مكاتيب الائمه

اشارة

سرشناسه : احمدي ميانجي، علي، 1304 - 1379.، گردآورنده

عنوان و نام پديدآور : مكاتيب الائمه/ علي الاحمدي الميانجي؛ تحقيق و مراجعه مجتبي فرجي.

مشخصات نشر : قم: موسسه دار الحديث العلميه و الثقافيه، مركز الطباعه و النشر، 1427ق.=1385 -

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : مركز بحوث دارالحديث؛ 93.

شابك : دوره: 964-493-021-5 ؛ 34000ريال: ج. 1، چاپ دوم: 964-493-019-3 ؛ 32000ريال: ج. 2: 964-493-021-5 ؛ 28000 ريال: ج.3 964-493-028-2: ؛ 32000 ريال: ج.4: 964-493-165-3 ؛ 50000 ريال: ج.5 : 978-964-493-254-0 ؛ 50000 ريال: دوره، چاپ پنجم: 978-964-493-021-8 ؛ ج.1، چاپ پنجم: 978-964-493-019-5 ؛ ج.2، چاپ پنجم: 978-964-493-020-1 ؛ ج.3، چاپ پنجم: 978-964-493-028-7 ؛ ج.4، چاپ سوم: 978-964-493-165-9 ؛ ج.5، چاپ سوم: 978-964-493-254-0 ؛ ج.6، چاپ چهارم: 978-964-493-344-8

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتاب حاضر همراه با شرح و توضيح نامه هاي حضرت علي (ع) است كه توسط علي احمدي ميانجي گردآوري و تنظيم شده است.

يادداشت : ج.1 - 3 ( چاپ دوم ).

يادداشت : ج.1 تا 3(چاپ اول: 1384).

يادداشت : ج.4 ( چاپ اول: 1385 ).

يادداشت : ج.5 (چاپ اول: 1387).

يادداشت : ج.1-3(چاپ پنجم: 1389).

يادداشت : ج.5،4 و7 (چاپ سوم: 1389).

يادداشت : ج.6(چاپ چهارم: 1389).

يادداشت : كتابنامه.

يادداشت : نمايه.

مندرجات : ج.1و2 . مكاتيب الامام علي.- ج.3. مكاتيب الامام الحسن والحسين و علي بن الحسين و محمدبن علي.- ج.4. مكاتيب الامام جعفربن محمدالصادق والامام موسي بن جعفرالكاظم عليهما السلام.- ج.5. مكاتيب الامام علي بن موسي الرضا عليهما السلام و مكاتيب الامام محمد بن علي الجواد عليهما السلام.- ج.6.مكاتيب الامام علي بن محمد الهادي عليه السلام و مكاتيب الاما م الحسن بن علي العسكري عليه السلام.- ج.7. مكاتيب الامام ابي القاسم المهدي عجل الله فرجه الشريف.

موضوع : ائمه اثناعشر -- نامه ها

شناسه افزوده : فرجي، مجتبي، 1346 - ، محقق

شناسه افزوده : موسسه علمي - فرهنگي دارالحديث. سازمان چاپ و نشر

رده بندي كنگره : BP36/5/الف3م7 1385

رده بندي ديويي : 297/95

شماره كتابشناسي ملي : 1203857

ص: 1

المجلد 1

اشاره

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

تصدير

تصديرالحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على عبدِهِ المصطفى محمدٍ وآله الطاهرين ، وأصحابِهِ الخيارِ الميامينَ. المعصومون قُدوات لا تجِدُ عنهم البشرية بدلاً، وهي إن رامت بلوغ ذُرى الكمال الشامخ، فلا غنىً لها عن الاقتداء بهم والتأسّي بسيرتهم. فأقوالهم وأفعالهم تنمّ بكلِّ معنى الكلمة عن أمرٍ نبيلٍ وسامٍ، وأفكار رفيعة في مسار الحياة المثالية والمنشودة. والّذي بين أيدينا من هذا التُراث في الوقت الحاضر، عبارة عن أحاديث تمثّل سنّة المعصوم. ومع أنّ الحديث _ حسبما يفيد معناه اللُّغوي على الأقل _ يتجسّد في كثير من الحالات بصورة نقل أقوال وكلمات المعصوم، بيد أنّ ما كتبه المعصومون يمثّل هو الآخر أحاديث يُنظر إليها باعتبارها شيئاً مكتوباً لأقوالهم، أو تُعدُّ نوعاً آخر من أفعالهم، ولكنّها على كلّ حال تعبّر عن سنّة المعصوم، ويمكن إخضاع هذا النوع من الأحاديث الّتي وصلتنا على شكل مكاتيب، للبحث والدراسة من أوجه شتّى، إذ يمكن من جهة تعرّف طبيعة الأجواء السياسية والاجتماعية والثقافية لعصر المعصوم من خلال دراسة هذه المكاتيب، ويتسنّى من جهة أُخرى معرفة اُسلوب الحُكم وطرق نشر الثقافة ، من بين ثنايا بعض هذه المكاتيب . ومن جهة ثالثة يُتاح لنا أن نستشف من تلك المكاتيب العامّة للمعصومين لمحاتٍ نيرة خالدة وجّهوها إلى شيعتهم في مواقفَ شتّى. ومن الطبيعي أن يؤدّي الاطّلاع على الوثائق المكتوبة الّتي خلّفها لنا المعصومون، إلى تسليط مزيد من الضوء على الكثير من تعاليم مدرسة الأئمة، ويُتيحُ التعرّف عليها بشكل أفضل. وفي ضوء ما سبقت الإشارة إليه، فقد بادر المرحوم آية اللّه الشيخ علي الأحمدي الميانَجي إلى جمع مكاتيب المعصومين - رغم ما تحمَّله في هذا السبيل من عناء ومشقة - ودوّنَ إلى جانب كلّ مكتوب معلومات قيّمة عنه. فرفد بعمله هذا ميدان البحث والتحقيق، بمصدر غني في هذا المجال. سبق لسماحة الشيخ الأحمدي الميانَجي أن انتهى منذ سنوات خلت، من تدوين كتاب مكاتيب الرسول صلى الله عليه و آله ، وطُبع هذا الكتاب في إيران ولبنان عدّة مرّات، وحظي باهتمام الباحثين. وها هو كتاب مكاتيب الأئمة عليهم السلام يوضع اليوم _ وفي أعقاب رحيل سماحته _ قيد الإعداد والنشر . فياليته كان حاضراً بيننا ليشهد عن كثب جَني ثمار أتعابه، وإنْ كانت روحه ستنعم بالسرور قطعاً لإسداء هذه الخدمة. لقد بذل المؤلّف غاية وسعه في إعداد وتدوين هذا الكتاب، ولكنه مع ذلك بقي بحاجة إلى المراجعة من جديد، والإكمال والتبويب بشكل يتناسب مع مستجدّات العصر الحاضر، وما تتوفر فيه من الإمكانات. وانطلاقاً من ذلك فقد أُنجِزت هذه المهمّة تحت إشراف نَجل المرحوم، فضيلة حجّة الإسلام والمسلمين مهدي الأحمدي الميانجي، وبجهود فضيلة حجّة الإسلام مجتبى فرجي. وهنا نودَّ الإعراب عن جميل شكرنا لهذين الرجلين الفاضلين، ولكلِّ الزّملاء العاملين في مركز بحوث دار الحديث، ممّن كانت لهم إسهامات في مختلف مراحل إعداد هذا الكتاب، مع الدعاء للمرحوم بالرَّحمة والمَغفرة، ونسأل اللّه دوام التوفيق لكلّ من أعان على إخراج هذا الكتاب إلى النور. محمّد كاظم رحمان ستايش معاون الدراسات والبحوث في مركز بحوث دار الحديث

.

ص: 8

. .

ص: 9

المقدّمة

نبذة من سيرة آية اللّه الميرزا عليّ الأحمدي الميانجي

ولادته
اُسرته

المقدّمةالحمد للّه الّذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه ، وصلّى اللّه على سيّد المرسلين، وخاتم الأنبياء محمّد، وأهل بيته الطّيّبين الطّاهرين، الّذين أذهب اللّه عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا .

نبذة من سيرة آية اللّه الميرزا عليّ الأحمدي الميانجي رحمه اللهولادتهولد سماحة آية اللّه الميرزا عليّ الأحمدي في الرابع من شهر محرم الحرام ، عام 1345 ه ، المصادف للثالث والعشرين من شهر تير لعام 1305 ه . ش . في قرية بور سخلو ، على مسافة أربعة فراسخ من مدينة ميانه.

اُسرتهنشأ المُتَرجم لهُ في اُسرة علميّة ، وكان والده حجّة الإسلام الملاّ حسين عليّ ، من علماء الدين في تلك المنطقة ، وكان قد تربّى هو الآخر في اُسرة علمائيّة. وكان يمارس مهمّة التبليغ وإرشاد الناس ، ويعتاش على عمله في الزِّراعة . (1)

.


1- . سيماى ميانه (معالم ميانه) ، ص 208 .

ص: 10

دراسته

دراستهبعد انقضاء عهد طفولته ، تعلّم الميرزا عليّ الأحمدي الميانجي القراءة والكتابة على يد والده ، ودرس على يده أيضا كتبا مثل: نصاب الصبيان ، وگلستان (روضة الورد) ، ومنشآت قائم مقام ، وتاريخ جهانگشاي نادري. وفي عام 1358 ه توجّه من قريته إلى ميانه ، وحضر درس الشيخ أبي مُحمَّد حجّتي ، ودرس على يده الأدب العربي. (1) ودرس عنده أيضا حاشية الملاّ عبداللّه ، ومعالم الاُصول ، وشرح اللُّمعة ، وأجزاء من القوانين على يد الميرزا أبي محمّد حجّتي. ودرس أيضا على يد الشيخ لطف عليّ الشريفي الزنوزي ، والحاج الميرزا مهدي جديدي. وكان للميرزا لطف عليّ الزنوزي أثر كبير في حياته ، وبلورة شخصيته ، ودراسته ومسيرته. هاجر مدّة من الزمن إلى تبريز ، ومكث فيها عدّة أشهر ، وبعدها توجّه في شهر ذي القعدة من عام 1363 ه (1323 ه ش.) إلى قم ، وحضر درس آية اللّه السيد حسين قاضي الطباطبائي ، وآية اللّه أحمد كافي الملك ، وآية اللّه المرعشي النَّجفي . ثم شارك في دروس مرحلة البحث الخارج في الفقه والاُصول والتفسير ، لسماحة آية اللّه العظمى البروجردي ، وآية اللّه مُحقِّق الداماد ، وآية اللّه الگلپايگاني ، وآية اللّه الميرزا هاشم الآملي ، والعلاّمة الطباطبائي. وكان يبحث ما يتعلّمه من الدروس مع آية اللّه عبدالكريم الموسوي الأردبيلي ، وآية اللّه السيد إسماعيل الموسوي الزنجاني . وممَّا قاله في ذكرياته: ليست لديَ إجازة في الاجتهاد ، ولا إجازة نقل الحديث. وكان منهجي لا يحمل أيّة خصائص بارزة. فلم أهتم بالحصول على الإجازة ، ولم اُفكّر في استحصالها من أساتذتي ، وكنت اُحدث نفسي وأقول: إن كانَ لَدَيَّ علمٌ فنعمّا ، وإن لم يكن ، فالمرء لا يكتسبه من خلال استحصال ورقة يكتبها شخص. (2)

.


1- . صحيفه جمهوري اسلامي ، 26 / 6 / 1379 ه ش .
2- . خاطرات آية اللّه أحمد الميانجي ، إصدار مركز أسناد انقلاب إسلامي (مركز وثائق الثورة الإسلامية) ، ص 86.

ص: 11

تدريسه
بحوثه ومؤلّفاته

تدريسهكان لآية اللّه الأحمدي الميانجي رحمه الله حضور في الحوزة العلمية في قم المقدّسة ، على مدى ستّين سنة. وإلى جانب الدراسة ، كان في تلك السنوات يدرّس الفقه ، والاُصول ، والأخلاق ، ويسعى جاهدا في نشر علوم أهل البيت عليهم السلام. كانت لديه مهارة يندر مثيلها في تربية تلاميذه، وكان تدريسه في المراحل العليا _ خاصة تدريسه لمكاسب الشيخ الأنصاري _ لذيذا ومحبَّبا إلى القلوب. وكانت دروسه الأخلاقية في المدارس العلمية ، وفي الأوساط الثقافية والجامعية ، وفي مسجده في شارع إرَم في قم ، تثير الشَّغف لدى مستمعيه ، وكثيرا ما تؤثِّرُ فيهم وتجعلهم يذرفون الدُّموع ، إذ كانت الموضوعات التي يختارها لمحاضراته جذّابة جدّا ، ونذكر من بينها: شرح خطبة همّام ، وشرح دعاء مكارم الأخلاق ، وشرح دعاء أبي حمزة الثَّمالي . كان فقيها ومجتهدا بلا ادّعاء ، واقتصر حتى آخر عمره على تدريس المستويات العليا من دروس الكفاية والمكاسب. وكان يقول في ردِّ طلبات تلاميذه ومحبيه الذين كانوا يحثّونه على تدريس مرحلة الخارج ، وكتابة رسالة عملية: توجد رسائل عملية ودروس بحث خارج بالقدر الكافي _ والحمد للّه _ وليس هناك حاجة لتدريسي للبحث الخارج ، ولا لرسالتي العملية، يمكنكم الرجوع إلى شخص آخر من آيات اللّه .

بحوثه ومؤلّفاتهإلى جانب انشغال آية اللّه الأحمدي بتدريس الدروس الحوزوية ، كان يهتمّ أيضا بالبحث والتأليف. وأكثر مؤلفاته مبتكرة وجديدة في موضوعها ، وقد سدّت فراغا واضحا بين كتب الشيعة ، نذكر المطبوعة منها: 1 . مكاتيب الرّسول صلى الله عليه و آله : وهو كتابه النفيس ، الذي قال في مقدمته: «هذا الكتاب حصيلة عمري». قامت مؤسسة دار الحديث الثقافية بإعادة النظر في هذا الكتاب ، وتنقيحه وطباعته في أربعة مجلّدات عام 1377 ه ش . 2 . مواقف الشيعة: ويتضمن مناظرات وبحوثا أجراها علماء شيعة بارزون ، مع علماء من أهل السنّة ، ونشر من قبل مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية بقم المقدّسة . 3 . مالكيت خصوصى در اسلام (= الملكية الخاصّة في الإسلام) في مجلّدين . 4 . السُّجود على الارض . 5 . التبرّك. 6 . الأسير في الإسلام. 7 . مكاتيب الإمام الرِّضا عليه السلام . 8 . ظلامة الزهراء؛ إزاحة الارتياب عن حديث الباب . 9 . تحقيق كتاب «معادن الحكمة» لعلم الهدى . 10 . كتاب «عقيل بن أبيطالب رحمه الله» . 11 . مكاتيب الأئمّة عليهم السلام : _ وهو هذا الكتاب الذي بين يديك ، وتؤلّف مكاتيب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام قسما مهمّا منه . واضافة إلى هذه الكتب، نشر المرحوم الميانجي أيضا مقالاتٍ في مختلف المجلاّت في البلاد.

.

ص: 12

تفسيره للقرآن

تفسيره للقرآنكان آية اللّه الميانجي وجماعة من كبار رجال الحوزة العلمية يعقدون مجالس للتباحث في تفسير القرآن. واستمرت هذه المجالس التي كانت تعقد اُسبوعيا ، أكثر من خمسين سنة. وكان يحضرها كلٌّ من آية اللّه السيد موسى الصدر ، وآية اللّه السيد موسى الشُّبيري الزنجاني ، والمرحوم آية اللّه السيد مهدي الرَّوحاني ، وآية اللّه السيد أبو الفضل مير محمّدي ، وقد قال آية اللّه الأحمدي الميانجي عن تلك المجالس: كان من خصائص بحثنا التفسيري أنَّه لم يكن عن كتاب معيّن ، وإنّما كان كلُّ واحد منّا يطالع مصادر شتّى في داره ، ويأتي إلى المجالس ليقرأ على مسامع الآخرين خلاصة ما طالعه. وكلّ من يقرأ بحثه كان يتعرّض لموجة من الإشكالات التي يثيرها ضدَّه الآخرون. وكان يردُّ عليها ، أو ربّما يعجز عن الردّ. وكنتُ أنا أُلخّص حصيلة ما استفدناه منها ، وأقول: «من فوائد مجلسنا التفسيري هذا ، أنَّ آيات اللّه المحكمة تغدو فيه متشابهة!» وكان كلامي هذا يحمل طابع المزاح ؛ فقد كان السادَّة الحاضرون يعرضون إشكالات وتدقيقا إلى الحدّ الّذي يؤدِّي بالشخص إلى التخلّي عن الرأي والاحتمال الذي تكوّن لديه أثناء المطالعة .

.

ص: 13

صفاته

صفاته1 . الإخلاص: كان عطر الإخلاص يفوح من جميع حركاته وسكناته ، وكان باستطاعة الجميع استنشاق ذلك العطر . فقد كان سماحته يضع اللّه نصب عينيه في كُلِّ عمل ، متحرزا عن الأهواء والهواجس الشَّيطانية. وكان يتجنّب بشدّة جميع صور الرِّياء والتظاهر في ميدان العلم ، وفي ميدان مكارم الأخلاق ، على حدّ سواء. 2 . التّقوى: ما كان يعتبر الانطوائية والعزلة من التَّقوى في شيء. بل كان يرفض الانطوائية ، ويجسِّد التَّقوى بمعناها الإيجابي ، الذي يعني العيش بين الناس وفي الوسط الاجتماعي ، وخدمة الناس والدِّين. 3 . الإيمان بولاية الفقيه: كان شديد الاعتقاد بولاية الفقيه المطلقة ، والامتثال لها وللأحكام الحكوميّة. وكان يرى وجوب الالتزام حتّى بالقوانين والتعليمات العادية ، ويقول: إذا خالف أحد التعليمات المرورية ، ولم يكن هناك شرطيٌّ يفرض عليه غرامة ، يجب أن يبادر هو من تلقاء نفسه إلى دفع الغرامة المقرّرة الى خزينة الدولة. 4 . العبادة: كان ينهض من النوم قبل ساعتين من أذان الفجر ، للتهجّد والدُّعاء والتضرّع إلى اللّه . ولكنَّه كان يقوم بهدوء؛ لكي لا يزعج أفراد اُسرته ويوقظهم من النوم. وكان يُعرّف الرياضة بأنّها: أداء الواجبات وترك المحرّمات. ويوصي بالاعتدال في كلّ الاُمور ، حتّى في العبادة وفي زيارة قبور الأئمّة. 5 . خدمة الناس: كانت لديه رغبة عميقة في تقديم ما يمكن من خدمة للناس ، ولم يكن يشعر بالكلل والملل من كثرة المراجعين ، بل بالعكس كان يستقبلهم بكلّ ودّ ، ويعمل جهد استطاعته لحلِّ مشاكلهم ، وحتى إذا رنَّ جرس الهاتف أثناء تناوله الطّعام أو أثناء نومه ، ما كان يتوانى عن الجواب. 6 . قطع الرجاء من الآخرين: لم يكن يرتجي شيئا من أحد ، ولا حتّى من أولاده ، وأصهاره ، وزوجات أبنائه ، وإنَّما كان يقول لهم: لاتستشيروني في اُموركم ، واعلموا أنّ زمانكم يختلف عن زماننا؛ فإذا أشرت عليكم بما يصعب عليكم عمله ، أو يتعارض مع رغباتكم ، فاعملوا حسب مشيئتكم. وأنا لا أرتجي منكم ما هو أكثر من ذلك. 7 . الحضور في جبهات الحرب: لم يكتف آية اللّه الأحمدي في حياته بارتياد المدرسة والمسجد واعتلاء المنبر ، بل كان _ أثناء الحرب الدفاعية التي خاضتها الجمهورية الاسلامية الإيرانية ضدّ الهجوم العراقي _ يتوجّه إلى جبهات الحرب مرّتين في كلِّ سنة ، و يتفقّد الخطوط الأمامية لجند الإسلام ، ويحثُّهم على الجهاد في سبيل اللّه وطاعة الولي الفقيه.

.

ص: 14

عطاؤه الإجتماعي، والثقافي، والسياسي

عطاؤه الإجتماعي ، والثقافي ، والسّياسيللمرحوم الأحمدي عطاء وافر نشير منه إلى أعماله التالية: تأسيس جمعية الدين والعلم في مدينة ميانه ، وتربية مئات الشباب فيها ، وإقامة دورات للمعارف الإسلامية في تلك المدينة ، إضافة إلى إيجاد صندوق «مهدية» للقرض الحسن ، وإنشاء مؤسسة نسوية لحياكة السجّاد في تلك المدينة. وفي عام 1370 ه . ش. أسس بالتّعاون مع جماعة من علماء الدين الحريصين ، جمعية في مدينة قم اسمها: الجمعية الإسلامية للناصحين. وأخذت هذه الجمعية ، التي انضوى تحت لوائها ثلاثة آلاف شخص ، تمارس مهام النُّصح والإرشاد والأمر بالمعروف ، والنَّهي عن المنكر ، بالكلام الطيّب. وسماحة الشيخ الميانجي _ رحمه اللّه _ أحد الأعضاء المؤسسين لصندوق علوي للقرض الحسن في قم المقدّسة ، وينشط هذا الصندوق في مجال تلبية الاحتياجات الماديَّة للفقراء والمحرومين. تأسست جمعية الزهراء الخيرية عام 1369 ه ش ، باقتراح ومشاورة عدد من أساتذة الحوزة العلمية في قم ، وعدد من المحسنين ، وكان منهم المرحوم سماحة آية اللّه الأحمدي الميانجي ، والمرحوم آية اللّه السيّد مهدي الرَّوحاني . ومنذ انطلاق النهضة الإسلامية ، واكب المرحوم بنشاطه خطوات الإمام الخميني والشَّعب الثوري. وفي أعقاب انتصار الثورة ، لم يبتعد لحظة واحدة عن وقائع البلاد المهمَّة ، وكان يحرص على العمل بواجبه الإسلامي . كان لحضوره في جبهات الحرب على مدى ثمان سنوات من الدفاع المقدّس ، تأثير في تأجيج الرُّوح القتاليَّة في نفوس جنود الإسلام ، وقدّم ولده الشهيد جعفر الأحمدي ، في سبيل الدِّفاع عن حياض الإسلام.

.

ص: 15

وفاته
وصيته

وفاتهوأخيرا حلَّقت روحه النبيلة نحو عالم الخلود ، يوم الإثنين 21 / 6 / 1379 ه ش ، بعد «75» سنة قضاها في التَّقوى والسّعي لتحقيق الأهداف السامية للرسول وأهل بيته. ودفن جثمانه الطاهر في حرم السيّدة المعصومة ، في مدينة قم المقدّسة.

وصيّتهبسم اللّه الرحمن الرحيم الحمدللّه على نعمائه وآلائه ، وصلى اللّه على محمّد سيِّد الأنبياء وآله المعصومين ، واللَّعن على أعدائهم أجمعين. اللهم كن لوليِّك الحُجَّةِ بن الحسن ، صلواتُكَ عليه وعلى آبائهِ ، في هذه السّاعة وفي كلِّ ساعةٍ ، وليّا وحافظا ، وقائدا وناصرا ، ودليلاً وعينا ، حتى تسكنه أرضك طوعا ، وتُمتّعَهُ فيها طويلاً ، و... أشهد أن لا إله إلا اللّه ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمدا عبده و رسوله ، أرسله بالهدى ليظهره على الدين كُلِّه ولو كره المشركون. وأشهد أن ما جاء به حقٌّ ، وأن أميرالمؤمنين عليَّ بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين ، وعليّ بن الحسين ، ومحمّد بن عليّ ، وجعفر بن محمّد ، وموسى بن جعفر ، وعليّ بن موسى ، ومحمّد بن عليّ ، وعليّ بن محمّد ، والحسن بن عليّ ، والحجة بن الحسن أوصياؤه ، وهم الأئمّة المعصومون ، وخلفاء اللّه تعالى في أرضه ، تجب طاعتهم ، وأنّ مَنْ والاهم فقد والى اللّه ، ومن عاداهم فقد عادى اللّه . وأشهد أنّ الموت حقّ ، و سؤال المَلَكين ، وعذابَ القبر ونِقَمَهُ حقّ ، وأنّ القيامة حقّ ، والجنّة حقّ والنار حقّ ، وأنّ اللّه يبعث من في القبور. كتبت هذه الكلمات المعدودة كوصيّة في يوم الأحد ، السادس من شهر رجب 1420 ه ، المصادف 24 من شهر مهر 1378 ه ش . عندما كنتُ متوجِّها إلى زيارة بيت اللّه الحرام ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وفاطمة الزهراء (عليهاالسلام) ، والأئمَّةِ الكرام سلام اللّه عليهم أجمعين ، وهذا نصّها: 1 . يجري العمل وفق الوصية التي كتبتها سابقا ، وهي موجودة في الدّرج الحديدي الذي اشتراه جعفر ، إلا إذا كان هناك مخالف. 2 . ليس لديَ من مال الدنيا شيء أوصي به. هناك فقط الدار السَّكنية ، وهى تبقى وما فيها من مستلزمات وأدوات منزلية ، تحت تصرف زوجتي مادامت على قيد الحياة. 3 . بعض وسائل الدار من سجّاد وغيره ، ملك لزوجتي ، ويجري العمل فيه وفقا لقولها. 4 . إن لم تستطع سَكن الدار بمفردها ، لها أن تحوّل الطابق الثَّاني إلى غرف وهول ، وتؤجِّره لمن ترتضيه ، وترتاح له ، ليكون لها عونا على نفقتها. 5 . من بعدها يمكن للورثة تقسيم الدار كيفما يشاؤون. 6 . تكون كتبي موضع استفادة من بعدي . فإن كان هناك من أولادي وورثتي أحد من أهل العلم ، فله الاستفادة منها ، وإن لم يكن بينهم أحد من أهل العلم _ لا سمح اللّه _ تُهدى إلى إحدى مكتبات الحوزة العلمية في قم ، أو المدرسة الفيضية ، أو مكتبة آية اللّه المرعشي رحمة اللّه عليه ، لتكون لي من الباقيات الصالحات. 7 . على الورثة أن يتصرَّفوا بشكلٍ لا يزعج والدتهم ، ويكونون _ بإذن اللّه _ متديّنين وملتزمين ، ولا تقع بينهم مصاعب وإزعاجات. 8 . أودّ أن يكون هناك دائما واحد أو أكثر من أبنائي مكبّا على اكتساب العلم. وقد دعوت اللّه أن لا يقطع من ذريّتي العلم والعلمائيَّة ، إنَّهُ قريب مجيب. 9 . توضع كتبي التي لم تطبع بعد ، تحت تصرّف المؤسسات ، لكي تُنظّم وتُحقَّق وتُطبع. 10 . كلّ ما يعود من حقوق الطبع والنَّشر ، يوضع تحت تصرف زوجتي لتنفقه على نفسها ، أو تخصصه لمورد إنفاق معيّن. 11 . تُجمع كتاباتي التي تُعتبر حصيلة عمري لتكون موضع استفادة. 12 . إذا رجعت من هذا السَّفر سالما ، ومتُّ في إيران ، أُدفن في أرض قم. وحيثما أُدفن من قم ، فإنني في حِمى السيِّدة المعصومة ، وأودّ أن اُدفن في مقبرة «الشيخان» على الأقل. 13 . اطلبوا لي العفو من الناس في أقرب فرصة بعد دفني ، وخاصة في ميانه وقم ، ومن الأصدقاء الذين هم أعلام الأمّة وهُداتها ، ومن أهالي بورسخلو حيث قضيتُ عهد الطُّفولة هناك ، ومن المؤكَّد أنَّ احتمالات الزلل كثيرة في ذلك العهد. 14 . اجتنبوا مظاهر البهرجة والتفاخر عند موتي ، هذه الاُمور تمثّل في حقيقة الحال كماليات الأحياء. ولا تكلِّفوا أنفسكم مشقّة الأعراف الجارية بين الناس. 15 . لا تنسوني في مواضع استجابة الدُّعاء ، واذكروني بالاستغفار والدعاء ، وأقيموا مراسيم العزاء في الأيام الفاطمية ما استطعتم. 16 . لتكن علاقتكم مع بعضكم علاقة ودٍّ وتراحم وتواصل ، فالدنيا لا تستحقُّ التشكّي والتنازع والتباغض. الدنيا لا تساوي شيئا حتى توقعوا أنفسكم من أجلها في ما لا يُرضي اللّه . فإن أطال اللّه في عمري ورجعت إليكم حيّا ، فسأكتب لكم إن شاء اللّه شيئا ، رغم قناعتي بكفاية ما كتبه غيري من العلماء الأعلام. وأوصيكم باحترام الكبار وخاصَّة الحاج مهدي الذي هو في مكاني ، ولا تنسوا الشَّفقة على الصِّغار والرأفة بهم. 17 . أوصيكم بالتقوى واجتناب المعاصي. وأدعوكم إلى أن توطّدوا ارتباطكم بأهل البيت عليهم السلاميوما بعد يوم. وتوسّلوا بهم على الدَّوام ، ولو بقراءة الزيارة الجامعة ، أو زيارة أمين اللّه ، أو زيارة عاشوراء. اشكوا إليهم همومكم ، وتوسّلوا بهم ، ولا تطرقوا بابا غير بابهم ، وكونوا على صِلَةٍ دائمة بالإمام المهدي عليه السلام . 18 . وفي الختام أستودعكم اللّه َ جميعا. لقد كنت على الدَّوام حريصا على سعادتكم وقضاء حوائجكم ، ولم تغيبوا عن بالي في الدُّعاء. وسأدعو لكم بالخير في عالم الآخرة أيضا ، إن شاء اللّه تعالى. والدكم المقرّ بالذنب عليّ الأحمدي الميانجي 24 / 7 / 1378 _ 6 / 7 / 1420 ه _ الأموال التي في حسابي في صندوق علوي للقرض الحسن، وفي بنك صادرات، شُعبة خاك فرج في الحساب رقم 1468 ، ورقم 74268 ، هي سهم الإمام(ع) .

.

ص: 16

. .

ص: 17

. .

ص: 18

الكتاب الذي بين أيديكم

الكتاب الذي بين أيديكموقعت في العصر الذي عاش فيه الأئمة عليهم السلام أحداث جسيمة ، و تقلّبت الأحوال ، و تربّع على كرسي الخلافة اشخاص ، وسقط عنه آخرون ، وقامت دول وانهارت اُخرى، واتّسعت رقعة الدولة الإسلامية، و تمدّد تبعا لذلك وجود الشيعة في شتّى الأقطار والأمصار. وعاشوا ظروفا سياسية و اجتماعية تباينت درجات شدّتها وضعفها ، وتنوع جوُّ الانفتاح أو الكبت الذي ساد فيها تبعا لتلك الظروف. فكان من الطبيعي أن تؤثّر هذا الأوضاع في علاقات الأئمّة عليهم السلام ، وتشعّباتها وامتداداتها وسعتها وضيقها. وكانت مكاتبات الأئمة مع أشياعهم ومواليهم من جملة الأشياء التي تأثّرت بهذه المتغيّرات؛ فقد ازدادت في حين وتقلّصت في أحيان اخرى ، أو أنّها كان يغلب عليها طابع الخفاء والسرّية في بعض العهود، أو ربّما كانت أفضل من ذلك الحال في عهود اخرى. ونظرا إلى ما تحظى به هذه المكاتيب من أهمية بالغة في تبيين مواقف الأئمّة تجاه الوقائع والأحداث الجليلة وغيرها والتعرّف على سننهم فيها ومنهجهم في التعامل معها، قام المحقّق الجليل آية اللّه الشيخ عليّ الأحمدي الميانجي بإعداد موسوعة ضخمة تضم جميع ما وصل إلينا منها ، وهي هذا الكتاب الّذي بين أيديكم . وبعد رحيله قمنا بتحقيق هذا الكتاب ومراجعة نصوصه وإعداده للطبع كما سنشير لاحقا . على العموم نودّ الإشارة إلى أنّ بعض مكاتيب الأئمّة كانت قليلة جدا _ أو هكذا يبدو لنا، فلربّما كانت هناك مكاتيب اُخرى عفا عليها الزمن أو ضاعت في ما ضاع من تراثنا _ حتى أنّنا جمعنا مكاتيب عدّة أئمة في مجلّد واحد، بينما مكاتيب بعضهم الآخر كثيرة الى حدٍّ ما، وهذا ماجعلنا نفرد مجلدا مستقلاً لمكاتيب إمام واحد. ولابدّ أيضا من الإشارة إلى ملحوظة صغيرة اُذكّر بها من يقرأ هذه الكلمات ، وهي أنّ جمع وتبويب وطباعة ونشر أمثال هذه الكتب والرسائل ما هو إلا وسيلة، وأمّا الغاية فهي الاستفادة من مضامينها والعمل بما جاء فيها حتّى وإن قلّ، وكيف يقل ما يُتقبَّل . يضم هذا الكتاب كلَّ ما أمكن العثور عليه من رسائل ومكاتيب الأئمّة المعصومين عليهم السلام في مختلف الشؤون التي كانوا يهتمون بها ، سواء كانت تتعلّق بشؤون الدين أم بشؤون الدُّنيا. وقد حرصنا أشدّ الحرص على جمع كلّ ما تيسّر جمعه من مكاتيبهم ، رجاءً للفوائد المعنوية التي تنشأ عن نشرها، فعسى أن يتَّعظ أحد بموعظة جاءت فيها، أو عسى أن يستنير مستهد بوهج قبس من قبساتها، أو يتخلّق امرؤ بنصيحة وردت بين ثناياها، أو يستفيد منها في مجال الدراسات التاريخية و غيرها. وحاولنا تبويب هذه المكاتيب على أفضل وجه ممكن ؛ من أجل أن تظهر بمايتناسب مع شرف مصدرها ، وتسهيلاً لمهمة الباحث والقارى ء ، لكي يصل إلى بغيته منها بأقل جهد وأقصر وقت، ولكي لا يتشتّت فكره ، و يضيع فى متاهات البحث والتنقيب. ويتميّز هذا الكتاب _ مع أخذ عدّة خصائص بنظر الاعتبار _ عن الكتب الاُخرى التي جُمعت فيها هذه المكاتيب، بعدَّة مزايا، هي : 1 . جَمْع ما تيسّر جمعه من المكاتيب والوصايا، وترتيبها تحت عناوين مستقلّة . 2 . تبويب تلك المكاتيب حسب المقاطع الزّمانية والمكانيّة ، في ضوء القرائن والشواهد المتوفّرة . 3 . تقديم نبذة عن سيرة أصحاب وعمّال أمير المؤمنين وسائر أئمتنا عليهم السلام ، خاصة من كانت له منهم صلة بشؤون الكتابة ؛ إذ إنّ لمعرفة سيرتهم تأثيرا مهمّا في استجلاء ظروف وأجواء كتابة الرّسائل . 4 . ذكر ما يقتضي الحال ذكره من التنبيهات والتوضيحات، من أجل تسليط الأضواء على ما يستلزم الشفافيَّة والوضوح . 5 . ضبط النُّصوص وإسنادها ، مع الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة النصِّ وقِدَمه، ورتبة مصدر صدوره ، وتقديمه على بقية المصادر، على أساس ضوابط معيّنة سلفا . وفي مقدّم هذه المكاتيب، مكاتيب الإمام عليّ عليه السلام ، و هي تؤلّف قسما مهمّا منها. فإنه كان أمير المؤمنين عليه السلام قد بعث طيلة حياته، سواء في عهد خلافته، أم قبل ذلك رسائل ومكاتيب إلى بعض الأشخاص ، وكان قد كتب قسما منها بيده ، وأملى القسم الآخر فكتبه غيره . كانت هذه الرسائل _ المعروفة بالمكاتيب _ قد جُمِعت ونشرت كُتبا من قَبل على أيدي علماء أفاضل كالسيِّد الرضيّ رحمه الله في نهج البلاغة، وعلم الهدى نجل الفيض الكاشاني رحمه الله في معادن الحكمة، والشيخ محمّد باقر المحمودي في نهج السَّعادة ، وغيرهم . اعتمد مؤلف الكتاب على مصادر وثيقة في جمع هذه المكاتيب، وكتب أيضا تعليقات قيّمة على كتاب معادن الحكمة ، لمؤلفه نجل الفيض الكاشاني . وانطلاقا من الرّغبة في إكمال هذا الكتاب، بادرنا إلى الاستفادة من المجالات التي يتيحها الحاسوب لإجراء التنقيب لتتبع المزيد من رسائل ومكاتيب الأئمَّة عليهم السلام ، وراجعنا مصادر النّصوص التي كان قد أوردها المؤلّف ، ودوّناها في مواضعها . وكذلك أضفنا إلى هذا الكتاب كُلَّ ما جاء في كتاب معادن الحكمة من مكاتيب الإمام علي عليه السلام ؛ ليتسنّى للقرَّاء الكرام الاطّلاع على كل مكاتيبه في كتاب واحد . يمكن تقسيم مختلف مراحل حياة الإمام علي عليه السلام إلى الأدوار التالية : الدور الأول : معاضدته لرسول اللّه صلى الله عليه و آله من بداية بعثته إلى رحلته . الدور الثاني : بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إلى حين خلافته . الدور الثالث : بعد خلافته عليه السلام ، حتى قدومه إلى الكوفة . الدور الرابع : من قدومه عليه السلام ، إلى الكوفة إلى ما بعد معركة صفّين . الدور الخامس : من بعد معركة صفين إلى نهاية معركة النهروان . الدور السادس : من بعد معركة النهروان إلى استشهاده عليه السلام . وعلى هذا الأساس حاولنا جهد الإمكان تنظيم جميع هذا المكاتيب، وفقا للتسلسل التاريخي لهذه الأدوار . وأفردنا في نهاية الكتاب فصلاً آخر لمكاتيبه التي تعذّرت معرفة انتمائها الى عهد معيّن . والجدير بالذكر أنَّ المؤلِّف المحقق قد جمع المكاتيب الفقهية التي أملاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكتبها الإمام أميرالمؤمنين علي عليه السلام ، ووردت في أخبار الأئمة الأطهار عبارات تشير إليها كقولهم: «إنّ في كتاب عليّ» أو «في كتاب عليّ بن أبي طالب» أو «وجدنا في كتاب عليّ» أو «قرأت في كتاب عليّ» أو «قرأت في كتاب لعليّ» أو «في صحيفة من صحف عليّ» وأمثالها. و قد أورد المؤلّف النصوص الواصلة إلينا من هذه الكتب فى الموسوعة التي اُطلقِ عليها تسمية مكاتيب الرسول تحت عنوان: «الأمر الثالث» (1) ولكنّه لم يدرج مكاتيب الإمام عليّ عليه السلام ، التي كتبها بإملاء رسول اللّه ، في عداد مكاتيب الأئمّة عليهم السلام ، فمن أراد الاطّلاع عليها فليراجع هناك. تتألّف محتويات هذا الكتاب من المباحث التالية: 1 . المكاتيب 2 . الوصايا 3 . ترجمة من له علاقة بالمكتوب أو الوصية 4 . المكاتيب الفقهية و هذا القسم الرابع من المكاتيب يبدو أوّل وهلة وكأن المكاتيب التي وردت فيه تبدأ من عصر الإمام الباقر عليه السلام و تتزايد في عهود باقي الأئمَّة عليهم السلام ؛ إذ إنّنا لم نعثر عليها في مكاتيب الأئمّة من قبله عليه السلام . وفي الختام لابدَّ أن نعربَ عن جزيل شكرنا لكلِّ من عاضدونا على إعداد هذا الكتاب للنشر ، وخاصّة قسم إعداد الكتب في مركز البحوث، التابع لمؤسّسة دارالحديث ، مع فائق اُمنياتنا لهم بالموفقية على طريق نشر معارف أهل البيت . مهدي الأحمدي الميانجي مجتبى فرجي

.


1- . مكاتيب الرسول، ج 2، ص 135.

ص: 19

. .

ص: 20

. .

ص: 21

. .

ص: 22

. .

ص: 23

الفصل الأوّل : مكاتيبه عليه السلام قبل خلافته

اشاره

الفصل الأوّل : مكاتيبه قبل خلافتهالباب الاوّل : مكاتيبه عليه السلام في زمن رسول اللّه صلى الله عليه و آلهالباب الثاني : مكاتيبه عليه السلام بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى حين خلافته

.

ص: 24

. .

ص: 25

الباب الأوّل : مكاتيبه في زمن رسول اللّه صلى الله عليه و آله

الباب الاوّل :مكاتيبه عليه السلام في زمن رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيمكن تقسيم المكاتيب العلويَّة في تلك الحُقْبَة الزَّمنيَّة إلى قسمين : أ _ المكاتيب الَّتي كان الإمام عليه السلام كاتبا لها فقط . ب _ المكاتيب الَّتي أنشأها الإمام عليه السلام بنفسه و خطّها بيده الكريمة أو أملاها على غيره . أمَّا القسم الأوَّل : فهي الموارد الَّتي كتبها الإمام طبقا لأوامر النَّبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله في الحُقَبْ المختلفة ، وبخطّه الشَّريف والَّتي وصلت إلينا ، وقد أوردناها مفصَّلاً في كتاب مكاتيب الرَّسول صلى الله عليه و آله ؛ وهذا النوع من المكاتيب خارج عن موضوع هذا البحث كما لا يخفى ، ولذا آثرنا عدم ذكرها هنا ، ويمكن لمَن أراد مطالعتها الرُّجوع إلى ذلك الكتاب . وأمَّا القسم الثَّاني : فتجدر الإشارة إلى أنّه لم يصل إلينا شيءٌ معتدٌّ به، سوى ما جاء في بعض المصادر من عناوين لبعض المكاتيب ، إلاّ أنّها تفتقر إلى نصّ الكتاب أو إلى النصّ الكامل له . وقد ارتَأينا أن ننقل هاهنا شاهدين تأريخيّين كنموذجين لِما ذكَرنا ، دون أن نبذل كثير تتبّع في هذا المجال . النموذج الأوَّل : في توجيهِ رسول اللّه صلى الله عليه و آله سَريَّة عليّ بن أبي طالب إلى اليَمن في رمضان : عن البَراء بن عازب : بعثَ رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله خالدَ بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام ، فكنت فيمَن سار معه ، فأقام عليه ستَّةَ أشْهُر لا يجيبونه إلى شيء ، فبعث النَّبي صلى الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب ، وأمَرَه أنْ يُقْفِلَ خالد ا ومَن معه ، فإنْ أرادَ أحدٌ ممَّن كان مع خالد بن الوليد أنْ يُعقِّبَ معه تركه . قال البراء : فَكُنتُ فِيمَن عَقَّبَ مَعَهُ ، فلمَّا انتهينا إلى أوائل اليمن ، بَلَغَ القَومَ الخبرُ ، فَجَمَعُوا لَهُ ، فصلَّى بنا علي ٌّ الفجر ، فلمَّا فرَغ صَفَّنا صفّا واحدا ، ثُمَّ تقدَّم بين أيدينا ، فَحَمِدَ اللّه َ وأثنى عليه ، ثمَّ قرأ عليهم كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأسلمَتْ هَمْدان ُ كلُّها في يَوم وَاحِدٍ ، وَكَتَبَ بذلِكَ إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فَلمَّا قَرأ كِتابَهُ خرَّ ساجدا ، ثُمَّ جلس ، فقال : « السَّلامُ عَلَى هَمْدان َ ، السَّلامُ عَلَى هَمْدانَ » . ثُمَّ تتابَع أهلُ اليمن على الإسلام . (1) النموذج الثَّاني : انصرف عَمرو ( بن مَعْدِيكَرِب ) مُرتدّا ، فأغار على قومٍ من بَنِي الحارث بن كَعْب ، ومَضى إلى قومه . فاستدعى رسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فأمَّره على المهاجرين ، وأنفذه إلى بَني زُبَيد ، وأَرسلَ خالدَ بنَ الوليد في طائفة من الأعراب ، وأمَرَه أن يَقصِدَ الجُعْفِي ّ ، فإذا التقَيا فأميرُ النَّاس عليُّ بن أبي طالب . فسارَ أميرُ المؤمنين ، واستعمل على مُقدِّمَتِهِ خالدَ بن سعيدِ بنِ العاص ، واستعمل خالدٌ على مقدِّمته أبا موسى الأشْعَرِي ّ . فأمَّا جُعْفِي ّ فإنَّها لمَّا سَمِعَتْ بالجَيش افترقَتْ فِرقتينِ ؛ فذهبت فرقةٌ إلى اليَمن ، وانضمَّتْ الفرقةُ الاُخرى إلى بَني زُبَيد . فبلَغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ، فكتَب إلى خالد بن الوليد أنْ : « قِفْ حَيْثُ أدْرَكَكَ رَسُولِي » . فلم يَقِف ، فكتَب _ عليٌ عليه السلام _ إلى خالد بن سَعيد : « تَعَرَّضْ لَهُ حَتَّى تَحْبِسَه » فاعترض له خالد حتَّى حَبَسه ، وأدركه أميرُ المؤمنين عليه السلام ، فعَنَّفه على خلافه . ثُمَّ سار حتَّى لَقِي بَني زُبَيد بوادٍ يقال له : كُشر (2) . فلمَّا رآه بنو زُبَيد ، قالوا لعمرو : كيف أنْت _ يابا ثور (3) _ إذا لقيَك هذا الغلامُ القُرَشيّ فأخذ منك الإتاوة (4) ؟ قال : سيعلم إنْ لقيني . قال : وخرج عَمْرو فقال : هل من مبارز ؟ فنهض إليه أميرُ المؤمنين عليه السلام ، فقام خالدُ بن سعيد فقال له : دَعْني يا أبا الحسن _ بأبي أنت وأُمِّي _ اُبارزه . فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : « إنْ كُنتَ تَرى أنَّ لي عَلَيكَ طاعَةً فَقِفْ مَكانَكَ » . فوقف ، ثُمَّ بَرَزَ إليه أميرُ المؤمنين عليه السلام ، فصاح به صيحةً فانهزم عمرو ، وقُتِل أخوه وابنُ أخيه ، واُخِذَتْ امرأته رُكانَةُ بنت سَلامة ، وسُبي منهم نِسوانٌ ، وانصرف أميرُ المؤمنين عليه السلام ، وخَلَّف على بَني زُبَيد خالد بن سعيد ليَقْبِضَ صدقاتهم ، ويُؤمِنَ من عاد إليه من هُرَّابهم مُسلما (5) .

.


1- . تاريخ الطبري : ج3 ص131 وراجع : الأرشاد : ج1 ص62 ؛ صحيح البخاري : ج5 ص206 ، دلائل النُّبوة : ج5 ص396 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص300 ، ذخائر العقبى : ص109 .
2- . كُشَر _ بوزن زُفَر : من نواحي صنعاء اليمن ( معجم البلدان : ج4 ص 462 ) .
3- . كذا في المصدر، والصحيح : « يا أبا ثور »، فكنيةُ عمرو، أبو ثور.
4- . الإتاوة : الخراج ( النهاية : ج1 ص 22 ) .
5- . الإرشاد : ج1 ص 159 .

ص: 26

. .

ص: 27

. .

ص: 28

. .

ص: 29

الباب الثاني : مكاتيبه عليه السلام بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى حين خلافته

1 _ كتابه عليه السلام إلى أبي بكر

الباب الثّاني :مكاتيبه عليه السلام بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى حين خلافته1كتابه عليه السلام إلى أبي بكروجاء في رسالة من أمير المؤمنين عليه السلام إلى أبي بكر ، لمَّا بلَغَه عنْه كَلام بعد منع الزَّهراء عليهاالسلام فدكا :« شَقُّوا متَلاَطِمات أمْواجِ الفِتَن بِحَيَازِيمِ سُفُنِ النَّجاةِ ، و حَطُّوا تِيجَانَ أَهلِ الفَخْرِ بجمع أَهْلِ الغَدرِ ، واسْتَضَاءُوا بِنُورِ الأنْوار . وَاقْتَسَمُوا مَوَاريثَ الطَّاهراتِ الأبرارِ ، وَاحْتقَبُوا ثِقلَ الأوْزَارِ ، بِغَصْبِهِم نِحلَةَ النَّبيِّ المُختَارِ . فَكَأنِّي بِكُم تَتَردَّدُون في العَمى ، كمَا يَتَردَّدُ البَعِيرُ فِي الطَّاحُونَةِ . أمَا وَاللّه ِ ، لَو أُذِنَ لي بِما لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ، لَحَصَدتُ رُؤوسَكُم عَن أَجْسادِكُم كحَبِّ الحَصِيد ، بقَواضِبَ مِن حَدِيدٍ ، وَلَقَلَعتُ منِ جَماجِمِ شَجْعَانِكُم ما أُقرِحُ بِهِ آمْاقَكَم ، وَأُوحِشُ بِهِ مَحَالَّكُم ، فَإنِّي _ مُنْذُ عُرِفْتُ _ : مُرْدِي العَساكِر ، وَمُفْنِي الجَحَافِل ، وَمُبِيدُ خَضرَائِكُم ، وَمُخمِّدُ ضَوضَائِكُم ، وجَزّار الدَّوَارينَ ، إذْ أنْتُم في بُيوتِكُم مُعْتَكِفونَ ، وإنِّي لَصاحِبُكُم بالأَمسِ ، لَعَمرُ أَبِي لَنْ تُحِبّوا أنْ تَكُونَ فيْنا الخلافَةُ وَالنُّبوَةُ ، وَأَنتُم تَذكُرونَ أَحْقادَ بَدْرٍ ، وثارَاتِ أُحُدٍ . أمَا وَاللّه ِ ، لَو قُلتُ ما سَبَقَ مِنَ اللّه ِ فِيكُم ، لَتدَاخَلَت أَضلاعُكُم في أَجوَافِكُم كَتَداخُل أسْنان دِوَّارة الرَّحى ، فإنْ نَطقتُ تَقُولُونَ : حَسَدَ ، وإنْ سَكتُّ فَيُقالُ : إنَّ ابن أبي طَالِبٍ جَزعَ مِنَ المَوتِ ، هَيْهَاتَ هَيْهاتَ ! ! السَّاعةَ يُقالُ لي هَذا ؟ ! ! وأنَا المُميت المائِت ، وَخوَّاضِ المَنايَا في جَوْف لَيلٍ حَالِك ، حَامِل السّيْفَينِ الثَّقيلَينِ ، وَالرُّمْحَينِ الطَويلَيْنِ ، وَمُنَكِّس الرَّايات في غَطْامِطِ الغَمَراتِ ، وَمُفَرِّج الكُرُبات عن وَجْه خَيْرِ البَريَّات . أيْهِنُوا ! فوَ اللّه ِ ، لاَبنُ أبي طالب آنَسُ بالمَوْتِ من الطِّفل إلَى مَحالِبِ أُمِّه . هَبَلَتكُم الهَوَابِلُ ! لَوْ بُحتُ (1) بما أنَزلَ اللّه ُ سُبحانَهُ فِي كتابِهِ فِيْكُم ، لاَضْطَرَبْتُم اضْطِرَابَ الأَرشِيَةِ في الطَّويّ البَعِيدةِ ، وَلَخَرَجْتُم من بيُوتِكُم هَارِبِينَ ، وَعَلَى وُجُوهِكُم هَائِمينَ ، وَلَكِنِّي أُهَوِّنُ وَجدِي حتَّى ألْقى رَبِّي بيَدٍ جَذَّاءَ صَفراءَ مِن لَذَّاتِكُم ، خِلوَا مِن طَحَناتِكُم ، فما مَثَل دُنياكُم عِنْدِي إلاَّ كمَثَل غَيمٍ ، عَلا فاسْتَعْلَى ثُمَّ اسْتَغلَظَ فاسْتَوى ، ثُمَّ تَمزَّق فانْجَلَى ، رُوَيدا ! فَعَن قَلِيلٍ يَنْجَلِي لَكُم القَسَطلُ (2) ، وتَجنُونَ ( فتجدون ) ثَمرَ فِعلِكُم مُرّا ، وَتَحصُدُونَ غَرسَ أيْدِيكُم ذُعَافا (3) مُمقِرا (4) ، وَسُمَّا قَاتِلاً ، وكفَى باللّه ِ حَكِيما ، وَبِرَسُولِ اللّه ِ خَصِيما ، وبالقِيامَةِ مَوْقِفا ، فَلا أبعَدَ اللّه ُ فيها سِوَاكُم ، وَلا أتَّعسَ فيها غَيْرَكُم ، وَالسَّلامُ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدى (5) » .

.


1- . البَوح : ظهور الشيء ، باح بالشيء : أظهره ( لسان العرب : ج2 ص416 ) .
2- . القسطل : الغبار الساطع .
3- . الذعاف : السمّ وطعامٌ مذعوف ، أي سريع يعجَّل القتل( الصحاح : ج4 ص116 ) .
4- . الممقر : الشديد المرارة( لسان العرب : ج5 ص182 ) .
5- . الاحتجاج : ج1 ص243 ح 48 وراجع : بحار الأنوار : ج29 ص140 .

ص: 30

. .

ص: 31

2 _ كتابه عليه السلام إلى سلمان الفارسيّ

كتابه عليه السلام إلى سلمان

2كتابه عليه السلام إلى سَلْمان الفارسِيّأمَّا بَعدُ ، فإنّما مَثَل الدُّنيا مَثَلُ الحَيَّةِ ، لَيِّنٌ مَسُّها، قاتِلٌ سَمُّها، فأعْرِض عمَّا يُعْجِبُك فِيها لِقِلَّةِ ما يَصْحَبُك منْها ، وضَعْ عنْك هُمُومَها لِمَا أيْقَنْتَ بِهِ مِن فِرَاقِها وتَصَرُّفِ حَالاتِها ، وَكُنْ آنَسَ ما تَكونُ بها أحْذَرَ ما تكْونُ مِنها ، فإنَّ صاحِبَها كلَّما اطْمَأنَّ فِيها إلى سُرُورٍ أشْخَصَتْه عَنهُ إلى مَحْذُورٍ ، أوْ إلى إيْناسٍ أزَالَتْهُ عَنهُ إلى إيحَاشٍ ، وَالسَّلام . (1)

كتابه عليه السلام إلى سَلْمانقال ابن عساكر : أخبرنا أبو الحسن عليّ بن عساكر بن سرور المَقدِسيّ الخشّاب بدمشق ، حدَّثنا نَصْر بن إبراهيم بن نصر _ ببيِت المَقْدِس _ ، سَنة سبعين وأربعمئة ، أخبرنا أبو الحسن عليّ بن طاهر القُرَشيّ ، أخبرنا أبو حفص عمر بن الخَضِر الثَّمانين ، حدَّثنا أبو الفتح الأزْدِيّ ، حدَّثنا إبراهيم بن عبد اللّه الأزْدِيّ ، حدَّثنا حُمَيْد بن حَاتَم ، حدَّثنا عبد اللّه بن فيروز ، قال : ماتت امرأة سَلْمان الفارسِيّ _ رحمه اللّه تعالى _ بالمَدائِن فحزن عليها ، فبلغ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه ، فكتَب إليه :« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَد بَلَغَني يا أبا عَبدِ اللّه ِ سَلْمانَ مُصِيبَتُكَ بِأَهلِكَ ، وَأَوْجَعَنِي بَعضُ مَا أوْجَعَك ، وَلَعَمرِي لَمُصِيبَةٌ تُقَدِّمُ أجرَها ، خَيْرٌ مِن نِعمَةٍ يُسْألُ عَن شُكْرِها ، وَلَعلَّكَ لا تَقُوُمُ بها ، والسَّلامُ عَلَيْكَ » . (2)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب 68 وراجع : الكافي : ج2 ص136 ، الإرشاد : ص12 ، نزهة الناظر : ص17 ، الحكمة الخالدة : ص 111 ، دستور معالم الحكم : ص37 تنبيه الخواطر : ج1 ص133 .
2- . تاريخ مدينة دمشق : ج21 ص429 .

ص: 32

سلمان الفارسيّ

سَلْمانُ الفارسِيّسَلْمانُ الفارسِيّ أبو عبد اللّه ، وهو سَلْمان المحمَّدي ّ ، زاهد ، ثاقب البصيرة ، نقيّ الفطرة ، من سلالة فارسيّة (1) ، مولده رامَهُرمُز (2) وأصله من أصبهان (3) . صحابيّ (4) جليل من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله . كان يحظى بمكانة عظيمة لا تستوعبها هذه الصَّفحات القليلة . وكان يطوي الفيافي والقفار بحثا عن الحقّ . وعندما دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله المدينة حضر عنده وأسلم (5) ، وآثر خدمة ذلكم السَّفير الإلهيّ العظيم بكلّ طواعية ، ولم يألُ جهدا في ذلك . شهد الخندق وأعان المؤمنين بذكائه وخبرته بفنون القتال ، واقترح حفر الخندق ، فلقي اقتراحه ترحيبا . كان يعيش في غاية الزُّهد ، ولمَّا كان قد قطع جميع الوشائج ، وأعرض عن جميع زخارف الحياة ، والتَّحق بالحقّ ، شرّفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بقوله : « سَلْمانُ مِنّا أَهلَ البَيتِ » (6) . وكان قلبه الطَّاهر مظهرا للأنوار الإلهيّة ، فقال فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « مَن أرادَ أن يَنظُرَ إلى رَجُلٍ نُوِّرَ قلبُهُ فَليَنظُر إلى سَلْمان » (7) . وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول عن سعة علمه واطّلاعه : « عَلِمَ العِلمَ الأوّلَ والعِلمَ الآخِرَ ، وَقَرَأ الكِتابَ الأَوّلَ وَقَرَأ الكِتابَ الآخِرَ ، وكَانَ بَحرا لا يَنزِفُ » (8) . وقد رعى سَلْمان حرمة الحقّ بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولم يحد عن مسير الحقّ (9) ، وكان أحد القلائل الَّذين قاموا في المسجد النَّبويّ ، ودافعوا عن خلافة الحقّ وحقّ الخلافة (10) . وكان من عشّاق عليّ وآل البيت عليهم السلام ، ومن الأقلّين الَّذين شهدوا الصَّلاة على السَّيِّدة الطَّاهرة فاطمة الزَّهراء عليهاالسلام ، وحضروا دفنها في جوف اللَّيل الحزين (11) . ولاّه عمر على المَدائِن (12) ، فحفلت حكومته بالمظاهر المشرّفة الباعثة على الفخر والاعتزاز ، فهي حكومة تعلوها الرُّؤية الإلهيّة ، ويحيطها الزُّهد والورع ، وهدفها الحقّ والعدل . كان سَلْمان من المعمّرين ، عاش قرابة مئتين وخمسين سنة (13) ، وتوفّي بالمَدائِن (14) أيّام حكومة عمر (15) أو عثمان (16) . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « إنَّ الجَنَّةَ لَتَشتَاقُ إلى ثَلاَثَةٍ : علي ٍّ وعَمَّار ٍ وسَلْمان َ » (17) . وفي حلية الأولياء عن أبي الأسْوَد وزاذان الكِنْدي ّ : كنّا عند علي ّ عليه السلام ذات يوم ، فوافق النَّاس منه طيب نفس ومزاح ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، حدّثنا عن أصحابك . قال : عَن أيِّ أَصحَابِي ؟ قالوا : عن أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله . قال : كُلُّ أَصحَابِ مُحَمّد ٍ صلى الله عليه و آله أَصحَابِي ، فَعَن أيِّهِم ؟ قالوا : عن الَّذين رأيناك تلطفهم بذكرك والصَّلاة عليهم دون القوم ، حدّثنا عن سَلْمان ، قال عليه السلام : مَن لَكُم بمِثِلِ لُقمَانَ الحَكِيمِ ؟ ! ذَاكَ امرُؤ مِنّا وَإلينَا أَهلَ البَيت ِ ، أَدرَكَ العِلمَ الأَوّلَ والعِلمَ الآخِرَ ، وقَرأ الكتابَ الأوّل والكِتابَ الآخِرَ ، بَحرٌ لا يَنزِفُ (18) . وفي الأمالي للطوسيّ عن مَنصور بن بَزرج : قلت لأبي عبد اللّه الصَّادق عليه السلام : ما أكثر ما أسمع منك يا سيّدي ذكر سَلْمان الفارسِي ّ ! فقال : لا تَقُل : الفارِسيّ ، وَلَكِن قُل : سَلْمانُ المُحَمّدِي ، أَ تَدرِي مَا كَثرَةُ ذِكرِي لَهُ ؟ قلت : لا . قال : لِثَلاثِ خِلالٍ : أحدها (19) : إِيثَارُهُ هَوَى أَمِيرِ المُؤمِنينَ عليه السلام عَلَى هَوَى نَفسِهِ . وَالثَّانِيَةُ : حُبُّهُ لِلفُقَراءِ وَاختيِارُهُ إيّاهُم عَلَى أَهلِ الثَّروَةِ وَالعَدَدِ . والثَّالِثَةُ : حُبُّهُ لِلعِلمِ وَالعُلَماء ِ . إنّ سَلْمان َ كَانَ عَبدَا صَالِحا حَنيفا مُسلِما وَما كانَ مِنَ المُشرِكين َ (20) . وفي المستدرك على الصحيحين عن عَوْف بن أبي عُثْمَان النَّهْدي ّ : قال رجل لسَلْمان : ما أشدَّ حُبَّك لعلي ّ عليه السلام ! قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : « مَن أَحَبَّ عَلِيّا فَقَد أَحَبّنِي ، وَمَن أَبغَضَ عَلِيّا فَقَد أَبغَضَنِي » (21) . وفي الطبقات الكبرى عن النُّعْمان بن حُمَيْد : دخلت مع خالي على سَلْمان بالمَدائِن وهو يعمل الخوص ، فسمعته يقول : أشتري خوصا بدرهم ، فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم ، فاُعيد درهما فيه ، واُنفِقُ درهما على عيالي ، وأتصدّق بدرهم ، ولو أنّ عمر بن الخَطَّاب نهاني عنه ما انتهيتُ (22) . وفي مروج الذَّهب _ في ذكر سَلْمان الفارسِي ّ _ : كان يلبس الصّوف ، ويركب الحمار ببرذعته (23) بغير إكاف (24) ، ويأكل خبز الشَّعير ، وكان ناسكا زاهدا ، فلمّا احتضر بالمَدائِن قال له سَعْد بن أبي وَقَّاص : أوصني يا أبا عبد اللّه . قال : نعم ، قال : اذكُرِ اللّه َ عِندَ هَمِّكَ إذا هَمَمتَ ، وعِندَ لِسانِكَ إذا حَكَمتَ ، وعِندَ يَدِكَ إذ قَسَمتَ . فجعل سَلْمان يبكي ، فقال له : يا أبا عبد اللّه ، ما يُبكيكَ ؟ قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : « إنّ فِي الآخِرَةِ عَقَبَةً لا يَقطَعُها إلاّ المُخِفُّونَ » ، وأرى هذه الأساودة حولي ، فنظروا فلم يجدوا في البيت إلاّ إداوة وركوة (25) ومطهرة (26) . وفي الطبقات الكبرى عن أبي سُفْيان عن أشياخه : دخل سَعْد بن أبي وَقَّاص على سَلْمان يعوده ، قال : فبكى سَلْمان ، فقال له سعد : ما يبكيك يا أبا عبد اللّه ؟ توفّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو عنك راضٍ ، وتلقى أصحابك ، وترد عليه الحوض . قال سَلْمان : واللّه ، ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدُّنيا ، ولكنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عهد إلينا عهدا فقال : « لِتَكُن بُلْغَةُ أَحَدِكُم مِنَ الدُّنيا مِثلَ زادِ الرَّاكبِ » . وحولي هذه الأساود . قال : وإنّما حوله جفنة أو مِطهرة أو إجّانة (27) ، قال : فقال له سعد : يا أبا عبد اللّه ، إعهَدْ إلينا بِعَهدٍ نأخذه بعدك . فقال : يا سعد ، اذكُرِ اللّه َ عِندَ هَمِّكَ إذا هَمَمتَ ، وعِندَ حُكمِكَ إذا حَكَمتَ ، وَعِندَ يَدِكَ إذا قَسَمتَ (28) . وفي المعجم الكبير عن بُقَيْرة _ امرأة سَلْمان _ : لمّا حضر سَلْمانَ الموتُ دعاني ، وهو في علِّيَّة (29) لها أربعة أبواب ، فقال : افتحي هذه الأبواب يابُقَيرَة ُ ، فإنّ لي اليوم زوّارا لا أدري من أيّ هذه الأبواب يدخلون عليَّ ، ثمّ دعا بمسِكٍ لَهُ ، ثمّ قال : ادبغيه (30) في تَوْرٍ ، فَفَعلَت ، ثمّ قال : انضحيه حول فراشي ثمّ انزلي فامكثي ، فسوف تطّلعين قربتي (31) على فراشي ، فاطّلعت فإذا هو قد اُخِذَ رُوحُه ، فكأنّه نائم على فراشه ، أو نحوا من هذا (32) . وفي الطبقات الكبرى عن عَطاء بن السَّائِب : إنَّ سَلْمان حين حضرته الوفاة ، دعا بصُرّة من مسك كان أصابها من بَلنجَر (33) ، فأمرَ بها أن تُدافَ وتُجعَلَ حول فراشه ، وقال : فإنّه يحضرني اللَّيلةَ ملائكةٌ يجدون الرِّيح ولا يأكلون الطَّعام (34) .

.


1- . الطبقات الكبرى : ج4 ص 75 ، تاريخ مدينة دمشق : ج21 ص 376 .
2- . رامَهُرمُز : مدينة مشهورة بنواحي خوزستان ( معجم البلدان : ج3 ص 17 ) .
3- . تاريخ مدينة دمشق : ج21 ص 383 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 1 ص515 الرقم91 وراجع الطبقات الكبرى : ج4 ص 75 وتاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص 510 .
4- . الطبقات الكبرى : ج4 ص 80 و ص 88 ، تاريخ دمشق : ج21 ص 376 الرقم 2599 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص 511 .
5- . المعجم الكبير : ج 6 ص212 ح598 ، تاريخ مدينة دمشق : ج21 ص 376 .
6- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص691 ح6539 و ح 6541 ، المعجم الكبير : ج 6 ص213 ح6040 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص 83 ، تاريخ مدينة دمشق : ج21 ص 408 .
7- . تاريخ مدينة دمشق : ج21 ص408 ح 4826 .
8- . الطبقات الكبرى : ج4 ص86 ، تاريخ مدينة دمشق : ج21 ص422 ، حلية الأولياء : ج1 ص187 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج 7 ص536 ح3 ، المعجم الكبير : ج 6 ص213 ح6041 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص515 ، سِيَر أعلام النُبلاء : ج 1 ص541 الرقم91 والأربعة الأخيرة نحوه وليس فيها « وقرأ الكتاب الأوّل ، وقرأ الكتاب الآخر » وراجع تاريخ دمشق : ج21 ص420 .
9- . راجع: الخصال : ص607 ح9 ، عيون أخبار الرضا : ج 2 ص126 ح1 .
10- . راجع : الخصال : ص463 ح4 ، الاحتجاج : ج 1 ص192 ح2 ، رجال البرقي : ص64 .
11- . راجع : الخصال : ص361 ح50 ، رجال الكشّي : ج1 ص34 الرقم 13 ، الاختصاص : ص5 ، تفسير فرات : ج570 ص733 .
12- . مروج الذهب : ج2 ص314 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص87 .
13- . راجع : سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 1 ص555 الرقم91 ، تاريخ مدينة دمشق : ج21 ص378 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص521 .
14- . الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص33 الرقم22 ، تاريخ دمشق : ج21 ص378 و ص 458 ، سير أعلام النبلاء : ج1 ص554 الرقم91 .
15- . المعارف لابن قتيبة : 271 ، تاريخ مدينة دمشق : ج21 ص458 .
16- . الطبقات الكبرى : ج4 ص93 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص171 الرقم12 ، المعارف لابن قتيبة :ص271 ، تاريخ مدينة دمشق: ج21 ص378 وص458، سِيَر أعلامِ النبلاء: ج 1 ص554 الرقم91 وفي ص 555 « سنة 33 ه » .
17- . سنن الترمذي : ج 5 ص667 ح3797 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص148 ح4666 ، المعجم الكبير : ج 6 ص215 ح6045 وزاد فيه « والمقداد » وكلّها عن أنس ؛ الخصال :ص303 ح80 عن عبد اللّه بن محمّد بن عليّ بن العبّاس الرازي عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلاموزاد فيه « وأبيذرّ والمقداد » ، وقعة صفّين : ص323 عن الحسن .
18- . حلية الأولياء : ج1 ص187 ، المعجم الكبير : ج 6 ص213 ح6042 وفيه « بمثاله » بدل « بمثل » وليس فيه « وإلينا » ، تاريخ مدينة دمشق : ج21 ص421 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص86 عن زاذان وفيه من « مَن لكم بمثل . . . » وفي صدره « سئل عليّ عن سلمان الفارسي ، فقال : ذاك امرؤ منّا وإلينا » ؛ الغارات : ج1 ص177 عن أبي عمرو الكندي .
19- . هكذا في المصدر، والصواب: إحداها.
20- . الأمالي للطوسي : ص133 ح214 .
21- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص141 ح4648 .
22- . الطبقات الكبرى : ج4 ص89 ، تاريخ مدينة دمشق : ج21 ص434 عن سمّاك بن حرب عن عمّه نحوه ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص518 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج1 ص547 .
23- . البَرْذَعةُ : الحِلس الَّذي يُلقى تحت الرحل ( لسان العرب : ج8 ص8 ) .
24- . الإكاف والأكاف من المراكب : شبه الرِّحال والأقتاب ( لسان العرب : ج9 ص8 ) .
25- . الرَّكْوة : إناء صغير من جِلد يُشرَب فيه الماء ، والجمع رِكاء ( النهاية : ج2 ص261 ) .
26- . مروج الذهب : ج2 ص314 .
27- . الإجَّانَة : واحِدةُ الأجَاجِين ، وهي المِرْكَنُ ( الإناء ) الَّذي تُغسَل فيه الثيابُ ( مجمع البحرين :ج1 ص21 ) .
28- . الطبقات الكبرى : ج4 ص90 ، حلية الأولياء : ج1 ص195 ، تاريخ مدينة دمشق : ج21 ص452 .
29- . علِّيَّة : هي بضمّ العين وكسرها : الغُرفة ، والجمع العَلاليّ ( النهاية : ج3 ص295 ) .
30- . كذا في المصدر ، وفي بقيّة المصادر : « أديفِيه » . قال في تاج العروس : دافَ الشيء يديفُه : أي خَلَطَه ، وفي حديث سلمان رضى الله عنه : « . . . فقال لامرأته : أدِيفيه في تَورٍ » . والتَّوْر : إناء صغير (ج12 ص216 وج 6 ص135 ) .
31- . كذا في المصدر ، وفي حلية الأولياء : « فتَرَيْني » .
32- . المعجم الكبير : ج 6 ص215 ح6043 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص92 ، حلية الأولياء :ج1 ص208 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 1 ص553 الرقم91 .
33- . بَلَنجَر : مدينة ببلاد الخَزَر ، خلف باب الأبواب ، فتحها عبد الرحمن بن ربيعة ( معجم البلدان :ج1 ص489 ) .
34- . الطبقات الكبرى : ج4 ص92 .

ص: 33

. .

ص: 34

. .

ص: 35

. .

ص: 36

. .

ص: 37

. .

ص: 38

3 _ كتابه عليه السلام إلى أبي ذرّ

أبو ذرٍّ الغفاريّ

3كتابه عليه السلام إلى أبي ذَرّقال سِبطُ ابنُ الجَوزِي ّ : روى الشَّعْبي ّ عن أبي أراكة ، قال : لمَّا نُفِي أبو ذَرّ إلى الرَبَذَة ، كتَب إليه عليّ عليه السلام :« أمَّا بَعدُ ، يَا أبا ذَر ٍّ ، فإنَّكَ غَضِبْتَ لِلّهِ تَعَالَى ، فَارْجُ مَن غَضِبْتَ لَهُ ، إنَّ القَومَ خَافُوكَ عَلَى دُنْياهُم ، وخِفْتَهُم على ديِنِكَ ، فَاتْرُك لَهُم مَا خافُوكَ عَليهِ ، وَاهرُب مِنهُم لِمَا خِفْتَهُم علَيهِ ، فَما أحوَجَهُم إلى ما مَنَعْتَهُم ، وَما أغْنَاكَ عَمَّا مَنَعُوكَ ، وسَتَعلَمُ مَنِ الرَّابِحُ غَدَا ، فَلَو أنَّ السَّمَاواتِ وَالأرضَ كانَتا رَتْقا عَلَى عَبْدٍ ، ثُمَّ اتَّقَى اللّه َ لَجَعَلَ لَهُ مِنهُما مَخْرَجا ، لا يُؤانِسنَّكَ إلاَّ الحَقُّ ، ولا يُوحِشَنَّكَ إلاَّ الباطِلُ ، فَلَو قبِلْتَ دُنياهُم لأحَبُّوكَ ، وَلَو قَرَضْتَ منها لأمِنُوكَ » . (1)

[ أقول : روى جَماعة من الخاصَّة والعامَّة ، أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام ألقى هذه الكلمة حين نُفي أبو ذَرّ ، وشيّعه هو والحسنان عليهماالسلام ، وعَقِيل ٌ وعَمَّار (2) . ]

أبو ذَرٍّ الغِفارِي ّ (3)جُنْدُب بن جُنادَة ، وهو مشهور بكنيته . صوت الحقّ المدوّي ، وصيحة الفضيلة والعدالة المتعالية ، أحد أجلاّء الصَّحابة ، والسَّابقين إلى الإيمان ، والثَّابتين على الصِّراط المستقيم (4) . كان موحِّدا قبل الإسلام ، وترفّع عن عِبادَة الأصنام (5) . جاء إلى مكّة قادما من البادية ، واعتنق دين الحقّ بكلّ وجوده ، وسمع القرآن . عُدَّ رابعَ (6) من أسلم أو خامسهم (7) ، واشتهر بإعلانه إسلامَه ، واعتقاده بالدين الجديد ، وتقصّيه الحقّ منذ يومه الأوّل (8) . وكان فريدا فذّا في صدقه وصراحة لهجته ، حتَّى قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلمته الخالدة فيه ، تكريما لهذه الصِّفة المحمودة النّادرة : « مَا أظَلّتِ الخَضرَاءُ ، ومَا أَقَلّتِ الغَبرَاءُ (9) عَلَى رَجُلٍ أَصدَقَ لَهجَةً مِن أَبي ذَرّ » (10) . وكان من الثّلّة المعدودة الَّتي رعت حرمة الحقّ في خضمّ التَّغيّرات الَّتي طرأت بعد وفاة النَّبي ّ صلى الله عليه و آله (11) ، وتفانى في الدِّفاع عن موقع الولاية العلويّة الرَّفيعة ، وجعل نفسه مِجَنّا للذبّ عنه ، وكان أحد الثَّلاثة الَّذين لم يفارقوا عليّا عليه السلام قطّ (12) . ولنا أن نعدّ من فضائله ومناقبه، صلاته على الجثمان الطَّاهر لسيّدة نساء العالمين فاطمة عليهاالسلام ، فقد كان في عداد من صلّى عليها في تلك اللَّيلة المشوبة بالألم والغمّ والمحنة (13) . وصرخاته بوجه الظُّلم ملأت الآفاق ، واشتهرت في التَّاريخ ؛ فهو لم يصبر على إسراف الخليفة الثَّالث وتبذيره وعطاياه الشَّاذّة ، فانتفض ثائرا صارخا ضدّها ، ولم يتحمّل التَّحريف الَّذي افتعلوه لدعم تلك المناقب المصطنعة ، وقدح في الخليفة، واستنكر توجيه كَعْب الأحْبار لأعماله وممارساته . فقام الخليفة بنفي صوت العدالة هذا إلى الشَّام الَّتي كانت حديثة عهدٍ بالإسلام ، غيرَ مُلمّةٍ بثقافته (14) . ولم يُطِقه معاوية أيضا ؛ إذ كان يعيش في الشَّام كالملوك ، ويفعل ما يفعله القياصرة ، ضاربا بأحكام الإسلام عرض الجدار ، فأقضّت صيحات أبي ذَرّ مضجعه (15) . فكتب إلى عثمان يخبره باضطراب الشَّام عليه إذا بقي فيها أبو ذَرّ ، فأمر بردّه إلى المدينة (16) ، وأرجعوه إليها على أسوأ حال . وقدم أبو ذَرّ المدينة ، ليجد سياسة عثمان على حالها ، فعاد أبو ذرّ إلى طريقته ، فالاحتجاج كان قائما ، والصّيحات مستمرّة ، وقول الحقّ متواصلاً ، فلم يتوقّف أبو ذرّ عن كشف الانحراف . ولمّا لم يُجْدِ التَّرغيب والتَّرهيب معه ، غيّرت الحكومة اُسلوبها معه ، وما هو إلاّ الإبعاد ، لكنّه هذه المرَّة إلى الرَّبَذة (17) ، وهي صحراء قاحلة حارقة ، وأصدر عثمان تعاليمه بمنع مشايعته (18) . ولم يتحمّل أمير المؤمنين عليه السلام هذه الأوامر الجائرة ، فخرج مع أبنائه وعدد من الصَّحابة لتوديعه (19) . وله كلام عظيم خاطبه به وبيّن فيه ظُلامته (20) . وتكلّم من كان معه أيضا، ليعلم الناس أنّ الَّذي أبعد هذا الصَّحابيّ الجليل إلى الرَّبَذَة هو قول الحقّ، ومقارعة الظُّلم، لا غيرها (21) ، وكان إبعاد أبي ذَرّ أحد ممهّدات الثَّورة على عثمان . وذهب هذا الرَّجل العظيم إلى الرَّبَذَة رضيّ الضَّمير ؛ لأنّه لم يتنصّل عن مسؤوليّته في قول الحقّ ، لكنّ قلبه كان مليئا بالألم ؛ إذ تُرك وحده ، وفُصل عن مرقد حبيبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله . يقول عبد اللّه بن حوّاش الكعبي : رأيتُ أبا ذَرّ في الرَّبَذَة ، وهو جالس وحده في ظلّ سقيفةٍ ، فقلت : يا أبا ذَرّ ! وحدك ! فقال : كان الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر شعاري ، وقول الحقّ سيرتي ، وهذا ما ترك لي رفيقا . توفّي أبو ذَرّ سنة 32 ه (22) ، وتحقّقت نبوءة النبي صلى الله عليه و آله في أبي ذرّ حيث قال صلى الله عليه و آله : « يَرحَم اللّه ُ أبا ذَرّ ، يَعِيشُ وحدَهُ ، ويَمُوتُ وَحدَهُ ، ويُحْشَرُ وَحدَهُ » . ووصل جماعة من المؤمنين فيهم مالك الأشْتَر ، بعد وفاة ذلك الصَّحابيّ الكبير الصادع بالحقّ في زمانه، ووسّدوا جسده النَّحيف الثَّرى باحترام وتبجيل (23)24 . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :« مَا أظَلّتِ الخَضرَاءُ ، ولا أقلَّتِ الغَبرَاءُ عَلَى رَجُلٍ أصدَقَ لَهجَةً مِن أبي ذَرّ » (24) . وعنه صلى الله عليه و آله : « مَن سَرَّهُ أَن يَنظُرَ إلَى شَبيهِ عِيسى بنِ مَريَمَ خَلقا وخُلُقا ؛ فَليَنظُر إِلى أَبِي ذَرّ » (25) . وفي سنن الترمذي عن أبي ذَرّ : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « مَا أظَلّتِ الخَضرَاءُ ، وَلا أقلَّتِ الغَبرَاءُ، من ذِي لَهجَةٍ أَصدَقَ وَلاَ أوفَى مِن أَبي ذَرّ ، شِبْهَ عِيسى بنِ مَريَمَ عليه السلام » . فقال عمر بن الخَطَّاب كالحاسد : يا رسول اللّه أ فنعرف ذلك له ؟ قال : نَعَم ، فاعرِفُوهُ لَهُ (26) . وفي مُسنَدِ ابنِ حَنْبَل عن بُرَيْدَة :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « إنّ اللّه َ عز و جل يُحِبُّ مِن أَصحَابِي أَربَعَةً ، أَخبَرَنِي أنَّهُ يُحبِّهُم ، وَأَمَرَنِي أَن اُحِبَّهُم » . قالوا : مَنْ هم يا رسول اللّه ؟ قال : « إنَّ عَلِيّا مِنهُم ، وأبو ذَرّ الغِفارِيّ ، وسَلْمانُ الفارِسِيّ ، والمِقْدادُ بنُ الأسْوَدِ الكِنْديّ (27) » . وفي أنساب الأشراف : لمّا أعطى عثمان ُ مروانَ بن الحكم ما أعطاه ، وأعطى الحارث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمئة ألف درهم ، وأعطى زَيْد بن ثابت الأنْصاريّ مئة ألف درهم ، جعل أبو ذَرّ يقول : بشّر الكانزين بعذاب أليم ، ويتلو قول اللّه عز و جل : « وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ » الآية (28) . فرفع ذلك مروانُ بن الحكم إلى عثمان ، فأرسل _ عثمان _ إلى أبي ذَرّ ناتلا ً مولاه أن : انْتَهِ عمّا يبلغني عنك ، فقال : أ ينهاني عثمان عن قراءةِ كتابِ اللّه ِ ، وعَيبِ مَن تَركَ أمرَ اللّه ِ ؟ ! فَواللّه ِ لأَن اُرضِيَ اللّه َ بِسَخَطِ عُثمانَ أَحَبُّ إليَّ وخَيرٌ لِي مِن أن اُسخِطَ اللّه َ بِرِضَاهُ ، فَأَغضَبَ عثمانَ ذلك وأَحفَظَهُ (29) ، فَتَصابرَ وكَفَّ . وقال عثمان يوما : أ يجوز للإمام أن يأخذ من المال ، فإذا أَيسَرَ قَضَى ؟ فقال كَعْب الأحْبار : لا بأس بذلك ! فقال أبو ذَرّ : يابن اليَهُودِيَّينِ ! أ تُعلّمُنا دِينَنا ؟ ! فقال عثمانُ : مَا أكثرَ أَذَاك لي ، وأوَلَعَكَ بِأصحَابي ! (30) وفي أنساب الأشراف عن كُمَيْل بن زِياد : كنت بالمدينة حين أمر عثمان أبا ذَرّ باللِّحاق بالشام ، وكُنتُ بها في العامِ المُقبِلِ، حين سيّره إلى الرَّبذة (31) . وفي تاريخ اليعقوبيّ : بلغ عثمان أيضا أنّ أبا ذَرّ يقع فيه ، ويذكر ما غيّر وبدّل من سُنَنِ رَسولِ اللّه ِ ، وسُنَنِ أبي بكرٍ وعُمرَ ، فسيّره إلى الشَّام إلى معاوية ، وكان يجلس في المسجد فيقول كما كان يقول ، ويجتمع إليه النَّاس ، حتَّى كثر من يجتمع إليه ويسمع منه . وكان يقف على باب دمشق ، إذا صلّى صلاة الصُّبح ، فيقول : جاءت القَطارُ تحمِلُ النَّارَ ، لَعَنَ اللّه ُ الآمرِينَ بالمَعرُوفِ والتَّارِكينَ لَهُ ، وَلَعَنَ اللّه ُ النَّاهينَ عَنِ المُنكَرِ وَالآتينَ لَهُ . وكتب معاوية إلى عثمان : إنّك قد أفسدت الشَّام على نفسك بأبي ذَرّ ، فكتب إليه أن : احمِلهُ عَلَى قَتَبٍ (32) بِغَيرِ وِطاء ، فَقَدِمَ بِهِ إلى المَدينَةِ ، وَقَد ذَهَبَ لَحمُ فَخِذَيهِ ، فلمّا دخل إليه وعنده جماعة قال : بَلَغَنِي أَنّك تقول : سَمِعتُ رَسولَ اللّه ِ يقولُ : « إذا كَمُلَت بَنُو اُمَيّةَ ثَلاثينَ رَجُلاً ، اتّخَذُوا بِلادَ اللّه ِ دُوَلاً (33) ، وعِبادَ اللّه ِ خَوَلاً (34) ، ودينَ اللّه ِ دَغَلاً (35) » فقال : نَعَم ، سَمِعتُ رَسولَ اللّه ِ يقولُ ذلِكَ . فقال لهم : أسمعتم رسول اللّه يقول ذلك ؟ فبعث إلى عليّ بن أبي طالب ، فأتاه ، فقال : يا أبا الحسن ! أسَمِعتَ رَسُولَ اللّه ِ يَقُولُ ما حَكاهُ أبو ذَرّ ؟ وقصّ عليه الخبرَ . فقال عليّ : نعم ! قال : وَكيفَ تَشهَدُ ؟ قال : لقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « ما أظَلَّتِ الخَضرَاءُ ، ولاَ أقلّتِ الغَبراءُ ذا لَهجَةٍ أَصدَقَ مِن أبي ذَرّ » . فلم يُقِم بالمدينة إلاّ أيّاما حتَّى أرسل إليه عثمان : واللّه لَتَخرُجَنّ عنها ! قال : أ تُخرِجُنِي مِن حَرَمِ رَسُولِ اللّه ِ ؟ قال : نعم ، وأنفُكَ راغِمٌ . قال : فَإلى مَكّةَ ؟ قال : لا ، قال : فَإلى البَصرَةِ ؟ قال : لا ، قال : فَإلى الكُوفَةِ ؟ قال : لا ، وَلكِنْ إلى الرَّبَذَةِ الَّتي خَرَجتَ منها حَتَّى تموتَ بها ! يا مَروانُ ، أخرِجهُ ، ولا تَدَع أحدا يُكَلّمُهُ ، حَتَّى يَخرُجَ . فَأَخرجَهُ عَلَى جَمَلٍ ومَعَهُ امرأَتُهُ وابنَتُهُ ، فخرج وعليّ والحسن والحسين وعبد اللّه بن جعفر وعَمَّار بن ياسِر ينظرون ، فَلَمّا رأى أبو ذَرّ عليّا ، قام إليه فقبَّلَ يَدَهُ ثُمّ بكى وقال : إنّي إذا رَأَيتُكَ ورأيتُ وُلدَكَ، ذَكَرتُ قَولَ رَسُولِ اللّه ِ ، فَلَم أَصبِر حَتَّى أبكي ! فَذَهَبَ عَلِيّ يُكَلّمُهُ ، فقال له مروان : إنّ أمير المؤمنين قد نهى أن يكلّمه أحد ، فرفع عليّ السَّوط فضرب وَجهَ ناقةِ مَروان َ ، وقال : تَنَحَّ ، نَحّاكَ اللّه ُ إلى النَّار ! ثمّ شيّعه ، فكلّمه بكلام يطول شرحه ، وتكلّم كلّ رجل من القوم وانصرفوا ، وانصرف مروان إلى عثمان ، فجرى بينه وبين عليّ في هذا بعض الوحشة ، وتلاحيا كلاما ، فلم يزل أبو ذَرّ بالرَّبَذَة حتَّى توفّي (36) . وفي أنساب الأشراف : كان أبو ذَرّ يُنكِر على معاوية أشياء يفعلها ، وبعث إليه معاوية بثلاثمئة دينار ، فقال : إن كانت من عطائي الَّذي حَرمتُمُونِيهِ عامي هذا قَبِلتُها ، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها . وبعث إليه حَبيبُ بن مَسْلَمَة الفِهْرِيّ بمئتي دِينار ، فقال : أ ما وجدتَ أهون عليك منّي حين تبعث إليَّ بمال ؟ وردّها . وبنى معاوية الخضراء بدمشق ، فقال : يا معاوية ، إن كانت هذه الدَّار من مال اللّه فهي الخيانة ، وإن كانت من مالِكَ فهذا الإسراف ، فسكت معاوية (37) . وفي أنساب الأشراف : كان أبو ذَرّ يقول : واللّه لقد حَدَثَت أعمال ما أعرفها ، واللّه ما هي في كتاب اللّه ، ولا سنّة نبيّه ، واللّه إنّي لأرى حقّا يُطفأ ، وباطلاً يُحيا ، وصادقا يُكذّب ، وأثَرَة بغِيرِ تُقىً ، وصالِحا مستأثَرا عليه . فقال حَبِيب بنُ مَسْلَمَة لمعاوية : إنّ أبا ذَرّ مفسدٌ عليك الشَّام ، فتدارك أهله إن كانت لكم به حاجة ، فكتب معاوية إلى عثمان فيه ، فكتب عثمان إلى معاوية : أمّا بعد : فاحمل جُنْدُبا إليَّ على أغلظ مركب وأوعره ، فوجّه معاوية من سار به اللَّيل والنهار . فلمّا قدم أبو ذَرّ المدينة جعل يقول : يستعمل الصِّبيان ، ويحمي الحمى ، ويُقرِّب أولاد الطُّلَقاء . فبعث إليه عثمان : الْحَق بأيّ أرض شئت ، فقال : بمكّة ، فقال : لا ، قال : فَبَيتُ المَقدِس ، قال : لا ، قال : فبأحد المِصرَين (38) ، قال : لا ، ولكنّي مُسَيّرك إلى الرَّبذة ، فسيّرَه إليها ، فلم يزل بها حتَّى مات (39) . وعن قَتادَة : تكلّم أبو ذَرّ بشيء كرهه عثمان فكذّبه ، فقال : ما ظننت أنّ أحدا يكذّبني بعد قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « مَا أَقلَّتِ الغَبرَاءُ ، ولا أطبَقَتِ الخَضْرَاءُ ، عَلَى ذِي لَهْجَة أصدقَ مِن أبِي ذَرّ » ثمّ سيّره إلى الرَّبَذَة . فكان أبو ذَرّ يقول : مَا تَرَكَ الحَقّ لِي صَدِيقا ، فلمّا سار إلى الرَّبَذَة قال : رَدَّني عثمان بعد الهجرة أعرابيّا ! (40) وفي الأمالي للطوسيّ عن عبد الرحمن بن أبي عَمْرَة الأنْصاريّ : لمّا قدم أبو ذَرّ على عثمان ، قال : أخبِرني أيّ البلاد أحبّ إليك ؟ قال : مُهاجَري ، فقال : لستَ بمجاوري . قال : فَألحَقُ بحرم اللّه ، فَأكُونُ فيه ؟ قال : لا ، قال : فالكوفة ، أرض بها أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : لا ، قال : فلست بمختار غيرهنّ . فأمره بالمسير إلى الرَّبذة ، فقال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لي : « اسمَع وَأَطِع ، وَانفَذْ حَيثُ قَادُوكَ ، وَلَو لِعَبدٍ حَبَشِيّ مُجَدّع » . فخرج إلى الرَّبذة ، وأقام مدّة ، ثمّ أتى إلى المدينة ، فدخل على عثمان والناس عنده سماطين ، فقال : يا أمير المؤمنين ! إنّك أخرجتني من أرضي إلى أرض ليس بها زرع ولا ضرع إلاّ شُوَيهات ، وليس لي خادم إلاّ محرّرة (41) ، ولا ظلّ يظلّني إلاّ ظلّ شجرة ، فأعطِني خادما وغُنَيمات أعِش فيها ، فحوّلَ وجهه عنه ، فتحوّل عنه إلى السَّماط الآخر ، فقال مثل ذلك . فقال له حَبِيب بن مَسْلَمَة : لك عندي يا أبا ذَرّ ألفُ درهم وخادم وخمسمئة شاة . قال أبو ذَرّ : أعطِ خادمك وألفك وشويهاتك من هو أحوج إلى ذلك منّي ؛ فإنّي إنّما أسأل حقّي في كتاب اللّه . فجاء عليّ عليه السلام فقال له عثمان : ألاَ تُغنِي عَنّا سَفِيهَكَ هذا ؟ قال : أيُّ سَفِيهٍ ؟ قال : أبو ذَرّ ! قال عليّ عليه السلام : لَيسَ بِسَفِيهٍ ، سَمِعتُ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله يَقُولُ : « مَا أظلَّتِ الخَضرَاءُ ، ولاَ أقلَّتِ الغَبرَاءُ ، أَصدَقَ لهجةً مِن أَبِي ذَرّ » أَنزِلهُ بِمَنزِلَةِ مُؤمِنِ آلِ فِرعَون ، « وَ إِن يَكُ كَ_ذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِى يَعِدُكُمْ » (42) . قَالَ عُثمانُ : التُّراب في فيكَ ! قالَ عليّ عليه السلام : بل التُّرابُ في فيكَ ، أنشُدُ باللّه ِ، مَن سَمِعَ رَسَولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَقولُ ذَلِكَ لِأَبي ذرّ ؟ فقام أبو هُرَيرَة َ وعَشَرَةٌ فَشَهِدُوا بِذلِكَ ، فَوَلّى عليّ عليه السلام (43) . ييييخ وفي الكافي عن أبي جعفر الخَثْعَميّ : لمّا سيّر عثمان أبا ذَرّ إلى الرَّبَذَة ، شيّعه أمير المؤمنين وعَقِيل والحسن والحسين عليهم السلاموعَمَّار بن ياسر ، فلمّا كان عند الوداع ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : يا أبا ذَرّ ، إنَّكَ إِنَّما غَضِبتَ لِلّهِ عز و جل ، فَارجُ مَن غَضِبتَ لَهُ . إنّ القَومَ خَافُوكَ عَلَى دُنياهُمَ ، وَخِفتَهُم عَلَى دِينِكَ ، فَأرحَلُوكَ عَن الفِناءِ وامتَحَنُوكَ بالبلاء . وَوَاللّه ِ لَو كَانَتِ السَّماوَاتُ والأرضُ عَلَى عَبدٍ رَتْقا ، ثُمّ اتّقَى اللّه عز و جل ؛ جَعَلَ لَهُ مِنها مَخرَجا ، فَلا يُؤنِسْكَ إلاّ الحقُّ ، ولاَ يُوحِشْكَ إلاّ الباطِلُ (44) . قال الإمام الصادق عليه السلام : لمّا شيّع أمير المؤمنين عليه السلام أبا ذَرّ رحمه الله ، وشيّعه الحسن والحسين عليهماالسلام ، وعَقِيل بن أبي طالب ، وعبد اللّه بن جعفر ، وعَمَّار بن ياسِر عليهم سلام اللّه ؛ قال لهم أمير المؤمنين عليه السلام : ودِّعُوا أَخَاكُم ؛ فَإنّهُ لابُدَّ للشاخِصِ مِن أَن يَمضِيَ ، وَللمُشَيِّعِ مِن أَن يَرجِعَ . قال : فَتَكَلّمَ كلُّ رَجُلٍ منِهُم عَلَى حِيالِهِ ، فَقَال الحُسَينُ بنُ عَلِيّ عليهماالسلام : رَحِمَكَ اللّه ُ يا أبا ذَرّ ! إنَّ القَومَ إنّما امتَهَنُوكَ بالبَلاء ؛ لأنّكَ مَنَعتَهُم ديِنَكَ ، فَمَنعُوك دُنياهُم ؛ فَمَا أَحوَجَكَ غَدا إلى ما مَنَعتَهُم ، وَأغناكَ عَمّا مَنعُوك . فقال أبو ذَرّ : رَحِمَكُمُ اللّه ُ مِن أَهلِ بَيتٍ ! فَما لِي فِي الدُّنيا مِن شَجَنٍ (45) غَيرَكُم ، إنّي إذا ذَكَرتُكُم ذَكَرتُ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله (46) . وفي الأمالي للمفيد عن أبي جهضم الأزْدِيّ عن أبيه _ بعد معاملة عثمان السَّيِّئة مع أبي ذَرّ : بلغ ذلك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فبكى حتَّى بلّ لحيته بدموعه ، ثمّ قال : أَهَكَذا يُصنَعَ بِصاحِبِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ؟ ! إنّا للّه ِ وإنّا إليهِ راجِعُون . ثمّ نهض ومعه الحسن والحسين عليهماالسلام ، وعبد اللّه بن العبّاس والفضل وقُثَم وعبيد اللّه ، حتَّى لحقوا أبا ذَرّ ، فشيّعوه ، فلمّا بصر بهم أبو ذَرّ رحمه الله حَنّ إليهم ، وَبَكى عَلَيهِم ، وَقال : بِأبِي وُجُوهٌ إذا رَأيتُها ذَكَرتُ بِها رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَشَمَلَتنِيَ البركَةُ بِرُؤيَتِها . ثُمّ رَفَعَ يَديهِ إلى السَّماءِ وقَالَ : اللَّهُمَّ إنِّي اُحبُّهُم ، وَلَو قُطّعتُ إربا إربا في مَحَبَّتِهِم ، مَا زلِتُ عَنها ابتِغاءَ وَجهِكَ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، فارجِعُوا رَحِمَكُم اللّه ُ ، واللّه َ أَسألُ أَن يَخلُفَنِي فيكُم أحسَنَ الخِلافَةِ . فودّعه القوم ورجعوا وهم يبكون على فراقه (47) . وفي تاريخ اليعقوبي : لم يزل أبو ذَرّ بالرَّبَذَة حتَّى تُوفّيَ ، وَلمّا حضرته الوفاة قالت له ابنته : إنّي وحدي في هذا الموضع ، وأخافُ أن تَغلِبَنِي عليك السِّباعُ . فقال : كلاّ، إنّه سيحضرنِي نفرٌ مُؤمِنُونَ ، فانظُري أَ ترينَ أحَدَا ؟ فقالت : ما أرى أحدا ! قال : ما حضر الوقت ، ثمّ قال : انظري ، هل ترين أحدا ؟ قالت : نعم، أرى ركبا مُقبلِينَ . فقال : اللّه أكبر ، صدق اللّه ورسولُهُ ، حَوِّلِي وجهيَ إلى القبلة ، فإذا حضر القوم فَأقرئيهم منّي السَّلام ، فإذا فرغوا من أمري ، فاذبحي لهم هذه الشَّاة ، وقولي لهم : أقسمت عليكم إن برحتم حتَّى تأكلوا ، ثمّ قُضِي عليه . فأتى القوم ، فقالت لهم الجارية : هذا أبو ذَرّ صاحِبُ رَسُولِ اللّه ِ قَد تُوفّي ، فنزلوا ، وكانوا سبعة نفر ، فيهم حُذَيْفَة بن اليَمان ، والأشْتَر ، فبكوا بكاءً شديدا ، وغسّلوه ، وكفّنوه ، وصلّوا عليه ، ودفنوه . ثمّ قالت لهم : إنّه يُقسِمُ عليكم ألاّ تبرَحُوا حتَّى تأكلُوا ، فذبَحُوا الشَّاةَ وأكلوا ، ثمّ حَمَلُوا ابنَتهُ حتَّى صارُوا بها إلى المدينة (48) .

.


1- . تذكرة الخواص : ص156 وراجع : نهج البلاغة : الخطبة130 ، كشف الغمَّة : ج3 ص136 ، بحار الأنوار : ج22 ص411 ح30 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص252 .
2- . راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص252 _ 262 ، الغدير : ج8 ص413 _ 432 .
3- . قد اختلف في اسمه ونَسَبه اختلافا كثيرا ، وما في المتن هو أكثر وأصحّ ما قيل فيه ، ولكنّه مشهور بكنيته ولقبه .
4- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص46 الرقم10 ، الاستيعاب : ج 4 ص216 الرقم2974 ، اُسد الغابة : ج1 ص563 الرقم800 .
5- . الطبقات الكبرى : ج4 ص222 ، حلية الأولياء : ج 1 ص158 الرقم26 ، اُسد الغابة : ج 1 ص563 الرقم800 .
6- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص385 ح5459 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص224 ، اُسد الغابة : ج1 ص563 الرقم800 .
7- . الطبقات الكبرى : ج4 ص224 ، سِيَر أعلامِ النبلاء: ج2 ص46 الرقم10، اُسد الغابة: ج 1 ص563 الرقم800 .
8- . الطبقات الكبرى : ج4 ص225 ، حلية الأولياء : ج 1 ص158 الرقم26 .
9- . الخضْرَاء : السَّماء ، والغَبْرَاء : الأرض (النهاية : ج2 ص42) .
10- . راجع : المستدرك على الصحيحين : ج3 ص385 ح5461 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص228 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص59 الرقم10 .
11- . راجع : الخصال : ص607 ح9 ، عيون أخبار الرضا : ج 2 ص126 ح1 .
12- . راجع : رجال الكشّي : ج1 ص38 الرقم 17 ، الاختصاص : ص6 .
13- . راجع : رجال الكشّي : ج1 ص34 الرقم 13 ، الاختصاص : ص5 .
14- . راجع : أنساب الأشراف : ج6 ص166 ، مروج الذهب : ج2 ص349 ، شرح نهج البلاغة : ج 8 ص256 ح130 .
15- . راجع : أنساب الأشراف : ج6 ص167 ، شرح نهج البلاغة : ج 8 ص256 الرقم130 ؛ الشافي : ج4 ص294 .
16- . الطبقات الكبرى : ج4 ص226 ، أنساب الأشراف : ج6 ص167 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص63 الرقم10 ، تاريخ الطبري : ج4 ص283 ؛ الأمالي للمفيد : ص162 ح4 .
17- . راجع : الكافي : ج 8 ص206 ح251 ، الأمالي للمفيد : ص164 ح4 ؛ أنساب الأشراف : ج6 ص167 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص227 .
18- . راجع : مروج الذهب : ج2 ص351 ، شرح نهج البلاغة: ج 8 ص252 الرقم130؛ الأمالي للمفيد: ص165 ح4 .
19- . الكافي : ج 8 ص206 ح251 ، من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص275 ح2428 ، الأمالي للمفيد : ص165 ح4 ، المحاسن : ج2 ص94 ح1247 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص172 ؛ مروج الذهب : ج2 ص350 .
20- . الكافي : ج 8 ص206 ح251 ، نهج البلاغة : الخطبة 130 .
21- . الكافي : ج 8 ص207 ح251 وراجع من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص275 ح2428 ، المحاسن : ج2 ص94 ح1247 ؛ شرح نهج البلاغة : ج 8 ص253 الرقم130 .
22- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص381 ح5451 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص74 الرقم10 ؛ رجال الطوسي : ص32 الرقم143 وفيه « مات في زمن عثمان بالربذة » .
23- . راجع : الإصابة : ج7 ص109 ح9877، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص53 ح4373 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص234 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص77 الرقم10 ، تاريخ الطبري : ج4 ص308 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص264 ؛ رجال الكشّي : ج1 ص283الرقم118 .
24- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص385 ح5461 ، سنن الترمذي : ج 5 ص669 ح3801 ، سنن ابن ماجة : ج1 ص55 ح156 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص59 الرقم10 كلّها عن عبد اللّه بن عمرو .
25- . المعجم الكبير : ج 2 ص149 ح1626 عن عبد اللّه بن مسعود ، الطبقات الكبرى : ج4 ص228 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص59 الرقم10 كلاهما عن مالك بن دينار وفيهما « مَن سرّه أن ينظر إلى زهد عيسى فلينظر . . . » ، الاستيعاب : ج 1 ص323 الرقم343 عن أبي هريرة وفيه « من سرّه أن ينظر إلى تواضع عيسى فلينظر . . . » .
26- . سنن الترمذي : ج 5 ص670 ح3802 .
27- . مسند ابن حنبل : ج9 ص14 ح23029 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص61 الرقم10 .
28- . التوبة : 34 .
29- . أي : أغضَبه ، من الحَفِيظة ؛ الغَضب ( النهاية : ج1 ص408 ) .
30- . أنساب الأشراف : ج6 ص166 ؛ الشافي : ج4 ص293 نحوه وراجع شرح نهج البلاغة :ج8 ص256 .
31- . أنساب الأشراف : ج6 ص168 .
32- . القَتَب : رَحْل البَعِير ، صغير على قدر السَّنَام ( مجمع البحرين : ج3 ص 1437 ) .
33- . الدُّوَل : جمع دُولة ؛ وهو ما يُتداوَل من المال ، فيكون لقوم دون قوم ( النهاية : ج2 ص 140 ) .
34- . خَوَلاً : أي خَدما وعَبيدا ، يعني أنّهم يستخدمونهم ويَستعبِدونهم ( النهاية : ج2 ص 88 ) .
35- . دَغَلاً : أي يَخدعون به الناسَ ، وأصل الدَّغَل : الشَّجَر الملتَفّ الَّذي يكمُن أهل الفَساد فيه ( النهاية : ج2 ص 123 ) .
36- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص171 ؛ الفتوح : ج2 ص373 نحوه وراجع مروج الذهب : ج2 ص350 .
37- . أنساب الأشراف : ج6 ص167 ، شرح نهج البلاغة : ج8 ص256 ؛ الشافي : ج4 ص294 وليس فيهما من « وبعث إليه » إلى « وردّها » .
38- . هما الكوفةَ والبَصرة ( لسان العرب : ج5 ص 176 ) .
39- . أنساب الأشراف : ج6 ص167 ؛ الشافي : ج4 ص294 نحوه .
40- . أنساب الأشراف : ج6 ص168 .
41- . المُحَرَّر : الَّذي جُعل من العبيد حُرّا فاُعتِق ( النهاية : ج1 ص 362 ) .
42- . غافر : 28 .
43- . الأمالي للطوسي : ص710 ح1514 .
44- . الكافي : ج 8 ص206 ح251 .
45- . الشَّجَنُ : أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق ( النهاية : ج2 ص 447 ) .
46- . المحاسن : ج2 ص94 ح1247 عن إسحاق بن جرير الجريري عن رجل من أهل بيته ، من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص275 ح2428 .
47- . الأمالي للمفيد : ص165 ح4 .
48- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص173 وراجع تاريخ الطبري : ج4 ص308 ، الكامل في التاريخ :ج2 ص264 ، الفتوح : ج2 ص377 .

ص: 39

. .

ص: 40

. .

ص: 41

. .

ص: 42

. .

ص: 43

. .

ص: 44

. .

ص: 45

. .

ص: 46

. .

ص: 47

. .

ص: 48

. .

ص: 49

. .

ص: 50

4 _ كتابه عليه السلام إلى قيصر الرّوم

4كتابه عليه السلام إلى قَيْصَر الرُّوملمَّا جلَس عُمَر في الخلافة، جَرى بين رَجل من أصحابه يقال له: الحارث بن سِنان الأزْدِي ُّ ، وبين رَجل من الأنْصار كلام ومنازَعة ، فلَمْ ينتصف له عُمر ، فلَحق الحارث بن سِنان بقيْصر ، وارْتَدَّ عن الإسلام ، ونَسي القرآن كلَّه، إلاَّ قوله تعالى : « وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الاْءِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الْأَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ » (1) ، فسَمع قَيصَرُ هذا الكَلام ، فقال : سَأكْتُب إلى مَلِك العَرب بمسائل ، فإنْ أخْبَرني عنها أطلقت ما عنْدي من الأُسارى ، وإنْ لمْ يخبرني تفسير مسائلي، عهدتُ إلى الأسارى، فعرضتُ عَلَيهِم النَّصرانيَّة ، فمَن قَبل منهم اسْتعبدته ، ومَن لمْ يقبل قتلتُه . فكتَب إلى عُمَر بن الخَطَّاب بمسائل : أحدها سؤاله عن تفسير الفاتِحة ، وعن الماء الَّذي ليْس من الأرض ولا من السَّماء ، وعمَّا يتنفَّس ولا رُوح فيه ، وعن عَصا موسَى ممَّن (2) كانت وما اسمها ، وما طولها ، وعن جاريةٍ بِكر لأخَوَين في الدُّنيا، وهي في الآخِرة لَواحد . فلمَّا وردت هذه المسائل على عُمر لم يعرف تفسيرها ، ففزع في ذلِك إلى عليِّ بن أبي طالب عليه السلام ، فكتَب عليه السلام إلى قيصر : « مِن عَلِيِّ بنِ أبِي طَالبٍ صِهْرِ مُحَمَّدٍ ، وَوَارِثِ عِلْمِهِ ، وَأقْربِ الخَلقِ إليْهِ ، ووَزيرِه ، ومَن حَقَّت لَهُ الوِلاَيَةُ ، وَأُمِرَ الخَلْقُ بِالبَراءَةِ مِن أعْدَائِهِ ، قُرَّةُ عَيْنِ رَسولِ اللّه ِ ، وزَوجُ ابْنَتِهِ ، وأبو وُلْده، إلى قَيصَرَ مَلِكِ الرُّومِ . أمَّا بَعْدُ ، فَإنِّي أحْمَدُ اللّه الَّذي لا إِلَه إلاَّ هُوَ ، عالِمُ الخَفيّاتِ ، ومُنْزِلُ البَرَكاتِ ، مَن يَهدِي اللّه ُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، ومَن يُضْلِل فَلا هادِيَ لَهُ ؛ وَرَدَ كِتابُكَ ، وأَقرَأنِيهِ عُمَرُ بنُ الخَطَّاب . فأمَّا سُؤالُكَ عَن اسْمَِ اللّه ِ، فإنَّهُ اسْم فيهِ شِفاءٌ من كُلِّ دَاءٍ ، وعَوْنٌ عَلى كُلِّ دَواءٍ . وأمَّا سُؤالُكَ عَنِ « الرَّحْمَ_نِ » ، فَهُوَ عَونٌ لِكُلِّ مَن آمَن بِهِ ، وهُوَ اسْمٌ لَم يَتَسمَّ بِهِ غَيْرُ الرَّحمنِ تَبارَكَ وتَعالَى . وأمَّا «الرَّحِيمِ» ، فرَحِيمُ مَن عَصَى وَتَاب وآمَنَ وعَمِلَ صالِحا . وَأمَّا قَولُهُ : « الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ » ، فَذَلِكَ ثَناءٌ مِنَّا عَلَى رَبِّنا تَبارَكَ وتَعالى بِمَا أنْعَم علَيْنا . وأمَّا قَولُهُ : « مَ__لِكِ يَوْمِ الدِّينِ » ، فَإنَّهُ يَملِكُ نَواصِيَ الخَلْقِ يَوْمَ القِيامَةِ ، وكُلّ مَن كَانَ فِي الدُّنيا شَاكَّا أوْ جَبَّارا أدْخلَهُ النَّارَ ، ولا يَمتنَعُ مِن عَذابِ اللّه ِ عز و جلشَاكٌ ولاَ جَبَّارٌ ، وَكُلّ مَن كانَ فِي الدُّنيا طَائِعا مُذْنِبا مَحَا خَطَايَاهُ ، وَأدْخَلَهُ الْجَنَّةَ برَحْمَتِهِ . وأمَّا قولُهُ : « إِيَّاكَ نَعْبُدُ » ، فَإنَّا نَعْبُدُ اللّه َ ، ولا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئا . أمَّا قولُهُ : «وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» ، فإنَّا نَسْتَعِينُ باللّه ِ عز و جل عَلَى الشَّيْطانِ ، لا يُضلّنا كَما أضلَّكُم . وأمَّا قولُهُ : «اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُسْتَقِيمَ» ، فَذَلِكَ الطَّرِيقُ الوَاضِحُ ، مَن عَمِلَ فِي الدُّنيا صَالِحا فإنَّه يسْلُكُ عَلى الصِّراطِ إلى الْجَنَّةِ . وأمَّا قولُهُ: «صِرَ طَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» ، فَتِلْكَ النِّعمَةُ الَّتي أنْعَمَها اللّه ُ عز و جلعلَى مَن كانَ قَبْلَنا مِنَ النَّبيِّينَ والصِّدِّيقِينَ ، فَنَسْألُ اللّه َ رَبَّنا أنْ يُنْعِمَ علَيْنا . وأمَّا قولُه عز و جل : «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» ، فَأُولَئِكَ اليَهود ُ ، بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللّه ِ كُفرا ، فَغَضِبَ عَلَيْهم فجعل منْهم القِرَدَة والخَنازِير ، فَنَسْألُ رَبَّنا أنْ لا يَغضَبَ علَيْنا كمَا غَضِبَ عَلَيْهم . وَأمَّا قولُهُ : «وَ لاَ الضَّآلِّينَ» ، فَأنْتَ وأمْثالُك يا عَابِدَ الصَّلِيْبِ الخَبِيثِ ، ضَلَلتُم بَعْدَ عِيْسَى بْنِ مَريَمَ عليه السلام ، نَسأَلُ رَبَّنا أنْ لا يُضِلَّنا كمَا ضَلَلتُم . وَأمَّا سُؤالُكُ عن المَاءِ الَّذي ليْسَ مِنَ الأَرضِ ولا مِنَ السَّماءِ ، فَذلِكَ الَّذي بَعَثَتهُ بَلْقيسُ إلى سُلَيْمان َ ، وهُوَ عَرَقُ الخَيلِ إذا جَرَت فِي الحُرُوبِ . وأمَّا سؤالكَ عَمَّا يَتنفّسُ ولا رُوحَ فيه ، فَذَلِك الصُّبحُ إذا تَنَفَّسَ . فأمَّا سؤالك عن عَصا موسَى ممَّا كانَت ، ومَا طُولُها ، وما اسْمُها ، ومَا هِيَ ، فإنَّها كانَت يُقال لَها : « البَرنِيَّة »، وتفسير البَرنِيَّة: الزَّابدة ، وكانَت إذا كانَت فيْها الرُّوحُ زَادَت ، وإذا خَرَجَ منها الرُّوحُ نَقَصَت ، وكانت من عَوْسَج (3) ، وكانَت عَشَرةَ أذْرُعٍ ، وكانَت مِنَ الجَنَّة ، أَنزَلَها جَبرائيلُ عليه السلام على شُعَيْب عليه السلام . وأمَّا سُؤالُكَ عَن جَارِيَةٍ تكُونُ في الدُّنيا لأخَوَينِ ، وفي الآخِرةِ لِواحِدٍ ، فَتِلكَ النَّخلةُ، هي في الدُّنيا لِمُؤمِنٍ مِثْلِي ولِكافِرٍ مِثْلِك ، ونَحْنُ مِن وُلْدِ آدَمَ[ عليه السلام ] وهِيَ فِي الآخِرةِ لِلمُسلِمِ دُونَ المُشْرِكِ ، وهِي فِي الجَنَّةِ لَيْست فِي النَّارِ ، وذلِكَ قَولُهُ عليه السلام : « فِيهِمَا فَ_كِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمَّانٌ » (4) » . ثُمَّ طَوى الكتاب وأنْفذَه إليْه ، فلمَّا قرَأه قيصر عهد إلى الأسارى فأطلقهم ، واخْتارهم ، ودَعا أهل مَمْلكَته إلى الإسلام والإيمان بمحمَّد صلى الله عليه و آله ، فاجْتمعت عليْه النَّصارى ، وهمُّوا بِقَتلِهِ ، فأجابهم ، فقال : يا قَوْمُ، إنِّي أرَدتُ أنْ أُجرِّبَكم ، وإنَّما أظهرتُ ما أظهرتُ لأنظُر كيف تكونون؟ فقد حَمَدتُ الآن أمرَكُم عنْد الاخْتبار . فسَكَتُوا واطْمأنُّوا ، فقالوا : كَذلِكَ الظَّنُ بِكَ ، وَكَتَم قَيصَرُ إسلامَهُ حتَّى ماتَ ، وهوَ يقول لخواصِّ أصحابه ومَن يَثِقُ بِهِ : إنَّ عيسَى عليه السلام عبْد اللّه ورسُولُهُ ، وكلمته ألْقاها إلى مَريم ، ومحمَّد ٌ صلى الله عليه و آله نَبيٌّ بعْدَ عيسَى ، وإنَّ عيسَى بشَّر أصحابَه بمحمَّد صلى الله عليه و آله ، ويقول : « مَن أدرَكَهُ فلْيقرأ (5) منِّي السَّلام ، فإنَّه أخِي وعَبدُ اللّه ُ ورَسولُهُ » . وماتَ قَيصَر _ على القوْل _ مسلِما ، فلمَّا ماتَ وتولَّى بعده هِرَقْلُ ، أخْبروه بذلِك ، قال : اكتموا هذا ، وأنْكروه ، ولا تُقِرُّوا بهِ ، فإنَّه إنْ يظهَر طمعَ مَلِكُ العَرب ، وفي ذلك فَسادُنا وهَلاكُنا ، فمَن كان من خواصِّ قَيصَرَ وخَدَمِهِ وأهْلِهِ على هذا الرَّأي كَتَموه ، وهرقل (6) أظْهَر النَّصرانيَّة وقوي أمره ، والحمد للّه وحدَه وصلَّى اللّه على محمَّد وآله الطَّاهرين . (7)

.


1- . آل عمران :85 .
2- . كذا في المصدر، والصحيح : « ممّا كانت »؛ لأنّ « مَن » يُسألُ بها عن العاقل.
3- . العوسج : من شجر الشّوك .
4- . الرحمن : 68 .
5- . هكذا في الإرشاد، وفي البحار: فليقرأه، وهو الصحيح.
6- . كلمة « هرقل » نقلناها من البحار.
7- . إرشاد القلوب : ص365 وراجع : بحار الأنوار : ج10 ص61 .

ص: 51

. .

ص: 52

. .

ص: 53

. .

ص: 54

5 _ كتابه عليه السلام إلى عمر بن الخطّاب

5كتابه عليه السلام إلى عمر بن الخَطَّابفي المناقب : استعجم عليه _ عمر _ شيء، ونازع عبد الرَّحمان ، فكتبنا إليه أن يتجشَّم بالحضور ، فكتَب إليهما : « العِلمُ يُؤْتَى ولا يَأتِي » . فقال عمر : هناك شيخٌ من بني هاشم ، وأثارة من علم ، يُؤتَى إليهِ ولا يأتِي . (1)

.


1- . المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص31 ، بحار الأنوار : ج40 ص148 . وفيه: « فكتبا إليه » بدل « فكتبنا إليه » وهو أنسب للسياق.

ص: 55

الفصل الثاني : مكاتيبه عليه السلام بعد خلافته حتّى الوصول إلى الكوفة

اشاره

الفصل الثاني : مكاتيبه بعد خلافته حتّى الوصول إلى الكوفة

.

ص: 56

. .

ص: 57

6 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

6كتابه عليه السلام إلى معاويةنقل ابن قُتَيْبَة في الإمامة والسِّياسة ، أوَّل كتاب له عليه السلام إلى معاوية قال : _ بعد ذكر ما جرى بعد بيعة النَّاس لعليّ عليه السلام ، وما قال ابن عبَّاس والمُغِيْرَةُ ، وما أجابهما في معاوية _ فكتَب عليٌّ إلى معاوية :« أمَّا بَعدُ ، فَقَد وَلَّيتُكَ ما قِبَلَكَ مِنَ الأمرِ والمالِ ، فَبَايِع مَنْ قِبَلَكَ ، ثُمَّ أَقدِم إليَّ فِي ألفِ رَجُلٍ مِن أَهلِ الشَّامِ » .

فَلَمَّا أتى مُعاوِيَةَ كِتابُ عليّ دَعا بطُومارٍ فكتَب فيه : من معاوية إلى عليّ ، أمَّا بعدُ ، فإنَّه : لَيسَ بَينِي وَبَينَ قَيْسٍ عِتابُغيرَ طَعنِ الكِلَى وَضَرْبِ الرِّقابِ (1) [ ولكن لا يخفى على مَن له أدنَى إلمام بالتَّاريخ، أنَّ هذا الكتاب مفتعل، اختلقه أنصار بنِي أُميَّة قدحا في أمير المؤمنين عليه السلام من جهة ، ومدحا لمعاوية من جهةٍ اُخرى ، أو كذبة من قصَّاص يلقي القصَّة ويختلقها لجَلب النَّاس إليه ، لأنَّ المورِّخين نقلوا: أنَّ المُغيْرَة بن شُعْبَة ، جاء إلى أمير المؤمنينن عليه السلام ، مُظهرا للنُصح ، وطلب منه أن ينصب معاوية لحكومة الشَّام ، حتَّى يتمَّ له الأمر ، ثُمَّ يعزله بعد ذلك، فقال عليّ عليه السلام : « لَستُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُدا » أو قريبا من هذا الكلام . ثُمَّ جاء ابن عبَّاس ، فسأل أمير المؤمنين عليه السلام عن مجيء المُغِيْرَة ، فأخبره عليّ عليه السلام بما جاء به ، فصدَّق ابن عبَّاس المُغِيْرَة بن شُعْبَة ، فزجره أمير المؤمنين عليه السلام . (2) وقد بحث المحقِّقون حولَ هذا الأمر ، ودقَّقوا النَّظر في هذه الفكرة ، وهي عدم تولية أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام مُعاوِيَةَ وَلو شهرا ، حَتَّى يسْتقرَّ أمر حكومته ، ويُرسي قواعد خلافته ، وينقطع الخلاف بين المسلمين ، ثُمَّ يعزله متى شاء وأراد ، ولقد بحث ابن أبي الحديد بحثا شافيا حول سياسة أمير المؤمنين عليه السلام ، والفرق بين سياسته وسياسة عمر ومعاوية . (3) وَعَزلُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام عُمَّالَ عثمان عُموما ، ومعاوية خصوصا ، لا يخفى على مَن راجع كتُب التَّاريخ، كالطبري ومروج الذَّهب ، واليعقوبي ، والبحار ، وسفينة البحار ، والغدير ، وأحاديث أمّ المؤمنين . (4) وإذا أردت أنْ تعرِف معاوية ، ونظر النَّبيّ صلى الله عليه و آله وعليّ عليه السلام والصَّحابة فيه ، وأعماله الشَّنيعة ، وجناياته على الدِّين وأهله ، فراجع : الغدير : الجزء العاشر والجزء الحادي عشر ، من أوَّلِهما إلى آخرهما ، واقرأهما قراءة تحقيق وتدقيق . مع أنَّ عبائر ابن قُتَيْبَة حاكية عن كون النَّقل كذبا ، لأنَّ ما نقله من قول عليّ عليه السلام للمُغِيرَة : « سِر إلى الشَّام ِ فَقَد وَلَّيتُكَها » . وإباء المُغيْرَة ذلك ، (5) وقوله عليه السلام ذلك لابن عبَّاس ، ورفضه أيضا ، وما نقله _ بعد الكتاب _ من كلام الحسن السِّبط عليه السلام لعليّ عليه السلام ، وما أجابه به في كلام طويل جاء في آخره: « وَ إنَّكَ لَتعلَمُ أَنَّ أباكَ أبرأُ النَّاسِ مِن دَمِهِ » فقال له الحسن عليه السلام : « دَع عَنكَ هذا، واللّه ِ إنِّي لا أظُنّ، بل لا أشُكُّ ، أنَّ ما بِالمَدِينَة من عَاتِقٍ ولا عَذراءَ ولا صَبيٍّ إلاّ وَعَلَيهِ كِفلٌ مِن دَمِهِ » إلى آخر الكلام (6) ، دليلٌ على أنَّ هذا الفصل قد افتعل لأمر دبّر بليل ، مع أنَّ ابن قُتَيْبَة نقل قول عليّ عليه السلام لابن عبَّاس في طَلْحَة والزُّبَيْر ، « وَ لَو كُنتُ مُستَعمِلاً أَحَدا لِضَرِّهِ وَنَفعِهِ لاستَعمَلتُ مُعاوِيَةَ عَلى الشّامِ » . (7) مَعَ أنَّ مُعاوِيَةَ منافقٌ متجاهِر بالفِسق والطُّغْيان ، منذ بدء حياته ، وحَتَّى في زَمَن عمر ، إلى أن نزل به الحتف ولا يمكن لعليّ عليه السلام أن يستعمله على أيّ كورة أو قرية ، وإن شئت أن تعرِف حقيقة معاوية وما يرومه ، وما طوِيَّتُه وأهدافه ، وما كان يبتغيه للإسلام والمسلمين ، فراجع : « النَّصائح الكافية لمن يتولّى معاوية » ، و« أحاديث أمّ المؤمنين » ، وابن أبي الحديد ، والغدير ، وسفينة البحار . (8) وكيف يولّيه أمير المؤمنين عليه السلام ، ويسلّطه على المسلمين ، وهو يقول لابن عبَّاس في كتابه إليه : « فَارْبَعْ أبا الْعَبَّاسِ _ رَحِمَكَ اللّه ُ _ فيما جَرَى عَلَى لِسَانِك ، و يَدِك من خَيْرٍ وشَرٍّ ، فإِنَّا شَرِيكَانِ في ذلك » وقد تقدَّم ، وكَيفَ يُوَلّيهِ وهو يعرفه حقّ المعرفة ، وهو يسمع من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما نقله الغدير من القول في معاوية ؟ وكيف يصحّ هذا الكتاب مع كتابه عليه السلام إلى معاوية : « وَأمَّا طَلَبُكَ إليّ الشَّامَ ، فَإنِّي لَم أكُن لأُعطِيَكَ مَا مَنَعتُكَ أمسِ » . (9) والَّذي أظنّه هو أنّ هذا الواضع المفتري، قد وضع ذلك الكتاب تبريرا لعمل عمر وعثمان ، حيث ولَّيا معاوية ، وسلّطاه على الاُمَّةِ ، وأطمعاه في الخلافة ، ومهّدا له الأمر . وكيف يصحّ هذا الكتاب ، مع أنَّ معاوية يكتب إلى طَلْحَة والزُّبَيْر وعمَّال عثمان ما نقله ابن أبي الحديد (10) ، يحرّضهم على جدّهم في أعمالهم ، وحفظهم الأصقاع والمُدُنَ الَّتي هم منصوبون عليها من قبل عثمان ؟، وَيحرِّض طَلْحَة والزُّبَيْر على الخلافة ، ويعدهما البيعة ؟. (11) وكيف يصح هذا مع ما ورد في كتابه عليه السلام إلى جَرِير : « وإنَّ المُغيْرَةَ بنَ شُعْبَةَ قَد كَانَ أشارَ عَلَيَّ أن استَعمِلَ مُعاوِيَةَ علَى الشَّامِ ، وَأَنا حِينَئِذٍ بالمَدينَةِ ، فَأبَيتُ ذَلِكَ عَلَيهِ ، وَلَم يَكُنِ اللّه ُ لِيَرانِي أتَّخِذُ المُضِلِّينَ عَضُدا » . نقل البلاذري في أنساب الأشراف : قال أبو مِخْنَف وغيره : وجَّه عليّ عليه السلام المِسْوَر بن مَخْرَمَة الزُّهْريّ إلى معاوية _ رحمه اللّه _ لأخذ البيعة عليه ، وكتب إليه معه : « إنَّ النَّاسَ قَد قَتَلُوا عُثمانَ عَن غَيرِ مشورَةٍ مِنِّي ، وَبَايَعُوا لِي ، فَبَايِع رَحِمَكَ اللّه ُ مُوَفّقا ، وَفِد إليَّ فِي أَشرافِ أهلِ الشَّامِ » ، ولم يذكر له ولاية ، فلمَّا ورد الكتاب عليه ، أبى البيعة لعلي واستعصى . . . . (12) وللبَلاذِري كلام يعلم منه كذب ما نسب إلى ابن عبَّاس في تولية معاوية ، بل يعرف منه ما دبّره معاوية وأعداء أمير المؤمنين عليه السلام ، وعلم ابن عبَّاس بذلك . قال في أنساب الأشراف : وقال أبو مِخْنَف وغيره : قال المُغِيْرَة بن شُعْبَة ( لعليّ ) : أرى أن تُقِرَّ معاوية على الشَّام ، وَتُثبِتَ ولايته ، وتُوَلّي طَلْحَة والزُّبَيْر المِصرَينِ ، ( كي ) يستقيم لك النَّاس . فقال عبد اللّه بنُ العبَّاس : إنَّ الكوفة والبصرة عين المال ، وإن ولَّيتَهُما إيَّاهما، لم آمن أن يُضَيّقا عَلَيكَ ، وَإن وَلَّيتَ مُعاوِيةَ الشَّامَ لَم تَنفَعكَ وِلايَتُهُ . فقال المُغِيْرَة : لا أرى لك أن تنزع مُلك معاوية ، فانَّه الآن يتَّهمكم بقتل ابن عمّه ، وإن عزلته قاتلَكَ ، فَوَلّهِ وَأطِعنِي . فأبى وقبل قول ابن عبَّاس . (13) وقد نقل البلاذري الكتاب المتقدّم بهذه الصّورة : « إنْ كَانَ عُثمَانُ ابنَ عَمّكَ فَأنَا ابنُ عَمّكَ ، وَإنْ كَانَ وَصَلَكَ فإنِّي أصِلُكَ وَقَد أمرتك عَلَى مَا أنتَ عَلَيهِ فاعمَل فِيه بِالّذي لحقّ (14) عليك » . (15) ]

.


1- . الإمامة والسياسة : ج1 ص68 وراجع : أنساب الأشراف : ج1 ص212 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص385 الرقم375 و376 .
2- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص439 _ 441 ، مروج الذَّهب : ج2 ص363 و364 و382 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج10 ص232 _ 233 .
3- . راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج10 ص212 و227 _ 260 .
4- . راجع: تاريخ الطبري : ج4 ص439 _ 441 ، مروج الذَّهب : ج3 ص364 و381 و382 ، أحاديث أمّ المؤمنين : ص239 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص169 ، سفينة البحار : ج2 ص290 ، الغدير ج10 ص148 _ 157 .
5- . راجع :الإمامة والسياسة : ج1 ص68 ، أنساب الأشراف : ص208 ، تاريخ الطبري : ج3 ص461 ، تاريخ مدينة دمشق : ج59 ص122 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص139 .
6- . راجع : الإمامة والسياسة : ج1 ص69 .
7- . راجع : الإمامة والسياسة : ج1 ص71 .
8- . أحاديث أمّ المؤمنين : ص209 _ 258 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج5 ص 129 _ 131 وج10 ص227 _ 231 ؛ الغدير ج10 و11 ، سفينة البحار : ج2 ص290 _ 293 .
9- . راجع : نهج البلاغة : الكتاب17 ، وقعة صفِّين : ص471 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص361 ، كنزالفوائد : ص201 ، بحار الأنوار : ج32 ص612 وج33 ص105 و130 ، الغدير :ج10 ص324 ، شرح نهج البلاغة للآملى : ج18 ص 248 _ 253 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص115 ، المحاسن للبيهقي : ص53 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص103 ، مروج الذَّهب : ج4 ص14 ، تاريخ الطبري : ج6 ص3083 و3086 .
10- . راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج10 ص232 _ 247 .
11- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص231 _ 247 ، أنساب الأشراف : ج1 ص257 .
12- . أنساب الأشراف : ج3 ص12 .
13- . أنساب الأشراف : ج3 ص10 .
14- . هكذا في المصدر، وأظُّنها: «لي حقٌّ» أو «للحقّ» واللّه أعلم.
15- . أنساب الأشراف : ج 3 ص13 .

ص: 58

. .

ص: 59

. .

ص: 60

. .

ص: 61

. .

ص: 62

7 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

8 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

9 _ كتابه عليه السلام إلى طلحة والزّبير

7كتابه عليه السلام إلى معاويةمن كتاب له عليه السلام إلى معاوية في أوَّل ما بويع له بالخلافة :« مِنْ عَبْدِ اللّه ِ عَلِيٍّ أمِيرِ الْمُومِنِينَ إلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أبِي سُفْيَانَ : أمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ عَلِمْتَ إِعْذَارِي فِيكُمْ وإِعْرَاضِي عَنْكُمْ ، حَتَّى كَانَ مَا لا بُدَّ مِنْهُ ولا دَفْعَ لَهُ ، والْحَدِيثُ طَوِيلٌ وَالْكَلامُ كَثِيرٌ ، وقَدْ أدْبَرَ مَا أدْبَرَ ، وأقْبَلَ مَا أقْبَلَ ، فَبَايِعْ مَنْ قِبَلَكَ ، وأقْبِلْ إِلَيَّ فِي وَفْدٍ مِنْ أصْحَابِكَ والسَّلامُ » . (1)

8كتابه عليه السلام إلى معاويةمن كتاب له عليه السلام _ لمَّا بويع بالمدينة _ إلى معاوية :« أمَّا بعدُ ، فإنَّ النَّاس قَتَلوا عُثْمانَ عَنْ غَيْرِ مَشْوِرَةٍ مِنِّي ، وَبَايَعُونِي عن مَشْوِرَةٍ منهُم واجْتِماعٍ ، فإذا أتَاكَ كِتَابِي فبَايِع لِي ، وَأوفِد إليَّ أشْرَافَ أهْلِ الشَّام ِ قِبَلَكَ » . (2)

9كتابه عليه السلام إلى طَلْحَة والزُّبَيْرمن كلام له عليه السلام كلَّم به طَلْحَة والزُّبَيْر بعد بيعته بالخلافة ، وقد عتبا عليه من ترْك مشورتهما ، والاستعانة في الأمور بهما : « لَقَدْ نَقَمْتُمَا يَسِيرا ، وأرْجَأْتُمَا كَثِيرا . ألا تُخْبِرَانِي أيُّ شَيْءٍ كَانَ لَكُمَا فِيهِ حَقٌّ دَفَعْتُكُمَا عَنْهُ ؟ أمْ أيُّ قَسْمٍ اسْتَأْثَرْتُ عَلَيْكُمَا بِهِ ؟ أمْ أيُّ حَقٍّ رَفَعَهُ إِلَيَّ أحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِين َ ضَعُفْتُ عَنْهُ أمْ جَهِلْتُهُ أمْ أخْطَأْتُ بَابَهُ ؟ واللّه ، مَا كَانَتْ لِي فِي الْخِلافَةِ رَغْبَةٌ ، ولا فِي الْوِلايَةِ إِرْبَةٌ ، ولَكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا ، وحَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا ، فَلَمَّا أفْضَتْ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلَى كِتَابِ اللّه ، ومَا وَضَعَ لَنَا ، وأمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ ، ومَا اسْتَنَّ (3) النَّبِي ُّ صلى الله عليه و آله فَاقْتَدَيْتُهُ ، فَلَمْ أحْتَجْ فِي ذَلِك إلَى رَأْيِكُمَا ، ولا رَأْي غَيْرِكُمَا ، ولا وَقَعَ حُكْمٌ جَهِلْتُهُ فَأَسْتَشِيرَكُمَا وإِخْوَانِي مِنَ الْمُسْلِمِين َ ، ولَوْ كَانَ ذَلِك لَمْ أرْغَبْ عَنْكُمَا وَلا عَنْ غَيْرِكُمَا . وأمَّا مَا ذَكَرْتُمَا مِنْ أمْرِ الأُسْوَةِ ، فَإِنَّ ذَلِك أمْرٌ لَمْ أحْكُمْ أنَا فِيهِ بِرَأْيِي ، ولا وَلِيتُهُ هَوًى مِنِّي ، بَلْ وَجَدْتُ أنَا وأنْتُمَا مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله قَدْ فُرِغَ مِنْهُ ، فَلَمْ أحْتَجْ إِلَيْكُمَا فِيمَا قَدْ فَرَغَ اللّه ُ مِنْ قَسْمِه ، وأمْضَى فِيهِ حُكْمَهُ ، فَلَيْسَ لَكُمَا واللّه ِ عِنْدِي ولا لِغَيْرِكُمَا فِي هَذَا عُتْبَى . أخَذَ اللّه بِقُلُوبِنَا وقُلُوبِكُمْ إلَى الْحَقِّ ، وألْهَمَنَا وإيَّاكُمُ الصَّبْرَ . ثم قال عليه السلام : رَحِمَ اللّه رَجُلا رَأى حَقّا فَأَعَانَ عَلَيْه ، أوْ رَأى جَوْرا فَرَدَّهُ ، وكَانَ عَوْنا بِالْحَقِّ عَلَى صَاحِبِه » . (4)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب75 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص384 .
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص230 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص385 .
3- . في نسخة صبحي الصالح: « استَسَنَّ ».
4- . نهج البلاغة : الخطبة 205 وراجع : المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص152 ، الجمل : ص167 ؛ المناقب للخوارزمي : ص116 ، الفتوح : ج2 ص300 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص66 ، أحاديث أمّ المؤمنين : ص138 ، السيرة الحلبية : ج3 ص322 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص377 .

ص: 63

. .

ص: 64

10 _ كتابه عليه السلام إلى بعض عمّاله

10كتابه عليه السلام إلى بعض عمَّالهجاء في البحار : رأينا في بعض الكتب القديمة روايةً في كيفيَّة شهادته عليه السلام ، أوردنا منه شيئا ممَّا يُناسب كتابنا هذا على وجه الاخْتصار ، قال : روى أبو الحسن عليّ بن عبداللّه بن محمَّد البَكريّ ، عن لوط بن يَحْيَى ، عن أشْياخه وأسْلافه ، قالوا : لمَّا توفي عُثمان ، وبايع النَّاس أميرَ المؤمنين عليه السلام ، كان رَجلٌ يقال له : حَبيب بن المُنتجَب ، واليا على بعض أطراف اليَمَن من قِبَل عُثمان ، فأقرَّه عليّ عليه السلام علَى عملِه ، وكتَب إليْه كتابا يقول فيه :« بسم اللّه الرّحمن الرحيم من عبْد اللّه أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب إلى حبيب بن المنتجب . سلامٌ عليْك ، أمَّا بَعْدُ ، فإنِّي أحْمدُ اللّه َ الَّذي لا إلهَ إلاَّ هوَ ، وأُصَلِّي على محمَّدٍ عبْدِهِ ورَسُولِهِ . وبعْدُ فإنِّي وَلَّيتُك ما كُنْتَ عليْهِ لِمِن كانَ مِن قبلُ ، فَأمسِكْ على عَملِكَ ، وإنِّي أوصِيكَ بالعَدْلِ في رَعيَّتِكَ ، والإحسانِ إلى أهْل ممْلَكَتِكَ . واعْلَم أنَّ مَن وُلِّي على رِقاب عَشرَةٍ مِنَ المُسلمين َ _ ولمْ يعدل بينهم _ حَشَرَهُ اللّه ُ يوْمَ القِيامَةِ ، ويَداهُ مغْلُولَتانِ إلى عُنُقِهِ ، لا يَفُكُّها إلاَّ عَدلُهُ في دَارِ الدُّنيا ، فإذا ورَدَ عَليْكَ كِتابِي هذا فاقْرأهُ على مَن قِبلَكَ مِن أهلِ اليَمَن ِ ، وخُذْ لِيَ البَيْعَةَ على مَن حضرَكَ مِن المُسلِمين َ ، فإذا بايعَ القَوْمُ مِثْلَ بَيْعَةِ الرِّضْوانِ ، فَامْكُث في عَمَلِك ، وأنْفِذْ إليَّ مِنْهُم عَشَرَةً يَكُونُونَ منِ عُقلائِهِم وفُصَحائِهِم وَثِقاتِهِم ، مِمَّن يكون أشدَّهم عَوْنا مِن أهْلِ الفَهمِ وَالشَّجاعَةِ ، عارِفينَ باللّه ِ ، عَالِمينَ بأديَانِهِم ، وَمَا لَهُم ومَا عَلَيْهِم ، وأجوَدَهُم رَأيا ، وَعَليْكَ وَعَلَيْهِمُ السَّلامُ » .

.

ص: 65

11 _ كتابه عليه السلام إلى أبي موسى الأشعريّ

وطوى الكتاب وختمه ، وأرسله مع أعرابيّ ، فلمَّا وَصل إليْه قبَّله ووضعَه على عَيْنَيه ورأسهِ ، فلمَّا قرأه ، صَعَدَ المِنبَرَ ، فَحَمِدَ اللّه َ وأثنَى عَلَيهِ . . . (1)

11كتابه عليه السلام إلى أبي موسى الأشْعَرِيّمن كتاب له عليه السلام إلى أبي موسى الأشْعَرِي ّ: روى أبو مِخْنَف ، قال : حدَّثني الصَّقعب ، قال : سمِعت عبْد اللّه بن جُنادة ، يحدِّث أنَّ عليَّا عليه السلام لمَّا نَزَلَ الرَّبَذَة ، بَعَثَ هاشِمَ بن عُتْبَة بن أبي وَقَّاص إلى أبي موسَى الأشْعَرِي ّ _ وهو الأمير يَومئِذٍ على الكوفة _ ليَنْفِر إليْه النَّاس ، وكتَبَ إليْه معَه :« مِن عَبْدِ اللّه عليّ أمِيرِ المُؤمِنِينَ إلى عَبْدِ اللّه ِ بنِ قَيْس . أمَّا بَعدُ ، فإنِّي قَدْ بَعَثْتُ إليْكَ هاشِمَ بْنَ عُتْبَة َ ، لِتُشْخِصَ إليَّ مَن قِبَلَكَ مِنَ المُسلِمين َ ، لِيَتَوجَّهُوا إلى قَوْمٍ نَكَثُوا بَيْعَتي ، وَقَتَلُوا شِيْعَتِي ، وَأحْدَثُوا في الإسْلام ِ هَذا الحَدَثَ العَظيمَ ، فأشْخِصْ بالنَّاسِ إليَّ مَعَهُ حيْنَ يَقْدِمُ عَلَيْكَ ، فإنِّي لمْ أُولِّكَ المِصرَ الَّذِي أنْتَ فيهِ ، وَلَمْ أُقِرَّكَ عَلَيْهِ، إلاَّ لِتَكونَ مِن أعوانِي على الحقِّ ، وأنْصارِي علَى هذا الأمرِ ، والسَّلامُ » . (2)

.


1- . بحار الأنوار : ج42 ص259 .
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج14 ص8 وراجع : الجمل : ص242 ؛ تاريخ الطبري :ج6 ص3172 ، أنساب الأشراف : ج2 ص234 .

ص: 66

12 _ كتابه عليه السلام إلى أبي موسى الأشعريّ

أبو موسى الأشعريّ

12كتابه عليه السلام إلى أبي موسى الأشْعَرِي ّنقل مصنِّف كتاب معادن الحكمة (1) رحمه الله ، كتابه عليه السلام إلى أبي موسى مع ابن عبَّاس ومحمّد بن أبي بكر من الرَّبَذَة ، وَلكِنّ المسعودي َّ _ في مروج الذَّهب _ نقله بنحو آخر :« اعتَزِل عَمَلَنا يا ابنَ الحائِكِ ، مَذمُوما مَدْحُورا ، فَما هذا أوَّلَ يومِنا مِنكَ ، وإنَّ لكَ فِينا لهَناتٍ وهُنَيَّاتٍ » . (2)

وقد نقله الطَّبري في تاريخه ، هكذا : بعَث [ أمير المؤمنين ] قَرَظَةَ بن كَعْب الأنْصاريّ أميرا على الكوفة ، وكتَب معه إلى أبي موسى :« أمَّا بعدُ ، فقد كنت أرَى أن بُعدَكَ مِن هَذا الأمْرِ الَّذي لم يَجعَلِ اللّه ُ عز و جللَكَ مِنهُ نَصِيبا ، سَيَمْنَعُكَ من رَدّ أمري ، وَقَد بَعَثْتُ الحسنَ بن عليٍّ وَعَمَّار بن ياسِر يَسْتَنْفِران النَّاسَ ، وَبَعثْتُ قَرَظَةَ بن كَعْبٍ واليا على المصر ، فاعتَزِل عَمَلَنا مَذمُوما مَدحُورا ، فإنْ لم تفعل، فإنِّي قد أَمَرْتُهُ أن يُنابِذَكَ ، فإنْ نابَذْتَهُ فَظَفَر بِكَ أنْ يُقَطِّعَكَ آرابا » . (3)

أبو مُوسَى الأشْعَرِيّهو عبد اللّه بن قَيْس بن سُلَيْم، المشهور بأبيموسى الأشْعَرِيّ . من أهل اليمن (4) ، وأحد صحابة النَّبيّ صلى الله عليه و آله (5) . أسلم فيمكّة (6) . وكان حَسَنَ الصَّوت، واشتهربالقراءة (7) . ولاّه النَّبيّ صلى الله عليه و آله على مناطق من اليمن (8) . وولِي البصرة (9) في عهد عمر بعد عزل المُغِيْرَة (10) . عندما كان واليا على البصرة ، فتح كثيرا من مناطق إيران ، منها الأهواز (11) ، وتُستَر (12) ، وقمّ (13) ، وإصفهان (14) ، وجُنديسابور (15) . وظلّ واليا على البصرة في أوّل خلافة عثمان (16) ، ثمّ عزله عثمان وجعل مكانه عبد اللّه بن عامر بن كريز (17) ، الَّذي كان ابن خمس وعشرين سنة (18) . ولمّا ثار أهل الكوفة على عثمان وواليه سعيد بن العاص ، وطلبوا أبا موسى ، وافق عثمان على ذلك ، وولي أبو موسى الكوفة (19) . وعندما تسلّم أمير المؤمنين عليه السلام مقاليد الخلافة، أبقاه في منصبه باقتراح مالك الأشْتَر (20) . وهو الوالي الوحيد الَّذي ظلّ في منصبه من ولاة عثمان (21) . وكان أبو موسى يثبّط النَّاس عن نصرة الإمام عليه السلام في فتنة أصحاب الجمل ، فعزله الإمام (22) ، وأخرجه مالك الأشْتَر من الكوفة (23) . اعتزل أبو موسى القتال في صفِّين (24) وانضمّ إلى القاعدين . ولكن عندما فُرِضَ التَّحكيم على الإمام عليه السلام ، فُرِضَ أبو موسى حَكَما عليه أيضا، بإصرار الأشْعَث بن قَيْس ، والخَزْرَج وبلبلتهم . وكان الإمام عليه السلام يعلم أنّ أبا موسى سيُضيِّع الحقّ بمكيدة عَمْرو بن العاص ، وكذلك كان يعتقد أصحابه الأجلاّء كمالك الأشْتَر ، وابن عبّاس ، والأحْنَف بن قَيْس (25) . وفي آخر المطاف انخدع أبو موسى بمكيدة ابن العاص ، وعجز عن استخلاف عبد اللّه بن عمر ، الَّذي كان صهره (26) ، وكان يطمع فيها (27) . لقد وَهِم أبو موسى بظنّه أ نّه عزل عليّا عليه السلام ومعاوية ، واستغلّ ابن العاص الفرصة بمكره وكيده ، فأبقى معاوية . وعبّر أبو موسى بحماقته هذه عن دوره المخزي في التَّاريخ مرَّة اُخرى ، وساق المجتمع الإسلامي إلى هاوية الدَّمار (28) . ويا عجبا ! فإنّ التَّدقيق في حِوار الرَّجلين، يدلّ على أنّ أبا موسى كان غير مطّلع على موضوع التَّحكيم ، ولم يعلم في الحقيقة كُنهَ ما يريد أن يُحكّمَ فيهِ . لجأ أبو موسى بعد ذلك إلى مكّة (29) . وعندما مَلَكَ معاوية كان يتردّد عليه ، وكان معاوية يحتفي به (30) . وكان أمير المؤمنين عليّ عليه السلام يدعو في صلاته على أبي موسى ، ومعاوية ، وابن العاص (31) . ويدلّ التَّدبّر في حياة أبي موسى الأشعري ، وإنعام النَّظر فيما ذكرناه، أنّه كان جامد الفكر من جهة، ومتلوِّن السُّلوكِ من جهةٍ اُخرى . فلا هو من اُولي الفكر الحركي الفعّال ، ولا هو من أصحاب السَّعي اللاّئق المحمود . لقد كان رجلاً ظاهر التَّنسّك، دون الاهتداء بما يُمليه عليه العقل . مات أبو موسى سنة 42 ه (32) وهو ابن ثلاث وستّين سنةً (33) . قال الإمام عليّ عليه السلام _ في وصف أبي موسى الأشْعَرِيّ _ : « وَ اللّه ِ مَا كَانَ عِندِي مُؤتَمَنا وَلا ناصحا ، وَ لَقَد كَانَ الَّذينَ تَقَدَّمُونِي استَولَوا عَلى مَوَدَّتِهِ ، وَوَلُّوهُ وَسَلَّطُوهُ بالإمرَةِ عَلى النَّاسِ ، وَلَقَد أَردتُ عَزلَهُ ، فَسأَلَني الأشْتَر ُ فيهِ أن اُقرِّهُ ، فَأقرَرتُهُ علَى كُرهٍ مِنّي لَهُ ، وتَحَمّلتُ علَى صَرْفِهِ من بعدُ (34) » . وجاء في مروج الذَّهب _ في ذكر حرب الجمل _ : كاتب عليّ من الرَّبَذَة أبا موسى الأشْعَرِيّ ليستنفر النَّاس ، فثبّطهم أبو موسى وَقَالَ : إنّما هِيَ فِتنَةٌ ، فنُمِيَ (35) ذلك إلى عليّ ، فَوَلّى على الكُوفَةِ قَرَظَةَ بن كَعْبٍ الأنْصاريّ ، وكتب إلى أبي موسى : « اعتزل عَمَلَنا يابنَ الحَائِكِ مَذمُوما مَدُحورا ، فما هذا أوّلَ يَومِنا مِنكَ ، وَإنَّ لَكَ فينا لَهَنَاتٍ وَهُنَيَّاتٍ (36) » . وفي سِيَرِ أعلامِ النبلاء _ عن شَقِيق _ : كنّا مع حُذَيْفَة جلوسا ، فدخل عبد اللّه وأبو موسى المسجد ، فقال : أحدهما منافق، ثمّ قال : إنَّ أشبه النَّاس هَدْيا ودَلاًّ وسَمْتا برسول اللّه صلى الله عليه و آله عبداللّه (37) . وفي شرح نهج البلاغة : روي أنّ عَمَّار ا سُئل عن أبي موسى ، فقال : لقد سمعت فيه من حُذَيْفَة قولاً عظيما ، سمعته يقول : صاحب البُرْنُس (38) الأسْوَد ، ثمّ كلح كلوحا (39) ، علمت منه أنّه كان ليلة العقبة بين ذلك الرَّهط (40) . وفي تاريخ مدينة دمشق عن أبي تِحيَى حُكَيم : كنت جالسا مع عَمَّار ، فجاء أبو موسى فقال : مالي ولك ؟ قال : أ لستُ أخاك ؟ قال : ما أدري، إلاّ أنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يلعنك ليلة الجمل (41) . قال : إنّه قد استغفر لي . قال عَمَّار : قد شهدتُ اللَّعنَ ، ولم أشهد الاستغفار (42) . وفي تاريخ الطبري عن جُوَيْريَّة بن أسماء : قدم أبو موسى على معاوية ، فدخل عليه في بُرنُس أسود ، فقال : السَّلام عليك يا أمين اللّه ! قال : وعليك السَّلام ، فلمّا خرج قال معاوية : قدم الشَّيخُ لاُوَلّيه ، ولا واللّه لا اُولّيه (43) . وفي الغارات عن محمّد بن عبد اللّه بن قارِب : إنّي عند معاوية لجالس ، إذ جاء أبو موسى فقال : السَّلام عليك يا أمير المؤمنين ! قال : وعليك السَّلام ، فلمّا تولّى قال : واللّه لا يلي هذا على اثنين حتَّى يموت (44) . وفي الطبقات الكبرى عن أبي بُرْدَة بن أبي موسى : دخلت على معاوية بن أبي سُفْيَان حين أصابته قرحته ، فقال : هلمّ يابن أخي تحوّل فانظر . قال : فتحوّلتُ ، فنظرتُ ، فإذا هو قد سُبِرَت (45) _ يعني : قرحته _ فقلت : ليس عليك بأس ياأمير المؤمنين . قال: إذ دخل يزيد بن معاوية ، فقال له معاوية : إنْ وَلِيتَ من أمر النَّاس شيئا ، فاستوصِ بهذا ؛ فإنّ أباه كان أخا لي _ أو خليلاً أو نحو هذا من القول _ غير أنّي قد رأيت في القتال ما لم يَرَ (46) .

.


1- . معادن الحكمة : ج1 ص344 الرقم55 .
2- . مروج الذَّهب : ج2 ص368 .
3- . تاريخ الطبري: ج4 ص500 ، الكامل فيالتاريخ: ج3 ص133 ، جمهرة رسائل العرب: ج1 ص374 الرقم 362.
4- . تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص548 ، الفتوح : ج4 ص198 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص151 ؛ وقعة صفّين : ص500 .
5- . تاريخ مدينة دمشق: ج32 ص14 ، اُسد الغابة : ج 3 ص364 الرقم3137 ؛ رجال الطوسي :ص42 الرقم295 .
6- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص526 ح5953 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص105 و ج6 ص16 ، تهذيب الكمال : ج 15 ص447 الرقم3491 ، تاريخ مدينة دمشق : ج32 ص18 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص3 الرقم82 .
7- . الطبقات الكبرى : ج2 ص344 و ج4 ص107 و108 ، تهذيب الكمال : ج 15 ص449 الرقم3491 ، حلية الأولياء : ج1 ص256 وص 258 ، الاستيعاب : ج 3 ص104 الرقم1657 ، تاريخ مدينة دمشق : ج32 ص22 .
8- . تهذيب الكمال : ج 15 ص447 الرقم3491 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص61 ، الاستيعاب :ج3 ص104 الرقم1657 ، اُسد الغابة : ج 3 ص365 الرقم3137 ، تاريخ مدينة دمشق : ج32 ص15 .
9- . الطبقات الكبرى : ج6 ص16 ، تهذيب الكمال : ج 15 ص447 الرقم3491 ، تاريخ مدينة دمشق :ج32 ص15 وفيهما « استعمله عمر على الكوفة والبصرة » ، تاريخ الطبري : ج4 ص69 ، الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص126 الرقم458 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص382 الرقم82 ، اُسد الغابة : ج 3 ص365 الرقم3137 .
10- . تاريخ خليفة بن خيّاط : ص111 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص390 الرقم82 ، الاستيعاب : ج3 ص104 الرقم1657 ، الإصابة : ج 4 ص181 الرقم4916 .
11- . تاريخ خليفة بن خيّاط : ص94 و ص 97 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص390 الرقم82 ، اُسد الغابة :ج3 ص365 الرقم3137 ، الإصابة : ج 4 ص181 الرقم4916 ، معجم البلدان : ج1 ص285 .
12- . تاريخ خليفة بن خيّاط : ص102 و103 ، تاريخ مدينة دمشق : ج32 ص22 .
13- . معجم البلدان : ج4 ص397 .
14- . الطبقات الكبرى : ج4 ص110 ، اُسد الغابة : ج 3 ص365 الرقم3137 ، الإصابة : ج 4 ص181 الرقم4916 ، تاريخ مدينة دمشق : ج32 ص20 .
15- . تاريخ خليفة بن خيّاط : ص97 .
16- . الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص126 الرقم458 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص133 ، تاريخ مدينة دمشق :ج32 ص20 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص382 الرقم82 ، اُسد الغابة : ج 3 ص365 الرقم3137 ، الإصابة : ج 4 ص182 الرقم4916 .
17- . راجع: تاريخ خليفة بن خيّاط : ص133 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص390 الرقم82 ، الاستيعاب : ج 3 ص104 الرقم1657 ، اُسد الغابة : ج 3 ص365 الرقم3137 ، الإصابة : ج 4 ص182 الرقم4916 .
18- . الطبقات الكبرى : ج5 ص45 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص741 ح6696 وفيه « فتى من قريش »بدل « ابن خمس وعشرين سنة » .
19- . أنساب الأشراف : ج6 ص159 ، تاريخ الطبري : ج4 ص332 ، مروج الذهب : ج2 ص347 ، الاستيعاب : ج3 ص104 الرقم1657 ، اُسد الغابة : ج 3 ص365 الرقم3137 ، الإصابة : ج 4 ص182 الرقم4916 .
20- . الأمالي للمفيد : ص296 ح6 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص179 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص499 .
21- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص179 .
22- . نهج البلاغة : الكتاب 63 ، الجمل : ص242 ؛ المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص126 ح4602 ، تاريخ الطبري : ج4 ص499 ، مروج الذهب : ج2 ص367 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص349 ، الفتوح : ج2 ص459 .
23- . الجمل : ص253 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص487 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص329 .
24- . وقعة صفّين : ص500 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص52 .
25- . راجع: وقعة صفّين : ص500 و ص 501 و545 ؛ مروج الذهب : ج2 ص406 ، تاريخ الطبري :ج5 ص52 و ص70 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص388 و ص 396 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص547 ، اُسد الغابة : ج3 ص365 الرقم3137 .
26- . مروج الذهب : ج2 ص408 .
27- . وقعة صفّين : ص540 ؛ مروج الذهب : ج2 ص408 ، حلية الأولياء : ج1 ص293 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص394 الرقم82 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص548 .
28- . راجع: وقعة صفّين : ص546 ؛ مروج الذهب : ج2 ص410 ، تاريخ الطبري : ج5 ص71 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص396 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص549 .
29- . وقعة صفّين : ص546 ؛ مروج الذهب : ج2 ص410 ، تاريخ الطبري : ج5 ص71 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص397 .
30- . الغارات : ج2 ص656 ؛ تهذيب الكمال : ج 15 ص448 الرقم3491 ، تاريخ مدينة دمشق :ج32 ص15 وفيهما « قدم دمشق على معاوية » .
31- . وقعة صفّين : ص552 ؛ شرح نهج البلاغة : ج13 ص315 .
32- . الطبقات الكبرى : ج6 ص16 ، تهذيب الكمال : ج 15 ص452 الرقم3491 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص382 الرقم82 ، وفي وفاته أقوال اُخر : « مات سنة 50 أو 51 ه » كما في الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص126 الرقم458 ، وقيل « مات سنة 52 ه » كما في المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص526 ح5956 والطبقات الكبرى : ج4 ص116 وسِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص397 الرقم82 .
33- . المستدرك على الصحيحين : ج3 ص526 ح5956 ، تهذيب الكمال : ج15 ص452 الرقم3491 ، الإصابة : ج4 ص183 الرقم4916 .
34- . الأمالي للمفيد : ص295 ح6 .
35- . نَمَيتُ الحديثَ : أي رفَعتُه وأبلَغتُه ( النهاية : ج5 ص121 ) .
36- . مروج الذهب : ج2 ص368 وراجع تاريخ الطبري : ج4 ص499 و500 والكامل في التاريخ : ج2 ص349 .
37- . سِيَر أعلامِ النبلاء: ج 2 ص393 الرقم82 ، تاريخ مدينة دمشق : ج32 ص93، المعرفة والتاريخ: ج2 ص771 .
38- . البُرنُس : قلنسوة طويلة كان النسّاك يلبسونها في صدر الإسلام ( النهاية : ج1 ص 122 ) .
39- . الكلوح : العبوس ( النهاية : ج4 ص196 ) .
40- . شرح نهج البلاغة : ج13 ص315 ، الاستيعاب : ج3 ص104 الرقم1657 وفيه « عزله عليّ رضى الله عنهعنها ، فلم يزل واجِدا منها على عليّ ، حتَّى جاء منه ما قال حذيفة . فقد روى فيه لحذيفة كلام كرِهْتُ ذكره ، واللّه يغفر له » .
41- . في كنز العمال، وبحار الأنوار، وردت كلمة «الجبل» بدل «الجمل». وكلاهما صحيح؛ لأنّ ذلك إشارة إلى ما وقع لرسول اللّه صلى الله عليه و آله قرب جبلٍ أثناء عودته من مكّة، وكانت تتعلَّقُ بجمل رسول اللّه صلى الله عليه و آله . فمن هنا جاء اختلاف التسمية والنقل.
42- . تاريخ مدينة دمشق : ج32 ص93 ، كنز العمّال : ج 13 ص608 ح37554 .
43- . تاريخ الطبري : ج5 ص332 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص527 ، أنساب الأشراف : ج5 ص50 نحوه .
44- . الغارات : ج2 ص656 .
45- . السَّبْر : امتحان غور الجرح وغيره ( تاج العروس : ج6 ص490 ) .
46- . الطبقات الكبرى : ج4 ص112 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص401 الرقم82 ، تاريخ الطبري :ج5 ص332 .

ص: 67

. .

ص: 68

. .

ص: 69

. .

ص: 70

. .

ص: 71

. .

ص: 72

13 _ كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة

13كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفةمُحَمَّد وطَلْحَة : لمَّا قدم عليٌّ الرَّبَذَة ، أقام بها وسرَّح منها إلى الكوفة مُحَمَّد بن أبي بَكر ومُحَمَّد بن جعفر ؛ وكتب إليهم :« إنِّي اختَرتُكُم علَى الأمصَارِ، وَفَزِعتُ إليكُم لِما حَدَثَ ، فَكُونُوا لدينِ اللّه ِ أعَوانا وَأنصارا ، وَأيِّدونا وَانهَضُوا إلينا ، فالإصلاحُ ما نريدُ ، لِتَعودَ الأُمَّة إخوانا ، وَمَن أَحَبَّ ذَلِكَ وَآثَرَهُ فَقَد أَحَبَّ الحقَّ وآثَرَهُ ، وَمَن أَبغَضَ ذَلِكَ فقد أبغَضَ الحقَّ وَغَمَصَهُ » . (1) وهناك صورة أُخرى لهذا الكتاب : قال أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن جَرِير : كتب عليٌّ عليه السلام من الرَّبَذَة إلى أهل الكوفة : « أمَّا بَعدُ ؛ فَإنِّي قد اختَرتُكُم وَآثَرتُ النُّزولَ بَينَ أَظهُرِكُم ، لِمَا أَعرِفُ مِن مَوَدَّتِكُم ، وَحُبِّكُم للّه ِ وَرَسُولِهِ ، فَمَن جَاءَنِي وَنَصَرَنِي فَقَد أجابَ الحَقَّ ، وَقَضَى الذي عَلَيهِ » . (2)

.


1- . تاريخ الطبري : ج4 ص478 وراجع : الكامل في التاريخ : ج2 ص324 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج14 ص16 ، أحاديث أمّ المؤمنين عائشة : ج1 ص138 .
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج14 ص16 .

ص: 73

[ أقول : هذا ما نقله الطَّبري عن التُّستري َّ ، عن شعيب ، عن سيف ، عن مُحَمَّد وطَلْحَة ،وهو كما قال العلاّمة الأميني رحمه الله :شوّه تاريخه بمكاتبات التُّستريّ الكذَّاب الوضّاع ، عن شعيب المجهول الَّذي لا يعرف ، عن سيف الوضّاع المتروك السَّاقط ، المتّهم بالزَّندقة ، وقد جاءت في صفحاته بهذا الإسناد المشوَّه . (1) وأمَّا رواية أبي مِخْنَف ؛ فإنَّه قال : إنَّ هاشِمَ بنَ عُتْبة لمَّا قدم الكوفة ، دعا أبو موسى _ الأشعري _ السَّائبَ بنَ مالكٍ الأشْعَرِيّ فاستشاره ، فقال _ السائب _ : اتبع ما كتب به إليك ، فأبى ذلك ، وحبس الكتاب ، وبعث إلى هاشِم يتوعّده ويخوّفه . قال السَّائب : فأتيت هاشما فأخبرته برَأي أبي موسى ، فكتب إلى عليّ عليه السلام : لعبد اللّه عليّ أمير المونين ، من هاشم بن عُتْبَة . أمَّا بعدُ يا أمير المونين ، فَإنِّي قدمت بكتابك على امرىًمُشاقّ بعيد الوُدّ ، ظاهر الغلّ والشَّنآن ، فتهدَّدني بالسجن ، وخوّفني بالقتل ، وقد كتبت إليك هذا الكتاب مع المحلّ بن خليفة أخي طيء ، وهو من شيعتك وأنصارك ، وعنده علمُ ما قِبَلَنا ، فاسأله عمَّا بدا لك ، واكتب إليّ برَأيك ، والسَّلام . قال: فلمَّا قدم المحلّ بكتاب هاشم على عليّ عليه السلام ، سلّم عليه ثُمَّ قال: الحَمدُ للّه ِ الَّذي أدَّى الحقَّ إلى أهلِهِ ، وَوَضَعَهُ مَوضِعَهُ ؛ فَكَرِهَ ذَلِكَ قَومٌ قَد وَاللّه ِ كَرِهُوا نُبُوَّةَ مُحَمّد ٍ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ بارَزُوهُ وَجَاهَدُوهُ ، فَرَدَّ اللّه ُ عَلَيهِم كَيدَهُم فِي نُحوُرِهِم ، وَجَعَلَ دَائِرَةَ السَّوْءِ عَلَيهِم . وَاللّه ِ يا أميرَ المُوِنينَ ، لَنُجَاهِدَنَّهُم مَعَكَ في كُلِّ مَوطِنٍ ، حِفظا لِرَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله في أَهلِ بيتِهِ ، إذ صارُوا أعداءً لَهُم بَعدَهُ . فرحّب به عليّ عليه السلام ، وقال له خيرا ، ثُمَّ أجلسه إلى جانبه ، وقرأ كتاب هاشم ، وسأله عن النَّاس ، وعن أبي موسى ، فقال : واللّه يا أمير المونين ، ما أثقُ به ولا آمَنُهُ على خِلافِكَ إنْ وَجَدَ مَن يُساعِدُهُ علَى ذلِكَ . فقال عليّ عليه السلام : « وَاللّه ِ مَا كانَ عِندِي بِمُوتَمنٍ ولا ناصِحٍ ، ولَقَد أرَدتُ عَزْلَهُ، فأتاني الأشْتَر فَسَأَلَنِي أنْ أُقرَّهُ ، وَذَكَر أنَّ أَهلَ الكُوفَة ِ بِهِ رَاضُونَ فأَقرَرتُهُ » . وَرَوى أبو مِخْنَف ٍ ، قال : وبعث عليٌّ عليه السلام من الرَّبَذَة _ بعد وصول المحلّ بن خليفة ، أخي طيء _ عبدَ اللّه بن عبَّاس ، ومُحَمَّدَ بنَ أبي بَكرٍ إلى أبي موسى ؛ وكتب معهما : « مِن عَبْدِ اللّه ِ عَلِيٍّ أميرِ المُوِنِينَ إلى عَبْدِ اللّه ِ بْنِ قَيْس ٍ ، أمَّا بَعْدُ ؛ يَابنَ الحَائِكِ ، يا... (2) ، فَوَ اللّه ِ إنِّي كُنْتُ لأَرَى أنَّ بُعْدَكَ مِن هَذَا الأمْرِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْك اللّه ُ لَهُ أهْلاً ، وَلا جَعَلَ لَكَ فيْهِ نَصِيبا ، سَيَمْنَعُكَ مِن رَدِّ أمْرِي ، والانْتِزَاءِ عليَّ ، وقَد بَعَثْتُ إليْكَ ابنَ عبَّاس ٍ وَابنَ أبي بَكرٍ ، فَخَلِّهِما والمِصرَ وأهلَهُ ، وَاعْتَزِل عَمَلَنا مَذْؤوما مَدحُورا . فإنْ فَعَلْتَ ، وَإلاَّ فإنِّي قَد أمَرْتُهُما أنْ يُنَابِذاكَ علَى سَواءٍ ، إنَّ اللّه َ لا يَهْدِي كَيْدَ الخائِنينَ ، فإذا ظَهَرا عليْك قَطَّعاكَ إرْبا إرْبا ، وَالسَّلامُ على مَن شَكَرَ النِّعْمَةَ ، وَوَفَى بالبَيْعَةِ ، وَعَمِلَ برَجَاءِ العَاقِبةِ . » قال أبو مِخْنَف : فلمَّا أبطأ ابنُ عبَّاس وابنُ أبي بَكر عن عليّ عليه السلام ، وَلم يدرِ ما صنعا ، رحل عن الرَّبَذَة إلى ذي قار فَنَزَلَها ، فَلَمَّا نزلَ ذا قارٍ ، بَعث إلى الكوفة الحسنَ ابنَه عليه السلام وعَمَّارَ بن ياسِر وزَيْد بن صُوحان وقَيْسَ بن سَعْد بن عُبادَة ، ومعهم كتاب إلى أهل الكوفة ، فأقبلوا حَتَّى كانوا بالقادسيّة ، فتلقّاهم النَّاس ، فلمَّا دخلوا الكوفة قرؤوا كتابَ عليٍّ ، وهو ،..... (3)

.


1- . راجع : الغدير : ج8 ص201 _ 458 .
2- . وردت في المصدر عبارة نستبعدُ صدورها عن أمير المؤمنين عليه السلام .
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 14 ص 9.

ص: 74

. .

ص: 75

عمّار بن ياسر

عَمَّارُ بنُ ياسِرعَمَّار بن ياسِر بن عامِر المَذْحِجيُّ ، أبو اليَقْظان ، واُمّه سُمَيَّة ، وهي أوّل من استشهد في سبيل اللّه . وهو من السَّابقين إلى الإيمان والهجرة ، ومن الثَّابتين الرَّاسخين في العقيدة ؛ فقد تحمّل تعذيب المشركين مع أبوَيه، منذ الأيّام الاُولى لبزوغ شمس الإسلام ، ولم يداخله ريب في طريق الحقّ لحظة واحدة (1) . شهد له رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأنّه يزول مع الحقّ ، وأنّه الطَّيِّب المطيَّب، وأ نّه مُلى ء إيمانا . وأكّد أنّ النَّار لا تمسُّه أبدا . وهو ممّن حرس _ بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ خلافة الحقّ وحقّ الخلافة ، ولم يَنكُب عن الصِّراط المستقيم قطّ (2) ، وصلّى مع أمير المؤمنين عليه السلام على جنازة السَّيِّدة المطهَّرة فاطمة الزَّهراء عليهاالسلام (3) ، وظلّ ملازما للإمام صلوات اللّه عليه . وَلِي الكوفة مدّةً في عهد عمر (4) . وكان قائدا للجيوش في فتح بعض الأقاليم (5) . ولمّا حكم عثمان كان من المعارضين له بجدٍّ (6) . وانتقد سيرته مرارا ، حتَّى همّ بنفيه إلى الرَّبَذَة لولا تَدَخُّلُ الإمامِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، إذ حال دون تحقيق هدفه (7) . ضُرب بأمر عثمان لصراحته ، وفعل به ذلك أيضا عثمان نفسه ، وظلّ يعاني من آثار ذلك الضَّرب إلى آخر عمره (8) . وكان لاشتراكه الفعّال في حرب الجمل ، وتصدّيه لقيادة الخيّالة في جيش الإمام عليه السلام مظهر عظيم . كما تولّى في صفِّين قيادة رجّالة الكوفة والقُرّاء (9) . تحدّث مع عَمْرو بن العاص وأمثاله من مُناوِئي الإمامِ عليه السلام في غيرِ مَوطِنٍ ، وكَشَفَ الحقَّ بمنطقه البليغ واستدلالاته الرَّصينة (10) . وَفي صِفِّين ، استُشهِدَ هذا الصَّحابيّ الجليلُ والنّموذج المتألّق ، فتحقّقت بذلك النبوءة العظيمة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ إذ كان قد خاطبه قائلاً : تَقتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيةُ . وكان له من العمر _ عند استشهاده _ ثلاث وتسعون سنة (11) . نُقل إخبارُ النَّبيّ صلى الله عليه و آله بالغيب حول قتل الفئة الباغية عَمَّارَ بنَ ياسِر بألفاظ متشابهة ، وطرق متعدّدة . وكان النَّاس ينظرون إلى عَمَّار بوصفه المقياس في تمييز الحقّ عن الباطل . واُثر هذا الحديث بصيغة : « تَقتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ » ، وبصيغة : « تَقتُلُ عَمَّارا الفِئَةُ الباغِيَةُ » ، وبصيغة : « تَقتُلُهُ الفِئَةُ الباغِيَةُ » على لسان سبعة وعشرين من الصَّحابة ، وهم : أبو سعيد الخدري ، وعَمْرو بن العاص ، وعبد اللّه بن عَمْرو بن العاص ، ومعاوية ، وأبو هريرة ، وأبو رافع ، وخُزَيْمَة بن ثابِت ، وأبو اليسر ، وعَمَّار ، واُمّ سلمة ، وقَتادَة بن النُّعْمان ، وأبو قَتادَة ، وعثمان بن عفّان ، وجابر بن سَمُرة ، وكَعْب بن مالك ، وأنس بن مالك ، وجابر بن عبد اللّه ، وابن مسعود ، وحُذَيْفَة ، وابن عبّاس ، وأبو أيّوب ، وعبد اللّه بن أبي هذيل ، وعبد اللّه بن عمر ، وأبو سعد ، وأبو اُمامة ، وزياد بن الفرد ، وعائِشَة (12) . وصرّح البعض بتواتره كابن عبد البرّ (13) ، والذَّهبي (14) ، والسُّيوطي . وأثار هذا الحديث مشكلة لمعاوية بعد استشهاد عَمَّار ، فحاول توجيهه بقوله : ما نحن قتلناه وإنّما قتله مَنْ جاء به (15) ! فقال الإمام عليه السلام في جوابه : فَرَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله _ إذَنْ _ قاتلُ حَمزَةَ (16) ! وما من شكٍّ في أنّ هذه الصَّفحات القليلة عاجزة عن أن تفي بحقّ تلك الشَّخصيّة العظيمة . وسأختم الحديث عنهُ بمجموعة من الرِّوايات والنصوص التاريخية الَّتي بيّنت لنا غيضا من فيض، فيما يرتبط بهذه القمّة الرَّفيعة شرفا ، واستقامة ، وحرّيّة . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « إنّ الجَنَّةَ لَتَشتَاقُ إلَى ثَلاثَةٍ : عَلِيٍّ وعَمَّارٍ وَسَلْمان » (17) . وقال الإمام عليّ عليه السلام _ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله _ : « يا رَسُولَ اللّه ِ ، إنَّكَ قُلتَ : إنّ الجَنَّةَ لَتَشتَاقُ إلى ثَلاثَةٍ ، فَمَن هَؤُلاءِ الثَّلاثَةُ ؟ قال صلى الله عليه و آله : أَنتَ مِنهُم وأنتَ أوّلُهُم ، وَسَلْمان ُ الفارسِيّ ؛ فإنّه قَلِيلُ الكِبرِ ، وَهُوَ لَكَ ناصِحٌ ؛ فاتَّخِذْهُ لِنَفسِكَ ، وعَمَّارُ بنُ ياسِر ، شَهِدَ مَعَكَ مَشاهِدَ غيرَ وَاحِدَةٍ ، لَيسَ مِنها إلاّ وَهوُ فيها كثيرٌ خَيرُهُ ، ضَوِيٌّ نُورُهُ ، عَظِيمٌ أجرُهُ (18) » . وَعنهُ عليه السلام :« جَاء عَمَّارُ يَستَأذِنُ علَى النَّبيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : ائذَنُوا لَهُ ، مَرحَبا بالطَّيِّبِ المُطَيَّبِ » (19) . وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « مُلِئ عَمَّار إيمانا إلَى مُشاشِهِ » (20) . (21) وعنه صلى الله عليه و آله : « ابنُ سُمَيَّةَ، ما عُرِضَ عَلَيهِ أمرانِ قَطُّ إلاّ أَخَذَ بالأَرشَدِ مِنهُما » (22) . وعنه صلى الله عليه و آله : « عَمَّارٌ خَلَطَ اللّه ُ الإيمانَ ما بَينَ قَرنِهِ إلى قَدَمِهِ ، وَخَلَطَ الإيمانَ بِلَحمِهِ وَدَمِهِ ، يَزوُلُ مَعَ الحَقّ حَيثُ زَالَ ، وَلَيسَ يَنبَغِي للنَّارِ أن تَأكُلَ مِنهُ شَيئا » (23) . وقال الإمام عليّ عليه السلام _ في وصف عَمَّار _ :« ذَلِكَ امرُؤ خَالَطَ اللّه ُ الإيمانَ بِلَحمِهِ وَدَمِهِ وَشَعرِهِ وبَشَرِهِ ، حَيثُ زَالَ زَالَ مَعهُ ، وَلا يَنبَغِي لِلنّارِ أَن تَأكُلَ منِهُ شيئا » (24) . وقالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : « دَمُ عَمَّار وَلَحمُهُ حَرامٌ علَى النَّارِ أن تَأكُلَهُ أو تَمَسَّهُ » (25) . وقالَ الإمامُ عَليّ عليه السلام _ في وصف عَمَّار بن ياسِر _ : . . . « ذاك امرُؤٌ حَرَّمَ اللّه ُ لَحمَهُ وَدَمَهُ علَى النَّارِ أن تَمسَّ شَيئا مِنهُما » (26) . وقالَ رَسُول اللّه ِ صلى الله عليه و آله : «اللّهُمّ إنَّكَ أَولَعتَهُم بِعَمَّار، يَدعُوهُم إلى الجَنَّةِ ، و يَدعُونَهُ إلى النَّارِ» (27) . وعنه صلى الله عليه و آله : « ما لَهُم وَلِعَمّار ؟ يَدعُوهُم إلى الجَنَّةِ ، وَيَدعُونَهُ إلى النَّارِ ، وَذَاكَ دَأبُ الأشْقِيَاءِ الفُجَّارِ » (28) . وعنه صلى الله عليه و آله : « يا عَمَّارُ بنَ ياسِر ! إن رَأَيتَ عَلِيّا قَد سَلَكَ وَاديِا ، وَسَلَكَ النَّاسُ وادِيا غَيرَهُ، فاسلُكْ مَعَ عَلِيّ ؛ فإنَّهُ لَن يُدْلِيَكَ في رَدَىً ، وَلَن يُخرِجَكَ مِن هُدىً» (29) . وعنه صلى الله عليه و آله : « إذا اختَلَفَ النَّاسُ كانَ ابنُ سُمَيَّةَ مَعَ الحَقّ » (30) . وفي المستدرك على الصحيحين عن حَبَّة العُرَنِيّ : دخلنا مع أبي مسعود الأنْصاري ّ على حُذَيْفَة بن اليَمان أسأله عن الفتن ، فقال : دوروا مع كتاب اللّه حيثما دار ، وانظروا الفئة الَّتي فيها ابن سُمَيَّة فاتّبعوها ؛ فإنّه يدور مع كتاب اللّه حيثما دار . قال : فقلنا له : ومَن ابنُ سُمَيَّة ؟ قال : عَمَّار ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول لَهُ : لَن تَمُوتَ حَتَّى تَقتُلَكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ ، تَشرَبُ شُربَةً ضَياح (31) تَكُن آخِرَ رِزقِكَ مِن الدُّنيا (32) . وقال الإمام عليّ عليه السلام : « إنَّ امرَأً مِنَ المُسلِمِينَ لَم يَعظُمْ عَلَيهِ قَتلُ عَمَّارٍ ، ويَدخُلْ عَلَيهِ بِقَتلِهِ مُصِيبَةٌ مُوجِعَةٌ ، لَغيرُ رَشِيد ، رَحِمَ اللّه ُ عَمَّارا يَومَ أسلَمَ ، ورَحِمَ اللّه عَمَّارا يَومَ قُتِلَ ، ورَحِمَ اللّه ُ عَمَّارا يَومَ يُبعَثُ حَيّا ! لَقَد رأيتُ عَمَّارا ما يُذكَرُ مِن أصَحابِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أربَعَةٌ إلاّ كانَ الرَّابِعَ ، وَلا خَمسَةٌ إلاّ كان الخامِسَ ، وَما كان أحدٌ مِن أصحَابِ مُحَمّدٍ صلى الله عليه و آله يَشُكُّ في أنّ عَمَّارا قَد وَجَبَت لَهُ الجَنَّةُ في غَيرِ مَوطِنٍ ، ولا اثنين ، فهنيئا له الجنّة ! عَمَّار مع الحقّ أين دار ، وقاتِلُ عَمَّار في النَّار » (33) . وفي الأمالي للطوسيّ عن عَمَّار : لو لم يبق أحد إلاّ خالف عليّ بن أبي طالب ، لما خالفته ، ولا زالت يدي مع يده ؛ وذلك لأنّ عليّا لم يزَل مع الحقّ منذ بعث اللّه نبيّه صلى الله عليه و آله ؛ فإنّي أشهد أنّه لا ينبغي لأحد أن يُفضِّل عليه أحدا (34) . وفي أنساب الأشراف عن أبي مِخْنَف : إنّ المِقْدادَ بن عَمْرو، وعَمَّار بن ياسِر ، وطَلْحَة والزُّبَيْر، في عدّة من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله كتبوا كتابا، عدّدوا فيه أحداث عثمان ، وخوّفوه ربّه ، وأعلموه أ نّهم مُواثِبوهُ إن لم يقلع . فأخذ عَمَّار الكتاب وأتاه به ، فقرأ صدرا منه ، فقال له عثمان : أ عليَّ تقدم من بينهم ؟ فقال عَمَّار : لأنّي أنصحهم لك ، فقال : كذبت يابن سُمَيَّة ، فقال : وأنا واللّه ابن سُمَيَّة وابن ياسر . فأمر غلمانا له فمدّوا بيديه ورِجلَيهِ ، ثُمّ ضَرَبَهُ عُثما نُ بِرِجلَيه _ وهي في الخفّين _ على مَذاكِيرِهِ ، فأصابَهُ الفتقُ ، وكان ضعيفا كبيرا ، فغُشي عليه (35) . وعن أبي مِخْنَف : كان في بيت المال بالمدينة سَفَطٌ (36) فيه حُليٌّ وجوهر ، فأخذ منه عُثما نُ ما حلّى به بعضَ أهلِهِ ، فأظهر النَّاسُ الطَّعنَ عَلَيهِ في ذَلِكَ، وكلّمُوهُ فيهِ بكلام شديد حتَّى أغضبوه ، فخطب فقال : لَنأخُذَنَّ حاجتنا من هذا الفيء وإنْ رَغِمَتْ اُنوف أقوام . فقال له عليّ عليه السلام : إذا تُمنَعُ مِن ذَلكَ ويُحَالُ بَينَكَ وَبَيَنهُ . وقال عَمَّار بن ياسر : اُشهِدُ اللّه َ أنّ أنفي أوّلُ راغِمٍ مِن ذلك ، فقال عثمان : أ عليَّ يابنَ المَتْكاء (37) تجترِئ ؟ خذوه ، فاُخِذ، ودَخل عثمان فدعا به، فضربه حتَّى غُشي عليه ، ثمّ اُخرج فحُمل حتَّى اُتي به منزل اُمّ سلمة زوج رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلم يُصَلِّ الظُّهر والعصر والمغرب ، فلمّا أفاق توضّأ وَصَلّى ، وَقالَ : الحمد للّه ، ليس هذا أوّلَ يَومٍ اُوذِينا فيهِ في اللّه ِ . . . . وبلغ عائِشَة ما صُنِعَ بعَمّار ، فَغضِبَت وأخرجت شعرا من شَعرِ رسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وثوبا من ثيابه ، ونَعلاً مِن نِعالِهِ ، ثُمّ قالت : ما أسرعَ ما تركتُم سُنَّةَ نبيِّكُم ، وهذا شعره وثوبه ونعله، ولم يَبْلَ بعدُ ! فغضب عثمان غضبا شديدا حتَّى ما درى ما يقول (38) . وفي تاريخ اليعقوبي : لمّا بلغ عثمان وفاة أبي ذَرّ ، قال : رَحِمَ اللّه ُ أبا ذَرّ ! قال عَمَّار : نعم ! رَحِمَ اللّه أبا ذَرّ مِن كُلِّ أَنفُسِنا ، فغلظ ذلك على عثمان . وبلغ عثمان عن عَمَّار كلام ، فأراد أن يُسيّره أيضا ، فاجتمعت بنو مخزوم إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وسألوه إعانتهم ، فقال عليّ عليه السلام : لا نَدَعُ عُثمانَ وَرَأيَهُ . فجلس عَمَّارُ في بيته ، وبلغ عثمان ما تكلّمت به بنو مخزوم ، فَأمسَكَ عَنهُ (39) . وفي الكامل في التاريخ : خَرَجَ عَمَّارُ بنُ ياسِر على النَّاس فقال : اللَّهمَّ إنَّك تَعلَمُ أنِّي لو أعلَمُ أنّ رِضاكَ في أن أقذِفَ بنفسي في هذا البحر لَفَعلتُهُ . اللَّهمَّ إنَّك تَعلَمُ أنِّي لو أعلَمُ أنَّ رِضاكَ في أن أضَعَ ظُبَةَ (40) سيفي في بطني، ثمّ أنحَنِي عليها حتَّى تَخرُجَ مِن ظهري، لفَعَلتُهُ . وإنّي لا أعلَمُ اليومَ عَمَلاً هو أرضَى لَكَ مِن جِهاد هَؤلاءِ الفاسِقينَ ، ولَو أعلَمُ عَمَلاً هُو أرضَى لَكَ مِنُه لَفَعَلتُهُ . واللّه ِ ، إنّي لَأَرَى قَوما ، لَيَضرِبُنَّكُم ضَربا يَرتابُ مِنهُ المُبطلِونَ ، وايمُ اللّه ِ ، لَو ضَرَبُونا حتَّى يبلُغوا بِنا سَعَفَاتِ هَجَر َ ، لَعَلِمتُ أنّا علَى الحقِّ وأنَّهُم علَى الباطِلِ . ثمّ قال : مَن يَبتَغِي رِضوَانَ اللّه ِ رَبِّهِ ولا يَرجِعُ إلى مالٍ وَلا وَلَدٍ ؟ فأتاه عِصابَةٌ ، فقال : اقصُدُوا بِنا هَؤُلاءِ القومَ الَّذينَ يَطلُبُونَ دَمَ عُثمانَ ، واللّه ِ ، ما أرادُوا الطَّلبَ بِدَمِهِ وَلكنّهُم ذاقوا الدُّنيا واستَحَبُّوها ، وعَلِمُوا أنّ الحقَّ إذا لَزِمَهُم حَالَ بَينَهُم وَبَينَ ما يَتَمرَّغُوَن فِيهِ مِنها ، ولَم يَكُن لَهُم سابِقَةٌ يَستَحِقُّونَ بها طاعةَ النَّاسِ والولايةَ عَلَيهِم ، فَخَدَعُوا أَتباعَهُم . وإن قالوا : إمامُنا قُتِلَ مَظلُوما ، لِيَكُونوا بِذلِكَ جَبابِرَةً ملوكا ، فَبَلغُوا ما تَرَونَ ، فَلَولا هذهِ ما تَبِعَهُم مِنَ النَّاسِ رَجُلان . اللّهمّ إن تَنصُرنا فَطالَما نَصَرتَ ، وَإن تَجعَل لَهُمُ الأمرَ فادّخِر لهم بما أحدَثُوا في عبادِكَ العذابَ الأليم (41) . وفي رجال الكشّي عن حمْران بن أعْيَن عن الإمام الباقر عليه السلام : قلت : ما تقول في عَمَّار ؟ قال :« رَحِمَ اللّه ُ عَمّارا ، _ ثلاثا ! _ قَاتَلَ مَعَ أميرِ المُؤمنِينَ صَلَواتُ اللّه ِ عَلَيهِ وآلهِ ، وقُتِلَ شهيدا » . قال: قلت في نفسي : ما تكون منزلة أعظم من هذه المنزلة ؟ فالتفت إليَّ ، فقال : « لَعلّكَ تقول: مثل الثَّلاثة ! هيهات ! » قال قلت : وما علمه أنّه يُقتل في ذلك اليوم ؟ قال : « إنّهُ لمّا رأى الحربَ لا تزدَادُ إلاّ شِدّةً ، وَالقَتلَ لا يزدادُ إلاّ كَثرَةً ، تَرَكَ الصَّفَّ وجاءَ إلى أميرِ المؤمِنينَ عليه السلام ، فقال : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، هو هو ؟ قال : ارجِع إلى صَفِّكَ ، فقالَ لَهُ ذلِكَ ثَلاثَ مَرّاتٍ ، كُلُّ ذلِكَ يقولُ لَهُ : ارجع إلى صفّك ، فلمّا أنْ كانَ في الثَّالثةِ قال لَهُ : نَعَم . فَرجَعَ إلى صفّه وَهُوَ يقولُ : اليومَ ألقى الأحِبّةَ ، مُحمّد ا وَحِزبَهُ » (42) . وعن الإمام عليّ عليه السلام _ في الدِّيوان المنسوب إليه ممّا أنشده في شهادة عَمَّار _ : « أ لا أيُّها المَوتُ الَّذي لَيسَ تارِكِيأَرِحنِي فَقَد أفنَيتَ كُلَّ خَليلِ أَراكَ مُضِرّا بِالَّذينَ أُحِبُّهُمكَأنَّكَ تَنحُو نَحوَهم بِدَليلِ (43) » وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « بَشّرْ قاتِلَ ابنِ سُمَيَّةَ بالنَّار » (44) . وعنه صلى الله عليه و آله _ في عَمَّار _ : « إنَّ قاتِلَهُ وسالِبَهُ في النَّار » (45) . وعنه صلى الله عليه و آله : « وَيحَ عَمَّارٍ ! تَقتُلُهُ الفِئَةُ الباغِيةُ ، يَدعُوهُم إلى الجَنَّةِ وَيَدعُونَهُ إلى النَّارِ » (46) . وفي مناقب ابن شهر آشوب : كَثُرَ أصحابُ الحديثِ على شُرَيك ٍ (47) ، وطالبوه بأنّه يُحدّثهم بقول النَّبيّ صلى الله عليه و آله : « تَقتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ » فغضب وقال : أ تدرون أن لا فخر لعليّ أن يُقتل معه عَمَّار ، إنّما الفخر لعَمّار أن يُقتل مع عليّ عليه السلام (48) . وفي الكامل في التاريخ : إنّ أبا الغازية قتل عَمَّارا وعاش إلى زمن الحجّاج ، ودخل عليه فأكرمه الحجّاج ، وقال له : أنت قتلت ابن سُمَيَّة _ يعني عَمَّارا _ ؟ قال : نعم . . . ، ثمّ سأله أبو الغازية حاجته فلم يُجِبه إليها ، فقال _ أبو الغازية _ : نُوَطِّئُ لَهُم الدُّنيا ، ولا يعطونا منها ، ويزعم أ نّي عظيم الباع يوم القيامة ! فقال الحجّاج : أجَل واللّه ِ ، مَن كانَ ضِرسُه مثلَ اُحُد ٍ ، وَفَخِذُه مِثلَ جَبَلِ وَرقَان ، وَمَجلِسُهُ مِثلَ المدينةِ والرَّبَذَة ، إنّه لعظيم الباع يوم القيامة ، واللّه ِ ، لو أنّ عَمَّارا قَتَلَهُ أهلُ الأرضِ كُلّهم لَدَخلوا كلُّهم النَّارَ (49) .

.


1- . الطبقات الكبرى : ج3 ص246 و ص 249 ، أنساب الأشراف : ج1 ص180 _ 182 ، تهذيب الكمال : ج21 ص216 الرقم4174 ، اُسد الغابة : ج4 ص122 الرقم3804 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج1 ص406 الرقم84 ؛ الجمل : ص102 .
2- . راجع: علل الشرايع: ص 223، الخصال : ص276 ، عيون أخبار الرضا : ج 1 ص72 ح301 ، الاحتجاج : ج1 ص267 ، كفاية الأثر : ص 123 ، المناقب للكوفي : ص 351 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 35.
3- . الخصال : ص361 ح50 ، رجال الكشّي : ج1 ص34 الرقم13 ، الاختصاص : ص5 ، تفسير فرات : ص570 ح733 .
4- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص438 ح5663 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص255 ، أنساب الأشراف : ج1 ص185 ، تاريخ الطبري : ج4 ص139 و ص 144 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 1 ص423 الرقم84 .
5- . تاريخ الطبري : ج4 ص41 و ص 90 و138 .
6- . الطبقات الكبرى : ج3 ص260 ، أنساب الأشراف : ج1 ص197 و ج6 ص162 ، تاريخ مدينة دمشق : ج43 ص473 ، المعارف لابن قتيبة : ص257 .
7- . أنساب الأشراف : ج6 ص169 ، الفتوح : ج2 ص378 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص173 .
8- . أنساب الأشراف : ج6 ص161 _ 163 ، الفتوح : ج2 ص373 .
9- . وقعة صفّين : ص208 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص11 و ص 15 .
10- . وقعة صفّين : ص319 و320 و ص 336 _ 339 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص39 .
11- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص436 ح5657 ، التاريخ الكبير : ج7 ص25 الرقم107 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص264 ، المعارف لابن قتيبة : ص258 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص582 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج1 ص426 الرقم84 ، مروج الذهب : ج2 ص391 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص259 ، أنساب الأشراف : ج1 ص194 وفيهما « 91 ، 94 سنة » ، اُسد الغابة : ج 4 ص127 الرقم3804 وفيه « 91 ، 93 ، 94 سنة » .
12- . صحيح البخاري : ج3 ص1035 ح2657 ، صحيح مسلم : ج4 ص2235 ح70 و ص 2236 ح72 و73 ، سنن الترمذي : ج 5 ص669 ح3800 ، مسند ابن حنبل : ج 2 ص654 ح6943 و ج6 ص229 ح17781 و ج 8 ص202 ح21932 و ج10 ص190 ح26625 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص435 ح5657 و ص436 ح5659 و ص442 ح5676 ، المصنّف لعبد الرزّاق : ج11 ص240 الرقم20426 و20427 ، المعجم الكبير : ج 5 ص221 ح5146 و ج23 وص852 _ 857 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص289 _ 300 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص251 _ 253 و ص 259 ، مسند أبي يعلى : ج 6 ص355 ح7140 و ص425 ح7304 و ص427 ح7308 ، مسند البزّار : ج4 ص256 ح1428 ، السيرة النبويّة لابن هشام : ج2 ص114 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص571 و ص 577 و579 ، حلية الأولياء : ج4 ص172 و ص 361 و ج7 ص197 و198 ، الاستيعاب : ج3 ص230 وص231 الرقم1883 وفيه « تواترت الآثار عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : تقتل عمّارا الفئة الباغية . وهذا من أصحّ الأحاديث » ، اُسد الغابة : ج 4 ص125 الرقم3804 ، الإصابة : ج 4 ص474 الرقم5720 وفيه « تواترت الأحاديث عن النَّبيّ صلى الله عليه و آله أنّ عمّارا تقتله الفئة الباغية ، وأجمعوا على أنّه قُتِل مع عليّ بصفّين » ، البداية والنهاية : ج7 ص267 _ 270 .
13- . الاستيعاب : ج 3 ص231 الرقم1883 .
14- . تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص580 ، الإصابة : ج4 ص474 الرقم5720 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 1 ص421 الرقم84 .
15- . الأمالي للصدوق : ص489 ح665 .
16- . شرح نهج البلاغة : ج20 ص 334 ح835 ؛ بحار الأنوار : ج33 ص16 .
17- . راجع: سنن الترمذي : ج 5 ص667 ح3797 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص148 ح4666 ، أنساب الأشراف : ج1 ص182 وفيه « بلال » بدل « سلمان » ، المعجم الكبير : ج 6 ص215 ح6045 وزاد فيه « والمقداد » ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص574 كلّها عن أنس ؛ الخصال : ص303 ح80 عن عبد اللّه بن محمّد بن عليّ بن العبّاس الرازي عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلامعنه صلى الله عليه و آله وزاد فيه « وأبي ذرّ والمقداد » ، وقعة صفّين : ص323 عن الحسن .
18- . رجال الكشّي : ج 1 ص137 الرقم58 عن بُرَيْدَة الأسلمي ، روضة الواعظين : ص314 وفيه « يشهد » بدل « شهد » .
19- . سنن الترمذي : ج 5 ص668 ح3798 ، مسند ابن حنبل : ج 1 ص214 ح779 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص437 ح5662 ، المصنّف لابن أبيشيبة : ج 7 ص522 ح1 ؛ وقعة صفّين : ص323 ، رجال الكشّي : ج 1 ص147 الرقم66 وفيهما « ابن الطيّب » بدل « المطيّب » وكلّها عن هانئ بن هانئ .
20- . المُشاش : هي رؤوس العظام ، كالمرفقين والكتفين والركبتين ( النهاية : ج4 ص333 ) .
21- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص443 ح5680 عن عمرو بن شرحبيل عن عبد اللّه ، سنن النسائي : ج8 ص111 عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج 2 ص858 ح1600 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج 7 ص522 ح2 كلاهما عن عمرو بن شرحبيل ، حلية الأولياء : ج1 ص139 عن هانئ بن هانئ عن الإمام عليّ عليه السلام وعن ابن عبّاس ؛ الجمل : ص103وفيه « عمّار مُلِئ إيمانا وعلما » ، وقعة صفّين : ص323 عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النَّبيّ صلى الله عليه و آله وفيه « لقد . . . » .
22- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص438 ح5664 عن عبد اللّه بن مسعود و ح 5665 نحوه ، سنن الترمذي : ج 5 ص668 ح3799 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 1 ص416 الرقم84 كلّها عن عائشة ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج 7 ص523 ح4 ، تاريخ مدينة دمشق : ج43 ص405 كلاهما عن عبد اللّه بن مسعود .
23- . تاريخ مدينة دمشق : ج43 ص393 عن النزّال بن سَبْرَة الهلالي عن الإمام عليّ عليه السلام .
24- . الغارات : ج1 ص177 عن أبي عمرو الكندي ؛ المعجم الكبير : ج 6 ص214 ح6041 عن أبي الأسود وزاذان الكندي نحوه .
25- . تاريخ مدينة دمشق : ج43 ص401 ح 9280 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 1 ص415 الرقم84 وكلاهما عن أوس بن أوس عن الإمام عليّ عليه السلام ، تاريخ الإسلام للذهبي: ج3 ص575 عن الإمام عليّ عليه السلام وليس فيهما «أن تأكله أوتمسّه».
26- . الاحتجاج : ج 1 ص616 ح139 عن الأصبغ بن نباتة .
27- . حلية الأولياء : ج4 ص20 ، المعجم الكبير : ج 12 ص301 ح13457 نحوه وكلاهما عن ابن عمر ، تاريخ مدينة دمشق : ج43 ص403 عن مجاهد .
28- . فضائل الصحابة لابن حنبل : ج 2 ص858 الرقم1598 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص5 ح5 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 1 ص415 الرقم84 ، تاريخ مدينة دمشق : ج43 ص402 كلّها عن مجاهد ، مروج الذهب : ج2 ص391 عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص وليس فيه « وذاك دأب . . . » ؛ وقعة صفّين : ص323 وليس فيه « دأب » ، رجال الكشّي : ج 1 ص143 الرقم62 وفيه « دار » بدل « دأب » وكلاهما عن مجاهد .
29- . تاريخ بغداد : ج13 ص187 الرقم 7165 ، تاريخ مدينة دمشق : ج42 ص472 وفيه « ركي » بدل « ردى » ، البداية والنهاية : ج7 ص307 ، المناقب للخوارزمي : ص105 الرقم110 ، الفردوس : ج 5 ص384 ح8501 وزاد فيهما « ودع الناس » بعد « مع عليّ » ، فرائد السمطين : ج 1 ص178 ح141 نحوه وكلّها عن أبي أيّوب الأنصاري .
30- . تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص575 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 1 ص416 الرقم84 كلاهما عن ابن مسعود .
31- . الضَّياح : اللبن الخاثِر يُصبّ فيه الماء ثمّ يُخلَط ( النهاية : ج3 ص107 ) .
32- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص442 ح5676 .
33- . أنساب الأشراف : ج1 ص197 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص262 ، تاريخ مدينة دمشق : ج43 ص476 كلاهما عن أبي الغادية .
34- . الأمالي للطوسي : ص731 ح1530 .
35- . أنساب الأشراف : ج6 ص162 ، الرياض النضرة : ج3 ص85 نحوه .
36- . السَّفَط : الَّذي يُعبّى فيه الطيب وما أشبهه من أدوات النساء ( لسان العرب : ج7 ص315 ) .
37- . المَتْكاء : هي الَّتي لم تُختن . وقيل : هي الَّتي لا تحبس بولها . وأصله من المتك ( النهاية : ج4 ص293 ) .
38- . أنساب الأشرف : ج6 ص161 .
39- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص173 ؛ أنساب الأشراف : ج6 ص169 ، الفتوح : ج2 ص378 كلاهما نحوه .
40- . ظُبَة السيف : طرفه ( النهاية : ج3 ص155 ) .
41- . الكامل في التاريخ : ج2 ص380 ، تاريخ الطبري : ج5 ص38 و39 نحوه وراجع حلية الأولياء : ج1 ص143 والبداية والنهاية : ج7 ص267 ووقعة صفّين : ص320 .
42- . رجال الكشّي : ج 1 ص126 الرقم56 ، روضة الواعظين : ص313 وراجع البداية والنهاية :ج7 ص268 و269 .
43- . الديوان المنسوب إلى الإمام عليّ عليه السلام : ص496 الرقم380 ، كفاية الأثر : ص123 نحوه ؛ مطالب السؤول : ص62 .
44- . تاريخ مدينة دمشق : ج43 ص473 ، الفردوس : ج2 ص27 ح2170 كلاهما عن عمرو بن العاص .
45- . مسند ابن حنبل : ج 6 ص231 ح17791 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص4 ح5661 ، أنساب الأشراف : ج1 ص197 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 1 ص425 الرقم84 كلّها عن عمرو بن العاص ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص582 عن عبد اللّه بن عمرو وفيه « قاتل عمّار وسالبه في النار » ؛ الجمل : ص103 وفيه « بشّروا قاتل عمّار وسالبه بالنار » .
46- . صحيح البخاري : ج 1 ص172 ح436 عن أبي سعيد .
47- . هو شريك بن عبد اللّه الكوفي ، ولد سنة ( 90 ه ) ومات سنة ( 177 ه ) . ولي القضاء بواسط ، ثمّ ولي الكوفة بعده ومات بها ، وكان فقيها عالما ( تهذيب التهذيب : ج2 ص 491 الرقم 3254 ) .
48- . المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص217 .
49- . الكامل في التاريخ : ج2 ص382 ، والصحيح أنّ قاتل عمّار : أبو الغادية . راجع : اُسد الغابة : ج6 ص231 الرقم6147 والاستيعاب : ج 4 ص288 الرقم3144 .

ص: 76

. .

ص: 77

. .

ص: 78

. .

ص: 79

. .

ص: 80

. .

ص: 81

. .

ص: 82

. .

ص: 83

. .

ص: 84

. .

ص: 85

. .

ص: 86

هاشم بن عتبة

هَاشِمُ بنُ عُتْبَةَهاشم بن عُتْبَة بن أبي وَقَّاص المِرْقَالُ ، يُكنَّى أبا عمرو ، وهو ابن أخي سَعْد بن أبي وَقَّاص والمرقالُ هو العارف السَّليم القلب ، وأسد الحروب الباسل . كان من الفضلاء الخيار، وكان من الأبطال البُهَم (1)(2) . من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله الكبار (3) ، وكان نصيرا وفيّا للإمام أمير المؤمنين عليه السلام (4) ، ومن الشُّجعان الأبطال (5) . أسلم يوم الفتح . وذهبت إحدى عينيه في معركة اليرموك (6) . ثمّ سارع إلى نصرة عمّه سَعْد بن أبي وَقَّاص (7) . وتولّى قيادة الجيش في فتح جَلَوْلاء (8) . لُقِّب بالمِرقال ؛ لطريقته الخاصّة في القتال، وفي هجومه على العدوّ (9) . شهد معركة الجمل (10) وصفِّين (11) . وإنّ ملاحمه وخطبه في بيان عظمة الإمام عليّ عليه السلام ، وكشفه ضلال الأمويّين وسيرتهم القبيحة ، كلّها كانت دليلاً على عمق تفكيره ، ومعرفته الحقّ . وثباته عليه . دفع الإمام عليّ عليه السلام رايته العظمى إليه يوم صفِّين (12) . وتولّى قيادة رجّالة البصرة يومئذٍ (13) . استُشهد في صفِّين عند مقاتلته كتيبة أمويّة بقيادة ذو الكلاع (14) . وأثنى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على شجاعته وشهامته وثباته وكياسته (15) . في الاستيعاب عن أبي عمر : أسلم هاشم بن عُتْبَة يوم الفتح ، يعرف بالمرقال ، وكان من الفضلاء الخيار ، وكان من الأبطال البُهَم ، فُقِئت عينه يوم اليرموك ، ثمّ أرسله عمر من اليرموك مع خيل العراق إلى سعد ، كتب إليه بذلك ، فشهد القادسيّة وأبلى بها بلاءً حسنا، وقام منه في ذلك ما لم يقم من أحد ، كان سبب الفتح على المسلمين . وكان بُهْمَة من البُهَم فاضلاً خيّرا . وهو الَّذي افتتح جلولاء ، فعقد له سَعْد لواءً ووجّهه ، وفتح اللّه عليه جلولاء ولم يشهدها سعد (16) . وفي المستدرك على الصحيحين عن محمّد بن عمر : كان ( هاشِم بن عُتْبَة ) أعور ، فقئت عينه يوم اليرموك (17) . وفي الإصابة عن المرزباني : لمّا جاء قتل عثمان إلى أهل الكوفة ، قال هاشم لأبي موسى الأشْعَرِيّ : تعال يا أبا موسى بايع لخير هذه الاُمّة عليّ . فقال : لا تعجل . فوضع هاشم يده على الاُخرى ، فقال : هذه لعليّ وهذه لي ، وقد بايعت عليّا ، وأنشد : اُبايِعُ غَيرَ مُكتَرثٍ عَلِيّاوَ لا أخشَى أمِيرا أشعَرِيّا اُبايِعُهُ وأعلم أن ساُرضِيبِذاكَ اللّه َ حَقّا وَالنَّبيّا (18) وقال الإمام عليّ عليه السلام : « وَقَد أرَدتُ تَولِيَةَ مِصرَ هاشِمَ بنَ عُتْبَةَ ، وَلَو وَلّيتُهُ إيّاها، لَما خَلَّى لَهُم العَرصَةَ ، ولا أنهَزَهُم الفُرصَةَ ، بِلا ذمّ لِمُحمّدِ بنِ أبي بكرٍ ، وَلَقَد كان إليَّ حَبِيبا ، وَكانَ لِي رَبِيبا » (19) . وعنه عليه السلام : « رَحِمَ اللّه ُ مُحَمّدا ، كانَ غُلاما حَدَثا ، أما وَاللّه ِ ، لَقَد كُنتُ أرَدتُ أن اُولّيَ المِرقَالَ هاشِمَ بنَ عُتْبَةَ بنِ أبي وَقَّاص مِصرَ ، وَاللّه ِ ، لَو أنَّهُ وَلِيَها لَمَا خَلَّى لِعَمْرو بنِ العاصِ وَأعوانِهِ العَرْصَةَ ، وَلَما قُتِلَ إلاّ وَسَيفُهُ في يده » (20) . وفي وقعة صفِّين عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكَنود : لمّا أراد عليّ المسير إلى أهل الشَّام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار ، فَحَمِدَ اللّه َ وأثنى عليه وقال : « أمّا بَعدُ ، فإنَّكُم مَيامِينُ الرَّأي ، مَراجِيحُ الحِلْمِ ، مَقاوِيلُ بِالحقِّ ، مُبارَكُو الفِعلِ والأمرِ ، وَقَد أرَدنا المسير إلى عَدوِّنا وَعَدوِّكُم ، فَأشيروا عَلَينا بِرأيِكُم » . فقام هاشم بن عُتْبَة بن أبي وَقَّاص ، فحمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله ، ثمّ قال : أمّا بَعدُ يا أمير المؤمنين ، فأنا بالقومِ جِدُّ خَبيرٍ ، هُم لَكَ ولأشياعِكَ أعداءُ ، وَهُم لِمَن يَطلُبُ حَرثَ الدُّنيا أولياءُ ، وَهُم مُقَاتِلوكَ ومُجاهِدُوكَ لا يُبقون جُهدا ، مُشاحّةً على الدُّنيا ، وَضَنّا بما في أيدِيهم مِنها ، وَلَيسَ لَهُم إربَةٌ (21) غَيرَها، إلاّ ما يَخدَعُونَ بِهِ الجُهّالَ مِنَ الطَّلبِ بِدَمِ عُثمانَ بنِ عَفّان . كَذِبوا لَيسوا بِدَمِهِ يَثأرونَ ، ولكِنِ الدُّنيا يَطلبونَ ، فسِرْ بِنا إليهِم ، فَإن أجابوا إلى الحقّ فليس بعد الحقّ إلاّ الضَّلالُ ، وَإن أبَوا إلاّ الشِّقاقَ فَذَلِكَ الظَّنُّ بِهمِ . وَاللّه ِ ، ما أراهم يُبايِعونَ وفيهِم أحدٌ مِمَّن يُطاعُ إذا نهى ، و] لا ] (22) يُسمَعُ إذا أمَرَ (23) . وعن هاشم بن عُتْبَة _ في جواب استنفار عليّ عليه السلام قبل حرب صفِّين _ : سِر بِنا _ يا أمير المؤمنين _ إلى هؤلاءِ القومِ القاسيةِ قلوبُهُم ، الَّذين نَبَذوا كِتابَ اللّه ِ وَراءَ ظُهورِهِم ، وَعَمِلُوا في عِبادِ اللّه ِ بِغَيرِ رِضا اللّه ِ ، فَأحلُّوا حَرامَهُ وحَرَّموا حَلالَهُ ، وَاستَولاهُمُ الشيطانُ وَوَعَدَهُمُ الأباطيلَ وَمنّاهُمُ الأمانِيَ ، حَتَّى أزاغَهُم عَنِ الهُدى وَقَصَدَ بِهِم قَصدَ الرَّدَى ، وَحَبَّبَ إليهمِ الدُّنيا ، فَهُم يُقاتِلونَ علَى دُنياهُم رَغبةً فيها، كَرَغبَتِنا في الآخِرَةِ إنجازَ مَوعودِ رَبّنا . وَأنتَ _ يا أمير المؤمنين _ أقربُ النَّاسِ مِن رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله رَحِما ، وأفضَلُ النَّاسِ سابِقَةً وَقَدَما . وَهُم _ يا أميرَ المؤمنين _ مِنكَ مِثلُ الَّذي عَلِمنا . وَلكِن كُتِبَ عَلَيهِم الشَّقاءُ ، وَمالَت بِهِمُ الأهواءُ، وَكانوا ظالِمينَ . فَأيدينا مَبسوطَةٌ لَكَ بالسَّمعِ والطَّاعَةِ ، وَقُلُوبُنا مُنشَرِحَةٌ لَكَ بِبَذلِ النَّصيحَةِ ، وَأنفُسُنا تَنصُرُكَ _ جَذِلةً (24) _ علَى مَن خَالَفَكَ وتَولّى الأمرَ دُونَكَ . واللّه ما أُحبُّ أنَّ لِي ما في الأرضِ مِمَّا أَقلَّت ، وَما تَحتَ السَّماءِ مِمّا أَظلَّت ، وَأنّي وَاليتُ عَدُوّا لَكَ ، أَو عَادَيتُ وَلِيّا لَكَ . فقال عليّ عليه السلام : « اللَّهمَّ ارزُقهُ الشَّهادَةَ في سَبيلِكَ ، وَالمُرافَقَةَ لِنَبيِّكَ صلى الله عليه و آله » (25) .

.


1- . البُهْمة بالضمّ : الشجاع ، وقيل : هو الفارس الَّذي لا يُدرَى من أين يُؤتى له من شدَّة بأسه ، والجمع بُهَم ( لسان العرب : ج12 ص58 ) .
2- . راجع: الاستيعاب : ج 4 ص107 الرقم2729 .
3- . تاريخ الطبري : ج 5 ص 41 ، الاستيعاب : ج 4 ص 107 الرقم2729 ، الطبقات لخليفة بن خيّاط :ص 214 الرقم 831 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص 447 ح 5690 .
4- . رجال الطوسي : ص84 الرقم852 وفيه « هشام بن عتبة بن أبي وقّاص المِرقال » ؛ مروج الذهب : ج2 ص387 ، اُسد الغابة : ج 5 ص353 الرقم5328 .
5- . اُسد الغابة : ج 5 ص353 الرقم5328 ، الإصابة : ج 6 ص404 الرقم8934 ، المعارف لابن قتيبة : ص241 ، الاستيعاب : ج 4 ص107 الرقم2729 .
6- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص447 ح5693 ، الاستيعاب : ج 4 ص107 الرقم2729 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص196 الرقم34 ، مروج الذهب : ج2 ص387 .
7- . الاستيعاب : ج4 ص107 الرقم2729 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص196 الرقم34 ، الإصابة : ج6 ص405 الرقم8934 وفيهما « حضر مع عمّه حرب الفُرس بالقادسيّة » .
8- . الاستيعاب : ج 4 ص107 الرقم2729 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص196 الرقم34 ، الإصابة : ج6 ص405 الرقم8934 وفيهما « حضر مع عمّه حرب الفُرس بالقادسيّة » .
9- . رجال الطوسي : ص84 الرقم852 ، وقعة صفّين : ص328 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص44 ، مروج الذهب : ج2 ص387 ، الإصابة : ج 6 ص404 الرقم8934 ، وفي النهاية : ج2 ص253 « الإرقال : ضرب من العَدْو فوق الخَبَب . يقال : أرقلت الناقة تُرقل إرقالاً ، فهي مُرقل ومِرْقال . وأضاف في لسان العرب : ج11 ص294 « ومرقال : كثيرة الإرقال . . . . والمِرقال : لقب هاشم بن عُتبة الزُّهري ؛ لأنّ عليّا عليه السلام دفع إليه الراية يوم صفّين فكان يُرقل بها إرقالاً » .
10- . الجمل : ص321 ؛ الاستيعاب : ج 4 ص108 الرقم2729 .
11- . الاستيعاب : ج 4 ص108 الرقم2729 ؛ وقعة صفّين : ص154 .
12- . الأخبار الطوال :ص183 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص447 ح5691 ، تاريخ الطبري : ج5 ص11 وص40 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص584 ، الاستيعاب : ج 4 ص108 الرقم2729 ؛ رجال الطوسي : ص85 ح852 وفيه « كان صاحب رايته ليلة الهرير » ، وقعة صفّين : ص205 .
13- . تاريخ الطبري : ج5 ص11 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص447 ح5693 ، الاستيعاب : ج4 ص108 الرقم2729 وليس فيهما « البصرة » .
14- . وقعة صفّين : ص348 ؛ مروج الذهب : ج2 ص393 ، تاريخ الطبري : ج5 ص41 ، تاريخ بغداد : ج1 ص196 الرقم34 ، الأخبار الطوال : ص183 .
15- . نهج البلاغة : الخطبة 68 ، الغارات : ج1 ص301 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص110 ، أنساب الأشراف : ج3 ص173 .
16- . الاستيعاب : ج 4 ص107 الرقم2729 .
17- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص447 ح5693 ، الاستيعاب : ج 4 ص107 الرقم2729 ، اُسد الغابة : ج 5 ص353 الرقم5328 ، مروج الذهب : ج2 ص387 نحوه .
18- . الإصابة : ج 6 ص405 الرقم8934 .
19- . نهج البلاغة : الخطبة 68 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص173 نحوه .
20- . الغارات : ج1 ص301 عن مالك بن الجون ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص110 عن مالك بن الحور .
21- . الإرْبةُ : الحاجَة ( مجمع البحرين : ج1 ص37 ) .
22- . هكذا وضعت بين معقوفتين في المصدر، والأنسب للمعنى حذف «لا» من الكلام.
23- . وقعة صفّين : ص92 .
24- . الجَذَلُ : الفَرَحُ ( مجمع البحرين : ج1 ص280 ) .
25- . وقعة صفّين : ص112 .

ص: 87

. .

ص: 88

. .

ص: 89

. .

ص: 90

. .

ص: 91

جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ

جَابِرُ بنُ عبدِ اللّه ِ الأنْصارِيّجابر بن عبد اللّه بن عَمْرو الأنْصاريّ ، يُكنّى أبا عبد اللّه . صحابيّ ذائع الصِّيت (1) ، عمّر طويلاً . وكان مع أبيه في تلك اللَّيلة التَّاريخيّة المصيريّة الَّتي عاهد فيها أهل يثرب رسول اللّه صلى الله عليه و آله على الدِّفاع عنه ودعمه ونصره ، وبيعتهم هي البيعة المشهورة في التَّاريخ الإسلامي ب« بيعة العَقَبَة الثَّانية » (2) . ولمّا دخل النَّبيّ صلى الله عليه و آله المدينة ، صحبه وشهد معه حروبه (3) ولم يتنازل عن حراسة الحقّ وحمايته بعده صلى الله عليه و آله ، كما لم يدّخر وسعا في تبيان منزلة عليٍّ عليه السلام ، والتَّنويه بها (4) . أثنى الأئمّة عليهم السلام على رفيع مكانته في معرفة مقامهم عليهم السلام ، وعلى وعيه العميق للتيّارات المختلفة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ومعارف التَّشيُّع خاصّةً ، وعلى فهمه النَّافذ لأسرار القرآن . وأشادوا به واحدا من القلّة الَّذين لم تتفرّق بهم السُّبل بعد النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، ولم يستبِقوا الصِّراط بعده ، بل ظلّوا معتصمين متمسّكين به (5) . قلنا: إنّه عمّر طويلاً؛ لذا ورد اسمه الكريم في صحابة الإمام أميرالمؤمنين عليه السلا (6) ، والإمام الحسن عليه السلام (7) ، والإمام الحسين عليه السلام (8) ، والإمام السَّجَّاد عليه السلام (9) ، والإمام الباقر (10) ، وهو الَّذي بلّغ الإمام الباقر عليه السلام سلامَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله له (11) . وكان قد شهد صفِّين مع الإمام عليه السلام (12) . وهو أوّل من زار قبر الحسين عليه السلام ، وشهداء كربلاء في اليوم الأربعين من استشهادهم ، وبكى على أبي عبد اللّه كثيرا (13) . والرِّوايات المنقولة عنه بشأن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وما اُثر عنه من أخبار تفسيريّة ، ومناظراته ، تدلّ كلّها على ثبات خُطاه ، وسلامة فكره ، وإيمانه العميق ، وعقيدته الرَّاسخة . ولجابر صحيفة مشهورة أيضا (14) ولأ نّه لم ينصر عثمان في فتنته ، فقد ختم الحجّاج بن يوسف على يده يريد إذلاله بذلك (15) . فارق جابر الحياة سنة 78ه (16) . في علل الشرائع عن أبي الزُّبَيْر المكّيّ : رأيت جابرا متوكّئا على عصاه، وهو يدور في سكك الأنصار ومجالسهم ، وهو يقول : عليّ خير البشر ، فمن أبى فقد كفر . يا معشر الأنصار ! أدّبوا أولادكم على حبّ عليّ ، فمن أبى فانظروا في شأن اُمّه (17) . وقال الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ جابِرَ بنَ عَبدِ اللّه ِ الأنْصارِيَّ، كانَ آخِرَ مَن بَقِيَ مِن أصحابِ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله ، وكانَ رَجُلاً مُنقَطِعا إلينا أهلَ البَيتِ » (18) .

.


1- . رجال الطوسي : ص31 الرقم134 ، رجال البرقي : ص2 ؛ المستدرك على الصحيحين : ج3 ص6 ح6398 ، المعجم الكبير : ج 2 ص180 ح1730 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص574 .
2- . رجال الكشّي : ج1 ص205 _ 217 .
3- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص652 ح6398 ، تاريخ مدينة دمشق : ج11 ص208 ، تهذيب الكمال : ج4 ص448 الرقم871 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص191 الرقم38 ؛ رجال الطوسي : ص31 الرقم134 .
4- . رجال الكشّي : ج1 ص182 .
5- . راجع: الخصال : ص607 ح 9 .
6- . م رجال الطوسي : ص59 الرقم498 ، رجال البرقي : ص3 وفيه « من أصفياء أمير المؤمنين عليه السلام » .
7- . رجال الطوسي : ص93 الرقم921 ، رجال البرقي : ص7 .
8- . رجال الطوسي : ص99 الرقم964 ، رجال البرقي : ص7 .
9- . رجال الطوسي : ص111 الرقم1087 ، رجال البرقي : ص7 .
10- . رجال الطوسي : ص129 الرقم1311 ، رجال البرقي : ص9 .
11- . الكافي : ج 1 ص470 ح2 ، رجال الكشّي : ج 1 ص221 الرقم 88 .
12- . الاستيعاب : ج 1 ص293 الرقم290 ، اُسد الغابة : ج 1 ص493 الرقم647 .
13- . راجع: مصباح المتهجّد : ص787 .
14- . التاريخ الكبير : ج 7 ص186 ح827 ، الطبقات الكبرى : ج5 ص467 .
15- . تهذيب الكمال : ج 12 ص190 الرقم2612 ، الاستيعاب : ج 2 ص225 الرقم1094 ، اُسد الغابة : ج2 ص576 الرقم2294 .
16- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص653 ح6400 ، المعجم الكبير : ج 2 ص181 ح1733 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص192 الرقم38 ؛ رجال الطوسي : ص32 ج134 وراجع قاموس الرجال : ج 2 ص514 الرقم1336 .
17- . علل الشرائع : ج142 ص4 ، الأمالي للصدوق : ص135 ح134 ، رجال الكشّي : ج1 ص236 الرقم 93 وفيه « سكك المدينة » بدل « سكك الأنصار » .
18- . الكافي : ج 1 ص469 ح2 ، رجال الكشّي : ج 1 ص217 الرقم88 كلاهما عن أبان بن تغلب ، رجال ابن داوود : ص60 الرقم288 .

ص: 92

. .

ص: 93

14 _ كتابه عليه السلام إلى حذيفة بن اليمان

14كتابه عليه السلام إلى حُذَيْفَة بن اليَمانلمَّا وجَّه عثمان بن عفَّان عمَّاله في الأمصار ، كان فيمن وجَّه، الحارث بن الحَكَم إلى المَدائِن ، فأقام فيها مدَّة يتعسّف أهلها ويُسيءُ معاملتهم ، فوفد منهم إلى عثمان ، وفد يشكوه، وأعلموه بسوء ما يعاملهم به ، وأغلظوا عليه في القول ، فولّى حُذَيْفَة بن اليَمان عليهم _ وذلك في آخر أيَّامه _ فلم ينصرف حُذَيْفَة بن اليَمان عن المَدائِن إلى أن قُتل عثمان ، واسْتُخلِفَ عليُّ بن أبي طالب عليه السلام ، فأقام حُذَيْفَة عليها ، وكتَب إليه :« بسم اللّه الرّحمن الرحيم مِن عَبدِ اللّه ِ عَليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام إلى حُذَيْفَةَ بنِ اليَمانِ ، سَلامٌ علَيْكَ . أمَّا بَعدُ ، فإنِّي قَدْ وَلَّيتُك ما كُنتَ علَيْهِ لِمَن كانَ قَبْلِي مِن حِرَفِ المَدائِنِ ، وَقَدْ جَعَلْتُ إليْكَ أعمالَ الخَراجِ والرَّسْتاقِ، وجِبايَةَ أهْلِ الذِّمَّةِ ، فاجمَعْ إليْك ثِقاتِكَ ومَن أحْبَبْتَ، ممَّن تَرْضى دِينَه وَأمانَتَه ، واسْتَعِن بهِم علَى أعمالِكَ ، فإنَّ ذلِكَ أعزُّ لَكَ وَلِوَليِّكَ ، وأكْبَتُ لِعَدُوِّكَ . وإنِّي آمرُكَ بِتَقْوَى اللّه ِ وَطاعَتِهِ في السِّرِّ والعَلانِيَّةِ ، وأُحَذِّرُك عِقابَهُ في المَغِيب والمَشْهَدِ ، وأتَقَدَّمُ إليْك بالإحسانِ إلى المُحْسِنِ ، والشِدَّةِ على المُعانِدِ ، وآمُرُكَ بالرِّفقِ في أُمورِكَ ، واللِّينِ والعَدلِ على رَعيَّتِكَ ، فإنَّك مسؤولٌ عَن ذلِكَ ، وإنصافِ المظلُومِ ، والعَفوِ عَنِ النَّاسِ ، وَحُسْنِ السِّيرةِ ما اسْتَطَعْتَ ، فإنَّ اللّه َ يَجْزِي المُحسِنينَ . وآمُرُك أنْ تُجْبِي خَراج الأرَضِينَ على الحقِّ والنَّصَفَةِ ، ولا تُجاوِز ما قَدَّمتُ بهِ إليْكَ ، ولا تَدَعَ منْه شَيْئا ، ولا تبتَدِع فيْهِ أمْرا ، ثُمَّ اقسمهُ بَينَ أهلِهِ بالسَّويَّةِ والعَدلِ ، واخْفِض لِرَعيَّتِكَ جَناحَكَ ، وواسِ بَينَهُم في مَجلِسِكَ ، وَليَكُنْ القَريبُ وَالبَعيدُ عِندَكَ في الحقِّ سَواءٌ ، واحْكُم بَينَ النَّاسِ بالحقِّ ، وأقِمْ فيْهِم بالقِسطِ ، ولا تَتَّبِعِ الهَوى ، ولا تَخَفْ في اللّه ِ لَومَةَ لائِمٍ ، فإنَّ اللّه َ مَعَ الَّذينَ اتَّقَوْا ، وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنونَ . وَقَدْ وَجَّهْتُ إليْكَ كِتابا لتَقْرَأَهُ على أهلِ مملكتِكَ ، لِيَعْلَموا رأيَنا فيهِم، وفي جَميعِ المُسلِمينَ ، فَأَحْضِرْهُم واقْرَأهُ عَلَيْهِمْ ، وخُذْ لنا البَيْعَةَ علَى الصَّغيرِ والكبيرِ مِنْهُم ، إنْ شاءَ اللّه ُ » . (1)

.


1- . راجع : إرشاد القلوب : ص321 ، الدرجات الرفيعة : ص288 ، بحار الأنوار : ج28 ص87 ح 3 .

ص: 94

15 _ كتابه عليه السلام إلى حذيفة بن اليمان

15كتابه عليه السلام إلى حُذَيْفَة بن اليَمانلمَّا وَصَل عهْد أمير المؤمنين عليه السلام إلى حُذَيْفَة ، جمع النَّاس وصلّى بهم ، ثُمَّ أمرَ بالكتاب ، فقرأه عليهم وهو : « بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم مِن عَبدِ اللّه ِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ ، أميرِ المُؤمِنينَ ، إلى مَن بَلَغَهُ كِتابِي هذا مِن المُسلِمينَ ، سَلامٌ عليْكُم أمَّا بَعدُ . فَإنِّي أحْمَدُ اللّه َ الَّذِي لا إلهَ إلاَّ هُوَ ، وَأسْألُهُ أنْ يُصَلِّيَ علَى مُحمَّد ٍ وَآلِ مُحَمّد ٍ . وَبَعدُ ،فإنَّ اللّه َ تَعالى اختارَ الإسلامَ دِينا لنَفسِهِ وَمَلائِكتِه ورُسُلِهِ ،إحْكاما (1) لِصُنْعِهِ وَحُسْنِ تَدبيرِهِ ، وَنَظَرا مِنهُ لِعبادِهِ ، واختصَّ بِهِ مَن أحبَّ مِن خَلْقهِ ، فبَعَثَ إليْهِم مُحمَّد ا صلى الله عليه و آله وسلمفَعلَّمَهُمُ الكِتابَ والحِكْمَةَ ، إكْراما وَتَفضُّلاً لِهَذهِ الأمَّةِ ، وَأدَّبَهُم لِكَي يَهْتَدوا ، وجَمَعَهُم لِئَلاَّ يَتَفرَّقُوا ، وَوَقَفهُم لِئَلاَّ يَجُوروا ، فلمَّا قَضَى ما كانَ عَلَيْهِ مِن ذَلِكَ، مَضَى إلى رَحْمةِ اللّه ِ حَمْيدا مَحمُودا . ثُمَّ إنَ بَعضَ المُسلِمينَ أقاموا بَعدَهُ رَجُلَيْنِ رَضُوا بِهُداهُما وَسِيرَتِهِما ، قاما ما شاءَ اللّه ُ ، ثُمَّ تَوفَّاهُما اللّه ُ جل جلاله ، ثُمَّ وَلَّوْا بَعدَهُما الثَّالِثَ فأحْدَثَ أحْداثا ، ووَجَدَتِ الأمَّةُ عليْه فِعالاً ، فاتَّفَقُوا عَلَيْهِ ، ثُمَّ نَقَمُوا مِنُه فغَيَّرُوا ، ثُمَّ جاؤونِي كتَتابُع الخَيلِ فَبايَعونِي، فأنا أسْتَهْدِي اللّه َ بِهُداهُ ، وأسْتَعِينُهُ علَى التَّقوى . ألا وإنَّ لَكم علَيْنا العَمَلَ بكتابِ اللّه ِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، والقِيامَ عَلَيْكُم بِحَقِّهِ ، وإحْياءَ سُنَّتِهِ ، والنُّصحَ لَكُم بالمَغِيبِ والمَشْهَدِ ، وباللّه ِ نَسْتَعِينُ علَى ذَلِكَ ، وَهُو حَسْبُنا وَنِعْمَ الوَكيلُ . وقَد تَوليتُ (2) أمورَكُم حُذَيْفَةَ بنَ اليَمان ، وَهُو مِمَّن أرتَضِي بِهُداهُ ، وأرجو صَلاحَهُ ، وقَد أمَرتُهُ بالإحسانِ إلى مُحْسِنِكِم ، وَالشِّدَّةِ على مُرِيبِكُم ، والرِّفْقِ بِجَميلِكُم ، أسألُ اللّه َ لَنا ولَكُم حُسْنَ الخِيَرةِ والإحسانَ ، ورحْمَتَه الواسِعَةَ في الدُّنيا والآخِرَةِ ، والسَّلامُ عَليكُم وَرَحْمَةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ » . (3)

.


1- . في المصدر: «حكاما»، وما أثبتناه هو الصحيح.
2- . كذا في إرشاد القلوب، وفي البحار: «ولّيتُ» وهو الصحيح.
3- . إرشاد القلوب : ص322 وراجع : كشف اليقين : ص137 ، الدرجات الرفيعة : ص 288 ، بحار الأنوار : ج28 ص88 ح 3 .

ص: 95

. .

ص: 96

حذيفة بن اليمان

حُذَيْفَةُ بنُ اليَمانحُذَيْفَة بن اليَمان بن جابر ، أبو عبد اللّه العَبْسِيّ . كان من وجهاء الصَّحابة وأعيانهم . وقد أثنى عليه الرِّجاليّون وأصحاب التَّراجم بمزايا ذكروها في كتبهم، كقولهم : كان من نجباء (1) وكبار أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله (2) ، وقولهم : صاحب سرّ النبيّ صلى الله عليه و آله (3) ، وقولهم : وأعلم النَّاس بالمنافقين (4) . وأسرّ إليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله أسماء المنافقين (5) وضبط عنه الفتن الكائنة في الاُمّة (6) إلى قيام السَّاعة (7) . لم يشهد بدر ا ، وشهد اُحد ا وما بعدها من المشاهد (8) . كان أحد الَّذين ثبتوا على العقيدة . لم يصبر على تغيير حقّ الخلافة، وخلافةِ الحقِّ بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ووقف إلى جانب عليّ عليه السلام بِخُطىً ثابتة (9) . كان حُذَيْفَة ممّن شهد جنازة السَّيِّدة فاطمة الزَّهراء عليهاالسلام ، وصلّى على جثمانها الطاهر (10) . وليَ المَدائِن في عهد عمر وعثمان (11) . وكان مريضا في ابتداء خلافة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام . مع هذا كلّه لم يُطِق السُّكوت عن مناقبه وفضائله صلوات اللّه عليه ، فصعد المنبر برغم مرضه ، وأثنى عليه أبلغ الثَّناء ، وذكره بقوله : فواللّه ِ إنّهُ لَعلَى الحقِّ آخِرَا وأوّلاً (12) . وقوله : إنَّهُ لَخَيرُ مَن مَضَى بَعدَ نَبيِّكُم . وأخذ لَهُ البيعة (13) ، بعد أن بايعه بنفسه (14) . وأوصى أولاده مؤكّدا عليهم ألاّ يقصّروا في اتّباعه والسَّير وراءه (15) ، وقال لهم : فإنّهُ واللّه ِ علَى الحقِّ ، ومَن خالَفَهُ علَى الباطلِ . ثمّ توفّي بعد سبعة أيّام مضت على ذلك (16) . وقيل : توفّي بعد أربعين يوما (17) . في الأمالي للطوسيّ عن حُذَيْفَة : ألا مَن أرادَ _ وَالَّذي لا إلهَ غَيرُهُ _ أن يَنظُرَ إلى أميرِ المؤمنينَ حَقّا حَقّا ، فَليَنظُر إلى عليِّ بنِ أبي طالِب ، فَوازِروهُ واتّبِعوهُ وانصُروهُ (18) . وفي مروج الذَّهب : كان حُذَيْفَة عليلاً بالكوفة في سنة ستّ وثلاثين ، فبلغه قتل عثمان وبيعة النَّاس لعليّ ، فقال : أخرجوني وادعوا الصَّلاة جامعة ، فوُضِع على المنبر ، فحَمِدَ اللّه َ وأثنى عليهِ وصلّى على النَّبيِّ وعلَى آلهِ ، ثمّ قال : أيُّها النَّاس ! إنَّ النَّاسَ قَد بايَعوا عَلِيّا ؛ فَعَليكُم بِتقَوى اللّه ِ ، وانصُروا عَلِيّا ووازِروهُ ، فواللّه ِ إنّهُ لعلَى الحقِّ آخِرا وأوّلاً ، وإنَّهُ لَخَيرُ مَن مَضَى بَعدَ نَبيِّكُم ومَن بَقِيَ إلى يَومِ القِيامَةِ . ثُمّ أطبَقَ يمينَهُ علَى يَسارِهِ ثُمَّ قالَ : اللَّهمَّ اشهَد ، إنّي قَد بايَعتُ عَلِيّا . وقالَ : الحمدُ للّه ِ الَّذي أبقاني إلى هذا اليوم . وقالَ لابنَيهِ صَفْوَانَ وسَعد ٍ : احمِلانِي ، وكونا مَعَهُ ؛ فَستَكونُ لَهُ حُروبٌ كَثيرِةٌ ، فَيَهلِك فيها خَلقٌ مِنَ النَّاسِ ، فاجتَهِدا أن تُستَشهَدا مَعَهُ ؛ فإنّهُ واللّه ِ علَى الحقِّ ، ومَن خالَفَهُ علَى الباطِلِ . وماتَ حُذَيْفَة ُ بَعدَ هذا اليومِ بِسبعَةِ أيّامٍ (19) . وفي الأمالي للطوسيّ عن أبي راشِد : لمّا أتى حُذَيْفَة َ بيعةُ عليّ عليه السلام ، ضرب بيده (20) واحدة على الاُخرى وبايع له ، وقال : هذهِ بَيعَةُ أميرِ المُؤمِنينَ حَقّا ، فو اللّه ِ لا يُبايَعُ بَعدَهُ لِواحِدٍ مِن قُريش ٍ، إلاّ أصغَرَ أو أبتَرَ يُوَلِّي الحقَّ استَهُ (21) . وفي مجمع الزوائد عن سَيَّار أبي الحَكَم : قالت بنو عبس لحُذَيْفَة : إنّ أمير المؤمنين عثمان قد قُتل ، فما تأمرنا ؟ قال : آمُرُكُم أن تَلزَموا عَمَّار ا . قالوا : إنّ عَمّار ا لا يُفارِقُ عليَّا ! قال : إنّ الحَسَدَ هُو أهلَكَ الجَسدَ ، وإنَّما يُنفِّرُكُم مِن عَمَّار ٍ قُربُهُ مِن عليّ ! فَواللّه ِ لَعَلِيٌّ أفضَلُ مِن عَمَّار ٍ أبعَدَ ما بَينَ التُرابِ والسَّحابِ ، وإنّ عَمَّار ا لَمِنَ الأخيارِ ، وهُوَ يَعلَمُ أنَّهُم إن لَزِموا عَمَّار ا كانوا مَعَ عَلِيٍّ (22) .

.


1- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص361 الرقم76 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص494 .
2- . الاستيعاب : ج 1 ص394 الرقم510 ؛ رجال الطوسي : ص35 الرقم178 ، رجال البرقي : ص2 .
3- . صحيح البخاري : ج3 ج ص1368 ص3533 ، مسند ابن حنبل : ج 10 ص428 ح27608 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص361 الرقم76 .
4- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص429 ح5631 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص363 الرقم76 .
5- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص364 الرقم76 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص494 .
6- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص364 الرقم76 .
7- . تهذيب الكمال : ج 5 ص500 الرقم1147 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص494 .
8- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص428 ح5623 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص15 و ج7 ص317 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص161 الرقم11 .
9- . الخصال : ص607 ح9 ، عيون أخبار الرضا : ج 2 ص126 ح1 .
10- . الخصال : ص361 ح50 ، رجال الكشّي : ج1 ص34 الرقم 13 ، الاختصاص : ص5 ، تفسير فرات : ص570 ح733 .
11- . تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص261 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص493 ، تهذيب التهذيب :ج 1 ص516 الرقم1367 ؛ إرشاد القلوب : ص321 .
12- . راجع: مروج الذهب : ج2 ص394 .
13- . مروج الذهب : ج2 ص394 ؛ إرشاد القلوب : ص322 وفيه « نعلمه » بدل « مضى » .
14- . راجع: الأمالي للطوسي : ص487 ح1066 .
15- . راجع: مروج الذهب : ج2 ص394 ، الاستيعاب : ج 1 ص394 الرقم510 .
16- . مروج الذهب : ج2 ص394 .
17- . راجع: المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص428 ح5623 ، التاريخ الكبير : ج3 ص95 ح332 ، مروج الذهب : ج2 ص394 ، تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص261 .
18- . الأمالي للطوسي : ص486 ح1065 وراجع مروج الذهب : ج2 ص394 .
19- . مروج الذهب : ج2 ص394 .
20- . كذا في المصدر، والظاهر أنّها: « بيديه ».
21- . الأمالي للطوسي : ص487 ح1066 .
22- . مجمع الزوائد : ج 7 ص488 ح12058 ، تاريخ مدينة دمشق : ج43 ص456 وفيه « ابن عبس » بدل « بنو عبس » ، ينابيع المودّة : ج 1 ص384 الرقم12 ، كنز العمّال : ج 13 ص532 ح37385 ؛ شرح الأخبار : ج 1 ص210 ح181 .

ص: 97

. .

ص: 98

. .

ص: 99

16 _ كتابه عليه السلام إلى قيس بن سعد

16كتابه عليه السلام إلى قَيْس بن سَعْد« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أمَّا بَعدُ ؛ فَسِرْ إلى القَومِ الَّذِينَ ذَكَرتَ ، فإن دَخَلوا فِيما دَخَلَ فيهِ المُسلِمون َ ، وإلاّ فَناجِزْهُم ، إن شاءَ اللّه ُ » . (1)

أقول : إجمال القصّة ، أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام لمَّا تمّت له البيعة ، أرسل إلى مصر قَيْس بن سَعْد بن عُبادَة واليا عليها ، وكتب معه كتابا إلى أهل مصر ، (2) فلمَّا وصل مصر قرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وخطبهم ، وحثَّهم على البيعة لأمير المؤمنين عليه السلام ، فبايعوا إلاّ القليل ، منهم : مَسْلَمَة بن مخلّد ، فداراهم قَيْس وساسهم سياسة حسنة، حيث أراد المخالفون القيام للطلب بثأر عثمان ، فأرسل إليهم قَيْس بالكفّ عن القتال ، فكفّوا على أن لا يطالبهم بالبيعة حَتَّى يتمّ الأمر ، وينجلي الغالب والمغلوب بين العراق والشَّام ، فقبل قَيْس منهم ، وكفّ عنهم ، وكتب قَيْس بذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام : بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أمَّا بعدُ ، فإنِّي أُخبِرُكَ _ يا أميرَ المُؤمنِينَ _ أكرَمَهُ اللّه ُ ، أنَّ قِبَلي رِجالاً مُعتَزِلينَ ، سَأَلوني أن أكفَّ عَنهُم ، وأن أدَعَهُم على حالِهِم حَتَّى يستقيمَ أمرُ النَّاسِ ، فنرى ويَروْا رأيهم ، وقَد رأيتُ أن أكفَّ عَنهُم ، وألاّ أتعجَّلَ حَربَهُم ، وأن أتألَّفَهُم فيما بينَ ذلك ، لعلَّ اللّه َ عز و جلأن يُقبِلَ بِقُلُوبِهِم ، ويُفَرّقَهُم عَن ضَلالَتِهِم ، إن شاءَ اللّه ُ . (3) وكتب معاوية ُ إلى قَيْس بن سَعْد يستزلّه ، ويعده الولاية له ولأهل بيته ، فردّه قَيْس ، وجرى بينهما مكاتبات ، فلمَّا يئس معاوية ، وثقل عليه كونه واليا على مصر لِما عَلِمَ من بأسه وسياسته ونجدته . وخاف معاوية ُ جانبه ، وعلم أنّه مادام قَيْس بمصر لا يتمكّن من فتحها ، بل يخاف أن يحمل عليه قَيْس من جهته أيضا ؛ ولذلك احتال معاوية واختلق كتابا ادّعى أنّه من قيس ، وأنّ قيسا موالٍ لمعاوية في سرّه وقرأه على النَّاس ، وأشاع ذلك في العراق ، وروّجه في العراق عيون معاوية وجواسيسه ، كالأشعث وأضرابه . فلمَّا وصل كتاب قَيْس هذا إلى أمير المؤمنين عليه السلام في الكفّ عن المعتزلين، جعلوه دليلاً على الأراجيف المفتعلة في قيس ، وحثّوا جمعا ممَّن لا خبرة له بأسرار الأمور والحوادث ، على الإصرار على عزله ، كل ذلك كان من تدبير أذناب وأيادي معاوية الموجودين سرَّا في الكوفة ، وكانت وظيفة الأشْعَث وأضرابه، هي إلجاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى عزل قَيْس ، متذرِّعين بهذه العناوين الباهتة ، وفطن عليّ عليه السلام إلى ذلك التَّدبير الخبيث ، فلم يرَ مناصا من أن كتب إلى قَيْس هذا الكتاب ، يأمره فيه بمناجزة القوم فكتب إليه قَيْس : أمَّا بعدُ ؛ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، العجبُ لَكَ ! تأمُرُني بقتِال قَومٍ كافِّينَ عَنكَ ، لم يَمُدّوا يَدَا للفِتنَةِ ، ولا أرصَدُوا لها ، فأطعِني يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وكُفَّ عَنهُم ، فإنَّ الرَّأي تَركُهُم ، والسَّلامُ . (4) ونقل البلاذري في أنساب الأشراف قال : بعث عليٌ قَيْسَ بن سَعْدِ بنِ عُبادَةَ أميرا على مصر ، فكتب إليه معاوية وعَمْرو بن العاص كتابا أغلظا فيه ، وشتماه ، فكتب إليهما بكتاب لطيف قاربهما فيه ، فكتبا إليه يذكران شرفه وفضله ، فكتب إليهما بمثل جواب كتابهما الأوّل ، فقالا : إنَّا لا نطيق مكر قَيْس بن سعد ، ولكنَّا نمكر به عند عليّ ، فبعثا بكتابه الأوَّل إلى عليّ ، فلمَّا قرأه ، قال أهل الكوفة : غَدَرَ واللّه ِ قيسٌ ، فاعزِلهُ . فقال عليّ : « وَيحَكُم، أنا أعلَمُ بِقَيس ، إنَّهُ واللّه ِ ، ما غَدَر ، و لكِنَّها إحدى فِعلاتِهِ » . قالوا : فإنَّا لا نرضى حَتَّى تعزله، فعزله ، وبعث مكانه محمَّد بن أبي بكر . فلمَّا قدم عليه ، قال : إنَّ مُعاوِيَةَ وعَمْرو سَيَمكُرانِ بِكَ ، فَإذا كَتبا إلَيكَ بِكَذا فَاكتُب بِكَذا ، فإذا فَعَلا كَذا فافعَل كذا ، ولا تُخالِف ما آمُرُكَ بِهِ ، فَإن خالَفتَهُ قُتِلتَ . (5) وهكذا عزلَ أمير المؤمنين عليه السلام قيسَ بن سعد ، وبعث مكانه محمَّد بن أبي بكر رحمه الله ، فوقع ما وقع ، وقد اشتبه الأمر على جمعٍ ، فقالوا : إنَّه بعث مكانه الأشْتَر ؛ إذ قصّة قَيْس كانت قبل صفِّين ، وقِصَّةُ الأشْتَر كانت بعد صفِّين .

.


1- . تاريخ الطبري : ج4 ص554 ، أنساب الأشراف : ج1 ص392 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص531 الرقم496 ؛ الغارات : ج1 ص218 .
2- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص549 ؛ وبحار الأنوار : ج33 ص540 .
3- . تاريخ الطبري : ج4 ص554 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص530 الرقم 495 .
4- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص553 ،الأصابة : ج3 ص249 ، وأنساب الأشراف : ج1 ص392 و405 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص531 الرقم497 والاستيعاب وأسد الغابة ترجمة قيس .
5- . راجع : أنساب الأشراف : ج3 ص173 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص57 _ 63 ؛ الغارات : ج1 ص211 _ 219 .

ص: 100

. .

ص: 101

. .

ص: 102

17 _ كتابه عليه السلام إلى أهل مصر

17كتابه عليه السلام إلى أهل مصرمن كتاب له عليه السلام إلى أهل مصر ، كتبه مع قَيْس بن سَعْد بن عُبادَة ، لمَّا بعثَه أميرا علَيْهم وحَاكِما :« بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِن عَبْدِ اللّه ِ عليٍّ أمير المؤمنين ، إلى مَن بَلَغَهُ كتابِي هَذا مِنَ المُسْلِمينَ ، سَلامٌ علَيْكم . فإنِّي أحْمَدُ اللّه َ إلَيْكُم الَّذِي لا إله إلاَّ هو ؛ أمَّا بَعدُ ، فإنَّ اللّه َ بِحُسْنِ صُنْعِهِ وتقديرهِ وتَدْبِيرهِ، اخْتارَ الإسلام دينا لِنَفسِه ومَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ ، وبَعَثَ به الرُسُلَ إلى عبَادِهِ ، وخَصَّ مَن انْتَجَبَ مِن خَلْقِهِ ، فكانَ ممَّا أكْرَم اللّه ُ جل جلاله بِهِ هذهِ الأُمَّةَ ، وخَصَّهُم بِهِ مِنَ الفَضيلَةِ ، أنْ بَعَثَ مُحمَّد ا صلى الله عليه و آله إليهم، فَعَلَّمَهُمُ الكِتابَ والحِكْمَةَ ، والسُّنَّةَ الفَرائِضَ ، وأدَّبَهم لِكَيْما يَهتدوا ، وجَمَعهم لِكَيْما لا يَتَفَرَّقوا ، وزَكَّاهُم لِكَيْما يَتَطَهَّروا . فلمَّا قَضَى مِن ذلِكَ ما عَلَيْهِ ، قَبَضَهُ اللّه ُ إليْهِ ، فَعَلَيْهِ صَلواتُ اللّه ِ وسَلامُهُ ، ورَحْمَتُه ورِضوانُه، إنَّهُ حَميدٌ مَجيدٌ . ثُمَّ إنَّ المُسلمينَ مِن بَعدِهِ اسْتَخْلَفوا امرأينِ ، مِنْهم صالِحَيْنِ ، عَمَلا بالكتابِ وأحسَنا السِّيرَةَ ، ولمْ يَتَعدَّيا السُّنَّةَ ، ثُمَّ تَوفَّاهُما اللّه ُ فَرَحِمَهُما اللّه ُ، ثم ولي مِن بَعْدِهِما والٍ أحْدَثَ أحْدَاثا ، فوَجَدَتِ الأُمَّةُ علَيْهِ مَقالاً فقالوا ، ثُمَّ نَقَمُوا عَلَيْهِ فَغَيَّروا ، ثُمَّ جاؤونِي فبَايَعُونِي ، فأسْتَهْدِي اللّه َ الهُدى ، وأسْتَعِيْنُهُ علَى التَّقوى . ألا وإنَّ لَكُم علَيْنا العَمَلَ بكتابِ اللّه ِ، وسُنَّةَ رَسُولِهِ والقِيامَ بِحَقِّهِ ، والنُّصْحَ لَكُم بالغَيْبِ ، واللّه ُ المُستعانُ ، وحَسْبُنا اللّه ُ ونِعْمَ الوَكيلُ . وقَد بَعَثْتُ لَكُم قَيْسَ بن سَعْدٍ الأنْصاريّ أميرا ، فَوَازِرُوه وأعِينُوه على الحقِّ ، وقَد أمَرْتُه بالإحْسان إلى مُحْسِنِكم، والشِّدَّةِ علَى مُرِيبِكُم ، والرِّفْقِ بعَوامِّكُم وخَواصِّكم ، وهو ممَّن أرْضَى هَدْيَهُ وأرْجُو صَلاَحَهُ ونَصِيحَتَهُ ، نَسْألُ اللّه َ لَنا ولَكُم عَمَلاً زاكيا ، وثَوابا جَزيلاً ، ورَحْمَةً واسعةً، والسَّلامُ عَليْكُم ورَحْمَةُ اللّه ِ وبَركاتُهُ » . وكَتَب عُبَيد اللّه بن أبي رَافع ، في صَفَر سَنة سِتّ وثلاثين . (1)

.


1- . الغارات : ج1 ص210 وراجع : بحار الأنوار : ج33 ص534 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص58 ، تاريخ الطبري : ج3 ص550 ، أنساب الأشراف : ج2 ص389 ، البداية والنهاية : ج7 ص251 .

ص: 103

عبيد اللّه بن أبي رافع

عُبَيدُ اللّه ِ بنُ أبي رافِعأحد الوجوه المتألّقة في تاريخ التَّشيُّع ، ومن السَّبَّاقين إلى التَّأليف وتدوين العلوم . وكان كاتب أمير المؤمنين عليه السلام (1) ، ومن خاصّته . وشهد معه الجمل (2) ، وصفِّين (3) ، والنَّهروان (4) . عدّه مؤلّفو التَّراجم والرِّجاليّون من روّاد التَّأليف في الثَّقافة الإسلاميّة ، وذكروا بعض كتبه . ومنها : كتاب قضايا أمير المؤمنين ، وتسمية من شهد مع أمير المؤمنين عليه السلام الجمل وصفِّين والنَّهروان من الصَّحابة رضي الله عنهم » (5) . وهذا الكتاب مَعْلَم على نباهة عبيد اللّه ووعيه للوقائع ، ويدلّ على اهتمامه بضبط الحوادث . وكان أخوه _ عليّ بن أبي رافع _ كاتبا للإمام عليه السلام أيضا (6) .

.


1- . رجال الطوسي : ص71 ح654 ، الاختصاص :ص4 ؛ الطبقات الكبرى : ج4 ص74 ، تهذيب الكمال : ج19 ص34 الرقم3632 ، تاريخ خليفة بن خيّاط :ص151 ، تاريخ الطبري : ج3 ص170 ، تاريخ بغداد : ج10 ص304 الرقم5453 .
2- . الجمل : ص395 و ص 399 .
3- . وقعة صفّين : ص471 .
4- . تاريخ بغداد : ج 10 ص304 الرقم5453 .
5- . الفهرست للطوسي : ص174 الرقم467 .
6- . رجال النجاشي : ج1 ص62 و ص 65 ، رجال ابن داوود : ص236 الرقم991 .

ص: 104

عليّ بن أبي رافع

18 _ كتابه عليه السلام إلى امراء الأجناد

19 _ كتابه عليه السلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاريّ

عَلِيُّ بنُ أبي رافِععليّ بن أبي رافع . ولد في عهد النَّبيّ صلى الله عليه و آله وسمّاه عليّا (1) . تابعيّ ، من خيار الشِّيعة ، كانت له صحبة مع أمير المؤمنين ، وكان كاتبا له ، وحفظ كثيرا ، وجمع كتابا في فنون من الفقه : الوضوء ، والصَّلاة ، وسائر الأبواب (2) . وكان على بيت مال عليّ عليه السلام (3) ، وكان كاتبه (4) .

18كتابه عليه السلام إلى اُمراء الأجْنادمن كتاب كتبه عليه السلام _ لمَّا استخلف _ إلى أمراء الأجناد :« أمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّمَا أُهْلك مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، أنَّهُمْ مَنَعُوا النَّاسَ الْحَقَّ فَاشْتَرَوْهُ ، وأخَذُوهُمْ بِالْبَاطِلِ فَاقْتَدَوْهُ » . (5)

19كتابه عليه السلام إلى عُثْمان بن حُنَيْف الأنْصاريّوقد بلَغه عليه السلام أنَّ بَعْض المُترفين من أهل البصرة دَعا عثْمان إلى وَلِيمة ، فأجابَه ومَضَى إليْها ، ( قال ) :« أمَّا بَعدُ ، يا بنَ حُنَيف ٍ ، فَقَدْ بلَغَنِي أنَّ رَجُلاً من فِتيَةِ أهْلِ البَصْرَةِ دَعاكَ إلى مأْدُبَة ، فأسْرَعْتَ إليْها ، تُسْتَطَابُ لكَ الألوَانُ ، وتُنْقَلُ إليْكَ الجِفْانُ ، وما ظَنَنْتُ أنَّك تُجِيبُ إلى طَعامِ قَوْمٍ عائِلُهم مَجْفُوٌ ، وغَنِيُّهُم مَدْعُوٌّ ، فانْظر إلى ما تَقْضَمُهُ من هذا المَقْضَمِ ، فما اشْتَبَهَ علَيْكَ عِلْمُهُ فالْفِظْهُ ، وما أيْقَنْتَ بطِيبِ وُجُوْهِهِ فَنلْ مِنْهُ . ألا وإنَّ لكلِّ مأْمُومٍ إماما يَقْتَدي به، ويَسْتَضيءُ بِنُورِ علْمِهِ . ألا وإنَّ إمامَكُم قَدْ اكْتَفى مِن دُنْياهُ بِطِمْرَيْهِ ، ومِن طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ . ألا وإنَّكُم لا تَقْدِرُونَ على ذلِكَ ، ولكِنْ أعِينُوني بوَرَعٍ واجْتِهادٍ ، وعِفَّةٍ وسَدادٍ ، فو اللّه ِ ما كَنَزْتُ مِن دُنْياكُم تِبْرا ، ولا ادَّخَرْتُ من غَنائِمِها وَفْرا ، ولا أعْدَدْتُ لِبَالي ثَوْبَيَّ طِمْرا ، ولا حُزْتُ من أرْضِها شِبْرا ، ولا أخَذْتُ منْه إلاَّ كَقُوتِ أتَانٍ دَبِرَةٍ ، ولَهِيَ في عَيْني أوْهى وأهْوَنُ من عَفْصَةِ مَقِرَةٍ . بَلى كانَت في أيْدينا فَدَكٌ مِن كُلِّ ما أظَلَّتْهُ السَّماءُ ، فَشَحَّت عليها نُفُوسُ قوْمٍ ، وسَخَتْ عنها نُفُوسُ قوْمٍ آخَرينَ ، ونِعْمَ الحَكَمُ اللّه . وما أصْنَع بِفَدَكٍ وغَيْرِ فَدَكٍ ، والنَّفسُ مظَانُّها في غَدٍ جَدَثٌ ؛ تَنْقَطِعُ في ظُلْمِتِهِ آثارُها ، وتَغِيبُ أخبارُها ، وحُفْرةٌ لوْ زِيدَ في فُسْحَتِها، وأوْسَعَتْ يَدا حَافِرِها، لأضْغَطَها الحَجَرُ والمَدَرُ ، وسَدَّ فُرَجَها التُّرابُ المُتراكِمُ ، وإنَّما هِيَ نَفْسي أرُوضُها بالتَّقوى ، لِتَأْتِيَ آمنَةً يَوْمَ الخَوْفِ الأكْبرِ ، وتَثْبُتَ علَى جَوَانِبِ المَزْلَقِ . ولو شِئْتُ لاهْتَدَيْتُ الطَّريقَ إلى مصَفَّى هذا العَسَلِ ، ولُبابِ هذا القَمْحِ ، ونَسائِجِ هذا القَزِّ ، ولكِن هَيْهاتَ أنْ يَغْلِبَني هَوَايَ ، ويَقُودَني جَشَعي إلى تَخَيُّرِ الأطْعِمَةِ ، ولَعلَّ بالْحِجازِ أوْ اليَمَامَةِ مَن لا طَمَعَ لَهُ في القُرْصِ ، ولا عَهْدَ لَهُ بالشّبَعِ ، أوْ أبيتَ مِبْطانا ، وحَوْلي بُطُونٌ غَرْثى وأكْبَادٌ حَرّى ، أوْ أكونَ كَما قالَ القائِلُ : وحَسْبُكَ داءً أنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍوحَوْلَكَ أكبَادٌ تَحِنُّ إلى القِدِّ أأقْنَعُ مِن نَفسِي بأنْ يقالَ هذا أميرُ المُؤمِنينَ ، ولا أُشْارِكُهم في مكارِه الدَّهرِ ، أوْ أكونُ أُسْوَةً لَهُم في جُشُوبَةِ العَيْشِ فمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أكْلُ الطَّيِّباتِ كالْبَهِيمَةِ المَرْبُوطَةِ هَمُّها عَلَفُها ، أو المُرْسَلَةِ شُغْلُها تَقَمّمُها، تَكْتَرِشُ من أعْلاَفها ، وتَلْهو عمَّا يُرادُ بِها ، أوْ أُتْرَكَ سُدىً وأُهْمَلَ عابِثا ، أوْ أجُرَّ حَبْلَ الضَّلالَةِ ، أوْ أعْتَسِفَ طَرِيقَ المَتاهَةِ . وكأنِّي بقائِلِكُم يقولُ : إذا كان هذا قُوتُ ابن أبي طالِبٍ ، فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عن قِتالِ الأقْرانِ ، ومُنازَلَةِ الشّجْعَانِ . ألا وإنَّ الشَّجَرَةَ البَرِّيَةَ أصْلَبُ عُوْدَا ، والرَّواتِعَ الخَضِرَةَ أرَقُّ جُلُودا ، والنَّابتاتِ العَذيَّةَ أقْوى وُقُودا وأبْطَأُ خُمُودا ، وأنَا من رسُولِ اللّه ِ كالصِّنْوِ مِنَ الصِّنْوِ ، والذِّرَاعِ من العَضُدِ . واللّه ِ ، لو تظاهَرَتِ العَرَبُ على قِتالي لَما وَلَّيْتُ عنها ، ولوْ أمْكَنَتِ الفُرَصُ مِن رِقابِها لَسارَعْتُ إليْها ، وسَأجْهَدُ في أنْ أُطَهِّر الأرضَ مِن هذا الشَّخصِ المَعْكُوسِ ، والجِسْمِ المَرْكُوسِ، حَتَّى تخْرُجَ المَدَرَةُ من بيْنِ حَبِّ الحَصِيدِ . إليْكِ عَنِّي يا دُنْيا، فَحَبْلُكِ علَى غارِبِكِ قَدْ انْسَلَلْتُ مِن مَخالِبِكِ ، وأفْلَتُّ من حَبائِلِكِ ، واجْتَنَبْتُ الذَّهابَ في مَدَاحِضِكِ ، أيْنَ القوْمُ الَّذينَ غَرَرْتِهِم بمَداعِبِك ، أيْنَ الأمَمُ الَّذينَ فَتَنْتِهِم بِزَخارِفِكِ ؟ ! فهاهُم رَهائِنُ القُبُورِ ، ومَضامِينُ اللُّحُودِ . واللّه ِ ، لوْ كنْتِ شَخْصا مَرئِيا ، وقالَبا حِسِيَّا ، لأقَمْتُ علَيْكِ حُدُودَ اللّه ِ في عِبادٍ غَرَرْتِهِم بالأمانيّ ، وأُمَمٍ ألْقَيْتِهم في المَهاوي ، ومُلُوكٍ أسْلَمْتِهِم إلى التَّلَفِ ، وأوْرَدْتِهِم موَارِدَ البَلاءِ؛ إذْ لا وِرْدَ ولا صَدَرَ. هَيْهات، مَن وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ ، ومَن رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ ، ومَن ازْوَرَّ عَن حِبائِلِكِ وُفِّقَ ، والسَّالمُ مِنْكِ لا يُبالي إنْ ضَاقَ به مُنَاخُه ، والدُّنيا عندَه كيَوْمٍ حانَ انْسِلاخُهُ . اغربي عَنِّي، فو اللّه لا أذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّيني ، ولا أسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِيني ، وأيْمُ اللّه ِ _ يَمِينا أسْتَثْنِي فيها بمَشِيئة اللّه ِ _ لأرُوْضَنَّ نَفْسِي رِياضَةً تَهُشُّ مَعَها إلى القُرْص إِذا قَدَرَت علَيْهِ مَطْعُوما ، وتَقْنَعُ بالمِلْحِ مأدُوما ، ولأدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ ماءٍ نَضَبَ مَعِينُها، مُسْتَفْرَغَةً دُموعُها ، أتَمْتَلِى ءُ السَّائِمَةُ من رَعْيِها فَتَبْرُك، وتَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ من عُشْبِها فَتَرْبِضُ ، ويأكُلُ عَلِيٌّ من زَادِهِ فَيَهْجَعُ ؟ قَرَّت إذا عَيْنُهُ ، إذا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنينَ المتَطاوِلَةِ بالْبَهِيمَةِ الهامِلَةِ ، والسَّائِمَةِ المَرْعِيَّةِ ! طوبَى لِنَفْسٍ أدَّتْ إلى ربِّها فَرْضَها ، وعَرَكَتْ بجَنْبِها بُؤسَها ، وهَجَرَتْ في اللَّيْلِ غُمْضَها ، حَتَّى إذا غَلَبَ الكَرَى عليْها افْتَرَشَتْ أرْضَها ، وتَوَسَّدَتْ كَفَّها، في مَعْشَرٍ أسْهَرَ عيُونَهُم خَوْفُ مَعادِهم ، وتَجافَتْ عَن مضاجِعِهِم جنُوبُهم ، وهَمْهَمَتْ بِذكْرِ ربِّهِم شِفاهُهُم ، وتَقَشَّعَت بِطُولِ اسْتْغْفارِهِم ذُنُوبُهُم « أُولَ_ئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (6) . فاتَّقِ اللّه َ يا بنَ حُنَيْف ٍ ، ولتكفف أقْراصُك، لِيَكونَ مِنَ النَّارِ خَلاصُكَ » . (7)

.


1- . الإصابة : ج5 ص53 الرقم6278 .
2- . رجال النجاشى¨ : ج1 ص65 .
3- . تهذيب الأحكام : ج 10 ص151 ح606 ؛ تاريخ الطبرى¨ : ج5 ص156 وفيه « ابن أبي رافع » .
4- . تهذيب الأحكام : ج 10 ص151 ح606 ، رجال النجاشى¨ : ج1 ص62 و ص 65 .
5- . نهج البلاغة : الكتاب79 .
6- . المجادلة :22 .
7- . نهج البلاغة : الكتاب45 وراجع : الخرائج والجرائح : ص342 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص101 ، بحار الأنوار : ج40 ص318 وج75 ص448 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص328 .

ص: 105

. .

ص: 106

. .

ص: 107

. .

ص: 108

20 _ كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة

21 _ كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة

20كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفةبسم اللّه الرحمن الرحيم من عليِّ بن أبي طالِب إلى أهل الكوفة :أمَّا بَعدُ ، فإنِّي أُخبِرُكُم عن أمْرِ عثْمانَ، حَتَّى يكونَ أمرُهُ كالْعِيان لَكُم ، إنَّ النَّاس طَعَنُوا علَيْهِ ، فكنْتُ رَجُلاً من المهاجِرين َ، أُكْثِرُ اسْتِعْتابَه وأُقلُّ عِتابَه ، وكانَ طَلْحة ُ والزُّبَيْرُ أهْوَنُ سيْرِهِما فيهِ الوَجِيفُ ، وقدْ كان من عائِشَة َ فيْه فَلْتَةُ غَضَبٍ ، فأُتِيْحَ لهُ قَوْمٌ فقَتَلُوهُ ، وبايَعَني النَّاسُ غَيْرَ مُسْتَكرَهِين ، ولا مُجْبَرِينَ ، بَل طائِعِين مخَيَّرِين . وكانَ طَلْحَة ُ والزُّبَيْر ُ أوَّلَ مَن بايَعَني علَى ما بايَعا عَلَيهِ مَن كانَ قَبْلِي ، ثم اسْتَأْذَنانِي في العُمْرَةِ _ و لم يَكُونا يُريْدانِ العُمْرةَ _ فنَكَثا العَهْدَ ، وآذَنا بالحربِ ، وأخْرَجا عائِشَة َ من بَيْتِها يَتَّخِذَانِها فِتْنَةً ، فَسارا إلى البصرة اخْتيارا لأهلِها ، واخْتَرْتُ السَّيْرَ إليْكُم ، ولَعَمْري ما إيَّايَ تُجِيبونَ ، إنَّما تُجِيبونَ اللّه َ ورَسُولَهُ ، واللّه ِ ما قاتَلْتُهُم وفي نَفسِي مِنهُم شَكٌّ ، وقد بَعَثْتُ إليْكُم وُلْدي الحسن َ وعَمَّار ا وقَيْسا ، مُسْتَنْفِرين بِكُم ، فَكونوا عِنْد ظَنِّي بِكُم » . (1)

21كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفةعنْد مسيره من المدينة إلى البصرة:مِن عَبدِ اللّه ِ عليٍّ أميرِ المؤمنينَ إلى أهْلِ الكُوفَة ِ ، جَبْهَةِ الأنْصَارِ وسَنامِ العَرَب ِ . أمَّا بَعْدُ ، فإنِّي أُخْبِرُكُم عَن أمْرِ عُثْمانَ حَتَّى يكونَ سَمْعُهُ كعِيانِهِ . إنَّ النَّاس طَعَنُوا ، فكنْتُ رَجُلاً من المهاجرِينَ أُكْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ ، وأُقِلُّ عِتَابَهُ ، وكان طَلْحةُ والزُّبَيْر ُ أهْوَنُ سَيْرهِما فيْه الوَجِيفُ ، وأرْفَقُ حِدَائِهِما العَنِيفُ ، وكانَ مِن عائِشَةَ فيْهِ فَلْتَةُ غَضَبٍ ، فأُتِيْحَ لهُ قَوْمٌ قَتَلُوهُ ، وبايَعَني النَّاسُ غيْرَ مُسْتَكرَهِينَ ، ولا مُجْبَرِينَ ، بَل طائِعِينَ مخَيَّرِينَ . واعْلَموا أنَّ دارَ الهِجْرَةِ قَدْ قَلَعَتْ بِأهلِها ، وقَلَعُوا بِها ، وجاشَتْ جَيْشَ المِرْجَلِ ، وقامَت الفِتْنَةُ على القُطْبِ ، فأسْرِعوا إلى أميرِكُم وبادِرُوا جِهادَ عَدُوِّكم ، إنْ شَاءَ اللّه َ . (2)

.


1- . الجمل : ص244 وراجع : الإمامة والسياسة : ص 66 .
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج14 ص6 وراجع : الإمامة والسياسة : ج1 ص63 ؛ الأمالي للطوسي : ص329 ، الجمل : ص132 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص151 .

ص: 109

22 _ كتابه عليه السلام إلى عثمان بن حنيف

22كتابه عليه السلام إلى عُثْمان بن حُنَيْفمن كتاب له عليه السلام ، كتبه من الرَّبَذة إلى عُثْمان بن حُنَيْف الأنْصاري ّ رحمه الله، لمَّا بلغه عليه السلام مشارَفَةُ طَلْحَة َ والزُّبَيْر ِ وعائِشَة َ ومَن معهم البصرةَ :« مِن عَبْدِ اللّه ِ عليٍّ أميْرِ المُؤمِنينَ إلى عُثْمانَ بْنِ حُنَيْف . أمَّا بَعدُ ، فإنَّ البُغاةَ عاهَدُوا اللّه َ ، ثُمَّ نَكَثُوا وتَوَجَّهُوا إلى مِصْرِكَ ، و ساقَهُم الشَّيْطانُ لِطَلَبِ ما لا يَرْضَى اللّه ُ بِهِ ، واللّه ُ أشَدُّ بأسَا وأشَدُّ تَنْكِيلاً . فإذا قَدِمُوا علَيْك فادْعُهُم إلى الطَّاعة، والرُّجُوعِ إلى الوَفَاءِ بالعَهْدِ والمِيثاقِ الَّذي فارَقُونا عَلَيْهِ ، فإنْ أجابوا فَأَحسِن جِوارَهُم مادَاموا عِنْدَك ، وإنْ أبَوْا إلاَّ التَّمَسُّكَ بحَبْلِ النَّكْثِ والخِلاَف، فنَاجِزْهُم القِتالَ، حَتَّى يَحْكُمَ اللّه ُ بيْنَكَ وبَيْنَهُم، وهُو خَيْرُ الحاكِمِيْن . وكَتَبْتُ كِتابِي هذا إليْكَ مِنَ الرَّبَذَةِ ، وأنَا مُعَجِّلُ المسِيرَ إليْكَ ، إنْ شاءَ اللّه ُ » . وكتبه عبيداللّه بن أبي رافع في سنة ستٍّ وثلاثين . (1)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 9 ص 312 وراجع : أحاديث أمّ المؤمنين : ص 141 ، المعيار والموازنة : ص 60 .

ص: 110

عثمان بن حنيف

عُثْمانُ بنُ حُنَيْفعثمان بن حُنَيْف بن واهِب الأنْصاري ّ الأوْسِيّ أخو سَهْل بن حُنَيْف ، من صحابة النبيّ صلى الله عليه و آله وأحد الأنصار (1) . شهِد اُحدا وما تلاها من غَزَوات (2) . وكان أحد الإثني عشر الَّذين اعترضوا على تغيير الخلافة بعد وفاة النَّبيّ صلى الله عليه و آله (3) . وتولّى مساحة الأرض (4) ، وتعيينَ الخَراجِ (5) في أيّام عُمر َ . وليَ البصرة في خلافة الإمام عليّ عليه السلام . وعندما وصل أصحاب الجمل إلى البصرة قاتلهم في البداية ، وحين أُعلنت الهدنة بينهما ، هجموا عليه ليلاً ، وقتلوا حرّاس دار الإمارة وظفروا به ، وعذّبوه ، ونَتَفوا شعر لحيته (6) . وتُعَدُّ رسالة الإمام عليه السلام إليه حين دُعِيَ إلى وليمة (7) في البصرة ، من الوثائق الدَّالّة على عظمة الحكومة العلويّة ، وضرورة اجتناب الولاة والمسؤولين التّرف والرَّفاهيّة ومُعاشَرَةَ الأثرياءِ والمُفسدينَ . توفّي عثمان ُ أيّامَ حُكومةِ مُعاوِيةَ (8) .

.


1- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص320 الرقم61 ، الاستيعاب : ج 3 ص151 الرقم1788 .
2- . اُسد الغابة : ج 3 ص571 الرقم3577 .
3- . الاحتجاج : ج 1 ص198 ح11 .
4- . تاريخ خليفة بن خيّاط : ص106 ، تاريخ الطبرى¨ : ج4 ص144 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص320 الرقم61 ، تاريخ الإسلام للذهبى¨ : ج3 ص223 ، الاستيعاب : ج 3 ص151 الرقم1788 .
5- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص320 الرقم61 ، الاستيعاب : ج 3 ص151 الرقم1788 .
6- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص322 الرقم61 ، تاريخ الطبري : ج4 ص464 _ 469 ، مروج الذهب : ج2 ص367 ؛ الجمل : ص280 و281 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص181 .
7- . نهج البلاغة : الكتاب 45 .
8- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص322 الرقم61 ، الإصابة : ج 4 ص372 الرقم5451 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص172 .

ص: 111

23 _ كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة

23كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفةفقال المفيد رحمه الله : ولمَّا بلغ أمير المونين عليه السلام ما قال وصنع (1) ، غضب غضبا شديدا ، وبعث الحسن عليه السلام وعَمَّار بن ياسِر ، وكتب معهم كتابا فيه :« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِن عَبدِ اللّه ِ عليّ بنِ أبي طالبٍ أميرِ المُوِنينَ ، إلى أهلِ الكُوفَة ِ من المُوِنينَ والمُسلمِين َ ، أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّ دارَ الهِجرَةِ تَقَلَّعَتْ بِأهلِها فانْقَلَعوا عَنها ، فجاشَتْ جَيْشَ المِرْجَلِ ، وكانَت فاعلةً يوما ما فَعَلتَ ، وقَد ركِبَتِ المرأةُ الجمَلَ ، ونَبَحَتْها كِلابُ الحَوْأبِ ، وقامَت الفتنةُ الباغِيَةُ يَقودُها رِجالٌ يَطلبُونَ بِدَمٍ هُمْ سَفَكُوهُ ، وعِرضٍ هُم شَتَمُوهُ ، وحُرمَةٍ هُمُ انْتَهَكوها ، وأباحُوا ما أباحوا ، يَعتَذِرونَ إلى النَّاسِ دُونَ اللّه ِ « يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَ_سِقِينَ » (2) . اعلموا _ رَحِمَكُمُ اللّه ُ _ أنَّ الجِهادَ مُفتَرَضٌ على العِبادِ ، وَقَد جاءَكُم في دارِكُم مَن يَحُثُّكُم عَلَيهِ ، ويَعرِضُ عَلَيكُم رُشدَكُم ، واللّه ُ يَعلمُ أنِّي لم أجِد بُدَّا مِنَ الدُّخولِ في هذا الأمرِ ، ولَو عَلِمتُ أنَّ أحَدا أولى بِهِ منِّي ما قدِمتُ عَليهِ ، وقد بايَعني طَلْحَة ُ والزُّبَيْر ُ طائِعَيْنِ غَيرَ مُكرَهَين ، ثُمَّ خرَجا يَطلُبانِ بِدَمِ عُثمانَ وَهُما اللَّذانِ فَعَلا بِعُثمانَ ما فَعَلا ، وَعجِبتُ لَهُما ! كَيفَ أطاعا أبا بَكر ٍ وعُمَر َ في البيعةِ ، وأبَيا ذلِكَ عليَّ ، وهما يَعلَمان أنِّي لَستُ بِدُونِ أحدٍ منهُما ، مع أنِّي قد عَرَضتُ عَلَيهِما قبلَ أن يُبايعاني، إن أحبَّا بايَعتُ أحدَهُما ، فقالا: لا نَنْفَسُ ذَلِكَ عَليكَ ، بل نُبايُعكَ ، ونُقَدِّمُكَ عَلَينا بِحَقٍّ ، فبايَعا ثُمَّ نكَثا ، والسَّلامُ علَى أهلِ السَّلامِ . » (3)

.


1- . كذا في المصدر، دون إشارة إلى القائل.
2- . التوبة: 96 .
3- . الجمل : ص259 وراجع : المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص151 .

ص: 112

أقولُ : تقدَّم كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة مع الحسن عليه السلام وعَمَّار بن ياسِر ، عن نهج البلاغة وغيره ، ونقل مصنّف كتاب معادن الحكمة رحمه الله _ أيضا _ كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة مع الحسن عليه السلام عن أماليالشَّيخ الطُّوسي رحمه الله ، وروي عن ابن ميثم : أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام أرسل مع الحسن عليه السلام الكتاب الَّذي نقله المصنف رحمه الله (1) ؛ وهذه الرِّوايات مع الاختلاف الشديد بينها ، بحيث لا يحتمل الاتِّحاد فيها جميعا ، إمَّا لإجل أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام أرسل بعضها مع الإمام الحسن السِّبط الأكبر عليه السلام ، وأرسل بعضها بعده ، فقرأه الحسن عليه السلام على النَّاس كما أشار إليه المفيد رحمه اللهفي الجمل (2) . قال : ذكر الواقدي : أنَّ أمير المونين عليه السلام كان أنفذَ إلى أهل الكوفة رسلاً ، وكتب إليهم كتابا عند خروجه من المدينة ، وقبل نزوله بذي قار ، وقال في حديث آخر رواه : إنَّه أنفذ إلى القوم من الرَّبَذَة حين فاتَه ردُّ طَلْحَة والزُبَيْر من الطَّريق . ثُمَّ اتفق الواقدي وأبو مِخْنَف وغيرُهما من أصحاب الِسيَر على ما قدَّمنا ذكرَه ، من إنفاذ الرُّسل ، وكَتْب الكُتب من ذي قار إلى أهل الكوفة ، ليستنفرَهم للجهاد معه، والاستعانة بهم على أعدائه النَّاكثين لِعَهده ، الخارجين عليه لحربه . . . فقال مُحَمَّد بن الحنفية رضى الله عنهلمُحَمَّد بن أبي بَكر : يا أخي، ما عِندَ هذا خَيرٌ فارجِع بِنا إلى أميرِ المُوِنينَ نُخبِرهُ الخبرَ ، فلمَّا رجَعا إليه أخبراه بالحال . وقد كان كتَب معهما كتابا إلى أبي موسى الأشْعَرِيّ : أن يبايع من قِبَله على السَّمع والطَّاعة ، وقال له في كتابه : « ارفَع عَنِ النَّاسِ سَوطَكَ ، وأخْرِجْهُم عن حُجْزَتِكَ ، واجلِس بالعِراقَيْنِ ، فإن خَفَفْت فأَقبِل ، وإن ثَقُلتَ فاقعُد » . (3) [ وغرضنا ممّا تقدّم هو الإشارة إلى أنّه عليه السلام ، كتب كتبا عديدة ، لا كتابا واحدا . فلمَّا تمّت الحرب ، وقتل النَّاكثين ، وهدأت الأوضاع ، كتب أمير المؤمنين عليه السلام ، كُتبا متعدّدة ، منها كتابه إلى أهل الكوفة وهو : ]

.


1- . معادن الحكمة : ج1 ص212 _ 214 .
2- . الجمل : ص261 .
3- . الجمل : ص257 وراجع : تاريخ الطبري : ج4 ص478 _ 482 .

ص: 113

24 _ كتابه عليه السلام إلى مَن بالكوفة

24كتابه عليه السلام إلى مَن بالكوفة« من عبد اللّه عليّ أمير المونين ، إلى مَن بالكوفة من المسلمين :أمَّا بَعدُ ؛ فإنِّي خَرَجتُ مَخرَجي هذا ؛ إمَّا ظالِما ، وإمَّا مَظلُوما ، وإمَّا باغِيا ، وإمَّا مَبغيَّا عليّ ، فأَنشُدُ اللّه َ رَجُلاً بَلَغَهُ كِتابي هذا إلاَّ نَفَرَ إليَّ ، فإن كُنتُ مَظلوما أعانَنِي ، وإن كُنتُ ظالِما استَعتَبنِي ، والسَّلامُ . »

قال أبو مِخْنَف : فحدَّثني موسى بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلَى ، عن أبيه ، قال : أقبلنا مع الحسن وعَمَّار بن ياسِر من ذي قار ٍ ، حَتَّى نزلنا القادسيَّة . . .قال : فلمَّا دخل الحسن وعَمَّار الكوفة ، اجتمع إليهما النَّاس ، فقام الحسن فاستنفر النَّاس . . . [ وقام بعده عَمَّار فخطب . . . ] ، قال : فلمَّا سمع أبو موسى خطبة الحسن وعَمَّار ، قام فصعد المنبر ،[ وخطب، وجرى كلام بينه وبين عَمَّار . . . ] . قال أبو جعفر ( الطبري ) : وأتت الأخبار عليَّا عليه السلام باختلاف النَّاس بالكوفة ، فقال : للأشْتَر : أنت شفعتَ في أبي موسى ، أن أُقِرّه على الكوفة ، فاذهب فأصلِح ما أفسدتَ، فقام الأشْتَر ، فشخص نحو الكوفة ، فأقبل حَتَّى دخلَها والنَّاس في المسجد الأعظم ، فجعل لا يمرّ بقبيلة إلاَّ دعاهم ، وقال : اتَّبِعوني إلى القصر حتى وصل القصر ، فاقتحمه وأبو موسى يومئذ يخطب النَّاس على المنبر ، ويثبّطهم ، وعَمَّار يخاطبه ، والحسن عليه السلام يقول : « اعتزلْ عملَنا ، وتنحَّ عن مِنبَرِنا ، لا أُمَّ لَكَ » . قال أبو جعفر ( الطبري ) : فروى أبو مَريم الثَّقَفيّ ، قال : واللّه ِ إنِّي لفي المسجد يومئذٍ، إذْ دخل علينا غِلمان أبي موسى ، يشتدّون ويبادِرُون أبا موسى : أيُّها الأمير ، هذا الأشْتَر قد جاء فدخل القصر ، فضربنا وأخرجنا . فنزل أبو موسى من المِنْبَر ، وجاء حَتَّى دخل القصر ، فصاح به الأشْتَر : اخرُج من قصرنا لا أمَّ لك ، أخرج اللّه نفسَك ! فو اللّه إنَّك لمن المنافقين قديما . قال : أَجِّلْني هذه العشيَّة ، قال : قد أجَّلتك ، ولا تبيتنّ في القصر . ودخل النَّاس ينتهبون متاعَ أبي موسى ، فمنعهم الأشْتَر ، وقال : إنِّي قد أخرجتُه وعزلتُه عنكم . فكفَّ النَّاس حينئذ عنه . قال أبو جعفر ( الطبري ) : فروى الشَّعْبيّ عن أبي الطُّفيل ، قال : قال عليّ عليه السلام : يأتيكُم مِن الكُوفَةِ اثنا عَشَرَ ألفِ رَجُلٍ ورَجُلٌ واحِدٌ ، فَوَ اللّه لَقَعدتُ علَى نَجَفَةِ (1) ذي قار ، فأحَصيتُهُم واحدا واحدا ، فما زادوا رَجُلاً ، ولا نَقَصُوا رَجُلاً . (2)

.


1- . النجفة : المكان المشرف على ما حوله من الارض .
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج14 ص10 _ 21 وراجع : نهج البلاغة : الكتاب 57 ، الجمل : ص242 _ 252 ، الغارات : ج2 ص920 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص477 _ 500 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص324 _ 329 .

ص: 114

. .

ص: 115

25 _ كتابه عليه السلام إلى طلحة والزّبير

26 _ كتابه عليه السلام إلى طلحة والزبير وعائشة

25كتابه عليه السلام إلى طَلْحَة والزُّبَيْرمن كتاب له عليه السلام إلى طَلْحَة والزُّبَيْر ، مع عِمْرَان بن الحُصَيْن الخُزاعِي ّ :« أمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ عَلِمْتُمَا وإنْ كَتَمْتُمَا، أنِّي لَمْ أُرِدِ النَّاسَ حَتَّى أرَادُونِي ، ولَمْ أُبَايِعْهُمْ حَتَّى بَايَعُونِي ، وإِنَّكُمَا مِمَّنْ أرَادَنِي ، وبَايَعَنِي ، وإنَّ الْعَامَّةَ لَمْ تُبَايِعْنِي لِسُلْطَانٍ غَالِبٍ ، ولا لِعَرَضٍ حَاضِرٍ ، فَإِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي طَائِعَيْنِ فَارْجِعَا وتُوبَا إلَى اللّه مِنْ قَرِيبٍ ، وإِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي كَارِهَيْنِ، فَقَدْ جَعَلْتُمَا لِي عَلَيْكُمَا السَّبِيلَ بِإِظْهَارِكُمَا الطَّاعَةَ وإِسْرَارِكُمَا الْمَعْصِيَةَ . ولَعَمْرِي مَا كُنْتُمَا بِأَحَقِّ الْمُهَاجِرِين َ بِالتَّقِيَّةِ والْكِتْمَانِ ، وإِنَّ دَفْعَكُمَا هَذَا الأَمْرَ مِنْ قَبْلِ أنْ تَدْخُلا فِيهِ، كَانَ أوْسَعَ عَلَيْكُمَا مِنْ خُرُوجِكُمَا مِنْهُ بَعْدَ إِقْرَارِكُمَا بِهِ . وقَدْ زَعَمْتُمَا أنِّي قَتَلْتُ عُثْمَانَ ، فَبَيْنِي وبَيْنَكُمَا مَنْ تَخَلَّفَ عَنِّي وعَنْكُمَا مِنْ أهْلِ الْمَدِينَة ِ ، ثُمَّ يُلْزَمُ كُلُّ امْرِئٍ بِقَدْرِ مَا احْتَمَلَ ، فَارْجِعَا أيُّهَا الشَّيْخَانِ عَنْ رَأْيِكُمَا ، فَإِنَّ الآنَ أعْظَمَ أمْرِكُمَا الْعَارُ ، مِنْ قَبْلِ أنْ يَتَجَمَّعَ الْعَارُ والنَّارُ ، والسَّلامُ » . (1)

26كتابه عليه السلام إلى طَلْحَة والزُبَيْر وعائِشَة[ نقل مصنِّف كتاب معادن الحكمة كتابه إليهم (2) ، ولكن أخرج في أحاديث أمّ المؤمنين (3) هذا الكتاب عن التَّذكرة، لسِبط ابن الجُوزِي ّ بنحوٍ آخرَ ، يلزم نقله هنا إتماما للفائدة : ] قال : ثُمَّ إنَّ عليَّا لمَّا قارب البصرة كتب إلى طَلْحَة ، والزُّبَيْر ، وعائِشَةَ ومن معهم كتابا لتركيب الحجَّة عليهم : « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من عَبدِ اللّه ِ عليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى طَلْحَةَ والزُبَيْرِ وعائِشَةَ ، سلامٌ عليكم : أمَّا بَعدُ ؛ يا طَلْحَة ُ والزُّبَيْر ُ ، قد عَلِمْتُما أنِّي لَم أُرِدِ البَيعةَ حَتَّى أُكرِهتُ عَلَيها ، وَأَنتُم مِمَّن رَضِيَ ببيعتي ، فإن كُنتُما بايَعتُما طائِعَينِ فَتوبا إلى اللّه ِ تعالى ، وارجِعا عَمَّا أنتُما عَلَيهِ ، وَإن كُنتُما بايَعتُما مُكرَهَينِ ، فَقَد جَعَلتُما لِيَ السَّبيلَ عَلَيكُما بإظهارِكُما الطَّاعةَ وكِتْمانِكُما المَعصِيَةَ ، وأنت يا طَلْحَة ُ ، ياشَيخَ المُهاجرين َ ؛ وأَنتَ يازُبَيْر ُ ، فارِسُ قُرَيش ٍ ، وَدفْعُكُما هذا الأمرَ قبلَ أنْ تَدْخُلا فِيهِ ، فكان أوسَعَ لَكُما من خُروجِكُما مِنُه قَبلَ إقرارِكُما . وأَنتِ يا عائِشَة ُ ، فإنَّكِ خَرجْتِ من بَيتِكِ عاصِيَةً للّه ِ ولِرَسولِهِ ، تطلُبينَ أَمرا كان عَنكِ مَوْضوعا ، ثُمَّ تَزْعُمِينَ أنَّكِ تُريدينَ الإصلاحَ بينَ المُسلِمين َ ، فخبِّرِيني: ما للنساءِ ، وقَوْدِ الجُيوشِ ، والبُروزِ للرِجالِ ، والوُقوعِ بين أهلِ القبلة ِ ، وسَفكِ الدِّماءِ المُحرَّمةِ ، ثُمَّ إنَّكِ طَلَبْتِ _ على زعمِكِ _ بِدَمِ عثمان َ ، وَما أنتِ وذَاك ! عثمان ُ رجُلٌ من بني أُميّة َ ، وأَنْتِ من تيم ٍ ، ثُمَّ بالأمسِ تَقولِينَ في ملاًمِن أصحابِ رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله : اقتلوا نَعْثَلاً ، قَتَلَهُ اللّه ُ فَقَد كَفَرَ ، ثُمَّ تَطلُبِينَ اليَومَ بدِمِهِ ! فاتّقي اللّه َ ، وارجِعِي إلى بَيتِكِ ، واسبلِي عَلَيكِ سِترَكِ ، والسَّلامُ » . (4)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب54 وراجع : كشف الغمة : ج1 ص324 .
2- . معادن الحكمة : ج1 ص189 .
3- . معادن الحكمة : ج1 ص138 .
4- . تذكرة الخواص : ص69 وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج17 ص131 ، الفتوح : ج2 ص465 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص90 ، المناقب للخوارزمي : ص183 ، أحاديث أمّ المؤمنين : ص138 ؛ نهج البلاغة : الكتاب 54 ، كشف الغمّة : ج1 ص239 ، بحار الأنوار : ج32 ص126 .

ص: 116

. .

ص: 117

27 _ كتابه عليه السلام إلى عائشة

27كتابه عليه السلام إلى عائِشَةقال المفيد في كتاب الجُمَل : ثُمَّ دعا عبدَ اللّه بنَ عبَّاس ، فقال :« انطَلِق إلَيهِم فناشِدْهُم [ أي طَلْحَة والزُّبَيْر وعائِشَة ومَن تابعهم ] وذَكِّرْهُمُ العَهْدَ الَّذي لِيَ في رِقابِهِم » . . . قال [ ابن عبَّاس ] فخرجتُ فرجعت إلى عليٍّ ، وقد دخل البيوت بالبصرة ، فقال : « ما ورَاءَكَ ؟ » فأخبرتُه الخبر ، فقال : « اللّهُمَّ افْتَح بَيْنَنا وبَينَ قَومِنا بالحَقِّ وأنتَ خَيرُ الفاتِحينَ » ثُمَّ قال : ارجِع إلى عائشةَ ، صلى الله عليه و آله ، وخَوِّفْها مِنَ الخِلافِ « علَى اللّه ِ عز و جل ، ونَبْذِها عَهْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله ، وَقُل لها : إنَّ هذه الأُمورَ لا تُصْلِحُها النِّساءُ ، وَإنَّكِ لم تُؤْمَرِي بِذلِكَ ، فَلِمَ تَرْضَي بالخُروجِ عَن أمرِ اللّه ِ في تَبَرُّجِكِ ، و( خُروجِكِ من ) بَيتِكِ الَّذي أمَرَكِ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله بالمُقامِ فيه، حَتَّى سِرْتِ إلى البَصرَة ِ ، فَقَتَلْتِ المُسلمِين َ ، وعَمِدْتِ إلى عُمَّالي فأخْرجْتِهم ، وفتَحْتِ بَيتَ المالِ ، وَأمَرتِ بالتَّنكيل بالمُسلِمينَ ، وأبَحْتِ دِماءَ الصَّالِحينَ ! فارْعَيْ وراقِبي اللّه َ عز و جل ، فقد تعْلَمِينَ أنَّكِ كُنتِ أشدَّ النَّاسِ على عُثمانَ ، فما هذا ممَّا مَضى ؟ ! » . (1)

.


1- . الجمل : ص314 _ 316 .

ص: 118

28 _ كتابه عليه السلام إلى عائشة

29 _ كتابه عليه السلام إلى أمّ هانئ بنت أبي طالب

28كتابه عليه السلام إلى عائِشَة« بسم اللّه الرحمن الرحيم أمَّا بَعدُ ، فإنَّكِ خَرَجْتِ مِن بَيْتكِ عاصِيَةً للّه ِ تعالى ولِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، تَطْلُبِين أمْرا كانَ عَنْكِ مَوضُوعا ، ثُمَّ تَزْعُمِينَ أنَّكِ تُريدِينَ الإصْلاحَ بَيْنَ الناسِ ، فَخَبِّرينِي: ما لِلنِّساءِ وَقوْدِ العَساكِرِ ؟ زَعَمْتِ أنَّك طالِبةٌ بدَمِ عُثمانَ ، وعُثمانُ رَجُلٌ من بَنِي أميَّة َ ، وأنْتِ امرأةٌ مِن بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّة َ . وَلَعَمْرِي إنَّ الَّذِي عَرَّضَكِ للبَلاء ، وَحَمَلَكِ علَى المَعْصيةِ لأعْظَمُ إليْكِ ذَنْبا مِن قَتَلَةِ عُثمانَ . وَما غَضِبْتِ حَتَّى أُغْضِبْتِ ، ولاَهِجْتِ حَتَّى هُيِّجْتِ، فاتَّقي اللّه َ يا عائِشَةُ ، وارْجِعِي إلى مَنْزِلِكِ ، واسْبِلِي عَلَيْكِ سِتْرَكِ ، والسَّلامُ » .

فجاء الجواب إليه عليه السلام : يا بن أبي طالب ، جلّ الأمْر عن العِتاب ، ولنْ نَدْخل في طَاعتك أبَدا ، فاقض ما أنت قاض والسَّلام . (1)

29كتابه عليه السلام إلى أمّ هانئ بنت أبي طالبوكَتَبَ أميرُ المُوِنينَ عليه السلام إلى أمّ هانئ، بنت أبي طالب :« سَلامٌ عَلَيكِ ، أحمَدُ إليكِ اللّه َ الَّذي لا إلَه إلاَّ هُوَ ، أمَّا بَعْدُ ؛ فإنَّا التقَيْنا مَعَ البُغاةِ والظَّلَمَةِ في البَصرةِ ، فأعطانا اللّه ُ النَّصرَ عَلَيهِم بحَوِلِهِ وَقُوَّتِهِ ، وأعطاهُم سُنَّةَ الظَّالِمينَ ؛ فقُتِلَ مِنهُم طَلْحَةُ والزُبَيْرُ وعبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَتَّاب ِ ، وجمعٌ لا يُحصى ، وَقُتِلَ مِنَّا بنو مَجْدُوع ٍ ، وابنا صُوحان ، وعِلْباء ُ ، وهند ٌ ، وثُمامَة ُ، فِيمَن يُعَدُّ مِنَ المُسلمِين َ رَحِمَهُم اللّه ُ ، والسَّلامُ . » (2)

.


1- . كشف الغمَّة : ج1 ص239 وراجع : الجمل : ص169 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص152 ؛ الفتوح : ج2 ص301 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص66 ، المناقب للخوارزمي : ص117 ، السيرة الحلبية : ج3 ص322 .
2- . الجمل : ص397 .

ص: 119

عبد الرحمن بن عتّاب

[ أقول : طَلْحَة والزُبَيْر هما رأسا البُغاة ، ومُسَعِّرا الحرب في الجمل ، وحالهما في الصَّحابة أشهر وأبين من أن يذكر في هذا المختصر ، ومن أراد فليراجع الكتب المؤلفة في تراجم الصَّحابة ، كأُسْد الغابَة ، والإصابة ، والاستيعاب ، بل الكتب المؤلّفة في التَّاريخ والسِّيرة ، وكذا الكتب المؤلفة في الكلام في الإمامة ، كالشافي وتلخيصه ، وإحقاق الحقّ ، وكتاب الجُمَلِ للمُفيد رحمه الله ] .

« عبد الرحمن بن عَتّاب »عبد الرَّحمن بن عَتَّاب بن اُسَيْد القُرَشيّ الأمويّ، كان من أنصار عثمان في حياته وبعد مماته ، وكان مع عائِشَة يوم الجمل ، يصلّي بالنَّاس بأمرها ، لمَّا وقع الخلافُ بين طَلْحَة والزُبَيْر في الإمامة في الصَّلاة . (1) وقيل: كانت الصَّلاة لعبداللّه بن الزُّبَيْر ، ولمَّا استعرت نار الحرب ، بارز عبد الرَّحمن الأشْتَر َ فأفلت جريضا (2)(3) ، وكان على ميسرة العسكر، فأخذ خطام الجمل وقتل . (4) فقال له قائل : لَشَدَّ ما أطريتَ هذا الفتى مُنذُ اليوم يا أميرَ المُونين َ ، قال : « إنَّهُ قامَ عَنِّي وعَنهُ نِسوَةٌ لَم يَقُمنَ عَنكَ » . (5)

.


1- . وراجع : تاريخ الطبري : ج4 ص460 و461 ، أسد الغابة : ج3 ص467 الرقم3353 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص144 و145 .
2- . جريضا: قال ابن منظور: أفلَتَني جريضا أي: مجهودا يكاد يقضي. (لسان العرب: ج 7 ص 130).
3- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص519 _ 526 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص343 ، أنساب الأشراف : ج3 ص39 ، الإصابة : ج5 ص35 الرقم6240 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص265 .
4- . أحاديث أمّ المؤمنين عائشة : ص169 .
5- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص249 وراجع :تاريخ الطبري : ج4 ص538 ، مروج الذهب : ج2 ص380 .

ص: 120

بنو مخدُوع

« بنو مَخْدُوع »« بنو مَخْدُوع » بالميم والخاء المعجمة ، والدَّال المهملة ، والواو والعين المهملة ، كما في نسخة الجُمَل ، وتكملة المنهاج . وفي الطَّبري جاء: « بني مَحْدُوج » بالحاء المهملة ، والجيم بدل الخاء والعين (1) ، وفي مَوضِعٍ آخر: جعل ابنَ مَحْدُوج البَكري ّ من رؤساء النَّافرين إلى حرب الجمل من الكوفة (2) . فالصَّحيح هو مَحْدُوج لا مخدوع ، وكما قال ابن الأثير في الكامل « وقُتِلَ رجال من بني مَحْدُوج »، وقتل من بني ذهل خمسة وثلاثون رجلاً (3) ، وعلى كل حال ، فهم كما قال الطَّبري : كانت لَهُمُ الرِّئاسَةُ من أهل الكوفة (4) . وقال البلاذري : وكانت وقعة الجمل بالخُرَيبَةِ (5) ، وحَسَّان الَّذي ذكره ( هو ) _ يعني الأعْوَر الشّنيّ في شعره : ما (6) قاتلَ اللّه ُ أقوَاما هُمُ قَتَلوايَومَ الخُرَيبَةِ عِلْباءا وحَسَّانا وابنَ المُثَنَّى أصابَ السَّيفُ مَقتَلَهُوخيرَ قُرَّائِهم زَيْدَ بنَ صُوحانا حَسَّان بن مَحْدُوج بن بِشْر بن خُوط ، كان معه لواء بَكرِ بن وائل ، فقُتِلَ فأخذه أخوه حُذَيْفَة بن مَحْدُوج فأصيب ، ثُمَّ أخذه بعده عدّة من الحوطيين (7) ، فقتلوا حَتَّى تحاموه . (8) وقال ابن حَجَر : حَسَّان بن خُوط بن مِسْعَر . . . نسبه ابن الكَلبِي ّ ، وقال : كان شريفا في قومه ، وكان وافِد بَكر بن وائل إلى النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، وعاش حَتَّى شهد الجمل مع عليّ ، ومعه ابناه : الحارث وبشر ؛ وأخوه بِشْر بن خُوط وأقاربه ، وكان لواء عليّ مع حسين بن مَحْدُوج بن بِشْر بن خُوط ، فقُتِل، فأخذه أخوه حُذَيْفَة فقُتِل ؛ فأخذه عمُّهما الأسْوَد بن بِشْر بن خُوط فقُتِل . . . وبِشْر بن حَسَّان هو القائل : أنا ابنُ حَسَّانِ بنِ خُوطٍ وأَبِيرَسُولُ بَكْرٍ كُلِّها إلى النَّبيّ وأخرج عَمْرو بن شَبَّه في وقعة الجمل من طريق قَتادَة ، قال : كانت راية بَكر بن وائل في بني ذُهْل مع الحارث بن حَسَّان فقتل ، وقتل معه ابنه وخمسةٌ من إخوته ، وكان الحارث يقول : أنَا الرَّئيس الحارِثُ بنُ حَسَّانْلاِلِ ذُهْلٍ ولاِلِ شَيْبَانْ (9) وجعل صاحب الغدير حسّان بن مخدوج في عداد قرَّاء الكوفة ووجوه أهلها ، ممَّن كان يسامر سعيد بن العاص ، كالأشْتَر ، وزَيْد وصَعْصَعَة ابني صُوحان العبديين، وقال : هو الَّذي ابتدأ الكلام في تفضيل السَّواد على الجبل، حَتَّى انتهى الأمر إلى تسيير من سيَّره من رجال الفضل . (10) وحَسَّان بن مَخدُوج ، كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان معه يوم صفِّين ، وجعل له رئاسة كِنْدَة لمَّا عزل عنها الأشْعَث بن قَيْس . ومشى الأشْتَر ، وعَدِيّ الطَّائيّ ، وزَحْر بن قَيْس ، وهانئ بن عروة ، فقاموا إلى عليّ عليه السلام ، فقالوا : يا أمير المونين ، إنَّ رئاسة الأشْعَث لا تصلُح إلاَّ لمثله ، وما حَسَّان بن مخدوج مثل الأشْعَث . فغضب ربيعة . . . وإنَّ حَسَّان بن مخدوج مشى إلى الأشْعَث بن قَيْس برايته حَتَّى ركزَها في داره ، فقال الأشْعَث : إنَّ هذه الرَّاية عظمت على عليّ ، وهو واللّه أخفُّ عليَّ من زِفِّ النَّعام (11) . . . والأشْعَث كان من أعداء أمير المؤمنين ، وكان رئيس كندة وربيعة . . . فلم يشأ أمير المؤمنين أن يعطي له هذه الرِّئاسة؛ لما يعلم من عداوته ، فجعلها لحسَّان . . . وهذا يدلّ على مكانة حسَّان ، وإخلاصه ، وتقديمه المصلحة العامَّة على المصلحة الخاصَّة ، ولم يقبل الأشْعَث ما عرضه عليه حسَّان ، وبقيت رئاسة القبيلتين لحسَّان ، ثُمَّ تلافى الأمرَ أميرُ المؤمنين عليه السلام ، فولّى الأشْعَث على ميمنة أهل العراق . (12) ذكر الشَّيخ رحمه الله في رجاله (13) ، في أصحاب عليّ عليه السلام حَسَّان بن مخزوم ، ولم يذكر هذا ، والمظنون أنَّه قد صحَّف مخدوج بمخزوم ، وإن المذكور في كلام الشَّيخ هو هذا ، وإنَّ ابن مخزوم لا وجود له ، ولا يمكن أن يكون قد صُحِّفَ مخزوم بمخدوج ، للتصريح في الأبيات السَّابقة بأنَّه ابن مخدوج . (14) وذكر ابن قُتَيْبَة _ في وقعة الجمل _ : أنَّ عليَّا عليه السلام عقد لبَكر ، وتَغْلِب ، وأفناء ربيعة ، راية، وولَّى عليهم مَحْدُوج الذُّهْلِيّ . (15) وقال الطَّبري في وقعة الجمل : وكانت راية بَكر بن وائل من أهل الكوفة في بني ذُهْل ، كانت مع الحارث بن حَسَّان بن خُوط الذُّهْلِيّ ، فقال : أبو العَرفاء الرَّقاشيّ : أبق على نفسك وقومك ، فأقدم وقال : يا معشر بَكر بن وائل ، إنَّه لم يكن أحد من رسول اللّه صلى الله عليه و آله مثل منزلة صاحبكم فانصروه ، فأقدم فقتل وقتل ابنه، وقتل خمسة إخوة له . . . . وقال ابنه : أنْعى الرَّئيسَ الحارِثَ بن حَسَّانْلاِلِ ذُهْلٍ ولاِلِ شَيْبانْ وقتل رجل من بني مَحْدُوج ، وكانت الرِّياسة لهم من أهل الكوفة (16) قال ابن خلدون في بيان النَّافرين من الكوفة : ونفر النَّاس مع الحسن كما قلنا ، وكان الأمراء على أهل النَّفر: على كِنانَة وأسَد وتَميم والرَّباب ومُزَينة ، مَعْقِلُ بنُ يسار الرِّياحيّ . وعلى قبائل قَيْس ، سَعْد بن مسعود الثَّقَفيّ ، عمّ المختار . وعلى بَكر وتَغْلِب وَعْلَةُ بنُ مجدوح الذُّهْلِيّ . (17) وقال أيضا : وكانت راية بَكر بن وائل في بني ذُهل ، مع الحرث بن حسَّان ، فقتل في خمسة من بني أهلهِ، ورجال من بني مَحْدُوج ، وخمسة وثلاثين من بني ذُهل . (18) وبِشْر بن حَسَّان الذُّهْلِيّ الكوفيّ ، ذكره الشَّيخ في رجاله في أصحاب الصَّادق عليه السلام ، وفي لسان الميزان : بِشْر بن حَسَّان الرَّملي ، ذكره أبو جَعْفَر الطُّوسيّ في رجال الشِّيعة ، من الرُّواة عن جَعْفَر الصَّادق عليه السلام انتهى . وابدال الذُّهْلِيّ بالرُّملي من تحريف النُّسَّاخ أو ابن حجر . (19) والحسين بن محذوج بن بِشْر بن حُوط بن مِسْعَر الشَّيْبانيّ ، قال : من جملة حاملى اللِّواء مع أمير المؤمنين عليه السلام في الجمل ، وقتل معه. أقول: ولم يذكر مستنده . (20) و « خُوط » على ما ذكره ابنا حَجَر والأثير وأبو عمر في معاجمهم : هو بالحاء المعجمة ، وفي أنساب الأشراف والطَّبقات : بالحاء المهملة . (21)

.


1- . تاريخ الطبري : ج4 ص522 .
2- . تاريخ الطبري : ج4 ص488 .
3- . الكامل في التاريخ : ج2 ص344 .
4- . الكامل في التاريخ : ج2 ص522 .
5- . الخُرَيبَةُ: موضع بالبصرة، يسمّى بُصَيرَةَ الصُّغرى. (لسان العرب: ج 1 ص350)
6- . هكذا في المصدر، والمعنى يأباه، وأظنُّ الصواب: ياقاتَلَ.
7- . الحوطيين: بالحاء المهلة، والأصح: « الخوطيين » بالمعجمة.
8- . أنساب الأشراف : ج3 ص41 .
9- . الإصابة : ج2 ص57 ، الرقم1711 ، أعيان الشيعة : ج4 ص622 وراجع : أسد الغابة : ج2 ص10 الرقم 1156 ، الاستيعاب : ج1 ص407 الرقم527 .
10- . راجع : الغدير : ج9 ص 52 و53 .
11- . الزِّفُّ بالكسر : صغار ريش النَّعام والطائر. (الصحاح: ج 4 ص 1369)
12- . راجع : وقعة صفِّين : ص137 _ 140 .
13- . رجال الطوسي : ص62 الرقم545 .
14- . أعيان الشيعة : ج4 ص623 .
15- . الأخبار الطوال : ص146 .
16- . تاريخ الطبري : ج4 ص522 وراجع : الاستيعاب : ج1 ص407 الرقم527 .
17- . تاريخ ابن خلدون : ج2 ص614 وراجع : تاريخ الطبري : ج4 ص500 .
18- . تاريخ ابن خلدون : ج2 ص619 وراجع : الكامل في التاريخ : ج2 ص329 ، أنساب الأشراف : ج3 ص32 .
19- . أعيان الشيعة : ج3 ص572 ، رجال الطوسي : ص168 الرقم1952 ، لسان الميزان : ج2 ص21 الرقم73 .
20- . أنساب الأشراف : ج3 ص35 وراجع : نهج البلاغة : الحكمة262 ، الأمالي للطوسي : ص134 ح 216 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص210 .
21- . أنساب الأشراف : ج3 ص35 ، طبقات الكبرى : ج1 ص315 ، الإصابة : ج2 ص57 الرقم1711 ، أسد الغابة : ج2 ص10 الرقم1156 ، الاستيعاب : ج1 ص407 الرقم527 .

ص: 121

. .

ص: 122

. .

ص: 123

. .

ص: 124

زيد بن صوحان

زيد بن صوحانزيد بن صُوحان ، يقال : إنَّ له صحبة ، قال الكلبي : كان قد أدرك النَّبيّ صلى الله عليه و آله وصحبه ، قال أبو عَمْرو : كذا قال ، ولا أعلم له صحبة ، ولكنَّه ممِّن أدرك النَّبيّ مسلما. وعن الرّشاطيّ أنَّ له وفادة . وكان فاضلاً ديِّنا خيِّرا سيَّدا في قومه، هو وإخوته ، وكان معه راية عبدالقَيس يوم الجمل . (1) وكان أكبر من صَعْصَعَة . (2) وروي من وُجُوه، أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه و آله كان في مسيرةٍ له ، إذ هَوَّم فجعل يقول : « زَيدٌ وما زيدٌ ! جُنْدُب وما جُنْدُب » ! فسئل عن ذلك ، فقال : « رَجُلانِ مِن أمَّتي ، أمَّا أحدُهُما فتَسْبِقُهُ يَدُهُ إلى الجَنَّةِ ، ثُمَّ يتْبَعُها سائِرُ جَسَدِهِ . . . » . وكانت بيده راية عبد القَيس يوم الجمل . (3) وروي من وُجُوه أنَّه قال : شدّوا عليَّ ثيابي ، ولا تنزعوا عنّي ثوبا ، ولا تغسلوا عنّي دما ، فإنِّيرجلٌ مخاصم . _ أو قال: فإنَّا قوم مخاصمون . (4) وعن قُدامَة قال: كنت في جيشٍ عليهم سَلْمان ، فكان زَيْدُ بن صوحان يؤمُّهم بأمره بدون سليمان (5) . (6) وعن عبد الرَّحمن بن مسعود العبديّ ، قال : سمعت عليّا عليه السلام يقول : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :« مَن سَرَّهُ أن يَنظُرَ إلى رَجُلٍ يَسبِقُهُ بَعضُ أعضائِهِ إلى الجَنَّةِ، فَليَنظر إلى زَيْدِ بنِ صُوحان » . وتحقّق هذا الكلام النَّبويّ الَّذي كان فضيلة عظيمة لزيد في حرب جلولاء (7) . (8) وقد قطعت يد زَيْد يوم القادسية (9) ، أو جلولاء (10) ، وعاش بعد ذلك عشرين سنة (11) . كان زيد فيمن سيّرَهُ عثمان ُ من أهل الكوفة إلى الشَّام (12) ، وجرى بينهم وبين معاوية كلام حَتَّى أغلظ على الأشْتَر فحبسه، فقام عَمْرو بن زُرَارَة ، فقال : لئن حبسته لتجدنّ من يمنعه ، فأمر بحبس عمرو ، فتكلَّم القوم ، وقالوا: أحسن جوابنا يامعاوية ، وتكلَّم في هذا المضمار، صَعْصَعَة بن صُوحان ، فجبهه معاوية بكلام غليظ وقال معاوية يوما فيما قال : إنّ قريشا قد عرفت أنّ أبا سُفْيَان أكرمها ، وابن أكرمها، إلاَّ ما جعل اللّه لنبيِّه صلى الله عليه و آله ، فإنَّه انتجبه وأكرمه ، ولو أنّ أبا سُفْيَان ولد النَّاس كلّهم، لكانوا حلماء . فقال له صَعْصَعَة بن صُوحان : كَذِبتَ، قد ولدهم خيرٌ من أبي سُفْيَان ، مَن خَلَقَهُ اللّه ُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فيهِ من رُوحِهِ ، وأمَرَ المَلائِكَة َ فسَجدوا لَهُ ، فَكانَ فيهم البَرُّ والفاجِرُ والكيِّسُ والأحمَقُ . قال : ومن المجالس الَّتي دارت بينهم : إنَّ معاوية قال لهم : أيُّها القوم ، ردُّوا خيرا ، واسكنوا وتفكّروا ، وانظروا فيما ينفعكم والمسلمين ، فاطلبوه وأطيعوني . فقال له صَعْصَعَة : لَستَ بأهلٍ لذلك، ولا كرامة لك أن تطاع في معصية اللّه . فقال : إنّ أوَّل كلام ابتدأتُ به أن أمرتكم بتقوى اللّه ، وطاعة رسوله ، وأن تعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرَّقوا . فقال صَعْصَعَة : بل أمرتَ بالفرقة ، وخلاف ما جاء به النَّبيّ صلى الله عليه و آله . فقال : إن كنت فعلتُ فإنِّى الآن أتوب ، وآمركم بتقوى اللّه وطاعته ، ولزوم الجماعة ، وأن توقّروا أئمّتكم وتطيعوهم . فقال صَعْصَعَة : إذا كنت تبت، فإنّا نأمرك أن تعتزل أمرك ، فإنَّ في المسلمين من هو أحقّ به منك، ممَّن كان أبوه أحسن أثرا في الإسلام من أبيك ، وهو أحسن قَدما في الإسلام منك . فقال معاوية : إنَّ لي في الإسلام لقدما، وإن كان غيري أحسن قدما منِّي، لكنَّه ليس في زماني أحد أقوى على ما أنا فيه منِّي ، ولقد رأى ذلك عمر بن الخَطَّاب ، فلو كان غيري أقوى منِّي، لم يكن عند عمر هوادة لي ولغيري ، ولا حدث ما ينبغي له أن اعتزل عملي (13) . فتكلّم زَيْد في بعض هذه المجالس فقال : إن كنَّا ظالمين فنحن نتوب ، وإن كنَّا مظلومين فنحن نسأل اللّه العافية ، فقال له معاوية : يازيد ، إنَّكَ امرؤ صدق ، وأذن له بالرجوع إلى الكوفة . . . كان زَيْد بن صُوحان يحبُّ سَلْمان ، فمن شدّة حبّه له اكتنى أبا سَلْمان ، وكان يُكنَّى أبا عبداللّه ، ويقال: أبا عائشة (14) . كان زَيْد بن صُوحان يقوم باللّيل ويصوم النَّهار ، وإذا كانت ليلة الجمعة أحياها ، فإن كان ليكرهها إذا جاءت ممَّا كان يلقى فيها ، فبلغ سَلْمان ما كان يصنع ، فأتاه فقال : أين زيدٌ ؟ قالت امرأته: ليس هاهنا ، قال : فإنِّي أقسم عليك لما صنعت طعاما ، ولبست محاسن ثيابك ، ثُمَّ بعثت إلى زَيْد ، قال فجاء زَيْد ، فقرب الطَّعام ، فقال سَلْمان : كُلْ يا زُيَيْد ، قال : إنِّي صائم ، قال : كلْ يا زُيَيْد لا ينقص _ أو تنقص _ دينك ، إنَّ شرّ السَّير الحقحقة (15) ، إنَّ لعينك عليك حقَّا ، وإنّ لبدنك عليك حقَّا ، وإنَّ لزوجتك عليك حقَّا ، كلْ يا زييد فأكل ، وترك ما كان يصنع . وقد خاطبه: يا زُيَيْد بالتَّصغير ، لِيُشعِره بخطأ ما كان عليه (16) . عن أبي سُلَيْمان قال : لمَّا ورد علينا سَلْمان الفارسِيّ ، أتيناه نستقرئه القرآن ، فقال : إنَّ القرآن عربي فاستقرئوه رجلاً عربيا ، فكان يُقرِئُنا زَيْد بن صُوحان ، ويأخذ عليه سَلْمان ، فإذا أخطأ ردّ عليه سَلْمان (17) . قال سَلْمان لزيد : كيف أنت يا زَيْد إذا اقتتل القرآن والسلطان ؟ قال : أكون مع القرآن ، قال : نِعمَ الزيدُ أنتَ إذا (18) . قال زَيْد ذلك ، وعمل به طيلة حياته بعد الرَّسول صلى الله عليه و آله ، إلى أن غربت شمس وجوده في البصرة ، في حرب الجمل ، حينما اقتتل السُّلطان والقرآن ، فنصر زَيْد القرآن وقتل دونه . ] كان زَيْد من أمراء السَّائرين إلى عثمان من الكوفة مع الأشْتَر (19) . لمّا خرج النَّاكثون إلى البصرة ، وخرج أمير المؤمنين عليه السلام على أثرهم ، كتبت عائِشَة إلى زَيْد من البصرة ، وكان زَيْد وقتئذٍ بالكوفة : مِن عائِشَة أُمِّ المُؤمنِينَ إلى ابنِها الخالِصِ زَيْدِ بنِ صُوحان ، سلامٌ عَليكَ . أمَّا بَعدُ : فإنَّ أباك كانَ رأسا في الجاهليَّةِ ، وَسيِّدا في الإسلام ِ ، وَإنَّكَ من أبيك بمنزلة المصلِّي مِنَ السّابقِ ، يُقالُ : كادَ أو لَحِقَ ، وَقَد بلَغكَ الَّذي كان في الإسلام من مصاب عثمان بن عُفَّان ، ونحن قادِمُونَ عَليكَ ، والعِيانُ أشفى لَكَ من الخَبرِ ، فإذا أتاكَ كتابِي هذا، فثبّط النَّاسَ عَن عليِّ بنِ أبي طالب ٍ ، وكُن مَكانَكَ حَتَّى يأتِيَكَ أمري ، والسَّلامُ . فكتب إليها : مِن زَيْدِ بنِ صُوحان إلى عائِشَة أمِّ المؤمنين ، سلامٌ عَلَيكِ ، أمَّا بعد ، فإنَّكِ أُمرتِ بأمِرٍ وَأُمرِنا بِغَيرِهِ ، أُمِرتِ أن تَقرّي في بَيتِكِ ، وأُمرِنا أن نُقاتِلَ حَتَّى لا تكونَ فِتنَةٌ . فَتَرَكتِ ما أُمِرتِ بِهِ ، وَكَتَبتِ تَنْهينا عَمَّا أُمِرنا بِهِ ، والسَّلامُ (20) . [ ولمَّا ثبّط أبو موسى النَّاس عن نصرة أمير المؤمنين عليه السلام ، وأخذ يجادل مع عَمَّار والحسن السِّبط عليه السلام ]وجعل أبو موسى يُكَفْكِفُ النَّاس ، ثُمَّ انطلق حَتَّى أتى المنبر ، وسكَّن النَّاس ، وأقبل زَيْدٌ على حمار حَتَّى وقف بباب المسجد ، ومعه الكتابان: من عائِشَة إليه، وإلى أهل الكوفة ، وقد كان طلب كتاب العامّة ، فضمَّه إلى كتابه ، فأقبل بهما ، ومعه كتاب الخاصَّة وكتاب العامَّة : أمَّا بَعدُ ، فثبّطوا أيُّها النَّاس ، واجلِسُوا في بُيوتِكُم إلاَّ عن قتلة عثمان بن عُفَّان ، فلمَّا فرغ من الكتاب قال : أُمِرَتْ بأمرٍ ، وَأمِرْنا بأمرٍ ، أُمِرَتْ أن تَقَرَّ في بَيتِها ، وأُمِرْنا أنْ نقاتِلَ حَتَّى لا تكونَ فتنةٌ ؛ فأَمَرَتْنا بما أُمِرَتْ بِهِ ، ورَكِبتْ ما أُمِرْنا بِهِ . [ فأجابه ] شَبَثُ بنُ رِبْعيّ ، ثُمَّ تكلَّم أبو موسى ، يأمر النَّاس بالكفِّ عن النَّفر إلى الجهاد، فقام زَيْد فشال يده المقطوعة ، فقال : يا عبداللّه بن قَيْس ؛ ردّ الفرات عن دِراجه ، اردده من حيث يجيء حَتَّى يعود كما بدأ ، فإن قدرت على ذلك فستقدر على ما تريد ؛ فدع عنك ما لست مدركه . ثُمَّ قرأ : « الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَ هُمْ لاَ يُفْتَنُونَ » (21) . سيروا إلى أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، وانفروا إليه أجمعين تصيبوا الحقّ (22) . فنفر النَّاس وكان من رؤسائهم زَيْدُ بن صُوحان ، وكان معه راية عبد القَيس ، وكان زيد مع علي عليه السلام قدّام الجمل، فقال له رجل من قومه : تنحّ إلى قومك ، مالك ولهذا الموقف ! ألست تعلّم أنَّ مضرَ بحيالك ، وأنَّ الجمل بين يديك ، وأنَّ الموت دونه ! فقال : الموتُ خَيرٌ مِنَ الحياةِ ، المَوتُ ما أريدُ ، فأصيبَ (23) . قال زَيْد : يا أمير المؤمنين ، ما أراني إلاَّ مقتولاً . قال له _ عليّ عليه السلام _ : « وَ ما عِلمُكَ بِذلِكَ يا أبا سُلَيْمان » ؟ قال : رأيت يدي نزلت من السَّماء، وهي تستشيلني (24) . لمَّا صرع زَيْد بن صُوحان رحمه الله يوم الجمل ، جاء أمير المؤمنين عليه السلام حَتَّى جلس عند رأسه ، فقال : « رَحَمِكَ اللّه ُ يا زَيْدُ ، قَد كُنتَ خَفيفَ المَؤونَةِ ، عَظيمَ المَعُونَةِ » . قال : فرفع زَيْد رأسه إليه ، وقال : وأنت، فجزاك اللّه ُ خيرا يا أمير المؤمنين ، فواللّه ِ ، ما عَلِمتُكَ إلاّ باللّه ِ عليما ، وفي أمّ الكتابِ عَليما حكيما ، وإنَّ اللّه َ في صَدرِكَ لَعظِيمٌ ، واللّه ِ ، ما قاتَلتُ مَعَكَ علَى جَهالَةٍ ، ولكنّي سَمعِتُ أمّ سَلَمة ، زوجَ النَّبيّ صلى الله عليه و آله تقول : سَمِعتُ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يقول : مَن كُنتُ مولاهُ فعليٌّ مَولاهُ ، اللَّهمَّ والِ مَن والاهُ ، وَعادِ مَن عاداهُ ، وانصُر مَن نَصَرَهُ ، واخذُل مَن خَذَلَهُ ، فَكَرِهتُ واللّه ِ ، أن أخذلَكَ فيَخذلُنِيَ اللّه ُ . قال الفضل بن شاذان : . . . ثُمَّ عرف النَّاس بعده، فمن التَّابعين ورؤسائهم وزُهَّادهم زَيْد بن صُوحان (25) . [ وزيد فيمن عدَّه ابن أبي الحديد من القائلين بتفضيل عليٍّ عليه السلام فقال ] : من قال بتفضيله على النَّاس كافّة من التَّابعين فَخَلْقٌ كثير، كأويس القرني ، وزَيْد بن صُوحان (26) . وقد عدّه الشَّيخ رحمه الله ، في رجاله، من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً : إنَّه كان من الأبدال، قتل يوم الجمل (27) . وفي الاختصاص عن أبي جعفر عليه السلام قال : « شَهِدَ مَعَ عَلِيّ بنِ أبي طالبِ عليه السلام من التَّابعين، ثلاثةُ نَفَرٍ بصِفِّينَ ، شَهِدَ لَهُم رسُول اللّه ِ صلى الله عليه و آله بالجنَّةِ، ولم يَرَهُم : أويسُ القرنيّ ، وزَيْدُ بنُ صُوحان العبدي ، وجُنْدُبُ الخيرِ الأزْدِيّ ، رحمة اللّه عليهم (28) . وعن الأصبغ بن نباتة قال : لمَّا أن أصيب زَيْد بن صُوحان يوم الجمل ، أتاه عليّ عليه السلام وبه رمق ، فوقف عليه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فهو لِما به فقال : « رَحَمِكَ اللّه ُ يا زَيْدُ فَواللّه ِ ما عَرَفناكَ إلاّ خَفِيفَ المؤونةِ كَثِيرَ المَعونَةِ » . قال : فرفع إليه رأسه ، فقال : وَأنتَ يَرحَمُكَ اللّه ُ ، فو اللّه ما عَرَفتُكَ إلاّ باللّه ِ عالِما ، وبآياتِهِ عارفا ، واللّه ِ ، ما قاتلتُ مَعَكَ مِن جَهلٍ ، ولكنّي سَمِعتُ حُذَيْفَةَ بنَ اليَمانِ يقول : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : « عليّ أميرُ البررة ، وقاتِلُ الفَجَرة ، مَنصورٌ مَن نَصَرهُ ، مَخذولٌ مَن خَذَلَهُ ، ألا وإنَّ الحقَّ مَعَهُ ، ألا وإنَّ الحقَّ مَعهُ يَتبَعُهُ ، ألا فَمِيلوا مَعَهُ » (29) . [ نقل في المعيار والموازنة كلاما له في الكوفة ، يقرِّظ عليَّا عليه السلام ويستنفر قال : ثُمَّ قام زَيْد بن صُوحان : فحمد اللّه وأثنى عليه ، وصلّى على النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قال : أيُّها النَّاس ، ما في اللّه ولا في نبيّه من شكّ، ولا بالحقّ والباطل من خفاء ، وإنَّكم على أمر جدد ، وصراط قيّم ، إنَّ بيعةَ عليٍّ بَيعةٌ مَرضِيَّةٌ ، لا تُقبض عنها يدُ مُوقِنٍ ولا يبسُطُ إليها مُخطي كفّهُ . أيُّها النَّاس، هل تعلمون لأميرِ المؤمنينَ عليٍّ من خَلَفٍ ؟ هَل تَنقَمونَ لَهُ سابِقَةً ؟ أو تَذمّونَ لَهُ لاحِقَةً ؟ أو تَرَونَ بِهِ أوَدَا ؟ أو تَخافونَ مِنهُ جَهلاً ؟ أوَ ليسَ هو صاحِبَ المواطنِ الَّتي من فضلها لا تعدلون به ؟ فَمَن عَمودُ هذا الأمرِ ونظامُهُ إلاّ هُوَ ؟ وقَد جاءنا أمرُ اللّه ِ ، وسَمعِناهُ قبل مَجيئِهِ ، ولابدَّ لَهُ من أن يتمَّ كأنِّي أنظرُ إليهِ . ثُمَّ رفع صوته ينادي : عِبادَ اللّه ِ ، إنِّي لَكُم ناصِحٌ ، وعَلَيكُم مُشفِقٌ ، أُحِبُّ أن تَرشُدوا ولا تغوُوا ، وَإنَّهُ لابدَّ لهذا الدِّين مِن والٍ يُنصِفُ الضَّعيفَ مِنَ الشَّديدِ ، ويأخَذُ للمَظلومِ بِحَقِّهِ مِنَ الظَّالمِ ، ويُقيِمُ كِتابَ اللّه ِ ، ويُحيي سُنَّةَ مُحمَّدٍ صلى الله عليه و آله . ألا وإنَّه لَيسَ أحدٌ أفقَهَ في دينِ اللّه ِ ، ولا أعلَم بكتابِ اللّه ِ ، ولا أقربَ مِن رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مِن أميرِ المُؤمنِينَ عليِّ بنِ أبي طالب ٍ ، فانفِروا إلى أميرِ المُؤمِنين َ، وسيّد المسلمين ، وسيروا على اسمِ اللّه ِ ، فإنَّا سائِرونَ ، « أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَ هُمْ لاَ يُفْتَنُونَ » (30) . (31) وفي الطَّبقات في ترجمة صَعْصَعَة : وكان خطيبا ، وكان من أصحاب عليّ بن أبي طالب ، وشهد معه الجمل ، هو وأخواه زَيْد ٌ وسيحان ُ ابنا صُوحان ، وكان سَيحانُ الخطيبَ قَبلَ صَعْصَعَةَ ، وكانَت الرَّايةُ يَومَ الجمل ِ في يَدِهِ ، فَقُتِلَ فأخذها زَيْدٌ فَقُتِلَ ، فأخذها صَعْصَعَة (32) . قال المسعودي في مروج الذَّهب : فقال ابن عبَّاس له ] أي لصَعْصَعَة ]: فأين أخواك منك يا بن صُوحان ؟ صِفْهُما لِأَعرِفَ وزَنكُم ، قال : أمَّا زَيْد فكما قال أخو غَنِيّ : فَتىً لا يُبالي أنْ يَكونَ بِوَجْهِهِإذا سَدَّ خلاَّتِ الكِرامِ شُحُوبُ إذا ما تَرَاآهُ الرِّجَالُ تحفَّظُوافلم ينطِقُوا العوراَءَ وهوَ قَرِيبُ حَلِيفُ النَّدى يَدْعوالنَّدى فَيُجِيبُهُإِلَيهِ وَيَدعُوُه النَّدى فَيُجِيبُ يَبيتُ النّدى يا أُمَّ عَمْروضَجِيعَهُإذا لم يَكُن في المُنْقِياتِ حَلُوبُ كأنَّ بُيوتَ الحيِّ ما لَمْ يَكُنْ بِهابَسَابِسُ ما يُلْفَى بِهِنَّ عَرِيبُ في أبيات ، كان واللّه ِ ، يا بن عبَّاس عظيمَ المُروءةِ ، شريفَ الاُخُوَّةِ ، جليلَ الخطرِ ، بعيدَ الأثرِ ، كَميشَ العُروَةِ ، أليفَ البَدوَةِ ، سَلِيمَ جَوانِحِ الصَّدرِ ، قَليلَ وَساوِسِ الدّهرِ ، ذاكرا للّه ِ طرفَيِ النَّهار وَزُلَفا من اللّيل ، الجوع والشّبع عنده سيّان ، لا يُنافِسُ في الدُّنيا ، وأقلّ أصحابه مَن يُنَافِسُ فيها ، يُطيلُ السّكوتَ ، ويحفَظُ الكلامَ ، وإن نَطَقَ نَطَقَ بعُقَامٍ ، يَهرَبُ مِنُه الدُعَّار الأشرار ، وَيألَفُهُ الأحرار الأخيار ، فقال ابن عبَّاس : ما ظَنُّكَ بِرَجُلٍ مِن أهلِ الجنَّة، رَحِمَ اللّه ُ زَيْد ا (33) . زيد بن صُوحان بن حُجْر العبدي أخو صَعْصَعَة وسيحان . كان خطيبا (34) مصقعا وشجاعا ثابت الخُطى (35) ، وكان من العظماء ، والزُّهَّاد ، والأبدال (36) ، ومن أصحاب أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام الأوفياءِ (37) . أسلم في عَهدِ النَّبيّ صلى الله عليه و آله فعُدَّ مِنَ الصَّحابة ِ (38) . وله وفادة على النَّبيّ صلى الله عليه و آله (39) . وكان لزيد لسان ناطق بالحقّ مبيّن للحقائق ، فلم يُطق عثمان وجوده بالكوفة ، فنفاه إلى الشَّام (40) . وعندما بلور الثّوار تحرّكهم المناهض لعثمان ، التحق بهم أهل الكوفة في أربع مجاميع ؛ كان زَيْدٌ على رأس أحدها (41) . واشترك في حرب الجمل (42) ، وأخبر بشهادته (43) . كتبت إليه عائِشَةُ تدعوه إلى نُصرتها ، فلمّا قرأ كتابها نطق بكلام رائع نابه . . . (44) . كان لسانا ناطقا معبّرا في الدِّفاع عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان له باعٌ في دعمه وحمايته . (45) . وفي تاريخ مدينة دمشق عن أبي سُلَيْمان : لمّا ورد علينا سَلْمان الفارسِيّ أتيناه نستقرئه القرآن ، فقال : إنّ القرآن عربي فاستقرئوه رجلاً عربيّا . وكان يقرئنا زَيْد بن صوحان ، ويأخذ عليه سَلْمان ، فإذا أخطأ ردَّ عليه سَلْمان (46) . وعن أبي قُدامَة : كان سَلْمان علينا بالمَدائِن ، وهو أميرنا ، فقال : إنّا اُمرنا أن لا نؤمّكم ، تقدّم يا زَيْد ، فكان زَيْد بن صوحان يؤمّنا ويخطبنا (47) . وفي الطبقات الكبرى عن مِلْحان بن ثروان : إنَّ سَلْمان كان يقول لزيد بن صوحان يوم الجمعة : قُم فَذَكِّر قَومَك (48) . وعن ابن أبي الهُذيل : دعا عمر بن الخَطَّاب زَيْد بن صوحان فضَفَنه (49) على الرَّحل كما تَضفنون (50) اُمراءكم ، ثمّ التفت إلى النَّاس فقال : اصنعوا هذا بزيد وأصحاب زَيْد (51) . عن عبد اللّه بن أبي الهذيل : إنّ وفد أهل الكوفة قدموا على عمر ، وفيهم زَيْد بن صوحان . . . وجعل عمر يرحل لزيد ، وقال : يا أهل الكوفة ، هكذا فاصنعوا بزيد وإلاّ عذّبتكم (52) . وعن إبراهيم : كان زَيْد بن صوحان يُحدّث ، فقال أعرابي : إنّ حديثك ليُعجِبني، وإن يدك لتُريبني . فقال : أ وَ ما تراها الشّمال ؟ فقال : واللّه ِ ما أدري، اليمين يقطعون أم الشّمال ؟ فقال زَيْد : صدق اللّه « الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَ نِفَاقًا وَ أَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ » (53)(54) . وفي البرصان والعرجان : زَيْدُ بن صوحان العبدي ، الخطيب الفارس القائد ، وفي الحديث المرفوع : « يَسبِقُهُ عُضوٌ مِنهُ إلى الجَنّةِ » . وزَيْد هو الَّذي قال لعليّ بن أبي طالب رحمة اللّه عليهما : إنّي مقتولٌ غدا . قال :« وَلِمَ » ؟ قال : رأيت يدي في المنام، حتَّى نزلت من السَّماء فاستشلت يدي . فلمّا قتله عمير بن يثربي مبارزة ، ومرّ به عليّ بن أبي طالب وهو مقتول، فوقف وقال : « أَما واللّه ِ ما عَلِمتُكَ إلاّ حاضِرَ المَعونَةِ ، خَفِيفَ المَؤونَةِ » . (55)

.


1- . أسد الغابة : ج2 ص364 الرقم1848 ، الاستيعاب : ج2 ص124 الرقم857 ، الإصابة : ج2 ص504 الرقم 2917 وص532 الرقم3004 .
2- . تنقيح المقال : ج1 ص466 .
3- . أسد الغابة : ج2 ص364 الرقم 1848 ، الاستيعاب : ج2 ص125 الرقم857 ، وراجع :الإصابة : ج2 ص533 ؛ أعيان الشيعة : ج7 ص103 .
4- . الاستيعاب : ج2 ص125 الرقم857 ، المصنّف لعبد الرزاق : ج5 ص274 الرقم9587 ، أنساب الأشراف : ج3 ص41 ، طبقات الكبرى : ج6 ص125 ، تاريخ بغداد : ج8 ص440 ، الإصابة : ج2 ص533 ؛ أعيان الشيعة : ج7 ص105 كلّها نحوه .
5- . هكذا في المصدر، ولعلّ الصواب: بدون سلمان.
6- . الاستيعاب : ج 2 ص125 الرقم 857 ، طبقات الكبرى : ج 6 ص124 .
7- . جلولاء: طسوج من طساسيج السَّواد في طريق خراسان ، والطسوج: النَّاحية ( معجم البلدان: ج2 ص156 ) .
8- . مسند أبي يعلى : ج1 ص267 ح507 ، الاصابة : ج2 ص532 الرقم 3004 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص434 الرقم4541 و4542 و4543 ، كنزالعمّال : ج11 ص685 ح33309 ؛ قاموس الرجال : ج4 ص559 ، الغدير : ج9 ص67 .
9- . راجع: الاصابة : ج2 ص533 الرقم 3004 ؛ أعيان الشيعة : ج7 ص103 .
10- . الطبقات الكبرى : ج6 ص123 ، الاستيعاب : ج2 ص125 ، الاصابة : ج2 ص364 ؛ أعيان الشيعة : ج7 ص103 .
11- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص436 ؛ أعيان الشيعة : ج7 ص103 .
12- . الإصابة : ج2 ص533 الرقم 3004 ؛ أعيان الشيعة : ج7 ص103 .
13- . الغدير : ج9 ص34 _ 35 وراجع : تاريخ الطبري : ج4 ص323 و324 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص270 .
14- . الاصابة : ج2 ص533 الرقم 3004 .
15- . سير الحقحقة : وهي المتعب من السّير ، قيل: أن تحمل الدّابة على ما لا تطيقه ( النهاية ) .
16- . راجع: تاريخ بغداد : ج8 ص439 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص440 ؛ أعيان الشيعة : ج7 ص103 .
17- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص439 ؛ أعيان الشيعة : ج7 ص103 .
18- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص441 ؛ أعيان الشيعة : ج7 ص103 .
19- . راجع : تاريخ الطبرى : ج4 ص326 والغدير : ج9 ص237 و259 و309 .
20- . العِقد الفريد : ج3 ص317 وراجع : تاريخ الطبري : ج4 ص476 و477 و483 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص226 ؛ رجال الكشّي : ج1 ص284 ، قاموس الرجال : ج4 ص558 ، تنقيح المقال : ج1 ص466 ، بحار الأنوار : ج32 ص125 ح 102 وص140 .
21- . العنكبوت : 1 و2 .
22- . تاريخ الطبرى : ج4 ص483 _ 484 ؛ الجمل : ص248 وفيه من قوله « فقام زيد فشال يده » نحوه ، الغارات : ج2 ص919 _ 920 وراجع : المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص151وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج14 ص19 وص20 والفتوح : ج2 ص459 وص460 ، البدايه والنهايه : ج7 ص237 .
23- . تاريخ الطبري : ج4 ص514 ، تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص111 .
24- . المعارف لابن قتيبة : ص402 ؛ الغدير : ج9 ص68 ، قاموس الرجال : ج4 ص558 .
25- . رجال الكشّي : ج1 ص284 الرقم 119 و120 ، الغارات : ج2 ص894 إلى قوله « و اللّه في صدرك عظيم » ، الاختصاص : ص79 إلى قوله « فيخذلني اللّه » ، قاموس الرجال : ج4 ص557 الرقم3048 ، تنقيح المقال : ج1 ص466 ، معجم رجال الحديث : ج7 ص342 الرقم 4860 .
26- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج20 ص226 .
27- . رجال الطوسي : ص64 الرقم 566 .
28- . الاختصاص : ص81 و82 ، قاموس الرجال : ج4 ص559 ، بحار الأنوار : ج32 ص618 ح 484 .
29- . المناقب للخوارزمي : ص177 ح 215 ؛ كشف الغمَّة : ج1 ص147 ، الطرائف : ج1 ص103الرقم 151 ، بحار الأنوار : ج38 ص35 ح10 .
30- . العنكبوت :2 .
31- . المعيار والموازنة : ص120 .
32- . الطبقات الكبرى : ج6 ص221 .
33- . مروج الذَّهب : ج3 ص54 .
34- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص440 ، البرصان والعرجان : ص399 .
35- . رجال الطوسي : ص64 الرقم566 ؛ البرصان والعرجان : ص399 .
36- . تاريخ بغداد : ج 8 ص439 الرقم4549 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص525 الرقم133 ، الاستيعاب : ج2 ص124 الرقم857 ، اُسد الغابة : ج 2 ص364 الرقم1848 ، تاريخ الإسلام للذهبي :ج3 ص509 .
37- . رجال الطوسي : ص64 الرقم566 .
38- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص525 الرقم133 ، الاستيعاب : ج 2 ص124 الرقم857 ، اُسد الغابة : ج2 ص364 الرقم1848 .
39- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص429 .
40- . أنساب الأشراف : ج6 ص155 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص124 ، تاريخ الطبري : ج4 ص326 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص429 .
41- . أنساب الأشراف : ج6 ص155 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص124 ، تاريخ الطبري : ج4 ص326 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص429 .
42- . الاستيعاب : ج 2 ص125 الرقم857 ، اُسد الغابة : ج 2 ص364 الرقم1848 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص526 الرقم133 .
43- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص526 الرقم133 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص123 .
44- . رجال الكشّي : ج 1 ص284 الرقم 120 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص476 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص319 كلاهما نحوه .
45- . رجال الكشّي : ج 1 ص284 الرقم 119 ، الاختصاص : ص79 .
46- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص439 .
47- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص439 وراجع الطبقات الكبرى : ج6 ص124 .
48- . الطبقات الكبرى : ج6 ص124 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص440 .
49- . الضفن : ضفن الشيء على ناقته : حمل إيّاه عليها ( تاج العروس : ج18 ص347 ) .
50- . تضفنون: ضفنَ على ناقتهِ: حملَ عليها.
51- . الطبقات الكبرى : ج6 ص124 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص527 الرقم133 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص438 .
52- . الطبقات الكبرى : ج6 ص124 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص526 الرقم133 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص438 وليس فيه « وإلاّ عذّبتكم » .
53- . التوبة : 97 .
54- . الطبقات الكبرى : ج6 ص123 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص526 الرقم133 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص437 ، البرصان والعرجان : ص400 نحوه .
55- . البرصان والعرجان : ص399 ، المعارف لابن قتيبة : ص402 نحوه وليس فيه من « ومرّ به عليّ . . . » .

ص: 125

. .

ص: 126

. .

ص: 127

. .

ص: 128

. .

ص: 129

. .

ص: 130

. .

ص: 131

. .

ص: 132

. .

ص: 133

. .

ص: 134

. .

ص: 135

. .

ص: 136

. .

ص: 137

اويسٌ القرنيّ

اُوَيْسٌ القَرَنِيّهو اُويسُ بنُ عامرٍ بنِ جَزْء المُرادي القَرَنِي . كان طاهر الفطرة ، سَليم الفكرة ، ووجها متألّقا في التَّاريخ الإسلامي . أسلم على عهد النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، لكنّه ما رآه (1) . لذا عُدَّ في التَّابعين . وصفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأنّه أفضل التَّابعين وأعلاهم شأنا (2) ، وصرّح بأنّه يشفع لخلق كثيرين يوم القيامة (3) . وكان في عداد الزُّهَّادِ المشهورينَ (4) ، وأحد ثمانيتهم المعروفين (5) . لم يكن له حضور مشهور فيالقضايا الاجتماعيّة، وكان نَصِبا (6) في العبادة، ونُقل أنّه ربَّما أمضى اللَّيل كلّه ساجدا. شهد مع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الجمل ، وصفِّين ، وعاهده على الشَّهادة في صفِّين . وفيها نال ذلك الوسام مخضبا بدمه ، ودُفن هناك (7) . وقد وصف الإمام موسى بن جعفر عليه السلام اُويسا ، وصفا يبيّن منزلته الرَّفيعة ، حين قال : « إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ نادى مُنادٍ . . . أينَ حوارِيّو عليِّ بنِ أَبي طالِبٍ . . . فَيَقومُ عَمْرو بنُ الحَمِق . . . واُويسُ القَرَنِيِّ » (8) . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « خَليلي مِن هذهِ الاُمّةِ اُويسُ القَرَنِي » (9) . وفي صحيح مسلم عن اُسير بن جابر : كان عمر بن الخَطَّاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن ، سألهم : أفيكم اُويس بن عامر ؟ حتَّى أتى على اُويس ، فقال : أنت اُويس بن عامر ؟ قال : نعم ، قال : من مُراد ، ثمّ من قَرَن ؟ قال : نعم ، قال : فكان بِكَ برص فبرأت منه إلاّ موضع درهم ؟ قال : نعم .قال : لك والدة ؟ قال : نعم . قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : « يَأتي عَلَيكُم اُويسُ بنُ عامِر مع أمدادِ أهلِ اليَمن ِ من مُراد ، ثمّ مِن قَرَن ، كانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرأ مِنهُ إلاّ مَوضِعَ دِرهَمٍ ، لَهُ والِدَةٌ هو بها بَرّ ، لَو أقسمَ علَى اللّه ِ لأبرَّهُ ؛ فإن استَطَعتَ أن يَستغفِرَ لَكَ فافعَل » فاستغفرْ لي ، فاستغفرَ له . فقال له عمر : أين تريد ؟ قال : الكوفة ، قال : أ لا أكتب لك إلى عاملها ؟ قال : أكون في غبراء (10) النَّاس أحبّ إليَّ . قال : فلمّا كان من العام المقبل حجّ رجل من أشرافهم ، فوافق عمر ، فسأله عن اُويس ، قال : تركته رثّ البيت ، قليلَ المتاعِ (11) . وفي المستدرك على الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : لمّا كان يومُ صفِّين نادى منادٍ من أصحاب معاوية أصحابَ عليّ : أفيكم اُويسُ القَرَني ؟ قالوا : نعم ، فضرب دابّته حتَّى دخل معهم ، ثمّ قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : « خَيرُ التَّابِعينَ اُويسُ القَرَنِيّ » (12) . وفي حلية الأولياء عن أصبغ بن زَيْد : إنّما منعَ اُويسا أن يقدم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله برُّه باُمّه (13) . وفي خصائص الأئمّة _ عن الأصبغ بن نباتة _ : كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام بصفِّين فبايعه تسعة وتسعون رجلاً ، ثمّ قال : أينَ تَمامُ المئةِ ؟ فَقَد عَهِدَ إليَّ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أنّه يُبايُعِني في هذا اليومِ مئةُ رَجُلٍ ، فقال : فجاء رجل عليه قباء صوف، متقلّد سيفين ، فقال : هلمّ يدك اُبايعك ، فقال على ما تبايعني ؟ قال : على بذل مهجة نفسي دونك . قال : وَمَن أنتَ ، قال : اُويس القرني ، فبايعه فلم يزل يُقاتل بين يديه حتَّى قُتل ، فوُجد في الرَّجَّالة مقتولاً (14) . وقال الإمام الكاظم عليه السلام : « إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ . . . يُنادي مُنادٍ : أين حواريّو عليّ بنِ أبي طالبٍ عليه السلام وَصيّ محمّدِ بنِ عبدِ اللّه ِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ؟ فيقوم عَمْرو بن الحَمِق الخُزاعِيّ ، ومُحمّد بنُ أبي بَكرٍ ، ومَيثَمُ بنُ يَحْيَى التَّمَّار ُ مَولَى بَني أسَد ٍ ، وَاُويسُ القَرَني » (15) . وفي الأمالي للطوسي : قيل لاُويس بن عامر القرني : كيف أصبحت يا أبا عامر ؟ قال : ما ظنُّكُم بمن يرحل إلى الآخرة كلّ يوم مرحلة، لا يدري إذا انقضى سفره أعَلَى جنّة يرد أم على نار ؟ (16) وفي حلية الأولياء عن أصبغ بن زَيْد : كان اُويس القرني إذا أمسى يقول : هذه ليلة الرُّكوع ، فيركع حتَّى يُصبِ_ح . وكان يقول إذا أمسى : هذه ليلة السُّجود ، فيسجد حتَّى يُصبح . وكان إذا أمسى تصدّق بما في بيته من الفضل من الطَّعام والثِّياب ، ثمّ يقول : اللهمّ من مات جوعا فلا تؤاخذني به ، ومن مات عريانا فلا تؤاخذني به (17) .

.


1- . راجع: تاريخ مدينة دمشق : ج9 ص415 ، حلية الأولياء : ج2 ص86 ، اُسد الغابة : ج 1 ص332 الرقم331 ؛ رجال الكشّي : ج 1 ص316 الرقم 156 .
2- . راجع: صحيح مسلم : ج4 ص1968 ح224 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص163 ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص455 ح5717 ، تاريخ مدينة دمشق : ج9 ص413 وفيه « من خير التابعين » ؛ رجال الكشّي : ج 1 ص315 الرقم 155 .
3- . راجع: المستدرك على الصحيحين : ج3 ص58 ح5721 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج 7 ص539 ح50 ، دلائل النبوّة للبيهقي : ج6 ص378 ؛ الإرشاد : ج1 ص316 ، رجال الكشّي : ج 1 ص316 الرقم 156 .
4- . اُسد الغابة : ج 1 ص332 الرقم331 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص555 .
5- . تهذيب الكمال : ج 24 ص219 الرقم4996 ، تاريخ مدينة دمشق : ج50 ص250 .
6- . نَصِبَ الرجل : أعيا وتعِب ( لسان العرب : ج1 ص758 ) .
7- . راجع: المستدرك على الصحيحين : ج3 ص455 ، اُسد الغابة : ج 1 ص333 الرقم331 ؛ رجال الكشّي : ج1 ص316 الرقم 156 ، وقعة صفّين : ص324 .
8- . رجال الكشّي : ج1 ص41 الرقم 20 ، الاختصاص : ص61 كلاهما عن أسباط بن سالم ، روضة الواعظين : ص309 .
9- . الطبقات الكبرى : ج6 ص163 ، تاريخ مدينة دمشق : ج9 ص442 كلاهما عن سلاّم بن مسكين عن رجل .
10- . غَبْراء الناس : أي فقراؤهم ، ومنه قيل للمحاويج : بنو غبراء ، كأنّهم نُسبوا إلى الأرض والتراب ( النهاية : ج3 ص338 ) .
11- . صحيح مسلم : ج4 ص1969 ح225 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص456 ح5719 ، اُسد الغابة : ج 1 ص332 الرقم331 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص163 و ص 162 ، تاريخ مدينة دمشق : ج9 ص417 كلاهما نحوه وراجع المصنّف لابن أبي شيبة : ج 7 ص539 ح2 ورجال الكشّي : ج 1 ص316 الرقم 156 .
12- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص455 ح5717 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص163 وفيه « إنّ من خير » بدل « خير » ، تاريخ مدينة دمشق : ج9 ص442 ، حلية الأولياء : ج2 ص86 وفيه « اُويس القرني خير التابعين بإحسان » بدل « خير التابعين . . . » ؛ رجال الكشّي : ج 1 ص315 الرقم 155 و ص316 الرقم 156 والثلاثة الأخيرة نحوه .
13- . حلية الأولياء : ج2 ص87 .
14- . خصائص الأئمّة عليهم السلام : 53 ، رجال الكشّي :ج 1 ص315 الرقم 156 وراجع الإرشاد : ج1 ص315 وإعلام الورى : ج1 ص337 والمستدرك على الصحيحين : ج 3 ص455 ح5718 .
15- . رجال الكشّي : ج1 ص41 الرقم 20 ، الاختصاص : ص61 كلاهما عن أسباط بن سالم ، روضة الواعظين : ص309 .
16- . الأمالي للطوسي : ص641 ح1328 .
17- . حلية الأولياء : ج2 ص87 .

ص: 138

. .

ص: 139

. .

ص: 140

. .

ص: 141

سيحان بن صوحان العبدي

سَيْحانُ بنُ صُوحان العبديبالسين المهملة ، والياء المثنّاة من تحت ، والحاء المهملة كما في القاموس عن ابن الأثير في الكامل ، وسَبْحان : بالباء المُوحَّدة بدل الياء كما عنونه أيضا في التَّنقيح والقاموس (1) ، والصَّحيح الأوَّل كما صرَّح به الجزري ، ويؤيّده نسخة الطَّبقات . كان أحد الأمراء في قتال أهل الرِّدَّة ، وقد تقدّم أنَّهم كانوا لا يؤمّرون إلاّ الصَّحابة ، ويقال: إنَّ سَيْحان قتل يوم الجمل (2) . كان هو وإخوته خطباء ، خطب هو يوم استنفار أهل الكوفة إلى الجمل ، وقال : « أيُّها النَّاسُ ، إنَّهُ لا بُدَّ لِهذا الأَمرِ ، وهَؤلاءِ النَّاسِ مِن وَالٍ يَدفَعُ الظَّالِمَ ، وَيُعِزّ المَظلومَ ، وَيَجمَعُ النَّاسَ ، وهذا واليكم ، يَدعوكُم لِيَنظُرَ فيما بَينَهُ وبَينَ صاحِبَيهِ ، وهو المأمونُ على الأمَّة، الفقيهُ في الدِّينِ ، فمن نهض إلَيهِ فَإنَّا سائِرونَ مَعَهُ » (3) . من خطبائهم _ عبد القَيس _ المشهورين : صَعْصَعَة بن صُوحان وزَيْد بن صُوحان وسَيْحان بن صُوحان (4) . وقد تقدَّم عن الطَّبقات : أنَّ سَيْحان كان الخطيب قبل صَعْصَعَة ، وكان ممّا قال معاوية في أبناء صُوحان : أنَّهم مخاريق الكلام (5) . قال الطَّبري _ في أخبار المرتدّين بعد النَّبيّ صلى الله عليه و آله _ : وقد رأى المسلمون الخلَلَ ، ورأى المشركون الظَفَر ، جاءت المسلمين موادُّهم العُظْمى من بني ناجية ، وعليهم الخِرّيت بن راشد ، ومن عبد القَيس وعليهم سَيْحان بن صُوحان . . . (6) . ودفن مع أخيه زَيْد في قبرٍ واحدٍ (7) .

.


1- . راجع قاموس الرجال : ج4 ص620 الرقم 3104 ، تنقيح المقال : ج2 ص7 و78 ، الغارات : ج2 ص887 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص351 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص221 .
2- . راجع : تاريخ الطبري : ج3 ص315 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص43 ، الإصابة : ج3 ص375 ،الاستيعاب : ج 2 ص273 .
3- . تاريخ الطبري : ج4 ص484 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص328 ؛ أعيان الشيعة : ج7 ص325 .
4- . الغارات : ج2 ص789 .
5- . . راجع: مواقف الشيعة : ج1 ص232 .
6- . تاريخ الطبري : ج3 ص315 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص43 وراجع : الإصابة : ج3 ص375 الرقم 4153 .
7- . الطبقات الكبرى : ج 6 ص 125 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص 528 الرقم 134 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 19 ص 445 .

ص: 142

صعصعة بن صوحان العبدي

صَعْصَعَة بن صُوحان العبديهو صعصعةُ بن صُوحان بن حُجْر . . . بنُ لكيز بن أفصى بن عبد القَيس الرِّبْعيّ العبدي ، كان مسلما على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولم يلقه، صَغُر عن ذلك (1) . عدَّه الشَّيخ رحمه الله من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وعدَّهُ البرقيّ من خواصّ أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام (2) . قال أبو عبد اللّه عليه السلام : « ما كانَ مع أميرِ المؤمنين َ عليه السلام من يَعرِفُ حَقَّهُ إلاّ، صَعْصَعَة وأصحابه (3) . وكان صَعْصَعَةُ مِنَ الَّذِين قالوا بتفضيل عليّ عليه السلام على النّاس كافّة (4) . كان سيّدا من سادات قومه عبد القَيس ، وكانَ فَصيحا ، خطيبا ، عاقلاً ، لَسِنا ، دَيِّنا ، فاضلاً ، بليغا ، يُعَدّ في أصحاب عليّ عليه السلام ، وله مع معاوية مواقف ، قال الشَّعْبي : كنت أتعلّم منه الخطب (5) . وقال الجاحظ : وشأن عبد القَيس عَجَبٌ ، وذلك : أنَّهم بعد مُحارَبة إياد ٍ تفرَّقوا فرقَتين ، ففِرقةٌ وقعتْ بعُمَان ، وشِقِّ عُمَان ، وهم خطباء العرب . . . ومن خطبائهم المشهورين، صَعْصَعَة بن صُوحان ، وزَيْد بن صُوحان وسَيْحان بن صُوحان (6) . وكان يضرب بخطبته المثل ، ويقال هو أخطب من صَعْصَعَة (7) . وقد مدحه أمير المؤمنين عليه السلام بالفصاحة، فقال فيه : « هذا الخطيب الشَّحشح » يريد به : الماهر بالخطبة الماضي فيها ، وقال ابن أبي الحديد : هذه الكلمة قالها عليّ عليه السلام لصَعْصَعَة بن صُوحان العبدي رحمه الله ، وكفى صَعْصَعَة بها فخرا، أن يكون مثل عليّ عليه السلام يثني عليه بالمهارة وفصاحة اللّسان ، وكان صَعْصَعَة من أفصح النَّاس (8) . حضر صَعْصَعَة مجلس عمر بن الخَطَّاب ، وهو يشاور أصحابه في مال أرسله أبو موسى ، وكان ألف ألف درهم، فقسَّمه وفَضُل منه فضلة، ماذا يصنع به ؟ فقام صَعْصَعَة _ وهو غلام شابّ _ فقال : يا أمير المؤمنين، إنَّما تُشاوِرُ النَّاسَ فيما لَم ينزل فِيهِ قرآن ، فأمَّا ما نزلَ بِهِ القُرآن ، فضعْه مواضعه الَّتي وضعه اللّه _ عز و جل _ فيها . فقال : صدقت (9) . وفي الغدير للأميني : لمَّا عزل عثمان الوليد بن عُقْبَة عن الكوفة ، ولاّها سعيد بن العاص ، وأمره بمداراة أهلها ، فكان يجالس قرّاءها ، ووجوه أهلها ، ويسامرهم، فيجتمع عنده منهم : مالك بن الحارث الأشْتَر النَّخَعيّ ، وزَيد وصَعْصَعَة ابنا صُوحان العبديّان . . . فإنَّهم لَعِندَهُ وقد صلّوا العصر، إذ تذاكروا السَّواد والجبل ، ففضّلوا السَّواد ، وقالوا : هو ينبت ما ينبت الجبل وله هذا النَّخل ، وكان حَسَّان بن مَحْدُوج الذُّهْلِيّ ، الَّذي ابتدأ الكلام في ذلك ، فقال عبد الرَّحمن بن خُنيس الأسدي _ صاحب شرطة _ : لوددت أنَّهُ للأمير ، وإنَّ لكم أفضل منه . فقال له الأشْتَر : تمنَّ للأمير أفضل منه ، ولا تمنَّ له أموالنا . فقال عبد الرَّحمن : ما يضرّك من تمنّى حَتَّى تزوي ما بين عينيك ، فواللّه ِ ، لو شاء كان له . فقال الأشْتَر : واللّه ، لو رام ذلك ما قدر عليه . فغضب سعيد ، وقال : إنَّما السَّواد بستان لقريش . فقال الأشْتَر : أتجعلُ مَراكِزَ رِماحِنا، وما أفاء اللّه علينا، بستانا لك ولقومك ؟ واللّه ، لو رامه أحدٌ لقُرع قرعا يتصأصأ (10) منه . ووثب بابن خنيس فأخذته الأيدي . فكتب سعيد بن العاص بذلك إلى عثمان ، وقال : إنِّي لا أملك من الكوفة مع الأشْتَر وأصحابه . . . فكتب إليه ( عثمان ) أن : سيِّرهم إلى الشَّام . . . فسيَّر سعيد الأشْتَر ، ومن كان وثب مع الأشْتَر ، وهم : زَيْد وصَعْصَعَة ابنا صُوحان . . . ( فنزلوا دمشق ) فبرَّهم معاوية وأكرمهم ، ثُمَّ إنَّه جرى بينه وبين الأشْتَر قولٌ، حَتَّى تغالظا فحبسه معاوية . . . فقال لهم معاوية : إنَّكم قومٌ من العرب ، ذووا أسنان وألسنة ، وقد أدركتم بالإسلام شرفا . . . وقد بلغني أنَّكم ذممتم قريشا ، ونقمتم على الولاة فيها ، ولولا قريش لكنتم أذلَّة ، إنَّ أئمَّتكم لكم جُنَّة، فلا تفرَّقوا عن جُنَّتكم . . . . فقال له صَعْصَعَة بن صُوحان : أمَّا قريش ، فإنَّها لم تكن أكثر العرب ، ولا أمنعها في الجاهليَّة ، وإنَّ غيرها من العرب لأكثر منها وأمنع . فقال معاوية : إنَّك لخطيب القوم ، ولا أرى لك عقلاً ، وقد عرفتكم الآن ، وعلمت أنَّ الَّذي أغراكم قلّة العقول . . . . وروى الحسن المَدائِني : أنَّه كان لهم مع معاوية بالشام مجالس طالت فيها المحاورات والمخاطبات بينهم ، وإنَّ معاوية قال لهم في جملة ما قاله : إنَّ قريشا قد عرفت أنَّ أبا سُفْيَان أكرمها ، وابن أكرمها، إلاّ ما جعل اللّه لنبيِّه صلى الله عليه و آله ، فإنَّه انتجبه ، وأكرمه ، ولو أنَّ أبا سُفْيَان ولد النَّاس كلّهم لكانوا حلماء . فقال له صَعْصَعَة بن صُوحان : كذبت، وقد وَلدهم خيرٌ من أبي سُفْيَان ، من خلقه اللّه بيده ونفخ فيه من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا له ، فكان فيهم البَرُّ والفاجر، والكيِّس والأحمق . قال : ومن المجالس الَّتي دارت بينهم ، أنَّ معاوية قال لهم : أيُّها القوم ردّوا خيرا ، واسكنوا ، وتفكّروا ، وانظروا فيما ينفعكم والمسلمين ، فاطلبوه وأطيعوني . فقال له صَعْصَعَة : لست بأهل لذلك ، ولا كرامة لك أن تطاع في معصية اللّه . فقال : إنَّ أوَّل كلام ابتدأت به أن أمرتكم بتقوى اللّه ، وطاعة رسوله ، وأن تعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرَّقوا . فقال صَعْصَعَة : بل أمرت بالفرقة ، وخلاف ما جاء به النَّبيّ صلى الله عليه و آله . فقال : إن كنتُ فعلتُ فإنِّي الآن أتوب، وآمركم بتقوى اللّه ، وطاعته ، ولزوم الجماعة ، وأن توقّروا أئمَّتكم ، وتطيعوهم . فقال صَعْصَعَة : إذا كنت تبت، فإنَّا نأمرك أن تعتزل أمرك ؛ فإنَّ في المسلمين من هو أحقُّ به منك، ممَّن كان أبوه أحسن أثرا في الإسلام من أبيك ، وهو أحسن قَدما في الإسلام منك . فقال معاوية : إنَّ لي في الإسلام لقدما ، وإن كان غيري أحسن قدما منِّي ، لكنَّه ليس في زماني أحدٌ أقوى على ما أنا فيه منِّي ، ولقد رأى ذلك عمر بن الخَطَّاب ، فلو كان غيري أقوى منِّي، لم يكن عند عمر هوادة لي ولغيري . . . (11) . [ وعندما ] حبس معاوية صَعْصَعَة بن صُوحان العبدي ، وعبد اللّه بن الكَوَّاء اليَشكُري ، ورجالاً من أصحاب عليّ ، مع رجال من قريش . فدخل عليهم معاوية يوما ، فقال : نَشَدتُكُم باللّه ِ إلاّ ما قلتم حقَّا وصدقا ، أيَّ الخلفاء رأيتموني ؟ فقال ابن الكَوَّاء : لولا أنَّك عزمت علينا، ما قلنا ، لأنَّك جبَّارٌ عنيد ، لا تراقب اللّه في قتل الأخيار ، ولكنَّا نقول : إنَّك ما علمنا واسِعُ الدُّنيا ، ضيِّق الآخرة ، قريب الثّرى ، بعيد المَرْعَى ، تجعلُ الظُّلماتِ نورا ، والنُّورَ ظُلُماتٍ ، فقال معاوية : إنَّ اللّه أكرم هذا الأمر بأهل الشَّام الذَّابِّينَ عن بَيْضته ، التَّاركين لمحارمه ، ولم يكونوا كأمثال أهل العراق . . . . ثُمَّ تكلَّم صَعْصَعَة فقال : تكلَّمتَ يا بنَ أبي سُفْيَان َ فأبلَغتَ، ولم تَقصُر عمَّا أردتَ ، وليس الأمرُ على ما ذكرت ، أنَّى يكونُ الخليفةُ مَن مَلَكَ النَّاسَ قهرا ، ودَانَهم كِبرا ، واستولى بأسبابِ الباطلِ كَذِبا ومَكرا ؟ أما واللّه ِ ، مالَكَ في يَومِ بَدر ٍ مضرب ولا مَرمى ، ومَا كُنتَ فيه إلاّ كما قال القائل : « لا حلِّي ولا سيري » ، ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنَّفير ممَّن أجْلَبَ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإنَّما أنتَ طليقٌ ابن طَلِيقٍ ، أطلقكما رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فأنَّى تَصلُحُ الخِلافَةُ لِطَليقٍ ؟ فقال معاوية : لولا أنّي أرجع إلى قول أبي طالب حيث يقول : قابَلتُ جَهلَهُمُ حِلما ومَغفِرَةًوالعفو عَن قُدرَةٍ ضَرْبٌ مِنَ الكَرَمِ (12) قال الأحمدي عفى اللّه عنه : ولِصَعْصَعَةَ مَواقفُ ساعية مع معاوية في خلافة عثمان ، حينما نُفي إلى الشَّام ، وفي خلافة عليّ عليه السلام حينما أرسله مع الكتاب للاحتجاج، أو أرسله في صفِّين حين منع معاوية الماء ، وبعد شهادة أمير المؤمنين ، بعد دخول عليه السلام معاوية الكوفة ، وحينما قَدِمَ وفْدُ العِراق إلى الشَّام (13) . كما أنَّ له موقفا مع عثمان بن عفَّان . (14) وسيأتي في مكانه إن شاء اللّه . شَهِدَ صَعْصَعَة مشاهد عليّ عليه السلام كلّها (15) ، وجرح في الجمل ، وكان على عبد القَيس في صفِّين (16) . قال المسعودي : لمَّا انصرف عليّ من الجمل قال لآذِنهِ : « مَنْ بِالبابِ مِن وُجوهِ العَرَب ِ ؟ » قال : محمَّد بن عمير بن عُطارد التَّيمي ّ ، والأحنف بن قَيس ، وصَعْصَعَة بن صُوحان العبدي ، في رجال سمّاهم ، فقال : إئذَن لهم ، فدخلوا فسلّموا عليه بالخلافة ، فقال لهم : أنتم وجوه العرب عندي ، ورؤساء أصحابي ، فأشيروا عليَّ في أمر هذا الغلام المُترَف _ يعني معاوية _ فافتنَّتْ بهم المَشورة عليه ، فقال صَعْصَعَة : إنَّ معاوية أتْرَفَه الهوى ، وحُبِّبَت إليهِ الدُّنيا ، فَهانَت عَليهِ مَصارِعُ الرِّجالِ ، وَابتاعَ آخِرَتَهُ بِدُنياهُم ، فإن تَعمَل فيهِ بِرَأيٍ تَرشُدْ وتُصِبْ ، إنْ شاءَ اللّه ُ ، والتَّوفيقُ باللّه ِ ، وبِرَسولِهِ ، وبِكَ يا أميرَ المُؤمِنين َ ، والرّأي أن تُرسِلَ لَهُ عَينا مِن عُيونِكَ ، وثقةً من ثِقاتِكَ بكِتابٍ تَدعوهُ إلى بيعَتِكَ ، فإن أجاب وأناب كانَ لَهُ مالَكَ ، وعَلَيهِ ما عَلَيكَ ، وإلاّ جاهدته وصبرت لقضاء اللّه ، حَتَّى يأتِيَكَ اليقينُ ، فقال عليّ : « عَزمتُ عَلَيكَ يا صَعْصَعَةُ ، إلاّ كَتبتَ الكِتابَ بِيدَيكَ ، وتَوجّهت َ بِهِ إلى مُعاوِيَةَ ، واجعل صَدرَ الكتابِ تحذيرا وتخويفا، وعَجزَهُ استِتابَةً واستنابَةً ، ولْيَكُن فاتِحَةُ الكِتابِ : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم ، مِن عبدِ اللّه ِ عليٍّ أميرِ المُؤمِنين َ إلى معاوية ، سَلامٌ عَلَيكَ ، أمَّا بعدُ : ثُمَّ اكتب ما أشَرْتَ بِهِ عَلَيَّ ، واجعَل عُنوانَ الكتابِ : « أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ » (17) » . قال : اعْفِنِي من ذلك . قال : « عَزمتُ عَليكَ لَتفعلَنَّ » . قال : أفعل ، فخرج بالكتاب ، وتجهّزَ وسار حَتَّى ورد دمشق ، فأتى باب معاوية ، فقال لاِذنهِ : استأذِن لرسول أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب _ وبالباب أزْفَلة (18) من بني أميّة _ فَأخَذَتهُ الأيدِي والنِّعالُ لِقَولِهِ ، وهو يقول : « أتقتلون رجلاً أن يقول ربّي اللّه ُ » ، وكثُرتِ الجَلبَةُ واللَّغطُ ، فاتّصل ذلك بمعاوية ، فوجَّه مَن يكشفُ النَّاسَ عنه ، فكشفوا ، ثُمَّ أذِنَ لهم فدخلوا . فقال لهم : مَن هذا الرّجلُ ؟ فقالوا : رَجلٌ من العرب ، يقال له : صَعْصَعَة بن صُوحان ، معه كتاب من عليّ . فقال : واللّه ِ ، لقد بلَغني أمرُهُ ، هذا أحدُ سهامِ عليّ ، وخُطَباءِ العرب ِ ، ولقد كنت إلى لِقائِهِ شَيِّقا ، ائذن لَهُ يا غُلامُ . فدخل عليه فقال : السَّلام عليك يا بن أبي سُفْيَان ، هذا كِتابُ أميرِ المُؤمنِين َ . فقال معاوية : أما إنَّه لو كانت الرُّسُلُ تُقتلُ في جاهليَّةٍ أو إسلامٍ لَقتلتُك ، ثُمَّ اعترضه مُعاويةُ في الكلامِ ، وأراد أن يستخرجه ليعرف قريحته أطبعا أم تكلّفا ، فقال : مِمَّنِ الرَّجُلُ ؟ قال : من نزار ٍ . قال : وما كان نزار ٌ ؟ قال : كان إذا غزا نكسَ (19) ، وإذا لقي افترس ، وإذا انصرف احترس . قال : فمن أيّ أولاده أنت ؟ قال : مِن ربيعة . قال : وما كانَ ربيعة ُ ؟ قال : كان يُطيلُ النِّجادَ (20) ، ويَعُولُ العبادَ ، ويَضرِبُ ببقاعِ الأرضِ العِمَادَ . قال : فَمِن أيِّ أولادهِ أنتَ ؟ قال : من جدِيلَة َ . قال : وما كان جديلة ُ ؟ قال : كانَ في الحربِ سَيفا قاطِعا ، وفي المَكرُماتِ غَيثا نافِعا ، وفي اللِّقاءِ لَهَبا ساطعا . قال : فمن أيّ أولاده أنت ؟ قال : من عَبدِ القَيس . قال : وما كانَ عبدُ القَيس ؟ قال : كان خصيبا (21) خضرما (22) أبيض وهّابا لضيفه ما يجد ، ولا يسأل عمَّا فَقدَ ، كَثِيرَ المَرَقِ ، طيِّبَ العَرَقِ ، يَقومُ للناس مقامَ الغيثِ مِنَ السَّماءِ . قال : ويحك يا بن صُوحان ! فما تركت لهذا الحيّ من قريش مجْدا ولا فخْرا . قال : بلى واللّه ِ ، يا بن أبي سُفْيَان ، تركت لهم ما لا يصلح إلاّ بِهِم ، ولَهُم، تركت الأبيض والأحمر ، والأصفر والأشقر ، والسَّرير والمنبر ، والمُلك إلى المحشر ، وأنَّى لا يكون ذلك كذلك، وهم مَنَارُ اللّه ِ في الأرض، ونجومه في السَّماء ؟ ففرح معاوية ، وظَنَّ أنَّ كلامه يشتمل على قريش كلّها ، فقال : صدقت يا بن صُوحان ، إنَّ ذلِكَ لَكذلِكَ . فَعرفَ صَعْصَعَةُ ما أراد ، فقال : ليس لك ولا لقومك في ذلك إصدار ولا إيراد ، بَعُدتُم عَن اُنُفِ المَرعى ، وعَلَوتُم عَن عَذبِ الماءِ . قال : فلم ذلك؟ ويلَكَ يا بنَ صُوحان ؟ قال : الويلُ لِأهل النَّارِ ، ذلِكَ لِبني هاشِم . قال : قُم ، فأخْرَجُوُهُ . فقال صَعْصَعَة : الصّدقُ يُنبئُ عَنكَ لا الوَعيدُ ، من أراد المشاجرة قبل المحاورة . فقال معاوية : لشيء ما سَوَّدَه قومُهُ ، وَدَدتُ واللّه ِ ، أنّى من صُلبِهِ ، ثُمَّ التَفتَ إلى بني أميَّة ، فقال : هكذا فلتَكُنِ الرِّجالُ . . . (23) . قال معاوية يوما _ وعنده صَعْصَعَة ، وكان قدم عليه بكتاب عليّ ، وعنده وجوه النَّاس _ : الأرضُ للّه ِ ، وأنا خَلِيفةُ اللّه ِ ، فما آخُذُ مِن مالِ اللّه ِ فهو لي ، وما تركتُ مِنهُ كان جائزا لي . فقال صَعْصَعَة : تُمَنِّيكَ نَفسُكَ ما لا يَكونُ جَهْلاً مُعاوِيَ لا تَأثَمِ فقال معاوية : يا صَعْصَعَةُ ، تعلّمتَ الكلامَ . قال : العِلمُ بالتَّعلُّم ، ومَن لا يعلَمُ يَجهلُ . قال معاوية : ما أحْوَجَكَ إلى أن أُذيقَكَ وَبَالَ أمرِكَ ! قال : ليس ذلِكَ بِيَدِكَ ، ذلك بِيَدِ الَّذي لا يُؤَخِّرُ نفسا إذا جاءَ أجلُها . قال : ومَن يَحولُ بَيني وبَينَكَ ؟ قال : الَّذي يَحولُ بَيَن المرءِ وقلبه . قال معاوية : اتَّسعَ بَطنُكَ للكلامِ كما اتَّسعَ بَطنُ البعيرِ للشعيرِ . قال : اتّسع بَطنُ مَن لا يشبَعُ ، ودعا عَلَيهِ مَن لا يجمَعُ (24) . شَهِدَ صَعْصَعَةُ بن صُوحان وَقعةَ صِفِّين ، وكان على عَبدِ القَيس ، وأرسَلَهُ أمير المُؤمنِينَ عليه السلام إلى معاوية حينما كان معه الماء (25) . أرسَلَهُ أميرُ المُؤمنينَ عليه السلام إلى الخوارج قبل وقعة النَّهروان ؛ إتماما للحُجَّةِ (26) . وفي الاختصاص : _ عن مِسْمَعِ بنِ عَبدِاللّه ِ البَصريّ عَن رجل _ : لمَّا بعث عليّ بن أبي طالب عليه السلام صَعْصَعَة بن صُوحان إلى الخوارج قالوا له : أرأيت لو كان عليٌّ معنا في موضعنا أتكون معه ؟ قال : نعم . قالوا : فأنت إذا مُقلِّدٌ عَلِيّا دِينَكَ ،ارجع فلا دِينَ لَكَ . فقال لهم صَعْصَعَة : وَيلَكُم، ألا أُقلّد من قلّد اللّه َ فأحسَنَ التَّقليدَ ، فاضطَلَعَ بأمرِ اللّه ِ صِدِّيقا، لم يزل أولم يكن رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا اشتدَّت الحرب قَدَّمه في لهواتها فَيَطَأُ صماخها بأخمصه (27) ، ويُخمِدُ لهبها بِحَدِّهِ، مكدودا في ذاتِ اللّه ِ، عَنهُ يعبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله والمسلمون ، فأنَّى تصرفون ؟ وأين تذهبون ؟ وإلى مَن ترغبون ؟ وعمَّن تَصدُفُون ؟ عن القمر الباهر ، والسِّراج الزَّاهر ، وصراطِ اللّه ِ المستقيم ، وسبيل اللّه المقيم (28) ، قاتَلَكُم اللّه ُ ، أنَّى تُؤفَكونَ ؟ أفي الصِّدِّيقِ الأكبرِ ، والغرض الأقصى تَرمونَ ؟ طاشَت عُقولُكُم ، وغارت حُلومُكُم ، وشاهَت وجوهُكُم ، لقد عَلَوتُمُ القُلَّةَ من الجَبَلِ ، وباعَدتُم العَلّةَ مِنَ النَّهلِ ، أتستهدِفونَ أميرَ المُؤمِنين َ صلواتُ اللّه ِ عَلَيهِ، ووصيّ رسول اللّه ِ صلى الله عليه و آله ؟ لَقد سوّلت لكم أنفسكم خُسرانا مبينا . فَبُعدا وسُحقا للكفرَةِ الظَّالمين ، عَدَلَ بِكُم عَنِ القصدِ الشَّيطانُ ، وعَمَّى لَكُم عن واضِحِ الحُجَّةِ الحِرمانُ . فقال عبد اللّه بن وهب الرَّاسبيّ : نطقت يا بن صُوحان بشقشقة بعير ، وهدرت فأطنبتَ في الهدير ، أبلغ صاحِبَكَ ، أنَّا مقاتلوه علَى حُكم اللّه ِ والتَّنزيلِ . . . فقال صَعْصَعَة : كأنِّي أنظر إليك يا أخا راسب ، مُترمِّلاً بدمائك ، يَحجَلُ الطَّيرُ بأشلائِكَ (29) ، لا تُجاب لَكم داعِيَةٌ ، ولا تُسمعُ لَكم واعِيَةٌ ، يستحلُّ ذلك منكم إمام هدى . . . (30) . ( قال أحمد بن النَّصر : كنت عند أبي الحسن الثَّاني _ الرضا _ عليه السلام ، قال : ولا أعلم إلاّ قام ونفض الفراش بيده ، ثُمَّ قال : لي يا أحمد ُ ، إنَّ أميرَ المُؤمنينَ عليه السلام ، عاد صَعْصَعَة بن صوحان في مَرَضِهِ ، فقال : « يا صَعْصَعَة، لا تَتَّخِذ عِيادَتي لَكَ اُبَّهَةً عَلَى قَومِكَ » . قال : فلمَّا قال أمير المؤمنين لصَعْصَعَة هذه المقالة ، قال صَعْصَعَة : بلى واللّه ِ ، أعدُّها مِنَّةً مِنَ اللّه ِ عَلَيَّ وفَضلاً . قال : فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : « إن كُنتَ _ ما عَلِمتُكَ _ لَخفِيفَ المَؤونَةِ حَسَنَ المَعونَةِ » . قال : فقال صَعْصَعَةُ : وأنت واللّه ِ ، يا أمير المؤمنين ، ما عَلِمتُكَ إلاّ باللّه ِ عليما ، وبالمؤمنين رَؤوفا رَحِيما (31) . وإليكَ صورة أخرى للحديث : عن ابن نباتة قال : خرجنا مع أمير المؤمنين عليه السلام ، حَتَّى انتهينا إلى صَعْصَعَة بن صُوحان ، فإذا هو على فراشه، فلمَّا رأى عَلِيَّا عليه السلام خَفّ لَهُ ؛ فقال عليّ عليه السلام : « لا تتّخِذَنَّ زِيارَتَنا إيَّاكَ فَخرَا علَى قَومِكَ » . قال : لا ؛ يا أمير المؤمنين ، ولكن ذُخرا وأجرا . فقال لَهُ _ عليه السلام _ : « واللّه ِ ، ما كُنتُ عَلِمتُكَ إلاّ خَفيفَ المَؤونَةِ، كثيرَ المَعونَةِ » . فقال صَعْصَعَة : وأنت واللّه ِ ، يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ما عَلِمتُكَ إلاّ أنَّكَ باللّه ِ لَعلِيمٌ ، وإنَّ اللّه َ في عَينِكَ لَعظِيمٌ ، وأنَّك في كتابِ اللّه ِ لَعلِيٌّ حكيمٌ ، وأنَّك بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ (32) . ولمَّا ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين عليه السلام ، جاء صَعْصَعَة عائدا ، فلم يكن له عليه إذنٌ ، فقال صَعْصَعَةُ للآذِنِ : قل له: يَرحَمُكَ اللّه ُ يا أميرَ المُؤمِنين َ ، حيّا وميّتا ، فواللّه ، لقد كانَ اللّه ُ في صَدرِكَ عَظِيما ، ولَقد كُنتَ بِذاتِ اللّه ِ علِيما ، فأبلَغَهُ الآذِنُ مقالة صَعْصَعَة ، فقال له عليٌّ عليه السلام : قُل لَه: وأنتَ يَرحَمُكَ اللّه ُ ، فَلَقد كُنتَ خَفيفَ المَؤونَةِ ، كثيرَ المَعونَةِ (33) . ( قال الرَّاوي : ) ولمَّا اُلحد أمير المؤمنين عليه السلام ، وقف صَعْصَعَة بن صُوحان العبدي رضى الله عنهعلى القبر ، ووضع إحدى يديه على فؤاده، والأُخرى قد أخذ بها التُّراب ويضرب به رأسه ، ثُمَّ قال : بأبي أنت وأمّي يا أمير المؤمنين ، ثُمَّ قال : هنيئا لك يا أبا الحسن ، فلقد طاب مَولِدُكَ ، وقَوِيَ صَبرُكَ ، وَعَظُمَ جِهادُكَ ، وظَفَرتَ بِرَأيِكَ ، ورَبِحَت تِجارَتُكَ ، وقَدِمتَ علَى خَالِقِكَ ، فتلقَّاكَ اللّه ُ بِبِشارَتِهِ ، وحفَّتكَ مَلائِكَتُهُ ، واستَقرَرتَ في جِوارِ المُصطَفى ، فأكرمَكَ اللّه ُ بِجِوارهِ ، ولَحِقتَ بِدَرَجةِ أخيكَ المُصطَفى ، وشَرِبتَ بِكأسِهِ الأوفى ، فأسألُ اللّه َ أن يَمُنَّ عَلَينا باقتِفائِنا أَثَرَكَ والعملِ بِسِيرتِكَ ، والموالاةِ لأوليائِكَ ، والمعاداةِ لأعدَائِكَ ، وأن يحشرنا في زُمرةِ أوليائِكَ ، فَقد نِلتَ ما لَم يَنلهُ أحدٌ ، وأدركتَ ما لَم يُدرِكهُ أحَدٌ ، وجاهَدتَ في سبيلِ ربِّكَ _ بَينَ يَدَي أخِيكَ المُصطَفى _ حَقَّ جِهادِهِ ، وقُمتَ بِدينِ اللّه ِ حَقَّ القيامِ ، حَتَّى أقمتَ السُّننَ ، وأبَّرت الفتن (34) ، واستقامَ الإسلامُ ، وانتظَمَ الإيمانُ ، فَعَليكَ منِّي أفضلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ ، بِكَ اشتدَّ ظهرُ المُؤمِنينَ ، واتَّضحت أعلامُ السُّبُلِ ، واُقيمَت السُّنَنُ ، وما جُمِعَ لأَحَدٍ مَناقِبُكَ وخِصالُكَ ، سَبقتَ إلى إجابةِ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله مُقدِّما مُؤثِرا ، وسارَعتَ إلى نُصرَتِهِ ، ووقَيتَهُ بِنَفسِكَ ، ورَمَيتَ سَيفَكَ ذا الفقارِ في مواطن الخوفِ والحذرِ ، قَصَمَ اللّه ُ بِكَ كُلَّ جَبَّارٍ عَنيد ، ودلَّ بِكَ كُلَّ ذي بأسٍ شَدِيد ، وهدمَ بِكَ حُصونَ أهلِ الشِّرك ِ والكفر والعدوان والرّدى ، وقَتَلَ بِكَ أهلَ الضَّلال ِ مِنَ العِدى ، فهنيئا لَكَ يا أمِيرَ المُؤمِنين َ ، كنت أقرب النَّاس من رسول اللّه صلى الله عليه و آله قربا ، وأوَّلهم سلما ، وأكثرهم علما وفهما ، فهنيئا لك يا أبا الحسن ، لقد شرَّفَ اللّه ُ مَقامَكَ ، وكُنتَ أقربَ النَّاسِ إلى رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله نَسَبا ، وأوَّلَهُم إسلاما ، وأوفاهُم يَقينا وأشدَّهُم قلبا ، وأبذَلَهُم لِنَفسِهِ مُجاهِدا ، وأعظمَهُم في الخير نصيبا ، فلا حرمنا اللّه ُ أجرَك ، ولا أذلَّنا بَعدَكَ ، فواللّه ، لقد كانت حياتُكَ مَفاتِحَ للخَيرِ ومغالق للشّر ، وإنَّ يومك هذا مفتاح كُلِّ شرٍّ ومِغلاقُ كُلِّ خَيرٍ ، ولَو أنَّ النَّاسَ قَبِلوا مِنكَ لأَكَلوا مِن فَوقِهِم ومِن تحتِ أرجُلِهم ، ولكنَّهم آثروا الدُّنيا على الآخرة . ثُمَّ بكى بكاءا شديدا ، وأبكى كُلَّ مَن كان معه . . . (35) عن عاصم بن أبي النجود ، عمَّن شهد ذلك : أنَّ معاوية حين قدم الكوفة ، دخل عليه رجال من أصحاب عليّ عليه السلام ، وكان الحسن عليه السلام قد أخذ الأمان لرجال منهم، مُسَمَّينَ بأسمائهم وأسماءِ آبائهم ، وكان فيهم صَعْصَعَة . فلمَّا دخل عليه صَعْصَعَة ، قال معاوية لصَعْصَعَة : أما واللّه ، أنِّي كنت لأبغض أن تدخل في أماني ، قال : وأنا واللّه ِ ، أبغض أن أسمّيك بهذا الإسم ، ثُمَّ سلّم عليه بالخلافة . قال : فقال معاوية : إن كُنتَ صادِقا فاصعد المنبر فالعن عليّا . قال : فصعد المنبر ، وحمد اللّه وأثنى عليه ، ثُمَّ قال : أيُّها النَّاسُ، أتيتُكُم مِن عِندِ رَجُلٍ قَدَّمَ شرَّهُ ، وأخَّرَ خَيرهُ ، وأنَّهُ أمرني أن ألعَنَ عليّا ، فالعنوهُ لعنهُ اللّه ُ ، فضجَّ أهلُ المسجِدِ بِآمين . فلَمَّا رجع إليه فأخبَرهُ بما قال ، قال : لا واللّه ِ ، ما عَنيتَ غيري ، ارجع حَتَّى تسمّيه باسمِهِ . فرجع وصعد المنبر ، ثُمَّ قال : أيُّها النَّاس ، إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ أمرني أن ألعن عليّ بن أبي طالب ، فالعنوا من لعن عليّ بن أبي طالب . قال : فضجّوا بآمين . قال : فلمَّا خبر معاوية ، قال : لا واللّه ، ما عنى غيري ، أخرِجوه، لا يُساكِنُني في بلد ، فأخرَجوه (36) . ذكر العَلائِي ُّ في أخبار زياد : أنَّ المُغِيْرَة َ نفى صَعْصَعَة _ بأمر معاوية _ من الكوفة إلى الجزيرة ، أو إلى البحرين ، وقيل: إلى جزيرةِ ابن كافان ، فمات بها (37) . روى سِبط ابن الجوزِي ّ مسندا عن عَمْرو بن يَحْيَى ، قال : مرَّ صَعْصَعَة على المُغِيرَة ِ ، فقال له : من أين أقبلت ؟ قال : من عند الوليّ التَّقيّ، الجواد الحييّ، الحليم الوفيّ، الكريم الخفيّ ، المانع بسيفه ، الجوادِ بكفّهِ ، الوريّ زَندُه ، الكثير رِفدُه ، الَّذي هو من ضئضئي (38) أشرافٍ أمجادٍ ليوثٍ أنجادٍ ، ليس بأقعادٍ (39) ولا أنكادٍ (40) ، ليس في أمره بِوَغدٍ ، ولا في قوله فَنَدٌ ، ليس بالطائش النّزق ، ولا بالرَّائث (41) المَذِق (42) ، كريم الآباء ، شريف الأبناء ، حسن البلاء ، ثاقب السَّناء ، مُجرّبٌ مَشهورٌ ، وشجاعٌ مَذكورٌ ، زاهدٌ في الدُّنيا راغبٌ في الأُخرى . فقال المُغِيرَة ُ : هذه صفات الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام (43) . وقال صَعْصَعَة أيضا _ في مدح عليّ عليه السلام _ : كان فينا كأحدنا ، لِينَ جانِبٍ ، وشدَّةَ تواضُعٍ ، وسهولَةَ قِيادٍ ، وكُنَّا نَهابُهُ مَهابَةَ الأسيرِ المَربوطِ ، للسيَّافِ الواقفِ على رأسِهِ (44) . [ أقول: هؤلاء أبناء صُوحان _ رضوان اللّه ِ عليهم _ كلّهم خطباءُ ، فصحاءُ ، علماءُ، أبرار أتقياء ، وهم كما قال عَقِيل _ على رواية المسعودي _ ] قال معاوية لعَقِيل : وإنَّما أردتُ أن أسألَكَ عَن أصحابِ عَلِي ٍّ ، فإنَّكَ ذو مَعرفَةٍ بهم . فقال عَقِيل : سل عمَّا بدا لك . فقال : ميِّز لي أصحاب عليّ ، وابدأ بآل صُوْحَان ؛ فإنَّهم مخاريق الكلام 45 . قال : أمَّا صَعْصَعَة ، فعظيم الشَّأن ، عضب اللِّسان ، قائد فرسان ، قاتل أقران ، يرتق ما فتق ، ويفتق ما رتق ، قليل النَّظير . وأمَّا زَيْد وعبد اللّه ، فإنَّهما نهران جاريان ، يصب فيهما الخُلْجان ، ويغاث بهما البلدان ، رَجُلاَ جِدٍّ لا لَعِبَ معهُ ، وبنو صُوحان كما قال الشّاعر : إذا نَزَلَ العَدُوُّ فَإنَّ عِنديأُسودا تَخلِسُ الأُسْدَ النُّفوسا فاتَّصل كلام عَقِيل بصَعْصَعَة فكتب إليه : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم ؛ ذكْرُ اللّه أكبرُ ، وبِهِ يَستَفتِحُ المُستَفتِحونَ ، وأنتم مفاتيح الدُّنيا والآخرة ؛ أمَّا بعدُ ، فقد بلغ مولاكَ كلامُكَ لِعدوِّ اللّه وعدوِّ رسوله ، فحمدْتُ اللّه على ذلك ، وسألته أن يفيء بك إلى الدَّرجة العليا ، والقضيب الأحمر ، والعمود الأسْوَد ، فإنَّه عمودٌ مَن فارقه فارق الدِّين الأزهر ، ولئن نزعَتْ بك نفسك إلى معاوية طلبا لما له ، إنَّك لذو علم بجميع خصاله ، فاحذر أن تعلق بِكَ نارُه، فيضلّك عن الحجَّة ، فإنَّ اللّه َ قد رفَعَ عَنكُم _ أهلَ البيتِ _ ما وضَعَهُ في غَيرِكُم ، فما كان من فضلٍ أو إحسانٍ، فَبِكُم وَصَل إلينا ، فأجَلَّ اللّه ُ أقدارَكُم ، وحَمَى أخطاركم ، وكتب آثارَكم ، فإنَّ أقدارَكُم مَرضِيَّةٌ ، وأخطارَكم مَحمِيَّةٌ ، وآثارَكُم بَدْرِيَّةٌ ، وأنتم سلِمُ اللّه ِ إلى خَلقِهِ ، ووسيلَتُهُ إلى طُرُقِهِ ، وأيْدٍ عَلِيَّةٌ ، ووجُوهٌ جَلِيَّةٌ ، وأنتم كما قال الشَّاعر : فما كانَ مِن خَيرٍ أَتَوهُ فَإنَّماتَوَارَثَهُ آباءُ آبائِهِم قَبْلُ وهَل يُنبِتُ الخطِّيُّ إلاّ وشِيجَةًوتُغْرَسُ إلاّ في مَنابِتِها النَّخلُ . . . (45) ومن شعر صَعْصَعَة : هَلاّ سَألتَ بَني الجارود: أيُّ فَتَىًعِندَ الشَّفاعة والبابِ ابنُ صُوحانا كُنَّا وكانوا كَأُمٍّ أرضَعَت وَلَداعُقَّت ولَم تُجزَ بالإحسانِ إحسانا وقوله يرثي عليّ بن أبي طالب عليه السلام : ألا مَنْ لِي بِاُنسِكَ يا أُخَيَّا ؟ومَنْ لِي أنْ أبُثَّكَ ما لَدَيّا ؟ طَوَتكَ خُطوبُ دَهرٍ قَد تَوالىلِذاكَ خُطُوبُهُ نَشرا وَطَيّا فَلَو نَشَرَت قُواكَ لِيَ المَناياشَكَوتُ إليكَ ما صَنَعَت إليّا بَكَيتُكَ يا عَلِيُ بِدُرِّ عَينِيفَلَم يُغنِ البُكاءُ عَلَيكَ شَيّا كَفى حُزنا بِدَفنِكَ ثُمَّ إنِّينَفَضتُ تُرابَ قَبرِكَ مِن يَدَيّا وكانَت في حَياتِكَ لي عظاتٌوأنتَ اليومَ أوعَظُ مِنكَ حَيّا فيا أسفي عَلَيكَ وطُولَ شَوقيألا لَو أنَّ ذلِكَ رَدَّ شَيّا وقوله يرثيه أيضا : هَل خَبَّرَ القبرُ سائِليهِأم قَرَّ عَينا بِزائِريهِ أَم هَل تُراهُ أحاطَ عِلما ؟بِالجَسَدِ المُستَكِنِّ فيهِ لَو عَلِمَ القَبرُ مَنْ يُوارِيتاهَ علَى كُلِّ مَن يَلِيهِ يا مَوتُ ماذا أَرَدتَ مِنِّيحَقَّقتَ ما كُنتُ اتَّقيهِ يا مَوتُ لَو تَقبَلُ افتداءًلَكُنتُ بالرُّوحِ افتَديهِ دَهرٌ رَماني بِفَقدِ إلفيأذمُّ دَهري وأشتَكيهِ (46) [ والَّذي يظهر لمن يتتبّع كتاب «الغارات » وكتاب «وقعة صفِّين » ، أنَّ صَعْصَعَة هو أحد رواة وقعة صفِّين ، وغيرها من الحوادث في عصر عليّ عليه السلام . وقال في التَّنقيح : وهو ] صعصعة ] الَّذي روى عهد عليّ عليه السلام ، لمالك بن الحارث الأشْتَر رضوانُ اللّه ِ عليه . وصَعْصَعَة : بصادين مُهمَلَتَينِ مفتوحتين، بعد كُلِّ صاد عينٌ مُهمَلَةٌ ، أُولاهما ساكنة والثَّانية مفتوحة] . وكان صَعْصَعَة من شهود وصيَّته صلوات اللّه عليه، في أمواله وصدقاته . (47) ولمّا بويع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه بالخلافة، قام صَعْصَعَة بن صُوحان فقال : واللّه _ يا أمير المؤمنين _ لقد زيَّنتَ الخِلافَةَ وما زَانَتكَ ، ورَفَعتَها وما رَفَعَتكَ ، ولَهِيَ إليكَ أحوَجُ مِنكَ إليها (48) . وكان صَعْصَعَة رسول أمير المؤمنين عليه السلام إلى طَلْحَة والزُّبَيْر . وكان من كبار أصحاب الإمام عليّ عليه السلام (49) ، ومن الَّذين عرفوه حقّ معرفته، كما هو حقّه (50) . قال عنه الجاحظ في البيان والتبيين : وإنّما أردنا بهذا . . . . . الدلالة على تقديم صعصعة بن صوحان في الخطب، وأدلُّ من كلّ دلالة، استنطاقُ عليّ بن أبي طالب عليه السلام له (51) . أثنى عليه أصحاب التَّراجم بقولهم : كان شريفا ، أميرا ، فصيحا ، مفوّها ، خطيبا ، لسنا ، ديّنا ، فاضلاً (52) . وعندما ثار الناس على عثمان ، واتّفقوا على خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، قام هذا الرَّجل الَّذي كان عميق الفكر ، قليل المثيل في معرفة عظمة عليٍّ عليه السلام _ وكان خطيبا مصقعا _ فعبّر عن اعتقاده الصَّريح الرَّائع بإمامه . وعندما أشعل موقدو الفتنة فتيل الحرب على أمير المؤمنين عليه السلام في الجمل ، كان إلى جانب الإمام عليه السلام ، وراوي وقائع صفِّين (53) . وكذلك وقف إلى جانبه عليه السلام في حرب النَّهروان ، واحتجّ على الخوارج بأحقّيّة إمامه وثباته (54) . وجعله الإمام عليه السلام شاهدا على وصيّته (55) ، فسجّل بذلك فخرا عظيما لهذا الرَّجل . ونطق صَعْصَعَة بفضائل الإمام ومناقبه، أمام معاوية وأجلاف بني اُميّة مرارا ، وكان يُنشد ملحمة عظمته أمام عيونهم المحملقة ، ويكشف عن قبائح معاوية ومثالبه بلا وجَل (56) . وكم أراد منه معاوية أن يطعن في عليّ عليه السلام ، لكنّه لم يلقَ إلاّ الخزي والفضيحة ، إذ جُوبِه بخطبه البليغة الأخّاذة (57) . آمنه معاوية _ مكرها _ بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام ، وصلح الإمام الحسن عليه السلا (58) ، فاستثمر صَعْصَعَة هذه الفرصة ضدّ معاوية . وكان معاوية دائم الامتعاض من بيان صَعْصَعَة الفصيح المعبّر، وتعابيره الجميلة في وصف فضائل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم يخفِ هذا الامتعاض (59) . توفّي صَعْصَعَة أيّام حكومة معاوية (60) . في الأمالي للطوسيّ عن صَعْصَعَة بن صُوحان : دخلت على عثمان بن عفّان في نفر من المصريّين ، فقال عثمان : قدّموا رجلاً منكم يكلّمني ، فقدّموني ، فقال عثمان : هذا !؟ وكأنّه استحدثني . فقلت له : إنّ العلمَ لو كان بالسنِّ، لم يكن لي ولا لَكَ فيهِ سَهمٌ ، ولكنَّهُ بالتَّعلُّم . فقال عثمان : هاتِ . فقلت : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم « الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِى الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَ ءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَ لِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ » (61) . فقال عثمان : فينا نزلت هذه الآية . فقلت له : فَمُر بالمعروف وانْهَ عن المنكر . فقال عثمان : دع هذا، وهات ما معك . فقلت له : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم « الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ » (62) إلى آخر الآية . فقال عثمان : وهذه أيضا نزلت فينا ، فقلت له : فأعطنا بما أخذت من اللّه . فقال عثمان : يا أيُّها النَّاس ، عليكم بالسمع والطَّاعة ، فإنَّ يدُ اللّه على الجماعة، وإنّ الشَّيطان مع الفذّ (63) ، فلا تستمعوا إلى قول هذا ، وإنّ هذا، لا يدري مَن اللّه ، ولا أين اللّه . فقلت له : أمّا قولك : عليكم بالسَّمع والطَّاعة » ، فإنّك تريد منّا أن نقول غدا : « رَبَّنَآ إِنَّ_آ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَ كُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ » (64) ، وأمّا قولك : أنا لا أدري مَنِ اللّه ُ ، فإنَّ اللّه َ ربُّنا وربُّ آبائِنا الأوّلينَ ، وأمّا قولك : إنّيلا أدري أينَ اللّه ُ ، فإنَّ اللّه تَعالى بالمِرصادِ . قال : فغضب وأمر بصرفنا وغلّق الأبوابَ دُونَنا (65) . وفي ديوان المعاني عن محمّد بن عباد : تكلّم صَعْصَعَة عند معاوية بكلام أحسن فيه، فحسده عَمْرو بن العاص ، فقال : هذا بالتَّمرِ أبصرُ مِنهُ بالكلامِ ! قال صَعْصَعَة : أجل ! أجودُهُ ما دَقَّ نَواهُ، ورَقَّ سَحاؤُه (66) وعَظُمَ لِحاؤهُ (67) ، والرِّيحُ تنفِجُهُ (68) ، والشَّمسُ تُنضِجُهُ، والبرد يَدمِجُهُ ، ولكنّك يابن العاص لا تمرا تَصِفُ، ولا الخيرَ تَعرِفُ ، بل تَحسِدُ فَتُقرِفُ . فقال معاوية ( لعمرو ) : رغما ! فقال عمرو : أضعافُ الرَّغمِ لَكَ ! وما بي إلاّ بعضَ ما بِكَ (69) . وفي تاريخ الطبريّ عن الشَّعْبيّ _ في ذكر قيام الكوفيّين على سعيد بن العاص _ : . . . . فكتب سعيد إلى عثمان يخبره بذلك ويقول : إنّ رهطا من أهل الكوفة _ سمّاهم له عشرة _ يؤلّبون ويجتمعون على عيبك وعيبي، والطَّعن في ديننا ، وقد خشيت إن ثبت أمرهم أن يكثروا . فكتب عثمان إلى سعيد أن : سيّرهم إلى معاوية _ ومعاوية يومئذٍ على الشَّام _ . فسيّرهم _ وهم تسعة نفر _ إلى معاوية ، فيهم : مالك الأشْتَر ، وثابت بن قَيْس بن مُنقع ، وكُمَيْل بن زياد النَّخَعيّ ، وصَعْصَعَة بن صُوحان . . . . (70) وفي العقد الفريد : دخل صَعْصَعَة بن صُوحان على معاوية ، ومعه عَمْرو بن العاص ، جالس على سريره ، فقال : وسّع له على ترابيّة فيه . فقال صَعْصَعَة : إنّي واللّه لترابيّ ، منه خلقت وإليه أعود ، ومنه اُبعث ، وإنّك لمارج (71) من مارج من نار (72) . وفي تاريخ الطبري عن مُرَّة بن مُنْقذ بن النُّعْمان _ في ذكر خروج الخوارج في زمن معاوية ، وسعي المُغِيْرَة لتعيين قائد الجند _ : لقد كان صَعْصَعَة بن صُوحان قام بعد مَعْقِل بن قَيْس ، وقال : ابعثني إليهم أيُّها الأمير ، فأنا واللّه ، لدمائهم مستحلّ ، وبحملها مستقلّ . فقال : اجلس ، فإنّما أنت خطيب . فكان أحفظه ذلك ، وإنّما قال ذلك؛ لأ نّه بلغه أنّه يعيب عثمان بن عفّان ، ويُكثر ذكر عليّ ويفضّله ، وقد كان دعاه ، فقال : إيّاك أن يبلغني عنك أنّك تُعيب عثمان عند أحد من النَّاس ، وإيّاك أن يبلغني عنك أنّك تُظهر شيئا من فضل عليّ علانية ، فإنّك لست بذاكر من فضل عليّ شيئا أجهله ، بل أنا أعلم بذلك ، ولكنّ هذا السُّلطان قد ظهر ، وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس ، فنحن ندع كثيرا ممّا اُمرنا به ، ونذكر الشَّيء الَّذي لا نجد منه بدّا ، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقيّةً ، فإن كنت ذاكرا فضله، فاذكره بينك وبين أصحابك، وفي منازلكم سرّا ، وأمّا علانيةً في المسجد ، فإنّ هذا لا يحتمله الخليفة لنا ، ولا يعذرنا به . فكان يقول له : نعم أفعل ، ثمّ يبلُغه أنّه قد عاد إلى ما نهاه عنه ، فلمّا قام إليه، وقال له : ابعثني إليهم ، وجد المُغِيْرَة َ قد حقد عليه، لخلافه إيّاه ، فقال : اجلس ، فإنّما أنت خطيب ، فَأحفَظَهُ . فقال له : أ وَما أنا إلاّ خطيب فقط ؟ ! أجل واللّه ، إنّي للخطيب الصَّليب الرَّئيس ، أما واللّه ِ ، لو شهدتني تحت راية عبد القيس يوم الجمل ، حيث اختلفت القنا ، فشؤون (73) تُفرى ، وهامة تُختلى ، لعلمتَ أنّي أنا اللَّيث الهِزبر . فقال : حسبك الآن ، لعمري لقد اُوتيت لسانا فصيحا (74) . وفي مروج الذَّهب : وفد عليه ( أي معاوية ) عَقِيلُ بن أبي طالب منتجعا وزائرا ، فرحّب به معاوية ، وسرّ بوروده ، لاختياره إيّاه على أخيه ، وأوسعه حلما واحتمالاً ، فقال له : يا أبا يزيد ، كيف تركت عليّا ؟ ! فقال : تركته على ما يحبّ اللّه ورسوله، وألفيتُكَ على ما يكره اللّه ورسوله . فقال له معاوية : لولا أنّك زائر، منتجع جنابنا، لرددت عليك أبا يزيد جوابا تألم منه ، ثمّ أحبّ معاوية أن يقطع كلامه، مخافة أن يأتي بشيء يخفضه ، فوثب عن مجلسه ، وأمر له بنزل (75) ، وحمل إليه مالاً عظيما ، فلما كان من غد جلس، وأرسل إليه فأتاه ، فقال له : يا أبا يزيد ، كيف تركت عليّا أخاك ؟ ! قال : تركته خيرا لنفسه منك ، وأنت خير لي منه . فقال له معاوية : أنت واللّه ، كما قال الشَّاعر : وإذا عَدَدتَ فَخارَ آلِ مُحرِّقٍفالمجدُ مِنهم في بَنِي عَتَّابِ فمحلّ المجد من بني هاشم منوط فيك يا أبا يزيد ، ما تغيّرك الأيام واللَّيالي . فقال عَقِيل : اصبِر لِحَربٍ أنتَ جانِيهالابُدّ أن تَصلَى بِحامِيها وأنت واللّه ، يا بن أبي سُفْيَان كما قال الآخر : وإذا هوازِنُ أقبلَت بِفَخارِهايوما فَخَرتُهُمُ بآلِ مُجاشِعِ بِالحامِلينَ علَى المَوالي غُرمَهُموالضَّارِبينَ الهامَ يَومَ الفازِعِ ولكن أنت يا معاوية ، إذا افتخرت بنو أمية فبمن تفخر ؟ فقال معاوية : عزمت عليك _ أبا يزيد _ لمَّا أمسكت ، فإنّي لم أجلس لهذا ، وإنّما أردت أن أسألك عن أصحاب عليّ ؛ فإنّك ذو معرفة بهم . فقال عَقِيل : سَل عمّا بدا لَكَ . فقال : ميّز لي أصحاب عليّ ، وابدأ بآل صوحان ، فإنَّهُم مخاريِقُ الكَلامِ . . . (76) .

.


1- . راجع : الاستيعاب : ج2 ص273 الرقم 1216 ، أسد الغابة : ج3 ص21 ، الإصابة : ج3 ص348 ، تهذيب التهذيب : ج2 ص546 ؛ تنقيح المقال : ج2 ص98 ، أعيان الشيعة : ج7 ص387 _ 388 .
2- . راجع : قاموس الرجال : ج 5 ص 492 ، تنقيح المقال : ج 2 ص 99 ، معجم رجال الحديث : ج 2 ص 104 _ 105 .
3- . الغارات : ج2 ص888 _ 891 ( التعليقة 60 ) ، رجال الكشّي : ج1 ص68 الرقم122 ، تنقيح المقال : ج2 ص99 ، سفينة البحار : ج5 ص106 .
4- . راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج20 ص226 .
5- . راجع : الاستيعاب : ج2 ص273 الرقم1216 ، أسد الغابة : ج3 ص21 ، الإصابة : ج3 ص348 ، تهذيب التهذيب : ج2 ص546 ؛ الغارات : ج2 ص887 ( التعليقة 60 ) .
6- . البيان والتبيين : ج1 ص96 _ 97 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص221 ؛ الغارات : ج2 ص887 ( التعليقة 60 ) ، سفينة البحار : ج5 ص110 . وراجع : بحار الأنوار : ج41 ص147 .
7- . البيان والتبيين : ج1 ص327 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص298 ؛ قاموس الرجال : ج5 ص495 .
8- . راجع : الغارات : ج2 ص890 _ 891 ( التعليقة 524 ) ؛ سفينة البحار : ج5 ص107 .
9- . أسد الغابة : ج3 ص21 الرقم 2505 ، الاستيعاب : ج2 ص273 ، تهذيب التهذيب : ج2 ص546 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص 221 ، تهذيب الكمال : ج13 ص169 ؛ تنقيح المقال : ج2 ص99 ، قاموس الرجال : ج5 ص495 ، الغدير :ص9 ص 69 _ 70 .
10- . الصَّأْصَأُ: الفزع الشديد. (لسان العرب: ج 1 ص 107).
11- . الغدير : ج9 ص30 _ 35 .
12- . مروج الذَّهب : ج3 ص50 ؛ الغدير : ج10 ص175 .
13- . راجع : الأمالي للطوسي : ص5 ح4 ، رجال الكشّي :ج1 ص69 ، الغارات : ج2 ص888 ( التعليقة 60 ) ، الاختصاص : ص64 _ 65 ، وقعة صفين : ص160 _ 161 ، الغدير :ج10ص48 _ 247 _ 248 ، أعيان الشيعة : ج7 ص 388 ، قاموس الرجال : ج5 ص494 ، بحار الأنوار : ج44 ص123 ح 14 وص132 ح 21 وج 33 ص244 ح 521 ؛ مروج الذَّهب : ج3 ص51 _ 52 ، تاريخ الطبري : ج4 ص571 _ 572 ، الإصابة : ج3 ص373 ، البيان والتبيين : ج1 ص133 وج2 ص181 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص130 _ 132 وج3 ص318 _ 319 .
14- . راجع : الغدير : ج9 ص211 ، أعيان الشيعة : ج7 ص388 ، سفينة البحار : ج5 ص106 ، قاموس الرجال : ج5 ص496 .
15- . أسد الغابة : ج3 ص21 الرقم 2505 .
16- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص26 _ 27 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص339 ؛ وقعة صفِّين : ص206 .
17- . الشورى: 53 .
18- . أي : الجماعة .
19- . النَّكس: قلبُ الشيء على رأسه. (لسان العرب: ج 6 ص 241) .
20- . النّجادُ: حمائل السيف [ كناية عن طول قامته ]. (الصحاح: ج 2 ص 543) .
21- . خصيبا: الرجل إذا كان كثير خير المنزل، يقال: إنّه خصيب الرّجل. (لسان العرب: ج 1 ص 356) .
22- . الخِضرِمُ _ بالكسر _ : الجواد الكثير العطيّة. (لسان العرب: ج 12 ص 185) .
23- . مروج الذَّهب : ج3 ص47 _ 49 ؛ مواقف الشيعة : ج1 ص252 .
24- . مروج الذَّهب : ج3 ص52 ؛ الغدير : ج8 ص487 ، مواقف الشيعة : ج1 ص256 .
25- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص318 _ 319 ، تهذيب التهذيب : ج2 ص546 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص364 _ 365 ، تهذيب الكمال : ج13 ص168 ؛ وقعة صفِّين :ص160 _ 162 ، تنقيح المقال : ج2 ص99 .
26- . راجع : الكامل في التاريخ : ج2 ص460 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص278 ؛ وقعة صفِّين : ص206 ، أعيان الشيعة : ج7 ص388 ؛ العِقد الفريد : ج3 ص345 .
27- . يطأ صماخها بأخمصه : الأخمص من باطن القدم ما لم يبلغ الأرض ، وهو كناية عن الاستيلاء على الحرب وإذلال أهلها .
28- . وردت في المصدر: «وحسّان الأعدِّ المقيم»، وما أثبتناه من البحار، وهو الصحيح.
29- . أي الأعضاء .
30- . الإختصاص : ص121 _ 122 ، بحار الأنوار : ج33 ص401 ح624 ، قاموس الرجال : ج5 ص498 .
31- . رجال الكشّي : ج1 ص284 الرقم121 ، الغارات : ج2 ص888 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج2 ص212 ح19 ، قرب الإسناد : ص378 ح1333 كلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ج42 ص145 ح3 .
32- . الغارات : ج2 ص893 ، تأويل الآيات الظاهرة : ج2 ص553 الرقم4 ، بحار الأنوار :ج23 ص211 ح19 .
33- . مقاتل الطالبين : ص50 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص119 ؛ الغارات : ج2 ص892 ( التعليقة 60 ) ، بحار الأنوار : ج42 ص234 ، سفينة البحار : ج5 ص109 ، أعيان الشيعة : ج7 ص388 .
34- . أبَّرَ الأثَرَ: عفّى عليه التراب، والتّأبير: التعفية ومحو الأثر. (لسان العرب: ج 4 ص 5) .
35- . بحارالأنوار : ج42 ص295 نقلاً عن بعض الكتب القديمة ، سفينة البحار : ج5 ص109 .
36- . رجال الكشّي : ج1 ص285 الرقم123 ، الغارات : ج2 ص888 ، قاموس الرجال : ج5 ص 494 ، تنقيح المقال : ج2 ص99 ، سفينة البحار : ج5 ص107 .
37- . الإصابة : ج3 ص373 الرقم 4150 .
38- . الضئضئيّ: الأصل. (الصحاح: ج 1 ص 60).
39- . الإقعادُ: قِلَّةُ الآباء والأجداد، وهو مذموم. (لسان العرب: ج 3 ص 362).
40- . أنكاد: الأنكد، المشؤوم، وناقة نكداء: لا يعيش لها ولد. (الصحاح: ج 2 ص 545).
41- . الرائث: راثَ عليَّ خبرُكَ يَريثُ ريثا، إذا أبطأ. (الصحاح: ج 1 ص 284).
42- . المَذِق: رجل مَذِقٌ، بَيِّن المِذَاق، ملول. وفي الصحاح: غيرُ مُخلص. (لسان العرب: ج 10 ص 340).
43- . قاموس الرجال : ج5 ص496 الرقم 3679 ؛ تذكرة الخواصّ : ص118 .
44- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص25 .
45- . مروج الذَّهب : ج3 ص46 _ 47 .
46- . أعيان الشيعة : ج7 ص388 .
47- . راجع : رجال النجاشي : ج1 ص448 الرقم540 ، تنقيح المقال : ج2 ص98 ، قاموس الرجال : ج5 ص495 .
48- . راجع : تاريخ اليعقوبي : ج2 ص179 وراجع : أسد الغابة : ج4 ص107 ، تاريخ مدينة دمشق : ج42 ص445 .
49- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص528 الرقم134 .
50- . رجال الكشّي : ج 1 ص285 الرقم 122 .
51- . البيان والتبيين : ج1 ص327 و ص 202 .
52- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص529 الرقم134 ، اُسد الغابة : ج3 ص21 الرقم2505 .
53- . وقعة صفّين : ص457 و ص 480 .
54- . راجع: الاختصاص : ص121 .
55- . الكافي : ج7 ص51 ح7 .
56- . مروج الذهب : ج3 ص50 ، ديوان المعاني : ج2 ص41 .
57- . رجال الكشّي : ج 1 ص285 الرقم 123 .
58- . م رجال الكشّي : ج 1 ص285 الرقم 123 .
59- . رجال الكشّي : ج 1 ص285 الرقم 123 ؛ مروج الذهب : ج3 ص49 و ص 51 .
60- . الطبقات الكبرى : ج6 ص221 ، تاريخ مدينة دمشق : ج24 ص85 ، اُسد الغابة : ج3 ص21 الرقم2505 .
61- . الحجّ : 41 .
62- . الحجّ : 40 .
63- . الفذّ : الواحد . وقد فَذَّ الرجلُ عن أصحابه إذا شَذَّ عنهم وبَقي فَرْدا ( النهاية : ج3 ص422 ) .
64- . الأحزاب : 67 .
65- . الأمالي للطوسي : ص236 ح418 .
66- . أي : قِشرُه ( لسان العرب : ج14 ص372 ) .
67- . اللحاء : هو ما كسا النواةَ ( لسان العرب : ج15 ص242 ) .
68- . نفجت الشيء : أي عظّمته ( مجمع البحرين : ج3 ص1808 ) .
69- . ديوان المعانى¨ : ج2 ص41 ؛ قاموس الرجال : ج5 ص497 .
70- . تاريخ الطبري: ج 4 ص 323 وراجع تاريخ مدينة دمشق: ج 24 ص 92 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2 ص 131 والبداية والنهاية: ج 7 ص 165.
71- . المارج : اللَّهب المختلط بسواد النَّار . ( لسان العرب : ج2 ص365 )
72- . العقد الفريد : ج3 ص355 .
73- . الشَّأنُ : واحِدُ الشُّؤون ، وهي مَواصِل قبائل الرأس ومُلْتَقاها ، ومنها تجيءُ الدُّموع (مجمع البحرين : ج 2 ص 922 ) .
74- . تاريخ الطبري : ج5 ص188 .
75- . النَّزل: ماهُيِّئ للضيف إذا نزلَ عليه. (لسان العرب: ج 11 ص 658).
76- . مروج الذهب : ج3 ص46 .

ص: 143

. .

ص: 144

. .

ص: 145

. .

ص: 146

. .

ص: 147

. .

ص: 148

. .

ص: 149

. .

ص: 150

. .

ص: 151

. .

ص: 152

. .

ص: 153

. .

ص: 154

. .

ص: 155

. .

ص: 156

. .

ص: 157

. .

ص: 158

. .

ص: 159

. .

ص: 160

. .

ص: 161

. .

ص: 162

. .

ص: 163

. .

ص: 164

. .

ص: 165

. .

ص: 166

. .

ص: 167

ثابت بن قيس

ثَابِتُ بنُ قَيْس ٍثابت بن قَيْس بن الخَطيم الأنصاريّ الظَّفَرِيّ . أحد الصَّحابة . كان مع النَّبيّ صلى الله عليه و آله في اُحد (1) ، ويقال : إنّه جُرح فيها اثنتي عشرةَ جراحة (2) ، وسمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الحاسر . واشترك في الغزوات الَّتي تلتها أيضا (3) ، وكان ثابت الخُطى ، شديد النَّفس (4) . عندما ثار النَّاس على عثمان ، واستدعى ولاته على الأمصار إلى المدينة للمشورة ، استخلف سعيد بن العاص _ والي الكوفة _ يومئذٍ ثابتا عليها (5) . وذكر المؤرّخون أنّ الإمام عليّا عليه السلام ولاّه على المَدائِن (6) . وكان معاوية يهابه (7) . وظلّ على المَدائِن _ إلى أن استعمل معاوية المُغِيرَة على الكوفة ، فعزله (8) . كان ثابت مع الإمام عليه السلام في حروبه الثّلاث (9) . في تاريخ بغداد _ في ذِكر ثابت بن قَيْس بن الخطيم _ : شهد مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله اُحد ا والمشاهد بعدها . ويقال : إنّه جُرح يوم اُحد اثنتي عشرة جراحة . وعاش إلى خلافة معاوية ، واستعمله عليّ بن أبي طالب على المَدائِن (10) . وفي اُسد الغابة : شهد ثابت مع عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه الجمل وصفِّين والنَّهروان (11) . وفي تاريخ بغداد عن عبد اللّه بن عَمَّارة بن القداح : كان ثابت بن قَيْس بن الخطيم شديد النَّفس ، وكان له بلاء مع عليّ بن أبي طالب ، واستعمله عليّ بن أبي طالب على المَدائِن ، فلم يزل عليها حتَّى قدم المُغِيْرَة بن شُعْبَة الكوفة ، وكان معاوية يتّقي مكانه (12) .

.


1- . تاريخ بغداد : ج 1 ص175 الرقم15 .
2- . تاريخ بغداد : ج 1 ص175 الرقم15 ، الإصابة : ج 1 ص510 الرقم904 .
3- . الإصابة : ج 1 ص510 الرقم904 .
4- . تاريخ بغداد : ج 1 ص176 الرقم15 .
5- . الإصابة : ج 1 ص509 الرقم904 .
6- . تاريخ بغداد : ج 1 ص175 الرقم15 ، الإصابة : ج 1 ص510 الرقم904 .
7- . تاريخ بغداد : ج 1 ص176 الرقم15 .
8- . تاريخ بغداد : ج 1 ص176 الرقم15 ، الإصابة : ج 1 ص510 الرقم904 .
9- . اُسد الغابة : ج 1 ص450 الرقم568 .
10- . تاريخ بغداد : ج 1 ص175 الرقم15 .
11- . اُسد الغابة : ج 1 ص450 الرقم568 .
12- . تاريخ بغداد : ج 1 ص176 الرقم15 .

ص: 168

. .

ص: 169

علباء بن الهيثم السّدوسيّ من ربيعة

عِلْباء بن الهَيْثَم السّدوسي ّ من رَبِيعةبكسرِ أوَّلهِ وسُكونِ اللاّمِ بَعدَها مُوَحَّدَةً ، [ أي: بكسر العين المهملة، واللام السَّاكنة، والباء الموحَّدَة المفتوحة، والألف والهمزة . قال في القاموس : وعلبا بالكسر ممدودا اسم رجل ] ، أدرك عِلْباء الجاهليَّة والإسلام ، وشهد الفتوح في عهد عمر ، ثُمَّ شهد الجمل فاستشهد بها . (1) عن الأصمعي : حدَّثني شيخ في مجلس أبي عَمْرو بن العلاء ، أنَّ أهل الكوفة أوفدوا عِلْباء بن الهَيْثم السّدوسي ّ إلى عمر ، فرأى هيئةً رَثَّة ، فلمَّا تكلَّم في حاجته أحسن ؛ فقال : لكلّ أناس في جَملهم خَير . (2) ] والمعنى : أنَّ خبره فوق منظره ] . كان عِلْباء من الَّذِين ثاروا على عثمان حَتَّى قتلوه (3) . إنَّ عليَّا عليه السلام قال : « مَن يَحمِلُ علَى الجَمَلِ ؟ » ، فانتدب له هند بن عَمْرو الجَمَليّ المرادي ّ ، فاعترضه عَمَّار بن يثربي ّ ، فقتله . ثُمَّ حمل عِلْباء بن الهَيْثم فاعترضه ابن يثربي ّ فقتله . (4) ولكن قال الطَّبريّ : إنَّ عليَّا قال : « مَن رَجُلٌ يَحمِلُ علَى الجَمَلِ ؟ » فحمل هند بن عَمْرو ، ثُمَّ سَيْحانُ بنُ صُوحان ، ثُمَّ عِلْباءُ بن الهَيْثم (5) . وقال ابن عبد ربّه : وقُتل من أصحاب عليّ خمسمئة رجل ، لم يُعرف منهم إلاّ عِلْباءُ بن الهَيْثم ، وهِنْد الجَمَليّ ، قتلهما ابن اليثربي ّ (6) . وقال ابن أعثم : خرج عَمْرو بن يثربي ّ من أصحاب الجمل ، حَتَّى وقف بين الصفّين قريبا من الجمل ، ثُمَّ دعا إلى البراز ، وسأل النِّزال ، فخرج إليه عِلْباء بن الهَيْثم ، من أصحاب عليّ رضى الله عنه ، فشدَّ عليه عمرو ، فقتله (7) . قال ابن أبي الحديد :[ في الجواب عن الطَّعن في سياسة عليّ عليه السلام ، بمفارقة أصحابه إيَّاه ] ، والجواب : إنَّا أوَّلاً ، لا ننكر أن يكون كلُّ مَن رَغب في حطام الدُّنيا ، وزخرفها ، وأحبّ العاجل من ملاذّها وزينتها، يميل إلى معاوية الَّذي يبذُل منها كُلَّ مطلوب ، ويسمَحُ بكلّ مأمولٍ ، ويطعِم خراج مصر عَمْرو بن العاص ، ويضمَن لذي الكِلاع ، وحَبِيب بن مَسْلَمَة َ _ ما يوفي على الرَّجاء والاقتراح . وعليّ عليه السلام ، لا يعدل _ فيما هو أمينٌ عليه من مال المسلمين _ عن قضيّة الشَّريعة ، وحكم الملّة ، حَتَّى يقول خالد بن معمّر السّدوسي ، لعِلْباء بن الهَيْثم _ وهو يحمله على مفارقة عليّ عليه السلام ، واللّحاق بمعاوية _ : اتَّقِ اللّه َ يا عِلْباءُ في عشيرَتِكَ ، وانظر لنفسك ولِرَحِمِكَ، ماذا تؤمِّل عند رجل أردته على أن يزيدَ في عطاء الحسن والحسين دريهماتٍ يسيرةٍ، ريثما يرأبان بها ظَلَفَ عَيشهِما ، فأبى وغضب، فلم يفعل (8) . [ هذه القضية _ إن صحّت _ إنّما تدلّ على عظم إخلاص الَّذين اتَّبعوا عليَّا عليه السلام ، ووازروه ، ونصروه حَتَّى قُتلوا دونه . ومنهم عِلْباء بن الهَيْثم السّدوسي رضى الله عنه . يمكن أن يشكل أحد فيقول : إنَّ عِلْباء مات يوم الجمل ، كما في هذا الكتاب والكتاب المتقدّم ، وهو ما نقله أرباب السّير والتراجم، كما في ترجمته في قاموس الرِّجال ، والطَّبري ّ ، وأنساب الأشراف ، والإصابة ، وابن أبي الحديد (9) . فكيف نصدّق بما دار بين السَّدوسي وبين علباء؟ والحال أنَّ لحوق المنافقين بمعاوية كان بعد وقعة الجمل ، بل بعد وقعة صفِّين ؟ والجواب هو: أنّ لحوق المنافقين بمعاوية ، لم يحدّد بفترة ما بعد الجمل وصفّين ، بل يجد المتتبّعُ أن أهل الدُّنيا وملذّاتها، مضافا إلى الذين كانوا ينصرون عثمان بن عفّان، قد التحقوا بمعاوية من مختلف الأمصار كالمدينة والكوفة والبصرة وغيرها منذ البداية، أي قبل حرب الجمل ، وحتى آخر أيّام حياته، عليه أفضل الصلاة والسلام ] .

.


1- . راجع : الاصابة : ج5 ص104 .
2- . الاصابة : ج5 ص104 الرقم 6465 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج12 ص169 ؛ قاموس الرجال : ج7 ص253 .
3- . تاريخ الطبري : ج4 ص493 .
4- . أعيان الشيعة : ج8 ص149 .
5- . راجع : تاريخ الطبرى : ج4 ص529 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص258 .
6- . العِقد الفريد : ج3 ص324 .
7- . الفتوح : ج2 ص477 .
8- . شرح نهج البلاغة : ج10 ص250 ؛ قاموس الرجال : ج7 ص253 .
9- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص530 _ 531 ، أنساب الأشراف : ج3 ص40 ، الإصابة : ج5 ص104 ، شرح نهج البلاغة : ج1 ص258 ؛ قاموس الرجال : ج7 ص253 .

ص: 170

. .

ص: 171

هند بن عمرو الجمليّ

هِند بن عَمْرو الجَمَلي ّبفتح الجيم ، أدرك الجاهليَّة ، وولاَّه عمر على نصارى بني تَغْلِب سنة سبع عشرة ، وكان قاتلُ هند عبد اللّه بن يثربيّ الضَّبيّ ، وفي ذلك يقول : إن تَقْتُلُوني فأنَا ابن يَثْربيقاتِلْ عليَّا وهِنْد الجَمَليّ (1) وقتل يوم الجمل مع عليّ ، واستدركه ابن فتحون (2) . قال السمعاني : هند بن عَمْرو الجَمَلي ّ ، كان مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام يوم الجمل ، وقتل معه ، قتله ابن يثربي (3) . قال الطَّبريّ : فقال عليّ : « مَن رجُلٌ يَحمِلُ على الجَمَلِ ؟ » فانتدب له هند بن عَمْرو المراديّ ، فاعترضه ابن يثربي ّ ، فاختلفا ضربتين ، فقتله ابن يثربيّ (4) . وعدّ الطَّبري ّ هند ا من رؤساء النافرين من الكوفة إلى حرب الجمل ، قال: فكان رؤساء الجماعة: القعقاعُ بن عمرو ، وسعرُ بنُ مالك ، وهند بن عَمْرو و ... (5) . قال في القاموس : وفي جمل المفيد رحمه الله، والإمامة والسِّياسة : أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام ، استعملَ على ساقَتِه (6) هنْدا المرادي ّ ، ثُمَّ الجَمَلي ّ ، وهو الَّذي قال فيه عُمر : سيّدُ أهل الكوفة ، اسمُه اسمُ امْرأة (7) . وفي معارف ابن قُتَيْبَة أنَّه قتل في صفِّين (8) ، [ وهو خطأ ] . [ و ] لمَّا بعث أمير المؤمنين عليه السلام الحسن عليه السلام إلى الكوفة ، لاستنفار النَّاس إلى الجمل ، فخطبهم وحضّهم على الجهاد . . . فقام هِنْد بن عُمر ، فقال : إنَّ أمير المؤمنين قد دعانا ، وأرسل إلينا رسله حَتَّى جاءنا ابنه ، فاسمعوا إلى قوله ، وانتهوا إلى أمره، وانفروا إلى أميركم، فانظروا معه فيهذا الأمر، وأعينوه برأيكم (9) . أمر عُمر نعيما _ بعد فتح الرَّي ّ _ أن يرسل أخاه سُويد بن مقرّن ، ومعه هند بن عَمْرو الجَمَليّ ، وغيره إلى قومِس . فهو شهِد فتح الرَّي ّ وقومِس . (10) قال البلاذري : وكان هند الجَمَلي ّ يقول وهو يقاتل حَتَّى قتل : أضرِبُهُم جَهدِي بِحَدِّ المُنصَلِوالمَوتُ دُونَ الجَمَلِ المُجَلَّلِ إن تَحمِلوا قُدما عَلَيَّ أَحمِلِ . (11) [ ومهما يكن من أمر، فإنّ حضور هؤلاء الصفوة في حرب الجمل ، تحت راية أمير المؤمنين عليه السلام ، وقتلهم دونه ، دليلٌ على مقامهم المعنوي السَّامي ، وعلى شدّة وعيهم ونضجهم ، هذا مضافا إلى أنَّهم كانوا من رؤساء النَّافرين إليه ، ومن الخُطباء الدَّاعين إليه ، الآمرين بالمعروف والنَّاهين عن المنكر ، الأمر الذي جعله _ صلوات اللّه عليه _ يذكرهم في كتابيه إلى الكوفة والمدينة ، كلُّ ذلك دليل على سُموِّ مقامهم في المجتمع الإسلامي ، وفي كلا المصرين ، حيث خصّهم بالذكر دون سائر الشُّهداء الكِبار ، رحمةُ اللّه ِ عليهِم جميعا ] .

.


1- . كذا ورد في المصدر، وهو خطأ فاحش فحلٌّ باللُّغة والشعر، والصحيح هو كما أثبتهُ ابن الأثير في تاريخه: أنا لِمَن ينكرني ابنُ يثربيقاتلُ علباءَ وهند الجملي
2- . الإصابة : ج6 ص451 الرقم 9075 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص340 .
3- . الأنساب للسمعاني : ج2 ص87 ، اللباب في تهذيب الأنساب : ج1 ص292 .
4- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص529 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص340 ، أنساب الأشراف : ج3 ص40 ، شرح نهج البلاغة : ج1 ص258 ، لسان العرب : ج11 ص124 ؛ الجمل : ص345 ، وقعة صفِّين : ص557 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص151 _ 152 ، أعيان الشيعة : ج10 ص272 .
5- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص488 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص330 ؛ المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص151 .
6- . ساقةُ الجيش: مُؤخّره ( لسان العرب: ج 10 ص 167 ) .
7- . الجمل : ص319 ، قاموس الرجال : ج9 ص372 ؛ الإمامة والسياسة : ج1 ص90 .
8- . المعارف لابن قتيبة : ص106 ؛ قاموس الرجال : ج9 ص372 .
9- . الكامل في التاريخ : ج2 ص329 .
10- . راجع : تاريخ الطبرى : ج4 ص151 _ 152 .
11- . أنساب الأشراف : ج3 ص40 _ 41 .

ص: 172

. .

ص: 173

خالد بن معمّر

خَالِدُ بنُ مُعَمَّرخالد بن المُعَمَّر بن سُلَيْمان السَّدوسي ّ . كان من أصحاب الإمام عليّ ، ومن كبار قبيلة ربيعة (1) . شهد الجمل . وكان من رؤساء البصرة الاُوَل الَّذين استجابوا للإمام عليه السلام ، عند عزمه على قتال معاوية ، وأسرعوا إلى نصرته (2) . وكانت قبيلة ربيعة من كبار القبائل الَّتي شهدت حرب صفِّين ، ولها فيها دور أساسيّ مهمّ (3) . [ حاول معاوية ترغيبه ، وكاتَبه ، ووعده بولاية خراسان ، ولكنّ الإمام عليه السلام لم يعر ذلك اهتماما ، واستمرّ خالد قائدا لربيعة ، إلاّ أنّ تضعضعه في الأحداث اللاّحقة للحرب كان واضحا ] . وعندما رُفعت المصاحف على الرِّماح ، قال خالد للإمام عليه السلام : ما البقاء إلاّ فيما دعا القوم إليه ، إن رأيتَه . وإن لم تره فرأيك أفضل (4) . وخان خالد الإمام الحسن عليه السلام (5) ، وذهب إلى معاوية وبايعه . فكرّمه وولاه على أرمينية . وقيل في هذا المجال : مُعاوِيَ أمِّرْ خالِدَ بنَ مُعمَّرٍفإنَّكَ لولا خَالِدٌ لَم تُؤَمَّرا ومات خالد قبل وصوله إليها (6) . وجاء في بعض المصادر أنّه مدح الإمام عليّا عليه السلام بمحضر معاوية ، وقال في حبّه إيّاه : اُحبُّهُ واللّه ِ ، على حِلمِهِ إذا غَضِب ، ووفائِهِ إذا عقد ، وصِدقِهِ إذا أكَّدَ ، وعدلِهِ إذا حَكَمَ (7) .

.


1- . رجال الطوسي : ص63 الرقم554 .
2- . الأخبار الطوال : ص165 ، الإصابة : ج 2 ص299 الرقم2326 .
3- . راجع: الإصابة : ج 2 ص 299 الرقم 2326 ؛ وقعة صفّين :ص484 وراجع الأخبار الطوال : ص171 .
4- . الأخبار الطوال : ص189 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص140 ؛ وقعة صفّين : ص485 كلاهما نحوه .
5- . تاريخ مدينة دمشق : ج16 ص206 .
6- . الإصابة : ج 2 ص299 الرقم2326 ، تاريخ مدينة دمشق : ج16 ص206 .
7- . تاريخ مدينة دمشق : ج16 ص208 ، الصواعق المحرقة : ص132 ، الفصول المهمّة : ص127 ؛ الأمالي للطوسي : ص594 ح1229 ، تنبيه الخواطر : ج2 ص75 ، كشف الغمّة : ج2 ص36 كلّها نحوه .

ص: 174

. .

ص: 175

30 _ كتابه عليه السلام لماهويه

31 _ كتابه عليه السلام إلى أبي موسى الأشعريّ

30كتابه عليه السلام لِماهوْيهنقل الطَّبري ّ ، عن عليّ بن محمَّد المَدائِني ّ ، عن أبي زكريَّا العَجْلانِي ّ ، عن أبي إسحاق ، عن أشياخه ، قال : قدم ماهَوْيهِ أبراز _ مَرْزُبان مرْو _ على عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعد الجمل مقرَّا بالصُّلح ، فكتَب له علي ٌّ كتابا إلى دَهاقين مرْو ، والأساورة، والجُند سلارين، ومَن كان في مرْو : « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَلامٌ على مَن اتَّبع الهُدى ، أمَّا بعدُ ، فإنَّ ماهوْيهِ أبراز _ مَرْزبان مَرْو _ جاءني ، وإنِّي رضيتُ عنه » . وكتب سنة ستّ وثلاثين . (1) .

31كتابه عليه السلام إلى أبي موسى الأشْعَرِي ّمن كِتاب له عليه السلام إلى أبي موسى الأشْعَرِيّ ، وهو عاملُه على الكوفة ، وقد بلَغه عنه تثبيطه النَّاس عن الخروج إليه، لمَّا نَدَبهم لحَرب أصحاب الجَمَل : « مِنْ عَبْدِ اللّه عَلِيٍّ أمِيرِ الْمُومِنِينَ إلَى عَبْدِ اللّه بْنِ قَيْس ٍ . أمَّا بعدُ ، فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْك قَوْلٌ، هُوَ لَك وعَلَيْك ، فَإذَا قَدِمَ رَسُولِي عَلَيْك فَارْفَعْ ذَيْلَك ، واشْدُدْ مِئْزَرَك ، واخْرُجْ مِنْ جُحْرِك ، وانْدُبْ مَنْ مَعَك ، فإنَّ حَقَّقْتَ فَانْفُذْ ، وإِنْ تَفَشَّلْتَ فَابْعُدْ ، وايْمُ اللّه لَتُوتَيَنَّ حَيْثُ أنْتَ ، ولا تُتْرَك حَتَّى يُخْلَطَ زُبْدُك بِخَاثِرِك ، وذَائِبُك بِجَامِدِك ، وحَتَّى تُعْجَلَ عَنْ قِعْدَتِك ، وتَحْذَرَ مِن أمَامِك كَحَذَرِك مِن خَلْفِك ، ومَا هِيَ بِالْهُوَيْنَى الَّتي تَرْجُوه ، ولَكِنَّهَا الدَّاهِيَةُ الْكُبْرَى ، يُرْكَبُ جَمَلُهَا ، ويُذَلَّلُ صَعْبُها ، ويُسَهَّلُ جَبَلُهَا ، فَاعْقِلْ عَقْلَك ، وامْلِك أمْرَك ، وخُذْ نَصِيبَك وحَظَّك ، فإن كَرِهْتَ فَتَنَحَّ إِلَى غَيْرِ رَحْبٍ ، ولافِي نَجَاةٍ، فَبِالْحَرِيِّ لَتُكْفَيَنَّ وأنْتَ نَائِمٌ، حَتَّى لا يُقَالَ: أيْنَ فُلانٌ ، واللّه إِنَّهُ لَحَقٌّ مَعَ مُحِقٍّ ، ومَا أُبَالِي مَا صَنَعَ الْمُلْحِدُونَ ، والسَّلامُ » . (2)

.


1- . تاريخ الطبري : ج4 ص557 وراجع : الكامل في التاريخ : ج2 ص357 ، تاريخ الخلفاء :ص36 ؛ تاريخ اليعقوبي : ص183 .
2- . نهج البلاغة : الكتاب63 وراجع : الجمل :ص133 .

ص: 176

32 _ كتابه عليه السلام إلى أهل المدينة

32كتابه عليه السلام إلى أهل المدينة[ روى المفيد رحمه الله كتابه عليه السلام إلى أهل المدينة ، بعد وقعة الجمل ] قال :ثُمَّ رجع إلى خَيْمَته ، فاستدْعى عُبيد اللّه بن أبي رافع _ كاتِبه _ وقال : « اُكتب إلى أهل المدينة : بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِن عَبدِ اللّه ِ عليّ بنِ أبي طالب ٍ ، سَلامٌ عَلَيكُم . فإنِّي أحمَدَ اللّه َ إلَيكُم الَّذي لا إلهَ إلاّ هُوَ ، أمَّا بَعدُ : فإنَّ اللّه َ بمَنِّهِ ، وَفَضْلِهِ ، وَحُسنِ بَلائِهِ عِندي وعِندَكُم ، حَكَمٌ عَدْلٌ ، وقَد قالَ سُبحانَهُ في كتابِهِ _ وقَولُهُ الحقُّ _ : « إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَ إِذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ » (1) . وإنِّي مُخبِرُكُم عنَّا ، وعَمَّن سِرنا إليهِ من جُموعِ أَهلِ البَصرَة ِ ، وَمَن سارَ إليهِم مِن قُرَيش ٍ وَغَيرِهِم مَعَ طَلْحَة َ والزُبَيْرِ ، ونَكْثِهما على (2) ما قد علِمتم من بيعتي ، وهُما طائِعان، غيرُ مُكرَهَينِ ، فَخَرجتُ مِن عِندِكُم فِيمَن خَرجتُ، ممِّن سارَعَ إلى بَيعَتي ، وإلى الحقّ (3) حَتَّى نزلْتُ ذا قار ٍ ، فنفر معي مَن نفَرَ من أهل الكوفَةِ ، وقدم طَلْحَة ُ والزُّبَيْرُ البصرةَ ، وصنَعا بِعامِلي عُثمانَ بنِ حُنَيْفٍ ما صنَعا ! فَقدَّمتُ إليهم الرُّسُلَ ، وأعْذَرتُ كلّ الإعْذار . ثُمَّ نزلْتُ ظهْرَ البَصرَةِ ، فأعذرْتُ بالدَّعاءِ ، وقَدَّمتُ الحُجَّةَ ، وأقلْتُ العَثْرَةَ ، والزَّلَّةَ ، واسْتَتَبْتُهما ومَن معهما من نَكْثِهم بيعتي ، ونقْضهما عَهدي ، فأبوْا إلاَّ قتالي وقتالَ مَن مَعِي ، والتَّمادي في الغَيِّ ، فلم أجدْ بُدَّا من مناصَفَتِهِم لي ، فناصَفْتُهُم بِالجهادِ ، فَقتلَ اللّه ُ مَن قتلَ مِنهُم ناكِثا ، وولَّى مَن ولَّى منهم ، وغَمدْتُ السُّيوفَ عَنهُم ، وأخذْتُ بالعَفوِ فِيهم ، وأجريْتُ الحقَّ والسُّنَّةَ في حُكمِهم ، واخترْت لهم عاملاً استَعمِلُهُ عَلَيهِم ، وهُو عبدُ اللّه ِ بنُ العبَّاس ، وإنِّي سائِرٌ إلى الكوفَةِ إن شاءَ اللّه ُ تعالى » . وكتب عبيد اللّه بن أبي رافع ، في جُمادى الأُولى مِن سَنَةِ سِتٍّ وثلاثِينَ مِنَ الهِجرَةِ (4) .

.


1- . الرعد : 11 .
2- . كذا في المصدر والأرجح أنّها: «علَيَّ» فتكون الفاصلة قبل: «ونكثهما».
3- . كذا في المصدر، والظاهر أنّها: «ووالى».
4- . الجمل : ص395 وراجع :بحار الأنوار : ج32 ص334 ، تلخيص الشافي : ج4 ص137 .

ص: 177

وقال العلاّمة الآمُلي : ولعلَّ الوجه في عدم ذكر الرَّضي _ كتابه عليه السلام إلى أهل المدينة _ في النَّهج، كان ذلك ، أعني أنَّ كتابه إلى أهل المدينة ، كان قريبا من كتابه إلى أهل الكوفة في ألفاظه ومعانيه . (1) [ أقول : لعلَّ مراده من قوله إنَّ عِلَّة عدم نقل السَّيِّد الرضي ّ هذا، هو عِلَّةُ عَدمِ نقلهِ كتابه إلى أهل الكوفة ؛ لأنَّ الشريف الرضي لم ينقل الكتابين معا ، وإنَّما نقل جملاً من كتابه إلى أهل الكوفة ] .

.


1- . شرح نهج البلاغة للآملي : ج17 ص17 .

ص: 178

33 _ كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة

34 _ كتابه عليه السلام إلى قرظة بن كعب

33كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفةكتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة بعد فتح البصرة :« وجَزَاكُم اللّه ُ مِن أهْل مِصْرٍ _ عن أهْل بَيْت نبِيِّكم _ أحْسنَ ما يَجْزِي الْعَامِلِينَ بطاعَتِه، والشَّاكِرينَ لِنعْمَته ، فقد سَمِعْتُمْ وأطعْتُم ، ودُعِيتُم فأجَبْتُم » (1) .

[ وقد نقلنا هذا الكتاب بتمامه في موضع آخر من هذا الكتاب، نقلاً عن كتاب الجمل للمفيد رحمه الله، واكتفينا هنا بموضع الحاجة منه ].

34كتابه عليه السلام إلى قَرَظَةَ بن كَعْبكتابه عليه السلام إلى قَرَظَةَ بن كَعْب وأهل الكوفة : رَوى عمرُ بن سعد ، عن يزيد بن أبي الصَلْت ، عن عامر الأسدِي : أنَّ عليَّا كَتب بفتح البصرة _ مع عَمْرو بن سَلَمَة الأرْحَبي ّ _ إلى أهل الكوفة :« مِن عَبدِ اللّه ِ عليّ بنِ أبي طالبٍ، أميرِ المُوِنينَ عليه السلام إلى قَرَظَةَ بنِ كَعْب ٍ ومَن قِبَلَهُ مِنَ المُسلمِين َ ، سَلامٌ عَليكُم ؛ فإنِّي أحمَدُ اللّه َ إليكُم الَّذي لا إله إلاَّ هو ، أمَّا بعدُ ، فإنَّا لَقِينا القومَ النَّاكِثين َ لِبَيْعَتِنا ، المُفَرِّقينَ لِجماعَتِنا ، الباغِين علَينا مِن أُمَّتِنا ، فَحاجَجْناهُم إلى اللّه ِ ، فنَصَرنا اللّه ُ عَلَيهِم ، وقُتِلَ طَلْحَة ُ والزُّبَيْرُ ، وقد تَقَدَّمْتُ إليهما بالمَعْذِرَةِ ، واستشْهَدتُ عَليهِما صُلَحاءَ الأُمَّةِ ، ونَكْثِهما (2) بالبيعة ؛ فما أطاعا المُرشِدينَ ، ولا أجابا النَّاصِحينَ ، ولاذَ أهلُ البَصرَة ِ بِعائِشَةَ ، فقُتِل حَولَها عالَم جَمٌّ لا يُحصِي عدَدَهُم إلاّ اللّه ُ ، ثُمَّ ضرَبَ اللّه ُ وجْهَ بقيَّتِهِم فأدبروا ، فما كانت ناقةُ الحِجْر بأشأمَ منها على أهلِ ذلِكَ المِصرِ ، مع ما جاءَت بهِ مِنَ الحُوبِ (3) الكبير في معصيتها لربِّها ونبيِّها ، واغْتِرار من اغترَّ بِها ، وما صَنعتْه من التَّفرِقَةِ بَينَ المُوِنينَ ، وسَفكِ دِماءِ المُسلمين بلا بيِّنَةٍ ولا مَعْذِرَةٍ ولا حُجَّة لها . فلمَّا هزمَهُم اللّه ُ أمرتُ أنْ لا يُقتَل مُدبِرٌ ، ولا يُجهَزَ على جرِيحٍ ، ولا يكشَفَ عورَةٌ ولا يُهتَكَ سَترٌ ، ولا يُدخَلَ دارٌ إلاَّ بإذنِ أهلِها ، وقد آمنتُ النَّاسَ . وقد استُشهِد مِنَّا رِجالٌ صالِحونَ ، ضاعَفَ اللّه ُ لَهُم الحسناتُ ، ورفَعَ درجاتِهِم ، وأثابَهُم ثوابَ الصَّابِرينَ ، وجزاهُم مِن أَهلِ مِصرٍ عَن أهلِ بَيتِ نَبِيِّهِم أحْسنَ ما يَجْزي العامِلينَ بِطاعَتِهِ ، والشَّاكِرينَ لِنعمَتِهِ ، فقد سَمِعْتُم وأطعْتم ودُعيِتم فأجبْتم ، فنعم الإخوانُ والأعوانُ على الحَقِّ أنتُم ، والسَّلامُ عَليكُم ورَحمُة اللّه ِ وبَركاتُهُ » . كتب عبيد اللّه بنُ أبي رافع ، في رجب سَنَة ستٍّ وثلاثين . (4) صورة أُخرى من الكتاب المتقدّم إلى قرظَة بن كعب وأهل الكوفة : الطبري عن السّري ، عن شعيب ، عن سيف ، عن مُحَمَّد وطَلْحَة ، قالا : كتب عليّ بالفتح _ فتح البصرة _ إلى عامله بالكوفة حينَ كتَب في أمرها ، وهو يومئذ بمكّة : « مِن عَبدِ اللّه ِ عَلي ٍّ أميرِ المُؤمِنين َ ، أمَّا بَعدُ ، فإنَّا التَقَينا في النِّصفِ مِن جُمادى الآخِرَةِ بالخُرَيبَةِ ، فناءٍ مِن أفنِيَةِ البَصرَة ِ ، فأعطاهُم اللّه ُ عز و جلسُنَّةَ المُسلِمين َ ، وقُتِلَ مِنَّا ومنهم قتلى كثيرةٌ ، وأصيب ممَّن أصيب منَّا : ثُمامَةُ بنُ المُثَنَّى ، وهِندُ بنُ عَمرو ، وعِلْباءُ بن الهَيْثم ، وسَيحان ، وزَيْد ُ ابنا صُوحان ، ومَحْدُوج » .

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب2 ، بحار الأنوار : ج32 ص253 ح198 وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج14 ص26 .
2- . كذا في المصدر، والصواب هو على الأرجح: «ونكثا».
3- . الحُوب _ بالضمّ _ : الإثم . ويُقال: حُبتُ بكذا، أي: أثِمتُ. ( الصحاح: ج 1 ص 116 ) .
4- . الجمل : ص403 وراجع : الشافي في الإمامة : ج4 ص330 ، بحار الأنوار : ج32 ص252 ح198 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص58 .

ص: 179

. .

ص: 180

قرظة بن كعب الأنصاريّ الخزرجيّ

وكتب عبد اللّه بن رافع ، وكان الرَّسول زفر بن قَيْس إلى الكوفة ، بالبشارة في جُمادى الآخرة . (1) [ أقول : تقدَّم الكلام في سند هذا الكتاب، وبعض ألفاظه ، ما لا يخفى ما فيه من الإجمال ، وعدم وضوح بعض الفقرات، كقوله عليه السلام : « فأعطاهُمُ اللّه ُ سُنَّةَ المُسلمين َ » ، إذ لو رجع الضَّمير إلى أهل البصرة وطَلْحَة والزُبَيْر _ كما هو الظَّاهر _ ، فأمير المؤمنين عليه السلام أقرَّ بأنَّ اللّه تعالى أعطى مخالفيه سُنَّةَ المسلِمين . ولو رجع الضَّمير إلى «أهل الكوفة » الَّذِين هم أنصاره عليه السلام ، فالأنسب أن يقول : أعطانا . ولو رجع الضَّمير إلى المتحاربين من عسكره وعسكر مخالفيه ، فهو إقرار بأنَّ أعداءه مسلمون ، وأنَّهم أُعطوا سُنَّةَ المسلمين . ثُمَّ ما المرادُ من سُنَّةِ المسلمين ؟ أهو الشَّهادة ؟ أو نصر اللّه الموعود به في القرآن الكريم ؟ والصَّحيح _ في رأينا _ ما يأتي في كتابه عليه السلام إلى أُمّ هاني : « فأعطانا اللّه ُ النَّصرَ بِحَولهِ وَقُوَّتهِ وأعطاهُم سُنَّة الظَّالمينَ » .

قَرَظَةُ بن كَعْب الأنْصاريّ الخَزْرَجيّويقال : قَرَظَةَ بن عَمْرو بن كَعْب ؛ وهو أحد العشرة الَّذِين وجّههم عمر إلى الكوفة من الأنصار _ وكان فاضلاً _ ليفقّه النَّاس . شهد قَرَظَةُ مشاهِدَ النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، أُحُد وما بعدها ، وهو آخر من فتح الرَّي ّ في ولاية أبي موسى الكوفة لعثمان ، هذا نقله البلاذري ، وقال الآخرون : وهو الَّذي فتح الرَّي ّ سنة ثلاث وعشرين ، وسكن الكوفة . شهد قَرَظَة مشاهد عليٍّ كُلّها ، وولاّه عليّ عليه السلام الكوفة حين سار إلى حرب الجمل ، وعزل أبا موسى عنها ، ولمَّا خرج إلى صفِّين حمله معه ، وولاّها أبا مسعودٍ الأنْصاري ّ . (2) وبعد رجوعه عليه السلام عن البصرة بعثه إلى البِهْقُبَاذات (3) . (4) وقال ابن أبي الحديد : وهو كاتب عين التَّمر ، يجبي خراجها لعليّ عليه السلام . وفي الغارات : وهو بجانب عين التَّمر ، يجبي خراجها لعليّ عليه السلام . (5) ] ونقل في الغارات _ أيضا _ قصَّةً ، لَعلَّها تَدُلُّ على خِيانتهِ لعليّ عليه السلام ] .

.


1- . راجع: تاريخ الطبري : ج4 ص542 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص334 .
2- . راجع : أنساب الأشراف : ج3 ص33 ، مروج الذَّهب : ج2 ص368 ، تهذيب التهذيب :ج4 ص527 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص349 ، أسد الغابة : ج4 ص380 ، الإصابة : ج5 ص328 ، الإستيعاب : ج3 ص365 ، فتوح البلدان : ص446 ؛ الغارات : ج2 ص777 _ التعليقة : ص41 .
3- . البِهْقُبَاذات :هنَّ ثلاث بِهْقُبَاذات ، ذكرها ياقوت في معجمه . ثلاث كور ببغداد ، منسوبة إلى قباذ بن فيروز والد أنو شيروان . وفي الأصل : البِهْقُيَاذات ، مُحرّفة . ( راجع :معجم البلدان : ج1 ص516 ) .
4- . وقعة صفِّين : ص11 .
5- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص302 ، الغارات : ج2 ص447 .

ص: 181

35 _ كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن عبّاس

35كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن عبَّاسوهو عامله على البصرة : « واعْلَم أنَّ البَصْرةَ مَهْبِطُ إِبْلِيسَ ، ومَغْرِسُ الْفِتَنِ ، فَحَادِث ْ أهْلَهَا بِالإحسَان إلَيهِم ، واحْلُلْ عُقْدَةَ الْخَوْفِ عن قُلُوبِهِمْ ، وقد بَلَغَنِي تَنَمُّرُك لِبَنِي تَمِيم ٍ ، وغِلْظَتُك عَلَيهِم ، وإِنَّ بَنِي تَمِيم ٍ لم يَغِبْ لهم نجْمٌ إلاَّ طَلَعَ لهم آخَرُ ، وإِنَّهُم لم يُسْبَقُوا بِوَغْمٍ (1) في جَاهِلِيَّةٍ ولا إسلام ٍ ، وإنَّ لهم بِنَا رَحِما مَاسَّةً ، وقَرَابَةً خَاصَّةً ، نحن مَأْجُورُونَ على صِلَتِها ، ومَأْزورونَ على قَطِيعَتِها ، فَارْبَعْ أبا الْعَبَّاس ِ _ رَحِمَكَ اللّه ُ _ فيما جَرَى على لِسَانِكَ ، ويَدِكَ من خَيْرٍ وشَرٍّ ، فإِنَّا شَرِيكَانِ في ذلك . وكُنْ عِندَ صَالِحِ ظَنِّي بِكَ ، ولا يَفِيلَنَّ (2) رَأْيِي فيك ، والسَّلام » . (3) [ وقد نقل ابنُ مَيثَم َ صَدرَهُ هكذا : ] « أمَّا بَعدُ ؛ خَيرُ النَّاسِ عِندَ اللّه ِ غدا ، أعمَلُهم بِطاعَته ِ فيما عَلَيهِ ولَهُ ، وأقواهم بالحقّ وإن كان مُرَّا ، أ لا وإنَّهُ _ بالحَقّ _ قامت السَّماوات والأرض فيما بين العباد ، فَلتَكُن سَريرَتُكَ فِعلاً ، وليَكن حُكمُكَ واحِدا ، وطريقَتُكَ مستقيمة . واعلم أنَّ البَصرة مَهْبَط إبليس » . (4) [ هذا ، ولكن نقل نَصْر ، أنَّ عليَّا عليه السلام ، كتب إلى عبد اللّه بن عامر ما يقارب صدره ، قال : ] « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من عَبدِ اللّه ِ عَلِي ٍّ أميرِ المُوِنين َ ، إلى عَبدِ اللّه ِ بنِ عامِر ، أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ خَيرَ النَّاسِ عِندَ اللّه ِ عز و جل ، أقوَمُهُم للّه ِ بِالطاعَةِ فِيما لَهُ وعَلَيهِ ، وأقْولُهُم بالحَقِّ ولو كانَ مُرَّا ، فإنَّ الحقّ ، بهِ قامَت السَّماواتُ والأرضُ ، ولتَكُن سَريرَتُكَ كَعَلانِيَتِكَ ، وليَكُن حُكمُكَ واحِدا ، وطرِيقَتُكَ مُستَقِيمَةً ؛ فإنَّ البَصرَة مَهبِطُ الشَّيطان ، فلا تَفتَحَنَّ علَى يدِ أحَدٍ مِنهُم بابا، لا نطيق سدَّهُ نحنُ ولا أنت ، والسَّلام . » (5) [ أقول : قال المفيد رحمه الله في كتاب الجمل : ] وروَى أبو مِخْنَف _ لوطُ بن يَحْيَى _ قال : لمَّا استعمل أميرُ المونين عليه السلام عبد اللّه بن العبَّاس على البصرة ، خَطَب النَّاسَ فَحَمِدَ اللّه َ ، وأثنى عَلَيهِ ، وصلَّى علَى رَسولِهِ ، ثُمَّ قال : « يا مَعاشِرَ النَّاسِ ، قد استَخلَفتُ عَلَيكُم عبد اللّه بن العبَّاس ، فاسْمَعوا له ، وأطيعوا أمرَه ، ما أطاع اللّه َ ورسولَهُ ، فإن أحدَثَ فيكُم أو زاغَ (6) عَن الحقّ، فأعلِموني أعزِلْهُ عَنكُم ؛ فإنِّي أرجو أن أجِده عفِيفا تقيَّا وَرِعا ، وإنِّي لم أُوَلِّهِ عَلَيكُم ، إلاَّ وأنا أظنُّ ذلِكَ بِهِ ؛ غَفَر اللّه ُ لنا ولكم » . (7) [ ونقل الكليني رحمه الله خطبة له عليه السلام _ بعد انقضاء حرب الجمل _ ولعلّ ما نقلَهُ المفيد رحمه اللهشطر منه ، ولذلك نوردها هنا : ] مُحَمَّد بنُ يَحْيَى ، عن أحْمدَ بن مُحَمَّد بن عِيسَى ، عن الحَسَن بن مَحْبُوب ، عن مُحَمَّد بن النُّعْمَان أبِي جَعْفَر الأحْوَل ، عن سَلاّم بن المُسْتَنِير ، عن أبِي جَعْفَر عليه السلام ، قال : إِنَّ أمِيرَ المُومِنِين عليه السلام ، لَمَّا انْقَضَتِ القِصَّةُ فيما بَيْنَه وبيْن طَلْحَة والزُبَيْر وعَائِشَة بالبصرة ، صَعِدَ المِنْبَر ، فَحَمِدَ اللّه َ وأثْنَى عليه وصَلَّى على رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ثُمَّ قال : « يا أيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ الدُّنيا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، تَفْتِنُ النَّاسَ بالشَّهَوَاتِ ، وتُزَيِّنُ لَهُم بِعَاجِلِها ، وأيْمُ اللّه ِ إنَّهَا لَتَغُرُّ مَنْ أمَّلَها ، وتُخْلِفُ مَنْ رَجَاها ، وسَتُورِثُ أقوَاما النَّدَامَةَ والحَسْرَة بإقبَالِهم عَلَيها ، وتَنَافُسِهِمْ فيها ، وحَسَدِهِمْ ، وبَغْيِهِمْ على أهل الدِّينِ والفَضْل فيها ، ظُلْما وعُدْوَانا ، وبَغْيا وأشَرا وبَطَرا ، وبِاللّه ، إنَّهُ ما عَاشَ قَوْمٌ _ قَطُّ _ في غَضَارَةٍ من كَرَامَة نِعَمِ اللّه ِ في مَعَاشِ دُنْيَا ، ولا دَائِمِ تَقْوَى في طَاعَة اللّه ، والشُكْر لِنِعَمِه ، فَأزَالَ ذَلك عنهم ، إِلاّ مِن بَعدِ تَغْيِيرٍ من أنْفُسِهِم ، وتَحْوِيلٍ عن طَاعَة اللّه ِ ، والحَادِثِ من ذُنُوبِهِمْ ، وقِلَّةِ مُحَافَظَةٍ ، وتَرْكِ مُرَاقَبَةِ اللّه ِ جَلَّ وعَزَّ وتَهَاوُنٍ بشكر نِعْمَة اللّه ، لِأنَّ اللّه عز و جل يقول في مُحْكَم كِتَابِه : « إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَ إِذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ » (8) . ولَو أنَّ أهْلَ المَعَاصِي ، وكَسَبَةَ الذُّنُوبِ ، إذا هُم حَذِرُوا زَوَالَ نِعَمِ اللّه ِ ، وحُلُولَ نَقِمَتِه ، وتَحْوِيلَ عَافِيَتِه ، أيْقَنُوا أنَّ ذَلك مِنَ اللّه ِ جَلَّ ذِكْرُهُ _ بمَا كَسَبَتْ أيْدِيهم _ ، فَأقْلَعُوا وتَابُوا ، وفَزِعُوا إلى اللّه جَلَّ ذِكْرُه ، بِصِدْقٍ مِن نِيَّاتِهِم ، وإِقْرَارٍ مِنهُم بِذُنُوبِهِم ، وإِسَاءَتِهِم ، لَصَفَحَ لَهُمْ عن كُلِّ ذَنبٍ ، وإذا لَأقَالَهُمْ كُلَّ عَثْرَةٍ ، ولَرَدَّ عَلَيهِم كُلَّ كَرَامَةِ نِعْمَةٍ ، ثُمَّ أعَادَ لهم من صَلاَح أمْرِهم ، ومِمَّا كانَ أنْعَمَ بِهِ عليهم ، كُلَّ مَا زَالَ عَنهُم ، وأُفْسِدَ عليهم . فَاتَّقُوا اللّه َ أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ ، واسْتَشْعِرُوا خَوْفَ اللّه جَلَّ ذِكْرُهُ ، وأخْلِصُوا اليقِينَ ، وتُوبُوا إِلَيه من قَبِيحِ ما اسْتَفَزَّكُمُ الشَّيْطَانُ مِن قِتَالِ وَلِيِّ الأمْرِ ، وأهْلِ العِلم بعد رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله ، وما تَعَاوَنْتُمْ عَلَيهِ مِن تَفْرِيقِ الجَمَاعَةِ ، وتَشَتُّتِ الأمْرِ وفَسَادِ صَلاحِ ذَاتِ البَيْنِ ، إِنَّ اللّه َ عز و جل يَقْبَلُ التَّوْبَةَ ، ويَعْفُو عن السَّيِّئَات ، ويَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ » . (9) [ و نقل المفيد رحمه الله هذه الخطبة بنحو آخر، وهي هكذا : ] من كلامه عليه السلام بالبصرة ، حينَ ظهرَ على القوم ، بعدَ حمدِ اللّه ِ والثَّناءِ عليه : « أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ اللّه َ ذو رَحمَةٍ واسِعَةٍ ، ومَغفِرَةٍ دائِمَةٍ ، وعَفوٍ جَمٍّ ، وعِقابٍ أليمٍ ؛ قضَى أنَّ رَحمَتَهُ ومَغفِرَتَهُ وعفوَه لأهل طاعتِهِ من خلقهِ ، وبِرحمَتِهِ اهتدى المهتدونَ ، وقضَى أنَّ نِقْمَتَه وسَطَواته وعقابَهُ على أهلِ مَعصيتِهِ من خلقِهِ ، وبعدَ الهُدى والبيِّناتِ ما ضلَّ الضَّالُّونَ . فما ظَنُّكم _ يا أهل البصرة _ وقد نكثْتُم بيعتي ، وظاهَرْتُم علَيَّ عَدُوِّي ؟ » فقامَ إليه رجلٌ ، فقال : نَظُنُّ خيرا ، ونَراك قد ظَفِرْتَ وقَدَرْتَ ، فإنْ عاقبْتَ فقد اجترمْنا ذلك ، وإن عفوْتَ فالعفوُ أحبُّ إلى اللّه ِ . فقال : « قَد عَفوْتُ عَنكُم ، فإيَّاكُم والفِتنَةَ ، فإنَّكم أوَّلُ الرَّعيَّةِ نَكَثَ البيعةَ ، وشقَّ عصا هذه الأُمَّةِ » . قال : ثُمَّ جلسَ للناس فبايَعوه . (10) [ وروى السَّيِّد الرضيّ في النَّهج كلامه عليه السلام في ذمّ أهل البصرة بعد وقعة الجمل : ] « كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ، وأَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ ، رَغَا فَأَجَبْتُمْ ، وعُقِرَ فَهَرَبْتُمْ ، أَخْلاقُكُم دِقَاقٌ ، وعَهْدُكُم شِقَاقٌ ، ودِينُكُمْ نِفَاقٌ ، ومَاوكُمْ زُعَاقٌ ، والْمُقِيمُ بين أَظْهُرِكُم مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِه ، والشَّاخِصُ عنكم مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ من رَبِّه ، كأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُوجُو سَفِينَةٍ ، قد بَعَثَ اللّه ُ عليها العَذَابَ من فَوْقِهَا ومن تَحْتِهَا ، وغَرِقَ مَن في ضِمْنِهَا . وفي رِوَايَة : وأيْمُ اللّه ِ ، لَتَغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ، حَتَّى كأَنِّي أَنْظُرُ إلى مَسْجِدِها كَجُوجُو سَفِينَةٍ أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ » . (11) قال المسعودي : وخطب النَّاس خطبةً طويلة ، يقول فيها : « يا أهلَ السَبْخَةِ ، يا أهلَ المؤْتَفِكَةِ ، ائتفكتِ بأهلِكِ مِنَ الدَّهرِ ثلاثا ، وعلى اللّه ِ تمامُ الرَّابعة ، يا جُنْدَ المرأةِ ، يا أتباع البهيمة . . . » . (12) قال المفيد رحمه الله : ورَوى أبو مِخْنَف لوط بن يَحْيَى ، عن رجاله ، قال : لمَّا أرادَ أميرُ المونين عليه السلام التَوجُّهَ إلى الكوفة ، قام في أهل البصرة ، فقال : « ما تَنْقِمونَ عَليَّ يا أهلَ البَصرة ِ ؟ _ وأشار إلى قميصه وردائِهِ ، فقال : _ واللّه ، إنَّهما لَمِن غَزْل أهلي ، ما تَنْقِمون منِّي يا أهلَ البصرة ِ ؟ _ وأشار إلى صُرَّةٍ في يدِهِ فيها نَفَقَتُهُ ، فقال : _ واللّه ِ ، ما هي إلاَّ مِن غَلَّتي بالمدينة ؛ فإنْ أنا خَرَجْتُ مِن عندِكُم بأكثَرَ ممَّا تَرَوْن ، فأنا عِندَ اللّه ِ مِنَ الخائِنينَ . » (13) [ و ] نقل السَّيِّد الرضيّ رحمه الله : أنَّه عليه السلام أوصى إلى ابن عبَّاس عند استخلافه إيَّاه على البصرة : « سَعِ النَّاس بِوَجْهِكَ ، ومَجْلِسِكَ وحُكْمِك ، وإِيَّاكَ والْغَضَبَ ، فإِنَّهُ طَيْرَةٌ من الشَّيْطَانِ ، واعْلَم أَنَّ مَا قَرَّبَكَ مِنَ اللّه ِ ، يُبَاعِدُكَ مِنَ النَّارِ ، ومَا بَاعَدَك من اللّه ، يُقَرِّبُك من النَّار » . (14) وقال المفيد رحمه الله : رَوى الواقدي عن رجاله ، قال : لمَّا أراد أمير المونين عليه السلام الخروج من البصرة استخلف عليها عبد اللّه بن العبَّاس ، وأوصاه، فكان في وصيَّته له أن قال : « يا ابنَ عبَّاس ، عَليكَ بِتقوى اللّه ِ ، والعدلِ بمَن وُلِّيت علَيهِ ، وأنْ تَبسُطَ للناسِ وَجهَكَ ، وتُوَسِّعَ عَلَيهِم مَجلِسَكَ ، وتَسَعَهم بِحِلمِكَ ، وإيَّاكَ والغضبَ ، فإنَّه طِيَرةٌ مِنَ الشَّيطانِ ، وإيَّاكَ والهَوى ، فإنَّه يَصُدُّكَ عن سبيلِ اللّه ِ ، واعْلَم أنَّ ما قرَّبَك مِنَ اللّه ِ ، فهوَ مُباعِدُكَ مِنَ النَّارِ ، وما باعَدَكَ مِنَ اللّه ِ، فهو مُقَرِّبُكَ مِنَ النَّارِ ، واذكر اللّه َ كثيرا ، ولا تَكن مِنَ الغافِلينَ » . (15)

.


1- . الوغم: القتالُ . ( لسان العرب: ج 12 ص 642 ).
2- . فَالَ رأيُهُ يفيل فَيلُولةً: أخطأَ وضَعُفَ. ( لسان العرب: ج 11 ص 534 ).
3- . نهج البلاغة : الكتاب18 ، بحار الأنوار : ج33 ص492 ح699 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص125 .
4- . شرح نهج البلاغة للبحراني : ج4 ص395 .
5- . وقعة صفِّين : ص106 .
6- . زاغَ عن الطريق : إذا عدل عنه . ( لسان العرب: ج 8 ص 432 ) .
7- . الجمل : ص420 .
8- . الرعد : 11 .
9- . الكافي : ج 8 ص256 ح368 .
10- . الإرشاد : ج1 ص257 ، بحار الأنوار : ج32 ص230 ح182 وراجع : الجمل : ص407 .
11- . نهج البلاغة : الخطبة13 ، بحار الأنوار : ج32 ص245 ح194 وراجع : مروج الذَّهب :ج2 ص377 ، الأخبار الطوال : ص151 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص251 .
12- . مروج الذَّهب : ج2 ص377 .
13- . الجمل : ص422 .
14- . نهج البلاغة : الكتاب76 ، بحار الأنوار : ج33 ص498 ح704 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج18 ص70 .
15- . الجمل : ص420و راجع : الإمامة والسياسة : ج1 ص105 .

ص: 182

. .

ص: 183

. .

ص: 184

. .

ص: 185

. .

ص: 186

[ و ] رُوي أنَّ ابن عبَّاس كان قد أضرَّ ببني تميم ، حين وُلِّيَ البصرةَ من قِبَلِ عليّ عليه السلام ؛ للّذي عرفهم به من العداوة يوم الجمل ، لأنَّهم كانوا من شيعة طَلحَة والزُبَيْر وعائِشَة ، فحمل عليهم ابن عبَّاس ، وأقصاهم ، وتنكّر عليهم ، وعيَّرهم بالجمل ، حَتَّى كان يسمِّيهم: شيعة الجمل ، وأنصار عسكر ، وهو _ عسكر _ اسم جملِ عائِشةَ ، وحزب الشَّيطان ، فاشتدَّ ذلك على نفر من شيعة عليّ عليه السلام ، من بني تميم ، منهم حارثة بن قُدامَة ، وغيره ، فكتب بذاك حارثة إلى عليّ ، يشكو إليه ابن عبَّاس . فكتب عليه السلام إلى ابن عبَّاس هذا الكتاب . (1)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج4 ص395 ، بحار الأنوار : ج33 ص493 .

ص: 187

وهنا أمور ينبغي التنبيه عليها

وهنا أُمور ينبغي التنبيه عليهاالأوّل :قوله عليه السلام : « اعلم أنَّ البصرة مَهبِطُ إبليس » أي: موضع هبوطه، وهذا إمَّا أن يكون : حينما أخرج من الجنَّة ، وأهبط إلى الأرض ، عند قوله تعالى : « فقال فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّ_غِرِينَ ». (1) أو لأنَّ البصرة بعيدة عن العلم والعلماء ، ولأجل ذلك صار كأنَّها مهبط إبليس ومأواه ، وفيها فَرَخَ ودَرَجَ . أو لأنَّها لكثرة المعاصي والفجور والفسوق، صارت كأنَّها مأوى إبليس وموطنه . أو لأنَّ فيها خواصّ طبيعيَّة، أوجبت كثرة أسباب العصيان ، وصارت كأنَّها مأوى إبليس ، كما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام ، حينما خرج من البصرة : « الحمدُ للّه ِ الذي أخرَجَني مِن أخبثِ البلادِ وأخْشَنِها تُرابا ، وأسْرعِها خَرابا ، وأقرَبِها من الماء ، وأبْعَدِها من السَّماء ، بها مَغيضُ الماء ، وبها تِسعَة أعْشار الشَّرّ ، وهي مسكنُ الجنِّ » . (2) أو أنَّها موطن شياطين الإنس، من أعوان الشَّيطان . [ وقوله عليه السلام : « فَحَادِثْ أَهْلَهَا بِالإحسَان إليهم » أي بعد أن كان حال البصرة ذلك ، من نفوذ إبليس فيهم فتعهدهم بالإحسان ، واحلل عقدة الخوف عنهم ، ودارهم بما تخمد به الفتن ، وتبدِّل به الأضغان والأحقاد، بالحبّ والوداد والمؤانسة والألفة ، ولا تدع مجالاً لوساوس الشَّيطان الرَّجيم ] . قال ابن الأثير : « حادثوا هذه القلوب بذكر اللّه ، فإنَّها سريعة الدّثور ، أي اجلوها واغسلوا الدَّرن عنها ، وتعاهدوها بذلك . . . » (3) . ففي المقام أمره الأمير عليه السلام ، أن يجلو قلوب أهلها ، ويغسل دَرَنَ الأحقادِ والضَّغائن ، ورين الوساوس المؤذيةِ المُودِيَةِ عنها بصقال الإحسان وماء البرّ . والتَنَمُّر على القوم : الغِلظة عليهم، والمعاشرة معهم بأخلاق النَّمر ، والنَّمر : سَبُع معروف ، أصغر من الأسد وأخبث وأجرأ منه ، وتنمّر له :أي تنكّر له وتغيَّر . والوَغْم _ بالفتح فسكون _ : الحَرب والقِتال والتِرَة والذّحل الثَّقيل . وفي النَّهاية : وفي حديث عليّ عليه السلام : « إنَّ بني تَميم لم يُسبَقوا بِوَغْمٍ في جاهليَّةٍ ولا إسلام » . الوغم : التِرَة ، يعني أنَّهم كانوا أهل بأس وقوَّة وشجاعة وحميَّة ، أي : لا ينبغي التَّنمّر والغِلظة على طائفة بلغوا في البأس والنَّجدة هذه المرتبة . أو أنَّهم لم يسبقوا بوغم في جاهليَّة ولا إسلام ، أي : لم يسبقهم أحد كان له حِقد وغيظ عليهم، فتنكَّر لهم وغلظ عليهم ، تشفِّيا منهم ونكاية بهم ؛ لقوّتهم وقهرهم . ويمكن أن يكون المراد : أنَّهم لشجاعتهم يقتحمون ويأخذون بالتّرَة والذّحل ، فلا يجوز تهييجهم، وإثارة غيظهم . (4) وقوله: « إِنَّ بَنِي تَمِيم ٍ لم يَغِبْ لهم نجْمٌ إلاَّ طَلَعَ لهم آخَرُ » ، كنّى عليه السلام بالنَّجم عن أشراف تميم وساداتهم، الَّذِين يقتدى ويهتدى بهم وبفعالهم ، والمراد : أنَّ بني تميم قوم فيهم من السَّادة العظماء، والرِّجال الكِبار كثيرون ، بحيث لم يمت منهم أحد من عظمائهم، إلاّ طلع فيهم آخر ، فأنار وأضاء . فكلّ قوم فيهم الرِّجال الكبار، ذوو الفضائل والفواضل ، لا ينبغي الشِّدة والتَّنمّر لهم لوجود هؤلاء ، أو لأنَّ قوما يولد وينشأ فيهم هؤلاء، ينبغي أن يكرموا . ويبدو أنّ هذه الأسباب هي التي دعت أمير المؤمنين عليه السلام ، أن يحذّر ابن عبّاس منهم، ويأمره بإكرامهم (5) .

.


1- . الأعراف : 13 .
2- . راجع: الجمل : ص422 وراجع : مروج الذَّهب : ج2 ص377 .
3- . النهاية : ج1 ص351 .
4- . راجع : النهاية : ج5 ص209 ، منهاج البراعة : ج18 ص310 و312 و317 .
5- . راجع: منهاج البراعة: ج 18 ص 316.

ص: 188

. .

ص: 189

الثَّاني :إنَّ قوله عليه السلام : « إِنَّهُم لم يُسْبَقُوا بِوَغْمٍ » يشعِر بكَثرة حروبهم ، وما تمتاز به هذه القبيلة من تاريخ حربي في الجاهليَّة والإسلام ، ولهم أيَّام معروفة في التَّاريخ، لا بأس بذكرها مختصرا : 1 _ يوم النِّسار : ( بالنون المكسورة والسِّين ) كان بين ضَبَّة وتَميم ، قادها حاجب بن زُرَارَة . 2 _ يوم الفِجار : كان بين بَكر وتَميم . 3 _ يوم الفِجار : ( بكسر الفاء وفتح الجيم ) ، وكان أربعة أيَّام ويوم واحد منها بين بَكر بن وائل وتميم . 4 _ يوم العُضالي : يوم بَكر بن وائل وتَميم ، وهو آخر أيَّامهم ،( وقيل يوم الفضال ) . 5 _ يوم الصّفقة : يوم أمر كسرى هَوْذَة بن عليّ بالايقاع ببني تَميم ، بسبب عير كسرى الَّتي كان يجريها هَوْذَة بن علي ّ ، فلمَّا سارت ببلاد حَنْظَلَة اقتطعوها برَأي صَعْصَعَة وناجية ، جدَّا الفَرَزْدَق ، فأوقع بهم هَوْذَة ، فقتلهم خدعة . 6 _ يوم القُصَيبَة : وهو يوم كان لعمرو بن هند على تميم ، فانتصر عليهم وأحرق منهم . 7 _ يوم جزع ظلال : كان بين فَزَارَة وتَميم . 8 _ يوم الغَبيط : كان لشَيْبان من رَبِيعة ، على بني يَرْبُوع من تَميم ، وقيل كان لتَميم على شَيْبان . 9 _ يوم الكُفَافَة : كان بين فَزَارَة وبني عَمْرو ، وبني تَميم . 10 _ يوم بُسيان : كان لبني فَزَارَة على تَميم . 11 _ يوم النِّباج : كان لبني تميم على شَيْبان ؛ وفي الكامل : على بَكر بن وائل . 12 _ يوم الزّويرين : كان لشَيْبان على تَميم . 13 _ يوم رَحْرَحَان الثَّاني : كان بين تَميم وبنى عامِر . 14 _ يوم طَخفة : كان لبني يَرْبُوع ( من تَميم )، على قابوس ، المُنْذِر بن ماء السَّماء . 15 _ يوم اَرام : كان لتَغْلِب على بني يَرْبُوع . 16 _ يوم عاقل : كان بين جُشَم ، وبين بني حَنْظَلَة من تَميم . 17 _ يوم قُراقِر : كان لمجاشع من تميم ، على بَكر بن وائل . 18 _ يوم أُوَارة الثَّاني : كان بين بني عَمْرو بن هند وبني تميم . 19 _ يوم الصُلَيْب : كان بين بَكر بن وائِل ، وبني تميم . 20 _ يوم ظهر : كان بين عَمْرو بن تَميم وضَبَّة . 21 _ الفزعاء : كان بين بني مالك ، وبني يَرْبُوع . 22 _ يوم مَلْهَم : كان بين بني تَميم ، وبني حنيفة . 23 _ يوم داب : كان لبني يَرْبُوع على بني كلاب . 24 _ يوم زَروُد : كان بين بني تَغْلِب، وبني يَرْبُوع . 25 _ يوم الوقد : كان لبني تَميم ، على بني عامر . 26 _ يوم الهَرير : كان لبني تَميم ، على بَكر بن وائل . 27 _ يوم نَجران : كان لبني تَميم على بني الحارث بن كَعْب . 28 _ يوم الفَروق : كان لقَيْس ، على سَعْد تَميم . 29 _ يوم الكُلاب (1) الأوَّل : لتَميم ، على مَذْحِج . 30 _ يوم الوَقيط : لبَكر _ من ربيعة _ على تَميم . 31 _ يوم ثَيْتَل : لتَميم على بَكر ، وثَيْتَل ، ماء على مراحل من البصرة . 32 _ يوم جَدود : لبني مِنْقَر _ من تَميم _ على بَكر من ربيعة . 33 _ يوم ذي طُلُوع : لبني يَرْبُوع _ من تميم _ على بَكر _ من ربيعة _ . 34 _ يوم الإياد : لبني يَرْبُوع _ من تَميم _ على بَكر ، ويسمّى: يوم العطالى ، ويوم الإفاقة ، ويوم مليحة ، ويوم أعشاش . 35 _ يوم زُبالَة : وهو لشَيْبان على تَميم . 36 _ يوم مُبايض : وهو _ أيضا _ لشَيْبان على تَميم . 37 _ يوم الشّيِّطين : لبَكر على تميم ، والشَّيِّطان واديان . 38 _ يوم الوَقَبَى : لتميم على بَكر . 39 _ يوم الشِّباك : لبني القَصاف _ من تَميم _ على تَميم اللّه بن ثَعْلَبَة من بَكر . 40 _ يوم شِعْب جَبَلَةَ : لعامر من قَيْس وحلفائهم على تَميم وحلفائهم . 41 _ يوم ذي نَجَب : لبني تَميم على بني عامر . 42 _ يوم الصَّرائِم : بين عَبس ويَرْبُوع . 43 _ يوم الرِّغام : لبني يَرْبُوع _ من تَميم _ على كُلاب بن قَيْس . 44 _ يوم المروَّة : لتَميم ، على عامر بن قَيْس . 45 _ يوم صُؤر : لبني حَنْظَلة على بني رِياح ، وكلاهما من تَميم . 46 _ يوم ذي أَحْثال : لبني تَميم مع بَكر بن وائل . 47 _ يوم الغَول الأوَّل : بين تَميم ، وبَكر بن وائل . 48 _ يوم الغَول الثَّاني : بين تَميم وبني غَسَّان . 49 _ يوم الجبات : بين تَميم وبَكر بن وائل . 50 _ يوم إراب : بين تَغْلِب ، وبني تَميم . 51 _ يوم الوَتِدَة : بين بني تَميم ، وعامِر بن صَعْصَعة . 52 _ يوم مَلْزَق : كان لبني تَميم ، على عامِر وعَبْس . 53 _ يوم الشُّعبية . 54 _ يوم الكُلاب الثَّاني : لبني تَميم ، مع بني الحارث بن كَعب . 55 _ يوم مُسَلِّحَة : لبني تَميم ، على عِجْل ، غَزا فيه قَيْس بن عاصِم ، وبنو غِيَرَة بالنّباج ثَيْتَل إلى جنب مسلحة . 56 _ يوم الزُخَيْخ : لتَميم على اليَمَن . 57 _ يوم جَهْجُوه . 58 _ يوم الرَّحمان . 59 _ يوم ذات الشُّقوق : لبني تَميم وأسَد . 60 _ يوم شوير . 61 _ يوم صَعْفُوق : لبَكر على تَميم . 62 _ يوم فَيْحان : بين تَميم ورَبيعة . 63 _ يوم سَفوان : بين تَميم وشَيْبان ومازِن . 64 _ يوم الشَقِيق : لبَكر على تَميم . 65 _ يوم تقا : بين تَميم وشَيْبان . 66 _ يوم مخطط : لبني يَربُوع على بَكر . 67 _ يوم جَدُود : بين بَكر بن وائل ، وبني مِنْقَر من تَميم . 68 _ يوم خَوّ : بين أسَد وبني يَربُوع . 69 _ يوم السِّتار : بين تَميم وبَكر . 70 _ يوم سَفار : بين تَميم وبَكر . 71 _ يوم نعف قُشاوَة : بين شَيْبان وتَميم . 72 _ يوم بارق : بين تَميم وتَغْلِب والنَّمر . 73 _ يوم اِقرن : بين تَميم وعَبْس . 74 _ يوم فَلْج : لبَكر بن وائل على تَميم . (2)

.


1- . الكُلاب: بضمّ الكاف، اسم ماء كانت عنده وقعة للعرب، وقالوا: الكُلابُ الأوّل، والكُلابُ الثاني، وهما يومان مشهوران للعرب. ( لسان العرب: ج 1 ص 727 ).
2- . راجع : نهاية الإرب للقلقشندي : ص414 _ 425 ، العِقد الفريد : ج4 ص112 _ 249 ، الكامل في التاريخ : ج1 ص354 _ 427 ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج1 ص173 ، معجم قبائل العرب : ج1 ص127 _ 129 ، معجم البُلدان : ج1 ص108 _ 423 وج2 ص89 _ 407 وج3 ص36 _ 422 وج4 ص61 _ 473 وج5 ص111 _ 403 ، المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام : ج5 ص352 _ 386 .

ص: 190

. .

ص: 191

. .

ص: 192

. .

ص: 193

. .

ص: 194

وفضائل تميم كثيرة :منها : كثرة عددهم ، وأكثرهم في بني كَعْب بن سَعْد . ومنها : الإفاضة في الجاهليَّة ، كان ذلك في بني عُطارد ، وهم يتوارثونهُ كابرا عن كابر، حَتَّى جاء الإسلام . ومنها : إنَّ منهم بيوتا شريفة ، ورجالاً كِبارا ، منهم : قَيْس بن عاصم ، الَّذي قال فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ( هذا سيّد أهل الوبر ). (1) ومنهم : زُرَارَة بن عدس ، يقال عنه : إنَّه أشرف البيوت في بني تميم ، وكان حكيما من قضاة تميم ، وكان رئيسهم يوم شويحط . (2) ومنهم : حاجب بن زُرَارَة ، الَّذي وفد على كسرى ، وتكلَّم عنده ، هو وأكثَمُ بن صَيْفِي ّ . ووفد ثانيا _ لمّا منع كسرى تَميما من ريف (3) العراق _ وتكلَّم بما أعجب كسرى ، ثُمَّ رهن عندهُ قوسه ، ليفي بما وعده من الشَّرط للإذن بالدخول في ريف العراق . وسُمّي: أوفى العرب ، ووفد إلى النَّبيّ صلى الله عليه و آله مع تَميم . (4) ومنهم : عُطارد بن حاجب بن زُرَارَة ، وفد على كسرى فطلب قوس أبيه ، ووفد على النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، وهو رئيس تَميم ، فأسلم على يديه ، وأهدى إليه صلى الله عليه و آله تلك القوس فلم يقبلها، فباعها من رجل بأربعة آلاف درهم . قال الجاحظ : ومن خطباء العرب ، عُطارد بن حاجب بن زُرَارَة ، وهو كان الخطيب عند النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، وقال فيه الفَرَزْدَق : ومنَّا خطيب لا يعاب وحاملأغرّ إذا التفت عليه المجامع وفد إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله سَ نَة تسع ، وقيل: سَنَة عشر ، والأوَّل أصح ، وأهدى إليه ثوب ديباج كساه إيَّاه كسرى ، واستعمله النبيّ صلى الله عليه و آله على الصَّدقات في بني تميم . (5) ومنهم : صَعْصَعَة بن ناجِية ، وهو أوَّل من أحيا الموؤودات قبل الإسلام ، وقد اشترى ثلاثمئة موؤودة ، فأعتقهنَّ وربّاهنَّ ، وقرى مئة ضيف ، وكان من أشراف بني مجاشع في الجاهليَّة والإسلام . (6) ومنهم : غالب بن صَعصَعة ، وهو أبو الفَرَزْدَق ، وهو الَّذي قرى مئة ضيف ، واحتمل عشر ديَّاتٍ، لقوم لا يعرفهم ، وفيه قال الفَرَزْدَق : فَلِلهِ عينا مَنْ رَأى مِثْلَ غالِبٍقَرَى مئةً ضَيْفا ولَمْ يَتَكَلَّمِ ولقي عليَّا بالبصرة ، وأدخل عليه الفَرَزْدَق ، وكان مشهورا بالجود . (7) ومنهم : خالد بن عَتَّاب ، الذي كان في الجاهليَّة أجود العرب ، قال ذلك الفَرَزْدَق عند سُلَيْمان ، فلم ينكره . (8) ومنهم : أحلم العرب أحْنَف بن قَيْس ، يضرب به المثل حلما ، وله كلمات قصار ، وخطب ، وله مواقف مع معاوية ، وزِياد ، وطَلْحَة ، والزُّبَيْر ، وله نصائحُ لقومه ، ودفاع عن العجم ، وله موقفٌ مع عمر . (9) ومنهم : الحَرِيش بن هِلال السَعْديّ ،يقال فيه : أنَّه كان أشجع العرب ، ذكره الفَرَزْدَق عند سُلَيْمان مُفاخَرَةً، فلم ينكره . ومنهم : عُتَيْبَة بن الحارث بن شهاب اليَربُوعيّ ، ولو ذكره الفَرَزْدَق لسُلَيْمان ، وقال : إنَّه أشجع العرب ، لكان غير مدافع . قالوا : كانت العرب تقول : لو وقع القمر إلى الأرض، لما التقفه إلاَّ عُتَيْبَة بن الحارث ، لمهارته بالرُّمح ، وكان يقال له : صياد الفوارس ، وسمّ الفوارس . وهو الَّذي أسر بِسْطام بن قَيْس . . . وهو المُقدَّم على فرسان العرب كلّها . . . (10) ومنهم : هند بن أبي هالة ، أكرم النَّاس عمَّا وعمَّةً وجدَّا وجدَّةً ، ابن خَدِيجة عليهاالسلام ، من أبي هالة ، فتبناه النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، قتل مع عليّ عليه السلام يوم الجمل ، وهو الَّذي روى الحسن والحسين عليهماالسلام عنه أوصاف النَّبيّ صلى الله عليه و آله . (11) ومنهم : أكثَمُ بن صَيْفِي ّ ، أحكم العرب في الجاهليَّة ، أحد بني أسَد بن عَمْرو بن تميم ، كان أكثر أهل الجاهليَّة حِكَما ومَثَلاً وموعظةً سائرة . وكتب إلى النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، وأجابه رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (12) ومنهم : ذو الأعْواز ، كان له خَراج على مُضر ، خَراج توِّيه إليه حَتَّى شاخ ، فكان يحمل على سرير، فيطاف به على مياه العرب ؛ فَيوَّى إليه الخَراج . ومنهم : هلال بن أحوز المازني ّ ، الَّذي ساد تَميما كلّها في الإسلام ، ولم يسدّها غيره . (13) ومنهم : لَقِيط بن زُرَارَة ، الَّذي قاد تَميما يوم جَبلَّة . (14) ومنهم : قعقاع بن مَعْبَد بن زُرَارَة ، له صحبة، كان يقال له : تيَّار الفرات ؛ لسخائه ، وكان من سادات تَميم . (15) ومنهم : قعقاع بن عَمْرو التَميمي ّ ، أخو عاصِم ، كان من الشُّجْعان الفُرسان . (16) ومنهم : مُحَمَّد بن عُميْر بن عُطارِد بن حاجِب بن زُرَارَة ، وهو ممَّن كتب إلى الحسين عليه السلام ، وكان أحد أمراء عليّ عليه السلام بصفِّين . (17) ومنهم : ضِرَار بن القعقاع من بني دارم ، في قصَّة حكاها الأصْمعيّ ، إلى أن قال : لمَّا دخل ضِرَار المسجد، فلم تبق حبوة إلاَّ حلَّت إعظاما له ، ثُمَّ جلس فتحمَّل جميع ما كان بين الأحياء في ماله ، ثُمَّ انصرف ، وهو من رؤساء بني تَميم . (18) ومنهم : عَتَّاب بن هرمي بن رِياح ، من بَني رَباح بن يَربُوع ، كانت له ردافة الملوك ، ملوك آل المُنْذِر ، وورث ذلك بنوه كابرا عن كابر ، حَتَّى قام الإسلام . (19) ومنهم : عَتَّاب بن وَرْقاء ، يقال : أنَّه أحلم العرب ، وهو من أجود العرب ، وهو شجاع فاتك . (20) ومنهم : عَمْرو بن الأهْتَم المِنْقَري ّ ،الخطيب عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، و عند عمر بن الخَطَّاب ، وكان شاعرا ، وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ لمّا أعجبه كلام عمرو _ : « إنَّ مِنَ البَيانِ لَسِحرا » . ويضرب به المثل في البلاغة ، وقد عدَّه الجاحظ : ممَّن يجمع الشِّعر والخطابة ، وكان يُدعى المُكَحَّل؛ لجماله ، وهو الَّذي قيل فيه : إنَّما شعره حُلَل منتشرة بين أيدي الملوك ، تأخذه منه ما شاءت ، ولم يكن في بادية العرب أخطب منه . (21) ومنهم : الأقْرَع بن حابِس ، وفد إلى النَّبيّ صلى الله عليه و آله مع عُطارد بن حاجِب ، وزِبْرِقان بن بَدر ، وقَيْس بن عاصِم ، وغيرهم من الأشراف ، وهم الَّذِين نادوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله من وراء الحُجُرات ، وجاؤوا إليه بخطيبهم وشاعرهم للمفاخرة ، وكان شريفا في الجاهليَّة والإسلام ، وكان حَكَما في الجاهليَّة ، وكان من المؤلّفة قلوبهم ، وكان رئيسا في يوم لشَيْبان على تَميم ، ويفتخر الفَرَزْدَق بشجاعته . (22) ومنهم : زِبْرِقان بن بَدر ، كان من الوافدين إلى النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، وجعله على صدقات عَوْف والرَّباب ، وكان شاعرا يعادل بالحُطَيئَة والمُخَبَّلِ . وكان له ثلاثة أسماء : منها القمر ، وسُمِّي بذلك لصفرة عمامته ولسؤدده وسخائه ، وهو شاعر وفد تميم عند النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، وكان سيّدا في الجاهليَّة ، وعظيم القدر في الإسلام . (23) ومنهم : الحُتات _ بِشْر _ بن يَزيد المُشاجِعي ّ التَميميّ الدَّارِميّ ، كان من الوافدين إلى النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، وكان أعرف الناس بمواقع العيوب ، وأبصرهم بدقيقها وجليلها . (24) ومنهم : أُحَيْمِر بن خَلَف بن بهدَلة بن عَوْف بن كَعْب بن سَعْد بن زَيْد مناة بن تَميم . ولمَّا قال المُنْذِر بن المُنْذِر بن ماء السَّماء ذات يوم _ وعندَه وفودُ العرب _ ، ودعا بِبُردَي أبيه محرِّق بن المُنْذِر ، فقال : ليَلْبَس هذين أعزُّ العَرَب ، وأكرمُهم حَسَبا ، فأحجَمَ النَّاس ، فقال أحيمر بن بهدَلة . . . بن تَميم: أنا لهما ، قال الملك : بماذا ؟ قال : بأنَّ مُضر َ أكرمُ العرب ، وأعزُّها وأكثرها عَديدا ، وأنَّ تَميما كاهِلها وأكثرها ، وأنَّ بَيْتَها وعددها في بني بَهدلة بن عَوْف ، وهو جَدَّي ، . . .وقال : أنا أبو عَشرَة ، وأخو عَشرَة وعمّ عَشرَة . . . (25) ومنهم : قَيْس بن عاصِم المِنْقَري ّ ، فهو في سادات بني مِنْقَر من تَميم ، ويعدّ من سادات أهل الوبر ، ومن حُلماء تَميم ، وممَّن حرَّم الخمر على نفسه في الجاهليَّة . (26) ومنهم : جارية بن قُدامَة ، وحارِثة بن بَدر ، وزَيْد بن جَبَلَة ، وأعْيَن بن ضُبَيْعَة ، واُحَيْمِر بن عبد اللّه ، ونَعِيم بن زَيْد . قال الجاحظ : ولإياد وتَميم في الخُطب خَصلة _ ثُمَّ نقل كلام قَيْس بن ساعدة وعَمْرو بن الأهْتَم والأحْنَف _ وقال : ومن خطباء بني تَميم عَمْرو بن الأهْتَم . . . وصَفْوَان بن عبد اللّه بن الأهْتَم ، وعبد اللّه بن عبد اللّه بن الأهْتَم . . .و محمَّد الأحْوَل بن خاقان ، ومعمَّر بن خاقان ، ومؤمّل بن خاقان ، وخاقان بن المؤمّل بن خاقان ، وصَبَاح بن خاقان ، والحَكَم بن النَّضْر ، وهو أبو العَلاء المِنْقَري ّ ، والخَزْرَج بن الصَّدِي ّ ، وعَمَّار بن سُلَيْمان ، وعبد اللّه وجَبْر ، ابنا حَبِيب ، وعبد اللّه وعبَّاس ابنا رُؤبة وخِدَاش بن لَبيد . (27) وفي شجاعة بني تميم ، قال دَغْفَل النّسَّابة : « حُجْرٌ أخشَنُ ، إن دنوت منه آذاك ، وإن تركتَه خلاّك » . (28) هؤلاء جمع من رجال تَميم ، فمن أراد تفصيل تراجمهم وبلاغتهم وفصاحتهم وعلمهم وسخائهم وشجاعتهم ، فليراجع المصادر المتقدّمة . هؤلاء فيهم الجواد والشُّجاع، والحليم والحكيم، والخطيب في الجاهليَّة والإسلام . وقد عبّر أمير المؤمنين عليه السلام عن هؤلاء ، بالنُّجوم ، مدحا لهم بما فيهم من كرائم الأخلاق والصِّفات الفاضلة ، وإن كان منهم اتّباع مسيلمة وسجاح ، ومنهم اتّباع بني أُميَّة ، وقتلة سيِّد الشُّهداء ، أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام ، وكان منهم اتّباع طَلْحَة والزُّبَيْر وعائِشَة ، واتّباع عبد اللّه بن الحَضْرَمِي ّ . وفي الحقيقة مدح عليه السلام الصِّفات الفاضلة والمواقف الكريمة ، لأنَّ الفضائل ممدوحة ، ولو كانت في فاسق أو فاجر . . .

.


1- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص128 _ 131 ، الكامل في التاريخ : ج1 ص399 و407 و425 ، أسد الغابة : ج4 ص411 ؛ الأمالي للسيد المرتضى : ج1 ص72 .
2- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص128 ، الكامل في التاريخ : ج1 ص353 _363 ، البيان والتبيين : ج4 ص25 .
3- . ريف : هو الخصب والمرعى في الأصل، وهو هاهنا السَّواد والمزارع، ومحدقة محيطة، ومغدقة غزيرة، والغدق الماء الكثير .
4- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص128 _ 130 ، الكامل في التاريخ : ج1 ص642 ، العِقد الفريد : ج1 ص273 و275 و280 ، الإصابة : ج4 ص419 .
5- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص47 ، الكامل في التاريخ : ج1 ص642 ، أسد الغابة : ج4 ص40 ، الإصابة : ج4 ص419 .
6- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص128 و129 ، أسد الغابة : ج3 ص22 ، الإصابة : ج3 ص347 ، البداية والنهاية : ج8 ص63 .
7- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص128 و129 ، الإصابة : ج5 ص206 .
8- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص131 ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج3 ص94 ، تاريخ الطبري : ج6 ص271 _ 300 ، البيان والتبيين : ج3 ص236 .
9- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص130 ، أسد الغابة : ج1 ص178 ، الإصابة : ج1 ص331 .
10- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص131 ،الكامل في التاريخ : ج1 ص391 ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج1 ص124 .
11- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص131 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص350 ، أسد الغابة : ج5 ص390 ، الاستيعاب : ج4 ص105 .
12- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص106 و115 و132 ،العقد الفريد : ج1 ص273 _ 275 ، أسد الغابة : ج1 ص272 ، الإصابة : ج1 ص350 ، نهاية الإرب : ص41 ؛ كنز الفوائد : ج2 ص123 ، بحار الأنوار : ج22 ص87 .
13- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص132 ، فتوح البلدان : ج3 ص540 .
14- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص133 ، الكامل في التاريخ : ج1 ص380 _ 383 ؛ الأمالي للسيّد المرتضى : ج3 ص154 .
15- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص133 ، أسد الغابة : ج4 ص390 ، الإصابة : ج5 ص344 ، البيان والتبيين : ج2 ص273 .
16- . راجع : الإصابة : ج5 ص342 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص27 .
17- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص133 ،تاريخ الطبري : ج5 ص353 ، أنساب الأشراف : ج3 ص370 ، الإصابة : ج6 ص271 .
18- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص133 و134 ، الكامل في التاريخ : ج1 ص411 ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج1 ص332 و333 .
19- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص130 .
20- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص166 و163 و263 ، الكامل في التاريخ :ج2 ص614 ، البيان والتبيين : ج3 ص206 .
21- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج13 ص15 ، الكامل في التاريخ : ج1 ص642 ، أسد الغابة : ج4 ص184 ، الإصابة : ج4 ص497 ، نهاية الإرب للقلقشندي : ص388 .
22- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص47 وج17 ص91 و226 ، الكامل في التاريخ : ج1 ص642 و630 ، أسد الغابة : ج1 ص264 ، الإصابة : ج1 ص252 ، البيان والتبيين : ج1 ص290 .
23- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج13 ص15 ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج1 ص222 _ 226 ، الكامل في التاريخ : ج1 ص642 و630 ، أسد الغابة : ج2 ص303 و304 ، الإصابة : ج2 ص454 ، البيان والتبيين : ج1 ص53 و240 و349 .
24- . راجع : الكامل في التاريخ : ج2 ص485 ، أسد الغابة : ج1 ص687 ، الإصابة : ج2 ص25 ، البيان والتبيين : ج1 ص59 وج2 ص237 .
25- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص127 .
26- . راجع : المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام : ج5 ص366 ، أسد الغابة : ج4 ص411 و412 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص127 .
27- . راجع : البيان والتبيين : ج1 ص52 و355 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص27 .
28- . راجع : البيان والتبيين : ج2 ص80 .

ص: 195

. .

ص: 196

. .

ص: 197

. .

ص: 198

. .

ص: 199

. .

ص: 200

. .

ص: 201

الثَّالث :إنَّ في بيان قوله عليه السلام « و إنَّ لهم بِنَا رَحِما مَاسَّةً » إلى آخر قوله عليه السلام « مَأْزُورُونَ على قَطِيعَتِهَا » لابُدَّ من بيان أُمور : الأوَّل : إنَّ من المعلوم _ وبنصّ القرآن الكريم _ وجوب صِلة الأرحام ، وحرمة قطعها ، قال اللّه عز و جل : « وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ » (1) ، وقال سبحانه : « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ » (2) و « وَ يَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَ_سِرُونَ » . (3) ويدلُّ عليه من السُّنَّة ، الأحاديث المتواترة ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حديث : « ألاَّ إنّ فِي التَّبَاغُضِ الحَالِقَةَ ، لا أعْنِي حَالِقَةَ الشَّعْرِ ، و لَكِنْ حَالِقَةَ الدِّينِ . (4) وعن أبي عَبد اللّه ِ عليه السلام : اتَّقُوا الحَالِقَةَ ، فَإِنَّهَا تُمِيتُ الرِّجَالَ . قُلْتُ : ومَا الحَالِقَةُ ؟ فقال قَطِيعَةُ الرَّحِمِ » . (5) [ ونقل ] عُثْمَانُ بن عِيسَى ، عن بَعض أصْحَابِنَا ، عن أبِي عَبد اللّه عليه السلام قال : قُلْتُ له : إِنَّ إخوَتِي وبَنِي عَمِّي قد ضَيَّقُوا عليَّ الدَّار ، وألْجؤونِي منها إلى بَيْتٍ ، ولو تَكَلَّمْتُ أخَذْتُ ما في أيدِيهم ، قال : فَقَال لي : « اصْبِر ، فَإِنَّ اللّه َ سَيَجْعَلُ لكَ فَرَجا » . قَال : فَانْصَرَفْتُ ، ووَقَعَ الوَبَاءُ في سَنَةِ إِحْدَى وثَلاثِين ومئَةٍ ، فَمَاتُوا واللّه ِ كُلُّهُمْ ، فما بَقِي مِنهم أحَدٌ . قال : فَخَرَجْتُ فَلَمَّا دَخَلْتُ عَليه ، قال : « ما حَالُ أهْلِ بَيْتِكَ ؟ » قال : قُلْتُ لَه : قد مَاتُوا واللّه ِ كُلُّهُم ، فمَا بَقِيَ مِنهم أحَدٌ . فَقَال : « هُو بِمَا صَنَعُوا بِكَ، وبِعُقُوقِهِمْ إِيَّاكَ ، وقَطْع رَحِمِهِم بُتِرُوا ، أ تُحِبُّ أنَّهُم بَقوا وأنَّهُم ضَيَّقُوا عَلَيْك ؟ » قال : قُلْت : إِي واللّه . (6) وعن أبي جعفر عليه السلام : « في كِتَاب عَلِيٍّ عليه السلام : ثَلاثُ خِصَالٍ لا يَمُوتُ صَاحِبُهُنَّ أبَدا حَتَّى يَرَى وَبَالَهُنَّ : البَغْيُ ، وقَطِيعَةُ الرَّحِم ، واليَمِينُ الكَاذِبَةُ يُبَارِزُ اللّه َ بها ، وإِنَّ أعْجَلَ الطَّاعَةِ ثَوَابا لَصِلَةُ الرَّحِم ، وإِنَّ القَوْمَ لَيَكُونُونَ فُجَّارا ، فَيَتَوَاصَلُونَ فَتَنْمِي أمْوَالُهُمْ ويُثْرُونَ ، وإِنَّ اليَمِينَ الكَاذِبَةَ وقَطِيعَةَ الرَّحِمِ ، لَتَذَرَانِ الدِّيَارَ بَلاقِعَ مِنْ أهْلِها ، وتَنْقُلُ الرَّحِمَ ، وإِنَّ نَقْلَ الرَّحِمِ انْقِطَاعُ النَّسْلِ » . (7) وعن أبي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قال : قَال أمِيرُ المُومِنِينَ عليه السلام فِي خُطْبَتِه : « أعُوذُ بِاللّه ِ مِن الذُّنُوبِ الَّتي تُعَجِّلُ الفَنَاءَ » ، فَقَام إِلَيْه عَبْدُ اللّه بنُ الكَوَّاء اليَشْكُرِي ُّ ، فَقَال : يَا أمِيرَ المُومِنِين َ ، أوَ تَكُونُ ذُنُوبٌ تُعَجِّلُ الفَنَاء ؟ فَقَال عليه السلام : « نَعَم ويْلَكَ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ ، إِنَّ أهْل البَيْت لَيَجْتَمِعُونَ ويَتَوَاسَوْنَ وهُمْ فَجَرَةٌ ، فَيَرْزُقُهُمُ اللّه ُ ، وإِنَّ أهْلَ البَيْتِ لَيَتَفَرَّقُون ويَقْطَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضا ، فَيَحْرِمُهُمُ اللّه ُ وهُم أتْقِيَاءُ » . (8) وقال أمِيرُ المُومِنِين عليه السلام : « إِذَا قَطَّعُوا الأرْحَامَ ، جُعِلَتِ الأمْوَالُ فِي أيْدِي الأشْرَارِ . (9) وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ في وصيَّته لعليّ عليه السلام _ : قال اللّه جل جلاله : وعزَّتي وجَلالي ، لا يَدخُلُها مُدمِنُ خَمرٍ، ولا نَمَّامٌ، ولا دَيُّوثٌ، ولا شُرطيٌّ، ولا مُخَنَّثٌ ولا نَبَّاشٌ، ولا عَشَّارٌ، ولا قاطِعُ رَحِمٍ » ، الحديث . (10) وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « ثلاثةٌ لا يدخلون الجنَّة : مُدمِنُ خمرٍ ، ومُدمِنُ سِحرٍ ، وقاطع رَحِمٍ » . . . (11) وعنه صلى الله عليه و آله قال : « أخبرني جبرئيل عليه السلام ، أنَّ ريحَ الجنَّة يُوجَدُ مِن مَسيرَةِ ألفِ عامٍ، ما يَجِدُها عاقٌ ولا قاطِعُ رَحِمٍ » . . . (12) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدَّالة على حرمة قطع الرَّحم ، وكونه معصية كبيرة من الكبائر . وإن أردت الوقوف على الأحاديث الواردة عن النَّبي ّ العظيم صلى الله عليه و آله وعترته الطَّاهرة عليهم السلام ، فراجع المصادر التي أشرنا إليها في الهامش؛ حَتَّى تقف على أهميَّة صلة الرحم ، وخطورة القطيعة ، وآثارهما الدُّنيويَّة ، والأُخرويَّة ، والفرديَّة ، والإجتماعيَّة ، والماديَّة ، والمعنويَّة ؛ أعاذنا اللّه _ تبارك وتعالى _ من القطيعة ، ووفّقنا لصلة الأرحام ، إن شاء اللّه . (13) الثَّاني : ما المراد من الرَّحم والأرحام في هذا المقام ؟ ومَن هم ؟ فهل يقتصر على بطن أو بطون معيَّنة أم لا ؟ قال شيخنا البهائي قدس سره : قصر العلماء الرَّحم على مَن يحرم نكاحه ، والظَّاهر أنَّه كل مَن عُرِفَ بِنسبَتهِ وإن بَعُد ، ويؤيده ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى : « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الْأَرْضِ وتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ » (14) أنَّها نزلت في بني أُميَّة ، وما صدر عنهم ، بالنِّسبة إلى أئمّة أهل البيت عليهم السلام (15) . ولا يخفى كم من البعد بين الأئمّة عليهم السلام وبني أُميَّة من النَّسب . وقال العلاّمة السَّيِّد في شرح الصَّحيفة ، في شرح الرَّوضة الثَّانية : سُمّيت القرابةُ رَحِما ؛ لكونهم يرجعون إلى رحم واحدة ، واختلف العلماء في تحقيق معناها ، فقيل : هي خلاف الأجنبي ، فتعمّ القرابة والوصلة من الولاء ، ذكره القيّومي في المصباح . وقيل : هي قرابة الرَّجل من طرفيه : آبائه وإن علوا ، وأبنائه وإن سَفَلوا ، وما يتّصل بالطرفين من الأعمام والعمّات والإخوة والأخوات وأولادهم . وقيل : هي الرَّحم الَّتي تجب صلتها ، كلّ رحم بين اثنين ، لو كان ذكرا لم يتناكحا ، فعلى هذا ، لا يدخل أولاد الأعمام وأولاد الأخوال . وقيل : هي _ الرحم _ نسبة واتصال بين المنتسبين اللّذين تجمعهما رحم واحدة . قيل : وهذا يشبه أن يكون دوريّا ، وليس بدوريّ ، لأنَّ الرَّحم الواقعة في التَّعريف ، بمعنى موضع تكوين الولد فلا دور ، هذا معنى قول بعضهم : الرحم تعمُّ كل من يجمع بينك وبينه نسب وإن بَعُد ، وهو أقرب إلى الصَّواب ، ويدلّ عليه ما رواه عليّ بن إبراهيم ، في تفسير قوله تعالى : « فَهَلْ عَسَيْتُمْ . . . » _ وذكر الرِّواية المتقدّمة _ . (16) وقال العلاّمة القرطبي في تفسيره : الرَّحم اسم لكافَّة الأقارب ، من غير فرق بين المَحرَمِ وغيره . وأبو حنيفة يعتبر الرَّحم المحرم ، في منع الرجوع في الهبة ، ويجوز الرُّجوع في حقّ بني الأعمام، مع أنَّ القطيعة موجودة والقرابة حاصلة ... (17) وروى السُّيوطي فقال : وأخرج الطَّيالسي والحاكم وصحّحه ، والبيهقي عن ابن عبَّاس رحمه الله ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « اعرفوا أنسابَكُم ، تَصِلوا أرحامَكُم ، فإنَّه لَأقرَبُ لِرَحِمٍ إذا قُطِعَت وإن كانت قريبة ، ولا بُعدَ لها إذا وُصِلَت وإن كانت بَعيدَةً » . (18) وعن الإمام الرِّضا عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « لمَّا أُسرِيَ بي إلى السَّماءِ رأيتُ رَحِما مُتعلِّقةً بالعرش ، تشكو رَحِما إلى رَبِّها ، فَقُلتُ لها : كم بَينَكِ وبَينها مِن أبٍ ؟ فَقالَت : نلتقي في أربَعِينَ أبا » . (19) وعن داوود بن كثير الرِّقي ّ ، قال : كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السلام ، إذ قال مبتدئا من قِبَل نفسه : « يا داودُ ، لَقد عُرِضَت عليَّ أعمالُكم يَومَ الخميسِ ، فَرأيتُ فيما عُرِضَ عليَّ من عَمَلِكَ ، صِلَتكَ لابن عَمِّكَ فلان ، فسرَّني ذلك » . . .الحديث . (20) عن ميسر قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا ميسرُ ، لقد زِيدَ في عُمُرِكَ ، فأيّ شيءٍ تَعمَلُ؟ قال : كنت أجيرا _ وأنا غُلامٌ _ بخمسة دراهم فكنتُ أجريها على خالي (21) . (22) عن سالمة ، مولاة أبي عبد اللّه عليه السلام قالت : كُنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام ، حين حضرته الوفاة ، فأُغمي عليه ، فلمَّا أفاق ، قال : أعطوا الحسنَ بنَ عليِّ بن الحسين و _ هو _ الأفطس سبعين دينارا . . . يا سالمةُ إنَّ اللّه َ خَلَقَ الجَنَّة وطيَّبها وطيَّب ريحها ، وإنَّ ريحَها لَتُوجَدُ مِن مَسيرَةِ ألفي عامٍ ، ولا يَجِدُ ريحها عاقٌّ ولا قاطعُ رحمٍ . (23) وقال الشَّهيد رحمه الله : التَّرغيب في صلة الأرحام ، والكلام فيها في مواضع ، الأوَّل : ما الرَّحم ؟ الظَّاهر أنَّه المعروف بنسبه وإن بَعُدَ ، إن كان بعضه آكد من بعض ، ذَكَرا كان أو أُنثى ، وقصره بعض العامَّة على المحارم الَّذين يحرُم التَّناكح بينهم، إن كانوا ذكورا وإناثا ، وإن كانوا من قبيل يقدر أحدهما ذكرا والآخر أُنثى ، فإن حَرُمَ التَّناكح فهو الرَّحم . . . . وهذا بالإعراض عنه حقيق ، فإنَّ الوضع اللُّغوي يقتضي ما قلناه ، والعرف أيضا والأخبار دلّت عليه ، وفيها تباعد بآباء كثيرة وقوله تعالى : « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ » (24) ، عن عليّ عليه السلام : أنَّها نزلت في بني أُميَّة ، أورده عليّ بن إبراهيم رحمه الله في تفسيره ، وهو يدلّ على تسمية القرابة المتباعدة رحما . (25) وقال النَّراقي ّ رحمه الله : المراد بالرَّحم الَّذي يحرم قطعه وتجب صلته ، ولو وهب له شيء لا يجوز الرُّجوع عنه ، هو مطلق القريب المعروف بالنَّسب ، وإن بعُد النَّسب وجاز النِّكاح . (26) وفي حديث طويل قال الصَّادق عليه السلام ، للمنصور الدَّوانيقي : « فَصِلْ رَحِمَكَ يَزِدِ اللّه ُ في عُمُرِكَ ، ويُخفّف عَنكَ الحِسابَ يومَ حَشرِكَ » ، فقال المنصور : قد صَفَحتُ عَنكَ لِقَدرِكَ ، وتجاوَزتُ عَنكَ لِصِدقِكَ . . . (27) ولمَّا أحضره المنصور ، حدَّثه عليه السلام بحديث عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « الرَّحِمُ حَبلٌ مَمدودٌ مِنَ الأرضِ إلى السَّماءِ ، يَقولُ : مَن قَطَعنِي قَطَعَهُ اللّه ُ . . . » الحديث . (28) وعنه عليه السلام _ فيما أورده على المنصور _ : « إنَّ رسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قال : رأيت رَحِما متعلِّقة بالعرشِ ، تشكو إلى اللّه تعالى عز و جل قاطعها ، فقلت : يا جَبرَئِيل ُ كَم بَينَهُم ؟ قال : سَبعَةُ آباء . . . » . وعنه عليه السلام _ فيما قال للمنصور أيضا _ : «أنتَ ابنُ عَمّي وأمسُّ الخَلقِ بي رَحِما ». (29) وعنه عليه السلام عندما وقع بينه وبين عبد اللّه بن الحسن كلام ، ارتفعت فيه أصواتهما ، فبكّر عليه السلام وخرج إلى عبد اللّه ، وقال : « إنِّي مَرَرتُ البارِحَةَ بآيةٍ مِن كتابِ اللّه ِ فَأقلقني ، قال : وما هي ؟ قال : قوله عز و جل : « وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ » (30) . . .» (31) . وفي كلام الحسين عليه السلام المعروف أنَّه قال لعُمر بن سَعْد : « قَطَعَ اللّه ُ رَحِمَكَ . . . كما قَطَعتَ رَحِمي » (32) . وقال صلى الله عليه و آله : تَعلَّموا مِن أنسابِكُم ما تَصِلونَ بِهِ أرحامَكُم ، فإنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ محبّةٌ في الأهل ، مَثراةٌ في المالِ ، منسأةٌ في الأثر . (33) [ أقول : « الرَّحم » ليس في معناها حقيقة شرعيَّة ، ولا متشرّعية ، بل تطلق على معناها اللُّغوي ، والظَّاهر منها : هو إنَّ الرَّحم نسبة بين اثنين تجمعها رحم واحدة ، كما اختاره السَّيِّد في الشَّرح ، والشَّهيد في القواعد ، والقرطبي في تفسيره ، وما نقل عن شيخنا البهائيّ رحمه الله . قال في القاموس : الرَّحِم بالكسر كَكَتِف ، بيت مَنْبِتِ الولدِ ، ووعاؤه، والقرابَة أو أصلُها وأسبابُها . (34) قال الرَّاغب : الرَّحِمُ ، رَحِمُ المرأة ، وامْرَأةٌ رَحُومٌ تَشْتَكي رَحِمَها ، ومنه استُعير الرَّحِمُ للقرابةِ ، لكونهم خارجين مِن رَحِمٍ واحدة . (35) ويؤيّد ما ذكرنا ما جاء في الحديث : أنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : « لمَّا أُسري بي إلى السماء، رأيتُ رَحِما مُتعلِّقةً بالعرش تشكو رَحِما إلى ربِّها ، فقلت لها : كَم بَينَكِ وبينها مِن أبٍ ؟ فقالت : نلتقي في أربعين أبا » . (36) يؤيّده ما تقدَّم من الحديث : « فقلت : يا جَبرئِيلُ كَم بَينَهم ؟ قال : سَبعةُ آباء » ، وما تقدّم أيضا من تفسير الآية « . . .وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ . . . » (37) بأنَّها نزلت في بني أُميَّة مع بُعدِ ما بين أُميَّة ، كمعاوية ويزيد ، والحسين عليه السلام من النَّسَب . ويؤيّد ذلك، الأمر بمعرفة الأنساب لِصلَةِ الأرحام ، إذ لو كان المرادُ القريبَ منهم لم يحتج إلى تعلّم الأنساب ، وكذا يؤيّد كونها أعمّ من العمودين، وشمولها لبني الأعمام والأخوال، ما تقدّم أيضا من الرِّوايات . قال في لسان العرب _ بعد ذكر اشتقاقها _ : وأصلها الرَّحم الَّتي هي مَنْبِت الولد وهي الرِّحِم . ] وعن [الجوهري : الرَّحِمُ القرابة . . .قال ابن الأثير : ذوو الرَّحم هم الأقارب ، ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب . (38) ] ثُمَّ أخذ في بيان اختلاف الفقهاء في من ينعتق على الإنسان ، وما قيل من القيود خارج عن المعنى الحقيقي ، والقيود التي أخذت في موضوع الحكم شرعا أو عقلاً في ملك الأرحام أو الهبة للأرحام أو الوقف أو الوصيّة للأرحام ، وكذلك تقييد الشَّهيد رحمه اللهوالشَّيخ البهائي بقوله : المعروف بنسبه ، تقييدٌ عقلي ، لأنَّ المجهول لا يقع موردا للتكليف ، إن كان المراد الجهل المركب أو البسيط الَّذي لا يمكن رفعه ، وتقييد شرعي، إذا قلنا بعدم وجوب حفظ الأنساب البعيدة _ كما هو كذلك _ . ] [ ويؤيّد ما ذكرنا قوله عليه السلام في هذا الكتاب : « وإنَّ لهم بنا رَحِما ماسَّةً وقَرابةً خاصّة » ، إذ المراد ظاهرا أنَّ نسب كُلِّ واحد من بني هاشم وبني تميم ، ينتهي إلى إلياس بن مضر ، لأنَّ هاشما هو ابن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مُرَّة بن كَعْب بن لؤي بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانَة بن خُزَيْمَة بن مُدْرِكَة بن إياس بن مضر ، كما في ترجمة رسول اللّه صلى الله عليه و آله من أُسْد الغابَة ، ونهاية الإرب للقلقشندي ّ ، وسيرة ابن هِشام (39) ، والبحار (40) عن المناقب لابن شهر آشوب (41) ، أنَّه أسقط كَعْبا (42) بين مُرَّة ولُؤي ّ ، كما أنَّ في معجم القبائل (43) ذكر النَّسب وأسقط كِنانَة ، وكلاهما سهو ؛ لما تقدم من نقل الأعاظم ، ولما ذكره وشرحه الحَلبي ُّ في السِّيرة (44) ، ودحلان أيضا في السِّيرة بهامش الحَلبي ّ ، وابن الأثير في الكامل (45) ، وفي البِداية والنِّهاية (46) ناقلاً ذلك عن النَّبيّ صلى الله عليه و آله ومروج الذَّهب (47) . وتميم هو ابن مرّة بن أدّ بن طابخة بن إليْاس بن مُضِر ، كما في نهاية الإرب (48) ، ومعجم القبائل (49) ، وبين أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلاموبين مُضَر ما يقرب من عشرين أبا ، ومع ذلك اعتبرها علي عليه السلام رحما ماسّة . كما إنَّ الحسين عليه السلام قال لِعُمَر بن سعد : « قَطعتَ رَحِمي » ، مع أنَّه _ عمر _ ابن سَعْد بن أبي وَقَّاص بن وُهَيْب بن عبْد مَنَاف بن زُهْرَة بن كِلاب بن مُرَّة ، وهم يلتقون مع هاشم في كِلاب بن مُرَّة . قال العلاّمة المجلسي ّ رحمه الله في البحار _ بعد نقل جمّ من الأخبار _ : اعلم إنَّ العلماء اختلفوا في الرَّحم الَّتي يلزم صلتها ، فقيل : الرَّحم والقرابة نسبةٌ واتصال بين المنتسبين يجمعها رحم واحدة ، وقيل : الرَّحم عبارة عن قرابة الرَّجل من جهة طرفيه : آبائه وإن علوا ، وأولاده وإن سفلوا ، وما يتّصل بالطرفين من الإخوان والأخوات وأولادهم والأعمام والعمَّات . وقيل : الرَّحم الَّتي تجب صلتها، كلُّ رَحِمٍ بين اثنين ، لو كان ذكرا لم يتناكحا فلا يدخل فيهم أولاد الأعمام والأخوال ، وقيل : هي عامٌّ في كل ذي رحم من ذوي الأرحام المعروفين بالنَّسب محرَّمات أو غير محرَّمات ، وإن بعدوا ، وهذا أقرب إلى الصَّواب ، بشرط أن يكونوا في العرف من الأقارب ، وإلاَّ فجميع النَّاس يجمعهم آدم وحوَّاء . وأمَّا القبائل العظيمة كبني هاشم في هذا الزَّمان ، هل يعدُّون أرحاما ؟ فيه إشكال ويدلُّ على دخولهم فيها ، ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى : « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ » (50) أنَّها نزلت في بني أُميَّة ، وما صدر منهم بالنِّسبة إلى أهل البيت عليهم السلام . قال ابن الأثير في النِّهاية : فيه من أراد أن يطول عمره ، فليصل رحمه ، وقد تكرَّر في الحديث ذكر صلة الرَّحم ، وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النَّسب والأصهار ، والتَّعطُّف عليهم ، والرِّفق بهم ، والرِّعاية لأحوالهم ، وكذلك إن بعدوا وأساؤوا ، وقطع الرَّحم ضد ذلك كلّه ، يقال : وصَلَ رَحِمَهُ يَصِلُها وَصْلاً وصِلَةً، والهاء فيها عوض من الواو المحذوفة، فكأنَّه بالإحسان إليهم قد وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والصهر، انتهى . وقال الشَّهيد الثَّاني رحمه الله : اختلف الأصحاب في أنَّ القرابة من هم ؟ لعدم النَّصِّ الوارد في تحقيقه ، فالأكثر أحالوه على العرف ، وهم المعروفون بنسبه عادة سواء في ذلك الوارث وغيره . وللشيخ قول بإنصرافه إلى مَن يتقرَّب إليه ، إلى آخر أب وأُمّ في الإسلام ، ولا يرتقي إلى آباء الشِّرك ، وإن عرفوا بقرابته عرفا ، لقوله صلى الله عليه و آله : « قطع الإسلام أرحام الجاهليَّة » ، وقوله تعالى لنوح عن ابنه : « إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ » (51) . وقال ابن الجنيد : مَن جعل وصيَّته لقرابته وذوي رحمه _ غير مسمَّين _ كانت لمن تقرَّب إليه من جهة ولده أو والديه ، ولا أختار أن يتجاوز بالتَّفرقة ولد الأب الرَّابع ؛ لأنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يتجاوز ذلك في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس ، ثُمَّ على أيِّ معنى حمل يدخل فيه الذَّكر والاُنثى ، والقريب والبعيد ، والوارث وغيره ، ولا فرق بين ذوي القرابة وذوي الرَّحم ، انتهى . فإذا عرفت هذا فاعلم أنَّه لا ريب في حسن صلة الأرحام ، ولزومها في الجملة ، ولها درجات متفاوتة بعضها فوق بعض ، وأدناها الكلام والسَّلام ، وترك المهاجرة ، ويختلف ذلك أيضا باختلاف القدرة عليها ، والحاجة إليها . فمن الصِّلة ما يجب ومنها ما يستحبُّ ، والفرق بينهما مشكل ، والاحتياط ظاهر ، ومن وصل بعض الصِّلة ولم يبلغ أقصاها ومن قصر عن بعض ممَّا ينبغي أو عمَّا يقدر عليه ، هل هو واصل أو قاطع ؟ فيه نظر ؛ وبالجملة ، التَّمييز بين المراتب الواجبة والمستحبة في غاية الإشكال ، واللّه أعلم بحقيقة الحال ، والاحتياط طريق النَّجاة . (52) قلت : اتَّضح ممَّا تقدَّم ما في كلام المجلسي ّ رحمه الله من النَّظر ، لأنَّ القيود التَّعلقية أو الشرعيَّة المستفادة من الدَّليل الشَّرعي، لا توجب الضيق في المفهوم ، نعم إذا ثبت قيد أخذنا به، وإلاَّ يجب الأخذ بإطلاق الدَّليل مالم أن يسقط الوجوب بالحرج . وأمَّا ما ذكره ابن الأثير من شموله للمصاهرة، وجعله العلاّمة الشَّارح الآملي احتمالاً بقوله : ويمكن أن تكون إشارة إلى المصاهرة التي كانت بين الأمير عليه السلام وبين بني تميم ، فإنَّ إحدى زوجاته كانت ليلى بنت مسعود الحنظليَّة ، من بني تميم ، وولّدت له عبيد اللّه ، وأبا بكر كما في تاريخ اليعقوبي (53) . ففيه : أنَّ الأرحام لا تشمل المصاهرة مفهوما ، مع أنَّ مصاهرة عليّ عليه السلام مع بني تميم، لا تعدّ قرابة لابن عبَّاس ، يعني أنَّ صهر إنسان لا يعدّ قريبا ورحما لابن عمّه ، والظَّاهر من الكلام أنَّ الرَّحم لهما، والصِّلة لازمة عليها . الثَّالث : إنَّ قطع الرّحم حرام قطعا ، والصِّلة إذا كان عدمها محقّقا للقطع تكون واجبة ، وأمَّا الزَّائد عن هذا الحدّ، كما إذا كان بين رحمين صلة كاملة ، ولكنَّ أحدهما يطلب من الآخر شيئا أزيد من ذلك ، بحيث لو لم يعطه لم يعدّ قاطعا مطلقا ، فهل هذا حرام، والإعطاء واجب ؟ لأنَّه قطع نسبي أم لا ؟ وقد تقدَّم كلام العلاّمة المجلسي ّ رحمه الله وتردّده في ذلك . وقال العلاّمة النَّراقي ّ رحمه الله : والمراد بقطعه : أن يؤذيه بالقول أو الفعل، أو كان له شدَّة احتياج إلى ما يقدر عليه زيادة على حاجته ، من سكنى وملبوس ومأكول فيمنعه ، أو أمكنه أن يدفع عنه ظلم الظَّالم ولم يفعله ، أو هاجره غيظا وحقدا من دون أن يعوده إذا مرض ، أو يزوره إذا قدم من سفره ، وأمثال ذلك ، فإنَّ جميع ذلك ، وأمثالها قطع للرحم ، وأضدادها من دفع الأذيّة ، ومواساته بماله ، وزيارته ، وإعانته باللِّسان واليد والرِجل والجاه وغير ذلك صلة . ثُمَّ الظَّاهر تحقيق الواسطة بين القطع والصِّلة ، إذ كلُّ إحسان ولو كان ممّا لا يحتاج إليه قريبه ، وهو محتاج إليه يسمّى صلة ، وعدمه لا يسمّى قطعا . (54) قوله عليه السلام : « فَارْبَعْ أبا الْعَبَّاسِ » ، يعني قف وتثبّت في جميع ما يصدر منك من قول أو فعل ، ولا تعجل، من رَبَعَ كمَنَعَ : وقف وانتظر وتحبَّس ، ومنه قولهم : أربع عليك، أو على نفسك، أو على ظلمك (55) ، وقوله: أبا العبّاس ، تكريم له حيث ذكره بالكنية . وقوله عليه السلام : « لا يَفِيلَنَّ رَأْيِي فيك » ، مِن فيَّل رأيه تفييلا ، إذا قبّحه وضعَّفه وخطَّأه . يعني : حيث أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام رآه أهلاً لهذا المقام الخطير، فإنَّ عمله على خلاف الحقّ، يوجب ضعف رأيه عليه السلام فيه . وقوله عليه السلام : « فإِنَّا شَرِيكَانِ في ذلك » ، علَّة لقوله : « فَارْبَعْ » ، وهذا يعطى معنى لطيفا في الآمر والمأمور، من نسبة الأفعال التَّسبيبيّة إلى المسبّب ، ونسبة فعل المأمور إلى الآمر . وإنَّما كان الأمير عليه السلام شريكه فيه ، لأنَّه كان سببا بعيدا فيما جرى على يد ابن عبَّاس ولسانه ، وهو كان نائبا عنه ، وسببا قريبا في أفعاله وأقواله وكلَّ ما صنع بالرَّعيَّة ، فإنَّما هو مستند له عليه السلام ، وإلاَّ لما كان له مكنة وقدرة على ذلك . (56) أقول : التَّسبيب إذا كان عن قصد وإرادة من المسبّب، تُعدّ أفعال المأمور فعلاً للمسبّب والآمر ، ويعاقب به ويثاب عليه في الدُّنيا والآخرة ، ولكن إذا كان الأمير عليه السلام نصبه للعدل، وإجراء أحكام الإسلام، لا يُعدّ فعله _ عرفا _ فعلاً للأمير عليه السلام ، فكيف عدّ فعله فعلاً له ، وصار شريكا معه في الأجر والوزر ؟ ويحتمل أن يكون التَّسبيب _ ولو من دون قصد _ في خصوص الحكومة الإسلامية وعمَّالها موجبا للوزر أو الأجر عند اللّه ، تشديدا في المؤاخذة ، كي يكون ذلك باعثا للأئمَّة على الدِّقة البالغة ، والاهتمام الأكيد ، والفحص والبحث في نصب العمَّال ، واستعمال الأشخاص في الأُمور المرتبطة بالحكومة ، كما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلى الأشْتَر رضى الله عنه بقوله : « فاستعملهم اختِبارا ، ولا تُولِّهم مُحاباةً وأثَرةً ، فإنَّهما جِماعٌ من شُعَب الجور والخيانة . . .ثُمَّ تفقَّدْ أعمالهم ، وابعث العُيون من أهل الصِّدقِ والوفاءِ عليهم . . .فإنْ أحدٌ منهم بَسطَ يَدَهُ إلى خيانَةٍ اجتمَعت بها عَلَيهِ عندَكَ أخبارُ عُيُونِكَ ، اكتفَيتَ بذلِكَ شاهِدا ، فَبسَطْتَ عليهِ العُقوبَةَ في بدنه ( يديه ) وأخذتَه بما أصابَ مِن عَمَلِهِ . . . ». (57) وفي عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام على ما ادّعاه القاضي النُّعْمان في الدَّعائم : ممّا ينبغي أن ينظر فيه الوالي من أمر عمَّاله : انظر في أُمور عمَّالك الَّذِين تستعملهم ، فَلْيَكُنْ استعمالُكَ إيَّاهم اختيارا ، ولا يَكُنْ محاباةً ، ولا إيثارا ، فإنَّ الأثَرَةَ بالأعمالِ ، والمحاباةَ بها جِماعٌ مِن شُعَبِ الجَوْرِ والخِيانَةِ للّه ِ ، وإدخالِ الضَّررِ على النَّاسِ ، ولَيْسَتْ تَصْلُحُ أُمورُ النَّاسِ ولا أُمورُ الوُلاةِ، إلاَّ بِصَلاحِ مَنْ يَستَعِينُونَ بهِ علَى أُمُورِهِم . . .ثُمَّ لا تَدَعْ مَعَ ذَلِكَ تَفَقُدَ أَعْمالِهِم ، وبِعْثَةَ العُيونِ عَلَيهِم مِن أَهْلِ الأمانَةِ والصِّدقِ . (58) ] ويمكن أن يقال : إنَّ الفعل الصَّادر عن العامل المنصوب، فعل تسبيبيٌّ للأمير ، وإن لم يعاقب عليه ، لعدم رضاه بذلك ونهيه عنه ، وله آثار طبيعيَّة ووضعيَّة لا يتفاوت بالعلم والجهل والرِّضا وعدمه ، فهو عليه السلام يحذِّر ابن عبَّاس عن عمل قبيح هو عليه السلام شريكه فيه ، من جهة أنّه عليه السلام هو الذي نصبه عاملاً، وقدرة ابن عبّاس وصلاحياته ناشئة عن هذا التنصيب . ومن الآثار الوضعيَّة آثاره الاجتماعيَّة ، حيث إنَّ تنمره يورث غيظا وحنقا وعداوةً بين تميم، وبين الحكومة الحقّة ، وبينهم وبين عليّ عليه السلام . وكذا سائر أعمال ابن عبّاس ، إمَّا تُوجب حسن نظر النَّاس وميلهم إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وانجذابهم إلى الحكومة الإلهيَّة ، وإمَّا توجب شناعة وصورة شوهاء تجاه الحكومة العلويَّة ، وبغضا وعداوةً لأمير المؤمنين عليه السلام . ويحتمل أن يكون المراد شركته عليه السلام في أعمال ابن عبّاس ، من جهة إيجاب الاحتياط من قِبَل الشَّارع ، والمؤاخذة على ترك الاحتياط ، لا مشاركته في العقاب المترتب على هذا الفعل] .

.


1- . النساء :2 .
2- . محمّد : 22 .
3- . البقرة :27 .
4- . الكافي : ج2 ص346 ح1 ، الأمالي للمفيد : ص170 ح2 ، بحار الأنوار : ج74 ص132 ح101 .
5- . الكافي : ج2 ص346 ح2 ، مشكاة الأنوار : ص287 ح864 ، بحار الأنوار : ج74 ص133 ح102 .
6- . الكافي : ج2 ص346 ح3 ، بحار الأنوار : ج74 ص133 ح103 .
7- . الكافي : ج2 ص347 ح4 ، الخصال : ص124 ح119 ، بحار الأنوار : ج74 ص134 ح104 .
8- . الكافي : ج2 ص347 ح7 .
9- . الكافي : ج2 ص348 ح8 .
10- . من لايحضره الفقيه : ج4 ص356 ح5762 ، وسائل الشيعة : ج11 ص172 ح14 .
11- . معاني الأخبار : ص330 ح1 ، وسائل الشيعة : ج11 ص275 ح19 .
12- . معاني الأخبار : ص330 ح1 ، وسائل الشيعة : ج11 ص275 ح20 .
13- . راجع: بحار الأنوار : ج74 ص87 _ 139 ، وسائل الشيعة : ج11 ص393 _ 600 ، المحجّة البيضاء : ج3 ص427 _ 444 ، مجمع البيان : ج3 ص6 ، تفسير نور الثقلين : ج5 ص40 و41 ، ميزان الحكمة : ج2 ص1054 _ 1058 ؛ تفسير الطبري : ج4 ص226 _ 228 ، تفسير القرطبي : ج5 ص6 و7 ، تفسير الفخر الرازي : ج9 ص171 و172 .
14- . محمَّد :22 .
15- . راجع : رياض السالكين : ص199 ، تفسير القمّي : ج2 ص308.
16- . راجع : رياض السالكين : ص75 ، تفسير نور الثقلين : ج5 ص40 ، تأويل الآيات الظاهرة :ج2 ص585 الرقم12 ، البرهان في تفسير القرآن : ج5 ص66 ، بحار الأنوار : ج 74 ص 109 ؛ شواهد التنزيل : ج2 ص246 الرقم882 ، تفسير الثعالبي : ج5 ص238 .
17- . تفسير القرطبي : ج5 ص 7 .
18- . الدر المنثور : ج7 ص500 .
19- . الخصال :ص540 ح12 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج1 ص255 ح5 ، بحار الأنوار : ج74 ص91 ح13 .
20- . الأمالي للطوسي : ص413 ح929 ، بحار الأنوار : ج74 ص93 ح20 .
21- . في المصدر: «حالي»، والتصويب من بحار الأنوار .
22- . بصائر الدرجات : ص265 ح14 ، بحار الأنوار : ج74 ص96 ح28 .
23- . الكافي : ج7 ص55 ح10 ، الغيبة للطوسي : ص196 ح161 ، بحار الأنوار : ج74 ص96 ح .29
24- . محمَّد :22 .
25- . القواعد والفوائد : ج2 ص51 ، بحار الأنوار : ج74 ص110 .
26- . جامع السعادات : ج2 ص261 وراجع : جواهر الكلام : ج28 ص185 .
27- . الأمالي للصدوق : ص711 ح978 ، بحار الأنوار : ج47 ص168 ح9 .
28- . عوالي اللئالي : ج1 ص362 ح45 ، بحار الأنوار : ج47 ص187 ح35 .
29- . مهج الدعوات :ص237 و241 ، بحار الأنوار : ج47 ص194 وص 196 ح39 و40 .
30- . الرعد :21 .
31- . تفسير العيَّاشي : ج2 ص209 ح31 ، بحار الأنوار : ج74 ص98 ح41 وراجع : الكافي :ج2 ص155 ح23 .
32- . نفس المهموم : ص279 ، بحار الأنوار : ج45 ص4 ؛ الفتوح : ج5 ص114 .
33- . سنن الترمذي : ج4 ص351 ح1979 ، مسند ابن حنبل : ج3 ص310 ح8877 ، كنز العمَّال : ج3 ص358 ح6926 .
34- . القاموس المحيط : ج4 ص118 .
35- . مفردات ألفاظ القرآن : ص347 .
36- . الخصال : ص540 ح13 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج1 ص255 ح5 ، بحار الأنوار : ج74 ص91 ح13 وراجع : أسد الغابة : ج1 ص677 الرقم1055 ، الإصابة : ج2 ص18 الرقم1592 .
37- . محمد:22 .
38- . لسان العرب : ج12 ص232 و233 .
39- . راجع: السيرة النبويّة : ج1 ص1 و2 .
40- . بحار الأنوار : ج15 ص105 ح49 .
41- . راجع: المناقب لابن شهرآشوب : ج1 ص154 و155 .
42- . في المصدر: « كعب »، وما أثبتناه هو الصحيح .
43- . راجع: معجم القبائل العرب : ج3 ص1207 .
44- . راجع: السيرة الحلبيّة : ج1 ص1 و4 و12 و18 _ 20 .
45- . راجع: الكامل في التاريخ : ج1 ص456 و457 .
46- . راجع: البداية والنهاية : ج2 ص255 .
47- . راجع: مروج الذَّهب : ج2 ص272 .
48- . نهاية الإرب للقلقشندي : ص177 _ 297 .
49- . معجم القبائل العرب : ج1 ص125 و126 .
50- . محمد :22 .
51- . هود : 46 .
52- . بحار الأنوار : ج74 ص108 _ 110 .
53- . راجع : تاريخ اليعقوبي : ج2 ص213 .
54- . جامع السعادات : ج2 ص261 .
55- . راجع : قاموس الرجال : ج3 ص24 .
56- . راجع : منهاج البراعة : ج18 ص319 .
57- . نهج البلاغة : الكتاب53 ، بحار الأنوار : ج33 ص605 ح744 .
58- . دعائم الإسلام : ج1 ص361 .

ص: 202

. .

ص: 203

. .

ص: 204

. .

ص: 205

. .

ص: 206

. .

ص: 207

. .

ص: 208

. .

ص: 209

. .

ص: 210

. .

ص: 211

. .

ص: 212

. .

ص: 213

. .

ص: 214

. .

ص: 215

. .

ص: 216

36 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

36كتابه عليه السلام إلى معاويةقال الشَّيخ الأدِيب أبو بكر بن عبْد العَزِيز البُسْتي ّ ، بالأسانيد الصِّحاح ، أنَّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام لمَّا رَجع من وَقْعة الجَمل ، كَتَب إليه معاوية بن أبي سُفْيَان عليه اللَّعنة : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم من عبد اللّه ِ وابن عبدِ اللّه ِ مُعاويَةُ بنُ أبي سُفْيَان ، إلى عليِّ بنِ أبي طالب . أمَّا بَعدُ ، فقد اتَّبعتَ ما يَضرُّكَ ، وتركتَ ما يَنفَعُكَ ، وخالفتَ كِتاب اللّه ِ وسُنَّةَ رَسُوله صلى الله عليه و آله ، وقد انْتَهى إليَّ ما فعلتَ بحَوارِييّ رَسول اللّه صلى الله عليه و آله : طَلْحَة ، والزُّبَيْر ، وأُمِّ المؤمنين عايشة ، فوَ اللّه ، لأرمينَّك بشهابٍ لا تُطفِئُهُ المياهُ ، ولا تُزَعْزِعُهُ الرِّياح ، إذا وَقعَ وقَبَ ، وإذا وقَبَ ثقَبَ ، وإذا ثقَبَ نَقبَ ، وإذا نَقبَ التهبَ ، فلا تغرَّنَّكَ الجُيوشُ واستعِدَّ للحربِ ، فإنِّي مُلاقِيكَ بجُنودٍ لا قِبَلَ لَكَ بها ، والسَّلامُ . فلمَّا وَصَل الكتاب إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وفكَّه وقَرأه ، ودَعا بدَوَاةٍ وقِرْطَاس ، وكتَب إليهِ : « بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم مِن عبدِ اللّه ِ وابنِ عَبْدِهِ عَلِيِّ بنِ أبي طالب ٍ ، أخي رَسولِ اللّه ِ ، وابنِ عَمِّهِ ، ووَصِيِّهِ ، ومُغَسِّلِهِ ، ومُكَفِّنِهِ ، وقَاضِي دَيْنِهِ ، وزَوْج ابْنَتِهِ البَتُولِ ، وأبي سِبْطَيْهِ الحَسن ِ والحُسَيْن ِ ، إلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفْيَان . أمَّا بَعْدُ ، فإنِّي أفْنَيْتُ قوْمَك يوْمَ بَدْرٍ ، وقَتَلْتُ عَمَّك وخالَكَ وجَدَّكَ ، والسَّيْفُ الَّذِي قَتَلْتُهم بهِ معي ، يَحْمِلُهُ سَاعِدِي بِثَباتٍ مِن صَدْري ، وقُوَّةٍ من بَدَنِي ، ونُصْرَةٍ مِن ربِّي ، كمَا جعَلَه النَّبي ّ صلى الله عليه و آله فِي كَفِّي . فواللّه ِ ، ما اخْتَرْتُ علَى اللّه ِ ربَّا ، ولا علَى الإسلام دِينا ، ولا علَى مُحَمَّد صلى الله عليه و آله نبِيَّا ، ولا علَى السَّيْف بَدَلاً ، فبَالِغْ من رأْيِكَ ، فاجْتَهِد ولا تُقَصِّر ، فقَد اسْتَحْوَذَ علَيْك الشيطانُ ، واسْتَفزَّك الجَهلُ والطُّغيانُ ، وسَيَعْلَم الَّذِينَ ظَلَموا أيَّ مُنْقَلَب يَنْقَلِبونَ ، والسَّلام على مَنِ اتَّبعَ الهُدى ، وخَشِيَ عَواقِبَ الرَّدى » . (1)

.


1- . بحار الأنوار : ج33 ص289 ح 550 وراجع : الاختصاص : ص138 _ 141 .

ص: 217

. .

ص: 218

37 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

37كتابه عليه السلام إلى معاويةنقل ابن قُتَيْبَة في كتاب الإمامة :أنَّه لمَّا فرَغ عليه السلام من وَقعة الجَمل ، بايع له القوم جميعا، وبايع له أهل العراق ، واستقام له الأمر بها ، فكتب إلى معاوية : « أمَّا بعدُ ، فإنَّ القضاءَ السَّابِقَ ، والقَدَرَ النَّافِذَ يَنْزِلُ من السَّماء كقَطْر المَطَر ، فتَمْضِي أحكامُهُ عز و جل ، وتَنْفَذُ مَشِيئَتُهُ بغَيْر تَحابِّ المخْلُوقِينَ ، ولا رِضا الآدَميِّينَ ، وقَدْ بلَغَكَ ما كان مِنْ قَتْلِ عُثْمانَ وبَيْعة النَّاسِ عامَّةً إيَّاي ، ومصارِعَ النَّاكثين لي ، فادْخُل في ما دَخَلَ النَّاسُ فيهِ ، وإلاَّ فأنَا الَّذِي عَرَفْتَ ، وحَوْلي مَن تعْلَمُهُ ، والسَّلام » . (1)

[ هذا الكتاب كتبه أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية بعد وقعة الجمل ، كما صرَّح به المؤرِّخون ، ويدلُّ عليه مضمون الكتاب ، والشَّارح الآملي جعل الكتاب الَّذي نقله مصنِّف كتاب معادن الحكمة (2) رحمه الله ، وهذا الكتاب، أوَّل كتاب كتبه عليه السلام إلى معاوية ، قال : ويمكن أن يكون هذه الكتب الثَّلاث كتابا واحدا فتفرَّق ، كما قدَّمنا كثيرا من نظائره ، وممَّا يؤيِّده ، أنَّ الدِّينوري بعد نقل الكتاب ، قال : ثُمَّ إنَّ معاوية انتخب رجلاً من عبس ، وكان له لسان ، فكتب إلى عليّ عليه السلام كتابا ، عنوانه: من معاوية إلى عليّ ، وداخله: بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، لا غير ؛ فلمَّا قدم الرَّسول، دفع الكتاب إلى عليّ ، فعرف عليّ عليه السلام ما فيه ، وأنَّ معاوية محارب له ، وأنَّه لا يجيبه إلى شيء ممَّا يريد ، وقد نقل قريبا من هذا الكلام الشَّارح المعتزلي في شرح النَّهج ، وهو : فلمَّا جاءه _ معاوية _ هذا الكتاب _ يعني به الكتاب المذكور في النَّهج _ وصل بين طومارين أبيضين ، ثم طواهما وكتب عنوانهما من معاوية بن أبي سُفْيَان إلى عليّ بن أبي طالب ، قال جَرِير : ودفعهما معاوية إليَّ لا أعلم ما فيهما، ولا أظنُّهما إلاَّ جوابا ، وبعث معي رجلاً من بنِي عبس لا أدري ما معه ، فخرجنا حَتَّى قدمنا إلى الكوفة ، واجتمع النَّاس في المسجد لا يشكّون أنَّها بيعة أهل الشَّام ، فلمَّا فتح عليّ عليه السلام الكتاب لم يجد شيئا . . . واللّه العالم . وقد روي أنَّه كتب إلى معاوية مع جَرِير : أنِّي قد عَزلتُكَ فَفَوِّضِ الأمرَ إلى جَرِير ، والسَّلام . (3) قلت : كلامه هذا مبنيّ على أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يكتب إلى معاوية شيئا إلى انقضاء حرب الجمل ، مع أنَّه عليه السلام كتب إلى معاوية بعد بيعة النَّاس له من المدينة كما في الطَّبري (4) ، ونقل إرسالَ العبسي حينئذٍ ابنُ أبي الحديد (5) ، ونقلهُ مصنِّفُ معادن الحكمة (6) ، مع أنَّ الحكم باتِّحاد هذه الكتب الثَّلاثة أيضا بعيدٌ ، لأنَّ ما ذكره المصنِّف كتاب معادن الحكمة برقم29 ، وقد صرَّح السَّيّد في نهج البلاغة أنَّه كُتِبَ في أوَّل ما بويع له ، وما ذكره مصنِّفُ كتابِ معادن الحكمة برقم18 ، وذكره في نهج البلاغة برقم6، وذكر نصر (7) أنَّه أرسله مع جَرِير بعد وروده عليه السلام الكوفة ، وأورده ابن أبي الحديد عنه (8) ، وهذا الكتاب كتبه إليه بعد وقعة الجمل ، ولعلَّه كتبه من البصرة ، ولا وجه للاتِّحاد أصلا ، ونقل ابنُ أبي الحديد (9) : إنَّ أوَّل كتاب كتب إلى معاوية : « أمَّا بعدُ ، فإنَّ النَّاس قتلوا عثمان . . . » إلى آخر ما نقله مصنِّف معادن الحكمة (10) . ولا غرو في أن يكتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية كُتُبا متعددة ، يدعوه إلى البيعة . (11) ]

.


1- . الإمامة والسياسة : ج1 ص102 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص385 ، منهاج البراعة : ج18 ص 248 _ 253 .
2- . راجع: معادن الحكمة : ج1 الرقم18 و29 .
3- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج14 ص39 .
4- . تاريخ الطبري : ج4 ص444 .
5- . راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص230 وفيه « بني عُميس » بدل « عبس » .
6- . معادن الحكمة : ج1 ص178 .
7- . وقعة صفِّين : ص29 .
8- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص75 .
9- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص230 .
10- . معادن الحكمة : ج1 ص294 الرقم30 .
11- . راجع : مروج الذَّهب : ج3 ص47 و48 .

ص: 219

. .

ص: 220

38 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

39 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

38كتابه عليه السلام إلى معاوية« أمَّا بعدُ ، فَو اللّه ِ ما قَتَلَ ابنَ عَمِّكَ غَيرُكَ ، وإنِّي أرجو أَنْ أُلحِقُكَ بهِ علَى مِثلِ ذَنْبِهِ وأعظَمِ مِن خَطيئَتِهِ ، وإنَّ السَّيفَ الَّذي ضَرَبْتُ بِهِ أباكَ وأهلَكَ لَمَعِي دائِمٌ ، واللّه ِ ما استَحدَثتُ دِينا، ولا استَبْدَلتُ نَبِيَّا ، وإنِّي على المِنْهاجِ الَّذي تَرَكْتُموهُ طائِعينَ ، وأُدخِلْتُم فيهِ كارِهينَ . » (1)

39كتابه عليه السلام إلى معاويةنقل المفيد رحمه الله في الإختصاص : كتب معاوية بن أبي سُفْيَان إلى عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه : بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ؛ أمَّا بعدُ ، يا علي ّ ، لأضْرِبَنَّك بشِهابٍ قاطِعٍ ، لا يذكّيه الرِّيح ، ولا يطفئه الماء ، إذا اهتزَّ وقَع ، وإذا وقَع نقَب ، والسَّلام . فلمَّا قرَأ عليّ عليه السلام كتابه ، دعَا بدواةٍ وقِرطاس ، ثُمَّ كتَب : « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أمَّا بعدُ يا مُعاوِيَةُ ، فقد كَذِبْتَ ، أنَا عليُّ بنُ أبي طالِب ، وأنَا أبو الحَسَنِ والحُسَيْن ِ ، قاتِلُ جَدِّكَ ، وعمِّكَ ، وخالِكَ ، وأبيِكَ ، وأنَا الَّذي أفْنَيْتُ قَوْمَكَ في يَوْمِ بدْر ٍ ، ويوم فتْح ٍ ، ويوم أُحدٍ ، وذلك السَّيْفُ بيَدِي تحْمِلُه ساعِدي بجُرْأةِ قلبِي ، كما خلَّفَه النَّبيُّ صلى الله عليه و آله بكَفِّ الوصيِّ ، لمْ أسْتَبْدِل باللّه ربَّا ، وبمحمَّد ٍ صلى الله عليه و آله نبيَّا ، وبالسَّيف بدَلاً ، والسَّلام على مَن اتَّبع الهُدى » . (2)

.


1- . العِقد الفريد : ج3 ص330 .
2- . الإختصاص : ص138 ، بحار الأنوار : ج33 ص 286 .

ص: 221

40 _ كتابه عليه السلام إلى أشعث بن قيس

40كتابه عليه السلام إلى أشْعَث بن قَيْسمن كتاب له عليه السلام إلى أشْعَث بن قَيْس عامل أذربيجان :« وإِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ ، ولَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أمَانَةٌ ، وأنْتَ مُسْتَرْعىً لِمَنْ فَوْقَكَ ، لَيْسَ لَكَ أنْ تَفْتَاتَ فِي رَعِيَّةٍ ، ولا تُخَاطِرَ إِلاَّ بِوَثِيقَةٍ ، وفي يَدَيْكَ مَالٌ مِن مَال اللّه عز و جل ، وأنْتَ مِن خُزَّانِهِ حَتَّى تُسَلِّمَهُ إلَيَّ ، ولَعَلِّي ألاَّ أكُونَ شَرَّ وُلاتِكَ لَكَ ، والسَّلامُ » . (1)

قال نصر : محمَّد بن عُبَيْد اللّه ، عن الجُرْجَاني ّ ، قال : لمَّا بُويِع علي ٌّ وكتَب إلى العُمَّال ، كتَب إلى الأشْعَث بن قَيْس مع زياد بن مَرْحَب الهَمْدانِي ّ ، والأشْعَث ُ على آذربيجان عاملٌ لعثمان ، وقد كان عَمْرو بن عثمان تزوَّج ابنة الأشْعَث بن قَيْس قبل ذلك ، فكتَب إليه علي ّ :« أمَّا بَعْدُ ، فلَوْلا هَناتٌ كُنَّ فِيْكَ، كنْتَ المقدَّمَ في هذا الأمر قَبْل النَّاس ، ولَعَلَّ أمرك يحْمِلُ بعْضُهُ بَعْضا إنْ اتَّقيتَ اللّه َ ، ثُمَّ إنَّهُ كانَ من بَيْعة النَّاس إيِّايَّ ما قَدْ بَلَغكَ ، وكان طَلْحَة ُ والزُّبَيْرُ مِمَّنْ بايَعانِي ، ثُمَّ نَقَضا بيعتِي على غَيْر حَدَثٍ ، وأخْرَجا أُمَّ المونين وسَارَا إلى البصرة ، فسرتُ إليْهما فالْتَقينا ، فدَعوْتُهم إلى أنْ يَرجعوا فيما خَرَجُوا منْه فأبَوا ، فأبلغْتُ في الدُّعاءِ ، وأحسنْتُ في البقيَّةِ ، وإنَّ عملَكَ ليْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ ، ولكِنَّهُ أمَانَةٌ ، وفي يديك مالٌ مِن مالِ اللّه ِ ، وأنْتَ من خُزَّانِ اللّه ِ عليْه حتَّى تُسَلِّمَهُ إلَيَّ ، ولعلِّي ألاَّ أكونَ شَرَّ وُلاتِكَ لكَ إنْ اسْتَقَمْت ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه » . (2)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب5 .
2- . وقعة صفِّين : ص20 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج14 ص34 ، العقد الفريد : ج4 ص330 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص83 ، الفتوح : ج2 ص367 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص382 .

ص: 222

41 _ كتابه عليه السلام إلى الأشعث

41كتابه عليه السلام إلى الأشْعَثقال اليعقوبي : وكتب إلى عمَّاله يستحثهم بالخَراج ، فكتب إلى الأشْعَث بن قَيْس ، وكان عامله بأذربيجان :« أمَّا بعدُ ؛ إنَّما غرَّك مِن نَفسِكَ ، وجرَّأك على آخرك إملاءُ اللّه ِ لكَ ، إذ ما زِلتَ قديما تأكُلُ رِزقَهُ ، وتُلحِدُ في آياتِهِ ، وتَستَمتِعُ بِخَلاقِكَ ، وتُذهِبُ بحسناتِكَ إلى يَومِكَ هذا ، فإذا أتاكَ رَسُولي بِكتابي هذا فأقْبِلْ واحمِلْ ما قِبَلَكَ مِن مالِ المُسلِمين َ ، إن شاءَ اللّه ُ » . (1)

[ أقول : نقل المصنّف كتابه لأمير المؤمنين عليه السلام إلى الأشْعَث بن قَيْس ، يخبره بما جرى من حرب الجمل ، ويطالبه بالمال، وفي لهجته عليه السلام لين وموعظة ، كما في قوله: وأنَّه لولا هَنات كنَّ منك كنت المقدّم في هذا الأمر . ونقله _ الكتاب ذاته _ النَّهج برقم 48 ، ولكنَّ كتابه عليه السلام هذا فيه تشديد وتوبيخ ، ويحتمل أ نّه قد صدر من الأشْعَث فيما بين هذين الكتابين ما يوجب هذا التّوبيخ ، ولكنّي لم أجد العمل الَّذي ارتكبه . ولقد كان الأشعث بن قَيْس قد اعترض على أمير المؤمنين بقوله: يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك . ] [ ومن كلام له عليه السلام قاله للأشعث بن قَيْس وهو على منبر الكوفة يخطب ، فمضى في بعض كلامه شيء اعترضه الأشْعَث فيه ، فقال: يا أمير المونين ، هذه عليك لا لك ، فخفض عليه السلام إليه بصره ثُمَّ قال : « ما يُدْرِيكَ ما عَليَّ ممَّا لي؟ عَليك لَعْنَةُ اللّه ِ ولَعنةُ اللاّعِنِين، حَائِكٌ ابنُ حَائكٍ مُنَافِقٌ ابنُ كافِرٍ ، واللّه ِ لقد أَسَرَك الكفرُ مَرَّةً ، والإِسْلام ُ أُخْرى ، فما فَدَاك مِن وَاحدَةٍ مِنهُما مالُكَ ، ولا حَسبُكَ وإنَّ امرأً دَلَّ على قومِهِ السَّيْفَ وساقَ إِليهمُ الحَتْفَ ، لَحَرِيٌّ أنْ يَمْقُتَهُ الأَقْرَبُ ، ولايَأْمَنَهُ الأبْعَدُ » . قال السَّيِّد الشَّريف رحمه الله: يريد عليه السلام أنَّه أُسر في الكفر مرَّة ، وفي الإسلام مرَّة . وأمَّا قوله: دلَّ عليه السلام على قومه السَّيف ، فأراد به حديثا كان للأشعث مع خالد بن الوليد باليمامة ، غرَّ فيه قومه ، ومكر بهم حَتَّى أوقع بهم خالد ، وكان قومه بعد ذلك يسمّونه عرف النَّار ، وهو اسم للغادر عندهم . الأسر الأوَّل ، كان قبل الإسلام حين خرج الأشْعَث يطلب ثارا ، لمَّا قتلت « مراد » الأشجّ (2) ، فأسر الأشْعَث ، ففدي بثلاثة آلاف بعير ، كما قيل . وأمَّا الأسر الثَّاني في الإسلام ، فإنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمَّا قَدِمَتْ كِنْدَة حُجَّاجا قبل الهجرة ، عرض رسول اللّه صلى الله عليه و آله نفسَه عليهم ، كما كان يعرِضُ نفسَه على أحياء العرب ، فدفعه بنو وَليعَة _ من بني عَمْرو بن معاوية _ ولم يقبلوه ، فلمَّا هاجر صلى الله عليه و آله وتمهّدت دعوتُه ، وجاءته وفود العرب ، جاءه وفد كِنْدَة ، فيهم الأشْعَث وبنو وَليعَة ، فأسلموا ، فأطعم رسول اللّه صلى الله عليه و آله بني وَليعَة طُعْمة من صدقات حَضْرَموت ، وكان قد استعمل على حَضْرَموت زياد بن لَبيد البياضي ّ الأنْصاريّ ، فدفعها زياد إليهم فأبَوْا أخذها ، وقالوا : لا ظَهْر لنا فابعث بها إلى بلادنا على ظَهْر من عندك ، فأبى زياد ، وحَدَث بينهم وبين زياد شرّ، كاد يكون حربا ، فرجع منهم قوم إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، و كتب زياد إليه يشكوهم . وفي هذه الوَقعة كان الخبر المشهور عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إذ قال لبني وَلِيعَة : « لَتَنْتَهُنَّ يا بني وَلِيعَة ، أو لأبعَثنَّ عليكم رجلاً عَدِيل نفسي ، يقتُل مُقاتِلَتكم ، ويَسْبي ذراريّكم » . قال عمر بن الخَطَّاب : فما تمنيت الإمارة إلاّ يومئذ ، وجعلت أنصِب له صدري رجاء أن يقول : هو هذا ، فأخذ بيد عليّ عليه السلام ، وقال : هو هذا . ثُمَّ كتب لهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى زياد فوصلوا إليه بالكتاب ، وقد توفي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وطار الخبر بموته إلى قبائل العرب ، فارتدَّتْ بنو وَلِيعَة ، وغَنَّتْ بَغاياهم ، وخَضبْنَ له أيديَهُنَّ . ] وأعانهم الأشْعَث فوقع بينهم وبين المسلمين حرب أسر فيها الأشْعَث ، وسلّم قومه إلى السَّيف ، وقتل منهم ثمانمئة ، ولعنه لذلك المسلم والكافر ، ولقّب بعرف النَّار . ] (3) وكان الأشْعَثُ من المنافقين في خلافة عليّ عليه السلام ، وهو في أصحاب أمير المونين عليه السلام ، كما كان عبد اللّه بن أُبيّ بن سَلُول في أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، كل واحد منهما رأسُ النِّفاق في زمانه . (4) وعزله عليّ عليه السلام عن رياسة كِنْدَة ، ثُمَّ طال الكلام في ذلك ، فولاّه ميمنته ، وهي ميمنة أهل العراق . (5) وغلب على الماء في صفِّين حميّة . (6) وعبَّر أمير المؤمنين عليه السلام بابن الخمارّة . (7) وقال عليه السلام : أيُّها النَّاسُ إنَّ الأشْعَثَ لا يَزِنُ عِندَ اللّه ِ جناحَ بَعوضَةٍ ، وإنَّه أقلُّ في دينِ اللّه ِ مِن عَفطَةِ عنز (8) . (9) وقال ابن أبي الحديد : كلُّ فساد كان في خلافة عليّ عليه السلام ، وكل اضطراب حَدَث فأصلُه الأشْعَث . (10) بايع وسلَّم على الضَّبّ بإمارة المؤمنين . (11) وألزم أمير المؤمنين عليه السلام بالتَّحكيم ، بل هو الَّذي أسّسه . (12) وشرك الأشْعَث في قتل أمير المؤمنين عليه السلام ، وابنته في قتل الحسن عليه السلام ، وولده محمَّد في قتل مسلم بن عقيل ، وقَيْس بن الأشْعَث في قتل الحسين عليه السلام . (13) وفي أنساب الأشراف : ويقال : ولاّه _ بعد قدومه من أذربيجان _ حلوانَ ونواحيها ، فكتب إليه هذا الكتاب وهو فيها . (14)

.


1- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص 200 ، وراجع : أنساب الأشراف : ج1 ص159 .
2- . سمّي الأشجّ ، لأنَّه شُجّ في بعض حروبهم .
3- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص292 _ 297 وراجع : تاريخ الطبري : ج3 ص333 _ 338 ، الإصابة : ج1 ص109 .
4- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص297 .
5- . وقعة صفِّين : ص137 و140 .
6- . وقعة صفِّين : ص167 ؛ مروج الذَّهب : ج3 ص386 .
7- . الاحتجاج : ج1 ص280 ، بحار الأنوار : ج29 ص419 .
8- . العفطة من الشَّاة : كالعطس من الإنسان (تاج العروس: ج 10 ص 339 «عفط») .
9- . الاحتجاج : ج1 ص451 ح 104 ، بحار الأنوار : ج29 ص420 .
10- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص280 .
11- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص75 وقاموس الرجال .
12- . راجع : وقعة صفِّين : ص480 _ 516 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص178 ؛ مروج الذَّهب :ج3 ص400 .
13- . راجع : مقاتل الطالبيين : ص20 و33 ، تاريخ الطبري : ج4 ص330 ؛ الإرشاد : ج2 ص98 .
14- . أنساب الأشراف : ج 2 ص 388 .

ص: 223

. .

ص: 224

. .

ص: 225

. .

ص: 226

الأشعث بن قيس

الأشْعَثُ بنُ قَيْسالأشْعَث بن قَيْس بن مَعْدِيكَرِب الكِنْديّ ، يُكنّى أبا محمّد ، واسمه مَعْدِ يكَرِب (1) . من كبار اليمن ، وأحد الصَّحابة (2) . عَوِرت عينه في حرب اليرموك (3) . وهو وجه مشبوه مُريب متلوّن ، رديء الطَّبع ، سيّئ العمل في التَّاريخ الإسلامي . ارتدّ بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الدِّين واُسِر ، فعفا عنه أبو بكر ، وزوّجه اُخته (4) . وكان أبو بكر يُعرب عن ندمه ، ويتأسّف لعفوه (5) . زوّج بنته لابن عثمان في أيّام خلافته (6) . ونصبه عثمان واليا على آذربايجان (7) . وكان يهبه مئة ألف درهم من خراجها سنويّا (8) . عزل الإمام عليّ عليه السلام الأشْعَث عن آذربايجان ، ودعاه إلى المدينة (9) ، فهمّ بالفرار في البداية ، ثمّ قدم المدينة بتوصية أصحابه ، ووافى الإمامَ عليه السلام (10) . تولّى رئاسة قبيلته كِنْدَة في حرب صفِّين (11) ، وكان على ميمنة الجيش (12) . وتزعّم الأشْعَث التَّيّار الَّذي فرض التَّحكيمَ (13) وفرض أبا موسى الأشْعَرِي ّ على الإمام عليه السلام . وعارض اختيارَ ابن عبّاس ومالك الأشْتَر حكَمَين عن الإمام عليه السلام بصراحة (14) ، ونادى بيمانيّة أحد الحكمين (15) . وله يدٌ في نشوء الخوارج ، كما كان له دور كبير في إيقاد حرب النَّهروان ، مع أنّه كان في جيش الإمام عليه السلام (16) . وهو ممّن كان يعارض الإمام عليه السلام وأعماله داخل الجيش بكلّ ما يستطيع (17) ، حتَّى عُدَّت مواقفه أصل كلّ فساد واضطراب (18) . وكان شرسا إلى درجة أنّه هدّد الإمامَ عليه السلام مرّةً بالقتل (19) . وسمّاه الإمام عليه السلام منافقا ولعنه (20) . وكان ابن ملجم يتردّد على داره (21) ، وهو الَّذي أشار على المذكور بالإسراع يوم عزمه على قتل الإمام عليه السلام (22) . ونحن وإن لم نمتلك دليلاً تاريخيّا قطعيّا على صلته السِّرِّية بمعاوية ، لكن لابدّ من الالتفات إلى أنّ الأيادي الخفيّة تعمل بحذر تامّ وكتمان شديد ، ولذا لم تنكشف إلاّ نادرا . لكنَّ ملفّ جنايات هذا البيت المشؤوم يمكن عدّه وثيقة معتبرة على علاقته، بل وعلاقة اُسرته بأعداء أهل البيت عليهم السلام ، وممّا يعزّز ذلك تعبير الإمام عنه بالمنافق . قامت بنته جعدة بسمّ الإمام الحسن عليه السلام (23) . وتولّى ابنه محمّد إلقاء القبض على مسلم بن عَقِيل بالكوفة ، بعد أن آمنه زورا ، ثمّ غدر به (24) وكلُّ إناء بالَّذي فيه ينضحُ . وكان ابنه الآخر قَيْس (25) من اُمراء جيش عمر بن سعد بكربلاء ، ولم يقلّ عن أبيه ضعَةً ونذالةً ؛ إذ سلب قطيفة الإمام الحسين عليه السلام ، فاشتهر بقيس القطيفة (26) . هلك الأشْعَث سنة 40 ه (27) ، فخُتم ملفّ حياته الدَّنِسُ الملوَّثُ بالعار . في شرح نهج البلاغة عن الأعْمَش : إنّ جَرِير ا والأشْعَث خرجا إلى جبّان (28) الكوفة ، فمرّ بهما ضبٌّ يعدو ، وهما في ذمّ عليّ عليه السلام ، فنادياه : يا أبا حِسْل ، هلمّ يدك نبايعك بالخلافة ، فبلغ عليّا عليه السلام قولهما ، فقال : أما إنّهما يُحشران يوم القيامة وإمامُهما ضبّ (29) . وقال الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ الأشْعَث بن قَيْس شرك في دم أمير المؤمنين عليه السلام ، وابنته جعدة سمّت الحسن عليه السلام ، ومحمّد ابنه شرك في دم الحسين عليه السلام (30) » . وفي تاريخ مدينة دمشق عن إبراهيم : ارتدّ الأشْعَث بن قَيْس وناس من العرب لمّا مات نبيّ اللّه صلى الله عليه و آله فقالوا : نُصلّي ولا نُؤدّي الزَّكاة ، فأبى عليهم أبو بكر ذلك ، قال : لا أحلّ عقدة عقدها (31) رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولا أعقد عقدة حلّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولا أنقصُكم شيئا ممّا أخذ منكم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولاُجاهدنّكم ، ولو منعتموني (32) عقالاً ممّا أخذ منكم نبيّ اللّه صلى الله عليه و آله ، لجاهدتكم عليه ، ثمّ قرأ : « وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ » (33) الآية . فتحصّن الأشْعَث بن قَيْس هو وناس من قومه في حصن ، فقال الأشْعَث : اجعلوا لسبعين منّا أمانا فجعل لهم ، فنزل بعد سبعين ، ولم يُدخل نفسه فيهم ، فقال أبو بكر : إنّه لا أمان لك ، إنّا قاتلوك ، قال : أفلا أدلّك على خير من ذلك ؟ تستعين بي على عدوّك ، وتزوّجني اُختك ، ففعل (34) . وفي الأخبار الطوال : كان ( الأشْعَث ) مقيما بأذربيجان طول ولاية عثمان بن عفّان ، وكانت ولايته ممّا عتب النَّاس فيه على عثمان ؛ لأنّه ولاّه عند مصاهرته إيّاه ، وتزويج ابنة الأشْعَث من ابنه (35) . وفي وقعة صفِّين عن الأشْعَث بن قَيْس _ من خطبته في أذربيجان بعد بيعة الناس مع عليّ عليه السلام _ : أيُّها النَّاس ! إنّ أمير المؤمنين عثمان ولاّني أذربيجان ، فهلك وهي في يدي ، وقد بايع النَّاس عليّا ، وطاعتنا له كطاعة من كان قبله ، وقد كان من أمره وأمر طَلْحَة والزُّبَيْر ما قد بلغكم ، وعلي ٌّ المأمون على ما غاب عنّا وعنكم من ذلك الأمر . فلمّا أتى منزله دعا أصحابه فقال : إنّ كتاب عليّ قد أوحشني ، وهو آخذ بمال أذربيجان ، وأنا لاحق بمعاوية . فقال القوم : الموت خير لك من ذلك ، أ تدع مِصرَك وجماعة قومك وتكون ذَنَبا لأهل الشَّام ؟ ! فاستحيى فسار حتَّى قدم على عليّ (36) . وفي تاريخ اليعقوبي _ في كتابة وثيقة التَّحكيم واختلافهم في تقديم الإمام وتسميته بإمرة المؤمنين _ : فقال أبو الأعْوَر السَّلمي ّ : لا نُقدّم عليّا ، وقال أصحاب عليّ : ولا نُغيّر اسمه ولا نكتب إلاّ بإمرة المؤمنين ، فتنازعوا على ذلك منازعة شديدة حتَّى تضاربوا بالأيدي ، فقال الأشْعَث : امحوا هذا الإسم ، فقال له الأشْتَر : واللّه _ يا أعور ! _ لهممتُ أن أملأ سيفي منك ، فلقد قتلتُ قوما ما هم شرّ منك ، وإنّي أعلم أنّك ما تحاول إلاّ الفتنة ، وما تدور إلاّ على الدُّنيا وإيثارها على الآخرة ! (37) وقال الإمام عليّ عليه السلام : « أمّا هذا الأعْوَر _ يعني الأشْعَث _ فإنّ اللّه لم يَرفَعْ شَرَفا إلاّ حَسدَهُ ، ولا أظهرَ فضلاً إلاّ عابَهُ ، وهو يُمنّي نفسَهُ ويخدَعُها ، يخافُ ويرجو ، فهو بينَهُما لا يَثِقُ بواحِدٍ مِنهُما ، وقد مَنّ اللّه ُ عليهِ بأن جَعَلهُ جبانا ، ولو كان شَجاعا لقتلَهُ الحقُّ (38) » . وقال الإمام الصادق عليه السلام : « حدّثتني امرأةٌ مِنّا ، قالت : رأيتُ الأشْعَثَ بنَ قَيْسٍ دخَلَ على عليٍّ عليه السلام فأغلَظَ لَهُ عليّ ، فعرَضَ لَهُ الأشْعَثُ بِأَنْ يَفتِكَ بِهِ . فقال له عليّ عليه السلام : أبالموتِ تُهدِّدُني ؟ ! فو اللّه ِ ما اُبالي وَقَعتُ علَى المَوتِ ، أو وقَعَ المَوتُ علَيَّ (39) » . وفي تاريخ مدينة دمشق عن قَيْس بن أبي حازم : دخل الأشْعَث بن قَيْس على عليّ في شيء ، فتهدّده بالموت ، فقال عليّ : بالموت فتهدّدني ! ما اُبالي سَقَطَ عَليَّ أو سَقَطْتُ عَلَيهِ . هاتوا لَهُ جامِعَةً وقَيْدا ، ثمّ أومأ إلى أصحابه فطَلبُوا إليهِ فيهِ ، قال : فَترَكَهُ (40) . وفي شرح نهج البلاغة : كلّ فساد كان في خلافة عليّ عليه السلام ، وكلّ اضطراب حدث فأصله الأشْعَث ، ولولا محاقّته (41) أمير المؤمنين عليه السلام في معنى الحكومة في هذه المرّة، لم تكن حرب النَّهروان ، ولكان أمير المؤمنين عليه السلام ينهض بهم إلى معاوية ، ويملك الشَّام ؛ فإنّه صلوات اللّه عليه حاول أن يسلك معهم مسلك التَّعريض والمواربة (42) . وفي المثل النَّبويّ صلوات اللّه على قائله : الحربُ خُدعَةٌ ، وذاك أنّهم قالوا له : تُبْ إلى اللّه ممّا فعلت كما تُبنا ننهضْ معك إلى حرب أهل الشَّام ، فقال لهم كلمة مجملة مرسلة يقولها الأنبياء والمعصومون ، وهي قوله : أستغفر اللّه من كلّ ذنب ، فرضوا بها ، وعدّوها إجابة لهم إلى سؤلهم ، وصفَتْ له عليه السلام نيّاتهم ، واستخلص بها ضمائرهم ، من غير أن تتضمّن تلك الكلمة اعترافا بكفر أو ذنب . فلم يتركه الأشْعَث ، وجاء إليه مستفسرا وكاشفا عن الحال ، وهاتكا ستر التّورية والكناية ، ومخرجا لها من ظلمة الإجمال وستر الحيلة إلى تفسيرها بما يُفسد التَّدبير ، ويُوغِر الصُّدور ، ويُعيد الفتنة ، ولم يستفسره عليه السلام عنها إلاّ بحضور من لا يمكنه أن يجعلها معه هُدْنة على دَخَن (43) ، ولا ترقيقا عن صَبوح (44) ، وألجأه بتضييق الخناق عليه إلى أن يكشف ما في نفسه ، ولا يترك الكلمة على احتمالها ، ولا يطويها على غَرّها (45) ، فخطب بما صدع به عن صورة ما عنده مجاهرة ، فانتقض ما دبّره ، وعادت الخوارج إلى شبهتها الاُولى ، وراجعوا التَّحكيم والمُروق . وهكذا الدُّول الَّتي تظهر فيها أمارات الانقضاء والزَّوال ، يُتاح لها أمثال الأشْعَث من اُولي الفساد في الأرض « سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْامِن قَبْلُ وَ لَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً » (46)(47) .

.


1- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص38 الرقم8 ، اُسد الغابة : ج 1 ص249 الرقم185 .
2- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص 38 الرقم 8 ، تاريخ الطبري : ج 3 ص 138 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 9 ص 116 و ص 119 .
3- . تهذيب الكمال : ج 3 ص288 الرقم532 ، اُسد الغابة : ج 1 ص250 الرقم185 ، تاريخ مدينة دمشق : ج9 ص119 .
4- . الطبقات الكبرى : ج6 ص22 ، تهذيب الكمال : ج 3 ص290 الرقم532 ، تاريخ الطبري :ج3 ص339 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص39 الرقم8 ؛ الأمالي للطوسي : ص262 ح480 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص132 .
5- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص137 ؛ تاريخ الطبري : ج3 ص430 .
6- . وقعة صفّين : ص20 ؛ الأخبار الطوال : ص156 .
7- . وقعة صفّين : ص20 ؛ تهذيب الكمال : ج 3 ص289 الرقم532 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص41 الرقم8 ، تاريخ مدينة دمشق : ج9 ص140 ، مروج الذهب : ج2 ص381 .
8- . الغارات : ج1 ص365 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص130 .
9- . وقعة صفّين : ص20 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص200 ؛ مروج الذهب : ج2 ص381 .
10- . وقعة صفّين : ص21 ؛ الإمامة والسياسة : ج1 ص112 .
11- . وقعة صفّين : ص227 ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج9 ص120 ، الأخبار الطوال : ص188 .
12- . وقعة صفّين : ص205 ؛ تاريخ خليفة بن خيّاط : ص145 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص40 الرقم8 ، تاريخ مدينة دمشق : ج9 ص136 .
13- . وقعة صفّين : ص482 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص189 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص51 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص40 الرقم8 ، مروج الذهب : ج2 ص400 .
14- . وقعة صفّين : ص499 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص51 ، مروج الذهب : ج2 ص402 .
15- . وقعة صفّين : ص500 ؛ الفتوح : ج4 ص198 .
16- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص279 ، تاريخ مدينة دمشق : ج9 ص120 وفيه « حضر قتال الخوارج بالنهروان » .
17- . نهج البلاغة : الخطبة 19 ، الغارات : ج2 ص498 ؛ الكامل للمبرّد : ج2 ص579 ، تاريخ مدينة دمشق : ج9 ص135 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص75 .
18- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص279 .
19- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص40 الرقم8 ، تاريخ مدينة دمشق : ج9 ص139 ، مقاتل الطالبيّين : ص48 .
20- . نهج البلاغة : الخطبة 19 ؛ الأغاني : ج21 ص20 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص75 .
21- . الإرشاد : ج1 ص19 وفيه « وكانوا قبل ذلك ألقوا إلى الأشعث بن قيس ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين عليه السلام وواطأهم عليه » .
22- . أنساب الأشراف : ج3 ص254 ؛ الإرشاد : ج1 ص19 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص312 .
23- . راجع : الكافي : ج 8 ص167 ح187 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص295 ، اُسد الغابة : ج 1 ص251 الرقم185 .
24- . تاريخ الطبري : ج5 ص374 ؛ الإرشاد : ج2 ص58 .
25- . تاريخ الطبري : ج5 ص422 .
26- . تاريخ الطبري : ج5 ص453 .
27- . سِيَر أعلامِ النبلاء: ج2 ص42 الرقم8 ، تاريخ مدينة دمشق: ج9 ص144، اُسد الغابة: ج 1 ص251 الرقم185.
28- . الجَبّان والجَبّانة: الصحراء، وتسمّى بهما المقابر، لأنّها تكون في الصحراء ، تسمية للشيء بموضعه (النهاية: 1 / 236 ) .
29- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص75 .
30- . الكافي : ج 8 ص167 ح187 عن سليمان كاتب عليّ بن يقطين عمّن ذكره .
31- . في المصدر : « عقد » ، والصحيح ما أثبتناه كما في تهذيب الكمال .
32- . في المصدر : « منعوني » ، والصحيح ما أثبتناه كما في تهذيب الكمال .
33- . آل عمران : 144 .
34- . تاريخ مدينة دمشق : ج9 ص134 ، تهذيب الكمال : ج 3 ص290 الرقم532 ؛ الأمالي للطوسي : ص262 ح480 كلّها عن إبراهيم النخعي .
35- . الأخبار الطوال : ص156 وراجع : وقعة صفّين : ص20 .
36- . وقعة صفّين : ص21 ؛ الإمامة والسياسة : ج1 ص112 نحوه .
37- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص189 .
38- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 20 ص286 ح277 ؛ نثر الدرّ : ج1 ص325 نحوه .
39- . مقاتل الطالبيّين : ص47 عن سُفيان بن عُيَيْنَة .
40- . تاريخ مدينة دمشق : ج9 ص139 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص40 الرقم8 وليس فيه « ما اُبالي سقط عليَّ أو سقطتُ عليه » .
41- . احتَقّ القوم: قال كلّ واحد منهم: الحقّ في يدي( لسان العرب: ج10 ص49 ) والمراد هنا : المحاجّة والمجادلة.
42- . المواربة : المداهاة والمخاتَلة ، والتوريب : أن تُوَرِّي عن الشَّيء بالمُعارَضات والمباحات ( لسان العرب : ج1 ص796 ) .
43- . الهُدْنة : اللِّين والسُّكون ، ومنه قيل للمصالحة : المهادنة ؛ لأنّها ملاينة أحد الفريقين . والدَّخَن : تَغَيُّر الطعام من الدُّخان ( مجمع الأمثال : ج 3 ص460 الرقم4464 ) .
44- . أصل المثل : « عن صَبُوحٍ تُرَقَّق » الصبوح : ما يُشرب صَباحا ، وترقيق الكلام : تزيينه وتحسينه . يُضرَب لمن كَنَى عن شيء وهو يريد غيره ( مجمع الإمثال : ج 2 ص348 الرقم2451 ) .
45- . أصل المثل : طَوَيتُه على غَرَّهِ ، غَرُّ الثوب : أثَر تكسُّره ، يُضرَب لمن يؤكَل إلى رأيه ( مجمع الأمثال : ج2 ص290 الرقم2298 ) .
46- . الأحزاب : 62 .
47- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص279 .

ص: 227

. .

ص: 228

. .

ص: 229

. .

ص: 230

. .

ص: 231

. .

ص: 232

. .

ص: 233

42 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

42كتابه عليه السلام إلى معاويةإِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أبَا بَكْر ٍ وعُمَر َ وعُثْمَانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أنْ يَخْتَارَ ، ولا لِلْغَائِبِ أنْ يَرُدَّ ، وإِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِين َ والأَنْصَار ِ ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وسَمَّوْهُ إِمَاما كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رِضًا ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أوْ بِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ ، فَإِنْ أبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُومِنِينَ ، ووَلاَّهُ اللّه مَا تَوَلَّى ، ولَعَمْرِي يَا مُعَاوِيَةُ لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أبْرَأ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ ، ولَتَعْلَمَنَّ أنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَةٍ عَنْهُ ، إِلاَّ أنْ تَتَجَنَّى ، فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ والسَّلامُ . (1)

هذا الكتاب من كتبه عليه السلام مع جَرِير بن عبْد اللّه البَجَلِي ّ إلى معاوية ، حين نزعه من همدان . قال ابن عساكر : أخبرنا أبو عبد اللّه البلخي ، أخبرنا أحمد بن الحسن بن خيرون ، أخبرنا الحسن بن أحمد بن إبراهيم ، أخبرنا أحمد بن إسحاق الطَّيبيّ ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين ، أخبرنا أبو سَعيد يَحْيَى بن سُلَيْمان الجُعْفِيّ ، أخبرنا نَصْر بن مُزاحم ، أخبرنا عمر بن سَعْد الأسَديّ عن نُمَيْر بن وعلة ، عن عامر الشَّعْبي ّ ، أنَّ عليَّا عليه السلام حين قدم من البصرة نزَع جَرِير ا همدان ، فجاء حتى نزل الكوفة ، فأراد عليّ أن يبعث إلى معاوية رسولاً . فقال له جَرِير : ابعثني إلى معاوية ، فإنَّه لم يزل لي مستنصحا ، وودَّا فآتيه فأدعوه على أنْ يسلِّم لك هذا الأمر ويجامعك على الحقّ ، على أن يكون أميرا من أُمرائك ، وعاملاً من عمَّالك ما عمل بطاعة اللّه ، واتَّبع ما في كتاب اللّه ، وأدعو أهل الشَّام إلى طاعتك وولايتك ، وجلّهم قومي وأهل بلادي ، وقد رجوت ألاَّ يعصوني . فقال له الأشْتَر : لا تبعثه ودعه لا تصدقه ، فو اللّه ، إنِّي لأظنُّ أن هواه هواهم ، ونيته نيتهم . فقال له علي : دعه حتَّى ننظر ما يرجع به إلينا ، فبعثه عليّ عليه السلام ، وقال له حين أراد أنْ يبعثه : « إنَّ حولي من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله من أهل الدِّين والرَّأي من قد رأيت ، وقد اخترتك عليهم لقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيك : إنك من خَيْر ذي يمن ، ايت معاوية بكتابي ، فإنْ دخل فيما دخل فيه المسلمون ، وإلاَّ فانْبذ إليْه ، وأعلمه أنِّي لا أرضَى به أميرا ، وأنَّ العامَّة لا ترضى به خليفة » . فانطلق جَرِير حتَّى أتى الشام ونزل بمعاوية فدخل عليه ، فحمد اللّه وأثنى علَيْه ، وقال : أمَّا بعدُ ، يا معاوية فإنَّه قَدْ اجتمع لابن عمِّك أهل الحرمين ، وأهل المصرين ، وأهل الحجاز ، وأهل اليمن ، وأهل مصر ، وأهل العروض وعمان ، وأهل البحرين ، واليمامة ، فلم يبق إلاَّ أهل هذه الحصون الَّتي أنْت فيها لو سال عليها سيل من أوديته غرقها ، وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك ، إلى مبايعة هذا الرجل ، ودفع إليه كتاب عليّ بن أبي طالب وفيه : « بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم أمَّا بعدُ ، فإنَّ بَيْعَتِي بالمَدِيْنَةِ لَزِمَتْكَ وأنْتَ بالشَّامِ ، لأنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أبَا بَكْر ٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ عَلَى مَا بويعوا عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أنْ يَخْتَارَ ، ولا لِلْغَائِبِ أنْ يَرُدَّ ، وإِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِين َ والأَنْصَار ِ ، فَإذا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ فسمَّوه إِمَاما كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رِضًا ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أوْ رغبة رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ ، فَإِنْ أبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُومِنِينَ ، ووَلاَّهُ اللّه مَا تَوَلَّى ، ويُصْلِيه جَهَنَّم وسَاءَتْ مَصِيرا . وإنَّ طَلْحَة والزُّبَيْر بايَعانِي ، ثُمَّ نَقَضا بَيْعَتِي ، وكان نَقْضُهُما كَرَدِّهِما ، فجاهَدْتُهما على ذلك حتَّى جاءَ الحقُّ وظَهَرَ أمْرُ اللّه ِ وهُم كارِهون ، فادْخُل فيما دَخَلَ فيه المُسْلِمُون َ ، فإنَّ أحَبَّ الأُمور إليَّ فيْك العافِية ، إلاَّ أنْ تَتَعرَّض للبَلاء ، فإنْ تَعَرَّضْتَ له قاتَلْتُك واسْتَعَنْتُ اللّه علَيْك . وقَدْ أكْثَرْتَ في قَتَلَةِ عُثْمان ، فَادخُل فيما دَخَلَ فيْهِ المسْلمون َ ، ثُمَّ حاكِم القَوْم إليَّ أحْمِلُك وإيَّاهم على كِتاب اللّه ، فأمَّا تِلْك الَّتي تُريدُها فَخُدْعَةُ الصَّبيِّ عن اللَّبَن . ولَعَمْرِي لَئِن نَظَرْتَ بعقلِك دُوْنَ هَواكَ ، لَتجِدُنِي أبرَأ قرِيش ٍ من دَم عُثمان . واعْلَم أنَّك من الطُّلَقاء ِ الَّذِين لا تَحِلُّ لهم الخِلافَةُ ، ولا تَعْرِضُ فيهم الشُّورى ، وقد أرْسَلْتُ إليْكَ وإلى مَن قِبَلَك جَرِيرَ بن عبْد اللّه ، وهو من أهل الإيمان والهِجْرَة ، فبايِعْ ، ولا قوَّة إلاَّ باللّه » . (2)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب6 .
2- . وقعة صفِّين : ص27 وراجع : العقد الفريد : ج3 ص 106 ، والإمامة والسياسة : ج1 ص93 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص 75 ، تاريخ مدينة دمشق : ج56 ص974 .

ص: 234

. .

ص: 235

. .

ص: 236

43 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

43كتابه عليه السلام إلى معاويةمن كتاب له عليه السلام أجاب به معاوية لمَّا وَصل ردّ كتابه إليه عليه السلام :« أمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ أتَانَا كتابُكَ ، كِتابُ امْرِئٍ لَيْسَ لَه بَصَرٌ يَهْدِيه ، ولا قائِدٌ يُرْشِدُه ، دَعاهُ الهَوى فأجابَه ، وقَادَهُ فاتَّبَعَه ، زَعَمْتَ أنَّك إنَّما أفْسَدَ علَيْك بَيْعَتِي خَفْورِي لِعُثمانَ . ولَعَمْرِي ما كنْتُ إلاَّ رَجُلاً من المهاجِرين ، أوْرَدْتُ كَما أوْرَدُوا، وأصْدَرْتُ كما أصْدَرُوا ، وما كان اللّه لِيَجْمَعَهم على ضَلالَةٍ ، ولا لِيَضْرِبَهم بِالعَمى ، وما أمَرْتُ فَلَزِمَتْنِي خَطِيْئَةُ الأمْر ، ولا قَتَلْتُ فأخافُ على نَفسِي قِصاصَ القاتِل . وأمَّا قولك : إنَّ أهلَ الشَّام هُمْ حُكَّامُ أهل الحِجاز ؛ فهاتِ رَجُلاً من أهل الشَّام يُقْبَل في الشُّورى ، أوْ تَحِلُّ لَه الخِلافَةُ ، فإنْ سَمَّيْتَ كَذَّبَك المهاجِرون والأنصار ونَحْنُ نأتِيك بِه مِن أهل الحِجاز . وأمَّا قولك : إدفَعْ إليَّ قَتَلَةَ عُثمان ؛ فما أنْتَ وذَاكَ وهاهُنا بَنُو عُثمان ، وهُم أوْلى بذلك منك ، فإنْ زَعَمْتَ أنَّك أقْوَى علَى طَلَب دَم عُثْمان منْه فارْجِع إلى البَيْعَة الَّتي لَزِمَتْك ، وحاكِم القَوْم إليَّ . وأمَّا تَمْييزُك بينَ أهل الشَّام والبَصْرَة وبَيْنَك وبينَ طَلْحَة والزُّبَيْر ، فلَعَمْرِي ما الأمْر هناك إلاَّ واحدٌ ، لأنَّها بَيْعَةٌ عامَّةٌ لا يَتَأتَّى فيهَا النَّظَرُ ، ولا يُسْتأنَفُ فيْها الخِيار . وأمَّا قَرابَتي من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقِدَمِي في الإسْلام فلَو اسْتَطَعْتَ دَفْعَه لَدَفَعْتَهُ . (1)

.


1- . العقد الفريد : ج3 ص329 وراجع : وقعة صفِّين : ص499 ؛ الفتوح : ج2 ص431 ، الإمامة والسياسة : ص102 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص400 .

ص: 237

44 _ كتابه عليه السلام إلى جرير بن عبد اللّه

44كتابه عليه السلام إلى جرير بن عبد اللّهفقال نصر : حدَّثني مُحَمَّد بن عُبيد اللّه عن الجرجاني قال : لمّا قدم عليٌّ عليه السلام الكوفة بعد انقضاء أمر الجمل ، كاتب العمّال ، فكتب إلى جَرِير بن عبْد اللّه البَجَلِيّ مع زحر بن قَيْس الجُعْفِي ّ ، وكان جَرِير عاملاً لعثمان على ثغر هَمْدان :« أمَّا بعدُ ؛ « إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَ إِذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ » (1) وإنّي أُخبِرُكَ عَن نبأ مَنْ سِرنا إليهِ مِن جُموعِ طَلْحَة َ والزُبَيْر عِندَ نَكْثِهِم بَيعَتِي، وما صنعوا بعاملي عثمان بن حُنَيْف ، إنّي نهضت من المدينة بالمهاجرين والأنصار حَتَّى إذا كنت بالعذيب ، بعثت إلى أهل الكوفة الحسن بن عليّ ، وعبد اللّه بن عبّاس ، وعَمَّار بن ياسر ، وقَيْسَ بن عُبادَة ، فاستَنْفَرتُهم فأجابُوا ، فَسِرْتُ بِهِم حَتَّى نزلتُ بِظَهرِ البَصرَةِ ، فأعذَرتُ في الدُّعاءِ ، وأقَلْتُ العَثْرةَ، وناشَدْتُهُم عَهدَ بَيعَتِهِم ، فأبَوا إلاَّ قتالي ، فاستعنتُ اللّه َ عَلَيهِم ، فقُتِلَ مَن قُتِل ، وولّوا مُدبرينَ إلى مِصرِهم، وسأَلوني ما كُنتُ دعوتُهُم إليهِ قَبلَ اللِّقاءِ ، فَقَبِلتُ العافِيَةَ ، ورَفعتُ السَّيفَ ، واستعمَلْتُ عَلَيهِم عبدَ اللّه ِ بنَ العبّاسِ ، وسرت إلى الكوفة ؛ وقد بعثت إليك زحر بن قَيْس ، فاسألْهُ عمّا بدَّا لَكَ والسَّلامُ » . (2)

قال : فلمَّا قرأ جَرِيرُ الكتابَ ، قامَ فقالَ : أيُّها النَّاسُ ، هذا كتاب أمير المونين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وهو المأمون على الدِّين والدُّنيا ، وقد كان من أمره وأمر عدوّه ما نحمدُ اللّه عليه، وقد بايعه النَّاس الأوَّلون من المهاجرين والأنصار والتَّابعين بإحسان ، ولو جعل هذا الأمر شورى بين المسلمين كان أحقَّهم بها ، ألا وإنَّ البقاء في الجماعة ، والفناء في الفرقة ، وإنَّ عليَّا حاملكم على الحقّ ما استقمتم ، فإن ملتم أقام ميلكم . فقال النَّاس : سمعا وطاعةً ، رضينا رضينا . فكتب جَرِير إلى عليّ عليه السلام جواب كتابه بالطاعة . . . (3) ثُمَّ نقل ما جرى من شعر ابن أخت جَرِير ، وخطبة زحر بن قَيْس ، وشعر جَرِير ، نصَّ فيه أنَّ عليَّا عليه السلام هو وصيّ النَّبيّ صلى الله عليه و آله وأشعار من غيرها . قال نصر : فقبل الأشْعَث البيعة وسمع وأطاع، وأقبل جَرِير سائرا من ثغر همدان حَتَّى ورد عليّ عليه السلام الكوفة فبايعه، ودخل فيما دخل فيه النَّاس من طاعته ولزوم أمره . (4) أقول : لكنَّ في أشعار ابن أخت جَرِير إيحاء إلى اتهامه جَرِيرا بعدم الإخلاص له، وميله إلى العثمانيين . قال ابن أبي الحديد : قالوا: وكان الأشْعَث بن قَيْس الكِنْدي ّ، وجَرِير بن عبد اللّه البَجَلِيّ يبغضانه ، وهدم عليّ عليه السلام دار جَرِير بن عبد اللّه . قال إسماعيل بن جَرِير : هدم عليّ دارنا مرَّتين . وروى الحارث بن حُصَيْن ، أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله دفع إلى جَرِير بن عبد اللّه نعلين من نعاله ، وقال : احتفظ بهما فإنَّ ذهابهما ذَهاب دينك فلمَّا كان يوم الجمل ذهبت إحداهما، فلمَّا أرسله عليّ عليه السلام إلى معاوية ذهبت الأخرى ، ثُمَّ فارق عليَّا و . . . عن الأعمش أنَّ جَرِيرا والأشْعَث خرجا إلى جبَّان الكوفة ، فمرَّ بهما ضبّ يعدو وهما في ذم عليّ عليه السلام فنادياه : يا أبا حسل ؛ هلمَّ يدك نبايعك بالخلافة فبلغ عليَّا عليه السلام قولهما ، فقال : « أما إنَّهما يحشران يوم القيامة وإمامهما ضبّ » . (5) فقال الآبي : قال بعض قريش : أتيت الكوفة فتَبوَّأْت بها منزلاً ، ثُمَّ خرجت أُريد عليَّا عليه السلام ، فلقيني في الطَّريق وهو بين الأشْعَث بن قَيْس ، وجَرِير بن عبد اللّه ، فلمَّا رآني خرج من بينهما فسلَّم عليّ ، فلمَّا سكت قلت : يا أمير المؤمنين ، مَن هذان ؟ وما رأيهما ؟ فقال : « أمّا هذا الأعْوَر _ يعني الأشْعَث _ فإنَّ اللّه َ لم يَرفعْ شَرَفا إلاَّ حَسَدَهُ ، ولم يَسُنَّ دينا إلاَّ بَغَاهُ ، وهو يُمَنِّي نفسَهُ ويخدَعُها ، فهو بينهما لا يَثِقُ بواحدة مِنهُما ، ومنَّ اللّه ُ عليهِ أن جعَلَهُ جَبانا ، ولو كان شجاعا لَقد قَتَلهُ الحَقّ بَعدُ . وأمَّا هذا الأكشفُ _ يعني جَرِيرا _ عبد الجاهليّة، فهوَ يَرى أنَّ كُلَّ أحَدٍ يَحقِرُهُ ، فَهُو مُمتَلِى ءٌ بأْوا (6) ، وهو في ذلك يألبُ (7) حُجْرا يؤْويه ، ومنصبا يُغنيه . وهذا الأعْوَر يُغوِيهِ ويطغيه ، إنْ حَدَّثَهُ كَذِبَهُ ، وإنْ قامَ دُونَهُ نكَصَ عنهُ ، فَهُما كالشَّيطانِ « إِذْ قَالَ لِلاْءِنسَ_نِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّى بَرِىءٌ مِّنكَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَ__لَمِينَ » » (8) . قال : فقلت له : واللّه يا أمير المؤمنين لقد نزلت بشرِّ منزل ، ما أنت إلاَّ بين الكلب والذِّئب . قال : « هو عَمَلُكم يا معشَر قُريشٍ ، واللّه ِ ما خَرَجْتُ مِنكُمْ إلاَّ أنّي خِفْتُ أن تَلِجُّوا بي فأَلِجَّ بِكُم » . (9) قال نصر : فلمّا أراد عليّ عليه السلام أن يبعث إلى معاوية رسولاً ، فقال له جَرِير : ابعثني يا أمير المونين إليه ؛ فإنَّه لم يزل لي مسْتخِصَّا وودَّا ، آتيه فأدعوه ، على أن يسلّم لك هذا الأمر ، ويجامعك على الحقّ ، على أن يكون أميرا من أُمرائك ، وعاملاً من عمّالك، ما عمل بطاعة اللّه ، واتبع ما في كتاب اللّه ، وأدعو أهل الشَّام إلى طاعتك وولايتك فجلّهم قومي وأهل بلادي ، وقد رجوت إلاَّ يعصوني . فقال له الأشْتَر : لا تبعثْه ولا تصدِّقه ؛ فو اللّه إنّي لأظنَّ هواه هواهم ، ونيّته نيّتهم . فقال له عليّ عليه السلام : « دَعْهُ حَتَّى نَنظُرَ ما يَرجِعُ بهِ إلينا » . [ أقول :أراد أمير المؤمنين عليه السلام أن يرسل جَرِيرا إلى معاوية فخالفه الأشْتَر ] فبعثه عليّ عليه السلام ، وقال له حين أراد أن يبعثه : « إنَّ حولي من أصحابِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله من أهلِ الرَّأي والدِّين مَن قد رأيت ، وقد اخترتك عليهم لقول رسول اللّه فيك :إنَّك مِن خَيرِ ذي يَمَنٍ ، ائت معاوية بكتابي ، فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون ، وإلاَّ فانبِذْ إليه وأعلمه أنّي لا أرضى بهِ أميرا، وأنَّ العامّة لا ترضى به خليفة » . فانطلق جَرِير حَتَّى أتى الشَّام ونزل بمعاوية . . . (10) الجرجاني قال : كان معاوية قد أتى جَرِيرا قبل ذلك في منزله ، فقال له : يا جَرِير ؛ إنّي قد رأيت رأيا ، قال : هاته ، قال : اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشَّام ومصر جباية ، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده في عنقي بيعة ، وأُسلِّم له هذا الأمر ؛ وأكتب إليه بالخلافة . فقال جَرِير : اكتُبْ ما أردتَ أكتبْ مَعَكَ . فكتب معاوية بذلك إلى عليّ ، فكتب عليّ عليه السلام إلى جَرِير : « أمَّا بعدُ ؛ فإنَّما أرادَ مُعاوِيَةُ ألاَّ يكون لي في عنقه بيعة ، وأن يختار من أمره ما أحبّ، وأراد أن يَريثَكَ ويبطئك حَتَّى يَذُوقَ أهلَ الشَّام ؛ وإنَّ المُغِيْرَة بنَ شُعْبَة َ قد كان أشار عليَّ أن أستَعمِلَ مُعاوِيَةَ على الشَّام ، وأنا حينئذ بالمدينة ، فَأبَيتُ ذلِكَ عَليهِ ، ولم يكن اللّه ليراني أتَّخِذَ المُضلِّينَ عَضُدا ، فإن بايَعَكَ الرَّجُلُ ؛ وإلاَّ فأقْبِلْ والسَّلام » . [ أقول : أبطأ جَرِير عند معاوية حَتَّى اتَّهمه النَّاس ، وقال عليّ عليه السلام : وقَّت الرسول وقتا لا يُقيمُ بعدَهُ إلاَّ مَخدُوعا أوْ عاصيا . وأبطأ على عليّ عليه السلام حَتَّى أيس منه . ] فقال نصر : وفشا كتاب معاوية في العرب ، فبعَث إليه الوليد بن عُقْبَة : مُعاوِيَ إنَّ الشَّامَ شَامُكَ فاعتَصِمْبِشامِكَ لاتُدخِلْ عَلَيكَ الأفاعِيا (11)

.


1- . الرعد : 11 .
2- . وزاد ابن أعثم :« واقرأ كتابي على المسلمين ، وأقبل إليَّ بخيلِكَ وَرَجْلِكَ ، فإنّي عازِمٌ على المسيرِ إلى الشَّام إن شاء اللّه تعالى، لا قوَّة إلاَّ باللّه » ؛ قال : ثُمَّ طوى الكتاب وعنونه وختمه بخاتمه ودفعه إلى زحر بن قيس وأمره بالمسير إلى جرير .
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص70 ، وقعة صفّين :ص15 ، الفتوح : ج2 ص500 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص110 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص 336 الرقم372 ؛ بحار الأنوار : ج32 ص359 ح339 .
4- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص71 _ 74 .
5- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص74 .
6- . البأو: الكِبر والتعظيم. ( النهاية: ج 1 ص 91 « بأو » ).
7- . الألوبُ: الذي يُسرع، يُقال: ألَبَ يألِبُ ويألُبُ. ( لسان العرب: ج 1 ص 215 «ألب» ).
8- . الحشر : 16 .
9- . نثر الدر : ج1 ص324 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج20 ص286 الرقم277 نحوه مختصرا .
10- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص74 ؛ وقعة صفّين :ص27 .
11- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص84 و راجع : تاريخ مدينة دمشق : ج59 ص131 ، الفتوح : ج2 ص515 وزاد في آخره « و لا تكن رخو الجنان والسلام » ؛ وقعة صفّين :ص27 ، بحار الأنوار : ج32 ص378 .

ص: 238

. .

ص: 239

. .

ص: 240

. .

ص: 241

45 _ كتابه عليه السلام إلى محمّد بن أبي بكر

45كتابه عليه السلام إلى مُحَمَّد بن أبي بَكرعن كَعْب قال : كنت مع مُحَمَّد بن أبي بَكر حيث قدم مصر ، فلمَّا أتاها قرأ عليهم عهده :« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذا ما عهد عبد اللّه عليّ أمير المونين إلى مُحَمَّد بن أبي بَكر حين ولاّه مصر : أمره بتقوى اللّه والطَّاعة له في السِّرِّ والعلانيَّة ، وخوف اللّه في المغيب والمشهد ، وأمره باللِّين للمسلم ، وبالغلظة على الفاجر ، وبالعدل على أهل الذِّمّة ، وبالإنصاف للمظلوم ، وبالشدّة على الظَّالم ، وبالعفو عن النَّاس ، وبالإحسان ما استطاع ، واللّه ُ يَجزِي المُحسِنينَ ويُعذِّبُ المُجرِمينَ . وأمره أن يَدعُوَ مَنْ قِبَلَهُ إلى الطَّاعَةِ والجَماعَةِ ؛ فإنَّ لَهُم في ذلِكَ مِنَ العاقِبَةِ وعظيمِ المَثُوبَةِ ما لا يُقدِّرونَ قَدرَهُ ، ولا يَعرِفُونَ كُنهَهُ ، وأمرَهُ أن يَجبِي خَراجَ الأرضِ علَى ما كانَتْ تُجبَى عَلَيهِ مِنْ قَبلُ ، ولا يَنتَقِصْ مِنهُ ولا يَبتَدِعْ فيهِ ، ثُمَّ يَقسِمُهُ بينَ أهْلِهِ كَما كانوا يَقسِمُونَهُ عليهِ مِنِ قَبْلُ . وأمرَهُ أنْ يُلِينَ لَهُم جَناحَهُ ، وأَنْ يُساوي بَينَهُم فِي مَجْلِسِهِ ووجهه ، ولْيَكُنِ القَرِيبُ والبَعِيدُ عِندَهُ في الحَقِّ سَواءٌ ، وأمَرَهُ أنْ يَحْكُمَ بَينَ النَّاسِ بالحَقِّ ، وأنْ يَقومَ بالقِسْطِ ، ولا يتَّبِعَ الهَوى ، ولا يَخافَ فِي اللّه ِ لَومَةَ لائِمٍ ، فإنَّ اللّه َ مَعَ مَنْ اتّقاهُ ، وآثَرَ طاعَتَهُ علَى ما سِواهُ ، والسَّلامُ » .

.

ص: 242

محمّد بن أبي بكر

وكتبه عُبيدُاللّه ِ بنُ أبي رافعٍ مَولَى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لِغُرَّةِ شَهْرِ رَمَضانَ ، سَنَةَ سِتٍّ وثلاثين . (1)

مُحَمّدُ بنُ أبي بَكرهو محمّد بن عبد اللّه بن عثمان ، وهو محمّد بن أبي بكر بن أبي قُحافة ، واُمُّه أسماء بنت عُمَيس ، وُلد في حجّة الوداع ( سنة 10 ه ) بذي الحُلَيفة (2) ، في وقتٍ كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد تهيّأ مع جميع أصحابه لأداء حجّة الوداع . اُمّه أسماء بنت عُمَيس . كانت في البداية زوجة جعفر بن أبي طالب (3) ، وهاجرت معه إلى الحبشة (4) . وبعد استشهاد جعفر تزوّجها أبو بكر (5) ، وبعد موته تزوّجها أمير المؤمنين عليه السلام . فانتقلت إلى بيته مع أولادها ، وفيهم محمّد الَّذي كان يومئذٍ ابن ثلاث سنين (6) . نشأ في حِجر الإمام عليه السلام (7) إلى جانب الحسن والحسين عليهماالسلام ، وامتزجت روحه بمعرفة وحبّ أهل البيت عليهم السلاموكان الإمام عليه السلام يقول أحيانا ملاطفا : « مُحمّدٌ ابني مِن صُلْبِ أبي بَكرٍ » (8) . وكان محمّد في مصر أيّام حكومة عثمان ، وبدأ فيها تعنيفه وانتقاده له (9) ، واشترك في الثَّورة عليه (10) . وكان إلى جانب الإمام عليه السلام بعد تصدّيه للخلافة . وهو الَّذي حمل كتابه إلى أهل الكوفة قبل نشوب حرب الجمل (11) ، وكان على الرَّجَّالة فيها (12) . وبعد غلبة الإمام عليه السلام تولّى متابعة الشُّؤون المتعلّقة بعائِشَةَ بأمر الإمام عليه السلام (13) ، وأعادها إلى المدينة (14) . كان محمّد مجدّا في الجهاد والعبادة ، ولجدّه في عبادته سُمّي عابد قريش (15) . وهو جدّ الإمام الصَّادق عليه السلام من الاُمّهات 16 . ولاّه الإمام عليه السلام على مصر سنة 36 ه بعد عزل قَيْس بن سَعْد عنها (16) . ولمّا تخاذل أصحاب الإمام عن نصرته عليه السلام ، وتركوه وحيدا ، اغتنم معاوية هذه الفرصة واستطاع أن يغتال هذا النَّصير المخلص باُسلوب غادر خبيث ، واستطاع حينئذٍ أن يسخّر مصر تحت قدرته . كان الإمام عليه السلام يُثني عليه ويذكره بخير في مناسبات مختلفة ويقول : « لَقَد كانَ إليَّ حبيبا، وكانَ لِي رَبِيبا (17) ، فَعِندَ اللّه ِ نَحتَسِبُهُ ولَدا ناصِحا وعامِلاً كادحا، وسيفا قاطعا، ورُكنا دافِعا » (18) . في صحيح مسلم عن جابر بن عبد اللّه الأنْصاري ّ_ في ذكر حجّة الوداع _ : حتَّى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمّد بن أبي بكر (19) . وفي اُسد الغابة _ في ذكر محمّد بن أبي بكر _ : كان له فضل وعبادة ، وكان عليّ يُثني عليه ، وهو أخو عبد اللّه بن جعفر لاُمّهِ ، وأخو يَحْيَى بن عليّ لاُمّه (20) . وفي ذكر محمّد بن أبي بكر : تزوّج عليّ باُمّه أسماء بنت عميس بعد وفاة أبي بكر ، وكان أبو بكر تزوّجها بعد قتل جعفر بن أبي طالب ، وكان ربيبه في حِجْره . وشهد مع عليّ الجمل ، وكان على الرَّجَّالة ، وشهد معه صفِّين ، ثمّ ولاّه مصر فقتل بها (21) . وفي شرح نهج البلاغة : كان محمّد ربيبه وخرّيجه ، وجاريا عنده مجرى أولاده ، رضع الولاء والتَّشيُّع مُذ زمن الصِّبا ، فنشأ عليه ، فلم يكن يعرف له أبا غير عليّ ، ولا يعتقد لأحدٍ فضيلة غيره ، حتَّى قال عليّ عليه السلام : محمّد ابني من صلب أبي بكر (22) . وعن الإمام عليّ عليه السلام _ في ذكر محمّد بن أبي بكر والتَّفجّع عليه _ : إنّه كان لي ولدا ، ولولدي وولد أخي أخا (23) .

.


1- . الغارات : ج1 ص224 وراجع : تحف العقول : ص176 ، بحار الأنوار : ج33 ص540 ،تاريخ الطبري : ج4 ص556 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص65 ، أنساب الأشراف : ج3 ص164 .
2- . صحيح مسلم : ج 2 ص887 ح147 ، التاريخ الكبير : ج 1 ص124 ح369 ، أنساب الأشراف : ج1 ص474 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص600 ، الاستيعاب : ج 3 ص422 الرقم2348 .
3- . اُسد الغابة : ج 1 ص544 الرقم759 ، الاستيعاب : ج 1 ص313 الرقم331 ، مروج الذهب : ج2 ص306 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص53 .
4- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص53 .
5- . مروج الذهب : ج2 ص307 ، اُسد الغابة : ج5 ص97 الرقم4751 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص53 .
6- . مروج الذهب : ج2 ص307 ، الاستيعاب : ج 3 ص422 الرقم2348 ، أنساب الأشراف : ج3 ص173 .
7- . الاستيعاب : ج 3 ص422 الرقم2348 ، اُسد الغابة : ج5 ص98 الرقم4751 ، الإصابة : ج 6 ص194 الرقم8313 ، مروج الذهب : ج2 ص307 وفيه « ربّاه عليّ بن أبي طالب » .
8- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص53 .
9- . تاريخ الطبري : ج4 ص292 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص254 .
10- . الطبقات الكبرى : ج3 ص73 ، أنساب الأشراف : ج6 ص163 ، تاريخ الطبري : ج4 ص357 و ص 372 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص601 ، اُسد الغابة : ج5 ص98 الرقم4751 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص175 .
11- . تاريخ الطبري : ج4 ص477 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص326 .
12- . الجمل : ص319 ؛ تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص485 ، العقد الفريد : ج3 ص314 ، الاستيعاب : ج3 ص422 الرقم2348 ، اُسد الغابة : ج5 ص98 الرقم4751 .
13- . تاريخ الطبري : ج4 ص534 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص348 .
14- . الأخبار الطوال : ص152 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص348 .
15- . مروج الذهب : ج2 ص307 ، المعارف لابن قتيبة : ص175 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص54 وفيهما « كان محمّد من نسّاك قريش » .
16- . تاريخ الطبري : ج4 ص554 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص356 ؛ الغارات : ج1 ص219 .
17- . نهج البلاغة : الخطبة 68 ، الغارات : ج1 ص301 وليس فيه « إليَّ حبيبا » .
18- . نهج البلاغة : الكتاب 35 .
19- . صحيح مسلم : ج 2 ص887 ح147 .
20- . اُسد الغابة : ج5 ص98 الرقم4751 وراجع الطبقات الكبرى : ج4 ص34 .
21- . اُسد الغابة : ج5 ص97 الرقم4751 .
22- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص53 .
23- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص194 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص173 نحوه .

ص: 243

. .

ص: 244

. .

ص: 245

46 _ كتابه عليه السلام إلى محمّد بن أبي بكر

46كتابه عليه السلام إلى مُحَمَّد بن أبي بَكركتابه عليه السلام إلى مُحَمَّد بن أبي بَكر وأهل مصر : فقال إبراهيم : فحدّثنا يَحْيَى بن صالح ، فقال حدّثنا مالك بن خالد الأسديّ ، عن الحسن بن إبراهيم ، عن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، عن عباية . أنَّ عليَّاً _ عليه السلام _ كتب إلى مُحَمَّد بن أبي بَكر وأهل مصر :« أمَّا بَعدُ ؛ فإنّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللّه ِ في سِرِّ أَمْرِكَ وعَلانِيَّتِهِ وعلَى أيِّ حالٍ كُنْتَ عَلَيها ، واعلَمْ أنَّ الدُّنيا دارُ بلاءٍ وفَناءٍ ، والآخرةَ دارُ بقاءٍ وجَزاءٍ ؛ فَإنِ استَطَعْتَ أنْ تُوثِرَ ما يَبْقَى علَى ما يَفْنَى فافْعَلْ ، فإنَّ الآخِرَةَ تَبقَى وإنَّ الدُّنيا تَفْنَى ، رَزَقَنا اللّه ُ وإيَّاكَ بَصَرا لِ_ما بَصَّرَنا ، وفهما لمِا فَهَّمَنا حَتَّى لا نُقَصِّر عَمَّا أمرَنا بِهِ، ولا نَتَعدَّى إلى ما نَهانا عَنْهُ ، فإنَّه لابُدَّ لَكَ مِن نَصيبِكَ مِنَ الدُّنيا وأنْتَ إلى نَصِيبِكَ مِنَ الآخِرَةِ أحوجُ ، فإنْ عَرَضَ لكَ أمران : أحدُهُما لِلآخِرَةِ والآخَرُ للدُّنيا فابْدَأ بِأَمرِ الآخِرَةِ ، ولْتَعظُمْ رَغْبَتُكَ في الخيرِ، ولتَحسُن فيهِ نِيَّتُكَ ، فإنَّ اللّه َ عز و جل يُعطِي العبدَ علَى قَدْرِ نِيَّتِهِ ، وإذا أحَبَّ الخيرَ وأهلَهُ ولَم يَعمَلْهُ كانَ إنْ شاءَ اللّه ُ كَمَنْ عَمِلَهُ ، فإنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فقالَ حِينَ رَجَعَ مِن تَبُوك : لَقدْ كانَ بالمَدِينَةِ أقوامٌ ما سِرْتُم مِن مَسيرٍ ولا هَبَطْتُم مِنْ وادٍ إلاَّ كانُوا مَعَكُم ، ما حَبَسَهُم إلاَّ المَرَضُ، يقول : كانَتْ لَهُم نِيَّةٌ . ثُمَّ اعلَمْ يا مُحَمّدُ ، أنِّي ولَّيتُكَ أعظَمَ أجنادِي في نَفسِي أهلَ مِصر َ ، وإذْ وَلَّيتُكَ ما وَلَّيتُكَ مِن أمْرِ النَّاسِ ، فأنْتَ مَحقُوقٌ أنْ تَخافَ فِيهِ علَى نَفْسِكَ وَتحذَرَ فيهِ علَى دِينِكَ ولَو كانَ ساعَةً مِن نَهارٍ ، فإنِ استَطَعتَ أنْ لا تُسخِطَ فيها رَبَّكَ لِرِضى أحَدٍ مِن خَلقِهِ فافعَلْ ، فَإنَّ في اللّه ِ خَلَفا مِن غَيرِهِ ولَيسَ في شيءٍ غَيرِهِ خَلَفٌ مِنهُ ، فاشتدَّ على الظَّالِمِ ، وَلِنْ لِأهْلِ الخَيرِ وَقرِّبهُم إليكَ واجعَلهُم بِطانَتَكَ وإخوانَكَ ، والسَّلامُ » . (1)

.


1- . الغارات : ج1 ص228 وراجع : نهج البلاغة : الكتاب 27 ، الأمالي للمفيد : ص266 ، الأمالي للطوسي : ص29 ، تحف العقول : ص178 ، بحار الأنوار : ج33 ص587 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص556 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص67 .

ص: 246

. .

ص: 247

47 _ كتابه عليه السلام لمحمّد بن أبي بكر وأهل مصر

[ أقول : نقل مصنِّفُ كتاب معادن الحكمة كتابه إلى مُحَمَّد بن أبي بَكر ، حين قلَّدهُ مِصر َ عن النَّهج ، ولكنَّه قسّم منه جزءا من كتابه المفصّل المشتمل على مسائل كثيرة، الَّذي نقله المُصنِّف، من قوله عليه السلام : « واعلم يا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ ، قد ولّيتك . . . وليس في شيء سواه خلف منه » ، وقسّم أيضا جزءا منه نقله المصنِّف « واعلموا عباد اللّه أنَّ المتقين ذهبوا . . . » ، على اختلاف في الألفاظ ومواضع الجملات ، ويأتي نقله بعد هذا أيضا . ولعل السَّيِّد كانت عنده رواية لم تصل إلينا . وما ذكرناه نحن عن الغارات أيضا ، ذيله موجود في الكتاب الطَّويل ، وفي شرح المعتزلي نقل هذا الكتاب عن إبراهيم الثَّقَفي ّ في الغارات ، وقال : كتب عليّ عليه السلام إلى أهل مصر لمَّا بعث مُحَمَّد بن أبي بَكر إليهم كتابا يخاطبهم به ، ويخاطب مُحمّد ا أيضا ، ثُمَّ نقل الكتاب، والضَّمائر فيه بخطاب الجمع ، كقوله « أُوصِيكُم ، آمرُكُم ، مِنكُم و . . . ، ومراده من مخاطبته محمّدا قوله عليه السلام : « ثُمَّ اعلم يا محمّد . . . » ]

47كتابه عليه السلام لمُحَمَّد بن أبي بَكر وأهل مصرقال إبراهيم الثَّقَفي ّ : كتب مُحَمَّد بن أبي بَكر إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام وهو إذ ذاك بمصر، عاملها لعليٍّ عليه السلام ، يسأله جوامع من الحرام والحلال والسُّنَنِ والمواعظ ؛ فكتب إليه : لعبدِ اللّه ِ أميرِ المُوِنين َ مِن مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ ؛ سلامٌ عليكَ فإنِّي أحمَدُ إليكَ اللّه َ الَّذي لا إله إلاَّ هوَ ، أمَّا بَعدُ ؛ فإن رأى أميرُ المُوِنينَ _ أرانا اللّه ُ وجَماعَةَ المُسلِمينَ فيهِ أفضلَ سُرورِنا وأملَنا فيهِ _ أن يكتُبَ لنا كِتابا فيهِ فَرائِضُ ، وأشياء مِمّا يُبتلى بهِ مِثلي مِنَ القضاءِ بينَ النَّاسِ فَعَلَ ؛ فإنَّ اللّه َ يُعظِّمُ لِأمِيرِ المُوِنينَ الأجرَ ، ويُحسِنَ لَهُ الذُّخْرَ . فكتب إليه عليٌّ عليه السلام :« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من عبد اللّه ِ أميرِ المُوِنينَ عليِّ بنِ أبي طالب ، إلى مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ وأهلِ مِصر ؛ سلامٌ عَلَيكُم ، فإنِّي أحمَدُ إليكُمُ اللّه َ الَّذي لا إله َ إلاَّ هُوَ ، أمَّا بَعْدُ ؛ فَقَدْ وَصَلَ إليّ كتابُكَ ، فَقَرأتُهُ وفَهِمتُ ما سألتَني عَنهُ ، وأعجَبنِي اهتِمامُكَ بِما لابُدَّ لَكَ مِنهُ، وما لا يُصلِحُ المُسلِمين َ غَيرُهُ ، وظَننتُ أنَّ الَّذي دَلَّكَ عَلَيهِ نِيَّةٌ صالِحَةٌ ، ورَأْيٌ غيرُ مَدخُولٍ ولا خَسيسٍ ، وقَد بعثتُ إليكَ أبوابَ الأقضِيَةِ جامِعا لكَ فيها ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ ، وحَسْبُنا اللّه ُ ونِعمَ الوَكيلُ » . وكتب إليه عمّا سأله من القضاء ، وذكر الموت ، والحساب ، وصفة الجنّة والنَّار ، وكتب في الإمامة ، وفي الوضوء ، ومواقيت الصَّلاة ، وفي الرُّكوع والسُّجود ، وفي الأدب ، وفي الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ، وفي الصَّوم والاعتكاف ، وفيالزَّنادقة ، وفي نصرانيّ فجر بامرأة مُسْلِمة ، وفي أشياء كثيرة لم يُحفظ منها غير هذه الخصال ؛ وحدّثنا ببعض ما كتب إليه . ثُمَّ نقل إبراهيم الكتاب المتقدم إلى مُحَمَّد بن أبي بَكر وأهل مصر ، ثُمَّ قال : عن عبد اللّه بن الحسن ، عن عباية قال : كتب عليّ عليه السلام إلى مُحَمَّد وأهل مصر : « أمَّا بعدُ ؛ فإنِّي أُوصيكُم بِتقوَى اللّه ِ والعَمَلِ بما أنتُم عَنْهُ مسؤولونَ ، فَأنتُم بهِ رَهْنٌ وأنتُمْ إليهِ صائِرونَ ، فإنَّ اللّه َ عز و جل يَقُولُ : « كُلُّ نَفْسِ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ » (1) وقال : « وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ » (2) وقال : « فَوَرَبِّكَ لَنَسْئلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ » (3) . فاعلَمُوا عبِادَ اللّه ِ أنَّ اللّه َ سائِلُكُم عَنِ الصَّغِيرِ مِن أعمالِكُم والكَبيرِ ، فإنْ يُعذِّبْ فَنَحْنُ أظلَمُ ، وإنْ يَعفُ فَهوَ أرحَمُ الرَّاحِمينَ . واعلموا أنَّ أقربَ ما يكُونُ العبدُ إلى الرَّحمَةِ والمَغفِرَةِ حِينَ يَعمَلُ بِطاعَةِ اللّه ِ ومُناصَحَتِهِ في التَّوبَةِ ، فعليكُم بِتَقوى اللّه ِ عز و جل ، فَإنَّها تَجمَعُ مِنَ الخَيرِ ما لا يَجمَعُ غَيرُها ، وَيُدرَكُ بِها مِنَ الخَيرِ ما لا يُدرَكُ بِغَيرِها ؛ خيرُ الدُّنيا وخَيرُ الآخِرَةِ ، يَقولُ اللّه ُ : « وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هَ_ذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَ لَدَارُ الْأَخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ » (4) . واعلموا عِبادَ اللّه ِ ، أنَّ المُوِنَ يَعمَلُ لِثَلاثٍ : إمّا لِخَيرِ الدُّنيا ، فإنَّ اللّه َ يُثيبَهُ بِعَمَلِهِ في الدُّنيا ، قالَ اللّه ُ سبحانه : « وَ ءَاتَيْنَ_هُ أَجْرَهُ فِى الدُّنْيَا وَ إِنَّهُ فِى الْأَخِرَةِ لَمِنَ الصَّ__لِحِينَ » (5) فَمَنْ عَمِلَ للّه ِ تَعالى أعطاهُ أجرَهُ في الدُّنيا والآخِرَةِ ، وكفاهُ المُهِمَّ فيهما ، وقَد قالَ : « يَ_عِبَادِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هَ_ذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَ أَرْضُ اللَّهِ وَ سِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّ_بِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ » (6) فما أعطاهُم اللّه ُ في الدُّنيا لَمْ يُحاسِبْهُم بِهِ في الآخِرَةِ ، قال : « لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَ زِيَادَةٌ » (7) فالحُسنى هِيَ الجَنَّةُ ، والزِّيادَةُ هِيَ الدُّنيا ، وإمَّا لخير الآخِرَة ؛ فإنَّ اللّه َ يُكَفِّرُ عَنهُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ سَيِّئةً ، يقول : « إِنَّ الْحَسَنَ_تِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذَ لِكَ ذِكْرَى لِلذَّ كِرِينَ » (8) حَتَّى إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ حُسِبَتْ لَهُم حَسَناتُهُم ، وأُعطُوا بِكُلِّ واحدةٍ عَشْرَ أمثالِها إلى سَبعِمئَةِ ضِعْفٍ ؛ فَهُو الَّذي يَقُولُ : « جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَ_آءً حِسَابًا » (9) ويقولُ عز و جل : « فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَ هُمْ فِى الْغُرُفَ_تِ ءَامِنُونَ » (10) فارغَبُوا فِيهِ ، واعمَلُوا بهِ ، وتَحَاضُّوا عَلَيهِ . واعلَمُوا عِبادَ اللّه ِ أنَّ المُوِنينَ المُتَّقينَ ذَهبُوا بِعاجِلِ الخَيرِ وآجِلِهِ ، شَارَكُوا أهلَ الدُّنيا في دُنياهُم ، ولَمْ يُشارِكُهم أهلُ الدُّنيا في آخِرَتِهِم ، يقولُ اللّه ُ عز و جل : « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَ الطَّيِّبَ_تِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِىَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ كَذَ لِكَ نُفَصِّلُ الأَْيَ_تِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ » (11) سَكَنوا الدُّنيا بأفضَلِ ما سُكِنَتْ ، وأكلُوها بأفضلِ ما أُكِلَتْ ، شارَكُوا أهلَ الدُّنيا في دُنياهُم ؛ أكَلُوا مِن أفضلِ ما يأكُلونَ ، وشَرِبُوا مِن أفضلِ ما يَشرَبُونَ ، ولَبِسُوا مِن أفضلِ ما يَلبَسُونَ ، وسَكَنُوا بأفضلِ ما يَسكُنونَ ، وتزوَّجُوا مِن أفضلِ ما يَتَزَوَّجُونَ ، ورَكِبُوا مِن أفضلِ ما يَركَبُونَ ، أصابُوا لَذَّةَ الدُّنيا مَعَ أهلِ الدُّنيا ، مَعَ أنَّهم غَدا مِن جِيرانِ اللّه ِ عز و جل يَتَمنَّونَ عليهِ ، فَيُعطِيهِم ما يَتَمنَّونَ ، لا يَرُدُّ لَهُم دَعوَةً ولا يَنقُصُ لَهُم نَصِيبٌ مِن لَذَّةٍ ، فإِلى هذا يَشتَاقُ مَنْ كَانَ لَهُ عَقلٌ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ . واعلَمُوا عِبادَ اللّه ِ ، أنَّكُم إنِ اتَّقيتُم ربَّكُم وحَفِظْتُم نَبيَّكُم في أهلِ بَيتِهِ فَقَد عَبدتُموهُ بِأفضَلِ ما عُبِدَ ، وذَكَرتُموهُ بأَفضلِ ما ذُكِرَ ، وشَكَرتُمُوهُ بأفضلِ ما شُكِرَ ، وأخَذْتُم بأفضَلِ الصَّبرِ ، وجَاهَدتُم بأفضَلِ الجهادِ ، وإنْ كانَ غَيرُكُم أطولَ صَلاةً مِنكُم ، وأكثَرَ صِياما ؛ إذ كُنْتُم أتقى للّه ِ ، وأنصَحَ لِأولِياءِ الأمرِ مِن آلِ مُحَمَّد ٍ وأخشَعَ . واحذَرُوا عِبادَ اللّه ِ الموتَ ونُزُولَهُ، وخُذوا لَهُ عُدَّتَهُ ، فإنَّهُ يَدخُلُ بِأمرٍ عَظِيمٍ ، خَيرٌ لا يَكونُ مَعَهُ شَرٌّ أبدا ، وشَرٌّ لا يكونُ مَعَهُ خَيرٌ أبدا ، فَمَنْ أقربُ إلى الجَنَّةِ مِن عامِلِها ؟ ! ومَنْ أقربُ إلى النَّارِ مِن عامِلِها ؟ ! إنَّه ليسَ أحَدٌ مِن النَّاسِ تُفارِقُ رُوحَهُ جَسَدَهُ حَتَّى يعلَمَ إلى أيِّ المَنزِلَينِ يَصيرُ ! إلى الجَنَّةِ أو إلى النَّارِ ؟ أعدوٌّ هُو للّه ِ أم هُوَ وَلِيٌّ لَهُ ؟ فإن كانَ ولِيّا للّه ِ فُتِحَت لَهُ أبوابُ الجَنَّةِ ، وشُرِعَتْ لَهُ طُرُقُها ، ورَأى ما أعَدَّ اللّه ُ لَهُ فِيها ، فَفَرِغَ مِن كُلِّ شُغلٍ ، وَوُضِعَ عَنهُ كُلُّ ثِقلٍ ، وإنْ كانَ عَدُوَّا للّه ِ فُتِحَت لَهُ أبوابُ النَّارِ ، وشُرِعَتْ لَهُ طُرُقُها ، ونَظَر إلى ما أعدَّ اللّه ُ لَهُ فِيها ، فاستقبَلَ كُلَّ مَكرُوهٍ ، وتَركَ كُلَّ سُرورٍ ؛ كُلُّ هذا يَكونُ عِندَ المَوتِ ، وعِندَهُ يَكونُ بِيقينٍ ، فقال اللّه تعالى : « الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَ_مٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ » (12) ويقول : « الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَئِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءِ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُواْ أَبْوَ بَ جَهَنَّمَ خَ__لِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ » (13) . واعلموا عِبادَ اللّه ِ أنَّ الموتَ لَيس مِنهُ فَوتٌ ، فاحذَروهُ قَبلَ وقوعِهِ ، وأعدِّوا لَهُ عُدَّتَهُ ، فإنَّكم طُرَدَاءُ (14) المَوتِ وجدُّوا لِلثوابِ ، إنْ أقمتم لَهُ أخَذَكُم ، وإنْ هَربتُم مِنهُ أدركَكَمْ ، فَهو ألزَمُ لَكُم مِن ظلِّكم ، مَعقودٌ بِنواصِيكُم ، والدُّنيا تَطوي من خَلفِكُم ، فأَكثِرُوا ذِكرَ المَوتِ عِندَما تُنازِعُكُم إليهِ أنفسُكُم مِنَ الشَّهواتِ ، فإنَّه كَفى بالمَوتِ واعظا ، وكان رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله كَثيرا ما يُوصِي أصحابَهُ بِذِكرِ المَوتِ فَيَقولُ : أكثِروا ذِكرَ المَوتِ فَإنَّهُ هادِمُ اللَّذَّاتِ ، حَائِلٌ بَينَكُم وبَينَ الشَّهواتِ . واعلمُوا عِبادَ اللّه ِ ، أنَّ ما بَعدَ المَوتِ أشدُّ مِنَ المَوتِ لِمَن لَم يَغفِرِ اللّه ُ لَهُ ويَرحَمُهُ ، واحذَرُوا القَبرَ وضَمَّتَهُ وضِيقَهُ وظُلْمَتَهُ وغُربَتَهُ ، فإنَّ القبرَ يَتكَلَّمُ كُلَّ يومٍ ، ويَقولُ : أنا بيتُ التُّرابِ ، وأنا بَيتُ الغُربَةِ ، وأنا بَيتُ الدُّودِ ، والهَوامِّ ، والقَبر رَوضَةٌ مِن رِياضِ الجَنَّةِ ، أو حُفرَةٌ مِن حُفَرِ النَّارِ ، إنَّ المُسلِمَ إذا دُفِنَ قالَت لَهُ الأرضُ : مَرحَبا وأهلاً ، قَد كُنتَ مِمَّنْ أُحِبُّ أن يَمشِي علَى ظَهرِي ، فَإذا وَلِيتُكَ فَسَتَعلَمُ كَيفَ صُنعِي بِكَ ؛ فَيتَّسِعَ لَهُ مدَّ البَصَرِ ، وإذا دُفِنَ الكَافِرُ قالَت لَهُ الأرضُ : لا مَرحَبا ولا أهلاً ، قَد كُنتَ مِمَّنْ أُبغِضُ أن يَمشِي علَى ظَهرِي ، فإذا وَلِيتُكَ فَسَتَعلَمُ كيفَ صُنعِي بِكَ ؛ فَتَنضَمُّ عليهِ حَتَّى تَلتَقِي أضلاعُهُ ، واعلَمُوا أنّ المَعِيشَة الضَّنْكَ الَّتي قال اللّه تعالى : « فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا » (15) هِيَ عذابُ القَبرِ ، وإنَّهُ لَيُسلّطُ علَى الكافِرِ في قبرِهِ تِسعَة وتسعين تِنّينا تَنهَشُ لَحمَهُ حَتَّى يُبعَثَ ، لو أنَّ تِنّينا مِنها نَفَخَ في الأرضِ ما أنبتَتْ رِيعَها أبدا . واعلموا عِبادَ اللّه ِ أنَّ أنفُسَكُم وأجسادَكُم الرَّقيقَةَ النَّاعِمَةَ الَّتي يَكفيها اليسيرُ مِنَ العِقابِ ضَعِيفَةٌ عَنْ هذا ؛ فإنِ استطَعتُم أن تَرحَمُوا أنفُسَكُم وأجسادَكُم مِمّا لا طاقَةَ لَكُم بِهِ ولا صَبْرَ لَكُم علَيهِ ، فَتَعمَلُوا بِما أحبَّ اللّه ُ سُبحانَهُ ، وتَترُكُوا ما كَرِهَ ؛ فافعَلُوا ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ . واعلَمُوا عِبادَ اللّه ِ أنَّ ما بَعدَ القَبرِ أشدُّ مِنَ القَبرِ ، يَومٌ يَشِيبُ فيهِ الصَّغِيرُ ، ويَسكَرُ فيهِ الكَبِيرُ ، ويَسقُطُ فِيهِ الجَنِينُ ، وتَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمّا أرضَعَتْ ، واحذَرُوا يَوما عَبُوسا قَمطَرِيرا ، يوما كانَ شَرُّهُ مُستَطِيرا ، أما إنَّ شَرَّ ذلِكَ اليَومِ وفَزَعَهُ استَطارَ ، حَتَّى فَزِعَت مِنهُ المَلائِكَة ُ الَّذِين لَيستْ لَهُم ذُنوُبٌ ، والسَّبعُ الشِّدادُ ، والجِبالُ الأوتادُ ، والأرضُونَ المِهادُ ، وانشقَّتِ السَّماءُ فهي يَومَئذٍ واهية ، وتغيَّرَتْ فكانَتْ وَرِدَةً كالدِّهانِ ، وكانَتِ الجِبالُ سَرابا بعدما كانَتْ صُمّا صِلابا ، يقول سبحانه : « وَ نُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَ_وَ تِ وَ مَن فِى الْأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ » (16) فَكيفَ بِمَنْ يَعصِيهِ بالسَّمعِ والبَصرِ واللِّسانِ واليَدِ والرِّجلِ والفرْجِ والبَطنِ ، إن لم يغفر اللّه ُ ويرحَمُ . واعلَمُوا عِبادَ اللّه ِ أنَّ ما بَعدَ ذلِكَ اليَومِ أشدُّ وأدهى علَى مَنْ لَمْ يَغفِرِ اللّه ُ لَهُ مِن ذلِكَ اليومِ ، فإنَّهُ يقضي ويَصيرُ إلى غيرِهِ ؛ إلى نارٍ قَعرُها بَعيدٌ ، وحَرُّها شَدِيدٌ ، وعذابُها جديدٌ ، وشَرابُها صَدِيدٌ ، ومقامِعُها حَدِيدٌ ، لا يَفتَرُ عَذابُها ، ولا يَموتُ ساكِنُها ، دارٌ لَيستْ للّه ِ سُبحانَهُ فيها رَحمَةٌ ، ولا يُسمَعُ فيها دَعوَةٌ . واعلَموا عِبادَ اللّه ِ أنَّ مَعَ هذا رَحمَةَ اللّه ِ الَّتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيء لا تَعجَزُ عَنِ العِبادِ ، وجَنَّةً عَرضُها كَعَرضِ السَّماواتِ والأرضِ أُعِدَّتْ للمُتَّقينَ ، خيرٌ لا يَكونُ مَعَهُ شرٌّ أبدا ، وشهوَةٌ لا تَنفَدُ أبدا ، ولَذَّةٌ لا تفنى أبدا ، ومجمعٌ لا يتفرَّقُ أبدا ، قَومٌ قد جَاوَروا الرَّحمنَ ، وقامَ بَينَ أيديهِم الغِلمانُ ، بِصِحافٍ مِن ذَهَبٍ فيها الفاكِهَةُ والرَّيحانُ . فقال رجل : يا رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، إنِّي أُحِبُّ الخيلَ، أ في الجَنَّةِ خَيلٌ ؟ _ قال : نَعَم ، والذي نَفسي بيدِهِ ، إنَّ فيها خيلاً من ياقوتٍ أحمَر عليها يَركَبُونَ ، فَتَدِفّ بِهِم خِلالَ وَرقِ الجَنَّةِ . قال رجل : يا رسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، إنِّي يُعجِبُني الصَّوتُ الحسَنُ ؛ أ في الجَنَّةِ الصَّوتُ الحَسَنُ ؟ _ قال : نعم ، والَّذي نفسي بيده ، إنَّ اللّه َ لَيَأمُرُ لِمَن أحَبَّ ذلِكَ مِنهُم بِشَجَرٍ يُسمِعُهُ صَوتا بالتَّسبيحِ ما سَمِعَتْ الآذان بِأحسنَ مِنهُ قَطُّ . قال رجل : يا رسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، إنِّي أحبُّ الإبلَ ، أ في الجنَّةِ إبِلٌ ؟ قال : نعم ، والَّذي نفسي بيدِهِ ، إنَّ فيها نَجائِبَ مِن ياقوتٍ أحمَرَ ، عليها رِحالُ الذَّهَبِ ، قد أُلحِفَتْ بِنَمارِقِ الدِّيباجِ ، يَركَبونَ فَتَزِفُّ بِهِم خِلالَ ورَقِ الجَنَّةِ ، وإنَّ فيها صُوَرُ رِجالٍ ونساءٍ يَركبونَ مَراكِبَ أهلِ الجَنَّةِ ، فإذا أعجَبَ أحدَهُم الصُّورَةُ قال : اجعَلْ صُورَتي مِثلَ هذهِ الصُّورَةِ ، فَيَجعَلُ صُورَتَهُ عليها ، وإذا أعجَبَتهُ صُورَةُ المَرأةِ قال : رَبِّ اجعل صُورَةَ فُلانَةَ زَوجَتِهِ مِثلَ هذهِ الصُّورَةِ ، فَيَرجِعُ وقد صارَت صُورَةُ زَوجَتِهِ علَى ما اشتهى . وإنَّ أهل الجنَّة يزورونَ الجَبَّار كُلَّ جُمُعَةٍ ، فيكونُ أقربُهُم مِنهُ علَى مَنابِرَ مِن نُورٍ ، والَّذِين يَلُونَهُم علَى مَنابِرَ مِن ياقُوتٍ، والَّذِين يَلُونَهُم علَى مَنابِرَ مِن زَبَرجَدٍ ، والَّذِين يَلُونَهم علَى مَنابِرَ مِن مِسكٍ ، فبينا هُم كَذلِكَ يَنظُرونَ إلى نُورِ اللّه ِ جَلَّ جَلالُهُ ، وينظُرُ اللّه ُ في وُجوهِهِم ، إذ أقبَلَتْ سَحابَةٌ تَغشاهُم فَتُمطِرُ علَيهِم مِنَ النِّعْمةِ واللَّذَّة والسُّرورِ والبَهجَةِ ما لا يَعلَمُه إلاَّ اللّه ُ سُبحانَهُ . ثُمَّ قال : بلى إنَّ مَعَ هذا ما هُوَ أفضلُ مِنهُ ، رِضوانُ اللّه ِ الأكبرُ ، فلو أنَّنا لَمْ يُخَوِّفنا بِبَعضِ ما خَوَّفَنا ، لَكُنَّا مَحقُوقِينَ أن يَشتَدَّ خوفُنا مِمَّا لا طاقَةَ لنا بِهِ، ولا صَبرَ لَنا عَليهِ ، وأنْ يَشتَدَّ شَوقُنا إلى ما لا غِنَى لَنا عَنهُ ، ولابُدَّ لَنا مِنهُ ، فإنِ استطَعتُم عِبادَ اللّه ِ أن يشتدَّ خَوفُكُم مِن ربِّكُم ، ويَحسُنَ بهِ ظنُّكم فافعَلُوا ، فإنَّ العبدَ إنَّما تكونُ طاعَتُهُ على قَدرِ خَوفِهِ ، إنَّ أحسَنَ النَّاسِ طَاعَةً للّه ِ أشدُّهُم لَهُ خَوفا .

.


1- . المدثر : 38 .
2- . آل عمران : 28 .
3- . الحجر : 92 و93 .
4- . النحل : 30 .
5- . العنكبوت : 27 .
6- . الزمر : 10 .
7- . يونس : 26 .
8- . هود : 114 .
9- . النبأ : 36.
10- . سبأ : 37 .
11- . الأعراف : 32 .
12- . النحل : 32 .
13- . النحل : 28 و29 .
14- . في النهاية : كنت أطارد حيَّة ،أي أخادعها لاصيدها ، منه طراد الصيد .
15- . طه : 124 .
16- . الزمر : 68 .

ص: 248

. .

ص: 249

. .

ص: 250

. .

ص: 251

. .

ص: 252

. .

ص: 253

. .

ص: 254

في الصَّلاة والوضوء :انظرْ يا مُحَمَّد ُ ، صلاتَكَ كَيفَ تُصلِّيها ، فَإنّما أنتَ إمامٌ يَنبَغِي لَكَ أن تُتِمَّها وأن تَحفَظَها بالأرْكانِ، ولا تُخَفّفها، وأن تُصلّيها لِوَقتِها ، فإنَّه ليسَ مِن إمامٍ يُصَلّي بِقَومٍ فَيَكونُ في صَلاتِهِم نَقصٌ إلاَّ كانَ إثْمُ ذلِكَ علَيهِ ، ولا يُنقِصُ ذلك مِن صَلاتِهِم شَيئا . ثُمَّ الوضوءُ ، فإنَّهُ مِن تَمامِ الصَّلاةِ ، اغسل كَفّيك ثَلاثَ مرّاتٍ ، وتَمضْمَضْ ثَلاثَ مَرّاتٍ ، واستَنْشِقْ ثَلاثَ مَرّاتٍ ، واغسِلْ وجهَكَ ثَلاثَ مَرّاتٍ ، ثُمَّ يدَكَ اليُمنى ثَلاثَ مرّاتٍ إلى المِرفَقِ ، ثُمَّ يَدَكَ الشِّمالَ ثَلاثَ مَرّاتٍ إلى المِرفَقِ ، ثُمَّ امسح رأسَكَ ، ثُمَّ اغسل رجلَكَ اليُمنى ثَلاثَ مَرّاتٍ ، ثُمَّ اغسِلْ رِجلَكَ اليُسرى ثَلاثَ مَرّاتٍ ، فَإنِّي رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه و آله هكذا كان يَتَوضَّأُ ، قال النَّبي صلى الله عليه و آله : الوُضوءُ نِصفُ الإيمانِ . انظر صَلاةَ الظُّهرِ فَصَلِّها لِوَقتِها ، لا تَعجَلْ بِها عَنِ الوَقتِ لِفَراغٍ ، ولا تُوّرها عَنِ الوَقتِ لِشُغلٍ ، فَإنَّ رَجُلاً جاءَ إلى رسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَسأَلَهُ عَن وَقتِ الصَّلاةِ ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : أتانِي جَبرئيل ُ فأرانِي وَقتَ الصَّلاةِ ، فصلّى الظُّهر حِينَ زَالَتِ الشَّمسُ ، ثُمَّ صَلَّى العَصرَ ، وهي بيضاءُ نَقِيَّةٌ ، ثُمَّ صَلَّى المَغرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمسُ ، ثُمَّ صلَّى العِشاءَ حِينَ غابَ الشَّفَقُ ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ فأَغلَسَ (1) بهِ والنُّجوم مُشتبِكَةٌ ، كان النَّبي صلى الله عليه و آله كذا يُصَلّي قَبلَكَ ، فإن استطَعتَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ أنْ تَلتَزِمَ السُّنَّةَ المَعرُوفَةَ ، وتَسلُكَ الطَّرِيقَ الواضِحَ الَّذي أخَذُوا ؛ فافعَلْ ، لَعَلَّكَ تَقدِمُ علَيهِم غدا . ثُمَّ انظر رُكوعَكَ وسُجُودَكَ ، فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه و آله كان أتمَّ النَّاسِ صَلاةً ، وأحفَظهُم لَها ، وكانَ إذا رَكَعَ قال : سُبحانَ ربِّيَ العَظِيمَ وبِحَمدِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، وإذا رَفَعَ صُلبَهُ قالَ : سَمِعَ اللّه ُ لِمَن حَمِدَهُ ؛ اللَّهمَّ لَكَ الحَمدُ ، مِل ءَ سَماواتِكَ ومِل ءَ أرضِكَ ومل ءَ ما شِئتَ مِن شيءٍ ؛ فإذا سجَدَ قالَ : سُبحانَ رَبِّي الأعلَى وبِحَمْدِهِ ثَلاثَ مَرّاتٍ . اعلَمْ يا مُحَمَّد ُ ، أنَّ كُلَّ شيءٍ مِن عَمَلِكَ يَتبَعُ صلاتَكَ ، واعلَم أنَّ مَن ضَيَّعَ الصَّلاةَ فهُو لِغَيرِها أضيَعُ ، أسألُ اللّه َ الَّذي يَرى ولا يُرَى وهُو بالمَنْظَرِ الأعلَى أنْ يجعَلَنا وإيَّاكَ مِمَّنْ يُحِبُّ ويَرضى حَتَّى يَبعَثَنا وإيَّاكُم علَى شُكرِهِ ، وذِكرِهِ ، وحُسنِ عِبادَتِهِ ، وأداءِ حَقِّهِ ، وعلَى كُلِّ شيءٍ اختارَهُ لنا مِن دُنيانا ودِينِنا وأُولانا وأُخرانا ، جَعَلَنا اللّه ُ وإيَّاكم مِنَ المُتَّقِينَ الَّذين « لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاَ هُمْ يَحْزَنُون َ » (2) .

.


1- . في النهاية : أنَّه كان يصلّي الصبح بغلس ؛ والغلس ظلمة آخر اللَّيل إذا اختلطت بضوء الصَّباح ، ومنه حديث الإفاضة : كنَّا نغلس من جمع إلى مِنى ، أي نسير إليها في ذلِكَ الوقتِ ، وقد غلَسَ يَغلِسُ تَغليسا .
2- . يونس: 62 .

ص: 255

. .

ص: 256

في الوصيَّة :إنِ استَطعْتُم يا أهلَ مِصر ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ أنْ يُصَدّقَ قَولُكُم فِعلَكُم وسِرُّكم عَلانِيَتَكُم ، ولا تُخالِفُ ألسِنَتِكُم قُلوبَكُم فافعَلُوا ، عَصَمَنا اللّه ُ وإيِّاكُم بالهُدَى ، وسَلَكَ بِنا وبِكُم المَحَجّةَ الوُسطى ، وإيِّاكُم ودَعوَةَ الكَذّابِ ابنِ هند ٍ ، وتأمَّلُوا واعلَمُوا أ نَّه لا سواءٌ إمامُ الهُدى ، وإمامُ الرَّدَى ، ووصيُّ النَّبيّ ، وعدوُّ النَّبيّ ، جَعَلنا اللّه ُ وإيِّاكُم مِمَّنْ يُحِبُّ ويَرضَى ، وقَد قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله : إنّي لا أخافُ علَى أُمَّتي مُوِنا ولا مُشرِكا ، أمَّا المُوِنُ ، فيمنَعُهُ اللّه ُ بإيمانِهِ وأمَّا المُشرِكُ ، فَيُخزيهِ اللّه ُ بِشِركهِ ، ولكنّي أخافُ عليكُم كُلَّ مُنافِقٍ عالِمِ اللِّسانِ ، يَقولُ ما تَعرِفُونَ ، ويَعمَلُ ما تُنكِرونَ ، ليسَ بهِ خَفاءٌ ، وقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله : من سرَّتهُ حسناتُهُ وساءَتهُ سيّئاتُهُ فذلِكَ المُوِنُ حَقا ، وقَد كانَ يَقولُ : خِصلَتانِ لا تَجتَمِعانِ في مُنافِقٍ ، حُسنُ سَمتٍ ، وفِقهٌ في سُنَّةٍ . اعلَم يا مُحَمَّد ُ : أنَّ أفضلَ الفِقهِ : الورَعُ فِي دينِ اللّه ِ ، والعَمَلِ بطاعَتِهِ ، أعانَنا اللّه ُ وإيَّاكَ علَى شُكرِهِ ، وذكرِهِ ، وأداءِ حقِّهِ ، والعَمَلِ بِطاعَتِهِ إنَّه سَمِيعٌ قريبٌ . ثُمَّ إنّي أُوصِيكَ بِتَقوى اللّه ِ في سِرِّ أمرِكَ وعَلانِيَتِهِ ، وعلَى أيِّ حالٍ كُنتَ علَيها ؛ جَعَلَنا اللّه ُ وإيَّاكَ مِنَ المُتّقينَ ، ثُمَّ أوصِيكَ بسَبعٍ هُنَّ جَوامِعُ الإسلام ِ : اخشَ اللّه َ ولا تَخشَ النَّاسَ في اللّه ِ ، فإنَّ خيرَ القَولِ ما صَدَّقَهُ العَمَلُ ، ولا تَقضِ في أمرٍ واحدٍ بِقضاءين مُختَلِفَينِ فَيتَناقَضُ أمرُكَ وتَزِيغُ عَنِ الحقِّ ، وأحِبَّ لِعامّةِ رَعِيَّتِكَ ما تُحِبُّ لِنَفسِكَ وأهلِ بَيتِكَ ، واكرَه لَهُم ما تَكرَهُ لِنَفسِكَ وأهلِ بَيتِكَ والزَمِ الحُجَّةَ عِندَ اللّه ِ ، وأصلِحْ أحوالَ رَعِيَّتِكَ ، وخُضِ الغَمَراتِ إلى الحَقِّ ، ولا تَخَفْ في اللّه ِ لَومَةَ لائِمٍ ، وانصَحْ لِمَنِ استَشارَكَ ، واجعَل نفسَكَ أُسوَةً لِقَريبِ المُسلِمين َ وبعيدِهِم .

.

ص: 257

في الصوم والاعتكاف :وعليك بالصَّوم فإنَّ رسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَكَفَ عَاما في العَشرِ الأُوَلِ مِن شَهرِ رَمضانَ ، وعكَفَ فِي العامِ المُقبِلِ في العَشرِ الأوسَطِ مِن شَهرِ رَمضانَ ، فلَمَّا كانَ العامَ الثَّالِثَ رَجَعَ مِن بَدر ٍ فَقَضى اعتكافَهُ فَنامَ ، فرأى فِي مَنامِهِ لَيلَة القَدرِ فِي العَشرِ الأواخِرِ ، كَأنَّهُ يَسجُد في ماءٍ وطينٍ فلَمَّا استيقَظَ رَجَعَ مِن لَيلَتِهِ وأزواجِهِ وأُناسٍ مَعَهُ مِن أصحَابِهِ ، ثُمَّ إنَّهم مَطَروا ليلةَ ثلاثٍ وعِشرينَ فَصَلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه و آله حين أصبَحَ ، فرأى في وَجهِ النَّبيَّ صلى الله عليه و آله الطِّينَ ، فلَم يَزلْ يعتَكِفُ في العَشرِ الأواخِرِ مِن شَهرِ رَمضانَ حَتَّى تَوفَّاهُ اللّه ُ . وقال النَّبيّ صلى الله عليه و آله : مَن صامَ رَمضانَ ثُمَّ صامَ سِتَّةَ أيَّامٍ مِن شَوَّالٍ فَكأنَّما صامَ السَّنَةَ ، جعل اللّه ُ خُلَّتَنا وَوُدَّنا خُلَّةَ المُتّقينَ ، وَوُدّ المُخلصين ، وجمعَ بيننا وبينَكُم في دَارِ الرِّضوانِ إخوانا علَى سُرُرٍ مُتقابِلينَ ، إن شاءَ اللّه ُ أَحسِنُوا يا أهلَ مِصر مُوزرَةَ مُحَمَّد ٍ ، واثبِتُوا علَى طاعَتِكُم تَرِدُوا حَوضَ نَبِيِّكم صلى الله عليه و آله » . (1)

قال إبراهيم : حدَّثني عبد اللّه بن مُحَمَّد بن عثمان ، عن عليّ بن مُحَمَّد بن أبي سيف ، عن أصحابه ؛ أنَّ عليَّا عليه السلام ، لمَّا أجاب مُحَمَّد بن أبي بَكر بهذا الجواب ، كان ينظر فيه ويتعلّمه ويقضي به ، فلمَّا ظهر عليه وقُتِل ، أخذ عَمْرو بن العاص كتبه أجمع ، فبعث بها إلى معاوية بن أبي سُفْيَان ، وكان معاوية ينظر في هذا الكتاب ويعجبه ، فقال الوليد بن عُقْبَة وهو عند معاوية _ لمَّا رأى إعجاب معاوية به _ : مُر بهذه الأحاديثِ أن تحرق ، فقال له معاوية : مه يا بن أبي مُعَيط ، إنَّه لا رأي لك ، فقال له الوليد : إنَّه لا رأي لك ، أ فمن الرَّأي أن يعلم النَّاس أنَّ أحاديث أبي تراب عندك ؟ ! تتعلّم منها وتقضي بقضائه ؟ ! فعلام تقاتله ؟ ! فقال معاوية : ويحك ، أ تأمرني أن أحرق علما مثل هذا ؟ ! واللّه ما سمعت بعلم أجمع منه ولا أحكم ولا أوضح ، فقال الوليد : إن كنت تعجب من علمه وقضائه ،فعلام تقاتله ؟ فقال معاوية : لولا أنَّ أبا تراب قتل عثمان ، ثُمَّ أفتانا لأخذنا عنه ، ثُمَّ سكت هنيئة ثُمَّ نظر إلى جلسائه فقال : إنَّا لا نقول : إنَّ هذه من كتب عليّ بن أبي طالب ، ولكنَّا نقول : إن هذه من كتب أبي بَكر الصِّدِّيق كانت عند ابنه محمّد ، فنحن نقضي بها ونفتي . فلم تزل تلك الكتب في خزائن بني أُمية ، حَتَّى ولِّي عمر بن عبد العزيز ، فهو أظهر أنَّها من أحاديث عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فلمَّا بلغ عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنَّ ذلك الكتاب صار إلى معاوية اشتدّ ذلك عليه . قال أبو إسحاق : فحدّثنا بَكر بن بكّار ، عن قَيْس بن الرَّبيع ، عن ميسرة بن حبيب ، عن عَمْرو بن مُرَّة ، عن عبد اللّه بن سلمة ؛ قال : صلّى بنا عليّ عليه السلام ، فلمَّا انصرف قال : لقد عَثَرتُ عَثْرةً لا أعتَذِرْسَوفَ أَكِيسُ بَعدَها وأستَمِرْ وأجمَعُ الأمرَ الشَّتيتَ المُنتَشرْ قلنا : ما بالك يا أمير المونين ؟ _ سمعنا منك كذا ؟ _ قال : « إنِّي استعملت مُحَمَّد بن أبي بَكر على مصر ، فكتب إليّ أنَّه لا علم لي بالسُّنَّة ، فكتبت إليه كتابا فيه السُّنَّة ، فقتل وأُخذ الكتاب » . (2) فقال ابن ابي الحديد : قلت : الأليق أن يكون الكتاب الَّذي كان معاوية ينظر فيه ويعجب منه ويفتي به ويقضي بقضاياه وأحكامه، هو عهد عليّ عليه السلام إلى الأشْتَر ، فإنَّه نسيج وحده ، ومنه تعلّم النَّاس الآداب والقضايا والأحكام والسِّياسة ، وهذا العهد صار إلى معاوية لمَّا سمّ الأشْتَر ، ومات قبل وصوله إلى مصر ، فكان ينظر فيه ويعجب منه ، وحقيق من مثله أن يقتنى في خزائن الملوك . (3)

.


1- . الغارات : ج1 ص227 _ 250 وراجع : الأمالي للمفيد : ص260 ، نهج البلاغة : الكتاب 27 ، الأمالي للطوسي : ص25 ، تحف العقول : ص176 ، بحار الأنوار : ج33 ص541 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص163 .
2- . الغارات : ج1 ص251 وراجع : بحار الأنوار : ج33 ص551 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص72 .
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص72 .

ص: 258

. .

ص: 259

48 _ عهد له عليه السلام إلى محمّد بن أبي بكر

48عهد له عليه السلام إلى محمَّد بن أبي بكرمن عهد له عليه السلام إلى محمَّد بن أبي بكر ، حين قلَّده مصر :« فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَك ، وأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَك ، وابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَك ، وآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ والنَّظْرَةِ ، حَتَّى لا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِك لَهُمْ ، ولا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ من عَدْلِك عَلَيْهِمْ ، فإنَّ اللّه تَعَالَى يُسَائِلُكُمْ مَعْشَرَ عِبَادِهِ عَنِ الصَّغِيرَةِ مِن أَعْمَالِكُمْ ، والْكَبِيرَةِ والظَّاهِرَةِ الْمَسْتُورَةِ ، فإن يُعَذِّبْ فَأَنْتُمْ أَظْلَمُ ، وإِنْ يَعْفُ فَهُوَ أَكْرَمُ . واعْلَمُوا عِبَادَ اللّه ، أَنَّ الْمُتَّقِينَ ذَهَبُوا بِعَاجِلِ الدُّنيا وآجِلِ الآخِرَةِ ، فَشَارَكُوا أَهْلَ الدُّنيا فِي دُنْيَاهُمْ ، ولَمْ يُشَارِكُوا أَهْلَ الدُّنيا فِي آخِرَتِهِمْ ، سَكَنُوا الدُّنيا بِأَفْضَلِ مَا سُكِنَتْ ، وأَكَلُوهَا بِأَفْضَلِ مَا أُكِلَتْ ، فَحَظُوا مِنَ الدُّنيا بِمَا حَظِيَ بِهِ الْمُتْرَفُونَ ، وأَخَذُوا مِنْهَا مَا أَخَذَهُ الْجَبَابِرَةُ الْمُتَكَبِّرُونَ ، ثُمَّ انْقَلَبُوا عَنْهَا بِالزَّادِ الْمُبَلِّغِ ، والْمَتْجَرِ الرَّابِحِ ، أَصَابُوا لَذَّةَ زُهْدِ الدُّنيا فِي دُنْيَاهُمْ ، وتَيَقَّنُوا أَنَّهُمْ جِيرَانُ اللّه غَدا فِي آخِرَتِهِمْ ، لا تُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ ولا يَنْقُصُ لَهُمْ نَصِيبٌ مِن لَذَّةٍ . فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللّه الْمَوْتَ وقُرْبَهُ ، وأَعِدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ ، فإنَّه يَأْتِي بِأَمْرٍ عَظِيمٍ ، وخَطْبٍ جَلِيلٍ ، بِخَيْرٍ لا يَكُونُ مَعَهُ شَرٌّ أَبَدا ، أَوْ شَرٍّ لا يَكُونُ مَعَهُ خَيْرٌ أَبَدا ، فَمَنْ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّةِ مِن عَامِلِهَا ، ومَنْ أَقْرَبُ إِلَى النَّارِ من عَامِلِهَا ، وأَنْتُمْ طُرَدَاءُ الْمَوْتِ ، إِنْ أَقَمْتُمْ لَهُ أَخَذَكُمْ ، وإِنْ فَرَرْتُمْ مِنْهُ أَدْرَكَكُمْ ، وهُوَ أَلْزَمُ لَكُم من ظِلِّكُمْ ، الْمَوْتُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيكُمْ ، والدُّنيا تُطْوَى مِن خَلْفِكُمْ . فَاحْذَرُوا نَارا قَعْرُهَا بَعِيدٌ ، وحَرُّهَا شَدِيدٌ ، وعَذَابُهَا جَدِيدٌ ، دَارٌ لَيْسَ فِيهَا رَحْمَةٌ ، ولا تُسْمَعُ فِيهَا دَعْوَةٌ ، ولا تُفَرَّجُ فِيهَا كُرْبَةٌ ، وإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ يَشْتَدَّ خَوْفُكُمْ مِنَ اللّه ، وأَنْ يَحْسُنَ ظَنُّكُمْ بهِ فَاجْمَعُوا بَيْنَهُمَا ، فإنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يَكُونُ حُسْنُ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ عَلَى قَدْرِ خَوْفِهِ مِن رَبِّهِ ، وإِنَّ أَحْسَنَ النَّاس ظَنّا بِاللَّهِ أَشَدُّهُمْ خَوْفا لِلَّهِ . واعْلَمْ يَا محمَّدُ بنَ أَبِي بَكْرٍ ، أَنِّي قَدْ وَلَّيْتُك أَعْظَمَ أَجْنَادِي فِي نَفْسِي أَهْلَ مِصْر َ ، فَأَنْتَ مَحْقُوقٌ أَنْ تُخَالِفَ عَلَى نَفْسِك ، وأَنْ تُنَافِحَ عَنْ دِينِك ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ لَك إِلاَّ سَاعَةٌ مِنَ الدَّهر . ولا تُسْخِطِ اللّه بِرِضَا أَحَدٍ مِن خَلْقِهِ ، فإنَّ فِي اللّه خَلَفا مِن غَيْرِهِ ، ولَيْسَ مِنَ اللّه خَلَفٌ فِي غَيْرِهِ . صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا الْمُوقَّتِ لَهَا ، ولا تُعَجِّلْ وَقْتَهَا لِفَرَاغٍ ، ولا تُوخِّرْهَا عَنْ وَقْتِهَا لاشْتِغَالٍ ، واعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِن عَمَلِك تَبَعٌ لِصَلاتِك . ومنه : فَإِنَّهُ لا سَوَاءٌ إِمَامُ الْهُدَى وإِمَامُ الرَّدَى ، ووَلِيُّ النَّبِيِّ وعَدُوُّ النَّبِيِّ ، ولَقَدْ قَال لِي رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله : إِنِّي لا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مُومِنا ولا مُشْرِكا ، أَمَّا الْمُومِنُ فَيَمْنَعُهُ اللّه بِإِيمَانِهِ ، وأَمَّا الْمُشْرِك فَيَقْمَعُهُ اللّه بِشِرْكِهِ ، ولَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ كُلَّ مُنَافِقِ الْجَنَانِ عَالِمِ اللِّسَانِ ، يَقُولُ مَا تَعْرِفُونَ ، ويَفْعَلُ مَا تُنْكِرُونَ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب27 وراجع : الأمالي للمفيد : ص260 ، الأمالي للطوسي : ص25 ، تحف العقول : ص176 ، الغارات : ج1 ص227 _ 250 ، بحار الأنوار : ج33 ص541 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص163 ، أنساب الأشراف : ج2 ص392 .

ص: 260

. .

ص: 261

49 _ كتابه عليه السلام إلى محمّد بن أبي بكر

49كتابه عليه السلام إلى مُحَمَّد بن أبي بَكرعن قامُوس بن مُخارِق : إنَّ مُحَمَّد بن أبي بَكر كتب إلى عليّ ، سأله عن مُسلِمَينِ تزنْدقا ، وعن مُسلم زنى بنصرانيَّة ، وعن مُكاتَبٍ مات وترك بقيّة كتابته ، وترك وُلدا أحرارا ، فكتب إليه عليّ عليه السلام :« أمَّا اللَّذان تزندقا ، فإن تابا ، وإلاَّ فاضرب أعناقهما ، وأمَّا المسلم فأقم عليه الحدَّ ، وادفع النَّصرانيَّة إلى أهل ذمَّتها ، وأمَّا المكاتب فيؤدّي بقيّة كتابته ، وما بقي فَلِوُلْدِه الأحرار » . (1)

[ صورة أُخرى لنقل الغارات : ] الحارث عن أبيه قال : بعث عليّ عليه السلام مُحَمَّد بن أبي بَكر أميرا على مصر ، فكتب إلى عليّ عليه السلام يسأله عن رجل مسلم فجر بامرأة نصرانيَّة ، وعن زنادقة فيهم من يعبد الشمس والقمر ، وفيهم من يعبد غير ذلك ، وفيهم مرتدٌّ عن الإسلام ، وكتب يسأله عن مكاتب مات وترك مالاً وولدا ، فكتب إليه عليّ عليه السلام :« أن أقم الحدّ فيهم على المسلم الَّذي فجر بالنَّصرانيَّة ، وادفع النَّصرانيّة إلى النَّصارى يقضون فيها ما شاءوا ، وأمره في الزَّنادقة أن يقتل من كان يدَّعي الإسلام ويترك سائرهم يعبدون ما شاءوا ، وأمره في المكاتب إن كان ترك وفاء لمكاتبته فهو غريم بيد مواليه يستوفون ما بقي من مكاتبته وما بقي فلولده . » (2)

.


1- . كنز العمّال : ج5 ص433 ح13526 وراجع :السنن الكبرى : ج8 ص350 ح16853 ، المصنّف لعبد الرزّاق : ج10 ص321 الرقم19236 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج5 ص208 ح3 .
2- . الغارات : ج1 ص230 ، بحار الأنوار : ج104 ص203 ح12 .

ص: 262

50 _ كتابه عليه السلام إلى محمّد بن أبي بكر

51 _ كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه عمر

50كتابه عليه السلام إلى محمَّد بن أبي بكرروى الشَّيخ في التَّهذيب : أحمد بن محمَّد بن عيسى ، عن محمَّد بن عيسى ، عن عبد اللّه بن المُغِيْرَة ، عن إسماعيل بن أبي زياد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام :أنَّ محمَّد بن أبي بكر كتَب إلى عليّ عليه السلام يسأله عن الرَّجل يزني بالمرأة اليهوديَّة والنَّصرانيَّة ، فكتَب عليه السلام إليه : « إنْ كان محْصِنا فارجمه ، وإنْ كان بِكْرا فاجْلده مئة جَلْدَة ، ثُمَّ انفِهِ ، وأمَّا اليهوديَّة فابْعَث بها إلى أهل ملَّتها فليقضوا فيها ما أحبُّوا » (1) .

51كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه عمرأنَّه قطع ( أمير المؤمنين عليه السلام ) العَطاءَ عمَّن لم يشهد معه ، وأقامهم مقام أعراب المسلمين ، وإنَّ ابن عمر كتَب إليه ، يسأله العَطاء ، فكتَب إليه عليّ عليه السلام :« شَكَكْتَ في حرْبِنا ، فَشَكَكْنا في عطائِك » . (2)

.


1- . تهذيب الأحكام : ج10 ص15 ح36 .
2- . دعائم الإسلام : ج1 ص391 .

ص: 263

52 _ كتابه عليه السلام إلى أسامة بن زيد

53 _ كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

52كتابه عليه السلام إلى أُسَامَة بن زَيْدقال ابن أبي الحديد : روى عاصِم بن أبي عامِر البَجَلِي ّ ، عن يَحْيَى بن عَرْوة ، قال : كان أبي إذا ذكر عليَّا نال منه ، وقال لي مرَّة : يا بُنَيَّ واللّه ، ما أحجم النَّاسُ عنه إلاَّ طلَبَا للدُّنيا ، لقد بعث إليه أُسامَة بن زَيْد ، أن ابعث إليَّ بعطائي ، فواللّه ِ ، إنَّك لتعلم أنَّك لو كنت في فَم أسَد لدخلتُ معك ، فكتَب إليه :« إنَّ هذا المال لمَن جاهَد عليه ، ولكنَّ لي مالاً بالمدينة فأصِب منه ما شئت » . (1)

[ الظَّاهر أنَّه عليه السلام كتب إليه الكتاب ، ثُمَّ اعتذر إليه أُسامَة بيمينه على أن لا يقتل من يشهد الشَّهادتين ، كما في قاموس الرِّجال ، وأُسْد الغابَة ، فقبل منه العذر ، فكتب إلى عامله بالمدينة ما تقدَّم ؛ ويحتمل أن يكون المراد عطاءه الَّذي عيَّنه عمر _ خمسة الآف _ فيكون الَّذي كتبه إلى العامل يتعلَّق بإعطائه العطاء الَّذي فرضَه هو له ، وما منعه إيَّاه فهو ما فرضَه عمر له . (2) ]

53كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاسفي اختلاف أهل البصرة : وكان عليّ قد استخلف ابن عبَّاس على البصرة ، فكتب عبد اللّه بن عبَّاس إلى عليّ ، يذكر له اختلاف أهل البصرة ، فكتب إليه عليّ : « مِن عبدِ اللّه ِ عَليٍّ أميرِ المُوِنين َ ، إلى عَبدِ اللّه ِ بنِ عبَّاس ٍ ، أمَّا بَعدُ ؛ فالحَمدُ للّه ِ ربِّ العالَمِينَ ، وصلَّى اللّه ُ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ عَبدِهِ ورَسُولِهِ . أمَّا بَعدُ ؛ فقَدْ قَدِمَ عليَّ رَسُولُكَ ، وذكرتَ ما رأيت َ وبلغَكَ عَن أهلِ البَصرَة ِ بَعدَ انصرافِي ، وسَأُخبِرُكَ عَنِ القَومِ : هُم بينَ مُقيمٍ لِرَغبَةٍ يَرجُوها ، أو عُقُوبَةٍ يَخشَاها . فأرغِبْ راغِبَهم بالعَدلِ عَليهِ ، والإنصافِ لَهُ والإحسانِ إليهِ ، وَحُلَّ عُقدَةَ الخوفِ عَن قُلوبِهِم ؛ فإنَّهُ ليسَ لأُمراءِ أهلِ البَصرَةِ في قُلوبِهِم عِظَمٌ إلاَّ قليلٌ منهم . وانتهِ إلى أمرِي ولا تَعدُهُ ، وأحسِنْ إلى هذا الحيِّ مِن رَبيعَةَ ، وكُلِّ مَنْ قِبَلَكَ ، فأَحسِنْ إليهِم ما استَطَعتَ إن شاءَ اللّه ُ ، والسَّلامُ » .

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص102 وراجع : الغارات : ج2 576 و577 .
2- . راجع : قاموس الرجال : ج1 ص716 _ 721 الرقم670 ؛ أسد الغابة : ج1 ص194 _ 197 .

ص: 264

54 _ كتابه عليه السلام إلى مخنف بن سليم :

وكتب عبد اللّه بن أبي رافع في ذي القعدة ، سَنَة سبع وثلاثين . (1)

54كتابه عليه السلام إلى مِخْنَف بن سُلَيْم :عن عليّ عليه السلام أنَّه استعمل مِخْنَف بن سُلَيْم على صدقات بَكر بن وائل ، وكتب له عهدا كان فيه :« فَمَنْ كانَ مِن أَهلِ طاعَتِنا مِن أهلِ الجَزيرَة ِ ، وفيما بَينَ الكُوفَة ِ وأرضِ الشَّام ِ ، فَادَّعى أنَّهُ أدّى صَدَقَتُه إلى عُمَّالِ الشَّام ِ وهُو في حوزَتِنا مَمنُوعٌ قَد حمَتْهُ خَيلُنا ورِجالُنا ، فَلا تُجِزْ لَهُ ذلِكَ ، وإنْ كانَ الحقُّ على ما زَعَم ، فإنَّهُ ليسَ لَهُ أن يَنزِلَ بِلادَنا ويوِّي صَدَقَة مالِهِ إلى عَدوِّنا » . (2)

.


1- . وقعة صفّين :ص105 ،بحار الأنوار : ج32 ص400 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج3 ص183 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص403 الرقم428 كلّها نحوه وراجع :أنساب الأشراف : ج2 ص387 ؛ نثر الدر :ص322 ،نزهة الناظر وتنبيه الخواطر :ص63 .
2- . دعائم الإسلام : ج1 ص259 ، بحار الأنوار : ج96 ص70 ح45 .

ص: 265

مخنف بن سليم

مِخْنَفُ بنُ سُلَيْممِخْنَف بن سُلَيْم بن الحارث الأزْدِيّ الغامديّ ، كان من صحابة النَّبيّ صلى الله عليه و آله (1) ، وعليّ عليه السلام (2) . وكان يحمل راية قبيلته _ الأزْد _ يوم الجَمل (3) ، وقد جرح في هذه الحرب (4) . وقبل صفِّين طلب منه الإمام عليه السلام أن يأتي إلى الكوفة ، ويرافقه في مسيره إلى صفِّين . وتولّى قيادة قبيلته (5) وبعض القبائل الاُخرى في حرب صفِّين (6) . ولاّه الإمام عليه السلام على أصفهان (7) وهَمَدان (8) . وكلّفه عليه السلام مرّةً بجمع الضَّرائب في أرض الفرات حتَّى منطقة بكر بن وائل ، وظلّ مسؤولاً عليها بُرهةً . وكتب إليه في هذه المهمّة تعليمات رفيعة ، هي في غاية الرَّوعة والقيمة والوعظ والتَّذكير (9) . ومِخْنَف هذا هو الجدّ الأعلى للمؤرّخ الشِّيعي الجليل أبي مِخْنَف (10) . ونُقلت عن الإمام عليه السلام كلمات في مدحه وذمّه (11) . في اُسد الغابة : مِخْنَف بن سُلَيْم ، له صحبة . واستعمله عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه على مدينة أصفهان ، وشهد معه صفِّين ، وكان معه رايةُ الأزْد (12) .

.


1- . التاريخ الكبير : ج8 ص52 ح2122 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص35 ، المعجم الكبير : ج 20 ص310 ح738 ، تاريخ أصبهان : ج 1 ص100 الرقم16 ، اُسد الغابة : ج 5 ص123 الرقم4804 .
2- . رجال الطوسى¨ : ص81 الرقم808 ، رجال البرقي : ص6 .
3- . تاريخ الطبري : ج4 ص521 ، الكامل فيالتاريخ : ج2 ص343 .
4- . الفتوح : ج2 ص474 .
5- . الاستيعاب : ج4 ص30 الرقم2563 ، اُسد الغابة : ج 5 ص123 الرقم4804 .
6- . وقعة صفّين : ص117 ؛ الأخبار الطوال : ص146 .
7- . وقعة صفّين : ص11 و ص 105 ؛ تاريخ أصبهان : ج 1 ص101 الرقم16 ، الاستيعاب : ج4 ص30 الرقم2563 ، اُسد الغابة : ج 5 ص123 الرقم4804 .
8- . وقعة صفّين : ص11 و ص 105 .
9- . دعائم الإسلام : ج1 ص259 .
10- . الطبقات الكبرى : ج6 ص35 ، الاستيعاب : ج4 ص30 الرقم2563 ، اُسد الغابة : ج5 ص123 الرقم4804 ، الإصابة : ج6 ص46 الرقم7865 .
11- . وقعة صفّين : ص11 .
12- . اُسد الغابة : ج 5 ص122 الرقم4804 .

ص: 266

55 _ كتابه عليه السلام إلى عامله بالموصل

55كتابه عليه السلام إلى عامله بالموصلابن مَحْبُوب ٍ ، عن مَالِك بن عَطِيَّة َ ، عن أبِيه ، عن سَلَمَةَ بن كُهَيْل ٍ ، قال : أُتِيَ أمير المُومِنِين عليه السلام بِرَجُلٍ قد قَتَل رَجُلاً خَطَأً ، فقال له أمير المُومِنِين عليه السلام : « مَن عَشِيرَتُكَ وقَرَابَتُك » ؟ فقال ما لِي بِهَذِه البَلْدَةِ عَشِيرَةٌ ، ولا قَرَابَةٌ . قال فقال : « فَمِن أيِّ أهْلِ البُلْدَان أنْت » ؟ فقال : أنَا رَجُلٌ من أهْل المَوْصِل ، وُلِدْتُ بِها وَلِي بِها قَرَابَةٌ ، وأهْل بَيْتٍ . قال : فسَألَ عنه أمير المُومِنِين عليه السلام ، فلَمْ يَجِدْ له بالكُوفَة قَرَابَةً ، ولا عَشِيرَةً . قال : فكَتَب إلَى عَامِلِه علَى المَوْصِل : « أمَّا بَعْدُ ، فإنَّ فُلان بن فُلانٍ وَحِلْيَتُهُ كذا وكذا ، قَتَلَ رَجُلاً من المُسْلِمِين خَطَأً ، فذَكَر أنَّه رَجُلٌ من المَوْصل ، وأنَّ له بِها قَرَابَة ،ً وأهْلَ بَيْتٍ وقد بَعَثْتُ به إلَيْك مع رَسُولِي فُلان بن فلان ، وَحِلْيَتُهُ كذا وكذا ، فإذا وَرَد عليْك إنْ شَاء اللّه ُ ، وقَرَأْتَ كِتابِي فافْحَصْ عن أمْرِه ، وسَلْ عن قَرَابَتِه من المُسْلِمِين ، فإنْ كان من أهْل المَوْصِل ِ ، مِمَّن وُلِد بها ، وأصَبْتَ له بها قَرَابَةً من المُسْلِمِين فاجْمَعْهُم إليْكَ ، ثُمَّ انظُر فإنْ كان منهم رَجُلٌ يَرِثُه له سَهْمٌ في الكتاب ، لا يَحْجُبُهُ عن مِيرَاثه أحَدٌ من قَرَابَتِه ، فألْزِمه الدِّية وخُذْهُ بها نُجُوما في ثَلاث سِنِينَ ، فإنْ لم يكُن له من قَرَابَتِه أحَدٌ له سَهْمٌ في الكِتَاب ، وكان قَرَابَتُهُ سَوَاءً في النَّسَب ، وكان له قَرَابَةٌ ، من قِبَل أبيه ، وأُمِّه في النَّسب سَوَاءً فَفُضَّ الدِّيَّةَ على قَرَابَتِه من قِبَل أبِيهِ ، وعلى قَرَابَتِه من قِبَل أُمِّه من الرِّجال المُدْرِكينَ المُسْلِمِين َ ، ثُمَّ اجْعَلْ على قرابَتِهِ مِن قِبَلِ أبِيهِ ثُلُثَي الدِّيَّةِ ، واجْعل على قَرَابَتِه من قِبَل أُمِّه ثُلُثَ الدِّيَّةِ ، وإنْ لم يكُن له قَرَابَةٌ من قِبَل أبِيه فَفُضَّ الدِّيَّة على قَرَابَتِه من قِبَل أُمِّهِ من الرِّجال المُدْرِكِينَ المُسْلِمين ، ثُمَّ خُذْهُمْ بها واسْتَأْدِهم الدِّيَّةَ في ثَلاث سِنِينَ ، فإنْ لم يكُن لَه قَرَابَةٌ من قِبَل أُمِّه ولا قَرَابَةٌ من قِبَل أبِيه فَفُضَّ الدِّيَّة على أهْل المَوْصِل مِمَّن وُلِدَ بها ونَشَأ ، ولا تُدْخِلَنَّ فيهم غَيرَهم من أهل البَلَد ، ثُمَّ اسْتَأْدِ ذلك منهم في ثَلاث سِنِينَ ، في كُلِّ سَنَةٍ نَجْما حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ إنْ شَاءَ اللّه ُ . وإن لم يكن لِفُلانِ بنِ فلانٍ قَرَابَةٌ من أهل المَوْصِل ِ ولا يكونُ من أهْلِها ، وكان مُبْطِلاً فَرُدَّهُ إليَّ مع رَسُولِي فُلان بن فلانٍ ، إِنْ شَاءَ اللّه ُ ، فأنَا ولِيُّهُ ، والمُوِّي عنه ولا أُبْطِلُ دَمَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ . (1)

.


1- . الكافي : ج 7 ص 364 ح2 ، تهذيب الأحكام : ج10 ص171 ح675 ، من لا يحضره الفقيه : ج4 ص139 ح5308 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص374 ، بحار الأنوار : ج104 ص410 ح15 .

ص: 267

56 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

56كتابه عليه السلام إلى معاوية« مِن عبْد اللّه أميرِ المؤمنينَ عليِّ بن أبي طَالِب إلى معاوية . أمَّا بَعْدُ ، إنَّ اللّه تَبارَك وتَعالَى ذا الجَلال والإكْرام ، خَلَقَ الخَلْقَ ، واخْتَارَ خِيَرَةً مِن خَلْقِه ، واصْطَفَى صَفْوَةً مِن عِبادِهِ ، يَخْلُقُ ما يَشاءُ ، ويَخْتارُ ما كان لَهم الخِيَرةُ سُبْحانَ اللّه وتَعالَى عمَّا يُشْرِكون ، فأمَرَ الأمْرَ ، وشَرَعَ الدِّينَ ، وقَسَّمَ القِسَمَ على ذلِك ، وهو فاعِلُه وجاعِلُه ، وهو الخالِقُ ، وهو المُصْطَفي ، وهو المُشَرِّع ، وهو القاسِمُ ، وهو الفاعل لِما يَشاءُ ، له الخَلْقُ ولَه الأمْرُ ، ولَه الخِيَرةُ والمَشِيَّةُ والإرادةُ ، والقُدْرةُ والمُلْكُ والسُّلطانُ . أرْسَلَ رَسولَه خِيَرَتَه وصَفْوَتَه بالهُدى ودِين الحقِّ ، وأَنْزَل علَيْه كتابَه فيْه تِبيانُ كلِّ شَيْءٍ من شَرائع دِيْنِه ، فَبَيَّنَه لِقَوْم يَعْلَمون ، وفَرَضَ فيه الفَرائِضَ ، وقَسَمَ فيْه سِهاما أحَلَّ بعْضَها لبعْضٍ ، وحَرَّمَ بعْضَها لبَعْض . بَيِّنْها يا مُعاوِيَةُ ، إنْ كُنْتَ تَعلَمُ الحُجَّةَ ، وضَرَبَ أمْثالاً لا يَعْلَمُها إلاَّ العالِمُونَ ، فأنَا سائِلُكَ عنْها أوْ بعْضِها إنْ كنْتَ تعْلَمُ ، واتَّخَذَ الحُجَّةَ بأرْبَعَةِ أشْياءٍ على العالَمِينَ ، فمَا هِيَ يا مُعاوِيَةُ ، ولِمَن هِي ؟ . واعْلَم أنَّهنَّ حجَّةٌ لَنا أهْلَ البَيْت علَى مَن خَالَفَنا ونَازَعَنا وفَارَقَنا وبَغى علَيْنا ، والمُسْتَعانُ اللّه ُ ، علَيْهِ تَوكَّلْتُ ، وعليْه فلْيَتوَكَّلِ المتَوَكِّلون . وكانت جُمْلَةُ تَبْلِيغِه رِسالَةَ رَبِّه فِيما أمَرَهُ وشَرَعَ وفَرَضَ وقَسَمَ جُمْلَةُ الدِّين ، يقول اللّه : « أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ » (1) ، هي لَنا أهْلَ البَيت ، لَيْسَت لكم . ثُمَّ نَهَى عن المُنازَعَة والفُرْقَة ، وأمَرَ بالتَّسْلِيم والجَماعَة ، فكُنْتم أنْتم القوْم الَّذِين أقْرَرْتُم للّه ِِ ولِرَسُولِهِ بذلِكَ فأخْبَرَكُم اللّه ُ أنَّ مُحَمَّد ا صلى الله عليه و آله لمْ يَكُ « أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَ لَ_كِن رَّسُولَ اللَّهِ وَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ » (2) ، وقال عز و جل : « أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَ_بِكُمْ » (3) ، فأنْت وشُرَكاؤُك يا معاويَةُ ، القَوْمُ الَّذِينَ انْقَلَبُوا على أعْقابِهِم ، وارْتَدُّوا ونَقَضُوا الأمْرَ والعَهْدَ فيما عاهَدُوا اللّه َ ، ونَكَثُوا البَيْعَةَ ، ولمْ يَضُرُّوا اللّه َ شَيْئا . ألَمْ تَعْلَم يا معاوِيَةُ ، أنَّ الأئمَّةَ مِنَّا لَيْستْ مِنْكُم ، وقَد أخْبَرَكُم اللّه ُ أنَّ أُولي الأمْرِ المسْتَنْبِطو العِلمَ ، وأخْبَرَكم أنَّ الأمْرَ كُلَّهُ الَّذي تَخْتَلِفون فيْه يُرَدُّ إلى اللّه وإلى الرَّسول وإلى أُولِي الأمر المُسْتَنْبطي العِلمَ ، فمَن أوْفى بما عاهَدَ اللّه َ عليهِ يَجِد اللّه َ مُوفِيا بعَهدِهِ ، يقول اللّه : « وَ أَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِيَّ_ىَ فَارْهَبُونِ » (4) ، وقال عز و جل : «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَ هِيمَ الْكِتَ_بَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَ_هُم مُّلْكًا عَظِيمًا » (5) . وقال للنَّاس بَعدَهم : « فَمِنْهُم مَّنْ ءَامَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ » (6) ، فتَبَوَّأ مقْعَدَك من جَهَنَّم « وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا » . (7) ، نَحْنُ آلُ إبراهيم َ المَحسودُون وأنْتَ الحاسِدُ لَنا ، خَلَقَ اللّه ُ آدم َ بيَدِهِ ، ونَفَخَ فيه من رُوحِه ، وأسْجَدَ لَهُ المَلائِكَة َ ، وعَلَّمَهُ الأسماءَ كُلَّها ، واصْطَفاهُ على العالَمِين ، فَحَسدَه الشَّيْطانُ ، فكانَ من الغَاوِين ، ونُوحا حَسَدَه قومُه إذْ قالُوا : « مَا هَ_ذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ » (8) ، ذَلِك حَسَدَا منْهم لِنُوح أنْ يُقِرّوا لَه بالفَضْلِ وهُو بَشَرٌ ، ومِن بعْدِه حَسَدُوا هُودَا إذْ يَقول قَوْمه : « مَا هَ_ذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَ يَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ * وَ لَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ » (9) ، قالوا ذلِك حَسَدا أنْ يُفَضِّل اللّه ُ مَن يَشاءُ ، ويَخْتَصُّ برَحْمَتِهِ مَن يَشاءُ ، ومِن قَبْل ذلِك ابْنُ آدَم َ قابِيل قَتَل هابِيل حَسَدا ، فكانَ من الخاسرين ، وطَائِفَةٌ من بَنِي إسرائيل « إِذْ قَالُواْ لِنَبِىٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَ_تِلْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » (10) . فلَمَّا بَعَثَ اللّه لَهم طالُوت مَلِكا حَسَدُوه وقالوا « أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا » (11) ، وزَعَمُوا أنَّهم « أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ » . (12) ، كلُّ ذَلِك نَقُصُّ علَيْك مِن أنْباء ما قَدْ سَبَقَ ، وعِنْدَنا تَفْسِيرُه وعِندَنا تَأوِيلُه « وَ قَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى » (13) ، ونَعْرِفُ فيْكم شِبْهَهُ وأمْثالَهُ « وَ مَا تُغْنِى الْأَيَ_تُ وَ النُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ » (14) . وكانَ نَبِيُّنا صلوات اللّه عليه ، فلمَّا جاءَهم كَفَرُوا بِه حَسَدا مِن عنْد أنْفُسِهم أنْ يُنَزِّل اللّه مِن فَضْلِهِ علَى مَن يَشاءُ من عِبادِهِ ، حَسَدا مِن القَوْمِ على تَفْضِيلِ بَعْضِنا على بَعْضٍ . ألا ونَحْنُ أهْلَ البَيْت ِ ، آلُ إبراهيم َ المَحسودون ، حُسِدْنا كَما حُسِدَ آباؤُنا مِن قَبْلِنا ، سُنَّةً ومَثَلاً ، قال اللّه _ تعالى _ : وآلُ إبراهيم ، وآلُ لُوط ، وآلُ عِمران ، وآلُ يَعقوب ، وآلُ موسَى ، وآلُ هَارون ، وآلُ دَاوود ؛ فنَحْنُ آلُ نَبِيِّنا محمَّد صلى الله عليه و آله . ألَم تَعْلَم يا معاوِيَةُ « إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَ هِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَ_ذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ » (15) ، ونَحْنُ أُولوا الأرحام ، قال اللّه تعالى : « النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَ أَزْوَ جُهُ أُمَّهَ_تُهُمْ وَأُوْلُواْ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَ_بِ اللَّهِ » (16) . نَحْنُ أهلُ البَيْت ٍ اخْتارَنَا اللّه ُ ، واصْطَفانَا ، وجَعَل النُبُوَّةَ فيْنا ، والكتابَ لَنا ، والحِكْمَةَ ، والعلْمَ ، والإيمانَ ، وبَيْتَ اللّه ِ ، ومَسْكنَ إسماعِيل َ ، ومَقامَ إبراهيم َ ؛ فالمُلْكُ لَنا _ وَيْلَك _ يا مُعاوِيَةُ ، ونَحنُ أوْلَى بإبراهيم ، ونَحْنُ آلُه وآلُ عِمْران ، وأوْلى بعِمران ، وآلُ لوط ، ونحن أوْلى بلُوط ، وآلُ يَعْقُوب ، ونَحْنُ أوْلى بيَعْقُوب ، وآلُ موسَى ، وآلُ هارون ُ وآلُ داوود ، وأوْلى بهم ، وآلُ محمَّد ، وأوْلى به . ونَحْنُ أهلُ البَيْت الَّذِي أذَهَب اللّه عَنْهم الرِّجْسَ وطَهَّرَهُم تَطْهِيرا ، ولِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ في خاصَّة نَفْسِه وذُرِّيَته وأهْلِه ، ولِكُلِّ نَبِيٍّ وَصِيَّةٌ في آلِهِ . ألَمْ تَعْلَم أنَّ إبراهيم َ أوْصَى بابْنَه يَعْقوب َ ، ويَعقوب أوْصى بَنِيْه إذْ حَضَرَه المَوْتُ ، وإنَّ محمَّد ا أوْصى إلَى آلِه سُنَّةَ إبْراهيم والنَبِيِّين ؛ اقْتِداءً بهم ، كمَا أمَرَه اللّه ، لَيس لَك منْهم ولا منْه سُنَّةُ النَبِيِّين ، وفِي هذِه الذُّريَّة الَّتي بعضُها من بَعْضٍ قال اللّه ُ لإبراهِيم َ وإسْماعِيل َ ، وهما يَرْفَعانِ القَواعِدَ مِنَ البَيْتِ : « رَبَّنَا وَ اجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ » (17) ، فنَحْنُ الأمَّة المُسْلِمة ، وقالا : « رَبَّنَا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَ_تِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَ_بَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ » (18) ، فنَحْنُ أهلُ هذِه الدَّعوَة . ورَسُولُ اللّه ِ مِنَّا ، ونَحنُ منْه ، وبَعْضُنا من بَعْض ، وبَعْضُنا أوْلى ببَعْض فِي الوِلايَة والمِيراثِ « ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (19) . وعَلَيْنا نَزَلَ الكِتابُ ، وفِينا بُعِثَ الرَّسولُ ، وعَلَيْنا تُلِيَت الآياتُ ، ونَحْنُ المُنْتَحِلُونَ للكتاب والشُّهداءُ علَيْهِ ، والدُّعاةُ إليْهِ ، والقُوّامُ بِهِ ، « فَبِأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ » (20) . أفَغَيْرَ اللّه يا معاويَةُ تَبتغِي رَبَّا ، أم غَيْرَ كتابِهِ كتابا ، أمْ غَيْرَ الكَعْبَة _ بيْتُ اللّه ِ ومَسْكَنُ إسْماعِيل َ ومقامُ أبِينا إبراهيم َ _ تَبْغي قِبْلَةً ، أمْ غَيْرَ مِلَّتِه تَبْغِي دينا ، أمْ غَيْرَاللّه تَبْغِي مَلِكا ؟ فَقدْ جَعَلَ اللّه ُ ذلِكَ فِينا ، فَقَدْ أبْدَيْتَ عَداوَتَك لَنا وحَسَدَك وبُغْضَكَ ونَقْضَك عَهْدَ اللّه ِ ، وتَحْرِيفَك آياتِ اللّه ِ ، وتَبْدِيلَكَ قولَ اللّه ِ ، قال اللّه ُ لإبراهيم َ : « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ » (21) ، أفَتَرْغَبُ عن مِلَّتِهِ وقَد اصْطَفاهُ اللّه ُ في الدُّنيا ، وهُوَ في الآخِرة من الصَّالِحين ، أمْ غَيْرَ الحَكَمِ تبغِي حَكَما ، أمْ غَيْرَ المُسْتَحْفِظ منَّا تَبْغِي إماما . الإمامَةُ لإبراهيم وذُرِّيتِهِ ، والمؤمِنونَ تَبَعٌ لَهُم لا يَرْغَبونَ عَن مِلَّتِهِ ، قال : « فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنِّى » (22) . أدْعُوكَ يا معاويَةُ إلى اللّه ِ ورسولِهِ ، وكتابِهِ ، ووَلِيِّ أمرِهِ ، الحَكيِمِ مِنْ آلِ إبراهيم َ ، وإلَى الَّذِي أقْرَرْتَ بِه _ زَعَمْتَ _ إلى اللّه ِ ، والوَفاءِ بِعَهْدِهِ ، « وَمِيثَ_قَهُ الَّذِى وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا » (23) ، « وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ » (24) « مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيَا بَيْنَهُمْ » (25) ، « وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَ_ثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَ_نَكُمْ دَخَلاَ بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِىَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ » (26) ، فَنَحْنُ الأُمَّةُ الأرْبى ، « وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُواْ سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ » (27) . إتَّبعْنا واقْتَدِ بِنا ، فإنَّ لَنا آلَ إبراهيم َ على العالَمين مُفْتَرَضٌ ، فإنَّ الأفْئِدةَ مِنَ المُؤمِنينَ والمُسْلِمينَ تَهْوِي إلَيْنا ، وذلِكَ دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِم ، فَهَل تَنْقِم مِنَّا إلاَّ أنْ آمَنَّا باللّه وما أُنْزِل إلَيْنا ، واقْتَدَيْنا ، واتَّبَعْنا مِلَّةَ إبراهيم َ صَلَواتُ اللّه علَيْه وعلَى محمَّد وآلِهِ » . 28

.


1- . النساء :59 .
2- . الأحزاب :40 .
3- . آل عمران :144 .
4- . البقرة :40 .
5- . النساء :54 .
6- . النساء: 55.
7- . المؤمنون :24 .
8- . المؤمنون :33 و34 .
9- . البقرة :246 .
10- . البقرة :247
11- .البقرة :247 .
12- . طه :61 .
13- . يونس :101 .
14- . آل عمران :68 .
15- . الأحزاب :6 .
16- . البقرة :128 .
17- . البقرة :129 .
18- . آل عمران :34 .
19- . الأعراف :185 والمرسلات :50 .
20- . البقرة :132 .
21- . إبراهيم :36 .
22- . المائدة :7 .
23- . آل عمران: 105 .
24- . آل عمران : 19 .
25- . النحل : 92 .
26- . الأنفال :21 .
27- . الغارات : ج1 ص195 _ 201 ، بحار الأنوار : ج33 ص133 ، إثبات الهداة : ج3 ، ص95 .

ص: 268

. .

ص: 269

. .

ص: 270

. .

ص: 271

. .

ص: 272

. .

ص: 273

فكتب معاوية : مِن معاويَة بن أبي سُفْيَان إلى عَليّ بن أبِي طالب ، قد انْتَهى إليَّ كتابك ، فأكثرتَ فيه ذكْر إبراهيم وإسماعيل وآدم ونوح ٍ والنَّبيِّين ، وذكر محمَّد صلى الله عليه و آله وقرابتكم منه ومنزلتكم وحقَّكَ ، ولَمْ تَرض بقرابَتِكَ من محمَّد ٍ صلى الله عليه و آله حتَّى انْتَسبت إلى جَميع النَّبيِّين . أ لا وإنَّما كان محمَّد ٌ رسولاً من الرُّسُلِ إلى النَّاسِ كافَّةً ، فبلَّغ رِسالاتِ ربّهِ ، لا يَملِكُ شَيئا غَيْرَهُ . أ لا وإنَّ اللّه ذَكر قَوْما جَعلوا بَيْنه وبَين الجَنَّة نَسبا ، وقد خفت عليك أنْ تضارعهم . أ لا وإنَّ اللّه أنزَل في كتابه أنَّه « لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَ لَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِى الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُن لَّهُ وَلِىٌّ مِّنَ الذُّلِّ » (1) ، فأخْبرنا ما فَضل قرابتك ؟ وما فَضل حَقِّكَ ؟ وأيْن وجدتَ اسْمك في كتاب اللّه ، ومُلْكَكَ وإمامَتَكَ وفَضلَكَ ؟ أ لا وإنَّما نقتدي بمَن كان قبْلنا من الأئمَّة والخُلفاء ، الَّذين اقْتديت بهم ، فكنْت كمَن اخْتار ورَضي ، ولَسْنا منْكم . قُتل خَلِيفتنا أميْر المونين عثْمان بن عفَّان ، وقال اللّه ُ : « وَ مَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا » (2) ، فَنحنُ أوْلى بعثمان وذُرِّيَّته ، وأنتم أخذْتموه على رضىً من أنفسكم ، جعلتموه خليفة وسمعتم له وأطعتم . فأجابه عليّ عليه السلام : « أمَّا الَّذِي عَيَّرتَنِي بِه يا مُعاويَة ُ مِن كِتابي وكَثْرَة ذِكْرِ آبائِي إبراهيم َ وإسماعِيل َ والنَّبيِّين َ ، فإنَّه مَن أحَبَّ آباءَه أكْثَرَ ذِكْرَهُم ، فَذِكْرُهم حُبُّ اللّه ِ ورَسُولِهِ ، وأنَا أُعَيِّرُك بِبُغْضِهم ، فإنَّ بُغْضَهم بُغْضُ اللّه ِ ورَسُولِهِ ، وأُعَيِّرُك بِحُبِّك آباءَكَ ، وكَثْرَةِ ذِكْرِهِم ، فإنَّ حُبَّهُم كُفْرٌ . وأمَّا الَّذِي أنْكَرتَ مِن نَسَبِي مِن إبْراهيم َ وإسْماعيل َ ، وقَرابَتي مِن مُحمَّد ٍ صلى الله عليه و آله ، وفَضْلِي وحَقِّي ومُلْكِي وإمامَتي ، فإنَّك لم تَزَل منْكِرا لذلِكَ ، لم يُؤمِن به قَلْبُك ، ألا وإنَّما نحن أهلَ البَيْت كذلِكَ ، لا يُحِبُّنا كافِرٌ ولا يُبْغَضُنا مؤْمِنٌ . والَّذِي أنْكَرْتَ من قول اللّه عز و جل : « فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَ هِيمَ الْكِتَ_بَ وَالْحِكْمَة َ وَءَاتَيْنَ_هُم مُّلْكًا عَظِيمًا » (3) ، فأنْكَرْتَ أنْ يكونَ فِيْنا فَقَدْ قال اللّه : « النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَ أَزْوَ جُهُ أُمَّهَ_تُهُمْ وَأُوْلُواْ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَ_بِ اللَّهِ » (4) ، ونَحْنُ أوْلى بِه . والَّذِي أنْكَرْتَ من إمامَة محَمَّد صلى الله عليه و آله ، زَعَمْتَ أنَّه كانَ رَسُولاً ، ولَمْ يكن إمامَا ، فإنَّ انْكارَك علَى جَمِيْع النَّبِيِّين الأئمَّة ، ولَكِنَّا نَشْهَدُ أنَّه كانَ رَسُولاً نَبِيَّا إماما ، صَلَّى اللّه علَيْه وآلِهِ ، ولِسانُك دَلِيلٌ على ما في قَلْبِك ، وقال اللّه تعالى : « أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَ_نَهُمْ * وَلَوْ نَشَآءُ لَأَرَيْنَ_كَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَ_هُمْ وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَ__لَكُمْ » (5) . ألا وقد عَرَفْناك قَبْلَ اليَوْم ، وعَداوَتَكَ وحَسَدَكَ ومَا في قَلْبِك من المَرَض الَّذِي أخْرَجَهُ اللّه ُ . والَّذِي أنْكَرْتَ مِن قَرابَتي وحَقِّي ، فإنَّ سَهْمَنا وحَقَّنا في كتاب اللّه قَسَمَه لَنا مَع نَبِيِّنا فقال: « وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَه ُو وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى » (6) ،وقال : « وَ ءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ » (7) أوَ لَيْس وَجَدْتَ سَهْمَنا مَع سَهْم اللّه ورَسُولِه ، وسَهْمَك معَ الأبْعَدِين لا سَهْمَ لَك إنْ فارَقْتَه ، فَقَدْ أثْبَتَ اللّه سَهْمَنا وأسْقَطَ سَهْمَك بِفِراقِك . وأنْكَرْتَ إمامَتِي ومُلْكِي ، فهَل تَجِدُ في كتاب اللّه قوله لاِل إبراهيم : واصْطَفاهُم علَى العالَمِين (8) ، فهُو فَضَّلَنا على العالَمِين ، أوَ تَزْعَمُ أنَّكَ لَسْتَ مِنَ العالَمِينَ ، أوَ تَزْعَم أنَّا لَسْنا مِن آلِ إبْراهيم ، فإنْ أنْكَرْتَ ذلِك لَنا فَقَدْ أنْكَرْتَ محمَّد ا صلى الله عليه و آله ، فهو منَّا ونَحْنُ منْهُ ، فإنْ اسْتَطَعْتَ أنْ تُفَرِّقَ بَيْنَنا وبَيْن إبراهيم َ صَلَواتُ اللّه علَيْهِ ، وإسماعِيل َ ومُحَمَّد ٍ وآلِهِ في كِتابِ اللّه ِ فافْعَلْ » . (9)

.


1- . الإسراء :111 .
2- . الإسراء :33 .
3- . النساء :54 .
4- . الأحزاب :6 .
5- . محمّد : 29 و30 .
6- . الإسراء :26 .
7- . الإسراء: 26.
8- . اقتباس من الآية 33 من سورة آل عمران : « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَ اهِيمَ وَءَالَ عِمْرَ انَ عَلَى الْعَالَمِينَ » .
9- . الغارات : ج1 ص 202 ، بحار الأنوار : ج33 ص139 .

ص: 274

. .

ص: 275

. .

ص: 276

57 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

57كتابه عليه السلام إلى معاويةقال الحافظ ابن عساكر : أخبرنا أبو القاسم المُستملي ، أنبأنا أبو بكر البيهقي ، أنبأنا أبو عبد اللّه الشَّحامي الحافظ ، حدَّثني أبو منصور محمَّد بن عبد اللّه الفقيه الزَّاهد ، أنبأنا أبو عمرو أحمد بن محمَّد النَّحوي ، بأسناد له : أنَّ يَحْيَى بن خالد البَرْمَكي ّ لمَّا حُبِس ، كتَب من الحبْس إلى الرَّشيد : إنَّ كلَّ يوم يمضي من بؤس (1) يمضي من نعمتك مثله ، والموعد المحشر ، والحكم الدَّيَّان ، وقد كتبت إليك بأبيات كتب بها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، إلى معاوية بن أبي سُفْيَان : أما واللّه ِ إنَّ الظُّلمَ شُؤمٌوما زالَ المُسِيءُ هو الظَّلُومُ إلَى الدَيَّانِ يوْمَ الدِّينِ نَمْضِيوعِندَ اللّه ِ يَجْتَمِعُ الخُصُومُ تَنامُ ولمْ تنَمْ عَنْكَ المَناياتَنَبَّهْ لِلْمَنِيَّةِ يا نَؤوْمُ لأمرٍ مّا تصَرَّمَتِ اللَّياليلأمرٍ ما تحَرَّكتِ النُّجومُ (2) [ أقول : هذه الأبيات موجودة في الدِّيوان بزيادات وهي : ] « أما واللّه ِ إنَّ الظُّلمَ شُؤْمٌولا زال المُسِي هو الظَّلومُ إلى الديَّانِ يَوْمَ الدِّينِ نَمْضيوعند اللّه يَجتمِع الخُصُومُ ستَعلَمُ في الحِسابِ إذا التَقَيناغَدَا عِندَ المَليكِ مَنِ الغَشُومُ ستَنْقَطِعُ اللَّذاذَةُ عَن أُناسٍمِنَ الدُّنيا وتَنقَطِعُ الهُمُومُ لأمرٍ مَّا تصرَّفَتِ اللَّياليلأمرٍ مَّا تحَرَّكَتِ النُّجُومُ سَلِ الأيَّامَ عَن أُمَمٍ تَقَضَّتْسَتُخْبِرُكَ المَعالِمُ والرُّسُومُ تَرومُ الخُلْدَ في دارِ المَنايافَكَمْ قَد رَامَ مِثلَكَ ما تَرُومُ تَنام ولم تَنَمْ عَنْكَ المَناياتَنَبَّهْ لِلْمَنِيَّة يا نَؤومُ لَهَوْتَ عَنِ الفَناءِ وأنتَ تَفنىفَما شيءٌ مِنَ الدُّنيا يَدُومُ تَموتُ غَدَا وأنتَ قريرُ عَيْنٍمِنَ العَضلات في لُجَجٍ تَعُومُ » (3)

.


1- . كذا في المصدر، والظاهر أنّ الصواب: «بؤسي».
2- . تاريخ مدينة دمشق : ج42 ص459 .
3- . الديوان المنسوب إلى الإمام علي عليه السلام : ص 560 الرقم 427 .

ص: 277

كتابه عليه السلام إلى معاوية

كتابه عليه السلام إلى معاويةروى أبو عبيدة : قال كتب معاوية إلى أمير المونين عليه السلام : إنَّ لي فضائل كثيرة : كان أبي سيِّدا في الجاهليَّة ، وصِرْتُ مَلِكا في الإسلام ، وأنا صهرُ رسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وخال المونين ، وكاتب الوحي . فقال أمير المونين عليه السلام : « أبِالفضَائِلِ يَبغي عَليَّ ابنُ آكِلَةِ الأكبادِ ، اكتب إليهِ يا غُلامُ : مُحمَّدٌ النَّبيُّ أخِي وصِنْوِيوحمْزَةُ سَيِّدُّ الشُّهداءِ عَمِّي وجعْفَرٌ الَّذي يُضْحِي وَيُمْسِييَطِيرُ مَعَ المَلائِكَةِ ابنُ أُمِّي وبنْتُ مُحَمَّدٍ سَكَنِي وعِرْسِيمَسُوطٌ لَحْمُها بِدَمي وَلَحْمِي وسِبْطا أحمَدٍ ولداي مِنهافأيُّكُمُ لَهُ سَهْمٌ كَسَهْمِي سَبَقْتُكم إلى الإسلامِ طُرَّاغُلاما ما بَلغتُ أوانَ حِلمِي وصلَّيتُ الصَّلاةَ وكُنتُ طِفْلاًمُقِرّا بالنَّبِي في بطْن أمِّي وأوْجَبَ لي ولايَتَه علَيْكمرَسُولُ اللّه ِ يَوْمَ غَديرِ خُمِّ أنا الرَّجل الَّذي لا تُنكِرُوهُليومِ كَريهةٍ وليوم سِلمِ فوَيلٌ ثُمَّ وَيْلٌ ثمَّ وَيْلٌلِمَنْ يَلْقَى الإلَهَ غَدا بِظُلْمي . » فقال معاوية : أخفوا هذا الكتاب، لا يقرؤهُ أهلُ الشَّام فيميلوا إلى ابن أبي طالب . (1)

.


1- . الاحتجاج : ج1 ص429 ح 93 وراجع : الفصول المختارة : ص70 المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص170 ، كنز الفوائد : ص122 ؛ التذكرة لابن الجوزي : ص115 .

ص: 278

58 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

59 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

58كتابه عليه السلام إلى معاويةعن الجاحظ في كتاب الغرَّة ، قال : كتب عليّ عليه السلام إلى معاوية :« غرَّكَ عِزُّك ، فصار قِصارُ ذلك ذُلَّك ، فاخشَ فاحِشَ فِعلِكَ ، فَعَلَّكَ تُهدى بِهذا . » (1)

59كتابه عليه السلام إلى معاوية« أمَّا بعدُ ، فإنّ الدُّنيا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، ذاتُ زِيْنَةٍ وبَهْجَةٍ ، لم يَصْبُ إليْها أحَدٌ إلاَّ وشَغَلَتْه بِزيْنَتِها عَمَّا هو أنْفَعُ له منها ، وبالآخِرَةِ أُمِرنا ، وعَلَيْها حُثِثْنا ، فَدَعْ _ يا مُعاوِيَةُ _ ما يَفْنى ، واعْمَل لِما يَبْقى ، واحْذَر المَوْت َالَّذِي إليْه مَصِيرُكَ ، والحِسابَ الَّذِي إليْه عاقِبَتُكَ . واعْلَم أنَّ اللّه تعالى إذَا أرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرا حالَ بينَه وبينَ ما يَكْرَهُ ، ووَفَّقَه لطاعَتِهِ ، وإذا أرَادَ اللّه ُ بِعَبدٍ سُوءا أغْراهُ بالدُّنيا وأنْساهُ الآخِرَةَ ، وبَسَطَ له أمَلَه ، وعاقَه عمَّا فيْه صَلاحُه . وقد وَصَلني كتابُك فَوَجَدتُكَ تَرْمِي غَيْرَ غَرَضِكَ ، وتَنْشُدُ غَيْرَ ضَالَّتِكَ ، وتَخْبِطُ في عَمايَةٍ ، وتَتِيهُ في ضَلالَةٍ ، وتَعْتَصِمُ بغَيْر حُجَّة ، وتَلُوذُ بأضْعَفِ شَبْهَةٍ . فأمَّا سُؤالُك المُتارَكَةَ والإقْرارَ لَكَ على الشَّام ، فلو كنْتُ فاعِلاً ذلِكَ اليوْمَ ، لَفَعَلْتُهُ أمْسِ . وأمَّا قولُك : إنَّ عُمَرَ وَلاَّكَهُ ، فَقَدْ عَزَلَ مَن كان وَلاَّه صاحِبُهُ ، وعَزَلَ عثْمان مَن كان عُمَر وَلاَّه ، ولم يُنْصَب للنَّاس إمامٌ إلاَّ لِيَرى مِن صَلاح الأمَّة إماما قَدْ كانَ ظهَرَ لِمَن قبْلَهُ ، أوْ أخْفى عنْهُم عَيْبَهُ والأمرُ يَحْدُثُ بعْدَه الأمرُ ، ولكلِّ وَالٍ رَأْيٌ واجْتِهادٌ . فَسُبْحَانَ اللّه ِ ، مَا أَشَدَّ لُزُومَكَ لِلأَهْوَاءَ الْمُبْتَدَعَةِ ، والْحَيْرَةِ الْمُتَّبَعَةِ ، مَعَ تَضْيِيعِ الْحَقَائِقِ ، واطِّرَاحِ الْوَثَائِقِ ، الَّتي هِيَ لِلَّهِ طِلْبَةٌ ، وعَلَى عِبَادِهِ حُجَّةٌ . فَأَمَّا إِكْثَارُكَ الْحِجَاجَ عَلَى عُثْمَانَ ، وقَتَلَتِهِ ، فَإِنَّكَ إِنَّمَا نَصَرْتَ عُثْمَانَ حَيْثُ كَانَ النَّصْرُ لَكَ ، وخَذَلْتَهُ حَيْثُ كَانَ النَّصْرُ لَهُ والسَّلامُ » . (2) ومن كلام له عليه السلام في معنى قتل عثمان ، وهو حكم له على عثمان ، وعليه وعلى النَّاس بما فعلوا ، وبراءة له من دمه : « لَوْ أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قَاتِلاً ، أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ لَكُنْتُ نَاصِرا ، غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ : خَذَلَهُ مَنْ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ، ومَنْ خَذَلَهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ : نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي ، وأَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ ، اسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الأَثَرَةَ ، وجَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الْجَزَعَ ، ولِلَّهِ حُكْمٌ وَاقِعٌ فِي الْمُسْتَأْثِرِ والْجَازِعِ » . (3)

.


1- . المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص48 ، مطالب السؤول : ص176 ، بحار الأنوار : ج40 ص163 ؛ سِيَر أعلامِ النبلاء : ج16 ص308 .
2- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص153 ، جمهرة الرسائل العرب : ج1 ص471 ؛ نهج البلاغة : الكتاب 37 .
3- . نهج البلاغة : الخطبة 30 .

ص: 279

. .

ص: 280

60 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

60كتابه عليه السلام إلى معاويةومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية جوابا ، وهو من محاسن الكتب :« أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُك تَذْكُرُ فيه اصْطِفَاءَ اللّه ِ مُحَمَّد ا صلى الله عليه و آله لِدِينِهِ وتَأْيِيدَهُ إِيَّاهُ بمَنْ أَيَّدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَلَقَدْ خَبَّأَ لَنا الدَّهْرُ مِنْك عَجَبا ؛ إِذْ طَفِقْتَ تُخْبِرُنَا بِبَلاءِ اللّه تَعَالَى عِنْدَنَا ، ونِعْمَتِهِ عَلَيْنَا فِي نَبِيِّنَا ، فَكُنْتَ فِي ذَلك كَنَاقِلِ التَّمْرِ إلى هَجَرَ ، أَوْ دَاعِي مُسَدِّدِهِ إلى النِّضَالِ ، وزَعَمْتَ أَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ فِي الإِسْلامِ فُلانٌ وفُلانٌ ، فَذَكَرْتَ أَمْرا إِنْ تَمَّ اعْتَزَلَك كُلُّهُ ، وإِنْ نَقَصَ لَمْ يَلْحَقْكَ ثَلْمُهُ . ومَا أَنْتَ والْفَاضِلَ والْمَفْضُولَ ، والسَّائِسَ والْمَسُوسَ ، ومَا لِلطُّلَقَاءِ وأَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ والتَّمْيِيزَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ ، وتَرْتِيبَ دَرَجَاتِهِمْ ، وتَعْرِيفَ طَبَقَاتِهِمْ ، هَيْهَاتَ لَقَدْ حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا ، وطَفِقَ يَحْكُمُ فِيهَا مَنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَهَا . أَلا تَرْبَعُ أَيُّهَا الإِنْسَانُ عَلَى ظَلْعِكَ ، وتَعْرِفُ قُصُورَ ذَرْعِكَ ، وتَتَأَخَّرُ حَيْثُ أَخَّرَكَ الْقَدَرُ ، فَمَا عَلَيْكَ غَلَبَةُ الْمَغْلُوبِ ، ولا ظَفَرُ الظَّافِرِ ، وإِنَّكَ لَذَهَّابٌ فِي التِّيهِ ، رَوَّاغٌ عَنِ الْقَصْدِ . أَ لا تَرَى _ غَيْرَ مُخْبِرٍ لَك ،َ ولَكِنْ بِنِعْمَةِ اللّه أُحَدِّثُ _ أَنَّ قَوْما اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اللّه تَعَالَى مِنَ الْمُهَاجِرِين َ ، والأَنْصَار ِ ، ولِكُلٍّ فَضْلٌ حَتَّى إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ : سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ ، وخَصَّهُ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله بِسَبْعِينَ تَكْبِيرَةً عِنْدَ صَلاتِهِ عَلَيْهِ ، أَ ولا تَرَى أَنَّ قَوْما قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللّه _ ولِكُلٍّ فَضْلٌ _ حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ ، قِيلَ : الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ وذُو الْجَنَاحَيْنِ ، ولَوْلا مَا نَهَى اللّه عَنْهُ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائِلَ جَمَّةً تَعْرِفُهَا قُلُوبُ الْمُومِنِينَ ، ولا تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِينَ ، فَدَعْ عَنكَ مَنْ مَالَتْ بِهِ الرَّمِيَّةُ (1) ، فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا ، والنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا ، لَمْ يَمْنَعْنَا قَدِيمُ عِزِّنَا ، ولا عَادِيُّ طَوْلِنَا عَلَى قَوْمِكَ أَنْ خَلَطْنَاكُمْ بِأَنْفُسِنَا ، فَنَكَحْنَا وأَنْكَحْنَا فِعْلَ الأَكْفَاءِ ، ولَسْتُمْ هُنَاكَ ، وأَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ ، ومِنَّا النَّبِيُّ ومِنْكُمُ الْمُكَذِّبُ ، ومِنَّا أَسَدُ اللّه و مِنْكُمْ أَسَدُ الأَحْلافِ ، ومِنَّا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، ومِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ ، ومِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ، ومِنْكُمْ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ فِي كَثِيرٍ مِمَّا لَنَا وعَلَيْكُمْ . فَإِسْلامُنَا قَدْ سُمِعَ ، وجَاهِلِيَّتُنَا لا تُدْفَعُ ، وكِتَابُ اللّه يَجْمَعُ لَنَا مَا شَذَّ عَنَّا ، وهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى : « وَأُوْلُواْ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَ_بِ اللَّهِ » (2) . وقَوْلُهُ تَعَالَى : « إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَ هِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَ_ذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَاللَّهُ وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ » (3) ، فَنَحْنُ مَرَّةً أَوْلَى بِالْقَرَابَةِ ، وتَارَةً أَوْلَى بِالطَّاعَةِ ، ولَمَّا احْتَجَّ الْمُهَاجِرُون َ عَلَى الأَنْصَار ِ يَوْمَ السَّقِيفَة ِ بِرَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله فَلَجُوا عَلَيْهِمْ ، فَإِنْ يَكُنِ الْفَلَجُ بِهِ ، فَالْحَقُّ لَنَا دُونَكُمْ ، وإِنْ يَكُنْ بِغَيْرِهِ فَالأَنْصَار ُ عَلَى دَعْوَاهُمْ . وزَعَمْتَ أَنِّي لِكُلِّ الْخُلَفَاءِ حَسَدْتُ ، وعَلَى كُلِّهِمْ بَغَيْتُ ، فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْكَ ، فَيَكُونَ الْعُذْرُ إِلَيْكَ . وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا. وقُلْتَ : إِنِّي كُنْتُ أُقَادُ كَمَا يُقَادُ الْجَمَلُ الْمَخْشُوشُ حَتَّى أُبَايِعَ ، ولَعَمْرُ اللّه لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُمَّ فَمَدَحْتَ ، وأَنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ ، ومَا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَةٍ فِي أَنْ يَكُونَ مَظْلُوما ، مَا لَمْ يَكُنْ شَاكّا فِي دِينِهِ ، ولا مُرْتَابا بِيَقِينِهِ ، وهَذِهِ حُجَّتِي إِلَى غَيْرِكَ قَصْدُهَا ، ولَكِنِّي أَطْلَقْتُ لَكَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا سَنَحَ مِنْ ذِكْرِهَا . ثُمَّ ذَكَرْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِي وأَمْرِ عُثْمَانَ فَلَكَ أَنْ تُجَابَ عَنْ هَذِهِ لِرَحِمِكَ مِنْهُ ، فَأَيُّنَا كَانَ أَعْدَى لَهُ ، وأَهْدَى إِلَى مَقَاتِلِهِ ؟ أَ مَنْ بَذَلَ لَهُ نُصْرَتَهُ فَاسْتَقْعَدَهُ واسْتَكَفَّهُ ؟ أَمْ مَنِ اسْتَنْصَرَهُ فَتَرَاخَى عَنْهُ ، وبَثَّ الْمَنُونَ إِلَيْهِ ، حَتَّى أَتَى قَدَرُهُ عَلَيْهِ ؟ كلاَّ واللّه لقَدْ يَعْلَمُ اللّه ُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ ، والْقائِلِينَ لإِخْوانِهِمْ : هَلُمَّ إِلَيْنا ولا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً . ومَا كُنْتُ لأَعْتَذِرَ مِنْ أَنِّي كُنْتُ أَنْقِمُ عَلَيْهِ أَحْدَاثا ، فَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ إِلَيْهِ إِرْشَادِي وهِدَايَتِي لَهُ ، فَرُبَّ مَلُومٍ لا ذَنْبَ لَهُ . وَقَدْ يَسْتَفِيدُ الظِّنَّةَ الْمُتَنَصِّحُ. وَمَا أَرَدْتُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ، وما تَوْفِيقِي إلاّ بِاللّهِ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإِلَيْهِ أُنِيبُ . وذَكَرْتَ أَنَّهُ لَيْسَ لِي ولأَصْحَابِي عِنْدَكَ إلاَّ السَّيْفُ ، فَلَقَدْ أَضْحَكْتَ بَعْدَ اسْتِعْبَارٍ ! مَتَى أَلْفَيْتَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِب ِ عَنِ الأَعْدَاءِ نَاكِلِينَ وبِالسَّيْفِ مُخَوَّفِينَ ؟ ! فَلَبِّثْ قَلِيلاً يَلْحَقِ الْهَيْجَا حَمَلْ فَسَيَطْلُبُك مَنْ تَطلُبُ ، ويَقْرُبُ مِنْكَ مَا تَسْتَبْعِدُ ، وأَنَا مُرْقِلٌ نَحْوَكَ فِي جَحْفَلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِين َ والأَنْصَار ِ ، والتَّابِعِين َ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، شَدِيدٍ زِحَامُهُمْ ، سَاطِعٍ قَتَامُهُمْ ، مُتَسَرْبِلِينَ سَرَابِيلَ الْمَوْتِ ، أَحَبُّ اللِّقَاءِ إِلَيْهِمْ لِقَاءُ رَبِّهِمْ ، وقَدْ صَحِبَتْهُمْ ذُرِّيَّةٌ بَدْرِيَّةٌ ، وسُيُوفٌ هَاشِمِيَّةٌ ، قَدْ عَرَفْتَ مَوَاقِعَ نِصَالِهَا فِي أَخِيكَ وخَالِكَ وجَدِّكَ وأَهْلِكَ ، « وَ مَا هِىَ مِنَ الظَّ__لِمِينَ بِبَعِيد ٍ » (4) . (5)

.


1- . الرَّمِيَّة: الصيد الذي ترميهِ فتقصِده، فينفذُ فيه سَهمُكَ . (النهاية: ج 2 ص 268 «رمى»).
2- . الأحزاب :6 .
3- . آل عمران :68 .
4- . هود :83 .
5- . نهج البلاغة : الكتاب28 وراجع : الفصول المختارة : ج2 ص233 ، وقعة صفِّين : ص88 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص165 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج5 ص73 ، الفتوح : ج2 ص477 ، العقد الفريد : ج4 ص335 ، أنساب الأشراف : ج2 ص279 .

ص: 281

. .

ص: 282

. .

ص: 283

61 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

61كتابه عليه السلام إلى معاوية[ نقل مصنّف كتاب معادن الحكمة كتابه عليه السلام إلى معاوية عن نهج البلاغة ، ثُمَّ نقل عن الشَّارح البحراني ، أنَّ الكتاب المنقول ملتقط من كتاب ذكر السَّيِّد رحمه الله منه فصلاً سابقا برقم « 9 » ، ثُمَّ نقل الكتاب بتمامه عن البحراني ، ثُمَّ نقل فصلاً من الكتاب عن ابن أبي الحديد (1) ، مصرّحا بأنَّ بين نقله ونقل البحراني اختلافا كبيرا ؛ فأحببنا نقله عن ابن أبي الحديد بتمامه ، تتميما وتعميما للفائدة . فقال ابن الحديد : بعد نقله كتاب معاوية بن أبي سُفْيَان إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، مع أبي مسلم الخولاني ، وما جرى بينه وبين أبي مسلم الخولاني وكان جوابه عليه السلام : ]« أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ أخا خَوْلان َ قَدِمَ عَلَيَّ بِكتابٍ مِنك َ تَذكُرُ فيهِ مُحَمّد ا صلى الله عليه و آله ، وما أنعَم اللّه ُ بهِ عليهِ مِنَ الهُدى والوحي ، فالحمدُ للّه ِ الَّذي صدَقه الوعْدَ ، وأيَّدَهُ بالنَّصر ، ومكَّن لَهُ في البلادِ ، وأظهرَهُ علَى أهْلِ العَداوَةِ والشَّنآن من قومه ، الَّذِينَ وَثَبوا علَيهِ ، وشَنِفُوا لَهُ ، وأظهَرُوا تَكذِيبَهُ ، وبارَزُوه بالعَداوَةِ ، وظاهَروا على إخراجِهِ وعلَى إخراجِ أصحَابِهِ وأهلِهِ ، وألّبُوا عليهِ العَرَب َ ، وجادَلوهُم علَى حَربِهِ ، وجَهَدوا في أمرِهِ كُلَّ الجَهْدِ ، وَقَلَبوا لَهُ الأُمورَ حَتَّى جاءَ الحَقُّ وظَهرَ أمرُ اللّه ِ وهُم كارِهُونَ ، وكان أشدُّ النَّاس عليه تأليبا وتحريضا أُسرَتَهُ ، والأدنى فالأدنى مِن قَومِهِ ، إلاَّ مَن عَصَمَ اللّه ُ . وذكرتَ أنَّ اللّه َ تعالَى اجتبى لَهُ مِنَ المُسلِمينَ أعوانا أيَّدهُ اللّه ُ بِهِم ، فَكانُوا في مَنازِلِهم عِندَهُ علَى قَدرِ فَضائِلِهم في الإسلام ِ ، فكان أفضَلَهُم _ زعَمتَ _ في الإسلام ِ ، وأنصَحَهُم للّه ِ وَلِرَسُولِهِ الخَليفَةِ ، وخَليفَةِ الخَليفَةِ ، ولعَمرِي إنَّ مكانَهُما في الإسلام لَعظِيمٌ ، وإنَّ المُصابَ بِهما لَجُرحٌ في الإسلام شَدِيدٌ ، فَرَحِمَهُما اللّه ، وجَزَاهما أحسَنَ ما عَمِلا ! وذكرتَ أنَّ عثمان َ كانَ في الفَضلِ تالِيا ، فإن يَكُ عُثمانُ مُحسِنا فسَيجزيهِ اللّه ُ بإحسانِهِ ، وإنْ يَكُ مُسيئا فسَيَلقى رَبَّا غَفُورا لا يتعاظَمُهُ ذنْبٌ أنْ يَغفِرَهُ ، ولَعَمرِي إنِّي لأرجُو إذا أعطَى اللّه ُ النَّاسَ علَى قَدرِ فَضائِلِهم في الإسلام ، ونَصيحَتِهم للّه ِ ولِرَسُولِهِ ، أن يَكُونَ نَصيبُنا في ذلِكَ الأوفرَ . إنَّ محمّد ا صلى الله عليه و آله لمَّا دعا إلى الإيمانِ باللّه ِ والتوحيدِ لَهُ ، كنَّا أهلَ البَيت ِ ، أوَّل مَن آمَن بِهِ وصَدَّقَهُ فيما جاء ، فبتْنا أحوالا كاملةً مجرّمة (2) تامَّة ، وما يُعبَدُ اللّه ُ في رَبْعٍ ساكِنٍ مِنَ العَرَب ِ غَيرَنا ، فأراد قومُنا قتل نبيِّنا ، واجتياحَ أصلِنا ، وهمُّوا بنا الهموم ، وفعَلوا بنا الأفاعيل ، ومنَعونا المِيرة (3) ، وأمسكوا عنَّا العَذْبَ ، وأحْلسُونا الخَوفَ . وجعَلوا علَينا الأرصادَ والعُيونَ ، واضطرّونا إلى جَبَلٍ وَعْرٍ ؛ وأوْقَدوا لَنا نارَ الحرْبِ ، وكتَبوا بينهم كتابا لا يوكِلُوننا ولا يُشارِبونَنا ، ولا يناكِحُونَنا ، ولا يُبايِعونَنا ، ولا نأمَنُ مِنهُم حَتَّى ندفَعَ إليهِم محمّد ا فَيقتُلوه ويمثِّلوا بِهِ ، فلَم نَكُن نأمَنُ فِيهِم إلاَّ مِن مَوْسِمٍ إلى مَوْسِمٍ ، فَعزَمَ اللّه ُ لَنا علَى منعِهِ ، والذَّبِّ عن حَوْزتِهِ ، والرَّمي مِن وراءِ حُرمَتِهِ ، والقيامِ بأسيافِنا دُونَهُ في ساعاتِ الخَوفِ باللَّيل والنَّهار ، فمُوِنُنا يَرجو بِذَلِكَ الثَّوابَ ، وكافِرُنا يُحامي عَنِ الأصلِ ، وأمَّا مَن أسلَم مِن قُرَيش ٍ فإنَّهُم مِمَّا نحنُ فيهِ خَلاءٌ ، مِنهُم الحَليفُ المَمنُوعُ ، ومِنهُم ذو العَشِيرةِ الَّتي تُدافِعُ عَنهُ ، فلا يبغيه أحدٌ مِثلَ ما بغانا بِهِ قومُنا مِنَ التَّلفِ ، فَهُم مِنَ القتْلِ بِمَكانِ نجْوةٍ وأمْنٍ ، فكانَ ذلِكَ ما شاءَ اللّه ُ أن يَكُونَ . ثُمَّ أمرَ اللّه ُ تَعالى رسولَهُ بالهِجرَةِ ، وأذِنَ لَهُ بَعدَ ذلِكَ في قِتالِ المُشركِين َ ، فكان إذا احمَرّ البأسُ ، ودُعِيَتْ نَزالِ (4) أقامَ أهلَ بيتِهِ ، فاستَقدَمُوا ، فَوقَى أصحابَهُ بِهِم حَدَّ الأسنَّةِ والسُّيُوفِ ، فَقُتِلَ عُبيدَة ُ يَومَ بَدْر ٍ ، وحَمزة ُ يَومَ أُحد ٍ ، وجَعْفَر ُ وزَيْد ٌ يَومَ مُوَة ، وأراد مَن لَو شِئتُ ذَكَرتُ اسمَهُ مِثلَ الَّذي أرادوا من الشَّهادة مع النَّبيّ صلى الله عليه و آله غيرَ مَرّةٍ ، إلاَّ أنَّ آجالهم عُجِّلَت ، ومَنيَّته أُخِّرت ، واللّه ُ ولِيُّ الإحسانِ إليهِم ، والمِنَّةِ علَيهِم ، بما أسلفوا من أمر الصَّالحات ، فما سَمِعْتُ بأحَدٍ ، ولا رأيتُهُ هو أنصَحُ في طاعَةِ رَسولِهِ ، ولا لِنبيِّهِ ، ولا أصبرَ على اللأواء (5) والسَّرَّاء والضَّرَّاء وحين البأس ، ومَواطِنِ المَكْروهِ مَعَ النَّبيّ صلى الله عليه و آله من هَواءِ النَّفر الَّذِينَ سَمَّيتُ لَكَ ، وفي المهاجرين خيرٌ كثيرٌ يُعرَف ، جَزاهُمُ اللّه ُ خَيرا بأحسَنِ أعمالِهِم . وذكرتَ حسدي الخلفاءَ وإبطائي عنهم ، وبغيي عليهم ؛ فأمَّا البغيُ فمعاذَ اللّه ِ أن يَكُونَ ، وأمَّا الإبطاءُ عَنهُم والكراهِيَةُ لأمرِهِم ، فَلَستُ أعتَذِرُ إلى النَّاس مِن ذلِكَ ؛ إنَّ اللّه َ تعالى ذكره لمّا قَبَضَ نبيَّه صلى الله عليه و آله . قالت قريش : منَّا أميرٌ ، وقالت الأنصار : منَّا أميرٌ ؛ فقالت قريش : منَّا محمّد ، نحن أحقّ بالأمر ، فَعَرفَتْ ذلِكَ الأنصار ُ ، فَسَلَّمَت لَهُمُ الوِلايَةَ والسُّلطانَ ، فإذا استحقّوها بمُحَمَّد ٍ صلى الله عليه و آله دُونَ الأنصار ِ ، فإن أولى النَّاسِ بمُحَمَّد ٍ أحقُّ بِهِ مِنهُمْ ، وإلاّ فإنَّ الأنصار َ أعظمُ العرب فيها نصيبا ، فلا أدري : أصحَابي سَلِموا مِن أنْ يَكونوا حَقِّي أخَذُوا ، أو الأنصار ُ ظَلَموا ؟ بل عَرَفتُ أنَّ حَقِّي هُوَ المأخُوذُ ، وقد تركته لَهُم تجاوُزا للّه ِ عَنهم . وأمَّا ما ذكرتَ من أمرِ عُثمانَ ، وقطيعَتِي رَحِمَهُ ، وتَأليبي علَيهِ ، فإنَّ عُثمانَ عَمَلَ ما قَد بَلَغَكَ ، فصَنعَ النَّاسُ بهِ ما رأيتَ ، وإنَّكَ لَتَعلَمُ أنِّي قَد كُنتُ في عُزْلةٍ عَنهُ إلاَّ أنْ تَتَجنّى ؛ فَتَجَنَّ ما بَدا لَكَ . وأمَّا ما ذكرتَ مِن أمرِ قتلِهِ عُثمانَ ، فإنِّي نَظَرتُ في هذا الأمرِ ، وضرَبتُ أنفَهُ وعينَهُ ، فَلم أرَ دَفعَهُم إليك ولا إلى غَيرِكَ ، ولعَمرِي لَئِن لَمْ تَنزِعْ عَن غَيِّكَ وشِقاقِكَ لَتَعرِفَنَّهُم عَن قليلٍ يَطلِبونَكَ لا يُكَلِّفونَكَ أنْ تَطلُبَهم في بَرّ ولا بَحر ، ولا سهل ولا جبَل ، وقد أتاني أبوكَ حينَ وَلَّى النَّاسُ أبا بَكر ٍ ، فقال : أنت أحقُّ بِمقامِ مُحَمّد ٍ ، وَأولَى النَّاس بِهذا الأمرِ ، وأنَا زعيمٌ لَكَ بِذلِكَ علَى مَن خَالَفَ ، ابسُطْ يَدَكَ أُبايِعْكَ ؛ فلم أفعل ، وأنتَ تعلَمُ أنَّ أباكَ قَد قالَ ذلِكَ وأرادَهُ، حَتَّى كُنتُ أنا الَّذي أبَيْتُ ؛ لِقُربِ عَهدِ النَّاسِ بالكُفرِ مَخافَةَ الفُرقَةِ بَينَ أهلِ الإسلام ِ ، فأَبوكَ كانَ أعرَفُ بِحقِّي مِنكَ ، فإن تَعرِفْ مِن حَقِّي ما كانَ أبُوكَ يَعرِفُ تُصِبْ رُشدَك ، وإنْ لَمْ تَفعَل فَسيُغنِي اللّه ُ عَنكَ ، والسَّلامُ . » (6)

.


1- . معادن الحكمة : ج1 ص136 _ 148 .
2- . حولٌ مُجرَّم، وسنة مجرَّمة، أي: تامّة . (الصحاح: ج 5 ص 1885 «جرم» ).
3- . المِيرَة : الطّعام يمتارُهُ الإنسان ، وفي التهذيب : وقد مارَ عياله وأهلَهُ يميرهم ميرا . (لسان العرب: ج 5 ص 188 « مور »).
4- . أي : تنازلوا للحرب (مجمع البحرين: ج 3 ص 1774 «نزل») .
5- . اللّأْواء : الشدّة ، وضيق المعيشة (النهاية : ج 4 ص 221 «لأواء») .
6- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج15 ص76 _ 78 وراجع: عِقد الفريد: ج3 ص331، المناقب للخوارزمي: ص252 ؛ نهج البلاغة : الكتاب9 ، وقعة صفِّين : ص88 _ 91 ، بحار الأنوار : ج33 ص110 _ 113 .

ص: 284

. .

ص: 285

. .

ص: 286

وفي المناقب : ذكر قسما لم يوجد في معادن الحكمة ، قال : جاء أبو مسلم الخولاني بكتاب من عنده _ يعني معاوية _ إلى أمير المؤمنين عليه السلام يذكر فيه : وكان أنصحهم للّه خليفته ، ثُمَّ خليفة خليفته ، ثُمَّ الخليفة الثَّالث المقتول ظلما ، فَكُلَّهم حَسَدتَ ، وعلى كُلِّهم بَغيتَ . . . إلى آخر ما سيأتي ، فلمَّا وصل الخولاني وقرأ الكتاب على النَّاس قالوا : كلّنا قاتلون ، ولأفعاله منكرون ، فكان جواب أمير المؤمنين عليه السلام :« وبَعدُ ؛ أنِّي رأيتُ قد أكثرتَ في قَتَلَةِ عُثمانَ ، فادخُلْ فِيما دخَلَ فِيهِ المُسلِمون َ مِن بَيعَتِي ، ثُمَّ حاكِمِ القومَ إليَّ أحمِلْك ، وإيَّاهُم على كِتابِ اللّه ِ وَسُنَّةِ نبِيِّهِ صلى الله عليه و آله . وأمَّا تلك التي تُريدُها فإنَّها خُدعَةُ الصَّبيِّ عن اللَّبنِ ، ولعَمرِي لَئِن نَظَرتَ بِعَقلِكَ دُونَ هَواكَ لَعَلِمتَ أنِّي مِن أبرأ النَّاسِ مِن دمِ عُثمانَ ، وقَد عَلِمتَ أنَّكَ مِن أبناءِ الطُّلقاء ِ الَّذِين لا تَحِلُّ لَهُم الخِلافَةُ . » (1)

.


1- . المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص165 ، بحار الأنوار : ج32 ص570 وراجع : نهج البلاغة : الكتاب6 ، وقعة صفِّين : ص29 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص992 ، عِقد الفريد : ج3 ص330 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص114 ، تاريخ مدينة دمشق : ج59 ص128 .

ص: 287

62 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

62كتابه عليه السلام إلى معاويةروى العلاّمة المجلسي رحمه الله في البحار ، عن تاريخ ابن أعثَم الكوفي كتابا ، أظنُّ كونه جملاً مختصرة من كتابه عليه السلام إلى معاوية مع أخي خولان المتقدّم ذكره ، ولكن حيث كان معاوية الَّذي هذا الكتاب جوابه مخالف للكتاب الَّذي جاء به أخو خولان ، أحببنا ايراده هنا أوَّلاً ، ثُمَّ ايراد كتاب معاوية . نصّ كتاب أمير المؤمنين عليه السلام :« أمَّا بعدُ ؛ فإنَّه أتاني كِتابُكَ تذكر فيهِ حسدي للخُلفاء ِ وإبطائي عَليهِم ، والنَّكيرِ لأمرِهم ، فلستُ أعتَذِرُ مِن ذلِكَ إليكَ ولا إلى غَيرِكَ ، وذلِكَ أنَّه لمَّا قُبِضَ النبيُّ صلى الله عليه و آله ، واختلف الأُمَّة ، قالَت قريش ُ : مِنَّا الأميرُ ، وقالت الأنصار : بل منَّا الأميرُ ؛ فقالَت قُريشٌ : مُحمَّدٌ صلى الله عليه و آله مِنَّا ونَحنُ أحَقُّ بالأمرِ مِنكُم فسلّمت الأنصارُ لِقُريشٍ الولايةَ والسُّلطانَ ، فإنَّما تَستحِقُّها قريشٌ بِمحمَّدٍ صلى الله عليه و آله دُونَ الأنصارِ ، فَنحنُ _ أهلَ البَيت ِ _ أحقُّ بِهذا الأمرِ مِن غَيرِنا _ إلى قوله عليه السلام _ وقَدْ كانَ أبوكَ أبو سُفْيَان َ جاءَني في الوَقتِ الَّذي بايَعَ النَّاسُ فيه أبا بَكر ٍ ، فقال لِي : أنتَ أحقُّ بِهذا الأمرِ من غَيرِكَ ، وأنا يدُكَ علَى مَن خالَفَكَ ، وإن شِئتَ لأملأنَّ المَدينَة َ خَيلاً ورَجلاً على ابنِ أبي قُحافة َ ، فلَمْ أقبَلْ ذلِكَ ، واللّه ُ يعلَمُ أنَّ أباكَ قد فَعَلَ ذلِكَ ، فَكُنتُ أنا الَّذي أبَيتُ عَليهِ مَخافَةَ الفُرقَةِ بينَ أهلِ الإسلامِ ، فإنْ تَعرِفْ مِن حَقِّي ما كانَ أبوكَ يَعرِفُهُ لِي فَقَد أصبْتَ رُشدَكَ ، وإنْ أبيتَ فَها أنا قاصِدٌ إليك ، والسَّلام . » (1)

.


1- . بحار الأنوار: ج29 ص632 ح47 وراجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج15 ص76 _ 78 ، العِقد الفريد: ج3 ص331 ، المناقب للخوارزمي : ص252 ؛ وقعة صفِّين : ص88 _ 91 ، بحار الأنوار : ج33 ص110 _ 113 .

ص: 288

نصّ كتاب معاوية : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ الحسدَ عَشرَةُ أجزاء ، تِسعَةٌ مِنها فِيكَ ، وواحِدٌ منها في سائِرِ النَّاسِ ، وذلِكَ أنَّه لم تَكُن أُمورُ هذهِ الأُمَّةِ لِأحَدٍ بَعدَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله إلاّ ولَهُ قَدْ حَسَدْتَ ، وعَلَيهِ قد بَغَيتَ ، عَرَفنا ذلِكَ مِنكَ في نَظَرِكَ الشّزرِ ، وقَولِكَ الهَجْرِ ، وتَنَفُّسِكَ الصُّعداءَ ، وإبطائِكَ علَى الخُلَفاءِ ، تُقادُ إلى البَيعَةِ كَما يُقادُ الجَمَلُ الشَّارِدُ ، حَتَّى تُبايِعَ وأنت كارِهٌ ، ثُمَّ إنِّي لا أنسى فِعلَكَ بِعُثمانَ بنَ عَفَّانَ في البَرِّ والبَحرِ والجِبَالِ والرِّمالِ ، حَتَّى تَقتُلَهم أو لتَلحَقَنَّ أرواحُنا باللّه ِ . والسَّلام . (1)

.


1- . كتاب الفتوح : ج2 ص558 وراجع : بحار الأنوار : ج29 ص632 ح47 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص76 _ 78 ، العِقد الفريد : ج3 ص331 ، المناقب للخوارزمي :ص252 ؛ وقعة صفِّين : ص88 _ 91 .

ص: 289

63 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

63كتابه عليه السلام إلى معاويةمن كتاب له عليه السلام إلى معاوية جوابا عن كتاب منه :« أَمَّا بَعْدُ ، فَإنَّا كُنَّا نَحْنُ وأَنْتُمْ عَلَى مَا ذَكَرْتَ مِنَ الأُلْفَةِ والْجَمَاعَة ، فَفَرَّقَ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ أَمْسِ ، أَنَّا آمَنَّا وكَفَرْتُمْ ، والْيَوْمَ أَنَّا اسْتَقَمْنَا وفُتِنْتُمْ ، ومَا أَسْلَمَ مُسْلِمُكُمْ إلاَّ كَرْها ، وبَعْدَ أَنْ كان أَنْفُ الإِسْلامِ كُلُّهُ لِرَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله حَرْبا . وذَكَرْتَ أَنِّي قَتَلْتُ طَلْحَة َ والزُّبَيْرَ ، وشَرَّدْتُ بِعَائِشَةَ ونَزَلْتُ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ ، وذَلِكَ أَمْرٌ غِبْتَ عَنْهُ ، فَلا عَلَيْكَ ، ولا الْعُذْرُ فِيهِ إِلَيْكَ ، وذَكَرْتَ أَنَّكَ زَائِرِي فِي الْمُهَاجِرِين َ والأَنْصَارِ ، وقَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ يَوْمَ أُسِرَ أَخُوكَ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ عَجَلٌ فَاسْتَرْفِهْ (1) ، فَإِنِّي إِنْ أَزُرْكَ فَذَلِكَ جَدِيرٌ أَنْ يَكُونَ اللّه ُ إِنَّمَا بَعَثَنِي إِلَيْكَ لِلنِّقْمَةِ مِنْكَ ، وإِنْ تَزُرْنِي فَكَمَا قال أَخُو بَنِي أَسَد ٍ : مُسْتَقْبِلِينَ رِيَاحَ الصَّيْفِ تَضْرِبُهُمْبِحَاصِبٍ بَيْنَ أَغْوَارٍ وجُلْمُودِ وعِنْدِي السَّيْفُ الَّذِي أَعْضَضْتُهُ بِجَدِّكَ وخَالِكَ وأَخِيكَ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ ، وإِنَّكَ واللّه مَا عَلِمْتُ الأَغْلَفُ الْقَلْبِ ، الْمُقَارِبُ الْعَقْلِ ، والأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَكَ : إِنَّكَ رَقَيتَ سُلَّما أَطْلَعَكَ مَطْلَعَ سُوءٍ عَلَيْكَ لا لَكَ ، لأَنَّكَ نَشَدْتَ غَيْرَ ضَالَّتِكَ ، ورَعَيْتَ غَيْرَ سَائِمَتِكَ ، وطَلَبْتَ أَمْرا لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ ، ولا فِي مَعْدِنِهِ ، فَمَا أَبْعَدَ قَوْلَكَ مِنْ فِعْلِكَ ؟ وقَرِيبٌ مَا أَشْبَهْتَ مِنْ أَعْمَامٍ وأَخْوَالٍ حَمَلَتْهُمُ الشَّقَاوَةُ وتَمَنِّي الْبَاطِلِ عَلَى الْجُحُودِ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَصُرِعُوا مَصَارِعَهُمْ حَيْثُ عَلِمْتَ ، لَمْ يَدْفَعُوا عَظِيما ولَمْ يَمْنَعُوا حَرِيما ، بِوَقْعِ سُيُوفٍ مَا خَلا مِنْهَا الْوَغَى ، ولَمْ تُمَاشِهَا الْهُوَيْنَى ، وقَدْ أَكْثَرْتَ فِي قَتَلَةِ عُثْمَانَ ، فَادْخُلْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ ، ثُمَّ حَاكِمِ الْقَوْمَ إلَيَّ أَحْمِلْكَ ، وإِيَّاهُمْ عَلَى كِتَابِ اللّه تَعَالَى . وأَمَّا تِلْكَ الَّتي تُرِيدُ ، فَإِنَّهَا خُدْعَةُ الصَّبِيِّ عَنِ اللَّبَنِ فِي أَوَّلِ الْفِصَالِ ، والسَّلامُ لأَهْلِهِ . (2)

.


1- . أرفه: أقام واستراحَ كاستَرْفَهَ (تاج العروس: ج 19 ص 39 «رفه» ) .
2- . نهج البلاغة : الكتاب64 وراجع : الاحتجاج : ج1 ص263 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج17 ص250 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص103 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص418 .

ص: 290

64 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

64كتابه عليه السلام إلى معاوية« مِن عبْد اللّه علي ٍّ أميْرِ المؤمِنين َ عليه السلام إلى مُعاوِية بْن أبِي سُفْيَانَ . أمَّا بعدُ ، فإنَّ الدُّنيا دَارُ تِجارَةٍ ، ورِبْحُها أوْ خُسْرُها الآخِرَة ، فالسَّعيْدُ مَن كانَتْ بِضاعَتُه فِيها الأعْمالَ الصَالِحَةَ ، ومَن رأى الدُّنيا بعَيْنِها ، وقَدَّرَها بِقَدَرِها ، وإنِّي لأعِظُكَ معَ عِلْمِي بسابِقِ العِلْم فِيْكَ ممَّا لا مَرَدَّ لَه دُونَ نَفاذِهِ ، ولكِنَّ اللّه َ تعالى أَخَذَ علَى العُلَماء أنْ يُؤَدُّوا الأمَانَةَ ، وأنْ يَنْصَحوا الغَوِيَّ والرَّشِيد ، فاتَّق اللّه ، ولا تَكُن ممَّن لا يَرجو للّه ِ وَقارا ، ومَن حَقَّتْ علَيْه كَلِمَةُ العَذاب ، فإنَّ اللّه بالْمِرصَاد . وإنَّ دُنْياكَ سَتُدْبِر عنْك ، وسَتَعُودُ حَسْرَةً علَيْك ، فاقْلَعْ عمَّا أنْتَ علَيْه مِن الغَيِّ والضَّلال علَى كِبَر سِنِّك ، وفَنَاء عُمْرِك ، فإنَّ حالَكَ اليَوْمَ كحَالِ الثَّوْبِ المَهِيلِ الَّذِي لا يُصْلَح من جانِبٍ إلاَّ فَسَدَ من آخَر . وقد أَرْدَيْتَ جِيلاً مِنَ النَّاسِ كَثِيرا خَدَعْتَهُمْ بِغَيِّكَ ، وأَلْقَيْتَهُمْ فِي مَوْجِ بَحْرِكَ ، تَغْشَاهُمُ الظُّلُمَاتُ ، وتَتَلاطَمُ بِهِمُ الشُّبُهَاتُ ، فَجَازُوا عَنْ وِجْهَتِهِمْ ، ونَكَصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ ، وتَوَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ ، وعَوَّلُوا عَلَى أَحْسَابِهِمْ ، إلاَّ مَنْ فَاءَ مِنْ أَهْلِ الْبَصَائِرِ ، فَإِنَّهُمْ فَارَقُوكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِكَ ، وهَرَبُوا إِلَى اللّه مِنْ مُوَازَرَتِكَ ، إِذْ حَمَلْتَهُمْ عَلَى الصَّعْبِ ، وعَدَلْتَ بِهِمْ عَنِ الْقَصْدِ . فَاتَّقِ اللّه يَا مُعَاوِيَةُ فِي نَفْسِكَ ، وجَاذِبِ الشَّيْطَانَ قِيَادَك ، فَإِنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْكَ ، والآخِرَةَ قَرِيبَةٌ مِنْكَ ، والسَّلامُ » . (1)

.


1- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص133 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص240 ؛ نهج البلاغة : الكتاب32 .

ص: 291

65 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

66 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

65كتابه عليه السلام إلى معاويةمن كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا ، ولمَّا بلَغ كتاب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، كتب عليه السلام إليه مجيبا له :« أمَّا بعدُ ، فإنَّ ما أتَيْتَ بِه من ضَلالِكَ لَيْس بِبَعيد الشَّبَهِ مِمَّا أتَى بهِ أهْلُكَ وقَومُكَ الَّذِينَ حَمَلَهُم الكُفرُ ، وتَمَنِّي الأباطِيل عَلى حَسَد مُحمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، حَتَّى صُرِعوا مصارِعَهُم حَيْثُ عَلِمْتَ ، لم يَمْنَعوا حَرِيما ولَم يَدْفَعوا عظِيْما ، وأنَا صاحِبُهم في تِلكَ المواطِنِ ، الصَّالي بحَربِهم والفالُّ لِحَدِّهم ، والقاتلُ لرؤوسهم ورؤوس الضَّلالة ، والمُتْبِعُ _ إنْ شَاءَ اللّه ُ _ خَلَفَهم بِسَلَفِهم ، فبِئسَ الخَلَفُ خَلفٌ أتْبَع سَلَفا مَحَلُّه ومَحَطُّه النَّار ، والسَّلام » . (1)

66كتابه عليه السلام إلى معاوية« من عبد اللّه علي ّ أمير المؤمنين ، إلى مُعاوِيَةَ بنِ صَخر ٍ ، أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّكَ مِن كافِرٍ وُلِدتَ فَقَربتَ وأشبَهْتَ آباءَكَ وأجدادَكَ وعمَّكَ وأخاكَ وخالَكَ ، إذ حملَهُم الشَّكُّ وتَمَنِّي الأباطِيلِ بالجُحُودِ علَى نبيِّ اللّه صلى الله عليه و آله ، فصُرِعُوا مصَارِعَهُم حيثُ قَد عَلِمتَ، لَمْ يَمنَعُوا حَرِيما، ولا دَفعُوا عَظِيما، وأنا صاحِبُهُم في تِلكَ المواطِنِ ، والفالُّ لِحَدِّهِم ، والقاتِلُ لِصَناديدهِمِ صنادِيدَ الضَّلالَةِ ومُتابِعي الجَهالَةِ ، وأنت خَلفَهُم فَبِئسَ الخَلَفُ يَتْبَعُ السَّلَفَ في نارِ جَهَنَّمَ ، واللّه ُ لا يَهدِي القَومَ الظَّالِمينَ . »

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص135 .

ص: 292

67 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

[ أقول هذا جواب لكتاب من معاوية وهو : ] قال : فكتب إليه معاوية : أمَّا بعدُ ؛ فَقَدْ أبيتَ في الغَيِّ إلاَّ تَمادِيا لاِبنِ السَّودَاءِ عَمَّارِ بنِ ياسِر وأصحابِهِ ، فَقَدْ عَلِمْتَ بأنَّهُ إنَّما ( لا ) يَدعُوكَ إلى ذلِكَ إلاَّ مَصرَعُكَ وحَيْنُكَ الَّذي لابُدَّ لَكَ مِنهُ ، فإنْ كُنتَ غيرَ مُنتَهٍ فازدَدْ غَيّا ، فَطاشَ في المُطاوَلةِ حِلمُكَ ، وعَزُبَ عَنِ الحَقِّ فَهمُكَ ، وأنت راكبٌ لأسوأ الأُمُورِ ، ومُعْضِلٌ عَنِ الحَقِّ بِغَيرِ فِكرَةٍ في الدِّينِ ولا رَوِيَّةٍ ، ثُمَّ تَكونُ العاقِبَةُ لِغَيرِكَ _ والسَّلامُ _ . (1)

67كتابه عليه السلام إلى معاوية« مِن عَبدِ اللّه ِ عَلي ٍّ أميرِ المُؤمِنين َ إلى مُعاوِيَةَ بنِ صَخْر ٍ . أمَّا بَعدُ ؛ فالعَجَبُ لِما تَتَمنَّى وما يَبلُغُني عَنك َ ، وما أعرَفَني بِمَنزِلَتِكَ الَّتي أنتَ إليها كائِنٌ ، ولَيسَ إبطائِي عَنكَ إلاَّ لِوقَتٍ أنا بِهِ مُصدّقٌ وأنتَ بِهِ مُكَذّبٌ ، وكأَنِّي بِكَ وأنتَ تَعُجُّ في الحَربِ عَجِيجَ الجِمالِ بأَثقالِها ، وكَأنِّي بِكَ وأنتَ تَدعُوني يابنَ آكِلَةِ الأكبادِ جَزَعا مِنَ النِّفاقِ المُتَتابِعِ والقَضاءِ الواقِعِ ومَصارِعَ بَينَ مَصارِعَ ، إلى كِتابِ اللّه ِ ، وأنتُم بِهِ كافِرونَ ، ولِحُدودِهِ جاحِدُونَ » . [ هذا الكتاب ، جواب لكتاب من معاوية ، هذا هو : ] أمَّا بعدُ ؛ فقد طال في الغيِّ إدرَاجُكَ ، وعَنِ الحَربِ إبطاؤكَ ، وعَنِ النِّفاقِ تَقاعُسُكَ ، وعَنِ الوُقوفِ جِداتُكَ ، وتوعد وعيدَ البَطَلِ المُحامِي ، وتَروغُ رَوَغانَ الثَّعلَبِ المُواري ، ما أَعدَّكَ لِكتاب ! وأكَلَّكَ عَنِ الضِّرابِ الَّذي لا بُدَّ لكَ فِيهِ مِن لقاءِ أسبابٍ ، صادِقَةٍ نِيَّاتُهم ، شَديدَةٍ بَصائِرُهم ، يَضرِبُون عَنِ الحَقِّ مَن التَوى ، ويُوفُونَ بالعَهدِ مَنْ إليهِمْ ضَوَى ، وما أقربَ ما تَعرِفُ إنْ لَمْ يَتَدارَكُكَ اللّه ُ مِنهُ برَحمَتِهِ ، ويُخْرجُكَ مِن أثَرِ الغِوايَةِ الَّتي طالَ فيها تَجَبُّركَ ، وعَن قَريبٍ تَعرِفُ عاقِبَةَ فِعلِكَ ، وكَفى باللّه ِ علَيكَ رَقيبا _ والسَّلام . (2) [ صورة أخرى للكتاب المتقدّم، على رواية المعتزلي عن المَدائِني : ] « أمَّا بَعدُ ؛ فَما أعجَبَ ما يأتيني مِنكَ ، وما أعلَمَنِي بِما أنتَ إليهِ صائِرٌ ! وليسَ إبطائي عَنكَ إلاَّ تَرَقُّبا لِما أنتَ لَهُ مُكَذِّبٌ ، وأنا بِهِ مُصدِّقٌ ، وكَأَنِّي بِكَ غَدا وأنت تَضِجُّ مِنَ الحَربِ ضجيجَ الجمالِ مِنَ الأثقالِ ، وستَدعُوني أنتَ وأصحابُكَ إلى كِتابٍ تُعظِّمونَهُ بِألسِنَتِكُم وتجحَدُونَهُ بِقُلوبِكُم ، والسَّلامُ . » (3)

.


1- . الفتوح : ج2 ص536 .
2- . الفتوح : ج2 ص537 وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص80 .
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص134 ؛ بحار الأنوار : ج33 ص86 ح401 .

ص: 293

68 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

68كتابه عليه السلام إلى معاوية« لَيتِمَّنَّ النُّورُ علَى كُرْهِكَ ، ولَيُنْفذَنَّ العِلمُ بصَغارِك ، ولَتُجازَيَنَّ بِعَمَلِكَ ، فَعِثْ في دُنْياكَ المُنقَطِعَةِ عَنْكَ ما طَابَ لَكَ ، فكأنَّكَ بِباطِلِكَ وقَدِ انْقَضَى ، وبِعَمَلِكَ وقَدْ هَوَى ، ثُمَّ تَصِيرُ إلى لَظَى ، لَم يَظلِمْكَ اللّه ُ شَيئا ، وما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ للِعَبيدِ » . (1)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص135 .

ص: 294

69 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

70 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

69كتابه عليه السلام إلى معاويةمن كتابهِ عليه السلام إلى مُعاوِيَةَ لمّا بلَغَهُ عليه السلام كتابُ مُعاوِيةَ :« أمَّا بَعْدُ ، فإنَّ مَساوِيكَ مَعَ عِلْمِ اللّه ِ تَعالى فِيْك َ، حالَتْ بيْنَك وبَيْنَ أنْ يَصْلُحَ لَكَ أمْرُكَ ، وأنْ يَرْعَوِي قَلْبُك . يابْنَ الصَّخرِ اللَّعِينِ زَعَمْتَ أنْ يَزِنَ الجِبالَ حِلْمُكَ ، ويَفْصِلَ بيْنَ أهْلِ الشَّكِّ عِلْمُكَ ، وأنْتَ الجِلْفُ المُنافِقُ الأغْلَفُ القَلْبُ ، القَلِيلُ العَقْل ، الجَبانُ الرَّذْلُ ، فإنْ كُنْتَ صادِقا فِيما تَسْطُرُ ، ويُعِينُك علَيْهِ أخُو بَنِي سَهْمٍ ، فَدَعِ النَّاسَ جانِبا ، وتَيَسَّرْ لِما دَعَوْتَنِي إليْه من الحَرْب ، والصَّبرِ على الضَّرْبِ ، وأعْفِ الفَرِيْقَينِ من القِتالِ ، ليُعْلَمَ أيُّنا المَرينُ علَى قَلْبِه ، المُغَطَّى علَى بَصَرِهِ ، فأنَا أبُو الحَسَن ، قاتِل جَدِّكَ وأخِيْكَ وخَالِكَ ، وما أنْتَ مِنْهم ببَعِيدٍ ، والسَّلامُ » . (1)

70كتابه عليه السلام إلى معاوية« أمَّا بَعْدُ ، فطَالَ ما دَعوْتَ أنْتَ وأوْلياؤُك أوْلِياءُ الشَّيْطان ِ الحقَّ أساطِيرَ ، ونَبَذْتُمُوه وَراءَ ظُهُورِكم، وحَاوَلْتُم إطفاءَه بأفْواهِكُم، « وَيَأْبَى اللَّهُ إِلآَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ و وَلَوْ كَرِهَ الْكَ_فِرُونَ» (2) . ولَعَمْرِي لَيُنْفذَنَّ العلِمُ فيْكَ ، ولَيتِمَّنَّ النُّورُ بصِغَرِك وقَماءَتِك ، ولَتُخْسأنَّ طَرِيدا مدحورا ، أوْ قَتِيلاً مَثْبورا ، ولَتُجزَيَنَّ بعَمَلِك حَيْثُ لا ناصِرَ لَكَ ، ولا مُصَرِخَ عِنْدكَ ، وقد أسْهَبْتَ في ذِكْر عثمان ، ولَعَمْرِي ما قَتَلَه غَيْرُك ، ولا خَذَلَه سِواك ، ولقد تَرَبَّصْتَ بهِ الدَّوائِرَ ، وتَمَنَّيتَ له الأمانيَّ طَمَعا فِيما ظَهَر مِنْكَ ، ودَلَّ علَيْه فِعْلُك ، وإنِّي لأرجو أنْ أُلْحِقَكَ بِهِ على أعْظَمَ من ذَنْبهِ ، وأكْبَرَ مِن خَطِيئَتِهِ . فأنَا ابنُ عَبْدِ المُطَّلِب صاحِبُ السَّيْفِ ، وإنَّ قائمَهُ لَفِي يَدِي ، وقد عَلِمْتَ مَن قَتَلْتُ بهِ مِن صَنادِيدِ بَنِي عَبْدِ شَمْس ٍ ، وفَراعِنَةِ بَنِي سَهْم ٍ وجُمَح ، وبَنِي مَخْزُوم ، وأيْتَمْتُ أبْناءَهُم ، وأيَّمْتُ نِساءَهم ، وأُذَكِّرُك ما لَسْتَ لَه ناسِيا يوم قَتَلْتُ أخاكَ حَنْظَلَةَ ، وجَرَرْتُ بِرِجْلِهِ إلى القَلِيبِ ، وأسَرْتُ أخاكَ عَمْرا ، فجَعَلْتُ عُنُقَهُ بيْنَ ساقَيْهِ رِباطا ، وطَلَبْتُكَ فَفَرَرْتَ ولَكَ حُصاصٌ ، فلوْلا أنِّي لا أتْبَعُ فارَّا لَجَعَلْتُكَ ثالِثَهُما ، وأنا أُوْلِي لَكَ باللّه ِ أليَّةً بَرَّةً غَيْرَ فاجِرَةٍ ، لئِن جَمَعَتْني وإيَّاك جوامِعُ الأقْدار ، لأتْرُكنَّك مَثَلاً يَتَمَثَّلُ بِهِ النَّاسُ أبَدا ، ولأُجَعْجِعَنَّ بِكَ في مَناخِكَ ، حَتَّى يَحْكُمَ اللّه بَيْني وبيْنَكَ ، وهو خَيْرُ الحاكِمين . ولئِن أنْسَأَ اللّه ُ في أجَلِي قليلاً لأغْزِيَنَّكَ سَرايا المُسلِمينَ ، ولأَنْهَدَنَّ إليْك في جَحْفَلٍ مِن المهاجرين والأنصار ، ثُمَّ لا أقْبَلُ لَكَ مَعْذِرةً ولا شَفاعَةً ، ولا أُجِيبُكَ إلى طَلَبٍ وسؤالٍ ، ولَتَرجِعنَّ إلى تحَيُّرِكَ وتَرَدُّدِكَ وتَلَدُّدِكَ فَقَدْ شاهَدْتَ وأبْصَرتَ ، ورَأيْتَ سُحُبَ المَوْتِ كَيْفَ هَطَلَتْ عَلَيكَ بصَيِّبِها، حَتَّى اعْتَصَمْتَ بكتابٍ أنْتَ وأبوك أوَّلُ مَن كَفَر وكَذَّب بنُزُولِهِ ، ولَقَد كنْتُ تَفَرَّسْتُها وآذَنْتُك إنَّك فاعِلُها وقَد مَضى منها ما مَضى ، وانْقَضَى مِن كَيْدِك فيها ما انْقَضى ، وأنَا سائِرٌ نحْوَكَ علَى أثَرِ هذا الكِتاب . فاخْتَر لِنَفسِكَ وانْظر لَها ، وتَدارَكْها ، فإنَّك إنْ فَطِرْتَ واسْتَمْرَرتَ علَى غَيِّك وغُلَوائِك حَتَّى يَنْهَد إليْكَ عِبادُ اللّه ِ ، أُرْتِجَتْ عليْك الأمور ، ومُنِعْتَ أمْرا هو اليَوْمَ مِنْكَ مقْبولٌ . يا بن حَرْبٍ ، إنَّ لِجاجَكَ في مُنازَعَةِ الأمْرِ أهْلَهُ مِن سِفاهِ الرَّأي ، فلا يُطْمِعنَّك أهلُ الضَّلال ، ولا يُوبِقنَّك سَفَهُ رَأي الجُهَّالِ . فَوَ الَّذِي نَفْسُ عليٍّ بيَدِهِ لَئِن بَرَقَتْ في وَجْهك بارقَةٌ من ذِي الفَقار ، لَتُصْعَقَنَّ صَعْقَةً لا تُفِيقُ منْها حَتَّى يَنْفَخَ في الصُّور ، النَّفخةَ الَّتي يَئِستَ مِنْها « كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَ_بِ الْقُبُورِ » (3) » . (4)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص135 ، الفتوح : ج2 ص435 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص427 .
2- . التوبة :32 .
3- . الممتحنة: 13 .
4- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص83 وراجع : جمهرة رسائل العرب : ج1 ص424 .

ص: 295

. .

ص: 296

71 _ كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن عامر

71كتابه عليه السلام إلى عبْد اللّه بن عامِر« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من عبد اللّه علي ّ أمير المونين إلى عبد اللّه بن عامر : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ خير النَّاس عند اللّه عز و جل أقومُهم للّه ِ بالطاعَةِ فيما لَهُ وعلَيهِ ، وأقْولُهُم بالحَقِّ ولو كانَ مُرَّا ، فإنَّ الحَقَّ بِهِ قامَتِ السَّماواتُ والأرضُ ، ولتَكُنْ سَرِيرَتُكَ كعلانِيَتِكَ ، ولِيَكُن حُكمُكَ واحدا ، وطريقَتُكَ مُستقيمةً ؛ فإنَّ البَصرةَ مَهبِطُ الشَّيطانِ ، فلا تَفْتَحَنَّ علَى يَدِ أحَدٍ مِنهُم بَابا لا نُطِيقُ سدَّهُ نَحنُ ولا أنتَ ، والسَّلام . » (1) [ أقول : عبد اللّه بن عامر هذا، إن كان هو عبد اللّه بن عامر بن كريز ، ابن خال عثمان ، عامل عثمان على البصرة ، وقد قُتِل عثمان وهو عليها، ومن الممكن أن يكتب إليه الإمام عليه السلام بعد ذلك وقبل عزله . ولكنَّ ظاهر كلام نَصْر ، أنَّ هذا الكتاب كان بعد وقعة الجمل ، حين كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى عمَّاله ، فلقي طَلْحَة والزُّبَيْر ورجع معهما إلى البصرة فلا مجال لِأن يكتب عليه السلام إليه ، مع أنَّ مضمون الكتاب لا يناسب عبد اللّه . وإن كان عبد اللّه غيره فلم أعثر عليه ، والَّذي أظنّ أن عبد اللّه بن عامر تصحيف ، والصَّحيح عبد اللّه بن العبَّاس ، والظَّاهر أنَّه خطأ النُّسَّاخ أو سهو الرُّواة ، والصَّواب : إلى عبد اللّه بن عبَّاس ، إذ لم يولّ أميرُ المؤمنين عليه السلام عبد اللّه بن عامر ساعةً ، بل ولا آنا على البصرة ، بل عزله وجميع عمَّال عثمان .الخ . (2) ]

.


1- . وقعة صفِّين : ص106 .
2- . راجع : قاموس الرجال : ج5 والإصابة : ج2 و3 .

ص: 297

72 _ كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة

72كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفةلمَّا ظَهَر علَى القَوْم بالبَصرة ، كَتَب بالفَتح إلى أهْل الكوفة :« بِسمِ اللّه ِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ مِن عَبْدِ اللّه ِ علَي ٍّ أميْرِ الموِنين َ إلى أهْلِ الكُوفَة ِ : سَلامٌ علَيْكُم ، فإنِّي أحْمَدُ إلَيْكُمُ اللّه َ الَّذِي لا إلَهَ إلاَّ هُوَ . أمَّا بَعْدُ ، فإنَّ اللّه َ حَكَمٌ عَدْلٌ لا يُغَيِّرُ ما بقَوْمٍ حتَّى يُغَيِّرِوا ما بأنْفُسِهم ، وإذا أرادَ اللّه ُ بقَوْمٍ سُوءا فَلا مَرَدَّ لَهُ ، وما لَهُم مِن دُوْنِهِ مِن وَالٍ . أخْبِرُكُم عَنَّا وعَمَّن سِرنا إليْهِ مِن جُمُوعِ أهلِ البَصرَة ِ ، ومَن تَأَشَّبَ إليْهِم مِن قُرَيْشٍ وغَيْرِهِم مع طَلْحَة والزُّبَيْر ، ونَكثِهم صَفْقةَ أيْمانِهم ، فنَهضْتُ من المدِينة ِ حِيْنَ انْتَهَى إليَّ خَبرُ مَن سَارَ إليْها وجَماعَتِها ، وما صنعوا بعامِلي عُثمانَ بنِ حُنَيِف ٍ ، حتَّى قدمت ذا قَار ٍ ، فبَعثْتُ الحسنَ بْنَ علي ٍّ ، وعَمَّارَ بنَ ياسِر ، وقَيْسَ بنَ سَعْد ، فاسْتنْفرتُكُم بِحَقِّ اللّه ِ وحَقِّ رَسُولِهِ وَحَقِّي ، فأقْبلَ إليَّ إخوانُكُم سِراعا حتَّى قَدِموا علَيَّ ، فَسِرتُ بهم حَتَّى نَزَلتُ ظَهْرَ البَصرةِ ، فأعْذرتُ بالدُّعاء ، وقُمتُ بالحُجَّةِ ، وأقَلْتُ العَثرةَ والزِّلَّةَ مِن أهْلِ الرَّدَّةِ من قُريشٍ وغَيْرِهم ، واسْتتْبتُهُم من نَكثِهم بَيْعتِي وعَهْد اللّه عليْهم ، فأبَوْا إلاَّ قِتالي وقِتالَ مَن مَعِي ، والتَّمادي في البَغْي ، فَنَاهَضتُهم بالجهاد ، فَقَتلَ اللّه مَن قَتَلَ منْهم نَاكِثا ، ووَلَّى مَن ولَّى إلى مِصرِهِم ، وقُتِل طَلْحَة ُ والزُّبَيْرُ على نَكْثِهما وشِقاقِهِما ، وكانَتِ المرأةُ علَيْهم أشأَمَ من نَاقَةِ الحِجر ، فخُذِلُوا وأُدْبِروا وتقطّعتْ بهم الأسْباب ، فلمَّا رأوْا ما حلَّ بِهِم سَألونِي العَفوَ ، فقَبلْتُ مِنْهم ، وغَمَدتُ السَّيفَ عَنْهُم ، وأجريتُ الحقَّ والسُنَّةَ بيْنَهم ، واسْتعملْتُ عبْدَ اللّه بن العبَّاس علَى البَصرة ، وأنَا سَائِرٌ إلَى الكُوفَةِ ، إنْ شَاءَ اللّه ُ ، وقَد بعثتُ إليْكم زَحْرَ بنَ قَيْسٍ الجُعْفِي ّ ، لِتَسألوهُ فيُخْبِرَكُم عَنَّا وعنهُم ، وردَّهُم الحقَّ علَيْنا ، وردَّ اللّه ِ لَهُم وهُم كارِهونَ ، والسَّلامُ عليْكُم ورَحْمةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ » . (1)

.


1- . الإرشاد : ج1 ص258 وراجع : الجمل : ص213 .

ص: 298

73 _ كتابه عليه السلام إلى مروان

73كتابه عليه السلام إلى مروان[ جمع معاوية النَّاس . . . ] حَتَّى نزل بأوّل منزل من دمشق ، فضرب عسكره هنالِكَ لكي تتلاحق به النَّاس، وكتب مَروان إلى علي ٍّ رضى الله عنهأبياتا من الشِّعر يقول مطلعها : نسير إلى أهل العِراق وأنَّنالَنعلَمُ ما في السَّيرِ مِن شَرَفِ القَتلِ فلمَّا ورد هذا الشِّعرُ عَلى أهلِ العِراق ، عَلِمَ علي ٌّ وأصحابُه بأنَّ مُعاويِةَ فَصَلَ من دمِشقَ إلى ما قبله ، فقال للنَّجاشيّ بن الحارث : « أجب مروان على شعره هذا » ؛ فأجابه النَّجاشي وهو يقول شعرا مطلعها : نَسيرُ إليكُمْ بالقَبائِلِ والقَناوإن كانَ فيما بَينَنا شَرَفُ القَتْلِ (1)

.


1- . الفتوح : ج2 ص537 .

ص: 299

74 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

74كتابه عليه السلام إلى معاويةقال ابن قُتَيْبَة في الإمامة والسِّياسة ، بعد نقله كتاب معاوية الآتي : فأجابه علي ّ :« أمَّا بعدُ ، فَقدِّرِ الأُمورَ تَقديرَ مَن يَنظُرُ لِنَفسِهِ دُونَ جُندٍ ، ولا يشْتَغِلُ بالهَزْلِ مِن قَولِهِ ، فلعَمري لَئِنْ كانَت قُوَّتي بأَهلِ العِراقِ ، أوْثَقُ عِندي مِن قُوَّتي باللّه ِ ومَعرِفَتي بهِ ، فلَيسَ عِندَهُ باللّه ِ تَعالَى يَقينٌ مَنْ كانَ علَى هذا . فناجِ نفسَكَ مُناجاةَ مَنْ يَستَغنِي بالجِدِّ دُونَ الهَزْلِ ، فإنَّ في القَول سِعَةً ، ولَن يُعذَرَ مِثلُكَ فيما طَمَحَ إليهِ الرِّجالُ . وأمَّا ما ذَكرتَ مِن أنَّا كُنَّا وإيَّاكُم يَدا جامِعَةً ، فَكُنَّا كَما ذَكَرْتَ ، فَفرَّقُ بيننا وبَينَكُم أنَّ اللّه َ بَعَثَ رَسُولَه مِنَّا ، فآمنَّا به وكَفَرتُم . ثُمَّ زَعمْتَ أنِّي قَتلتُ طَلْحَة َ والزُّبَيْرَ ، فَذلِكَ أمرٌ غِبتَ عَنهُ ولم تَحضَرْهُ ، ولو حَضَرْتَهُ لَعِلمتَهُ ، فلا عَليكَ ، ولا العذرُ فيهِ إليكَ ، وزَعَمْتَ أنَّكَ زائرِي في المُهاجرينَ ، وقَدِ انقطَعَتِ الهِجرَةُ حينَ أُسِرَ أخوكَ ، فإنْ يكُ فِيكَ عَجَلٌ فاستَرفِه (1) ، وإنْ أزرك فجديرٌ أنْ يكونَ اللّه ُ بَعثنِي عَليكَ للنَقِمَةِ مِنكَ ، والسَّلامُ . »

[ نصّ كتاب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، والَّذي كان هذا الكتاب جوابا له : ] سلام اللّه على من اتَّبع الهُدى ، أمَّا بعدُ ، فإنَّا كنَّا نَحنُ وإيَّاكُم يَدا جامِعَةً ، وأُلفَةً أليفةً ، حَتَّى طَمعتَ يابَن أبي طالِب فتغيَّرتَ ، وأصبحت تُعِدُّ نفسَكَ قَوِيّا على مَن عادَاكَ ، بطغامِ أهلِ الحِجاز ِ ، وأوباشِ أهلِ العِراق ِ ، وحَمْقى الفُسطاطِ ، وغَوغَاءِ السَّوادِ ، وأيمُ اللّه ، لَينجَلِيَنَّ عنك حمقاها ، وليَنقَشِعَنَّ عَنكَ غَوغاوا انقشاع السحاب عن السَّماء . قتلتَ عُثمانَ بن عَفَّانَ ، ورَقَيتَ سُلَّما ، أطْلَعكَ اللّه ُ علَيهِ مَطْلعَ سُوءٍ علَيكَ لا لَكَ . وقَتَلتَ الزُّبَيْرَ وطَلْحَة َ ، وشَرَّدْتَ بأُمّكَ عائِشَةَ ، ونَزَلْتَ بَينَ المِصرَين ، فَمَنَّيتَ وتَمَنَّيْتَ ، وخُيِّل لَكَ أنَّ الدُّنيا قَدْ سُخِّرَت لَكَ بِخَيلِها ورِجلِها ، وإنَّما تَعرِفُ أُمنِيَّتَكَ لَو قَد زُرْتُكَ في المُهاجِرينَ مِن أهلِ الشَّام ِ بَقِيَّةِ الإسلامِ ، فَيُحيطُونَ بِكَ مِن وَرائِكَ ، ثُمَّ يَقضي اللّه ُ عِلْمَهُ فِيكَ ، والسَّلامُ على أولياءِ اللّه ِ . (2)

.


1- . استرفه : فعل أمر ، أي استرح ولا تستعجل .
2- . الإمامة والسياسة : ج1 ص100 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص413 الرقم 404 و405 .

ص: 300

75 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

75كتابه عليه السلام إلى معاوية« أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللّه سُبْحَانَهُ قَدْ جَعَلَ الدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا ، وابْتَلَى فِيهَا أَهْلَهَا لِيَعْلَمَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ، ولَسْنَا لِلدُّنْيَا خُلِقْنَا ، ولابِالسَّعْيِ فِيهَا أُمِرْنَا ، وإِنَّمَا وُضِعْنَا فِيهَا لِنُبْتَلَى بِهَا ، وقَدِ ابْتَلانِي اللّه ُ بِكَ وابْتَلاكَ بِي ، فَجَعَلَ أَحَدَنَا حُجَّةً عَلَى الآخَرِ ، فَعَدَوْتَ عَلَى الدُّنْيَا بِتَأْوِيلِ الْقُرْآن ِ ، فَطَلَبْتَنِي بِمَا لَمْ تَجْنِ يَدِي ولالِسَانِي ، وعَصَيْتَهُ أَنْتَ وأَهْلُ الشَّام ِ بِي ، وأَلَّبَ عَالِمُكُمْ جَاهِلَكُمْ ، وقَائِمُكُمْ قَاعِدَكُمْ ، فَاتَّقِ اللّه َ فِي نَفْسِكَ ، ونَازِعِ الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ ، واصْرِفْ إِلَى الآخِرَةِ وَجْهَكَ ، فَهِيَ طَرِيقُنَا وطَرِيقُكَ ، واحْذَرْ أَنْ يُصِيبَكَ اللّه ُ مِنْهُ بِعَاجِلِ قَارِعَةٍ تَمَسُّ الأَصْلَ وتَقْطَعُ الدَّابِرَ ، فَإِنِّي أُولِي لَكَ بِاللَّهِ أَلِيَّةً (1) غَيْرَ فَاجِرَةٍ ، لَئِنْ جَمَعَتْنِي وإِيَّاكَ جَوَامِعُ الأَقْدَارِ ، لا أَزَالُ بِبَاحَتِكَ حَتّى يَحْكُمَ اللّه ُ بَيْنَنا ، وهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ( و السَّلام ) » . (2)

.


1- . آلَى يولي إيلاءً : أقسمَ وحلف (تاج العروس: ج 19 ص 164 «ألى») .
2- . نهج البلاغة : الكتاب55 وراجع : جمهرة رسائل العرب : ج1 ص435 ، المعيار والموازنة : ص138 .

ص: 301

76 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

76كتابه عليه السلام إلى معاويةمن كتاب له عليه السلام إلى معاوية جوابا عن كتاب منه :« وأَمَّا طَلَبُكَ إِلَيَّ الشَّامَ ، فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ لأُعْطِيَك َ الْيَوْمَ مَا مَنَعْتُكَ أَمْسِ . وأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّ الْحَرْبَ قَدْ أَكَلَتِ الْعَرَب َ إلاَّ حُشَاشَاتِ أَنْفُسٍ بَقِيَتْ ، أَ لا ومَنْ أَكَلَهُ الْحَقُّ ، فَإلَى الْجَنَّة ، ومَنْ أَكَلَهُ الْبَاطِلُ فَإلَى النَّارِ . وأَمَّا اسْتِوَاونَا فِي الْحَرْبِ والرِّجَالِ ، فَلَسْتَ بِأَمْضَى علَى الشَّكِّ مِنِّي عَلَى الْيَقِينِ ، ولَيْسَ أَهْلُ الشَّام ِ بِأَحْرَصَ عَلَى الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ الْعِرَاق ِ عَلَى الآخِرَةِ . وأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّا بَنُو عَبْدِ مَنَاف ٍ فَكَذَلِكَ نَحْنُ ، ولَكِنْ لَيْسَ أُمَيَّة ُ كَهَاشِم ٍ ، ولا حَرْب ٌ كَعَبْدِ الْمُطَّلِب ِ ، ولا أَبُو سُفْيَان َ كَأَبِي طَالِب ٍ ولا الْمُهَاجِرُ كَالطَّلِيقِ ، ولا الصَّرِيحُ كَاللَّصِيقِ ، ولا الْمُحِقُّ كَالْمُبْطِلِ ، ولا الْمُومِنُ كَالْمُدْغِلِ ، ولَبِئْسَ الْخَلْفُ خَلْفٌ يَتْبَعُ سَلَفا هَوَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ ! وفِي أَيْدِينَا بَعْدُ فَضْلُ النُّبُوَّةِ الَّتي أَذْلَلْنَا بِهَا الْعَزِيزَ ، ونَعَشْنَا بِهَا الذَّلِيلَ ، ولَمَّا أَدْخَلَ اللّه الْعَرَبَ فِي دِينِهِ أَفْوَاجا ، وأَسْلَمَتْ لَهُ هَذِهِ الأُمَّةُ طَوْعا وكَرْها ، كُنْتُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الدِّينِ إِمَّا رَغْبَةً وإِمَّا رَهْبَةً ، عَلَى حِينَ فَازَ أَهْلُ السَّبْقِ بِسَبْقِهِمْ ، وذَهَبَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ بِفَضْلِهِمْ ، فَلا تَجْعَلَنَّ لِلشَّيْطَانِ فِيكَ نَصِيبا ، ولا عَلَى نَفْسكَ سَبِيلاً ، والسَّلامُ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب17 وراجع : وقعة صفِّين : ص471 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص179 ، كتاب سُلَيم بن قيس : ص193 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص123 ، المحاسن والمساوئ : ص53 ، المناقب للخوارزمي : ص179 ، الإمامة والسياسة : ص103 ، الفتوح : ج3 ص259 ، مروج الذهب :ج3 ص22 .

ص: 302

77 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

77كتابه عليه السلام إلى معاوية« أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ آنَ لَك أَنْ تَنْتَفِعَ بِاللَّمْحِ الْبَاصِرِ مِن عِيَانِ الأُمُورِ ، فَقَدْ سَلَكْتَ مَدَارِجَ أَسْلافِك بِادِّعَائِك الأَبَاطِيلَ ، واقْتِحَامِكَ غُرُورَ الْمَيْنِ والأَكَاذِيبِ ، وبِانْتِحَالِك مَا قَدْ عَلا عَنْكَ ، وابْتِزَازِك لِمَا قَدِ اخْتُزِنَ دُونَك فِرَارا مِنَ الْحَقِّ ، وجُحُودا لِمَا هُوَ أَلْزَمُ لَك مِنْ لَحْمِك ودَمِك ، مِمَّا قَدْ وَعَاهُ سَمْعُك ، ومُلِئَ بِهِ صَدْرُك ، فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلاّ الضَّلالُ الْمُبِينُ ، وبَعْدَ الْبَيَانِ إلاّ اللَّبْسُ ؟ ! فَاحْذَرِ الشُّبْهَةَ واشْتِمَالَهَا علَى لُبْسَتِهَا ، فَإِنَّ الْفِتْنَةَ طَالَمَا أَغْدَفَتْ جَلابِيبَهَا ، وأَغْشَتِ الأَبْصَارَ ظُلْمَتُهَا ، وقَدْ أَتَانِي كِتَابٌ مِنْك ذُو أَفَانِينَ مِنَ الْقَوْلِ ضَعُفَتْ قُوَاهَا عَنِ السِّلْم ، وأسَاطِيرَ لَمْ يَحُكْهَا مِنْك عِلْمٌ ولا حِلْمٌ ، أَصْبَحْتَ مِنْهَا كَالْخَائِضِ فِي الدَّهَاسِ (1) ، والْخَابِطِ فِي الدِّيمَاسِ (2) ، وتَرَقَّيْتَ إلَى مَرْقَبَةٍ بَعِيدَةِ الْمَرَامِ ، نَازِحَةِ الأَعْلامِ ، تَقْصُرُ دُونَهَا الأَنُوقُ (3) ، ويُحَاذَى بِهَا الْعَيُّوقُ (4) ! وحَاشَ لِلَّهِ أَنْ تَلِيَ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدِي صَدْرا أَوْ وِرْدا ، أَوْ أُجْرِيَ لَك عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ عَقْدا أَوْ عَهْدا ، فَمِنَ الآنَ فَتَدَارَك نَفْسَك وانْظُرْ لَهَا ، فَإِنَّك إِنْ فَرَّطْتَ حَتَّى يَنْهَدَ إِلَيْك عِبَادُ اللّه أُرْتِجَتْ عَلَيْك الأُمُورُ ، ومُنِعْتَ أَمْرا هُوَ مِنْك الْيَوْمَ مَقْبُولٌ ، والسَّلامُ » . (5)

.


1- . الدّهاسُ والدَّهسُ: ما سهُلَ ولانَ من الأرضِ، ولم يبلغ أن يكون رملاً. (النهاية: ج 2 ص 145)
2- . ديماس، هو بالفتح والكسر: الكِنُّ، أي: كأنّه مخدَّر لم ير شمسا، وفيه: «كأنّما خرج من ديماس».
3- . أنوُف، جمع قِلَّةٍ لناقة. (النهاية: ج 5 ص 129)
4- . العَيُّوقُ: نجم أحمر مضيء في طرف المجرّة الأيمن، يتلو الثُّريا لا يتقدّمه. (لسان العرب: ج 10 ص 280)
5- . نهج البلاغة : الكتاب65 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديدد : ج18 ص27 .

ص: 303

78 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

79 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

78كتابه عليه السلام إلى معاوية« أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي عَلَى التَّرَدُّدِ فِي جَوَابِك ، والاسْتِمَاعِ إلَى كِتَابِك لَمُوَهِّنٌ رَأْيِي ، ومُخَطِّئٌ فِرَاسَتِي ، وإنَّك إِذْ تُحَاوِلُنِي الأُمُورَ ، وتُرَاجِعُنِي السُّطُورَ ، كَالْمُسْتَثْقِلِ النَّائِمِ تَكْذِبُهُ أَحْلامُهُ ، والْمُتَحَيِّرِ الْقَائِمِ يَبْهَظُهُ مَقَامُهُ ، لا يَدْرِي أَ لَهُ مَا يَأْتِي أَمْ عَلَيْهِ ، ولَسْتَ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ بِكَ شَبِيهٌ . وأُقْسِمُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَوْلا بَعْضُ الاسْتِبْقَاءِ لَوَصَلَتْ إِلَيْك مِنِّي قَوَارِعُ تَقْرَعُ الْعَظْمَ ، وتَهْلِسُ اللَّحْمَ . واعْلَمْ أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ثَبَّطَك عَنْ أَنْ تُرَاجِعَ أَحْسَنَ أُمُورِك ، وتَأْذَنَ لِمَقَالِ نَصِيحَتِك ، والسَّلامُ لأَهْلِهِ » (1)

79كتابه عليه السلام إلى معاوية« أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الدُّنْيَا مَشْغَلَةٌ عَنْ غَيْرِهَا ، ولَمْ يُصِبْ صَاحِبُهَا مِنْهَا شَيْئا ، إِلاَّ فَتَحَتْ لَهُ حِرْصا عَلَيْهَا ولَهَجا بِهَا ، ولَنْ يَسْتَغْنِيَ صَاحِبُهَا بِمَا نَالَ فِيهَا عَمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْهَا ، ومِنْ وَرَاءِ ذَلِك فِرَاقُ مَا جَمَعَ ، ونَقْضُ مَا أَبْرَمَ ، ولَو اعْتَبَرْتَ بِمَا مَضَى حَفِظْتَ مَا بَقِي ، السَّلامُ » . (2)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب73 .
2- . نهج البلاغة : الكتاب49 وراجع : وقعة صفِّين : ص110 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص227 وج17 ص15 ، الفتوح : ج3 ص323 .

ص: 304

80 _ كتابه عليه السلام إلى أهل البصرة

81 _ كتابه عليه السلام إلى عمرو بن العاص

80كتابه عليه السلام إلى أهل البصرة« وقَدْ كَانَ مِن انْتِشَارِ حَبْلِكُمْ وشِقَاقِكُمْ مَا لَمْ تَغْبَوْا عَنْهُ ، فَعَفَوْتُ عَنْ مُجْرِمِكُمْ ، ورَفَعْتُ السَّيْفَ عَنْ مُدْبِرِكُمْ ، وقَبِلْتُ مِنْ مُقْبِلِكُمْ ، فَإِنْ خَطَتْ بِكُمُ الأُمُورُ الْمُرْدِيَةُ ، وسَفَهُ الارَاءِ الْجَائِرَةِ ، إلَى مُنَابَذَتِي وخِلافِي ، فَهَا أَنَا ذَا قَدْ قَرَّبْتُ جِيَادِي ، ورَحَلْتُ رِكَابِي ، ولَئِنْ أَلْجَأْتُمُونِي إلَى الْمَسِيرِ إِلَيْكُمْ ، لأُوقِعَنَّ بِكُمْ وَقْعَةً لا يَكُونُ يَوْمُ الْجَمَل ِ إِلَيْهَا إِلاَّ كَلَعْقَةِ لاعِقٍ ، مَعَ أَنِّي عَارِفٌ لِذِي الطَّاعَةِ مِنْكُمْ فَضْلَهُ ، ولِذِي النَّصِيحَةِ حَقَّهُ ، غَيْرُ مُتَجَاوِزٍ مُتَّهَما إلَى بَرِيٍّ ، ولا نَاكِثا إلَى وَفِيٍّ » . (1)

81كتابه عليه السلام إلى عَمْرو بن العاص« فإنَّك قَدْ جَعَلْتَ دِينَك تَبَعا لدُّنيا امْرِئٍ ظَاهِرٍ غَيُّهُ، مَهْتُوك ٍ سِتْرُهُ، يَشِينُ الْكَرِيمَ بِمَجْلِسِهِ، ويُسَفِّهُ الْحَلِيمَ بِخِلْطَتِه ، فَاتَّبَعْتَ أَثَرَهُ ، وطَلَبْتَ فَضْلَهُ ، اتِّبَاعَ الْكَلْبِ لِلضِّرْغَام يَلُوذُ بِمَخَالِبِه ، ويَنْتَظِرُ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِن فَضْلِ فَرِيسَتِهِ ، فَأَذْهَبْتَ دُنْيَاك وآخِرَتَك ولَوْ بِالْحَقِّ أَخَذْتَ أَدْرَكْتَ مَا طَلَبْتَ ، فإنْ يُمَكِّنِّي اللّه منْك ومِنِ ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَجْزِكُمَا بِمَا قَدَّمْتُمَا، وإِنْ تُعْجِزَا وتَبْقَيَا فَمَا أَمَامَكُمَا شَرٌّ لَكُمَا، والسَّلامُ». (2)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب29 وراجع : الغارات : ج1 ص403 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص49 ، الكامل لابن الأثير : ج3 ص182 ، تاريخ الطبري : ج9 ص63 ، أنساب الأشراف : ص412 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص575 .
2- . نهج البلاغة : الكتاب 39 وراجع : الاحتجاج: ج 1 ص 268 ، الغدير : ج 2 ص 130 ، جمهرة رسائل العرب : ج 1 ص 486.

ص: 305

82 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

82كتابه عليه السلام إلى معاويةالحسيْن بْن عبْد اللّه السَّكيني : عن أبي سعيد البَجَلِيّ ( النَّحليّ ) ، عن عبْد الملك بْن هارون ، عن أبي عبْد اللّه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام ، قال :لمَّا بلَغَ أميرَ المؤمِنِين عليه السلام أمْرُ معاوِيَةَ ، وأنَّه في مئة ألف ، قال : مِن أيِّ القوْمِ ؟ قالوا : مِن أهْل الشَّام ، قال عليه السلام : لا تَقولوا : من أهلِ الشَّامِ ، ولكن قُولُوا : مِن أهْلِ الشُّؤمِ ، هُم مِن أبْناء مُضر ، لُعِنوا على لِسانِ داوود َ ، فجَعَل اللّه ُ مِنهُمُ القِرَدَةَ والخَنازِيرَ » ، ثُمَّ كتَب عليه السلام إلى معاوية : « لا تَقْتُلِ النَّاسَ بَيْنِي وبَيْنَكَ ، و ( لكِن ) هَلمَّ إلى المُبارَزَةِ ، فإنْ أنَا قَتلتُكَ فإلى النَّار أنْتَ ، وتَسْتَريْحُ النَّاسُ منْكَ ومِن ضَلالَتِكَ ، وإن قَتَلتَنِي فأَنَا إلى الْجَنَّة ، ويُغْمدُ عَنْك السَّيفُ الَّذِي لا يَسعنِي غَمدَهُ حَتَّى أردَّ مَكْرَكَ وبِدعَتكَ . وأَنَا الَّذِي ذَكَر اللّه ُ اسْمَهُ في التَّوْرَاةِ والإنْجِيلِ بِمُوازَنَةِ رَسُوُلِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وأنَا أوَّلُ مَن بايَعَ رَسوُلَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله تَحْتَ الشَّجَرَةِ فِي قولِهِ : « لَّقَدْ رَضِىَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ » (1) » . (2)

.


1- . الفتح :18 .
2- . تفسير القمّى¨ : ج2 ص268 وراجع : الاحتجاج : ص269 ، وقعة صفِّين : ص132 ، بحار الأنوار : ج33 ص133 ؛ المحاسن والمساوي للبيهقي : ص52 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج3 ص188 ، مروج الذهب : ج3 ص21 ، أنساب الأشراف : ج2 ص398 .

ص: 306

83 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

83كتابه عليه السلام إلى معاوية« فَأَرَادَ قَوْمُنَا قَتْلَ نَبِيِّنَا ، واجْتِيَاحَ أَصْلِنَا ، وهَمُّوا بِنَا الْهُمُومَ ، وفَعَلُوا بِنَا الأَفَاعِيلَ ، ومَنَعُونَا الْعَذْبَ ، وأَحْلَسُونَا الْخَوْفَ ، واضْطَرُّونَا إِلَى جَبَلٍ وَعْرٍ ، وأَوْقَدُوا لَنَا نَارَ الْحَرْبِ ، فَعَزَمَ اللّه لَنَا عَلَى الذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ ، والرَّمْيِ مِن وَرَاءِ حُرْمَتِهِ . مُومِنُنَا يَبْغِي بِذَلِك الأَجْرَ ، وكَافِرُنَا يُحَامِي عَنِ الأَصْلِ ، ومَنْ أَسْلَمَ مِن قُرَيْشٍ خِلْوٌ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِحِلْفٍ يَمْنَعُهُ ، أَوْ عَشِيرَةٍ تَقُومُ دُونَهُ ، فَهُوَ مِنَ الْقَتْلِ بِمَكَانِ أَمْنٍ . وكَانَ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله : إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وأَحْجَمَ النَّاسُ ، قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصْحَابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ والأَسِنَّةِ ، فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بن الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْر ٍ ، وقُتِلَ حَمْزَة ُ يَوْمَ أُحُد ٍ ، وقُتِلَ جَعْفَر ٌ يَوْمَ مُوتَة َ . وأَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ اسْمَهُ مِثْلَ الَّذِي أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَةِ ، ولَكِنَّ آجَالَهُمْ عُجِّلَتْ ، ومَنِيَّتَهُ أُجِّلَتْ ، فَيَا عَجَبا لِلدَّهْرِ ، إِذْ صِرْتُ يُقْرَنُ بِي مَنْ لَمْ يَسْعَ بِقَدَمِي ، ولَمْ تَكُنْ لَهُ كَسَابِقَتِي الَّتي لا يُدْلِي أَحَدٌ بِمِثْلِهَا ، إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ مَا لا أَعْرِفُهُ ، ولا أَظُنُّ اللّه يَعْرِفُهُ ، والْحَمْدُ لِلّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ . وأَمَّا مَا سَأَلْتَ مِن دَفْعِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ إِلَيْك ، فإنِّي نَظَرْتُ فِي هَذَا الأَمْرِ فَلَمْ أَرَهُ يَسَعُنِي دَفْعُهُمْ إِلَيْك ، ولا إِلَى غَيْرِك ، ولَعَمْرِي لَئِنْ لَمْ تنْزِعْ عَنْ غَيِّك وشِقَاقِك ، لَتَعْرِفَنَّهُمْ عَنْ قَلِيلٍ يَطْلُبُونَك ، لا يُكَلِّفُونَك طَلَبَهُمْ فِي بَرٍّ ولا بَحْرٍ ، ولا جَبَلٍ ولا سَهْلٍ ، إِلاَّ أَنَّهُ طَلَبٌ يَسُوؤك وِجْدَانُهُ ، وزَوْرٌ لا يَسُرُّك لُقْيَانُهُ ، والسَّلامُ لأَهْلِهِ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب9 .

ص: 307

84 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

84كتابه عليه السلام إلى معاوية« أمَّا بَعدُ ؛ فَقدْ قَرأتُ كِتابَكَ فَكَثُر ما يُعجِبُني مِمَّا خَطَّتْ فيهِ يَدُكَ ، وأطنَبتَ فيهِ مِن كَلامِكَ ، ومن البَلاءِ العَظيمِ ، والخَطبِ الجَليلِ على هذهِ الأُمَّةِ ، أن يكونَ مِثلُكَ يَتَكلّمُ ، أو يَنظُرُ في عَامَّةِ أمرِهِم ، أو خاصَّتِهِ وأنتَ مَن تَعلَمُ ، وابنُ مَن قَد عَلِمتَ ، وأنا مَنْ قَدْ عَلِمْتَ ، وابنُ مَن تَعلَمُ . وسأُجيبُكَ فيما قَد كَتبْتَ بِجَوابٍ لا أظنُّكَ تَعقِلُهُ أنتَ ، ولا وَزِيرُكَ ابنُ النَّابِغَة ِ عَمْرو ، المُوافِقُ لَكَ كَما وافَقَ شَنٌّ طَبَقة ، فإنَّهُ هُوَ الَّذي أمرَكَ بِهذا الكِتَابِ ، وزيَّنَهُ لَكَ ، أو حَضَرَكُما فيهِ إبليسُ ومَرَدَةُ أصحابِهِ _ وفي رواية أخرى : ومَرَدَةُ أبالِسَتِهِ _. وإنَّ رسول (1) صلى الله عليه و آله قَد كانَ خَبَّرني أنَّهُ رأى علَى مِنبَرِهِ إثني عَشَرَ رَجُلاً أئمَّةَ ضَلالَةٍ مِن قُريشٍ ، يَصعَدُون علَى مِنبرِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، ويَنزِلُونَ علَى صُورَةِ القُرودِ ، يَرُدُّونَ أُمَّتَهُ علَى أدبارِهِم عَن الصِّراطِ المُستقيم . اللَّهمَّ وقد خبَّرني بأسمائهم رَجُلاً رَجُلاً ، وكَم يَملِكُ كُلُّ واحِدٍ مِنهُم، واحِدٌ بَعْدَ واحِدٍ ، عَشَرَةٌ مِنهُم من بَني أُميَّة َ ، ورَجُلَينِ مِن حَيَّينِ مُختَلِفَينِ مِن قُريْشٍ ، عَلَيهِما مِثلُ أوزَارِ الأمَّةِ جَميعا إلى يَوْمِ القِيامَةِ ، ومِثلُ جَميعِ عَذابِهِم ، فليس دَمٌ يُهراقُ في غَيرِ حَقِّهِ ، ولا فَرْجٍ يُغشَى ، ولا حُكمٍ بِغَيرِ حَقٍّ ، إلاّ كانَ عَلَيهِما وُزرَهُ . وسمعته يقول : إنَّ بني أبي العاص إذا بلَغوا ثَلاثِينَ رَجُلاً جَعَلوا كِتابَ اللّه ِ دَخَلاً ، وعبادَ اللّه ِ خَوَلاً ، ومالَ اللّه ِ دُوَلاً . وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا أخي إنَّكَ لَسْتَ كَمِثلي ، إنَّ اللّه َ أمرنِي أنْ أصدَعَ بالحَقِّ . وأخبرني أنَّه يَعصِمُني مِنَ النَّاسِ ، فأمَرَني أنْ أُجاهِدَ ولَو بِنَفسي ، فقال : « فَقَ_تِلْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ » (2) وقال : « حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ » (3) ، وقَد مَكَثْتُ بِمَكَّة َ ما مَكَثْتُ لم أُؤمَر بقتالٍ ، ثُمَّ أَمَرني بالقِتالِ ، لِأ نَّهُ لا يُعرَفُ الدِّين إلاَّ بي ، ولا الشَّرايِعُ ، ولا السُّنَنُ والأحكام والحدود والحلال والحرام ، وإنَّ النّاسَ يَدَعُونَ بَعدِي ما أمرَهُم اللّه ُ بهِ ، وما أمَرَهُم فِيكَ مِن وِلايَتِكَ ، وما أظهَرتُ مِن مَحَبَّتِكَ متعمِّدين غَيرَ جاهِلينَ ، مُخالَفَةً لِما أنزَلَ اللّه ُ فِيكَ ، فإن وَجدتَ أعوانا علَيهِم فَجاهِدهُم ، فإن لم تجدْ أعوانا فاكفُفْ يَدَكَ ، واحقِنْ دَمَكَ ، فإنَّك إن نابَذتَهم قَتلُوكَ ، وإن تابَعُوكَ وأطاعُوكَ فاحمِلْهُم على الحَقِّ ، وإلاّ فادعُ النَّاسَ ، فإن استجابُوا لَكَ ووازَرُوكَ فَنابِذْهُم وجاهِدْهُم ، وإنْ لَم تَجِدْ أعوانا فاكفُفْ يَدَكَ واحقِنْ دَمَكَ . واعلَم أنَّكَ إنْ دَعَوْتَهم لم يَستَجِيبُوا لَكَ ، فَلا تَدَعَنَّ عَن أنْ تَجعَلَ الحُجَّةَ علَيهِم ، إنَّكَ يا أخي لَستَ مثلي ، إنِّي قد أَقمْتُ حُجَّتَكَ ، وأظهرتُ لَهُم ما أنزَلَ اللّه ُ فِيكَ ، وإنَّهُ لم يُعلَم أنِّي رَسولُ اللّه ِ ، وأنَّ حَقِّي وطاعَتي واجِبانِ حَتَّى أظهرتُ ذلِكَ ، وأمّا أنتَ فإنِّي كُنتُ قَد أظهَرتُ حُجَّتَكَ ، وقُمتُ بأمْرِكَ ، فإن سَكتَّ عنهم لم تأثَمْ غير أنَّه أحبُّ أن تَدعُوهُم ، وإنْ لَم يستجيبوا لَكَ ، ولَم يقبَلُوا مِنكَ، وتَظاهَرَتْ علَيكَ ظَلَمَةُ قُريشٍ فَدَعْهُم ، فإنِّي أخافُ علَيكَ إن ناهَضتَ القومَ ، ونابَذْتَهم ، وجاهَدتهم، مِن غَيرِ أنْ يَكُونَ مَعَكَ فِئَةٌ تَقْوى بِهِم أنْ يَقْتُلُوكَ ، والتَّقِيَّةُ مِن دينِ اللّه ِ ، ولا دِينَ لِمَن لا تَقِيَّةَ لَهُ . وإنَّ اللّه َ قَضَى الاختِلافَ ، والفُرقَةَ على هذهِ الأُمَّةِ ، ولَو شاءَ لَجَمَعَهُم علَى الهُدى ، ولَم يَختَلِفْ إثنانِ مِنها ، ولا مِن خَلقِهِ ، ولَم يَتَنازَعْ في شَيءٍ مِن أمرِهِ ، ولَمْ يَجْحَدِ المَفضُولُ ذا الفَضْلِ فَضلَهُ ، ولَو شاءَ عَجَّل مِنهُ النِّقمَةَ ، وكانَ مِنهُ التَّغييرُ حِينَ يُكذَّبُ الظَّالِمُ ، ويعلَمُ الحقُّ أينَ مَصِيرُهُ ، واللّه ُ جَعَلَ الدُّنيا دارَ الأعْمالِ ، وجَعَلَ الآخِرَةَ دارَ الثَّوابِ والعِقابِ ، « لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَ__واْ بِمَا عَمِلُواْ وَ يَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى » (4) ، فَقُلتُ شُكرا للّه ِ علَى نَعمائِهِ ، وصَبْرا على بَلائِهِ ، وتسلِيما ورضِىً بِقَضائِهِ . ثُمَّ قال صلى الله عليه و آله : يا أخي ، أبشِرْ فَإنَّ حَياتَكَ ومَوتَكَ مَعِي ، وأنتَ أخِي ، وأنتَ وَصيّي ، وأنتَ وَزِيري ، وأنتَ وارِثي ، وأنتَ تُقاتِلُ علَى سُنَّتِي ، وأنت مِنِّي بِمَنزِلَةِ هارُون َ مِن مُوسى ، ولَكَ بِهارُونَ أُسْوةٌ حَسَنَةٌ ، إذ استَضعَفَهُ أهلُهُ ، وتَظاهَرُوا عَليهِ ، وكادوا يَقْتُلونَهُ ، فاصبِرْ لِظُلمِ قُرَيشٍ إيَّاكَ، وتَظاهُرَهُم عَليكَ ، فإنَّها ضَغائِنُ في صُدورِ قَومٍ لَهُم أحقادُ بَدر ٍ ، وتِراتُ أُحُد ٍ . وإنَّ مُوسى أمرَ هارُونَ حِينَ استَخلَفَهُ في قومِهِ ، إن ضَلُّوا فوجَدَ أعوانا أن يجاهِدَهُم بِهِم ، فإن لم يَجِدْ أعوانا أن يَكُفَّ يَدَه ويَحْقِنَ دَمَهُ ، ولا يُفَرِّقَ بَينَهُم فافْعَل أنتَ كَذلِكَ ، إن وَجَدتَ عَلَيهِم أعوانا فَجاهِدْهُم ، وإن لَم تجِدْ أعوانا فاكفُفْ يَدَكَ ، واحقِنْ دَمَكَ ، فإنَّكَ إنْ نابَذتَهُم قَتلُوكَ . واعلَم أنَّك إن لَم تَكُفَّ يَدَك وتَحقِنَ دَمَكَ ، إذا لَم تَجِدْ أعوانا تَخَوَّفتُ عَليكَ أن يَرجِعَ النَّاسُ إلى عِبادَةِ الأصنامِ ، والجُحُودِ بأنِّي رَسُولُ اللّه ِ ، فاستَظهِرْ بالحُجَّةِ عَليهِم ، ودَعهُم لِيَهْلِكَ النَّاصبونَ لَكَ والباغُونَ علَيكَ ، ويَسْلَمَ العَامَّةُ والخَاصَّةُ ، فإذا وجَدْتَ يَوما أعوانا على إقامَةِ كتابِ اللّه ِ والسُّنَّةِ ، فَقاتِلْ علَى تأويلِ القُرآنِ ، كما قاتَلْتَ علَى تَنْزيلِهِ ، فإنَّما يَهلِكُ مِنَ الأُمَّةِ مَن نصَبَ لَكَ ، أو لِأحَدٍ من أوصيائِكَ ، وعادَى وجَحَدَ ودانَ بِخِلافِ ما أنتمُ علَيهِ . ولعَمري يا مُعاوِيَة ُ ، لو تَرَحَّمتُ علَيكَ ، وعلَى طَلْحَة َ ، والزُّبَيْرِ ، كان تَرَحُّمِي علَيكُم ، واستِغْفاري لَكُم لعنةً علَيكُم وعذابا ، وما أنت وطَلْحَة ُ والزُّبيرُ ب أعظَمَ جُرْما ، ولا أصغَرَ ذَنْبا ، ولا أهوَنَ بِدعَةً وضَلاَلةً مِنَ الَّذِينَ أسَّسا لَكَ ولِصاحِبِكَ الَّذي تَطُلبُ بِدَمِهِ ، وَوَطَّئا لَكُما ظُلمَنا أهلَ البَيت ِ ، وحَمَلاكُم علَى رِقابِنا ، قالَ اللّه ُ تبارَكَ وتعالى : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَ_بِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّ_غُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَ_ؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ » (5) ، فَنَحنُ النَّاسُ ، ونَحنُ المَحسُودونَ ، قال اللّه ُ عز و جل : « فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَ هِيمَ الْكِتَ_بَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَ_هُم مُّلْكًا عَظِيمًا » (6) ، فالمُلكُ العَظِيمُ أن جَعَلَ مِنهُم أئمَّةً ، مَن أطاعَهُم أطاعَ اللّه َ ، ومَن عصاهُم عصَى اللّه َ ، والكتاب ، والحكمة ، والنُّبوة ، فَلِمَ يُقرُّونَ بِذلِكَ في آلِ إبراهِيم َ ، وينكرونه في آل محمَّد صلى الله عليه و آله . يا معاوية ُ ، فإن تَكْفُر بِها أنتَ وصاحِبُكَ ومَن قِبلَكَ مِن طَغَامِ أهلِ الشَّامِ واليَمَن ِ والأعْرَاب ِ ، أعراب رَبِيعَة َ ومُضَر َ جفاة الأُمَّة : فقد وكّل اللّه ُ بها قوما ليسوا بها بكافرين (7) . يا مُعاوِيَة ُ إنَّ القرآن حَقٌّ ، ونُورٌ ، وهُدىً ، ورَحمَةٌ ، وشِفاءٌ للمُؤمِنينَ ، والَّذِينَ لا يُؤمِنونَ في آذانِهِم وَقر، وهوَ عَلَيهِم عمى (8) . يا مُعاوِيَة ُ إنَّ اللّه َ لم يَدَعْ صِنفا من أصْنافِ الضَّلالَةِ والدُّعاةِ إلى النَّارِ ، إلاّ وقد رَدَّ عَلَيهِم ، واحْتَجَّ عَلَيهِم في القُرآن ِ ، ونهى عن اتِّباعِهِم ، وأنزَلَ فِيهِم قُرآنا ناطِقا ، عَلِمَهُ مَن عَلِمَهُ وجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ ، إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : ليسَ مِنَ القُرآن ِ آيَةٌ إلاّ ولَها ظَهْرٌ وبَطْنٌ ، ومَا مِن حَرْفٍ إلاّ ولَهُ تأويلٌ : « وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّ سِخُونَ فِى الْعِلْمِ » (9) . وفي رواية أخرى : « وما مِنْهُ حَرْفٌ إلاّ ولَهُ حَدٌّ مُطَّلِعٌ على ظَهْرِ القُرآن ِ وبَطنِهِ وتأويلِهِ : « وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّ سِخُونَ فِى الْعِلْمِ » ، الرَّاسخونَ في العِلْمِ ، نَحنُ آلَ مُحمَّد ٍ ، وأمرُ اللّه ِ سايِرُ الأُمَّةِ ، أن يقولُوا آمَنَّا بهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنا ، وما يَذَّكَرُ إلاّ أُولُو الألبابِ ، وأن يُسَلِّموا إليْنا ، ويَرُدُّوا الأمرَ إلينا ، وقَد قَالَ اللّه ُ : « وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ » (10) ، هم الَّذِين يَسألونَ عَنهُ ويطلُبونَهُ . ولَعَمري لو أنَّ النَّاسَ حِينَ قُبِضَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله سلَّموا لَنا ، واتّبعونا ، وقلّدُونا أُمورَهُم ، لأكلُوا من فَوقِهِم ومِنْ تَحْتِ أرجُلِهِم ، ولَما طَمِعْتَ أنتَ يا مُعاوِيَة ُ ، فَما فاتَهُم مِنَّا أكْثَرُ مِمَّا فاتَنا مِنهُم . ولقد أنزل اللّه فِيَّ وفِيكَ آياتٍ مِن سُورَةِ خاصَّةِ الأُمَّةِ يُؤَوّلونها علَى الظَّاهِرِ ، ولا يَعلَمونَ ما الباطِنُ ، وهِيَ في سُورَةِ الحَاقَّةِ : فأمَّا مَن أوتِيَ كِتابَهُ بِيَمينِهِ . . . وأمَّا مَن أوتِيَ كِتابَهُ بِشمالِهِ . . . وذلِكَ أنَّهُ يُدعى (11) بكل إمام ضلالة ، وإمام هُدى ، ومع كلِّ واحد منهما أصحابُهُ ، الَّذِين بايعوه فيُدعى بِي وبِكَ . يا مُعاوِيَة ُ ، وأنْتَ صاحِبُ السِّلسِلَةِ الَّذي يقول : « يَ__لَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَ_بِيَهْ * وَ لَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ » (12) ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يقول ذلِكَ ، وكَذلِكَ كلُّ إمامِ ضَلالَةٍ كانَ قَبْلَكَ أو يَكُونُ بَعدَكَ ، لَهُ مِثلُ ذلِكَ مِن خِزي اللّه ِ وعَذابِهِ . ونزل فيكم قولُ اللّه ِ عز و جل : « وَ مَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِى أَرَيْنَ_كَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْءَانِ » (13) ، وذلِكَ إنَّ رَسُولَ اللّه ِ رأى إثني (14) عشر إماما من أئمَّةِ الضَّلالَةِ علَى مِنبَرِهِ ، يَردُّونَ النَّاسَ علَى أدبارِهِم القَهقَرى ، رَجُلان مِن قُرَيْشٍ ، وعَشَرَةٌ مِن بَني أُمَيَّةَ ، أوَّلُ العَشَرَةِ صاحِبُكَ الَّذي تَطلُبُ بِدَمِهِ ، وأَنتَ وابنُكَ وسَبْعَةٌ مِن وُلدِ الحَكَمِ بنِ أبي العاصِ ، أوَّلُهُم مَروَان ُ ، وقد لَعَنهُ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وطَردَهُ وما وَلَدَ ، حِينَ أسمع نبيّنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله (15) . إنِّا أهلُ بَيتٍ ، اختارَ اللّه ُ لَنا الآخِرَةَ علَى الدُّنيا ، ولَم يَرْضَ لَنا الدُّنيا ثَوابا ، وقد سَمِعْتَ رَسولَ اللّه ِ ، أنتَ ووزِيرُكَ وصُوَيْحِبُكَ يقولُ : إذا بلَغ بنو أبي العاص ِ ثَلاثِينَ رَجُلاً اتَّخذوا كِتابَ اللّه ِ دَخَلاً ، وعِبادَ اللّه ِ خَوَلاً ، ومالَ اللّه ِ دُوَلاً . يا مُعاوِيَة ُ ، إنَّ نبيَّ اللّه ِ زَكَرِيَّا نُشِرَ بالمِنشارِ ، ويَحْيَى ذُبِحَ وقَتَلهُ قَومُهُ ، وهو يَدعُوهُم إلى اللّه ِ عز و جل ، وذلِكَ لِهَوانِ الدُّنيا علَى اللّه ِ ، إنَّ أولياءَ الشَّيطانِ قَدْ حارَبُوا أولياءَ الرَّحمنِ ، قال اللّه : « إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِ_ايَ_تِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ » (16) . يا مُعاوِيَة ُ ، إنَّ رسولَ اللّه ِ قد أخبرني أنَّ أمَّتَهُ سَيَخضِبُونَ لِحيَتي مِن دَمِ رَأسِي ، وأنِّي مُستَشْهَدٌ ، وسَتلِي الأُمَّةَ مِن بَعدِي ، وأنَّكَ ستَقتُلُ ابنيَ الحَسَنَ غَدْرا بالسُّمِّ ، وأنَّ ابنَكَ يَزيد َ لعنهُ اللّه سَيقتُلُ ابنِيَ الحُسين َ ، يَلِي ذلِكَ مِنهُ ابنُ زانِيَةٍ ، وأنَّ الأُمَّةَ سَيلِيها مِن بَعْدِكَ سَبعَةٌ مِن وُلدِ أبي العَاص ِ ، ووُلدِ مَروان بنِ الحَكَم ِ ، وخَمسَةٌ مِن وُلدِهِ تكمِلة إثني (17) عشرَ إماما . قَد رآهُم رَسولُ اللّه ِ يَتَواثَبونَ علَى مِنْبَرِهِ تَواثُبَ القِرَدَةِ ، يَردُّونَ أُمَّتَه عَن دينِ اللّه ِ على أدبارِهِم القَهقرى ، وأنَّهم أشدُّ النَّاسِ عَذابا يَومَ القيامَةِ ، وأنَّ اللّه َ سَيُخرِجُ الخِلافَةَ مِنهُم بِراياتٍ سُودٍ ، تُقبِلُ مِنَ المَشرِقِ يُذِلِّهُم اللّه ُ بِهِم ، ويَقتُلُهم تَحتَ كُلِّ حَجَرٍ . وأنَّ رَجُلاً مِن وُلدِكَ مَيشُومٌ ومَلعونٌ ، جِلْفٌ جافٍ ، مَنكوسُ القَلبِ ، فظٌّ غَلِيظٌ قاسٍ ، قَد نَزَعَ اللّه ُ مِن قَلبِهِ الرَّأفَةَ والرَّحمَةَ ، أخوالُهُ مِن كلبٍ . كأنِّي أنظرُ إليهِ ، ولو شِئتُ لسمَّيتُهُ ووَصفْتُهُ، وابنُ كَم هُوَ ، فَيبعَثُ جَيشا إلى المَدِينَة ِ فِيدخُلُونَها ، فَيُسرِفُونَ فيها فِي القتلِ والفَواحِشِ ، ويَهرَبُ مِنهُم رَجُلٌ من وُلدِي زكِيٌّ تَقِيٌّ الَّذي يملأ الأرضَ عَدْلاً وقِسْطا كَما مُلِئتْ ظُلْما وجَورا . وإنِّي لأعرف اسمَهُ وابنَ كَم هُو يومَئِذٍ ، وعلامَتُه ، وهُو مِن ولد ابني الحسين عليه السلام الَّذي يَقتُلُهُ ابنُكَ يَزيِد ُ ، وهُو الثَّائِرُ بِدَمِ أبيهِ فيهرَبُ إلى مَكَّة َ ، ويَقتُلُ صاحِبُ ذلِكَ الجَيشِ رَجُلاً مِن وُلدي زكِيّا بَرِيئا عِندَ أحجارِ الزَّيت ِ ، ثُمَّ يَصِيرُ ذلِكَ الجيشُ إلى مَكَّة َ ، وإنِّي لأعلَمُ اسمَ أميرِهِم ، وعُدَّتَهم ، وأسماءهم ، وسِمات خيولهم . فإذا دخلوا البيداء ، واستوت بِهِمُ الأرضُ خُسِفَ بِهِم قال اللّه عز و جل : « وَ لَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ » (18) ، قال : مِن تَحتِ أقدامِهِم ، فلا يبقى مِن ذلِكَ الجَيشُ أحدٌ غَيرُ رَجُلٍ واحِدٍ ، يَقْلِبُ اللّه ُ وجْهَهُ مِن قِبَلِ قَفاهُ ، ويبعَثُ اللّه ُ للمَهدي ّ أقواما يُجمَعُونَ مِن أطرافِ الأرضِ قَزْعٌ كَقَزْعِ الخَريفِ . واللّه ِ إنِّي لأعرِفُ أسماءهُم ، واسمَ أميرِهِم ، ومُناخَ رِكابِهِم فَيَدخُلُ المَهدِي ُّ الكَعبَة َ ، ويَبكِي ويَتضرَّعُ ، قال جلّ وعزّ : « أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الْأَرْضِ » (19) ، هذا لَنا خاصّةً أهلَ البَيت ِ . أما واللّه ِ يا مُعاوِيَة ُ ، لقد كَتبتُ إليكَ هذا الكِتابَ ، وإنِّي لأعلَمُ أنَّكَ لا تَنتَفِعُ بِهِ ، وأنَّك ستَفرَحُ إذا أخبَرتُكَ أنَّكَ سَتَلي الأمرَ وابنُكَ بَعدَكَ ، لِأنَّ الآخِرَةَ لَيستْ مِن بالِكَ ، وأنَّكَ بالآخرةِ لَمِنَ الكافِرينَ ، وسَتندَمُ كما نَدِمَ مَنْ أسّسَ هذا الأمر لَكَ ، وحَمَلَكَ علَى رِقابِنا حِينَ لَم تَنفَعْهُ النَّدامَةُ . ومِمَّا دعاني إلى الكِتابِ بِما كَتبتُ بِهِ ، إنِّي أمرْتُ كاتِبي أن يَنسَخَ ذلِكَ لِشِيعَتي وأصحابي ، لعلّ اللّه َ أن يَنفَعهُم بِذلِكَ ، أو يقرأه واحِدٌ مِن قِبَلَكَ فَخَرجَ اللّه ُ بهِ مِنَ الضَّلالَةِ إلى الهُدى ، ومِنْ ظُلْمِكَ ، وظلم أصحابِكَ ، وفِتنَتِكُم ، وأحببتُ أن أحتجّ عليك » .

.


1- . هكذا في المصدر، ويبدو أنَّ فيها سقطا، وهو لفظ الجلالة « اللّه » .
2- . النساء : 84 .
3- . الأنفال : 65 .
4- . النجم : 31 .
5- . النساء : 51 _ 54 .
6- . النساء : 54 .
7- . اقتباس من الآية « 89 » من سورة الأنعام ، ونصّها : « فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَ_ؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَ_فِرِينَ » .
8- . إشارة إلى الآية « 44 » من سورة فصّلت : « قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى وَ شِفَآءٌ وَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِى ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً » .
9- . آل عمران : 7 .
10- . النساء : 83 .
11- . في المصدر: « يدعي »، والتّصويب من كتاب سُلَيم بن قيس الهلالي .
12- . الحاقة : 25 و26 .
13- . الإسراء : 60 .
14- . في المصدر: « إثنا »، وما أثبتناه من كتاب سُلَيم بن قيس هو الصّواب .
15- . هكذا في المصدر، ولا معنى لها، وفي كتاب سُلَيم بن قيس الهلالي: « حين استمع لنساءِ رسول اللّه صلى الله عليه و آله » وهو الصواب .
16- . آل عمران : 21 .
17- . في المصدر: «تكلمة اثنا» وما أثبتناه من كتاب سُلَيم بن قيس وهو الصحيح .
18- . سبأ : 51 .
19- . النمل : 62 .

ص: 308

. .

ص: 309

. .

ص: 310

. .

ص: 311

. .

ص: 312

. .

ص: 313

. .

ص: 314

فكتب إليه معاوية : هنيئا لَكَ يا أبا الحسن تَملُّكَ الآخِرَةَ ، وهنيئا لنا تَمَلُّكَ الدُّنيا . (1) [ هذا الكتاب لا يخلو عن الاضطراب في المتن والتكرار ، كما لا يخفى على من تدبّره ] .

.


1- . بحار الأنوار : ج33 ص151 ح421 ، كتاب سُلَيم بن قيس الهلالي : ج2 ص 766 _ 776 مع اختلاف .

ص: 315

الفصل الثالث : مكاتيبه من الكوفة إلى نهاية حرب صفّين

اشاره

الفصل الثالث : مكاتيبه من الكوفة إلى نهاية حرب صفّين

.

ص: 316

. .

ص: 317

85 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

85كتابه عليه السلام إلى معاويةكتابه عليه السلام إلى معاوية لمَّا أراد المسير إلى الشَّام . قال شيخ الطَّائفة ، محمَّد بن الحسن الطُّوسي رحمه الله ، عن الشَّيخ المفيد محمَّد بن محمَّد بن النُّعْمان رحمه الله ، عن أبي عبد اللّه محمَّد بن عِمْرَان المرزباني ، عن محمَّد بن موسى ، عن هِشام ، عن أبي مِخْنَف لوط بن يَحْيَى ، قال : حدَّثنا عبد اللّه بن عاصم ، قال : حدَّثنا جُبَيْر بن نوف ، قال : لمَّا أرادَ أمير المؤمنين عليه السلام المسير إلى الشَّام ، اجتمع إليه وجوه أصحابه ، فقالوا : لو كتبت يا أمير المؤمنين إلى معاوية وأصحابه قبل مسيرنا إليهم كتابا تدعوهم إلى الحقّ ، وتأمرهم بما لهم فيه الحظّ ، كانت الحجّة تزداد عليهم قوّة . فقال أمير المؤمنين عليه السلام لعبيد اللّه بن أبي رافع كاتبه : اكتب :« بسم اللّه الرحمن الرحيم من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين ، إلى معاوية بن أبي سُفْيَان ومَن قِبَلَه من النَّاس ، سَلامٌ عليْكم . فإنِّي أحْمَدُ إليْكم اللّه الَّذِي لا إله إلاَّ هو . أمَّا بعدُ ، فإنَّ للّه ِ عِبادا آمَنوا بالتَّنْزيلِ وعَرَفوا التَّأْويلَ وفُقِّهوا في الدِّين ، وبيَّنَ اللّه ُ فضْلَهم في القُرآنِ الحَكيم ، وأنْتَ يا مُعاوِيَة ُ وأبوكَ وأهْلُكَ في ذلِكَ الزَّمانِ أعداءُ الرَّسولِ ، مُكَذِّبونَ بالكتابِ ، مُجْمِعونَ على حَرْبِ المُسلمِينَ ، مَن لَقِيتُم مِنهُم حَبَسْتُموهُ وعَذَّبتُموهُ وقَتَلْتُموهُ ، حَتَّى إذا أرادَ اللّه ُ تَعالى إعزازَ دِينِهِ وإظهارَ رسُولِهِ ، دَخَلَتِ العَرَب ُ في دِينهِ أفواجا ، وأسْلَمَتْ هذه الأمَّةُ طَوعا وكُرها ، وكُنتم مِمَّن دَخَلَ في هذا الدِّينِ إمَّا رَغَبةً ، وإمَّا رَهْبَةً ، فلَيْس يَنْبَغي لَكُم أنْ تُنازِعُوا أهلَ السَّبقِ ومَنْ فازَ بالفَضلِ ، فإنَّهُ مَن نازَعَهُ مِنكُم فبِحُوبٍ وظُلْمٍ ، فلا يَنْبغي لِمَن كانَ لَهُ قلْبٌ أنْ يَجَهَلَ قدْرَهُ ، ولا يَعْدُوَ طَوْرَهُ ، ولا يُشْقِيَ نفسَهُ بالتماس ما لَيْسَ لَهُ . إنَّ أوْلى النَّاسِ بِهذا الأمرِ قَديما وحَدِيِثا أقرَبُهُم بِرَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وأعلَمُهم بالكتابِ ، وأقدَمُهم في الدِّينِ ، وأفْضَلُهم جِهادا ، وأوَّلُهم إيمانا ، وأشدُّهُم اضْطِلاعا بما تَجْهَلُهُ الرَّعيَّةُ مِن أمْرِها ، فاتَّقوا اللّه َ الَّذِي إليهِ تُرْجَعونَ ، ولا تَلْبِسوا الحقَّ بالباطِلِ لتُدحِضوا بِهِ الحَقَّ . واعلَموا أنَّ خِيارَ عِبادِ اللّه ِ الَّذِينَ يَعمَلونَ بما يعلَمونَ ، وأنَّ شرَّهم الجُهَلاءُ الَّذين يُنازِعُونَ بالجَهلِ أهلَ العِلمِ . ألا وإنِّي أدعُوكَ إلى كتابِ اللّه ِ وَسُنَّةِ نبيِّهِ صلى الله عليه و آله ، وحَقْنِ دِماءِ هذهِ الأمَّةِ ، فإنْ قَبِلتُم أصَبْتُم رُشْدَكم ، وهُدِيتُم لِحَظِّكُم ، وإنْ أبَيْتُم إلاَّ الفُرْقَةَ وشَقَّ عَصا هذهِ الأمَّةِ ، لم تَزْدادوا مِنَ اللّه ِ إلاَّ بُعْدا ، ولَم يَزْدَدْ عَليْكُم إلاَّ سُخْطا ، والسَّلام » .

.

ص: 318

قال فكتب إليه معاوية : أمَّا بعدُ ، إنَّه : لَيْسَ بَيْني وبَيْنَ قَيْسٍ عتابُغيرُ طَعْنِ الكُلى وجَزِّ الرِّقابِ فلمَّا وقف أمير المؤمنين عليه السلام على جوابه بذلك ، قال : « إنَّكَ لا تَهدِي مَن أحْبَبْتَ ، ولكِنَّ اللّه َ يَهدي مَنْ يشاءُ إلى صِراطٍ مُستقيم » (1) . (2)

.


1- . تضمين من سورة القصص: 56.
2- . الأمالي للطوسي : ص183 ح 308 وراجع : وقعة صفِّين : ص150 بحار الأنوار : ج32 ص429 .

ص: 319

86 _ كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

86كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاسكتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاس وأهل البصرة : كتبه عليه السلام إليه لمَّا استنفر المسلمين إلى المسير إلى الشَّام لقطع يد المتمرِّدين ، وأيدي الظَّالمين : « أمَّا بَعدُ ؛ فأشخِصْ إليَّ مَنْ قِبَلَكَ مِنَ المُسلمينَ والمُوِنينَ ، وذَكِّرهُم بَلائي عِندَهُم وعَفْوِي عَنهُم ، واستبقائي لَهُم ، ورغِّبهُم في الجهادِ ، وأعْلِمهُم الَّذي لَهُم في ذَلِكَ مِنَ الفَضلِ » . [ فلمّا وصل الكتاب إلى ابن عبَّاس ، قام في النَّاس ] فقرأ عليهم كتاب عليّ عليه السلام ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثُمَّ قال : أيُّها النَّاسُ ، استَعِدُّوا للمَسيرِ إلى إمامِكُم ، وانفروا في سَبيلِ اللّه ِ خِفافا وثِقالاً ، وجاهِدُوا بأموالِكُم وأنْفُسِكُم ، فإنَّكُم تُقاتِلونَ المُحِلِّينَ القاسِطين َ ، الَّذِينَ لا يقرؤون القُرآنَ ، ولا يَعرِفونَ حُكمَ الكِتابِ ، ولا يَدِينونَ دِينَ الحَقِّ ، معَ أميرِ المُوِنينَ وابنِ عَمِّ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، الآمِرِ بالمَعرُوفِ ، والنَّاهي عَنِ المُنكَرِ ، والصَّادِعِ بالحَقِّ ، والقَيِّمِ بالهُدى ، والحاكم بِحُكمِ الكتابِ ، الَّذي لا يَرتَشي فِي الحُكمِ ، ولا يُداهِنُ الفُجَّارَ ، ولا تأخُذُهُ في اللّه ِ لَومَةُ لائِمٍ . فَقامَ الأحْنَفُ بنُ قَيْس ، فقال: نعم، واللّه لَنُجِيبَنَّكَ، ولَنَخرُجَنَّ مَعكَ علَى العُسرِ واليُسرِ، والرِّضا والكُرهِ، نَحْتَسِبُ في ذلِكَ الخَيرَ، ونَأمُلُ مِنَ اللّه ِ العظيمِ مِنَ الأجرِ. وقامَ إليهِ خالِدُ بنُ المُعَمَّرِ السَّدُوسي ، فقال : سَمِعْنا وأطَعْنا ، فَمتَى استَنفرْتَنا نَفَرْنا ، ومَتى دَعَوْتَنا أجَبنا . وقامَ إليهِ عَمْرو بنُ مَرجُومٍ العَبدِي ، فَقالَ : وَفَّقَ اللّه ُ أميرَ المُوِنينَ ، وجَمَعَ لَهُ أمرَ المُسلِمينَ ، ولَعَن المُحِلِّينَ القاسِطِين َ ، الَّذِينَ لا يقرؤونَ القُرآنَ ، نَحنُ واللّه ِ عَليهِم حَنِقونَ ، ولَهُم في اللّه ِ مُفارِقُونَ ، فَمَتى أرَدْتَنا صَحِبَكَ خَيْلُنا ورَجْلُنا . وَأجابَ النَّاسُ إلى المسيرِ ، ونَشَطُوا وخَفُّوا ، فاستعمَلَ ابنُ عبَّاس علَى البَصْرَةِ أبا الأسْوَدِ الدُّوي ، وخَرجَ حَتَّى قَدِمَ على علي ٍّ ، ومَعَهُ رُؤوسُ الأخْماس ِ : خالِدُ بنُ المُعَمَّرِ السَّدُوسي ، على بَكرِ بنِ وائل ؛ وعَمْرو بنُ مَرجُومٍ العَبدِي ، على عَبدِ القَيس ِ ؛ وصَبرةُ بنُ شَيْمانَ الأزْدِي ُّ ، علَى الأزْد ِ ؛ والأحْنَفُ بنُ قَيْس ٍ ، على تَميم وضَبَّة َ والرَّباب ِ ؛ وشُرَيكُ بنُ الأعْوَرِ الحارثي ُّ ، على أهلِ العالِيَة ِ . فَقَدِموا علَى عليٍّ عليه السلام بالنُّخَيلَة ِ . . . (1)

.


1- . وقعة صفّين :ص116 ، بحار الأنوار : ج32 ص407 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج3 ص187 نحوه وراجع : تاريخ الطبري : ج5 ص78 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص401 ، الأخبار الطوال :ص165 .

ص: 320

. .

ص: 321

87 _ كتابه عليه السلام إلى عمر بن أبي سلمة

النعمان بن العجلان

88 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

87كتابه عليه السلام إلى عمر بن أبي سَلمةمن كتاب له عليه السلام إلى عمر بن أبي سَلمة المَخْزومي ّ ، وكان عامله على البحرين ، فعزله ، واستعمل النُّعْمانَ بنَ عَجْلان الزُّرَقي ّ مكانَهُ :« أَمَّا بَعْدُ ، فَإنِّي قَدْ وَلَّيْتُ النُّعْمَانَ بْنَ عَجْلانَ الزُّرَقِي َّ عَلَى الْبَحْرَيْنِ ، ونَزَعْتُ يَدَك بِلا ذَمٍّ لَك ، ولا تَثْرِيبٍ عَلَيْكَ ، فَلَقَدْ أَحْسَنْتَ الْوِلايَةَ ، وأَدَّيْتَ الأَمَانَةَ ، فَأَقْبِلْ غَيْرَ ظَنِينٍ ، ولا مَلُومٍ ، ولا مُتَّهَمٍ ، ولا مَأْثُومٍ ، فَلَقَدْ أَرَدْتُ الْمَسِيرَ إلَى ظَلَمَةِ أَهْلِ الشَّامِ ، وأَحْبَبْتُ أَنْ تَشْهَدَ مَعِي ، فَإِنَّك مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى جِهَادِ الْعَدُوِّ ، وإِقَامَةِ عَمُودِ الدِّينِ إِنْ شَاءَ اللّه » . (1)

النُعْمانُ بنُ العَجْلانفي الإصابة عن المُبَرِّد : أنّ عليّ بن أبي طالب استعمل النُّعْمان هذا على البَحرَين ، فجعل يُعطي كلّ من جاءه من بني زُرَيْق ٍ ، فَقالَ فيهِ الشَّاعر ، وهو أبو الأسود الدُّؤلي : أرَى فِتنَةً قَدْ ألهَتِ النَّاسَ عَنكُمُفَنَدْلاً زُرَيْقُ المالَ نَدْلَ الثَّعالِبِ فإنّ ابنَ عَجْلانَ الَّذي قَدْ عَلِمتُمُيُبَدِّدُ مالَ اللّه ِ فِعْلَ المُناهِبِ (2)

88كتابه عليه السلام إلى معاويةفقالَ ابنُ الأعْثَم : وسارَ مُعاوِيةُ بِخَيلِهِ ورَجْلِهِ حَتَّى نَزلَ في صِفِّين ، في ثلاثةٍ وثمانينَ ألفا ، وذلك لأيّامٍ خلَتْ من المُحرَّمِ ، فسبَقَ إلى سُهولَةِ الأرضِ وسَعَةِ المَرعى وقُربِ الفُرات ِ فَنزَلَ هُنالِكَ ؛ ثُمَّ إنَّهُ بنى بُنيانا لَهُ ، وضُرِبَتِ القِبابُ والخِيامُ والفَساطِيطُ ، وبُنِيَتِ المَعالِفُ لِلخَيلِ ، واجتَمَعَتْ إليهِ العَساكِرُ مِن أطرافِ البلادِ فَصارَ في عِشرينَ ومئة ألفٍ ؛ ثُمَّ إنَّه كَتبَ إلى علي ٍّ رضى الله عنه بهذِهِ الأُرجُوزَةِ : لا تَحَسَبنَّ يا عَلِيُّ غَافِلاًلأُورِدَنَّ الكُوفَةَ القَبائِلا والمَشرِفيّ والقَنا الذَّوابِلامِن عامِنا هذا وعاما قابِلا فكتب إليه علي ّ رضى الله عنه بهذه الأبيات : « أصبَحْتَ مِنِّي يابَن هِنْدٍ جَاهِلالأَرْمِيَنَّ مِنْكُمُ الكَواهِلا تِسعِينَ ألفا رامِحا ونابِلايَزْدَجِرُونَ الأرضَ والسَّواهِلا بِالحَقِّ والحَقُّ يُزيِحُ البَاطِلاهذا لَكَ العامُ وزُرنِي قَابِلا » . (3)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب42 وراجع :تاريخ اليعقوبي : ج2 ص190 ؛ أنساب الأشراف : ج2 ص158 .
2- . الإصابة : ج6 ص352 الرقم 8767 .
3- . الفتوح : ج2 ص538 وراجع :وقعة صفِّين :ص136 .

ص: 322

89 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

89كتابه عليه السلام إلى معاويةفقال نصر : عَمْرو بن شمر ، عن جابر ، عن مُحَمَّد بن علي ّ وزَيْد بن حسن ، ومُحَمَّد _ يعني ابن المطَّلب _ قالوا : استعمل عليّ عليه السلام على مقدمته الأشْتَر بن الحارث النَّخَعيّ ، وسار عليّ في خمسين ومئة ألف من أهل العراق ، وقد خنَست طائفةٌ من أصحاب علي ّ ، وسار معاوية في نحو من ذلك من أهل الشَّام ، واستعمل معاوية على مقدَمته سُفْيَان بن عمرو : أبا الأعْوَر السَّلمي . فلمّا بلغ معاوية أنَّ عليَّا يتجهّز ، أمر أصحابه بالتَّهيُّو. فلمَّا استتب لعليّ أمره سار بأصحابه ، فلمَّا بلغ معاوية مسيره إليه سار بقَضِّه وقضيضه نحو عليّ عليه السلام ، واستعمل على مقدمته سُفْيَان بن عمرو ، وعلى ساقته ابن أرطاة العامري _ يعني بُسر ا _ فساروا حَتَّى توافَوا جميعا بقُناصِرين إلى جنب صفِّين . فأتى الأشْتَر صاحب مقدّمة معاوية ، وقد سبقه إلى المعسكر على الماء ، وكان الأشْتَر في أربعة آلاف من متبصِّري أهل العراق ، فأزالوا أبا الأعْوَر عن معسكره ، وأقبل معاوية في جميع الفيلق بقضّه وقضيضه ، فلما رأى ذلك الأشْتَر انحاز إلى عليّ عليه السلام ، وغلب معاوية على الماء ، وحال بين أهل العِراق وبينه ، وأقبل عليّ عليه السلام حَتَّى إذا أراد المعسكر، إذا القوم قد حالوا بينه وبين الماء . ثُمَّ رجع إلى الحديث بإسناده إلى الأوَّل . ثُمَّ إنَّ عليَّا عليه السلام طلب موضعا لعسكره ، وأمر النَّاس أن يضعوا أثقالهم _ وهم مئة ألف أو يزيدون _ فلمَّا نزلوا تسرَّع فوارسُ من فوارس عليّ على خيلهم إلى معاوية _ وكانوا في ثلاثين ومئة _ ولم ينزل بعد معاوية ، فناوشوهم القتال واقتتلوا هَوِيَّا (1) . (2) ( كتاب معاوية إلى عليّ عليه السلام : ) فقال نصر : عمر بن سعد ، عن سَعْد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : كتب معاوية إلى عليّ عليه السلام : عافانا اللّه وإيَّاك . ما أحسنَ العَدْلَ والإنصافَ مِن عَمَلٍوأقبحَ الطيشَ ثُمَّ النَّفْشَ فِي الرَّجُلِ وكتب بعده : اربِطْ حِمارَكَ لا يُنزَعْ سَوِيَّتهُإذا يُرَدُّ وقَيْدُ العَيْرِ مَكرُوبُ لَيْسَتْ تَرى السِّيدُ زَيْدا في نُفُوسِهِمُكما تَراهُ بَنو كُوزٍ ومَرْهُوبُ إنْ تَسألُوا الحَقَّ يُعطَى الحَقَّ سائِلُهُوالدِّرْعُ مُحْقَبَةٌ والسَّيْفُ مَقْرُوبُ أو تَأْنَفُونَ فَإِنَّا مَعْشَرٌ أُنُفٌلا نَطعَمُ الضَّيمَ إنَّ السُمَّ مَشرُوبُ قال : وأمر عليّ عليه السلام النَّاس ، فوُزِّعوا عن القتال ، حَتَّى تأخذ أهل المصافّ مصافّهم ، ثُمَّ قال: « أيُّها النَّاسُ ، هذا مَوقِفٌ من نَطُف فيهِ نَطُفَ يَومَ القِيامَةِ ، ومَنْ فَلَجَ فيهِ فلَجَ يَومَ القِيامَةِ » . ثم قال علي ٌّ ، لمّا نزل مُعاويةُ بصِفِّين : لَقدْ أتاكُم كاشِرا عَن نابِهِيُهَمِّطُ النَّاسَ علَى اعْتزابِهِ فلي_أتِن_ا الدَّهُ_ر بِم_ا أت_ى بِ_هِ وكتب عليّ إلى معاوية : فإنَّ لِلحرَبِ عُراما شَرَراإنَّ عَلَيها قائِدا عَشَنْزَرا يَنصِفُ مَن أجْحَر أو تَنَمَّراعلَى نَواحِيها مِزَجّا زَمْجَرا إذا ونَيْنَ ساعَةً تغَشْمَرا وقال أيضا : ألَمْ تَرَ قَومِي إذ دَعاهُمْ أَخوهُمُأجابُوا وإنْ يَغضَبْ علَى القَوْمِ يَغْضَبُوا هُمُ حَفَظُوا غَيبِي كما كُنْتُ حافِظالِقَومِيَ أُخرى مِثْلَها إذْ تَغيَّبُوا بَنو الحَرْبِ لَم يَقْعُدْ بِهِم أُمَّهاتُهُموآباوُمْ آباءُ صِدْقٍ فأَنجَبُوا . فَتراجَعَ النَّاس إلى مُعسكَرِهِم ، وذهب شبابٌ من النَّاس وغِلمانِهِم يَستَقونَ ، فمنعَهُم أهلُ الشَّام . (3)

.


1- . هوى يهوى هُوِيّا ، إذا أسرع في السّير (النهاية : ج 5 ص 284 «هوا») .
2- . وقعة صفّين : ص 156 .
3- . وقعة صفّين : ص156 ، بحار الأنوار : ج32 ص414 ح434 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص213 نحوه مع اختلاف يسير .

ص: 323

. .

ص: 324

. .

ص: 325

90 _ كتابه عليه السلام إلى زياد بن النّضر وشريح

90كتابه عليه السلام إلى زياد بن النَّضْر وشُرَيْح« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِن عَبدِ اللّه ِ عليّ أميرِ المُونين َ ، إلى زياد بنِ النَّضْر ِ وشُرَيْحِ بنِ هانئ ، سلام عليكما ، فإنّي أحمَدُ إليكُما اللّه َ الَّذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ . أمَّا بَعدُ ؛ فَإنّي قَد وَلَّيتُ مُقَدِّمتي زِيادَ بنَ النَّضْر ِ وأَمَّرتُهُ عليها ، وشُرَيْح ٌ علَى طائِفَةٍ مِنها أميرٌ ، فإنْ أنتُما جَمَعكُما بأسٌ فَزِيادُ بنُ النَّضْر ِ علَى النَّاسِ ، وإنِ افتَرقْتُما فَكُلُّ واحِدٍ مِنكُما أميرُ الطَّائِفَةِ الَّتي وَلَّيناهُ أمرَها . واعلَما ، أنَّ مُقدّمَةَ القَومِ عُيونُهُم ، وعُيونُ المُقَدِّمَةِ طَلائِعُهُم ، فإذا أنتُما خَرجتُما مِن بِلادِكُما فلا تَسأما مِن توجيهِ الطَّلائِعِ ، ومِن نَفْض الشِّعاب والشَّجر والخَمَر (1) في كُلِّ جانِبٍ ، كي لا يَغتَرَّ كُما عَدُوّ ، أو يَكونَ لَكُم كَمِينٌ . ولا تُسيِّرُنَّ الكتائِبَ والقبائِلَ مِن لَدُنِ الصَّباحِ إلى المَساءِ إلاَّ على تَعبِيَةٍ . فإنْ دهَمَكُم داهِمٌ ، أو غَشِيَكُم مَكروهٌ ، كُنْتُم قَد تَقَدَّمتُم في التَّعبِيَةِ . وإذا نَزَلتُم بِعَدُوٍّ ، أو نَزَلَ بِكُم ، فلْيَكُن مُعَسكَرُكُم في قُبُلِ الأشرافِ ، أو سِفَاحِ الجبالِ ، أو أثناءِ الأنهارِ ، كَيْما يَكُونَ ذلِكَ لَكُم رِدْءا ، وتكون مُقاتِلَتُكُم مِن وَجْهٍ واحدٍ أو اثنَينِ ، واجعَلُوا رُقَباءَكُم في صياصي الجِبالِ ، وَبِأعالي الأَشرافِ ، وَمناكِبِ (2) الهِضابِ يَروْنَ لَكُم ، لِئَلاّ يأتِيكُم عَدُوٌّ مِن مَكانِ مَخافَةٍ أو أمْنٍ . وإيَّاكُم والتَّفرُّق ، فإذا نَزَلْتُم فانزِلوا جَميعا ، وإذا رَحَلتُم فارحَلُوا جَمِيعا ، وإذا غَشِيَكُم لَيلٌ فَنَزلْتُم فَحُفُّوا عَسكَرَكُم بالرِّماحِ والأترِسَةِ ، ورماتُكُم يَلُونَ تِرسَتَكُم ورماحَكُم . وما أقمَتُم فَكذلِكَ فافعَلُوا ، كي لا تُصابَ لَكُم غَفلَةٌ ، ولا تُلفَى مِنكُم غِرَّةٌ ، فَما قومٌ حَفُّوا عَسكَرهُم بِرِماحِهِم وتِرسَتِهِم مِن ليلٍ أو نهارٍ ، إلاَّ كانُوا كأنَّهُم في حُصُونٍ . واحرِسا عَسكَركُما بأنفُسِكُما ، وإيَّاكُما أن تَذوقا نَوْما حَتَّى تُصبِحا ، إلاّ غِرارا أو مَضْمَضَةً . ثُمَّ لِيَكُنْ ذلِكَ شَأنَكُما ودأبَكُما ، حَتَّى تَنتَهِيا إلى عَدُوِّكُما . وليَكُنْ عِندي كُلَّ يومٍ خَبَرُكُما ، ورسولٌ مِن قِبَلِكُما ، فإنّي _ ولا شَيءَ إلاَّ ما شاءَ اللّه ُ _ حَثِيثُ السَّيرِ في آثارِكُما ، علَيكُما في حَربِكُما بالتَّودَةِ ، وإيَّاكُم والعَجَلَةِ ، إلاَّ أن تُمكِنَكُم فُرْصَةٌ بَعدَ الإعذارِ والحُجَّةِ . وإيَّاكُما أن تُقاتِلا حَتَّى أقدِمَ عَليكُما ، إلاَّ أن تُبدَءآ ، أو يأتِيَكُما أمري إن شاءَ اللّه ُ ، والسَّلامُ » . (3) قال نصر : عمر بن سَعْد ، حدَّثني يزيدُ بنُ خالِد بنُ قَطَن : أنَّ عليَّا حين أراد المسير إلى النُّخيلة دعا زيادَ بن النَّضْر ، وشُرَيْحَ بنَ هانِئ _ وكانا على مَذْحِج والأشْعَرِيين _ قال : « يا زيادُ ، اتَّقِ اللّه َ في كُلِّ مُمْسىً ومُصْبَحٍ ، وخَف ِْ علَى نفسِكَ الدُّنيا الغَرُورَ ، ولا تأمَنْها علَى حالٍ مِنَ البلاءِ ، واعلَم أنَّكَ إن لم تَزَعْ نَفسَكَ عَن كَثيرٍ مِمَّا يُحَبُّ مَخافَةَ مكروهةِ ، سَمَتْ بِكَ الأهواءُ إلى كَثيرٍ من الضُّرِّ . فَكُن لِنَفْسِكَ مانِعا وازِعا مِنَ البغْيِ والظُّلْمِ والعُدوانِ ؛ فَإنِّي قَدْ ولَّيتُكَ هذا الجُندَ ، فلا تَستَطِيلَنَّ عَلَيهِم ، وإنَّ خَيرَكُم عِندَ اللّه ِ أتقاكُم . وتُعلَّم من عالِمِهِم ، وعَلِّم جاهِلَهُم ، واحلُم عَن سَفيهِهِم ، فإنَّك إنَّما تُدرِكُ الخَيرَ بالحِلمِ ، وكُفَّ الأذى والجَهلِ » .

.


1- . النفيضة : الجماعة يبعثون في الأرض متجسّسين ، لينظروا هل فيها عدوّ أو خوف (تاج العروس: ج 10 ص 167 «نفض») . والشعاب : جمع شعبة ، وهو ما انشعب من التلعة والوادي ، أي عدل عنه وأخذ في طريق غير طريقه (تاج العروس: ج 2 ص 117 «شعب») . والخَمَر _ بالتحريك _ : كلّ ما سترك من شجرٍ أو بناءٍ أو غيره (النهاية: ج 2 ص 77 «خمر») .
2- . المَنكِب من الأرض : الموضع المرتفع (تاج العروس : ج 2 ص 453 «نكب» ) .
3- . وقعة صفّين :ص123 ، نهج البلاغة : الكتاب11 وفيه من قوله : « وإذا نزلتم بعدوّ » إلى « أو مضمضة » ، تحف العقول : ص191 وفيه من قوله : « اعلم أنّ مقدّمة القوم . . . » ، بحار الأنوار :ج32 ص410 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص192 ، الأخبار الطوال : ص166 كلاهما نحوه .

ص: 326

. .

ص: 327

فقال زياد : أوصيت يا أمير المونين حافظا لوصيَّتك ، مؤدّبا بأدبِك ، يرى الرُشد في نفاذ أمرك ، والغيَّ في تضييع عهدك . فأمرهما أن يأخذا في طريق واحد ولا يختلفا ، وبعثهما في اثني عشر ألفا على مقدِّمته شُرَيْح بن هانئ على طائفة من الجند ، وزياد على جماعة . فأخذ شُرَيْح يعتزل بمن معه من أصحابه على حِدَةٍ ، ولا يقرب زياد بن النَّضْر ، فكتب زياد ( إلى عليّ عليه السلام ) مع غلام له أو مولىً يقال له شَوذَب : « لِعبدِ اللّه ِ عليٍّ أمير المونين من زياد بن النَّضْر ، سلام عليك ، فإنِّي أحمَدُ إليكَ اللّه َ الَّذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ . أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّك وَلَّيتَنِي أمرَ النَّاسِ ، وإنَّ شُرَيْحا لا يَرى لِي علَيهِ طاعَةً ولا حَقّا ، وذلِكَ مِن فِعلِهِ بي استخفافٌ بأمرِكَ ، وتَرْكٌ لِعَهْدِكَ ، والسَّلام » . وكتب شُرَيْح بن هانئ : سلام عليك ، فإنِّي أحمَدُ إليكَ اللّه َ الَّذي لا إله إلاَّ هُوَ . أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّ زياد بن النَّضْر حِينَ أشرَكتَهُ في أمْرِكَ ، ووَلَّيتَهُ جُنْدا مِن جُنُودِكَ ، تَنَكَّرَ واستكبَرَ ومالَ بِهِ العُجْبُ والخُيَلاءُ والزَّهُو إلى ما لا يَرضاهُ الرَّبُّ تبارَكَ وتَعالى مِنَ القَوْلِ والفِعْلِ ، فإنْ رأى أميرُ المُوِنين َ أن يعزِلَهُ عَنّا ، ويبعث مكانَهُ مَن يُحِبُّ فَلْيَفعَل ، فإنَّا لَهُ كارِهونَ ، والسّلامُ . [ فكتب أمير المؤمنين عليه السلام إليهما هذا الكتاب ] . (1)

.


1- . . وقعة صفّين :ص121 ، تحف العقول :ص191 ، نهج البلاغة : الكتاب 56 كلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ج 32 ص410 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص191 .

ص: 328

زياد بن النّضر الحارثي

زياد بن النَّضْر الحارثيله إدراك (1) ، [ من عيون أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته المخلصين ، وأعوانه على اقامة الدِّين ، وحسم مادّة المنافقين ، وإخماد نار الفاسقين ، ومن الملبِّين لدعوته ، والمسرعين إلى دعوته ، له خطوات راسية ، وأعمال زاكية في الحكومة العلويّة الحقّة ، وهو من الَّذِين غضبوا للّه حين عصي في أرضه ، وقد ضرب الجور سرادقه ، لمّا عمّ ظلم عثمان وعمّاله وشمل البلاد الإسلاميّة ، وتحرّك للناس للأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ، وخرجوا على عثمان ، وقصدوا المدينة المنوّرة ، ]خرج من الكوفة جمع منهم زياد بن النَّضْر الحارثي . (2) [ ولمّا شاور أمير المؤمنين عليه السلام في أمر القاسطين _ مُعاويةَ وأهلِ الشَّام _ بعد فتح البصرة ، والقفول إلى الكوفة ، فتكَلّم يَزيد بن قَيْس ، وأشار بالحرب وعدم التَّأخير والتَّأني في ذلك ] فقال زياد بن النَّضْر : لقد نصح لكَ يا أميرَ المونينَ يَزيدُ بنُ قَيْس ٍ ، وقالَ ما يَعرِفُ ، فَتَوكَّل علَى اللّه ِ وثِقْ بهِ ، واشخَصْ بِنا إلى هذا العَدُوِّ راشدا مُعانا ، فإن يُرِدِ اللّه ُ بِهِم خَيْرا لا يَدعُوكَ رَغْبةً عَنكَ إلى مَنْ لَيسَ مِثلَكَ في السَّابِقَةِ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله / ، والقِدَمِ في الإسلامِ ، والقَرابةِ مِن مُحمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وإلاَّ يُنيبوا ويَقْبَلُوا ويأبَوا إلاَّ حَرْبَنا نجدْ حَرْبَهم علَينا هيِّنا ، ورَجَوْنا أن يَصرَعَهُمُ اللّه ُ مَصارِعَ إخوانِهم بالأمسِ . (3) و[ عن ] نَصْر ، عن أبي رَوْق قال : قال زياد بن النَّضْر الحارثيّ لعبد اللّه بن بُدَيْل بن وَرْقاء : إنَّ يومَنا ويَوْمَهُم لَيومٌ عَصِيبٌ ، ما يَصبِرُ عَلَيهِ إلاَّ كلُّ مُشيَّعِ القَلبِ (4) ، صادق النِّيَّةِ ، رابِطُ الجَأْشِ . وأيمُ اللّه ِ ما أَظُنُّ ذلِكَ اليومَ يبقى مِنّا ومِنهُم إلاَّ الرُّذَال . قال عبد اللّه بن بُدَيْل : واللّه ِ أظُنُّ ذلِكَ . فقال علي ٌّ : لِيَكُنْ هذا الكَلامُ مَخْزونا في صُدُورِكُما ، لا تُظهِراهُ ولا يَسمَعْهُ مِنكُما سامِعٌ . إنَّ اللّه َ كَتبَ القَتلَ علَى قَوْمٍ ، والمَوتَ علَى آخَرِينَ ، وكُلٌّ آتِيهِ مَنِيَّتُهُ كما كَتَبَ اللّه ُ لَهُ فَطُوبى . لِلمُجاهِدِينَ في سَبيلِ اللّه ِ ، والمَقتُولِينَ في طاعَتِهِ . (5) فلمّا عزم عليه السلام على الميسر جعل زياد ا على مقدمته في ثمانية الآف ، وأوصاه بما تقدَّم . (6) [ وفي أيَّام صفِّين ] كرهوا أن يلقوا جمع أهل العِراق بجمع أهل الشَّام ، لما خافوا ، الا يكون فيه من الاستئصال والهلاك ، فكان عليّ عليه السلام يُخرجُ مرَّة الأشْتَر ، ومرَّة حُجْر بن عَدِيّ الكِنْديّ ، ومرَّة شَبَث بنَ رِبْعِيّ . . . ومرَّة زيادَ بنَ النَّضْرِ الحارثي ، . . . وكان الأشْتَر أكثرهم خروجا . (7) وكان زياد من هؤلاء الرُّؤساء الشُّجعان . [ إلى أن حان أوانُ اعتزال الخوارج ] فقالت الخوارج : استبقتم أنتم وأهلُ الشَّام إلى الكفر كفَرَسَي رِهان . بايع أهل الشَّام معاوية على ما أحبّوا وكرهوا ، وبايعتم أنتم عليّا ، على أنَّكم أولياء من والى ، وأعداء مَن عادى ، فقال لهم زياد : واللّه ما بسط عليّ يده فبايعناه قطّ ، إلاَّ على كتاب اللّه وسُنَّة نبيِّهِ صلى الله عليه و آله وسلم ، ولكنَّكم لمَّا خالفتموهُ جاءتهُ شِيعَتهُ ، فقالوا : نَحنُ أولياءُ مَنْ وَالَيتَ ، وأعداءُ مَنْ عادَيتَ ، ونَحنُ كذالِكَ وهُو علَى الحَقِّ والهدى ، ومَن خالَفَهُ ضَالّ مُضِلٌّ . (8) [ شهد زياد بن النَّضْر مقتل رُشَيْد الهَجَريّ ] قال إبراهيم : وحدَّثني إبراهيم بن العبَّاس النَّهْديّ ، حدَّثني مبارك البَجَلِيّ عن أبي بَكر بن عَيَّاش ، قال : حدَّثني المُجالِدُ عن الشَّعْبيّ عن زياد بن النَّضْر الحارثيّ ، قال : كنت عند زياد ، وقد أُتِيَ برُشَيْد الهَجَريّ _ وكان من خواصّ أصحاب عليّ عليه السلام _ فقال له زياد : ما قَالَ خَلِيلُكَ لَكَ إنَّا فاعِلونَ بِكَ ؟ قال : تَقطَعونَ يَدِي ورِجْلي وتَصلِبُونَني ، فقال زياد : أما واللّه ِ لَأُكَذِبَنَّ حَدِيثَهُ ، خلّوا سبيله ، فلمَّا أراد أن يخرج قال : رُدُّوهُ لا نَجِدُ شَيئا أصلَحَ مِمّا قالَ لَكَ صاحِبُكَ ، إنَّكَ لا تَزالُ تَبغي لَنا سُوءا إنْ بقيت ، اقطعوا يَدَيهِ ورِجلَيهِ ، فَقطَعُوا يَدَيهِ ورِجْلَيهِ وهُوَ يَتكَلَّمُ ، فقال : اصلبوه خنقا في عنقه ، فقال رُشَيْد : قد بَقِيَ لي عندَكُم شَيءٌ ما أراكُم فَعَلتُموهُ ، فَقالَ زياد : اقطعوا لِسانَهُ ، فلمَّا أخرجوا لِسانَهُ لِيقطَعَ ، قال : نفّسوا عنّي أتكلَّم كلمةً واحدة ، فنفَّسوا عنه ، فقال : هذا واللّه ِ تَصدِيقُ خَبَرِ أميرِ المُوِنينَ ، أخبَرني بِقَطعِ لِسانِي ، فَقَطَعُوا لِسانَهُ وصلَبوهُ . (9)

.


1- . الإصابة : ج2 ص530 الرقم2999 ؛ الغدير : ج9 ص259 .
2- . تاريخ الطبري : ج4 ص349 ، الكامل في التاريخ :ج2 ص280 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص140 .
3- . وقعة صفّين :ص101 وراجع : المعيار والموازنة : ص128 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص180 .
4- . المُشيَّع: الشُّجاع، لأنّ قلبه لا يخذله كأنّه يُشيِّعهُ، أو كأنّه يُشيَّع بغيرهِ . ( النهاية: ج 2 ص 520 « شيع » ) .
5- . وقعة وصفّين : ص111 ، بحار الأنوار : ج32 ص403 راجع :شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص183 .
6- . الكامل في التاريخ : ج2 ص362 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص191 ؛ وقعة وصفّين : ص121 .
7- . الكامل في التاريخ : ج2 ص366 ، تاريخ الطبري : ج4 ص574 ؛ وقعة وصفّين : ص195 كلاهما نحوه .
8- . تاريخ الطبري : ج5 ص64 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص392 ، المعيار والموازنة :ص194 .
9- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص294 ؛ الغارات : ج2 ص799 ، بحار الأنوار :ج41 ص346 ، الإرشاد : ج1 ص325 ، إعلام الورى : ج1 ص343 كلاهما نحوه .

ص: 329

. .

ص: 330

شريح بن هانئ بن يزيد الحارث بن كعب

شُرَيْح بن هانئ بن يزيد الحارث بن كَعْبأدرك النَّبي صلى الله عليه و آله ودعا له . . .وكان من أعيان أصحاب علي ٍّ ، وشهد معه حروبه ، وشهد الحَكَمينِ بِدَومةِ الجندل ِ ، وبقي دهرا طويلاً ، وسار إلى سجستان َ غازيا ، فَقُتل بها سَنَةَ ثمانٍ وسَبعِينَ ، (1) وكان من أُمراءِ عليٍّ عليه السلام في وَقعَةِ الجَمَل ِ . (2) [ فقال أبو عمر ، وكان من أجلّة أصحابِ عَلي ٍّ : لمّا كتبَ أميرُ المؤمِنينَ عليه السلام إلى الكُوفَة ِ ، يَستَنفِرُهُم إلى حَربِ الجَمَل ِ ، وقرأ الكِتابَ على النَّاس ، قام خطباء الكوفة ، شُرَيْحُ بنُ هانى ء وغيره فقالوا : ] واللّه لقد أردنا أن نركب إلى المدينة حَتَّى نعلم علم عثمان ، فقد أنبأنا اللّه به في بيوتنا ، ثُمَّ بذلوا السَّمع والطَّاعة ، وقالوا : رضينا بأمير المؤمنين ، ونطيع أمره ولا نتخلّف عن دعوته ، واللّه لو لم يستنصرنا لنصرناه سمعا وطاعةً . (3) ولمّا عزم أمير المؤمنين عليه السلام على المسير إلى صفِّين ، جعله على مُقَدمَتِهِ في أربعة الآف ، (4) [ ووصّى بما تقدم عن نهج البلاغة ؛ وله في حرب صفِّين مقام سام ، لا ينسى ولا يخفى على من راجع ] . قال : ابن قُتَيْبَة : وذكروا أنَّ عليَّا استشارَ النَّاس _ فأشاروا عليه بالمُقامِ بالكوفة عامَهُ ذلِكَ ، غير الأشْتَر النَّخَعيّ ، وعَدِيّ بن حاتم ، وشُرَيْح بن هانى ء ، فإنَّهم قاموا إلى علي ّ ، فتكلَّموا بلِسانٍ واحِدٍ ، فَقَالُوا : إنَّ الَّذِينَ أشارُوا علَيكَ بالمُقامِ ، إنَّما خَوَّفُوكَ بِحَربِ الشَّام ِ ، وليس في حَربِهِم شيءٌ أخوفُ مِنَ المَوتِ ونحن نريده . فقال لهم: « انَّ استعدادي لحرب أهل الشَّام ، وجَرِير عندهم إغلاق للشام ... » . (5) لمّا انتهى الأمر في صفِّين إلى الموادعة ، وحكم الحكمين ، بعث عليّ عليه السلام أربعمئة رجل إلى دومة الجندل ، وعليهم شُرَيْح بن هانئ الحارثي ، وبعث عبد اللّه بن عبَّاس يصلّي بهم ويلي أمورهم . (6) نصر : وفي حديث مُحَمَّد بن عبيداللّه عن الجرجاني قال : لمّا أراد أبو موسى المسير، قام شُرَيْح فأخذ بيد أبي موسى ، فقال : يا أبا موسى ، إنَّك قد نصبت لأمر عظيم لا يُجبرُ صدْعه ، ولا يُستقَالُ فتْقه ، ومهما تَقُلْ شيئا لَكَ أو علَيْكَ يثبتْ حقّه ، ويُرَ صحَّته ، وإنْ كان باطلاً ، وإنَّه لا بقاء لأهل العِراق إنْ مَلَكها معاوية ، ولا بأس على أهل الشَّام إنْ مَلَكها عليّ . وقد كانت منك تثبيطةٌ أيّامَ قَدِمتَ الكُوفَة َ ، فإن تَشَفعْها بمثلها يكن الظَّنُّ بك يقينا ، والرَّجاء منك يأسا . وقال شُرَيْح في ذلك : أبا مُوسى رُمِيتَ بِشَرِّ خَصْمٍفَلا تُضِعِ العِراقَ فَدَتْكَ نَفسِي وأعْطِ الحَقَّ شامَهُمُ وخُذْهُفَإنَّ اليومَ في مَهَلٍ كَأَمْسِ وإنَّ غدا يَجِيءُ بِما علَيهِيَدورُ الأمرُ مِنْ سَعْدٍ وَنَحْسِ ولا يَخدَعْكَ عَمرو ، إنَّ عَمْراعَدُوُّ اللّه ، مَطْلعَ كُلِّ شَمْسِ لَهُ خُدَعٌ يَحارُ العَقلُ فِيهامُمَوَّهَةٌ مُزَخْرَفَةٌ بِلَبْسِ فلا تجعل مُعاوِيةَ بنَ حَربٍكَشَيخٍ في الحوادِثِ غَيرِ نَكْسِ هداه اللّه للإسلامِ فَرداسوِى بنتِ النَّبيِّ ، وأيُّ عِرْسِ (7)

.


1- . أسد الغابة : ج2 ص628 الرقم2428 وراجع :الإصابة : ج3 ص307 الرقم3991 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص128 ، تاريخ مدينة دمشق : ج23 ص64 الرقم2735 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج17 ص138 .
2- . الإصابة ج3 ص397 الرقم3991 ؛ الجمل : ص319 .
3- . الأمالي للطوسي : ص719 ح 1518 ، بحار الأنوار : ج32 ص73 وراجع :الإمامة والسياسة : ج1 ص86 .
4- . تاريخ الطبري : ج4 ص565 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص362 ، وراجع : أنساب الأشراف : ج3 ص81 .
5- . الإمامة والسياسة : ج1 ص114 ، تاريخ مدينة دمشق : ج59 ص130 نحوه ، وراجع : الفتوح : ج2 ص510 .
6- . راجع : الطبقات الكبرى : ج4 ص256 ، تاريخ الطبري : ج5 ص67 ، تاريخ مدينة دمشق : ج23 ص67 ، شرح نهج البلاغة : ج2 ص244 ؛ وقعة صفّين :ص533 .
7- . وقعة صفّين : ص534 ، بحار الأنوار : ج33 ص297 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج1 ص153 ، الفتوح : ج4 ص207 ، الإمامة السياسة : ج1 ص153 كلّها نحوه مع اختلاف يسير .

ص: 331

. .

ص: 332

. .

ص: 333

رشيدٌ الهجريّ

رُشَيدٌ الهَجَرِيّرُشَيْد الهَجَريّ من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الواعين الرَّاسخين (1) . وعُدّ من أصحابِ الإمامِ الحسنِ (2) والإمام الحُسين عليهماالسلام أيضا (3) ، كان أمير المؤمنين عليه السلام يعظّمه ويُسمّيه رُشَيد البلايا . وقد علّمه أمير المؤمنين عليه السلام علم المنايا والبلايا وما وراء عالم الشَّهادة ، فعُرف بعالِم البلايا والمنايا (4) . قال له الإمام عليه السلام يوما : كيف صَبرُكَ إذا أرسَل إليكَ دَعِيُّ بني اُميّةَ ، فقطع يَدَيْكَ ورِجْلَيْكَ ولِسانَكَ ؟ فقلت : ياأمير المؤمنين ، أ يكون آخر ذلك إلى الجنّة ؟ . . . (5) وهكذا جسّد عظمة الصَّبر ، ودلّ على صلابته في محبّته أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه . ولمّا آن ذلك الأوان فعل زياد بن أبيه فعلته ، ولم يتنازل رُشيد ٌ عن الحقّ إلى أن استشهد وصلب (6) . في الأمالي للطوسيّ عن بنت رُشَيْد الهَجَري ّ عن رُشَيْد الهَجَري ّ : قال لي حبيبي أمير المؤمنين عليه السلام : يا رُشَيْد ، كيف صَبرُكَ إذا أرسلَ إليْكَ دَعِيُّ بَني اُميَّةَ فقطَعَ يَديْكَ ورجِلَيكَ ولِسانَكَ ؟ فَقُلتُ : يا أميرَ المؤُمِنينَ ، أ يَكونُ آخِرُ ذلِكَ إلى الجَنَّةِ ؟ قال : نَعَم يا رُشَيْد ، وأنتَ مَعِي في الدُّنيا والآخِرَةِ . قالت : فوَاللّه ما ذهبت الأيّام حتَّى أرسل إليه الدّعيُّ عبيد اللّه بن زياد (7) ، فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين عليه السلام ، فأبى أن يتبرّأ منه ، فقال له ابن زياد : فبأيّ ميتة قال لك صاحبك تموت ؟ قال : أخبرني خليلي صلوات اللّه عليه : «أنّكَ تدعوني إلى البراءة منه فلا أتبرّأ ، فتقدّمني فتقطع يديّ ورِجليَّ ولساني » . فقال : واللّه ِ ، لاُكذّبنَّ صاحِبَكَ ، قدّموه فاقطعوا يده ورجله واتركوا لسانه ، فقطعوه ثمّ حملوه إلى منزلنا . فقلت له : يا أبه جُعلت فداك ، هل تجد لما أصابك ألما ؟ قال : واللّه ، لا يابُنيَّةُ إلاّ كالزُّحام بين الناس . ثمّ دخل عليه جيرانه ومعارفه يتوجّعون له ، فقال : ايتوني بصحيفة ودواة ، أذكر لكم ما يكون ممّا أعلمنيه مولاي أمير المؤمنين عليه السلام . فأتوه بصحيفة ودواة ، فجعل يذكر ويُملي عليهم أخبار الملاحم والكائنات ويسندها إلى أمير المؤمنين عليه السلام . فبلغ ذلك ابن زياد ، فأرسل إليه الحجّام حتَّى قطع لسانه ، فمات من ليلته تلك رحمه اللّه (8) . وفي الإرشاد عن زياد بن النَّضْر الحارثيّ : كنت عند زياد إذ اُتي برُشَيْد الهَجَريّ ، فقال له زياد : ما قال لك صاحبك _ يعني عليّا عليه السلام _ إنّا فاعلون بك ؟ قال : تقطعون يديَّ ورجليَّ وتصلبونني . فقال زياد : أمَ واللّه ِ ، لاُكَذِّبَنَّ حديثه ، خلّو سبيله . فلمّا أراد أن يخرج قال زياد : واللّه ، ما نجد له شيئا شرّا ممّا قال صاحبه ، اقطعوا يديه ورجليه واصلبوه . فقال رُشَيْد : هيهات ، قد بقي لي عندكم شيء أخبرني به أمير المؤمنين عليه السلام . قال زياد : اقطعوا لسانه . فقال رُشَيْد : الآن واللّه ، جاء تصديق خبر أمير المؤمنين عليه السلام (9) .

.


1- . رجال الطوسي : ص63 الرقم556 ، رجال الكشّي : ج 1 ص290 الرقم 131 ، رجال البرقي :ص4 ، الاختصاص : ص7 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص294 .
2- . رجال الطوسي : ص94 الرقم931 .
3- . رجال الطوسي : ص100 الرقم978 ، الاختصاص : ص8 ، رجال البرقي : ص7 .
4- . راجع: رجال الكشّي : ج 1 ص291 الرقم 131 ، الأمالي للطوسي : ص166 ح276 وفيه « رشيد المبتلى » ، الاختصاص : ص77 ، بصائر الدرجات : ص264 ح9 .
5- . الأمالي للطوسي : ص165 ح276 ، رجال الكشّي : ج 1 ص290 الرقم 131 وراجع الإرشاد: ج 1 ص 325 .
6- . راجع : الإرشاد : ج1 ص325 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص294 .
7- . وفي الإرشاد ذكر أنّ قاتل رُشيد «زياد».
8- . الأمالي للطوسي : ص165 ح276 ، رجال الكشّي : ج 1 ص290 الرقم 131 ، الاختصاص : ص77 .
9- . الإرشاد : ج1 ص325 ، إعلام الورى : ج2 ص343 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص294 وراجع رجال الكشّي : ج 1 ص290 الرقم 131 والاختصاص : ص78 .

ص: 334

. .

ص: 335

91 _ كتابه عليه السلام إلى الأشتر

91كتابه عليه السلام إلى الأشْتَرفأرسل عليّ إلى الأشْتَر ، فقال :« يا مالِ (1) ، إنَّ زياد ا وشُرَيْحا أرسلا إليَّ يُعلماني ، أنَّهما لقِيا أبا الأعْوَرِ السَّلَمي ّ في جندٍ من أهلِ الشَّامِ بسُورِ الرُّوم ِ ، فَنبَّأَنِي الرَّسولُ أنَّه تركَهُم مُتواقِفَينِ . فالنَّجاءُ إلى أصحابِكَ النَّجاءُ . فإذا أتَيتَهُم فأنتَ عَليهِم ، وإيَّاكَ أن تَبدأ القومَ بِقِتالٍ ، إلا أن يبدؤوكَ ، حَتَّى تلقاهُم وتسمَعَ مِنهُم ؛ ولا يَجرِمَنَّكَ شنآنُهُم علَى قِتالِهِم قَبلَ دُعائِهم والإعذارِ إليهِم مرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ . واجَعل علَى مَيمَنَتِكَ زِيادا ، وعلَى مَيسرَتِكَ شُرَيْحا ، وقِفْ بينَ أصحابِكَ وسَطا ، ولا تَدْنُ مِنهُم دُنُوَّ مَن يُرِيُد أن يُنشِبَ الحَربَ ، ولا تَبَاعَدَ مِنهُم تَباعُدَ مَن يَهابُ البأسَ ، حَتَّى أقْدِم عليكَ ؛ فإنِّي حَثِيثُ السَّيرِ إليكَ إن شاءَ اللّه ُ » . وكانَ الرَّسولُ الحارثَ بن جُمْهان الجُعْفِيّ . (2) وفي كتابه إلى أهل مصر « وإنّي قَد بَعثْتُ إليكُم عَبْدا مِن عِبادِ اللّه ِ ، لا يَنامُ أيَّامَ الخَوفِ ، ولا يَنكُلُ عَنِ الأعداءِ حَذارِ الدَّوائِرِ ، مِن أشدِّ عَبيدِ اللّه ِ بأسا وأكرَمِهِم حَسَبا أضرُّ على الفُجَّارِ مِن حَرِيقِ النَّارِ ، وأبعَدُ النَّاسِ مِن دَنَسٍ أو عارٍ ، وهُو مالِكُ بنُ الحارِثِ الأشْتَر ِ ، لا نابِيَ الضِّرْسِ ، ولا كَليلَ الحَدِّ ، حَلِيمٌ في الحَذَرِ ، رَزِينٌ في الحَرْبِ ، ذو رأيٍ أصيلٍ وصَبرٍ جَمِيلٍ . . . فَإنّهُ لا يُقْدِمُ ولا يُحْجِمُ إلاَّ بأمرِي . . . » (3) .

.


1- . هذا ترخيم على لغة من ينتظر، أي: يامالِكُ .
2- . وقعة صفّين : ص153 ، بحار الأنوار : ج32 ص414 ح374 وص432 ح387 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص212 وتاريخ الطبري : ج4 ص566 نحوه مع اختلاف يسير .
3- . الأمالي للمفيد : ص81 ح4 ، الغارات : ج1 ص259 ، بحار الأنوار : ج33 ص552 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص74 .

ص: 336

فقال ابن أبي الحديد في شرح الكتاب : ثُمَّ أمرهم بأن يطيعوه في جميع ما يأمرهم به من الإقدام والإحجام ، وقال : إنَّهُ لا يُقدّم ولا يُوّر إلاَّ عن أمري ، وهذا إن كان قاله مع أنَّه قد سنح له أن يعمل برَأيهِ في أمور الحرب من غير مراجعته فهو عظيم جدّا ، لأنَّه يكون قد أقامه مقام نفسه ، وجاز أن يقول إنَّه لا يفعل شيئا إلاَّ عن أمري ، وإن كان لا يراجعه في الجزئيات على عادة العرب في مثل ذلك ، لأنَّهم يقولون فيمن يثقون به نحو ذلك . . . هذا القول عن الأشْتَر ، لأنَّه قد قرَّر معه بينه وبينه ألاّ يعمل شيئا قليلاً ولا كثيرا إلاَّ بعد مراجعته ، فيجوز ، ولكنَّ هذا بعيد ؛ لأنَّ المسافة طويلة بين العِراق ومصر وكانت الأمور هناك تقف وتفسد . (1) [ ولا يخفى على أحد أهمية وقيمة هذه الكلمات التي صدرت عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، المعصوم الَّذي لا يخاف لومة لائم ولا يتكلّم ولا يكتب إلاَّ بِحَقٍّ . ]

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص159 .

ص: 337

92 _ كتابه عليه السلام إلى زياد بن النّصر وشريح

92كتابه عليه السلام إلى زياد بن النَّصْر وشُرَيْح« أمَّا بَعدُ ؛ فَإنِّي قَد أمَّرتُ علَيكُما مالِكا ، فاسمَعا لَهُ وأطِيعَا أمرَهُ ؛ فإنَّهُ مِمَّن لا يُخافُ رَهَقُهُ ولا سِقاطُهُ ، ولا بُطوُ عَمَّا الإسراعُ إليهِ أحزَمُ ، ولا الإسرَاعُ إلى ما البُط ءُ عَنهُ أمثَلُ ، وقد أمَرتُهُ بِمِثلِ الَّذي أمرتُكُما : ألاّ يَبدأَ القَومَ بقِتالٍ حَتَّى يَلقاهُم فيدْعُوَهم ويَعْذِرَ إليهِم ، إن شاءَ اللّه ُ » . (1)

قال خالد بن قَطَن ( الحارثي ) :فلمَّا قطع عليّ الفراتَ دعا زيادَ بن النَّضْر ، وشُرَيْح بن هانئ ، فسرَّحهما أمامه نحو معاوية على حالهما الَّذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة ، في اثني عشر ألفا . وقد كانا حين سرَّحهما من الكوفة مقدِّمة له أخذا على شاطى ء الفرات ، من قِبَل البَرِّ ممَّا يلي الكوفة ، حَتَّى بلغا عانات ، فبلغهما أخْذ عليّ على طريق الجزيرة ، وبلغهما أنَّ معاوية أقبل في جنود الشَّام من دمشق لاستقبال عليّ ، فقالا : لا واللّه ما هذا لنا برَأي : أن نسير وبيننا وبين أمير المونين هذا البحر ! ما لنا خير أن نلقى جموعَ أهل الشَّام بقلّة من عددنا ، منقطِعين من العدد والمَدَد . فذهبوا ليعبروا من عانات ، فمنعهم أهلُ عانات ، وحبسوا عندهم السُّفن ، فأقبلوا راجعين حَتَّى عبروا من هِيت ، ثُمَّ لحقوا عليَّا بقرية دون قِرقِيسيا وقد أرادوا أهل عانات فتحصنَّوا منهم ، فلمَّا لحقت المقدِّمة عليَّا قال : « مُقدِّمتي تأتي مِن ورائي ؟ » فتقدَّم إليه زياد وشُرَيْح ُ فأخبراه بالرَّأي الَّذي رأيا ، فقال : «قد أصَبتُما رُشدَكُما » . فلمَّا عَبَر الفرات قدَّمهما أمامَهُ نحو مُعاوَيِة َ ، فلمَّا انتَهوا إلى معاوية ، لقيهم أبو الأعْوَر السَّلمي ّ في جند أهل الشَّام ، فدعَوهم إلى الدُّخول في طاعة أمير المونين فأبوا ، فبعثوا إلى عليّ : إنّا قد لقينا أبا الأعْوَر السَّلمي ّ بِسُور الرُّوم في جند من أهل الشَّام ، فدعوناه وأصحابه إلى الدُّخول في طاعتك فأبَوا علينا ، فمرنا بأمرك . [ ألا ترى مدح أمير المؤمنين عليه السلام الأشْتَر بقوله : « لا يُخافُ رَهَقُهُ » ، والرَّهَقُ مُحَرَّكَةٌ : السَّفَهُ ورُكوبُ الشَّرّ ، والظُّلم وغشيانُ المَحارِمِ إنْ كانَ مَصْدَرا ، وأمّا إن كانَ إسما من الإرهاقِ فَهُو بمعنى حَمْلِ الإنسانِ علَى ما لا يُطِيقُ ، وعلى التُّهمةِ والإثْمِ ، أي لا يخاف أن يغشى المحارِمَ ويظلمَ النَّاسَ ويَخُونَ المُسلِمينَ ، أو يحملهم على ما لا يُطيقون ، يعني أنَّه مأمون من هذه الجهات ، كما أنَّ قوله عليه السلام « ولا سِقاطِهِ » بالكسر : يعني العثرةَ والزلّة يدلّ ، على أنَّ الأشْتَر مأمون أيضا من جهة عثاره ، فهو مأمون من أن يرتكب شيئا فيه الإثْمُ والفسادُ عمدا وخطأً ، كما أنَّ قوله عليه السلام : « و لا بُطؤهُ عمَّا الإسراعُ إليهِ أحزَمُ » ، يفيد كمال العقل والتدبير في الحرب ، بحيث صار مأمونا عن الإبطاء إذا كان الإسراع موافقا للحزم والاحتياط ، أو الإسراع فيما كان الإبطاءُ فيه موافقا للحزم والاحتياط . هذه الأوصاف الَّتي وصف بها الأشْتَر تقرب من أوصاف العصمة ، كما أنَّهُ عليه السلام أوصاه عند إرسالِهِ إلى مِصر َ فقال : « فاخرُجْ فإنّي لَم أُوصِكَ اكتفيت برَأيك َ » ].

.


1- . وقعة صفّين : ص154 ، بحار الأنوار : ج32 ص414 ح374 وص432 ح387 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص567 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص213 وج15 ص98 وراجع : نهج البلاغة : الخطبة 13 ؛ الكامل في التاريخ : ج2 ص293 .

ص: 338

. .

ص: 339

زياد بن النّضر

زِيادُ بنُ النَّضْرزياد بن النَّضْر الحارثي ، كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام (1) الأجلاّء ، ومن أعوانِهِ المخلصين ، وأحد اُمراء الجيش (2) ، وتدلّ أقواله ومواقفه في صفِّين وغيرها من المشاهد ، على أنّه كان ذا وعي عميق ومعرفة رفيعة بشخصيّة المولى أمير المؤمنين عليه السلام . أشار في موقف من مواقفه إلى سبق الإمام عليه السلام في الإيمان ، ومنزلته العالية عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وأكّد على القتال في صفِّين من خلال تصوير دقيق (3) . كان من رُؤساء الكوفيّين الَّذين قدموا المدينة للاحتجاج على عثمان (4) . وكان من اُمراء جيش الإمام عليّ عليه السلام ، وتولّى في صفِّين قيادة مقدّمة الجيش مع شُرَيْح بن هاني (5) ، ولمّا صاروا في مقابل العدوّ، أمّر عليهما الإمام مالكَ الأشْتَر (6) . كان زياد صاحب لواء قبيلة مَذْحِج في المعركة (7) ، وكانت له صولات عظيمة في معارك ذي الحجّة (8) . وأوفده الإمام عليه السلام لمفاوضة أصحاب النَّهروان قبل الحرب (9) . أجل ، لقد كان طاهر القلب ، شجاعا ، خيّرا كريما ، مطيعا مخلصا لأمير المؤمنين عليه السلام .

.


1- . رجال الطوسي : ص65 الرقم583 .
2- . وقعة صفّين : ص214 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص12 .
3- . راجع: وقعه صفّين : ص101 .
4- . تاريخ الطبري : ج4 ص349 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص245 ، أنساب الأشراف : ج6 ص157 .
5- . وقعة صفّين : ص122 و123 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص565 و566 .
6- . وقعة صفّين : ص153 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص567 .
7- . وقعة صفّين : ص118 و ص 121 .
8- . وقعة صفّين : ص195 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص574 .
9- . تاريخ الطبري : ج5 ص65 .

ص: 340

شريح بن هانئ

شُرَيْحُ بنُ هانِئشُرَيْح بن هانئ بن يزيد الحارثي ، يُكنَّى أبا المِقْدَام ، كان من المُخضرَمين (1) ، أدرك النَّبيّ ولم يره (2) ، وكان من أكابر التَّابعين (3) ، ومن كبار أصحاب عليّ عليه السلام (4) وشهد معه المشاهِدَ (5) ، وكان أميرا في الجمل (6) ، وفي صفِّين من اُمراء مقدّمة الجيش وعلى الميسرة (7) . ولمّا بعث عليّ عليه السلام أبا موسى إلى دومة الجندل (8) بعث معه أربعمئة عليهم شُرَيْح بن هانئ (9) . وعندما ذُكر اسمه في زمرة الشَّاهدين على حُجْر بن عَدِي ّ ، أنفذ إلى معاوية كتابا كذّب فيه ذلك وأثنى على حُجْر (10) . قتل شُرَيْح بن هانئ في سجستان سنة 78 ه_ (11) ، وهو ابن مئة وعشرين سنة (12) .

.


1- . المستدرك على الصحيحين : ج1 ص75 ح62 ، تهذيب الكمال : ج 12 ص454 الرقم2729 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 4 ص108 الرقم33 .
2- . المستدرك على الصحيحين : ج1 ص75 ح62 ، تهذيب الكمال : ج 12 ص452 الرقم2729 ، تاريخ مدينة دمشق : ج23 ص64 .
3- . المستدرك على الصحيحين : ج1 ص75 ح62 .
4- . تهذيب الكمال : ج 12 ص452 ح2729 ، تاريخ دمشق : ج23 ص65 ، الاستيعاب :ج 2 ص259 ح1180 وفيه « من أجلّة أصحاب عليّ رضى الله عنه » ، اُسد الغابة : ج 2 ص628 ح2428 وفيه « كان من أعيان أصحاب عليّ رضى الله عنه » .
5- . الطبقات الكبرى : ج6 ص128 ، اُسد الغابة : ج 2 ص628 الرقم2428 .
6- . الجمل : ص319 ؛ الإصابة : ج 3 ص308 الرقم3991 .
7- . وقعة صفّين : ص152 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص565 .
8- . دَومَة الجَندل : مدينة على سبع مراحل من دمشق بينها وبين مدينة الرسول صلى الله عليه و آله ، ويطلق عليها اليوم « الجوف » ، وقد جرت فيها قضيّة التحكيم ( راجع معجم البلدان : ج2 ص487 ) .
9- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 4 ص107 الرقم33 ، تاريخ الطبري : ج5 ص67 ؛ وقعة صفّين :ص533 .
10- . أنساب الأشراف : ج5 ص264 ، تاريخ الطبري : ج5 ص272 ، تاريخ مدينة دمشق : ج8 ص22 .
11- . تاريخ خليفة بن خيّاط : ص212 ، الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص250 الرقم1065 ، تهذيب الكمال : ج12 ص453 الرقم2729 ، اُسد الغابة : ج 2 ص628 الرقم2428 ، الإصابة : ج 3 ص308 الرقم3991 .
12- . اُسد الغابة : ج 2 ص628 الرقم2428 ، الإصابة : ج 3 ص308 الرقم3991 .

ص: 341

93 _ كتابه عليه السلام إلى جرير بن عبد اللّه

93كتابه عليه السلام إلى جَرِير بن عبْد اللّهكتابه عليه السلام إلى جَرِير بن عبد اللّه البَجَلِيّ لمَّا أرسله إلى معاوية :« أمَّا بعدُ ؛ فإذا أتاكَ كتابي ، فاحمِلْ مُعاويةَ على الفَصلِ (1) ، وخُذهُ بالأمرِ الجَزمِ ، ثُمَّ خَيِّرهُ بينَ حَربٍ مُجَلِيَةٍ (2) ، أو سِلْمٍ مُخزِيَةٍ ، فإنْ اختارَ الحَربَ فانْبِذْ إليْهِ ، وإنْ اختارَ السِّلمَ ، فَخُذ بَيعتَهُ (3) والسَّلام » . (4)

قال ابن أعْثَم : ثُمَّ كتب النَّجاشيّ _ شاعر علي رضى الله عنه _ إلى جَرِير أبياتا مِنَ الشِّعرِ مطلَعُها : ألا لَيتَ شِعرِي والحوادثُ جَمَّةٌألِلَّعْبِ سارَ المالِكِيُّ جَرِيرُ فلمّا انتهى الكتاب إلى جَرِير ، أتى معاوية ، فأقرأه الكتاب ، فقال له : يا معاوية إنَّه لا يطبع على قلب إلاَّ بذنب ، ولا يشرح صدر إلاَّ بتوبة ، ولا أظنّ قلبك إلاَّ مطبوعا ، أراك قد وقفت بين الحقّ والباطل كأنَّك تنتظر شيئا في يَدَيْ غيرك . فقال معاوية : ألقاك بالفيصل أوّل مجلس إن شاء اللّه . فلمَّا بايع معاوية أهل الشَّام وذاقهم ، قال : يا جَرِيرُ الحَقْ بصاحبك ، وكتب إليه بالحرب . . . قال نَصْر بن مزاحم : حدَّثنا صالح بن صَدَقَة بإسناده فقال : قال :لمّا رجع جَرِير إلى عليّ عليه السلام كثر قول النَّاس في التُّهمة لجَرِير في أمر معاوية ، فاجتمع جَرِير والأشْتَر عند عليّ عليه السلام فقال الأشْتَر : أما واللّه يا أمير المونين أن لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الَّذي أرخى خناقه ، وأقام عنده حَتَّى لم يدع بابا يرجو فتحه ( روحه ) إلاَّ فتحه ، ولا بابا يخاف أمره إلاَّ سدّه . فقال جَرِير : لو كنت واللّه أتيتهم لقتلوكَ وخوَّفهُ بعمرو وذي الكلاع وحوشب ( ذي ظليم ) ، وقال : إنَّهم يزعمون أنّك من قتلة عثمان . فقال الأشْتَر : واللّه لو أتيتهم يا جَرِير لم يُعِيني جوابها ، ولم يثقل عليَّ محملها ، ولحملت معاوية على خطّة أُعجله فيها عن الفكر . قال : فائتهم إذا ، فقال : الآن وقد أفسدتهم ووقع بينهم الشَّرّ . وروى نَصْر عن نُمَيْر بن وعلة ، عن الشَّعْبيّ قال : اجتمع جَرِير والأشْتَر عند عليّ فقال عليه السلام الأشْتَر : أليس قد نهيتك يا أمير المونين أن تبعث جَرِيرا وأخبرتك بعداوته وغِشِّهِ ؛ وأقبل الأشْتَر يشتمه ويقول : يا أخا بُجَيلة ، إنَّ عثمان اشترى منك دينك بهمدان ، واللّه ما أنت بأهل أن تترك تمشي فوق الأرض ، إنَّما أتيتهم لتتَّخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم ، ثُمَّ رجعت إلينا من عندهم تهدّدنا بهم وأنت واللّه منهم ، ولا أرى سعيك إلاَّ لهم ، لئن أطاعني فيك أمير المونين ليحبسنَّك وأشباهك في حبس لا تخرجون منه حَتَّى تستتم( تستبين ) هذه الأمور ، ويُهلِكَ اللّه ُ الظَّالمين . فقال جَرِير : وددت واللّه أن لو كنت مكاني بعثت ، إذن واللّه لم ترجع . قال : سمع جَرِير مثل ذلك من قوله : فارق عليَّا عليه السلام فلحق بقرقيسياء . . . (5) [ أقول : والَّذي لم يظهر لي إلى الآن ، هو المصلحة الموجودة في إرساله إلى معاوية ، مع ما كان يقال فيه من ميله إلى عثمان وإلى معاوية ، فهل كان هو ناصحا ثُمَّ انحرف وتغيّر حَتَّى هدم عليّ عليه السلام داره ؟ أو كان في إرساله مع الوثوق به صَلاح عظيم لا ندركه ، وقال بعض : إنَّ إرساله عليه السلام جَرِيرا ، فيه مدح ولكنَّه فارقه وانحرف بعد ، وأرجو أن يتَّضح ذلك فيما بعد إن شاء اللّه تعالى .

.


1- . في الفتوح : تعامل معاوية على الفصل .
2- . في الفتوح : مقربه .
3- . في الفتوح : وان اختار السِّلم فاستوثق منه ما تقدّر عليه وعجّل القدوم عليَّ .
4- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج14 ص45 والفتوح : ج2 ص516 ، تاريخ بغداد :ج59 ص135 ؛ نهج البلاغة : الكتاب8 ، وقعة صفّين : ص55 ، بحار الأنوار : ج 32 ص392 ح363 كلها نحوه .
5- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص70 _ 87 وراجع : الطبقات الكبرى : ج1 ص347 ، تاريخ الطبري : ج4 ص561 ، أسد الغابة : ج1 ص529 الرقم 730 ، الاستيعاب : ج1 ص308 ، الفتوح : ج2 ص516 ؛ وقعة صفّين :ص27 _ 60 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص184 ، بحار الأنوار : ج32 ص392 ح363 .

ص: 342

. .

ص: 343

زحر بن قيس الجعفيّ

زحر بن قَيْس الجُعْفِيّبالزَّاء المعجمة ثُمَّ الحاء المهملة ثُمَّ الرَّاء المهملة _ بعثه أمير المؤمنين عليه السلام رسولاً إلى جَرِير ، وأنزله المَدائِن في جَماعة جعلهم هناك رابطة . ونقل الطَّبري : أنَّه في من شهد على حُجْر وأصحابه ، وذكره في أصحاب ابن مطيع في خروج المختار ، ثُمَّ في أصحاب شمر بن ذي الجوشن ، ثُمَّ في أصحاب مُصْعَب على المختار ، ثُمَّ في جند المروانيّة على مُصْعَب (1) ، وحاملاً لرأس الحسين عليه السلام ، وعلى أهله وأصحابه أناخوا ببابه ، والقائل عند يزيد ما قال . (2) هذا ولكن من المحتمل أن يكون الصَّحابيّ حامل لكتاب أمير المؤمنين عليه السلام ، غير الَّذي شهد على حُجْر وأصحابه وشهد كربلاء وحمل الرُّؤوس الشَّريفة . قال العلاّمة التُّستريّ رحمه الله : . . . إلا أنَّ اتّحاده غير مقطوع . (3) فالظَّاهر ، أنَّ حامل كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى جَرِير ، وحامل كتابه عليه السلام من البصرة إلى الكوفة ، والخطيب عند جَرِير ، والشَّاعر يوم الجمل ، هو زحر بن قَيْس شهد على حجر ، والشَّاهد في معركة كربلاء ، وحامل الرُّؤوس المباركة ، والقائل عند يزيد ما قال من الفرية والأباطيل . (4) أعاذنا اللّه من الخذلان وسوء المآب وغلبة الشَّقاء .

.


1- . تاريخ الطبري : ج5 ص459و ج6 ص45 وص 153 وص 156 ، الإرشاد : ج2 ص118 .
2- . العقد الفريد : ج3 ص367 .
3- . قاموس الرجال : ج4 ص413 .
4- . راجع : وقعة صفّين :ص15 ، الغارات : ج2 ص626 ،بحار الأنوار : ج32 ص359 ح339 .

ص: 344

94 _ كتابه عليه السلام إلى جرير بن عبد اللّه

95 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

94كتابه عليه السلام إلى جَرِير بن عبْد اللّهمن كتاب له عليه السلام إلى جَرِير بن عبد اللّه البَجَلِيّ ، لمَّا أرسَلهُ إلى معاوية :« أَمَّا بَعْدُ ، فَإذَا أَتَاكَ كِتَابِي فَاحْمِلْ مُعَاوِيَةَ علَى الْفَصْلِ ، وخُذْهُ بِالأَمْرِ الْجَزْمِ ، ثُمَّ خَيِّرْهُ بَيْنَ حَرْبٍ مُجْلِيَةٍ ، أَوْ سِلْمٍ مُخْزِيَةٍ ، فَإِنِ اخْتَارَ الْحَرْبَ فَانْبِذْ إِلَيْهِ ، وإِنِ اخْتَارَ السِّلْمَ فَخُذْ بَيْعَتَهُ ، والسَّلامُ » . (1)

95كتابه عليه السلام إلى معاويةقال معاوية في رسالةٍ كتبها إلى أمير المؤمنين عليه السلام : أمَّا بَعْدُ ، فإنَّكَ المطبوعُ علَى قلبِكَ ، المُغَطَّى على بَصرِكَ ؛ الشَّرُّ من شِيمَتِكَ ، والعُتُوُّ مِن خَليْقَتِكَ ، فشمِّر للحرب ، واصْبِر للضَّربِ ، فواللّه لِيَرْجِعَنَّ الأمرُ إلى ما عَلِمْتَ ، والعاقبةُ للمتّقين . هيهاتَ هيهاتَ ، أخطأكَ ما تَمنَّى ، وهَوَى قَلبُكَ فِيما هَوَى ، فأرْبَعْ على ظِلْعِك ، وقِسْ شِبْرَك بِفِترِكَ ، تَعلم أيْنَ حالُكَ مِن حالِ مَن تَزِنُ الجبالَ حِلمُهُ ، ويَفصِل بيْنَ أهلِ الشَّكِّ عِلمُه ، والسَّلام . فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام :« أمَّا بَعْدُ ، يا ابنَ صَخْرٍ ، يا ابنَ اللَّعينِ ، يَزِنُ الجِبالَ فيْما زَعَمْتَ حِلمُكَ ، ويَفْصِلُ بَيْنَ أهْلِ الشَّكِّ عِلمُكَ ، وأنْتَ الجاهِلُ القَليلُ الفِقْهِ ، المُتَفاوِتُ العَقلِ ، الشَّارِدُ عَنِ الدِّينِ . وقُلتَ : فشَمِّر للحربِ ، واصْبِرْ ، فإنْ كنْتَ صادِقا فيْما تَزعُمُ ويُعينُك عَلَيْهِ ابنُ النَّابِغَة ِ ، فدَعِ النَّاسَ جانبِا ، وأعْفِ الفَريْقَينِ مِنَ القِتالِ ، وابرُزْ إليَّ لِتَعلَمَ أيُّنا المَرِينُ علَى قلْبهِ ، المُغَطَّى علَى بصَرِهِ ، فأنَا أبو الحَسَن ِ حقَّا ، قاتِلُ أخيكَ وخالِكَ وجدِّكَ شَدْخا يَوْمَ بَدْر ٍ ، وَذلِكَ السَّيفُ معي ، وبِذَلِكَ القلبِ ألْقَى عَدُوِّي » . (2)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب8 ، وقعة صفِّين : ص32 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص87 ، العقد الفريد : ج4 ص332 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص394 .
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص82 .

ص: 345

96 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

96كتابه عليه السلام إلى معاوية« وإِنَّ الْبَغْيَ والزُّورَ يُوتِغَانِ( يذيعان ) الْمَرْءَ فِي دِينِهِ ودُنْيَاهُ ، ويُبْدِيَانِ خَلَلَهُ عِنْدَ مَنْ يَعِيبُهُ ، وقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ غَيْرُ مُدْرِكٍ مَا قُضِيَ فَوَاتُهُ ، وقَدْ رَامَ أَقْوَامٌ أَمْرا بِغَيْرِ الْحَقِّ فَتَأَلَّوْا عَلَى اللّه فَأَكْذَبَهُمْ ، فَاحْذَرْ يَوْما يَغْتَبِطُ فِيهِ مَنْ أَحْمَدَ عَاقِبَةَ عَمَلِهِ ، ويَنْدَمُ مَنْ أَمْكَنَ الشَّيْطَانَ مِنْ قِيَادِهِ فَلَمْ يُجَاذِبْهُ ، وقَدْ دَعَوْتَنَا إِلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ ولَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ ، ولَسْنَا إِيَّاكَ أَجَبْنَا ، ولَكِنَّا أَجَبْنَا الْقُرْآنَ فِي حُكْمِهِ ، والسَّلامُ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب48 وراجع : وقعة صفِّين : ص493 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص225 ، الفتوح : ج3 ص322 .

ص: 346

97 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

98 _ كتابه عليه السلام إلى مخنف بن سليم

97كتابه عليه السلام إلى معاويةنقل في البحار ، كتابه عليه السلام إلى معاوية مع جَرِير ، قال : يروى أنَّ الكتاب الَّذي كتبه مع جَرِير كانت صورته :« إنِّي قد عَزَلتُكَ ، فَفوِّض الأمرَ إلى جَرِيرٍ ، والسَّلامُ » . (1)

98كتابه عليه السلام إلى مِخْنَف بن سُلَيْمكتابه عليه السلام إلى مِخْنَف بن سُلَيْم وغيره من العمّال : قال نصر : وفي حديث عمر بن سَعْد قال : وكتب علي ٌّ إلى عُمَّاله ، فكتب إلى مِخْنَف بن سُلَيْم :« سلامٌ علَيكَ ، فإنّي أحمَدُ اللّه َ إليكَ الَّذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ ، أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّ جِهادَ مَنْ صَدَفَ عَنِ الحَقِّ رَغبَةً عَنهُ ، وهَبّ في نُعاسِ العَمى والضَّلالِ ، اختيارا لَهُ فَرِيضَةٌ علَى العارِفينَ . إنَّ اللّه َ يرضى عَمَّن أرضاهُ ، ويَسْخَطُ على مَن عَصاهُ ، وإنّا قَد هَمَمْنا بالمَسيرِ إلى هَواءِ القَومِ ، الَّذِينَ عَمَلوا في عِبادِ اللّه ِ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللّه ُ ، واستأثَرُوا بالفيءِ ، وعَطَّلوا الحُدودَ ، وأماتُوا الحَقَّ ، وأظهَروا في الأرضِ الفَسادَ ، واتَّخذُوا الفاسِقينَ ولِيجَةً مِن دُونِ المُوِنينَ ، فإذا وَلِيٌّ للّه ِ أعظَمَ أحْداثَهُم أبغَضوهُ وأقصَوهُ وحرَموهُ ، وإذا ظالِمٌ ساعَدَهُم على ظُلمِهِم أحبُّوه وأدنَوْهُ وبَرُّوهُ ، فَقَد أصَرُّوا على الظُّلمِ ، وأجمَعوا علَى الخِلافِ ، وقَدِيما ما صَدُّوا عَنِ الحَقَّ ، وتعاوَنُوا علَى الإثمِ ، وكانوا ظالِمينَ ، فإذا أُتيتَ بِكتابي هذا فاستَخلِفْ علَى عَمَلِكَ أوثَقَ أصْحابِكَ في نَفْسِكَ ، وأقْبِلْ إلينا ، لَعلَّكَ تَلْقى هذا العَدُوَّ المُحِلَّ ، فتأمُرُ بالمَعرُوفِ وتَنهى عَنِ المُنكَرِ وتُجامِعُ الحَقَّ ، وتُبايِنُ الباطِلَ ، فإنَّهُ لا غَناءَ بِنا ، ولا بِكَ عَن أجْرِ الجِهادِ ، وحَسبُنا اللّه ُ ونِعمَ الوَكِيلُ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ العَلِيِّ العَظِيمِ » . وكتب عَبدُ اللّه ِ بنُ أبي رافِع ، سنةَ سبعٍ وثلاثين . (2)

.


1- . بحار الأنوار : ج32 ص394 ح366 .
2- . وقعة صفّين : ص104 ، قاموس الرجال : ج8 ص455 ، بحار الأنوار : ج32 ص399 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص182 .

ص: 347

لمّا فتح اللّه لأمير المؤمنين عليه السلام البصرة ، وقفل إلى الكوفة ، شاور أصحابه في أمر معاوية ، وتكلّم فيه أصحابه الكرام وعزموا على المسير ، كتب عليه السلام إلى مِخْنَف وسائر عمّاله هذا الكتاب . نصر بن مزاحم ، عن عمر بن سَعْد ، عن إسماعيل بن يزيد والحارث بن حصيرة ، عن عبد الرَّحمن بن عبيد بن أبي الكَنُود ، قال : لمّا أراد عليّ المسير إلى أهل الشَّام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار ، فحمد اللّه وأثنى عليه وقال : « أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّكم مَيامِينُ الرَّأي ، مَراجِيحُ الحِلْمِ ، مَقاوِيلُ بِالحَقِّ ، مُبارَكو الفِعلِ والأمْرِ . وقد أردنا المَسيرَ إلى عَدوِّنا وعَدُوِّكم ، فأشيروا علَينا برَأْيِكُم ». فقام هاشم بن عُتْبَة بن أبي وَقَّاص ، فحمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله ، ثُمَّ قال : أمَّا بَعدُ ؛ يا أميرَ المونين ، فأنا بالقومِ جِدُّ خَبير ، هم لَكَ ولِأشياعِكَ أعداءٌ ، وهُم لِمَن يَطلُبُ حَرثَ الدُّنيا أولياءُ ، وَهُم مُقاتِلُوكَ ومُجاهِدُوكَ لا يُبقونَ جَهْدا مَشاحَّةً على الدُّنيا وضَنّا بِما في أيدِيهم مِنها ، وليس لَهُم إربَةٌ غَيرَها إلاَّ ما يَخدعُونَ بهِ الجُهَّالَ مِنَ الطَّلبِ بِدَمِ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ ، كَذِبوا ليسوا بِدَمِهِ يَثأرونَ ، ولكِنَّ الدُّنيا يَطلُبونَ ، فَسِرْ بنا إليهِم ، فَإنْ أجابُوا إلى الحَقِّ فَليسَ بَعدَ الحَقِّ إلاَّ الضَّلالُ ، وإنْ أبَوا إلاّ الشِّقاقَ فذلِكَ الظَّنُّ بِهِم ، واللّه ِ ، ما أراهُم يُبايِعونَ وفيهِم أحَدٌ مِمَّنْ يُطاعُ إذا نَهى ولا يُسمَعُ إذا أمرَ . (1) ] ثُمَّ تكلّم بعده عَمَّار ، وقَيْس بن سَعْد بن عُبادَة ، وسَهْلُ بنُ حُنَيْف ٍ ، والأشْتَرُ مالِكُ بنُ الحارِث ِ ، ومَعْقِلُ بنُ قَيْسٍ اليَرْبُوعي ّ ، ثُمَّ الرِّياحي ُّ ، وعَدِيّ بنُ حاتَم ٍ الطَّائيّ ، وأبو زينب بنُ عَوْف ، ويَزيد بن قَيْس ، وزياد بن النَّضْر ، وزَيْد بن حُصَيْن الطَّائي ّ ، وعبدُ اللّه بن بُدَيْل بن وَرْقاء الخُزاعِي ّ ، وحُجْر بن عَدِي ّ ، وعَمْرو بن الحَمِق ، كلّهم يظهرون الطَّاعة والنَّصيحة ، وأنَّهم سِلْمٌ لمَن سَالَمه ، وحَرب لمَن حارَبه ، وإن اختلفوا في التَّعجيل في الحرب والتَّأنِّي والمكاتبة وإتمام الحُجَّة ، والَّذي أشار بالتأنِّي وإتمامِ الحُجَّةِ هو عَدِيُّ بنُ حاتم ، وكُلٌّ يتكلّم ويردّ على من يُخالِفهُ . ] فقال عليّ عليه السلام : « الطَّرِيقُ مُشترَكٌ ، والنَّاسُ في الحَقِّ سَواءٌ ، ومَن اجتهَدَ رأيهُ في نَصيحَةِ العامّةِ فَلهُ ما نوى وقَدْ قَضى ما علَيهِ » . [ وجاء جمع متّهمون بأنَّهم يكاتبون معاوية بن أبي سُفْيَان ، كعبد اللّه بن المُعْتم ّ العَبْسِيّ وحَنْظَلَة بن الرَّبيع التَّميمي ّ ، وتكلّما وأظهرا أنَّ الصَّلاح في ترك حرب معاوية ، أو في الحرب مع عدم العجلة . ] فقام إليه مَعْقِل بن قَيْس اليَرْبُوعي ّ ، ثُمَّ الرِّياحي ، فقال : يا أمير المونين ، إنَّ هؤلاء واللّه ، ما أتوك بنصح ولا دخلوا عليك إلاَّ بغشّ ، فاحذرهم فإنَّهم أدنى العدوّ . فقال له مالك بن حبيب : يا أمير المونين ، إنَّه بلغني أنَّ حَنْظَلَة هذا يكاتب معاوية ، فادفعه إلينا نحبسه حَتَّى تنقضي غزاتك ثُمَّ تنصرف . وقام إلى عليّ عليه السلام عَيَّاش بن رَبيعة ، وقائد بن بُكَيْر العَبْسيان ، فقالا : ياأمير المونين ، إنَّ صاحبنا عبد اللّه بن المُعْتمّ قد بلغنا أنّه يكاتب معاوية فاحبسه ، أو أمكنّا منه نحبسه حَتَّى تنقضي غزاتك ، وتنصرف . فأخذا يقولان : هذا جزاء من نظر لكم ، وأشار عليكم بالرَّأي فيما بينكم وبين عدوّكم . فقال لهما عليّ عليه السلام : « اللّه ُ بيني وبينَكُم ، وإليهِ أَكِلُكُم ، وبهِ أستَظهِرُ عليكُم ، اذهَبُوا حَيثُ شِئتُم » . [ فهربا إلى معاوية . . . ] (2) [ فلمّا تمَّت المشاورة ، وعزم أمير المؤمنين عليه السلام على المسير إلى قتال أهل الشَّام ، كتب إلى عمّاله كُتبا ، ومنها ما كتب إلى مِخْنَف بن سُلَيْم الأزْدِيّ ، وهو هذا الكتاب . ] قال نصر : وكتب إلى أمراء أعماله كلّهم بنحو ما كتب به إلى مِخْنَف بن سُلَيْم ، وأقام ينتظرهم . (3) وقال أبو جَعْفَر الإسكافي : فلمَّا أراد أمير المؤمنين عليه السلام المسير إلى معاوية ، كتب إلى عمّاله نسخة واحدة . (4)

.


1- . وقعة صفّين : ص92 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص171و راجع : بحار الأنوار : ج32 ص397 .
2- . وقعة صفّين : ص95 _ 97 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص176 ، جمهرة خطب العرب : ج1 ص312 _ 315 .
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص183 وراجع : وقعة صفّين :ص104 .
4- . المعيار والموازنة : ص124 .

ص: 348

. .

ص: 349

. .

ص: 350

مخنف بن سليم بن الحارث بن عوف

مِخْنَف بن سُلَيْم بن الحارث بن عَوْفمن غامد من الأزْد ، أسلم وصحب النَّبيّ صلى الله عليه و آله . (1) ثُمَّ سكن الكوفة ، وكان نقيب الأزْد فيها ، واستعمله أمير المؤمنين عليه السلام بعد فتح البصرة ورجوعه إلى الكوفة على إصبهان وهمدان ، وكتب إليه هذا الكتاب ، وأشخصه إلى الكوفة لحرب الشَّام ، فقال له : « استخلِفْ علَى عَمَلِكَ أوْثَقَ أصحابِكَ في نَفْسِكَ » ، فاستخلف مِخْنَف الحارثَ بنَ أبي الحارث ِ علَى إصبهان ، وسعِيدَ بنَ وَهَب ٍ علَى همدان ، وكلاهُما من قومِهِ وأقبل حَتَّى شَهِدَ صفِّين ، (2) وكان علَى الأزْد ِ وبُجَيلَة وخثعم والأنصار وخزاعة . (3) عدَّه ابن سَعْد من أهل العلم والفضل ، ومن أصحابِ النَّبيّ صلى الله عليه و آله الَّذِين نزلوا الكوفة . (4) وقال ابن حَجَر : رواياته في كتب السُّنن كثيرة . وقال الطَّبري في حرب البصرة : خرج إلى عليّ من الكوفة إثنا عشر ألف رجل ، وهم أسباع ، . . . وسبع بُجَيلَة وأنمار وخثعم والأزْد عليهم مِخْنَف بن سُلَيْم الأزْدِيّ . (5)

.


1- . الطبقات الكبرى : ج6 ص35 ، الاستيعاب : ج4 ص30 ، أسد الغابة : ج5 ص122 ، الإصابة : ج6 ص45 .
2- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص183 ، تاريخ اصبهان : ج1 ص100 ،الاستيعاب : ج4 ص30 ، أسد الغابة : ج5 ص122 ؛ وقعة صفّين : ص105 ، بحار الأنوار : ج32 ص400 .
3- . راجع : وقعة صفّين :ص117 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص194 .
4- . الطبقات الكبرى : ج6 ص35 .
5- . تاريخ الطبري : ج4 ص500 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص329 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص193 كلاهما نحوه .

ص: 351

عديّ بن حاتم

عَدِيُّ بنُ حاتِمعديّ بن حاتم بن عبد اللّه الطَّائيّ ، يُكَنَّى أبا طريف ، ابن سخيِّ العرب ِ المشهور حاتم الطَّائي (1) ، وأحد الصَّحابة (2) . تولّى عَدِي ّ رئاسة قبيلته ، وحضر عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله سنة ( 7 ه ) وأسلم (3) ، فأكرمه ورعى حرمته (4) . ظلّ وفيّا للولاية العلويَّة بعد وفاة النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، وذاد عن حريم الحقّ والولاية (5) . شهد مع أمير المؤمنين عليه السلام مشاهده (6) . ولمّا لحق أحد أولاده بمعاوية ، برئ منه (7) . وكلماته أمام مساعير الفتنة دليل على وعيه العميق للحوادث ، وإدراكه السليم لموقف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وثباته على صراط الحقّ ، ومن كلماته : أيُّها النَّاس ، إنّه واللّه ِ ، لو غيرُ علي ٍّ دعانا إلى قتالِ أهلِ الصَّلاةِ ما أجبناهُ . . . (8) . اختاره الإمام عليه السلام لِمفاوَضَةِ العَدُوِّ في صفِّين بسبب منطقه البليغ (9) . قتل أحد أولاده في إحدى حروب الإمام ، كما فقد إحدى عينيه (10) . وكان معاوية يعظّمه ويرعى حرمته ، بَيْد أنّه كان يذكر الإمام عليه السلام في مناسبات مختلفة ويُثني عليه . ولم يتنازل عن موقفه الحقّ أمام معاوية (11) . توفي حوالي سنة 68 ه (12) ، وله من العمر مئة وعشرون سنة (13) . في الإمامة والسياسة _ في ذكر حرب صفِّين واختلاف أصحاب الإمام في استمرار القتال _ : ثمّ قام عَدِيّ بن حاتم فقال : أيُّها النَّاس ، إنّه واللّه ، لو غير علي ّ دعانا إلى قتال أهل الصَّلاة ما أجبناهُ ، ولا وقع بأمر قطّ إلاّ ومعه من اللّه برهان ، وفي يديه من اللّه سبب ، وإنّه وقف عن عثمان بشبهة ، وقاتل أهلَ الجَمَل ِ على النَّكثِ ، وأهلَ الشَّام على البغي (14) . وفي وقعة صفِّين : جاء عَدِيّ بن حاتم يلتمس عليّا ، ما يطأ إلاّ على إنسان ميّت أو قدم أو ساعد ، فوجده تحت رايات بكر بن وائل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ألا نقوم حتَّى نموت ؟ فقال عليّ :« ادنُه » ، فدنا حتَّى وضع اُذنه عند أنفه ، فقال : « ويحَكَ ، إنّ عامّةَ مَن معِي يَعصِيني ، وإنّ مُعاوِيةَ فِيمَن يُطِيعُهُ ولا يعصيه » (15) . وفي الجمل _ في ذكر أحداث ما قبل حرب الجمل _ : أقبل أمير المؤمنين عليه السلام على عديّ بن حاتم فقال له : يا عَدِيّ ، أنتَ شاهِدٌ لنا ، وحاضِرٌ مَعَنا وما نَحنُ فِيهِ ؟ فقال عَدِي ّ : شهدتك أو غبت عنك فأنا عندما أحببت ، هذه خيولنا معدّة ، ورماحنا محدّدة ، وسيوفنا مجرّدة ، فإن رأيت أن نتقدّم تقدّمنا ، وإنْ رأيت أن نُحجم أحجمنا ، نحن طوع لأمرك ، فَأْمُر بما شئت ، نسارع إلى امتثال أمرك (16) . وفي تاريخ الطبري عن جعفر بن حُذَيْفَة : إنّ عائذ بن قَيْس الحِزمري واثب عَدِيّ بن حاتم في الرَّاية بصفِّين _ وكانت حِزمر أكثر من بني عَدِي ّ رهط حاتم _ فَوثب عليهم عبد اللّه بن خليفة الطَّائيّ البَوْلاني عند عليّ ، فقال : يا بني حِزمر ، على عَدِي ّ تتوثّبون ! وهل فيكم مثل عَدِي ّ ؟ أو في آبائكم مثل أبي عديّ ؟ ! أ ليس بحامي القِربَةِ ومانع الماء يومَ رَويِّة ؟ أ ليس بابن ذي المِرباع وابن جواد العرب ؟ ! أ ليس بابن المُنهِبِ مالَهُ ومانعِ جارَهُ ؟ ! أ ليس من لم يغدر ولم يفجُر ، ولم يجهل ولم يبخل ، ولم يمنُن ولم يجبن ؟ ! هاتوا في آبائكم مثل أبيه ، أو هاتوا فيكم مثله . أ وَليس أفضلَكُم في الإسلام ؟ ! أ وَليس وافِدَكُم إلى رسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ؟ ! أ ليس برأسِكُم يَومَ النُّخَيلَة ِ ، ويومَ القادِسيَّة ِ ، ويومَ المَدائِن ِ ، ويومَ جَلولاء الوقيعة ، ويوم نهاوند ، ويوم تُستَر ؟ ! فما لكم وله ؟ ! واللّه ِ ، ما مِن قومِكُم أحدٌ يطلُب مِثلَ الَّذي تطلبون . فقال له عليّ بن أبي طالب عليه السلام : « حَسبُكَ يابنَ خَليفَة ، هَلُمّ أيُّها القومُ إليّ » ، وعلي َّ بجماعة طيّئ ، فأتوه جميعا ، فقال عليّ عليه السلام :« مَن كانَ رأسُكُم في هذهِ المَواطِنِ ؟ » قالت له طيّئ : عَدِيّ . فقال له ابن خليفة : فسلهم يا أمير المؤمنين ، أ ليسوا راضين مسلّمين لعديّ الرِّياسة ؟ ففعل ، فقالوا : نعم ، فقال لهم : عَدِيٌّ أحقّكم بالرَّايةِ ، فسلّموها له . فقال عليّ _ وضجّت بنو الحِزْم _ : « إنّي أراهُ رأسَكُم قَبلَ اليَومِ ، ولا أرى قومَهُ كُلَّهم إلاّ مُسلّمينَ لَهُ غَيرَكُم » ، فأتّبع في ذلك الكثرة ، فأخذها عَدِيّ (17) . وفي وقعة صفِّين عن المحلّ بن خليفة : لمّا توادع عليّ عليه السلام ومعاوية بصفِّين ، اختلفت الرُّسل فيما بينهما رجاء الصُّلح ، فأرسل عليّ بن أبي طالب إلى معاوية عَدِيّ بن حاتم ، وشَبَث بن رِبْعيّ ، ويَزيد بن قَيْس ، وزياد بن خصفة ، فدخلوا على معاوية ، فحمد اللّه عَدِيُّ بن حاتم وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّا أتيناك لندعوك إلى أمر يجمع اللّه به كلمتنا واُمّتنا ، ويحقن اللّه به دماء المسلمين ، وندعوك إلى أفضلها سابقة ، وأحسنها في الإسلام آثارا ، وقد اجتمع له النَّاس ، وقد أرشدهم اللّه بالَّذي رأوا فأتوا ، فلم يبقَ أحد غيرك وغير من معك ، فانتهِ يا معاوية من قبل أن يصيبك اللّه وأصحابك بمثل يوم الجمل . فقال له معاوية : كأنّك إنّما جئت متهدّدا ولم تأتِ مصلحا . هيهات يا عَدِيّ ، كلاّ واللّه ، إنّي لابنُ حرب ، ما يُقعقَعُ لي بالشنان (18) . أما واللّه ، إنّك لمن المُجلبين على ابن عفّان ، وأنت لمن قتلتِه ، وإنّي لأرجو أن تكون ممّن يقتله اللّه . هيهات يا عَدِي ّ ، قد حلبت بالساعد الأشدّ (19) . وفي مروج الذَّهب : ذكر أنّ عَدِيّ بن حاتم الطَّائيّ دخل على معاوية ، فقال له معاوية : مافعلت الطَّرفات _ يعني أولاده _ ؟ قال : قُتلوا مع عليّ . قال : ما أنصفك عليّ ، قتل أولادك وبقّى أولاده . فقال عَدِي ّ : ما أنصفتُ عليّا ، إذ قتل وبقيت بعده . فقال معاوية : أما إنّه قد بقيت قطرة من دم عثمان ، ما يمحوها إلاّ دم شريف من أشراف اليمن . فقال عَدِيّ : واللّه ، إنّ قلوبنا الَّتي أبغضناك بها لفي صدورنا ، وإنّ أسيافنا الَّتي قاتلناك بها لعلى عواتقنا ، ولئن أدنيت إلينا من الغدر فترا لندنينّ إليك من الشَّرّ شبرا ، وإنّ حزّ الحلقوم وحشرجة الحيزوم ، لأهون علينا من أن نسمع المساءة في عليّ ، فسلِّمِ السَّيفَ يا مُعاويةُ لباعِثِ السَّيفِ . فقال معاوية : هذه كلمات حكم فاكتبوها . وأقبل على عَدِيّ محادثا له كأنّه ما خاطبه بشيء (20) . وفي المحاسن والمساوئ : إنّ عَدِيّ بن حاتم دخل على معاوية بن أبي سُفْيَان فقال : يا عَدِيّ ، أين الطَّرَفات ؟ يعني بنيه طريفا وطارفا وطرفة . قال : قُتلوا يوم صفِّين بين يدي عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه . فقال : ما أنصفك ابن أبي طالب إذ قدّم بنيك وأخّر بنيه ! قال : بل ما أنصفت أنا عليّا ؛ إذ قُتل وبقيتُ ! قال : صف لي عليّا . فقال : إنّ رأيت أن تُعفيني . قال : لا أعفيك . قال : كان واللّه ِ ؟ بعيدَ المدى وشديدَ القوى ، يَقولُ عدلاً ويَحكُمُ فصلاً ، تتفجّر الحكمةُ من جوانبهِ ، والعلمُ مِن نَواحيهِ ، يستوحش من الدُّنيا وزهرتها ، ويستأنِسُ بالليل ووحشته ، وكان واللّه ، غزيرَ الدَّمعة ، طويلَ الفِكرَةِ ، يُحاسِبُ نفسَهُ إذا خَلا ، ويُقلِّبُ كَفّيهِ علَى ما مضَى ، يُعجِبُهُ مِنَ اللِّباسِ القصيرُ ، ومِنَ المَعاشِ الخَشِنُ ، وكانَ فينا كأحَدِنا ، يُجيبنا إذا سألناهُ ويُدنينا إذا أتَيناهُ ، ونَحنُ مَعَ تقريبِهِ لَنا وقُربِهِ مِنّا لا نُكَلّمُه لِهَيبتهِ ، ولا نرفَعُ أعيُنَنا إليهِ لِعظمَتِهِ ، فإن تَبسَّمَ فَعَنِ اللُّؤلؤِ المَنظُومِ ، يُعظِّمُ أهلَ الدِّينِ ، يَتحبَّبُ إلى المَساكِينِ ، لا يخافُ القَوِيُّ ظُلمَهُ ، ولا ييأس الضَّعيف من عدله . فاُقسِمُ ، لَقدْ رأيتُهُ ليلةً وقَد مَثُلَ في محرابِهِ ، وأرخى اللَّيلُ سِربالَهُ وغَارَتْ نُجومُهُ ، ودُموعُهُ تتحادَرُ على لِحيَتِهِ وهو يَتملمَلُ تَملمُلَ السَّليمِ ، ويَبكِي بُكاءَ الحَزينِ ، فكأنّي الآنَ أسمَعُهُ وهُو يَقولُ : « يا دنيا ، أ إليَّ تعرّضْتِ ؟ أم إليَّ أقبَلْتِ ؟ غُرِّي غيري ، لا حانَ حَينُكِ ، قَد طَلّقتُكِ ثَلاثا لا رَجعَةَ لِي فِيكِ ، فَعيشُكِ حَقيرٌ وخَطَرُكِ يَسِيرٌ ، آهٍ مِن قِلَّةِ الزَّادِ وبُعدِ السَّفَرِ وقِلّةِ الأَنيسِ ! » قال : فوكفت عينا معاوية ينشّفهما بِكُمّه ، ثمّ قال : يَرحم اللّه ُ أبا الحسن ! كان كذا فكيف صبرك عنه ؟ قال : كصبر من ذبح ولدها في حِجرها ، فهي لا ترقأ دمعتها ، ولا تسكن عبرتها . قال : فكيف ذكرك له ؟ قال : وهل يتركني الدَّهر أن أنساه ! (21)

.


1- . اُسد الغابة : ج4 ص8 الرقم3610 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص163 الرقم26 .
2- . تهذيب الكمال : ج 19 ص525 الرقم3884 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص189 الرقم29 ، تاريخ مدينة دمشق : ج40 ص66 ، سير أعلام النبلاء : ج 3 ص163 الرقم26 .
3- . تهذيب الكمال : ج19 ص525 الرقم3884 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص163 الرقم26 ، الاستيعاب : ج3 ص168 الرقم1800 ، وقيل « سنة عشرة » .
4- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص163 الرقم26 .
5- . راجع رجال الكشّي : ج1 ص186 .
6- . تاريخ بغداد : ج 1 ص189 الرقم29 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص22 ، الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص127 الرقم463 ، تهذيب الكمال : ج19 ص529 الرقم3884 ، الاستيعاب : ج3 ص169 الرقم1800 ؛ الجمل : ص367 ، وقعة صفّين : ص197 .
7- . وقعة صفّين : ص522 و523 .
8- . الإمامة والسياسة : ج1 ص141 .
9- . وقعة صفّين : ص197 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص5 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص367 .
10- . الجمل : ص367 ، وقعة صفّين : ص360 ؛ الطبقات الكبرى : ج6 ص22 ، تهذيب الكمال :ج 19 ص530 الرقم3884 ، تاريخ دمشق : ج40 ص69 و ص 92 و93 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص164 الرقم26 .
11- . مروج الذهب : ج3 ص13 ، أنساب الأشراف : ج5 ص100 ، العقد الفريد : ج3 ص86 ، تاريخ مدينة دمشق : ج40 ص95 .
12- . الطبقات الكبرى : ج6 ص22 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص190 الرقم29 ، تاريخ مدينة دمشق : ج40 ص69 ، المعارف لابن قتيبة : ص313 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص165 الرقم26 .
13- . الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص127 الرقم463 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص190 الرقم29 ، تاريخ مدينة دمشق : ج40 ص69 ، المعارف لابن قتيبة : ص313 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص165 الرقم26 .
14- . الإمامة والسياسة : ج1 ص141 .
15- . وقعة صفّين : ص379 .
16- . الجمل : ص270 .
17- . تاريخ الطبري : ج5 ص9 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص369 نحوه .
18- . الشَّنُّ والشَّنَّة : الخَلَقُ من كلِّ آنية صُنِعَت من جلد ، وجمعها شِنَانٌ ( لسان العرب : ج13 ص241 ) .
19- . وقعة صفّين : ص197 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص5 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص367 كلاهما نحوه .
20- . مروج الذهب : ج3 ص13 وراجع تاريخ مدينة دمشق : ج40 ص95 ، العقد الفريد : ج3 ص86 ، الأمالي للسيّد المرتضى : ج1 ص217 .
21- . المحاسن والمساوئ : ص46 ، وفي أكثر المصادر نقل هذا الكلام عن ضِرار بن ضمرة . راجع : ضِرار بن ضمرة الضبابي .

ص: 352

. .

ص: 353

. .

ص: 354

. .

ص: 355

. .

ص: 356

. .

ص: 357

مالك بن حبيب

مالِكُ بنُ حَبيبمالك بن حَبيب اليَرْبُوعيّ من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام البررة ، وعندما تحرّك الإمام عليه السلام تلقاء صفِّين ، تركه في الكوفة ليعبّئ النَّاس لنصرته . وكان قد ساءه عدم حضوره المعركة معه ، لكنّ الإمام عليه السلام وعده بالأجر العظيم ، وكان مالك على شرطة الإمام عليه السلام في الكوفة (1) . في وقعة صفِّين : أخذ مالك بن حَبيب رجلاً وقد تخلّف عن عليّ فضرب عنقه ، فبلغ ذلك قومه ، فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى مالك ، فنتسقّطه لعلّه أن يقرّ لنا بقتله ، فإنّه رجل أهوج . فجاؤوا فقالوا : يا مالِك ُ ، قتلتَ الرَّجُل ؟ قال : اُخبركم أنّ النَّاقة ترأم (2) ولدها . اخرجوا عنّي قبَّحكم اللّه ، أخبرتكم أنّي قتلته (3) .

.


1- . وقعة صفّين : ص133 .
2- . تَعطِف عليه فتشُمُّه وتَتَرَشَّفه ( النهاية : 2 / 176 ) .
3- . وقعة صفّين : ص140 .

ص: 358

99 _ كتابه عليه السلام إلى ابن بديل

عبد اللّه بن بديل

99كتابه عليه السلام إلى ابن بُدَيْلذكروا أنَّه قدم عبد اللّه بن بُدَيْل بن وَرْقاء الخُزاعِيّ إلى الأنبار ، وأتبعه كتابا منه [ وهذا نصّه : ]« من عَبدِ اللّه ِ علي ّ أميرِ المؤمنين ، إلى عَبدِ اللّه ِ بنِ بُدَيْل ٍ ، سلامٌ علَيكَ . أمَّا بَعْدُ ؛ فإنَّهُ بَدا لِيَ المَقامُ بِشاطِى ء الفُراتِ لِحمَّامِ عبد اللّه ، فليجئني عَبدُ اللّه بِنُ عبَّاسٍ بِمَنْ مَعَهُ ، وحُرَيْثَ بنَ جابِر ٍ . وانظُر جُندَكَ فأقِم بِهِم بالمَكانِ الَّذي أنتَ بِهِ ، وإيَّاكَ ومُواقَعَةَ أحَدٍ مِن خَيلِ العَدُوِّ حَتَّى أتقدَّمَ علَيكَ وأَذْكِ (1) العُيونَ نَحوهُم ، ولْيَكُن مَعَ عُيونِكَ مِنَ السِّلاحِ ما يُباشِرونَ بِهِ القِتالَ ، ولْتَكُن عُيونُكَ الشُّجعانُ مِن جُندِكَ ، فَإنَّ الجَبانَ لا يأتِيكَ بِصِحَّةِ الأمرِ . وانتَهِ إلى أمرِي ومَن قِبلَكَ بإذنِ اللّه ِ ، والسَّلامُ . » (2)

عَبدُ اللّه ِ بنُ بُدَيْلعبد اللّه بن بُدَيْل بن وَرْقاء الخُزاعِيّ ، أسلم قبل فتح مكّة (3) ، وشهد حُنَينا ، والطائف ، وتبوك (4) ، أشخصه النَّبيّ صلى الله عليه و آله إلى اليمن مع أخيه عبد الرَّحمن (5) . عدّه المؤرّخون من عظماء أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وأعيانهم (6) . اشتركَ عبدُ اللّه ِ في الثَّورة علَى عُثمان (7) . ثمّ كان إلى جانب الإمام أمير المؤمنين عضدا صلبا وصاحبا مُضحّيا . وشهد معه الجمل ، وصفِّين . وكان في صفِّين قائد الرَّجّالة (8) أو قائد الميمنة ، وتولّى رئاسة قُرّاء الكوفة أيضا (9) . تدلّ خُطبه وأقواله على أنّه كان يتمتّع بوعي عظيم في معرفة أوضاع عصره ، واُناس زمانه ، ودوافع أعداء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (10) . وقف عند قيام الحرب بكلّ ثبات ، وقال : إنّ معاوية ادّعى ما ليس له ، ونازع الأمر أهله ومن ليس مثله ، وجادل بالباطل ليدحض به الحقّ ، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب ، وزيّن لهم الضَّلالة . . . وأنتم واللّه ، على نورٍ من ربّكم ، وبرهانٍ مبين (11) . دنا من معاوية بشجاعة محمودة ، وصولة لا هوادة فيها . فلمّا رأى معاوية أنّ الأرض قد ضاقت عليه بما رحُبت ، أمر أن يرضخ بالصَّخر والحجارة ويُقضى عليه . فاستشهد عبد اللّه (12) ، وسمّاه معاوية : كبش القوم ، وذكر شجاعته واستبساله متعجّبا (13) ، وذهب إلى أنّه فذّ لا نظير له في القتال . وعُدّ عبد اللّه أحد دُهاة العرب الخمسة (14) . واستشهد أخوه عبد الرَّحمن في صفِّين أيضا (15) . ودافع عبد اللّه عن إمامه حتَّى آخر لحظة من حياته بكلّ ما اُوتي من جُهد . وعندما طلب منه رفيق دربه وصاحبه الأسْوَد بن طهمان الخُزاعِيّ أن يوصيه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ، قال : اُوصيك بتقوى اللّه ، وأن تُناصِحَ أمير المؤمنين ، وأن تقاتل معه المُحلّين حتَّى يظهر الحقّ أو تلحق باللّه ، وأبلغه عنّي السَّلام . . . » . وعندما بلغ الإمام صلوات اللّه عليه سلامه قال : رحمه اللّه ! جاهد معنا عدوّنا في الحياة ، ونصح لنا في الوفاة (16) . في وقعة صفِّين عن زَيْد بن وَهَب : إنّ عبد اللّه بن بُدَيْل قام في أصحابه فقال : إنّ معاوية ادّعى ما ليس له ، ونازع الأمر أهلَهُ ومَن ليس مِثلَه ، وجادل بالباطل ليدحض به الحقّ ، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب ، وزيّن لهم الضَّلالة ، وزرع في قلوبهم حُبّ الفتنة ، ولبّس عليهم الأمر ، وزادهم رجسا إلى رجسهم ، وأنتم واللّه ، على نور من ربّكم وبرهان مبين . قاتلوا الطَّغام الجُفاة ولا تخشَوهم ، وكيف تخشونهم وفي أيديكم كتاب من ربّكم ظاهر مبروز ؟ ! « أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ » (17) وقد قاتلتهم مع النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، واللّه ما هم في هذه بأزكى ولا أتقى ولا أبرّ ، قوموا إلى عدوّ اللّه وعدوّكم (18) .

.


1- . أي : أدلّ .
2- . المعيار والموازنة : ص130 .
3- . تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص567 ، الاستيعاب : ج3 ص9 الرقم1489 ، اُسد الغابة : ج 3 ص184 الرقم2834 ، تقريب التهذيب : ج296 ص3225 وفيه « يوم الفتح » بدل « قبل فتح » .
4- . الاستيعاب : ج 3 ص 9 الرقم1489 ، اُسد الغابة : ج 3 ص184 الرقم2834 وفيه « شهد الفتح وحنينا و . . . » ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص567 وفيه « شهد الفتح ومابعدها » .
5- . رجال الطوسي : ص70 الرقم643 ؛ الإصابة : ج4 ص18 الرقم4577 ، تهذيب التهذيب : ج3 ص98 الرقم3747 .
6- . اُسد الغابة : ج 3 ص184 الرقم2834 ، الاستيعاب : ج 3 ص 9 الرقم1489 ، تهذيب التهذيب : ج3 ص98 الرقم3747 .
7- . تاريخ الطبري : ج4 ص382 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص567 .
8- . وقعة صفّين : ص205 ؛ تاريخ خليفة بن خيّاط : ص146 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص567 ، الاستيعاب : ج3 ص 9 الرقم1489 ، تهذيب التهذيب : ج3 ص98 الرقم3747 .
9- . وقعة صفّين : ص208 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص15 .
10- . وقعة صفّين : ص102 .
11- . وقعة صفّين : ص234 ؛ الإصابة : ج4 ص19 الرقم4577 نحوه .
12- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص446 الرقم5688 .
13- . وقعة صفّين : ص246 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص24 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص543 ، الاستيعاب : ج3 ص10 الرقم1489 .
14- . التاريخ الصغير : ج1 ص138 ، تهذيب الكمال : ج24 ص45 ، تاريخ الطبري : ج5 ص164 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص448 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص108 .
15- . تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص567 ، تهذيب التهذيب : ج3 ص98 الرقم3747 ، اُسد الغابة : ج3 ص184 الرقم2834 ؛ رجال الطوسي : ص70 الرقم643 .
16- . وقعة صفّين : ص457 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص93 .
17- . التوبة : 13 و14 .
18- . وقعة صفّين : ص234 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص16 وفيه « مبرورا » بدل « مبروز » ، الاستيعاب : ج3 ص10 الرقم1489 وليس فيه من « ولا تخشَوهم » إلى « مبروز » .

ص: 359

. .

ص: 360

. .

ص: 361

100 _ كتابه عليه السلام إلى الأسود بن قطنة

100كتابه عليه السلام إلى الأسْوَد بن قَطَنة« مِن عَبدِ اللّه ِ عليٍّ أميرِ المُوِنينَ إلى الأسْوَدِ بنِ قَطَنَة . أمَّا بعدُ ؛ فَإنَّهُ مَن لَمْ يَنْتَفِعْ بِما وُعِظَ لم يَحذَرْ ما هُوَ غابِرٌ (1) ، ومَنْ أعجَبتْهُ رَضِيَ بِها ، ولَيستْ بِثِقَةٍ . فاعتَبِرْ بِما مَضَى تَحذر ما بَقِيَ ، واطبَخْ لِلمُسلمِينَ قِبَلَكَ مِنَ الطِّلاءِ (2) ما يَذهَبُ ثُلثاهُ ، وأكثِرْ لَنا من لَطَفِ الجُندِ ، واجَعلْهُ مكانَ ما علَيهمِ مِن أرَزاقِ الجُندِ ؛ فَإنَّ للوِلْدانِ علَينا حَقَّا ، وفِي الذُّريَّةِ مَن يُخافُ دُعاوُ ، وهُو لَهُم صالِحٌ ، والسَّلام . » (3)

.


1- . الغابر : الباقي .
2- . الطِلاء _ بالكسر_ : ما طبخ من عصير العنب .
3- . وقعة صفّين : ص 106.

ص: 362

101 _ كتابه عليه السلام إلى الأسود بن قطبة

[ أقول : الأسْوَد بن قَطَنة ، كما في نصر الموجود عندي ، وقَطَبَة كما في البحار ، وفي نهج البلاغة ، وشرح البحراني : قطيبة ، بالياء ثُمَّ الباء . وفي الإصابة : الأسْوَد بن قطبة أبو مُفَزِّر ، بفتح الفاء وتشديد الزَّاء المكسورة بعدها راء . قال الدَّارقطني في المؤتلف : شهد القادسية ، وله فيها أشعار كثيرة ، هو رسول سَعْد بن أبي وَقَّاص بسبي جلولاء إلى عمر ، وهو شاعر المسلمين في تلك الأيَّام ، ذكره سيف في الفتوح ، وقال أيضا : وكان مع خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر ، ثُمَّ ذكر أبياتا من شعره . وقال الحميدي : لم أقف إلى الآن على نسب الأسْوَد بن قطبة ، وقرأت في كثير من النُّسخ أنَّه حارثي من بني الحارث بن كَعْب ، ولم أتحقَّق ذلك ، والَّذي يغلب على ظنّي أنَّه الأسْوَد بن زَيْد بن قطبة بن غنم الأنْصاريّ من بني عبيد بن عَدِيّ ، ذكره أبو عمر في الاستيعاب ، وقال : إنَّ موسى بن عُقْبَة عدَّه فيمن شهد بدر ا ، انتهى . وذكره الطَّبري كثيرا بكنيته . . .و نسبه إلى تميم ، وله عليه السلام كتاب آخر _ نقله المصنّف نقلاً عن نهج البلاغة _ ، يفيد أنَّه صاحب جند حلوان . (1) ]

101كتابه عليه السلام إلى الأسْوَد بن قُطبةمن كتاب له عليه السلام إلى الأسْوَد بن قُطبة صاحب جند حُلوان : « أمَّا بعدُ ، فإنَّ الْوَالِيَ إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاهُ مَنَعَهُ ذَلِك كَثِيرا مِنَ الْعَدْلِ ، فَلْيَكُنْ أَمْرُ النَّاس عِنْدَك فِي الْحَقِّ سَوَاءً ، فإنَّه لَيْسَ فِي الْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ ، فَاجْتَنِبْ مَا تُنْكِرُ أَمْثَالَهُ ، وابْتَذِلْ نَفْسَك فِيما افْتَرَضَ اللّه ُ عَلَيْك ، رَاجِيا ثَوَابَهُ ، ومُتَخَوِّفا عِقَابَهُ . واعْلَمْ أَنَّ الدُّنيا دَارُ بَلِيَّةٍ ، لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِيهَا قَطُّ سَاعَةً ، إِلاَّ كَانَتْ فَرْغَتُهُ علَيْه حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وأَنَّهُ لَنْ يُغْنِيَك عَنِ الْحَقِّ شَيْءٌ أَبَدا . ومِنَ الْحَقِّ عَلَيْك حِفْظُ نَفْسِك ، والاحْتِسَابُ عَلَى الرَّعِيَّةِ بِجُهْدِك ، فإنَّ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْك مِن ذَلِك أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَصِلُ بِك ، والسَّلامُ » . (2)

.


1- . راجع : نهج البلاغة : الكتاب 59 ، وقعة صفِّين : ص106 ، بحار الأنوار : ج32 ص401 وج66 ص506 وج79 ص177 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج17 ص145 ، تاريخ الطبري : ج3 ص118 ، الإصابة : ج1 ص226 وج6 ص385 ، أسد الغابة : ج1 ص85 ، تاريخ مدينة دمشق : ج9 ص70 .
2- . نهج البلاغة : الكتاب59 وراجع : نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج17 ص145 .

ص: 363

102 _ كتابه عليه السلام إلى أميرين من أمراء جيشه

103 _ كتابه عليه السلام إلى أمرائه على الجيش

102كتابه عليه السلام إلى أميرين من أمراء جيشه« وقَدْ أَمَّرْتُ عَلَيْكُمَا وعَلَى مَنْ فِي حَيِّزِكُمَا ، مَالِكَ بنَ الْحَارِثِ الأَشْتَر َ ، فَاسْمَعَا لَهُ ، وأَطِيعَا ، واجْعَلاهُ دِرْعا ومِجَنّا ، فإنَّه مِمَّنْ لا يُخَافُ وَهْنُهُ ، ولا سَقْطَتُهُ ، ولا بُطْوهُ عَمَّا الإِسْرَاعُ إِلَيْهِ أَحْزَمُ ، ولا إِسْرَاعُهُ إِلَى مَا الْبُطْءُ عَنْهُ أَمْثَلُ . » (1)

103كتابه عليه السلام إلى أُمرائه على الجيشمِن عَبْدِ اللّه عليِّ بن أبِي طالِب ٍ أميرِ المُومِنِين إلى أصْحَابِ الْمَسَالِح ِ . أَمَّا بعْدُ ، فإنَّ حَقّا على الْوَالِي ألاَّ يُغَيِّرَهُ على رَعِيَّتِه ِ فَضْلٌ نَالَهُ ، ولا طَوْلٌ خُصَّ بِهِ ، وأنْ يَزِيدَهُ ما قَسَمَ اللّه لهُ مِن نِعَمِهِ دُنُوّا من عِبَادِه ، وعَطْفا على إخْوَانِهِ . أ لا وإنَّ لكُم عِنْدي ألاَّ أَحْتَجِزَ دُونَكُمْ سِرّا إلاَّ في حَرْبٍ ، ولا أَطْوِي دُونَكُمْ أمْرا إلاَّ في حُكْمٍ ، ولا أُوخِّرَ لكُم حَقّا عن مَحَلِّه ، ولا أَقِفَ بهِ دُونَ مَقْطَعِهِ ، وأَنْ تَكُونُوا عِنْدي في الْحَقِّ سَوَاءً ، فَإذا فَعَلْتُ ذَلِكَ وجَبَتْ لِلّهِ عليْكُمُ النِّعْمَةُ ، ولِي عَلَيْكُمُ الطَّاعَةُ ، وألاَّ تَنْكُصُوا عن دَعْوَةٍ ، ولا تُفَرِّطُوا في صَلاحٍ ، وأنْ تَخُوضُوا الْغَمَرَاتِ إلى الْحَقِّ ، فَإنْ أَنْتُمْ لَمْ تَسْتَقِيمُوا لي علَى ذَلِكَ ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَهْوَنَ علَيَّ مِمَّنِ اعْوَجَّ مِنْكُمْ ، ثُمَّ أُعْظِمُ لَهُ الْعُقُوبَةَ ، ولا يَجِدُ عندِي فيها رُخْصَةً فَخُذُوا هذا من أُمَرَائِكُمْ ، وأَعْطُوهُمْ من أَنْفُسِكُمْ ما يُصْلِحُ اللّه ُ بهِ أَمْرَكُم ، والسَّلامُ . (2)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب13 .
2- . نهج البلاغة : الكتاب50 ، الأمالي للطوسي : ص221 ، وقعة صفِّين : ص107 ، بحار الأنوار : ج75 ص354 ، المعيار والموازنة : ص103 .

ص: 364

104 _ كتابه عليه السلام إلى أمراء الأجناد

104كتابه عليه السلام إلى أُمراء الأجنادوإلى العُمَّالِ الَّذِينَ يَطأُ الجَيشُ عَمَلَهُم :« مِنْ عَبْدِ اللّه ِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُومِنِينَ إلى مَن مَرَّ بهِ الْجَيْشُ مِنْ جُبَاةِ الْخَرَاجِ وعُمَّالِ الْبِلاد : أَمَّا بَعْدُ ؛ فإنِّي قد سَيَّرْتُ جُنُودا ، هِي مَارَّةٌ بِكُمْ إِنْ شَاءَ اللّه ُ ، وقد أَوْصَيْتُهُمْ بما يَجِبُ للّه ِ علَيهِم مِن كَفِّ الأَذَى ، وصَرْفِ الشَّذَى ، وأَنَا أَبْرَأُ إلَيكُم ، وإلَى ذِمَّتِكُم مِن مَعَرَّة الْجَيْشِ ، إلاَّ مِنْ جَوْعَةِ المُضْطَرِّ لا يَجِدُ عَنْهَا مَذْهَبا إلى شِبَعِه ، فَنَكِّلُوا مَن تَنَاوَلَ مِنْهم شَيْئا ظُلْما عَن ظُلْمِهِم ، وكُفُّوا أَيْدِيَ سُفَهَائِكُم عَن مُضَارَّتِهِم ، والتَّعَرُّضِ لَهُمْ فِيما اسْتَثْنَيْنَاهُ مِنْهُم ، وأَنا بَيْنَ أَظْهُرِ الْجَيْشِ فَارْفَعُوا إِلَيَّ مَظَالِمَكُم ، وما عَرَاكُمْ مِمَّا يَغْلِبُكُمْ مِن أَمْرِهِم ، وما لا تُطِيقُونَ دَفْعَهُ إلاَّ بِاللّه ِ وبي ، فَأَنَا أُغَيِّرُهُ بِمَعُونَةِ اللّه ِ ، إنْ شَاءَ اللّه ُ » . (1) قال نصر : وفي حديث عمر أيضا بإسناده ، ثُمَّ قال : إنَّ عليَّا كتب إلى أُمراء الأجناد : « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِن عَبدِ اللّه ِ علِيٍّ أميرِ المُونينَ ، أمَّا بَعدُ ؛ فإنّي أبرأُ إلَيكُمْ وإلى أْهلِ الذِّمَّةِ مِن مَعَرَّةِ الجَيشِ ، إلاَّ مِن جَوعةٍ إلى شَبْعَةٍ ، ومِن فَقْرٍ إلى غِنَىً ، أو عَمىً إلى هُدَىً ؛ فإنَّ ذلك علَيهِم . فاعزِلُوا النَّاسَ عَنِ الظُّلمِ والعُدوانِ ، وخُذُوا علَى أيدي سُفهائِكُم ، واحتَرسِوا أن تَعمَلُوا أعْمالاً لا يَرضى اللّه ُ بِها عنَّا ، فَيَرُدَّ علينا وعَلَيكُم دُعاءَنا ، فإنَّ اللّه َ تعالى يقولُ : « قُلْ مَا يَعْبَؤُاْ بِكُمْ رَبِّى لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامَا » (2) فإنَّ اللّه َ إذا مَقَتَ قَوْما مِنَ السَّماءِ هَلكُوا في الأرْضِ ، فَلا تألُوا أَنْفُسَكُم خَيْرا ، ولا الجُنْدَ حُسنَ سِيرَةٍ ، ولا الرَّعِيَّةَ مَعونَةً ، ولا دِينَ اللّه ِ قُوَّةً ، وأَبلُوا في سَبِيلِهِ ما استوجَبَ عَلَيكُمْ ، فَإنَّ اللّه َ قَدِ اصطَنَعَ عِندَنا وعِندَكُمْ ما يَجِبُ علَينا أن نَشكُرَهُ بِجُهدِنا ؛ وأن نَنصُرَهُ ما بلَغَتْ قَوَّتُنا . ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ » . وكتب أبو ثروان . (3)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب60 .
2- . الفرقان : الآية 77 .
3- . وقعة صفّين : ص125 ، بحار الأنوار : ج33 ص486 ح691 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص194 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص407 .

ص: 365

105 _ كتابه عليه السلام إلى جنوده

105كتابه عليه السلام إلى جنودهقال نصر : وفي كتاب عمر بن سَعْد أيضا : وكتب إلى جنوده يخبرهم بالَّذي لهم والَّذي عليهم :« مِنْ عَبدِ اللّه ِ عَلِيٍّ أميرِ المُوِنينَ ، أمَّا بَعْدُ ؛ فَإنَّ اللّه َ جَعَلَكُم في الحَقِّ جَميعا سَواءً ، أسوَدكُم وأحْمرَكُم ، وجَعَلَكُم مِن الوالِي وجَعَلَ الوالِيَ مِنكُمْ بِمَنْزِلَةِ الوالِدِ مِنَ الوَلَدِ ، وبِمَنْزِلَةِ الوَلَدِ مِنَ الوالِدِ الَّذي لا يَكْفِيهِم مَنعُهُ إيَّاهُمْ طلبَ عَدُوِّهِ والتُّهمَةِ بهِ ، ما سَمِعْتُم وأطَعْتُم وقَضَيتُم الَّذي علَيكُم . وإنَّ حَقَّكُم علَيهِ إنصافُكُم ، والتَّعدِيلُ بَينَكُم ، والكَفُّ عن فَيئِكُم . فإذا فَعلَ ذلِكَ مَعكُم وَجَبتْ عَلَيكُم طاعَتُهُ بِما وافَقَ الحَقَّ ، ونُصرَتُهُ علَى سِيرَتِهِ ، والدَّفْعُ عَن سُلطانِ اللّه ِ ؛ فَإنَّكُم وَزَعَةُ (1) اللّه ِ في الأرضِ ، فَكُونُوا لَهُ أعوانا ، ولدِينِهِ أَنْصارا ، ولا تُفسِدُوا في الأرضِ بَعدَ إصلاحِها ، إنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ المُفسِدينَ » . (2)

.


1- . فقال عمر : الوزعة الَّذِين يدفعون عن الظلم .
2- . وقعة صفّين : ص126 ، بحار الأنوار : ج32 ص416 ح375 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص195 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص407 .

ص: 366

106 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

106كتابه عليه السلام إلى معاوية[ أورده مصنّف كتاب معادن الحكمة رحمه الله كتابه عليه السلام إلى معاوية (1) ، عن السَّيِّد رحمه اللهفي نهج البلاغة ، ونقل صدره عن البحراني (2) ، ولكنَّ نقل ابن أبي الحديد الكتاب بنحوٍ آخر قال : ] واعلم أنَّ هذه الخطبة [ يريد الكتاب الَّذي نقله السَّيِّد في نهج البلاغة (3) ، ونقله عنه المصنف وأوَّلُه : وكيف أنتَ إذا تَكَشَّفَتْ عَنكَ جَلابِيبُ ما أنتَ فيهِ ] قد ذكرها نَصْر بن مزاحم في كتاب صفِّين على وجه يقتضي أنَّ ما ذكره الرَّضِيُ رحمه اللهمنها ، قد ضمَّ إليه بعضَ خطبة أخرى ، وهذه عادَتَهُ ، لأنَّ غَرَضَه الْتِقاط الفصيح والبليغ من كلامه ، والَّذي ذكره نَصْر بن مُزاحم هذه صورته : [ صورة الكتاب على نصّ المعتزليّ ]« مِن عَبدِ اللّه ِ عَلِيٍّ أميرِ المُوِنينَ إلى مُعاوِيَة َ بنِ أبي سُفْيانَ : سَلامٌ علَى مَنِ اتَّبعَ الهُدى ، فإنِّي أحمَد إلَيْكَ اللّه َ الَّذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ . أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّكَ قَد رأيْتَ مُرورَ الدُّنيا وانقَضاءها وتَصَرُّمَها وتَصَرُّفَها بِأَهلِها ، وخيرُ ما اكتُسِبَ مِنَ الدُّنيا ما أصابَهُ العِبادُ الصَّالِحونَ مِنها مِنَ التَّقوى ، ومَن يَقِسِ الدُّنيا بِالآخِرَةِ يَجِدْ بَينَهما بَعِيدا . واعلَمْ يا مُعاوِيَة ُ ، أنَّك قَدِ ادَّعَيتَ أمْرا لستَ مِن أهلِهِ لا فِي القَديمِ ولا في الحَديثِ ، ولَسْتَ تَقولُ فيهِ بأمرٍ بَيِّنٍ يُعرَفُ لَهُ أثرٌ ، ولا عَلَيْكَ مِنهُ شاهِدٌ مِن كِتابِ اللّه ِ ، ولَسْتَ مُتعلِّقا بِآيَةٍ مِن كِتابِ اللّه ِ ، ولا عَهْدٍ مِن رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَكَيْفَ أنتَ صانِعٌ إذا تقشَّعَتْ عَنكَ غَيابَةُ ما أنتَ فيهِ مِن دنيا قَدْ فَتَنَتْ بِزِينَتِها ، ورَكَنْتَ إلى لَذَّاتِها ، وخُلِّيَ بَينَكَ وبَينَ عَدُوِّكَ فِيها ، وهُوَ عَدُوٌّ وكَلِبٌ مُضِلٌّ جاهِدٌ مُليح ، ملحّ مع ما قد ثَبَتَ في نَفْسِكَ من جِهَتِها ، دَعَتْكَ فأجَبتَها ، وقادَتْكَ فاتَّبعْتَها ، وأمَرَتْكَ فأَطعْتَها ، فَاقْعَسْ (4) عَن هذا الأمْرِ ، وخُذْ أُهبَةَ الحِسابِ ؛ فَإنَّهُ يُوشِكُ أن يَقِفَكَ واقِفٌ علَى ما لا يُجِنَّك مِجَنٌّ . ومتَى كُنتُم يا مُعاوِيَة ُ ، ساسَةَ الرَّعيَّةِ ، أو وُلاةً لأمْرِ هذهِ الأمَّةِ ، بِلا قَدَمٍ حَسَنٍ ، ولا شَرَفٍ تَليدٍ على قَومِكُم ، فاستَيْقَظْ مِن سِنَتِكَ ، وارجِعْ إلى خالِقِكَ ، وشَمِّر لِما سَيْنزِلُ بِكَ ، ولا تُمَكِّنْ عَدُوَّكَ الشَّيطانَ مِنْ بُغْيَتِهِ فِيكَ ، مَعَ أنِّي أعْرِفُ أنَّ اللّه َ ورَسُولَهُ صادِقانِ . نَعوذُ باللّه ِ مِن لُزومِ سابِقِ الشَّقاءِ ، وإلاَّ تَفْعَلْ فإنِّي أُعلِمْكَ ما أغفَلْتَ مِن نَفْسِكَ ، إنَّك مُترَفٌ ، قَد أخَذَ مِنكَ الشَّيطانُ مأْخَذَهُ ، فَجَرى مِنكَ مَجرَى الدَّمِ في العُروقِ ، ولَستَ مِن أئمَّةِ هذهِ الأمَّةِ ولا مِن رُعَاتِها . واعلَم أنَّ هذا الأمرَ لو كانَ إلى النَّاسِ أو بِأيديهِم لحَسَدُوناهُ ، ولامْتَنُّوا علَينا بهِ ، ولكِنَّهُ قَضَاءٌ مِمَّن مَنَحَناهُ واختَصَّنا بهِ علَى لِسانِ نَبيِّهِ الصَّادِقِ المُصَدَّقِ ، لا أفلَحَ مَن شَكَّ بَعدَ العِرفانِ والبَيِّنَةِ ! رَبِّ احكُم بَينَنا وبَينَ عَدُوِّنا بالحَقِّ ، وأنتَ خَيرُ الحاكِمينَ » . (5)

.


1- . معادن الحكمة : ج1 ص156 _ 158 الرقم2 .
2- . شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج4 ص370 و371 .
3- . نهج البلاغة : الكتاب 10 .
4- . القعس : التأخير والرجوع إلى الخلف ، والأصل : قايس من هذا الأمر ( لسان العرب: ج6 ص177 «قعس» ) .
5- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص86 وراجع : وقعة صفِّين : ص108 _ 110 ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج59 ص132 و133 .

ص: 367

. .

ص: 368

[ أقول : نقل المعتزلي الكتاب عن صفِّين لنصر ، مع أنَّ بينه وبين ما في كتاب نَصْر الموجود بونا بعيدا ، وقال الشَّارح العلاّمة الآملي : واعلم أنَّ بين صورة كتاب الأمير عليه السلام على نسخة كتاب صفِّين _ الَّتي نقلت عنه _ وبين صورته على نسخته الَّتي نقلها الفاضل الشَّارح المعتزلي في شرحه على النَّهج بونا بعيدا ، وتفاوتا كثيرا ، ولسنا نعلم كيفية تطرّق مثل هذا الاختلاف الفاحش إلى كتاب واحد ، ولم يحضرني نسخة مصحّحة من كتاب صفِّين ، ولا نسخ متعددة منه ، لحكمنا على صحَّة نسخة ، ولا يبعد أن يقال : إذا كان لابدَّ من اختيار نسخة من بين النُّسخ وترجيحها على غيرها ، فالمختار هو ما في النَّهج ، لمكانة الرَّضيّ في معرفة فنون الكلام وبخصوص أساليبه . . . (1) وأمَّا بخصوص ما قاله الشَّارح المعتزلي : . . .قد ضمَّ إليه بعضَ خطبة أخرى ، وهذه عادتَه ، لأنَّ غَرَضَه الْتِقاط الفصيح والبليغ من كلامه ؛ ففيه ما لا يخفى ، وهو أنَّ غرض الشَّريف رحمه الله الْتِقاط الفصيح ( لا مزج خطبة أو كتاب بخطبة أو كتاب ) ولازمه حذف بعض من الكتاب أو الخطبة ، وغاب عنه ، إنَّ ما نسبه إلى السَّيِّد خيانة في النَّقل وكذب في الحديث ، وهو أتقى وأورع من ذلك . وحجته في ذلك ، خلوُّ رواية نَصْر بن مزاحم من بعض فقرات هذا الكتاب ، ولو كان الأمرُ كما ذكر ، لنبَّه عليه الرَّضِيُّ ، فقد عرفت احتياطه في النَّقل ، وتثبُّتهُ في الرِّواية . . . وعلى كلّ حال ، فنحن إنّما نورد نصّ نَصْر أيضا لتتميم الفائدة ، وهذا هو : ] « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِن عَبدِ اللّه ِ عَلِيٍّ أميرِ المُوِنينَ إلى مُعاوِيَة َ بنِ أبي سُفْيَانَ : سَلامٌ علَى مَنِ اتَّبعَ الهُدى ، فَإنِّي أحمَدُ اللّه َ إليكَ الَّذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ . أمَّا بعدُ ؛ فإنَّكَ قَدْ رأيْتَ مِنَ الدُّنيا وتَصَرُّفِها بِأهْلِها ، وإلى ما مَضَى مِنْها ، وخيرُ ما بَقِيَ من الدُّنيا ما أصابَ العِبادُ الصَّادِقُونَ فِيما مَضَى ، ومَن نَسِيَ الدُّنيا نِسيَانَ الآخِرَةِ يَجِدْ بَينَهُما بَوْنا بَعِيدا . واعلَمْ يا مُعاوِيَة ُ ، أنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ أمرا لَسْتَ مِن أهلِهِ لا فِي القدَمِ ، ولا فِي الوِلايَةِ ، ولَسْتَ تَقولُ فيهِ بِأمْرٍ بَيِّنٍ تُعرَفُ لَكَ بهِ أثَرَةٌ ، ولا لَكَ عَليهِ شاهِدٌ مِن كِتابِ اللّه ِ ، ولا عَهْدٌ تَدَّعِيهِ مِن رَسُولِ اللّه ِ ، فكَيفَ أنْتَ صانِعٌ إذا انْقَشَعَتْ عَنكَ جَلابِيبُ ما أنتَ فِيهِ ، مِن دُنيا أبْهَجَتْ بِزِينَتِها ، وَرَكَنْتَ إلى لَذَّتِها ، وخُلِّيَ فيها بَينَكَ وبين عَدُوٍّ جاهِدٍ مُلِحٍّ ، معَ ما عَرَضَ فِي نَفْسِكَ مِن دُنيا قَدْ دعَتْكَ فأَجَبتَها ، وقادَتْكَ فاتَّبعْتَها ، وأمَرَتْكَ فأطَعْتَها . فاقْعَس عَن هذا الأمرِ ، وخُذْ أُهبةَ الحِسابِ ؛ فإنَّهُ يُوشَكُ أن يَقِفَكَ واقِفٌ علَى ما لا يُجِنَّك مِنهُ مِجَنٌّ . ومَتى كُنتُمْ يا مُعاوِيَة ُ ، ساسَةً للرَعِيَّةِ ، أو وُلاةً لأمْرِ هذهِ الأمَّةِ بِغَيْرِ قَدَمٍ حَسَنٍ ، ولا شَرَفٍ سابِقٍ علَى قَوْمِكُم . فشمِّر لِما قَدْ نَزَلَ بِكَ ، ولا تُمَكِّنِ الشَّيطانَ مِن بُغْيَتِهِ فِيكَ ، مَعَ أنِّي أعرِفُ أنَّ اللّه َ ورسُولَهُ صادِقان . فَنَعوذُ باللّه ِ مِن لُزُومِ سابِقِ الشَّقاءِ ، وإلاَّ تَفعَلْ أُعلِمْكَ ما أغفَلَكَ مِن نَفْسِكَ ، فَإنَّكَ مُترَفٌ قَد أخَذَ مِنكَ الشَّيطانُ مَأْخَذَهُ ، فَجَرى مِنكَ مَجرى الدَّمِ في العُروقِ . واعلَم أنَّ هذا الأمرَ لَو كانَ إلى النَّاسِ أو بأيديهِم لَحَسَدُونا ، وامتَنُّوا بهِ علَيْنا ، ولَكِنَّهُ قَضاءٌ مِمَّن امتَنَّ بهِ علَينا علَى لِسانِ نَبيِّهِ الصَّادِقِ المُصَدَّقِ . لا أفلَحَ مَنْ شَكَّ بَعدَ العِرفانِ والبَيِّنَةِ . اللّهُمَّ احكُمْ بَيننا وبَيْنَ عَدُوِّنا بالحَقِّ ، وأنتَ خَيرُ الحاكِمينَ » . فكتب معاوية : بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من معاوية بن أبي سُفْيَان إلى عليّ بن أبي طالب : أمَّا بعد ، فدع الحسد ، فإنَّك طالما لم تنتفِعْ به ، ولا تُفسِد سابقةَ قِدَمك بشَرَهِ نَخوَتِكَ ، فإنَّ الأعمال بخواتيمها ، ولا تمحقْ سابقتك في حقِّ من لا حقَّ لك في حقّه ، فإنَّك إن تفعل لا تضرُّ بذلك إلاّ نفسَكَ ، ولا تمحقُ إلاَّ عملَكَ ، ولا تُبطِلُ إلاَّ حجَّتكَ . ولعَمري ، ما مضى لك من السَّابقات لشبيهٌ أن يكون ممحوقا ؛ لِما اجترأت عليه من سفْك الدِّماء ، وخلاف أهلِ الحقِّ. فاقرأ سورة الفلق، وتعوَّذْ باللّه ِ من شرِّ نفسك، فإنَّك الحاسد إذا حسد. (2) [ قال الأحمديّ : استدلّ أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الكتاب على رواية نَصْر على ولايته بالنَّصّ ، وطالب فيما يدَّعيه نصّا ].

.


1- . منهاج البراعة : ج18 ص22 .
2- . وقعة صفِّين : ص108 _ 110 وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص86 و87 ، تاريخ مدينة دمشق : ج59 ص132 و133 .

ص: 369

. .

ص: 370

. .

ص: 371

107 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

108 _ كتابه عليه السلام إلى عمرو بن العاص

107كتابه عليه السلام إلى معاويةشيخ الطَّائفة محمَّد بن الحسن الطُّوسيّ رحمه الله ، عن محمَّد بن محمَّد قال : أخبرني أبو الحسن عليُّ بن محمَّد الكاتب ، قال : حدَّثنا الأجْلَحُ ، عن حَبيب بن أبي ثابت ، عن ثَعْلَبة بن يزَيْد الحِمَّانِيّ ، قال : كتَب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى معاوية بن أبي سُفْيَان :« أمَّا بعدُ ، فإنَّ اللّه تعالى أنْزَل إليْنا كتابَه ولم يَدَعْنا في شُبْهَةٍ ، ولا عُذْرَ لِمَن رَكَب ذَنْبا بجَهالَةٍ ، والتَّوْبَةُ مبْسُوطَةٌ ، « وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى » (1) ، وأنتَ ممَّن شَرَعَ الخِلافَ ؛ متمادِيا في غِرَّةِ الأملِ ، مُختَلِفَ السِّرِّ والعَلانِيَةِ ، رَغْبةً في العاجِلِ ، وتَكْذِيبا بالآجِلِ ، وكأنَّكَ قَدْ تذَكَّرتَ ما مَضَى مِنْكَ فلَمْ تَجِدْ إلى الرُّجُوعِ سَبِيلاً » . (2)

108كتابه عليه السلام إلى عَمْرو بن العاصشيخ الطَّائفة محمَّد بن الحسن الطُّوسي رحمه الله ، عن محمَّد بن محمَّد قال : أخبرني أبو الحسن عليّ بن محمَّد الكاتب ، قال : حدَّثنا الأجْلَحُ ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ثَعْلَبة بن يزَيْد الحِمَّانِيّ ، قال : كتَب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه إلى عَمْرو بن العاص :« مِنْ عَبدِ اللّه ِ أميرِ المُؤمِنينَ إلى عَمْرو بن العاص . أمَّا بَعدُ ، فإنَّ الَّذِي أعْجَبَكَ مِمَّا تَلَوَّيْتَ مِنَ الدُّنيا ووَثِقْتَ بهِ مِنها مُنْقَلِبٌ عَنْكَ ، فلا تَطْمَئِنَّ إلى الدُّنيا ، فإنَّها غَرَّارَةٌ ، ولَو اِعْتَبَرْتَ بِما مَضَى حَذَرْتَ ما بَقِيَ ، وانْتَفَعْتَ مِنها بما وُعِظْتَ بهِ ، ولكنَّك تبَعْتَ هَواكَ وآثَرْتَهُ ، ولوْلا ذلِكَ لمْ تُؤثِرْ علَى ما دَعَوْناك إليْهِ غَيْرَهُ ، لأنَّا أعْظَمُ رَجاءً وأوْلى بالحُجَّةِ ، والسَّلامُ . » (3)

.


1- . الأنعام :164 .
2- . الأمالي للطوسي : ص217 ح 381 ، بحار الأنوار : ج33 ص75 .
3- . الأمالي للطوسي : ص217 ح 381 وراجع : وقعة صفِّين : ص498 .

ص: 372

109 _ كتابه عليه السلام إلى عمرو بن العاص

109كتابه عليه السلام إلى عَمْرو بن العاص« مِن عَبْدِ اللّه ِ علَيٍّ أميْر المُومِنينَ إلَى الأبْتَرِ بْنِ الأبْتَرِ عَمْرو بْن العَاصِ بْن وائِلٍ ، شانِئ مُحمَّدٍ وآلِ محمَّد في الجَاهِلِيَّة والإسْلام ، سَلامٌ علَى مَنِ اتَّبعَ الهُدَى . أمَّا بَعْدُ ، فإنَّك تَركتَ مرُوءَتَكَ لامْرِىًفاسِقٍ مَهْتُوكٍ سِتْرُهُ ، يَشِينُ الكَرِيْمَ بمَجْلِسهِ ، ويُسَفِّهُ الحَلِيمَ بخِلْطَتِهِ ، فصَارَ قلْبُك لِقَلْبِهِ تَبَعا ، كما قيل : وافَقَ شَنٌّ طَبَقَةَ ؛ فَسَلَبَكَ دِينَك وأمانَتَكَ ودُنياكَ وآخِرَتَك ، وكانَ عِلْمُ اللّه ِ بالِغا فِيكَ . فَصِرْتَ كالذِّئبِ يَتْبَعُ الضَّرْغامَ إذا ما اللَّيلُ دَجى ، أوْ أتَى الصُّبْحَ يَلْتَمِسُ فاضِلَ سُوِهِ وحَوايَا فَرِيْسَتِهِ ، ولكِن لا نَجاةَ مِنَ القَدَرِ ، ولو بالحَقِّ أَخَذْتَ لأدْرَكْتَ ما رَجَوْتَ ، وقَدْ رَشَدَ مَن كانَ الحَقُّ قائِدَهُ ، فإنْ يُمْكِنِ اللّه ُ مِنْكَ ومِن ابْنِ آكِلَةِ الأكْبادِ ، ألْحَقْتُكُما بِمَنْ قَتَلَهُ اللّه ُ مِن ظَلَمَةِ قُرَيْشٍ علَى عَهْدِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وإنْ تُعْجِزا وتَبْقيا بَعْدُ فاللّه ُ حَسْبُكُما ، وكَفى بانْتِقامِهِ انْتِقاما ، وبعِقابِهِ عِقابا ، والسَّلامُ » . (1)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص163 وراجع : جمهرة رسائل العرب : ج1 ص486 ، الغدير : ج2 ص130 .

ص: 373

110 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

111 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

110كتابه عليه السلام إلى معاوية« أمَّا بعدُ ؛ فإنَّك قد ذُقْتَ ضَرَّاءَ الحَرْبِ وأذَقتها ، وإنِّي عَارضٌ عليكُمْ ما عَرَضَ المُخارِقُ علَى بني فالَج : أيا راكِبا إمّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْبَنِي فالَجٍ حَيْثُ استقَرَّ قَرَارُها هَلُمُّوا إليْنا لا تَكونُوا كأنَّكُمْبَلاقِعُ أَرْضٍ طارَ عَنها غُبارُها سُلَيْمُ بنُ مَنْصُورٍ أناسَ بِحَرَّةٍوأَرْضُهُم أَرْضٌ كَثِيرٌ وبارُها » . (1)

111كتابه عليه السلام إلى معاويةوكتَب معاويَة إلى أميْر المؤمنين عليه السلام : أمَّا بعدُ ، فإنَّ الهَوى يُضِلُّ من اتَّبعه ، والحِرص يُتْعِبُ الطَّالِبَ المَحرومَ ، وأحمد العاقبتين ما هدى إلى سَبيل الرَّشاد ، ومِنَ العجب العجيب ذامٌّ ومادِحٌ ، وزاهِدٌ وراغِبٌ ، ومُتوكِّلٌ وحَريص ؛ كلاما ضربته لَك مثلاً ، لتدبّر حكمته ، بجميع الفهم ، ومباينة الهوى ، ومناصحة النَفس . فلَعَمْرِي يا بن أبي طالب لولا الرَّحِمُ الَّتي عَطفتني عليك ، والسَّابقةُ الَّتي سَلفت لَكَ ، لقد كان اخْتَطفتكَ بَعضُ عُقبانِ أهْلِ الشَّام ، فيصعد بك في الهَواء ، ثُمَّ قَذفك على دَكادِك شَوامِخ الأبصار ، فأُلفيتَ كسحيق الفِهر ، على صن الصَّلابَة لا يَجد الذَّرُّ فيْك مرتعا . ولقد عزمت عزمةَ مَن لا يعطفه رقَّة الأنذار إن لم تباين ما قرَّبتَ بِه أملَك ، وطَالَ له طَلْيُكَ ، ولأُورِدنَّكَ موردا تسْتَمِرُّ النَّدامة ، إن فسخ لَك في الحَياة ، بَل أظُنُّك قَبل ذلِك من الهَالِكين ، وبِئْس الرَّأي رَأي يورد أهلَه إلى المَهالك ، ويمنِّيَهم العَطَب إلى حِينَ لاتَ مَناص . وقد قذفَ بالحقِّ على الباطل ، وظَهر أمْر اللّه وهم كارِهون ، وللّه ِ الحُجَّة البالِغة ، والمِنَّةُ الظَاهِرَةُ ، والسَّلام . فلمَّا جاءَ كتابه إلى أمير المؤمنين وقَرأه ، أجابه بما لفظه : « مِن عَبْدِ اللّه ِ أميْرِ المُؤمِنينَ عليِّ بنِ أبي طَالبٍ ، إلى مُعاوِيَة َ بنَ أبي سُفْيَان . أمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ أتَانَا كتابُك بِتَنْوِيقِ المَقالِ وضَرْبِ الأمْثالِ ، وانْتِحالِ الأعْمالِ ، تَصِفُ الحِكْمَةَ ولَسْتَ مِن أهْلِها ، وتَذْكُرُ التَّقْوَى وأنْتَ علَى ضِدِّها ، قَدْ اتَّبَعْتَ هَواكَ فَحادَ بِكَ عَن طَريقِ الحُجَّةِ ، وألْحَجَ (2) بِكَ عن سَواء السَّبيل ، فأنْتَ تَسْحَبُ أذْيالَ لَذَّاتِ الفِتَنْ ، وتَخْبِطُ في زَهْرَة الدُّنْيا ، كأنَّك لَسْتَ تُوقِنُ بأوْبَة البَعْثِ ولا برَجْعَةِ المُنْقَلَبِ ، قَدْ عَقَدْتَ التَّاجَ ، ولَبِسْتَ الخَزَّ ، وافْتَرَشْتَ الدِّيباج ، سُنَّةً هِرَقْلِيَّةً ، ومُلْكا فارِسيَّا ، ثُمَّ لم يُقْنِعْك ذلِك ، حَتَّى يَبْلُغَنِي أنَّك تَعْقِدُ الأمْرَ مِن بَعْدك لِغَيْرِكَ ، فيهلِكُ دُونَك فتُحاسَبُ دُونَهُ ، ولَعَمْرِي لَئِن فَعَلْتَ ذلِك ، فمَا وَرِثْتَ الضَّلالَة عن كَلالةٍ ، وإنَّك لاَبْنُ مَن كانَ يَبْغِي علَى أهْلِ الدِّينِ ، ويَحْسُدُ المُسلمينَ . وذَكَرْتَ رَحِما عَطَفَتْكَ عليَّ ، فأقْسِمُ باللّه الأعَزِّ الأجلِّ ، أنْ لوَ نازَعَك هذا الأمْرَ في حَياتِك مَن أنْتَ تُمَهِّدُ لهُ بعْد وَفاتِك ؛ لَقَطَعْتَ حَبْلَهُ ، وأبَنْتَ أسْبابَهُ . وأمَّا تَهْدِيدُكَ لِي بالمَشارِب الوبيئة (3) ، والمَوارِد المُهْلِكة ، فأنَا عَبدُ اللّه ِ علِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، أبْرِزْ إليَّ صَفْحَتَكَ ، كَلاَّ ورَبِّ البَيْت ؛ ما أنْتَ بأبِي عُذْرٍ عِنْد القِتال ، ولا عِنْدَ مُناطَحَةِ الأبْطالِ ، وكأنِّي بِكَ لَوْ شَهِدْتَ الحَرْبَ وقَدْ قامَتْ علَى سَاقٍ ، وكَشَّرَتْ عَن مَنْظَرٍ كَرِيهٍ ، والأَرواحُ تَخْتَطِفُ اخْتِطافَ البَازِيِّ زَغِبَ القَطا ، لَصِرْتَ كالمُوَلَّهَةِ الحَيْرانَةِ ، تَضْرِبُها العَبْرَةُ بالصَّدْمَةِ ، لا تَعْرِفُ أعْلَى الوادِي مِن أسْفَلِهِ . فَدَعْ عَنْكَ ما لَسْتَ أهْلَهُ ، فإنَّ وَقْعَ الحُسَامِ غَيْرُ تَشْقِيقِ الكَلامِ ، فَكَم عَسْكَرٍ قَدْ شَهِدْتُهُ وقَرْنٍ نَازَلتُهُ ، . . . اصْطِكاكَ قُرَيْشٍ بَيْنَ يَدَي رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، إذْ أنْتَ وأبُوكَ وهو . . . وأنْتَ اليَوْمَ تُهَدِّدُني . فاُقْسِمُ باللّه ِ ، أنْ لَو تُبْدِي الأيَّامُ عَن صَفْحَتِكَ ، لَنَشَب فِيْكَ مِخْلَبُ لَيْثٍ هَصُوُرٍ ، لا يَفُوتُهُ فَرِيسَةٌ بالمُراوَغَةِ ، كيفَ وأنَّى لَكَ بِذلِكَ ، وأنْتَ قَعِيدَةُ بِنْتِ البِكْرِ المُخَدَّرَة ، يَفْزَعُها صَوْتُ الرَّعْدِ ، وأنَا عليُّ بن أبِي طالِب ، الَّذِي لا أُهَدَّدُ بالقِتالِ ، ولا أُخَوَّفُ بالنِّزالِ ، فإن شِئْتَ يا مُعاوِيَة ُ فابْرزْ ، والسَّلام » . فلمَّا وَصَل هذا الجواب إلى معاوية بن أبي سُفْيَان ، جَمَع جماعة من أصحابه ، ومنهم عَمْرو بن العاص ، فَقَرَأه علَيْهم ، فقال لَه عمرو : قدْ أنْصَفك الرَّجل ،كم رجل أحسن في اللّه قدْ قتل بينكما ، ابْرُزْ إليْهِ . فقال له : أبا عَبدِ اللّه ِ أخطأتَ إستَكَ الحُفرَةَ ، أنَا أبْرز إليه ، مع علمي أنَّه ما برز إليه أحد قَطُّ إلاَّ وقتله ، لا واللّه ِ ، ولكنِّي سأبْرِزُكَ إليهِ . (4)

.


1- . وقعة صفِّين : ص385 ، بحار الأنوار : ج32 ص505 .
2- . اللَّحْجُ: الميل، وألْحَجُ: مُعْوَجٌ. ( لسان العرب: ج 2 ص 356 ).
3- . في المصدر: « العربية » والتصويب من بحار الأنوار .
4- . كنز الفوائد : ج 2 ص 42 ، بحار الأنوار : ج33 ، ص127 .

ص: 374

. .

ص: 375

. .

ص: 376

112 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

112كتابه عليه السلام إلى معاوية« وكَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ إِذَا تَكَشَّفَتْ عَنْك جَلابِيبُ مَا أَنْتَ فِيه ، مِن دُنْيَا قَدْ تَبَهَّجَتْ بِزِينَتِهَا ، وخَدَعَتْ بِلَذَّتِهَا ، دَعَتْك فَأَجَبْتَهَا ، وقَادَتْك فَاتَّبَعْتَهَا ، وأَمَرَتْك فَأَطَعْتَهَا ، وإنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَقِفَكَ وَاقِفٌ علَى ما لا يُنْجِيك مِنْهُ مِجَنٌّ فَاقْعَسْ عَنْ هَذَا الأَمْر ، وخُذْ أُهْبَةَ الْحِسَابِ ، وشَمِّرْ لِمَا قَدْ نَزَلَ بِك ، ولا تُمَكِّنِ الْغُوَاةَ مِنْ سَمْعِك ، وإلا تَفْعَلْ أُعْلِمْك مَا أَغْفَلْتَ مِنْ نَفْسِك ، فَإِنَّك مُتْرَفٌ قَدْ أَخَذَ الشَّيْطَانُ مِنْك مَأْخَذَهُ ، وبَلَغَ فِيك أَمَلَهُ ، وجَرَى مِنْك مَجْرَى الرُّوحِ والدَّمِ . ومَتَى كُنْتُمْ يَا مُعَاوِيَةُ سَاسَةَ الرَّعِيَّةِ ، ووُلاةَ أَمْرِ الأُمَّةِ بِغَيْرِ قَدَمٍ سَابِقٍ ، ولا شَرَفٍ بَاسِقٍ ، ونَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ لُزُومِ سَوَابِقِ الشَّقَاءِ ، وأُحَذِّرُك أَنْ تَكُونَ مُتَمَادِيا فِي غِرَّةِ الأُمْنِيَّةِ مُخْتَلِفَ الْعَلانِيَةِ والسَّرِيرَةِ ، وقَدْ دَعَوْتَ إلى الْحَرْبِ ، فَدَعِ النَّاسَ جَانِبا ، واخْرُجْ إلَيَّ ، وأَعْفِ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْقِتَالِ ، لِتَعْلَمَ أَيُّنَا الْمَرِينُ علَى قَلْبِهِ ، والْمُغَطَّى علَى بَصَرِهِ ، فَأَنَا أَبُو حَسَنٍ قَاتِلُ جَدِّك وأَخِيك وخَالِك شَدْخا يَوْمَ بَدْرٍ ، وذَلِك السَّيْفُ مَعِي ، وبِذَلِك الْقَلْبِ أَلْقَى عَدُوِّي ، مَا اسْتَبْدَلْتُ دِينا ، ولا اسْتَحْدَثْتُ نَبِيّا ، وإِنِّي لَعَلَى الْمِنْهَاجِ الَّذِي تَرَكْتُمُوهُ طَائِعِينَ ، ودَخَلْتُمْ فِيهِ مُكْرَهِينَ ، وزَعَمْتَ أَنَّك جِئْتَ ثَائِرا بِدَمِ عُثْمَانَ ، ولَقَدْ عَلِمْتَ حَيْثُ وَقَعَ دَمُ عُثْمَانَ ، فَاطْلُبْهُ مِنْ هُنَاك إِنْ كُنْتَ طَالِبا ، فَكَأَنِّي قَدْ رَأَيْتُك تَضِجُّ مِنَ الْحَرْبِ إذا عَضَّتْك ضَجِيجَ الْجِمَالِ بِالأَثْقَالِ ، وكَأَنِّي بِجَمَاعَتِك تَدْعُونِي جَزَعا مِنَ الضَّرْبِ الْمُتَتَابِعِ ، والْقَضَاءِ الْوَاقِعِ ، ومَصَارِعَ بَعْدَ مَصَارِعَ إلَى كِتَاب اللّه ، وهِي كَافِرَةٌ جَاحِدَةٌ ، أَوْ مُبَايِعَةٌ حَائِدَةٌ . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب10 وراجع : وقعة صفِّين : ص59 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج15 ص76 ، العقد الفريد : ج4 ص322 ، تاريخ مدينة دمشق : ج56 ص63 .

ص: 377

113 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

113كتابه عليه السلام إلى معاويةمن كتاب له عليه السلام أجاب به معاوية ، لمَّا كتَب إليْه في صفِّين بما نصُّه : مِن عبْد اللّه معاوية بن أبي سُفْيَان إلى عليّ بن أبي طالب . أمَّا بعدُ ، فإنَّ اللّه تعالى يقول في محكم كتابه : « وَ لَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَ_ئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ » (1) ، وإنِّي أُحَذِّرك اللّه أنْ تُحْبطَ عملَك ، وسابقتك بشقِّ عَصا هذه الأمَّة وتَفْريق جماعتها ، فاتِّق اللّه ، واذْكُر موْقِف القِيامة ، وأقْلع عمَّا أسْرفتَ فيه من الخَوْض في دِماء المسلمينَ ، وإنِّي سمعتُ رسُول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : « لوْ تَمالأ أهْل صَنْعاء وعَدَن على قَتل رَجل وَاحد من المسلمين ، لأكبَّهم اللّه على مَناخِرهم في النَّار » فكيف يكون حال مَن قتل أعلام المسلمين ، وسادات المهاجرين ، بَلَه ما طحنتْ رحى حربه من أهل القرآن ، وذي العبادة والإيمان ، من شيخ كبير ، وشَابّ غرير ، كلّهم باللّه تعالى مؤمن ، وله مخلص ، وبرسوله مُقِرّ عارف ، فإنْ كنت أبا حسن إنَّما تحارب على الإمرة والخلافة . فلَعَمْرِي لو صحّت خلافتك لَكنت قريبا من أنْ تعذر في حرب المسلمين ، ولكنَّها ما صحَّت لك ، أنَّى بصحّتها وأهل الشَّام لم يدخلوا فيها ولم يرتضوا بها ! وخَفِ اللّه َ وسَطواتِهِ ، واتِّق بأسه ونكاله ، وأغمد سَيْفك عَنِ النَّاسِ ، فقد واللّه أكلَتهُمُ الحَربُ ، فلم يبقَ منهم إلاَّ كالثَّمد (2) في قرارة الغدير ، واللّه المستعان . فكتب علي عليه السلام إليه جوابا عن كتابه : « من عبْد اللّه عليٍّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سُفْيَان . أمَّا بعدُ ، فَقَدْ أَتَتْنِي منْك مَوْعِظَةٌ مُوَصَّلَةٌ ، ورِسَالَةٌ مُحَبَّرَةٌ ، نَمَّقْتَهَا بِضَلالِك ، وأَمْضَيْتَهَا بِسُوءِ رَأْيِك ، وكِتَابُ امرئ لَيْسَ لَه بصَرٌ يَهْدِيه ، ولا قائِدٌ يُرْشِدُه ، دَعاهُ الهَوى فأجَابَه ، وقَادَه الضَّلالُ فاتَّبَعَه ، فَهَجَر لاغِطا ، وضَلَّ خابِطا . فأمَّا أمْرُك لي بالتَّقْوى فأرْجُو أنْ أكونَ من أهْلِها ، وأسْتَعِيذُ باللّه من أنْ أكونَ من الَّذين إذا أُمِروا بها أَخَذَتْهُم العِزَّةُ بالإثْم . وأمَّا تَحْذِيُرك إيَّاي أنْ يَحبَطَ عَمَلي وسابِقَتِي في الإسلام ، فلَعَمرِي ، لو كنْتُ البَاغِي علَيْك لكَان لَك أنْ تُحْذِّرَنِي ذلِك ، ولكنِّي وَجَدْتُ اللّه تعالى يقول : « فَقَ_تِلُواْ الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ » (3) ، فَنَظَرْنا إلى الفِئَتَيْن ، أمَّا الفِئَة الباغِيَةُ فَوَجَدْناها الفِئَةَ الَّتي أنْتَ فيْها ، لأنَّ بَيْعَتي بالمَدِيْنة لَزِمَتْك وأنْتَ بالشَّام ، كمَا لَزِمَتْك بَيْعَةُ عُثمان بالمَدينة وأنْتَ أمِيرُ لَعُمَرَ علَى الشَّام ، وكما لَزِمَتْ يَزِيد َ أخاكَ بَيْعَةُ عُمَرَ ، وهو أميرٌ لأبي بَكْرٍ على الشَّام . وأمَّا شقُّ عَصا هذِه الأمَّة فأنَا أحَقُّ أنْ أنْهاك عنْه . فأمَّا تَخْوِيفُك لي مِن قَتْل أهْلِ البَغْي ، فإنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمَ رَنِي بقِتالِهم وقَتْلِهم ، وقال لأصحابه : إنَّ فيْكم مَن يُقَاتِل علَى تَأوِيل القُرآن كمَا قاتَلْتُ علَى تَنْزِيْلِة . وأشارَ إليَّ وأنَا أوْلى مَنِ اتَّبَعَ أمْرَه . وأمَّا قولُك : إنَّ بَيْعَتي لمْ تَصِحَّ لأنَّ أهْلَ الشَّام لم يدْخُلُوا فيْها ؛ كيْفَ وإنَّما هي بَيْعَةٌ واحدةٌ ، تَلْزَم الحاضِرَ والغائِبَ ، لا يُثَنَّى فيْها النَّظَرُ ، ولا يُسْتَأنَفُ فيْها الخِيار ، الخارِجُ منْها طاعِنٌ ، والمُرَوِّي فيْها مُداهِنٌ ، فارْبَع على ظَلْعِك ، وانْزَعْ سِرْبالَ غَيِّك ، واتْرُك ما لا جَدْوى له علَيْك ، فلَيْس لَك عِنْدي إلاَّ السَّيْفُ ، حَتَّى تَفِئَ إلى أمْر اللّه صاغِرا وتَدْخُلَ في البَيْعَة راغِما ، والسَّلام » . (4)

.


1- . الزمر :65 .
2- . الثَّمْدُ والثَّمَدُ: الماء القليل الذي لا مادَّ له. ( لسان العرب: ج 3 ص 105 ).
3- . الحجرات :9 .
4- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج14 ص42 ، جمهرة الرسائل العرب : ج1 ص475 ؛ بحار الأنوار : ج33 ص81 وراجع : الإمامة والسياسة : ج1 ص91 ، الفتوح : ج2 ص429 _ 431 ، الكامل للمبرد : ج1 ص190 _ 193 ، العقد الفريد : ج4 ص332 .

ص: 378

. .

ص: 379

114 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

114كتابه عليه السلام إلى معاويةمن كتاب له عليه السلام أجاب به ما كتبه إليه معاوية بن أبي سُفْيَان . قال نَصْر بن مزاحم رحمه الله : لمَّا انْتَهى إلى معاوية قول أمير المؤمنين عليه السلام : إنِّي مناجِزٌ القوْمَ إذا أصبَحتُ ، وغادٍ علَيْهِم بالغَداةِ أُحاكِمُهُم إلى اللّه ِ عز و جل ؛ وشِعرُ مُعاوِيَةَ بنَ الضَّحَّاكِ ، وشعر الأشْتَر هاله ذلك ، وقال : قَدْ رأيت أن أكتب إلى عليَّ كتابا أسأله الشام _ وهو الشَّيء الأوَّل الَّذي ردّني عنه _ وألقي في نفسه الشَّك والرَّيبة . فضحك عَمْرو بن العاص ، ثُمَّ قال : أين أنت يا معاوية من خُدعَةِ عليٍّ ؟ ! فقال : ألَسنا بَنِي عبْد مَناف ؟ قال : بلَى ولَكن لَهُمُ النُّبوَّةُ دُونَكَ ، وإن شئت أنْ تكتب فاكتب . فكتب معاوية إلى علي مع رجل من السَّكاسِك ِ يقال له : عبد اللّه بن عُقْبَة ، وكان من ناقلة أهل العراق فكتب عليه السلام : أمَّا بَعدُ ، فإنِّي أظنُّك أن لو علمتُ أنَّ الحرْب تَبْلُغ بِنا وبِك ما بَلَغَتْ وعَلِمْنا ، لم يَجْنها بَعْضنا على بَعْض . وإنِّا وإن كنَّا قَد غُلِبْنا على عُقُولنا فقَد بقي لَنا منها ما نَنْدَم به على ما مَضى ونصلح به ما بقي ، وقد كنتُ سألتُك الشَّام على ألاّ يلزمني لَكَ طاعَةٌ ولا بيعة ، فأبَيْتَ ذلك علَيَّ ، فأعطاني اللّه ُ ما مَنعْتَ ، وأنَا أدْعُوك اليوْمَ إلى ما دَعَوْتُكَ إليْه أمسِ ، فإنِّي لا أرْجُو مِنَ البَقاءِ إلاَّ ما تَرجُو ، ولا أخافُ مِنَ المَوْتِ إلاَّ ما تَخافُ ، وقد واللّه رقّت الأجنادُ ، وذَهَبَتِ الرِّجالُ ، ونحْنُ بَنو عبْدِ منافٍ لَيْسَ لِبعْضِنا على بَعْضٍ فضلٌ ، إلاَّ فضْلٌ لا يَستذِلُّ بهِ عَزيزٌ ، ولا يسترقُّ به حرّ ، والسَّلام . فلمَّا انْتَهى كتاب معاوية إلى عليّ قرأه ثم قال : « العَجَبُ لِمُعاوِيَةَ وكتابِهِ » ، ثُمَّ دَعا عليٌّ عُبَيْد اللّه بن أبي رافع كاتبه فقال : اكتب إلى معاوية : « أمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ جاءَنِي كتابُكَ تَذْكُرُ أنَّك لَوْ عَلِمْتَ وعَلِمْنا أنَّ الحَرْب تَبْلُغُ بِنا وبِكَ ما بَلَغَتْ لمْ يَجْنِها بَعْضُنا على بَعْض ، فإنَّا وإيَّاك منْها في غايَةٍ لمْ تَبْلُغْها ، وإنِّي لو قُتِلْتُ في ذاتِ اللّه ِ وحَيِيتُ ، ثُمَّ قُتِلْتُ ، ثُمَّ حَيِيتُ سَبْعِين مَرَّةً لمْ أرْجِعْ عَنِ الشِّدَّةِ في ذَاتِ اللّه ِ ، والجهادِ لأعداءِ اللّه ِ . وأمَّا قولُكَ : إنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِن عُقُولِنا ما نَنْدَمُ بِهِ علَى ما مَضْى ، فَإنِّي ما نَقَصْتُ عَقْلِي ، ولا نَدِمْتُ علَى فِعْلِي . فأمَّا طَلَبُك الشَّامَ ، فإنِّي لَمْ أكُنْ لاُعْطِيكَ اليَوْمَ ما مَنَعْتُكَ أمْسِ . وأمَّا اسْتِواؤُنا في الخَوْفِ والرَّجاء ، فإنَّكَ لسْتَ أمْضى علَى الشَّكِّ مِنِّي علَى اليَقِينِ وليْسَ أهلُ الشَّامِ بأحْرَصَ علَى الدُّنيا مِن أهْلِ العِراقِ علَى الآخِرةِ . وأمَّا قَولُكَ : إنَّا بَنُو عَبْدِ مَنَاف ، لَيْسَ لِبَعْضِنا على بَعْضٍ فَضْلٌ ؛ فلَعَمْرِي إنَّا بَنُو أبٍ واحدٍ ، ولكِن لَيْسَ أُميَّة َ كَهاشِم ، ولا حَرْبٌ كَعَبْد المُطَّلِب ِ ، ولا أبو سُفْيَان كأبِي طالِبٍ ، ولا المُهاجِرُ كالطَّلِيقِ ، ولا المُحِقُّ كالمُبْطِلِ . وفي أيْدِينا ( بعد ) فَضْلُ النُّبوَّةِ الَّتي أذْلَلْنا بِها العَزيزَ ، وأعْزَزْنا بِها الذَّليلَ ، والسَّلامُ » . (1)

.


1- . وقعة صفِّين : ص470 وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص122 ، مروج الذهب : ج3 ص13 ، الإمامة والسياسة : ص118 .

ص: 380

. .

ص: 381

115 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

115كتابه عليه السلام إلى معاوية« أمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ أتَتْنِي مِنْكَ مَوْعِظَةٌ [ مُوصَّلَةٌ ، ورِسَالَةٌ مُحَبَّرَةٌ ، نَمَّقْتَهَا بِضَلالِكَ ، وأَمْضَيْتَهَا ب_ِ ] (1) _سُوءِ رَأْيِكَ ، وكِتَابٌ لَيْسَ بِبَعِيدِ الشَّبَهِ مِنْكَ ، حَمَلَك علَى الوُثُوبِ علَى ما لَيْسَ لَكَ فيْهِ حَقٌّ . ولوْلا عِلْمِي بِكَ وما قَد سَبَقَ مِن رَسُول اللّه ِ صلى الله عليه و آله فِيْكَ مِمَّا لا مَرَدَّ لَهُ دُونَ إنْفاذِهِ ، إذا لَوَعَظْتُك ، ولكنَّ عِظَتِي لا تَنْفَعُ مَن حَقَّتْ علَيْه كَلِمةُ العَذابِ ، ولَمْ يَخَفِ العِقابَ ، ولا يَرْجُو للّه ِ وَقارا ، ولَمْ يَخَفْ لَهُ حَذارا . فَشَأْنُك وما أنْتَ علَيْهِ مِنَ الضَّلالَةِ ، والحَيْرَةِ والجَهَالَةِ ، _ تَجِدِ اللّه َ في ذلِكَ بالمِرصَادِ _ مِن دُنْياكَ المُنْقَطِعَةِ ، وتَمَنِّيْك الأباطيلَ ، وقَدْ عَلِمْتَ ما قال النَّبيُّ صلى الله عليه و آله فِيْكَ وفي أمِّكَ وأبِيكَ ، والسَّلام » . (2)

.


1- . ما بين المعقوفين نقلناه من بحار الأنوار .
2- . شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج4 ص356 وراجع : بحار الأنوار : ج33 ص79 ؛ الفتوح :ج2 ص434 .

ص: 382

116 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

117 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

116كتابه عليه السلام إلى معاوية« إنَّ بيْعَتِي شَمِلَت الخاصَّ والعامَّ ، وإنَّما الشُّورى لِلمُؤمِنين مِنَ المُهاجِرين َ الأوَّلِينَ والسَّابِقينَ بالإحسانِ مِنَ البَدْريّين َ ، وإنَّما أنتَ طَلِيقٌ بنُ طَلِيقٍ ، لَعِينٌ بنُ لَعِينٍ ، وَثَنيٌّ بنُ وَثَنيٍّ ، ليسَتْ لَكَ هِجْرةٌ ، ولا سابِقَةٌ ، ولا مَنْقَبةٌ ، ولا فَضِيلَةٌ ، وكانَ أبُوكَ مِنَ الأحزابِ الَّذِينَ حارَبُوا اللّه َ وَرَسُولَهُ ، فنَصَرَ اللّه ُ عبدَهُ ، وصَدَقَ وعْدَهُ ، وهَزَم الأحزابَ وحْدَهُ » . ثُمَّ وقَع عليه السلام في آخر الكلام : « ألَمْ تَرَ قَوْمِي إذْ دَعاهُم أخُوهُمُأجابُوا وإنْ يَغْضَبْ عَلى القَوْمِ يَغْضَبوا » (1)

117كتابه عليه السلام إلى معاوية[ نقل الكتاب نَصْر وإبراهيم الثَّقَفيّ بصورة تخالف رواية النَّهج كثيرا ، فلذلك أحببنا نقله هنا : ] _ في قبوله عليه السلام التَّحكيم _ كتَب إليه عليُّ بن أبي طالب :« مِن عَبدِ اللّه ِ عَليٍّ أميرِ المُونِينَ إلى مُعاوِيَة َ بنِ أبي سُفْيَانَ ، أمَّا بَعدُ ، فإنَّ أفضَلَ ما شَغَلَ بهِ المَرءُ نَفسَهُ اتِّباعُ ما يُحْسِنُ بهِ فِعلَهُ ، ويَستوجِبُ فَضْلُهُ ، ويَسْلُمُ من عيبِهِ . وإنَّ البغيَ والزُّورَ يُزْرِيان بالمَرءِ في دينِهِ وَدُنياهُ ، ويُبديانِ مِن خَلَلهِ عِندَ من يُغْنيهِ ما استَرعاهُ اللّه ُ ما لا يُغْني عَنهُ تَدبيرُهُ ، فاحذرِ الدُّنيا فإنَّهُ لا فرَحَ فِي شيءٍ وَصَلْتَ إليهِ مِنها ، وَلَقد عَلِمْتَ أنَّكَ غَيرُ مُدرِكٍ ما قُضِي فَواتُهُ ، وقد رامَ قَومٌ أمرا بِغَيرِ الحَقِّ فتأوَّلُوا علَى اللّه ِ تَعالى ، فأكذَبَهُم ومَتَّعَهُم قليلاً ، ثم اضطَرَّهُم إلى عَذابٍ غَلِيظٍ . فاحذَر يوما يَغتبِطُ فيهِ مَنْ أحْمَدَ عاقِبَةَ عَمَلِهِ ، وَيَندمُ فيهِ مَن أمكَنَ الشَّيطانَ من قِيادِهِ ، ولَمْ يُحادَّهُ فَغَرَّتْهُ الدُّنيا واطْمأنَّ إليها ؛ ثُمَّ إنَّك قَد دعوتَني إلى حُكمِ القُرآنِ ، ولَقدْ عَلِمْتُ أنَّكَ لَسْتَ مِن أهلِ القُرآنِ ، وَلَسْتَ حُكْمَهُ تُرِيدُ ، واللّه ُ المُستعانُ ، وقَد أجبنا القُرآنَ إلى حُكمِهِ ، ولَسْنا إيَّاكَ أجَبْنا ، ومَنْ لَمْ يَرضَ بِحُكْمٍ فقد ضَلَّ ضَلالاً بعيدا » . (2) [ أقول : هذا الكتاب جواب لكتاب عليّ عليه السلام ، نقلهُ نَصْر وإبراهيم الثَّقَفيّ ، واللَّفظ لنصر : ] ( أمّا بعدُ ) ، أنَّ الأمرَ قَد طالَ بَينَنا وبَينَكَ ، وكُلُّ واحِدٍ مِنَّا يَرَى أنَّهُ عَلى الحَقِّ فيما يطلُبُ مِن صاحِبِهِ ، ولَنْ يُعطِي واحدٌ منَّا الطَّاعَةَ للآخَرِ ، وقَد قُتِلَ فيما بَينَنا بَشَرٌ كَثِيرٌ ، وأنَا أتخَوَّفُ أن يَكونَ ما بَقِيَ أشدَّ مِمَّا مضَى ، وإنَّا ( سوف ) نُسْألُ عَن ذلِكَ المَوطِنِ ، ولا يُحاسَبُ بهِ غَيرِي وغَيرُكَ ، فَهلْ لك في أمْرٍ لَنا ولَكَ فيهِ حَياةٌ وعُذرٌ وبرَاءةٌ ، وصَلاحٌ لِلأُمَّةِ ، وحَقْنٌ للدِماءِ ، وأُلْفَةٌ لِلدِّينِ ، وذَهابٌ للضَّغائِنِ والفِتَنِ ؛ أن يَحكُمَ بَينَنا وبينَكَ حَكَمانِ رضِيَّانِ ، أحدُهُما مِن أصحَابِي والآخَرُ مِن أصحابِكَ ، فَيَحكُمان بِما في كِتاب اللّه ِ بَينَنا ؛ فإنَّهُ خَيرٌ لِي ولَكَ ، وأقْطَعُ لِهذهِ الفِتَنِ . فاتَّقِ اللّه َ فيما دُعِيتَ لَهُ ، وارْضَ بِحُكمِ القُرآنِ إنْ كُنتَ مِن أهلِهِ ، والسَّلامُ . (3)

.


1- . المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص166 ، بحار الأنوار : ج32 ص571 .
2- . وقعة صفِّين : ص493 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص226 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص482 الرقم448 .
3- . وقعة صفِّين : ص493 .

ص: 383

. .

ص: 384

118 _ كتابه عليه السلام إلى عمرو بن العاص

119 _ كتابه عليه السلام إلى عمرو بن العاص

118كتابه عليه السلام إلى عَمْرو بن العاصكتابه عليه السلام إلى عَمْرو بن العاص بن وائل السَّهميّ :« أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الدُّنْيَا مَشْغَلَةٌ عَنْ غَيْرِهَا ، ولَمْ يُصِبْ صَاحِبُهَا مِنْهَا شَيْئا ، إِلاَّ فَتَحَتْ لَهُ حِرْصا يَزيدُه فيْهَا رَغبةً ، ولَنْ يَسْتَغْنِيَ صَاحِبُهَا بِمَا نَالَ عَمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ ، ومِنْ وَرَاءِ ذَلِك فِرَاقُ مَا جَمَعَ ، والسَّعِيدُ مَن وُعِظَ بِغَيْرِه ، فَلا تُحْبِط أبا عبْد اللّه أجْرَك ، ولا تُجارِ مُعاوِيَة َ في باطِلهِ » . (1)

119كتابه عليه السلام إلى عَمْرو بن العاص[ نقل مصنّف كتاب معادن الحكمة رحمه الله كتابه عليه السلام إلى عَمْرو من أمالي الشَّيخ رحمه الله (2) ، ونقله نصر بنحو آخر : ] قال : كتب عليّ عليه السلام إلى عَمْرو بن العاص كتابا ( قبل رفع المصاحِف ) ، صدره « أمَّا بعدُ ، فإنَّ الدُّنيا مَشْغلَةٌ . . . » ، وقد نقله المصنّف (3) ، فأجابه عَمْرو بن العاص : أمَّا بعدُ ، فإنَّ ما فيه صلاحنا وألفتنا الإنابة إلى الحقِّ ، وقد جعلنا القرآن حكَمَا بيننا ، فأجبنا إليه ، وصبر الرَّجل منَّا نفسَه على ما حكَم عليه القرآن ، وعذرَه النَّاس بعد المُحاجزَةِ ، والسَّلام . فكتب إليه عليّ عليه السلام : « أمَّا بعدُ ، فإنَّ الَّذي أعْجَبَك مِنَ الدُّنيا ممَّا نازَعَتْكَ إليهِ نَفْسُكَ ، ووَثِقْتَ بهِ مِنها لَمُنْقَلِبٌ عَنكَ ، ومُفارِقٌ لَكَ ، فلا تَطْمَئِنَّ إلى الدُّنيا ، فإنَّها غَرَّارَةٌ ، ولَوِ اعْتَبَرتَ بِما مضى لَحَفِظْتَ ما بَقِيَ ، وانْتفعْتَ بما وُعِظْتَ بهِ ، والسَّلامُ » . (4) [ ذكر نصر (5) كتابه عليه السلام الأوَّل وجوابه ، وفيه الدَّعوة إلى الشُّورى ، وأنَّه كتبه إليه قبل الخروج إلى صفِّين ، وذكر في موضع آخر (6) الكتاب الأوَّل وهذا الجواب ، ثُمَّ نقل هذا الكتاب ، ومِنَ العجَبِ اتَّحادُ الكتابِ الأوَّلِ في المقامين . ]

.


1- . وقعة صفِّين : ص498 ، بحار الأنوار : ج32 ص538 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج2 ص227 .
2- . الأمالي للطوسي : ص217 ح 381 .
3- . معادن الحكمة : ج1 ص210 الرقم7 .
4- . راجع : الأمالي للطوسي : ص217 ح 381 ، وقعة صفِّين : ص110 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص227 ، أخبار الطوال : ص191 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص485 الرقم452 .
5- . وقعة صفِّين : ص110 .
6- . وقعة صفِّين : ص498 .

ص: 385

120 _ كتابه عليه السلام إلى سعد بن مسعود

120كتابه عليه السلام إلى سَعْد بن مَسعودقال اليعقوبي :كتب عليه السلام إلى سَعْد بن مَسعود عمّ المختار بن أبي عُبيد ، وهو على المَدائِن :« أمَّا بعدُ ؛ فَإنَّكَ قَد أدَّيتَ خَراجَكَ ، وأطَعْتَ رَبَّكَ ، وأرْضَيْتَ إمامَكَ فِعلَ المُبرِّ التَّقيِّ النَّجيبِ ، فَغَفرَ اللّه ُ ذَنْبَكَ ، وتَقَبَّلَ سَعْيَكَ ، وحَسُنَ مآبُكَ » . (1)

.


1- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص201 ؛ أنساب الأشراف : ج1 ص158 .

ص: 386

سعد بن مسعود الثّقفيّ

سَعْدُ بنُ مَسْعودٍ الثَّقَفِيّسَعْد بن مَسعود الثَّقَفيّ عمّ المختار بن أبي عُبيد ، من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام الأوفياء . وقيل : من أصحاب رسول اللّه (1) . ذكرت بعض المصادر أنّه اصطدم يوما بعَمّار بن ياسِر الَّذي كان واليا على الكوفة من قبل عمر (2) . ولاّه (3) الإمام عليه السلام في البداية على منطقة الزَّوابي (4) ، وعندما تحرّك الإمام عليه السلام تلقاء صفِّين ، ولاّه على المَدائِن (5)(6) . أثنى عليه الإمام عليه السلام في رسالة له ، وذكره بالتَّقوى والنّجابة ، ودعا له (7) . لمّا جُرح الإمام الحسن عليه السلام في ساباط (8) وناله سوء من أصحابه ، التجأ إلى سَعْد بن مسعود (9) . كان المختار بن أبي عبيد الثَّقَفيّ ابن أخيه (10) الَّذي استخلفه الإمام عليه السلام على المَدائِن (11) . ويُنسَب إليه أيضا المحدِّث والمؤرّخ الشيعي الكبير إبراهيم الثَّقَفيّ الكوفي (12) . في الفهرست : سَعْد بن مسعود أخو أبي عبيد بن مسعود عمّ المختار ، ولاّه عليّ عليه السلام على المَدائِن ، وهو الَّذي لجأ إليه الحسن عليه السلام يوم ساباط (13) . وقال الإمام عليّ عليه السلام _ في كتابه إلى سَعْد بن مسعود الثَّقَفيّ عامله على المَدائِن وجوخا (14) _ : « أمّا بَعدُ ، فَقَدْ وَفّرتَ علَى المُسلِمينَ فَيْأهُم وأَطَعْتَ رَبَّكَ ، ونَصَحْتَ إمامَكَ ، فِعْلَ المُتَنزِّهِ العَفيفِ ، فَقَدْ حَمَدْتُ أمْرَكَ ، ورضِيتُ هَدْيَكَ ، وأَبَبْتَ (15) رُشدَكَ ، غَفَرَ اللّه ُ لَكَ ، والسَّلامُ » (16) .

.


1- . الاستيعاب : ج 2 ص167 الرقم 961 ، الإصابة : ج3 ص70 الرقم 3210 .
2- . تاريخ الطبري : ج4 ص163 و164 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص198 .
3- . الأخبار الطوال : ص153 .
4- . زوابي جمع زاب . وهي الزاب الأعلى بين الموصل وأربل ، والزاب الأسفل ما بين شهرزور وأذربيجان ، وبين الزاب الأعلى والأسفل مسيرة يومين أو ثلاثة ( معجم البلدان : ج3 ص 123 ) .
5- . المدائن : أصل تسميتها هي : المدائن السبعة ، وكانت مقرّ ملوك الفُرس . وهي تقع على نهر دجلة من شرقيّها تحت بغداد على مرحلة منها . وفيها إيوان كسرى . فُتحت هذه المدينة في ( 14 ه . ق ) على يد المسلمين ( راجع تقويم البلدان : ص302 ) .
6- . تاريخ الطبري : ج4 ص565 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص362 .
7- . أنساب الأشراف : ج2 ص387 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص201 .
8- . ساباط : موضع في العراق معروف ، قرب المدائن وبهرسير يُعرف بساباط كسرى ( راجع معجم البلدان : ج3 ص166 ) .
9- . تاريخ الطبري : ج5 ص159 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص445 ، البداية والنهاية : ج8 ص14 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص27 ؛ الفهرست للطوسي : ص36 الرقم7 وراجع الأخبار الطوال :ص217 وتاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص6 .
10- . تاريخ الطبري : ج4 ص163 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص198 .
11- . تاريخ الطبري : ج5 ص76 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص399 .
12- . تاريخ الطبري : ج5 ص76 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص399 .
13- . الفهرست للطوسي : ص36 الرقم7 وراجع التاريخ الكبير : ج4 ص50 ح1925 ، تاريخ : ج5 ص159 ، الفتوح : ج4 ص288 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص27 .
14- . جُوخا : اسم نهر عليه كورة ( بلدة ) واسعة في سواد بغداد ، وهو بين خانقين وخوزستان ( معجم البلدان : ج2 ص179 ) .
15- . أبت إبابته : استقامت طريقته ( القاموس المحيط : ج1 ص35 ) .
16- . أنساب الأشراف : ج2 ص387 ؛ نثر الدرّ : ج1 ص323 وفيه « اُوتيت » بدل « أببت » .

ص: 387

121 _ كتابه عليه السلام إلى سهل بن حنيف

121كتابه عليه السلام إلى سَهْل بن حُنَيْفكتابه عليه السلام إلى سَهْل بن حُنَيْف وهو على المدينة [ نقلوا لهذا الكتاب صورا مختلفة : إحداها ما أورده مصنف معادن الحكمة (1) ، والثَّانية ما نقله اليعقوبي ، وهي : ] « أمَّا بَعدُ ؛ فَقَدْ بَلَغَنِي أنَّ رِجَالاً مِن أهْلِ المَدِينَةِ خَرجُوا إلى مُعاوِيَة َ ، فَمَنْ أدرَكْتَهُ فامنَعْهُ ، ومَن فاتَكَ فلا تأسَ عَليهِ ، فبُعدا لَهُم ، فَسوْفَ يَلْقَوْن غَيّا ، أمَّا لو بُعْثِرَتِ القُبورُ ، واجتَمَعَتِ الخُصومُ ، لَقدْ بَدا لَهُم مِنَ اللّه ِ ما لَمْ يَكونُوا يَحتَسِبونَ ، وقد جاءَني رَسولُكَ يَسأَلُني الإذنَ فأقْبِلْ ، عفا اللّه ُ عَنَّا وعَنْكَ ، ولا تَذَرْ خَلَلاً ، إن شاءَ اللّه ُ تعالَى . » (2) [ والثَّالِثَةُ : ما نقله أنساب الأشراف ، وهي : ] كتب عليه السلام إلى سَهْل بن حُنَيْف عامله على المدينة : « أمَّا بَعدُ ، فإنَّه بَلَغَنِي أنَّ رجِالاً مِن أهْلِ المَدِينَةِ يَخرُجُون إلى مُعاوِيَة َ ، فَلا تأْسَفْ عَليهِم ، فَكَفى لَهُم غَيَّا ، ولَكَ مِنهُم شافِيا فِرارُهُم مِنَ الهُدى والحَقِّ ، وإيضاعُهُم إلى العَمى والجَهْلِ ، وإنَّما هُمْ أهلُ دُنيا مُقبِلُونَ علَيها ، قد علموا أنَّ النَّاسَ يَقبَلُونَ في الحَقِّ أُسوَة ، فَهَربُوا إلى الأثَرَةِ ، فسُحقا لَهُم وبُعْدا ، أما لَو بُعثِرَتِ القُبُور ، « وَ حُصِّلَ مَا فِى الصُّدُورِ » ، واجتَمَعَتِ الخُصومُ ، وقَضَى اللّه ُ بَينَ العِبادِ بالحَقِّ ، لَقدْ عَرَفَ القَومُ ما يَكسِبونَ ، وقَد أتاني كِتابُكَ تَسأَلُني الإذْنَ لَكَ فِي القُدومِ ، فأقدِمْ إذا شِئْتَ ، عَفا اللّه ُ عَنَّا وعَنْكَ ، والسَّلامُ . » (3) [ ونقل الشيخ الصَّدوق في الأمالي رسالة له عليه السلام إلى سَهْل بن حُنَيْف ، والمظنون أنَّها قطعة من كتابه عليه السلام إلى عثمان بن حُنَيْف عامله عليه السلام على البصرة ، وإنَّما جاء التَّحريف من النُّسَّاخ ، حيث اشتبه عليهم اسم عثمان فبدلوه باسم سهل ، ولكِنَّا ننقلها هنا كي يتبيّن للقارِئ صحَّةُ ما قلنا ، روى الصَّدوق رحمه اللهبسندين ]أنَّ أمير المونين عليه السلام قال في رسالته إلى سَهْل بن حُنَيْف رحمه الله : « واللّه ِ ، ما قَلَعتُ بابَ خَيْبَرَ ورَمَيْتُ بهِ خَلْفَ ظَهرِي أربَعينَ ذِراعا بِقُوّةٍ جَسَديَّة ، ولا حَرَكَةٍ غِذائيَّةٍ ، لَكِنِّي أُيِّدْتُ بِقُوَّةٍ مَلَكُوتِيَّةٍ ، ونَفْسٍ بِنُورِ رَبِّها مُضِيَّةٍ ، وأنا مِن أحمَدَ كالضَّوءِ مِنَ الضَّوءِ ، واللّه ِ ، لَو تَظاهَرَتِ العَرَبُ علَى قِتالِي لَمَا ولَّيتُ ، ولو أمْكَنَتْنِي الفُرصَةُ مِن رِقابِها لَمَا بَقَّيتُ ، ومَن لَمْ يُبالِ متى حَتْفُه عَليهِ ساقِطٌ فجَنَانُهُ في المُلِمّات رابِطٌ » . (4) استخلف أمير المؤمنين سَهْل بن حُنَيْف على المدينة حين خرج من المدينة إلى البصرة ، فلمَّا انقضى حرب الجمل استأذنه في اللُّحوق به ، فأذن الإمام عليه السلام له في ذلك ، فلحق به وشهد حرب صفِّين ثُمَّ ولاّه فارس . وشهد بدر ا وثبت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم أحد ، وكان يَدفَعُ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، مات سهل بالكوفة ، وصلّى عليهِ أميرُ المؤمنين عليه السلام سنة38 . (5) [ لمَّا أراد عليٌّ عليه السلام الشُّخوصَ إلى صِفِّين ] قام سَهْلُ بن حُنَيْف ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثُمَّ قال : يا أمير المونين ، نحن سِلْمٌ لمَن سالمْتَ ، وحرْبٌ لمَن حاربْتَ ، ورأيُنا رأيك ، ونحن كفُّ يمينك ، وقد رأينا أن تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة ، فتأمرهم بالشُّخوص ، وتخبرهم بما صنع اللّه لهم في ذلك من الفضل ، فإنَّهم أهل البلد وهم النَّاس ، فإن استقاموا لك استقام لك الَّذي تريد وتطلب ، وأمَّا نحن فليس عليك منَّا خلاف ، متى دعوتنا أجبناك ، ومتى أمرتنا أطعناك . (6) [ هو من السَّابقين الأوَّلين الرَّاجعين إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقام وقتئذٍ ] قام سَهْل بن حُنيف ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وصلّى على النَّبيّ محمَّد وآله ، ثُمَّ قال : يا معاشر قريش اشهدوا على أنِّي أشهد على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقد رأيته في هذا المكان _ يعني الرَّوضة _ وقد أخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وهو يقول : أيُّها النَّاس ، هذا عليّ إمامكم من بعدي ، ووصيّي في حياتي ، وبعد وفاتي ، وقاضي ديني ، ومنجز وعدي ، وأوَّل مَن يصافحني على حوضي ، فطوبى لمَن اتبعه ونصره ، والويل لمَن تخلف عنه وخذله . (7)

.


1- . معادن الحكمة : ج1 ص224 الرقم15 .
2- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص203 .
3- . أنساب الأشراف : ج2 ص386 .
4- . الأمالي للصدوق : ص604 ح840 .
5- . راجع : أسد الغابة : ج2 ص573 الرقم 2289 ، الاستيعاب : ج2 ص223 الرقم 1089 .
6- . وقعة صفِّين : ص93 ؛ نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص173 .
7- . الاحتجاج : ج1 ص198 ح 10 وراجع : الخصال وكشف اليقين .

ص: 388

. .

ص: 389

. .

ص: 390

سهل بن حنيف

سَهلُ بنُ حُنَيْفسَهْل بن حُنَيْف بن واهب الأنْصاريّ الأوْسِيّ ، أخو عثمان بن حُنَيْف (1) . من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأحد البدريّين (2) . شهد حروب النَّبيّ صلى الله عليه و آله كلّها (3) . وعندما اشتدّ القتال في اُحد وفرّ جمع كبير من المسلمين كان سهل ممّن ثبت مع النَّبيّ صلى الله عليه و آله (4) . كان سهل من السَّبَّاقين إلى الدِّفاع عن الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، إذ رعى حُرمة خلافة الحقّ (5) . وهو من القلائل الَّذين صدعوا بذَودهم عن الإمام عليه السلام (6) . اختاره الإمام عليه السلام لولاية الشَّام ، لكنّ جنود معاوية حالُوا دون وصوله إليها (7) . ثمّ ولاّه الإمام عليه السلام على المدينة (8) . وفي صفِّين دعاه إلى الالتحاق به وجعل مكانه تمّام بن عبّاس (9) . وكان فيها أميرا على خيّالة من جند البصرة (10) . ثمّ ولي فارس ، ولكنّه عُزل بسبب الفوضى وتوتّر الأوضاع فيها ، فاستعمل الإمام عليه السلام مكانه زياد بن أبيه باقتراح عبد اللّه بن عبّاس (11) . توفّي بالكوفة سنة 38 ه (12) ، وأثنى عليه الإمام عليه السلام كثيرا عند دفنه (13) . في الاُصول السِّتَّة عشر عن ذَرِيْح المحاربيّ : ذكر ( أبو عبد اللّه عليه السلام ) سَهْلَ بن حُنَيْف فقال : كان من النُّقباء (14) ، فقلت له : من نقباء نبيّ اللّه الإثني عشر ؟ فقال : نعم ، كان من الَّذين اختيروا من السَّبعين ، فقلت له : كفلاء على قومهم ، فقال : نعم ، إنّهم رجعوا وفيهم دم فاستنظروا رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى قابل ، فرجعوا ففزعوا من دمهم واصطلحوا ، وأقبل النَّبيّ صلى الله عليه و آله معهم . وذكر سهلا ً فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : ما سبقه أحد من قريش ولا من النَّاس بمنقبة ، وأثنى عليه وقال : لمّا ماتَ جَزعَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام جزعا شديدا ، وصلّى عليه خمسَ صلوات وقال : لو كان معي جبل لارفضّ (15)(16) . وفي رجال الكشّيّ عن الحَسن بن زَيْد : كبّر عليّ بن أبي طالب عليه السلام على سَهْل بن حنيف سبع تكبيرات ، وكان بدريّا ، وقال : لو كبّرتُ علَيهِ سبعينَ لكانَ أهلاً (17) . وقال الإمام عليّ عليه السلام _ وقد توفّي سَهْل بن حُنَيْف الأنْصاريّ بالكوفة بعد مرجعه معه من صفِّين ، وكان أحبّ النَّاس إليه _ : « لو أحَبّني جَبَلٌ لتَهافَتَ » (18) .

.


1- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص325 الرقم63 ؛ الاختصاص : ص3 .
2- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص461 ح5730 و ص 464 ح 5740 وفيه « كان من كبار الأنصار . . . » ، الطبقات الكبرى : ج3 ص471 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص325 الرقم63 ؛ الاختصاص : ص3 .
3- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص462 ح5734 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص471 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص325 الرقم63 ، الاستيعاب : ج 2 ص223 الرقم1089 .
4- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص 462 ح 5734 ، الطبقات الكبرى : ج 3 ص 471 ، الاستيعاب : ج 2 ص 223 الرقم 1089 .
5- . الخصال : ص608 ح9 ، عيون أخبار الرضا : ج2 ص126 ، رجال الكشّي : ج1 ص183 الرقم 78 .
6- . الخصال : ص465 ح 4 ، الاحتجاج : ج 1 ص198 ح10 ، رجال البرقي : ص66 .
7- . تاريخ الطبري : ج4 ص442 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص309 .
8- . الطبقات الكبرى : ج6 ص15 ، تاريخ الطبري : ج5 ص93 ، تاريخ خليفة بن خيّاط :ص152 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص323 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص203 .
9- . الاستيعاب : ج 1 ص272 الرقم243 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص152 .
10- . وقعة صفّين : ص208 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص11 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص370 وفيه « على جند البصرة » .
11- . تاريخ الطبري : ج5 ص137 ، الاستيعاب : ج 2 ص223 الرقم1089 ، اُسد الغابة : ج 2 ص573 الرقم2289 .
12- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص462 ح5732 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص472 ، الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص153 الرقم547 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص596 ، الاستيعاب : ج 2 ص223 الرقم1089 .
13- . رجال الكشّي : ج 1 ص164 الرقم 74 .
14- . في بيعة الأنصار لرسول اللّه صلى الله عليه و آله في ليلة العقبة ، أخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله منهم اثني عشر نقيبا وهم : أسعد بن زرارة ، البراء بن مغرور ، عبد اللّه بن حزام _ أبو جابر بن عبد اللّه _ ، رافع بن ملك ، سعد بن عبادة ، المنذر بن عمرو ، عبد اللّه بن رواحة ، سعد بن الربيع ، عبادة بن الصامت ( وهؤلاء من الخزرج ) ، اُسيد بن حضير ، سعد بن خثيمة ، وأبو الهيثم بن التيّهان ( وهؤلاء من الأوس ) أشار إليهم جبرئيل وأمر النبيّ صلى الله عليه و آله باختيارهم عدد نقباء موسى عليه السلام من بني إسرائيل . ( راجع بحار الأنوار : ج19 ص13 _ 43 ) وليس فيهم ذكر سهل بن حنيف بخلاف الرواية .
15- . تَرَفّضَ الَّشيء : إذا تكَسّر . والمُرْفَضَّة : المتفرّقة يمينا وشمالاً ( تاج العروس : ج10 ص63 ) .
16- . الاُصول الستّة عشر : ص86 ، بحار الأنوار : ج 81 ص376 ح25 .
17- . رجال الكشّي : ج 1 ص164 الرقم 74 ، الدرجات الرفيعه : ص390 ، بحار الأنوار : ج 81 ص3 ح33 .
18- . نهج البلاغة : الحكمة 111 .

ص: 391

. .

ص: 392

122 _ كتابه عليه السلام إلى المنذر بن الجارود

122كتابه عليه السلام إلى المُنْذِر بن الجارُود[ نقل مصنف كتاب معادن الحكمة رحمه الله (1) كتابا له عليه السلام إلى المُنْذِر بن الجارود العَبديّ ، نقلاً عن نهج البلاغة ، ولكِنَّ اليعقوبيّ نقله بنحو آخر يباين نقلَ السَّيِّد ، أوردناه هنا تتميما للفائدة : ] كتب إلى المُنْذِر بن الجارود وهو على اصْطخر : « أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ صَلاحَ أبِيكَ غرَّنِي مِنكَ ، فإذا أنتَ لا تَدَعُ انقِيادَا لِهواكَ أزرَى ذلِكَ بِكَ ، بَلَغَنِي أنَّكَ تَدَعُ عَملَكَ كَثِيرا ، وتَخرُجُ لاهِيا بِمنْبَرِها ، تَطلُبُ الصَّيدَ ، وتلعَبُ بالكِلابِ ، وأُقسِمُ لَئِن كانَ حَقَّا لَنُثِيبَنَّكَ فِعلَكَ ، وجاهِلُ أهلِكَ خَيرٌ مِنكَ ، فأقبِلْ إليَّ حِينَ تنظُرُ في كتابي ، والسَّلام » . فأقبل ، فعزله وأغرمه ثلاثين ألفا ، ثُمَّ تركها لصَعْصَعة بن صُوحان بعد أن أحلفه عليها ، فحلف ، وذلك أنَّ عليَّا دخل على صَعْصَعة يعوده ، فلمّا رآه عليّ ، قال : « إنَّكَ ما عَلِمْتُ حَسنَ المعونة خفيف المؤونة » (2) . فقال صَعْصَعة : وأنتَ واللّه ِ ، يا أميرَ المُؤمِنينَ عليم ، وأنَّهُ في صدرك عظيم . فقال له عليّ : « لا تَجعَلْها أبّهَةً علَى قَومِكَ أَنْ عادَكَ إمامُكَ » . قال : لا ، يا أمير المؤمنين ، ولكنَّه مَنٌّ مِنَ اللّه ِ علَيَّ أن عادني أهلُ البيت ، وابنُ عمّ رسول ربّ العالمين . قال : غياث ، فقال له صَعْصَعة : يا أمير المؤمنين ، هذه ابنة الجارود ، تعصر عينيها كلَّ يوم لحبسك أخاها المُنْذِر ، فأخرجه ، وأنا أضمن ما عليه في أعطيات ربيعة . فقال له عليّ : « ولِمَ تَضمَنْها ، وزَعَم لنا أنَّهُ لَم يأْخُذها ، فليحلِفْ ونُخرجُهُ » . فقال له صَعْصَعة : أراه واللّه سيحلف . قال : وأنا واللّه أظنّ ذلك . وقال عليّ : « أمَا أنَّه نظَّار في عِطفَيهِ ، مُختَالٌ في بُردَيهِ ، نقَّال في شِراكِيْهِ ، فَلْيَحلِفْ بَعدُ ، أو لِيدَعَ » ، فحلف فخلَّى سبيلَهُ . (3) [ عبدي ، نسبة إلى عبد القيس ، وقد ذكره ابن أبي الحديد (4) ، وهو الَّذي كتب إليه الحسين عليه السلام فيمن كتب إليه من أشراف البصرة إلاَّ المُنْذِر ، فإنَّه خان وجاء بالكتاب والرَّسول إلى ابن زياد . (5) ]

.


1- . معادن الحكمة : ج1 ص 303 الرقم35 .
2- . في المصدر: «حسن المونة خفيق المؤونة» والصحيح ما أثبتناه.
3- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص203 .
4- . شرح نهج البلاغة : ج18 ص55 _ 59 .
5- . راجع : تاريخ الطبري : ج7 ص240 ، البداية والنهاية : ج8 ص157 ؛ اللهوف : ص32 ، بحار الأنوار : ج44 ص340 ، نفس المهموم : ص47 .

ص: 393

. .

ص: 394

المنذر بن الجارود العبديّ

المُنْذِرُ بنُ الجارُودِ العَبدِيّالمُنْذِر بن الجارود العَبديّ ، واسم الجارود بِشْر بن عَمْرو بن حُبَيْش ، من صحابة الإمام عليّ عليه السلام (1) ، وكان على قسم صغير من جيشه في معركة الجَمل (2) . ولاّه الإمام عليه السلام على إصْطَخر (3) ، وكان حسن الظَّاهر ، لكنّه مضطرب الباطن ، وليس له ثبات . خان المُنْذِرُ الإمامَ عليه السلام في بيت المال ، واستأثر بقسم منه لِنَفْسهِ ، فكتب إليه الإمام كتابا عليه السلام عنّفه فيه . وبعد استلامه كتابَ الإمام جاء إلى الكوفة ، فعزله الإمام عليه السلام ، وحكم عليه بدفع ثلاثين ألف درهم ، وحبسه ، ثمّ أطلقه بشفاعة صَعصَعة بن صُوحان (4) . ولي بعض المناطق في أيّام عبيد اللّه بن زياد (5) الَّذي كان صهره (6) . وعندما عزم الإمام الحسين عليه السلام على نهضتهِ العُظمى كاتب كثيرا من الشَّخصيّات المعروفة ودعاهم إلى نُصرتِهِ والدِّفاع عَن الحقِّ . وكان المُنْذِرُ أحدَ الَّذين راسلهم الإمام عليه السلام ، لكنّه سلَّم الرِّسالة والرَّسول إلى عبيد اللّه بن زياد ، فيا عجبا من فعلته هذه (7) ! مات المُنْذِر سنة 61 ه (8) . في الغارات عن الأعْمَش : كان عليّ عليه السلام ولّى المُنْذِر بن الجارود فارسا فاحتاز مالاً من الخَراج ، قال : كان المال أربعمئة ألف درهم ، فحبسه عليّ عليه السلام ، فشفع فيه صَعْصَعَة بن صُوحان إلى عليّ عليه السلام وقام بأمره وخلّصه (9) . وفي الأخبار الطِوال : قد كان الحسين بن عليّ رضى الله عنه كتب كتابا إلى شيعته من أهل البصرة مع مولى له يسمّى سَلْمان نسخته : « بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم ، مِنَ الحُسينِ بنِ عليٍّ إلى مالِك بنِ مِسْمَع ِ والأحْنَفِ بنِ قَيْس ٍ ، والمُنْذِر بنِ الجارود ومسعود بن عَمْرو وقَيْس بن الهَيْثم ، سلامٌ عليكُم ، أمّا بَعدُ ، فإنّي أدعوكُم إلى إحياءِ مَعالِمِ الحَقِّ وإماتَةِ البِدَعِ ، فإن تُجيبوا تَهتَدُوا سُبُلَ الرَّشادِ ، والسَّلام » . فلمّا أتاهم هذا الكتاب كتموه جميعا إلاّ المُنْذِرُ بن الجارود ، فإنّه أفشاه ، لتزويجه ابنته هندا من عبيد اللّه بن زياد ، فأقبل حتَّى دخل عليه ، فأخبره بالكتاب ، وحكى له ما فيه ، فأمر عبيد اللّه بن زياد بطلب الرَّسول ، فطلبوه ، فأتوه به ، فضربت عنقه (10) .

.


1- . تاريخ مدينة دمشق : ج60 ص281 .
2- . الجمل : ص321 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص505 ، تاريخ مدينة دمشق : ج60 ص283 ، الإصابة : ج 6 ص209 ح8353 وفيه « كان شهد الجمل مع عليّ » .
3- . اصْطَخْر : معرّب استخر ، وهي من أقدم مدن فارِس ، وبها كان سرير الملك دارا بن داراب ، وبهاآثار عظيمة . بينها وبين شيراز اثنا عشر فرسخا ( راجع تقويم البلدان : ص329 ) . الطبقات الكبرى : ج5 ص561 ، المعارف لابن قتيبة : ص339 ، تاريخ مدينة دمشق : ج60 ص281 ، الإصابة : ج 6 ص209 ح8353 .
4- . أنساب الأشراف : ج2 ص391 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص203 .
5- . الأخبار الطوال : ص231 ، الفتوح : ج5 ص37 .
6- . الطبقات الكبرى : ج5 ص561 و ج7 ص87 ، تاريخ مدينة دمشق : ج60 ص283 ، الإصابة : ج 6 ص209 ح8353 .
7- . تاريخ الطبري : ج5 ص357 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص535 و536 ، الأخبار الطوال : ص231 ، الفتوح : ج5 ص37 .
8- . الطبقات الكبرى : ج5 ص561 ، تاريخ مدينة دمشق : ج60 ص285 ، الإصابة : ج 6 ص209 ح8353 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص180 وفيه « مات في سنة 62 ه » .
9- . الغارات : ج2 ص522 وراجع أنساب الأشراف : ج2 ص391 .
10- . الأخبار الطوال : ص231 ، تاريخ الطبري : ج5 ص357 عن أبي عثمان النَّهْدي نحوه وراجع الكامل في التاريخ : ج2 ص535 والفتوح : ج5 ص37 .

ص: 395

. .

ص: 396

123 _ كتابه عليه السلام إلى مالك بن كعب الأرحبيّ

123كتابه عليه السلام إلى مالك بن كَعْب الأرْحَبيّوهو عامله على عين التَّمر :« أمَّا بعدُ ؛ فاستخلِفْ عَلى عَمَلِكَ ، واخرُج في طائِفَة ٍ مِن أصحابِكَ ، حَتَّى تَمرَّ بأَرضِ كُورَةِ السَّوادِ ، فتسألُ عَن عُمّالي ، وتنظرُ في سِيرَتِهم ، فِيما بَينَ دِجلَة َ والعُذَيْب (1) ، ثُمَّ ارجع إلى البِهقُباذات (2) ، فَتَولَّ مَعونَتَها ، واعمَلْ بِطاعَةِ اللّه ِ فيما ولاّكَ مِنها ، واعلَم أنَّ كُلَّ عَملِ ابنِ آدمَ مَحفوظٌ عَليهِ مَجزِيّ بهِ ، فاصنَع خَيْرا ، صَنَعَ اللّه ُ بِنا وبِكَ خَيْرا ، وأعلِمْني الصِّدق فِيما صَنَعْتَ ، والسَّلامُ » . (3) [ وفي نقل بصورة أخرى ، لا بأس بإيرادها : ] « أمَّا بَعدُ ؛ فاستَخلِفْ علَى عَمَلِكَ ، واخرُجْ في طائِفة ٍ مِن أصْحابِكَ ، حَتَّى تَمُرَّ بأرضِ السَّوادِ كُورةً كُورةً ، فتسأَلُهم عَن عُمَّالِهِم ، وتَنظُرَ في سِيرَتِهِم ، حَتَّى تَمُرَّ بِمَنْ كان مِنهُم فِي ما بَينَ دِجلَة َ والفُرات ِ ، ثُمَّ ارجِعْ إلى البِهقُباذات ، فَتَولَّ مَعونَتَها ، واعمَلْ بِطاعَةِ اللّه ِ فِي ما ولاَّك مِنها . واعلَمْ أنَّ الدُّنيا فانِيَةٌ ، وأنَّ الآخِرَةَ باقِيَةٌ ، وأنَّ عَمَل ابنَ آدَمَ مَحفوظٌ علَيهِ ، وأنَّك مجزيّ بما أسلَفتَ ، وقادِمٌ علَى ما قدَّمْتَ مِن خَيْرٍ ، فاصنَعْ خَيْرا ، تَجِدْ خَيْرا . (4)

.


1- . العذيب : تصغير العذب ، وهو الماء الطيب ، ماء بين القادسية والمغيثة ، بينه وبين القادسية أربعة أميال ، وإلى المغيثة اثنان وثلاثون ميلاً ، وقيل العذيب : واد لبني تميم ، وهو من منازل حاج . وقيل : هو حد السَّواد . وقال أبو عبد اللّه السَّكوني : العذيب يخرج من قادسية الكوفة إليه ، وكانت مسلحة للفرس ، بينها وبين القادسية حائطان متصلان بينهما نخل ، وهي ستة أميال ، فإذا خرجت منه دخلت البادية ثُمَّ المغيثة . وكتب عمر إلى سعد : فارتحل بالناس حَتَّى تنزل فيما بين عذيب الهجانات وعذيب القوادس ، وشرق بالناس وغرب بهم . وهذا دليل على أن هناك عذيبين . هذا ملخّص ما ذكره في باب العين والذال من معجم البلدان : ج6 ص131 .
2- . بِهْقُبُاذ _ بالكسر ثُمَّ السُّكون وضم القاف وباء موحدة وألف وذال معجمة _ : اسم لثلاث كور ببغداد ، منأعمال سقي الفرات منسوبة إلى قباذ بن فيروز والد أنو شروان بن قباذ العادل ، منها ( بهقباذ الأعلى ) سقيه من الفرات ، وهو ستة طساسيج : ( طسوج خطر نيه ) ، و( طسوج النهرين ) ، و( طسوج عين التمر ) ، و( الفلوجتان ) ، العليا والسُّفلى ، و( طسوج بابل ) . ( ومنها ) : ( البهقباذ الأوسط ) ، وهي أربعة طساسيج : ( طسوج سورا ) ، و( طسوج باروسما ) ، و( الجبة والبداة ) ، و( طسوج نهر الملك ) ، ( و منها ) ، ( البهقباذ الأسفل ) ، وهي خمسة طساسيج : الكوفة . وفرات بادقلى ، والسَّيلحين وطسوج الحيرة ، وطسوج تستر ، وطسوج هرمز جرد . ( راجع : بحار الأنوار : ج33 ص468 )
3- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص204 .
4- . كتاب الخراج : ص141 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص603 .

ص: 397

[ أقول : كَعْب بن مالك لم أجده فيما بين يديّ من الكتب ، وإن كان لفظ اليعقوبي والخَراج كما ذكرناه ، والظَّاهر أنَّه مُصَحَّفُ مالك بن كَعْب الأرْحَبيّ الهَمْدانِيّ ، الحاكم في عين التَّمر من قِبَل أمير المؤمنين عليه السلام ، كما في الطَّبري (1) والقاموس (2) ، وكان من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام ، الموالين المخلصين المناصحين له. وفي الغارات : أنَّ النُّعْمان بن بشير أغار على شيعة أمير المؤمنين عليه السلام ، فقصد عين التَّمر ، وفيه مالك بن كَعْب معه مئة نفر ، فوقع بينهما حرب شديد ، فاستسلموا للموت ، فاستصرخ مِخْنَف بن سُلَيْم ، فأمدّه بابنه مع خمسين رجلاً ، فشدّوا على أهل الشَّام ، فدفعوهم ، ونجا مالك بن كَعْب ، فكتب إلى عليّ عليه السلام : ] أمَّا بعدُ ؛ فقد نزل بنا النُّعْمان بن بشير في جمع من أهل الشَّام ، كالظَّاهر علينا ، وكان عظم أصحابي متفرقين ، وكنَّا للذي كان منهم آمنين ، فخرجنا إليهم رجالاً مصلتين ، فقاتلناهم حَتَّى المساء ، واستصرخنا مِخْنَف بن سُلَيْم ، فبعث إلينا رجالاً من شيعة أمير المونين عليّ عليه السلام وولده عند المساء ، فَنِعمَ الفتى ونعم الأنصار كانوا ، فحملنا على عدوّنا وشددنا عليهم ، فأنزل اللّه علينا نصره ، وهزم عدوّه ، وأعزَّ جنده ، والحمد للّه ربّ العالمين ، والسَّلام عليك ياأمير المونين ، ورحمة اللّه وبركاته . (3) [ شهد مالك صفِّين ، واسمه مكتوب في الصُّلح ، كما نقله الطَّبري . (4) وهو الَّذي أجاب دعوة أمير المؤمنين عليه السلام حين حثَّ النَّاس على المسير إلى مصر لنصرة محمَّد بن أبي بكرٍ رحمه الله ، فقال : ] يا أمير المونين إندب النَّاس معي ، فإنَّه لاعطر بعد عروس، لِمِثْلِ هذا اليوم كُنتُ ، أدَّخِرُ نفسي ، وإنَّ الأجر لا يأتي إلاّ بالكَرّةِ . ثُمَّ التفت إلى النَّاس وقال : اتقوا اللّه ، وأجيبوا إمامكم ، وانصروا دعوته ، وقاتلوا عدوَّكم ، وأنا أسير إليهم يا أمير المونين . (5) [ نقل في الأنساب صورة أخرى من هذا الكتاب ، وهي : ] وكتب عليه السلام إلى مالك بن كَعْب الأرْحَبيّ : « إنِّي ولَّيتُكَ مَعونَةَ البِهقُباذات ِ ، فآثِرْ طاعَةَ اللّه ِ ، واعلَمْ أنَّ الدُّنيا فانِيَةٌ ، والآخِرَةَ آتِيَةٌ ، واعمَلْ صالِحا تُجْزَ خَيْرا ، فإنَّ عَمَلَ ابنِ آدَمَ مَحفُوظٌ عَليهِ ، وإنَّهُ مَجزِيٌّ بهِ ، فَعَلَ اللّه ُ بِنا وبِكَ خَيْرا والسَّلامُ » . (6) [ كأنَّ البلاذريّ لَخَّصهُ وأسقطَ أوَّلَهُ . وقال الثَّقَفيّ في الغارات ما ملخّصه : ] عبد الرَّحمن بن جُنْدُب عن أبيه : أنَّ أهل دومة الجندل من كلب ، لم يكونوا في طاعة عليّ عليه السلام ، ولا معاوية . . . فذكرهم معاوية مرَّة ، فبعث إليهم مسلم بن عُقْبَة المُرِّيّ فسألهم الصَّدَقة ، وحاصَرهُم ، فبَلَغ ذلِكَ عَليَّا عليه السلام ، وامرأ القيس بن عَدِيّ أصهاره ، فبعث إلى مالك بن كَعْب ، فقال : « استَعْمِلْ علَى عَينِ التَّمر ِ رَجُلاً ، وأقبِلْ إليَّ » . فولاّها عبد الرَّحمن بن عبد اللّه بن كَعْب الأرْحَبيّ ، وأقبل إلى عليّ عليه السلام ، فسرَّحه في ألف فارس ، فما شعر مسلم بن عُقْبَة إلاّ ومالك بن كَعْب إلى جنبه نازلاً ، فتواقفا قليلاً ، ثُمَّ إنَّ النَّاس اقتتلوا ، واطَّردوا يومهم ذلك إلى اللَّيل ، لم يستفز بعضهم من بعض شيئا ، حَتَّى إذا كان من الغد ، صلَّى مسلم بأصحابه ، ثُمَّ انصرف ، وأقام مالك بن كَعْب في دومة الجندل يدعوهم إلى الصُّلح عشرا ، فلم يفعلوا ، فرجع إلى عليّ عليه السلام . (7)

.


1- . تاريخ الطبري : ج5 ص107 و130 و133 .
2- . قاموس الرجال : ج7 ص473 .
3- . الغارات : ج2 ص457 .
4- . تاريخ الطبري : ج5 ص54 .
5- . الغارات : ج1 ص292 .
6- . أنساب الأشراف : ج 2 ص393 .
7- . الغارات : ج2 ص459 .

ص: 398

. .

ص: 399

مالك بن كعب

مالِكُ بنُ كَعْبمالك بن كَعْب الأرْحَبيّ ، من أصحاب الإمام عليّ عليه السلام ، ومن أركان حكومته . كان واليا على عين التَّمر (1) ، وبِهقُباذات (2) ، مضافا إلى إشرافه على عمل سائر المسؤولين في الكوفة والجزيرة . وممّا يُثنى عليه شجاعته الَّتي أبداها قبال هجوم النُّعْمان بن بشير على عين التَّمر ؛ فإنّه واجه جيش النُّعْمان الَّذي قوامه ألفي فارس بسريّة قوامها مِئةُ مقاتل فقط ، حتَّى وصل الإسناد العسكري إليه ، واضطرّ النُّعْمان إلى الفرار (3) . كما استدعي لمواجهة جيش مسلم بن عُقْبَة المُرِّيّ في دومة الجندل ، فكان موفّقا في هذه المهمّة أيضا . وممّا يدلّ على حسن معرفته ؛ إظهار استعداده لإعانة محمّد بن أبي بكر في الوقت الَّذي لم يلبِّ دعوة الإمام أحد . في الغارات عن عبد اللّه بن حَوزة الأزْدِيّ : كنت مع مالك بن كَعْب حين نزل بنا النُّعمان بن بَشِير وهو في ألفين ، وما نحن إلاّ مئة ، فقال لنا : قاتلوهم في القرية واجعلوا الجدر في ظهوركم ، ولا تلقوا بأيديكم إلى التَّهلكة ، واعلموا أنّ اللّه تعالى ينصر العشرة على المئة ، والمئة على الألف ، والقليل على الكثير ، ممّا يفعل اللّه ذلك . ثمّ قال : إنّ أقرب من هاهنا إلينا من شيعة عليّ عليه السلام وأنصاره وعُمّاله قَرَظةُ بن كَعْب ومِخْنَف بن سليم ، فاركض إليهما وأعلمهما حالنا ، وقل لهما : فلينصرانا بما استطاعا . فأقبلت أركض وقد تركته وأصحابه ، وإنّهم ليترامون بالنَّبل ، فمررت بقرظة بن كَعْب فاستغثته ، فقال : إنّما أنا صاحب خراجٍ وما معي أحدٌ اُغيثه به ، فمضيت حتَّى أتيت مِخْنَف بن سُلَيْم فأخبرته الخبر ، فسرّح معي عبد الرَّحمن بن مِخْنَف في خمسين رجلاً ، وقاتلهم مالك بن كَعْب وأصحابه إلى العصر ، فأتيناه وقد كسر هو وأصحابه جفون (4) سيوفهم واستسلموا للموت ، فلو أبطأنا عنهم هلكوا ، فما هو إلاّ أن رآنا أهل الشَّام قد أقبلنا عليهم أخذوا ينكصون عنهم ويرتفعون ، ورآنا مالك وأصحابه فشدّوا عليهم حتَّى دفعوهم عن القرية واستعرضناهم ، فصرعنا منهم رجالاً ثلاثة وارتفع القوم عنّا ، وظنّوا أنّ وراءنا مددا ، ولو ظنّوا أنّه ليس غيرنا لأقبلوا علينا وأهلكونا ، وحال بيننا وبينهم اللَّيل فانصرفوا إلى أرضهم . (5) وفي أنساب الأشراف : بعث معاوية ( مسلم ) بن عُقْبَة المُرِّيّ إلى أهل دومة الجندل (6) _ وكانوا قد توقّفوا عن البيعة لعليّ ومعاوية جميعا _ فدعاهم إلى طاعة معاوية وبيعته ، وبلغ ذلك عليّا فبعث إلى مالك بن كَعْب الهَمْدانِيّ أن خلّف على عملك من تثق به وأقبل إليَّ . ففعل واستخلف عبد الرَّحمن بن عبد اللّه الكِنْديّ ، فبعثه عليٌّ إلى دومة الجندل في ألف فارس ، فلم يشعر مسلم إلاّ وقد وافاه ، فاقتتلوا يوما ثمّ انصرف مسلم منهزما ، وأقام مالك أيّاما يدعو أهل دومة الجندل إلى البيعة لعليّ ، فلم يفعلوا وقالوا : لا نبايع حتَّى يجتمع النَّاس على إمام . فانصرف (7) . وفي تاريخ الطبري _ بعد أن ذكر خطبة الإمام عليه السلام يستنفر النَّاس لإغاثة محمّد بن أبي بكر وأصحابه ، وعدم استجابة النَّاس له عليه السلام _ : فقام إليه مالك بن كَعْب الهَمْدانِيّ ثمّ الأرْحَبيّ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، اندب النَّاس فإنّه لا عطر بعد عروس (8) ، لمثل هذا اليوم كنت أدّخر نفسي ، والأجر لا يأتي إلاّ بالكرّة ، اتّقوا اللّه وأجيبوا إمامكم ، وانصروا دعوته ، وقاتلوا عدوّه ، أنا أسير إليها يا أمير المؤمنين ، قال : فأمر عليّ مناديه سعد ا ، فنادى في النَّاس : ألا انتَدِبُوا إلى مِصرَ مَعَ مالِكِ بنِ كَعْب ٍ (9) .

.


1- . الغارات : ج2 ص459 .
2- . أنساب الأشراف : ج2 ص393 .
3- . الغارات : ج2 ص456 .
4- . جفون السُّيُوف : أغمادُها ، واحِدُها جفن ( النهاية : ج1 ص280 ) .
5- . الغارات : ج2 ص456 وراجع تاريخ الطبري : ج5 ص133 .
6- . دَوْمَة الجَنْدل : مدينة على سبع مراحل من دمشق ، بينها وبين مدينة الرسول صلى الله عليه و آله ، ويطلق عليها اليوم «الجوف» ، وقد جرت فيها قضيّة التحكيم (راجع معجم البلدان : ج2 ص487) .
7- . أنساب الأشراف : ج3 ص225 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص429 نحوه وراجع الغارات : ج2 ص459 .
8- . لا مَخبَأ لِعِطرٍ بَعدَ عَرُوسٍ ، ويُروى : لا عِطرَ بعد عَرُوسٍ : أول من قال ذلك امرأةٌ من عُذرَة يُقال لها أسماء بنت عبد اللّه ، وكان لها زوجٌ من بني عمِّها يُقال له عروس ، فمات عنها . . . ، فقالت : لا عِطرَ بعد عَرُوس ، فذهبت مثلاً يضرب لمن لا يُدَّخَرُ عنه نَفيسٌ ( مجمع الأمثال : ج 3 ص1 الرقم3491 ) .
9- . تاريخ الطبري : ج5 ص107 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص414 نحوه ؛ الغارات : ج1 ص292 .

ص: 400

. .

ص: 401

. .

ص: 402

124 _ كتابه عليه السلام إلى أبي موسى الأشعريّ

124كتابه عليه السلام إلى أبي موسى الأشْعَرِيّنقل البَلاذري في أمر خِرّيت بن راشِد :فكتب عليّ إلى أبي موسى الأشْعَرِيّ :« إنِّي كنتُ أمرتُكَ بالمُقامِ في دِيرِ أبي موسَى فِيمَنْ ضَمَمتُ إليكَ إلى أنْ يَتَّضِحَ خَبَرُ القَوْمِ الظَّالِمِي أنْفُسِهِم الباغِينَ علَى أهْلِ دِينِهِم ، وقَدْ بَلَغنِي أنَّ جَماعَةً مَرُّوا بِقَرْيَةٍ ، يُقال لَها : « نفر » ، فَقَتلُوا رَجُلاً مِن أهْلِ السَّوادِ مُصَلِّيا ، فانَهَضْ إليْهِم علَى اسْمِ اللّه ِ ، فَإنْ لَحِقْتَهُم فادعُهُم إلى الحَقِّ ، فإنْ أَبوْهُ فنَاجِزْهُم ، واسْتَعِنْ باللّه ِ عَليهِم » .

ففاتوه ولم يلقهم ، وذلك قبلَ خُروج أبي مُوسى للحَكَم . (1) لقد اشتبه الأمر على البلاذري ، وفي الحقيقة هذا صورة أخرى من كتابه عليه السلام إلى زياد بن حفصة .

.


1- . أنساب الأشراف : ج3 ص178 .

ص: 403

125 _ كتابه في الصلح

125كتابه في الصلحكتاب الصلح بينه عليه السلام وبين معاوية : [ أورد مصنف كتاب معادن الحكمة (1) قصّة الحَكَمين عن أمالي الشَّيخ الطُّوسيّ رحمه الله ، واقتصر على ما جرى وقتئذ من كلام معاوية وعَمْرو بن عاص لعنهما اللّه تعالى حول مَحوِ كلمة أمير المؤمنين من الكتاب ، وكلام الأحنف والأشْعَث وكلام أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم ينقل نصّ الكتاب ، ولعلّه لِزَعْمٍ أنَّه ليسَ مِن مَكتوباتِهِ بِخَطّ يدِهِ ، ولا من إملاء كان منه عليه السلام ،قال : ] أخبرنا مُحَمَّد بن محمّد ، فقال أخبرني أبو عُبيد اللّه مُحَمَّد بن عِمْرَان المرزباني ، فقال حدَّثنا مُحَمَّد بن موسى ، فقال حدَّثني مُحَمَّد بن أبي السّري ، فقال حدّثنا هِشام ، عن أبي مِخْنَف ، عن عبد الرَّحمن بن جُنْدُب ، عن أبيه ، قال : لمَّا وقع الاتفاق على كتب القضيَّة بين أمير المونين عليه السلام وبين معاوية بن أبي سُفْيَان ، حضر عَمْرو بن العاص في رجال من أهل الشَّام ، وعبد اللّه بن عبَّاس في رجال من أهل العراق ، فقال أمير المونين عليه السلام للكاتب : اكتب : « هذا ما تقاضى عَليهِ أميرُ المُوِنين َ عليُّ بنُ أبي طالب ٍ ومُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفْيَان . . . (2) وعلى كل حال ، فنحن ننقله على صوره المختلفة : قال نصر : عَمْرو بن شمر ، عن جابر ، عن زَيْد بن حسن ، قال عمرو : قال جابر : سمعت زَيْد بن حسن ، _ وذكر كتاب الحَكمين ، فزاد فيه شيئا على ما ذكره مُحَمَّد بن عليّ الشَّعْبيّ ، في كَثرة الشُّهود ، وفي زيادة في الحروف ونقصان ، أملاها عَليَّ من كتاب عنده ، فقال : هذا ما تقاضى عليه عليُّ بن أبي طالب ومعاوية ُ بن أبي سُفْيَانَ وشيعتُهما ، فيما تراضَيَا به من الحُكم بكتاب اللّه ِ ، وسُنَّةِ نبيِّهِ صلى الله عليه و آله ، قضيَّة علي ٍّ على أهل العراق ، ومَن كان من شيعته مِن شاهد أو غائب ، وقضيَّة معاوية على أهل الشَّام ، ومَن كان من شيعته مِن شاهد أو غائب . إنَّا رضينا أن نَنزل عند حُكم القرآن فيما حَكم ، وأن نَقِف عند أمره فيما أمَر ، وإنَّه لا يجمع بيننا إلاَّ ذلك . وإنَّا جعلْنا كتاب اللّه فيما بيننا حَكَما فيما اختلفْنا فيه من فاتحته إلى خاتمته ، نُحيِي ما أحيا ، ونُميت ما أمات . على ذلك تقاضَيَا ، وبه تراضَيَا . وإنَّ عليَّا وشيعتَه رضُوا أن يَبعثُوا عبد اللّه بنَ قَيْس ٍ ناظِرا ومحاكما ، ورضي معاوية ُ وشيعته أن يبعثوا عَمْرو بن العاص ناظِرا ومحاكِما ؛ على أنَّهما أخذوا عليهما عهدَ اللّه وميثاقَه ، وأعظَمَ ما أخَذَ اللّه ُ على أحد من خلقه ، لَيَتَّخذان الكتابَ إماما فيما بُعِثا له ، لا يَعدُوَانه إلى غيره في الحُكم بما وجداه فيه مسطورا ؛ وما لم يجداه مسمًّى في الكتاب ردَّاه إلى سنَّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله الجامعة ، لا يتعمّدان لهما خلافا ، ولا يتَّبعان في ذلك لهما هوىً ، ولا يدخلان في شُبهة . وأخذ عبد اللّه بن قَيْس وعَمْرو بن العاص على علي ٍّ ومعاوية َ عهدَ اللّه وميثاقَه بالرِّضا بما حَكَما به من كتاب اللّه وسُنَّة نبيِّه صلى الله عليه و آله ، وليس لهما أن ينقضا ذلك ، ولا يخالفاه إلى غيره ، وأنَّهما آمنان في حكومتهما على دمائهما ، وأموالهما ، وأهلهما ما لم يعدُوَا الحقَّ ، رضِي بذلك راضٍ أو أنكرَه منكِر ، وأنَّ الأُمَّة أنصارٌ لهما على ما قَضَيا به من العدل . فإن توُفِّي أحد الحكَمين قبل انقضاء الحكومة فأميرُ شيعته وأصحابُه يختارون مكانَه رجلاً ، لا يألون عن أهل المَعْدَلة والإقساط ، على ما كان عليه صاحبُه ، من العهد والميثاق والحكم بكتاب اللّه وسنَّة رسوله صلى الله عليه و آله ، وله مثلُ شرط صاحبه . وإن مات أحد الأميرين قبل القضاء فلِشيعته أن يولُّوا مكانَه رجلاً يرضَون عدلَه . وقد وقعت القضيَّةُ ومعها الأمنُ والتفاوضُ ووَضْعُ السِلاح والسَّلام والموادَعة . وعلى الحكَمين عهدُ اللّه وميثاقُه ألاّ يألُوا اجتهادا ، ولا يتعمَّدا جَوْرا ، ولا يَدخُلا في شُبْهة ، ولا يَعْدُوَا حُكْمَ الكتاب وسنَّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإن لم يفعلا بَرِئت الأُمّة ( سقط من كتاب ابن عُقْبَة ) من حكمهما ، ولا عهدَ لهما ولا ذِمَّة . وقد وجبَت القضيَّةُ على ما قد سُمِّي في هذا الكتاب من مواقع الشُّروط ، على الأميرين والحكَمين والفريقين ، واللّه أقرب شهيدا ، وأدنى حفيظا . والنَّاس آمِنُون على أنفسهم وأهليهم وأموالهم إلى انقضاء مدّة الأجل ، والسِلاحُ موضوع ، والسُبُل مخلاّة ، والغائب والشَّاهدُ من الفريقين سَواءٌ في الأمن ، وللحكمين أن يَنزِلا منزلاً عَدْلاً بين أهل العِراق وأهل الشَّام ، ولا يحضرهما فيه مَن أحبَّا ، عن مَلاَمنهما وتَرَاض . وإنَّ المسلمين قد أجَّلُوا القاضيين إلى انسلاخ رمضان ، فإن رأى الحكَمان تعجيل الحكومة فيما وُجَّها له عجّلاها ، وإن أرادا تأخيرها بعد رمضان إلى انقضاء الموسم فإنَّ ذلك إليهما . فإنْ هما لم يحكما بكتاب اللّه وسُنَّة نبيِّهِ صلى الله عليه و آله إلى انقضاء الموسم ، فالمسلمون على أمرهم الأوَّل في الحرب . ولا شرط بين واحد من الفريقين . وعلى الاُمَّة عهدُ اللّه وميثاقُه على التَّمام ، والوفاء بما في هذا الكتاب ، وهم يدٌ على من أراد فيه إلحادا وظلما ، أو حاوَلَ له نَقْضا . وشهد بما في الكتاب من أصحاب عليّ : عبد اللّه بن عبَّاس ، والأشْعَث بن قَيْس ، والأشْتَر مالك بن الحارث ، وسعيد بن قَيْس الهَمْدانِيّ ، والحُصَيْن والطُّفَيل ابنا الحارث بن المطَّلب ، وأبو اُسَيْد مالك بن ربيعة الأنْصاريّ ، وخَبَّاب بن الأرَتّ ، وسَهْل بن حُنَيْف ، وأبو اليَسَر بن عَمْرو الأنْصاريّ ، ورفاعَة بن رافع بن مالك الأنْصاريّ وعَوْف بن الحارث بن المطَّلب القُرَشيّ ، وبُرَيْدَة الأسْلميّ ، وعُقْبَة بن عامر الجُهَنيّ ، ورافع بن خَدِيْج الأنْصاريّ ، وعَمْرو بن الحَمِق الخُزاعِيّ ، والحسن والحسين ابنا عليّ عليهماالسلام وعبد اللّه بن جَعْفَر الهاشِميّ ، والنُّعْمَان بن عَجْلان الأنْصاريّ ، وحُجْر بن عَدِيّ الكِنْديّ ، ووَرْقاء بن مالكِ بن كَعْب الهَمْدانِيّ ، وربيعة بن شُرَحْبِيل ، وأبو صفرة بن يزيد ، والحارث بن مالك الهَمْدانِيّ ، وحُجْر بن يزيد ، وعُقْبَة بن حُجَيّة ، ( إلى هنا السقط ) . ومن أصحاب معاوية : حَبِيب بن مَسْلَمَة الفِهْرِيّ ، وأبو الأعْوَر بن سُفْيَان السَّلميّ ، وبُسْرِ بن أرْطاة القُرَشيّ ، ومعاوية بن خَدِيْج الكِنْديّ ، والمُخارِق بن الحارث الحِمْيَرِيّ ، ورَعْبَل بن عَمْرو السَّكسَكيّ ، وعبد الرَّحمن بن خالد المخزوميّ ، وحمزة بن مالك الهَمْدانِيّ ، وسُبَيْع بن يَزيد الهَمْدانِيّ ، ويَزيد بن الحرّ الثَّقَفيّ ، ومسروق بن حرملة العكّيّ ، ونُمَيْر بن يَزيد الحِمْيَرِيّ ، وعبد اللّه بن عَمْرو بن العاص ، وعَلْقَمَة بن يزيد الكلبي ، وخالد بن المعرِّض السَّكسَكيّ ، وعَلْقَمَة بن يزيد الجرميّ ، وعبد اللّه بن عامر القُرَشيّ ، ومروان بن الحَكم ، والوليد بن عُقْبَة القُرَشيّ ، وعُتْبَة بن أبي سُفْيَان ، ومُحَمَّد بن أبي سُفْيَان ومُحَمَّد بن عَمْرو بن العاص ، ويَزيد بن عُمَر الجُذاميّ ، وعَمَّار بن الأحوص الكلبيّ ، ومَسْعَدَة بن عَمْرو التُجيبِيّ ، والحارث بن زياد القينيّ ، وعاصم بن المنتشر الجُذاميّ ، وعبد الرَّحمن بن ذي الكِلاع الحِمْيَرِيّ ، والقباح بن جلهمة الحِمْيَرِيّ ، وثُمامَة بن حوشب ، وعَلْقَمَة بن حُكَيْم ، وحَمْزة بن مالك . وإنَّ بيننا على ما في هذه الصَّحيفة عهدَ اللّه وميثاقه . وكتب عُمر يوم الأربعاء لثلاثَ عشرة ليلةً بقيت من صفر، سَنَة سبع وثلاثين (3) . [ صورة ثانية ] صورة أُخرى من وثيقة التَّحكيم : نصر عن عمر بن سَعْد قال : حدَّثني أبو إسحاق الشَّيْبانيّ ، قال : قرأت كتاب الصُّلح عند سعيد بن أبي بردة ، في صحيفة صفراء عليها خاتَمان ، خاتَم من أسفلها ، وخاتَم من أعلاها ، في خاتم عليّ : « مُحَمَّد رسول اللّه » ، وفي خاتم معاوية : « مُحَمَّد رسول اللّه » . فقيل لعليّ حين أراد أن يكتب الكتاب بينه وبين معاوية وأهل الشَّام : أ تقرُّ أنَّهم مونون مسلمون ؟ فقال عليّ : « ما أقِرُّ لمعاويةَ ولا لأصحابه ، أنَّهم مونون ولا مسلمون ، ولكن يكتب معاوية ما شاء ، ويقرّ بما شاء لنفسه وأصحابه ، ويسمّي نفسَه وأصحابه ما شاء » . فكتبوا : « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذا ما تقاضى عليه عليُّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سُفْيَان ، قاضَى عليُّ بن أبي طالب على أهل العِراق ومن كان معه من شيعته من المونين والمسلمين ، وقاضَى معاوية ُ بن أبي سُفْيَان على أهل الشَّام ومن كان معه من شيعته من المونين والمسلمين : إنَّا نَنزل عند حُكم اللّه وكتابه ، وألاَّ يجمعَ بيننا إلاَّ إيَّاه ، وأنَّ كتاب اللّه بيننا وبينكم من فاتحته إلى خاتمته : نُحيي ما أحيا القرآن ، ونُميت ما أمات القرآن . فما وجد الحكمان في كتاب اللّه بيننا وبينكم فإنَّهما يَتَّبِعانهِ ، وما لم يجداه في كتاب اللّه أخَذَا بالسنَّة العادلة الجامعة غير المُفرِّقة ، والحَكمان عبد اللّه بن قَيْس وعَمْرو بن العاص . وأخذنا عليهما عهد اللّه وميثاقَه ليقضيا بما وجدا في كتاب اللّه ، فإن لم يجِدا في كتاب اللّه فالسنَّة الجامعة غير المفرِّقة . وأخذ الحكمانِ من عليٍّ ومعاوية ومن الجُندَيْنِ _ ممّا هما عليه من أمر النَّاس ، بما يرضيان به من العهد والميثاق والثِّقة من النَّاس أنَّهما آمنان على أموالهما وأهليهما . والأمَّة لهما أنصار على الَّذي يقضيان به عليهما . وعلى المونين والمسلمين من الطَّائفتين كلتيها عهد اللّه ، أنَّا علَى ما في هذه الصَّحيفة ، ولنَقُومَنَّ عليه ، وإنَّا عليه لَأَنصارٌ . وإنَّها قد وجبت القضيَّة بين المونين بالأمن والاستقامة ووضع السِّلاح أينما ساروا ، على أنفسهم ، وأموالهم ، وأهليهم ، وأرضيهم ، وشاهدهم ، وغائبهم ، وعلى عبد اللّه بن قيس وعَمْرو بن العاص عهدُ اللّه وميثاقُه ليحكمان بين الأمَّة بالحقِّ ، ولا يُرَّدانها في فرقة ولا بحرب حَتَّى يقضيا . وأجلُ القضيّة إلى شهر رمضان فإنْ أحبَّا أن يعجِّلا عَجَّلا . وإن توفّي واحد من الحكمين فإنَّ أميرَ شيعته يختار مكانَه رجلاً لا يألو عن المَعْدَلة والقسط ، وإنَّ ميعاد قضائهما الَّذي يقضيان فيه مكانٌ عدلٌ بين أهل الشَّام وأهل الكوفة ، فإن رضيا مكانا غيرَه فحيث رضيِا لا يحضرهما فيه إلاَّ من أرادا . وأن يأخذ الحَكمان مَن شاءا من الشُّهود ، ثُمَّ يكتبوا شهادتَهم على ما في الصَّحيفة . ونحن بَرَاءٌ من حُكم بغير ما أنزل اللّه . اللهمَّ إنِّا نَستعينُكَ على من تَرَك ما في هذه الصَّحيفة ، وأراد فيها إلحادا وظلما . وشهد على ما في الصَّحيفة عبد اللّه بن عبَّاس ، والأشْعَث بن قَيْس ، وسعيد بن قَيْس ، ووَرْقاء بن سميّ ، وعبد اللّه بن الطُفَيل ، وحُجْر بن يزيد ، وعبد اللّه بن جمل ، وعُقْبَة بن جارية ، ويزيد بن حُجيَّة ، وأبو الأعْوَر السَّلميّ ، وحَبِيب بن مَسْلَمَة ، والمُخارِق بن الحارث ، وزِمْل بن عمرو ، وحمزة بن مالك ، وعبد الرَّحمن بن خالد ، وسُبَيْع بن يَزيد ، وعَلْقَمَة بن مَرْثَد ، وعُتْبَة بن أبي سُفْيَان ، ويزيد بن الحرّ . وكتب عُميرة يوم الأربعاء لثلاث عشرةَ بقيت من صفر ، سَنَة سبع وثلاثين » . (4) [ صورة ثالثة نصّ عليها البلاذري : ] « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذا ما تقاضى عليه عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سُفْيَان ، قاضى عليّ على أهل العِراق، ومن كان من شيعتهم من المونين والمسلمين ، وقاضى معاوية على أهل الشَّام ، ومن كان من شيعتهم من المونين والمسلمين . إنَّا نَنزل عند حكم اللّه وبيننا كتاب اللّه فيما اختلفنا فيه من فاتحته إلى خاتمته ، نحيي ما يُحْيي ونُميتُ ما أمات ، فما وجدَ الحَكَمانِ في كتابِ اللّه ِ فَإنَّهما يتبعانِهِ ، وما لم يجداه مِمَّا اختلفنا فيه في كتاب اللّه أمضيا فيه السُّنَّة العادلة الحسنة الجامعة غيرَ المفرِّقة . والحَكَمان : عبد اللّه بن قَيْس وعَمْرو بن العاص ، وأخذنا عليهما عهدَ اللّه وميثاقَهُ ، ليحكمان بما وجدَا في كتاب اللّه نصَّا ، فما لم يجداه في كتاب اللّه مسمّى عمَلا فيه بالسنَّة الجامعة غير المفرِّقة . وأخذا من عليّ ومعاوية ومن الجند كليهما ، ومِمَّن تأمَّر عليهِ مِنَ النَّاسِ عَهدَاللّه ِ ، لَيقبلَنَّ ما قضيَا بهِ عَليهِما ، وأخذَا لأنفسهما الَّذي يرضيَان بهِ مِنَ العَهدِ والثِّقة مِنَ النَّاس ؛ أنَّهما آمنانِ علَى أنفسهما ، وأهليهما ، وأموالهما ، وأنَّ الأمَّة لَهما أنصارٌ على ما يقضيَان به على عليٍّ ومعاوية ، وعلى المونين والمسلمين مِنَ الطَّائفتينِ كِلَيهما . وإنَّ على عَبد اللّه ِ بن قَيْس ٍ وعَمْرو بنِ العاص عَهدُ اللّه ِ وميثاقُهُ أن يُصلِحَا بينَ الأمَّةِ ، ولا يردّاها إلى فُرقَةٍ ولا حربٍ . وإنَّ أجل القضيَّة إلى شهر رمضان ، فَإنْ أحبَّا أن يعجّلاها دون ذلك عجّلا ، وإن أحبَّا أن يوّراها من غير ميل مِنهما أخّراها ، وإن مات أحد الحكَمين قبل القضاء ، فإنَّ أميرَ شيعته وشيعته يختارون مكانه رجلاً ، لا يألون عن أهل المَعْدَلة والنَّصيحة والإقساط ، وأن يكون مكان قضيتهما الَّتي يقضيانها فيه مكانَ عَدلٍ بين الكوفة والشَّام والحجاز ، ولا يحضرهما فيه إلاَّ مَن أرادا ، فإن رضيَا مكانا غيره فحيث أحبَّا أن يقضِيَا ، وأن يأخذ الحكَمان من كلِّ واحد من شاءآ من الشُّهود ، ثُمَّ يكتبوا شهادتهم في هذه الصَّحيفة أنَّهم أنصار على من ترك ما فيها : اللهمَّ نستنصرك على مَن ترك ما في هذه الصَّحيفة ، وأراد فيها إلحادا أو ظلما . وشهد من كل جُند على الفريقين عشرة ، من أهل العراق : عبد اللّه بن عبَّاس ، الأشْعَث بن قَيْس ، سعيد بن قَيْس الهَمْدانِيّ ، وقاء بن سَمّي (5) ، وعبد اللّه بن طُفَيل ، وحُجْر بن يزيد الكِنْديّ ، وعبد اللّه بن حجل البَكريّ (6) ، وعُقْبَة بن زياد ، ويزيد بن حُجيَّة التَّيميّ ، ومالك بن كَعْب الأرْحَبيّ » . (7) [ نقل في مجموعة الوثائق نصّ الكتاب ، ثُمَّ ذكر ما في الطَّبري في الحواشي ، ثُمَّ ذكر نصوص الجاحظ ، والبلاذري ّ ، وإسماعيل التَّيمي ّ ، ونحن ننقل عنه النَّصَّين ] نصّ الجاحظ : « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذا ما تقاضى عليه عليّ بن أبي طالب ، ومعاوية بن أبي سُفْيَان . قاضى عليّ بن أبيطالب على أهل العِراق ومن كان معه من شيعته من المونين والمسلمين ، وقاضى معاوية بن أبي سُفْيَان على أهل الشَّام ، ومن كان معه من شيعته من المونين والمسلمين . إنَّا نَنزِلُ عِندَ حُكمِ اللّه ِ في كتابهِ فيما اختلفا فيهِ ، مِن فاتحته إلى خاتمته ، نُحيي ما أحيا ، ونُميتُ ما أماتَ ، فما وجدنا في كتاب اللّه مسمّى أخذنا به ، وما لم نجده في كتاب اللّه مسمّى ، فالسنَّة العادلة الجامعة غَيرُ المُفرِّقةِ فيما اختلفا فيه . والحكَمان : عبد اللّه بن قَيْس الأشْعَرِيّ ، وعَمْرو بن العاص ، وقد أخذ عليّ ومعاوية عليها عهد اللّه ليحكما بما وجدا في كتاب اللّه ، وما لم يجدا في كتاب اللّه مسمّى فالسنَّة العادلة الجامعة غير المفرِّقة . وقد أخذ الحَكَمان من عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سُفْيَان الَّذي يرضيان من العهد والميثاق ، لَيرْضَيانِ بما يقضيانه فِيهما مِن خَلعِ مَنْ خَلَعا ، وتأميرِ مَن أمَّرا . وأخذا من عليٍّ ومعاوية والجندين كليهما الَّذي يَرضَيانِهِ مِنَ العهدِ والميثاق ، وأنَّهما آمنان على أنفسهما وأموالهما ، والأمَّة لهما أنصار على ما يَقضِيانِ بهِ عَليهِما ، وأعوانٌ على مَن بدَّل وغيَّر . وأنَّه قد وجبت القضيَّة مِنَ المُؤمر والآمر ، والاستفاضة ورفع السِّلاح أين ما شاءوا ، وكانوا على أنفسهم وأهاليهم وأموالهم وأرضهم ، وشاهدهم وغائبهم . وعلى عبد اللّه بن قَيْس وعَمْرو بن العاص عهدُ اللّه وميثاقُه لَيَقضِيان بين الأمَّة ، ولا يذراهم في التَّفرقة والحرب حَتَّى يقضيا . وآخر أجلِ القضيّةِ بينَ النَّاسِ في انسلاخِ شَهرِ رَمضانَ ، فإنْ أحبّا أن يُعجِّلا ذلِكَ عجَّلا . وإنْ أحبّا أن يؤخّرا ذلك عن مَلأ منهما وتراض أخّرا . وإن هلك أحدُ الحكَمين فإنَّ أميرَ الشيعة والشِّيعة يختارون مكانَهُ رجُلاً لا يألونَ عَن أهلِ المَعْدَلةِ والاقتصاد ، وإنَّ ميعاد القضيَّة إن يقضيا بمكان من أهلِ الحجاز ِ وأهل الشَّام سواء ، لا يحضرهما فيه إلاَّ من أرادا . فإن أحبَّا أن يكون بأذرُحٍ وبِدَوْمَةِ الجَندلِ كان ، وإن رضيا مكانا غيره حيث أحبَّا فليقضيا على عليّ ومعاوية ، وأن يَجتمعا على الحكَمينِ . شهد عبد اللّه بن عبَّاس ، والأشْعَث بن قَيْس ، وسَعيد بن قَيْس ، ووَرْقاء بن سميّ البَكري الخارقيّ ، وعبد اللّه بن طُفَيل البِكاويّ . . . (8) [ صورة رابعة ] نصّ إسماعيل التَّيميّ : هذا ما قاضى عليه عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سُفْيَان ، قاضى عليّ على أهل العِراق ومَن كان معه من شيعته من المؤمنين ، وقاضى معاوية على أهل الشَّام ومَن كان معه من شيعته من المسلمين ، إنَّا نَنزل على حكم اللّه وكتابه ، فما وجد الحكَمان في كتاب اللّه فهما يتبعانه ، وما لم يجدا في كتاب اللّه فالسنَّة العادلة تجمعهما ، وأنَّهما آمنان على أموالهما وأنفسهما وأهاليهما . والأمَّة أنصار لهما على الَّذي يقضيان عليه ، وعلى المُؤمنين والمسلمين . والطَّائفتان كلتاهما عليهما عهد اللّه أن يفيا بما في هذه الصَّحيفة على أنَّ بين المسلمين الأمن ووضع السِّلاح . وعلى عبد اللّه بن قَيْس وعَمْرو بن العاص عهد اللّه وميثاقه ، ليحكما بين النَّاس بما في هذه الصَّحيفة ، على أنَّ الفريقين يرجعان سنة ، فإذا انقضت السَّنة ، إن أحبَّا أن يردا ذلك ردّا . وإن أحبَّا زادا فيها ما شاءا . اللّهمَّ إنَّا نستنصرك على مَن ترك ما في هذه الصَّحيفة ، وشهد على الصَّحيفة من كلِّ فريق عشرة أنفس ، فشهد من أصحاب عليّ رضى الله عنه : عبد اللّه بن عبَّاس ، والأشْعَث بن قَيْس ، وحُجْر بن أوبر ، وفلان وفلان ، وشهد من أهل الشَّام : أبو الأعْوَر السَّلميّ ، وحبيب بن مَسْلَمَة الفِهْرِيّ ، وعُتْبَة بن أبي سُفْيَان ، وفلان وفلان . وكتب يوم الأربعاء ، سَنَة سبع وثلاثين . (9) [ أقول : لقد أطلنا الكلام في نقل الصُّور المختلفة من الكتاب لكثير الفائدة ، ولا بأس بنقل قِصّة الحكَمَين وعللها مع مراعاة الاختصار : ] طال الحرب بين أهل العِراق والشَّام من شوال سَنَة 36 ، إلى أن آل إلى ما آل من قصَّة الحَكَمَين في صفر من سَنَة 37 ، (10) حَتَّى لقد بلغت الوقايع تسعين وقعة ، وحَتَّى قتل من أهل العِراق خمسة وعشرون ألفا ، ومن أهل الشَّام خمسة وأربعون ألفا . (11) فلمّا وقعت ليلة الهرى ر وقتل من أشراف الشَّام والعِراق جمع كثير وقتل من سائر النَّاس جمع لا يحصى ولاح علائم الفتح لأهل العِراق وآثار الذُّلّ والهوان والدمار في أهل الشَّام ،فقال عليّ عليه السلام : اغدُوا عَلَيهِم إن شاءَ اللّه ُ تَعالى اضطرَبَتْ أقدامُهُم ، وسقَطَ في أيديهم . فشاور معاوية عَمْرو بن العاص ، فأشار عليه برفع المصاحف ، فأمرا أهل الشَّام أن يرفعوا المصاحِفَ علَى الرِّماح ، فرفعوا المصاحِفَ عَلى الرِّماح ، فرفعوها واستقبلوا عساكر أهل العِراق بمصاحفهم ، واستقبلوا عليَّا عليه السلام بمئة مُصْحَفٍ ، ووضعوا في كل مجنبة مئتي مصحَف ، وكان جميعا خمسمئة مصحف ، وهم يقولون : يا مَعشَر العرب ِ ، اللّه َ اللّه َ في نسائِكم وبناتِكم ، فمن للروم والأتراك وأهل فارس غَدا إذا فنيتم ، اللّه َ اللّه َ في دينكم ، هذا كتاب اللّه بيننا وبينكم . (12) فقال عَمْرو حينما شاوره فأشار عليه بما أشار : إنَّ رجالك لا يقومون لرجاله ، ولست مثله ، هو يقاتلك على أمر ، وأنت تقاتله على غيره ، أنت تريد البقاء ، وهو يريد الفناء ، وأهل العِراق يخافون منك إن ظفرت بهم ، وأهل الشَّام لا يخافون عليَّا إن ظفر بهم ، ولكن ألق إليْهِم أمرا إن قبلوه اختلفوا ، وإنْ ردُّوه ادعُهم إلى كتاب اللّه حكما فيما بينك وبينهم ، فإنَّك بالغٌ به حاجتك في القوم ، فإنِّي لم أزل أؤخِّر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه ، فعرف ذلك معاوية فقال : صدقت . (13) نجح معاوية في احتياله وخدعه ، لاسيَّما مع ما عمله أيادي معاوية في عساكر أمير المؤمنين كالأشْعَث و . . . وجهل النَّاس بما دبّر وسيقع . قال نصر : عَمْرو بن شمر ، عن جابر ، عن الشَّعْبيّ ، عن صَعْصَعَة ، قال : قام الأشْعَث بن قَيْس الكِنْديّ ليلةَ الهَرير في أصحابه من كِنْدَة ، فقال : الحمدُ للّه ، أحمَدُه وأستعينهُ ، وأُومِنُ به ، وأتوكَّلُ عليه ، وأستَنصِرُهُ ، وأستغفِرهُ ، وأستخِيرُه ، وأستهديهِ ، ( وأستشيره وأستشهد به ، ) فإنَّه مَن يَهْدِ اللّه فلا مُضِلَّ لَهُ ، ومَن يُضْلِل فلا هادي لَهُ ، وأشهد أن لا إله إلاَّ اللّه ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمَّد ا عبده ورسوله صلى الله عليه و آله . ثُمَّ قال : قَدْ رأيتُم يا مَعشَرَ المُسلِمينَ ما قَدْ كانَ في يَومِكُم هذا الماضِي ، وما قَدْ فُنِيَ فيه مِنَ العرب ِ ، فَو اللّه ِ ، لَقَد بَلَغْتُ مِنَ السِّنِّ ما شاءَ اللّه ُ أنْ أَبلُغَ ، فَما رأيتُ مِثْلَ هذا اليَوْمِ قطُّ . ألا فلْيُبلِّغ الشَّاهِدُ الغائِبَ ، أنَّا إنْ نَحنُ تواقَفْنا غَدَا إنَّهُ لِفَناءِ العَرَب ِ وضَيعَةِ الحُرُماتِ . أما واللّه ، ما أقولُ هذه المَقالَةَ جَزَعا مِنَ الحَتفِ ، ولكنِّي رَجُل مُسِنٌّ أخافُ علَى ( النِّساء و ) الذّراري غَدا إذا فنينا ، اللَّهمَّ إنَّك تَعْلَمُ أنِّي قَدْ نَظَرْتُ لِقَوْمِي ، ولأَهْلِ دِيني فَلَمْ آلُ ، وما تَوفيقي إلاَّ باللّه ِ ، عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وإليهِ أُنِيبُ ، والرَّأيُ يُخطِئُ ويُصِيبُ ؛ وإذا قضى اللّه ُ أمرا أمضاه على ما أحَبَّ العبادُ أو كرهوا . أقول قولي هذا ، وأستَغفِرُ اللّه َ ( العظيم ) لِي ولَكُم . قال صَعْصَعَة : فانطَلَقتْ عُيونُ مُعاوِيَة َ إليهِ بِخُطْبَةِ الأشْعَثِ ، فقال : أصابَ ورَبِّ الكعبة ، لَئِنْ نَحنُ التَقينا غَدا لتمِيلَنَّ الرُّوم ُ علَى ذَرارِينا ونِسائِنا ، ولَتَمِيلَنَّ أهل فارِس على نساء أهلِ العِراق ِ وذراريهم ، وإنَّما يُبصِرُ هذا ذَوُو الأحْلامِ والنُّهى . اربِطُوا المَصاحِفَ علَى أطرافِ القَنا . قال صَعْصَعَة : فَثارَ أهلُ الشَّام ِ فنادوا في سواد اللَّيل : يا أهْلَ العراق ِ ، مَن لِذَرارينا إنْ قَتَلْتُمونا ؟ ومَنْ لِذَرارِيكُم إنْ قَتلْناكُم ؟ اللّه َ اللّه َ في البقيَّة . فأصبح أهلُ الشَّام ، وقَدْ رَفعُوا المَصاحِفَ على رؤوس الرِّماحِ وقلّدوها الخيل ، والنَّاس على الرَّايات قد اشتهوا ما دعوا إليه ، ورُفِعَ مُصحفُ دِمَشق َ الأعظم تَحمِلُهُ عَشرَةُ رِجالٍ على رؤوس الرِّماح ، ونادوا : يا أهلَ العِراق ِ ، كتابُ اللّه ِ بَينَنا وبَينكُمْ . وأقبل أبو الأعْوَر السَّلمي ّ على بِرذونٍ أبيض ، وقد وضَعَ المُصحَفَ علَى رأسِهِ يُنادي : يا أهلَ العِراق ِ ، كتابُ اللّه بيننَا وبَينكُمْ . وأقبلَ عَدِيُّ بنُ حاتَم فقال : يا أمير المونين ، إن كان أهلُ الباطل لا يقومون بأهل الحقّ ، فإنَّه لَم يُصَبْ عُصبةٌ مِنَّا إلاَّ وقد أصيب مِثلُها منهم ، وكلٌّ مقروحٌ ، ولكنَّا أمثَلُ بقيةً منهم . وقد جزِع القوم وليس بعد الجزَع إلاَّ ما تحبّ ، فناجز القوم ، فقام الأشْتَر النَّخَعيّ ، فقال : يا أمير المونين ، إنَّ معاوية لا خَلَف له من رجاله ، ولك بحمد اللّه الخَلف ، ولو كان له مثلُ رجالك لم يكن له مثلُ صبرِك ولا بَصَرك ، فاقرع الحديدَ بالحديد ، واستعن باللّه الحميد . ثُمَّ قام عَمْرو بن الحَمِق ، فقال : يا أمير المونين ، إنَّا واللّه ، ما أجبناك ولا نصرناك عصبيَّةً على الباطل ، ولا أجَبْنا إلاَّ اللّه عز و جل ، ولا طلبنا إلاَّ الحقّ ، ولو دعانا غيرُك إلى ما دعوتَ إليه لاستشرى فيه اللَّجاج ، وطالَتْ فيهِ النَّجوى ؛ وقد بلغ الحقُّ مقْطَعَه ، وليس لنا معك رأي . فقام الأشْعَث بن قَيْس مغضبَا ، فقال : يا أمير المونين ، إنَّا لك اليوم على ما كنَّا عليه أمس ، وليس آخر أمرِنا كأوَّله ، وما من القوم أحدٌ أحْنَى على أهل العِراق ولا أوْترَ لأهل الشَّام منِّي ؛ فأجِبِ القومَ إلى كتاب اللّه ، فإنَّك أحقُّ به منهم ، وقد أحبّ الناس البقاءَ وكرهوا القتال . (14) فلمَّا تداعى النَّاس إلى الصُّلح بعد رفع المصاحف ، وتكلَّم مَن تكلَّم من الفريقين ، وتكلّم كُردوس بن هانئ البَكريّ ، وشَقِيق بن ثور البَكريّ ، وحُرَيْث بن جابر ، وخالد بن المعمَّر ، والحُضين الرِّبْعيّ ، ورِفاعَة بن شَدَّاد ، وابن عبَّاس ، والأشْتَر ، وسُفْيَان بن ثور ، وسَهْل بن حُنَيْف ، وعَدِيّ بن حاتم ، وعَمْرو بن الحَمِق . فمال الأشْتَر وعَدِيّ ، وكردوس بن هانئ ، وحُرَيْث بن جابر والحضين بن الرِّبْعيّ إلى الحرب ، ومال الأشْعَث ، وشَقِيق ، وخالد بن المعمر إلى الموادعة . (15) قال عليّ عليه السلام حين رفعت المصاحف : « اللّهمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنَّهُم ما الكتابَ يُريدونَ ، فاحكُم بَينَنا وبَينَهُم ، إنَّكَ أنتَ الحَكَمُ الحَقُّ المُبينُ . » (16) وقال عليه السلام بعد اختلاف أصحابه : « إنَّه لم يَزَلْ أمرِي مَعَكُمْ علَى ما أحِبُّ إلى أنْ أخذَتْ مِنكُمُ الحَرْبُ ، وقدْ واللّه ِ أخذَتْ مِنكُمْ وتَرَكَتْ ، وأخذَتْ مِن عَدُوِّكُم فَلم تَترُكْ ، وإنَّها فِيهِم أنْكَى وأنْهَك . ألا إنِّي كُنتُ أمسِ أميرَ المُوِنينَ ، فأصبَحتُ اليَوْمَ مأمُورا ، وكُنتُ ناهِيا ، فأصبَحْتُ مَنهِيّا ، وقَد أحبَبتُمُ البَقاءَ ، ولَيس لِي أنْ أحمِلَكُم على ما تَكرهونَ . » (17) وقد دعى معاوية عليَّا عليه السلام إلى متاركة الحرب على أن يكون له الشَّام ، فأبى عليّ عليه السلام ، فتكلَّم رؤساء القبائل ، وطال الكلام فيما بينهم بالخطب والأشعار . (18)

.


1- . معادن الحكمة : ج1 ص288 .
2- . الأمالي للطوسي : ص187 ح315 ، وقعة صفِّين : ص504 و508 و510 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص184 ، بحار الأنوار : ج33 ص314 و316 ، تاريخ اليعقوبي : ج1 ص189 نحوه ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص108 ، تاريخ الطبري : ج5 ص53 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص388 ، الأخبار الطوال : ص194 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص233 ، الفتوح : ج4 ص201 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص151 ، البداية والنهاية : ج7 ، ص277 ، تاريخ ابن خلدون : ج2 ص634 .
3- . وقعة صفّين : ص 504 _ 508.
4- . وقعة صفِّين : ص509 _ 511 ، بحار الأنوار : ج32 ص543 ح454 وراجع : أنساب الأشراف : ج3 ص1034 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص233 و234 .
5- . وبعضهم يقول : ورقاء بن سمي ، ووقاء أصح ذلك ( المصدر ) .
6- . وفي تاريخ الطبري : وعبد اللّه بن محل العجلي .
7- . الأنساب الأشراف : ج3 ص108 و109 .
8- . مجموعة الوثائق السياسية : ص542 .
9- . مجموعة الوثائق السياسيّة : ص543 .
10- . راجع : وقعة صفِّين : ص511 .
11- . راجع : وقعة صفِّين : ص558 .
12- . راجع : وقعة صفِّين : ص478 ، بحار الأنوار : ج32 ص530 ح 447 ؛ الأخبار الطوال :ص189 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص212 .
13- . وقعة صفّين : ص476 و477 .
14- . وقعة صفِّين : ص480 _ 482 .
15- . راجع : وقعة صفِّين : ص484 _ 488 ؛ الأخبار الطوال : ص189 ، الفتوح : ج3 ص183 و184 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص139 ، المعيار والموازنة : ص162 _ 167 .
16- . وقعة صفِّين : ص478 ، بحار الأنوار : ج2 ص246 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج2 ص212 .
17- . وقعة صفِّين : ص484 وراجع : نهج البلاغة : الخطبة208 ، بحار الأنوار : ج32 ص535 ؛ مروج الذهب : ج2 ص400 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص138 .
18- . راجع : وقعة صفِّين : ص482 _ 489 .

ص: 404

. .

ص: 405

. .

ص: 406

. .

ص: 407

. .

ص: 408

. .

ص: 409

. .

ص: 410

. .

ص: 411

. .

ص: 412

. .

ص: 413

. .

ص: 414

. .

ص: 415

. .

ص: 416

. .

ص: 417

. .

ص: 418

خطبة علي في التّحكيم

خطبة علي في التَّحكيموفي حديث عمر بن سعد ، لمَّا رفع أهل الشَّام المصاحف على الرِّماح يَدعون إلى حُكمِ القرآن ، قال عليٌّ عليه السلام :« عِبادَ اللّه ِ إنِّي أحقُّ مَن أجابَ إلى كتابِ اللّه ِ ، ولكنَّ معاوية َ ، وعَمْرو بنَ العاص ، وابن أبي مُعَيط ، وحَبِيبَ بن مَسْلَمَة ، وابنَ أبي سَرْح ٍ ، ليسوا بأصحابِ دينٍ ولا قُرآنٍ ، إنِّي أعْرَفُ بِهِم مِنكُم ، صَحِبْتُهُم أطفالاً ، وصَحِبتُهم رِجالاً ، فكانوا شرَّ أطفالٍ ، وشَرَّ رِجالٍ ، إنَّها كَلِمَةُ حقٍّ يُراد بِها باطِلٌ ، إنَّهم واللّه ِ ، ما رَفَعُوها أنَّهم يَعرِفُونها ويعملون بها ، ولكنَّها الخَديعةُ ، والوَهَنُ ، والمَكِيدَةُ . أعِيرُوني سواعِدَكُم وجَماجمَكُم ساعَةً واحِدَةً ، فَقدْ بلَغَ الحَقُّ مَقطَعَهُ ، ولَمْ يَبقَ أن يُقطَعَ دابِرُ الَّذِين ظلَموا » .

فجاءَه زُهاءُ عشرين ألفا مقنَّعين في الحديد شاكِي السِّلاحِ ، سيُوفُهم على عواتقِهِم ، وقد اسودَّتْ جِباهُهُم مِنَ السُّجودِ ، يتقدَّمهم مِسْعَرُ بن فَدَكيّ ، وزَيْد بن حُصَيْن ، وعصابةٌ من القرّاء الَّذِين صاروا خوارج من بعدُ ، فنادَوه باسمه لا بإمرةِ المونين : يا عليّ ، أجبِ القومَ إلى كتاب اللّه إذْ دُعيت إليه ، وإلاَّ قتلناك ، كما قتَلْنا ابنَ عفَّان ، فواللّه ِ ، لَنَفعَلنَّها إنْ لم تُجِبهم . فقال لهم : « ويْحَكُم ، أنا أوَّلُ مَن دَعا إلى كتابِ اللّه ِ ، وأوَّلُ مَن أجابَ إليهِ ، وليسَ يَحِلُّ لِي ، ولا يَسعُنِي في ديني أن أُدعَى إلى كتابِ اللّه ِ فَلا أَقبلُه ، إنِّي إنَّما أقاتِلُهم ليَدِينوا بِحُكْمِ القُرآنِ ، فإنَّهُم قد عَصَوا اللّه َ فِيما أمرَهُم ، ونَقَضُوا عَهْدَه ، ونَبَذُوا كِتابَهُ ، ولَكنِّي قَد أعلَمْتُكُم أنَّهُم قَد كادُوكُم ، وأنَّهم لَيسوا العَمَلَ بِالقُرآنِ يُرِيدُونَ » . قالوا : فابعث إلى الأشْتَر ليأتيك ، وقد كان الأشْتَر صبيحة ليل الهرير قد أشرف على عَسْكَرِ مُعاوِيةَ لِيَدْخُلَهُ . (1) قال نَصْر : فحدَّثني فضيل بن خَدِيْج ، عن رَجُلٍ مِنَ النَّخَع ، قال : رأيت إبراهيمَ بن الأشْتَر دخل على مُصْعَب بن الزُبَيْر فسأله عن الحال كيف كانت ، فقال : كنت عند عليّ حين بعث إلى الأشْتَر أن يأتيه ، وقد كان الأشْتَر أشرف على معسكر معاوية ليدخله ، فأرسل إليه عليٌّ يزيد بن هانئ : « أن ائتِني » . فأتاه فبلَّغه . فقال : الأشْتَر ائته ! فقل له : ليس هذه بالساعة الَّتي ينبغي لك أن تزيلني فيها عن موقفي ، إنِّي قد رجوت اللّه أن يفتح لي فلا تعْجِلْنِي . فرجع يزيد بن هانئ إلى عليّ فأخبره ، فما هو إلاَّ أن انتهى إلينا حَتَّى ارتفع الرَهَج ، وعلَتِ الأصواتُ مِن قِبَلِ الأشْتَر ، وظهرت دلائل الفتح والنَّصر لأهل العِراق ، ودلائل الخِذلان والإدبار على أهل الشَّام . فقال له القوم : واللّه ، ما نراك إلاَّ أمرتَه بقتال القوم ، قال : « أ رأيتموني سارَرْتُ رَسُولي إليه ؟ أليس إنَّما كلّمته على رؤوسكم عَلانِيةً وأنتم تسمعون » . قالوا : فابعث إليه فَليأْتِكَ ، وإلاَّ فو اللّه اعتزلْناك . قال : « ويحك يا يزيد ، قل له أقبِلْ إليَّ ، فإنَّ الفتنة قد وقعَتْ » . فأتاه فأخبره ، فقال له الأشْتَر : أ لِرفع هذه المصاحف ؟ قال : نعم ، قال :أما واللّه ، لقد ظننت أنَّها حين رُفعت ستُوقع اختلافا وفرقة ، إنَّها من مشورة ابن النَّابغة _ يعني عَمْرو بن العاص _ قال : ثُمَّ قال ليزيد : ويحك ألا ترى إلى ما يَلقَون ، ألا ترى إلى الَّذي يَصنعُ اللّه لنا ، أيبتغي أن ندع هذا وننصرف عنه ؟ ! فقال له يزيد : أتحبُّ أنَّك ظفرت هاهنا وأنَّ أمير المونين بمكانه الَّذي هو به يُفرَج عنه ، ويُسلَّم إلى عدوِّه ؟ ! قال : سبحان اللّه ، لا واللّه ما أحبُّ ذلك . قال : فإنَّهم قالوا : لتُرسِلنَّ إلى الأشْتَر فليَأتينَّك ، أو لَنقتُلنَّك بأسيافنا كما قتلنا عثمان ، أو لنُسْلمنَّك إلى عدوِّك . قال : فأقبل الأشْتَر حَتَّى انتهى إليهم ، فصاح فقال : يا أهل الذُلِّ والوَهْنِ ، أحين عَلَوْتم القومَ فظنُّوا أنَّكم لهم قاهرون ورفعوا المصاحف يَدعونكم إلى ما فيها ؟ ! وقد واللّه ، تركوا ما أمر اللّه ُ بهِ فيها ، وسُنَّة مَن أُنزِلَت علَيهِ ، فلا تجيبوهم . أمهلوني فُوَاقا (2) ، فإنِّي قد أحسَستُ بالفَتحِ . قالوا : لا . قال : فأمهلوني عَدْوةَ الفَرسِ ، فإنِّي قد طمعت في النَّصر . قالوا : إذنْ ندخلَ معك في خطيئتك . قال : فحدِّثوني عنكم _ وقد قُتل أماثِلُكم وبقي أراذلكم _ متى كنتم محقِّين ، أحِين كنتم تقتلون أهل الشَّام ، فأنتم الآن حين أمسكتم عن القتال مبطلون ، أم أنتم الآن في إمساككم عن القتال محقُّون ؟ فقتلاكم إذن الَّذِين لا تنكرون فضلهم وكانوا خيرا منكم في النَّار . قالوا : دعنا مِنكَ يا أشْتَرُ ، قاتلناهم في اللّه ِ وندع قِتالَهُم في اللّه ِ ، إنَّا لسنا نُطيعُك فاجتنِبْنا . قال : خُدِعْتم واللّه ِ فانخدعتم ، ودُعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم ، يا أصحاب الجباه السُود ، كنَّا نظنُّ أنَّ صلاتكم زَهادةٌ في الدُّنيا وشوقٌ إلى لقاء اللّه ، فلا أرى فِراركم إلاَّ إلى الدُّنيا من الموت . ألا فقُبْحا يا أشباه النِّيبِ الجَلاَّلة ، ما أنتم برَائين بعدها عِزَّا أبدا ، فابعَدوا كما بعِد القومُ الظَّالمون . فَسبُّوه وسبَّهم ، وضربوا بسياطهم وجهَ دابّتهِ ، وضرب بسوطه وُجوهَ دَوَابِّهِم ، فصاح بِهِم عليٌّ فكَفُّوا . وقال الأشْتَر : يا أمير المونين ، احمل الصَّفَّ على الصَّفِّ يُصْرَع القوم . فتصايَحوا : أنَّ عليَّا أمير المونين قد قبِل الحكومة ، ورضِي بحُكم القرآن ، ولم يَسعْه إلاَّ ذلك . قال الأشْتَر : إن كان أمير المونين قد قبِل ورضي بِحُكْمِ القرآن ، فقد رضيِتُ بما رضِي أمير المونين . فأقبل النَّاس يقولون : قد رضِي أمير المونين ، قد قَبِل أمير المونين . وهو ساكتٌ لا يَبِضُّ (3) بِكَلمةٍ ، مُطرِقٌ إلى الأرض . (4) [ لمَّا قبل أمير المؤمنين ذلك ، كرها اتفق أهل الشَّام على عَمْرو بن العاص حكما ] فقال الأشْعَث والقُرَّاء الَّذِين صاروا خوارجَ فيما بعد : فإنَّا قد رضينا واخترنا أبا موسى الأشْعَرِيّ . فقال لهم عليّ : « إنِّي لا أرضى بِأَبي مُوسى ، ولا أرى أن أُوَلِّيه » . فقال الأشْعَث ، وزَيْد بن حُصَيْن ، ومِسْعَر بن فَدَكيّ في عصابة من القُرَّاء : إنَّا لا نرضى إلاَّ به ، فإنَّه قد حذَّرنا ما وقعنا فيه . قال عليّ : « فَإنَّهُ ليس لِي بِرِضا ، وقد فارقَني وخَذَّل النَّاس عنِّي ثُمَّ هربَ ، حَتَّى أمَّنته بعد أشهر . ولكِنْ هذَا ابنُ عبَّاسٍ أُولِّيه ذلِكَ » . قالوا : واللّه ، ما نبالي ، أ كنتَ أنت أو ابن عبَّاس ، ولا نريد إلاَّ رجلاً هو منك ومن معاوية سواءٌ ، وليس إلى واحد منكما بأدنى من الآخر . قال عليّ : « فإنِّي أجعل الأشْتَر » . قال نصر : قال عَمْرو فحدَّثني أبو جناب ، قال : قال الأشْعَث : وهل سَعَّر الأرض علينا غيرُ الأشْتَر ، وهل نحن إلاَّ في حكم الأشْتَر . . . وفي حديث عمر ، قال : قال عليّ : « قد أبيتُم إلاَّ أبا موسى » ؟ قالوا : نعم . قال : « فاصنَعُوا ما أرَدْتُم » . (5) قال نصر : وفي كتاب عمر بن سعد : « هذا ما تقاضى عليهِ علِيٌّ أمير المونين » ، فقال معاوية : بئس الرَّجل أنا إن أقررتُ أنَّه أمير المونين ثُمَّ قاتلتُه . وقال عمرو : اكتب اسمه واسم أبيه ، إنَّما هو أميركم ، وأمَّا أميرنا فلا . فلمَّا أُعيد إليه الكتاب أمر بمحوه ، فقال الأحنف : لا تمحُ اسم إمرة المونين عنك ؛ فإنِّي أتخوَّف إن محوتَها ألاَّ ترجع إليك أبدا ، لا تمحُها وإن قَتَل النَّاس بعضهم بعضا . فأبى مَلِيَّا من النَّهار أن يمحُوَها ، ثُمَّ إنَّ الأشْعَث بن قَيْس جاء ، فقال : امحُ هذا الاسم . فقال عليّ : « لا إله إلاَّ اللّه ، واللّه ُ أكبر ، سُنَّةٌ بِسُنَّة ، أمَا واللّه ِ ، لَعَلَى يَدِي دارَ هذا يَومَ الحُدَيبية ، حين كتبتُ الكِتابَ عَن رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : هذا ما تصالَحَ عليهِ مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وسُهيلُ بنُ عمرو ، فقال سُهيل : لا أُجيبُكَ إلى كتابٍ تسمّي ( فيه ) رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، ولَو أعلَمُ أنَّكَ رَسولُ اللّه ِ لَمْ أقاتِلْكَ ، إنِّي إذا ظَلَمتُكَ إن مَنَعتُكَ أن تَطُوفَ بِبَيتِ اللّه ِ وأنتَ رَسُولُ اللّه ِ ، ولكن اكتب مُحَمَّد بن عبد اللّه أُجبْكَ . فقال محمَّد صلى الله عليه و آله : يا عليّ إنِّي لَرسُولُ اللّه ِ ، وإنِّي لمُحَمَّد بن عبد اللّه ، ولَن يَمحُوَ عنِّي الرِّسالَةَ كِتابي إليهِمْ مِن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللّه ِ ، فاكتب : مُحَمَّدُ بن عبد اللّه . فراجَعَني المُشركونَ في هذا إلى مُدَّةٍ . فاليوم أكتبُها إلى أبنائهم كما كَتَبها رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله إلى آبائِهِم سُنَّةً ومَثَلاً » . فقال عَمْرو بن العاص : سُبحانَ اللّه ِ ، ومثل هذا شبَّهتَنا بالكفَّار ونحن مونون . فقال له عليّ : « يا بنَ النَّابِغَةِ ، ومتى لَم تَكُنْ للكافِرينَ وَلِيَّا ولْلِمُسلمِينَ عَدُوَّا ؟ وهل تُشبِهُ إلاَّ أُمَّكَ الَّتي وَضَعَت بِكَ » . فقام عمرو ، فقال : واللّه ِ ، لا يجمع بيني وبينك مَجلِسٌ أبدا بعدَ هذا اليوم . فقال عليّ : « واللّه ، إنِّي لأَرجو أن يُظهِرَ اللّه ُ عَلَيكَ وعلَى أصحابِكَ » . قال : وجاءت عِصابَةٌ قد وضعوا سُيُوفَهم علَى عواتقهم ، فقالوا : يا أمير المونين مُرْنا بما شئت . فقال لهم ابن حُنَيْف : أيُّها النَّاس ، اتَّهِموا رَأيَكُم ، فَواللّه ِ ، لقد كنَّا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم الحديبية ، ولو نرى قتالاً لقاتلنا ، وذلك في الصُّلح الَّذي صالَح عليهِ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله . (6) [ وعلى كل حال ، لقد ابتلي أمير المؤمنين عليه السلام بأُمور : منها أنَّه ابتلي بأعداء لا يعتنقون مبدءا ، ولا يعتقدون أمرا من مبدأ ومعاد ، ولا يلتزمون بقانون أخلاقي ، ولا يتركون ظلما ، ولا جورا ، ولا جناية قليلاً ولا كثيرا يقدرون عليه كعَمْرو بن العاص ، ومروان ، وبُسْر بن أرطاة ، وزياد . . . ] . قال أبو جَعْفَر الإسكافي مُحَمَّد بن عبد اللّه المعتزلي : فلم يؤت عليّ رضى الله عنهفي أموره لسوء تدبير كان منه ، أو لغلط في رأي ، غير أنَّه كان يؤثر الصَّواب عند اللّه في مخالفة الرَّأي ، ولا يؤثر الرَّأي في مخالفة رضا ربّه . وقد كانت له خاصَّة من أهل البصائر واليقين من المهاجرين والأنصار ، مثل ابن عبَّاس ، وعَمَّار ، والمقداد ، وأبي أيّوب الأنْصاريّ ، وخُزَيْمَة بن ثابت ، وأبي الهَيْثم بن التّيهان ، وقَيْس بن سَعْد بن عُبادَة الأنْصاريّ ، ومَن أشبه هؤلاء من أهل البصيرة والمعرفة ، فأفنتهم الحروب واخترمهم الموت . وحصل معه من العامَّة قوم لم يتمكَّن العلم من قلوبهم ، تبعوه مع ضعف البصيرة واليقين ، ليس لهم صبر المهاجرين ، ولا يقين الأنصار ، فطالت بهم تلك الحروب ، واتصلت بعضها ببعض ، وفني أهل البصيرة واليقين ، وبقي من أهل الضَّعف في النِّيَّة ، وقصر المعرفة من قد سئموا الحرب ، وضجروا من القتل ، فدخلهم الفشل ، وطلبوا الرَّاحة ، وتعلَّقوا بالأعاليل ، فعندها قام فيهم خطيبا ، فقال : ( أيُّها النَّاسُ المُجتَمِعةُ أبدانُهم ، المُختلِفَةُ أهواؤُهُم ، كَلامُكُم يُوهِي الصُمَّ الصِّلابَ ، وفِعلُكُم يُطمِعُ فِيكُم الأَعداءَ ، تقولونَ في المجالِسِ كَيْت وكَيْت ، فإذا جاء القِتالُ قُلتُم : حيدي حَيادِ . . . ) . (7) [ أقول : لمَّا انتهت حرب صفِّين إلى تحكيم الحَكَمَين ، ومتاركة الحرب ، وكتب الصُّلح على خلاف رأي أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه المخلصين ، شرع معاوية في الإغارة على العِراق والحجاز واليمن وقتل شيعة علي عليه السلام ، وتهديم الأمن العام في البلاد الاسلامية ، وقتل النُّفوس حَتَّى الأطفال ونهب الأموالِ . فأوّل من أمره معاوية ُ بهذا العَملِ الشَّنيعِ غير الإنساني والإسلامي ، هو الضَّحَّاك بن قَيْس فأتى الثَعْلبية وأغار على الحاج ، وبعث أمير المؤمنين عليه السلام على أثره حُجْر بن عديّ رضى الله عنه في أربعة الآفٍ حَتَّى طردَهُ عَنِ بلادِ أميرِ المُؤمنينَ عليه السلام . قال الثَّقَفيّ : أوّل غارة كانت بالعِراق ، غارة الضَّحَّاك بن قَيْس على أهل العِراق ، وكانت بعد ما حكم الحكمان وقبل قتل أهل النَّهر ، وذلك أنَّ مُعاوِيةَ لمَّا بلغه أنَّ عليَّا عليه السلام بعد تحكيم الحكَمَين تحمَّل إليه مقبلا فهاله أمره فخرج من دمشق معسكرا ، وبعث إلى كور الشَّام فصاح فيها : أن عليَّا قد سار إليكم وكتب إليهم نسخة واحدة فقرأت على النَّاس : « أمَّا بعدُ ؛ فإنَّا كنَّا قد كتبنا بيننا وبين عليٍّ كتابا ، وشرطنا فيه شُرُوطا ، وحكَّمنا رجلين . . . » فاجتمع إليه النَّاس من كلِّ كورة ، وأرادوا المسير إلى صفِّين ، فاستشارهم ، وقال : إنَّ عليَّا قد خرج إليكم مِنَ الكُوفَةِ ، وعَهْدُ العاهِدِ بهِ أنَّه فارَقَ النُّخيلَةَ . فقال له حَبِيب بن مَسْلَمَة : فإنّي أرى أن نخرج حَتَّى ننزل منزلنا الَّذي كنّا فيه ؛ فإنه منزل مبارك قد متعنا اللّه به ، وأعطانا من عدونا فيه النَّصَف ، وقال له عَمْرو بن العاص : إني أرى لك أن تسير بالجنود، حَتَّى توغلها في سلطانهم من أرض الجزيرة ، فإن ذلك أقوى لجندك ، وأذلُّ لِأهلِ حَرْبِكَ . فقال معاوية : واللّه إني لأعرف أنَّ الرَّأي الَّذي تقول ؛ ولكِنَّ النَّاس لا يطيقون ذلك ، قال عمرو : أنَّها أرض رفيعة . فقال معاوية : واللّه إنّ جهد النَّاس أن يبلغوا منزلهم الَّذي كانوا به ، يعني صفِّين . فمكثوا يجيلون الرَّأي يومين أو ثلاثة ، حَتَّى قدمت عليهم عيونهم : أن عليَّا اختلف عليه أصحابه ففارقته منهم فرقة أنكرت أمر الحكومة ، وأنَّه قد رجع عنكم إليهم فكثر سرور النَّاس بانصرافه عنهم ؛ وما أُلقي من الخلاف بينهم . فلم يزل معاوية معسكرا في مكانه منتظرا لما يكون من عليّ وأصحابه ، وهل يقبل عليّ بالنَّاس أم لا ؟ فما برح معاوية حَتَّى جاءه الخبر أن عليَّا قد قتل تلك الخوارج وأراد بعد قتلهم أن يقبل إليه بالنَّاس وأنهم استنظروه ودافعوه ، فسُرَّ بذلك هو ومن قبله من النَّاس . عن عبد الرَّحمن بن مَسْعَدَة الفَزَارِيّ قال : جاءنا كتاب عَمَّار بن عُقْبَة بن أبي مُعَيط من الكوفة ونحن معسكرون مع معاوية ، نتخوف أن يفرغ عليّ من خارجته ثم يقبل إلينا ونحن نقول : إن أقبل إلينا كان أفضل المكان الَّذي نستقبله به مكاننا الَّذي لقيناه فيه العام الماضي، وكان في كتاب عَمَّارة : أمَّا بعدُ ؛ فإن عليَّا خرج عليه عِلِّيةُ أصحابه ونُسَّاكهم فخرج إليهم فقتلهم ، وقد فسد عليه جنده وأهل مصره ووقعت بينهم العداوة ، وتفرَّقوا أشد الفرقة ، فأحببت إعلامك لتحمد اللّه والسَّلام . قال : فقرأه معاوية عليّ وعلى أخيه وعلى أبي الأعْوَر السَّلميّ ، ثُمَّ نظر إلى أخيه عُتْبَة وإلى الوليد بن عُقْبَة ، وقال للوليد : لقد رضي أخوك أن يكون لنا عينا ، قال : فضحك الوليد وقال : إنّ في ذلك أيضا لنفعا . . . قال : فعند ذلك دعا معاوية الضَّحَّاك بن قَيْس الفِهْريّ وقال له : سر حَتَّى تمرَّ بناحية الكوفة ، وترتفع عنها ما استطعت ، فمن وجدته من الأعراب في طاعة عليّ فأغر عليه ، وإن وجدت له مسلحة أو خيلا فأغر عليهما ، وإذا أصبحت في بلدة فأمس في أخرى ، ولا تقيمن لخيل بلغك أنَّها قد سرَّحت إليك لتلقاها فتقاتلها ، فسرَّحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف جريدة خيل . قال : فأقبل الضَّحَّاك يأخذ الأموال ويقتل من لقي من الأعراب ، حَتَّى مرَّ بالثَّعلبيَّة فأغار خيله على الحاج فأخذ أمتعتهم ، ثُمَّ أقبل فلقي عَمْرو بن عميس بن مسعود الذُّهْلِيّ ، وهو ابن أخي عبد اللّه بن مسعود صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ف قتله في طريق الحاج عند القطقطانة وقتل معه ناس من أصحابه . قال أبو رَوْق : فحدَّثني أبي أنَّه سمع عليَّا عليه السلام _ وقد خرج إلى النَّاس _ وهو يقول على المنبر : « يا أهل الكوفة اخرجوا إلى العبد الصَّالح عَمْرو بن عميس ، وإلى جيوش لكم قد أصيب منها طرف ، اخرجوا فقاتلوا عدوَّكم وامنعوا حريمكم إن كنتم فاعلين » . قال : فردُّوا عليه ردَّا ضعيفا ورأى منهم عجزا وفشلا فقال : « واللّه ِ لَوَدِدْتُ أنَّ لي بِكُلِّ مِئةِ رَجُلٍ مِنْكُم رَجُلاً مِنهُم ، وَيْحَكُم اخرُجُوا مَعِي ثُمَّ فرّوا عَنِّي إن بدا لكم ، فو اللّه ما أكرَهُ لِقاءَ ربِّي علَى نِيَّتي وبَصِيرَتي ، وفي ذلِكَ رَوحٌ لِي عَظِيمٌ وفَرَجٌ مِنْ مُناجاتِكُم ومُقاساتِكُم ومُداراتِكُم مِثلَ ما تُداري البكارُ العُمْدَةَ والثِّيابَ المُتهتِرَةَ، كُلَّما خِيطَتْ مِن جَانِبٍ تَهتّكَتْ علَى صاحِبِها مِن جانِبٍ آخَرَ » . ثُمَّ نزل فخرج يمشي حَتَّى بلغ الغَرِيَيَّن ، ثُمَّ دعا حُجْر بن عَدِيّ الكِنْديّ من خيله فعقد له راية على أربعة آلاف ، ثُمَّ سرّحه فخرج حَتَّى مرَّ بالسَّماوة ، وهي أرض كلب ، فلقي بها إمرأ القَيس بنَ عَدِيّ بنَ أوس بن جابر بن كَعْب بن عليم الكلبي ، أصهار الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فكانوا أدلاّءه على طريقه وعلى المياه ، فلم يزل مُغِذَّا في أثر الضَّحَّاكِ حَتَّى لَقِيَهُ بِناحِيَةِ تدمر ، فواقفه فاقتتلوا ساعة ، فقتل من أصحاب الضَّحَّاك تسعة عشر رجلاً ، وقتل من أصحاب حُجْر رجُلانِ : عبد الرَّحمن وعبد اللّه الغامدي ، وحجز اللَّيل بينهم فمضى الضَّحَّاك ، فلمَّا أصبحوا لم يجدوا له ولأصحابِهِ أثرا وكان الضَّحَّاكُ يقولُ بعد : أنا الضَّحَّاك بن قَيس ، أنا أبو أنيس ، أنا قاتل عَمْرو بن عميس . عن مِسْعَر بن كِدام قال : قال عليّ عليه السلام : « لَوَدَدْتُ أنَّ لِي بأهْلِ الكُوفَةِ _ أو قال بأصحابي _ ألفا مِن بَني فِراس » . عن زَيْد بن وهب قال : كتب عَقِيل بن أبي طالب رضى الله عنه إلى عليّ أمير المونين عليه السلام حين بلغه خذلان أهل الكوفة وعصيانهم إياه : بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لعبد اللّه عليّ أمير المونين ، من عَقِيل بن أبي طالب : سلامٌ عليكَ فإنِّي أحمَدُ إليكَ اللّه َ الَّذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ ، أمَّا بَعْدُ ؛ فَإنَّ اللّه َ حارِسُكَ مِن كُلِّ سُوءٍ وعاصِمُكَ من كلِّ مَكروهٍ وعلى كُلِّ حالٍ ؛ إني خَرَجْتُ إلى مَكَّةَ مُعتَمِرا فَلَقِيتُ عَبْدَ اللّه ِ بنَ سَعْدِ بنِ أبي سَرْحٍ في نحوٍ مِن أربَعِينَ شابَّا مِن أبناءِ الطُّلَقاءِ فَعَرفْتُ المُنكرَ في وُجُوهِهِم ، فقلت لهم : إلى أيْنَ يا أبناءَ الشَّانِئينَ ؟ أبِمُعاوِيَةَ تَلحَقُونَ ؟ عداوة واللّه ِ مِنكُم قَدِيما غير مُستَنْكَرةٍ ، تُريدونَ بِها إطفاءَ نُورِ اللّه ِ وتَبدِيلِ أمرِهِ ، فأسمَعَنِي القَوْمُ وأَسمَعْتُهُم . فلمّا قَدِمْتُ مَكَّةَ سَمِعْتُ أهلَها يَتَحدَّثون أنَّ الضَّحَّاكَ بنَ قَيْسٍ أغار علَى الحِيرَةِ فاحتمَلَ من أموالهم ما شاء ، ثُمَّ انكفأ راجعا سالما ، فَأُفٍّ لحياةٍ في دَهْرٍ جَرَّأ عَلَيْكَ الضَّحَّاكَ ، وما الضَّحَّاكُ ؟ ! فقع بقرقر ، وقد توهَّمت حيث بلغني ذلك ، أن شيعتك وأنصارك خذلوك، فاكتب إليَّ يابن أمّي برأيك ، فَإن كنت الموت تريد تحمّلتُ إليك ببني أخيك وولد أبيك فعشنا معك ما عشت ، ومتنا معك إذا متّ ، فو اللّه ما أحبُّ أن أبقى في الدُّنيا بعدك فواقا ، وأقسم بالأعز الأجل أنَّ عيشا نعيشه بعدك في الحياة لغير هنيء ولا مريء ولا نجيع ، والسَّلامُ عَلَيْكَ ورَحْمَةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ . فأجابه عليّ عليه السلام « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . . . » إلى آخر ما تقدم . (8) كانت هذه الواقعة بعد الحكمين وقبل قتل الخوارج في النَّهروان ، ولكنَّ ظاهر كلام ابن قُتَيْبَة خلافه ، وإنّ المكاتبة كانت في أوّل خروجه عليه السلام من المدينة قبل حرب الجمل ، ولكنّه بعيد للغاية ؛ إذ غارة الضَّحَّاك كان بعد الحكمين قطعا ، وقد جمع في الكتاب _ على نقل ابن قُتَيْبَة _ بين إخباره عن خروج طَلْحَة والزُبَيْر وغارة الضَّحَّاك (9) . الضَّحَّاك بن قَيْس الفِهْريّ أبو أنيس الَّذي اشترك مع معاوية في مظالمه وجناياته ، بل في مظالم يزيد بن معاوية أيضا ، إذ هو الَّذي مهّد الأمر لبيعة يزيد وأقعده على أريكة الحكومة الإسلاميّة ، وسلَّطه على المسلمين . ولاّه معاوية الكوفة ثُمَّ عزله ثُمَّ ولاّه دمشق ، وشهد موت معاوية ، وصلّى عليه وبايع النَّاس ليزيد ، فلمّا مات يزيد بن معاوية ثُمَّ معاوية بن يزيد دعا الضَّحَّاك إلى نفسه ، ثُمَّ إلى ابن الزبير فقاتلَهُ مروان ، فقُتل الضَّحَّاك بمرج راهط . وقال فيه عَقِيل رضى الله عنه عند معاوية : أما واللّه لقد كان أبوه جيّد الأخذ لِعَسبِ (10) التُّيوس . . . وكان عليّ عليه السلام يلعن جمعا منهم الضَّحَّاك بن قَيْس ؛ كان على شرطة معاوية ، وله في الحروب معه بلاء عظيم . وعلى كل حال ، كان الرَّجل من رجال حكومة معاوية ويزيد ، ومن مشيّدي بنيانها ودعائمها وأركانها . (11)

.


1- . وقعة صفِّين : ص489 _ 490 وراجع :بحار الأنوار : ج32 ص532 ؛ تاريخ الطبري :ج5 ص48 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص386 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص216 ، مروج الذهب : ج2 ص401 .
2- . الفواق ، بالضم وبالفتح : ما بين الحلبتين ، يقال : انظروني فواق ناقة .
3- . الأبْضُ : السُّكونُ . ( لسان العرب : ج 7 ص 110 ).
4- . وقعة صفِّين : ص490 _ 492 ، بحار الأنوار : ج32 ص533 _ 535 وراجع : تاريخ الطبري : ج5 ص49 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص387 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص219 .
5- . وقعة صفِّين : ص499 _ 500 ، بحار الأنوار : ج32 ص539 _ 540 وراجع : تاريخ الطبري : ج5 ص48 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص386 و387 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج2 ص228 ، الفتوح : ج4 ص197 ، مروج الذَّهب : ج2 ص402 .
6- . وقعة صفِّين : ص508 _ 509 وراجع : الإرشاد : ج1 ص119 _ 121 ، الأمالي للطوسي : ص178 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص183 و184 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص189 ، بحار الأنوار : ج20 ص335 و353 و357 و359 و362 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص52 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص388 ، الأخبار الطوال : ص194 ، الفتوح : ج4 ص201 ، البداية والنهاية : ج7 ص277 .
7- . المعيار والموازنة : ص98 .
8- . الغارات : ج2 ص 416 _ 431 ، بحار الأنوار : ج34 ص31 _ 28 ح904 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص119 _ 113 ، الأغاني : ج16 ص289 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص74 وراجع :أنساب الأشراف : ج2 ص831 _ 332 .
9- . راجع : الإمامة والسياسة : ج1 ص98 ؛ قاموس الرجال : ج5 ص535 .
10- . عسبُ الفحل : اُجرة ضرابه (مجمع البحرين : ج 2 ص 1213 «عَسَبَ» ) .
11- . راجع : المعارف لابن قتيبة : ص412 ، الإصابة : ج3 ص 388 _ 389 ، الاستيعاب : ج2 ص297 _ 298 ، أسد الغابة : ج3 ص50 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص 157 _ 163 ؛ قاموس الرجال : ج5 ص534 .

ص: 419

. .

ص: 420

. .

ص: 421

. .

ص: 422

. .

ص: 423

. .

ص: 424

. .

ص: 425

. .

ص: 426

. .

ص: 427

. .

ص: 428

. .

ص: 429

. .

ص: 430

حجر بن عديّ

حُجْرُ بنُ عَدِيّحُجْرُ بن عَدِيّ بن معاوية الكِنْديّ ، أبو عبد الرَّحمن ، وهو المعروف بحجر الخير ، وابن الأدبر (1) كان جاهليّا إسلاميّا (2) ، وفد على النَّبيّ (3) ، وله صحبة (4) . من الوجوه المتألّقة في التَّاريخ الإسلامي ، ومن القمم الشَّاهقة السَّاطعة في التَّاريخ الشيعي . جاء إلى النَّبيّ صلى الله عليه و آله وأسلم وهو لم يزل شابّا . وكان من صفاته : تجافيه عن الدُّنيا ، وزهده ، وكثرة صلاته وصيامه ، واستبساله وشجاعته ، وشرفه ونُبله وكرامته ، وصلاحه وعبادته (5) . وكان معروفا بالزُّهد (6) ، مستجاب الدَّعوة لِما كان يحمله من روح طاهرة ، وقلب سليم ، ونقيبة محمودة ، وسيرة حَميدة (7) . ولم يسكت حُجْر قطّ أمام قتل الحقّ وإحياء الباطل والرُّكون إليه . من هنا ثار على عثمان مع سائر المؤمنين المجاهدين (8) . ولم يألُ جهدا في تحقيق حاكميّة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فعُدّ من خاصّة أصحابه (9) وشيعته (10) المطيعين . اشترك حُجْر في حروب الإمام عليه السلام . وكان في الجمل (11) قائدا على خيّالة كِنْدَة (12) ، وفي صفِّين (13) أميرا على قبيلته (14) ، وفي النَّهروان قاد ميسرة (15) الجيش أو ميمنته (16) . وكان فصيح اللِّسان ، نافذ الكلام ، يتحدّث ببلاغة ، ويكشف الحقائق بفصاحة . وآية ذلك كلامه الجميل المتبصّر في تبيان منزلة الإمام عليه السلام (17) . وكان نصير الإمام الوفيّ المخلص ، والمدافع المجدّ عنه . ولمّا أغار الضَّحَّاك بن قيس على العراق ، أمره الإمام عليه السلام بصدّه ، فهزمه حُجْر ببطولته وشجاعته ، وأجبره على الفرار (18) . اطّلع حُجْر على مؤامرة قتل الإمام عليه السلام قبل تنفيذها بلحظات ، فحاول بكلّ جهده أن يتدارك الأمر فلم يُفلح (19) . واغتمّ لمقتله كثيرا . وكان من أصحاب الإمام الحسن عليه السلام الغيارى الثَّابتين (20) . وقد جاش دم غيرته في عروقه حين سمع خبر الصُّلح ، فاعترض (21) ، فقال له الإمام الحسن عليه السلام : لو كان غيرُك مثلَك لَما أمضيتُه (22) . وكان قلبه يتفطّر ألما من معاوية . وطالما كان يبرأ من هذا الوجه القبيح لحزب الطلقاء الَّذي تأمّر على المسلمين ، ويدعو عليه مع جمع من الشِّيعة (23) . وهو الحزب الَّذي كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وصفه بأنّه ملعون . وكان حُجْر يقف للدفاع عن العقيدة وأهل البيت عليهم السلام بلا وجلٍ ، ويُعنّف المُغِيْرَة الَّذي كان فريدا في رجسه وقبحه ورذالته ، وقد تسلّط على الكوفة في أثناء حكومة الطُّلقاء ، وكان يطعن في عليٍّ عليه السلام وشيعته (24) . وضاق معاوية ذرعا بحجر وبمواقفه وكشفه الحقائق ، وصلابته ، وثباته ، فأمر بقتله وتمّ تنفيذ أمره ، فاستشهد (25) ذلك الرَّجل الصَّالح في مَرْج عذراء (26) ، سنة 51 ه ، مع ثلّة من رفاقه (27) . وكان حُجْر وجيها عند النَّاس ، وذا شخصيّة محبوبة نافذة ، ومنزلة حسنة ، فكَبُر عليهم استشهاده (28) ، واحتجّوا على معاوية ، وقرّعوه على فعله القبيح هذا . وكان الإمام الحسين عليه السلام (29) ممّن تألّم كثيرا لاستشهاده ، واعترض على معاوية في رسالة بليغة له أثنى فيها ثناءً بالغا على حُجْر ، وذكر استفظاعه للظلم ، وذكّر معاوية بنكثه للعهد ، وإراقته دم حُجْر الطَّاهر ظلما وعدوانا . واعترضت عائِشَة (30) أيضا على معاوية من خلال ذكرها حديثا حول شهداء مرج عذراء (31) . وكان معاوية _ على ما اتّصف به من فساد الضَّمير _ يرى قتل حُجْر من أخطائه ، ويعبّر عن ندمه على ذلك (32) ، وقال عند دنوّ أجلِه : لو كان ناصحٌ لَمَنعنا من قتله (33) ! وقتل مُصْعَب بن الزُّبَيْر ولدَي حُجْر : عبيد اللّه ، وعبد الرَّحمن صبرا (34) . وكان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قد أخبر باستشهاده من قبل ، وشبّه استشهاده ، وصحبه باستشهاد أصحاب الاُخدود . في الأمالي للطوسيّ عن رَبيعة بن ناجِذ _ بعد غارة سُفْيَان بن عَوْف الغامِديّ ، واستنفار الإمام عليّ عليه السلام النَّاس وتقاعد أصحابه _ : قام حُجْر بن عَدِيّ وسَعْد بن قيس فقالا : لا يسوؤكُ اللّه ُ يا أمير المؤمنين ! مُرْنا بأمرك نتّبعْه ، فواللّه العظيم ، ما يعظم جزعنا على أموالنا أن تَفرّقَ ، ولا على عشائرنا أن تُقتل في طاعتك (35) . وفي تاريخ اليعقوبيّ _ في ذكر غارة الضَّحَّاك على القطقطانة (36) ودعوته عليه السلام الناس للخروج إلى قتاله : قام إليه حُجْر بن عَدِيّ الكِنْديّ فقال : يا أمير المؤمنين ! لا قرّب اللّه منّي إلى الجنّة من لا يحبّ قربك ، عليك بعادة اللّه عندك ؛ فإنّ الحقّ منصور ، والشَّهادة أفضل الرِّياحين ، اندب معي النَّاس المناصحين ، وكن لي فئة بكفايتك ، واللّه فئة الإنسان وأهله ، إنّ الشَّيطان لا يفارق قلوب أكثر الناس حتَّى تفارق أرواحهم أبدانهم . فتهلّل وأثنى على حُجْر جميلاً ، وقال : لا حرمكَ اللّه ُ الشَّهادةَ ؛ فإنّي أعلم أنّك من رجالها (37) . وفي وقعة صفِّين عن عبد اللّه بن شَريك : قام حُجْر فقال : يا أمير المؤمنين ! نحن بنو الحرب وأهلها ، الَّذين نلقحها وننتجها ، قد ضارستنا وضارسناها (38) ، ولنا أعوان ذوو صلاح ، وعشيرة ذات عدد ، ورأي مجرّب ، وبأس محمود ، وأزمّتنا منقادة لك بالسمع والطَّاعة ؛ فإن شرّقت شرّقنا ، وإن غرّبت غرّبنا ، وما أمرتنا به من أمر فعلناه . فقال عليّ : أكُلُّ قومِكَ يرى مِثلَ رأيِكَ ؟ قال : ما رأيت منهم إلاّ حسنا ، وهذه يدي عنهم بالسَّمع والطَّاعة ، وبحسن الإجابة ، فقال له عليّ خيرا (39) . وقال الإمام عليّ عليه السلام : يا أهلَ الكُوفَةِ ! سيُقتَلُ فِيكُم سَبعةُ نَفرٍ خِيارُكُم ، مَثَلُهم كَمَثلٍ أصحابِ الاُخدُودِ ، مِنهُم حُجْرُ بنُ الأدبَرِ وأصحَابُهُ (40) . وفي الأغاني عن المُجالِد بن سَعيد الهَمْدانِيّ ، والصَّقعب بن زُهْيَر ، وفُضيل بن خَدِيْج ، والحسن بن عُقْبَة المراديّ : إنّ المُغِيْرَة بن شُعْبَة لمّا ولي الكوفة كان يقوم على المنبر ، فيذمّ عليّ بن أبي طالب وشيعته ، وينال منهم ، ويلعن قتلة عثمان ، ويستغفر لعثمان ويزكّيه ، فيقوم حُجْر بن عَدِيّ فيقول : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّ امِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ » (41) وإنّي أشهد أنّ من تذمّون أحقّ بالفضل ممّن تُطرُون ، ومن تزكّون أحقّ بالذَّمّ ممّن تعيبون . فيقول له المُغِيْرَة : يا حُجْر ! ويحك ! اكفف من هذا ، واتّق غضبة السُّلطان وسطوته ؛ فإنّها كثيرا ما تقتل مثلك ، ثمّ يكفّ عنه . فلم يزل كذلك حتَّى كان المُغِيْرَة يوما في آخر أيّامه يخطب على المنبر ، فنال من عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ولعنه ، ولعن شيعته ، فوثب حُجْر فنعر نعرةً أسمعت كلّ من كان في المسجد وخارجه . فقال له : إنّك لا تدري أيُّها الإنسان بمن تولع ، أوَهرمت ! مر لنا بأعطياتنا وأرزاقنا ؛ فإنّك قد حبستها عنّا ، ولم يكن ذلك لك ولا لمن كان قبلك ، وقد أصبحت مولعا بذمّ أمير المؤمنين وتقريظ المجرمين . فقام معه أكثر من ثلاثين رجلاً يقولون : صدق واللّه حُجْر ! مر لنا بأعطياتنا ؛ فإنّا لا ننتفع بقولك هذا ، ولا يُجدي علينا . وأكثروا في ذلك . فنزل المُغِيْرَة ودخل القصر ، فاستأذن عليه قومه ، ودخلوا ولاموه في احتماله حجر ا ، فقال لهم : إنّي قد قتلته . قال : وكيف ذلك ؟ ! قال : إنّه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه ، فيأخذه عند أوّل وهلة ، فيقتله شرّ قتلة . إنّه قد اقترب أجلي ، وضعف عملي ، وما اُحبّ أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم ، وسفك دمائهم ، فيسعدوا بذلك وأشقى ، ويعزّ معاوية في الدُّنيا ، ويذلّ المُغِيْرَة في الآخرة ، سيذكرونني لو قد جرّبوا العمّال (42) . في الطبقات الكبرى _ في ذِكر أحوال حُجْر بن عَدِيّ _ : ذكر بعض رواة العلم : أنّه وفد إلى النَّبيّ صلى الله عليه و آله مع أخيه هانئ بن عَدِيّ ، وشهد حُجْر القادسيّة وهو الَّذي افتتح مَرج عَذرا ، وكان في ألفين وخمسمئة من العطاء . وكان من أصحاب عليّ بن أبي طالب ، وشهد معه الجمل وصفِّين . فلمّا قدم زياد بن أبي سُفْيَان واليا على الكوفة ، دعا بحجر بن عَدِيّ فقال : تعلم أنّي أعرفك ، وقد كنت أنا وإيّاك على ما قد علمت _ يعني من حبّ عليّ بن أبي طالب _ وإنّه قد جاء غير ذلك ، وإنّي أنشدك اللّه أن تقطر لي من دمك قطرة فأستفرغه كلّه ، أملِكْ عليك لسانك ، وليسعك منزلك . . . وكانت الشِّيعة يختلفون إليه ويقولون : إنّك شيخنا ، وأحقّ النَّاس بإنكار هذا الأمر . وكان إذا جاء إلى المسجد مشوا معه ، فأرسل إليه عَمْرو بن حُرَيْث _ وهو يومئذٍ خليفة زياد على الكوفة ، وزياد بالبصرة _ أبا عبد الرَّحمن ، ما هذه الجماعة وقد أعطيت الأمير من نفسك ما قد علمت ؟ فقال للرسول : تُنكرون ما أنتم فيه ؟ إليك وراءك أوسع لك ، فكتب عَمْرو بن حُرَيْث بذلك إلى زياد ، وكتب إليه : إن كانت لك حاجة بالكوفة فالعجل . . . فأرسل إليه الشّرط والبخاريّة فقاتلهم بمن معه ، ثمّ انفضّوا عنه واُتي به زياد وبأصحابه فقال له : ويلك ما لك ؟ فقال : إنّي على بيعتي لمعاوية لا اُقيلها ولا أستقيلها ، فجمع زياد سبعين من وجوه أهل الكوفة فقال : اكتبوا شهادتكم على حُجْر وأصحابه ، ففعلوا ثمّ وفدهم على معاوية ، وبعث بحجر وأصحابه إليه . . . فقال معاوية بن أبي سُفْيَان : أخرجوهم إلى عذرا فاقتلوهم هنالك . قال : فحُملوا إليها ، فقال حُجْر : ما هذه القرية ؟ قالوا : عذراء ، قال : الحمد للّه ! أما واللّه إنّي لأوّل مسلم نبّح كلابها في سبيل اللّه ، ثمّ اُتي بي اليوم إليها مصفودا . ودُفع كلّ رجل منهم إلى رجل من أهل الشَّام ليقتله ، ودُفع حُجْر إلى رجل من حمير فقدّمه ليقتله فقال : يا هؤلاء ، دعوني اُصلّي ركعتين ، فتركوه فتوضّأ وصلّى ركعتين ، فطوّل فيهما ، فقيل له : طوّلت ، أجزعت ؟ فانصرف فقال : ما توضّأت قط إلاّ صلّيت ، وما صلّيت صلاةً قطّ أخفّ من هذه ، ولئن جزعت لقد رأيت سيفا مشهورا ، وكفنا منشورا وقبرا محفورا . وكانت عشائرهم جاؤوا بالأكفان، وحفروا لهم القبور ، ويقال : بل معاوية الَّذي حفر لهم القبور وبعث إليهم بالأكفان . وقال حُجْر : اللَّهمَّ إنّا نستعديك على اُمّتنا ؛ فإنّ أهل العراق شهدوا علينا ، وإنّ أهل الشَّام قتلونا . قال : فقيل لحجر : مدّ عنقك ، فقال : إنّ ذاك لَدَمٌ ما كنت لاُعِينَ عليه ، فقُدّم فضُربت عنقه . (43) عن محمّد قال : لمّا اُتي بحجر فاُمر بقتله ، قال : ادفنوني في ثيابي ؛ فإنّي اُبعث مخاصِما . (44) في تاريخ الطبريّ عن أبي إسْحاق : بعث زياد إلى أصحاب حُجْر حتَّى جمع اثني عشر رجلاً في السِّجن . ثمّ إنّه دعا رؤوس الأرباع ، فقال : اشهدوا على حُجْر بما رأيتم منه . فشهد هؤلاء الأربعة : أنّ حُجْرا جمع إليه الجموع ، وأظهر شتم الخليفة ، ودعا إلى حرب أمير المؤمنين ، وزعم أنّ هذا الأمر لا يصلح إلاّ في آل أبي طالب (45) . وفي الأغاني : كتب أبو بُرْدَة بن أبي موسى : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم ، هذا ما شهد عليه أبو بُرْدَة بن أبي موسى للّه ربّ العالمين ؛ شهد أنّ حُجْر بن عَدِيّ خلع الطَّاعة ، وفارق الجماعة ، ولعن الخليفة ، ودعا إلى الحرب والفتنة ، وجمع إليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة ، وخلع أمير المؤمنين معاوية ، وكفر باللّه كفرةً صلعاء (46) . وفي الأغاني : قال لهم _ أي لحجْر وأصحابه السِّتَّة _ رسولُ معاوية : إنّا قد اُمرنا أن نعرض عليكم البراءة من عليّ واللَّعن له ؛ فإن فعلتم هذا تركناكم ، وإن أبيتم قتلناكم ، وأمير المؤمنين يزعم أنّ دماءكم قد حلّت بشهادة أهل مصركم عليكم ، غير أنّه قد عفا عن ذلك ، فابرؤوا من هذا الرَّجل يُخْلِ سبيلكم . قالوا : لسنا فاعلين ، فأمر بقيودهم فحُلّت ، واُتي بأكفانهم فقاموا اللَّيل كلّه يُصلّون ، فلمّا أصبحوا قال أصحاب معاوية : يا هؤلاء ، قد رأيناكم البارحة أطلتم الصَّلاة ، وأحسنتم الدُّعاء ، فأخبرونا ما قولكم في عثمان ؟ قالوا : هو أوّل من جار في الحكم ، وعمل بغير الحقّ . فقالوا : أمير المؤمنين كان أعرف بكم . ثمّ قاموا إليهم وقالوا : تبرؤون من هذا الرَّجل ؟ قالوا : بل نتولاّه (47) . وأيضا في الأغاني : قال لهم حُجْر : دعوني اُصلّي ركعتين ؛ فإنّي واللّه ما توضّأت قطّ إلاّ صلّيت ، فقالوا له : صلّ ، فصلّى ثمّ انصرف ، فقال : واللّه ما صلّيت صلاةً قطّ أقصر منها ، ولولا أن يروا أنّ ما بي جزع من الموت ، لأحببت أن أستكثر منها . ثمّ قال : اللَّهمَّ إنّا نستعديك على اُمّتنا ؛ فإنّ أهل الكوفة قد شهدوا علينا ، وإنّ أهل الشَّام يقتلوننا ، أما واللّه لئن قتلتمونا ؛ فإنّي أوّل فارس من المسلمين سلك في واديها ، وأوّل رجل من المسلمين نبحته كلابها . فمشى إليه هدبة بن الفيّاض الأعْوَر بالسيف ، فأرعدت خصائله (48) ، فقال : كلاّ ، زعمت أنّك لا تجزع من الموت ؛ فإنّا ندعك ، فابرأ من صاحبك . فقال : ما لي لا أجزع ، وأنا أرى قبرا محفورا ، وكفنا منشورا ، وسيفا مشهورا ، وإنّي واللّه إن جزعت لا أقول ما يُسخط الرَّبّ ، فقتله (49) . وأيضا في الأغاني عن أبي مِخْنَف عن رجاله : فكان مَن قُتل منهم سبعة نفر : حُجْر بن عَدِيّ ، وشَريك بن شَدَّاد الحَضْرَمِيّ ، وصَيْفِيّ بن فسيل الشَّيْبانيّ ، وقَبِيْصَة بن ضُبَيْعَة العَبْسِيّ ، ومُحْرِز بن شهاب المِنْقَريّ ، وكِدام بن حَيَّان العَنزيّ ، وعبد الرَّحمن بن حسّان العَنزي (50) . وفي تاريخ اليعقوبيّ : قالت عائِشَة لمعاوية حين حجّ ، ودخل إليها : يا معاوية ، أ قتلت حُجْر ا وأصحابه ! فأين عزب حلمك عنهم ؟ أما إنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : يُقتَلُ بِمَرجِ عَذرَاءَ نَفَرٌ يَغضَبُ لَهُم أهلُ السَّماواتِ ، قال : لم يحضرني رجل رشيد ، يا أمّ المؤمنين ! (51) وفي الأغانيّ عن عبْد المَلِك بن نَوْفل : كانت عائِشَة تقول : لولا أنّا لم نُغيّر شيئا قطّ ، إلاّ آلت بنا الاُمور إلى أشدّ ممّا كنّا فيه ، لغيّرنا قتل حُجْر ، أما واللّه إن كان لمسلما ما علمته حاجّا معتمرا (52) . وفي تاريخ اليعقوبيّ : روي أنّ معاوية كان يقول : ما أعدّ نفسي حليما بعد قتلي حجر ا وأصحاب حُجْر (53) . وفي تاريخ الطبريّ عن ابن سِيْرِين _ في معاوية _ : بلغنا أنّه لمّا حضرته الوفاة جعل يُغرغِر بالصَّوت ويقول : يومي منك يا حُجْر يوم طويل (54) .

.


1- . الطبقات الكبرى : ج6 ص217 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص463 الرقم95 ، تاريخ مدينة دمشق :ج12 ص211 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص33 .
2- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص534 ح5983 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص217 ، تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص211 .
3- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص532 ح5974 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص217 ، أنساب الأشراف : ج5 ص276 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص463 الرقم95 ، تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص207 ، اُسد الغابة : ج1 ص697 الرقم 1093 .
4- . المستدرك على الصحيحين : ج3 ص534 ح5983 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص463 الرقم95 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص193 ، الاستيعاب : ج 1 ص389 الرقم505 ، اُسد الغابة : ج 1 ص697 الرقم1093 وفيهما « كان من فضلاء الصحابة » .
5- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص463 الرقم95 ، البداية والنهاية : ج8 ص50 .
6- . المستدرك على الصحيحين : ج3 ص531 ، تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص212 ، البداية والنهاية : ج8 ص50 .
7- . الاستيعاب : ج 1 ص391 الرقم505 ، اُسد الغابة : ج 1 ص698 الرقم1093 .
8- . الجمل : ص255 .
9- . الطبقات الكبرى : ج6 ص218 ، اُسد الغابة : ج 1 ص697 الرقم1093 وفيه « كان من أعيان أصحابه » ،الأخبار الطوال : ص224 وفيه « كان من عظماء أصحاب عليّ » .
10- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص463 الرقم95 .
11- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص532 ح5974 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص218 ، أنساب الأشراف : ج5 ص276 ، تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص210 .
12- . الجمل : ص320 ؛ الأخبار الطوال : ص146 .
13- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص532 ح5974 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص218 ، أنساب الأشراف : ج5 ص276 ، تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص207 .
14- . وقعة صفّين : ص117 ؛ تاريخ خليفة بن خيّاط : ص146 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص463 الرقم95 وفيه « شهد صفّين أميرا » .
15- . الاستيعاب : ج 1 ص389 الرقم505 ، اُسد الغابة : ج 1 ص697 الرقم1093 .
16- . الأخبار الطوال : ص210 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص169 .
17- . الجمل : ص255 .
18- . الغارات : ج2 ص425 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص135 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص426 .
19- . الإرشاد : ج1 ص19 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص312 .
20- . أنساب الأشراف : ج3 ص280 ؛ رجال الطوسي : ص94 الرقم928 .
21- . أنساب الأشراف : ج 3 ص 365 ، الأخبار الطوال : ص 220 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 15 .
22- . راجع : أنساب الأشراف : ج3 ص365 .
23- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص256 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص489 .
24- . راجع: أنساب الأشراف : ج5 ص252 ، تاريخ الطبري : ج5 ص254 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص489 .
25- . راجع: تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص217 ، الاستيعاب : ج 1 ص389 الرقم505 .
26- . عَذْراء : قرية بغَوطة دمشق من إقليم خولان ، معروفة ، وإليها يُنسب مَرْج . والمَرْج : الأرض الواسعة فيها نبت كثير تمرَج فيها الدواب ؛ أي تذهب وتجيء ( معجم البلدان : ج4 ص91 وج5 ص100 ) .المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص532 ح5974 ، مروج الذهب : ج3 ص12 ، الاستيعاب : ج1 ص390 الرقم505 .
27- . راجع: المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص532 ح5978 ، تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص211 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص194 ، مروج الذهب : ج3 ص12 وفيه « سنة ثلاث وخمسين » .
28- . راجع: الأخبار الطوال : ص224 .
29- . راجع: أنساب الأشراف : ج5 ص129 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص203 ؛ رجال الكشّي : ج1 ص252 الرقم 99 ، الاحتجاج : ج2 ص90 ح164 .
30- . راجع: المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص534 ح5984 ، أنساب الأشراف : ج5 ص48 ، تاريخ الطبري : ج5 ص279 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص194 ، الاستيعاب : ج 1 ص390 الرقم505 .
31- . راجع: أنساب الأشراف : ج5 ص274 ، تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص226 ، الإصابة : ج2 ص33 الرقم1634 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص231 .
32- . راجع: سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص465 الرقم95 ، تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص226 ، تاريخ الطبري :ج5 ص279 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص194 .
33- . راجع: أنساب الأشراف : ج5 ص275 ، تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص231 .
34- . راجع: المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص532 ح5974 ، تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص210 .
35- . الأمالي للطوسي : ص174 ح293 ، الغارات : ج2 ص481 نحوه .
36- . القُطْقُطانة : موضع قرب الكوفة من جهة البرِّيّة بالطفّ ، كان بها سجن النُّعمان بن المنذر ( معجم البلدان : ج 4 ص 374 ) .
37- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص196 .
38- . ضارست الاُمور : جرّبتها وعرفتها ( لسان العرب : ج6 ص 118 ) .
39- . وقعة صفّين : ص104 .
40- . تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص227 عن ابن زرير وراجع المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص272 .
41- . النساء : 135 .
42- . الأغاني : ج17 ص137 ، أنساب الأشراف : ج5 ص252 ، تاريخ الطبري : ج5 ص254 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص488 كلّها نحوه .
43- . الطبقات الكبرى : ج6 ص217 وراجع مروج الذهب : ج3 ص12 ، تاريخ الطبرى¨ : ج5 ص256 و257 .
44- . الطبقات الكبرى: ج 6 ص 220.
45- . تاريخ الطبري : ج5 ص268 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص496 وراجع البداية والنهاية :ج8 ص51 .
46- . الأغاني : ج17 ص149 ، أنساب الأشراف : ج5 ص262 ، تاريخ الطبري : ج5 ص268 عن أبي الكنود .
47- . الأغاني : ج17 ص155 ، تاريخ الطبري : ج5 ص275 ، أنساب الأشراف : ج5 ص266 نحوه .
48- . الخصيلة : لحم العضدين والفخذين والساقين ، وجمعها خصائل ( النهاية : ج2 ص 38 ) .
49- . الأغاني : ج17 ص155 ، تاريخ الطبري : ج5 ص275 .
50- . الأغاني : ج17 ص157 ، أنساب الأشراف : ج5 ص271 ، تاريخ الطبري : ج5 ص277 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص498 .
51- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص231 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص257 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص500 كلاهما نحوه وليس فيهما قوله صلى الله عليه و آله .
52- . الأغاني : ج17 ص158 ، تاريخ الطبري : ج5 ص279 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص499 .
53- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص231 .
54- . تاريخ الطبري : ج5 ص257 و ص 279 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص500 كلاهما نحوه .

ص: 431

. .

ص: 432

. .

ص: 433

. .

ص: 434

. .

ص: 435

. .

ص: 436

. .

ص: 437

. .

ص: 438

. .

ص: 439

. .

ص: 440

. .

ص: 441

الضّحّاك بن قيس الهلاليّ

الضَّحّاكُ بنُ قَيْسٍ الهِلالِيّفي الكامل في التاريخ : في هذه السَّنة ( 38 ه ) بعد مقتل محمّد بن أبي بكر ، واستيلاء عَمْرو بن العاص على مصر ، سيّر معاوية عبد اللّه بن عَمْرو الحَضْرَمِيّ إلى البصرة . . . فسار ابن الحَضْرَمِيّ حتَّى قدم البصرة . . . فخطبهم وقال : إنّ عثمان إمامكم إمام الهدى، قتل مظلوما، قتله عليّ ، فطلبتم بدمه فجزاكم اللّه خيرا. فقام الضَّحَّاك بن قَيْس الهلالي ، وكان على شُرطة ابن عبّاس ، فقال : قبّح اللّه ما جئتنا به وما تدعونا إليه ، أتيتنا واللّه ، بمثل ما أتانا به طَلْحَة والزُّبير ، أتيانا وقد بايعنا عليّا واستقامت اُمورنا ، فحملانا على الفرقة حتَّى ضرب بعضنا بعضا ، ونحن الآن مجتمعون على بيعته ، وقد أقال العثرة ، وعفا عن المسيء ، أ فتأمرنا أن ننتضي أسيافنا ويضرب بعضنا بعضا ليكون معاوية أميرا ؟ واللّه ، ليوم من أيّام عليٍّ خير من معاوية وآل معاوية . . . (1)

.


1- . الكامل في التأريخ: ج 6 ص 415.

ص: 442

أبو أيّوب الأنصاريّ

أبو أيّوبَ الأنْصارِيّهو خالد بن زَيْد بن كُلَيب ، أبو أيّوب الأنْصاريّ الخَزْرَجيّ ، وهو مشهور بكنيته . من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله . نزل النَّبيّ صلى الله عليه و آله في داره عند هجرته إلى المدينة (1) . شهد أبو أيّوب حروب النَّبيّ جميعها (2) . وكان بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله من السَّابقين إلى الولاية ، والثَّابتين في حماية حقّ الخلافة (3) ، ولم يتراجع عن موقفه هذا قطّ (4) . وعُدَّ من الإثني عشر الَّذين قاموا في المسجد النَّبويّ بعد وفاة النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، ودافعوا عن حقّ عليّ عليه السلام بصراحة (5) . لم يَدَع أبو أيّوب ملازمة الإمام عليه السلام وصحبته. واشترك معه في كافّة حروبه الَّتي خاضها ضدّ مثيري الفتنة (6) . وكان على خيّالته في النَّهروان (7) ، وبيده لواء الأمان . ولاّه الإمام على المدينة (8) ، لكنّه فرّ منها حين غارة بُسْر بن أرطاة عليها (9) . وعَقَد له الإمام عليه السلام في الأيّام الأخيرة من حياته الشَّريفة لواءً على عشرة آلاف ، ليتوجّه إلى الشَّام مع لواء الإمام الحسين عليه السلام ، ولواء قَيْس بن سَعْد لحرب معاوية ، ولكنّ استشهاد الإمام عليه السلام حال دون تنفيذ هذه المهمّة ، فتفرّق الجيش ، ولم يتحقّق ما أراده الإمام عليه السلام (10) . وكان أبو أيّوب من الصَّحابة المكثرين في نقل الحديث . وروى في فضائل الإمام عليه السلام أحاديث جمّة . وهو أحد رواة حديث الغدير (11) ، وحديث الثَّقلين ، وكلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله للإمام عليه السلام حين أمره بقتال النَّاكثين ، والقاسطين ، والمارقين (12) ، ودعوتهِ صلى الله عليه و آله أبا أيّوب أن يكون مع الإمام عليه السلام (13) . توفّي أبو أيّوب بالقسطنطينيّة سنة 52 ه ، عندما خرج لحرب الرُّوم ، ودُفن هناك (14) . في وقعة صفِّين عن الأعْمَش : كتب معاوية إلى أبي أيّوب خالد بن زَيْد الأنْصاريّ _ صاحب منزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان سيّدا معظّما من سادات الأنصار ، وكان من شيعة عليّ عليه السلام _ كتابا ، وكتب إلى زياد بن سُمَيَّة _ وكان عاملاً لعليّ عليه السلام على بعض فارس _ كتابا ؛ فأمّا كتابه إلى أبي أيّوب فكان سطرا واحدا : لا تنسى شَيْباءُ أبا عُذرتها ، ولا قاتلَ بِكرها . فلم يدرِ أبو أيّوب ما هو ؟ فأتى به عليّا وقال : يا أمير المؤمنين ! إنّ معاوية ابن آكّالة الأكباد ، وكهف المنافقين ، كتب إليَّ بكتاب لا أدري ما هو ؟ فقال له عليّ : « وأيْنَ الكِتابُ ؟ » فدفعه إليه فقرأه وقال : « نَعَمْ ، هذا مَثَلٌ ضَربهُ لَكَ ، يَقُولُ : ما أنسى الَّذي لا تَنسى ، الشَّيْباءُ لا تنسى أبا عذرتها » ، والشّيباء : المرأة البكر ليلة افتضاضها ، لا تنسى بعلها الَّذي افترعها أبدا ، ولا تنسى قاتل بِكرها ؛ وهو أوّل ولدها . كذلك لا أنسى أنا قتل عثمان (15) .

.


1- . المعجم الكبير : ج 4 ص117 ح3846 ، الطبقات الكبرى : ج1 ص237 ، تهذيب الكمال : ج8 ص66 الرقم1612 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص153 الرقم7 .
2- . راجع: المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص518 ح5929 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص484 ، تهذيب الكمال : ج8 ص66 الرقم1612 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص405 الرقم83 .
3- . راجع: رجال الكشّي : ج 1 ص182 الرقم 78 .
4- . راجع: الخصال : ص608 ح9 ، عيون أخبار الرضا : ج 2 ص126 ح1 .
5- . راجع: الخصال : ص465 ح4 ، رجال البرقي : ص66 ، الاحتجاج : ج 1 ص199 ح12 .
6- . الاستيعاب : ج2 ص10 الرقم618 ، اُسد الغابة : ج 2 ص122 الرقم1361 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص410 الرقم83 .
7- . تاريخ الطبري : ج5 ص85 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص405 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص169 .
8- . تاريخ الطبري : ج5 ص139 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص152 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص410 الرقم83 ؛ الغارات :ج2 ص602 .
9- . تاريخ الطبري : ج5 ص139 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص430 ؛ الغارات : ج2 ص602 .
10- . نهج البلاغة : ذيل الخطبة 182 عن نوف البكالي .
11- . راجع: رجال الكشّي : ج 1 ص246 الرقم 95 ؛ اُسد الغابة : ج 3 ص465 الرقم3347 ، تاريخ مدينة دمشق : ج42 ص214 .
12- . راجع: المستدرك على الصحيحين : ج3 ص150 الرقم4674 ، تاريخ مدينة دمشق : ج42 الرقم472 ، البداية والنهاية : ج7 ص307 .
13- . تاريخ بغداد : ج13 ص186 وج187 ص7165 ، تاريخ مدينة دمشق : ج42 ص472 .
14- . راجع : المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص518 ح5929 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص485 ، المعجم الكبير : ج 4 ص118 ح3850 وفيه « سنة 51 ه » و ح 3851 وفيه « سنة 50 ه » وراجع سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص412 الرقم83 ، الاستيعاب : ج2 ص10 الرقم618 .
15- . وقعة صفّين : ص366 .

ص: 443

. .

ص: 444

أبو الهيثم

أبو الهَيْثَمهو مالك بنُ التَّيِّهانِ بن مالك أبو الهَيْثَم الأنْصاريّ ، وهو مشهور بكنيته . من أوائل الأنصار الَّذين أسلموا في مكّة قبل هجرة النَّبيّ صلى الله عليه و آله (1) . وكان قبل الإسلام موحّدا أيضا ولم يعبد الأصنام . (2) وشهد مشاهد النَّبيّ صلى الله عليه و آله جميعها (3) ، وهو ممّن روى حديث الغدير (4) . وكان من السَّابقين في معرفة الحقّ بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ إذ سبق إلى معرفة خلافة الحقّ (5) ، ولم يتنازل عنها إلى غيرها (6) ، وهو أحد الإثني عشر الَّذين احتجّوا في مسجد النَّبيّ مدافعين عن الإمام عليه السلام ، ومعارِضين لتغيير مسار الخلافة (7) . وهكذا كان ؛ فقد رافق الإمام عليه السلام منذ بداية تبلور خلافته ، وتصدّى مع عَمَّار بن ياسِر لأخذ البيعة مِنَ النَّاس (8) . جعله الإمام عليه السلام وعَمَّارَ بن ياسِر على بيت المال . وهو آية على نزاهته (9) . وعندما ذكر الإمامُ عليه السلام بلَوعةٍ وألم _ وهو في وحدته ومحنة نُكول أصحابه وضعفهم _ أحِبَّته الماضين الَّذين ثبتوا على الطَّريق ، ذكر فيهم مالك بن التَّيِّهان ، وتأسّف على فقده (10) . واختلف المؤرّخون في وقت وفاته ، لكن يستبين من خطبة الإمام عليه السلام ، الَّتي ذكر فيها اسمه وتأوَّه على فقده وفقد عَمَّار بن ياسر ، وخُزَيْمَة بن ثابت ذي الشهادتين ، قائلاً : « أينَ إخوانِيَ الَّذين رَكَبُوا الطَّرِيقَ ومضَوا علَى الحَقِّ ؟ أينَ عَمَّارُ ؟ وأينَ ابنُ التَّيِّهانِ ؟ وأينَ ذو الشَّهادَتَينِ ؟ وأين نُظَراؤُهُم مِن إخوانِهِم الَّذين تَعاقَدُوا علَى المَنِيَّةِ ، واُبرِدَ بِرؤوسِهِم إلى الفَجَرةِ ؟ » يستبين أنّه استُشهد في صفِّين (11) . وبه صرّح ابن أبي الحديد (12) ، والعلاّمة التُّستريّ (13) .

.


1- . الطبقات الكبرى : ج3 ص448 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 1 ص190 الرقم22 ، الاستيعاب : ج 3 ص404 الرقم2286 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص409 .
2- . الطبقات الكبرى : ج3 ص448 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 1 ص190 الرقم22 .
3- . الطبقات الكبرى : ج3 ص448 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص221 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 1 ص190 الرقم22 ، الاستيعاب : ج 3 ص404 الرقم2286 .
4- . الغدير : ج1 ص16 .
5- . راجع: رجال الكشّي : ج1 ص181 .
6- . راجع: الخصال : ص607 ح9 ، عيون أخبار الرضا : ج 2 ص126 ح1 .
7- . راجع: الخصال : ص465 ح4 ، الاحتجاج : ج 1 ص197 ح9 ، رجال البرقي : ص66 .
8- . الأمالي للطوسي : ص728 ح1530 .
9- . راجع: الاختصاص : ص152 .
10- . راجع: نهج البلاغة : الخطبة 182 .
11- . الطبقات الكبرى : ج3 ص449 ، الاستيعاب : ج 3 ص404 الرقم2286 ، اُسدالغابة : ج3 الرقم 4572 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص409 وفيه « وقيل : عاش بعدها يسيرا » .
12- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج10 ص108 .
13- . قاموس الرجال : ج7 ص462 الرقم 5141 .

ص: 445

. .

ص: 446

خزيمة بن ثابت ذو الشّهادتين

خُزَيْمَةُ بنُ ثَابِتٍ ذُو الشَّهَادَتَيْنِخُزَيْمَة بن ثابت بن الفاكِه الأنْصاريّ الأوْسِيّ يُكنَّى أبا عَمَّارة . ويلقّب بذي الشهادتين . من الشَّخصيّات المتألّقة بين صحابة النَّبيّ صلى الله عليه و آله . شهد اُحد ا وبقيّة المشاهد (1) . وإنّما اشتهر بذي الشَّهادتين ؛ لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله جعل شهادته شهادة رجلين (2) . وكان خُزَيْمَة أحد الأفراد القلائل الَّذين ثبتوا على حقّ الخلافة و خلافة الحقّ بعد النَّبيّ صلى الله عليه و آله (3) ، إذ قام في المسجد رافعا صوته بالدفاع عن خلافة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام . واحتجّ بالمنزلة الَّتي خصّه بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فشهد أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله جعل أهل بيته عليهم السلاممعيارا لمعرفة الحقّ من الباطل ، ونصبهم أئمّة على العباد (4) . وشهد خُزَيْمَة حروب أمير المؤمنين عليه السلام وكان ثابت الخُطى فيها . رُزق الشَّهادة بعد استشهاد عَمَّار بن ياسر (5) . في رجال الكشّي عن أبي إسحاق : لمّا قُتل عَمَّار ، دخل خُزَيْمَة بن ثابت فسطاطه ، وطرح عنه سلاحه ، ثمّ شنّ عليه الماء فاغتسل ، ثمّ قاتل حتَّى قُتل (6) . وفي أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : كنت بصفِّين فرأيت رجلاً أبيض اللِّحية ، معتمّا متلثّما ، ما يُرى منه إلاّ أطراف لحيته ، يقاتل أشدّ قتال ، فقلت : يا شيخ ! تقاتل المسلمين ؟ فحسر لثامه ، وقال : أنا خُزَيْمَة ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : « قاتِلْ مَعَ عليٍّ جَمِيعَ مَن يُقاتِلُ » (7) .

.


1- . تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص565 .
2- . راجع: المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص448 ح5695 ، المعجم الكبير : ج4 ص82 ح3712 ، المصنّف لعبد الرزّاق : ج 11 ص236 ح20416 ، التاريخ الكبير : ج 3 ص206 ح704 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص379 ؛ رجال الطوسي : ص38 الرقم226 .
3- . راجع: الخصال : ص608 ح9 ، عيون أخبار الرضا : ج 2 ص126 ح1 .
4- . راجع: الخصال : ص464 ح4 ، الاحتجاج : ج 1 ص197 ح8 ، رجال البرقي : ص65 نحوه .
5- . تحدّثت بعض النصوص التاريخيّة عن عدم اشتراك خُزيمة في حرب الجمل ، وجاء فيها « كان كافّا بسلاحه يوم الجمل ويوم صفّين » . وقاتل في صفّين بعد استشهاد عمّار بن ياسر ( راجع : مسند ابن حنبل : ج 8 ص202 ح21932 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص449 ح5697 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص487 الرقم100 ورجال الكشّي : ج 1 ص268 الرقم 101 ) . ووردت هذه العبارات في كتب الشَّيعة والسنّة . وراويها هو حفيد خزيمة ؛ وهو مجهول ، وهذا الكلام لا ينسجم مع شأن خزيمة وجلالته ( راجع : قاموس الرجال : ج4 ص169 _ 174 و ج 5 ص261 ) .مسند ابن حنبل : ج 8 ص202 ح21932 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص448 ح5696 و5697 ، المعجم الكبير : ج4 ص82 ح3711 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص487 الرقم100 ؛ رجال الكشّي : ج1 ص268 الرقم101 .
6- . رجال الكشّي : ج 1 ص267 الرقم 100 .
7- . أصحاب الإمام أمير المؤمنين : ج 1 ص190 الرقم302 .

ص: 447

126 _ كتابه عليه السلام إلى أبي موسى الأشعريّ

126كتابه عليه السلام إلى أبي موسى الأشْعَرِيّمن كتاب له عليه السلام إلى أبي موسى الأشْعَرِيّ جَوابا في أمْر الحَكَمَين ، ذكره سَعِيد بن يَحْيَى الأمَوي في كتاب المَغازيّ :« فَإِنَّ النَّاس قَدْ تَغَيَّرَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ كَثِيرٍ مِن حَظِّهِمْ ، فَمَالُوا مَعَ الدُّنيا ونَطَقُوا بِالْهَوَى ، وإِنِّي نَزَلْتُ مِن هَذَا الأَمْرِ مَنْزِلا مُعْجِبا ، اجْتَمَعَ بِهِ أَقْوَامٌ أَعْجَبَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ، وأَنَا أُدَاوِي مِنْهُمْ قَرْحا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ عَلَقا ، ولَيْسَ رَجُلٌ _ فَاعْلَمْ _ أَحْرَصَ عَلَى جَمَاعَةِ أُمَّةِ محمَّد صلى الله عليه و آله وأُلْفَتِهَا مِنِّي ، أَبْتَغِي بِذَلِك حُسْنَ الثَّوَابِ ، وكَرَمَ الْمَآبِ ، وسَأَفِي بِالَّذِي وَأَيْتُ عَلَى نَفْسِي ، وإِنْ تَغَيَّرْتَ عَنْ صَالِحِ مَا فَارَقْتَنِي علَيْه ، فإنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ نَفْعَ مَا أُوتِيَ مِنَ الْعَقْلِ والتَّجْرِبَةِ ، وإِنِّي لأَعْبَدُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ بِبَاطِلٍ ، وأَنْ أُفْسِدَ أَمْرا قَدْ أَصْلَحَهُ اللّه ، فَدَعْ مَا لا تَعْرِفُ ، فإنَّ شِرَارَ النَّاس طَائِرُونَ إِلَيْك بِأَقَاوِيلِ السُّوءِ ، والسَّلامُ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب78 .

ص: 448

127 _ كتابه عليه السلام إلى أبي موسى الأشعريّ

127كتابه عليه السلام إلى أبي موسى الأشْعَرِيّنقل ابن عبد ربّه في العِقد الفريد : إنَّ أبا موسى بعد قصَّة الحكَمَين خرَج من فَوره إلى مكَّة َ مستعيذا بها من عليّ ، وحلَف أنْ لا يكلِّمه أبدا فأقام بمكَّة حينا حَتَّى كتَب إليه معاوية : _ ثُمَّ نقل كتاب معاوية إلى أبي موسى ، وكتاب أبي موسى إليه فقال : _ فبلغ عليَّا كتابُ أبي موسى الأشْعَرِيّ ، فكتَب إليه : « سَلامٌ عَليْكَ ، أمَّا بَعدُ ، فإنَّكَ امرؤٌ ظَلَمكَ الهَوى ، واستَدْرَجَكَ الغُرورُ ، حَقَّقَ بِكَ حُسنَ الظَّنِّ لزومُك بَيْتَ اللّه ِ الحَرامِ غَيْرَ حاجٍّ ، وَلا قاطِنٍ ، فاستَقِلِ اللّه َ يُقِلْكَ ؛ فَإنَّ اللّه َ يَغْفِرُ ولا يَغْفُلُ ، وأحَبُّ عبادِهِ إليهِ التَّوابونَ ، وكتبَه سَماك بن حَرب » . فكتَب إليه أبو موسى : سلامُ عليكم ، فإنَّه واللّه ، لولا أنِّي خشيتُ أنْ يَرفعك منِّي منعُ الجواب إلى أعظم ممَّا في نفسك لم أُجبك ، لأنَّه ليس لي عندك عُذر يَنْفعني ، ولا قُوَّة تمنعني ، وأمَّا قولك « ولزومي بيتَ اللّه ِ الحَرامِ غيرَ حاجٍّ ولا قاطِنٍ » ، فإنِّي اعتزلتُ أهلَ الشَّام ، وانقطعتُ عن أهل العراق ، وأصبت أقواما صغّروا من ذنبي ما عظَّمتم ، وعظَّموا من حقِّي ما صغَّرتم ، إذ لم يكن لي منكم وليٌّ ولا نصير . (1) ونقل أبي قُتَيْبَة الكتاب ، ولكنَّه نقله بصورة أخرى لا بدَّ من إيرادها هنا : أمَّا بَعدُ ، فَإنَّكَ امرؤ ضَلَّلَكَ الهَوى ، واستَدْرَجَكَ الغُرورُ ، فاستَقِلِ اللّه َ يُقِلْكَ عَثرَتَكَ ، فإنَّه مَنِ استقالَ اللّه َ أقالَهُ ، إنَّ اللّه َ يَغفِرُ ولا يُغيِّرُ ، وأحَبُّ عبادِهِ إليهِ المُتَّقون ، والسلام . (2)

.


1- . العِقد الفريد : ج3 ص341 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص501 الرقم461 ، جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ عليه السلام : ج2 ص52 .
2- . الإمامة والسياسة : ج1 ص160 .

ص: 449

128 _ كتابه عليه السلام إلى عمرو بن أبي سلمة

128كتابه عليه السلام إلى عَمْرو بن أبي سَلَمَة] نقل مصنف كتاب معادن الحكمة رحمه الله (1) كتابا له عليه السلام إلى بعض عُمَّاله خاليا من ذكر اسم المكتوب إليه ، نقله عن السَّيِّد رحمه الله ، ولكنْ نقل اليعقوبي كتابا له عليه السلام إلى عَمْرو بن أبي سلمة الأرْحَبيّ يقرب من الكتاب الَّذي نقله المصنف رحمه الله ، ويمكن أن يكونا كتابا واحدا ، وإن كان القريب عندي تعدُّدهما ، لاختلاف مضمونهما كثيرا ، وهو : [« أمَّا بَعْدُ ، فإنَّ دَهاقِينَ عَمَلِكَ شَكَوا غِلْظَتَكَ ، ونَظَرْتُ في أمرِهِمْ فما رأيْتُ خَيْرا ، فَلْتَكُن مَنْزِلَتُكَ بين مَنزِلَتَينِ : جلبابُ لينٍ بِطَرفٍ مِنَ الشِّدَّةِ في غَيرِ ظُلْمٍ ولا نَقْصٍ ، فإنَّهم أحيونا صاغرين ، فَخُذْ ما لَكَ عِندَهُم وهُم صاغِرونَ ، ولا تتَّخِذْ من دُونِ اللّه ِ وليَّا ، فَقَدْ قالَ اللّه ُ عز و جل : « لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً » (2) ، وقال عز و جل في أهل الكتاب : « لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَ_رَى أَوْلِيَآءَ » (3) ، وقال تبارك وتعالى : « وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ » (4) ، وقَرِّعْهُم بِخَراجِهِم . وقابِلْ في ورَائِهِم ، وإيَّاك ودِماءَهُم ، والسَّلام » . (5)

.


1- . معادن الحكمة : ج1 ص322 الرقم47 .
2- . آل عمران : 118 .
3- . المائدة : 51 .
4- . المائدة : 51 .
5- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص203 .

ص: 450

129 _ كتابه عليه السلام إلى قرظة بن كعب

] وإذا رجعت إلى كتاب معادن الحكمة فلسوف ترى فرقا واضحا بينهما ، يبعد معه اتحادهما . . .ولم أجد في المعاجم الموجودة عندي ما يتعلّق بهذا الكتاب ، إلاّ أنَّ في الجمل للمفيد رحمه الله ، إنَّ كتاب عليّ عليه السلام إلى الكوفة بعد فتح البصرة ، أرسله مع عَمْرو بن أبي سلمة الأرْحَبيّ . ]

129كتابه عليه السلام إلى قَرَظَةَ بن كَعْبكتب _ يعني أمير المؤمنين عليه السلام _ إلى قَرَظَةَ بن كَعْب الأنْصاريّ :« أمَّا بَعدُ ، فإنَّ رِجالاً مِن أهلِ الذِّمَّةِ مِن عَملِكَ ذكرُوا نَهْرا في أرضِهِم قَد عفا وادَّفَنَ ، وفيهِ لَهُم عِمارَةٌ عَلى المُسلِمينَ ، فانْظُر أنتَ وهُم ، ثُمَّ اعمُر وأصلِحْ النَّهرَ ، فلَعَمرِي لأن يَعمُروا أحبُّ إلينا مِن أن يَخرُجُوا وأنْ يَعجَزُوا أو يُقَصِّروا في واجِبٍ مِن صَلاحِ البلادِ ، والسَّلامُ » . (1) [ وتوجد صورة أخرى عن أنساب الأشراف للبلاذريّ ،] كتب عليه السلام إلى قَرَظَة بن كَعب: « أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّ قَوْما مِن أهْلِ عَمَلِكَ أتَوْني ، فَذَكرُوا أنَّ لَهُم نَهْرا قَد عَفا ودَرَس ، وأنَّهم إن حَفَرُوه واستَخرَجُوه عَمَرتْ بِلادُهُم ، وقَوَوا علَى خَراجِهِم ، وزَادَ فيءُ المُسلِمينَ قِبَلَهُم ، وسأَلونِي الكِتابَ إلَيكَ لِتأْخُذَهُم بِعَمَلِهِ ، وتَجْمَعَهُم لِحَفْرِهِ والإنفاقِ علَيهِ ، ولَسْتُ أرى أَنْ أجْبُرَ أحَدا علَى عَمَلٍ يَكْرَهُهُ ، فادعُهُم إليْكَ ، فإنْ كان الأمرُ في النَّهرِ علَى ما وصفُوا ، فمَن أحبَّ أن يَعْمَلَ فَمُرْهُ بِالعَمَلِ ، والنَّهرُ لِمَنْ عَمِلَهُ دُونَ مَن كَرِهَهُ ، ولأن يَعمُروا ويَقوَوا أحبُّ إليَّ مِن أنْ يَضْعُفُوا ، والسَّلامُ . » (2)

.


1- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص203 .
2- . أنساب الأشراف : ج2 ص390 .

ص: 451

قرظة بن كعب الأنصاريّ

قَرَظَةُ بنُ كَعْبٍ الأنْصارِيّقرظة بن كَعْب بن ثَعْلَبة الأنْصاريّ الخَزْرَجيّ ، يُكنّى أبا عمر . من صحابة النبيّ صلى الله عليه و آله (1) وفقهائهم (2) . اشترك في غزوة اُحد وما تلاها من غزوات (3) . فتح الرَّي في زمن عمر (4) . وليَ الكوفة (5) ، وبِهْقُباذات (6) ، وخراج ما بين النهرين في خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (7) . كان مع الإمام عليه السلام في حروبه (8) ، وتوفّي في أيّام خلافة الإمام عليه السلام بالكوفة ، فصلّى عليه الإمام عليه السلام (9) . في الاستيعاب : ولاّه _ قَرظَةَ بن كَعْب الأنْصاريّ _ عليُّ بن أبي طالب على الكوفة ، فلمّا خرج عليّ إلى صفِّين حمله معه وولاّها أبا مسعود البدري (10) . وشهد قرظة بن كَعْب مع عليّ مشاهده كلّها ، وتوفّي في خلافته في دارٍ ابتناها بالكوفة ، وصلّى عليه عليُّ بن أبي طالب (11) .

.


1- . راجع: المستدرك على الصحيحين : ج 1 ص183 ح347 ، التاريخ الكبير : ج 7 ص193 ح858 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص17 ، تهذيب الكمال : ج 23 ص563 الرقم4864 ، تهذيب التهذيب : ج 4 ص527 الرقم6511 .
2- . تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص661 ، تهذيب الكمال : ج23 ص564 الرقم4864 ، الاستيعاب : ج3 ص365 الرقم2192 ، اُسد الغابة : ج 4 ص380 الرقم4291 وفيها « كان فاضلاً » .
3- . تهذيب الكمال : ج 23 ص563 الرقم4864 ، الاستيعاب : ج 3 ص365 الرقم2192 ، اُسد الغابة : ج4 ص380 الرقم4291 ، الإصابة : ج 5 ص329 الرقم7113 .
4- . تاريخ الطبري : ج4 ص148 ، تهذيب الكمال : ج 23 ص563 الرقم4864 ، الاستيعاب :ج 3 ص365 الرقم2192 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص662 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص157 .
5- . تاريخ الطبري : ج4 ص499 ، تهذيب الكمال : ج 23 ص564 الرقم4864 ، مروج الذهب : ج2 ص368 ، اُسد الغابة : ج 4 ص380 الرقم4291 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص152 ؛ الجمل : ص265 .
6- . هي ثلاث بهقباذات ، وبِهْقُباذ : ثلاث كور ببغداد منسوبة إلى قباذ بن فيروز والد أنوشروان ( راجع : معجم البلدان : ج1 ص516 ) ، وقعة صفّين : ص11 ، الأخبار الطوال : ص153 وفيه « قرط بن كعب » .
7- . راجع: أنساب الأشراف : ج3 ص205 .
8- . راجع: الاستيعاب : ج 3 ص365 الرقم2192 ، اُسد الغابة : ج 4 ص380 الرقم4291 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص662 وفيه « ثمّ سار إلى الجمل مع عليّ ثمّ شهد صفّين » ، تاريخ بغداد : ج 1 ص185 الرقم23 وفيه « كان على راية الأنصار يومئذٍ » أي يوم صفّين .
9- . الطبقات الكبرى : ج6 ص17 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص185 الرقم23 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص662 ، الاستيعاب : ج 3 ص365 الرقم2192 ، تهذيب الكمال : ج 23 ص564 الرقم4864 وليس فيه صلاة عليّ عليه السلام . وفيهما « وقيل : توفّي في إمارة المغيرة بن شعبة » .
10- . الاستيعاب : ج 3 ص365 الرقم2192 ، اُسد الغابة : ج 4 ص380 الرقم4291 وزاد فيه « لمّا سار إلى الجمل » بعد « الكوفة » ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص152 نحوه .
11- . الاستيعاب : ج 3 ص365 الرقم2192 ، اُسد الغابة : ج 4 ص380 الرقم4291 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص17 وليس فيه صدره .

ص: 452

أبو مسعود البدريّ

أبو مَسْعودٍ البَدْرِيّهو عُقْبَة بن عَمْرو بن ثَعْلَبة ، أبو مسعود البَدريّ ، وهو مشهور بكنيته . من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله (1) . اشترك في حروبه كلّها إلاّ بدرا (2) . عندما تقلّد الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أمر الخلافة ، قام وأثنى عليه ، وعدّ بيعته كبيعة العَقَبة ، والرِّضوان ، وحثّ النَّاس على بيعته عليه السلام (3) . وحين توجّه الإمام عليه السلام إلى صفِّين ، استخلفه على الكوفة (4) . لم يشترك هذا الرَّجل في حرب من حروب الإمام عليه السلام (5) . مات أبو مسعود سنة 40 ه (6) .

.


1- . المعجم الكبير : ج 17 ص194 ح519 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص16 ، تاريخ مدينة دمشق :ج40 ص507 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص494 الرقم103 وفيه « معدود في علماء الصحابة » ، اُسد الغابة : ج4 ص55 الرقم3717 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص658 ؛ رجال الطوسي : ص43 الرقم309 .
2- . الاستيعاب : ج 3 ص184 الرقم1846 ، اُسد الغابة : ج4 ص55 الرقم3717 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص16 ، تاريخ مدينة دمشق : ج40 ص511 . واختلف في اشتراكه ببدر ، راجع : تهذيب التهذيب : ج 7 ص209 الرقم4806 .
3- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص179 .
4- . راجع: المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص 127 ح 4602 ، المعجم الكبير : ج 17 ص 195 ح 521 ، الطبقات الكبرى : ج 6 ص 16 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص 152 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج 3 ص 658 ، الكامل في التاريخ : ج 2 ص 409 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص 495 الرقم103 ؛ وقعة صفّين : ص121 .
5- . راجع: المعجم الكبير : ج 17 ص195 ح521 ، تاريخ مدينة دمشق : ج40 ص522 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص496 الرقم103 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص658 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص127 ح4603 .
6- . الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص229 الرقم933 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص496 الرقم103 ، وفي موته أقوال اُخر : « مات أيّام عليّ بن أبي طالب » كما في تاريخ مدينة دمشق : ج40 ص516 و517 ، و ص 511 وفيه« مات في أوّل خلافة معاوية » ، وقيل « توفّي في آخر خلافة معاوية » كما في الطبقات الكبرى : ج6 ص16 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص659 .

ص: 453

. .

ص: 454

130 _ كتابه عليه السلام إلى رفاعة بن شدّاد

130كتابه عليه السلام إلى رُفاعَة بن شَدَّاد[ كان رُفاعَة بن شَدَّاد البَجَلِيّ _ بضمّ الرَّاء _ من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو أحد أولئك النَّفر الَّذِين وُفِّقوا لدفن أبي ذرّ مع الأشْتَر رحمه الله ، وهو من الفضائل الكبيرة ؛ لشهادة الرَّسول العظيم بإيمانهم في حديث مشهور بين العامَّة والخاصَّة ، وقد شهد معه عليه السلام صفِّين ، وكان على بجيلة ، وله كلام في رفع أهل الشَّام المصاحف . (1) ثُمَّ جعله أمير المؤمنين عليه السلام قاضيا على الأهواز ، وكتَب إليه كتابا في الأحكام ، يوصيه فيه بأمور ، وقد نقله دعائم الإسلام متفرِّقا ، ونقله عنه العلاّمة المحدِّث النُّوري في المستدرك ، ونهج السَّعادة ، ولم أجده مجتمعا ، وأشار إليه المحدِّث القمِّي رحمه اللهفي سفينة البحار في ترجمة رُفاعَة . ثُمَّ هو من الَّذِين كتبوا إلى الحسين عليه السلام ولم ينصروه ، ثُمَّ تابوا ، وهو من رؤساء التَّوَّابين الَّذِين خرجوا إلى عَين الوردة ، وقاتلوا أهل الشَّام ، ولكنَّه لم يكن مستقتلاً كما ، استقتل سُلَيْمان والمُسَيَّب بن نَجَبَة ، وعبد اللّه بن سَعْد ، وعبد اللّه بن وال ، فلمَّا قتل هؤلاء رجع إلى الكوفة ، وخرج في أخذ الثَّار ، وقتل حينئذٍ . ] (2) وهاك نصّ الكتاب ، نذكره مجتمعا ونشير إلى مواضعه من الدَّعائم وغيره : « لا تُطَلُّ الدِّماءُ ، ولا تُعَطَّلُ الحُدودُ » (3) . « أقِم الحُدودَ في القَريبِ يَجتَنِبْها البَعيدُ ، لا تُطَلُّ الدِّماءُ ، ولا تُعَطَّلُ الحدودُ » (4) . « دَارِئ عَنِ المُؤْمِنِ ما استَطَعْتَ ، فإنَّ ظَهْرَه حِمَى اللّه ِ ، ونفسَه كريمةٌ علَى اللّه ِ ، ولَهُ أن يَكُونَ ثَوابُ اللّه ِ ، وظالِمُهُ خَصْمُ اللّه ِ ، فَلا يَكونُ خَصْمَك اللّه ُ » (5) . « لا تَقْضِ وأنْتَ غَضْبَانٌ ، ولا من النَّوم سَكْران » (6) . « اعْلَم يا رُفاعَة أنَّ هذهِ الإمارَةَ أمانَةٌ ، فمَن جَعَلَها خِيانَةً فَعلَيْهِ لَعنةُ اللّه ِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ ، ومَنِ استَعْمَلَ خائِنا فإنَّ محمَّدا صلى الله عليه و آله بَرِيءٌ منه في الدُّنيا والآخِرَةِ » . (7) « ذَرِ المَطَامِعَ ، وخالِفِ الهَوَى ، وزَيِّن العِلْمَ بسَمْتٍ صالِحٍ ، نِعْمَ عَوْنُ الدِّينِ الصَّبرُ ، لو كانَ الصَّبرُ رجلاً لكان رَجُلاً صالِحا ، وإيَّاك والمَلاَلَةَ ، فإنَّها من السُّخْفِ والنَّذَالَةِ ، لا تُحْضِر مَجْلِسَكَ مَن لا يَشبَهُكَ ، وتَخَيَّرْ لوِردِكَ ، اقضِ بالظَّاهِرِ ، وفَوِّضْ إلى العَالِمِ الباطِن ، دَعْ عنكَ أظُنُّ وأحسِبُ ، وأرَى لَيْسَ في الدِّينِ إشكالٌ ، لا تُمارِ سَفِيها ، ولا فَقِيها ، أمَّا الفقيهُ ، فيَحْرِمَكَ خَيْرَه . وأمَّا السَّفيهُ فيُحزِنُكَ شرُّه ، لا تُجادِل أهلَ الكِتابِ إلاَّ بالَّتي هِيَ أحسَنُ بالكتاب والسُّنَّةِ ، لا تُعَوِّدْ نفسَكَ الضَّحكَ ، فإنَّه يَذهَبُ بالبَهاءِ ، ويُجَرِّى ءُ الخُصومَ علَى الاعتداءِ . إيَّاكَ وقَبولَ التُّحَفِ مِنَ الخُصومِ ، وحاذِرِ الدُّخْلَةَ ، مَن ائتَمَنَ امرأةً حَمْقاءَ ، ومَن شاوَرَها فَقَبِلَ مِنها نَدِمَ ، احْذَر مِن دَمْعَةِ المُوِنِ ، فَإنَّها تَقْصِفُ من دَمَّعها ، وتُطفِئُ بُحُورَ النِّيرَانِ عَن صاحِبِها ، لا تَنْبُز الخُصومَ ، ولا تَنْهرْ السَّائِلَ ، ولا تُجالِسْ في مَجلِسِ القَضاءِ غَيْرَ فَقِيهٍ ، ولا تُشاوِرْ في الفُتيا ، فإنَّما المَشورةُ في الحَرْبِ ومَصالِحِ العاجِلِ ، والدِّينُ ليسَ هُوَ بالرَّأي ، إنَّما هُوَ الاتِّبَاعُ ، لا تُضَيِّعِ الفَرائِضَ ، وتَتَّكِلْ علَى النَّوافِلِ ، أحسِن إلى مَنْ أساءَ إليك ، واعْفُ عَمَّن ظلَمَكَ ، وادعُ لِمَن نَصَرَكَ ، وأعْطِ مَن حَرَمَك وتَواضَعْ لِمَنْ أعطَاكَ ، واشكُر اللّه َ على ما أوْلاَكَ ، واحْمَدْهُ علَى ما أبْلاَكَ . العِلْمُ ثَلاثةٌ : آيةٌ مُحكَمةٌ ، وسُنَّةٌ مُتبَعَةٌ ، وفريضَةٌ عادِلةٌ ، ومَلاَكُهُنَّ أمرُنَا » . (8) « لا تَستعمِل مَن لا يُصدِّقُكَ ، ولا يُصَدِّقُ قَوْلَكَ فِينا ، وإلاَّ فاللّه ُ خَصْمُكَ وطالِبُكَ ، لا تُوَلِّ أمرَ السُّوقِ ذا بِدْعَةٍ وإلاَّ فأنْتَ أعلَمُ » . (9) « مَنْ تَنقّصَ نبيَّا فلا تُناظِرْهُ » . (10) عن عليّ عليه السلام أنَّه كتب إلى رُفاعَة ، وهو رُفاعَة بن شَدَّاد ، وكان قاضيا لعليّ عليه السلام بالأهواز : « أنْ يأمُرَ القصَّابِينَ أنْ يُحْسِنوا الذَّبحَ ، فمَن صمَّم فَلْيُعَاقِبْهُ ، وْليُلْقِ ما ذَبَحَ إلى الكِلابِ » . (11) « لا قِسْمَةَ فيما لا يَتَبَعَّضُ ، يعني ما لا يَتَجَزَّأُ على أنْصِباءِ الشُّرَكاءِ » . (12) « أدِّ أمانَتَكَ ، وَوَفِّ صَفْقَتَكَ ، ولا تَخُنْ مَن خَانَكَ ، وأحسِن إلى مَن أساءَ إليْكَ ، وكافِ مَن أحسَنَ إليْكَ ، واعْفُ عَمَّن ظلَمكَ ، وادْعُ لمَن نَصَرَكَ ، وأَعْطِ مَن حَرَمَكَ ، وتواضَعْ لِمَنْ أعْطاكَ ، واشْكُر اللّه َ كَثِيرا على ما أولاكَ ، واحمَدْهُ على ما أبْلاكَ » . (13) « إنْهَ عَنِ الحُكْرَةِ ، فمَن رَكَبَ النَّهْيَ ، فأَوْجِعْهُ ، ثُمَّ عَاقِبْه بإظهار ما احْتُكِر ». (14) « وإيَّاكَ والنَّوحَ علَى المَيِّتِ بِبَلَدٍ يَكُونُ لَكَ بهِ سُلْطانٌ » . (15) كتَب عليّ عليه السلام إلى رُفاعَة ؛ يأمُرُه بطَرْد أهل الذِّمَّة من الصَّرْف . (16) « لا حِمى إلاَّ مِن ظَهْر مُوِنٍ ، وظَهْر فَرَسٍ مُجاهِدٍ ، وحَرِيمِ بئرٍ ، وحَرِيم نهْرٍ ، وحرِيمِ حِصْنٍ ، والحُرْمةِ بينَ الرِّجالِ والنِّساءِ وهِيَ الحُجُبُ ، وحَرِيمٍ بَيْنَ الحَلالِ والحَرامِ ، لا مَرْتَعَ فيهِ ، وحرِيمٍ لا يوَنُ في الأوَّلين والآخرين ، وحرِيمٍ حَرَّمَتْهُ الرَّحِمُ ، وحَرِيمِ ما جاوَزَ الأربَعَ مِنَ الحَرائِرِ ، وحَرِيمِ القَضاء » . (17) عليّ عليه السلام : _ أنَّه استَدْرَك على ابن هَرْمَةَ خِيَانَةً ، وكان على سُوق الأهواز ، فكتَب إلى رُفاعَة _ « إذا قَرأْتَ كتابِي فَنَحِّ ابنَ هَرْمَةَ عَنِ السُّوقِ ، وأوقِفْهُ للنَّاسِ ، واسْجُنْهُ ، ونادِ علَيْهِ ، واكتُبْ إلى أهْلِ عَمَلِكَ تُعْلِمُهُم رَأيِي فيهِ ، ولا تَأْخُذْكَ فيهِ غَفلةٌ ولا تَفرِيطٌ فَتَهلِكَ عِندَ اللّه ِ ، وأعْزِلُكَ أَخْبَثَ عزلَةٍ ، وأُعِيذُكَ باللّه ِ مِن ذلِكَ ، فإذا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ فَأخرِجْهُ مِنَ السِّجْنِ واضْرِبْهُ خَمْسَةً وثَلاثينَ سَوْطا ، وطُفْ بهِ إلى الأَسْواقِ ، فَمَنْ أتى علَيهِ بشاهِدٍ فحَلِّفْهُ مَعَ شاهدِهِ ، وادفَعْ إليْهِ مِن مَكْسَبِهِ ما شُهِدَ بهِ عَلَيْهِ ، ومُرَّ بهِ إلى السِّجنِ مُهانَا مَقْبوحا مَنْبوحا ، واحْزِمْ رِجلَيْهِ بحِزَامٍ ، وأخْرِجْهُ وَقْتَ الصَّلاةِ ، ولا تَحُلْ بَيْنَهُ وبَيْنَ مَن يأتِيه بمَطْعَمٍ أو مَشْرَبٍ أو مَلْبَسٍ أو مَفْرَشٍ ، ولا تَدَعْ أحَدا يَدخُلُ إليهِ مِمَّن يُلَقِّنُهُ اللُّدَدَ ، ويُرَجِّيهِ الخُلُوصَ ، فَإنْ صَحَّ عِندَكَ أنَّ أحدا لَقَّنَهُ ما يَضُرُّ بهِ مُسلِما فاضْرِبهُ بالدِّرَّة فاحبِسْهُ حَتَّى يَتُوبَ ، ومُرْ بإخراجِ أهْلِ السِّجْنِ في اللَّيلِ إلى صَحْنِ السِّجْنِ ليتفَرَّجُوا غَيْرَ ابنِ هَرْمَةَ ، إلاَّ أنْ تَخافَ مَوتَهُ فتُخْرِجَهُ مَعَ أهلِ السِّجْنِ إلى الصَّحْنِ ، فإنْ رأيْتَ بهِ طَاقَةً أو استطاعَةً فاضربْهُ بَعْدَ ثَلاثِينَ يَوْما خَمْسَةً وثَلاثِينَ سَوْطا بَعْدَ الخَمْسَةِ والثَّلاثِينَ الأُولى ، واكتُبْ إلَيَّ بما فعَلتَ في السُّوقِ ، ومَنِ اختَرْتَ بَعْدَ الخائِنِ ، واقطَعْ عَنِ الخائِنِ رِزقَهُ . (18)

.


1- . راجع : وقعة صفِّين : ص205 و488 .
2- . راجع : رجال الكشّي : ج1 ص65 الرقم118 ، دعائم الإسلام : ج1 ص227 وج2 ص176 و499 ، الغارات : ج2 ص775 ، بحار الأنوار : ج45 ص361 ، ترجمة سفينة البحار : ج1 مادة « رفع » ، قاموس الرجال : ج4 ص133 و134 ؛ تاريخ الطبري : ج7 ص127 وص233 وص497 وص499 وص543 _ 565 وص598 _ 659 ، مروج الذَّهب : ج3 ص103 .
3- . دعائم الإسلام : ج2 ص404 ح1416 .
4- . دعائم الإسلام : ج2 ص442 ح1541 ، عيون الحكم والمواعظ : ص79 ح1923 ، دستور معالم الحكم : ص 60 وفيهما إلى قوله « البعيد » .
5- . دعائم الإسلام : ج2 ص445 ح1553 ، بحار الأنوار : ج74 ص230 ح28 عن كتاب القضاء للصوري وفيه « دار المؤمن » بدل « دارئ المؤمن » و« فلا تكن خصمه » بدل « فلا يكن خصمك اللّه » ؛ دستور معالم الحكم : ص123 و124 .
6- . دعائم الإسلام : ج2 ص537 ح1909 ؛ دستور معالم الحكم : ص63 .
7- . دعائم الإسلام : ج2 ص531 ح1890 .
8- . دعائم الإسلام : ج2 ص534 ح1899 راجع : دستور معالم الحكم : ص63 .
9- . دعائم الإسلام : ج2 ص530 ح1882 .
10- . دعائم الإسلام : ج2 ص459 ح1619 .
11- . دعائم الإسلام : ج2 ص176 ح634 ، بحار الأنوار : ج65 ص328 ح49 .
12- . دعائم الإسلام : ج2 ص499 ح1782 .
13- . دعائم الإسلام : ج2 ص487 ح1741 .
14- . دعائم الإسلام : ج2 ص36 ح80 .
15- . دعائم الإسلام : ج1 ص227 ، بحار الأنوار : ج82 ص101 .
16- . دعائم الإسلام : ج2 ص38 ح86 .
17- . دستور معالم الحكم : ص111 .
18- . دعائم الإسلام : ج2 ص532 ح1892 .

ص: 455

. .

ص: 456

. .

ص: 457

. .

ص: 458

[ أقول : ولم يوجد هذا الكتاب إلاَّ في دعائم الإسلام ، وفي البحار (1) عن كتاب قضاء الحُقوقِ للصُّوري ، وظاهِرُ الدَّعائم في الموارد ، أنَّه كتاب واحد مشتمل على أحكام كثيرة ، نقله الدَّعائم متفرقا ، كقوله : « أنَّه كتب كتابا إلى رُفاعَةَ بن شَدَّاد كان فيه » ، وقوله : « أنَّه كتب إلى رُفاعَة لمَّا استقضاه على الأهواز فيه . . . » ، والعبارات الأخر لا دلالة فيها على وحدة الكتاب ، ولا على تعدّده ، بل المظنون أنَّ الكتاب في ابن هَرْمَة كتاب مستقلّ ، وقد اعترف بما ذكرنا في نهج السَّعادة ، قال : لم أجد هذا الكتاب إلاَّ في دعائم الإسلام ، وصاحب الدَّعائم لم يذكره متواليا ومُنظَّما ، بل قسَّمه على الأبواب والمواضيع المختلفة من كتابه ، على ما هو ديدن الفقهاء من ذكر كل فقرة من الكلام والحديث الواحد ، في الباب الَّذي يلائمه . . .ثُمَّ لا يخفى أنَّه لا دليل على وحدة الكتاب ، بل المظنون أنَّ ما ذكره عليه السلام في قضية ابن هَرْمَة كتاب مستقلّ . . . (2) ] .

.


1- . بحار الأنوار : ج74 ص230 ح28 .
2- . نهج السعادة : ج5 ص38 .

ص: 459

131 _ كتابه عليه السلام إلى مالك الأشتر

131كتابه عليه السلام إلى مالك الأشْتَرمن كتاب له عليه السلام كتَبَه إلى مالك بن الحارث الأشْتَر رحمه الله ، وهو عاملُه على الجَزيرة ، لمَّا فسدت مصر على محمَّد بن أبي بكر رحمه الله . قال : أبو مِخْنَف ، عن يَزيد بن ظَبْيَان الهَمْدانِيّ ما ملخَّصه : أنَّه لمَّا قتل أهل خربتا ابن مضاهم الكلبي ، خرَج معاوية بن حُدَيْج الكِنْديّ السَّكونيّ ، فدَعا إلى الطَلب بدَم عثمان ، فأجابَه ناس آخرون ، وفَسدت مصر على محمَّد بن أبي بكر ، فبَلَغ عليَّا ، فقال عليه السلام : « ما لِمِصْر إلاَّ أحدُ الرَّجُلَينِ : قَيْسُ بنُ سَعْدِ بنِ عُبادَةَ أو مالِكُ الأشْتَر » . فلمَّا انْقضى أمْر الحَكَمَيْن، كَتَب عليّ عليه السلام إلى مالك الأشْتَر رحمه الله وهُو يَومَئذٍ بنَصِيبَين: « أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّك مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ ، وأَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ الأَثِيمِ ، وأَشُدُّ بِهِ الثَّغْرَ الْمَخُوفِ ، وكنْتُ وَلَّيْتُ محمَّد بنَ أبي بَكْر مِصرَ ، فَخَرَجتْ علَيْه بها خَوارِجٌ ، وهُو غُلامٌ حَدثٌ ، لَيْسَ بِذِي تَجْرِبَةٍ للْحَرب ، ولا بِمُجَرِّبٍ للأشْياءِ ، فاقْدِم علَيَّ لِنَنْظُرَ في ذلِكَ فِيما يَنبغي ، واسْتَخلِفْ على عمَلِكَ أهْلَ الثِّقَةِ والنَّصِيحَةِ مِن أصْحابِكَ ، والسَّلامُ » . فأقْبل مالك حتَّى دَخَل على أمير المؤمنين عليه السلام ، فحدَّثه حَدِيث أهل مصر ، وقال له : « لَيْس لها غَيْرُكَ ، أُخْرج رَحِمَكَ اللّه ُ ، فإنِّي إنْ لَمْ أُوصِكَ اكتَفيتُ بِرَأيِكَ ، واسْتَعِنْ باللّه ِ علَى ما أهمَّكَ ، فاخلُطِ الشِّدَّةَ باللّينِ ، وارفُقْ ما كانَ الرِّفْقُ أبلغُ ، واعتَزِمْ بالشِّدَّةِ حِيْنَ لا يُغْني عَنْكَ إلاَّ الشِّدَّةَ » . فخَرج الأشْتَر رحمه الله ، وأتى رَحله ، وتهيَّأ للخروج إلى مصر ، وقدَّم أمير المؤمنين عليه السلام أمَامَه كتابا إلى أهل مصر . . . (1)

.


1- . تاريخ الطبري : ج4 ص95 وراجع : الأمالي للمفيد : ص56 ، الغارات : ج1 ص547 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص74 ، أنساب الأشراف : ج3 ص167 ، الكامل لابن الأثير : ج3 ص352 .

ص: 460

مالكٌ الأشتر

مالِكٌ الأشْتَرهو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النَّخَعيّ الكوفيّ ، المعروف بالأشْتَر ؛ الوجه المشرق ، والبطل الَّذي لا يُقهَر ، واللّيث الباسل في الحروب ، وأصلب صحابة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وأثبتهم . وكان الإمام عليه السلام يثق به ويعتمد عليه ، وطالما كان يُثني على وعيه وخبرته ، وبطولته ، وبصيرته ، وعظمته ، ويفتخر بذلك . وليس بأيدينا معلومات تُذكر حول بدايات وعيه . وكان أوّل حضوره الجاد في فتح دمشق وحرب اليرموك (1) ، وفيها اُصيبت عينه (2) فاشتهر بالأشْتَر (3) . وكان مالك يعيش في الكوفة . وكان طويل القامة ، عريض الصَّدر ، طلق اللّسان (4) ، عديم المثيل في الفروسيّة (5) . وكان لمزاياه الأخلاقيّة ومروءته ومَنعته وهيبته واُبّهته وحيائه ، تأثيرٌ عجيب في نفوس الكوفيّين ؛ من هنا كانوا يسمعون كلامه ، ويحترمون آراءه . ونُفي مع عدد من أصحابه إلى حِمْص (6) في أيّام عثمان بسبب اصطدامه بسعيد بن العاص والي عثمان (7) . ولمّا اشتدّت نبرة المعارضة لعثمان عاد إلى الكوفة ، ومنع واليه _ الَّذي كان قد ذهب إلى المدينة آنذاك _ من دخولها (8) . واشترك في ثورة المسلمين على عثمان (9) ، وتولّى قيادة الكوفيّين الَّذين كانوا قد توجّهوا إلى المدينة ، وكان له دور حاسم في القضاء على حكومة عثمان (10) . وكان يصرّ على خلافة الإمام عليّ عليه السلام بفضل ما كان يتمتّع به من وعي عميق ، ومعرفةٍ دقيقة برجال زمانه ، وبالتَّيّارات والحوادث الجارية يومذاك (11) . من هنا كان نصير الإمام عليه السلام وعضده المقتدر عند خلافته . وقد امتزجت طاعته وإخلاصه له عليه السلام بروحه ودمه ، وكان الإمام عليه السلام أيضا يحترمه احتراما ، خاصّا ويقيم وزنا لآرائه في الاُمور . وكان له رأي في بقاء أبي موسى الأشْعَرِيّ واليا على الكوفة ، ارتضاه الإمام عليه السلام وأيّده (12) ، مع أنّه عليه السلام كان يعلم بمكنون فكر أبي موسى ، ولم يكن له رأي في بقائه (13) . وعندما كان أبو موسى يثبّط النَّاس عن المسير مع الإمام عليه السلام في حرب الجمل ، ذهب مالك إلى الكوفة ، وأخرج أبا موسى _ الَّذي كان قد عزله الإمام عليه السلام _ منها ، وعبّأ النَّاس من أجل دعم الإمام عليه السلام والمسير معه في الحرب ضدّ أصحاب الجمل (14) . وكان له دور حاسم وعجيب في الحرب . وكان على الميمنة فيها (15) . واصطراعه مع عبد اللّه بن الزُّبير مشهور في هذه المعركة (16) . ولي مالك الجزيرة (17) _ وهي تشمل مناطق بين دجلة والفرات _ بعد حرب الجمل . وكانت هذه المنطقة قريبة من الشَّام الَّتي كان يحكمها معاوية (18) . واستدعاه الإمام عليه السلام قبل حرب صفِّين . وكان على مقدّمة الجيش في البداية ، وقد هَزم مقدّمة جيش معاوية . ولمّا استولى جيش معاوية على الماء ، وأغلق منافذه بوجه جيش الإمام عليه السلام ، كان لمالك دور فاعل في فتح تلك المنافذ والسَّيطرة على الماء (19) . وكان في الحرب مقاتلاً باسلاً مقداما ، رابط الجأش مجدّا مستبسلاً ، وقد قاتل بقلبٍ فتيّ وشجاعة منقطعة النَّظير (20) . وتولّى قيادة الجيش مع الأشْعَث (21) ، وكان على خيّالة الكوفة طول الحرب (22) ، وأحيانا كان يقود أقساما اُخرى من الجيش . (23) وفي معارك ذي الحجّة الاُولى كانت المسؤوليّة الأصليّة والدَور الأساس للقتال على عاتقه (24) . وفي المرحلة الثَّانية _ شهر صفر _ كان يقود القتال أيضا يومين في كلّ ثمانية أيّام (25) . وكان له مظهر عجيب في المنازلات الفرديّة للقتال ، وفي حلّ عُقَد الحرب ، وعلاج مشاكل الجيش ، والنُّهوض بعب ء الحرب ، والسَّير بها قُدما بأمر الإمام عليه السلام . بَيد أنّ مظهره الباهر الخالد قد تجلّى في الأيّام الأخيرة منها ، بخاصّة يوم الخميس و ليلة الهَرير . وكان يوم الخميس وليلة الجمعة _ ليلة الهرير _ مسرحا لعرض عجيب تجلّت فيه شجاعته ، وشهامته ، واستبساله ، وقتاله بلا هوادة ، إذ خلخل نظم الجيش الشَّامي ، وتقدّم صباح الجمعة حتَّى أشرف على خيمة القيادة (26) . وصار هلاك العدو أمرا محتوما ، وبينا كان الظُّلم يلفظ أنفاسه الأخيرة ، والنَّصر يلتمع في عيون مالك ، تآمر عَمْرو بن العاص ونشر فخّ مكيدته ، فأسرعت جموع من جيش الإمام _ وهم الَّذين سيشكّلون تيّار الخوارج _ ومعهم الأشْعَث إلى مؤازرته ، فازداد الطِّين بلّةً بحماقتهم . وهكذا جعلوا الإمام عليه السلام في وضعٍ حَرِج ليقبل الصُّلح ، ويُرجعَ مالكا عن موقعه المتقدّم في ميدان الحرب . وكان طبيعيّا في تلك اللّحظة المصيريّة الحاسمة العجيبة أن يرفض مالك ، ويرفض معه الإمام عليه السلام أيضا ، لكن لمّا بلغه أنّ حياة الإمام في خطر ، عاد بروح ملؤها الحزن والألم ، فأغمد سيفه ، ونجا معاوية الَّذي أوشك أن يطلب الأمان من موت محقَّق ، وخرج من مأزق ضاق به ! ! (27) وشاجر مالك الخوارجَ والأشْعَثَ ، وكلّمهم في حقيقة ما حصل ، وأنبأهم ، بما يملك من بصيرة وبُعد نظر ، أنّ جذر تقدّسهم يكمن في تملّصهم من المسؤوليّة ، وشغفهم بالدُّنيا (28) . وحين اقترح الإمام عليه السلام عبدَ اللّه بن عبّاس للتَّحكيم ورفَضه الخوارج والأشْعَث ، اقترح مالكا ، فرفضوه أيضا مصرِّين على يمانيّة الحَكَم ، في حين كان مالك يمانيّ المحتد ، وهذا من عجائب الاُمور ! (29) وعاد مالك بعد صفِّين إلى مهمّته (30) . ولمّا اضطربت مصر على محمّد بن أبي بكر وصعب عليه أمرها وتمرّد أهلها ، انتدب الإمام عليه السلام مالكا وولاّه عليها (31) . وكان قد خَبَر كفاءته ، ورفعته ، واستماتته ، ودأبه ، ووعيه ، وخبرته في العمل (32) . وكانت تعليماته عليه السلام الحكوميّة _ المشهورة بعهد مالك الأشْتَر _ أعظم وأرفع وثيقة للحكومة وإقامة القسط ، وهي خالدة على مَرِّ التَّاريخ (33) . وكان معاوية قد عقد الأمل على مصر ، وحين شعر أنّ جميع خططه ستخيب بذهاب مالك إليها ، قضى عليه قبل وصوله إليها . وهكذا استُشهد ليث الوغى ، والمُقاتل الفذّ ، والنَّاصر الفريد لمولاه ، بطريقة غادرة ، بعدما تناول من العسل المسموم بسمّ فتّاك ، وعرجت روحه المشرقة الطَّاهرة إلى الملكوت الأعلى (34) . وحزن الإمام عليه السلام لمقتله ، حتَّى عَدّ موته من مصائب الدَّهر (35) . وأبّنه فكان تأبينه إيّاه فريدا ؛ كما أنّ وجود مالك كان فريدا له في حياته عليه السلام (36) . ولمّا نُعي إليه عليه السلام مالك ، وبلغه خبر استشهاده المؤلم ، صعد المنبر وقال : « ألا إنّ مالِكَ بنَ الحارِثِ قَدْ قَضَى نَحْبَهُ ، وأوْفى بِعَهْدِهِ ، ولَقِيَ رَبَّهُ ، فَرَحِمَ اللّه ُ مالِكا ! لو كان جبلاً لَكانَ فَذّا ، ولو كانَ حَجَرا لكانَ صَلْدا . لِلّهِ مالِكٌ ! وما مالِكُ ! وهَلْ قامَتِ النِّساءُ عَنْ مِثْلِ مالِك ! وهَلْ مَوجُودٌ كَمالِك ! » (37) . ومعاوية الَّذي كان فريدا أيضا في خبث طويّته ورذالته وضَعَته وقتله للفضيلة ، طار فرحا باستشهاد مالك ، ولم يستطع أن يخفي سروره ، فقال من فرط فرحه : كان لعليّ بن أبي طالب يدان يمينان ، فقُطعت إحداهما يوم صفِّين _ يعني عَمَّار بن ياسر _ وقُطعت الاُخرى اليوم ، وهو مالك الأشْتَر (38) . وكلّما كان يذكره الإمام عليه السلام ، يثقل عليه الغمّ والحزن ، ويتحسّر على فقده . وحين ضاق ذرعا من التَّحرّكات الجائرة لأهل الشَّام ، وتألّم لعدم سماع جُنده كلامه ، وتأوّه على قعودهم وخذلانهم له في اجتثاث جذور الفتنة ، قال رجل : استبانَ فقدُ الأشْتَر على أهل العراقِ . لو كان حيَّا لقلَّ اللَّغط ، ولَعَلِمَ كلُّ امرئٍ مايقول (39) . نطق هذا الرَّجل حقّا ، فلم يكن أحد في جيش الإمام عليه السلام مثل مالك . في تنبيه الخواطر : حكي أنّ مالكا الأشْتَر رضى الله عنه كان مجتازا بسوق الكوفة وعليه قميص خام وعمامة منه ، فرآه بعض السُّوْقة (40) فازدرى (41) بزيّه ؛ فرماه ببندقة تهاونا به ، فمضى ولم يلتفت ، فقيل له : ويلك ! أ تدري بمن رميت ؟ فقال : لا ، فقيل له : هذا مالك صاحب أمير المؤمنين عليه السلام ، فارتعد الرَّجل ومضى إليه ليعتذر منه ، فرآه وقد دخل مسجدا وهو قائم يصلّي ، فلمّا انفتل أكبّ الرَّجل على قدميه يقبّلهما ، فقال : ما هذا الأمر ؟ ! فقال : أعتذر إليك ممّا صنعت ، فقال : لا بأس عليك ، فو اللّه ، ما دخلت المسجد إلاّ لأستغفرنّ لك (42) . وفي المناقب للخوارزميّ عن أبي هانى ء بن معمَّر السَّدوسيّ _ في ذكر غلبة جند معاوية على الماء في حرب صفِّين _ : كنت حينئذٍ مع الأشْتَر وقد تبيّن فيه العطش ، فقلت لرجل من بني عمّي : إنّ الأمير عطشان ، فقال الرَّجل : كلّ هؤلاء عِطاش ، وعندي إداوة (43) ماء أمنعه لنفسي ، ولكنّي اُوثره على نفسي ، فتقدّم إلى الأشْتَر فعرض عليه الماء ، فقال : لا أشرب حتَّى يشرب النَّاس (44) . وفي تاريخ مدينة دمشق عن أبي حُذَيْفَة إسْحاق بن بِشْر _ في ذكر وقعة اليرموك _ : ومضى خالد يطلب عُظْمَ (45) النَّاس حتَّى أدركهم بثَنِيَّةِ العُقاب (46) ، وهي تهبط الهابط المُغَرِّب منها إلى غوطة دمشق ، يدرك عُظْمَ النَّاسِ حتَّى أدركهم بغوطة دمشق ، فلمّا انتهوا إلى تلك الجماعة من الرُّوم ، وأقبلوا يرمونهم بالحجارة من فوقهم ، فتقدّم إليهم الأشْتَر وهو في رجال من المسلمين ، فإذا أمامهم رجل من الرُّوم جسيم عظيم ، فمضى إليه حتَّى وقف عليه ، فاستوى هو والرُّومي على صخرة مستوية ، فاضطربا بسيفيهما ، فأطرّ الأشْتَر كفّ الرُّوميّ ، وضرب الرُّوميّ الأشْتَر بسيفه فلم يضرّه ، واعتنق كلّ واحد منهما صاحبه ، فوقعا على الصَّخرة ، ثمّ انحدرا ، وأخذ الأشْتَر يقول _ وهو في ذلك ملازم العلج لا يتركه _ : « قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَ لِكَ اُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ » (47) . قال : فلم يزل يقول ذلك حتَّى انتهى إلى مستوى الخيل وقرار ، فلمّا استقرّ وثب على الرُّوميّ فقتله ، وصاح في النَّاس : أنْ جُوزوا . قال : فلمّا رأت الرُّوم أنّ صاحبهم قد قُتل ، خلّوا الثَّنية وانهزموا . قالوا : وكان الأشْتَر الأحسن في اليرموك ، قالوا : لقد قتل ثلاثة عشر (48) . وفي وقعة صفِّين عن سِنان بن مالك _ في مواجهة مقدّمة الجيش قبل حرب صفِّين _ : قلت له ( لأبي الأعْوَر ) : إنّ الأشْتَر يدعوك إلى مبارزته ، فسكت عنّي طويلاً ثمّ قال : إنّ خفّة الأشْتَر وسوء رأيه ، هو الَّذي دعاه إلى إجلاء عمّال عثمان من العراق ، وافترائه عليه يقبّح محاسنه ، ويجهل حقّه ، ويُظهر عداوته . ومن خفّة الأشْتَر وسوء رأيه أنّه سار إلى عثمان في داره وقراره ، فقتله فيمن قتله ، فأصبح مبتغىً بدمه ؛ لا حاجة لي في مبارزته . قال : قلت له : قد تكلّمت فاستمع منّي حتَّى اُخبرك ، قال : فقال : لا حاجة لي في جوابك ، ولا الاستماع منك ، اذهب عنّي ، وصاح بي أصحابه ، فانصرفت عنه (49) . وفي شرح نهج البلاغة _ في وصف الأشْتَر _ : كان شديد البأس ، جوادا رئيسا حليما فصيحا شاعرا ، وكان يجمع بين اللِّين والعنف ، فيسطو في موضع السَّطوة ، ويرفق في موضع الرِّفق (50) . وفي سِيَرِ أعلامِ النبلاء : ملك العرب ، مالك بن الحارث النَّخَعيّ ، أحد الأشراف والأبطال المذكورين . حدَّث عن عمر ، وخالد بن الوليد ، وفُقِئت عينه يوم اليرموك ، وكان شهما مُطاعا زَعِرا (51) ، ألّب على عثمان وقاتله ، وكان ذا فصاحة وبلاغة . شهد صفِّين مع عليّ عليه السلام ، وتميّز يومئذٍ ، وكاد أن يهزم معاوية ، فحمل عليه أصحاب عليٍّ لمّا رأوا مصاحف جند الشَّام على الأسنّة يدعون إلى كتاب اللّه ، وما أمكنه مخالفة عليٍّ ، فكفّ (52) . وفي شرح نهج البلاغة : قد روى المحدّثون حديثا يدلّ على فضيلة عظيمة للأشْتَر رحمه الله ، وهي شهادة قاطعة من النَّبيّ صلى الله عليه و آله بأنّه مؤمن ، روى هذا الحديث أبو عمر بن عبد البرّ في كتاب الاستيعاب في حرف الجيم ، في باب جُنْدَب ، قال أبو عمر : لمّا حضرت أبا ذَرّ الوفاة وهو بالرَّبَذَة بكت زوجته اُمّ ذَرّ ، فقال لها : ما يُبكيك ؟ فقالت : ما لي لا أبكي وأنت تموت بفَلاةٍ من الأرض ، وليس عندي ثوب يسعك كفنا ، ولابدّ لي من القيام بجهازك ؟ ! فقال : أبشري ولا تبكي ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : « لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة ، فيصبران ويحتسبان فيريان النَّار أبدا » ؛ وقد مات لنا ثلاثة من الولد . وسمعتُ أيضا رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول لنفر أنا فيهم : « لَيموتنّ أحدكم بفلاةٍ من الأرض ، يشهده عصابة من المؤمنين » ، وليس من اُولئك النَّفر أحد إلاّ وقد مات في قرية وجماعة . فأنا _ لا أشكّ _ ذلك الرَّجل ، واللّه ، ما كَذبت ولا كُذِّبت ، فانظري الطريق . قالت اُمّ ذَرّ : فقلت : أنّى وقد ذهب الحاجّ وتقطّعت الطُّرق ؟ ! فقال : اذهبي فتبصّري . قالت : فكنت أشتدّ إلى الكثيب ، فأصعد فأنظر ، ثمّ أرجع إليه فاُمرِّضه ، فبينا أنا وهو على هذه الحال ، إذ أنا برجال على ركابهم ، كأنّهم الرَّخم (53) ، تَخُبّ بهم رواحلهم ، فأسرعوا إليَّ حتَّى وقفوا عليَّ ، وقالوا : يا أمةَ اللّه ، ما لك ؟ فقلت : امرُؤ من المسلمين يموت ، تكفّنونه ؟ قالوا : ومن هو ؟ قلت : أبو ذَرّ . قالوا : صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قلت : نعم ، ففدّوه بآبائهم واُمّهاتهم ، وأسرعوا إليه حتَّى دخلوا عليه ، فقال لهم : أبشروا فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول لنفر أنا فيهم : « ليموتَنَّ رجلٌ مِنكُم بِفَلاةٍ مِنَ الأرضِ تَشْهَدُهُ عِصابَةٌ مِنَ المُؤمِنينَ » ، وليس من اُولئك النَّفر إلاّ وقد هلك في قرية وجماعة ، واللّه ، ما كَذبت ولا كُذِّبت ، ولو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي لم اُكفَّن إلاّ في ثوب لي أو لها ؛ وإنّي أنشدكم اللّه ألاّ يكفّنني رجل منكم كان أميرا أو عَريفا أو بريدا (54) أو نقيبا (55) ! قالت : وليس في اُولئك النَّفر أحد إلاّ وقد قارف بعض ما قال ، إلاّ فتىً من الأنصار قال له : أنا اُكفّنك يا عمّ في ردائي هذا ، وفي ثوبين معي في عَيْبتي من غزل اُمّي . فقال أبو ذَرّ : أنت تكفِّنني ، فمات فكفّنه الأنْصاريّ وغسّله النَّفر الَّذين حضروه وقاموا عليه ودفنوه ؛ في نفر كلّهم يمان . روى أبو عمر بن عبد البرِّ قبل أن يروي هذا الحديث في أوّل باب جُندب : كان النفر الَّذين حضروا موتَ أبي ذَرّ بالرَّبَذَة مصادفة جماعة ؛ منهم حُجْر بن الأدْبَر ، ومالك بن الحارث الأشْتَر . قلت : حُجْر بن الأدبَر هو حُجر بن عَدِيّ الَّذي قتله معاوية ، وهو من أعلام الشيعة وعظمائها، وأمّا الأشْتَر فهو أشهر في الشِّيعة من أبي الهُذَيل في المعتزلة (56) .

.


1- . تاريخ مدينة دمشق : ج56 ص379 .
2- . تهذيب الكمال : ج 27 ص127 الرقم5731 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص593 ، المعارف لابن قتيبة : ص586 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص34 الرقم6 ، تاريخ مدينة دمشق : ج56 ص380 .
3- . الشَّتَر : انقلاب جَفْن العين إلى أسفل . والرجُل أشْتَر ( انظر النهاية : ج2 ص443 ) .
4- . وقعة صفّين : ص255 ؛ تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص594 .
5- . تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص594 .
6- . حِمْص : بلد مشهور قديم ، بين دمشق وحلب نصف الطريق ( معجم البلدان : ج2 ص302 ) .
7- . أنساب الأشراف: ج6 ص155 و156، تاريخ الطبري: ج4 ص318 _ 326، مروج الذهب: ج2ص346 و347.
8- . أنساب الأشراف : ج6 ص157 ، تاريخ الطبري : ج4 ص332 ، مروج الذهب : ج2 ص347 .
9- . الجمل : ص137 ؛ تهذيب الكمال : ج 27 ص127 الرقم5731 ، تاريخ الطبري : ج4 ص326 ، مروج الذهب : ج2 ص352 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص594 ، تاريخ مدينة دمشق :ج56 ص381 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص34 الرقم6 .
10- . الشَّافي : ج4 ص262 ؛ الطبقات الكبرى : ج3 ص71 ، أنساب الأشراف : ج6 ص219 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص448 .
11- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص433 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص66 .
12- . الأمالي للمفيد : ص296 ح6 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص179 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص499 .
13- . الأمالي للمفيد : ص295 ح6 .
14- . الجمل : ص253 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص487 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص329 ، البداية والنهاية : ج7 ص237 .
15- . راجع : الأخبار الطوال : ص147 ، البداية والنهاية : ج7 ص244 و245 .
16- . الجمل : ص350 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص525 ، تهذيب الكمال : ج 27 ص128 الرقم5731 ، تاريخ مدينة دمشق : ج56 ص382 ، الأخبار الطوال : ص150 .
17- . وقعة صفّين : ص12 ؛ تاريخ خليفة بن خيّاط : ص151 ، الأخبار الطوال : ص154 .
18- . وقعة صفّين : ص12 .
19- . وقعة صفين : ص174 _ 179 ؛ المناقب للخوارزمي : ص215 _ 220 .
20- . وقعة صفّين : ص196 و ص 430 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص575 ، الفتوح : ج3 ص45 .
21- . تاريخ الطبري : ج4 ص569 و570 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص364 .
22- . تاريخ الطبري : ج5 ص11 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص371 ، البداية والنهاية : ج7 ص261 .
23- . وقعة صفّين : ص475 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص47 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص385 .
24- . تاريخ الطبري : ج4 ص574 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص366 ، البداية والنهاية : ج7 ص260 .
25- . تاريخ الطبري : ج5 ص12 و13 ، مروج الذهب : ج2 ص387 _ 389 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص371 و 372 ؛ وقعة صفّين : ص214 .
26- . وقعة صفّين : ص475 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص47 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص385 .
27- . وقعة صفّين : ص489 و490 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص48 _ 50 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص386 ، الفتوح : ج3 ص185 _ 188 .
28- . وقعة صفّين : ص491 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص50 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص387 .
29- . وقعة صفّين : ص499 _ 504 ؛ مروج الذهب : ج2 ص402 ، تاريخ الطبري : ج5 ص51 و52 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص387 ، الفتوح : ج4 ص197 و198 .
30- . تاريخ الطبري : ج5 ص95 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص410 ؛ الغارات : ج1 ص257 .
31- . تاريخ الطبري : ج5 ص95 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص410 ؛ الغارات : ج1 ص257 .
32- . راجع: نهج البلاغة : الكتاب 38 ، الأمالي للمفيد : ص81 ح4 ، الغارات : ج1 ص260 و ص 266 ، الاختصاص : ص80 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص96 ، تاريخ مدينة دمشق : ج56 ص390 .
33- . راجع: نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص126 .
34- . أنساب الأشراف : ج3 ص168 ، تاريخ الطبري : ج5 ص95 _ 96 ، مروج الذهب : ج2 ص420 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص410 ؛ الأمالي للمفيد : ص82 ح4 ، الغارات : ج1 ص263 ، الاختصاص : ص81 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص194 .
35- . الأمالي للمفيد : ص83 ح4 ، الغارات : ج1 ص264 .
36- . نهج البلاغة : الحكمة 443 ، الأمالي للمفيد : ص83 ح4 ، رجال الكشّي : ج 1 ص283 الرقم 118 ، الغارات : ج1 ص265 ؛ الكامل في التاريخ : ج2 ص410 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص594 ، ربيع الأبرار : ج1 ص216 .
37- . الاختصاص : ص81 ، الأمالي للمفيد : ص83 ح4 ، الغارات : ج1 ص265 كلاهما نحوه .
38- . الغارات : ج1 ص264 ، الاختصاص : ص81 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص96 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص410 .
39- . الأمالي للطوسي : ص174 ح293 ، الغارات :ج2 ص481 .
40- . السُّوْقة من الناس : الرَّعِيَّة ( النهاية : ج2 ص424 ) .
41- . الازْدِراء : الاحتِقار والانتِقاص والعيب ( النهاية : ج2 ص302 ) .
42- . تنبيه الخواطر : ج1 ص2 .
43- . الإداوَة : إناءٌ صغير من جلْد يُتَّخذ للماء كالسَّطيحة ونحوها ( النهاية : ج1 ص33 ) .
44- . المناقب للخوارزمي : ج215 ص240 .
45- . عُظْمُ الأمرِ وعَظْمُه : مُعْظَمُه ( لسان العرب : ج12 ص410 ) .
46- . ثنيّة العُقاب : وهي ثنيّة مشرفة على غُوطة دمشق ، يطؤها القاصد من دمشق إلى حِمص ( معجم البلدان : ج2 ص85 ) .
47- . الأنعام : 162 و163 .
48- . تاريخ مدينة دمشق : ج56 ص379 .
49- . وقعة صفّين : ص155 .
50- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص101 .
51- . من الزَّعارَّة _ بتشديد الراء ، وتخفّف _ : الشَّراسَة ( تاج العروس : ج6 ص463 ) .
52- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص34 الرقم 6 ، وراجع تاريخ الطبري : ج5 ص48 .
53- . الرَّخَم : نوعٌ من الطَّير معروفٌ ، واحدتُه رَخمة ( النهاية : ج2 ص212 ) .
54- . عَرِيف وهو القَيّم باُمور القبيلة أو الجَماعة من الناسِ يَلِي اُمورَهُم ويتعرّف الأمير منه أحوالهم ( النهاية : ج3 ص 218 ) .
55- . النَقِيب : هو كالعَريف على القوم المُقَدَّم عليهم ، الَّذي يَتعرَّف أخبارهم ، وينقِّب عن أحوالهم : أي يُفَتِّش ( النهاية : ج5 ص101 ) .
56- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص99 و100 .

ص: 461

. .

ص: 462

. .

ص: 463

. .

ص: 464

. .

ص: 465

. .

ص: 466

. .

ص: 467

. .

ص: 468

. .

ص: 469

. .

ص: 470

. .

ص: 471

عمرو بن الحمق الخزاعيّ

عَمرُو بنُ الحَمِقِ الخُزاعِيّعمرو بن الحَمِق بن الكاهن الخُزاعِيّ . صحابيّ جليل من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله (1) ، وأمير المؤمنين عليه السلام (2) ، والإمام الحسن عليه السلام (3) . أسلم بعد الحديبية (4) ، وتعلّم الأحاديث من النَّبيّ صلى الله عليه و آله . وكان من الصَّفوة الَّذين حرسوا حقّ الخلافة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ فوقف إلى جانب أمير المؤمنين عليه السلام بإخلاص (5) . واشترك في ثورة المسلمين على عثمان ، ورفع صوت الحقّ إزاء التَّغيّرات الشَّاذّة الَّتي حصلت في هذا العصر (6) . شهد حروب أمير المؤمنين عليه السلام ، وساهم فيها بكلّ صلابة وثبات (7) . وكان ولاؤه للإمام عليه السلام عظيما حتَّى قال له : ليتَ أنّ في جُندي مئةً مِثلَكَ (8) . أجل ، كان عَمْرو مهتديا ، عميق النَّظر . وكان من بصيرته بحيث يرى نفسه فانيا في عليّ عليه السلام ، وكان يقول له بإيمانٍ ووعي : ليس لنا معك رأي . وكان عَمْرو صاحبا لحجر بن عَدِيّ ورفيق دربه . وصيحاته المتعالية ضدّ ظلم الاُمويّين (9) هي الَّتي دفعت معاوية إلى الهمّ بقتله . وقتله سنة 50 ه ، بعد أن كان قد سجن زوجته الكريمة بغية استسلامه (10) . واُرسل برأسه إلى معاوية (11) . وهو أوّل رأس في الإسلام يُحمَل من بلد إلى بلد (12) . عبّر عنه الإمام أبو عبد اللّه الحسين عليه السلام بالعبد الصَّالح الَّذي أبْلَتْه العبادة ، وذلك في رسالته البليغة القارعة الَّتي بعثها إلى معاوية ، ووبّخه فيها لارتكابه جريمة قتله (13) . خخ قال الإمام الكاظم عليه السلام : « إذا كان يوم القيامة . . . ينادي منادٍ : أين حواري عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وصيّ محمّد بن عبد اللّه رسول اللّه ؟ فيقوم عَمْرو بن الحَمِق الخُزاعِيّ ، ومحمّد بن أبي بكر ، وميثم بن يَحْيَى التَّمَّار مولى بني أسَد ، واُويس القرني » (14) . وفي وقعة صفِّين _ في أحداث ما بعد رفع المصاحف _ : قام عَمْرو بن الحَمِق فقال : يا أمير المؤمنين ! إنّا واللّه ، ما أجبناك ولا نصرناك عصبيّة على الباطل ، ولا أجبنا إلاّ اللّه عز و جل ، ولا طلبنا إلاّ الحقّ ، ولو دعانا غيرك إلى ما دعوت إليه لاستشرى (15) فيه اللِّجاج ، وطالت فيه النَّجوى ، وقد بلغ الحقّ مقطَعه ، وليس لنا معك رأي (16) وعن عبد اللّه بن شريك : قال عَمْرو بن الحَمِق : إنّي واللّه ، يا أمير المؤمنين ، ما أجبتك ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك ، ولا إرادة مال تؤتينيه ، ولا التماس سلطان يُرفع ذكري به ، ولكن أحببتك لخصال خمس : إنّك ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأوّل من آمن به ، وزوج سيّدة نساء الاُمّة فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه و آله ، وأبو الذرّيّة الَّتي بقيت فينا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأعظم رجل من المهاجرين سهما في الجهاد . فلو أنّي كُلِّفت نقل الجبال الرَّواسيّ ، ونزح البحور الطَّواميّ (17) حتَّى يأتي عليَّ يومي في أمر اُقوِّي به وليّك ، واُوهن به عدوّك ، ما رأيت أنّي قد أدّيت فيه كلّ الَّذي يحقّ عليَّ من حقّك . فقال أمير المؤمنين عليّ : اللَّهُمَّ نوِّر قَلْبَهُ بالتُّقى ، واهدِهِ إلى صِراطٍ مُستقيمٍ ، ليتَ أنَّ فِي جُندي مئةً مِثلَكَ ! فقال حُجْر : إذا واللّه ، يا أمير المؤمنين ، صحّ جندُك ، وقلّ فيهم من يغشّك (18) . وفي تاريخ الطبري : _ في ذكر طلب زياد ومتابعته أصحابَ حُجْر _ : فخرج عَمْرو بن الحَمِق ورُفاعَة بن شَدَّاد حتَّى نزلا المَدائِن ، ثمّ ارتحلا حتَّى أتيا أرض المَوصِل (19) ، فأتيا جبلاً فكَمِنا فيه ، وبلغ عامل ذلك الرّستاق أنّ رجلين قد كمنا في جانب الجبل ، فاستنكر شأنهما _ وهو رجل من همدان يقال له : عبد اللّه بن أبي بلتعة _ فسار إليهما في الخيل نحو الجبل ومعه أهل البلد ، فلمّا انتهى إليهما خرجا . فأمّا عَمْرو بن الحَمِق فكان مريضا ، وكان بطنه قد سَقَى (20) ، فلم يكن عنده امتناع ، وأمّا رُفاعَة بن شَدَّاد _ وكان شابّا قويّا _ فوثب على فرس له جواد ، فقال له : اُقاتل عنك ؟ قال : وما ينفعني أن تقاتل ! انجُ بنفسك إن استطعت ، فحمل عليهم ، فأفرجوا له ، فخرج تنفِر به فرسه ، وخرجت الخيل في طلبه _ وكان راميا _ فأخذ لا يلحقه فارس إلاّ رماه فجرحه أو عقره ، فانصرفوا عنه ، واُخذ عَمْرو بن الحَمِق ، فسألوه : من أنت ؟ فقال : من إن تركتموه كان أسلم لكم ، وإن قتلتموه كان أضرّ لكم ، فسألوه ، فأبى أن يُخبرهم ، فبعث به ابن أبي بلتعة إلى عامل الموصل _ وهو عبد الرَّحمن بن عبد اللّه بن عثمان الثَّقَفيّ _ فلمّا رأى عَمْرو بن الحَمِق عرفه ، وكتب إلى معاوية بخبره . فكتب إليه معاوية : إنّه زعم أنّه طعن عثمان بن عفّان تسع طعنات بمشاقص (21) كانت معه ، وإنّا لا نريد أن نعتدي عليه ، فاطعنْه تسع طعنات كما طعن عثمان ، فاُخرج فطُعن تسع طعنات ، فمات في الاُولى منهنّ أو الثَّانية (22) وفي تاريخ اليعقوبي : بلغ عبدَ الرَّحمن بن اُمّ الحكم _ وكان عامل معاوية على الموصل _ مكانُ عَمْرو بن الحَمِق الخُزاعِيّ ، ورُفاعَة بن شَدَّاد ، فوجّه في طلبهما ، فخرجا هاربين ، وعَمْرو بن الحَمِق شديد العلّة ، فلمّا كان في بعض الطَّريق لدغت عمرا حيّة ، فقال : اللّه أكبر ! قال لي رسول اللّه : « يا عمرو ! ليشترك في قتلك الجنّ والإنس » ثمّ قال لرُفاعَة : امض لشأنك ؛ فإنّي مأخوذ ومقتول . ولحقته رسل عبد الرَّحمن بن اُمّ الحكم ، فأخذوه وضُربت عنقه ، ونُصب رأسه على رمح ، وطِيفَ به ، فكان أوّل رأس طيف به في الإسلام . وقد كان معاوية حبس امرأته بدمشق ، فلمّا أتى رأسه بعث به ، فوُضع في حِجرها ، فقالت للرسول : أبلغ معاوية ما أقول : طالبه اللّه بدمه ، وعجّل له الويل من نقمه ! فلقد أتى أمرا فريّا ، وقتل بَرّا نقيّا ! وكان أوّل من حبس النِّساء بجرائر الرِّجال (23) . وفي الاختصاص : كان عَمْرو بن الحَمِق الخُزاعِيّ شيعة لعليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فلمّا صار الأمر إلى معاوية انحاز إلى شهرزور من الموصل ، وكتب إليه معاوية : أمّا بَعدُ ؛ فإنّ اللّه َ أطفأَ النَّائِرَةَ (24) ، وأخْمَدَ الفِتنَةَ ، وجَعَل العاقِبَةَ للمُتّقينَ ، ولست بأبعدِ أصحابِكَ هِمَّةً ، ولا أشدّهم في سُوءِ الأثرِ صُنْعا ، كلّهم قد أسهل بطاعتي ، وسارَعَ إلى الدُّخُولِ فِي أمْرِي ، وقَدْ بَطُؤ بِكَ ما بَطُؤَ ، فَادخُلْ فِيما دخَلَ فِيه النَّاسُ ، يُمْحَ عَنْكَ سالِفُ ذُنُوبِكَ ، ومُحِيَ داثِرُ حَسَناتِكَ ، ولَعَلِّي لا أكونُ لَكَ دُونَ مَن كانَ قَبلِي إنْ أبقَيْتَ واتّقيْتَ ووَقَيْتَ وأحْسَنْتَ ، فأقدِمْ عَلَيَّ آمِنا فِي ذِمَّةِ اللّه ِ وذِمَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله ، مَحفُوظا مِن حَسَدِ القُلوبِ وإحَنِ الصُّدُورِ ، وكَفَى باللّه ِ شَهِيدَا . فلم يقدم عليه عَمْرو بن الحَمِق ، فبعث إليه من قتله وجاء برأسه ، وبعث به إلى امرأته فوُضع في حِجرها ، فقالت : سترتموه عنّي طويلاً ، وأهديتموه إليَّ قتيلاً ! فأهلاً وسهلاً من هديّة غير قالية ولا مقليّة ، بلّغ أيُّها الرَّسول عنّي معاوية ما أقول : طلب اللّه بدمه ، وعجّل الوبيل من نقمه ! فقد أتى أمرا فريّا ، وقتل بارّا تقيّا ! فأبلغْ أيُّها الرَّسول معاوية ما قلتُ . فبلّغ الرَّسول ما قالت ، فبعث إليها ، فقال لها : أنت القائلة ما قلتِ ؟ قالت : نعم ، غير ناكلة عنه ولا معتذرة منه ، قال لها : اُخرجي من بلادي ، قالت : أفعل ، فو اللّه ، ما هو لي بوطن ولا أحنُّ فيها إلى سجن ، ولقد طال بها سهري ، واشتدّ بها عبري ، وكثر فيها دَيني من غير ما قرّت به عيني . فقال عبد اللّه بن أبي سرح الكاتب : يا أمير المؤمنين ! إنّها منافقة فألحقها بزوجها ، فنظرت إليه فقالت : يا من بين لحييه كجثمان الضِّفدع ، أ لا قُلْتَ مَنْ أنعَمَكَ خِلَعا وأصفاكَ كِساءً ! إنّما المارِقُ المُنافِقُ مَنْ قَال بِغَيرِ الصَّوابِ ، واتّخَذَ العِبادَ كالأَرْبابِ ، فاُنزِلَ كُفرُهُ في الكتابِ ! فأومى معاوية إلى الحاجب بإخراجها ، فقالت : وا عجباه من ابن هند ، يشير إليَّ ببنانه ، ويمنعني نوافذ لسانه ، أما واللّه ، لأبقرنّه بكلام عتيد كنواقد الحديد ، أو ما أنا بآمنة بنت الشَّريد (25) . وقال الإمام الحسين عليه السلام _ من كتابه إلى معاوية _ : « أوَلسْتَ قاتِلَ عَمْرو بنِ الحَمِقِ صاحبِ رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله ، العبدِ الصَّالحِ الَّذي أبْلَتهُ العِبادَةَ فَنحَلَ جِسمُهُ وصَفِرَتْ لَونُهُ ، بَعدَ ما آمَنْتَهُ وأعْطَيْتَهُ مِن عُهُودِ اللّه ِ ومواثِيقِهِ ، مالَو أعطَيْتَهُ طائِرا لنزَلَ إليْكَ مِن رَأسِ الجَبَلِ ، ثُمَّ قَتَلْتَهُ جُرأَةً علَى رَبِّكَ ، واستِخْفافا بِذلِكَ العَهْدِ ؟ » (26)

.


1- . الطبقات الكبرى : ج6 ص25 ، تهذيب الكمال : ج 21 ص597 الرقم4353 ، المعارف لابن قتيبة : ص291 ، الاستيعاب : ج 3 ص258 الرقم1931 ، اُسد الغابة : ج 4 ص205 الرقم3912 ؛ الجمل : ص104 .
2- . رجال الطوسي : ص70 الرقم644 .
3- . رجال الطوسي : ص95 الرقم940 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج4 ص40 .
4- . الاستيعاب : ج 3 ص258 الرقم1931 ، اُسد الغابة : ج 4 ص205 الرقم3912 ، تهذيب الكمال : ج21 ص597 الرقم4353، المعارف لابن قتيبة: ص291 وفيهما «بايع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع، وصحبه بعد ذلك» .
5- . الاختصاص : ص7 ، رجال الكشّي : ج 1 ص186 الرقم 78 .
6- . الطبقات الكبرى : ج6 ص25 ، أنساب الأشراف : ج6 ص219 ، تاريخ الطبري : ج4 ص393 ، تهذيب الكمال : ج 21 ص597 الرقم4353 ، المعارف لابن قتيبة : ص291 ، الاستيعاب : ج 3 ص258 الرقم1931 ، اُسد الغابة : ج4 ص206 الرقم3912 وفيهما « هو أحد الأربعة الَّذين دخلوا عليه الدار » ، مروج الذهب : ج2 ص352 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص176 .
7- . الطبقات الكبرى : ج6 ص25 ، تهذيب الكمال : ج 21 ص597 الرقم4353 ، المعارف لابن قتيبة : ص291 ، الاستيعاب : ج 3 ص258 الرقم1931 ، اُسد الغابة : ج 4 ص206 الرقم3912 .
8- . وقعة صفّين : ص104 ، الاختصاص : ص15 وفيه « شيعتي » بدل « جندي » .
9- . المعارف لابن قتيبة : ص291 ، الاستيعاب : ج 3 ص258 الرقم1931 ، اُسد الغابة : ج4 ص206 الرقم3912 وفيها « أعان حجر بن عديّ » .
10- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص232 ؛ اُسد الغابة : ج 4 ص206 الرقم3912 .
11- . تهذيب الكمال : ج 21 ص597 الرقم4353 ، المعارف لابن قتيبة : ص292 ، الاستيعاب :ج3 ص258 الرقم1931 ، اُسد الغابة : ج 4 ص206 الرقم3912 .
12- . الطبقات الكبرى : ج6 ص25 ، أنساب الأشراف : ج5 ص282 ، تاريخ الإسلام للذهبي :ج4 ص88 .
13- . راجع : رجال الكشّي : ج 1 ص253 الرقم 99 ، الاحتجاج : ج2 ص90 ح164 ؛ أنساب الأشراف : ج5 ص129 نحوه .
14- . رجال الكشّي : ج1 ص41 الرقم 20 عن أسباط بن سالم .
15- . وفي نسخة : « لكان فيه اللجاج » . واستشرى : لجّ وتمادى وجدّ ( لسان العرب : ج14 ص429 ) .
16- . وقعة صفّين : ص482 وراجع : الإمامة والسياسة : ج1 ص144 .
17- . طما البحر : ارتفع بموجه ( النهاية : ج3 ص139 ) .
18- . وقعة صفّين : ص103 ، الاختصاص : ص14 نحوه وفيه « شيعتي » بدل « جندي » .
19- . المَوصِل : المدينة المشهورة ، قالوا سُمّيت الموصل لأنّها وصلت بين الجزيرة والعراق ، وقيل : وصلت بين دجلة والفرات ، وقيل : لأنّها وصلت بين بلد سنجار والحديثة . وهي مدينة قديمة الاُسّ على طرف دجلة ، ومقابلها من الجانب الشَّرقي نينوى ( معجم البلدان : ج5 ص223 ) .
20- . يُقال : سقى بطنُه : أي حصل فيه الماء الأصفر ( النهاية : ج2 ص382 ) .
21- . المشاقص : جمع مِشْقَص ؛ وهو فصل السهم إذا كان طويلاً غير عريض (النهاية : ج 2 ص 490) .
22- . تاريخ الطبري : ج5 ص265 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص492 نحوه .
23- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص231 .
24- . النائرة : الحقد والعداوة ، وقيل : الكائنة تقع بين القوم ( لسان العرب : ج5 ص247 ) .
25- . الاختصاص : ص16 وراجع بلاغات النساء : ص87 .
26- . رجال الكشّي : ج 1 ص253 الرقم 99 ، الاحتجاج : ج2 ص90 ح164 نحوه ؛ أنساب الأشراف : ج5 ص129 وفيه إلى « وصفّرت لونه » ، الإمامة والسياسة : ج1 ص202 كلاهما نحوه .

ص: 472

. .

ص: 473

. .

ص: 474

. .

ص: 475

. .

ص: 476

. .

ص: 477

. .

ص: 478

132 _ كتابه عليه السلام إلى أهل مصر

133 _ كتابه عليه السلام إلى الأشتر النّخعيّ

132كتابه عليه السلام إلى أهل مصرمن كتاب له عليه السلام إلى أهل مصر لمَّا وَلَّى عليْهم الأشْتر :« مِنْ عَبدِ اللّه عَلِيٍّ أَميرِ الْمُومِنِينَ إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ غَضِبُوا لِلَّهِ حِينَ عُصِيَ فِي أَرْضِهِ ، وذُهِبَ بِحَقِّهِ ، فَضَرَبَ الْجَوْرُ سُرَادِقَهُ عَلَى الْبَرِّ والْفَاجِرِ ، والْمُقِيمِ والظَّاعِنِ ، فَلا مَعْرُوفٌ يُسْتَرَاحُ إِلَيْهِ ، ولا مُنْكَرٌ يُتَنَاهَى عَنْهُ . أمَّا بَعدُ ، فَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَبْدا مِن عِبَادِ اللّه ، لا يَنَامُ أَيَّامَ الْخَوْفِ ، ولا يَنْكُلُ عَنِ الأَعْدَاءِ سَاعَاتِ الرَّوْعِ ، أَشَدَّ عَلَى الْفُجَّارِ مِن حَرِيقِ النَّار ، وهُوَ مَالِك بن الْحَارِثِ أَخُو مَذْحِجٍ ، فَاسْمَعُوا لَهُ ، وأَطِيعُوا أَمْرَهُ فِيما طَابَقَ الْحَقَّ ، فإنَّه سَيْفٌ مِن سُيُوفِ اللّه ، لا كَلِيلُ الظُّبَةِ (1) ، ولا نَابي (2) الضَّرِيبَةِ ، فإنَّ أَمَرَكُمْ أَنْ تَنْفِرُوا فَانْفِرُوا ، وإِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تُقِيمُوا ، فَأَقِيمُوا ، فإنَّه لا يُقْدِمُ ولا يُحْجِمُ ، ولا يُوخِّرُ ولا يُقَدِّمُ ، إِلاَّ عَنْ أَمْرِي ، وقَدْ آثَرْتُكُمْ بِهِ عَلَى نَفْسِي لِنَصِيحَتِهِ لَكُمْ ، وشِدَّةِ شَكِيمَتِهِ عَلَى عَدُوِّكُمْ » . (3)

133كتابه عليه السلام إلى الأشْتَر النَّخَعِيّمن كتاب له عليه السلام كتَبَه للأشْتَر النَّخَعيّ لمَّا ولاَّه على مصر وأعمالها ، حين اضطرب أمر أميرها محمَّد بن أبي بكر ؛ وهو أطوَلُ عهْد كتَبَه وأجمعه للمحاسن :« بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا ما أمَرَ به عَبدُ اللّه عَلِيٌّ أمير الْمُومِنِينَ مَالِك بن الْحَارِثِ الأشْتَرَ في عَهْدِهِ إليْه حِينَ وَلاَّهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا ، وجِهَادَ عَدُوِّهَا واسْتِصْلا حَ أَهْلِهَا ، وعِمَارَةَ بِلادِهَا ، أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللّه ، وإِيْثَارِ طَاعَتِهِ ، واتِّبَاعِ ما أَمَرَ به فِي كِتَابِهِ ، مِن فَرَائِضِهِ وسُنَنِهِ ، الَّتي لا يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا ، ولا يَشْقَى إلاَّ مع جُحُودِهَا وإِضَاعَتِهَا ، وأَنْ يَنْصُرَ اللّه سُبْحَانَهُ بِقَلْبِهِ ويَدِهِ ولِسَانِهِ ، فَإِنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مِن نَصَرَهُ ، وإِعْزَازِ مِن أَعَزَّهُ ، وأَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ مِن الشَّهَوَاتِ ، ويَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ ، فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلاَّ ما رَحِمَ اللّه . ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالِك ، أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُك إلى بِلادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَك مِن عَدْلٍ وجَوْرٍ ، وأَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِن أُمُورِك في مِثْلِ ما كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِن أُمُورِ الْوُلاةِ قَبْلَك ، ويَقُولُونَ فِيك ما كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ ، وإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ علَى الصَّالِحِينَ بِما يُجْرِي اللّه لَهُمْ علَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ ، فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إلَيْك ، ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ ، فَامْلِك هَوَاك ، وشُحَّ بِنَفْسِك عَمَّا لا يَحِلُّ لَك ، فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الانْصَافُ مِنْهَا فِيما أَحَبَّتْ أو كَرِهَتْ . وأَشْعِرْ قَلْبَك الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ ، واللُّطْفَ بِهِمْ ، ولا تَكُونَنَّ علَيْهم سَبُعا ضَارِيا تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ : إمَّا أَخٌ لَك فِي الدِّينِ ، أو نَظِيرٌ لَك فِي الْخَلْقِ ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ ، وتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ ، ويُوتَى علَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ والْخَطَإِ ،فَأَعْطِهِمْ مِن عَفْوِك وصَفْحِك ، مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَك اللّه مِن عَفْوِهِ وصَفْحِهِ ، فَإِنَّك فَوْقَهُمْ ووَالِي الامْرِ عَلَيْك فَوْقَك ، واللّه فَوْقَ مَن وَلاّك ، وقَدِ اسْتَكْفَاك أَمْرَهُمْ وابْتَلاك بِهِمْ . ولا تَنْصِبَنَّ نَفْسَك لِحَرْبِ اللّه ، فَإنَّهُ لا يَدَ لَك بِنِقْمَتِهِ ، ولا غِنَى بِك عَنْ عَفْوِهِ ورَحْمَتِهِ ، ولا تَنْدَمَنَّ علَى عَفْوٍ ولا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ ، ولا تُسْرِعَنَّ إلى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً ، ولا تَقُولَنَّ إنِّي مُومَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ ، فَإِنَّ ذَلِك إدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ ، ومَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ ، وتَقَرُّبٌ مِن الْغِيَرِ ، وإذَا أَحْدَثَ لَك ما أَنْتَ فِيهِ مِن سُلْطَانِك أُبَّهَةً أو مَخِيلَةً ، فَانْظُرْ إلى عِظَمِ مُلْك اللّه فَوْقَك ، وقُدْرَتِهِ مِنْك علَى ما لا تَقْدِرُ عَلَيْه من نَفْسِك ، فَإِنَّ ذَلِك يُطَامِنُ إلَيْك مِن طِمَاحِك ، ويَكُفُّ عَنْك مِن غَرْبِك ، ويَفِيءُ إِلَيْك بِما عَزَبَ عَنْك مِن عَقْلِك . إيَّاك ومُسَامَاةَ اللّه فِي عَظَمَتِهِ ، والتَّشَبُّهَ به فِي جَبَرُوتِهِ ، فَإِنَّ اللّه يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ ، ويُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ . أَنْصِفِ اللّه ، وأَنْصِفِ النَّاسَ مِن نَفْسِك ، ومِن خَاصَّةِ أَهْلِك ، ومَنْ لَك فِيهِ هَوًى من رَعِيَّتِك ، فَإِنَّك إن لا تَفْعَلْ تَظْلِمْ ، ومَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللّه كَانَ اللّه خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ ، ومَنْ خَاصَمَهُ اللّه أَدْحَضَ حُجَّتَهُ ، وكَانَ لِلَّهِ حَرْبا حَتَّى يَنْزِعَ أو يَتُوبَ ، ولَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إلى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللّه ، وتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِن إقَامَةٍ علَى ظُلْمٍ ، فَإِنَّ اللّه سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ ، وهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ . ولْيَكُنْ أَحَبَّ الأمُورِ إلَيْك أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ ، وأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ ، وأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ ، وإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مع رِضَى الْعَامَّةِ ، ولَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ علَى الْوَالِي مَؤونَةً فِي الرَّخَاءِ ، وأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ في الْبَلاءِ ، وأَكْرَهَ لِلانْصَافِ ، وأَسْأَلَ بِالالْحَافِ ، وأَقَلَّ شُكْرا عِنْدَ الاعْطَاءِ ، وأَبْطَأَ عُذْرا عِنْدَ الْمَنْعِ ، وأَضْعَفَ صَبْرا عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْر ،ِ مِن أَهْلِ الْخَاصَّةِ ، وإِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ ، وجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ ، والْعُدَّةُ لِلاعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الاُمَّةِ ، فَلْيَكُنْ صِغْوُك لَهُمْ ، ومَيْلُك مَعَهُمْ . لْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِك مِنْك ، وأَشْنَأَهُمْ عِنْدَك ، أَطْلَبُهُمْ لِمَعَايِبِ النَّاسِ ، فإِنَّ فِي النَّاسِ عُيُوبا ، الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا ، فَلا تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْك مِنْهَا فَإنَّمَا عَلَيْك تَطْهِيرُ ما ظَهَرَ لَك ، واللّه ُ يَحْكُمُ علَى ما غَابَ عَنْك ، فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ ما اسْتَطَعْتَ ، يَسْتُرِ اللّه مِنْك ما تُحِبُّ سَتْرَهُ مِن رَعِيَّتِك . أَطْلِقْ عَن النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ ، واقْطَعْ عَنْك سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ ، وتَغَابَ عَنْ كُلِّ ما لا يَضِحُ لَك ، ولا تَعْجَلَنَّ إلى تَصْدِيقِ سَاعٍ ، فَإنَّ السَّاعِيَ غَاشٌّ ، وإنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ . ولا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِك بَخِيلا يَعْدِلُ بِك عَنِ الْفَضْلِ ، ويَعِدُك الْفَقْرَ ، ولا جَبَانا يُضْعِفُك عَنِ الامُورِ ، ولا حَرِيصا يُزَيِّنُ لَك الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ ، فَإِنَّ الْبُخْلَ والْجُبْنَ والْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ . إنَّ شَرَّ وُزَرَائِك مَنْ كان لِلاشْرَارِ قَبْلَك وَزِيرا ، ومَنْ شَرِكَهُمْ فِي الآثَامِ ، فَلا يَكُونَنَّ لَك بِطَانَةً ، فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الأثَمَةِ ، وإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ ، وأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ ونَفَاذِهِمْ ، ولَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وأَوْزَارِهِمْ وآثَامِهِمْ ، مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِما عَلَى ظُلْمِهِ ، ولا آثِما عَلَى إِثْمِهِ ،أُولَئِك أَخَفُّ عَلَيْك مَؤونَةً ، وأَحْسَنُ لَك مَعُونَةً ، وأَحْنَى عَلَيْك عَطْفا ، وأَقَلُّ لِغَيْرِك إِلْفا ، فَاتَّخِذْ أُولَئِك خَاصَّةً لِخَلَوَاتِك وحَفَلاتِك . ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَك أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَك ، وأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنْك مِمَّا كَرِهَ اللّه لأوْلِيَائِهِ وَاقِعا ، ذَلِك مِن هَوَاك حَيْثُ وَقَعَ ، والْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ والصِّدْقِ ، ثُمَّ رُضْهُمْ علَى أن لا يُطْرُوك ، ولا يَبْجَحُوك بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الاطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ ، وتُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ . ولا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ والْمُسِيءُ عِنْدَك بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ ، فَإِنَّ فِي ذَلِك تَزْهِيدا لأهْلِ الإحْسَانِ فِي الإحْسَانِ ، وتَدْرِيبا لأهْلِ الإسَاءَةِ علَى الإسَاءَةِ ، وأَلْزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ ما أَلْزَمَ نَفْسَهُ ، واعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِأَدْعَى إلى حُسْنِ ظَنِّ رَاعٍ بِرَعِيَّتِهِ مِن إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ ، وتَخْفِيفِهِ الْمؤونَاتِ عَلَيْهِمْ ، وتَرْك اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى ما لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُمْ ، فَلْيَكُنْ مِنْك فِي ذَلِك أَمْرٌ يَجْتَمِعُ لَك به حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِك ، فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْك نَصَبا طَوِيلا ، وإِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّك به لَمَنْ حَسُنَ بَلاوك عِنْدَهُ ، وإِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّك به لَمَنْ سَاءَ بَلاوك عِنْدَهُ . ولا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الامَّةِ ، واجْتَمَعَتْ بِهَا الالْفَةُ ، وصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ ، ولا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْءٍ مِن مَاضِي تِلْك السُّنَنِ ، فَيَكُونَ الأجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا ، والْوِزْرُ عَلَيْك بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا . وأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ ، ومُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ فِي تَثْبِيتِ ما صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلادِك ، وإِقَامَةِ ما اسْتَقَامَ به النَّاسُ قَبْلَك . واعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْضٍ ، ولا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ ، فَمِنْهَا جُنُودُ اللّه ، ومِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ والْخَاصَّةِ ، ومِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ ، ومِنْهَا عُمَّالُ الإنْصَافِ والرِّفْقِ ، ومِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ والْخَرَاجِ مِن أَهْلِ الذِّمَّةِ ومُسْلِمَةِ النَّاسِ ، ومِنْهَا التُّجَّارُ وأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ ، ومِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِن ذَوِي الْحَاجَةِ والْمَسْكَنَةِ وكُلٌّ قَدْ سَمَّى اللّه له سَهْمَهُ ، ووَضَعَ علَى حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ ، أو سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله عَهْدا مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظا . فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اللّه حُصُونُ الرَّعِيَّةِ ، وزَيْنُ الْوُلاةِ ، وعِزُّ الدِّينِ ، وسُبُلُ الأمْنِ ، ولَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِهِمْ ،ثُمَّ لا قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلاَّ بِمَا يُخْرِجُ اللّه لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ الَّذِي يَقْوَوْنَ به عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ ، ويَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ ، ويَكُونُ مِن وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ ، ثُمَّ لا قِوَامَ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ إِلاَّ بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ مِنَ الْقُضَاةِ ، والْعُمَّالِ ، والْكُتَّابِ ، لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ ، ويَجْمَعُونَ مِن الْمَنَافِعِ ، ويُوتَمَنُونَ عَلَيْهِ من خَوَاصِّ الأمُورِ وعَوَامِّهَا ، ولا قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعا إِلاَّ بِالتُّجَّارِ وذَوِي الصِّنَاعَاتِ فِيمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَيْه مِن مَرَافِقِهِمْ ، ويُقِيمُونَهُ مِن أَسْوَاقِهِمْ ، ويَكْفُونَهُمْ مِن التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ ما لا يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ ، ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى من أَهْلِ الْحَاجَةِ والْمَسْكَنَةِ الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ ومَعُونَتُهُمْ ، وفِي اللّه لِكُلٍّ سَعَةٌ ، ولِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ ما يُصْلِحُهُ ، ولَيْسَ يَخْرُجُ الْوَالِي مِن حَقِيقَةِ ما أَلْزَمَهُ اللّه مِن ذَلِك إِلاَّ بِالاهْتِمَامِ والاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ ، وتَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ ، والصَّبْرِ عَلَيْهِ فِيمَا خَفَّ عَلَيْهِ أو ثَقُلَ . فَوَلِّ مِن جُنُودِك أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِك لِلّهِ ولِرَسُولِهِ ولإمَامِك ، وأَنْقَاهُمْ جَيْبا ، وأَفْضَلَهُمْ حِلْما ، مِمَّنْ يُبْطِئُ عن الْغَضَبِ ، ويَسْتَرِيحُ إلى الْعُذْرِ ، ويَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ ، ويَنْبُو عَلَى الأقْوِيَاءِ ، ومِمَّنْ لا يُثِيرُهُ الْعُنْفُ ، ولا يَقْعُدُ به الضَّعْفُ . ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ والأحْسَابِ ، وأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ والسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ ، ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ والشَّجَاعَةِ والسَّخَاءِ والسَّمَاحَةِ ؛ فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ ، وشُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ ، ثُمَّ تَفَقَّدْ مِن أُمُورِهِمْ ما يَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِن وَلَدِهِمَا ، ولا يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِك شَيْءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ ، ولا تَحْقِرَنَّ لُطْفا تَعَاهَدْتَهُمْ به وإِنْ قَلَّ ، فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إلى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَك ، وحُسْنِ الظَّنِّ بِك ، ولا تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالاً عَلَى جَسِيمِهَا ، فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِن لُطْفِك مَوْضِعا يَنْتَفِعُونَ بِهِ ، ولِلْجَسِيمِ مَوْقِعا لا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ . ولْيَكُنْ آثَرُ رُؤوسِ جُنْدِك عِنْدَك مَنْ واسَاهُمْ فِي مَعُونَتِهِ ، وأَفْضَلَ علَيْهم مِن جِدَتِهِ بِمَا يَسَعُهُمْ ، ويَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِن خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ ، حَتَّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّا وَاحِدا فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ ، فَإنَّ عَطْفَك علَيْهم يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْك ، وإنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلاةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلادِ ، وظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ وإِنَّهُ لا تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إلاَّ بِسَلامَةِ صُدُورِهِمْ ، ولا تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلاَّ بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلاةِ الأمُورِ وقِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ ، وتَرْك اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ ، فَافْسَحْ فِي آمَالِهِمْ ، ووَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ علَيْهم ، وتَعْدِيدِ ما أَبْلَى ذَوُو الْبَلاءِ مِنْهُمْ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ ، وتُحَرِّضُ النَّاكِلَ إِنْ شَاءَ اللّه . ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ ما أَبْلَى ، ولا تَضُمَّنَّ بَلاءَ امْرِئٍ إلى غَيْرِهِ ، ولا تُقَصِّرَنَّ به دُونَ غَايَةِ بَلائِهِ ، ولا يَدْعُوَنَّك شَرَفُ امْرِئٍ إلى أَنْ تُعْظِمَ مِن بَلائِهِ ما كَانَ صَغِيرا ، ولا ضَعَةُ امْرِئٍ إلى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِن بَلائِهِ مَا كَانَ عَظِيما ، وارْدُدْ إلى اللّه ورَسُولِهِ ما يُضْلِعُك مِنَ الْخُطُوبِ ، ويَشْتَبِهُ عَلَيْك مِنَ الأمُورِ ، فَقَدْ قَالَ اللّه تعالى لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ : « يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَ_زَعْتُمْ فِى شَىْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ» (4) ، فَالرَّدُّ إِلَى اللّه الأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ ، والرَّدُّ إلى الرَّسُولِ الأخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ . ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِك فِي نَفْسِك مِمَّنْ لا تَضِيقُ به الأمُورُ ، ولا تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ ، ولا يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ ، ولا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إلى الْحَقِّ إذَا عَرَفَهُ ، ولا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ ، ولا يَكْتَفِي بِأَدْنَى ، فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ وأَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ ، وآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ ، وأَقَلَّهُمْ تَبَرُّما بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ ، وأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الأمُورِ ، وأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ ، مِمَّنْ لا يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ ، ولا يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ ، وأُولَئِك قَلِيلٌ ، ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ ، وافْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ ما يُزِيلُ عِلَّتَهُ وتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إلى النَّاسِ ، وأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْك ما لا يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِن خَاصَّتِك ، لِيَأْمَنَ بِذَلِك اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَك ، فَانْظُرْ فِي ذَلِك نَظَرا بَلِيغا ، فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيرا فِي أَيْدِي الأشْرَارِ ، يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى ، وتُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا . ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِك ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَارا ، ولا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً ، وأَثَرَةً فَإِنَّهُما جِمَاعٌ مِن شُعَبِ الْجَوْرِ والْخِيَانَةِ ، وتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ والْحَيَاءِ مِن أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ . والْقَدَمِ فِي الإسْلامِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاقا ، وأَصَحُّ أَعْرَاضا ، وأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَاقا ، وأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الأمُورِ نَظَرا ، ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الأرْزَاقَ ، فَإِنَّ ذَلِك قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلاحِ أَنْفُسِهِمْ ، وغِنًى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ ما تَحْتَ أَيْدِيهِمْ ، وحُجَّةٌ عليْهم إنْ خَالَفُوا أَمْرَك ، أو ثَلَمُوا أَمَانَتَك ، ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ ، وابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ والْوَفَاءِ علَيْهم ، فَإِنَّ تَعَاهُدَك فِي السِّرِّ لأمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الأمَانَةِ ، والرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ . وتَحَفَّظْ مِنَ الأعْوَانِ ، فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَه ، إلى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَك أَخْبَارُ عُيُونِك اكْتَفَيْتَ بِذَلِك شَاهِدا ، فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ ، وأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِن عَمَلِهِ ، ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ ، ووَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ ، وقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ . وتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ ، فَإِنَّ فِي صَلاحِهِ وصَلاحِهِمْ صَلاحا لِمَنْ سِوَاهُمْ ، ولا صَلاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ ، لأنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وأَهْلِهِ . ولْيَكُنْ نَظَرُك فِي عِمَارَةِ الأرْضِ أَبْلَغَ مِن نَظَرِك فِي اسْتِجْلابِ الْخَرَاجِ ، لأنَّ ذَلِك لا يُدْرَك إِلاَّ بِالْعِمَارَةِ ، ومَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلادَ ، وأَهْلَك الْعِبَادَ ، ولَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً ، فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلا أو عِلَّةً ، أو انْقِطَاعَ شِرْبٍ ، أو بَالَّةٍ (5) ، أو إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ ، أو أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ ، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ به أَمْرُهُمْ ، ولا يَثْقُلَنَّ عَلَيْك شَيْءٌ خَفَّفْتَ به الْمَؤونَةَ عَنْهُمْ ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ به عَلَيْك فِي عِمَارَةِ بِلادِك ، وتَزْيِينِ وِلايَتِك مع اسْتِجْلابِك حُسْنَ ثَنَائِهِمْ ، وتَبَجُّحِك بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ ، مُعْتَمِدا فَضْلَ قُوَّتِهِمْ بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ من إِجْمَامِك لَهُمْ ، والثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِن عَدْلِك علَيْهم ، ورِفْقِك بِهِمْ ، فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الأمُورِ ما إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ علَيْهم مِن بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ به ، فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ ما حَمَّلْتَهُ ، وإِنَّمَا يُوتَى خَرَابُ الأرْضِ مِن إِعْوَازِ أَهْلِهَا ، وإِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لإشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلاةِ عَلَى الْجَمْعِ ، وسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ ، وقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ . ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِك ، فَوَلِّ عَلَى أُمُورِك خَيْرَهُمْ ، واخْصُصْ رَسَائِلَك الَّتي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَايِدَك ، وأَسْرَارَك بِأَجْمَعِهِمْ ، لِوُجُوهِ صَالِحِ الأخْلاقِ مِمَّنْ لا تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْك فِي خِلافٍ لَك بِحَضْرَةِ مَلاء ، ولا تَقْصُرُ به الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمِّالِك عَلَيْك ، وإِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْك فِيمَا يَأْخُذُ لَك ، ويُعْطِي مِنْك ، ولا يُضْعِفُ عَقْدا اعْتَقَدَهُ لَك ، ولا يَعْجِزُ عَنْ إِطْلاقِ ما عُقِدَ عَلَيْك . ولا يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الأمُورِ ، فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ . ثُمَّ لا يَكُنِ اخْتِيَارُك إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِك ، واسْتِنَامَتِك ، وحُسْنِ الظَّنِّ مِنْك ، فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ ، وحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ ، ولَيْسَ وَرَاءَ ذَلِك مِنَ النَّصِيحَةِ والأمَانَةِ شَيْءٌ ، ولَكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَك ، فَاعْمِدْ لأحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَرا ، وأَعْرَفِهِمْ بِالأمَانَةِ وَجْها ، فَإِنَّ ذَلِك دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِك لِلَّهِ ، ولِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ . واجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِن أُمُورِك رَأْسا مِنْهُمْ لا يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا ولا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا ، ومَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِك مِن عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ . ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وذَوِي الصِّنَاعَاتِ ، وأَوْصِ بِهِمْ خَيْرا : الْمُقِيمِ مِنْهُمْ ، والْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ ، والْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ ، فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ ، وأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ ، وجُلابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ والْمَطَارِحِ فِي بَرِّك وبَحْرِك وسَهْلِك وجَبَلِك ، وحَيْثُ لا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا ولا يَجْتَرِؤونَ عَلَيْهَا ، فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لا تُخَافُ بَائِقَتُهُ ، وصُلْحٌ لا تُخْشَى غَائِلَتُهُ ، وتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِك ، وفِي حَوَاشِي بِلادِك ، واعْلَمْ مع ذَلِك أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقا فَاحِشا ، وشُحّا قَبِيحا ، واحْتِكَارا لِلْمَنَافِعِ ، وتَحَكُّما فِي الْبِيَاعَاتِ ، وذَلِك بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ ، وعَيْبٌ عَلَى الْوُلاةِ ، فَامْنَعْ مِنَ الاحْتِكَارِ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله مَنَعَ مِنْهُ ، ولْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعا سَمْحا ، بِمَوَازِينِ عَدْلٍ وأَسْعَارٍ ، لا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ والْمُبْتَاعِ ، فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِك إِيَّاهُ فَنَكِّلْ به ، وعَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ . ثُمَّ اللّه اللّه ، فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لا حِيلَةَ لَهُمْ ، مِنَ الْمَسَاكِينِ ، والْمُحْتَاجِينَ ، وأَهْلِ الْبُوسَى ، والزَّمْنَى ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعا ومُعْتَرّا ، واحْفَظ لِلَّهِ ما اسْتَحْفَظَك من حَقِّهِ فِيهِمْ ، واجْعَلْ لَهُمْ قِسْما مِن بَيْتِ مَالِك ، وقِسْما مِن غَلاتِ صَوَافِي الإسْلامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ ، فَإِنَّ لِلأقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلأدْنَى ، وكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ ، فلا يَشْغَلَنَّك عَنْهُمْ بَطَرٌ ، فَإِنَّك لا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِك التَّافِهَ ، لإحْكَامِك الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ ، فَلا تُشْخِصْ هَمَّك عَنْهُمْ ، ولا تُصَعِّرْ خَدَّك لَهُمْ ، وتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لا يَصِلُ إِلَيْك مِنْهُمْ ، مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ ، وتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ ، فَفَرِّغْ لأولَئِك ثِقَتَك مِن أَهْلِ الْخَشْيَةِ والتَّوَاضُعِ ، فَلْيَرْفَعْ إِلَيْك أُمُورَهُمْ ، ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالإعْذَارِ إلى اللّه يَوْمَ تَلْقَاهُ ، فَإِنَّ هَولاءِ مِن بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إلى الإنْصَافِ مِن غَيْرِهِمْ ، وكُلٌّ فَأَعْذِرْ إلى اللّه فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ . وتَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ ، مِمَّنْ لا حِيلَةَ لَهُ ، ولا يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ ، وذَلِك عَلَى الْوُلاةِ ثَقِيلٌ ، والْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ . وقَدْ يُخَفِّفُهُ اللّه عَلَى أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ ، فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ ، ووَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِاللّه لَهُمْ . واجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْك قِسْما ، تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَك ، وتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِسا عَامّا ، فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَك ، وتُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَك ، وأَعْوَانَك ، من أَحْرَاسِك وشُرَطِك حَتَّى يُكَلِّمَك مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ : لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لا يُوخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ ؛ ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ والْعِيَّ ، ونَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ والأنَفَ ، يَبْسُطِ اللّه عَلَيْك بِذَلِك أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ ، ويُوجِبْ لَك ثَوَابَ طَاعَتِهِ ، وأَعْطِ ما أَعْطَيْتَ هَنِيئا ، وامْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وإِعْذَارٍ . ثُمَّ أُمُورٌ مِن أُمُورِك لا بُدَّ لَك من مُبَاشَرَتِهَا ، مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِك بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُك ، ومِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْك بِمَا تَحْرَجُ به صُدُورُ أَعْوَانِك . وأَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ ، فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ ما فِيهِ ، واجْعَلْ لِنَفْسِك فِيمَا بَيْنَك وبَيْنَ اللّه أَفْضَلَ تِلْك الْمَوَاقِيتِ ، وأَجْزَلَ تِلْك الأقْسَامِ ، وإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ ، إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ ، وسَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ ، ولْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ ما تُخْلِصُ به لِلَّهِ دِينَك إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتي هِيَ لَهُ خَاصَّةً ، فَأَعْطِ اللّه مِنْ بَدَنِك فِي لَيْلِك ونَهَارِك ، ووَفِّ ما تَقَرَّبْتَ به إلى اللّه مِنْ ذَلِك ، كَامِلا غَيْرَ مَثْلُومٍ ولا مَنْقُوصٍ ، بَالِغا مِن بَدَنِك ما بَلَغَ . وإِذَا قُمْتَ فِي صَلاتِك لِلنَّاسِ فَلا تَكُونَنَّ مُنَفِّرا ، ولا مُضَيِّعا ، فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ به الْعِلَّةُ ولَهُ الْحَاجَةُ ، وقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله حِينَ وَجَّهَنِي إلى الْيَمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ ؟ فَقَالَ : صَلِّ بِهِمْ كَصَلاةِ أَضْعَفِهِمْ ، وكُنْ بِالْمُومِنِينَ رَحِيما . وأَمَّا بَعْدُ : فَلا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَك عَنْ رَعِيَّتِك ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ ، وقِلَّةُ عِلْمٍ بِالأمُورِ ، والاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ ما احْتَجَبُوا دُونَهُ ، فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ ، ويَعْظُمُ الصَّغِيرُ ، ويَقْبُحُ الْحَسَنُ ، ويَحْسُنُ الْقَبِيحُ ، ويُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ ، وإِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لا يَعْرِفُ ما تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ به مِنَ الامُورِ ، ولَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ ، وإِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ ، إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُك بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ ، فَفِيمَ احْتِجَابُك مِن وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ ، أو فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيهِ ، أو مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ ، فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِك إِذَا أَيِسُوا مِن بَذْلِك ، مع أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْك مِمَّا لا مَؤونَةَ فِيهِ عَلَيْك مِن شَكَاةِ مَظْلِمَةٍ ، أو طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ . ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وبِطَانَةً ، فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وتَطَاوُلٌ ، وقِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ ، فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِك بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْك الأحْوَالِ ، ولا تُقْطِعَنَّ لأحَدٍ مِن حَاشِيَتِك ، وحَامَّتِك قَطِيعَةً ، ولا يَطْمَعَنَّ مِنْك فِي اعْتِقَادِ عُقْدَةٍ تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ فِي شِرْبٍ أو عَمَلٍ مُشْتَرَك يَحْمِلُونَ مَؤونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ ، فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذَلِك لَهُمْ دُونَك وعَيْبُهُ عَلَيْك فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ . وأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ والْبَعِيدِ ، وكُنْ فِي ذَلِك صَابِرا مُحْتَسِبا ، وَاقِعا ذَلِك مِن قَرَابَتِك وخَاصَّتِك حَيْثُ وَقَعَ ، وابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْك مِنْهُ ، فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذَلِك مَحْمُودَةٌ ، وإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِك حَيْفا فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِك ، واعْدِلْ عَنْك ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِك ، فَإِنَّ فِي ذَلِك رِيَاضَةً مِنْك لِنَفْسِك ، ورِفْقا بِرَعِيَّتِك ، وإِعْذَارا تَبْلُغُ به حَاجَتَك مِن تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ . ولا تَدْفَعَنَّ صُلْحا دَعَاك إِلَيْهِ عَدُوُّك ، ولِلَّهِ فِيهِ رِضًا ، فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِك ، ورَاحَةً مِن هُمُومِك ، وأَمْنا لِبِلادِك ، ولَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِن عَدُوِّك بَعْدَ صُلْحِهِ ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ ، واتَّهِمْ فِي ذَلِك حُسْنَ الظَّنِّ ، وإِنْ عَقَدْتَ بَيْنَك وبَيْنَ عَدُوِّك عُقْدَةً ، أو أَلْبَسْتَهُ مِنْك ذِمَّةً ، فَحُطْ عَهْدَك بِالْوَفَاءِ . وارْعَ ذِمَّتَك بِالأمَانَةِ ، واجْعَلْ نَفْسَك جُنَّةً دُونَ ما أَعْطَيْتَ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِن فَرَائِضِ اللّه شَيْءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعا مع تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ ، وتَشَتُّتِ آرَائِهِمْ مِن تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ ، وقَدْ لَزِمَ ذَلِك الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ ، لِمَا اسْتَوْبَلُوا (6) مِن عَوَاقِبِ الْغَدْرِ ، فَلا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِك ، ولا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِك ، ولا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّك ، فَإِنَّهُ لا يَجْتَرِئُ عَلَى اللّه إِلاّ جَاهِلٌ شَقِيٌّ ، وقَدْ جَعَلَ اللّه عَهْدَهُ وذِمَّتَهُ أَمْنا أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ ، وحَرِيما يَسْكُنُونَ إلى مَنَعَتِهِ ، ويَسْتَفِيضُونَ إلى جِوَارِهِ ، فَلا إِدْغَالَ ولا مُدَالَسَةَ ، ولا خِدَاعَ فِيهِ ، ولا تَعْقِدْ عَقْدا تُجَوِّزُ فِيهِ الْعِلَلَ ، ولا تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْلٍ بَعْدَ التَّأْكِيدِ والتَّوْثِقَةِ ، ولا يَدْعُوَنَّك ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَك فِيهِ عَهْدُ اللّه إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، فَإِنَّ صَبْرَك عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وفَضْلَ عَاقِبَتِهِ ، خَيْرٌ مِن غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ ، وأَنْ تُحِيطَ بِك مِنَ اللّه فِيهِ طِلْبَةٌ لا تَسْتَقْبِلُ فِيهَا دُنْيَاك ولا آخِرَتَك . إِيَّاك والدِّمَاءَ وسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْنى لِنِقْمَةٍ ، ولا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ ، ولا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ ، وانْقِطَاعِ مُدَّةٍ من سَفْك الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا ، واللّه سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَلا تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَك بِسَفْك دَمٍ حَرَامٍ ، فَإِنَّ ذَلِك مِمَّا يُضْعِفُهُ ويُوهِنُهُ بَلْ يُزِيلُهُ ، ويَنْقُلُهُ ولا عُذْرَ لَك عِنْدَ اللّه ، ولا عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ ، لأنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ . وإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإٍ وأَفْرَطَ عَلَيْك ، سَوْطُك أو سَيْفُك أو يَدُك بِالْعُقُوبَةِ ، فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً ، فَلا تَطْمَحَنَّ بِك نَخْوَةُ سُلْطَانِك عَنْ أَنْ تُودِّيَ إلى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ . وإِيَّاك والإعْجَابَ بِنَفْسِك ، والثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُك مِنْهَا وحُبَّ الإطْرَاءِ ، فَإِنَّ ذَلِك مِن أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ ، لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِن إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ . وإِيَّاك والْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِك بِإِحْسَانِك ، أو التَّزَيُّدَ فِيمَا كَانَ مِن فِعْلِك ، أو أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَك بِخُلْفِك ، فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الإحْسَانَ ، والتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ ، والْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللّه والنَّاسِ ، قال اللّه تَعَالَى : « كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ » (7) . وإِيَّاك والْعَجَلَةَ بِالامُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا ، أو التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا ، أو اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ ، أو الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ ، فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ ، وأَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَهُ . وإِيَّاك والاسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ ، والتَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى به مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ ،فإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْك لِغَيْرِك ، وعَمَّا قَلِيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْك أَغْطِيَةُ الأمُورِ ويُنْتَصَفُ مِنْك لِلْمَظْلُومِ . أمْلِك حَمِيَّةَ أَنْفِك ، وسَوْرَةَ حَدِّك ، وسَطْوَةَ يَدِك ، وغَرْبَ لِسَانِك ، واحْتَرِسْ مِن كُلِّ ذَلِك بِكَفِّ الْبَادِرَةِ ، وتَأْخِيرِ السَّطْوَةِ ، حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُك ، فَتَمْلِك الاخْتِيَارَ ، ولَنْ تَحْكُمَ ذَلِك مِن نَفْسِك ، حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَك بِذِكْرِ الْمَعَادِ إلى رَبِّك . والْوَاجِبُ عَلَيْك أَنْ تَتَذَكَّرَ ما مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَك مِن حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ ، أو سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ أو أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنَا صلى الله عليه و آله ، أو فَرِيضَةٍ فِي كِتَابِ اللّه فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا به فِيهَا ، وتَجْتَهِدَ لِنَفْسِك فِي اتِّبَاعِ ما عَهِدْتُ إِلَيْك فِي عَهْدِي هَذَا ، واسْتَوْثَقْتُ به مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْك ، لِكَيْلا تَكُونَ لَك عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِك إلى هَوَاها . وأَنَا أَسْأَلُ اللّه بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ ، وعَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ أَنْ يُوَفِّقَنِي وإِيَّاك لِمَا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ الإقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ ، وإلى خَلْقِهِ مع حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ ، وجَمِيلِ الأثَرِ فِي الْبِلادِ ، وتَمَامِ النِّعْمَةِ وتَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ ، وأَنْ يَخْتِمَ لِي ولَك بِالسَّعَادَةِ والشَّهَادَةِ ، إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، والسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللّه صَلَّى اللّه ُ عَلَيْهِ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، وسَلَّمَ تَسْلِيما كَثِيرا ، والسَّلامُ » . (8)

.


1- . كلَّ السَّيفُ ، فهو كَلِيل : إذا لم يَقْطَع . وظُبَةُ السَّيفِ : طَرَفُه ( النهاية : ج4 ص198 و ج3 ص155 ) .
2- . يقال : نَبا حدُّ السَّيف : إذا لم يَقْطَع ( النهاية : ج5 ص11 ) .
3- . نهج البلاغة : الكتاب38 وراجع : الأمالي للمفيد : ص80 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص183 ، الغارات : ج1 ص260 _ 266 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص75 ، تاريخ الطبري : ج6 ص3394 ، الكامل في التاريخ : ج3 ص177 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 53 ص 446 .
4- . النساء :59 .
5- . انقطاع بالَّةٍ : أي ما يبلُّ الأرض من ندى ومطر (شرح نهج البلاغة ، صبحي الصالح ، الرقم 4106) .
6- . الوبال في الأصل : الثِّقلُ والمكروه و «كلُّ بناء وبال على صاحبه » يريد به العذابَ في الآخرة . (النهاية : ج 5 ص 146) .
7- . الصف : 3 .
8- . نهج البلاغة : الكتاب53 وراجع : تحف العقول : ص126 ، دعائم الإسلام : ج1 ص350 ، بحار الأنوار : ج77 ص240 ؛ كنز العمال : ج15 ص165 ، صبح الأعشى : ج10 ص12 ، جمع الجوامع : ج2 ص129 .

ص: 479

. .

ص: 480

. .

ص: 481

. .

ص: 482

. .

ص: 483

. .

ص: 484

. .

ص: 485

. .

ص: 486

. .

ص: 487

. .

ص: 488

. .

ص: 489

. .

ص: 490

. .

ص: 491

. .

ص: 492

134 _ كتابه عليه السلام إلى أهل مصر

134كتابه عليه السلام إلى أهل مصرمن كتاب له عليه السلام إلى أهل مصر مع مالك الأشْتَر لمّا وَلاَّه أمارتها :« أمَّا بعدُ ، فإنَّ اللّه سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله نَذِيرا لِلْعَالَمِينَ ، ومُهَيْمِنا عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، فَلَمَّا مَضَى عليه السلام تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الأَمْرَ مِن بَعْدِهِ ، فَوَ اللّه مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي ، ولا يَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هَذَا الأَمْرَ مِن بَعْدِهِ صلى الله عليه و آله عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، ولا أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِن بَعْدِه ، فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ انْثِيَالُ النَّاس عَلَى فُلانٍ يُبَايِعُونَهُ ، فَأَمْسَكْتُ يَدِي ، حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاس قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الإِسْلامِ ، يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ محمَّد صلى الله عليه و آله ، فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الإِسْلامَ وأَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْما أو هَدْما ، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِن فَوْتِ وِلايَتِكُمُ الَّتي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلائِلَ ، يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ ، أو كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ ، فَنَهَضْتُ فِي تِلْك الأَحْدَاثِ ، حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ ، وزَهَقَ واطْمَأَنَّ الدِّينُ وتَنَهْنَهَ . ومِنه : إِنِّي واللّه لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِدا وهُمْ طِلاعُ الأَرْضِ كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ ولا اسْتَوْحَشْتُ ، وإِنِّي مِن ضَلالِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ ، والْهُدَى الَّذِي أَنَا علَيْه لَعَلَى بَصِيرَةٍ مِن نَفْسِي ويَقِينٍ مِن رَبِّي ، وإِنِّي إلَى لِقَاءِ اللّه لَمُشْتَاقٌ ، وحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاجٍ ، ولَكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ سُفَهَاوهَا وفُجَّارُهَا ، فَيَتَّخِذُوا مَ_الَ اللّه دُوَلاً ، وعِبَادَهُ خَوَلاً ، والصَّالِحِينَ حَرْبا ، والْفَاسِقِينَ حِزْبا ، فإنَّ مِنْهُمُ الَّذِي قَدْ شَرِبَ فِيكُمُ الْحَرَامَ ، وجُلِدَ حَدّا فِي الإِسْلامِ ، وإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ لَهُ عَلَى الإِسْلامِ الرَّضَائِخُ (1) ، فَلَوْلا ذَلِك مَا أَكْثَرْتُ تَأْلِيبَكُمْ ، وتَأْنِيبَكُمْ ، وجَمْعَكُمْ وتَحْرِيضَكُمْ ، ولَتَرَكْتُكُمْ إِذْ أَبَيْتُمْ ووَنَيْتُمْ . أَلا تَرَوْنَ إِلَى أَطْرَافِكُمْ قَدِ انْتَقَصَتْ ، وإِلَى أَمْصَارِكُمْ قَدِ افْتُتِحَتْ ، وإِلَى مَمَالِكِكُمْ تُزْوَى ، وإِلَى بِلادِكُمْ تُغْزَى ؟ ! انْفِرُوا رَحِمَكُمُ اللّه إِلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ ، ولا تَثَّاقَلُوا إِلَى الأَرْضِ فَتُقِرُّوا بِالْخَسْف ، وتَبُوءُوا بِالذُّلِّ ، ويَكُونَ نَصِيبُكُمُ الأَخَسَّ ، وإِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الأَرِقُ ، ومَنْ نَامَ لَمْ يُنَمْ عَنْهُ ، والسَّلامُ » . (2)

.


1- . يتراضخون بالسّهام: أي يترامون، راضخته: راميته بالحجارة . ( لسان العرب: ج 3 ص 19 )
2- . نهج البلاغة : الكتاب 62 .

ص: 493

135 _ كتابه عليه السلام إلى محمّد بن أبي بكر

135كتابه عليه السلام إلى محمَّد بن أبي بكرمن كتاب له عليه السلام إلى محمَّد بن أبي بكر ، لمَّا بلَغه توجُّده (1) من عَزْلِه بالأشْتَر عن مصر ، ثُمَّ توفّي الأشْتَر في توجُّهه إلى هُناك قَبْل وصوله إليْها : « أمَّا بعدُ ، فَقَدْ بَلَغَنِي مَوْجِدَتُك مِن تَسْرِيحِ الأَشْتَرِ إِلَى عَمَلِك ، وإِنِّي لَمْ أَفْعَلْ ذَلِك اسْتِبْطَاءً لَك فِي الْجَهْدِ ، ولا ازْدِيَادا لَك فِي الْجِدِّ ، ولَوْ نَزَعْتُ مَا تَحْتَ يَدِكَ من سُلْطَانِك ، لَوَلَّيْتُك مَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْك مَؤونَةً ، وأَعْجَبُ إِلَيْك وِلايَةً . إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي كُنْتُ وَلَّيْتُهُ أَمْرَ مِصْرَ ، كَانَ رَجُلا لَنَا نَاصِحا ، وعَلَى عَدُوِّنَا شَدِيدا نَاقِما ، فَرَحِمَهُ اللّه ، فَلَقَدِ اسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ ، ولاقَى حِمَامَهُ ، ونَحْنُ عَنْهُ رَاضُونَ ، أَوْلاهُ اللّه رِضْوَانَهُ ، وضَاعَفَ الثَّوَابَ لَهُ ، فَأَصْحِرْ لِعَدُوِّك ، وامْضِ عَلَى بَصِيرَتِك ، وشَمِّرْ لِحَرْبِ مَنْ حَارَبَك ، وادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّك ، وأَكْثِرِ الاسْتِعَانَةَ بِاللَّهِ ، يَكْفِك مَا أَهَمَّك ، ويُعِنْك عَلَى مَا يُنْزِلُ بِك ، إِنْ شَاءَ اللّه » . (2)

.


1- . التوجد والموجدة : الحزن .
2- . نهج البلاغة : الكتاب34 وراجع : الغارات : ج1 ص268 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص78 ، تاريخ الطبري : ج6 ص3395 ، الكامل في التاريخ : ج3 ص352 ، أنساب الأشراف : ج2 300 .

ص: 494

( قتل مُحَمَّد بن أبي بَكر رحمه الله ) إن عَمْرو بن العاص لمَّا قتل كِنانَة ، أقبل نحو مُحَمَّد بن أبي بَكر ، وقد تفرّق عنه أصحابه ، فلمَّا رأى ذلك مُحَمَّد خرج يمضي في الطَّريق حَتَّى انتهى إلى خربة في ناحية الطريق فآوى إليها ، وجاء عَمْرو بن العاص حَتَّى دخل الفسطاط ، وخرج معاوية بن حُدَيْج في طلب مُحَمَّد بن أبي بَكر حَتَّى انتهى إلى علوج على قارعة الطَّريق ، فسألهم هل مرَّ بكم أحدٌ تنكرونه ؟ قالوا : لا ، فقال أحدهم : إنِّي دخلت تلك الخربة ، فإذا أنا فيها برجل جالس ، فقال ابن حُدَيْج : هو هو وربّ الكعبة ، فانطلقوا يركضون حَتَّى دخلوا عليه ، واستخرجوه وقد كاد يموت عطشا ، فأقبلوا به نحو الفسطاط . قال : ووثب أخوه عبد الرَّحمن بن أبي بَكر إلى عَمْرو بن العاص _ وكان في جنده _ فقال : واللّه لا يقتل أخي صبرا ، ابعث إلى معاوية بن حُدَيْج فانهه عن قتله ، فأرسل عَمْرو إلى معاوية أن ائتني بمحمّد ، فقال معاوية : أ قتلتم كِنانَة بن بشر ابن عمي ، وأُخلّي عن محمّد ؟ ! هيهات ؛ أ كفَّاركم خيرٌ من أولئكم ، أم لكم برَاءةٌ في الزُّبُر . فقال محمّد : اسقوني قطرةً من الماء ، فقال معاوية : لا سقاني اللّه إن سقيتك قطرةً أبدا ، إنَّكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حَتَّى قتلتموه ظاميا محرما ، فسقاه اللّه من الرَّحيق المختوم ، واللّه لأقتلنَّك يا بن أبي بَكر وأنت ظمآن ، فيسقيك اللّه من الحميم والغسلين . فقال له مُحَمَّد بن أبي بَكر : يا بن اليهوديَّة النَّسَّاجة ، ليس ذلك إليك ولا إلى من ذكرت ، إنَّما ذلك إلى اللّه يسقي أولياءه ويظمئ أعداءه ، وهم أنت وقُرناو ومن تولاّك وتولّيته ، واللّه لو كان سيفي في يدي ما بلغتم منِّي ما بلغتم . فقال له معاوية بن حُدَيْج لعنه اللّه : أ تدري ما أصنع بك ؟ ! أدخلك جوف هذا الحمار الميت ، ثُمَّ أحرقه عليك بالنَّار . فقال محمّد : إن فعلتم ذلك بي فطالما فعلتم ذلك بأولياء اللّه ، وأيم اللّه ، إنِّي لأرجو أن يجعل اللّه هذه النَّار الَّتي تخوّفني بها عليَّ بردا وسلاما كما جعلها على إبراهيم خليله ، وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وأوليائه ، وإنِّي لأرجو أن يحرقك اللّه ، وإمامك _ يعني معاوية بن أبي سُفْيَان _ وهذا ، وأشار إلى عَمْرو بن العاص ، بنار تلظَّى عليكم كلَّما خبت زادها سعيرا . فقال له معاوية : إنِّي لا أقتلك ظلما ، إنَّما أقتلك بعثمان . فقال له محمّد : وما أنتَ وعثمان ؟ إنَّ عثمان عمل بغير الحقّ ، وبدَّل حُكْمَ القُرآن ، وقد قال اللّه عز و جل : « ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّه فَأُولئِك هُمُ الْكافِرُونَ » (1) « وأُولئِك هُمُ الظّالِمُونَ وأُولئِك هُمُ الْفاسِقُونَ » (2) ، فنقمنا عليه أشياء عملها ؛ فأردنا أن يختلع من عملنا فلم يفعل ، فقتله من قتله من النَّاس . فغضب معاوية بن حُدَيْج ، فقدمه فضرب عنقه ، ثُمَّ ألقاه في جوف حمار ، وأحرقه بالنَّار . قال : فلمَّا بلغ خبر شهادته عليَّا عليه السلام ، حزن على مُحَمَّد بن أبي بَكر حَتَّى رئي ذلك فيه ، وتبيَّن في وجهه ، وقام في النَّاس خطيبا ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثُمَّ قال : « ألا وإنَّ مصر قد افتتحها الفجرة أولياء الجور والظُّلم ، الَّذين صدّوا عن سبيل اللّه ، وبغوا الإسلام عِوَجا ، ألا وإنَّ مُحَمَّد بن أبي بَكر قد استشهد _ رحمه الله _ فعند اللّه نحتسبه ، أما واللّه لقد كان ما علمت ممّن ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ، ويبغض شكل الفاجر ، ويحبّ هَين المُون ، وإنّي واللّه ، ما ألوم نفسي على تقصير ولا عجز ، وإنِّي بمقاساة الحرب لجدّ بصير ، وإنِّي لأقدم على الأمر ، وأعرف وجه الحزم ، وأقوم بالرَّأي المصيب ، فأستصرخكم معلنا ، وأناديكم نداء المستغيث معربا ، فلا تسمعون لي قولاً ، ولا تطيعون لي أمرا ، تصيّرون الأمور إلى عواقب المساءة ، فأنتم القوم لا يدرك بكم الثَّار ، ولا تنقض بكم الأوتار ، دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضعٍ وخمسين يوما ، فجرجرتم عليّ جرجرة الجمل الأشدق ، وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليس له نيّة في جهاد العدوّ ، ولا رأي له في اكتساب الأجر ، ثُمَّ خرج إليّ منكم جنيدٌ متذائبٌ ضعيفٌ ، كأنَّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ، فأُفٍ لكم . ثُمَّ نزل فدخل رحله . » (3)

.


1- . المائدة : 44 .
2- . ذيل الآيتين 45 و47 .
3- . الغارات : ج1 ص282 _ 298 ، وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص78 _ 92 ، تاريخ الطبري : ج5 ص10 _ 105 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص411 _ 414 ، أنساب الأشراف : ج3 ص169 _ 173 ، البداية والنهاية : ج7 ص315 _ 317 .

ص: 495

. .

ص: 496

. .

ص: 497

كنانة بن بشر بن عتّاب التجيبي

كِنانَة بن بِشْر بن عَتَّاب التُجِيبيكان ممن قتل عثمان . (1) وكان من الَّذِين غضبوا للّه حين عصي في أرضه ، وكان من أولياء أمير المؤمنين النَّاصحين ، صاحب البأس والتَّجربة . (2) كان ممن يحرّض النَّاس بمصر على عبد اللّه بن سَعْد بن أبي سَرْح ، الخائن المنافق . قال الطَّبري : إنَّ عثمان أرسل رجالاً إلى الأمصار عيونا على الولاة ، ورجع كلّهم يخبر عن الصَّلاح عدا عمّارا ، فإنَّه لم يرجع عن مصر ، حَتَّى جاءه كتاب عبد اللّه بن سَعْد فيه : بأنَّ عمَّارا قد استماله قوم بمصر ، وقد انقطعوا إليه ، منهم كِنانَة بن بشر . (3) كان كِنانَة من الَّذِين خرجوا من مصر إلى المدينة ، وكان من الرُّؤساء . (4) ( وكان ممّن دخل على عثمان مع مُحَمَّد بن أبي بَكر ) ، ورفع كِنانَة بن بِشْر بن عَتَّاب مَشاقصَ كانت في يده ، فوجأ بها في أصل أُذن عثمان ، فمضت حَتَّى دخلت في حلقه ، ثُمَّ علاه بالسَّيف حَتَّى قتله . (5)

.


1- . الإصابة : ج5 ص486 الرقم7517 .
2- . الغارات : ج1 ص282 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص84 .
3- . تاريخ الطبري : ج4 ص341 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص278 .
4- . الطبقات الكبرى : ج3 ص71 ، تاريخ الطبري : ج4 ص348 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص280 .
5- . الطبقات الكبرى : ج3 ص73 وراجع : تاريخ الطبري : ج4 ص380 ، مروج الذَّهب : ج2 ص355 ، العقد الفريد : ج3 ص298 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص278 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص157 .

ص: 498

136 _ كتابه عليه السلام إلى قيس بن سعد بن عبادة

قيس بن سعد بن عبادة

136كتابه عليه السلام إلى قَيْس بن سَعْد بن عُبادَةقال اليعقوبي : قال غياث : ولمَّا أجمع عليّ عليه السلام على قتال معاوية ، كتب أيضا إلى قيس :« أمَّا بعدُ ؛ فاستَعْمِلْ عَبْدَ اللّه ِ بنَ شُبَيْلٍ الأحْمَسِيّ خَلِيفَةً لكَ ، وأَقْبِلْ إليَّ ، فَإنَّ المُسلِمينَ قَدْ أجْمَعَ مَلَوهُم ، وانقَادَتْ جَماعَتُهُم ، فَعَجِّلِ الإقْبالَ ، فَأنا سأَحْضُرَنَّ إلى المحلّين عِندَ غُرَّةِ الهِلالِ ، إن شاء اللّه ، وَما تَأخُّرِي إلاّ لَكَ ، قَضَى اللّه ُ لَنا ولَكَ بالإحسانِ في أمْرِنا كُلِّهِ » . (1) [ وفي أنساب الأشراف صورة أخرى لهذا الكتاب ، وهي : ] « أمَّا بَعْدُ؛ فاستَعْمِلْ علَى عَمَلِكَ عَبدَاللّه ِ بنَ شُبَيْلٍ الأحْمَسِيّ ، وأَقْبِلْ فَإنَّهُ قَد اجتَمَعَ مَلأُ المُسلِمينَ ، وَحَسُنَتْ طَاعَتُهُم ، وانقادَتْ لِي جَماعَتُهُم ، ولا يَكُنْ لَكَ عَرْجَةٌ ولا لَبْثٌ ،فَإِنَّا جَادُّونَ مُغِذُّونَ وَنَحْنُ شَاخِصُونَ إلى المحلّين ، وَلَمْ أُؤَخِّرِ المَسِيرَ ، إلاّ انتظارا لِقُدومِكَ عَلَيْنا ، إنْ شَاءَ اللّه ُ ، والسَّلامُ » . (2)

قَيْسُ بنُ سَعْدِ بنِ عُبادَةقيس بن سَعْد بن عُبادَة الأنْصاريّ الخَزْرَجيّ السَّاعدي ، هو أحد الصَّحابة (3) ومن كبار الأنصار . وكان يحظى باحترام خاصّ بين قبيلته والأنصار وعامّة المسلمين (4) ، وكان شجاعا ، كريم النَّفس ، عظيما ، مطاعا في قبيلته (5) . وكان طويل القامة ، قويّ الجسم ، معروفا بالكرم (6) ، مشهورا بالسَّخاء (7) . حمل اللواء في بعض حروب النَّبيّ صلى الله عليه و آله (8) . وهو من السَّبَّاقين إلى رعاية حرمة الحقّ (9) ، والدفاع عن خلافة الحقّ و حقّ الخلافة ، وإمامة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله (10) . وكان من صحابة الإمام عليه السلام المقرّبين وحماته الثَّابتين في أيّام خلافته عليه السلام . ولاّه عليه السلام على مصر (11) ، فاستطاع بحنكته أن يُسكت المعارضين ويقضي على جذور المؤامرة (12) . حاول معاوية آنذاك أن يعطفه إليه ، بَيْدَ أنّه خاب ولم يُفلح . وبعد مدّة استدعاه الإمام عليه السلام وأشخص مكانه محمّد بن أبي بكر لحوادث وقعت يومئذٍ (13) . وكان قَيْس قائدا لشرطة الخميس (14) ، وأحد الاُمراء في صفِّين ، إذ ولي رجّالة البصرة فيها (15) . تولّى قيادة الأنصار عند احتدام القتال (16) وكان حضوره في الحرب مهيبا . وخطبه في تمجيد شخصيّة الإمام عليه السلام ، ورفعه علم الطَّاعة لأوامره عليه السلام ، وحثّ اُولي الحقّ وتحريضهم على معاوية ، كلّ ذلك كان أمارة على وعيه العميق ، وشخصيّته الكبيرة ، ومعرفته بالتَّيّارات السِّياسيَّة والاجتماعيَّة والاُمور الجارية ، وطبيعة الوجوه يومذاك (17) . ولاّه الإمام عليه السلام على أذربيجان (18) . وشهد قَيْس معه صفِّين والنَّهروان (19) ، وكان على ميمنة الجيش (20) . ولمّا عزم الإمام عليه السلام على قتال معاوية بعد النَّهروان ، ورأى حاجة الجيش إلى قائد شجاع مجرَّب متحرّس أرسل إليه ليشهد معه الحرب (21) . وفي آخر تعبئة للجيش من أجل حرب المفسدين والمعتدين ، صعد الإمام عليه السلام على حجارة وخطب خطبة كلّها حرقة وألم ، وذكر الشُّجعان من جيشه _ ويبدو أنّ هذه الخطبة كانت آخر خطبة له _ ثمّ أمّر قَيْسا على عشرة آلاف . كما عقد للإمام الحسين عليه السلام على عشرة آلاف ، ولأبي أيّوب الأنْصاريّ على عشرة آلاف ، ومن المؤسف أنّ الجيش قد تخلخل وضعه بعد استشهاده عليه السلام (22) . وكان قَيْس أوّل من بايع الإمام الحسن عليه السلام بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام ، ودعا الناس إلى بيعته من خلال خطبة واعية له (23) . وكان على مقدّمة جيشه عليه السلام (24) . ولمّا كان عبيد اللّه بن العبّاس أحد اُمراء الجيش ، كان قَيْس مساعدا له ، وحين فرّ عبيد اللّه إلى معاوية صلّى قَيْس بالنَّاس الفجر ، ودعا المصلّين إلى الجهاد والثَّبات والصُّمود ، ثمّ أمرهم بالتَّحرّك (25) . وبعد عقد الصُّلح بايع قَيْس معاوية بأمر الإمام عليه السلام (26) ، فكرّمه معاوية ، وأثنى عليه (27) . وعُدَّ قَيْس أحد الخمسة المشهورين بين العرب بالدهاء (28) . وفارق قَيْس الحياة في السِّنين الأخيرة من حكومة معاوية (29) . في سِيَرِ أعلامِ النبلاء عن عَمْرو بن دِينار : كان قَيْس بن سَعْد رجلاً ضخما ، جسيما ، صغير الرَّأس ، ليست له لحية ، إذا ركب حمارا خطّت رجلاه الأرض (30) . وفي اُسد الغابة عن ابن شهاب : كان قَيْس بن سَعْد يحمل راية الأنصار مع النبيّ صلى الله عليه و آله . قيل : إنّه كان في سريّة فيها أبو بكر وعمر ، فكان يستدين ويطعم النَّاس ، فقال أبو بكر وعمر : إن تركنا هذا الفتى أهلك مال أبيه ، فمشيا في الناس ، فلمّا سمع سَعْد قام خلف النَّبيّ صلى الله عليه و آله فقال : من يعذرني من ابن أبي قحافة وابن الخَطَّاب ؟ يُبخّلان عليَّ ابني (31) . وفي تاريخ بغداد عن عروة : باع قَيْس بن سَعْد مالاً من معاوية بتسعين ألفا ، فأمر مناديا فنادى في المدينة : من أراد القرض فليأتِ منزل سعد . فأقرض أربعين أو خمسين ، وأجاز بالباقي ، وكتب على من أقرضه صكّا ، فمرض مرضا قلّ عوّاده ، فقال لزوجته قريبة بنت أبي قحافة _ اُخت أبي بكر _ : يا قريبة ، لِمَ ترين قلّ عوّادي ؟ قالت : للذي لك عليهم من الدَّين . فأرسل إلى كلّ رجلٍ بصكّه (32) . وفي الاستيعاب : من مشهور أخبار قَيْس بن سَعْد بن عُبادَة : أنّه كان له مال كثير ديونا على النَّاس ، فمرض واستبطأ عوّاده ، فقيل له : إنّهم يستحيون من أجل دَينك ، فأمر مناديا ينادي : من كان لقيس بن سَعْد عليه دَين فهو له ، فأتاه النَّاس حتَّى هدموا درجة كانوا يصعدون عليها إليه (33) . وفي تاريخ الإسلام عن موسى بن عُقْبَة : وقفت على قَيْس عجوزٌ ، فقالت : أشكو إليك قلّة الجرذان . فقال : ما أحسنَ هذه الكناية ! املؤوا بيتها خبزا ولحما وسمنا وتمرا (34) . وفي شُعب الإيمان عن قَيْس بن سعد : لولا أنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : « المكر والخديعة في النَّار » ، لكنت أمكر هذه الاُمّة (35) . وفي تهذيب الكمال عن ابن شهاب : كانوا يَعُدُّون دُهاة العرب حين ثارت الفتنة خمسة رَهط ، يقال لهم : ذوو رأي العرب في مكيدتهم : معاوية بن أبي سُفْيَان وعَمْرو بن العاص وقَيْس بن سَعْد بن عُبادَة والمُغِيْرَة بن شُعْبَة ، ومن المهاجرين عبد اللّه بن بُدَيْل بن وَرْقاء الخُزاعِيّ . وكان قَيْس بن سَعْد وابن بُدَيْل مع عليّ (36) . وفي سِيَرِ أعلامِ النبلاء عن أحمد بن البرقيّ : كان ( قيس ) صاحب لواء النَّبيّ صلى الله عليه و آله في بعض مغازيه ، وكان بمصر واليا عليها لعليّ عليه السلام (37) . وفي تاريخ الطبري عن الزُّهْريّ : كانت مصر من حين عليّ ، عليها قَيْس بن سَعْدبن عُبادَة ، وكان صاحب راية الأنصار مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان من ذوي الرَّأي والبأس ، وكان معاوية بن أبي سُفْيَان وعَمْرو بن العاص جاهدَين على أن يُخرجاه من مصر ليغلِبا عليها ، فكان قد امتنع فيها بالدهاء والمكايدة ، فلم يقدرا عليه ، ولا على أن يفتتحا مصر . وفي تاريخ الطبري عن سَهْل بن سَعْد : لمّا قتل عثمان وولي عليّ بن أبي طالب الأمر ، دعا قَيْس بن سَعْد الأنْصاريّ فقال له : سر إلى مصر فقد ولّيتُكَها ، واخرج إلى رحلك ، واجمع إليك ثقاتك ومن أحببت أن يصحبك حتَّى تأتيها ومعك جند ، فإنّ ذلك أرعب لعدوّك وأعزّ لوليّك ، فإذا أنت قدمتها إن شاء اللّه ، فأحسن إلى المحسن ، واشتدّ على المريب ، وارفُق بالعامّة والخاصَّة ، فإنَّ الرِّفق يُمنٌ . فقال له قَيْس بن سعد : رحمك اللّه يا أمير المؤمنين ، فقد فهمتُ ما قلتَ ، أمّا قولك : اخرج إليها بجند ، فو اللّه لئن لم أدخلها إلاّ بجند آتيها به من المدينة لا أدخلها أبدا ، فأنا أدعُ ذلك الجند لك ، فإن أنت احتجت إليهم كانوا منك قريبا ، وإن أردت أن تبعثهم إلى وجه من وجوهك كانوا عُدّة لك ، وأنا أصير إليها بنفسي وأهل بيتي . وأمّا ما أوصيتني به من الرِّفق والإحسان ، فإن اللّه عز و جلهو المستعان على ذلك . قال : فخرج قَيْس بن سَعْد في سبعة نفر من أصحابه حتَّى دخل مصر (38) . وفي الكامل في التاريخ : خرج قَيْس حتَّى دخل مصر في سبعة من أصحابه ... ، فصعد المنبر فجلس عليه ، وأمر بكتاب أمير المؤمنين فقرئ على أهل مصر بإمارته ، ويأمرهم بمبايعته ومساعدته وإعانته على الحقّ ، ثمّ قام قَيْس خطيبا وقال : الحمد للّه الَّذي جاء بالحقّ وأمات الباطل وكبت الظَّالمين ، أيُّها النَّاس ، إنَّا قد بايعنا خير من نعلم بعد نبيّنا صلى الله عليه و آله ، فقوموا أيُّها النَّاس فبايعوه على كتاب اللّه وسنّة رسوله ، فإن نحن لم نعمل لكم بذلك فلا بيعة لنا عليكم . فقام النَّاس فبايعوا ، واستقامت مصر ، وبعث عليها عمّاله إلاّ قرية منها يقال لها : خَرنبا ، فيها ناس قد أعظموا قتل عثمان ، عليهم رجل من بني كِنانَة ثمّ من بني مُدلج اسمه يزيد بن الحرث ، فبعث إلى قَيْس يدعو إلى الطَّلب بدم عثمان . وكان مَسْلَمَة بن مخلّد قد أظهر الطَّلب أيضا بدم عثمان ، فأرسل إليه قَيْس : ويحك أعليَّ تثب ؟ ! فواللّه ، ما اُحبّ أنّ لي ملك الشَّام إلى مصر وأنّي قتلتك ! فبعث إليه مَسْلَمَة : إنّي كافّ عنك ما دمت أنت والي مصر . وبعث قَيْس _ وكان حازما _ إلى أهل خَرنبا : إنّي لا اُكرهكم على البيعة ، وإنّي كافّ عنكم ، فهادنهم وجبى الخراج ليس أحد ينازعه (39) . وفي تاريخ الطبري عن أبي مِخْنَف : لمّا أيس معاوية من قَيْس أن يتابعه على أمره ، شقّ عليه ذلك ؛ لما يعرف من حزمه وبأسه ، وأظهر للناس قِبله أنّ قَيْس بن سَعْد قد تابعكم ، فادعوا اللّه له ، وقرأ عليهم كتابه الَّذي لان له فيه وقاربه . قال : واختلق معاوية كتابا من قَيْس بن سعد ، فقرأه على أهل الشَّام : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم ، للأمير معاوية بن أبي سُفْيَان من قَيْس بن سعد ، سلام عليك ، فإنّي أحمد إليكم اللّه الَّذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد ، فإنّي لمّا نظرت رأيت أنّه لا يسعني مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلما محرما برّا تقيّا ، فنستغفر اللّه عز و جل لذنوبنا ، ونسأله العصمة لديننا . ألا وإنّي قد ألقيت إليكم بالسِّلم ، وإنّي أجبتك إلى قتال قَتلة عثمان ، إمام الهدى المظلوم ، فعوّل عليَّ فيما أحببت من الأموال والرِّجال اُعجّل عليك ، والسَّلام . فشاع في أهل الشَّام أنّ قَيْس بن سَعْد قد بايع معاوية بن أبي سُفْيَان ، فسرّحت عيون عليّ بن أبي طالب إليه بذلك ، فلمّا أتاه ذلك أعظمه وأكبره ، وتعجّب له ، ودعا بنيه ، ودعا عبد اللّه بن جعفر فأعلمهم ذلك ، فقال : ما رأيكم ؟ فقال عبد اللّه بن جعفر : يا أمير المؤمنين ، دَع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، اعزل قَيْسا عن مصر . قال لهم عليّ : « إنّي واللّه ، ما اُصدّق بهذا على قَيْس » . فقال عبد اللّه : يا أمير المؤمنين ، اعزله ، فو اللّه ، لئن كان هذا حقّا لا يعتزل لك إن عزلته (40) . وفي تاريخ الطبري عن أبي مِخْنَف : جاء كتاب من قَيْس بن سَعْد فيه : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم ، أمّا بعد ، فإنّي اُخبر أمير المؤمنين أكرمه اللّه أنّ قِبلي رجالاً معتزلين قد سألوني أن أكفّ عنهم ، وأن أدعهم على حالهم حتَّى يستقيم أمر الناس ، فنرى ويروا رأيهم ، فقد رأيت أن أكفّ عنهم ، وألاّ أتعجّل حربهم ، وأن أتألّفهم فيما بين ذلك لعلّ اللّه عز و جل أن يُقبل بقلوبهم ، ويفرّقهم عن ضلالتهم ، إن شاء اللّه . فقال عبد اللّه بن جعفر : يا أمير المؤمنين ، ما أخوفني أن يكون هذا ممالأة لهم منه ، فمُره يا أمير المؤمنين بقتالهم ، فكتب إليه عليّ : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم ، أمّا بعد ، فسر إلى القوم الَّذين ذكرت ، فإن دخلوا فيما دخل فيه المسلمون وإلاّ فناجزهم ، إن شاء اللّه . فلمّا أتى قَيْس بن سَعْد الكتاب فقرأه ، لم يتمالك أن كتب إلى أمير المؤمنين : أمّا بعد يا أمير المؤمنين ، فقد عجبت لأمرك ، أ تأمرني بقتال قوم كافّين عنك ، مُفرّغيك لقتال عدوّك ؟ ! وإنّك متى حاربتهم ساعدوا عليك عدوّك ، فأطعني يا أمير المؤمنين ، واكفُف عنهم ، فإنّ الرَّأي تركهم ، والسَّلام ... فبعث عليٌّ محمّد بن أبي بكر على مصر وعزل عنها قَيْسا (41) . وفي تاريخ الطبري عن كَعْب الوالبي : إنّ عليّا كتب معه ( أي محمّد بن أبي بكر ) إلى أهل مصر كتابا ، فلمّا قدم به على قَيْس ، قال له قَيْس : ما بال أمير المؤمنين ؟ ! ما غيّره ؟ أدخل أحد بيني وبينه ؟ قال له : لا ، وهذا السُّلطان سلطانك ! قال : لا ، واللّه ، لا اُقيم معك ساعة واحدة . وغضب حين عزله ، فخرج منها مقبلاً إلى المدينة ، فقدمها ، فجاءه حسّان بن ثابت شامتا به _ وكان حسّان عثمان يّا _ فقال له : نزعك عليّ بن أبي طالب ، وقد قتلت عثمان فبقي عليك الإثم ، ولم يحسن لك الشكر ! فقال له قَيْس بن سعد : يا أعمى القلب والبصر ، واللّه ، لولا أن اُلقِيَ بين رهطي ورهطك حربا لضربت عنقك ، اخرج عنّي . ثمّ إنّ قَيْسا خرج هو وسَهْل بن حُنَيْف حتَّى قدما على عليّ ، فخبّره قَيْس فصدّقه عليّ ، ثمّ إنّ قَيْسا وسهلاً شهدا مع عليّ صفِّين (42) . وفي سِيَرِ أعلامِ النُبَلاء عن الزُّهْريّ : قدم قَيْس المدينة فتوامر (43) فيه الأسْوَد بن أبي البختري ومروان أن يُبيّتاه ، وبلغ ذلك قَيْسا ، فقال : واللّه ، إنّ هذا لقبيح أن اُفارق عليّا وإن عزلني ، واللّه ، لألحقنّ به . فلحق به ، وحدّثه بما كان يعتمد بمصر . فعرف عليّ أنّ قَيْسا كان يداري أمرا عظيما بالمكيدة ، فأطاع عليٌّ قَيْسا في الأمر كلّه ، وجعله على مقدّمة جيشه (44) . وفي الغارات عن المَدائِنيّ عن أصحابه : فسدت مصر على محمّد بن أبي بكر ، فبلغ عليّا توثّبهم عليه ، فقال : ما لمصر إلاّ أحد الرَّجلين : صاحبنا الَّذي عزلناه عنها بالأمس _ يعني قَيْس بن سَعْد _ أو مالك بن الحارث الأشْتَر . وكان عليّ عليه السلام حين رجع عن صفِّين قد ردّ الأشْتَر إلى عمله بالجزيرة ، وقال لقيس بن سعد : أقم أنت معي على شرطتي حتَّى نفرغ من أمر هذه الحكومة ، ثمّ اُخرج إلى أذربيجان ، فكان قَيْس مقيما على شرطته (45) . وفي تاريخ الطبري عن الزُّهْريّ : جعل عليّ عليه السلام قَيْس بن سَعْد على مقدّمته من أهل العراق إلى قبل أذربيجان ، وعلى أرضها ، وشرطة الخميس الَّذي ابتدعه من العرب ، وكانوا أربعين ألفا ، بايعوا عليّا عليه السلام على الموت ، ولم يزل قَيْس يدارئ ذلك البعث حتَّى قُتل عليّ عليه السلام (46) . [ أقول : قَيْس ، هو قَيْس بن سَعْد بن عُبادَة ، الصَّحابي العظيم ، سيّد الخَزْرَج ، الخطيب البليغ ، والشَّاعر المُفَلِّق ، من أركان الشِّيعة وأكابرهم ، ومن المخلصين لأمير المؤمنين عليه السلام ، والمتفانين فيه ، والَّذِين لا ينسى التَّاريخ الإسلامي مواقفهم النَّبيلة ، وحقّ على العالم البشري أن يقف موقف التَّبجيل والأحترام والتَّقدير له ، جيلاً بعد جيل . إنَّ قَيْسا رجل الشِّيعة ، أعرف من أن يكتب عنه القلم ، وأعظم من تحوم حوله العبارة ، فلقد كتب عنه كل مورِّخ ومحدِّث ، وبحث حوله كل من أراد التنقيب في التَّاريخ الإسلامي ، وإنَّك لتجد اسمه في مختلف المعاجم ، كأُسْد الغابَة ، والإصابة ، والاستيعاب ، والقاموس ، وترجمه العلاّمة المفضال الحجّة الأميني قدس سره ، في كتابه القيّم « الغدير » ، ونحن بدورنا نذكر هنا طرفا من أخباره ومآثره وآثاره وشؤون حياته ، إن شاء اللّه ، ونترك الاستقصاء في البحث عن جميع ما له علقة به إلى رسالة مفردة ، نسأل اللّه أن يوفّقنا لإنجازها في المستقبل القريب . شمائله : كان قَيْس رجلاً ضخما حسنا طويلاً ، وكان من الَّذِين طولهم عشرة أشبار ، بأشبار أنفسهم ، وقيل ثمانية عشر شبرا في عرض خمسة أشبار ، وليس في وجهه لحْية ، ولا شَعْرة واحدة ، وكان أصلها سناطا (47) ، وكان إذا ركب الفرس المشرف رجلاه تخطّان الأرض ، وفي المثل السَّائر : « سراويل قَيْس » ، وخلاصة القول أنّه كان له جثّة عظيمة ، ووجه جميل ، ويدان قويّتان ، يعلو ولا يعلى عليه ، له بسطة في الجسم وبسالة . (48) وأمّا فروسيّته ، فلا يوجد تاريخ إسلامي ولا معجم ، إلاّ وفيه جميل الثَّناء على فروسيّته وشجاعته وبأسه وشدّته في عهد النَّبيّ صلى الله عليه و آله والوليّ عليه السلام ، لأنَّه كان حامل راية الأنصار مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان من النَّبيّ صلى الله عليه و آله بمنزلة صاحب الشُّرطة من الأمير مع النَّجدة والشَّجاعة ، وكان حامل راية الأنصار مع الوليّ عليه السلام أيضا ، وله مواقف باسلة في حرب صفِّين ، وقد بلغ من غيظ معاوية لعنه اللّه منه ، أنَّه كان يقنت ويلعن قَيْسا . وينص المورّخون أنَّه قد غمَّه رجال من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، منهم قَيْس ، وكان أشدّ النَّاس بعد أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان معاوية يقول : واللّه ، إنَّ قَيْسا يريد أن يفنينا غدا ، ان لم يحبسه عنّا حابس الفيل ، وسيأتي بعضٌ من كلمات قَيْس الخالدة . (49) وأمَّا دهاؤه ورأيه وعقله فهو ممَّا أطبق عليه أصحاب المعاجم ، قال أبو عمر : كان أحد الفضلاء الجلّة أو أحد دهاة العرب ، وأهل الرَّأي والمكيدة في الحروب مع النَّجدة والبسالة ، وتبعه أيضا ابن حَجَر وابن الأثير ، وأوفى دليل على ذلك آراؤه وأساليبه في إمارته ، بل هو في الطَّبقة العُليا من أصحاب الرَّأي والنُّهى ، وهو القائل : « لولا أنِّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : المكر والخديعة في النَّار ، لكنت من أمكر هذه الأُمّة » . وكان يقول : « لولا الإسلام لمكرت مكرا لا تطيقه العرب » . بل كان معاوية يخاف من دهاء قَيْس ورأيه . (50) إنَّ قَيْسا لمَّا قدِم المدينة فأخافه مروان والأسود بن أبي البختري ؛ حَتَّى إذا خاف أن يؤخذ أو يُقتَل ركب راحلته ، فظهر إلى عليّ ، فكتب معاوية إلى مروان والأسْوَد يتغيَّظ عليهما ، ويقول : أمددتُما عليَّا بقيس بن سَعْد ورأيه ومكايَدته ، فواللّه لو أنَّكما أمددتُماه بثمانية آلاف مقاتل ماكان ذلك بأغيظَ إليَّ من إخراجكما قَيْس بن سَعْد إلى عليّ . (51) وقال الطَّبري : فقدم قَيْس على عليّ ، فلمَّا أنبأه الحديث ، وجاءهم قتل محمَّد بن أبي بكر ، عرف أنَّ قَيْس بن سَعْد كان يوازي ( يقاسي ) أمورا عظاما من المكائدة . (52) هذا ، وقد مرَّ أنَّ عليَّا عليه السلام كان عالما بذلك ، ولكن الجأوه إلى عزل قَيْس ، وفي الغدير : عن الحلبي : من وقف على ما وقع بينه وبين معاوية لرأى العجب من وفور عقله . (53) وعن البداية والنِّهاية : ولاّه عليّ نيابة مصر ، وكان يقاوم بدهائه وخديعته وسياسته ، لمعاوية وعَمْرو بن العاص . (54) وفي الغدير : بعد ذكره كلام المُغِيْرَة ونصيحته لأمير المؤمنين عليه السلام في إقرار معاوية على عمله وإبائه عليه السلام عن قبوله قال : فقام قَيْس بن سعد ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنَّ المُغِيْرَة أشار عليك بأمر لم يُرد اللّه به ، فقدَّم فيه رجلاً وأخَّر فيه أخرى ، فإن كان لك الغلبة يقرَّب إليك بالنَّصيحة ، وإن كانت لمعاوية يقرَّب إليه بالمشورة ، ثُمَّ أنشأ يقول : يَكادُ ومَن أرسى بُثَيرا (55) مَكانَهُمُغِيْرَةُ أنْ يقوى علَيْكَ مُعاوِيَهْ وَكُنْتَ بِحَمْدِ اللّه ِ فِينا مُوَفَّقاوتِلْكَ الَّتي أرءاكها غَيْرُ كافِيَهْ فَسُبْحانَ مَنْ عَلّى السَّماءَ مَكانَهاوأرْضا دَحاها فاستقرَّتْ كماهِيَهْ (56) وسعى معاوية بكلّ مكيدته أن يكيد قَيْسا ، وهو بمصر ، أو يكيده وهو أمير عسكر الإمام السِّبط الأكبر عليه السلام ، فلم يتمكّن من ذلك ، وعجز عن خداعه . (57) وبالجملة ، لا يشكّ من له أدنى إلمام بالتَّاريخ والمعاجم في عقل قَيْس ودهائه وحزمه ورأيه ، ومن الأدلة على ذلك كلماته الخالدة الدَّالة على دقَّة في ملاحظة ، وعمَّن في التَّفكّر وسداد في الرَّأي ، ونحن نورد منها ما عثرنا عليه : خطابته : 1 _ لمَّا وصل كتاب قثُمَّ بن عبَّاس من مكّة إلى أمير المؤمنين عليه السلام يخبره أنَّ طَلْحَة والزُّبير وعائِشَة قد خرجوا من مكّة ، يريدون البصرة ، وقد استنفروا النَّاس ، فلم يَخِفَّ معهم إلاّ من لا يعتد بمسيره ، ومن خلفت بعدك فعلى ما تحبّ . فلمَّا قدم على عليّ كتابه غمَّه ذلك ، وأعظمه النَّاس ، وسقط في أيديهم ، فقام قَيْس بن سَعْد بن عُبادَة ، فقال : يا أمير المونين ، إنَّه واللّه ، ما غمُّنا بهذين الرَّجلين كغمِّنا بعائِشَة ، لأنَّ هذين الرَّجلين حلال الدَّم عندنا ؛ لبيعتهما ونكثهما ، ولأنَّ عائِشَة من علمت مقامها في الإسلام ، ومكانها من رسول اللّه ، مع فضلها ودينها وأمومتها منَّا ومنك ، ولكنَّهما يقدمان البصرة ، وليس كلُّ أهلها لهما ، وتقدِم الكوفة ، وكل أهلها لك ، وتسير بحقّك إلى باطلهم ، ولقد كنَّا نخاف أن يسيرا إلى الشَّام ، فيقال : صاحبا رسول اللّه ، وأُمُّ المونين ، فيشتدّ البلاء ، وتعظم الفتنة ، فأمَّا إذا أتيا البصرة ، وقد سبقت إلى طاعتك ، وسبقوا إلى بيعتك ، وحكم عليهم عاملك ، ولا واللّه ، ما معهما مثل ما معك ، ولا يقدمان على مثل ما تقدِم عليه ، فسر فإنَّ اللّه معك . (58) 2 _ لمَّا قدم قَيْس مصر ، وقرأ كتاب أمير المؤمنين عليه السلام على النَّاس ، قام قَيْس خطيبا ، فقال : الحمد للّه الَّذي جاء بالحقّ ، وأمات الباطل وكبت الظَّالمين ، أيُّها النَّاس ، إنَّا قد بايعنا خير من نعلم بعد محمّد نبيّنا صلى الله عليه و آله ، فقوموا أيُّها النَّاس ، فبايِعوا على كتاب اللّه عز و جل وسنّة رسوله صلى الله عليه و آله ، فإن نحن لم نعمل لكم بذلك فلا بيعةَ لنا عليكم . (59) 3 _ ولمَّا أراد عليه السلام المسير إلى صفِّين ، قام قَيْس بن سَعْد بن عُبادَة ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثُمَّ قال : يا أمير المونين ، انكمش بنا إلى عدوّنا ، ولا تعرد (60) ، فو اللّه لجهادهم أحبّ إليَّ من جهاد التّرك والرُّوم ، لإدهانهم في دين اللّه واستذلالهم أولياء اللّه من أصحاب محمَّد صلى الله عليه و آله من المهاجرين والأنصار والتَّابعين بإحسان ، إذا غضبوا على رجل حبسوه أو ضربوه أو حرموه أو سيّروه ، وفيؤنا لهم في أنفسهم حلال ، ونحن لهم فيما يزعمون قطين (61) . (62) 4 _ لمَّا عزم أمير المؤمنين عليه السلام على الخروج من المدينة إلى العراق ، وخالفه قوم قال قَيْس : يا أمير المونين ، ما على الأرض أحد أحبّ إلينا أن يقيم فينا منك ، لأنَّك نجمنا الَّذي نهتدي به ، ومفزعنا الَّذي نصير إليه ، وإن فقدناك لتُظْلِمَنّ أرضُنا وسماوا ، ولكن واللّه ، لو خلّيتَ معاوية للمكر ، لَيرومَنَّ مصر ، ولَيُفسِدَنَّ اليمنَ ، ولَيطْمَعَنَّ في العراق ، ومعه قوم يمانيّون قد أُشربوا قتل عثمان ، وقد اكتفوا بالظَّنّ عن العلم ، وبالشكِّ عن اليقين ، وبالهوى عن الخير ، فسر بأهل الحجاز وأهل العراق ، ثُمَّ ارمه بأمر يضيق فيه خناقهُ (63) ، ويقصر له من نفسه . فقال عليه السلام : « أَحسنْتَ واللّه ِ ، يا قَيْسُ » . (64) 5 _ دعا معاوية يوما النُّعْمان بن بَشير بن سَعْد الأنْصاريّ ، ومَسْلَمَة بن مخلّد الأنْصاريّ ، ولم يكن معه من الأنصار غيرهما ، فقال : يا هذان ، لقد غمَّني ما لقيت من الأوس والخَزْرَج ، صاروا واضعِي سيوفهم على عواتقهم يدعُون إلى النِّزال ، حَتَّى _ واللّه _ جبَّنوا أصحابي ، الشُجاع والجبان ، وحتى _ واللّه _ ما أسأل عن فارس من أهل الشَّام إلاَّ قالوا قتلتْه الأنصار . أمَا واللّه ، لألقينَّهم بحَدِّي وحديدي ، ولأُعبِّيَنَّ لكلِّ فارسٍ منهم فارسا ينشَبُ في حلْقِه ، ثُمَّ لأرمينَّهم بأعدادهم من قريش ، رجال لم يغْذُهُم التَمرُ والطَفَيْشَل (65) ، يقولون نحن الأنصار ، قد واللّه ، آوَوْا ونَصَروا ، ولكن أفسدوا حقَّهم بباطلهم . ] فأجابه النُّعْمانُ ومَسْلَمَةُ ] . . . وانتهى الكلامُ إلى الأنصار ، فجمع قَيْسُ بن سَعْد الأنْصاريّ الأنصارَ ، ثُمَّ قام خطيبا فيهم ، فقال : إنَّ معاوية قد قال ما بَلَغكم ، وأجاب عنكم صاحباكم ، فلعَمري لئن غظتم معاوية اليوم لقد غظتموه بالأمس ، وإن وتَرْتُموه في الإسلام فقد وتَرْتُموه في الشِّرك ، وما لكم إليه من ذنب أعظم من نصر هذا الدِّين الَّذي أنتم عليه ، فجِدُّوا اليوم جِدّا تُنْسونَه به ما كان أمس ، وجدُّوا غدا جِدّا تُنْسُونه به ما كان اليوم ، وأنتم مع هذا اللِّواء الَّذي كان يقاتل عن يمينه جبرائيل وعن يساره ميكائيل ، والقوم مع لواء أبي جهل والأحزاب . وأمَّا التَمر ، فإنَّا لم نغرِسْه ، ولكن غلبنا عليه مَن غَرسَه . وأمَّا الطَّفيشل ، فلو كان طعامَنا لَسُمِّينا به اسما ، كما سُمِّيت قريش السَّخينة . ثُمَّ قال قَيْس بن سَعْد في ذلك : يا ابْنَ هِنْدٍ دَعِ التَّوثُّبَ في الحَرْبِإذا نَحْنُ في البِلادِ نَأَيْنا نحنُ مَنْ قَدْ رَأَيْتَ فَادْنُ إذا شِئْتَبِمَنْ شِئْتَ فِي العَجَاجِ إليْنا إنْ بَرَزْنا بالجَمْعِ نَلقَكَ في الجَمْعِوإنْ شِئْتَ مَحْضَةً أسْرَيْنا فالقَنَا في اللَّفيفِ نَلْقَكَ فِي الخَزْرَجِندعُو فِي حَرْبِنا أبَوَيْنا أيَّ هذين ما أرَدْتَ فَخُذْهُلَيْسَ مِنَّا ولَيْسَ مِنْكَ الهُوَينا ثُمَّ لا تَنْزِعُ العَجَاجَةُ (66) حَتَّىتَنْجَلي حربُنا لنا أو عَلَينا ليتَ ما تطلُبُ الغَداةَ أتاناأنعَمَ اللّه ُ بالشَهادَةِ عَيْنا إنَّنا إنَّنا الَّذِين إذا الفتحَشَهِدْناوخَيْبَرا وحُنَيْنا بَعْدَ بَدْرٍ وتِلْكَ قاصِمَةُ الظَهْرِوبِالنَّضِيرِ ثَنَيْنا يومَ الاحزاب قد علم النَّاسشفَينا مَن قَبلَكُم واشتفينا فلمَّا بلغ شعرُه معاوية ، دعا عَمْرو بن العاص ، فقال : ما ترى في شتْم الأنصار ؟ قال : أرى أن تُوعِد ولا تشتُم ، ما عسى أنْ نقول لهم ؟ إذا أردتَ ذمَّهم فذُمَّ أبدانَهم ولا تذمَّ أحسابهم . قال معاوية : إنَّ خطيب الأنصار قَيْسَ بن سَعْد يقوم كلَّ يوم خطيبا ، وهو واللّه ، يريد أن يُفنِينا غدا إن لم يحبِسْه عنَّا حابس الفيل ، فما الرَّأي ؟ قال : الرَّأي التَّوكُل والصَّبر . (67) 6 _ [ سأل يوما معاويةُ النُّعْمانَ بن بَشير أن يخرج إلى قَيْس ويعاتبه ويسأله السلم ، ] فخرج النُّعْمان حَتَّى وَقَف بين الصَّفّين ، فقال : يا قَيْس ، أنا النُّعْمان بن بشير . فقال قَيْس : هِيه يا ابن بشير ، فما حاجتُك ؟ فقال النُّعْمان : يا قَيْس إنَّه قد أنصفكم من دعاكم إلى ما رضي لنَفْسه ، ألسْتُم معشر الأنصار ، تعلمون أنَّكم أخطأتم في خذْل عثمان َ يوم الدَّار ، وقَتلتمْ أنصارَه يوم الجمل ، وأقحمتم خيولَكم على أهل الشَّام بصفِّين ، فلو كنتم إذْ خذلتُم عثمانَ خذَلْتم عليَّا لكانت واحدة بواحدةً ، ولكنَّكم خذلتم حَقَّا ونصرتُم باطلاً ، ثُمَّ لم ترضوا أن تكونوا كالنَّاس ، حَتَّى أعلَمْتُم في الحرب ، ودعوتم إلى البِراز ، ثُمَّ لم ينزِل بعليٍّ أمرٌ قطُّ إلاَّ هَوَّنتم عليه المُصِيبة ، ووعدتموه الظَّفر ، وقد أخذت الحربُ منَّا ومنكم ما قد رأيتم ، فاتَّقوا اللّه في البقيَّة . فضحك قَيْس ، ثُمَّ قال : ما كنتُ أراك يا نُعْمان تجترِئُ على هذه المقالة ، إنَّه لا ينصح أخَاه مَن غشَّ نفسه ، وأنتَ واللّه الغاشُّ الضَّالّ المضلّ . أمَّا ذِكرك عثمان َ ، فإن كانت الأخبارُ تكفيك فخُذْها منِّي واحدةً ، قَتَل عثمان مَن لستَ خيرا منه ، وخذَله مَن هو خيرٌ منك . وأمَّا أصحاب الجمل فقاتلناهم على النَّكْث . وأمَّا معاوية فواللّه أن لو اجتمعت عليه العرب ( قاطبةً ) لقاتلته الأنصار . وأمَّا قولك : إنّا لسنا كالنَّاس ، فنحن في هذه الحرب كما كنَّا مع رسول اللّه ، نت ّقي السُّيوف بوجوهنا ، والرِّماحَ بنُحُورنا ، حَتَّى جاء الحقُّ وظهر أمرُ اللّه ِ وهُم كارِهون ، ولكن انظُر يا نُعْمان ، هل ترى مع معاوية إلاَّ طليقا أو أعرابيَّا أو يمانيَّا مُسْتَدْرَجا بغُرور . انظُر أينَ المهاجرون والأنصار والتَّابعون بإحسان ، الَّذِين رضي اللّه عنهم ؟ ثُمَّ انظُر هل ترَى مع معاوية غيرَك وصُوَيحِبِكَ ؟ ولستما واللّه ببدرِيَّين ولا عَقَبيَّين ولا أُحُدِيَّيْنِ ، ولا لكما سابقةٌ في الإسلام ، ولا آية في القرآن . ولعَمري لئن شغبتَ علينا ، لقد شَغَب علينا أبوك . وقال قَيْس في ذلك : والرَّاقصاتِ بِكُلِّ أشعثَ أغْبَرٍخُوصِ العُيونِ تحثُّها الرُكبانُ ما ابن المُخَلَّدِ ناسيا أسيافَنافيمن نحاربُه ولا النُّعْمانُ تَركا البَيانَ وفِي العِيانِ كِفَايَةٌلو كانَ يَنْفَعُ صاحِبَيْهِ عِيَانُ ثُمَّ إنَّ عليَّا عليه السلام دعا قَيْس بن سعد ، فأثنى عليه خيرا وسوَّده على الأنصار . (68) 7 _ [ لمَّا تخلَّف جمع من أهل المدينة عن عليّ عليه السلام ، قال الأشْتَر لعليّ عليه السلام : ]دعني يا أمير المونين ، أُوقع بهواء الَّذِين يتخلّفون عنك . فقال له علي عليه السلام : « كُفَّ عَنِّي » ، فانصرف الأشْتَر وهو مغضب . ثُمَّ إنَّ قَيْس بن سَعْد لقي مالكا الأشْتَر في نفرٍ من المهاجرين والأنصار ، فقال قَيْس للأشْتَر : يا مالِكُ ، كلَّما ضاقَ صدرُك بشيءٍ أخرجته ، وكلَّما استبطأت أمرا استعجلته ، إنَّ أدب الصَّبر التَّسليم ، وأدب العجلة الأناة ، وإنَّ شرَّ القول ما ضاهى العيب ، وشرَّ الرَّأي ما ضاهى التُّهمة ، وإذا ابتليت فاسأل ، وإذا أُمرت فأطع ، ولا تسأل قبل البلاء ، ولا تكلّف قبل أن ينزل الأمر ، فإنَّ في أنفسنا ما في نفسك ، فلا تشقّ على صاحبك . (69) 8 _ قال اليعقوبي : _ في صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية _ وأتاه قَيْس بن سَعْد بن عُبادَة ، فقال : بايع قَيْس ! قال : إنْ كنتُ لأكره مثل هذا اليوم ، يا معاوية . فقال له : مه ، رحمك اللّه ! فقال : لقد حرصت أن أفرّق بين روحك وجسدك قبل ذلك ، فأبى اللّه ، يا ابن أبي سُفْيَان ، إلاَّ ما أحبّ . قال : فلا يُردّ أمر اللّه . قال : فأقبل قَيْس على النَّاس بوجهه ، فقال : يا معشر النَّاس ، لقد اعتضتم الشَّرّ من الخير ، واستبدلتم الذُّلّ من العزّ ، والكفر من الإيمان ، فأصبحتم بعد ولاية أمير المونين ، وسيّد المسلمين ، وابن عمّ رسول ربّ العالمين ، وقد وليَكُم الطَّليق ابن الطليق يسومكم الخسف ، ويسير فيكم بالعسف ، فكيف تجهل ذلك أنفسكم ، أم طبع اللّه على قلوبكم ، وأنتم لا تعقلون . فجثا معاوية على ركبتيه ، ثُمَّ أخذ بيده ، وقال : أقسمت عليك ! ثُمَّ صفق على كفّه ، ونادى النَّاس : بايع قَيْس ! فقال ، كذبتم ، واللّه ، ما بايعت . (70) 9 _ قال معاوية لقيس بن سعد : رحِم اللّه أبا حسن ؛ فلقد كان هشَّا بشَّا ذا فُكاهة . قال قَيْس : نعم كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يمزَحُ ويبتسم إلى أصحابه ، وأراك تُسرّ حَسْوا في ارتِغاء (71) ، وتعيبه بذلك ! أمَا واللّه ، لقد كان مع تلك الفُكاهة والطّلاقة أهيَبَ من ذي لِبْدتيْن قد مسّه الطَّوى ؛ تلك هيبة التَّقوى ، وليس كما يهابك طَغامُ أهل الشَّام . (72) 10 _ دخل قَيْس بن سَعْد بعد وفاة عليّ ، ووقوع الصُّلح في جَماعة من الأنصار على معاوية ، فقال لهم معاوية : يا معشر الأنصار بِمَ تطلبون ما قبلي ؟ فواللّه لقد كنتم قليلاً معي كثيرا عليَّ ، ولفللتم حَدِّي يوم صِفِّين حَتَّى رأيت المنايا تلظَّى في أسنّتكم ، وهجوتموني في أسلافي بأشَدَّ من وقع الأسنّة ، حَتَّى إذا أقام اللّه ما حاولتم ميله قلتم : ارْعَ فينا وصية رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ه يهات ، يأبى الحَقينُ العِذرَةَ (73) . فقال قَيْس : نطلب ما قبلك بالإسلام الكافي به اللّه ، لا بما تمتُّ به إليك الأحزاب ، وأمَّا عداوتنا لك فلو شئت كففتها عنك . وأمَّا هجاؤنا إيَّاك ، فقول يزول باطله ، ويثبت حقّه. وأمَّا استقامة الأمر فعلى كره كان منّا . وأمَّا فَلُّنا حدّك يوم صفِّين ، فإنَّا كنَّا مع رجل نرى طاعَتَه طاعة اللّه . وأمَّا وصيّة رسول اللّه بنا ، فمن آمن به رعاها بعده . وأمَّا قولك : « يأبى الحقين العذرة » فليس دون اللّه يد تحجزك منَّا يا معاوية . (74) 11 _ لمَّا فرّ عبيد اللّه بن العبَّاس ولحِق بمعاوية ، خرج قَيْس وصلّى بالجند ، ثُمَّ خطبهم فقال : أيُّها النَّاس ، لا يهولنَّكم ولا يَعظُمَنَّ عليكم ما صنع هذا الرَّجل الوله الورع ( أي الجبان ) ، إنَّ هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خير قطُّ ، إنَّ أباه عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، خرج يقاتله ببدر ، فأسره أبو اليسر كَعْب بن عَمْرو الأنْصاريّ ، فأتى به رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأخذ فداءه فقسَّمه بين المسلمين ، وإنَّ أخاه ولاَّه عليّ أمير المؤمنين على البصرة ، فسرق مال اللّه ومال المسلمين ، فاشترى به الجواري ، وزعم أنَّ ذلك له حلال ، وإنَّ هذا ولاّه على اليمن فهرب من بُسر بن أرطاة ، وترك ولده حَتَّى قتلوا ، وصنع الآن هذا الَّذي صنع . (75) [ وأمَّا سخاء قَيْس وإمارته في العهد النَّبويّ ، وفي حكومة الوصيّ ، وشرفه وزهده وفضله وحياته ووفاته ، فعليك بكتب المعاجم والتَّاريخ ، فلقد أطال الأميني قدس سره الكلام في الغدير ، وأجاد وأفاد للّه درّه وعليه أجره ، فلو أردنا أن نكتب عنه بما يحقّ له ويستحقّه لكان كتابا ضَخْما خارِجا عن شرط الكتاب ، ولا غُرو أن يكون قَيْس كذلك بعد أن أدرك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، و لازمه ونهل منه واستفاد ، وكان منه صلى الله عليه و آله بمنزلة الشُّرطة من الأمير ، يلي ما يلي من أموره ، وكان صاحب راية الأنصار في بعض غزواته صلى الله عليه و آله ، واستعمله على الصَّدقة . وولاّه أمير المؤمنين عليه السلام مصر ، ثُمَّ شرطته ، ثُمَّ ولاّه آذربايجان ، وحضر معه حروبه على مقدمته تارة ، وعلى رجَّالة أهل البصرة أخرى ، وسوّده على الأنصار ، وبايع الإمام المجتبى عليه السلام ، وكان على مقدّمته ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رؤوسهم بعدما مات عليٌّ ، وتبايعوا على الموت ، وفي أهل بيته قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « الجُودُ شِيمَةُ أهْلِ ذَلِكَ البَيْتِ » . وقال صلى الله عليه و آله : « اللّهمّ اجعَلْ صَلواتِكَ ورَحمَتكَ علَى آلِ سَعْدِ بنِ عُبادَةَ ، اللَّهمَّ ارحَمْ سَعْدا وآلَ سَعْدٍ » . وقال صلى الله عليه و آله لسَعْد وقَيْس : « بارَكَ عَلَيْكُما يا أبا ثابِتٍ ، فَقَدْ أفلَحْتَ ، إنَّ الأخلاف بيد اللّه ، فمَن شاءَ أنْ يَمنحَهُ مِنها خلَفَا صالِحا مَنحَهُ ، ولقَدْ مَنحَكَ اللّه ُ خَلَفا صالِحا » . ونختم ترجمته بكلام المسعودي في مروج الذَّهب : قال : وقد كان قَيْس بن سَعْد من الزُّهد والدِّيانة والميل إلى عليٍّ بالموضع العظيم ، وبلغ من خوفه اللّه وطاعته إيَّاه ، أنَّه كان يصلِّي ، فلمَّا أهوى للسجود إذا في موضع سجوده ثعبان عظيم مطوّق ، فمال عن الثُّعبان برَأسه ، وسجد إلى جانبه ، فتطوّق الثُّعبانُ برقبته ، فلم يقصر من صلاته ، ولا نقص منها شئيا ، حَتَّى فرغ ، ثُمَّ أخذ الثُّعبان فرمى به ، كذلك ذكر الحسن بن عليّ بن عبد اللّه بن المُغِيْرَة ، عن معمّر بن خلاّد ، عن أبي الحسن عليِّ بن موسى الرِّضا (76) ] .

.


1- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص203 .
2- . أنساب الأشراف : ج 3 ص238 .
3- . رجال الطوسي : ص45 الرقم351 ؛ تهذيب الكمال : ج4 الرقم4906 ، الاستيعاب : ج 3 ص350 الرقم2158 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص102 الرقم21 ، تاريخ مدينة دمشق : ج49 ص396 .
4- . الاستيعاب : ج 3 ص350 الرقم2158 ، اُسد الغابة : ج 4 ص404 الرقم4354 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص102 الرقم21 .
5- . تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص290 ، البداية والنهاية : ج8 ص99 وراجع: اُسد الغابة : ج 4 ص404 الرقم4354 .
6- . تاريخ بغداد : ج 1 ص178 الرقم17 وفيه « كان شجاعا ، بطلاً ، كريما ، سخيّا » ، الكامل للمبرّد : ج2 ص641 وفيه « كان شجاعا ، جوادا ، سيّدا » .
7- . تهذيب الكمال : ج 24 ص 43 الرقم 4906 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص 178 الرقم 17 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج 4 ص 290 ، الاستيعاب : ج 3 ص 351 الرقم 2158 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 49 ص 410 _ 422 .
8- . تاريخ بغداد : ج 1 ص178 الرقم17 ، تاريخ الطبري : ج4 ص552 وفيه « كان صاحب راية الأنصار مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله » ، الاستيعاب : ج 3 ص350 الرقم2158 ، تاريخ مدينة دمشق : ج49 ص401 و ص 403 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص103 الرقم21 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص290 .
9- . رجال الكشّي : ج 1 ص185 الرقم 78 .
10- . رجال البرقي : ص65 .
11- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص179 ؛ الطبقات الكبرى : ج6 ص52 ، تاريخ خليفة بن خيّاط :ص152 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص178 الرقم17 .
12- . الغارات : ج1 ص212 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص549 و550 و ج5 ص94 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص354 ، تاريخ مدينة دمشق : ج49 ص425 .
13- . الطبقات الكبرى : ج6 ص52 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص152 ، الاستيعاب : ج 3 ص350 الرقم2158 ، اُسد الغابة : ج 4 ص405 الرقم4354 .
14- . الطبقات الكبرى : ج6 ص52 ، تاريخ الطبري : ج5 ص95 و ص 158 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص410 ، تاريخ مدينة دمشق : ج49 ص428 ؛ رجال الكشّي : ج 1 ص326 الرقم 177 وفيه « صاحب شرطة الخميس » .
15- . وقعة صفّين : ص208 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص11 ، البداية والنهاية : ج7 ص261 .
16- . وقعة صفّين : ص453 .
17- . وقعة صفّين : ص93 و ص 446 _ 449 .
18- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص202 ، الغارات : ج1 ص257 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص278 .
19- . تاريخ بغداد : ج 1 ص178 الرقم17 ، الاستيعاب : ج 3 ص350 الرقم2158 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 49 ص403 .
20- . تاريخ خليفة بن خيّاط : ص149 .
21- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص203 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص238 .
22- . نهج البلاغة : الخطبة 182 .
23- . أنساب الأشراف : ج3 ص278 .
24- . الطبقات الكبرى : ج6 ص53 ، تاريخ الطبري : ج5 ص159 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص445 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص178 الرقم17 ، تاريخ مدينة دمشق : ج49 ص403 وفيهما « كان مع الحسن بن عليّ على مقدّمته بالمدائن » .
25- . مقاتل الطالبيّين : ص73 .
26- . رجال الكشّي : ج 1 ص326 الرقم 177 ؛ اُسد الغابة : ج 4 ص405 الرقم4354 ، تاريخ بغداد : ج1 ص178 الرقم17 ، مقاتل الطالبيّين : ص79 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص48 .
27- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص102 الرقم21 .
28- . التاريخ الصغير : ج1 ص137 ، تهذيب الكمال : ج24 ص 44 الرقم 4906 ، تاريخ الطبري :ج5 ص164 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص448 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص108 الرقم21 .
29- . الطبقات الكبرى : ج6 ص53 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص172 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص179 الرقم17 ، الاستيعاب : ج 3 ص351 الرقم2158 ، تاريخ مدينة دمشق : ج49 ص403 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص112 الرقم21 .
30- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص103 الرقم21 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص290 ، تهذيب الكمال : ج24 ص 42 الرقم 4906 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص178 الرقم17 وفيه « له لحية ، وأشار سفيان إلى ذقنه » ، البداية والنهاية : ج8 ص102 وفيه « له لحية في ذقنه » .
31- . اُسد الغابة : ج 4 ص404 الرقم4354 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص290 ، تاريخ مدينة دمشق : ج49 ص415 و416 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص106 الرقم21 .
32- . تاريخ بغداد : ج1 ص178 ، تهذيب الكمال : ج4 ص 3 الرقم 4906 ، تاريخ مدينة دمشق : ج49 ص418 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص106 الرقم21 ، البداية والنهاية : ج8 ص100 .
33- . الاستيعاب : ج 3 ص352 الرقم2158 .
34- . تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص290 ، تاريخ مدينة دمشق : ج49 ص415 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص106 الرقم21 ، الاستيعاب : ج 3 ص352 الرقم2158 نحوه ، البداية والنهاية : ج8 ص99 وفيه « فأر بيتي » بدل « الجرذان » .
35- . شعب الإيمان : ج 4 ص324 الرقم5268 ، تهذيب الكمال : ج24 ص 44 الرقم 4906 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص290 ، تاريخ مدينة دمشق : ج49 ص423 ، اُسد الغابة : ج 4 ص405 الرقم4354 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص107 الرقم21 وفيها « من أمكر » .
36- . تهذيب الكمال : ج24 ص 44 الرقم 4906 ، التاريخ الصغير : ج1 ص137 نحوه ، تاريخ الطبري : ج5 ص164 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص108 الرقم21 كلّها عن الزُّهري ، الكامل في التاريخ : ج2 ص448 ، اُسد الغابة : ج4 ص405 الرقم4354 ، تاريخ مدينة دمشق : ج49 ص423 .
37- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص103 الرقم21 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص178 الرقم17 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص354 وفيه « كان صاحب راية الأنصار مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله » بدل « كان صاحب لواء النبيّ صلى الله عليه و آله في بعض مغازيه » وراجع الاستيعاب : ج 3 ص350 الرقم2158 والبداية والنهاية : ج8 ص99 .
38- . تاريخ الطبري : ج4 ص547 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص354 وليس فيه من « وأنا أصير » إلى « المستعان على ذلك » ؛ الغارات : ج1 ص208 .
39- . الكامل في التاريخ : ج2 ص354 ، تاريخ الطبري : ج4 ص548 وفيه « خربتا » بدل « خَرنبا » في كلا الموضعين ؛ الغارات : ج1 ص211 وراجع أنساب الأشراف : ج3 ص162 .
40- . تاريخ الطبري : ج4 ص553 ؛ الغارات : ج1 ص215 وراجع: الكامل في التاريخ : ج2 ص355 ، أنساب الأشراف : ج3 ص163 .
41- . تاريخ الطبري : ج4 ص554 ؛ الغارات : ج1 ص218 و219 وراجع أنساب الأشراف : ج3 ص163 .
42- . تاريخ الطبري : ج4 ص555 ، أنساب الأشراف : ج3 ص164 نحوه ، الكامل في التاريخ : ج2 ص356 ؛ الغارات : ج1 ص219 _ 222 .
43- . آمَرَه في أمْرِه ووامَرَه واستَأمَرَه : شاوَرَه ( لسان العرب : ج4 ص30 ) .
44- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص110 الرقم21 ، تاريخ مدينة دمشق : ج49 ص428 وفيه « وجعله مقدّمة أهل العراق على شرطة الخميس الَّذين كانوا يبايعون للموت » .
45- . الغارات : ج1 ص256 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص95 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص410 .
46- . تاريخ الطبري : ج5 ص158 .
47- . السُِّناط بالكسر وبالضم: كوسج لا لحية له أصلاً ، أو الخفيف اللّحية ولم يبلغ حال الكوسج، أو لحيتهُ في الذِّقن وما بالعارضين شيء . (القاموس المحيط: ج 2 ص 367).
48- . راجع : مروج الذَّهب : ج 3 ص 26 ، المعارف لابن قتيبة : ص593 ، مقاتل الطالبيّين : ص70 _ 79 ؛ رجال الكشّي : ج1 ص327 الرقم177 ، الغدير : ج2 ص108 والإصابة ، الاستيعاب ، أسد الغابة ) .
49- . راجع : وقعة صفّين : ص 447 ، الغدير : ج2 ص74 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج8 ص86 ، أسد الغابة: ج 1 ص 404 الرقم 4354، الإصابة: ج 5 ص 360 الرقم 7192، الاستيعاب: ج 3 ص 350 الرقم 2158 .
50- . تاريخ الطبري : ج4 ص555 ، أنساب الأشراف : ج1 ص300 .
51- . . المصنّف لعبد الرزاق: ج 5 ص 460 ح 9770 ، تاريخ الطبري : ج5 ص94 .
52- . تاريخ الطبري : ج4 ص555 .
53- . الغدير : ج2 ص72 .
54- . البداية والنهاية : ج8 ص99 .
55- . بثير: جبل معروف .
56- . الغدير : ج2 ص74 ، الأمالي للطوسي : ص88 ح133 .
57- . راجع : أنساب الأشراف : ج3 ص162 _ 163 ، تاريخ الطبري : ج4 ص550 _ 555 ، مروج الذهب : ج3 ص25 ، الإصابة : ج3 ص249 ، أسد الغابة : ج4 ص216 ، الاستيعاب : ج3 ص226 ، مقاتل الطالبيين : ص65 ، البيان والتبيين : ج2 ص69 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص9_ 62 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص176 و204 .
58- . الإمامة والسياسة : ج1 ص81 .
59- . تاريخ الطبري : ج4 ص549 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص60 .
60- . عرّد الرجلُ عن قرنه: إذا أحجم ونكل ، والتعريد : الفرار . ( لسان العرب: ج 3 ص 288 ).
61- . القطين: تُبَّاعُ الملك ومماليكهُ وخدمه، والمقيمون في الموضع لا يكادون يبرحونه . ( لسان العرب: ج 13 ص 343 ) .
62- . وقعة صفِّين : ص93 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص173 .
63- . هم في خُناق : أي في ضيق (النهاية : ج 2 ص 85) .
64- . الأمالي للطوسي : ص716 ح 1518 ، الغدير : ج2 ص75 .
65- . الطّفيشل : نوع من اطرق معروف (تاج العروس : ج 15 ص 437) .
66- . العجاج : الغبارُ ، والدَّخان أيضا ، والعجاجة أخصَّ منه .
67- . وقعة صفِّين : ص445 _ 447 ، الغدير : ج2 ص80 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج8 ص84 .
68- . وقعة صفِّين : ص448 _ 453 وراجع : الغدير : ج2 ص79 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص87 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص102 .
69- . الأمالي للطوسي : ص717 ح1518 ، الغدير : ج2 ص73 .
70- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص216 ، الغدير : ج1 ص25 .
71- . جاء في الحديث : «رغوة السّدر» والمراد زبده الذي يعلو عند ضربه بالماء (مجمع البحرين : ج 2 ص 716) .
72- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص25 .
73- . يضرب مثلاً للرجل يعتذر ولا عُذرَ له ، أصل ذلك : أنّ رجلاً ضاف قوما فاستسقاهم لبنا ، وعندهم لبن قد حقنوه فاعتلُّو او أعتذروا ، فقال : أبى الحقين العذرة ، أي أنَّ هذا اللَّبن يكذِّبكم (لسان العرب : ج 13 ص 120) .
74- . مروج الذَّهب : ج3 ص26 ، العِقد الفريد : ج4 ص34 .
75- . مقاتل الطالبيّين : ص73 ، رجال الكشّي : ج1 ص112 الرقم179 . وإن شئت زيادة على ذلك فراجع : الاحتجاج : ص152 ، الغدير : ج 2 ص76 وص77 وص89 وص99 وص100 وص106 وج10 ص157 ؛ البيان والتبيين : ج2 ص69 ، العِقد الفريد : ج4 ص338 ، مقاتل الطالبيّين : ص65 و66 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص43 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص119 .
76- . مروج الذَّهب : ج 3 ص 26 . وراجع في فضائله المذكورة رجال الكشّي : ج 1 ص 95 الرقم 151 وص 38 الرقم 78 وص 45 الرقم 95 وص 109 الرقم 176 _ 177 وص 112 الرقم 179 ، القاموس : ج 7 ص 398 _ 401 ، سفينة البحار : ج 2 ص 457 ؛ أسد الغابة : ج 4 ص 216 ، الإصابة : ج 3 ص 249 ، الاستيعاب : ج 3 ص131 _ 224 .

ص: 499

. .

ص: 500

. .

ص: 501

. .

ص: 502

. .

ص: 503

. .

ص: 504

. .

ص: 505

. .

ص: 506

. .

ص: 507

. .

ص: 508

. .

ص: 509

. .

ص: 510

. .

ص: 511

. .

ص: 512

. .

ص: 513

. .

ص: 514

. .

ص: 515

. .

ص: 516

. .

ص: 517

. .

ص: 518

. .

ص: 519

. .

ص: 520

. .

ص: 521

. .

ص: 522

. .

ص: 523

عبد اللّه بن شبيل الأحمسيّ

الأحنف بن قيس

عَبدُ اللّه ِ بنُ شُبَيْلٍ الأحْمَسِيّكان واليا على آذربايجان مدّةً (1) . وعندما فُتحت ثانيةً سنة 24 ه أو 25 ه توجّه إليها أميرا على مقدّمة الجيش (2) . أثنى عليه الإمام عليّ عليه السلام بالتَّواضع وحسن السيرة والهدي (3) .

الأحْنَفُ بنُ قَيْسالأحنف بن قَيْس بن معاوية ، أبو بحر التَّميميّ السَّعدي ، والأحنف لقب له لحَنَفٍ (4) كان برجله ، واسمه الضَّحَّاك ، وقيل : صخر ، من كبار تميم (5) . أسلم على عهد النَّبيّ صلى الله عليه و آله (6) ، لكنّه لم يَرَهُ (7) . حُمِدَ بالحلم والسِّيادة ، وربّما أفرط مترجموه في نقل بعض الأمثلة من حلمه وسيادته (8) . وكان الأحنف من اُمراء الجيش في فتح خراسان أيّام عمر (9) . وفتح مَرْو في عصر عثمان (10) . واعتزل الإمامَ أمير المؤمنين عليّا عليه السلام في حرب الجمل (11) ، فتبعه أربعة آلاف من قبيلته تاركين عائِشَة ، (12) ودَعته عائِشَة إلى اللِّحاق بها ، فلم يُجِب ودحض موقفها بكلام بصير واعٍ . (13) وكان من قادة جيش الإمام عليه السلام في معركة صفِّين (14) ، واقترح أن يمثّل الإمام عليه السلام في التَّحكيم بدل أبي موسى (15) . واعتزل في فتنة ابن الحَضْرَمِيّ ولم يدافع عن الإمام عليه السلام . وكانت سياسته ترتكز على المسامحة والموادعة ، ومسايرة قومه وقبيلته ، والابتعاد عن التَّوتّر (16) . وكانت له منزلة حسنة عند معاوية (17) ، لكنّه لم يتنازل عن مدح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والثَّناء عليه (18) وتعظيمه يومئذٍ . وكاتَبه الإمام الحسين عليه السلام قبل ثورته فلم يُجِبه (19) . وإنْ صحّ هذا ( أي عدم استجابته لدعاء الإمام عليه السلام ) ؛ فهو دليل على ركونه إلى الدُّنيا ، وتزعزع عقيدته . وكانت تربطه بمُصْعَب بن الزُّبَيْر صداقة ، من هنا رافقه في مسيره إلى الكوفة (20) . مات الأحنف سنة 67 ه (21) . في تاريخ مدينة دمشق عن عبد اللّه بن المبارك : قيل للأحنف بن قيس : بأيّ شيء سوّدك قومك ؟ قال : لو عاب النَّاس الماءَ لم أشربه (22) . وفي الجمل _ في ذكر حرب الجَمل _ : بعث إليه ( عليٍّ عليه السلام ) الأحنفُ بن قَيْس رسولاً يقول له : إنّي مقيم على طاعتك في قومي ؛ فإنْ شئتَ أتيتك في مئتين من أهل بيتي فعلتُ ، وإن (23) شئتَ حبست عنك أربعة آلاف سيف من بني سعد . فبعث إليه أمير المؤمنين عليه السلام : بل أحبس وكفّ . فجمع الأحنف قومه ، فقال : يا بني سعد ! كُفّوا عن هذه الفتنة ، واقعدوا في بيوتكم ؛ فإن ظهر أهل البصرة فهم إخوانكم لم يُهيّجوكم ، وإن ظهر عليٌّ سلمتم . فكَفّوا وتركوا القتال (24) . وفي الجمل : لمّا جاء رسول الأحنف وقد قدم على عليٍّ عليه السلام بما بذل له من كفّ قومه عنه ، قال رجل : يا أمير المؤمنين ، من هذا ؟ قال : هذا أدهَى العَرَبِ وخَيرُهُم لقومه . فقال عليّ عليه السلام : « كَذلِكَ هُوَ ، وإنّي لأُمثِّلُ بينه وبين المُغِيْرَة بن شُعْبَة ؛ لزِمَ الطَّائفَ ، فأقام بها ينتظر على من تستقيم الاُمّة » ! فقال الرَّجل : إنّي لأحسب أنّ الأحنف لأسرع إلى ما تحبّ من المُغِيْرَة (25) . وفي وقعه صفِّين _ في ذكر إعزام الحكمين في آخر حرب صفِّين _ : قام الأحنف بن قيس إلى عليّ عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي خيّرتك يوم الجمل أن آتيك فيمن أطاعني ، وأكفّ عنك بني سعد ، فقلت : كفّ قومك فكفى بكفّك نصيرا ، فأقمت بأمرك . وإنّ عبد اللّه بن قَيْس رجل قد حلبت أشطره فوجدته قريب القعر كليل المُدية ، وهو رجل يمانٍ ، وقومه مع معاوية . وقد رُمِيتَ بحجر الأرض وبمن حارب اللّه ورسوله ، وإنّ صاحب القوم من ينأى حتَّى يكون مع النَّجم ، ويدنو حتَّى يكون في أكفّهم . فابعثني وواللّه لا يحلّ عقدة إلاّ عقدتُ لك أشدّ منها . فإن قلت : إنّي لست من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ فابعث رجلاً من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، غير عبد اللّه بن قيس ، وابعثني معه . فقال عليّ : إنّ القومَ أتَوني بِعَبْدِ اللّه ِ بنِ قَيْسٍ مُبَرْنَسا (26) ، فقالوا : ابعث هذا ؛ فقد رضينا به . واللّه بالغُ أمره (27) . وفي وقعة صفِّين _ بعد ذكر دعوة الإمام عليه السلام أهل البصرة لقتال معاوية ، وقراءة ابن عبّاس كتابه عليه السلام عليهم _ : فقام الأحنف بن قَيْس فقال : نعم ، واللّه لنُجِيبَنَّك ، ولنخرجنّ مَعكَ على العسر واليسر ، والرِّضا والكره ، نحتسب في ذلك الخير ، ونأمل من اللّه العظيم من الأجر (28) . وفي تاريخ مدينة دمشق : إنّ الأحنف بن قَيْس دخل على معاوية ، فقال : أنت الشَّاهر علينا سيفك يوم صفِّين ، والمخذِّل عن أمّ المؤمنين ؟ ! فقال : يا معاوية ! لا تردّ الاُمور على أدبارها ؛ فإنّ السُّيوف الَّتي قاتلناك بها على عواتقنا ، والقلوب الَّتي أبغضناك بها بين جوانحنا ، واللّه لا تمدّ إلينا شبرا من غدرٍ إلاّ مددنا إليك ذراعا من خَتْر (29) ، وإن شئت لتستصفينّ كدر قلوبنا بصفوٍ من عفوك . قال : فإنّي أفعل (30) . وفي العقد الفريد عن أبي الحباب الكِنْديّ عن أبيه : إنّ معاوية بن أبي سفيان ، بينما هو جالس وعنده وجوه النَّاس ، إذ دخل رجل من أهل الشَّام ، فقام خطيبا ، فكان آخر كلامه أن لعن عليّا ، فأطرق النَّاس وتكلّم الأحنف ، فقال : يا أمير المؤمنين ! إنّ هذا القائل ما قال آنفا ، لو يعلم أنّ رضاك في لعن المرسلين للعنهم ! فاتّقِ اللّه ودعْ عنك عليّا ؛ فقد لقي ربّه ، واُفرد في قبره ، وخلا بعمله ، وكان واللّه _ ما علمنا _ المُبرِّز بسبقه ، الطَّاهر خُلقه ، الميمون نقيبته (31) ، العظيم مصيبته . فقال له معاوية : يا أحنف ! لقد أغضيت العين على القذى ، وقلت بغير ما ترى ، وأيم اللّه لتصعدنّ المنبر فلتلعنَنَّهُ طوعا أو كرها ، فقال له الأحنف : يا أمير المؤمنين ! إن تُعفِني فهو خير لك ، وإن تجبرني على ذلك فو اللّه لا تجري به شفتاي أبدا ، قال : قم فاصعد المنبر . قال الأحنف : أما واللّه مع ذلك لاُنصفنّك في القول والفعل . قال : وما أنت قائل يا أحنف إن أنصفتني ؟ قال : أصعد المنبر ، فأحمد اللّه بما هو أهله ، واُصلّي على نبيّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ أقول : أيُّها الناس ، إنّ أمير المؤمنين معاوية أمرني أن ألعن عليّا ، وإنّ عليّا ومعاوية اختلفا فاقتتلا ، وادّعى كلّ واحد منهما أنّه بُغي عليه وعلى فئته ؛ فإذا دعوت فأمِّنوا رحمكم اللّه . ثمّ أقول : اللَّهمَّ العن أنت وملائِكَتُكَ وأنبياؤك وجميع خلقك الباغي منهما على صاحبه ، والعن الفئة الباغية ، اللَّهمَّ العنهم لعنا كثيرا . أمِّنوا رحمكم اللّه ! يا معاوية ! لا أزيد على هذا ولا أُنقص منه حرفا ، ولو كان فيه ذهاب نفسي . فقال معاوية : إذن نُعفيك يا أبا بحر (32) . وفي عيون الأخبار عن السَّكن : كتب الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما إلى الأحنف يدعوه إلى نفسه فلم يردّ الجواب ، وقال : قد جرّبنا آل أبي الحسن ، فلم نجد عندهم إيالة للملك (33) ، ولا جمعا للمال ، ولا مكيدة في الحرب (34) .

.


1- . أنساب الأشراف : ج3 ص238 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص203 .
2- . تاريخ الطبري : ج 4 ص 246 ، الكامل في التاريخ : ج 2 ص 231 ، الإصابة : ج 4 ص 109 الرقم 4760 ، الاستيعاب : ج 3 ص 58 الرقم 1589 ، اُسد الغابة : ج 3 ص 274 الرقم 3004 وفي الثلاثة الأخيرة « سنة 28 ه » .
3- . أنساب الأشراف : ج2 ص389 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص202 .
4- . الحَنَفُ في القَدَمينِ : إقبال كلّ واحدة منهما على الاُخرى بإبهامها ( لسان العرب : ج9 ص56 ) .
5- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص87 الرقم29 ، المعارف لابن قتيبة : ص425 ، تاريخ مدينة دمشق : ج24 ص310 وفيه « وكان سيّد قومه » .
6- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص87 الرقم29 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج5 ص346 الرقم136 ، الاستيعاب : ج1 ص230 الرقم161 .
7- . الاستيعاب : ج 1 ص 230 الرقم 161 ، اُسد الغابة : ج 1 ص 179 الرقم 51 ، الإصابة : ج 1 ص 332 الرقم 429 .
8- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص91 الرقم29 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج 5 ص345 الرقم136 ، وفيات الأعيان : ج2 ص499 وفيهما « يُضرب به المثل في الحلم » .
9- . المعارف لابن قتيبة : ص425 ، تاريخ مدينة دمشق : ج24 ص313 .
10- . تاريخ الطبري : ج4 ص310 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص121 ، المعارف لابن قتيبة : ص425 ،تاريخ مدينة دمشق : ج24 ص313 .
11- . تاريخ الطبري : ج4 ص500 ، الأخبار الطوال : ص148 ؛ الجمل :ص295 .
12- . الجمل : ص295 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص501 .
13- . اُسد الغابة : ج3 ص13 الرقم2493 .
14- . وقعة صفّين : ص117 و ص 205 ؛ سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص87 الرقم29 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص146 ، تاريخ مدينة دمشق : ج24 ص299 .
15- . وقعة صفّين : ص501 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص52 ، الأخبار الطوال : ص193 .
16- . الكامل في التاريخ : ج2 ص415 .
17- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص95 الرقم29 .
18- . العقد الفريد : ج3 ص87 ، وفيات الأعيان : ج2 ص504 .
19- . عيون الأخبار لابن قتيبة : ج1 ص211 .
20- . الطبقات الكبرى : ج7 ص97 ، تاريخ الطبري : ج6 ص95 ، تاريخ مدينة دمشق : ج24 ص301 .
21- . تاريخ خليفة بن خيّاط : ص203 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص96 الرقم29 ، تاريخ مدينة دمشق : ج24 ص302 .
22- . تاريخ مدينة دمشق : ج24 ص316 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص91 الرقم29 .
23- . في المصدر : « فإن » ، والصحيح ما أثبتناه .
24- . الجمل : ص295 .
25- . الجمل : ص296 .
26- . البُرنس: قَلْنَسوَةٌ طويلة، وكان النُّساك يلبسونها في صدر الإسلام، وقد تبرنس الرَّجُل إذا لبسه . ( لسان العرب: ج 6 ص 26 ) .
27- . وقعه صفّين : ص501 .
28- . وقعة صفّين : ص116 .
29- . الخَتْر : شبيه بالغدر والخديعة ؛ وقيل : هو أسوأُ الغدر وأقبحه ( لسان العرب : ج4 ص229 ) .
30- . تاريخ مدينة دمشق : ج24 ص326 ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج2 ص230 ، العقد الفريد :ج3 ص86 وفيهما من « لا تردّ الاُمور . . . » ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج5 ص351 وفيه إلى « جوانحنا » ، وفيات الأعيان : ج2 ص500 كلّها نحوه .
31- . أي مُنَجّح الفِعال ،مظفَّر المطالب . والنقيبة : النفس . وقيل : الطبيعة والخليقة ( النهاية : ج5 ص102 ) .
32- . العقد الفريد : ج3 ص87 ، وفيات الأعيان : ج2 ص504 ، نهاية الأرب : ج7 ص237 .
33- . الإيَالة : السياسة . يقال : فلان حَسن الإيالة وسَيّئ الإيالة ( النهاية : ج1 ص85 ) .
34- . عيون الأخبار لابن قتيبة : ج1 ص211 .

ص: 524

. .

ص: 525

. .

ص: 526

. .

ص: 527

. .

ص: 528

. .

ص: 529

137 _ كتابه عليه السلام إلى أهل الأمصار

138 _ كتابه عليه السلام لنصارى نجران

137كتابه عليه السلام إلى أهل الأمصارمن كتاب له عليه السلام كتبه إلى أهل الأمصار يقصُّ فيه ما جرى بينه وبين أهل صفِّين :« وكَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا الْتَقَيْنَا والْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشَّام ، والظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ ، ونَبِيَّنَا وَاحِدٌ ، ودَعْوَتَنَا في الإِسْلامِ وَاحِدَةٌ ، ولا نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الإِيمَانِ بِاللَّهِ ، والتَّصْدِيقِ بِرَسُولِه ، ولا يَسْتَزِيدُونَنَا ، الأَمْرُ وَاحِدٌ ، إلاَّ ما اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ ، ونَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ . فَقُلْنَا : تَعَالَوْا نُدَاو مَا لا يُدْرَك الْيَوْمَ بِإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ وتَسْكِينِ الْعَامَّةِ ، حَتَّى يَشْتَدَّ الأَمْرُ ويَسْتَجْمِعَ ، فَنَقْوَى عَلَى وَضْعِ الْحَقِّ مَوَاضِعَهُ ، فَقَالُوا : بَلْ نُدَاوِيهِ بِالْمُكَابَرَةِ ، فَأَبَوْا حَتَّى جَنَحَتِ الْحَرْبُ ، ورَكَدَتْ ، ووَقَدَتْ نِيرَانُهَا وحَمِشَتْ . فَلَمَّا ضَرَّسَتْنَا وإِيَّاهُمْ ، ووَضَعَتْ مَخَالِبَهَا فِينَا وفِيهِمْ ، أَجَابُوا عِنْدَ ذَلِك إلَى الَّذِي دَعَوْنَاهُمْ إلَيْه ، فَأَجَبْنَاهُمْ إلَى مَا دَعَوْا ، وسَارَعْنَاهُمْ إلَى مَا طَلَبُوا ، حَتَّى اسْتَبَانَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ ، وانْقَطَعَتْ مِنْهُمُ الْمَعْذِرَةُ ، فَمَنْ تَمَّ عَلَى ذَلِك مِنْهُمْ فَهُوَ الَّذِي أَنْقَذَهُ اللّه مِنَ الْهَلَكَةِ ، ومَنْ لَجَّ وتَمَادَى فَهُوَ الرَّاكِسُ الَّذِي رَانَ اللّه عَلَى قَلْبِه ، وصَارَتْ دَائِرَةُ السَّوْءِ عَلَى رَأْسِه » . (1)

138كتابه عليه السلام لنِصارى نَجْرانروى أبو يوسف في الخَراج ، قال : روى الأعْمَش ، عن سالِم بن أبي الجَعْد ، قال : . . .ثُمَّ كتب لهم عليّ رضى الله عنه :« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذا كتابٌ من عبد اللّه عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام لأَهْلِ نَجْرانَ : إنَّكم أتيْتُمونِي بكِتابٍ مِنَ اللّه ِ فيهِ شَرطٌ لكُم علَى أنفُسِكُم وأَموالِكُم ، وأنِّي وفيتُ لَكُم بما كَتبَ لَكُم مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ، وأبو بكرٍ ، وعُمَرَ ، فمَن أتى علَيْهِم مِنَ المُسلمِينَ فَلْيَفِ لَهُم ، ولا يُضامُوا ، ولا يُضْلَموا ، ولا يُنْتَقَص حقّ من حقوقهم » ، وكتَب عبد اللّه بن أبي رافع ، لعشر خلوْن من جُمادى الآخِرَة ، سَنَة سبْع وثلاثين ، منذ وَلجَ رسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله . (2)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب58 .
2- . الخراج : ص74 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص83 الرقم53 .

ص: 530

وصورة ما نقله المعتزلي : « أمَّا بعدُ ؛ فقد قدم عليَّ رسولك ، وقرأت كتابك ، تذكر فيه حال أهل البصرة واختلافهم بعد انصرافي عنهم ، وسأخبرك عن القوم: وهم بين مقيم لرغبة يرجوها ، أو خائف من عقوبة يخشاها ، فأرغب راغبهم بالعدل عليه والإنصاف له والإحسان إليه ، واحلل عقدة الخوف عن قلوبهم ، وانته إلى أمري ولا تعدّه ، وأحسن إلى هذا الحيّ من ربيعة وكل من قبلك ، فأحسن إليه ما استطعت ، إن شاء اللّه » . (1) صورة ثالثة برواية البلاذري : « أتاني كتابك، تذكر ما رأيت من أهل البصرة بعد خروجي عنهم، وإنّما هم مقيمون لرغبة يرجونها، أو عقوبة يخافونها، فأرغب راغبهم، واحلل عقدة الخوف عند راهبهم بالعدل والإنصاف له، إن شاء اللّه ». (2)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 3 ص 183، جمهرة رسائل العرب: ج 1 ص 403 الرقم 428، وراجع: وقعة صفّين: ص 105، بحار الأنوار : ج 32 ص 400؛ أنساب الأشراف: ج 2 ص 387 .
2- . أنساب الأشراف: ج 2 ص 387، نثر الدر: ص 322، نزهة الناظر وتنبيه الخواطر: ص 63 كلاهما نحوه، وراجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 3 ص 183، جمهرة رسائل العرب: ج 1 ص 403 الرقم 428 .

ص: 531

139 _ كتابه عليه السلام إلى يزيد بن قيس

139كتابه عليه السلام إلى يزيد بن قيسقال اليعقوبي : كتب عليّ عليه السلام إلى عمَّاله يستحِثُّهم بالخَراج ، فكتب إلى يزيد بن قَيْس الأرْحَبيّ :« أمَّا بَعدُ ؛ فإنّك أبطأتَ بِحَمْلِ خَراجِكَ ، وما أدري ما الَّذي حَمَلَكَ علَى ذلِكَ ، غير أنِّي أُوصِيكَ بِتَقوى اللّه ِ ، واُحذِّرُكَ أن تُحبِطَ أجرَكَ وتُبْطِلَ جِهادَكَ بِخِيانَةِ المُسلِمينَ ، فاتّقِ اللّه َ وَنزِّهْ نَفْسَكَ عَنِ الحَرامِ ، ولا تَجعَل لِي عَليْكَ سَبِيلاً ، فلا أجِدُ بُدَّا مِنَ الإيقاع بِكَ ، وأعزِزِ المُسلِمينَ ، ولا تَظْلِمِ المُعاهِدينَ ، « وَ ابْتَغِ فِيمَآ ءَاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْأَخِرَةَ وَ لاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَ أَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَ لاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ » » (1) (2) . [ وهناك صورة أخرى من هذا الكتاب ، وهي : ] « أُوصِيكَ بِتقوى اللّه ِ ، وأُحذِّرُكَ أَنْ تُحْبِطَ أجرَكَ ، وَتُبْطِلَ جِهادَكَ ، فَإنَّ خِيانَةَ المُسلِمينَ مِمَّا يُحبِطُ الأجْرَ ، ويُبطِلُ الجِهادَ ، فاتَّق اللّه َ ربَّكَ ، « وَ ابْتَغِ فِيمَآ ءَاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْأَخِرَةَ وَ لاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَ أَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَ لاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ » (3) » (4)

.


1- . القصص : 77 .
2- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص200 ، أنساب الأشراف :ص338 .
3- . القصص : 77 .
4- . أنساب الأشراف : ج 2 ص388 .

ص: 532

يزيد بن قيس الهمدانيّ ثمّ الأرحبيّ

يزيد بن قَيْس الهَمْدانِيّ ثُمَّ الأرْحَبيّهو من شهود الوصيَّة على رواية الكافي والوافي والبحار ، له إدراك ، وكان رئيسا كبيرا فيهم . قال مُجالِد بن سَعيد : لمَّا سار سَعيد بن العاص حين كان أمير الكوفة لعثمان ، فثار عليه أهل الكوفة ، فتوجَّه إلى عثمان ، فاجتمع قرَّاء الكوفة ، فامَّروا عليهم يزيد بن قَيْس هذا ، ثُمَّ كان مع عليّ في حروبه ، وولاّه شرطته ، ثُمَّ ولاّه بعد ذلك إصبهان والرَّيّ وهَمْدان ، وإيَّاه عنى القائل بعد ذلك يخاطب معاوية من أبيات : مُعَاوِيَ إنْ لا تُسْرِع السَّيْرَ نَحْوَنَافَبَايِعْ عَلِيَّا أو يَزيدَ اليَمَانِيا . (1) كان يزيد بن قَيْس من الثَّائرين على عثمان بالكوفة ، والنَّاقمين عليه شديدا ، لقد أعلن خلعه في المسجد ، وهو من السَّائرين إلى سعيد بن العاص ، حَتَّى ردّوه من العُذيب إلى المدينة . قال ابن سعد : وأقبل سعيد بن العاص حَتَّى نزل العُذيب _ وكان سعيد عامل عثمان على الكوفة _ فدعا الأشْتَر يزيد بن قَيْس الأرْحَبيّ ، وعبد اللّه بن كِنانَة العَبْديّ ، وكانا مِحْرَبين ، فعقد لكل واحد منهما على خمسمئة فارس ، وقال لهما : سيرا إلى سعيد بن العاص فأزْعِجاه وألْحِقاه بصاحبه ، فإن أبَى فاضربا عنقه وَأتياني برَأسه . . . (2) . وكان يزيد بن قَيْس ممّن سيّره عثمان (3) . ولمَّا استنفر أمير المؤمنين عليه السلام أهل الكوفة إلى حرب الجمل فخرجوا على الصَّعب والذَّلول كان رؤساؤهم . . .ويزيد بن قَيْس ، ومعهم أتباعهم وأمثال لهم ليسوا دونهم ، إلاّ أنَّهم لم يؤمَّروا ؛ منهم حُجْر بن عَدِيّ ؛ وابن مَحْدُوج البَكريّ وأشباه لهما (4) . وكان يوم الجمل معه راية أمير المؤمنين عليه السلام ، أخذها بعد أن أخذها عشرة من أهل الكوفة وقتلوا ، خمسة منهم من هَمْدان ، فأخذها يزيد وقال مُتَمَثِّلاً : قَدْ عِشْتِ يا نَفْسُ وَقَدْ غَنِيتِدَهْرا فقَطْكِ اليَومَ ما بَقِيتِ أطْلُب طولَ العُمْر ما حَييتِ فثبتت الرَّاية في يده (5) ولمَّا رجع عليّ عليه السلام من البصرة ونزل الكوفة ، بعث يزيد بن قَيْس الأرْحَبيّ على المَدائِن وجُوخَا كلِّها (6) . إلى أن أراد أمير المؤمنين عليه السلام أن يسير إلى الشَّام ، فدعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار ، وأحضر بعض عمَّاله من عظمائهم وشجعانهم ، فأستشارهم فقال كلُّ ما عنده من الرَّأي ، فدخل يزيد بن قَيْس فقال : يا أمير المؤمنين نحن على جَهاز وعدّة ، وأكثر النَّاس أهل قوَّة ، ومن ليس به بمضعَّف وليس به علَّة . فَمُرْ منادِيك فلينادِ النَّاس يخرجوا إلى معسكرهم بالنُّخيلَة ؛ فإنَّ أخا الحرب ليس بالسؤوم ولا النَّؤوم ، ولا مَن إذا أمكنَه الفُرَصُ أجَّلها واستشار فيها ، ولا من يؤخّر الحربَ في اليوم إلى غدٍ وبعد غد . فقال زياد بن النَّضْر : لقد نصح لك يا أمير المؤمنين يزيدُ بن قيس (7) . [ و ] لمَّا توادع عليّ عليه السلام ومعاوية بصفِّين _ في شهر محرّم الحرام _ اختلفت الرُسل فيما بينهما رجاءَ الصُلح ، فأرسل عليّ بن أبي طالب إلى معاوية َ عَدِيّ بن حاتم ، وشَبَثَ بن رِبْعِيّ ، ويزيد بن قَيس ، وزياد بن خَصَفة ، فدخلوا على معاوية . . . وتكلَّم يزيد بن قَيْس الأرْحَبيّ فقال : إنَّا لم نأتِك إلاّ لنبلِّغك ، ما بُعثنا به إليك ، ولنؤدِّيَ عنك ما سمِعنا منك ، لن ندَعَ أن ننصحَ لك ، وأن نذكرَ ما ظنَنَّا أنّ لنا به عليك حجَّةً ، أو أنَّه راجعٌ بك إلى الأُلفة والجماعة ، إنَّ صاحبَنا لَمَن قد عَرَفتَ وعرف المسلمون فضلَه ، ولا أظنُّه يخفى عليك أنَّ أهل الدِّين والفضل لن يعدلوك بعليّ عليه السلام ، ولن يميِّلُوا (8) بينك وبينه . فاتّق اللّه يا معاوية ، ولا تخالف عليَّا ، فإنَّا واللّه ، ما رأينا رجلاً قطُّ أعملَ بالتَّقوى ، ولا أزْهَد في الدُّنيا ، ولا أجمَع لخصال الخير كلِّها منه (9) . [ و ] خطب يزيد بن قَيْس بصفِّين يحرّض النَّاس في اليوم السَّابع ، وكان من الأيّام العظيمة وذا أهوال شديدة ، قتل فيه عبد اللّه بن بُدَيْل الخُزاعِيّ _ فقال : إنَّ المسلم السَّليم مَن سلم دينُه ورأيه ، إنَّ هؤلاء القوم واللّه ، ما إن يقاتلونا على إقامة دينٍ رأونا ضيَّعناه ، ولا إحياء عدلٍ رأونا أمَتْناه ، ولا يقاتلونا إلاّ على إقامة الدُّنيا ؛ ليكونوا جبابرةً فيها ملوكا ، فلو ظهروا عليكم _ لا أراهم اللّه ظهورا ولا سرورا _ إذا ألْزَمُوكم مثلَ سعيدٍ والوليد وعبد اللّه بن عامر السَّفيه ، يحدِّث أحدهم في مجلسه بِذَيْتَ وذيت ، ويأخذُ مال اللّه ، ويقول : هذا لي ولا إثْمَ عليَّ فيه ، كأنَّما أعطى تُراثَه من أبيه ، وإنَّما هو مال اللّه أفاءه اللّه علينا بأسيافنا ورماحنا . قاتلوا عبادَ اللّه القومَ الظَّالمين ، الحاكمين بغير ما أنزل اللّه ، ولا تأخذْكم في جهادهم لومةُ لائم ؛ إنَّهم إن يظهروا عليكم يُفسِدوا دينَكم ودنياكم ، وهم مَن قد عرفتُم وجرَّبتُم . واللّه ، ما أرادوا إلى هذا إلاّ شرَّا . وأستغفر اللّه العظيم لي ولكم (10) . [ وقد ] عدَّه الشَّيخ في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وقال : كان عامله على الرَّيّ وهَمْذان وإصبهان (11) . وقال أبو نعيم : يزيد بن قَيْس الأرْحَبيّ ولاّه عليّ بن أبي طالب إصبهان والرَّيّ وهمذان ، ففرَّق عليٌّ لمَّا مات ( يزيد ) عمله بين ثلاثة نفر ، فاستعمل مِخْنَف بن سُلَيْم على إصبهان ، وعُمَر بن سَلمة على هَمْدان ، وآخر على الرَّيّ (12) . هذا يزيد بن قَيْس ، وكلماته ، وعقائده ، ووثوق الأمير عليه السلام به ، وكفايته في عمله ، حَتَّى ولاّه عملاً فُرّق بعده بين ثلاثة من رجاله ، ولكن يظهر من الطَّبريّ أنَّه كان قبل نصبه للولاية على إصبهان من رؤساء الخوارج ، وهذا ممَّا أشكل عليّ ، فلا بأس بنقل عبارته بلفظها ، قال : لمَّا اعتزل الخوارج عليَّا سَنَة 37 أو 38 ، وثبت إليه الشِّيعة _ فقالوا : في أعناقنا بَيعة ثانية ، نحن أولياءُ مَن والَيت ، وأعداءُ مَن عادَيت . فقالت الخوارج : استبقتم أنتم وأهل الشَّام إلى الكُفر ، كَفَرَسَي رهان ، بايع أهلُ الشام معاوية على ما أحبّوا وكرهوا ، وبايعتم أنتم عليَّا على أنَّكم أولياءُ مَن والى وأعداءُ مَن عادَى . فقال لهم زياد بن النَّضْر : واللّه ، ما بسط عليٌّ يدَه إلاّ على كتاب اللّه عز و جل ، وسنَّة نبيِّه صلى الله عليه و آله ، ولكنَّكم لمّا خالفتموه جاءته شيعتُه ، فقالوا : نحن أولياء مَن والَيت ، وأعداءُ مَن عادَيت ، ونحن كذلك ، وهو على الحقّ والهدى ، ومَن خالفه ضالٌّ مُضِلّ . وبعث عليّ بن عبَّاس إليهم ، فقال : لا تعجل إلى جوابهم وخصومتهم حَتَّى آتيك . فخرج إليهم حَتَّى أتاهم ، فأقبلوا يكلّمونه ، فلم يصبر حَتَّى راجعهم . . . وبعث عليّ زياد بن النَّضْر إليهم ، فقال : انظر بأيّ رؤوسهم هم أشدّ إطافة ، فنظر فأخبره أنَّه لم يرهم عند رجل أكثر منهم عند يزيدَ بن قيس ، فخرج عليّ في النَّاس حَتَّى دخل إليهم ، فأتى فُسطاط يزيد بن قيس ، فدخله فتوضَّأ فيه وصلّى ركعتين ، وأمَّره على إصبهان والرَّيّ ، ثُمَّ خرج حَتَّى انتهى إليهم وهم يخاصمون ابن عبَّاس . . . (13) . ذكر الطَّبريّ : أقبلت الخوارج ، فلمَّا أن دنَوا من النَّاس نادَوا يزيد بن قيس ، فكان يزيد بن قَيْس على إصبهان . فقالوا : يا يزيد بن قيس ، لا حُكْم إلاّ للّه ، وإن كرهتْ إصبهان ! (14) اشترك في الثَّورة على عثمان (15) ، وشهد الجمل (16) وصفِّين مع الإمام عليه السلام . وكان أحد الَّذين بعثهم الإمام عليه السلام إلى معاوية في حرب صفِّين (17) . مال إلى الخوارج في فتنتهم الَّتي أوقدوا نارها ، بَيْدَ أنّ الإمام عليه السلام فصله عنهم ، وولاّه على إصفهان والرَّي (18) . وكان مع الإمام عليه السلام في النَّهروان ، واحتجّ الخوارج على ذلك (19) . ولي المَدائِن (20) وجُوخَا (21) مدّةً ، ( ويبدو أنّ ذلك كان في الفترة الواقعة بين الجمل وصفِّين ) . (22) وبعد النَّهروان كان عامل الإمام عليه السلام على إصفهان (23) ، وهَمَدان (24) .

.


1- . الإصابة : ج6 ص551 الرقم 9428 .
2- . الطبقات الكبرى : ج5 ص33 ، وراجع : تاريخ الطبري : ج4 ص328 _ 331 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص273 .
3- . وقعة صفِّين : ص121 .
4- . تاريخ الطبري : ج4 ص488 وراجع : الكامل في التاريخ : ج2 ص329 .
5- . . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص515 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص339 .
6- . وقعة صفِّين : ص11 نحوه .
7- . راجع : وقعة صفِّين : ص92 _ 101 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص78 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص180 _ 179 نحوهما .
8- . التمييلُ بين الشّيئين كالترجيح بينهما، تقول العرب: إنّيلاُميّل بين ذينك الأمرين (لسان العرب: ج 11 ص637).
9- . وقعة صفِّين : ص197 ، الغدير : ج10 ص427 ، مواقف الشيعة : ج2 ص620 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص5 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص20 .
10- . وقعة صفِّين : ص247 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص17 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج5 ص194 .
11- . تنقيح المقال : ج3 ص328 ، وراجع : الإصابة : ج6 ص551 .
12- . تاريخ أصبهان : ج2 ص321 الرقم 1846 .
13- . تاريخ الطبري : ج5 ص65 _ 64 وراجع : أنساب الأشراف : ج3 ص121 ، الكامل للمبَّرد : ج3 ص1130 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص278 ؛ بحار الأنوار : ج33 ص353 .
14- . تاريخ الطبري : ج5 ص86 .
15- . تاريخ الطبري : ج4 ص331 ، أنساب الأشراف : ج6 ص159 .
16- . تاريخ الطبري : ج4 ص488 و ص 515 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص330 .
17- . وقعة صفّين : ص197 و198 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص5 و ص 17 ، الكامل في التاريخ :ج2 ص367 .
18- . تاريخ الطبري : ج5 ص65 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص394 .
19- . تاريخ الطبري : ج5 ص86 .
20- . المدائن : مدينة تقع على نهر دجلة من شرقيّها تحت بغداد على مرحلة منها ، وفيها إيوان كسرى . فُتحت في ( 14 ه ) على يد المسلمين ( راجع تقويم البلدان : ص302 ) .
21- . جُوخا : اسم نهر عليه كورة واسعة فيسواد بغداد وهو بين خانقين وخوزستان ( معجم البلدان : ج2 ص179 ) .
22- . وقعة صفّين : ص11 ؛ الأخبار الطوال : ص153 .
23- . رجال الطوسي : ص86 الرقم863 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص65 و ص 86 .
24- . رجال الطوسي : ص86 الرقم863 .

ص: 533

. .

ص: 534

. .

ص: 535

. .

ص: 536

. .

ص: 537

. .

ص: 538

140 _ كتابه عليه السلام إلى الامام الحسن عليه السلام

140كتابه عليه السلام إلى الامام الحسن عليه السلامذكر محمَّد بن يعقوب الكليني في كتاب( الرَّسائل ) بإسناده إلى أبي جعفر بن عَنْبَسة ، عن عبَّاد بن زياد الأسدي ، عن عَمْر بن أبي المِقْدَام ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : لمَّا أقبَل أمير المؤمنين عليه السلام من صفِّين كتب إلى ابنه الحسن عليه السلام :« بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ منَ الوالِد الْفَانِ ، المُقِرِّ للزَّمانِ ، المُدْبِر العُمْرِ ، المُسْتَسْلِمِ لِلدَّهر ، الذَّامِ لِلدُّنيا ، السَّاكِنِ مسَاكِنَ المَوْتى ، والظَّاعِن عنْها غَدا ، إلى المولود المُؤَمِّل ما لا يُدْرَكُ ، السَّالِكِ سَبِيلَ مَن قدْ هَلَكَ ، غَرَضِ الأسْقامِ ، ورَهِينَةِ الأيَّامِ ، ورَمِيَّةِ المَصائِبِ ، وعَبْدِ الدُّنيا ، وتاجِرِ الغُرُور ، وغَرِيم المَنايَا ، وأسيرِ المَوْتِ ، وحَلِيفِ الهُمُوم ، وقَرِين الأحْزان ، ونُصُبِ الآفاتِ ، وصَريعِ الشَّهواتِ ، وخَلِيفَةِ الأمْواتِ . أمَّا بعدُ ، فإنَّ فِيما تَبَيَّنْتُ من إدْبارِ الدُّنيا عَنِّي ، وجُمُوحِ الدَّهْرِ علَيَّ ، وإقبالِ الآخِرَةِ إليَّ ، ما يَزَعُنِي (1) عن ذِكْر مَن سِوايَ ، والإهْتِمام بما ورائيَ ، غيرَ أنِّي حَيْثُ تَفَرَّدَ بي دُونَ هُموم النَّاس هَمُّ نفْسِي ، فَصَدفَنِي رأيي ، وصَرَفَني عن هوايَ ، وصَرَّحَ لي مَحْضُ أمْري ، فأفْضَى بي إلى جدٍّ لا يَكون فيه لَعِبٌ ، وصِدْقٍ لا يَشُوبُه كَذِبٌ ، ووَجَدْتُك بَعضِي ، بل وَجَدْتُك كُلِّي حَتَّى كأنَّ شَيْئا لو أصابَك أصابَني ، وكأنَّ الموت لوْ أتاك أتانِي ، فَعَنانِي من أمرك ما يَعْنِينِي من أمْر نَفسِي ، فَكَتَبْتُ إليك ، مُسْتَظِهرا (2) به إنْ أنَا بقيِتُ لكَ أو فَنيتُ . فإني أوْصِيك بتَقْوَى اللّه ، أي بُنَيَّ ، ولُزُوم أمرِه ، وعِمارَة قلبِك بذكْرِه ، والاعْتِصام بحَبْلِه ، وأيُّ سَبَب أوْثَقُ من سَبَبٍ بيْنَك وبَيْن اللّه ، إنْ أنْتَ أخَذْتَ به ؟ أحْيِ قَلْبَك بالمَوْعِظَة ، وأمِتْهُ بالزَّهْادة ، وقَوِّه باليَقِين ، ونَوِّرْه بالحِكْمَة ، وذَلِّلْهُ بِذِكْر المَوْت ، وقَرِّرْه بالفَناء ، وبَصِّرْه فجائِع الدُّنيا ، وحَذِّرْه صَوْلَةَ الدَّهر ، وفُحْشِ تَقَلُّبِ اللَّيالي والأيَّام ، واعْرِض عليْه أخبارَ الماضِين ، وذَكِّرْه بما أصابَ مَن كان قبلك من الأوَّلين ، وسِرْ في ديارِهم ، وآثارِهِم ، فانْظُر فيما فَعَلوا ، وعمّا انتقلوا ، وأيْنَ حَلُّوا ونَزَلُوا ، فإنَّك تَجِدُهُم قد انْتَقَلُوا عن الأحِبَّة ، وحَلُّوا ديارَ الغُرْبَة ، وكأنَّك عن قَلِيلٍ قد صِرْتَ كأحَدِهِم ، فأصْلِح مَثَواك ، ولا تَبْعِ آخِرَتَك بدُنْياك . ودَعِ القَوْل فِيما لا تَعْرِفُ ، والخِطابَ فِيما لم تُكَلَّف ، وأمْسِكْ عن طَريق إذا خِفْتَ ضَلالَتَه ، فإنَّ الكَفَّ عنْد حَيْرَة الضَّلالَ خَيْرٌ من رُكُوب الأهْوال ، وَأْمُر بالمَعْرُوف تَكُن من أهلِهِ ، وأنْكِر المُنْكَرَ بيدك ولسانِك ، وبايِنْ مَن فَعَلَه بجُهْدِك ، وجاهِدْ في اللّه حقَّ جهادِه ، ولا تأخُذْك في اللّه لوْمَةُ لائِم ، وخُضِ الغَمَرات للحقِّ حَيْثُ كان ، وتَفَقَّه في الدِّين ، وعَوِّدْ نفْسَك التَّصبّر على المَكْرُوه ، ونِعْمَ الخُلُقُ التَّصَبُرُ ، وأَلْجِئْ نفْسَك في الأُمور كلِّها إلى إلهِك ، فإنَّك تُلْجِئُها إلى كَهْف حَريزٍ ، ومانِعٍ عَزِيزٍ ، وأخْلِص في المسْألَة لِرَبِّكَ ، فإنَّ بيَده العَطاءَ والحِرْمانَ ، وأكْثِرِ الاسْتِخارَةَ ، وتَفَهَّم وَصِيَّتِي ، ولا تَذْهَبَنَّ عنْها صَفْحا ، فإنَّ خَيْر القَوْل ما نَفَعَ ، واعلَم أنَّه لا خَيْرَ في علْم لا يَنْفَع ، ولا يُنْتَفَعُ بعلْمٍ لا يَحِقُّ تَعَلُّمُه . أي بُنَيَّ إنَّي لَمَّا رأيْتُني قد بَلَغْتُ سِنَّا ، ورأيْتنِي أزْداد وَهْنا ، بادَرْتَ بوَصِيَّتِي إليك ، وأوردتُ خصالاً منْها ، قبْلَ أنْ يعْجَلَ بِي أجَلِي دُونَ أنْ أُفْضِي إليك بما في نفسِي ، وأن أُنْقَصَ في رأيِي كمَا نُقِصْتُ في جسمِي ، أو يَسْبِقَني إليك بَعْضُ غَلَبات الهَوى وفِتَنِ الدُّنْيا ، فتَكون كالصَّعْب النَّفُور ، وإنَّما قلْبُ الحَدَث كالأرض الخاليَة ما أُلقِي فيها من شَيء إلاَّ قَبِلَتْه ، فبادَرْتُك بالأدب قبْلَ أنْ يَقْسُو قَلبُك ، ويَشْتَغِل لُبُّك ، لتَسْتَقبِلَ بجِدِّ رَأيك من الأمْر ما قَدْ كفَاك أهْلُ التَّجارُب بُغْيَتَه وتَجْرِبَتَه ، فتَكونَ قَدْ كُفِيتَ مَؤونَة الطَّلب ، وعُوفِيتَ من عِلاج التَّجْرِبَة ، فأتاك من ذلِك ما قَدْ كنَّا نأتيه ، واسْتَبَان لَكَ ما رُبَّما أظْلَمَ علَيْنا منهُ . أي بُنَيَّ إنِّي وإنْ لم أكنْ عُمِّرتُ عُمُرَ مَنْ كانَ قَبْلِي ، فَقَدْ نَظَرْتُ في أعمالهم ، وفَكَّرتُ في أخبارِهِم ، وسِرْتُ في آثارهم ، حَتَّى عُدْتُ كأحَدِهِم ، بل كأ نِّي بما انْتَهى إليَّ مِن أُمُورهم قَدْ عُمِّرْتُ مع أوَّلهم إلى آخِرهِمِ ، فعرفْتُ صَفوَ ذلِك من كَدَرِهِ ، ونَفْعَهُ من ضَرَرِهِ ، فاسْتَخْلَصتُ لَكَ من كلِّ أمْر نخيلَهُ ، وتَوَخَّيتُ لَكَ جَميلَه ، وصَرَفْتُ عنْك مَجْهُولَه ، ورأَيتُ حيث عَنانِي من أمْرك ما يَعْنِي الوالِدَ الشَّفِيقَ ، وأجْمَعتُ علَيْه من أدَبك ، أنْ يكون ذلِك وأنْت مُقْبِلُ العُمْر ومُقْتَبَلُ الدَّهر ، ذُو نِيَّةٍ سَلِيمة ، ونفْسٍ صافِية ، وأنْ أبْتَدئك بتَعْلِيم كتاب اللّه وتأويلِه ، وشَرائِعِ الإسْلامِ وأحكامِهِ ، وحَلالِه وحرامِهِ ، لا أُجاوِزُ ذلِك بك إلى غَيْرِه ، ثُمَّ أشْفَقْتُ أنْ يَلْتَبِس علَيْك ما اخْتَلَف النَّاسُ فيْه من أهوائهم ، مِثْلَ الَّذِي الْتَبَسَ علَيْهم ، فكانَ إحْكامُ ذلِك لَكَ على ما كَرِهْتُ من تَنْبِيْهِك لَهُ ، أحَبَّ إليَّ من إسلامِكَ إلى أمْرٍ لا آمَنُ علَيْك بهِ الهَلَكَةَ ، ورَجَوْتُ أنْ يُوَفِّقَك اللّه فيْه لِرُشْدك ، وأنْ يَهدِيَكَ لِقَصدِكَ ، فعَهِدْتُ إلَيْك وَصِيَّتِي هذه . واعْلَم يا بُنَيَّ أنْ أحَبَّ ما أنْتَ آخِذٌ به إليَّ مِنْ وَصِيَّتِي تَقْوَى اللّه ِ ، والاقْتِصارُ على ما فرَضَهُ اللّه ُ علَيْكَ ، والأخْذُ بما مَضى عليْه الأوَّلون من آبائك ، والصَّالحون من أهل بيتك ، فإنَّهم لم يَدَعُوا أنْ نَظَروا لأنفسهم كمَا أنْت ناظِرٌ ، وفَكَّروا كمَا أنْتَ مُفَكِّرٌ ، ثُمَّ رَدَّهم آخِرُ ذلِكَ إلى الأخذِ بما عَرَفُوا ، والإمْساكِ عمَّا لمْ يُكَلَّفوا ، فإنْ أبَتْ نفسُك أنْ تَقبَل ذلِكَ دُونَ أنْ تَعْلَمَ كمَا عَلِمُوا ، فَلْيَكُنْ طَلَبُك ذلِك بتَفَهُّمٍ وتَعَلُّمٍ ، لا بتَوَرُّط الشُّبُهات ، وغُلُوِّ الخصومات ، وابْدَأ قبْلَ نَظَرِكَ في ذلِكَ بالاستِعانَةِ بإلهِكَ ، والرَّغبةِ إليْهِ في تَوْفِيقِكَ ، وتركِ كلِّ شائِبَةٍ أولَجَتْكَ في شُبْهَةٍ ، أو أسْلَمَتْكَ إلى ضَلالَةٍ ، فإذا أيقَنْتَ أنْ قَدْ صَفى قَلْبُكَ ، فخَشَعَ ، وتَمَّ رأيُك فاجْتَمَعَ ، وكان هَمُّك في ذلِك هَمَّا واحدا ، فانْظُر فِيما فَسَّرْتُ لَكَ ، وإنْ أنْت لم يجتَمِعْ لَكَ ما تُحِبُّ مِن نَفسِكَ ، وفَراغِ نظَرِكَ وفِكْرِكَ ، فاعْلَم أنَّكَ إنَّما تَخْبِطُ العَشْواءَ ، وتَوَرَّطُ الظَّلماءَ ، ولَيْسَ طالِبُ الدِّين مَن خَبَطَ أو خَلَطَ ، والإمساكُ عن ذلِك أمْثَلُ ، فَتَفَهَّمْ يَابُنَيَّ وَصِيَّتِي، وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ الْمَوْتِ هُوَ مَالِكُ الْحَيَاةِ ، وَأَنَّ الْخَالِقَ هُوَ الْمُمِيتُ ، وَأَنَّ الْمُفْنِيَ هُوَ الْمُعيدُ ، وَأَنَّ الْمُبْتَلِيَ هُوَ الْمُعافِي، وَأَنَّ الدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ لِتَسْتَقِرَّ إلاّ عَلَى مَا جَعَلَهَا اللّه ُ عَلَيْهِ مِنْ النَّعْمَاءِ ، وَالاِبْتِلاَءِ ، وَالْجَزَاءِ فِي الْمَعَادِ أَوْ مَا شَاءَ مِمَّا لاَ نَعْلَمُ ، فَإنْ أَشْكَلَ عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ ذلِكَ فَاحْمِلْهُ عَلَى جَهَالَتِكَ بِهِ فَإنَّكَ أَوَّلُ مَا خُلِقْتَ خُلِقْتَ جَاهِلاً ثُمَّ عَلِمْتَ . وَمَا أَكْثَرَ مَا تَجْهَلُ مِنَ الْأَمْرِ وَيَتَحَيَّرُ فِيهِ رَأْيُكَ وَيَضِلُّ فِيهِ بَصَرُكَ ، ثُمَّ تُبْصِرُهُ بَعْدَ ذلِكَ فاعْتَصِمْ بِالَّذِي خَلَقَكَ وَرَزَقَكَ وَسَوَّاكَ ، وَلْيَكُنْ لَهُ تَعَبُّدُكَ وَإِلَيْهِ رَغْبَتُكَ وَمِنْهُ شَفَقَتُكَ . وَاعْلَمْ يَابُنَيَّ أَنَّ أَحَدا لَمْ يُنْبئْ عَنِ اللّه ِ كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه و آله . فَارْضَ بِهِ رَائِدا ، وَإلَى النَّجَاةِ قَائِدا ، فَإنِّي لَمْ آلُكَ نَصِيحَةً . وَإنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ فِي النَّظَرَ لِنَفْسِكَ _ وَإنِ اجْتَهَدْتَ _ مَبْلَغَ نَظَريَ لَكَ . وَاعْلَمْ يَابُنَيَّ أنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَريكٌ لَأَتَتْكَ رُسُلُهُ ، وَلَرَأَيْتَ آثَارَ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ ، وَلَعَرَفْتَ أَفْعَالَهُ وَصِفَاتِهِ ، وَلكِنَّهُ إلهٌ وَاحِدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ . لاَيُضَادُّهُ فِي مُلْكِهِ أحَدٌ ، وَلاَ يَزُولُ أَبَدا . وَلَمْ يَزَلْ أَوَّلَ قَبْلَ الْأَشْيَاءِ بِلاَ أَوَّليَّةٍ ، وَآخِرَ بَعْدَ الْأشيَاءِ بِلا نِهَايَةٍ . عَظُمَ عَنْ أَنْ تَثْبُتَ رُبُوبيَّتُهُ بِإحَاطَةِ قَلْبٍ أَوْ بَصَر . فَإذَا عَرَفْتَ ذلِكَ فَافْعَلْ كَمَا يَنْبَغِي لِمثْلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي صِغَرِ خَطَرِهِ ، وقِلَّةِ مَقْدرَتِهِ ، وكَثْرَةِ عَجْزِهِ ، وَعَظيمِ حاجتِهِ إلى ربّه في طلب طاعته ، والرهبةِ مِنْ عُقوبتِهِ ، والشَّفقةِ مِنْ سُخْطِهِ ، فإنّهُ لم يأمرك إلاّ بحسن ، ولم ينهك إلاّ عن قبيح . وإنَّ أوَّل ما أبدؤك به من ذلِك وآخِرَه أنِّي أحْمَدُ اللّه إلهَ الأوَّلين والآخِرين ، وربَّ مَن في السَّماوات والأرضين ، بما هو أهلُه ، وكمَا يَجِبُ ويَنْبَغي له ، ونَسْألُه أنْ يُصلِّي على محمَّد وآل محمَّد ، صلَّى اللّه علَيْهم وعلى أنبِياء اللّه بصلاة جميعِ مَن صلَّى عليْه من خَلْقه ، وأن يُتِمَّ نعمتَه علَيْنا بما وَفَّقَنا له من مسْألته بالاستجابَة لَنا ، فإنَّ بِنعمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالحات . يا بُنَيَّ إنِّي قَدْ أنْبَأتُك عن الدُّنيا وحالها وانتِقالِها وزَوالِها بأهلها ، وأنبأتُك عن الآخِرة وما أعَدَّ اللّه لأهلها فيها ، وضَرَبْتُ لَكَ أمْثالاً لتَعْتَبِر بها وتَحْذُوا علَيْها . إنَّما مَثَلُ مَن خَبَر الدُّنيا مَثَلُ قَوْم سَفْرٍ نَبا بِهِم مَنْزِلٌ جَدِيبٌ ، فأمُّوا مَنْزِلاً خَصِيبا وجَنابا مَرِيعا فاحْتَمَلوا وَعْثاءَ الطَّريقِ ، وفِراقَ الصَّدِيق ، وخشُونَةَ السَّفَر في الطَّعام والمَنام وجُشُوبَةَ المَطْعَم ؛ ليَأتُوا سَعَةَ دارِهم ومَنْزِلَ قَرارِهم ، فلَيْسَ يَجِدون لشَيْء من ذلِك ألَما ، ولا يَرَوْن لِنَفَقةٍ مَغْرَما ، ولا شَيْء أحَبُّ إليْهم ممَّا قرَّبهم من منْزِلهم ، ومَثَلُ مَن اغترَّ بها كقوْم كانوا في منْزل خَصِيبٍ فنَبَا بِهم إلى منْزِل جَدِيب ، فليْس شَيْءٌ أكْرَه إليْهم ولا أفْظَعَ عندهم من مُفارَقَة ما هم فيْه ، إلى ما يَهْجُمُون علَيْه ويَصِيرون إليْه . ثُمَّ فَزَعْتُك بأنْواع الجَهالاتِ ، لئَلاَّ تعُدَّ نفسَك عالِما ، لأنَّ العالم مَن عرَف أنَّ ما يَعْلَمُ فِيما لا يَعْلَمُ قَلِيلٌ ، فَعَدَّ نفسَه بذلِك جاهِلاً ، وازْدادَ بما عرَف من ذلِك في طلب العِلم اجتهادا ، فما يَزالُ للْعِلم طالِبا ، وفيه راغبِا ، ولَه مسْتَفِيدا ، ولأهلِه خاشِعا ، ولرأيه مُتَّهِما ، وللصَّمْتِ لازِما ، وللخطأ جاحِدا ، ومنه مُسْتَحِييا ، وإنْ وَرَدَ عليْه مالا يعرِفُ لم يُنْكِر ذلِك ، لِما قَرَّر به نفسَه من الجِهالة ، وإنَّ الجاهل مَن عَدَّ نفسَه لِما جهِل من معرفة العلم عالِما ، وبرأيِه مكْتَفِيا ، فما يَزالُ للعلماء معانِدا ، وعليْهم زارِيا ، ولِمَن خالَفه مُخَطِّئا ، ولِما لا يعرِفُ مِنَ الأُمورِ مُضَلِّلاً ، فإذا ورَدَ عليْه من الأمر ، مالا يعْرِفُه أنْكَرَه وكَذَّبَ به ، وقال بجَهالَته : ما أعرِف هذا ، وما أراهُ كان ، وما أظُنُّ أنْ يكون ، وأنَّى كان ولا أعرِف ذلِك ، لِثِقَتِه برأيِه ، وقِلَّةِ معْرِفَتهِ بجَهالَتهِ ، فَما يَنْفَكُّ ممَّا يرى فِيما يَلْتَبِسُ علَيْه برأيه ، ممَّا لا يَعرِفُ للجَهلِ مُسْتفيدا ولِلحقِّ مُنْكِرا ، وفي اللَّجاجَة متجرِّئا ، وعن طلب العلم مسْتَكْبِرا . يا بُنَيَّ فتَفَهَّمْ وَصِيَّتِي ، واجعَل نفسِك ميزانا فِيما بينك وبين غَيْرِك ، فأحْبِبْ لغَيْرِك ما تُحبُّ لنفسِك ، واكْرَه له ما تَكْرَه لها ، ولا تظْلِم كمَا لا تُحبُّ أنْ تُظْلَم ، وأحْسِن كمَا تُحبُّ أنْ يُحْسَنَ إليْكَ ، واسْتَقْبِحْ لِنفسِكَ ما تسْتَقْبِحُ من غَيْرِك ، وارْضَ من النَّاس بما تَرْضَاه لهم مِن نفسك ، ولا تَقُل ما لا تَعلَم ، بل لا تَقُل كلَّ ما عَلِمْت ، ممَّا لا تُحبُّ أنْ يُقال لَكَ . واعلَم أنَّ الإعجابَ ضِدُّ الصَّوابِ وآفةُ الألبابِ فاسعَ في كَدْحِكَ ، ولا تَكُنْ خازِنا لِغَيْرِكَ ، وإذا هُدِيتَ لِقَصْدِكَ فَكُنْ أخْشَعَ ما تكونُ لِرَبِّكَ . واعلم يا بُنَيَّ أنَّ أمامَك طريقا ذا مَسافَة بعيدَةٍ ومَشَقّة شديدةٍ ، وأهوالٍ شديدَةٍ ، وأنَّه لا غِنى بِكَ فِيْهِ عَن حُسْنِ الإرتيادِ ، وقَدِّرْ بلاغَكَ مِنَ الزَّادِ مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ ، فَلا تَحْمِلَنَّ على ظَهْرك فوْقَ بلاغِك فيكونُ ثقِيلاً ووَبالاً علَيْك ، وإذا وجدْتَ مِن أهْلِ الفاقَةِ مَنْ يَحْمِلُ زادَك إلى يوْم القِيامَةِ فيُوافِيكَ بِهِ غَدا ، حَيْثُ تَحتاجُ إليْهِ فاغْتَنِمْهُ ، وحَمِّلْهُ إيَّاهُ ، واغْتَنِم مَنِ اسْتَقْرَضَكَ في حالِ غِناكَ ، وجعَلَ يوم قضاءه لك في يَومِ عُسْرَتِكَ ، وحمِّلْه إيَّاه ، وأكْثِر مِن تَزْويدِهِ وأنت قادرٌ ، فلَعلَّك تطلُبُه فلا تَجِدُهُ . واعْلَم أنَّ أمامَك عَقَبَةً كَؤودا المُخِفُّ فيها أحسنُ حالاً مِنَ المُثقلِ، والمُبْطئ عليها أقبحُ حالاً من المُسرعِ، وأنّ مهبطَكَ بها لا محالَةَ ، علَى جنَّة أو نارٍ ، فارْتَدْ لنَفسِكَ قبلَ نزُولِكَ ووَطِّئَ المَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ ، فليْسَ بعدَ الموْت مسْتَعْتَبٌ ، ولا إلى الدُّنيا مُنْصَرَفٌ . واعلَم أنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزائِنُ مَلَكوتِ الدُّنيا والآخِرَةِ قَدْ أذِنَ لِدُعائِكَ ، وتَكَفَّلَ لإجابَتِكَ ، وأمَرَك أنْ تسْأَلَه ليُعْطِيَكَ وتستَرْحِمَه ليَرْحَمَك ، وهو رَحيمٌ كريمٌ ، لم يَجعل بينك وبينَه مَن يَحْجُبُك عنه ، ولم يُلْجِئْك إلى مَن يَشْفَعُ لَكَ إليْهِ ، ولم يَمْنَعْكَ إنْ أسَأْتَ مِنَ التَّوبَةِ ، ولم يُعَيِّرْكَ بالإنابَةِ ، ولم يُعاجِلْكَ بالنَّقِمَةِ ، ولم يَفْضَحْكَ حَيْثُ تَعَرَّضْتَ للْفَضِيحَةِ ، ولم يُناقِشْكَ بالجَريْمَةِ ، ولم يُؤيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ ، ولم يُشَدِّدْ علَيْك في التَّوبَةِ ، فجَعَل توْبَتَك التَّوَرُّعَ مِنَ الذَّنْبِ ، وحَسَبَ سَيِّئَتَك واحِدَةً ، وحَسَنَتَكَ عَشْرا ، وفَتَحَ لَكَ بابَ المَتابِ والاستِعْتابِ ، فمَتَى شِئْتَ نادَيْتَهُ سمِع نِداءَكَ ونَجْواك ، فأفْضَيْتَ إليْه بحاجَتِك ، وأبْثَثْتَهُ ذاتَ نَفسِكَ ، وشكوْتَ إليْه هُمُومَك ، واسْتَكْشَفْتَه كرُوبَكَ ، واسْتَعَنْتَه على أُمورِكَ ، وسألتَه مِنْ خزائِنِ رحْمَتِهِ ما لا يَقدِرُ على إعطائِهِ غَيْرُهُ : مِن زيادة الأعْمارِ ، وصِحَّةِ الأبْدانِ ، وسِعَة الأرزاق ، ثُمَّ جَعَل في يَديْكَ مفاتيحَ خزائنِهِ ، بِما أذِنَ فيْه مِن مَسْألَتِهِ ، فمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بالدُّعاء أبوابَ خزائِنِهِ ، فألْحِحْ علَيْهِ بِالمَسألَةِ يَفْتَحْ لَكَ بابَ الرَّحْمَةِ ، ولا يُقْنِطُكَ إنْ أبطَأَتْ عَلَيْكَ الإجابَةُ ، فإنَّ العَطِيَّةَ على قَدْرِ المَسألَةِ ، ورُبَّما أُخِّرَتْ عَنْكَ الإجابةُ لِيَكونَ أطوَلَ في المَسْألَةِ ، وأجْزَلَ للعَطِيَّةِ ، ورُبَّما سألْتَ الشَيْء فلا تُؤتاه فلم تَؤْتِه ، وأُوتَيْتَ خَيْرَا منْه عاجِلاً أو آجِلاً ، أو صِرْتَ إلى ما هو خَيْرٌ لَكَ ، فَلَرُبَّ أمْرٍ قَدْ طلَبْتَهُ فيْهِ هَلاكُ دينِكَ ودُنياكَ لو أُوْتِيتَهُ ، ولتكن مسألتُك فِيما يَعْنِيكَ ممَّا يَبْقى لَكَ جَمالُهُ ، ويُنْفى عنْك وَبالُهُ ، فإنَّ المال لا يَبْقى لَكَ ولا تَبْقى لَهُ ، فإنَّه يوشَك أنْ تَرى عاقِبَةَ أمْرِك حَسَنا أو سَيِّئا أو يَعْفُوَ العَفُوُّ الكريم . واعلَم يا بُنَيَّ أنَّك إنَّما خُلِقْتَ للآخِرةِ لا للدُّنيا ، وللفَناءِ لا للبَقاءِ ، وللموْتِ لا للحَياةِ ، وأنَّك في مَنْزِلِ قُلْعَةٍ ودارِ بُلْغَةٍ ، وطريقٍ إلى الآخِرَةِ ، وأنَّك طَرِيدُ المَوْتِ الَّذِي لا يَنْجو منه هارِبُهُ ، ولابُدَّ أنَّه مُدْرِكهُ ، فكن منْه على حذَرٍ أنْ يدرِكَك وأنت على حالٍ سَيِّئةٍ قَدْ كنتَ تُحَدِّثُ نفسَك منْها بالتَّوبَةِ ، فيَحُولَ بينك وبين ذلِك ، فإذا أنْتَ قَدْ أهلَكْتَ نَفسَكَ . يا بُنَيَّ أكْثِر مِنْ ذِكْرِ المَوْتِ ، وذكْرِ ما تَهْجُمُ عَليْهِ ، وتُفْضي بَعْدَ الموْتِ إليْهِ ، واجعلْه أمامَكَ حَيْثُ تَراه ، حَتَّى يأتيك وقد أخذْتَ منْه حِذْرَك ، وشَدَدْتَ لَهُ أزْرَكَ ، ولا يأتيك بَغْتَةً فَيَبْهَرَك ، ولا يأخُذَك على غِرَّتِك ، وأكْثِر ذكْر الآخِرة وما فيها من النَّعيم والعذاب الأليم ، فإنَّ ذلِك يُزَهِّدُك في الدُّنيا ويُصَغِّرُها عِنْدَكَ . وإيَّاك أنْ تَغْتَرَّ بما تَرى من إخْلاد أهل الدُّنيا إليْها ، وتَكالُبِهِم عليْها ، فَقَدْ نَبَّأك اللّه جل جلالهعنْها ، ونَعَتْ لَكَ نفسَها ، وتَكَشَّفَتْ لَكَ عَن مَساوِيها ، فَإنَّما أهلُها كِلابٌ عاوِيَةٌ ، وسِباعٌ ضارِيةٌ ، يَهِرُّ بعضُها بعْضا ، ويأكُلُ عزيزُها ذليلَها ، ويَقْهَر كبيرُها صغِيرَها ، وكثيرُها قَلِيلَها ، نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ ، وأخرَى مُحْفَلَةٌ مُهْمَلَةٌ ، قَدْ أضَلَّت عقُولَها ، ورَكِبَتْ مَجْهُولَها ، سُروحُ عاهَةٍ في وادِ وَعْثٍ ، ليْسَ لها راعٍ يُقِيمُها ، ولا مُسِيمٌ يُسيمُها ، لَعِبَتْ بهم الدُّنيا ، فَلَعِبُوا بها ، ونَسُوا ما وَراءَها ، رُوَيْدا حَتَّى يُسْفِرَ الظَّلامُ ، كأن ورَبِّ الكعْبة ، يوشَك مَن أسْرَع أنْ يلْحَق . واعلْم يا بُنَيَّ ، أنَّ كلَّ مَن كانت مَطِيَّتُه اللَّيْلَ والنَّهارَ فإنَّهُ يُسارُ به ، وإنْ كان لا يَسِيْر ، أبَى اللّه إلاّ خَرابَ الدُّنيا وعِمارَةَ الآخِرة . يا بُنَيَّ ، فإنْ تَزْهَد فِيما زَهَّدْتُكَ فيْه وتَعْزِفُ نفسُكَ عنْها فهي أهلُ ذلك ، وإنْ كنْتَ غَيْرَ قابِلٍ نَصِيحَتي إيَّاك فيْها ، فاعلَم يقينا أنَّك لن تَبْلُغَ أمَلَك ، ولا تَعْدُو أجلَكَ ، فإنَّك في سبيل مَن كان قبلَك ، فخَفِّضْ في الطَّلَبِ ، وأجمِل في المُكْتَسَبِ ، فإنَّه ربَّ طَلَبٍ قَدْ جرَّ إلى حَرْب ، وليس كلُّ طالب بناجٍ ، ولا كلُّ مُجْمل بمُحْتاج ، وأكرِم نفسَك عن كلّ دَنِيَّة ، وإن ساقَتْك إلى الرَّغائِب ، فإنَّك لن تُعتاض بما تَبْذُلُ شَيْئا من دِينك وعِرْضِك بثَمَن ، وإنْ جَلَّ . ومِن خَيْرِ حَظِّ امْرى ءٍ قَرينٌ صالِحٌ ، فقارِنْ أهلَ الخَيْرِ تَكُنْ مِنْهُم ، وبايِنْ أهلَ الشَرِّ تَبِنْ مِنْهم ، لا يَغْلِبنَّ علَيْك سُوْءُ الظَّن ، فإنَّه لا يَدَعُ بينك وبينَ صَدِيقٍ صَفْحا ، بئس الطَّعام الحَرامُ ، وظُلْمُ الضَّعيف أفْحَشُ الظُّلم ، والفاحِشَةُ كاسْمِها ، والتَّصَبُّرُ على المَكروهِ يَعْصِمُ القلْبَ ، وإذا كان الرِّفْقُ خُرْقا كان الخُرْقُ رِفقا ، ورُبَّما كان الدَّاءُ دواءً ، ورُبَّما نَصَحَ غَيْرُ النَّاصِحِ ، وغَشَّ المُسْتَنْصَحُ المُتَنَصِّحَ . إيَّاك والإتَّكال على المُنى ، فإنَّها بَضائِعُ النَّوْكى ، زكِّ قلبَك بالأدَبِ كمَا يُذكْى النَّارُ بالحَطَبِ ، لا تَكن كَحاطِب اللَّيْلِ ، وغُثاءِ السَّيْلِ ، وكُفرُ النِّعمَةِ لُؤْمٌ ، وصُحْبَةُ الجاهِلِ شُؤمٌ ، والعقلُ حِفْظُ التَّجارب ، وخَيْر ما جَربْت ما وَعَظَكَ ، ومن الكَرَمِ لِينُ الشِّيَم ، بادِر الفُرصَة قبْل أنْ تكون غُصَّةً ، ومن الحَزْم العَزْم ، ومن سَبَب الحِرمان التَّوانِي ، لَيْسَ كلّ طالِب يُصيبُ ، ولا كلّ غائِب يَؤُوبُ ، ومن الفَساد إضاعَةُ الزَّاد ، ومَفْسَدةُ المَعاد ، لكلِّ امْرئ عاقِبَةٌ ، رُبَّ يَسِير أنْمَى من كَثير ، ولا خَيْرَ في مُعِين مَهِينٍ ، ولا في صَدِيق ظَنِين ، ولا تَبيتَنَّ من أمر على عُذْرٍ ، مَن حَلُم سادَ ، ومَن تَفَهَّم ازدادَ ، ولقاءُ أهلِ الخَيْر عِمارَةُ القلْبِ ، ساهِلِ الدَّهرَ ما ذَلَّ لَكَ قَعُودُهُ . وإيَّاك أنْ تَجْمَحَ بِكَ مَطِيَّةُ اللَّجاج ، وإنْ قارَفْتَ سَيِّئَةً فعَجِّلْ مَحوَها بالتَّوبَةِ ، ولا تَخُنْ مَنْ ائتَمَنَكَ وإنْ خانَكَ ، ولا تُذِعْ سِرَّهُ وإن أذاعَ سِرَّكَ ، ولا تُخاطِرْ بشَيْء رَجاءَ أكْثَر منْه ، واطلُب فإنَّه يأتيك ما قَسَم لَكَ ، والتَّاجِر مُخاطِرٌ ، خُذْ بالفَضْلِ ، وأحْسِنْ البَذْلَ ، وقُل للنَّاسِ حُسْنا ، وأحسنُ كَلِمَة حِكَم جامعَةٍ أنْ تُحِبُّ للنَّاس ما تُحِبُّ لنفسِك ، وتَكْرَهَ لَهُم ما تُكرَهُ لَها ، إنَّك قلَّ ما تَسْلَمُ ممَّن تَسَرَّعْتَ إليْهِ أنْ تَنْدَمَ أو تَتَفَضَّلَ علَيْه . واعلَم أنَّ من الكَرَم الوَفاءُ بالذَّمَم ، والدَّفْعُ عن الحُرَم ، والصُّدود آيَةُ المَقْتِ ، وكَثْرَةُ التَّعلُّل آيَةُ البُخْلِ ، ولَبَعضُ إمساكِكَ على أخِيْكَ مَعَ لُطْفٍ خَيْرٌ من بَذْلٍ مَعَ عُنْفٍ ، ومِنَ الكَرَم صِلةُ الرَّحِم ، ومَن يَثِقُ بِكَ أو يَرجو صلَتَك ، أوْ يرْجُوك أو يَثِقُ بصلتَك إذا قَطَعْتَ قَرابَتَك ، والتَّجَرُّم (3) وجْهُ القطِيعَة ، إحْمل نفسَك من أخيك عنْد صَرْمه إيَّاك على الصِّلَة ، وعند صُدُودِهِ علَى لُطْفِ المَسألَةِ ، وعِنْدَ جُمُودِهِ علَى البَذْلِ ، وعنْد تَباعُدِهِ علَى الدُّنُوِّ ، وعِنْدَ شِدَّتِهِ علَى اللِّينِ ، وعنْد تجَرُّمِهِ على الإعذارِ ، حَتَّى كأنَّك لَهُ عبْدٌ ، وكأنَّه ذو نِعْمَة علَيْكَ ، وإيَّاك أنْ تضَعَ ذلِكَ في غَيْر موْضِعِهِ ، أو تفْعَلَهُ في غَيْر أهلِهِ . ولا تَتَّخِذَنَّ عدُوَّ صَدِيقك صديقا فتُعادِي صدِيقَكَ ، ولا تَعمَلْ بالخَدِيعَةِ ، فإنَّها خُلُقٌ لَئِيم ، وامْحَض أخاك النَّصيحة حَسَنةً كانت أو قبِيحَةً ، وساعِدْهُ على كلِّ حالٍ ، وزُلْ مَعَهُ حَيْثُ زال ، ولا تَطْلُبَنَّ مجازاتِ أخِيكَ وإنْ حَثا التُّرابَ بفِيكَ ، وجُدْ على عدُوِّك بالفَضْلِ ، فإنَّه أحرَى للظَّفَر ، وتسَلَّم من الدُّنيا بحُسِنِ الخُلُقِ ، وتَجرُّعِ الغَيْظَ ، فإنِّي لم أرَ جُرْعَةً أحْلَى منْها عاقِبَة ولا ألَذَّ منْها مَغَبَّةً ، ولا تَصْرِم أخاك على ارْتِياب ، ولا تَقْطَعْه دُونَ استعتابٍ ، ولِنْ لمَن غالَظَكَ ، فَإنَّهُ يوشَك أنْ يَلِين لَكَ . ما أقبَحَ القَطِيعةَ بَعْدَ الصِّلَةِ ، والجَفاءَ بَعْدَ الإخاءِ ، والعَداوَةَ بعْدَ المَوَدَّةِ ، والخِيانَةَ لِمَنِ ائتَمَنَكَ ، والغَدْرَ بِمَنِ استأمَنَ إليْكَ ، وإن أنْتَ غَلَبَتْكَ قَطِيعَةُ أخِيكَ فاسْتَبِق لَهُ مِن نَفسِكَ بَقِيَّةً يرجِعُ إليْها إنْ بَدَا له ذلِك يوْما ما ، ومَن ظَنَّ بِكَ خَيْرا فصَدِّق ظَنَّهُ ، ولا تُضيِّعَنَّ حَقَّ أخِيكَ اتِّكالاً على ما بَيْنَكَ وبَيْنَهُ ، فإنَّه لَيْسَ لَكَ بأخ مَنْ أضَعْتَ حَقَّهُ . ولا يَكُنْ أهلُكَ أشْقَى النَّاسِ بِكَ ، ولا تَرْغَبنَّ فِيمَنْ زَهِدَ فِيكَ ، ولا يكونَنَّ أَخوكَ أقوَى علَى قَطِيعَتِكَ مِنْكَ علَى صِلَتِهِ ، ولا يَكُونَنَّ على الإساءَةِ أقوَى مِنْكَ علَى الإحْسانِ ، ولا على البُخْلِ أقوَى مِنْكَ علَى البَذْلِ ، ولا علَى التَّقْصِيرِ مِنْكَ علَى الفَضْلِ ، ولا يكْبرَنَّ عَلَيْكَ ظُلم مَن ظَلَمكَ ، فَإنَّه إنَّما يسْعَى في مَضَرَّتِهِ ونَفْعِكَ ، ولَيْسَ جَزاءُ مَن سَرَّك أنْ تَسُوءَه . واعلَم يا بُنَيَّ ، أنَّ الرِزقَ رِزقان : رِزقٌ تَطْلُبُه ، ورِزقٌ يَطْلُبُكَ ، فإنْ لم تَأتِه أتَاك . واعلَم يا بُنَيَّ أنَّ الدَّهر ذُو صُرُوفٍ ، فلا تكن ممَّن يَشْتَدُّ لائِمِتُه ، ويقِلُّ عنْد النَّاس عُذْرُه ، ما أقبحَ الخُضوعَ عنْدَ الحاجَة ، والجَفاءَ عِنْدَ الغَناء ، وإنَّما لَكَ من دُنياك ما أصْلَحْتَ بهِ مَثْواكَ ، فأنْفِق في حقٍّ ، ولا تَكن خازِنا لغَيْرِك ، وإنْ كنتَ جازَعا على ما يَفْلِت من بين يديك ، فاجْزَع على ما لم يَصِل إليْك ، واستَدْلِل على ما لم يكن بما كان ، فإنَّما الأمور أشْباهٌ ، ولا تكَفِّر نعْمَة ، فإنَّ كُفْر النِّعْمَة من ألْأمِ الكُفْرِ . واقْبَل العُذْرَ ، ولا تكونَنَّ مِمَّن لا ينْتَفِعُ مِنَ العِظَةِ إلاَّ بما لَزِمَهُ إزالَتُهُ ، فَإنَّ العاقِلَ يَتَّعِظُ بالأدَبِ ، والبَهائِمُ لا تَتَّعِظُ إلاَّ بالضَّرْبِ ، إعْرِف الحَقَّ لِمَنْ عرَفَهُ ، رَفِيعا كانَ أو وَضِيعا ، واطْرَح عَنْكَ وارِداتِ الهُمُومِ بعَزائِمِ الصَّبرِ وحُسْنِ اليَقِين . مَن تَرَك القصْدَ حادَ ، ونِعْمَ حَظُّ المَرْءِ القُنُوعُ ، ومن شَرِّ ما صَحِبَ المَرْءُ الحَسَدُ ، وفي القُنوطِ التَّفريطُ ، والشُّحُّ يَجلِبُ المَلامَةَ ، والصَّاحِبُ مُناسِبٌ ، والصَّدِيقُ مَن صَدَقَ غَيْبُهُ ، والهَوى شَرِيكُ العَمَى ، ومِنَ التَّوفِيقِ الوُقُوفُ عِنْدَ الحِيَرةِ ، ونِعْمَ طارِدُ الهُمُومِ اليَقينُ ، وعاقِبَةُ الكَذِبِ النَّدَمُ ( الذَّمُّ ) وفي الصِّدْق السَّلامَة . ورُبَّ بعِيدٍ أقْرَب من قَرِيبٍ ( ورُبَّ قَريب أبْعَدُ من بَعيدٍ ) والغَريبُ مَن لم يَكن له حَبِيبٌ ، لا يَعْدِمُك من شَفِيق ( مِن حَبِيبٍ ) سُوءُ الظَّنِّ ، ومَن حَمَّ ظَمَأَ ، ومَن تَعَدَّى الحَقَّ ضاقَ مَذْهَبُه ، ومَن اقْتَصَر على قَدْرِه كان أبْقى له . نِعْم الخُلُق التَّكرُّمُ ، وألْأمُ اللُّؤم البَغي عنْد القدْرَة ، والحَياءُ سَبَبٌ إلى كلِّ جَمِيلٍ ، وأوْثَقُ العُرى التَّقوى ، وأوْثَقُ سَبَبٍ أخَذْتَ به سَبَبٌ بينك وبين سرَّك مَن أعْتَبَك ، والإفراط في المَلامَة يَشِبُّ نِيرانَ اللّجاجَة ( اللَّجاج ) كم مِن دَنِفٍ ( قَدْ ) نجَى ، وصَحِيحٍ قَدْ هَوَى ، وقد يكون اليأسُ إدراكا إذا كان الطَّمع هلاكا ، ولَيْس كلُّ عَوْرَة تظْهَرُ ، ولا ( كلُّ ) فَريضَة تُصابُ ، ورُبَّما أخطأ البَصيرُ قصْدَه ، وأصابَ الأعْمى رُشْدَه ، وليْس كلُّ مَن طَلَب وَجَد ، ولا كلُّ مَن تَوَقَّى نَجى . أخِّر الشَّرَّ فإنَّك إذا شِئت تَعَجَّلْتَه وأحسِن إنْ أحْبَبْت أنْ يُحْسَن إليْك ، ( و ) احْتَمِل أخاك على ما فيْه ، ولا تُكْثِر العِتابَ ، فإنَّه يورِثُ الضَّغِينَةَ ( ويَجرُّ إلى البغْضَة ) ، واسْتَعْتِب مَن رَجَوْتَ عُتْباهُ ، وقَطِيعَةُ الجاهِلِ تَعْدِل صِلَة العاقِل ، ومن الكَرَم مَنْعُ الحَزْم ، مَن كابَر الزَّمان عَطِب ، ومَن تَنَقَّم علَيْه غَضِبَ . ما أقْرَبَ النَّقِمَة من أهْل البَغْي ، وأخْلَقَ بمَن غَدَرَ إلاَّ يُؤفى له ، زَلَّةُ المتَوَقِّي أشَدُّ زَلَّةٍ ، وعِلَّةُ الكِذب أقْبَحُ عِلَّة ، والفَسادُ يُبِيرُ الكَثِيرَ ، والاقتِصادُ يُنْمي اليَسِير ، والقِلَّةُ ذِلَّةٌ ، وبِرُّ الوالدَيْن من أكْرَم الطِّباع ( مِن كَرَم الطَّبيعَة ) ، والمخافِتُ شَرَّا يَخاف ، والزَّلَلُ مع العَجَل ، ولا خَيْرَ في لَذَّةٍ تَعْقِب نَدَما ، العاقلُ مَن وَعَظَتْه التَّجارب ، ورَسُولُك تَرجُمان عقلِك ، والهُدَى يَجْلُو العَمى ، ولَيْسَ مع الخِلاف ائتلافٌ . مَن خَبَر خوَّانا فَقَدْ خان ، لَنْ يُهلِك مَن اقْتَصد ، ولَنْ يَفْتَقِر مَن زَهد ، يُنْبِئُ عن أمْر دَخيلُه ، رُبَّ باحِثٍ عن حَتْفِه ، ولا تَشُوبَنَّ بثِقَةٍ رَجاءً ، وما كلُّ ما يُخْشى يَصيِرُ ، ولَرُبَّ هزْلٍ قَدْ عادَ جِدا ، مَن أمِن الزَّمان خانَه ، ومَن تعَظَّم عليْه أهانَه ، ومَن تَرَغَّمَ عليْه أرْغَمَه ، ومَن لَجَأ إليْه أسْلَمَه ، ولَيْسَ كلُّ مَن رَمَى أصابَ ، وإذا تَغَيَّر السُّلطانُ تَغَيَّر الزَّمان ، خَيْرُ أهْلِك مَن كَفاك ، المزاحُ يُورِث الضَّغائِن ، أعْذَرَ مَن اجْتَهد ، ورُبَّما أكْدَى الحَرِيص . رأسُ الدِّين صِحَة اليَقين ، وتمامُ الإخلاص تَجَنُّب ( تَجَنُّبك ) المعاصي ، وخَيْرُ المَقال ما صَدَّقَه الفِعال ، السَّلامةُ مع الاسْتِقامَة ، والدُّعاء مِفتاحُ الرَّحمة ، سَلْ عن الرَّفيق قبلَ الطَريق ، وعن الجَار قبلَ الدَّار ، وكنْ من الدُّنيا على قلْعَةٍ ، أجمِل مَن أذَلَّ علَيْك ، ( كذا ) واقْبِل عُذْرَ مَن اعْتَذَر إليْك ، وخُذْ العَفْو من النَّاس ، ولا تَبْلُغ من أحدٍ مكْرُوها ، أطِع أخاك وإنْ عَصاك ، وصَلْه وإنْ جَفاك ، وعَوِّد نفسَك السَّماح ، وتَخَيَّر لها مِن كلِّ خُلْقٍ أحسنَه ، فإنَّ الخَيْرَ العادَةُ . وإيَّاك أنْ تكْثِر من الكَلام هَذَرا ، وأنْ تكون مضْحِكا ، وإنْ حَكَيْتَ ذلِك عن غَيْرك ، وأنْصِف من نفسك ( قبلَ أنْ يُنْتَصَف منك ) . وإيَّاك ومشاوَرَة النِّساء ، فإنَّ رأيَهنَّ إلى الأفَن ، وعَزْمَهُنَّ إلى الوَهَن ، واكفُفْ عليْهِنَّ مِن أبصارِهنَّ بحِجابِك إيَّاهنَّ ، فإنَّ شِدَّة الحِجاب خَيْرٌ لَك ولَهنَّ مِن الارتِياب ، ولَيْسَ خروجُهُنَّ بأشدّ من دُخول مَن لا يُوثَقُ به عليهِنَّ ، وإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ لا يعْرِفنَ غَيْرَك من الرِّجال فافعل ، ولا تُمَلِّك المَرأة من الأمر ( من أمرها ) ما جاوز نفسها ، فإنَّ ذلِك أنْعَمُ لحالِها ، وأرْخَى لِبالِها ، وأدْوَمُ لجمالِها ، فإنَّ المرأة رَيْحانَةٌ ، وليسَتْ بقَهرِمانَة ، ولا تَعْدُ بكَرامَتها نفسها ، ولا تُطمِعْها في أنْ تَشْفَع لغَيْرها ( بغَيْرها ) ، فَيَميِل مَن شَفَعْت له علَيْك معها ، ولا تُطِل الخلْوَةَ مع النِّساء ، فيُمَلِّلَنَّك وتُمَلِّلُهُنَّ ، واستَبْق من نفسك بقيَّةً ، فإنهَّ إمْساكَك عنهنَّ وهُنَّ يَرَيْنَ أنَّك ذو اقْتِدارٍ خَيْرٌ من أنْ يَعْثُرن ( يظْهَرنَ ) منْك على انْكِسار ( علَى انْتِشار ) . وإيَّاك والتَّغايُر في غَيْر موْضِع الْغِيْرة ( غِيرَةٍ ) ، فإنَّ ذلِك يدْعُو الصَّحِيحَةَ مِنهُنَّ إلى السَّقم ( والبَريئة إلى الرَّيْب ) ، ولكنْ أحْكِم أمْرَهنَّ ، فإنْ رأيْتَ عَيْبا ( ذنْبا ) فعَجِّل النَّكِيرَ على الكَبير والصَّغير . وإيَّاك أنْ تُعاقِب فيَعْظمُ الذَّنْب ويَهُونُ العَتبُ ، ولا تكُن عبْدَ غَيْرك وقد جعَلَك اللّه حُرَّا ، وما خَيٌْر بخَيْر لا يُنال إلاَّ بشَرٍّ ، ويُسْر لا يُنال بعُسْر . وإيَّاك أنْ تُوجِفَ بك مطايَا الطَّمع ( فتُورِدَك مناهِل الهَلَكَة ) ، وإنْ استطعتَ أنْ لا يكون بينك وبين اللّه ذو نِعْمَة فافْعل ، فإنَّك مُدْرِكٌ قِسَمَك وآخِذٌ سَهْمَك ، وإنَّ اليسيرَ من اللّه أكْرَمُ وأعظمُ من الكَثير من خَلْقه ، وإنْ كان كلٌّ منْه ، فإنْ نظرتَ _ فلله المثلُ الأعلَى _ فِيما تَطْلُبُ من المُلوك ومن دونهم من السَّفَلَة ؛ لعَرَفْت أنَّ لَكَ في يسير ما تطلُبُ ( تُصِيبُ ) من المُلُوك إفتخارا ، وأنَّ علَيْك في كَثير ما تطلُب من الدُّناة عارا ، إنَّك لَيْسَ بائعا شَيْئا من دينك وعِرضك بثَمَنٍ ، والمغْبُون مَن غَبَن نفسَه من اللّه ، فخُذ من الدُّنيا ما أتاك ، وتولَّ ممَّا تولَّى عنْك ، فإنْ أنْتَ لم تَفعَل فأجْمَل في الطَّلَب . وإيَّاك ومقارَبَة مَن رَهِبْتَه على دينك وعِرضك ، وباعِد السُّلطان لتَأمَنَ خُدَع الشَّيطان ، وتقول ما تَرى إنَّك تَرْغَب ، وهكذا هلَك مَن كان قبلَك ، إنَّ أهل القِبْلَة قَدْ أيقنوا بالمَعاد ، فلو سمِعتَ بعضَهم يَبِيع آخرتَه بالدُّنيا لم تُطِب بذلك نفسَا ، وقَدْ يَتَحيَّل ( يتَخَبَّله ) الشَّيْطانُ بخُدَعِه ومَكْرِه حَتَّى يُورِطَه في هَلَكةٍ بعَرَض من الدُّنيا يَسيرٍ حقِير ، ويَنْقُلَه من شَيْء إلى شَيْء حَتَّى يؤيسه من رَحْمَة اللّه ، ويُدخله في القُنوط ، فيَجِد الرَّاحة إلى ما خالَف الإسلام وأحكامه . فإنْ أبتْ نفسُك إلاَّ حُبَّ الدُّنيا وقرْبَ السُّلطان فخالَفَتْك إلى ما نَهَيْتُك عنه ممَّا فيه رُشدُك فامْلِك علَيْك لسانَك فإنَّه لا ثِقَة للْمُلُوك عنْد الغَضَب ، فلا تَسْأَل عن أخبارِهم ، ولا تَنْطِق بأسْرارِهم ، ولا تدْخُل فِيما بينهم ، وفي الصَّمت السَّلامة من النَّدامَة ، وتَلافِيك ما فَرَط من صَمْتِك أيْسَرُ من إدراك ما فاتَ من مَنْطِقك ( فائِدةِ ما فات من مَنْطقك ) ، وحفْظُ ما في الوِعاء بِشدِّ الوِكاء ، وحِفْظُ ما في يديك أحَبُّ إليك ( إليَّ ) من طلَب ما في يد غَيْرِك ، ولا تُحدِّث إلاَّ عن ثِقَة كَذَّابا ، والكِذْب ذُلٌّ ، وحُسْنُ التَّدبير مع الكَفاف أكْفَى لَكَ من الكَثير مع الإسراف ، وحُسْنَ اليَأس خَيْرٌ من الطَّلب إلى النَّاس ، والعِفَّةُ مع الحِرْفَة خَيْرٌ من سُرور مع فجور ، والمرءُ أحْفَظُ لِسِرِّه ، ورُبَّ ساعٍ فِيما يَضُرُّه ، مَن أكثَر أهْجَر ، ومَن تَفَكَّر أبْصَر . وأحْسِن لِلْمَمالِيك الأدب ، وأقْلِل الغَضَبَ ، ولا تُكْثِر العَتَب في غَيْر ذَنْبٍ ، فإذا اسْتَحقَّ أحدٌ منهم ذَنْبا فأحْسِن العَفو ( فأحسِن العدل ) ، فإنَّ العفو مع العدل أشَدُّ من الضَّرب لمَن كان له عقلٌ ، ولا تُمْسِك مَن لا عقل له ، وخَفِ القِصاص ، واجعل لكل امْرءٍ منهم عمَلاً تأخُذُه به ، فإنَّه أحَرى أنْ لا يَتَواكَلوا . وأكِرم عَشِيرَتَك ، فإنَّهم جَناحُك الَّذِي به تَطِير ، وأصْلُك الَّذِي إليه تَصِير ، ويدُك الَّذِي بها تَصولُ ، ( وهُمُ العُدَّة عِنْد الشِّدَّة ) ، أكرِم كريمَهم ، وعُدْ سَقيمَهم ، وأشْركهم في أمورهم ، وتَيَسَّر عنْد معْسُورِهم . واسْتَعِنو باللّه علَى أمورك ، فإنَّه أكَفى مُعِينٍ ، وأسْتَوْدِع اللّه دِينَك ودُنياك ، وأسألُه خَيْرَ القَضاء لَكَ في العاجِلَة والآجِلَة ، والدُّنيا والآخِرة ، والسَّلام ( علَيْكَ ورَحْمَةُ واللّه وبَرَكاتُه ) » . (4)

.


1- . وزعتُهُ أزَعُه وَزْعا : كفَفْتُهُ، فاتَّزع هو، أي كفَّ ( الصحاح: ج 3 ص 1297 ) .
2- . استظهر به، أي استعان (لسان العرب : ج 4 ص 525) .
3- . فلان يتجرَّم علينا، أي يتجنّى ما لم نجنهِ . ( لسان العرب: ج 12 ص 91 ) .
4- . راجع : كشف المحجَّة : ص220 _ 234 ، نهج البلاغة : الكتاب31 ، تحف العقول : ص68 ، بحار الأنوار : ج77 ص198 _ 218 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج : 16 ص : 9 ، كنز العمال : ج8 ص210 .

ص: 539

. .

ص: 540

. .

ص: 541

. .

ص: 542

. .

ص: 543

. .

ص: 544

. .

ص: 545

. .

ص: 546

. .

ص: 547

. .

ص: 548

. .

ص: 549

. .

ص: 550

. .

ص: 551

. .

ص: 552

141 _ كتابه عليه السلام إلى محمّد بن أبي بكر

141كتابه عليه السلام إلى مُحَمَّد بن أبي بَكر« أمَّا بعدُ ؛ فَقدْ جاءَنِي رسُولُكَ بِكتابِكَ تَذْكُرُ أنَّ ابنَ العاصِ قَد نَزلَ أَدانِيَ مِصرَ في جَيْشٍ جرّارٍ ، وأنَّ مَنْ كانَ علَى مِثْلِ رأْيهِ قَدْ خَرَجَ إليْهِ ، وخُروجُ مَنْ كَانَ يَرى رَأيَهُ خيرٌ لَكَ مِن إقامَتِهِ عِنْدَكَ ، وَذكَرْتَ أنَّكَ قَد رَأيْتَ مِمَّن قِبَلَكَ فَشَلاً ؛ فَلا تَفْشَلْ وإنْ فَشَلُوا ، حَصِّن قَريَتَكَ ، واضمُمْ إلَيْكَ شِيعَتَكَ وأَذْكِ (1) الحَرَسَ في عَسْكَرِكَ ، واندُبْ إلى القَوْمِ كِنانَةَ بنَ بِشْرٍ ، المَعرُوفَ بالنَّصِيحَةِ والتَّجرِبَةِ والبَأْسِ ؛ وأنا نادِبٌ إليْكَ النَّاسَ علَى الصَّعْبِ والذَّلولِ ، فاصبِرْ لِعَدُوِّكَ وامْضِ علَى بَصِيرَتِكَ ، وقاتِلْهُم علَى نِيَّتِكَ ، وجاهِدْهُمْ مُحتَسِبا للّه ِ ، وإنْ كانَت فِئتُكَ أقَلَّ الفِئتَينِ ؛ فَإنَّ اللّه َ يُعِزُّ القَلِيلَ ويَخْذِلُ الكَثِيرَ ، وقَدْ قَرَأْتُ كِتابَيْ الفاجِرَيْنِ المُتَحابَّيْنِ علَى المَعصِيَةِ ، والمُتلائِمَيْنِ علَى الضَّلالَةِ ، والمُرتَشِيَيْنِ اللَّذين استمتعا بخلاقهما ، فلا يَهُدَنَّك إرعادُهما وإبراقُهُما ، وأجبهما إن كنت لم تجبهما بما هما أهله ، فَإنَّكَ تجدُ مَقالاً ما شِئْتَ ، والسَّلامُ . » (2)

.


1- . هو من قولهم : « أذكى عليه العيون ، أي أرسل عليه الطلائع » .
2- . الغارات : ج1 ص278 ، بحار الأنوار : ج33 ص558 ح722 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص84 ، تاريخ الطبري : ج5 ص102 وراجع : أنساب الأشراف : ج3 ص169 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص412 ، البداية والنهاية : ج7 ص315 .

ص: 553

[ أقول : لمَّا آل أمر التحكيم إلى ما آل إليه، جمع معاوية من كان معه من قريش ، وفيهم عَمْرو بن العاص وحَبِيب بن مَسْلَمَة ، وشاورهم في أمر مصر ، وتكلَّم من تكلَّم ، وأجمع رأيهم على مكاتبة شيعة عثمان بمصر فكاتبوهم ، ثُمَّ عزموا على إرسال عَمْرو بن العاص إليها في ستة آلاف رجل ] ، فخرج عَمْرو حَتَّى دنا مصر ، ولاقى مُحَمَّد بن أبي بَكر عامل عليّ على مصر ، فنزل أداني مصر فاجتمعت إليه العثمانيّة ، فأقام بها ، وكتب إلى مُحَمَّد بن أبي بَكر : أمَّا بعدُ ؛ فتنحّ عنّي بدمك يابن أبي بَكر ، فإنِّي لا أحبّ أن يصيبك منِّي ظفر ، وإنَّ النَّاس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك ، ورفض أمرك ؛ وندموا على اتِّباعك ، وهم مُسْلِمُوك لو قد التقت حلقتا البطان (1) ، فاخرج منها إنِّي لك من النَّاصحين ، والسَّلام . قال : وبعث عَمْرو أيضا مع هذا الكتاب بكتاب معاوية إليه ، وفيه : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ غبّ البغي والظُّلم عظيم الوبال ، وإنَّ سفك الدَّم الحرام لا يسلم صاحبه من النَّقمة في الدُّنيا ، والتَّبعة الموبقة في الآخرة ، وما نعلم أحدا كان أعظم على عثمان بغيا ، ولا أسوأ له عيبا ، ولا أشدّ عليه خلافا منك ، سعيت عليه في السَّاعين ، وساعدت عليه مع المساعدين ، وسفكت دمه مع السَّافكين ، ثُمَّ أنت تظنّ أنّي عنك نائمٌ ، ثُمَّ تأتي بلدةً فتأمن فيها وجلُّ أهلها أنصاري ؛ يرون رأيي ، ويرفعون قولي ، ويستصرخونني عليك ، وقد بعثت إليك قوما حناقا عليك ، يستسفكون دمك ، ويتقرّبون إلى اللّه بجهادك ، قد أعطوا اللّه عهدا ليقتلنَّك ، ولو لم يكن منهم إليك ما قالوا ، لقتلك اللّه بأيديهم أو بأيدي غيرهم من أوليائه ، فأُحذرك وأُنذرك ، وأحبّ أن يقتلوك بظلمك ووقيعتك وعدوانك على عثمان يوم الدَّار ، تطعن بمشاقصك فيما بين أحشائه وأوداجه ، ولكنّي أكره أن تقتل ، ولن يُسَلِّمَكَ اللّه ُ من القصاص أين كنت والسَّلام . قال : فطوى مُحَمَّد بن أبي بَكر كتابيهما ، وبعث بهما إلى عليّ عليه السلام ، وكتب إليه : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ العاصي ابن العاص قد نزل أداني مصر ، واجتمع إليه من أهل البلد كلُّ من كان يرى رأيهم ، وقد جاء في جيش جرّار ، وقد رأيت ممّن قبلي بعض الفشل ، فإن كان لك في أرض مصر حاجةٌ فأمددني بالأموال والرِّجال ، والسَّلام . [ فكتب إليه عليّ عليه السلام . . . ما تقدَّم . وكتب مُحَمَّد إلى معاوية وعَمْرو جواب كتابهما ، وأقبل عَمْرو بن العاص إلى مصر واستنفر عليّ عليه السلام أهل الكوفة ، فرأى فيهم التَّواني والتَّواكل والفشل ، فوعظهم فلم ينفعهم الوعظ والإنذار ، فقرب عَمْرو من مصر ، فقام مُحَمَّد في أهل مصر خطيبا وقال ، في آخرها : ] انتدبوا إلى هؤلاء رحمكم اللّه مع كِنانَة بن بشر ، ومن يجيب معه من كِنْدَة ، فانتدب معه نحو ألفي رجل ، وخرج مُحَمَّد في نحو ألفين ، واستقبل عَمْرو كِنانَة وهو على مُقدّمَةِ محمّد ، فأقبل عَمْرو نحو كِنانَة ، فلمَّا دنا منه سرّح نحوه الكتائب كتيبةً بعد كتيبة ، فجعل كِنانَة لا يأتيه كتيبةٌ من كتائب أهل الشَّام إلاَّ شدّ عليها بمن معه فيضربها حَتَّى يلحقها بعمرو ، ففعل ذلك مرارا ، فلمَّا رأى عَمْرو ذلك ، بعث إلى معاوية بن حُدَيْج الكِنْديّ فأتاه في مثل الدَّهم (2) ، فلمَّا رأى كِنانَة ذلك الجيش نزل عن فرسه ونزل معه أصحابه ، فضاربهم بسيفه وهو يقول : وما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إلاَّ بِإِذْنِ اللّه كِتابا مُوجَّلاً ، ومَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُوتِهِ مِنْها ، ومَنْ يُرِدْ ثَوابَ الآخِرَةِ نُوتِهِ مِنْها ، وسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ . ثُمَّ ضاربهم بسيفه حَتَّى استشهد رحمه الله . (3)

.


1- . في الصحاح : البطان ، للقتب الحزام الَّذي يجعل تحت بطن البعير .
2- . في النهاية : الدهم : العدد الكثير .
3- . الغارات : ج1 ص276 _ 282 ، وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص78 _ 92 ، تاريخ الطبري : ج5 ص10 _ 105 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص411 _ 414 ، أنساب الأشراف : ج3 ص169 _ 173 ، البداية والنهاية : ج7 ص315 _ 317 .

ص: 554

. .

ص: 555

142 _ كتابه عليه السلام إلى سعد بن مسعود

142كتابه عليه السلام إلى سَعْد بن مسعودوقال الطَّبري : لمّا أراد عليّ عليه السلام المسير إلى معاوية بعد قصّة الحَكَمين كتب إلى سَعْد بن مسعود الثَّقَفيّ ، وهو عامله على المَدائِن :« أمَّا بَعدُ ؛ فإنِّي قد بَعَثْتُ إليك زيادَ بنَ خَصَفَة ، فأشخِص مَعَهُ مَنْ قِبَلَكَ مِنْ مُقاتِلَةِ أهْلِ الكُوفَةِ ، وعَجِّلْ ذلك ، إن شاء اللّه ُ ، ولا قوَّة إلاّ باللّه » . (1)

.


1- . تاريخ الطبري : ج5 ص80 .

ص: 556

[ أقول : سَعْد بن مسعود الثَّقَفيّ عمّ المختار بن أبي عبيد ، ذكره البخاري في الصَّحابة ، والطَّبرانيّ فيمن له صحبة ، وذكر أبو مِخْنَف أنَّ عليَّا ولاّه بعض عمله ، ثُمَّ استصحبه معه إلى صفِّين . (1) ] قال نصر : وبعث سَعْد بن مسعود إلى أُستان الزّوابيّ ، والزّوابيّ ، (2) ولمّا أراد أمير المؤمنين عليه السلام المسير إلى صفِّين أمَّره على قَيْس ، وعبد القَيْس أحد أسباع الكوفة . (3) وظاهر الطَّبري ، أنَّ سَعْدا خرج مع من خرج بين الكوفة إلى ذي قار ، وشهد الجَمل مع عليّ عليه السلام ، وكان على سُبْع قيس ، فلمَّا انقضت الحرب ، وأراد عليّ عليه السلام المسير إلى الشَّام ، وورد المَدائِن ، شَخص معه من فيها من المقاتلة ، وولّى على المَدائِن سَعْد بن مسعود الثَّقَفيّ ، عمّ المختار بن أبي عبيد . وظاهره أنَّه لم يشهد صفِّين ، بل كان ابتداء عمله بعد الجمل حين ورد عليّ عليه السلام المَدائِن ، وهو يريد صفِّين ، وظاهر عبارة نصر ، أنَّه ولاّه إيَّاها بعد وقعة الجمل ، وأشخصه معه إلى صفِّين . وكان سَعْد على المَدائِن فلمَّا وقع التَّحكيم ، وخرجت الخوارج ، فمرّوا على المَدائِن ، فتحذر منهم سعد ، وأغلق أبوابَ المَدائِنِ ، وخرج في طلبهم في خمسمئة ، ولحقهم بالكرخ حَتَّى حجَزَ بينهُمُ اللَّيلُ ، وخرجت الخوارج في ظُلمةِ اللَّيلِ ، وعبروا النَّهر ، فرجع سعد إلى المَدائِن ، فلمَّا سار عليّ عليه السلام إليهم سار سَعْد معه . ولمَّا أراد أمير المؤمنين عليه السلام المسير إلى صفِّين ثانيا ، كتب إليه الكتاب المتقدّم ، ولمَّا قتل _ صلوات اللّه عليه _ أقرّه الحسنُ عليه السلام على عمله ، فلمَّا جرح الحسن عليه السلام بالمَدائِن نزل على سعد ، فأقام يعالج جرحه ، فقال المختار لسعد _ وهو غلام شابّ _: هل لك في الغِنى والشَّرف ؟ قال : وما ذاك ؟ قال : تستوثق الحسن ، وتَستأمِن به إلى معاوية . فقال : عليك لَعنةُ اللّه ِ ، أثِبُ علَى ابنِ بنتِ رسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فأُوثِقُهُ ! بئس الرَّجُلُ أنتَ ! (4)

.


1- . راجع : الإصابة ، الاستيعاب وأسد الغابة .
2- . عن ياقوت : نهران فوق بغداد ، ونهران تحتها ، يقال لكل واحد منها الزّاب ، وربَّما قيل لكل واحد زابي ، وتثنيته زابيان ، وإذا جمعت قيل لها الزوابي .
3- . وقعة صفِّين : ص 117 .
4- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص500 وج5 ص83 و159 ، مقاتل الطالبيّين : ص64 ؛ الإرشاد : ج2 ص13 ، قاموس الرجال : ج 5 ص 64 الرقم 3186 ، بحار الأنوار : : ج44 ص23 _ 69 .

ص: 557

. .

ص: 558

. .

ص: 559

القهرس التفصيلي .

ص: 560

. .

ص: 561

. .

ص: 562

. .

ص: 563

. .

ص: 564

. .

ص: 565

. .

ص: 566

. .

ص: 567

. .

ص: 568

. .

المجلد 2

اشاره

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

الفصل الرابع : مكاتيبه من نهاية صفّين إلى نهاية النهروان

اشاره

الفصل الرابع : مكاتيبه من نهاية صفّين إلى نهاية النهروان

.

ص: 6

. .

ص: 7

143 _ كتابه عليه السلام إلى الخوارج

144 _ كتابه عليه السلام إلى الخوارج

143كتابه عليه السلام إلى الخوارجقال الطَّبري : وكتب ( أمير المؤمنين عليه السلام ) إلى الخوارج بالنَّهر :« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ عَبدِ اللّه ِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ ، إلى زَيْدِ بنِ حُصَيْن ، وعَبْدِ اللّه ِ بنِ وَهَبٍ ، وَمَنْ مَعَهُما مِنَ النَّاسِ : أمَّا بَعْدُ ؛ فَإنَّ هَذيْنِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَينِ ارتضيْنا حُكْمَهما قد خالَفا كِتابَ اللّه ِ ، واتّبعا أهواءهما بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللّه ِ ، فلم يَعمَلا بالسُّنَّةِ ، ولم يُنَفِّذا لِلقُرآنِ حُكْما ، فَبَرِئ اللّه ُ ورَسولُهُ مِنهُما والمُؤمِنونَ ! فَإذا بَلَغَكُم كِتابِي هَذا فأَقبِلُوا ، فَإنَّا سائِرونَ إِلى عَدُوِّنا وَعدُوِّكُم ، ونَحنُ علَى الأمْرِ الأوَّلِ الَّذي كُنَّا عَليْهِ ، والسَّلامُ » . (1)

144كتابه عليه السلام إلى الخوارجقال البلاذري : ( أنَّه لمَّا ) أجمع عليّ على إتيان صفِّين ، والعود إلى حرب معاوية ثانيا ، كتب إلى الخوارج بالنَّهروان :« أمَّا بَعْدُ ؛ فَقَدْ جاءَكُمْ ما كُنْتُم تُرِيدُونَ ، قَد تَفَرَّقَ الحَكَمانِ عَلى غَيْرِ حُكومَةٍ ، ولا اتّفاقٍ ، فارجِعُوا إلى ما كُنتُمْ عَليْهِ ، فَإنِّي أُريدُ المَسيرَ إلَى الشَّامِ » . (2)

.


1- . تاريخ الطبري : ج5 ص77 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص123 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص503 .
2- . أنساب الأشراف : ج 2 ص141 .

ص: 8

145 _ كتابه عليه السلام إلى الخوارج

146 _ كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

145كتابه عليه السلام إلى الخوارجقال البلاذري : وكتب ( أمير المؤمنين عليه السلام ) إلى الخوارج :« أمَّا بَعدُ ؛ فإنِّي أُذكِّرُكُم ( اللّه َ ) أنْ تكونوا مِنَ الَّذِينَ فارَقُوا دِينَهُم ، وكانوا شِيَعا ، بعد أن أخذ اللّه مِيثاقَكُمْ علَى الجَماعَةِ ، وألَّف بينَ قُلوبِكُمْ علَى الطَّاعَةِ ، وأَنْ تَكونُوا كالَّذينَ تَفَرَّقُوا ، واختَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ البَيِّناتُ » . (1)

146كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاسقال الطَّبري : إنَّ عليَّا لمّا نزل بالنُّخيلة وأيس من الخوارج ، خطب النَّاس وحثّهم على الجهاد ، وساق الخطبة ، فقال : وكتب عليّ إلى ابن عبَّاس مع عُتْبَة بن الأخنس بن قيس ، من بني سَعْد بن بَكر :« أمَّا بَعْدُ ؛ فَإنّا قَدْ خَرَجْنا إلى مُعَسْكَرِنا بالنُّخيْلَةِ ، وقَدْ أجْمَعْنا علَى المَسيرِ إلى عَدُوِّنا مِن أهْلِ المَغْرِبِ ، فأَشْخِصْ بالنَّاسِ حَتَّى يأتِيَكَ رَسُولِي ، وأَقِمْ حَتَّى يأتِيَكَ أمْرِي والسَّلام » .

.


1- . أنساب الأشراف : ج 2 ص 144 .

ص: 9

147 _ كتابه عليه السلام إلى الخوارج

فلمّا قدم عليه الكتاب قرأه على النَّاس ، وأمرهم بالشُّخوص مع الأحنف بن قيس ، فشخص معه منهم ألف وخمسمئة رجُلٍ ، فاستقلَّهُم عَبْدُ اللّه بنُ عبَّاس ، فقام في النَّاس ، فحمد اللّه وأثْنى عليه ، ثُمَّ قال : أمَّا بعدُ ؛ يا أهل البصرة ، فإنَّه جاءني أمر أمير المؤمنين ، يأمرني بإشخاصكم ، فأمرتكم بالنَّفير إليه مع الأحنف بن قيس ، ولم يَشخَص معه منكم إلاَّ ألف وخمسمئة ، وأنتم ستون ألف سوى أبنائكم وعبدانكم ومواليكم ! ألا انفِروا مع جارية بن قُدامَة السعدي ، ولا يجعلَنَّ رجل على نفسه سبيلاً ، فإنّي مُوقع بكلّ من وجدته متخلِّفا عن مكتبه ، عاصيا لإمامه ، وقد أمرتُ أبا الأسْوَد الدُّؤلي بِحَشْرِكم ، فلا يَلُمْ رجُلٌ جَعلَ السبيلَ علَى نفسِهِ إلاَّ نفسَهُ . فخرج جارية فعسكر ، وخرج أبو الأسْوَد فحشر النَّاس ، فاجتمع إلى جارية ألف وسبعمئة ، ثُمَّ أقبل حَتَّى وافاه عليٌّ بالنُّخيلة . (1)

147كتابه عليه السلام إلى الخوارجمن كتابه عليه السلام إلى الخوارج في قضيَّة قتلهم عبد اللّه بن خَبَّاب بن الأرَتّ .« بسم اللّه الرحمن الرحيم مِن عبد اللّه ِ وابْنِ عَبْدِهِ ، أميرِ المُؤْمِنينَ وأجِيرِ المُسْلِمِينَ أخِي رَسُول اللّه صلى الله عليه و آله وابْنِ عمِّه ، إلى عَبدِ اللّه ِ بنِ وَهَبٍ وحَرْقُوص بن زُهَيْر المارِقَيْنِ من دِين الإسلام . أمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ بَلَغَنِي خُرُوجُكُما واجْتِماعُكما هُنالِك بغَيْر حَقٍّ كانَ لَكُما ولأبَوَيْكُما من قَبْلِكما ، وجَمْعُكُما لهذه الجُمُوع ؛ الَّذين لَمْ يَتفَقَّهوا في الدِّين ، ولَم يعطوا في اللّه اليَقين . والْزَما الحقَّ فإنَّ الحقَّ يُلْزِمُكما مَنْزِلَةَ الحقِّ ثمّ لا يُقضى إلاَّ بالحقِّ ، ولا تَزِيغا فَيَزيغُ مَن مَعَكما من أخباركما فَيكُونَ مَثَلُكما ومَثَلُهم كَمَثَل غَنَمٍ نَفَشَتْ في أرض ذَات عُشْبٍ ، فَرَعَتْ وسَمَنَتْ ، وإنَّما حَتْفُها في سِمْنِها ، وقَد عَلمْنا بأنَّ الدُّنيا كَعُروَتَين سُفلاً وعُلوا ، فمَن تَعَلَّق بالعُلو نَجا ، ومَن اسْتَمْسك بالسُّفل هَلَك ، والسَّعيد مَن سَعَدَتْ به رَعِيَّتُه ، والشَّقيُّ مَن شَقِيَت به رَعِيَّتُه ، وخَيْرُ النَّاس خَيْرُهم لِنَفسه ، وشَرُّهم شَرُّهم لِنَفسه ، ولَيْس بيْنَ اللّه وبينَ أحدٍ قَرابَةٌ ، و « كُلُّ نَفْسٍِ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ » (2) ، والكَلامُ كَثِيرٌ ، وإنَّما نُرِيدُ منْه اليَسِيرَ ، فمَن لَم يَنْتَفِعْ باليَسيرِ ضَرَّهُ الكَثِيرُ ، وقَد جَعَلْتُموني في حالَةِ مَن ضَلَّ وغَوَى وعن طَريقِ الحَقِّ هَوَى ، خَرَجْتُم علَيَّ مخالِفين بَعْدَ أنْ بايَعْتُموني طائِعينَ غَيْرَ مُكْرَهين ، فَنَقَضْتُم عهُودَكم ، ونَكَثْتُم أيْمانَكم ، ثمَّ لَم يَكْفِكم ما أنْتُم فيه مِن العَمى وشَقِّ العَصا ، حتَّى وَثَبْتُم على عَبْدِ اللّه ِ بنِ خَبَّابِ فَقَتَلْتُمُوه وقَتَلْتُم أهْلَه ووَلَدَه ، بغَيْر تِرَةٍ كانَتْ منه إليْكم ولا دخل ،( ذَحْل ) (3) ، وهو ابنُ صاحِبِ رسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، ولَن يُغْنِي القُعُودُ عَنِ الطَّلَبِ بِدَمِهِ ، فادفعوا إلَيْنا مَن قَتَلَهُ وقَتَلَ أهْلَهُ ووَلَدَه وشَرِك في دمائِهِم ، ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكم علَى عَمىً وجَهْلٍ ، فتَكُونوا حَدِيثا لمَنْ بَعْدَكم . وباللّه أُقْسِم قَسَما صادِقا ، لئِن لَم تَدْفَعُوا إلَيْنا قَاتِلَ صاحِبِنا عَبْدِ اللّه ِ بنِ خَبَّاب لم أنْصَرِفْ عَنْكُم دُونَ أنْ أقْضِي فِيْكم إرَبِي ، وباللّه أسْتَعينُ وعلَيْهِ أتَوَكَّلُ والسَّلامُ والرَّحمةُ مِنَ الوَاحِدِ الخَلاَّق عَلى النَّبيِّينَ ، وعَلى عِبادِهِ الصَّالحِينَ .

.


1- . تاريخ الطبري : ج5 ص78 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص401 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص164 كلاهما نحوه .
2- . المدثر : 38 .
3- . ذَحْل : الحقد والعداوة .

ص: 10

. .

ص: 11

148 _ كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

149 _ كتابه عليه السلام إلى بعض أمراء جيشه

ثُمّ طوى الكتاب وخَتَمه ودَفَعه إلى عبد اللّه بن أبي عقب ، وأرسله . » (1)

148كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاسوصيَّته عليه السلام لعبْد اللّه بن العبَّاس ، لمَّا بعثَه للاحتجاج على الخوارج :« لا تُخَاصِمْهُمْ بِالْقُرْآنِ ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوهٍ ، تَقُولُ ويَقُولُونَ ، ولَكِنْ حَاجِجْهُمْ بِالسُّنَّةِ ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَنْهَا مَحِيصا . » (2)

149كتابه عليه السلام إلى بعض أمَراء جيشهقال سِبط ابن الجُوزِيّ : كتبه إلى بعض أمراء جيشه في قوم كانوا قد شردوا عن الطَّاعة ، وفارقوا الجماعة ، رواه الشَّعْبيّ ، عن ابن عبَّاس :« سَلامٌ عَليكَ ، أمَّا بَعْدُ ، فإنْ عادَتْ هذِه الشِّرْذِمَةُ إلى الطَّاعة فَذلِكَ الَّذي أُوثِرُهُ ، وإنْ تَمادى بهم العِصيانُ إلى الشِّقاقِ ، فانْهَدْ بمَن أطاعَكَ إلى مَن عَصاكَ ، واسْتَعِن بمَن انْقادَ مَعَكَ علَى مَن تَقاعَسَ عَنْكَ ، فإنَّ المُتكارِهَ مَغِيبُه خَيْرٌ من حُضُورِهِ ، وعدَمُه خيرٌ مِنْ وجُودِهِ ، وقُعُودُه أغْنى مِنْ نُهُوضِهِ » . (3)

.


1- . الفتوح : ج4 ص262 .
2- . نهج البلاغة : الكتاب77 .
3- . تذكرة الخواصّ : ص157 .

ص: 12

150 _ كتابه عليه السلام إلى زياد بن أبيه

150كتابه عليه السلام إلى زياد بن أبى« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من عَبدِ اللّه ِ عَليِّ بنِ أبي طالب أميرِ المُؤمِنينَ إلى زيادِ بنِ عُبَيدٍ ؛ سلامٌ علَيْكَ أمَّا بَعْدُ ؛ فإنّي قد بعثت أعْيَن بن ضُبَيْعَة لِيُفرِّقَ قومَهُ عَن ابنِ الحَضْرَمِيّ ، فارقب ما يَكونُ مِنْهُ ، فَإنْ فَعَلَ وبَلغَ مِن ذلِكَ ما يَظِنُّ بِهِ وكانَ في ذلِكَ تفريقُ تِلْكَ الأوباش (1) فهو ما نحبّ ، وإن ترامت الاُمورُ بالقَوْمِ إلى الشِّقاقِ والعِصْيانِ ، فانهَضْ بِمَنْ أطاعَكَ إلى مَنْ عَصاكَ ، فَجاهِدْهُمْ فَإنْ ظَفِرْتَ فَهُو ما ظَنَنْتُ ، وإلاَّ فَطاوِلْهُمْ ومَاطِلْهُمْ ، ثُمَّ تَسَمَّعْ بِهمِ وأَبْصِرْ فَكَأنَّ كَتائِبَ المُسلِمينَ قد أظلَّتْ علَيْكَ ، فَقَتَلَ اللّه ُ المُفْسِدينَ الظَّالِمينَ ، ونَصرَ المَؤمِنينَ المُحِقِّين ، والسَّلامُ » . (2)

[ أقول : كتب أمير المؤمنين عليه السلام هذا الكتاب إلى زياد حينما استخلفه ابن عبَّاس على البصرة ، وقدم على عليٍّ عليه السلام يعزّيه بمُحَمَّد بن أبي بَكر ، ووقع الخلاف في البصرة لمجيى ء ابن الحَضْرَمِيّ مِنْ قِبَلِ معاوية إلى البصرة ، ودعوته أهل البصرة إلى معاوية ؛ وملخَّص الواقعة على ما نقله إبراهيم الثَّقَفيّ في الغارات : ] أنَّ معاوية بن أبي سُفْيَان لمَّا أصاب مُحَمَّد بن أبي بَكر بمصر ، وظهر عليها ، دعا عبد اللّه بن عامر الحَضْرَمِيّ ، فقال له : سِر إلى البصرة ؛ فإن جلّ أهلها يرون رأينا في عثمان ويعظّمون قتله وقد قتلوا في الطَّلب بدمه وهم موتورون . . . [ وحثّ معاوية على ذلك كتاب كتبه إليه عبَّاس بن الضَّحَّاك العبديّ ، وهو كان ممّن يرى عثمان ويخالف قومه في حبّهم عليَّا ، فلبَّاه معاوية وكتب إليه في ذلك ، ورأى معاوية أن يكتب إلى عَمْرو بن العاص في ذلك يستطلع رأيه ويستشيره ، فكتب إليه عَمْرو معجبا برَأيه مصوّبا ومرعوبا ، ولمّا جاءه كتاب عَمْرو دعا ]ابن الحَضْرَمِيّ فقال : سِر على بركة اللّه إلى أهل البصرة ، فانزِلْ في مضر ، واحذر ربيعة ، وتَودد الأزْد ، وانع عثمان بن عَفَّان ، وذكِّرهم الوقعة الَّتِي هلكتهم ، ومَنِّ لمن سمع وأطاع دنيا لا تفنى ، وأثرة لا يفقدها حَتَّى يفقدنا أو نفقده ، فودَّعه ثُمَّ خرج من عنده ، وقد دفع إليه كتابا ، وأمره إذا قدم أن يقرأه على النَّاس . [ فقدم ابن الحَضْرَمِيّ ونزل في بني تميم ، فاجتمع إليه من كان يرى رأي عثمان ، فتكلّم ابنُ الحَضْرَمِيّ وذكّرهم حرب الجمل وما حلّ بهم ]فقام إليه ( رجل اسمه ) الضَّحَّاك بنُ عبدِ اللّه ِ الهِلاليّ ، فقال : قبَّح اللّه ُ ما جئتنا به ودعوتنا إليه ، جئتنا واللّه بمثل ما جاء به صاحباك طَلْحَة والزُبَيْر ، أتيانا وقد بايعنا عليّا عليه السلام واجتمعنا له وكلمتنا واحدة ، ونحن على سبيل مستقيم [ إلى آخر ما قال . فقام عبد اللّه بن خازم السَّلميللّه ، وردَّ على الضَّحَّاك ، وأجاب ابن الحَضْرَمِيّ ، وطال الحِوار واللَّفظ ، وقرأ ابن الحَضْرَمِيّ على النَّاس كتاب معاوية ، واعتزل الأحنف قائلاً : ] لا ناقة لي في هذا ولا جمل ، واعتزل أمرهم ذلك . فكثر الكلام بين الخطباء ] وأقبل النَّاس إلى ابن الحَضْرَمِيّ ، فكثر تبعه ففزع لذلك زياد ، وهاله وهو في دار الإمارة ، فبعث إلى الحُصَيْن بن المُنْذِر ومالك بن مِسْمَع] فاستجارهما فقال مسمع : هذا أمر فيه نظر أرجع وأستشيره ، وأمَّا الحُصَيْن فقال : نعم ، ولم يطمئن زياد فبعث إلى صبرة بن شيمان الأزْدِيّ فاستجاره ، فأجاره بشرط أن ينزل داره ، فارتحل ليلاً حَتَّى نزل دار صبرة ، وكتب إلى عبد اللّه بن العبَّاس ، فرفع ذلك ابن عبَّاس إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وشاع ذلك في النَّاس بالكوفة ] وغلب ابن الحَضْرَمِيّ على البصرة وجباها واجتمعت الأزْد على زياد ، فصعد المنبر [ وحثَّهم على نصرة أمير المؤمنين عليه السلام والدِّفاع عنه ، فقام شيمان وصبرة ابنه فوعداه النُّصرة . ] ثُمَّ إنَّ شَبَث بن رِبْعيّ قال لعليّ عليه السلام : ابعث إلى هذا الحيِّ من تميم ، فادعهم إلى طاعتك ولزوم بيعتك ولا تسلط عليهم أزد عمان البُعداء البغضاء ، وقال مِخْنَف بن سُلَيْم الأزْدِيّ : إنَّ البعيد البغيض من عصى اللّه وخالف أمير المؤمنين . . . [ فنهاهما عليّ عليه السلام عن ذلك ، ودعا أعْيَن بن ضُبَيْعَة المجاشعي فحكى له القصّة ] . فقال : لا تستأْ يا أمير المؤمنين ، ولا يكن ما تكره ، ابعثني إليهم ، فإنَّا لك زعيم بطاعتهم وتفريق جماعتهم ونفي ابن الحَضْرَمِيّ من البصرة أو قتله . فقال فاخرج السَّاعة ، فخرج من عنده ومضى حَتَّى قدم البصرة ،( مع الكتاب المتقدِّم ) ثُمَّ دخل على زياد [ وأوصل الكتاب ] ، فلمَّا قرأه زياد أقرأه أعْيَن بن ضُبَيْعَة ، فقال له أعين : إنّي لأرجو أن تكفى هذا الأمر إن شاء اللّه ، ثُمَّ خرج من عنده فأتى رحله فجمع إليه رجالاً من قومه ، [ فوعظهم ووبّخهم على عملهم ، وحثّهم فأجابوا وأطاعوه ، فنهض بهم إلى ابن الحَضْرَمِيّ فتصافوا وتوافقوا ، فوعظ أعْيَن بن ضُبَيْعَة المخالفين المنابذين ، وهم يَشتِمُونه وينالون منه ، فانصرف عنهم فلمَّا آوى إلى رحله دخل عليه عشرة فقتلوه ، فكتب زياد بذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فدعا جارية ، و حكى له القصة ] فقال : يا أمير المؤمنين ابعثني إليهم واستعن باللّه عليهم . [ فقدم جارية البصرة مع خمسين رجلاً من تميم فبدأ بزياد فقام في الأزْد فجزاهم خيرا ] ، قال : جزاكم اللّه من حيٍّ خيرا ما أعظم عناءكم ، وأحسن بلاءكم ، وأطوعكم لأميركم ، وقد عرفتم الحقّ إذ ضيّعه من أنكرهُ ، ودعوتم إلى الهدى إذ تركه من لم يعرفه ، ثُمَّ قرأ عليهم وعلى من كان معه من شيعة عليّ عليه السلام وغيرهم كتاب عليٍّ عليه السلام ، فإذا فيه . . . . (3)

.


1- . الأوباش من الناس: الأخلاط، وأوباش من النّاس: وهم الضروب المتفرقون. ( لسان العرب: ج 6 ص 367 )
2- . الغارات : ج2 ص397 وراجع : بحار الأنوار : ج33 ص517 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص46 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص416 ، أنساب الأشراف : ج3 ص190 .
3- . راجع : الغارات : ج2 ص373 _ 397 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص110 _ 112 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص35 _ 46 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص415 _ 416 ، أنساب الأشراف : ج3 ص185 _ 190 ، البداية والنهاية : ج7 ص 316 _ 317 .

ص: 13

. .

ص: 14

. .

ص: 15

زياد بن أبيه

زِيادُ بنُ أبىهو زياد بن سُميَّة ؛ وهي اُمّه ، وقبل استلحاقه بأبي سُفْيَان يقال له : زياد بن عبيد الثَّقَفيّ ، تحدّثنا عنه مجملاً في مدخل البحث . كان من الخطباء (1) والسَّاسة . اشتهر بذكائه المفرط ومكره في ميدان السِّياسة (2) . ولدته سُمَيَّة الَّتي كانت بغيّا من أهل الطائف (3) _ وكانت تحت عبيد الثَّقَفيّ (4) _ في السَّنة الاُولى من الهِجْرة (5) . أسلم زياد في خلافة أبي بكر (6) . ولفت نظر عمر في عنفوان شبابه بسبب كفاءته ودهائه السِّياسي (7) ، فأشخصه في أيّام خلافته إلى اليمن لتنظيم ما حدث فيها من اضطراب (8) . كان عمر بن الخَطَّاب قد استعمله على بعض صدقات البصرة ، أو بعض أعمال البصرة . (9) كان زياد يعيش في البصرة ، وعمل كاتبا لولاتها : أبي موسى الأشْعَرِيّ (10) ، والمُغِيْرَة بن شُعْبَة (11) ، وعبد اللّه بن عامر (12) . وكان كاتبا (13) ومستشارا (14) لابن عبّاس في البصرة أيّام خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام . ولمّا توجّه ابن عبّاس إلى صفِّين جعله على خراج البصرة وديوانها وبيت مالها . (15) وعندما امتنع أهل فارس وكرمان من دفع الضَّرائب ، وطردوا واليهم سَهْل بن حُنيف ، استشار الإمام عليه السلام أصحابه لإرسال رجل مدبّر وسياسي إليهم ، فاقترح ابن عبّاس زيادا (16) ، وأكّد جاريةُ بن قُدامَة هذا الاقتراح (17) . فتوجّه زياد إلى فارس وكرمان (18) . وتمكّن بدهائه السِّياسي من إخماد نار الفتنة . وفي تلك الفترة نفسها ارتكب أعمالاً ذميمة فاعترض عليه الإمام عليه السلام . (19) لم يشترك زياد فيحروب الإمام عليه السلام ، وكان مع الإمام وابنه الحسن المُجتبى عليهماالسلامحتَّى استشهاد الإمام عليه السلام ، بل حتَّى الأيّام الاُولى من حكومة معاوية (20) . ثمّ زلّ بمكيدة معاوية ، ووقع فيما كان الإمام قد حذّره منه (21) ، وأصبح أداةً طيّعة لمعاوية تماما ، من خلال مؤامرة الاستلحاق . وسمّاه معاوية أخاه (22) . وشهد جماعة على أنّه ابنُ زِنى . (23) وهكذا أصبح زياد بن أبي سُفْيَان ! كانت المفاسد والقبائح متأصّلة في نفس زياد ، وقد أبرز خبث طينته واسوداد قلبه في بلاط معاوية . ولاّه البصرة في بادئ الأمر ، ثمّ صار أميرا على الكوفة أيضا (24) . ولمّا أحكم قبضته عليهما لم يتورّع عن كلِّ ضرب من ضروب الفساد والظُّلم (25) . وتشدّد كثيرا على النَّاس ، خاصّة شيعة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، (26) إذ سجن الكثيرين منهم في سجون مظلمة ضيّقة أو قتلهم (27) . وأكره النَّاس على البراءة من الإمام عليه السلام (28) وسبّه مصرّا على ذلك . (29) هلك زياد بالطَّاعون (30) سنة 53 ه (31) وهو ابن 53 سنة ، (32) بعد عِقْدٍ من الجور والعدوان والنَّهب ونشر القبائح وإشاعة الرِّجس والفحشاء ، وخَلّفَ من هذه الشجرة الخبيثة ثمرة خبيثة تقطر قبحا ، وهو عبيد اللّه الَّذي فاق أباه في الكشف عن سوء سريرته وظلمه لآل عليّ عليه السلام وشيعته . كان زياد نموذجا واضحا للسياسي الَّذي له دماغ مفكّر ، ولكن ليس له قلب وعاطفة قطّ ! كان الشَّرَه ، والعَبَث ، والنِّفاق في معاملة النَّاس من صفاته الَّتي أشار إليها الإمام عليه السلام ، في رسالة موقظة منبِّهة (33) . كان زياد عظيما عند طلاّب الدُّنيا الَّذين يَعظُم في عيونهم زبرجها وبهرجها ؛ ولذا مدحوه بالذكاء الحادّ والمكانة السَّامية (34) . بَيد أنّ نظرة إلى ما وراء ذلك ، تدلّنا على أ نّه لم يَرْعَوِ من كلّ رجسٍ ودنسٍ وقبحٍ وخبث ، حتَّى من تغيير نسبه أيضا . في سِيَرِ أعلامِ النُّبلاء _ في ذكر زياد بن أبى _ : هو زياد بن عُبيد الثَّقَفيّ ، وهو زياد بن سُمَيَّة وهي اُمُّه ، وهو زياد بن أبي سُفْيَان الَّذي استلحقه معاوية بأنّه أخوه . كانت سُميّة مولاة للحارث بن كلدة الثَّقَفيّ طبيب العرب ، يُكنّى أبا المُغِيْرَة . له إدراك ، ولد عام الهجرة ، وأسلم زمن الصِّدِّيق وهو مراهق ، وهو أخو أبي بكرة الثَّقَفيّ الصَّحابيّ لاُمّه ، ثمّ كان كاتبا لأبي موسى الأشْعَرِيّ زمن إمرته على البصرة ... . وكان كاتبا بليغا ، كتب أيضا للمُغِيرَةِ ولابن عبّاس ، وغاب عنه بالبصرة . يقال : إنّ أبا سُفْيَان أتى الطَّائف ، فسكر ، فطلب بغيّا ، فواقع سُمَيَّة ، وكانت مزوّجة بعبيد ، فولدت من جماعه زيادا ، فلمّا رآه معاوية من أفراد الدَّهر ، استعطفه وادّعاه ، وقال : نزل من ظهر أبي . ولمّا مات عليّ عليه السلام ، كان زياد نائبا له على إقليم فارس (35) . وفي الاستيعاب _ في ذكر زياد بن أبى _ : كان رجلاً عاقلاً في دنياه ، داهية خطيبا ، له قدر وجلالة عند أهل الدُّنيا (36) . وفي اُسْد الغابَة : كان عظيم السِّياسة ، ضابطا لما يتولاّه (37) . وفي تاريخ اليعقوبيّ : كان ( المُغِيْرَة ) يختلف إلى امرأة من بني هلال يقال لها : اُمّ جميلم ، زوجة الحجَّاج بن عُتيك الثَّقَفيّ ، فاستراب به جماعة من المسلمين ، فرصده أبو بكرة ونافع بن الحارث وشبل بن مَعْبَد وزياد بن عبيد ، حتَّى دخل إليها فرفعت الرِّيح السِّتر فإذا به عليها ، فوفد على عمر ، فسمع عمر صوت أبي بكرة وبينه وبينه حجاب ، فقال : أبو بكرة ! قال : نعم . قال : لقد جئت ببشر ؟ قال : إنّما جاء به المُغِيْرَة . ثمّ قصّ عليه القصّة . فبعث عمر أبا موسى الأشْعَرِيّ عاملاً مكانه ، وأمره أن يُشخص المُغِيْرَة ، فلمّا قدم عليه جمع بينه وبين الشُّهود ، فشهد الثَّلاثة ، وأقبل زياد ، فلمّا رآه عمر قال : أرى وجه رجل لا يخزي اللّه به رجلاً من أصحاب محمّد ، فلمّا دنا قال : ما عندك يا سلح العقاب ؟ قال : رأيت أمرا قبيحا ، وسمعت نفَسا عاليا ، ورأيت أرجلاً مختلفة ، ولم أرَ الَّذي مثل الميل في المكحلة . فجلد عمر أبا بكرة ، ونافعا ، وشبل بن مَعْبَد ، فقام أبو بكرة وقال : أشهد أنّ المُغِيْرَة زانٍ ، فأراد عمر أن يجلده ثانية ، فقال له : عليَّ إذا توفّي صاحبك حجارة . وكان عمر إذا رأى المُغِيْرَة قال : يا مُغَيْرَة ، ما رأيتك قطّ إلاّ خشيت أن يرجمني اللّه بالحجارة (38) . وفي الاستيعاب : بعث عمر بن الخَطَّاب زيادا في إصلاح فسادٍ وقع باليمن ، فرجع من وجهه وخطب خطبة لم يسمع النَّاسُ مثلَها ، فقال عَمْرو بن العاص : أما واللّه لو كان هذا الغلام قرشيّا لساق العربَ بعصاه . فقال أبو سُفْيَان بن حرب : واللّه إنّي لأعرف الَّذي وضعه في رحم اُمّه . فقال له عليّ بن أبي طالب : وَمَنْ هُوَ يا أبا سُفْيَان ؟ قال : أنا . قال : مهلاً يا أبا سُفْيَان . فقال أبو سُفْيَان : أما واللّه ِ لَولا خَوْفُ شَخْصٍيَراني يا عَلِيُّ مِنَ الأعادِي لأظهرَ أمرَهُ صَخْرُ بنُ حَرْبٍولَمْ تكُنِ المَقَالَةُ عَنْ زِيادِ وَقَدْ طالَتْ مُجامَلَتِي ثَقِيفاوتَرْكِي فَيِهِمُ ثَمَرَ الفُؤادِ (39) في تاريخ مدينة دمشق عن الشَّعْبيّ : أقام عليّ عليه السلام بعد وقعة الجمل بالبصرة خمسين ليلة ، ثمّ أقبل إلى الكوفة واستخلف عبد اللّه بن عبّاس على البصرة ، فلم يزل ابن عبّاس على البصرة حتَّى سار إلى صفِّين . ثمّ استخلف أبا الأسْوَد الدُّؤلي على الصَّلاة بالبصرة ، واستخلف زيادا على الخراج وبيت المال والدِّيوان ، وقد كان استكتبه قبل ذلك ، فلم يزالا على البصرة حتَّى قدم من صفِّين (40) . وفي تاريخ الطبريّ عن الشَّعْبيّ : لمّا انتقض أهل الجبال وطمع أهلُ الخَراج في كسرهِ ، وأخرجوا سَهْل بن حُنَيْف من فارس _ وكان عاملاً عليها لعليّ عليه السلام _ قال ابن عبّاس لعليّ : أكفيك فارس . فقدم ابن عبّاس البصرة ، ووجّه زيادا إلى فارس في جمع كثير ، فوطئ بهم أهل فارس ، فأدّوا الخراج (41) . وعن عليّ بن كثير : إنّ عليّا استشار النَّاس في رجل يولّيه فارس حين امتنعوا من أداء الخراج ، فقال له جارية بن قُدامَة : ألا أدلّك يا أمير المؤمنين على رجل صليب الرَّأي ، عالم بالسياسة ، كافٍ لما وُلِّي ؟ قال : من هو ؟ قال : زياد . قال : هو لها . فولاّه فارس وكرمان ، ووجّهه في أربعة آلاف ، فدوّخ تلك البلاد حتَّى استقاموا (42) . وفي شرح نهج البلاغة عن عليّ بن محمّد المَدائِنيّ : لمّا كان زمن عليّ عليه السلام ولّى زيادا فارس أو بعض أعمال فارس ، فضبطها ضبطا صالحا ، وجبى خراجها وحماها ، وعرف ذلك معاوية ، فكتب إليه : أمّا بعد ، فإنّه غرّتك قلاع تأوي إليها ليلاً ، كما تأوي الطَّير إلى وكرها ، وايم اللّه ، لولا انتظاري بك ما اللّه أعلم به ، لكان لك منّي ما قاله العبد الصَّالح : « فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُم بِهَا وَ لَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَ هُمْ صَاغِرُونَ » (43) . وكتب في أسفل الكتاب شعرا من جملته : تَنْسى أباكَ وقَدْ شالَتْ نَعامَتُهُإذْ يَخطِبُ النَّاسَ والوالي لَهُم عُمَرُ فلمّا ورد الكتاب على زياد قام فخطب النَّاس ، وقال : العجب من ابن آكلة الأكباد ، ورأس النِّفاق ! يهدّدني وبيني وبينه ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وزوج سيّدة نساء العالمين ، وأبو السبطين ، وصاحب الولاية والمنزلة والإخاء في مئة ألف من المهاجرين والأنصار والتَّابعين لهم بإحسان ! أما واللّه ، لو تخطّى هؤلاء أجمعين إليّ لوجدني أحمر مخشّا ضرّابا بالسَّيف . ثمّ كتب إلى عليّ عليه السلام ، وبعث بكتاب معاوية في كتابه . فكتب إليه عليٌّ عليه السلام ، وبعث بكتابِهِ : أمّا بَعْدُ ، فإنّي قد ولَّيتُكَ ما وَلَّيتُكَ وأَنا أراكَ لِذلِكَ أَهْلاً . . . (44) . وفي أنساب الأشراف : كتب معاوية إلى زياد يتوعّده ويتهدّده ، فخطب النَّاس فقال : أيُّها النَّاس ، كتب إليّ ابن آكلة الأكباد ، وكهف النِّفاق ، وبقيّة الأحزاب ، يتوعّدني ، وبيني وبينه ابن عمّ رسول اللّه في سبعين ألفا ، قبائع سيوفهم عند أذقانهم ، لا يلتفت أحد منهم حتَّى يموت ، أما واللّه ، لئن وصل هذا الأمر إليه ليجدنّي ضرّابا بالسَّيف (45) . وفي تاريخ الخلفاء : وفي سنة ثلاث وأربعين . . . استلحق (46) معاوية زياد بن أبى ، وهي أوّل قضيّة غيّر فيها حكم النَّبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام في الإسلام (47) . وفي تاريخ مدينة دمشق عن سَعيد بن المُسَيَّب : أوّل من ردّ قضاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، دعوة معاوية (48) . وعن ابن أبي نَجيع : أوّل حكم رُدّ من حكم رسول اللّه صلى الله عليه و آله الحكم في زياد (49) . وعن عَمْرو بن نعجة : أوّل ذلّ دخل على العرب قتل الحسين ، وادّعاء زياد (50) . وفي مروج الذَّهب : لمّا همّ معاوية بإلحاق زياد بأبي سُفْيَان أبيه _ وذلك في سنة أربع وأربعين _ شهد عنده زياد بن أسماء الحرمازي ومالك بن ربيعة السَّلولي والمُنْذِر بن الزُّبير بن العوّام : أنّ أبا سُفْيَان أخبر أنّه ابنه . . . ثمّ زاده يقينا إلى ذلك شهادة أبي مريم السَّلولي ، وكان أخبر النَّاس ببدء الأمر ، وذلك أنّه جمع بين أبي سُفْيَان وسُمَيَّة اُمّ زياد في الجاهليّة على زنا . وكانت سُمَيَّة من ذوات الرَّايات بالطائف تؤدّي الضَّريبة إلى الحارث بن كلدة ، وكانت تَنزِلُ بالموضِعِ الَّذي تنزل فيه البغايا بالطَّائف خارجا عن الحضر في محلّة يقال لها : حارة البغايا (51) . وفي تاريخ اليعقوبيّ : كان زياد بن عبيد عامل عليّ بن أبي طالب على فارس ، فلمّا صار الأمر إلى معاوية كتب إليه يتوعّده ويتهدّده ، فقام زيادٌ خطيبا ، فقال : إنّ ابن آكلة الأكباد ، وكهف النِّفاق . . . فوجّه معاوية إليه المُغِيْرَة بن شُعْبَة ، فأقدمه ثمّ ادّعاه ، وألحقه بأبي سُفْيَان ، وولاّه البصرة ، وأحضر زياد شهودا أربعة ، فشهد أحدهم أنّ عليّ بن أبي طالب أعلمه أنّهم كانوا جلوسا عند عمر بن الخَطَّاب حين أتاه زياد برسالة أبي موسى الأشْعَرِيّ ، فتكلّم زياد بكلام أعجبه ، فقال : أكنت قائلاً للناس هذا على المنبر ؟ قال : هم أهون عليَّ منك يا أمير المؤمنين ، فقال أبو سُفْيَان : واللّه ، لهو ابني ، ولأنا وضعته في رحم اُمّه . قلت : فما يمنعك من ادّعائه ؟ قال : مخافة هذا العير (52) النَّاهق . وتقدّم آخر فشهد على هذه الشَّهادة . قال زياد الهَمْدانِيّ : لمّا سأله زياد كيف قولك في عليّ ؟ قال : مثل قولك حين ولاّك فارس ، وشهد لك أنّك ابن أبي سُفْيَان . وتقدّم أبو مريم السَّلولي فقال : ما أدري ما شهادة عليّ ، ولكنّي كنت خمّارا بالطائف ، فمرّ بي أبو سُفْيَان منصرفا من سفر له ، فطعم وشرب ، ثمّ قال : يا أبا مريم طالت الغربة ، فهل من بغيّ ؟ فقلت : ما أجد لك إلاّ أمة بني عَجْلان . قال : فَأْتني بها على ما كان من طول ثدييها ونتن رفغها (53) ، فأتيته بها ، فوقع عليها ، ثمّ رجع إليّ فقال لي : يا أبا مريم ، لاستلّت ماء ظهري استلالاً تثيب ابن الحبل في عينها . فقال له زياد : إنّما أتينا بك شاهدا ، ولم نأت بك شاتما . قال : أقول الحقّ على ما كان ، فأنفذ معاوية . . . (54) قال : ما قد بلغكم وشهد بما سمعتم ، فإن كان ما قالوا حقّا ، فالحمد للّه الَّذي حفظ منّي ما ضيّع النَّاس ، ورفع منّي ما وضعوا ، وإن كان باطلاً ، فمعاوية والشُّهود أعلم ، وما كان عبيد إلاّ والدا مبرورا مشكورا (55) . وفي تاريخ الطبريّ عن مَسْلَمَة : استعمل زياد على شرطته عبد اللّه بن حصن ، فأمهل النَّاس حتَّى بلغ الخبر الكوفة ، وعاد إليه وصول الخبر إلى الكوفة ، وكان يؤخّر العشاء حتَّى يكون آخر من يصلّي ثمّ يصلّي ، يأمر رجلاً فيقرأ سورة البقرة ومثلها ، يرتّل القرآن ، فإذا فرغ أمهل بقدر ما يرى أنّ إنسانا يبلغ الخريبة . . . (56) . وفي مروج الذَّهب : قد كان زياد جمع النَّاس بالكوفة بباب قصره يحرّضهم على لعن عليّ ، فمن أبى ذلك عرضه على السَّيف (57) . وفي المعجم الكبير عن الحسن : كان زياد يتتبّع شيعة عليّ عليه السلام فيقتلهم ، فبلغ ذلك الحسن بن عليّ عليه السلام فقال : اللَّهمَّ تفرّد بموتِهِ ، فإنّ القتلَ كُفَّارَةٌ (58) . وفي سِيَرِ أعلامِ النُّبلاء عن الحسن البَصريّ : بلغ الحسن بن عليّ أنّ زيادا يتتبّع شيعة عليّ بالبصرة فيقتلهم ، فدعا عليه . وقيل : إنّه جمع أهل الكوفة ليعرضهم على البراءة من أبي الحسن ، فأصابه حينئذٍ طاعون في سنة ثلاث وخمسين (59) .

.


1- . الاستيعاب : ج 2 ص100 الرقم829 ، اُسد الغابة : ج 2 ص336 الرقم1800 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص496 الرقم112 ، الإصابة : ج 2 ص528 الرقم2994 .
2- . الاستيعاب : ج 2 ص100 الرقم829 ، العقد الفريد : ج4 ص6 ، الإصابة : ج 2 ص528 الرقم2994 .
3- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص219 ؛ مروج الذهب : ج3 ص15 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص495 الرقم112 ، العقد الفريد : ج4 ص4 ، الإصابة : ج 2 ص528 الرقم2994 .
4- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص495 الرقم112 ، الإصابة : ج 2 ص527 الرقم2994 ، العقد الفريد : ج4 ص4 .
5- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص163 ، الاستيعاب : ج 2 ص100 الرقم829 ، سِيَر أعلامِ النبلاء :ج 3 ص494 الرقم112 وفيهما « ولد عام الهجرة » ، الوافي بالوفيات : ج5 ص 2 ح 10 ، الطبقات الكبرى : ج7 ص100 ، المعارف لابن قتيبة : ص346 وفيهما « ولد عام الفتح بالطائف » .
6- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص162 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص494 الرقم112 ، الوافي بالوفيات : ج5 ص 2 الرقم 10 ، الإصابة : ج 2 ص528 الرقم2994 .
7- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص166 _ 168 ، أنساب الأشراف : ج5 ص198 .
8- . الاستيعاب : ج 2 ص101 الرقم829 .
9- . الاستيعاب : ج 2 ص100 الرقم829 .
10- . الطبقات الكبرى : ج7 ص99 ، المعارف لابن قتيبة : ص346 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص162 و ص 169 ، الاستيعاب : ج 2 ص100 الرقم829 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص494 الرقم112 ، أنساب الأشراف : ج5 ص198 .
11- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص169 ، المعارف لابن قتيبة : ص346 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص495 الرقم112 ، أنساب الأشراف : ج5 ص198 .
12- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص169 .
13- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص169 و170 ، المعارف لابن قتيبة : ص346 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص495 الرقم112 ، أنساب الأشراف : ج5 ص199 .
14- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص171 .
15- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص170 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص495 الرقم112 وفيه « ناب عنه ابن عبّاس بالبصرة » .
16- . تاريخ الطبري : ج5 ص137 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص430 ، البداية والنهاية : ج7 ص318 .
17- . تاريخ الطبري : ج5 ص137 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص429 .
18- . تاريخ الطبري : ج5 ص137 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص429 ، تاريخ خليفة بن خيّاط :ص144 وفيه « وجّه عليٌّ زيادا فأرضوه وصالحوه وأدَّوا الخراج » .
19- . نهج البلاغة : الكتاب 20 و21 .
20- . العقد الفريد : ج4 ص5 .
21- . نهج البلاغة : الكتاب 44 ؛ الاستيعاب : ج 2 ص101 الرقم829 ، اُسد الغابة : ج 2 ص337 الرقم1800 .
22- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص218 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص214 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص162 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص494 الرقم112 ، الاستيعاب : ج 2 ص101 الرقم829 ، اُسد الغابة : ج 2 ص336 الرقم1800 ، تاريخ الخلفاء : ص235 ، العقد الفريد : ج4 ص4 .
23- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص219 ؛ مروج الذهب : ج3 ص14 و15 ، العقد الفريد : ج4 ص4 ، الإصابة :ج2 ص528 الرقم2994 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص495 الرقم112 .
24- . الطبقات الكبرى : ج7 ص99 ، أنساب الأشراف : ج5 ص205 وص 207 ، المعارف لابن قتيبة : ص346 ، مروج الذهب : ج3 ص33 و34 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص156 وص 158 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص162 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص496 الرقم112 .
25- . أنساب الأشراف : ج5 ص216 ، مروج الذهب : ج3 ص35 ، تاريخ الطبري : ج5 ص222 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص474 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص204 . ولمزيد الاطّلاع على حياة زياد بن أبيه راجع : أنساب الأشراف : ج5 ص205_ 250 .
26- . المعجم الكبير : ج3 ص70 ح2690 ، الفتوح : ج4 ص316 ، الوافي بالوفيات : ج5 ص12 الرقم10 .
27- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص202 ، مروج الذهب : ج3 ص35 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص496 الرقم112 .
28- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص203 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص496 الرقم112 .
29- . مروج الذهب : ج3 ص35 .
30- . أنساب الأشراف : ج5 ص288 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص203 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص496 الرقم112 ، الوافي بالوفيات : ج5 ص 3 الرقم 10 ، وفيات الأعيان : ج2 ص462 .
31- . الطبقات الكبرى : ج7 ص100 ، الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص328 الرقم1516 ، المعارف لابن قتيبة : ص346 ، تاريخ دمشق : ج19 ص207 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص496 الرقم112 ، الوافي بالوفيات : ج5 ص 3 الرقم 10 ، اُسد الغابة : ج 2 ص337 الرقم1800 .
32- . تاريخ خليفة بن خيّاط : ص166 ، الاستيعاب : ج 2 ص100 الرقم829 .
33- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص204 ، نثر الدرّ : ج1 ص321 .
34- . الاستيعاب : ج 2 ص100 الرقم829 ، اُسد الغابة : ج 2 ص337 الرقم1800 .
35- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص494 الرقم112 .
36- . الاستيعاب : ج 2 ص100 الرقم829 .
37- . اُسد الغابة : ج 2 ص337 الرقم1800 .
38- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص146 ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج60 ص35 _ 39 نحوه ، تاريخ الطبري :ج4 ص69 _ 72 ، الأغاني : ج16 ص103 _ 110 وفيه عن الشَّعبي « كانت اُمّ جميل بنت عمر _ الَّتي رُمي بها المغيرة بن شعبة _ بالكوفة تختلف إلى المغيرة في حوائجها ، فيقضيها لها ، قال : ووافقت عمر بالموسم والمغيرة هناك ، فقال له عمر : أ تعرف هذه ؟ قال : نعم ، هذه اُمّ كلثوم بنت عليّ . فقال له عمر : أ تتجاهل عليَّ ؟ ! واللّه ما أظنّ أبا بكرة كذب عليك ، وما رأيتك إلاّ خفت أن اُرمى بحجارة من السماء » .
39- . الاستيعاب : ج 2 ص101 الرقم829 ، اُسد الغابة : ج 2 ص336 الرقم1800 نحوه وليس فيه الأبيات ، الوافي بالوفيات : ج5 الرقم 10 وراجع تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص174 ، العقد الفريد : ج4 ص4 .
40- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص170 .
41- . تاريخ الطبري : ج5 ص137 ، البداية والنهاية : ج7 ص318 نحوه .
42- . تاريخ الطبري : ج5 ص137 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص429 ، البداية والنهاية : ج7 ص321 كلاهما نحوه .
43- . النمل : 37 .
44- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص181 ، اُسد الغابة : ج 2 ص337 الرقم1800 ، تاريخ مدينة دمشق :ج19 ص175 و176 كلاهما نحوه وراجع الاستيعاب : ج 2 ص101 الرقم829 .
45- . أنساب الأشراف : ج5 ص199 ، تاريخ الطبري : ج5 ص170 نحوه ؛ وقعة صفّين :ص366 وراجع المعارف لابن قتيبة : ص346 والغارات : ج2 ص647 .
46- . في المصدر : « استخلف » ، والصحيح ما أثبتناه .
47- . في المصدر : « استخلف » ، والصحيح ما أثبتناه .
48- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص179 .
49- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص179 .
50- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص179 .
51- . مروج الذهب : ج3 ص14 .
52- . العَيْر : الحمار الوحشيّ (النهاية : ج3 ص328) .
53- . الرُّفْغ بالضم والفتح : واحدُ الأرفاغ ، وهي اُصولُ المَغابن كالآباط والحَوالب ، وغيرها من مَطاوي الأعضاء ، وما يجتمع فيه من الوَسَخ والعَرَق ( النهاية : ج2 ص 244 ) .
54- . بياض في المصدر .
55- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص218 وراجع الفخري : ص109 ، أنساب الأشراف : ج5 ص199 _ 203 .
56- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص204 وراجع أنساب الأشراف : ج5 ص206 .
57- . مروج الذهب : ج3 ص35 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص203 عن عبد الرحمن بن السائب نحوه .
58- . المعجم الكبير : ج3 ص70 ح2690 .
59- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص496 الرقم112 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص202 نحوه وزاد فيه « اللهمّ لا تقتلنّ زيادا وأمِته حتف أنفه » بعد « فدعا عليه » وراجع ص 203 و204 .

ص: 16

. .

ص: 17

. .

ص: 18

. .

ص: 19

. .

ص: 20

. .

ص: 21

. .

ص: 22

. .

ص: 23

. .

ص: 24

. .

ص: 25

. .

ص: 26

. .

ص: 27

151 _ كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

151كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاسمن كتاب له عليه السلام إلى عبد اللّه بن العبَّاس بعد مقتل محمَّد بن أبي بكر رحمه الله :« أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ مِصْرَ قَدِ افْتُتِحَتْ ، ومُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رحمه الله قَدِ اسْتُشْهِدَ ، فَعِنْدَ اللّه نَحْتَسِبُهُ وَلَدا نَاصِحا ، وعَامِلاً كَادِحا ، وسَيْفا قَاطِعا ، ورُكْنا دَافِعا ، وقَدْ كُنْتُ حَثَثْتُ النَّاسَ عَلَى لَحَاقِهِ ، وأَمَرْتُهُمْ بِغِيَاثِهِ قَبْلَ الْوَقْعَةِ ، ودَعَوْتُهُمْ سِرّا وجَهْرا وعَوْدا وبَدْءا ، فَمِنْهُمُ الآتِي كَارِها ، ومِنْهُمُ الْمُعْتَلُّ كَاذِبا ، ومِنْهُمُ الْقَاعِدُ خَاذِلاً ، أَسْأَلُ اللّه تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ لِي مِنْهُمْ فَرَجا عَاجِلاً ، فَوَاللّه لَوْلا طَمَعِي عِنْدَ لِقَائِي عَدُوِّي فِي الشَّهَادَة ، وتَوْطِينِي نَفْسِي عَلَى الْمَنِيَّة ، لأَحْبَبْتُ ألاَّ أَلْقَى مَعَ هَؤلاءِ يَوْما وَاحِدا ، ولا أَلْتَقِيَ بِهِمْ أَبَدا » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب35 وراجع : الغارات : ج1 ص298 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديدد : ج6 ص92 ، تاريخ الطبري : ج6 ص3412 ، أنساب الأشراف : ج2 ص405 .

ص: 28

152 _ كتابه عليه السلام إلى العمّال

152كتابه عليه السلام إلى العمّال« مِنْ عَبْدِ اللّه ِ عليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ ، إلى مَن قُرِئ عَليْهِ كِتابي هذا مِنَ العُمَّالِ ، أمَّا بَعْدُ ؛ فإنَّ رجالاً لنا عندهم تبعة ، خرجوا هُرَّابا نَظُنُّهم خَرجُوا نَحوَ بِلادِ البَصْرَةِ ، فاسأل عَنهُمْ أهلَ بِلادِكَ ، واجْعَل عَليْهِم العُيون في كلِّ ناحيةٍ مِنْ أرضِكَ ، ثُمَّ اكتُبْ إليَّ بِما يَنْتَهي إليْكَ عَنهُم . وَالسَّلامُ »

فخرج زياد بن خَصفة حَتَّى أتى داره ، وجمع أصحابه فحمد اللّه ، وأثنى عليه ، ثُمَّ قال : يا معشر بَكر بن وائل ، إنَّ أمير المؤمنين نَدَبني لأمر من أموره مهمّ له ، وأمرني بالانكماش فيه بالعَشِيرَةِ ، حَتَّى آتي أمره ؛ وأنتم شيعته وأنصاره وأوثق حَيٍّ من أحياءِ العرب في نفسه ، فانتدبوا معي السَّاعةَ ، وعجِّلوا . فو اللّه ما كان إلاَّ ساعة حَتَّى اجتمع إليه مئة وثلاثون رجلاً ، فقال : اكتفينا لا نريد أكثر من هؤلاء ؛ فخرج حَتَّى قطع الجسر ، ثُمَّ أتى دير أبي موسى فنزله ، فأقام به بقية يومه ذلك ، ينتظر أمر أمير المؤمنين عليه السلام . قال إبراهيم بن هلال : فحدَّثني مُحَمَّد بن عبد اللّه ، عن ابن أبي سيف ، عن أبي الصَّلت التَّيميّ ، عن أبي سعيد ، عن عبد اللّه بن وأل التَّيمي ، قال : إنّي لعند أمير المؤمنين ؛ إذا فيج (1) قد جاءه يسعى بكتاب من قَرَظَةَ بن كَعْب بن عَمْرو الأنْصاريّ _ وكان أحد عمّاله _ فيه : لِعَبدِ اللّه ِ علِيٍّ أمير المؤمنين مِن قَرَظَةَ بن كَعْب ، سلام عليك ؛ فإنّي أحمدُ إليكَ اللّه َ الَّذي لا إله إلاَّ هو ؛ أمَّا بعدُ : فإنّي أخبر أمير المؤمنين ، أنّ خيلاً مرّت من قِبَل الكوفة متوجّهة نحو نفّر ، وأنَّ رجلاً من دهاقين أسفل الفرات قد أسلم وصلَّى ، يقال له : زاذان فروخ ؛ أقبل من عند أخوال له فلقوه ، فقالوا له : أ مسلم أنت أم كافر ؟ قال : بل مسلم ، قالوا : فما تقول في عليّ قال : أقول فيه خيرا ؛ أقول إنَّه أمير المؤمنين عليه السلام وسيّد البشر ووصيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله . فقالوا : كفرت يا عدو اللّه ! ثُمَّ حملت عليه عصابة منهم ، فقطّعوه بأسيافهم ، وأخذوا معه رجلاً من أهل الذِّمة يهوديّا ، فقالوا له : ما دينك ؟ قال : يهوديّ ، فقالوا : خلُّوا سبيل هذا ، لا سبيل لكم عليه ، فأقبل إلينا ذلك الذِّميّ ، فأخبرنا الخبر ، وقد سألت عنهم ، فلم يخبرني أحد عنهم بشيء ، فليكتب إليَّ أمير المؤمنين فيهم برَأي أنتهِ إليه ، إن شاء اللّه (2) .

.


1- . الفيج : رسول السُّلطان على رجله ؛ فارسي معرب « پيك » ( تاج العروس : ج2 ص89 ).
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 3 ص 130.

ص: 29

قصّة الخرّيت بن راشد وما جرى فيها من المكاتبات :

قصّة الخِرّيت بن راشد وما جرى فيها من المكاتبات :قال ابن هلال الثَّقَفيّ ، وروى مُحَمَّد بن عبد اللّه بن عثمان ، عن أبي سيف ، عن الحارث بن كَعْب الأزْدِيّ ، عن عمِّه عبد اللّه بن قعين الأزْدِيّ : كان الخِرّيت بن راشد النَّاجي أحد بني ناجية قد شهد مع علي عليه السلام صفِّين ، فجاء إلى علي عليه السلام بعد انقضاء صفِّين وبعد تحكيم الحَكَمين ، في ثلاثين من أصحابه ، يمشي بينهم حَتَّى قام بين يديه ، فقال : لا واللّه ، لا أطيع أمرك ، ولا أصلّي خلفك ، وإنّي غدا لمفارق لك . فقال له : « ثكلتك أمّك ؛ إذا تنقض عهدك ، وتعصي ربّك ، ولا تضرّ إلاَّ نفسك، أخبرني لِمَ تفعل ذلك ؟ » قال : لأنَّك حكمت في الكتاب ، وضعفت عن الحقّ ، إذ جدّ الجدّ ، وركنت إلى القوم الَّذين ظلموا أنفسهم ، فأنّا عليك رادّ وعليهم ناقم ، ولكم جميعا مُباينٌ . فقال له علي عليه السلام : « ويحك هلمّ إليَّ ، أُدارسك وأناظرك في السُّنن ، وأُفاتحك أُمورا من الحقّ ، أنَّا أعلم بها منك ، فلعلّك تعرف ما أنت الآن له منكر ، وتبصر ما أنت الآن عنه عمٍ وبه جاهل » . فقال الخِرّيت : فإنّي غاد عليك غدا . فقال علي عليه السلام : « اغد ولا يستهوينَّك الشَّيطان ، ولا يتقحمن بك رأي السُّوء ، ولا يستخفنَّك الجهلاء الَّذين لا يعلمون ، فو اللّه إن استرشدتني واستنصحتني وقبلت منّي لأَهدينَّكَ سبيل الرَّشاد » . فخرج الخِرِّيت من عنده منصرفا إلى أهله . قال عبد اللّه بن قعين : فعجلت في أثره مسرعا ، وكان لي من بني عمّه صديق ، فأردت أن ألقى ابن عمّه في ذلك ، فأُعلمه بما كان من قوله لأمير المؤمنين ، وآمر ابن عمّه أن يشتدّ بلسانه عليه ، وأن يأمره بطاعة أمير المؤمنين ومناصحته ، ويخبره أن ذلك خير له في عاجل الدُّنيا وآجل الآخرة . قال : فخرجت حَتَّى انتهيت إلى منزله وقد سبقني فقمت عند باب دار ، فيها رجال من أصحابه لم يكونوا شهدوا معه دخوله على أمير المؤمنين عليه السلام ، فواللّه ما رجع ولا ندم على ما قال لأمير المؤمنين ، وما ردّ عليه ، ولكنّه قال لهم : يا هؤلاء ، إنّي قد رأيت أن أُفارق هذا الرَّجل ، وقد فارقته على أن أرجع إليه من غد ، ولا أرى المفارقة ، فقال له أكثر أصحابه : لا تفعل حَتَّى تأتيه ، فإن أتاك بأمر تعرفه قبلت منه ، وإن كانت الأخرى فما أقدرك على فراقه ! قال لهم : نِعْمَ ما رأيتم ؛ قال : فاستأذنت عليهم فأذنوا لي ، فأقبلت على ابن عمّه _ وهو مدرك بن الرَّيان النَّاجي ، وكان من كبراء العرب _ فقلت له : إنَّ لك عليَّ حقّا لإحسانك وودّك ، وحقّ المسلم على المسلم . إنَّ ابن عمَّك كان منه ما قد ذكر لك ، فاخلُ به فاردد عليه رأيه ، وعظِّم عليه ما أتى ؛ واعلم أنّي خائف إن فارق أمير المؤمنين أن يقتلك ونفسه وعشيرته ، فقال : جزاك اللّه خيرا من أخ ! إن أراد فراق أمير المؤمنين عليه السلام ففي ذلك هلاكه ، وإن اختار مناصحته والإقامة معه ففي ذلك حظُّه ورشده . قال : فأردت الرُّجوع إلى علي عليه السلام لأُعلمه الَّذي كان ؛ ثُمَّ اطمأننت إلى قول صاحبي ، فرجعت إلى منزلي ، فبتّ ثُمَّ أصبحت ، فلمَّا ارتفع النَّهار أتيت أمير المؤمنين عليه السلام ، فجلست عنده ساعة ، وأنا أريد أن أحدّثه بالَّذي كان على خلوة ، فأطلت الجلوس ، ولا يزداد النَّاس إلاَّ كثرة ، فدنوت منه ، فجلست وراءه ، فأصغى إليَّ برَأسه ، فأخبرته بما سمعته من الخِرِّيت ، وما قلت لابن عمّه ، وما ردّ عليَّ ، فقال عليه السلام : « دعه ، فإن قبل الحقّ ورجع عرفنا له ذلك ، وقبلناه منه » ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، فلم لا تأخذه الآن فتستوثق منه ؟ فقال : « إنّا لو فعلنا هذا بكل من يتّهم من النَّاس ملأنا ، السُّجون منهم ، ولا أراني يسعني الوثوب بالنَّاس ، والحبس لهم ، وعقوبتهم حَتَّى يظهروا لي الخلاف » . قال : فسكتّ عنه وتنحّيت ، فجلست مع أصحابي هنيهة ، فقال لي عليه السلام : « ادن منّي » ، فدنوت ، فقال لي مُسِرّا : « اذهب إلى منزل الرَّجل فاعلم ما فعل ؛ فإنَّه قلَّ يوم لم يكن يأتيني فيه قبل هذه السَّاعة » فأتيت إلى منزله ، فإذا ليس في منزله منهم ديّار ، فدرت على أبواب دور أخرى ، كان فيها طائفة من أصحابه ، فإذا ليس فيها داع ولا مجيب . فأقبلت إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال لي حين رآني : « أ وطنوا فأقاموا ، أم جبنوا فظعنوا ؟ » قلت : لا بل ظعنوا ، فقال : « أبعدهم اللّه كما بعدت ثمود ! أما واللّه ِ لو قَدْ أُشرِعَتْ لَهُمُ الأَسنَّةُ ، وصُبَّت علَى هامِهِمُ السُّيوفُ ، لَقدْ نَدِموا ؛ إنّ الشَّيطانَ قَد استهواهُم وأَضلَّهُم ، وهو غَدا مُتبرّئٌ مِنهُم ، ومُخَلٍّ عَنهُم » ؛ فقام إليه زياد بن خصفة ، فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إنّه لو لم يكن من مضرّة هؤلاء إلاّ فراقهم إيّانا لم يَعظُم فقدُهم علينا ، فإنّهم قلّما يزيدون في عددنا لو أقاموا معنا ، وقلَّما ينقصون من عددنا بخروجهم منّا ، ولكنّا نخاف أن يفسدوا علينا جماعة كثيرة ممّن يقدمون عليهم من أهل طاعتك ، فائذن لي في اتّباعهم حَتَّى أردّهم عليك إن شاء اللّه . فقال له عليه السلام : « فَاخْرُجْ فِي آثارِهِم راشِدا » ؛ فلمَّا ذهب ليخرج قال له : « وهَلْ تَدرِي أيْنَ تَوجَّهَ القَوْمُ » ؟ قال : لا واللّه ؛ ولكنّي أخرج فأسأل وأتبع الأثر ، فقال : « اخرُجْ رحِمَكَ اللّه ُ حَتَّى تَنزِلَ دَيْرَ أبي مُوسى ، ثُمَّ لا تَبْرحْهُ حَتَّى يأتِيَكَ أمْرِي ؛ فَإنَّهُم إنْ كانُوا خَرجُوا ظاهِرينَ بارِزينَ للناسِ في جَماعَةٍ ؛ فَإنَّ عُمَّالي سَتْكتُبُ إليَّ بِذلِكَ ، وإنْ كانُوا مُتَفرِّقِينَ مُسْتَخْفِين ؛ فَذلِكَ أخفَى لَهُم ، وسأَكْتُبُ إلى مَن حَوْلِي مِن عُمَّالي فِيهِم » . فكتب نسخة واحدة وأخرجها إلى العمّال :

.

ص: 30

. .

ص: 31

. .

ص: 32

كتابه عليه السلام إلى قرظة

كتابه عليه السلام إلى قَرَظةفكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام :« أمّا بَعْدُ ؛ فَقَدْ فَهِمْتُ ما ذَكَرْتَ مِنْ أمْرِ العِصابَةِ الَّتي مَرَّت بِعَمَلِكَ ، فَقَتلَتِ البَرَّ المُسلِمَ ، وأَمِنَ عِندَهُم المُخالِفُ المُشرِكُ ؛ وإنَّ أُولئِكَ قَوْمٌ استَهْواهُمُ الشَّيْطانُ فَضَلُّوا ، كالَّذِين حَسِبُوا ألاَّ تَكونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وصَمُّوا ، فأَسمِعْ بِهِم وأَبْصِرْ يَوْمَ تُخْبَرُ أعْمالُهُم ! فَالزَمْ عَملكَ وأَقبِلْ علَى خَراجِكَ ؛ فَإنَّكَ كَما ذَكرْتَ فِي طاعَتِكَ ونَصيحَتِكَ ، والسَّلامُ » .

[ أقول : كان قَرَظَةُ بن كَعْب ، كاتب عليٍّ عليه السلام على عين التَّمر ، لجباية الخَراج ، وكان قبلها عاملاً له عليه السلام على الكوفة ، وسيأتي كتابه عليه السلام إليه بعد فتح البصرة ، وكان قبلها عاملاً له على البِهقُباذَات . ]قال : فكتب عليّ عليه السلام إلى زياد بن خَصفة مع عبد اللّه بن وائل التَّيميّ كتابا نسخته : « أمَّا بَعدُ ؛ فَقَدْ كُنْتُ أمَرْتُكَ أنْ تنزِلَ دَيْرَ أبي مُوسى حَتَّى يأتِيَكَ أَمرِي ، وذلِكَ أنّي لَمْ أكُنْ عَلِمْتُ أيْنَ تَوَجَّهَ القَوْمُ ، وَقَدْ بَلَغَنِي أنَّهُم أخَذُوا نَحْوَ قَرْيَةٍ مِن قُرى السَّوادِ ، فاتَّبِعْ آثارَهُم ، وسَلْ عَنْهُم ؛ فَإنَّهم قد قَتَلُوا رَجُلاً مِنْ أهْلِ السَّوادِ مُسْلِما مُصَلِّيا ، فَإذا أنْتَ لَحِقْتَ بِهِم فَاردُدْهُم إليَّ ، فَإنْ أبَوا فَناجِزْهُم ، واستَعِنْ باللّه ِ عَلَيْهِم ؛ فَإنَّهُم قَدْ فارَقُوا الحَقَّ ، وَسَفكُوا الدَّمَ الحَرامَ ، وأَخافُوا السَّبِيلَ ،والسَّلامُ » . قال عبد اللّه بن وأل : فأخذت الكتاب منه عليه السلام _ وأنا يومئذ شابّ _ فمضيت به غير بعيد ثُمَّ رجعت إليه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ألا أمضي مع زياد بن خصفة إلى عدوّك ، إذا دفعت إليه كتابك ؟ فقال : « يابنَ أخِي ، افعَلْ ، فو اللّه ِ إنِّي لأَرجُو أنْ تَكونَ مِن أعوانِي علَى الحَقِّ وأنصاري علَى القوْمِ الظَّالِمينَ » . قال : فو اللّه ما أُحِبُّ أنَّ لي بمقالته تلك حُمر النِّعَم ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، أنا واللّه كذلك من أُولئك ؛ أنا واللّه حيثُ تُحِبُّ . (1) ثُمَّ مضيت إلى زياد بكتاب عليٍّ عليه السلام _ ثُمَّ ساق الحديث إلى أن قال : فدعونا أصحابنا ، ودعا الخِرِّيتُ أصحابه ، ثُمَّ اقتتلنا ؛ فواللّه ما رأيت قتالا مثله منذ خلقني اللّه ، لقد تطاعَنّا بالرِّماح حَتَّى لم يبق في أيدينا رمح ، ثُمَّ اضطربنا بالسيوف حتى انحنت ، وعُقِرَت عامَّةُ خَيْلِنا وخَيْلِهم ، وكثرت الجِراح فيما بيننا وبينهم . . .ثُمَّ مضوا فذهبوا وأصبحنا فوجدناهم قد ذهبوا ؛ فواللّه ، ما كرهنا ذلك ؛ فمضينا حَتَّى أتينا البصرة ، وبلغنا أنَّهم أتوا الأهواز ، فنزلوا في جانب منها ، وتلاحق بهم ناس من أصحابهم نحو مئتين كانوا معهم بالكوفة ، لم يكن لهم من القوَّة ما ينهضون به معهم حين نهضوا ؛ فاتَّبعوهم من بعد لحوقهم بالأهواز ، فأقاموا معهم . قال : وكتب زياد بن خَصفة إلى عليّ عليه السلام ( الخبر ) . فلمّا أتاه الكتاب قرأه على النَّاس ، فقام إليه مَعْقِل بن قَيْس الرِّياحي ، فقال : أصلحك اللّه يا أمير المؤمنين إنَّما كان ينبغي أن يكون مكان كل رجل من هؤلاء الَّذِين بعثتهم في طلبهم عشرة من المسلمين ، فإذا لحقوهم استأصلوا شأفتهم (2) ، وقطعوا دابرهم ، فأمّا أن تلقاهم بأعدادهم ؛ فلعمري ليصبرنَّ لهم ، فإنَّهم قوم عرب ، والعُدَّة تصبر للعدَّة ، فيقاتلون كلَّ القتال . قال : فقال عليه السلام له : « تَجَهَّز يا مَعْقِل إليْهمِ » ، ونَدَب معه ألفين من أهل الكوفة ، فيهم يزيد بن مَعْقِل . وكتب إلى عبد اللّه بن العبَّاس بالبصرة : « أمَّا بعدُ ؛ فابعث رجلاً من قِبَلِكَ صلِيبا شُجاعا ، مَعرُوفا بالصَّلاحِ ، في ألفي رَجُلٍ مِنْ أهْلِ البَصرَةِ ، فَلْيَتْبَع مَعْقِلَ بن قَيْسٍ ؛ فَإذا خَرَج من أرض البَصْرَةِ ، فَهُو أميرُ أصحابِهِ حَتَّى يَلْقَى مَعْقِلاً ؛ فإذا لَقِيَهُ فَمَعْقِلٌ أميرُ الفَرِيقَينِ ، فَلْيَسْمَعْ مِنْهُ ولْيُطِعْهُ ولا يُخالِفْهُ ؛ ومُرْ زِيادَ بنَ خَصَفَةَ فَلْيُقْبِلْ إِليْنا ، فَنِعْمَ المَرءُ زِيادٌ ؛ ونِعْمَ القَبِيلُ قَبيلُهُ ! والسَّلامُ » . [ أقول : فجهَّز ابن عبَّاس جيشا ، توجَّه إلى مَعْقِل خالد بن معدان الطَّائيّ في ألفي رجل ، وكتب إليه ما يأتي ] قال : وكتب عليه السلام إلى زياد بن خصفة : « أمَّا بعدُ ؛ فقد بلغني كتابك ، وفهمت ما ذكرت به النَّاجيّ وأصحاب ، « الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ » (3) ، « وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَ_نُ أَعْمَ__لَهُمْ » (4) ؛ فهم حَيَارى عَمُون ، « يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا » (5) ؛ ووصفْت ما بلغ بك وبهم الأمر ؛ فأمّا أنت وأصحابك فللّه سعيكم وعليه جزاؤهم ! وأيسر ثواب اللّه للمؤمن خير له من الدُّنيا الَّتي يُقْبل الجاهلون بأنفسهم عليها ، ف « مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَ مَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ وَ لَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ » (6) ، وأمّا عدوَّكم الَّذِين لَقِيتُم فحسبهم خروجهم من الهدى ، وارتكاسُهم في الضَلالة ، وردُّهم الحقَّ ، وجماحهم في التِيه ، فذرهم وما يفترون ، ودعهم في طغيانهم يعمهون ، فأسمِع بهم وأبصر ؛ فكأنَّك بهم عن قليل بين أسير وقتيل ، فأقبِل إلينا أنت وأصحابك مأجورين ، فقد أطعتم وسمعتم ، وأحسنتم البلاء ، والسَّلام » . قال : ونزل النَّاجيّ جانبا من الأهواز ، واجتمع إليه علوج كثير من أهلها ؛ ممّن أراد كسر الخَراج ومن اللُّصوص ، وطائفة أخرى من الأعراب ترى رأيه . قال : إبراهيم بن هلال : فحدثنا مُحَمَّد بن عبد اللّه ، قال : حدَّثني ابن أبي سيف ، عن الحارث بن كَعْب ، عن عبد اللّه بن قُعَين ، قال : كنت أنا وأخي كَعْب بن قُعَين في ذلك الجيش مع مَعْقِل بن قَيْس ، فلمَّا أراد الخروج أتى أمير المؤمنين عليه السلام يودّعه ، فقال : « يا مَعْقِل بن قَيْس اتّق اللّه ما استطعت ؛ فإنَّه وصية اللّه للمؤمنين ؛ لا تبغ على أهل القبلة ، ولا تَظلِم أهل الذِّمة ولا تتكبّر ؛ فإن اللّه لا يحبُّ المتكبّرين » . فقال : معقل اللّه المستعان ، فقال :« خير مستعان » . ثُمَّ قام فخرج ، وخرجنا معه ؛ حَتَّى نزل الأهواز ، فأقمنا ننتظر بعْث البصرة ، فأبطأ علينا ، فقام مَعْقِل فقال : أيُّها النَّاس ؛ إنَّا قد انتظرنا أهل البصرة ، وقد أبطئوا علينا ، وليس بنا بحمد اللّه قِلّة ولا وحشة إلى النَّاس ؛ فسيروا بنا إلى هذا العدو القليل الذَّليل ؛ فإنّي أرجو أن ينصرَكم اللّه ويهلكهم . فقام إليه أخي كَعْب بن قُعَين فقال : أصبت إن شاء اللّه رأينا رأيك ، وإنّي لأرجو أن ينصرنا اللّه عليهم ؛ وإن كانت الأخرى ؛ فإنَّ في الموت على الحقّ لتعزيةً عن الدُّنيا . فقال : سيروا على بركة اللّه . فسرنا ، فو اللّه ما زال مَعْقِل بن قَيْس لي ولأخي مكرِما وادّا ، ما يعدِل بنا أحدا من الجند ، ولا يزال يقول لأخي : كيف قلت : إن في الموت على الحقّ لتعزية عن الدُّنيا ! صدقت واللّه وأحسنت ، ووفقت وفقك اللّه ! قال : فو اللّه ما سِرنا يوما ؛ وإذا بفيْج يشتدّ بصحيفة في يده . من عبد اللّه بن عبَّاس إلى مَعْقِل بن قَيْس : أمَّا بعدُ ؛ فإن أدركك رسولي بالمكان الَّذي كنت مقيما به ، أو أدركك وقد شَخَصْت منه ؛ فلا تبرحَنّ من المكان الَّذي ينتهي إليك رسولي وأنت فيه ، حَتَّى يقدَم عليك بعثنا الَّذي وجَّهناه إليك ، فقد وجَّهت إليك خالد بن معدان الطَّائيّ ، وهو من أهل الدين والصَّلاح والنَّجدة ، فاسمع منه وأعرِف ذلك له إن شاء اللّه ، والسَّلام . قال : فقرأه مَعْقِل بن قَيْس على أصحابه . فسرُّوا به ، وحمِدوا اللّه ، وقد كان ذلك الوجه هَالَهم . وأقمنا حَتَّى قدِم علينا خالد بن معدان الطَّائيّ ، وجاءنا حَتَّى دخل على صاحبنا ، فسلّم عليه بالإمْرة ، واجتمعنا جميعا في عسكر واحد ، ثُمَّ خرجنا إلى النَّاجيّ وأصحابه ، فأخذوا يرتفعون نحو جِبال رامهُرْمُز ، يريدون قلعة حَصِينة ، وجاءنا أهل البلد . فأخبرونا بذلك ، فخرجنا في آثارهم فلحقناهم . . . قال : وسار فينا مَعْقِل يحرّضنا ، ويقول : يا عباد اللّه ، لا تبدءوا القوم ، وغُضُّوا الأبصار ، وأقلّوا الكلام ، ووطنوا أنفسكم على الطَّعن والضَّرب ، وأبشروا في قتالهم بالأجر العظيم ، إنَّما تقاتلون مارقةً مرَقتْ وعلُوجا منعوا الخَراج ، ولصوصا وأكرادا فما تنتظرون ! فإذا حملت فشدّوا شدّة رجل واحد . قال : فمرَّ في الصَّفّ يكلّمهم ، يقول هذه المقالة ، حَتَّى إذا مرَّ بالنَّاس كلّهم أقبل فوقف وسط الصَّفّ في القلب ، ونظرنا إليه ما يصنع ، فحرّك رأسَه تحريكتين ، ثُمَّ حمَل في الثَّالثة ؛ وحَمَلنا معه جميعا ، فو اللّه ما صبروا لنا ساعة حَتَّى ولّوا وانهزموا ، وقتلنا سبعين عربيَّا من بني ناجية ، ومن بعض من اتّبعه من العرب ، ونحو ثلاثمئة من العُلوج والأكراد . قال : كَعْب ونظرت ، فإذا صديقي مدرك بن الرّيان قتيلا ، وخرج الخِرّيت منهزما ، حَتَّى لحق بسيف من أسياف البحر ؛ وبها جَماعة من قومه كثير ، فما زال يسير فيهم ويدعوهم إلى خلاف عليّ عليه السلام ، ويزيّن لهم فِراقه ، ويخبرهم أن الهدى في حربه ومخالفته ، حَتَّى اتّبعه منهم ناس كثير . وأقام مَعْقِل بن قَيْس بأرض الأهواز ، وكتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام بالفتح ، وكنت أنا الَّذي قدِم بالكتاب عليه ، وكان في الكتاب : لعبد اللّه عليّ أمير المؤمنين ، من مَعْقِل بن قَيْس سلام . عليك فإنّي أَحمَد إليك اللّه الَّذي لا إله إلاَّ هو . أمَّا بعدُ ؛ فإنَّا لقِينا المارقين ؛ وقد استظهروا علينا بالمشركين ؛ فقتلنا منهم ناسا كثيرا ولم نَعْد فيهم سيرتك فلم نقتل منهم مُدبِرا ولا أسيرا ؛ ولم نُذَفِّف منهم على جريح ، وقد نصرك اللّه والمسلمين ، والحمد للّه ربّ العالمين . قال : فلمَّا قدمت بالكتاب على عليّ عليه السلام ، قرأه على أصحابه واستشارهم في الرَّأي ، فاجتمع رأي عامّتهم على قول واحد . قالوا : نرى أن تكتب إلى مَعْقِل بن قَيْس ؛ يتبع آثارهم ، ولا يزال في طلبهم حَتَّى يقتلَهم أو ينفيَهم من أرض الإسلام ؛ فإنّا لا نأمن أن يفسدوا عليك النَّاس . قال : فردّني إليه ، وكتب معي :

.


1- . وفي انساب الأشراف : فكتب عليّ عليه السلام إلى أبي موسى ، ثُمَّ نقل ما يقرب هذا الكتاب ، ثُمَّ قال : ويقال : انَّ عليَّا لم يكتب إلى أبي موسى في هذا بشيء . ( أنساب الأشرا ف : ج3 ص178 ) . أقول : هذا باطل قطعا ، لأنّ عليَّا عليه السلام عزل أبا موسى قبل حرب الجمل ، وهو معلوم .
2- . الشَّأفة في الأصل : قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوى فتذهب ؛ وإذا قطعت مات صاحبها ؛ وقولهم : استأصل اللّه شأفته ؛ أي أذهبه كما تذهب القرحة ، ومعناه أزاله من أصله .
3- . النحل : 108 .
4- . النمل : 24 .
5- . الكهف : 104 .
6- . النحل : 96 .

ص: 33

. .

ص: 34

. .

ص: 35

. .

ص: 36

. .

ص: 37

. .

ص: 38

كتابه عليه السلام إلى معقل بن قيس

كتابه عليه السلام إلى مَعْقِل بن قَيْس« أمَّا بعدُ ؛ فالحمد للّه على تأييده أولياء ، وخَذْله أعداءه ، جزاك اللّه والمسلمين خيرا ؛ فقد أحسنتم البلاء ، وقضيْتم ما عليكم ، فاسأل عن أخي بني ناجية ، فإن بلَغَك أنَّه استقرّ في بلد من البلدان ، فسِرْ إليه حَتَّى تقتله أو تنفيَه ، فإنَّه لم يزل للمسلمين عدوَّا ، وللفاسقين وليَّا ، والسَّلام » .

قال : فسأل مَعْقِل عن مسيره والمكان الَّذي انتهى إليه ، فنُبِّئ بمكانه بسيف البحر بفارس ، وأنَّه قد ردّ قومه عن طاعة عليّ عليه السلام ، وأفسد من قبله من عبد القَيس ، ومَن والاهم من سائر العرب ، وكان قومه قد منعوا الصَّدقة عام صفِّين ، ومنعوها في ذلك العام أيضا ، فسار إليهم مَعْقِل بن قَيْس في ذلك الجيش من أهل الكوفة والبصرة ، فأخذوا على أرض فارس ، حَتَّى انتهوْا إلى أسياف البحر ؛ فلمَّا سمع الخِرّيت بن راشد بمسيره ، أقبل على من كان معه من أصحابه _ ممَّن يرى رأي الخوارج _ فأسرَّ إليهم : إنِّي أرى رأيكم ، وإنَّ عليَّا ما كان ينبغي له أن يحكِّم في دين اللّه . وقال : لمن منع الصَّدقة : شُدُّوا أيديكم على صدقاتكم . قال : فلمَّا رجع مَعْقِل ، قرأ على أصحابه كتابا من عليّ عليه السلام فيه :

.

ص: 39

كتابه عليه السلام إلى المارقين

كتابه عليه السلام إلى المارقين« من عَبدِ اللّه ِ عليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى مَن قُرِئ عَليهِ كتابي هذا ؛ مِنَ المُسلِمينَ والمُؤمِنينَ والمارِقينَ والنَّصارى والمُرتدِّينَ . سلامٌ علَى مَنِ اتَّبعَ الهُدى ، وآمَنَ باللّه ِ ورَسُولِهِ وكتابِهِ ، والبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ وافيا بِعَهْدِ اللّه ِ ؛ ولَم يَكُنْ مِنَ الخائِنينَ . أمَّا بَعْدُ ؛ فإنِّي أدعوكُم إلى كتابِ اللّه ِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ ؛ وأَن أعمَلَ فِيكُم بالحَقِّ وبِما أمَرَ اللّه ُ تعالى فِي كتابِهِ ، فَمَنْ رجَعَ مِنكُمْ إلى رَحْلِهِ وكَفَّ يَدَهُ ، واعتَزَلَ هذا المارِقَ الهالِكَ المُحارِبَ ؛ الَّذي حارَبَ اللّه َ ورَسولَهُ والمُسلِمينَ ، وسعَى في الأرضِ فَسادا ، فَلَهُ الأَمانُ على مالِهِ وَدمِهِ . ومَنْ تابَعَهُ علَى حَرْبِنا والخُروجِ مِنْ طاعَتِنا ، استَعَنَّا باللّه ِ عَليْهِ ، وجَعلْناهُ بَيْننا وَبيْنَهُ ، وكفَى باللّه ِ ولِيّا ، والسَّلامُ » .

قال : فأَخرج مَعْقِل رايةَ أمان فنصبها ، وقال : مَن أتاها من النَّاس فهو آمن ، إلاّ الخِرّيت وأصحابه الَّذِين نابذوا أوّل مرّة ، فتفرَّق عن الخِرّيت كل من كان معه من غير قومه . . . [ ثُمَّ وقعت حرب شديدة ، قتل فيها النَّاجي ] قتله النُّعْمَان بن صهبان الرَّاسبيّ وقتل معه في المعركة سبعون ومئة ، وذهب الباقون في الأرض يمينا وشمالاً . . . وكتب مَعْقِل إلى عليّ عليه السلام : أمَّا بعدُ ؛ فإنّي أخبر أمير المؤمنين عن جُنْده ، وعن عدوّه ، أنَّا دفعنا إلى عدوّنا بأسْياف البحر ، فوجدنا بها قبائل ذات حَدّ وعدد ؛ وقد جمعوا لنا ، فدعوناهم إلى الجماعة والطَّاعة ، وإلى حكم الكتاب والسُّنَّة ؛ وقرأنا عليهم كتاب أمير المؤمنين عليه السلام ، ورفعنا لهم راية أمان ؛ فمالت إلينا طائفة منهم ، وثبتت طائفة أُخرى ، فقبِلْنا أمر الَّتي أقبلت ، وصمَدنْا إلى الَّتي أدبرتْ ، فضرب اللّه وجوههم ، ونصَرَنا عليهم ؛ فأمّا من كان مسلما ؛ فإنَّا مننَّا عليه ، وأخذنا بيعته لأمير المؤمنين عليه السلام ، وأخذنا منهم الصَّدقة الَّتي كانت عليهم ؛ وأمَّا مَن ارتدَّ فعرضْنا عليهم الرُّجوع إلى الإسلام ؛ وإلاَّ قتلناهم ؛ فرجعوا إلى الإسلام ؛ غيرَ رجل واحد فقتلناه ؛ وأمَّا النَّصارى ؛ فإنَّا سبيْناهم وأقبلنا بهم ؛ ليكونوا نَكالا لمن بعدهم من أهل الذِّمة ، كي لا يمنعوا الجزية ، ولا يجترئوا على قتال أهل القبلة ؛ وهم للصَّغار والذّلّة أهل . رحمك اللّه يا أمير المؤمنين ، وعليك الصَّلاة والسَّلام ، وأوجب لك جنَّات النَّعيم ، والسَّلام . قال : ثُمَّ أقبل بالأُسارى ، حَتَّى مرّ على مَصْقلة بن هُبيرة الشَّيْبانيّ ، وهو عامل لعليّ عليه السلام على أردَشير خُرَّة (1) ، وهم خمسمئة إنسان ، فبكى إليه النِّساء والصِّبيان ، وتصايح الرِّجال : يا أبا الفضل ، يا حامل الثِّقَل ، يا مؤوي الضَّعيف ، وفكَّاك العصاة ، امنن علينا فاشترنا وأعتقْنا . . . [ فاشتراه مصقلة على خمسمئة ألف درهم ، على أن يصدر المال أوَّلاً وثانيا ؛ فرجع مَعْقِل إلى عليّ عليه السلام ، وأخبره الخبر ] . فقال عليه السلام له : « أحسَنْتَ وأصَبْتَ وَوُفِّقْتَ » . وانتظر عليّ عليه السلام مصقلة أن يبعث بالمال ، فأبطأ به . وبلغ عليَّا عليه السلام أنَّ مصقلة خلَّى الأُسارى ، ولم يسألهم أن يعينوه في فَكاك أنفسهم بشيء . فقال عليه السلام : « ما أرى مَصْقَلَةَ إلاَّ قَدْ حَمَل حَمالَةً ، ولا أراكُم إلاَّ سَترَوْنَهُ عَنْ قَرِيبٍ مُبَلْدَحا » (2) ، ثُمَّ كتب إليه :« أمَّا بَعْدُ ؛ فَإنَّ من أعظَمِ الخِيانَةِ ، خِيانَةُ الأُمّةِ . . . » . (3) أقول : زياد بن خصفة ، هو التيميّ البَكريّ ، من المخلصين في ولاء عليّ عليه السلام ، وابنه المجتبى السِّبط الأكبر ، بعثه أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية لإتمام الحجَّة ، والدَّعوة إلى الحقّ . (4) وهو قاتل عبيد اللّه بن عمر في صفِّين ، كما صرَّح به ابن سعد . (5) كفى في مدح أمير المؤمنين عليه السلام إيّاه في كتابه إليه : « أنْتَ وأصحابُكَ مأجورون ، فقد أطَعْتُم وسَمِعْتُم وأحسَنْتُم البَلاءَ » . وفي كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاس : « فَنِعْمَ المرءُ زِيادٌ ، ونِعْمَ القَبِيلُ قَبِيلُهُ » . وعدَّه الطَّبري : من الرُّؤساء الَّذِين كان يخرجهم أمير المؤمنين عليه السلام للحرب في صفِّين ، كل يوم جندا مع رئيس . (6) وعدَّه الطَّبري : من الَّذِين أرسلهم أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية للاحتجاج ، قال زياد في جواب معاوية : _ حيث قال معاوية لزياد : فإن قطع أرحامنا ، وقتل إمامنا ، وآوى قتلة صاحبنا ، وإنِّي أسألك النُّصرة بأُسرتك وعشيرتك ولك عليّ عهد اللّه وميثاقه إذا ظهرت أن أُوليك أيَّ المصرين أحببت _ فحمد اللّه وأثنى عليه وقال : أمَّا بعدُ ؛ فإنِّي على بيِّنة من ربِّي ، وبما أنعم عليَّ ، فلن أكون ظهيرا للمجرمين . (7) وعدَّه الطَّبريّ من الرُّؤساء الَّذِين أجابوا أمير المؤمنين عليه السلام للخروج إلى حرب معاوية بعد قصّة الحكمين ، وكتبوا أسماء مقاتلة قومهم ، وبعثه أمير المؤمنين عليه السلام إلى المَدائِن ، لإشخاصهم إلى الحرب . (8) ولمّا خان خالد بن المعمَّر السُّدوسي ، أو اتَّهم بذلك ، قال : زياد بن خصفة لأمير المؤمنين عليه السلام : يا أمير المؤمنين ، استوثق من ابن المعمَّر بالأيمان لا يغدر . (9) فقال أبو الصَّلت التَّيميّ :_ لمّا فرَّ يزيد بن حجية إلى معاوية _ كان دعاؤه عليه السلام : « اللَّهمَّ إنَّ يزيدَ بنَ حُجَيَّةَ هَرَبَ بمالِ المُسلِمينَ ، ولَحِقَ بالقَوْمِ الفاسِقينَ ، فاكفِنا مَكْرَهُ ، وكَيْدَهُ ، واجزِهِ جَزاءَ الظَّالِمينَ » . قال : ورفع القوم أيديهم يؤمنون ، وكان في المسجد عفاق بن شرحبيل بن أبي رهم التَّيميّ شيخا كبيرا ، وكان يعدّ ممَّن شهد على حُجْر بن عَدِيّ ، حَتَّى قتله معاوية ، فقال عفاق : على من يدعو القوم ؟ قالوا على يزيد بن حُجَيَّة ، فقال : تربت أيديكم أَعلى أشرافنا تدعون ، فقاموا إليه فضربوه حَتَّى كاد يهلك ، وقام زياد بن خصفة ، وكان من شيعة عليّ عليه السلام . . . يذكر ضرب النَّاس عفاقا : دَعَوْتُ عِفَاقا لِلهُدى فاستَغَشَّنِيوَوَلَّى فَرِيّا قَولُهُ وهُوَ مُغْضَبُ وَلوْلا دِفاعِي عَنْ عِفاق ومَشْهَدِيهَوَتْ بِعفاقٍ عَوضُ عَنْقاءَ مُغْرِبُ أُنَبِّئهُ أَنَّ الهُدى في اتِّباعِنافَيَأْبى ويُضْرِيهِ المِرَاءُ فَيَشْغَبُ فَإِنْ لا يُشايِعْنا عِفَاقُ فَإِنَّناعلَى الحقِّ ما غَنَّى الحَمَامُ المُطَرِّبُ سَيُغنِي الإلهُ عَنْ عِفَاقٍ وسَعْيِهِإذا بُعِثَتْ للناسِ جَأْوَاءُ تُحْرَبُ قَبائِلُ مِنْ حَيَّيْ مَعَدٍّ ومِثْلُهايَمانِيَةٌ لا تَنْثَنِي حِينَ تُنْدَبُ لَهُم عَدَدٌ مِثلُ التُّرابِ وطَاعَةٌ تُوَدُّ وبَأْسٌ فِي الوَغى لا يُؤنَّبُ (10) فقال زياد بن خصفة _ بعد غارة بُسْر بن أرطاة وخطبة أمير المؤمنين عليه السلام _ : نحن شِيعَتُكَ يا أميرَ المؤمنين ، الَّتي لا نعصيك ولا نخالفك ، فقال : « أَجَلْ أَنتُم كَذلِكَ ، فَتَجهَّزُوا إلى غَزوِ الشَّامِ » . (11) [ وهو من الَّذِين قاموا إلى الحسن عليه السلام ، وأظهروا له الإخلاص والوفاء والنَّصيحة ، ]فقال لهم : « صَدَقْتُم رَحِمَكُم اللّه ُ ! ما زِلْتُ أَعرِفُكُم بِصِدْقِ النِّيَّةِ والوَفاءِ والقَبُولِ والمَودَّةِ الصَّحِيحَةِ ، فَجزاكُمُ اللّه ُ خَيْرا » . (12)

.


1- . أرْدَشِيْر خُرَّه ،بالفتح ثُمَّ السُّكون وفتح الدال المهملة، وكسر الشِّين المعجة، وياء ساكنة وراء ، وخاء معجمة مضمومة ، وراء مفتوحة مشدّدة وهاء : من كور فارس ( مراصد الاطلاع ) .
2- . المبلدح : الملقى على الأرض من الضرب .
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص128 _ 145 ؛ الغارات : ج1 ص332 _ 364 ، بحار الأنوار : ج 33 ص405 _ 419 كلاهما نحوه وراجع : تاريخ الطبري : ج 3 ص137 _ 146 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 58 ص271 _ 273 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص417 _ 423 ، الفتوح : ج4 ص242 _ 244 ، أنساب الأشراف : ج 3 ص177 _ 184 .
4- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص5 ؛ قاموس الرجال : ج4 ص499 .
5- . راجع : الطبقات الكبرى : ج5 ص18 .
6- . تاريخ الطبري : ج5 ص10 _ 11 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص366 .
7- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص7 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص368 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص2 _ 22 ؛ وقعة صفّين : ص197 _ 199 ، بحار الأنوار : ج32 ص454 _ 455 .
8- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص79 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص402 ؛ قاموس الرجال :ج4 ص500 .
9- . راجع : وقعة صفِّين : ص288 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج5 ص226 .
10- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص85 وراجع : تاريخ مدينة دمشق : ج65 ص149 ؛الغارات : ج2 ص528 و530 و637 .
11- . الغارات: ج 2 ص 637.
12- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص39 ، مقاتل الطالبيين : ص70 ؛ بحار الأنوار :ج44 ص50 .

ص: 40

. .

ص: 41

. .

ص: 42

. .

ص: 43

معقل بن قيس الرّياحي

مَعْقِل بن قَيْس الرِّياحيمن تميم ، كان من رجال أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته المخلصين ، وأوليائه المتفانين فيه ، وأعوانه على إقامة الدِّين ، وقمع الظَّالمين . (1) قال ابنُ أبي الحديد : مَعْقِل بن قَيْس ، كان من رجال الكوفة وأبطالها ، وله رئاسة وقدم ، أوفده عَمَّار بن ياسِر إلى عمر بن الخَطَّاب مع الهرمزان لفتح تستر ، وكان من شيعة عليّ عليه السلام ، وجَّهه إلى بنيساقة، فقتل منهم وسبى ، وحارب المستورد بن علفة الخارجي من تَميم الرَّباب ، فقتل كل واحد منهما صاحبه بدجلة . (2) قال ابن حَجَر : وذكره يعقوب بن سُفْيَان في أُمراء عليٍّ يوم الجمل ، وقال الهَيْثم بن عديّ : كان صاحب شرطة عليّ . (3) قال المفيد رحمه الله : إنَّ معقلاً كان على رجّالة بني تميم ، في جند أمير المؤمنين عليه السلام ، في حرب الجمل . (4) [ كان أمير المؤمنين عليه السلام يتهيأ لحرب صفِّين ، دخل عليه جمع فيهم حَنْظَلَة بن الرَّبيع التَّميميّ ، وعبد اللّه بن المعتم ، فأشاروا بالتَّأخير في الحرب ، والمكاتبة مع معاوية ؛ ]فقام إليه مَعْقِل بن قَيْس اليَرْبُوعيّ ثُمَّ الرِّياحيّ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنَّ هؤلاء واللّه ما أتوك بنصح ، ولا دخلوا عليك إلاَّ بغشّ ، فاحذرهم فإنَّهم أدنى العدوّ . (5) [ لمّا عزم أمير المؤمنين عليه السلام على الخروج إلى صفِّين ، جاءه ابن عبَّاس من البصرة ، ومعه رؤوس الأخماس ، وأُمراء الأسباع من أهل الكوفة منهم ، ] مَعْقِل بن قَيْس اليَرْبُوعيّ على تميم وضَبَّة والرَّباب وقريش وكِنانَة وأسَد . (6) [ ولمّا أراد أن يرحل من النُّخيلة خطب النَّاس واستنفرهم ، ] فقام إليه مَعْقِل بن قَيْس الرِّياحيّ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، واللّه لا يتخلَّف عنك إلاَّ ظنين ، ولا يتربّص بك إلاَّ منافق ، فأمر مالك بن حبيب أن يضرب أعناق المتخلفين . (7) [ بعثه أمير المؤمنين عليه السلام ] من المَدائِن في ثلاثة آلاف رجل ، وقال له : « خُذْ علَى المَوْصِلِ ، ثُمَّ نَصِيبينَ ، ثُمَّ القَنِي بالرَّقَةِ ، فَإنّي مُوافِيها ، وسكِّنِ النَّاسَ وأمِّنْهُم ، ولا تُقاتِلْ إلاَّ مَنْ قاتَلَكَ ، وسِرْ البَرْدَيْنِ ، وغَوِّر بالنَّاسِ ، وأَقِمِ اللَّيلَ ، ورَفّهْ في السَّيْرِ ، ولا تَسِرْ في اللَّيلِ ، فَإنَّ اللّه جَعلَهُ سَكنا ، أرِحْ فِيهِ بَدنَكَ وجُنْدَكَ وظَهْرَكَ ، فإذا كانَ السَّحَرُ أو حِينَ ينبَطِحُ الفَجْرُ فَسِرْ » . (8) كان مَعْقِل من الرُّؤساء الَّذِين يأمرهم أمير المؤمنين عليه السلام بالقتال في صفِّين كل يوم واحدا منهم . (9) كان مَعْقِل بن قَيْس الرِّياحي من الرُّؤساء المخلصين ، الَّذِين قاموا إلى أبي الحسن بن عليّ عليهماالسلام وكلّموه وأظهروا له الإخلاص ،بمثل كلام عَدِيّ بن حاتم في الإجابة والقبول ، فقال لهم الحسن عليه السلام : « صَدقْتُم رَحِمَكُم اللّه ُ ، ما زِلْتُ أَعرِفُكُم بِصدْقِ النِّيَّةِ والوفاءِ والقَبولِ والمَوَدَّةِ الصَّحيحَةِ ، فَجَزاكُمُ اللّه ُ خَيْرا » . [ كلامُ عَدِيّ رحمه الله ] . . .ثُمَّ استقبل الحسنَ بوجهه فقال : أصاب اللّه بك المراشد ، وجنَّبك المكاره ، ووفَّقك لما يُحمَدُ وِردُهُ وصَدرُهُ ، قد سَمِعْنا مقالتك ، وانتهينا إلى أمرك وسمعنا لك ، وأطعناك فيما قلت وما رأيت . (10) [ لمّا أغار سُفْيَان بن عَوْف الغامدي على الأنبار . . .خطب أمير المؤمنين عليه السلام النَّاس وحرّضهم وأنّبهم . . . ] فلمَّا دخل منزله ودخل عليه وجوه أصحابه ، قال لهم : « أشيروا عَليَّ بِرَجُلٍ صلِيبٍ ناصِحٍ يَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ السَّوادِ » ، فقال له سعيد بن قيس : يا أمير المؤمنين ، أُشير عليك بالنَّاصح الأريب ، الشُّجاع الصَّليب ، مَعْقِل بن قَيْس التَّميميّ ، قال : نعم ، ثُمَّ دعاه فَوَجَّهَهُ ، فَسارَ فَلَمْ يَقدِمْ حَتَّى أُصيبَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام . (11) لمّا ندب أمير المؤمنين عليه السلام للخروج إلى الشَّام ثانيا ، بعد الحكمين ، وأمر كل رئيس أن يكتب : ما عشيرته ومواليهم ويرفعه إليه . أجابه جمع ، منهم مَعْقِل بن قَيْس الرِّياحيّ . (12) وكان مَعْقِل في حرب الخوارج : على ميسرة أمير المؤمنين عليه السلام . (13) عندما أغار يزيد بن شجرة على مكّة والمدينة ، هَبَّ مَعْقِل إلى مواجهته ، فأسَر عددا من أصحابه ، ولاذ الباقون بالفرار (14) . لمّا عزم الإمام عليه السلام على معاودة قتال معاوية بعد إخماد فتنة النَّهروان ، واستبان الاستعداد النِّسبي الَّذي أبداه أهل الكوفة للقتال ، ذهب مَعْقِل إلى أطراف الكوفة لجمع المقاتلين ، لكنّه تلقّى _ وهو في مهمّته _ الخبر المُفجِعَ لاستشهاد الإمام عليٍّ عليه السلام (15) . أقول : والَّذي تحصَّل ممَّا سردنا ، أنَّه كان من رجال الحرب ، وفرسان الطِّعان من زمن عمر ، وحضر الحروب في عصره ، ثُمَّ صار إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان من رجاله المعروفين والشجعان المشهورين ، وكان ناصحا أريبا ، وشجاعا صليبا ، وظهر منه في تلكم الحروب ما يحكي عن بسالته وعقله وتدبيره ، حَتَّى وقع عند أمير المؤمنين عليه السلام موقع الرِّضا والقبول . والَّذي أتعجَّبُ منه ، هو مقاتلته مع المستورد تحت راية معاوية ، وهو هو ، والرَّاية رايته ، والحكومة حكومته الغاشمة الظَّالمة ، بل الكافرة . والَّذي يحتمل ، هو أن يكون مجبورا لا خيار له ، أو حاربهم من أجل أنَّهم يبغضون عليَّا عليه السلام ويُكَفِّرونهُ . قال الطَّبري : فلمّا أراد الخروج ( لحرب خِرّيت ) أقبل إلى عليّ عليه السلام فودّعه عليه السلام فقال : « يا مَعْقِل ، اتَّقِ اللّه ما استَطَعْتَ ، فإنَّها وصيَّةُ اللّه ِ للمُؤمِنينَ ، لا تَبْغِ علَى أهْلِ القِبلَةِ ، ولا تَظْلِم أهلَ الذِّمَّةِ ، ولا تتكبَّر ، فإنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ المُتكبِّرينَ » . (16) في سنة 43 ه خرج المُسْتَورد _ أحد أقطاب الخوارج _ في أيّام حكومة معاوية الغاصبة (17) ، وهو يريد الشِّيعة ، فنهض مَعْقِل إلى قتاله . واستشهد بعد أن دَحَر جيشه وقتَله في مبارزة بينهما (18) . وصفه سعيد بن قَيْس بأنّه : ناصح أريب ، صليب شجاع (19) .

.


1- . رجال الطوسي :ص47 ، الغارات : ج2 ص782 .
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص92 وراجع : تاريخ مدينة دمشق : ج59 ص367 ، الإصابة : ج6 ص241 الرقم 8470 ، الكامل للمبرّد : ج3 ص1163 .
3- . الإصابة : ج6 ص241 الرقم 8470 .
4- . الجمل : ص321 .
5- . وقعة صفّين : ص96 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 3 ص175 .
6- . وقعة صفّين :ص117 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 3 ص193 .
7- . وقعة صفّين :ص132 ، بحار الأنوار : ج32 ص422 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 3 ص202 .
8- . وقعة صفّين : ص148 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص208 ، ربيع الأبرار : ج2 ص394 .
9- . وقعة صفّين : ص195 ، بحار الأنوار : ج32 ص428 .
10- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص39 ، مقاتل الطالبيين : ص70 ؛ بحار الأنوار :ج44 ص50 .
11- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص90 ؛ الغارات : ج2 ص482 .
12- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص79 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص402 .
13- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص85 .
14- . الغارات : ج2 ص511 .
15- . الغارات : ج2 ص638 ؛ الأخبار الطوال : ص213 .
16- . تاريخ الطبري : ج5 ص122 .
17- . أنساب الأشراف : ج5 ص175 .
18- . أنساب الأشراف : ج5 ص176 و177 ، تاريخ الطبري : ج5 ص206 ، الكامل للمبرّد :ج3 ص1163 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص465 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص92 .
19- . الأمالي للطوسي : ص174 ح293 ، الغارات : ج2 ص638 .

ص: 44

. .

ص: 45

. .

ص: 46

. .

ص: 47

يزيد بن حجيّة

يَزيدُ بنُ حُجَيَّةمن أصحاب الإمام عليه السلام (1) ، وشهد معه حروبه (2) . وجعله الإمام عليه السلام أحد الشُّهود في التَّحكيم (3) . استعمله الإمام عليه السلام على الرَّيّ (4) ودَسْتَبَى (5) . لكنّه انتهج الخيانة ، إذ نقل ابن الأثير أنّه استحوذ على ثلاثين ألف درهم من بيت المال ؛ وطالبه الإمام بالنقص الحاصل في بيت المال ، فأنكر ذلك ، فجلده (6) وسجنه ، ففرّ من السِّجن والْتَحَقَ بمعاوية (7) . وشهد على حُجْر بن عَدِيّ حين أراد معاوية قتله . (8)

.


1- . تاريخ مدينة دمشق : ج65 ص147 .
2- . الكامل في التاريخ : ج2 ص367 ، الأخبار الموفّقيّات : ج575 ص374 .
3- . تاريخ الطبري : ج5 ص54 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص389 ، تاريخ مدينة دمشق : ج65 ص147 وفيه « كان أحد الشُّهود في كتاب الصلح » .
4- . الرَّي : مدينة من بلاد فارس ، والنسبة إليها « الرازي » ( تقويم البلدان : ص421 ) . وهي اليوم تعدّ إحدى نواحي مدينة طهران وضواحيها .
5- . دَسْتَبَى : كورة ( بلدة ) كبيرة كانت مقسومة بين الري وهمذان ؛ فقسم منها يسمّى « دستبى الرازي » وقسم منها يسمّى « دستبى هَمَذان » ( معجم البلدان : ج2 ص454 ) . الغارات : ج2 ص525 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص215 و216 ، الأخبار الموفّقيّات : ج575 ص374 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص367 ، تاريخ مدينة دمشق : ج65 ص147 ، وفيهما « استعمله على الريّ » .
6- . الكامل في التاريخ : ج2 ص367 .
7- . الغارات : ج2 ص525 _ 528 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص216 ، الكامل في التاريخ :ج2 ص367 ، الأخبار الموفّقيّات : ج575 ص374 وليس فيه « حَبَسه » ، تاريخ مدينة دمشق : ج65 ص147 .
8- . الغارات : ج2 ص528 ؛ أنساب الأشراف : ج5 ص268 ، تاريخ الطبري : ج5 ص273 .

ص: 48

153 _ كتابه عليه السلام إلى مصقلة بن هبيرة الشّيبانيّ

153كتابه عليه السلام إلى مصقلة بن هبيرة الشّيْبانِيّوهو عامله على أردَشِير خُرَّة :بَلَغَنِي عَنْك أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلَهَك ، وعَصَيْتَ إِمَامَك ، أَنَّك تَقْسِمُ فَيْءَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وخُيُولُهُمْ وأُرِيقَتْ عليه دِمَاؤهُمْ فِيمَنِ اعْتَامَك مِن أَعْرَابِ قَوْمِك ، فَو الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَة ، لَئِن كان ذلك حَقّا لَتَجِدَنَّ لك علَيَّ هَوَانا ، ولَتَخِفَّنَّ عنْدِي مِيزَانا ، فلا تَسْتَهِنْ بِحَقِّ رَبِّك ، ولا تُصْلِحْ دُنْيَاك بِمَحْقِ دِينِك ، فَتَكُونَ مِن الأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ، أ لا وإِنَّ حَقَّ مَن قِبَلَك وقِبَلَنا مِن الْمُسْلِمِينَ فِي قِسْمَةِ هَذَا الْفَيْءِ سَوَاءٌ يَرِدُونَ عِنْدِي عليه ويَصْدُرُونَ عنه . (1) قال اليعقوبي : بلغ أمير المؤمنين عليه السلام أنَّ مصقلة يفرّق ويهب الأموال ( أي أموال أردشير خُرَّة ) وكان عليها ، فكتب إليه : « أمَّا بعدُ ؛ فَقَدْ بَلغَنِي عَنْكَ أمرٌ أكْبَرْتُ أنْ أُصَدِّقَهُ : أنَّك تَقسِمُ فَيءَ المُسلِمينَ في قَومِكَ ، ومَنِ اعتَراكَ مِنَ السَّأَلَةِ والأحزابِ ، وأهْلِ الكِذْبِ مِنَ الشُّعَراءِ ، كما تُقَسِّمُ الجَوْزَ ، فو الَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأ النَّسَمَةَ ، لأُفتِشَنَّ عَنْ ذلِكَ تفتِيشا شَافِيا ، فَإنْ وَجْدتُهُ حَقَّا لَتَجِدَنَّ بِنَفْسِكَ علَيَّ هَوانا ، فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ أعْمالاً ، « الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا » » (2) .

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب43 ، بحار الأنوار : ج33 ص516 ح712 ؛ نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص175 .
2- . الكهف :104 .

ص: 49

فكتب مصقلة في الجواب : أمَّا بَعْدُ ؛ فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين ، فليسأل إن كان حقَّا ، فليعجِّل عزلي بعد نكالي ، فكلّ مملوكي حرّ ، وعلَيَّ آثامُ ربِيعَةَ ومضر ، إن كنت رزأت (1) من عملي دِينارا ولا درهما ولا غيرهما ، منذ ولّيته إلى أن ورد عليَّ كتاب أمير المؤمنين ، ولتعلَمَنَّ أنَّ العزْلَ أهونُ علَيَّ مِنَ التُّهمَةِ . فلمَّا قرأ كتابه قال : ما أظُنُّ أبا الفضل إلاَّ صادقا . (2) ونقل أنساب الأشراف بنحو آخر أحببت إيراده هنا ، وهو : « بلغني عَنْكَ أمرٌ ، إن كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَد أتيتَ شَيْئا إدَّا (3) ، بَلَغَنِي أنَّك تَقْسِمُ فَيءَ المُسلِمينَ فِيمَنِ اعتَناكَ وتغشَّاك مِن أعرابِ بَكْرِ بنِ وائِلٍ ، فو الَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأ النَّسَمَةَ ، وأحاطَ بِكُلِّ شيءٍ عِلْما ، لَئِنْ كان ذلِكَ حَقَّا لتَجِدَنَّ بِكَ علَيَّ هوانا ، فلا تَستَهِينَنَّ بِحَقِّ رَبِّكَ ، ولا تُصلِحَنَّ دُنياكَ بِفَسادِ دِينِكَ ومَحْقِهِ ، فَتَكونُ من الأخسرِينَ أعْمالاً ، « الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا » (4) » . (5) [ أقول : كان مصقلة بن هبيرة الشّيْبانيّ عاملاً على أردشير خُرَّة ، وأردشير خُرَّة : كورة من كور فارس ، وقد مرَّ كتاب له عليه السلام حين اشترى سبي بني ناجية وأعتقهم ، ] وأخّر المال ، فكتب إليه علي عليه السلام بما قدمنا ، ثُمَّ هرب مصقلة إلى معاوية ، فلمَّا بلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : « قَبَّحَ اللّه ُ مَصْقَلَةَ فَعَلَ فِعْلَ السَّادَةِ، وفَرَّ فِرَارَ الْعَبِيد، فمَا أَنْطَقَ مَادِحَهُ حَتَّى أَسْكَتَهُ، ولا صَدَّقَ وَاصِفَهُ حَتَّى بَكَّتَهُ ، ولو أقام لأَخَذْنَا مَيْسُورَهُ ، وانْتَظَرْنَا بِمَالِه وُفُورَهُ . » (6)

.


1- . يقال : رزأ _ من باب منع ، والمصدر كالمنع والقفل والمعركة _ رزا ورزا ومرزنة الرجل ماله : نقصة .
2- . تاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 201 .
3- . الراغب : أي أمرا منكرا يقع فيه جلبة .
4- . الكهف : 104 .
5- . أنساب الأشراف : ج2 ص389 .
6- . نهج البلاغة : الخطبة44 .

ص: 50

مصقلة بن هبيرة

مَصْقَلَةُ بنُ هُبَيْرَةكان أحد أصحاب الإمام عليه السلام (1) ، ونائب ابن عبّاس ، ووالي أردشير خرّة (2)(3) فكان عاملاً غير مباشر للإمام عليه السلام . وفي سنة 38 ه (4) ، لمّا ظَهَر مَعْقِل بن قَيْس على الثّوّار المرتدّين من بني ناجية وأسرهم ، اشتراهم مصقلةُ ، وأطلق سراحهم ، ثمّ لم يتمكّن من أداء قيمتهم إلى بيت المال . (5) مضافا إلى تصرّفه في أموال بيت المال ، بالبذل لأقربائه ، والعفو عمّا عليهم . ولهذا استدعاه الإمام وعاتبه على تصرّفه غير المشروع في بيت مال المسلمين ، وإتلافه للأموال ، وطلب منه ردّ ما أخذه من بيت المال لفكّ الأسرى . فعظم ذلك على مصقلة ، حيث لم يكن يتصوّر أنّ الإمام يعامله بهذه الشِّدَّة ، بعد أن رأى عطاء عثمان وهباته من بيت المال ، بل كان يأمل عفو الإمام . فلمّا لم يصل إلى أمله فرّ والتحق بمعاوية (6) . ولهذا قال الإمام عليه السلام في حقّه : « فَعلَ فِعْلَ السَّادَةِ ، وَفرَّ فِرارَ العَبيدِ » (7) . لقد شغل مصقلة بعض المناصب في حكومة معاوية (8) . وشهد على حُجْر بن عَدِيّ حين أراد معاوية قتله . (9) في مروج الذَّهب : مضى الحارث بن راشد النَّاجي في ثلاثمئة من النَّاس فارتدّوا إلى دين النَّصرانيّة . . . فسرّح إليهم عليّ مَعْقِل بن قَيْس الرِّياحي ، فقتل الحارث ومن معه من المرتدّين بسيف البحر ، وسبى عيالهم وذراريهم ، وذلك بساحل البحرين ، فنزل مَعْقِل بن قَيْس بعض كُوَر الأهواز بسبي القوم ، وكان هنالك مصقلة بن هبيرة الشَّيْبانِيّ عاملاً لعليّ ، فصاح به النِّسوة : امنُن علينا ، فاشتراهم بثلاثمئة ألف درهم وأعتقهم ، وأدّى من المال مئتي ألف ، وهرب إلى معاوية . فقال عليّ : قبّحَ اللّه ُ مصقَلَةَ ! فَعَلَ فِعْلَ السَّيِّدِ ، وفَرّ فِرارَ العَبدِ ، لو أقام أخذنا ما قدرنا على أخْذِهِ ؛ فَإنْ أعسَرَ أنظرناه ، وإن عجز لم نأخُذْهُ بشيءٍ ، وأنفذ العتق . وفي ذلك يقول مصقلة بن هبيرة ، من أبيات : تَرَكْتُ نِساءَ الحيِّ بَكْرِ بنِ وائِلٍوأعتَقْتُ سَبْيا مِنْ لُؤَيِّ بنِ غالِبِ وفارَقْتُ خَيرَ النَّاسِ بَعْدَ مُحَمَّدٍلمالٍ قليلٍ لا مَحالَةَ ذاهِبِ (10) وفي الغارات عن عبد اللّه بن قعين _ بعدما اشترى مصقلة اُسارى بني ناجية _ : انتظر عليّ عليه السلام مصقلة أن يبعث إليه بالمال ، فأبطأ به ، فبلغ عليّا عليه السلام أنّ مصقلة خلّى سبيل الاُسارى ، ولم يسألهم أن يُعينوه في فكاك أنفسهم بشيء . فقال : ما أرى مصقلة إلاّ قد حمل حَمالةً (11) ، لا أراكم إلاّ سترونه عن قريب مُبَلدَحا (12) . ثمّ كتب إليه : « أمّا بعدُ ؛ فإنّ مِن أعظَمِ الخِيانَةِ خِيانَةَ الاُمّةِ ، وأعظَمِ الغِشِّ على أهْلِ المِصْرِ غِشَّ الإمامِ ، وعِنْدَكَ مِنْ حَقِّ المُسلِمينَ خمسمئة ألفِ دِرْهَمٍ ، فابَعثْ إليَّ بِها حِينَ يأتِيكَ رسُولِي ، وإلاّ فأَقْبِلْ إليّ حِينَ تَنظُرُ فِي كتابِي ؛ فَإنِّي قَد تقدَّمْتُ إلى رسُولي أنْ لا يَدَعَكَ ساعَةً واحِدَةً تُقِيمُ بَعْدَ قُدومِهِ عَليْكَ إلاّ أن تبعَثَ بالمالِ ، والسَّلامُ » . قال : وكان الرَّسول أبا حرّة الحنفي ، فقال له أبو حرّة : إن تبعث بهذا المال وإلاّ فاشخَص معي إلى أمير المؤمنين ، فلمّا قرأ كتابه أقبل حتَّى نزل البصرة ، وكان العمّال يحملون المال من كور البصرة إلى ابن عبّاس ، فيكون ابن عبّاس هو الَّذي يبعث به إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له : نعم أنظرني أيّاما ، ثمّ أقبل من البصرة حتَّى أتى عليّا عليه السلام بالكوفة ، فأقرّه عليّ عليه السلام أيّاما لم يذكر له شيئا ثمّ سأله المال ، فأدّى إليه مئتي ألف درهم ، وعجز عن الباقي فلم يقدر عليه (13) . وعن ذهل بن الحارث : دعاني مصقلة إلى رحله ، فقدّم عشاءً فطعمنا منه ، ثمّ قال : واللّه ، إنّ أمير المؤمنين يسألني هذا المال ، وواللّه لا أقدر عليه ، فقلت له : لو شئت لا يمضي عليك جمعة حتَّى تجمع هذا المال ، فقال : واللّه ، ما كنت لاُحمّلها قومي ، ولا أطلب فيها إلى أحد . ثمّ قال : أ ما واللّه ، لو أنّ ابن هند يطالبني بها ، أو ابن عفّان لتركها لي ، أ لم تر إلى ابن عفّان ، حيث أطعم الأشْعَث بن قَيْس مئة ألف درهم من خراج أذربيجان في كلّ سنة ، فقلت : إنّ هذا لا يرى ذلك الرَّأي وما هو بتارك لك شيئا ، فسكت ساعة وسكتُّ عنهُ ، فما مكث ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتَّى لحق بمعاوية ، فبلغ ذلك عليّا عليه السلام فقال : « ما له ؟ ! ترّحه (14) اللّه ! فَعلَ فِعْلَ السَّيِّدِ ، وفَرّ فِرارَ العَبْدِ ، وخانَ خِيانَةَ الفاجِرِ ، أما إنّهُ لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه ؛ فإن وجدنا له شيئا أخذناه ، وإن لم نقدر له على مال تركناه » ، ثمّ سار إلى داره فهدّمها (15) .

.


1- . رجال الطوسي : ص83 الرقم832 .
2- . أَرْدَشِير خُرَّة : من أجَلّ بقاع فارس ، وقد بناها أردشير بابكان ، ومنها مدينة شيراز ومِيمَنْد وكازرون ، وهي بلدة قديمة ( راجع معجم البلدان : ج1 ص146 ) .
3- . أنساب الأشراف: ج2 ص389، تاريخ مدينة دمشق: ج 58 ص269 الرقم7450 ؛ نهج البلاغة: الكتاب 43 وفيه « هو عامله على أردشيرخرّة » ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص201 وفيه « يهب أموال أردشيرخرّة وكان عليها » .
4- . تاريخ الطبري : ج5 ص128 .
5- . م . تهذيب الأحكام : ج 10 ص140 ح551 ، نهج البلاغة : الخطبة 44 ؛ أنساب الأشراف :ج3 ص181 ، مروج الذهب : ج2 ص419 ، تاريخ الطبري : ج5 ص128 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 58 ص270 الرقم7450 . )
6- . أنساب الأشراف : ج3 ص181 ، تاريخ الطبري : ج5 ص129 و130 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص421 و422 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 58 ص272 الرقم7450 ؛ الغارات : ج1 ص364 _ 366 ، رجال الطوسي : ص83 الرقم832 وفيه « هرب إلى معاوية » .
7- . أنساب الأشراف : ج3 ص181 ، تاريخ الطبري : ج5 ص129 و130 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص421 و422 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 58 ص272 الرقم7450 ؛ الغارات : ج1 ص364 _ 366 ، رجال الطوسي : ص83 الرقم832 وفيه « هرب إلى معاوية » .
8- . أنساب الأشراف : ج3 ص183 وج5 ص278 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص169 ، تاريخ مدينة دمشق : ج58 ص273 الرقم7450 .
9- . أنساب الأشراف : ج3 ص183 وج5 ص278 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص169 ، تاريخ مدينة دمشق : ج58 ص273 الرقم7450 .
10- . مروج الذهب : ج2 ص418 و419 وراجع تاريخ الطبري :ج5 ص130 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص422 ، نهج البلاغة : الخطبة 44 .
11- . الحَمالة : ما يتحمّله الإنسان عن غيره من دِيَة أو غرامة ( النهاية : ج1 ص442 ) .
12- . بلدح الرجل : إذا ضرب بنفسه على الأرض ( تاج العروس : ج4 ص16 ) .
13- . الغارات : ج1 ص364 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص129 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 58 ص271 الرقم7450 كلاهما عن عبد اللّه بن فقيم وفيهما « مُلبّدا » بدل « مُبَلدَحا » ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج3 ص144 وراجع أنساب الأشراف : ج3 ص181 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص421 ، الفتوح : ج4 ص244والبداية والنهاية : ج7 ص310 .
14- . التَّرَح : ضدّ الفرح ؛ وهو الهلاك والانقطاع أيضا ( النهاية : ج1 ص186 ) .
15- . الغارات : ج1 ص365 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص130 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 58 ص272 الرقم7450 كلاهما عن عبد اللّه بن فقيم نحوه وراجع أنساب الأشراف : ج3 ص181 و182 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص421 ، الفتوح : ج4 ص244 ، البداية والنهاية : ج7 ص310 .

ص: 51

. .

ص: 52

. .

ص: 53

. .

ص: 54

154 _ كتابه عليه السلام إلى قثم بن العبّاس

154كتابه عليه السلام إلى قُثَمِ بن العبَّاسمن كتاب له عليه السلام إلى قُثْم بن العبَّاس ، وهو عامله على مكَّة :« أمَّا بعدُ ، فإنَّ عَيْنِي بِالْمَغْرِبِ كَتَبَ إِلَيَّ ، يُعْلِمُنِي أَنَّهُ وُجِّهَ إِلَى الْمَوْسِمِ أُنَاسٌ مِن أَهْلِ الشَّامِ ، الْعُمْيِ الْقُلُوبِ ، الصُّمِّ الأَسْمَاعِ ، الْكُمْهِ الأَبْصَارِ ، الَّذِين يَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ، ويُطِيعُونَ الْمَخْلُوقَ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ ، ويَحْتَلِبُونَ الدُّنيا دَرَّهَا بِالدِّينِ ، ويَشْتَرُونَ عَاجِلَهَا بآجِلِ الأَبْرَارِ الْمُتَّقِينَ ، ولَنْ يَفُوزَ بِالْخَيْرِ إلاَّ عَامِلُهُ ، ولا يُجْزَى جَزَاءَ الشَّرِّ إِلاَّ فَاعِلُهُ . فَأَقِمْ عَلَى مَا فِي يَدَيْك قِيَامَ الْحَازِمِ الصَّلِيبِ ، والنَّاصِحِ اللَّبِيبِ ، التَّابِعِ لِسُلْطَانِهِ ، الْمُطِيعِ لإِمَامِهِ ، وإيَّاك ومَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ ، ولا تَكُنْ عند النَّعْمَاءِ بَطِرا ، ولا عنْد الْبَأْسَاءِ فَشِلاً ، والسَّلامُ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب33 وراجع : الغارات : ج1 ص501 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص139 .

ص: 55

قثم بن العبّاس

قُثَمُ بنُ العَبّاسقُثَم بن العبّاس بن عبد المطلب القُرَشيّ الهاشِميّ ، واُمّه اُمّ الفضل ، لُبابَة بنت الحارث من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله (1) ، وأخو أحد الحسنين عليهماالسلام من الرِّضاعة (2) ، أثنوا عليه بالمعرفة القويّة والفضل والفضيلة . وليَ مكّة (3) والطَّائف (4) طيلة خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام . وصار أمير الحجِّ سنة 38 ه (5) . وعندما أغار بُسْر بن أرطاة على مكّة ، فرَّ منها (6) ثمّ عاد إليها بعد خروج بُسْر . (7) كان قُثَم حاضرا في مسجد الكوفة ، عندما ضُرب الإمام عليه السلام ، وهو الَّذي قبض على ابن ملجم (8) . توفّي قُثَم في فتح سمرقند (9) أيّام معاوية (10) . في الاستيعاب : كان قُثم بن العبّاس واليا لعليّ بن أبي طالب على مكّة ، وذلك أنّ عليّا لمّا ولي الخلافة عزل خالد بن العاصي بن هِشام بن المُغِيْرَة المخزومي عن مكّة ، وولاّها أبا قَتادَة الأنْصاريّ ، ثمّ عزله ، وولّى قُثَم بن العبّاس ، فلم يزل واليا عليها حتَّى قُتل عليّ رضى الله عنه (11) . وفي المستدرك على الصحيحين عن أبي إسْحاق : سألت قثم بن العبّاس : كيف ورث عليّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دونكم ؟ قال : لأنّه كان أوّلنا به لحوقا ، وأشدّنا به لزوقا (12) . وفي الطبقات الكبرى : غزا قُثَم خراسان ، وكان عليها سعيد بن عثمان فقال له : أضرب لك بألف سهم ، فقال : لا ، بل اُخمِّس ، ثمّ أعطِ النَّاس حقوقهم ، ثمّ أعطني بعدُ ما شئت . وكان قُثم ورعا فاضلاً ، وتوفّي بسمرقند (13) .

.


1- . مسند ابن حنبل : ج 1 ص440 ح1760 ، التاريخ الكبير : ج 7 ص194 ح863 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص440 الرقم82 ، اُسد الغابة : ج 4 ص373 الرقم4279 وفيها « قد أردفه النبيّ صلى الله عليه و آله خلفه » .
2- . مسند ابن حنبل : ج 10 ص256 ح26939 ، الإصابة : ج 5 ص320 الرقم7096 ، أنساب الأشراف : ج4 ص85 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص440 الرقم82 .
3- . تاريخ الطبري: ج5 ص92 وص155، تاريخ خليفة بن خيّاط: ص152 وفيه «ولاّها أبا قَتادة الأنصاري ثمّ عزله وولّى قثم بن عبّاس، فلم يزل واليا حتَّى قتل عليّ »؛ نهج البلاغة: الكتاب 67، تاريخ اليعقوبي: ج2 ص179 .
4- . تاريخ الطبري : ج5 ص92 و ص 155 .
5- . تاريخ الطبري : ج5 ص132 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص424 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص213 وفيه « أقام الحجّ للناس . . . وفي سنة 37 قثم بن العبّاس وقيل : عبد اللّه بن العبّاس » .
6- . تاريخ الطبري : ج5 ص132 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص424 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص213 وفيه « أقام الحجّ للناس . . . وفي سنة 37 قثم بن العبّاس وقيل : عبد اللّه بن العبّاس » .
7- . الغارات : ج2 ص621 .
8- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص212 .
9- . سَمَرْقَند : بلد معروف في خراسان وهو الآن في طاجيكستان .
10- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص237 ؛ الطبقات الكبرى : ج7 ص367 ، أنساب الأشراف : ج4 ص86 وفيه « ويقال استشهد بها » ، اُسد الغابة : ج 4 ص374 الرقم4279 وفيه « مات بها شهيدا » .
11- . الاستيعاب : ج 3 ص363 الرقم2190 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص152 .
12- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص136 ح4633 ، المعجم الكبير : ج9 ص 0 ح 86 و ح 85 نحوه ، تاريخ مدينة دمشق : ج42 ص393 ، اُسد الغابة : ج 4 ص373 الرقم4279 .
13- . الطبقات الكبرى : ج7 ص367 وراجع أنساب الأشراف : ج4 ص86 .

ص: 56

155 _ كتابه عليه السلام إلى بعض عمّاله

155كتابه عليه السلام إلى بعض عمَّاله« أمَّا بعدُ ، فإنِّي كُنْتُ أَشْرَكْتُك فِي أَمَانَتِي ، وجَعَلْتُك شِعَارِي وبِطَانَتِي ، ولَمْ يَكُنْ رَجُلٌ مِن أَهْلِي أَوْثَقَ منْك فِي نَفْسِي ؛ لِمُوَاسَاتِي ، ومُوَازَرَتِي وأَدَاءِ الأَمَانَةِ إِلَيَّ . فَلَمَّا رَأَيْتَ الزَّمان عَلَى ابْنِ عَمِّك قَدْ كَلِبَ ، والْعَدُوَّ قَدْ حَرِبَ ، وأَمَانَةَ النَّاس قَدْ خَزِيَتْ ، وهَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ فنَكَتْ (1) وشَغَرَتْ (2) ، قَلَبْتَ لابْنِ عَمِّك ظَهْرَ الْمِجَنِّ ، فَفَارَقْتَهُ مَعَ الْمُفَارِقِينَ ، وخَذَلْتَهُ مَعَ الْخَاذِلِينَ ، وخُنْتَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ ، فَلا ابْنَ عَمِّك آسَيْتَ ، ولا الأَمَانَةَ أَدَّيْتَ ، وكأنَّك لَمْ تَكُنِ اللّه َ تُرِيدُ بِجِهَادِك ، وكأنَّك لَمْ تَكُنْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّك ، وكأنَّك إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ هَذِهِ الأُمَّةَ عَنْ دُنْيَاهُمْ ، وتَنْوِي غِرَّتَهُمْ عَنْ فَيْئِهِمْ ، فَلَمَّا أَمْكَنَتْك الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الأُمَّةِ أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ ، وعَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ ، واخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ علَيْه مِن أَمْوَالِهِمُ الْمَصُونَةِ لأَرَامِلِهِمْ وأَيْتَامِهِمُ ، اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الأَزَلِّ دَامِيَةَ الْمِعْزَى الْكَسِيرَةَ ، فَحَمَلْتَهُ إِلَى الْحِجَازِ رَحِيبَ الصَّدْرِ بِحَمْلِهِ ، غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ مِنْ أَخْذِهِ ، كأنَّك لا أَبَا لِغَيْرِكَ حَدَرْتَ إِلَى أَهْلِك تُرَاثَك مِن أَبِيك وأُمِّك . فَسُبْحَانَ اللّه ! أَمَا تُؤمِنُ بِالْمَعَادِ ؟ ! أَومَا تَخَافُ نِقَاشَ الْحِسَابِ ؟ ! أَيُّهَا الْمَعْدُودُ كَانَ عِنْدَنَا مِن أُولِي الأَلْبَابِ ، كَيْفَ تُسِيغُ شَرَابا وطَعَاما ، وأَنْتَ تَعْلَمُ أنَّك تَأْكُلُ حَرَاما ، وتَشْرَبُ حَرَاما ، وتَبْتَاعُ الإِمَاءَ ، وتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِن أَمْوَالِ الْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ ، والْمُؤمِنِينَ والْمُجَاهِدِينَ الَّذين أفَاءَ اللّه عَلَيْهِمْ هَذِهِ الأَمْوَالَ ، وأَحْرَزَ بِهِمْ هَذِهِ الْبِلادَ ! فَاتَّقِ اللّه َ ، وارْدُدْ إِلَى هَؤلاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ ، فإنَّك إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللّه ُ منْك لأُعْذِرَنَّ إِلَى اللّه فِيك ، ولأَضْرِبَنَّك بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَدا ، إِلاَّ دَخَلَ النَّارَ ، وواللّه ِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ والْحُسَيْنَ فَعَلا مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ ، ولا ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَةٍ ، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُما ، وأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا . وأُقْسِمُ بِاللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَا أَخَذْتَهُ مِن أَمْوَالِهِمْ حَلالٌ لِي أَتْرُكُهُ مِيرَاثا لِمَنْ بَعْدِي . فَضَحِّ رُوَيْدا فَكأنَّك قَدْ بَلَغْتَ الْمَدَى ، ودُفِنْتَ تَحْتَ الثَّرَى ، وعُرِضَتْ عَلَيْك أَعْمَالُك بِالْمَحَلِّ الَّذِي يُنَادِي الظَّالِمُ فِيهِ بِالْحَسْرَةِ ، ويَتَمَنَّى الْمُضَيِّعُ فِيهِ الرَّجْعَةَ ، ولاتَ حِينَ مَناصٍ ! » . (3)

.


1- . فَنَكَت: الفَنْك الكذب والتعدّي. ( لسان العرب ج 1 ص 479 ) .
2- . شغَرت: الأرضُ والبكدُ أي خلَتْ من النّاسِ ، ولم يبق بها أحد يحميها ويَضبطها . ( لسان العرب: ج 4 ص 417 ) .
3- . نهج البلاغة : الكتاب41 وراجع : رجال الكشّي : ص60 الرقم110 ؛ نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص167 ، العقد الفريد : ج4 ص357 ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج1 ص75 وج2 ص82 ، أنساب الأشراف : ج2 ص174 .

ص: 57

. .

ص: 58

156 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

156كتابه عليه السلام إلى معاوية« أمَّا بَعدُ ؛ يا مُعاوِيَةُ ، فإنَّ اللّه َ عَدْلٌ لا يَجورُ ، وعزِيزٌ لا يُغْلَبُ ، يجري بالإحسانِ إحسانا ، وهُوَ بَصيرٌ بِما تَعْمَلُ العِبادُ ، واعلَمْ بأنَّكَ لَمْ تُخْلَقْ للدنيا والخُلودِ فيها ، بَلْ أنْتَ راجِعٌ إلى رَبِّكَ فَمُلاقِيهِ ، فاتّقِ اللّه َ يا مُعاوِيَةُ ، وأنصِفْ مِنْ نَفْسِكَ ، ولا تُطْغِيَنَّكَ الأمانيُّ الباطِلَةُ والغُرورُ ، فَإنّي مُؤْلٍ (1) باللّه ِ ألِيَّةَ صِدْقٍ ، لَئِنْ جَمَعَتْنِي وايَّاكَ دارا لأُزايِلَنَّكَ أبَدا ، أو يَفْتَحُ اللّه ُ بَيْنَنا بالحَقِّ وهو خَيْرُ الفاتِحينَ ، فأَطلِقْ مَنْ فِي يَدَيْكَ مِن إخْوانِنا حَتَّى نُطلِقَ مَنْ فِي أيدينا مِنْ أصحابِكَ ، فَإنّي قَدْ بَعَثْتُ إليْكَ فِي ذلِكَ مَولايَ سَعْدَا _ والسَّلامُ » (2) .

[ أقول : قال ابن أعْثَم : ] بعث معاوية أيضا برجل من أصحابه يقال له : الحارث بن نمر التَّنوخي ، في ألف رجل من حماة أهل الشَّام ، وأمره بالغارة على بلاد الجزيرة مِمَّن هُم في طاعَةِ علِيٍّ رضى الله عنه . قال : فأقبلَتْ خَيلُ أهل الشَّام حَتَّى بلغت تخوم صفِّين ودارا (3) ، فأغاروا على قوم من بني تَغْلِب ممَّن كانوا في طاعة عليّ رضى الله عنه ، فأسروا منهم ثمانية نفر ، وانصرفوا راجعين إلى الشَّام ؛ وقام رجل من أهل الجزيرة يقال له عُتْبَة بن الوعل ، فجمع قومه من بني تَغْلِب ، ثُمَّ صار إلى جسر منبج ، فعبر الفرات وأغار على أوائل الشَّام ، فغنم غنائم كثيرة ورجع إلى بلاد الجزيرة ؛ وأنشأ يقول : ألا أبلِغْ مُعاوِيَةَ بنَ صَخْرٍفَإنّي قَدْ أغَرْتُ كما تُغِيرُ صَبَحْنا مَنبِجا بالخَيْلِ تُردَىشَوازِبُ في أياطِلِها (4) ضَمِيرُ بِكُلِّ سَمَيْدَعٍ ماضٍ جَسُورٍعلَى الأَهْوالِ في ضَنَكٍ يَسِيرُ وكُلُّ مُجَرِّبٍ بَطَلٍ هُمَامٍلدَى الهَيْجاءِ مَطلَبُهُ عَسِيرُ وفِتيانٍ يَرَونَ الصَّبْرَ مَجْدابِأَيدِيهم مُهَنَّدَةٌ ذُكُورُ قال : ثُمَّ كتب عليّ رضى الله عنه إلى معاوية : أمَّا بعدُ ؛ . . . قال : فلمَّا وصل كتاب عليّ إلى معاوية ، أطلق من كان في يديه من أصحاب عليٍّ ، وأطلق عليٌّ أيضا من كان في يديه من أصحاب معاوية . قال : وظنَّ عليّ رضى الله عنه أنّ معاوية لا يُغير عليه بعد ذلك ، فلمَّا كان بعد شهر _ أو أقلّ أو أكثر _ وجَّه معاوية أيضا برجل من أصحاب الشَّام يقال له : سُفْيَان بن عَوْف الغامدي في خيل عظيمة ، وأمره بالمسير والغارة على أداني العِراقِ ، والقتل لمن قدر عليه من شيعة عليّ . قال : فسارت خيل الشَّام حَتَّى انتهت إلى بلد يقال له هِيت ، وبه يومئذ رجل من قبل عليّ رضى الله عنه يقال له كُمَيْل بن زياد النَّخعيّ ؛ فلمَّا بلغه أن خيل الشَّام قد تقاربت من هِيت خلَّف عليها رجلاً من أصحابه في خمسين فارسا ، وسار يريد خيل أهل الشام . قال : فلمَّا أبعد كُمَيْل بن زياد عن مدينة هِيت ، أقبل صاحب معاوية وهو سُفْيَان بن عَوْف الغامدي على هيت وأغار على أطرافها ولم يتبعه أحد . . . قال : ثُمَّ كتب عليّ عليه السلام إلى كُمَيْل بن زياد يلومه على فعله ، وتضييعه مدينة هيت ، وخروجه عنها . (5)

.


1- . الألِيَّة: الحلف، آلى إيلاءً مثل آتى إيتاءً إذا حلف فهو مُؤْلٍ . ( المصباح المنير ص 20 ) .
2- . الفتوح : ج 4 ص 225.
3- . دارا : بلدة من بلاد الجزيرة .
4- . الأيطل: الخاصرة والجمع أياطِل . ( المعجم الوسيط : ج 1 ص 22 ) .
5- . راجع : الفتوح : ج4 ص224 وراجع : أنساب الأشراف : ج3 ص231 ، الكامل في التاريخ :ج2 ص428 .

ص: 59

. .

ص: 60

157 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

157كتابه عليه السلام إلى معاوية« إنَّك زعَمْت أنَّ الَّذي دعاكَ إلى ما فَعَلْتَ الطَّلبُ بِدَمِ عُثمانَ فما أبْعَدَ قَوْلَكَ مِنْ فِعلِكَ ويْحَكَ ! وما ذَنْبُ أهْلِ الذِّمَّةِ في قَتْلِ ابنِ عَفَّانَ ؟ وبِأَيِّ شَيءٍ تَسْتَحِلُّ أخْذَ فَيءِ المُسلِمينَ ؟ ! فانْزَعْ ولا تَفْعَلْ ؛ واحذَرْ عاقِبَةَ البَغْي والجَوْرِ ، وإنَّما مَثَلِي وَمَثلُكَ كما قال بَلعاءُ لدِرُيدِ بنِ الصِّمَّةِ : مَهْلاً دُريْدُ عَنِ التَّسرُّعِ إنَّنِيماضي الجَنانِ بِمَنْ تَسَرَّعَ مُولَعُ مَهْلاً دُريْدُ عَنِ السَّفاهَةِ إنَّنيماضٍ علَى رَغْمِ العُداةِ سَمَيْدَعُ مَهلاً دُرَيْدُ لا تَكُنْ لاقَيْتَنِييَوْما دُرَيْدُ فَكُلُّ هذا يُصْنَعُ وإذا أهانَكَ مَعْشَرٌ أكْرِمْهُمُفَتَكونَ حَيْثُ تَرى الهوانَ وتَسْمَعُ » . (1)

.


1- . الغارات : ج2 ص489 .

ص: 61

158 _ كتابه عليه السلام إلى زياد ابن أبيه

159 _ كتابه عليه السلام إلى قيس بن سعد بن عبادة

158كتابه عليه السلام إلى زياد ابن أبىمن كتاب له عليه السلام إلى زياد ابن أبى ، وقد بلغه أنَّ معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه :« وقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إلَيْك يَسْتَزِلُّ لُبَّك ، ويَسْتَفِلُّ غَرْبَك ، فَاحْذَرْهُ فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ ، يَأْتِي الْمَرْءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ، ومِنْ خَلْفِه ، وعَن يَمِينِه ، وعَنْ شِمَالِهِ لِيَقْتَحِمَ غَفْلَتَهُ ، ويَسْتَلِبَ غِرَّتَهُ . وقَدْ كَانَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلْتَةٌ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ ، ونَزْغَةٌ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ ، لا يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ ، ولا يُسْتَحَقُّ بِهَا إِرْثٌ ، والْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ (1) ، والنَّوْطِ الْمُذَبْذَبِ (2) » .

قال الرَّضي رحمه الله : فلمَّا قرَأَ زِيَادٌ الْكِتَابَ ، قَال : شَهِدَ بها ورَبِّ الْكَعْبَةِ ، ولَمْ تَزَلْ في نَفْسه حَتَّى ادَّعَاهُ مُعَاوِيَةُ . (3)

159كتابه عليه السلام إلى قَيْس بن سَعْد بن عُبادَةقال اليعقوبي : وكتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى قَيْس بن سَعْد بن عُبادَة ، وهو على آذْرَبِيجان بعد أمر النَّهروان :« أمَّا بَعْدُ ، فأَقبِلْ على خَراجِكَ بالحَقِّ ، وأَحْسِنْ إلى جُنْدِكَ بالإنصافِ ، وعَلِّمْ من قِبلَكَ مِمَّا علَّمَكَ اللّه ُ ، ثُمَّ إنَّ عَبْدَ اللّه ِ بنَ شُبَيْلٍ الأحْمَسِيِّ ، سأَلنِي الكِتابَ إليْكَ فيهِ بِوصايَتِكَ بِهِ خَيْرا ، فَقَدْ رأيتُهُ وادعا مُتَواضِعا ، فألِنْ حِجابَكَ ، وافتَحْ بابَكَ ، واعمَدْ إلى الحَقِّ ، فإنْ وافَقَ الحَقَّ ما يحبو أسرَّهُ ، ولا تتَّبِعِ الهوى ، فَيُضِلَّكَ عن سبيلِ اللّه ِ ، « إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الْحِسَابِ » (4) » . (5) ونقل البلاذري هذا الكتاب بصورة أخرى ، وهي : « أمَّا بَعْدُ ؛ فَإنَّ العالِمينَ باللّه ِ العامِلينَ لَهُ ، خِيارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللّه ِ ، وإنَّ المُسلِمينَ لِغَيْرِ الرِّياءِ والسُّمْعَةِ ، لَفي أجرٍ عَظِيمٍ ، وفَضْلٍ مُبينٍ . وَقدْ سأَلَنِي عَبْدُ اللّه ِ بنُ شُبَيْلٍ الأحْمَسِيِّ الكتاب إليك في أمره ، فأُوصيك بهِ خيرا ، فإنِّي رأيتُهُ ، وادِعا مُتَواضِعا ، حَسَنَ السَّمْتِ والهَدْي ، فألِنْ حِجابَكَ ، واعمَدْ للحَقِّ ، ولا تتَّبِعِ الهَوى ، فيُضِلَّكَ عن سبيل اللّه ، والسَّلام » . (6)

.


1- . الواغل : الذي يدخل على القوم في طعامهم ولم يُدْعَ (لسان العرب : ج 11 ص 733) ، والمُدفَّع : المحقور الذي لا يُضيّف ان استضاف (لسان العرب : ج 8 ص 88) .
2- . ناط الشيء : علّقه ، والنوط ما علِّقِ لسان العرب : ج 7 ص 418 ، ومذَبذَب : متردد بين أمرين ، والتَّذَبذُب : التحرُّك (لسان العرب : ج 1 ص 384) .
3- . نهج البلاغة : الكتاب44 وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص182 ، أُسد الغابة : ج2 ص216 ، تاريخ مدينة دمشق : ج18 ص172 ، الكامل لابن الأثير : ج3 ص444 .
4- . ص :26 .
5- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص202 .
6- . أنساب الأشراف : ج 2 ص 389 .

ص: 62

. .

ص: 63

الفصل الخامس : مكاتيبه عليه السلام من نهاية النهروان حتى الاستشهاد

اشاره

الفصل الخامس : مكاتيبه من نهاية النهروان حتى الاستشهاد

.

ص: 64

. .

ص: 65

غارة النُّعْمَان بن بشير الأنْصاريّ على عين التَّمر ومالك بن كَعْب الأرْحَبيّ : عن مُحَمَّد بن يوسف بن ثابت : أنَّ النُّعْمَان بن بشير قدم هو وأبو هريرة على عليّ عليه السلام من عند معاوية ، بعد أبي مسلم الخولاني ، يسألانه أن يدفع قتلة عثمان إلى معاوية ليقتلهم بعثمان ، لعلَّ الحرب أن تطفأ ويصطلح النَّاس ، وإنَّما أراد معاوية أن يرجع مثل النُّعْمَان وأبي هريرة من عند عليّ عليه السلام إلى النَّاس ، وهم لمعاوية عاذرون ولعليّ لائمون ، وقد علم معاوية أنَّ عليَّا عليه السلام لا يدفع قتلة عثمان إليه ، فأراد أن يكون هذان يشهدان له عند أهل الشَّام بذلك ، وأن يُظهر عذره ، فقال لهما : ائتيا عليَّا ، فناشداه اللّه وسلاه باللّه لمَّا دفع إلينا قتلة عثمان ، فإنَّه قد آواهم ومنعهم ، ثُمَّ لا حرب بيننا وبينه ، فإنْ أبى فكونوا شهداء اللّه عليه ، وأقبلا إلى النَّاس فأعلماهم ذلك ، فأتياه ، فدخلا عليه فقال له أبو هريرة : يا أبا حسن ، إنَّ اللّه قد جعل لك في الإسلام فضلاً وشرفا ، أنت ابن عمّ مُحَمَّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقد بعثنا إليك ابن عمّك معاوية يسألك أمرا تهدأ به هذه الحرب ، ويصلح اللّه به ذات البين ، أن تدفع إليه قتلة عثمان ابن عمّه ، فيقتلهم به ، ثُمَّ يجمع اللّه به أمرك وأمره ، ويصلح اللّه بينكم ، وتسلم هذه الأمّة من الفتنة والفرقة . ثُمَّ تكلَّم النُّعْمَان بنحو من هذا . فقال عليه السلام لهما : « دعا الكلامَ فِي هذا ، حدِّثني عَنْكَ يا نُعْمانُ ، أنْتَ أهدى قَوْمِكَ سَبِيلاً ؟ » يعني الأنصار ؟ قال : لا . فقال : « كلُّ قومِكَ قد اتَّبعني إلاَّ شُذَّاذا مِنهُم ثَلاثَةٌ أو أربَعَةٌ ، أفتكونُ أنْتَ مِنَ الشُّذَّاذ ؟ » فقال النُّعْمان : أصلحك اللّه ، إنَّما جئت لأكون معك ، وألزمك ، وقد كان معاوية سألني أن أؤدِّي هذا الكلام ، وقد كنت رجوت أن يكون لي موقفٌ أجتمع فيه معك ، وطمعت أن يجري اللّه تعالى بينكما صلحا ، فإذا كان غير ذلك رأيك ، فأنا ملازمك وكائن معك . وأمَّا أبو هريرة فلحق بالشَّام ، فأتى معاوية وخبره الخبر ، فأمره أن يخبر الناس ففعل ، وأمَّا النُّعْمان ، فأقام بعده أشهرا ، ثُمَّ خرج فارَّا من عليٍّ عليه السلام ، حَتَّى إذا مرَّ بعين التَّمر ، أخذه مالك بن كَعْب الأرْحَبيّ ، وكان عامل عليّ عليه السلام عليها ، فأراد حبسه ، وقال له : ما مرَّ بك هاهنا ، قال : إنَّما أنا رسولٌ بلَّغت رسالة صاحبي ، ثُمَّ انصرفت ، فحبسه ، ثُمَّ قال : كما أنت حَتَّى أكتب إلى عليّ عليه السلام فيك ، فناشده ، وعظم عليه أن يكتب إلى عليّ عليه السلام فيه ، وقد كان قال لعليّ عليه السلام : إنَّما جئت لأُقيم ، فأرسل النُّعْمَان إلى قَرَظَةَ بن كَعْب الأنْصاريّ ، وهو بجانب عين التَّمر يجبي خراجها لعليّ عليه السلام ، فجاء مسرعا حَتَّى وصل إلى مالك بن كَعْب ، فقال له : خلِّ سبيل هذا الرَّجل _ يرحمك اللّه _ ، فقال له : يا قرظة ، اتَّق اللّه ، ولا تتكلَّم في هذا ، فإنَّ هذا لو كان من عبَّاد الأنصار ونسَّاكهم ما هرب من أمير المؤمنين إلى أمير المنافقين ، فلم يزل يقسم عليه حتى خلَّى سبيله ، فقال له : يا هذا ، لك الأمان اليوم واللَّيلة وغدا ، ثُمَّ قال : واللّه لئن أدركتك بعدها لأضرِبَنَّ عنقك . . . [ فلمَّا أغار النُّعْمَان على عين التَّمر بعد غارة الضَّحَّاك بن قيس . . .استعان مالك بن كَعْب بقَرَظَة بن كَعْب فقال : إنَّما أنا صاحب خراج ، وليس عندي من أُعينه به ، ثُمَّ استعان بمِخْنَف بن سُلَيْم ، وكان على الصَّدقة لعليّ عليه السلام ، وكان على أرض الفرات ، فأعانه بخمسين رجلاً ، حَتَّى نصر اللّه مالكا ، ورجع النُّعْمَان عنه مخذولاً . (1) فأعان لانقاذ عدوِّ عليّ عليه السلام ، وخذل عامله مالك بن كَعب ، ويحتمل أن لا يكون ذلك خيانة ؛ لعذر له في الواقع ، ولعلَّ عدم مؤاخذة أمير المؤمنين عليه السلام له ناشئة من كونه معذورا ، بل يتّضح ذلك من بقائه إلى جانب الإمام عليه السلام حَتَّى صلَّى عليه حين مات . فقد مات قَرَظَة بالكوفة في خلافة عليّ عليه السلام ، وصلَّى عليه عليّ عليه السلام كما نصَّ على ذلك المؤرّخون . (2) وكانت معه راية الأنصار في صفِّين ، ولمَّا رجع عليّ عليه السلام من حرب البصرة خرج قَرَظَة من النَّاس ، فدنوا منه يهنونه بالفتح ، وإنَّه ليمسح العرق عن جَبهَتِهِ ، فقال له قَرَظَة بن كَعب : الحمد للّه ِ ، يا أمير المؤمنين ، أعزَّ وليّك ، وأذلَّ عدوَّك ، ونصرك على القوم الظَّالمين . قال : وولاّه فارس ] . (3)

.


1- . راجع : الغارات : ج2 ص445 _ 456 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص301 _ 305 .
2- . راجع : تهذيب التهذيب : ج4 ص527 الرقم 6511 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص444 ، أُسد الغابة :ج4 ص380 ، الإستيعاب : ج3 ص365 ، فتوح البلدان : ص446 .
3- . راجع : الغارات : ج2 ص776 و777 ( تعليقة :41 ) ، قاموس الرجال :ص8 ص520 ، سفينة البحار : ج7 ص278 ، تنقيح المقال : ج2 ص28 ، معجم رجال الحديث : ج14 ص82 .

ص: 66

. .

ص: 67

160 _ كتابه عليه السلام إلى صنعاء والجند

160كتابه عليه السلام إلى صَنعاء والجند«مِنْ عَبدِاللّه ِ عليّ أميرِ المُؤمِنينَ، إلى مَنْ شاقَّ (1) وغَدَرَ (2) مِنْ أهلِ الجُنْدِ وصَنعاءَ. أمَّا بَعْدُ، فإنِّي أحمَدُ اللّه َ الَّذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ ، الَّذي لا يُعقَّبُ لَهُ حُكْمٌ ، ولا يُرَدُّ لَهُ قَضاءٌ ، ولا يُردُّ بأسُهُ عن القَوْمِ المُجرِمينَ . وَقَدْ بلَغَني تجرُّؤكُم وشِقاقُكُم وإعراضُكُم عَنْ دينِكُم، بعد الطَّاعَةِ وإعْطاءِ البيْعَةِ ، فسألتُ أهْلَ الدِّينِ الخالِصِ ، والورَعِ الصَّادِقِ ، واللُّبِّ الرَّاجِحِ ، عَنْ بَدْءِ مَحْرَكِكُم ، وما نَوَيْتُم بهِ ، وما أحْمَشَكُم لَهُ ؛ فحُدِّثْتُ عَنْ ذلِكَ بما لَمْ أرَ لَكُم في شَيءٍ مِنهُ عُذْرا مُبيَّنا، ولا مَقالاً جَمِيلاً، ولا حُجَّةً ظاهِرَةً ؛ فإذا أتاكُم رسُولِي فَتفَرّقُوا وانصَرِفُوا إلى رِحالِكُم أَعْفُ عَنْكُم، وأَصفَحْ عَنْ جاهِلِكُم، وأحفظْ قاصِيَكُم ، وأعْمَلْ فِيكُم بِحُكْمِ الكِتابِ ؛ فإنْ لَمْ تَفعَلُوا ، فاستَعِدُّوا لِقُدومِ جَيْشٍ جَمِّ الفُرسانِ ، عَظيمِ الأرْكانِ ، يَقْصِدُ لِمَنْ طَغَى وعَصَى، فتُطحَنوا كَطَحْنِ الرَّحى؛ فمَن أحْسَنَ فَلِنَفْسِهِ ، ومَنْ أساءَ فَعَلَيْها ، وما رَبُّكَ بِظلاَّمٍ للعَبيدِ ». (3)

.


1- . الشقاق: المخالفة والعداوة، وكونك في شقّ غير شقّ صاحبك، أو من شقّ العصا بينك وبينه.( تاج العروس: ج13 ص251 ) .
2- . الغدر: نقض العهد والخيانة.( لسان العرب: ج5 ص8 ) .
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2 ص5؛ الغارات: ج2 ص595 وزاد في آخره« ألا، فلا يحمد حامد إلاَّ ربّه، ولا يلم لائم إلاَّ نفسه، السَّلام عليكم »، بحار الأنوار: ج34 ص8 ح901.

ص: 68

[ قال ابن أبي الحديد: كتب أمير المؤمنين عليه السلام هذا الكتاب بعد أن وصل كتاب عُبيد اللّه وسعيد إليه ، وشاور يزيد بن قَيْس الأرْحَبيّ الهَمْدانِيّ رحمه الله؛ ولعلَّه المراد من قوله عليه السلام : « فَسألْتُ أهلَ الدِّينِ الخالِصِ ، والورَع الصَّادقِ ، واللُّبِّ الرَّاجِحِ » ، ويحتمل أيضا أن يكون المراد بهذه النعوت الرَّسول الَّذي جاء بالكتاب. وقد كانت صنعاء وقتئذٍ عاصمة اليمن، وملوك اليمن كانوا يسكنون صنعاء وماحولها من مخاليف اليمن، وإنَّما صارت عاصمة بعد سلطة الأجاش على اليمن ، وكان الملك يجلس في قصر همدان؛ وقد كتبنا عن اليمن ومخاليفها في مكاتيب الرَّسول ].

.

ص: 69

161 _ كتابه عليه السلام إلى جارية بن قدامة السعديّ

161كتابه عليه السلام إلى جارية بن قُدَامَة السعديّلمَّا أرسله لدفع الطَّاغية بُسْر بن أرطاة ، لما شنَّ الغارة على المؤمنين . أمَّا نصّ اليعقوبي : عن غياث ، عن فطر بن خليفة ، عن أبي خالد الوالبي ، قال : قرأت عهد عليّ عليه السلام لجارية بن قُدامَة السَّعديّ ، وهذه صورته :« أُوصِيكَ يا جارِيَةُ بِتَقْوى اللّه ِ ، فإنَّها جُموعُ الخَيْرِ ، وسِرْ عَلى عَوْنِ اللّه ِ ، فالِقِ عَدُوِّكَ الَّذي وجَّهْتُكَ لَهُ ، ولا تُقاتِلْ إلاّ مَن قاتَلَكَ ، ولا تُجْهِز على جَريحٍ ، ولا تُسَخِرَنَّ دابَةً ، وإن مَشيْتَ ومَشى أصحابُكَ ، ولا تَستأثِرْ علَى أهْلِ المِياهِ بِمياهِهِم ، ولا تَشْرَبَنَّ إلاّ فضلَهُم عَن طيبِ نُفُوسِهِم ، ولا تَشْتِمَنَّ مُسلِما ولا مُسلِمَةً ، فَتُوجِبُ علَى نَفْسِكَ ما لَعلَّكَ تُؤدِّبُ غيرَكَ علَيْهِ ؛ ولا تَظْلِمَنَّ مُعاهِدا ولا مُعاهِدَةً . واذكُرِ اللّه َ ولا تَفْتُرْ ليْلاً ولا نهارا ، واحمِلوا رجَّالَتَكُم ، وتَواسَوا في ذاتِ أيديكُم ، وأجْدِدْ السَّيْرَ ، وأجْلِ العَدُوَّ مِن حَيْثُ كانَ ، واقتُلْهُ مُقْبِلاً ، واردُدْهُ بِغَيْظِهِ صاغِرا ، واسفِكْ الدَّمَ في الحقِّ واحقِنْهُ في الحَقِّ ، ومَنْ تابَ فاقبَلْ توبَتَهُ ، وأخبارُكَ في كُلِّ حينٍ بِكُلِّ حالٍ ، والصِّدْقَ الصِّدْقَ فَلا رأيَ لِكَذُوبٍ » . (1)

وأمَّا نصّ البحار عن كتاب الغارات ، فهو : لمَّا ورد بُسْر بن أرطاة لعنه اللّه للإغارة على مملكة أمير المؤمنين عليه السلام : الحجاز ، والمدينة ، ومكَّة ، واليمن ، بأمر معاوية بن أبي سُفْيَان ، بلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ، فبعث في أثره جارية بن قُدامَة ، وأوصاه بتقوى اللّه وما يلزمه أن يعمل في مسيره . عن الحارث بن حصيرة ، عن عبد الرَّحمن بن عبيد ، قال : لمَّا بلغ عليَّا عليه السلام دخول بُسْر أرض الحجاز ، وقتله ابني عُبيد اللّه بن العبَّاس ، وقتله عبد اللّه بن عبد المدان ومالك بن عبد اللّه ، بعثني بكتاب في أثر جارية بن قُدامَة ، قبل أن يبلغه أنَّ بُسْرا ظهر على صنعاء ، وأخرج عُبيد اللّه منها وابن نمران ، فخرجت بالكتاب حَتَّى لحق به جارية ففضَّه فإذا فيه : « أمَّا بعدُ ، فإنِّي بَعثْتُكَ في وجْهِكَ الَّذي وَجِّهْتَ لَهُ ، وقد أوْصيْتُكَ بِتقوى اللّه ِ ، وتَقْوى ربّنا جِماعُ كُلِّ خَيْرٍ ورأسِ كُلِّ أمْرٍ ، وتركْتُ أن أُسمِّي لَكَ الأشْياءَ بأعيانِها ، وأنِّي أُفسِّرُها حَتَّى تَعْرِفَها : سِرْ علَى بَركَةِ اللّه ِ حَتَّى تَلْقى عَدُوَّكَ ، ولا تَحْتَقِرَنَّ مَنْ خلق اللّه أحدا ، ولا تُسخِرَنَّ بَعِيرا ولا حِمارا ، وإنْ تَرَجّلْتَ وحَفَيْتَ ، ولا تَستَأثِرَنَّ علَى أهْلِ المِياهِ بِمياهِهِم ، ولا تَشْرَبَنَّ مِنْ مِياهِهِم إلاَّ بِطيبِ أنْفُسِهِم ، ولا تَسُبَّ مُسْلِما ولا مُسلِمَةً ، ولا تَظْلِمْ مُعاهِدَا ولا مُعاهِدَةً ، وصلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِها ، واذْكُرِ اللّه َ باللَّيلِ والنَّهارِ ، واحمِلُوا راجِلَكُم ، وتأسَّوا علَى ذاتِ أيْديكُم ، وأغِذَّ السَّيْرَ حَتَّى تلْحَقَ بِعَدُوِّكَ ، فَتَجْلِيهِم عَنْ بِلادِ اليَمَنِ وتَرُدَّهُم صاغِرينَ إنْ شاءَ اللّه ُ ، والسَّلامُ عَليْكَ ورَحْمَةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ ». (2) [ أقول : مرَّ في ذيل قصّة ابن الحَضْرَمِيّ ، أنَّ جارية بن قُدامَة هو الَّذي قتل ابن الحَضْرَمِيّ وأصحابه بالبصرة ، وأرسله أمير المؤمنين عليه السلام إلى أهل نجران عند ارتدادهم عن الإسلام (3) ] .

.


1- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص 200 .
2- . الغارات : ج2 ص628 ، بحار الأنوار : ج34 ص15 .
3- . راجع : رجال الكشّي : ج1 ص322 الرقم168 ، قاموس الرجال : ج2 ص557 الرقم1356 .

ص: 70

جارية بن قدامة السّعديّ

جارِيَةُ بنُ قُدامَةَ السَّعْدِيّجارية بن قُدامَة التَّميميّ السعدي . كان من صحابة النَّبيّ صلى الله عليه و آله (1) ، ومن أنصار عليِّ عليه السلام الأبرار الشُّجعان (2) . وكان فتيّ القلب ، عميق الرُّؤية ، ذا شخصيّة رفيعة جعلته ودودا محبوبا . وكان ثابت القدم في حُبِّ عليٍّ عليه السلام ، شديدا على أعدائه (3) . ولمّا تقلّد الإمام الخلافة ، أخذ له البيعة في البصرة (4) . وكان من جملة الهائمين بحبّه ، الَّذين عُرفوا باسم شرطة الخميس . وقد شهد مشاهده كلّها بجدٍّ وتفانٍ (5) . وتولّى قيادة قبيلة سَعْد ورَباب في صفِّين . وكان خطيبا مفوَّها ، ويشهد على لباقته وبلاغة لسانه محاوراته في صفِّين ، وكلماته الجريئة ، وعباراته القويّة الدَّامِغة في قصر معاوية دفاعا عن إمامه عليه السلام . وجّهه عليّ بن أبي طالب إلى أهل نجران عند ارتدادهم عن الإسلام (6) . ووجَّهه إلى بُسْر بن أرطاة في ألفين ، وقال له : أنْتَ لَعَمْري لَميمونُ النَّقيبَةِ ، حَسَنُ النِّيَّةِ ، صالِحُ العَشيرَةِ » ، وندب معه ألفين ، وقال بعضهم : ألفا ، وأمره أن يأتي البصرة ، فيضمّ إليه مثلهم . . . ، ثُمَّ أخذ طريق الحجاز ، حَتَّى قدم اليمن ، لم يُغضِبْ أحدا ، ولم يقتل أحدا ، إلاّ قوما ارتدّوا باليمن ، فقتلهم وحرّقهم . (7) [ ولمَّا دخل مكَّة _ وكان دخوله بعد قتل أمير المؤمنين عليه السلام _ قال لهم ]بايعتم معاوية ؟ قالوا : أكْرَهَنا . قال : أخاف أن تكونوا من الَّذِين قال اللّه فيهم : « وَ إِذَا لَقُواْ الَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُواْ ءَامَنَّا وَ إِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَياطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ » (8) ، قوموا فبايعوا . قالوا : لِمَنْ نبايع رحمك اللّه ؟ وقد هلك أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ولا ندري ما صنع النَّاس بعد . قال : وما عسى أن يصنعوا إلاّ أن يبايعوا الحسن بن علي عليه السلام _ إلى أن قال : _ ثُمَّ دخل المدينة . . . ثُمَّ قال : أيُّها النَّاس ، إنَّ عليَّا رحمه اللّه يوم ولد ، ويوم توفّاه اللّه ، ويوم يبعث حيَّا ، كان عبدا من عباد اللّه الصَّالحين _ إلى أن قال : _ هلك سيّد المسلمين ، وأفضل المهاجرين ، وابن عمّ النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، أمَّا والَّذي لا إله إلاّ هو ، لو أعلَمُ الشَّامِتَ منكم لتقرَّبْتُ إلى اللّه ِ عز و جلبِسَفْكِ دَمِهِ ، وتعجيله إلى النَّار (9) . [ ولمَّا رجع إلى الكوفة ] دخل على الحسن بن عليّ عليه السلام ، فضرب على يده فبايعه وعزّاه ، وقال : ما يُجْلِسُكَ ؟ سِر يرحَمْك اللّه ، سر بنا إلى عدوّك قبل أن يسار إليك . فقال عليه السلام : « لو كانَ النَّاسُ كلُّهم مِثلَكَ سِرْتُ بِهِم » (10) . قال معاوية لجارية بن قُدامَة : ما كان أهْونَكَ على أهلك إذ سمَّوْك جارية ! قال : ما كان أهْونَك على أهلك إذ سَمَّوك معاوية ! وهي الأُنثى من الكلاب . قال : لا أُمَّ لك ! قال : أُمِّي وَلَدتْني للسُّيوف الَّتي لقِيناك بها في أيْدِينا . قال : إنَّك لتُهَدِّدني . قال : إنَّك لم تَفْتَتِحنا قَسْرا ، ولم تَمْلِكنا عَنْوةً ، ولكنَّك أعطيتنا عهْدا ومِيثاقا ، وأعْطَيناك سَمْعا وطاعةً ، فإن وَفَّيت لنا وَفَّينا لك ، وإن فَزِعْت إلى غير ذلك ، فإنَّا تركنا وراءَنا رجالاً شِدادا ، وألْسِنةً حِدادا . قال له معاوية : لا كَثَّر اللّه في النَّاس أمثالَك . قال جارية : قلْ معروفا ورَاعِنا ، فإنَّ شرَّ الدُّعاء المُحْتَطب 11 . وزاد ابن عساكر والسُّيوطي : فقال له معاوية : أنت السَّاعي مع عليّ بن أبي طالب ، والموقد النَّار في شُعَلِكَ ، تجوس قرى عربيَّة بِسَفْكِ دمائهم ؟ قال جارية : يا معاوية دع عنك عليَّا ، فما أبغضنا عليَّا منذ أحببناه ، ولا غَشَشْناهُ مُنذُ صحِبناهُ (11) . وقال نصر : كان رجُلَ تميمٍ بعدَ الأحنَفِ (12) . بدأت غارات معاوية الظَّالمة على أطراف العراق بعد معركة النَّهروان ، وأشخص عبد اللّه بن عامر الحَضْرَمِيّ إلى البصرة ، ليأخذ له البيعة من أهلها ، ففعل ذلك واستولى على المدينة ، فوَجّه الإمام أميرُ المؤمنين عليه السلام في البداية أعْيَن بن ضُبَيْعَة لإخماد فتنة ابن الحَضْرَمِيّ ، لكنّه استشهد ليلاً في فراشه ، فأرسل جاريةَ ، فاستعادها بتدبير دقيق وشجاعة محمودة ، فأثنى عليه الإمام عليه السلام (13) . وبعثه عليه السلام في الأيّام الأخيرة من حياته لإطفاء فتنة بُسْر بن أرطاة الَّذي كان مثالاً لا نظير له في الخبث واللُّؤم ، وبينا كان جارية في مهمّته هذه استُشهد الإمام عليه السلام . وأخذ جارية البيعة للإمام الحسن عليه السلام من أهل مكّة والمدينة بخُطىً ثابتة ، ووعي عميق للحقّ (14) . وكان جارية ذا سريرة وضيئة ، وروح كبيرة . ولم يخشَ أحدا في إعلان الحقّ قطّ . وهكذا كان ، فقد دافع عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام بحضور معاوية ، وأكّد ثباته على موقفه (15) . وتُوفِّي هذا الرَّجل الجليل بعد حكومة يزيد (16) .

.


1- . الطبقات الكبرى : ج7 ص56 ، مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج5 ص364 ، تقريب التهذيب :ج137 ص885 ، تهذيب التهذيب : ج 1 ص415 الرقم1045 ؛ رجال الطوسي : ص33 الرقم157 .
2- . تهذيب الكمال : ج 4 ص481 الرقم886 ، مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج5 ص364 ، تهذيب التهذيب : ج1 ص415 الرقم1045 ؛ الغارات : ج2 ص401 .
3- . الغارات : ج2 ص401 .
4- . تاريخ الطبري : ج5 ص112 .
5- . الاستيعاب : ج 1 ص299 الرقم306 ، اُسد الغابة : ج 1 ص502 الرقم664 ، الإصابة : ج 1 ص556 الرقم1052 ، الوافي بالوفيات : ج11 ص37 .
6- . رجال الكشّي : ج 1 ص322 الرقم 168 .
7- . الغارات : ج2 ص623 و624 ، قاموس الرجال : ج 2 ص 558 ، بحار الأنوار : ج34 ص13 .
8- . البقرة : 14 .
9- . الغارات : ج2 ص639 ، قاموس الرجال : ج2 ص560 ، بحار الأنوار : ج 34 ص 17 وراجع : تاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 199 .
10- . الغارات : ج2 ص643 ، قاموس الرجال : ج2 ص558 ، بحار الأنوار : ج34 ص18 .
11- . مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج5 ص365 ، تهذيب الكمال : ج4 ص482 ، تاريخ الخلفاء : ص238 و239 ؛ الغدير : ج10 ص234 ، قاموس الرجال : ج2 ص559 وراجع : الأمالي للمفيد : ص170 الرقم6 ، الأمالي للطوسي : ص192 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 133 الرقم 22 ؛ الإصابة : ج1 ص555 الرقم1052 ، أُسد الغابة : ج1 ص502 الرقم664 ، الاستيعاب : ج1 ص299 الرقم 306 .
12- . وقعة صفِّين : ص25 .
13- . أنساب الأشراف : ج3 ص192 ، تهذيب الكمال : ج 4 ص481 الرقم886 ، مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج5 ص364 الرقم201 ، تاريخ الطبري : ج5 ص112 ؛ الغارات : ج2 ص408 .
14- . أنساب الأشراف : ج3 ص215 ، تاريخ الطبري : ج5 ص140 ؛ الغارات : ج2 ص623 و ص 640 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص199 .
15- . تهذيب الكمال : ج 4 ص482 الرقم886 ، مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج5 ص365 .
16- . الثقات لابن حبّان : ج3 ص60 ؛ أعيان الشيعة : ج4 ص58 .

ص: 71

. .

ص: 72

. .

ص: 73

. .

ص: 74

162 _ كتابه عليه السلام إلى شيعته

162كتابه عليه السلام إلى شِيعَتِهقال محمَّد بن يعقوب في كتاب الرَّسائل : عن عليَّ بن إبراهيم بأسناده قال : كتَب أمير المؤمنين عليه السلام كتابا بعد منصرفه من النَّهروان ، وأمر أنْ يقرأ على النَّاس ، وذلك أنَّ الناس سألوه عن أبي بكر وعمر وعثمان ، فغضب عليه السلام ، وقال :« قَدْ تَفَرَّغْتُم للسُؤَالِ عمَّا لا يَعنِيكُم ، وهذِهِ مِصْرُ قَدِ انفَتَحَتْ ، وقَتَلَ مُعاوِيَةُ بنُ خَدِيْجٍ محمَّدَ بنَ أبي بَكْرٍ ، فيالَها مِنْ مُصِيبَةٍ ما أعظَمَها ، بِمُصيبَتي بِمُحَمَّدٍ ، فواللّه ِ ما كانَ إلاَّ كَبَعْضِ بَنيّ ، سُبْحانَ اللّه ِ بَيْنا نَحْنُ نَرْجو أنْ نَغلِبَ القومَ علَى ما في أيْديِهِم إذْ غلَبونا علَى ما فِي أيدِينا ، وأنا لَكتَّاب لَكُم كِتابا فيه تَصرِيحُ ما سَأَلْتُم ، إنْ شاء اللّه ُ تعالى » . فدعا[ عليه السلام ] كاتبه عُبيد اللّه بن أبي رافع ، فقال له : « أدخِلْ عَليَّ عَشَرَةً مِن ثِقاتِي » . فقال : سمِّهم لي يا أمير المؤمنين . فقال عليه السلام : « أدخِلْ أصبغَ بنَ نباتة ، وأبا الطُّفَيل عامر بن واثِلَة الكِنانيّ ، ورزينَ بنَ حُبَيْشٍ الأسديّ ، وجُوَيْريَّةَ بنَ مُسْهِر العَبْديّ ، وخندفَ بن زُهَيْرٍ الأسَديّ ، وحارِثَةَ بنَ مَضرِبِ الهَمْدَانِيّ ، والحارث بن عبد اللّه الأعْوَر الهَمْدانِيّ ، ومصباحَ النَّخَعيّ ، وعَلْقَمَة بن قَيْس ، وكُمَيْل بن زياد ، وعمير بن زُرَارَة » . فدخلوا عليه ، فقال لهم : « خُذُوا هذا الكِتاب ولْيَقرْأْهُ عُبيدُ اللّه ِ بنُ أبي رافِعٍ وأَنتُم شُهودٌ كُلَّ يومِ جُمُعَةٍ ، فَإنْ شَغِبَ شاغِبٌ عَليْكُم ، فأَنصِفُوهُ بِكتابِ اللّه ِ بَيْنَكُم وبينَهُ » : « بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِن عبد اللّه عليٍّ أميرِ المؤمنينَ ، إلى شِيعَتِهِ من المُؤمِنينَ والمُسلِمينَ ، فإنَّ اللّه َ يقولُ : « وَ إِنَّ مِن شِيعَتِهِ لاَءِبْرَ هِيمَ » (1) ، وهو اسْمٌ شَرَّفَهُ اللّه ُ تعالى في الكِتابِ ، وأنْتُم شِيْعَةُ النَّبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، كمَا أنَّ من شِيعَتِه إبراهيمَ ، إسْمٌ غَيْرُ مخْتَصٍّ ، وأمْرٌ غَيرُ مُبْتَدَع ، وسلامُ اللّه ِ عليْكم ، واللّه ُ هوَ السَّلامُ المُؤمِنُ أوْلِياءَهُ مِنَ العَذابِ المُهِينِ ، الحاكِمُ عليْكُم بعَدْلِهِ . أمَّا بعدُ ، فإنَّ اللّه تعالى بَعَث محمَّدا صلى الله عليه و آله وأنْتُم مَعاشِرَ العَرَبِ علَى شَرِّ حالٍ ، يَغْذُو أحَدُكم كلْبَهُ ، ويَقْتُل وُلْدَه ، ويُغِيْرُ على غَيْرهِ فَيَرْجِعُ وقَدْ أُغيْرَ علَيْهِ ، تأكُلُونَ العَلْهَزَ (2) والهَبِيْدَ (3) ، والمِيْتَةَ والدَّمَ ، تُنِيْخُونَ علَى أحْجارٍ خُشْنٍ ، وأوْثانٍ مُضِلَّةٍ ، وتأكُلُون الطَّعامَ الجَشِبَ ، وتَشْرَبونَ الماءَ الآجِنَ ، تُسافِكونَ دِماءَكم ، ويَسْبِي بعْضُكم بعْضا ، وقَدْ خَصَّ اللّه ُ قُرَيْشا بثَلاثِ آياتٍ ، وعَمَّ العَرَبَ بآيَةٍ ، فأمَّا الآياتُ اللَّواتي في قُرَيْش فهو قوْلُه تعالى : « وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى الأَْرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَ_ئاوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَ_تِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » (4) . والثَّانِيَةُ : « وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْ_ئا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَ لِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَ_سِقُونَ » (5) . والثَّالِثَةُ : قَولُ قرَيْش لنبيِّ اللّه تعالى حيْنَ دَعاهم إلى الإسلامِ والهِجْرَةِ ، فقالوا : « إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ » (6) ، فقال اللّه تعالى : « أَوَ لَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا ءَامِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَ تُ كُلِّ شَىْ ءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَ لَ_كِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ » (7) . وأمَّا الآيَةُ الَّتي عَمَّ بها العَرَبَ فهو قوْلُه تعالى : « وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَ نًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَ لِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَ_تِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » (8) . فيالَها من نِعْمَةٍ ما أعْظَمَها إنْ لم تَخرُجُوا منها إلى غَيْرِها ، ويالَها مِن مُصيْبَةٍ ما أعْظَمَها إنْ لم تُؤمِنوا بها وتَرْغَبوا عنْها . فمَضى نبيُّ اللّه صلى الله عليه و آله وقد بلَّغَ ما أُرسِلَ بهِ ، فيالَها مُصِيبةً خَصَّت الأقربينَ ، وعَمَّت المُؤمِنينَ ، لنْ تُصابُوا بمثْلِها ، ولنْ تُعايِنُوا بعدَها مِثْلَها ، فمَضى صلى الله عليه و آله لِسَبيْله ، وتَرَك كِتابَ اللّه ِ وأهلَ بيتِهِ إمامَيْن لا يَخْتَلِفان ، وأخَوَيْنِ لا يَتَخاذَلانِ ، ومجْتَمِعَيْنِ لا يَتَفَرَّقانِ . ولَقد قَبَضَ اللّه ُ محمَّدا نبيَّه صلى الله عليه و آله ولَأنَا أولى النَّاس به ، منِّي بقَميصِي هذا ، وما أُلقِيَ في رُوْعِي ، ولا عَرَضَ فِي رأيي أنَّ وَجْهَ النَّاس إلى غَيْري ، فلمَّا أبْطَاؤُا عَنِّي بالوِلايَة لِهِمَمِهِم ، وتثبَّطَ الأنْصارُ _ وهُم أنصار اللّه ، وكَتِيْبَةُ الإسلام _ وقالوا : أمَّا إذا لم تُسَلِّموها لعَلِيٍّ فَصَاحِبُنا أحقُّ بها من غَيْره . فَوَ اللّه ما أدْرِي إلى مَن أشْكُو ؟ فإمَّا أنْ يكونَ الأنْصارُ ظُلِمَت حَقَّها ، وإمَّا أنْ يكونوا ظَلَمُونِي حَقِّي ، بل حَقِّي المأخُوذُ وأنَا المَظلومُ ، فقال قائلُ قرَيشٍ : الأئِمَّةُ من قرَيشٍ . فدَفَعوا الأنصار عن دَعوتِها ومَنَعُونِي حَقِّي منها . فأتاني رَهْطٌ يَعرِضونَ عليَّ النَّصْر ، منْهُم ابْنا سَعيدٍ ، والمِقْدادُ بنُ الأسْوَدِ ، وأبو ذَرٍّ الغِفارِيُّ ، وعَمَّارُ بنُ ياسِرٍ ، وسَلْمانُ الفارسِيُّ ، والزُبَيْرُ بن العَوام ، والبراءُ بن عازِب ، فقلت لهم : إنَّ عندي من النَّبي صلى الله عليه و آله عهْدا ، وله إليَّ وصيَّةٌ ، لستُ أُخالِفُه عمَّا أمرَنِي به . فَوَاللّه لو خَزَمُونِي بأنفي لأقررْتُ للّه تعالى سَمْعا وطاعةً ، فلَمَّا رأيتُ النَّاس قَدْ انْثالُوا على أبي بكر للْبَيْعَة ، أمْسَكْتُ يدِي وظَنَنْت أنِّي أوْلى وأحقُّ بمقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله منْه ومِن غَيْره ، وقد كان نبيُّ اللّه أمَّر أُسامَة بن زَيْد على جَيْشٍ ، وجعلَهُما في جَيْشه ، وما زالَ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله إلى أنْ فاضَتْ نفسُه ، يقول : أنْفِذوا جَيش أُسامَةَ ، أنفِذوا جيش أسامَة ، فمَضى جيشُه إلى الشَّام حَتَّى انتهوا إلى أذْرُعاتٍ فلَقِي جيشا من الرُّوم فهَزَمُوهم ، وغَنِمَهُم اللّه أموالَهُم . فلمَّا رأيتُ راجِعةً من النَّاس قَدْ رجَعَتْ عن الإسلام تَدْعُو إلى مَحْو دِين محمَّد وملَّةِ إبراهيم ( عليهماالسلام)، خَشِيتُ إنْ أنا لَم أنْصُر الإسلام وأهلَه ، أرى فيْه ثلْما وهَدْما ، تكون المصيْبَةُ علَيَّ فيْه أعظَمَ من فَوْت ولايَةِ أمورِكم ، الَّتي إنَّما هي متاعُ أيَّام قلائِل ، ثُمَّ تزولُ وتَنْقَشِعُ كمَا يزولُ ويَنْقَشِعُ السَّحابُ ، فَنَهضْتُ مع القوْم في تِلك الأحداث حَتَّى زَهَقَ الباطلُ ، وكانَت كلمةُ اللّه ِ هِيَ العُلْيا وإنْ رَغِمَ الكافرون . ولقَد كان سَعْدٌ لمَّا رأى النَّاس يُبايِعون أبا بَكر ، نادى أيُّها النَّاس إنِّي واللّه ِ ما أَرَدْتُها حَتَّى رأيتُكم تصرفونَها عن عليٍّ ، ولا أبايِعُكم حَتَّى يبايِعَ علِيٌّ ، ولَعَلِّي لا أفْعَلُ وإنْ بايَع . ثُمَّ رَكِب دابَّتَه وأتى حَوْرانَ وأقامَ في خانٍ حَتَّى هلَك ولم يُبايع . وقام فَرْوَةُ بن عَمْرو الأنْصاريُّ ، وكان يَقُودُ مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله فَرَسَيْن ، ويَصْرِمُ ألْفَ وَسَق من تَمْر فيتَصدَّقُ به على المساكِينَ ، فنادى : يا معشرَ قرَيْش ، أخبِرُونِي هلْ فيكم رجُلٌ تَحِلُّ له الخِلافَةُ وفيه ما في عليٍّ . فقال : قَيْسُ بن مَخْرَمَة الزُّهْريِّ : لَيْسَ فيْنا مَن فيْه ما في عليٍّ . فقال : صدقْتَ ، فهَل في عليٍّ ما لَيْسَ في أحَدٍ منكم . قال : نَعَمْ . قال : فما صَدَّكم عنه . قال : اجْتِماعُ النَّاس على أبي بكر . قال : أمَا واللّه لئِن أصَبْتُم سُنَّتَكم لقَد أخْطَأْتُم سُنَّةَ نبيِّكم ، ولو جَعَلْتُمُوها في أهل بيت نبيِّكم لأكلْتُم من فوْقِكم ومن تحْت أرْجُلِكم . فوَلِيَ أبو بكر ، فقارَبَ واقْتَصَد ، فَصَحِبْتُه مُناصِحا ، وأطَعْتُه فِيما أطاعَ اللّه فيْه جاهِدا ، حَتَّى إذا احْتُضِرَ . قلت في نَفسِي لَيْسَ يَعْدِل بهذا الأمر عَنِّي ، ولوْلا خاصَّةٌ بينَه وبينَ عمرَ ، وأمْرٌ كانا رَضِياه بينَهما ، لظَنَنْت أنَّه لا يَعْدِلُه عَنِّي ، وقد سمِع قوْلَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله لبُرَيْدَةَ الأسْلَميِّ _ حين بَعَثَني _ وخالدَ بن الوليد إلى اليَمَن ، وقال : إذا افْتَرَقْتُما فكلُّ واحِدٍ منْكُما على حِيالِه ، وإذا اجْتمعْتُما فعَلِيٌّ عليْكم جميعا . فَغَزَوْنا وأصَبْنا سَبْيا فيهم خَوْلَةُ بنتُ جعْفرٍ جارِ الصَّفا ، فأخَذْتُ الحَنَفِيَّة خَوْلَةَ ، واغْتَنَمَها خالِدٌ منِّي ، وبعَث بُرَيْدَة إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله مُحَرِّشَا عَلَيَّ ، فأخبرَه بما كان من أخْذِي خَوْلَةَ فقال : يا بُرَيْدَة حَظُّهُ في الخُمْس أكْثَرُ ممَّا أخَذ ، إنَّه وَليُّكم بعدي . سمعها أبو بكر وعمر ، وهذا بُرَيْدَة حَيٌّ لم يَمُتْ ، فهَل بعْد هذا مقالٌ لقائِلٍ . فبايعَ عمرَ دُونَ المشْوَرَة ، فكانَ مَرْضِيَّ السِّيرة من النَّاس عندَهم ، حَتَّى إذا احْتَضَر ، قلت في نَفسِي لَيْسَ يعدِل بهذا الأَمْر عَنِّي للَّذي قَدْ رأى منِّي في المواطِن ، وسمِع من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فجعَلَني سادِسَ سِتَّة ، وأمَرَ صُهَيْبا ، أنْ يُصلِّي بالنَّاس ، ودَعا أبا طَلْحَةَ زَيْد بن سَعد الأنْصاريِّ ، فقال له : كنْ في خمْسِينَ رجلاً من قوْمك فاقْتُل مَن أبى أنْ يَرضى من هؤلاء السِّتَّة . فالعَجَبُ من اخْتلاق القَوْم ، إذ زَعَموا أنَّ أبا بكر اسْتَخْلَفَه النَّبيُّ صلى الله عليه و آله ، فلو كان هذا حقَّا لم يَخْفَ على الأنصار ، فبايَعَه النَّاسُ على شُورى ، ثُمَّ جعَلَها أبو بكر لعُمَرَ برأْيه خاصَّةً ، ثُمَّ جعَلَها عمَرُ برأيه شورى بين سِتَّةٍ ، فهذا العَجَبُ من اختلافهم . والدَّلِيلُ على ما لا أُحِبُّ أنْ أذْكُرَه قولُه : هؤُلاء الرَّهطُ الَّذين قُبِض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو عنْهم راضٍ . فكيفَ يأْمُر بقتل قوْم رضي اللّه عنهم ورسوله ، إنَّ هذا لأمرٌ عجيبٌ ، ولم يكونوا لِولاية أحَدٍ منهم أكْرَه منْهم لولايَتي ، كانوا يسْمعون وأنَا أُحاجُّ أبا بكر وأقول : يا معشر قرَيش أنَا أحقُّ بهذا الأمر منْكم ، ما كان منْكم مَن يقرأُ القرآنَ ، ويَعْرِف السُّنَّة ، ويَدِين بدِين اللّه الحقِّ ، وإنَّما حجَّتي أنِّي وليُّ هذا الأمر من دُونِ قرَيش ، إنَّ نَبِيَّ اللّه صلى الله عليه و آله قال : الْوِلاءُ لمَن أعْتَقَ . فجاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعِتْق الرِّقاب من النَّار ، وأعْتَقَها من الرِّقِّ ، فكانَ للنَبِيِّ صلى الله عليه و آله وِلاءُ هذِه الأمَّة . وكان لي بعدَه ما كان له ، فمَا جازَ لقرَيش من فَضْلها عليْها بالنَّبيِّ صلى الله عليه و آله جازَ لبَنِي هاشِمٍ على قرَيش ، وجازَ لي على بَنِي هاشِم بقول النَّبيِّ صلى الله عليه و آله يوْم غَدِير خُمٍّ : مَن كنْتُ موْلاه فعَلِيٌ موْلاه . إلاَّ أن تَدَّعِي قرَيش فضْلَها على العرَب بغَيْر النَّبيِّ صلى الله عليه و آله ، فإنْ شاؤوا فليَقُولوا ذلك . فخَشِي القوْم إنْ أنا وُلِّيتُ علَيْهم أنْ آخُذَ بأنفاسهم ، وأعْترِضَ في حلُوقِهِم ، ولا يكون لهم في الأمْر نَصِيبٌ ، فأجْمَعوا عليَّ إجْماعَ رَجُل واحِدٍ منهم ، حتى صَرَفوا الوِلايةَ عَنِّي إلى عثمان ، رجاءَ أنْ ينالُوها ويَتَداوَلُوها فيما بينَهم ، فبيْناهم كذلِك إذ نادى منادٍ لا يُدرى مَن هو ، فأسْمَع أهلَ المديْنة ليْلَةَ بايَعوا عثمان ، فقال : يا ناعِيَ الإسلامِ قُمْ فَانْعَهُقَدْ ماتَ عُرْفٌ وبَدا مُنْكَرُ ما لَقرَيشٍ لا عَلى كَعْبُهامَن قَدَّموا الْيَوْمَ ومَن أخَّرُوا إنَّ عليَّا هو أوْلى بِهِمِنْهُ فَوَلُّوه ولا تُنْكِروا فدَعَونِي إلى بَيْعة عثمان ، فبايعتُ مُسْتَكْرَها وصَبَرْتُ مُحْتَسِبا ، وعَلَّمتُ أهلَ القُنُوط أنْ يقولوا : اللَّهمَّ لك أخْلَصَتِ القلوبُ ، وإليك شَخَصَتِ الأبصارُ ، وأنت دُعِيتَ بالألْسُنِ ، وإليكَ تُحُوكِم في الأعمال ، فافْتَح بيْنَنا وبينَ قوْمِنا بالحقِّ . اللَّهمَّ إنَّا نَشكو إليْك غيبة نبيِّنا وكَثْرَةَ عدوِّنا ، وقِلَّةَ عَدَدِنا ، وهَوانَنا على النَّاس ، وشِدَّة الزَّمان ، ووقُوعَ الفِتَن بِنا . اللَّهمَّ ففرِّج ذلِك بعدْلٍ تُظْهِرُه ، وسلطان حقٍّ تَعِرفُه . فقال عبد الرَّحمن بن عَوْف : يا بن أبي طالب إنَّك على هذا الأمر لحريصٌ . فقلت : لستُ علَيْه حريصا ، وإنَّما أطْلُبُ ميراثَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحقَّه ، وأنَّ وِلاء أمَّته لي من بعده ، وأنتم أحْرَصُ عليْه منِّي إذْ تَحُولُون بيني وبينه ، وتَصرِفون وجْهي دونَه بالسَّيف . اللَّهمَّ إنِّي أسْتَعدِيك على قرَيش ، فإنَّهم قطَعُوا رَحِمِي ، وأضاعُوا أيَّامِي ، ودَفَعوا حقِّي ، وصَغَّروا قدْرِي ، وعَظِيمَ مَنْزِلتي ، وأجْمَعُوا على مُنازَعَتي حقَّا كنْتُ أوْلى بهِ مِنهُم فاسْتَلَبُونِيه ، ثُمَّ قالوا : اصْبِر مَغْموما أو مُتْ متأسِّفا . وأيْمُ اللّه ، لو استطاعوا أنْ يَدْفَعوا قرابَتي كمَا قَطَعوا سَبَبي فَعَلوا ، ولكِنَّهم لن يَجِدوا إلى ذلك سبيلاً . وإنَّما حقِّي على هذه الأُمَّة كرجُلٍ له حقٌّ على قوْمٍ إلى أجَل معلوم ، فإنْ أحْسَنُوا وعَجَّلوا له حقَّه قَبِلَه حامِدا ، وإنْ أخَّرُوه إلى أجله أخَذَه غَيْرَ حامِدٍ ، ولَيْسَ يُعابُ المَرءُ بتأخير حقِّه ، إنَّما يُعابُ مَن أخَذَ ما لَيْسَ لَهُ ، وقد كان رسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَهِدَ إليَّ عهْدَا ، فقال : يا بن أبي طالب ، لَكَ وِلاءُ أُمَّتِي ، فإنْ وَلَّوْك في عافِيَة وأجْمَعوا علَيْك بالرِّضا ، فقمْ بأمرهم ، وإن اخْتَلَفوا عليْك فدَعْهُم وما هم فيْه ، فإنَّ اللّه سَيَجْعَلُ لَكَ مخرَجا . فنَظَرْتُ فإذا لَيْسَ لي رافِدٌ ، ولا معِي مساعِدٌ ، إلاَّ أهلَ بَيتي ، فَضَنَنْتُ بهم عن الهَلاك ، ولو كان لي بعدَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عمِّي حمْزةُ وأخي جعفرُ لم أُبايِع كُرْها ، ولكنِّي بُلِيتُ برجلَيْن _ حَدِيثَي عَهْدٍ بالإسلام _ العبَّاس وعَقِيل ، فَضَنَنْتُ بأهل بيتي عن الهَلاك ، فأغْضَيْتُ عَيْني على القَذى ، وتَجَرَّعتُ ريقِي على الشَّجى ، وصَبَرْتُ على أمرِّ من العَلْقَم ، وآلَمَ للقلْب مِن حَزِّ الشِّفار . وأمَّا أمْرُ عثمان فكأنَّه عِلْمٌ من القرون الأُولى « عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى فِى كِتَبٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّى وَ لاَ يَنسَى » (9) ، خَذَلَه أهلُ بَدْرٍ . وقَتَلَه أهلُ مصر ، واللّه ، ما أمَرْتُ ولا نَهَيْتُ ، ولو أنَّنِي أمَرْتُ كنتُ قاتلاً ، ولوْ أنَّنِي نَهَيْتُ كنتُ ناصِرا ، وكان الأمرُ لا يَنْفَعُ فيْه العِيانُ ، ولا يَشْفي منْه الخبَرُ ، غَيْرَ أنَّ مَن نصَرَه لا يَسْتَطِيع أنْ يقول هو : خَذَلَه مَن أنَا خير منْه . ولا يَسْتَطِيع مَن خذَلَه أنْ يقول : نَصَرَه مَن هو خَيْرٌ منِّي . وأنَا جامِع أمْرَه : إسْتأْثَرَ فأَساءَ الأَثَرةَ ، وجَزِعْتُم فأسأتُم الجَزَع ، واللّه يَحْكُم بينَكم وبينَه . واللّه ، ما يَلْزِمُنِي في دَم عُثْمان تُهْمَةٌ ، ما كنتُ إلاَّ رَجلاً مِنَ المُسلمينَ المُهاجِرينَ في بَيْتي ، فلمَّا قتَلْتُمُوهُ أتيْتُمُونِي تُبايِعونِي ، فأبَيْتُ عَليْكُم وأبَيْتُم علَيَّ ، فَقَبَضْتُ يَدِي فَبَسَطْتُموها ، وبَسَطْتُها فمَدَدْتُموها ، ثُمَّ تَداكَكْتُم عليَّ تَداكَّ الإبل الْهِيمِ على حِياضِها يوْمَ وُرُودِها ، حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّكم قاتِليَّ ، وأنَّ بعضَكُم قاتِلُ بَعْضٍ ، حَتَّى انْقَطَعت النَّعْلُ ، وسقَطَ الرِّداءُ ، ووُطِئ الضَّعيفُ ، وبَلَغ من سُرور النَّاس ببَيْعتِهم إيَّايَ أنْ حُمِلَ إليْها الصَّغيرُ ، وهَدَجَ إليْها الكَبيرُ ، وتَحامَلَ إليْها العلِيلُ ، وحَسَرَتْ لها الكَعابُ . فقالوا : بايِعنا على ما بُويع عليْه أبو بكر وعمر ، فإنَّا لا نجِدُ غيْرَك ولا نَرْضى إلاَّ بك ، بايِعنا لا نَفْتَرِقُ ولا نَخْتَلفُ ، فبايَعْتُكم على كتاب اللّه وسنَّة نبيِّه صلى الله عليه و آله دَعَوْتُ الناس إلى بَيْعَتِي ، فمَن بايعَني طائِعا قبِلْتُ منْه ، ومَن أبى ترَكْتُه . فكانَ أوَّل مَن بايعَني طَلْحَةُ والزُّبَيْر ، فقالا : نُبايعُكَ على أنَّا شُرَكاؤُك في الأمر . فقلت : لا ولكِنَّكما شُرَكائي في القوَّة وعَوْنايَ في العَجز ، فبايَعاني على هذا الأمر ، ولو أبَيا لمْ أُكْرِهْهُما كمَا لم أُكْرِه غيْرَهما . وكان طَلْحَةُ يرجو اليَمَنَ ، والزُّبَيْر يَرجو العِراقَ ، فلمَّا عَلِما أنِّي غيْرُ موَلِّيهِما اسْتَأْذَنانِي للعُمْرَة ، يُريدان الغَدْرَ ، فأتَيَا عائِشةَ واسْتَخَفَّاها _ معَ كلّ شَيْءٍ في نفْسِها علَيَّ _ والنِّساءُ نواقِصُ الإيمان ، نواقِصُ العُقولِ ، نَواقِصُ الحُظُوظِ ، فأمَّا نُقْصانُ إيمانِهنَّ : فقُعُودُهنَّ عن الصَّلاة والصِّيام في أيَّام حَيْضِهنَّ ، وأمَّا نقصانُ عقولِهنَّ فلا شَهادةَ لَهنَّ إلاَّ في الدِّين ، وشَهادَةُ امرأتَيْن بِرَجُلٍ ، وأمَّا نقصانُ حظُوظِهِنَّ فمَوارِيثُهنَّ على الأنْصاف مِن موارِيثِ الرِّجالِ . وقَادَهُما عَبدُ اللّه بنُ عامِر إلى البَصْرَةِ ، وضَمِنَ لهُما الأَموالَ والرِّجالَ ، فبَيْنا هُما يَقُودانِها إذْ هي تَقُودُهما ، فاتَّخذاها فِئَةً يقاتِلان دونَها ، فأيُّ خَطِيئَةٍ أعْظَمُ ممَّا أتَيا ، أخرَجا زوْجَةَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله من بيْتها ، فَكَشَفا عنها حِجابا ستَرَهُ اللّه عليْها ، وَصانا حَلائِلَهما في بُيُوتِهِما ، ولا أنْصفا اللّه َ ولا رسُولَهُ من أنفُسِهما ، بثلاث خِصالٍ مرْجِعُها علَى النَّاس ( في كتاب اللّه : البَغْيُ والمكرُ والنَّكْث ) ، قال اللّه تعالى : « يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم » (10) ، وقال : « فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ » (11) ، وقال : « وَ لاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ » (12) ، فَقَدْ بَغَيا علَيَّ ، ونَكَثا بيْعتِي ، ومَكَرا بِي ، فمُنِيت بأطْوَعِ النَّاسِ في النَّاسِ عائشةَ بنْتِ أبي بكْرٍ ، وبأشْجَع النَّاس الزُّبَيْر ، وبأخْصَم النَّاس طَلْحَة بن عُبيْد اللّه ، وأعانَهم علَيَّ يَعْلَى بنُ مُنْيَة بأصْوُعِ الدَّنانير ، واللّه ، لئن استقامَ أمْري لأجْعَلَنَّ مالَه فيْئا للمسلمين . ثُمَّ أتوْا البصرةَ ، وأهلُها مجْتَمِعون على بيْعَتي وطاعَتِي ، وبها شِيْعَتي : خُزَّانُ بيْتِ مالِ اللّه ِ ومالِ المُسلمينَ ، فدَعَوا النَّاسَ إلى معْصِيَتي ، وإلى نقْض بيْعتي وطاعتي ، فمَن أطاعَهُم أكْفَرُوهُ ، ومَن عصاهُم قتلُوهُ ؛ فناجَزَهم حَكِيمُ بنُ جَبَلَة ، فقَتَلُوهُ في سَبْعِينَ رَجُلاً من عُبَّادِ أهْلِ البَصْرَةِ ، ومُخْبِتِيهم ، يُسَمُّون المُثَفَّنِين ، كأنَّ راحَ أكُفِّهم ثَفِناتُ الإبل . وأبى أنْ يُبايعَهم يزيدُ بنُ الحارث اليَشْكرِيُّ ، فقال : اتَّقِيا اللّه ، إنَّ أوَّلَكُم قادَنا إلى الْجَنَّة فلا يَقودُنا آخِرُكُم إلى النَّار ، فلا تُكلِّفُونا أنْ نُصدِّقَ المُدَّعِي ونَقْضي على الغائِبِ ، أمَّا يَميني فشَغَلها عليُّ بنُ أبي طالب بَبْيعَتي إيَّاه ، وهذِه شِمالي فارِغَةٌ فخُذاها إنْ شئْتُما . فخُنِق حَتَّى ماتَ رَحِمَهُ اللّه . وقام عبدُ اللّه ِ بنُ حَكِيم التَّميميّ فقال : يا طَلْحَةُ ، هل تعرِف هذا الكتاب ؟ قال : نَعَم هذا كتابي إليك . قال : هل تَدْرِي ما فيْه ؟ قال : اقْرَأْه عليَّ . ( فقرَأَه ) فإذا فيْه عَيْبُ عثمان ، ودُعاؤُه إلى قَتْلِهِ ، فسَيَّرُوهُ مِنَ البصرة ، وأخَذوا عاملي عثمان بن حُنَيْف الأنْصاريّ غَدْرا ، فمَثَّلُوا به كُلَّ المُثْلَة ، ونَتَفُوا كلَّ شَعْرة في رأسه ووجهه . وقتَلوا شِيعَتي طائفةً صبْرا ، وطائفة غَدْرا ، وطائفَةً عَضُّوا بأسْيافهم حَتَّى لَقُوا اللّه ، فواللّه ، لو لمْ يَقْتُلوا منهم إلاَّ رجلاً واحِدا لَحَلَّ لي به دِماؤُهم ، ودِماءُ ذلك الجَيْش ، لرضاهم بقتل مَن قُتِلَ ، مع أنَّهم قَدْ قَتَلُوا أكثرَ من العِدَّة الَّتي قَدْ دخَلُوا بها علَيْهم ، وقد أدالَ اللّه منهم فَبُعْدا للقَوْم الظَّالمين : فأمَّا طَلْحَة فرَماهُ مروانُ بسَهم فقَتَلَهُ وأمَّا الزُّبَيْر فذَكَّرْتُه قوْل رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله : إنَّك تُقاتِل عليَّا وأنتَ ظالمٌ لَهُ . وأمَّا عائِشَةُ فإنَّها كانت نَهاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن مسيرها ، فعَضَّت يدَيْها نادِمةً على ما كانَ منها . وقد كان طَلْحَةُ لمَّا نزَل ذا قارٍ قام خَطِيبا ، فقال : أيُّها النَّاس إنَّا أخطَأْنا في عثمان خطيِئَةً ما يُخرِجنا منها إلاَّ الطَّلبُ بدَمِهِ ، وعليٌّ قاتِلُه وعليْه دَمُهُ ، وقد نَزَلَ دارا مع شُكَّاك اليَمَن ، ونَصارى رَبِيعة ، ومنافِقِي مُضر . فلمَّا بلَغَني قولُه وقولٌ كان عن الزُّبَيْر قبِيحٌ ، بعثت إليهما أُناشِدهُما بحقِّ محمَّد وآله : أما أتيْتُمانِي وأهلُ مصر مُحاصِرو عثمانَ فقُلْتُما : إذهَب بِنا إلى هذا الرَّجل فإنَّا لا نسْتَطِيع قتْلَه إلاَّ بك . لِما تعْلَم أنَّه سَيَّرَ أبا ذرٍّ رحِمَه اللّه ، وفَتَق عَمَّارا ، وآوَى الحَكَمَ بنَ أبي العاص _ وقد طَرَدَهُ رسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وأبو بكرٍ وعُمَر _ واسْتَعمل الفاسِقَ على كتاب اللّه الوليدَ بن عُقْبَةَ ، وسَلَّط خالدَ بن عُرْفطَةَ العَذرِيّ على كتاب اللّه يُمَزِّقُه ويُحْرِقُه ؟ فقلت : كُلَّ هذا قَدْ علِمْتُ ولا أرى قتْلَه يومي هذا ، وأوشَكَ سِقاؤُه أنْ يُخرِجَ المَخْضُ زُبْدَتَه فأقَرَّا بما قلْتُ . وأمَّا قولُكُما ، إنَّكما تَطلُبانِ بدَمِ عُثمانَ ، فهذان ابناهُ عمرو وسَعِيدٌ فخَلُّوا عنهُما يَطلُبانِ دَمَ أبيهِما ، متى كان أسَدٌ وتَيْمٌ أولياءَ بَنِي أُميَّةَ ، فانْقَطَعا عِنْدَ ذلِكَ . فقامَ عِمْرَان بن حُصَيْن الخُزاعِيُّ صاحبُ رسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وقال : يا هذان لا تُخرِجانا ببيعتِكُما من طاعَةِ عليٍّ ، ولا تَحْمِلانا على نقْضِ بيْعَتِهِ ، فَإنَّها للّه ِ رِضىً ، أمَا وسِعَتْكُما بيُوتُكما حَتَّى أتيْتُما بأُمِّ المؤمنين ، فالعَجَبُ لاختلافها إيَّاكما ، ومَسِيرِها معَكما ، فكُفَّا عنَّا أنفسَكما وارْجِعا من حَيْثُ جِئتُما ، فلَسْنا عبِيدَ مَن غَلَب ، ولا أوَّلَ مَن سَبَق ؛ فَهَمّا به ثُمَّ كَفَّا عَنْهُ . وكانت عائِشَةُ قَدْ شَكَّتْ في مَسيرِها ، وتعاظَمَتِ القِتال ، فَدَعتْ كاتبَها عُبَيْدَ اللّه ِ بنَ كَعْبٍ النُّمَيْريّ فقالت : اكتُب من عايشة بنْت أبي بكْر إلى عليِّ بن أبي طالب . فقال : هذا أمْرٌ لا يجري به القَلَمُ . قالت : ولِمَ ؟ قال : لأنَّ عليَّ بن أبي طالب في الإسلام أوَّلٌ ، وله بذلك البَدْء في الكتاب . فقالت : اكتب إلى عليّ بن أبي طالب من عايشة بنت أبي بكر ، أمَّا بعدُ . فإنِّي لسْتُ أجهَلُ قَرابَتَك من رسول اللّه ، ولا قدَمَك في الإسلام ، ولا غَناءَك من رسول اللّه ، وإنَّما خرَجْتُ مُصْلِحةً بين بَنِيَّ ، لا أُريدُ حرْبَكَ إن كفَفْتَ عَن هذينِ الرَّجُلَينِ . في كلامٍ لها كثيرٍ ، فلَمْ أُجِبْها بِحَرْفٍ ، وأخَّرْتُ جوابَها لقتالِها . فلَمَّا قضَى اللّه لِي الحُسْنى سِرْتُ إلى الكُوفَة ، واسْتَخْلَفْتُ عبد اللّه بن عبَّاس على البصرة ؛ فقَدِمْتُ الكوفةَ وقد اتَّسَقَتْ لي الوُجُوه كلُّها إلاَّ الشَّام ، فأحْبَبْتُ أنْ أتَّخذَ الحُجَّةَ وأقْضِي العُذْرَ ، أخَذْتُ بقول اللّه تعالى : « وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَآءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَآئِنِينَ » (13) . فبَعَثْتُ جَرِيْر بن عبد اللّه إلى معاويَة مُعْذِرا إليْه ، متَّخذا للحجَّة علَيْه ، فرَدَّ كتابِي وجَحَدَ حقِّي ودَفَعَ بَيْعَتِي ، وبَعَثَ إليَّ أَنِ ابْعَثْ إليَّ قَتَلَةَ عُثمانَ ، فبعثْتُ إليه : ما أنْت وقتلَةَ عثمان ، أوْلادُهُ أوْلى بِهِ ، فادْخُل أنْتَ وهُمْ في طاعَتِي ، ثُمَّ خاصِمُوا القوْمَ لأحْمِلَكُم وإيَّاهُم على كتابِ اللّه ِ ، وإلاَّ فَهذِهِ خُدْعَةُ الصَّبِيِّ عن رِضاع المَلِيِّ ، فلمَّا يَئِس من هذا الأمر ، بعَثَ إليَّ : أَنِ اجعَلْ الشَّام لي حياتَكَ ، فإنْ حدَثَ بِكَ حادِثٌ من الموْت لم يكن لأحَدٍ عليَّ طاعَةٌ ، وإنَّما أرادَ بِذلِكَ أنْ يخْلعَ طاعَتِي من عُنُقِهِ ، فأبيْتُ علَيْه . فبعَثَ إليَّ : أنَّ أهلَ الحِجازِ كانوا الحُكَّامَ على أهْلِ الشَّامِ ، فلمَّا قتلوا عثمان صار أهلُ الشَّام الحُكَّام على أهْلِ الحِجازِ . فبعثْتُ إليْه : إنْ كنتَ صادِقا فَسَمِّ لِي رَجُلاً من قُرَيْش الشَّام تحلُّ له الخِلافَةُ ، ويُقْبَل في الشُّورى ، فإنْ لم تجِدْه سمَّيْتُ لَكَ من قريش الحِجاز مَن يَحِلُّ له الخِلافَة ويُقْبَل في الشُّورى . ونظَرْتُ إلى أهل الشَّام ، فإذا هُم بَقِيَّةُ الأحزابِ فَراشُ نارٍ ، وذِئابُ طَمَعٍ تجمَّع من كلّ أوْبٍ (14) ، ممَّن ينبغي أنْ يؤَدَّب ويُحمَل على السُّنَّة ، ليْسوا من المهاجِرين ولا الأنصار ، ولا التَّابعين بإحْسان ، فدَعَوْتُهم إلى الطَّاعَة والجَماعَة فأبوْا إلاَّ فِراقِي وشِقاقي ، ثُمَّ نَهَضُوا في وجْه المسلمِينَ ، يَنْضَحونَهم بالَّنبل ، ويشْجرونَهم بالرِّماح ، فعند ذلِك نهضْتُ إليهم ، فلمَّا عَضَّتْهُمُ السِّلاح ، ووَجَدوا ألَمَ الجِراح ، رفَعُوا المصاحِفَ فدَعَوْكم إلى ما فيها ، فانْبَأتُكُم أنَّهم لَيْسوا بأهْل دِينٍ ولا قُرْآنٍ ، وإنَّما رَفَعُوها مكيدَةً وخَدِيعَةً فامْضُوا لقِتالِهِم ، فقُلْتُم إقْبَل منهم ، واكْفُفْ عنهم ، فإنَّهم إنْ أجابوا إلى ما في القرآن ، جامَعُونا على ما نحْنُ علَيْهِ من الحقِّ ، فَقَبِلْتُ منهم وكَفَفْت عنهم ، فكانَ الصُّلح بينَكم وبينَهُم على رَجُلَينِ حَكَمَيْنِ ، لِيُحْيِيا ما أحْياه القرآن ، ويُمِيتا ما أماتَهُ القُرآنُ ، فاخْتَلَف رأيُهما ، واخْتَلَف حكْمُهما ، فنَبَذا ما في الكتاب ، وخالَفا ما في القرآن ، وكانا أهلَهُ . ثُمَّ إنَّ طائفةً اعْتَزَلتْ فتَرَكْناهم ما تَرَكونا ، حَتَّى إذا عاثُوا في الأرض يفسدون ويَقْتُلون ، وكان فيمَن قتلُوه أهلُ مِيَرَةٍ من بَنِي أسد ، وخَبَّابا وابْنَه وأُمَّ ولدِه ، والحارِثَ بن مُرَّة العبْدي ، فبَعَثْتُ إليْهم ، داعِيا فقلتُ : ادْفَعوا إليْنا قتَلَةَ إخوانِنا . فقالوا : كلُّنا قَتَلَتهم ، ثُمَّ شَدَّتْ علَيْنا خيْلُهم ورِجالُهم فصَرَعَهُم اللّه ُ مَصارِعَ الظَّالمين ، فلمَّا كان ذلِك من شأْنِهم أمرْتُكُم أنْ تَمْضوا مِن فَوْرِكُم ذلِكَ إلى عَدُوِّكُم فقلتُم : كَلَّتْ سيُوفُنا ، ونَصَلَت أسِنَّةُ رِماحِنا ، وعادَ أكثَرُها قَصيدا ، فَأْذَن لَنا فلْنَرْجِع ولْنَسْتَعدَّ بأحْسَنِ عُدَّتِنا ، وإذا نحنُ رَجَعْنا زِدْنا في مقاتِلتِنا عِدَّةَ مَن قُتِل منَّا ، حَتَّى إذا أظْلَلْتم علَى النُّخيْلَة ، أمرْتُكم أنْ تَلْزِموا مُعَسْكَرَكم ، وأنْ تَضمُّوا إليْه نواصِيَكُم ، وأن تُوَطِّنوا على الجهادِ نفُوسَكم ، ولا تُكْثِروا زيارَةَ أبنائِكم ونِسائكم ، فإنَّ أصحاب الحَرب مُصابِرُوها ، وأهلُ التَّشْمِير فيها ، والَّذِين لا يتَوَجَّدون من سَهَرِ ليْلِهم ولا ظمأ نَهارِهِم ، ولا فِقْدان أوْلادِهِم ، ولا نِسائِهِم . فأقامَتْ طائِفَةٌ مِنكُم مُعَدَّةً ، وطائِفَةٌ دَخَلَت المِصرَ عاصِيةً ، فلا مَن دخَلَ المِصْرَ عادَ إليَّ ، ولا مَن أقامَ مِنكُم ثَبَتَ مَعِي ولا صَبَرَ ، فلقَد رأيتني وما في عَسْكَري منكم خَمْسون رَجُلاً ، فلَمَّا رأيْتُ ما أنتُم علَيْه ، دخَلْتُ عليْكُم ، فما قُدِّر لكم أنْ تخرُجُوا معِي إلى يومِكُم هذا . للّه ِ أبُوكم أ لا تَرَوْن إلى مِصرَ قَد افتُتِحتْ ، وإلى أطرافِكُم قَد انْتُقِصَتْ ، وإلى مصالِحِكم تُرقى وإلى بِلادكم تُغْزى وأنْتم ذَوُو عَدَدٍ جَمٍّ ، وشَوْكةٍ شديدةٍ ، وأولُوا بأسٍ قَدْ كان مَخوفا ، للّه أنتم أيْنَ تَذْهَبون ، وأنَّى تُؤفَكون . ألا وإنَّ القوْم قَدْ جَدُّوا وتآسَوْا وتَناصَروا وتَناصَحوا ، وإنَّكم قَدْ أبَيْتُم ووَنَيْتُم وتَخاذَلْتُم وتَغاشَشْتُم ، ما أنتم إنْ بقِيتُم على ذلِك سُعَداءُ ، فنَبِّهوا رحِمَكم اللّه نائِمَكم ، وتجَرَّدوا وتَحَرَّوا لحَرْب عدوِّكم ، فَقَدْ أبدَت الرَّغْوَة عن الصَّريح ، وأضاءَ الصُّبح لِذِي عَيْنَين ، فانْتَبِهوا ، إنَّما تُقاتِلون الطُّلَقاء وأبناءَ الطُّلقاء ، وأهلَ الجَفاءِ ، ومَن أسْلَمَ كُرْها ، وكان لرسول اللّه أنْفا ، وللإسلام كلِّه حرْبا ، أعداءَ السُّنَّة والقرآن ، وأهلَ البِدَعِ والأحداثِ ، ومَن كانَت نِكايَتُهُ تُتَّقى ، وكان على الإسلامِ وأهلِهِ مَخُوفا ، وآكِلَةَ الرُّشا ، وعَبِيدَ الدُّنيا ، ولَقد أُنْهِي إليَّ أنَّ ابنَ النَّابِغَةِ لم يُبايِع مُعاوية حَتَّى شَرَط له أنْ يؤتِيه أتيَّة هي أعْظَم ممَّا في يدَيْهِ من سُلطانِهِ ، فصَفِرَتْ يَدُ هذا البائعِ دينَهُ بالدُّنيا ، وخزِيَتْ أمانَةُ هذا المشْتَري بنُصْرَة فاسِقٍ غادِرٍ بأموال المسلمين ، وأيُّ سَهْمٍ لهذا المشْتَري بنُصْرةِ فاسِقٍ غادِرٍ ، وقد شَرِب الخَمْرَ ، وضُرِب حَدَّا في الإسلام ، وكلُّكم يعْرِفه بالفَسادِ في الدِّين ، وإنَّ منْهم مَن لم يدخل في الإسلام وأهله حَتَّى رضِخَ له وعليْه رَضِيخَةٌ . فهؤُلاء قادَةُ القوْمِ ، ومَن تَرَكْتُ لَكُم ذِكْرَ مَساويهِ أكثَرُ وأبْوَرُ ، وأنْتُم تعرِفُونَهم بأعيانِهِم وأسْمائِهِم ، كانوا علَى الإسلام ضِدّا ، ولِنَبيِّ اللّه صلى الله عليه و آله حَرْبا ، وللشيْطان حِزْبا ، لم يقْدُم إيمانُهم ولَم يَحْدُث نِفاقُهم ، وهؤلاء الَّذِين لو وُلُّوا عليْكم لأظْهَروا فيْكم الفْخْر والتَّكبُّر والتَّسلُّط بالجَبْريَّة والفَساد في الأرض . وأنتم على ما كان منْكم مِن تَواكُلٍ وتَخاذُلٍ خَيْرٌ منهم وأهْدى سبيلاً ، منْكم الفُقهاءُ والعُلماءُ والفهماءُ وحَمَلَةُ الكتابِ والمتَهَجِّدونَ بالأسحْارِ ، أ لا تَسْخَطون وتَنْقِمون أنْ يُنازِعَكُم الوِلايَةَ السُّفهاءُ البُطاةُ عنِ الإسلامِ الجُفاةُ فيْهِ ، اسمعوا قولي _ يَهْدِكُم اللّه _ إذا قلتُ ، وأطِيعوا أمْري إذا أمرتُ ، فواللّه لئِن أطَعْتُمونِي لا تَغْوَون ، وإن عَصَيْتُمُونِي لا تَرْشُدون ، قال اللّه تعالى : « أَفَمَن يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّى إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ » (15) ، وقال اللّه تعالى لنبيِّه صلى الله عليه و آله : « إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ » (16) ، فالهادي بَعْدَ النَّبيّ صلى الله عليه و آله هادٍ لأُمَّته على ما كان من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فمَن عسَى أنْ يكون الهادي إلاَّ الَّذِي دَعاكم إلى الحقِّ ، وقادَكم إلى الهُدى ، خُذُوا للحَرب أُهْبَتَها ، وأعِدُّوا لها عُدّتَها ، فَقَدْ شُبَّت واُوقِدَتْ ، وتجَرَّد لكم الفاسقون ، لكَيْما يُطْفِئوا نُورَ اللّه ِ بأفواهِهِم ويَغرُّوا عبادَ اللّه ِ . ألا إنَّه ليس أولياءُ الشَّيْطان من أهل الطَّمَع والجَفاءِ أوْلى بالحقِّ من أهل البِرِّ والإحسان ، في طاعَة ربِّهم ومُناصَحَة إمامِهم ، إنِّي واللّه ِ لو لَقِيتُهم وَحْدي وهُم أهْلُ الأرضِ ما استَوْحَشْتُ مِنهُم ولا بالَيْتُ ، ولكِنْ أسَفٌ يُرِيبُنِي ، وجَزَعٌ يَعْتَريني من أنْ يَلِي هذه الأُمَّةَ فُجَّارُها وسُفهاؤُها ، فيتَّخِذون مال اللّه دُوَلاً ، وكتاب اللّه دَخَلاً ، والفاسقينَ حِزْبا ، والصَّالحين حرْبا ، وأيْمُ اللّه ِ لوْلا ذلِكَ ما أكْثَرتُ تأْنِيبَكُم وتَحْريضَكُم ، ولَتَرَكْتُكم إذْ أبَيْتُم حَتَّى حُمَّ لي لِقاؤهم . فواللّه إنِّي لعَلَى الحقِّ ، وإنِّي للشَّهادَة لَمُحِبٌّ ، وإنِّي إلى لِقاءِ اللّه ِ _ ربِّي _ لَمُشْتاقٌ ، ولِحُسنِ ثَوابِهِ لَمُنْتَظِرٌ ، إنِّي نافِرٌ بِكُم ف_ « انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَهِدُواْ بِأَمْوَ لِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » (17) ، ولا تَثاقَلُوا في الأرض فتَعُمُّوا بالذُّلِّ ، وتَقِرُّوا بالخَسْف ، ويكونَ نَصِيبُكُم الأخْسَرَ ، إنَّ أخا الحرْبِ اليَقْظانُ الأرِقُ إنْ نامَ لمْ تَنَمْ عَيْنُهُ ، ومَن ضَعُفَ أُوذِيَ ، ومَن كَرِهَ الجِهادَ في سبيلِ اللّه ِ كانَ المَغْبُونَ المَهِينَ . إنِّي لَكُم اليَوْمَ على ما كنْتُ عليْهِ أمْسِ ، ولَسْتم لِي علَى ما كُنْتُم عَلَيْهِ ، مَن تكونوا ناصِريهِ أخَذَ بالسَّهْم الأخْيبِ ، واللّه ِ لَو نَصَرْتُم اللّه َ لنَصَرَكُم وثَبَّتَ أقدامَكُم ، إنَّه حقٌّ علَى اللّه ِ أنْ ينْصُرَ مَن نَصَرَهُ ، ويَخْذُلَ مَن خَذَلَهُ ، أتَرَوْنَ الغَلَبَةَ لِمَنْ صبَرَ بغَيْرِ نَصْرٍ ، وقَد يَكُونُ الصَّبْرُ جُبْنا ويكونُ حَمِيَّةً ، وإنَّما النَّصرُ بالصَّبْرِ ، والوُرودُ بالصُّدورِ ، والبَرْقُ بالمَطَر . اللَّهمَّ اجْمَعْنا وإيَّاهُم على الهُدى ، وزَهِّدْنا وإيَّاهُم في الدُّنيا ، واجعَلِ الآخِرَةَ خيْرا لَنا مِنَ الاُولى » . (18)

.


1- . الصافّات :83 .
2- . العِلْهِز: وَبَرٌ يُخلط بدماء الحَلَم [ وهو العُراد الصِّغار ] كانت العرب في الجاهليّة تأكلُهُ في الجدب ( لسان العرب : ج 5 ص 381 «علهز» ) .
3- . الهبيد: الحنظل، وقيل: حبّهُ، واحدتُهُ: هبيدَة . ( لسان العرب : ج 3 ص 431 «هبد» ) .
4- . الأنفال :26 .
5- . النور :55 .
6- . القصص: 57 .
7- . القصص :57 .
8- . آل عمران :103 .
9- . طه :52 .
10- . يونس :23 .
11- . الفتح :10 .
12- . فاطر :43 .
13- . الأنفال :58 .
14- . من كُلِّ أوبٍ أي: من كلِّ طريقٍ ووجْهٍ وناحية . ( لسان العرب: ج 1 ص 220 «أوب» ).
15- . يونس :35 .
16- . الرعد :7 .
17- . التوبة :41 .
18- . كشف المحجَّة : ص235 _ 269 وراجع : بحار الأنوار : ج30 ص7 _ 37 وج8 ص615 ؛ الإمامة والسياسة : ص154 ، أنساب الأشراف : ج2 ص372 ، المسترشد : ص409 .

ص: 75

. .

ص: 76

. .

ص: 77

. .

ص: 78

. .

ص: 79

. .

ص: 80

. .

ص: 81

. .

ص: 82

. .

ص: 83

. .

ص: 84

. .

ص: 85

. .

ص: 86

. .

ص: 87

. .

ص: 88

. .

ص: 89

. .

ص: 90

. .

ص: 91

حكيم بن جبلة

حَكِيْمُ بنُ جَبَلَةَحَكِيم بن جَبَلَة بن حُصَيْن العبدي ، ويقال ابن جَبَل . من أصحاب عليّ عليه السلام (1) ، ومن الثَّابتين على طاعته ، والعارفين بحقّه في الخلافة . أثنى عليه أصحاب التَّراجم بعبارات متنوّعة ، منها : كان مُطاعا في قومه (2) ، ومنها : أحد أشراف الأبطال (3) ، ومنها : وما سُمع بأشجع منه (4) . تولّى قيادة البصريّين في الثَّورة على عثمان (5) . وعندما نقض مساعير فتنة الجمل طَلْحَة والزُّبَيْر ، ومن معهما الهدنة مع عثمان بن حنيف ، وحملوا على النَّاس ، وهمّوا باحتلال البصرة ، قاتلهم حَكِيْم وأصحابه بشجاعة وبصيرة . وارتفعت كلمته الرَّائعة عند القتال :إنّي لستُ في شكٍّ من قتال هؤلاء . . . (6) فكانت آية ودليلاً على معرفته الدَّقيقة واعتقاده العميق بالحقّ . وقد رزقه اللّه الشَّهادة في ذلك القتال (7) . وذكر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّ مقتل حَكِيْم كان أحد الأسباب الَّتي دفعته إلى مقاتلة أصحاب الجمل ، ومواجهة فتنتهم وفسادهم (8) . في تاريخ الطبريّ عن الجارُود بن أبي سَبْرَة : لمّا كانت اللَّيلة الَّتي اُخذ فيها عثمان بن حُنَيْف ، وفي رحبة مدينة الرِّزق طعام يرتزقه النَّاس ، فأراد عبد اللّه أن يرزقه أصحابه ، وبلغ حَكِيْمَ بنَ جَبَلَة ما صُنع بعثمان ، فقال : لست أخاف اللّه إن لم أنصره . فجاء في جماعة من عبد القيس ، وبكر بن وائل ، وأكثرهم عبد القيس ، فأتى ابن الزُّبَيْر مدينة الرِّزق ، فقال : ما لك يا حَكِيْم ؟ قال : نريد أن نرتزق من هذا الطَّعام ، وأن تخلّوا عثمان فيُقيم في دار الإمارة على ما كتبتم بينكم حتَّى يقدم عليّ ، واللّه لو أجد أعوانا عليكم أخبطكم بهم ما رضيت بهذه منكم ، حتَّى أقتلكم بمن قتلتم ، ولقد أصبحتم ، وإنّ دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم من إخواننا ، أما تخافون اللّه عز و جل ! بمَ تستحلّون سفك الدِّماء ؟ قال : بدم عثمان بن عفّان . قال : فالَّذين قتلتموهم قتلوا عثمان ؟ أما تخافون مقت اللّه ؟ فقال له عبد اللّه بن الزُّبَيْر : لا نرزقكم من هذا الطَّعام ، ولا نُخلّي سبيل عثمان بن حنيف حتَّى يخلع عليّا ، قال حَكِيْم : اللَّهمَّ إنَّك حكم عدل فاشهد . وقال لأصحابه : إنّي لست في شكٍّ من قتال هؤلاء ؛ فمن كان في شكّ فلينصرف . وقاتلَهم فاقتتلوا قتالاً شديدا ، وضرب رجلٌ ساقَ حَكِيْم ، فأخذ حَكِيْم ساقه فرماه بها ، فأصاب عنقه فصرعه ووقذه (9) ثمّ حبا إليه فقتله واتّكأ عليه ، فمرّ به رجل فقال : مَن قتلَك ؟ قال : وِسادتي ! وقُتل سبعون رجلاً من عبد القيس . قال الهذلي : قال حَكِيْم حين قطعت رجله : أقولُ لما جَدَّ بي زِماعِي (10)للرِّجْلِ يا رِجْلِيَ لَنْ تُراعِي إنّ مَعِي مِنْ نَجْدَةٍ ذِراعِي قال عامِر ومَسْلَمَة : قُتل مع حَكِيم ، ابنه الأشرف ، وأخوه الرعل بن جَبَلَة (11) . في سِيَرِ أعلامِ النُّبلاء : لم يزل يُقاتل يوم الجمل حتَّى قُطعت رِجلُهُ ، فأخذها وضرب بها الَّذي قطعها فقتله بها ، وبقي يُقاتل على رجلٍ واحدة ، ويرتجز ، ويقول : يا ساقُ لَنْ تُراعِيإنَّ مَعِي ذِراعِي أَحْمِي بها كُراعِي (12) فنزف منه دم كثير ، فجلس متّكئا على المقتول الَّذي قطع ساقه ، فمرّ به فارس ، فقال : من قطع رجلك ؟ قال : وِسادتي ! فما سُمِعَ بأشجع منه . ثمّ شدّ عليه سُحَيْم الحُدَّانيّ فقتله (13) . قال الإمام عليّ عليه السلام _ من كلامه حين دخل البصرة _ : عبادَ اللّه ِ ! انهَدُوا (14) إلى هؤلاءِ القَوْمِ مُنْشَرِحَةً صُدورُكُم بِقتالِهِم ؛ فإنَّهُم نَكَثُوا بَيْعَتِي ، وأَخْرجُوا ابنَ حُنَيْفٍ عامِلي ، بعد الضَّرْبِ المُبَرِّحِ والعُقوبَةِ الشَّدِيدَةِ ، وقتلوا السِّيابجة (15) ، وقتلوا حَكِيْمَ بن جَبَلَة العَبْدِي .

.


1- . رجال الطوسي : ص61 الرقم530 .
2- . الاستيعاب : ج 1 ص421 الرقم558 ، اُسد الغابة : ج2 ص57 الرقم1233 .
3- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص531 الرقم136 .
4- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص532 الرقم136 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص495 ، اُسد الغابة : ج2 ص58 الرقم1233 وفيهما « ما رُئي أشجع منه » ، أنساب الأشراف : ج5 ص130 وفيه « أشجع أهل زمانه » .
5- . تاريخ الطبري : ج4 ص378 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص495 وفيه « إنّه أحد من سار إلى الفتنة » ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص531 الرقم136 وفيه « كان أحد من ثار في فتنة عثمان » ، مروج الذهب : ج2 ص352 .
6- . . راجع: تاريخ الطبري : ج4 ص475 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص320 ، الاستيعاب : ج 1 ص423 الرقم558 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص531 الرقم136 نحوه .
7- . . راجع: تاريخ الطبري : ج4 ص466 _ 471 ، الاستيعاب : ج 1 ص421 الرقم558 ، اُسد الغابة :ج2 ص57 الرقم1233 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص532 الرقم136 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج9 ص322 .
8- . الإرشاد : ج1 ص252 ، الجمل : ص334 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص481 .
9- . وقذه : ضربه حتَّى استرخى وأشرف على الموت ( لسان العرب : ج3 ص 519 ) .
10- . الزِّماع : المَضاء في الأمر والعزْم عليه ( لسان العرب : ج8 ص 143 ) .
11- . تاريخ الطبري : ج4 ص474 وراجع الكامل في التاريخ : ج2 ص320 والاستيعاب : ج1 ص4 .
12- . الكُراع من الإنسان : مادون الركبة إلى الكعب ( لسان العرب : ج8 ص 306 ) .
13- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص531 الرقم136 ، تاريخ الطبري : ج4 ص471 ، اُسد الغابة :ج2 ص57 الرقم1233 كلاهما نحوه وراجع الاستيعاب : ج 1 ص421 الرقم558 .
14- . نهد القوم لعدوّهم : إذا صمدوا له وشرعوا في قتاله ( النهاية : ج5 ص134 ) .
15- . قوم من السند كانوا بالبصرة جلاوزة وحُرّاس السجن ( الصحاح : ج1 ص 321 ) .

ص: 92

. .

ص: 93

. .

ص: 94

عامر بن واثلة

عامِرُ بنُ واثِلَةعامر بن واثِلَة بن عبد اللّه الكِنانيّ اللَّيثي ، أبو الطُّفَيل و هو بكنيته أشهر . ولد فيالسنة الَّتي كانت فيها غزوة اُحد . أدرك ثماني سنين من حياة النَّبيّ صلى الله عليه و آله (1) ، ورآه (2) ، وهو آخر من مات من الصَّحابة (3) . وكان يقول : أنا آخر من بقي مِمَّن كان رأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله (4) . توفّي سنة 100 ه (5) . كان من أصحاب عليٍّ عليه السلام (6) وثقاته (7) ومُحِبِّيهِ (8) وشيعته (9) وشهد معه جميع حروبه (10) . كان له حظّ وافر من الخطابة ، وكان ينشد الشِّعر الجميل . كما كان مقاتلاً باسلاً في الحروب . خطب في صفِّين كثيرا ، وذهب إلى العسكر ومدح عليّا عليه السلام بشعره النابع من شعوره الفيّاض . وافتخر بصمود أصحاب الإمام ، وقدح في أصحاب الفضائح من الاُمويّين وأخزاهم (11) . وذكره نَصْر بن مزاحم بأنّه من مخلصي الشِّيعة ، وأخبر عن مواقفه الرَّائعة (12) . كان عامر بن واثِلَة حامل لواء المختار ، عندما نهض للثأر بدم الإمام الحسين (13) . وقيل عليه السلام : إنّه كان كيسانيّا (14) ، واختلف فيه (15) . والصَّحيح أنّه رجع إنْ كان كيسانيّا (16) . ساعدته مهارته في الكلام واستيعابه لمعارف الحقّ وإلمامه بكتاب اللّه على أن يتحدّث بصلابة ، دفاعا عن الحقّ ، وتقريعا لغير الكفوئين (17) . لقد كان شخصيّة عظيمة ، ذكره أصحاب الرِّجال بإجلال وإكبار . وقال الذَّهبي في حقّه : كان ثقةً فيما ينقله ، صادقا ، عالما ، شاعرا ، فارسا ، عُمِّر دهرا طويلاً (18) . في وقعة صفِّين عن جابر الجُعْفِي : سمعت تميم بن حذيم النَّاجي يقول : لمّا استقام لمعاوية أمره ، لم يكن شيء أحبّ إليه من لقاء عامر بن واثِلَة ، فلم يزل يكاتبه ويلطف حتَّى أتاه ، فلمّا قدم سأله عن عرب الجاهليّة . قال : ودخل عليه عَمْرو بن العاص ونفرٌ معه ، فقال لهم معاوية : تعرفون هذا ؟ هذا فارس صفِّين وشاعرها ، هذا خليل أبي الحسن . قال : ثمّ قال : يا أبا الطفيل ، ما بلغ من حبّك عليّا ؟ قال : حبّ اُمّ موسى لموسى . قال : فما بلغ من بكائك عليه ؟ قال : بكاء العجوز المِقْلاتِ ، والشيخ الرقوب (19) إلى اللّه أشكو تقصيري . فقال معاوية : ولكنّ أصحابي هؤلاء ، لو كانوا سُئلوا عنّي ما قالوا فيَّ ما قلت في صاحبك . قال : إنّا واللّه لا نقول الباطل . فقال لهم معاوية : لا واللّه ولا الحقّ (20) . وفي سِيَرِ أعلامِ النُّبلاء عن عبد الرحمن الهَمْدانِيّ : دخل أبو الطُّفَيل على معاوية ، فقال : ما أبقى لك الدَّهر من ثُكلك عليّا ؟ قال : ثُكل العجوز المِقْلات والشيخ الرقوب . قال : فكيف حبّك له ؟ قال : حبّ اُمّ موسى لموسى ، وإلى اللّه أشكو التَّقصير (21) . وفي الاستيعاب : قدم أبو الطُّفَيل يوما على معاوية فقال له : كيف وجدك على خليلك أبي الحسن ؟ قال : كوجد اُمّ موسى على موسى ، وأشكو إلى اللّه التَّقصير (22) . وفي تاريخ اليعقوبيّ : أتاه ( عمرَ بن عبد العزيز ) أبو الطُّفَيل عامر بن واثِلَة ، وكان من أصحاب عليّ ، فقال له : يا أمير المؤمنين ! لِمَ منعتني عطائي ؟ فقال له : بلغني أنّك صقلت سيفك ، وشحذت سنانك ، ونصّلت سهمك ، وغلّفت قوسك ، تنتظر الإمام القائم حتَّى يخرج ، فإذا خرج وفّاك عطاءك . فقال : إنّ اللّه سائلك عن هذا . فاستحيا عمر من هذا وأعطاه (23) . وفي تاريخ مدينة دمشق عن أبي عبد اللّه الحافظ : سمعت أبا عبد اللّه _ يعني محمّد بن يعقوب الأخرم _ يقول : وسُئل لِمَ ترك البخاري حديث أبي الطُّفَيل عامر بن واثِلَة ؟ قال : لأنّه كان يفرط في التَّشيُّع (24) .

.


1- . مسند ابن حنبل : ج 9 ص209 ح23860 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص7 ح6592 ، التاريخ الكبير : ج 6 ص446 ح2947 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص469 الرقم97 ؛ رجال الطوسي : ص70 الرقم646 .
2- . مسند ابن حنبل : ج9 ص209 ح23857 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص468 الرقم97 ، تاريخ بغداد :ج1 ص198 الرقم37 ، المعارف لابن قتيبة : ص341 ، الاستيعاب : ج 2 ص347 الرقم1352 ؛ رجال الكشّي :ج1 ص309 الرقم 149 .
3- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص717 ح6592 ، تهذيب الكمال : ج14 ص 81 الرقم 3064 ، الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص68 الرقم176 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص198 الرقم37 ، تاريخ مدينة دمشق : ج26 ص113 ، تهذيب التهذيب : ج3 ص55 الرقم3613 ؛ وقعة صفّين : ص359 .
4- . مسند ابن حنبل : ج 9 ص209 الرقم23857 ، تاريخ مدينة دمشق : ج26 ص114 .
5- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص717 ح6594 ، تهذيب الكمال : ج14 ص 81 الرقم 3064 ، الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص68 الرقم176 ، الاستيعاب : ج 2 ص347 الرقم1352 .
6- . رجال الطوسي : ص70 الرقم646 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص307 ؛ سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص468 الرقم97 .
7- . كشف المحجّة : ص236 .
8- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص469 الرقم97 ، تاريخ مدينة دمشق : ج26 ص116 ، الاستيعاب : ج 2 ص347 الرقم1352 .
9- . تهذيب الكمال : ج14 ص 79 الرقم 3064 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص468 الرقم97 ، تاريخ مدينة دمشق : ج26 ص113 .
10- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص470 الرقم97 ، المعارف لابن قتيبة : ص341 ، الاستيعاب : ج 2 ص347 الرقم1352 ، الوافي بالوفيات : ج 16 ص584 الرقم623 .
11- . وقعة صفّين : ص309 _ 313 و ص 554 .
12- . وقعة صفّين : ص359 .
13- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص469 الرقم97 ، المعارف لابن قتيبة : ص431 ، الوافي بالوفيات :ج16 ص584 الرقم623 وفيه « خرج مع المختار طالبا بدم الحسين عليه السلام » .
14- . رجال الكشّي : ج 1 ص309 الرقم 149 .
15- . قاموس الرجال : ج 5 ص633 الرقم3837 .
16- . معجم رجال الحديث : ج 9 ص205 الرقم6108 .
17- . تنقيح المقال : ج 2 ص119 الرقم6064 نقلاً عن المناقب لابن شهرآشوب ، قاموس الرجال : ج5 ص629 وج630 ص3837 .
18- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص470 الرقم97 .
19- . أي الرجل والمرأة إذا لم يعش لهما ولد ( لسان العرب : ج 1 ص 427 ) .
20- . وقعة صفّين : ص554 ؛ الوافي بالوفيات : ج 16 ص584 الرقم623 .
21- . سِيَر أعلامِ النبلاء: ج 3 ص469 الرقم97، أنساب الأشراف: ج5 ص101، تاريخ مدينة دمشق: ج26 ص116 .
22- . الاستيعاب : ج 4 ص260 الرقم3084 ، اُسد الغابة : ج 6 ص177 الرقم6035 .
23- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص307 .
24- . تاريخ مدينة دمشق : ج26 ص128 .

ص: 95

. .

ص: 96

. .

ص: 97

. .

ص: 98

علقمة بن قيس

عَلْقَمةُ بنُ قَيْسعَلْقَمَة بن قَيْس بن عبد اللّه النَّخَعيّ الكوفيّ ، أبو شِبْل ، أحد فقهاء الكوفة ومحدّثيها وقرّائها الكبار ، ويعدّ من رجال مدرسة ابن مسعود في الفقه والحديث (1) ، ومن الرُّواة الَّذين روى عنهم رجال كُثر . (2) شهد معركة صفِّين (3) ، وفقد فيها إحدى رِجليه (4) . وكان مع الإمام عليّ عليه السلام في النهروان أيضا (5) . أمضى سنتين في خوارزم ، وتوجّه إلى خراسان للقتال . اختُلِف في سنة وفاته بين سنة 61 و65 ه (6) . استشهد أخوه في صفِّين أيضا (7) . في وقعة صفِّين : إنَّ النَّخع قاتلت قتالاً شديدا ، فاُصيب منهم يومئذٍ . . . اُبيّ بن قَيْس أخو عَلْقَمَة بن قَيْس الفقيه ، وقُطعت رجل عَلْقَمَة بن قَيْس فكان يقول : ما اُحبّ أنّ رجلي أصحّ ما كانت ؛ لما أرجو بها من حسن الثَّواب من ربّي (8) .

.


1- . تهذيب الكمال : ج20 ص303 وج304 ص4017 ، تاريخ بغداد : ج 12 ص299 الرقم6743 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص53 وج54 ص14 .
2- . تهذيب الكمال : ج 20 ص302 الرقم4017 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص54 الرقم14 .
3- . الطبقات الكبرى : ج6 ص87 ، تهذيب الكمال : ج 20 ص305 الرقم4017 ، تاريخ بغداد :ج12 ص297 الرقم6743 ، المعارف لابن قتيبة : ص583 .
4- . تاريخ الطبري : ج5 ص32 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص379 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص88 ؛ رجال الكشّي : ج 1 ص317 الرقم 159 وفيهما « عرجت رِجله » ، وقعة صفّين : ص287 .
5- . تاريخ بغداد : ج 12 ص297 الرقم6743 .
6- . تهذيب الكمال : ج 20 ص307 الرقم4017 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص61 الرقم14 .
7- . وقعة صفّين : ص287 ، رجال الكشّي : ج 1 ص317 الرقم 159 ؛ الطبقات الكبرى : ج6 ص88 ، تاريخ الطبري : ج5 ص32 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص379 .
8- . وقعة صفّين : ص287 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص32 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص379 .

ص: 99

المقداد بن عمرو

المِقْدادُ بنُ عَمْروالمِقْداد بن عَمْرو بن ثَعْلَبة البَهْرَاوِيُّ الكِنْديّ ، المعروف بالمِقْداد بن الأسْوَد . طويل القامة ، أسمر الوجه (1) . كان من شجعان الصَّحابة وأبطالهم ونُجَبائهم (2) . شهد المشاهد كلّها مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله (3) . وصَفُوه بأنّه مجمع الفضائل والمناقب ، وكان أحد الأركان الأربعة (4) . وعَدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله أحد الأربعة الَّذين تشتاق إليهم الجنّة (5) . ثبت على الصِّراط المستقيم بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وحفظ حقّ الولاية العلويّة ، وأعلن مخالفته للذين بدّلوا ، في مسجد النَّبيّ صلى الله عليه و آله (6) . وعُدَّ المِقْدادُ في بعض الرِّوايات أطوع أصحاب الإمام عليه السلام (7) . وكان من الصَّفوة الَّذين صلّوا على الجثمان الطَّاهر لسَّيِّدة النِّساء فاطمة صلوات اللّه عليها (8) . عارض المِقْداد حكومة عثمان ، وأعلن عن معارضته لها من خلال خطبة ألقاها في مسجد المدينة (9) . وقال : إنّي لأعجب من قريش ، أنّهم تركوا رجلاً ما أقول إنّ أحدا أعلم ولا أقضى منه بالعدل . . أ ما واللّه ، لو أجد عليه أعوانا . . . . توفّي المِقْداد سنة 33 ه وهو في السَّبعين من عمره (10) . وكان له نصيب من مال الدُّنيا منذ البداية ، فأوصى للحسن والحسين عليهماالسلام بستّة وثلاثين ألف درهم منه (11) . وهذه الوصيّة دليل على حبّه لأهل البيت عليهم السلام وتكريمه واحترامه لهم عليهم السلام . في الأمالي للطوسيّ عن عبد الرحمن بن جُنْدُب عن أبيه : لمّا بويع عثمان ، سمعت المِقْداد بن الأسْوَد الكِنْديّ يقول لعبد الرَّحمن بن عَوْف : واللّه ، يا عبد الرَّحمن ، ما رأيت مثل ما اُتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم . فقال له عبد الرَّحمن : وما أنت وذاك يا مقداد ؟ قال : إنّي واللّه ، اُحبّهم لحبّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويعتريني واللّه ، وَجدٌ لا أبثّه بثّة ، لتشرّف قريش على النَّاس بشرفهم ، واجتماعهم على نزع سلطان رسول اللّه صلى الله عليه و آله من أيديهم . فقال له عبد الرَّحمن : ويحك ! واللّه ، لقد اجتهدت نفسي لكم . فقال له المقداد : واللّه ، لقد تركت رجلاً من الَّذين يأمرون بالحقّ وبه يعدلون ، أما واللّه ، لو أنّ لي على قريش أعوانا لقاتلتهم قتالي إيّاهم يوم بدر واُحد . فقال له عبد الرَّحمن : ثكلتك اُمّك يا مقداد ! لا يسمعنّ هذا الكلام منك النَّاس ، أما واللّه ، إنّي لخائف أن تكون صاحب فرقةٍ وفتنةٍ . قال جُنْدُب : فأتيته بعد ما انصرف من مقامه ، فقلت له : يا مِقْداد أنا من أعوانك . فقال : رحمك اللّه ، إنّ الَّذي نريد لا يغني فيه الرَّجلان والثَّلاثة ، فخرجت من عنده وأتيت عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فذكرت له ما قال وقلت ، قال : فدعا لنا بخير (12) . في تاريخ اليعقوبي _ في ذكر أحداث ما بعد استخلاف عثمان _ : مال قوم مع عليّ بن أبي طالب ، وتحاملوا في القول على عثمان . فروى بعضهم قال : دخلت مسجد رسول اللّه ، فرأيت رجلاً جاثيا على ركبتيه ، يتلهّف تلهّف من كأنّ الدُّنيا كانت له فسُلِبَها ، وهو يقول : واعجبا لقريش ! ودفعهم هذا الأمر على أهل بيت نبيّهم ، وفيهم أوّل المؤمنين ، وابن عمّ رسول اللّه ، أعلم الناس وأفقههم في دين اللّه ، وأعظمهم غناءً في الإسلام ، وأبصرهم بالطريق ، وأهداهم للصراط المستقيم . واللّه ، لقد زوَوْها عن الهادي المهتدي الطَّاهر النَّقيّ ، وما أرادوا إصلاحا للاُمّة ولا صوابا في المذهب ، ولكنّهم آثروا الدُّنيا على الآخرة ، فبُعدا وسُحْقا للقوم الظَّالمين . فدنوت منه فقلت : من أنت يرحمك اللّه ؟ ومن هذا الرَّجل ؟ فقال : أنا المِقْداد بن عمرو ، وهذا الرَّجل عليّ بن أبي طالب . قال : فقلت : أ لا تقوم بهذا الأمر فاُعينك عليه ؟ فقال : يابن أخي ! إنّ هذا الأمر لا يجري فيه الرَّجل ولا الرَّجلان . ثمّ خرجت فلقيت أبا ذرّ ، فذكرت له ذلك ، فقال : صدق أخي المقداد . ثمّ أتيت عبد اللّه بن مسعود ، فذكرت ذلك له ، فقال : لقد اُخبرنا فلم نألُ (13) .

.


1- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص392 ح5484 ، الإصابة : ج 6 ص160 الرقم8201 .
2- . حلية الأولياء : ج1 ص172 .
3- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص392 ح5484 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص162 ، تهذيب الكمال :ج 28 ص453 الرقم6162 .
4- . الاختصاص : ص6 .
5- . المعجم الكبير : ج 6 ص215 ح6045 ، حلية الأولياء : ج1 ص142 و ص 190 وفيه « إنّ اللّه تعالى يحبّ أربعة من أصحابي » ؛ الخصال : ص303 ح80 .
6- . الخصال : ص463 ح4 ، الاحتجاج : ج 1 ص194 ح37 ، رجال البرقي : ص64 .
7- . رجال الكشّي : ج1 ص46 الرقم 22 .
8- . الخصال : ص361 ح50 ، رجال الكشّي : ج1 ص34 الرقم 13 ، الاختصاص : ص5 ، تفسير فرات : ج570 ص733 .
9- . تاريخ الطبري : ج4 ص232 و233 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص221 _ 224 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص163 .
10- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص392 ح5484 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص163 ، تهذيب الكمال : ج28 ص456 وج457 ص6162 ، الاستيعاب : ج4 ص43 الرقم2590 ، اُسد الغابة : ج 5 ص244 الرقم5076 .
11- . تهذيب الكمال : ج 28 ص456 الرقم6162 .
12- . الأمالي للطوسي : ص191 ح323 .
13- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص163 .

ص: 100

. .

ص: 101

. .

ص: 102

. .

ص: 103

أصبغ بن نباتة

أصْبَغُ بنُ نُباتَةأصبغ بن نباتة التَّمِيمي الحنظلي المُجاشِعي . كان من خاصّة الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، ومن الوجوه البارزة بين أصحابه (1) ، وأحد ثقاته عليه السلام (2) ، وهو مشهور بثباته واستقامته على حبّه عليه السلام . وصفته النُّصوص التَّاريخيَّة القديمة بأنّه شيعيّ (3) ، وأنّه مشهور بحبّ عليّ عليه السلام . وكان من شرطة الخميس (4) ، ومن اُمرائهم (5) . عاهد الإمام عليّ عليه السلام التَّضحية والفداء والاس (ع) شهاد (6) . وشهد معه الجمل ، وصفِّين (7) . وكان معدودا في أنصاره الأوفياء المخلصين. وهو الَّذي روى عهده إلى مالك الأشْتَر ؛ (8) ذلك العهد العظيم الخالد ! وكان من القلائل الَّذين اُذن لهم بالحضور عند الإمام عليه السلام بعد ضربته (9) . وعُدّ الأصبغ في أصحاب الإمام الحسن عليه السلام أيضا . (10) في وقعة صفِّين عن عمر بن سَعْد الأسَديّ _ في ذكر وقعة صفِّين _ : حرّض عليّ بن أبي طالب أصحابه ، فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال : يا أمير المؤمنين ! قدِّمني في البقيّة من النَّاس ؛ فإنّك لا تفقد لي اليوم صبرا ولا نصرا . أمّا أهل الشَّام فقد أصبنا منهم ، وأمّا نحن ففينا بعض البقيّة ، ايذن لي فأتقدّم ؟ فقال عليّ : تقدّم باسم اللّه والبركة ، فتقدّم وأخذ رايته ، فمضى وهو يقول : حتَّى مَتَى ترجُو البَقَا يا أَصْبَغُإنَّ الرَّجاءَ بالقُنُوطِ يُدْمَغُ أمَا ترى أحْداثَ دَهْرٍ تَنْبغُفادبُغْ هَواكَ ، والأديمُ يُدبَغُ والرِّفْقُ فيما قَدْ تُرِيدُ أبلَغُاليَوْمَ شُغْلٌ وغَدا لا تَفْرُغُ فرجع الأصبغ وقد خضَبَ سيفه دما ورُمحه ، وكان شيخا ناسكا عابدا ، وكان إذا لقي القوم بعضهم بعضا يغمد سيفه ، وكان من ذخائر عليٍّ ممّن قد بايعه على الموت ، وكان من فرسان أهل العراق ، وكان عليّ عليه السلام يضنّ به على الحرب والقتال (11) .

.


1- . رجال النجاشي : ج1 ص69 الرقم4 ، الفهرست : ص85 الرقم119 ، وقعة صفّين :ص406 وراجع ميزان الاعتدال : ج 1 ص271 الرقم1014 .
2- . كشف المحجّة : ص236 ، وقعة صفّين : ص406 .
3- . الطبقات الكبرى : ج6 ص225 .
4- . الطبقات الكبرى : ج6 ص225 ؛ الاختصاص : ص65 .
5- . وقعة صفّين : ص406 .
6- . رجال الكشّي : ج 1 ص321 الرقم 165 .
7- . وقعة صفّين : ص406 .
8- . رجال النجاشي : ج1 ص70 الرقم4 ، الفهرست : ص85 الرقم119 .
9- . الأمالي للطوسي : ص123 ح191 .
10- . رجال الطوسي : ص93 الرقم919 وراجع تهذيب المقال : ج1 ص198 _ ج204 ص5 .
11- . وقعة صفّين : ص442 .

ص: 104

جويريّة بن مسهر

جُوَيرِيَّةُ بنُ مُسْهِرجُوَيْريَّة بن مُسْهِر العَبْديّ . من أصحاب الإمام عليه السلام (1) السَّابقين المقرّبين (2) ، ومن ثقاته (3) . كان عبدا صالحا ، وصديقا للإمام عليه السلام ، وكان الإمام يحبّه (4) . استشهد جُوَيْريَّة في أيّام خلافة معاوية ، حيث قطع زياد يده ورجله ثمّ صلبه (5) . في الإرشاد : إنّ جُوَيْريَّة بن مُسْهِر وقف على باب القصر فقال : أين أمير المؤمنين ؟ فقيل له : نائم ، فنادى : أيُّها النَّائم ! استيقظ ، فوالَّذي نفسي بيده ، لتُضرَبَنَّ ضَرْبةً على رأسك تُخضَب منها لحيتك ، كما أخبرتنا بذلك من قبل . فسمعه أمير المؤمنين عليه السلام فنادى : أقبِل يا جُوَيْريَّةُ حتَّى اُحدّثَكَ بِحَديثِكَ . فأقبل ، فقال : وأنْتَ _ والَّذي نَفْسي بِيَدِهِ _ لَتُعْتلَنَّ إلى العُتُلِّ الزَّنيمِ (6) ، ولَيَقْطَعَنَّ يَدكَ ورِجْلَكَ ، ثُمّ لَيَصْلِبنَّكَ تَحْتَ جِذْعِ كافرٍ . فمضى على ذلك الدَّهر حتَّى وليَ زياد في أيّام معاوية ، فقطع يده ورجله ، ثمّ صلبه إلى جذع ابن مكعبر ، وكان جذعا طويلاً ، فكان تحته (7) . وفي شرح نهج البلاغة عن حَبَّة العُرَنِيّ : سرنا مع عليّ عليه السلام يوما ، فالتفت فإذا جُوَيْريَّة خلفه بعيدا ، فناداه : يا جُوَيْريَّة ! الحق بي لا أبا لَكَ ! أ لا تَعْلَمُ أنّي أهْوَاكَ واُحِبُّكَ ؟ قال : فركض نحوه ، فقال له : إنّي محدّثك باُمور فاحفظها ، ثمّ اشتركا في الحديث سرّا ، فقال له جُوَيْريَّة : يا أمير المؤمنين ، إنّي رجل نسيّ ، فقال له : إنّي اُعيد عليك الحديث لتحفظه . ثمّ قال له في آخر ما حدّثه إيّاه : يا جُوَيْريَّةُ ، أحبِبْ حَبِيبَنا ما أحَبَّنا ، فَإِذا أبغَضَنا فابغَضْهُ ، وابغَضْ بَغِيضَنا ما أَبْغَضَنا ، فَإذا أحبَّنا فَأَحِبَّهُ (8) .

.


1- . رجال الطوسي : ص59 الرقم499 ، رجال البرقي : ص5 .
2- . الاختصاص : ص7 .
3- . كشف المحجّة : ص236 .
4- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص290 .
5- . الإرشاد : ج1 ص323 ، إعلام الورى : ج1 ص341 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص291 .
6- . عَتَلَهُ فانعتَلَ: جرّهُ جرّا عنيفا وجذبه فحمَلَهُ. والعُتُلّ: الشَّديد الجافي والفظّ الغليظ من الناس. والزنِيمُ: الدَّعيّ المُلصق بالقوم وليس منهم . وقيل : الذي يُعرَف بالشرّ واللؤم ( لسان العرب : ج11 ص423 و ج12 ص277 ) .
7- . الإرشاد : ج1 ص322 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص291 نحوه وراجع إعلام الورى :ج1 ص341 والخرائج والجرائح : ج 1 ص202 الرقم44 .
8- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص290 .

ص: 105

. .

ص: 106

زرّ بن حبيش

زِرُّ بنُ حُبَيْشزرّ بن حُبَيْش بن حُبَاشة الأسَديّ من الفضلاء والعلماء والقرّاء المُطَّلِعين على معارف القرآن، وأحد عيون التَّابعين (1) ، ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الأجلاّء (2) . وقد شهد الإمام عليه السلام بوثاقته . وبلغ حبّه وودُّه للإمام عليه السلام درجة ، أنّ أصحاب الرِّجال عدّوه علويّا (3) . كان بارعا في أدب العرب . ووصفته كتب التَّراجم بأنّه أعرب النَّاس ، وذكرت أنّ عبد اللّه بن مسعود كان يسأله عن العربيّة (4) . قرأ زرّ القرآن كلّه على أمير المؤمنين عليه السلام (5) ، وقرأه عاصم عليه ، (6) وكان عاصم من القرّاء السَّبعة ، وكبار علماء الكوفة في القرن الثَّاني . عُمِّر زرّ طويلاً ، وتوفّي حوالي سنة 80 ه (7) ، وهو ابن مئة وعشرين سنة (8) . في ميزان الاعتدال عن زرّ بن حُبَيْش : قرأت القرآن كلّه على عليّ عليه السلام فلمّا بلغت : « وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِى رَوْضَ_اتِ الْجَنَّ_اتِ » (9) بكى حتَّى ارتفع نحيبه (10) .

.


1- . الاستيعاب : ج 2 ص131 الرقم873 ، اُسد الغابة : ج 2 ص312 الرقم1735 ، الإصابة : ج2 ص522 الرقم2978 ؛ رجال الطوسي : ص64 الرقم569 . .
2- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص24 ، تهذيب التهذيب : ج 2 ص194 الرقم2350 ؛ رجال الطوسي : ص64 الرقم569 .
3- . تهذيب الكمال : ج 9 ص337 الرقم1976 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 4 ص168 الرقم60 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص29 ، الإصابة : ج 2 ص523 الرقم2978 .
4- . الطبقات الكبرى : ج6 ص105 ، تهذيب الكمال : ج 9 ص337 الرقم1976 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص167 الرقم60 ، المعارف لابن قتيبة : ص427 ، الإصابة : ج 2 ص522 الرقم2978 .
5- . ميزان الاعتدال : ج2 ص73 الرقم2878 ، المناقب للخوارزمي : ج86 ص76 .
6- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 4 ص167 الرقم60 ، المعارف لابن قتيبة : ص530 ، وفيات الأعيان : ج3 ص9 ، تذكرة الحفّاظ : ج1 ص57 الرقم40 .
7- . تاريخ خليفة بن خيّاط : ص222 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص25 .
8- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص25 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 4 ص168 الرقم60 ، الاستيعاب : ج 2 ص131 الرقم873 ، اُسد الغابة : ج 2 ص312 الرقم1735 .
9- . الشورى : 22 .
10- . ميزان الاعتدال : ج2 ص73 الرقم2878 ، المناقب للخوارزمي : ج86 ص76 نحوه .

ص: 107

163 _ كتابه عليه السلام في الجهاد

163كتابه عليه السلام في الجهادإبراهيم الثَّقَفيّ في كتابه : دعا سعيد بن قَيْس الهَمْدانِيّ فبعثه من النُّخيلة بثمانية آلاف ، وذلك أ نّه أخبر أنّ القوم جاءوا في جمع كثيف فقال له : إنّي قد بعثتك في ثمانية آلاف فاتَّبع هذا الجيش حَتَّى تخرجه من أرض العِراق ، فخرج على شاطئ الفرات في طلبه ، حَتَّى إذا بلغ عانات ، سرَّح أمامه هانئ بن الخَطَّاب الهَمْدانِيّ فاتبع آثارَهُم حَتَّى إذا بلغ أداني قنسرين _ وقد فاتوه _ ثُمَّ انصرف . قال فلبث عليّ عليه السلام ترى فيه الكآبة والحزن حَتَّى قدم عليه سعيد بن قَيْس ، فكتب كتابا وكان في تلك الأيّام عليلاً فلم يطق على القيام في النَّاس بكلّ ما أراد من القول ، فجلس بباب السَّدة الَّتي تصل إلى المسجد ، ومعه الحسن والحسين عليهماالسلاموعبد اللّه بن جَعْفَر بن أبي طالب ، فدعا سعدا مولاه فدفع الكتاب إليه ، فأمره أن يقرأه على النَّاس فقام سَعْد بحيث يسمع عليّ قراءته ، وما يردُّ عليه النَّاس ، ثُمَّ قرأ الكتاب : « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ ؛ مِن عَبْدِ اللّه ِ عَليّ ، إلى مَنْ قُرِئ عَليهِ كتابي مِنَ المُسلِمينَ : سلامٌ عَليْكُم ، أمَّا بَعْدُ ؛ فالحَمْدُ للّه ِ رَبِّ العالَمِينَ ، وسلامٌ على المُرسَلِينَ ، ولا شَرِيكَ للّه ِ الأحَدِ القَيُّومِ ، وصلواتُ اللّه ِ على مُحَمَّدٍ والسَّلامُ عَليْهِ في العالَمِينَ أمَّا بعدُ ؛ فإنِّي قَدْ عاتَبْتُكُم في رُشْدِكُم حَتَّى سَئِمْتُ ، أرجَعْتُمونِي بالهُزْءِ مِنْ قَولِكُم ، حَتَّى بَرِمْتُ . هُزْءٌ مِنَ القَوْلِ لا يُعاديهِ وخَطَلٌ لا يُعَزُّ أهلُهُ ، ولَو وجَدتُ بُدَّا مِن خِطابِكُم والعِتاب إليكُم ، ما فعلت ، وهذا كتابي يُقرأ عليكم ، فَرُدُّوا خَيْرا وافعَلوهُ ، وما أَظُنُّ أنْ تفعَلُوا فاللّه ُ المُستَعانُ . أيُّها النَّاس ، إنَّ الجِهادَ بابٌ مِن أبوابِ الجَنَّةِ فَتَحهُ اللّه ُ لِخاصَّةِ أوليائِهِ ، وهو لِباسُ التَّقوى ودِرْعُ اللّه ِ الحَصِينَةُ وجُنَّتُهُ الوَثِيقَةُ ، فَمَنْ تَركَ الجِهادَ في اللّه ِ ألبسَهُ اللّه ُ ثَوْبَ ذِلَّةٍ ، وشَمَلَهُ البَلاءُ ، وضَرَبَ على قلبِهِ بالشُّبُهاتِ ، ودِيثَ بالصَّغارِ والقَماءَةِ ، وأُدِيلَ الحَقُّ مِنهُ بِتَضْييعِ الجِهاد ، وسِيمَ الخَسْفَ ، ومُنِعَ النَّصَفَ ، ألا وإنِّي قد دعَوتُكُم إلى جِهادِ عدوِّكم ليلاً ونهارا ، وسرّا وجهرا ، وقلتُ لَكُم : اغزُوهُم قَبْلَ أن يَغْزُوكُم ، فَواللّه ِ ما غُزِيَ قومٌ قَطُّ في عُقْرِ دارِهِم إلاَّ ذَلُّوا فَتَواكَلْتُم وتَخَاذَلْتُم ، وثَقُلَ عَليْكُم قَوْلي فَعَصَيْتُم واتَّخَذتُموهُ وراءكم ظِهْرِيّا حَتَّى شُنَّتْ عَليْكُم الغاراتُ في بِلادِكُم ، ومُلِكَتْ عَليْكُم الأوطانُ . وهذا أخو غامِدٍ قَد وردَتْ خَيْلُهُ الأنبارَ ، فَقَتلَ بِها أشْرَسَ بنَ حَسَّان ، فَأَزالَ مسالِحَكُم عَنْ مواضِعِها ، وقَتَلَ مِنكُمْ رجالاً صالِحينَ ، وقَد بَلَغنِي أنَّ الرَّجُلَ مِنْ أعدائِكُم كانَ يَدْخُلُ بَيْتَ المَرأَةِ المُسلِمَةِ والمُعاهِدَةِ فَيَنتَزِعُ خَلخالَها مِن ساقِها ، ورُعُثَها مِن أُذُنِها فلا تمتنعُ مِنهُ ، ثُمَّ انصَرَفُوا وافِرينَ ، لَم يَكلَمْ مِنهُم رجُلٌ كَلْما . فَلَوْ أنَّ امرَأً مُسْلِما ماتَ مِن دُونِ هذا أسَفا ، ما كانَ عندي مَلُوما ، بل كانَ عندي بِهِ جَدِيرا . فَيا عجَبا عجَبا ، واللّه ِ ، يُمِيتُ القَلْبَ ، ويَجْلِبُ الهَمَّ ، ويُسَعِّرُ الأحزانَ ، مِن اجتِماعِ هَؤلاءِ عَلى باطِلِهم وتَفَرُّقِكُم عَن حَقِّكُم ، فَقُبْحا لَكُم وتَرَحا ، لَقدْ صَيَّرتُم أَنْفُسَكم غَرَضا يُرْمى ، يُغارُ عَلَيْكُم ولا تُغِيرونَ ، وتُغْزَوْنَ ولا تَغْزُونَ ، ويُعْصى اللّه ُ وتَرْضَوْنَ ، ويُقضى إليكم فلا تأنفون ، قَد نَدَبْتُكُم إلى جِهادِ عَدُوِّكُم في الصَّيفِ فَقلْتُم : هذهِ حمَّارَةُ القَيْظِ ، أَمهِلْنا حَتَّى يَنْسَلِخَ عَنّا الحَرُّ ، وإذا أَمَرْتُكُم بالسَّيرِ إليْهِم في الشِّتاءِ قُلتُم : هذه صَبَّارَةُ القُرِّ ؛ أمْهِلْنا يَنسَلِخْ عَنّا البَرْدُ ، فَكُلُّ هذا فرارا مِنَ الحَرِّ والصِّرّ ؟ فإذا كنتم من الحَرّ والبَرْدِ تَفِرُّونَ فَأَنتُم واللّه ِ مِنْ حَرِّ السُّيُوفِ أفَرُّ لا والَّذي نَفْسُ ابنِ أبي طالِبٍ بِيَدِهِ عَنِ السَّيْفِ تَحيدونَ ؟ فحتّى متى ؟ وإلى متى ؟ يا أشباهَ الرِّجالِ ولا رِجالَ ، ويا طَغَامَ الأحْلامِ ، أحلامُ الأطفالِ وعُقولُ رَبَّاتِ الحِجالِ ، اللّه ُ يَعْلَمُ لَقَدْ سَئِمْتُ الحَياةَ بَيْنَ أظهُرِكُم ، ولَوَدَدْتُ أنَّ اللّه َ يَقْبِضُنِي إلى رحْمَتِهِ مِن بَيْنِكُم ، ولَيْتَنِي لَمْ أرَكُم ولَمْ أَعرِفْكُم ، مَعْرِفَةٌ واللّه ِ جَرَّتْ نَدَما ، وأَعقَبَتْ سَدَما (1) ، أوغرتم _ يعلم اللّه _ صدري غَيْظا ، وجَرَّعْتمُوني جُرَعَ التَّهمامِ (2) ، أنفاسا وأفسدتم عَليَّ رأيي وخرصي بالعصيان والخذلان ، حَتَّى قالت قريش وغيرها : إن ابنَ أبي طالِبٍ رَجُلٌ شُجَاع ولكِنْ لا عِلْمَ لَهُ بالحَرْبِ . للّه ِ أبُوهُم ! وهَلْ كانَ مِنهُم رَجُلٌ أشَدُّ مُقاساةً وتَجْرِبَةً ولا أطولُ لَها مِراسا مِنِّي ، فواللّه ِ لَقَدْ نَهَضْتُ فِيها وما بَلغْتُ العِشْريَن ، فها أَنا ذا قَدْ ذرّفت (3) على السِّتين ، ولكِنْ لا رأْيَ لِمَنْ لا يُطاعُ » . (4) إبراهيم الثَّقَفيّ في كتابه : سُفْيَان بن عَوْف الغامديّ قال : دعاني معاوية فقال : إني باعثك في جيش كثيف ، ذي أداة وجلادة ، فالزم لي جانب الفرات ، حَتَّى تمرَّ بهيت فتقطعها ، فإن وجدت بها جندا فأغر عليهم ، وإلاَّ فامض حَتَّى تغير على الأنبار ، فَإنْ لم تجد بها جندا فامض حَتَّى تغير على المَدائِنِ ، ثُمَّ أقبل إليَّ واتّق أن تقرب الكوفة ، واعلم أنَّك إن أغرت على أهل الأنبار وأهل المَدائِن ، فكأنَّك أغرت على الكوفة ، إنَّ هذه الغارات _ يا سُفْيَان _ على أهل العِراق ترهب قلوبهم ، وتجرئ كلّ من كان له فينا هوى منهم ، ويرى فراقهم ، وتدعو إلينا كلّ من كان يخاف الدَّوائر . وخَرِّب كلّ ما مررت به من القرى واقتل كلّ من لقيت مِمَّن ليس هو على رأيك ، وأحرب الأموال فَإنَّهُ شبيه بالقتل ، وهو أوجع للقلوب . . . قال : فواللّه الَّذي لا إله إلاَّ هو ، ما مرّت بي ثلاثة حَتَّى خرجت في ستة آلاف ، ثُمَّ لزمت شاطئ الفرات فأغذذت السَّير حَتَّى أمُرَّ بهيت ، فبلغهم أنّي قد غشيتهم فقطعوا الفرات ، فمررت بها وما بها عريب . . . فمضيت حَتَّى أفتتح الأنبار وقد أُنذروا بي فخرج إليَّ صاحبُ المَسلحةِ فوقف لي ، فلم أقدم عليه حَتَّى أخذتُ غلمانا من أهل القرية ، فقلت لهم : خبّروني ، كم بالأنبار من أصحاب عليّ عليه السلام ؟ قالوا : عِدَّةُ رِجالِ المَسْلَحَةِ خَمسمِئةٌ ، ولكنّهم قد تبدّدوا ورجعوا إلى الكوفة ، ولا ندري الَّذي يكون فيها ، قد يكون مئتي رجل . قال : فنزلت فكتّبت أصحابي كتائب ، ثُمَّ أخذت أبعثهم إليه كتيبة بعد كتيبة فيقاتلونهم ، واللّه ويصبرون لهم ، ويطاردونهم في الأزقة ، فلمَّا رأيت ذلك أنزلت إليهم نحوا من مئتين ، ثُمَّ أتبعتهم الخيل ، فلمَّا مشت إليهم الرِّجال وحملت عليهم الخيل فلم يكن إلاَّ قليلاً حَتَّى تفرَّقوا وقتل صاحبهم في رجال من أصحابه ، وأتيناه في نيِّف وثلاثين رجُلاً ، فحملنا ما كان في الأنبار من أموال أهلها ثُمَّ انصرفت . . . عن مُحَمَّد بن مِخْنَف : أنَّ سُفْيَان بن عَوْف لمَّا أغار على الأنبار ، قدم علج من أهلها على عليٍّ عليه السلام فأخبره الخبر ، فصعد المنبر فقال : أيُّها النَّاسُ ، إنَّ أخاكُم البَكْرِيَّ قَدْ أُصِيبَ بالأنبارِ ، وهو مُعْتَزٌّ لا يَخافُ ما كانَ ، فاختارَ ما عِنْدَ اللّه ِ علَى الدُّنيا ، فانتَدِبُوا إليْهِم حَتَّى تُلاقُوهُم فإن أصبْتُم مِنهُم طَرَفا أنكَلْتُموهُم عَنِ العِراقِ أبدا ما بَقُوا ، ثُمَّ سَكَتَ عَنْهُم رجاءَ أنْ يُجيبُوهُ أو يَتَكلَّمُوا ، أو يَتَكلَّمَ مُتَكَلّمٌ مِنهُم بِخَيْرٍ . فَلَم يَنْبُس أحَدٌ مِنهُم بِكَلِمَةٍ ، فلمَّا رأى صمتهم على ما في أنفسهم نزل فخرج يمشي راجلاً حَتَّى أتى النُّخيلة ، والنَّاس يمشون خلفه حَتَّى أحاط به قوم من أشرافهم فقالوا : ارجع يا أمير المؤمنين نَحْنُ نَكفِيكَ ، فقال عليه السلام : « ما تَكْفُونَنِي ولا تَكْفُونَ أنْفُسَكُم » فلم يزالوا به حَتَّى صرفوه إلى منزله ، فرجع وهو واجم كئيب . ودعا سعيد بن قَيْس الهَمْدانِيّ ، فبعثه من النُّخيلة بثمانية آلاف ، وذلك أنّه أخبر أن القوم جاءوا في جمع كثيف ، فقال له : « إنّي قد بَعَثْتُكَ في ثمانِيَةِ آلافٍ ، فاتَّبِعْ هذا الجَيْشَ حَتَّى تُخرِجَهُ مِن أرْضِ العِراقِ » فخرج على شاطئ الفرات في طلبه إذا بلغ عانات سرّح أمامه هانئ بن الخَطَّاب الهَمْدانِيّ فاتَّبَعَ آثارَهُم ، حَتَّى إذا بلغ أداني قَنَسْرينَ ، وقد فاتوه ثُمَّ انصرف . قال : فلبث عليّ عليه السلام ترى فيه الكآبة والحزن ، حَتَّى قدم عليه سعيد بن قَيْس ، فكتب كتابا وكان في تلك الأيَّامِ عليلاً ، فلم يطق على القيام في النَّاس بكلّ ما أراد من القول ، فجلس بباب السّدَّةِ الَّتي تصل إلى المسجد ، ومعه الحسن والحسين عليهماالسلاموعبدُ اللّه ِ بنُ جَعْفَر بنِ أبي طالبٍ ، فدعا سعدا مولاه ، فدفع الكتاب إليه فأمره أن يقرأه على النَّاس ، فقام سعد بحيث يسمع عليّ قراءته وما يردّ عليه النَّاس ثُمَّ قرأ الكتاب : بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ . . . (5) قال ابن أبي الحديد : هذه الخطبة من مشاهير خطبه عليه السلام ، قد ذكرها كثير من الناس ورواها أبو العبَّاس المُبَرِّد في أوّل الكامل . (6) وقال المُبَرِّد : أنه خطبها بالنُّخيلة على رباوة من الأرض . (7) وقال الجاحظ : أغار سُفْيَان بن عَوْف الأزدي ثُمَ الغامدي على الأنبار ، زمان عليّ بن أبي طالب رضى الله عنهوعليها حَسَّان أو ابن حسَّان البَكري فقتله ، وأزال تلك الخيل عن مسالِحِها ، فخرج عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه حتى جلَسَ على باب السَّدة ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وصلّى على نبيّه ثُمَّ قال . . . (8) وفي معاني الأخبار : إنَّ عليَّا انتهى إليه أنَّ خيلاً لمعاوية وردت الأنبار ، فقتلوا عاملاً له يقال له : حسَّان بن حَسَّان ، فخرج مُغضَبا يجرُّ ثوبَهُ حَتَّى أتى النُّخيلة ، واتَّبعه فَرَقِيَ رِباوَةً من الأرض . . . (9) والأمر سهل ، وقد نقل نظره المصنف رحمه الله (10) : إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر فكتب في كتاب ، وقُرئ على النَّاسِ فاختلف النَّاس في أنَّه عليه السلام خطب أو كتب فَقُرئَ . (11) صورة أخرى على رواية المفيد رحمه الله : ومن كلامه عليه السلام في مقام آخر : « أيُّها النَّاس ، إنِّي اسْتَنْفَرتُكُم لِجِهادِ هؤلاء القوْمِ فَلَمْ تَنْفِروا ، وأسمَعْتُكم فَلَم تُجِيبُوا ، ونَصَحْتُ لكُم فلَم تَقْبَلوا ، شُهودٌ كالغُيَّبِ ، أَتْلو عَليْكُم الحِكْمَةَ فتُعرِضونَ عَنها ، وأعِظُكُم بالمَوْعِظَةِ البالِغَةِ فَتَتفَرقُونَ عَنْها ، كأنَّكم حُمُرٌ مُسْتَنْفِرةٌ فَرَّت من قَسْوَرةٍ ؛ وأحُثُّكم على جِهادِ أهْلِ الجَوْرِ ، فما آتِي على آخِرِ قولِي حَتَّى أراكُم متفرِّقِينَ أياديَ سَبَأ ، تَرجِعون إلى مجالِسِكُم تَتَربَّعونَ حَلَقا ، تَضرِبُونَ الأمثالَ ، وتَناشَدُونَ الأشْعارَ ، وتَجَسَّسُون الأخْبارَ ، إذا تَفرَّقتُم تَسْأَلونَ عن الأسْعارِ ، جَهْلةً مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ ، وغَفْلةً مِن غَير وَرَعٍ ، وتَتَبُّعا في غَيْرِ خَوْفٍ ، نَسِيتُم الحَرْبَ والاستِعْدادَ لَها ، فأصبَحَتْ قلوبُكُم فارِغَةً مِن ذِكْرِها ، شَغَلتُموها بالأعالِيلِ والأباطِيلِ . فالعَجَبُ كلُّ العَجَبِ ! وما لي لا أعجَبُ من اجتِماعِ قَوْمٍ على باطِلِهم ، وتخاذُلِكُم عَنْ حَقِّكُم ! يا أهلَ الكُوفَةِ ، أنتم كأُم مُجالِدٍ ، حَمَلتْ فأملَصَتْ ، فماتَ قيِّمُها ، وطالَ تأيُّمُها ، ووَرِثَها أبْعَدُها . والَّذِي فلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأ النَّسَمَةَ ، إنَّ مِنْ ورائِكُم لَلْأعوَرُ الْأدبَرُ ، جهنَّم الدُّنيا لا يُبقي ولا يَذَرُ ، ومن بَعْدِهِ النَّهَّاسُ الفرَّاسُ الجَموعُ المَنوعُ ، ثُمَّ لَيَتوارثَنَّكم من بني أُميَّة عِدَّةٌ ، ما الآخَرُ بأرأَفَ بِكُم مِنَ الأوَّلِ ، ما خَلا رجُلاً واحِدا ، بلاءٌ قَضاهُ اللّه ُ علَى هذهِ الأُمَّةِ لا مَحالَةَ كائِنٌ ، يَقتُلونَ خِيارَكُم ، ويَسْتَعْبِدُونَ أراذِلَكُم ، ويَسْتَخْرِجُونَ كُنوزَكُم وذخائِرَكُم من جَوْفِ حِجالِكُم ، نَقِمَةً بِما ضيَّعتُم من أُمورِكُم وصَلاحِ أنْفُسِكُم ودينِكُم . يا أهلَ الكُوفَةِ ، أُخبِرُكُم بِما يكونُ قَبْلَ أن يَكونَ ، لِتَكونوا مِنْهُ علَى حَذَرٍ ، ولِتُنذِروا بِهِ مَنِ اتَّعَظَ واعتَبَرَ ، كأنِّي بكم تقولون : إنَّ عليَّا يَكِذبُ ، كما قالَتْ قُريشٌ لنَبِيِّها_ صلى الله عليه و آله _ وسيِّدِها نَبِيِّ الرَّحْمَةِ مُحَمَّد بنِ عَبْدِ اللّه ِ حَبيبِ اللّه ِ ، فيَا وَيْلَكُم ، أفَعَلى مَن أكذِبُ ؟ ! أعَلَى اللّه ِ ، فأنَا أوَّل مَن عَبَدَه وَوَحَدَّهُ ، أمْ على رَسُولِهِ ، فأنَا أوَّل مَن آمَنَ بهِ وصدَّقَهُ ونَصَرَهُ ! كلاَّ ولكنَّها لَهْجَةُ خُدْعَةٍ كُنتُم عنها أغبياءَ . والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لتَعْلَمُنَّ نَبَأهُ بعدَ حينٍ ، وذلك إذا صَيَّركُم إليها جهلُكُم ، ولا يَنفَعُكم عِنْدَها علمُكُم ، فَقُبْحا لَكُم يا أشباهَ الرِّجالِ ولا رِجالَ ، حُلُومُ الأطْفالِ وعُقُولُ رَبَّاتِ الحِجالِ ، أمَ واللّه ِ أيُّها الشَّاهِدَةُ أبدانُهُم ، الغائِبَةُ عَنْهُم عُقُولُهم ، المُخْتَلِفَةُ أهواؤهُم ، ما أعزَّ اللّه ُ نصْرَ من دَعاكُم ، ولا استراحَ قلبُ مَن قاساكم ، ولا قرَّتْ عَينُ مَن آواكُم ، كلامُكُم يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ ، وفِعْلُكم يُطمِعُ فيكم عدوَّكم المُرتابَ . يا وَيْحُكم ، أيَّ دارٍ بعدَ دارِكم تَمنعونَ ! ومع أيِّ إمامٍ بَعْدي تُقاتِلونَ ! المَغْرُورُ _ واللّه ِ _ من غَرَرْتُموهُ ، مَن فازَ بكم فازَ بالسَّهْمِ الأخْيَبِ ، أصبَحْتُ لا أطمَعُ في نَصْرِكُم ، ولا أُصدِّقُ قولَكُم ، فرَّقَ اللّه ُ بَيْنِي وبينَكم ، وأعقَبَنِي بِكُم مَن هُو خَيْرٌ لِي مِنْكُم ، وأعقَبَكم مَن هُو شرٌّ لَكُم منِّي . إمامُكم يُطيعُ اللّه َ وأنتم تَعصُونَه ، وإمامُ أهْلِ الشَّام يَعصي اللّه وهم يُطِيعونَهُ ، واللّه ِ لَوَدَدْتُ أنَّ مُعاوِيَةَ صارَفَني بِكُم صَرْفَ الدِّينارِ بالدِّرْهَمِ ، فأخَذَ منِّي عَشَرَةً مِنْكُم وأعطانِي واحدا مِنهُم ، واللّه لَوَددْتُ أنِّي لم أعرِفْكُم ولم تَعرِفُوني ، فإنَّها معرِفةٌ جَرَّتْ نَدَما . لقد وَرَيْتُم صَدري غَيظا ، وأفسَدْتُم علَيَ أمري بالخِذلان والعِصيان ، حَتَّى لقد قالت قريشٌ : إنَّ عليَّا رجلٌ شجاعٌ ، لكن لا عِلْمَ لَهُ بالحُروبِ ، للّه ِ دَرُّهُم ، هل كان فِيهِم أحدٌ أطولُ لها مِرَاسا منِّي ! وأشدُّ لها مُقاساةً ! لقد نَهَضْتُ فيها وما بَلَغتُ العِشرين ، ثُمَّ ها أنا ذا قد ذَرَّفْتُ على السِّتِّين ، لكن لا أمْرَ لمَن لا يُطاعُ . أمَ واللّه ِ لوَدِدْتُ أنَّ ربِّي قد أخرجَنِي مِن بَيْنِ أظْهُرِكُم إلى رِضْوانِهِ ، وإنَّ المَنِيَّةَ لتَرصُدُنِي ، فما يَمنَعُ أشقاها أن يَخضِبها ؟ _ وتَرَك يدَهُ علَى رأسِهِ ولِحْيَتِهِ _ عَهْدٌ عَهِدَهُ إليَّ النَّبيُّ الأُمِّيُّ وقد خابَ مَن افترى ، ونَجا مَن اتَّقى وصدَّق بالحُسنى . يا أهلَ الكوفة ، دعوتكم إلى جهاد هؤلاء ليلاً ونهارا وسِرَّا وإعلانا ، وقلتُ لَكُم : اغزُوهُم ، فَإنَّه ما غُزِي قومٌ في عُقْر دارهم إلاَّ ذَلُّوا ، فتواكَلتُم وتخاذَلتُم ، وثَقُلَ عليكم قولي ، واستَصْعَبَ علَيْكُم أمري ، واتَّخذتُموه وَراءكم ظِهْريَّا ، حَتَّى شُنَّت عَلَيْكُم الغاراتُ ، وظَهَرَتْ فِيكُمُ الفَواحِشُ والمنكَرات ، تُمَسِّيكم وتُصَبِّحُكم ، كما فَعَلَ بأهْلِ المَثُلاتِ مِن قَبْلِكُم ، حيث أخبَرَ اللّه ُ تعالى عَنِ الجَبابِرَةِ والعُتاةِ الطُّغاةِ ، والمُستَضْعَفِينَ الغُواةِ في قوله تعالى : « يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَ فِى ذَلِكُم بَلاَءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ » (12) ، أم والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَة لقد حلَّ بكم الذي تُوعدون . عاتَبتُكُم _ يا أهْلَ الكُوفَةِ _ بِمواعِظِ القُرآنِ ، فلم أنتفِعْ بِكُمْ ، وأدَّبْتُكُم بالدِّرَّة فلم تَستَقِيمُوا ، وعاقَبتُكم بالسَّوطِ الَّذِي يُقامُ بهِ الحُدودُ فَلمْ تَرعَوُوا ، ولَقَدْ عَلِمْتُ أنَّ الَّذِي يُصلِحُكُم هو السَّيفُ ، وما كنتُ متحرِّيا صَلاحَكُم بفَسادِ نفسِي ، ولكن سَيُسَلَّطُ عليْكُم مِن بَعْدِي سُلْطانٌ صَعْبٌ ، لا يُوقِّرُ كَبيرَكُم ولا يَرْحَمُ صغِيرَكُم ، ولا يُكرِمُ عالِمَكُم ولا يَقسِمُ الفَيءَ بالسَّويَّة بَيْنَكُم ، ولَيَضربَنَّكم ويُذِلَّنَّكم ويُجَمِّرَنَّكم في المَغازي ، ويَقْطَعَنَّ سَبِيلَكُم ، ولَيَحْجُبَنَّكم على بابِهِ ، حَتَّى يأكُلَ قويُّكُم ضعيفَكم ، ثُمَّ لا يُبْعِدُ اللّه َ إلاَّ مَن ظَلَم مِنْكُم ، ولَقَلَّما أدبرَ شيءٌ ثُمَّ أقبَلَ ، وإنِّي لأظنُّكم في فَتْرةٍ وما علَيَّ إلاَّ النُّصحُ لكم . يا أهلَ الكوفةِ ، مُنِيتُ منكم بثلاثٍ واثنتين صُمٌّ ذَوو أسماع ، وبُكْمٌ ذَوو ألسُنٍ ، وعُمْيٌ ذَوو أبصارٍ لا إخوانُ صِدْقٍ عِنْدَ اللِّقاء ، ولا إخوانُ ثِقَةٍ عِنْدَ البَلاءِ . اللَّهمَّ إني قَدْ مَللتُهم ومَلُّونِي ، وسئمتُهم وسئِمُوني . اللَّهمَّ لا تُرضِ عنهم أميرا ، ولا تُرضِهِم عَنْ أمِيرٍ ، وأمِثْ قلوبَهُم كما يُماثُ المِلْحُ في الماءِ . أمَ واللّه ِ ، لو أجِدُ بُدَّا مِنَ كلامِكُم ومُراسَلَتِكُم ما فَعَلْتُ ، ولقد عاتبْتُكُم في رُشْدِكُم حَتَّى لَقد سَئِمتُ الحياةَ ؛ كُلَّ ذلِكَ تُراجِعونَ بالهُزءِ مِنَ القَوْلِ فِرارا من الحَقِّ ، وإلحادا إلى الباطِلِ الَّذِي لا يُعِزُّ اللّه ُ بأهلِهِ الدِّينَ ، وإنِّي لأعْلَمُ أنَّكُم لا تَزيدونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ ، كُلَّما أَمرْتُكُم بِجِهادِ عَدُوِّكُم اثَّاقلْتُم إلى الأرضِ ، وسألتُموني التّأْخِيرَ دِفاعَ ذِي الدَّين المَطُولِ . إن قلتُ لكُم في القَيْظِ : سِيرُوا ، قُلْتُم : الحَرُّ شديدٌ ، وإن قلتُ لَكُم في البَرْدِ سِيروا ، قلتم : القُرُّ شديدٌ ، كلُّ ذلكَ فِرارا عن الجَنَّةِ ، إذا كنتُم عن الحرِّ والبَردِ تَعجِزونَ ، فَأنتُم عَن حرارَةِ السَّيفِ أعجَزُ وأعجَزُ ، فإنَّا للّه ِ وإنَّا إليهِ راجعونَ . يا أهلَ الكوفةِ ، قد أتانِي الصَّريِخُ يُخبِرُنِي أنَّ أخا غامِدٍ قَد نَزَلَ الأنْبَارَ عَلى أهلِها لَيلاً ، في أربعةِ آلافٍ ، فأغارَ عَليهم كما يُغارُ على الرُّوم والخَزَر ، فقَتَل بها عامِلي ابن حَسَّان ، وقَتل معَه رجالاً صالحين ذَوي فَضْل وعبادةٍ ونَجْدةٍ ، بَوَّأ اللّه لهم جنَّات النَّعيم ، وأنَّه أباحَها ، ولقَد بلَغنِي أنّ العُصْبَة من أهل الشَّام كانوا يَدخلون على المرأة المُسلِمَةِ والأُخْرى المعاهَدَةِ ، فيهتِكون سِتْرَها ، ويأخذون القِناعَ من رأسها ، والخُرْصَ من أُذُنِها ، والأوْضاحَ من يديها ، ورِجْلَيها وعَضُدَيْها ، والخَلخالَ والمِئْزَرَ من سُوقها ، فما تَمْتَنِع إلاَّ بالاسترجاع والنِّداء : يا للمسلمين ، فلا يُغيثها مُغِيثٌ ، ولا يَنصرُها ناصِرٌ ؛ فلو أنَّ مؤمنا مات من دون هذا أسفا ما كان عِندي ملُوْما ، بل كان عندي بارَّا مُحْسِنا . واعجبا كلَّ العَجَب ، مِنْ تظافُرِ هؤلاء القوْمِ على باطِلِهم ، وفَشَلِكُم عَنْ حَقِّكُم ! قد صِرْتُم غَرَضا يُرمى ولا تَرْمُون ، وتُغْزَوْنَ ولا تَغْزَوْن ، ويُعصى اللّه ُ وتَرضَوْن ، تَرِبَتْ أيْديكُم يا أشباهَ الإبِلِ ، غابَ عَنها رُعاتُها ، كُلَّما اجتمَعَتْ مِنْ جانِبٍ تَفرَّقتْ مِنْ جانِبٍ » (13) . (14) أقول : لابدَّ من هنا ذكر أمور :

.


1- . السَّدَمُ _ مُحرّكةً _ : الهمُّ مع أسفٍ وغيظٍ، وفِعْلُهُ كفَرِحَ.
2- . التَّهْمَامُ _ بالفتح _ الهمّ . أنفاسا: أي جُرعة بَعْدَ جُرعَةٍ، والمراد أنّ أنفاسه أمست همّا يتجرّعهُ .
3- . في المصدر: «زرّفتُ» وما أثبتناه هو الصحيح .
4- . الغارات : ج2 ص470 والكافي : ج5 ص4 ح6 ، نهج البلاغة : الخطبة27 ، نثر الدر :ج1 ص297 ، بحار الأنوار : ج34 ص55 ح931 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص201 ، الكامل للمبرد : ج1 ص30 ، العقد الفريد : ج3 ص121 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص74 في كلها « ان الجهاد . . .الخ » مع اختلاف .
5- . الغارات : ج2 ص465 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص88 نحوه .
6- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص75 .
7- . الكامل للمبرد : ج1 ص29 .
8- . البيان والتبيين : ج2 ص53 .
9- . معاني الأخبار : ص309 ح1 ، ونقله أيضا عيون الأخبار لابن قتيبة : ج2 ص236 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص88 وبحار الأنوار : ج34 ص64 ح931 نقلاً عنه .
10- . شرح نهج البلاغة : ج2 ص 88 .
11- . راجع : شرح نهج البلاغة للبحراني : ج2 ص31 ، الأخبار الطوال : ص211 ، الأغاني : ج16 ص286 ، مقاتل الطالبيين :ص41 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص427 .
12- . البقرة :49 .
13- . الإرشاد : ج1 ص278 ، الاحتجاج : ج1 ص409 ح89 ، الغارات : ج2 ص494 ، بحار الأنوار : ج34 ص13 ح956 وراجع : نهج البلاغة : الخطبة97 .
14- . ومن المحتمل أنَّ السَّيِّد الرضي رضى الله عنه اختار ما نقله في نهج البلاغة عمّا رواه شيخنا الأعظم المفيد ؛ كما هو دأبه والاختلاف بين الروايات كثيرة والخطبة مشهورة بين العامة والخاصة .

ص: 108

. .

ص: 109

. .

ص: 110

. .

ص: 111

. .

ص: 112

. .

ص: 113

. .

ص: 114

. .

ص: 115

. .

ص: 116

. .

ص: 117

الأوَّل :اختلف في اسم عامله عليه السلام على الأنبار ، فقيل أنّه حَسَّان بن حَسَّان البَكريّ ، كما في نفس هذا الكتاب على نقل نهج البلاغة (1) والكامل (2) والكافي (3) ومعاني الأخبار (4) وفي الإصابة ، في ترجمة سُفْيَان بن عَوْف الغامدي (5) وفي العِقْد : حسَّان البَكري (6) وفي البيان والتَّبيين : حَسَّان أو ابن حسَّان (7) وفي الأغاني : حسَّان بن حسَّان (8) وكذا في شرح البحرانيّ (9) . وقيل : أشرس بن حَسَّان كما في الغارات (10) وابن أبي الحديد ناقلاً عنه (11) والطبريّ (12) وابن الأثير في الكامل (13) وأنساب الأشراف (14) واليعقوبيّ (15) . وعنونه العلاّمة الشُّوشتريّ ، ولم يرجّح أحدهما ، واكتفى بنقل الأقوال (16) ، وقال نَصْر بن مزاحم في وقعة صفِّين : وبعث أبا حَسَّان البَكريّ على استان العالي (17) . وفي معجم البلدان : الاستان العال : كورة في غربي بغداد من السَّواد ، تشتمل على أربعة طساسيج وهي : الأنبار وبادرويا وقطربل ومسكن . (18) فيحتمل أن يكون اسمه أشرس وكنيته أبا حَسَّان ، فوقع السَّهو من الرُّواة فقالوا : حسَّان بن حسَّان ، بدل أبو حَسَّان بن حسَّان .

.


1- . نهج البلاغة :الخطبة 27 .
2- . الكامل للمبرّد : ج1 ص29 .
3- . الكافي : ج5 ص5 ح 6 .
4- . معاني الأخبار : ص309 ح1 .
5- . الإصابة : ج3 ص106 الرقم 3334 .
6- . العقد الفريد : ج3 ص121 .
7- . البيان والتبيين : ج2 ص53 .
8- . الأغاني : ج16 ص287 .
9- . شرح نهج البلاغة للبحراني : ج2 ص31 .
10- . الغارات : ج2 ص469 .
11- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص87 .
12- . تاريخ الطبري : ج5 ص134 .
13- . الكامل في التاريخ : ج2 ص425 .
14- . أنساب الأشراف : ج 3 ص 201 .
15- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص196 .
16- . قاموس الرجال : ج3 ص176 .
17- . وقعة صفّين : ص11 .
18- . معجم البلدان : ج1 ص174 .

ص: 118

الأمر الثَّاني :سند الكتاب أو الخطبة : رواها الكليني رحمه الله بهذا الإسناد : أحمد بن مُحَمَّد بن سعيد ، عن جعفر بن عبد اللّه العلوي ، وأحمد بن مُحَمَّد الكوفي ، عن عليّ بن العبَّاس ، عن إسماعيل بن إسحاق ، جميعا عن أبي روح فرج بن قُرَّة عن مَسْعَدَة بن صَدَقَة عن ابن أبي ليلى عن أبي عبد اللّه السَّلمي قال قال : أمير المؤمنين عليه السلام أمَّا بَعْدُ ؛ فإنّ الجهاد . . . (1) ورواه الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في معاني الأخبار قال : حدّثنا أبو العبّاس مُحَمَّد بن إبراهيم بن إسحاق الطَّالقاني رضى الله عنه ، قال : حدّثنا عبد العزيز بن يَحْيَى الجلوديّ ، قال: حدَّثنا هِشام بن عليّ ومُحَمَّد بن زكريّا الجوهريّ قالا : حدّثنا ابن عائشة بإسناد ذكره ، أنّ عليّا عليه السلام انتهى إليه . . . (2) وقال أبو الفرج الإصفهاني في كتابه : حدَّثني بها العبّاس بن عليّ النِّسائي وغيره ، قالوا : حدثنا مُحَمَّد بن حَسَّان الأزرق قال : حدّثنا شبابة بن سوار قال : حدّثنا قَيْس بن الرَّبيع عن عمرو بن قَيْس الملائيّ عن أبي صادق : أنّه عليه السلام خطب النَّاس . . . (3)

.


1- . الكافي : ج5 ص4 ح6 ، وراجع : الغارات : ج2 ص820 .
2- . معاني الأخبار : ص309 ح1 .
3- . مقاتل الطالبيين : ص41 .

ص: 119

الأمر الثَّالث :قال ابن أبي الحديد في شرح هذه الخطبة : واعلم أنّ التَّحريض على الجهاد والحضّ عليه ، قد قال فيه النَّاس فأكثروا ، وكلّهم أخذوا من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ، فمن جيّد ذلك ما قاله ابن نباتة الخطيب : أيُّها النَّاس . . . هذا آخر خطبة ابن نباتة ، فانظر إليها وإلى خطبته عليه السلام بعين الإنصاف ، تجدها بالنِّسبة إليها كمخنث بالنِّسبة إلى فحل ، أو كسَيْفٍ من رصاص بالإضافة إلى سيف من حديد . وانظر ما عليها من أثر التّوليد وشين التَّكلُّف وفجاجة كثير من الألفاظِ ، ألا ترى إلى فجاجَةِ قوله : « كأنَّ أسماعَكُم تَمُجُّ ودائِعَ الوَعْظِ ، وكأنّ قلوبَكُم بها استِكبارٌ عَنِ الحِفْظِ » وكذلك ليس يخفى نزول قوله : « تَنُدُّونَ مِن عَدُوِّكُم نَدِيدَ الإبلِ ، وتَدَّرِعُونَ لَهُ مَدارِعَ العَجْزِ والفَشَلِ » وفيها كثير من هذا الجنس إذا تأمّله الخبير عرفه ، ومع هذا فهي مسروقة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام . . . _ ثُمَّ ذكر قسما من سرقاته ، وتكلّم على تمييز الفصيح عن غيره فقال : _ (1) فإن شئت أن تزداد استبصارا ، فانظر القرآن العزيز ، واعلم أنّ النَّاس قد اتفقوا على أنَّه في أعلى طبقات الفصاحة ، وتأمّلْهُ تأمُّلاً شافِيا ، وانظر إلى ما خصَّ به من مزيَّة الفصاحة والبعد عن التَّقعيرِ والتَّقعيب والكلام الوحشي الغريب ، وانظر كلام أمير المؤمنين عليه السلام فإنَّك تَجِدُهُ مُشتقّا من ألفاظِهِ ، ومقتَضَبا مِن معانِيهِ ومذاهبه ، ومحذوَّا به حذوه ، ومسلوكا به في منهاجه ، فهو وإن لم يكن نظيرا ولا ندَّا ، يصلح أن يقال : إنَّه ليس بَعدَهُ كلامٌ أفصح منه ولا أجزل ، ولا أعلى ولا أفخم ولا أنبل ، إلاَّ أن يكون كلامُ ابن عمِّه عليه السلام وهذا أمر لا يعلمه إلاَّ من ثبتت له قدم راسخة في علم هذه الصَّناعة ، وليس كلّ النَّاس يصلح لانتقاد الجوهر ، بل ولا لانتقاد الذَّهب ، ولِكُلِّ صناعة أهل ، ولُكلِّ عمل رجال . . . (2)

.


1- . ما بين الشارحتين ليس من المصدر .
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص80 .

ص: 120

164 _ كتابه عليه السلام إلى سهل بن حنيف الأنصاريّ

164كتابه عليه السلام إلى سَهْل بن حُنَيْف الأنْصاريّومن كتاب له عليه السلام إلى سَهْل بن حُنَيْف الأنْصاريّ ، وهو عامله على المدينة ، في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية :« أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالاً مِمَّنْ قِبَلكَ يَتَسَلَّلُونَ إلى مُعَاوِيَةَ ، فَلا تَأْسَفْ على ما يَفُوتُكَ من عَدَدِهِمْ ، ويَذْهَبُ عَنْكَ من مَدَدِهِمْ ، فَكَفَى لَهُمْ غَيّا ، ولَك مِنْهم شَافِيا ، فِرَارُهُمْ من الْهُدَى والْحَقِّ ، وإيضَاعُهُمْ إلى الْعَمَى والْجَهْلِ ، فإنَّما هُمْ أَهْلُ دُنْيا مُقْبِلُونَ عَليْها ، ومُهْطِعُونَ إليْها ، وقَدْ عَرَفُوا الْعَدْلَ ورَأَوْهُ وسَمِعُوهُ ووَعَوْهُ ، وعَلِمُوا أَنَّ النَّاسَ عِنْدَنَا فِي الْحَقِّ أُسْوَةٌ ، فَهَرَبُوا إلى الأَثَرَة فَبُعْدا لَهُمْ وسُحْقا ! إنَّهُمْ واللّه ِ ، لَمْ يَنْفِرُوا مِنْ جَوْرٍ ، ولَمْ يَلْحَقُوا بِعَدْلٍ ، وإنَّا لَنَطْمَعُ في هَذَا الأَمْرِ أَنْ يُذَلِّلَ اللّه لَنَا صَعْبَهُ ، ويُسَهِّلَ لَنا حَزْنَهُ ، إنْ شَاءَ اللّه ، والسَّلامُ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب70 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص192 ؛ أنساب الأشراف : ج2 ص157 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص604 .

ص: 121

165 _ كتابه عليه السلام إلى كميل بن زياد

165كتابه عليه السلام إلى كُمَيْل بن زيادوهو عامله على هِيت ، ينكر عليه تركه دفع من يجتاز به من جيش العدو طالبا الغارة . إلى كُمَيْل بن زياد النَّخَعيّ .« أمَّا بعدُ ؛ فَإِنَّ تَضْيِيعَ الْمَرْءِ ما وُلِّي وتَكَلُّفَه ما كُفِي ، لَعَجْزٌ حاضِرٌ ورأْيٌ مُتَبَّر وإِنَّ تَعاطِيَكَ الْغارَةَ على أهل قِرْقِيسِيا ، وتَعْطِيلَك مَسالِحَك الَّتي ولَّيْنَاكَ ليْس بِها مَنْ يَمْنَعُها ، ولا يَرُدُّ الجَيْش عَنْها ، لرَأْيٌ شَعاع ، فَقد صِرْتَ جِسْرا لِمَن أَراد الْغَارَةَ مِن أعْدَائِكَ على أَوْلِيَائِكَ ، غيرَ شَدِيدِ الْمَنْكِبِ ولا مَهِيبِ الْجانِبِ ولا سادٍّ ثُغْرَةً ، ولا كاسِرٍ لِعَدُوٍّ شَوْكَةً ، ولا مُغْنٍ عن أَهْل مِصرِهِ ، ولا مُجْزٍ عن أمِيرِهِ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب61 ، بحار الأنوار : ج33 ص522 ح715 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج17 ص149 ، وراجع : أنساب الأشراف : ج2 ص231 .

ص: 122

قال ابن أعثم: فلمَّا كان بعد ذلك بأيَّام ، وجَّه معاوية أيضا برجل من أهل الشَّام يقال له عبد الرَّحمن بن أشْيَم في خيل من أهل الشَّام إلى بلاد الجزيرة ، فأقبل عبد الرَّحمن بن أشْيَم هذا في خيله من أهل الشَّام يريد الجزيرة ، وبالجزيرة يومئذ رجل يقال له شَبِيْب بن عامر . قال : وشَبِيْب هذا هو جَدّ الكرماني (1) الَّذي كان بخراسان ، وكان بينه وبين نَصْر بن سَيَّار ما كان ، وكان هذا شَبِيْب مقيما بنصيبين في ستمئة رجل من أصحاب عليّ رضى الله عنه ، فكتب إلى كُمَيْل بن زِياد : أمَّا بعدُ ؛ فإنّي أخبرك أنَّ عبد الرَّحمن بن أشْيَم قد وصل إليّ من الشَّام في خيل عظيمة ، ولست أدري أين يريد ، فكن على حذر ، والسَّلام . قال : فكتب إليه كُمَيْل : أمَّا بعدُ ؛ فقد فهمت كتابك وأنا سائر إليك بِمَنْ معي من الخيل ، والسَّلام . قال : ثُمَّ استخلف كُمَيْل بن زياد رجلاً يقال له : عبد اللّه بن وهب الرَّاسبيّ ، وخرج من هِيت في أربعمئة فارس كلّهم أصحاب بَيْضٍ ودُروع ، حَتَّى صار إلى شَبِيْب بنُصيبِينَ ، وخرج شَبِيْب من نصيبين في ستمئة رجل ، فساروا جميعا في ألف فارس يريدون عبد الرَّحمن ، وعبد الرَّحمن يومئذٍ بمدينة يقال لها : كَفَرْتُوثا (2) في جيش لجب من أهل الشَّام ، فأشرفت خيل أهل العِراق على خيل أهل الشَّام . قال : وجعل كُمَيْل بن زياد يرتجز ويقول : يا خَيْرَ مَنْ جُرَّ لَهُ خَيْرُ القَدَرْفاللّه ُ ذو الآلاءِ أعلَى وأَبَرْ يَخذُلُ مَن شاءَ ومَنْ شاءَ نَصَرْ . . .قال : واختلط القوم فاقتتلوا قتالاً شديدا ، فقتل من أصحاب كُمَيْل : رجلان عبد اللّه بن قَيْس القابِسيّ ، ومُدرِك بن بِشْر الغَنَوِيّ ، ومن أصحاب شَبِيْب أربعةُ نفر ؛ ووقعَتِ الهزيمة على أهل الشَّام فقتل منهم بشر كثير ، فَوَلَّوا الأدبار منهزمين نحو الشَّام . . . فقال : ثُمَّ رجع شَبِيْب بن عامر إلى نصيبين ؛ ورجع كُمَيْل بن زياد إلى هِيت ، وبلغ ذلك عليَّا رضى الله عنه ، فكتب إلى كُمَيْل بن زياد :

.


1- . الكرماني : هو عليّ بن جديع بن شبيب بن عامر الأزدي .
2- . كَفَرْتُوثا : قرية كبيرة من أعمال الجزيرة ، بينها وبين دارا خمسة فراسخ .

ص: 123

كتابه عليه السلام إلى كميل بن زياد

كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

كتابه عليه السلام إلى كُمَيْل بن زِياد« أمَّا بَعْدُ ؛ فالحَمْدُ للّه ِ الَّذي يَصْنَعُ للمَرْءِ كَيْفَ يَشاءُ ، ويُنْزِلُ النَّصْرَ علَى مَنْ يَشاءُ إذا شاءَ ، فَنِعْمَ المولى رَبُّنا ونِعْمَ النَّصيرُ ، وقد أحسَنْتَ النَّظَرَ للمُسلِمينَ ونَصَحْتَ إمامَكَ ، وقُدْما كانَ ظَنِّي بِكَ ذلِكَ ، فجربت والعصابة الَّتي نهضت بهم إلى حرب عدوّك خير ما جُزي الصَّابرون والمجاهدون ، فانظر لا تغزونّ غزوة ولا تجلون إلى حرب عدوّك خطوة بعد هذا حَتَّى تستأذنني في ذلك _ كفانا اللّه وإيَّاك تظاهر الظَّالمين ، إنَّه عزيز حكيم ، والسَّلام عليك ورحمة اللّه وبركاته _ » . (1)

كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاس« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ من عَبدِ اللّه ِ عليّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى عَبدِ اللّه بنِ عبَّاسٍ ، أمَّا بَعدُ ؛ فانظُر ما اجتَمَعَ عِندَكَ مِن غَلاَّتِ المُسلِمينَ وفَيْئِهِم ، فاقسِمْهُ مَنْ قِبَلَكَ حَتَّى تُغنِيَهُم ، وابعَث إلينا بِما فَضُلَ نَقسِمْهُ فِيمَن قِبَلَنا ، والسَّلامُ » . (2)

.


1- . الفتوح: ج 4 ص 228، وراجع: أنساب الأشراف: ج 3 ص 231 .
2- . وقعة صفِّين : ص106 ، بحار الأنوار : ج32 ص402 .

ص: 124

كميل بن زياد

كُمَيْلُ بنُ زِيَادٍهو كُمَيْل بن زياد بن نُهَيك النَّخَعيّ الكوفيّ ، من أصحاب الإمامين أمير المؤمنين عليّ عليه السلام (1) ، وأبي محمّد الحسن عليه السلام (2) . عُدّ من ثقات أصحاب الإمام عليّ عليه السلام (3) ، وقيل في حقّه : كان شجاعا فاتكا ، وزاهدا عابدا (4) . كان في مقدّمة الكوفيّين الثَّائرين على عثمان (5) ، فأقصاه عثمان مع عدّة إلى الشام (6) . ولمّا كانت حرب صفِّين شارك فيها مع أهل الكوفة . (7) ولاّه الإمام على هيت (8) ، فلم يتحمّل عِبْأها ، بل كان ضعيفا في ولايته ، فعاتبه الإمام على ذلك (9) . روى عن أمير المؤمنين عليه السلام (10) ، لم يرد ذكره في واقعة كربلاء ، ولا في ثورة التَّوَّابين والمختار . استشهد كُمَيْل _ والَّذي كان من جملة العبّاد الثَّمانية المشهورين في الكوفة (11) _ في سنة 82 ه (12) على يد الحجّاج لعنه اللّه (13) . في شرح نهج البلاغة : كان كُمَيْل بن زياد عامل عليّ عليه السلام على هِيت ، وكان ضعيفا ، يمرّ عليه سرايا معاوية تنهب أطراف العراق ولا يردّها ، ويحاول أن يجبر ما عنده من الضَّعف بأن يُغير على أطراف أعمال معاوية ، مثل قرقيسيا (14) وما يجري مجراها من القرى الَّتي على الفرات . فأنكر عليه السلام ذلك من فعله ، وقال : إنّ مِنَ العَجْزِ الحاضِرِ أن يُهمِلَ الوالي ما وَلِيَهُ ، ويتكَلّفَ ما لَيسَ مِن تكلِيفِهِ (15) . وفي الإرشاد عن المُغِيْرَة : لمّا وُلّي الحجّاج طلب كُمَيْلَ بن زياد ، فهرب منه ، فحرم قومَه عطاءهم ، فلمّا رأى كُمَيْل ذلك قال : أنا شيخ كبير قد نفد عمري ؛ لا ينبغي أن أحرم قومي عطيّاتهم ، فخرج فدفع بيده إلى الحجّاج ، فلمّا رآه قال له : لقد كنت اُحبّ أن أجد عليك سبيلاً ! فقال له كُمَيْل : لا تَصْرِفْ (16) عليَّ أنيابك ، ولا تَهدَّمْ (17) عليَّ ، فو اللّه ، ما بقي من عمري إلاّ مثل (18) كواسل الغبار ، فاقضِ ما أنت قاضٍ ، فإنّ الموعد اللّه ، وبعد القتل الحساب ، ولقد خبّرني أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّك قاتلي . فقال له الحجّاج : الحجّة عليك إذا ! فقال كُمَيْل : ذاك إن كان القضاء إليك ! قال : بلى ، قد كنتَ فيمن قتل عثمان بن عفّان ! اضربوا عنقه . فضُربت عنقه (19) . وكان كُمَيْل ممَّن ثار على سَعيد عامل عثمان ، وضربوا عنده رجلاً يدفع عن سعيد ، وكان من المسيّرين من الكوفة إلى الشَّام بأمر عثمان ، وبينهم وبين معاوية هناك مجادلات ومناظرات ، ثُمَّ سيّروا إلى حِمْص ، ثُمَّ ارجعوا إلى الكوفة ، كل ذلك بأمر من عثمان . (20) وقد روى كُمَيْل عن عليّ عليه السلام دعاء الخضر المعروف بدعاء كُمَيْل ، كما في الإقبال ، وفي المصباح روي أنَّ كميلاً رأى أمير المؤمنين عليه السلام يدعو بهذا الدُّعاء في ليلة النِّصف من شعبان ساجدا ، قال عليه السلام له بعد تعليمه هذا الدُّعاء ، أوجب لك طول الصُّحبة لنا أن نجود لك بما سألت ( كما في الإقبال ) . (21) قال سعيد بن زَيْد بن أرطاة : لقيت كُمَيْل بن زياد وسألته عن فضل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : ألا أخبرك بوصيَّة أوصاني بها يوما هي خير لك من الدُّنيا بما فيها ؟ فقلت : بلى ، قال : قال لي عليٌّ عليه السلام : « يا كُمَيْلُ بنَ زيادٍ ، سَمّ كُلَّ يَومٍ باسمِ اللّه ِ ، وقُلْ لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاّ باللّه ِ ، وتوكَّل علَى اللّه ِ ، واذكرنا وسمّ بأسمائنا ، وصلّ علينا واستَعْذِ باللّه ِ رَبِّنا ، وادرأ بذلِكَ عَن نَفْسِكَ ، وما تَحوطُهُ عِنايَتُكَ ، تُكْفَ شَرَّ ذلِكَ اليَومِ . يا كُمَيْلُ إنَّ رسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أدَّبهُ اللّه ُ عز و جل ، وهُوَ أدَّبَنِي ، وأنا أُؤدِّبُ المُؤمِنينَ ، وأُورِّثُ الأدَبَ المُكرَمِينَ . يا كُمَيْلُ ما مِنْ عِلمٍ إلاّ وأَنا أفتَحُهُ ، وما مِن سِرٍّ إلاّ والقائم عليه السلام يَختِمُهُ . يا كُمَيْلُ ذُرِّيةٌ بَعضُها مِن بَعضٍ ، واللّه ُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . يا كُمَيْلُ لا تأخُذْ إلاّ عَنَّا ، تَكُنْ مِنَّا . يا كُمَيْلُ ما مِنْ حَرَكَةٍ إلاّ وأنتَ مُحتاجٌ فيها إلى مَعونَةٍ فيها إِلى مَعرِفَةٍ » . . . الحديث . (22) قال كُمَيْل بن زياد : ( أخذ بيدي عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فخرج بي إلى ناحية الجبَّانة ، فلمَّا أصحر ، تنفَّس الصُّعداء ثمَّ ) قال : « إنَّ هذِهِ القلُوبَ أوْعِيَةٌ فخَيْرُها أوْعاها ، احفَظْ عَنِّي ما أقولُ لَكَ : النَّاسُ ثَلاثةٌ : عالِمٌ ربَّانيٌّ ، ومتَعَلِّمٌ علَى سَبيلِ النَّجاةِ ، وهَمَجٌ رُعاعٌ ، أتباعُ كُلِّ ناعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ ريحٍ ، لم يَسْتَضِيئوا بِنُورِ العِلمِ فَيهتَدُوا ولَمْ يَلجؤوا إلى رُكْنٍ وَثِيقٍ فيَنْجوا . يا كُمَيْلُ ، العِلمُ خَيرٌ مِنَ المالِ ، العِلمُ يَحْرُسُكَ وأنتَ تَحْرُسُ المالَ ، والمالُ تُفْنيهِ النَّفَقَةُ ، والعِلمُ يزْكُو على الإنفاقِ ، العِلمُ حاكِمٌ ، والمالُ مَحكُومٌ علَيهِ . يا كُمَيْلُ بنَ زيادٍ ، مَحَبَّةُ العالِمِ دِينٌ يُدانُ بهِ ، بِهِ يَكسِبُ الإنسانُ الطَّاعَةَ في حَياتِهِ ، وجَمِيلَ الأُحدُوثَةِ بَعد وفاتِهِ ، ومَنْفَعَةُ المالِ تَزُولُ بزَوالِهِ ، ماتَ خُزَّان الأَموالِ وهُم أحياءٌ ، والعُلماءُ باقونَ ما بَقِيَ الدَّهرُ ، أعيانُهم مَفقُودَةٌ ، وأمثِلَتُهُم فِي القُلوبِ مَوجودَةٌ . ها ، إنَّ هاهنا لَعِلْما جَمَّا _ وأشار إلى صَدْرِهِ _ لم أُصِبْ لَهُ خَزَنةً ، بلَى أصِيبُ لَقِنا غَيرَ مأمُونٍ ، مستعْمِلاً آلَةَ الدِّينِ في طَلَبِ الدُّنيا ، يَسْتَظهِر بِحُجَجِ اللّه ِ علَى أوليائِهِ ، وبِنعْمَةِ اللّه ِ علَى معاصِيهِ ، أو مُنْقادا لِحَمَلَةِ الحَقِّ لا بصيرةَ لَهُ في أحْنائِهِ ، ينقَدِحُ الشَّكُّ في قلبِهِ بأوَّل عارِضٍ مِن شُبهَةٍ ، اللَّهُمَّ لا ذا ولا ذاك ، أو مَنْهُوما باللَّذَّة سَلِسَ القِيادِ للشَّهوةِ ، أو مُغْرَما بالجَمعِ والادِّخارِ ، لَيْسا مِنْ رُعاةِ الدِّينِ ، ولا مِنْ ذَوِي البَصائِرِ واليَقِينِ ، أقرَبُ شَبَها بِهِما الأنعامُ السَّائِمَةُ ، كذلِكَ يَموتُ العِلمُ بِمَوْتِ حَمَلَتِهِ . اللَّهمَّ بلى لا تخلو الأرضُ مِن قائِمٍ للّه ِ بِحُجَّةٍ ، إمَّا ظاهرا مشهورا ، أو خَائِفا مَغمُورا ، لِئلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللّه ِ وبيِّناتُهُ ، ورُواةُ كتابِهِ ، وأيْنَ أُولئِكَ ؟ هُم الأقلُّونَ عَدَدا ، الأعظَمونَ قَدْرا ، بِهم يَحفَظُ اللّه ُ حُجَجَهُ حَتَّى يُودِعَهُ نُظَراءَهُم ، ويَزْرَعَها فِي قُلوبِ أشباهِهِم ، هَجَمَ بِهِم العِلمُ على حَقائِقِ الإيمانِ ، فَباشَرُوا رُوحَ اليَقينِ ، واسْتَلانوا ما استَوْعَرَ مِنهُ المُترَفُونَ ، واستأنَسُوا بِما استوْحَشَ مِنُه الجاهِلونَ ، صَحِبوا بأبْدانٍ أرواحُها معَلَّقَةٌ بالمَحَلِّ الأعلَى . يا كُمَيْلُ أُولئِكَ أُمناءُ اللّه ِ في خَلقِهِ ، وخلفاؤه في أرضِهِ ، وسُرُجُه فِي بلادِهِ ، والدُّعاةُ إلى دينِهِ ، واشَوْقَاهُ إلى رُؤيَتِهِم ، أستَغفِرُ اللّه َ لِي ولَكَ » . (23) وفي الإصابة : كُمَيْل بن زياد . . . النَّخَعيّ التَّابعيّ الشَّهير ، له إدراكٌ . . . مات سَنَة اثنتين وثمانين وهو ابن سبعين سنة ، فيكون قد أدرك مِنَ الحياة النَّبويَّة ثَماني عشْرَةَ سنَة ، وقال ابن سعد : شهد مع عليّ صفِّين ، وكان شريفا مطاعا ثقة ، قليل الحديث . (24)

.


1- . رجال الطوسي : ص80 الرقم792 ، رجال البرقي : ص6 ؛ تهذيب الكمال : ج 24 ص219 الرقم4996 .
2- . رجال الطوسي : ص95 الرقم946 .
3- . كشف المحجّة: ص236؛ تهذيب الكمال: ج 24 ص219 الرقم 4996، الإصابة: ج 5 ص486 الرقم7516.
4- . البداية والنهاية : ج9 ص46 .
5- . أنساب الأشراف : ج6 ص139 ، تاريخ الطبري : ج4 ص326 .
6- . تاريخ الطبري : ج4 ص323 و ص 326 .
7- . الطبقات الكبرى : ج6 ص179 ، الإصابة : ج 5 ص486 الرقم7516 ، تاريخ مدينة دمشق : ج50 ص249 .
8- . هِيْت : بلدة في العراق على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار ( معجم البلدان : ج5 ص421 ) .
9- . نهج البلاغة : الكتاب 61 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص231 .
10- . نهج البلاغة : الحكمة 147 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص205 ؛ تهذيب الكمال : ج 24 ص220 الرقم4996 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 50 ص251 الرقم5829 .
11- . تهذيب الكمال : ج 24 ص219 الرقم4996 ، تاريخ مدينة دمشق : ج50 ص250 .
12- . الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص249 الرقم1058 ، تاريخ مدينة دمشق : ج50 ص257 ، تاريخ الطبري : ج6 ص365 وفيه « سنة 83 ه » .
13- . الإرشاد : ج1 ص327 ؛ تهذيب الكمال: ج 24 ص219 الرقم4996، الطبقات الكبرى: ج6 ص179، الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص249 الرقم1058 ، الإصابة : ج 5 ص486 الرقم7516 ، البداية والنهاية : ج9 ص46.
14- . قَرْقيسياء : بلد في العراق على نهر الخابور قرب صفّين والرَّقّة ، وعندها مصبّ الخابور في الفرات ( راجع معجم البلدان : ج4 ص328 ) .
15- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج17 ص149 .
16- . الصَّرِيْف : صَوت الأنياب . وصَرَف نابَه وبِنابِه : حَرَقه : ( حَكَّه ) فسمعت له صوتا ( لسان العرب : ج9 ص191 ) .
17- . من المجاز : تَهَدَّم عليه غَضَبا ؛ إذا تَوَعَّدَهُ . وفي الصِّحاح : اشتدَّ غَضَبُه ( تاج العروس : ج17 ص744 ) .
18- . كأنّها بقايا الغبار الَّتي كسلت عن أوائله .
19- . الإرشاد : ج1 ص327 ؛ الإصابة : ج 5 ص486 الرقم7516 نحوه وراجع: تاريخ الطبري : ج4 ص404 وتاريخ مدينة دمشق : ج50 ص256 .
20- . تاريخ الطبري : ج4 ص318 و323 .
21- . الإقبال : ج3 ص331 .
22- . بشارة المصطفى : ص 25 ، تحف العقول : ص171 ، بحار الأنوار : ج77 ص266 .
23- . تحف العقول : ص169 وراجع : نهج البلاغة : الحكمة147 ، الخصال : ص186 ح257 ، الأمالي للطوسي : ص21 ح23 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص194 ، شرح الأخبار : ج2 ص371 ، بحار الأنوار : ج1 ص188 ح4 ؛ العِقد الفريد : ج2 ص212 ،المناقب للخوارزمي : ص367 .
24- . الإصابة : ج5 ص485 الرقم 7516 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص124 .

ص: 125

. .

ص: 126

. .

ص: 127

. .

ص: 128

. .

ص: 129

166 _ كتابه عليه السلام إلى بعض عمّاله

166كتابه عليه السلام إلى بعض عمَّالهأمَّا بَعْدُ ؛ فقد بَلَغَنِي عَنكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فقد أَسْخَطْتَ رَبَّكَ ، وعَصَيْتَ إمامَك ، وأَخْزَيْتَ أَمانَتك ، بَلَغَنِي أَنَّك جَرَّدْتَ الأرْضَ فأَخَذْتَ ما تَحْتَ قَدَمَيْكَ ، وأَكَلْتَ ما تَحْتَ يَدَيْك فَارْفَعْ إليَّ حِسَابَك ، واعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ النَّاس ، والسلامُ . (1)

[ أقول : نقله السَّيِّد رحمه الله كما ذكرنا من دون إيعاز إلى المكتوب إليه ، ولكن ابن عبد رب ، والبلاذري صرَّحوا بأنَّه عبد اللّه بن عبَّاس ، ابن عمّه والوالي على البصرة من قِبَله . ولا بأس بذكر جميع ما يتعلّق بقصّة ابن عبَّاس في بيت مال البصرة ، قال الطبري : مرَّ عبد اللّه بن عبَّاس على أبي الأسْوَد ، فقال : لو كنت من البهائم كنت جملاً ، ولو كنت راعيا ما بلغت المرعى ، ولا أحسنت مهنته في المشي (2) ] . قال ابن أعْثَم : ثُمَّ بعث عليّ إلى عبد اللّه بن العبَّاس ، وهو عامله على البصرة ، يأمره أن يخرج إلى الموسم فيقيم الحجّ للنَّاس . قال : فدعا عبد اللّه بن عبَّاس بأبي الأسْوَد الدُّؤلي فاستخلفه على صلاة البصرة ، ودعا بزياد بن أبى فجعله على الخَراج ، وتجهَّز عبد اللّه بن عبَّاس ، وخرج إلى الموسم . قال : وجرت بين أبي الأسْوَد وزياد بن أبى منافرة ، فهجاه أبو الأسْوَد ، وقال فيه هذه الأبيات : ألاَ بَلِّغا عَنِّي زِيادَا رِسالَةًيُحِثُّ إليهِ حَيثُ كانَ مِنَ الأَرْضِ فَما لَكَ من وَرْدٍ إذا ما لَقِيتَنِييُقطَّعُ دُونِي طَرْفُ عَينِيَ كالمُغْضِي وما لِي إذا ما أخْلَفَ الوِدُّ بَينَناأُمِرُّ القُوى مِنهُ وتَعْمَلُ في النَّقْضِ أَلَم تَرَ أَنِّي لا أُكَوِّنُ شِيمَتِييُكَوِّنُ غُولُ الأرْضِ في الطُّولِ والعَرضِ قال : ثُمَّ بلغ أبا الأسْوَد بعد ذلك أنّ زيادا يشتمه ، ويقول فيه القبيح ، فأنشأ يقول : نُبِّئْتُ أنَّ زِيادَا ظَلَّ يَشتِمُنِيوالقَولُ يُكتَبُ عِندَ اللّه ِ والعَمَلُ لقد (3) لَقِيتُ زِيادا ثُمَّ قُلْتُ لَهُمِن قَبلِ ذلِكَ ما جاءَتْ بهِ الرُّسُلُ حَتَّامَ تَذكُرُنِي فِي كُلِّ مُجتَمَعٍعَرْضا وأنتَ إذا ما شِئْتَ تَنتَقِلُ حَتَّامَ تَشْتِمُني حَتَّامَ تَذكُرُنيوقَدْ ظَلَمْتَ وتَسْتَعْفِي وتَنْتَصِلُ ثُمَّ تَعُودُ وتنسى مَا يوافِقُنِيوالعُذْرُ يُندِمُ و النِّسيانُ والعَجَلُ قال : وقدم عَبدُ اللّه ِ بنُ العبَّاسِ مِنَ الحَجِّ ، فأقبلَ إليهِ زِيادُ بنُ أبىِ ، فَشكَى إليهِ أبا الأسْوَدَ الدُّؤَلِيّ ، وذكر أنَّه قَد هَجاهُ ، فأرسَلَ إليهِ ابنُ عبَّاس فَدَعاهُ ، فَقالَ : أما واللّه ، لو كُنتَ مِنَ البهائِم . . . فكتب _ أبو الأسْوَد _ إلى عليّ بن أبي طالب : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ اللّه تبارك وتعالى قد جعلك يا أمير المؤمنين واليا مؤتمنا ، وراعيا مسؤولاً ، ولقد بلوناك فوجدناك عظيم الأمانة ، ناصحا للرعيّة ، تُوفِّر عليهم حقوقهم ، وتزجر نفسك عن دنياهم ، ولا تأكل أموالهم ولا ترتشي في أموالهم ، وإنَّ ابن عمِّك هذا قد أكل مالَ اللّه بغير حقّ ، فلم يسعني كتمانك ذلك ، فانظر رحمك اللّه فيما هاهنا ، واكتب إليَّ برَأيِكَ فيما أحببت من ذلك _ إن شاء اللّه _ . [ فَلَمَّا وصل كتاب أبي الأسْوَد عليَّا عليه السلام وقرأه ]فكتب إليه عليّ رضى الله عنه :

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب40 ، بحار الأنوار : ج33 ص515 ؛ أنساب الأشراف : ج2 ص397 ، العِقد الفريد : ج3 ص346 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص164 ، جمهرة رسائل العرب: ج1 ص515 الرقم537 .
2- . تاريخ الطبري : ج5 ص141 وراجع : الكامل في التاريخ : ج2 ص432 ، أنساب الأشراف : ج2 ص396 ، العِقد الفريد : ج3 ص346 .
3- . في المصدر «قد» والصحيح «ولقد».

ص: 130

. .

ص: 131

كتابه عليه السلام لأبي الأسود الدّؤليّ

كتابه عليه السلام لأبي الأسْوَد الدُّؤليّ« أمَّا بَعدُ ؛ فَمِثلُكَ نصَحَ الإمامَ والأُمَّةَ ، ودلَّ علَى الحَقِّ ، وقَد كَتبْتُ إلى صاحِبِكَ فيما ذكَرتَ مِن أمرِهِ وَلم أُعلِمْهُ بكِتابِكَ إليَّ ، فلا تدَعَنَّ إعلامِي بِما يَكونُ بِحَضرَتِكَ ما فِيهِ النَّظَرُ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فإنَّه واجِبٌ عَلَيكَ فِي دِينِكَ ، والسلامُ عليكَ ورحْمَةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ » (1) .

[ أقول : كتب عليٌّ عليه السلام إلى ابنِ عبَّاسٍ الكتاب المُتَقدّمَ ، وقال ابنُ أعثم : كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابن عبَّاس : ] صورة أخرى من كتابهِ إلى ابن عبَّاس : « أمَّا بَعدُ ؛ يا بنَ العَبَّاسِ فَقد بَلغَنِي عَنْكَ أُمُورٌ ، اللّه ُ أعلَمُ بِها ، فَإنْ تَكُنْ حَقَّا فَلَسْتُ أرْضاها لَكَ ، وإنْ تَكُن باطِلاً فَإثمُها على مَن اقتَرفَها ، فَإذا ورَدَ علَيكَ كِتابي هذا فأَعْلِمْنِي في جوابِهِ ما أخذْتَ مِن مَالِ البَصرَةِ ، من أينَ أخَذتَهُ ، وفِيمَ وضَعْتَهُ » (2) . [ فلمَّا وصل الكتاب إلى ابن عبَّاس كتب إليه عليه السلام ] أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّ كُلَّ الَّذي بَلَغَكَ باطِلٌ ، وأنا لِمَا تحت يديّ ضابط ، وعليه حافِظٌ ، فلا تُصَدِّقْ علَيَّ الظَّنينَ . (3) [ صورة أخرى على رواية ابن أعثم : ] أمَّا بَعدُ ؛ فقد عَلِمتُ الَّذي بلغكَ عنِّي ، وأنَّ الَّذي أبلغك الباطل ، وإنِّي لِما تَحْتَ يَدَيّ لَضابِطٌ وحافِظٌ ، فلا تُصَدّق أقوالَ الوُشاةِ ما لَم يَكُنْ ، وأمَّا تَعظيمُكَ مَرزأَةَ ما رَزأته (4) من هذه البلدَة ، فواللّه لَئِن ألقى اللّه َ عز و جل بِما في الأرض مِن لُجَيْنِها وعِقْيانِها ، وعلى ظَهْرِها من طِلاعِها أحَبُّ إليَّ مِن أنْ أَلقاهُ وقد أرَقْتُ دِماءَ الأُمَّةِ ؛ فابعث إلى عَمَلِكَ مَن أحبَبْتَ فإنِّي مُعتَزِلٌ عَنهُ ، والسَّلامُ (5) . (6) فكتب عليّ عليه السلام :

.


1- . الفتوح : ج4 ص240 وراجع : تاريخ الطبري : ج5 ص141 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص433 ، العِقد الفريد : ج3 ص346 ، أنساب الأشراف : ج2 ص397 .
2- . الفتوح: ج 4 ص 242.
3- . العِقد الفريد : ج3 ص346 وراجع : تاريخ الطبري : ج5 ص141 ، الكامل في التاريخ :ج2 ص433 ، أنساب الأشراف : ج2 ص397 .
4- . رزأ المال: إذا أصاب منه شيئا .
5- . الفتوح : ج4 ص242 .
6- . وخلط ابن أعثمَّ بين هذا الكتاب والكتاب الَّذي تقدَّم عن العقد الفريد وأنساب الأشراف وتاريخ الطبري ، وبين ما يأتي .

ص: 132

كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاس« أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّهُ لا يَسَعُنِي تَرْكُكَ حَتَّى تُعلِمَني ما أخَذْتَ مِنَ الجِزْيَةِ مِن أيْنَ أخَذْتَهُ ، وما وضَعتَ مِنها أينَ وضَعْتَهُ . فاتَّقِ اللّه َ ، فِيما ائتمَنْتُكَ عَليهِ ، واستَرْعَيْتُكَ إيَّاهُ ، فَإنَّ المَتاعَ بِما أنتَ رازِمُهُ (1) قَلِيلٌ ، وتَبِعاتُهُ وبِيلَةٌ لا تَبِيدُ . والسَّلامُ » .

.


1- . رازمه : أي جامعه .

ص: 133

فلمَّا رأى أنَّ عليَّا غيرَ مُقلعِ عنه ، كتَبَ إليهِ : أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّه بَلَغَنِي تَعظِيمُكَ عَليَّ مَرْزِئة مالٍ بلَغَك أنِّي رَزَأتُه (1) أهلَ هذه البلاد ، وايم اللّه ِ ، لأنْ ألقى اللّه بما في بَطن هذه الأرض من عِقْيانها (2) ومُخبئها ، وبما على ظَهرها من طِلاعها ذَهَبا ، أحبُّ إليَّ من أن ألقى اللّه وقد سَفكتُ دِماءَ هَذهِ الأُمَّةِ لأنالَ بِذلِكَ المُلْكَ والإمْرَةَ . ابعث إلى عَملِكَ مَن أحبَبْتَ ، فإنِّي ظاعِنٌ . والسَّلامُ . (3) فلمَّا أراد عبد اللّه _ بن عبَّاس _ المسيرَ من البصرة دعا أخوالَه من بني هلال بن عامر بن صَعْصَعَة لِيَمنَعوهُ ، فجاء الضَّحَّاك بن عبد اللّه الهِلاليّ ، فأجاره ، ومعه رجلٌ منهم يقال له : عبد اللّه بن رَزين وكان شجاعا بَئيسا ، فقالت بنو هِلال : لا غنى بنا عن هَوازن ، فقالت هَوازان : لا غنى بنا عن بني سُلَيْم . ثُمَّ أتتهم قَيس ، فلمَّا رأى اجتماعَهم له حَمل ما كان في بيت مال البصرة ، وكان فيما زعموا سِتَّةَ آلافِ ألفٍ ، فجعله في الغرائر . قال : فحدَّثني الأزرق اليَشكريّ ، قال : سمعنا أشياخَنا من أهل البصرة قالوا : لمَّا وَضع المالَ في الغرائر ثُمَّ مَضى به ، تَبِعَتْه الأخْماسُ كلّها بالطَفّ ، على أربع فراسخ من البصرة ، فوافقوه . فقالت لهم قَيس : واللّه ، لا تصلوا إليهِ ومنَّا عينٌ تطْرُف . فقال ضَمْرة ، وكان رأسَ الأزْد : واللّه إنَّ قَيسا لاَءخوَتُنا في الإسلام ، وجيرانُنا في الدار ، وأعْوانُنا على العَدوّ ، إنَّ الَّذيتَذهبون بهِ المال ، لو رُدَّ عليكم لكان نصيبُكم مِنه الأقلّ ، وهم خيرٌ لكم من المال . قالوا : فما ترى ؟ قال : انصرفوا عنهم . فقالت بكرُ بن وائل ، وعبدُ القَيس : نِعمَ الرَّأي رَأيُ ضَمْرة ، واعتزلوهم . فقالَت بَنو تميم : واللّه ، لا نُفارِقُهم حَتَّى لَنُقاتِلَهم عَليهِ . فقال الأحْنَفُ بن قَيس : أنتم واللّه ، أحقُّ إلاَّ تُقاتِلوهُم عَليهِ ، وقد تَرك قتالَهم مَن هو أبعدُ مِنكُم رَحِما . قالوا : واللّه ِ لنُقاتلنَّهم فقال: واللّه لا نعاونكم على قتالهم ، وانصرف عنهم فقدم عليهم ابنُ المُجاعة ، فقاتَلهم . فحمَل عليه الضَّحَّاكُ بن عبد اللّه فطعنه في كَتفِهِ فصرَعَهُ ، فسقط إلى الأرض بغير قَتل ، وحَمَل سَلمة بن ذُؤيب السَّعدي على الضَّحَّاك فصَرَعَهُ أيضا ، وكَثُرت بينهم الجِراحُ مِن غَيرِ قَتْلٍ . فقال الأخماسُ الَّذِين اعتزلوا : واللّه ما صنعتم شيْئا . اعتزلتم قتالهم وتركتموهم يَتشاجرون . فجاؤوا حَتَّى صرَفوا وجوهَ بَعضِهِم عَن بعضٍ ، وقالوا لِبَني تميمٍ : واللّه ِ ، إنَّ هذا اللُّؤمَ قَبيحٌ ، لنحن أسخى أنفسا منكم حين تركنا أموالَنا لِبَني عَمّكم ، وأنتم تُقاتِلونَهم عليها ، خلُّوا عنهم وأرواحَهم ، فإنَّ القوم فُدحوا . فانصرفوا عنهم ، ومَضى معه ناسٌ من قَيس ، فيهم الضَّحَّاك بنُ عَبدِ اللّه ِ وعبدُ اللّه ِ بنُ رَزين ، حَتَّى قَدِموا الحجازَ ، فَنَزلَ مكَّة ، فجعَلَ راجِزٌ لِعَبدِ اللّه ِ بنِ عَبَّاسٍ يَسوقُ لَهُ في الطَّريقِ ويقول : صَبَّحتُ مِن كاظِمَةَ القَصْرَ الخَرِبْ مَعَ ابنِ عبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبْوجعل ابن عبَّاس يرتجز ، ويقول : آوِي إلى أهلِكِ يا رَبابُ آوِي فَقَدْ حانَ لَكِ الإيابُ وجعل أيضا يرتجز ، ويقول : وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنا هَمِيساإنْ يَصْدُقِ الطَيرُ نَنِكْ لَمِيسَا فقيل له : يا أبا العبَّاس ، أمِثلُكَ يَرْفَثُ فِي هذا المَوضِعْ ؟ قال : إنَّما الرَّفث ما يقال عند النِّساء . قال أبو محمَّد : فلمَّا نزل مكّةَ اشترى من عطاء بن جُبَيْر مولى بني كَعْب ، من جواريه ثلاثَ مُولّداتٍ حجازيّاتٍ ، يُقالُ لهنَّ : شاذِن ، وحَوراء ، وفُتون . بثلاثةِ آلاف دِينار . وقال سُلَيْمانُ بن أبي راشد ، عن عَبدِ اللّه بن عُبيد ، عن أبي الكَنُود ، قال : كنت من أعوان عبد اللّه بالبصرة ، فلمَّا كان من أمره ما كان أتيتُ عليَّا فأخبرتُه ، فقال : « وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى ءَاتَيْنَهُ ءَايَتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَنُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ » (4) . ثُمَّ كتب معه إليه : أمَّا بَعدُ ؛ فَإنِّي كُنتُ أشركْتُكَ في أمانَتِي . . . إلى آخِرِ ما نقله المصنّف رحمه الله في معادن الحكمة ، فكتب إليه ابن عبَّاس ما نقله المصنّف ، فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام ما نقله المصنّف . (5) قال ابن عبد رب ، بعد نقل ما ذكرنا من الكتب : فكتب إليه ابن عبَّاس في جوابه : واللّه ِ ، لئن لم تَدعْنِي مِن أساطِيرِكَ لأَحْمِلَنَّهُ إلى معاوية يُقاتلك بهِ ، فكفَّ عنه عليّ . (6)

.


1- . يقال : رزأ المال رزاء ومرزئة ، إذا أصاب منه شيئا .
2- . العقيان : الذَّهب .
3- . العِقد الفريد : ج3 ص346 وراجع : تاريخ الطبري : ج5 ص141 ، الكامل في التاريخ :ج2 ص433 ، أنساب الأشراف : ج2 ص899 ؛ رجال الكشّي : ج1 ص280 .
4- . الأعراف :175 .
5- . العِقد الفريد : ج3 ص347 _ 349 وراجع : تاريخ الطبري : ج5 ص142 ، الكامل في التاريخ : ج3 ص433 ، أنساب الأشراف : ج2 ص389 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص167 ؛ نهج البلاغة : الكتاب 41 ، تذكرة الخواصّ : ص151 ، رجال الكشّي : ج1 ص279 ، بحار الأنوار : ج33 ص499 ح705 ، معادن الحكمة : ج1 ص235 _ 238 .
6- . العِقد الفريد : ج3 ص349 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص520 .

ص: 134

. .

ص: 135

. .

ص: 136

الأقوال في القصّة وما يتلوها

الأقوال في القِصَّة وما يتلوها :قال الطَّبريّ : وحدَّثني أبو زَيْد ، قال : زعَم أبو عُبَيْدة ولم أسمعه منه ، أنَّ ابن عبَّاس لم يبرح من البصرة حَتَّى قُتِلَ عليّ عليه السلام ، فشخص إلى الحسن ، فشهد الصُّلحَ بينه وبين معاوية ، ثُمَّ رجع إلى البصرة ، وثِقَلُه بها ، فحمَله ومالاً من بيت المال قليلاً ؛ وقال : هي أرزاقي . قال أبو زَيْد : ذكرتُ ذلك لأبي الحسن فأنكرَه وزعَم أنَّ عليَّا قُتل وابن عبَّاس بمكَّة ، وأنَّ الَّذي شهد الصُّلح بين الحسن ومعاوية عُبيدُ اللّه بن عبَّاس . (1) قال العلاّمة في خلاصته : عبد اللّه بن العبَّاس ، من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، كان محبّا لعليّ عليه السلام ، وتلميذه ، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من أن يخفى ، وقد ذكر الكِشّي أحاديثَ تتضمَّنُ قَدحا فيه ، وهو أجلّ من ذلك ، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير ، وأجبنا عنها . (2) وقال العلاّمة المجلسيّ رحمه الله في شرح حديث : ويحتمل أن يكون كناية عن ابن عبَّاس فإنَّه قد انحرف عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وذهب بأموال البصرة إلى الحجاز ، ووقع بينه عليه السلام وبينه مكاتبات تدلّ على شقاوته وارتداده . (3) وقال وكيع في أخبار القضاة : قال أبو بكر : ولمَّا خرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى البصرة استخلف عبد اللّه بن عبَّاس . . .فولَّى عبد اللّه بن عبَّاس على القضاء عبد الرَّحمن بن يزيد الحُدَّانيّ . . . وقيل استقضى ابن عبَّاس أبا الأسْوَد الدُّؤلي . . .عزله واستقضى الضَّحَّاك بن عبد اللّه الهِلاليّ . . . وقال أبو عبيدة : كان ابن عبَّاس يفتي النَّاس ويحكم بينهم ، وإنَّه خرج إلى عليٍّ ، ومعه أبو الأسْوَد الدُّؤلي وغيره من أهل البصرة ، فاستقضى الحارث بن عبد عوف بن أصرم بن عَمْرو الهِلالي ، ثُمَّ قدم ابن عبَّاس فأقر الحارث ، وابن عبَّاس يتولّى عامَّة الأحكام بالبصرة ، ثُمَّ كان بعد ذلك كلّما شخص عن البصرة استخلف أبا الأسْوَد ، فكان هو المفتي ، والقاضي يومئذٍ يُدعى المفتي ، فلم يزل كذلك حَتَّى قتل عليّ عليه السلام في سَنَة أربعين . . . وقال أبو عبيدة : لم ينزح ابن عبَّاس من البصرة حَتَّى قتل عليّ عليه السلام ، فشخص إلى الحسن بن عليّ ، وشهد الصُّلح بينه وبين معاوية ، ثُمَّ رجع إلى البصرة وثقله بها ، فحمله ومالاً من مالها ، وقال : هي أرزاقياجتمعت . وأنكر المَدائِنيّ ذلك ، وزعم أنَّ عليَّا عليه السلام قتل ، وابن عبَّاس بمكَّة ، وأنَّ الَّذي شهد الصُّلح عُبيدُ اللّه بن عبَّاس . (4)

.


1- . تاريخ الطبري : ج5 ص143 وراجع : أنساب الأشراف : ج2 ص402 .
2- . خلاصة الأقوال : ص190 الرقم586 ، جامع الرواة : ج1 ص449 .
3- . بحار الأنوار : ج69 ص225 .
4- . أخبار القضاة : ج1 ص287 _ 289 .

ص: 137

عبيد اللّه بن عبّاس

عُبَيدُ اللّه ِ بنُ عَبّاسعبيد اللّه بن عبّاس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أخو عبد اللّه بن عبّاس ، ابن عمّ النبيّ صلى الله عليه و آله والإمام أمير المؤمنين عليه السلام . وُلِدَ على عهد النَّبيّ صلى الله عليه و آله . (1) وقيل : إنّه سمع الحديث عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في صغره ، وحَفِظَه ، وحدّث به ، وكان مشهورا بالسَّخاء . (2) ولاّه الإمام عليه السلام على اليمن (3) ، وفرّ بعد غارة بُسر بن أرطاة عليها (4) ، وعثر بُسر على طفلَيه الصغيرين فذبحهما (5) . وعاد عبيد اللّه إليها بعد أن غادرها بُسر . (6) جعله الإمام الحسن عليه السلام على مقدّمة الجيش الَّذي أنفذه إلى معاوية ، ولكنّه خان ، وانخدع بمال معاوية ، ومن ثمّ التحق به . (7) وتوفّي بالمدينة في أيام معاوية ويقال : إنّه كفّ بصره . (8) في الغارات عن أبي روق : كان الَّذي هاج معاوية على تسريح بسر بن أبي أرطاة إلى الحجاز واليمن ، أنّ قوما بصنعاء كانوا من شيعة عثمان يعظّمون قتله لم يكن لهم نظام ولا رأس ، فبايعوا لعليّ عليه السلام على ما في أنفسهم ، وعامل عليّ عليه السلام يومئذ على صنعاء عبيد اللّه بن العبّاس ، وعامله على الجَنَد (9) سعيد بن نمران ، فلما اختلف الناس على عليّ عليه السلام بالعراق ، وقتل محمّد بن أبي بكر بمصر ، وكثرت غارات أهل الشَّام تكلّموا ، ودعوا إلى الطَّلب بدم عثمان ، ومنعوا الصَّدقات وأظهروا الخلاف ، فبلغ ذلك عبيد اللّه بن العبّاس فأرسل إلى ناس من وجوههم فقال : ما هذا الَّذي بلغني عنكم ؟ قالوا : إنّا لم نزل ننكر قتل عثمان ونرى مجاهدة من سعى عليه ، فحبسهم ، فكتبوا إلى من بالجند من أصحابهم فثاروا بسعيد بن نمران فأخرجوه من الجند وأظهروا أمرهم ، وخرج إليهم من كان بصنعاء ، وانضمّ إليهم كلّ من كان على رأيهم ، ولحق بهم قوم لم يكونوا على رأيهم إرادة أن يمنعوا الصَّدقة . فذكر من حديث أبي روق قال : والتقى عبيد اللّه وسعيد بن نمران ومعهما شيعة عليّ ، فقال ابن عبّاس لابن نمران : واللّه ، لقد اجتمع هؤلاء وإنّهم لنا لمقاربون ولئن قاتلناهم لا نعلم على من تكون الدَّائرة ، فهلمّ فلنكتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام بخبرهم وعددهم وبمنزلهم الَّذي هم به ، فكتبا إلى عليّ عليه السلام : أمّا بعد ، فإنّا نخبر أمير المؤمنين أنّ شيعة عثمان وثبوا بنا وأظهروا أنّ معاوية قد شيّد أمره ، واتّسق له أكثر النَّاس ، وإنّا سرنا إليهم بشيعة أمير المؤمنين ومن كان على طاعته ، وإنّ ذلك أحمشهم وألّبهم ، فتعبّوا لنا وتداعوا علينا من كلّ أوبٍ ، ونصرهم علينا من لم يكن له رأي فيهم ، ممّن سعى إلينا إرادة أن يمنع حقّ اللّه المفروض عليه ، وقد كانوا لا يمنعون حقّا عليهم ولا يؤخذ منهم إلاّ الحقّ فاستحوذ عليهم الشَّيطان ، فنحن في خير ، وهم منك في قفزة ، وليس يمنعنا من مناجزتهم إلاّ انتظار الأمر من مولانا أمير المؤمنين أدام اللّه عزّه وأيّده وقضى بالأقدار الصَّالحة في جميع اُموره ، والسَّلام . فلمّا وصل كتابهما ساء عليّا عليه السلام وأغضبه فكتب إليهما : « من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى عبيد اللّه بن العبَّاس وسَعيد بن نِمْران ، سلامٌ عليكما ، فإنِّي أحمَدُ إليكما اللّه َ الَّذي لا إل إلاَّ هو ، أمَّا بَعْدُ ، فإنَّه أتاني كتابُكما تذكُران فيه خروج هذه الخارجة ، وتعظّمان من شأنها صغيرا ، وتُكَثِّران من عددها قليلاً ، وقد علمتُ أنَّ نَخْبَ أفئدتكما وصِغَر أنفسكما وشَتات رأيكما، وسوءَ تدبيركما، هو الَّذي أفسد عليكما مَن لم يكن عنكما نائما ، وجَرَّأ عليكما مَن كان عن لقائكما جَبانا ، فإذا قدم رسولي عليكما، فامْضِيا إلى القوم حتَّى تقرآ عليهم كتابي إليهم ، وتدعوَاهم إلى حظّهم وتقوى رَبِّهم ؛ فإنْ أجابوا حَمِدنا اللّه وقَبِلنا منهم ، وإنْ حاربوا استعنَّا عليهم باللّه ، ونبذناهم على سواء « إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَآئِنِينَ » (10) . والسَّلام عليكما » (11) . وعن أبي الودّاك : كنت عند عليّ عليه السلام حين قدم عليه سعيد بن نمران الكوفة فعتب عليه وعلى عبيد اللّه ألاّ يكونا قاتلا بسرا ، فقال سعيد : واللّه قاتلت ، ولكنّ ابن عبّاس خذلني وأبى أن يقاتل ، ولقد خلوت به حين دنا منّا بسر ، فقلت : إنّ ابن عمّك لا يرضى منّي ولا منك إلاّ بالجدّ في قتالهم ، وما نعذر . قال ابن أعثم : ثُمَّ اعتزل ابن عبَّاس عمل البصرة ، وقعد في منزله ، فكتب إليه عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه بكتاب يعذله فيه على غضبه ، ويكذب من سعى به إليه ، وأعاده إلى عمله . (12) وروى الكِشّيّ عن الزُّهْريّ ، عن الحارث يقول : استعمل عليّ عليه السلام على البصرة عبد اللّه بن عبَّاس ، فحمل كُلَّ مال في بيت المال بالبصرة ، ولحق بمكَّة ، وترك عليَّا عليه السلام ، وكان مبلغه ألفي ألف درهم . فصعد عليّ عليه السلام المنبر حين بلغه ذلك فبكى ، فقال : « هذا ابنُ عَمّ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فِي عِلْمِهِ وقَدْرِهِ يَفعَلُ مِثلَ هذا ، فكَيفَ يُؤْمَنُ مَن كانَ دُونَهُ ، اللَّهمَّ إنِّي قَدْ مَلَلْتُهم فَأرِحْنِي مِنهُم ، واقبضني إِليْكَ غيرَ عاجِزٍ ولا مَلُولٍ . (13) وقال اليعقوبيّ : وكتب أبو الأسْوَد الدُّؤلي ، وكان خليفة عبد اللّه بن عبَّاس بالبصرة ، إلى عليّ عليه السلام يعلمه أنَّ عبد اللّه أخذ من بيت المال عشرة آلاف درهم ، فكتب إليه يأمره بردِّها ، فامتنع ، فكتب يقسم له باللّه لتردّنها ، فلمَّا ردَّها عبد اللّه بن عبَّاس ، أو ردّ أكثرها ، كتب إليه عليّ عليه السلام : « أمَّا بَعدُ ، فإنَّ المَرءَ يَسرّهُ دَرْكُ ما لَم يَكُن لِيفوتَهُ ، ويَسوؤهُ فَوتُ ما لَم يَكُن لِيُدرِكَهُ ، فَما أتاكَ مِن الدُّنيا فلا تُكثِرْ بهِ فَرَحا ، وما فاتَكَ مِنها فلا تُكثِرْ عَليهِ جَزَعا ، واجعَل هَمَّكَ لِما بَعدَ المَوْتِ . والسَّلامُ » (14) . وقال المأمون في رسالته إلى بني هاشم في أمير المؤمنين عليه السلام : . . . ثُمَّ لم يزل الأمور تتراقى به إلى أن ولّي أمور المسلمين ، فلم يعن بأحد من بني هاشم إلاَّ بعبد اللّه بن عبَّاس تعظيما لحقَّه ، وصِلَةً لِرَحِمِهِ ، وثِقةً بهِ ، فكانَ مِن أمرِهِ الَّذي يَغفِرُ اللّه ُ لَهُ . (15) وقال ابن الزُّبَيْر في خطبته بمكَّة على المنبر وابن عبَّاس جالس مع النَّاس تحت المنبر : إنَّ هاهنا رَجُلاً قد أعمى اللّه ُ قَلبَهُ كما أعمَى بَصرَهُ ، يَزعُم أنَّ مُتعَةَ النِّساءِ حَلالٌ مِنَ اللّه ِ ورَسُولِهِ ، ويفتي في القَمْلَةِ والنَّملَةِ وقَدِ احتَمَلَ بَيْتَ مَالِ البَصرَةِ بالأمْسِ ، وتَرَكَ المُسلِمينَ بِها يَرتَضِخُونَ النَّوى ، وكَيفَ ألومُهُ في ذلِكَ وقَد قاتَلَ أُمَّ المُؤمِنينَ ، وحَواري رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، ومَن وَقاهُ بِيَدِهِ . فَقالَ ابنُ عبَّاسٍ لِقائدِهِ سَعْدِ بنِ جُبَيْر بنِ هِشامٍ مَولَى بَنِي أسَدٍ بنِ خُزَيْمَةَ : استقبل بِي وَجْهَ ابنِ الزُّبَيْرِ وارفَعْ مِن صَدْرِي ، وكانَ ابنُ عبَّاس قَد كُفَّ بَصرُهُ ، فاستَقبَلَ بهِ قائدهُ وجْهَ ابنِ الزُّبَيْرِ ، وأقامَ قامته ، فحسر عن ذراعيه ، ثُمَّ قال : يا بن الزُّبَيْر ، . . . أمَّا حَمْلِي المالَ ، فإنَّه كان مالاً جَبيناهُ فأعَطْينا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، وبقيت بقيَّةٌ هِي دُونَ حقّنا في كتاب اللّه ، فأخذناها بحقّنا . (16) وحينما فرَّ عبيد اللّه بن العبَّاس إلى معاوية فخرج أمير الجند بعده قَيْس بن سَعْد بن عُبادَة ، وصلّى بالنَّاس وخطب ، فقال : . . . وإنَّ أخاه ولاّهُ عَلِيٌّ أمير المؤمنين على البصرة ، فسرق مالَ اللّه ومالَ المُسلِمينَ ، فاشترى بهِ الجواري ، وزعم أنَّ ذلك له حلال . (17) واختار الأكثر كما صرَّح به ابن أبي الحديد ، أنَّه أخذ بيت مال البصرة ، وفارق عليَّا عليه السلام ، ومال إليهِ ابنُ الأثيرِ في الكامِلِ فِي التاريخِ ، وأُسْدِ الغَابَةِ ، والبَلاذِريّ في أنسابِ الأشْرافِ . (18) وقال ابن أبي الحديد في شَرحِ الكِتابِ المُتقدِّم _ فَإنِّي كُنتُ أشرَكْتُك في أمانَتِي _ : وقد اختَلَفَ النَّاسُ فِي المَكتُوبِ إليهِ هذا الكتاب ، فقال الأكثرون : إنَّه عَبدُ اللّه ِ بنُ العبَّاس رحمه الله ، وروَوْا في ذلك روايات ، واستدلُّوا عليه بألفاظٍ مِن ألفاظِ الكِتابِ ، كَقولهِ « أشرَكْتُكَ فِي أمانَتِي ، وجَعَلْتُكَ بِطانَتِي ، وشِعارِي ، وأنَّهُ لَم يَكُنْ فِي أهْلِي رَجُلٌ أوثَقُ مِنْكَ » ، وقوله : « عَلى ابنِ عَمّكَ قَد كَلِبَ » ، ثُمَّ قال ثانيا : « قلبتَ لابنِ عَمّكَ ظَهْرَ المِجَنِّ » ، ثُمَّ قال ثالثا: « ولابن عمّك آسيتَ » ، وقوله : « لا أبا لِغَيْرِكَ » ، وهذه كلمة لا تقال إلاَّ لمثله ، فأمَّا غيره من أفناء النَّاس ، فإنَّ عليَّا عليه السلام كان يَقولُ : « لا أبا لَكَ » . وقوله : « أيُّها المَعدودُ كانَ عِندَنا مِن أُولِي الأَلبابِ » ، وقوله : « لو أنَّ الحَسَنَ والحُسَينَ عليهماالسلام » ، وهذا يدلّ على أنّ المكتوب إليه هذا الكتاب قريب من أن يجري مجراهما عنده . وقد رَوَى أرباب هذا القول أنَّ عبد اللّه بن عبَّاس كتب إلى عليّ عليه السلام جوابا من هذا الكتاب ، قالوا : وكان جوابه : _ فنقل الكتب المتقدّمة _ . وقال آخرونَ وهم الأقلّون : هذا لم يكن ، ولا فارق عبد اللّه بن عبَّاس عليَّا عليه السلام ، ولا باينه ولا خالفه ، ولم يزل أميرا على البصرة إلى أن قتل عليّ عليه السلام . قالوا : ويدلُّ على ذلك ما رواه أبو الفرج عليّ بن الحسين الإصفهانيّ من كتابه الَّذي كتبه إلى معاوية من البصرة لما قتل عليّ عليه السلام ، وقد ذكرناه من قبل ، قالوا : وكيف يكون ذلك ولم يخدعه معاوية ، ويجرّه إلى جهته ، فقد علمتم كيف اختدع كثيرا من عمَّال أمير المؤمنين عليه السلام واستمالهم إليه بالأموال ، فمالوا وتركوا أمير المؤمنين عليه السلام ، فما بالُه وقد عَلِمَ النَّبوة الَّتي حدثتْ بينهما ، لم يستمل ابن عبَّاس ، ولا اجتذبه إلى نفسه ؛ وكل مَن قرأ السِّير ، وعرف التَّواريخ يعرف مشاقّة ابن عبَّاس لمعاوية بعد وفاة عليٍّ عليه السلام ، وما كان يلقاه به من قوارع الكلام ، وشديد الخصام ، وما كان يثني به على أمير المؤمنين عليه السلام ، ويذكر خصائصه وفضائله ، ويصدع به من مناقبه ومآثره ، فلو كان بينهما غبار أو كَدر لَما كان الأمر كذلك ، بل كانت الحال تكون بالضِّدّ لِما اشتهر من أمرهما . وهذا عندي هو الأمثل والأصوب . وقد قال الرَّاونديّ : المكتوب إليه هذا الكتاب هو عُبَيد اللّه بن العبَّاس ، لا عبد اللّه ؛ وليس ذلك بصحيح ، فإنَّ عبيد اللّه كان عامل عليٍّ عليه السلام على اليمن ، وقد ذكرت قصته مع بُسر بن أرطاة فيما تقدَّم ، ولم ينقل عنه أنَّه أخذ مالاً ، ولا فارق طاعة . وقد أشكل عليَّ أمرُ هذا الكتاب ، فإن أنا كذّبت النَّقل ، وقلتُ : هذا كلام موضوع على أمير المؤمنين عليه السلام ، خالفتُ الرُّواة ، فإنَّهم قد أطبقوا على رواية هذا الكلام عنه ، وقد ذكِر في أكثر كتب السِّيَر . وإن صرفته إلى عبد اللّه بن عبَّاس صدَّني عنه ما أعلمه من ملازمته ، لطاعة أمير المؤمنين عليه السلام في حياته وبعد وفاته . وإن صرفته إلى غيره لم أعلم إلى مَن أصرفه من أهل أمير المؤمنين عليه السلام ، والكلامُ يشعر بأنَّ الرَّجل المخاطَب من أهله وبني عمّه ، فأنا في هذا الموضع من المتوقِّفين . (19) وقال ابن ميثم في الشَّرح : المشهور أنَّ هذا الكتاب إلى عبد اللّه بن عبَّاس حين كان واليا له على البصرة ، وألفاظ الكتاب « فَإنِّي كُنتُ أشرَكْتُكَ في أمانَتِي . . . » ، تنبه على ذلك _ ثُمَّ بعد نقله ما تقدَّم نقله في المعادن قال :_ وأنكر قوم ذلك ، وقالوا : إنَّ عبد اللّه بن عبَّاس لم يفارق عليَّا عليه السلام ، ولا يجوز أن يقول في حقِّه ما قال القطب الرَّاونديّ رحمه الله ، يكون المكتوب إليه هو عُبيد اللّه ، وحمله على ذلك أشبه ، وهو به أليق . واعلم أنَّ هذين القولين لا مستند لهما : أمَّا الأوَّل فهو مجرّد استبعاد أن يفعل ابن عبَّاس ما نسب إليه ، ومعلوم أنَّ ابن عبَّاس لم يكن معصوما ، وعليٌّ عليه السلام لم يكن ليراقب في الحقّ أحدا ، ولو كان أعزّ أولاده كما تمثَّل بالحسن والحسين عليهماالسلامفي ذلك ، فكيف بابن عمِّه ، بل يجب أن يكون الغلظة على الأقرباء في هذا الأمر أشدّ . ثُمَّ إنَّ غلظته عليه وعتابه له لا يوجب مفارقته إيِّاه ، لأنَّه كان إذا فعل أحد من أصحابه ما يستحق به المؤاخذة أخذه به ، سواء كان عزيزا أو ذليلاً ، قريبا منه أو بعيدا ، فإذا استوفى حقّ اللّه منه ، أو تاب إليه ممَّا فعل عاد في حقِّه إلى ما كان عليه . . . وأمَّا القول الثَّاني ، فإنَّ عُبيد اللّه كان عاملاً له عليه السلام باليمن ولم ينقل عنه مثل ذلك . (20)

.


1- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص512 الرقم121 .
2- . ذخائر العقبى : ص394 ؛ الدرجات الرفيعة : ص144 .
3- . أنساب الأشراف : ج4 ص79 ، تاريخ الطبري : ج5 ص92 و ص 155 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص151 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص179 ، الغارات : ج2 ص621 .
4- . الغارات : ج2 ص62 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص139 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص513 الرقم121 ، اُسد الغابة : ج03 ص52 الرقم3470 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص151 .
5- . الغارات : ج2 ص621 ؛ تاريخ الطبري : ج5ص140 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص513 الرقم121 ، اُسد الغابة :ج3 ص520 الرقم3470 .
6- . اُسد الغابة :ج3 ص520 الرقم3470 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص151 .
7- . رجال الكشّي : ج1 ص330 الرقم179 ، مقاتل الطالبيّين : ص73 .
8- . أنساب الأشراف : ج4 ص79 ، سِيَر أعلامِ النبلاء ج3 ص514 الرقم121 ،تاريخ خليفة بن خيّاط : ص171 .
9- . الجَنَد : شمالي تَعِز ، وهي عن صنعاء ثمانية وأربعون فرسخا . ( تقويم البلدان : ص91 ) .
10- . الأنفال : 58 .
11- . الغارات : ج2 ص592 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص3 .
12- . الفتوح : ج4 ص242 .
13- . رجال الكشّي : ج1 ص279 الرقم 109 ، بحار الأنوار : ج42 ص152 ح21 .
14- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص 205 وراجع : نهج البلاغة : الكتاب22 ، خصائص الأئمة عليهم السلام :ص95 ، تحف العقول : ص200 ، بحار الأنوار : ج33 ص495 ؛ تاريخ مدينة دمشق :ج42 ص503 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص140 .
15- . الطرائف : ص278 ، بحار الأنوار : ج49 ص210 .
16- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج20 ص129 _ 130 .
17- . مقاتل الطالبيين :ص73 .
18- . راجع: الكامل في التاريخ: ج2 ص432، أُسد الغابة: ج 3 ص 293 الرقم 3037 فيترجمة عبد اللّه ، أنساب الأشراف: ج2 ص903.
19- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص169 _ 172 ، بحار الأنوار : ج33 ص500 _ 503 .
20- . شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج5 ص89 _ 90 .

ص: 138

. .

ص: 139

. .

ص: 140

. .

ص: 141

. .

ص: 142

. .

ص: 143

. .

ص: 144

. .

ص: 145

أبو الأسود الدّؤليّ

أبو الأسْوَدِ الدُّؤلِيّهو ظالِم بن عَمْرو (1) ، المعروف بأبي الأسْوَد الدُّؤلي (2) . أحد الوجوه البارزة والصَّحابة المشهورين للإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام . (3) أسلم على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لكنّه لم يَحْظَ برؤيته (4) . وهو من المتحقّقين بمحبّة عليّ ومحبّة ولده (5) . ويمكن أن نستشفّ هذا الحبّ من أشعاره الحِسان (6) . الَّذين ترجموا له ذكروه بعناوين متنوّعة منها : علويّ (7) ، شاعر متشيِّع (8) ، من وجوه الشِّيعة (9) . شَهِد أبو الأسْوَد حروب الإمام عليه السلام ضدّ مساعير الفتنة في الجمل (10) ، و صفِّين (11) . وعيّنه الإمام عليه السلام قاضيا على البصرة عندما ولّى عليها ابن عبّاس (12) . وكان ابن عبّاس يقدّره ، وحينما كان يخرج من البصرة ، يُفوّض إليه أعمالها (13) ، وكان ذلك يحظى بتأييد الإمام عليه السلام أيضا (14) . ووسّع أبو الأسْوَد علم النَّحو بأمر الإمام عليه السلام الَّذي كان قد وضع اُسسه وقواعده (15) ، وأقامه ورسّخ دعائمه (16) ، وهو أوّل من أعجم القرآن الكريم وأشكله (17) . وله في الأدب العربي منزلة رفيعة ؛ فقد عُدّ من أفصح النَّاس (18) . وتبلور نموذج من هذه الفصاحة في شعره الجميل الَّذي رثى به الإمام عليه السلام ، وهو آية على محبّته للإمام ، وبغضه لأعدائه . ولم يدّخر وسعا في وضع الحقّ موضعه ، والدفاع عن عليّ عليه السلام ، ومناظراته مع معاوية (19) دليل على صراحته وشجاعته وثباته واستقامته في معرفة « خلافة الحقّ » و « حقّ الخلافة » ومكانة عليّ عليه السلام العليّة السَّامقة . وخطب بعد استشهاد الإمام عليه السلام خطبة حماسيّة من وحي الألم والحرقة ، وأخذ البيعة من النَّاس للإمام الحسن عليه السلام بالخلافة (20) . فارق أبو الأسْوَد الحياة سنة 69 ه (21) . في ربيع الأبرار : سأل زياد بن أبيه أبا الأسْوَد عن حبّ عليّ فقال : إنّ حبّ عليّ يزداد في قلبي حِدّة ، كما يزداد حبّ معاوية في قلبك ؛ فإنّي اُريد اللّه والدَّار الآخرة بحبّي عليّا ، وتريد الدُّنيا بزينتها بحبّك معاوية ، ومثلي ومثلك كما قال أخو مَذْحِج : خَلِيلانِ مُخْتَلِفٌ شَأنُنَااُريدُ العَلاَء ويَهوَى اليَمَنْ اُحِبُّ دِماءَ بَنِي مَالِكٍورَاقَ المُعَلّى بَياضُ اللَّبَنْ (22) وفي العقد الفريد : لمّا قَدِمَ أبو الأسْوَد الدُّؤلي على معاوية عام الجماعة (23) ، قال له معاوية : بلغني يا أبا الأسْوَد أنّ عليّ بن أبي طالب أراد أن يجعلك أحد الحكَمين ، فما كنت تحكم به ؟ قال : لو جعلني أحدهما لجمعت ألفا من المهاجرين وأبناء المهاجرين ، وألفا من الأنصار وأبناء الأنصار ، ثمّ ناشدتُهُم اللّه : المهاجرين وأبناء المهاجرين أولى بهذا الأمر أم الطُّلَقاء ؟ قال له معاوية : للّه ِِ أبُوكَ ! أيُّ حَكَمٍ كُنتَ تَكونُ لَو حُكّمْتَ ! (24) وفي تاريخ مدينة دمشق : كان أبو الأسْوَد مِمّن صحب عليّا ، وكان من المتحقّقين بمحبّته ومحبّة ولده ، وفي ذلك يقول : يَقُولُ الأرذَلُونَ بَنُو قُشَيْرٍطَوالَ الدَّهرِ لا يَنسى عَلِيّا اُحبُّ مُحمَّدا حُبّا شَديِدَاوَعبّاسا وحَمْزَةَ والوَصِيّا فَإنْ يَكُ حُبُّهُم رُشْدا اُصِبْهُولَيس بُمِخْطِئٍ إنْ كانَ غَيّا وكان نازلاً في بني قُشَير بالبصرة ، وكانوا يرجمونه باللَّيل لمحبّته لعليّ وولده ، فإذا أصبح فذكر رجمهم ، قالوا : اللّه يرجمك ، فيقول لهم : تكذبون ، لو رجمني اللّه لأصابني ، وأنتم ترجمون فلا تُصيبون (25) . وفي سِيَرِ أعلامِ النُّبلاء عن أبي الأسْوَد : دخلتُ على عليٍّ ، فرأيته مطرقا ، فقلت : فيم تتفكّر يا أمير المؤمنين ؟ قال : سمعت ببلدكم لَحْنا ، فأردت أن أضع كتابا في اُصُولِ العَربيّةِ . فقلت : إن فعلت هذا أحييتنا ! فأتيته بعد أيّام ، فألقى إليَّ صحيفة فيها : الكلام كلّه : اسمٌ ، وفِعلٌ ، وحَرْفٌ ؛ فالاسم ما أنبأ عن المُسمَّى ، والفعلُ ما أنبأ عن حرَكَةِ المُسمَّى ، والحرفُ ما أنبأ عن معنىً ليس باسم ولا فِعْلٍ . ثمّ قال لي : زده وتتبّعْه ، فجمعت أشياء ثمّ عرضتها عليه (26) . وفي الأغاني : قيل لأبي الأسْوَد : من أين لك هذا العلم _ يعنون به النَّحو _ ؟ فقال : أخذت حدوده عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام (27) . وفي : « الأربعون حديثا » عن عليّ بن محمّد : رأيت ابنة أبي الأسْوَد الدُّؤليّ وبين يدَي أبيها خَبيص (28) ، فقالت : يا أبه ، أطعِمني ، فقال : افتحي فاك . قال : ففتحت ، فوضع فيه مثل اللّوزة ، ثمّ قال لها : عليك بالتَّمر ؛ فهو أنفع وأشبع . فقالت : هذا أنفع وأنجع ؟ فقال: هذا الطَّعام بعث به إلينا معاوية يخدعنا به عن حبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام . فقالت : قبّحه اللّه ! يخدعنا عن السَّيِّد المطهّر بالشَهْدِ المُزَعْفَرِ ؟ تبّا لمرسله وآكله ! ثمّ عالجت نفسها وقاءت ما أكلت منه ، وأنشأت تقول باكيةً : أبالِشَهْدِ المُزعْفَرِ يا بنَ هِنْدٍنَبِيعُ إليكَ إسلاما ودِينا فلا واللّه لَيسَ يَكونُ هذاومولانا أميرُ المُؤْمِنينا (29)

.


1- . قد اختُلف في اسمه كما اختُلف في اسم أبيه وجدّه ، والمشهور ما ورد في المتن ، والَّذي يسهّل الأمر أنّه مشهور بكنيته ولقبه ، ولم يختلف في كنيته أحد .
2- . الطبقات الكبرى : ج7 ص99 ، المعارف لابن قتيبة : ص434 ، تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص176 وفيه « ديلي » بدل « دؤلي » .
3- . تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص195 ، اُسد الغابة : ج 3 ص102 الرقم2652 .
4- . تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص184 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص82 الرقم28 ، البداية والنهاية :ج8 ص312 .
5- . تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص188 .
6- . تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص188 و ص 200 ، الأغانى¨ : ج12 ص372 ، الكامل للمبرّد : ج3 ص1125 .
7- . تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص184 .
8- . الطبقات الكبرى : ج7 ص99 .
9- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص82 الرقم28 ، الأغانى¨ : ج12 ص346 .
10- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص82 الرقم28 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج 5 ص278 الرقم124 ، تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص184 .
11- . المعارف لابن قتيبة : ص434 ، وفيات الأعيان : ج 2 ص535 الرقم313 .
12- . تاريخ الطبري : ج5 ص93 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج 5 ص276 الرقم124 .
13- . الطبقات الكبرى : ج7 ص99 ، المعارف لابن قتيبة : ص434 ؛ وقعة صفّين : ص117 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص205 .
14- . الطبقات الكبرى : ج7 ص99 .
15- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص82 الرقم28 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج 5 ص278 الرقم124 ، الأغاني : ج12 ص347 ، تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص189 ، البداية والنهاية : ج8 ص312 .
16- . يدور كلام كثير حول إرساء دعائم علم النحو : فالاُول لم يتردّدوا في دور الإمام عليه السلام وأبي الأسود فيه . أمّا المتأخّرون من الدارسين والباحثين العرب فقد تأثّر بعضهم بآراء بعض المستشرقين الَّذين تردّدوا فيه . راجع : دائرة المعارف بزرگ اسلامى ( بالفارسيّة ) : ج5 ص180 _ 191 ، وتوفّر بعض الكتّاب على انتقاد آراء اُخرى في سياق تثبيتهم دور الإمام عليه السلام وأبي الأسود فيه .
17- . الأغاني : ج12 ص347 ، الإصابة : ج 3 ص455 الرقم4348 ، تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص192 و193 ، وفيات الأعيان : ج2 ص537 .
18- . تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص190 .
19- . تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص177 .
20- . الأغاني : ج12 ص380 .
21- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص86 الرقم28 ، تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص210 ، الأغاني : ج12 ص386 .
22- . ربيع الأبرار : ج3 ص479 .
23- . عام الجماعة : هو العام الَّذي سلّم فيه الإمام الحسن عليه السلام الأمر لمعاوية ، وذلك في جُمادى الاُولى سنة ( 41 ه ) ( جواهر المطالب : ج2 ص199 ) .
24- . العقد الفريد : ج3 ص342 ، تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص180 عن سعيد عن بعض أصحابه نحوه وليس فيه سؤال معاوية .
25- . تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص188 ، الكامل للمبرّد : ج3 ص1125 ، الأغاني : ج12 ص371 عن ابن عائشة عن أبيه وكلاهما نحوه مع زيادة في الأبيات ، وفيات الأعيان : ج2 ص535 وليس فيه الأبيات .
26- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص84 الرقم28 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج5 ص279 وراجع الأغاني : ج12 ص347 ووفيات الأعيان : ج2 ص535 ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص20 .
27- . الأغاني : ج12 ص348 ، وفيات الأعيان : ج2 ص537 وفيه « لقّنت » بدل «أخذت » .
28- . الخَبيصُ : حَلواء معمول من التمر والسَّمن ، يُخبَص [ أي يُخلَط ] بعضه في بعض ( راجع : تاج العروس : ج 9 ص 265 ) .
29- . الأربعون حديثا لمنتجب الدين بن بابويه : 81 .

ص: 146

. .

ص: 147

. .

ص: 148

. .

ص: 149

. .

ص: 150

عبد اللّه بن عبّاس

عَبدُ اللّه ِ بنُ عَبّاسعبد اللّه بن عبّاس بن عبد المطلب أبو العبّاس القُرَشيّ الهاشِميّ ، من المفسّرين والمحدّثين المشهورين في التَّاريخ الإسلامي (1) وُلِدَ بمكّة في الشِّعب قبل الهجرة بثلاث سنين (2) . وذهب إلى المدينة سنة 8 ه ، عام الفتح (3) . كان عمر يستشيره في أيّام خلافته (4) . وعندما ثار النَّاس على عثمان ، كان مندوبه في الحجّ . (5) ولمّا آلت الخلافة إلى الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام كان صاحبه ، ونصيره ، ومستشاره ، وأحد ولاته واُمرائه العسكريّين . كان على مقدّمة الجيش في معركة الجمل (6) ، ثمّ ولي البصرة (7) بعدها . وقبل أن تبدأ حرب صفِّين ، استخلف أبا الأسْوَد الدُّؤليّ على البصرة وتوجّه مع الإمام عليه السلام لحرب معاوية (8) . كان أحد اُمراء الجيش في الأيّام السَّبعة الاُولى من الحرب (9) . ولازم الإمام عليه السلام بثباتٍ على طول الحرب . اختاره الإمام عليه السلام ممثّلاً عنه في التَّحكيم ، بَيْدَ أنّ الخوارج والأشْعَث عارضوا ذلك قائلين : لا فرق بينه وبين عليّ عليه السلام (10) . حاورَ الخوارج مندوبا عن الإمام عليه السلام في النَّهروان مرارا . وأظهر في مناظراته الواعية عدمَ استقامتهم ، وتزعزع موقفهم ، كما أبان منزلة الإمام الرَّفيعة السَّامية . كان واليا على البصرة عند استشهاد الإمام عليه السلام (11) . بايع الإمام الحسن المجتبى عليه السلام (12) ، وتوجّه إلى البصرة من قِبَله (13) . ولم يشترك مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء . وعلّل البعض ذلك بعماه . لم يبايع عبدَ اللّه بن الزُّبَيْر حين استولى على الحجاز ، والبصرة ، والعراق . ومحمّد بن الحنفيّة لم يبايعه أيضا ، فكَبُرَ ذلك على ابن الزُّبَيْر حتَّى همّ بإحراقهما (14) . كان ابن عبّاس عالما له منزلته الرَّفيعة العالية في التَّفسير ، والحديث ، والفقه . وكان تلميذ الإمام عليه السلام في العلم (15) مفتخرا بذلك أعظم افتخار . توفّي ابن عبّاس في منفاه بالطائف سنة 68 ه وهو ابن إحدى وسبعين (16) ، وهو يكثر من قوله : اللَّهمَّ إنِّي أتقرَّب إليك بمحمّدٍ وآله ، اللَّهمَّ إنِّي أتقرّب إليك بولاية الشيخ عليّ بن أبي طالب (17) وفي رواية : لمّا حضرت عبد اللّه بن عبّاس الوفاة قال : اللَّهمَّ إنِّي أتقرّب إليك بولاية عليّ بن أبي طالب (18) . خلفاء بني العبّاس من ذرّيّته وأخبر الإمام عليه السلام بهذا في خطابه لابن عبّاس أبا الأملاك . في المستدرك على الصحيحين عن الزُّهْريّ : قال المهاجرون لعمر بن الخَطَّاب : ادع أبناءنا كما تدعو ابن عبّاس . قال : ذاكم فتى الكهول ، إنّ له لسانا سؤولاً، وقلبا عقولاً (19) . وفي أنساب الأشراف : إنّ ابن عبّاس خلا بعليٍّ حين أراد أن يبعث أبا موسى فقال : إنّي أخاف أن يخدع معاوية وعَمْرو أبا موسى فابعثني حكما ولا تبعثه ولا تلتفت إلى قول الأشْعَث وغيره مِمّن اختاره فأبى ، فلمّا كان من أمر أبي موسى وخديعة عَمْرو له ما كان ، قَالَ عَليٌّ : « للّه ِ دَرُّ ابنِ عبّاس إنْ كانَ لَيْنظُرُ إلى الغَيْبِ مِنْ سِترٍ رَقِيقٍ » (20) . وفي مختصر تاريخ مدينة دمشق عن المَدائِنيّ : قال عليّ بن أبي طالب في عبد اللّه بن عبّاس : « إنّهُ يَنظُرُ إلى الغَيبِ مِنْ سِتْرٍ رَقِيقٍ لِعَقْلِهِ وفِطْنَتِهِ بالاُمُورِ » (21) . وعن أبي نصر بن أبي ربيعة : ورد صَعْصَعَة بن صُوحان على عليّ بن أبي طالب رضى الله عنهمن البصرة ، فسأله عن عبد اللّه بن عبّاس ، وكان على خلافته بها ، فقال صَعْصَعَة : يا أمير المؤمنين ، إنّه آخذ بثلاث وتارك لثلاث : آخذ بقلوب الرِّجال إذا حدّث ، وبحسن الاستماع إذا حُدِّثَ ، وبأيسَرِ الأُمورِ إذا خُولِفَ . تارِكٌ للمِراءِ ، وتارك لِمُقاربة اللَّئيمِ ، وتارِكٌ لِما يُعتَذَرُ مِنهُ . (22) وفي رجال الكشّي عن الشَّعْبيّ : لمّا احتمل عَبدُ اللّه ِ بنُ عَبّاسٍ بيتَ مالِ البَصْرَةِ وذَهبَ بهِ إلى الحِجازِ ، كَتَبَ إليهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ : « مِنْ عَبدِ اللّه عَليّ بنِ أبي طالبٍ إلى عَبْدِ اللّه ِ بنِ عَبّاس ، أمّا بَعْدُ ، فإنّي قَد كُنْتُ أشْرَكْتُكَ فِي أمانَتِي ، ولَم يَكُن أحَدٌ مِن أهْلِ بَيتِي فِي نَفْسِي أَوثَقُ مِنْكَ لِمُؤاساتي ومُؤازَرَتِي وأَداءِ الأمانَةِ إليَّ ، فَلَمّا رَأيْتَ الزَّمانَ علَى ابنِ عَمِّكَ قَد كَلِبَ ، والعَدُوَّ عَليهِ قَد حَرِبَ ، وأمانَةُ النَّاسِ قَد خَرِبَتْ ، وَهَذهِ الاُمُورِ قَد قَسَتْ ، قَلَبْتَ لابنِ عَمَّك ظَهْرَ المِجَنِّ (23) ، وَفارَقْتَهُ مَعَ المُفارِقِينَ ، وخَذَلْتَهُ أَسْوَأَ خِذلانٍ الخاذِلِينَ . فَكَأنَّكَ لَم تَكُنْ تُرِيدُ اللّه َ بِجِهادِكَ ، وكأنَّكَ لَم تَكُنْ علَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّكَ ، وكَأَنّكَ إنّما كُنْتَ تَكِيدُ اُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله علَى دُنياهُم ، وتَنْوِي غِرَّتَهُم (24) ، فلمّا أمكَنَتْكَ الشِّدَّةُ في خِيانَةِ اُمَّةِ مُحَمّدٍ أسرَعْتَ الوَثْبَةَ وعجَّلْتَ العَدوَةَ ، فاختَطَفْتَ ما قَدِرْتَ علَيهِ اختِطافَ الذِّئبِ الأَزَلِّ (25) رَميَةَ المِعزى الكَسِيرِ . كأنّك _ لا أبا لَكَ _ إنّما جَرَرْتَ إلى أهلِكَ تُراثَكَ مِن أبِيكَ واُمّكَ ، سُبحانَ اللّه ِ ! أ ما تُؤْمِنُ بالمَعادِ ؟ ! أ وَما تَخافُ مِن سُوءِ الحِسابِ ؟ ! أ وَما يَكبُرُ علَيْكَ أن تَشتَرِيَ الإماءَ ، وتَنْكِحَ النِّساءَ بأَمْوالِ الأرامِلِ والمُهاجِرينَ الَّذينَ أفاءَ اللّه ُ علَيْهِم هذهِ البِلادَ ؟ ! اردُدْ إلى القَوْمِ أمْوالَهُم ، فوَاللّه ِ لَئِنْ لَم تَفْعَلْ ثُمّ أمكَنَنِيَ اللّه ُ مِنكَ لاَُعذِرَنَّ اللّه َ فِيكَ ، فوَاللّه ِ لَو أنّ حَسَنا وحُسَيْنا فَعَلا مِثلَ ما فَعَلْتَ ، لَمَا كانَ لَهُما عِندِي في ذلِكَ هَوادَةٌ ، ولا لِواحِدٍ مِنهُما عِندِي فيهِ رُخْصَةٌ ، حَتَّى آخُذَ الحَقَّ ، واُزيحَ الجَورَ عَن مَظْلُومِها ، والسَّلامُ » . قال : فكتب إليه عبد اللّه بن عبّاس : أمّا بعد ، فقد أتاني كتابك ، تعظّم علَيَّ إصابة المال الَّذي أخذته من بيت مال البصرة ، ولعَمري إنّ لي في بيت مال اللّه أكثر مِمَّا أخذت ، والسَّلام . قال : فكتب إليه عليّ بن أبي طالب عليه السلام : « أمّا بعد ، فالعَجَبُ كُلُّ العَجَبِ من تَزيينِ نَفْسِكَ ، أنّ لكَ في بَيْتِ مالِ اللّه ِ أكْثَرَ مِمّا أخَذْتَ ، وأكثَرَ ممّا لِرَجُلٍ مِنَ المُسلِمينَ ، فَقَدْ أفلَحْتَ إن كان تمنِّيكَ الباطِلَ ، وادّعاؤكَ ما لا يَكونُ يُنجِيكَ من الإثمِ ، ويحلُّ لَكَ ما حَرَّمَ اللّه ُ علَيكَ ، عَمَّركَ اللّه ُ أنَّكَ لَأَنْتَ العَبدُ المُهتدِي إذا . فَقَد بلَغَنِي أنَّكَ اتّخذْتَ مَكَّةَ وطَنا وضَرَبْتَ بِها عَطَنا (26) ، تَشتَرِي مُولَّداتِ مَكَّةَ والطائِفِ ، تَختارُهُنَّ علَى عَينِكَ ، وتُعطِي فِيهِنَّ مالَ غَيرِكَ ، وإنّي لَأُقسِمُ باللّه ِ ربِّي وربِّك ربّ العِزَّةِ ، ما يَسُرُّني أنّ ما أخَذْتَ مِن أموالِهِم لي حلالٌ أدَعُهُ لِعَقبِي مِيرَاثا ، فَلا غَرْوَ ، وأشدَّ باغتباطِكَ تأكُلُهُ رُويدا رُويدَا ، فَكَأَنْ قد بَلَغْتَ المَدَى ، وعُرِضْتَ على ربِّكَ ، والمَحَلّ الَّذي يَتَمنَّى الرَّجْعَةَ ، والمُضيِّعُ للتَوبَةِ كَذلِكَ وما ذلِكَ ، ولات حين مَناصٍ ! والسَّلام » . قال : فكتب إليه عبد اللّه بن عبّاس : أمّا بعد ، فقد أكثرت عليَّ ، فوَاللّه لأن ألقى اللّه بجميع ما في الأرض من ذهبها وعقيانها ، أحبّ إليّ أن ألقى اللّه بدم رجل مسلم (27) . وفي تاريخ الطبريّ : خرج عبد اللّه بن العبّاس من البصرة ، ولحق مكّة في قول عامّة أهل السِّيَر ، وقد أنكر ذلك بعضهم ، وزعم أنّه لم يزل بالبصرة عاملاً عليها من قِبَل أمير المؤمنين عليّ عليه السلام حتَّى قُتل ، وبعد مقتل عليّ حتَّى صالح الحسن معاوية ، ثمّ خرج حينئذٍ إلى مكّة (28) .

.


1- . أنساب الأشراف : ج4 ص39 ، حلية الأولياء : ج1 ص314 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص331 الرقم51 .
2- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص615 ح6277 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص173 الرقم14 ، تاريخ مدينة دمشق : ج29 ص289 ، سير أعلام النبلاء : ج 3 ص332 الرقم51 .
3- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص333 الرقم51 .
4- . تاريخ بغداد : ج 1 ص173 الرقم14 .
5- . أنساب الأشراف : ج4 ص39 ، تاريخ الطبري : ج4 ص448 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص349 الرقم51 .
6- . الجمل : ص319 ؛ العقد الفريد : ج3 ص314 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص90 .
7- . أنساب الأشراف : ج4 ص39 ، تاريخ الطبري : ج5 ص93 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص353 الرقم51 ؛ الجمل : ص420 .
8- . أنساب الأشراف : ج4 ص39 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص173 الرقم14 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص353 الرقم51 ؛ الجمل : ص421 ، وقعة صفّين : ص117 .
9- . وقعة صفّين : ص221 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص13 ، مروج الذهب : ج2 ص388 .
10- . وقعة صفّين : ص499 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص51 ، الأخبار الطوال : ص192 ، الفتوح : ج4 ص198 .
11- . تاريخ الطبري : ج5 ص155 ؛ الإرشاد : ج2 ص9 .
12- . الإرشاد : ج2 ص8 ؛ الفتوح : ج4 ص283 .
13- . الإرشاد : ج2 ص9 .
14- . الطبقات الكبرى : ج5 ص100 و101 ، تاريخ مدينة دمشق : ج54 ص338 و339 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص356 الرقم51 ، البداية والنهاية : ج8 ص306 .
15- . رجال العلاّمة الحلّى¨ : ص103 ؛ مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج 12 ص301 الرقم154 ، البداية والنهاية : ج8 ص298 .
16- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص626 ح6309 و ص ج615 ص6277 ، التاريخ الكبير : ج 5 ص 3 ح5 ، أنساب الأشراف : ج4 ص71 ، مروج الذهب : ج3 ص108 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص359 الرقم51 .
17- . كفاية الأثر : ص22 ، بشارة المصطفى : ص239 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص200 ؛ فضائل الصحابة لابن حنبل : ج 2 ص662 الرقم1129 وليس في الثلاثة الأخيرة « اللهمّ إنّي أتقرّب إليك بمحمّد وآله » .
18- . فضائل الصحابة لابن حنبل : ج 2 ص662 الرقم1129 ؛ بشارة المصطفى : ص239 ، العمدة :ج272 ص429 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص200 ، نهج الحقّ : ص221 .
19- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص621 ح6298 ، مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص304 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص345 الرقم51 .
20- . أنساب الأشراف : ج3 ص121 .
21- . مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص305 ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج1 ص35 ، المناقب للخوارزمي : ج197 ص238 وليس فيهما « لعقله وفطنته بالاُمور » .
22- . شعب الإيمان : ج 6 ص 352 ح 8483 ، البداية والنهاية : ج 8 ص 300 .
23- . ظَهر المِجَنّ : هذه كلمة تُضرب مَثلاً لمن كان لصاحبه على مَودّة أو رعاية ثمّ حالَ عن ذلك ( النهاية : ج1 ص308 ) .
24- . الغِرَّة : الغَفْلة ( النهاية : ج3 ص354 ) .
25- . الأزلّ : بتشديد اللاّم : السريع الجري .
26- . العطن : مبرك الإبل ، المراح ( النهاية : ج3 ص258 ) .
27- . رجال الكشّي : ج 1 ص279 الرقم 110 ؛ أنساب الأشراف : ج2 ص400 ، العقد الفريد :ج3 ص348 عن أبي الكنود ، الأوائل لأبي هلال : 196 كلّها نحوه .
28- . تاريخ الطبري : ج5 ص141 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص432 .

ص: 151

. .

ص: 152

. .

ص: 153

. .

ص: 154

. .

ص: 155

. .

ص: 156

تحقيقات وملاحظات

تحقيقات وملاحظات :لا نجد بعد التَّحقيق والتَّدقيق في حياة عبد اللّه بن العبَّاس في زمان خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، مدَّة فارق فيها عبد اللّه عليَّا عليه السلام وذهب إلى مكَّة ، على ما نقل في هذه القصّة : لأنَّ بيعة أميرالمؤمنين عليه السلام بعد مقتل عثمان وقعت سَنَة 35 ه . ق،وكان ابن عبَّاس وقتئذٍ بالمدينة ، وهو عنده عليه السلام ليلاً ونهارا ، يخدمه ويناصحه ، وكان من الَّذين كانوا يتفانون فيه . (1) ولمَّا خرج عليّ عليه السلام إلى البصرة خرج ابن عبَّاس معه ، ولمَّا بلغ ذا قار بعثه عليّ عليه السلام إلى الكوفة لاستنفار النَّاس إلى حرب الجمل مع محمَّد بن أبي بكر أو مع الأشْتَر (2) ، ورجع إلى عليّ عليه السلام بذي قار ، وارتحل معه حَتَّى نزل البصرة (3) ، وأرسله أمير المؤمنين عليه السلام إلى عائِشَة وطَلْحَة والزُّبَيْر . (4) فلمَّا انتهت الحرب جعله أمير المؤمنين عليه السلام عاملاً على البصرة ، وكان ذلك سنة ستّ وثلاثين . (5) وحجَّ في تلك السَّنة بالناس لأمير المؤمنين عليه السلام . (6) ولمَّا أراد عليه السلام المسير إلى صفِّين ، كتب إلى ابن عبَّاس كتابا يأمره فيه بالشُّخوص إليه مع المؤمنين المسلمين من أهل البصرة ، وكان سَنَة ستّ وثلاثين . وجمع الطَّبري بينهما بأنَّ ابتداء الحرب كان سَنَة ستّ وثلاثين وآخرها كان سَنَة سبع وثلاثين ، وعلى كل حال كان ابن عبَّاس في تلك المدَّة وحتّى انقضاء الحرب عند عليّ عليه السلام ، وله مواقف كريمة مشكورة وخطب جليلة فيها . إلاّ ما كان من حجَّة للناس من قبل أمير المؤمنين عليه السلام . (7) فلمَّا انقضت الحرب بمكر ابن النَّابغة ، وابن هند ، وجهالة قرّاء العراق ، وفتنةِ الأشْعَث وتدبيره ، وكذا سائر مخالفي عليّ عليه السلام الموجودين بين أهل العراق من عيون معاوية وجواسيسه ، حَتَّى انتهى الأمر إلى التَّحكيم ، واختار معاوية وأهل الشام عَمْرو بن العاص لعنه اللّه تعالى ، واختلف أهل العراق ، وقال لهم عليّ عليه السلام : « اختاروا أحد الرَّجلين ، عبد اللّه بن عبَّاس أو الأشْتَر » ، وذلك لوثوقه بهما واعتماده عليهما ، ولكن القرّاء أبَوْا ذلك ، ومالوا إلى أبي موسى الأشْعَرِيّ المخالف لعليّ عليه السلام . (8) وكان ذلك سَنَة سبع وثلاثين ، لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر ، كما تقدَّم . (9) وقال الواقديّ ، والمسعوديّ ، واليعقوبيّ : أنَّه كان سَنَة ثمان وثلاثين . (10) فلمَّا خرج الحكمان إلى دومة الجندل بعث عليّ عليه السلام شُرَيْح بن هاني على أربعمئة إلى دومة الجندل ، وبعث معهم عبد اللّه بن العبَّاس ليصلّي بهم ، ومعهم أبو موسى ، فكان ابن عباس هناك يصلّي بهم ويراقب الأمور ، ويلتقي مع أبي موسى ويحذّره ، وله في ذلك مواقف مشرِّفة وكريمة ، حَتَّى انقضى أمر الحكمين بانخداع الأشْعَرِيّ وشقائه ، بخداع عَمْرو بن العاص لعنهما اللّه تعالى . (11) قال البلاذري : لمَّا أهلَّ ( هلال ) شهر رمضان سَنَة سبع وثلاثين ، خرج معاوية من دمشق في أربعمئة حَتَّى نزل دومة الجندل ، وسرّح يزيد بن الحرّ العَبْسِيّ إلى عليّ يعلمه نزوله دومة الجندل ، ويسأله الوفاء ، فأتى عليَّا ، فحثّه على الشُّخوص ، وقال :إنَّ في حضورك هذا الأمر صلاحا ووضعا للحرب وإطفاءً للنائرة . فقال عليّ : « يا بن الحرّ ، إنِّي آخذ بأنفاس هؤلاء ، فإن تركتهم وغبت عنهم كانت الفتنة في هذا المصر أعظم من الحرب بينهم وبين أهل الشَّام ، ولكنّي أسرّح أبا موسى ، فقد رضيه النَّاس ، وأُسرّح ابن عبَّاس ، فهو يقوم مقامي ، ولن أغيب عمَّا حضره ، ففعل ذلك فبعث إلى ابن عبَّاس ، فأقدمه من البصرة . (12) كان ابن عبَّاس بعد كتابة كتاب الصُّلح وإلى حضوره في دومة الجندل في البصرة ، كما صرَّح به البلاذري في كلامه المتقدّم ، بأنَّه : « بعث إلى ابن عبَّاس فأقدمه من البصرة » ، فهو رجع من الشَّام إلى عمله بالبصرة ، وبقي فيها إلى أن كتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام ، واستقدمه . وقال ابن الأثير : فلمَّا خرجت الخوارج وهرب أبو موسى إلى مكَّة وردَّ عليٌّ ابنَ عبَّاس إلى البصرة ، قام في الكوفة فخطبهم فقال : . . . (13) ولمَّا رجع أمير المؤمنين عن الشَّام إلى الكوفة ، وفارقه الخوارج ولم يدخلوا الكوفة ، وأتوا قرية يقال لها حروراء ، فنزلوا بها وهم اثنا عشر ألفا ، وقالت الشِّيعة : في أعناقنا بَيعة ثانية ، نحن أولياءُ مَن والَيت ، وأعداءُ مَن عادَيت . فقالت الخوارج : استبقتم أنتم وأهلُ الشَّام إلى الكفر كَفَرَسيْ رِهان ، بايع أهلُ الشام معاوية على ما أحبّوا وكرهوا ، وبايعتم أنتم عليَّا على أنَّكم أولياء مَن والى وأعداءُ مَن عادَى . فقال لهم زياد بن النَّضْر : واللّه ، ما بسط عليٌّ يدَه فبايعناه قطُّ ، إلاَّ على كتاب اللّه وسنَّة نبيِّه صلى الله عليه و آله ، ولكنَّكم لمَّا خالفتموه جاءته شيعتُه ، فقالوا : نحن أولياءُ مَن والَيت ، وأعداءُ مَن عادَيت ، ونحن كذلك ، وهو على الحقّ والهدى ، ومن خالفه ضالٌّ مضِلٌّ ، وبعث عليّ ابن عبَّاس إليهم . (14)

.


1- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص427 _ 441 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص302 _ 307 ،الإصابة : ج4 ص468 ، أُسد الغابة : ج4 ص106 ، مروج الذَّهب : ج2 ص358 .
2- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص482 _ 487 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص327 ، أنساب الأشراف : ج3 ص29 و31 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج14 ص10 و18 و19 ؛ بحار الأنوار : ج32 ص86 و87 .
3- . راجع : أنساب الأشراف : ج3 ص31 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج14 ص18 و19 ، البداية والنهاية : ج7 ص237 .
4- . راجع : العِقد الفريد : ج3 ص314 ، الفتوح : ج2 ص486 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص162 و163 و165 و169 ؛ الجمل : ص314 و316 و317 ، رجال الكشّي : ج1 ص277 .
5- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص543 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص347 ،أنساب الأشراف :ج3 ص62 ، مروج الذَّهب : ج2 ص381 .
6- . راجع : تاريخ اليعقوبي : ج2 ص213 .
7- . راجع : وقعة صفِّين : ص116 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص78 ،مروج الذَّهب : ج2 ص384 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص187 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص404 الرقم429 .
8- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص51 و67 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص387 ، مروج الذَّهب : ج2 ص402 ، الفتوح : ج4 ص198 ، البداية والنهاية : ج7 ص276 ؛ وقعة صفِّين :ص499 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص189 .
9- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص57 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص376 _ 398 ، أنساب الأشراف : ج3 ص111 .
10- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص71 ، مروج الذَّهب : ج2 ص406 و407 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص190 .
11- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص67 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص394 و395 ، مروج الذَّهب : ج2 ص402 ، أنساب الأشراف : ج3 ص120 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص244 ؛ وقعة صفِّين : ص533 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص190 .
12- . أنساب الأشراف : ج3 ص120 .
13- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص77 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص400 ، أنساب الأشراف :ج2 ص140 .
14- . تاريخ الطبري : ج5 ص64 و73 وراجع : الكامل في التاريخ : ج2 ص393 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص32 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص191 .

ص: 157

. .

ص: 158

. .

ص: 159

167 _ كتابه عليه السلام إلى قدامة بن عجلان

167كتابه عليه السلام إلى قُدامَة بن عَجْلان[ قُدامَة _ بضمّ القاف كثُمامَة _ بن عَجْلان _ بفتح العين كشَعبان _ لم أجد ترجمته في الكتب الموجودة عندي إلاّ أنَّ الطَّبريّ فقد ذكر قُدامَة بن عَجْلان الأزْدِيّ فيمَن شهِد حُجْر بن عديّ رحمه الله (1) ] . في أنساب الأشراف : كتب عليه السلام إلى قُدامَة بن عَجْلان ، عامله على كَسْكَر : « أمَّا بعدُ ، فاحْمِل ما قِبَلَك مِن مالِ اللّه ِ ، فإنَّه فيءٌ للمُسلمِينَ ، لسْتَ بأوفَرَ حَظَّا فيهِ مِن رَجُلٍ مِنهُم ، ولا تَحْسَبنَّ يا بن أُمِّ قُدامَةَ أنَّ مالَ كَسْكَرَ مُباحٌ لكَ كَمالٍ وَرِثْتَهُ عَن أَبيكَ وأُمِّكَ ، فتَعجَّل حَمْلَهُ ، وأعجِل في الإقْبال إلَيْنا ، إن شاءَ اللّه ُ » . (2)

.


1- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص270 .
2- . أنساب الأشراف : ج2 ص388 .

ص: 160

قدامة بن عجلان الأزديّ

168 _ كتابه عليه السلام إلى سليمان بن صرد الخزاعيّ

قُدامَةُ بنُ عَجْلانِ الأزْدِيّكان من ولاة الإمام عليه السلام على منطقة كَسكَر (1) . ويُستشفّ من كتاب الإمام عليه السلام إليه (2) أنّه كان قد أفرط في التَّصرّف ببيت المال ، فانتقده الإمام عليه السلام على ذلك . ولم نحصل على معلومات أكثر حول حياته . في أنساب الأشراف : قُدامَة بن عَجْلان عامله ( أي عليّ عليه السلام ) على كَسْكَر (3) .

168كتابه عليه السلام إلى سُلَيْمان بن صُرَد الخُزاعِيّقال البلاذري : وكتب عليه السلام إلى سُلَيْمان بن صُرَد ، وهو بالجَبَل :ذَكَرْتَ ما صارَ في يَدَيْكَ مِن حُقُوقِ المُسلمِينَ ، وإنَّ مَن قِبَلَك وقِبَلَنا في الحَقِّ سَواءٌ ، فأعلِمنِي ما اجْتَمَع عِندَكَ مِن ذلِكَ ، فأعْطِ كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّهُ ، وابْعَث إليْنا بِما سِوى ذلِكَ لَنَقْسِمَه فِيمَن قِبَلَنا ، إن شاءَ اللّه ُ . (4)

.


1- . كَسْكَر : كورة واسعة . . . ، وقصبتها اليوم واسط الَّتي بين الكوفة والبصرة . . . ، ويقال : إنّ حدّ كورة كسكر من الجانب الشرقي في آخر سقي النَّهروان إلى أن تصبّ دجلة في البحر ( معجم البلدان : ج4 ص461 ) .
2- . أنساب الأشراف : ج2 ص388 .
3- . أنساب الأشراف : ج2 ص388 ، الأخبار الطوال : ص153 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص151 وفيه « البحران » بدل « كسكر » ، وقعة صفّين : ص11 وفيه « قدامة بن مظعون » وهو مخالف لبقيّة المصادر .
4- . أنساب الأشراف : ج2 ص393 .

ص: 161

سليمان بن صرد الخزاعيّ

سُلَيْمان بن صُرَد الخُزاعِيّ[ سُلَيْمان ، هو ابن صُرَد بن الجَوْن الخُزاعِيّ ، كان اسمه في الجاهليَّة يسارا ، فسمَّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله سُلَيْمانَ ، يُكنَى أبا المُطَرِّف ، وكان خَيِّرا فاضلاً ، له دِينٌ وعبادة ، سَكن الكوفة ، أوَّل ما نزلها المسلمون ، وكان له قدْرٌ وشَرَفٌ في قومه ، وشهِد مع عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه مشاهده كلّها ، وهو الَّذي قتل حوشبا (1) ذا ظليم الألهاني بصفين مبارزة ، وكان فيمَن كتَب إلى الحسين بن عليّ رضى الله عنه بعد موت معاوية ، يسأله القدوم إلى الكوفة ، فلمَّا قدمها ترَك القِتال معه ، فلمَّا قتِل الحسين ندم هو والمُسَيَّب بن نَجَبَة الفَزَارِيّ ، وجميع مَن خذلَه ولم يقاتل معه ، وقالوا : ما لنا توبة إلاّ أن نطْلب بدمه ، فخرجوا من الكوفة مستهلّ ربيع الآخر ، من سَنَة خمس وستين ، وولّوا أمرهم سُلَيْمان بن صُرَد ، وسمَّوه أمير التَّوَّابين ، وساروا إلى عُبيد اللّه بن زياد ، وكان قد سار من الشَّام في جيش كبير يريد العراق ، فالتقوا بعَين الوردة من أرض الجزيرة ، وهي رأس عين ، فقتل سُلَيْمان بن صُرَد والمُسَيَّب بن نَجَبَة وكثيرٌ مِمَّن معهما ، وحُمِلَ رأسُ سُلَيْمان والمُسَيَّب إلى مروان بن الحَكَم بالشَّام ، وكان عُمْرُ سُلَيْمانَ حِين قُتِل ثلاثا وتسعين سَنَة . هذا ما ورد في أُسْد الغابة ، والإصابة والاستيعاب ، إلاّ أنَّ ابن الأثير وهم في قوله : وشهد مع عليّ رضى الله عنه مشاهده كلّها ؛ لأنَّ سُلَيْمان لم يشهد الجمل ، كما يستفاد من كلام ابن حَجَر وأبي عمر . وعدَّه الكِشّي من كِبار التَّابعين ، وعن الشيخ : أنَّه عدَّه من الصَّحابة ، ويؤيِّده سِنّه عند وفاته ، وهو من خزاعة (2) . ] قال نصر : إنَّ سُلَيْمان بن صُرَد الخُزاعِيّ دخل على عليّ بن أبي طالب بعد رجْعَته من البصرة ، فعاتبَه وعذَلَه ، وقال له : « ارتبْتَ وتربَّصْتَ وراوَغْتَ ، وقد كنتَ من أوثَق النَّاس في نفسِي وأسرعِهم _ فيما أظنُّ _ إلى نصرتي ، فما قَعد بك عن أهل بيت نبيِّك ، وما زهَّدكَ في نَصرِهم » . فقال : يا أمير المؤمنين ، لا تردَّنَّ الأمور على أعقابها ، ولا تؤنِّبني بما مضَى منها ، واسْتبق مَوَدَّتِي يخلص لك نصيحتِي ، وقد بقيتْ أمورٌ تعرف فيها وليَّك من عدوِّك . فسكت عنه وجلَس سُلَيْمان قليلاً ثُمَّ نهَض ، فخرَج إلى الحسن بن عليّ وهو قاعد في المسجد ، فقال : ألا أُعَجِّبك من أمير المؤمنين ، وما لقيتُ منه من التَّبْكِيت والتَّوبيخ ؟ فقال له الحسن : « إنَّما يُعاتَب مَن تُرْجى موَدَّتُه ونصيحتُه » . فقال : « إنَّه بقيت أمور سيَسْتَوسِقُ فيها القنا ، ويُنتضَى فيها السُّيوف ، ويحتاج فيها إلى أشباهي ، فلا تَسْتغشُّوا عَتْبِي ، ولا تتَّهِموا نصيحتِي . فقال له الحسن : « رحِمَكَ اللّه ُ ، ما أنتَ عِندَنا بالظَّنين » . (3) وكان سُلَيْمان على رجَّالة الميمنة في صفِّين (4) ، فكتب عُقْبَة بن مسعود عامل عليّ على الكوفة إلى سُلَيْمان بن صُرَد الخُزاعِيّ : أمَّا بعدُ فإنّهم « إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَو يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ وَ لَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا » (5) فعليك بالجهاد والصَّبر مع أمير المؤمنين ، والسَّلام عليك . (6) قال نَصْر : عن عمر بن سَعد ، عن الصَّقعب بن زُهَيْر ، عن عَوْن بن أبي جُحَيْفة ، قال : أتى سُلَيْمان بن صُرَد عليَّا أمير المؤمنين بعد الصَّحيفة ، ووجهه مضروبٌ بالسَّيف فلمَّا نظر إليه عليّ ، قال : « « فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً » (7) ، فأنتَ مِمَّن ينتظِر ، و ممَّن لم يبدِّل » . فقال : يا أمير المؤمنين ، أمَا لو وجدتُ أعوانا ما كُتبتْ هذه الصَّحيفة أبدا ، أمَا واللّه لقد مشيتُ في النَّاس ليعودوا إلى أمرهم الأوَّل ، فما وجدتُ أحدا عنده خيرٌ إلاَّ قليلاً . (8) وفي تنزيه الأنبياء : روى عبَّاس بن هِشام ، عن أبيه ، عن أبي مِخْنَف ، عن أبي الكنود عبد الرَّحمن بن عبيد ، قال : لمَّا بايع الحسن عليه السلام معاوية ، أقبلت الشِّيعة تتلاقى بإظهار الأسف والحسرة على ترْك القِتال ، فخرجوا إليه بعد سنتين من يوم بايع معاوية ، فقال له عليه السلام سُلَيْمان بن صُرد الخُزاعِيّ : ما ينقضي تعجُّبنا من بيعتك معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من أهل الكوفة ! كلّهم يأخذ العطاء ، وهم على أبواب منازلهم ، ومعهم مثلهم من أبنائهم وأتباعهم ، سوى شيعتك من أهل البصرة والحجاز ، ثمَّ لم تأخذ لنفسك ثقة في العقد ، ولا حظَّا من العطيَّة ، فلو كنت إذ فعلتَ ما فعلتَ أشهدت على معاوية وجوه أهل المشرق والمغرب ، وكتبتَ عليه كتابا بأنَّ الأمر لك بعده ، كان الأمر علينا أيسر ، ولكنَّه أعطاك شيئا بينك وبينه لم يفِ به ، ثمَّ لم يلبثَ أن قال على رؤوس الأشهاد : إنِّي كنتُ شرَطت شروطا ، ووعدتُ عداة إرادة لإطفاء نار الحرب ، ومداراة لقطع الفتنة ، فأمَّا إذا جمع اللّه لنا الكلمة والأُلفة فإنَّ ذلك تحت قدمي . واللّه ، ما عنى بذلك غيرك ، ولا أراد بذلك إلاَّ ما كان بينه وبينك ، وقد نقض . فإذا شئت فأعِدَّ للحرب عدّة ، وَأْذن لي في تَقَدُمِّكَ إلى الكوفة ، فأخرج عنها عاملها ، وأظهر خلعه ، وننبذه إليه على سَواء ، « إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَآئِنِينَ » (9) . وتكلَّم الباقون بمثل كلام سُلَيْمان ، فقال الحسن عليه السلام : « أنْتم شيعَتُنا ، وأهلُ مَوَدَّتِنا ، ولو كُنتُ بالحَزْمِ في أمرِ الدُّنيا أعْمَلُ ، ولِسُلطانِها أرْبَضُ وأنْصَبُ ، ما كانَ مُعاويةُ بأشدَّ مِنِّي بأْسا ، ولا أشَدَّ شكِيمةً ، ولا أمضَى عَزيمَةً ، ولكنِّي أرَى غَيرَ ما رَأيتُم ، وما أردتُ بِما فَعَلْتُ إلاَّ حَقْن الدِّماءِ ، فارضُوا بِقَضاءِ اللّه ِ ، وسَلِّموا لِأَمرِهِ ، والْزَمُوا بُيوتَكُم ، وأَمسِكُوا » . أو قال : « كُفُّوا أيدِيَكُم حَتَّى يَسْتَرِيحَ برٌّ أو يُسترَاحَ مِن فاجِرٍ » . (10) [ وبقي الشّيعة ، ومن رؤسائهم سُلَيْمان على هذه العقيدة كاظمين الغيظ ، صابرين على البلايا ، إلى أن مات الحسن عليه السلام ، فاجتمعوا أيضا وكتبوا إلى الحسين عليه السلام ، يستنهضونه للخروج على معاوية ، فأجابهم بالأمر بالسُّكوت إلى أن مات معاوية ، وصلى نارَا حامِيَة ] . فاجتمعت الشّيعة بالكوفة في منزل سُلَيْمان بن صُرَد الخُزاعِيّ ، فذكروا هلاك معاوية ، فحمدوا اللّه وأثنوا عليه ، فقال سُلَيْمان : إنَّ معاوية قد هلك ، وإنَّ حسينا قد تقبّض على القوم ببيعته ، وقد خرج إلى مكَّة ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإنْ كنتم تعلمون أنَّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه ، فأعلِموهُ ، وإن خفتم الفَشَل والوَهَن فلا تغرُّوا الرَّجل في نفسه . قالوا : لا ، بل نقاتل عدوّه ونقتل أنفسنا دونَه » (11) . قال هِشام بنُ محمَّد ، حدَّثنا أبو مِخْنَف ، قال: حدَّثنِي يوسف بن يزيد ، عن عبد اللّه بن عَوْف بن الأحمر الأزْدِيّ ، قال : لمَّا قتل الحسين بن عليّ ورجع ابن زياد من مُعَسْكَره بالنُّخَيْلَة ، فدخل الكوفة ، تلاقتِ الشّيعة بالتَّلاوُم والتَنَدُّم ، ورأت أنَّها قد أخطأتْ خطأ كبيرا بدعائهم الحسينَ إلى النُّصْرة وتركهم إجابتَه ، ومقتلِه إلى جانبهم لم يَنصروه ، ورأوا أنَّه لا يُغسل عارُهم ، والإثم عنهم في مقتله إلاّ بقتل مَن قتَلَه ، أو القتل فيه ، ففزعوا بالكوفة إلى خمسة نَفَر من رؤوس الشّيعة إلى سُلَيْمان بن صُرَد الخُزاعِيّ ، وكانت له صُحبة مع النَّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ، وإلى المُسَيَّب بن نَجَبَة الفَزَارِيّ ، وكان من أصحاب عليّ وخيارهم ، وإلى عبد اللّه بن سَعْد بن نفيل الأزْدِيّ ، وإلى عبد اللّه بن وال التَّيميّ ، وإلى رُفاعَة بن شَدَّاد البَجَليّ . ثُمَّ إنَّ هؤلاء النَّفَر الخمسة اجتمعوا في منزل سُلَيْمان بن صُرَد . . .[ فتكلَّم المُسَيَّب بن نَجَبَة ، ثُمَّ عبد اللّه بن وال ، وعبد اللّه بن سَعْد بكلام يطول ذكره ، ثُمَّ تكلَّم سُلَيْمان ] . قال حَمِيد بن مسلِم : واللّه ، إنِّي لَشاهدٌ بهذا اليوم ، يوم ولَّوا سُلَيْمان بن صُرَد ، وإنَّا يومئذٍ لأكثر من مئة رجل من فُرسان الشّيعة ووجوهِهم في داره . قال : فتكلَّم سُلَيْمان بن صُرَد فشدَّد ، وما زال يردّد ذلك القولَ في كل جمعة حَتَّى حفظتُه ، بَدَأ فقال : أُثني على اللّه خَيْرا ، وأحمد آلاءَه وبلاءَه ، وأشهَد أن لا إله إلاَّ اللّه ، وأنَّ محمَّدا رسوله ، أمَّا بعدُ ، فإنِّي واللّه ، لخائِف ألاَّ يكون آخرنا إلى هذا الدَّهر الَّذِي نكدت فيه المعيشة ، وعظُمت فيه الرّزيَّة ، وشَمِل فيه الجورُ أولي الفضل من هذه الشّيعة ، لما هو خير ؛ إنَّا كنَّا نمدّ أعناقنا إلى قدوم آل نبيِّنا ، ونمنِّيهم النَّصرَ ، ونحثّهم على القُدوم ، فلمَّا قدِموا ونَيْنا وعَجْزنا ، وادَّهنَّا ، وتَربَّصنا ، وانْتَظرنا ما يكون حَتَّى قُتل فينا وَلَدُ نبيِّنا ، وسُلالَتُه ، وعُصارتُه ، وبَضعةٌ من لَحْمه ودَمِه ، إذ جعل يَسْتَصرِخ فلا يُصرَخ ، ويسأل النَّصَف فلا يُعطاه ، اتَّخذه الفاسقون غَرَضا للنَّبل ، ودرَّية للرّماح حَتَّى أقصدوه ، وعدَوْا عليه فسَلبوه . ألا انْهَضوا فقد سخِط ربُّكم ، ولا ترجعوا إلى الحلائِل والأبناء حَتَّى يَرضَى اللّه ، واللّه ، ما أظنُّه راضيَّا دون أن تناجِزوا مَن قتله ، أو تُبيروا . ألا لا تهابوا الموت ، فواللّه ، ما هابه امرؤ قطُّ إلاَّ ذلّ ، كونوا كالأُلَى من بني إسرائيل ، إذ قال لهم نبيِّهم « إِنَّكُمْ ظَ_لَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ » (12) ، فما فعَل القومُ ؟ جَثَوا على الرُّكب واللّه ِ ، ومدّوا الأعناق ، ورضُوا بالقَضاء حَتَّى حينَ علموا أنَّه لا ينجيهم من عظيم الذَّنب إلاَّ الصَّبر على القتل ، فكيف بكم لو قد دُعيتم إلى مثْل ما دُعِي القوم إليه ! أشْحَذوا السيوف ، وركِّبوا الأسنَّة ، « و أَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ » (13) ، حَتَّى تُدعوا حينَ تُدْعَون وتُستنفرون . [ فأجابته الشيعة بإعطاء المال والنَّفس في سبيل اللّه ، فكتَب إلى سَعْد بن حُذَيْفَة بالمَدائِن : ] بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ من سُلَيْمانَ بن صُرَد ، إلى سَعْد بن حُذَيْفَة ومَن قِبَله من المؤمنين . سلامٌ عليكم ؛ أمَّا بعدُ ، فإنَّ الدُّنيا دارٌ قد أدبر منها ما كان معروفا ، وأقبل منها ما كان مُنْكَرا ، وأصبحتْ قد تشنَّأتْ إلى ذوِي الألباب ، وأزمَع بالتَّرحال منها عبادُ اللّه الأخيار ، وباعوا قليلاً من الدُّنيا لا يبقَى بجَزيل مَثُوبَة عند اللّه لا تَفْنَى . إنَّ أولياءَ من إخوانكم ، وشيعة آل نبيِّكم نظروا لأنفسهم فيما ابتُلوا به من أمر ابن بنت نبيِّهم الَّذِي دُعِيَ فأجاب ، ودعا فلم يُجَب ، وأراد الرَّجعة فحُبِس ، وسأل الأمان فمُنع ، وترك النَّاسَ فلم يتركوه ، وعَدَوْا عليه فقتلوه ، ثُمَّ سلبوه وجرّدوه ظلْما وعُدوانا وغِرَّةً باللّه وجهلاً ، وبعين اللّه ما يعملون ، وإلى اللّه ما يرجعون « وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَ_لَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ » (14) . فلمَّا نظروا إخوانكم ، وتدَبَّروا عواقبَ ما استقبلوا ، رأوا أن قد خطئوا بخِذلان الزَّكيّ الطَيِّب وإسلامه وترك مواساته ، والنَّصر له خَطَأً كبيرا ليس لهم منه مخرجٌ ولا توبة ، دون قتل قاتلِيه أو قتْلِهم حَتَّى تَفنَى على ذلك أرواحهم ، فقد جَدّ إخوانكم فجِدُّوا ، وأعِدُّوا واستعدّوا ، وقد ضربْنا لإخواننا أجلاً يوافوننا إليه ، وموطِنا يَلْقَوننا فيه . فأمَّا الأجل ، فغُرَّةُ شَهر رَبيع الآخر ، سَنَة خمس وستين ، وأمَّا الموطِن الَّذِي يَلقَوننا فيه فالنُّخَيلة . أنتم الَّذِين لم تزالوا لنا شيعة وإخوانا ، وإلاَّ وقد رأينا أن ندعوَكم إلى هذا الأمر الَّذي أراد اللّه به إخوانكم فيما يزعمون ، ويُظهرون لنا أنَّهم يتوبون ، وإنَّكم جُدَرَاءُ بتَطْلاب الفضل . . . (15) ولاّه الإمام عليه السلام على منطقة الجبل (16) ، ومدح صلابته في الدِّين (17) . وفي أيّام الإمام الحسن المجتبى عليه السلام كان من أصحابه (18) . لمّا هلك يزيد ، جمع شيعة الكوفة ونظّم ثورة التَّوَّابين على ابن زياد رافعا شعاره المعروف يالَثارات الحسين (19) . وكانت هذه الثَّورة حماسيّة عاطفيّة . وانهزم سُلَيْمان أمام عبيد اللّه بن زياد بعد قتالٍ شديدٍ ، ورزقه اللّه الشَّهادة سنة 65 ه ، وله (20) من العمر 93 سنة (21) .

.


1- . حوشبا : يعني حوشب بن القباعي الألهاني .
2- . راجع : الاستيعاب : ج2 ص210 الرقم1061 ، الإصابة : ج3 ص144 الرقم3470 ، أُسد الغابة : ج2 ص548 الرقم2231 ؛ رجال الكشّي : ج1 ص286 الرقم124 ، رجال الطوسي : ص40 الرقم255 و ص66 الرقم597 وص94 الرقم936 .
3- . وقعة صفِّين : ص6 ، قاموس الرجال : ج5 ص279 وراجع : الفتوح : ج2 ص492 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص105 .
4- . وقعة صفِّين : ص205 .
5- . الكهف :20 .
6- . وقعة صفِّين : ص313 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج5 ص247 .
7- . الأحزاب :23 .
8- . وقعة صفِّين : ص519 ، بحار الأنوار : ج32 ص545 ح456 وراجع : المعيار والموازنة :ص181 .
9- . الأنفال :58 .
10- . تنزيه الأنبياء : ص171 و172 ، بحار الأنوار : ج44 ص29 و30 .
11- . الإرشاد : ج2 ص36 وراجع : إعلام الورى : ج1 ص436 ، روضة الواعظين : ص190 ، بحار الأنوار : ج44 ص331 و332 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص352 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص533 ، أخبار الطِوال : ص229 ، تذكرة الخواصّ : ص243 ، الملهوف : ص102 .
12- . البقرة :54 .
13- . الأنفال :60 .
14- . الشعراء :227 .
15- . تاريخ الطبري : ج5 ص552 _ 556 وراجع : الكامل في التاريخ : ج2 ص624 _ 626 ، الغارات : ج2 ص774 .
16- . أنساب الأشراف : ج2 ص393 .
17- . وقعة صفّين : ص519 .
18- . رجال الطوسي : ص94 الرقم936 .
19- . تاريخ الطبري : ج5 ص583 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص635 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص258 .
20- . الطبقات الكبرى : ج4 ص292 و293 ، تهذيب الكمال : ج 11 ص456 الرقم2531 ، تاريخ الطبري : ج5 ص583 _ 599 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص635 _ 641 ، اُسد الغابة : ج 2 ص548 الرقم2231 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص258 وفيه « سنة 66 ه » .
21- . الطبقات الكبرى : ج4 ص293 ، تهذيب الكمال : ج 11 ص456 الرقم2531 ، الاستيعاب : ج2 ص211 الرقم1061 ، اُسد الغابة : ج 2 ص549 الرقم2231 .

ص: 162

. .

ص: 163

. .

ص: 164

. .

ص: 165

. .

ص: 166

. .

ص: 167

. .

ص: 168

169 _ كتابه عليه السلام إلى النّعمان بن عجلان

169كتابه عليه السلام إلى النُّعْمَان بن عَجْلانقال اليعقوبيّ : بلغ عليَّا عليه السلام أنَّ النُّعْمان بن عَجْلان قد ذهب بمال البحرين ، فكتب إليه :« أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّه من استَهانَ بالأَمانَةِ ، ورَغَبَ فِي الخِيانَةِ ، ولَم يُنزِّه نَفسَهُ ودِينَهُ ، أخَلَّ بِنَفسِهِ في الدُّنيا ، وما يُشفِي عَليهِ بَعدُ أمرُّ وأبقى وأشقى وأطوَلُ ، فَخَفِ اللّه َ ! إنَّكَ مِن عَشيرَةٍ ذاتِ صَلاحٍ ، فكن عِندَ صالِحِ الظَّنِّ بِكَ ، وراجِعْ إن كانَ حَقَّا ما بَلغَنِي عَنْكَ ، ولا تَقْلِبَنَّ رأيي فِيكَ ، واستَنظِفْ خَراجَكَ ، ثُمَّ اكتُب إليَّ لِيأتِيَكَ رأيي أمري ، إن شاءَ اللّه ُ » . (1) صورة ثانية للكتاب : « أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ مَنْ أدَّى الأمانَةَ ، وحَفِظَ حَقَّ اللّه ِ في السِّرِّ والعَلانِيَّةِ ، ونَزَّهَ نفسَهُ ودِينَهُ مِنَ الخِيانَةِ ، كانَ جَدِيرا بأنْ يرفَعَ اللّه ُ درجَتَهُ في الصَّالِحينَ ، ويُؤتِيهِ أفضَلَ ثَوابِ المُحسِنينَ ، ومَنْ لَم يُنَزِّه نَفسَهُ ودِينَهُ عَن ذلِكَ أخَلَّ بِنَفسِهِ فِي الدُّنيا وأوبَقَها فِي الآخِرَةِ ، فَخَفِ اللّه َ في سِرِّكَ وجَهرِكَ ، ولا تَكُنْ مِنَ الغافِلينَ عَن أمرِ مَعادِكَ ، فإنَّكَ مِن عَشِيرَةٍ صالِحَةٍ ، ذاتِ تَقوى وعِفَّةٍ وأمانَةٍ ، فَكُن عِندَ صالِحِ ظنِّي بِكَ ، والسَّلامُ » . (2)

.


1- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص201 .
2- . أنساب الأشراف : ج2 ص388 .

ص: 169

[ أقول : قال اليعقوبي : لمَّا جاءه كتاب عليّ عليه السلام ، وعلِمَ أنَّه قد عرف بأمره حمل المال ولحق معاوية . وقال ابن الأثير في أُسْد الغابة : واستعمله عليّ بن أبي طالب على البحرين ، فجعل ويُعطي كُلَّ من جاءه من بني زُرَيق ، فقال فيه الشَّاعر : أرَى فِتْنتةً قد ألْهَتِ النَّاسَ عَنْكُمُفَنَدْلاً زُرَيقَ المالَ مِن كُلِّ جانِبِ فَإنَّ ابنَ عَجْلانَ الَّذي قَدْ عَلِمْتُمُيُبَدِّدُ مَالَ اللّه ِ فِعْلَ المُناهِبِ يَمُرُّونَ بالدَهْنا خِفافا عيابُهُم ويَخْرُجْنَ مِن دارِينَ بُجْرَ الحَقائبِ (1) وكان عمر بن أبي سلمة واليا على البحرين ، فعزله أمير المؤمنين عليه السلام بلا ذمّ له ، بل للحضور في حرب صفِّين ، وبعث مكانه النُّعْمان بن عَجْلان ، فغرَّه مال الدُّنيا فزلّت به قدمه ، ففرَّ إلى ابن حرب لعنه اللّه تعالى ، وكان شاعرا ذا لسان وفصاحة ، سيّدا في قومه ، وبصيرا في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ، كما تحكى عنه أشعاره . (2) ونقل نَصْر له أشعارا يفتخر فيها بحرب صفِّين ، وظاهرها حضوره في الوقعة ، وهو بعيد . (3) وجعله أيضا من شهود كتاب الصُّلح من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو أيضا بعيد ] .

.


1- . أُسد الغابة : ج5 ص317 الرقم 5254 ، الإصابة : ج3 ص562 ، قاموس الرجال : ج9 ص220 .
2- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص174 .
3- . راجع : وقعة صفِّين : ص380 .

ص: 170

170 _ كتابه عليه السلام إلى بعض عمّاله

170كتابه عليه السلام إلى بعض عُمّالهقال اليعقوبي : وجَّه ( أمير المؤمنين عليه السلام ) رجلاً من أصحابه إلى بعض عُمَّاله مستحثَّا ، فاستخفَّ به ، فكتب إليه :« أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّكَ شتمْتَ رَسُولي وزَجَرْتَهُ ، وبلَغَنِي أنَّك تُبَخّرُ وتُكثِرُ مِنَ الادِّهان وألوان الطَّعام ، وتتكلَّم علَى المِنبَر بِكلامِ الصِّدِّيقينَ ، وتَفعَلُ ، إذا نَزَلْتَ ، أفعالَ المُحلِّينَ ، فإنَّ ذلِكَ كذلِكَ ، فنفسَكَ ضَرَرْتَ وأدبي تعرَّضْتَ . ويحَكَ أن تقولَ : العظَمَةُ والكِبرياءُ رِدائي فَمَنْ نازَعَنِيهما سَخْطتُ عَليهِ ، بَل ما علَيكَ أنْ تَدَّهِنَ رَفَيها ، فَقَد أمرَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله بذلِكَ ، وما حَمَلَكَ أن تُشهِدَ الناسَ عَليْكَ بِخِلافِ ما تَقولُ ثَمَّ على المِنْبَرِ ، حَيثُ يَكثُرُ عَليْكَ الشَّاهِدُ ، ويَعظُمُ مَقْتُ اللّه ِ لَكَ ، بل كَيْفَ تَرجُو ، وأنتَ مُتَهوِّع في النَّعيمِ جَمَعْتَهُ مِنَ الأرمَلَةِ واليَتيمِ ، أن يُوجِبَ اللّه ُ لَكَ أجَر الصَّالِحينَ ، بل ما عَلَيكَ ثَكَلتْكَ أُمُّكَ ، لو صُمْتَ للّه ِ أيَّاما ، وتصدَّقْتَ بطائِفَةٍ مِن طَعامِكَ ، فإنَّها سِيرَةُ الأنبياءِ وأدَبُ الصَّالِحينَ . أصلِحْ نفسَكَ ، وتُبْ مِن ذَنبِكَ ، وأدِّ حَقَّ اللّه ِ علَيكَ ، والسَّلامُ » . (1) وقال ابن أبي الحديد : فأمَّا أوَّل ما ارتفع به زياد فهو استخلاف ابن عبَّاس له على البصرة في خلافة عليّ عليه السلام ، وبلغت عليَّا عنه هَنات ، فكتب إليه يلومه ويؤنّبه ، فمنها الكتاب الَّذي ذكر الرَّضي رحمه الله بعضه ، وقد شرحْنا فيما تقدَّم ما ذكر الرَّضي منه ، وكان عليٌّ عليه السلام أخرج إليه سَعْدا مولاه يحثّه على حَمْل مال البصرة إلى الكوفة ، وكان بين سَعْد وزياد مُلاحاة ومنازعة ، وعاد سَعْد وشكاه إلى عليٍّ عليه السلام وعابه ، فكتب عليّ عليه السلام إليه : « أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّ سَعْدا ذكَرَ أنَّك شتَمتَهُ ظُلما ، وهدَّدْتَهُ وجَبَهتَهُ تَجَبُّرا وتَكَبُّرا ، فَما دعاكَ إلى التَّكبُّرِ ؟ وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الكِبرُ رداءُ اللّه ِ فَمَن نازعَ اللّه َ رداءَهُ قصَمَهُ . وقد أخبَرَني أنَّكَ تُكثِرُ مِنَ الألوانِ المُختَلِفَةِ في الطَّعامِ في اليومِ الواحِدِ ، وتدَّهِنُ كُلَّ يَومٍ ، فَما عَليْكَ لو صُمْتَ للّه ِ أيَّاما ، وتصدَّقتَ بِبَعضِ ما عِندَكَ مُحتَسِبا ، وأكَلْتَ طَعامَكَ مِرارا قَفَارا ، فإنَّ ذلِكَ شعارُ الصَّالِحينَ ! أفتَطمَعُ وأَنتَ مُتمرِّغٌ في النَّعيمِ ، تستأثِرُ بهِ علَى الجارِ والمِسكينِ والضَّعِيفِ والفَقِيرِ والأرمَلَةِ واليَتيمِ ، أن يُحسَبَ لَكَ أجرُ المُتَصدِّقِينَ ، وأخبرني أنَّكَ تَتَكلّمُ بِكَلامِ الأبرارِ ، وتَعمَلُ عَمَلَ الخاطِئينَ ، فإن كُنتَ تَفعَلُ ذلِكَ فَنَفسَكَ ظَلَمْتَ ، وعَمَلَكَ أَحْبَطْتَ ، فَتُبْ إلى ربِّكَ يُصلِحْ لَكَ عَمَلَكَ ، واقتَصِدْ في أمرِكَ ، وقَدِّمْ إلى ربِّك الفَضلَ لِيَوْمِ حاجَتِكَ ، وادَّهِنْ غِبّا (2) ، فإنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : ادّهِنُوا غِبّا ولا تدّهنوا رِفها (3) » . (4)

.


1- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص202 .
2- . الغبّ : الإتيان في اليومين ، وقال الحسن : في كلّ اُسبوع ( لسان العرب :ج1 ص 635 و636 ) .
3- . الرَّفْه : كثرة التَّدَهُّن والتَّنَعُّم ( النهاية : ج2 ص 247 ) .
4- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص 196 وراجع : نثر الدرّ : ج1 ص321 .

ص: 171

. .

ص: 172

كتابه عليه السلام إلى زياد بن عبيد

فكتب إليه زياد : أمَّا بعدُ ؛ يا أمير المؤمنين ، فإنَّ سعدا قَدِم عليَّ ، فأساء القول والعمل ، فانتهرتهُ وزجرتُهُ ، وكان أهلاً لأكثر من ذلك . وأمَّا ما ذَكرتَ من الإسرافِ واتِّخاذِ الألوان مِنَ الطَّعامِ والنَّعَمِ ، فإنْ كان صادقا فأثابه اللّه ُ ثوابَ الصَّالحين ، وإن كان كاذبا فوقاه اللّه أشدَّ عقوبة الكاذبين . وأمَّا قوله : إنِّي أصِفُ العدلَ وأُخالِفُهُ إلى غيره ، فإنَّي إذَنْ من الأخسرين . فخذ يا أمير المؤمنين ، بِمَقالٍ قُلتُهُ في مقامٍ قُمتُهُ ؛ الدَّعوى بِلا بيّنَةٍ ، كالسَّهمِ بلا نَصْلٍ ، فَإن أتاك بشاهِدَيْ عَدلٍ ، وإلاّ تبيَّنَ لَكَ كِذبهُ وظلمُه . (1) [ ويظهر من كلام ابن أبي الحديد أنَّ الَّذي ذكره الرَّضي رحمه الله ليس مختصرا من هذا الكتاب ، بل هو كتاب مستقل كتبه لمَّا بلغه عن زياد هَنات . ]

كتابه عليه السلام إلى زِياد بن عُبَيْدقال اليعقوبيّ : وكتب إلى زياد وكان عامله على فارس : « أمَّا بَعدُ ، فإنَّ رَسُولي أخبَرنِي بِعُجْبٍ ، زَعَمَ أنَّكَ قُلتَ لَهُ فيما بيَنَكَ وبَينَهُ : أنَّ الأكرادَ هاجَت بِكَ ، فكَسَرت عَليْكَ كَثِيرا مِنَ الخَراجِ ، وقُلتَ لَهُ : لا تُعلِم بِذلِكَ أميرَ المُؤمِنينَ ، يا زِيادُ ، وأُقسِمُ باللّه ِ ، إنَّكَ لكاذِبٌ ، ولَئِن لَم تَبعَثْ بِخَراجِكَ لأَشُدَّنَّ عَليكَ شَدَّةً تَدعُكَ قَلِيلَ الوَفْرِ ، ثَقِيلَ الظَّهرِ ، إلاّ أن تَكونُ لما كَسَرْتَ مِنَ الخَراجِ مُحتَمِلاً » (2) .

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 197 .
2- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص204 .

ص: 173

[ قلت : زياد وما أدراك ما زياد ، الدَّعي اللَّعين الفاجر السَّفَّاك ، هو ابن عبيد ، وابن سميَّة دعيّ أبي سُفْيَان ، كان يكنَّى أبا المُغِيْرَة ، وسُمَيَّة هي جارية الحارث بن كلدة ، وكان يطؤها بملك اليمين . والعجب من الشَّارح الآملي حيث قال : هو زياد بن أبي سُفْيَان تبعا لأبي عمر في الاستيعاب ، وابن سَعْد في الطَّبقات في مواضع كثيرة ، وليس منهما بعجب ، وفي أُسْد الغابَة : زياد بن سُمَيَّة ، وفي القاموس : زياد بن عبيد ، والأمر سهل ] . قال ابن أبي الحديد : والأكثرون يقولون : إنَّ عبيدا كان عبدا ، وإنَّه بقي إلى أيّام زياد ، فابتاعه وأعتقه ، وسنذكر ما ورد في ذلك ، ونسبة زياد لغير أبيه لخمول أبيه ، والدعوة الَّتي استلحق بها ، فقيل تارةً زياد بن سُمَيَّة ، وهي أُمّه ، وكانت أمة للحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج الثَّقَفيّ ، طبيب العرب ، وكانت تحت عبيد . وقيل تارةً زياد ابن أبى ، وقيل تارةً زياد بن أمّ ، ولمَّا استُلحِقَ قال له أكثر الناس زياد بن أبي سُفْيَان ، لأنَّ النَّاس مع الملوك الَّذِين هم مظنَّة الرَّهبة والرَّغبة ، وليس أتباع الدِّين بالنِّسبة إلى أتباع الملوك ، إلاّ كالقطرة في البحر المحيط ، فأمَّا ما كان يدعى به قبل الاستلحاق فزياد بن عبيد ، ولا يشكّ في ذلك أحد . (1) وقد ولد عام الهجرة ، أو قبلها ، وليست له صحبة ولا رواية ( أُسْد الغابَة والاستيعاب ) ، وقال في الإصابة : ذكره أبو عمر في الصَّحابة ، ولم يذكر ما يدلّ على صحبته ، ويزعم آل زياد أنَّه دخل على عمرو ، له سبع عشرة سنة . وأخبرني زياد بن عثمان أنَّه كان له في الهجرة عشر سنين ، وقيل ولد عام الفتح ، وقيل ولد عام الهجرة ، وقيل قبل الهجرة . (2) كانت أمّه من البغايا بالطائف (3) ، وكان زياد كاتبا لسَعْد بن أبي وَقَّاص في قرب القادسيّة ، (4) وقاسماً في فتح الأبِلَّة ، وكان له أربع عشرة سنة ، (5) استعمله عمر على بعض أعمال البصرة أو صدقاتها ، وقيل استخلفه أبو موسى الأشْعَرِيّ ، وكان كاتبا له . (6) وكان أحد الشُّهود على المُغِيْرَة بن شُعْبَة ، فلم يشهد ، وكان عاقلاً في دنياه ، داهية خطيبا ، له قدر وجلالة عند أهل الدُّنيا . (7) وبعث عمر زيادا لإصلاح فسادٍ وقع باليمن ، فرجع من وجهه ، وخطب خطبة لم يُسمع النَّاس مِثْلها ، فقال عَمْرو بن العاص : أما واللّه ، لو كان هذا الغلام قرشيّا لساق العرب بعصاه ، فقال أبو سُفْيَان : واللّه ، إنِّي لأعرف الَّذي وضعه في رحِم أمّه . فقال عليّ بن أبي طالب : « ومن هو يا أبا سُفْيَان ؟ » . قال : أنا . قال : « مهلاً يا أبا سُفْيَان » . فقال أبو سُفْيَان : أما واللّه ِ لَولا خَوْفُ شَخْصٍيَراني يا عَلِيُّ مِنَ الأعادِي لَأَظْهَرَ أمرَهُ صَخْرُ بنُ حَرْبٍولَم يَخَفِ المَقالَةَ فِي زِيادِ وَقَدْ طالَتْ مُجامَلَتِي ثَقِيفاوتَرْكِي فِيهِمُ ثَمَرَ الفُؤادِ (8) وقيل : قدم زياد من تُستَر من عند أبي موسى على عمر ، فأمر أن يتكلَّم ويخبر النَّاس بفتح تُستَر ، فقام وتكلَّم فأبلغ ، فعجب النَّاس ، وقالوا : إن ابن عبيد لخطيب ، فقال أبو سُفْيَان ،ما أقره في رحم أُمّه غيري . (9) وقد اعتزل زياد حرب الجمل ، ولم يشهدها ، فجاء عبد الرَّحمن بن أبي بكرة إلى أمير المؤمنين عليه السلام في المستأمنين ، فقال عليه السلام : « وَعمّك القاعِدُ المُتربِّصُ بِي وعَمُّك المُتَربِّصُ المُتقاعِدُ بي » . فقال : واللّه يا أمير المؤمنين ، إنَّه لك لوادّ ، وأنَّه على مسرّتك لحريص ، ولكنَّه بلغني أنَّه يشتكي ، فلمَّا مشى إليه عليّ ودخل عليه ، قال : « تقاعدتَ عنِّي ، وتربَّصْتَ بي » ، ووضع يده على صدره ، وقال : « هذا وجع بيّن » . فاعتذر إليه زياد ، فقبل عذره ، واستشاره ، وأراده عليٌّ على البصرة ، فقال : رجل من أهل بيتك يسكن إليه النَّاس ، فإنَّه أجدر أن يطمئنّوا أو ينقادوا ، وسأكفيكه وأشيرُ عليه ، فافترقا على ابن عبَّاس ، ورجع عليٌّ إلى منزله . (10) وزاد الطَّبري أنَّه عليه السلام وَلَّي زيادا الخَراج ، وأمر ابن عبَّاس أن يسمع منه ، مع أنَّ الطَّبري صرَّح (11) بأنَّ ابن عبَّاس لمَّا شَخص إلى الكوفة استعمل زيادا على الخَراج ، وصرّح (12) بأنَّ الصَّدقات والجند والمعادن كانت لابن عبَّاس أيَّام ولايته ، والَّذي أظنّ أنَّ هذه الزِّيادة الَّتي اختصَّ بها الطَّبري ، قد وردت في ذيل رواية سيف بالسند المعروف ، ولم يذكر ذلك ابن أبي الحديد ، ولا ابن حَجَر ، ولا ابن الأثير ، ولا أبو عمر ، وأوَّل عمل عمل لأمير المؤمنين عليه السلام هو ما كان باستخلاف ابن عبَّاس له على البصرة ، لمَّا قتل محمَّد بن أبي بكر ، وخرج ابن عبَّاس إلى الكوفة معزّيا ، ووقعت فتنة ابن الحَضْرَمِيّ وقتئذٍ كما تقدَّم . (13) وفي أنساب الأشراف : إنَّ عليَّا عليه السلام ضمّ زيادا إلى ابن عبّاس كاتبا ، وأنَّ ابن عبَّاس ولاّه على الخَراج . (14) ولمَّا قتل عليّ عليه السلام أهلَ النَّهروان خالَفَه قوم كثير ، ومنهم بنو ناجية ، وانتقضت عليه أطرافه ، وانتقض أهلُ الأهواز ، وطَمِع أهلُ الخَراج في كسره ، ثُمَّ أخرجوا سهل بن حُنَيف من فارس ، وكان عامل عليٍّ عليها ، فقال : ابن عبَّاس لعليّ أنا أكفيك فارسَ بزياد ، فأمره عليٌّ أن يوجّهه إليها فقدِم ابن عبَّاس البصرةَ ، ووجَّهه إلى فارس في جمع كثير ، فوطئ بهم أهل فارس ، فأدَّوا الخَراج . (15) وكان ذلك سَنَة 39 ه . ق كما في تاريخ الطَّبري . (16) فكتب عليّ عليه السلام إليه هذا الكتاب يتهدّده ويتوعّده . ولمَّا قدِم زياد فارس ، بعث إلى رؤسائها ، فوعد مَن نصرَه ومنَّاه ، وخوَّف قوما وتوعَّدهم ، وضرب بعضَهم ببعض ، ودلّ بعضَهم على عورة بعض ، وهربتْ طائفة ، وأقامت طائفة ، فقتل بعضُهم بعضا ، وصفَتْ له فارس ، فلم يَلْقَ فيها جمعا ولا حَرْبا ، وفعل مثلَ ذلك بكرْمان ، ثُمَّ رجع إلى فارس ، فسار في كُوَرِها ومنَّاهم ، فسَكَن النَّاس إلى ذلك ، فاستقامت له البلاد ، وأتى إصْطَخْرَ فنزلها ، وحصَّن بها قلعةً تُسمَّى قلعةَ زياد . (17) وقد قتل عليّ عليه السلام وهو بها . (18) وفي تلكم المدّة كتب معاوية إلى زياد بالتَّهديد إن لم يطعه ، فلمَّا وصل الكتاب إليه خطب فقال : العجب من ابن آكلة الأكباد ، ورأس النِّفاق يهدّدني ، وبيني وبينه ابنُ عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وزوج سيّدة نساء العالمين ، وأبو السِّبطين ، وصاحب الولاية والمنزلة والإخاء ، في مئة ألف من المهاجرين والأنصار والتَّابعين لهم بإحسان . أمَا واللّه ، لو تخطّى هؤلاء أجمعين إليّ لوجدني أحْمَر مِخشَّا ضرَّابا بالسَّيفِ ، ثُمَّ كتب إلى عليّ عليه السلام وبعث بكتاب معاوية إليه . فلمَّا وقف عليّ عليه السلام على الكتاب كتب إليه . . . (19) . فلمَّا قرأ زياد كتاب أمير المؤمنين عليه السلام وفيه « وإنَّما كانَتْ مِن أَبي سُفْيَانَ فَلتَةٌ زمَنَ عُمَرَ ، لا تَستَحِقُّ بِها نَسَبا ولا مِيراثا ، وإنَّ مُعاوِيَةَ يأتي المَرءَ مِن بَينِ يَديْهِ وخَلْفِهِ فاَحذَرهُ ، والسَّلامُ » ؛ قال : شهد لي أبو حسن وربّ الكعبة . (20) ولمَّا قتل أمير المؤمنين عليه السلام بايع زياد الحسن عليه السلام ، ولكنَّه ما لبث أن نكث حيث كان شقيَّا وفاسقا متعدِّيا طاغيا متهتّكا ، لا دين له ولا تقوى ، ولذلك صدر منه في زمن أمير المؤمنين عليه السلام بفارس والبصرة ، ما أوجب أن يكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام . وإنَّما كان يَتَّقِي غضب أمير المؤمنين عليه السلام ومؤاخذته ، ولم يكن يرجو من معاوية إجابة أو عطفا إليه لو أنَّه خرج إليه ، إذ لم يكن لعبيد ولا لبنيه في المجتمع شأن يذكر حَتَّى يميل إلى معاوية ، ويترك عليَّا عليه السلام ، فلمَّا قتل أمير المؤمنين عليه السلام ، واستماله معاوية ، مال إليه رجوعا إلى أصله وميلاً إلى سنخه ، والنَّاس معادن كمعادن الذَّهب والفضة ، « ثُمَّ كَانَ عَقِبَةَ الَّذِينَ أَسَئواْ السُّوأَى أَن كَذَّبُواْ بِ_ئايَ_تِ اللَّهِ وَ كَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ » (21) . استماله معاوية واستلحقه بأبي سُفْيَان في قِصَّةٍ مشهورة ، ذكرها المُؤرِّخون . (22) وكان ذلك في سَنَة أربع وأربعين ، رغما لقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « الولَدُ لِلفِراشِ ، وللعاهِرِ الحجَرُ » ، ولذلك هجره أخوه أبو بكر ولم يكلّمه ، وصار ذلك سُبّة على معاوية ، وزياد عند المسلمين ، وهجاه الشُّعراء بحيث اضطرَّ زياد إلى تأليف كتاب المثالب ، ودفعه إلى ولده حَتَّى يدافعوا به عن حسبهم . وردَّهُ معاوية إلى عمله إلى سَنَة خمس وأربعين ، ثُمَّ بعثه عاملاً على البصرة وخراسان وسجستان ، ثُمَّ جمع له الهند والبَحرين . (23) وقَتل حين ورد البصرة سبعمئة إنسانٍ في ليلة واحدة ، ثُمَّ أخذ في قتل الشِّيعة ، ومحبّي أمير المؤمنين عليه السلام تحت كُلِّ حَجَر ومَدَر ، بِكُلِّ ظنّه وتهمة ، ثُمَّ جمع له الكوفة أيضا ، وجعل على البصرة سمرة بن جُنْدُب ، فكان يقيم ستة أشهر بالكوفة ، وستة بالبصرة ، وقتل سمرة إلى أن عاد زياد ثمانية آلاف . (24) قال ابن أبي الحديد ، ونعم ما قال : قلت : قبّح اللّه زيادا ، فإنَّه كافأ إنعام عليّ عليه السلام وإحسانه إليه ، واصطناعه له بما لا حاجة إلى شرحه من أعماله القبيحة بشيعته ومحبّيه ، والإسراف في لعنه ، وتهجين أفعاله ، والمبالغة في ذلك بما قد كان معاوية يرضى باليسير منه ، ولم يكن يفعل ذلك لطلب رضا معاوية ، كلاّ بل يفعله بطبعه ، ويعاديه بباطنه وظاهره ، وأبى اللّه إلاّ أن يرجع إلى أمّه ، ويصحّح نسبه ، وكلّ إناء ينضح بما فيه ، ثُمَّ جاء ابنه بعد ، فختم تلك الأعمال السَّيِّئة بما ختم ، وإلى اللّه تُرجع الأمور . (25) وهو الَّذي فعل بحُجْر بن عَدِيّ وأصحابه رضوان اللّه عليهم ما هو معروف ، من أخذهم وتقييدهم وإرسالهم إلى معاوية مع شهادة مزوّرة ، وهو الَّذي كتب إلى معاوية في حقّ الحَضْرَمِيَّين ، أنَّهم على دين عليٍّ وعلى رأيه ، فكتب إليه معاوية اقتل كُلّ من كان على دين عليٍّ ورأيه ، فقتلهم ومثّل بهم . (26) وقال زياد في خطبته البتراء : وإنِّي أقسم اللّه لآخُذَنَّ الوليَّ بالوليّ ، والمقيم بالظَّاعن ، والمقبل بالمدبر ، والصَّحيح منكم بالسقيم . ولقد عمل بما قال ، وزاد ثُمَّ زاد ، زاده اللّه من عذابه الأليم . وقد أخذ ليلة أعرابيا ، فأدخل عليه ، فقال له زياد : هل سمعتَ النِّداء ؟ قال : لا واللّه ، قدمتُ بحَلوبة (27) لي ، وغشيَني اللَّيلُ ، فاضطررتْها إلى موضع ، فأقمتُ لأُصبِحَ ، ولا علمَ لي بما كان من الأمير . قال : أظنّك واللّه ِ صادقا ، ولكنَّ في قتلك صَلاحَ هذه الأمَّة ، ثُمَّ أمر به فضُربت عُنقُه . (28) روى ابن الكلبي : أنَّ عَبَّادا استلحقه زياد ، كما استلحق معاوية زيادا . (29) فكتب الحسنُ بن عليّ عليه السلام إلى زياد : « أمَّا بعدُ ؛ فإنَّك عَمَدتَ إلى رَجُلٍ مِنَ المُسلمِينَ لَهُ ما لَهم ، وعَليهِ ما عَليْهِم ، فهَدَمتَ دارَهُ ، وأخَذْتَ مالَهُ ، وحَبَستَ أهلَهُ وعِيالَهُ ، فإن أتاكَ كِتابِي هذا فابنِ لَهُ دارَهُ ، واُردُدْ عَليْهِ عِيالَهُ ومالَهُ ، وشفِّعْنِي فيهِ ، فَقَد أجَرْتُهُ ، والسَّلامُ » . فكتب إليه زياد : من زياد بن أبي سُفْيَان إلى الحسن بن فاطمة ، أمَّا بعدُ ، فقد أتاني كتابُك تبدأ فيه بنفسك قبلي ، وأنت طالب حاجة ، وأنا سلطان وأنت سُوقة ، وتأمرني فيه بأمرِ المطاع المسلّط على رعيّته . كتبت إليَّ في فاسق آويته ، إقامةً منك على سوء الرَّأي ، ورِضا مِنكَ بِذلِكَ ، وايمُ اللّه ِ لا تَسبِقُني بهِ ، ولو كان بين جِلدِكَ ولَحْمِكَ ، وإن نلت بَعْضَكَ غَيرَ رَفِيقٍ بِكَ ولا مُرْعٍ عَلَيكَ ، فإنَّ أحبَّ لَحمٍ عَلَيَّ أن آكُلَهُ لَلَّحمُ الَّذي أنت مِنهُ ، فَسَلّمهُ بِجرَيرَتِهِ إلى مَن هُوَ أولَى بِهِ مِنْكَ ، فإن عَفَوتُ عَنهُ لم أكُنْ شفّعتُكَ فيهِ ، وإن قَتَلتُهُ لم أقتلْه إلاّ لِحُبّهِ أباكَ الفاسِقَ ؛ والسَّلام . فلمَّا ورد الكتاب على الحسن عليه السلام ، قرأه وتبسَّم ، وكتب بذلك إلى معاوية ، وجعل كتاب زياد عِطفه ، وبعثَ به إلى الشَّام ، وكتب جواب كتابه كلمتين لا ثالِثَةَ لَهُما : « مِنَ الحَسَنِ بنِ فاطِمَةَ إلى زيادِ بنِ سُمَيَّةَ ، أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : الوَلدُ للفرِاشِ وللعاهِرِ الحجرُ ، والسَّلامُ » . فلمَّا قرأ معاويةُ كتابَ زياد إلى الحسن ضاقت به الشَّام ، وكتب إلى زياد : أمَّا بعدُ ، فإنَّ الحسن بن عليّ بعث إليَّ بكتابك إليه جوابا عن كتاب كتبه إليك في ابن سَرْح ، فأكْثَرتُ العجَبَ مِنكَ ، وعَلِمتُ أنَّ لكَ رأيينِ : أحدُهما من أبي سُفْيَان ، والآخرُ مِن سُمَيَّةَ . فأمَّا الَّذي من أبي سُفْيَانَ فحِلْمٌ وحزمٌ ، وأمَّا الَّذي من سُميَّة فما يكون من رأي مِثلها ! من ذلك كتابك إلى الحسن تَشُتم أباه ، وتُعرِّض له بالفسق ، ولَعَمرِي إنَّك الأولى بالفِسقِ مِن أبيهِ . فأمَّا أنَّ الحسنَ بدأ بنفسه ارتفاعا عليك ، فإنَّ ذلك لا يضعك لو عقلت ، وأمَّا تسلّطه عليك بالأمر فحقّ لِمثل الحسن أن يتسلّط ، وأمَّا تركك تشفيعه فيما شفع فيه إليك ، فحظٌّ دفعتَه عَن نَفسِكَ إلى مَن هُو أولى بهِ مِنكَ . فإذا ورد عليك كتابي فخَلّ ما في يديْكَ لسَعِيد بنِ أبي سَرْحٍ ، وابن لَهُ دارَهُ ، واردُدْ علَيهِ مالَهُ ، ولا تعرض له ، فقد كتبتُ إلى الحسن أن يخيّره إن شاء أقام عنده ، وإن شاء رجع إلى بلده ، ولا سلطان لك عليه ، لا بيدٍ ولا لسان . وأمَّا كتابك إلى الحسن ، باسمه واسم أُمّهِ ، ولا تَنسُبه إلى أبيه ، فإنَّ الحسن وَيحك ! من لا يُرمَى بهِ الرَجَوان ، وإلى أيّ أمّ وَكْلته لا أمَّ لك ! أمَا علمتَ أنَّها فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فذاك أفخر لَهُ لو كنتَ تَعلَمه وتعقُله ! وكَتَب في أسفل الكتاب شعرا ، من جملته : أمَا حَسَنٌ فابنُ الَّذي كانَ قَبْلَهُإذا سارَ سارَ المَوتُ حَيثُ يَسيرُ وهَلْ يَلِدُ الرِئْبالُ إلاَّ نَظِيرَهُوذا حَسَنٌ شِبْهٌ لَهُ ونظيرُ ولكنَّهُ لَو يُوزَنُ الحِلمُ والحجابأمرٍ لقالُوا يَذْبُلٌ وثَبِيرُ (30) وفي سَنَة ثلاث وخمسين ، هلك زياد بن أبى بالكوفة في شهر رمضان ، وكان يكنَّى أبا المُغِيْرَة ، وقد كان كتب إلى معاوية أنَّه قد ضبط العراق بيمينه وشماله فارغة ، فجمع له الحجاز مع العراقين ، واتصل خبر ولايته بأهل المدينة فاجتمع الصَّغير والكبير بمسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وضجّوا إلى اللّه ، ولاذوا بقبر النَّبيّ صلى الله عليه و آله ثلاثة أيَّام لعلمهم بما هو عليه من الظُّلم والعسف ، فخرجت في كفّه بثرة فحكّها فسرت واسودَّت ، فصارت آكلة سوداء ، فهلك بذلك ، وهو ابن خمس وخمسين سنة ، وقيل اثنتين وأربعين ، ودفن بالثّوبة من أرض الكوفة . وقد كان زياد جمع النَّاس بالكوفة بباب القصر يحرّضهم على لعن عليّ عليه السلام ، فمن أبى ذلك عرضه على السَّيف ، فذكر عبد الرَّحمن بن السَّائب ، قال : حضرت فصرت إلى الرُّحبة ومعي جَماعة من الأنصار ، فرأيت شيئا في منامي وأنا جالس في الجماعة ، وقد خفقتُ ، وهو أنّي رأيت شيئا طويلاً قد أقبل ، فقلت : ما هذا ؟ فقال : أنا النّقاد ذو الرَّقبة بعثت إلى صاحب هذا القصر ، فانتبهت فزعا فما كان إلاّ مقدار ساعة ، حَتَّى خرج خارج من القصر ، فقال : انصرفوا فإنَّ الأمير مشغول عنكم ، وإذا به قد أصابه ما ذكرنا من البلاء . (31) وكتب الحسين عليه السلام كتابا إلى معاوية وفيه : « أو لستَ المدَّعي زيادا في الإسلام ، فزعمت أنَّه ابن أبي سفيان ، وقد قضى رسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أنَّ الولدَ للفراشِ ، وللعاهِرِ الحَجرُ . ثُمَّ سلّطْتَهُ على أهل الإسلام ، يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ، من خلاف ، ويصلِبُهُم على جُذوعِ النَّخلِ ، سبحان اللّه يامُعاوِيَةُ ، لكَأنَّكَ لَسْتَ مِن هذهِ الاُمَّةِ ، ولَيسوا مِنْكَ ، أوَ لستَ قاتِلَ الحضرمي الذي كتبَ إليكَ فيهِ زيادٌ أنَّهُ على دِينِ عليٍّ » . (32) بقي الكلام حول سرّ توليته عليه السلام زيادا مع عزله عليه السلام معاوية ، وابن عامر ونظراءهما من الظَّالمين الفاسقين ، حسما لمادّة الفساد ، وقطعا لأيدي الظَّالمين ، حَتَّى لا يتحكَّموا بالنَّاس ، ويتسلّطوا على الأُمَّةِ ، ولكنَّ حقيقة الأمر هي أ نّه لم يظهر من زياد إلى تلكم الآونة عمل سيّئ يوجب حرمانه عن الولاية من قبله ، بل لم نعثر في تاريخ حياته في زمن عمر وعثمان ، مع أنَّه كان كاتبا أو محاسبا في فتح جلولاء وتُستَر ، وكان كاتبا لأبي موسى ، ثُمَّ لعبد اللّه بن عامر ، ثُمَّ لابن عبَّاس ، بل كان كاتبا للمُغيرَةِ أيضا . (33) بل جعل أبو موسى زيادا يلي أُمور البصرة ، وشكوا إلى عمر تفويض الأمر إليه ، فأحضر عمر زيادا ، وكلّمه فردّه ، وأمر أمراء البصرة أن يشربوا برأيه . (34) وذلك مع كفايته في الأُمور الدُّنيويّة ، وحفظه ظواهر الشَّرع ، وبراءتهِ من معاوية وأضرابه ، كما مرّ من خطبته ، وكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام « فإنِّي وَلَّيتُكَ ما وَلَّيتُكَ ، وأنا أراكَ لِذلِكَ أهْلاً . . . » . (35) وهو يدلُّ على ما قلنا ، مع شدّة مراقبة أمير المؤمنين عليه السلام إيّاه ، ودقّته في أفعاله ، كما يظهر من كتبه عليه السلام إليه ، ولقد نقلها المصنف ونقلنا منها ما فاته . وبعد ذلك كلّه ، فلو طرده أمير المؤمنين عليه السلام لكان بلا عذر ظاهر وحجَّة مبرّرة ، ولاستماله معاوية ، واستفاد منه ضدَّ عليّ عليه السلام ، وأيَّد حكومته الغاشمة ، بآرائه وحيله وسياسته وتدبيره ، كابن العاص وأضرابه . وأمير المؤمنين عليه السلام مع علمه بعاقبة أمر زياد وأعماله القبيحة في المستقبل داراه ، كما دارى ابن ملجم وغيره ، ولم يمنعه علمه بهذا من العدل فيه ، وإجراء أحكام الشرع في حقّه .

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص180 .
2- . راجع : الاستيعاب : ج 2 ص 100 الرقم 829 .
3- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص187 ، مروج الذَّهب : ج3 ص15 ؛ سفينة البحار : ج1 ص580 ، الغدير : ج10 ص319 وتاريخ اليعقوبي والإصابة .
4- . تاريخ الطبري : ج3 ص489 .
5- . تاريخ الطبري : ج3 ص597 .
6- . تاريخ الطبري : ج4 ص184 وراجع : الإصابة ، أُسد الغابة، الاستيعاب.
7- . راجع : الطبري : ج4 ص69 ، فتوح البلدان : ص481 والإصابة و أُسد الغابة و الاستيعاب .
8- . راجع : العِقد الفريد : ج5 ص106 ، مروج الذَّهب : ج3 ص16 ، تاريخ مدينة دمشق :ج19 ص175 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص180 و181 وج1 ص173 ، أُسد الغابة ، الاستيعاب ؛ الغارات : ج2 ص926 ، بحار الأنوار : ج33 ص518 ،الغدير :ج10 ص216 _ 227 .
9- . راجع : قاموس الرِّجال : ج 4 ص 506 الرقم 3004 ، وأُسد الغابة .
10- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص543 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص171 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص79 .
11- . تاريخ الطبري : ج5 ص136 .
12- . تاريخ الطبري : ج5 ص155 .
13- . راجع: تاريخ الطبري : ج5 ص110 ؛ سفينة البحار : ج8 ص579 .
14- . أنساب الأشراف : ج1 ص271 و293 .
15- . تاريخ الطبري : ج5 ص122 ، الإصابة : ج1 ص563 ، أُسد الغابة : ج1 ص215 .
16- . تاريخ الطبري : ج5 ص136 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص181 .
17- . تاريخ الطبري : ج5 ص138 ، مروج الذَّهب : ج3 ص6 .
18- . تاريخ الطبري : ج5 ص155 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص182 وأُسد الغابة .
19- . راجع : أُسد الغابة : ج2 ص337 الرقم 1800 ، الإصابة : ج2 ص569 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص43 وج16 ص181 ؛ وقعة صفِّين : ص366 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص207 .
20- . أُسد الغابة : ج2 ص337 الرقم 1800 وراجع : الإصابة ، الاستيعاب .
21- . الروم: 10 .
22- . راجع : العِقد الفريد : ج5 ص106 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص187 ، مروج الذَّهب : ج3 ص6 ، الإصابة : ج1 ص563 ، الاستيعاب : ج1 ص570 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص208 ، سفينة البحار : ج1 ص580 ، الغدير : ج10 ص216 و . . .
23- . تاريخ الطبري : ج5 ص217 .
24- . راجع : العِقد الفريد : ج4 ص7 ، تاريخ الطبري : ج5 ص216 _ 226 ، مروج الذَّهب : ج3 ص35 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص218 _ 224 ، الغدير : ج11 ص29 _ 32 .
25- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص139 .
26- . بحار الأنوار : ج44 ص126 ، الغدير : ج11 ص37 _ 57 و61 .
27- . ناقة حلوب : أيهي ممّا يحلب ، والحلوب والحلوبة سواء (النهاية : ج 1 ص 422).
28- . تاريخ الطبري : ج5 ص119 و222 وراجع :الكامل في التاريخ : ج2 ص474 ، أنساب الأشراف : ج5 ص219 وص 206 و225 .
29- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص193 .
30- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص194 ، الغدير : ج11 ص31 .
31- . راجع : العِقد الفريد : ج4 ص8 وج1 ص82 ، تاريخ الطبري : ج7 ص158 _ 162 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص58 ، مروج الذَّهب : ج3 ص35 ، الاستيعاب : ج2 ص105 الرقم 829 ؛ الأمالي للطوسي : ص233 ح413 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص224 ، الغدير : ج11 ص31 .
32- . الإمامة والسياسة : ج 1 ص 203 وراجع : جمهرة رسائل العرب : ج2 ص 67 ؛ الاحتجاج : ج2 ص91 ح 164 ، رجال الكشّي: ج 1 ص 255 الرقم 99 ، أعيان الشيعة : ج4 ص59 ، بحار الأنوار : ج44 ص213 ح 9 ، الغدير : ج10 ص160 .
33- . العِقد الفريد : ج4 ص4 _ 10 .
34- . تاريخ الطبري : ج4 ص185 .
35- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص182 ؛ معادن الحكمة : ج1 ص196 الرقم38 .

ص: 174

. .

ص: 175

. .

ص: 176

. .

ص: 177

. .

ص: 178

. .

ص: 179

. .

ص: 180

. .

ص: 181

. .

ص: 182

. .

ص: 183

. .

ص: 184

171 _ كتابه عليه السلام إلى عوسجة بن شدّاد

171كتابه عليه السلام إلى عَوْسَجة بن شَدّاد[ روى العلاّمة النُّوري في المستدرك (1) ، عن إبراهيم الثَّقَفيّ في كتاب الغارات ] ، عن أبي زكريَّا الحَريريّ ، عن يَحْيَى بن صالح ، عن الثِّقات من أصحابه أنَّ عليَّا عليه السلام كتب إلى عوْسَجة بن شَدَّاد : « مِن عَبدِ اللّه ِ عليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى عَوْسَجَةَ بنِ شَدَّاد : سلامٌ علَيكَ ، أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّ جُهَّالَ العِبادِ تُستَفَزُّ قُلوبَهُم بالأطماعِ ، حَتَّى تَستَعْلِقَ الخَدائِعُ فَتَرِينُ بالمُنى ، عَجِبتُ مِنِ ابتياعِكَ المَملوكَةَ الَّتي أمرتك بابتِياعِها من مالِكِها ، ولم تُعلِمْنِي حِينَ ابتعْتَها أنَّ لها بَعلاً ، فلمَّا أتَتْنِي فَسأَلتُها رَدْدتُها إليْكَ مَعَ مَولايَ مِثْعب ، فَادعُ الَّذي باعَكَ الجارِيَةَ وادعُ زَوْجَها ، فابتَع مِن زَوْجِها بِضْعَها وأخلِصها إنْ رَضِيَ ، فإن أبى وكَرِهَ بَيعَ بِضْعِها ، فاقبِضْ ثَمنَها واردُدْها إلى البائِعِ ، والسَّلامُ . وكتب عُبيدُ اللّه ِ بنُ أبي رافعٍ في سَنَةِ تِسْعٍ وثَلاثِينَ » . (2)

.


1- . مستدرك الوسائل : ج15 ص28 ح 17441 .
2- . الغارات : ج1 ص115 .

ص: 185

. .

ص: 186

. .

ص: 187

الفصل السّادس : وصاياه عليه السلام

اشاره

الفصل السَّادس : وصاياه عليه السلام

.

ص: 188

. .

ص: 189

172 _ كتابه عليه السلام في عين أبي نيزر والبغيبغة

172كتابه عليه السلام في عين أبي نيزر والبغيبغةروى المُبَرِّدُ في الكامل : كان أبو نيزر من أبناء بعض ملوك الأعاجم ، قال : وصحَّ عندي بعد ، أنَّه من ولد النَّجاشيّ ، فرغب في الإسلام صغيرا ، فأتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأسلم ، وكان معه في بيوته ، فلمَّا توفي رسول اللّه صلى الله عليه و آله صار مع فاطمة وولدها عليهم السلام . قال أبو نيزر : جاءني عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأنا أقوم بالضَّيعتين : عين أبي نيزر والبغيبغة ، فقال لي : « هَل عِندَكَ مِنْ طَعَامٍ » ؟ فقلت : طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين ، قرع من قرع الضَّيعة ، صنعته بإهالة سنخة ، فقال : « علَيَّ بهِ » . فقام إلى الرَّبيع وهو جدول ، فغسل يديه ، ثُمَّ أصاب من ذلك شيئا ، ثُمَّ رجع إلى الرَّبيع فغسل يديه بالرَّمل حَتَّى أنقاهما ، ثُمَّ ضمَّ يديه كل واحدة منهما إلى أختها ، وشرب بهما حسى من الرَّبيع ، ثُمَّ قال : « يا أبا نيزر ، إنَّ الأكُفَّ أنظَفُ الآنِيَةِ » ، ثُمَّ مسح ندى ذلك الماء على بطنِهِ ، وقال : « مَن أدخلَهُ بطْنُهُ النَّارَ فأبعَدَهُ اللّه ُ ! » ثُمَّ أخذ المعول وانحدر فجعل يضرب وأبطأ عليه الماء ، فخرج وقد تفضج (1) جبينه عرقا ، فانتكف العرق من جبينه ، ثُمَّ أخذ المعول وعاد إلى العين ، فأقبل يضرب فيها وجعل يهمهم فانثالت كأنها عنق جزور ، فخرج مسرعا ، فقال : « أُشهِدُ اللّه َ ، أنَّها صَدَقَةٌ ، عَليَّ بِدَواةٍ وصَحِيفَةٍ » ، قال : فعجلت بهما إليه ، فكتب : « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ هذا ما تصَدَّقَ بهِ عَبدُ اللّه ِ عليٌّ أميرُ المُؤمِنينَ ، تَصَدَّقَ بالضَّيعَتَينِ المَعرُوفَتَينِ بِعَينِ أبي نَيزرَ والبُغَيْبُغَةِ علَى فُقراءِ أهلِ المَدِينَةِ ، وابنِ السَّبِيلِ ، ليَقِيَ بِهِما وجْهَهُ حَرَّ النّار يَوَم القِيامَةِ ، لا تُباعا ولا تُوهبا ، حَتَّى يَرِثَهُما اللّه ُ ، وهو خَيرُ الوارِثينَ ، إلاَّ أن يَحتاجَ إليهِما الحَسَنُ أو الحُسَينُ فَهُما طِلْقٌ لَهُما ، ولَيس لِأحدٍ غَيرِهِما » . قال محمَّد بن هِشام : فركب الحسين رضى الله عنه دَين ، فحمل إليه معاوية بعين أبي نيزر مئتي ألفِ دِينارٍ ، فأبى أن يَبِيعَ ، وقالَ : « إنَّما تصدَّق بِهِما أبي ليَقِيَ اللّه ُ بها وجهَهُ حَرَّ النَّارِ ، ولَستُ بائِعَها بِشَيءٍ » . وتحدِّث الزُّبَيْريون ، أنَّ معاوية كتب إلى مروان بن الحَكَم ، وهو والي المدينة : أمَّا بعدُ ، فإنَّ أمير المؤمنين أحبَّ أن يَرُدَّ الأُلفة ، ويسلّ السَّخيمة ، ويصل الرَّحم ، فإذا ورد عليك كتابي فاخطب إلى عبد اللّه بن جعفر ابنته أُمَّ كلثوم على يزيد بن أمير المؤمنين ، وأرغِبْ لَهُ في الصَّداق . فوجَّه مروان إلى عبد اللّه بن جعفر ، فقرأ عليه كتاب معاوية ، وأعلمه ما في ردّ الأُلفة من صَلاح ذات البين ، واجتماع الدَّعوة . فقال عبد اللّه : إنَّ خالها الحسين بينبع ، وليس مِمَّن يفتات عليه بأمْرٍ ، فأنظرني إلى أن يقدم ، وكانت أمّها زينب بنت عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه . فلمَّا قدم الحسين ذكر ذلك له عبد اللّه بن جعفر ، فقام من عنده فدخل إلى الجارية ، فقال : « يا بنيَّة ، إنَّ ابن عمّك القاسم بن محمَّد بن جعفر بن أبي طالب أحقُّ بِكِ ، ولَعلَّكِ تَرغبينَ فِي كَثرةِ الصَّداقِ ، وقد نَحَلتُكِ البُغَيبُغاتِ » . فلمَّا حضر القوم للإملاك تكلَّم مروان ، فذكر معاوية وما قصده من صلة الرَّحم وجمع الكلمة . فتكلَّم الحسين فزوّجها من القاسم بن محمَّد . فقال له مروان : أغدرا يا حُسينُ ؟ ! قال : « أنتَ بَدأتَ ، خَطبَ أبو مُحمَّدٍ الحسنُ بنُ علِيٍّ عليهماالسلام عائِشَة بِنتَ عُثمانَ بنَ عفان ، واجتمعنا لِذلِكَ ، فتكلّمْتَ أنتَ فَزَوَّجْتَها مِن عَبدِ اللّه ِ بنِ الزُّبَيْرِ » . فقال مروان : ما كان ذلك ، فالتفت الحسين إلى محمَّد بن حاطب فقال : « أَنشُدُكَ اللّه َ ، أكانَ ذاكَ » قال : اللَّهمَّ نعم ، فلم تزل هذه الضَّيعة في أيدي بني عبد اللّه ِ بنِ جعفَر ، من ناحية أمّ كُلثوم ، يتوارثونها ، حَتَّى ملك أمير المؤمنين المأمون ، فذُكر ذلك له ، فقال : كلاّ ، هذا وَقفُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ صلواتُ اللّه ِ علَيهِ ، فانتزعها من أيديهم ، وعوّضهم منها ، وردَّها إلى ما كانت عليه . (2) [ قال العلاّمة الأمين رحمه الله : كلام المُبَرَّد في خبر تزويج أمّ كلثوم هذه ، يدلُّ على أنَّ الحسين عليه السلام نحلها البغيبغة ، ورواية ابن شهر آشوب تدلُّ على أنَّه نحلها ضيعته بالمدينة أو أرضه بالعقيق ، وأرض العقيق خارجة عن البغيبغة الَّتي بينبع ، أمَّا ضيعته بالمدينة فيمكن انطباقها على الَّتي بينبع ، لأنَّها من توابع المدينة ، وحينئذ فيرجح ما ذكره المُبَرِّد ، ويضعَّف أنَّه نحلها أرضه بالعقيق . نحلة الحسين عليه السلام البغيبغة الدَّاخلة في الوقف لأُمّ كلثوم ، هو أخذ بالرُّخصة الَّتي رخَّصها له أبوه ، ولم يعمل بها في بيع عين أبي نيزر من معاوية ، للبون الشَّاسع بين المقامين ، فلذلك توارثها بنو عبد اللّه بن جعفر من ناحية أمّ كلثوم] . (3)

.


1- . فلان يتفضّجُ عرقا ، إذا عرقت أُصول شعره ولم يبتل (لسان العرب : ج 2 ص 346) .
2- . الكامل للمبرّ د : ج3 ص1127 _ 1130 وراجع : الإصابة : ج7 ص343 ، معجم البلدان : ج1 ص469 وج4 ص175 ، المناقب للكوفي : ج2 ص81 _ 83 ؛ الكافي : ج6 ص179 ح1 ، بحار الأنوار : ج42 ص71 ح1 ، أعيان الشيعة : ج1 ص434 .
3- . أعيان الشيعة : ج1 ص435 .

ص: 190

. .

ص: 191

. .

ص: 192

عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب

عَبدُ اللّه ِ بنُ جَعْفَرِ بنِ أبي طالِبعبد اللّه بن جَعْفَر بن أبي طالِب القُرَشيّ الهاشِميّ ، يُكنَّى أبا جعفر من صحابة النبيّ صلى الله عليه و آله (1) . وعندما هاجرت أوّل مجموعة من المسلمين إلى الحبشة ، كان جعفر بن أبي طالب المشهور بذي الجناحين (2) ، وزوجته أسماء بنت عميس معهم (3) ، وولد عبد اللّه هناك (4) . كان له من العمر سبع سنين عندما جاء إلى المدينة مع أبيه . ولمّا نظر إليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله تبسّم وبسط يده ، فبايعه عبد اللّه (5) . استشهد والده جعفر في مؤتة ، فتكفّل النَّبيّ صلى الله عليه و آله تربيته (6) . كان أخا لمحمّد بن أبي بكر ، ويَحْيَى بن عليّ بن أبي طالب من جهة الاُمّ (7) . وكانت تربطه بآل الرَّسول صلى الله عليه و آله وشيجة قويّة . وهو زوج زينب بنت عليّ عليه السلام . شهد صفِّين مع عمّه أمير المؤمنين عليه السلام (8) . ولم يأذن له بالقتال . وعندما عاد إلى الكوفة قال عليه السلام : . . . لئلاّ ينقطع به نسل بني هاشم (9) . وكان عبد اللّه طويل الباع ، فصيح اللسان ، ثابتا على الحقّ . عدّه المؤرّخون وأصحاب التراجم من أجواد العرب المشهورين (10) ، بل من أسخاهم (11) . وذكروا قصصا في ذلك (12) ، من هنا سُمّي : بحر الجود (13) . كان يُصحر بالحقّ في مواطن كثيرة ، ويرعى المنزلة الرَّفيعة لأمير المؤمنين عليه السلام وآل الرَّسول صلى الله عليه و آله . ولم يسكت عن الطَّعن في الشَّجرة الملعونة الاُمويّين ، على مرأى ومسمع منهم (14) ، مع هذا كلّه كان معاوية يكرمه (15) . وكان مع الحسنين عليهماالسلام بعد استشهاد أبيهما ، وتبعهما بصدق . وكان يتأسّف على عدم حضوره في كربلاء ، لكنّه كان يفتخر ويعتز باستشهاد أولاده مع الحسين عليه السلام (16) . توفّي عبد اللّه بالمدينة سنة 80 ه عام الجُحاف (17) (18) وهو ابن ثمانين سنة (19) .

.


1- . راجع : المستدرك على الصحيحين : ج3 ص 655 ح 6412 ، سِيَر أعلامِ النُّبلاء : ج3 ص 456 الرقم 93 ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص 248 ؛ رجال الطوسي : ص42 الرقم 287 .
2- . راجع : المستدرك على الصحيحين : ج3 ص 655 ح 6408 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص 456 الرقم 93 ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص 248 ؛ رجال الطوسي : ص42 الرقم 287 .
3- . راجع : المستدرك على الصحيحين : ج3 ص 655 ح 6408 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص 457 الرقم 93 ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص 250 .
4- . راجع : المستدرك على الصحيحين : ج3 ص 655 ح 6408 ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص 252 .
5- . راجع : المستدرك على الصحيحين : ج3 ص 655 ح 6410 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص 457 الرقم 93 ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص 252 .
6- . راجع : الطبقات الكبرى : ج4 ص 37 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص456 و ص 458 الرقم 93 ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص 255 .
7- . اُسد الغابة : ج 3 ص199 الرقم2864 ، الإصابة : ج4 ص37 الرقم4609 .
8- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص460 الرقم93 ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص272 ، الإصابة : ج 37 ص 4609 ، تهذيب التهذيب : ج 3 ص108 الرقم3773 .
9- . الخصال : ص380 ح58 ، وقعة صفّين : ص530 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص61 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص391 .
10- . الاستيعاب : ج3 ص18 الرقم1506 .
11- . الاستيعاب : ج3 ص17 الرقم1506 .
12- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص459 _ 461 ص 93 ، تاريخ مدينة دمشق : ج7 ص 275 _ 294 .
13- . الاستيعاب : ج3 ص17 الرقم1506 ، اُسد الغابة : ج 3 ص200 الرقم2864 .
14- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص229 و ج 6 ص 295 .
15- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص656 ح6413 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص459 الرقم93 ، الاستيعاب : ج3 ص17 الرقم1506 .
16- . تاريخ الطبري : ج5 ص466 .
17- . سيلٌ كان ببطن مكّة جَحف الحاج وذهب بالإبل وعليها الحُمولة ( تهذيب الكمال : ج14 ص 372 ) .
18- . تهذيب الكمال : ج 14 ص372 الرقم3202 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص215 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص655 ح6408 وليس فيهما « عام الجُحاف » ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص253 ، الاستيعاب : ج3 ص17 الرقم1506 .
19- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص655 ح6408 ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص298 ، تقريب التهذيب : ص298 ح3251 .

ص: 193

. .

ص: 194

173 _ كتابه عليه السلام في وقف داره

173كتابه عليه السلام في وقف دارهروي في الوسائل عن الحسين بن سعيد ، عن محمَّد بن عاصم ، عن الأسْوَد بن أبي الأسْوَد الدُّؤلي ، عن رِبْعيّ بن عبد اللّه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : « تصدَّقَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بدارٍ له بالمدينة في بني زريق ، فكتب : « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ هذا ما تصَدَّقَ بهِ عليُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وهوَ حَيٌّ سَوِيٌّ ، تَصَدّقَ بدارِهِ الَّتي فِي بَنِي زُرَيقٍ صَدَقَةً ، لا تُباعُ ولا تُوهَبُ حَتَّى يَرِثَها اللّه ُ الَّذي يَرِثُ السَّماواتِ والأرضَ ، وأسكَنَ هذهِ الصَّدَقَةَ خالاتِهِ ما عِشْنَ وعاشَ عَقِبُهُنَّ ، فإذا انقَرضُوا فَهِي لذَوي الحاجَةِ مِنَ المُسلِمينَ » . (1) بنو زريق هم ابن عامر بن زريق ، بطن من الخَزْرَج ، مِنهم أبو رافع بن مالك ، وهو أوَّل من أسلم من الأنصار . (2)

.


1- . تهذيب الأحكام : ج9 ص132 ح560 ، الاستبصار : ج4 ص98 ح380 ، من لا يحضره الفقيه : ج4 ص248 ح5588 ، مستدرك الوسائل : ج14 ص54 ح16090 .
2- . نهاية الارب للقلقشندي : ص252 الرقم 953 وراجع : معجم القبائل العرب : ج2 471 .

ص: 195

174 _ كتابه عليه السلام لمحمّد بن الحنفيّة

174كتابه عليه السلام لمحمَّد بن الحنفيَّةنقل مصنّف كتاب معادن الحكمة رحمه الله (1) وصيَّته لابنه محمَّد بن الحنفيَّة عن كتاب من لا يحضره الفقى ، ولكنَّه فاته جزء منها نقله الفقيه ، وهو : قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيَّته لابنه محمَّد بن الحنفيَّة :« يا بُنَيَّ إذا قَويتَ فاقوَ علَى طاعَةِ اللّه ِ ، وإذا ضَعُفتَ فاضعُفْ عن مَعصِيَةِ اللّه ِ عز و جل ، وإنِ استَطعْتَ ألاّ تُمَلِّكَ المَرأةَ مِن أمرِها ما جاوَزَ نَفْسَها فافعَلْ ، فإنَّه أَدوَمُ لِجَمالِها وأرخَى لِبالِها ، وأحسَنُ لِحالِها ، فإنَّ المَرأةَ رَيحانَةٌ ولَيسَت بِقَهرَمَانَةٍ ، فَدارِها على كُلِّ حَالٍ ، وأحسِن الصُّحبَةَ لَها لِيصفُو عَيشُكَ » . (2) قال ابن عبد ربّ في العِقد الفريد ، وكتب إلى ابنه محمَّد بن الحنفيَّة ، ثُمَّ نقل فصلاً قد يشابه في بعض الجملات ما ذكره المصنّف رحمه الله عن الفقى ، ونحن ننقله هنا تتميما للفائدة ، وإكثارا للعائدة : كتب إلى ابنه محمَّد بن الحنفيَّة : « أن تَفَقَّه في الدِّينِ ، وعَوِّد نفسَكَ الصَّبرَ علَى المكروهِ ، وكِلْ نفسَكَ في أمورِكَ كُلِّها إلى اللّه ِ عز و جل ، فإنَّك تَكِلُها إلى كَهْفٍ . وأخْلِصْ المسألَةَ لِرَبِّك ، فإنَّ بِيَدِهِ العَطاءَ والحِرمانَ ، وأكثِرِ الاستخارَةَ لَهُ ، واعلَمْ أنَّ مَن كانَت مَطِيَّته اللَّيلَ والنَّهارَ فإنَّه يُسار بهِ وإنْ كانَ لا يَسِيرُ ، فَإنَّ اللّه َ تعالى قَد أبى إلاّ خَرابَ الدُّنيا وعِمارَةَ الآخِرَةِ . فإن قَدَرتَ أن تَزْهَدَ فِيها زُهْدَك كُلَّهُ فافعَلْ ذلِكَ ، وإن كُنتَ غَيرَ قابِلٍ نَصِيحَتِي إيَّاكَ ، فاعلَم عِلْما يقينا أنَّك لن تَبْلُغ أملَكَ ، ولا تَعْدو أجلَكَ ، وأنَّك في سَبِيلِ مَن كانَ قَبْلَكَ ، فَأَكرِمْ نفسَكَ عَن كُلِّ دَنِيَّةٍ ، وإن ساقَتكَ إلى الرَّغائِبِ ، فَإنَّكَ لن تَعتاضَ بِما تَبْذُلُ مِن نَفسِكَ عِوَضا ، وإيَّاكَ أن تُوجِفَ بِكَ مَطايا للطَّمعِ ، وتَقولُ : متى ما أُخِّرت نَزَعتُ ، فإنَّ هذا أهْلَكَ مَن هَلكَ قَبْلَكَ . وأمسِكْ عَليكَ لِسانَكَ ، فإنَّ تَلافِيك ما فَرَطَ مِن صَمْتِكَ أيْسرُ علَيكَ مِن إدراكِ ما فاتَ مِن مَنْطِقِكَ ، واحفَظْ ما في الوِعاءِ بشَدِّ الوِكاءِ ، فحُسْنُ التَّدبِيرِ مَعَ الاقتصادِ أبْقى لَكَ مِنَ الكَثيرِ مَعَ الفَسادِ ، والحُرْفَةِ (3) مع العِفَّةِ خيرٌ مِنَ الغِنى مَعَ الفُجُورِ ، والمَرْءُ أحفظُ لِسِرّهِ ، ولَرُبَّما سَعَى فيما يَضُرُّهُ . وإيَّاكَ والاتّكالَ علَى الأمانِي ، فإنَّها بضائِعُ النَّوكَى (4) ، وتُثَبِّطُ عَنِ الآخِرَةِ والأُولَى . (5) ومن خير حظّ الدُّنيا القَرِينُ الصَّالِحُ ، فقارِنْ أهلَ الخَيرِ تَكنْ مِنهُم ، وبايِنْ أهلَ الشَّرّ تَبِنْ عَنهُم ، ولا يَغْلِبَنَّ عليْكَ سُوءُ الظَّنِّ ، فَإنَّهُ لَن يَدعَ بَينَكَ وبَينَ خَلِيلٍ صُلْحا . أذْكِ قلْبَكَ بالأدَبِ ، كما تُذْكَى النَّارُ بالحَطَبِ ، واعلَم أنَّ كُفْرَ النِّعْمَةِ لُؤْمٌ ، وصُحْبَةَ الأحمَقِ شُؤمٌ ، ومِنَ الكَرَمِ مَنْعُ الحُرَمِ ، ومَن حَلُم سادَ ، ومَن تَفَهّم ازدَادَ . إمْحَض أخاكَ النَّصِيحَةَ ، حسنةً كانَت أو قَبيحَةً ، لا تَصْرِمْ أخَاكَ علَى ارتيابٍ ، ولا تَقْطَعْهُ دُونَ استِعتابٍ ، ولَيسَ جزاءُ مَن سَرَّكَ أن تَسُوءَهُ . الرِّزقُ رِزقان : رِزْقٌ تَطْلُبهُ ، ورِزْقٌ يَطلُبُكَ ، فإن لَمْ تأتِهِ أتاكَ . واعلَمْ يا بُنيَّ أنَّ مالَكَ مِن دُنياكَ إلاَّ ما أصْلَحْتَ بهِ مَثْواكَ ، فأَنْفِقْ مِن خَيْرِكَ ، ولا تَكُن خازِنا لِغَيرِكَ ، وإن جَزعْتَ على ما يُفلِتُ مِن يَديْكَ فاجزَع علَى ما لَمْ يَصِل إليْكَ ، رُبّما أخطأ البَصيرُ قَصْدَهُ ، وأبصَرَ الأعمَى رُشْدَهُ ، ولَم يَهْلِكِ امرؤٌ اقتَصَدَ ، ولم يَفْتَقِرْ مَن زَهَدَ . مَن ائتمَنَ الزَّمانَ خانَهُ ، ومَن تَعَظَّمَ علَيْهِ أهانَهُ . رأسُ الدِّينِ اليَقينُ ، وتَمامُ الإخْلاصِ اجتِنابُ المَعاصِي ، وخيرُ المَقالِ ما صَدَّقَهُ الفِعالُ . سَلْ عن الرَفِيقِ قَبلَ الطَّريقِ ، وعَنِ الجَارِ قَبْلَ الدَّارِ . واحمِلْ لِصَديقِكَ علَيكَ . واقْبَل عُذرَ مَن اعتَذَرَ إليْكَ ، وأخِّر الشَّرَّ ما استَطَعْتَ ، فإنَّكَ إذا شِئْتَ تَعجَّلْتَهُ . لا يَكُنْ أخوكَ علَى قَطيعَتِكَ أقَوى مِنْكَ علَى صِلَتِهِ ، وعلَى الإساءَةِ أقوى مِنْكَ علَى الإحسانِ . لا تُمَلّكن المرأةَ مِنَ الأمْرِ ما يُجاوِزُ نَفْسَها ، فَإنَّ المَرأةَ رَيْحانَةٌ ، ولَيسَتْ بِقَهْرمَانَةٍ ، فَإنَّ ذلِكَ أدومُ لِحالِها ، وأَرْخَى لِبالِها . واغضُض بَصَرَها بِسَتْرِكَ ، واكفُفْها بِحجابِكَ . وأكرِمِ الَّذِينَ بِهِم تَصُولُ ، وإذا تطاوَلتَ بِهم تَطُولُ . أسألُ اللّه َ أن يُلْهِمَكَ الشُّكرَ والرُّشْدَ ، ويُقَوِّيكَ على العَمَلِ بِكُلِّ خَيْرٍ ، ويَصرِفُ عَنْكَ كُلَّ مَحْذورٍ بِرَحمَتِهِ ، والسَّلامُ علَيكَ ورَحمَةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ . (6)

.


1- . معادن الحكمة : ج1 ص 454 الرقم 88 .
2- . من لايحضره الفقيه : ج3 ص556 ح4911 .
3- . الحُرْفة : الضيق والإقلال .
4- . النوكى _ بالفتح كسكرى _ : جمع أنوك ، أي الأحمق .
5- . الأماني : جمع الأُمنية : الأمل . والبضائع : جمع البضاعة : رأس المال . والنَّوكى : الحمقى لفظا ومعنىً . وتثبط : تعوق وتؤخّر .
6- . العِقد الفريد : ج2 ص333 _ 335 .

ص: 196

. .

ص: 197

. .

ص: 198

[ أقول : نقل الصَّدوق رحمه الله هذه الوصيَّة متفرّقة في الفقى ، في آخر كتاب المزار باب الفروض على الجوارح (1) ، وفي آخر الفقى باب النَّوادر (2) ، ونقل مصنّف كتاب معادن الحكمة رحمه الله ذلك كلّه ، ولم يشر إلى كونها كتابا ، ولكن من المعلوم أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب كتابين : أحدهما إلى السِّبط الأكبر المجتبى عليه السلام ، وثانيهما إلى محمَّد بن الحنفية رحمه الله ، كما عن الشيخ والنَّجاشي ، أنَّهما ذكرا في ترجمة الأصبغ ، أنَّه روى كتاب عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى الأشْتَر ، وكتاب وصيَّته إلى محمَّد بن الحنفيَّة ، كما في قاموس الرِّجال في ترجمة الأصْبَغ ، ونهج السَّعادة ، وجامع الرواة ، ومرَّ عن ابن عبد ربّ شطر منه ، ونُقل في نهج السَّعادة ، وممَّن ذكر السَّند للوصيّة الشَّريفة السَّيِّد ابن طاووس رحمه الله ، نقلاً عن الجزء الأوَّل من كتاب الزَّواجر والمواعظ ، من نسخة تاريخها ذو القعدة من سَنَة ثلاث وسبعين وأربعمئة ، تأليف أبي أحمد الحسن بن عبد اللّه بن سعيد العسكري ، قال : وأخبرنا أحمدُ بنُ عبد الرَّحمن بن فضَّال القاضي قال : حدَّثنا الحسن بن محمَّد بن أحمد ، وأحمد بن جعفر بن محمَّد بن زَيْد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قال : حدَّثنا جعفر بن محمَّد الحسني ، قال : حدَّثنا الحسن بن عبدك ، قال : حدَّثنا الحسن بن ظَريف بن ناصِح ، عن الحسن ( الحسين ) بن عَلوان ، عن سَعْد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة المجاشعي ، قال : كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابنه محمَّد . وقال السَّيِّد رحمه الله : واعلم أنَّه قد روى الشَّيخ المتفق على ثقته وأمانته ، محمَّد بن يعقوب الكليني تغمَّده اللّه جل جلاله برحمته ، رسالة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، إلى ابنه الحسن عليه السلام ، وروى رسالة أخرى مختصرة ، عن خطّ عليّ عليه السلام ، إلى ولده محمَّد بن الحنفيَّة ، وذكر الرِّسالتين في كتاب الرَّسائل ، ووجدنا منها نسخة قديمة يوشك أن تكون كتابتها في زمان حياة محمَّد بن يعقوب رحمه الله ،انتهى . والَّذي يظهر من الكليني رحمه الله أنَّ هذه الرِّسالة المختصرة الَّتي ذكرها ابن طاووس رحمه الله ، غير الَّتي ذكرها الصَّدوق رحمه الله ، إذ هو ينقل بعض جملات الوصيَّة في الكافي ، وينسبها إلى كتابه للحسن عليه السلام ، ثُمَّ يروي بعده رواية أنَّه كتابه لمحمَّد بن الحنفيَّة رحمه الله ، قال في كتاب النِّكاح من الكافي ] : عن أبي عبد اللّه ِ الأشْعَريُّ ، عن بَعْض أصحابِنا ، عن جعفر بن عَنْبَسَةَ ، عن عُبَادَةَ بن زِياد ، عن عمْرو بن أبي المِقْدَامِ ، عن أبي جعفر عليه السلام ، وأحمَدَ بن مُحَمَّدٍ العَاصِمِيّ ، عمَّن حَدَّثه ، عن مُعَلَّى بن محمَّد ، عن علِيِّ بن حَسَّان ، عن عبد الرَّحْمن بن كَثِيرٍ ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام في رِسَالته إلى الحسن عليه السلام : « إيَّاكَ ومُشَاوَرَةَ النِّساءِ ، فإنَّ رَأْيَهُنَّ إلى الأفْنِ ، وعَزْمَهُنَّ إلى الوَهْنِ ، واكْفُفْ علَيْهِنَّ من أبْصَارهِنَّ بِحجابِك إيّاهُنَّ ، فإنَّ شِدَّة الحِجاب خَيْرٌ لك ولَهُنَّ من الاِرْتِيَاب ، ولَيسَ خُرُوجُهُنَّ بأشَدَّ من دُخُول مَن لا تَثِقُ بهِ عَلَيْهِنَّ ، فَإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ لا يَعْرِفْنَ غَيْرَك مِنَ الرِّجالِ فَافْعَلْ » . [ ثُمَّ قال : ] أحمدُ بنُ مُحَمَّد بنِ سَعِيدٍ ، عن جعفر بن مُحَمَّدٍ الحُسَيْنِيِّ ، عن عليِّ بن عبْدَكٍ ، عن الحسن بن ظَريف بن ناصِحٍ ، عن الحُسَيْن بن علْوَانَ ، عن سَعْد بن طَرِيفٍ ، عن الأصْبَغ بن نُبَاتَةَ ، عن أمِير المُؤمِنِين عليه السلام مِثْلَهُ ، إِلاّ أنَّهُ قال : كَتَب بهذه الرِّسَالَة أمير المُؤمِنِين عليه السلام إلى ابنه مُحَمَّد بن الحَنَفِيَّة . (3) [ ثُمَّ نقل بالسند المتقدّم ] عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال في رسالَة أمير المُؤمِنِين عليه السلام إلى الحسن عليه السلام : « لا تُمَلِّكِ المَرْأةَ من الأمر ما يُجَاوِزُ نَفْسَها ، فإنَّ ذلك أنْعَمُ لِحَالِها ، وأرْخَى لِبَالِهَا ، وأدْوَمُ لِجَمَالِهَا ، فإنَّ المَرْأةَ رَيْحَانَةٌ وليستْ بِقَهْرَمانَةٍ ، ولا تَعْدُ بِكَرَامَتِها نَفْسَها ، واغْضُضْ بَصَرَها بِسِتْرِك ، واكْفُفْها بِحِجَابِكَ ، ولا تُطْمِعْها أنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا ، فَيَمِيلَ عليْك مَن شَفَعَتْ له عليك مَعَها ، واسْتَبْقِ من نفسِك بَقِيَّةً ، فَإِنَّ إِمْسَاكَك نفسَك عَنْهُنَّ ، وهُنَّ يَرَيْنَ أنَّكَ ذُو اقْتِدَارٍ خَيْرٌ مِنْ أن يَرَيْنَ مِنك حَالاً على انْكِسَارٍ » . [ ثُمَّ نقل بالسند المتقدّم المذكور ] عن الأصْبَغِ بن نُبَاتَةَ عن أمير المُؤمِنين عليه السلام مِثْلَهُ إِلاّ أنَّه قال : كَتَبَ أمير المُؤمِنين صلَوَاتُ اللّه عليه بهذِه الرِّسَالَة إلى ابْنِه مُحَمَّدٍ رِضْوَانُ اللّه عليه . (4) [ فيستفاد من كلامه أنَّ الرِّسالة عنده كانت واحدة إلاّ أنَّه نقله بسندين : أحدهما يتّصل بالإمام الصَّادق عليه السلام ، وينسبها إلى الحسن عليه السلام ، وثانيهما يتّصل بالأصبغ بن نُباتَة ، وينسبه إلى محمَّد رحمه الله . وأمَّا سند الشَّيخ والنَّجاشي لكتابه عليه السلام إلى محمَّد رضوان اللّه عليه ، فينتهي إلى محمَّد بن أحمد بن أحمد الثَّلج ، عن جعفر بن محمَّد الحسيني ، عن عليّ بن عبدك (5) ، عن الحسن بن ظَريف ، عن الحسين بن علوان ، عن سَعْد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة . كما أنَّ سندهما لعهده عليه السلام للأشْتَر رضوان اللّه عليه ، ينتهى إلى الحسن بن ظَريف ، عن الحسين بن علوان ، عن سَعْد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة . كما أنَّ كتاب أمير المؤمنين عليه السلام في الدِّيات ، ينتهى إلى الحسن بن ظَريف أيضا ، فيستفاد أنَّ لحسن بن ظَريف كتابا حاويا لهذه الكتب ، روى عنه الرُّواة ، ولا ينافي ذلك رواية الكليني رحمه الله بعض فقرات كتابه إلى الحسن عليه السلام بسند آخر ، وكذا لا ينافيه رواية الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في الخصال شطرا من كتابه عليه السلام إلى محمَّد بسند آخر ، حيث قال : ] حدَّثنا أبي رحمه الله ، قال : حدَّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن حَمَّاد بن عيسى ، عمَّن ذكره ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قال أمير المؤمنين في وصيَّته لابنه محمَّد بن الحنفيَّة : واعلَمْ أنَّ مُروءَةَ المَرءِ المُسلِمِ مُروءَتانِ : مُروءَةٌ في حَضَرٍ ، ومُروءَةٌ في سَفَرٍ . فأمَّا مُروءَةُ الحضَرِ فَقِراءَةُ القُرآنِ ، ومُجالَسَةُ العُلَماءِ ، والنَّظَرُ فِي الفِقهِ ، والمُحافَظَةُ علَى الصَّلاةِ فِي الجَماعاتِ . وأمَّا مُروءَةُ السَّفَرِ فَبَذلُ الزَّادِ ، وقِلَّةُ الخِلافِ علَى مَن صَحِبَكَ ، وَكثرَةُ ذِكْرِ اللّه ِ عز و جلفي كُلِّ مَصعَدٍ ومَهبِطٍ ونُزولٍ وقِيامٍ وقُعودٍ . (6) قال : حدَّثنا أبي رحمه الله ، قال حدَّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حَمَّاد بن عيسى ، عمَّن ذكره ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيَّته لابنه محمَّد بن الحنفيَّة : « إيَّاكَ والعُجْبَ ، وسُوءَ الخُلُقِ ، وقِلَّةَ الصَّبرِ ، فَإنَّهُ لا يَستَقِيمُ لكَ علَى هذهِ الخِصالِ الثَّلاثِ صاحِبٌ ، ولا يَزالُ لكَ علَيها مِنَ النَّاسِ مُجانِبٌ ، وألزِمْ نَفسَكَ التَّودُّدَ واصبِرْ على مَؤوناتِ النَّاسِ نفسَكَ ، وأبذِلْ لِصَدِيقِكَ نفسَكَ ومالَكَ ، ولِمَعرِفَتِكَ رِفدَكَ ومَحضَرَكَ ، ولِلعامَّةِ بِشْرَكَ ومَحبَّتَكَ ، ولِعَدوِّكَ عَدلَكَ وإنصافَكَ ، واضنُنْ بِدِينِكَ وعِرضِكَ عَن كُلِّ أَحدٍ ، فَإنَّهُ أسلَمُ لِدينِكَ ودُنياكَ » . (7) [ والسَّند الَّذي ذكره الصَّدوق رحمه الله في مشيخة الفقى لوصيّة أمير المؤمنين عليه السلام لمحمَّد بن الحنفيَّة رحمه الله ، هو ما تقدَّم من سند الرِّواية المتقدّمة . وذلك لأنَّه يمكن أن يكون الكتاب معروفا مشهورا ، رواه العلماء بطرق مختلفة ، وشيخنا الكليني والصَّدوق رويا بسند يتّصل إلى الإمام أبي عبد اللّه ، أو أبي جعفر عليهماالسلامكتابه عليه السلام إلى ابنه السبط الأكبر عليه السلام ، وإلى محمَّد بن الحنفيَّة رحمه الله ، والشَّيخ والنَّجاشي رويا كتاب حسن بن ظَريف ، المشتمل عليهما وعلى غيرهما . واشتبه الأمر على بعض ، فتوهّم كونه كتابا واحدا قد ينسب إلى الإمام الحسن ، وقد عليه السلام ينسب إلى محمَّد رحمه الله ، وممَّا يؤيِّد هذا التوهُّم عبارتا الكليني رحمه اللهالمتقدّمتان ] .

.


1- . من لا يحضره الفقيه : ج2 ص626 ح 3215 .
2- . من لا يحضره الفقيه : ج4 ص483 ح 5834 .
3- . الكافي : ج 5 ص 338 ح7 .
4- . الكافي : ج 5 ص 510 ح3 .
5- . في البحار : «عبدل» .
6- . الخصال : ص54 ح71 .
7- . الخصال : ص147 ح178 ، بحار الأنوار : ج74 ص175 .

ص: 199

. .

ص: 200

. .

ص: 201

. .

ص: 202

175 _ وصيّته عليه السلام لابنه محمّد بن الحنفيّة

175وصيَّته عليه السلام لابنه محمَّد بن الحَنَفيَّة« يا بُنَيَّ لا تَقلْ ما لا تَعلَم ، بَل لا تَقُل كلَّ ما تَعلَم ، فإنَّ اللّه َ تَبارَك وتَعالَى قَدْ فَرَضَ علَى جَوارِحِكَ كُلِّها فَرَائِضَ يَحتَجُّ بها علَيْكَ يَوْمَ القِيامَةِ ، ويَسأَلُكَ عَنْها ، وذَكَّرَها ووَعَظَها ، وحَذَّرَها وأدَّبَها ، ولَمْ يَترُكْها سُدىً . فقالَ اللّه ُ عز و جل : « وَ لاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْ_ئولاً » (1) ، وقال عز و جل : « إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَ هُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ » (2) ، ثُمَّ اسْتعْبدَها بطَاعَتِهِ فقالَ عز و جل : « يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ارْكَعُواْ وَ اسْجُدُواْ وَ اعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَ افْعَلُواْ الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » (3) ، فَهذِه فَرِيضَةٌ جامِعَةٌ وَاجِبَةٌ علَى الجَوارِحِ . وقال عز و جل : « وَ أَنَّ الْمَسَجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَدًا » (4) ، يعْنِي بالمَساجِدِ ، الوَجْهَ ، واليَدَيْنِ ، والرُّكْبَتَيْنِ والإبْهامَينِ . وَقالَ عز و جل : « وَ مَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لاَ أَبْصَرُكُمْ وَ لاَ جُلُودُكُمْ » (5) ، يعْني بالجُلُودِ الفَروجَ ، ثُمَّ خصَّ كلَّ جَارِحَةٍ مِن جَوَارِحِكَ بفَرْضٍ ، ونَصَّ علَيْها : فَفَرَضَ علَى السَّمْعِ ، ألاّ تُصغي بهِ إلَى المَعاصِي ، فقال عز و جل : « وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ » ، وقال عز و جل : « وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى ءَايَتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ » (6) ، ثمَّ اسْتَثْنى عز و جل موْضِعَ النِّسيانِ ، فَقالَ : « وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّ_لِمِينَ » (7) ، وقال عز و جل : « فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَ أُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الْأَلْبَبِ » (8) ، وقال عز و جل : « وَ إِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَامًا » (9) ، وقال عز و جل : « وَ إِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ » (10) ، فهذا ما فَرَضَ اللّه ُ عز و جل علَى السَّمعِ ، وهوَ عَملُهُ . وفَرَضَ على البَصر ، ألاّ ينْظرَ إلَى ما حَرَّم اللّه عز و جل علَيْهِ ، فقالَ عَزَّ مَن قائلٍ : « قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَرِهِمْ وَ يَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ » (11) ، فَحَرَّمَ أنْ يَنظُرَ أحدٌ إلى فَرْجِ غَيْرِهِ . وفَرَضَ علَى اللِّسانِ ، الإقْرارَ والتَّعبِيرَ عَنِ القَلبِ بِما عَقَدَ عَلَيْهِ ، فقال عز و جل : « قُولُواْ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا » (12) _ الآية _ ، وقال عز و جل : « وَ قُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا » (13) . وفَرَضَ على القلبِ ، وهو أمِيرُ الجَوارِحِ ، الَّذِي بهِ تعْقِلُ وتَفْهَمُ وتَصْدُرُ عَن أمْرِهِ ورأيهِ فَقالَ عز و جل : « إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئنُّ بِالاْءِيمَنِ » (14) _ الآية _ ، وقالَ تَعالَى حِيْنَ أخْبَرَ عَن قومٍ أعطَوا الإِيمانَ بأفواهِهِم ، ولم تُؤمِنْ قلُوبُهُم ، فَقالَ تعالى : « الَّذِينَ قَالُواْ ءَامَنَّا بِأَفْوَ هِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ » (15) ، وَقالَ عز و جل : « أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » (16) ، وقال عز و جل : « وَإِن تُبْدُواْ مَا فِى أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ » (17) . وفَرَضَ علَى اليَدَينِ ألاّ تمدَّهما إلى ما حرَّمَ اللّه ُ عز و جل علَيْكَ ، وأنْ تَستَعمِلَهُما بِطاعَتِهِ ، فقال عز و جل : « يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ » (18) ، وقال عز و جل : « فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ الرِّقَابِ » (19) . وفَرَضَ علَى الرِّجْلَينِ أنْ تَنقُلَهما في طاعَتِهِ ، وألاّ تمْشي بِهِما مِشيةَ عاصٍ ، فقال عز و جل : « وَ لاَ تَمْشِ فِى الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا » (20) ، وقال عز و جل : « الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَ هِهِمْ وَ تُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ » (21) ، فأخبَرَ عنْها أنَّها تشهَدُ علَى صاحِبِها يَوْمَ القِيامَةِ . فهذا ما فَرَضَ اللّه ُ تَبارَكَ وتَعالَى علَى جَوارِحِكَ ، فاتَّقِ اللّه َ يا بُنَيَّ ، واسْتَعمِلْها بِطاعَتِهِ ورِضْوانِهِ . وإيَّاك أنْ يَراكَ اللّه ُ تَعالَى عِنْدَ معْصِيتِهِ ، أو يَفقِدَكَ عِنْدَ طاعَتِهِ ، فَتَكُونَ مِنَ الخاسِرينَ . وعلَيْكَ بقراءَةِ القُرآنِ ، والعَملِ بِما فيْهِ ، ولُزُوم فَرائِضِهِ وشَرائِعِهِ ، وحَلالِهِ وحَرامِهِ ، وأمْرِهِ ونَهْيِهِ ، والتَّهجُّدِ بهِ ، وتِلاوَتِهِ في لَيْلِكَ ونَهارِكَ ، فإنَّهُ عَهدٌ مِنَ اللّه ِ تَبارَكَ وتَعالَى إلى خَلقِهِ ، فَهوَ واجِبٌ على كُلِّ مُسلِمٍ أنْ يَنْظر كلَّ يَوْمٍ في عَهْدِهِ ، ولوْ خَمسِينَ آيةً . واعْلَم أنَّ درجاتِ الجَنَّةِ على عَدَدِ آيات القُرآنِ ، فَإذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ يُقال لِقارِئ القُرآنِ : اقْرَأ وارْقَ ، فَلا يكونُ في الجَنَّةِ بَعْد النَّبيِّينَ والصِّدِّيقينَ أرفع دَرجَةً مِنْهُ » . (22)

.


1- . الإسراء :36 .
2- . النور :15 .
3- . الحج :77 .
4- . الجن :18 .
5- . فصلت :22 .
6- . الأنعام :68 .
7- . الأنعام :68 .
8- . الزمر : 17 و 18 .
9- . الفرقان : 72 .
10- . القصص :55 .
11- . النور :30 .
12- . البقرة : 136 .
13- . البقرة :83 .
14- . النحل :106 .
15- . المائدة :41 .
16- . الرعد :28 .
17- . البقرة :284 .
18- . المائدة :6 .
19- . محمد :4 .
20- . الإسراء :37 و38 .
21- . يس :65 .
22- . من لايحضره الفقيه : ج2 ص627 ح3215 .

ص: 203

. .

ص: 204

. .

ص: 205

. .

ص: 206

176 _ وصيّته عليه السلام لابنه محمّد بن الحنفيّة

176وصيَّته عليه السلام لابنه محمَّد بن الحَنَفيَّة« يا بُنَيَّ إيَّاكَ والاتِّكالَ علَى الأمَانِيِّ ، فَإنَّها بَضَائِعُ النَّوكى (1) ، وتثبيطٌ عَنِ الآخِرَةِ ، ومِن خَيْرِ حَظِّ المَرءِ قَرِينٌ صَالِحٌ . جَالِسْ أهْلَ الخَيْرِ تَكنْ مِنْهُم ، بَايِنْ أهْلَ الشَّرِّ ومَن يَصدُّكَ عَن ذِكْرِ اللّه ِ عز و جل وذِكْرِ المَوْتِ بالأباطِيلِ المُزَخْرَفَةِ والأراجِيْفِ المُلَفَّقَةِ تَبْنِ مِنهُم . ولا يغْلِبَنَّ علَيْكَ سُوءُ الظَّنِّ باللَّهِ عز و جل ، فإنَّه لَنْ يَدَعْ بيْنك وبيْن خَلِيلِكَ صُلْحا . أذْكِ بالأدَبِ قَلْبَكَ كمَا تُذكِي النَّارَ بالحَطَبِ ، فَنِعْمَ العَوْنُ الأدبُ للنَّحيزة (2) والتَّجارِبُ لِذي اللُّبِّ ، اضْمم آرَاءَ الرِّجالِ بَعْضَها إلى بَعْضٍ ، ثمَّ اخْتَر أقربَها إلى الصَّوابِ ، وأبْعدَها مِنَ الارتيابِ . يا بُنَيَّ ، لا شَرَفَ أعلَى من الإسلامِ ، ولا كَرَمَ أعَزُّ مِنَ التَّقوى ، ولا مَعْقِلَ أحْرَزُ مِنَ الوَرَعِ ، ولا شَفِيعَ أنْجَحُ مِنَ التَّوبَةِ ، ولا لِباسَ أجْمَلُ مِنَ العَافِيَةِ ، ولا وِقايَةَ أمْنَعُ مِنَ السَّلامَةِ ، ولا كَنْزَ أغْنَى مِنَ القُنُوعِ ، ولا مَالَ أذْهَبُ للفاقَةِ مِنَ الرِّضا بالقُوتِ ، ومَن اقْتَصَرَ على بُلْغَةِ الكَفَافِ فَقَدْ انْتَظَم الرَّاحَةَ وتَبَوَّأ خَفضَ الدَّعَةِ ، الحِرصُ داعٍ إلى التَّقحُّمِ في الذُّنوبِ . ألْقِ عنْك وَارِداتِ الهُمُومِ بعَزَائِمِ الصَّبرِ ، عَوِّد نَفْسَكَ الصَّبرَ ، فَنِعْمَ الخُلُقُ الصَّبرُ ، واحْمِلْها علَى ما أصابَكَ مِن أهْوَالِ الدُّنيا وهُمُومِها ، فازَ الفَائِزُونَ ، ونَجَا الَّذينَ سَبَقَتْ لَهم مِنَ اللّه ِ الحُسْنَى ، فَإنَّهُ جُنَّةٌ من الفَاقَةِ ، وألجِئْ نَفْسَكَ في الأمورِ كُلِّها إلى اللّه ِ الواحِدِ القَهَّارِ ، فَإنَّكَ تُلْجِئُها إلى كَهفٍ حَصِينٍ ، وحِرزٍ حَريزٍ ، ومانِعٍ عَزيزٍ ، وأخْلِص المسأَلةَ لِربِّكَ ، فإنَّ بِيَدِهِ الخَيْرَ والشَّرَّ ، والإعْطاءَ والمَنْعَ ، والصِّلةَ والحِرمانَ » . وقال عليه السلام في هذه الوصيَّة : « يا بُنَيَّ ، الرِّزقُ رِزقانِ : رِزْقٌ تَطْلُبُه ورِزْقٌ يَطْلُبُكَ ، فإنْ لمْ تَأتِهِ أتَاكَ ، فَلا تَحْمِلْ هَمَّ سَنَتِكَ علَى هَمِّ يَوْمِكَ ، وكَفاكَ كُلَّ يوْمٍ ما هُو فيْهِ ، فإنْ تَكُن السَّنَةُ مِن عُمُرِكَ ، فَإنَّ اللّه َ عز و جلسَيأتِيكَ في كُلِّ غَدٍ بجَدِيدٍ ما قَسَم لَكَ ، وإنْ لمْ تَكنِ السَّنَةُ مِن عُمُرِكَ فما تصنَعُ بِغَمِّ وهَمِّ ما لَيْسَ لَكْ ؟ واعْلَم أنَّه لنْ يَسبِقَكَ إلى رِزقِكَ طالِبٌ ، ولَنْ يغلِبَكَ علَيْهِ غالِبٌ ، ولنْ يحتَجِبَ عَنْكَ ما قدِّر لَكَ ، فكَم رَأيْتُ مِن طالِبٍ مُتعِبٍ نفْسَهُ مُقَتَّرٍ علَيْه رِزْقُهُ ، ومُقْتَصِدٍ في الطَّلبِ قَدْ ساعَدَتهُ المَقادِيرُ ، وكُلٌّ مَقرونٌ بهِ الفَناءُ ، اليَوْمَ لَكَ وأنْتَ مِن بُلوغِ غَدٍ علَى غَيْرِ يَقينٍ ، وَلَرُبَّ مُسْتَقْبِلٍ يَوْما لَيسَ بمُسْتدْبِرِهِ ، ومَغْبوطٍ في أوَّل لَيْلَةٍ قامَ في آخِرِها بَواكِيْهِ ، فلا يغرَّنَّكَ مِنَ اللّه طُولُ حُلُولِ النِّعَمِ ، وإبْطاءُ مَوارِدِ النِّقَمِ ، فإنَّه لوْ خَشِيَ الفَوْتَ عاجَلَ بالعُقُوبَةِ قبْلَ المَوْتِ . يا بُنَيَّ اقْبَلْ مِنَ الحُكَماءِ مَوَاعِظَهم ، وتدبَّر أحْكامَهم ، وكُنْ آخَذَ النَّاسِ بما تَأمُر بِهِ ، وأكفَّ النَّاسِ عَمَّا تَنْهَى عَنْهُ ، وَأْمُر بالمَعروفِ تَكُن مِن أهلِهِ ، فإنَّ اسْتِتمامَ الأُمُورِ عِنْدَ اللّه ِ تَبارَكَ وتَعالَى الأمرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ . وتَفقَّه في الدِّينِ فَإنَّ الفُقَهاءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ ، إنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِيْنارَا ولا دِرْهَما ، ولكنَّهم ورَّثوا العِلْمَ ، فمَن أخذَ مِنْهُ أخذ بَحَظٍّ وافرٍ ، واعْلَم أنَّ طالِبَ العِلمِ يَسْتَغفِرُ لَهُ مَن فِي السَّماواتِ والأرضِ ، حتَّى الطَّيرُ في جَوِّ السَّماءِ ، والحُوتُ في البَحرِ ، وأنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَها لِطالِبِ العِلْمِ رضىً بهِ ، وفيْه شَرَفُ الدُّنيا والفوزُ بالجَنَّةِ يوْمَ القِيامَةِ ، لأنَّ الفُقَهاء هُمُ الدُّعاةُ إلى الجِنانِ ، والأدلاَّءُ علَى اللّه ِ تَبارَكَ وتَعالَى . وأحْسِن إلى جَمِيعِ النَّاسِ كمَا تُحِبُّ أنْ يُحْسَنَ إليْكَ ، وارضَ لَهُم ما تَرضاهُ لِنَفْسِكَ ، واسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ ما تَسْتَقْبِحُهُ من غَيْرِكَ ، وحَسِّن مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ خُلُقَكَ ، حَتَّى إذا غِبتَ عنْهمُ حَنُّوا إليْكَ ، وإذا مِتَّ بَكَوا عَلَيْكَ ، وقالوا : إنَّا للَّهِ وإنَّا إليْهِ رَاجِعونَ ، ولا تَكُن مِنَ الَّذِينَ يُقالُ عِنْدَ موْتِهِ : الحَمدُ للَّهِ ربِّ العالَمِينَ . واعْلَم أنَّ رأسَ العَقْلِ بعْدَ الإيمانِ باللَّهِ عز و جل مُدارَاةُ النَّاسِ ، ولا خَيْرَ فِيمَن لا يُعاشِرُ بالمَعرُوفِ مَن لا بُدَّ مِن معَاشَرَتِهِ حتَّى يَجْعَلَ اللّه ُ إلى الخَلاصِ مِنْهُ سَبِيلاً ، فإنِّي وجَدتُ جَمِيعَ ما يَتعَايشُ بِهِ النَّاسُ وبهِ يَتَعاشَرونَ مِل ءَ مِكْيالٍ ثُلْثاه استحِسانٌ ، وَثُلثُهُ تَغافُلٌ . وما خَلَق اللّه ُ عز و جل شَيئا أحْسَنَ مِن الكَلامِ ولا أقْبَحَ مِنْهُ ، بالكَلامِ ابْيضَّتِ الوُجُوهُ ، وبالكَلامِ اسْوَدَّتِ الوُجُوهُ ، واعْلَم أنَّ الكَلامَ في وثاقِكَ ما لَم تَتَكلَّم بهِ ، فإذا تكلَّمتَ بهِ صِرْتَ في وَثاقِهِ ، فاخزِنْ لِسانَكَ كمَا تَخْزِنُ ذَهَبَكَ وَوَرِقَكَ ، فإنَّ اللِّسان كَلْبٌ عَقُورٌ ، فإنْ أنْتَ خلَّيتَهُ عُقِرَ ، ورُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبتَ نِعمَةً ، مَن سيَّبَ عِذارَهُ قادَهُ إلى كُلِّ كَرِيهَةٍ وفَضِيحَةٍ ، ثمَّ لَم يَخلَصْ مِن دَهْرِهِ إلاَّ على مَقْتٍ من اللّه عز و جل ، وذَمٍّ مِنَ النَّاسِ . قَدْ خاطَرَ بِنَفْسِهِ مَنِ اسْتَغْنَى بِرَأيِهِ ، ومَن اسْتقْبَل وُجوهَ الآراءِ عَرَفَ مَواقِعَ الخَطاَ ، مَن تَورَّطَ في الأُمورِ غَيْرَ ناظِرٍ في العَواقِبِ فَقَدْ تعرَّضَ لِمُفظِعاتِ النَّوائِبِ . والتَّدبيرُ قَبْلَ العَمَلِ يُؤمِنكَ مِنَ النَّدمِ ، والعاقِلُ مَن وعظَتْهُ التَّجارِبُ ، وفي التَّجارِبِ عِلمٌ مُستَأنَفٌ ، وفي تقلُّبِ الأحوالِ عِلمُ جواهِرِ الرِّجالِ ، الأيَّامُ تَهتِكُ لَكَ عَنِ السَّرائِرِ الكامِنَةِ . تَفهَّمْ وَصيَّتي هذِهِ ، ولا تَذهَبَنَّ عَنْكَ صَفْحا ، فَإنَّ خَيْرَ القَوْلِ ما نَفَعَ . اعْلَم يا بُنَيَّ ، أنَّه لا بُدَّ لَكَ مِن حُسْنِ الارْتِيادِ ، وبَلاغِكَ مِنَ الزَّادِ مَعَ خِفَّةِ الظَّهرِ ، فلا تَحْمِلْ علَى ظَهْرِكَ فَوْقَ طاقَتِكَ ، فيَكونَ علَيْك ثِقْلاً في حَشْرِكَ ونَشْرِكَ في القِيامَةِ ، فَبِئْسَ الزَّادُ إلى المَعادِ العُدوانُ علَى العِبادِ . واعْلَم أنَّ أمامَكَ مَهالِكَ ومَهاوِيَ وجُسورا وعقبةً كئودا ، لا محَالةَ أنْتَ هابِطُها ، وأنَّ مَهبِطَها إمَّا على جَنَّةٍ أو على نارٍ ، فارتَدْ لِنَفْسِكَ قَبْل نُزولِكَ إيَّاها ، وإذا وجَدتَ مِن أهْلِ الفَاقَةِ مَن يَحمِلُ زَادَكَ إلى القِيامَةِ فيُوافِيكَ بِهِ غَدا حَيْثُ تَحتاجُ إليْهِ فاغْتَنِمْهُ وحَمِّلْهُ ، وأَكثِرْ مِن تَزَوُّدِهِ وأنتَ قادِرٌ عَليْهِ ، فلَعلَّكَ تَطلبُهُ فَلا تَجِدُهُ ، وإيَّاكَ أنْ تَثِقَ لِتَحمِيلِ زَادِكَ بِمَن لا وَرَعَ لَهُ ولا أمَانَةَ ، فَيَكونُ مَثلُكَ مَثلَ ظَمآنٍ رأى سَرابا حتَّى إذا جاء./َه لَمْ يَجِدْه شَيْئا ، فتبقى فِي القِيامَةِ مُنْقَطَعا بِكَ » . وقال عليه السلام في هذه الوصيَّة : « يا بُنَيَّ ، البَغْي سَائِقٌ إلى الحَينِ (3) ، لَنْ يهْلِكَ امرؤٌ عَرَفَ قَدرَهْ ، مَن حَصَّن شَهْوتَهُ صَانَ قَدْرَهُ ، قِيْمة كُلِّ امْرئٍ ما يُحْسِنُ ، الاعتبار يفيدك الرَّشادَ ، أشْرَفُ الغِنَى تَرْكُ المُنَى ، الحِرصُ فَقْرٌ حاضِرٌ ، المودَّةُ قِرابَةٌ مُسْتَفادةٌ ، صَدِيقُكَ أخُوكَ لِأبِيكَ ، وأُمِّكَ ، ولَيْس كُلُّ أخٍ لَكَ مِن أبِيكَ وأمِّكَ صَديِقَكَ ، لا تتَّخذَنَّ عَدُوَّ صَدِيقِكَ صَدِيقَا فَتُعادِي صَدِيقَكَ ، كَمْ من بَعِيدٍ أقربُ مِنكَ مِن قَريبٍ ، وَصُولٌ مُعدِمٌ خَيْرٌ مِن مُثرٍ جافٍ . الموعِظَةُ كَهْفٌ لِمَن وَعاها ، مَن مَنَّ بِمَعروفِهِ أفْسَدَهُ ، مَن أساءَ خُلُقَهُ عَذَّبَ نَفْسَهُ ، وكانَتْ البَغْضَةُ أوْلى بهِ . لَيْسَ مِنَ العدْلِ القضاءُ بالظَّنِّ على الثِّقةِ ، ما أقْبَحَ الأشَرَ عِنْدَ الظَّفَرِ ، والكآبَةَ عِنْدَ النَّائِبَةِ المُعضِلَةِ ، والقَسوَةَ علَى الجارِ ، والخلافَ علَى الصَّاحِبِ ، والحِنْثَ مِن ذِي المُروءَةِ ، والغَدرَ مِنَ السُّلْطانِ . كُفْرُ النِّعَمِ مُوقٌ (4) ، ومجالَسَةُ الأحْمَقِ شُؤمٌ ، اعرِفِ الحَقَّ لِمَن عرَفَهُ لَكَ ، شريفا كانَ أو وضيعا ، مَن تَركَ القصْدَ جارَ ، مَن تَعَدَّى الحقَّ ضَاقَ مَذهَبُهُ ، كَمْ من دنِفٍ قد نَجَا ، وصَحِيحٍ قَدْ هَوى ، قَدْ يكونُ اليأسُ إدراكا ، والطَّمَعُ هَلاكا ، اسْتَعْتِبْ مَن رَجَوْتَ عِتابَهُ . لا تبيتَنَّ مِنِ امرئٍ على غَدرٍ ، الغَدرُ شَرُّ لِباسِ المَرءِ المُسْلِمِ ، مَن غَدَرَ ما أخْلَقَ ألاّ يُوفى لَهُ ، الفَسادُ يُبِيرُ الكَثِيرَ ، والاقْتصادُ ينْمِي اليَسِيرَ . مِنَ الكَرَمِ الوَفاءُ بالذِّمَمِ ، مَن كَرُمَ سادَ ، ومَن تَفَهَّمَ ازْدَادَ . امْحض أخاكَ النَّصِيْحَةَ ، وساعِدْهُ على كُلِّ حالٍ ما لَم يَحمِلْكَ علَى مَعصِيَةِ اللّه ِ عز و جل ، زُلْ مَعَهُ حَيْثُ زَالَ ، لا تَصرِمْ أخاكَ على ارْتيابٍ ، ولا تَقطَعْهُ دُونَ اسْتِعْتابٍ ، لعلَّ لَهُ عُذْرا وأنْتَ تَلُومُ ، اقبَلْ مِن مُتَنَصِّلٍ عُذْرَهُ فَتَنالَكَ الشَّفاعَةُ ، وأكْرم الَّذِي بِهِم تَصولُ ، وازْدَدْ لَهم طُولَ الصُّحْبَة بِرَّا وإكْراما وتَبْجِيلاً وتَعْظِيما ، فليْس جَزاءُ مَن عَظَّمَ شَأنَكَ أنْ تَضَعَ مِن قَدرِهِ ، ولا جَزاءُ مَن سَرَّكَ أنْ تَسوءَهُ . أكثر البِرَّ ما اسْتَطَعْتَ لِجَلِيْسِكَ ، فإنَّك إذا شِئْتَ رأيْتَ رُشدَهُ ، مَن كَساهُ الحَيْاءُ ثوبَهُ اخْتَفى عَنِ العُيون عَيْبُهُ ، مَن تَحرَّى القَصْدَ خَفَّت عَليْهِ المُؤَنُ ، مَن لَمْ يُعطِ نفسَهُ شَهوتَها أصابَ رُشْدَهُ . مَعَ كُلِّ شِدَّةٍ رَخاءٌ ، ومَعَ كلِّ أَكلةٍ غَصَصٌ ، لا تُنالُ نِعمَةٌ إلاَّ بَعْدَ أذىً . لِنْ لِمَن غَاظَكَ تظْفَر بِطَلِبَتِكَ . ساعاتُ الهُمُومِ ساعاتُ الكَفَّارات . والسَّاعاتُ تُنْفِدُ عُمرَكَ . لا خَيْرَ في لَذَّةٍ بَعْدَها النَّارُ ، وما خَيْرٌ بخَيْرٍ بَعْدَهُ النَّار ، وما شَرٌّ بشَرٍّ بَعدَهُ الجَنَّةُ ، كُلُّ نَعِيمٍ دُونَ الجنَّةِ مَحْقورٌ ، وكُلُّ بَلاءٍ دُونَ النَّارِ عافِيَةٌ . لا تُضِيعَنَّ حقَّ أخِيكَ اتِّكالاً علَى ما بَيْنَكَ وبيْنَهُ ، فَإنَّه لَيْسَ لَكَ بأخٍ مَن أضَعْتَ حَقَّهُ ، ولا يَكونَنَّ أَخُوكَ علَى قَطِيعَتِكَ أقوى مِنْكَ علَى صِلَتِهِ ، ولا علَى الإساءَةِ إليْكَ أقْوَى مِنكَ علَى الإحسانِ إليْهِ . يا بُنَيَّ ، إذا قَويتَ فاقْوَ على طاعَةِ اللّه ِ عز و جل ، وإذا ضَعُفْتَ فاضْعَفْ عَن مَعصِيَةِ اللّه ِ عز و جل ، وإنْ اسْتَطَعْتَ ألاّ تملِّك المَرأةَ مِن أمرِها ما جاوَزَ نفْسَها فَافْعلْ ، فَإنَّه أدومُ لِجمالِها ، وأرْخَى لِبالِها ، وأحْسَنُ لِحالِها ، فإنَّ المَرْأة رَيْحَانَةٌ ولَيْسَت بِقَهْرَمانَةٍ ، فَدَارِها علَى كُلِّ حالٍ ، وأحْسِن الصُّحبَةَ لَها ، فَيصفُوَ عَيْشُكَ . احْتمِلْ القَضاءَ بالرِّضا ، وإنْ أحْبَبْتَ أنْ تَجْمَعَ خَيْرَ الدُّنيا والآخِرَة فاقْطَع طَمَعَكَ مِمَّا فِي أيدي النَّاسِ ، والسَّلامُ علَيْكَ ورَحْمةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ » .

.


1- . النَّوكى : جمع الأنوك بمعنى الأحمق ، والجاهل العاجز .
2- . نحيزة :الطبيعة والطريق .
3- . الحَين : الهلاك والمحنة .
4- . المُوقُ _ بضم الميم _ : الحُمق في غباوة، أي كفران النّعمة من الحماقة .

ص: 207

. .

ص: 208

. .

ص: 209

. .

ص: 210

. .

ص: 211

هذا آخر وصيَّته عليه السلام لمحمَّد بن الحنفيَّة . (1)

.


1- . من لايحضره الفقيه : ج4 ص384 _ 392 ح5834 وراجع : الخصال : ص147 ، الاختصاص :ص229 ، تنبيه الخواطر : ج2 ص505 ، بحار الأنوار : ج16 ص48 وج71 ص86 و287 وج72 ص315 ج73 ص75 و397 وج76 ص226 وج 77 ص 197 و396 وج74 ص175 ؛ العقد الفريد : ج3 ص156 .

ص: 212

177 _ كتابه عليه السلام في وصيّة ماله

177كتابه عليه السلام في وصيَّة مالهالسيّد رحمه الله في نهج البلاغة ، قال : ومن وصيَّة له عليه السلام بما يعمل في أمواله ، كتبها بعد منصرفه من صفِّين :« هَذَا مَا أَمَرَ بِه عَبدُ اللّه عليُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَميرُ الْمُؤمِنِينَ في مَالِه ، ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللّه لِيُولِجَهُ به الْجَنَّةَ ويُعْطِيَهُ به الأَمَنَةَ . منها : فَإِنَّهُ يَقُومُ بِذَلِك الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَأْكُلُ مِنهُ بالْمَعْرُوف ، ويُنْفِقُ مِنْهُ بالْمَعْرُوف فَإِنْ حَدَثَ بِحَسَنٍ حَدَثٌ وحُسَيْنٌ حَيٌّ قَام بِالأمْرِ بَعْدَهُ ، وأَصْدَرَهُ مَصْدَرَهُ وإِنَّ لابْنَيْ فَاطِمَةَ من صَدَقَةِ عَلِيٍّ مِثْلَ الَّذي لِبَنِي عَلِيٍّ ، وإِنِّي إِنَّمَا جَعَلْتُ الْقِيَامَ بِذَلك إِلَى ابْنَيْ فَاطِمَةَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللّه ، وقُرْبَةً إلى رَسُول اللّه صلى الله عليه و آله ، وتَكْرِيما لِحُرْمَتِه ، وتَشْرِيفا لِوُصْلَتِه ، ويَشْتَرِطُ علَى الَّذي يَجْعَلُهُ إِلَيْه أَنْ يَتْرُك الْمَالَ عَلَى أُصُولِه ، ويُنْفِقَ مِنْ ثَمَرِه حَيْثُ أُمِرَ بِه وهُدِيَ لَه ، وأَلاَّ يَبِيعَ مِنْ أَوْلادِ نَخِيلِ هَذِهِ الْقُرَى وَدِيَّةً حَتَّى تُشْكِلَ أَرْضُهَا غِرَاسا ، ومَنْ كَانَ مِنْ إِمَائِي اللاَّتِي أَطُوفُ عَلَيْهِنَّ لَهَا وَلَدٌ أو هِيَ حَامِلٌ فَتُمْسَكُ علَى وَلَدِهَا وهِيَ مِنْ حَظِّه ، فَإِنْ مَاتَ وَلَدُهَا وهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ عَتِيقَةٌ قَدْ أَفْرَجَ عَنْهَا الرِّقُّ وحَرَّرَهَا الْعِتْقُ » (1) .

[ أقول : قال السَّيِّد رحمه الله بعد نقل الكتاب ما لفظه : ] قوله عليه السلام في هذه الوصيَّة : « أَلاَّ يَبِيعَ مِنْ نَخلها وَدِيَّةً » : الوَدِيَّةُ الفسيلة ، وجمعها وَدِيّ . وقوله عليه السلام : « حَتَّى تُشْكِلَ أَرْضُهَا غِرَاسا » ، هو من أفصح الكلام ، والمراد به أنَّ الأرض يكثر فيها غراس النَّخل حَتَّى يراها النَّاظر على غير تلك الصِّفة الَّتي عرفها بها ، فيشكل عليه أمرها ويحسبها غيرها . انتهى . [ نقلت الوصيَّة في كتب الأعلام من المحدِّثين والمؤرّخين أطول ممَّا ذكره السيّد رحمه الله ، فاختار منها السَّيِّد ما ذكره . (2) وهو دأبه في النَّهج ، وسوف نأتي ببعض نصوصها . وأمَّا سند الوصيَّة : ] فقد رواها الكليني رحمه الله عن أبي علِيٍّ الأشْعَرِيّ ، عن مُحَمَّد بن عبد الجَبَّار ، ومُحَمَّدُ بن إِسْمَاعِيلَ ، عن الفَضْل بن شَاذَان ، عن صَفْوَان بن يَحْيَى ، عن عَبد الرَّحْمن بن الحَجَّاج ، قال : بَعَثَ إِلَيَّ أبو الحَسَن مُوسَى عليه السلام بِوَصِيَّةِ أمِير المُؤمِنِينَ عليه السلام . (3) ورواهُ الشَّيخ رحمه الله في التَّهذيب باسناده عن الحسين بن سَعيد ، عن صَفْوَان ، عن عبد الرَّحمن بن الحجاج ، قال بعث إليَّ بهذه الوصيَّة أبو إبراهيم عليه السلام . (4) ورواها عبد الرَّزاق في المصنف ، قال أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني عطاءٌ أنَّه بلغه أنَّ عليَّا كتب في عهده : « إنِّي تَركتُ تِسعَ عَشرَةَ سَرِيَّة ، فأيَّتُهنَّ ما كانت ذاتَ ولَدٍ قُوِّمَت بِحِصَّةِ وَلدِها بميراثِهِ مِنِّي ، وأَيَّتُهُنَّ ما لَم تَكُن ذاتَ ولَدٍ فَهِيَ حُرَّةٌ » . قال : فسألت محمَّد بن عليّ بن حسين الأكبر ، أذلك في عهد عليّ ؟ قال : نعم . عبد الرَّزَّاق ، عن ابن عُيَيْنَة ، عن عَمْرو بن دِينار ، قال : كتب عليّ في وصيّته : « فإن حدَثَ بي حدَثٌ في هذا الغَزوِ ، أمَّا بعدُ ؛ فَإنَّ ولائِدِي الّلاتي أطوفُ عَلَيهِنَّ تِسعَ عَشرَةَ ولِيدَة ، مِنهُنَّ أُمّهاتُ أولادٍ مَعَهُنَّ أولادُهُنَّ ، ومِنهُنَّ حُبالَى ، ومِنهُنَّ من لا وَلدَ لَهُنَّ ، فَقَضيْتُ : إن حدَثَ بي حدَثٌ فِي هذا الغزوِ فَإنَّ مَن كانَت مِنهُنَّ لَيسَت بِحُبلى ، وليسَ لَها ولَدٌ ، فَهِي عَتِيقَةٌ لِوَجْهِ اللّه ِ ، لَيسَ لِأحَدٍ علَيْها سَبِيلٌ ، ومَن كانَت مِنهُنَّ حُبلَى ، أو لَها ولَدٌ ، فَإنَّها تُحبَس علَى ولَدِها وهِي مِن حَظِّهِ ، فإن ماتَ ولَدُها وهِي حَيَّةٌ فَإنَّها عَتِيقَةٌ لِوَجهِ اللّه ِ . هذا ما قَضَيتُ فِي ولائِدِي التِّسْعَ عشرَةَ ، واللّه ُ المُستعانُ ، شَهِدَ هَيَّاج بنُ أبي سُفْيَان ، وعُبيدُ اللّه ِ بنُ أبي رافِعٍ ، وكتب في جُمادى سنة سبع وثلاثين » . (5) [ صورة مفصَّلة من الوصيّة على رواية الكليني رحمه الله : ] أبُو عَلِيٍّ الأشْعَرِيُّ ، عن مُحَمَّدِ بن عَبْد الجَبَّارِ ومُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عن الفَضْلِ بن شَاذَانَ ، عن صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى ، عَنْ عَبدِ الرَّحْمن بْنِ الحَجَّاجِ ، فقال بَعَثَ إِلَيَّ أبُو الحَسَنِ مُوسَى عليه السلام بِوَصِيَّةِ أمِيرِ المُؤمِنِينَ عليه السلام ، وهِي: « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ هَذَا مَا أوْصَى بِهِ وقَضَى بِهِ فِي مَالِهِ عَبدُ اللّه ِ عَلِيٌّ ، ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللّه ِ ، لِيُولِجَنِي بِهِ الجَنَّةَ ، ويَصْرِفَنِي بِهِ عَنِ النَّارِ ، ويَصْرِفَ النَّارَ عَنِّي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ . أنَّ مَا كَانَ لِي مِنْ مَالٍ بِيَنْبُعَ يُعْرَفُ لِي فِيهَا ومَا حَوْلَهَا صَدَقَةٌ ورَقِيقَهَا ، غَيْرَ أنَّ رَبَاحا وأبَا نَيْزَرَ وجُبَيْرا عُتَقَاءُ ، لَيْسَ لِأحَدٍ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ ، فَهُمْ مَوَالِيَّ يَعْمَلُونَ فِي المَالِ خَمْسَ حِجَجٍ ، وفِيهِ نَفَقَتُهُمْ ، ورِزْقُهُمْ وأرْزَاقُ أهَالِيهِمْ ، ومَع ذَلِكَ مَا كَانَ لِي بِوَادِي القُرَى كُلِّهُ مِنْ مَالٍ لِبَنِي فَاطِمَةَ ، ورَقِيقُهَا صَدَقَةٌ ، ومَا كَانَ لِي بِدَيْمَةَ وأهْلِهَا صَدَقَةٌ ، غَيْرَ أنَّ زُرَيْقا لَهُ مِثْلُ مَا كَتَبْتُ لِأصْحَابِهِ ، ومَا كَانَ لِي بِأُذَيْنَةَ وأهْلِهَا صَدَقَةٌ ، والفُقَيْرَيْنِ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ صَدَقَةٌ فِي سَبِيلِ اللّه ِ ، وإِنَّ الَّذي كَتَبْتُ مِنْ أمْوَالِي هَذِهِ صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ ، بَتْلَةٌ حَيّا أنَا أو مَيِّتا ، يُنْفَقُ فِي كُلِّ نَفَقَةٍ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللّه ِ فِي سَبِيلِ اللّه ِ ووَجْهِهِ وذَوِي الرَّحِمِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، وبَنِي المُطَّلِبِ ، والقَرِيبِ والبَعِيدِ ، فَإِنَّهُ يَقُومُ عَلَى ذَلِكَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَأْكُلُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ ، ويُنْفِقُهُ حَيْثُ يَرَاهُ اللّه ُ عز و جل فِي حِلٍّ مُحَلَّلٍ لا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهِ ، فَإِنْ أرَادَ أنْ يَبِيعَ نَصِيبا مِنَ المَالِ فَيَقْضِيَ بِهِ الدَّيْنَ فَلْيَفْعَلْ إِنْ شَاءَ ، ولا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهِ إِنْ شَاءَ جَعَلَهُ سَرِيَّ المِلْكِ ، وَإِنَّ وُلْدَ عَلِيٍّ ومَوَالِيَهُمْ وأمْوَالَهُمْ إِلَى الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، وإِنْ كَانَتْ دَارُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ غَيْرَ دَارِ الصَّدَقَةِ فَبَدَا لَهُ أنْ يَبِيعَهَا فَلْيَبِعْ إِنْ شَاءَ ، لا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهِ ، وإِنْ بَاعَ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ ثَمَنَهَا ثَلاثَةَ أثْلاثٍ : فَيَجْعَلُ ثُلُثا فِي سَبِيلِ اللّه ِ ، وثُلُثا فِي بَنِي هَاشِمٍ وبَنِي المُطَّلِبِ ، ويَجْعَلُ الثُّلُثَ فِي آلِ أبِي طَالِبٍ ، وإِنَّهُ يَضَعُهُ فِيهِمْ حَيْثُ يَرَاهُ اللّه ُ . وإِنْ حَدَثَ بِحَسَنٍ حَدَثٌ وحُسَيْنٌ حَيٌّ ، فَإِنَّهُ إِلَى الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، وإِنَّ حُسَيْنا يَفْعَلُ فِيهِ مِثْلَ الَّذي أمَرْتُ بِهِ حَسَنا ، لَهُ مِثْلُ الَّذي كَتَبْتُ لِلْحَسَنِ ، وعَلَيْهِ مِثْلُ عَلَى الحَسَنِ . وإِنَّ لِبَنِي ( ابْنَيْ ) فَاطِمَةَ مِنْ صَدَقَةِ عَلِيٍّ مِثْلَ الَّذي لِبَنِي عَلِيٍّ ، وإِنِّي إِنَّمَا جَعَلْتُ الَّذِي جَعَلْتُ لاِبْنَيْ فَاطِمَةَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللّه ِ عز و جل ، وتَكْرِيمَ حُرْمَةِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وتَعْظِيمَهُمَا ، وتَشْرِيفَهُمَا ، ورِضَاهُمَا . وإِنْ حَدَثَ بِحَسَنٍ وحُسَيْنٍ حَدَثٌ ، فَإِنَّ الآخِرَ مِنْهُمَا يَنْظُرُ فِي بَنِي عَلِيٍّ ، فَإِنْ وَجَدَ فِيهِمْ مَنْ يَرْضَى بِهُدَاهُ وإِسْلامِهِ وأمَانَتِهِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ ، وإِنْ لَمْ يَرَ فِيهِمْ بَعْضَ الَّذي يُرِيدُهُ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ أبِي طَالِبٍ يَرْضَى بِهِ ، فَإِنْ وَجَدَ آلَ أبِي طَالِبٍ قَدْ ذَهَبَ كُبَرَاؤهُمْ وذَوُو آرَائِهِمْ ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ إِلَى رَجُلٍ يَرْضَاهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، وإِنَّهُ يَشْتَرِطُ عَلَى الَّذي يَجْعَلُهُ إِلَيْهِ ، أنْ يَتْرُكَ المَالَ عَلَى أُصُولِهِ ، ويُنْفِقَ ثَمَرَهُ حَيْثُ أمَرْتُهُ بِهِ مِنْ سَبِيلِ اللّه ِ ، ووَجْهِهِ ، وذَوِي الرَّحِمِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وبَنِي المُطَّلِبِ ، والقَرِيبِ والبَعِيدِ ، لا يُبَاعُ مِنْهُ شَيْءٌ ، ولا يُوهَبُ ، ولا يُورَثُ . وإنَّ مال مُحمَّد بن عليٍّ على نَاحِيَته ، وهُو إلى ابْنَي فَاطِمَةَ ، وإنَّ رَقِيقِي الَّذِين فِي صَحِيفَةٍ صَغِيرة الَّتي كُتِبتْ لي عُتَقَاءُ ، هذا ما قَضَى به عليُّ بنُ أبِي طَالب في أمْوَالِه هَذه ، الغَدَ ، مِن يَوْمِ قَدِمَ مَسْكِنَ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّه ِ ، والدَّارَ الآخِرَةَ ، واللّه ُ المُسْتَعَانُ على كُلِّ حالٍ . ولا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ مُسْلِمٍ يُؤمِنُ بِاللّه واليَوْم الآخِر أنْ يَقُول في شَيْءٍ قَضَيْتُهُ مِنْ مالِي ، ولا يُخَالِف فِيه أمْرِي مِن قَرِيبٍ أو بَعِيدٍ . أمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ وَلائِدِي اللاّئِي أطُوفُ عَلَيْهِنَّ السَّبْعَةَ عَشَرَ (6) ، مِنْهُنَّ أُمَّهَاتُ أوْلادٍ معهُنَّ أوْلادُهُنَّ ، ومِنْهُنَّ حُبَالَى ، ومِنْهُنَّ مَن لا وَلَد له ، فَقَضَاي فِيهِنَّ إِنْ حَدَث بي حَدَثٌ ، أنَّهُ مَن كَان مِنْهُنَّ لَيْس لهَا وَلَدٌ ولَيْسَتْ بِحُبْلَى فَهِي عَتِيقٌ لِوَجْه اللّه عز و جل ، لَيْس لِأحَدٍ عَلَيْهِنَّ سَبِيلٌ ، ومَن كَان مِنْهُنَّ لهَا وَلَدٌ أو حُبْلَى فَتُمْسَكُ على وَلَدهَا وهِي مِن حَظِّه ، فَإِنْ مَات وَلَدُهَا وهِي حَيَّةٌ فَهي عَتِيقٌ ، لَيْس لِأحَدٍ عليْهَا سَبِيلٌ . هذا ما قَضَى بِه علِيٌّ في مَالِه ، الغَدَ مِنْ يَوْم قَدِم مَسْكِن ، شَهِد أبُو شِمْرِ بْن أبْرَهَة ، وصَعْصَعَةُ بنُ صُوحان ، ويَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ ، وهَيَّاجُ بْنُ أبي هَيَّاجٍ ، كَتَب عليُّ بْنُ أبي طَالِبٍ بِيَدِه لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِن جُمَادَى الاُولَى ، سَنَةَ سَبْعٍ وثَلاثِينَ » . (7) [ وكَانَتِ الوَصِيَّةُ الاُخْرَى مَعَ الاُولَى : ] « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ هَذَا مَا أوْصَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَالِبٍ ، أوْصَى أنَّهُ يَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللّه ُ ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ . . . » إلى آخر ما نقله المصنف رحمه اللهفي معادن الحكمة . (8) [ صورة ثالثة من الوصيَّة على رواية دعائم الإسلام : ] وعن عليّ عليه السلام أنَّه أوصَى بأوقافٍ أوقفها من أمواله ، ذكرها في كتاب وصيَّتِه . كان فيما ذكره منها : « هذا ما أوصَى بهِ وَقْفا ، فقضَى في مالِهِ علِيُّ بنُ أبي طالبٍ ابتغاءَ وجهِ اللّه ِ ، ليُولِجَنِي اللّه ُ بهِ الجَنَّةَ ، ويَصرِفَني عَنِ النَّارِ ، ويَصرِفَ النَّارَ عَنِّي يومَ تَبْيَضُّ وُجوهٌ ، وتَسودُّ وجوهٌ . ما كان لي يَنْبُعُ من مالٍ ، ويُعرَفُ لي منها وما حَوْلَها صَدَقَةٌ ورَقيقَها . غير أنَّ رياحا ، وأبا بيرز ، وحَبْتَرا عُتَقَاءُ لَيسَ لِأحَدٍ علَيهم سَبِيلٌ ، وهُم موالِيَّ يَعملُونَ في المالِ خَمسَ حِجَجٍ ، وفِيهِ نَفَقَتُهُم ورِزقُهُم ورِزْقُ أهالِيهِم ، ومَعَ ذلِكَ ما كانَ لِي بِوادِي القُرَى ثُلُثُه مالُ بني فاطمةَ ، ورقيقُها صَدَقَةٌ ، وما كانَ لي بِبُرْقَةَ وأهلِها صَدَقَةٌ . غير أنَّ زُرَيْقا لَهُ مِثلُ ما كتَبتُ لأَصحابِهِ . وما كانَ لِي بأُذَيْنَةَ وأهلِها صَدَقَةٌ ، والذي كَتَبْتُ مِن أموالِي هذهِ صَدَقَةٌ واجِبَةٌ بَتْلَةٌ ، حَيٌ أنا أو ميّتٌ ، تُنفَق في كُلِّ نفَقَةِ يُبْتَغَى بِها وجْهُ اللّه ِ ، وفي سَبيلِ اللّه ِ وَوجْهِهِ ، وذوي الرَّحِمِ مِن بَنِي هاشِم وَبنِي عَبدِ المُطَّلِبِ ، والقريبِ والبَعيدِ ، وأنَّه يَقُومُ علَى ذلِكَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام ، يأكُلُ مِنهُ بالمَعروفِ ، ويُنفِقُهُ حَيثُ يُرِيهِ اللّه ُ في حِلٍّ مُحَلَّلٍ لا حَرَجَ عَليهِ فِيه . وإنْ أرادَ أنْ يَبذِلَ مالاً مِنَ الصَّدَقَةِ مكانَ مالٍ فَإنَّهُ يَفعَلُ ذلِكَ لا حَرَجَ عَليهِ فِيهِ ، وإنْ أرادَ أنْ يَبِيعَ نَصِيبا مِنَ المالِ فَيَقضِي بهِ الدَّينَ فعَلَ إنْ شاءَ ، ولا حَرَجَ علَيهِ فيهِ . وإنَّ وَلَدَ عليٍّ ومالَهُم إلى الحسنِ بنِ علِيٍّ ، وإنْ كانَت دارُ الحَسَنِ بنِ عليّ دارا غيرَ دارِ الصَّدَقَةِ ، فبَدَا لَهُ أنْ يَبِيعَها فليَبِعْ إنْ شاءَ ولا حَرَجَ عَليهِ فيه ، فإنْ باعَ فثمنُها ثَلاثَةُ أثلاثٍ ، يَجعَلُ ثُلُثا في سَبِيلِ اللّه ِ ، وثُلُثا في بَنِي هاشمٍ ، وثُلُثا في آلِ أبي طالبٍ ، يضَعُهُ فيهِ حَيثُ يُرِيهِ اللّه ُ . وإنْ حَدَثَ بالحَسَنِ حَدَثٌ والحُسينُ حيٌّ فَإنَّهُ إلى الحُسينِ بنِ علِيٍّ ، وإنَّ حُسينَ بنَ علِيٍّ يفعَلُ فيهِ مِثلَ الَّذي أمَرتُ حَسَنا ، ولَهُ مِثلُ الَّذي كَتبتُ للحَسَنِ ، وعَليهِ مِثلُ الَّذي علَى حَسَنٍ . وإنَّ الَّذي لبني فاطِمَةَ مِن صدَقَةِ علِيّ عليه السلام مثل الَّذي لِبَنِي علِيٍّ ، وإنِّي إنَّما جَعَلت الَّذي جعلتُ إلى بني فاطِمَةَ ابتغاءَ وجْهِ اللّه ِ ثُمَّ لِكَريمِ حُرمَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وتعظيما ، وتشريفا ، ورِضا بِهِما ، فَإنْ حَدَثَ بالحَسَنِ والحُسَينِ حَدَثٌ فَإنَّ ولَدَ الآخِرِ مِنهُما ينظُرُ في ذلِكَ ، وإنْ رأى أنْ يُوَلِّيَهُ غَيرَهُ نُظِرَ في بني عليٍّ فإن وجد فيهم مَن يرتضِي دِينَهُ وإسلامَهُ وأمانَتَهُ جَعَلَهُ إليهِ إنْ شاءَ ، وإن لَم يَرَ فيهِم الَّذي يُريدُهُ فإنَّه يَجعَلُهُ إنْ شاءَ إلى رَجُلٍ مِن آلِ أبي طالبٍ يَرتَضِيهِ ، فَإن وجَدَ آلُ أبي طالِبٍ يَومَئذٍ قَد ذهَبَ أكابِرُهُم ، وذَوُو آرائِهِم وأسنانِهِم ، فَإنَّهُ يَجعَلُهُ إن شاءَ إلى رَجُلٍ يَرضَى حالَهُ مِن بَنِي هاشِمٍ ، ويَشتَرِطُ علَى الَّذي يَجعَلُ ذلِكَ إليهِ أنْ يَترُكَ المَالَ علَى أصلِهِ ، ويُنفِق ثَمَرتَهُ حَيثُ أمرْتُه فِي سبيلِ اللّه ِ عز و جلوَوُجُوهِهِ ، وذوي الرَّحِمِ منِ بَنِي هاشِمٍ ، وبَنِي عَبدِ المُطَّلِبِ ، والقَريبِ والبَعيدِ ، لا يُباعُ مِنهُ شَيءٌ ، ولا يُوهَبُ ولا يُورَثُ ، وإنَّ مالَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله على ناحِيَتِهِ إلى بَنِي فاطِمَةَ ، وكذلِكَ مَالُ فاطِمَةَ إلى بَنِيها » . وذكر باقي الوصيَّة . (9)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب24 ، شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج4 ص405 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص146 .
2- . راجع : الكافي : ج7 ص49 ح7 ، تهذيب الاحكام : ج9 ص146 ح608 ، مسند زيد بن عليّ :ص378 ، دعائم الإسلام : ج2 ص339 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص123 ، بحار الأنوار : ج41 ص40 ؛ السنن الكبرى : ج6 ص161 ، المصنّف لعبد الرزّاق : ج7 ص228 ، الكامل للمبرّد : ج2 ص131 ، وفاء الوفاء : ج4 ص1371 ، كنز العمّال : ج10 ص216 ح1662 .
3- . الكافي : ج7 ص49 ح7 .
4- . تهذيب الأحكام : ج9 ص146 ح608 .
5- . المصنّف لعبد الرزّاق : ج7 ص288 الرقم 13212 و13213 .
6- . هكذا في المصدر، والصحيح : السبع عشرَة .
7- . الكافي : ج7 ص49 ح7 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص146 ح608 ، بحار الأنوار : ج41 ص40 ح19 .
8- . الكافي : ج7 ص51 ح7 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص177 ح714 ، بحار الأنوار : ج42 ص248 ح51 ، معادن الحكمة : ج1 ص367 .
9- . دعائم الإسلام : ج2 ص341 ح1284 ، مستدرك الوسائل : ج14 ص52 ح16086 وراجع : تاريخ مدينة دمشق : ج1 ص225 _ 228 .

ص: 213

. .

ص: 214

. .

ص: 215

. .

ص: 216

. .

ص: 217

. .

ص: 218

. .

ص: 219

178 _ وصيّة له عليه السلام لعسكره بصفّين

178وصيّة له عليه السلام لعسكره بصفِّينسنح بخاطري أن اتبعها بوصيَّته عليه السلام لجُنده : 1 . قال نَصْر : عُمَر بن سَعْد ، وحدَّثني رجلٌ عن عبد اللّه بن جُنْدُب ، عن أبيه ، أنَّ عليَّا عليه السلام كان يأمرنا في كلِّ موطن لقينا معه عدوَّه يقول :« لا تُقاتِلوا القَومَ حَتَّى يَبدَؤوكُم ، فإنَّكم بِحَمدِ اللّه ِ علَى حُجَّةٍ ، وتَركُكُم إيَّاهُم حَتى يبدؤوكُم حُجَّةٌ أُخرى لَكُم عَليهِم ، فإذا قاتَلْتُموهُم فهزمتموهم ، فلا تَقتُلوا مُدبِرَا ، ولا تُجهِزوا على جَريحٍ ، ولا تَكشِفُوا عَورَةً ، ولا تُمثِّلوا بِقَتيلٍ ، فإذا وَصَلْتُم إلى رِحالِ القَومِ فلا تهتُكِوا سِتْرا ، ولا تدخُلُوا دارا إلاَّ بإذني ، ولا تأخذوا شَيئا مِن أموالِهِم إلاَّ ما وجَدتُم في عَسكَرِهِم ، ولا تُهِيجُوا امرأةً بِأذىً ، وإنْ شَتَمنَ أعراضَكُم ، وتَناولْنَ أُمراءَكُم وصُلَحاءَكُم ، فَإنَّهنَّ ضِعافُ القُوى والأنْفُسِ والعُقُولِ ، ولَقد كُنَّا وإنَّا لنُؤمَر بالكَفِّ عَنهُنَّ ، وإنَّهُنَّ لَمُشرِكاتٌ ، وإنْ كانَ الرَّجُلُ لَيتناوَلَ المرأةَ في الجاهِليَّةِ بالهَراوَةِ أو الحَدِيدِ ، فيُعيَّرُ بِها عَقِبُهُ مِن بَعدِهِ » (1) .

.


1- . وقعة صفِّين : ص203 ، بحار الأنوار : ج33 ص461 ح677 وراجع : الكافي : ج5 ص38 ح3 ؛ مروج الذَّهب : ج2 ص371 ، تاريخ الطبري : ج5 ص10 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص370 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص25 .

ص: 220

وعن الحَضْرَمِيّ ، قال : سمعتُ عليَّا عليه السلام حرَّضَ في النَّاس في ثلاثة مواطنَ : في يوم الجمَل ، ويوم صفِّين ، ويوم النَّهْرَوان ، فقال :« عبادَ اللّه ِ ، اتَّقوا اللّه َ عز و جل ، وغُضُّوا الأبصارَ ت ، واخفِضُوا الأصواتَ ، وأقِلُّوا الكَلامَ ، ووطِّنوا أنفسَكُم على المُنازَلَةِ والمُجاوَلَةِ ، والمُبارَزَةِ والمُعانَقَةِ والمُكادَمَةِ ، واثبتوا « وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » (1) ، « وَلاَ تَنَزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّبِرِينَ » (2) ، اللَّهمَّ ألْهِمْهم الصَّبرَ ، وأنزِلْ علَيهِم النَّصرَ ، وأعظِمْ لَهُم الأجرَ . » (3)

[ نصّ السَّيِّد في النَّهج : ] ومن وصيَّة له عليه السلام لعَسْكرِه قبْل لِقاء العدوِّ بصفِّين :« لا تُقاتِلُوهُم حَتَّى يَبْدَؤوكُمْ ، فإنَّكم بِحَمْدِ اللّه ِ على حُجَّةٍ ، وتَرْكُكُم إيَّاهم حتى يَبْدَؤوكُم حُجَّةٌ أُخْرى لَكم علَيهِم ، فإذا كانتِ الهَزِيمَةُ بِإذْن اللّه فلا تَقْتُلوا مُدْبِرا ، ولا تُصِيبُوا مُعْوِرا ، ولا تُجْهِزُوا على جَرِيحٍ ، ولا تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذىً ، وإنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُم ، وسَبَبْنَ أُمراءَكم ، فإنَّهُنَّ ضَعِيفاتُ الْقُوَى والأنْفُسِ والْعُقُول ، إنْ كُنَّا لَنُؤمَر بالكَفِّ عَنْهُنَّ ، وإنَّهُنَّ لَمُشْركاتٌ ، وإنْ كان الرَّجُلُ لَيَتناوَلُ المَرأَةَ في الجَاهِلَيَّةِ بالفَهْر أو الهِرَاوَةِ ، فيُعَيَّرُ بِها وعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ . » (4)

[ نصّ المسعوديّ : ] فقام عليّ رضى الله عنه في النَّاس خطيبا رافعا صوته ، فَقالَ :« أيُّها النَّاسُ ، إذا هَزمتُموهُم فَلا تُجْهِزُوا علَى جَريحٍ ، ولا تَقتُلوا أسِيرا ، ولا تتَّبعوا مُوَلِّيا ، ولا تَطلُبُوا مُدبِرا ، ولا تَكشِفُوا عورَةً ، ولا تُمثِّلوا بِقَتيلٍ ، ولا تَهتِكُوا سترا ، ولا تَقرُبُوا شيئا مِن أموالِهم إلاَّ ما تجِدونَهُ في عَسكَرِهِم مِن سِلاحٍ أو كُرَاعٍ أو عَبْدٍ أو أمَةٍ ، وما سِوى ذلِكَ فَهُو مِيراثُ لِوَرَثَتِهِم على كِتابِ اللّه ِ » . (5)

.


1- . الأنفال : 45 .
2- . الأنفال : 46 .
3- . وقعة صفِّين : ص204 ، وراجع : الكافي : ج5 ص38 ح2 ، الإرشاد : ج1 ص265 ؛ مروج الذهب : ج2 ص371 ، بحار الأنوار : ج32 ص566 ح470 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص11 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص370 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص26 .
4- . نهج البلاغة : الكتاب 14 ، بحار الأنوار : ج33 ص458 ح674 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص104 .
5- . مروج الذَّهب : ج2 ص371 .

ص: 221

وفي فروع الكافي بَابُ ما كان يُوصِي أمير المُؤمِنين عليه السلام به عنْد القِتال : عليُّ بن إِبراهيم ، عن أبيه ، عن بعْض أصحابه ، عن أبي حمْزةَ ، عن عَقِيلٍ الخُزَاعِيِّ ، أنَّ أمير المُؤمنين عليه السلام كان إذا حضَر الحَرْبَ يُوصِي لِلْمُسْلِمِين بِكلماتٍ فيقول :« تَعَاهَدُوا الصَّلاةَ ، وحافِظُوا عليها واسْتَكْثِرُوا منها ، وتَقَرَّبُوا بها فإنَّها كانت على المُؤمِنين كِتَابا مَوْقُوتا ، وقد عَلِم ذلِكَ الكُفَّارُ حِين سُئِلُوا « مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ » (1) ، وقد عَرَف حَقَّها مَن طَرَقَها ، وأُكْرِم بها مِن المُؤمنين الَّذِين لا يَشْغَلُهُمْ عنها زَيْنُ مَتَاعٍ ، ولا قُرَّةُ عَيْنٍ مِنْ مَالٍ ولا وَلدٍ ، يَقُولُ اللّه ُ عز و جل : « رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تَجَرَةٌ وَ لاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقَامِ الصَّلَوةِ » (2) ، وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله مُنْصِبا لِنفْسِه بعد البُشْرَى له بِالجَنَّة من ربِّه ، فقال عليه السلام : « وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَوةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْهَا » (3) . . .الآية ، فكان يأْمُرُ بها أهْلَهُ ، ويُصَبِّرُ عليها نفْسَه . ثُمَّ إنَّ الزَّكاةَ جُعِلَتْ مع الصَّلاة قُرْبَانا لأهْلِ الإسْلامِ على أهْل الإسْلام ، ومَنْ لَمْ يُعْطِهَا طَيِّبَ النَّفْسِ بها يَرْجُو بها من الثَّمَنِ ما هُو أفْضَلُ منها ، فإنَّه جاهِلٌ بِالسُّنَّة ، مَغْبُونُ الأجْرِ ، ضَالُّ العُمُرِ ، طَوِيلُ النَّدَم بِتَرْكِ أمْرِ اللّه ِ عز و جل ، والرَّغْبَةِ عمَّا عَليهِ صَالِحُو عبادِ اللّه ِ ، يَقولُ اللّه ُ عز و جل : « وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى » (4) ، مِن الأمانَةِ فَقَد خَسِر مَنْ لَيْس مِنْ أهْلِها ، وضَلَّ عَمَلُه ، عُرِضَتْ على السَّمَاوَات المَبْنِيَّة ، والأرْضِ المِهَاد ، والجِبَال المَنْصُوبَة ، فلا أطْوَل ولا أعْرَض ، ولا أعْلى ولا أعْظَم ، لَوِ امْتَنَعْنَ مِن طُولٍ أو عَرْضٍ أو عِظَمٍ أو قُوَّةٍ أو عِزَّةٍ امْتَنَعْنَ ، ولكِنْ أشْفَقْنَ من العُقُوبَة . ثُمَّ إنَّ الجِهاد أشْرَفُ الأعْمَال بعد الإسْلام ، وهو قِوَامُ الدِّين ، والأجْرُ فيه عَظِيمٌ مع العِزَّة والمَنَعَة ، وهو الكَرَّةُ فيه الحَسَنَاتُ ، والبُشْرَى بِالْجَنَّة بَعدَ الشَّهَادَةِ ، وبالرِّزْق غَدا عِندَ الرَّبِّ ، والكَرَامَةِ يقول اللّه ُ عز و جل : « وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » (5) الآيَة ، ثُمَّ إنَّ الرُّعْب والخَوْفَ من جِهادِ المُسْتَحِقِّ لِلْجِهادِ ، والمُتَوَازِرِينَ على الضَّلالِ ضَلالٌ في الدِّينِ ، وسَلْبٌ لِلدُّنْيَا مَعَ الذُّلِّ والصَّغَارِ ، وفِيهِ اسْتِيجَابُ النَّارِ بالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ عِنْد حَضْرَةِ القِتَالِ ، يَقولُ اللّه ُ عز و جل : « يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَْدْبَارَ » (6) ، فحَافِظُوا على أمْرِ اللّه ِ عز و جل فِي هذهِ المَوَاطِنِ الَّتي الصَّبْرُ عليْها كَرَمٌ وسَعَادَةٌ ونَجَاةٌ في الدُّنيا والآخِرَةِ ، مِن فَظِيع الهَوْلِ والمَخَافَةِ ، فَإنَّ اللّه َ عز و جل لا يَعْبَأُ بما العِبَادُ مُقْتَرِفُونَ لَيْلَهُم ونَهَارَهُم ، لَطُفَ به عِلْماً ، وَكُلُّ ذَلك في كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي ولا يَنْسى ، فَاصْبِرُوا وصَابِرُوا ، واسْألُوا النَّصْرَ ، ووَطِّنُوا أنْفُسَكم على القِتَال ، واتَّقُوا اللّه َ عز و جل ، « إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّ الَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ » (7) » . (8)

.


1- . المدثر : 42 و43 .
2- . النور : 37 .
3- . طه : 132 .
4- . النساء : 115 .
5- . آل عمران : 169 .
6- . الأنفال : 15 .
7- . النحل : 128 .
8- . الكافي : ج 5 ص 36 ح1 ، بحار الأنوار : ج33 ص446 ح659 وراجع : نهج البلاغة :الخطبة 199 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج10 ص202 .

ص: 222

. .

ص: 223

وفي حديث مالك بن أعْيَنَ ، قال : حَرَّضَ أمير المُؤمِنِين _ صلوات اللّه عليه _ النَّاس بِصِفِّينَ ، فقال :« إنَّ اللّه عز و جل دَلَّكُمْ على تِجارَةٍ تُنْجِيكُم من عذابٍ ألِيمٍ ت ، وتُشْفِي بكُمْ على الخَيْر ، الإيمَانِ بِاللّه ، والجِهَاد في سَبِيل اللّه ، وجَعَلَ ثَوَابَهُ مَغْفِرَةً لِلذَّنْب ، ومَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّات عَدْنٍ ، وقال عز و جل : « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَنٌ مَّرْصُوصٌ » (1) ، فَسَوُّوا صُفُوفَكُمْ كَالْبُنْيَان المَرْصُوص ، فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ ، وأخِّرُوا الحَاسِرَ ، وعَضُّوا على النَّوَاجِذِ ، فإنَّه أنْبَأُ لِلسُّيُوف على الهَامِ ، والتَوُوا على أطْرَاف الرِّمَاح ، فَإنَّهُ أمْوَرُ لِلأسِنَّة ، وغُضُّوا الأبْصَارَ ، فإنَّهُ أرْبَطُ لِلْجَأْش ، وأسْكَنُ لِلْقُلُوبِ ، وأمِيتُوا الأصْوَاتَ ، فإنَّه أطْرَدُ لِلْفَشَل ، وأوْلَى بِالْوَقَار ، ولا تَمِيلُوا بِرَايَاتِكُم ، ولا تُزِيلُوها ، ولا تَجْعَلُوهَا ، إلاّ مع شُجْعَانِكُمْ ، فإنَّ المَانِعَ لِلذِّمَار ، والصَّابِرَ عِندَ نُزُولِ الحَقَائِق ، هُم أهْلُ الحِفَاظ ، ولا تُمَثِّلُوا بِقَتِيلٍ ، وإذا وَصَلْتُمْ إلى رِجَالِ القَوْمِ ، فلا تَهْتِكُوا سِتْرا ، ولا تَدْخُلُوا دَارا ، ولا تَأْخُذُوا شَيْئا مِن أمْوَالِهِم ، إلاّ ما وجَدْتُمْ في عَسْكَرِهِم ، ولا تُهَيِّجُوا امْرَأةً بِأذىً ، وإنْ شَتَمْنَ أعْرَاضَكُمْ ، وسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ وصُلَحَاءَكُمْ ، فإنَّهُنَّ ضِعَافُ القُوَى والأنْفُس والعُقُولِ ، وقد كُنَّا نُؤمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ ، وهُنَّ مُشْرِكَاتٌ ، وإنْ كان الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ المَرْأةَ فَيُعَيَّرُ بها ، وعَقِبُهُ من بعْدهِ . واعْلَمُوا أنَّ أهْلَ الحِفَاظِ ، هُمُ الَّذِين يَحُفُّونَ بِرَايَاتِهِمْ ، ويَكْتَنِفُونَهَا ، ويَصِيرُونَ حِفَافَيْهَا ، ووَرَاءَهَا وأمامَها ، ولا يُضَيِّعُونَها ، لا يَتأخَّرُونَ عنها فَيُسَلِّمُوهَا ، ولا يَتَقَدَّمُونَ عليْها فَيُفْرِدُوهَا . رَحِمَ اللّه ُ امْرَأً وَاسَى أخَاهُ بِنَفْسِه ، ولمْ يَكِلْ قِرْنَهُ إلى أخيه ، فَيَجْتَمِعَ قِرْنُهُ وقِرْنُ أخِيه ، فَيَكْتَسِبَ بِذَلك اللاّئِمَةَ ويَأْتي بِدَنَاءَةٍ ، وكَيْفَ لا يكون كَذَلِك وهو يُقَاتِلُ الاِثْنَيْن ، وهذا مُمْسِكٌ يَدَهُ قد خَلَّى قِرْنَهُ على أخِيه هَارِبا مِنهُ يَنْظُرُ إليهِ ، وهذا فمَن يَفْعَلْهُ يَمْقُتْهُ اللّه ُ ، فلا تَعَرَّضُوا لِمَقْت اللّه عز و جل ، فإنَّما مَمَرُّكُمْ إلى اللّه ، وقد قال اللّه ُ عز و جل : « قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً » (2) ، وايْمُ اللّه ِ ، لَئِنْ فَرَرْتُمْ مِن سُيُوفِ العاجِلَةِ لا تَسْلَمُونَ مِن سُيُوفِ الآجِلَةِ ، فَاسْتَعِينُوا بالصَّبْرِ ، والصِّدْقِ ، فإنَّما يَنْزِلُ النَّصْرُ بَعدَ الصَّبْرِ ، فَجَاهِدُوا في اللّه ِ حَقَّ جِهادِهِ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ بِاللّه » . (3)

.


1- . الصف : 4 .
2- . الأحزاب : 16 .
3- . الكافي : ج5 ص39 ح4 ، وقعة صفِّين : ص235 نحوه ، بحار الأنوار : ج32 ص562 ح468 وراجع : الإرشاد : ج1 ص265 ، نهج البلاغة : الكتاب124 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص16 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص373 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج5 ص187 ، البداية والنهاية : ج7 ص263 .

ص: 224

وقال عليه السلام :« إنِّي قد رأيْتُ جَوْلَتَكُمْ وانْحِيَازَكُمْ عن صُفُوفِكُم ، تَحُوزُكُمُ الجُفَاةُ والطُّغَاةُ وأعْرَابُ أهْلِ الشَّام ، وأنْتُمْ لَهَامِيمُ العَرَب والسَّنَامُ الأعْظَمُ ، وعُمَّارُ اللَّيْل بِتِلاوَة القُرْآن ، دَعْوَةِ أهْلِ الحَقِّ إذْ ضَلَّ الخَاطِئُونَ ، فلَوْلا إقْبَالُكُمْ بعد إدْبَارِكُمْ ، وكَرُّكُمْ بعد انْحِيَازِكُم ، لَوَجب عليْكُم ما يَجِبُ على المُوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ دُبُرَهُ ، وكُنْتُمْ فيما أرَى من الهالِكِينَ ، ولقد هَوَّنَ عليَّ بَعْضَ وَجْدِي ، وشَفَى بَعْضَ حَاجِ صَدْرِي ، إذا رَأيْتُكُمْ حُزْتُمُوهُم كما حَازُوكُم ، فأزَلْتُمُوهُمْ عَن مَصَافِّهِم كما أزَالُوكُمْ ، وأنْتُم تَضْرِبُونَهُم بِالسُّيُوف حَتَّى رَكِبَ أوَّلُهُمْ آخِرَهُمْ كالإبلِ المَطْرُودَةِ الهِيمِ ، الآنَ فاصْبِرُوا نزَلَت عليكُم السَّكِينةُ ، وثَبَّتَكُمُ اللّه ُ باليَقِين ، ولْيَعْلَمِ المُنْهَزِمُ بأنَّهُ مُسْخِطٌ رَبَّه ، ومُوبِقٌ نَفْسَهُ ، إِنَّ في الفِرَار مَوْجِدَةَ اللّه ، والذُّلَّ اللاّزِمَ ، والعَارَ البَاقِيَ ، وفَسَادَ العَيْشِ علَيْه ، وإِنَّ الفَارَّ لَغَيْرُ مَزِيدٍ في عُمُرِه ، ولا مَحْجُوزٍ بيْنَه وبيْن يَوْمه ، ولا يَرْضَى رَبُّه ، ولَمَوْتُ الرَّجُلِ مَحْقا قَبْلَ إِتْيَانِ هَذِه الخِصَالِ خَيْرٌ مِنَ الرِّضَا بالتَّلْبِيسِ بِها ، والإقْرَارِ عَلَيْها » . (1)

.


1- . الكافي : ج5 ص40 ح4 ، وقعة صفِّين : ص256 ، بحار الأنوار : ج32 ص472 ح411 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج5 ص204 كلّها نحوه وراجع : نهج البلاغة : الكتاب107 ، المعيار والموازنة : ص149 .

ص: 225

وفي كلامٍ لَهُ آخَرَ :« وإذا لَقِيتُم هَؤلاءِ القوْم غَدا فلا تُقاتِلُوهُم ، حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ ، فإذا بَدَؤُوا بكُمْ فانْهُدُوا إليْهم . وعليْكم السَّكِينَةَ والوَقَارَ ، وعَضُّوا على الأضْرَاس ، فإنَّه أنْبَأُ لِلسُّيُوفِ عن الهَام ، وغُضُّوا الأبْصَارَ ، ومُدُّوا جِبَاهَ الخُيُول ووُجُوهَ الرِّجَالِ ، وأقِلُّوا الكَلامَ ، فإنَّه أطْرَدُ لِلْفَشَلِ ، وأذْهَبُ بالْوَهَلِ (1) ، ووَطِّنُوا أنْفُسَكُمْ على المُبَارَزَة والمُنَازَلَة والمُجَادَلَة ، واثْبُتُوا ، واذْكُرُوا اللّه َ عز و جل كَثِيرا ، فإنَّ المَانِع لِلذِّمَارِ عند نُزُولِ الحَقَائِقِ ، هُم أهْلُ الحِفَاظِ ، الَّذِين يَحُفُّونَ بِرَايَاتِهِم ، ويَضْرِبُونَ حَافَتَيْهَا وأمامَها ، وإذا حَمَلْتُمْ فَافْعَلُوا فِعْلَ رَجُلٍ وَاحِدٍ . وعليْكم بالتَّحامِي ، فإنَّ الحَرْبَ سِجَالٌ لا يَشُدُّونَ عليْكم كَرَّةً بَعدَ فَرَّةٍ ، ولا حَمْلَةً بعد جَوْلَةٍ ، ومَنْ ألْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَاقْبَلُوا منْه ، واسْتَعِينُوا بالصَّبْر ، فإنَّ بعْد الصَّبْر النَّصْرَ من اللّه عز و جل « إِنَّ الأَْرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » (2) » . (3)

قال نَصْر : حدَّثني رجلٌ عن مالك الجُهَنيّ ، عن زَيْد بن وَهب ، أنَّ عليَّا مرَّ على جماعةٍ من أهل الشَّام بصفِّين فيهم الوليد بن عُقْبَة ، وهم يشتمونه ويقصبونه ، فأخبروه بذلك ، فوقَف في ناس من أصحابه ، فقال :« انْهدوا إليهِم ، وعليْكم السَكينةُ وسيما الصَّالحين ووَقَارُ الإسلامِ ، واللّه ، لأقرَبُ قَومٍ مِنَ الجَهلِ باللّه ِ عز و جل قَومٌ قائِدُهُم ومُؤدِّبهم مُعاوِيَةُ ، وابنُ النَّابِغَةِ ، وأبو الأعْوَرِ السَّلَميِّ ، وابنُ أبي مُعَيطٍ ، شارِبُ الحَرامِ ، والمَجلُودُ حَدَّا في الإسلامِ ، وَهُم أُولاءِ يَقومُونَ فَيقصِبُونَنِي ، ويشتُمونَنِي ، وقَبلَ اليَومِ ما قاتَلُوني وشتَمونِي ، وأنا إذ ذاك أدعُوهُم إلى الإسلامِ ، وهُم يَدعُونَنِي إلى عبادَةِ الأصنامِ ، فالحَمدُ للّه ِ ، ولا إلهَ إلاّ اللّه ُ ، وقَدِيما ما عادَانِي الفاسِقُونَ ، إنَّ هذا هُوَ الخَطبُ الجَلِيلُ . إنَّ فُسّاقا كانُوا عِندَنا غَيرَ مَرضِيينَ ، وعلَى الإسلامِ وأهلِهِ مُتَخَوِّفِينَ ، أصبحوا وقَد خَدَعوا شَطْرَ هذهِ الأُمَّةِ ، فأشرَبُوا قُلوبَهم حُبَّ الفِتنَةِ ، فاستمالُوا أهواءَهُم بالإفْكِ والبُهتان ، وقد نَصَبُوا لَنا الحَرْبَ ، وجَدُّوا في إطفاءِ نُورِ اللّه ِ « وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكَفِرُونَ » (4) . اللَّهمَّ فإنَّهم قَد رَدُّوا الحَقَّ ، فافضُضْ جَمعَهُم ، وشتِّتْ كَلِمَتَهُم ، وأبْسِلْهم بِخَطاياهُم ؛ فَإنَّهُ لا يَذِلّ مَنْ وَاليتَ ، ولا يَعِزُّ مَن عادَيتَ » . (5)

.


1- . الوَهَلُ بالتحريك ، الفَزَعُ . ( لسان العرب ج 11 ص 737 ) .
2- . الأعراف: 128 .
3- . الكافي : ج 5 ص 41 ح4 ، بحار الأنوار : ج32 ص564 ح469 .
4- . الصفّ : 8 .
5- . وقعة صفِّين : ص391 وراجع : الإرشاد : ج1 ص264 ، كتاب سُلَيم بن قيس : ج2 ص811 ، بحار الأنوار : ج32 ص613 ، المعيار والموازنة : ص152 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص45 .

ص: 226

[ هذا بعض ما أورده المحدّثون من كلمات سيِّد المسلمين عليه السلام في هذا المضمار ، وإن أردت الوقوف على أكثر من ذلك فراجع نهج البلاغة (1) ، والمستدرك : كتاب الجهاد ، ونهج السَّعادة (2) ، وعيون الأخبار لابن قُتَيْبَة (3) . وفي محاسن البيهقي نقل وصيَّةً أخرى له عليه السلام ، قال : ويروى أنَّ ابن عبَّاس رحمه الله ، قال : عَقُم النِّساء أنْ يجئنَ بمِثلِ عليِّ بن أبي طالب رضى الله عنه ، ما رأيت مُحْرِبا يُزَنّ به لَرَأيْتَه يومَ صفِّين ، وعلى رأسه عِمامَة بَيْضاء ، وكأنَّ عينيه سراجا سَليطٍ (4) ، وهو يَقِف على شِرْذِمَةٍ بَعدَ شِرْذِمَةٍ مِنَ النَّاسِ ، يَعظِهُم ويَحضُّهُم ويُحَرّضُهُم ، حَتَّى انتهى إليَّ ، وأنَا في كَثفٍ مِنَ النَّاسِ ، فَقالَ : « مَعاشِرَ المُسلِمينَ ، استَشعِروا الخَشْيةَ ، وأكمِلُوا الّلأمَةَ ، وتَجَلْبَبُوا بالسَّكِيْنَةِ ، وغُضُّوا الأصواتَ ، والحَظوا الشَّزرَ ، واطعَنُوا الوَجْرَ ، وصِلُوا السُّيوفَ بالخُطى والرِّماحَ بالنَّبلِ ، فَإنَّكُم بِعَينِ اللّه ِ ، ومَعَ ابنِ عَمِّ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، تُقاتِلُونَ عَدُوَّ اللّه ِ ، عَلَيْكُم بِهذا السَّوادِ الأعظَمِ ، والرَّواقِ المُطَنَّبِ ، فاضرِبُوا ثَبَجَهُ ، فإنَّ الشَّيطان راكِسٌ فِي كَسرِهِ ، مُفْتَرِشٌ ذِراعَيهِ ، قَد قَدَّمَ للوَثبةِ يدا ، وأخَّرَ للنُّكوصِ رِجْلاً ، فَصَمدا صَمْدا حَتَّى يَنجَلِيَ لَكمُ الحَقُّ ، وأنتمُ الأعْلَونَ ، واللّه ُ مَعَكُم ، ولنْ يَتَرِكُم أعْمالَكُم » (5) .

.


1- . نهج البلاغة : الخطبة 11 و24 و64 و105 و121 و122 والكتاب11 و12 و14 و16 .
2- . نهج السعادة : ج2 ص333 و335 و337 و354 .
3- . عيون الأخبار لابن قتيبة : ج1 ص110 .
4- . السّليط ما يُضاء به ، ومن هذا قيل للزيْتِ سليط ( لسان العرب ) .
5- . المحاسن والمساوئ للبيهقي : ص 45 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 42 ص 460 ، كنزالعمّال : ج 11 ص 346 الرقم 31750 وفي كلاهما نحوه مع الزيادة ؛ خصائص الأئمة : ص 75 ، تفسير فرات الكوفي : ص 431 الرقم 569 كلاهمانحوه وراجع : بشارة المصطفى : ص141 ، بحار الأنوار : ج32 ص601 ح476 ؛ عيون الأخبار لابن قتيبة : ج1 ص110 ، بهج الصباغة : ج10 ص170 و171 .

ص: 227

179 _ وصيّته عليه السلام لمخنف بن سليم

179وصيّته عليه السلام لمِخْنَف بن سُلَيْم« أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي سَرَائِرِ أَمْرِهِ ، وخَفِيَّاتِ عَمَلِهِ حَيْثُ لا شَهِيدَ غَيْرُهُ ، ولا وَكِيلَ دُونَهُ . وأَمَرَهُ أَلاَّ يَعْمَلَ بِشَيْءٍ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا ظَهَرَ فَيُخَالِفَ إِلَى غَيْرِهِ فِيمَا أَسَرَّ ، ومَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ سِرُّهُ وعَلانِيَتُهُ وفِعْلُهُ ومَقَالَتُهُ ، فَقَدْ أَدَّى الأَمَانَةَ ، وأَخْلَصَ الْعِبَادَةَ . وأَمَرَهُ أَلا يَجْبَهَهُمْ ، ولا يَعْضَهَهُمْ (1) ، ولا يَرْغَبَ عَنْهُمْ ، تَفَضُّلا بِالإمَارَةِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمُ الإخْوَانُ فِي الدِّينِ ، والأعْوَانُ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ ، وإِنَّ لَكَ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ نَصِيبا مَفْرُوضا ، وحَقّا مَعْلُوما ، وشُرَكَاءَ أَهْلَ مَسْكَنَةٍ ، وضُعَفَاءَ ذَوِي فَاقَةٍ ، وإِنَّا مُوَفُّوكَ حَقَّكَ ، فَوَفِّهِمْ حُقُوقَهُمْ ، وإِلاَّ تَفْعَلْ فَإِنَّكَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاس خُصُوما يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وبُؤسَى لِمَنْ خَصْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ الْفُقَرَاءُ والْمَسَاكِينُ والسَّائِلُونَ والْمَدْفُوعُونَ والْغَارِمُونَ وابْنُ السَّبِيلِ ومَنِ اسْتَهَانَ بِالأمَانَةِ ، ورَتَعَ فِي الْخِيَانَةِ ، ولَمْ يُنَزِّهْ نَفْسَهُ ودِينَهُ عَنْهَا ، فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ الذُّلَّ والْخِزْيَ فِي الدُّنيا ، وهُوَ فِي الآخِرَةِ أَذَلُّ وأَخْزَى ، وإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الأمَّةِ ، وأَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الأئِمَّةِ ، والسَّلامُ » . (2)

.


1- . عَضهَهُ يعضَهُهُ : قال فيه ما لم يكن ( لسان العرب ج 13 ص 515 ) .
2- . نهج البلاغة : الكتاب 26 ، بحار الأنوار : ج33 ص528 ح719 مع اختلاف يسير ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص158 الرقم26 وفيه « شاهد » بدل « شهيد » .

ص: 228

صورة ما نقله النُّعْمَان بن محمّد : قال : أنَّه استعمل عليٌّ عليه السلام مِخْنَفَ بنَ سُلَيْمٍ على صدقات بَكر بن وائل ، وكتب له عهدا كان فيه :« فمَن كانَ مِن أهْلِ طاعَتِنا مِن أهْلِ الجَزيرَةِ ، وفِيما بَينَ الكُوفَةِ وأرْضِ الشَّامِ ، فَادَّعَى أنَّهُ أدَّى صدَقَتَهُ إلى عُمَّالِ الشَّامِ ، وهُوَ في حوزَتِنا مَمنوعٌ قَد حَمَتْهُ خَيلُنا ورِجالُنا ، فلا تُجِز لَهُ ذَلِكَ ، وإن كان الحَقُّ علَى ما زَعَمَ ، فإنَّه ليسَ لَهُ أن يَنزِلَ بِلادَنا ، ويُؤَدِّي صدَقةَ مالِهِ إلى عَدُوِّنا » . (1)

وعن عليّ عليه السلام أنَّه أوصى مِخْنَف بن سُلَيْم الأزْدِيّ ، وقد بعثه على الصَّدقة بوصية طويلة ، أمره فيها بتقوى اللّه ربّه في سرائر أموره وخفيّات أعماله ، وأن يلقاهم ببسط الوجه ، ولين الجانب ، وأمره أن يلزم التَّواضع ، ويجتنب التَّكَبُّر ، فَإنَّ اللّه يرفَع المتواضعين ، ويضع المتكبّرين ، ثُمَّ قال له :« يا مِخْنَفُ بنُ سُلَيْمٍ ، إنَّ لَكَ في هذه الصَّدَقَةِ نَصِيبا وحَقَّا مَفْرُوضا ، ولَكَ فِيها شُرَكاءَ فُقَراءَ ومساكِينَ وغارِمينَ ومجاهدِينَ وأبْنَاءَ سَبيلٍ ، وممْلوكِينَ ومتألَّفينَ . وإنَّا مُوَفُّوكَ حَقَّكَ فَوَفّهِم حُقُوقَهُم ، وإلاَّ فَإنَّكَ مِن أكثرِ النَّاسِ يَومَ القِيامَةِ خُصَماءَ ، وَبُؤسا لامرئٍ أنْ يَكونَ خَصْمُهُ مِثلَ هؤلاء » . (2)

.


1- . دعائم الإسلام : ج1 ص259 ، بحار الأنوار : ج96 ص70 .
2- . دعائم الإسلام : ج1 ص252 ، بحار الأنوار : ج96 ص85 ح7 .

ص: 229

] لمّا انقضت حرب البصرة ورجع أمير المؤمنين عليه السلام إلى الكوفة ، جاء إليه عدّة لم يشهدوا الحرب ، وكانوا يعتذرون ، فنظر عليه السلام إلى مِخْنَف بن سُلَيْم فقال ] :« لكِنَّ مِخْنَفَ بنَ سُلَيْمٍ وقومَهُ لَم يتخلَّفُوا ، ولم يَكُن مَثَلُهُم مَثَلَ القومِ الَّذِين قال اللّه ُ تعالى : « وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَبَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَىَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا * وَلَ_ئِنْ أَصَبَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَ_لَيْتَنِى كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا » (1) » . (2)

أقول : فما ذكره الطَّبريّ وابن الأثير من أن راية الأزْد من أهل الكوفة كانت مع مِخْنَف بن سُلَيْم فقتل ، (3) غير صحيح ، لما تقدَّم ويأتي من أنَّه بقي وشهد في حرب صفِّين . . . (4) . ولمّا كان إغارة النُّعْمَان بن بشير في ألف رجل إلى عين التَّمر ، وفيها مالك بن كَعْب في ألف رجل مسلحة لعليّ ، وكان مالك قد أذن لأصحابه ، فأتوا الكوفة ولم يبق معه إلاَّ مئة رجل ، فلمَّا سمع بالنُّعْمان كتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام يخبره ويستمدّه . . . وكتب مالك إلى مِخْنَف بن سُلَيْم يستعينه ، وهو قريب منه ، واقتتل مالك والنُّعْمَان أشدّ قتال ، فوجّه مِخْنَف ابنه عبد الرَّحمن في خمسين رجلاً ، فانتهوا إلى مالك ، وقد كسروا جفون سيوفهم واستقتلوا ، فلمَّا رآهم أهل الشَّام انهزموا عند المساء وظنّوا أنَّ لهم مددا . (5) وصرَّح الثَّقَفيّ بأنَّ مِخْنَفا كان على الصَّدقة لعليّ عليه السلام . (6) قال نصر : قال عمر عن الحارث بن حصين عن أشياخ من الأزْد : أنَّ مِخْنَف بن سُلَيْم لمّا ندب أزد العِراق إلى قتال أزد الشَّام ، حمد اللّه وأثنى عليه ، ( فقال : الحمد للّه والصَّلاةُ على مُحَمَّدٍ رسولِهِ . . . (7) ) ثُمَّ قال : إنَّ من الخطب الجليل والبلاء العظيم ، أنّا صرفنا إلى قومنا ، وصرفوا إلينا ، فواللّه ، ما هي إلاَّ أيدينا نقطعها بأيدينا ، وما هي إلاَّ أجنحتنا نحذفها بأسيافنا ، فإن نحن لم نفعل لم نناصح صاحبنا ، ولم نواس جماعتنا ، وإن نحن فعلنا فعِزَّنا أبَحنا ، ونارنا أخمدنا . فقال جُنْدُب بن زُهَيْر : واللّه ، لو كنّا آباءهم ولدناهم ، أو كنا أبناءهم ولدونا ، ثُمَّ خرجوا من جماعتنا ، وطعنوا على إمامنا ، وآزروا الظَّالمين والحاكمين بغير الحقّ على أهل مّلتنا وذمّتنا ، ما افترقنا بعد أن اجتمعنا ، حَتَّى يرجعوا عمّا هم عليه ، ويدخلوا فيما ندعوهم إليه ، أو تكثر القتلى بيننا وبينهم . فقال مِخْنَف : أعْزَبَكَ اللّه ُ في التِّيه . أما واللّه ، ما علِمتك صغيرا ولا كبيرا إلاَّ مشؤوما ، واللّه ، ما ميَّلْنا الرَّأي بين أمرين قطُّ ، أيَّهما نأتي ، وأيَّهما ندع ، في الجاهلية ولا بعدما أسلمنا ، إلاَّ اخترت أعسرهما وأنكدهما . اللَّهمَّ فأن نُعافى أحبُّ إلينا من أن نبتلى . فأعط كل رجل منّا ما سألك . . . (8) . [ لمّا وقعت قصّة ابن الحَضْرَمِيّ في البصرة ، ونصر بنو تميم البصرة عبد اللّه بن عامر الحَضْرَمِيّ ، ونصر الأزْد زيادا ، وقاموا دونه ] فقال شَبَث بن رِبْعيّ لعليّ عليه السلام : يا أمير المؤمنين ، ابعث إلى هذا الحيِّ مِن تَميم ، فادعهم إلى طاعتك ولزوم بيعتك ، ولا تسلِّط عليهم أزد عمان البعداء البغضاء ، فإنَّ واحدا من قومك خير لك من عشرة من غيرهم . فقال له مِخْنَف بن سُلَيْم الأزْدِيّ : إنَّ البعيد البغيض من عصى اللّه ، وخالف أمير المؤمنين وهم قومك ، وإنَّ الحبيب القريب من أطاع اللّه ، ونصر أمير المؤمنين وهم قومي ، وأحدهم خير لأمير المؤمنين من عشرة من قومك . فقال أمير المؤمنين عليه السلام : « مَهْ ، تَناهَوا أيُّها النَّاسُ ، ولَيردَعْكُمُ الإسلامُ ، ووَقارُهُ عَنِ التَّباغي والتَّهاذي . . . » . (9) قتل مِخْنَف بن سُلَيْم في عَين الوَردة ، سنة أربع وستين . (10) نَصْر عن مُحَمَّد بن عُبيد اللّه عن الحكم قال : لمّا هرب مِخْنَف بالمال ، قال عليّ عليه السلام : « عَذَرتُ القِردانَ فَما بَالُ الحَلَم ؟ » (11) . (12) وفي معجم رجال الحديث : مِخْنَف بن سُلَيْم ابن خالة عائشة ، عربي كوفي ، عدّه الشَّيخ من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وعدَّه البرقي من خواصّ أصحابِ أمير المؤمنين عليه السلام من اليمن . (13)

.


1- . النساء : 72 _ 73 .
2- . وقعة صفّين :ص8 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص106 .
3- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص521 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص343 .
4- . راجع : تهذيب التهذيب : ج5 ص 375 الرقم7718 ، أُسد الغابة : ج5 ص122 الرقم4804 .
5- . الكامل في التاريخ : ج2 ص425 ، وراجع : تاريخ الطبري : ج5 ص133 ، البداية والنهاية : ج7 ص320 ؛ الغارات : ج2 ص450 .
6- . راجع : الغارات : ج2 ص450 ، دعائم الإسلام : ج1 ص252 .
7- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج5 ص209 .
8- . وقعة صفّين: ص 262 ؛ تاريخ الطبري: ج 5 ص 26 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 5 ص 209 كلاهما نحوه .
9- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص44 ؛ الغارات : ج2 ص394 .
10- . راجع : تهذيب التهذيب : ج5 ص375 الرقم7718 .
11- . القردان _ بالضم _ : جمع قُراد ، والحَلَمُ جنس منه صغار .
12- . وقعة صفّين :ص11 ، قاموس الرجال : ج8 ص458 .
13- . راجع : معجم رجال الحديث : ج18 ص107 الرقم12181 ، رجال الطوسي : ص81 الرقم 808 ، رجال البرقي : ص6 .

ص: 230

. .

ص: 231

. .

ص: 232

شبث بن ربعيٍّ التّميميّ

شَبَثُ بنُ رِبْعِيٍّ التَّمِيمِيّشَبَث بن رِبْعيّ التَّميميّ اليَرْبُوعيّ ، أبو عبد القدّوس الكوفيّ أحد الوجوه المتلوّنة المشبوهة العجيبة في التَّاريخ الإسلاميّ . كانَ مؤذّنا لسَجاح (1) ، ثُمَّ أسلَم (2) ، وله دور في فتنة عثمان (3) . كانَ من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في عصره (4) ، ومن اُمراء جيشه في حرب صفِّين (5) . وأوفده الإمام إلى معاوية ليتحدّث معه (6) . بيد أنّه لحق بالخوارج بعد التَّحكيم ، وصار من اُمراء عسكرهم . (7) ثمّ فارقهم بعد مدّة، وعاد إلى جيش الإمام عليه السلام (8) ، وكان قائد ميسرته في النهروان (9) . كاتب الإمام الحسين عليه السلام بعد هلاك معاوية كسائر الكوفيّين ، ودعاه إلى الكوفة (10) . ثمّ انضمّ إلى جماعة ابن زياد ، وثبّط النَّاس عن مسلم بن عَقِيل عليه السلام (11) . وكان ممّن قاتل مسلما (12) . وكان أحد القادة العسكريّين في جيش يزيد يوم الطَّفّ (13) . وبعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام جدّد بناء مسجده بالكوفة ؛ فرحا بقتل الحسين (14) . وعندما ثار المختار نهض شَبَث أيضا للثأر بدم الحسين عليه السلام (15) . ثمّ اشترك مع مُصْعَب بن الزُّبَيْر ضدّ المختار (16) . مات بالكوفة سنة 80 ه (17) .

.


1- . سجاح : هي امرأة ادّعت النبوّة ( المعارف لابن قتيبة : ص405 ) .
2- . تهذيب الكمال : ج 12 ص352 الرقم2686 ، تهذيب التهذيب : ج 2 ص473 الرقم3197 ، تاريخ الطبري : ج3 ص274 .
3- . تاريخ الطبري : ج4 ص483 ، تهذيب التهذيب : ج 2 ص473 الرقم3197 .
4- . تهذيب التهذيب : ج 2 ص473 الرقم3197 ؛ رجال الطوسي : ص68 الرقم620 .
5- . وقعة صفّين : ص205 ؛ تاريخ خليفة بن خيّاط : ص147 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص541 ، الأخبار الطوال : ص172 .
6- . وقعة صفّين : ص198 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص5 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص367 .
7- . تاريخ الطبري : ج5 ص63 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص144 ، تهذيب التهذيب : ج 2 ص473 الرقم3197 ، مروج الذهب : ج2 ص405 .
8- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 150 الرقم51 ، تهذيب التهذيب : ج2 ص473 الرقم3197 ، ميزان الاعتدال : ج2 ص261 الرقم3654 .
9- . تاريخ الطبري : ج5 ص85 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص405 ، الأخبار الطوال : ص210 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص169 .
10- . تاريخ الطبري : ج5 ص353 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص534 ، الأخبار الطوال :ص 229 .
11- . الإرشاد : ج2 ص52 و53 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص369 ، الأخبار الطوال : ص239 .
12- . تاريخ الطبري : ج5 ص381 .
13- . الإرشاد : ج2 ص95 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج4 ص98 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص422 ، تهذيب التهذيب : ج 2 ص473 الرقم3197 .
14- . الكافي : ج 3 ص490 ح2 ، تهذيب الأحكام : ج 3 ص250 ح687 .
15- . تقريب التهذيب : ج263 ص2735 .
16- . الأخبار الطوال : ص301 ، تقريب التهذيب : ج263 ص2735 ، تاريخ الطبري : ج6 ص44 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص666 .
17- . تقريب التهذيب : ج263 ص2735 .

ص: 233

. .

ص: 234

180 _ وصيّته عليه السلام لمعقل بن قيس

180وصيَّته عليه السلام لمَعْقِل بن قَيْسمن وصيَّة له عليه السلام وصّى بها مَعْقِل بن قَيْس الرِّياحيّ حين أنفذه إلى الشَّام في ثلاثة آلاف مقدّمة له :« اتَّقِ اللَّه الَّذي لا بُدَّ لكَ مِنْ لِقَائِه ، ولا مُنْتَهَى لك دُونَهُ ، ولا تُقَاتِلَنَّ إلاَّ مَنْ قَاتَلك ، وسِرِ الْبَرْدَيْنِ ، وغَوِّرْ بالنَّاس ، ورَفِّهْ في السَيْر ، ولا تَسِرْ أَوَّل اللَّيْل ، فإِنَّ اللّه جَعَلَهُ سَكَنا وقَدَّرَهُ مُقاما لا ظَعْنا ، فَأَرِحْ فيه بدنَك ، ورَوِّحْ ظَهْرَك فإِذَا وَقَفْتَ حِينَ يَنْبَطِحُ السَحَرُ أو حِينَ يَنْفَجِرُ الْفَجْرُ فَسِرْ علَى بَرَكَةِ اللّه ِ ، فَإِذَا لَقِيتَ العَدُو فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطا ، ولا تَدْنُ مِنَ الْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ الْحَرْبَ ، ولا تَبَاعَدْ عَنهُم تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ الْبَأْسَ حَتَّى يَأْتِيَك أَمْرِي ، ولا يَحْمِلَنَّكُم شَنآنُهُمْ ( سبابهم ) علَى قِتَالهم قَبْلَ دُعَائِهِمْ ، والإِعْذَارِ إِليهم » . (1)

[ أقول : قال العلاّمة الآملي في الشَّرح : وصيَّته عليه السلام لمَعْقِل على نسخة نصر ، لا تتجاوز عن قوله : « حِينَ يَنبَطِحُ الفَجرُ فَسِرْ » (2) ، كما قلناها عنه ، وذيلها كان من وصيَّته عليه السلام لمالك الأشْتَر ، وقد رواها نصر أيضا في صفِّين . (3) فاتّضحَ أنَّ هذه الوصيّة مُلَفّقة مِن وصيّيتينِ ، صدرُها من وصِيَّتِهِ عليه السلام لِمَعْقِل ، وذَيلُها لمالِك ، والشَّريفُ الرَّضيُّ مال إلى أنَّها وصيّة واحِدَةٌ ، قالها لِمَعْقِل ، وقد علمت ما فيه . على أنّ إسقاط بعض عباراته عليه السلام ، وتلفيقَ بَعضٍ آخرَ إلى خطبة أو كتاب غير عزيز في النَّهج ، وقد دريت أنَّه من عادَةِ الرَّضي رحمه الله ؛ لأنَّ ما كان يهمَّه التقاط الفصيح من كلامه عليه السلام . اللَّهمَّ إلاَّ أن يقال : أنَّه ظفر برواية أخرى لا توافق ما في تاريخ أبي جَعْفَر الطبريّ ، وما في صفِّين لنصر ، وعدَّ فيها جَمِيعَ هذه الوصيّة وصيَّة واحِدَةً لِمَعْقِل ، ولم نظفر بها . والَّذي يُسهِّلُ الخَطبَ أن يقال : أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب مضمونا واحدا ودستورا ، فأرسلَهُ إلى أكثر من واحد من أُمراء جيشه ، فإنَّ ما يجب أن ينتبه إليه أحدهم من شؤون الحرب يجب أن ينتبه إليه الآخرُ أيضا ، غاية الأمر ، إنَّ نصرا لم ينقل وصيَّته عليه السلام لمَعْقِل كاملة ، وذلك لأنَّ ظاهر كلام الشَّريف الرَّضي رحمه اللهيأبى أن يقال : إنَّ هذه الوصيَّة ملفّقة من وصيّيتين ، وهو رحمه الله أجلّ شأنا من أن يسند وصيته عليه السلام لمالك ، إلى أنّها وصيَّته لمَعْقِل والمواضع الَّتي أسقط منها بعضُ كلامه عليه السلام ، ولفق بعضُهُ الآخر يغاير المقام ، فَتَأمَّل ] .

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب12 ، وقعة صفِّين : ص148 ، شرح نهج البلاغة للبحراني : ج4 ص379 ، بحار الأنوار : ج32 ص428 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص208 كلّها نحوه .
2- . وقعة صفِّين : ص149 .
3- . وقعة صفِّين : ص153 .

ص: 235

181 _ وصيّة له عليه السلام إلى الإمام الحسن عليه السلام

181وصيّة له عليه السلام إلى الإمام الحسن عليه السلاممصنّف كتاب معادن الحكمة رحمه الله وصيَّة أمير المؤمنين عليه السلام عند موته ، عن السيّد رحمه اللهفي نهج البلاغة ، وعن الكافي ، وتهذيب الأحكام ، وتوجد في الفقى ، وروضة الواعظين وغيرها (1) ؛ ولكن نقل في البحار عن مجالس المفيد رحمه الله ، وأمالي الشَّيخ رحمه اللهالوصيَّة بلفظ آخر ، أحببنا نقله هنا لتتميم الفائدة : ] « هذا ما أوصى بهِ عليُّ بن أبي طالبٍ أخو مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللّه ِ ، وابنُ عَمِّهِ ، ووصِيُّهُ ، وصاحِبُهُ ، وأوَّلُ وصيَّتي أنِّي أشهَدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللّه ُ ، وأنَّ محمَّدا رسولُهُ وخِيَرَتُهُ ، اختارَهُ بِعلمِهِ ، وارتضاهُ لِخِيرَتِهِ ، وأنَّ اللّه َ باعِثٌ مَن في القُبورِ ، وسائِلٌ النَّاسَ عَن أعمالِهِم ، وعالِم بِما في الصُّدُورِ ، ثُمَّ إنِّي أُوصيك يا حَسَنُ _ وكفى بِكَ وصِيَّا _ بِما أوصاني بهِ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فإذا كانَ ذلِكَ يا بُنَيَّ فالزَم بَيتَكَ ، وابْكِ على خَطِيئَتِكَ ، ولا تَكُنِ الدُّنيا أكبرَ هَمِّكَ . وأُوصِيكَ يا بُنَيّ بالصَّلاةِ عِندَ وقتِها ، والزَّكاةِ في أهْلِها عِندَ مَحَلِّها ، والصَّمتِ عِندَ الشُّبهَةِ ، والاقتصادِ في العَمَلِ ، والعَدلِ في الرِّضا والغَضَبِ ، وحُسْنِ الجِوارِ ، وإكرامِ الضَّيفِ ، ورَحْمَةِ المَجهُودِ وأصحابِ البلاءِ ، وصِلَةِ الرَّحِمِ ، وحُبِّ المساكِينَ ومُجالَسَتِهِم والتَّواضُعِ ، فَإنَّهُ مِن أفضَلِ العِبَادَةِ ، وقُصْرِ الأمَلِ ، وذِكْرِ المَوتِ ، والزُّهْدِ في الدُّنيا ، فَإنَّكَ رَهْن مَوتٍ ، وغَرضُ بَلاءٍ ، وطَرِيحُ سُقمٍ . وأُوصِيكَ بِخَشيَةِ اللّه ِ في سِرِّ أمرِكَ وعَلانِيَتِهِ ، وأنهاكَ عَنِ التَّسرُّعِ بالقَولِ والفِعلِ ، وإذا عَرَضَ شيءٌ مِن أمرِ الآخِرَةِ فابدأ بهِ ، وإذا عَرضَ شيءٌ مِن أمرِ الدُّنيا فَتَأنَّهُ تُصِيبُ رُشدَكَ فِيه ، وإيَّاكَ ومَواطِنَ التُّهمَةِ والمَجلِسَ المَظنُونِ بهِ السُّوءَ ، فإنَّ قَرينُ السُّوءِ يُغيِّرُ جَلِيسَهُ ، وكُن للّه ِ يا بُنَيَّ عامِلاً ، وعَنِ الخَنَى (2) زَجُورا ، وبالمَعرُوفِ آمِرا ، وعَنِ المُنكَرِ نَاهِيا ، وواخِ الإخوانَ في اللّه ِ ، وأحِبَّ الصَّالِحَ لِصَلاحِهِ ، ودارِ الفاسِقَ عَن دِينِكَ ، وأبغِضْهُ بِقَلبِكَ ، وزايِلهُ بِأعْمالِكَ لِئلاَّ تَكونَ مِثلَهُ . وإيَّاك والجُلوسَ في الطُّرقاتِ ، ودَعِ المُماراةَ ومُجاراةَ مَن لا عَقلَ لَهُ ولا عِلمَ ، واقْتَصِدْ يا بُنَيَّ في مَعيشَتِكَ ، واقْتَصِد في عبادَتِكَ ، وعليك فيها بالأمرِ الدَّائِمِ الَّذي تُطِيقُهُ ، وألزمَ الصَّمْتَ تَسلَمْ ، وقَدِّمْ لِنَفسِكَ تَغنَم ، وتَعَلَّمِ الخَيرَ تَعلَمْ ، وكُنْ للّه ِ ذاكرا علَى كلِّ حالٍ ، وارْحَمْ مِن أهلِكَ الصَّغيرَ ، ووَقِّرْ مِنهُم الكبيرَ ، ولا تأكُلَنَّ طَعاما حَتَّى تَصَدَّق مِنهُ قَبلَ أكلِهِ . وَعليْكَ بالصَّوم فَإنَّهُ زكَاةُ البَدَنِ وَجُنَّةٌ لأهلِهِ ، وجاهِد نَفسَكَ ، واحذَر جَلِيسَكَ ، واجتَنِبْ عَدُوَّكَ ، وعلَيكَ بِمَجالِسِ الذِّكرِ ، وأكثِر مِنَ الدُّعاءِ ، فإنِّي لَم آلِكَ يا بُنَيَّ نُصْحا ، وهذا فِراقٌ بَينِي وبيْنَكَ . وأُوصِيكَ بأخِيكَ مُحَمَّدٍ خَيرا ، فإنَّه شَقِيقُكَ وابنُ أبِيكَ ، وقد تعلَمُ حُبِّي لَهُ . وَأمَّا أخوكَ الحُسينُ ، فهو ابنُ أُمِّكَ ، ولا أزيدُ الوُصاةَ بِذلِكَ ، واللّه ُ الخَلِيفَةُ علَيكُم ، وإيَّاهُ أسألُ أن يُصلِحَكُم ، وأن يَكُفَّ الطُغاةَ البُغاةَ عَنكُم ، والصَّبرَ الصَّبرَ حَتَّى يَتولَّى اللّه ُ الأَمرَ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ العَلِيِّ العَظِيمِ » (3) . [ ونقل في البحار عن العدد القويَّة وصيَّة لأمير المؤمنين عليه السلام إلى ولده الحسن عليه السلام تشبه الملاحم . ] « كَيْفَ وأنَّى بِكَ يا بُنَيَّ إذا صِرْتَ في قَوْمٍ ، صَبِيُّهم غاوٍ ، وشابُّهُم فاتِكٌ ، وشَيْخُهُم لا يأمُرُ بِمَعروفٍ ، وَلا يَنْهى عن مُنْكَرٍ ، وعالِمُهُم خَبٌّ مَوَّاهٌ مُسْتَحوِذٌ علَيهِ هَواهُ (4) ، مُتَمَسِّكٌ بعاجِلِ دُنْياهُ ، أشَدُّهُم عليْكَ إقْبالاً يَرصُدُكَ بالغَوائِلِ (5) . ويَطْلُبُ الحِيْلَةَ بالتَمنّي ، ويَطْلُب الدُّنيا بالاجتهادِ . خَوْفُهُم آجِلٌ ، ورَجاؤهُم عاجِلٌ ، لا يَهابُون إلاَّ مَن يَخافُونَ لِسانَهُ ، ويَرجُون نَوالَهُ ، دِينُهم الرِّباء ، كُلُّ حقٍّ عِندَهُم مَهْجورٌ ، ويُحِبُّون مَن غَشَّهُم ، ويَمُلُّون مَن داهَنَهم ، قلوبُهم خاوِيَةٌ . لا يَسمعون دُعاءً ، ولا يُجيبُون سائِلاً . قد اسْتَوْلَت عليهم سَكْرَةُ الغَفْلَةِ ، إن تَركْتَهم لا يَترُكُون ، وإن تابَعْتَهم اغْتالُوك ، إخوانُ الظَّاهِرِ ، وأعداءُ السِّرِ ، يَتَصاحَبُونَ على غَيرِ تَقوى ، فإذا افتَرَقُوا ذَمَّ بَعضُهُم بعضْا . تموتُ فيْهم السُّنَنُ ، وتَحْيى فِيهِمُ البِدَعُ ، فأحْمَقُ النَّاسِ مَن أسِفَ على فَقْدِهِم ، أو سُرَّ بكَثرَتِهِم . فَكُنْ يا بُنَيَّ ، عِندَ ذلِكَ كابنِ اللَّبُونِ (6) لا ظَهْرَ فيُركَب ، ولا وَبَر فيُسْلَب ، ولا ضَرْعَ فيُحْلَب ، فما طِلابُك (7) لِقَومٍ إن كُنتَ عالِما أعابُوكَ ، وإن كنتَ جاهِلاً لم يُرْشِدُوكَ ، وإن طلبْتَ العِلمَ قالوا : متَكلِّف متَعَمِّقٌ ، وإن تركتَ طلَبَ العِلمِ قالوا : عاجِزٌ غَبِيٌّ ، وإن تحقَّقْت لِعبَادَةِ ربِّك قالوا : متصنِّع مُراءٍ . وإن لزِمْتَ الصَّمْتَ قالوا : ألكَنٌ ، وإن نطقْت قالوا : مِهذارٌ ، وإن أنفقْتَ قالوا : مُسْرِفٌ ، وإن اقتصدْت قالوا : بخيلٌ ، وإن احْتَجْت إلى ما في أيديهم صارَمُوك وذَمُّوك ، وإن لم تعْتَدّ بِهِم كَفَّرُوك ، فَهذهِ صِفَةُ أهلِ زَمانِكَ ، فأصْغاك مَن فَرَغَ مِن جَوْرِهِم ، وأمِنَ مِنَ الطمَع فِيهِم ، فَهو مُقْبِلٌ على شأنِهِ ، مُدارٍ لأهْلِ زمانِهِ . ومنِ صِفَةِ العالِمِ ألاّ يَعِظَ إلاَّ مَن يَقْبَلُ عِظَتَهُ ، ولا ينْصَحُ مُعْجَبا برَأيْهِ ، ولا يُخْبِرُ بما يَخافُ إذاعَتَهُ ، ولا تُوْدِع سِرَّك إلاَّ عِندَ كُلِّ ثِقَةٍ ، ولا تَلْفِظ إلاَّ بما يَتَعارَفونَ (8) بهِ النَّاسُ ، ولا تُخالِطهم إلاَّ بما يَعقِلونَهُ ، فاحذَر كُلَّ الحَذَرِ ، وكُن فَرْدا وحيْدا . واعلَم أنّ مَن نَظَرَ في عَيبِ نفْسِهِ شُغِلَ عَن عَيبِ غَيرهِ ، ومَن كابَد الأُمورَ عَطِبَ ، ومَن اقْتَحَم اللُّجَجَ غَرِق ، ومَن أُعْجِبَ برأيهِ ضَلَّ ، ومَن استَغْنى بِعقْلِهِ زَلَّ ، ومَن تَكبَّرَ على النَّاسِ ذَلَّ ، ومَن مزَحَ اسْتُخِفَّ بهِ ، ومَن كَثَّرَ مِن شيء عُرِفَ بهِ ، ومَن كَثُرَ كلامُه كَثُرَ خَطؤهُ ، ومَن كَثُرُ خَطؤهُ قلَّ حَياؤهُ ، ومَن قلَّ حَياؤهُ قلَّ ورَعُهُ ، ومَن قلَّ ورَعُهُ قلَّ دِينُهُ ، ومَن قلَّ دينُه ماتَ قلبُهُ ، ومَن ماتَ قلبُه دَخَلَ النَّارَ » . (9)

.


1- . الكافي : ج7 ص51 ح 7 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص177 ، نهج البلاغة : الكتاب47 ، روضة الواعظين : ص152 ، بحار الأنوار : ج42 ص256 ح78 ؛ مقاتل الطالبيين : ص52 .
2- . الخنى : الفحش في القول .
3- . الأمالي للمفيد : ص221 _ 223 ح 1 ، الأمالي للطوسي : ص7 ح8 ، كشف الغمَّة : ج2 ص161 _ 163 ، بحار الأنوار : ج42 ص202 .
4- . الخب : الخداع . وموه الخبر : زوره عليه وزخرفه ولبسه ، أو بلغه خلاف ما هو .
5- . الغوائل : جمع غائلة ، وهي الشَّر ، والحنق ، والداهية .
6- . اللبون _ كصبور _ : الناقة والشَّاة ذات اللبن غزيرا كان أم لا ، والجمع لبن : _ بضم اللام وسكون الباء وقد تُضم الباء للاتباع _ وابن اللبون ولد الناقة استكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة ، والانثى بنت لبون ، سمي بذلك لأن اُمه ولدت غيره فصار لها لبن ، وجمع الذكور كالاناث بنات لبون ، والضرع _ للحيوانات ذات الظلف أو الخف كالثدي للمرأة _ معروف .
7- . الطِلاب _ على زنة ضراب _ مصدر لقولهم : طالبه مطالبة ، أي طلب منه حقا له عليه .
8- . كذا في المصدر ، والصحيح: « بما يَتعارف » .
9- . العدد القويّة : ص357 _ 359 ح22 ، بحار الأنوار : ج77 ص234 ح3 وراجع : نهج البلاغة : الحكمة 349 .

ص: 236

. .

ص: 237

. .

ص: 238

. .

ص: 239

[ روى الشيخ في أماليه باسناده ] قال أوصى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى الحسن بن عليّ عليه السلام ، فقال : فيما أوصى به إليه :« يا بُنَيَّ ، لا فَقرَ أشدُّ مِنَ الجَهلِ ، ولا عُدمَ أعدَمُ مِنَ العَقلِ ، ولا وَحدَةَ أوحشُ مِنَ العُجبِ ، ولا حَسَبَ كَحُسْن الخُلُقِ ، ولا وَرَعَ كالكَفِّ عَن محارِمِ اللّه ِ ، ولا عِبادَةَ كالتَفكُّرِ في صَنْعَةِ اللّه عز و جل . يا بُنَيَّ ، العقلُ خليلُ المَرء ، والحِلم وزيرُه ، والرِفقُ والدُه ، والصَّبرُ من خَيرِ جُنودِهِ . يا بُنَيَّ ، إنَّه لا بُدَّ للعاقِلِ من أنْ ينْظُرَ في شأنِهِ ، فَلْيَحفَظ لِسانَهُ ، ولْيَعْرِفْ أهْلَ زمانِهِ . يا بُنَيَّ ، إنَّ مِنَ البَلاءِ الفاقَةُ ، وأشَدُّ من ذلِكَ مَرَضُ البَدَنِ ، وأشَدُّ من ذلِكَ مَرَضُ القَلبِ ، وإنَّ مِنَ النِّعَمِ سِعَةُ المالِ ، وأفضَلُ مِن ذلِكَ صِحَّةُ البَدَنِ ، وأفضَلُ مِن ذلِكَ تَقوى القُلوبِ . يا بُنَيَّ ، للمُؤمن ثَلاثُ ساعاتٍ : ساعَةٌ يُناجي فيها ربَّهُ ، وساعَةٌ يُحاسِبُ فيها نَفسَهُ ، وساعَةٌ يَخلُو فيها بَين نفسِهِ ولَذَّتِها فيما يَحِلُّ ويَجمُلُ ؛ وليسَ للمُؤمن بُدٌّ مِن أنْ يَكونَ شاخِصا في ثَلاثٍ : مَرَمَّةٍ لِمَعاشٍ ، أو خُطوَةٍ لِمَعادٍ ، أو لَذَّة في غَيرِ مُحَرَّمٍ » . (1)

.


1- . الأمالي للطوسي : ص146 ح240 ، كشف الغمّة : ج2 ص10 نحوه ، بحار الأنوار : ج88 ح13 .

ص: 240

[ وروى في البحار ] وصيَّة له عليه السلام إلى السِّبط الأكبر الإمام الحسن المجتبى عليه السلام :« يا بُنَيَّ ، إذا نزَل بِكَ كَلَبُ الزَّمانِ (1) وقَحْطُ الدَّهْرِ ، فعلَيكَ بِذَوي الأُصُولِ الثَّابِتَةِ ، والفُروعِ النَّابِتَةِ ، مِن أهْلِ الرَّحْمَةِ والإيثارِ والشَّفَقَةِ ، فإنَّهم أقضى للحاجاتِ ، وأمضى لِدَفعِ المُلِمَّاتِ . وإيَّاكَ وطلَبَ الفَضلِ ، واكتِسابَ الطَّساسِيجِ (2) والقَرارِيط (3) ، من ذَوي الأكُفِّ اليابِسَةِ ، والوُجُوهِ العابِسَةِ ، فإنَّهم إن أعْطَوْا مَنُّوا ، وإن مَنَعُوا كَدُّوا (4) . ثُمَّ أنْشأ يقولُ : واسْأَلِ العُرْفَ إن سألْتَ كَرِيمالَم يَزَلْ يَعرِفُ الغِنى واليَسارا فَسُؤالُ الكَرِيمِ يُورِثُ عِزَّاوسُؤَالُ اللَّئيمِ يُورِثُ عارَا وإذا لَمْ تَجِدْ مِنَ الذُلِّ بُدَّافالْقَ بالذُلِّ إن لَقِيتَ الكِبارا لَيسَ إجْلالُك الكَبِيرَ بِعارٍإنَّما العارُ أنْ تُجِلَّ الصِّغارا » . (5)

.


1- . كلْب الزَّمان : شدته ( الصحاح ) .
2- . الطساسيج : جمع طسّوج ، وهو جزء من أجزاء الدانق العملة المعروفة . ( الصحاح _ طسج _ ) .
3- . القراريط : جمع القيراط ، وهو نصف دانق . وعند اليونايين القيراط : حبة خرنوب ونصف دانق . والدرهم عندهم اثنتا عشرة حبة . وقيل : القيراط بمكة : ربع سدس دينار . وفي العراق نصف عشره . وأهل الشَّام يجعلونه جزءا من أربعة وعشرين . وأصل القيراط : قراط _ بالتشديد _ فأبدل احد حرفي تضعيفه ياءً كما ابدلوا في دينار ، ولذلك يجمع على قراريط ، كما يجمع الدينار على دنانير .
4- . أكديتُ الرجُلَ عن الشّيء رددتهُ عنه .
5- . أعلام الدين : ص274 ، بحار الأنوار : ج96 ص159 ح38 .

ص: 241

182 _ وصيّة له عليه السلام إلى الإمام الحسين عليه السلام

182وصيّة له عليه السلام إلى الإمام الحسين عليه السلام[ نقل ابن أبي شُعْبَة في تحف العقول : ] وصيَّته لابنه الحسين عليه السلام ، وهي :« يا بُنَيَّ ، أُوصِيكَ بِتقوى اللّه ِ فِي الغِنى والفَقْرِ ، وكَلِمَةِ الحَقِّ في الرِضا والغَضَبِ ، والقَصْدِ في الغِنى والفَقْرِ ، وبالعَدلِ علَى الصَّدِيقِ والعَدُوِّ ، وبالعَمَلِ في النَّشاطِ والكَسَلِ ، والرِّضا عَنِ اللّه ِ في الشِدَّةِ والرَّخاءِ . أيْ بُنَيَّ ، ما شَرُّ بعدَه الجَنَّةُ بِشَرٍّ ، ولا خَيْرٌ بعدَه النَّارُ بخَيرٍ ، وكلُّ نَعيمٍ دُونَ الجَنَّةِ مَحْقورٌ ، وكُلُّ بَلاءٍ دونَ النَّارِ عافِيَةٌ . واعلَمْ أيْ بُنَيَّ ، أنَّه مَن أبْصَرَ عَيبَ نفسِهِ شُغِلَ عَن عَيبِ غَيرهِ ، ومَن تَعَرَّى من لِباسِ التَّقوى لَم يَسْتَتِر بِشَيءٍ مِنَ اللِّباسِ ، ومَن رَضِيَ بِقِسَمِ اللّه ِ لَمْ يَحْزَن على ما فاتَهُ ، ومَن سَلَّ سَيْفَ البَغي قُتِل به ، ومَن حفَر بئرا لأخِيهِ وقَعَ فيها ، ومَن هتَكَ حِجابَ غَيرِهِ انكشَفَتْ عَوْراتُ بيتِهِ ، ومَن نَسِيَ خَطيئَتَهُ اسْتَعْظَمَ خَطيئَةَ غيرِهِ ، ومَن كابَدَ الأمُورَ عَطَبَ ، ومَن اقتَحَمَ الغَمَراتِ غَرِق ، ومَن أُعْجِبَ برأيه ضَلَّ ، ومَن استغْنى بِعقلِهِ زلَّ ، ومَن تَكبَّر على النَّاس ذَلَّ ، ومَن خالَطَ العُلماءَ وُقِّرَ ، ومَن خالَطَ الأنْذالَ حُقِّرَ ، ومَن سَفِهَ على النَّاسِ شُتِمَ ، ومَن دخَلَ مَداخِلَ السَوْء اتُّهِمَ ، ومَن مزَح اسْتُخِفَّ بِهِ ، ومَن أكثَر مِن شيءٍ عُرِف بهِ ، ومَن كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ خَطؤهُ ، ومَن كَثُرَ خَطؤهُ قلَّ حياؤُه ، ومَن قلَّ حياؤُه قلَّ وَرَعُهُ ، ومَن قلَّ وَرعُهُ ماتَ قَلبُه ، ومَن ماتَ قلبُهُ دَخَلَ النَّارَ . أيْ بُنَيَّ ، مَن نظَر في عيوب النَّاس ورضِيَ لِنفْسِهِ بها فَذاكَ الأحمَقُ بعَيْنِهِ ، ومَن تفكَّر اعتَبَر ، ومَن اعتبَر اعتزَلَ ، ومَن اعتزَل سَلِمَ ، ومَن تَركَ الشَّهواتِ كانَ حُرَّا ، ومَن تَرَكَ الحَسَدَ كانَت لَهُ المَحَبَّةُ عِندَ النَّاسِ . أيْ بُنَيَّ ، عِزُّ المُؤمِنِ غِناهُ عَنِ النَّاسِ ، والقَناعة مالٌ لا يَنْفَدُ ، ومَن أكثرَ ذِكْرَ المَوتِ رضِيَ مِنَ الدُّنيا باليَسيرِ ، ومَن عَلِمَ أنَّ كلامَهُ مِن عَملِهِ قلَّ كلامُه إلاّ فيما يَنفَعُهُ . أيْ بُنَيَّ ، العَجَبُ مِمَّن يَخافُ العقابَ فلَم يَكُفَّ ، ورَجا الثَّوابَ فَلم يَتُبْ ويَعمَلْ . أيْ بُنَيَّ ، الفِكرةُ تُورِث نورا ، والغَفلَةُ ظُلمةٌ ، والجهالةُ ضلالةٌ ، والسَّعيد مَن وُعِظَ بِغَيرهِ ، والأدبُ خَيرُ مِيراثٍ ، وحُسْنُ الخُلُقِ خَيرُ قَرينٍ ، ليسَ مَعَ قطيعَةٍ نَماءٌ ، ولا مَعَ الفُجورِ غِنىً . أيْ بُنَيَّ ، العافية عَشَرةُ أجزاء : تِسعةٌ مِنها فِي الصَّمتِ ، إلاّ بِذكْرِ اللّه ِ ، وواحِدٌ في تَركِ مُجالَسَةِ السُّفهاءِ . أيْ بُنَيَّ ، مَن تَزَيَّا بِمعاصي اللّه ِ فِي المَجالِسِ أورَثَه اللّه ُ ذُلاًّ ، ومَن طلَب العِلمَ عَلِمَ . يا بُنَيَّ ، رأسُ العِلمِ الرِّفقُ ، وآفتُهُ الخُرْقُ (1) ، ومِن كُنوزِ الإيمانِ الصَّبرُ على المصائِبِ ، والعَفافُ زِينَةُ الفَقرِ ، والشُّكرُ زِينَةُ الغِنى ، كَثرةُ الزِّيارَة تُورِثُ المَلالَةَ ، والطَّمأنِينَةُ قَبْلَ الخُبْرةِ ضِدُّ الحَزْمِ ، وإعجابُ المَرءِ بِنَفسهِ يَدُلُّ على ضَعْفِ عَقلِهِ . أيْ بُنَيَّ ، كمْ نَظْرَةٍ جَلَبت حَسْرةً ، وكم مِن كَلِمَةٍ سَلَبتْ نِعْمةً . أيْ بُنَيَّ ، لا شرَف أعلَى مِنَ الإسلامِ ، ولا كَرَمَ أعزُّ مِنَ التَّقوى ، ولا مَعقِلَ أحْرَزُ مِنَ الوَرَعِ ، ولا شَفِيعَ أنجَحُ من التَّوبَةِ ، ولا لِباسَ أجمَلُ مِنَ العافِيَةِ ، ولا مالَ أذهَبُ بالفَاقَةِ مِنَ الرِّضا بالقُوتِ ، ومَنِ اقتَصَر على بُلْغَةِ الكَفاف تعَجَّل الرَّاحَةَ وتبَوَّأ خَفْضَ الدَّعَةِ . أيْ بُنَيَّ ، الحِرصُ مِفتاحُ التَّعَبِ ، ومَطيَّةُ النَّصَبِ ، وداعٍ إلى التَقَحُّم في الذُّنوبِ والشَّرَهُ جامِعٌ لمساوِئ العُيوبِ ، وكَفاكَ تأديبا لِنفسِكَ ما كَرِهتَه مِن غَيرِكَ ، لِأخِيكَ علَيكَ مِثلُ الَّذي لَكَ عَليهِ ، ومَن تورَّطَ في الأُمورِ بِغَيرِ نَظَرٍ في العواقِبِ فَقد تَعَرَّضَ للنوائِبِ ، التَّدبيرُ قَبلَ العَمَلِ يُؤمِنُكَ النَّدَمَ ، مَن اسْتَقبَل وُجُوهَ الآراءِ عَرَفَ مواقِعَ الخَطاَ ، الصَّبرُ جُنَّةٌ مِنَ الفاقَةِ ، البُخلُ جِلْبابُ المَسْكَنَةِ ، الحِرصُ عَلامَةُ الفَقرِ ، وَصُولُ مُعْدِمٌ خَيرٌ مِن جافٍ مُكْثِرٍ ، لِكُلِّ شيءٍ قُوتٌ ، وابنُ آدَمَ قُوتُ المَوْتِ . أيْ بُنَيَّ ، لا تُؤيِس مُذنِبا ، فَكَمْ من عاكِفٍ على ذَنبِهِ خُتِمَ لَهُ بِخَيرٍ ، وكمْ مِنْ مُقْبِلٍ على عملِهِ مُفسِدٍ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ، صائرٍ إلى النَّار ، نَعوذُ باللّه ِ مِنها . أيْ بُنَيَّ ، كمْ مِن عاصٍ نَجا ، وكَم من عامِلٍ هَوى ، مَن تَحَرَّى الصِّدقَ خَفَّتْ عَليهِ المُؤَنُ ، فِي خِلافِ النَّفْسِ رُشدُها ، السَّاعاتُ تَنْتَقِصُ الأعمارَ ، وَيلٌ للباغِينَ مِن أحكَمِ الحاكِمينَ ، وعالِمِ ضَمِيرِ المُضْمِرِينَ . يا بُنَيَّ ، بِئسَ الزَّادُ إلى المَعادِ العُدوانُ علَى العِبادِ ، في كُلِّ جُرْعَة شَرَقٌ ، وفي كُلِّ أُكْلَةٍ غَصَصٌ ، لن تُنالَ نِعمَةٌ إلاَّ بفِراقِ أُخرى ، ما أقرَبَ الرَّاحَةَ مِنَ النَّصَبِ والبُؤْسَ مِنَ النَّعيمِ والمَوتَ مِنَ الحياةِ والسَّقَمَ مِنَ الصِّحَّة ، فَطُوبَى لِمَنْ أخلَصَ للّه ِ عَمَلَهُ وعِلْمَهُ وحُبَّه وبُغضَهُ وأخْذَهُ وتَرْكَهُ وكَلامَهُ وصَمْتَهُ وفِعلَهُ وقَوْلَه ، وبَخٍ بَخٍ لِعالِمٍ عَمِل فَجَدَّ ، وخافَ البَياتَ فأعَدَّ واستَعدَّ ، إنْ سُئِل نصَحَ ، وإنْ تُرِكَ صَمَتَ ، كلامُه صَوابٌ ، وسُكوتُهُ مِن غَيرِ عِيٍّ جَوابٌ ، والوَيلُ لِمَن بُلِي بحِرْمانٍ وخِذلانٍ وعِصيانٍ ، فاسْتَحسَن لِنَفسِهِ ما يَكْرَهُهُ مِن غَيرِهِ ، وأزْرَى علَى النَّاسِ بِمِثْلِ ما يَأْتي . واعلم أيْ بُنَيَّ ، أنَّه مَن لانَت كَلِمَتُهُ وَجَبَت مَحَبَّتُه ، وَفَّقَك اللّه ُ لِرُشْدِكَ ، وجَعَلَكَ مِن أهْلِ طاعَتِهِ بِقُدْرَتِهِ ، إنَّه جَوادٌ كَرِيمٌ » . (2)

.


1- . الخُرْق : الشدَّة .
2- . تحف العقول : ص88 _ 91 ، بحار الأنوار : ج77 ص236 وراجع : نزهة الناظر : ص61 ح43 .

ص: 242

. .

ص: 243

. .

ص: 244

183 _ كتابه عليه السلام للحسن عليه السلام

183كتابه عليه السلام للحسن عليه السلامروى في الدَّعائم : عن عليّ بن الحسين ومحمَّد بن عليّ عليهماالسلام ، أنَّهما ذَكرَا وصيَّة عليَّ عليه السلام ، فقالا :أوصَى إلى ابنه الحَسَنِ ، وأشهدَ على وصيَّتِهِ الحُسينَ ومُحَمَّدا وجَميعَ وَلَدِهِ ورُؤساءَ شيعتهِ وأهلَ بَيتهِ ، ثُمَّ دفع الكتابَ إليه والسِّلاحَ ، ثُمَّ قال له : أمَرَنِي رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنْ أُوصِي إليكَ ، وأنْ أَدْفَع إليْك كُتُبي وسِلاحي ، كما أوْصَى إليَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ودَفَعَ إليَّ كُتُبَه وسِلاحَه ، وأمَرَنِي أن آمُرَك إذا حَضَرَك المَوْتُ ، أن تَدْفَع ذلك إلى أخِيك الحُسَيْن _ ثُمَّ أقبل عَلى الحُسَين ، فقال : _ وأمَرَك رَسُولُ اللّه ِ أنْ تدفَعَهُ إلى ابنِكَ هذا . _ ثُمَّ أخَذَ بِيَد ابنه عليّ بن الحُسَين فَضَمهُ إليه ، فقال له :_ يا بُنَيَّ ، وأمَرَك رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله أن تَدْفَعَه إلى ابنِك مُحَمَّد ، فاقْرئهُ من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومِنِّي السَّلام ، _ ثُمَّ أقبلَ إلى ابنِه الحسَن فقال : _ يا بُنَيَّ أنتَ وَلِيُّ الأمرِ ، ووَلِيُّ الدَّمِ ، فإنْ عَفَوْتَ فلَكَ ، وإن قَتَلْتَ فَضَرْبَةً مَكَانَ ضَرْبَةٍ ، ولا تَأْتُم (1) .

وكان قبلَ ذلك قد خصَّ الحسَن والحسَين عليهماالسلام بوصيَّة أسرَّها إليهما ، كَتَب لهما فيها أسماء الملوك في هذه الدُّنيا ، ومدَّة الدُّنيا وأسماء الدُّعاة إلى يوم القيامة ، ودفع إليهما كتاب القرآن وكتاب العلم ، ثُمَّ لمَّا جمع النَّاس ، قال لهما : ما قال ، ثُمَّ كتب كتاب وصيَّة ، وهو :« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ هذا ما أوْصَى بِهِ عَبدُ اللّه ِ عليُّ بنُ أبي طالبٍ لآخِرِ أيَّامِه مِنَ الدُّنيا ، وهو صائِرٌ إلى بَرْزَخِ المَوْتَى والرَحِيل عَنِ الأهْل والأخِلاَّء . وهُو يَشْهَد أن لا إلهَ إلاَّ اللّه ُ ، وَحْدَه لا شَريِك لَهُ ، وأنَّ محمَّدا عبْدُه ورسولُه وأميِنُهُ ، صَلواتُ اللّه عليْه وعلى آلِهِ وعلَى إخوانِهِ المُرسَلِينَ وذُرِّيِتِهِ الطَّيِّبِينَ ، وجَزى اللّه ُ عنَّا مُحَمَّدا أفْضلَ ما جَزى نَبِيَّا عن أُمَّتِه . وأُوصِيك يا حَسَنُ ، وجميعَ مَن حَضَرَنِي من أهلِ بَيْتِي ووَلَدِي وشِيعَتِي بتقْوَى اللّه ِ ، ولا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأنتُم مسْلِمونَ ، واعْتَصِموا بِحَبْلِ اللّه ِ جَميعا ولا تَفَرَّقُوا ، فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يقولُ : صَلاحُ ذاتِ البَيْن أفضَلُ مِن عامَّةِ الصَّلاةِ والصَّومِ . وأُوصِيكُم بالعَمَلِ قبْلَ أن يُؤْخَذَ مِنكُم بالكَظْمِ ، وباغتِنامِ الصِحَّةِ قَبْلَ السُّقْمِ ، وقبْلَ « أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِى جَنبِ اللَّهِ وَ إِن كُنتُ لَمِنَ السَّخِرِينَ » (2) ، أو تقولُ : لوْ أنَّ اللّه هَدانِي لَكنتُ من المُتَّقِين ، وأنَّى ، ومِن أيْنَ ، وقدْ كُنتَ لِلهَوى مُتَّبِعَا ، فيُكْشَفُ عن بَصَرِهِ ، وتُهْتَكُ لَهُ حُجُبُهُ ، لِقَولِ اللّه ِ عز و جل : « فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَ_آءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ » (3) ، أنَّى لَهُ البَصَر ، ألا أبْصَرَ قبْلَ هذا الوَقْتِ الضَّرَرَ ، قبْلَ أن تُحْجَب التَّوْبَةُ بِنُزُول الكُرْبَةِ فَتَتَمنَّى النَّفسُ أن لوْ رُدَّتْ لِتَعمَل بتقْواها ، فلا يَْنَفُعها المُنى . وأوصِيكم بمُجانَبَة الهَوى ، فإنَّ الهَوى يَدْعُو إلى العَمى ، وهُو الضَّلالُ في الآخِرَةِ والدُّنيا . وأُوصِيكُم بالنَّصيْحةِ للّه ِ عز و جل ، وكَيْفَ لا تَنْصَحُ لِمَن أخرَجَكَ مِن أصَلابِ أهلِ الشِّركِ ، وأنْقَذَك من جُحُودِ أهلِ الشَّكِّ ، فاعبُدهُ رَغْبَةً ورَهْبةً ، وما ذاكَ عِندَهُ بِضائِعٍ . وأُوصِيكم بالنَّصيحَةِ للرَّسولِ الهادِي مُحمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، ومِنَ النَّصيحَةِ لَهُ أن تَؤَدُّوا إليْهِ أجْرَهُ ، قالَ اللّه ُ عز و جل : « قُل لاَّ أَسْ_ئلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى » (4) ، ومَن وَفَّى مُحَمَّدا أجْرَه بمَوَدَّة قَرابَتِهِ ، فقدْ أدَّى الأمانَةَ ، ومَن لَم يُؤَدِّها كان خَصْمَهُ ، ومَن كانَ خصْمَهُ خَصَمَهُ ، ومَن خَصَمَه فَقد باءَ بغَضَبٍ مِنَ اللّه ِ ، ومأواهُ جَهَنَّمُ ، وبِئسَ المَصيرُ . يا أيُّها النَّاس ، إنَّه لا يُحَبُّ محمَّدٌ إلاَّ للّه ، ولا يُحَبُّ آلُ مُحمَّد إلاَّ لِمُحَمَّدٍ ، ومَن شاء فليُقْلِل ، ومَن شاءَ فلْيُكْثِر ، وأُوصيكم بمَحَبَّتِنا والإحْسان إلى شِيعَتِنا ، فمَن لم يفْعل فليس منَّا . وأُوصِيكُم بأصحاب مُحمَّدٍ ، الَّذِين لم يُحْدِثوا حَدَثا ، ولمْ يُؤوُوا مُحْدِثا ، ولم يمنَعوا حَقَّا ، فإنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قَد أوْصانا بهم ، ولَعَن المُحْدِث مِنهُم ومِن غَيرِهِم . وأُوصِيكم بالطَّهارةِ الَّتي لا تَتِمُّ الصَّلاة إلاَّ بِها ، وبالصَّلاة الَّتي هِيَ عمودُ الدِّينِ ، وقِوامُ الإسلام ، فَلا تَغْفُلُوا عَنها ، وبالزَّكاة الَّتي بِها تَتِمُّ الصَّلاةُ ، وبِصَوْمِ شَهرِ رَمضَانَ ، وحِجِّ البَيْتِ ( الحَرام ) ، من استطاعَ إليهِ سبيلاً ، وبالجِهادِ في سبيلِ اللّه ِ ، فإنَّه ذُرْوَةُ الأعمالِ وعِزُّ الدِّين والإسلامِ ، والصَّومِ فَإنَّهُ جُنَّةٌ من النَّار ، وعليْكم بالمُحافَظَة على أوقات الصَّلاة ، فليس منِّي مَن ضَيَّع الصَّلاةَ . وأُوصِيكُم بصَلاةِ الزَّوالِ فَإنَّها صَلاةُ الأوَّابين . وأُوصِيكم بأربع رَكَعات بعدَ صَلاة المَغرب فلا تَتْرُكوهُنَّ ، وإن خِفْتُم عَدوَّا . وأُوصِيكم بقِيامِ اللَّيلِ مِن أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ ، فإنْ غَلَبَ عليْكُم النَّومُ ففي آخِرِهِ ، ومَن مُنِعَ بِمَرَضٍ فإنَّ اللّه َ يَعذِرُ بالعُذْرِ ، وليس منِّي ولا مِن شيعتِي مَن ضَيَّع الوِتْرَ ، أو مَطَلَ بِرَكعَتي الفجرِ . ولا يَرِدُ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله مَن أكل مالاً حَراما ، لا واللّه ِ ، لا واللّه ِ ، لا واللّه ِ ، ولا يَشْرَبُ مِن حَوْضِهِ ، ولا تَنالُهُ شَفاعَتُهُ ، لا واللّه ِ ، ولا مَن أدَمَن شَيئا مِن هذهِ الأشْربَةِ المُسْكِرَةِ ، ولا مَن زَنَى بمُحْصَنَةٍ ، لا واللّه ِ ، ولا مَن لم يَعْرِف حَقِّي ، ولا حقَّ أهلِ بيتي ، وهي أوْجَبُهنَّ ، لا واللّه ِ ، ولا يَرِدُ عليهِ مَن اتَّبع هَواهُ ، ولا مَن شَبَعَ وجَارُهُ المُؤمِنُ جائِعٌ ، ولا يَرِدُ علَيهِ مَن لم يكُن قَوَّاما للّه ِِ بالقِسْطِ . إنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَهِدَ إليَّ ، فقالَ : يا عليُّ ، مُرْ بالمَعروفِ ، وإنْهَ عَنِ المُنكَرِ بِيَدِكَ ، فإنْ لم تَسْتَطِعْ فبِلسانِكَ ، فإنْ لم تَسْتَطع فَبِقلبِكَ ، وإلاَّ فلا تَلُومَنَّ إلاَّ نَفسَكَ . وإيَّاكم والغَيْبَةَ ، فإنَّها تَحْبِطُ الأعمالَ ، صِلوا الأرحامَ ، وأفْشُوا السَّلامَ ، وصَلُّوا والنَّاسُ نِيامٌ . وأُوصيكم يا بَنِي عَبدِ المُطَّلِب خاصَّةً ، أنْ يَتَبَيَّنَ فَضْلُكُم على مَن أحسَنَ إليْكُم ، وتصديقِ رَجاءِ مَن أمَّلَكُم ، فإنَّ ذلِكُم أشْبَهُ بِأنسابِكُم . وإيَّاكم والبُغْضَةَ لِذَوِي أرحامِكُم المُؤمِنينَ ، فإنَّها الحالِقَةُ للدِّينِ ، وعليْكُم بِمُداراةِ النَّاسِ ، فإنَّها صَدَقةٌ ، وأكْثِروا مِن قَوْلِ لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ العَلِيِّ العظِيمِ ، وعَلِّموها أطفالَكُم ، وأسرِعُوا بخِتانِ أوْلادِكم ، فَإنَّهُ أطْهَر لَهُم ، ولا تَخْرُجَنَّ مِن أفواهِكُم كِذْبَةً ما بَقيِتُم ، ولا تَتكلَّمُوا بالفُحْشِ ، فَإنَّهُ لا يَلِيقُ بِنا ولا بشِيعَتِنا ، وإنَّ الفاحِشَ لا يَكونُ صَدِيقا ، وإنَّ المُتَكَبِّرَ مَلْعُونٌ ، والمتواضِعَ عِندَ اللّه ِ مَرْفُوعٌ . وإيَّاكُم والكِبْرَ ، فَإنَّهُ رِداءُ اللّه ِ عز و جل ، فَمَن نازَعَهُ رِداءَهُ قَصَمَهُ اللّه ُ . واللّه َ اللّه َ فِي الأيتامِ ، فلا يَجُوعُنَّ بِحَضْرَتِكُم . واللّه َ اللّه َ في ابن السَبيل ، فلا يَسْتَوحِشنَّ من عَشِيرَتِه بمَكانِكم . واللّه َ اللّه َ في الضَّيْفِ ، لا يَنْصَرِفَنَّ إلاَّ شاكِرا لَكُم . واللّه َ اللّه َ في الجِهادِ للأَنفُسِ ، فهي أعدى العَدوِّ لَكُم ، فإنَّه قالَ اللّه ُ تبارَكَ وتَعالى : « إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّى » (5) ، وإنَّ أوَّلَ المعاصِي تَصدِيقُ النَّفسِ ، والرُّكُونُ إلى الهَوَى . واللّه َ اللّه َ ، لا تَرغَبوا في الدُّنيا ، فإنَّ الدُّنيا هي رأسُ الخطايا ، وهِي مِن بَعدُ إلى زَوالٍ . وإيَّاكُم والحَسدَ ، فإنَّه أوَّل ذَنبٍ كان مِنَ الجِنِّ قَبْلَ الإنْسِ . وإيَّاكُم وتَصدِيقَ النِّساءِ ، فإنَّهنَّ أخْرَجْنَ أباكُم مِنَ الجَنَّةِ ، وصَيَّرْنَه إلى نَصَبِ الدُّنيا . وإيَّاكم وسوءَ الظَّنِّ ، فإنَّه يَحْبِط العَمَلَ ، و « اتَّقُواْ اللَّهَ وَ قُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَ_لَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ » (6) ، وعليْكم بطاعَة مَن لا تُعْذَرون في تَركِ طاعَتِهِ ، وطاعَتِنا أهلَ البَيتِ ، فقد قَرَن اللّه ُ طاعَتَنا بطاعَتِهِ وطاعَةَ رَسُولِهِ ، ونَظَمَ ذلك في آيةٍ مِن كتابِهِ ، منَّا مِنَ اللّه ِ عَلينا وعلَيكُم ، وأوجَبَ طاعَتَهُ وطاعَةَ رَسولِهِ وطاعَةَ وُلاةِ الأمرِ مِن آلِ رَسُولِهِ ، وأمَرَكم أن تَسْألوا أهلَ الذِّكْرِ ، ونحنُ واللّه ِ أهلُ الذِكْرِ ، لا يُدَّعي ذلِكَ غيرُنا إلاَّ كاذِبا ، يُصَدِّقُ ذلِكَ قَولُ اللّه ِ عز و جل : « قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ ءَايَتِ اللَّهِ مُبَيِّنَتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ_لِحَتِ مِنَ الظُّ_لُمَتِ إِلَى النُّورِ » (7) ، ثُمَّ قال : « فَسْ_ئلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ » (8) ، فنَحنُ أهلُ الذِكْر ، فاقْبَلوا أمرَنا ، وانْتَهوا عمَّا نَهيْنا ، ونَحنُ الأبوابُ الَّتي أُمرْتُم أن تأتُوا البُيوتَ مِنها ، فنَحْنُ واللّه ِ ، أبوابُ تِلكَ البُيُوتِ ، ليسَ ذلِكَ لِغَيرِنا ، ولا يَقولُهُ أحَدٌ سِوانا . وأيُّها النَّاس ، هل فيكم أحدٌ يَدَّعِي قِبَلي جَوْرا في حكْمٍ ، أو ظُلمْا في نفْس ، أو مالٍ ، فليَقمْ أُنْصِفْه من ذلِكَ . فقام رجلٌ من القوم ، فأثْنى ثَناءً حسَنا عَليهِ ، وأطراه وذكَر مناقِبَهُ في كلام طويل ، فقال عليّ عليه السلام : أيُّها العَبدُ المُتكَلِّمُ ، ليسَ هذا حِينَ إطْراءٍ ، وما أُحِبُّ أن يَحْضُرَني أحدٌ في هذا المَحْضَر بِغَيرِ النَّصِيحَةِ ، واللّه ُ الشَّاهِدُ على مَن رَأى شيْئا يَكْرَهُهُ فلم يُعَلمْنِيه ، فَإنِّي أُحِبُّ أن أسْتَعْتِب من نفسِي قَبلَ أن تَفُوتَ نَفْسِي ، اللَّهمَّ إنَّك شَهِيدٌ ، وكفى بِكَ شَهِيدا ، إنِّي بايَعتُ رَسُولَكَ وحُجَّتَكَ في أرضِكَ مُحمَّدا صلى الله عليه و آله ، أنَا وثَلاثَةٌ مِن أهْلِ بَيتي علَى ألاّ نَدَعَ للّه ِِ أمرا إلاَّ عَمِلْناهُ ، ولا نَدَعَ لَهُ نهيْا إلاَّ رَفَضْناهُ ، ولا وَليَّا إلاّ أحببْناه ، ولا عَدوَّا إلاَّ عاديناه ، ولا نُولِّي ظُهُورَنا عَدُوَّا ، ولا نَمِلَّ عَن فَريضَةٍ ، ولا نَزْدادَ للّه ِ ولِرَسولِهِ ، إلاَّ نصيْحَةً ، فَقُتِلَ أصحابِي _ رَحمَةُ اللّه ِ ورِضوانُهُ علَيْهِم _ وكُلُّهُم مِن أهلِ بَيتي : عُبَيْدَةُ بنُ الحارِثِ( رحمه الله ) ، قُتِل ببَدْر شهيِدا ، وعَمِّي حمْزَةُ قتِل يَومَ أُحُدٍ شهيدا رحْمَةُ اللّه عَليهِ ورضوانُهُ ، وأخي جَعفَرٌ قتِل يومَ مُؤتَةَ شَهيدا رحمةُ اللّه عليه ، فأنزل اللّه ُ فيَّ وفي أصحابي ، « مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً » (9) ، أنَا واللّه المنْتَظِر ، ما بَدَّلَت تبديلاً ، ثُمَّ وَعَدَنا بِفَضلِهِ الجَزاءَ ، فقال : « قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ » (10) ، وقَد آنَ لِي فِيما نَزَلَ بي أن أفْرَحَ بِنِعمَةِ رَبِّي . فأثْنَوا عليه خَيْرا وبَكَوا ، فقال : أيُّها النَّاس أنَا أحِبُّ أن أُشهِد عليْكم ألاّ يَقومَ أحَدٌ ، فيقولَ أرَدتُ أن أقولَ فخِفْتُ ، فقد أعْذَرتُ بيني وبينكم ، اللَّهمَّ إلاَّ أن يكون أحَدٌ يرِيد ظُلمِي والدَّعوَى عَليَّ بِما لَم أجْنِ ، أمَا إنِّي لم أسْتَحِلَّ مِن أحَدٍ مالاً ، ولم أسْتَحلَّ مِن أحَدٍ دَما بِغَيرِ حِلِّهِ ، جاهدْتُ مَع رسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله بأمْرِ اللّه ِ وأمرِ رَسولِهِ ، فلمَّا قَبَض اللّه ُ رَسُولَهُ جاهدتُ مَن أمَرَنِي بجهادِهِ مِن أهلِ البَغيِ ، وسمَّاهُم لي رَجُلاً رَجُلاً ، وحَضَّني على جِهادِهِم ، وقال : يا عليُّ تقاتِلُ النَّاكِثينَ ، وسمَّاهم لِي ، والقاسِطينَ ، وسَمَّاهُم لِي ، والمارِقينَ ، وسمَّاهم لِي ، فلا تَكثُر مِنكُمُ الأقوالُ ، فَإنَّ أصْدَقَ ما يكونُ المَرءُ عِندَ هذا الحالِ : فقالوا خَيرا ، وأثْنَوا بِخَيرٍ وبَكَوا ، فقال للحسن : يا حَسَنُ ، أنتَ وليُّ دَمِي وهو عندك ، وقد صَيَّرتُهُ إليكَ ( يعني ابن ملجم لعنة اللّه عليه ) ، ليس لِأحَدٍ فِيهِ حُكْمٌ ، فَإنْ أردتَ أن تَقتُلَ فاقْتُل ، وإن أردْتَ أن تَعفُو فاعفُ ، وأنت الإمامُ بَعدِي ، ووارثُ عِلمِي ، وأفْضلُ مَن أتْرُكُ بعدي ، وخَيرُ مَن أُخلِّفُ مِن أهلِ بَيتي ، وأخوكَ ابنُ أُمِّكَ ، بَشّرَكُما رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله بالبُشْرى ، فأبْشِرا بِما بَشَّرَكُما ، واعْمَلا للّه ِِ بالطَّاعَةِ ، فاشْكُراهُ عَلى النِّعْمَةِ . ثُمَّ لم يَزَل يقول عليه السلام : اللَّهمَّ اكفِنا عَدُوَّك الرَّجيم ، اللَّهمَّ إنِّي أُشهِدُك أنَّك لا إلهَ إلاَّ أنتَ ، وأنَّك الواحِدُ ، الصَّمَدُ ، لم تَلِد ، ولَم تُولَد ، ولم يَكُن لكَ كُفُوا أحَدٌ ، فلَكَ الحَمدُ ، عدَدَ نَعْمَائِك لَدَيَ ، وإحسانِك عِندي ، فاغْفِر لِي ، وارحَمْنِي ، وأنتَ خَيرُ الرَّاحِمينَ . ولم يزَل يقول عليه السلام : لا إلهَ إلاَّ اللّه ُ ، وحْدَكَ لا شريك لك ، وأنَّ محمَّدا عبدُك ورَسُولُك ، عُدَّةً لِهذا المَوْقِفِ وما بَعدَهُ مِنَ المواقِفِ ، اللَّهمَّ أجْزِ مُحَمَّدا عَنَّا خَيْرا ، وأجْزِ محمَّدا عنَّا خَيْرَ الجَزاء ، وبلِّغْه مِنَّا أفضلَ السَّلامِ ، اللَّهمَّ ألحقنِي بهِ ، ولا تَحُل بَيني وَبيْنَهُ ، إنَّك سميعُ الدُّعاءِ ، رَؤوفٌ رَحِيمٌ . ثُمَّ نظَر إلى أهل بيته ، فقال : حَفِظَكم اللّه ُ مِن أهْلِ بَيتٍ ، وحَفِظَ فِيكُم نَبيَّكُم ، وأسْتَوْدِعُكم اللّه َ ، وأقرأَ عليْكم السَّلامُ . ثُمَّ لم يَزَل يقولُ : لا إلهَ إلاَّ اللّه ُ ، مُحمَّدٌ رَسُولُ اللّه ِ » .

.


1- . تَأْتُم : أي ، لا تبطى ء من أتم .
2- . الزمر :56 .
3- . ق :22 .
4- . الشورى :23 .
5- . يوسف :53 .
6- . الأحزاب : 70 و71 .
7- . الطلاق : 10 و11 .
8- . النحل : 43 .
9- . الأحزاب : 23 .
10- . يونس : 58 .

ص: 245

. .

ص: 246

. .

ص: 247

. .

ص: 248

. .

ص: 249

. .

ص: 250

. .

ص: 251

حتَّى قُبِض صلوات اللّه عليه ورحمته ورضوانه ، ليلةَ إحدى وعِشرين من شَهر رمضان ، سَنَة أربعين من الهِجرة . (1) [ أقول : ونقل له عليه السلام أيضا وصايا لأصحابه وأولاده ، ولا بأس بنقل بعضها : نقل في نهج السَّعادة عن دستور معالم الحكم : ] قال القُضاعي : لمَّا ضُربَ أمير المؤمنين عليه السلام ، اجتمع إليه أهل بيته وجَماعة من خاصَّة أصحابه ، فقال : « الحمْدُ للّه ِ الَّذي وَقَّتَ الآجالَ ، وقَدَّر أرزاقَ العِبادِ ، وجعَلَ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرا ، ولَم يُفَرِّط في الكتاب مِن شَيءٍ ، فقالَ : « أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ » (2) ، وقال عز و جل : « قُل لَّوْ كُنتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ » (3) ، وقال عز و جل لنبيِّه صلى الله عليه و آله : « وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » (4) . لقد خبَّرَنِي حَبِيبُ اللّه ، وخِيَرَتُه من خلقه ، وهو الصَّادِقُ المَصْدُوقُ عن يَومِي هذا ، وعَهِد إليَّ فيهِ ، فقال : يا عليُّ ، كيفَ بِكَ إذا بقيتَ في حُثالَةٍ (5) مِنَ النَّاسِ ، تَدعُو فَلا تُجابُ ، وتَنْصَحُ عَنِ الدِّينِ فلا تُعانُ . وقد مالَ أصحابُكَ ، وشَنَفَ لَكَ نُصَحاؤُكَ ، وكان الَّذي مَعكَ أشدُّ عليْكَ مِن عَدُوِّكَ إذا اسْتَنْهَضْتَهم صَدُّوا مُعرضِينَ ، وإنِ اسْتَحْثَثْتَهم أدْبَروا نافِرينَ ، يَتَمَّنونَ فَقْدَك لِما يرَوْن من قِيامِكَ بِأَمْرِ اللّه ِ عز و جل ، وصَرْفِك إيَّاهُم عَنِ الدُّنيا ، فَمِنهُم مَن قد حَسَمْتَ طَمَعَهُ فهُو كاظِمٌ علَى غَيْظِهِ ، ومِنهُم مَن قَتَلْتَ أُسْرَتَه فهو ثائِرٌ متربّصٌ بِكَ رَيْبَ المَنونِ ، وصُرُوفِ النَّوائِبِ ، وكُلُّهم نَغِلُ الصَّدرِ ، ملْتَهِبُ الغَيْظِ ، فَلا تَزالُ فِيهِم كذلِكَ حَتَّى يَقتُلوكَ مكْرا ، أو يُرْهِقُوك شَرَّا ، وسَيُسَمُّونَك بأسماءَ قَد سمَّونِي بِها ، فَقالُوا : كاهِنٌ ، وقالُوا سَاحِرٌ ، وقالوا كَذَّابٌ مُفْتَرٍ ، فاصْبِر ، فإنَّ لَكَ فِيَّ أسْوَةٌ . وبذلك أمَرَ اللّه ُ ، إذ يقولُ : « لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ » (6) . يا عليُّ ، إنَّ اللّه َ عز و جل أمرَنِي أن أُدنِيَكَ ولا أُقْصِيَكَ ، وأن أُعَلِّمَكَ ولا أُهْمِلَكَ ، وأن أُقَرِّبَكَ ولا أجْفُوكَ . فهذِه وصيَّتُه إليَّ ، وَعهْدُه لِي . ثُمَّ إنِّي أُوصِيكُم أيُّها النَّفَرُ ، الَّذينَ قَامُوا بِأمرِ اللّه ِ ، وذَبُّوا عَن دِينِ اللّه ِ ، وجَدُّوا في طَلَبِ حُقُوقِ الأرامِلِ والمساكِينَ ، أُوصِيكُم بَعدِي بالتَّقوى ، وأُحَذِّرُكُم الدُّنيا والاغْتِرارِ بزِبرِجِها وزُخرُفِها ، فَإنَّها مَتاعُ الغُرورِ ، وجانِبوا سَبِيلَ مَن رَكَنَ إليْها ، وطَمَست الغَفْلةُ على قُلوبِهِم ، حَتَّى أَتاهُم مِنَ اللّه ِ ما لَم يَحْتَسِبُوا . وأُخِذُوا بَغْتَةً وهُم لا يشْعرُونَ . وقد كان قبْلَكُم قَومٌ خلَفوا أنبياءَهُم باتِّباعِ آثارِهِم ، فَإنْ تمسَّكْتُم بِهَديهِم ، واقتَدَيتُم بِسُنَّتِهِم لَمْ تُضِلُّوا . إنَّ نبِيَّ اللّه ِ صلى الله عليه و آله خلَّف فِيكُم كِتابَ اللّه ِ ، وأهلَ بَيتِهِ ، فَعِندَهُم عِلمُ ما تَأتُونَ وما تتَّقونَ ، وهُمُ الطَّريقُ الواضِحُ ، والنُّورُ اللائِحُ ، وأركانُ الأرضِ القوَّامُونَ بالقِسطِ ، بِنُورهِم يُستَضاءُ ، بِهَديِهِم يُقتَدى ، من شَجَرةٍ كَرُمَ مَنْبَتُها ، فَثَبَتَ أصلُها ، وبَسَقَ فَرْعُها ، وطابَ جَناها ، نبَتتْ فِي مُستَقرِّ الحَرَمِ ، وسُقِيت ماءَ الكرَمِ ، وَصَفَتْ مِنَ الأقذاءِ والأدناسِ ، وتُخُيِّرت مِن أطيَبِ مَواليدِ النَّاسِ ، فَلا تَزولوا عَنهُم فَتَفرَّقوا ، ولا تَتَحرَّفوا عَنهُم فتَمَزَّقُوا ، والزَموهُم تَهتَدوا وتَرشُدوا ، واخْلُفوا رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فِيهِم بأحسَنِ الخِلافَةِ ، فَقَدْ أخبرَكُم أنَّهما لَن يَفتَرِقا حَتَّى يَرِدا علَيَّ الحَوضَ ، أعْني كتابَ اللّه ِ وذرِّيَّتَهُ . أستودِعُكم اللّه َ الَّذي لا تَضِيعُ ودائِعُهُ ، بلَّغَكُم اللّه ُ ما تأمُلونَ ، ووَقاكُم ما تَحذَرونَ . اقرؤوا على أهلِ مَودَّتي السَّلامَ ، والخَلَفِ وخَلَفِ الخَلَفِ ، حفِظَكم اللّه ُ ، وحَفِظَ فِيكم نَبِيَّكُم ، والسَّلامُ » . (7) ثُمَّ نقل وصيّته عليه السلام للمؤمنين بآل النَّبِيّ صلى الله عليه و آله بصورة أُخرى ، وهي : « وفِيكُم مَن يَخْلُفُ مِنْ نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله ما إن تمسَّكْتُم بهِ لَن تضِلُّوا ، هُمُ الدُّعاةُ ، وهُمُ النَّجاةُ ، وهُمْ أركانُ الأرضِ ، وهُمُ النُّجومُ ، بِهِم يُسْتَضاءُ ، مِن شَجَرةٍ طابَ فَرعُها ، وَزيْتونَهٍ طابَ ( بُورِكَ ) أصلُها ، نَبَتت في الحَرَمِ ، وسُقِيت مِنْ كرَم إلى خَيْرِ مُستوْدَعٍ ، مِن مُبارَكٍ إلى مُبارَكٍ ، صَفَت مِنَ الأقْذارِ والأدناسِ ، ومِن قبيح مأنَبَه شِرار النَّاس ، لَها فرُوعٌ طِوالٌ ، وَثمَرٌ لا تُنالُ ، حَسِرَت عَن وصْفِها وصفاتِها الألسُنُ ، وَقصُرَت عن بُلوغِها الأعناقُ ، فَهُم الدُّعاةُ ، وهُمُ النَّجاةُ ، وبالنَّاسِ إليهِم الحَاجَةٌ ، فاخْلُفوا رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فيهِم بأحسَنِ الخِلافَةِ ، فَقَدْ أخبرَكُم أيُّها الثَّقلانِ أنَّهما لَن يَفْتَرِقا ، هُم والقُرآنُ ، حَتَّى يرِدَا عليَّ الحَوضَ ، فالزَموهُم تهتَدوا وترشُدوا ، ولا تتفرَّقوا عنهم ، فتفرَّقوا وتمزَّقوا » (8) . ولنكتف بنقل هذا المقدار ، وللقارئ الكريم أن يراجع مضانَّ هذه الروايات ، كنهج البلاغة ، ومروج الذَّهب والكافي والبحار (9) .

.


1- . دعائم الإسلام : ج2 ص348 _ 355 ح1297 وراجع : الكافي : ج1 ص297 ح1 وح5 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص176 ح714 ، من لا يحضره الفقيه : ج4 ص189 ح5433 ، الغيبة للطوسي : ص194 ح157 ، كتاب سُلَيم بن قيس الهلالي : ج2 ص924 ، بحار الأنوار : ج43 ص322 ح1 .
2- . النساء : 78 .
3- . آل عمران : 154 .
4- . لقمان : 17 .
5- . الحثال والحثالة _ كغراب وثعالة _ : الرديء من كلّ شيء . وحثالة الناس : رذالهم . وحثالة الدهن : ثفله . ويقال : هو من حثالتهم ، أي ممّا لا خير فيه منهم .
6- . الأحزاب : 21 .
7- . دستور معالم الحكم : ص72 _ 74 ؛ نهج السعادة : ج8 ص368 الرقم56 .
8- . شرف النبيّ عليهم السلام : ص256 ؛ إثباة الهداة : ج 1 ص 704 ، نهج السعادة : ج 8 ص 395 .
9- . راجع: الكافي : ج1 ص299 و300 ، نهج البلاغة : الخطبة147 والكتاب 23 ، بحار الأنوار : ج42 ص206 ح11 وص212 ح12 ؛ مروج الذَّهب : ج2 ص424 .

ص: 252

. .

ص: 253

. .

ص: 254

. .

ص: 255

184 _ وصيّته عليه السلام للحسن والحسين عليهماالسلام

184وصيَّته عليه السلام للحسن والحسين عليهماالسلاممن وصيّة له عليه السلام للحسن والحسين عليهماالسلام لمَّا ضربَه ابن ملجِم لعنه اللّه :« أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللّه ، وأَلاَّ تَبْغِيَا الدُّنيا وإِنْ بَغَتْكُمَا ، ولا تَأْسَفَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا ، وقُولا بِالْحَقِّ ، واعْمَلا لِلأَجْرِ ، وكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْما ، ولِلْمَظْلُومِ عَوْنا . أُوصِيكُمَا وجَمِيعَ وَلَدِي ، وأَهْلِي ، ومَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللّه ، ونَظْمِ أَمْرِكُمْ ، وصَلاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ ، فإنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا صلى الله عليه و آله يَقُولُ : صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِن عَامَّةِ الصَّلاةِ والصِّيَامِ . اللّه َ اللّه َ فِي الأَيْتَامِ ، فَلا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ ، ولا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ . واللّه َ اللّه َ فِي جِيرَانِكُمْ ، فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ ، مَا زَالَ يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ . واللّه َ اللّه َ فِي الْقُرْآنِ لا يَسْبِقُكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ . واللّه َ اللّه َ فِي الصَّلاةِ فإنَّها عَمُودُ دِينِكُمْ . واللّه َ اللّه َ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ ، لا تُخَلُّوهُ مَا بَقِيتُمْ ، فإنَّه إِنْ تُرِك لَمْ تُنَاظَرُوا . واللّه َ اللّه َ فِي الْجِهَادِ بِأَمْوَالِكُمْ ، وأَنْفُسِكُمْ ، وأَلْسِنَتِكُمْ ، فِي سَبِيلِ اللّه . وعَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ والتَّبَاذُلِ ، وإِيَّاكُمْ والتَّدَابُرَ والتَّقَاطُعَ . لا تَتْرُكُوا الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ ، ثُمَّ تَدْعُونَ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ . ثُمَّ قَالَ : يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، لا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوْضا تَقُولُونَ : قُتِلَ أَميرُ الْمُؤمِنِينَ ! أَلا لا تَقْتُلُنَّ بِي إِلاَّ قَاتِلِي ، انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ مِن ضَرْبَتِهِ هَذِهِ ، فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ ، ولا تُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ ، فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله يَقُولُ : إِيَّاكُمْ والْمُثْلَةَ ، ولَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ » (1) .

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب 47 وراجع : الكافي : ج7 ص51 _ 52 ، التهذيب : ج2 ص 327 ، من لا يحضره الفقيه : ج4 ص189 _191 ، تحف العقول : ص197 ، الغيبة للطوسي : ص215 ، الأمالي للطوسي : ص212 ، روضة الواعظين : ص118 ، كشف الغمّة : ج1 ص431 ، كتاب سُلَيم بن قيس : ص15 ، فرحة الغري : ص23 ؛ تاريخ الطبري : ج6 ص3461 ، الكامل للمبرّ د :ج2 ص152 ، الكامل لابن الأثير : ج3 ص391 ، مروج الذهب : ج2 ص412 ، الفتوح :ج4 ص142 ، المناقب للخوارزمي : ص278 ، الأمالي للزجاجي : ص112 .

ص: 256

185 _ وصيّته عليه السلام قبل شهادته

186 _ وصيّته عليه السلام لمّا دعاه اللّه إلى جواره

185وصيَّته عليه السلام قبل شهادتهمن كلام له عليه السلام قاله قبل موته على سبيل الوصيَّة لمَّا ضربَه ابن ملجِم لعنه اللّه :« وَصِيَّتِي لَكُمْ ألاّ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئا ومُحَمَّدٌ _ صلى اللّه عليه وآله _ فَلا تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ وأَوْقِدُوا هَذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ وخَلاكُمْ ذَمٌّ أَنَا بِالأَمْسِ صَاحِبُكُمْ والْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وغَدا مُفَارِقُكُمْ إِنْ أَبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي وإِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي وإِنْ أَعْفُ فَالْعَفْوُ لِي قُرْبَةٌ وهُوَ لَكُمْ حَسَنَةٌ فَاعْفُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّه لَكُمْ واللّه مَا فَجَأَنِي مِنَ الْمَوْتِ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ ولا طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ ومَا كُنْتُ إِلاّ كَقَارِبٍ وَرَدَ وطَالِبٍ وَجَدَ وما عنْد اللّه خَيْرٌ لِلأَبْرارِ » . (1)

186وصيَّته عليه السلام لمَّا دعاه اللّه إلى جوارهقال عبد الرَّحمن بن الحجاج رحمه الله : كانت الوَصِيَّةُ الاُخْرَى الَّتي بَعَثهَا العَبْدُ الصَّالِحُ الإمام الكاظِم عليه السلام ، إليَّ _ مَعَ الاُولَى _ هذه : « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ هَذَا مَا أوْصَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَالِبٍ ، أوْصَى أنَّهُ يَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ ، أرْسَلَهُ بِالْهُدَى ودِينِ الحَقِّ ، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ . ثُمَّ إِنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي للّه ِِ رَبِّ العَالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وبِذَلِكَ أُمِرْتُ ، وأنَا مِنَ المُسْلِمِينَ . ثُمَّ إِنِّي أُوصِيكَ يَا حَسَنُ وجَمِيعَ أهْلِ بَيْتِي ووُلْدِي ومَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللّه رَبِّكُمْ ، ولا تَمُوتُنَّ إِلاّ وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه جَمِيعا ولا تَفَرَّقُوا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله يَقُولُ : صَلاحُ ذَاتِ البَيْنِ أفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلاةِ والصِّيَامِ ، وأنَّ المُبِيرَةَ الحَالِقَةَ لِلدِّينِ فَسَادُ ذَاتِ البَيْنِ ، ولا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّه ِ العَلِيِّ العَظِيمِ ، انْظُرُوا ذَوِي أرْحَامِكُمْ فَصِلُوهُمْ يُهَوِّنِ اللّه عَلَيْكُمُ الحِسَابَ . اللّه َ اللّه َ فِي الأيْتَامِ فَلا تُغِبُّوا أفْوَاهَهُمْ ، ولا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ ، فَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله يَقُولُ : مَنْ عَالَ يَتِيما حَتَّى يَسْتَغْنِيَ أوْجَبَ اللّه عز و جل لَهُ بِذَلِكَ الجَنَّةَ ت ، كَمَا أوْجَبَ لآِكِلِ مَالِ اليَتِيمِ النَّارَ . اللّه َ اللّه َ فِي القُرْآنِ فَلا يَسْبِقُكُمْ إِلَى العَمَلِ بِهِ أحَدٌ غَيْرُكُمْ . اللّه َ اللّه َ فِي جِيرَانِكُمْ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله أوْصَى بِهِمْ ، ومَا زَالَ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ . اللّه َ اللّه َ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ فَلا يَخْلُو مِنْكُمْ مَا بَقِيتُمْ ، فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا وأدْنَى مَا يَرْجِعُ بِه مَن أمَّهُ أنْ يُغْفَرَ لَهُ مَا سَلَفَ . اللّه َ اللّه َ فِي الصَّلاةِ فَإِنَّهَا خَيْرُ العَمَلِ ، إِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ . اللّه َ اللّه َ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تُطْفِئُ غَضَبَ رَبِّكُمْ . اللّه َ اللّه َ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَإِنَّ صِيَامَهُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ . اللّه َ اللّه َ فِي الفُقَرَاءِ والمَسَاكِينِ ، فَشَارِكُوهُمْ فِي مَعَايِشِكُمْ . اللّه َ اللّه َ فِي الجِهَادِ بِأمْوَالِكُمْ وأنْفُسِكُمْ وألْسِنَتِكُمْ ، فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ رَجُلانِ : إِمَامُ هُدىً ، أو مُطِيعٌ لَهُ مُقْتَدٍ بِهُدَاهُ . اللّه َ اللّه َ فِي ذُرِّيَّةِ نَبِيِّكُمْ ، فَلا يُظْلَمَنَّ بِحَضْرَتِكُمْ وبَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ ، وأنْتُمْ تَقْدِرُونَ عَلَى الدَّفْعِ عَنْهُمْ . اللّه َ اللّه َ فِي أصْحَابِ نَبِيِّكُمُ ، الَّذِينَ لَمْ يُحْدِثُوا حَدَثا ، ولَمْ يُؤوُوا مُحْدِثا ، فَإِنَّ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله أوْصَى بِهِمْ ، ولَعَنَ المُحْدِثَ مِنْهُمْ ، ومِنْ غَيْرِهِمْ ، والمُؤوِيَ لِلْمُحْدِثِ . اللّه َ اللّه َ فِي النِّسَاءِ وفِيمَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ ، فَإِنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه و آله أنْ قَال : أُوصِيكُمْ بِالضَّعِيفَيْنِ النِّسَاءِ ومَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمُ . الصَّلاةَ الصَّلاةَ الصَّلاةَ ، لا تَخَافُوا فِي اللّه لَوْمَةَ لائِمٍ ، يَكْفِكُمُ اللّه مَنْ آذَاكُمْ وبَغَى عَلَيْكُمْ ، قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنا كَمَا أمَرَكُمُ اللّه عز و جل . ولا تَتْرُكُوا الأمْرَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَن المُنْكَرِ ، فَيُوَلِّيَ اللّه أمْرَكُمْ شِرَارَكُمْ ، ثُمَّ تَدْعُونَ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ . وعَلَيْكُمْ يَا بَنِيَّ بِالتَّوَاصُلِ ، والتَّبَاذُلِ ، والتَّبَارِّ . وإِيَّاكُمْ والتَّقَاطُعَ ، والتَّدَابُرَ ، والتَّفَرُّقَ . وتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى ، ولا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ والعُدْوَانِ . واتَّقُوا اللّه ، إِنَّ اللّه شَدِيدُ العِقَابِ . حَفِظَكُمُ اللّه مِنْ أهْلِ بَيْتٍ ، وحَفِظَ فِيكُمْ نَبِيَّكُمْ ، أسْتَوْدِعُكُمُ اللّه ، وأقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلامَ ، ورَحْمَةَ اللّه وبَرَكَاتِهِ » .

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب23 .

ص: 257

. .

ص: 258

. .

ص: 259

ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ : لا إِلَهَ إِلاّ اللّه ، لا إِلَهَ إِلاّ اللّه ، حَتَّى قُبِضَ صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِ ورَحْمَتُهُ ، فِي ثَلاثِ لَيَالٍ مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ لَيْلَةَ ثَلاثٍ وعِشْرِينَ ، مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ ، سَنَةَ أرْبَعِينَ مِنَ الهِجْرَةِ ، وكَانَ ضُرِبَ لَيْلَةَ إِحْدَى وعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ . (1) [ وقد نقل السَّيِّد رحمه الله في نهج البلاغة روايتين ، إحداهما بالرَّقم « 11 » من باب الكتب بعنوان : وصيّته له عليه السلام وصّى بها جيشا بعثه إلى العدوّ ، وثانيتهما بالرَّقم « 56 » بعنوان : ومن وصيّته له عليه السلام وصّى بها شُرَيْح بن هانئ لمّا جعله على مقدّمته إلى الشام ، ونحن نورد الرِّوايتين ] : وصيّته عليه السلام لشُرَيْح بن هانئ( لمّا جعله على مقدمته إلى الشَّام ) : « اتَّقِ اللَّهَ فِي كُلِّ صَبَاحٍ ومَسَاءٍ ، وخَفْ عَلَى نَفْسِكَ الدُّنْيَا الْغرُورَ ، ولا تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ ، واعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تُحِبُّ مَخَافَةَ مَكْرُوهٍ سَمَتْ بِكَ الأَهْوَاءُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الضَّرَرِ ، فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعا رَادِعا ولِنَزْوَتِكَ عِنْدَ الْحَفِيظَةِ وَاقِما قَامِعا » . (2) ومن وصيّة له عليه السلام وصّى بها جيشا بعثه إلى العدوّ : « فَإِذَا نَزَلْتُمْ بِعَدُوٍ أو نَزَلَ بِكُمْ فَلْيَكُنْ مُعَسْكَرُكُمْ فِي قُبُلِ الأَشْرَافِ ، أو سِفَاحِ الْجِبَالِ ، أو أَثْنَاءِ الأَنْهَارِ ، كَيْمَا يَكُونَ لَكُمْ رِدْءا ودُونَكُمْ مَرَدّا ، ولْتَكُنْ مُقَاتَلَتُكُمْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ أو اثْنَيْنِ ، واجْعَلُوا لَكُمْ رُقَبَاءَ فِي صَيَاصِي الْجِبَالِ ، ومَنَاكِبِ الْهِضَابِ لِئَلاَّ يَأْتِيَكُمُ الْعَدُوُّ مِن مَكَانِ مَخَافَةٍ ، أو أَمْنٍ ، واعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْقَوْمِ عُيُونُهُمْ ، وعُيُونَ الْمُقَدِّمَةِ طَلائِعُهُمْ ، وإِيَّاكُمْ والتَّفَرُّقَ ، فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِيعا ، وإِذَا ارْتَحَلْتُمْ فَارْتَحِلُوا جَمِيعا ، وإِذَا غَشِيَكُمُ اللَّيْلُ فَاجْعَلُوا الرِّمَاحَ كِفَّةً ، ولا تَذُوقُوا النَّوْمَ غِرَارا ، أو مَضْمَضَةً » . (3) [ يحتمل أن يكون ما نقله السَّيِّد رحمه الله بالرَّقم « 11 » مختارا من الكتاب المتقدِّم ، كما هو دأبه رحمه الله في النَّهج ، وما نقله بالرَّقم «56» من وصيّته خارجا عن الكتاب الذي وصّى به شُرَيْح بن هانئ ، كليهما حين التّوديع ، كما تقدَّم في وصيَّته عليه السلام لزياد حين ودّعه . ] نقل تحف العقول من وصيّته عليه السلام لزياد بن النَّضْر ، حين أنفذه على مقدمته إلى صفِّين : ثُمَّ أردفه بكتاب يوصيه فيه ويحذّره : اعلم أنّ مقدّمة القوم عيونهم . . . . (4) _ فساقَ قريبا مِنَ الكِتابِ المُتقدِّمِ _ . صورة الوصّية والكتاب على نقل تحف العقول : « اتّقِ اللّه َ في كُلِّ مَمْسَىً ومَصْبَحٍ ، وخَفْ على نَفسِكَ الغُرورَ ، ولا تأمنْها علَى حالٍ مِنَ البَلاءِ . واعلَم ، أنَّك إنْ لَم تزَعْ نَفسَكَ عَن كَثيرٍ مِمّا تُحِبُّ مخافَةَ مَكروهِهِ ، سَمَتْ بِكَ الأهواءُ إلى كَثيرٍ مِنَ الضُرِّ حَتَّى تَظْعَنَ ، فَكُن لِنَفسِكَ مانِعا وازِعا عَنِ الظُّلمِ والغَيِّ والبَغْي والعُدوان . قد ولَّيتُكَ هذا الجُنْدَ ، فلا تستذلَّنَّهُم ، ولا تَستَطِل عَليهِم ، فإنَّ خيرَكُم أتقاكُم ، تَعَلَّم مِن عالِمِهِم ، وعَلِّمْ جاهِلَهُم ، واحلُم عَن سفِيهِهِم ، فَإنَّك إنَّما تُدرِكَ الخَيرَ بالعِلمِ وكَفِّ الأذى والجَهلِ . ثُمَّ أردفه بكتاب يوصيه فيه ويحذِّره : اعلم أنَّ مُقدِّمَةَ القَوْمِ عُيونُهم ، وعُيُونُ المُقدِّمَةِ طَلائِعُهُم ، فإذا أنْتَ خَرجْتَ مِن بلادِكَ ودَنوْتَ مِن عَدوِّكَ ، فلا تَسأمْ مِن تَوْجِيه الطَّلائِعِ في كُلِّ ناحِيَةٍ ، وفي بَعضِ الشِّعابِ والشَّجَرِ والخَمَرِ ، وفي كلِّ جانِبٍ ، حَتَّى لا يُغِيركُم عَدُوُّكم ويَكونَ لَكم كَمِينٌ . ولا تُسَيِّر الكَتائِبَ والقَبائِلَ مِن لَدُنِ الصَّباحِ إلى المَسَاءِ ، إلاَّ تَعْبئَةً ، فإنْ دَهَمَكُم أمْرٌ أو غَشِيَكُم مَكْرُوهٌ ، كُنْتُم قد تَقَدَّمْتُم في التَّعبِئَةِ ، وإذا نَزَلْتُم بِعَدوٍّ أو نَزَلَ بِكُم فَلْيَكُن مُعَسْكَرُكُم في أقْبالِ الأَشرافِ ، أو في سِفاحِ الجِبالِ ، أو أثْناءِ الأنْهارِ ، كَيما يكونُ لَكُم رِدْءا ، ودُوْنَكم مَرَدَّا . ولتَكُن مُقاتَلَتُكم من وَجْهٍ واحدٍ أو اثْنَين ، واجْعَلوا رُقَباءَكم في صَياصِي الجِبالِ وبأعْلى الأشْرافِ ، وبمناكِبِ الأنْهارِ ، يُريئُون لكم لئَلاَّ يأتيَكُم عَدُوٌّ من مَكانِ مخافَةٍ أو أمْنٍ ، وإذا نَزَلْتُم فانزِلُوا جَميعا ، وإذا رَحَلْتُم فارْحَلُوا جَميعا ، وإذا غَشِيَكُم اللَّيْلُ فَنَزلْتُم ، فحُفُّوا عَسْكَرَكم بالرِّماح والتِّرَسَةِ ، واجْعَلوا رُماتَكُم يَلُوونَ تِرسَتُكم ، كَيْلا تُصابَ لَكُم غِرَّةٌ ، ولا تُلْقى لَكُم غَفْلَةٌ ، واحْرُس عَسْكَركَ بِنَفسِكَ . وإيَّاك أن تَرْقُدَ ، أو تُصْبِحَ إلاَّ غِرارا أو مَضْمَضَةً ، ثُمَّ لِيَكُنْ ذلِكَ شَأنَك ودَأبَكَ حَتَّى تَنْتَهي إلى عَدُوِّكَ ، وعَلَيْك بالتَّأنِّي في حَرْبِكَ . وإيَّاكَ والعَجَلَةَ إلاَّ أن تُمَكِّنَكَ فُرْصَةٌ . وإيَّاك أنْ تُقاتِل إلاَّ أنْ يَبْدَؤوك ، أو يأتِيَك أمْرِي ، والسَّلامُ عليْكَ ورَحمَةُ اللّه ِ » . (5)

.


1- . الكافي : ج7 ص51 ح7 وراجع : تحف العقول : ص197 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص113 ، مقاتل الطالبيين : ص25 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص120 ، ذخائر العقبى :ص116 ، المناقب للخوارزمي : ص278 .
2- . نهج البلاغة : الكتاب56 ، بحار الأنوار : ج33 ص261 ح676 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج17 ص138 الرقم56 نحوه .
3- . نهج البلاغة :الكتاب11 ، تحف العقول : ص192 ، بحار الأنوار : ج33 ص461 ح676 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص89 الرقم11 كلّها نحوه .
4- . تحف العقول :ص191 .
5- . تحف العقول : ص191 ، بحار الأنوار : ج33 ص465 ح676 ، وقعة صفّين :ص121 و123 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص89 كلاهما نحوه .

ص: 260

. .

ص: 261

. .

ص: 262

. .

ص: 263

الفصل السابع : مكاتيبه عليه السلام المجهولة التاريخ

اشاره

الفصل السابع : مكاتيبه عليه السلام المجهولة التاريخ

.

ص: 264

. .

ص: 265

187 _ كتابه عليه السلام إلى زياد

187كتابه عليه السلام إلى زياد[ نقل مصنّف كتاب معادن الحكمة (1) عن السَّيِّد الرَّضي رحمه الله في نهج البلاغة صورة لهذا الكتاب ، ونقلنا صورة ثانية له عن اليعقوبيّ ، ونقل البلاذري صورة ثالثة ، وهي : ] ووجَّه عليه السلام إلى زياد رسولاً ليأخذه لحمل ما اجتمع عنده من المال ، فحمل زياد ما كان عنده ، وقال للّرسول : إنَّ الأكراد قد كَسَروا مِنَ الخَراجِ ، وأنَا أُداريهم فلا تُعلِم أميرَ المؤمنين ذلِكَ فيرى أنَّه اعتلالُ مِنِّي . فقدم الرَّسول ، فأخبر عليَّا عليه السلام بما قال زياد ، فكتَب إليه : « قد بَلَّغَنِي رَسولي عَنْكَ ما أخْبَرْتَهُ بهِ عَنِ الأكْرادِ ، واسْتِكْتامَكَ إيَّاهُ ذلِكَ ، وقد عَلِمْتُ أنَّك لم تُلْقِ ذلِكَ إليهِ إلاَّ لِتُبْلِغَني إيَّاهُ ، وإنِّي أُقْسِمُ باللّه ِ عز و جل قَسَما صادِقا لَئِن بلَغَنِي أنَّك خُنْتَ مِن فَيءِ المُسلِمينَ شَيئا صَغِيرا أو كَبِيرا ، لأشدُّنَّ علَيْكَ ، شَدَّةً يَدَعُك (2) قَلِيلَ الوَفْرِ ، ثَقِيلَ الظَّهر ، والسَّلامُ » . (3)

.


1- . معادن الحكمة : ج1 ص314 الرقم40 .
2- . هكذا في المصدر، والصحيح: «تَدَعُكَ» كما في نهج البلاغة، الكتاب 20.
3- . أنساب الأشراف : ج2 ص390 وراجع : نهج البلاغة : الكتاب20 .

ص: 266

كتابه عليه السلام إلى زياد

كتابه عليه السلام إلى زيادفي نهج البلاغة : من كتاب له عليه السلام إلى زياد بن أبى ، وهو خليفة عامله عبد اللّه بن عبَّاس على البصرة ، وعبد اللّه عامل أمير المؤمنين عليه السلام يومئذٍ عليها ، وعلى كور الأهواز ، وفارس وكرمان وغيرها . « وإِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَما صَادِقا ، لَئِنْ بَلَغَنِي أنَّك خُنْتَ مِن فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئا ، صَغِيرا أو كَبِيرا ، لأَشُدَّنَّ عَلَيْك شَدَّةً تَدَعُك قَلِيلَ الْوَفْرِ ، ثَقِيلَ الظَّهْرِ ، ضَئِيلَ الأَمْرِ ، والسَّلامُ . » (1) [ أخرجهُ مصنّف كتاب معادن الحكمة (2) إلى زياد ، وأشرنا إليه في ترجمة زياد ، ولكن في شرح ابن أبي الحديد أخرجه بصورة أخرى ، لا مناص من نقله هنا ، وهو : ] « أمَّا بعدُ ، فإنِّي قد وَلَّيْتُك ما وَلَّيتُك ، وأنَا أراكَ لذلك أهْلاً ، وإنَّهُ قد كانَت مِن أبي سُفْيَانَ فَلْتَةٌ في أيَّامِ عُمَرَ مِن أمانِيِّ التِّيِهِ وكَذِبِ النَّفسِ ، لَم تَستَوْجِبْ بِها مِيرَاثا ، ولَم تستَحِقَّ بِها نَسَبا ، وإنَّ مُعاوِيَةَ كالشّيْطانِ الرَّجيمِ ، يأتِي المرْءَ مِن بَينِ يَديْهِ ، ومِن خَلْفِهِ ، وعن يَمِينِهِ ، وعن شِمالِهِ ، فاحْذَرْهُ ، ثُمَّ احْذَرْهُ ، ثُمَّ احْذَرْهُ ، والسَّلامُ » . (3)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب20 .
2- . معادن الحكمة : ج1 ص307 الرقم38 .
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص182 وراجع : الإصابة : ج1 ص549 ، تاريخ مدينة دمشق : ج18 ص172 ؛ وقعة صفِّين : ص366 .

ص: 267

188 _ كتابه عليه السلام إلى أهل البصرة

188كتابه عليه السلام إلى أهل البصرة« مِن عَبدِ اللّه ِ علِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى مَن قُرِئَ علَيهِ كِتابي هذا مِن ساكِني البَصرَةِ مِنَ المُؤمِنينَ والمُسلِمينَ : سلامٌ عَليكُمْ ، أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّ اللّه َ حَلِيمٌ ذو أناةٍ لا يَعجَلُ بِالعُقوبَةِ قَبلَ البَيِّنَةِ ، ولا يأخُذُ المُذنِبَ عِندَ أوَّلِ وَهلَةٍ ، ولكِنَّهُ يَقبَلُ التَّوبَةَ ، ويَستَدِيمُ الأَناةَ ، ويَرضى بالإِنابَةِ ، لِيَكونَ أعظَمَ للِحُّجَةِ وأبلَغَ فِي المَعذِرَةِ ، وقد كانَ مِن شِقاقِ جُلَّكُم أيُّها النَّاسُ ما استَحقَقْتَم أنْ تُعاقَبوا عَليهِ فَعفَوتُ عَن مُجرِمِكُم ، ورَفعتُ السَّيفَ عَن مُدبِرِكُم ، وقَبلِتُ مِن مُقبِلِكُم ، وأخَذتُ بَيعَتَكُم ؛ فَإن تَفُوا بِبَيعَتِي ، وتَقبَلُوا نَصيحَتِي ، وتَستَقِيمُوا علَى طاعَتِي أعمَلْ فِيكُم بالكتابِ والسُّنّةِ وقَصدِ الحَقِّ وأُقِمْ فِيكُم سَبِيلَ الهُدى ، فَو اللّه ِ ، ما أعلَمُ أنَّ واليا بَعدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أعلَمُ بِذَلِكَ مِنّي ولا أعمَلُ ، أقولُ قَولِي هذا صادِقا غَيرَ ذامٍّ لِمَن مَضَى ولا مُنتَقِصا لِأَعْمالِهِم ، فَإن خَطَت بِكُم الأهواءُ المُردِيَةُ وسفَهُ الرَّأي الجائِرِ إلى مُنابَذَتِي تُرِيدونَ خِلافِي ، فَهأنذا قَرّبْتُ جِيادي ورَحَّلْتُ رِكابِي ، وايمُ اللّه ِ ، لَئِنْ ألجأتُمونِي إلى المَسيرِ إليكُم لأُوقِعَنَّ بِكُم وَقَعَةً لا يكونُ يَومُ الجَمَلِ عِندَها إلاَّ كَلَعْقَةِ لاعِقٍ ، وإنّي لَظَانٌّ ألاّ تجعَلُوا إن شاءَ اللّه ُ علَى أنفُسِكُم سَبِيلاً ، وقَد قَدَّمْتُ هذا الكِتابَ حُجَّةً عَلَيكُم ، ولَن أكتُبَ إليكُم مِن بَعدِهِ كِتابا إنْ أنتُم استَغشَشْتُم نصيحَتي ونابَذتُم رَسُولِي حَتَّى أكونَ أنا الشَّاخِصَ نَحوَكُم إنْ شاءَ اللّه ُ ، والسَّلامُ . » (1)

[ نقل مصنف كتاب معادن الحكمة ، عن السَّيِّد الرَّضي رحمه الله في نهج البلاغة : ومن المعلوم أنَّ السَّيِّدَ رحمه الله اختصر كما هو دأبه في نهج البلاغة ، فلمَّا قرأ جارية كتاب أمير المؤمنين عليه السلام على النَّاس قام صبرة بن شيمان فقال : سمعنا وأطعنا ، ونحن لمن حارب أمير المؤمنين حرب ، ولمن سالم أمير المؤمنين سلم ، إن كفيت يا جارية قومك بقولك . فقام وجوه النَّاس وتكلَّموا ، فقام زياد خطيبا في الأزْد فأجابوه ، وقدم جارية قومه فلم يجيبوه ، فأرسل إلى زياد والأزْد يستصرخه ، وجاءت الأزْد وجاء شريك بن الأعْوَر ناصرا جارية ، فانهزم تَميم وابن الحَضْرَمِيّ ودخلوا دار سبيل السَّعدي ، فحضروا ابن الحَضْرَمِيّ فقال جارية : عَلَيَّ بالنَّار ، فأحرق الدَّارَ ، فهلك ابن الحَضْرَمِيّ في سبعين رَجُلاً . ] (2)

.


1- . الغارات : ج2 ص403 وراجع : بحار الأنوار : ج33 ص495 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص112 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص49 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص416 ، أنساب الأشراف : ج3 ص191 ، البداية والنهاية : ج7 ص318 .
2- . راجع : الغارات : ج 2 ص 404 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 4 ص 50 .

ص: 268

189 _ كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

189كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاس[ نقل مصنف كتاب معادن الحكمة رحمه اللهكتابا له عليه السلام إلى عبد اللّه بن العبَّاس ، ولكن نقله الكشّي وأنساب الأشراف ونهج السَّعادة بصور أخرى : ] أمَّا نصُّ ما نقل المُصنِّفُ :« أمَّا بعدُ ، فإنَّ مِنَ العَجَبِ أنْ تُزَيِّنَ نَفْسُكَ ، أنَّ لكَ في بَيتِ مالِ المُسلمِينَ مِنَ الحَقِّ أكْثَرَ مِمَّا لِرَجُلٍ واحِدٍ مِنَ المُسلمِينَ ، فقَد أفْلَحْتَ إنْ كانَ تَمَنِّيك الباطِلَ ، وادِّعاؤ ما لا يكونُ يُنْجِيكَ مِنَ المأثْمِ ، ويُحِلُّ لَكَ المُحَرَّمَ ، إنَّك لأنْت المُهْتَدِي السَّعيدُ إذا . وقد بَلغَنِي أنَّكَ اتَّخذتَ مَكَّةَ وَطَنا ، وضَرَبْتَ بِها عَطَنا ، تَشْتَري بِها المُوَلَّداتُ من مكَّة والمدينة ، والطائفِ تخْتَارُهنَّ علَى عَيْنِكَ ، وتُعْطِي فِيهِنَّ مالَ غَيْرِكَ ، فارجِعْ _ هداكَ اللّه ُ _ إلى رُشدِكَ ، وتُبْ إلى اللّه ِ رَبِّكَ ، واخرُجْ إلى المُسلِمِينَ مِن أموالِهِم ، فَعَمَّا قَليلٍ تُفارِقُ مَن ألِفْتَ ، وتَتْرُكُ ما جَمْعْتَ ، وتغِيبُ في صَدْعٍ مِنَ الأرضِ غَيْرَ مُوسَّدٍ ، ولا مُمَهَّدٍ ، قَدْ فارقْتَ الأحبابَ ، وسَكَنْتَ التُّراب ، وواجَهْتَ الحِسابَ ، غَنِيَّا عَمَّا خَلَّفْتَ ، فَقِيْرا إلى ما قَدَّمْتَ ، والسَّلامُ » . (1) وأمَّا نصُّ الكَشّي : « أمَّا بَعدُ ، فالعَجَبُ كُلُّ العَجَب مِن تَزيينِ نَفْسِكَ ، أنَّ لَكَ في بَيتِ مَالِ اللّه أكْثَرَ مِمَّا أخذت وأكثر ممّا لرَجُلٍ مِنَ المُسلمِينَ ، فقد أفْلَحْتَ إن كانَ تَمَنِّيكَ الباطِلَ ، وادِّعاو ما لا يكونُ يُنْجِيكَ مِنَ الإثْمِ ، ويُحِلُّ لَكَ ما حَرَّمَ اللّه ُ عَليْكَ ، عَمَّرَك اللّه ُ ، أنَّك لَأنْتَ العَبدُ المُهتَدِي إذا . فقد بلغنِي أنَّك اتَّخذتَ مكَّةَ وَطَنا ، وضَرَبْت بها عَطَنا ، تَشْتَري مُوَلَّدات مكَّةَ والطَّائِفِ ، وتخْتَارُهنَّ على عَيْنِكَ ، وتُعْطِي فِيهِنَّ مالَ غيْرِكَ ، وأنِّي لأُقْسِمُ باللّه ِ رَبِّي ورَبِّكَ ورَبِّ العِزَّةِ : ما يَسرُّنِي أنَّ ما أخَذْتُ مِن أموالِهِم لِي حَلالٌ ، أدَعُهُ مِيراثا ، فَما فلا غرو وأشدّ باغْتِباطِك تأكُلُهُ رُوَيْدا رُوَيْدا ، فكأَنْ قَد بَلغْتَ الْمَدى ، وعُرِضْتَ علَى رَبِّكَ بالمَحَلِّ الَّذِي يَتَمَنَّى الرَّجْعَةَ والمُضَيِّع للتَّوبَةِ كَذلِكَ ، وما ذلِكَ ولاتَ حِينَ مَناصٍ » . (2) أمَّا نصُّ أنساب الأشراف : « أمَّا بعدُ ، فإنَّ من أعْجَبِ العَجَبِ تَزْيينُ نَفسِكَ لَكَ أنَّ لكَ في بَيتِ المالِ مِنَ الحَقِّ أكْثَرَ مِمَّا لرَجُلٍ مِنَ المُسلِمينَ ، ولَقد أفْلَحتَ إنْ كانَ ادِّعاؤكَ ما لا يكونُ وتَمَنِّيكَ الباطِلَ يُنَجيِّك مِنَ الإثمِ . عَمَّرَكَ اللّه ُ أنَّك لَأنْتَ السَّعِيدُ إذا ! وقد بلغنِي أنَّك اتَّخَذتَ مكَّة وَطَنا ، وصَيَّرتَها عَطَنا ، واشْتريت موَلَّدات المَدينَةِ والطَّائِفِ ، تَتَخَيَّرَهُنَّ على عَينِكَ ، وتُعطِي فِيهِنَّ مالَ غَيْرِكَ ، واللّه ِ ما أُحِبُّ أن يَكُونَ الَّذي أخذتُ مِن أموالِهِم لِي حلالاً أدَعُه مِيراثا ، فكيَفَ لا أتعَجَّبُ مِنَ اغتِباطِكَ بأكْلِهِ حَراما ! فَضَحِّ رُويْدا ، فكأنَّك قد بَلغْتَ الْمَدى ، حَيثُ يُنادِي المُغْترُّ بالحَسْرَةِ ، ويَتَمَنَّى المُفْرِطُ التَّوبَةَ ، والظَّالِمُ الرَّجْعَةَ ، ولاتَ حِينَ مناصٍ ، والسَّلامُ » . (3) ونصُّ نهج السَّعادة : « أمَّا بعدُ ، فإنَّ العَجَبَ كُلَّ العَجَب مِنْكَ ، إذْ تَرى لِنَفْسِكَ في بيتِ مالِ اللّه ِ أكْثَرَ مِمَّا لِرَجُلٍ مِن المُسلمِينَ ، قد أفْلَحْتَ إن كانَ تَمَنِّيكَ الباطِلَ ، وادِّعاؤكَ ما لا يكونُ يُنْجِيكَ مِنَ الإثْمِ ، ويُحِلُّ لكَ ما حَرَّم اللّه ُ عَليْكَ . عَمَّرَك اللّه ُ إنَّك لَأنْتَ البَعِيْدُ البَعِيدُ ، قد بَلغَنِي أنَّك اتَّخذتَ مَكَّةَ وَطَنا ، وضَرَبْت بِها عَطَنا ، تَشْتَري المُوَلَّداتِ مِنَ المَدينَةِ والطَّائِفِ ، وتخْتَارُهنَّ علَى عَيْنِكَ ، وتُعْطِي بِها مالَ غَيْرِكَ ، وإنِّي أُقْسِمُ باللّه ِ رَبِّي ورَبِّكَ ورَبِّ العِزَّة مِا أُحِبُّ أنَّ ما أخَذْتُ مِنْ أموالِهِم لِي حَلالاًً أدَعُه مِيراثا لِعَقبِي ، فَما بالُ اغْتِباطِكَ بهِ تأكلُهُ حَراما . ضَحِّ رُوَيْدا فكأنَّك قد بَلَغْتَ الْمَدى ودُفِنْتَ تَحْتَ الثَّرى ، وعُرِضَتْ عَليكَ أعْمالُكَ بالمَحَلِّ الَّذِي يُنادِي فيهِ المُغْتَرُّ بالْحَسْرَةِ ، ويَتَمَنَّى المُضَيَّعُ التَّوبَةَ ، والظَّالِمُ الرَّجْعَةَ ولاتَ حِينَ مَناصٍ » . (4)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص170 .
2- . رجال الكشّي : ج1 ص280 .
3- . أنساب الأشراف : ج 2 ص401 .
4- . نهج السعادة : ج 5 ص 331 الرقم 169 .

ص: 269

. .

ص: 270

. .

ص: 271

كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاسكان ابن عبَّاس يقول : ما انْتفعت بكلامٍ بعدَ كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله كانتفاعي بهذا الكلامِ :« أمَّا بعدُ ، فإنَّ المَرءَ قدْ يَسُرُّهُ دَرْكُ ما لَمْ يكُنْ لِيَفُوتَهُ ، ويَسُوؤ فَوْتُ ما لَم يكُنْ لِيُدْرِكَهُ ، فلْيَكُنْ سُرُورُكَ بِما نِلْتَ مِن آخِرَتِكَ ، ولِيَكُن أسَفُكَ علَى ما فَاتَكَ مِنْها ، وما نِلْتَ مِن دُنيْاكَ فلا تُكْثِر بهِ فَرَحا ، وما فاتَك مِنها فَلاَ تَأْسَ عَليْهِ جَزَعا ، ولِيَكُن هَمُّك فيما بَعدَ المَوْتِ . » (1)

وهذا الكتاب أورده محمَّد بن يعقوب رحمه الله في الكافي هكذا : عِدَّةٌ من أصْحَابِنا ، عن سَهْلِ بن زِيَادٍ ، عن عَلِيِّ بن أسْبَاطٍ ، رَفَعَهُ قال : كَتَبَ أمِيرُ المُؤمِنِين عليه السلام إلى ابن عَبَّاسٍ :« أمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ يَسُرُّ المَرْءَ ما لمْ يَكُن لِيَفُوتَهُ ، ويَحْزُنُهُ ما لمْ يَكُن لِيُصِيبَهُ أبَدا ، وإنْ جَهَدَ فَلْيَكُنْ سُرُورُكَ بما قَدَّمْتَ مِن عَمَلٍ صَالِحٍ ، أو حُكْمٍ ، أو قَوْلٍ ، ولْيَكُنْ أسَفُكَ فيما فَرَّطْتَ فيه من ذَلِكَ ، ودَعْ ما فَاتَكَ من الدُّنْيَا ، فلا تُكْثِرْ علَيْه حَزَنا ، وما أصَابَكَ مِنْها فلا تَنْعَمْ بِه سُرُورا ، ولْيَكُنْ هَمُّكَ فِيما بَعْدَ المَوْتِ ، والسَّلامُ . » (2)

ومثله على ما في نهج البلاغة :« أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الْمَرْءَ لَيَفْرَحُ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ ، ويَحْزَنُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ، فَلا يَكُنْ أَفْضَلَ مَا نِلْتَ فِي نَفْسِك مِنْ دُنْيَاك بُلُوغُ لَذَّةٍ أو شِفَاءُ غَيْظٍ ، ولكِنْ إِطْفَاءُ بَاطِلٍ أو إِحْيَاءُ حَقٍّ ، ولْيَكُنْ سُرُورُك بِمَا قَدَّمْتَ ، وأَسَفُك عَلَى مَا خَلَّفْتَ ، وهَمُّك فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ » . (3)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص140 .
2- . الكافي : ج8 ص240 ح327 .
3- . نهج البلاغة : الكتاب66 .

ص: 272

كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاس« أمَّا بَعدُ ، فاطلُب ما يَعْنِيكَ ، واتْرُك ما لا يَعْنِيكَ ، فإنَّ في ترْكِ ما لا يَعْنِيكَ دَرْكَ ما يَعنِيكَ ، وإنَّما تَقْدِمُ على ما أسْلَفْتَ لا علَى ما خَلَّفْتَ ، وابنِ ما تَلْقاهُ غدا على ما تلقاةُ ، والسَّلامُ . » (1)

كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاسكتب عليّ عليه السلام إلى ابن عبَّاس :« أمَّا بعدُ ، فلا يكُن حَظُّك فِي وِلايَتِك مالاً تسْتَفِيدُ ، ولا غَيْظا تَشتَفِيه ، ولكِن أماتَةَ باطلٍ ، وإحْياءَ حقٍّ » . (2)

كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاس« أمَّا بعدُ ، فإنَّك لَسْتَ بسابِقٍ أجَلَك ، ولا مَرْزُوقٍ ما لَيْسَ لَكَ ، واعْلَم بأنَّ الدَّهر يوْمان : يوْمٌ لَكَ ، ويَوْمٌ عليْك ، وأنَّ الدُّنْيا دارُ دُوَلٍ ، فمَا كان منْها لَك أتَاك علَى ضَعْفِك ، وما كان منها علَيْك لم تَدْفَعْه بقُوَّتِك » . (3)

.


1- . تحف العقول : ص218 ، بحار الأنوار : ج78 ص57 .
2- . بحار الأنوار : ج40 ص328 ح 10 نقلاً عن المناقب لابن شهرآشوب .
3- . نهج البلاغة : الكتاب72 .

ص: 273

190 _ كتابه عليه السلام إلى بعض أكابر أصحابه

190كتابه عليه السلام إلى بعض أكابر أصحابهقال السَّيِّد بن طاووس رحمه الله : إنَّ الشَّيخ محمَّد بن يعقوب الكليني رحمه اللهذكر في كتاب الرَّسائل المعتمد علَيه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام رسالة تتضمّن ذكر الأئمَّة من ذرِّيته عليهم السلام . قال محمَّد بن يعقوب : ما هذا لفظه : عن عليّ بن محمَّد ، ومحَّمد بن الحسن وغيرهما ، عن سَهْل بن زياد ، عن العبَّاس بن عِمْرَان ، عن محمَّد بن القاسم بن الوليد الصَّيرفيّ ، عن المفضل ، عن سِنان بن طريف ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :« كان أمير المؤمنين عليه السلام يكتب بهذه الخُطبَةِ إلى بَعْضِ أكابِرِ أصحابِهِ ، وفيها كَلامٌ عَن رسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : » « بِسْمِ اللّه الرَّحْمن الرَّحِيمِ إلى المُقَرَّبِين المقرِّين في الأظِلَّةِ ، المُمْتَحَنِينَ بالبَلِيَّةِ ، المُسارِعِينَ في الطَّاعَةِ المُسْتَيقِنِينَ بِيَ الكَرَّةَ ، تَحِيَّةٌ مِنَّا إليْكُم ، وسَلامٌ عَليْكُم . أمَّا بَعدُ ، فإنَّ نورَ البَصِيرَةِ رَوحُ الحَياةِ الَّذِي لا يَنْفَعُ إيمانٌ إلاَّ بِهِ مَعَ اتِّباعِ كَلِمَةِ اللّه ِ ، والتَّصديِقِ بها ، فالْكلمَةُ مِنَ الرُّوحِ ، والرُّوحُ مِنَ النُّورِ ، والنُّورُ نورُ السَّماواتِ والأرضِ ، فبِأيْدِيكم سَبَبٌ وَصَلَ إليْكم منَّا ، نِعْمَةً مِنَ اللّه ِ لا تَعْقِلونَ شُكْرَها خَصَّكُم بِها واسْتَخْلصَكُم لَها ، « وَ تِلْكَ الْأَمْثَلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَ مَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ الْعَ_لِمُونَ » (1) ، إنَّ اللّه َ عَهِدَ عَهْدا أنْ لنْ يَحِلَّ عَقْدَهُ أحَدٌ سِواهُ ، فسارِعُوا إلى وَفاءِ العَهْد ، وامْكُثوا في طَلَبِ الفَضَلِ ، فإنَّ الدُّنيا عَرَضٌ حاضِرٌ يأكُلُ منها البَرُّ والفاجِرُ ، وإنَّ الآخِرَةَ وَعْدٌ صادِقٌ يَقْضِي فيها مَلِكٌ قادرٌ . أ لا وإنَّ الأمرَ كمَا وُقِّعَ ، لِسَبْعٍ بَقِينَ مِن صَفَر تَسِيرُ فيها الجنُوُدُ ، ويُهْلَكُ فِيها المُبْطِلُ الجَحُودُ خُيولُها عِرابٌ ، وفُرسانُها حِرابٌ ، ونَحْنُ بِذلِكَ واثِقونَ ، ولِما ذَكرْنا مُنْتَظِرونَ انْتظارَ المُجْدِبِ المَطَرَ ، لِيَنْبُت العُشْبُ ، ويُجْني الثَّمرَةَ . دَعانِي إلى الكتابِ إليْكم اسْتِنْقاذُكُم مِنَ العَمى ، وإرْشادُكم بابَ الهُدى ، فاسْلُكوا سَبيلَ السَّلامَةِ ، فإنَّها جِماعُ الكَرَامَةِ ، اصْطَفَى اللّه ُ مَنْهَجَهُ ، وَبيَّنَ حُجَجَهُ ، وأرَفَّ أُرَفَهُ ، ووَصَفَه وَحَدَّه ، وجَعَلَه نَصًّا كمَا وصَفَه . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنَّ العبْد إذا دخَلَ حُفْرَتَه يأتِيه مَلَكانِ : أحدُهُما مُنْكَرٌ ، والآخَرُ نَكِيرٌ ، فأوَّل ما يَسألانِه عن ربِّهِ ، وعَن نَبِيِّهِ ، وعَن ولِيِّهِ ، فَإنْ أجابَ نَجا ، وإنْ تَحَيَّر عَذَّباهُ . فَقال قائِلٌ : فَما حالُ مَن عَرَفَ رَبَّهُ ، وعرَفَ نَبِيَّهُ ، ولَمْ يَعرِفْ ولِيَّهُ ؟ فقال صلى الله عليه و آله : ذلِك مُذَبْذَبٌ « لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ » (2) . قيل : فمَن الوَليُّ يا رسول اللّه ؟ فقال : وَليُّكم في هذا الزَّمانِ أنَا ومَن بَعْدي وَصِيِّي ، ومَن بعْدِ وَصيَّي لِكُلِّ زمانٍ حُجَجُ اللّه ِ كَيْما لا تَقولونَ كمَا قال الضُّلاَّلُ حيْنَ فارَقَهم نبِيُّهم : « رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ ءَايَتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَ نَخْزَى » (3) ، وإنَّما كان تَمامُ ضَلالِهِم جَهالَتَهم بالآياتِ وهُم الأوصياءُ ، فأجابَهم اللّه ُ : « قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَبُ الصِّرَ طِ السَّوِىِّ وَمَنِ اهْتَدَى » (4) ، وإنَّما كان تَرَبُّصُهم أنْ قالوا : نحْنُ في سَعَةٍ عَن مَعْرِفَةِ الأوصياءِ حَتَّى يُعْلِنَ الإمامُ عِلْمَهُ . فالأَوصياءُ قُوَّامٌ عليْكم بَينَ الْجَنَّةِ والنَّارِ ، لا يدخُلُ الجَنَّةَ إلاَّ مَن عَرَفَهم وعَرَفُوهُ ، ولا يدْخُلُ النَّارَ إلاَّ مَن أنْكَرَهُم ، وأنْكَرَوهُ ، لأنَّهم عُرَفاءُ العِبادِ ، عَرَّفَهم اللّه ُ إيَّاهُم عِنْدَ أخْذِ المَواثِيقِ عَليْهِم بالطَّاعَةِ لَهُم ، فَوَصَفَهم في كتابِهِ فقالَ جَلَّ وعَزَّ : « وَعَلَى الأَْعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاَّ بِسِيمَاهُمْ » (5) ، وهم الشُّهداءُ علَى النَّاسِ والنَّبِيُّونَ شُهداءُ لَهُم بأخْذِهِ لَهُم مواثِيقَ العِبادِ بِالطَّاعَةِ ، وذلِكَ قَولُهُ : « فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا * يَوْمَ_ئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا » (6) ، وكذلك أوْحى اللّه ُ إلى آدمَ : أنْ يا آدَمُ قَدْ انْقَضَتْ مُدَّتُكَ ، وقُضِيَت نبُوَّتُكَ ، واسْتَكْمَلتْ أيَّامُكَ ، وحَضَرَ أجلُكَ ، فخُذْ النَّبُوَّةَ ، ومِيْرَاثَ النُّبوَّةِ واسْمَ اللّه ِ الأكبَرِ ، فادْفَعْهُ إلى ابْنِكَ هِبَةِ اللّه ِ ، فإنِّي لم أدَع الأرضَ بِغَيْرِ عَلَمٍ يُعرَفُ ، فلَمَ يَزَل الأنْبياء والأوْصياء يَتَوارَثون ذَلِكَ حَتَّى انْتَهى الأمرُ إليَّ ، وأنَا أدْفَعُ ذلِكَ إلى علِيٍّ وَصِيِّي ، وهُوَ مِنِّي بمَنْزِلَةِ هارُوْنَ مِن مُوسى ، وإنٍّ عليٍّا يُورِّث وُلْدَه حَيّهُم عَن مَيِّتِهم ، فمَن سَرَّه أنْ يَدْخُل جنَّةَ رَبِّهِ فلِيَتَولَ عليَّا والأَوصياءَ من بَعْدِهِ ، ولِيُسَلِّم لِفَضْلِهِم ،فإنَّهم الهُداةُ بَعْدي ، أعطاهُمُ اللّه ُ فَهْمِي وعِلْمِي ، فَهُم عِتْرَتِي مِن لَحْمِي ودَمِي ، أشْكُو إلى اللّه ِ عَدُوَّهُم ، والمنْكِرَ لَهُم فَضْلَهُم ، والقاطِعَ عَنْهم صِلَتِي . فنَحنُ أهْلَ البَيْتِ شَجَرَةُ النُّبوَّةِ ، ومَعْدِنُ الرَّحْمَةِ ، ومخْتَلَفُ الملائِكة ، وموْضِعُ الرِّسالَةِ ، فمثَلُ أهلِ بيْتِي في هذه الأمَّةِ كمَثَلِ سَفِيَنةِ نُوْحٍ ، مَن رَكِبَها نَجَا ، ومَن تَخَلَّفَ عَنْها هلَكَ ، ومَثَل بابِ حِطَّةٍ في بَنِي إسرائيل ، مَن دخَلَهُ غُفِرَ لَهُ ، فأيُّما رايَةٍ خَرجَتْ ليْسَت مِن أهلِ بيْتي فَهِي دَجَّالِيَّةٌ . إنَّ اللّه َ اختارَ لِدِينِهِ أقواما انْتَخَبَهم للقِيامِ علَيْهِ والنَّصرِ لَهُ ، طَهَّرَهم بِكَلَمَةِ الإسلامِ ، وأَوحى إليْهِم مُفْتَرَضَ القُرآنِ ، والعَمَلَ بطاعَتِهِ في مَشارِقِ الأرضِ ومَغارِبِها . إنَّ اللّه َ خَصَّكُم بالإسلامِ ، واسْتَخْلَصَكم لَهُ ، وذلِكَ لأنَّهُ أمْنَعُ سَلامَةً ، وأجْمَعُ كَرامَةً ، اصْطَفَى اللّه ُ مَنْهَجَهُ ، ووَصَفَهُ ووَصَفَ أخلاقَهُ ، ووَصَلَ أطنابَهُ ، مِن ظاهِرِ عِلْمٍ ، وباطِنِ حُكمٍ ( حلْم ) ، ذِي حَلاوَةٍ ومَرارَةٍ ، فمَن طَهُرَ باطِنُه رَأى عَجائِبَ مَناظِرهِ في موارِدهِ ومصادرِهِ ، ومَن فَطَنَ لِما بَطَنَ رَآى مَكْنُونَ الفِطَنِ ، وعجائِبَ الأمثالِ والسُّنَنِ ، ظاهِرُهُ أنِيقٌ ، وباطِنُه عَمِيقٌ ، ولا تَفْنَى غَرائِبُهُ ، ولا تَنْقَضي عجائِبُه فيهِ ، مَفاتِيحُ الكَلامِ ، ومَصابِيحُ الظَّلامِ ، لا يُفْتَحُ الخَيْرات إلاَّ بِمفاتِحِهِ ، ولا تُكْشَفُ الظُّلماتُ إلاَّ بمصابِيحِهِ ، فيْهِ تَفْصِيلٌ وتَوْصِيلٌ ، وبَيانُ الاسْمَين الأعلَيْنِ ، الَّذِين جُمِعا فاجْتَمَعا ، ولا يَصْلُحان إلاَّ معا ، يُسَمَّيانِ ، ويُوصَلانِ فيَجْتَمعانِ ، تَمامُهما في تَمامِ أَحَدِهِما ، حَوَالَيْهما نجُومٌ ، وعلى نُجومِها نُجومٌ ، لَيَحْمي حِماهُ ، ويَرْعى مَرْعاهُ . وفي القرآن تِبيانُهُ ، وبيانُهُ ، وحُدودُهُ ، وأرْكانُه ، ومواضِيعُ مقادِيرِهِ ، ووَزْنُ ميزانِهِ : مِيزانُ العَدْلِ ، وحُكْمُ الفَصلِ ، إنَّ رُعاةَ الدِّين فَرَّقوا بَينَ الشَّكِّ واليَقِينِ ، وجاؤوا بالحَقِّ ، بَنَوا للإسلام بُنْيانا ، فأسَّسُوا لَهُ أساسا وأركانا ، وجاؤوا على ذلِكَ شُهودا ، بِعَلاماتٍ وأماراتٍ ، فِيها كِفاءُ المُكْتَفي ، وشِفاءُ المُسْتَشْفي ، يَحومونَ حِماهُ ، ويَرْعَوْن مَرْعاه ، ويَصُونُون مَصُونَه ، ويُفَجِّرون عُيونَهُ ، لِحبِّ اللّه ، وبِرِّهِ وتعظِيمِ أمْرِهِ ، وذكْرِهِ ممَّا يَجبُّ أنْ يُذْكَرَ بهِ ، يتَواصلُونَ بالوِلايَة ، ويَتنازَعونَ بِحُسْنِ الرِّعايَةِ ، ويَتَساقَون بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ ، ويَتلاقَونَ بِحُسنِ التَّحِيَّةِ ، وأخلاقٍ سَنِيَّةٍ ، قُوَّامٌ عُلَماءُ ، أمَناءُ ، لا يَسوغُ فيهِمُ الرِّيبَةُ ، ولا تُشْرَعُ فيهم الغِيْبَةُ ، فمَن اسْتَبْطَنَ من ذلِكَ شَيْئا اسْتَبْطَنَ خُلُقا سَنيَّا . فطُوبى لِذِي قلبٍ سَلِيمٍ ، أطاعَ مَن يَهديهِ ، واجْتَنَبَ مَن يُردِيهِ ، ويَدْخُلُ مَدْخَلَ كَرامَةٍ ، ويَنالُ سبِيلَ سَلامَةٍ ، تَبْصِرةً لمَن بَصَّرَهُ ، وطاعَةً لِمَن يَهديِهِ إلى أفضَلِ الدِّلالَةِ ، وكَشْفِ غِطاءِ الجَهالَةِ المُضِلَّةِ المُهْلِكَةِ ، ومَن أرادَ بعْدَ هذا فلْيُطَهِّرَ بالهُدى ديْنَه ، فإنَّ الهُدى لا تُغْلَقُ أبوابُهُ ، وقد فُتِحَتْ أسبابُهُ ببُرهانٍ وبَيانٍ ، لامْرِئٍ اسْتَنْصَحَ ، وقَبِلَ نصِيحَةَ مَن نَصَحَ بخُضُوعٍ ، وحُسْنِ خشُوعٍ ، فلْيُقبِل امْرؤ بِقَبُولِها ، ولِيَحْذَر قارِعَةً قبْلَ حُلُولِها ، والسَّلامُ » . (7)

.


1- . العنكبوت :43 .
2- . النساء: 143 .
3- . طه :134 .
4- . طه :134 .
5- . الأعراف :46 .
6- . النساء : 41 و42 .
7- . كشف المحجَّة : ص270 _ 276 وراجع : بحار الأنوار : ج30 ص 37 ، إثبات الهداة : ج3 ص75 .

ص: 274

. .

ص: 275

. .

ص: 276

. .

ص: 277

191 _ كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه

191كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهكتب إلى بعض أصحابه واعظا له : علِيُّ بْنُ إبراهيمَ ، عن مُحَمَّدِ بن عِيسَى ، عن يُونُسَ ، عن أبِي جَمِيلَةَ ، قال : قال أبُو عَبد اللّه عليه السلام : « كَتَبَ أمِيرُ المُؤمِنِينَ عليه السلام إلَى بَعْضِ أصْحَابِهِ يَعِظُهُ :« أُوصِيكَ ونَفْسِي بِتَقْوَى مَنْ لا تَحِلُّ مَعْصِيَتُهُ ، ولا يُرْجَى غَيْرُهُ ، ولا الغِنَى إلاّ به ، فَإِنَّ مَنِ اتَّقَى اللّه جَلَّ وعَزَّ وقَوِي ، و شَبِعَ ورَوِيَ ، ورُفِعَ عَقْلُهُ عَنْ أهْلِ الدُّنْيَا ، فَبَدَنُهُ مَعَ أهْلِ الدُّنْيَا ، وقَلْبُهُ وعَقْلُهُ مُعَايِنُ الآخِرَةِ ، فَأطْفَأ بِضَوْءِ قَلْبِهِ مَا أبْصَرَتْ عَيْنَاهُ مِنْ حُبِّ الدُّنْيَا ، فَقَذَّرَ حَرَامَهَا ، وجَانَبَ شُبُهَاتِهَا ، وأضَرَّ واللّه ، بِالْحَلالِ الصَّافِي إِلاّ مَا لا بُدَّ لَهُ منه ، مِنْ كسْرَةٍ مِنْهُ يَشُدُّ بِهَا صُلْبَهُ ، وثَوْبٍ يُوَارِي بِه عَوْرَتَهُ مِنْ أغْلَظِ مَا يَجِدُ وأخْشَنِه ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ فِيما لا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ثِقَةٌ ولا رَجَاءٌ ، فَوَقَعَتْ ثِقَتُهُ ورجَاؤهُ علَى خَالِقِ الأشْيَاءِ ، فَجَدَّ واجْتَهَدَ ، وأتْعَبَ بَدَنَهُ حَتَّى بَدَتِ الأضْلاعُ ، وغَارَتِ العَيْنَانِ ، فَأبْدَلَ اللّه لَه مِن ذَلِكَ قُوَّةً فِي بَدَنِهِ ، وشِدَّةً فِي عَقْلِهِ ، ومَا ذُخِرَ لَهُ فِي الآخِرَةِ أكْثَرُ . فَارْفُضِ الدُّنْيَا ، فَإِنَّ حُبَّ الدُّنْيَا يُعْمِي ويُصِمُّ ، ويُبْكِمُ ويُذِلُّ الرِّقَابَ ، فَتَدَارَكْ مَا بَقِيَ مِن عُمُرِكَ ، ولا تَقُلْ غَدا أو بَعْدَ غَدٍ ، فَإنَّما هَلَكَ مَنْ كان قَبْلَكَ بإِقَامَتِهِمْ علَى الأمَانِيِّ والتَّسْوِيفِ ، حَتَّى أتَاهُمْ أمْرُ اللّه بَغْتَةً وهُمْ غَافِلُونَ ، فَنُقِلُوا علَى أعْوَادِهِمْ إلى قُبُورِهِمُ المُظْلِمَةِ الضَّيِّقَةِ ، وقَدْ أسْلَمَهُمُ الأوْلادُ والأهْلُونَ . فَانْقَطِعْ إلَى اللّه بِقَلْبٍ مُنِيبٍ مِنْ رَفْضِ الدُّنْيَا ، وعَزْمٍ لَيْسَ فِيهِ انْكِسَارٌ ، ولا انْخِزَالٌ ، أعَانَنَا اللّه وإِيَّاكَ علَى طَاعَتِه ، ووَفَّقَنَا اللّه وإِيَّاكَ لِمَرْضَاتِه » . (1)

.


1- . الكافي : ج2 ص136 ح23 .

ص: 278

192 _ كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه

192كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهابن ادْريس قَدَسَ اللّه نفْسَه ، عن ابن قُولَوىْ رحمه الله ، عن جَميل ( بن دَرّاج رحمه الله ) قال : قال أبو عبد اللّه ( الإمام جعفر بن محمَّد الصَّادق عليهماالسلام ) : بَلَغ أميرَ المؤمنين عليه السلام موْتُ رَجُلٍ مِن أصحابه ، ثُمَّ جاء خَبر آخَر ، أنَّه لمْ يمت فكتب عليه السلام إليه :« بسم اللّه الرحمن الرحيم أمَّا بعدُ ، فإنَّه قَدْ كان أتَانا خَبَرٌ ارْتَاعَ له إخْوانُك ، ثُمَّ جاء تَكْذِيبُ الخَبَرِ الأوَّل ، فأنْعَمَ ذلِك أنْ سرَرنا ، وإنَّ السُّرُور وَشِيكُ الانْقِطاع ، يَبْلُغُه عمَّا قَليلٍ تَصْدِيقُ الخَبَر الأوَّل ، فهَل أنْت كائِنٌ كَرَجلٍ قَدْ ذَاقَ المَوْتَ وعَاش ما بَعْدَه ، فسَألَ الرَّجْعَةَ فأُسْعِفَ بطَلِبتِه ، فهُو مُتَأهِّبٌ دائب بنقلِ ماأسرَّهُ (1) من مَاله إلى دَار قَرارِه ، لا يَرى أنَّ له مالاً غَيْرَه . واعْلَم أنَّ اللَّيْلَ والنَّهارَ لمْ يَزالا دائِبَيْن في نَقْصِ الأعْمارِ ، وإنْفادِ الأموالِ وَطَيِّ الآجالِ ، هيْهاتَ هيهاتَ قَدْ صَبَّحا عادا وثَمُودَا وقُرُونا بيْنَ ذلِكَ كَثِيرا ، فأصْبَحوا قَدْ وَرَدُوا علَى ربِّهم ، وقَدِموا على أعمالِهِم ، واللَّيلُ والنَّهارُ غَضَّان جَديِدانِ ، لا يُبْلِيهِما ما مَرّا بهِ ، يَسْتَعدَّانِ لِمَنْ بَقِيَ بِمِثلِ ما أصابا فيهِ مَن مَضى . واعْلَم إنَّما أنْت نَظِيرُ إخوانِكَ وأشْباهِكَ مَثَلُكَ كَمَثَلِ الجَسَدِ ، قَدْ نُزِعَتْ قُوَّتُهُ ، فلَمْ يَبْقَ إلاَّ حُشاشَةُ نَفْسِهِ ينْتَظِرُ الدَّاعِي ، فتَعَوَّذ باللّه ِ مِمَّا نَعِظُ بهِ ، ثُمَّ تُقصِّر عَنْهُ » . (2)

.


1- . في المصدر: «ينقل بأَسرهِ» والتصويب من بحار الأنوار .
2- . مستطرفات السرائر : ص141 ح 4 وراجع : بحار الأنوار : ج6 ص134 ؛ جمع الجوامع : ج2 ص151 ، كنز العمّال :ج8 ص219 .

ص: 279

193 _ كتابه عليه السلام إلى مولى له

193كتابه عليه السلام إلى مولى لهعلِيُّ بْنُ إبْراهِيمَ ، عن مُحَمَّد بن عِيسَى ، عن يُونُسَ ، عن بَعْضِ أصْحَابه ، عن أبِي عَبد اللّه عليه السلام ، قال: « إنَّ مَوْلىً لأمِيرِ المُؤمِنِينَ عليه السلام سَألَهُ مَالاً ، فقال : يَخْرُجُ عَطَائِي فَأُقَاسِمُكَ هُوَ . فقال : لا أكْتَفِي ،( و ) خَرَجَ إلى مُعاوِيَةَ ، فَوَصَلَهُ فَكَتَبَ إلى أمير المُؤمِنِينَ عليه السلام ، يُخْبِرُهُ بما أصابَ من المال ، فَكَتَبَ إلَيْه أمِيرُ المُؤمِنِينَ عليه السلام :« أمَّا بَعْدُ ، فإنَّ ما في يَدِكَ مِنَ المالِ قَدْ كانَ لَهُ أهْلٌ قَبْلَكَ ، وهُو صَائِرٌ إلى أهْلِهِ بَعْدَكَ . وإنَّما لكَ مِنْهُ ما مَهَّدْتَ لِنَفْسِكَ ، فَآثِرْ نَفْسَكَ علَى صَلاح وُلْدِكَ ، فَإنَّما أنْتَ جَامِعٌ لِأحَدِ رَجُلَيْنِ : إمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فيه بِطَاعَةِ اللّه ِ فَسَعِدَ بِمَا شَقِيتَ ، وإِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فيهِ بِمَعْصِيَةِ اللّه ِ فَشَقِيَ بِمَا جَمَعْتَ لَهُ ، ولَيْسَ مِن هذَيْنِ أحَدٌ بِأهْلٍ أنْ تُؤثِرَهُ على نَفْسِكَ ، ولا تُبَرِّدَ لَهُ علَى ظَهْرِك ، فَارْجُ لِمَنْ مَضَى رَحْمَةَ اللّه ، وَثِقْ لِما بَقِيَ بِرِزْقِ اللّه ِ . (1)

.


1- . الكافي: ج8 ص73 ح28 وراجع: نهج البلاغة: الحكمة416، المناقب لابن شهرآشوب: ج1 ص312 _ 315 .

ص: 280

194 _ كتابه عليه السلام إلى من يريد عزله

194كتابه عليه السلام إلى مَن يُريد عَزلهأورد أبو عمر في الاستيعاب :« « قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ » (1) ، « وَ لاَ تَعْثَوْاْ فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَ مَآ أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ » (2) » . « إذا أتَاكَ كِتابِي هذا فاحْتَفِظْ بما فِي يَدَيْكَ مِن أعمالِنا حَتَّى نَبْعَثَ إليكَ مِن يَتَسَلَّمُهُ مِنكَ». (3)

.


1- . الأعراف : 85 .
2- . هود : 85 و 86 .
3- . الاستيعاب : ج3 ص211 الرقم 1875 وراجع : تاريخ بغداد : ج4 ص211 ، تاريخ مدينة دمشق :ج65 ص316 ، العِقد الفريد : ج1 ص291 ، بلاغات النساء : ص48 ذكرا كلاهما الأخير في ذيل قصّة سودة ، بنت عمارّة ، معجم المؤلفين : ج1 ص256 ؛ مطالب السؤول : ص93 ، بحار الأنوار : ج41 ص119 نقلاً عن كشف الغمّة ، قاموس الرجال : ج10 ص464 وفيه « كتابه عليه السلام إلى عامله يريد عزله ، قال أبو عمر : إذا بلغه من أحدهم خيانة كتب إليه ويستفاد منه ، أنَّه كان يكتبه إلى كلّ مَن يريد عزله » .

ص: 281

195 _ كتابه عليه السلام في الدّيات

195كتابه عليه السلام في الدِّيات[ روى الشَّيخ الأعظم الكليني رحمه الله في الكافي ، وكذا الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في مَن لا يحضره الفقى ، والشيخ الطُّوسيّ في الاستبصار ، والتَّهذيب بإسنادهم ، ونحن نذكر الأسانيد أوَّلاً ، ثُمَّ ننقله عن التَّهذيب ، لكون روايته أجمع وأكمل ، ونتعرَّض لذكر ما أورده الكافي ومَن لا يحضره الفقى . ] قال في الكافي : عليُّ بنُ إبراهيمَ ، عن مُحَمَّد بنِ عِيسَى ، عن يُونُسَ وعِدَّةٌ من أصْحَابِنَا ، عن سَهْل بن زِيادٍ ، عن مُحَمَّد بن عِيسَى ، عن يُونُسَ ، أنَّهُ عَرَضَ على أبِي الحَسَن الرِّضَا عليه السلام كتابَ الدِّيَاتِ ، وكان فيه . . . عليٌّ ، عن أبيه ، عن ابن فَضَّالٍ ، عن الرِّضا عليه السلام مِثْلَهُ . (1) ثُمَّ ذكر بسَنَده عن مُحَمَّد بن عِيسَى ، عن يُونُسَ ، وعن أبيه ، عن ابن فَضَّالٍ ، جمِيعا عن أبي الحسن الرِّضا عليه السلام ، قال : يُونُسُ عَرَضْتُ عليْه الكتابَ ، فقال : « هو صَحِيحٌ » . [ ثُمَّ نقل شطرا من الكتاب ، فقال : ] عِدَّةٌ من أصحابِنا عن سَهْل بن زِيادٍ ، عن الحسن بن ظَرِيفٍ ، عن أبيه ظَرِيفِ بن ناصِحٍ ، عن رَجُلٍ يُقال له عبد اللّه بنُ أيُّوبَ ، قال : حدَّثنِي أبُو عَمْرو المُتَطَبِّبُ ، قال : عَرَضْتُ هذا الكتابَ على أبي عبد اللّه ِ عليه السلام وعليُّ بنُ فَضَّالٍ ، عن الحَسنِ بنِ الجَهْمِ ، قال : عَرَضْتُهُ على أبي الحسنِ الرِّضا عليه السلام ، فقال لي : « ارْوُوهُ فإنَّهُ صَحِيحٌ » ثُمَّ ذكَر مثْلَه . (2) وذكر شَطْرا منه بإسناده عن مُحَمَّد بن عِيسَى ، عن يُونُسَ ، عن أبي الحسن عليه السلام ، وعنه عن أبيه ، عن ابن فَضَّالٍ ، قال : عرضْتُ الكتاب على أبي الحسن عليه السلام ، فقال : « هو صَحِيحٌ . . . » . (3) وعليُّ بنُ إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابنِ فَضَّالٍ ومُحَمَّد بن عِيسَى ، عن يُونُسَ جَمِيعا قالا : عَرَضْنا كتابَ الفرَائِض عن أمير المُؤمنينَ عليه السلام على أبي الحسن الرِّضا ، فقال : عليه السلام « هُوَ صَحِيحٌ » . (4) وعِدَّةٌ من أصْحابنا عن سَهْلِ بن زيادٍ ، عن الحسن بن ظَرِيفٍ ، عن أبِيه ظَرِيفِ بن ناصِحٍ ، قال : حَدَّثَنِي رجلٌ يقال له عبد اللّه بن أيُّوبَ ، قال : حَدَّثَنِي أبُو عَمْرٍو المُتَطَبِّبُ ، قال عَرَضْتُهُ على أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : أفْتَى -أمير المؤمنين عليه السلام فكَتَب النَّاسُ فُتْياهُ ، وكتَبَ بهِ أميرُ المُؤمنين إلى أُمرائِهِ ورُؤوس أجْنَادِه . . . ثُمَّ ساق الحديث . (5) وروى الحسن بن عليِّ بن فضَّالٍ عن ظَريف بن ناصحٍ عن عبد اللّه بن أيُّوب ، قال : حَدَّثنِي الحسين الرَّوَّاسيُّ ، عن ابن أبي عُمَيرٍ الطَّبيب ، قال : عَرَضْت هذه الرِّواية على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فقال : « نَعم هِيَ حَقٌّ ، وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يأمُر عُمَّالَه بذلك » . (6) وإسناده إلى ابن فضَّال كما في مشيخَة الفقى ، عن أبيه ، عن سَعْد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمَّد بن عيسَى عنه . (7) وفي التَّهذيب : محمَّد بن الحسن بن الوَليْد ، عن محمَّد بن الحسن الصَّفار ، عن أحمد بن محمَّد بن عيسَى ، عن الحسن بن عليّ بن فضَّال ، عن ظَرِيف بن ناصِح ، وروى أحمد بن محمَّد بن يَحْيَى ، عن العبَّاس بن معْرُوف ، عن الحسن بن عليّ بن فضَّال ، عن ظَرِيف بن ناصِح وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضَّال ، عن ظَريْف بن ناصِح وسَهْل بن زِياد ، عن الحسن بن ظَريْف ، عن أبيه ظَرِيف بن ناصِح ، ورواه محمَّد بن الحسن بن الوَلِيد ، عن أحمدَ بن إدْرِيس ، عن محمَّد بن حَسَّان الرَّازيّ ، عن إسماعيل بن جعفر الكِنْديّ ، عن ظَرِيف بن ناصِح ، قال : حَدَّثنِي رجُلٌ يقال له : عبد اللّه بن أيُّوب ، قال : حَدَّثنِي أبو عَمْرو المُتَطَبِّبُ ، قال : عَرَضَت هذه الرِّواية على أبي عبد اللّه عليه السلام ، وروى عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فَضَّال ومحمَّد بن عيسَى ، عن يُونُسَ ، جميْعا عن الرِّضا عليه السلام ، قالا عرضنا عليه الكتابَ ، فقال : هو نعَم حقٌّ ، وقد كان أميرُ المؤمنين عليه السلام يأمر عُمَّالَه بذلك . (8) ونقل في مواضعَ مِن التَّهذيب شَطْرا من هذا الكتاب ، بهذه الأسانيد . (9) وذكر العلاَّمة النُّوري رحمه الله في خاتمة المستدرك ، كتاب الدِّيَات لظَرِيف بن ناصِح ، وبحث في اعتباره وطرق العلماء رضي الله عنهم إليه ، الَّتي يتَّصِل إلى المشايخ الثَّلاثة العِظام ، وإسناد المشايخ العِظام إلى ظَرِيف بن ناصِح إلى الإمام أبي عبد اللّه أو إلى أبي الحسن الرِّضا عليهماالسلام ، وهي ما تقدَّم مُفصَّلاً ، واعترف في آخر كلامه بوجود الاختلاف بين ما نقله الكافي والتَّهذيب والفقيه ، وما في كتاب الدِّيَات الموجود عنده . (10) ويظهر ممَّا نقله الكليني (11) والتَّهذيب (12) ، أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام أفتى بما في هذا الكتاب في وقائع متعدِّدة في زَمَن الخلَفاء ، وطِيلة خِلافَتِهِ الظَّاهرة ، أو في زَمَن حكومته الظَّاهرة فقط ، فكتَب النَّاس فُتياه وجمعوها ، فأمر عليه السلام أن يكتب منها نسخ كَثيرة ، وأرسل إلى كُلِّ واحد من عُمَّاله منها نُسْخة ، وأمرَهم أن يعملوا على وفقها . وذكَر مسلم في صحيحه ، عن ابن أبي مُلَيْكَة ، قال : كتبْتُ إلى ابن عبَّاس أسألُه أن يَكتب لي كتابا ، ويُخْفي عنِّي . فقال : وَلَدٌ ناصِحٌ ، أنَا اخْتَارُ الأمورَ اخْتيارا ، وأُخفِي عنه . قال فَدَعا بقَضاء عليٍّ . فجعَل يكتُب منه أشياءَ . ويَمُرُّ به الشَّيءُ ، فيقول : واللّه ِ ما قَضَى بهذا عليٌّ إلاَّ أن يكون ضَلَّ . ثُمَّ نقل عن طاوُوس قال : أُتِي ابنُ عبَّاس بكتابٍ فيه قَضَاءُ عليٍّ رضى الله عنهفمَحَاه ، إلاَّ قَدْرَ ، وأشَارَ سُفْيانُ بن عُيَيْنَةَ بِذِراعِهِ . (13) [ ويستفاد ممَّا مرَّ أنَّ قضايا أمير المؤمنين عليه السلام كانت تكتب وقتئذٍ ، وكان في أيدي النَّاس منها نُسَخ يكتبون عنها ويروون ، وأنَّ ابن عبَّاس كان عنده منها نسْخَة ، يكتب منها ويتركها ويأتوه بأُخرى فيقرؤها ، ويمْحو منها ما كان موضوعا على أمير المؤمنين عليه السلام بزعمه . ] ومن الذِين كتبوا قضايا أمير المؤمنين عليه السلام وألَّفوا فيها كتابا ، أبو رافِع مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولأبي رافع مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله كتاب السُّنن والأحكام والقضايا (14) . ثُمَّ ذكر النَّجَّاشي إسناده إلى رواية الكتاب بابا بابا ، الصَّلاة والصِّيام والحجّ والزَّكاة والقضايا . (15) وفي الفهرست للطوسي رحمه الله في ترجمة عُبيد اللّه بن أبي رافِع ساقَ سنده إلى كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السلام ، تأليف عُبيد اللّه إلى محمَّد بن عُبيد اللّه بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جدِّه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، ويظهر منه أنَّ الكتاب لأبي رافع ، وإن كان في أوَّل كلامه : إنَّ لعُبيد اللّه كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السلام (16) . وقال المحدِّث القمّي رحمه الله في الكُنى : وله كتاب السُّنن والأحكام والقضايا ، وهو أوَّل مَن جمَع الحديث ورتَّبَه بالأبواب . (17) ولكن من المحتمل أن يكون كتابه كتابا واحدا جامعا للسنن والأحكام والقضايا ، لا أنَّه أفرد للقضايا كتابا ، وأمَّا ابنه عُبيدُ اللّه ِ فقد عمل هو الآخر كتابا أفرده في قضايا أمير المؤمنين عليه السلام ، كما صرَّح به الشيخ في الفهرست ، وقاموس الرِّجال ، قال : عُبيد اللّه بن أبي رافع كاتب أمير المؤمنين عليه السلام ، له كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السلام ، وكتاب تسمية مَن شهِد مع أمير المؤمنين عليه السلام الجمل وصفِّين والنَّهروان من الصّحابة . (18) [ فمن المحتمل أن يكون الكتاب ، إمَّا من أبي رافِع ، أو ابنه عُبيد اللّه ، أو غيرهما ، أخذه أمير المؤمنين عليه السلام منهم ، فكتبه وأرسله إلى عُمَّاله ليعملوا بما فيه ، كما يشهد به سياق الكتاب وأسلوبه ، وصريح الرِّواية كما تقدَّم ، ولكنَّ يُبعِّده أنَّ ظاهر قوله عليه السلام : « وكتب به أمير المؤمنين إلى أمرائهِ ورؤوس أجناده » ، وقوله عليه السلام : « نعم هو حقٌّ ، وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يأمُر عُمَّالُه بِذلِكَ » ، أنَّه عليه السلام كتبه إلى عُمَّاله ليعملوا به طيلة حكومته ، وذلك يُناسب أن يكون الكتاب في أوَّل خلافته ، حَتَّى يعملوا على وِفقه ، لا بعد أن جمع النَّاس الفتيا وكتبوها وأرسله إلى عُمَّاله ، لأنَّ كتاب النَّاس أمر تدريجي حَسب وقوع الحوادث . ومن المحتمل أن يكون الكتاب الموجود هو ما كتبه النَّاس ، وكان يوافق ما كتبه أمير المؤمنين عليه السلام إلى عُمَّاله ، أو يكون الكتاب الموجود هو ما كتبه أمير المؤمنين عليه السلام ، والنّاس أيضا كانوا ألَّفوا على وِفقه تدريجا ، فهو موافق لمَا فيه من الأحكام ، وإن كان قد يخالفه عبارة وترتيبا . ] قال في التَّهذيب : « أفْتَى عليه السلام في كُلِّ عَظْمٍ لَهُ مُخّ فريضَةٌ مُسَمَّاةٌ إذا كُسِرَ فَجُبِرَ عَلى غيرِ عَثمٍ ولا عَيْبٍ ، فجعَلَ فريضَةَ الدِّيَةِ سِتَّة أجزاءٍ ، وجَعلَ في الرُّوحِ والجَنِينِ والأشفَارِ والشَّلَلِ والأعضَاءِ والإبهامِ لِكُلِّ جُزءٍ سِتَّةُ فَرائِضَ ، جَعل دِيَّةَ الجَنِينِ مِئَةَ دِينارٍ وجعَلَ مَنِيَّ الرَّجُل إلى أن يَكونَ جَنِينا خَمْسَةَ أجْزَاء ، فإذا كان جَنِينا قبلَ أن تَلِجَه الرُّوحُ مِئَةَ دِينار ، فجعَلَ للنُّطْفَةِ عِشْرِينَ دِينارا ، وهُوَ الرَجُلُ يُفْزِعُ عن عِرْسِهِ فَيُلقي النُّطْفَةَ وهو لا يُرِيدُ ذلِكَ ، فجعَلَ فِيها أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام عِشْرِينَ دِينارا الخمس ، ولِلْعَلَقَةِ خُمُسَي ذلِكَ أرْبَعِينَ دِينَارا ، وذلِكَ للمَرأةِ أيضا تُطرَقُ أو تُضرَبُ فُتلقِيهِ ، ثُمَّ المُضْغَةَ سِتِّين دِينارا إذا طَرَحَتْه المَرأةُ أيضا في مثل ذلِكَ ، ثُمَّ العَظْمُ ثَمانِين دِينارا إذا طَرَحَتْه المرأة ، ثُمَّ الجَنِين أيضا مِئةَ دِينارٍ إذا طَرقَهُم عَدوٌّ فأسقطْن النِّساءُ في مِثلِ هذا ، أوجَبَ على النِّساءِ ذلِكَ من جِهَةِ المَعقِلَةِ مثْلَ ذلِكَ ، فإذا وُلِد المَوْلُودُ واسْتَهَلَّ _ وهوَ البُكاءُ _ فَبَيَّتوهُم فَقَتَلُوا الصِّبيانَ ، فَفِيهم ألفُ دِينارٍ لِلذَّكَرِ وللأُنثى على مِثلِ هذا الحِسابِ علَى خَمْسمئَةِ دِينارٍ . وأمَّا المَرأةُ إذا قُتِلَت وهِيَ حامِلٌ مُتِمٌّ فلَمْ تسْقُطْ وَلَدَها ولَمْ يُعْلَمْ أ ذَكَرٌ هُوَ أمْ أُنْثَى ، ولَمْ يُعْلَمْ بَعْدَهَا مَاتَ أو قَبْلَهَا ، فَدِيتُهُ نِصْفَانِ ، نِصْفُ دِيَّةِ الذَّكَرِ ونِصْفُ دِيَّةِ الاُنْثَى ، ودِيَّةُ المَرْأةِ كَامِلَةٌ بَعْدَ ذَلك . وأفْتَى في مَنِيِّ الرَّجُلِ يُفْزِعُ عن عِرْسِه فَيَعْزِلُ عَنْهَا المَاءَ ولَمْ يُرِدْ ذَلِكَ نِصْفَ خُمُسِ المئَةِ من دِيَّةِ الجنين عَشَرَةَ دَنَانِيرَ ، وإن أفْرَغَ فِيهَا عِشْرونَ دِينَارا ، وجَعَل في قِصَاصِ جِرَاحَتِهِ ومَعْقُلَتِهِ على قَدْرِ دِيَتِهِ وهِي مئَةُ دِينَارٍ ، وقَضَى في جِراحة الجَنِينِ مِنْ حِسَابِ المئَةِ على ما يَكُونُ مِن جِرَاح الرَّجُل والمَرْأةِ كَامِلَةً . وأفْتَى عليه السلام في الجَسَد ، وجعلَه سِتَّة فَرائِض : النَّفْسُ ، والبَصَر ، والسَمْع ، والكَلام ، والعَقْل ، ونقْصُ الصَّوْت ، من الغَنَنِ والبَحَحِ والشَّلَل في اليَدَيْن والرِّجْلَين ، فجعَل هذا بقِياسِ ذلِكَ الحُكْمِ . ثُمَّ جعَلَ مَعَ كلِّ شَيءٍ مِن هذهِ قِسَامَةً على نحْو ما بلَغت الدِّيةُ . والقَسَامَةُ في النَّفس ، جعَل على العَمْد خَمْسِين رجلاً ، وعلى الخطأ خمسة وعشرين رجلاً على ما بلغت دِيَته ألفَ دِينار ، وعلى الجراح بقَسَامَة سِتَّة نَفَر ، فمَا كان دونَ ذلك فحِسابُه على سِتَّة نَفَر . والقَسَامَة في النَّفْس والسَّمْعِ والبَصَرِ والعَقْلِ والصَّوْتِ من الغَنَنِ والبَحَحِ ونَقْص اليَدَيْنِ والرِّجْلين ، فهذه سِتَّة أجزاء الرَّجل . فالدِّيةُ في النَّفسِ ألفُ دِينارٍ . والأنْفُ ألفُ دِينارٍ . والضَّوْءُ كُلُّهُ مِنَ العَيْنَيْنِ ألفُ دِينارٍ . والبَحَحُ ألفُ دِينارٍ . وشَلَلُ اليَدَيْنِ ألفُ دِينارٍ . والرِّجلَينِ ألفُ دِينارٍ . وذِهابُ السَّمْعِ كُلّهِ ألفُ دينارٍ . والشَّفَتَيْن إذا اسْتُؤصِلتا ألفُ دِينارٍ . والظَّهْرُ إذا حَدب ألف دِينار . والذَّكَرُ ألفُ دِينار . واللِّسانُ إذا اسْتُؤصِلَ ألفُ دينارٍ . والأنْثَيَين ألفُ دينارٍ . وجعل عليه السلام دِيَّة الجراحَةُ في الأعضاء كلّها في الرَّأس والوَجْهِ وسائِر الجَسَدِ من السَّمْعِ والبَصَرِ والصَّوْتِ والعَقْلِ واليَدَينِ والرِّجْلَينِ ، في القَطْع والكَسْرِ والصَّدْعِ والبَططِّ والمُوضِحَةَ والدَّامِيَةِ ونَقْلِ العِظامِ والنَّاقِبَة يكون في شَيءٍ من ذلك ، فمَا كان مِن عَظْمٍ كُسِر فجُبِرَ على غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ لم يُنْقَل منه العِظام ، فإنَّ دِيتَه مَعْلومَةٌ ، فإذا أُوْضِحَ ولمْ يُنْقَل منْه العِظامٌ فدِيَّةُ كَسْرِه ودِيَّةُ مُوضِحَتِه ، ولكلَّ عَظْمٍ كُسِر مَعلُوم . فدِيَّةُ نَقْل عِظامِه ، نصْفُ دِيَّة كَسْرِه . ودِيَّةُ مُوضِحَتِه رُبْعُ دِيَّةِ كَسْرِه ممَّا وارَتِ الثِّيابُ من ذلك غَيْرَ قَصَبَتَي السَّاعِد والأصابع . وفي قَرْحَة لا تَبْرَأُ ثُلُثُ دِيَّةِ ذلك العُضْو الَّذِي هي فيِه . فإذا أُصِيْب الرَّجل في إحْدَى عَيْنَيه فإنَّها تُقَاسُ بِبَيْضَةٍ تُرْبَطُ على عَيْنِه المُصَابَةِ ويُنْظَرُ ما يَنْتَهِي بَصَر عَيْنِه الصَّحِيْحَةِ ، أو يده الصحيحة ثُمَّ تغْطَى عَيْنه الصَّحِيحَة ، ويُنْظَرُ ما يَنْتَهِي بَصَرُ عَيْنه المُصابَة ، فيُعْطَى دِيَتَه من حِسَاب ذلك ، والقَسَامَةُ مع ذلك من السِتَّة أجْزَاء للقَسَامَة على سِتَّة نَفَر على قَدْر ما أُصِيب من عَيْنه ، فإن كان سُدُسَ بَصَرِه حَلَفَ الرَّجل وحْدَه وأُعْطِيَ ، وإن كان ثُلُثَ بَصَرِه حَلَفَ هو ، وحَلَفَ معَه رَجُلٌ آخَرُ ، وإن كان نِصْفَ بصَرِه حَلَفَ هو وحَلَفَ معَه رَجُلان ، وإن كان ثُلُثَي بَصَرِه حَلَفَ هو وحَلَفَ معَه ثَلاثَةُ رِجال ، وإن كان أرْبَعَةَ أخْمَاسِ بصَرِه حَلَفَ هو وحَلَفَ معه أرْبَعَةُ رجالٍ ، وإن كان بَصَرَه كلَّه حَلَفَ هوَ وحَلَفَ معَه خَمْسَةُ رِجالٍ . ذلك في القَسَامَة في العَيْنَين . قال : وأفْتَى عليه السلام فيِمَن لمْ يكنْ له مَن يَحْلِف معه ولمْ يوثقْ به على ما ذهب من بصَرِه ، أنَّه يضاعف عليه اليَمِين ، إن كان سُدُسَ بصَرِه حَلَفَ واحِدةً ، وإن كان الثُلُثَ حَلَفَ مَرَّتَينِ ، وإن كان النِّصْفَ حَلَفَ ثَلاثَ مَرَّات ، وإن كان الثُّلُثَيْن حَلَفَ أرْبَعَ مَرَّاتٍ ، وإن كان خَمْسَةَ أسْدَاسٍ حَلَفَ خَمْسَ مَرَّاتٍ ، وإن كان بصرَه كلَّه حَلَفَ سِتَّ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ يُعْطَى ، وإن أبَى أن يَحْلِف لمْ يُعْط إلاَّ ما حَلَفَ عليه ، ووَثق منه بِصِدقٍ ، والوالي يَسْتَعِين في ذلك بالسُّؤال والنَّظر والتَّثبُّت في القِصَاص والحُدُود والقَوَدِ ، وإن أصابَ سَمْعه شَيءٌ فعَلَى نَحْوِ ذلك يُضْرَبُ له شَيء لِكَي يُعْلَمَ مُنْتَهى سَمْعِه ، ثُمَّ يُقاسُ ذلك والقَسَامَةُ علَى نَحْو ما نَقَصَ من سَمْعِه فإن كان سَمْعَه كلَّه فعَلَى نَحْوِ ذلِكَ ، وإنْ خِيفَ منهُ فُجُورٌ ترَكَ حَتَّى يغْفُلَ ، ثُمَّ يصاحُ بهِ ، فإن سَمِعَ عاودَهُ الخُصُومُ إلى الحاكِمِ ، والحاكِمُ يعمل فيه برأيِه ، ويحط عنه بعض ما أخذ . وإن كان النَّقصُ في الفَخِذِ أو في العَضُدِ فإنَّه يُقاسُ بخَيْط تُقاسُ رِجْلُه الصَّحِيحَة أو يده الصحيحة ، ثُمَّ يُقاسُ به المُصابَة ، فيُعَلَّمُ ما نَقَصَ من يدِه أو رِجْلِه ، وإن أُصِيبَ السَّاق أو السَّاعِدُ مِنَ الفَخِذِ أو العَضُدِ يُقاسُ ويَنْظُرُ الحاكِمُ قَدْرَ فَخِذِه . وقَضَى عليه السلام في صَدغ الرَّجُل إذا أُصِيبَ فلَم يَسْتَطِع أن يَلْتَفِت إلاَّ ما انحَرَفَ الرَّجلُ نِصْفُ الدِّيَة خَمْسُمئَةِ دِينار ، وما كان دونَ ذلك فبِحِسابِه . وقَضَى عليه السلام في شَفْرالعَيْن الأعلَى، إن أُصِيبَ فشُتِرَ فَدِيتُه ثُلُثُ دِيةِ العَيْن ، مئَةُ وسِتَّة وسِتُّون دِينارا وثُلُثَا دِينارٍ ، وإن أُصِيبَ شَفْرُ العَيْن الأسفَلُ فدِيَتُه نِصْفُ دِيَّةِ العَيْن ، مئَتا دِينار وخَمْسُون دِينارا . فإن أُصيبَ الحاجِبُ فذَهَبَ شَعْرُه كلُّه فَدِيتُه نِصْفُ دِيَّة العَيْن ، مئَتا دِينار وخَمْسُون دِينارا ، فمَا أُصِيب منه فعَلَى حِسَابِ ذلِكَ . فإن قُطِعَت رَوْثَةُ الأنْفِ فدِيتُها خَمْسُمئَةُ دِينارٍ نصفُ الدِّيَةِ ، وإنْ أُنفِذَتْ فيهِ نافِذَةٌ لا تَنْسَدُّ بِسَهم أو برُمْحٍ فدِيَتُه ثَلاثُمئة وثَلاَثَ وثَلاثَونَ دِينارا وثُلُث ، وإنْ كانت نافِذَةٌ فبَرَأتْ والتَأمَتْ فدِيَتُها خُمُسُ دِيَّة رَوْثَة الأنْف مئَةُ دِينار ، فما أُصيبَ فعَلَى حِسابِ ذلك ، فإن كانَت النَّافِذَةٌ في أحَدِ المِنْخَرَيْن إلى الخَيْشُوم وهو الحاجِزٌ بين المَنْخَرَين فدِيَتُها عُشْرُ دِيَّةِ رَوْثَةِ الأنْفِ ، لأنَّه النِّصفُ . والحاجِز بين المِنْخَرَيْن خَمْسُون دِينارا ، وإن كانَت الرَّمية نفذت في أحد المَنْخَرَين والخَيْشُوم إلى المَنْخَر الآخَر ، فدِيتُها سِتَّةٌ وسِتَّون دِينارا وثُلُثَا دِينارٍ . وإذا قُطِعَت الشَّفَةُ العُلْيا واسْتُؤصِلَتْ فدِيتُها نصْفُ الدِّية ، خَمْسُمئَة دِينارٍ ، فما قُطِع منها فبِحِسابِ ذلِكَ ، فإن انْشَقَّتْ فبَدَا منها الأسْنان ، ثُمَّ دُووِيَتْ فبَرَأتْ والتَأمَتْ فدِيَّة جُرحِها ، والحكومةُ فيها خُمُسُ دِيَّةِ الشَّفَةِ مِئةُ دِينارٍ ، وما قُطِعَ مِنها فبِحِسابِ ذلِكَ ، وإنْ شُتِرَتْ وشَيِنَتْ شَيْنَا قبيحا فدِيتُها مِئَةُ دِينارٍ ، وسِتَّة وسِتُّون دِينارا ، وثُلُثَا دِينارٍ ، ودِيَّةُ الشَّفَةِ السُّفْلَى إذا قُطِعَتْ واسْتُؤصِلَت ثُلُثَا الدِّيَة كَمَلاً سِتَّمئَةٌ وسِتّةٌ وسِتُّون دِينارا وثُلُثَا دِينارٍ ، فما قُطِع منها فبِحِساب ذلك ، فإن انْشَقَّتْ حَتَّى يَبْدو منها الأسنان ثُمَّ بَرَأت والتأمَت مئة دِينارٍ وثَلاثَة وثَلاثُون دينارا وثُلُثُ دينارٍ ، وإن أُصِيَبت فشَيِنَتْ شَيْنَا فاحِشا فَدِيتُها ثلاثمئةُ دينارٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُون دينارا وثُلُثُ دينارٍ وذلك ثُلُث دِيتِها . قال : وسألتُ أبا جعفر عليه السلام عن ذلِكَ ، فقالَ : بَلَغَنا أنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام فَضَّلَها لأنَّها تُمْسِكُ الطَّعامَ والماءَ ، فلذلِك فَضَّلَها في حُكُومَتِه . وفي الخَدِّ إذا كانَتْ فيه نافِذَةٌ وبَدَا منها جَوْف الفَم فدِيتُها مِئَةُ دينارٍ فإن دُووِي فبَرَأ والتَأمَ وبهِ أثَرٌ بَيِّنٌ وشَيْنٌ فاحِش فدِيَتُه خَمْسُون دينارا ، فإن كانت نافِذَةٌ في الخَدَّيْن كِلَيْهما فدِيتُها مئِةُ دِينارٍ وذلِكَ نِصْفُ دِيَّةِ الَّتي بَدَا منها الفَمْ . فإن كانَت رُمِيَت بنَصِلٍ يَنْفُذُ في العَظْم حَتَّى يَنْفُذَ إلى الحَنَك فدِيتُها مئَةٌ وخَمْسُون دينارا ، جُعِل منها خَمْسُون دينارا لِمُوضِحَتِها ، وإن كانَت ناقِبَةٌ ولمْ تَنْفُذ فدِيتُها مئَة دينارٍ ، فإنْ كانَت مُوضِحَةٌ في شيء من الوَجْه فدِيتُها خَمْسُون دينارا ، فإن كان لها شَيْنٌ فدِيَّةُ شَيْنِها رُبْعُ دِيَّةِ مُوضِحَتها ، وإن كان جُرْحا ولم يُوضِح ثُمَّ بَرَأ ، وكان في الخَدَّين أثر فَدِيتُه عَشَرَةُ دَنانِيرَ . وإنْ كان في الوَجْه صَدْعٌ فديتُه ثَمانُونَ دِينارا ، فإن سَقَطَتْ منه جِذْوَة لَحْمٍ ولم يُوضِح وكان قَدْرَ الدِّرهم فمَا فوقَ ذلك فديتُها ثَلاثُونَ دينارا . ودِيَّةُ الشَّجَّة إن كانَت مُوضِحَةٌ أربعونَ دِينارا إذا كانَت في الجَسَد ، وفي موضِع الرَّأسِ خمْسُون دِينارا ، فإن نقل منها العِظام فدِيتُها مِئَةُ دِينارٍ وخَمْسُون دِينارا ، فإنْ كانَت ناقِبَةً في الرَّأس فتِلك تُسمَّى المأمُومَة ، وفيها ثُلُث الدِيةِ ، ثَلاثَمئَةُ دينارٍ ، وثَلاثَة وثَلاثُون دينارا وثُلُث دينارٍ . وجعل عليه السلام في الأسنان في كلِّ سِنٍّ خَمْسين دِينارا ، وجعل الأسنان سَوَاء ، وكان قبْل ذلك يَجعل في الثَّنيَّة خَمْسين دِينارا ، وفي ما سِوى ذلك من الأسنان في الرّبَاعِيَة أربعين دِينارا ، وفي النَّاب ثَلاثين دِينارا ، وفي الضِّرْس خَمْسَةٌ وعشرين دِينارا ، فإذا اسْوَدَّت السِّنُّ إلى الحَوْل فلَم تَسْقُط فدِيتُها دِيَّةُ السَّاقِط خَمْسُونَ دِينارا ، وإن تصَدَعَتْ ولم تَسْقُط فدِيتُها خَمسَةٌ وعشرونَ دينارا ، فما انْكَسَر منها فبِحِسابه من الخمسين ، وإنْ سَقَطَتْ بعْدُ وهِي سَوْدَاء فدِيتُها اثْنَا عَشَرَ دينارا ونِصْفٌ ، وما انْكَسَر منها مِن شَيءٍ فبِحِسابه من الخَمْسَةِ وعِشْرِين دِينارا . وفي التَّرْقُوَة إذا انْكَسَرَتْ فجُبِرَتْ على غَير عَثْمٍ ولا عَيْبٍ أرْبَعُون دِينارا ، فإن انْصَدَعَتْ فدِيتُها أربعَةُ أخْماس دِيَّةُ كَسِرِها اثْنانِ وثَلاثُون دِينارا ، فإن أوْضَحَتْ فدِيتُها خَمْسَةُ وعِشرُونَ دِينارا ، وذلك خَمْسَةُ أجْزَاءٍ من دِيتِها إذا انْكَسَرَتْ ، فإن نُقِّلَ منْها العِظامُ فدِيتُها نِصْفُ دِيَّةِ كَسْرِها عِشرُون دِينارا ، فإن نُقِبَت فدِيتُها رُبُعُ ديَّةِ كَسْرِها عَشَرَةُ دَنانيرَ . ودِيَّةُ المَنْكِبِ إذا كُسِرَ خُمُسُ دِيَّةِ اليَدِ مئَةُ دينارٍ ، فإن كان في المَنْكِب صَدْعٌ فدِيتُه أرْبَعَةُ أخْماس دِيَّةِ كَسْرِه ثَمانُونَ دِينارا ، فإن أُوضِحَ فديتُهُ رُبُعُ ديَّةِ كَسْرِه خَمْسَةٌ وعِشْرُون دينارا ، فإن نُقِلَتْ منه العِظامُ فَديتُهُ مئَةُ دينارٍ وخَمسةٌ وسَبْعُونَ دينارا ، منها مِئةُ دينارٍ ديَّةُ كَسرِهِ ، وخَمسونَ دينارا لنَقْلِ العِظامِ ، وخَمسةٌ وعِشرُون دِينارا للمُوضِحَة ، وإن كانَت ناقِبَةً فديتُها رُبُعُ ديَّةِ كَسرِها خَمسةٌ وعشرونَ دينارا ، فإن رُضَّ فَعَثَمَ فَدِيتُهُ ثُلُثُ دِيَّةِ النَّفْسِ ثَلاثُمئَةٍ دينارٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، فإنْ كان فُكَّ فَدِيتُهُ ثَلاثُونَ دِينَارا . وفي العَضُدِ إذا كُسِرَتْ فَجُبِرَتْ على غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ فَدِيتُها خُمُسُ دِيَّةِ اليَدِ مئَةُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِها نِصْفُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْبِها رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا . وفي المِرْفَقِ إذا كُسِرَ فَجُبِرَ على غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ فَدِيتُهُ مئَةُ دِينَارٍ وذلِكَ خُمُسُ دِيَّةِ اليَد ، فإن انْصَدَعَ فَدِيتُهُ أرْبَعَةُ أخْمَاسِ ، ديَّةُ كَسْرِهِ ثَمَانُونَ دِينَارا فإنْ أوضِحَ فدِيتُه رُبُعُ ديَّةِ كَسْرِه خمسَةٌ وعِشرونَ دينارا فإن نُقِّلت منهُ العِظَامُ فَدِيتُهُ مئَةُ دِينَارٍ وخَمْسَةٌ وسَبْعُونَ دِينَارا ، لِلْكَسْرِ مئَةُ دِينَارٍ ، ولِنَقْلِ العِظَامِ خَمْسُونَ دِينَارا ، ولِلْمُوضِحَةِ خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، فَإنْ كَانَتْ فيه نَاقِبَةً فَدِيتُهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِه خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، فَإنْ رُضَّ المِرْفَقُ فَعَثَمَ فَدِيتُهُ ثُلُثُ دِيَّةِ النَّفْسِ ثَلاثُمئَةِ دِينَارٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، فَإنْ كان فُكَّ فَدِيتُهُ ثَلاثُونَ دِينَارا ، وفي المِرْفق الآخر مثْل ذلك سَواء . وفي السَّاعِدِ إِذَا كُسِرَ فجُبِرَ على غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ ثُلُثُ دِيَّةِ النَّفْسِ ثَلاثُمئَةٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، فإنْ كُسِرَ إحْدَى القَصَبَتَيْنِ من السَّاعِد فَدِيتُها خُمُسُ دِيَّةِ اليَدِ مئَةُ دِينَارٍ ، وفي أحدهما أيضا فِي الكَسْرِ لِأحَدِ الزَّنْدَيْنِ خَمْسُونَ دِينَارا ، وفي كِلَيْهِما مئَةُ دِينَارٍ ، فإن انْصَدَعَ إِحْدَى القَصَبَتَيْنِ ففيها أرْبَعَةُ أخْمَاسِ دِيَّةِ إِحْدَى قَصَبَتَيِ السَّاعِدِ أرْبَعُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِها رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهَا مئةُ دينارٍ وذلك خُمُسُ دِيَّةِ اليد ، وإن كانت ناقبة فدِيتُها رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْبِهَا نِصْفُ دِيَّةِ مُوضِحَتِهَا ، اثْنَا عَشَرَ دِينَارا ونِصْفٌ ، ودِيَّةُ نَافِذَتِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، فإنْ صارت فيها قَرْحَةٌ لا تبرأ فَدِيتُهَا ثُلُثُ دِيَّةِ السَّاعِدِ ثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ فذلك ثُلُثُ دِيَّةِ الَّتي هِيَ فِيهِ . ودِيَّةُ الرُّسْغِ (19) إذا رُضَّ فَجُبِرَ على غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ ثُلُثُ دِيَّةِ اليَدِ مئَةُ دِينَارٍ وسِتَّةٌ وسِتُّونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ . وفي الكَفِّ إذا كُسِرَتْ فَجُبِرَتْ على غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ خُمُسُ دِيَّةُ اليَدِ مئَةُ دِينَارٍ ، إن فُكَّ الكَفُّ فَدِيتُهَا ثُلُثُ دِيَّةِ اليَدِ مئَةُ دِينَارٍ وسِتَّةٌ وسِتُّونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي مُوضِحَتِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِها مئة دينارٍ وثمانية وسبعون دِينارا ، نِصْفُ دِيَّةِ كَسْرِهَا ، وفي نَافِذَتِهَا إن لَمْ تَنْسَدَّ خُمُسُ دِيَّةِ اليَدِ مئَةُ دِينَارٍ ، فإن كانَتْ نَافِذة فَدِيتُهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا . ودِيَّةُ الأصَابِعِ والقَصَبِ الَّذِي في الكَفِّ في الإبْهَامِ إذا قُطِعَ ثُلُثُ دِيَّةِ اليَدِ مئَةُ دِينَارٍ وسِتَّةٌ وسِتُّونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ قَصَبَةِ الإبْهَامِ الَّتي في الكَفِّ تُجْبَرُ على غَيْر عَثْمٍ خُمُسُ دِيَّةِ الإبْهَامِ ثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ إذا اسْتَوَى جَبْرُهَا وثَبَتَ ، ودِيَّةُ صَدْعِها سِتَّةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِهَا ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهَا سِتَّةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْبِها ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ نِصْفُ دِيَّةِ نَقْلِ عِظَامِهَا ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِهَا نِصْفُ دِيَّةِ نَاقِلَتِهَا ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ فَكِّهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ، ودِيَّةُ المَفْصِلِ الثَّانِي مِنْ أعْلَى الإبْهَامِ إن كُسِرَ فَجُبِرَ على غَيْرِ عَثْمٍ ولا عَيْبٍ سِتَّةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ المُوضِحَةِ إن كَانَتْ فِيها أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وسُدُسُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نقْبهِ أرْبَعَةُ دَنانِيرٍ وسُدُسُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ صَدْعِهَا ثَلاثَةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهَا خَمْسَةُ دَنَانِيرَ ، فما قُطِعَ منها فَبِحِسَابِهِ علَى مَنْزِلَته . وفي الأصَابِعِ في كُلِّ إِصْبَعٍ سُدُسُ دِيَّةِ اليَدِ ثَلاثَةٌ وثَمَانُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ أصَابِعِ الكَفِّ الأرْبَع سِوَى الإبْهَامِ دِيَّةُ كُلِّ قَصَبَةٍ عِشْرُونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ كُلِّ مُوضِحَةٍ في كُلِّ قَصَبَةٍ من القَصَبِ الأرْبَعِ أصَابِع أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وسُدُسُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْلِ كُلِّ قَصَبَةٍ مِنْهُنَّ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ كَسْرِ كُلِّ مَفْصِلٍ من الأصَابِعِ الأرْبَعِ الَّتي تَلِي الكَفَّ سِتَّةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي صَدْعِ كُلِّ قَصَبَةٍ مِنْهُنَّ ثَلاثَةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثا دِينَارٍ . فإنْ كان في الكَفِّ قَرْحَةٌ لا تَبْرَأُ فَدِيتُهَا ثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، وفِي نَقْلِ عِظَامِهِ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ ، وفي مُوضِحَتِهِ أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَسُدُسُ ، وفي نَقْبها أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وسُدُسُ ، وفي فَكِّها خَمْسَةُ دَنَانِيرَ . ودِيَّةُ المَفْصِلِ الأوْسَطِ من الأصَابِعِ الأرْبَعِ إذا قُطِعَ فَدِيتُهُ خَمْسَةٌ وخَمْسُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، وفي كَسْرِهِ أحَدَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، وفي صَدْعِهِ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ ونِصْفُ دِينَارٍ ، وفي مُوضِحَتِهِ دِينَارَانِ وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي نَقْلِ عِظَامِها خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ ، وفي نَقْبِهِ دِينَارَانِ وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي فَكِّهِ ثَلاثَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي المَفْصِلِ الأعْلَى من الأصَابِعِ الأرْبَعِ إذا قُطِعَ سَبْعَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ونِصْفُ دِينار ورُبُعٌ عُشْرِ دِينَارٍ ، وفي كَسْرِهِ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وأرْبَعَةُ أخْمَاسِ دِينَارٍ ، وفي نَقْبِهِ دِينَار وثُلُث ، وفي فَكِّهِ دينار وأرْبَعة أخماس دِينَارٍ ، وفي ظُفُرِ كلِّ إصْبَعٍ مِنْهَا خَمْسَةُ دَنَانِيرَ . وفِي الكَفِّ إذا كُسِرَتْ فَجُبِرَتْ علَى غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ فَدِيتُهَا أرْبَعُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ صَدْعِهَا أرْبَعَةُ أخْمَاسِ دِيَّةِ كَسْرِهَا اثْنَانِ وثَلاثُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِها خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهَا عِشْرُونَ دِينَارا ونِصْفُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْبِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ، ودِيَّةُ قَرْحَةٍ لا تَبْرَأُ ثَلاثَةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ . وفي الصَّدْرِ إذا رُضَّ فَثَنَى شِقَّاه كِلاهما فَدِيتُهُ خَمْسُمئَةِ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ إحدى شِقَّيْهِ إذا انْثَنَى مِئَتَانِ وخَمْسُونَ دِينَارا ، وإذا انْثَنَى الصَّدْرُ والكَتِفَانِ فَدِيتُهُ مع الكَتِفَيْنِ ألْفُ دِينَارٍ ، فإن انْثَنَى أحَدُ الكَتِفَيْنِ مع شِقِّ الصَّدْرِ فَدِيتُهُ خَمْسُمئَةِ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَةِ في الصَّدْرِ خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ مُوضِحَةِ الكَتِفَيْنِ والظَّهْرِ خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، وإن اعْتَرَى الرَّجُلَ من ذلك صَعَرٌ لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَلْتَفِتَ فَدِيتُهُ خَمْسُمئَةِ دِينَارٍ . وإن انْكَسَرَ الصُّلْبُ فَجُبِرَ علَى غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ فَدِيتُهُ مئَةُ دِينَارٍ ، فإنْ عَثَمَ فَدِيتُهُ ألْفُ دِينَارٍ . وفي الأضْلاعِ فيما خَالَطَ القَلْبَ من الأضْلاع إذا كُسِرَ منْها ضِلْعٌ فَدِيتُهُ خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، وفي صَدْعِه اثْنَا عَشَرَ دِينَارا ونِصْفٌ ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهِ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ ونِصْفٌ ، ومُوضِحَتِهِ علَى رُبُعِ كَسْرِهِ ، ودِيَّةُ نَقْبِهِ مِثْلُ ذَلِكَ . وفي الأضْلاعِ ممَّا يَلِي العَضُدَيْنِ دِيَّةُ كُلِّ ضِلْعٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ إذا كُسِرَ ، ودِيَّةُ صَدْعِهِ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهِ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ ، ومُوضِحَةِ كُلِّ ضِلْعٍ رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهِ دِينَارَانِ ونِصْفُ دينارٍ ، وإنْ نُقِبَ ضِلْعٌ منها فَدِيتُه دِينَار ونِصْفُ دِينَارٍ ، وفي الجَائِفَةِ ثُلُثُ دِيَّةِ النَّفْسِ ثَلاثُمئَةٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، فإن نَقبَ من الجَانِبَيْنِ كِلَيْهِما برَمْيَة أو طَعْنَة وقعتْ فيالصِّفَاق فَدِيتُهَا أرْبَعُمئَةِ دِينَارٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ . وفي الأُذُنِ إذا قُطِعَتْ فَدِيتُهَا خَمْسُمئَةِ دِينَارٍ ، وما قُطِعَ مِنْها فَبِحِسَابِ ذَلِكَ . وفي الوَرِكِ إذا كُسِرَ فَجُبِرَ علَى غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ خُمُسُ دِيَّةِ الرِّجْلين مِئَتَا دِينَارٍ ، فإنْ صُدِعَ الوِرْكُ فَدِيتُهُ مئَةٌ وسِتُّونَ دِينَارا أرْبَعَةُ أخْمَاسِ دِيَّةِ كَسْرِهِ ، فإنْ أوْضَحَتْ فَدِيتُهُ رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهِ خَمْسُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهِ مئَةٌ وخَمْسَةٌ وسَبْعُونَ دِينَارا مِنْهَا لِكَسْرِهَا مئَةُ دِينَارٍ ، ولِنَقْلِ عِظَامِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، ولِمُوضِحَتِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ فَكِّهَا ثُلثَا دِيتها ، فإن رُضَّتْ وعَثَمَتْ فَدِيتُهَا ثَلاثُمئَةِ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ . وفي الفَخِذِ إذا كُسِرَتْ فَجُبِرَتْ علَى غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ خُمُسُ دِيَّةِ الرِّجْلين مِئَتَا دِينَارٍ ، فإن عَثَمَتْ الفَخِذ فَدِيتُهَا ثَلاثُمئَةٍ دينار وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، ثُلُثُ دِيَّةِ النَّفْسِ ، ودِيَّةُ المُوضِحَة العَثْم أرْبَعَةُ أخْمَاسِ ، دِيَّةِ كَسْرِهَا مئَةُ وسِتُّونَ دِينَارا ، فإن كَانَتْ قَرْحَةً لا تَبْرَأُ فَدِيتُهَا ثُلُثُ دِيَّةِ كَسْرِهَا سِتَّةٌ وسِتُّونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهَا نِصْفُ دِيَّةِ كَسْرِهَا مئَةُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْبِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُون دِينَارا . وفي الرُّكْبَةِ إذا كُسِرَتْ فَجُبِرَتْ علَى غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ خُمُسُ دِيَّةِ الرِّجْلين مِئَتَا دِينَارٍ ، فإن تصَدَّعَتْ فَدِيتُهَا أرْبَعَةُ أخْمَاسِ ، دِيَّةِ كَسْرِهَا مئَةٌ وسِتُّونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهَا مئَةُ دِينَارٍ وخَمْسَةٌ وسَبْعُونَ دِينَارا ، مِنْهَا في دِيَّةُ كَسْرِهَا مئَةُ دِينَارٍ ، وفي نَقْلٍ عِظَامِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، وفي مُوضِحَتِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْبِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، فإنْ رُضَّتْ فَعَثَمَتْ فَفِيها ثُلُثُ دِيَّةِ النَّفْسِ ثَلاثُمئَةٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، فإن فُكَّتْ فَفِيها ثَلاثَةُ أجْزَاءٍ من دِيَّةِ الكَسْرِ ثَلاثُونَ دِينَارا . وفي السَّاقِ إذا كُسِرَتْ فَجُبِرَتْ علَى غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ خُمُسُ دِيَّةِ الرِّجْلَينِ مِئَتَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ صَدْعِهَا أرْبَعَةُ أخْمَاس ، دِيَّةِ كَسْرِهَا مئَةٌ وسِتُّونَ دِينَارا ، وفي مُوضِحَتِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، وفي نَقلِ عِظامِها رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، وفي نَقْبِهَا نِصْفُ دِيَّةِ مُوضِحَتِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، وفي نُفُوذِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، وفي قَرْحَةٍ لا تَبْرَأُ ثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، فإنْ عَثَمَتِ السَّاقُ فَدِيتُهَا ثُلُثُ دِيَّةِ النَّفْسِ ثَلاثُمئَةٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ . وفي الكَعْبِ إذا رُضَّ فَجُبِرَ علَى غَيْرِ عَثْمٍ ولا عَيْبٍ ثُلُثُ دِيَّةِ الرِّجْلَينِ ثَلاثُمئَةٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ . وفي القَدَمِ إذا كُسِرَتْ فَجُبِرَتْ علَى غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ خُمُسُ دِيَّةِ الرِّجْلين مِئَتَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، وفي نَاقِبَةٍ فِيها رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا . ودِيَّةُ الأصَابِع والقَصَب الَّتي في القَدَمِ للإبْهَامِ ثُلُثُ دِيَّةِ الرِّجْلين ثَلاثُمئَةٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ كَسْرِ قَصَبَةِ الإبْهَامِ الَّتي تَلِي القَدَمَ خُمُسُ دِيَّةِ الإبْهَامِ سِتَّةٌ وسِتُّونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي صَدْعِهَا سِتَّةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي مُوضِحَتِهَا ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ ، وفي نَقْلِ عِظَامِهَا سِتَّةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي نَقْبِهَا ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ ، وفي فَكِّهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ . ودِيَّةُ المَفْصِلِ الأعْلَى من الإبْهَامِ وهُوَ الثَّانِي الَّذِي فِيهِ الظُّفُرُ سِتَّةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي مُوضِحَتِهِ أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وسُدُسٌ ، وفي نَقْلِ عِظَامِهِ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ ، وفي نَاقِبَتِهِ أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وسُدُسٌ ، وفي صَدْعِه ثَلاثَةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثٌ ، وفي فَكِّه خَمْسَةُ دَنَانِيرَ ، وفي ظُفُرِهِ ثَلاثُونَ دِينَارا ، وذَلِكَ لِأنَّهُ ثُلُثُ دِيَّةِ الرِّجْلِ ، ودِيَّةُ كُلِّ إصْبَعٍ مِنْها سُدُسُ دِيَّةِ الرِّجْلِ ثَلاثَةٌ وثَمَانُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ قَصَبَةِ الأصَابِعِ الأرْبَعِ سِوَى الإبْهَامِ دِيَّةُ كسر كُلِّ قَصَبَةٍ مِنْها سِتَّةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَةِ كُلِّ قَصَبَةِ مِنْها أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وسُدُسٌ ، ودِيَّةُ نَقْلِ كُلِّ عَظْمِ قَصَبَةٍ مِنْهُنَّ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثٌ ، وديَّة صَدْعِها ثَلاثَةَ عشَرَ دِينارا وثُلثُ دِينارٍ ، ودِيَّةُ نَقبِ كُلِّ قصَبَةٍ منهُنَّ أربَعَةُ دَنانِيرَ وسُدُسٌ ، وديَّة قرحَةٍ لا تبرأُ في القَدمِ ثَلاثَةٌ وثَلاثونَ دِينارا وثُلُثٌ ، وديَّة كَسرِ المَفْصِلِ الذي يَلِي القَدَمَ مِنَ الأصابِعِ سِتَّةَ عشَرَ دِينارا وثُلُثٌ ، وديَّة صدْعِها ثَلاثَةَ عَشَرَ دِينارا وثُلثُ دينارٍ ، وديَّة نَقْلِ كُلِّ قصَبَةٍ مِنهُنَّ ثَمانِيَةُ دنانِيرَ وثُلثُ دِينارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَةِ كُلِّ قَصَبَةٍ أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وسُدُسُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْبِهَا أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وسُدُسُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ فَكِّهَا خَمْسَةُ دَنَانِيرَ ، وفي المَفْصِلِ الأوْسَطِ مِن الأصَابِعِ الأرْبَعِ إذا قُطِعَ فَدِيتُهُ خَمْسَةٌ وخَمْسُونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ كَسْرِهِ أحَدَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ صَدْعِهِ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وأرْبَعَةُ أخْمَاسِ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِهِ دِينَارَانِ ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهِ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ فَكِّهِ ثَلاثَةُ دَنَانِيرَ وثُلثَا دِينار ، ودِيَّةُ نَقْبِهِ دِينَارَانِ وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي المَفْصِل الأعْلَى مِن الأصَابِعِ الأرْبَعِ الَّتي فِيها الظُّفُرُ إذا قُطِعَ فَدِيتُهُ سَبْعَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا وأرْبَعَةُ أخْمَاسِ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ كَسْرِهِ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وأرْبَعَةُ أخْمَاسِ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ صَدْعِهِ أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وخُمُسُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِهِ دِينَارٌ وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهِ دِينَارَانِ وخُمُسُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْبِهِ دِينَارٌ وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ فَكِّهِ دِينَار وأرْبَعَةُ أخْمَاسِ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ كُلِّ ظُفُرٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ . وأفْتَى عليه السلام في حَلَمَة ثَدْيِ الرَّجُلِ ثُمُنُ الدِّيةِ مئَةٌ دِينار وخَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا . وفي خُصْيَة الرَّجل خَمْسُمئَة دِينار . قال : وإنْ أُصِيب رَجُل فَأُدِرَ خُصْيَتَاهُ كِلْتَاهُمَا فَدِيتُهُ أرْبَعُمئَةِ دِينَارٍ ، فإنْ فَحِجَ فلَمْ يَقدِر على المَشْي إِلاّ مَشْيا لا يَنْفَعُهُ ، فَدِيتُهُ أرْبَعَةُ أخْمَاسِ ، دِيَّةِ النَّفْسِ ثَمَانيمئَةِ دِينَارٍ ، فإنْ أُحْدِبَ مِنْها الظَّهْرُ فَحِينَئِذٍ تَمَّتْ ، دِيتُهُ ألْفُ دِينَارٍ ، والقَسَامَةُ في كُلِّ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ سِتَّةُ نَفَرٍ علَى مَا بَلَغَتْ دِيتُهُ . وأفْتَى عليه السلام في الوَجيئة إذا كانَت في العَانَة فَخَرَقَتِ السِّفَاقَ فَصَارَتْ أُدْرَةً فِي إِحْدَى الخُصْيَتَيْنِ ، فَدِيتُهَا مِئَتَا دِينَارٍ خُمُسُ الدِّيةِ . و في النَّافِذَةِ إذا نَفِذَتْ مِن رُمْحٍ أو خِنْجَرٍ في شَيْءٍ مِن الرَّجُلِ من أطْرَافِهِ ، فَدِيتُهَا عُشْرُ دِيَّةِ الرَّجُلِ مئَةُ دِينَارٍ . وقَضَى عليه السلام : أنَّه لا قَوَدَ لِرَجُلٍ أصابَهُ والِدُه في أمْرٍ يَعِيبُ عَليهِ فيهِ فأصَابَه عَيْبٌ مِن قَطْعٍ وغَيْرِهِ وتكونُ لَهُ الدِّيةُ ولا يُقادُ ، ولا قَوَدَ لامْرَأة أصابَها زوجُها فَعِيبَت ، وغُرمُ العَيبِ عَلى زَوجِها ولا قِصاصَ عليه . وقَضَى عليه السلام في امْرَأةٍ رَكِبَها زَوجُها فأعفَلَها ، أنَّ لَها نِصْفَ دِيتِها مئتان وخَمْسُونَ دِينارا . وقَضَى عليه السلام في رَجُلٍ افْتَضَّ جَارِيَةً بإصْبَعِه فَخَرقَ مَثَانَتَها ، فلا تَمْلِكُ بَولَها ، فجَعَل لَها ثُلُثَ الدِّية ، مئَةً وسِتَّةً وسِتِّينَ دِينارا وثُلُثَي دينَارٍ ، وقَضَى عليه السلام لها عليه صِدَاقَهَا مِثْلَ نِساءِ قَوْمِها » . (20) إلى هنا تمَّ ما أورده الشيخ في التَّهذيب مفصَّلاً ، ولكنَّه نقل أوَّل هذا الكتاب بنحوٍ آخر قال : « إنَّ أمِير المُؤمِنِينَ عليه السلام جَعَلَ دِيَّةَ الجَنِينِ مئَةَ دِينَارٍ ، وجَعَلَ مَنِيَّ الرَّجُلِ إلى أنْ يَكُونَ جَنِينا خَمْسَةَ أجْزَاءٍ : فَإذَا كان جَنِينا قَبْلَ أنْ يَلِجَ الرُّوحُ فيه مِئَةَ دِينَارٍ ، وذَلِكَ أنَّ اللّه َ عز و جل خَلَقَ الاْءِنسَانَ مِن سُلاَلةٍ ، وهِيَ النُّطْفَةُ فَهَذَا جُزْءٌ ، ثُمَّ عَلَقَةً فَهُوَ جُزْءَانِ ، ثُمَّ مُضْغَةً ثَلاثَة أجْزَاءٍ ، ثُمَّ عَظْم فَهيَ أرْبَعَةُ أجْزَاءٍ ، ثُمَّ يُكْسَى لَحْما فَحِينَئِذٍ ثَمَّ جَنِينا ، فَكَمَلَتْ لَهُ خَمْسَةُ أجْزَاءٍ مئَةُ دِينَارٍ والمئَةُ دِينَارٍ خَمْسَةُ أجْزَاءٍ . فَجَعَلَ لِلنُّطْفَةِ خُمُسَ المئَةِ عِشْرِينَ دِينَارا ، ولِلْعَلَقَةِ خُمُسَيِ المئَةِ أرْبَعِينَ دِينَارا ، ولِلْمُضْغَةِ ثَلاثَةَ أخْمَاسِ المئَةِ سِتِّينَ دِينَارا ، ولِلْعَظْمِ أرْبَعَةَ أخْمَاسِ المئَةِ ثَمَانِينَ دِينَارا ، فإذَا أُنْشِئ فِيهِ خَلْقٌ آخَرُ وهُوَ الرُّوحُ فَهُوَ حِينَئِذٍ نَفْسٌ ألْفُ دِينَارٍ دِيَّةٌ كَامِلَةٌ إنْ كان ذَكَرا ، وإنْ كان أُنْثَى فَخَمْسُمئَةِ دِينَارٍ . وإنْ قُتِلَتِ امْرَأةٌ وهِيَ حُبْلَى فَتَمَّ فلَمْ يَسْقُطْ وَلَدُهَا ولَمْ يُعْلَمْ أذَكَرٌ هُوَ أمْ أُنْثَى ولَمْ يُعْلَمْ أبَعْدَهَا مَاتَ أو قَبْلَهَا ، فَدِيتُهُ نِصْفَانِ : نِصْفُ دِيَّةِ الذَّكَرِ ونِصْفُ دِيَّةِ الاُنْثَى ، ودِيَّةُ المَرْأةِ كَامِلَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ ، وذلِكَ سِتَّةُ أجْزَاءٍ مِنَ الجَنِينِ . وأفْتَى عليه السلام في مَنِيِّ الرَّجُلِ يُفْرِغُ مِن عِرْسِهِ فَيَعْزِلُ عنْها المَاءَ ولَمْ يُرِدْ ، ذَلِكَ نِصْفَ خُمُسِ المئَةِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ ، وإِذَا أفْرَغَ فِيهَا عِشْرِينَ دِينَارا ، وقَضَى فِي دِيَّةِ جِرَاحِ الجَنِينِ مِن حِسَابِ المئَةِ علَى ما يكونُ مِن جِرَاحِ الذَّكَرِ والاُنْثَى الرَّجُلِ والمَرْأةِ كَامِلَةً ، وجَعَلَ لهُ في قِصَاصِ جِرَاحَتِه ومَعْقُلَتِهِ علَى قَدْرِ دِيتِهِ ، وهيَ مئَةُ دِينَارٍ » . (21) ثُمَّ نقل الشيخ رحمه الله شَطْرا منه من قوله عليه السلام : « وجَعَل عليه السلام دِيَّةَ الجِرَاحَة » _ إلى قوله عليه السلام _ « العَظْمُ الَّذِي هوَ فيِه » ، باختلاف يسير ، وزادَ « وأفْتَى في النَّافِذَةِ إذا أُنْفِذَتْ مِن رُمْحٍ أو خِنْجَرٍ في شَيْءٍ مِن الرَّجُل في أطْرَافِه ، فَدَّيتُهَا عُشْرُ دِيَّة الرَّجُلِ مئَةُ دِينَارٍ » (22) . وهذه الجملة موجودة في الكتاب في آخِرِ قولِهِ ، وأفْتَى عليه السلام في الوَجِيئَةِ . ونقل شَطْرا من أوَّل الكتاب من قوله : « الصَّوْت ، من الغَنَنِ » _ إلى قوله _ « والأنْثَيَين ألف دينار » ، وهكذا ، « ذَهَابِ السَّمْعِ كُلِّهِ ألْفُ دِينَارٍ ، والصَّوْتِ كُلِّهِ مِنَ الغَنَنِ ، والبَحَحِ ألْفُ دِينَارٍ ، وشَلَلِ اليَدَيْنِ كِلْتَيْهِمَا ، وَالشَّلَلِ كُلِّهِ ألْفُ دِينَارٍ ، وشَلَلِ الرِّجْلَيْنِ ألْفُ دِينَارٍ ، والشَّفَتَيْنِ إذا اسْتُؤصِلَتَا ألْفُ دِينَارٍ ، والظَّهْرِ إذا حَدِبَ ألْفُ دِينَارٍ ، والذَّكَرِ إذا اسْتُؤصِلَ ألْفُ دِينَارٍ ، والبَيْضَتَيْنِ ألْفُ دِينَارٍ ، وفي صُدْغِ الرَّجُلِ إذا أُصِيبَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يَلْتَفِتَ إلاّ مَا انْحَرَفَ الرَّجُلُ نِصْفُ الدِّيةِ خَمْسُمئَةِ دِينَارٍ ، فما كان دُونَ ذَلِكَ فَبِحِسَابِه » . (23) ونقل شَطْرا منه من قوله : « وقَضَى عليه السلام في شَفْر العَيْن » _ إلى قوله _ « علَى حساب ذلك » ، باختلاف يسير . (24) ونقل شَطْرا آخر أيضا من قوله : « فإذا أُصِيْبَ الرَّجُلُ في إحْدَى عَيْنَيهِ » _ إلى قوله _ « حَلَفَ معَه خَمْسَةُ رِجالٍ » . ونقل بعده جملاً كثيرة المخالفة في المتن ولذا فلابُدَّ من نقلها كلّها قال : « وكَذَلِكَ القَسَامَةُ كُلُّهَا فِي الجُرُوحِ ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَابِ بَصَرُهُ مَنْ يَحْلِفُ مَعَهُ ضُوعِفَتْ عَلَيْهِ الأيْمَانُ إنْ كان سُدُسَ بَصَرِهِ حَلَفَ مَرَّةً وَاحِدَةً ، وإنْ كان ثُلُثَ بَصَرِهِ حَلَفَ مَرَّتَيْنِ وهذا الحِسَابِ ، وإِنَّمَا القَسَامَةُ على مَبْلَغِ مُنْتَهَى بَصَرِهِ ، وإنْ كان السَّمْعَ فعلَى نَحْوٍ منْ ذَلِكَ غَيْرَ أنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ بِشَيْءٍ حَتَّى يُعْلَمَ مُنْتَهَى سَمْعِهِ ، ثُمَّ يُقَاسُ من ذلِكَ ، والقَسَامَةُ علَى نَحْوِ ما يَنْقُصُ مِن سَمْعِه ، فإنْ كان سَمْعَهُ كُلَّهُ فَخِيفَ منْه فُجُورٌ فإنَّهُ يُتْرَكُ حَتَّى إذا اسْتَقَلَّ نَوْما صِيحَ بِه ، فإنْ سَمِعَ قَاسَ بَيْنَهُمُ الحَاكِمُ بِرَأْيِه ، وإنْ كان النَّقْصُ فِي العَضُدِ والفَخِذِ فَإنَّهُ يُعَلَّمُ قَدْرُ ذَلِكَ يُقَاسُ بِخَيْط رِجْلِه الصَّحِيحَةِ ، ثُمَّ يُقَاسُ بِه المُصَابَةُ ، فَيُعَلَّمُ قَدْرُ ما نَقَصَتْ رِجْلُهُ أو يَدُهُ ، فإنْ أُصِيبَ السَّاقُ أو السَّاعِدُ فَمِنَ الفَخِذِ والعَضُدِ يُقَاسُ ويَنْظُرُ الحَاكِمُ قَدْرَ فَخِذِهِ » . (25)

.


1- . الكافي : ج7 ص311 ح1 .
2- . الكافي : ج 7 ص324 ح9 .
3- . الكافي : ج 7 ص327 ح5 .
4- . الكافي : ج 7 ص 330 ح1 .
5- . الكافي : ج 7 ص 330 ح2 .
6- . من لا يحضره الفقيه : ج4 ص75 ح5150 .
7- . من لا يحضره الفقيه : ج4 ص495 .
8- . تهذيب الأحكام : ج10 ص295 ح1148 .
9- . تهذيب الأحكام : ج10 ص169 ح668 وص245 ح968 وص258 ح1019 وص292 ح1135 وص295 ح1148 ، الاستبصار : ج4 ص299 ح3 .
10- . خاتمة مستدرك الوسائل : ج1 ص104 _ 106 الرقم18 .
11- . الكافي : ج7 ص330 ح2 .
12- . تهذيب الأحكام : ج10 ص258 ح1019 .
13- . صحيح مسلم : ج1 ص13 و14 ح 7 .
14- . الشيعة وفنون الإسلام : ص66 .
15- . رجال النجّاشي : ج1 ص61 _ 67 .
16- . الفهرست : ص174 الرقم467 .
17- . الكنى والألقاب : ج1 ص77 و78 .
18- . قاموس الرجال : ج7 ص56 الرقم4707 ، الشيعة وفنون الإسلام : ص68 .
19- . قال الخليل : الرُّسغ مَفصِلُ ما بين السَّاعد والكَفّ ( العين : ج1 ص676 ) .
20- . تهذيب الأحكام : ج10 ص295 _ 308 ح1148 وراجع : الكافي : ج7 ص311 _ 340 ، من لا يحضره الفقيه : ج4 ص75 _ 92 ح5150 .
21- . تهذيب الأحكام : ج10 ص285 ح1107 ، الكافي : ج 7 ص343 ح1 نحوه .
22- . تهذيب الأحكام : ج10 ص292 ح1135 ، الكافي : ج 7 ص327 ح5 .
23- . تهذيب الأحكام : ج10 ص245 ح968 ، الكافي : ج 7 ص311 ح1 .
24- . تهذيب الأحكام : ج10 ص248 ح1019 ، الكافي : ج 7 ص330 ح2 .
25- . تهذيب الأحكام : ج10 ص267 ح1050 ، الكافي : ج 7 ص324 ح9 مع اختلاف يسير .

ص: 282

. .

ص: 283

. .

ص: 284

. .

ص: 285

. .

ص: 286

. .

ص: 287

. .

ص: 288

. .

ص: 289

. .

ص: 290

. .

ص: 291

. .

ص: 292

. .

ص: 293

. .

ص: 294

. .

ص: 295

. .

ص: 296

. .

ص: 297

. .

ص: 298

. .

ص: 299

. .

ص: 300

. .

ص: 301

. .

ص: 302

أبو رافع مولى رسول اللّه

أبو رافِعٍ مولى رسول اللّهغَلَبتْ عليه كنيتُه ، واختُلف في اسمه ، فقيل : أسلَمُ ؛ وهو أشهر ما قيل فيه ، وقيل : إبراهيم (1) ، وقيل غير ذلك . أحد الوجوه البارزة في التَّشيُّع ، ومن السَّابقين إلى التَّأليف والتَّدوين والعلم ، وأحد صحابة الإمام الأبرار . كان غلاما للعبّاس عمّ النَّبيّ صلى الله عليه و آله (2) ، ثمّ وهبه العبّاس للنبيّ صلى الله عليه و آله (3) . ولمّا أسلم العبّاس وبلّغ أبو رافع رسولَ اللّه صلى الله عليه و آله بإسلامه أعتقه . (4) شهد أبو رافع حروب النَّبيّ صلى الله عليه و آله كلّها إلاّ بدرا (5) . ووقف بعده إلى جانب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ثابت العقيدة ولم يفارقه (6) . وهو أحد رواة حديث الغدير (7) . وعُدّ من أبرار الشِّيعة وصالحيهم (8) . وكان مع الإمام عليه السلام أيضا في جميع معاركه (9) . وكان مسؤولاً عن بيت ماله عليه السلام بالكوفة (10) . وولداه عبيد اللّه (11) ، وعليّ (12) من كُتّابه . ولأبي عليه السلام رافع كتاب كبير عنوانه ، السُّنن والقضايا والأحكام (13) ، يشتمل على الفقه في أبوابه المختلفة ، رواه جمع من المحدّثين الكبار وفيهم ولده . وله كتب اُخرى منها كتاب : أقضية أمير المؤمنين ، و كتاب الدِّيات وغيرهما ، ويعتقد بعض العلماء أنّها قاطبةً أبواب ذلك الكتاب الكبير وفصوله (14) . وذهب أبو رافع مع الإمام الحسن عليه السلام إلى المدينة بعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (15) . ووضع الإمام الحسن المجتبى عليه السلام نصف بيت أبيه تحت تَصرُّفهِ . وروى أبو رافع عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أيضا (16) . وذكر البعض أنّه توفّي سنة 40 ه . (17) في رجال النَّجاشي عن أبي رافع : دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو نائم ، أو يوحى إليه ، وإذا حيّة في جانب البيت ، فكرهت أن أقتلها فاُوقِظَهُ ، فاضطجعت بينه وبين الحيّة ، حتَّى إن كان منها سوء يكون إليّ دونه ، فاستيقظَ وهو يتلو هذه الآية : « إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ » (18) . ثمّ قال : الحمد للّه الَّذي أكمل لِعَليٍّ عليه السلام مُنيته ، وهنيئا لعليّ عليه السلام بِتفضيل اللّه ِ إيّاهُ ، ثمّ التفت ، فرآني إلى جانبه ، فقال : ما أضجَعكَ هاهنا يا أبا رافع ؟ فأخبرته خبر الحيّة ، فقال : قم إليها فاقتُلها ، فقتلتها . ثمّ أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيدي فقال : يا أبا رافع كَيفَ أنتَ وقومُ يقاتِلونَ عَلِيّا عليه السلام هُو عَلى الحَقِّ وهم على الباطل ! يكون في حَقّ اللّه ِ جِهادُهُم ، فَمَنَ لَم يَستطِع جِهادَهُم فَبقلبهِ ، فَمَن لَم يَستَطِعْ فليس وراءَ ذلِكَ شيءٌ ، فَقُلتُ : ادعُ لي إنْ أدركْتُهم أن يُعينني اللّه ُ ويُقوّيني عَلى قتالهم ، فَقالَ : اللَّهمَّ إن أدرَكَهُم فقوِّه وأعِنْه . ثمّ خَرَج إلى النَّاس ، فقال : يا أيُّها النَّاس ! مَن أحَبَّ أن يَنظُرَ إلى أمِيني على نَفسي وأهلِي ، فهذا أبو رافع أميني علَى نَفسِي . (19) وعن عَوْن بن عُبَيْد اللّه بن أبي رافع : لمّا بويع عليّ عليه السلام وخالفه معاوية بالشَّام ، وسار طَلْحة والزُّبَيْر إلى البصرة ، قال أبو رافع : هذا قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «سيُقاتِلُ عليّا عليه السلام قَومٌ يَكونُ حقّا فِي اللّه ِ جهادهُم» . فباع أرضه بخيبر وداره ، ثمّ خرج مع عليّ عليه السلام وهو شيخ كبير له خمس وثمانون سنة ، وقال : الحمد للّه ، لقد أصبحت لا أحد بمنزلتي ، لقد بايعت البيعتين ، بيعة العَقَبَة ، وبيعة الرِّضوان ، وصلّيت القبلتين ، وهاجرت الهجر الثَّلاث ، قلت : وما الهجر الثَّلاث ؟ قال : هاجرت مع جعفر بن أبي طالب _ رحمة اللّه عليه _ إلى أرض الحبشة ، وهاجرت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى المدينة ، وهذه الهجرة مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى الكوفة ، فلم يزل مع عليّ عليه السلام حتَّى استشهد عليّ عليه السلام ، فرجع أبو رافع إلى المدينة مع الحسن عليه السلام ، ولا دار له بها ولا أرض ، فقسم له الحسن عليه السلام دار عليّ عليه السلام بنصفين ، وأعطاه سُنُح (20) : أرض أقطعه إيّاها ، فباعها عبيد اللّه بن أبي رافع من معاوية بمئة ألف وسبعين ألفا . (21)

.


1- . الاستيعاب : ج 1 ص177 الرقم34 ؛ تهذيب المقال : ج 1 ص164 الرقم1 .
2- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص690 ح6536 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص73 ، تاريخ الطبري : ج3 ص170 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص668 ؛ رجال النجاشي : ج1 ص61 الرقم1 .
3- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص690 ح6536 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص73 ، تاريخ الطبري : ج3 ص170 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص668 .
4- . الطبقات الكبرى : ج4 ص73 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص668 ، سِيَر أعلامِ النبلاء :ج2 ص16 الرقم3 ، الاستيعاب : ج 1 ص177 الرقم34 ؛ رجال النجاشي : ج1 ص61 الرقم1 .
5- . الطبقات الكبرى : ج4 ص74 ، الاستيعاب : ج 1 ص178 الرقم34 ؛ رجال النجاشي : ج1 ص62 الرقم1 وفيه « وشهد مع النَّبيّ صلى الله عليه و آله مشاهده » .
6- . رجال النَّجاشي : ج1 ص62 الرقم1 ، الأمالي للطوسي : ص59 ح86 .
7- . مقتل الحسين للخوارزمي :ج1 ص48 ؛ الغدير : ج1 ص16 ح8 .
8- . رجال النجاشي : ج1 ص62 الرقم1 .
9- . رجال النجاشي : ج1 ص62 الرقم1 ، الأمالي للطوسي : ص59 ح86 .
10- . الكامل في التاريخ : ج2 ص441 .
11- . الطبقات الكبرى : ج4 ص74 ، تاريخ الطبري : ج3 ص170 وفيه « عبيدة اللّه » ؛ رجال النجاشي : ج1 ص62 الرقم1 ، رجال الطوسي : ص71 الرقم654 .
12- . رجال النجاشي : ج1 ص62 الرقم1 ، رجال ابن داوود : ص134 الرقم1011 وراجع تهذيب المقال : ج1 ص164 _ 182 الرقم1 .
13- . رجال النجاشي : ج1 ص64 الرقم1 .
14- . تدوين السنّة الشريفة : ص138 _ 142 .
15- . رجال النجاشي : ج1 ص64 الرقم1 ، الأمالي للطوسي : ص59 ح86 .
16- . التاريخ الكبير : ج 5 ص138 ح415 .
17- . سيرأعلام النبلاء : ج2 ص16 الرقم3 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص668 ، وقيل « مات بعد قتل عثمان » كما في الطبقات الكبرى : ج4 ص75 وتاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص668 ، وقيل « توفّي في خلافة عليّ عليه السلام » كما في سِيَرِ أعلامِ النبلاء : ج2 ص16 الرقم3 والاستيعاب : ج 1 ص178 الرقم34 .
18- . المائدة : 55 .
19- . رجال النجاشي : ج 1 ص 63 الرقم 1 .
20- . سُنُح : موضع بعَوالي المدينة ، فيه منازل بني الحارث بن الخزرج ( النهاية : ج2 ص407 ) .
21- . رجال النجاشي : ج 1 ص 64 الرقم 1 .

ص: 303

. .

ص: 304

. .

ص: 305

196 _ كتابه عليه السلام إلى أبي موسى الأشعريّ

196كتابه عليه السلام إلى أبي موسى الأشْعَرِيّ« مُروا الأقارِبَ أن يَتزاورُوا ولا يَتَجاوَرُوا » .

[ نقله العلاّمة المتتبّع المحققّ الكاشانيّ في المَحَجَّة البيضاء ، بعد ما نقله عن عمر بن الخَطَّاب ، أنَّه كتبه إلى عمَّاله ، قال : وقد نسب بعض العلماء هذه المكاتبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وأنَّه كتبه إلى أبي موسى الأشْعَرِيّ ] . (1)

.


1- . المحجَّة البيضاء : ج3 ص429 .

ص: 306

197 _ كتابه عليه السلام إلى عمرو بن العاص

198 _ كتابه في قائم سيفه عليه السلام

197كتابه عليه السلام إلى عَمْرو بن العاصكتب عليّ رضى الله عنه إلى عَمْرو بن العاص : لَأُصبِحَنَّ العاصِ وابنَ العاصِيتِسعِينَ ألفا عاقِدِي النَّواصِي مُسْتَحْقِبِيْنَ حَلَقَ الدِّلاصِقد جنَّبوا الخَيْلَ مَعَ القِلاصِ آسادُ غيلٍ حِينَ لا مَناصِ

فكتب عَمْرو بن العاص إلى عليّ رضى الله عنه أبياتا مطلعها : ألَسْتَ بِالعاصِي وشيخِ العاصِيمِن مَعشَرٍ في غالبٍ مصّاص (1)

198كتابه في قائم سيفه عليه السلاميقال: إنَّ هذه الأبيات كانت مكتوبة على قائم سيف الإمام عليّ بن أبيطالب رضى الله عنه: النَّاسُ حِرصٌ عَلى الدُّنيا وقَدْ فَسَدَتْفَصَفُوها لَكَ مَمزُوجٌ بِتَكدِيرِ فَمِنْ مُكِبٍّ عَليها لا تُساعِدُهُوعاجِزٍ نَالَ دُنياهُ بِتَقصِيرِ لَم يُدرِكُوها بِعَقلٍ عِندَما قُسِمَتْوإنَّما أدرَكُوها بالمَقادِيرِ لَو كانَ عَن قُدْرَةٍ أو عَن مُغالَبَةٍطَارَ البُزاةُ بأرزَاقِ العَصافِيرِ » . (2) وفي لفظ ابن عساكر : للناسِ حِرصٌ عَلى الدُّنيا وتَدبِيرِوصَفُوها لَكَ مَمزُوجٌ بِتَكدِيرِ لَم يُرزَقُوها بِعَقلٍ عِندما قُسِمَتْلَكِنَّهُم رُزِقُوها بالمَقادِيرِ كَم مِن أديبٍ لَبِيبٍ لا تُساعِدُهُومائقٍ نَالَ دُنياهُ بِتَقصِيرِ لو كانَ عَنْ قُوَّةٍ أو عن مُغالَبَةٍطارَ البُزاةُ بأرزَاقِ العَصافِيرِ » . (3)

.


1- . الفتوح : ج2 ص539 وراجع : الكامل في التاريخ : ج2 ص361 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص169 ؛ وقعة صفِّين :ص136 .
2- . بهجة المجالس وأنس المجالس : ج1 ص143 عن بَكر بن حمّاد .
3- . تاريخ مدينة دمشق : ج42 ص525 ، البداية والنهاية : ج8 ص10 .

ص: 307

199 _ كتابه عليه السلام إلى شبيب بن عامر

199كتابه عليه السلام إلى شَبِيْب بن عامركتب ( أمير المؤمنين عليه السلام ) إلى شَبِيْب بن عامر بمثل هذه النَّسخة :« أمَّا بعدُ ؛ فالحَمُد للّه الَّذي يَصنَعُ للمَرءِ كَيفَ يَشاءُ ، ويُنزِلُ النَّصرَ عَلى مَن يَشاءُ إذا شاءَ ، فَنِعْمَ المَولَى رَبُّنا ونِعمَ النَّصِيرُ ، وقَد أَحسَنتَ النَّظَرَ لِلمُسلِمينَ ونَصَحتَ إمامَكَ ، وقُدْما كانَ ظَنِّي بِكَ ذلِكَ فجربت (1) والعصابَةَ الَّتي نَهَضْتَ بِهِم إلى حَربِ عَدُوّكَ خَيرَ ما جُزِيَ الصَّابِرونَ والمُجاهِدُونَ ، فانظُر لا تَغزُوَنَّ غَزوَةً ولا تَجلُوَنَّ إلى حَرْبِ عَدُوِّكَ خُطوَةً بعدَ هذا حَتَّى تَستأذِنَني في ذلِكَ _ كفانا اللّه ُ وإيَّاكَ تَظاهُرَ الظَّالِمِينَ ، إنَّه عَزيزٌ حَكِيمٌ ، والسَّلامُ عَليكَ ورحمَةُ اللّه ِ وَبَركاتُهُ _ » . وليس فيها زيادة غير هذه الكلمات :« واعلَم يا شَبِيْبُ أنَّ اللّه َ ناصِرُ مَن نَصَرَهُ ، وجاهَدَ في سَبيلِهِ _ والسَّلامُ عَليكَ ورَحمَةُ اللّه ِ وَبَرَكاتُهُ _ » . (2)

.


1- . كذا في المصدر، والظاهر أنّها : «فَجُزيتَ» .
2- . الفتوح : ج4 ص228 وراجع : الكامل في التاريخ : ج2 ص428 ، أنساب الأشراف : ج3 ص232 .

ص: 308

200 _ كتابه عليه السلام إلى بعض عمّالة

كتابه عليه السلام إلى عمّاله

200كتابه عليه السلام إلى بعض عمَّالة« أمَّا بعدُ ، فإنَّك مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ ، وأَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ الأَثِيمِ ، وأَسُدُّ بِهِ لَهَاةَ الثَّغْرِ الْمَخُوفِ . فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَى مَا أَهَمَّك ، واخْلِطِ الشِّدَّةَ بِضِغْثٍ مِنَ اللِّينِ ، وارْفُقْ مَا كَانَ الرِّفْقُ أَرْفَقَ ، واعْتَزِمْ بِالشِّدَّةِ حِينَ لا تُغْنِي عَنْك إِلاَّ الشِّدَّةُ ، واخْفِضْ لِلرَّعِيَّةِ جَنَاحَك ، وابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَك ، وأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَك ، وآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ والنَّظْرَةِ ، والإِشَارَةِ والتَّحِيَّةِ ، حَتَّى لا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِك ، ولا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِن عَدْلِك ، والسَّلامُ » . (1)

كتابه عليه السلام إلى عمَّالهإنَّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب إلى عمّاله :« أدِقُّوا أقْلامَكم ، وقارِبُوا بينَ سُطورِكم ، وأحْذِفُوا عَنِّي فضُولَكم ، وأقْصِدوا قصْدَ المعاني ، وإيَّاكم والإكْثارَ ، فإنَّ أموالَ المُسلِمينَ لا تحْتَمِلُ الإضْرارَ » . (2)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب46 .
2- . الخصال : ص310 ح 85 ، بحار الأنوار : ج76 ص49 .

ص: 309

كتابه عليه السلام إلى عمّاله

كتابه عليه السلام إلى عمّاله

كتابه عليه السلام إلى عمّاله

كتابه عليه السلام إلى بعض عمّاله

كتابه عليه السلام إلى عمّالهروى مُحَمَّد بن يعقوب الكليني رضى الله عنه ، عن أبي عليّ الأشْعَرِيّ ، عن مُحَمَّد بن عبد الجبّار ، عن صَفْوَان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ؛ قال :كان أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يكتب إلى عمّاله : « لا تَسخَروا المُسلِمينَ ، ومَن سألَكُم غَيرَ الفَرِيضَةِ فَقَد اعتَدَى فَلا تُعطُوهُ . وكانَ عليه السلام يَكتُبُ ويُوصِي بالفَّلاحِينَ خَيرا وهُم الأكّارُونَ » . (1)

كتابه عليه السلام إلى عمّالهروى أبو البختري ، عن جعفر ، عن أبيه ؛ أنَّ عليّا عليه السلام كان يكتب إلى أُمراء الأجناد :أنشُدُكُم اللّه َ في فَلاّحِي الأرضِ أن يُظلَمُوا قِبَلَكُم . (2)

كتابه عليه السلام إلى عمَّالهكتَب عليه السلام إلى عمَّاله ( بالفتح ) في الآفاق ، في كلام طويل ، وكان فيه :« إنَّ اللّه َ تعالَى قَتَل طَلْحَةَ والزُّبَيْرَ عَلى بَغْيِهِما وشِقاقِهِما ونَكْثِهما ، وهَزْم جَمْعَها ، ورَدَّ عائِشَةَ خاسِرَةً » . (3)

كتابه عليه السلام إلى بَعْض عمَّاله« أَمَّا بعْدُ ، فَإِنَّ دَهَاقِينَ أَهْلِ بَلَدِكَ شَكَوْا منْك غِلْظَةً وقَسْوَةً ، واحْتِقَارا وجَفْوَةً ، ونَظَرْتُ فَلَمْ أَرَهُمْ أَهْلاً ، لأَنْ يُدْنَوْا لِشِرْكِهِمْ ، ولا أَنْ يُقْصَوْا ، ويُجْفَوْا لِعَهْدِهِمْ ، فَالْبَسْ لَهُمْ جِلْبَابا مِنَ اللِّينِ تَشُوبُهُ بِطَرَفٍ مِنَ الشِّدَّةِ ، ودَاوِلْ لَهُمْ بَيْنَ الْقَسْوَةِ والرَّأْفَة ، وامْزُجْ لَهُمْ بَيْنَ التَّقْرِيبِ والإِدْنَاءِ ، والإِبْعَادِ والإِقْصَاءِ إِنْ شَاءَ اللّه » . (4)

.


1- . الكافي : ج5 ص284 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج7 ص154 ح30 ، النوادر للأشعري :ص164 ح425 ، بحار الأنوار : ج103 ص172 ح6 .
2- . قرب الإسناد : ص138 ح489 ، بحار الأنوار : ج100 ص33 ح10 .
3- . الفصول المختارة : ص142 .
4- . نهج البلاغة : الكتاب19 وراجع : تاريخ اليعقوبي : ج2 ص192 ؛ أنساب الأشراف : ج2 ص161 .

ص: 310

كتابه عليه السلام إلى بعض عمّاله

201 _ كتابه عليه السلام إلى القضاة

كتابه عليه السلام إلى بعض عمَّالهقال الزُّهْريّ : دخلت إلى عمر يوما ، فبينا أنَا عنده إذ أتاه كتاب من عامل له ، يخْبِره أنَّ مدينتهم قد احتاجت إلى مَرمَّة ، فقلت له : إنَّ بعض عمَّال عليّ بن أبي طالب كتَب بمثل هذا ، وكتَب إليه :« أمَّا بَعدُ ، فَحَصّنْها بالعَدلِ ، ونَقِّ طُرُقَها مِنَ الجَوْرِ » .

فكتَب بذلك عمر إلى عامله . (1)

201كتابه عليه السلام إلى القضاةقال عليه السلام لقضاته : _ وقد سألوه بم نحكم يا أمير المؤمنين ؟ فقال :« اقضُوا كَما كُنتُم تَقضُونَ ، حَتَّى تكونَ النَّاسُ جَماعَةً ، أو أموتُ كما ماتَ أصحابِي» (2) . 3

.


1- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص306 وراجع : تاريخ مدينة دمشق : ج45 ص202 .
2- . تهذيب الأحكام : ج9 ص259 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج7 ص72 .

ص: 311

قال ابن أبي الحديد : ثُمَّ ذكر عليه السلام نكتة لطيفة في هذا المعنى ، فقال : « العادَةُ أنَّ الرَّعِيَّةَ تَخافُ ظُلمَ الوالي وأنا أخافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي » ؛ ومن تأمّل أحواله عليه السلام في خلافته ، علم أنَّه كان كالمحجور عليه لا يتمكّن من بلوغ ما في نفسه ، وذلك لأنَّ العارفين بحقيقة حاله كانوا قليلين ، وكان السَّواد الأعظم ، لا يعتقدون فيه الأمر الَّذي يجب اعتقاده فيه ، ويرون تفضيل من تقدّمه من الخلفاء عليه ، ويظنّون أنّ الأفضليّة إنَّما هي الخلافة ، ويقلّد أخلافهم أسلافهم ، ويقولون لولا أنَّ الأوائل علموا فضل المتقدّمين عليه لما قدّموهم ، ولا يرونه إلاَّ بعين التَّبعية لِمَن سَبقهُ ، وأنَّه كان رعيّة لهم ، وأكثرهم إنّما يحارب معه بالحميّة وبنخوة العربيّة ، لا بالدين والعقيدة ، وكان عليه السلام مدفوعا إلى مداراتهم ومقاربتهم ، ولم يكن قادرا على إظهار ما عنده ، أ لا ترى إلى كتابه إلى قضاته في الأمصار ، وقوله : فاقضوا كما . . . وهذا الكلام لا يحتاج إلى تفسير ، ومعناه واضح ، وهو أ نَّه قال لهم : اتّبعوا عادتكم الآن بعاجل الحال في الأحكام والقضايا الَّتي كنتم تقضون بها إلى أن يكون للناس جماعة ، أي إلى أن تسفر هذه الأُمور والخطوب عن الاجتماع وزوال الفرقة وسكون الفتنة ، وحينئذ أُعرِّفُكم ما عندي في هذه القضايا والأحكام الَّتي قد استمررتم عليها . ثُمَّ قال : « أو أموتُ كما ماتَ أصحابِي » ، فمن قائل يقول : عَنَى بأصحابه الخلفاء المُتقدّمين ، ومن قائل يقول : عَنَى بأصحابه شيعتَه كسَلْمان ، وأبي ذرّ ، والمقداد ، وعَمَّار ، ونحوهم . (1)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج7 ص72 .

ص: 312

202 _ كتابه عليه السلام لشريح بن الحارث قاضيه

202كتابه عليه السلام لشُرَيْح بن الحَارِث قَاضِيهرُوِيَ أَنَّ شُرَيْحَ بن الْحَارِثِ قَاضِيَ أَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ عليه السلام اشْتَرَى عَلَى عَهْدِهِ دَارا بِثَمَانِينَ دِينَارا فَبَلَغَهُ ذَلِك ، فَاسْتَدْعَى شُرَيْحا وقال لَهُ :«بَلَغَنِي أنَّك ابْتَعْتَ دَارا بِثَمَانِينَ دِينَارا ، وكَتَبْتَ لَهَا كِتَابا ، وأَشْهَدْتَ فِيهِ شُهُودا». فقال لَهُ شُرَيْحٌ : قَدْ كانَ ذَلِك يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ . قال : فَنَظَرَ إِلَيْهِ نَظَرَ الْمُغْضَبِ ، ثُمَّ قال لَهُ : « يَا شُرَيْحُ أَمَا إنَّهُ سَيَأْتِيك مَنْ لا يَنْظُرُ فِي كِتَابِك ، ولا يَسْأَلُك عَنْ بَيِّنَتِك ، حَتَّى يُخْرِجَك مِنْهَا شَاخِصا ، ويُسْلِمَك إلَى قَبْرِك خَالِصا ، فَانْظُرْ يَا شُرَيْحُ ، لا تَكُونُ ابْتَعْتَ هَذِهِ الدَّارَ مِن غَيْرِ مَالِك ، أو نَقَدْتَ الثَّمَنَ مِن غَيْرِ حَلالِك ، فَإِذَا أَنْتَ قَدْ خَسِرْتَ دَارَ الدُّنيا ودَارَ الآخِرَةِ . أَمَا إنَّك لَوْ كُنْتَ أَتَيْتَنِي عِنْدَ شِرَائِك مَا اشْتَرَيْتَ لَكَتَبْتُ لَك كِتَابا عَلَى هَذِهِ النُّسْخَة ، فَلَمْ تَرْغَبْ فِي شِرَاءِ هَذِهِ الدَّارِ بِدِرْهَمٍ فَمَا فَوْقُ ، والنُّسْخَةُ هَذِه » : « هَذَا مَا اشْتَرَى عَبْدٌ ذَلِيلٌ مِن مَيِّتٍ قَدْ أُزْعِجَ لِلرَّحِيلِ اشْتَرَى مِنْهُ دَارا مِنْ دَارِ الْغُرُورِ ، مِن جَانِبِ الْفَانِينَ ، وخِطَّةِ الْهَالِكِينَ ، وتَجْمَعُ هَذِهِ الدَّارَ حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ : الْحَدُّ الأَوَّلُ يَنْتَهِي إلَى دَوَاعِي الآفَاتِ ، والْحَدُّ الثَّانِي يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الْمُصِيبَاتِ ، والْحَدُّ الثَّالِثُ يَنْتَهِي إِلَى الْهَوَى الْمُرْدِي ، والْحَدُّ الرَّابِعُ يَنْتَهِي إِلَى الشَّيْطان الْمُغْوِي ، وفِيهِ يُشْرَعُ بَابُ هَذِهِ الدَّارِ ! اشْتَرَى هَذَا الْمُغْتَرُّ بِالأَمَلِ مِن هَذَا الْمُزْعَجِ بِالأَجَلِ ، هَذِهِ الدَّارَ بِالْخُرُوجِ مِن عِزِّ الْقَنَاعَةِ ، والدُّخُولِ فِي ذُلِّ الطَّلَبِ والضَّرَاعَةِ ، فَمَا أَدْرَكَ هَذَا الْمُشْتَرِي فيما اشْتَرَى مِنْهُ مِن دَرَك ، فَعَلَى مُبَلْبِلِ أَجْسَامِ الْمُلُوك ، وسَالِبِ نُفُوسِ الْجَبَابِرَةِ ، ومُزِيلِ مُلْك الْفَرَاعِنَةِ ، مِثْلِ كسْرَى وقَيْصَرَ ، وتُبَّعٍ وحِمْيَرَ ، ومَنْ جَمَعَ الْمَالَ عَلَى الْمَالِ فَأَكْثَرَ ، ومَنْ بَنَى وشَيَّدَ وزَخْرَفَ ونَجَّدَ ، وادَّخَرَ واعْتَقَدَ ، ونَظَرَ بِزَعْمِهِ لِلْوَلَدِ إِشْخَاصُهُمْ جَمِيعا إِلَى مَوْقِفِ الْعَرْضِ والْحِسَابِ ، ومَوْضِعِ الثَّوَابِ والْعِقَابِ ، إِذَا وَقَعَ الأَمْرُ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ ، « وَ خَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِ_لُونَ » (1) ، شَهِدَ عَلَى ذَلِك الْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِن أَسْرِ الْهَوَى وسَلِمَ مِن عَلائِقِ الدُّنيا » . (2)

.


1- . غافر :78 .
2- . نهج البلاغة : الكتاب3 وراجع : الأمالي للصدوق : ص187 ، روضة الواعظين : ص366 ، دستور معالم الحكم : ص135 ، بحار الأنوار : ج77 ص277 ؛ تذكرة الخواص : ص185 .

ص: 313

203 _ كتابه عليه السلام إلى أمراء البلاد

204 _ كتابه عليه السلام إلى قثم بن العبّاس

203كتابه عليه السلام إلى أُمراء البلادفي معنى الصلاة :« أمَّا بَعْدُ ؛ فَصَلُّوا بالنَّاس الظُّهْرَ حَتَّى تَفِيءَ الشَّمْسُ مِن مَرْبِض الْعَنْزِ ، وصَلُّوا بِهِم الْعَصْرَ والشَّمْسُ بَيْضَاءُ حَيَّةٌ فِي عُضْوٍ مِن النَّهَار ، حِينَ يُسَارُ فيها فَرْسَخَان ، وصَلُّوا بِهِم الْمَغْرِبَ حِينَ يُفْطِرُ الصَّائِمُ ، ويَدْفَعُ الْحَاجُّ إلى مِنىً ، وصَلُّوا بِهِم الْعِشَاءَ حِينَ يَتَوَارَى الشَفَقُ إلى ثُلُث اللَّيْلِ ، وصَلُّوا بِهِم الْغَدَاةَ والرَّجُلُ يَعْرِفُ وَجْهَ صَاحِبِه ، وصَلُّوا بِهِم صَلاةَ أَضْعَفِهِم ، ولا تكونُوا فَتَّانِينَ » . (1)

204كتابه عليه السلام إلى قُثَمِ بن العبَّاسوهو عامله على مكّة : « أمَّا بَعْدُ ؛ فأقِمْ لِلنَّاسِ الْحَجَّ ، وذَكِّرْهُم بأيّامِ اللّه ِ ، واجْلِسْ لَهُمُ الْعَصْرَيْنِ ، فَأَفْتِ الْمُسْتَفْتِيَ ، وعَلِّمِ الْجَاهِلَ ، وذَاكِرِ الْعَالِمَ ، ولا يَكُنْ لَك إلى النَّاس سَفِيرٌ إلاّ لِسَانُك ، ولا حَاجِبٌ إلاَّ وَجْهُك ، ولا تَحْجُبَنَّ ذَا حَاجَةٍ عَن لِقَائِك بها ، فإنَّها إِنْ ذِيدَتْ عَن أَبْوَابِك في أَوَّل وِرْدِها لَم تُحْمَدْ فيما بعْدُ على قَضَائها ، وانْظُر إلى ما اجْتَمَعَ عندك مِن مَال اللّه ِ ، فَاصْرِفْهُ إلى مَن قِبَلَك مِن ذَوِي الْعِيَال ، والْمَجَاعَةِ مُصِيبا بِهِ مَوَاضِعَ الْفَاقَة ، والْخَلاّتِ ، وما فَضَلَ عَن ذَلِك فَاحْمِلْهُ إِلَيْنَا لِنَقْسِمَهُ فِيمَنْ قِبَلَنَا ، ومُرْ أَهْلَ مَكَّةَ ألاّ يَأْخُذُوا مِن سَاكِنٍ أَجْرا ، فَإِنَّ اللّه سُبْحَانَهُ يَقُولُ : سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ والْبادِ ، فَالْعَاكِفُ الْمُقِيمُ بِه ، والْبَادِي الَّذِي يَحُجُّ إليْه مِن غَيْر أَهْلِه ، وَفَّقَنَا اللّه ُ وإيَّاكُم لِمَحَابِّهِ ، والسَّلام » . (2)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب52 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج17 ص22 . وراجع في شرح هذه الجملات : شرح الحميدي ، والبحراني .
2- . نهج البلاغة : الكتاب67 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج18 ص30 .

ص: 314

[ أقول : قُثَمُ _ كَزُفَر كما في القاموس _ بن العبَّاس ، عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأُمُّه أُمّ الفضل ، أوَّل امرأة أسلمت بمكّة بعد خَديجة رضي اللّه عنها ، وكان يشبه النَّبيَّ صلى الله عليه و آله . سأل عبد الرَّحمن بن خالد قُثَم : ما شأن عليٍّ ؟ كان له من رسول اللّه صلى الله عليه و آله منزلة لم تكن للعبَّاس ؟ وفي رواية : كيف ورث عليٌّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دونكم ؟ فقال قُثَم : كان أوَّلُنا لحوقا ، وأشدّنا لزوقا _ لزوما _ (1) ، وكان آخر النَّاس عهدا برسول اللّه صلى الله عليه و آله (2) . وكان قُثَمُ أخا الحسن عليه السلام من الرِّضاعة ، لأنَّه عليه السلام كان يرتضع من لبن أُمّ الفضل أُمّ قُثَم . (3) وقد ولاّه أمير المؤمنين عليه السلام لمَّا بويع على مكّة والطَّائف ، كما في الطَّبري (4) ، أنَّه ولاّه المدينة ، والأوَّل أصحّ ، لأنَّه أشهر ، بل متّفق عليه بين المؤرّخين ، ومخالفه ينتهي إلى الزُّبَيْر بن بكَّار ، ولعلَّ ابن قُتَيْبَة أيضا ينتهي إليه ، ويمكن الجمع بين القولين بقول ثالث ، وهو أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام عزل خالد بن العاص بن هِشام عن مكّة ، وولاّها أبا قَتادَة الأنصاريّ ، ثُمَّ عزله وولاّها قُثَم ، كما في الإصابة ، والاستيعاب ، فلعلّ قُثَم كان على المدينة حين كان أبو قَتادَة على مكّة ، ثُمَّ عزل أبا قَتادَة ، وولّى قُثَم على مكَّة ، وولّى سَهْل بن حُنَيْف على المدينة ، وعلى أيّ حال ، فقد كان قُثَم على مكّة والطَّائف ، حَتَّى قتل أمير المؤمنين عليه السلام . وتوفّي قُثَم في زمن معاوية بسمرقند شهيدا ، كما في أُسْد الغابَة والإصابة والاستيعاب . وله أقاصيص في الكرم ، ووفور العطاء ، ومدحَه الشُّعراء ، وقد ذكرها أبو الفرج . (5) ولم أعثر إلى الآن على قدح فيه ، بل قال الطَّبري : أنَّه كان وَرِعا فاضِلاً ، بل هذا الكتاب يدلّ على جلالته ، ولم يذكره قَيْس بن سَعْد بطل الشِّيعة ، وخطيب الأنصار بسوء ، حين خطب بعد فرار عُبيد اللّه إلى معاوية ، مع أنَّه وقع في عبد اللّه ، وعُبيد اللّه ، والعبَّاس . وهذا ، أيضا يدلّ على جلالته ، إلاَّ أنَّه فرّ وخلّى مكّة لبُسر بن أرطاة لعنه اللّه تعالى ] . (6)

.


1- . راجع : أُسد الغابة والإصابة .
2- . راجع : الاستيعاب ، أُسد الغابة ، الإصابة .
3- . راجع : بحار الأنوار : ج43 ص255 .
4- . تاريخ الطبري : ج4 ص455 و492 وج5 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص53 وراجع : أُسد الغابة : ج 5 ، ص 316 الرقم 5254 ، الإصابة : ج 6 ص 351 الرقم 8767 ، الاستيعاب : ج 4 ص 64 الرقم 2648 .
5- . راجع : سفينة البحار : ج2 ص408 وقاموس الرجال .
6- . راجع:الطبقات الكبرى:ج7 ص367،سِيَر أعلامِ النبلاء:ج3 ص441،المنتخب من ذيل المذيّل للطبري:ص38.

ص: 315

. .

ص: 316

امّ الفضل بنت الحارث

اُمُّ الفَضْلِ بنْتُ الحارِثهي لبابة بنت الحارث بن حَزْن الهلاليّة ، أُمّ الفضل ، وهي زوجة العبّاس بن عبد المطّلب ، واُمّ أكثر بنيه ، وهي اُخت ميمونة زوج النَّبيّ صلى الله عليه و آله . يقال : إنّها أوّل امرأة أسلمت بعد خديجة ، روى ابن عبّاس عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال :« الأخوات المؤمنات : ميمونة بنت الحارث وأُمّ الفضل وسلمى وأسماء» . (1)

في الفتوح : كتبت أُمّ الفضل بنت الحارث إلى عليّ رضى الله عنه : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم ، لعبد اللّه عليٍّ أمير المؤمنين من أُمّ الفضل بنت الحارث ، أمّا بعد ؛ فإنّ طَلْحَة والزُّبَيْر وعائِشَة قد خرجوا من مكّة يريدون البصرة ، وقد استنفروا النَّاس إلى حربك ، ولم يخفّ معهم إلى ذلك إلاّ من كان في قلبه مرض ، ويد اللّه فوق أيديهم ، والسَّلام . قال : ثمّ دفعت أُمّ الفضل هذا الكتاب إلى رجل من جُهينة له عقل ولسان ، يقال له : ظفْر ، فقالت : خذ هذا الكتاب ، وانظر أن تقتل في كلّ مرحلة بعيرا وعَلَيَّ ثمنه ، وهذه مِئةُ دينار قد جَعلتُها لكَ ، فجُدّ السَّيرَ حتَّى تلقى عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه ، فتدفع إليه كتابي هذا . قال : فسار الجُهَنيّ سيرا عنيفا حتَّى لحق أصحاب علِيٍّ رضى الله عنه وهم على ظهر المسير (2) ، فلمّا نظروا إليه نادوه من كلّ جانب : أيُّها الرَّاكب ما عندك ؟ قال : فنادى الجُهَنيّ بأعلى صوته شعرا يخبر فيه قدوم عائِشَة وطَلْحَة والزُّبَيْر . (3)

.


1- . الاستيعاب : ج 4 ص462 الرقم3514 وراجع اُسد الغابة : ج 7 ص246 الرقم7252 .
2- . أي يتهيّؤوا للخروج إلى الشام .
3- . الفتوح : ج2 ص456 وراجع: تاريخ الطبري : ج4 ص451 .

ص: 317

أبو قتادة الأنصاريّ

أبو قَتادَةَ الأنْصارِيّهو الحارث بن رِبْعيّ بن بَلْدَمَة ، أبو قَتادَة الأنْصاريّ الخَزْرَجيّ ، وهو مشهور بكنيته ، كان من الصَّحابة (1) . شارك في معركة اُحد وما بعدها من المعارك (2) . وكان أحد الشَّجعان في جيش (3) النَّبيِّ صلى الله عليه و آله حتَّى ذكره صلى الله عليه و آله بأنّه من خيرة المقاتلين . كان من صحابة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (4) ، واشترك في جميع حروبه (5) . قال في معركة الجمل قولاً يدلّ على إيمانه العميق ووفائه للإمام عليه السلام (6) . وكان على الرَّجّالة في النهروان (7) . وولاّه الإمام عليه السلام على مَكّة (8) . توفّي أبو قَتادَة في أيّام خلافة الإمام عليه السلام . (9) في الاستيعاب : إنّ عليّا لمّا وليَ الخلافة عزل خالد بن المُغِيْرَة العاصي بن هِشام بن المخزومي عن مكّة ، وولاّها أبا قَتادَة الأنْصاريّ . (10) وفي تاريخ الطبريّ عن أبي قَتادَة _ لعليّ عليه السلام في حرب الجمل _ : يا أمير المؤمنين ! إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قلّدني هذا السَّيف وقد شِمْته (11) فطال شَيمه ، وقد أنَى تجريدُه على هؤلاء القوم الظَّالمين الَّذين لم يألوا الاُمَّةَ غشّا ؛ فإن أحببت أن تقدّمني ، فقدِّمني . (12)

.


1- . رجال الطوسي : ص35 الرقم183 ؛ تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص341 .
2- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص546 ح6031 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص159 الرقم10 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص340 ، الاستيعاب : ج 4 ص295 الرقم3161 ، اُسد الغابة : ج 6 ص244 الرقم6173 .
3- . تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص341 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص449 الرقم87 ، الاستيعاب : ج1 ص353 الرقم414 ، اُسد الغابة : ج 6 ص244 الرقم6173 .
4- . رجال الطوسي : ص83 الرقم837 ؛ تاريخ بغداد : ج 1 ص159 الرقم10 .
5- . تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص342 ، الاستيعاب : ج 4 ص295 الرقم3161 ، اُسد الغابة :ج6 ص245 الرقم6173 .
6- . تاريخ الطبري : ج4 ص451 .
7- . تاريخ الطبري : ج5 ص85 ، الأخبار الطوال : ص210 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص159 الرقم10 وفيه « حضر معه قتال الخوارج بالنهروان » .
8- . رجال الطوسي : ص83 الرقم837 ؛ تاريخ خليفة بن خيّاط : ص152 ، الاستيعاب : ج 3 ص363 الرقم2190 وزاد فيهما « ثمّ عزله » .
9- . الاستيعاب : ج 4 ص295 الرقم3161 ، اُسد الغابة : ج 6 ص245 الرقم6173 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص453 الرقم87 ، وذكرت بعض المصادر أنّه « توفّي سنة 54 ه وهو ابن سبعين سنة » كما في المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص547 ح6033 ، المعجم الكبير : ج 3 ص240 ح3274 .
10- . الاستيعاب : ج 3 ص363 الرقم2190 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص152 وفيه « خالد بن سعيد بن العاصي » .
11- . الشَّيْم : إغماد السيف ، وهو من الأضداد ( النهاية : ج2 ص521 ) .
12- . تاريخ الطبري : ج4 ص451 .

ص: 318

205 _ كتابه عليه السلام بين ربيعة واليمن

205كتابه عليه السلام بين رَبيعة واليَمن« هذا ما اجْتَمَعَ عليه أَهْلُ اليَمَنِ حَاضِرُها وبَادِيها ، ورَبِيعَةُ حَاضِرُهَا ، وبَادِيها أَنَّهُم على كِتَابِ اللّه ِ يَدْعُونَ إليهِ ، ويَأْمُرُونَ بهِ ، ويُجِيبُون مَنْ دَعا إليهِ ، وأَمَرَ به لا يَشْتَرُونَ بهِ ثَمَنا ، ولا يَرْضَوْنَ بهِ بَدَلاً ، وأنَّهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ على مَن خالَفَ ذَلِكَ ، وتَرَكَهُ أَنْصَارٌ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ ، دَعْوَتُهُم واحِدَةٌ ، لا يَنْقُضُون عَهْدَهُمْ لِمَعْتَبَةِ عَاتِبٍ ، ولا لِغَضَبِ غَاضِبٍ ، ولا لاسْتِذْلالِ قَوْمٍ قَوْما ، ولا لِمَسَبَّةِ قَوْمٍ قَوْما على ذلك ، شَاهِدُهُمْ وغَائِبُهُم ، وسَفِيهُهُم وعَالِمُهُم ، وحَلِيمُهُم وجَاهِلُهُم ، ثُمَّ إنَّ علَيْهم بذلِك عَهْدَ اللّه ومِيثَاقَهُ ، إنَّ عَهْد اللّه كَانَ مَسؤولاً ، وكَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب74 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج18 ص66 ، شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج5 ص231 .

ص: 319

[ أقول : اليمن كلُّ من ولده قحطان : نحو حِمْيَر ، وعكّ ، وجُذام ، وكِنْدَة ، والأزْد ، وغيرهم . ورَبيعة هو : ربيعة بن نِزار بن مَعَدّ بن عَدنان ؛ وهم بَكْر ، وتَغْلِب ، وعبد القَيس . (1) وسُمِّي قَحطان أبو اليَمن ، وللمسعوديّ في مُروج الذَّهب (2) كلام في المغاضبة بين رَبيعة ومُضرّ ، وبين اليَمانيَّة القَحطانيين ، وإنَّ الموجد لها هو الكميت الأسدي ، بأمر عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر ، وذلك بإنشائه قصائد في مدح نِزار ، وتفضيلهم على قحطان ، فأثار غضب اليمانيَّة ، وتسبّب في قيام المنازعات بينهم. وعلى التَّفصيل المذكور في الكتاب المشار إليه ، كأنَّ هذه العصبية المنتِجة للمغاضبة المذكورة كانت عريقةً (3) كامنة ، وإنَّ هذا الكتاب بينهما كان لإطفاء نارها وإخماد فتنتها ، ولعلَّ السَّبب في كتابة هذا العهد حِراجة (4) الموقف ، وعظم الفتن الَّتي كان أمير المؤمنين عليه السلام يعلمها . في الحديث عن النَّبي صلى الله عليه و آله : « كلُّ حِلْفٍ كان في الجاهِليَّةِ فلا يَزيدُهُ الإسلامُ إلاّ شِدَّةً » ؛ ولا حِلْف في الإسلام ، لكنَّ فِعْلَ أمير المؤمنين عليه السلام أولى بالاتّباع من خبر الواحد ، وقد تحالفت العرب في الإسلام مرارا ، ومن أراد الوقوف على ذلك فليطلبه من كتب التَّواريخ] . (5)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج18 ص66 .
2- . مروج الذَّهب : ج3 ص244 .
3- . أي الأصيلة .
4- . أي الصعابة .
5- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج18 ص67 .

ص: 320

206 _ كتابه عليه السلام لأبي الأسود في النّحو

206كتابه عليه السلام لأبي الأسْوَد في النَّحوقال العلاّمة التُّستريّ في القاموس في ترجمة أبي الأسْوَد : وأمَّا تأسيسه النَّحو ، ففي معجم الأُدباء ، ياقوت الحَمَويّ ، عن أمالي الزَّجاج ، عن الطَّبريّ _ صاحب المازني _ عن السَّجستانيّ ، عن الخُضْريّ ، عن سَعِيد بن سَلَمَة الباهِليّ ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبي الأسْوَد، قال : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام فرأيته مطرقا مفكّرا ! فقلت : فِيمَ تفكّر يا أمير المؤمنين ؟ قال : « إنِّي سمِعتُ بِبلدِكُم لَحْنا ، فأرَدتُ أنْ أضَعَ كِتابا في أُصُولِ العَربِيَّةِ » . فقلت : إن فعلت هذا يا أمير المؤمنين ، أحييتنا وبقيت هذه اللُّغة فينا ؛ ثُمَّ أتيته بعد أيَّام ، فألقى إليَّ صحيفة ، فيها : « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ الكلامُ كلّه : اسمٌ ، وفِعلٌ ، وحَرفٌ ؛ والاسمُ ، ما أنبأ عَنِ المُسمَّى ، والفِعلُ ، ما أنبأ عَن حَرَكَةِ المُسمَّى ، والحَرفُ ، ما أنبأ عَن مَعنى لَيسَ باسمٍ ولا فِعْلٍ » . ثُمَّ قال لي : « تتبّعْهُ وزِدْ فيهِ ما وقَعَ لَكَ ، واعلَم يا أبا الأسْوَدِ ، أنَّ الأشياء ثَلاثَةٌ : ظاهِرٌ ، ومُضمَرٌ ، وشيءٌ لَيسَ بِظَاهِرٍ ولا مُضمَرٍ » . قال : فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه ، وكان من ذلك حروف النَّصب ، فكان منها : إنَّ وأنَّ وليتَ ولعلَّ وكأنَّ ، ولم أذكر لكنَّ . فقال لي : « لِمَ تَركْتَها » ؟ فقلت : لم أحسبها منها . فقال : « بل هِيَ مِنها فَزِدْها فِيها » . (1) ونقله العلاّمة المجلسي في البحار نقلاً عن المناقب هكذا : « الكلامُ ثلاثَةُ أشياء : اسمٌ ، وفِعلٌ ، وحَرفٌ جاء لِمَعنى ، فالاسمُ : ما أَنبأَ عَنِ المُسمَّى ، والفِعلُ : ما أنبَأ عن حَرَكَةِ المُسمَّى ، والحَرفُ : ما أوجَدَ مَعنىً فِي غَيرِهِ ؛ وكتَبَ عليُّ بنُ أبي طالب » (2) [ وفي ملحقات إحقاق الحقّ (3) نقل تأسيسه عليه السلام لعلم النَّحو عن الأنباري في كتابيه : لمع الأدلّة ونزهة الألبّاء ، والقفطي في إنباه الرُّواة ، والزَّجاجيّ : في الإيضاح ، وابن كثير في البداية والنِّهاية ، والدِّينَوري في الشِّعر والشُّعراء ، والعسكري في المصون ، وابن العمَّاد في شذرات الذَّهب ، والقلقشندي في صبح الأعشى ، والسَّمعاني في الأنساب ، وابن النَّديم في الفهرست ، واليافعي في مِرآة الجنان ، والكنفراني في المُوفَّى ، والزُّبيديّ في تاج العروس ، والإشبيلي في طبقات النُّحاة ، والسُّيوطي في الوسائل وتاريخ الخلفاء ، والبستوي في محاضرة الأوائل ، والذَّهبيّ في تاريخ الإسلام ، والمُبَرِّد في الفاضل ، وغيرهم ، ثُمَّ نقل علل التَّأسيس ، ثُمَّ ذكر ما ألقاه أمير المؤمنين عليه السلام إلى أبي الأسْوَد عَلى اختلافِ النُّسخ : 1 . أملى على أبي الأسْوَد جوامعه وأُصوله _ أي النَّحو _ من جملتها : ]الكلام كلّه ثلاثة أشياء : اسم ، وفعل ، وحرف ؛ ومن جملتها تقسيم الكلمة إلى معرفة ، ونكرة ، وتقسيم وجوه الإعراب إلى الرَّفع ، والنَّصب ، والجرّ . (4) [ 2 . عن أنباه الرُّواة للشَيْبانِيّ (5) موافقا لما مرّ عن ياقوت الحموي الملحقات ] .

.


1- . قاموس الرجال : ج5 ص582 الرقم 3771 وراجع : سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص84 .
2- . المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص47 ، بحار الأنوار : ج40 ص162 .
3- . إحقاق الحق : ج8 ص1 _ 10 .
4- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص20 .
5- . أنباه الرواة : ج1 ص4 .

ص: 321

. .

ص: 322

3 . روى أبو الأسْوَد قال : دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، فوجدت في يده رقعة ، فقلت : ما هذه يا أمير المؤمنين ؟فقال : « إنِّي تأمّلتُ كَلامَ العَرَبِ ، فَوجَدتُهُ قَد فسَدَ بِمُخالَطَةِ هذهِ الحَمراءِ ، يَعنِي الأعاجِمَ ، فأرَدتُ أن أصنَعَ شَيئا يَرجِعُون إليهِ ، ويَعتَمِدونَ عَليهِ » ، ثُمَّ ألقى إليَّ الرَّقعة ، وفيها مكتوب : « الكلامُ كُلُّهُ : اسمٌ ، وفِعلٌ ، وحَرفٌ ، فالاسمُ : ما أنبأَ عَنِ المُسمَّى ، والفِعلُ : ما أنبأ بِهِ ، والحَرفُ : ما أفادَ مَعنى » . وقال لي : « انحُ هذا النَّحوَ ، وأضعِفْ ما وَقَعَ إليْكَ ، واعلم يا أبا الأسْوَد ، إنَّ الأسماء ثلاثةٌ : ظاهرٌ ، ومُضْمرٌ ، واسم لا ظاهر ولا مضمر ، وإنَّما يتفاضل النَّاس يا أبا الأسْوَد ، فيما ليس بظاهر ولا مضمر ، وأراد بذلِكَ الاسمَ المُبهَم » .

قال : ثُمَّ وضعت بابي العطف والنَّعت ، ثُمَّ بابي التَّعجّب والاستفهام ، إلى أن وصلت إلى باب إنَّ وأخواتها ، ما خلا لكنَّ ، فلمَّا عرضتها على عليّ عليه السلام ، أمرني بضمّ لكنَّ إليها ، وكنت كلَّما وضعت بابا من أبواب النَّحو عرضتها عليه رضى الله عنه ، إلى أن حصلت ما فيهِ الكفاية . قال عليه السلام : « ما أحسن هذا النَّحوَ الَّذي نَحَوتَ » فَلذلِكَ سُمّيَ نَحْوَا » . (1) [ ويعلم من الأخبار المنقولة أنَّ أبا الأسْوَد أخذ بعضه عن أمير المؤمنين عليه السلام مكتوبا ، وبعضه شفاها ، وألحق به من عند نفسه أشياء ، ثُمَّ قرأه على أمير المؤمنين عليه السلام ، فقرّره ، وصحّحه ، إلى أن حصلت ما به الكفاية ، وكان أبو الأسْوَد لا يخرجه بل يخفيه ويسرّه ويضن به حَتَّى أمره زياد . (2) بل إليه تنتهي العلوم الإسلاميَّة والكمالات الإنسانيَّة ، وقد أقرّ به ابن أبي الحديد ] . (3) قال ابن أبي الحديد : وما أقولُ في رجل أقَرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جَحْدُ مناقبهِ ، ولا كتمانُ فضائله . . . وما أقول في رجل تُعْزَى إليه كلُّ فضيلة ، وتنتهي إليه كل فِرْقة ، وتتجاذبه كلّ طائفة ، فهو رئيس الفضائل ويَنبوعها ، وأبو عُذْرِها ، وسابق مضمارها ، ومجلِّي حَلْبتها ، كلُّ مَن بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى . وقد عرفتَ أنَّ أشرف العلوم هو العلم الإلهيّ ، لأنَّ شرف العلم بشرف المعلوم ، ومعلومه أشرف الموجودات ، فكان هو أشرفَ العلوم ، ومن كلامه عليه السلام اقتبس ، وعنه نقل ، وإليه انتهى ، ومنه ابتدأ ، فإنَّ المعتزلة _ الَّذِين هم أهلُ التُّوحيد والعدل ، وأرباب النَّظر ، ومنهم تعلَّم النَّاس هذا الفنّ _ تلامذتُه وأصحابه ؛ (4) ] ثُمَّ ذكر إسناد العلوم الإسلاميَّة إليه مفصَّلاً ] .

.


1- . نزهة الألبّاء : ص3 وراجع : غرر الخصائص .
2- . راجع : الشيعة وفنون الإسلام : ص53 _ 164 ؛ الإصابة : ج2 ص242 .
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص16 _ 20 وج16 ص146 . وراجع : مطالب السؤول : ص 28 ، ملحقات الإحقاق : ج8 ص1 _ 66 والشيعة وفنون الإسلام : ص 53 _ 164 .
4- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص16 _ 20 .

ص: 323

207 _ كتابه عليه السلام لمن يستعمله على الصدقات

207كتابه عليه السلام لمَن يستعمله على الصَدقات« انْطَلِقْ عَلَى تَقْوَى اللّه ِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، ولا تُرَوِّعَنَّ مُسْلِما ، ولا تَجْتَازَنَّ عَلَيْهِ كَارِها ، ولا تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّ اللّه في مَالِه ، فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى الْحَيِّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ ، ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ والْوَقَارِ حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ ، فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ ، ولا تُخْدِجْ بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ ، ثُمَّ تَقُول : عِبَادَ اللّه أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللّه وخَلِيفَتُهُ لآخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللّه في أَمْوَالِكُمْ ، فَهَلْ للّه في أَمْوَالِكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤدُّوهُ إلى وَلِيِّه ، فَإِنْ قال قَائِلٌ لا فَلا تُرَاجِعْهُ ، وإِنْ أَنْعَمَ لَك مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ ، أو تُوعِدَهُ ، أو تَعْسِفَهُ ، أو تُرْهِقَهُ ، فَخُذْ مَا أَعْطَاك مِنْ ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أو إِبِلٌ فَلا تَدْخُلْهَا إلاَّ بِإِذْنِه ، فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَه ، فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلا تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلِّطٍ عَلَيْهِ ، ولا عَنِيفٍ بِه ، ولا تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً ، ولا تُفْزِعَنَّهَا ، وَتَسُوأَنَّ صَاحِبَهَا فيها ، واصْدَعِ الْمَالَ صَدْعَيْنِ ، ثُمَّ خَيِّرْهُ فَإِذَا اخْتَارَ فَلا تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ ، ثُمَّ اصْدَعِ الْبَاقِي صَدْعَيْنِ ، ثُمَّ خَيِّرْهُ ، فَإِذَا اخْتَارَ فَلا تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ ، فَلا تَزَالُ كَذَلِك حَتَّى يَبْقَى مَا فيه وَفَاءٌ لِحَقِّ اللّه في مَالِه فَاقْبِضْ حَقَّ اللّه مِنْهُ ، فَإِنِ اسْتَقَالَك فَأَقِلْهُ ثُمَّ اخْلِطْهُمَا ، ثُمَّ اصْنَعْ مِثْلَ الَّذي صَنَعْتَ أَوَّلاً حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اللّه في مَالِه ، ولا تَأْخُذَنَّ عَوْدا ، ولا هَرِمَةً ، ولا مَكْسُورَةً ، ولا مَهْلُوسَةً ، ولا ذَاتَ عَوَارٍ ، ولا تَأْمَنَنَّ عَلَيْهَا إلاَّ مَنْ تَثِقُ بِدِينِهِ رَافِقا بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إِلَى وَلِيِّهِمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ ، ولا تُوَكِّلْ بِهَا إلاَّ نَاصِحا شَفِيقا وأَمِينا حَفِيظا غَيْرَ مُعْنِفٍ ولا مُجْحِفٍ ولا مُلْغِبٍ ولا مُتْعِبٍ ، ثُمَّ احْدُرْ إِلَيْنَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَك نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أَمَرَ اللّه بِه ، فَإِذَا أَخَذَهَا أَمِينُك فَأَوْعِزْ إِلَيْه أَلاّ يَحُولَ بَيْنَ نَاقَةٍ وبَيْنَ فَصِيلِهَا ، ولا يَمْصُرَ لَبَنَهَا فَيَضُرَّ ذَلِك بِوَلَدِهَا ؛ ولا يَجْهَدَنَّهَا رُكُوبا ، ولْيَعْدِلْ بَيْنَ صَوَاحِبَاتِهَا في ذَلِك وبَيْنَهَا ، ولْيُرَفِّهْ عَلَى اللاغِبِ ، ولْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ والظَّالِع ، ولْيُورِدْهَا مَا تَمُرُّ بِهِ مِنَ الْغُدُرِ ، ولا يَعْدِلْ بِهَا عَنْ نَبْتِ الأَرْضِ إِلَى جَوَادِّ الطُّرُقِ ، ولْيُرَوِّحْهَا في السَّاعَات ، ولْيُمْهِلْهَا عِنْدَ النِّطَاف والأَعْشَابِ ، حَتَّى تَأْتِيَنَا بِإِذْنِ اللّه ، بُدَّنا مُنْقِيَاتٍ غَيْرَ مُتْعَبَاتٍ ، ولا مَجْهُودَاتٍ لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اللّه وسُنَّةِ نَبِيِّه صلى الله عليه و آله ، فَإِنَّ ذَلِك أَعْظَمُ لأَجْرِك وأَقْرَبُ لِرُشْدِك إِنْ شَاءَ اللّه ُ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب25 وراجع : الكافي : ج3 ص536 ح1 ، التهذيب الأحكام : ج4 ص96 ح274 ، المقنعة : ص255 ، الغارات : ج1 ص125 وج8 ص110 ، بحار الأنوار : ج33 ص524 ، ح717 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص151 .

ص: 324

. .

ص: 325

[ أقول : رواها الكليني رحمه الله بسند صحيح يأتي ذكره ، وكذا الشَّيخ في التَّهذيب ، ورواها الشَّيخ المفيد رحمه الله في المُقنعة عن حَمَّاد ، عن حريز ، عن بُرَيْد ، ورواها عنه ابن إدريس في السَّرائر ، ولعلَّه أخذه عن كتاب حَمَّاد لا عن الكافي] . ورواها الثَّقَفيّ بالسند الآتي قال : حدَّثنا محمّد ، قال : حدَّثنا الحسن ، قال : حدثنا إبراهيم ، قال : وأخبرني يَحْيَى بن صالح الحريري ، قال : أخبرنا أبو العبَّاس الوليد بن عَمْرو ، وكان ثقة ، عن عبد الرَّحمن بن سُلَيْمان ، عن جعفر بن محمّد بن عليّ عليه السلام ، قال : بَعَثَ علِيٌّ عليه السلام مُصَّدِقا مِنَ الكُوفَةِ إلى بادِيَتِها . . . الحديث . (1) [ نقلناها من الكتب ، وإن لم يُشر إليه في رواية الكافي وغيره ، لِأنَّ ]السَّيِّدَ رحمه اللهقال : و« من وصيَّة له عليه السلام كان يكتبها لمن يستعمله على الصَّدقات ، وإنَّما ذكرنا هنا جُمَلاً منها ليعلم بها أنَّه عليه السلام كان يقيم عماد الحقّ ، ويشرع أمثلة العدل في صغير الأمور وكبيرها ودقيقها وجليلها » . (2) وفي النِّهاية : « ظلع » ، وفي حديثه _ يعني أمير المؤمنين عليه السلام _ : « ولْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ والظَّالِع » ، أي بذات الجَرَب والعَرْجاء ، (3) وكذا أشار إلى الحديث في « نطف » قال : ومنه حَديثُ عليٍّ « ولْيُمْهِلْهَا عِنْدَ النِّطَاف والأَعْشَابِ » ، يعني الإبل والماشية النِّطاف جمع نطفة يريد أنَّها إذا وردت على المياه والعُشْب يَدَعُها لِتَرِد وتَرْعَى . (4) وكذا في « مصر » قال : وفي حديث عليٍّ « ولا يَمْصُرَ لَبَنَهَا فَيَضُرَّ ذَلِك بِوَلَدِهَا » ، المصر : الحلب بثلاث أصابع يريد لا يكثر من أخذ لبنها . (5) وراجع : لسان العرب (6) في هذا الموادّ ، وغرضنا من نقل جملات النِّهاية إنَّ الحديث مشهور . صورة أخرى من الكتاب : عَلِيُّ بن إِبْرَاهِيم ، عن أبِيه ، عن حَمَّاد ، بن عِيسَى ، عن حَرِيزٍ ، عن بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، قَال : سَمِعْتُ أبَا عَبدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُول : « بَعَثَ أمِيرُ المُؤمِنِين _ صلوات اللّه عليه _ مُصَدِّقا مِن الكُوفَة إلى بَادِيَتِهَا ، فقالَ لَهُ : يا عبدَ اللّه ِ انْطَلِقْ ، وعَلَيْكَ بِتَقْوَى اللّه ِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، ولا تُؤثِرَنَّ دُنْيَاكَ على آخِرَتِكَ ، وكُنْ حَافِظا لِمَا ائْتَمَنْتُكَ عليه ، رَاعِيا لِحَقِّ اللّه ِ فيهِ ، حَتَّى تَأْتِيَ نَادِيَ بَنِي فُلانٍ ، فَإِذَا قَدِمْتَ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ من غَيْرِ أنْ تُخَالِطَ أبْيَاتَهُمْ ، ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِسَكِينَةٍ ووَقارٍ ، حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ ، وتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قُلْ لَهُمْ يا عِبَادَ اللّه ِ ، أرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللّه ِ ، لآِخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللّه في أمْوَالِكُمْ ، فَهَلْ للّه ِ في أمْوَالِكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤدُّونَ إلى وَلِيِّه ، فَإِنْ قَال لَكَ قَائِلٌ : لا ، فَلا تُرَاجِعْه ، وإِنْ أنْعَمَ لَكَ مِنْهُمْ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِن غَيْر أنْ تُخِيفَهُ أو تَعِدَهُ إلاَّ خَيْرا ، فَإِذَا أتَيْتَ مَالَه فَلا تَدْخُلْه إلاَّ بِإِذْنِه ، فَإِنَّ أكْثَرَه لَه ، فَقُلْ يا عبد اللّه ِ أ تَأْذَنُ لِي في دُخُولِ مَالِك ، فإِنْ أذِنَ لَكَ فَلا تَدْخُلْهُ دُخُولَ مُتَسَلِّطٍ عَلَيْهِ فِيهِ ، ولا عُنْفٍ به ، فَاصْدَعِ المَالَ صَدْعَيْن ، ثُمَّ خَيِّرْهُ أيَّ الصَّدْعَيْنِ شَاءَ ، فَأيَّهُمَا اخْتَارَ فَلا تَعْرِضْ لَهُ ، ثُمَّ اصْدَعِ البَاقِي صَدْعَيْنِ ، ثُمَّ خَيِّرْهُ ، فَأيَّهُمَا اخْتَارَ فلا تَعْرِضْ لَهُ ، ولا تَزَالُ كذلك حَتَّى يَبْقَى ما فِيه وَفَاءٌ لِحَقِّ اللّه ِ تَبَارَك وتعالَى مِن مَالِه ، فَإِذَا بَقِي ذَلِك فَاقْبِضْ حَقَّ اللّه ِ مِنْه ، وإنِ اسْتَقَالَكَ فَأقِلْهُ ، ثُمَّ اخْلِطْهَا ، واصْنَعْ مِثْلَ الَّذي صَنَعْتَ أوَّلاً حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اللّه في مَالِه ، فَإِذَا قَبَضْتَهُ فلا تُوَكِّلْ بِه إلاَّ نَاصِحا شَفِيقا أمِينا حَفِيظا غَيْرَ مُعْنِفٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا ، ثُمَّ احْدُرْ كُلَّ ما اجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِن كُلِّ نَادٍ إِلَيْنا نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أمَر اللّه ُ عز و جل ، فَإِذَا انْحَدَرَ بِهَا رَسُولُكَ فَأوْعِزْ إِلَيْه ألاّ يَحُولَ بَيْنَ نَاقَةٍ وبَيْنَ فَصِيلِهَا ، ولا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا ، ولا يَمْصُرَنَّ لَبَنَهَا فَيُضِرَّ ذَلِكَ بِفَصِيلِهَا ، ولا يَجْهَدَ بِهَا رُكُوبا ولْيَعْدِلْ بَيْنَهُنَّ في ذَلِك ، ولْيُورِدْهُنَّ كُلَّ مَاءٍ يَمُرُّ بِه ، ولا يَعْدِلْ بِهِنَّ عن نَبْتِ الأرْضِ إِلَى جَوَادِّ الطَّرِيقِ في السَّاعَة الَّتي فِيهَا تُرِيحُ وتَغْبُقُ ، ولْيَرْفُقْ بِهِنَّ جُهْدَهُ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِإِذْنِ اللّه ، سِحَاحا سِمَانا غَيْرَ مُتْعَبَاتٍ ، ولا مُجْهَدَاتٍ فَيُقْسَمْنَ بِإِذْنِ اللّه ، على كِتَاب اللّه ِ وسُنَّةِ نَبِيِّه صلى الله عليه و آله عَلى أوْلِيَاءِ اللّه ِ ، فَإِنَّ ذلِك أعْظَمُ لِأجْرِكَ ، وأقْرَبُ لِرُشْدِكَ يَنْظُرُ اللّه ُ إِلَيْهَا وإِلَيْكَ ، وإلى جُهْدِكَ ، ونَصِيحَتِكَ لِمَن بَعَثَك وبُعِثْتَ في حَاجَتِه ، فَإِنَّ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله قال : مَا يَنْظُرُ اللّه ُ إِلى وَلِيٍّ له يَجْهَدُ نَفْسَهُ بِالطَّاعَة والنَّصِيحَة لَه ، ولاِءمَامِهِ إلاَّ كَانَ مَعَنَا في الرَّفِيقِ الأعْلَى . قَال : ثُمَّ بَكَى أبُو عبد اللّه عليه السلام ، ثُمَّ قال : يا بُرَيْدُ ، لا واللّه ِ ، مَا بَقِيَتْ للّه ِِ حُرْمَةٌ إِلاّ انْتُهِكَتْ ، ولا عُمِلَ بِكِتَابِ اللّه ِ ولا سُنَّةِ نَبِيِّهِ في هَذَا العَالَم ، ولا أُقِيمَ في هَذا الخَلْقِ حَدٌّ مُنْذُ قَبَضَ اللّه ُ أمِيرَ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّه ِ وسَلامُهُ عَلَيْه ، ولا عُمِلَ بِشَيْءٍ مِن الحَقِّ إِلى يَوْمِ النَّاس هَذَا ، ثُمَّ قال : أمَا واللّه ِ ، لا تَذْهَبُ الأيَّامُ واللَّيَالِي حَتَّى يُحْيِيَ اللّه ُ المَوْتَى ، ويُمِيتَ الأحْيَاءَ ، ويَرُدَّ اللّه ُ الحَقَّ إِلى أهْلِه ، ويُقِيمَ دِينَهُ الَّذي ارْتَضَاهُ لِنَفْسِه ونَبِيِّهِ ، فَأبْشِرُوا ، ثُمَّ أبْشِرُوا ، ثُمَّ أبْشِرُوا ، فوَ اللّه ِ ، مَا الحَقُّ إِلاّ في أيْدِيكُم » . (7)

.


1- . الغارات : ج1 ص126 وج 2 ص 724 .
2- . الغارات : ج2 ص723 .
3- . النهاية لابن أثير : ج3 ص158 .
4- . النهاية لابن أثير : ج5 ص75 .
5- . النهاية لابن أثير : ج4 ص336 .
6- . لسان العرب : ج5 ص175 .
7- . الكافي : ج3 ص536 _ 538 ح1 .

ص: 326

. .

ص: 327

. .

ص: 328

208 _ كتابه عليه السلام في الصدقة

208كتابه عليه السلام في الصدقةروى محمَّد بن عِيسَى ، عن محمَّد بن مِهْرَان ، عن عَبد اللّه بن زُرْعَة _ زَمْعَة _ عن أبيه عن جدَّه _ عن جَدِّ أبِيه _ : إنَّ أمِيرُ المُؤمِنِينَ _ صلوات اللّه عليه _ كَتَب في كِتَابِهِ الَّذي كَتَبه له بِخَطِّه ، حِينَ بَعَثَهُ عَلى الصَّدَقَات :« مَنْ بَلَغ عِنْده مِن الإبِل صَدَقَةُ الجَذَعَةِ ، ولَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ ، وعِنْدَهُ حِقَّةٌ ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ منه الحِقَّةُ ، ويَجْعَلُ مَعهَا شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَما . ومن بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الحِقَّةِ ، ولَيْسَتْ عنده حِقَّةٌ ، وعندَه جَذَعَةٌ ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ منه الجَذَعَةُ ، ويُعْطِيهِ المُصَدِّقُ شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَما . ومن بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ حِقَّةً ، ولَيْسَتْ عنده حِقَّةٌ ، وعندَه بنت لَبُونٍ ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ منه بْنَت لَبُونٍ ، ويُعْطِي معها شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَما . ومن بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ ابْنَةَ لَبُونٍ ، ولَيْسَتْ عندَه ابْنَةُ لَبُونٍ ، وعندَه حِقَّةٌ ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ الحِقَّةُ منه ، ويُعْطِيهِ المُصَدِّقُ شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَما . ومن بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ ابْنَةَ لَبُونٍ ، وعندَه ابْنَةُ مَخَاضٍ ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ منه ابْنَةُ مَخَاضٍ ، ويُعْطِي معها شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَما . ومن بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ ابْنَةَ مَخَاضٍ ، ولَيْسَتْ عندَه ابْنَةُ مَخَاضٍ ، وعنده ابْنَةُ لَبُونٍ ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ منه بنت لَبُونٍ ، ويُعْطِيهِ المُصَدِّقُ شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَما ، ومن لَمْ يَكُنْ عندَه ابْنَةُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا ، وعندَه ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ منه ابْنُ لَبُونٍ ، ولَيْسَ معه شَيْءٌ . ومن لَمْ يَكُنْ عنده إِلاّ أرْبَعَ مِن الإبِل ، ولَيْس له مَالٌ غَيْرُهَا ، فليْس فيها شَيْءٌ إِلاّ أنْ يَشَاءَ رَبُّهَا ، فَإِذا بلَغ مالُه خَمْسا ( من الإبِل ) ففيه شَاةٌ » . (1)

.


1- . المقنعة : ص253 _ 255 ، الكافي : ج3 ص539 ح7 ، تهذيب الاحكام : ج4 ص95 ، كلاهما نحوه مع اختلاف يسير ، وراجع : صحيح البخاري : ج1 ص527 ح1385 ، سنن أبي داوود :ج2 ص96 ح1567 ، سنن ابن ماجة : ج1 ص575 ح1800 ، مسند ابن حنبل : ج1 ص35 _ 37 ح72 ، كنز العمّال : ج6 ص316 ح15831 .

ص: 329

209 _ كتابه عليه السلام إلى عمرو بن العاص

[ أقول :سند الكليني هو : عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيم ، عن أبيه ، عن مُحَمَّد بن عِيسَى ، عن يُونُسَ ، عن مُحَمَّد بن مُقَرِّنِ بن عبد اللّه بن زَمْعَةَ بن سُبَيْعٍ ، عن أبِيه ، عن جَدِّه ، عن جَدِّ أبِيه ، أنَّ أمير المُؤمِنِينَ عليه السلام كَتَبَ له في كِتابِه الَّذي كَتَبَ له بِخَطِّه ، حِين بَعَثَهُ على الصَّدَقَات . . .الحديث . (1) وهذا غير ما نقلناه من سند المفيد رحمه الله . ]

209كتابه عليه السلام إلى عَمْرو بن العاصنَصْر : قال عُمَر : عن أبي زُهَيْر العَبْسِيّ ، عن النَّضْر بن صالح قال : كنت مع شُرَيْح بن هانئ في غزوة سِجِسْتان ، فحدَّثني أنَّ عليّا أوصاه بكلمات إلى عَمْرو بن العاص ، قال له : قل لعَمْرو إنْ لقِيتَه :« إنَّ عليّا يقولُ لكَ : إنَّ أفضل الخَلقِ عِندَ اللّه ِ مَن كانَ العَمَلُ بالحَقِّ أحبَّ إليهِ وإنْ نَقَصَهُ ، وإنَّ أبعد الخَلقِ مِنَ اللّه ِ مَن كان العَمَلُ بالباطِلِ أحبَّ إليهِ وإن زادَهُ . واللّه ِ يا عَمْرو ، إنَّك لَتعلَمُ أينَ مَوضِعُ الحَقِّ ، فلِمَ تتجاهَل ؟ أبِأنْ أوتِيتَ طَمَعا يَسِيرا ، فَكُنتَ للّه ِ ولأوليائِهِ عَدُوَّا ، فكأنْ واللّه ِ ، ما أُوتِيتَ قَد زالَ عَنكَ فلا تَكُن للخائِنينَ خَصِيما ، ولا للِظالِمينَ ظَهِيرا . أما إنّي أعلَمُ أنّ يومَكَ الَّذي أنتَ فيهِ نادِمٌ ، هوَ يَومُ وفاتِكَ ، وسَوْفَ تَتَمنّى أنَّكَ لَم تُظهِرْ لِمُسلِمٍ عَداوةً ، ولم تَأخُذْ علَى حُكْمٍ رِشوَةً » .

.


1- . الكافي : ج3 ص539 ح7 .

ص: 330

قال شُرَيْح : فأبلغتُه ذلك ، فتمعَّر وجهُ عَمرو ، وقال : متى كنت أقبل مشورة عليٍّ ، أو أنيبُ إلى أمره وأعتدُّ برَأيه ؟ فقلت : وما يمنعك يا بن النَّابغة أن تقبل من مولاك وسيِّد المسلمين بعد نبيّهم صلى الله عليه و آله مَشْوَرَتَهُ . لقد كان مَن هو خير منك ، أبو بَكر وعمر ، يستشيرانه ويعملان برَأيه . فقال : إنَّ مِثلي لا يُكَلِّمُ مِثلَكَ . فقلت : بأيِّ أبوَيكَ تَرغبُ عن كلامي ؟ بأبيك الوشيظ ، أم بأمِّك النَّابغة ؟ فقام من مكانه . (1) [ لمّا أخذ زياد حُجْر بن عَدِيّ وأصحابه وأشهد هم على ] أنَّ حُجْرا جمع إليه الجموع ، وأظهر شتم الخليفة ، ودعا على أمير المؤمنين _ يعني معاوية _ وزعم أنَّ هذا الأمر لا يصلح إلاَّ في آل أبي طالب . . . فشهد عدّة ، وكتب في الشُّهود شُرَيْح القاضي وشُرَيْح بن هانئ . . .ثُمَّ دفع زياد حُجْر بن عَدِيّ وأصحابه إلى وائل بن حُجْر الحَضْرَمِيّ وكَثير بن شِهاب وأمرهما أن يسيرا بهم إلى الشَّام ، فخرجوا عشيَّة ، فلمَّا بلغوا الغَرِيَّينِ ، لحقهم شُرَيْح بن هانئ وأعطى وائلاً كتابا ،و . . . فإذا فيه : بلغني أنَّ زيادا كتب شهادتي وإنَّ شهادتي على حُجْر أنَّه مِمَّن يقيم الصَّلاة ويؤتي الزَّكاة ويديم الحجّ والعُمرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حرام الدَّم والمال فإن شئت فاقتله وإن شئت فدعه . (2)

.


1- . وقعة صفّين : ص542 ، بحار الأنوار : ج33 ص300 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص69 ،الكامل في التاريخ : ج2 ص394 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص254 كلّها نحوه مع اختلاف يسير .
2- . الكامل في التاريخ : ج2 ص496 ، تاريخ الطبري : ج5 ص272 ، تاريخ مدينة دمشق : ج8 ص22 ، تاريخ ابن خلدون : ج3 ص15 كلّها نحوه .

ص: 331

210 _ كتابه عليه السلام إلى الحسن عليه السلام

211 _ كتابه عليه السلام لبعض أهل الكوفة

210كتابه عليه السلام إلى الحسن عليه السلامنقل في العِقد الفريد : قال ووقّع ( يعني أمير المؤمنين عليه السلام ) في كتاب جاءه من الحسن بن عليّ رضى اللّه عنهما :« رأي الشَّيخِ خَيرٌ مِن مَشهَدِ الغُلامِ » . (1)

211كتابه عليه السلام لبعض أهل الكوفةروي أنَّ بعض أهل الكوفة اشترى دارا ، وناول أمير المؤمنين عليه السلام رقَّا ، وقال له اكتب لي قبالة فكتب عليه السلام :« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ هذا ما اشترى مَيّتٌ عن مَيِّتٍ دارا في بَلدَةِ المُذنِبينَ ، وسَكَنَةِ الغافِلينَ ، الحَدُّ مِنها ينتهي إلى المَوتِ ، والثَّاني إلى القَبرِ ، والثَّالِثُ إلى الحِسابِ ، والرَّابِعُ إمَّا إلى الجَنَّةِ ، وإمَّا إلى النَّارِ . ثُمَّ كتَبَ في ذيلها هذه الأبيات : النَّفسُ تَبكِي علَى الدُّنيا وقَدْ عَلِمَتْأنَّ السَّلامَةَ مِنْها تَرْكُ ما فِيها لا دارَ للمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُهاإلاَّ الَّتي كانَ قَبلَ المَوْتِ بانِيها فَإنْ بناها بِخَيرٍ طَابَ مَسكَنُهاوإنْ بَناها بِشَرٍّ خَابَ ثاوِيها أينَ المُلوكُ الَّتي كانَتْ مُسلَّطَةًحتَّى سَقاها بِكَأسِ المَوتِ ساقِيها لِكُلِّ نَفْسٍ وإنْ كانتْ علَى وجَلٍمِنَ المَنِيَّةِ آمالٌ تُقَوِّيها فالمَرءُ يَبْسُطُها والدَّهرُ يَقْبِضُهاوالنَّفْسُ تَنشُرُها والمَوتُ يَطْوِيها أمْوالُنا لِذَوي المِيراثِ نَجْمَعُها وَدُورنا لِخَرابِ الدَّهْرِ نَبْنِيها كَم مِنْ مَدائِنَ فِي الآفاقِ قَدْ بُنِيَتْ أمسَتْ خَرابا ودُونَ المَوتِ أهلِيها » . (2)

.


1- . العِقد الفريد : ج3 ص231 .
2- . منهاج البراعة : ج17 ص106 عن شرح الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام للحسين بن معين الميبدي ( ص448 ) .

ص: 332

212 _ كتابه عليه السلام لسويد بن غفلة

213 _ كتابه عليه السلام إلى والي المدينة

212كتابه عليه السلام لسُوَيْد بن غَفَلةأخرج الطَّبريّ ، عن سيف ، عن ثابت بن هُرَيْم ، عن سُوَيد بن غَفَلَة ، قال : استقطعت عليَّا رضى الله عنه ، فقال :« اكتبْ : هذا ما أقطَعَ عليٌّ سُوَيدا أرْضا لداذَوَيْهِ ، ما بَينَ كذا إلى كذا وما شَاءَ اللّه ُ » (1) .

213كتابه عليه السلام إلى والي المدينةقال الكشّيّ : وجدت في كتاب أبي عبد اللّه الشَّاذانيّ ، قال : حدَّثنِي جعفر بن محمَّد المَدائنِيّ ، عن موسى بن القاسم العِجْليّ ، عن صَفْوَان ، عن عبد الرَّحمن بن الحجَّاج ، عن أبي عبد اللّه ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : كتب عليّ عليه السلام إلى والي المدينة :« لا تُعْطِيَنَّ سَعْدا ولا ابنَ عُمَرَ مِنَ الفِيءِ شَيئا ، فأمَّا أُسامَةُ بنُ زَيْدٍ فإنِّي قَد عَذَرْتُهُ فِي اليَمِينِ الَّتي كانَت علَيهِ » . (2)

.


1- . تاريخ الطبري : ج3 ص589 .
2- . رجال الكشّي : ج1 ص197 الرقم82 ، رجال ابن داوود : ص48 الرقم156 ، قاموس الرجال : ج1 ص717 الرقم670 .

ص: 333

214 _ كتابه عليه السلام إلى الحارث الهمدانيّ

214كتابه عليه السلام إلى الحارِث الهَمْدانِيّ« و تَمسَّك بِحَبْلِ القرآن واسْتَنْصِحْهُ وأَحِلَّ حَلالَهُ وحَرِّمْ حَرامَهُ وصَدِّق بِما سلَفَ مِنَ الحَقِّ واعْتَبِر بِما مضى مِنَ الدُّنيا لِما بَقِيَ مِنها فإنَّ بَعضَها يُشْبِهُ بَعْضا وآخِرَها لاحقٌ بِأوَّلِها وكُلُّها حائِلٌ مُفارِقٌ وعَظِّمِ اسمَ اللّه ِ أنْ تَذكُرَهُ إلاَّ علَى حَقٍّ ، وأكثِر ذِكْرَ المَوتِ وما بَعْد المَوتِ ، ولا تَتَمنَّ المَوتَ إلاَّ بِشَرطٍ وثيقٍ واحْذَر كُلَّ عَمَلٍ يَرضاهُ صاحِبُهُ لِنَفسهِ ويُكْرَه لِعَامَّةِ المُسلِمينَ واحْذَر كُلَّ عَمَلٍ يُعْملَ بهِ في السِّرِّ ويُسْتحى مِنْهُ في العَلانِيَةِ واحْذَر كُلَّ عَمَلٍ إذا سُئِل عَنهُ صاحِبُهُ أنْكَرَهُ أو اعْتَذَر مِنْهُ ولا تَجْعل عِرْضَكَ غَرَضا لنِبالِ القَولِ ولا تُحدِّثِ النَّاسَ بِكُلِّ ما سَمِعتَ بهِ فَكَفى بِذلِكَ كَذِبا ، ولا تَرُدَّ عَلَى النَّاسِ كلَّ ما حدَّثُوكَ بهِ فَكَفى بذلِكَ جَهلاً ، واكْظِم الغَيْظَ وتَجاوَزْ عِنْدَ المَقْدِرَةِ واحْلُم عِنْدَ الغَضَبِ واصْفَحْ مَعَ الدَّوْلَةِ تكُنْ لكَ العاقِبَةُ واسْتَصْلِحْ كُلَّ نِعْمَةٍ أنْعَمها اللّه ُ عَليكَ ولا تُضَيِّعنَّ نِعْمةً مِن نِعَمِ اللّه ِ عِندَكَ ولْيُرَ علَيْكَ أثَرُ ما أنْعَمَ اللّه ُ بهِ عَليكَ . واعْلَم أنَّ أفْضَلَ المُؤمنينَ أفضلُهُم تَقْدِمةً مِن نَفسِهِ وأهْلِه ومالِه فإنَّك ما تُقَدِّمْ من خَيْر يَبْقَ لَكَ ذُخْرُه ، وما تُؤخِّرْه يكُن لِغَيرِكَ خَيْرُهُ واحْذَر صَحابَةَ مَن يَفِيلُ رأيُهُ ويُنْكَر عَمَلُهُ فَإنَّ الصَّاحِبَ مَعْتَبِرٌ بِصاحِبِهِ واسْكُنِ الأمْصارَ العِظامَ فإنَّها جِماعُ المُسلِمينَ واحْذَرِ مَنازِلَ الغَفْلَةِ والجَفاءِ وقِلَّةَ الأعوانِ على طاعَةِ اللّه ِ ، واقْصُر رأيكَ على ما يَعْنيكَ وإيَّاكَ ومقاعِدَ الأسْواقِ فإنَّها محاضِرُ الشَّيْطان ومعارِيضُ الفِتَنِ وأكْثِر أنْ تَنْظُرَ إلى مَن فُضِّلْتَ علَيْه ، فإنَّ ذلِكَ مِن أبوابِ الشُّكْرِ ولا تُسافِر في يَومِ جُمُعَةٍ حتى تَشْهَدَ الصَّلاةَ إلاَّ فاصِلاً في سَبيلِ اللّه ِ ، أو في أمرٍ تُعْذَرُ بهِ وأطِعِ اللّه َ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ فإنَّ طاعَةَ اللّه ِ فاضِلَةٌ علَى ما سِواها خادِعْ نفْسَكَ فِي العِبادَةِ وارْفَقْ بِها ، ولا تَقْهَرها وخُذْ عَفْوَها ونَشاطَها إلاَّ ما كانَ مكتوبا علَيْكَ مِنَ الفرِيضَةِ ، فإنَّه لا بُدَّ مِن قَضائِها وتَعَاهُدِها عِنْدَ مَحَلِّها وإيَّاك أنْ يَنْزِلَ بِكَ المَوتُ وأنتَ آبقٌ مِن رَبِّكَ في طَلَب الدُّنيا ، وإيَّاكَ ومُصاحَبَةَ الفُسَّاقِ فَإنَّ الشَّرَّ بالشَرِّ مُلْحَقٌ ووَقِّرِ اللّه َ وأحْبِبْ أحِبَّاءَهُ واحْذَر الغَضَبَ فإنَّه جُنْدٌ عظِيمٌ مِن جُنُودِ إبْليسِ ، والسَّلامُ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب 69 ، بحار الأنوار : ج 33 ص 508 ح 707 نقلاً عنه ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 18 ص 41 .

ص: 334

215 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

215كتابه عليه السلام إلى معاوية« فَاتَّقِ اللّه فِيمَا لَدَيْكَ ، وانْظُرْ فِي حَقِّهِ عَلَيْكَ ، وارْجِعْ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا لا تُعْذَرُ بِجَهَالَتِهِ ، فَإِنَّ لِلطَّاعَةِ أَعْلاما وَاضِحَةً ، وسُبُلاً نَيِّرَةً ، ومَحَجَّةً نَهْجَةً ، وغَايَةً مُطَّلَبَةً ، يَرِدُهَا الأكْيَاسُ ، ويُخَالِفُهَا الأَنْكَاسُ ، مَنْ نَكَبَ عَنْهَا جَارَ عَنِ الْحَقِّ وخَبَطَ فِي التِّيهِ ، وغَيَّرَ اللّه نِعْمَتَهُ ، وأَحَلَّ بِهِ نِقْمَتَهُ ، فَنَفْسَكَ نَفْسَكَ ، فَقَدْ بَيَّنَ اللّه لَكَ سَبِيلَكَ وحَيْثُ تَنَاهَتْ بِكَ أُمُورُكَ ، فَقَدْ أَجْرَيْتَ إِلَى غَايَةِ خُسْرٍ ، ومَحَلَّةِ كُفْرٍ ، فَإِنَّ نَفْسَكَ قَدْ أَوْلَجَتْكَ شَرّا ، وأَقْحَمَتْكَ غَيّا ، وأَوْرَدَتْكَ الْمَهَالِكَ ، وأَوْعَرَتْ عَلَيْكَ الْمَسَالِكَ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب30 وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص7 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص433 .

ص: 335

216 _ كتابه عليه السلام إلى المنذر بن الجارود

217 _ كتابه عليه السلام إلى زياد ابن أبيه

216كتابه عليه السلام إلى المُنْذِر بن الجارُودمن كتاب له عليه السلام إلى المُنْذِر بن الجارُود العَبديّ ، وقد استعمله على بعض النَّواحي ، وخان في بعض ما ولاَّه من أعماله :« أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ صَلاحَ أَبِيك غَرَّنِي مِنْك ، وظَنَنْتُ أَنَّك تَتَّبِعُ هَدْيَهُ ، وتَسْلُك سَبِيلَهُ ، فَإذَا أَنْتَ فِي مَا رُقِّيَ إلَيَّ عَنْك لا تَدَعُ لِهَوَاك انْقِيَادا ، ولا تُبْقِي لآخِرَتِك عَتَادا ، تَعْمُرُ دُنْيَاك بِخَرَابِ آخِرَتِك ، وتَصِلُ عَشِيرَتَك بِقَطِيعَةِ دِينِك ، ولَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْك حَقّا لَجَمَلُ أَهْلِك ، وشِسْعُ نَعْلِك خَيْرٌ مِنْك . ومَنْ كَانَ بِصِفَتِك فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَدَّ بِهِ ثَغْرٌ ، أو يُنْفَذَ بِهِ أَمْرٌ ، أو يُعْلَى لَهُ قَدْرٌ ، أو يُشْرَك فِي أَمَانَةٍ ، أو يُؤمَنَ عَلَى جِبَايَةٍ ، فَأَقْبِلْ إِلَيَّ حِينَ يَصِلُ إِلَيْك كِتَابِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللّه » .

قال الرَّضي رحمه الله : والمُنْذِر بن الجارُود هذا هو الَّذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام :« إنَّه لَنَظَّارٌ فِي عِطْفَيهِ ، مُختالٌ في بُردَيهِ ، تفَّال في شِراكِيهِ » . (1)

217كتابه عليه السلام إلى زياد ابن أبيه« فَدَعِ الإِسْرَافَ مُقْتَصِدا ، واذْكُرْ فِي الْيَوْمِ غَدا ، وأَمْسِكْ مِنَ الْمَالِ بِقَدْرِ ضَرُورَتِكَ وقَدِّمِ الْفَضْلَ لِيَوْمِ حَاجَتِكَ ، أَ تَرْجُو أَنْ يُعْطِيَكَ اللّه أَجْرَ الْمُتَوَاضِعِينَ وأَنْتَ عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ ؟ وتَطْمَعُ وأَنْتَ مُتَمَرِّغٌ فِي النَّعِيمِ تَمْنَعُهُ الضَّعِيفَ والأَرْمَلَةَ أَنْ يُوجِبَ لَكَ ثَوَابَ الْمُتَصَدِّقِينَ ؟ وإِنَّمَا الْمَرْءُ مَجْزِيٌّ بِمَا أَسْلَفَ ، وقَادِمٌ عَلَى مَا قَدَّمَ ، والسَّلامُ » . (2)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب71 وراجع : الغارات : ج2 ص897 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص192 ؛ أنساب الأشراف : ج2 ص163 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص605 .
2- . نهج البلاغة : الكتاب21 وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص196 .

ص: 336

218 _ كتابه عليه السلام إلى عمّاله على الخراج

218كتابه عليه السلام إلى عمّاله على الخَراج« مِنْ عَبدِ اللّه عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ إلَى أَصْحَابِ الْخَرَاجِ . أَمَّا بَعْدُ ، فَإنَّ مَنْ لَمْ يَحْذَرْ ما هُو صَائِرٌ إلَيْهِ لَمْ يُقَدِّمْ لِنَفْسِهِ مَا يُحْرِزُهَا ، واعْلَمُوا أَنَّ مَا كُلِّفْتُمْ بِهِ يَسِيرٌ ، وأَنَّ ثَوَابَهُ كَثِيرٌ ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ فِيما نَهَى اللّه ُ عَنْهُ مِن الْبَغْيِ والْعُدْوَانِ عِقَابٌ يُخَافُ ، لَكَانَ في ثَوَابِ اجْتِنَابِهِ ما لا عُذْرَ فِي تَرْك طِلَبِهِ . فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، واصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ ، فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ ، ووُكَلاءُ الأُمَّةِ ، وسُفَرَاءُ الأَئِمَّةِ ، ولا تُحْشِمُوا أَحَدا عَنْ حَاجَتِهِ ، ولا تَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ ، ولا تَبِيعُنَّ لِلنَّاسِ فِي الْخَرَاجِ كِسْوَةَ شِتَاءٍ ولا صَيْفٍ ، ولا دَابَّةً يَعْتَمِلُونَ عَلَيْهَا ، ولا عَبْدا . ولا تَضْرِبُنَّ أَحَدا سَوْطا لِمَكَانِ دِرْهَمٍ ، ولا تَمَسُّنَّ مَالَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مُصَلٍّ ولا مُعَاهَدٍ ، إِلاَّ أَنْ تَجِدُوا فَرَسا أو سِلاحا يُعْدَى بِهِ عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ ، فَإِنَّهُ لا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدَعَ ذَلِك فِي أَيْدِي أَعْدَاءِ الإِسْلامِ ، فَيَكُونَ شَوْكَةً عَلَيْهِ . ولا تَدَّخِرُوا أَنْفُسَكُمْ نَصِيحَةً ، ولا الْجُنْدَ حُسْنَ سِيرَةٍ ، ولا الرَّعِيَّةَ مَعُونَةً ، ولا دِينَ اللّه قُوَّةً ، وأَبْلُوا فِي سَبِيلِ اللّه مَا اسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمْ ، فَإِنَّ اللّه َ سُبْحَانَهُ قَدِ اصْطَنَعَ عِنْدَنَا وعنْدَكُمْ أَنْ نَشْكُرَهُ بِجُهْدِنَا ، وأَنْ نَنْصُرَهُ بِمَا بَلَغَتْ قُوَّتُنَا ، ولا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب51 وراجع : وقعة صفِّين : ص108 ، بحار الأنوار : ج75 ص355 ، المعيار والموازنة : ج4 ص232 .

ص: 337

219 _ كتابه عليه السلام إلى أمراء الخراج

219كتابه عليه السلام إلى أُمراء الخَراج« بسم اللّه الرحمن الرحيم مِن عَبدِ اللّه ِ عليٍّ أمِيرِ المُؤمِنينَ إلى أُمَراءِ الخَراجِ . أمَّا بَعْدُ ، فإنَّه مَن لَمْ يَحْذَرْ ما هو صَائِرٌ إلَيْه ، لَمْ يُقَدِّمْ لِنَفْسِهِ ولَمْ يَحْرِزْها ، ومَنِ اتَّبَعَ هَواهُ وانْقادَ لَه علَى ما يَعْرِفُ نَفْعَ عاقِبَتِهِ عمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحَنَّ مِنَ النَّادِمينَ . ألا وإنَّ أسْعَدَ النَّاسِ في الدُّنيا مَن عَدَلَ عمَّا يَعْرِفُ ضَرَّهُ ، وإنَّ أشْقاهم مَنِ اتَّبَعَ هَواهُ ، فاعْتَبِروا ، واعْلَمُوا أنَّ لَكُم ما قَدَّمْتُم مِن خَيْرٍ ، وما سِوى ذلِكَ وَدَدْتُم لَوْ أنَّ بَيْنَكُم وبَيْنَهُ أمَدَا بَعْيدا ويُحَذِّرُكم اللّه ُ نفسَه ، واللّه ُ رَؤوُفٌ ورَحِيمٌ بالعِباد ، وأنَّ علَيْكُم ما فَرَّطْتُم فيه ، وإنَّ الَّذي طَلَبْتُم لَيَسِيرٌ وأنَّ ثوابَهُ لكَبِيرٌ ، ولَو لَم يَكن فيْما نُهِي عَنهُ مِنَ الظُّلمِ والعُدوانِ عِقابٌ يُخافُ ، كانَ في ثَوابِهِ ما لا عُذْرَ لِأحَدٍ بتَرْكِ طَلِبَتِهِ ، فارْحَموا تُرْحَموا ولا تُعَذِّبوا خَلْقَ اللّه ِ ، ولا تُكَلِّفُوهُم فَوْقَ طاقَتِهِم ، وأنْصِفُوا النَّاسَ مِن أنْفُسِكِم ، واصْبِروا لِحَوائِجِهم فإنَّكم خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ ، لا تَتَّخِذُنَّ حجَّابا ، ولا تَحْجُبُنَّ أحَدَا عن حاجَتِهِ حتَّى يُنْهِيها إليْكُم ، ولا تأخُذُوا أحدا بأحَدٍ ، إلاَّ كَفِيلاً عمَّن كَفَلَ عَنْهُ ، واصْبِروا أنْفُسَكُم على ما فيْهِ الاغْتِباطُ ، وإيَّاكم وتأخِيرَ العَمَلِ ودَفْعَ الخَيْرِ ، فَإنَّ في ذلِكَ النَّدمُ ، والسَّلامُ » (1)

.


1- . وقعة صفِّين : ص108 .

ص: 338

220 _ كتابه عليه السلام إلى بعض أمراء جيشه

221 _ من كلام له عليه السلام في وصف الإسلام

220كتابه عليه السلام إلى بَعْض أمراء جيشه« فَإنْ عَادُوا إلَى ظِلِّ الطَّاعَةِ فَذَاكَ الَّذِي نُحِبُّ ، وإِنْ تَوَافَتِ الأُمُورُ بِالْقَوْمِ إلَى الشِّقَاقِ والْعِصْيَانِ فَانْهَدْ بِمَنْ أَطَاعَكَ إلَى مَنْ عَصَاكَ ، واسْتَغْنِ بِمَنِ انْقَادَ مَعَكَ عَمَّنْ تَقَاعَسَ عَنْكَ ، فَإِنَّ الْمُتَكَارِهَ مَغِيبُهُ خَيْرٌ مِن مَشْهَدِهِ ، وقُعُودُهُ أَغْنَى مِن نُهُوضِهِ » . (1)

221من كلام له عليه السلام في وصف الإسلامعليُّ بْنُ إبْراهيمَ ، عن أبِيه ، ومُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى ، عن أحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وعِدَّةٌ من أصْحابِنا ، عن أحْمَدَ بن مُحَمَّد بن خَالِدٍ ، جَمِيعا عن الحَسَن بن مَحْبُوبٍ ، عن يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ ، عن جابرٍ ، عن أبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، وبأسانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ عن الأصْبَغ بن نُبَاتَة ، قال : خَطَبَنَا أميرُ المُؤمنين عليه السلام في دَاره ، أو قال في القَصْرِ ونَحْنُ مُجْتَمِعُونَ ، ثُمَّ أمَرَ صَلَوَاتُ اللّه علَيْه ، فَكُتِبَ في كِتَابٍ ، وقُرِئ علَى النَّاسِ ، ورَوَى غَيْرُهُ : أنَّ ابن الكَوَّاءِ سَألَ أمِيرَ المُؤمِنِين عليه السلام عن صِفَة الإسْلام والإيمَان والكُفْرِ والنِّفَاقِ ، فقال :أمَّا بَعْدُ ، فَإنَّ اللّه َ تَبَارَكَ وتَعَالَى شَرَعَ الإسْلامَ ، وسَهَّلَ شَرَائِعَهُ لِمَنْ وَرَدَهُ ، وأعَزَّ أرْكَانَهُ لِمَنْ حَارَبَهُ ، وجَعَلَهُ عِزّا لِمَنْ تَوَلاّهُ ، وسِلْما لِمَنْ دَخَلَهُ ، وهُدىً لِمَنِ ائْتَمَّ بِه ، وزِينَةً لِمَنْ تَجَلَّلَهُ ، وعُذْرا لِمَنِ انْتَحَلَهُ ، وعُرْوَةً لِمَنِ اعْتَصَمَ بِه ، وحَبْلاً لِمَنِ اسْتَمْسَكَ بِه ، وبُرْهَانا لِمَنْ تَكَلَّمَ بِه ، ونُورا لِمَنِ اسْتَضَاءَ بِه ، وعَوْنا لِمَنِ اسْتَغَاثَ بِه ، وشَاهِدا لِمَنْ خَاصَمَ بِه ، وفَلَجا لِمَنْ حَاجَّ بِه ، وعِلْما لِمَنْ وَعَاهُ ، وحَدِيثا لِمَنْ رَوَى ، وحُكْما لِمَنْ قَضَى ، وحِلْما لِمَنْ جَرَّبَ ، ولِبَاسا لِمَنْ تَدَبَّرَ ، وفَهْما لِمَنْ تَفَطَّنَ ، ويَقِينا لِمَنْ عَقَلَ ، وبَصِيرَةً لِمَنْ عَزَمَ ، وآيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ ، وعِبْرَةً لِمَنِ اتَّعَظَ ، ونَجَاةً لِمَنْ صَدَّقَ ، وتُؤدَةً لِمَنْ أصْلَحَ ، وزُلْفَى لِمَنِ اقْتَرَبَ ، وثِقَةً لِمَنْ تَوَكَّلَ ، ورَخَاءً لِمَنْ فَوَّضَ ، وسُبْقَةً لِمَنْ أحْسَنَ ، وخَيْرا لِمَنْ سَارَعَ ، وجُنَّةً لِمَنْ صَبَرَ ، ولِبَاسا لِمَنِ اتَّقَى ، وظَهِيرا لِمَنْ رَشَدَ ، وكَهْفا لِمَنْ آمَنَ ، وأمَنَةً لِمَنْ أسْلَمَ ، ورَجَاءً لِمَنْ صَدَقَ ، وغِنًى لِمَنْ قَنِعَ . فَذَلِكَ الحَقُّ سَبِيلُهُ الهُدَى ، ومَأْثُرَتُهُ المَجْدُ ، وصِفَتُهُ الحُسْنَى ، فَهُوَ أبْلَجُ المِنْهَاجِ مُشْرِقُ المَنَارِ ، ذَاكِي المِصْبَاحِ ، رَفِيعُ الغَايَةِ ، يَسِيرُ المِضْمَارِ ، جَامِعُ الحَلْبَةِ ، سَرِيعُ السُّبْقَةِ ، ألِيمُ النَّقِمَةِ ، كَامِلُ العُدَّةِ ، كَرِيمُ الفُرْسَانِ . فَالإيمَانُ مِنْهَاجُهُ ، والصَّالِحَاتُ مَنَارُهُ ، والفِقْهُ مَصَابِيحُهُ ، والدُّنْيَا مِضْمَارُهُ ، والمَوْتُ غَايَتُهُ ، والقِيَامَةُ حَلْبَتُهُ ، والجَنَّةُ سُبْقَتُهُ ، والنَّارُ نَقِمَتُهُ ، والتَّقْوَى عُدَّتُهُ ، والمُحْسِنُونَ فُرْسَانُهُ . فَبِالإيمَانِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ ، وبِالصَّالِحَاتِ يُعْمَرُ الفِقْهُ ، وبِالْفِقْهِ يُرْهَبُ المَوْتُ ، وبِالْمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْيَا ، وبِالدُّنْيَا تَجُوزُ القِيَامَةَ ، وبِالْقِيَامَةِ تُزْلَفُ الجَنَّةُ ، والجَنَّةُ حَسْرَةُ أهْلِ النَّارِ ، والنَّارُ مَوْعِظَةُ المُتَّقِينَ ، والتَّقْوَى سِنْخُ الإيمَان » . (2)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب4 وراجع : تذكرة الخواص : ص166 .
2- . الكافي : ج2 ص49 ح1 وراجع : نهج البلاغة : الخطبة104 ، الأمالي للمفيد : ص275 ، الأمالي للطوسي : ص35 .

ص: 339

. .

ص: 340

. .

ص: 341

فائدة

اشاره

فائدة

.

ص: 342

. .

ص: 343

لا بدّ هنا من بيان أمور :

لا بدَّ هنا من بيان أمور :الأوَّل :قال ابن أبي الحديد : قد عاتبت العثمانيَّة ، وقالت : إنَّ أبا بكر مات ولم يخلّف دينارا ولا درهما ، وإنَّ عليّا عليه السلام مات وخلَّف عَقارا كثيرا _ يَعنون نَخْلاً _ قيل لهم : قد عَلِم كل أحد أنَّ عليّا عليه السلام استخرَج عيونا بكدِّ يده بالمدينة ، ويَنْبُع وسُوَيْعة ، وأحْيَا بها مَواتا كثيرا ، ثُمَّ أخرَجها عن ملِكه ، وتَصدَّق بها على المسلمين ، ولم يمتْ وشيءٌ منها في ملِكه ، ألا ترى إلى ما تتضمّنه كُتبُ السِيَر والأخبار من منازعة زَيْد بن عليّ ، وعبد اللّه بن الحسن في صَدَقات عليّ عليه السلام ، ولم يُورِّث عليٌّ عليه السلام بنيه قليلاً من المال ، ولا كثيرا ، إلاَّ عبيدَه وإماءَه وسبعمئة دِرهَم من عَطائِهِ ، تركها ليشتريَ بها خادما لأهله قيمتُها ثمانيةٌ وعشرون دِينارا ، على حَسَب المئة أربعة دنانير ، وهكذا كانت المعاملة بالدراهم إذ ذاك ، وإنَّما لم يَترُك أبو بكر قليلاً ، ولا كثيرا ، لأنَّه ما عاش ، ولو عاش لتَرَك ، ألا تَرَى أن عمر أصدَق أمَّ كلثوم أربعين ألفَ دِرهْم ، ودَفَعها إليها ! وذلك لأنَّ هؤلاء طالت أعمارُهم ، فمنهم من دَرَّتْ عليه أخلاف التجارة ، ومنهم مِنَ كان يَستعمر الأرض ويَزرَعها ، ومنهم من استفضل من رزقه مِنَ الفيء . وفَضَلَهم أمير المؤمنين عليه السلام ، بأنَّه كان يَعمل بيده ، ويَحرُث الأرض ، ويَسْتَقي الماء ، ويغرِسُ النَّخلَ ، كل ذلك يباشِرهُ بنفسِه الشَّريفة ، ولم يَسْتبِق منه لوقته ، ولا لَعقبه قليلاً ولا كثيرا ، وإنَّما كان صَدَقَةً ؛ وقد مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله وله ضِياعٌ كثيرةٌ جليلة جدَّا بخيْبَر وفَدَك وبَني النَّضير ، وكان له وادِي نخْلة وضِياعٌ أخرى كثيرة بالطائف ، فصارت بعد موته صدقة بالخَبَر الَّذي رواه أبو بكر . فإن كان عليّ عليه السلام مَعيبا بضِياعه ونخلِه ، فكذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهذا كفر وإلحاد ! وإن كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنَّما ترك ذلك صَدَقَةً ، فرسول اللّه صلى الله عليه و آله _ تنزَّه عن ذلك _ ما رَوَى عنه الخبر في ذلك إلاَّ واحد من المسلمين ، وعليّ عليه السلام كان في حياته قد أثبتَ عند جميع المسلمين بالمدينة أنَّها صَدَقة ، فالتُّهمة إليه في هذا الباب أبعَد . (1) أقول : اشتغل أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن منع عن حقِّه ، وأبعد من عمله الاجتماعيّ وهو الحكومة على المجتمع ؛ بالزِّراعة والغرس وإحياء الأرض ، حَتَّى صارت له مزارع وبساتين كثيرة في ينبع ، ووادي القرى وخيبر وفدك ، حَتَّى قال عليه السلام : مضى عليَّ ما أربط الحجر على بطني من الجوع ، واليوم يبلغ صدقتي في كُلِّ سَنَة أربعون ألف دِينارٍ . (2) قال النَّووي في تهذيب الأسماء ، وابن حَجَر في أُسْد الغابَة : ليس المراد من الصَّدقة الزَّكاة ، بل المراد غِلاّت موقوفاته عليه السلام . ذكرنا تفاصيل أمواله وموقوفاته وصدقاته عليه السلام في أُصول مالكيت (3) ، وقلنا : إنَّ عليا عليه السلام كان إماما للبشر سيّما المسلمين ، في العبادة والايمان والعلم والبيان والعمل والكسب من الحلال ، فلمَّا أُبعد عليه السلام عن الخلافة ، وحرم عباد اللّه عن أنوار الإمامة والولاية ، وأُقصِي عن الحكم والقضاء ، وابتلي الإسلام بهذه المصيبة العظمى ، اشتغل بالعبادة والزَّرع والغرس والسَّقي ، فأحيا الأراضي ، وأجرى العيون والآبار والقنوات ، فحصل له مزارع وبساتين ، وقد ذكرت ذلك في كتب الحديث والتَّاريخ والتَّراجم . (4) عن عَلِيُّ بن إِبْرَاهِيمَ ، عن أبِيه ، عن ابن أبِي عُمَيْرٍ ، عن سَيْفِ بن عَمِيرَةَ وسَلَمَةَ صَاحِبِ السَّابِرِيِّ ، عن أبِي أُسَامَةَ زَيْدٍ الشَّحَّام ، عن أبِي عَبدِ اللّه عليه السلام : « أنَّ أمِيرَ المُؤمِنِينَ عليه السلام أعْتَقَ ألْفَ مَمْلُوكٍ من كَدِّ يَدِهِ » . وعن أحْمَدَ بن أبِي عَبدِ اللّه ، عن شَرِيفِ بن سَابِقٍ ، عن الفَضْلِ بن أبِي قُرَّةَ ، عن أبِي عَبدِ اللّه عليه السلام قال : « كَانَ أمِيرُ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّه ِ عَلَيْهِ يَضْرِبُ بِالْمَرِّ ويَسْتَخْرِجُ الأرَضِينَ ، وكَانَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَمَصُّ النَّوَى بِفِيهِ ، ويَغْرِسُهُ فَيَطْلُعُ من سَاعَتِه » . مُحَمَّدُ بن يَحْيَى ، عن أحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ ، عن ابْنِ فَضَّالٍ ، عن ابن بُكَيْرٍ ، عن زُرَارَة ، وعن أبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قال : « لَقِيَ رَجُلٌ أمِيرَ المُؤمِنِينَ عليه السلام وتَحْتَهُ وَسْقٌ من نَوىً ، فَقَال لَه : مَا هَذَا يَا أبَا الحَسَنِ تَحْتَكَ ؟ فَقَال : مئَةُ ألْفِ عَذْقٍ إِنْ شَاءَ اللّه ُ ، قال : فَغَرَسَهُ فلمْ يُغَادَرْ مِنْهُ نَوَاةٌ وَاحِدَةٌ » . وعن سَهْلِ بن زِيَادٍ ، عن ابن مَحْبُوبٍ ، عن عبد اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ ، عن أبِي عبد اللّه عليه السلام ، قَال : « إِنَّ أمِيرَ المُؤمِنِينَ عليه السلام كَانَ يَخْرُجُ ومَعَهُ أحْمَالُ النَّوَى ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا أبَا الحَسَنِ، مَا هَذَا مَعَك؟ فَيَقُول: نَخْلٌ إِنْ شَاءَ اللّه ُ، فَيَغْرِسُهُ فَلَمْ يُغَادَرْ مِنْهُ وَاحِدَةٌ». (5) قال في المناقب بعد نقل الحديث الثَّالث : فهو من أوقافه ، ووقف مالا بخيبر وبوادي القرى ، ووقف مال أبي نيرو ، والبغيبغة ، وارباجا ، وارينه ، ورعدا ، ورزينا ، ورَباحا ، على المؤمنين ، وأمر بذلك أكثر ولد فاطمة من ذوي الأمانة والصَّلاح ، وأخرج مئة عين ينبع ، جعلها للحجيج ، وهو باق إلى يومنا هذا ، وحفر آبارا في طريق مكّة والكوفة وبنى مسجد الفتح في المدينة ، وعند مقابل قبر حمزة ، وفي الميقات ، وفي الكوفة ، وجامع البصرة ، وفي عبادان وغير ذلك . (6) وكان عليه السلام في خلافته يصرف في نفسه وعائلته من غِلاّت أملاكِهِ بالمدينة ، ولا يصرف من بيت المال ، وعن أبي جعفر عليه السلام قال : قبض عليّ عليه السلام وعليه دَين ثمانمئة ألفِ دِرهَمٍ ، فباع الحسنُ عليه السلام ضيعة له بخمسمئة ألف درهم ، فقضاها عنه ، وباع ضيعة أخرى له بثلاثمئة ألف درهم فقضاها عنه ، وذلك أنَّه لم يكن يذر من الخمس شيئا ، وكان تنوبه نوائب . (7) وعَلِيٌّ عن أبِيه ، عن ابن أبِي عُمَيْرٍ ، عن عبد الرَّحْمن بن الحَجَّاج ، عن مُحَمَّدِ بن مُسْلِمٍ ، عن أبِي عبد اللّه عليه السلام ، قال : « لَمَّا وَلِي عَلِيٌّ عليه السلام صَعِد المِنْبَرَ ، فَحَمِدَ اللّه َ ، وأثْنَى عَلَيْه ، ثُمَّ قال :إِنِّي واللّه لا أرْزَؤكُمْ من فَيْئِكُمْ دِرْهَما ، مَا قَام لِي عِذْقٌ بِيَثْرِبَ . . . » . (8) ويقول : « فَوَ اللّه ِ ما كَنَزتُ من دنياكُم تِبْرا ، ولا ادَّخرْت من غنائمها وَفْرا ، ولا أعْدَدْت لِبالي ثَوْبَيَّ طِمْرا . . . » . (9) العباس قال : حدَّثنا ابن المبارك ، قال : حدَّثنا بكر بن عيسى ، قال : كان عليّ عليه السلام يقول : « يا أهَل الكوفة ، إذا أَنَا خرجتُ من عندكم بغير رَحلي وراحِلَتي وغلامي فأَنَا خائنٌ ، وكانت نفقته تأتيه من غلّته بالمدينة من يَنْبُع ، وكان يطعم النَّاس الخُبْز واللَّحم ، ويأكل من الثَّريدِ بالزَّيتِ ، ويُكلِّلُها بالتَّمرِ مِنَ العَجْوةِ . . . » . (10) ويقول : « دخلتُ بلادَكُم بأشمالي هذهِ ورحلتي وراحِلَتي ومَا هي ، فإن أَنَا خَرجتُ مِن بِلادِكُم بِغَيرِ ما دخَلتُ ، فإنَّني مِنَ الخائِنينَ » . وفي رواية : « يا أهلَ البَصرةِ ، ما تنْقِمونَ مِنِّي ؟ إنَّ هذا لَمِن غَزْلِ أهلِي » ، وأشار إلى قميصه . (11) وروى أبو مِخْنَف لوط بن يَحْيَى ، عن رجاله ، قال : « لمَّا أراد أمير المؤمنين عليه السلام التُّوجُّهَ إلى الكوفة قام في أهل البصرة ، فقال : ما تنْقِمون عليّ يا أهل البصرة ؟ _ وأشار إلى قميصه وردائِهِ ، فقال : _ واللّه إنَّهما لَمِنْ غَزلِ أهلِي ما تنْقِمونَ منِّي يا أهلَ البَصرَةِ ؟ _ وأشار إلى صرّة في يَدِهِ فيها نَفَقَتُهُ فَقالَ : _ واللّه ما هي إلاَّ من غلّتي بالمدينة ، فإن أَنَا خرجتُ من عندكم بأكثر ممَّا ترون فأَنَا عند اللّه من الخائنين . (12) هذا عمله وكسبه منذ قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأُقصي عن مقامه الَّذي جعله اللّه له ، وصبر وفي العين قَذى وفي الحَلقِ شَجَى وهذا أيضا صدقاته وعطاياه ، ثُمَّ جعل أملاكه وأمواله كلّها وقفا في سبيل اللّه لبني هاشم ، وبني عبد المطّلب ، وللحجيج والفقراء ، والمَساكِينَ . مُحَمَّدُ بن يَحْيَى ، عن أحْمَدَ بن مُحَمَّد وعليُّ بن مُحَمَّدٍ ، عن سَهْل بن زِيَاد ، جَمِيعا عن ابن مَحْبُوب ، عن أبي حَمْزَة عن أبي جَعْفَر عليه السلام ، قال : « لمَّا قُبِض أميرُ المُؤمِنِين عليه السلام ، قَام الحَسَن بن عليّ عليه السلام في مسجِد الكُوفَة ، فَحَمِد اللّه ، وأثْنَى عليه ، وصَلَّى على النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قال : أيُّهَا النَّاس ، إِنَّهُ قد قُبِض في هَذه اللَّيْلَة رَجُلٌ ما سَبَقَهُ الأوَّلُونَ ولا يُدْرِكُهُ الآخِرُون . . . واللّه ِ ، مَا تَرَكَ بَيْضَاءَ ، ولا حَمْرَاء ، إِلاّ سَبْعَمئة درْهمٍ فَضَلَتْ عن عَطَائِه ، أرادَ أنْ يَشْتَرِي بها خَادِما لِأهْلِه . . . (13)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص146 .
2- . راجع : مسند ابن حنبل : ج1 ص334 ح1367 و1368 ، أُسد الغابة : ج4 ص97 ، تاريخ مدينة دمشق : ج42 ص375 ؛ كشف المحجّة لثمرة المهجة : ص182 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص72 ، بحار الأنوار : ج41 ص26 و43 .
3- . أصول مالكيت : ج2 ، فارسي .
4- . راجع : الإرشاد : ج2 ص141 و142 ، الغارات : ج2 ص701 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص122 و123 و153 و157 و158 ، بحار الأنوار : ج41 ص39 و40 و125 ؛ السنن الكبرى :ج6 ص139 و165 و266 ، المصنف لعبد الرزاق : ج9 ص169 ، أنساب الأشراف : ج2 ص330 و360 و361 و420 وج3 ص28 و30 و31 ، معجم البلدان : ج4 ص269 وج5 ص449 و450 ، تاريخ اصبهان : ج2 ص144 ، تهذيب تاريخ مدينة دمشق : ج4 ص167 وج5 ص463 .
5- . الكافي : ج 5 ص74 ح2 و4 و6 و9 .
6- . المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص123 .
7- . راجع: كشف المحجّة لثمرة المهجة : ص183 ، بحار الأنوار : ج40 ص239 _ 338 ح 23 .
8- . الكافي : ج8 ص182 ح204 ، الاختصاص : ص151 ، بحار الأنوار : ج41 ص131 ح43 .
9- . نهج البلاغة : الكتاب45 ، بحار الأنوار : ج40 ص340 ح27 ، معادن الحكمة : ج1 ص220 .
10- . الغارات : ج1 ص68 ، بحار الأنوار : ج41 ص137 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج2 ص200 .
11- . المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص98 ، بحار الأنوار : ج40 ص325 ح7 .
12- . الجمل : ص422 .
13- . الكافي : ج1 ص457 ح8 وراجع : الإرشاد : ج2 ص8 ، كشف الغمَّة : ج1 ص179 ، بحار الأنوار : ج25 ص214 ح5 ؛ مسند ابن حنبل : ج1 ص4266 ح1720 ، أنساب الأشراف : ج3 ص259 ، العقد الفريد : ج2 ص399 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج7 ص219 .

ص: 344

. .

ص: 345

. .

ص: 346

. .

ص: 347

. .

ص: 348

رباح

الثَّاني :رَباحبالرَّاء المهملةِ المفتوحةِ ، والباءِ المُوحَّدةِ مِن تَحت ، والحاءِ المُهمَلَةِ . (1) وما في الوسائل في النَّسخة الموجودة عندي : «أبو رِياح » تصحيف ، لاتفاق النُّسخ الموجودة عندي من الوصيّة بكونه رَباحا ، كان عبدا أعتَقهُ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله . (2) قال الطَّبري : رَباح كان يُؤذِّن للنبي ، ويحتمل أن يكون رَباح اسم سَفِينة ، مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، الَّذي كان لأمّ سَلمة ، فأعتقته واشترطت عليه خِدْمة رسول اللّه صلى الله عليه و آله مدّة حياته . (3) ولكن صرَّح ابن سَعْد في الطَّبقات بأنَّ رَباحا وسفينة كانا عبدين له صلى الله عليه و آله ، فأعتقهما . (4) كان أسود اللّون يُؤذِّن على رسول اللّه صلى الله عليه و آله (5) ، ويستقى له من بئر غرس ، وبيوت السُّقيا بأمره (6) ، ولمَّا قتل يسار مولى النَّبي صلى الله عليه و آله جعل رَباحا مكانه ، فكان يقوم بلقاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (7) ذكر ابن الأثير في أُسْد الغابَة رَباحا تارة بقوله : رَباح الأسْوَد مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأُخرى : رَباح مولى أمّ سلمة (8) . وكذا ابن حَجَر (9) ، وهو _ أي رباح _ أحد شهود الصديقة الطَّاهرة في قضيّة فدك . (10) وظَّاهر الوصيَّة : أنَّ رَباحا هذا مولى عليٍّ عليه السلام ، وأنَّه هو اشتراه وأعتقه ، إذ معنى هذه الجملة : فَهُم موالِيَّ ، إلاَّ أن يريد أنَّ موالي رسول اللّه صلى الله عليه و آله هم موالي أهل البيت عليهم السلام . ولكن في الدَّعائم: وعن عليّ عليه السلام ، أنَّه أعتق أبا بيرز (نيزر) وحبترا ورِياحاوزريقا، على أن يعملوا في ضيعة حبسها أربع سنين ، ثُمَّ هم أحرار فعملوا ثُمَّ عتقوا . (11) وفي الكافي : عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، أو قال مُحَمَّد بن يَحْيَى ، عن أحْمَدَ بن محمَّد ، عن ابن فَضَّالٍ ، عن عبد الرَّحْمن ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : « أوْصَى أمِيرُ المُؤمِنِين عليه السلام ، فقال :إِنَّ أبا نِيْزَرَ ورَبَاحا وجُبَيْرا عَتَقُوا على أنْ يَعْمَلُوا فِي المال خَمْسَ سِنِينَ . (12) رَباح بفتح الرَّاء ، وباء موحدة ، وبالحاء المهملة ، أسود نوبي اشتراه من وفد عبد العَقِيل ، فأعتقه ، وكان يأذن عليه أحيانا إذا انفرد . (13)

.


1- . راجع : تاريخ الخميس : ج2 ص178 .
2- . راجع : الطبقات الكبرى : ج1 ص498 ، السيرة الحلبيّة : ج3 ص326 ؛ بحار الأنوار :ج22 ص256 و262 و263 .
3- . تاريخ الطبري : ج3 ص171 .
4- . راجع : الطبقات الكبرى : ج1 ص498
5- . راجع : الطبقات الكبرى : ج1 ص498 ، الكامل في التاريخ : ج1 ص658 ، أُسد الغابة :ج2 ص248 ، الإصابة : ج2 ص377 ، السيرة الحلبيّة : ج3 ص326 .
6- . الطبقات الكبرى : ج1 ص504 .
7- . راجع : أنساب الأشراف : ج2 ص127 ، الإصابة : ج2 ص377 .
8- . راجع : أُسد الغابة : ج2 ص248 الرقم 1607 وص 249 الرقم 1611 .
9- . راجع : تفسير الفخر الرازي : ج29 ص285 ، فتوح البلدان : ج1 ص35 الرقم114 .
10- . راجع : الإصابة : ج2 ص376 الرقم 2568 وص 377 الرقم 2571 .
11- . دعائم الإسلام : ج2 ص306 ح1151 .
12- . الكافي : ج6 ص179 ح1 ، بحار الأنوار : ج42 ص71 ح1 .
13- . تاريخ الخميس : ج2 ص178 .

ص: 349

. .

ص: 350

أبو نيزر

أبو نِيْزَربكسر النُّون ، وسكون الياء المثناة التَّحتانيّة ، وفتح الزَّاء المعجمة ، بعدها راء مهملة ، (1) وهو الصَّحيح ، لاتفاق نسخ الوسائل والتَّهذيب والوافي في الوصيّة تلك ، فما في المستدرك « أبو يثرب » ، وما في الدَّعائم « أبو بيرز » تصحيف . وقد تقدَّم في « رَباح » ، أنَّ عليَّا عليه السلام أعتقه بشرط . (2) قال ابن حَجَر : يقال : إنَّه ولد النَّجاشيّ جاء وأسلم ، وكان مع النَّبيّ صلى الله عليه و آله في مؤنته ، ثُمَّ كان مع فاطمة ، ثُمَّ مع ولدها ، وكان يقوم بضيعتي عليٍّ اللّتين في البقيع ، تُسمَّى إحداهما البغيبغة ، والأُخرى عين أبي نيزر (3) ، وقد تقدَّم كلام المُبَرِّد في الكامل . وقال الحلبي في السِّيرة : إنَّ عليّا رضى الله عنه وجد ابن النَّجاشي عند تاجر بمكَّة ، فاشتراه منه ، وأعتقه مكافاةً لما صَنع أبوه مع المسلمين ، وكان يقال له : « نيزر » مولى عليّ كرَّم اللّه وجهه ، ويقال : إنَّ الحَبَشة لمَّا بلغهم خبره أرسلوا وافدا ، منهم إليه ليملّكوه ، ويُتوِّجُوه ولم يختلفوا عليه ، فأبى وقال : ما كنت أطلب الملك بعد أن منَّ اللّه عليَّ بالإسلام ، وكان من أطول النَّاس قامة ، وأحسنِهِم وجها . (4) قال السَّمهوديّ : وأبو نيزر مولى عليّ ، الَّذي ينسب إليه العين ، كان ابنا للنجّاشيّ ، الَّذي هاجر إليه المسلون ، اشتراه عليّ ، وأعتقه مكافاة لأبيه . (5) قال العلاَّمة السَّيِّد الأمين : كلام المُبَرِّد دالّ على أنَّه أسلم صغيرا على يدي النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، فكان معه في مؤونته ، ثُمَّ مع فاطمة وولدها . وكلام ابن إسحاق دالّ على أنَّ عليَّا عليه السلام اشتراه وأعتقه ، وجعله في الضَّيعتين ، ويمكن الجمع بأنَّ عليَّا عليه السلام اشتراه من تاجر وهو صغير وأعتقه ، ثُمَّ جاء به إلى النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، فأسلم وبقي عند النَّبيّ صلى الله عليه و آله إلى وفاته ، فانتقل إلى بيت عليّ ، فصار مع فاطمة وولدها ، ثُمَّ جعله في الضَّيعتين . (6)

.


1- . الإصابة : ج7 ص343 الرقم 10660 ، معجم البلدان : ج4 ص175 .
2- . راجع : دعائم الإسلام : ج2 ص306 ح 1151 ، بحار الأنوار : ج42 ص71 ح1 .
3- . راجع : الإصابة : ج7 ص343 الرقم 10660 ، وفاء الوفاء : ج4 ص1272 .
4- . وفاء الوفاء : ج4 ص1271 ، وراجع : معجم البلدان : ج4 ص175 .
5- . وفاء الوفاء : ج4 ص1271 .
6- . أعيان الشيعة : ج1 ص435 .

ص: 351

جبير

جُبَيْربالجيم ، ثُمَّ الباء ، ثُمَّ الرَّاء المهملة ، كما في نسخ الوسائل والوافي والكافي والبحار ؛ وما في الدَّعائم « حبتر » تصحيف . (1) لم أجد إلى الآن جُبَيْرا في مواليه عليه السلام ، ولا في موالي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إلاَّ في هذا الكتاب .

.


1- . راجع : الكافي : ج7 ص51 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص148 ، بحار الأنوار : ج41 ص42 ح19 .

ص: 352

أبو سمر بن أبرهة

أبو سمر بن أبرهةوفي التَّهذيب : « أبو شمر » ، وفي الوافي والكافي والبحار ، وقاموس الرِّجال « أبو سمر » بالمهملة ، وفي الإصابة : أبو شمر بن أبرهة _ بالمعجمة _ الحِمْيَرِيّ ، وفد على النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، وقتل مع عليّ عليه السلام بصفِّين (1) ، وفي كتاب صفِّين لنصر : عمر بن سَعْد قال : أبو يَحْيَى ، عن الزُّهْريّ ، قال : وخرج في ذلك اليوم _ يعني اليوم الخامس من أيَّام صفِّين _ شمر بن أبرهة بن الصَّبَاح الحِمْيَرِيّ فلحق بعليّ عليه السلام في ناس ، من قُرَّاء أهل الشَّام ففتّ ذلك في عضد معاوية وعمرو . . . وقتل من أصحاب معاوية أكثر ، وقتل فيهم تلك اللَّيلة شمر بن أبرهة . (2) [ أقول : الَّذي نقله نَصْر هو شمر بن أبرهة ، والَّذي شهد في الكتاب هو أبو شمرة ، ولكن في قاموس الرِّجال ، قال : أبو شمر بن أبرهة بن الصَّبَاح الحِمْيَرِيّ ] ، قال : عدَّه « جخ » في « ي » قائلاً : وكان معه رجال أهل الشَّام بأمير المؤمنين عليه السلام يوم صفِّين . (3) فعلى هذا ما في كلام نصر من أنَّ اسمه « شمر » تصحيف ، فيحتمل أن يكون المذكور في الكتاب هو أبو شمر بن أبرهة ، ولكنَّه ذكر أيضا : « أبو سمرة بن أبرهة » ، قائلاً يظهر من الصدقات . جعل أمير المؤمنين له من شهود الوصيّة ( قال بعد نقله عن التَّنقيح ) : الَّذي وجدت أبو سمرة بن أبرهة . والصَّحيح : هو أبو شمر بن أبرهة ، كما في الإصابة ، وفي هامش الكافي للعلاّمة الزَّنجاني : الصَّواب ، شمر بالمعجمة ، كما في التَّهذيب ، وترجم له في الإصابة ، وورد ذكره في مقدمة الأنساب للسمعاني . (4)

.


1- . الإصابة : ج7 ص175 الرقم 10110 وراجع : أعيان الشيعة : ج7 ص350 .
2- . وقعة صفّين : ص222 و369 وراجع: الغدير : ج9 ص502 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج5 ص180 .
3- . قاموس الرجال : ج10 ص98 .
4- . راجع : الإصابة : ج7 ص175 الرقم 10110 ، الأنساب : ج1 ص29 .

ص: 353

سعيد بن قيس الهمدانيّ

سَعِيدُ بنُ قَيْسٍ الهَمْدَانِيّأحد شهود الوصيَّة على رواية التَّهذيب ، هو من التَّابعين الكِبار ورؤسائهم ، وزُهَّادهم ، مدحه أمير المؤمنين عليه السلام في قصيدة يمدح بها هَمْدان : « يَقودُهُمُ حامِي الحَقِيقَةِ ماجِدٌسَعِيدُ بنُ قَيْسٍ والكَرِيمُ يُحامِي » (1) وكان سيّدا مطاعا في هَمْدان ، وكان من أبطال أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام في صفِّين (2) ، وما بعده وذخائره ، وإن كان غاب عنه في الجمل فَأنَّبه الأمير عليه السلام حين دخل الكوفة ، ودخل عليه سعيد بن قَيْس فسلَّم عليه ، فقال له عليّ عليه السلام : « وعَليكَ وإنْ كُنتَ مَعَ المُترَبِّصينَ » . فقال : حاش للّه يا أمير المؤمنين ، لست من أولئك . قال : « فعَل اللّه ُ ذلِكَ » (3) . وجعله أمير المؤمنين عليه السلام على هَمْدان ومن معهم من حمير (4) ، وجعله من أُمراء أسباع الكوفة . وكان سعيد قبل ذلك في حرب نهاوند من الأبطال العظماء أشراف الكوفة ، والمبادرين إلى الجهاد (5) ، وبعثه عثمان على الرَّيّ ، وكان بها حَتَّى قتل عثمان ، وكان سعيد على هَمْدان فعزل (6) ، ثُمَّ رجع سعيد بعد قتل عثمان فصار من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وخواصّه ، وأبطاله المحامين عن حوزته بأشدّ ما يمكن ، وهو القائِلُ لِأميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام حين شكا تَثاقُلَ أصحابِهِ في نُصرتِهِ : « واللّه ، لو أمرتنا بالسير إلى قسطنطنيَّة وروميّة مُشاةً حُفاةً على غير عطاء ، ولا قوّة ، ما خالفتك ، ولا رَجُلٌ من قومي . فقال عليه السلام : « صدَقتُم جَزاكُمُ اللّه ُ خَيرا » (7) . وهو القائل في عليّ عليه السلام يرتجز بصفِّين : هذا عليٌّ وابنُ عَمِّ المُصطَفىأوَّلُ مَن أجَابَهُ فِيما رَوَى هُو الإمامُ لا يُبالِي مَن غَوَى (8) [ وهو الخطيب بقُناصِرِين ] ،عن مالك بن قُدامَة الأرجي ، قال : قام سعيد بن قَيْس يخطب أصحابه بقُناصِرين ، فقال : الحمد للّه الَّذي هدانا لدينه ، وأورثنا كتابَه ، وامتنَّ علينا بنبيِّه صلى الله عليه و آله فجعله رحمةً للعالمين ، وسيّدا للمسلمين ، وقائدا للمؤمنين ، وخاتَمَ النَّبيّين ، وحجَّةَ اللّه العظيم على الماضين والغابرين ، وصلوات اللّه عليه ورحمة اللّه وبركاته . ثُمَّ كان ممَّا قضَى اللّه وقدَّرهُ _ والحمد للّه على ما أحببنا وكرهنا _ أنْ ضمّنا وعَدُوَّنا بقُناصِرين ، فلا يُحْمَد بنا اليومَ الحِياصُ ، وليس هذا بأوان انصرافٍ ، ولات حينَ مَناص . وقد اختصَّنا اللّه بنعمةٍ فلا نستطيع أداءَ شُكرها ، ولا نُقَدِّرُ قدرها : أنَّ أصحابَ مُحمَّدٍ المصطَفَينَ الأخيارَ معنا ، وفي حيِّزِنا . فواللّه الَّذي هو بالعباد بصيٌر أن لو كان قائدُنا حبشيَّا مجدَّعا إلاّ أنّ معنا من البَدْرِييِّن سبعين رجلاً ، لكان ينبغي لنا أن تَحسُنَ بصائرُنا ، وتطيبَ أنفسنا ، فكيف وإنَّما رئيسُنا ابنُ عمّ نبيِّنا ، بدريٌ صِدق ، صَلّى صغيرا ، وجاهد مع نبيِّكم كبيرا . ومعاوية طليقٌ من وِثاق الأسارِ ، وابنُ طليق ، إلاّ أنَّه أغوى جُفاةً فأورَدَهم النَّارَ ، وأورَثهم العار ، واللّه ، مُحِلٌّ بهم الذُلّ والصَّغار . أ لا إنَّكم ستلقَون عدوَّكم غدا ، فعليكم بِتَقوى اللّه ِ والجِدِّ والحزم ، والصِدق والصَّبر ؛ فإنَّ اللّه مع الصَّابرين . ألا إنَّكم تفوزون بقتلهم ، ويشقَون بقتلكم ، واللّه لا يقتلُ رجلٌ منكم رجلاً منهم أدخل اللّه القاتلَ جنَّات عدْنٍ ، وأدخلَ المقتولَ نارا تلَظَّى ، « لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ » (9) عصمنا اللّه وإيَّاكم بما عصم بهِ أولياءَهُ ، وجعلنا وإيَّاكم مِمَّن أطاعَهُ واتَّقاه ، وأستغفر اللّه لنا ولكم وللمؤمنين . ثُمَّ قال الشَّعْبيّ : لعَمري لقد صدق بفعله ، وبما قاله في خطبته (10) . وهو القائل يوم الجمل ، وكان في عسكر عليّ عليه السلام : أيّةُ حَرْبٍ أُضرِمَتْ نِيرانُهاوكُسِّرَتْ يَومَ الوغى مُرَّانُها قُل للوَصيِّ أقبلَت قَحطانُهافادعُ بِها تَكفِيكَها هَمْدَانُها هُمُ بَنوها وهُمُ إخوَانُها (11) وهُوَ المجيب لكلام أمير المؤمنين حين قال لهم : « يا معشر هَمْدان ، أنتم دِرعي ورُمْحي يا هَمْدان ، ما نَصرتُم إلاّ اللّه َ ، و لا أجبتم غيرَه » . فقال سعيد بن قيس : أجَبْنا اللّه وأجَبْناك ، ونصرنَا نبيَّ اللّه صلى اللّه عليه في قبره ، وقاتلنا معك مَن ليس مِثلَك ، فارمِ بنا حيثُ أحبَبْت (12) . وهو الَّذي ينادي يوم صفِّين قومه ، ويقول : يا معشر هَمْدان ، إنَّ عكّا قد بايعوا أنفسهم وأديانهم من معاوية بالدُّنيا ، فبيعوا أنتم أنفسكم من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه بالآخرة (13) . ولسعيد بن قَيْس في حرب صفِّين مشاهد عظيمة ، ومواقف محمودة ، حَتَّى غمّ معاوية (14) ، وسرَّ أمير المؤمنين عليه السلام حَتَّى قال فيه وفي هَمْدان قصيدة ، يقول فيها : « ولو كنتُ بوَّابا على باب جنَّةلَقُلْتُ لهَمْدَانَ ادخُلِي بِسَلامِ » (15) أرسله عليّ عليه السلام مع بشير بن عَمْرو الأنْصاريّ ، وشَبَث بن رِبْعيّ التَّميميّ إلى معاوية ليدعوه إلى اللّه عز و جل وإلى الطَّاعة والجماعة 16 . قال نَصْر : حدثنا عمر بن سَعْد قال : لمَّا تعاظمت الأمور على معاوية _ قبل قتل عُبيد اللّه بن عُمَر بن الخَطَّاب _ دعا عَمْرو بن العاص ، وبُسْر بن أرطاة ، وعُبَيد اللّه بن عُمر بن الخَطَّاب ، وعبد الرَّحمن بن خالد بن الوليد ، فقال لهم : إنَّه قد غمَّني رجالٌ من أصحاب عليّ ، منهم سعيد بن قَيْس في هَمْدان ، والأشْتَر في قومه ، والمِرْقال وعَدِيّ بن حاتم وقَيْس بن سَعْد في الأنصار ، _ ثُمَّ عيَّن لكل منهم رجلاً من هؤلاء الفجَّار _ فقال ، فأنا أكفيكم سَعيد بن قَيْس وقومَه غدا . . . فأصبح معاوية في غده ، فلم يدع فارسا إلاّ حشَدَه ، ثُمَّ قصد لهَمْدان بنفسه وتقدَّم الخيلَ وهو يقول : لا عَيشَ إلاّ فَلْقُ قِحْفِ الهامِمن أرحَبٍ وشاكرٍ وشِبامِ فطعن في أعراض الخيل مليَّا . ثُمَّ إنَّ هَمْدان تنادت بشِعارها ، وأقحمَ سَعيد بن قَيْس فرسَه على معاوية ، واشتدَّ القِتالُ ، وحجز بينهم اللَّيل ؛ فذكرت هَمْدان أنْ معاوية فاتها ركْضا . وقال سَعيد بن قَيْس في ذلك : يا لَهْفَ نَفسِي فاتَنِي مُعاوِيَةْفَوقَ طِمِرٍّ كالعُقابِ هاوِيَةْ (16) ومدحه معاوية فقال لأصحابه : وقد عبأت نفسي لسيّدهم وشجاعهم سعيد بن قيس (17) . وعابه عُتْبَة بن أبي سُفْيَان بقوله : وأمَّا سَعيد بن قَيْس فقلَّد عليَّا دينه (18) . [ كان مع معاوية أربعة آلاف خُضْريَّة عليهم عُبيد اللّه بن عُمَر ] ، كان مع عليّ عليه السلام أربعة آلاف مجفِّف (19) من هَمْدان ، مع سعيد بن قَيْس رَجْراجَة ، وكان عليهم البَيْضُ والسِّلاح والدُّروع . (20) [ فلمَّا تداعى النَّاس إلى الصُّلح بعد رفع المصاحف ، وتكلَّم من الفريقين مَن تكلَّم كما تقدَّم فتكلَّم سَعيد ]وقال : يا أهل الشَّام ، إنَّه قد كان بنينا وبينكم أمورٌ حامينا فيها على الدِّين والدُّنيا ، سمَّيتموها غدرا وسَرَفا ، وقد دعوتُمونا اليومَ إلى ما قاتلناكم عليه بالأمس ، ولم يكنْ ليرجع أهلُ العراق إلى عِراقهم ، ولا أهلُ الشَّام إلى شامهم ، بأمر أجملَ من أن يحكم بما أنزل اللّه ، فالأمر في أيدينا دُونكم ، وإلاّ فنحن نحن وأنتم أنتم (21) . [ لم يكن سعيد كالأشتر وعَدِيّ من المستبصرين في قضية التَّحكيم ، وقال نصر : وأمَّا سعيد بن قَيْس فتارةً هكذا ، وتارةً هكذا ، يعني قد لا يرى إلاّ الحرب ، وقد يرى الموادعة ، ولكنَّه لمَّا سمع كلام أمير المؤمنين عليه السلام ]يقول : « إنَّما فَعَلْتُ ما فَعَلْتُ لمَّا بدا فِيكُم الخَوَرُ والفَشَلُ » . فجمع سعيدُ بن قَيْسٍ قومَه ، ثُمَّ جاء في رجراجةٍ من هَمْدان كأنَّها ركنُ حَصِير _ يعني جبلاً باليمن _ فيهم عبد الرَّحمن بن سعيد بن قيس ، غلامٌ له ذؤابة ، فقال سعيد : هأنذا وقومي ، لا نُرادُّك ، ولا نرُدّ عليك ، فمُرْنا بما شئت . قال : أمَا لو كان هذا قبل رَفعْ المصاحف لأزَلْتُهم عن عسكرهم أو تنفرد سالِفَتي قبل ذلك ، ولكن انصرِفُوا راشدين ؛ فلعَمري ما كنتُ لأُعرِّضَ قبيلةً واحدةً للناس . (22) كان سعيد بن قَيْس في خدمة الحرب بعد كتابة الصُّلح ، فكان في الكوفة لمَّا أغار سُفْيَان بن عَوْف على الأنبار بعثه عليّ عليه السلام في ثمانية آلاف . (23) لمَّا عزم أمير المؤمنين الرُّجوع إلى الشَّام ثانيا ، وطلب من أصحابه التهيُّؤ والاستعداد فقام حُجْر بن عَدِيّ ، وسعيد بن قَيْس الهَمْدانِيّ ، فقالا : لا يسؤك اللّه يا أمير المؤمنين ، مرنا بأمرك نتبعه ، فو اللّه ما نعظم جزعا على أموالنا إن نفدت ، ولا على عشائرنا إن قتلت في طاعتك . فقال : « تَجَهَّزوا لِلمَسيرِ إلى عَدُوِّنا » . (24) [ ولمَّا قال عليه السلام في جمع من رؤساء عسكره ورؤوس القبائل ] « قال : يا أَهلَ الكُوفَةِ أنتم إخوانِي وأنْصارِي ، وأعْوانِي عَلَى الحَقِّ ، وصَحَابتِي علَى جِهادِ عَدُوِّي المُحِلِّينَ بِكُم ، أضرِبُ المُدْبِرَ وأرجو تَمامَ طاعَةِ المُقْبِلِ ، وقد بَعْثتُ إلى أهْلِ البَصرَةِ فاستنفرتُهُم إليكُم ، فَلَم يأتِني مِنهُم إلاّ ثَلاثَةُ آلافٍ ومئِتا رَجُلٍ ، فأعينوني بِمُناصَحَةٍ جَلِيَّةٍ خَلِيَّةٍ مِنَ الغِشِّ . . . وإنِّي أسألُكُم أن يَكتُبَ لِي رَئيسُ كُلِّ قَومٍ ما في عَشِيرَتِهِ مِنَ المُقاتِلَةِ وأبناءِ المُقاتِلَةِ ، الَّذِين أدرَكُوا القِتالَ ، وعِبدَانِ عَشِيرَتِهِ وموَالِيهِم ، ثُمَّ يَرفَعُ ذلِكَ إلينا » . فقام سعيد بن قَيْس الهَمْدانِيّ ، فقال : يا أميرَ المُؤمِنينَ سَمْعَا وطاعةً ، وودَّا ونصيحةً ، أنا أوَّل النَّاس جاء بما سألت ، وبما طلبت » . (25) ثُمَّ بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام كان سعيد بن قَيْس من شيعة الحسن عليه السلام وكان معه في تجهيزه العساكر إلى معاوية ، وأوصى الحسن عليه السلام عُبيد اللّه بن عبَّاس بمشاورة قَيْس بن سَعْد وسعيد بن قيس . (26) بقي سعيد بن قَيْس حَتَّى ابتلى بالحَجَّاج لعنه اللّه فأجبره مِن تزويجِ ابنَتهِ مِن رجُلٍ ناصبيٍّ (27) . كان مقاتلاً شجاعا وبطلاً ، شهد الجمل (28) ، وصفِّين (29) . جعله الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أميرا على همدان في الجمل (30) وصفِّين (31) . وفي سياق خطبة بليغة خطبها في جماعة من أصحابه ، كشف حقيقة الجيشين جيّدا ، وأظهر انقياده التامّ للإمام عليه السلام ، (32) ودلّ على عظمة جيش الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الَّذي كان فيه ثُلّة من البدريّين . ثمّ بيّن منزلة الإمام الرَّفيعة بكلام رائع ، وفضحَ معاوية وأخزاه مشيرا إلى السَّابقة السيّئة له ولأسلافه (33) . وقد أصحر بطاعته المطلقة للإمام عليه السلام بعبارات حماسيّة في مواطن كثيرة . وكان الإمام عليه السلام يُثني على ذلك الرَّجل الزَّاهد المقاتل . (34) أشخصه الإمام عليه السلام إلى الأنبار 36 بعد معركة صفِّين لصدّ الغارات الَّتي كان يشنّها سُفْيَان بن عَوْف (35) . وثبت سعيد على صراط الحقّ بعد أمير المؤمنين عليه السلام ، فكان من أصحاب الإمام الحسن عليه السلام ، وبعثه الإمام الحسن عليه السلام ليخلف قَيْس بن سَعْد في قيادة الحرب ضدّ مُعاوِيَةَ . توفّي (36) سعيد بن قَيْس حوالي سنة 41 ه (37) .

.


1- . قاموس الرجال : ج5 ص114 الرقم 3248 ، تنقيح المقال : ج2 ص29 ، سفينة البحار : ج4 ص157 ( الهامش ) ، راجع : بحار الأنوار : ج33 ص497 .
2- . سفينة البحار : ج4 ص157 .
3- . وقعة صفِّين : ص7 .
4- . وقعة صفين : ص117 و205 ، تنقيح المقال : ج2 ص30 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص27 ، الفتوح : ج3 ص25 وفيه : « على خيل الجناح سعيد بن قيس » .
5- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص128 _ 129 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص182 .
6- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص330 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص273 .
7- . سفينة البحار : ج4 ص157 .
8- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج13 ص232 .
9- . الزخرف :75.
10- . وقعة صفِّين : ص236 ، الغدير : ج10 ص233 _ 232 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج5 ص188 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص355 .
11- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص144 .
12- . وقعة صفِّين : ص437 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص78 .
13- . الفتوح : ج3 ص58 .
14- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص69 ؛ وقعة صفِّين : ص427 .
15- . وقعة صفِّين : ص437 وراجع : الغدير : ج10 ص426 ، مواقف الشيعة : ج2 ص426 ، بحار الأنوار : ج32 ص448 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص78 ، تاريخ الطبري : ج4 ص573 .
16- . وقعة صفِّين : ص426 ؛ وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص 69 ، الفتوح : ج3 ص44 .
17- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص74 .
18- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص61 .
19- . المجفف : لابس التجفاف ، وأصله ما يوضع على الخيل من حديد وغيره .
20- . وقعة صفِّين : ص453 .
21- . وقعة صفِّين : ص483 ، المعيار والموازنة : ص174 .
22- . وقعة صفِّين : ص520 .
23- . راجع : الغارات : ج2 ص470 و481 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص88 .
24- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص90 .
25- . تاريخ الطبري : ج5 ص79 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص402 .
26- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص38 _ 40 ؛ وتنقيح المقال : ج2 ص29 .
27- . مروج الذَّهب : ج3 ص152 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص61 ؛ راجع : تنقيح المقال : ج2 ص30 .
28- . الجمل : ص319 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص144 .
29- . تاريخ الطبري : ج4 ص574 ، الفتوح : ج3 ص31 .
30- . الجمل : ص319 .
31- . وقعة صفّين : ص205 ؛ تاريخ خليفة بن خيّاط : ص147 ، الفتوح : ج3 ص31 .
32- . وقعة صفّين : ص236 و ص 437 ، الغارات : ج2 ص481 و ص 637 ، الأمالي للطوسي : ص174 ح293 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص79 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص402 ، الفتوح : ج3 ص31 .
33- . وقعة صفّين : ص236 و237 .
34- . المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص171 ، الديوان المنسوب إلى الإمام عليّ عليه السلام : ج572 ص432 ، بحار الأنوار : ج32 ص497 وفيهما « منهم » بدل « ماجد » .
35- . الغارات : ج2 ص470 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص196 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص134 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص88 .
36- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص40 ، مقاتل الطالبيّين : ص71 .
37- . تنقيح المقال : ج2 ص29 الرقم4860 .

ص: 354

. .

ص: 355

. .

ص: 356

. .

ص: 357

. .

ص: 358

. .

ص: 359

. .

ص: 360

. .

ص: 361

هيّاج بن أبي الهيّاج

هَيَّاج بن أبي الهَيَّاج( هياج _ لشداد _ ق ) وفي رواية عبد الرَّزَّاق هَيَّاج بن أبي سُفْيَان . قال في تنقيح المقال : هَيَّاج بن هَيَّاج ، عدّه الشَّيخ في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم أقف على توثيقه في كلام أحد من أصحابنا ، لكنَّه ثقةٌ على الأقوى ، لجعل أمير المؤمنين إيَّاه من شهود وصيَّته ، المنقولة في باب صدقات النَّبيّ صلى الله عليه و آله وفاطمة والأئمّة عليهم السلاممن وصايا الكافي بطريق صحيح . . . (1) .

الثَّالث :الأماكن المذكورة في هذه الكتب هي :1 . « اُذينة » : بالألف المضمومة ، ثُمَّ الذَّال المعجمة المفتوحة ، ثُمَّ الياء المثنّاة من تحت ، ثُمَّ النَّون ( كما في الكافي والتَّهذيب والوسائل ) كجهنية ، اسم وادٍ من أودية القبلية (2) . والقَبَلِية ( بفتحتين وإليها تضاف معادن القبلية ) هي من نواحي الفُرْع (3) ، سراة بين المدينة وينبع ، ما سال منها إلى ينبع سمّي بالغور ، وما سال منها إلى أودية المدينة سُمّي القبليّة . « تَيتَد » قال الياقوت : ثالثه مثل أوَّله مفتوح ، ودال مهملة ، اسم واد من أودية القَبلِية ، وهو المعروف باُذينة ، وفيه عرض فيه النَّخل من صَدَقَة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، عن الزَّمخشريّ ، عن السَّيِّد عليّ العلويّ (4) . 2 . « ديمة » كما في الكافي أو « دعة » كما في نسخة منه أو « ترعة » كما في أخرى أو « ذعة » : ولم أجد إلى الآن في تفسير هذه المواضع شيئا إلاّ ما ذكره السُّمهوديّ : قال : وذكر ابن شَبَّة في صدقات عليّ رضى الله عنه واديا يقال له « نزعة » بناحية فدك بين لابتي حرَّة . (5) وفي الدَّعائم « بَرْعة » و« برقة » وبَرْعة مخالف بالطائف ، وبُرَع جبل شبهامة (6) . و« بُرقة » بالضَّم ، وروي بالفتح من صدقات النَّبيّ صلى الله عليه و آله (7) . والظَّاهر أنَّ الصَّحيح هو « ترعة » كما تقدم . 3 . « يَنْبُع » : بالفتح ، ثُمَّ السُّكون ، وضمّ الموحدة ، وإهمال العين مضارع _ نبع الماء ، أي ظهر من نواحي المدينة على أربعة أيَّام ، وإنَّما أحرزت عنها في الأعصر الأخيرة ، سميت به لكثرة ينابيعها ، قال بعضهم : عددت بها مئة وسبعين عينا . ولمَّا أشرف عليها عليّ رضى الله عنه ونظر إلى جبالها ، قال : لقد وضعت على نقيٍّ من الماء عظيم ، وسكانها جُهينة ، وبنو ليث ، والأنصار ، وهي اليوم لبني حسن العلويّين . (8) وروى ابن شَبَّة : أنَّ عمر بن الخَطَّاب أقطع عليَّا بيَنْبُع ، ثُمَّ اشترى عليّ إلى قطيعة عمر شيئاً ، وفيها عيون عذاب غزيرة (9) وروى أيضا عن كشد بن مالك الجُهَنيّ ، قال : . . .فلمَّا أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ينبع أقطعها لكشد ، فقال : إنِّي كبير ولكن أقطعها لابن أخي فأقطعها له ، فابتاعها منه عبد الرَّحمن بن سعد الأنْصاريّ بثلاثين ألف درهم ، فخرج عبد الرَّحمن إليها وأصابه صافيها وربحها فقدرها ، وأقبل راجعا فلحق عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه دون يَنْبُع ، فقال : « مِن أينَ جِئتَ ؟ » فقال : من يَنْبُع ، وقد سئمتها فهل لك أن تبتاعها ؟ قال عليّ : « قد أخَذتُها بالثَّمن » . قال هي لك ، فكان أوَّل شيء عَمِلَه عليٌّ فيها البغيبغة (10) . وعن عَمَّار بن ياسر ، قال : اقطع النَّبيّ صلى الله عليه و آله عليَّا بذي العشيرة من يَنْبُع ، ثُمَّ اقطعه عمر بعدما استخلف قطيعة ، واشترى عليٌّ إليها قطيعة ، وكانت أموال عليّ بيَنْبُع عيونا متفرِّقة تصدَّق بها (11) . وروى أحمد بن الضَّحَّاك أنَّ أبا فضالة خرج عائدا لعليّ بيَنْبُع وكان مريضا ، فقال له : ما يسكنك هذا المنزل ؟ لو هلكت لم يَلِكَ إلاّ الأعرابُ أعرابُ جُهينة ، فاحتَمِل إلى المَدِينَةِ فإن أصابَكَ قَدَرٌ وَلَيكَ أصحابُكَ ، فقال عليّ عليه السلام : « إنِّي لَستُ بِميّتٍ مِن وَجَعي هذا ، إنَّ رسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله عَهدَ إليَّ ألاّ أموتَ حَتَّى أُضرَبَ ، ثُمَّ تُخضَبُ هذه _ يعني لِحيَتَهُ _ مِن هذِه ، يَعني هامَتُهُ . (12) قال ياقوت : هي عن يمين رَضوى لمن كان منحدرا من المدينة إلى البحر ، على ليلة من رَضوى ، من المدينة على سبع مراحل ، وهي لبني حسن بنِ عليٍّ ، وكان يسكنها الأنصار ، وجُهينة ، وليث ، وفيها عيون عذاب غزيرة ، وواديها لها يَلْيَل ، وبها مِنبَر ، وهي قرية غنَّاء وواديها يصبّ في غَيْقَةَ ، وقال غيره : يَنْبُع حِصن به نخيل وماء وزرع ، وبها وُقوف لعليِّ بن أبي طالب رضى الله عنه يتولاّها وُلده (13) . وقال ابن دُريد : يَنْبُع بَين مَكَّةَ والمدينة ، وقال غيره : يَنْبُع من أرض تهامة غزاها النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، فلم يَلْقَ كيدا ، وهي قريبة من طريق الحاجّ الشَّاميّ (14) . قال ابن شَبَّة : فيما نقل في صدقاته : وكانت أمواله متفرقة بيَنْبُع ، ومنها عينٌ يقال لها : عَينُ البحير ، وعين يقال لها : عين أبي نيرز ، وعين يقال لها : نولا ، وهي الَّتي يقال : إنَّ عليَّا رضى الله عنه عمل فيها بيده ، وفيها مسجد النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، وهو متوجّه إلى ذي العشيرة ، وعمل عليّ أيضا بيَنْبُع البغيبغات . وفي كتاب صدقته : « أنَّ ما كان لي بيَنْبُع مِن ماءٍ يُعرَفُ لِي فيها وما حَولَهُ صَدَقَةٌ وقَفتُها ، غَيرَ أنّ رَباحا وأبا نيزر وجُبَيْرا أعتقناهم ، وهُم يَعمَلونَ فِي الماء خَمسَ حِجَجٍ ، وفِيهِ نَفَقَتُهم ورِزقُهُم ، انتهى . (15) وفي المناقب أخرج : مئة عين ينبع جعلها للحجيج (16) . وعن أيّوب بن عطِيَّة الحَذَّاء ، قال : سمِعت أبا عَبد اللّه عليه السلام يقول : «قَسَمَ نَبِيُّ اللّه صلى الله عليه و آله الفَيْءَ فأصَاب عليَّا عليه السلام أرْضا ، فاحْتَفَر فيها عَيْنا ، فخرَج مَاءٌ يَنْبُعُ في السَّماء كَهَيْئَة عُنُق البَعِير فسَمَّاها يَنْبُع ، فجَاء البَشِير يُبَشِّرُ ، فَقَالَ عليه السلام : بَشِّر الوَارِثَ ، هِي صَدَقَةٌ بَتَّةً بَتْلاً في حَجِيجِ بَيْتِ اللّه ، وعابِرِي سَبِيل اللّه ، لا تُبَاعُ ، ولا تُوهَبُ ، ولا تُورَثُ . . . الحديث (17) . 4 . « البُغَيْبِغَة » : ( مصغّر البُغْبُغ كقنفذ: البئر القريبة الرَّشاء _ ق ) ضيعة بالمدينة ، أو عين غزيرة كثيرة النَّخل لآل رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (18) روى ابن شَبَّة : أنَّ يَنْبُع لمَّا صارت لعليّ رضى الله عنه كان أوَّل شيء عمل فيها البغيبغة ، وأنَّه لمَّا بشَّر بها حين صارت له قال : « تسرُّ الوارث » ، ثُمَّ قال : « هي صَدَقَةٌ علَى المَساكِينِ وابن السَّبيلِ وذوي الحاجَةِ الأقرَبِ » (19) . وفي رواية الواقدي : أنَّ جدادها بلغ لي زمن عليّ رضى الله عنه ألف وَسْق » (20) . وقال محمَّد بن يَحْيَى : عمل عليّ بيَنْبُع البغيبغات ، وهي عيون ؛ منها عين يقال لها : خَيفُ الأراكِ ، ومنها عين يقال لها : خَيفُ ليلى ، ومنها عين يُقال لها : خَيفُ بِسطاس ، قال : وكانت البغيبغات ممَّا عمل عليّ وتصدَّق به ، فلم يزل في صدقاته حَتَّى أعطاها حسين بن عليّ ، عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ، يأكل ثمرها ، ويستعين بها على دَيْنه ومؤنته ، على ألاّ يزوّج ابنته من يزيد بن معاوية ، فباع عَبدُ اللّه ِ تِلكَ العُيونِ من معاوية ، ثُمَّ قبضت حين ملك بنو هاشم الصَّوافيّ ، فكلَّم فيها عبد اللّه بن حسن بن حسن أبا العبَّاس ، وهو خليفة فردّها في صَدَقَة عليّ ، فأقامت في صدقته حَتَّى قبضها أبو جعفر في خلافته ، وكلَّم فيها الحسنُ بنُ زَيْدٍ المهديَّ حين استخلف ، وأخبره خبرها ، فردَّها مع صدقات عليّ (21) . قال ياقوت : قال محمّد بن يزيد في كتاب الكامل رووا أنَّ عليّ بن أبي طالب رضى الله عنهلمَّا أوصى إلى ابنه الحسن في وقف أمواله ، وأن يجعل فيها ثلاثة من مواليه وقف فيها عين أبي نيزر والبغيبغة ، قال : وهذا غلط ، لأنَّ وقفه هذين الموضعين كان لسنتين مِن خلافَتِهِ (22) . [ أقول : وقف عليّ عليه السلام البغيبغة وعين أبي نيزر كان في أوَّل ما ملك يَنْبُع ، وكان ذلك في نهاية زمن الخليفة الأوَّل أو الثَّاني ، ووقفه لسائر ما يملكه من الضَّيعة والبساتين كان قبيل شهادته عليه السلام بِمَسْكِنْ . أمَّا كون وقفه في زمان الخليفة الثَّاني ، لما في النَّقل من أنَّه جاء وطلب الطَّعام من أبي نيزر ، ثُمَّ دخل وشرع في الحفر ، ولما تقدّم من أنَّه عليه السلام أوَّل ما عمل البغيبغة ، ووقفه بعد العمل ، فلا مجال لتوهّم كونه لسنتين من خلافته ، وقول أبي نيزر له : « يا أمير المؤمنين » ، دالاً على كونه في زمان خلافته مدفوعٌ ، بأنَّ أبا نيزر هو شيعته ومولاه ، وهو يعرف أنَّه أمير المؤمنين بِنَصِّ النَّبيّ صلى الله عليه و آله من اللّه تعالى ] . قال العلاّمة الأمين في أعيان الشِّيعة : إنَّ المبرّد صرَّح بأنَّ وقف عليّ عليه السلام الضَّيعتين كان لسنتين من خلافته ، وخطاب أبي نيزر بقوله : طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين ، وقوله في كتاب الوقف : « هذا ما تَصَدَّقَ بهِ عَبدُ اللّه ِ عليٌّ أمِيرُ المُؤمِنينَ » دالّ على أنَّ ذلك في زمن خلافته ، وما ذكره من أنَّ وقفه للضيعتين كان لمَّا جاء أبا نيزر ، وهو يقوم بهما ، وضرب في العين بالمعول فانثالت كأنَّها عُنُق بعير ، دالّ على أنَّ ذلك كان وعليّ بالحجاز ، مع أنَّه بعد أن ذهب إلى العراق واتّخذ الكوفة مسكنا لم يذكر أحد أنَّه رجع إلى الحجاز ، ومتى كان يمكنه أن يرجع وهو قد ذهب للعراق لحرب أصحاب الجمل ، وبعد فراغه اشتغل بحرب صفِّين ، وبعده بحرب الخَوارِجَ ، ثُمَّ استشهد فلم تكن لَهُ فرصة لِئَن يذهب للحجاز ، وليس هناك أمر مهمّ يدعوه للذهاب . (23) [ وأمَّا أنَّ وقف سائر أمواله كان في مَسْكنِ ، فبتصريحه في الكتاب بذلك ] . 5 . « وادي القُرى » : واد كثير القرى ، بين المدينة والشَّام ، وقال الحافظ بن حَجَر : هي مدينةٌ قديمة بين المدينة والشَّام [ وعلى سبع ليال من المدينة ، أو ستّ من أعمال المدينة ] . قال أبو المُنْذِر : سُمّي وادي القرى ؛ لأنَّ الوادي كان من أوَّله إلى آخره قرى منظمة ، وكانت من أعمال البلاد وآثار القرى إلى الآن بها ظاهرة ، إلاّ أنَّها في وقتنا هذا كلّها خراب ، ومياهها جارية تتدفق ضائقة ، لا ينتفع بها أحد (24) . 6 . « الفُقَيْرَيْن » : عن جعفر بن محمَّد ، قال : « أقطع النَّبيّ صلى الله عليه و آله عليَّا أربع أرضين : الفقيران (25) ، وبئر قيس ، والشَّجرة ، وأقطع عمر يَنْبُع ، وأضاف إليها غيرها (26) . الفَقِير ضدُّ الغنيِّ ، اسم موضعين قرب المدينة ، يقال لهما : الفقيران (27) ، وعن جعفر الصَّادق رضى الله عنه : « أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه و آله أقطع عليَّا » . . . وبعالية المدينة حديقة تعرف بالفُقَير بالضّمّ تصغير الفَقِير بالفتح . ونقل ابن شَبْة في صَدَقَة عليّ رضى الله عنه أنَّ منها الفُقَيْرَيْن بالعالية ، وأنَّه ذكر أنَّ حسنا أو حُسَينا باع ذلك ، فتلك الأموال متفرّقة في أيدي النَّاس ، ثُمَّ حكى كتاب الصَّدقة نصّا ، ولفظه : « والفَقِير لِي كما قَد عَلِمتمُ صَدَقَةٌ في سبيلِ اللّه ِ » . ثُمَّ ذكر تسويغ البيع لكلّ من الحسن والحسين دون غيرهما ، وسبق في الصَّدقات بمكاتبة سَلْمانَ سيّدَه القرظى على أن يُحْيي له ذلك النَّخل بالفقير ، فالظَّاهر : أنَّه المعروف اليوم بالفقير قرب بني قريظة ، وإن كان أصله مكبّرا فقد صغروه كما صغّروا الشَّجرة فيقولون فيها « الشُجَيرَة » (28) . وكان الفقير لعليّ بن أبي طالب . . . وهيفي وسط العوالي ، وفيها نخيل كثير ، أكثر من هذا القَدَر ، وفيها العنب ، والرُّمَّان ، واللِّيمون الحلو والحامض ، والزهر والفل ( الفول ) بقرب البئر ، وفي البئر ماء عذب طيِّب ، وعندها النَّخلة الَّتي غرسها النَّبيّ صلى الله عليه و آله بيده المباركة الشَّريفة ، فأثمرت في تلك السَّنة ، وغرس عمر بن الخَطَّاب واحد ودي فقلعها النَّبيّ صلى الله عليه و آله وغرسها بيده . . . (29) . قال السُّمهوديّ : الفقير اسمُ الحديقة بالعالية ، قُرب بني قريظة ، وقد خفي ذلك على بعضهم ، فقال : كما نقله ابن سيِّد النَّاس : قوله « بالفقير » الوجْهُ إنَّما هو بالعفير ، انتهى . والصَّواب إنَّه اسم لموضع ، وليس هو من صدقات النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، فقد ذكر ابن شَبَّة في كتاب صَدَقَة عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه الَّذي كان بيد الحسن بن زَيْد ما لفظه : « والفقيرُ لي كما قد عَلِمتُم صَدَقَةٌ في سبيلِ اللّه ِ » ، لكنَّه سمَّاه قبل ذلك في أخبار صدقاته بالفُقَيْرَيْن ، مُثَنَّى ، فقال : وكان لي صدقات بالمدينة، الفُقَيْرَيْن بالعالية، وبئر الملك بقناة ، فالظَّاهر أنَّه يسمَّى . بكلّ من اسمين ، وأهل المدينة اليوم ينطقون به مفردا بضم الفاء تصغير الفقير ضِدَّ الغني (30) . [ أقول الَّذي ذكرته كتب الأماكن والبقاع هو الفقير ، والفُقَيْرَيْن ، كما في الكافي ، ونقل في البحار عنه ، ولكن في التَّهذيب « القصيرة » ، وفي الوسائل عنه « القصيرتين » ، وفي روضة المتقين « القفيزتين » ، وفي تكملة المنهاج عن مرآة العقول « العفيرتين » ، وعن بعض النُّسخ « الفقرتين » ، ولم أتحقق هذه كلّها ، وأظنّها تصحيفا من النُّسَّاخ ، كما قال العلاّمة المجلسي رحمه اللهفي البحار : الظَّاهر أنَّ أكثر هذه الأسماء ممَّا صحّفه النُّسّاخ (31) وإن قاله في أسماء صدقات النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، ولكنَّه جار هنا أيضا . وعلى كلّ حال هذه من صَدَقَة عليٍّ عليه السلام حول المدينة المُشرَّفة ، وقد ذكروا له عليه السلام صدقات حول المدينة المكرّمة غير هذه وهي : 1 . « سويقة » : تصغير ساق . . . قال المجد : هي موضع قرب المدينة يسكنه آل عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه ، وكان محمَّد بن صالح بن عبد اللّه بن موسى الحسني خرج على المتوكِّلل ، فأنفذ إليه أبا السَّاج في جيش ضخم ، فظفر به وبجماعة من أهله فأخذهم ، وقيَّدهم ، وقتل بعضهم ، وأخرب سويقة ، وعَقَر بها نخلاً كثيرا ، وخرَّب منازلهم ، وما أفلحت سويقة بعد ذلك ، وكانت من جملة صدقات عليّ بن أبي طالب . . . وسويقة أيضا : جبيل بين يَنْبُع والمدينة ، نقلة ياقوت عن ابن السِّكِّيت ، وتعرف اليوم بالسويق منازل بني إبراهيم أخي النَّفس الزَّكيّة . . . وجوّ سويقة من نواحي المدينة لآل عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه (32) . وفي شرح ابن أبي الحديد: « سويعة » بالعين بدل القاف ، وهو تصحيف (33) . 2 . « بئر الملك » : نقل ابن شَبَّة : إنَّ علي بن أبي طالب رضى الله عنه كان من صدقاته بالمدينة بئر الملك بقناة (34) ، وقناة وادٍ من أودية المدينة المشرفة (35) . 3 . « بئر قيس » : وقد تقدَّم أنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أقطع لعليّ عليه السلام « أربع أرضين : الفقيران ، وبئر قيس » (36) . 4 . « الشَّجرة » : وقد تقدَّم أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه و آله أقطع عليَّا عليه السلام أربع أرضين . الفقيران وبئر قَيْس والشجرة . والشَّجرة كما ذكره السَّمهوديّ : بلفظ واحدة ، الشَّجر يضاف إليها مسجد ذي الحُليفة ، وهي سَمُرة كان النَّبيّ صلى الله عليه و آله ينزل تحتها هناك فعرف الموضع بها ، والشَّجرة أيضا : مال فيه أُطْمٌ (37) لبني قُرَيظة ؛ ولعلَّه المعروف اليوم هناك بالشجيرة مصغّرا (38) . ويعرف بمسجد ذي الحليفة (39) ، وقال العزّ بن جماعة : وبذي الحليفة البئر الَّتي تسمّيها العوام بئر عليّ ، وينسبونها إلى عليِّ بن أبي طالب رضى الله عنه ، لظنِّهم أنَّه قاتلُ الجنّ بها ، وهو كذب ، ونسبتها إليه غير معروفة عند أهل العلم (40) . 5 . « حرّة الرَّجْلَى » : بديار بني القين . . . وقال ابن شَبَّة في صدقات عليٍّ : وله بحرَّة الرَّجْلاَء من ناحية شعب زيد وادٍ يُدعى الأحمر ، شطره في الصَّدقة وشطره بأيدي آل مناع ، وبني عَدِيّ منحة مِن عليٍّ أو له أيضا بِحَرَّة الرَّجْلَى ، واد يقال له : « البيضاء » (41) ، فيه مزارع وعفا ، وهو في الصَّدقة ، ثُمَّ قال : وله بناحية فَدَك بأعلى حرّة الرَّجْلَى ما يقال له : « القصيبة » (42) . 6 . « مَسْكِن » : بالفتح ثُمَّ السُّكون وكسر الكاف ونون . . .هو موضع قريب من أوَانا على نهر دُجيل عند دير الجاثليق ، فيها لاقى عساكر الحسن عليه السلام مع معاوية ، ووقع الحرب بين عبد الملك ومُصْعَب بن الزُّبَيْر (43) .

.


1- . تنقيح المقال : ج3 ص305 ، قاموس الرجال : ج9 ص373 .
2- . معجم البلدان : ج1 ص133 ، تاج العروس : ج18 ص14 .
3- . الفُرْع : من أعمال المدينة عن يسار السَّقيا على ثمانية بُرُد من المدينة ، وبها منبر ونخل ومياه كثيرة ، وهي قرية غنّاء كبيرة ، وأجلّ عيونها ، عينان غزيرتان إحداهما : الربض والسُّقيا قرية عظيمة قريبة من البحر ، على ميسرة يوم وليلة ، وقال المجد : هي على يومين من المدينة . ( راجع : وفاء الوفاء : ج2 ص1234 و1281 ، معجم البلدان : ج3 ص228 وج4 ص252 ، ملحقات إحقاق الحقّ : ج8 ص591 .
4- . معجم البلدان : ج2 ص65 .
5- . وفاء الوفاء : ج4 ص1161 ، ملحقات إحقاق الحقّ : ج4 ص590 .
6- . دعائم الإسلام : ج2 ص342 ؛ قاموس المحيط : ج3 ص4 ، معجم البلدان : ج1 ص385 .
7- . وفاء الوفاء : ج4 ص1147 وراجع : فتوح البلدان : ص27 .
8- . وفاء الوفاء : ج4 ص1334 وراجع : معجم البلدان : ج5 ص449 ، النهاية لابن أثير :ج46611 ، تاج العروس : ج11 ص466 ، لسان العرب : ج8 ص345 ، لغت نامه دهخدا : ج13 ص19722 .
9- . وفاء الوفاء : ج4 ص1334 ، وراجع : السنن الكبرى للبيهقي : ج6 ص265 ح11897 ، فتوح البلدان : ص23 ، معجم البلدان : ج5 ص450 .
10- . وفاء الوفاء : ج4 ص1334 .
11- . وفاء الوفاء : ج4 ص1334 ، ملحقات إحقاق الحقّ : ج8 ص588 .
12- . وفاء الوفاء : ج4 ص1335 ؛ الغارات : ج2 ص701 .
13- . معجم البلدان : ج5 ص450 ، وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج13 ص296 ؛ تكملة منهاج البراعة : ج88 ص374 .
14- . معجم البلدان : ج5 ص450 ، وراجع : نهاية الإرب للقلقشندي : ص17 ، تكملة منهاج البراعة : ج18 ص375 .
15- . وفاء الوفاء : ج4 ص1271 .
16- . المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص123 ، الغارات : ج2 ص701 نحوه ، بحار الأنوار :ج41 ص32 ح3 .
17- . الكافي : ج7 ص54 ح9 ، دعائم الإسلام : ج2 ص341 ح 1283 ، بحار الأنوار : ج41 ص39 ح18 . وفي ذخائر العقبى : إنّ عمر أقطع عليَّا ينبع ، ثُمَّ اشترى علي أرضا إلى جنب قطعه فحفر فيها عينا ، فبينا هم يعملون فيها ، إذا انفجر عليهم مثل عُنُق الجزور من الماء ، فأتى عليّ رضى الله عنه فبشّر بذلك ، فقال : « بشروا الوارث » ، ثُمَّ تصدّق بها على الفقراء والمساكين وابن السّبيل وفي سبيل اللّه ليوم تبيضّ فيه وجوه وتسوّد فيه وجوه ، ليصرف اللّه به وجهي عن النَّار ويصرف النَّار عن وجهي . أخرجه ابن السَّمان في موقفه .
18- . القاموس المحيط : ج3 ص103 ، لسان العرب : ج8 ص419 ، وفاء الوفاء : ج1 ص469 .
19- . وفاء الوفاء : ج4 ص1150 ، ملحقات إحقاق الحقّ : ج8 ص584 نحوه .
20- . وفاء الوفاء : ج4 ص1150 ؛ ملحقات إحقاق الحقّ : ج8 ص584 .
21- . وفاء الوفاء : ج4 ص1151 ، وراجع : ملحقات إحقاق الحقّ : ج8 ص584 .
22- . معجم البلدان : ج1 ص469 ، وراجع : وفاء الوفاء : ج4 ص1150 _ 1151 ، ملحقات إحقاق الحقّ : ج8 ص585 .
23- . أعيان الشيعة : ج1 ص434 ( وله رحمه الله تحقيق حول هذا الكتاب فراجع ، وقد ذكر قسما منه فيما تقدَّم بما بما يرتبط بالمقام .
24- . راجع : وفاء الوفاء : ج 4 ص 1328 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ص 15 ص 66 ؛ الغارات : ج 2 ص 513 .
25- . هكذا في المصدر ، والظاهر أنَّها « الفقيرين » .
26- . معجم البلدان : ج5 ص450 ، فتوح البلدان : ص22 ؛ تكملة منهاج البراعة : ج18 ص375 .
27- . هكذا في المصدر ، والظاهر أنَّها « الفقيرين ».
28- . وفاء الوفاء : ج4 ص1282 وراجع : ملحقات إحقاق الحقّ : ج8 ص590 .
29- . عمدة الأخبار : ص390 .
30- . وفاء الوفاء : ج3 ص992 ، مراصد الاطّلاع : ج3 ص1038 .
31- . بحار الأنوار : ج22 ص295 .
32- . وفاء الوفاء : ج4 ص1239 ، معجم البلدان : ج3 ص287 راجع : مقاتل الطالبيين :ص374 _ 480 ، القاموس المحيط : ج3 ص247 ، تاج العروس : ج13 ص229 ، ملحقات إحقاق الحقّ : ج8 ص588 .
33- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص146 .
34- . وفاء الوفاء : ج4 ص1144 .
35- . وفاء الوفاء : ج3 ص1074 .
36- . وفاء الوفاء : ج4 ص1282 .
37- . الاُطْم _ بالضم _ : حِصْنٌ مَبْنيٌّ بحجارة ( لسان العرب : ج 12 ص 19 ) .
38- . وفاء الوفاء : ج4 ص1242 و1282 .
39- . وفاء الوفاء : ج4 ص 1193 و1195 .
40- . وفاء الوفاء : ج4 ص1195 .
41- . وفاء الوفاء : ج4 ص1186 ، معجم البلدان : ج1 ص530 .
42- . وفاء الوفاء : ج4 ص1186 .
43- . معجم البلدان : ج5 ص127 وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص40 .

ص: 362

. .

ص: 363

. .

ص: 364

. .

ص: 365

. .

ص: 366

. .

ص: 367

. .

ص: 368

. .

ص: 369

. .

ص: 370

. .

ص: 371

. .

ص: 372

الرابع :في نقل الكافي جملة لا يتّضح معناها وهي: « إنَّ مال مُحَمَّد بن عليٍّ علَى نَاحِيَتهِ ، وهُو إلى ابْنَي فَاطِمَةَ » (1) . والجملة مجملة فيها تحريف ، وفي الدَّعائم: « وإنَّ مال مُحَمَّد صلى الله عليه و آله إلى بني فاطمة ، وكذلك مال فاطمة إلى بينها » ، والظَّاهر صحَّة نقل الدَّعائم ، وفيها إشارتان : الأُولى : إلى صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله الحوائط الثَّانية إلى صدقاتها ، وجعل أمرها إلى الحسنين صلوات اللّه عليه أجمعين ، ولا بأس بنقلها بنصّها ، واللَّفظ للكافي : مُحَمَّد بن يَحْيَى ، عن أحمد بن مُحَمَّد ، عن أبي الحسن الثَّاني عليه السلام ، قال : سَألْتُهُ عن الحِيطَان السَّبْعَة الَّتي كانتْ مِيرَاث رسُول اللّه صلى الله عليه و آله لِفَاطِمَةَ عليهاالسلام ، فقال : « لا إنَّمَا كانتْ وَقْفا ، وكان رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله يأْخُذُ إليْه منْها ما يُنْفِق على أضْيَافهِ ، والتّابِعَةُ يَلْزَمُهُ فيها ، فلمَّا قُبِض جاء العبَّاسُ يُخَاصِم فاطِمَة عليهاالسلام فيها فَشَهِد عليٌّ عليه السلام وغَيْرُهُ أنَّها وَقْفٌ على فاطمَةَ عليهاالسلام ، وهِي الدَّلالُ ، والعَوَافُ ، والحُسْنَى ، والصَافِيَةُ ، ومَا لاُِمِّ إِبْرَاهِيم ، والمَيْثَبُ والبُرْقَةُ . (2) عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نَجران ، عن عاصِم بن حُمَيْدٍ ، عن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : « ألا أُقْرِئُكَ وَصِيَّةَ فَاطِمَةَ عليهاالسلام ؟ » قال: قلتُ : بَلَى . قال : فَأخْرَجَ حُقّا أو سَفَطا ، فَأخْرَجَ مِنْه كِتَابا فَقَرَأهُ ؛ بِسْمِ اللّه ِ الرَحْمن الرَحِيم هذا مَا أوْصَتْ بِه فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أوْصَتْ بِحَوَائِطِهَا السَّبْعَةِ العَوَافِ والدَّلال ، والبُرْقَة ، والمَيْثَب ، والحُسْنَى ، والصَافِيَة ، ومَا لاُِمِّ إِبْرَاهِيم ، إلى عليِّ بن أبي طَالِبٍ عليه السلام ، فإنْ مَضَى عليٌّ فإلى الحَسَن ، فإنْ مَضَى الحَسَنُ فإلى الحُسَيْن ، فإنْ مَضَى الحُسَيْنُ فإلى الأكبَر من وُلْدِي ؛ شَهِد اللّه ُ على ذَلِك ، والمِقْدَادُ بْنُ الأسْوَد ، والزُبَيْرُ بْنُ العَوَّامِ ، وكَتَبَ عليُّ بْنُ أبي طَالِبٍ . (3) ولها صلوات اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها وصيَّة أُخرى ، أحرى بالذِّكر هنا وهي : « بِسْمِ اللّه ِ الرَحْمن الرَحِيم هذا ما كَتَبتْ فاطِمَةُ عليهاالسلام بِنتُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله في مالِها ، إن حدَثَ بِها حادِثٌ تَصدَّقَتْ بِثمانِينَ أُوقِيَّةً تُنفَقُ عَنها ، مِن ثِمارِها الَّتي لَها كُلَّ عامٍ في كُلِّ رَجبٍ بَعد نَفقَةِ السَّقْي ونَفَقَةِ المغلّ (4) ، وأنَّها أنفَقَتْ أثمارَها العامَ ، وأَثمارَ القَمحِ عاما قابِلاً في أوان غَلّتها ، وإنَّها أمرَتْ لِنساءِ مُحَمَّدٍ أبيها خمسا وأربَعِينَ أُوقِيَّةً ، وأمرَتْ لِفُقراءِ بَنِي هاشِمٍ وبَنِي عَبدِ المُطَّلِبِ بِخَمسينَ أُوقِيَّةً . وكَتَبتْ في أصْلِ مالِها في المَدينَةِ : أنَّ عليَّا عليه السلام سأَلَها أن تُوَلّيَهُ مالَها ، فَيَجمَعُ مالَها إلى مالِ رَسُول اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فلا تَفرَّقَ ، وتَليهِ ما دامَ حَيّا ، فإذا حدَثَ بهِ حادِثٌ دفعَهُ إلى ابنيَّ الحَسَنِ والحُسَينِ فَيَلِيانِهِ . وإنِّي دَفَعْتُ إلى عَلِيّ بن أبي طالِبٍ علَى أنِّي اُحلّلُه فيه ، فَيَدفَعُ مالِي ومالَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله لا يُفَرِّق مِنهُ شَيئا ، يَقضِي عنِّي مِن أثْمارِ المَالِ ، ما أمَرتُ بهِ وما تصَدَّقْتُ بهِ ، فإذا قضى اللّه ُ صدَقَتَها ، وما أمَرتُ بِهِ فالأمرُ بِيَدِ اللّه ِ تعالَى وبِيَدِ عليّ عليه السلام يتصدَّق وَيُنفِقُ حَيثُ شاءَ لا حَرَجَ عَليهِ ، فإذا حَدَثَ بهِ حَدَثٌ دفَعَهُ إلى ابنيَّ الحَسَنِ والحُسَينِ المالَ جَمِيعا ، مالي ومالُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَيُنفِقانِ ويَتَصدَّقانِ حَيثُ شاءا ، ولا حَرَجَ عَليهِما . وإنَّ لابنة جُنْدُب _ يَعني بِنت أبي ذَرّ الغِفارِيّ _ التَّابوتَ الأصغرَ ، وتَغطُّها فِي المَالِ ما كانَ ، ونَعلَيَّ الآدَميّينِ ، والنَّمطَ ، والجبَّ ، والسَّريرَ ، والزّريبَةَ ، والقَطِيفَتَينِ . وإن حَدَث بأحَدٍ مِمَّن أوصيتُ لَهُ قَبل أن يُدفَع إليهِ ، فَإنَّه يُنفَقُ فِي الفُقرَاءِ والمَساكِينِ . وأنَّ الأستارَ لا يَستَتِرُ بها امرأةٌ إلاّ إحدى ابنتيَّ ، غيرَ أنَّ عليَّا يَستَتِرُ بِهِنَّ إنْ شاءَ ما لَم يَنكَحْ (5) . وإنَّ هذا ما كَتَبتْ فاطِمَةُ عليهاالسلام في مالِها وقَضَتْ فِيهِ واللّه ُ شهيدٌ ، والمِقْدادُ بن الأسْوَدُ ، والزُّبَيْرُ بنُ العَوَّامِ ، وعليُّ بنُ أبي طالبٍ كتبها ، وليس على عليّ بن أبي طالب حرج فيما فعل من معروف (6) . ] وحيث إنَّ فاطمة عليهاالسلام جعلت تولية صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله الَّتي كانت بيدها ، وتولية صدقتها كلّها إلى عليّ عليه السلام ، أشار عليّ عليه السلام فيكتابه إلى الصَّدقتين، وإنَ توليتهما إلى الحسنين عليهماالسلام كما أوصت هي صلوت اللّه عليها إليهما ، بعد أمير المؤمنين عليه السلام . قال الأحمدي : الرِّقة ،كذا في الوسائل ، وفي الفقيه والتَّهذيب والوافي : البرقة بالباء الموحّدة ، ثُمَّ الرَّاء المهملة ، ثُمَّ القاف ، وهو الصَّحيح لِأنَّ « بُرقة » بالضّم ، وقد رواه بعضهم بالفتح ، بالمدينة ، من الأموال الَّتي كانت من صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وفي أمالي الشَّيخ « البرقط » ، ولكنَّه تصحيف بُرقة : وهي معروفة في قبلة المدينةِ ، ممَّا يلي المشرق (7) . والعواف بالعين المهملة وآخره الفاء ، كذا في جميع نسخ الكتاب ، وفي الدَّعائم : العوالي ( على ما في هامشه ) (8) ، وفي كتب التَّواريخ : الأعواف ] . قال السَّمهوديّ : الأعواف ، ويقال : العواف إحدى صدقات النَّبيّ صلى الله عليه و آله وآباره المتقدّمة (9) ، موضع بالمدينة كان فيه مال لأهل المدينة . وفي الحديث : « طلب رسول اللّه صلى الله عليه و آله سارقا ، فهرب منه فنكبه الحجر الَّذي وضع بين الأعواف صدقة النَّبيّ صلى الله عليه و آله والشَّطبية » . . . (10) وفي الطَّبقات في ذكر أموال « مخبرين » الَّتي صارت من صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله « الأعواف » (11) . قال العلاّمة المجلسي رحمه الله : الظَّاهر أنَّ أكثر هذه الأسماء مِمَّا صحَّفَهُ النُّسّاخ و « العواف » صحيح مذكور في تاريخ المدينة ، لكن في أكثر رواياته « أعواف » ، وفي بعضها « العواف » (12) . [ أقول : أكثر نسخ الوصيَّة ، بل أكثر روايات أهل البيت عليهم السلام « العواف » ] . قال السّمهودي : « الأعواف » جزع معروف بالعالية بقرب المربوع ، والجزع منعطف الوادي ، ووسطه أو منقطعه أو منحناه أو هو مكان بالوادي لا شجر فيه (13) . وبئر أعواف بالمدينة معروف . (14) الدَّلال : بالمهملات كذا في جميع النُّسخ إلاّ في تاج العروس في كلمة « ميثب » فإنَّه نقله « الزلال » ، والظَّاهر أنَّه تصحيف ، لأنَّه نقله عن ياقوت ، وفيه : « الدلال » . روى عن جعفر بن محمَّد عن أبيه ، قال : « كان الدَّلال لامرأة من بني النَّضير ، وكان لها سَلْمان الفارسِيّ ، فكاتبته على أن يُحييها لها ، ثُمَّ هو حرّ ، فأعلم بذلك النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، فخرج إليها ، فجلس على فقير ، ثُمَّ جعل يحمل إليه الوَدِيّ فيضعُه بيده ، فما عَدَتْ منها وديّة أن أطلعت . قال : ثُمَّ أفاءها اللّه على رسوله صلى الله عليه و آله ، قال : والَّذي يظهر عندنا أنَّه من أموال بني النَّضير ، وممَّا يدلّ على ذلك أنَّ مهزورا يسقيها ، ولم يزل يسمع أنَّه لا يسقي إلاّ أموال بني النَّضير . قلت: فيه نظر؛ إذ المعروف ببنيالنَّضير إنَّما هو مذينب ، ومهزور لبنيقريظة (15) . نقل العلاّمة المجلسي في البحار هذا الكلام إلى هنا ، ثُمَّ قال : ويُؤيّدها في سنن أبي داوود : أنَّه كانت نخل بني النَّضير لرسول اللّه صلى الله عليه و آله خاصّة ، أعطاه اللّه إيَّاه ، فقال : « مَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ » الآية (16) ، فأعطى أكثرها المهاجرين ، وبقي منها صدقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله الَّتي في أيدي بني فاطمة الحَوائط السَّبعة . (17) قال في المراصد : « الدلال » كسَحاب : اسم حائط من الحوائط الَّتي تصدَّق بها النَّبيّ صلى الله عليه و آله ممَّا أوصى إليه من أموال بني النَّضير . . . (18) . والدَّلال جزع معروف أيضا قبل (19) الصَّافة بِقُربِ المُليكى (20) . « الميثب » : بالميم ، ثُمَّ الياء المثنّاة التَّحتانيَّة ، ثُمَّ الثَّاء المثلّثة الفوقانيّة ، ثُمَّ الباء الموحّدة ، كذا في التَّهذيب ، والفقيه ، والوافي ، والكافي . وفي الوسائل « المبيت » بالباء الموحّدة بدل الياء ، والياء بدل الثَّاء ، ثُمَّ التَّاء بدل الباء . قال في الفقيه : المسموع من ذكر أحد الحوائط « الميثب » ، ولكنّي سمعت السَّيِّدَ أبا عبد اللّه محمَّد بن الحسن الموسوي أدام اللّه توفيقه يذكر أنَّها تعرف عندهم بالميثم (21) ، وفي الدَّعائم : « المنت » وهو تصحيف (22) . وفي القاموس _ في وثب _ : « المِيثَب » بكسر الميم ، الأرض السَهلَة والقافِز والجالِسُ ، وما ارتَفَع من الأرض ، وماءٌ لعُبادَةَ ، وماءٌ لِعقيل ، ومالٌ بالمدينة إحدى صدقاته صلى الله عليه و آله ، هكذا وَقَع في كُتب اللُّغة ، وهو غَلَطٌ صريحٌ ، والصَّوابُ مِيثٌ ، ك « مِيل » ، من الأرض المَيثاء . (23) وردّ عليه الزُّبيدي في التَّاج قال : ومِيثَبٌ : مالٌ بالمدينة الشَّريفة ، من إحدى صَدقاته صلى الله عليه و آله ، وله فيها سَبعة حِيطان ، كان أوصى بها مُخَيْرِيقٌ اليهوديٌ للنبيّ صلى الله عليه و آله . . . وأسماءُ هذه الحِيطان : بَرْقَةُ ، ومِيثَبُ ، والصَّافَةُ ، وأعواف ، وحَسْنَى والزَلال ومشْرَبَةُ أُمّ إبراهيم . كذا في المعجم . هكذا وقع في كتب اللُّغة ، بل وفي أسماء المواضع والبِقاع ، كالمراصد ، والمُعجَم لياقوت ، وغيرِهما ومصَنَّفات أبي عُبَيْد . وقوله : هو غلَطٌ صريحٌ ، فيه ما فيه ؛ لأنَّه ليس له تخطِئة نصٍّ صحيح . وقوله الصَّوابُ « مِيثٌ » ، ك « مِيل » مأخوذ من الأرض المَيْثاء ، وهي السَهلَة ، لا يَنهَض دليلاً على ما قاله ، بل المُعْتَمَد ما ذهب إليه الأئمَّة . وقد سبَق الكلام عليه . وأيضا هذا الَّذي ادّعاه أنَّه الصَّواب ، إنَّما هو ذو المِيثب : موضعٌ بعَقيق المدينة (24) . قال ياقوت : و« مِيثَب » مال بالمدينة إحدى صدقات النَّبيّ ، وله فيها سبعة حيطان ، وكان قد أوصى بها مُخَيْريق اليهودي للنبيّ صلى الله عليه و آله (25) . والميثب : غير معروف اليوم ، ويؤخذ من وصف هذه الأربعة _ يعني الصَّافية وبُرقة والدَّلال والميثب _ بكونها متجاورات فربما من الأماكن المذكورة ، ولعلَّه بقرب بُرقة ، لِما سبق من أنَّهما غرسهما سَلْمان ، وكانا لشخص واحد (26) . رُوي عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : « المِيثبُ هُوَ الَّذي كاتَبَ عليهِ سَلْمانُ ، فأفاءَ اللّه ُ عز و جل علَى رسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَهوَ في صدَقَتِها » . « الحُسْنَى » : أحد صدقات النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، لكن ضبَطها المراغي بالضَّم (27) ، فيسقيها مهزور ، وهي من ناحية القف (28) . الحسنى : بالحاء المهملة ، والسِّين والنَّون والياء مقصورا ، كذا في جميع النُّسخ الموجودة مِنَ الوصيَّة وغيرها . قال السّمهودي : وحُسْنَى : ضبطها الزين المراغي ، كما في خطّه بالقلم ، بضمّ الحاء ، وسكون السِّين المهملتين ، ثُمَّ نون مفتوحة _ قال : وروايته كذلك في ابن زبالة بالسين بعد الحاء ، قال : ولا يعرف اليوم ، ولعلَّه تصحيف من الحِنَّاء ، بالنُّون بعد الحاء ، وهو معروف اليوم . قلت : حملُ ذلك على التَّصحيف المذكور مُتعذِّر ؛ لأنّي رأيته بحاء ، ثُمَّ سين ، ثُمَّ نون ، في عدّة مواضع من كتاب ابن شَبَّة ، ومن كتاب ابن زبالة ، وغيرهما ، وإن أراد أنّ أهلَ زمانِهِ صَحَّفوهُ بالحِنَّاء ، فلا يصحّ أيضا ، لأنَّ الموضع المعروف اليوم بالحناء في شرق الماجشونية ، ولا يشرب بمهزور ، وقد تقدَّم أنَّ حُسْنَى يسقيها مهزور ، وأنَّها بالقُفِّ . . . والَّذي يظهر أنَّ حُسْنَى هو الموضع المعروف اليوم بالحسينيات بِقُربِ الدَّلال ، فإنَّه بجهة القُفِّ ، يَشرَبُ بِمَهزورٍ (29) . وينافي ذلك ما يأتي من أنَّ الحسينيات في شاميِّ المَشرَبة . قال في العمدة : « القُفّ » بالضَّم وتشديد الفاء ، علَمٌ لوادٍ من أودية المدينةِ ، عليه أموال . . . والظَّاهر أنَّه الموضع المعروف بالحسينيات في شامي المشربة ، وهي من القُفِّ . . . (30) « الصَّافية » : بالصَّاد المهملة ، ثُمَّ الألف ، ثُمَّ الفاء ، ثُمَّ الياء ، ثُمَّ التَّاء ، كذا في جميع النُّسخ الَّتي عثرتُ عليها . قال السَّمهوديّ : فأمَّا الصَّافِيةُ ، وبُرقة ، والدَّلال ، والميثب ، فمجاورات لأعلى الصُّورين من خلف قصر مروان بن الحكم ، ويسقيها مهزور (31) ، فالصَّافية معروفة هناك اليوم ، قال الزين المراغي : هي في شرقي المدينة الشَّريفة بجزع زهرة (32) . مال أُمّ إبراهيم : ويقال مشربة أُمّ إبراهيم : مشْرُبة بالفتح والضَّم ، الغرفة ، ومشربة أُمّ إبراهيم ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله معروفة بالعالية (33) . روى ابن شَبَّة فيما جاء في صدقات النَّبيّ صلى الله عليه و آله عن ابن شهاب : إنَّ تلك الصَدَقَات كانت أموالاً لمُخَيْرِيق كما سيأتي ، وعَدَّ منها مَشْرُبَةَ أُمّ إبراهيم ، ثُمَّ قال : وأمَّا مَشْربة أُمّ إبراهيم فإذا خَلَّفْتَ بين مِدْرَاس اليهودِ ، فجئت مالَ أبي عُبَيْدة بن عُبيد اللّه بن زمعة الأسدي ، فمشرَبة أُمّ إبراهيم إلى جنبه ، وإنَّما سُمِّيت مَشْربةَ أُمِّ إبراهيم ، لأنَّ أُمّ إبراهيم ابن النَّبيِّ صلى الله عليه و آله ، وَلَدَتْه فيها ، وتعلَّقَت حين ضربها المَخَاضُ بخشبة من خشَب تلك المَشْرُبَة ، فتلك الخشبة اليوم معروفة . قال ابن النَّجار : وهذا الموضع بالعَوالي من المدينة بين النُّخيل ، وهو أكَمَة قد حُوِّط عليها بِلَبِن . والمَشْرُبَة : البستان ، وأظنُّه قد كان بستانا لمارِيَة القِبْطِيّةِ أُمّ إبراهيم ابن النَّبيِّ صلى الله عليه و آله . قلت : قال في الصِّحاح : المِشربة بالكسر _ أي بكسر الميم _ إناء يُشرَبُ فيه ، والمَشْرُبَة بالفتح : الغرفة . . . والظَّاهر أنَّه كان عِليَّة في ذلك البستان ، وهو أحَد صدقات النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، وهذا هو الَّذي يناسب ما تقدَّم من رواية ابن شَبَّة (34) . هذه كلّها صدقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله الَّتي اخْتُلف فيها : أنَّها كانت من أموال مُخَيْرِيق اليهوديّ ، الَّذي أسلم ، ثُمَّ حضر أحدا ، وأوصى بماله _ إن قتل _ إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمَّا استشهد صار كلّها لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فجعلها صدقة في سَنَة سبع (35) . أو أنَّها من أموال بني النَّضير من الفيء كانت له صلى الله عليه و آله ، وصارت كلّها صدقة بعد موته صلى الله عليه و آله للحديث المرفوع : « نَحنُ معاشِر الأنبياءِ لا نُورَثُ ، ما تركناهُ صَدَقَةٌ » (36) . أو أنَّها كانت من الفيء فتملَّكها رسول اللّه صلى الله عليه و آله حينما قسّم الفيء فجعل كلّها صدقة في سبيل اللّه ، أو وقفا خاصَّا لأولاده وبني هاشم 37 . [ وأمَّا صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله غير هذه الحَوائط السَّبعة فهي على ما عثرت عليه إلى الآن . وأمَّا صدقات فاطمة عليهاالسلام الَّتي ذكرت في هذه الوصيَّة ، فهي على ما وقفتُ عليه في كتب الحديث ، والتَّاريخ ، والأماكن ، والبقاع ، فهي على ما عثرنا عليه في المصادر ] .

.


1- . الكافي : ج7 ص50 ح 7 ، بحار الأنوار : ج41 ص41 ح 19 .
2- . راجع: الكافي : ج7 ص47 ح 1 .
3- . الكافي : ج7 ص48 ح 5 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص144 ح 603 ، من لا يحضره الفقيه : ج4 ص244 ح 5578 ، دعائم الإسلام : ج2 ص343 ح 1286 ، كشف الغمّة : ج2 ص125 نحوه اختصارا ، بحار الأنوار : ج43 ص185 ح18 .
4- . الغلّة : الدخل الذي يحصل من الزرع والثمر ، وفلان يُغِلَّ على عياله ، أي يأتيهم بالغلّة (لسان العرب : ج 11 ص 504) .
5- . نقل أعداء أهل البيت عليهم السلام إنّ فاطمة عليهاالسلام أحدثت على بيتها سترا ، فلمَّا رآه رسول اللّه صلى الله عليه و آله رجع ولم يدخل بيتها ، والستر مذكور في هذه الوصيَّة كما نقله أحمد في المسند قال : « حدّثنا عبد اللّه ، حدّثني أبي ، حدَّثنا عبد الصمد ، حدَّثنا القاسم بن الفضل قال : قال لنا محمَّد بن عليّ : كتب إلى عمر بن عبدالعزيز أن أنسخ إليه وصيّة فاطمة ، فكان في وصيّتها السِّتر الَّذي يزعم النَّاس أنَّها أحدثته ، وإنَّ رسول اللّه دخل عليها ، فلمَّا رآه رجع » ردّ الباقر عليه السلام هذه المزعمة .
6- . بحار الأنوار : ج103 ص184 ح 13 نقلاً عن مصباح الأنوار .
7- . راجع : الأمالي للطوسي : ص266 ح 490 ، وفاء الوفاءِ : ج4 ص1147 وج3 ص993 ، الطبقات الكبرى : ج 1 ص502 ، فتوح البلدان : ص27 _ 28 ، النهاية لابن أثير : ج1 ص120 .
8- . دعائم الإسلام : ج2 ص341 ( الهامش ) .
9- . وفاء الوفاء : ج 4 ص 1128 وراجع: الإصابة : ج 6 ص 47 نقل عن الزبير بن بكّار ، وفيه «ميثر» بدل «الميثب» و«المعوان» بدل «الأعواف» .
10- . عمدة الأخبار : ص238 و480 وراجع : وفاء الوفاء : ج3 ص988 .
11- . راجع : الطبقات الكبرى : ج1 ص502 .
12- . بحار الأنوار : ج22 ص295 .
13- . راجع : وفاء الوفاء : ج3 ص993 .
14- . راجع : عمدة الأخبار : ص257 _ 258 ، وفاء الوفاء : ج3 ص949 .
15- . وفاءِ الوفاءِ : ج3 ص989 ، بحار الأنوار : ج22 ص299 وراجع : سنن أبي داوود : ج3 ص157 ح3004 ، الطبقات الكبرى : ج1 ص502 .
16- . الحشر : 6 .
17- . بحار الأنوار : ج22 ص299 وراجع : سنن أبي داوود : ج3 ص157 ح3004 ،
18- . مراصد الاطّلاع : ج2 ص531 .
19- . في المصدر: « قبلى »، ولا معنى له .
20- . وفاء الوفاء : ج3 ص993 .
21- . من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 245 .
22- . راجع : دعائم الإسلام : ج 2 ص 341 .
23- . القاموس المحيط : ج1 ص136 .
24- . تاج العروس : ج2 ص462 .
25- . معجم البلدان : ج5 ص241 .
26- . وفاء الوفاء : ج3 ص993 .
27- . عمدة الأخبار : ص303 .
28- . وفاء الوفاء : ج3 ص989 .
29- . وفاء الوفاء : ج3 ص993 وراجع : الطبقات الكبرى : ج1 ص502 .
30- . عمدة الأخبار : ص398 ، وفاء الوفاء : ج4 ص1291 نحوه .
31- . وفاء الوفاء : ج3 ص988 وراجع الطبقات الكبرى : ج1 ص502 .
32- . وفاء الوفاء : ج3 ص993 .
33- . وفاء الوفاء : ج3 ص993 .
34- . وفاء الوفاء : ج3 ص825 _ 826 وراجع : الطبقات الكبرى : ج8 ص502 .
35- . راجع : الإصابة : ج6 ص46 ، قاموس الرجال : ج8 ص458 ،فتوح البلدان للبلاذري :ص27 و28 ، الطبقات الكبرى : ج1 ص502 ، وفاء الوفاء : ج3 ص989 و988 و990 ، وج4 ص1166 ، السيرة النبويّة لابن هشام : ج4 ص164 _ 165 ، معجم البلدان : ج5 ص241 و290 و291 ،البداية والنهاية : ج4 ص36 _ 37 ،تاج العروس : ج2 ص461 _ 462 في « وثب » ، الأحكام السلطانية للماوردي :ص196 ، الأحكام السلطانية أبي يعلى : ص183 ، الاكتفاء : ج2 ص103 ، بحار الأنوار : ج22 ص 298 عن السمهودي ، مقدمّة مرآة العقول : ج1 ص128 و129 ( عن الواقدي وامتاع الأسماع والاصابة ووفاء الوفاء ) ، عمدة الأخبار : ص439 و440 ، الكامل في التاريخ : ج1 ص557 ، التراتيب الإدارية : ج1 ص402 ، مراصد الاطّلاع : ج2 ص531 في « دلال » .
36- . راجع : وفاء الوفاء : ج3 ص990 _ 991 .

ص: 373

. .

ص: 374

. .

ص: 375

. .

ص: 376

. .

ص: 377

. .

ص: 378

. .

ص: 379

. .

ص: 380

. .

ص: 381

. .

ص: 382

. .

ص: 383

. .

ص: 384

. .

ص: 385

. .

ص: 386

. .

ص: 387

. .

ص: 388

. .

ص: 389

. .

ص: 390

. .

ص: 391

. .

ص: 392

. .

ص: 393

. .

ص: 394

. .

ص: 395

. .

ص: 396

. .

ص: 397

. .

ص: 398

. .

ص: 399

. .

ص: 400

. .

ص: 401

. .

ص: 402

. .

ص: 403

. .

ص: 404

. .

ص: 405

. .

ص: 406

. .

ص: 407

. .

ص: 408

. .

ص: 409

. .

ص: 410

. .

ص: 411

. .

ص: 412

. .

ص: 413

. .

ص: 414

. .

ص: 415

. .

ص: 416

. .

ص: 417

. .

ص: 418

. .

ص: 419

. .

ص: 420

. .

ص: 421

. .

ص: 422

. .

ص: 423

. .

ص: 424

. .

ص: 425

. .

ص: 426

. .

ص: 427

. .

ص: 428

. .

ص: 429

. .

ص: 430

. .

ص: 431

. .

ص: 432

. .

ص: 433

. .

ص: 434

. .

ص: 435

. .

ص: 436

. .

ص: 437

. .

ص: 438

. .

ص: 439

. .

ص: 440

. .

ص: 441

. .

ص: 442

. .

ص: 443

. .

ص: 444

. .

ص: 445

. .

ص: 446

. .

ص: 447

. .

ص: 448

. .

ص: 449

. .

ص: 450

. .

ص: 451

. .

ص: 452

. .

ص: 453

. .

ص: 454

. .

ص: 455

. .

ص: 456

. .

ص: 457

. .

ص: 458

. .

ص: 459

. .

ص: 460

. .

ص: 461

. .

ص: 462

. .

ص: 463

. .

ص: 464

. .

ص: 465

. .

ص: 466

. .

ص: 467

. .

ص: 468

. .

ص: 469

. .

ص: 470

. .

ص: 471

. .

ص: 472

. .

ص: 473

. .

ص: 474

. .

ص: 475

. .

ص: 476

. .

ص: 477

. .

ص: 478

. .

ص: 479

. .

ص: 480

. .

ص: 481

. .

ص: 482

. .

ص: 483

. .

ص: 484

. .

ص: 485

. .

ص: 486

. .

ص: 487

. .

ص: 488

. .

ص: 489

. .

ص: 490

. .

ص: 491

. .

ص: 492

. .

ص: 493

. .

ص: 494

. .

ص: 495

. .

ص: 496

. .

ص: 497

. .

ص: 498

. .

ص: 499

فهرس المنابع و المآخذ

فهرس المنابع والمآخذ1. أبو ذرّ الغفاري، محمد جواد آل الفقيه (م 1405 ه )، بيروت: مؤسّسة الأعلمي . 2. إثبات الهداة ، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (م 1104 ه ) ، قم : المطبعة العلميّة . 3. أحاديث أُم المؤمنين عائشة، مرتضى العسكري، معاصر، التوحيد للنشر . 4. الاحتجاج على أهل اللجاج ، أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي (م 620 ه ) ، تحقيق : إبراهيم البهادري - محمّد هادي بهْ ، طهران: دار الاُسوة ، 1413 ه ، الاُولى . 5. إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل (مع تعليقات آية اللَّه العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي) ، نور اللَّه بن السيّد شريف الشوشتري (الشهيد القاضي)، (م 1019 ه ) ، قم: مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي ، 1411 ه ، الاُولى . 6. الأحكام السلطانيّة ، أبو يعلى محمّد بن الحسين الفرّاء الحنبلي (م 458 ه ) ، طهران: مكتب الإعلام الإسلامي ، 1406 ه ، الثانية . 7. الأخبار الطوال، أبو حنيفة أحمد بن داوود الدينوري (م 282 ه )، تحقيق: عبدالمنعم عامر، قم: انتشارات الشريف الرضي ، 1409 ه ، الاُولى . 8. أخبار القضاة، أبو بكر محمّد بن خلف بن حبّان الضبي (وكيع) (م 306 ه ) ، بيروت: عالم الكتب. 9. الأخبار الموفّقيّات ، أبو عبد اللَّه الزبير بن بكّار القرشي (م 256 ه ) ، تحقيق : سامي مكّي العاني ، قم: منشورات الشريف الرضي ، 1416 ه ، الاُولى . 10. الاختصاص ، المنسوب إلى أبي عبداللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 413 ه)، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1414 ه ، الرابعة. 11. اختيار مصباح السالكين ، ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، مشهد : مجمع البحوث الإسلامية . 12. اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) ، أبو جعفر محمّد بن الحسن (الشيخ الطوسي) ( م 460 ه ) تحقيق: مهدي الرجائي، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، 1404 ه ، الاُولى . 13. الأربعون حديثاً عن أربعين شيخاً من أربعين صحابيّاً ، منتجب الدين الرازي (م 585 ه ) ، تحقيق ونشر : مدرسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم ، 1408 ه ، الاُولى . 14. الإرشاد في معرفة حجج اللَّه على العباد ، أبو عبداللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 613 ق) ، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، 1413 ه . 15. إرشاد القلوب، أبو محمّد الحسن بن أبي الحسن الديلمي (م 711 ه) ، مؤسّسة الأعلمي ، بيروت ، 1398 ه ، الرابعة . 16. الإستبصار فيما اختلف من الأخبار، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه) ، تحقيق : حسن الموسوي الخرسان ، طهران : دار الكتب الإسلاميّة . 17. الاستيعاب في أسماء الأصحاب ، أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن محمّد بن عبد البرّ القرطبي المالكي (م 363 ه ) ، تحقيق : عليّ محمّد معوّض و عادل أحمد عبد الموجود ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1415 ه ، الاُولى . 18. اُسد الغابة في معرفة الصحابة ، أبو الحسن عزّالدين عليّ بن أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبد الكريم الشيباني (ابن الأثير الجزري) (م 630 ه ) ، تحقيق : عليّ محمّد معوّض وعادل أحمد عبد الموجود ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1415 ه ، الاُولى . 19. الإصابة في تمييز الصحابة ، أبو الفضل أحمد بن عليّ بن محمّد بن محمّد بن عليّ الكناني (ابن حجر العسقلاني) (م 852 ه ) ، تحقيق : ولي عارف ، مصر : مطبعة السعادة ، 1323 ه ، و بيروت : 1415 ه . 20. أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والرواة عنه ، محمّد هادي الأميني ، بيروت: دار الكتاب الإسلامي ، 1412 ه ، الاُولى . 21. الاُصول الستّة عشر ، عدّة من الرواة ، دار الشبستري ، قم ، 1405 ه ، الثانية . 22. أعلام الدين في صفات المؤمنين، أبو محمّد الحسن بن أبي الحسن الديلمي (م 711 ه) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، 1414 ه، الثانية . 23. إعلام الورى بأعلام الهدى، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (م 548 ه)، تحقيق: علي أكبر الغفّاري ، بيروت: دارالمعرفة ، 1399 ه ، الاُولى . 24. أعيان الشيعة ، محسن بن عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي الشقرائي (م 1371 ه ) ، إعداد : حسن الأمين ، بيروت: دار التعارف ، 1403 ه ، الخامسة . 25. الأغاني ، أبو الفرج عليّ بن الحسين الإصفهاني (م 356 ه ) ، تحقيق : خليل محي الدين ، بيروت: دار الكتب المصرية ، 1358 ه ، الأُولى . 26. الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة ، أبو القاسم عليّ بن موسى الحلّي (ابن طاووس) (م 664 ه ) ، تحقيق : جواد القيّومي ، قم: مكتب الإعلام الإسلامي ، 1414 ه ، الاُولى . 27. الإكتفاء بما تضمّنه من مغازي رسول اللَّه والثلاثة الخلفاء ، أبو الربيع سليمان بن موسى الكلاعي الأندلسي ، بيروت : عالم الكتب . 28. أمالي الشيخ الطوسي ، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة) (م 460 ه) ، قم : مكتبة الداوري . 29. أمالي الصدوق ، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، بيروت: مؤسّسة الأعلمي ، 1400 ه ، الخامسة . 30. أمالي المرتضى ، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (السيّد المرتضى ) (م 426 ه ) ، قم: الأُولى . 31. أمالي المفيد ، أبو عبد اللَّه محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 413 ه ) ، تحقيق : حسين اُستاد ولي و علي أكبر الغفّاري ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ه ، الثانية . 32. الإمامة والسياسة (تاريخ الخلفاء) ، أبو محمّد عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (م 276 ه ) ، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى بابي الحلبي ، 1388 ه . 33. إنباه الرواة على إنباء النحاة ، علي بن يوسف القفطي (م 646 ه) ، القاهرة: مطبعة دار الكتب العربية، 1371 ه . 34. أنساب الأشراف ، أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (م 279 ه ) ، إعداد : محمّد باقر المحمودي ، بيروت : دار المعارف ، الثالثة . 35. إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون (السيرة الحلبيّة) ، علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي (القرن 11 ه ) ، بيروت: دار الفكر العربي، 1400 ه . 36. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهارعليهم السلام ، محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (م 1110ه) ، تحقيق ونشر: دار إحياء التراث ، بيروت ، 1412ه ، الثانية . 37. البحر الزخّار (مسند سعد بن أبي وقّاص) ، أبو بكر أحمد بن عمرو العتكي البزّار (م 292 ه ) ، القاهرة: مكتبة ابن تيميّة ، 1413 ه . 38. البداية والنهاية ، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (م 774 ه ) ، تحقيق ونشر : مكتبة المعارف ، بيروت . 39. البرصان و العرجان و العميان و الحولان ، أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني (الجاحظ) (م 255 ه ) ، تحقيق : عبد السلام محمّد هارون ، العراق: دار الرشيد ، 1982 م . 40. بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ، أبو جعفر محمّد بن محمّد بن عليّ الطبري (م 525 ه ) ، المطبعة الحيدريّة ، النجف الأشرف ، 1383 ه ، الثانية . 41. بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمّد، أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فَرّوخ الصفّار القمّي (م 290 ه) ، تصحيح وتعليق : ميرزا محسن كوچه باغي التبريزي ، قم: مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي ، 1404 ه ، الاُولى . 42. بلاغات النساء ، أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر (ابن طيفور) (م 280 ه ) ، قم: منشورات الشريف الرضي . 43. بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة ، محمّد تقي بن محمّد كاظم التستري (م 1415 ه ) ، تحقيق : مؤسّسة نهج البلاغة ، طهران: أمير كبير ، 1418 ه ، الاُولى . 44. بهجة المجالس وأُنس المجالس ، أبو عمر يوسف بن عبداللَّه النمري القرطبي (ابن عبد البر) ، بيروت: دار الكتب العلمية ، 1981 م . 45. البيان والتبيين ، أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني الليثي (الجاحظ) (م 255 ه ) ، شرح : حسن السندوبي ، دار الجاحظ ، 1409 ه ، والقاهرة : مطبعة الاستقامة ، 1366 ه . 46. تاج العروس من جواهر القاموس ، محمّد بن محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي (م 1205 ه ) ، تحقيق : علي شيري ، بيروت: دار الفكر ، 1414 ه ، الاُولى . 47. تاريخ ابن خلدون ، عبد الرحمن بن محمّد بن خلدون الحضرمي (م 808 ه ) ، بيروت : دار إحياء التراث العربي . 48. تاريخ الإسلام و وفيات المشاهير و الأعلام ، أبو عبداللَّه محمّد بن أحمد بن عثمان (الذهبي) (م 748 ه ) ، تحقيق : عمر عبدالسلام تدمري ، القاهرة: دار الرائد العربي ، 1405 ه ، و بيروت : دار الكتاب العربي ، 1411 ه ، و حيدر آباد الدكن ، 1354 ه . 49. تاريخ إصبهان ، أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه بن أحمد بن إسحاق الأصبهاني (م 430 ه ) ، تحقيق : سيّد كسروي حسن ، بيروت : دار الكتب العلميّة ، 1410 ه - 1990 م، الاُولى . 50. تاريخ الاُمم والملوك (تاريخ الطبري) ، أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (م 310 ه ) ، تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم ، مصر : دار المعارف . 51. تاريخ بغداد أو مدينة السلام ، أبو بكر أحمد بن عليّ الخطيب البغدادي (م 463 ه ) ، المدينة المنوّرة : المكتبة السلفيّة . 52. تاريخ الخلفاء ، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (م 911 ه ) ، تحقيق : محمّد محيي الدين عبد الحميد ، بيروت : دار الجيل ، 1408 ه ، الاُولى . 53. تاريخ خليفة بن خيّاط ، أبو عمرو خليفة بن خيّاط العصفري (م 240 ه ) ، تحقيق : سهيل زكّار ، بيروت : دار الفكر ، 1414 ه . 54. تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس ، حسين بن محمّد بن الحسن الدياربكري المالكي (م 966 ه ) ، تحقيق : علي زغلول ، بيروت : دار الفكر ، 1406 ه . 55. التاريخ الصغير ، أبو عبد اللَّه محمّد بن إسماعيل البخاري (م 256 ه ) ، تحقيق : محمود إبراهيم زائد ، بيروت: دار المعرفة ، 1406 ه ، الاُولى . . تاريخ الطبري = تاريخ الاُمم والملوك 56. التاريخ الكبير ، أبو عبد اللَّه محمّد بن إسماعيل البخاري (م 256 ه ) ، بيروت: دار الفكر . 57. تاريخ مدينة دمشق ، أبو القاسم عليّ بن الحسن بن هبة اللَّه المعروف بابن عساكر الدمشقي (م 571 ه ) ، تحقيق : علي شيري ، بيروت : دار الفكر، 1415 ه ، الاُولى . 58. تاريخ اليعقوبي ، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح (اليعقوبي) (م 284 ه ) ، بيروت: دار صادر . 59. تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة ، شرف الدين علي الغروي الحسيني الإسترآبادي النجفي (م ح 933 ه ) ، تحقيق: حسين استاد ولي، قم : مؤسّسة النشر الإسلامي، 1409 ه ، الاُولى . 60. تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله ، أبو محمّد الحسن بن عليّ الحرّاني (ابن شعبة) (م 381 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ، الثانية . 61. تدوين السنّة الشريفة ، محمّد رضا الحسيني الجلالي (معاصر) ، قم: مكتب الإعلام الإسلامي ، 1413 ه ، الاُولى . 62. تذكرة الحفّاظ ، أبو عبد اللَّه شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (م 748 ه ) ، بيروت : دار إحياء التراث العربي . 63. تذكرة الخواصّ ، يوسف بن فُرغلي بن عبد اللَّه (سبط ابن الجوزي) (م 654 ه ) ، تقديم : محمّد صادق بحر العلوم ، طهران: مكتبة نينوى الحديثة . . تذكرة خواصّ الاُمّة في خصائص الأئمّةعليهم السلام = تذكرة الخواصّ . التراتيب الإدارية = نظام الحكومة النبوية . تراجم مصنّفي الكتب العربية = معجم المؤلّفين . تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن . تفسير الطبري = جامع البيان في تفسير القرآن 64. تفسير العيّاشي ، أبو النضر محمّد بن مسعود السلمي السمرقندي (العيّاشي) (م 320 ه ) ، تحقيق : السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي ، طهران: المكتبة العلميّة ، 1380 ه ، الاُولى . . تفسير الفخر الرازي = التفسير الكبير ومفاتيح الغيب 65. تفسير فرات الكوفي ، أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي (القرن الرابع الهجري) ، إعداد : محمّد الكاظم ، طهران: وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، 1410 ه ، الاُولى . 66. تفسير القمّي ، أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي (م 307 ه ) ، إعداد : الطيّب الموسوي الجزائري ، مطبعة النجف الأشرف . 67. التفسير الكبير ومفاتيح الغيب ، أبو عبد اللَّه محمّد بن عمر (الفخر الرازي) (م 604 ه ) ، بيروت: دار الكتب العلمية ، 1408 ه ، والبهية: دار الطباعة العامرة . 68. تفسير نورالثقلين ، عبد عليّ بن جمعة العروسي الحويزي (م 1112 ه ) ، تحقيق : هاشم الرسولي المحلّاتي ، قم: المطبعة العلمية ، 1412 ه ، الرابعة . 69. تقريب التهذيب، أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني ، بيروت : دار الكتاب العلمية . 70. تلخيص الشافي ، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه ) ، بيروت: دار العلم للملايين ، 1402 ه . 71. تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ، أبو الحسين ورّام بن أبي فراس (م 605 ه ) ، بيروت: دار التعارف ودار صعب . 72. تنزيه الأنبياء ، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (السيّد المرتضى ) (م 436 ه ) ، بيروت: دار الأضواء . 73. تنقيح المقال في علم الرجال ، عبد اللَّه بن محمّد حسن المامقاني (م 1351 ه ) ، بيروت: دار الكتاب العربي ، 1402 ه . 74. تهذيب الأحكام في شرح المقنعة ، أبو جعفر محمّد بن الحسن (الشيخ الطوسي) (م 460 ه ) ، بيروت: دار التعارف ، 1401 ه ، الاُولى . 75. تهذيب تاريخ دمشق الكبير ، أبو القاسم عليّ بن الحسين بن هبة اللَّه (ابن عساكر الدمشقي) (م 571 ه) ، تحقيق : عبدالقادر بدران ، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1407 ه ، الثالثة. 76. تهذيب التهذيب ، أبو الفضل أحمد بن علي بن أحمد (ابن حجر العسقلاني) (م 852 ه ) ، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، بيروت: دار الكتب العلميّة، 1415 ه ، الاُولى . 77. تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، يونس بن عبد الرحمن المزّي (م 742 ه ) ، تحقيق : بشّار عوّاد معروف ، بيروت: مؤسّسة الرسالة ، 1409 ه ، الاُولى . 78. تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال ، محمّد علي الموحّد الأبطحي (معاصر) ، قم ، 1417 ه ، الثانية . 79. الثقات ، محمّد بن حبّان البُستي (م 354 ه ) ، حيدرآباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، 1404 ه ، الاُولى . 80. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ، أبو جعفر محمّد بن عليّ القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، طهران: مكتبة الصدوق . 81. جامع البيان في تفسير القرآن ، أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (م 310 ه ) ، بيروت: دار الفكر . 82. جامع الرواة ، محمّد بن علي الأردبيلي الغروي الحائري (م 1101 ه ) ، بيروت : دار الأضواء ، 1403 ه . 83. جامع السعادات ، محمّد مهدي بن أبي ذر النراقي (م 1209 ه ) ، تحقيق: محمّد كلانتر ، قم: مؤسّسة إسماعيليان للطباعة . 84. الجامع الصحيح ، أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (م 297 ه ) ، تحقيق : أحمد محمّد شاكر ، بيروت: دار إحياء التراث . 85. الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير ، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (م 911 ه ) ، القاهرة ، 1306 ه ، الاُولى . 86. جمع الجوامع ، جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (م 911 ه ) ، مصر: الهيئة المصرية العامّة ، الاُولى . 87. الجمل والنصرة لسيّد العترة في حرب البصرة ، أبو عبد اللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 413 ه ) ، تحقيق : السيّد عليّ مير شريفي ، قم: المؤتمر العالمي لألفيّة الشيخ المفيد ، 1413 ه ، الاُولى . 88. جمهرة خطب العرب ، أحمد زكي صفوت ، بيروت: المكتبة العلميّة . 89. جمهرة رسائل العرب ، أحمد زكي صفوت ، مصر: مطبعة مصطفى البابي وأولاده، 1391 ه . 90. الجواهر الحسان في تفسير القرآن ، عبدالرحمن بن محمّد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي (م 875 ه ) ، تحقيق: علي محمّد معوّض - عادل أحمد عبدالموجود ، بيروت: دار إحياء التراث العربي . 91. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ، محمّد حسن بن محمّد باقر النجفي (ت 1266 - 1412 ه ) ، بيروت: مؤسّسة المرتضى العالمية ، 1412 ه ، الاُولى . 92. جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، أبو البركات محمّد بن أحمد الباعوني الدمشقي (م 871 ه ) ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي ، قم: مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة ، 1415 ه ، الاُولى . 93. الحكمة الخالدة ، أبو علي أحمد بن محمّد مسكويه (م 1358ه ) ، طهران: جامعة طهران. 94. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه الإصبهاني (م 430 ه ) ، بيروت: دار الكتاب العربي ، 1387 ه ، الثانية . 95. خاتمة مستدرك الوسائل ، ميرزا حسين بن الميرزا محمّد تقي بن علي النوري الطبرسي (م 1320 ه ) ، قم: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، 9 ج . 96. الخرائج والجرائح ، أبو الحسين سعيد بن عبد اللَّه الراوندي (قطب الدين الراوندي) (م 573 ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة الإمام المهدي (عج) ، قم ، 1409 ه ، الاُولى . 97. خصائص الأئمّةعليهم السلام ، أبو الحسن محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي ( الشريف الرضي ) (م 406 ه ) ، تحقيق : محمّد هادي الأميني ، مشهد : مجمع البحوث الإسلاميّة التابع للحضرة الرضويّة المقدّسة ، 1406 ه . . خصائص أمير المؤمنين عليه السلام = خصائص الأئمّةعليهم السلام 98. خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (م 303 ه ) ، إعداد : محمّد باقر المحمودي ، 1403 ه ، الاُولى . 99. الخصال، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، بيروت: مؤسّسة الأعلمي ، 1410 ه ، الاُولى . 100. خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ، جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهَّر الحلّي (م 726 ه ) ، تصحيح : محمّد صادق بحر العلوم ، قم: انتشارات الرضي ، الاُولى . 101. الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ، صدر الدين عليّ بن أحمد المدني الشيرازي (السيّد علي خان) (م 1120 ه ) ، قم: مكتبة بصيرتي ، 1397 ه ، الثانية . 102. الدرّ المنثور في التفسير المأثور ، عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (م 911 ه ) ، بيروت : دار الفكر ، 1403 ه ، الاُولى . 103. دستور معالم الحكم ومأثور مكارم الشيم ، أبو عبد اللَّه بن محمّد بن سلامة القضاعي (م 454 ه ) ، قم : مكتبة المفيد . 104. دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام ، أبو حنيفة النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363 ه ) ، تحقيق : آصف بن عليّ أصغر فيضي ، مصر: دار المعارف ، 1389 ه ، الثالثة . 105. دلائل النبوّة ، أحمد بن الحسين البيهقي (م 458 ه )، تحقيق: صقر ، بيروت: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية . 106. دلائل النبوّة ، أبو نعيم أحمد بن عبداللَّه الإصفهاني (م 430 ه )، بيروت : دار الفكر . 107. الديوان المنسوب إلى الإمام علي ، الإمام علي عليه السلام، قم: انتشارات پيام اسلام . 108. ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ، أبو العبّاس أحمد بن عبد اللَّه الطبري (م 693 ه ) ، بيروت: دار المعرفة . 109. ربيع الأبرار ونصوص الأخبار ، أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (م 538 ه ) ، تحقيق : سليم النعيمي ، قم: منشورات الرضي ، 1410 ه ، الاُولى . 110. رجال ابن داوود ، أبو منصور الحسن بن عليّ بن داوود الحلّي (م 737 ه ) ، تحقيق: محمّد صادق آل بحر العلوم ، قم: انتشارات الشريف الرضي ، 1392 ه . 111. رجال البرقي ، أحمد بن محمّد بن خالد البرقي الكوفي (م 274 ه ) ، طهران: جامعة طهران ، 1342 ه ، الاُولى . 112. رجال الطوسي ، أبو جعفر محمّد بن الحسن (الشيخ الطوسي) (م 460 ه ) ، تحقيق : جواد القيّومي ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ه ، الاُولى . . رجال العلّامة الحلّي = خلاصة الأقوال في معرفة الرجال . رجال الكشّي = اختيار معرفة الرجال . رجال النجاشي = تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال . رجال النجاشي = فهرس أسماء مصنّفي الشيعة 113. روضة الواعظين ، محمّد بن حسن بن عليّ بن أحمد الفتّال النيشابوري (م 508 ه ) ، تحقيق: غلامحسين المجيدي و مجتبى الفرجي، قم: منشورات دليل ما . 114. رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين ، علي صدر الدين ابن معصوم (السيّد علي خان المدني) (م 1120 ه ) ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1409 - 1413 ه . 115. الرياض النضرة في فضائل العشرة ، محبّ الدين الطبري الشافعي (م 694 ه) ، بيروت، 1403 ه . 116. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي ، أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (م 598 ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، 1410 ه ، الثانية . 117. سفينة البحار و مدينة الحِكَم و الآثار ، عباس بن محمّد رضا القمّي (م 1359 ه ) ، طهران: دار الاُسوة ، 1414 ه ، الاُولى . 118. سنن ابن ماجة ، أبو عبد اللَّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (م 275 ه ) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي ، بيروت: دار إحياء التراث العربي ، 1395 ه ، الاُولى . 119. سنن أبي داوود ، أبو داوود سليمان بن أشعث السجستاني الأزدي (م 275 ه ) ، تحقيق : محمّد محيي الدين عبد الحميد ، بيروت: دار إحياء السنّة النبوية . . سنن الترمذي = الجامع الصحيح 120. السنن الكبرى ، أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي (م 458 ه ) ، تحقيق : محمّد عبد القادر عطا ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1414 ه ، الاُولى . 121. سنن النسائي (بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي) ، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (م 303 ه ) ، بيروت: دار المعرفة ، 1414 ه . 122. سير أعلام النبلاء ، أبو عبد اللَّه محمّد بن أحمد الذهبي (م 748 ه ) ، تحقيق : شُعيب الأرنؤوط ، بيروت : مؤسّسة الرسالة ، 1414 ، العاشرة . . سيرة ابن هشام = السيرة النبوية . السيرة الحلبيّة = إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون 123. السيرة النبويّة ، أبو محمّد عبد الملك بن هشام بن أيّوب الحميري (م 218 ه ) ، تحقيق : مصطفى السقّا - إبراهيم الأبياري ، قم: مكتبة المصطفى ، 1355 ه ، الاُولى . 124. الشافي في الإمامة ، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (السيّد المرتضى) (م 436 ه ) ، تحقيق: عبد الزهراء الحسيني الخطيب ، طهران: مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام ، 1410 ه ، الثانية . 125. شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار ، أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد المصري (م 363 ه ) ، تحقيق : محمّد الحسيني الجلالي ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 ه ، الاُولى . . شرح صحيح البخاري = عُمدة القاري 126. شرح نهج البلاغة ، عزّ الدين عبد الحميد بن محمّد بن أبي الحديد المعتزلي (ابن أبي الحديد) (م 656 ه ) ، تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم ، بيروت: دار إحياء التراث ، 1387 ه ، الثانية . . شرح نهج البلاغة الوسيط = اختيار مصباح السالكين 127. شرف النبي المصطفى ، أحمد بن عبدالملك بن أبي عثمان بن محمّد بن إبراهيم الخركوشي النيشابوري الواعظ (م 407 ه) ، الاُولى . 128. شُعب الإيمان ، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (م 458 ه ) ، تحقيق : محمّد السعيد بسيوني زغلول ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1410 ه ، الاُولى . 129. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ، أبو القاسم عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن أحمد (الحاكم الحسكاني الحذّاء الحنفي النيسابوري) (القرن الخامس الهجري) ، تحقيق وتعليق : محمّد باقر المحمودي ، طهران: مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، 1411 ه ، الاُولى . 130. الشيعة وفنون الإسلام ، حسن بن هادي الصدر (م 1331 ه ) ، صيدا : مطبعة العرفان . 131. صبح الأعشى في صناعة الإنشاء ، أحمد بن عبد اللَّه القلقشندي (م 821 ه ) ، مصر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي . 132. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربيّة ، أبو نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 398 ه ) ، بيروت: دار العلم للملايين . 133. صحيح البخاري ، أبو عبد اللَّه محمّد بن إسماعيل البخاري (م 256 ه ) ، تحقيق : مصطفى ديب البغا ، بيروت: دار ابن كثير ، 1410 ه ، الرابعة. 134. صحيح مسلم ، أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (م 261 ه ) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي ، القاهرة: دار الحديث ، 1412 ه ، الاُولى . 135. الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة ، أحمد بن حجر الهيثمي المكي (م 974 ه ) ، تخريج وتعليق وتقديم: عبدالوهاب عبداللطيف، مصر : مكتبة القاهرة ، 1385 ه - 1965م، الثانية . 136. الطبقات ، أبو عمرو خليفة بن خيّاط العصفري (م 204 ه ) ، تحقيق : سهيل زكّار ، بيروت: دار الفكر ، 1414 ه . 137. الطبقات الكبرى ، محمّد بن سعد كاتب الواقدي (م 230 ه ) ، بيروت: دار صادر . 138. الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ، أبو القاسم عليّ بن موسى الحلّي (م 664 ه ) ، قم: مطبعة الخيّام ، 1400 ه ، الاُولى . 139. العدد القويّة لدفع المخاوف اليوميّة ، جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن عليّ المطهّر (العلّامة الحلّي) (م 726 ه ) ، تحقيق : مهدي الرجائي ، قم: مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي ، 1408 ه ، الاُولى . 140. العقد الفريد ، أبو عمر أحمد بن محمّد بن عبد ربّه الأندلسي (م 328 ه ) ، تحقيق : أحمد الزين و إبراهيم الأبياري ، بيروت : دار الأندلس ، 1408 ه ، الاُولى . 141. علل الشرائع ، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، بيروت : دار إحياء التراث ، 1408 ه ، الاُولى . 142. عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ، أحمد بن عليّ الحسني (ابن عنبة) (م 828 ه ) ، تحقيق: آل الطالقاني ، قم: انتشارات الشريف الرضي ، الثانية ، 1362 ش . . العمدة = عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار 143. عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار ، يحيى بن الحسن الأسدي الحلّي (ابن بطريق) (م 600 ه ) ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ه ، الاُولى . 144. عُمدة القاري ، أبو محمّد محمود بن أحمد العيني (م 855 ه ) ، بيروت : دار إحياء التراث العربي . 145. عوالي اللآلي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة ، محمّد بن عليّ بن إبراهيم الإحسائي (ابن أبي جمهور) (م 940 ه ) ، تحقيق : مجتبى العراقي ، قم: مطبعة سيّد الشهداء ، 1403 ه ، الاُولى . 146. عيون الأخبار ، أبو محمّد عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (م 276 ه ) ، قم: منشورات الشريف الرضي ، 1343 ه ، الاُولى . 147. عيون أخبار الرضاعليه السلام ، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، تحقيق : مهدي الحسيني اللاجوردي ، طهران: منشورات جهان . 148. عيون الحكم والمواعظ ، أبو الحسن عليّ بن محمّد الليثي الواسطي (قرن 6 ه ) ، تحقيق : حسين الحسني البيرجندي ، قم: دار الحديث ، 1376 ش ، الاُولى . 149. الغارات ، أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن سعيد (ابن هلال الثقفي) (م 283 ه ) ، تحقيق : جلال الدين المحدّث الأُرموي ، طهران: منشورات أنجمن آثار ملّي ، 1395 ه ، الاُولى . 150. الغدير في الكتاب والسنّة والأدب ، عبد الحسين أحمد الأميني (م 1390 ه ) ، بيروت: دار الكتاب العربي ، 1387 ه ، الثالثة. 151. غرر الخصائص الواضحة ، إبراهيم بن يحيى الكتبي (الوطواط)، أُخذ بالواسطة . 152. الغيبة ، أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي (م 460 ه ) ، تحقيق : عباد اللَّه الطهراني وعلي أحمد ناصح ، قم: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة ، 1411 ه ، الاُولى . 153. فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عليّ بن محمّد العسقلاني (ابن حجر) (م 852 ه ) ، بيروت : دار إحياء التراث العربي . 154. الفتوح ، أبو محمّد أحمد بن أعثم الكوفي (م 314 ه ) ، تحقيق : علي شيري ، بيروت: دار الأضواء ، 1411 ه ، الاُولى . 155. فتوح البلدان ، أبو الحسن أحمد بن يحيى البلاذري (م 279 ه ) ، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية . 156. الفخري في أنساب الطالبيين ، إسماعيل بن الحسين المروزي . 157. فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والأئمّة من ذريّتهم عليهم السلام ، إبراهيم بن محمّد بن المؤيد بن عبد اللَّه الجويني الخراساني (م 730 ه ) ، إعداد : محمّد باقر المحمودي ، بيروت : مؤسّسة المحمودي للطباعة والنشر ، 1398 ه - 1978 م ، الاُولى . 158. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، غياث الدين عبد الكريم بن أحمد الطاووسي العلوي (م 693 ه ) ، مركز الغدير للدراسات الإسلامية . 159. الفردوس بمأثور الخطاب ، أبو شجاع شيرويه بن شهردار الديلمي الهمداني (م 509 ه ) ، تحقيق : السعيد ابن بسيوني زغلول ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1406 ه ، الاُولى . 160. الفصول المختارة من العيون والمحاسن ، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (الشريف المرتضى وعلم الهدى) (م 436 ه ) ، قم: المؤتمر العالمي بمناسبة ذكرى ألفيّة الشيخ المفيد ، 1413 ه ، الاُولى . 161. فضائل الصحابة ، أبو عبد اللَّه أحمد بن حنبل الشيباني (م 241 ه ) ، مراجعة : وصي اللَّه محمّد عبّاس ، دار العلم : مكّة المكرّمة ، 1403 ، الاُولى . . الفقيه = كتاب من لا يحضره الفقيه 162. فهرس أسماء مصنّفي الشيعة ، أبو العبّاس أحمد بن عليّ النجاشي (م 450 ه ) ، بيروت: دار الأضواء ، 1408 ه ، الاُولى . 163. الفهرست ، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه ) ، تحقيق : جواد القيّومي ، قم : مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ه ، الاُولى . 164. القاموس المحيط و القابوس الوسيط ، محمّد بن يعقوب الشيرازي الفيروزآبادي الشافعي (م 817 ه ) ، القاهرة: مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1952 م ، الثانية . 165. قرب الإسناد ، أبو العبّاس عبداللَّه بن جعفر الحِمْيري القمّي (م بعد 304 ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، 1413 ه ، الاُولى . 166. القواعد والفوائد ، أبو عبداللَّه محمّد بن جمال الدين المكّي العاملي (الشهيد الأوّل) (م 786 ه ) ، قم: منشورات مكتبة المفيد . 167. القواعد والفوائد الحديثية من منهاج السنّة النبوية ، أبو العبّاس أحمد بن عبدالحليم الحرَّاني ، مكّة المكرّمة: دار عالم الفوائد ، 1417 ه . 168. الكافي ، أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (ثقة الإسلام) (م 329 ه )، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، دار الكتب الإسلاميّة ، 1388 ه . 169. الكامل ، أبو العبّاس محمّد بن يزيد الأزدي (المبرّد) (م 285 ه ) ، تحقيق: محمّد أحمد الدالي ، بيروت: مؤسّسة الرسالة ، 1413 ه ، الثانية . 170. الكامل في التاريخ ، أبو الحسن عليّ بن محمّد الشيباني الموصلي (ابن الأثير) (م 630 ه ) ، تحقيق : علي شيري ، بيروت: دار إحياء التراث العربي ، 1408 ه ، الاُولى . 171. كتاب سليم بن قيس ، سليم بن قيس الهلالي العامري (م حوالي 90 ه ) ، تحقيق : محمّد باقر الأنصاري ، قم: نشر الهادي ، 1415 ه ، الاُولى . 172. كتاب العين ، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (م 175 ه ) ، تحقيق : مهدي المخزومي ، قم: دار الهجرة ، 1409 ه ، الاُولى . 173. كتاب من لا يحضره الفقيه ، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، طهران : دار الكتب الإسلاميّة ، 1390 ه . 174. كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ، عليّ بن عيسى الإربلي (م 687 ه ) ، تصحيح : هاشم الرسولي المحلّاتي ، بيروت: دار الكتاب الإسلامي ، 1401 ه ، الاُولى . 175. كشف المحجّة لثمرة المُهْجة ، أبو القاسم عليّ بن موسى بن طاووس الحلّي (م 664 ه ) ، تحقيق : محمّد الحسّون ، قم: مكتب الإعلام الإسلامي ، 1412 ه ، الاُولى . 176. كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ، جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر (العلّامة الحلّي) (م 726 ه ) ، تحقيق : حسين درگاهي ، إحياء التراث العربي . 177. كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الإثني عشر ، أبو القاسم عليّ بن محمّد بن عليّ الخزّاز القمّي (القرن الرابع الهجري) ، تحقيق : عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري ، قم: انتشارات بيدار ، 1401 ه ، الأُولى . . كنز جامع الفوائد = تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة 178. كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال ، علاء الدين عليّ المتّقي بن حسام الدين الهندي (م 975 ه ) ، تصحيح : صفوة السقّا ، بيروت: مكتبة التراث الإسلامي ، 1397 ه ، الاُولى . 179. كنز الفوائد ، أبو الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكي الطرابلسي (م 449 ه ) ، إعداد : عبد اللَّه نعمة ، قم: دار الذخائر ، 1410 ه ، الاُولى . 180. الكنى والألقاب ، عبّاس بن محمّد رضا القمّي (م 1359 ه ) ، طهران: مكتبة الصدر ، 1368 ه ، الخامسة . 181. اللباب في تهذيب الأنساب ، عزّ الدين المبارك بن محمّد بن محمّد بن الأثير الشيباني الشافعي (م 606 ه ) ، مكّة المكرّمة: المكتبة الفيصلية [ بي تا] . 182. اللباب في تهذيب الأنساب ، أبو الحسن علي بن محمّد الشيباني الموصلي ، بيروت: دار الكتب العلمية ، 1420 ه . 183. لسان العرب ، أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (م 711 ه ) ، بيروت : دار صادر ، 1410 ه 1990 م ، الاُولى . 184. لسان الميزان ، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (م 852 ه ) ، تحقيق: عادل أحمد عبدالموجود وعليّ محمّد معوّض، بيروت: دار الكتب العلمية، 1416 ه ، الاُولى . 185. لغة نامه دهخدا ، علي أكبر دهخدا (م 1956 م) ، طهران : جامعة طهران - كلية الآداب ، مطبعة سيروس ، 1968 م . 186. مجمع الأمثال ، أبو الفضل أحمد بن محمّد الميداني النيسابوري (م 518 ه ) ، بيروت: دار الجيل، 1416 ه . 187. مجمع البحرين ، فخر الدين الطريحي (م 1085 ه ) ، تحقيق : أحمد الحسيني ، طهران: مكتبة نشر الثقافة الإسلاميّة ، 1408 ه ، الثانية . 188. مجمع البيان في تفسير القرآن ، أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي (م 548 ه ) ، تحقيق : هاشم الرسولي المحلّاتي و فضل اللَّه اليزدي الطباطبائي ، بيروت: دار المعرفة ، 1408 ه ، الثانية . 189. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، نور الدين عليّ بن أبي بكر الهيثمي (م 807 ه ) ، تحقيق : عبد اللَّه محمّد درويش ، بيروت: دار الفكر ، 1412 ه ، الاُولى . 190. مجموعة الوثائق السياسية ، محمّد حميد اللَّه الحيدرآبادي، بيروت: دار النفائس، 1405 ه . . مجموعة ورّام = تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 191. المحاسن ، أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 280 ه ) ، تحقيق : مهدي الرجائي ، قم: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام ، 1413 ه ، الاُولى . 192. المحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء ، محمّد بن المرتضى (المولى محسن الكاشاني) (م 1091 ه ) ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ه ، الثالثة . 193. مختصر تاريخ دمشق ، محمّد بن مكرم الأنصاري (ابن منظور) (م 711 ه ) ، تحقيق: راتب حمّوش ، دمشق: دار الفكر . 194. مراصد الاطّلاع ، أبو الفضائل عبدالمؤمن بن عبدالحقّ البغدادي ، بيروت : دار المعرفة ، 1373 ه . 195. مروج الذهب ومعادن الجوهر ، أبو الحسن عليّ بن الحسين المسعودي (م 346 ه ) ، تحقيق : محمّد محيي الدين عبد الحميد ، مصر: مطبعة السعادة ، 1384 ه ، الرابعة . 196. المستدرك على الصحيحين ، أبو عبد اللَّه محمّد بن عبد اللَّه الحاكم النيسابوري (م 405 ه ) ، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1411 ه ، الاُولى . 197. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل ، ميرزا حسين النوري الطبرسي (م 1320 ه ) ، قم: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ه ، الاُولى . 198. المسترشد في إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (م 310 ه ) ، تحقيق: أحمد المحمودي ، طهران: مؤسّسة الثقافة الإسلاميّة لكوشانبور ، 1415 ه ، الاُولى . 199. مسند أبي يعلى الموصلي ، أبو يعلى أحمد بن عليّ بن المثنّى التميمي الموصلي (م 307ه )، تحقيق وتعليق: إرشاد الحق الأثري، جدّة: دار القبلة للثقافة ، 1408 ه ، الاُولى . 200. مسند أحمد بن حنبل، أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني (م 241ه )، تحقيق: عبداللَّه محمّد الدرويش، بيروت: دار الفكر ، 1414 ه ، الثانية . 201. مسند الإمام زيد (مسند زيد) ، المنسوب إلى زيد بن عليّ بن الحسين عليهما السلام (م 122 ه ) ، بيروت: منشورات دار مكتبة الحياة ، 1966 م ، الاُولى . . مسند البزّار = البحر الزخّار 202. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار ، أبو الفضل عليّ الطبرسي (القرن السابع الهجري) ، تحقيق : مهدي هوشمند ، قم: دار الحديث ، 1418 ه ، الاُولى . 203. مصباح المتهجّد ، أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي (م 460 ه ) ، تحقيق : علي أصغر مرواريد ، بيروت: مؤسّسة فقه الشيعة ، 1411 ه ، الاُولى . 204. المصنّف ، أبو بكر عبد الرزّاق بن همّام الصنعاني (م 211 ه ) ، تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي ، بيروت: المجلس العلمي . 205. المصنّف في الأحاديث والآثار ، أبو بكر عبد اللَّه بن محمّد بن أبي شيبة العبسي الكوفي (م 235 ه ) ، تحقيق : سعيد محمّد اللحّام ، بيروت: دار الفكر ، 1409 ، الاُولى . 206. معادن الحكمة في مكاتيب الأئمّة ، محمّد بن الحسن بن المرتضى الفيض الكاشاني (عَلَمُ الهُدى ) (م 1115 ه ) ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ه . 207. المعارف ، أبو محمّد عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة (م 213 ه ) ، حقّقه وقدّم له : ثروت عكاشة ، مصر : دار المعارف ، الثانية . 208. معاني الأخبار ، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1361 ش ، الاُولى . 209. معجم البلدان ، أبو عبد اللَّه شهاب الدين ياقوت بن عبد اللَّه الحموي الرومي(م 626 ه ) ، بيروت: دار إحياء التراث العربي ، 1399 ه ، الاُولى . 210. معجم رجال الحديث ، أبو القاسم بن علي أكبر الخوئي (م 1413 ه ) ، بيروت: دار إحياء التراث ، 1403 ه . 211. المعجم الصغير ، أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الشامي الطبراني (م 360 ه ) ، تحقيق : محمّد عثمان ، بيروت: دار الفكر ، 1401 ه ، الثانية . 212. معجم قبائل العرب ، عمر رضا كحّالة ، بيروت: مؤسّسة الرسالة ، 1414 ه ، السابعة . 213. المعجم الكبير ، أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني (م 360 ه ) ، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي ، بيروت: دار إحياءالتراث العربي ، 1404 ه ، الثانية. 214. معجم المؤلّفين ، عمر رضا كحّالة ، بغداد: مكتبة المثنى و بيروت: دار إحياء التراث العربي ، 1409 ه . 215. المعيار والموازنة ، أبو جعفر محمّد بن عبد اللَّه الإسكافي (م 240 ه ) ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي . 216. مفردات ألفاظ القرآن ، أبو القاسم الحسين بن محمّد الراغب الأصفهاني (م 502 ه ) ، تحقيق : صفوان عدنان داوودي ، دمشق: بيروت: دار القلم ، 1412 ه ، الاُولى . 217. المفصّل ، محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري (م 538 ه) . 218. المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام ، جواد علي ، بغداد: جامعة بغداد ، 1413 ه . 219. مقاتل الطالبيّين ، أبو الفرج عليّ بن الحسين بن محمّد الإصبهاني (م 356 ه ) ، تحقيق : أحمد صقر ، قم: منشورات الشريف الرضي ، 1405 ه ، الاُولى . 220. مقتل الحسين ، أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي الكوفي (م 157 ه )، قم: المطبعة العلمية ، 1364 ش ، الثانية . 221. مقتل الحسين ، موفّق بن أحمد بن محمّد المكّي الخوارزمي (م 568 ه ) ، تحقيق: محمّد السماوي، قم : مكتبة المفيد . 222. مقدّمة ابن خلدون ، عبدالرحمن بن محمّد بن خلدون (م 808 ه ) ، بيروت: دار إحياء التراث العربي . 223. المقنعة ، أبو عبد اللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 413 ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، 1410 ه ، الثانية . 224. ملحقات إحقاق الحقّ ، شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي ، قم : مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي ، 1408 ه . 225. الملهوف على قتلى الطفوف ، أبو القاسم عليّ بن موسى الحلّي (ابن طاووس) (م 664 ه ) ، تحقيق : فارس تبريزيان ، طهران: دار الاُسوة ، 1414 ه ، الاُولى . 226. مناقب آل أبي طالب ، أبو جعفر رشيد الدين محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (م 588 ه ) ، قم: المطبعة العلمية . . مناقب ابن شهرآشوب = مناقب آل أبي طالب 227. مناقب الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، محمّد بن سليمان الكوفي القاضي (م 300 ه ) ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي ، قم: مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة ، 1412 ه ، الاُولى . 228. مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، أبو الحسن علي بن محمّد بن محمّد الواسطي الشافعي (ابن المغازلي) (م 483 ه ) ، إعداد : محمّد باقر البهبودي ، طهران: المكتبة الإسلاميّة ، 1402 ه ، الثانية . . المناقب لابن الدمشقي = جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام . المناقب لابن المغازلي = مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام 229. المنتخب من كتاب ذيل المذيّل ، الطبري، بيروت: مؤسّسة الأعلمي . 230. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ، حبيب اللَّه بن محمّد العلوي الخوئي (م 1324 ه ) ، بيروت: مؤسّسة الوفاء ، 1403 ه . 231. مواقف الشيعة ، الأحمدي الميانجي ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي . 232. مهج الدعوات ومنهج العبادات ، أبو القاسم بن موسى الحلّي (ابن طاووس) (م 664 ه ) ، قم: دار الذخائر ، 1411 ه ، الاُولى . 233. ميزان الإعتدال في نقد الرجال، أبو عبداللَّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (م 748 ه )، تحقيق: علي محمّد البجاوي، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر ، 1963 م . 234. ميزان الحكمة ، محمّد المحمّدي الريشهري ، قم: دار الحديث ، 1416 ه ، الاُولى . 235. نثر الدرّ ، أبو سعيد منصور بن الحسين الآبي (م 421 ه ) ، تحقيق : محمّد علي قرنة ، مصر: الهيئة المصريّة العامّة ، 1981 م ، الاُولى . 236. نزهة الألبّاء في طبقات الأُدباء ، عبدالرحمن بن محمّد الأنباري . 237. نظام الحكومة النبوية (التراتيب الإداريّة) ، عبدالحي الكتاني الإدريسي الحسني الفاسي، بيروت: دار الكتاب العربي . 238. نفس المهموم ، عبّاس بن محمّد رضا القمّي ، قم: انتشارات ذوي القربى ، 1412 ه . 239. النوادر ، أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمّي (القرن الثالث الهجري) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة الإمام المهدي (عج) - قم ، 1408 ، الاُولى . 240. نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ، أحمد بن عبداللَّه القلقشندي (م 821 ه) ، بيروت: إدارة البحوث العلمية ، 1402 ه . 241. النهاية في غريب الحديث والأثر ، أبو السعادات مبارك بن مبارك الجزري (ابن الأثير) (م 606 ه ) ، تحقيق : طاهر أحمد الزاوي ، قم: مؤسّسة إسماعيليان ، 1367 ش ، الرابعة . 242. نهج البلاغة ، ما اختاره أبو الحسن محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي (الشريف الرضي) (م 406 ه ) من كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، تحقيق: كاظم المحمّدي و محمّد الدشتي ، قم: انتشارات الإمام علي عليه السلام، 1369 ش ، الثانية . 243. نهج الحقّ و كشف الصدق ، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (العلّامة الحلّي) (م 726 ه ) ، تحقيق: عين اللَّه الحسني الإرموي ، قم: دار الهجرة ، 1407 ه ، الاُولى . 244. نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ، محمّد باقر المحمودي (معاصر) ، بيروت: مؤسّسة الأعلمي . 245. الوافي، المولى محسن بن مرتضى (الفيض الكاشاني) (م 1091 ه ) ، تحقيق : ضياء الدين الحسيني الإصفهاني ، شرح: رفيع الدين نائيني ، إصفهان: مكتبة أميرالمؤمنين علي عليه السلام العامة ، 1406 ه ، الاُولى ، 17 ج . 246. الوافي بالوفيات ، صفيّ الدين خليل بن أيبك الصَّفَدي (م 749 ه ) ، قيسبادان (ألمانيا): فرانزشتاينر ، 1381 ه ، الثانية . 247. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (م 1104 ه ) ، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث قم ، 1409 ه ، الاُولى . 248. وفاء الوفاء بأخبار المصطفى ، أبو الحسن عليّ بن عبد اللَّه السمهودي ، القاهرة: مطبعة الآداب والمؤيد ، 1326 م . 249. وفيات الأعيان و أنباء أبناء الزمان ممّا ثبت بالنقل أو السماع أو أثبته العيان ، شمس الدين أبو العبّاس أحمد بن محمّد البرمكي (ابن خلّكان) (م 681 ه ) ، تحقيق : إحسان عبّاس ، بيروت: دار صادر ، 1398 ه . 250. وقعة صفّين ، نصر بن مزاحم المنقري (م 212 ه ) ، تحقيق و شرح : عبد السلام محمّد هارون ، قم: مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي ، 1382 ه ، الثانية . 251. ينابيع المودّة لذوي القربى ، سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (م 1294 ه ) ، تحقيق : عليّ جمال أشرف الحسيني ، طهران: دار الاُسوة للطباعة والنشر ، 1416 ه ، الاُولى .

.

ص: 500

. .

ص: 501

. .

ص: 502

. .

ص: 503

. .

ص: 504

. .

ص: 505

. .

ص: 506

. .

ص: 507

. .

ص: 508

. .

ص: 509

. .

ص: 510

. .

ص: 511

. .

ص: 512

. .

ص: 513

. .

ص: 514

. .

ص: 515

. .

ص: 516

. .

ص: 517

. .

ص: 518

. .

ص: 519

. .

ص: 520

. .

ص: 521

. .

ص: 522

. .

ص: 523

الفهرس التفصيلي .

ص: 524

. .

ص: 525

. .

ص: 526

. .

ص: 527

. .

ص: 528

. .

المجلد 3

اشاره

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

الحمد للّه ربِّ العالمين ، والصَّلاة والسّلام على سيّد الأنبياء والمرسلين محمّد وآله الطّاهرين ، واللَّعن على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدِّينِ وبعد : نودّ إعلام القارئ الكريم بأنّ المجلّد هو الجزء الثالث من كتاب «مكاتيب الأئمّة» ، وهو يضمّ بين دفّتيه مكاتيب أربعة من الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، وهم : 1 _ الإمام الحسن عليه السلام 2 _ الإمام الحسين عليه السلام 3 _ الإمام السجّاد عليه السلام 4 _ الإمام الباقر عليه السلام ومن الطبيعي أنّ الظروف التي عاشها هؤلاء الأئمّة كانت متباينة تبعا لحالة المخاض التي كانت تمرّ بها الأمّة وما شهدته من تقلّبات وثورات ، فكانت النتيجة أنّ هذه المكاتيب جاءت مختلفة ومتنوّعة في موضوعاتها ومعطياتها وصيغها الخطابيّة. وغاية أملنا أن نستلهم ويستلهم معنا القارئ الكريم من المضامين السامية النبيلة التي وردت في هذه المكاتيب .

.

ص: 8

. .

ص: 9

مكاتيب الإمام الحسن بن عليّ

اشاره

مكاتيب الإمام الحسن بن عليّ عليهما السلام

.

ص: 10

. .

ص: 11

الفصل الأوّل : مكاتيبه في حياة أبيه

1 كتابُه عليه السلام في قوّة الإيمان

الفصل الأوّل : مكاتيبه عليه السلام في حياة أبيه عليه السلام1كتابُه عليه السلام في قوَّة الإيمانفي تفسير فرات الكوفيّ : قال : حدَّثني عليّ بن الحسين عليه السلام _ معنعنا _ : عن الأصبغ بن نباتة 1 ، قال : كتب عبداللّه بن جُندب (1) إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام : جعلتُ فِداك إنِّي (2) فيَّ ضَعف ، فقوِّني . قال : فأمر عليّ الحسن ابنه أنْ : اُكتب إليه كتاباً ، قال : فكتب الحسن عليه السلام : في علم أهل البيت عليهم السلام وصفة شيعتهم «إنَّ محمَّداً صلى الله عليه و آله كان أمينَ اللّه ِ في أرضِهِ فَلَمَّا أن قُبِضَ مُحمَّدٌ صلى الله عليه و آله ، وكنَّا أهلَ بيتهِ ، فنحنُ أمناءُ اللّه ِ في أرضهِ ، عندنا علمُ المنايا والبلايا ، وإنَّا لنَعرِفُ الرّجُلَ إذا رأيناهُ بِحقيقَةِ الإيمانِ وحقيقَةِ النِّفاقِ ، وإنَّ شيعَتنا لَمعروفونَ بأسمائِهم وأنسابِهم ، أخذَ اللّه ُ الميثاقَ علينا وعلَيهِم (3) ، يَرِدونَ مَوارِدَنا ويَدخُلونَ مَداخِلَنا ، لَيسَ على مِلَّةِ أبينا إبراهيمَ غَيرُنا وغَيرُهُم ، إنَّا يَومَ القِيامَةِ آخِذينَ بِحُجزَةِ نَبيِّنا ، وإنَّ نبيَّنا آخِذٌ بِحُجزَةِ النُّورِ ، وإنَّ شِيعَتَنا آخذون (4) بِحُجزَتِنا . مَن فَارَقَنا هلَكَ ، ومَن اتَّبعَنا لَحِقَ بِنا ، والتَّاركُ لِوِلايَتِنا كافِرٌ ، والمُتَّبِعُ لِوِلايَتِنا مُؤمِنٌ ، لا يُحِبُّنا كافِرٌ ولا يُبغِضُنا مُؤمِنٌ ، ومَن ماتَ وهُوَ مُحِبُّنا كان حَقّاً علَى اللّه ِ أنْ يبعَثَهُ مَعَنا . نحنُ نورٌ لِمَن تَبِعَنا ، وهُدىً لِمَن اقْتدى بِنا ، ومَن رَغِبَ عَنَّا فليسَ مِنَّا ، ومَن لَم يَكُن مِنَّا فَلَيسَ مِنَ الإسلام ِ في شَيءٍ . بِنا فَتَحَ اللّه ُ الدِّينَ ، وبِنا يَختِمُهُ ، وبِنا أطعَمَكُم اللّه ُ عُشبَ الأَرضِ ، وبِنا مَنَّ اللّه ُ علَيكُم (5) مِنَ الغَرَقِ ، وبِنا يُنقِذُكُمُ اللّه ُ في حَياتِكُم وفِي قُبورِكُم وفي مَحشَرِكُم وَعِندَ الصِّراطِ والميزانِ ، وعِندَ ورودكم الجِنانَ .

.


1- . أقول : الصَّحيح جندب بن عبد اللّه ، وعبد اللّه بن جندب من أصحاب الكاظم والرّضا عليهماالسلام ، ولا يوجد في أصحاب عليّ عليه السلام من اسمه عبد اللّه بن جندب ، وقد عنونه كتب المعاجم والرّجال والتّاريخ كقاموس الرّجال ج : 2 ، ومعجم الحديث ج 4 ، وتنقيح المقال : ج 1 ، وأعيان الشّيعة ج 4 ، والإصابة ج 1 ، وأسد الغابة : ج 1 . وروى هذا الكتاب عن الإمام الرّضا عليه السلام كتبه إلى عبد اللّه جندب ، راجع : مكاتيب الإمام الرّضا عليه السلام : ص 156 .
2- . في نسخة : «إنّ» بدل «إنّي» .
3- . وفي نسخة : «منّا ، ومنهم» .
4- . في المصدر : «آخذين» وما أثبتناه هو الصحيح ، كما في بحار الأنوار .
5- . و في نسخة : «آمنكم اللّه » .

ص: 12

في علم أهل البيت عليهم السلام وصفة شيعتهم

.

.

ص: 13

مثل أهل البيت عليهم السلام في الكتاب
حقّ وليّهم عليهم السلام
جزاء عدوّهم عليهم السلام
منزلة شهداء أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم

مثل أهل البيتعليهم السلام في الكتابوإنَّ مَثلنا في كتابِ اللّه ِ كمَثَلِ المِشْكوةِ ، والمِشكوةُ هِيَ القِندِيلُ ، وفِينا المِصباحُ ، والمِصباحُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وأَهلُ بَيتِهِ ، والمِصباحُ في زُجاجَةٍ «الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ» ، عليّ بن أبي طالب عليه السلام «لا شَرْقِيَّةٍ وَ لاَ غَرْبِيَّةٍ» ، مَعروفَةٍ لا يَهودِيَّةٍ ولا نَصرانِيَّةٍ ، «يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نورٌ عَلَى نورٍ يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ» . (1)

حقُّ وليِّهم عليهم السلاموحَقِيقٌ علَى اللّه ِ أنْ يأتي وليُّنا يَومَ القِيامَةِ مُشرِقاً وَجهُهُ ، نَيِّراً بُرهانُهُ ، عَظِيمَةً عِندَ اللّه ِ تعالى حُجَّتُهُ ، وحَقيقٌ علَى اللّه ِ أن يَجعَلَ وليَّنا رَفِيقَ الأنبِياءِ والشُّهَداءِ والصِّدِّيقينَ والصَّالِحينَ ، وحَسُنَ أُولئِكَ رَفيقاً .

جزاء عدوِّهم عليهم السلاموحَقِيقٌ علَى اللّه ِ أن يَجعَلَ عَدُوَّنا والجاحِدَ لِوِلايَتِنا رَفيقَ الشَّياطينِ والكافِرينَ ، وبِئسَ أُولئِكَ رَفيقاً .

منزلة شهداء أهل البيت عليهم السلاموشيعتهمولِشَهيدِنا فَضلٌ علَى شُهَداءِ غَيرِنا بِعَشرِ دَرَجاتٍ ، ولِشَهيدِ شِيعَتِنا فَضلٌ علَى شَهيدِ (2) غَيرِ شيعَتِنا بِسَبعِ دَرَجاتٍ .

.


1- . النّور : 35.
2- . وفي نسخة «الشُّهداء» .

ص: 14

من صفاتهم عليهم السلام

من صفاتهم عليهم السلامفَنَحنُ النُّجَباءُ ، ونَحنُ أفراطُ الأَنبِياءِ ، ونَحنُ خُلَفاءُ الأَرضِ ، ونَحنُ المَخصوصونَ (1) في كِتابِ اللّه ِ ، ونَحنُ أَولى النَّاسِ بِنَبيِّ اللّه ِ ، ونَحنُ الَّذين شَرَعَ اللّه ُ لَنا الدِّينَ ، فَقالَ في كِتابِهِ : «شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَ الَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَ مَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَ اهِيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» ، وكونوا علَى جَماعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ » (2) . (3)

.


1- . وفي نسخة «المخلِصون» .
2- . الشّورى : 13 .
3- . تفسير فرات الكوفي : ص 285 ح 385 ، بحار الأنوار : ج 23 ص 313 ح 20 وراجع : تفسير القمي : ج 2 ص 104 ، تأويل الآيات الظاهرة : ج 1 ص 360 ح 6 كلاهما عن الإمام الرّضا عليه السلام .

ص: 15

الفصل الثّاني : مكاتيبه بعد شهادة أبيه وقبل الصُّلح

2 كتابُه عليه السلام إلى الحسين عليه السلام ينعى أباه

الفصل الثّاني : مكاتيبه عليه السلام بعد شهادة أبيه عليه السلام وقبل الصُّلح2كتابُه عليه السلام إلى الحسين عليه السلامينعى أباهقال البلاذريّ : قالوا : وكان الحسين عليه السلام بالمدائن ، قد قدَّمه أبوه إليها ، وهو يريد المسير إلى الشَّام ، فكتب إليه الحسن بما حدث من أمر أبيه مع زحر بن قيس الجعفيّ ، فلمَّا أتاه زحر بالكتاب انصرف بالنَّاس إلى الكوفة .. . (1) وفي الكافي : عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمَّد بن خالد ، عن إسماعيل بن مِهْرَان ، عن سَيْف بن عُمَيرَة ، عن عَمْرو بنِ شِمْرٍ ، عن عبدِاللّه ِ بن الولِيد الجُعْفِيِّ ، عن رجل ، عن أبيه ، قال : لمَّا أُصيب أمير المؤمنين عليه السلام نَعى الحسنُ إلى الحسين عليهماالسلام ، وهو بالمدائن ، فلمَّا قرأ الكتاب ، قال _ الحسين عليه السلام _ :يا لها من مصيبة ما أعظمها ، مع أنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : من أُصيب منكم بمصيبة فليذكر مُصابَه بي ، فإنَّه لن يُصاب بمصيبة أعظم منها ، وصَدَق صلى الله عليه و آله . (2)

.


1- . أنساب الأشراف : ج 3 ص 258.
2- . الكافي : ج 3 ص 220 ح 3 ، مسكّن الفؤاد : ص 110 ، بحار الأنوار : ج 42 ص 247 وج82 ص 143.

ص: 16

3 كتابُه عليه السلام إلى معاوية في تحذيره وإنظاره

3كتابُه عليه السلام إلى معاويةفي تحذيره وإنظارهكتاب كتبه عليه السلام إلى معاوية 1 بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام _ وقد بايعه النَّاس _ وهو : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم مِن عَبدِاللّه ِ الحَسَنِ أميرِ المؤمِنينَ إلى مُعاوِيَةَ بنِ صَخرٍ : أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّ اللّه َ بعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله رَحمَةً للعالَمينَ ، فأظهَرَ بهِ الحَقَّ ، ورَفَعَ بهِ الباطِلَ، وأذلَّ بهِ أهلَ الشِّركِ ، وأعزَّ بهِ العَرَبَ عامَّةً ، وشَرَّفَ بهِ مَن شاءَ مِنهُم خاصَّةً ، فَقالَ تعالى : «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ » (1) ، فلمَّا قَبضَهُ اللّه ُ تعالى تَنازَعَتِ العَرَبُ الأمرَ بَعدَهُ ، فَقالَت الأَنصارُ : مِنَّا أميرٌ ومِنكُم أمِيرٌ ؛ وقالَت قُرَيشٌ : نَحنُ أولياؤهُ وَعشيرَتُهُ ، فلا تُنازِعوا سُلطانَهُ ، فَعَرفَتِ العَرَبُ ذَلِكَ لِقُريشٍ ، ونَحنُ الآنَ أولياؤُهُ وذَووا القُربى مِنهُ . وجاحَدَتنا قُرَيشٌ ما عَرَفَت لَها العَرَبُ ، فَهَيهاتَ ! ما أَنصَفَتنا قُرَيشٌ ، وقد كانوا ذوي فَضيلَةٍ في الدِّينِ ، وسابِقَةٍ في الإسلامِ . (2) ولا غَروَ (3) ، أنَّ مُنازعَتَكَ إيَّانا بِغَيرِ حقٍّ في الدِّين مَعروفٍ ، ولا أثَرٍ في الإسلامِ مَحمودٌ ، والمَوعِدُ اللّه ُ تعالى بَينَنا وبَينَكَ ، ونحن نسألُهُ تبارك وتعالَى أنْ لا يُؤتينا في هذهِ الدُّنيا شَيئاً يُنقِصُنا بهِ في الآخِرَةِ . وبَعدُ ؛ فإنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليَّ بنَ أبي طالبٍ لَمَّا نَزَلَ بهِ المَوتُ ولاَّني هذا الأمرَ مِن بَعدِهِ ، فاتَّق اللّه َ يا مُعاوِيَةُ ؛ وانظُر لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ما تَحقِنُ بهِ دِماءهُم ، وتُصلِحُ بهِ أُمورَهُم ، والسَّلامَ . (4)

.


1- . الزّخرف : 44 .
2- . ما بين المعقوفين نقلناه من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، والفتوح.
3- . لا غرو : أي لا عجب .
4- . كشف الغمّة : ج 2 ص 196 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 54 ح 6 والمناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 31 ، أعيان الشّيعة : ج 1 ص 567 ، معادن الحكمة : ج 2 ص 3 ، جمهرة رسائل العرب : ج 2 ص 12 ؛ مقاتل الطّالبيين : ص 65 ، الفتوح لابن أعثم : ج 4 ص 284 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 24 كلّها نحوه.

ص: 17

. .

ص: 18

وبعث بالكتاب مع الحارث بن سويد التّيميّ ، تَيْم الرِّباب ، وجُنْدب الأزديّ ، فقدما على معاوية فدعواه إلى بيعة الحسن عليه السلام فلم يجبهما . (1) وكتب معاوية جوابه برواية المناقب : فهمت ما ذكرت به محمَّداً صلى الله عليه و آله ، وهو أحقُّ الأوَّلين والآخرين بالفضل كُلِّهِ ، وذكرتَ تَنازُعَ المُسلِمينَ الأمرَ مِن بَعدِهِ ، فَصرَّحتَ بِنَميمَةِ فُلانٍ وفلانٍ وأبي عُبيدَةَ وغَيرِهِم ، فَكَرِهتُ ذلِكَ لَكَ ، لِأنَّ الأُمَّةَ قَد عَلِمَت أنَّ قُريشاً أحَقُّ بِها ، وقَد عَلِمتَ ما جرى مِن أمرِ الحَكَمَينِ فكيف تدعوني إلى أمر ، إنَّما تَطلُبهُ بِحَقِّ أَبيكَ وقد خَرجَ أبوك مِنهُ . (2) نصّ آخر على رواية ابن أعثم : أمَّا بَعدُ ؛فَقَد فَهِمتُ كِتابَكَ وماذَكرتَ بهِ مُحمَّداً صلى الله عليه و آله ،وهُو خيرُ الأوَّلِينَ والآخِرينَ فالفَضْلُ كُلّهُ فيهِ صلى الله عليه و آله ؛ وذَكَرتَ تَنازُعَ المُسلِمينَ الأمرَ مِن بَعدِهِ ، فصرَّحْتَ مِنهم بأبي بكرٍ الصّدِّيق ، وعُمَرَ الفاروقِ ، وأبي عُبيدَةَ الأَمينِ ، وطَلحَةَ ، والزُّبيرِ ، وصُلَحاءِ المُهاجِرينَ ، وكَرِهتُ ذلِكَ لَكَ أبا مُحمَّدٍ ، وذلِكَ أنَّ الأُمَّةَ لمَّا تنازَعَتِ الأمرَ مِن بَعدِ نَبيِّها مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله عَلِمَت أنَّ قُريشاً أَحَقُّها بِهذا الشَّأنِ ؛ لِمَكانِ نَبِيِّها منها ؛ ثمَّ رَأت قُرَيشٌ وَالأنصارُ وَذَوو الفَضلِ والدِّينِ مِنَ المُسلِمينَ أنْ يُوَلُّوا هذا الأمرَ أَعلَمَها بِاللّه ِ ، وأخشاها لَهُ ، وَأَقدَمَها إسلاماً ، فاختاروا أبا بكرٍ الصدِّيقَ وَلَو عَلِموا مَكانَ رَجُلٍ هُوَ أفضَلُ مِن أبي بَكرٍ يَقومُ مَقامَهُ ويَذُبُّ عَن حَوزَةِ الإسلامِ كَذَبِّهِ لَما عَدَلوا ذلِكَ عَنهُ ، فالحالُ بَيني وَبَينَكَ علَى ما كانوا عَلَيهِ ، وَلَو عَلِمتُ أنَّكَ أضبَطُ لِأمرِ الرَّعيَّةِ وَأحوَطُ علَى هذهِ الأُمَّةِ ، وَأَحسنُ سِياسَةً ، وأكيَدُ لِلعَدُوِّ ، وأَقوَى علَى جَميعِ الأُمورِ ، لَسلَّمتُ لَكَ هذا الأمرَ بَعدَ أَبيكَ ، لِأنِّي قَد عَلِمتُ بِأنَّكَ إنَّما تَدَّعي ما تدَّعيهِ نَحوَ أبيكَ ، وَقَد عَلِمتَ أنَّ أباكَ سارَ إلينا فَحارَبَنا ، ثُمَّ صارَ مِن أمرِهِ إلى أنِ اختارَ رَجُلاً وَاختَرنا رَجُلاً ، لِيحكُما بِما يَصلُحُ عَلَيهِ أمرُ الأُمَّةِ ، وَتَعودُ بهِ الأُلفَةُ وَالجَماعَةُ ، وَأَخَذنا على الحَكَمَينِ بِذلِكَ عَهدَ اللّه ِ وَميثاقَهُ ، وأخَذا مِنَّا مِثلَ ذلِكَ على الرِّضى بما حَكَما ، ثمَّ أنَّهما اتَّفقا على خَلعِ أبيكَ فَخَلَعاهُ ، فَكَيفَ تَدعوني إلى أمرٍ إنَّما تَطلُبُهُ بِحَقِّ أَبيكَ ، وَقَد خَرَجَ أَبوكَ مِنُه؟ فانظُر لِنَفسِكَ أبا مُحَمَّدٍ ولدِينِكَ ، والسَّلامُ . (3) نصّ آخر على رواية ابن أبي الحديد : أمَّا بَعدُ ؛ فَقَد فَهِمتُ ما ذَكرتَ بهِ رَسولَ اللّه ِ ، وَهُو أحَقُّ الأوَّلينَ وَالآخِرينَ بالفَضْلِ كُلِّهِ ، وَذَكَرتَ تَنازُعَ المُسلِمينَ الأمرَ بَعدَهُ ، فَصَرَّحْتَ بِتُهمَةِ أبي بكرٍ الصّدِّيقِ ، وَعُمَرَ ، وأبي عُبَيدَةَ الأمينِ ، وَصُلَحاءِ المُهاجِرينَ ، فَكَرِهتُ لَكَ ذلِكَ ؛ إنَّ الأُمَّةَ لَمَّا تَنازَعَتِ الأمرَ بَينَها رَأت قُريشاً أَخلَقَها (4) بِهِ ؛ فَرَأَت قُرَيشٌ والأنصارُ وذَوو الفَضلِ وَالدِّينِ مِنَ المُسلِمينَ أن يُولُّوا مِن قُريشٍ أعلَمَها باللّه ِ ، وَأخشاها لَهُ ، وَأقواها علَى الأمرِ ، فاختاروا أبا بكرٍ ولَم يَألوا ، وَلَو عَلِموا مَكانَ رَجُلٍ غَيرَ أبي بَكرٍ يَقومُ مَقامَهُ وَيَذُبُّ عَن حَرَمِ الإسلامِ ذَبَّهُ ما عَدَلوا بِالأمرِ إلى أبي بَكرٍ ، والحالُ اليومَ بَيني وَبَينَكَ عَلى ما كانوا عَلَيهِ ، فَلَو عَلِمتُ أنَّكَ أضبَطُ لِأمرِ الرَّعِيَّةِ وأحوَطُ عَلى هذِهِ الأُمَّةِ ، وأحسَنُ سِياسَةً ، وَأكيَدُ لِلعدوّ ، وَأَقوى عَلى جَمعِ الفيءِ ، لَسَلَّمتُ لَكَ الأمرَ بَعدَ أبيكَ ، فَإنَّ أباكَ سَعى عَلى عُثمانَ حَتَّى قُتِلَ مَظلوماً ، فَطالَبَ اللّه ُ بِدَمِهِ ؛ وَمَن يَطلُبُهُ اللّه ُ فَلَن يَفوتَهُ . ثُمَّ ابتزَّ الأمَّةَ أمرَها ، وَفَرَّقَ جَماعَتَها ، فَخالَفَهُ نُظراؤُهُ مِن أهلِ السّابِقَةِ والجِهادِ والقِدَمِ في الإسلامِ ، وادَّعى أنَّهم نَكَثوا بَيعَتَهُ ، فَقاتَلَهم فَسُفِكَتِ الدِّماءُ ؛ واستُحِلَّتِ الحُرَمُ ، ثُمَّ أقبَلَ إلينا لا يَدَّعي عَلينا بيعة ؛ وَلكِنَّهُ يُريدُ أنْ يَملِكَنا اغتِراراً ، فَحارَبناهُ وحارَبَنا ، ثُمَّ صارَتِ الحَربُ إلى أنِ اختارَ رَجُلاً وَاختَرنا رَجُلاً ، لِيَحكُما بِما تَصلُحُ عَليهِ الأمَّةُ ، وتَعودُ بهِ الجَماعَةُ والأُلفَةُ ، وَأخَذنا بِذلِكَ عَلَيهما مِيثاقاً وَعَلَيهِ مِثلَهُ وَعلَينا مِثلَهُ ، عَلى الرِّضى بِما حَكَما ، فَأمضى الحَكَمانِ عَلَيهِ الحُكمَ بِما عَلِمتَ ، وَخَلَعاهُ ، فَوَاللّه ِ ما رَضِيَ بالحُكمِ ، وَلا صَبَرَ لِأمرِ اللّه ِ ؛ فَكَيفَ تَدعوني إلى أمرٍ إنَّما تَطلُبُهُ بِحَقِّ أَبيكَ ، وَقَد خَرَجَ مِنهُ ! فَانظُر لِنَفسِكَ وَلِدينِكَ ، وَالسَّلامُ . (5) نصّ آخر على رواية لأبي الفرج الإصفهانيّ : كتب الحسن عليه السلام إلى معاوية مع جندب (6) بن عبد اللّه الأزديّ : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم مِن عَبدِ اللّه ِ الحَسَنِ أميرِ المُؤمِنينَ إلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ : في بعثة النبي صلى الله عليه و آله سَلامٌ عَلَيكَ ، فَإِنِّي أحمَدُ إليكَ اللّه َ الَّذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ ، أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّ اللّه تعالى عز و جل بَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله رَحمَةً للعالَمينَ ، وَمِنَّةً على المُؤمِنينَ ، وكافَّةً إلى النَّاس أجمَعينَ ، «لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ » (7) ، فَبَلَّغَ رِسالاتِ اللّه ِ وَقامَ عَلى أمرِ اللّه ِ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللّه ُ غَيرَ مُقَصِّرٍ ولا وانٍ ، حَتَّى أظهَرَ اللّه ُ بهِ الحَقَّ وَمَحَقَ بهِ الشِّركَ ، ونَصَرَ بهِ المُؤمِنينَ ، وأعزَّ بهِ العَرَبَ ، وشَرَّفَ بهِ قُرَيشاً خاصَّةً ، فَقالَ تَعالى : «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ » (8) .

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 25.
2- . المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 31.
3- . الفتوح لابن أعثم : ج 4 ص 285.
4- . أحقّها .
5- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 25.
6- . في شرح نهج البلاغة : «حرب» بدل «جندب» .
7- . يس : 70 .
8- . الزّخرف : 44 .

ص: 19

. .

ص: 20

في بعثة النبي صلى الله عليه و آله

.

.

ص: 21

في بيان ما حدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله

في بيان ما حدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آلهفَلَمَّا تُوفِّيَ صلى الله عليه و آله تَنازَعَتِ سُلطانَهُ العَرَبُ ، فَقالَت قُرَيشٌ : نَحنُ قَبيلَتُهُ وَأُسرَتُهُ وَأَولياؤُهُ ، وَ لا يَحِلُّ لَكُم أنْ تُنازِعونا سُلطانَ مُحَمَّدٍ فِي النَّاسِ وَحَقَّهُ ، فَرَأتِ العَرَبُ أَنَّ القَولَ كَما قَالَت قُرَيشٌ ، وَأنَّ الحُجَّةَ لَهُم في ذلِكَ عَلى مَن نازَعَهُم أمرَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَأَنعَمَت لَهُمُ العَرَبُ ، وَسَلَّمت ذلِكَ . ثُمَّ حاجَجنا نَحنُ قُرَيشاً بِمِثلِ ما حاجَّت بهِ العَرَبَ فَلَم تُنصِفنا قُرَيشٌ إنصافَ العَرَبِ لَها ، إنَّهُم أَخَذوا هذا الأمرَ دُونَ العَرَبِ بالانتصافِ والاحتِجاجِ ، فَلَمَّا صِرنا أهلَ بَيتِ مُحَمَّد وأولياءَهُ إلى مُحاجَّتِهِم ، وَطَلَبِ النَّصَفِ (1) مِنهُم باعَدونا واستَولَوا بِالإجماعِ عَلى ظُلمِنا وَمُراغَمَتِنا (2) وَالعَنَتِ (3) مِنهُم لَنا ، فَالمَوعِدُ اللّه ُ ، وَهُوَ الولِيُّ النَّصيرُ؟ وَقَد تَعَجَّبنا لِتَوثُّبِ المُتَوثِّبينَ عَلَينا في حَقِّنا وَسُلطانِ نَبِيِّنا صلى الله عليه و آله ، وَإنْ كانوا ذَوي فَضيلَةٍ وَسابِقَةٍ فِي الإسلامِ ، فَأَمسَكنا عَن مُنازَعَتِهِم مَخافَةً عَلى الدِّينِ أن يَجِدَ المُنافِقونَ وَالأَحزابُ بِذلِكَ مَغْمزاً (4) يَثلِمونَهُ بهِ ، أو يَكونَ لَهُم بِذلِكَ سَبَبٌ لِما أرادوا بهِ فَسادَهُ .

.


1- . النّصف : الانصاف .
2- . راغمهم : نابذهم وعاداهم .
3- . العنت : المشقَّة .
4- . وليس في فلانٍ مغمز أي : ما فيه ما يغمز فيعاب به ولا مطعن ، والمغامز : المعايب (لسان العرب : ج 15 ص 390) .

ص: 22

العجب من طلب معاوية أمرا ليس هو من أهله
أحقّيّتهُ عليه السلام بالخلافة
حثّ معاوية على التقوى

العجب من طلب معاوية أمرا ليس هو من أهلهفَاليَومَ فَليَعجَبِ المُتَعَجِّبُ مِن تَوَثُّبِكَ يا مُعاوِيَةُ عَلى أمرٍ لَستَ مِن أهلِهِ ، لا بِفَضلٍ فِي الدِّينِ مَعروفٍ ، وَلا أثرٍ فِي الإسلامِ مَحمُودٍ ، وَأنتَ ابنُ حِزبٍ مِنَ الأحزابِ ، وَابنُ أَعدى قُرَيشٍ لِرَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَلَكِنَّ اللّه َ خَيَّبَكَ ، وَسَتَرِدُّ فَتَعلَمُ لِمَن عُقبى الدَّارِ ، وَتاللّه ِ لَتَلْقينَّ عَن قَليلٍ رَبَّكَ ، ثُمَّ لَيَجزِيَنَّكَ بِما قدَّمَت يَداكَ ، وما اللّه ُ بِظلاَّمٍ لِلعَبيدِ .

أحقيتهُ عليه السلام بالخلافةإنَّ عليَّاً _ رِضوانُ اللّه ِ عَلَيهِ _ لمَّا مَضى لِسبيلِهِ _ رَحمَةُ اللّه ِ عَلَيهِ يَومَ قُبِضَ وَيَومَ مَنَّ اللّه ُ عَلَيهِ بالإسلامِ ، ويَومَ يُبْعَث حَيَّاً _ (1) وَلاَّني المُسلِمونَ الأمرَ بَعدَهُ ، فَأسألُ اللّه َ ألاَّ يَزيدَنا فِي الدُّنيا الزّائِلَةِ شَيئاً يُنقِصُنا بهِ فِي الآخرَةِ مِمَّا عِندَهُ مِن كرامَتِهِ ، وَإنَّما حَمَلَني عَلى الكِتابِ إليكَ الإعذارُ فيما بَيني وَبَينَ اللّه ِ سُبحانَهُ وَتعالى في أمرِكَ ، ولَكَ في ذلِكَ إنْ فَعَلتَ الحَظُّ الجَسيمُ ، ولِلمُسلِمينَ فيهِ صَلاحٌ ، فَدَعِ التّمادِيَ فِي الباطِلِ وادخُل فيما دَخَلَ فيهِ النَّاسُ مِن بَيعَتي ، فَإِنَّكَ تَعلَمُ أنِّي أحَقُّ بِهذا الأمرِ مِنكَ عِندَ اللّه ِ وَعِندَ كُلِّ أوَّابٍ حَفيظٍ ، ومَن لَهُ قَلبٌ مُنِيبٌ .

حثُّ معاوية على التقوىوَاتَّقِ اللّه َ ، ودَعِ البغيَ ، واحْقِن دِماءَ المُسلِمينَ ، فَوَاللّه ِ ما لَكَ مِن خَيرٍ في أنْ تَلقى اللّه َ مِن دِمائِهِم بِأكثَرَ مِمَّا أنتَ لاقِيهِ بهِ ، فادخُل في السِّلم وَالطَّاعَةِ ، ولا تُنازِعِ الأمرَ أهلَهُ ، ومَن هُو أحَقُّ بهِ مِنكَ ، لِيُطفِئَ اللّه ُ النَّائِرَةَ (2) بِذلِكَ ، وَتَجمَعُ الكَلِمَةَ ، وَتُصلِحُ ذاتَ البَيْنِ ، وَإِن أَنتَ أبَيتَ إلاَّ التَّمادِيَ في غَيِّكَ نَهَدتُ (3) إِلَيكَ بالمُسلِمينَ فَحاكَمتُكَ ، حَتَّى يَحكُمَ اللّه ُ بَينَنا ، وَهُوَ خَيرُ الحاكِمينَ .

.


1- . كذا في المصدر .
2- . النّائرة : العداواة والشّحناء .
3- . في شرح نهج البلاغة : «سرت» بدل «نهدت» .

ص: 23

فكتب إليه معاوية : بسم اللّه الرحمن الرحيم من عَبدِ اللّه أميرِ المُؤمِنينَ إلى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ : سلامٌ علَيكَ ؛ فإنِّي أحمَدُ إليكَ اللّه َ الَّذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ . أمَّا بعدُ ؛ فَقَد بلَغني كِتابُكَ ، وَفَهِمتُ ما ذَكَرتَ بهِ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مِنَ الفَضلِ ، وَهُوَ أحَقُّ الأوَّلينَ والآخِرينَ بالفَضْلِ كُلِّهِ قَديمهِ وحَديثِهِ ، صَغيرِهِ وَكبيرِهِ ، فَقَد وَاللّه ِ بَلَّغَ وَأَدَّى ، ونَصَحَ وَهَدى ؛ حَتَّى أنْقَذَ اللّه ُ بهِ مِنَ التَّهلُكَةِ ، وأَنارَ بهِ مِنَ العَمَى ، وَهَدَى بهِ مِنَ الضَّلالَةِ ، فَجزَاه اللّه ُ أفضَلَ ما جَزَى نَبِيّاً عَن أُمَّتِهِ ، وَصَلَواتُ اللّه ِ عَلَيهِ يَوْمَ وُلِدَ ، وَيَومَ قُبِضَ ، وَيَومَ يُبْعَثُ حَيَّاً . وَذَكرتَ وَفاةَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله وتَنازُعَ المُسلِمينَ مِن بَعدِهِ ، فرأيتُكَ صَرَّحتَ بِتُهمَةِ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ ، وَعُمَرَ الفاروقِ ، وَأبي عُبَيدَةَ الأمينِ ، وَحَوارِيِّ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله ، وَصُلَحاءِ المُهاجِرينَ وَالأنصارِ ، فَكَرِهتُ ذلِكَ لَكَ ، فَإنَّكَ امرِؤ عِندَنا وَعِندَ النَّاسِ غَيرُ ظنِينٍ ولا المُسِيء ، وَلا اللّئيمِ ، وَأنَا أحِبُّ لَكَ القَولَ السَّديدَ ، والذِّكرَ الجَميلَ . إنَّ هذهِ الأمَّة لمَّا اختَلَفَت بَعدَ نبيِّها لَم تَجهَل فَضلَكُم وَلا سابِقَتَكُم ، ولا قَرابَتَكُم مِن النَّبيِّ صلى الله عليه و آله ، ولا مكانتكم فِي الإسلامِ وَأهلِهِ ، فَرأتِ الأُمَّةُ أنْ تُخرِجَ هذا الأمرَ لِقُريشٍ لِمكانِها مِن نَبيِّها ، وَرَأى صُلَحاءُ النَّاسِ مِن قُرَيشٍ والأَنصارِ وَغَيرِهِم مِن سائِرِ النَّاسِ وعامَتِهِم أنْ يُوَلُّوا هذا الأمرَ ِمن قُرَيشٍ أَقدَمَها إسلاماً وَأعلَمَها باللّه ِ ، وأحبَّها لَهُ وَأَقواها عَلى أمرِ اللّه ِ ، واختاروا أبا بكرٍ ، وَكانَ ذلِكَ رَأيَ ذوي الحِجى والدِّينِ والفَضيلَةِ ، والنَّاظرين لِلأُمَّةِ ، فَأوقَعَ ذلِكَ في صُدورِكُم لَهُم التُّهمَةَ وَلَم يَكونوا بِمُتَّهَمينَ ، وَلا فيما أتَوا بِمُخطئينَ ، وَلَو رَأى المُسلِمونَ فِيكُم مَن يُغني غَناءَهُ ، أو يَقومُ مَقامَهُ ، أو يَذبُّ عَن حَريمِ المُسلِمينَ ذَبَّهُ ، ما عَدَلوا بذلِكَ الأَمرِ إلى غَيرِهِ رَغبَةً عَنهُ ، وَلكِنَّهُم عَمِلوا (1) في ذلِكَ بِما رَأوهُ صَلاحاً للإسلامِ وأهلِهِ ، فاللّه ُ يَجزيهِم عَنِ الإسلامِ وَأهلِهِ خَيراً . وَقَد فَهِمتُ الَّذي دَعَوتَنِي إليهِ مِنَ الصُّلحِ ، والحالُ فيما بَيني وَبَينَكَ اليومَ مِثلُ الحالِ الَّتي كُنتُم عَلَيها أنتم وَأبو بَكرٍ بَعدَ النّبي صلى الله عليه و آله ، ولو عَلِمتُ أنَّكَ أضبَطُ مِنِّي للرَعيَّةِ ، وأحوَطُ عَلى هذهِ الأُمَّةِ ، وَأحسَنُ سِياسَةً ، وَأقوى عَلى جَمعِ الأموالِ ، وَأكيَدُ للعَدُوِّ ، لَأَجبتُكَ إلى ما دَعَوتَني إليهِ ، وَرَأيتُكَ لِذلِكَ أَهلاً ، ولكنِّي قَد عَلِمتُ أنِّي أطوَلُ مِنكَ وِلايَةً ، وَأقدَمُ مِنكَ لِهذهِ الأُمَّةِ تَجرِبَةً ، وأكثَرُ مِنكَ سِياسَةً ، وأكبرُ مِنكَ سِنَّاً ، فَأنتَ أحَقُّ أن تُجيبَني إلى هذهِ المَنزِلَةِ الَّتي سَألتَني ، فَادخُل في طاعَتي ، وَلَكَ الأمرُ مِن بَعدي ، وَلَكَ ما في بَيتِ مالِ العراقِ مِن مالٍ بالِغاً ما بَلَغَ ، تَحمِلُهُ إلى حَيثُ أَحبَبتَ ، ولَكَ خَراجُ أيِّ كُوَرِ العِراقِ شِئتَ ؛ مَعونةً لَكَ على نَفَقَتكَ ، يَجيبها لكَ أمينُكَ ، ويَحمِلُها إليكَ في كُلِّ سَنَةٍ ؛ ولَكَ ألاَّ يستولى عَلَيكَ بالإساءَةِ ، ولا تُقضى دونَكَ الأُمورُ ، ولا تُعصى في أمر أَرَدت بهِ طاعَةَ اللّه ِ عز و جل . أعاننا اللّه ُ وإيَّاكَ عَلى طاعَتِهِ ، إنَّه سَميعٌ مُجيبُ الدُّعاءِ ، وَالسَّلامُ . (2) أقول : الَّذي يقوى في النَّظر هو تعدُّدُ الكتَّابين لما بين مضمونيهما من الاختلاف ، وكذا بين جوابي معاوية اختلاف شديد ، وإنْ كان بينهما تشابه أيضاً ، هذا وإن نقلهما المعتزلي أحدهما برواية المدائنيّ والآخر برواية الإصبهانيّ ، وظاهرُ كلامه الاتِّحاد كما فهمه في معنى ذلك ، وظاهرُ كلمات الأعلام عَدا المعتزلي التَّعدّد أيضا ، كما أنَّ الإربلي رحمه اللهنقل الكتاب الأوَّل ، كما أسلفنا عنه ، وقال : وكان بينه وبين الحسن عليه السلام مكاتبات ، واحتجَّ عليه الحسن عليه السلام في استحقاقه الأمر وتوثُّبِ مَن تقدَّم على أبيه عليه السلام وابتزازه (3) ؛ كأنَّه يشير إلى هذا الكتاب .

.


1- . في شرح نهج البلاغة : «علموا» بدل «عملوا» .
2- . مقاتل الطّالبيّين : ص 64 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 33 نحوه ؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 39.
3- . كشف الغمّة : ج 2 ص 165 .

ص: 24

. .

ص: 25

4 كتابه عليه السلام إلى معاوية في ترغيبه باتّباع الحقّ

4كتابه عليه السلام إلى معاويةفي ترغيبه باتّباع الحقّكتب معاوية إلى الحسن بن علي عليهماالسلام : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ اللّه عز و جل يَفعلُ في عبادهِ ما يشاءُ «لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ هُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ » (1) فاحْذَر أنْ تكونَ مَنيَّتُكَ على يَد رُعاعٍ مِنَ النَّاسِ ، وَايأس مِن أنْ تَجِدَ فينا غَميزةً (2) ، وإن أنت أعرَضتَ عمَّا أنت فيهِ وَبايعتَني ، وفَيتُ لَكَ بما وَعَدتُ ، وَأجَزتُ لَكَ ما شَرَطتُ ، وأكونُ في ذلِكَ كما قالَ أعشى بني قَيسٍ بنِ ثَعلبة : وَإنْ أحَدٌ أسدى إليكَ أمانَةًفَأَوفِ بِها تُدْعَى إذا مِتَّ وافِياً وَلا تَحسُدِ المَولَى إذا كان ذا غِنىًوَلا تجْفُه إنْ كان فِي المالِ فانِياً ثُمَّ الخلافَةُ لَكَ مِن بعدي ، فَأنتَ أولى النَّاسِ بها ، والسَّلامُ . فأجابه الحسن بن علي عليهماالسلام : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم أمَّا بَعدُ ؛ وَصَلَ إليَّ كِتابُكَ ، تَذكُرُ فيهِ ما ذَكَرتَ ، فَتَركتُ جَوابَكَ خَشيَةَ البَغي عَلَيكَ ، وبِاللّه ِ أَعوذُ مِن ذلِكَ ، فاتَّبِعِ الحَقَّ تَعلَم أنِّي مِن أهلهِ ، وَعَلَيَّ إثمٌ أنْ أَقولَ فأكذِبُ ، والسَّلام . فلمَّا وصل كتاب الحسن إلى معاوية قرأه ، ثمَّ كتب إلى عمَّاله على النّواحي نسخة واحدة : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم من معاوية أمير المؤمنين إلى فلان بن فلان ، ومن قِبَله من المسلمين . سلام عليكم ، فإنِّي أحمد إليكم اللّه الَّذي لا إله إلاَّ هو ، أمَّا بعدُ ؛ فالحمد للّه الَّذي كفاكم مُؤنَةَ عَدوِّكم ، وَقَتَلَةَ خَليفَتِكُم ، إنَّ اللّه َ بلُطْفهِ ، وحُسنِ صُنْعِهِ ، أتاحَ لِعليِّ بن أبي طالبٍ رَجُلاً من عباده ، فاغتالَهُ فقَتَلهُ ، فتَرَك أصحابَهُ مُتفرِّقينَ مُختَلِفينَ ، وَقد جاءَتنا كُتُبُ أشرافِهِم وقادَتِهِم يَلتَمسونَ الأمانَ لِأنفُسِهِم وَعشائِرِهِم ؛ فَأقبِلوا إليَّ حِينَ يأتيكُم كِتابي هذا بِجُندِكُم وجُهدِكُم وَحُسنِ عِدَّتِكُم ، فَقَد أصَبتم بِحَمدِ اللّه ِ الثَأرَ ، وبَلَغتُمُ الأمَلَ ، وَأهلَكَ اللّه ُ أهلَ البغي والعُدوانِ ، والسَّلامُ عَليكُم ورَحمَةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ . (3)

.


1- . الرّعد : 41 .
2- . الغميزة : المطعن .
3- . مقاتل الطّالبيّين : ص 68 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 37 ؛ المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 32 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 55 كلّها مع اختلاف يسير.

ص: 26

. .

ص: 27

5 كتابُه عليه السلام إلى معاوية في إظهار دسائسه

5كتابُه عليه السلام إلى معاويةفي إظهار دسائسهعمرو بن ثابت قال : كنت أختلف إلى أبي إسحاق السَّبيعيّ 1 سَنة أسأله عن خطبة الحسن بن عليّ عليه السلام ، فلا يحدِّثني بها، فدخلت إليه في يوم شات وهو في الشَّمس وعليه برنسه كأ نَّه غُول، فقال لي: مَن أنت؟ فأخبرته ، فبكى وقال : كيف أبوك؟ وكيف أهلك؟ قلت: صالحون، قال : في أيّ شيء تردّد منذ سَنة؟ قلت : في خطبة الحسن بن عليّ بعد وفاة أبيه . قال : (حدَّثني هُبَيْرَة بن بريم 2 ) (1) ، وحدَّثني محمَّد بن محمَّد الباغنديّ ، ومحمَّد بن حَمدان الصّيدلانيّ ، قالا : حدَّثنا إسماعيل بن محمَّد العلويّ ، قال : حدَّثني عمِّي عليّ بن جعفر بن محمَّد ، عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن الحسن ، عن أبيه ، دخل حديث بعضهم في حديث بعض ، والمعنى قريب ، قالوا : خطب الحسن بن عليّ عليهماالسلام بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : لَقَد قُبِضَ في هذهِ اللَيلَةِ رجُلٌ لَم يَسبِقْهُ الأوَّلونَ بِعَمَلٍ ، وَلا يُدرِكُهُ الآخِرونَ بِعَمَلٍ ، وَلَقَد كانَ يُجاهِدُ مَعَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَيَقيهِ (2) بِنَفسِهِ ، وَلَقَد كانَ يُوَجِّهُهُ بِرايَتِهِ ، فَيَكتَنِفُهُ جَبرَئيلُ عَن يَمينِهِ ، وميكائيلُ عَن يَسارِهِ ، فَلا يَرجِعُ حَتَّى يَفتَحَ اللّه ُ عَلَيهِ ، وَلَقَد تُوفِّيَ في هذهِ الليلةِ الَّتي عُرجَ فيها بِعيسى بنِ مَريمَ ، ولقد تُوفِّيَ فيها يُوشَعُ بنُ نوحٌ وَصِيُّ موسى ، وما خَلَّفَ صَفْراءَ ولا بَيضاءَ إلاَّ سَبعمائَةَ دِرهَمٍ مِن عَطائِهِ ، أرادَ أنْ يَبتاعَ بِها خادِماً لِأَهلِهِ . ثمَّ خَنَقَتهُ العَبرَةُ ، فَبَكى وَبَكى النَّاسُ مَعَهُ ، ثُمَّ قالَ : أيُّها النَّاسُ مَن عَرَفَني فَقَد عَرَفَني ، وَمَن لَم يَعرِفني فَأنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، أنَا ابنُ البشيرِ ، أنَا ابنُ النَّذيرِ ، أنا ابنُ الدَّاعي إلى اللّه ِ عز و جل بإذنِهِ ، وَأنَا ابنُ السِّراجِ المُنيرِ ، وَأنَا مِن أهلِ البَيت ِ الَّذينَ أذهَبَ اللّه ُ عَنهُمُ الرِّجسَ وَطَهَّرَهُم تَطهيراً ، والَّذين افترَضَ اللّه ُ مَوَدَّتُهم في كتابِهِ إذْ يقولُ : « وَ مَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا » (3) . فاقترافُ الحَسَنَةِ مَوَدَّتُنا أهلَ البَيتِ . قال أبو مِخْنَف 6 عن رجالِهِ : ثمَّ قامَ ابن عبَّاس بَينَ يَدَيهِ ، فَدَعا النَّاسَ إلى بَيعَتِهِ ، فاستجابوا لَهُ ، وَقالوا : ما أحبّه إلينا وأحقّه بالخلافة فبايعوه . ثم نزل عن المنبر . قال : ودسَّ معاوية رجلاً من بني حِمْيَر إلى الكوفة ، ورجلاً من بني القَيْن إلى البصرة يكتبان إليه بالأخبار ، فدُلَّ على الحِمْيريّ عند لحام جرير ، وَدُلَّ على القَيْنيّ بالبصرة في بني سُليم ، فَأُخِذا وَقُتِلا . وَكَتبَ الحسَنُ إلى مُعاوِيَةَ : أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّك دَسَستَ إليَّ الرِّجالَ ، كأنَّك تُحِبُّ اللّقاءَ ؛ وما أَشُكُّ في ذلِكَ فَتَوَقَّعهُ إِن شاءَ اللّه ُ ، وَقَد بَلَغَني أنَّك شَمِتَّ بِما لا يَشمَتُ بهِ ذَوو الحِجى ؛ وَإنَّما مَثَلُكَ في ذلِكَ كما قالَ الأوَّلُ : وَقُلْ للَّذِي يَبغي خِلافَ الَّذِي مَضىتَجَهَّز لِأُخرى مِثلَها فَكَأنْ قَدِ وَإنَّا وَمَن قَد ماتَ مِنَّا لَكالَّذِييَروحُ ويُمسي فِي المَبيت لِيَغتدِي فأجابه معاوية : أمَّا بعدُ ؛ فقد وصل كتابُكَ ، وَفَهِمتُ ما ذكرتَ فيهِ ؛ وَلَقد عَلِمتُ بما حدَثَ فَلم أفرح ولم أحزن ، وَلَم أشمَت وَلَم آسَ ، وإنَّ عليَّ بنَ أبي طالِبٍ كما قال أعشى بني قَيْسِ بنِ ثعلَبَةَ : وَأنْتَ الجَوادُ وأنتَ الَّذيإذا ما القلوبُ مَلأنَ الصُّدُورا جَديرٌ بِطَعنَةِ يَومِ اللِّقاءِ تَضرِبُ منها النِّساءُ النُّحورَا وَما مُزْبَدٌ (4) مِن خَليجِ البحارِ يَعلْو الإكامَ ويَعلُو الجُسورا بِأجَودَ مِنهُ بِما عِندَهُفَيُعطي الأُلوفَ وَيُعطى البُدُورا (5)

.


1- . في شرح نهج البلاغة : «مريم» بدل «بريم» ، أقول : ما وجدنا له بهذا العنوان اسماً في كتب رجال الحديث .
2- . في شرح نهج البلاغة : «فيسبقه» بدل «فيقيه» .
3- . الشّورى : 23 .
4- . في شرح نهج البلاغة : «مِزْيَد» بدل «مُزْبَد» .
5- . مقاتل الطّالبيين : ص 61 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 31 نحوه وراجع : الإرشاد : ج 2 ص 9 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 164 ، الفصول المهمّة : ص 47 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 45 ح 5 .

ص: 28

. .

ص: 29

. .

ص: 30

6 كتابُه عليه السلام إلى أهل الكوفة بعد نقضهم العهد

6كتابُه عليه السلام إلى أهل الكوفةبعد نقضهم العهدروى الحارثُ الهمدانيّ 1 قال : لمَّا مات عليٌّ عليه السلام ، جاء النَّاس إلى الحسن بن عليّ عليهماالسلام فقالوا له : أنتَ خليفة أبيك ، ووصيُّه ، ونحنُ السَّامعون المطيعون لك ، فمرنا بأمرك . قال عليه السلام :كذبتم ، واللّه ، ما وفيتم لمَن كان خيراً منِّي فكيف تفون لي؟! أو كيف أطمئنّ إليكم؟ ولا أثق بكم . إن كنتم صادقين فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن ، فوافوني هناك . فركب ، وركب معه مَن أراد الخروج ، وتخلَّف عنه خلقٌ كثير لم يفوا بما قالوه ، وبما وعدوه ، وغرّوه كما غرّوا أمير المؤمنين عليه السلام من قبله . فقام خطيباً وقال : قد غَرَرتُموني كما غَرَرتُم مَن كانَ قَبلي ، مَعَ أيِّ إمامٍ تُقاتِلونَ بَعدي! مَعَ الكافِرِ الظَّالِمِ ، الَّذي لَم يُؤمِن باللّه ِ ، وَلا بِرَسولِهِ قَطُّ ، وَلا أظهَرَ الإسلامَ هُو وَلا بَنو أمَيَّةَ إلاَّ فَرَقاً (1) مِنَ السَّيفِ؟! وَلو لَم يَبقَ لِبني أُمَيَّة إلاَّ عَجوزٌ دَرداءُ (2) لَبَغَت دِينَ اللّه ِ عِوَجاً ، وهَكذا قالَ رسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله .

.


1- . فرق : جزع و اشتد خوفه .
2- . الدّرداء : الّتي سقطت أسنانها كلّها .

ص: 31

. .

ص: 32

ثُمَّ وَجَّهَ إليهِ قائِداً في أربَعةِ آلافٍ ، وَكانَ مِن كِندَةَ ، وَأمَرَهُ أنْ يُعَسكِرَ بالأنبارِ (1) ولا يُحدِثَ شَيئاً حَتَّى يَأتيه أمرُهُ . فَلَمَّا تَوَجَّه إلى الأنبارِ ، وَنَزَلَ بِها ، وَعَلِمَ مُعاوِيَةُ بِذلِكَ بَعَثَ إليهِ رُسُلاً ، وَكتَبَ إليهِ مَعَهُم : إنَّك إن أقبلت إليَّ ولَّيتُكَ بَعضَ كُوَرِ الشَّامِ ، أو الجَزيرَةِ ، غَيرَ مُنفِسٍ عَلَيكَ . وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم ، فقبض الكنديّ _ عدو اللّه _ المال ، وقلب على الحسن عليه السلام وصار إلى معاوية ، في مائتي رجل من خاصَّته وأهل بيته . وبلغ الحسن عليه السلام ذلك فقام خطيباً وقال : هذا الكِندِيُّ تَوَجَّهَ إلى مُعاوِيَةَ وَغَدَرَ بي وَبِكُم ، وَقَد أخبَرتُكُم مَرَّةً بَعدَ أُخرى ، أنَّهُ لا وَفاءَ لَكُم ، أَنتُم عَبيدُ الدُّنيا ، وَأَنا مُوَجّهٌ رَجُلاً آخَرَ مَكانَهُ ، وَأنا أَعلَمُ أنَّهُ سَيَفعَلُ بي وبِكُم ما فَعَلَ صاحِبُهُ ، لا يُراقِبُ اللّه َ فِيَّ ولا فيكُم . فبعث إليه رجلاً من مراد في أربعة آلاف ، وتقدَّم إليه بمشهد من النَّاس ، وتوكَّد عليه ، وأخبره أنَّه سيغدر كما غدر الكنديّ ، فحلف له بالأيمان الَّتي لا تقوم لها الجبال أنَّه لا يفعل . فقال الحسن عليه السلام : إنَّهُ سَيَغدِرُ . فلمَّا توجَّه إلى الأنبار ، أرسل معاوية إليه رسلاً ، وكتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه ، وبعث إليه بخمسمائة ألف درهم ، ومنَّاه أيّ ولاية أحبّ من كور الشَّام ، أو الجزيرة ، فقلب على الحسن عليه السلام ، وأخذ طريقه إلى معاوية ، ولم يحفظ ما أخذ عليه من العهود ، وبلغ الحسن عليه السلام ما فعل المراديّ ، فقام خطيباً وقال : قد أخبَرتُكُم مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ أنَّكُم لا تَفونَ للّه ِِ بِعُهودٍ ، وَهذا صاحِبُكُم المُرادِيُّ غَدَرَ بي وَبِكُم ، وَصارَ إلى مُعاوِيَةَ . ثمَّ كتب معاوية إلى الحسن عليه السلام : يا ابن عمّ ، لا تقطع الرَّحم الَّذي بيني وبينك ، فانَّ النَّاس قد غدروا بك وبأبيك من قبلك . فقالوا[ أصحابُ الحسن عليه السلام ] : إن خانك الرَّجلان وغدرا ، فإنَّا مناصحون لك . فقال لهم الحسن عليه السلام : لَأعودَنَّ هذهِ المرَّةَ فيما بَيني وَبَينَكُم ، وَإنِّي لَأَعلَمُ أنَّكُم غادِرونَ ، والمَوعِدُ ما بيني وَبَينَكُم ، إنَّ مُعَسكَري بالنُّخَيلَةِ ، فَوافوني هُناكَ ، وَاللّه ِ لا تَفونَ لي بِعَهدٍ ، وَلَتَنقُضُنَّ المِيثاقَ بَيني وَبَينَكُم . ثم إنَّ الحسن عليه السلام أخذ طريق النُّخيلة ، فعسكر عشرة أيَّام ، فلم يحضره إلاَّ أربعة آلاف ، فانصرف إلى الكوفة فصعد المنبر ، وقال : يا عَجَباً مِن قَومٍ لا حَياءَ لَهُم ولا دِينَ مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ ، وَلَو سَلَّمتُ إلى مُعاوِيَةَ الأمرَ فَأَيمُ اللّه ِ لا تَرونَ فَرَجاً أبداً مَعَ بني أُمَيَّةَ ، وَاللّه ِ ، لَيَسومَنَّكُم سُوءَ العذابِ ، حَتَّى تَتَمَنَّونَ أَن يَلِيَ عَلَيكُم حَبَشِيَّاً ، وَلَو وَجَدتُ أعواناً ما سَلَّمتُ لَهُ الأمرَ ، لأنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلى بني أمَيَّةَ ، فَاُفٍّ وَتَرَحاً يا عَبيدَ الدُّنيا . وكتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية بأنَّا معك ، وإنْ شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك . ثمَّ أغاروا على فسطاطه ، وضربوه بحربة ، فأُخذ مجروحاً . ثُمَّ كَتَبَ جواباً لِمعاوِيَةَ : إنَّ هذا الأمرَ لي ، والخِلافةَ لي ولِأَهلِ بَيتي ، وإنَّها لَمُحَرَّمَةٌ عَلَيكَ وَعَلى أهل بَيتِكَ ، سَمِعتُهُ من رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله ، لَو وَجَدتُ صابِرينَ عارِفينَ بِحَقِّي غَيرَ مُنكِرِينَ ، ما سَلَّمتُ لَكَ ولا أعطَيتُكَ ما تُريدُ . وَانصرَفَ إلى الكُوفَةِ . (2)

.


1- . الأنبار : مدينة على نهر الفرات ، غربي بغداد .
2- . الخرائج والجرائح : ج 2 ص 574 الرّقم4 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 44 ، الصّراط المستقيم : ج 2 ص 178.

ص: 33

. .

ص: 34

7 كتابُه عليه السلام لأصحابه جواباً على تعزيتهم له في ابنةٍ

7كتابُه عليه السلام لأصحابهجواباً على تعزيتهم له في ابنةٍأخبرنا محمَّدبن محمَّد ، قال : أخبرنا الشّريف أبو عبداللّه محمَّد بن محمَّد بن طاهر ، قال : أخبرنا أبو العبَّاس أحمد بن محمَّد بن سعيد ، قال : حدَّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفيّ ، قال : حدَّثنا الحسين بن محمَّد ، قال : حدَّثنا أبي ، عن عاصم بن عمر الجعفيّ ، عن محمَّد بن مسلم العبديّ ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول :كتب إلى الحسن بن عليّ عليه السلام قوم من أصحابه يُعَزُّونه عن ابنةٍ لَهُ . فكتب إليهم : أمَّا بَعدُ ؛ فَقَد بَلَغَني كِتابُكُم تُعَزُّوني بِفُلانَةَ ، فَعِندَ اللّه ِ أحتَسِبُها تَسليماً لِقَضائِهِ ، وَصَبراً عَلى بَلائِهِ ، فَإن أوجَعَتنا المَصائِبُ ، وَفَجَعَتنا النَّوائِبُ بالأَحِبَّةِ المَألوفَةِ الَّتي كانَت بِنا حَفِيَّةً (1) ، والإخوانِ المحبين (2) الَّذين كانَ يُسَرُّ بِهِمُ النَّاظِرونَ ، وتَقَرُّ بِهِمُ العُيونُ ، أَضحَوا قَد اختَرمَتهُمُ الأَيَّامُ ، وَنَزَلَ بِهِمُ الحِمامُ ، فَخَلَّفوا الخُلوفَ (3) ، وَأَودَت بِهِمُ الحُتُوفُ (4) ، فَهُم صَرعى في عَساكِرِ المَوتى ، مُتجاوِرونَ في غَيرِ مَحِلِّةٍ التَّجاوُرِ ، وَلا صِلاتٍ بَينَهُم وَلا تَزاوُرَ ، ولا يَتلاقَونَ عَن قُربِ جِوارِهِم ، أَجسامُهُم نائِيَةٌ مِن أَهلِها ، خالِيَةٌ مِن أربابِها ، قد أَخشَعَها إخوانُها (5) ، فَلَم أرَ مِثلَ دارِها داراً ، وَلا مِثلَ قَرارِها قَراراً ، في بُيوتٍ مُوحِشَةٍ ، وحُلولٍ مُخضعَةٍ ، قَد صارَت في تِلكَ الدِّيارِ المُوحِشَةِ ، وَخَرَجَت عَنِ الدَّارِ المُؤنِسَةِ ، فَفارَقَتها مِن غَيرِ قِلىً (6) ، فاستَودَعَتها البَلاءَ ! وَكانَت أمَةً مَملوكَةً ، سَلَكَت سَبيلاً مَسلوكَةً ، صارَ إليها الأَوَّلونَ ، وَسَيَصيرُ إليها الآخِرونَ ، وَالسَّلامُ . (7)

.


1- . الحفيّ : البَرّ اللطيف .
2- . في المصدر : «المحبُّون» ، وما أثبتناه هو الصحيح ، كما في بحار الأنوار .
3- . خلوف: جمع خلف، أي عوض، يقال: خلَفَ اللّه لك خلفا بخير، وأخلف عليك خيرا (النهاية: ج 2 ص 66) .
4- . الحتوف : جمع الحتف بمعنى الموت .
5- . أحزانها .
6- . القِلى : البغض والهجران .
7- . الأمالي للطوسي : ص 202 ح 345 ، بحار الأنوار : ج 43 ص 336 ح 6 وج82 ص 109 ح 54.

ص: 35

8 كتابُه عليه السلام إلى معاوية في تخويله الأمر إليه

8كتابُه عليه السلام إلى معاويةفي تخويله الأمر إليهدسَّ معاوية إلى عمرو بن حريث ، والأشعث بن قيس ، وإلى حجر بن الحجر ، وشبث بن ربعيّ دسيساً ، أفرد كلَّ واحد منهم بعين من عيونه ، أنَّك إنْ قتلتَ الحسن بن عليّ فلَك مائتا ألف درهم ، وجُنْدٌ من أجناد الشَّام ، وبنْتٌ من بناتي . فبلَغ الحسن عليه السلام ذلك ، فاستلأم ولبس دِرْعاً وكفَّرها (1) ، وكان يحترز ولا يتقدَّم للصَّلاة بهم إلاَّ كذلك ، فرماه أحدهم في الصَّلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللاَّمة . فلمَّا صار في مظلم ساباط ضربه أحدهم بخنجر مسموم ، فعمل فيه الخنجر ، فأمر عليه السلام أنْ يُعدَل به إلى بطن جريحى ، وعليها عمُّ المختار بن أبي عبيد مسعود بن قيلة ، فقال المختار لعمِّه : تعال حتَّى نأخذ الحسن ونسلّمه إلى معاوية فيجعل لنا العراق ، فبدر بذلك الشِّيعة من قول المختار لعمِّه ، فهمّوا بقتل المختار ، فتلطّف عمُّه لمساءلة الشِّيعة بالعفو عن المختار ، ففعلوا ، فقال الحسن عليه السلام : وَيلَكُم ، وَاللّه ِ ، إنَّ مُعاوِيَةَ لا يفي لِأَحدٍ مِنكُم بِما ضَمِنَهُ في قتلي ، وَإنِّي أَظُنُّ أ نّي إن وَضَعتُ يَدي في يَدِهِ فَاُسالِمُهُ لَم يَترُكني أَدينُ لِدينِ جَدي صلى الله عليه و آله ، وَإنِّي أَقدِرُ أن أعبُدَ اللّه َ وَحدي ، وَلكِنّي كَأنِّي أَنظُرُ إلى أبنائِكُم واقِفينَ عَلى أَبوابِ أبنائِهِم يَستسقونَهُم ويَستَطعِمونَهُم بِما جَعَلَهُ اللّه ُ لَهُم فَلا يُسقَونَ وَلا يُطعَمونَ ، فَبُعداً وَسُحْقاً لِما كَسَبَتهُ أَيديكُم! «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَ_لَمُوا أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ » (2) . فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم فيه . فكتب الحسن عليه السلام من فوره ذلك إلى معاوية : أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّ خطبي انْتهى إلى اليَأسِ مِن حَقٍّ أُحييهِ ، وَباطِلٍ اُميتُهُ ، وخَطبُكَ خَطبُ مَن انتهى إلى مُرادِهِ ، وَإنَّني أعتَزِلُ هذا الأَمرَ وَاُخلّيهِ لَكَ ، وَإن كانَ تَخلِيَتي إيَّاهُ شَرَّاً لَكَ في مَعادِكَ . وَلِي شُروطٌ أَشرُطُها لا تَبهُظَنَّكَ إن وَفَيتَ لي بِها بِعَهدٍ ، وَلا تَخِفُّ إنْ غَدَرتَ . _ وكتب الشَّرط في كتاب آخر فيه يمنيه بالوفاء وترك الغدر _ وسَتندَمُ يا مُعاوِيَةُ كما نَدِمَ غَيرُكَ مِمَّن نَهضَ في الباطِلِ أو قَعَدَ عَنِ الحَقِّ ، حِينَ لَم يَنفَعِ النَّدَمُ ، وَالسَّلام . (3)

.


1- . كلُّ من ستر شيئا ، فقد كفَرَهُ وكفَّره (لسان العرب : ج 15 ص 146) .
2- . الشّعراء : 227 .
3- . علل الشّرائع : ص 220 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 33 وراجع : الإرشاد : ج 2 ص 12 ، كشف الغمّة : ج 1 ص 166 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 41.

ص: 36

. .

ص: 37

الفصل الثالث : مكاتيبه من الصُّلح حتّى الاستشهاد

9 كتابُه عليه السلام إلى معاوية في الصّلح وشروطه

الفصل الثالث :مكاتيبه عليه السلام من الصُّلح حتّى الاستشهاد9كتابُه عليه السلام إلى معاويةفي الصُّلح وشروطهوَمِن كلامِهِ عليه السلام ما كَتبهُ في كتابِ الصُّلحِ الَّذي اسْتَقَرَّ بَينَهُ وَبَينَ مُعاوِيَةَ ، حَيثُ رأى حَقنَ الدِّماءِ وإطفاءَ الفِتنَةِ ، وَهُو :بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم هذا ما صالَحَ (1) عَلَيهِ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ مُعاوِيَةَ بنَ أبي سُفيانَ ، صالَحَهُ عَلى : (أوَّلاً) : أنْ يُسَلِّمَ إلَيهِ وِلايَةَ أمرِ المُسلِمينَ (2) عَلى أنْ يَعمَلَ فِيهِم بِكتابِ اللّه ِ تَعالى ، وسُنَّةِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَسيرَةِ الخُلَفاءِ الرَّاشدينَ (3) . (ثانياً) : وَلَيسَ لِمُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ أنْ يَعهَدَ إلى أَحَدٍ مِن بَعدِهِ عَهداً ، بَل يَكونُ الأَمرُ مِن بَعدِهِ شورى بَينَ المُسلِمينَ . (ثالثاً) : وَعَلى أنَّ النَّاسَ آمِنونَ حَيثُ كانوا مِن أَرضِ اللّه ِ ، شامِهِم ، وَعِراقِهِم ، وحِجازِهِم ، وَيَمَنِهِم (4) . (رابعاً) : وَعَلى أنَّ أصحابَ عَلِيٍّ وَشيعَتِهِ آمِنونَ عَلى أَنفُسِهِم ، وَأَموالِهِم ، وَنسائِهِم ، وأَولادِهِم . وَعَلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ بِذلِكَ عَهدُ اللّه ِ وَميثاقُهُ ، وَما أخَذَ اللّه ُ عَلى أحَدٍ مِن خَلقِهِ بالوَفاءِ بِما أَعطى اللّه َ مِن نَفسِهِ . (خامساً) : وَعَلى أنْ لا يَبغي لِلحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ ، وَلا لِأَخيهِ الحُسَينِ ، وَلا لِأَحَدٍ مِن أهلِ بَيتِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله غائِلَةً سِرَّاً وَلا جَهراً،وَلا يُخيفُ أحَدَاً مِنهُم في أُفُقٍ مِنَ الآفاقِ. شَهِدَ عَلَيهِ بِذلِكَ (5) ، وَكَفى بِاللّه ِ شَهيداً ؛ فُلانٌ وفلان ، وَالسَّلامُ .

.


1- . في الفتوح : «اصطلح» بدل «صالح» .
2- . في الفتوح : «المؤمنين» بدل «المسلمين» .
3- . في الفتوح والأنساب : «الصّالحين» بدل «الراشدين» .
4- . في الفتوح : «تهامهم» بدل «يمنهم» .
5- . وفي الفتوح : ( شهد على ذلك ، عبد اللّه بن نوفل بن الحارث ، و عمر بن أبي سلمة ، وفلان وفلان) بدل (شهد عليه بذلك ، وكفى باللّه شهيداً ؛ فلان وفلان ، والسَّلام) ، وفي الأنساب : ( شهد عبد اللّه بن الحارث ، و عمرو بن سلمة) بدل ( شهد عليه بذلك ، وكفى باللّه شهيداً ؛ فلان وفلان ، والسَّلام) .

ص: 38

وَلَمَّا تمَّ الصُّلحُ ، وانبرَمَ الأمرُ ، الْتَمَسَ مُعاوِيَةُ مِنَ الحَسَنِ عليه السلام أنْ يَتَكلَّمَ بِمَجمَعٍ مِنَ النَّاسِ ، وَيُعلِمَهُم أَنَّهُ قَد بايَعَ مُعاوِيَةَ ، وَسَلَّمَ الأمرَ إِليهِ ، فَأجابَهُ إلى ذلِكَ ، فَخَطبَ _ وَقَد حَشَدَ النَّاسَ خُطبَةً ، حَمِدَ اللّه َ تعالى وصلَّى عَلى نَبيِّهِ صلى الله عليه و آله فيها ، وَهِي من كلامه المنقول عنه عليه السلام وَقالَ : أيُّها النَّاسُ إنَّ أكْيَسَ الكَيسِ التُّقى ، وَأَحمَقَ الحُمقِ الفُجورُ ، وَإنَّكم لَو طَلَبتُم ما بَينَ جَابَلْقَ وجَابَرْسَ (1) رَجُلاً جَدُّهُ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ما وَجَدتموهُ غَيري ، وَغيرَ أخِيَ الحُسينِ ، وقَد عَلِمتُم أنَّ اللّه َ هَداكُم بِجَدَّي مُحَمَّدٍ فَأَنقَذَكُم بهِ مِنَ الضَّلالَةِ ، وَرَفَعَكُم بهِ مِنَ الجَهالَةِ ، وأعزَّكُم بهِ بَعدَ الذِّلَةِ ، وكَثَّركُم بهِ بَعدَ القِلَّةِ . إنَّ مُعاوِيَةَ نازَعَني حَقَّاً هُوَ لي دُونَهُ ، فَنَظَرتُ لِصَلاحِ الأُمَّةِ وَقَطعِ الفِتنَةِ ، وَقَد كُنتُم بايَعتُموني عَلى أن تُسالِمونَ مَن سالَمتُ ، وَتُحارِبونَ مَن حارَبتُ ، فَرَأيتُ أن أسالِمَ مُعاوِيَةَ ، وَأضَعَ الحَربَ بَيني وَبَينَهُ وَقَد بايَعتُهُ ، وَرَأيتُ حَقنَ الدِّماءِ خَيرا مِن سَفكِها ، ولَم أُرِد بذِلِكَ إلاَّ صلاحَكُم وَبقاءَكُم ، وإن أَدري لَعَلَّهُ فِتنَةٌ لَكُم وَمتاعٌ إلى حِينٍ . (2) أقول : كتب معاوية كتاباً إلى الحسن عليه السلام مشتملاً على الصُّلح ، وبُنُوده وشرُوطه وأرسله إليه أنْ لو أمَّنت النَّاس بايعتك : قال البلاذريّ : ووَجَّه معاوية إلى الحسن عبد اللّه بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس _ ثمَّ ذكر ما جرى بينه وبين الحسن عليه السلام فقال : وبعث أي الحسن عليه السلام _ معهما عمرو بن سلمة الهمدانيّ ثمَّ الأرحبيّ ، ومحمَّد بن الأشعث الكنديّ ، ليكتبا على معاوية الشَّرط ويعطياه الرّضى . فكتب معاوية كتاباً نسخته : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم هذا كتاب للحسن بن عليّ من معاوية بن أبي سفيان . إنِّي صالَحتُك عَلى أنَّ لكَ الأمرَ مِن بَعدي ، ولَكَ عَهدُ اللّه ِ وَميثاقُهُ وذِمَّتُه وذِمَّةُ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، وَأشدُّ ما أخَذَهُ اللّه ُ عَلى أحَدٍ مِن خَلقِهِ مِن عَهدٍ وَعَقدٍ ، لا أبغيكَ غائِلَةً وَلا مَكروهاً ، وَعَلى أن أعطِيَكَ في كُلِّ سَنَةٍ ألفَ ألفَ دِرهَمٍ مِن بَيتِ المالِ ، وَعَلى أنَّ لَكَ خَراجَ فَسا ، وَدرّ أبجردَ ، تَبعَثُ إليهِما عُمَّالَكَ وتصنَعُ بِهِما ما بَدا لَكَ . شَهِدَ عَبدُ اللّه ِ بنُ عامِرٍ ، وَعَبدُ اللّه ِ بنُ سلَمَةَ الهَمدانيّ ، وَعَبدُ الرَّحمنِ بنُ سَمرَةَ ، ومُحَمَّدُ بنُ الأشعَثِ الكِنديّ . وَكُتِبَ في شَهرِ رَبيعِ الآخِرِ سَنَة إحدى وَأربَعينَ . فلمَّا قرأ الحسن الكتاب قال : يُطَمِّعُني معاويَةُ في أمرٍ لَو أرَدتُ لَم أُسلِّمهُ إليهِ . ثمَّ بعث الحَسَنُ عَبدَ اللّه ِ بنَ الحارِثِ بنَ نوفَلٍ بنِ الحارِثِ بنِ عَبدِ المُطّلبِ ، وَأُمُّهُ هِند بنتُ أبي سفيانَ ، فقالَ لَهُ : ائتِ خالَكَ ، فَقُل لَهُ : إن أمِنتَ بالنَّاسِ بايَعتُكَ . فدفع معاوية إليه صحيفة بيضاء قد خُتم في أسفلها ، وقال : اكتب فيها ما شئت ، فكتب الحسن : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم .. . الحديث . (3) أقول : هذا ما عثرنا عليه من نصّ كتاب الصُّلح بإملاء الحسن عليه السلام ، والَّذي يصرّح به المحقِّقون من موادّ الصُّلح ، أكثر ممَّا ذكر فيه ، أو مخالف لما ذكر فيه ، فمن الملائم أن نذكر شروط الصُّلح على ما نقله المُؤرِّخون والمحدِّثون حتَّى يتَّضح مقدار الخلاف : 1 _ شرط عليه السلام أن يعمل بكتاب اللّه تعالى وسنَّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله . 2 _ وأن يعمل على سيرة الخلفاء الرَّاشدين . 3 _ ليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد من بعده . (4) 4 _ أن يكون الأمر بعده للحسن عليه السلام . (5) 5 _ فإن حدث للحسن حدث فالأمر للحسين عليهماالسلام . (6) 6 _ الأمن العام لعموم النَّاس الأسود والأحمر، بالعراق والحجاز ، وأن يحتمل عنهم معاوية ما كان فيما مضى ، وأن لا يؤخذ أهل العراق بإحْنَة . (7) 7 _ أن لا يسمّيه أمير المؤمنين (8) ؛ أي الحسن عليه السلام لا يُسمِّي مُعاويةَ بلقب أمير المؤمنين ، أو لا يتسمَّى معاوية بهذا اللَّقب في مكاتباته ومخاطباته . 8 _ أن لا يقيم عنده الشَّهادة . (9) 9 _ أن يترك سبّ أمير المؤمنين عليه السلام ، وأن لا يذكره إلاَّ بخير ، وأن يعدل عن القنوت عليه . (10) 10 _ أن يوصل إلى كلّ ذي حقّ منهم حقّه . (11) 11 _ أن يؤمن شيعته ولا يتعرض لأحد منهم بسوء . (12) هذا بعد ما اشترط الأمن لجميع النَّاس ، أحمرهم وأسودهم تأكيداً وتوثيقاً ، وذلك لما يعلم من الضَّغائن في صدر الأُموي اللّعين ، حتَّى قيل أنَّه راجعه في عشرة منهم قيس بن سعد بن عبادة 13 ؛ الذي توعّده مُعاوية قائلاً : إنِّي حلفت أنِّي متى ظفرت بقيس بن سعد أن أقطع لسانه ويده ، فراجعه الحسن عليه السلام إنِّي لا أبايعك أبداً وأنت تطلب قيساً أو غير قيس بتبعة قلّت أو كثرت ، فبعث إذ ذَّاك إليه معاوية برقّ أبيض . (13) 12 _ أن يفرِّق في أولاد مَن قتل مع أبيه يوم الجمل ، وأولاد مَن قتل مع أبيه بصفين ألف ألف درهم ، وأن يجعل ذلك من خراج دار أبجرد . (14) 13 _ أن لا يبتغي للحسن بن عليّ ، ولا لأخيه الحسين( عليهماالسلام) ، ولا لأحد من أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، غائلة سرَّاً ولا جهراً ، ولا يخيف أحداً منهم في أُفق من الآفاق . (15) 14 _ أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة ، ويقضى عنه ديونه ، ويدفع إليه في كلّ عام مائةَ ألف . (16) وقد اهتمّوا بذكر هذا الشَّرط لأسباب وأهداف لا تخفى على المتأمّل ، وإليك عبائر القوم : ففي تاريخ الخلفاء : وعلى أن يقضي عنه ديونه (17) . وفي المناقب : ويوفّر عليه حقّه ، كلّ سنة خمسون ألف درهم (18) . وفي مقاتل الطّالبيّين نقلاً عن كتاب معاوية إليه عليه السلام : ولك ما في بيت مال العراق من مال بالغاً ما بلغ ، تحمله إلى حيث أحببت ، ولك خراج أيّ كور العراق شئت ، معونة لك على نفقتك ، يجبيها لك أمينك ، ويحملها إليك فيكلّ سنة . (19) [وروى ] عبد اللّه بن نوفل بن الحارث الَّذي بعثه الحسن عليه السلام إلى معاوية ، قال له في ذكر الشّروط : وله في كلّ سنة خمسة الآف درهم من بيت المال ، وله خراج دار أبجرد من أرض فارس ؛ وهذا لا ينافيه ردّه عليه السلام المال ، لما قاله عبد اللّه بن نوفل لمعاوية . (20) وفي فتح الباري في ذكر مجيء رسولَي معاوية : وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة الآف ألف في أشياء اشترطها (21) . وعن طريق عوانة بن الحكم : وقد كان صالح الحسنُ معاوية على أن يجعل له ما في بيت ماله ، وخراج دار أبجرد (22) . وفي تاريخ مدينة دمشق : يسلّم له بيت المال ، فيقضي منه دينه ومواعيده الَّتي عليه ، ويتحمّل منه هو ومن معه [من ] عيال أهل أبيه وولده وأهل بيته . . . وأن يحمل إليه خراج فسا ، ودار أبجرد من أرض فارس ، كلّ عام إلى المدينة ما بقي . (23) هذا ما نصّ عليه أهل التّاريخ من مُناوئي أهل البيت ، أو مدافعي آل أُميَّة لعنة اللّه عليهم ، وقد أسلفنا عن فتوح ابن أعثم ، أنَّ الحسن عليه السلام قال في جواب معاوية حيث عرض عليه اشتراط الأموال : وأمَّا المال فليس لمعاوية أن يشترط لي فيء المسلمين . (24) وهذا هو الحقّ ، ولنِعْم ما قال هاشم معروف الحسني في كتابه : أمَّا الرِّوايات الَّتي تنص على أنَّه اشترط لنفسه ما في بيت مال المسلمين في الكوفة ، ومائتي ألف درهم في كلّ عام بالإضافة إلى ذلك، وخراج بعض المقاطعات في الأهواز ، وتفضيل الهاشميّين على بني عبد شمس وغيرهم في العطاء ، هذه الرِّوايات بالإضافة إلى ضعف أسانيدها _ ومع أنَّ النَّاقلين لها من أعداء أهل البيت عليهم السلام ، أو من المحامين لأعدائهم والمدافعين عن الأُمويين ، ومن أصحاب الأقلام المستأجرة _ ، فمن غير البعيد أن تكون من موضوعات الأُمويّين أو العبَّاسيّين ، الَّذين وضعوا حوله عشرات الأحاديث ، ليضعوا في الأذهان ، أنَّ الحسن قد باع الخلافة بالأموال ، وكان منصرفاً إلى الملذّات والشَّهوات عن عظائم الأُمور ، كما قالها أحد حكَّام العبَّاسيّين في محاولة منه لانتقاص بعض الحسنيين ، الَّذين كانوا لا يتحمَّلون الضَّيم ، ويثورون بين الحين والآخر على الظُّلم والطُّغيان في أواخر العصر الأموي والعصر العبَّاسيّ . (25) أقول : بل هو نسيج زمن معاوية لإظهار أنَّ الحسن عليه السلام أيضاً ليس زاهداً في الدُّنيا ، بل هو من أهل الدُّنيا وملاذها وهواها ، كما أشاعوا عن علي عليه السلام أنَّه قال : لا تُزَوِّجوا الحَسَنَ فإنَّهُ رَجُلٌ مِطلاقٌ (26) ، وَ إنَّ الحَسَنَ أهلُ عَيشٍ وخُوانٍ . فإذا حمي الوطيس فليس هو من أهله ، وإنَّه تزوّج عشرات من النِّساء على مهور غالية ومتاع كثير ، لكل زوجة طلَّقها ، وذلك ليسقطوه عن أعين النَّاس ، سيَّما شيعة أهل البيت عليهم السلام ، حتَّى لا يكون أهلاً للخلافة في نظرهم فيكون ذلك مبرِّراً لعهد معاوية إلى يزيد بالخلافة ، وبعد ذلك كلّه ينقلونه في الصُّلح على نحو يشعر أو يفيد بأنَّه لا يرى الحرب تعريضاً بأمير المؤمنين عليه السلام . ويحتمل أن يكون النَّاقلون أخذوا هذه التُّرّهات من رسالة معاوية إليه عليه السلام ، كما أشرنا إليه ، ولم يعثروا على ما نقله ابن أعثم من ردّه عليه السلام لما عرضه معاوية ، وغفلوا عن أنَّ هذا ليس في لفظ كتاب الصُّلح المنقول عنه عليه السلام ، مع تأكيد الاعتبار العقلي بالنَّقل ، ولو فرضنا صحّة ما نقل فلا إشكال عقلاً وشرعاً ، وذلك لينقذه من أيدي الطّغاة وينفقه على أيتام المسلمين وفقرائهم في الكوفة وغيرها ، كما كان ينفق أكثر أمواله في هذا السّبيل ، وقد صحّ عنه أنَّه قاسم الفقراء أمواله ثلاث مرَّات ، وخرج منها بكاملها مرَّتين ، ولو بقيت في تصرّف معاوية ستصرف على الفجور والمنكرات ، وعلى أعوانه الَّذين باعوا دينهم كابن العاص والأشعث بن قيس 28 والمغيرة وغيرهم من الأنصار والأتباع والمفسدين في الأرض . (27) وعلى كلّ حال لم يف معاوية بما عاهد وصالح ، كما شهد به التّاريخ .

.


1- . جابَلْق مدينة بأقصى المغرب، وأهلها من ولد عاد. وجابَرْس مدينة في أقصى المشرق، وأهل جابَرْس من ولد ثمود (معجم البلدان ج 2 ص 90 _ 91).
2- . كشف الغمّة : ج 2 ص 196 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 65 ح 13 ؛ الفتوح لابن أعثم : ج 4 ص 291 نحوه وراجع : أنساب الأشراف : ج 3 ص 287 ، الصّواعق المحرقة : ص 136 ، الفصول المهمّة : ص 161 ، ينابيع المودّة : ج 2 ص 425 الرّقم173.
3- . أنساب الأشراف : ج 3 ص 285.
4- . كشف الغمّة : ج 2 ص 196 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 33 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 65 ح 13 ؛ الفتوح لابن أعثم : ج 4 ص 291 ، أنساب الأشراف : ج 3 ص 287.
5- . راجع : الإصابة : ج 2 ص 65 الرقم 1724 ، أُسد الغابة : ج 2 ص 18 الرقم 1165 ، فتح الباري : ج 13 ص 65 ، الإمامة والسّياسة لابن قتيبة : ج 1 ص 184 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 13 ص 267 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص 227 ، الصّواعق المحرقة : ص 136 ، تهذيب التّهذيب : ج 1 ص 561 ؛ عمدة الطّالب : ص 67.
6- . راجع : الفتوح لابن أعثم : ج 5 ص 12 ؛ عمدة الطّالب : 67 ، حياة الإمام الحسن عليه السلام للقرشي : ج 2 ص 229 ، صلح الحسن عليه السلام لآل ياسين : ص 259.
7- . راجع : تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص 227 ، أسد الغابة : ج 2 ص 18 الرقم 1165 ، الأنساب الأشراف : ج 3 ص 287.
8- . علل الشّرائع : ص 212 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 2 ح 3 ، أعيان الشّيعة : ج 1 ص 570 ، معادن الحكمة : ج 2 ص 14 .
9- . علل الشرائع : ص 215 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 3 ، أعيان الشّيعة : ج 1 ص 570 ، معادن الحكمة : ج 2 ص 13.
10- . راجع : الإرشاد : ج 2 ص 14 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 33 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 141 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 48 ح 5 ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج 13 ص 266 ، الفصول المهمّة : ص 161.
11- . الإرشاد : ج 2 ص 14 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 33 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 141 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 48 ح 5 ؛ الفصول المهمّة : ص 161.
12- . الإرشاد : ج 2 ص 14 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 33 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 141 ، إعلام الورى : ج 1 ص 403 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 48 ح 5 ؛ الفصول المهمّة : ص 161 وراجع : الصّواعق المحرقة : ص 139 ، مقاتل الطّالبيّين : ص 75 ؛ علل الشّرائع : ص 212.
13- . راجع : الدّرجات الرّفيعة : ص 347 ؛ ذخائر العقبى : ص 240.
14- . علل الشّرائع : ص 212 عن يوسف بن مازن الرّاشيّ ، بحار الأنوار : ج 44 ص 2 ح 2 ، أعيان الشّيعة : ج 1 ص 570 وراجع : الفتوح لابن أعثم : ج 4 ص 290 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 13 ص 266 ، فتح الباري : ج 13 ص 55.
15- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 11 ص 43 ، حياة الإمام الحسن عليه السلام : ص 320.
16- . حياة الإمام الحسن عليه السلام للقرشي : ج 2 ص 230 وراجع : المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 33 ؛ تاريخ الطّبري : ج 4 ص 122 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 13 ص 266 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص 227 ، فتح الباري : ج 13 ص 55 ، الإمامة والسّياسة : ج 1 ص 185 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 17.
17- . تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص 227 .
18- . المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 33 .
19- . مقاتل الطّالبيّين : ص 67 وراجع : الفتوح لابن أعثم : ج 4 ص 290 ، أنساب الأشراف : ج 3 ص 286.
20- . راجع : الفتوح لابن أعثم : ج 4 ص 290 ؛ سيرة الأئمة الاثني عشر : ج 1 ص 525.
21- . فتح الباري : ج 13 ص 65 .
22- . تاريخ الطّبري : ج 5 ص 160 وراجع : الكامل في التّاريخ : ج 2 ص 446 .
23- . تاريخ مدينة دمشق : ج 13 ص 264.
24- . الفتوح لابن أعثم : ج 4 ص 290.
25- . سيرة الأئمّة الاثني عشر : ج 1 ص 526.
26- . الكافي : ج 6 ص 56 ح 4 .
27- . سيرة الأئمة الاثني عشر : ج 1 ص 526 وراجع : شرح نهج البلاغة : ج 4 61 وج6 ص 88 وص280 و286 و288 وج7 ص 151 وج13 ص 220 وج11 ص 44 وج20 ص 16 و17 ، أنساب الأشراف : ج 3 ص 47 ؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 123 ، الغدير : ج 11 ص 3 ، حياة الحسن عليه السلام : ج 2 ص 289 _ 372.

ص: 39

. .

ص: 40

. .

ص: 41

. .

ص: 42

. .

ص: 43

. .

ص: 44

. .

ص: 45

. .

ص: 46

. .

ص: 47

. .

ص: 48

10 كتابُه عليه السلام إلى معاوية بعد نقضه الشّروط

10كتابُه عليه السلام إلى معاويةبعد نقضه الشّروطفي الكامل : لمَّا سلم الحسن الأمر إلى معاوية ، قالوا _ الخوارج _ : قد جاء الآن ما لا شكّ فيه ، فسيروا إلى معاوية فجاهدوه . فأقبلوا وعليهم فروة بن نوفل ، حتَّى حلُّوا بالنُّخيلة عند الكوفة ، وكان الحسن بن عليّ قد سار يريد المدينة ، فكتب إليه معاوية يدعوه إلى قتال فروة ، فلحقه رسوله بالقادسيَّة أو قريباً منها ، فلم يرجع وكتب إلى معاوية : لو آثرتُ أنْ أقاتِلَ أحَداً مِن أهلِ القِبلَةِ لَبَدأتُ بقِتالِكَ ،فإنِّيتَرَكتُكَ لِصلاحِ الأُمَّةِ ، وحَقْنِ دِمائِها . (1) مكاتيبه من الصُّلح حتّى الاستشهاد

.


1- . الكامل لابن الأثير : ج 2 ص 449 ؛ الغدير : ج 10 ص 173 الرّقم72.

ص: 49

11 كتابُه عليه السلام إلى زياد بعد تعرّضه لشيعة عليّ عليه السلام

11كتابُه عليه السلام إلى زيادبعد تعرّضه لشيعة عليّ عليه السلامروى الشَّرْقي بن القطاميّ ، قال : كان سعيد بن سَرْح مولى حبيب بن عبد شمس شيعة لعليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فلمَّا قدم زياد الكوفة طلبه وأخافه ، فأتى الحسن بن عليّ عليه السلام مستجيراً به ، فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته فحَبسهم ، وأخذ مالَه ، ونقض دارَه . فكتب الحسن بن عليّ عليه السلام إلى زياد :أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّكَ عَمَدتَ إلى رَجُلٍ مِنَ المُسلِمينَ لَهُ ما لَهُم وَعلَيهِ ما عَلَيهِم ، فَهَدَمتَ دارَهُ ، وأخَذتَ مالَهُ ، وَحَبَستَ أهلَهُ وَعِيالَهُ ، فَإنْ أتاكَ كتابي هذا فابنِ لَهُ دارَهُ ، واردُد عَلَيهِ عِيالَهُ وَمالَهُ ، وَشَفِّعني فيهِ ، فَقَد أجَرتُهُ . والسَّلامُ .

فكتب إليه زِياد : من زياد بن أبي سُفْيان إلى الحسن بن فاطمة : أمَّا بعدُ ؛ فقد أتاني كتابُكَ تبدأُ فيهِ بِنَفسِكَ قبلي ، وَأنتَ طالِبُ حاجَةٍ ، وَأنا سلطانٌ وأنتَ سُوقةٌ ، وتأمُرُني فيهِ بأمرِ المطاع المُسلَّطِ عَلى رَعِيَّتهِ . كَتَبتَ إليَّ في فاسِقٍ آوَيتَهُ ، إِقامَةً مِنكَ عَلى سوء الرَّأي ، وَرِضىً مِنكَ بِذلِكَ ، وَأَيمُ اللّه ِ لا تَسبِقني بهِ وَلَو كانَ بَينَ جِلدِكَ وَلَحمِكَ ، وَإنْ نِلتُ بَعضَكَ غَيرَ رَفيقٍ بِكَ وَلا مُرعٍ عَلَيكَ ، فَإنَّ أحبَّ لَحمٍ عَلَيّ أن آكُلَهُ لَلَّحمُ الَّذي أنتَ مِنهُ ، فَسَلّمهُ بِجريرَتِهِ إلى مَن هُو أولَى بهِ مِنكَ ، فَإنْ عَفَوتُ عَنهُ لَم أَكُن شَفَّعتُكَ فيهِ ، وَإنْ قَتَلتُهُ لَم أقتلهُ إلاَّ لِحُبّهِ أباكَ الفاسِقَ ؛ والسَّلامُ . فَلَمَّا ورَدَ الكِتابُ عَلى الحَسَنِ عليه السلام قَرَأهُ وَتَبَسَّمَ ، وَكَتَبَ بِذلِكَ إلى مُعاوِيَةَ ، وَجَعَلَ كِتابَ زيادٍ عِطفَهُ ، وبَعَثَ بِهِ إلى الشَّامِ . (1)

.


1- . شرح نهج البلاغة : ج 16 ص 194.

ص: 50

12 كتابُه عليه السلام إلى زياد يفضح فيه نسبه

12كتابُه عليه السلام إلى زياديفضح فيه نسبهوكتب جواب كتابه كلمتين لا ثالثةَ لهما :مِنَ الحَسَنِ بنِ فاطِمَةَ إلى زيادِ بنِ سُمَيَّةَ : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : الوَلَدُ لِلفراشِ ، وَللعاهِرِ الحَجَرُ ؛ وَالسَّلام .

فلمَّا قرأ معاويةُ كتابَ زياد إلى الحسن ضاقت به الشَّام ، وَكتب إلى زياد : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ الحسنَ بنَ عليٍّ بعثَ إليَّ بكتابِكَ إليهِ جَواباً عَن كتابٍ كتبهُ إليكَ في ابن سَرْحٍ ؛ فَأَكثرتُ العَجَبَ مِنكَ ، وَعَلِمتُ أنَّ لكَ رأيْينِ : أحدُهُما مِن أبي سُفْيانَ ، والآخرُ مِن سُمَيَّةَ ، فَأمَّا الَّذي مِن أبي سُفْيانَ فحِلْمٌ وحَزْمٌ ، وأمَّا الَّذي مِن سُمَيَّةَ ، فَما يكونُ مِن رأي مثلها! مِن ذلِكَ كتابُكَ إلى الحَسَنِ تَشتُم أباه ، وتُعرِّض لَهُ بالفِسقِ ، وَلَعَمرِي إنَّك الأوْلى بالفِسقِ مِن أبيهِ . فَأمَّا أنَّ الحسَنَ بدأ بِنَفسهِ ارتفِاعاً عَلَيكَ ، فَإنَّ ذلِكَ لا يَضعُكَ لو عَقِلتَ ، وَأمَّا تَسلُّطُهُ عَلَيكَ بالأَمرِ فَحَقٌّ لِمِثلِ الحَسَنِ أنْ يتسلَّطَ . وَأمَّا تَركُكَ تَشفيعَهُ فيما شفَعَ فيهِ إليكَ ، فَحَظٌّ دَفَعتَهُ عَن نَفسِكَ إلى مَن هُو أولى بهِ مِنكَ . فَإذا ورَدَ علَيكَ كِتابي فَخَلِّ ما في يَديكَ لِسَعيدِ بنِ أبي سَرْحٍ ، وابنِ لَهُ دارَهُ ، واردُد عَلَيهِ مالَهُ ، وَلا تعرَّض لَهُ . فَقَد كَتبتُ إلى الحَسَنِ أنْ يخيّرهُ ، إنْ شاءَ أقامَ عِندَهُ ، وَإنْ شاءَ رَجَعَ إلى بَلَدِهِ ، وَلا سُلطانَ لَكَ عَلَيهِ لا بِيدٍ وَلا لِسانٍ . وَأمَّا كتابُك إلى الحَسَنِ باسمِهِ واسمِ أمِّهِ ، وَلا تَنسُبُهُ إلى أبيهِ ، فَإنَّ الحسَنَ وَيحك! مَن يُرمَى بهِ الرَّجَوان (1) ؟ وإلى أيِّ أمّ وكَلْتهُ لا أمَّ لَكَ ! أما عَلِمتَ أنَّها فاطِمَةُ بنتُ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَذاكَ أفخَرُ لَهُ لَو كنتَ تَعلَمُهُ وتَعقِلُهُ! وكتب في أسفل الكتاب شعراً من جملته : أمَا حَسَنٌ فابنُ الَّذي كان قبلَهُإذا سار سارَ الموتُ حيث يسيرُ وهَل يَلِدُ الرِّئْبال إلاَّ نظيرَهُوَذا حَسَنٌ شِبْهٌ لَهُ وَنظيرُ وَلكنَّه لو يُوزَنُ الحِلمُ والحِجابِأمرٍ لقالوا يَذبلٌ وَثَبيرُ (2)

.


1- . الرجا : ناحية كلّ شيء ، وخصّ بعضهم به ناحية البئر من أعلاها إلى أسفلها وحافتيها ؛ ويقال : رمى به الرجوان : استهين به ، فكأنَّه رمى به هناك ؛ أرادوا أنَّه طرح في المهالك .
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 194 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 19 ص 198 ؛ أعيان الشّيعة : ج 1 ص 573 كلاهما نحوه وراجع : أنساب الأشراف : ج 3 ص 294 .

ص: 51

13 كتابُه عليه السلام إلى زياد بعد نقضه الشروط

13كتابُه عليه السلام إلى زيادبعد نقضه الشروطقال أبو الحسن : طلب زياد رجلاً من أصحاب الحسن ، ممَّن كان في كتاب الأمان ، فكتب إليه الحسن :من الحسن بن عليّ إلى زياد : أمَّا بَعدُ ؛ فَقَد عَلِمتَ ما كُنَّا أخَذنا مِنَ الأمانِ لِأَصحابِنا ، وَقَد ذَكَر لي فُلانٌ أنَّكَ تعرَّضتَ لَهُ ، فَأُحبّ ألاَّ تعرِضَ لَهُ إلاَّ بِخَيرٍ ، والسَّلامُ .

.

ص: 52

فلمَّا أتاه الكتاب ، وذلك بعد ادَّعاء معاوية إيَّاه غَضِبَ حَيثُ لَم يَنسبهُ إلى أبي سُفْيان ، فكتب إليه : من زيادِ بن أبي سُفْيان إلى الحَسَن : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّه أتاني كتابُكَ في فاسِقٍ تُؤويهِ الفُسَّاقُ مِن شيعَتِكَ وَشيعَةِ أَبيكَ ، وَايمُ اللّه ِ لأَطلُبنَّهُ بَينَ جِلدِكَ وَلَحمِكَ ، وَإنَّ أحَبَّ النَّاسِ إليَّ لَحماً أنْ آكُلَهُ لَلَحْمٌ أنت منه ، والسَّلام . فلمَّا قرأ الحسن عليه السلام الكتاب ، بعث به إلى معاوية ، فلمَّا قرأه غضب وكتب : من معاوية بن أبي سُفْيان إلى زياد : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ لكَ رأيين : رأياً من أبي سُفْيان ، وَرَأياً من سُمَيَّة ، فأمَّا رأيك من أبي سُفْيان فحِلْمٌ وحَزم ، وأمَّا رأيك من سُمَيَّة فَما يكونُ من مثلِها . إنَّ الحسن بن عليّ عليه السلام كتب إليَّ بأنَّك عَرضتَ لِصاحبِهِ ، فَلا تَعرِض لَهُ ، فَإنِّي لَم أجعَل لَكَ عَلَيهِ سَبيلاً ، وَإنَّ الحَسَنَ لَيس مِمَّن يُرمَى بهِ الرَّجَوان ، والعَجَبُ مِن كتابِكَ إليهِ ، لا تنَسِبُهُ إلى أبيهِ أو إلى أمِّهِ ، فالآنَ حِينَ اختَرتَ لَهُ ، والسَّلامُ . (1)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 18 وراجع : العقد الفريد : ج 5 ص 11 والبيان والتّبيين : ج 2 ص 298 ؛ الإيضاح : ص 548 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 22 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 92 ح 7 ، أعيان الشّيعة : ج 1 ص 573.

ص: 53

الفصل الرّابع : في مكاتيبه مجهولة التّاريخ

14 كتابُه عليه السلام في القضاء والقدر

الفصل الرّابع : في مكاتيبه عليه السلام مجهولة التّاريخ14كتابُه عليه السلام في القضاء والقدرجاء في الحديث أنَّ الحسن بن أبي الحسن البصريّ (1) كتَب إلى الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلام : من الحسن البصريّ إلى الحسن ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أمَّا بَعْدُ ؛ فإنَّكُم معاشِرَ بني هاشِمٍ ، الفُلْكُ الجاريَةٌ في الّلُجج الغامِرَةِ ، ومصابيحُ الدُّجى ، وأعلامُ الهُدى ، وَالأئمَّةُ القادَةُ ، الَّذين مَن اتَّبعَهُم نَجا ، وَالسَّفينَةُ الَّتي يَؤولُ إليها المُؤمِنونَ ، وَيَنجو فيها المُتمسِّكونَ ، قَد كَثُر _ يا ابنَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله _ عِندَنا الكلامُ فِي القَدَرِ ، واختلافُنا في الاستطاعَةِ ، فَتُعلِمُنا ما نَرى عَلَيهِ رَأَيكَ وَرَأيَ آبائِكَ ، فَإنَّكم ذُرِّيَّةٌ بَعضُها مِن بَعضٍ ، مِن عِلمِ اللّه ِ عُلِّمتُم ، وَهُوَ الشَّاهِدُ عَلَيكُم ، وَأنتُم شُهداءُ عَلى النَّاسِ ، والسَّلامُ . فأجابه الحسن بن عليّ صلوات اللّه عليهما : مِنَ الحَسَنِ بن عَليٍّ إلى الحَسنِ البَصريّ : أمَّا بَعْدُ ؛ فَقَد انتهى إليَّ كتابُكَ عِندَ حَيْرَتِكَ وَحَيْرَةِ مَن زَعَمتَ مِن أُمَّتِنا ، وَكَيفَ تَرجِعونَ إليْنا ، وَأنتُم بِالقَولِ دُونَ العَمَلِ . وَاعلَم ، أنَّهُ لَولا ما تَناهى إليَّ مِن حَيْرَتِكَ وَحَيْرَةِ الأُمَّةِ قِبَلَكَ لَأَمسَكتُ عَن الجَوابِ ، وَلكنّي النَّاصِحُ وابنُ النَّاصِحِ الأمينِ . والَّذي أنا عَلَيهِ أنَّهُ مَن لَم يُؤمِن بالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ، فَقَد كَفَرَ ، وَمَن حَمَلَ المَعاصي عَلى اللّه ِ عز و جل فَقَد فَجَرَ . إنَّ اللّه َ لا يُطاعُ بإكراهٍ ، ولا يُعصى بِغَلَبةٍ ، (2) وَلكنَّهُ عز و جل المالِكُ لِما مَلّكَهُم ، والقادِرُ عَلى ما عَليهِ أَقدَرَهُم ، فَإنِ ائْتَمروا بالطَّاعَةِ لَم يَكُن اللّه ُ عز و جل لَهُم صَادَّاً ، وَلا عَنها مانِعاً ، وإنْ ائْتَمروا بالمَعصِيَةِ فَشَاء سُبحانَهُ أنْ يَمُنَّ عَلَيهِم فَيحولَ بَينَهُم وَبَينها فَعَلَ ، وإنْ لَم يَفعل فَلَيسَ هُو الذي حَمَلَهُم عَلَيها إجْباراً ، وَلا ألزمَهُم بِها إكْراهاً ، بَل احتِجاجُهُ _ جَلَّ ذِكرُهُ _ عَلَيهِم أَن عَرَّفَهُم ، وَجَعَل لَهُمُ السَّبيلَ إلى فِعلِ ما دَعاهم إِليهِ ، وَتركِ ما نَهاهُم عَنهُ ، وَللّه ِِ الحُجَّة البالِغَةُ ، والسَّلامُ . (3) ونصُّ الكتاب على رواية تحف العقول : كتَب الحسنُ بن أبي الحسن البصريّ ، إلى أبي محمدٍ الحسن بن عليّ عليهماالسلام : أمَّا بَعْدُ ؛ فإنَّكم مَعْشَرَ بَني هاشِمٍ الفُلْكُ الجارِيَةُ فِي اللُجَجِ الغامِرَةِ ، وَالأعلامُ النّيّرةُ الشَّاهِرَةُ ، أو كَسَفِينة نوحٍ عليه السلام ، الَّتي نزَلَها المؤمِنونَ ، وَنَجا فيها المُسلِمونَ . كتَبْتُ إليكَ يا ابنَ رَسولِ اللّه ِ عِنْدَ اختلافِنا فِي القَدَرِ وَحَيْرَتِنا فِي الاستِطاعَةِ ، فَأخْبِرْنا بالَّذي عَلَيهِ رَأيُكَ وَرَأيُ آبائِكَ عليهم السلام ، فَإنَّ مِن عِلمِ اللّه ِ عِلْمَكُم ، وَأنتُم شُهدَاءُ على النَّاسِ ، واللّه ُ الشَّاهِدُ عَلَيكُم ، ذُرِّيَّةً بَعضُها مِن بَعضٍ ، واللّه ُ سَميعٌ عليمٌ . فأجابَه الحسن عليه السلام : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم وَصَل إليَّ كتابُك ، وَلَوْلا ما ذَكَرْتَهُ مِن حَيْرَتِكَ وَحَيْرَةِ مَن مَضَى قَبلَكَ إذاً ما أخْبَرتُكَ ، أمَّا بَعْدُ : فَمَن لَم يُؤمِن بالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ أنَّ اللّه َ يَعْلَمُهُ فَقَد كَفَر ، وَمَن أحالَ المعاصي عَلى اللّه ِ فَقَد فَجَر ، إنَّ اللّه لَم يُطَعْ مُكرِهاً ، ولم يُعْصَ مَغلوباً ، وَلَم يُهْمِلِ العبادَ سُدىً مِنَ المَمْلَكَةِ ، بل هُوَ المالِكُ لِما مَلَّكَهُم ، وَالقادِرُ على ما عَليهِ أقدَرَهُم ، بل أمَرَهُم تَخْييراً ، ونَهاهُم تَحذيراً ، فَإنِ ائْتَمَروا بالطَّاعَةِ لَم يَجِدوا عَنها صَادّاً ، وَإنِ انْتَهوا إلى مَعصِيَةٍ فَشاءَ أنْ يَمُنَّ عَلَيهِم بأنْ يحُولَ بَينَهم وَبَينَها فَعَلَ ، وَإنْ لَم يفعَل فَلَيسَ هُوَ الَّذي حَمَلَهُم عَلَيها جَبْراً ، ولا أُلزِمُوها كُرهاً ، بل مَنَّ عَلَيهِم بأنْ بصَّرَهم وَعَرَّفَهُم وَحَذَّرَهم وأمرَهُم ونَهاهُم ، لا جَبْلاً لهم عَلى ما أمَرَهم بهِ فَيكونُوا كالمَلائِكَةِ ، وَلا جَبْراً لَهُم عَلى ما نَهاهُم عَنهُ ، وَ لِلّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ ، فَلَو شاءَ لَهداكم أجمَعينَ ، والسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى . (4) ونصُّ الكتاب على رواية العدد القويّة : كتب الحسن البصريّ إلى الحسن بن علي عليهماالسلام : أمَّا بَعدُ ؛ فَأنتُم أهلُ بَيتِ النُّبوَّةِ ، ومَعدِنُ الحِكمَةِ ، وَأنَّ اللّه َ جَعَلَكُم الفُلْكَ الجارِيَةَ فِي اللُجَجِ الغامِرَةِ ، يلجأ إليكُمُ اللاّجئُ ، وَيعتَصِمُ بِحبْلِكُم القالي ، مَنِ اقْتدى بِكُم اهتَدى ونَجا ، ومَن تَخَلَّفَ عَنكُم هَلَكَ وَغَوى ، وأنِّي كتبتُ إليكَ عِندَ الحَيرَةِ واختلافِ الأُمَّةِ في القَدَرِ ، فَتُفضي إِلَينا ما أفضاهُ اللّه ُ إلَيكُم أهلَ البَيتِ ، فَنأخُذُ بِهِ . فكتب إليه الحسن بن علي عليهماالسلام : أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّا أهلُ بَيتٍ كما ذَكَرتَ عِندَ اللّه ِ وَعِندَ أَوليائِهِ ، فَأَمّا عِندَكَ وَعِندَ أصحابِكَ ، فَلَو كُنَّا كَما ذَكَرتَ ما تَقَدَّمتمونا ، وَلا استَبدَلتُم بِنا غَيرَنا ، وَلَعَمري لَقَد ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلَكُم في كِتابِهِ ، حَيثُ يقول : «أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ » (5) ، هذا لِأولِيائِكَ فيما سَأَلوا ، وَلَكُم فيما استَبدَلتُم ، وَلَولا ما أُريدُ مِنَ الاحتجاجِ عَلَيكَ وَعَلى أصحابِكَ ما كَتبتُ إِلَيكَ بِشَيءٍ مِمَّا نَحنُ عَلَيهِ . وَلَئِن وَصَلَ كِتابي إِلَيكَ لَتَجِدَنَّ الحُجَّةَ عَلَيكَ وَعَلى أَصحابِكَ مُؤكَّدَةُ ، حَيثُ يَقولُ اللّه ُ عز و جل : «أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّى إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ » (6) . فاتَّبِع ما كَتَبتُ إِلَيكَ فِي القَدَرِ ، فَإنَّهُ مَن لَم يُؤمِن بالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ فَقَد كَفَر ، وَمَن حَمَلَ المعاصي عَلى اللّه ِ فَجَرَ ، إنَّ اللّه عز و جل لا يُطلع (يطع) (7) بإكراه ، ولا يُعصى بغلبة ، ولا يُهْمِلُ العِبادَ مِنَ المَلَكَةِ ، ولكنَّه المالِكُ لِما مَلَّكَهُم ، وَالقادِرُ عَلى ما أَقدَرَهُم . فإنْ ائتمروا بالطَّاعَةِ يَكُن عَنها صادَّاً مُثبِّطاً ، وَإنِ ائْتَمَروا بالمَعصِيَةِ ، فَشَاءَ أنْ يَحولَ بَينَهُم وَبَينَ ما ائْتَمَروا بهِ فَعَلَ ، وَإنْ لَم يَفعَل فَلَيسَ هُوَ حَمَلَهُم عَلَيها ، وَلا كَلَّفَهم إيَّاها جَبْراً ، بل تَمكينُهُ إيَّاهُم وإعْذارُهُ إِلَيهِم طَرَّقَهُم وَمَكَّنَهُم ، فَجَعَل لهم السّبيلَ إلى أخذِ ما أمَرَهُم بهِ وَتركِ ما نَهاهُم عَنهُ ، وَوَضْع التَّكليفَ عَن أهلِ النُّقصانِ وَالزَّمانَةِ ، والسَّلامُ . (8) في مكاتيبه مجهولة التّاريخ

.


1- . هو الحسن بن يسار مولى زيد بن ثابت أخو سعيد وعمارة ، المعروف بالحسن البصريّ ، وهو من رؤساء القدريّة ، والمنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وقعد في منزله ولم ينصر الإمام عليه السلام ، وكان من تلامذته ابن أبي العوجاء ، مات سنة110 ه وله تسع وثمانون سنة .
2- . وفي نسخة : زاد «و لم يهمل العباد سُدى من المملكة» .
3- . كنز الفوائد : ج 1 ص 365.
4- . تحف العقول : ص 231 ، إرشاد القلوب : ص 198 نحوه ، بحار الأنوار : ج 5 ص 40 ح 63 وراجع : الفقه المنسوب للإمام الرّضا عليه السلام : ص 408 ، جمهرة رسائل العرب : ج 2 ص 27.
5- . البقرة : 61 .
6- . يونس : 35 .
7- . هكذا في المصدر ، والصواب : «لا يُطاعُ» كما في نصوص المصادر الأُخرى .
8- . العدد القوية : ص 33 ح 25 ، تحف العقول : ص 231 ، بحار الأنوار : ج 10 ص 137 ح 3.

ص: 54

. .

ص: 55

. .

ص: 56

. .

ص: 57

15 كتابُه عليه السلام إلى الحسين عليه السلام حول كثرة بذْله

15كتابُه عليه السلام إلى الحسين عليه السلامحول كثرة بذْلهقال في كشف الغُمَّة في مكارم الحسين عليه السلام : وكتب إليه الحسن عليه السلام يلومه (1) على إعطاء الشُّعراءِ ، فكتبَ إليه :أنتَ أعلَمُ مِنِّي بأنَّ خيرَ المالِ ما وُقِيَ بهِ العِرضُ . (2)

.


1- . في البحار : لعلّ لومه عليه السلام ليظهر عذره للنّاس .
2- . كشف الغمّة : ج 2 ص 243 ، نزهة النّاظر : ص 83 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 195 وراجع : تاريخ مدينة دمشق : ج 14 ص 181 ، الفصول المهمّة لابن الصّبّاغ : ص 163 ، تهذيب الكمال : ج 6 ص 407 ، كنز العمال : ج 16 ص 204 ح 44226.

ص: 58

. .

ص: 59

الفصل الخامس : في وصاياه عليه السلام

16 وصيّتُه عليه السلام إلى محمّد بن الحنفيّة

الفصل الخامس : في وصاياه عليه السلام16وصيَّتُه عليه السلام إلى محمَّد بن الحنفيَّةمحمَّد بن الحسن وعليُّ بن محمَّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمَّد بن سليمان الدَّيلمِيِّ ، عن بعض أصحابنا ، عن المُفَضَّل بن عمر ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال :لمَّا حضرت الحسن بن عليّ عليهماالسلام الوفاة ، قال : يا قَنْبَرُ انظُر هَل تَرَى مِن وَراءِ بابِكَ مُؤمِناً مِن غَيرِ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام؟ فَقالَ : اللّه ُ تَعالى وَرَسولُهُ وابنُ رَسولِهِ ، أَعلَمُ بهِ مِنِّي . قال : ادْعُ لي مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ 1 . فَأَتَيْتُهُ ، فَلَمَّا دَخَلتُ عَلَيهِ ، قالَ : هَل حَدَثَ إلاّ خَيرٌ؟ قُلتُ : أجِب أبا مُحَمَّدٍ ، فَعَجَّلَ عَلى شِسعِ نَعلِهِ ، فَلَم يُسوِّهِ . وخَرَجَ مَعي يَعْدو ، فَلَمَّا قامَ بَينَ يَديهِ سَلَّمَ ، فَقالَ لَهُ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام : اجلُس ؛ فَإنَّهُ لَيس مِثْلُكَ يَغيبُ عَن سَمَاعِ كَلامٍ ، يَحيا بِهِ الأَمواتُ ، وَيَموتُ بِهِ الأَحياءُ . كونوا أَوعِيَةَ العِلمِ وَمَصابيحَ الهُدى ، فَإنَّ ضَوْءَ النَّهارِ ، بَعضُهُ أضْوأُ مِن بَعضٍ ، أ ما عَلِمتَ أنَّ اللّه َ جَعَلَ وُلدَ إبراهيمَ عليه السلام أئمَّةً ، وَفَضَّلَ بَعضَهم عَلى بَعضٍ ، وَآتى داودَ عليه السلام زَبور اً ، وَقَد عَلِمتَ بِما استأثرَ بِهِ مُحمَّداً صلى الله عليه و آله . يا مُحمَّدُ بنَ عَليٍّ ، إنِّي أخافُ عَلَيكَ الحَسَدَ ، وَإنَّما وَصَفَ اللّه ُ بِهِ الكافِرينَ ، فَقالَ اللّه ُ عز و جل : «كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ » (1) ، وَلَم يَجعَلِ اللّه ُ عز و جل لِلشَّيطانِ عَلَيكَ سُلطاناً . يا مُحمَّدُ بنَ عَليٍّ ، ألا أخبِرُكَ بِما سَمِعتُ مِن أبيكَ فيكَ؟ قالَ : بَلى . قالَ : سَمِعتُ أباكَ عليه السلام يَقولُ يوم البصرَةِ : مَن أحَبَّ أن يَبَرَّني في الدُّنيا وَالآخِرَةِ فَليَبَرَّ مُحمَّداً وَلَدي . يا مُحمَّدُ بنَ عَليٍّ ، لَو شِئتَ أن أُخبِرَكَ وَأنتَ نُطْفَةٌ في ظَهر أبيكَ لَأخبَرتُكَ . يا مُحمَّدُ بنَ عليٍّ ، أما عَلِمتَ أنَّ الحُسينَ بنَ عَليٍّ عليه السلام بَعدَ وَفاةِ نفسي ومُفارَقة روحي جِسمي إمامٌ مِن بَعدي ، وَعِندَ اللّه ِ جَلَّ اسمُهُ في الكِتابِ وِراثَةٌ مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله أضافَها اللّه ُ عز و جل لَهُ في وِرَاثَةِ أبيه وَأُمِّهِ ، فَعَلِمَ اللّه ُ أنَّكُم خِيرَةُ خَلقِهِ ، فَاصطَفى مِنكُم مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله ، وَاختارَ مُحَمَّدٌ( صلى الله عليه و آله ) عَلِيّاً عليه السلام ، وَاختارَني عَليٌّ عليه السلام بِالإمامَةِ ، وَاختَرتُ أنا الحُسَينَ عليه السلام . فَقالَ له محمَّدُ بنُ عَليٍّ : أنتَ إمامٌ ، وَأنتَ وَسيلَتي إلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَاللّه ِ لَوَدَدتُ أنَّ نَفسي ذَهَبَت قَبلَ أن أسمَعَ مِنكَ هذا الكَلامَ . ألا وَإنَّ في رَأسي كَلاماً لا تَنزِفُهُ الدِّلاءُ ، وَلا تُغيِّرُهُ نَغْمَةُ الرِّياحِ ، كَالكِتابِ المُعجَمِ في الرَّقِّ المُنَمنَمِ ، أهُمُّ بإِبدائِهِ ، فَأجِدُني سُبِقتُ إليه سَبقَ الكِتابِ المُنزَلِ ، أو ما جاءَت بِهِ الرُّسُلُ ، وَإنَّه لَكَلامٌ يَكِلُّ بِهِ لسانُ النَّاطِقِ ، وَيَدُ الكاتِبِ ، حَتَّى لا يَجِدَ قلَماً ، وَيُؤتوا بالقِرطاسِ حُمَماً ، فَلا يَبلُغُ إلى فَضلِكَ ، وكَذلِكَ يَجزي اللّه ُ المُحسِنينَ ، وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّه ِ . الحُسينُ أعلَمُنا عِلماً ، وَأثقَلُنا حِلماً ، وَأقرَبُنا مِن رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله رَحِماً ، كانَ فَقيهاً قَبلَ أن يُخلَقَ ، وَقَرأ الوَحيَ قَبلَ أن يَنطِقَ ، وَلَو عَلِمَ اللّه ُ في أحَدٍ خَيراً ما اصطَفى مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله ، فَلمَّا اختارَ اللّه ُ مُحَمَّداً ، وَاختارَ مُحَمَّدٌ عَلِيّاً ، وَاختارَكَ عَليٌّ إماماً ، وَاختَرتَ الحُسينَ ، سَلَّمنا وَرَضِينا مَن هُوَ بِغَيرِهِ يَرضى ، وَمَن غيرُه كنَّا نَسلَمُ بِهِ مِن مُشكِلاتِ أمرِنا . (2)

.


1- . البقرة : 109 .
2- . الكافي : ج 1 ص 300 ح 2.

ص: 60

. .

ص: 61

17 وصيّتُه عليه السلام إلى الحسين عليه السلام وابن الحنفيّة

17وصيَّتُه عليه السلام إلى الحسين عليه السلاموابن الحنفيَّة في الأخبار الطّوال : إنَّ الحسن رضى الله عنه اشْتكى بالمدينة ، فثَقُلَ ، وكان أخوه محمَّد بن الحَنَفِيَّة في ضَيْعَةٍ له ، فأرسل إليه ، فوَافَى ، فدخل عليه ، فجلس عن يساره ، والحسين عن يمينه ، ففتح الحسن عينه ، فرآهما ، فقال للحسين :يا أخي ، أُوصِيكَ بِمُحَمَّدٍ أخيكَ خَيراً ، فَإنَّهُ جلدةُ ما بَينَ العَينَينِ . ثُمَّ قالَ : يا مُحَمّدُ ، وَأنا أُوصيكَ بِالحُسَينِ ، كانِفهُ وَوَازِرهُ . ثُمَّ قالَ : ادفِنوني مَعَ جَدّي صلى الله عليه و آله ، فَإن مُنِعتُم فَالبَقِيعُ .

ثمَّ تُوُفِّي ، فمنع مروان أنْ يُدْفَن مع النّبيّ صلى الله عليه و آله ، فدُفِن في البقيع . (1)

.


1- . الأخبار الطّوال : ص 221.

ص: 62

18 وصيّتُه عليه السلام إلى جنادة بن أبي اُميّة

18وصيَّتُه عليه السلام إلى جنادة بن أبي أُميَّةفي كفاية الأثر :حدَّثني محمَّد بن وهبان البصريّ ، حدَّثني داود بن الهَيثم بن إسحاق النّحويّ ، قال : حدَّثني جدّي إسحاق بن البهلول بن حسان ، قال : حدَّثني طلحة بن زيد الرّقيّ ، عن الزُّبير بن عطا ، عن عمير بن هاني العيسى (1) ، عن جُنادة بن أبي أميد (2) 3 قال : دخلتُ على الحسن بن عليّ عليهماالسلام في مرضه الَّذي توفي فيه ، وبين يديه طشت يقذف فيه (3) الدَّم ، ويخرج كبده قطعة قطعة من السُّم الَّذي أسقاه معاوية لعنه اللّه (4) ، فقلت : يا مولاي ما لك لا تعالج نفسك؟ فَقالَ : يا عبدَ اللّه ِ بِماذا أعالِجُ المَوتَ؟ قلت : إنَّا للّه وإنَّا إليه راجعون . ثمَّ التفت إليَّ ، وقال : وَاللّه ِ ، إنَّهُ لعَهدٌ عَهِدَهُ إلَينا رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، أنَّ هذا الأمرَ يَملِكُهُ إثنا عَشَر إماماً مِن وُلدِ عَليٍّ عليه السلام وَفاطِمَةَ عليهاالسلام ، ما مِنَّا إلاَّ مَسمومٌ أو مَقتولٌ . ثمَّ رفعت الطَّشت ، واتَّكى صلوات اللّه عليه فقلت (5) : عِظْني يابن رسول اللّه . قال : نَعَم ، اسْتَعِدَّ لِسَفَرِكَ ، وَحَصِّل زادَكَ قَبلَ حُلُول أجَلِكَ ، وَاعلَم أنَّهُ تَطلُبُ الدُّنيا والموتُ يطلُبك ، لا تحمِل يومك الَّذي له باب على يومك الَّذي أنتَ فيهِ . (6) وَاعلَم ، أنَّكَ لا تَكسِبُ مِنَ المالِ شَيئاً فَوقَ قُوتِك ، إلاَّ كُنتَ فيهِ خازِناً لِغَيركَ . وَاعلَم ، أنَّ في حَلالِها حِساباً (7) وَحرامِها عِقاباً ، وَفي الشُّبُهاتِ عِتابٌ ، فَأنزِلِ الدُّنيا بِمَنزِلَةِ المِيتَةِ ، خُذ مِنها ما يَكفِيكَ ، فإن كانَ ذلِكَ حَلالاً كُنتَ قَد زَهِدتَ فيها ، وَإن كانَ حَراماً لَم تَكُن قَد أخذتَ مِنَ المِيتةِ ، وَإن كانَ العِتابُ ، فإنَّ العقابَ (8) يسيرٌ . وَاعْمَل لِدُنياكَ كَأنَّكَ تَعيشُ أبداً ، وَاعمَل لاِخِرَتِكَ كَأنَّكَ تَموتُ غَداً . وَإذا أرَدتَ عِزَّاً بِلا عَشيرَةٍ وَهَيبَةً بِلا سُلطانٍ فَاخرج مِن ذُلِّ مَعصِيَةِ اللّه ِ إلى عِزِّ طاعَةِ اللّه عز و جل . وإذا نازَعَتْكَ إلى صُحبَة الرِّجالِ حاجَةٌ فاصحَب مَن إذا صَحِبتَه زانَكَ ، وَإذا خَدَمتَه صانَكَ ، وَإذا أردتَ منه مَعُونَةً فاتَك (9) ، وَإن قُلتَ صَدَّقَ قَولَكَ ، وَإنْ صُلتَ شَدَّ صَولَتَكَ ، وَإن مَدَدْتَ يَدَكَ بِفَضلٍ (10) جَدَّها (11) ، وَإن بَدَت مِنكَ ثُلمَةٌ سَدَّها ، وَإن رأى مِنكَ حَسَنَةً عَدَّها ، وَإن سَألتَهُ أعطاكَ ، وَإن سَكَتَّ عَنهُ ابتَداكَ ، وَإن نزَلَت بِكَ أحَدُّ المُلِمَّاتِ أَسالَكَ (12) ، مَن لا يَأتيكَ مِنهُ البَوائقُ ، وَلا يَختَلِفُ عَلَيكَ مِنهُ الطَّوالِقُ (13) ، وَلا يخذُلُكَ عِندَ الحَقائِقِ ، وَإن تَنازَعْتُما مَنفَساً (14) آثَرَك .

.


1- . وفي نسخة : «العبسيّ» .
2- . وفي نسخة : «أميّة» بدل «أميد» .
3- . وفي نسخة : «طست يقذف عليه» بدل «طشت يقذف فيه» .
4- . وفي نسخة : ليس «معاوية لعنه اللّه » .
5- . وفي نسخة : «فقلت له» .
6- . وفي نسخة : «و لا تمحل هم يومك الّذي لم يأت على يومك».
7- . وفي نسخة : «حساب وعقاب» .
8- . وفي نسخة : «العتاب» .
9- . وفي نسخة : «أعانَك» وفي نسخة أخرى : «عانك» ، وكلاهما أفضل من متن المصدر .
10- . وفي نسخة : «يفصل» .
11- . وفي نسخة : «مدّها» .
12- . في نسخة : «آساك من لا ناسك منه» ، وفي نسخة أخرى : «واساك مَن لا تاتيك» .
13- . وفي نسخة : «الطّرائق» .
14- . وفي نسخة : «نفساً» .

ص: 63

. .

ص: 64

19 وصيّتُه عليه السلام إلى الحسين عليه السلام

قالَ : ثُمَّ انقَطَعَ نَفَسُهُ ، وَاصفَرَّ لَونُهُ حتَّى خَشتُ (1) عَلَيهِ ، وَدَخَلَ الحُسَينُ صَلواتُ اللّه ِ عَلَيهِ والأسودُ بنُ أبي الأسودِ ، فانكبَّ عليه حتَّى قَبَّلَ رأسه وبَينَ عَينيهِ ، ثمَّ قعد عنده (2) و تسارَّا جميعاً ، فقال (3) أبو الأسود : إنَّ اللّه (4) ، إنَّ الحسن قد نعيت إليه نفسه ، وقد أوصى إلى الحسين عليه السلام . وتوفي عليه السلام في يوم الخميس في آخر صفر ، سنة خمسين من الهجرة ، وله سبعة وأربعون سنة (5) . (6)

19وصيَّتُه عليه السلام إلى الحسين عليه السلامعليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه عن بَكْر بن صالح ، قال الكُلَيْنِيُّ وعدَّة من أصحابنا عن ابن زِياد ، عن محمَّد بن سليمان الدَّيْلميِّ ، عن هارون بن الجَهْم ، عن محمَّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول :لمَّا حَضَر الحسن بن عليّ عليهماالسلام الوفاة ، قال للحسين عليه السلام : يا أخي، إنِّي أُوصيكَ بوصيَّةٍ فَاحفَظها: إذا أنا مِتُّ فَهَيِّئنِي ، ثُمَّ وَجِّهنِي إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأُحْدِثَ بِهِ عَهداً ، ثُمَّ اصرِفني إلى أُمِّي عليهاالسلام ، ثُمَّ رُدَّني فادفنِّي بِالبَقيعِ ، وَاعلَم أنَّهُ سَيُصيبُني مِن عائِشةَ ما يعلَمُ اللّه ُ ، والنَّاسُ صَنِيعُها عَداوَتُها للّه ِِ وَلِرَسولِهِ ، وَعَداوَتُها لَنا أَهلَ البَيتِ . فَلمَّا قُبِضَ الحَسَنُ عليه السلام وَوُضِع عَلى السَّريرِ ثُمَّ انطلَقوا بِهِ إلى مُصَلَّى رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله الَّذي كانَ يُصلِّي فيهِ عَلى الجَنائِزِ ، فَصلَّى عَلَيهِ الحُسَينُ عليه السلام ، وَحُمِلَ وَأُدخِلَ إلى المَسجِدِ . فَلمَّا أُوقِفَ عَلى قبر رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله ، ذهَب ذو العُوَينَين إلى عائِشَةَ ، فَقالَ لَها : إنَّهُم قَد أقبَلوا بِالحَسَنِ لِيَدفُنوا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله ، فَخَرَجَت مبادِرةً عَلى بَغلٍ بِسَرجٍ ، فَكانَت أوَّلَ امرَأةٍ رَكِبَت في الإسلام سَرجاً . فَقالَت : نَحُّوا ابنَكُم عَن بَيتي ، فَإنَّهُ لا يُدفَنُ في بَيتي ، وَيُهتَكُ عَلى رَسولِ اللّه ِ حِجابُهُ . فَقالَ لها الحُسَينُ عليه السلام : قدِيماً هتَكتِ أنتِ وَأبوكِ حِجابَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَأدخَلتِ عَلَيهِ بَيتَهُ مَن لا يُحِبُّ قُربَهُ ، وَإنَّ اللّه َ سائِلُكِ عَن ذلِكَ يا عائِشةُ . (7) وفي رواية اُخرى : عن سهل ، عن محمَّد بن سليمان ، عن هارون بن الجَهْم ، عن محمَّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لمَّا احْتُضر الحسن بن عليّ عليهماالسلام ، قالَ للحُسَينِ : يا أخي، إنِّي أُوصيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحفَظها ، فَإذا أنا مِتُّ فَهَيِّئنِي ، ثُمَّ وَجِّهنِي إلى رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، لأُحدِثَ بِهِ عَهداً ، ثُمَّ اصرِفني إلى أُمِّي فاطِمَةَ عليهاالسلام ، ثُمَّ رُدَّني فَادفِنِّي بِالبَقيعِ ، واعلَم أنَّهُ سَيُصيبُني مِنَ الحُمَيرَاء ما يَعلمُ النَّاسُ مِن صَنِيعِها ، وَعداوَتِها للّه ِِ وَلِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، وعَداوَتِها لَنا أهلَ البَيت . فَلَمَّا قُبِضَ الحَسَنُ عليه السلام ، ووضِعَ عَلى سَريرِهِ ، فَانطَلَقوا بِهِ إلى مُصلَّى رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله الَّذي كانَ يُصَلِّي فيهِ عَلى الجَنائِزِ ، فَصُلِّي عَلى الحَسَنِ عليه السلام ، فَلَمَّا أن صُلِّي عَلَيهِ حُمِلَ ، فَأُدخِلَ المَسجِدَ فَلَمَّا أُوقِفَ عَلى قَبرِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله بَلَغَ عائِشَةَ الخَبَرُ ، وَقيلَ لها : إنَّهُم قَد أقبَلوا بِالحَسَنِ بنِ عليٍّ لِيُدفَنَ مَعَ رَسولِ اللّه ِ ، فَخَرَجَتْ مُبادِرَةً عَلى بَغْلٍ بِسَرجٍ فَكانَت أوَّلَ امرَأَةٍ رَكبَت في الإسلامِ سَرجاً ، فَوَقَفَت ، وَقالَت : نَحُّوا ابنَكُم عَن بَيتي ، فَإنَّهُ لا يُدفَنُ فيهِ شَيءٌ ولا يُهتَكُ عَلى رَسولِ اللّه ِ حِجابُهِ . فَقال لها الحُسَينُ بنُ عَليٍّ صَلَواتُ اللّه ِ عَليهِما : قَدِيماً هَتَكتِ أنتِ وَأبوكِ حِجابَ رَسولِ اللّه ِ ، وَأدخَلتِ بَيتَهُ مَن لا يُحِبُّ رَسولُ اللّه ِ قُربَهُ ، وَإنَّ اللّه َ سائلُكِ عَن ذلِكَ يا عائشةُ ، إنَّ أخي أمرَني أن أُقَرِّبَهُ مِن أبيهِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لِيُحدِثَ بِهِ عَهداً . وَاعلَمي أنَّ أخي أعلَمُ النَّاسِ بِاللّه ِ وَرَسولِهِ ، وَأعلمُ بِتأْويلِ كِتابِهِ مِن أن يَهتِكَ عَلى رَسولِ اللّه ِ سِترَهُ ، لِأنَّ اللّه َ تَبارَكَ وَتَعالى يَقولُ : « يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ » (8) ، وَقَد أَدخَلتِ أنتِ بَيتَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله الرِّجالَ بِغَيرِ إذنِهِ ، وَقَد قالَ اللّه ُ عز و جل : « يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَ اتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ » (9) ، وَلَعَمري لَقَد ضَربتِ أنتِ لِأبِيكِ وَفارُوقِهِ عِندَ أُذُنِ رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله المَعاوِلَ ، وَقالَ اللّه ُ عز و جل : « إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَ اتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَ_ئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى » (10) ، ولَعَمرِي لَقَد أدخَلَ أبوكِ وفارُوقُهُ عَلى رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله بِقُربِهِما مِنهُ الأذَى ، وَما رَعَيا مِن حَقِّهِ ما أمَرَهُما اللّه ُ بهِ عَلى لِسانِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، إنَّ اللّه َ حَرَّمَ مِنَ المُؤمِنينَ أمواتاً ما حَرَّمَ مِنهُم أحياءً ، وَتَاللّه ِ يا عائشةُ ، لو كانَ هذا الَّذي كرِهْتِيهِ مِن دَفْنِ الحَسَنِ عِندَ أبيهِ رَسول اللّه صلوات اللّه عليهما جائِزاً فيما بَينَنا وَبَينَ اللّه ِ لعلِمتِ أنَّهُ سَيُدفَنُ ، وإنْ رُغِمَ مَعطِسُكِ . قال : ثُمَّ تكلَّم محمَّد بن الحنفِيَّة ، وقال : يا عائشة يَوماً على بَغْلٍ ، ويَوماً عَلى جَمَلٍ فما تَمْلِكِينَ نَفسَكِ ، ولا تمْلِكين الأرضَ عَداوَةً لِبني هاشِمٍ . قال : فأقبلت عليه ، فقالت : يا ابن الحنفيَّة ، هؤلاء الفواطِمُ يتكَلَّمُونَ ، فَما كلامُكَ؟ فقال لَها الحسين عليه السلام : وَأنَّى تُبعِدينَ مُحَمَّداً مِنَ الفَوَاطِمِ ؟ فَوَ اللّه ِ لَقَد وَلَدَتهُ ثلاثُ فَوَاطِمَ ، فاطِمَةُ بنتُ عِمرانَ بنِ عائِذ ٍ بنِ عَمروٍ بنِ مَخزُومٍ ، وَفاطِمَةُ بِنتُ أسَد ٍ بنِ هاشمٍ ، وفاطِمةُ بنتُ زائدةَ بنِ الأصَمِّ بنِ رَوَاحةَ بنِ حِجْرٍ بنِ عَبدِ مَعِيصٍ بنِ عامِرٍ .في وصاياه قال : فقالت عائشة لِلْحسين عليه السلام : نَحُّوا ابنَكُم ، واذهبوا بهِ فَإنَّكُم قَومٌ خَصِمُون . قال : فمضَى الحسين عليه السلام إلى قَبرِ أُمِّهِ ، ثُمَّ أخرَجَهُ فَدَفَنَهُ بالبَقيعِ . (11)

.


1- . وفي نسخة : «خشيت» .
2- . وفي نسخة : «عنه جميعاً» و ليس فيه «و تسارا» .
3- . وفي نسخة : «فقال أسود بن أبي الأسود : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون» .
4- . وفي نسخة : «إنّا للّه » .
5- . وفي نسخة : «و دفن بالبقيع» .
6- . كفاية الأثر : ص 226.
7- . الكافي : ج 1 ص 300 ح 1 ، مدينة المعاجز : ج 3 ص 340 الرّقم922 نحوه.
8- . الأحزاب : 53 .
9- . الحجرات : 2 .
10- . الحجرات : 3 .
11- . الكافي : ج 1 ص 302 ح 3 وراجع : دلائل الإمامة : ص 160.

ص: 65

. .

ص: 66

. .

ص: 67

وفي تاريخ مدينة دمشق : أبو حازم : لمَّا حُضِرَ الحسن ، قال للحسين :ادفنوني عِندَ أبي يَعني النَّبيَّ صلى الله عليه و آله ، أمّا أن تَخافوا الدِّماءَ ، فإن خِفتُمُ الدِّماءَ فَلا تُهريقوا فِيَّ دَماً ، ادفنوني عِندَ مَقابِرِ المُسلِمينَ . قال : فلمَّا قُبِض تسلَّح الحسينُ ، وجمعَ مواليهِ ، فقال له أبو هريرة 1 : أنشدُكَ اللّه ووصيّة أخيك ، فإنَّ القوم لنْ يدعوك حتَّى يكون بينكم دماً (1) . قال : فلم يَزل به حتَّى رجع ، قال : ثم دفنوه في بقيع الغرقد . (2)

وفي دلائل الإمامة : ولمَّا حضرته الوفاة قال لأخيه الحسين عليه السلام : إذا مِتُّ فَغسِّلني ، وَحنِّطني ، وَكَفِّني ، وَصَلِّ عَلَيَّ ، وَاحمِلني إلى قَبرِ جَدّيَ حَتَّى تُلحِدَني إلى جانِبِهِ ، فإن مُنِعتَ مِن ذلِكَ فَبِحَقِّ جَدِّكَ رَسولِ اللّه ِ وَأبيكَ أميرِ المُؤمِنينَ وأُمِّكَ فاطِمَةَ ، وَبِحَقّي عَلَيكَ إن خاصَمَكَ أحَدٌ رُدَّني إلى البَقيعِ ، فَادفنّي فيهِ ، وَلا تُهرِق فِيَّ مِحْجَمَةَ دمٍ . (3)

.


1- . هكذا في المصدر ، والصواب : «دمٌ» .
2- . تاريخ مدينة دمشق : ج 13 ص 288 ، تهذيب الكمال : ج 6 ص 254 ، تهذيب التهذيب : ج 2 ص 260.
3- . دلائل الإمامة : ص 160 ح 72 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 141.

ص: 68

20 ما زُعم أنّه عليه السلام أوصى به أخاه الحسين عليه السلام

20ما زُعِمَ أنّه عليه السلام أوصى به أخاه الحسين عليه السلامقال أبو عمر : روينا من وجوه : أنَّ الحسن بن عليّ لمَّا حضرته الوفاةُ ، قال للحسين أخيه :يا أخي ، إنَّ أباكَ حِينَ قُبِضَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله استَشرَفَ لِهذا الأَمرِ ، وَرَجا أنْ يَكونَ صاحِبَهُ ، فَصرَفَهُ اللّه ُ عَنهُ ، وَوَلِيَها أبو بكر ، فَلَمَّا حَضَرت أبا بكر الوَفاةُ تشوَّف لَها أيضاً ، فصُرِفَت عَنهُ إلى عُمَرَ ، فَلَمَّا قُبض عمرُ جَعلَها شورى بَينَ سِتَّةٍ هُو أحَدُهُم ، فَلَم يشكَّ أنَّها لا تَعدوهُ ، فَصُرِفَت عَنهُ إلى عُثمانَ ، فلمَّا هلَكَ عُثمانُ بُويِعَ لَهُ ، ثُمَّ نُوزِعَ حَتَّى جَرَّدَ السَّيف وطلبها ، فما صفا لَهُ شَيءٌ مِنها ، وإنِّي واللّه ِ ما أرى أنْ يَجمَعَ اللّه ُ فينا أهلَ البَيتِ النُّبوَّةَ والخِلافَةَ ، فَلا أعرِفَنَّ ما استَخَفَّكَ سُفهاءُ أهلِ الكُوفَةِ فَأَخرَجوكَ . وَقَد كُنتُ طَلَبتُ إلى عائِشَةَ إذا مِتُّ أنْ أُدفَنَ في بَيتِها مَعَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله . فَقالَت : نَعَم وَإنِّي لا أدري ، لَعَلَّهُ كانَ ذلِكَ مِنها حَياءً ، فَإِذا أنَا مِتُّ فاطلُب ذلِكَ إِلَيها ، فَإنْ طابَت نَفسُها فادُفنِّي في بَيتِها ، وَما أظُنُّ إلاَّ القومَ سَيمنَعونَكَ إِذا أردَتَ ذلِكَ ، فَإنْ فَعَلُوا فَلا تُراجِعْهُم في ذلِكَ ، وادفنِّي في بَقيعِ الغَرْقَدِ (1) ، فَإنَّ لي بِمَن فيهِ أُسوَةً .

فَلَمَّا ماتَ الحَسَنُ أتى الحُسينُ عائِشَةَ يَطلُبُ ذلِكَ إلَيها ، فَقالَت : نَعَم حُبَّاً وَكَرامَةً . فبلَغَ ذلِكَ مَروانَ ، فَقالَ مَروانُ : كَذِب وكَذِبَت ، واللّه ِ ، لا يُدفَنُ هُناكَ أبَداً ، مَنعوا عُثمانَ مِن دَفنِهِ فِي المَقبَرَةِ ، ويُريدونَ دَفْن حَسَنٍ في بَيتِ عائِشَةَ ! فَبَلَغَ ذلِكَ حُسيناً ، فَدَخلَ هُو وَمَن مَعهُ فِي السِّلاحِ ، فَبلَغَ ذلِكَ مَروانَ فاستلأمَ في الحَديدِ أيضاً ، فبَلغَ ذلِكَ أبا هُريرَة ، فَقال : واللّه ِ ، ما هُو إلاَّ ظُلم ، يُمنَعُ حَسَنٌ أنْ يُدفَنَ مَعَ أبيهِ ، واللّه ِ إنَّه لاَبنُ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله . ثمَّ انطَلَقَ إلى حُسَينٍ ، فَكَلَّمَهُ وناشَدَهُ اللّه َ ، وقالَ لَهُ : ألَيسَ قَد قَالَ أخوكَ : إنْ خِفتَ أنْ يكون قِتالٌ فَرُدَّني إلى مَقبَرَةِ المُسلِمينَ؟ وَلَم يَزَل بهِ حَتَّى فعل ، وَحَمَلَهُ إلى البقيعِ ، وَلَم يَشهَدهُ يَومَئِذٍ مِن بني أُميَّةَ إلاَّ سَعيدُ بنُ العاص ، وَكانَ يَومئذٍ أميراً عَلى المَدينَةِ ، قَدَّمَهُ الحُسين في الصَّلاةِ عَلَيهِ ، وَقالَ : هي السُّنَّة . (2) وقد قال في خلاصة عبقات الأنوار ما نصُّه: لقد افتروا كذبا فزعموا أنّ الإمام الحسن أوصى إلى أخيه الإمام الحسين عليه السلام (ج4 ص 244). والواقع أنَّ هذه الوصية تتضمن تناقضات واضحة، ويمكن أن نشير إليها كالآتي: 1 _ طريقة خطابه عليه السلام لأخيه الحسين «إنّ أباك» غير مستساغة. 2 _ استشراق أمير المؤمنين عليه السلام للخلافة، وكأنّ النبي صلى الله عليه و آله لم ينصّ عليه. 3 _ كيف يصرف اللّه الحقَّ عن أهله؟ وهو الذي قال في محكم كتابه مخاطبا رسوله الكريم _ في حجّة الوداع _ في شأن تبليغ ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام : « وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ » . 4 _ عدم إمكان صدور عبارة مثل: «حتّى جرّد السيف وطلبها فما صفا له شيء منها» عن الإمام الحسن عليه السلام بحقّ والدهِ، وهو يعلم عصمته وحكمته واتباعه لأمر اللّه . 5 _ «واني واللّه لا أرى أن يجمع اللّه فينا أهل البيت النبوّة والخلافة» هل يعقل أن يقول الحسن ذلك؟ وأن يجهل أمير المؤمنين عليه السلام هذه الحقيقة؟ 6 _ قوله: «فلا أعرفَنَّ ما استخفَّك سفهاءُ أهل الكوفة فأخرجوك... الخ» أليس في هذا _ إن صحَّ _ حجّة على الحسين عليه السلام في خروجه إلى الكوفة؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا خالف الحسين وصية أخاه؟ 7 _ نفت هذه الرواية ما اجمع عليه المؤرخون في العامة والخاصة، من أنّ عائشة ركبت على بغل وقالت: «نحّوا ابنكم عن بيتي» وقالت: «لا تدخلوا بيتي من لا أحب» وهذه الرواية تُثبت البراءة لعائشة وانّ التقصير من مروان لا منها. 8 _ ما نقله صاحب ذخائر العقبى من أنَّ أبا هريرة كان يتوسل بالحسين عليه السلام في سبيل عدم تضييع وصية أخيه الحسن، وهذا أعجب العجب، أفيكون الحسين محتاجا لمثل هذا النصح؟ أو يكون أبو هريرة أحرص من الحسين على إنفاذ وصية أخيه. وهو الذي نفّذها كاملة ولم يرق في أمر أخيه محجمة من دم. هذا كلّه ما يخصّ مناقشة أقسام من متن هذه الوصية التي نسبت إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام . وأمّا ما يخصّ سندَ هذه الوصيّة فنقول: إنّ الأسانيد التي نقلت بها هذه الوصيّة ضعيفة جدّا، مع اضطراب متونها، ولم تذكر في مصادر أبناء العامّة المعتبرة عندهم، مضافا إلى كونها لم ترد في مصدر واحدٍ من مصادر الشيعة، بل على العكس عدَّها بعض علماء الشيعة من الافتراءات.

.


1- . بقيع الغرقد : هو مقبرة أهل المدينة ، وسمّى بذلك لأنّه كان فيه غرقد ، وهو ضرب من شجر العضاه وشجر الشّوك .
2- . ذخائر العقبى للطبري : ص 244 وراجع: سِيَر أعلام النبلاء: ج 3 ص 278 .

ص: 69

. .

ص: 70

. .

ص: 71

21 وصيّتُه عليه السلام لأخيه الحسين عليه السلام

21وصيَّتُه عليه السلام لأخيه الحسين عليه السلامفي الأمالي : حدَّثنا محمَّد بن محمَّد ، قال : حدَّثنا أبو الحسن عليّ بن بلال المهلبيّ ، قال : حدَّثنا مزاحم بن عبدالوارث بن عبَّاد البصريّ بمصر ، قال : حدَّثنا محمَّد بن زكريَّا الغلابيّ ، قال : حدَّثنا العبَّاس بن بكَّار ، قال : حدَّثنا أبو بكر الهذليّ ، عن عكرمة ، عن ابن عبَّاس 1 . قال الغلابيّ : وحدَّثنا أحمد بن محمَّد الواسطيّ ، قال : حدَّثنا محمَّد بن صالح بن النَّطَّاح ، ومحمَّد بن الصّلت الواسطيّ ، قالا : حدَّثنا عمر بن يونس اليماميّ ، عن الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عبَّاس . قال : وحدَّثنا أبو عيسى عبيد اللّه بن الفضل الطّائيّ ، قال : حدَّثنا الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن عمربن عليّبن الحسين بن عليّبن أبيطالب( عليهم السلام) ، قال : حدَّثني محمَّد بن سلام الكوفيّ ، قال : حدَّثنا أحمد بن محمَّد الواسطيّ ، قال : حدَّثنا محمَّد بن صالح ، ومحمَّد بن الصّلت ، قالا : حدَّثنا عمر بن يونس اليماميّ ، عن الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عبَّاس ، قال : دخل الحسين بن عليّ( عليهماالسلام) على أخيه الحسن بن عليّ ( عليهماالسلام) في مرضه الَّذي تُوفّي فيه ، فقال له : كَيفَ تَجِدُك يا أَخي؟ قال : أجِدُني في أوَّلِ يَومٍ مِن أيَّامِ الآخِرَةِ ، وآخِرَ يَومٍ مِن أيّامِ الدُّنيا ، وَاعلَم أ نِّي لا أسبِقُ أَجَلي ، وَأنِّي وارِدٌ عَلى أبي وَجَدّي عليهماالسلام ، عَلى كُرهٍ منِّي لفِراقِكَ وفِراقِ إخوَتِكَ وفِراقِ الأَحِبَّةِ ، واستَغفِرُ اللّه َ مِن مَقالَتي هذهِ وأتوبُ إلَيهِ ، بَل عَلى مَحَبَّةٍ مِنِّي لِلِقاء رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَأميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وَلِقاءِ فاطِمَةَ ، وحَمزَةَ ، وَجَعفر ٍ عليهم السلام ، وَفِي اللّه ِ عز و جل خَلَفٌ مِن كُلِّ هالِكٍ ، وعَزاءٌ مِن كُلِّ مُصيبَةٍ ، وَدَركٌ مِن كُلِّ ما فاتَ . رَأَيتُ يا أخي كَبدِي آنِفاً فِي الطَّستِ ، وَلَقَد عَرَفتُ مَن دَهاني ، وَمِن أينَ أُتيتُ ، فما أَنتَ صانِعٌ بهِ يا أَخي؟ فقال الحسين عليه السلام : أقتلُهُ واللّه ِ . قال : فَلا أُخبِرُكَ بهِ أبَداً حَتَّى نَلقى رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَلكِن اكتُب : هذا ما أوصى بهِ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ إلى أخيهِ الحُسينِ بنِ عَلِيٍّ : أوصى أ نَّهُ يَشهَدُ أنْ لا إلَه إلاَّ اللّه ُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَأنَّهُ يَعبُدُهُ حَقَّ عِبادَتِهِ ، لا شَريكَ لَهُ فِي المُلكِ ، وَلا وَلِيَّ لَهُ مِنَ الذُّلِّ ، وَأنَّهُ خَلَق كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقديراً ، وَأنَّهُ أَولى مَن عُبِدَ ، وأحَقُّ مَن حُمِدَ ، مَن أطاعَهُ رَشِدَ ، وَمَن عصاهُ غَوى ، وَمَن تابَ إليهِ اهتَدى . فَإنِّي أُوصيكَ يا حُسَينُ : بِمَن خَلَّفتُ مِن أهلي ، وَوُلدي ، وَأَهلِ بَيتِكَ ، أنْ تَصفَحَ عَن مُسيئهم ، وَتَقبَلَ مِن مُحسِنِهم ، وتَكونُ لَهُم خَلَفاً وَوالِداً ، وأنْ تَدفِنَني مَعَ جَدّي رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَإنِّي أحَقُّ بهِ وبِبَيتِهِ مِمَّن أُدخِلَ بَيتَهُ بِغَيرِ إذنِهِ ، وَلا كِتابَ جاءَهُم مِن بَعدِهِ ، قال اللّه تَعالى فيما أنزلَهُ عَلى نَبيِّهِ صلى الله عليه و آله في كِتابهِ : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ » (1) ، فَوَ اللّه ِ ما أُذِنَ لَهُم فِي الدُّخولِ عَلَيهِ في حَياتِهِ بِغَيرِ إذنِهِ ، ولا جاءَهُم الإذنُ في ذلِكَ مِن بَعدِ وَفاتِهِ ، وَنَحنُ مَأذونٌ لَنا فِي التَّصرُّفِ فيما وَرِثناهُ مِن بَعدِهِ ، فَإنْ أبَت عَلَيكَ الإمرأة فَأُنشِدُكَ بِالقَرَابَةِ الَّتي قَرَّبَ اللّه ُ عز و جل مِنكَ ، وَالرَّحِمِ الماسَّةِ مِن رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أنْ لا تُهريقَ فِيَّ مِحْجَمَةً (2) مِن دَم حَتَّى نلقى رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَنَختَصِمُ إليهِ ، وَنُخبِرُهُ بِما كان مِنَ النَّاسِ إلينا بَعدَهُ . ثُمَّ قُبِضَ عليه السلام . (3)

.


1- . الأحزاب : 53 .
2- . المِحْجمة : أداة الحجم ، والقارورة الَّتي يُجمع فيها دم الحِجامة .
3- . الأمالي للطوسي : ص 158 ح 267 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 151 ، إثبات الهداة : ج 5 ص 170 ، أعيان الشّيعة : ج 4ص79.

ص: 72

. .

ص: 73

. .

ص: 74

. .

ص: 75

. .

ص: 76

. .

ص: 77

. .

ص: 78

. .

ص: 79

22 وصيّتُه عليه السلام إلى القاسم بن الحسن عليهماالسلام

22وصيَّتُه عليه السلام إلى القاسم بن الحسن8الفخريّ قال : رُوي أنَّه لمَّا آلَ أمرُ الحُسين عليه السلام إلى القتال بكربلاء ، وقتل جميع أصحابه ووقعت النَّوبة على أولاد أخيه الحسن عليه السلام ، جاء القاسم بن الحسن عليهماالسلام ، وقال : يا عَمُّ الإجازة لأمضي إلى هؤلاء الكفَّارِ . فقال له الحسين عليه السلام : يابنَ أخي ، أنتَ مِن أخي عَلامَةٌ ، وَأُريدُ أَن تبقى لي لأَتسلَّى بِكَ . وَلَم يُعطِهِ إجازةً للبِراز . فَجَلَس مَهموماً مَغموماً باكِيَ العَينِ ، حَزينَ القَلبِ ، وَأجازَ الحُسينُ عليه السلام إخوَتَهُ للبرازِ وَلَم يُجِزهُ ، فَجَلَسَ القاسِمُ مُتألّماً ، وَوَضَعَ رأسَهُ عَلى رِجلَيهِ ، وذَكَر أنَّ أباه قَد رَبَطَ لَهُ عوذَةً في كَتفِهِ الأيمَنِ ، وَقال لَهُ إذا أصابَكَ أَلمٌ وَهَمٌّ ، فَعَلَيكَ بِحَلِّ العوذَةِ وَقِراءَتِها ، فَافهَم مَعناها واعمَل بِكُلِّ ما تَراهُ مَكتوباً فيها ، فَقالَ القاسِمُ لِنَفسِهِ : مَضى سنونُ عَلَيَّ وَلَم يُصِبني مِثلُ هذا الألَمِ ، فَحَلَّ العُوذَةَ وَفَضَّها ، وَنَظَر إلى كتابَتِها ، وإِذا فيها : يا ولدي يا قاسِمُ ، أُوصيكَ إنَّكَ إذا رَأَيتَ عَمَّكَ الحُسينَ عليه السلام في كَربلاءَ ، وَقَد أحاطَت بهِ الأَعداءُ ، فَلا تَترُكِ البِرازَ وَالجِهادَ لِأَعداءِ اللّه ِ وأعداءِ رَسولِهِ ، وَلا تَبخَل عَلَيهِ بِرِوحِكَ ، وكُلَمَّا نَهاكَ عَنِ البِرازِ عاوِدْهُ لِيأذَنَ لَكَ فِي البِرازِ ، لِتَحظى في السَّعادَةِ الأبديَّةِ . فقام القاسمُ مِن ساعَتِهِ ، وَأتى إلى الحُسينِ عليه السلام ، وَعَرَض ما كَتَب أبوهُ الحَسنُ عليه السلام عَلى عَمِّهِ الحُسينِ عليهماالسلام ، فَلَمَّا قَرأ الحُسينُ عليه السلام العوذَةَ ، بكى بُكاءً شَديداً ، وَنادى بالوَيلِ وَالثُّبورِ ، وتَنفَّسَ الصُّعداءَ ، وَقال : يا ابنَ الأخِ ، هَذهِ الوَصِيَّةُ لَكَ مِن أبيكَ ، وَعِندي وَصِيَّةٌ أُخرى مِنهُ لَكَ ، وَلابُدَّ مِن إنفاذِها . . . (1) وهذا هو ما عثرنا عليه من مكاتيب الإمام الحسن المجتبى عليه السلام والحمد للّه ربّ العالمين.

.


1- . مدينة المعاجز : ج 3 ص 366 الرّقم931.

ص: 80

. .

ص: 81

مكاتيب الإمام الحسين بن عليّ

اشاره

مكاتيب :الإمام الحسين بن عليّ عليهماالسلام

.

ص: 82

. .

ص: 83

الفصل الأوّل : مكاتيبه في عهد معاوية

1 كتابه عليه السلام إلى معاوية في احتجاجه عليه السلام عليه
في تكذيب الوشاة به عليه السلام

الفصل الأوّل :مكاتيبه عليه السلام في عهد معاوية1كتابُه عليه السلام إلى معاويةفي احتجاجه عليه السلام عليهقال عليه السلام _ في جواب كتاب كتبه إليه معاوية على طريق الاحتجاج _ : في تكذيب الوشاة به عليه السلامأمَّا بَعدُ ؛ فَقَد بَلَغَني كِتابُكَ ، أنَّهُ بَلَغَكَ عَنِّي أُمورٌ أنَّ بي عَنها غِنىً ، وَزَعَمتَ أنِّي راغِبٌ فيها ، وَأَنا بِغَيرِها عَنكَ جَديِرٌ ، وأمَّا ما رَقى إِليكَ عَنِّي ، فَإنَّهُ إنَّما رَقاهُ إِليكَ المَلاّقونَ (1) المَشَّاؤون بالنَّمائِم ، المُفَرِّقونَ بَينَ الجَمعِ . كَذِبَ السَّاعونَ الواشونَ ، ما أَردتُ حَربَكَ وَلا خِلافاً عَلَيكَ ، وأَيمُ اللّه ِ إنِّي لَأَخافُ اللّه َ عَزَّ ذِكرُهُ في تَركِ ذلِكَ ، وَما أَظُنُّ اللّه َ تَبارَكَ وَتَعالى بِراضٍ عَنِّي بِتَركِهِ ، وَلا عاذرِي بِدُونِ الاعتذارِ إِليهِ فِيكَ ، وَفي أولِيائِكَ القاسِطينَ المُجلِبينَ حِزبِ الظَّالِمينَ ، بِأولِياءِ الشَّيطانِ الرَّجيمِ .

.


1- . المَلَق : الوُدُّ واللُّطف الشّديد(الصّحاح : ج 4 ص 1557) .

ص: 84

توبيخه على قتل حجر وأصحابه

توبيخه على قتل حجر وأصحابهألَستَ قاتِلَ حُجْرِ بنِ عَديٍّ أخي كِندَةَ 1 وَأَصحابِهِ الصَّالِحينَ المُطيعينَ العابِدينَ ، كانوا يُنكِرونَ الظُّلمَ ، وَيَستَعظِمونَ المُنكَرَ والبِدَعَ ، ويُؤثِرونَ حُكمَ الكِتابِ ، ولا يَخافونَ فِي اللّه ِ لَومَةَ لائِمٍ ، فَقَتَلتَهُم ظُلماً وَعُدواناً مِن بَعدِ ما كُنتَ أعطَيتَهم الأمانَ والأَيمانَ المُغَلَّظَةَ ، وَالمَواثيقَ المُؤَكَّدَةَ ، لا تَأخُذُهُم بِحَدَثٍ كانَ بَينَكَ وَبَينَهُم ، وَلا بِإِحنَةٍ (1) تَجِدُها في صَدرِكَ عَلَيهِم . أوَلَستَ قاتِلَ عَمرو بنِ الحَمِقِ صاحِبِ رَسولِ اللّه ِ( صلى الله عليه و آله ) ،العَبدِ الصَّالِحِ الَّذي أبْلَتهُ العِبادَةُ فَصَفِرَت لَونُهُ ، ونَحِلَت جِسمُهُ ، بَعدَ أنْ أمَّنتَهُ وَأعطَيتَهُ مِن عُهُودِ اللّه ِ عز و جل وَمِيثاقَهُ ما لَو أَعطَيتَهُ العُصَم (2) فَفَهِمَتهُ لَنَزَلَت إِلَيكَ مِن شَعَفِ الجبالِ (3) ، ثُمَّ قَتَلتَهُ جُرأةً علَى اللّه ِ عز و جل ، واستخِفافاً بِذلِكَ العَهدِ؟

.


1- . أحن الرجل : من باب تعب : حَقَد وأضمر العداء ، والإحنة إسم منه (المصباح المنير : ص 6) .
2- . غراب أعصم : في أحد جناحيه ريشة بيضاء ، وقيل : هو الَّذي إحدى رجليه بيضاء ، وقيل : هو الأبيض . (لسان العرب : ج 12 ص 406) .
3- . شعف الجبال : رؤوس الجبال(لسان العرب : ج 9 ص 177) .

ص: 85

. .

ص: 86

. .

ص: 87

. .

ص: 88

. .

ص: 89

. .

ص: 90

. .

ص: 91

. .

ص: 92

تعجّبه عليه السلام من استلحاق زياد
لومه على قتل الحضرميّين

تعجّبه عليه السلام من استلحاق زيادأوَ لَستَ المُدَّعي زِيادَ بنَ سُميَّةَ ، المَولودَ علَى فِراشِ عُبَيدٍ عَبدِ ثَقيفٍ ، فَزَعَمتَ أنَّهُ ابنُ أَبيكَ ، وَقَد قالَ رَسولُ اللّه ِ ( صلى الله عليه و آله ) : الوَلَدُ لِلفرِاشِ ، وَللعاهِرِ الحَجَرُ ؛ فَتَركتَ سُنَّةَ رسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، واتَّبَعتَ هَواكَ بِغَيرِ هُدى مِنَ اللّه ِ ، ثُمَّ سَلَّطتَهُ عَلى أَهلِ العِراقِ ، فَقَطَعَ أيدِي المُسلِمينَ وَأَرجُلَهُم وَسَمَلَ أعيُنَهُم (1) ، وَصَلَبَهُم علَى جُذُوعِ النَّخلِ ، كَأنَّكَ لَستَ مِن هذِهِ الأُمَّةِ ، ولَيسوا مِنكَ؟

لومه على قتل الحضرميّينأوَ لَستَ صاحِبَ الحَضرَمِيّينِ ، الذينِ كَتَبَ إلَيكَ فِيهِم ابنُ سُمَيَّة : أنَّهُم علَى دِينِ عَلِيٍّ وَرَأيِهِ ، فَكَتَبتَ إِلَيهِ : اقتُل كُلَّ مَن كانَ علَى دِينِ عَلِيٍّ[ عليه السلام ]وَرَأيِهِ ، فَقَتَلَهُم ، وَمَثَّلَ بِهِم بِأَمرِكَ ، وَدِينُ عَلِيٍّ _ واللّه _ وابنِ عَلِيٍّ (2) الَّذي كان يَضرِبُ عَلَيهِ أَباكَ ، وَهُوَ أَجلَسَكَ مَجلِسَكَ الَّذي أَنتَ فيهِ ، وَلَولا ذَلِكَ لَكانَ أَفضَلَ شَرَفِكَ وَشَرَفِ أَبيكَ تَجَشُّمُ الرِّحلَتَينِ اللَّتَينِ بِنا مَنَّ اللّه ُ عَلَيكُم فَوَضَعَهُما عَنكُم؟

.


1- . سَلَمْت عينه : فَقَأْتها بحديدة محْماة (المصباح المنير : ص 286) .
2- . هكذا في المصدر ، وفي المصادر الاُخرى لا توجد : «وابن عليّ» .

ص: 93

في تحذيره من الفتنة وشقّ عصا الاُمّة
في أنّه عليه السلام لا يخاف معاوية
في تحذيره من سوء العاقبة والحساب

في تحذيره من الفتنة وشقّ عصا الاُمّةمكاتيب الإمام الحسين بن عليّوَقُلتَ فيما تَقولُ : انظر لِنَفسِكَ وَلِدِينِكَ وَلِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، واتَّقِ شَقَّ عَصا هذِهِ الأُمَّةِ ، وَأَن تَرُدَّهُم في فِتنَةٍ . فَلا أعرِفُ فِتنَةً أعظَمُ مِن ولايَتِكَ عَلَيها ، ولا أعلَمُ نَظَراً لِنفسي ووُلدي وَأُمَّةِ جَدِّي( صلى الله عليه و آله ) أفضل مِن جِهادِكَ ، فَإنْ فَعلتُهُ فَهُو قُربَةٌ إلى اللّه ِ عز و جل ، وإنْ تَرَكتُهُ فَأستَغفِرُ اللّه َ لِذَنبي ، وأَسأَ لَهُ تَوفِيقي لإرشادِ أُموري .

في أنّه عليه السلام لا يخاف معاويةوَقُلتَ فِيما تَقولُ : إنْ أُنكِركَ تُنكِرني ، وَإنْ أَكِدكَ تَكِدني ، وهَل رَأيُكَ إلاَّ كَيدُ الصَّالِحينَ ، مُنذُ خُلِقتَ؟ فَكِدني ما بَدا لَكَ إنْ شِئتَ فَإنِّي أَرجو أنْ لا يَضُرَّني كَيدُكَ ، وأنْ لا يَكونَ علَى أحَدٍ أضرَّ مِنهُ عَلَى نَفسِكَ ، عَلَى أنَّكَ تَكِيدُ فَ_تُوقِظُ عَدُوَّكَ ، وَتُوبِقُ نَفسَكَ ، كَفِعلِكَ بِهؤُلاءِ الَّذينَ قَتَلتَهُم ، وَمَثَّلتَ بِهِم بَعدَ الصُّلحِ والأيمانِ والعَهدِ والمِيثاقِ فَقَتَلتَهُم مِن غَيرِ أنْ يَكونوا قَتَلوا ، إلاَّ لِذِكرِهِم فَضلَنا ، وَتَعظيمِهِم حَقَّنا ، بِما بهِ شَرُفتَ وَعُرِفتَ ، مَخافَةَ أمرٍ لَعَلَّكَ لَو لَم تَقتُلهُم مِتَّ قَبل أنْ يَفعَلوا ، أوْ ماتوا قَبلَ أنْ يُدرَكوا .

في تحذيره من سوء العاقبة والحسابأبشِر يا مُعاوِيَةُ بالقِصاصِ ، واستَعِدَّ للحِسابِ ، واعلَم أنَّ للّه ِِ عز و جل كِتاباً لا يُغادِرُ صَغيرَةً ولا كَبِيرَةً إلاَّ أحصاها ، وَلَيسَ اللّه ُ تَبارَكَ وَتَعالى بِناسٍ أَخذَكَ بالظِّنَّة ، وَقَتلَكَ أَولِياءَهُ بالتُّهمَةِ ، وَنَفيَكَ إيَّاهُم مِن دارِ الهِجرَةِ إلى الغُربَةِ وَالوَحشَةِ ، وَأَخذَكَ النَّاسَ بِبَيعَةِ ابنِكَ غُلامٍ مِنَ الغِلمانِ ، يَشرَبُ الشَّرابَ ، ويَلعَبُ بالكِعابِ 1 لا أعلَمُكَ إلاَّ قَد خَسِرتَ نَفسَكَ ، وشَرَيتَ دِينَكَ ، وَغَشَشتَ رَعِيَّتَكَ ، وخُنْتَ أمانَتَكَ ، وسَمِعتَ مَقالَةَ السَّفيهِ الجاهِلِ ، وأَخَفتَ التَّقِيَّ الوَرِعَ الحَليمَ .

.

ص: 94

في تكذيب الوشاة به عليه السلام

قال : فلمَّا قرأ معاوية كتاب الحسين عليه السلام ، قال : لقد كان في نفسه ضبّ (1) عليَّ ما كنت أشعر به . فقال له ابنه يزيد ، وعبداللّه بن أبي عمر بن حفص (2) : أجبه جواباً شديداً تصغر إليه نفسه ، وتذكر أباه بأسوأ فعله وآثاره . فقال : كلاَّ ، أرأيتما لو أنِّي أردت أنْ أعيب عليَّاً محقّاً ما عسيت أنْ أقول ، إنَّ مثلي لا يحسن به أن يعيب بالباطل ، وما لا يعرف النَّاس ، ومتى عبت رجلاً بما لا يعرف النَّاس لم يحفل به صاحبه ، ولم يره شيئاً ، وما عسيت أنْ أعيب حسيناً ، وما أرى للعيب فيه موضعاً ، ألا إنِّي قد أردت أنْ أكتب إليه ، وأتوعَّده وأهدده ، وأجهله ، ثمَّ رأيت أنْ لا أفعل . قال : فما كتب إليه بشيء يسوؤه ، ولا قطع عنه شيئاً كان يصله به ، كان يبعث إليه في كلّ سنة ألف ألف درهم ، سوى عروض وهدايا من كلّ ضرب (3) . (4) نصّ الكتاب على رواية الإمامة والسِّياسة :

في تكذيب الوشاة به عليه السلامأمَّا بَعدُ ؛ فَقَد جاءَني كِتابُكَ تَذكُرُ فيهِ أنَّهُ انتَهَت إِلَيكَ عَنِّي أُمورٌ ؛ لَم تَكُن تَظُنُّني بِها ، رَغبَةً بي عَنها ، وَإنَّ الحَسناتِ لا يَهدي لها ، ولا يُسَدِّد إِلَيها إلاَّ اللّه ُ تَعالى ، وَأمَّا ما ذَكَرتَ أنَّهُ رُقِيَ إِلَيكَ عَنِّي ، فَإنَّما رَقَّاه المَلاَّقُونَ ، المَشاؤُونَ بالنَّمِيمَةِ ، المُفَرِّقونَ بَينَ الجَمعِ ، وكَذِبَ الغَاوونَ المارِقُونَ ، ما أَرَدتُ حَرباً وَلا خِلافاً ، وَإنِّي لَأَخشى للّه ِ في تَركِ ذلِكَ ، مِنكَ وَمِن حِزبِكَ ، القاسِطينَ المُحِلِّينَ ، حزِبِ الظَّالِمِ ، وأَعوانِ الشَّيطانِ الرَّجيمِ .

.


1- . الضبّ : الحقد (المصباح المنير : ص 357) .
2- . عبداللّه بن عمرو بن العاص .
3- . وفي نسخة : «عرض» .
4- . الاحتجاج : ج 2 ص 89 _ 93 ح 164 وراجع : رجال الكشي : ج 1 ص 252 ، دعائم الإسلام : ج 2 ص 131 ح 468 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 212 وج66 ص 495 ح 41 ؛ أنساب الأشراف : ج 3 ص 367 ، تاريخ مدينة دمشق ترجمة الإمام الحسين : ص 198 ،الإمامة والسّياسة : ج 1 ص 201 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 162.

ص: 95

توبيخه على قتل حجر وأصحابه
تعجّبه عليه السلام من استلحاق زياد

توبيخه على قتل حجروأصحابهألستَ قاتِلَ حُجرٍ ، وَأَصحابِهِ العابِدينَ المُخبِتينَ ، الَّذينَ كانوا يَستَفظِعونَ البِدَعَ ، ويَأمُرونَ بِالمَعروفِ ، وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ ، فَقَتَلتَهُم ظُلماً وَعُدواناً ، مِن بَعدِ ما أعطَيتَهُمُ المَواثِيقَ الغَليظَةَ ، والعُهودَ المُؤَكَّدَةَ ، جَراءَةً علَى اللّه ِ وَاستِخفافاً بِعَهدِهِ .

تعجّبه عليه السلام من استلحاق زيادأوَ لستَ بِقاتِلِ عَمرو بنِ الحَمِقِ ، الَّذي أَخلَقَت وأَبلَت وَجهَهُ العِبادَةُ ، فَقَتَلتَهُ مِن بَعدِ ما أَعطَيتَهُ مِنَ العُهودِ ما لَو فَهِمتَهُ العُصَمُ ، نَزلَت مِن شُعَفِ الجِبالِ . أوَ لستَ المُدَّعي زِياداً في الإسلامِ (1) ، فَزَعَمتَ أنَّهُ ابنُ أبي سُفيانَ ، وَقَد قَضى رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : أنَّ الوَلَدَ لِلفِراشِ ، ولِلعاهِرِ الحَجَرُ ؛ ثُمَّ سَلَّطتَهُ علَى أهلِ الإسلامِ ، يَقتُلُهُم ويُقَطِّعُ أَيدِيَهُم وَأَرجُلَهُم مِن خِلافٍ ، ويصلبهم على جذوع النَّخل . سُبحانَ اللّه ِ يا مُعاوِيَةُ ! لَكَأنَّكَ لَستَ مِن هذهِ الأُمَّةِ ، وَليسوا مِنكَ .

.


1- . يريد زياد بن أبيه ، حيث استلحقه معاوية ، وجعله أخيه ، وسمَّاه زياد بن أبي سفيان ، وكان أبو سفيان قد أنكر أنَّه ابنه من سميَّة (انظر ما ذكره المسعودي في مروج الذّهب : ج 3 ص 7) .

ص: 96

لومه على قتل الحضرمي
في عدم الاكتراث بتهديده
أمره بالتقوى وتحذيره من الحساب

لومه على قتل الحضرميأوَ لَستَ قاتِلَ الحَضرَميِّ الَّذي كَتَبَ إلَيكَ فيهِ زِيادٌ أنَّهُ علَى دِينِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللّه ُ وَجهَهُ ، وَدِينُ عَليٍّ هُو دِينُ ابنِ عَمِّهِ صلى الله عليه و آله ، الَّذي أجلَسَكَ مَجلِسَكَ الَّذي أَنتَ فيهِ ، وَلَولا ذلِكَ كانَ أَفضَلَ شَرَفِكَ وَشَرَفِ آبائِكَ تَجَشُّمُ الرِّحلَتَينِ : رِحلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيفِ ، فَوَضَعَها اللّه ُ عَنكُم بِنا ، مِنَّةً عَلَيكُم . وَقُلتَ فِيما قُلتَ : لا تُردُّ هذه الأُمَّةُ في فِتنَةٍ ، وَإنِّي لا أعلَمُ لَها فِتنَةً أعظَمَ مِن إمارَتِكَ عَليها . وَقُلتَ فيما قُلتَ : انظر لِنَفسِكَ وَلِدينِكَ وَلأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ، وَإنِّي واللّه ِ ، ما أَعرِفُ أفضَلَ مِن جِهادِكَ ، فَإن أَفعَلْ فَإنَّهُ قُربَةٌ إلى رَبِّي ، وَإنْ لَم أَفعَلهُ فَأَستَغفِرُ اللّه َ لِديني ، وَأَسأَ لُهُ التَّوفيقَ لِما يُحِبُّ وَيَرضى .

في عدم الاكتراث بتهديدهوَقُلتَ فيما قُلتَ : مَتى تَكدِني أَكِدكَ ، فَكدِني يا مُعاوِيَةُ فيما بَدا لَكَ ، فَلَعَمْرِي لَقَديماً يُكادُ الصَّالِحونَ ، وَإنِّي لَأَرجو أنْ لا تَضِرَّ إلاَّ نفسَكَ ، وَلا تَمحَقَ إلاَّ عَمَلَكَ ، فَكدِني ما بَدا لَكَ .

أمره بالتقوى وتحذيره من الحسابواتَّقِ اللّه َ يا مُعاوِيَةُ ، واعلَم أنَّ لِلّهِ كتاباً لا يُغادِرُ صَغيرةً ولا كَبيرَةً إلاَّ أحصاها . وَاعلَم أنَّ اللّه َ لَيسَ بناسٍ لَكَ قَتلَكَ بالظّنَّةِ ، وَأخذَكَ بالتُّهمَةِ ، وإمارَتَكَ صَبيّاً يَشرَبُ الشَّرابَ ، وَيَلعَبُ بالكِلابِ ، ما أَراكَ إلاَّ وَقَد أَوبَقتَ (1) نَفسَكَ ، وَأَهلَكتَ دينَكَ ، وَأَضَعتَ الرَّعِيَّةَ ، والسَّلام . (2)

.


1- . وَبَقَ : هلك ، ويتعدّى بالهمزة ، فيقال : أوبقته (المصباح المنير : ص 646) .
2- . الإمامة والسّياسة : ج 1 ص 202.

ص: 97

وقال الكِشّيّ : رُوي أنَّ مروان بن الحَكَم كَتَبَ إلى مُعاوِيَةَ ، وَهُو عامِلُهُ عَلى المَدينَةِ : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ عمرو بن عثمان ذكر أنَّ رجلاً من أهل العراق ، ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن عليّ ، وذكر أنَّه لا يأمنُ وثوبَهُ ، وقد بحثت عن ذلك ، فبلغني أنَّه يريد الخلاف يومَه هذا ، ولستُ آمن أن يكون هذا أيضاً لما بعده ، فاكتب إليَّ برأيك في هذا ، والسَّلام . فكتب إليه معاوية : أمَّا بعدُ ، فقد بلغني كتابُك وفهِمتُ ما ذكرت فيه من أمر الحُسينِ ، فإيَّاكَ أنْ تعرِضَ للحسينِ في شيءٍ ، واترك حُسيناً ما تركَكَ ، فإنَّا لا نُريدُ أنْ تعرِضَ لَهُ في شيءٍ ما وفى ببيعتنا ، ولم يَنْزُ 1 على سلطاننا (1) ، فاكمن عنه ما لم يبد لك صفحته (2) ، والسَّلام . وكتب معاوية إلى الحسين بن عليّ عليه السلام : أمَّا بعدُ ؛ فقد انتهت (3) إليَّ أُمور عنك ، إنْ كانت حقَّاً فقد أظنُّكَ تَرَكتَها رغبَةً فَدَعها ، ولَعَمْرُ اللّه ِ ، إنَّ مَن أعطى اللّه َ عَهدَهُ وميثاقَهُ لَجَديرٌ بالوَفاءِ ، وإن كانَ الَّذي بَلَغَني باطِلاً ، فإنَّك أنت أعذلُ النَّاسِ لِذلِكَ ، وَعظَ نَفَسِكَ فَاذكُرهُ ، ولِعَهدِ اللّه ِ أوفِ ، فإنَّك متى ما أُنكِركَ تُنكِرني ، ومتى أكدِك تَكِدني ، فاتَّق شَقَّكَ عصا هذِهِ الأُمَّةِ ، وأن يَرُدَّهُم اللّه ُ عَلى يَدَيكَ في فِتنَةٍ ، وَقَد عَرَفتَ النَّاسَ وبَلَوتَهُم ، فَانظُر لِنَفسِكَ وَلِدينِكَ وَلِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، ولا يُسخِفَنَّكَ السُّفهاءُ وَالَّذينَ لا يَعلَمونَ . فَلَمَّا وصلَ الكتابُ إلى الحُسينِ عليه السلام كتبَ إليهِ : . . . (4)

.


1- . وفي نسخة : «ولم ينازعنا سلطاننا» .
2- . قوله : «فاكمن عنه ما لم يبد لك صفحته» ؛ من كمن له كموناً ، بمعنى تواري واستخفي . قال في المغرب : ومنه الكمين من حيل الحرب ، وهو أن يستخفوا في مكمن لا يفطن لهم ، وكمن عنه كموناً ، أي اختفي . وفي القاموس : إنَّ الفعل منه من بابي نصر وسمع ، ويقال : في المشهور من بابي ضرب ونصر .
3- . في المصدر : «انتهيت» ، وما أثبتناه هو الصحيح .
4- . رجال الكشّي : ج 1 ص 250 الرقم 97 _ 99 .

ص: 98

2 كتابه عليه السلام إلى معاوية بعد حيازته عليه السلام قافلة من اليمن

2كتابُه عليه السلام إلى معاويةبعد حيازته عليه السلام قافلة من اليمنورد في شرح نهج البلاغة : كان مالٌ حُمِل من اليَمن إلى معاوية ، فلمَّا مرَّ بالمدينة وَثَبَ عليه الحسينُ بن عليّ عليه السلام ، فأخَذَه وقَسَمَه في أهل بيته ومواليه ، وكتب إلى معاوية :من الحسين بن عليّ إلى معاوية بن أبي سفيان : أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّ عِيْرا مرَّت بِنا مِنَ اليَمنِ ، تَحمِلُ مالاً وَحُلَلاً وَعَنْبَراً وَطِيْباً إليكَ لِتُودِعَها خَزائِنَ دِمشقَ ، وَتَعُلُّ (1) بها بَعدَ النَّهَلِ (2) بَني أبيكَ ، وَإنِّي احتَجتُ إليها فَأَخَذتُها ، والسَّلام .

.


1- . علّه : إذا سقاه السّقية الثانية (الصّحاح : ج 5 ص 1773) .
2- . النهل : الشّربُ الأوّل (الصّحاح : ج 5 ص 1837) .

ص: 99

فكتب إليه معاوية : من عِندِ عَبدِ اللّه ِ مُعاوِيَةَ أميرِ المُؤمِنينَ إلى الحُسَينِ بن عَلِيٍّ : سلامٌ عليكَ ، أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّ كتابَكَ ورَدَ عَلَيَّ تذكُر أنَّ عِيْراً مرَّت بِكَ مِنَ اليَمَنِ تَحمِلُ مالاً وَحُلَلاً وَعَنْبَراً وَطِيْباً إليَّ لأُودِعَها خَزَائِنَ دِمَشقَ ، وأعُلُّ بها بَعدَ النَّهَلِ بني أبي ، وأنَّكَ احتَجتَ إليها فَأخَذتَها وَلَم تَكُن جَديراً بِأَخذِها إذْ نَسَبتَها إليَّ ؛ لأنَّ الوالي أحقُّ بالمالِ ، ثُمَّ عَلَيهِ المَخرَجُ مِنهُ ، وَأيمُ اللّه ِ ، لو تُرِكَ ذلِكَ حَتَّى صارَ إليَّ ، لم أبْخَسْكَ حَظَّكَ مِنهُ ، وَلكنِّي قَد ظَنَنتُ يابنَ أخي أنَّ في رأسِكَ نَزْوَةً ، وَبِوُدِّي أن يَكونَ ذلِكَ في زَماني فَأَعرِفَ لَكَ قَدرَكَ ، وأتجاوَزَ عن ذلِكَ ، وَلكنِّي واللّه ِ ، أتخوَّفُ أنْ تُبتلى بِمَن لا يُنظِرُكَ فُواقَ ناقَةٍ . وكتب في أسْفَل كتابه : يا حسينُ بنَ عليّ ليس ماجِئتَ بالسَّائغِ يوماً في العِلَلْ أَخذُكَ المالَ وَلم تُؤْمَرْ بهِإنَّ هذا مِن حُسينٍ لعَجَلْ قَد أجزْناها وَلَم نَغْضَبْ لَهاواحتمَلْنا مِن حُسَينٍ ما فَعَلْ يا حُسينُ بنَ عليٍّ ذَا الأمَللَكَ بعدِي وَثْبَةٌ لا تُحْتَمَلْ وبِوُدِّي أنَّني شاهِدُهافأليها مِنكَ بالخُلْقِ الأجَلْ إنَّني أرْهَبُ أنْ تَصْلَى بِمَنعِندَهُ قَد سَبَقَ السّيفُ العَذَلْ (1) وهذِهِ سَعَةُ صَدرٍ وفراسَةٌ صادِقةٌ . (2)

.


1- . سبق السيف العذل : يضرب لما قد فات ، وأصل ذلك أنّ الحرث بن ظالم ضرب رجلاً فقتله ، فأخبر بعذره ، فقال : سبق السيف العذل (لسان العرب : ج 11 ص 438) .
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 18 ص 409 وراجع : البداية والنّهاية : ج 8 ص 162.

ص: 100

3 كتابه عليه السلام إلى معاوية حول معاملة له مع مسلم بن عقيل

3كتابُه عليه السلام إلى معاويةحول معاملة له مع مسلم بن عقيلروى المدائنيّ ، قال : قال معاوية يوماً لعَقيل بن أبي طالب : هل من حاجة فأقضيها لك؟ قال : نعم ، جارية عُرِضت عليَّ وأبى أصحابُها أنْ يبيعوها إلاَّ بأربعين ألفْاً ، فأحبّ معاويةُ أنْ يمازحَه . فقال : وما تصنع بجارية قيمتُها أربعون ألفاً ، وأنتَ أعمى تجتزِئ بجارية قيمتها خمسُون درهماً . قال : أرجو أنْ أطأها فتلد لي غلاماً إذا أغضبتَه يضرب عنقك بالسَّيف . فضحك معاوية ، وقال : مازحناك يا أبا يزيد ! وأمر فابتيعَت له الجارية الَّتى أولد منها مسلِماً ، فلمَّا أتت على مسلم ثماني عشرة سنة _ وقد مات عَقيل أبوه _ قال لمعاوية : يا أمير المؤمنين إنَّ لي أرضاً بمكان كذا من المدينة ، وإنِّي أُعطيتُ بها مئة ألف ، وقد أحببتَ أنْ أبيعَك إيَّاها ، فادفع إليَّ ثمنها ، فأمر معاوية بقبض الأرض ، ودفع الثَّمن إليه . فبلغ ذلك الحسين عليه السلام فكتب إلى معاوية : أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّكَ غَرَرتَ غُلاماً من بني هاشم ، فابتَعتَ مِنهُ أرضاً لا يَملِكُها ، فاقبض مِنَ الغُلامِ ما دَفَعتَهُ إليهِ ، وارْدُدْ إلينا أرضَنا . فبعث معاوية إلى مسلم ، فأخبَرهُ ذلِكَ ، وَأقرَأهُ كِتابَ الحُسَينِ عليه السلام ، وَقال : ارْدُد علينا مالَنا ، وخُذ أرضَكَ ، فَإنَّك بِعتَ ما لا تَملِك . فقالَ مسلم : أمَّا دونَ أنْ أضرِبَ رأسك بالسَّيف فَلا . فَاستَلقى مُعاوِيَةُ ضاحِكاً يَضرِبُ برِجْلَيهِ ، فَقالَ : يا بُنيَّ ، هذا وَاللّه ِ ، كَلامٌ قالَهُ لي أَبوكَ حِينَ ابتعتُ لَهُ أُمَّكَ . ثُمَّ كتبَ إلى الحُسَينِ : إنِّي قَد رَدَدتُ عَلَيكُمُ الأَرضَ وَسَوَّغْتُ مُسلِماً ما أخَذَ . فقال الحسين عليه السلام : أبيتم يا آلَ أبي سُفيانَ إلاَّ كرَماً . (1) أقول : هذا من مفتعلات المدائنيّ وأضرابه ، لأنَّ مسلما رحمه الله _ على ما يظهر من الشَّواهد _ لم يكن وقتئذٍ شابَّاً له ثمان عشرة سنة ، بل هو من الرِّجال الكاملين ، مضافاً إلى أنَّه لم يكن بين بني هاشم وَبني أميَّة هذه المودَّة .

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 11 ص 251.

ص: 101

4 كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة بعد شهادة الحسن عليه السلام

4كتابُه عليه السلام إلى أهل الكوفةبعد شهادة الحسن عليه السلامو[ لمَّا ] بلغ أهل الكوفة وفاة الحسن ، فاجتمع عظماؤهم فكتبوا إلى الحسين رضى الله عنه يُعزُّونه . وكتب إليه جَعْدَة بن هُبَيْرَة بن أبي وَهَب 1 ، وكان أمحْضَهم حُبَّاً ومَودَّةً : أمَّا بَعدُ ؛ فإن مَن قِبَلَنا مِن شيعَتِكَ مُتَطَلِّعَةٌ أَنفُسُهُم إلَيكَ ، لا يَعْدِلونَ بِكَ أحَداً ، وَقَد كانوا عَرَفوا رأيَ الحَسَنِ أَخيكَ في دَفعِ الحَربِ ، وَعَرَفوكَ باللِّينِ لأَولِيائِكَ ، وَالغِلْظَةِ عَلى أَعدائِكَ ، والشِّدَّةِ في أمرِ اللّه ِ ، فَإنْ كُنتَ تُحِبُّ أنْ تَطلُبَ هذا الأمرَ فَأقدِم علَينا ، فَقَد وطَّنا أَنفُسَنا عَلى المَوتِ مَعَكَ . فكتب إليهم :أمَّا أخي ، فَأَرجو أنْ يكونَ اللّه ُ قَد وَفَّقهُ ، وسَدَّده فيما يأتي . وَأمَّا أنَا ، فَلَيسَ رأيي اليومَ ذلِكَ ، فالصَقوا رَحِمَكُم اللّه ُ بالأَرضِ ، واكمَنوا فِي البُيوتِ ، وَاحتَرِسوا مِنَ الظِّنَّةِ ما دامَ مُعاوِيَةُ حَيَّاً ، فَإن يُحدِثِ اللّه ُ بهِ حَدَثاً وأنَا حَيٌّ ، كَتَبتُ إِلَيكُم برأيي ، وَالسَّلام . (1)

.


1- . الأخبار الطّوال : ص 221 وراجع : تهذيب تاريخ ابن عساكر : ج 4 ص 326 ، تاريخ مدينة دمشق ترجمة الإمام الحسين عليه السلام : ص 197 ، تاريخ الخلفاء : ص 206 ، أنساب الأشراف : ج 3 ص 361 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 161 ؛ المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 87 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 324.

ص: 102

. .

ص: 103

وقال المفيد رحمه الله: ما رواه الكَلبيُّ والمدائنيُّ وغيرُهما من أصحاب السِّيرة قالوا : لمَّا مات الحسنُ بنُ عليٍّ عليهماالسلام ، تحرَّكَتِ الشِّيعةُ بالعِراقِ ، وكَتَبوا إلى الحُسَينِ عليه السلام في خَلعِ مُعاوِيَةَ ، والبَيعَةِ لَهُ ، فامتنَعَ عَلَيهِم ، وذكَرَ أنَّ بينَهُ وبينَ مُعاوِيَةَ عَهْداً وَعَقداً لا يجوزُ لَهُ نقضُهُ ، حتَّى تمضِيَ المُدَّةُ ، فإنْ ماتَ مُعاوِيَةُ (1) نظَرَ في ذلِكَ . (2) وَيقرُبُ مِنهُ كلامُ الفَتَّال . (3) وَقالَ البلاذريّ بعد ذكره كتاب أهل الكوفة إلى الحسين عليه السلام في التَّعزية في شهادة الحسن عليه السلام : وَكتبَ إليهِ بنو جَعْدَةَ يُخبِرونَهُ بِحُسنِ رأي أَهلِ الكوفَةِ فيهِ ، وحُبِّهِم لِقدومِهِ وتَطَلُّعِهِم إِلَيهِ ، وأَن قَد لَقُوا مِن أنصارِهِ وإخوانِهِ مَن يَرضى هَديَهُ ، ويُطْمَأنُّ إلى قَولِهِ ، ويَعرِفُ نَجدَتَهُ وبأسَهُ ، فَأَفضوا إِلَيهِم بما هُم عَلَيهِ مِن شَنآنِ ابن أبي سفيانَ ، وَالبراءَةِ مِنهُ ، ويَسأَلونَهُ الكِتابَ إليهِم بِرَأيهِ . . . (4)

.


1- . مات معاويةُ ، وذلك للنصف من رجب سنة ستِّين من الهجرة .
2- . الإرشاد : ج 2 ص 32 ، أعلام الورى : ج 1 ص 434 نحوه ، بحار الأنوار : ج 44 ص 324 ح 2.
3- . روضة الواعظين :ج 1 ص 390 ح 413.
4- . أنساب الأشراف : ج 3 ص 366.

ص: 104

. .

ص: 105

الفصل الثّاني : مكاتيبه في عهد يزيد

5 كتابه عليه السلام إلى يزيد في التّبري من أعماله

الفصل الثّاني : مكاتيبه عليه السلام في عهد يزيد5كتابُه عليه السلام إلى يزيدفي التّبري من أعمالهقال ابن أعثم : وإذا كتاب يزيد بن معاوية 1 قد أقْبَل من الشَّام إلى أهل المدينة على البَرِيد من قريش وغيرهم من بني هاشم (1) ، وفيه هذه الأبيات : يا أيُّها الرَّاكِبُ الغادي لِطَيَّتهِعَلى عُذافِرَةٍ في سَيرِهِ قحمُ عَلى نَأيِ المَزارِ بِها اللّه ُ والرَّحِمُ وَمَوقِفٍ بِفِناءِ البَيتِ يَنشُدُهُعَهدُ الإلهِ وما تُوفي بهِ الذِّمَمُ غَنَّيتُمُ قَومَكُم فَخرَاً بِأُمِّكُمُأُمٌّ لعَمري حَصانٌ بَرَّةٌ كَرَمُ هِيَ الَّتي لا يُداني فَضلَها أحَدٌبِنتُ الرَّسولِ وَخَيرُ النَّاسِ قَد عَلِموا وَفَضلُها لَكُمُ فَضلٌ وَغَيرُكُمُمِن يَومِكُم لَهُمُ في فَضلِها قَسَمُ إنِّي لَأَعلَمُ حَقَّاً غيرَ ما كَذِبٍوَالطَّرفُ يَصدُقُ أحياناً وَيَقتَصِمُ أن سوفَ يُدرِكُكُم ما تَدَّعونَ بِهاقَتلَى تَهاداكُمُ العُقبانُ والرَّخَمُ يا قَومَنا لا تَشُبُّوا الحَربَ إذ سَكَنَتتَمَسَّكوا بِحبالِ الخَيرِ وَاعتَصِموا قَد غَرَّتِ الحَربُ مَن قد كانَ قَبلَكُممِنَ القُرونِ وَقَد بادَت بِها الأُمَمُ فَأنصِفوا قَومَكُم لا تَهلِكوا بَذَخاًفَرُبَّ ذي بَذَخٍ زَلَّت بِهِ القَدَمُ قال : فنظر أهل المدينة إلى هذه الأبيات ، ثمَّ وجَّهوا بها وبالكتاب إلى الحسين بن عليّ رضى الله عنه ، فلمَّا نظر فيه ، عَلِم أنَّه كتابُ يزيد بن معاوية ، فكتَب الحسين[ عليه السلام ]الجواب : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم فَإنْ كَذَّبوكَ فَقُل لي عَمَلي وَلَكُم عَمَلُكُم ، أنْتم بَريئُونَ مِمَّا أعمَلُ ، وَأنَا بَريء مِمَّا تَعملونَ _ والسَّلامُ _ . قال: ثمَّ جمَع الحسين[ عليه السلام ] أصحابه الَّذين قد عزموا على الخروج معه إلى العراق ، فأعطى كلّ واحد منهم عشرَة دنانير وجَمَلاً يحمل عليه زاده ورَحله ، ثمَّ إنَّه طاف بالبيت وبالصَّفا والمروة ؛ وتهيَّأ للخروج ، فحمل بناته وأخواته على المحامل . (2)

.


1- . وفي البداية والنّهاية : أنّ يزيد بن معاوية كتب إلى ابن عبّاس يخبره بخروج الحسين إلى مكّة ، وأحسبه قد جاءه رجال من أهل المشرق فمنّوه بالخلافة ، وعندك منهم خبر وتجربة ، فإنْ كان قد فعل فقد قطع راسخ القرابة ، وأنت كبير أهل بيتك ، والمنظور إليه فاكففه عن السّعي في الفرقة (البداية والنهاية : ج 8 ص 164) .
2- . الفتوح : ج 5 ص 68 وراجع : تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسين عليه السلام : ص 203 ، مقتل الحسين للخوارزمي : ص 218 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 177.

ص: 106

. .

ص: 107

. .

ص: 108

. .

ص: 109

. .

ص: 110

6 وصيّته عليه السلام لمحمّد بن الحنفيّة حين عزم عليه السلام الخروج من المدينة إلى مكّة

6وصيّته عليه السلام لمحمّد بن الحنفيّةحين عزم عليه السلام الخروج من المدينة إلى مكّةفي مقتل الحسين :قال : خرج الحسين عليه السلام من منزله ذات ليلة وأتى قبر جدِّه صلى الله عليه و آله فقال :السَّلامُ عَلَيكَ يا رَسولَ اللّه ِ ، أنا الحُسينُ بنُ فاطِمَة فَرخُكَ وابنُ فَرخَتِكَ ، وسِبطُكَ والثِّقلُ الَّذي خَلَّفتَهُ في أُمَّتِكَ . فاشهَد عَلَيهِم يا نَبيَّ اللّه ِ أنَّهُم قَد خَذَلوني ، وَضَيَّعوني ، وَلَم يَحفَظوني ، وَهذهِ شَكوايَ إلَيكَ حتَّى ألقاكَ صَلّى اللّه ُ عَلَيكَ ، ثُمَّ صفَّ قَدَميهِ فَلَم يَزل راكِعاً ساجِداً .

قال : وأرسل الوليدُ بن عُتْبة إلى منزلِ الحسين[ عليه السلام ] لينظر أخرَجَ مِنَ المَدينَةِ أم لا ، فلم يصب في منزله ،فقال :مكاتيبه في عهد يزيد الحمدُ للّه ِ إذ خرَجَ وَلَم يَبتَلِني اللّه ُ في دَمِهِ . قال : ورجَعَ الحسينُ إلى مَنزلِهِ عِندَ الصُّبح . . . فلمَّا كانت اللَّيلة الثَّالثة ، خرج إلى القبر أيضاً فصلَّى ركعات ، فلمَّا فرغ من صلاته جعل يقول : اللَّهمَّ إنَّ هذا قبرُ نبيِّك مُحمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وأنا ابنُ بنتِ نَبيِّكَ ، وَقد حضَرني مِنَ الأمرِ ما قَد عَلِمتَ ، اللَّهمَّ إنِّي أُحِبُّ المَعروفَ ، وأُنكِرُ المنكَرَ ، وَأَنا أسأَلُكَ يا ذا الجَلالِ وَالإكرامِ بِحَقِّ هذا القَبرِ وَمَن فيهِ إلاَّ اختَرتَ لِي مِن أمري ما هوَ لَكَ رِضىً ، ولِرَسولِكَ رِضىً ، ولِلمُؤمِنينَ رِضَىً . ثمَّ جعل يبكي عند القبر حتَّى إذا كان قريباً من الصُّبح ، وضع رأسه على القبر فأغفى ، فإذا هو برسول اللّه قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يديه ومن خلفه فجاء حتَّى ضمَّ الحسين إلى صدره وقبَّل بين عينيه وقال : حَبيبي يا حسينُ كأنِّي أَراكَ عَن قَريبٍ مُرَمَّلاً بِدِمائِكَ ، مَذبوحاً بِأَرضِ كَربلاء ، بين عِصابَةٍ من أُمَّتي ، وَأنتَ معَ ذلِكَ عَطشانُ لا تُسقى ، وَظَمآنُ لا تُروى ، وَهُم في ذلِكَ يَرجونَ شَفاعَتي ، مالَهُم ؟ لا أَنالَهُمُ اللّه ُ شَفاعَتي يَومَ القِيامَةِ . وما لَهُم عِندَ اللّه ِ مِن خَلاقٍ . حبيبي يا حسينُ إنَّ أباكَ وَأُمَّكَ وأَخاكَ قَدِموا علَيَّ وَهُم إلَيكَ مُشتاقونَ ، وإنَّ لَكَ في الجَنَّةِ لَدَرجاتٌ لَن تنالَها إلاَّ بالشَّهادَةِ . قال : فجعل الحسين[ عليه السلام ] في منامه ينظر إلى جدِّه محمَّد صلى الله عليه و آله ، ويَسمَعُ كلامَهُ ويَقولُ لَه : يا جَدَّاهُ لا حاجَةَ لي في الرُّجُوعِ إلى الدُّنيا ، فَخُذني إلَيكَ وَأدخِلني مَعَكَ إِلى قَبرِكَ . فقال له النبيُّ صلى الله عليه و آله : يا حُسينُ لابدَّ لَكَ مِنَ الرُّجوع إلى الدُّنيا حتَّى تُرزَقَ الشَّهادَةَ ، وما قَد كَتَبَ اللّه ُ لَكَ فيها مِنَ الثَّوابِ العَظيمِ ، فَإنَّكَ وأباكَ وأَخاكَ وعَمَّكَ وَعَمَّ أَبيكَ تُحشَرونَ يَومَ القِيامَةِ فِي زُمرَةٍ واحِدَةٍ ، حتَّى تَدخلوا الجَنَّةَ . قال : فانتبه الحسين[ عليه السلام ] من نومه فزعاً مرعوباً فقصَّ رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطَّلب ، فلم يكن في ذلك اليوم في شرق ولا غرب قوم أشدَّ غمَّاً من أهل بيت رسول اللّه [ صلى الله عليه و آله ] ، ولا أكثر باكياً ولا باكية . قال : وتهيَّأ الحسين عليه السلام وعزم على الخروج مِنَ المدينَةِ ، ومضى في جوف اللَّيل إلى قبر أُمّه فصلّى عِندَ قبرها وودَّعها ، ثُمَّ قامَ من قبرِها وصار إلى قبر أخيهِ الحَسَنِ عليه السلام ، ففعل كذلِكَ ، ثُمَّ رجَعَ إلى مَنزلِهِ في وَقتِ الصُّبحِ ، فأقبل إليهِ أخوهُ مُحمَّدُ بنُ الحَنَفيَّةِ فقال لَهُ : يا أخي ، فَديتُكَ نفسي أنتَ أحَبُّ النَّاسِ إليَّ ، وَأعزُّهم عَلَيَّ ، وَلَستُ واللّه ِ ، أدَّخِرُ النَّصيحَةَ لِأَحَدٍ مِنَ الخَلقِ ، وَلَيسَ أحَدٌ أحَقَّ بها مِنكَ ، لأنَّكَ مِزاجُ مائي وَنَفسي وروحي وَبَصَري وَكَبيرُ أهلِ بَيتي ، وَمن وجَبَ طاعَتُهُ في عُنُقي ، لِأنَّ اللّه َ تبارَكَ وَتَعالى قَد شَرَّفَكَ وَجَعَلكَ مِن ساداتِ أهلِ الجَنَّةِ . إنِّي أُريدُ أن أُشيرَ عَلَيكَ فاقبَل مِنَّي . فقال له الحسين عليه السلام : قُل يا أَخي ما بَدا لَكَ . فقال : أُشير عَلَيكَ أن تَتَنحَّى بِنَفسِكَ عَن يَزيدِ بنِ مُعاوِيَة ، وعَنِ الأمصارِ ما استَطعتَ ، وأَن تَبعَثَ رُسلَكَ إلى النَّاسِ فَتَدعوهُم إلى بَيعَتِكَ ، فَإن بايَعَكَ النَّاسُ حَمِدتَ اللّه َ عَلى ذلِكَ وقُمتَ فيهم بِما كانَ يَقومُهُ رَسولُ اللّه ِ وَالخُلفاءُ الرَّاشِدونَ المَهديُّونَ من بَعدِهِ ، حتَّى يَتوفّاكَ اللّه ُ وهو عَنكَ راضٍ ، وَالمُؤمِنونَ عَنكَ راضونَ ، كما رَضوا عَن أَبيكَ وأَخيكَ ، وإن اجتَمَعَ النَّاسُ عَلى غَيرِكَ حَمِدتَ اللّه َ عَلى ذلِكَ وَسَكَتَّ وَلَزِمتَ مَنزِلَكَ ، فَإنِّي خائِفٌ عَلَيكَ أن تَدخُلَ مِصراً مِنَ الأَمصارِ ، أو تأتيَ جَماعَةً مِنَ النَّاسِ فَيَقتَتِلونَ ، فَتَكونُ طائِفَةٌ مِنهُم مَعَكَ ، وَطائِفَةٌ عَلَيكَ فَتُقتَلُ بَينَهُم . فقال له الحسين : يا أخي فَإلى أينَ أذهَبُ؟ قال : تَخرُجُ إلى مَكَّة فَإن اطمأنَّت بِكَ الدَّارُ بِها فَذاكَ الَّذي تُحِبُّ ، وَإن تَكُنِ الأُخرى خَرَجتَ إلى بِلادِ اليَمنِ ، فَإنَّهم أنصارُ جَدِّكَ وَأبيكَ وَأخيكَ ، وَهُم أرأَفُ وَأرَقُّ قُلوباً ، وأوسَعُ النَّاسِ بِلاداً ، وأرجحهم عُقولاً ؛ فَإنِ اطمَأنَّت بِكَ أرضُ اليَمن فذاكَ ، وَإلاَّ لحَقتَ بالرِّمالِ وشُعوبِ الجِبالِ ، وَصِرتَ مِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ ، حَتَّى تَنظُرَ ما يؤولُ إلَيهِ أمرُ النَّاسِ ، وَيَحكُمَ اللّه ُ بَينَنا وَبَينَ القَومِ الفاسِقينَ . فقال لَهُ الحسينُ عليه السلام : ياأخي وَاللّه ِ لَو لَم يَكُنْ مَلجَأٌ ، وَلا مَأوى لَما بايَعتُ يَزيدَ بنَ مُعاوِيَة ، فَقَد قالَ النبيُّ صلى الله عليه و آله : اللّهم لا تُبارِك في يَزيدَ . فقطع محمَّد الكلام وبكى ، فبكى معه الحسين عليه السلام ساعةً ، ثمَّ قال : ياأخي جَزاكَ اللّه ُ عَنِّي خَيراً ، فَلَقَد نَصَحتَ وَأَشرتَ بالصَّوابِ ، وَأَرجوا أنْ يَكونَ رأيُك مُوفَّقاً مُسَدَّداً ، وأنا عازِمٌ عَلى الخُروجِ إلى مَكَّةَ ، وَقَد تَهيّأتُ لِذلِكَ أنا وَإخوَتي وبَنو أخي وَشِيعَتي مِمَّن أَمرُهُم أَمري وَرَأيُهم رَأيي . وَأَمَّا أنتَ يا أَخي فَلا عَلَيكَ أنْ تُقيمَ فِي المَدِينَةِ ، فَتَكونُ لِي عَيناً عَلَيهِم ، وَلا تُخفِ علَيَّ شيئاً مِن أُمورِهم . ثمَّ دعا الحُسينُ عليه السلام بِدَواةٍ وبَياضٍ ، وكتَبَ هذه الوَصِيَّةَ لأخيهِ مُحَمّد : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم هذا ما أوصى بهِ الحُسينُ بنُ عليٍّ بنِ أبي طالِبٍ إلى أَخيهِ مُحَمَّدِ بنِ عليٍّ المعروف بابن الحنَفيَّةِ : إنَّ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللّه ُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَأنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ ، جاءَ بالحَقِّ مِن عِندِ الحَقِّ ، وَأَنَّ الجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ ، وَأنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فيها ، وأنَّ اللّه َ يَبعَثُ مَن فِي القُبورِ ، إنِّي لَم أخرُج أشِرَاً ولا بَطِراً ، وَلا مُفسِداً ، وَلا ظالِماً ، وَإنَّما خَرَجتُ أطلُبُ الإصلاحَ في أُمَّةِ جَدِّي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، أُريدُ أنْ آمُرَ بالمَعروفِ ، وَأنْهى عَنِ المُنكَرِ ، وَأَسِير بسِيرَةِ جَدِّي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَسيرَةِ أبي عليِّ بنِ أبي طالِبٍ[ عليه السلام ] ، (1) فمَن قَبِلَني بِقَبولِ الحَقِّ فَاللّه ُ أوْلى بِالحَقِّ ، وَمَن رَدَّ علَيَّ هذا صَبَرتُ حتَّى يَقضِيَ اللّه ُ بَيني وبَينَ القَومِ بِالحَقِّ ، ويَحكُمَ بَيني وَبَينَهُم وَهُو خَيرُ الحاكِمينَ ؛ وَهذهِ وَصِيَّتي يا أَخي ، وما تَوفيقي إلاَّ باللّه ِ ، عَلَيهِ تَوكَّلتُ وإلَيهِ أُنيبُ ، والسَّلامُ عَلَيكَ وعَلى مَنِ اتَّبعَ الهُدى ، وَلا قوَّة إلاَّ باللّه العليّ العظيم . قال : ثُمّ طوى الحسين كتابه هذا وختمه بخاتمه ، ودفعه إلى أخيه محمَّد ، ثمّ ودَّعه ، وخرج في جوف اللَّيل ، يُريد مكَّة في جميع أهل بيته ، وذلك لثلاث ليال مضين من شهر شعبان في سنة ستّين (2) ؛ فلزم الطَّريق الأعظم فجعل يسير وهو يتلو هذه الآية : «فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » (3) . (4)

.


1- . زاد في الفتوح، و مقتل الحسين : «وسيرة الخلفاء الرَّاشدين» .
2- . وفيالطّبري : « خرج ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب » .
3- . القصص : 21 .
4- . مقتل الحسين للخوارزميّ :ج1 ص 186 ، الفتوح : ج 5 ص 21 نحوه وراجع : الإرشاد : ج 2 ص 33 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 89 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 329 ، نفس المهموم : ص 38 ، معالي السّبطين : ج 1 ص 212 .

ص: 111

. .

ص: 112

. .

ص: 113

. .

ص: 114

7 كتابه عليه السلام إلى بني هاشم حين خروجه من المدينة

7كتابُه عليه السلام إلى بني هاشمحين خروجه من المدينةحدَّثنا أيّوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن مروان بن إسماعيل ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبداللّه عليه السلام : ذكرنا خروج الحسين وتخلّف ابن الحنفيَّة عنه ، قال : قال أبو عبداللّه :يا حمزة إنِّي سأُحَدِّثك في هذا الحديث ، ولا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا ، إنَّ الحسين لمَّا فصل متوجِّهاً ، دعا بقرطاس وكتب :

.

ص: 115

8 وصيّته عليه السلام والكتب الّتي أودعها أمّ سلمة حين عزم عليه السلام إلى العراق

بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيممكاتيبه في عهد يزيد من الحسين بن عليّ إلى بني هاشم : أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّهُ مَن لَحِقَ بي مِنكُم اسْتُشْهِدَ مَعي ، ومَن تَخَلَّفَ لَمْ يَبْلُغِ الفَتحَ ؛ والسَّلامُ . 1 (1)

8وصيّته عليه السلام والكتب الّتي أودعها أُمّ سلمةحين عزم عليه السلام إلى العراقرواه الحسين بن سعيد ، عن حمَّاد بن عيسى ، عن ربعيّ بن عبداللّه ، عن الفضيل بن يسار قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام :لمَّا توجَّه الحسينُ عليه السلام إلى العراق ، دفع إلى أُمّ سلمة 3 زوج النّبيّ صلى الله عليه و آله الوصيّة والكتب وغير ذلِكَ وقال لَها : إذا أتاكِ أكبرُ ولدي فادفعي إليه ما قَد دَفَعتُ إلَيكِ . فلمَّا قتل الحسين عليه السلام أتى عليّ بن الحسين عليهماالسلام أُمّ سلمة ، فدفعت إليه كلّ شيء أعطاها الحسين عليه السلام . (2)

.


1- . بصائر الدّرجات : ص 481 ح 5 ، كامل الزّيارات : ص 157 ح 195 ، مثير الأحزان : ص 27 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 76 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 330 نقلاً عن كتاب الرّسائل وص87 ح 23 ؛ دلائل الإمامة : ص 188 ، نوادر المعجزات للطبريّ : ص 109 .
2- . كتاب الغيبة للطوسي : ص 195 ح 159 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 18 ح 3 وراجع : المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 172.

ص: 116

9 كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة في إرسال مسلم بن عقيل إليهم

9كتابُه عليه السلام إلى أهل الكوفةفي إرسال مسلم بن عقيل إليهمقال المفيد رحمه الله:بلغَ أهل الكوفة هلاك معاويةَ فأرجفوا بيزيدَ ، وعَرفوا خبرَ الحسين عليه السلام وامتناعَه من بيعته، وما كان من ابن الزُّبير في ذلِكَ،وخروجهما إلى مكَّةَ ،فاجتمعت الشِّيعةُ بالكوفة في منزل سُليمان بن صُرَد ، فذكروا هلاكَ معاوية ، فحمدوا اللّه عليه ، فقال سليمان :

.

ص: 117

إنَّ معاويَةَ قَد هلَكَ ، وإنَّ حُسَيناً قَد تَقَبَّضَ (1) عَلى القَومِ بِبَيعَتِهِ ، وَقَد خرَجَ إلى مَكَّةَ ، وَأنتُم شِيعَتُهُ وشِيعَةُ أبيهِ ، فَإن كُنتُم تَعلَمونَ أنَّكُم ناصِروهُ ومُجاهِدو عَدوِّه (فأعلِموهُ ، وإنْ خِفْتُمُ الفَشَلَ وَالوَهنَ فلا تَغرُّوا الرَّجُلَ في نَفسِهِ ، قالوا : لا ، بَل نُقاتِلُ عَدُوَّهُ ، وَنَقتُلُ أَنفُسَنا دُونَهُ ، قال :) (2) ، فَكَتَبُوا : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيممكاتيبه في عهد يزيد للحُسينِ بنِ عَليّ عليهماالسلام من سُليمان ب_ن صُ_رَد 3 ، وال_مسيَّب ب_ن نَجَبَة 4 ، ورِفاعة بن شدَّاد 5 ، وحبيب بن مُظاهر (3) ، وشيعتِه من المؤمنينَ والمسلمين من أهل الكوفة : سلامٌ عليك ؛ فإنَّا نَحمَدُ إليكَ اللّه َ الَّذي لا إله إلاَّ هو . أمَّا بعدُ ؛ فالحَمدُ للّه ِ الَّذي قَصَمَ عَدُوَّكَ الجبَّارَ العَنيد ، الَّذي انتزى عَلى هذه الأُمَّةِ فابْتَزَّها أمرَها ، وغصبَها فيئَها ، وتأمَّرَ عليها بغير رضىً منها ، ثمَّ قتلَ خيارَها ، واستبقى شِرارَها ، وجعل مالَ اللّه دُولةً بين جبابرتِها وأغنيائها (4) ، فبعُداً له كما بَعُدَت ثمودُ . إنَّه ليس علينا إمامٌ ، فأقبِلْ إلينا لعلَّ اللّه أنْ يجمعَنا بك على الحقّ ، والنُّعمانُ بن بَشيرٍ في قصر الإمارة لسنا نُجمعُ معه في جمعةٍ ، ولا نخرجُ معه إلى عيدٍ ، ولو قد بَلَغَنا أنَّك أقبلتَ إلينا أخرجناه حتَّى نُلحقَه بالشَّام ، إنْ شاء اللّه . ثُمَّ سرَّحوا الكتاب مع عبداللّه بن مِسْمَعٍ الهَمْدانيّ ، وعبداللّه بن والٍ 8 ، وأمروهما بالنّجاء (5) ، فخرجا مُسرِعَينِ حتَّى قدما على الحسين عليه السلام بمكَّة ، لعشرٍ مضَيْنَ من شهر رمضان . ولبثَ أهل الكوفة يومين بعدَ تسريحهم بالكتاب،وأنفذوا قَيْسَ بنَ مُسْهِر الصَّيْداويّ 10 ، وعبدالرَّحمن بن عبداللّه الأرحبيّ 11(6) وعمارةَ بن عبدالسَّلوليّ 13 إلى الحسين عليه السلام ، ومعهم نحوٌ من مئةٍ وخمسين صحيفةً من الرَّجل والإثنينِ والأربعة . ثُمَّ لبثوا يومَينِ آخرين وسرَّحوا إليه هانئ بنَ هانئ السَّبيعيّ 14 ، وسعيد بن عبداللّه الحنفيّ 15 ، وكتبوا إليه : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم للحسين بن عليّ من شيعته من المؤمنين والمسلمين : أمَّا بعدُ ؛ فحيَّ هلا ، فإنَّ النَّاس يَنتَظِرونَكَ ، لا رأْيَ لَهُم غَيرَكَ ، فالعَجَلَ العَجَلَ ، ثُمَّ العَجَلَ العَجَل ، وَالسَّلامُ . وكتبَ شَبَثُ بنُ رِبعيّ 16 ، وحَجَّارُ بنُ أبجرَ 17 ، ويزيدُ بن الحارث ب_ن رُوَيْم (7) ، وعُروةُ بن قَيْس (8) ، (9) وعمرو بن الحجَّاج الزُّبيديّ 21 ، ومحمَّد بن عمرو التَّيميّ (10) : أمَّا بعدُ ؛ فقد اخضرَّ الجَنابُ ، وأينعتِ الثِّمارُ ، فإذا شئتَ فاقدمْ على جُنْدٍ لك مجنّدٍ ، والسَّلام . وتلاقت الرُّسلُ كلُّها عنده ، فقرأ الكُتبَ ، وسألَ الرُّسلَ عَن النَّاس ، ثُمَّ كتب مع هانئ بن هانئ ، وسعيد بن عبداللّه ، وكانا آخِرَ الرُّسل : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم من الحسين بن عليّ إلى المَلإ من المسلمين والمؤمنين . أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّ هانِئاً وسَعيداً قَدِما عَلَيَّ بِكُتُبِكُم ، وكانا آخِرَ مَن قدِمَ علَيَّ من رُسُلكم ، وقد فَهمْتُ كُلَّ الَّذي اقْتَصصْتُم وذَكَرْتم ، ومقالَة جُلِّكم : أنَّه ليسَ علَينا إمامٌ فأقبِل لعَلَّ اللّه َ أنْ يَجمعَنا بِكَ عَلى الهُدى والحَقِّ . وإنِّي باعِثٌ إلَيكُم أَخي وَابنَ عَمِّي وَثِقَتي مِن أَهلِ بَيتي ، فَإن كَتَبَ إِليَّ أنَّه قَد اجتَمَعَ رَأيُ مَلَئِكُم وذَوي الحِجا والفَضْلِ (11) مِنكُم عَلى مِثْلِ ما قَدِمَتْ بهِ رُسُلُكُم وَقَرأْتُ في كُتبِكُم ، أَقدِمُ عَلَيكُم وَشيكاً ، إن شاءَ اللّه ُ . فلَعَمْرِي ، ما الإمامُ إلاَّ الحاكِمُ (12) بِالكتابِ ، القائِمُ (13) بالقِسطِ ، الدَّائِنُ بِدينِ الحَقِّ ، الحابِسُ نفسَه عَلى ذاتِ اللّه ِ ، وَالسَّلامُ . ودعا الحُسينُ بنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام مُسلِمَ بنَ عَقيلِ بنِ أبي طالِبٍ رضِيَ اللّه ُ عَنهُ ، فسرَّحه مَعَ قَيْس بن مُسْهِر الصَّيداويّ ، وعُمارة بن عبدٍ السَّلوليّ ، وعبدالرَّحمن بن عبداللّه الأرْحبيّ ، وأمرَه بتقوى اللّه ، وكِتمان أمرِه واللُّطف ، فإنْ رأى النَّاس مجتمعينَ مُسْتوسِقين عَجَّل إليه بذلك . (14)

.


1- . تقبّض ببيعته : انزوى بها ولم يعطهم إيّاها(لسان العرب : ج 7 ص 214) .
2- . وفي نسخة أخرى : بدل ما بين القوسين : «و نقتل أنفسنا دونه» .
3- . وفي نسخة أخرى : «مُظهِّر» بدل «مظاهر» .
4- . وفي نسخة أخرى : «عتاتها» بدل «جبابرتها» .
5- . النّجاء : السّرعة (القاموس المحيط) .
6- . في النّسخ الخطيّة : عبداللّه بن شدَّاد الأرْحبيّ ، وبعده بأسطر ذكره باسم عبدالرَّحمن بن عبداللّه الأرْحبيّ ، والمصادر مجمعة عليه (وانظر: تاريخ الطّبري: ج5 ص352، أنساب الأشراف : ج3 ص158، الفتوح لابن أعثم: ج 5 ص 32 ، وقعة الطّف لأبي مخنف : ص 92 ، تذكرة الخواصّ : ص 220 ، وفي الأخبار الطّوال : ص 229) .
7- . البداية والنّهاية : في الطّبري : (ج7 ص 55) والفتوح : (ج6 ص 57) يزيد بن الحارث بن رويم وهو من شيعة بني أُميّة (البداية والنّهاية : ج 8 ص 272) .
8- . الظّاهر أنَّ الصّحيح عزرة بن قيس ، انظر تاريخ الطّبري( : ج 5 ص 353) ، أنساب الأشراف (: ج 3 ص 158) ، وهو عزرة بن قيس بن عزيّة الأحمر البجليّ الدُّهنيّ الكوفيّ .
9- . في الأخبار الطّوال : لمّا صلّى عمر بن سعد الغداة نهد بأصحابه وعلى ميمنته عمرو بن الحجّاج، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن . . . وعلى الخيل عُروة بن قيس، وعَلى الرّجالة شبث بن ربعيّ . . . (الأخبار الطّوال : ص 256، إعلام الورى : ج 1 ص 458) .
10- . الظّاهر أنَّ الصّحيح محمَّد بن عمير التَّميميّ ، انظر تاريخ الطّبري( : ج 5 ص 353) ، أنساب الأشراف( : ج 3 ص 158) ، وهو محمَّد بن عمير بن عطارد بن صاحب الدَّارميّ التَّميميّ الكوفيّ ، كان من أشراف أهل الكوفة (لسان الميزان : ج 5 ص 330 الرقم 1094 ، مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج 23 ص 151) .
11- . وفي نسخة : «الفضيلة» بدل «الفضل» .
12- . وفي نسخة : «العامل» .
13- . وفي نسخة : «الآخذُ» .
14- . الإرشاد : ج 2 ص 36 وراجع : روضة الواعظين : ج 1 ص 393 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 90 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 42 ، تاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 42 ، الملهوف : ص 16 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 334 ؛ تذكرة الخواص : ص 255 ، تاريخ الطّبريّ : ج 5 ص 353 ، مقتل الحسين للخوارزميّ : ج 1 ص 195 ، الكامل في التاريخ : ج 3 ص 357 ، الفتوح : ج 5 ص30 ، أنساب الأشراف : ج 3 ص 159 ، الفصول المهمّة : ص 171 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 152.

ص: 118

. .

ص: 119

. .

ص: 120

. .

ص: 121

. .

ص: 122

. .

ص: 123

. .

ص: 124

. .

ص: 125

. .

ص: 126

10 كتابه عليه السلام إلى مسلم بن عقيل يقوّي عزمه

10كتابُه عليه السلام إلى مسلم بن عقيليقوّي عزمهدعا الحسينُ بن عليّ عليهماالسلام مسلمَ بن عقيل بن أبي طالب رضى الله عنه فسرَّحَه مع قَيْس بن مُسْهِر الصَّيداويّ ، وعمارة بن عبد السّلوليّ وعبدالرَّحمن بن عبداللّه الأرحبيّ ، وأمرَه بتقوى اللّه وكتمانِ أمرِه واللُّطف ، فإنْ رأى النَّاس مجتمعينَ مُسْتوسقِينَ عَجَّلَ إليه بذلك . فأقبلَ مسلم حتَّى أتى المدينة فصلَّى في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وودّعَ من أحبَّ من أهله ، ثمَّ استأْجَر دليلين من قَيس ، فأقبلا به يتنكَّبان الطَّريقَ ، فضّلا وأصابَهم عطشٌ شديدٌ فعجزا عن السَّير ، فأومئا له إلى سَنَن الطَّريق بعدَ أن لاحَ لهما ذلك ، فسلكَ مسلمٌ ذلك السَّننَ ،و ماتَ الدَّليلان عطشاً . فكتب مسلمُ بن عقيل _ رحمه الله _ من الموضع المعروف بالمضيق مع قَيس بن مُسْهِرٍ : أمّا بعدُ ؛ فإنَّني أقبلتُ من المدينة مع دليلين لي فجارَا عن الطَّريق ، فضلاّ واشتدَّ علينا العطشُ فلم يلبثا أن ماتا ، وأقبلْنا حتَّى انتهينا إلى الماء فلم نَنْجُ إلاَّ بحُشاشة أنفسنا ، وذلك الماءُ بمكانٍ يُدعى المضيقَ من بطن الخَبْتِ (1) ، وقد تَطيَّرتُ من وجهي هذا ، فإنْ رأيتَ أعفيتَني منه وبعثتَ غيري ، والسَّلامُ . فكتب إليه الحسين بن عليّ عليهماالسلام : أمَّا بعدُ ؛ فَقَد خَشيتُ (2) أنْ لا يكونَ حَمَلَكَ عَلى الكتابِ إليَّ في الاسْتِعفاءِ مِن الوَجْهِ الَّذي وَجَّهتُكَ لَه إلاَّ الجُبْنَ ، فامْضِ لِوَجهِكَ الَّذي وَجَّهتُكَ لَهُ ، وَالسَّلامُ . فلمَّا قرأ مُسلِمٌ الكتابَ قال : أمَّا هذا فَلَستُ أتخوَفُهُ عَلى نفسي . فأقبلَ حتَّى مرَّ بماء لِطَيءٍ ، فنزلَ به ثمَّ ارتحلَ منه ، فإذا رجلٌ يرمي الصَّيدَ ، فنظرَ إليه قد رمى ظَبْياً حين أشرفَ (3) له فصرعَه ، فقال مسلم : نقتلُ عدوَّنا إنْ شاء اللّه . ثمَّ أقبل حتَّى دخل الكوفة ، فنزل في دار المختار بن أبي عبيد ... (4)

.


1- . الخبت : ماء لقبيلة كلب . (معجم البلدان) .
2- . وفي نسخة : «حسبت» .
3- . وفي نسخة : «أشراب» . واشرأب : مدّ عنقه لينظر .(الصّحاح) .
4- . الإرشاد : ج 2 ص 39 وراجع : المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 90 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 335 ؛ أنساب الأشراف : ج 3 ص 370 ، تاريخ الطّبري : ج 5 ص 347 ، الكامل في التّاريخ : ج 2 ص 534 ، الفتوح : ج 5 ص 55 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 152 .

ص: 127

. .

ص: 128

11 كتابه عليه السلام إلى أشراف البصرة في دعوتهم إلى كتاب اللّه وسنّة النبيّ صلى الله عليه و آله

11كتابُه عليه السلام إلى أشراف البصرةفي دعوتهم إلى كتاب اللّه وسنّة النبيّ صلى الله عليه و آلهأبو مِخْنَف قال : حدَّثني الصّقعب بن زهير ، عن أبي عثمان النّهديّ ، قال : كتَب حسينُ مع مولىً لهم يقال له سليمان ،وكتب بنُسخة إلى رؤوس الأخماس بالبصرة ، وإلى الأشراف ؛ فكتب إلى مالك بن مِسْمَع البَكريّ ، وإلى الأحْنَف بن قَيْس 1 ، وإلى المنذر بن الجارود 2 ، وإلى مسعود بن عمرو ، وإلى قَيْس بن الهيثم ، وإلى عمرو بن عبيد اللّه بن مَعمَر ، فجاءت منه نسخةً واحدة إلى جميع أشرافها : أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّ اللّه اصْطَفى مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله على خَلْقِهِ ، وأكرَمَهُ بنُبوَّتِهِ ، واخْتارَهُ لِرِسالَتِهِ ، ثُمَّ قبَضَه اللّه ُ إلَيهِ ، وَقَد نصَح لِعبادِهِ ، وَبلَّغَ ما أُرْسِلَ بهِ صلى الله عليه و آله وكُنَّا أهلَه وأولياءَهُ وأوصياءَهُ ، ووَرَثَتَهُ ، وأحَقَّ النَّاسِ بمِقامهِ في النَّاسِ ، فَاستَأثَرَ عَلَينا قَومُنا بِذلِكَ ، فرَضِينا وَكَرِهْنا الفُرقَةَ ، وَأحبَبنا العافِيَةَ ، وَنَحنُ نَعلَمُ أنَّا أحَقُّ بِذلِكَ الحَقِّ المستَحَقِّ عَلَينا مِمَّن تَوَلاَّهُ ، وقد أحسنوا وَأَصلَحوا ، وَتَحَرَّوا الحَقَّ ، فَرَحِمَهُم اللّه ُ ، وغَفَر لَنا وَلَهُم . وَقَد بَعَثتُ رسولي إلَيكُم بِهذا الكِتابِ ، وَأنَا أدْعُوكُم إِلى كِتابِ اللّه ِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، فإنَّ السُّنَّة قَد أُميْتَت ، وإنَّ البِدعَةَ قَد أُحيِيتْ ، وَإنْ تَسمَعوا قَولي ، وَتُطيعوا أَمري ، أَهدِكُم سبيلَ الرَّشادِ ، والسَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ اللّه ِ . فكلُّ مَن قَرأ ذلِكَ الكِتابَ مِن أشرافِ النَّاسِ كَتمَهُ ، غيرَ المُنذر بنِ الجارودِ ، فإنَّه خشيَ بزعمه أن يكون دَسيساً من قِبَل عُبيدِ اللّه ِ ، فَجاءَهُ بالرُّسولِ مِنَ العَشِيَّةِ الَّتي يُريدُ صبيحتَها أن يسبِقَ إلى الكوفَةِ ، وأقرأه كتابَه ، فَقدَّمَ الرَّسولَ فضَربَ عُنُقَهُ ، وصَعِدَ عُبَيدُ اللّه ِ مِنبرَ البَصرَةِ ، فحَمِدَ اللّه وَأثنَى عَلَيهِ ، ثُمَّ قال : أمَّا بَعدُ ، فَوَاللّه ِ ، ما تُقْرَنُ بي الصّعْبةُ ، ولا يُقعقَعُ لي بالشَّنآن ، وَإنِّي لَنِكْلٌ (1) لِمَن عاداني ، وسَمٌّ لِمَن حارَبَني ، أُنصِفُ القارَةَ مَن راماها . يا أهلَ البَصرَةِ ، إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ ولاَّني الكوفَةَ وأنَا غادٍ إليها الغَداةَ ، وقَدِ استَخلَفتُ عَلَيكُم عُثمانَ بنَ زِيادِ بنِ أبي سُفيانَ ، وإيَّاكُم والخِلافَ والإرجافَ ، فَوَالَّذي لا إلهَ غيرُهُ ، لَئِن بَلَغَني عن رَجُلٍ مِنكُم خِلافٌ لأقتُلَنَّهُ وعَريفَهُ وَوَلِيَّهُ ، وَلآخُذَنَّ الأدنى بالأقصى حتَّى تَستَمِعوا لي ، وَلا يكونَ فيكُم مُخالِفٌ ولا مُشاقٌّ ، أنَا ابنُ زياد أشبَهتُهُ من بَينِ مَن وَطى ء الحصى ، ولَم ينتزعني شبَه خالٍ ، ولا ابنُ عَمٍّ . ثمَّ خرج من البصرة واستخلف أخاه عثمان بن زياد ، وأقبل إلى الكوفة ، ومعه مسلم بن عمرو الباهليّ ، وشُريك بن الأعور الحارثيّ 4 ، وحَشَمه وأهل بيته ، حتَّى دخل الكوفة ، وعليه عِمامةٌ سوداء ، وهو متلثّم ، والنَّاس قد بلغهم إقبال حسين إليهم ، فهم ينتظرون قدومَه فظنُّوا حينَ قدم عبيد اللّه أنَّه الحسين ، فأخذ لا يمرُّ على جماعة من النَّاس إلاَّ سلّموا عليه ، وقالوا مرحباً بك يابن رسول اللّه ، قدمتَ خيرَ مَقْدَم ، فرأى من تباشيرهم بالحسين عليه السلام ما ساءه . فقال مسلم بن عمرو لمَّا أكثروا : تأخَّروا ، هذا الأميرُ عُبيد اللّه بن زياد ، فأخذ حين أقْبَل على الظّهر ، وإنَّما معه بضعة عشر رجلاً ، فلمَّا دخل القصر وعلم النَّاس أنَّه عبيداللّه بن زياد دَخلَهم من ذلك كآبة وحُزن شَديدٌ ، وغاظ عبيدَ اللّه ما سمع منهم ، وقال : ألا أرى هؤلاء كما أرى (2) . وفي الأخبار الطّوال : وقد كان الحسين بن عليّ رضى الله عنه كتَب كتاباً إلى شيعته من أهل البصرة مع مولى له يسمّى سلمان نسخته : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم مِنَ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ إلى مالِك بنِ مِسمَعٍ ، والأحنَفِ بنِ قَيسٍ ، والمُنذِرِ بنِ الجارودِ ، وَمَسعودِ بنِ عمرو ، وقيس بن الهيثم : سلامٌ عَلَيكُم ، أمَّا بَعدُ ؛ فإنِّي أدعوكُم إلى إِحياءِ مَعالِمِ الحَقِّ ، وإماتَةِ البِدَعِ ، فَإنْ تُجيبوا تَهتَدوا سُبُلَ الرَّشادِ ، وَالسَّلامُ . (3)

.


1- . يقال : رجلٌ نَكَلٌ وَنِكلٌ ، أي : يُنكَّلُ به أعداؤهُ ، وفيه : «إنّ اللّه يُحبّ النَّكَلَ ، قيل : وما ذاك؟ قال : الرَّجل القويّ المجرّب المُبدئ المعيد (النهاية : ج 5 ص 116) .
2- . تاريخ الطّبري : ج 5 ص 357 وراجع : أنساب الأشراف : ج 2 ص 78 ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج 1 ص 211 ، الكامل في التّاريخ : ج 2 ص 535 ، الفتوح : ج 5 ص 37 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 157 وص170 .
3- . الأخبار الطّوال : ص 231.

ص: 129

. .

ص: 130

. .

ص: 131

. .

ص: 132

. .

ص: 133

. .

ص: 134

12 كتابه عليه السلام إلى عبداللّه بن جعفر قبل خروجه عليه السلام من مكّة

12كتابُه عليه السلام إلى عبداللّه بن جعفرقبل خروجه عليه السلام من مكّةقال أبو مِخْنَف : حدَّثني الحارث بن كعب الوالبيّ ، عن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب قال : لمَّا خرجنا من مكَّة كتب عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب 1 إلى الحسين بن عليّ مع ابنيه عون ومحمَّد : أمَّا بَعدُ ، فإنِّي أسألُكَ باللّه ِ لَمَّا انصرفتَ حِينَ تنظُرُ في كِتابي ، فإنِّي مُشفِقٌ علَيكَ من الوَجهِ الَّذي تَوَجَّهُ لَهُ أنْ يَكونَ فيهِ هَلاكُكَ ، واستئصالُ أهلِ بَيتِكَ ، إنْ هلكتَ اليومَ طُفِى ء نورُ الأرض ، فإنَّك عَلَمُ المُهتدينَ ، وَرَجاءُ المُؤمِنينَ ؛ فلا تَعجَل بالسَّيرِ ، فإنِّي في أَثَرِ الكتابِ ، وَالسَّلامُ . (1) وفي المناقب : وكتب إليه عبداللّه بن جعفر من المدينة في ذلك فأجابه[ عليه السلام ] :إنِّي قَد رَأيتُ جَدِّي رَسولَ اللّه ِ في مَنامي ، فَخَبَّرني بِأَمرٍ وَأنَا ماضٍ لَهُ ، لي كان أمْ عليَّ ، واللّه يابنَ عَمّ ، لَيُعتَدَيَنَّ عَلَيَّ كما يَعتَدي اليهودُ يَومَ السَّبتِ . وخرج . (2)

.


1- . تاريخ الطّبري : ج 5 ص 387 وراجع : الكامل في التّاريخ : ج 2 ص 548 ، تاريخ مدينة دمشق ترجمة الإمام الحسين عليه السلام : ص 202 ، الفتوح : ج 5 ص 67 ، الفصول المهمّة : ص 174 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 163 ؛ الإرشاد : ج 2 ص 35 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 43 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 366.
2- . المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 94 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 366 ؛ الفتوح : ج 5 ص 67.

ص: 135

. .

ص: 136

وفي مقتل الحسين عليه السلام : فكتب إليه الحسينُ [ بن عليّ عليهماالسلام ] :أمَّا بعدُ ، فَإنَّ كتابَكَ ورَدَ عَلَيَّ ، فَقَرأتُهُ وفَهِمتُ ما فيهِ ؛ اعلم أنِّي قد رأيتُ جَدِّي رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله في مَنامي ، فَأَخبرَني بِأَمرٍ أنَا ماضٍ لَهُ ، كان لِيَ الأمرُ أوْ علَيَّ ، فوَ اللّه ِ يابنَ عَمّ لو كُنتُ في جحر هامَّةٍ (1) مِن هَوامِّ الأَرضِ لاستَخرجوني حَتَّى يَقتُلوني ، وواللّه ِ ليَعتَدُنَّ علَيَّ كما اعتَدَت اليَهودُ في يومِ السَّبتِ ، والسَّلامُ . (2)

وفي الطبقات : كتب عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب إليه كتاباً يحذِّره أهل الكوفة ، ويناشده اللّه أنْ يشخص إليهم . فكتبَ إليهِ الحُسينُ [ عليه السلام ] : إنِّي رأيتُ رُؤيا ، ورأيتُ فيها رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وأَمرَني بِأَمرٍ أنا ماضٍ لَهُ ، وَلَستُ بِمُخبرٍ بِها أحَداً حَتَّى اُلاقي عَمَلي (3) .

.


1- . الهامّة : ما له سمّ يقتل كالحيّة ، وقد تطلق الهوام على ما لا يقتل كالحشرات (المصباح المنير : ص 641) .
2- . مقتل الحسين للخوارزمي : ج 1 ص 218 وراجع : الفتوح : ج 5 ص 67 ؛ المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 94.
3- . الطبقات الكبرى (الطبقة الخامسة من الصَّحابة) : ج 1 ص 447 ، تهذيب الكمال : ج 6 ص 418 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج 5 ص 9 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 14 ص 209 ، سِيَر أعلام النُّبلاء : ج 3 ص 297 ، بغية الطلب في تاريخ حلب : ج 6 ص 2610 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 163 ؛ المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 94 نحوه .

ص: 137

13 كتابه عليه السلام إلى عمرو بن سعيد بن العاص بعد إعطائه الأمان له عليه السلام

13كتابُه عليه السلام إلى عمرو بن سعيد بن العاصبعد إعطائه الأمان له عليه السلامقام عبداللّه بنُ جعفر إلى عمرو بن سعيد بن العاص فكلَّمه ، وقال : اكتب إلى الحسين كتاباً تَجعَل له فيه الأمان ، وتُمنِّيه فيه البِرّ والصِّلة ، وتُوثِّق له في كتابك ، وتسأله الرُّجوع لعلَّه يطمئنّ إلى ذلِكَ فيرجع ؛ فقال عمرو بن سعيد : اكتبْ ما شئتَ وأتِني به حتَّى أختِمَهُ . فكتب عبداللّه بن جعفر الكتاب ، ثمَّ أتى به عمرو بن سعيد ، فقال له : اختِمه ، وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد ، فإنَّه أحْرَى أنْ تطمئنَّ نفسُه إليه ، ويعلم أنَّه الجِدُّ منك ، ففعل وكان عمرو بن سعيد عاملَ يزيدَ بن معاوية على مكَّة ، قال : فلحقه يحيى وعبداللّه بن جعفر ، ثُمَّ انصرفا بعد أن أقرأه يحيى الكتاب ، فقالا : أقرأناه الكتاب ، وجهدْنا به ، وكان مِمَّا اعتَذَرَ به إليْنا أنْ قال : إنِّي رأيتُ رُؤيا فيها رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَأُمِرتُ فيها بِأَمرٍ ، أنا ماضٍ لَهُ ، عَلَيَّ كانَ أو لِي . فقالا له : فما تلك الرّؤيا؟ قال : ما حَدَّثتُ أحَداً بِها ، وَما أنَا مُحَدِّثٌ بِها حتَّى ألقَى رَبِّي . قال : وكان كتاب عمرو بن سعيد إلى الحسين بن عليّ : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم من عمرو بن سعيد إلى الحُسين بن عليّ : أمَّا بَعدُ ؛ فإنِّي أسألُ اللّه َ أن يَصرِفَكَ عَمَّا يُوبِقُكَ ، وأن يَهدِيَكَ لِما يُرشِدُكَ ؛ بَلَغَني أنَّكَ قَد تَوَجَّهتَ إلى العِراقِ ، وَإنِّي أُعيذُكَ باللّه ِ مِن الشِّقاقِ ، فَإنِّي أَخافُ عَلَيكَ فيهِ الهَلاكَ ، وقَد بَعَثتُ إليكَ عَبدَاللّه ِ بنَ جَعفَرٍ ، ويحيى بنَ سَعيدٍ ، فأقْبِل إليَّ مَعَهُما ، فَإنَّ لَكَ عِندي الأمانَ وَالصِّلَةَ وَالبِرَّ وَحُسنَ الجِوارِ لَكَ ، اللّه ُ عَلَيَّ بذلِكَ شَهيدٌ وَكَفيلٌ ، وَمُراعٍ وَوَكيلٌ ؛ وَالسَّلامُ عَلَيكَ . قال : وكتَب إليه الحسينُ : أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّهُ لَم يُشاقِقِ اللّه َ وَرَسولَهُ مَن دَعا إلى اللّه ِ عز و جل ، وعَمَل صالِحاً ؛ وقال : إنَّني مِنَ المُسلِمينَ ، وقَد دَعَوتَ إلى الأمانِ والبِرِّ والصِّلَةِ ، فَخَيرُ الأَمانِ ، أمانُ اللّه ِ ، وَلَن يُؤمِنَ اللّه ُ يَومَ القِيامَةِ مَن لَم يَخَفهُ فِي الدُّنيا ، فَنَسألُ اللّه َ مَخافَةً في الدُّنيا تُوجِبُ لَنا أمانَهُ يَومَ القِيامَةِ ، فَإن كُنتَ نوَيتَ بِالكتابِ صِلَتي وَبِرِّي ، فَجُزيتَ خَيراً فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ؛ والسَّلامُ . (1) قال ابن أعثم : وَكتب إليه سعيد بن العاص من المدينة : أمَّا بَعدُ ؛ فَقَد بلغني أنَّكَ قَد عَزَمتَ عَلى الخُروجِ إلى العِراقِ ، وَقَد عَلِمتَ ما نَزَلَ بابنِ عَمِّكَ مُسلمِ بنِ عَقيلٍ رحمه الله وَشيعَتِهِ ، وَأنَا أُعيذُكَ باللّه ِ مِنَ الشَّيطانِ (2) ، فَإنِّي خائِفٌ عَلَيكَ مِنهُ الهلاكَ ، وَقَد بَعَثتُ إلَيكَ بابني [عبداللّه بن جعفر و ]يحيى بن سعيد ، فأقبل إليَّ معه فلَكَ عِندَنا الأَمانُ والصِّلَةُ والبِرُّ والإحسانُ وحُسنُ الجِوارِ ، وَاللّه ُ لَكَ بذلِكَ عَلَيَّ شهيدٌ ووَكيلٌ ومُراعٍ وكفيلٌ ، _ والسَّلامُ _ . (3) وهو مَحَلُّ إشكالٍ من جِهَتينِ : الأُولى : إنَّ سعيد بن العاص مات سنة 58 ه في قصره ، ودفن بالبقيع ، كما في هامش الفتوح هنا . والثَّانية : إنَّ خروجَه عليه السلام كان يوم التَّروية قبل شهادَةِ مسلم عليه السلام .

.


1- . تاريخ الطّبري : ج 5 ص 388 وراجع : الطّبقات الكبرى (الطبقة الخامسة من الصحابة) : ج 1 ص 448 ، مقتل الحسين للخوارزمي :ج1 ص 217 ، الكامل في التّاريخ : ج 4 ص 40 ، تهذيب الكمال : ج 6 ص 419 الرّقم1323 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 14 ص 210 ، الفتوح : ج 5 ص 67 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج 5 ص 9 ، سِيَر أعلام النُّبلاء : ج 3 ص 297 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 164 ؛ الإرشاد : ج 2 ص 35 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 43 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 94 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 366.
2- . وفي نسخة : «الشِّقاق» .
3- . الفتوح : ج 5 ص 67.

ص: 138

. .

ص: 139

14 كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة جواباً لكتاب مسلم بن عقيل

14كتابُه عليه السلام إلى أهل الكوفةجواباً لكتاب مسلم بن عقيلقال المفيد رحمه الله: ولمَّا بلغَ الحسين عليه السلام الحاجِرَ من بطن الرُّمَّة (1) ، بعثَ قَيسَ بنَ مُسْهِر الصَّيداويّ ، _ ويقال : بل بعثَ أخاه من الرّضاعة عبدَاللّه بن يَقْطُر (2) 3 _ إلى أهل الكوفة ، ولَم يكن عليه السلام عَلِم بخبر مسلم بن عقيل رحمةُ اللّه عليهما ، وكتَب معه إليهم :بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم مِنَ الحُسينِ بن عليٍّ إلى إخوانِهِ مِنَ المُؤمِنينَ والمُسلِمينَ : سلامٌ عَلَيكُم ، فَإنِّي أحمَدُ إليكُم اللّه َ الَّذي لا إله إلاَّ هُو . أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّ كتابَ مُسلِمِ بنِ عَقيلٍ جاءَني يُخبِرُ فيهِ بِحُسنِ رَأيكم ، واجتِماعِ مَلَئِكُم عَلى نَصرِنا ، والطَّلَبِ بِحَقِّنا ، فَسَألتُ اللّه َ أنْ يُحسِنَ لَنا الصَّنيعَ ، وأنْ يُثيبَكُم عَلى ذلِكَ أعظمَ الأَجرِ ، وَقَد شَخَصتُ إلَيكُم مِن مَكَّةَ يَومَ الثُّلاثاءِ لِثَمانٍ مَضَينَ مِن ذي الحَجَّةِ يَومَ التَّروِيَةِ ، فإذا قَدِمَ عَلَيكُم رَسولي فانكَمِشوا (3) في أمرِكُم وَجِدُّوا ، فَإنِّي قادِمٌ عَلَيكُم في أيَّامي هذهِ ، وَالسَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ اللّه ِ .

.


1- . بطن الرمة : منزل يجمع طريق البصرة والكوفة إلى المدينة المنوّرة (مراصد الاطلاع : ج 2 ص 634) .
2- . كذا في النّسخ الخطيّة وكذا ضبطه علماؤنا إلاّ أنّ ابن داوود ذكر قولاً بالباء «بقطر»(ص125 الرقم920) ، وهو قول الطّبريّ في تاريخه (ج5 ص 398) ، وضبطه ابن الأثير بالباء كما في الكامل في التاريخ (ج4 ص 42) ، وفي القاموس المحيط : بقطر كعصفر ، رجل .
3- . وفي نسخة : «فأكمشوا» بدل «فانكمِشوا» ؛ وكلاهما بمعنى أسرعوا .

ص: 140

وكانَ مُسلِمٌ كتبَ إليهِ قَبلَ أنْ يُقتلَ بِسَبعٍ وعِشرينَ لَيلَةٍ ، وكَتبَ إليهِ أهلُ الكوفَةِ : إنَّ لَكَ هاهُنا مئةَ ألفَ سَيفٍ فَلا تَتَأخَّر . فأقبلَ قَيس بن مُسْهِرٍ إلى الكوفَةِ بِكِتابِ الحُسَينِ عليه السلام حتَّى إذا انْتهى إلى القادِسيَّةِ ، أخذَه الحُصَينُ بنُ نُمَيرٍ فأنْفَذَه (1) إلى عُبيدِاللّه ِ بنِ زيادٍ ، فَقالَ لَهُ عُبيدُاللّه ِ : اصعد فسُبَّ الكذَّابَ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ . فصَعِدَ قيسٌ فحَمِد اللّه َ وَأَثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أيُّها النَّاسُ ، إنَّ هذا الحُسينَ بنَ عَلِيٍّ خيرُ خَلقِ اللّه ِ ابنُ فاطمةَ بنتِ رَسولِ اللّه ِ ، وَأنَا رَسولُهُ إلَيكُم فَأَجيبوهُ ، ثُمَّ لَعَنَ عُبيدَاللّه ِ بنَ زِيادٍ وأباهُ ، واستَغفَرَ لِعَلِيّ بن أبي طالبٍ عليه السلام وصَلَّى عَلَيهِ . فأمرَ بهِ عُبَيدُاللّه ِ أنْ يُرمى بهِ من فَوقِ القَصرِ ، فرَمَوا بهِ فَتَقَطّعَ . (2)

.


1- . وفي نسخة : «فبعث به» .
2- . الإرشاد : ج 2 ص 70 وراجع : روضة الواعظين : ج 1 ص 395 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 95 ، مثير الأحزان : ص 30 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 370 ؛ أنساب الأشراف : ج 3 ص 167 ، الأخبار الطوال : ص 245 ، تاريخ الطّبري : ج 5 ص 395 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 168.

ص: 141

15 كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة قبل وصوله إلى كربلاء يرغّبهم في نصرته

15كتابُه عليه السلام إلى أهل الكوفةقبل وصوله إلى كربلاء يرغّبهم في نصرتهكتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة قبلَ الوصولِ إلى كربلاء : قال ابن أعثم الكوفيّ : أصبح الحسين من وَراء عذيب الهجانات (1) ، قال : وإذا بالحُرّ بن يزيد ، قد ظهر له أيضاً في جيشه ، فقال الحسين : ما وَراءَكَ يابنَ يَزيد ! أليسَ قَد أمَرتَنا أنْ نأخُذَ عَلى الطَّريقِ فَأَخذنا وَقَبِلنا مَشوَرَتكَ؟ فقال : صدقتَ ، ولكنَّ هذا كتابُ عُبيدِ اللّه بن زياد ، قد وَرد عليَّ يُؤنِّبني وَيُعنِّفني في أمرِكَ . فقالَ الحُسينُ : فَذَرْنا حَتَّى نَنزِلَ بِقَريَةِ نينوى (2) أو الغاضِرِيّةِ (3) . فَقالَ الحُرُّ : لا واللّه ِ ، ما أَستطيعُ ذلِكَ ، هذا رَسولُ عُبَيدِاللّه ِ بنِ زيادٍ مَعي ، وَرُبَّما بَعَثهُ عَيناً عَلَيَّ . قال : فأقبَلَ الحسينُ بنُ عليٍّ عَلى رَجُلٍ من أصحابهِ يقال له زهير بن القين البجليّ 4 ، فقال له : يابن بنت رسول اللّه ! ذَرْنا حتَّى نُقاتِل هؤلاء القَومَ ، فإنَّ قتالَنا السَّاعَةَ نحنُ وإيَّاهم أيسرُ عَلَينا وَأهوَنُ من قتال مَن يأتينا من بعدهم . ف_قال ال_حسين : صَ_دَقتَ يا زُه_يرُ ! ولكِنْ ما كُنتُ بالَّذي أُنذِرُهم بِ_قِتالٍ حَتَّى يبتدروني . فقال له زهير : فَسِر بنا حتَّى نصيرَ بِكَربلاءَ ، فإنَّها عَلى شاطِى ءِ الفُراتِ ، فنكونَ هنالِكَ ، فَإِن قاتلونا (4) قاتلناهم ، واستعنّا باللّه عليهم . قال : فدمعت عينا الحسين ، ثمَّ قال : اللَّهمَّ! ثُمَّ اللَّهمَّ! إنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الكَربِ والبلاءِ ! قال : ونزَل الحسين في موضعه ذلك ، ونزَل الحرّ بن يزيد حذاءَه في ألْف فارِس ، ودَعا الحسين بدَواةٍ وبَياضٍ ، وكتَب إلى أشراف الكوفة ممَّن كان يظنُّ أنَّه على رأيه . بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم مِنَ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ إلى سُلَيمانَ بنِ صُرَدٍ ، والمُسَيَّبِ بنِ نَجْبَةٍ ، ورُفاعَةَ بنِ شَدَّادٍ ، وعبدِاللّه بن والِ ، وجَماعَةِ المُؤمِنينَ : أمَّا بعدُ ؛ فَقَد عَلِمتُم أنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قَد قالَ في حَياتِهِ : مَن رَأى سُلطاناً جائِراً مُسْتَحِلاًّ لِحُرَمِ أو تارِكاً (5) لِعَهدِ اللّه ِ ، ومُخالِفاً لِسُنَّةِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَعَمِلَ في عِبادِ اللّه ِ بالإثْمِ والعُدوانِ ، ثُمَّ لَم يُغَيِّر عَلَيهِ (6) بِقَولٍ وَلا فِعلٍ ، كانَ حَقَّاً (7) عَلى اللّه ِ أَن يُدخِلَهُ مُدخَلَهُ ؛ وَقَد عَلِمتُم أنَّ هؤلاءِ لَزِموا طاعَةَ الشَّيطانِ ، وَتَوَلَّوا عن طاعَةِ الرَّحمنِ ، وأظهَروا الفَسادَ ، وَعَطَّلُوا الحُدودَ ، واسْتأثَروا (8) بالْفَيء ، وَأحَلُّوا حَرَامَ اللّه ِ ، وَحَرَّموا حَلالَهُ . وأنا أحَقُّ مِن غيري بِهذا الأمرِ لِقَرابَتي مِن رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَقَد أتَتْني كُتُبُكُم ، وَقَدِمَت عَلَيَّ رُسُلُكم بِبَيْعَتِكُم ، أنَّكُم (9) لا تَخذُلُوني ، فَإنْ وَفَيْتُم لي بِبَيْعَتِكُم فَقَد اسْتوفَيتُم حَقَّكُم وحَظَّكُم وَرُشدَكُم ، ونفسي مَعَ أنْفُسِكُم ، وَأهلي وَوَلَدي مَعَ أَهاليكُم وأولادِكم ، فَلَكُم فِيَّ (10) أُسْوَةٌ ، وإنْ لَم تفعَلوا وَنَقَضْتُم عَهدَكُم وَمَواثيقَكُم وَخَلَعْتم بَيعَتَكُم ، فَلَعَمْرِي ما هِيَ مِنكُم بِنُكرٍ (11) ، لقد فعَلْتُموها بِأبي وَأَخي وَابنِ عَمِّي ، هَلِ المَغرُورُ إلاَّ مَن اغْترَّ بِكُم ، فَإنَّما حَقَّكُم (12) أَخطَأتُم ، وَنَصيبَكُم ضَيَّعْتُم ، وَمَن نَكَثَ فَإنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفسِهِ ، وسَيُغْني اللّه ُ عَنكُم _ وَالسَّلامُ _ . قال : ثُمَّ طوى الكِتابَ ، وخَتَمَهُ وَدَفَعَهُ إلى قَيس بن مُسْهِرٍ الصَّيداويّ وَأَمَرَهُ أن يسيرَ إلى الكوفَةِ . (13)

.


1- . عُذيب الهجانات : هو من منازل حاجّ الكوفة ، وقيل هو حدّ السّواد (معجم البلدان : ج 4 ص 92) .
2- . نينوى : ناحية بسواد الكوفة ، منها كربلاء الحسين عليه السلام (معجم البلدان : ج 5 ص 339) .
3- . الغاضرية : قرية من نواحي الكوفة قريبة من كربلاء .
4- . في الطّبري : «فإن منعونا» بدل «قاتلونا» .
5- . في الطّبري : «ناكثاً» بدل «تاركاً» .
6- . في الطّبري : «لم يعتبر» بدل «يغيّر» .
7- . في الطّبري : «حقيقاً» بدل «حقّاً» .
8- . في الطّبري : «استثاروا» بدل «استأثروا» .
9- . وفي نسخة : زاد : «لا تُسلِّموني و» .
10- . وفينسخة : «وبي» .
11- . في الكامل في التاريخ : «بنكير» بدل «بنكر» .
12- . في الطّبري والكامل في التاريخ : «فحظّكم» بدل «حقّكم» .
13- . الفتوح : ج 5 ص 80 وراجع : الكامل في التاريخ : ج 2 ص 553 ، تاريخ الطّبري : ج 5 ص 409 ؛ المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 96 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 381.

ص: 142

. .

ص: 143

. .

ص: 144

16 كتابه عليه السلام إلى حبيب بن مظاهر يدعوه إلى نصرته عليه السلام

16كتابُه عليه السلام إلى حبيب بن مُظاهريدعوه إلى نصرته عليه السلامإنَّ حبيب بن مُظاهر 1 كان ذات يوم واقفاً في سُوق الكوفة عند عطَّار يشتري صباغاً لكريمته ، فمرَّ عليه مسلم بن عوسجة ، فالتفت حبيب إليه وقال : يا أخي يا مسلم إنِّي أرى أهل الكوفة يجمعون الخيل والأسلحة ، فبكى مسلم وقال : يا حبيب إنَّ أهل الكوفة صمّموا على قتال ابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فبكى حبيب ورَمى الصّبغ من يده وقال : واللّه لا تصبغ هذه إلاَّ من دَم مِنْحري دونَ الحسين عليه السلام . ولمَّا وَصل الحسين عليه السلام في مسيره إلى الكوفة إلى أرض وخيَّم في وادٍ منها ، وعلم بقتل ابن عمِّه مسلم بن عقيل ، وأنَّ أهل الكوفة غدروا به ، وكان قد عقد اثنتي عشرة راية ، ثمّ أمر جمعاً بأن يحمل كلّ واحدٍ منهم راية منها ، فأتوا (1) إليه أصحابه ، وقالوا له : يابن رسول اللّه ، دَعْنا نَرْتَحل من هذه الأرض . فقال لهم : صَبْراً حتَّى يأتِيَ إلينا مَن يَحمِلُ هذه الرَّايَةَ الأُخرى . فقال لهم بعضهم : سَيّدي تفضَّل عَلَيَّ بِحَملِها ، فَجزّاه الحُسَينُ عليه السلام خيراً . وقال : يأتي إليها صاحِبُها . ثمَّ كتب كتابا نسخته كذا : مِنَ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ بنِ أبي طالبٍ إلى الرَّجُلِ الفَقيهِ حَبيبِ بنِ مُظاهِر : أمَّا بعدُ يا حبيب ؛ فَأنتَ تَعلَمُ قَرابَتَنا مِن رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَأنتَ أَعرَفُ بِنا من غَيْرِكَ ، وأنتَ ذُو شيمَةٍ وغَيْرَةٍ ، فَلا تَبخَل عَلَينا بِنَفسِكَ ، يُجازيكَ جَدِّي رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَومَ القِيامَةِ . ثُمَّ أرسلَهُ إلى حبيبٍ (2)

.


1- . كذا في المصدر ، والصحيح : «فأتى» .
2- . إكسير العبادات في أسرار الشهادات : ج 2 ص 591 ، معالي السّبطين : ج 1 ص 370 .

ص: 145

. .

ص: 146

17 كتابه عليه السلام إلى بني هاشم من كربلاء

17كتابُه عليه السلام إلى بني هاشممن كربلاءقال محمَّد بن عمرو : حدَّثني كرام عبد الكريم بن عمرو ، عن ميسر بن عبد العزيز ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : كتب الحسينُ بنُ عليٍّ عليهماالسلام إلى مُحَمَّد بن عليٍّ عليه السلام من كربلاء :بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم مِنَ الحُسَينِ بنِ عَلِيّ عليهماالسلام إلى مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ ، ومَن قِبَلَهُ مِن بني هاشِم : أمَّا بَعدُ ؛ فَكَأنَّ الدُّنيا لَم تَكُن ، وَكَأنَّ الآخِرَةَ لَم تَزَل ، وَالسَّلامُ . (1)

.


1- . كامل الزّيارات : ص 157 ح 196 ، بحار الأنوار : ج 45 ص 87 ح 23.

ص: 147

الفصل الثّالث : المكاتيب المنسوبة إليه عليه السلام

18 كتابه عليه السلام إلى عبداللّه بن عبّاس

الفصل الثّالث : المكاتيبُ المنسوبة إليه عليه السلام18كتابُه عليه السلام إلى عبداللّه بن عبّاسذكر في تحف العقول : كَتَبَ (الحُسين عليه السلام ) إلى عَبدِاللّه ِ بن العبَّاس (1) حينَ سَيَّره (2) عبداللّه بن الزُّبير إلى اليَمن :أمَّا بَعدُ ؛ بلَغَني أنَّ ابنَ الزُّبَيرِ سَيَّرَكَ إلى الطَّائِفِ ، فرَفَعَ اللّه ُ لَكَ بِذلِكَ ذِكراً ، وَحَطَّ بهِ عَنكَ وِزْراً ، وَإنَّما يُبْتَلَى الصَّالِحونَ . وَلَو لَمْ تُؤجَر إلاَّ فيما تُحِبُّ لَقَلَّ (3) الأَجرُ ، عَزَمَ اللّه ُ لَنا وَلَكَ بالصَّبرِ عِندَ البَلْوى ، والشُّكرِ عِندَ النُّعْمى ، وَلا أَشْمَتَ بِنا ولا بِكَ عَدُوَّاً حاسِداً أبَداً ، والسَّلامُ . (4)

.


1- . أشار إليه في مكاتيب الإمام الحسن عليه السلام .
2- . إنّما وقع هذا التّسيير بعد قتل المختار النّاهض الوحيد لطلب ثار الإمام السّبط المفدّى ، فالكتاب هذا لا يمكن أنْ يكون للحسين السّبط عليه السلام ، ولعلَّه لولده الطَّاهر عليّ السّجاد عليه السلام .
3- . وزاد في نسخة : «لقاء» .
4- . تحف العقول : ص 246 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 117.

ص: 148

19 كتابه عليه السلام إلى معاوية

أقول : كان تسيير ابن عبَّاس إلى الطّائف في زَمَن حكومة ابن الزُّبير ، وكان ذلك بعد شهادة الحسين عليه السلام ، فإذاً لا يمكن أنْ يكون هذا الكتاب منه ، بل هو من ابن الحنفيَّة كما ذكره المُؤرِّخون (1) ، أو من عليّ بن الحسين عليه السلام ، كما ذكر في هامش تحف العقول .

19كتابُه عليه السلام إلى معاويةقال القيروانيّ في زهر الآداب : كتَب معاوية إلى الحسين كتاباً يوبّخه فيه بتزويجه جاريته الَّتي أعتقها ، بأنَّك تزوَّجت جاريتك وتركت أكفاءك ؛ فكتب عليه السلام :أمَّا بَعْدُ ؛ فقد بَلَغَنِي كِتَابُكَ وَتَعييرُكَ إيَّاي بِأنِّي تَزوَجتُ مَوْلاتِي ، وَتَرَكتُ أكفائي مِن قُريشٍ ، فَلَيْسَ فَوْقَ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مُنْتَهى في شَرفٍ ولا نَسَبٍ ، وَإنَّما كانَت مِلْكَ يَمِينِي خَرَجَتْ من يَدي بأمْرٍ الْتَمَستُ فيهِ ثَوَابَ اللّه ِ ، ثُمَّ ارْتَجَعْتُها على سُنَّة نبيِّهِ صلى الله عليه و آله ، وَقَد رَفَعَ اللّه ُ بالإسلام الخَسِيسَةَ ، وَوَضَعَ عَنَّا بهِ النَّقيصَةَ ، فَلا لُؤمَ عَلى امْرِىمُسْلِمٍ إلاَّ في أمرِ مَأثَمٍ ، وإنَّما اللُّؤمُ لُؤمُ الجَاهِلِيَّةِ (2) .

ولكن نسبه الكلينيّ رحمه الله في الكافي (3) وغيره إلى عليّ بن الحسين عليهماالسلام ، لا إلى الحسين بن عليّ عليهماالسلام في زمن عبدالملك .

.


1- . راجع : الأمالي للطوسي : ص 119 ح 186 وتاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 9 .
2- . أعيان الشيعة : ج 1 ص 583 ، ولم نجد نسخة زهر الآداب .
3- . وفيه : عدّةٌ من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي عبداللّه ، عن عبدالرّحمن بن محمّد ، عن يزيد بن حاتم ، قال : كان لعبدالمَلِك بن مروان عَيْنٌ بالمدينة يكتبُ إليه بِأخْبار ما يَحْدُثُ فيها ، وإنَّ عليّ بن الحسين عليهماالسلام أعتق جاريةً ، ثمّ تزوّجَها ، فكتب العَيْنُ إلى عبدالملك ، فكتب عبد الملك إلى عليّ بن الحسين عليه السلام : أمّا بعد ؛ فقد بلغني تَزْوِيجُك مَوْلاتَك وقد عَلِمْتُ أنّه كان في أكْفَائِكَ من قريش مَن تَمَجَّدُ به في الصِّهْر ، وتَسْتَنْجِبُهُ في الوَلَد ، فلا لِنَفْسك نَظَرْتَ ولا على وُلْدِكَ أبْقَيْتَ ، والسّلام . فكتب إليه عليّ بن الحسين عليه السلام : أمّا بعد ، فقد بلغني كتابُك تُعَنِّفُنِي بِتَزْوِيجِي مَوْلاتِي ، وتزْعُمُ أنّه كان في نساء قريش مَنْ أتَمَجَّدُ به في الصِّهْر ، وأسْتَنْجِبُهُ في الولد ، وأنّه ليس فوق رسول اللّه صلى الله عليه و آله . . . (الكافي : ج5 ص 344 ح 4) .

ص: 149

20 كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة

20كتابُه عليه السلام إلى أهل الكوفةكتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة لمّا سارَ ورأى خِذلانهم إيَّاه :أمَّا بَعدُ ؛ فَتَبَّاً لَكُم أيَّتُها الجَماعَةُ وَتَرَحاً ، حين اسْتَصْرخْتُمونا وَلِهِينَ فأصْرخْناكم موجِفينَ ، سَلَلتم عَلَينا سَيفاً كانَ في أَيمانِنا ، وحَششْتُم عَلَينا ناراً اقْتدَحْناها عَلى عَدُوِّنا وَعَدُوِّكم ، فأصْبحْتم إلْباً لَفَّاً على أوليائكم ويَداً لأعدائكم ، بِغَيرِ عَدلٍ أفشوْهُ فيكُم وَلا لِأَمَلِ أَصبَحَ لَكُم فيهِم وَعَن غَيرِ حَدَثٍ كان مِنَّا، ولا رأيٍ تَفيَّل عَنَّا ، فهَّلا لَكُمُ الوَيلاتُ . تركتُمونا والسَّيفُ مَشِيمٌ (1) والجَأشُ طامِنٌ والرّأيُ لَم يُسْتَحصَفْ (2) ولكنِ اسْتَسْرَعْتُم إلَيها كَتَطائِرِ الدَّبى (3) وتَداعَيْتُم عَنها كتداعي الفَراش . فَسُحقاً وَبُعداً لِطواغِيتِ الأُمَّةِ، وشُذَّاذِ الأحزابِ ، ونَبَذَة الكتابِ ، ونَفثَةِ الشَّيطانِ ، ومُحَرِّفي الكلامِ ، وَمُطفئي السُّنَنِ ، وَمُلحقي العَهَرَةِ بِالنَّسَبِ ، المستهزئِين الَّذين جعلوا القُرآنَ عِضينَ . وَاللّه ِ إنَّهُ لخَذلٌ فيكُم مَعروفٌ ، قد وَشَجتْ عَلَيهِ عُروقُكُم ، وَتَوارَت عَلَيهِ أُصولُكُم ، فَكُنْتُم أخْبَثَ ثَمَرَةٍ شَجا لِلنَّاطِرِ ، وَاُكْلَةً للغاصِبِ . أَلا فَلَعنَةُ اللّه ِ عَلى النَّاكِثينَ الَّذين يَنقُضُون الأيمانَ بَعد تَوكيدِها ، وقَد جَعَلوا اللّه َ عَلَيهِم كَفيلاً . أَلا وَإنَّ الدَّعِيَّ ابنَ الدَّعِيِّ قَد رَكَزَ مِنَّا بَينَ اثنتَينِ بَينَ المِلَّةِ وَالذّلَّةِ وَهيهاتَ مِنَّا الدَّنيئَةُ ، يأبى اللّه ُ ذلِكَ وَرَسولُهُ والمُؤمِنونَ ، وَحُجُورٌ طابَت ، وَاُنُوفٌ حَمِيَّةٌ ، وَنُفوس أبِيَّةٌ ، وأنْ نُؤثِرَ طاعَةَ اللِّئامِ عَلى مَصارِعِ الكِرامِ ، وَإنِّي زاحِفٌ إِلَيهِم بِهذهِ الاُسرَةِ عَلى كَلَبِ العَدُوِّ وكَثرَةِ العَدَدِ وخِذْلَةِ النَّاصِرِ . ألا وَما يلْبَثونَ إلاَّ كَرَيْثِما يُركَبُ الفَرَسُ حتّى تَدورَ رَحا الحَربِ وتُعلَقَ النُّحورُ . عَهدٌ عَهِدَهُ إليَّ أبي عليه السلام . فَاجمَعوا أمرَكُم ثُمَّ كِيدونِ فَلا تُنظِرونِ ، إنّي تَوَكَّلتُ عَلى اللّه ِ رَبّي وَرَبِّكُم ، ما مِن دابّةٍ إلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصيتها ، إنّ رَبّي عَلى صِراطٍ مُستقيمٍ . (4)

.


1- . شِمتُ السَّيفَ : أغمدته (الصّحاح : ج 5 ص 1963) .
2- . استحصف الشّيءُ أي استحكم ، والحصيف المحكمُ العقل (الصحاح : ج 4 ص 1344) .
3- . الدَّبا مقصور : الجراد قبل أن يطير ، وقيل : هو نوع يشبه الجراد ، واحدتُهُ دَباة (الصحاح : ج 6 ص 2333) .
4- . تحف العقول : ص 240.

ص: 150

ذكر المؤرّخون وأهل السّير هذا الحديث ، مع اختلاف في كون الإمام عليه السلام قد قاله في المعركة حين أحاطوا به من كلّ جانب ، أو من كتابه عليه السلام (1) .

.


1- . راجع : الاحتجاج : ج 2 ص 97 ح 167 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 3 ص 257 ، بحار الأنوار : ج 45 ص 9 ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج 14 ص 218 ، مقتل الحسين للخوارزمي : ج 2 ص 6 .

ص: 151

الفصل الرّابع : مكاتيبه في أُمور شتّى

21 كتابه عليه السلام في القدر

الفصل الرّابع : مكاتيبه عليه السلام في أُمور شتّى21كتابُه عليه السلام في القدرفي فقه الرِّضا عليه السلام : قال العالم عليه السلام : كتَب الحسن بن أبي الحسن البصريّ ، إلى الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، يسأله عن القدر ، فكتب إليه :اتَّبع ما شَرَحتُ لَكَ فِي القَدَرِ ، مِمَّا أُفضي إليْنا أهلَ البَيتِ ، فَإنَّهُ مَن لَم يُؤمِن بالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ فَقَدْ كَفَر ، ومَن حَمَل المعاصي عَلى اللّه ِ عز و جل فَقَد فجَر وافْتَرى عَلى اللّه ِ افتراءً عظيماً ، إنَّ اللّه َ تَبارَكَ وَتعالى لا يُطاعُ بإكْراهٍ ، ولا يُعصى بِغَلَبةٍ ، وَلا يُهمِلُ العِبادَ في الهَلَكَةِ ، وَلكِنَّهُ المالِكُ لِمَا ملَّكَهم ، والقادِرُ لِمَا عَلَيهِ أقدَرَهُم . فإنْ ائْتمروا بالطَّاعَةِ لَم يَكُن لَهُم صادَّاً عَنها مُبطِّئاً ، وإنْ ائْتمروا بالمَعصِيَةِ فَشاءَ أنْ يَمُنَّ عَلَيهِم ، فَيَحولَ بَينَهم وَبَينَ ما ائْتمروا بهِ ، فَإنْ فَعَلَ وَإنْ لَم يفعَل فَلَيس هُوَ حامِلُهُم عليه (1) قسراً ، ولا كلَّفهم جَبْراً بِتَمكينِهِ إيَّاهُم بَعدَ إعْذارِهِ وإنْذارِهِ لَهُم ، واحتجاجِهِ عَلَيهِم ، طَوَّقَهَم وَمَكَّنهُم وجَعَل لَهُمُ السَّبيلَ إلى أخذِ ما إليهِ دَعاهُم ، وتَرْكِ ما عَنهُ نَهاهُم ، جَعَلَهم مُستَطيعينَ لأَخْذِ ما أمرَهُم بهِ من شَيءٍ غيرِ آخِذيهِ ، ولِتَركِ ما نَهاهُم عَنهُ مِن شَيءٍ غَيرِ تاركِيهِ ، والحَمدُ للّه ِ الَّذي جَعَلَ عِبادَهُ أقوياءَ لِما أمرَهُم بهِ ، يَنالونَ بِتِلكَ القُوَّةِ ، وَنهاهُم عَنهُ ، وجَعَلَ العُذرَ لِمَن لَم يَجعَل لَهُ السَّبَبُ جُهداً مُتَقَبَّلاً . (2)

.


1- . في المصدر : «عليهم» ، وما أثبتناه هو الصحيح ، كما في بحار الأنوار .
2- . الفقه المنسوب إلى الإمام الرّضا عليه السلام : ص 408 ، بحار الأنوار : ج 5 ص 124 ح 71 نقلاً عنه.

ص: 152

22 كتابه عليه السلام في المحبّة
23 كتابه عليه السلام في الموعظة

أقول : وقد تقدَّم عن الحسن عليه السلام في مكاتيبه ما يقرب من ذلك .

22كتابه عليه السلام في المحبَّةأحمد بن أبي القاسم عن أبيه قال : كتب أخ للحسين بن عليّ[ عليه السلام ] إلى الحسين عليه السلام كتاباً يستبطئه في مكاتبته ، قال : فكتب إليه الحسين[ عليه السلام ] :يا أخي ، لَيسَ تَأكيدُ المَوَدَّةِ بِكَثرَةِ المُزاوَرَةِ ، وَلا بِمُواتَرَةِ المُكاتَبةِ ، وَلكِنَّها في القَلبِ ثابِتَةٌ ، وعِندَ النّوازِلِ مَوجودَةٌ . (1)

23كتابُه عليه السلام في الموعظةعن العدّة ، عن أحمد بن محمَّد بن خالد ، عن شرِيف بن سابِقٍ ، عن الفضل بن أبي قُرَّةَ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : كَتَبَ رَجُلٌ إلى الحسين صلوات اللّه عليه عِظْنِي بِحَرْفَيْن ، فكتَبَ إليه :عن العدّة ، عن أحمد بن محمَّد بن خالد ، عن شرِيف بن سابِقٍ ، عن الفضل بن أبي قُرَّةَ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : كَتَبَ رَجُلٌ إلى الحسين صلوات اللّه عليه عِظْنِي بِحَرْفَيْن ، فكتَبَ إليه : مَن حاوَل أمْراً بمعْصِيَة اللّه ِ كانَ أفْوتَ لِما يَرْجُو ، وَأسْرَعَ لِمَجِيءِ ما يَحْذَرُ . (2)

.


1- . بغية الطّلب في تاريخ حلب : ج 6 ص 2589.
2- . الكافي : ج 2 ص 373 ح 3 ، تحف العقول : ص 248 وفيه كلام الإمام عليه السلام ، بحار الأنوار : ج 73 ص 392 ح 3.

ص: 153

24 كتابه عليه السلام في خير الدّنيا والآخرة
25 كتابه عليه السلام في تفسير الصّمد

24مكاتيبه في أُمور شتّىكتابُه عليه السلام في خير الدّنيا والآخرةحدَّثنا محمَّد بن موسى بن المتوكِّل ، قال : حدَّثنا محمَّد بن أبي عبداللّه الكوفيّ ، عن موسى بن عِمران النَّخَعِي ، عن عمِّه الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن يحيى بن أبي القاسم ، عن الصَّادق جعفر بن محمَّد ، عن أبيه ، عن جدِّه ( عليهم السلام) ، قال : كتب رجل إلى الحسين بن عليّ( عليه السلام ) : يا سيِّدي ، أخبِرني بِخَيرِ الدُّنيا والآخرة . فكتب إليه :بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّه مَن طَلَبَ رِضا اللّه ِ بسَخَطِ النَّاسِ كَفاهُ اللّه ُ أُمورَ النَّاسِ ، وَمَن طَلَبَ رِضا النَّاسِ بِسَخَطِ اللّه ِ وَكَلَه اللّه ُ إلى النَّاسِ ، والسَّلامُ . (1)

25كتابُه عليه السلام في تفسير الصَّمدقال وَهَبُ بن وَهَب القُرَشِيّ : وحدَّثني الصَّادق جعفرُ بن محمَّد ، عن أبيه الباقر ، عن أبيه عليهم السلام: أنَّ أهل البصرة كَتَبوا إلى الحسين بن عليّ عليهماالسلام يسألونَه عن الصَّمد؟ فكتب إليهم :بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم أمَّا بَعدُ ؛ فَلا تَخوضُوا في القُرآنِ ، ولا تُجادِلوا فيهِ ، ولا تَتَكلَّموا فيهِ بِغَيرِ عِلمٍ ، فَقَد سَمِعتُ جَدِّي رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن قالَ في القُرآنِ بِغَيرِ عِلمٍ فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ، وإنَّ اللّه َ سُبحانَهُ قَد فَسَّرَ الصَّمَدَ ، فَقال : «اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ » ، ثُمَّ فسَّرَه فَقالَ : «لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ * وَ لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدُ » . «لَمْ يَلِدْ » لَمْ يَخْرُج مِنهُ شَيءٌ كَثيفٌ ، كالوَلَدِ وَسائرِ الأَشياءِ الكَثِيفَةِ الَّتي تَخْرُجُ مِنَ المخلوقِين ، وَلا شَيءٌ لَطِيفٌ كالنَّفس ، ولا يَتَشَعَّبُ مِنهُ البَدَواتُ ، كالسِّنَةِ والنَّوْمِ والخَطْرَةِ والهَمِّ والحُزْنِ والبَهْجَة وَالضِّحكِ والبُكاء والخَوْفِ والرَّجاءِ والرَّغبَةِ والسَّأمَةِ والجُوع والشِّبَع ، تَعالى أنْ يخْرُجَ مِنهُ شَيءٌ ، وأنْ يَتَولَّد مِنهُ شَيءٌ كَثيفٌ أوْ لَطيفٌ . «وَ لَمْ يُولَدْ » لمْ يَتَولَّدْ من شَيءٍ ، وَلَم يَخْرُج من شَيء ، كما يَخْرُج الأشياءُ الكَثِيفةُ من عناصِرِها ، كالشَّيءِ مِنَ الشَّيءِ ، والدَّابَّةِ مِنَ الدَّابَةِ ، والنَّباتِ مِنَ الأرضِ ، والماءِ مِنَ الينابِيعِ ، والثِّمارِ مِنَ الأَشجارِ ، وَلا كَما يَخرُجُ الأشياءُ اللَّطيفَةُ مِن مراكِزِها ، كالبَصَرِ مِنَ العَينِ ، والسَّمْعِ مِنَ الأُذُنِ ، والشَّمِّ مِنَ الأنْفِ ، وَالذَّوْقِ مِنَ الفَمِ ، وَالكلامِ مِنَ اللِّسانِ ، والمَعْرِفَةِ والتَّميّزِ مِنَ القَلبِ ، وَكالنَّارِ مِنَ الحَجَرِ ، لا بَلْ هُوَ اللّه ُ الصَّمدُ الَّذي لا مِن شيءٍ ، وَلا في شَيءٍ ، وَلا عَلى شَيءٍ ، مُبْدِعُ الأشياءِ وَخالِقُها ، ومُنْشِئُ الأشياءِ بقُدْرَتِهِ ، يَتَلاشى ما خُلِقَ للفناءِ بِمَشِيَّتِهِ ، وَيَبْقى ما خُلِقَ للبقاءِ بِعلْمِهِ . فَذلِكُمُ اللّه ُ الصَّمَدُ الَّذي لَم يَلِد وَلَم يُولَد ، عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ الكَبيرُ المُتعالِ ، وَلمْ يَكُنْ لَه كُفُواً أحَدٌ . (2)

.


1- . الأمالي للصدوق : ص 268 ح 293 وراجع : الاختصاص : ص 225 ، مشكاة الأنوار : ص 72 ح 128 ، روضة الواعظين : ج 2 ص 405 ح 1436 ، بحار الأنوار : ج 71 ص 371 ح 3 ؛ سنن التّرمذي : ج 4 ص 610 ح 2414 ، صحيح ابن حبّان : ج 1 ص 511 ح 277 ، كنز العمّال : ج 15 ص 772 ح 43034.
2- . التّوحيد : ص 90 ح 5 ، مجمع البيان : ج 10 ص 861 ، بحار الأنوار : ج 3 ص 223.

ص: 154

. .

ص: 155

26 وصيّته عليه السلام لعامّة النّاس

26وصيّته عليه السلام لعامّة النّاسأُوصيكُم بِتقوى اللّه ِ وَأُحَذِّرُكُم أيّامَهُ ، وَأَرفَعُ لَكُم أَعلامَهُ ، فَكَأنَّ المَخوفَ قَد أَفِدَ بمَهولِ وُرودهِ ، ونكيرِ حُلولِهِ وبَشِع مَذاقِهِ ، فاعْتَلق مُهَجَكُم وحالَ بَينَ العَمَلِ وَبَينَكُم ، فبادِروا بِصِحَّة الأجسامِ في مُدَّة الأَعمارِ ، كأنَّكم ببَغَتاتِ طَوارقِهِ فتنْقُلُكُم مِن ظَهرِ الأرضِ إلى بَطنِها ، وَمِن عُلُوِّها إلى سُفلِها ، وَمِن أُنْسِها إلى وَحشَتِها ، ومن رَوحِها وضَوئِها إلى ظُلمَتِها ، وَمِن سَعَتِها إلى ضِيقِها ؛ حَيث لا يُزارُ حَميمٌ ولا يُعاد سَقيمٌ ولا يُجابُ صَريخٌ . أعانَنا اللّه ُ وإيَّاكم عَلى أهوالِ ذلِكَ اليَومِ ، ونجَّانا وإيَّاكم مِن عقابهِ ، وأوْجَبَ لنا وَلَكُم الجَزيلَ مِن ثَوابِهِ . عِبادَ اللّه ِ ، فَلَو كانَ ذلِكَ قَصِرَ مَرْماكُم ومَدى مَظعَنِكُم ، كان حَسْبُ العامِلِ شُغلاً يَستفْرِغُ عَلَيهِ أحزانَهُ ويَذْهَلُهُ عَن دُنياه وَيُكثِرُ نَصَبَه لِطَلَبِ الخَلاصِ مِنهُ ، فَكَيفَ وَهُو بَعدَ ذلِكَ مُرتَهَنٌ بِاكتسابِهِ ، مُستَوقَفٌ عَلى حِسابهِ ، لا وَزيرَ لَهُ يَمنَعُه ولا ظَهيرَ عَنهُ يَدفَعُهُ ، وَيَومَئِذٍ لا يَنفَعُ نَفساً إيمانُها لَم تَكُن آمَنتْ مِن قَبلُ أو كَسَبتْ في إيمانِها خَيراً ، قل انتظروا إنَّا مُنتَظِرونَ . أُوصيكُم بِتقوى اللّه ِ ، فَإنَّ اللّه َ قَد ضَمِنَ لِمَن اتَّقاهُ أنْ يحوِّله عَمَّا يَكرَهُ إلى ما يُحِبُّ ويَرزُقُهُ من حَيثُ لا يَحتَسِبُ . فإيَّاكَ أنْ تَكونَ مِمَّن يَخافُ عَلى العِبادِ مِن ذُنوبِهِم ، ويأمَنُ العُقوبَةَ مِن ذَنبِهِ ، فَإنَّ اللّه َ تبارَكَ وَتعالى لا يُخْدَعُ عَن جَنَّتِهِ ، ولا يُنالُ ما عِندَهُ إلاَّ بِطاعَتِهِ إن شاءَ اللّه ُ . (1)

.


1- . تحف العقول : ص 239 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 120 ح 3.

ص: 156

27 كتابه عليه السلام إلى أخيه الحسن عليه السلام في بذْل المال

27كتابُه عليه السلام إلى أخيه الحسن عليه السلامفي بذْل المالقال في كشف الغمَّة ، في مكارم الحُسين عليه السلام : كتَب إليه الحسن عليه السلام يلومه على إعْطاء الشُّعراء ، فكتَب إليه :أنتَ أعلْمُ منِّي بأنَّ خَيرَ المالِ ما وقى العِرضَ . (1)

وهذا الكتابُ ذُكر أيضاً في مكاتيبِ الإمام الحسن عليه السلام . هذا هو ما حصلنا عليه من مكاتيب الإمام الحسين الشهيد عليه السلام والحمد للّه ربّ العالمين .

.


1- . كشف الغمّة : ج 2 ص 243 ، نزهة النّاظر : ص 73 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 195 وراجع : تاريخ مدينة دمشق : ج 14 ص 181 ، الفصول المهمّة : ص 163 ، تهذيب الكمال : ج 6 ص 407.

ص: 157

مكاتيب الإمام عليّ بن الحسين

اشاره

مكاتيب : الإمام عليّ بن الحسين عليهماالسلام

.

ص: 158

. .

ص: 159

الفصل الأوّل : مكاتيبه

1 كتابه عليه السلام في الزّهد

الفصل الأوّل : مكاتيبهمكاتيبه عليه السلام1كتابُه عليه السلام في الزُّهدمحمّد بن يحْيى ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى وعليِّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً عن الحسن بن مَحْبُوبٍ ، عن مالك بن عطيَّة ، عن أبي حمزة ، قال : ما سمعْتُ بأحدٍ من النَّاس كان أزْهَدَ من عليِّ بن الحسين عليهماالسلام إلاّ ما بلغني من عليِّ بن أبي طالبٍ عليه السلام . قال أبو حمزة : كان الإمامُ عليُّ بن الحسين عليهماالسلام إذا تكَلَّم في الزُّهد ووَعَظ أبْكَى مَن بحضْرته . قال أبو حمزة : وقرأْتُ صحيفةً فيها كلامُ زهْد من كلام عليّ بن الحسين عليهماالسلام ، وكتَبْتُ ما فيها ثُمَّ أتيْت عليَّ بن الحُسَيْنِ صلوات اللّه عليه فعَرَضْتُ ما فيها عليْه ، فعَرَفَه وصحَّحَه وكان ما فيها :بسم اللّه الرحمن الرَّحيم . كَفانا اللّه ُ وإيَّاكُم كَيْدَ الظَّالمينَ ، وَبغيَ الحاسدينَ ، وَبَطشَ الجبَّارينَ . أيُّها المُؤمنونَ لا يَفتِنَنَّكمُ الطَّواغيتُ ، وأتباعُهُم مِن أهلِ الرَّغبَةِ في هذه الدُّنيا ، المائِلونَ إليها ، المُفْتَتِنونَ بها المُقبِلونَ عليها وعلى حُطامِها الهامدِ ، وهَشيمِها البائِدِ غداً ، و احْذَروا ما حَذَّركُمُ اللّه ُ مِنها ، وازْهدوا فيما زهَّدكم اللّه ُ فيهِ مِنها ، ولا تَرْكَنوا إلى ما في هذه الدُّنيا رُكُونَ مَنِ اتَّخَذَها دارَ قَرارٍ ومَنزِلَ اسْتِيطانٍ . واللّه ِ إنَّ لكُم ممَّا فيها عَلَيها لدَليلاً وتَنْبِيهاً ، مِن تَصريفِ أيَّامِها وتَغيُّرِ انْقِلابِها ومَثُلاتِها و تَلاعُبِها بأهلها ، إنَّها لَتَرْفَعُ الخَمِيلَ ، وتَضَعُ الشَّريفَ ، وتُورِدُ أقواماً إلى النَّار غداً ؛ ففي هذا مُعْتَبَرٌ ، ومُخْتَبَرٌ ، وزاجِرٌ لِمُنتبِهٍ ، إنَّ الأمورَ الوارِدَةَ عَلَيكُم في كُلّ يومٍ ولَيلَةٍ مِن مُظلِماتِ الفِتَنِ ، وحَوادِثِ البِدَعِ ، وسُنَنِ الجَوْرِ ، وبَوائِقِ الزَّمانِ ، وهَيْبةِ السُّلطانِ ، ووسْوسَةِ الشَّيطانِ ، لَتُثبِّطُ القلوبَ عن تنبُّهِها ، وتذْهِلُها عن موجودِ الهُدَى ، ومعرفَةِ أهلِ الحَقّ إلاّ قليلاً مِمَّنْ عَصَمَ اللّه ُ ، فَلَيسَ يعرِفُ تصَرُّفَ أيَّامِها ، وتَقَلُّبَ حالاتِها ، وعاقِبةَ ضرَرِ فتْنتِها إلاّ مَن عَصَمَ اللّه ُ ، ونَهَجَ سبيلَ الرُّشدِ ، وسَلكَ طَريقَ القَصدِ ؛ ثُمَّ اسْتعانَ على ذلك بالزُّهدِ ، فكرَّرَ الفكرَ ، واتَّعظَ بالصَّبرِ ، فازْدَجر ، وزهِدَ في عاجِلِ بَهْجةِ الدُّنيا وتجافى عَن لذَّاتِها ، ورَغِبَ في دائِمِ نَعيمِ الآخِرةِ ، وسَعى لها سَعْيَها وراقَبَ المَوتَ ، وشَنأ الحَياةَ معَ القَوْمِ الظَّالِمينَ . نظَر إلى ما في الدُّنيا بعَيْنٍ نَيِّرةٍ حَديدَةِ البَصَرِ ، وأبْصَرَ حَوادِثَ الفِتَن ، وضلالَ البِدَعِ ، وجَوْرَ المُلوكِ الظَّلَمَةِ . فَلقَد لَعَمري استَدبرتُمُ الاُمورَ الماضِيَةَ في الأيَّامِ الخالِيَةِ مِنَ الفِتَنِ المُترَاكِمَةِ ، والاِنهِماكِ فيما تَسْتَدلُّونَ بِهِ على تَجنُّبِ الغُواةِ وأهلِ البِدَعِ والبَغيِ والفَسادِ في الأرضِ بِغَيرِ الحَقِّ ، فاسْتعينوا باللّه ِ ، وارجِعوا إلى طاعَةِ اللّه ِ ، وطاعَةِ مَن هُوَ أولى بِالطَّاعَةِ مِمَّن اتُّبِعَ فأُطيعُ . فالحَذَرَ الحَذَرَ مِن قَبلِ النَّدامَةِ والحَسرَةِ ، والقُدومِ عَلى اللّه ِ ، والوُقوفِ بَينَ يَدَيهِ . وتاللّه ِ ما صَدَرَ قَوْمٌ قطُّ عَن مَعصِيةِ اللّه ِ إلاّ إلى عَذابِهِ ، وَ ما آثر قَومٌ قطُّ الدُّنيا على الآخِرةِ إلاّ سَاءَ مُنقلَبُهُم ، وَساءَ مَصيرُهُم ، وما العِلمُ باللّه ِ والعَمَلُ إلاّ إلْفانِ مُوْتَلِفانِ ، فمَن عرَفَ اللّه َ خافَهُ وحثَّهُ الخَوفُ على العَمَلِ بِطاعَةِ اللّه ، وإنَّ أربابَ العِلمِ وأتباعَهُم ، الَّذينَ عَرَفوا اللّه َ فَعَمِلوا لَهُ ورَغِبوا إليهِ ، وَقَد قالَ اللّه ُ : «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ » (1) . فلا تَلتَمِسوا شَيئاً مِمَّا في هذه الدُّنيا بِمعصِيَةِ اللّه ِ ، واشتغِلوا في هذهِ الدُّنيا بِطاعَةِ اللّه ِ ، واغتنِموا أيَّامَها ، واسعَوا لما فيهِ نَجاتُكُم غَداً مِن عَذابِ اللّه ِ ، فإنَّ ذلك أقلُّ لِلتَّبِعَةِ ، وأدنى مِنَ العُذرِ ، وأرجى لِلنَّجاةِ ، فقَدِّموا أمرَ اللّه ِ ، وطاعَةَ مَن أوجَبَ اللّه ُ طاعَتَهُ بَينَ يَدَي الاُمورِ كُلِّها ، ولا تُقدِّموا الاُمورَ الوارِدَةَ عَلَيكُم مِن طاعَةِ الطَّوَاغيتِ مِن زَهرَة الدُّنيا بين يَدَي اللّه ِ وطاعَتِهِ ، وطاعَةِ أُولي الأمرِ مِنكُم ، واعلَموا أنَّكُم عَبِيدُ اللّه ِ ونَحنُ مَعَكُم يَحكُمُ عَلَينا و عَلَيكُم ، سَيِّدٌ حَاكِمٌ غَداً وهُوَ مُوقِفُكُم ومُسائِلُكُم ؛ فأعِدُّوا الجَوابَ قَبلَ الوقوفِ والمُساءَلَةِ والعَرضِ على رَبِّ العالَمينَ ، يَومَئِذٍ لا تَكَلَّمُ نفسٌ إلاّ بإذنِه . واعلَموا أنَّ اللّه َ لا يُصَدِّقُ يَومئذٍ كاذِباً ، ولا يُكَذِّبُ صادِقاً ، ولا يَرُدُّ عُذرَ مُستَحِقٍّ ، ولا يَعذِرُ غيرَ مَعذورٍ ، لهُ الحُجَّةُ على خَلقِهِ بالرُّسُلِ ، والأوصِياءِ بَعدَ الرُّسُلِ . فاتَّقوا اللّه َ عبادَ اللّه ِ ، واستَقْبِلوا في إصلاحِ أنفُسِكُم ، وطاعَةِ اللّه ِ ، وطاعَةِ مَن تَولَّونَهُ فيها ، لعلّ نادِماً ، قَد نَدِمَ فيما فرَّطَ بالأمسِ في جَنبِ اللّه ِ ، وضَيَّع من حُقوقِ اللّه ِ ، واستغفِروا اللّه َ ، و توبوا إليهِ ، فإنَّهُ يَقبَلُ التَّوبةَ ، ويَعفو عَنِ السَّيِّئةِ ، ويَعلمُ ما تَفعَلونَ . وإيَّاكم وصُحبَةَ العاصينَ ، ومَعونَةَ الظَّالِمينَ ، ومُجاوَرَةَ الفاسِقينَ ، احذَروا فِتْنتَهُم ، وتَباعَدوا من ساحَتِهِم ، واعلَموا أنَّهُ مَن خَالَفَ أولِياءَ اللّه ِ ودَانَ بِغَيرِ دِينِ اللّه ِ ، واستَبدَّ بأمرِهِ دُونَ أمرِ وليِّ اللّه ِ ، كانَ في نارٍ تَلتَهِبُ ، تَأكلُ أبداناً قَد غابَت عنها أرواحُها ، وغَلَبَتْ عَلَيها شِقوَتُها ، فَهُم مَوتى ، لا يَجِدونَ حَرَّ النَّارِ ، وَلَو كانوا أحياءً لوَجَدوا مَضَضَ حَرِّ النَّارِ . واعتَبِروا يا اُولي الأبصارِ ، واحمَدوا اللّه َ على ما هداكُم ، واعلَمُوا أنَّكُم لا تَخرُجونَ مِن قُدرةِ اللّه ِ إلى غَيرِ قُدرَتِهِ ، وسَيرى اللّه ُ عَمَلَكُم ورَسولُه ، ثُمَّ إليه تُحشَرونَ ، فانتفِعوا بالعِظَةِ ، وتَأدَّبُوا بآدابِ الصَّالحينَ . (2)

.


1- . فاطر : 28 .
2- . الكافي : ج 8 ص 14 ح 2 ، الأمالي للمفيد : ص 198 ح 32 ، العدد القوية : ص 59 ح 79 كلاهما نحوه ، بحارالأنوار : ج 78 ص 151 ح 12 .

ص: 160

. .

ص: 161

. .

ص: 162

2 كتابه عليه السلام في المواعظ يوم الجمعة

2كتابُه عليه السلام في المواعظيوم الجمعةحدَّثني محمّد بن يحيى ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى وعليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن الحسن بن مَحبُوب ، عن عبد اللّه بن غالب الأسديِّ ، عن أبيه ، عن سعيد بن المُسَيَّب ، 1 قال : كان عليُّ بن الحسين عليهماالسلام يَعِظُ النَّاس ويُزَهِّدهم في الدُّنيا ويُرَغِّبهُم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كلّ جُمُعة ، في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحُفِظ عنه وكُتِب ، كان يقول :

.

ص: 163

. .

ص: 164

. .

ص: 165

. .

ص: 166

الوصيّة بالتّقوى

الوصيّة بالتّقوى :«أيُّها النَّاسُ اتَّقوا اللّه َ ، واعلَموا أنَّكُم إليهِ تُرجَعونَ ، فَتجِدُ كلُّ نَفسٍ ما عَمِلَت في هذِهِ الدُّنيا مِن خَيرٍ مُحْضَراً ، وما عَمِلَت مِن سوءٍ توَدُّ لَو أنَّ بَينَها وبَينَهُ أمداً بَعيداً ، ويُحذِّرُكُمُ اللّه ُ نَفسَهُ ، وَيْحَكَ يا ابنَ آدمَ الغافِلَ ، ولَيسَ بِمَغفولٍ عَنهُ .

.

ص: 167

التّحذير من الموت
التّذكير بالمعاد

التّحذير من الموت :يا ابنَ آدَمَ إنَّ أجَلَكَ أسْرَعُ شَيْءٍ إلَيكَ ، قَد أقبَلَ نَحوَكَ حَثيثاً يَطْلُبُكَ ، وَيوشِكُ أنْ يُدْرِكَكَ ، وكَأن قَد أوْفَيتَ أجَلَكَ ، وقَبَضَ المَلَكُ روحَكَ ، وصِرتَ إلى قَبرِكَ وَحيداً ، فَرَدَّ إليكَ فيهِ روحَكَ ، واقْتَحَمَ عَليكَ فيهِ مَلَكانِ ، ناكِرٌ ونكيرٌ لمُسائَلتِكَ وشَديدِ امتِحانِكَ . أ لا وإنَّ أوَّلَ ما يَسْألانِكَ عَن رَبِّكَ الَّذي كنتَ تَعبُدُهُ ، وعَن نبيِّكَ الَّذي أُرْسِلَ إلَيكَ ، وعن دينِكَ الَّذي كُنتَ تَدِينُ بِهِ ، وعَن كِتابِكَ الَّذي كُنتَ تتْلُوهُ ، وعَن إمامِكَ الَّذي كُنتَ تَتَولاّهُ ، ثُمَّ عَن عُمُرِكَ فيما كُنتَ أفْنَيْتَهُ ، ومالِكَ مِن أيْنَ اكْتَسَبتَهُ وفيما أنتَ أنفقْتَهُ ، فخُذ حِذْرَكَ ، وانظُر لِنَفسِكَ ، وأعِدَّ الجَوابَ قَبلَ الاِمتِحانِ والمُسَائَلَةِ والاِختِبارِ . فإنْ تَكُ مؤمِناً عارِفاً بدِينِكَ ، مُتَّبِعاً للصَّادِقينَ ، مُوالِياً لأوْلياءِ اللّه ِ لقَّاكَ اللّه ُ حُجَّتَكَ ، وأنْطَقَ لِسانَكَ بِالصَّوابِ ، وأحسَنْتَ الجَوابَ ، وبُشِّرْتَ بالرِّضوانِ والجَنَّةِ مِنَ اللّه عز و جل ، واسْتقْبَلَتْكَ الملائِكَةُ بالرَّوحِ والرَّيحانِ ، وإنْ لم تَكُن كذلِكَ تَلَجْلَجَ لِسانُكَ ، ودُحِضَتْ حُجَّتُكَ ، وعَيِيتَ عَنِ الجَوابِ ، وبُشِّرتَ بالنَّارِ ، واسْتقْبلَتْكَ مَلائِكَةُ العَذابِ بِنُزُلٍ مِن حَميمٍ ، وتصْلِيَةِ جَحيمٍ .

التّذكير بالمعاد :واعلَم يا ابنَ آدمَ أنَّ مِن وَراءِ هذا أعظَمَ وأفْظَعَ وأوْجَعَ للقلوبِ يومَ القِيامَةِ ، ذلِكَ يَومٌ مَجموعٌ لَهُ النّاسُ ، وذلِكَ يومٌ مَشهودٌ يَجْمَعُ اللّه ُ عز و جل فيهِ الأوَّلينَ والآخِرينَ ، ذلِكَ يومٌ يُنْفَخُ في الصُّورِ ، وتُبعْثَرُ فيهِ القبورُ ، وذلِكَ يومُ الآزِفَةِ إذِ القلوبُ لدَى الحَناجِرِ كاظِمينَ ، وذلِكَ يَومٌ لا تُقالُ فيهِ عَثرَةٌ ، ولا يُؤخَذُ مِن أحَدٍ فِدْيَةٌ ، وَلا تُقْبَلُ مِن أحَدٍ مَعْذِرَةٌ ، ولا لأَِحَدٍ فيهِ مُسْتقْبَلُ تَوبَةٍ ، لَيسَ إلاّ الجَزاءُ بِالحَسَناتِ والجَزاءُ بالسَّيِّئاتِ .

.

ص: 168

التّرغيب في الخير والتّرهيب والتّحذير من الغفلة
في ذمّ الرّكون إلى الدّنيا

التّرغيب في الخير والتّرهيب والتّحذير من الغَفلة :فمَنْ كانَ مِنَ المؤمِنينَ عَمِلَ في هذهِ الدُّنيا مِثقالَ ذرَّةٍ مِن خَيرٍ وَجَدَهُ ، ومَن كانَ مِنَ المؤمِنينَ عَمِلَ في هذه الدُّنيا مِثقالَ ذَرَّةٍ مِن شَرٍّ وَجَدَهُ ، فاحْذَروا أيُّها النَّاسُ مِنَ الذُّنوبِ والمَعاصي ما قَد نَهاكُمُ اللّه ُ عَنها ، وَحذَّرَكُموها في كِتابِهِ الصَّادِقِ والبَيانِ النَّاطِقِ ، ولا تَأْمَنوا مَكْرَ اللّه ِ وَتحذيرَهُ وَتهديدَهُ عِندَ ما يَدعوكُم الشَّيطانُ اللَّعينُ إلَيهِ مِن عاجِلِ الشَّهَواتِ واللَّذَّاتِ في هذه الدُّنيا ، فإنَّ اللّه َ عز و جل يَقولُ : «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُبْصِرُونَ » (1) ، وأشْعِروا قُلوبَكُم خَوْفَ اللّه ِ ، وتَذكَّروا ما قَد وَعَدَكُمُ اللّه ُ في مَرجِعِكُم إليه مِن حُسْنِ ثَوابِهِ ، كما قَد خَوَّفَكُم مِن شَديدِ العِقابِ ، فإنَّه مَن خافَ شَيئاً حَذِرَهُ ، ومَن حذِرَ شيئاً تَرَكَهُ . ولا تكونوا من الغافِلينَ المائِلينَ إلى زَهْرَةِ الدُّنيا الَّذينَ مَكَروا السَّيِّئاتِ فَإنَّ اللّه َ يَقولُ في مُحْكَمِ كِتابِهِ : «أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّ_ئاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ » (2) ، فاحْذَروا ما حَذَّرَكُمُ اللّه ُ بِما فَعَلَ بالظَّلَمَةِ في كِتابِهِ ، ولا تَأْمَنوا أنْ يَنزِلَ بِكُم بَعضُ ما تَواعَدَ بِهِ القَومَ الظَّالِمينَ في الكِتابِ .

في ذمّ الرّكون إلى الدّنيا :واللّه ِ ، لَقد وَعظَكُمُ اللّه ُ في كِتابِهِ بِغَيرِكُم ، فَإنَّ السَّعيدَ مَن وُعِظ بِغَيرِهِ ، وَلَقَد أسْمَعَكُمُ اللّه ُ في كِتابِهِ ما قَد فَعَلَ بالقَومِ الظَّالمينَ مِن أهلِ القُرَى قَبلَكُم ، حَيثُ قالَ : «وَ كَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً» وإنَّما عَنى بالقَريَةِ أهلَها حَيثُ يقول : «وَ أَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً ءَاخَرِينَ» ، فقال عز و جل : «فَلَمَّآ أحَسُّوا بَأْسَنَآ إِذَا هُم مِنْهَا يَرْكُضُونَ » ، يعنِي يَهْربونَ ، قالَ : «لاَ تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلَى مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسألُونَ » ، فلمَّا أتاهُمُ العَذابُ «قَالُوا يَاوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فما زالَت تِلْكَ دَعْويهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ » (3) . وَأيْمُ اللّه ِ ، إنَّ هذهِ عِظَةٌ لَكُم وتَخوِيفٌ ، إن اتَّعظْتُم وخِفْتُم ، ثُمَّ رَجَعَ القَولُ مِنَ اللّه ِ في الكِتابِ على أهلِ المَعاصي وَالذُّنوبِ ، فَقَالَ عز و جل : «وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ ياوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ » (4) . فإنْ قُلتُم أيُّها النَّاسُ : إنَّ اللّه عز و جل إنَّما عنَى بهذا أهلَ الشِّركِ ، فَكَيفَ ذلِكَ وهُوَ يَقولُ : «وَ نَضَعُ الْمَوَ ازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلاَ تُظْ_لَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَ كَفَى بِنَا حَاسِبِينَ » (5) . اعلَموا عِبادَ اللّه ِ ، أنَّ أهلَ الشِّركِ لا يُنْصَبُ لهُمُ المَوازينُ ، ولا يُنْشَرُ لهمُ الدَّواوينُ ، وإنَّما يُحشَرونَ إلى جَهَنَّمَ زُمَراً ، وإنَّما نَصْبُ المَوازينِ ونَشْرُ الدَّواوينِ لِأهلِ الإسلامِ . فَاتَّقوا اللّه َ عِبادَ اللّه ِ ، واعلَموا أنَّ اللّه َ عز و جل لَم يُحِبَّ زَهْرةَ الدُّنيا وعاجِلَها لِأحدٍ مِن أوليائِهِ ، ولم يُرَغِّبْهُم فيها وَفي عاجِلِ زهْرتِها وَظاهِر بَهْجَتِها ، وإنَّما خَلَقَ الدُّنيا وخلَقَ أهلَها لِيبْلُوَهُم فيها أيُّهُم أحسنُ عَمَلاً لآخِرَتِهِ . وأيْمُ اللّه ِ ، لقَد ضَرَبَ لَكُم فيهِ الأمثالَ وصرَّفَ الآياتِ لِقومٍ يعقِلونَ ، ولا قوَّةَ إلاّ باللّه ِ . فازهَدوا فيما زَهَّدَكُم اللّه ُ عز و جل فيه مِن عاجِلِ الحَياةِ الدُّنيا ، فإنَّ اللّه َ عز و جل يَقولُ وقَولُهُ الحقُّ : «إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَ لِكَ نُفَصِّلُ الْأَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » (6) . فكونوا عِبادَ اللّه ِ مِنَ القَومِ الَّذين يَتَفَكَّرونَ ، ولا تَرْكَنوا إلى الدُّنيا ، فإنَّ اللّه عز و جل قالَ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله : «وَ لاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَ_لَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ » (7) ، ولا تَركَنوا إلى زَهْرةِ الدُّنيا وما فيها ، رُكُونَ مَنِ اتَّخَذَها دارَ قَرارٍ ومنزِلَ اسْتِيطانٍ ، فإنَّها دارُ بُلْغَةٍ ، ومَنزِلُ قُلْعَةٍ ، ودارُ عَمَلٍ . فتزَوَّدوا الأعمالَ الصَّالِحَةَ فيها قَبلَ تَفَرُّقِ أيَّامِها ، وقَبلَ الإذْنِ مِنَ اللّه ِ في خَرابِها ، فكأن قَد أخْرَبَها الَّذي عَمَرَها أوَّلَ مَرَّةٍ وابْتدَأها ، وهُو وَلِيُّ ميراثِها ، فأسألُ اللّه َ العَوْنَ لَنا ولَكُم على تزَوُّدِ التَّقوى ، والزُّهْدِ فيها ، جَعَلَنا اللّه ُ وإيَّاكُم مِنَ الزَّاهِدينَ في عاجِلِ زَهْرةِ الحَياةِ الدُّنيا ، الرَّاغبينَ لآجِلِ ثَوابِ الآخِرَةِ ، فإنَّما نَحنُ بِهِ ولَهُ وَصَلَّى اللّه ُ على مُحَمَّدٍ النَّبيِّ وَآلِهِ وسَلَّمَ ؛ والسَّلامُ عَلَيكُم ورَحمَةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ . (8)

.


1- . الأعراف : 201 .
2- . النحل : 45 إلى 47 .
3- . الأنبياء : 11 _ 15 .
4- . الأنبياء : 46 .
5- . الأنبياء : 47 .
6- . يونس : 24 .
7- . هود : 113 .
8- . الكافي : ج 8 ص 72 ح 29 ، الأمالي للصدوق : ص 593 ح 822 ، تحف العقول : ص 249 كلاهما نحوه ، بحارالأنوار : ج 6 ص 223 ح 24 و ج 78 ص 143 ح 6 .

ص: 169

. .

ص: 170

3 كتابه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروان في التّزويج

3كتابُه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروانفي التَّزويجعِدَّةٌ مِن أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي عبد اللّه ، عن عبد الرَّحمان بن محمّد ، عن يزيد بن حاتم ، قال : كان لعبد المَلِك بن مَرْوان عَين بالمدينة ، يَكتُب إليه بأخبار ما يَحدث فيها ، وإنَّ عليَّ بن الحسين عليهماالسلامأعْتق جاريةً ثمَّ تزوَّجها ، فكَتب العَينُ إلى عبد المَلِك ، فكَتب عبد المَلِك إلى عليِّ بن الحسين عليهماالسلام : أمَّا بعدُ ؛ فقد بلغني تزويجك مولاتَك ، وقد علمْت أنَّه كان في أكفائك من قريش ، من تَمَجَّدُ بهِ الصِّهرَ ، وتَسْتَنْجِبهُ في الولد ، فلا لنفسك نظرْت ، ولا على وُلْدك أبقيْت ؛ والسَّلام . فكتب إليهِ عليُّ بن الحسين عليهماالسلام :أمَّا بَعدُ ؛ فقَد بَلغَني كِتابُكَ تُعَنِّفُني بِتَزْويجي مَوْلاتي ، وتزْعُمُ أنَّهُ كانَ في نِساءِ قُرَيشٍ مَن أتَمَجَّدُ بِهِ في الصِّهْرِ ، وأسْتَنْجِبُهُ في الوَلَدِ ، وأنَّه لَيسَ فَوقَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مُرْتَقىً في مَجْدٍ ، ولا مُسْتَزادٌ في كَرَمٍ ، وإنَّما كانَت مِلْكَ يَميني خَرَجَتْ متى أرادَ اللّه ُ عز و جل منِّي بأمرٍ ألْتمِسُ بِهِ ثَوابَهُ ، ثُمَّ ارْتَجَعْتها على سُنَّةٍ ، ومَن كانَ زَكيّاً في دينِ اللّه ِ فَلَيسَ يُخِلُّ بِهِ شَيْءٌ مِن أمرِهِ ، وقَد رفَعَ اللّه ُ بالإسلامِ الخَسيسَةَ وتَمَّمَ بهِ النَّقيصَةَ ، وأذْهَبَ اللُّؤمَ ، فَلا لُؤمَ على امْرئٍ مُسلمٍ ، إنَّما اللُّؤمُ لُؤمُ الجاهِليَّةِ ، والسَّلامُ .

.

ص: 171

فلمَّا قرَأ الكتاب رمَى به إلى ابنه سليْمان ، فقرَأه ، فقال : يا أمير المؤمنين لَشدَّ ما فخَر عليك عليُّ بن الحسين عليهماالسلام . فقال : يا بُنيَّ لا تقلْ ذلك ، فإنّها (1) ألْسُنُ بني هاشم ، الَّتي تَفْلِق الصَّخْرَ ، وتَغْرِفُ مِن بحرٍ ، إنَّ عليَّ بن الحسين عليهماالسلاميا بُنيَّ ، يَرْتَفِعُ مِن حيثُ يَتَّضِعُ النَّاسُ . (2) وفي الكافي أيضاً نصّ آخر : عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فَضَّال ، عن ثَعْلَبة بن مَيْمُون ، عمَّن يَرْوي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنَّ عليَّ بنَ الحُسَينِ عليهماالسلام تزَوَّجَ سُرِّيَّةً كانَت للحَسَنِ بنِ عَليٍّ عليهماالسلام ، فَبَلَغَ ذلكَ عَبدَ المَلِكِ بنَ مَروانَ ، فَكَتبَ إليهِ في ذلِكَ كِتاباً ؛ أنَّكَ صِرْتَ بَعْلَ الإماءِ . فكَتبَ إليهِ عليُّ بنُ الحسينِ عليهماالسلام : أنَّ اللّه َ رفَع بالإسلامِ الخَسِيسَةَ ، وأتمَّ بهِ النَّاقِصَةَ ، فأكرَمَ بِهِ مِنَ اللُّؤمِ ، فَلا لُؤمَ عَلى مُسلِمٍ ، إنَّما اللُّؤمُ لُؤمُ الجاهليَّةِ ، إنَّ رسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أنكَح عَبدَهُ وَنَكَحَ أَمَتَهُ . فلمَّا انتهى الكتاب إلى عبد المَلِك ، قال لمَن عنده : خبِّروني عن رجل إذا أتى ما يضع النَّاسَ لَم يزِدْهُ إلاّ شَرَفاً؟ قالوا : ذاكَ أميرُ المُؤمِنينَ . قال : لا وَاللّه ِ ، ما هُوَ ذاكَ . قالوا : ما نَعرِفُ إلاّ أميرَ المُؤمِنينَ . قال : فَلا وَاللّه ِ ، ما هُوَ بِأميرِ المُؤمِنينَ ، وَلكِنَّهُ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليهماالسلام . (3) وفي تهذيب الأحكام : عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد بن عبد اللّه بن زرارة ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام قال : « لمَّا زَوَّجَ عَليٌّ بنُ الحسَين عليه السلام أُمَّهُ مَولاهُ ، وتزوَّج هُوَ مَولاتَهُ كتَبَ إليهِ عَبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ كتاباً يَلومُهُ فيهِ ، وَيقولُ لَهُ : إنَّكَ قَد وَضَعتَ شَرَفَكَ وحَسَبَكَ . فَكَتَبَ إليهِ عليُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : إنَّ اللّه َ تعالى رَفَعَ بالإسلامِ كلَّ خَسيسَةٍ ، وأتمَّ بِهِ النَّاقِصَةَ ، وأذهَبَ بِهِ الُّلؤمَ ، فَلا لؤمَ على مُسلمٍ ، وإنَّما اللُّؤمُ لُؤمُ الجاهِلِيَّةِ . وَأمَّا تَزويجُ أمِّي ، فإِنِّي إنَّما أرَدتُ بِذلِكَ بِرَّها . فلمَّا انتهى الكتاب إلى عبد المَلِك ، قال : لقد صنع عليّ بن الحسين أمرين ، ما كان يصنعهما أحد إلاَّ عليُّ بنُ الحُسينِ ، فإنَّ بذلك قد زاد شرفاً . (4) وفي كتاب الزهد : النَّضر بن سويد ، عن حسين بن موسى ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهماالسلام قال : إنَّ عليَّ بنَ الحُسَينِ عليهماالسلام تَزوَّجَ أمَّ ولدِ عَمِّهِ الحَسَنِ عليه السلام ، وزَوَّجَ أُمّهُ مَولاهُ ، فَلَمَّا بَلَغَ ذلكَ عَبدَ المَلِكِ بنَ مَروانَ كَتَبَ إليهِ : يا عليُّ بنَ الحُسَينِ ، كأنَّكَ لا تَعرِفُ مَوضِعَكَ مِن قَومِكَ وقَدرَكَ عِندَ النَّاسِ ، تَزَوَّجتَ مَولاةً ، وَزَوَّجتَ مَولاكَ بِأُمّكَ! فَكَتَبَ إليه عليُّ بنُ الحُسَينِ : فَهِمتُ كِتابَكَ ، ولَنا أُسوَةٌ بِرَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَقَد زَوَّجَ زَينَبَ بِنتَ عَمِّهِ زَيداً مَولاهُ ، وتَزوَّجَ مَولاتَهُ صَفيَّةَ بِنتَ حُيَّي بن أخطَبَ » . (5) وقال ابنُ قتيبةَ : تزوَّج عليّ بن الحسين أمَّ ولدٍ لبعض الأنصار ، فلامَه عبد المَلِك في ذلك . فكتب إليه : « إنَّ اللّه َ قَد رَفَعَ بالإسلامِ الخَسيسةَ ، وأتمَّ النَّقيصَةَ ، وأكرَمَ بِهِ مِنَ اللُّؤمِ ، فَلا عارَ على مُسلِمٍ ، هذا رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قَد تَزوَّجَ أمَتَهُ وامرأةَ عَبدِهِ» . فقال عبدُ المَلِك : إنَّ عليّ بن الحسين يتشرّف من حيث يتَّضِعُ النَّاسُ . (6) وفي المعارف : روى عليّ بن محمّد عن عثمان بن عثمان قال : زوّج عليّ بن الحسين أُمّه من مولاه ، وأعتق جارية له وتزوّجها ، فكتب إليه عبد الملك يعيِّره بذلك ، فكتب إليه عليٌّ عليه السلام : د كانَ لكُم في رَسولِ اللّه ِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ ، قَد أعتَقَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله صفيّةَ بنتَ حُيَيّ (7) وَتَزوّجَها ، وأعتَقَ زَيدَ بنَ حارِثَةَ وزوَّجَهُ ابنةَ عَمّتِهِ زينبَ بنتَ جَحشٍ » . (8) وأصلُ هذا الموضوع ناشى ءٌ من وهم ؛ لأنَّ السِّيدة أمّ الإمام توفيت في نفاسها ، وقد ذكر ذلك جمهور المُؤرِّخين والرُّواة . وأنَّ الإمام الرِّضا عليه السلام صرح بذلك في حديثه مع سهل بن القاسم النُّوشجانيّ ، فقد قال عليه السلام : « . . . وكانَت صاحِبَةُ الحُسَينِ عليه السلام نَفَسَت بِعليِّ بنِ الحُسَينِ عليهماالسلام ، فكفَّلَ عليَّاً عليه السلام بعضَ أُمَّهاتِ وُلدِ (9) أبيهِ ، فنَشَأ وهُو لا يعرِفُ أُمّاً غَيرَها ، ثُمَّ علِمَ أنَّها مَولاتُهُ ، فكانَ النَّاسُ يسمُّونَها أمَّه ، وزَعَموا أنَّهُ زوَّج أمَّه ، ومعاذ اللّه إنَّما زوَّج هذه .. . و كان سبب ذلك أنَّه واقع بعض نسائه ، ثمَّ خرج يغتسل ، فلقيته أُمُّه هذه ، فقال لها : إنْ كانَ في نَفسِكِ مِن هذا الأمرِ شَيءٌ فاتَّقي اللّه َ وأعلِميني . فقالَت : نَعم . فزوَّجَها ؛ فَقالَ النَّاسُ : زوَّجَ عليُّ بنُ الحسين عليه السلام أمّه . . . (10)

.


1- . في المصدر : «فإنّه» والصواب ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
2- . الكافي : ج 5 ص 344 ح 4 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 164 ح 6 نقلاً عنه وراجع : المناقب لابن شهر آشوب : ج 3 ص 300.
3- . الكافي : ج 5 ص 346 ح 6 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 105 ح 94 نقلاً عنه.
4- . تهذيب الأحكام : ج 7 ص 397 ح 1587.
5- . الزهد للحسين بن سعيد : ص 60 ح 159 ، بحار الأنوار : ج 22 ص 214 ح 47 ، وج46 ص 139 ح 30.
6- . عيون الأخبار لابن قتيبة : ج 4 ص 8.
7- . و في وفيات : حُيَي بن أخطَب .
8- . المعارف لابن قتيبة : ص 215 ، وفيات الأعيان لابن خلكان : ج 3 ص 269 نقلاً عنه ، البداية والنهاية : ج 9 ص 108.
9- . وفي نسخة : «أولاد» بدل «ولد» .
10- . عيون أخبار الرضا : ج 2 ص 128 ح 6 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 8 ح 19 .

ص: 172

. .

ص: 173

. .

ص: 174

. .

ص: 175

4 كتابه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروان وإخباره بمكتوبة الحجّاج

4كتابُه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروانوإخباره بمكتوبة الحجّاجإنَّ الحجَّاج بن يوسف كتب إلى عبد الملك بن مروان : إنْ أردتَ أنْ يَثبُتَ مُلكُكَ فاقتُل عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ . فكتب عبد الملك إليه : أمَّا بعد ؛ فَجنِّبني دِماءَ بني هاشم واحقِنها ، فإنِّي رأيتُ آلَ أبي سفيانَ لمَّا اُولعوا فيها لَم يَلبَثوا أنْ أزالَ اللّه ُ المُلكَ عَنهُم . وَبَعَث بالكتابِ إِلَيهِ سِرَّاً . فكتب عليُّ بن الحُسَينِ عليه السلام إلى عبدِ المَلِكِ مِنَ السَّاعَةِ الَّتي أنفذَ فيها الكتابَ إلى الحجَّاجِ : «وقَفتُ على ما كَتَبتَ في حَقنِ دماءِ بني هاشمٍ ، وقَد شَكَرَ اللّه ُ لَكَ ذلِكَ وثبَّتَ مُلكَكَ ، وزادَ في عُمُرِكَ» . وبعث به مع غلام له بتاريخ السَّاعَةِ الَّتي أنفَذَ فيها عبدُ المَلِكِ كتابه إلى الحجَّاج بذلك . فلمَّا قدم الغُلام وأوصل الكتاب إليه ، نظر عبد الملك في تاريخ الكتاب فوجده موافقاً لتاريخ كتابه ، فَلَم يَشُكَّ في صِدقِ زَينِ العابدينَ عليه السلام ففرِحَ بذلِكَ ، وبعثَ إليهِ بوِقر دنانير ، وسأله أنْ يبسُطَ إليهِ بِجميعِ حَوائجِهِ وحوائجِ أهلِ بَيتِهِ ومَواليهِ . وكان في كتابه عليه السلام : « إنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أتاني في النَّومِ فعرَّفَني ما كتَبتَ بهِ إلى الحَجَّاجِ وما شَكَرَ اللّه ُ لكَ مِن ذلِكَ» . (1) والكتاب على رواية كشف الغمّة : أبو عبد اللّه عليه السلام قال : «لمَّا وَليَ عبدُ الملِكِ بنِ مَروانَ الخِلافَةَ كَتَبَ إلى الحَجَّاجِ بنِ يُوسفَ : بسمِ اللّه الرَّحمن الرَّحيمِ مِن عَبدِ المَلِكِ بنِ مَروانَ أميرِ المؤمنينَ الى الحَجَّاجِ بنِ يُوسفَ ، أمّا بعدُ ؛ فانظُر دِماءَ بني عَبدِ المطَّلِبِ فاحتَقِنها واجتَنِبها ، فإنِّي رأيتُ آل أبي سُفيانَ لمَّا وَلَغوا فيها لم يَلبَثوا إلاَّ قليلاً والسَّلام . قال : وبعث بالكتاب سِرَّاً ، وورد الخبر على عليّ بن الحسين ساعة كتب الكتاب ، وبعث به الى الحجَّاج ، فقيل له : إنَّ عبد الملك قد كتب إلى الحجَّاج كذا وكذا ، وإنَّ اللّه قد شكر له ذلك ، وثبَّتَ مُلكَهُ ، وزادَهُ بُرهَةً ، قال : فكتب عليّ بن الحسين : بِسمِ اللّه الرَّحمن الرَّحيمِ إلى عبدِ الملكِ بنِ مروانَ أميرِ المؤمنينَ مِن عَليِّ بنِ الحُسَينِ عليهماالسلام : أمَّا بعدُ ، فإنَّكَ كَتَبتَ يومَ كذا وكذا ، مِن ساعةِ كذا وكذا ، مِن شهرِ كَذا وكَذا ، بِكَذا وكَذا ، وَإنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أنبَأني وخَبَّرَني ، وإنَّ اللّه َ قَد شَكَرَ لَكَ ذلِكَ ، وثَبَّتَ مُلكَكَ وزادَكَ فيهِ بُرهَةً . وطوى الكتابَ وخَتَمَهُ ، وأرسَلَ بهِ مَعَ غُلامٍ لهُ على بَعيرِهِ ، وأمَرَهُ أن يوصِلَهُ إلى عَبدِ الملِكِ ساعَةَ يَقدِمُ عَلَيهِ ؛ فَلمَّا قَدِمَ الغُلامُ أوصَلَ الكِتابَ إلى عَبدِ المَلكِ ، فَلمَّا نَظَرَ في تاريخ الكِتَابِ وَجَدَهُ مُوافِقاً لِتِلكَ السَّاعَةِ الَّتي كَتَبَ فيها إلى الحَجَّاجِ ، فَلم يَشُكَّ في صِدقِ عَليِّ بنِ الحُسَينِ عليهماالسلام ، وفَرِحَ فَرَحاً شديداً ، وبَعَثَ إلى عَليِّ بنِ الحسينِ عليهماالسلام بَوِقرِ راحِلَتِهِ دَراهِمَ ثَواباً لِما سَرَّهُ مِنَ الكِتابِ . (2)

.


1- . الخرائج والجرائح : ج 1 ص 256 الرقم2 ، إثبات الهداة : ج 5 ص 234 الرقم26 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 28 ح 19.
2- . كشف الغمة : ج 2 ص 324 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 44 ح 44 نقلاً عنه وراجع : ينابيع المودة لذوي القربى : ج 3 ص 105.

ص: 176

. .

ص: 177

5 كتابه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروان في جواب تهديده
6 كتابه عليه السلام إلى ملك الرّوم جواباً على كتابه لعبد الملك بن مروان

5كتابُه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروانفي جواب تهديدهمحاسن البرقي (1) : بلغ عبد الملك أنَّ سيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند زين العابدين ، فبعث يستوهبه منه ويسأله الحاجة ، فأبى عليه ، فكتب إليه عبد الملك يهدده وأنَّه يقطع رزقه من بيت المال . فأجابه عليه السلام :«أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ اللّه َ ضَمِنَ لِلمُتقينَ المَخرَجَ مِن حَيثُ يَكرَهونَ ، والرِّزقَ من حَيثُ لا يَحتَسبونَ ، وَقالَ جَلَّ ذِكرُهُ : «إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ » (2) ، فانظُر أيُّنا أوْلى بهذهِ الآيةِ؟» (3)

6كتابُه عليه السلام إلى ملك الرُّومجواباً على كتابه لعبد الملك بن مروانكتب ملك الرُّوم إلى عبد الملك : أكلتَ لحمَ الجملِ الَّذي هربَ عليهِ أبوكَ مِنَ المدينةِ ، لأََغزُوَنَّكَ بِجُنودٍ مائةِ ألفٍ ومائةِ ألفٍ ومائةِ ألفٍ . فكتبَ عبدُ المَلِكِ إلى الحَجَّاجِ أنْ يبعث إلى زين العابدين عليه السلام ، ويتوعَّده ويكتب إليه ما يقول ففعل . فقال عليّ بن الحسين :«إنَّ للّه ِ لَوحاً مَحفوظاً يلحظُهُ في كُلِّ يومٍ ثلاثمائةَ لَحظَةٍ ، لَيسَ منها لَحظَةٌ إلاَّ يُحيي فيها ويُميتُ ويُعِزُّ ويُذِلُّ ، وَيَفعَلُ ما يَشآءَ ، وَإنِّي لأََرجو أنْ يَكفِيَكَ مِنها لحظَةٌ واحِدَةٌ» .

.


1- . لم نعثر عليه في المحاسن .
2- . الحج : 38 .
3- . المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 165 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 95 .

ص: 178

7 كتابه عليه السلام إلى محمّد بن مسلم الزّهريّ
في الحثّ على شكر النّعمة

فكتبَ بها الحجَّاجُ إلى عبدِ المَلكِ ، فكتب عبد الملك بذلك إلى ملك الرُّوم ، فلمَّا قرأه قال : ما خَرَجَ هذا إلاَّ مِن كلامِ النُّبوَّةِ . (1)

7كتابُه عليه السلام إلى محمّد بن مسلم الزُّهريّ 2في الحثّ على شكر النّعمة :«كفانا اللّه ُ وإيِّاكَ مِنَ الفِتَنِ ورَحِمَكَ مِنَ النَّارِ ، فَقَد أصبَحتَ بحالٍ ينبغي لِمَن عرَفَكَ بها أنْ يَرحَمَكَ ، فَقَد أثقَلَتكَ نِعَمُ اللّه ِ بِما أصَحَّ مِن بَدَنِكَ ، وَأَطالَ مِن عُمرِكَ ، وقامَتْ علَيكَ حُجَجُ اللّه ِ بما حمَّلَكَ مِن كتابِه ، وفَقَّهكَ فيهِ مِن دينهِ ، وعَرَّفكَ من سُنَّةِ نَبيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَرَضَ (2) لَكَ في كُلِّ نِعْمَةٍ أنعَمَ بِها عَلَيكَ ، وفي كُلِّ حُجَّةٍ احتَجَّ بِها عَليكَ الفَرضَ بِما قضى .مكاتيب الإمام عليّ بن الحسين فَما قَضَى إلاَّ ابتلى شُكرَكَ في ذلِكَ ، وأبْدى فيه فَضلَهُ عَلَيكَ (3) ، فقالَ : «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ » (4) . فانظُر أيَّ رَجُلٍ تَكونُ غَداً إذا وَقَفتَ بَينَ يَدَي اللّه ِ ، فَسَألكَ عَن نِعَمِهِ عَلَيكَ كَيفَ رَعَيتَها ، وَعَن حُجَجَهُ عَلَيكَ كَيفَ قَضَيتَها ، ولا تَحسَبَنَّ اللّه َ قابِلاً مِنكَ بالتَّعذيرِ ، ولا رَاضِياً مِنكَ بالتَّقصيرِ ، هيهاتَ هيهاتَ لَيسَ كَذلِكَ ، أخَذَ عَلى العُلماءِ في كتابهِ إذ قالَ : «لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ » (5) . التّحذيرُ مِنَ الرُّكونِ إلى الظَّلَمة :مكاتيبه وَاعلَم أنَّ أدنى ما كَتَمتَ وأخَفَّ ما احتَمَلتَ أن آنستَ وَحشَةَ الظَّالِمِ ، وسَهَّلتَ لَهُ طريقَ الغَيَّ بِدُنوِّكَ مِنهُ حِينَ دَنوتَ ، وإجابَتُكَ لَهُ حِينَ دُعيتَ ، فما أخوَفَني أن تَكونَ تَبوءُ بإثمِكَ غَداً مَعَ الخوَنَةِ ، وَأن تُسألَ عَمَّا أخَذْتَ بإعانَتِكَ عَلى ظُلمِ الظَّلَمَةِ ، إنَّكَ أَخذتَ ما لَيسَ لَكَ مِمَّن أَعطاكَ ، ودَنوتَ مِمَّن لَم يَرُدَّ على أحَدٍ حقَّاً ، وَلَم تَرُدَّ باطِلاً حِينَ أَدناكَ . وَأَحبَبتَ (6) مَن حادَّ اللّه َ ، أو لَيسَ بِدُعائِهِ إيِّاكَ حِينَ دَعاكَ ، جَعلُوكَ قُطباً أداروا بِكَ رَحَى مَظالِمِهِم ، وَجِسراً يَعبُرونَ عَليكَ إلى بَلاياهُم وَسُلَّماً إلى ضَلالَتِهم ، داعِياً إلى غَيِّهم ، سالِكاً سَبيلَهُم ، يُدخُلُونَ بِكَ الشَّكَّ عَلى العُلماءِ ، وَيقْتادونَ بِكَ قُلوبَ الجُهَّالَ إلَيهِم ، فَلَم يَبلُغ أخَصُّ وُزرائِهِم ، وَلا أقوى أَعوانِهِم إلاَّ دُونَ ما بَلَغتَ مِن إصلاحِ فَسادِهِم واختِلافِ الخاصَّةِ والعامَّةِ إِلَيهِم ، فَما أقلَّ ما أَعطَوكَ في قَدرِ ما أخَذوا مِنكَ ، وما أيسَرَ ما عَمَروا لَكَ ، فَكَيفَ ما خَرَّبوا عَلَيكَ . فانظُر لِنَفسِكَ فإنَّهُ لا يَنظرُ لَها غَيرُكَ ، وحاسِبها حِسابَ رَجُلٍ مَسؤولٍ . في التّزهيد بالدُّنيا : وانظُر كَيفَ شُكرُكَ لِمَن غَذَّاك بِنِعَمِهِ صغيراً وكبيراً ، فَما أخوَفَني أنْ تَكونَ كما قالَ اللّه ُ في كتابهِ : «فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَْدْنَى وَ يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا» (7) ، إنَّكَ لَستَ في دارِ مُقامٍ ، أنتَ في دارٍ قَد آذنت بِرَحيلٍ ، فما بقاءُ المَرءِ بَعدَ قُرَنائِهِ . طوبى لِمَن كانَ في الدُّنيا عَلى وَجَلٍ ، يا بُؤسَ لِمَن يَموتُ وتَبقى ذُنوبُهُ مِن بَعدِهِ . احذَر فَقَد نُبِّئتَ ، وبادِر فَقَد اُجِّلتَ ، إنَّكَ تُعامِلُ مَن لا يَجهَلُ ، وإنَّ الَّذي يَحفَظُ عَلَيكَ لا يَغفَلُ ، تَجَهَّز فَقَد دَنا مِنكَ سَفَرٌ بَعيدٌ ، وَداوِ ذَنبَكَ فَقَد دَخَلَهُ سُقْمٌ شَديدٌ . وَلا تَحسَب أنِّي أرَدتُ توبِيخَكَ وَتعنِيفَكَ (8) وَتعييرَكَ ، لَكِنِّي أرَدتُ أن يُنعِشَ اللّه ُ ما قد فاتَ مِنَ رَأيِكَ ، ويرُدَّ إلَيكَ ما عَزَبَ (9) من دِينِكِ ، وذَكَرْتُ قَولَ اللّه ِ تَعالى في كتابهِ : «وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ » (10) . أغفَلْتَ ذِكرَ مَن مَضَى من أسنانِكَ وَأقرانِكَ ، وَبقيتَ بَعدَهُم كَقرنٍ أعْضَبَ (11) . انظُر هَل ابتلُوا بمِثلِ ما ابتُليتَ ، أَم هَل وقَعوا في مِثلِ ما وَقَعتَ فيهِ ، أم هَل تَراهُم ذَكَرتَ خَيراً أهمَلوهُ (12) ، وعَلِمتَ شيئاً جَهِلوهُ ، بَل حَظِيتَ بِما حَلَّ من حالِكَ في صُدورِ العامَّةِ وكَلَفِهِم بِكَ ، إذ صاروا يقتَدونَ بِرأيِكَ ، وَيعمَلونَ بِأمرِكَ ، إن أحلَلتَ أحلُّوا ، وإن حَرَّمتَ حَرَّموا ، وَلَيسَ ذلِكَ عِندَكَ ، وَلكِن أظهرَهم عَلَيكَ رَغبَتُهُم فيما لَدَيكَ ، ذَهابُ عُلمائِهِم ، وغَلَبةُ الجَهلِ عَلَيكَ وعَلَيهِم ، وحُبُّ الرِّئاسَةِ ، وطَلَبُ الدُّنيا مِنكَ ومِنهُم . أما ترى ما أنتَ فيهِ مِنَ الجَهلِ والغِرَّةِ ، وما النَّاسُ فيهِ مِنَ البلاءِ والفِتنَةِ ، قد ابتلَيتَهُم وفَتنتَهُم بالشُّغلِ عَن مَكاسِبِهم مِمَّا رَأَوا ، فتاقَت نُفوسُهُم إلى أنْ يبلَغوا مِنَ العِلمِ ما بلَغْتَ ، أو يُدركوا بِهِ مِثلَ الذي أدرَكتَ ، فوقَعوا مِنكَ في بَحرٍ لا يُدرَكُ عُمقُهُ ، وفي بلاءٍ لا يُقدَّرُ قَدرُهُ ، فاللّه ُ لنا ولَكَ وَهُو المُستعانُ . في الحثِّ على ترك ما هو فيه وتوبيخه على رغبته في الدّنيا : أمَّا بَعدُ ؛ فَأعرِض عَن كُلِّ ما أنتَ فيهِ حَتَّى تَلحَقُ بالصَّالِحينَ ، الَّذين دُفِنوا في أسمالِهم (13) ، لاصِقة بُطونُهم بِظُهورِهِم ، ليسَ بَينَهم وبينَ اللّه ِ حِجابٌ ، ولا تَفْتِنُهُم الدُّنيا ، ولا يُفتَنون بِها ، رَغَبوا فطَلَبوا فَما لَبِثوا أنْ لَحِقوا ، فإذا كانت الدُّنيا تَبلُغُ مِن مِثلِكَ هذا المبلَغِ معَ كِبَرِ سِنِّكَ ، وَرُسوخِ علمِكَ ، وَحُضور أجلِكَ ، فَكَيفَ يَسْلَم الحدَثُ في سِنِّهِ ، الجاهِلُ في علمِهِ ، المأفُونُ في رأيهِ (14) ، المدخولُ في عَقلِهِ ؛ إنَّا للّه ِ وإنَّا إليهِ راجِعونَ ، على مَنِ المُعَوَّلُ (15) ؟ وعِندَ مَنِ المُستَعتَبُ؟ نَشكو إلى اللّه ِ بَثَّنا وما نرى فيكَ ، وَنَحتَسِبُ عِندَ اللّه ِ مُصيبَتَنا بِكَ . فانظُر كيفَ شُكرُكَ لِمَن غَذَّاكَ بِنِعَمهِ صغيراً وكبيراً ، وكيفَ إعظامُكَ لِمَن جَعَلَكَ بِدينهِ في النَّاسِ جَميلاً ، وكيف صيانَتُك لكِسوَةِ مَن جَعلَكَ بِكِسوتِهِ فِي النَّاسِ ستِيراً ، وكَيفَ قرْبُكَ أو بُعدكَ مِمَّن أمرَكَ أنْ تكونَ مِنهُ قريباً ذليلاً . ما لَكَ لا تنْتَبهُ مِن نَعْستِكَ ، وتَستقِيلُ من عَثْرَتِكَ فتقولُ : واللّه ِ ما قُمتُ للّه ِ مَقاماً واحداً أحييْتُ بهِ لَهُ ديناً أو أمَتُّ لَهُ فيهِ باطِلاً ، فَهذا شكرُكَ مَنِ استَحمَلَكَ (16) . ما أخوَفَني أن تكونَ كَمَن قالَ اللّه ُ تَعالى في كتابِهِ : «أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا » (17) ، استحمَلَكَ كتابَهُ واستَودَعَكَ عِلمَهُ فأضعْتَها ، فنحمِدُ اللّه َ الَّذي عافانا مِمَّا ابتلاكَ بِهِ وَالسَّلامُ» . (18)

.


1- . المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 161 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 132.
2- . في المصدر : «فرضي» والتصويب من بحار الأنوار .
3- . في بعض النسخ : «فرض لك في كلّ نعمة أنعم بها عليك ، وفي كلّ حجّة احتجّ بها عليك الفرض ، فما قضى إلاّ ابتلى شكرك .. . » .
4- . إبراهيم : 7 .
5- . آل عمران : 187 .
6- . في بعض النسخ : «وأجبت» بدل «وأحببت» .
7- . الأعراف : 169 .
8- . عنّفه : لامه وعتب عليه ولم يرفق به ، وينعش اللّه ما فات أي يجبر ويتدارك .
9- . عزب : بَعُدَ .
10- . الذاريات : 55 .
11- . العضباء : الشّاة المكسورة القرن .
12- . في بعض النسخ : «أم هل ترى ذكرت خيراً علموه وعملت شيئاً جهلوه» ، وفى بعضها«أم هل تراه ذكراً خيراً عملوه ، وعملت شيئاً جهلوه» .
13- . الأسمال _ جمع سمل بالتحريك _ : الثوب الخلق البالي .
14- . المأفون : الّذي ضعف رأيه ، والمدخول في عقله : الّذي دخل في عقله الفساد .
15- . المعوّل : المعتمد والمستغاث ، واستعتبه : استرضاه ، والبث : الحال ، الشتات ، أشدّ الحزن .
16- . استحملك : سألك أنْ يحمل . وفي بعض النسخ «من استعملك» بدل «من استحملك» ، أي سألك أنْ يعمل .
17- . مريم : 59 .
18- . تحف العقول : ص 274 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 132 ح 2 .

ص: 179

. .

ص: 180

. .

ص: 181

التّحذير من الرّكون إلى الظّلمة

.

.

ص: 182

في التّزهيد بالدّنيا

.

.

ص: 183

في الحثّ على ترك ما هو فيه وتوبيخه على رغبته في الدّنيا

.

.

ص: 184

8 كتابه عليه السلام في المواعظ

8كتابُه عليه السلام في المواعظعن بريد العجليّ عن أبي جعفر عليه السلام قال :«وجدنا في كتاب عليّ بن الحسين عليهماالسلام «أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاَ هُمْ يَحْزَنُونَ » (1) ، قال : إذا أدَّوا فرايضَ اللّه ِ ، وأخذوا بِسُنَنِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وتَورَّعوا عَن محارِمِ اللّه ِ ، وزَهَدوا في عاجِلِ زَهرَةِ الدُّنيا ، ورَغَبوا فيما عِندَ اللّه ِ ، واكتَسبوا الطَّيِّبَ مِن رِزقِ اللّه ِ ، لا يريدونَ بهِ التَّفاخُرَ والتَّكاثُرَ ، ثُمَّ انفَقوا فيما يَلزَمهُم مِن حُقوقٍ واجِبَةٍ ، فَأُولئِكَ الَّذين بارَكَ اللّه ُ لَهُم فيما اكتسَبوا ، وَيُثابونَ على ما قَدَّموا لآِخِرَتِهِم» . (2)

.


1- . يونس : 62 .
2- . تفسير العيّاشي : ج 2 ص 124 ح 31 ، بحار الأنوار : ج 69 ص 277 ح 11 نقلاً عنه وراجع : التّبيان : ج 5 ص 401.

ص: 185

9 كتابه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروان في هدية المختار
10 رسالته عليه السلام في الحقوق

99مكاتيب الإمام عليّ بن الحسينكتابُه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروانمكاتيبهفي هدية المختارفي البداية والنهاية : قال محمّد بن سعد : أنبأ عليّ بن محمّد ، عن سعيد بن خالد ، عن المقبريّ قال : بعث المختار إلى عليّ بن الحسين بمائة ألف ، فكره أن يقبلها ، وخاف أنْ يَرُدَّها ، فاحتَبَسَها عِندَهُ ، فَلَمّا قُتِلَ المُختار كتب إلى عبد الملك بن مروان :«إنَّ المختارَ بَعثَ إليَّ بِمائَةِ ألفٍ ، فَكَرِهتُ أنْ أقبَلَها ، وكَرِهتُ أنْ أَرُدَّها ، فابعَث مَن يَقبَضُها» .

فَكَتبَ إليهِ عَبدُ المَلِكِ : يا بنَ عَمِّ! خُذها فَقَد طَيَّبتُها لَكَ . فَقَبِلَها . (1)

10رسالته عليه السلام في الحقوقالحُقوق الخمسونَ الَّتي كتب بها عليّ بن الحسين سيّد العابدين عليهماالسلام إلى بعض أصحابه . حدَّثنا عليُّ بن أحمد بن موسى رضى الله عنه ، قال : حدَّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيُّ ، قال : حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريُّ ، قال : حدَّثنا خيران بن داهر ، قال : حدَّثني أحمد بن عليِّ بن سليمان الجبليُّ ، عن أبيه ، عن محمّد بن عليٍّ ، عن محمّد بن فُضَيل ، عن أبي حمزة الثُّماليِّ 2 ، قال : هذه رسالة عليِّ بن الحسين عليهماالسلامإلى بعض أصحابه :«اعلَم أنَّ للّه ِِ عز و جل علَيكَ حُقوقاً مُحيطَةً بِكَ في كُلِّ حَرَكَةٍ تحَرَّكتَها ، أو سكَنَةٍ سكَنتَها ، أو حالٍ حِلتَها ، أو مَنزِلَةٍ نَزَلتَها ، أو جارحة قَلّبْتَها ، أو آلةٍ تَصَرَّفتَ فيها ، فَأكبَرُ حُقوقِ اللّه ِ تبارَكَ وَتَعالى عَلَيكَ ما أَوجَبَ عَلَيكَ لِنَفسِهِ مِن حَقِّهِ الَّذي هُوَ أصلُ الحُقوقِ ، ثُمَّ ما أوجَبَ اللّه ُ عز و جل عَلَيكَ لِنَفسِكَ مِن قَرنِكَ إلى قَدَمِكَ عَلى اختلافِ جَوارِحِكَ . فجعَلَ عز و جل لِلِسانِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، وَلِسَمعِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، وَلِبَصرِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، وَلِيَدِكَ عَلَيكَ حَقَّاً،وَلِرِجلِكَ عَلَيكَ حَقَّاً، وَلِبَطنِكَ عَلَيكَ حَقَّاً، وَلِفَرجِكَ عَلَيكَ حَقَّاً؛ فَهذِهِ الجَوارِحُ السَّبعُ الَّتي بها تكون الأفعال ، ثمَّ جعل عز و جل لأفعالك عليك حقوقاً . فَجَعَلَ لِصَلاتِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، ولِصَومِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، ولِصَدَقَتِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، وَلِهَديِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، وَلأِفعالِكَ عَلَيكَ حُقوقاً . ثُمَّ يَخرُجُ الحُقوقُ مِنكَ إلى غَيرِكَ مِن ذَوي الحُقوقِ الواجِبَةِ عَلَيكَ ، فَأَوجَبُها عَلَيكَ حُقوقُ أئمَّتِكَ ، ثُمَّ حُقوقُ رَعيَّتِكَ ، ثُمَّ حُقوقُ رَحِمِكَ ، فَهذِهِ حُقوقٌ تَتَشعَّبُ مِنها حُقوقٌ . فَحُقوقُ أئمَّتِكَ ثَلاثَةٌ أوجَبُها علَيكَ : حَقُّ سائِسِكَ (2) بالسُّلطانِ ، ثُمَّ حَقُّ سائِسِكَ بالعِلمِ ، ثُمَّ حَقُّ سائِسِكَ بالمُلكِ ، وكلُّ سائسٍ إمامٌ . وَحُقوقُ رَعيَِّتِكَ ثَلاثَةٌ أوجبَهُا عَلَيكَ : حَقُّ رعيَّتِكَ بِالسُّلطانِ ، ثُمَّ حقُّ رعيَّتِكَ بِالعِلمِ ، فإنَّ الجاهِلَ رَعِيَّةُ العالِمِ ، ثُمَّ حَقُّ رَعيَّتِكَ بالمِلكِ مِنَ الأزواجِ وَم_ا مَلَكَ_ت الأَيمانُ . وَحُقوقُ رَعيَّتِكَ كَثيرَةٌ ، متّصلَةٌ بِقَدرِ اتِّصالِ الرَّحِمِ فِي القَرابَةِ : وأوجَبُها عَلَيكَ حَقُّ أُمِّكَ ، ثُمَّ حَقُّ أبيكَ ، ثُمَّ حَقُّ وُلدِكَ ، ثُمَّ حَقُّ أخيكَ ، ثُمُّ الأَقربُ فالأقرَبُ ، والأَولى فَالأَولى ، ثُمَّ حَقُّ مَولاكَ المُنعِمِ عَلَيكَ ، ثُمَّ حَقُّ مَولاكَ الجارِيَةُ نِعمَتُهُ عَلَيكَ (3) ، ثُمَّ حَقُّ ذوي المَعروفِ لَدَيكَ ، ثُمَّ حَقُّ مُؤَذِّ نُكَ لِصَلاتِكَ ، ثُمَّ حَقُّ إمامِكَ في صَلاتِكَ ، ثُمَّ حَقُّ جَليسِكَ ، ثُمَّ حَقُّ جارِكَ ، ثُمَّ حَقُّ صاحِبِكَ ، ثُمَّ حَقُّ شَريكِكَ ، ثُمَّ حَقُّ مالِكَ ، ثُمَّ حَقُّ غريمِكَ الَّذي تُطالِبُهُ ، ثُمَّ حَقُّ غريمِكَ الَّذي يُطالِبُكَ ، ثُمَّ حَقُّ خَليطِكَ ، ثُمَّ حَقُّ خَصمِكَ المُدَّعي عَلَيكَ ، ثُمَّ حَقُّ خَصمِكَ الَّذي تَدَّعي عَلَيهِ ، ثُمَّ حَقُّ مُستَشيرِكَ ، ثُمَّ حَقُّ المُشيرِ عَلَيكَ ، ثمَّ حَقُّ مُستَنصِحِكَ ، ثُمَّ حَقُّ النَّاصِحِ لَكَ ، ثُمَّ حَقُّ مَن هو أكبرُ مِنكَ ، ثُمَّ حَقُّ مَن هُوَ أصغَرُ مِنكَ ، ثُمَّ حَقُّ سائِلِكَ ، ثُمَّ حقُّ مَن سألتهُ ، ثُمَّ حَقُّ مَن جَرى لَكَ عَلى يَديهِ مساءَةٌ بِقَولٍ أو فِعلٍ (4) عَن تَعَمُّدٍ مِنهُ أو غير تَعَمُّدٍ ، ثُمَّ حَقُّ أهلِ مِلَّتكَ عَلَيكَ ، ثُمَّ حَقُّ أهلِ ذِمَّتِكَ ، ثُمَّ الحُقوق الجارِيَةُ بِقَدرِ عِلَلِ الأَحوالِ وتَصَرُّفِ الأسبابِ . فَطوبى لِمَن أعانَهُ اللّه ُ على قَضاءِ ما أوجَبَ عَلَيهِ مِن حُقوقِهِ ، وَوَفَّقَهُ لِذلِكَ وَسَدَّدَهُ . فَأمَّا حَقُّ اللّه ِ الأكبرُ عَلَيكَ : فَأنْ تعبُدَهُ لا تُشرِكُ بِه شَيئاً ، فإذا فَعَلتَ بالإخلاصِ جَعَل لَكَ عَلى نَفسِهِ أنْ يكفِيَكَ أمرَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ . وَحَقُّ نفسِكَ عَلَيكَ : أنْ تَستَعمِلَها بِطاعَةِ اللّه ِ عز و جل . وَحَقُّ اللِّسانِ : إكرامُهُ عَن الخنى ، وتَعويدُهُ الخَيرَ ، وَتَركُ الفُضولِ الَّتي لا فائِدَةَ لَها ، والبِرُّ بالنَّاسِ ، وحُسنُ القَولِ فِيهم . وَحَقُّ السَّمعِ : تَنزيهُهُ عَن سَماع الغيبَةِ ، وسَماعِ ما لا يَحِلُّ سَماعُهُ . وحَقُّ البَصرِ : أنْ تغضَّه عَمَّا لا يحِلُّ لَكَ ، وَتَعتَبِرَ بالنَّظَرِ بِه . وحَقُّ يَدِكَ : أنْ لا تَبسطَها إلى ما لا يَحِلُّ لَكَ . وَحَقُّ رِجلَيكَ : أنْ لا تمشي بهِما إلى ما لا يَحِلُّ لَكَ ، فبهما تَقِفُ عَلى الصِّراطِ ، فانْظُر أنْ لا تَزِلَّ بِكَ فَترَدَّى فِي النَّار؟ وَحَقُّ بطنِكَ : أنْ لا تَجعَلَهُ وِعاءً للحَرامِ ، ولا تزيدَ عَلى الشِّبعِ . وَحَقُّ فَرْجِكَ : أنْ تُحَصِّنَهُ عَنِ الزِّنا ، وَتَحفَظَهُ مِن أنْ يُنظَرَ إليهِ . وَحَقُّ الصَّلاةِ : أنْ تَعلَمَ أنَّها وِفادَةٌ إلى اللّه ِ عز و جل وَأنتَ فيها قائمٌ (5) بَينَ يَدَيْ اللّه ِ عز و جل ، فإذا عَلِمتَ ذلِكَ ، قُمتَ مَقامَ العَبدِ الذَّليلِ الحَقيرِ الرَّاغِبِ الرَّاهِبِ الرَّاجي الخائِفِ المُستَكينِ المُتَضرِّعِ المُعظِّمِ لِمَن كانَ بَينَ يَديهِ بِالسُّكونِ والوَقارِ ، وتُقبِلُ عَلَيها بِقَلبِكَ ، وَتُقِيمُها بِحُدودِها وَحُقوقِها . وحَقُّ الحَجِّ : أنْ تَعلَمَ أنَّهُ وِفادةٌ إلى رَبِّكَ ، وفِرارٌ إليهِ مِن ذُنوبِكَ ، وبهِ (6) قَبول تَوبَتِكَ ، وقَضاءُ الفَرضِ الَّذي أوجَبَهُ اللّه ُ عَلَيكَ . وَحَقُّ الصَّومِ : أنْ تعلَمَ أنَّهُ حِجابٌ ضربَهُ اللّه ُ عز و جل على لِسانِكَ وسَمْعِكَ وبَصَرِكَ وبَطْنِكَ وفَرْجِكَ لِيَسْتُرَكَ بهِ مِنَ النَّارِ ، فإنْ تَرَكتَ الصَّومَ خَرَقتَ سِترَ اللّه ِ عَلَيكَ . وَحَقُّ الصَّدَقَةِ : أنْ تعلَمَ أنَّها ذُخْرُكَ عِندَ رَبِّك عز و جل ، وَوَديعَتُكَ الَّتي لا تَحتاجُ إلى الإشهادِ عَلَيها ، فإذا عَلِمتَ ذلِكَ كُنتَ بِما تَستَودِعُهُ سِرّاً أوثَقَ مِنكَ بِما تَستَودِعُهُ علانِيَّةً ، وَتَعلَمُ أنَّها تَدفَعُ البَلايا والأسقامَ عَنكَ فِي الدُّنيا ، وتَدفَعُ عَنكَ النَّارَ في الآخِرَةِ . وَحَقُّ الهَدي : أنْ تُريدَ بهِ وَجهَ اللّه ِ عز و جل ، وَلا تريد بهِ خَلقَهُ ، ولا تُريدُ بهِ إلاَّ التَّعرُّضَ لِرَحمَةِ اللّه ِ ، ونجاةِ روحِكَ يَومَ تَلقاهُ . وحَقُّ السُّلطانِ : أنْ تعلَمَ أنَّكَ جُعِلْتَ لَهُ فِتنَةً ، وأنَّهُ مُبتلًى فيكَ بِما جعَلَهُ اللّه ُ عز و جل لَهُ عَلَيكَ مِنَ السُّلطانِ ، وأنَّ عَلَيكَ أنْ لا تَتَعرَّضَ لِسَخَطِهِ فَ_تُلقي بِيَدِكَ إلى التَّهْلُكَةِ ، وتَكونُ شَريكاً لَهُ فيما يأتي إلَيكَ مِن سوءٍ . وحَقُّ سائِسِكَ بِالعِلمِ : التَّعظيمُ لَهُ ، والتَّوقيرُ لِمَجلِسِهِ ، وحُسنُ الاستِماعِ إلَيهِ ، والإقبالِ عَلَيهِ ، وأنْ لا تَرفَعَ عَلَيهِ صَوتَكَ ، وأنْ لا تُجيبَ أحَداً يَسألُهُ عَن شَيءٍ حتَّى يكونَ هُو الَّذي يُجيبُ ، ولا تُحَدِّثَ في مَجلِسهِ أحَداً ، ولا تغتابَ عِندَهُ أحَداً ، وأنْ تدفَعَ عَنهُ إذا ذُكِرَ عِندَكَ بِسوءٍ ، وَأنْ تستُرَ عُيوبَهُ ، وتُظهِرَ مَناقِبَهُ ، ولا تجالِسَ لَهُ عَدُوَّاً ، ولا تعادي لَهُ وليّاً ، فإذا فَعَلتَ ذلِكَ شَهِدَت لَكَ مَلائِكَةُ اللّه ِ بِأنَّكَ قَصدتَهُ ، وتعلَّمتَ عِلمَهُ للّه ِ جَلَّ اسمُه لا للنَّاسِ . وأمَّا حَقُّ سائِسِكَ بالمُلكِ : فَأنْ تُطيعَهُ ، ولا تَعصِيَهُ إلاَّ فيما يُسخِطُ اللّه َ عز و جل ، فَإنَّهُ لاطاعَةَ لِمَخلوقٍ في مَعصِيَةِ الخالِقِ . وَأمَّا حَقُّ رَعِيَّتِكَ بالسُّلطانِ : فأنْ تعلَمَ أنَّهُم صاروا رَعِيَّتَكَ لِضَعفِهِم وَقُوَّتِكَ ، فيَجِبُ أنْ تعدِلَ فيهم ، وتكونَ لَهُم كالوالدِ الرَّحيمِ ، وتَغفِرَ لَهُم جَهلَهُم ، وَلا تعاجِلَهُم بالعُقوبَةِ ، وتَشكُرَ اللّه َ عز و جل على ما آتاكَ مِنَ القُوَّةِ عَلَيهِم . وأمَّا حَقُّ رَعِيَّتِكَ بالعِلمِ : فأنْ تعلَمَ أنَّ اللّه َ عز و جل إنَّما جَعَلَكَ قَيِّماً لَهُم فيما آتاكَ مِنَ العِلمِ ، وفَتَح لَكَ مِن خَزَائِنِهِ ، فَإنْ أحسَنتَ في تَعليمِ النَّاسِ وَلَم تَخرَقْ بِهِم ولَم تَضجَر عَلَيهِم ، زادَكَ اللّه ُ مِن فَضلِهِ ، وإنْ أنتَ مَنَعتَ النَّاسَ عِلمَكَ ، أو خَرَقتَ بِهِم عِندَ طَلَبِهم العِلَم مِنكَ ، كان حَقّاً على اللّه ِ عز و جل أنْ يسلِبَكَ العِلمَ وَبهاءَهُ ، ويُسقِطَ مِنَ القُلوبِ مَحِلَّكَ . وأمَّا حَقُّ الزَّوجَةِ : فأنْ تعلَمَ أنَّ اللّه َ عز و جل جَعَلَها لَكَ سَكَناً وأُنساً ، فَتعلَمُ أنَّ ذلِكَ نِعمَةٌ مِنَ اللّه ِ عَلَيكَ ، فَتُكرِمُها وَتَرفَقُ بِها ، وإنْ كانَ حَقُّكَ عَلَيها أوجَبَ ، فَإنَّ لَها عَلَيكَ أنْ ترحَمَها ، لأِنَّها أسيرُكَ ، وَتُطعِمَها وَتكسوها ، وإذا جَهِلَت عَفوتَ عَنها . وَأمَّا حَقُّ مَملوكِكَ : فَأنْ تعلَمَ أنَّهُ خَلقُ رَبِّكَ ، وابنُ أبيكَ وأُمِّكَ ولَحمِكَ وَدَمِكَ ، لم تَملِكهُ ، لأنَّكَ صَنعتَهُ دونَ اللّه ِ ، ولا خَلَقتَ شَيئاً مِن جَوارِحِهِ ، وَلا أخرَجتَ لَهُ رِزقاً ، ولكِنَّ اللّه عز و جل كفاكَ ذلِكَ ، ثُمَّ سخَّرهُ لَكَ ، وائتمنَكَ علَيهِ ، واستَوْدَعَكَ إيَّاهُ لِيَحفَظَ لَكَ مَا تأتيهِ من خَيرٍ إلَيهِ ، فَأحسِنْ إلَيهِ كَما أحسَنَ اللّه ُ إلَيْكَ ، وإنْ كَرِهْتَهُ استَبدَلْتَ بهِ ، وَلَم تُعَذِّب خَلقَ اللّه ِ عز و جل ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ . وحقُّ أمِّك : فأنْ تعلم أنَّها حَمَلَتكَ حَيثُ لا يَحتَمِلُ أحَدٌ أحَداً ، وأَعطَتكَ مِن ثَمَرَةِ قَلبها ما لا يُعطي أحَدٌ أحَداً ، وَوَقَتكَ بِجميعِ جَوارِحِها ، ولَم تُبالِ أنْ تَجوعَ وتُطعِمَكَ ، وتَعطَشَ وتَسقِيَكَ ، وتَعرى وَتكسوَكَ ، وتَضحى وتُظِلَّكَ ، وتَهجُرَ النَّومَ لأجلِكَ ، وَوَقَتْكَ الحَرَّ والبَردَ لِتكونَ لَها ، فإنَّكَ لا تُطيقُ شُكرَها إلاَّ بِعَونِ اللّه ِ تَعالى وَتَوفيقِهِ . وأمَّا حقُّ أبيك : فأنْ تعلَمَ أنَّهُ أَصلُكَ ، وأنَّهُ لَولاهُ لَم تَكُن ، فَمَهْمَا رَأيْتَ في نَفْسِكَ مِمَّا يُعْجِبُكَ ، فاعلَم أنَّ أباكَ أصلُ النِّعمَةِ عَلَيكَ فيهِ ، فاحمَدِ اللّه َ واشكُرهُ عَلى قَدرِ ذلِكَ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ . وَأمَّا حَقُّ وَلَدِكَ : فأنْ تَعلَمَ أنَّهُ مِنكَ ، ومُضافٌ إليكَ في عاجِلِ الدُّنيا بِخَيرِهِ وَشَرِّهِ ، وأنَّكَ مَسؤولٌ عَمَّا ولَّيتَهُ مِن حُسْنِ الأدَبِ ، والدَّلالة على رَبِّهِ عز و جل ، والمَعونَةِ عَلى طاعَتِهِ ، فاعمَل في أمرِهِ عَمَلَ مَن يَعلَمُ أنَّهُ مُثابٌ عَلى الإحسانِ إِليهِ ، مُعاقَبٌ عَلى الإساءَةِ إليهِ . وَأمَّا حَقُّ أخيكَ : فَأنْ تعلَمَ أنَّهُ يَدُكَ وَعِزُّكَ وقُوَّتُكَ ، فَلا تتَّخِذهُ سِلاحاً على مَعصِيَةِ اللّه ِ ، ولا عُدَّةً للظُّلمِ لِخَلقِ اللّه ِ ، ولا تَدَع نُصرَتَهُ عَلى عَدُوِّهِ والنَّصيحَةَ لَهُ ، فإنْ أطاع اللّه ، وإلاَّ فَليَكُنِ اللّه ُ أكرَم عَلَيكَ مِنهُ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ . وأمَّا حَقُّ مَولاكَ المُنعِمِ عَلَيكَ : فأنْ تعلَمَ أنَّهُ أنفَقَ فِيكَ مالَهُ ، وأخرجَكَ مِن ذُلِّ الرِّقِّ ، وَوَحشَتِهِ إلى عزِّ الحُرِّيَّةِ وأُنسِها ، فأَطلَقَكَ مِن أَسرِ المَلكَةِ ، وَفَكَّ عَنكَ قَيدَ العُبودِيَّةِ ، وأخرجَكَ مِنَ السِّجنِ ، وملَّكَكَ نَفسَكَ ، وفرَّغَكَ لِعبادَةِ رَبِّكَ ، وتعلَمَ أنَّهُ أَولى الخَلقِ بِكَ في حياتِكَ وَموتِكَ ، وَأنَّ نُصرَتَهُ عَلَيكَ واجِبَةٌ بِنَفسِكَ وما احتاجَ إليهِ مِنكَ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ . وأمَّا حَقُّ مولاكَ الَّذي أنعَمتَ عَلَيهِ : فأنْ تعلَمَ أنَّ اللّه عز و جل جَعَل عِتقَكَ لَهُ وَسيلةً إليهِ ، وحِجاباً لَكَ مِنَ النَّارِ ، وَأنَّ ثوابَكَ في العاجِلِ ميراثُهُ إذا لَم يَكُن لَهُ رَحِمٌ، مُكافأةً بِما أنفَقتَ مِن مالِكَ ، وفي الآجِلِ الجَنَّةُ . وأمَّا حَقُّ ذي المَعروفِ عَلَيكَ : فَأنْ تَشكُرَهُ ، وَتَذكُرَ مَعروفَهُ ، وتُكسِبَهُ المَقالَةَ الحَسنَةَ ، وتُخلِصَ لَهُ الدُّعاءَ فيما بينَكَ وبَينَ اللّه ِ عز و جل ، فإذا فَعَلتَ ذلِكَ كُنتَ قَد شَكَرتَهُ سِرّاً وعَلانِيَّةً ، ثُمَّ إنْ قَدِرتَ على مُكافَأتِهِ يَوماً كافَيتَهُ . وَأمَّا حَقُّ المُؤذِّنِ : أنْ تعلَمَ أنَّهُ مُذَكِّرٌ لَكَ رَبَّك عز و جل ، وداعٍ لَكَ إلى حَظِّكَ ، وَعَونُكَ على قَضاءِ فَرضِ اللّه ِ عَلَيكَ ، فَاشكُره على ذلِكَ شُكرَكَ للمُحسِنِ إلَيكَ . وأمَّا حَقُّ إمامِكَ في صَلاتِكَ : فأنْ تعلَمَ أنَّهُ تَقَلَّد السَّفارَةَ فيما بَينَكَ وَبَينَ رَبِّكَ عز و جل ، وتكلَّم عَنكَ ولَم تَتَكلَّم عَنهُ ، ودعا لَكَ ولَم تَدعُ لَهُ ، وكَفاكَ هَولَ المُقامِ بَينَ يَدَي اللّه ِ عز و جل ، فإنْ كانَ بهِ نَقصٌ كانَ بهِ دونَكَ ، وإنْ كانَ تماماً كُنتَ شَريكَهُ ، ولم يَكُن لَهُ عَلَيكَ فَضلٌ ، فَوَقى نفسَكَ بِنَفسِهِ وصَلاتَكَ بِصلاتِهِ ، فَتشكُر لَهُ على قَدرِ ذلِكَ . وأمَّا حَقُّ جَليسِكَ : فَأنْ تُلينَ لَهُ جانِبَكَ ، وتُنصِفَهُ في مُجازاة اللَّفظِ ، ولا تَقومُ من مَجلِسِكَ إلاَّ بإذنِهِ ، ومَن يجلسُ إليهِ يجَوزُ لَهُ القِيامُ عَنكَ بِغَيرِ إذنِكَ ، وَتَنسى زَلاَّتِهِ ، وتَحفَظَ خَيراتِهِ ، ولا تُسمِعَهُ إلاَّ خَيراً . وأمَّا حقُّ جارِكَ : فَحِفظُهُ غائِباً ، وإكرامُهُ شاهِداً ، ونُصرَتُهُ إذ كانَ مَظلوماً ، ولا تتَّبِ__ع لَهُ عَورَةً ، فَإنْ عَلِمتَ عَلَيهِ سوءاً ستَرتَهُ عَلَيهِ ، وإِنْ عَلِمتَ أنَّه يقبَلُ نَصيحَتَكَ نَصَحتَهُ فيما بَينَكَ وبَينَهُ ، وَلا تُسلِمْهُ عِندَ شَديدَةٍ ، وَتُقيلُ عَثْرَتَهُ ، وتَغفِرُ ذَنبَهُ ، وتعاشِرُهُ مُعاشَرَةً كريمَةً ، ولا قوَّة إلاَّ باللّه ِ . وأمَّا حَقُّ الصَّاحِب : فأنْ تصحَبَهُ بالتَّفضُّلِ والإنصافِ ، وتُكرِمَهُ كما يُكرِمُكَ ، (7) وكُن عَلَيهِ رَحمَةً ، ولا تَكُن عَلَيهِ عَذاباً ، وَلا قوَّةَ إلاَّ باللّه ِ . وَأمَّا حَقُّ الشَّريكِ : فإنْ غاب كَفَيتَهُ ، وإنْ حَضَرَ رَعَيتَهُ ، ولا تَحكُم دونَ حُكمِهِ ، ولا تَعمَل بِرَأيِكَ دونَ مناظَرَتِهِ ، وتحفظُ عَلَيهِ مالَهُ ، ولا تَخونُهُ فيما عَزَّ أو هانَ مِن أمرِهِ ، فإنَّ يَد اللّه ِ تبارَكَ وتَعالى على الشَّريكَينِ ما لَم يتخاوَنا ، وَلا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ . وأمَّا حَقُّ مالِكَ : فأنْ لا تأخذَهُ إلاَّ من حِلِّهِ ، ولا تُنفِقَهُ إلاَّ في وَجهِهِ ، ولا تُؤثِرَ على نَفسِكَ مَن لا يَحمَدُكَ ، فاعمَل بهِ بِطاعَةِ رَبِّكَ ، ولا تَبخَل بهِ فَتَبوءَ بالحَسرةِ والنَّدامَةِ مَعَ السَّعَةِ (8) ، وَلا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ . وأمَّا حَقُّ غَريمِكَ الَّذي يُطالِبُكَ : فإنْ كُنتَ مُوسِراً أعطَيتَهُ ، وإنْ كُنتَ مُعسِراً أرضَيتَهُ بِحُسنِ القَولِ ، ورَدَدْتَهُ عَن نَفسِكَ رَدّاً لطيفاً . وحَقُّ الخليطِ : أنْ لا تَغرَّهُ ، ولا تَغُشَّهُ ، ولا تَخدَعَهُ ، وَتتَّقي اللّه َ تَبارَكَ وتَعالى في أمرِهِ . وحَقُّ الخَصمِ المُدَّعي عَلَيكَ : فإنْ كانَ ما يدَّعي عَلَيكَ حَقّاً كُنتَ شاهِدَهُ على نَفسِكَ وَلَم تَظلِمهُ ، وَأوفيتَهُ حَقَّهُ ، وإنْ كانَ ما يدَّعي باطِلاً رَفَقتَ بهِ ، وَلم تأتِ في أمرهِ غَيرَ الرِّفقِ ، ولَم تُسخِط رَبَّكَ في أمرِهِ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ . وحَقُّ خَصمِكَ الَّذي تدَّعي عَلَيه : إِنْ كُنتَ مُحِقّاً في دَعوَتِكَ أجمَلتَ مُقاوَلَتهُ ، ولَم تَجحَد حَقَّهُ ، وإنْ كُنتَ مُبطِلاً في دَعوَتِكَ اتَّقيتَ اللّه عز و جل و تُبتَ إليهِ ، وتَركتَ الدَّعوى . وحَقُّ المُستشيرِ : إِنْ عَلِمتَ أنَّ لَهُ رأياً أشَرتَ عَلَيهِ ، وإنْ لم تَعلَم أرشَدتَهُ إلى مَن يَعلَمُ . وَحَقُّ المُشير عَلَيكَ : أنْ لا تتَّهِمَهُ فيما لا يوافِقُكَ من رَأيهِ ، فَإنْ وافَقَكَ حَمِدتَ اللّه َ عز و جل . وحَقُّ المُستَنصِحِ : أن تؤدِّي إلَيهِ النَّصيحَةَ ، وَليَكُن مَذهَبُكَ الرَّحمَةَ لَهُ ، والرِّفقَ بهِ . وحَقُّ النَّاصِحِ : أنْ تُلينَ لَهُ جَناحَكَ ، وتُصغي إليهِ بِسَمعِكَ ، فَإنْ أتى بالصَّواب حَمِدتَ اللّه َ عز و جل ، وإنْ لَمْ يُوافِق رحمَتَهُ ، ولَم تتَّهِمهُ وَعلِمتَ أنَّهُ أخطأ ، وَلَم تُؤاخِذهُ بِذلِكَ إلاَّ أنْ يَكونَ مُستَحقّاً للتُّهمَةِ ، فَلا تَعبأ بِشيءٍ مِن أمرِهِ عَلى حالٍ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ . وَحَقُّ الكبيرِ : تَوقيرُهُ لِسنِّهِ ، وإجلالِهِ لِتَقَدُّمِهِ في الإسلامِ قَبلَكَ ، وَتَركُ مُقابَلَتِهِ عِندَ الخِصامِ ، ولا تَسبقهُ إلى طريقٍ ، ولا تَتقدَّمهُ ، ولا تَستجهِلهُ ، وإنْ جَهِلَ عَلَيكَ احتَمَلتَهُ وأكرَمتَهُ لِحَقِّ الإسلامِ وحُرْمَتِهِ . وَحَقُّ الصَّغيرِ : رَحمَتُه في تَعليمِهِ ، والعَفوُ عَنهُ ، والسَّترُ عَلَيهِ ، والرِّفقُ بهِ ، والمعونَةُ لَهُ . وحَقُّ السَّائِلِ : إعطاؤهُ على قَدرِ حاجَتِهِ . وَحَقُّ المسئولِ : إنْ أعطى فاقبَل مِنهُ بالشُّكرِ والمَعرِفَةِ بِفَضلِهِ ، وإنْ مَنَعَ فَاقبَل عُذرَهُ . وحَقُّ من سَرَّك للّه ِ تَعالى ذكرُهُ : أنْ تحمَدَ اللّه َ عز و جل أوَّلاً ، ثُمَّ تَشكُرُهُ . وحَقُّ مَن أساءَكَ : أنْ تعفوَ عَنهُ ، وإنْ عَلِمتَ أنَّ العفوَ يَضُرُّ انتصرتَ ، قال اللّه ُ تبارَكَ وتعالى : «وَ لَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُ_لْمِهِ فَأُولئكَ مَا عَلَيْهِم مِن سَبِيلٍ » (9) . وَحَقُّ أهل مِلَّتِكَ : إضمارُ السَّلامَةِ والرَّحمَةِ لَهُم ، والرِّفقُ بِمُسيئهِم ، وتَألُّفهُم ، واستِصلاحُهُم ، وشُكرُ مُحسِنِهِم ، وكَفُّ الأذى عَنهُم ، وتُحِبُّ لَهُم ما تُحِبُّ لِنَفسِكَ ، وتَكرَهُ لَهُم ما تَكرَهُ لِنَفسِكَ ، وأنْ يكونَ شُيوخُهُم بِمَنزِلَةِ أبيكَ ، وَشُبَّانُهُم بِمَنزِلَةِ إخوَتِكَ ، وعَجائِزُهُم بِمَنزِلةِ أُمِّكَ ، والصِّغارُ بِمَنزِلةِ أولادِكَ . وحَقُّ الذِّمَّة : أنْ تقبَلَ مِنهُم ما قَبِلَ اللّه ُ عز و جل ، ولا تَظلِمهُم ما وَفوا للّه ِ عز و جل بِعَهدِهِ» . (10)

.


1- . البداية والنهاية : ج 9 ص 106.
2- . السائس : القائم بامر والمدبر له .
3- . كذا والظاهر تصحيفه ، والصواب كما سيأتي في تفصيله عليه السلام هذه الحقوق : «حق مولاك الجارية نعمتك عليه» .
4- . زاد في التحف : «أو مسرة بقول أو فعل» ولعله سقط من النساخ .
5- . في المصدر «قائما» والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
6- . وفي الفقيه : «فيه» بدل «به» .
7- . وزاد في الفقيه : « .. . يكرمك، ولا تدعه يسبق إلى مكرمةٍ، فإنْ سبق كافأته وتودُّه كما يودُّك، وتزجره عمَّا يهمُّ به من معصيةٍ .
8- . في الفقيه : «التَّبِعَة» بدل «السعة» .
9- . الشورى : 41 .
10- . الخصال : ص 564 ح 1 ، بحار الأنوار : ج 74 ص 2 ح 1 وراجع من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 619.

ص: 186

. .

ص: 187

. .

ص: 188

. .

ص: 189

. .

ص: 190

. .

ص: 191

. .

ص: 192

. .

ص: 193

. .

ص: 194

. .

ص: 195

أقول : نقلها العلاّمة المجلسيّ رحمه الله عن الخصال أوَّلاً ، ثمَّ عن الأمالي للصدوق رحمه الله ، ثمَّ عن تحف العقول ، وقال : إنَّما أوردناه مكرَّراً للاختلاف الكثير بينهما ، وقوة سند الأوَّل ، وكثر فوائد الثَّاني . أرى أنْ نقتفي أثره في نقل النَّصَّين : نصُّ الأمالي : حدَّثنا الشَّيخ الجليل أبو جعفر مُحمّد بنُ عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رضى الله عنه ، قال : حدَّثنا عليُّ بن أحمد بن موسى رضى الله عنه ، قال : حدَّثنا محمّد بن جعفر الكوفيّ الأسديّ ، قال : حدَّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيّ ، قال : حدَّثنا عبداللّه بن أحمد ، قال : حدَّثنا إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار الثُّماليّ ، عن سيِّد العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، قال : «حَقُّ نفسِكَ عَلَيكَ : أنْ تَستعمِلَها بِطاعَةِ اللّه ِ عز و جل . و حَقُّ اللِّسانِ : إكرامُهُ عَن الخَنى ، وَتعويدُهُ الخَيرَ ، وتَركُ الفُضُولِ الَّتي لا فائِدَةَ لَها .. . (1) نصُّ تُحَفِ العُقولِ : الحسنُ بن عليِّ بن شُعْبَة في تُحَف العقول ، في مواعظ السَّجَّاد عليه السلام ، قال في رسالَته عليه السلام المعروفَة برسالة الحقوق : اعلَمْ رَحِمَكَ اللّه ُ ، أنَّ للّه ِ عَلَيكَ حُقوقا مُحِيطَةً بِكَ ، في كلِّ حَرَكَةٍ تَحرَّكْتَها ، أوْ سَكَنَةٍ سَكَنْتَها ، أوْ منزِلَةٍ نَزلْتَها ، أوْ جارِحَةٍ قلَبْتَها ، أوْ آلةٍ تَصَرَّفْتَ بِها بَعْضُها أكبَرُ من بعضٍ ، وأكبرُ حُقوق اللّه ِ عَلَيكَ ما أوْجَبَهُ لِنَفسِهِ تَبارَكَ وَتَعالى مِن حَقِّهِ الَّذي هُو أصلُ الحُقوقِ ومِنهُ تفَرَّعُ ، ثمَّ أوْجَبَهُ عَلَيكَ لِنَفسِكَ من قَرْنِكَ إلى قَدَمِكَ عَلى اختِلافِ جَوارِحِكَ . فجعَل لِبَصَرِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، ولِسَمعِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، ولِلِسانِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، وَلِيَدِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، ولرِجْلِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، ولِبَطْنِكَ عَليكَ حَقّاً ، ولِفَرْجِكَ عَلَيكَ حقَّاً ، فَهذِه الجَوارِحُ السَّبْعُ الَّتي بِها تكونُ الأفْعال ، ثُمَّ جَعَل عز و جل لأفعالِكَ عَلَيكَ حُقوقاً ، فجَعَلَ لِصَلاتِكَ عَليكَ حَقَّاً ، ولِصَومِكَ عَليكَ حَقّاً ، و لِصَدَقَتِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، وَلِهَدْيِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، ولأَفعالِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، ثُمَّ تَخرُجُ الحُقوقُ مِنكَ إلى غَيرِكَ مِن ذوي الحُقوقِ الواجِبَةِ عَلَيكَ ، وأوجَبُها عَلَيكَ حُقوقُ أئمَّتِكَ ، ثُمَّ حُقوقُ رَعِيَّتِكَ ، ثُمَّ حُقوقُ رَحِمِكَ ؛ فهذهِ حُقوقٌ يَتَشَعَّبُ مِنها حُقوقٌ . فحُقوقُ أئمَّتِكَ ثَلاثَةٌ : أوجَبُها عَليكَ : حَقُّ سائِسِكَ بالسُّلطانِ ، ثُمَّ سائِسِكَ بِالعِلمِ ، ثُمَّ حَقُّ سائِسِكَ بالمُلكِ ؛ وكُلُّ سائِسٍ إمامٌ . وحُقوقُ رَعِيَّتِكَ ثَلاثَةٌ أوجَبُها عَلَيكَ : حَقُّ رعِيَّتِكَ بالسُّلطانِ ، ثُمَّ حقُّ رعِيَّتِكَ بالعِلمِ ، فَإنَّ الجاهِلَ رَعيَّةُ العالِمِ ، وَحَقُّ رعِيَّتِكَ بالمُلكِ مِنَ الأزْواجِ وما ملَكتَ مِنَ الأيْمانِ . وحُقوقُ رَحِمِكَ كَثيرَةٌ مُتَّصِلَةٌ بقَدْرِ اتِّصالِ الرَّحِمِ في القَرابَةِ فأوْجَبُها عَلَيكَ : حَقُّ أُمِّكَ ، ثُمَّ حَقُّ أبيكَ ، ثُمَّ حَقُّ وُلْدِكَ ، ثُمَّ حَقُّ أخيكَ ثُمَّ الأقرَبُ فالأقْرَبُ ، والأوَّلُ فالأَوَّلُ ، ثُمَّ حَقُّ مولاكَ المُنْعِمِ عَلَيكَ ، ثُمَّ حَقُّ مَولاكَ الجارِيَةُ نِعمتُكَ عَلَيهِ ، ثُمَّ حَقُّ ذي المَعروفِ لَدَيكَ ، ثُمَّ حَقُّ مُؤذِّ نِكَ بالصَّلاةِ ، ثُمَّ حَقُّ إمامِكَ في صَلاتِكَ ، ثُمَّ حَقُّ جَلِيسكَ ، ثُمَّ حَقُّ جارِكَ ، ثُمَّ حَقُّ صاحِبِكَ ، ثُمَّ حَقُّ شَريكِكَ ، ثُمَّ حَقُّ مالِكَ ، ثُمَّ حَقُّ غَريمِكَ الَّذي تُطالِبُهُ ، ثُمَّ حقُّ غَريمِكَ الَّذي يُطالِبُكَ ، ثُمَّ حَقُّ خَلِيطِكَ ، ثُمَّ حَقُّ خصْمِكَ المُدَّعي عَلَيكَ ، ثُمَّ حَقُّ خَصمِكَ الَّذي تَدَّعي عَلَيهِ ، ثُمَّ حَقُّ مُسْتَشيرِكَ ، ثُمَّ حَقُّ المُشيرِ عَلَيكَ ، ثُمَّ حَقُّ مُسْتَنْصِحِكَ ، ثُمَّ حَقُّ النَّاصِحِ لَكَ ، ثُمَّ حَقُّ مَن هُو أكبرُ مِنكَ ، ثُمَّ حَقُّ مَن هُوَ أصغَرُ مِنكَ ، ثُمَّ حقُّ سائِلِكَ ، ثُمَّ حقُّ مَن سألْتَهُ ، ثُمَّ حَقُّ مَن جرَى لَكَ عَلَى يَديْهِ مَساءَةٌ بقول ، أو فِعلٍ ، أوْ مَسَرَّةٌ بذلِكَ بقول أوْ فعل ، عَن تَعَمُّدٍ مِنهُ ، أوْ غيرِ تَعَمُّدٍ مِنهُ ، ثُمَّ حَقُّ أهلِ مِلَّتِكَ عامَّةً ، ثُمَّ حَقُّ أهلِ الذِّمَّةِ ، ثُمَّ الحُقوقُ الجارِيَةُ بِقدْرِ عِلَلِ الأحوالِ ، وتَصرُّفِ الأسبابِ ؛ فَطُوبى لِمَن أعانَهُ اللّه ُ على قَضاءِ ما أوجَبَ عَلَيهِ مِن حُقوقِهِ وَوَفَّقَهُ وَسدَّدَهُ .

.


1- . الأمالي للصدوق : ص 451 ح 610 .

ص: 196

. .

ص: 197

1 _ فأمّا حقّ اللّه الأكبر

1 _ فأمَّا حقُّ اللّه ِ الأكبرُ :فَإنَّك تَعْبُدَهُ لا تُشرِكُ بِهِ شَيئاً ، فإذا فَعَلْتَ ذلِكَ بإخلاصٍ جَعَل لَكَ على نَفسِهِ أنْ يكْفِيَكَ أمْرَ الدُّنيا والآخِرَةِ ، ويَحْفَظَ لَكَ ما تُحِبُّ مِنها .

.

ص: 198

2 _ وأمّا حقّ نفسك عليك
3 _ وأمّا حقّ اللّسان
4 _ وأمّا حقّ السّمع
5 _ وأمّا حقّ بصرك
6 _ وأمّا حق رجليك

2 _ وأمَّا حقُّ نفسِكَ عَلَيكَ :فَأنْ تسْتَوْفِيها في طاعَةِ اللّه ِ فَتُؤدِّي إلى لسانِكَ حَقَّهُ ، وإلى سَمْعِكَ حَقَّهُ ، وإلى بَصَرِكَ حَقَّهُ ، وإلى يَدِكَ حَقَّها ، وإلى رِجْلِكَ حَقَّها ، وإلى بَطْنِكَ حَقَّهُ ، وإلى فَرْجِكَ حَقَّهُ ، وتسْتَعينُ بِاللّه ِ على ذلِكَ .

3 _ وأمَّا حقُّ اللِّسان :فإكرامُهُ عَنِ الخَنى ، وتَعْوِيدُهُ عَلى الخَيرِ ، وحَمْلُهُ عَلى الأدبِ ، وإجْمامُهُ إلاَّ لمَوْضعِ الحاجَةِ ، والمنفَعة للدِّين والدُّنيا ، وإعْفاؤهُ مِنَ الفُضولِ الشَّنِعَةِ القَلِيلَةِ الفَائِدةِ الَّتي لا يُؤمَن ضَرَرُها مَعَ قِلَّةِ عائِدَتها وبُعْد شاهِدِ العَقلِ والدَّليلِ عَلَيهِ ، وتَزَيُّنُ العاقِلِ بِعَقْلِهِ حُسْنُ سِيرَتِهِ في لِسانِهِ ، وَلا قوَّة إلاَّ باللّه ِ العَليِّ العظيمِ .

4 _ وأمَّا حقُّ السَّمعِ :فتَنْزِيهُهُ أن تجعَلَهُ طَريقاً إلى قَلْبِكَ إلاَّ لِفَوْهَةٍ كَريمَةٍ تُحْدِثُ في قَلبِكَ خَيراً ، أوْ تكْسِبُ خُلُقاً كريماً ، فإنَّه بابُ الكلام إلى القلبِ يُؤدِّي إليهِ ضُروبَ المعاني عَلى ما فيها مِن خَيرٍ أوْ شَرٍّ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

5 _ وأمَّا حَقُّ بَصَرِكَ :فغَضُّه عَمَّا لا يحِلُّ لَكَ ، وتَرْكُ ابتذَالِهِ إلاَّ لِمَوضِعِ عِبْرَةٍ تَستَقبِلُ بها بَصَراً ، أوْ تستفيد بها عِلماً ، فَإنَّ البَصَر بابُ الاعْتبارِ .

6 _ وأمَّا حَقُّ رجليكَ :فأنْ لاتَمْشيَ بهما إلى ما لا يَحِلُّ لكَ ، ولا تجعلهما مطِيَّتكَ في الطَّريق المُسْتَخِفَّةِ بأهلِها فيها ، فَإنَّها حامِلَتُكَ وسالِكَةٌ بِكَ مَسْلَك الدِّين والسَّبقِ لَكَ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

.

ص: 199

7 _ وأمّا حقّ يدك
8 _ وأمّا حقّ بطْنك
9 _ وأمّا حقّ فرْجك
10 _ فأمّا حقّ الصّلاة

7 _ وأمَّا حقُّ يدك :فأنْ لا تبْسُطَها إلى ما لا يَحِلُّ لَكَ فتَنالُ بما تبْسُطُها إليهِ مِن اللّه ِ العُقوبَةَ في الآجِلِ ، ومِنَ النَّاسِ بِلِسانِ اللاَّئِمَةِ في العاجِلِ ، ولا تقْبِضها مِمَّا افترَضَ اللّه ُ عليها ، ولكِن تُوقِّرُها بِقَبْضِها عَن كثيرٍ مِمَّا لا يحِلُّ لها ، وتبْسطُها (1) إلى كثير ممَّا ليس عليها ، فإذا هي قَد عُقِلتْ و شَرُفَتْ في العاجِلِ ، ووجَبَ لها حُسْنُ الثَّوابِ في الآجِل .

8 _ وأمَّا حقُّ بطْنك :فأنْ لا تجعَلَهُ وِعاءً لِقَليلٍ مِنَ الحَرامِ ولا لِكَثيرٍ ، وأن تَقتَصِدَ لَهُ في الحَلالِ ، وَلا تُخرِجَهُ مِن حَدِّ التَّقوِيَةِ إلى حَدِّ التَّهْوينِ،وَذَهابِ المُروَّةِ،وضَبْطُهُ إذا هَمَّ بالجُوعِ والظَّمإ ، فإنَّ الشِّبَع المُنْتهي بِصاحِبِهِ إلى التَّخَمِ مَكْسَلَةٌ ومَثْبَطَةٌ ومَقْطَعَةٌ عن كُلِّ بِرٍّ وكَرَمٍ ، وَأنَّ الرِّيَّ المُنتهي بصاحِبهِ إلى السُّكْرِ مَسْخَفَةٌ ومَجْهَلَةٌ ومَذْهَبَةٌ للمُروَّةِ .

9 _ وأمَّا حَقُّ فرْجِكَ :فحِفْظهُ مِمَّا لا يَحِلُّ لَكَ ، والاسْتعانَةُ عَليهِ بِغَضِّ البَصرِ ، فإنَّهُ مِن أعْوَنِ الأعْوانِ ، وكَثْرَةِ ذِكْرِ الموْتِ ، والتَّهَدُّدِ لِنفْسِكَ باللّه ِ ، والتَّخْويفِ لَها بِه ، وباللّه ِ العِصْمَةُ والتَّأييدُ ، ولا حَولَ ولا قُوَّة إلاَّ بهِ .

ثُمَّ حُقوق الأفعالِ10 _ فأمَّا حقُّ الصَّلاة :فأنْ تعلَم إنَّها وِفادَةٌ إلى اللّه ِ ، وأنَّك قائِمٌ بها بينَ يَدَي اللّه ِ ، فإذا عَلِمْتَ ذلِكَ كُنتَ خَلِيقاً أنْ تَقومَ فيها مَقامَ الذَّليلِ الرَّاغِبِ الرَّاهِبِ الخائِفِ الرَّاجي المسكينِ المُتَضرِّعِ ، المُعَظِّمِ مَن قامَ بينَ يَديْهِ بالسُّكونِ والإطْرَاقِ ، وخُشُوعِ الأطرَافِ ، ولِينِ الجَناحِ ، وحُسْنِ المناجاةَ لَه ، في نفسِهِ والطَّلَب إليهِ في فِكاك رَقَبَتِكَ الَّتي أحاطَتْ به خَطيئتُك واستَهْلَكَتْها ذُنوبُكَ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

.


1- . في المصدر : «وبسطها» والصواب ما أثبتناه .

ص: 200

11 _ وأمّا حقّ الصّوم
12 _ وأمّا حقّ الصّدقة
13 _ وأمّا حقّ الهدْي

11 _ وَأمَّا حقُّ الصَّوم :فأنْ تعلَم أنَّه حِجابٌ ضرَبَهُ اللّه ُ عَلى لسانِكَ ، وسَمْعِكَ ، وبَصَرِكَ ، وفرْجِكَ ، وبَطْنِكَ ليسْتُركَ بهِ مِنَ النَّارِ ، وهكذا جاءَ في الحَديثِ : «الصَّوم جُنَّةٌ من النَّار » فإنْ سَكَنتْ أطرافُكَ في حَجْبَتِها رَجَوْتَ أنْ تكونَ مَحْجوباً ، وإنْ أنْت تركْتها تضطَرِبُ في حِجابها ، وترفَعُ جَنَباتِ الحِجابِ ، فتطَّلِعُ إلى ما لَيسَ لَها بالنَّظْرَةِ الدَّاعِيَةِ للشَّهوة والقُوَّةِ الخارِجَةِ عن حَدِّ التَّقيَّةِ للّه ِ ، لم تأمَن أنْ تَخْرِق الحِجابَ وتَخْرُجَ مِنهُ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

12 _ وأمَّا حقُّ الصَّدقة :فأنْ تعلَمَ أَنَّها ذُخْرُكَ عِندَ ربِّكَ ، ووَديعَتُكَ الَّتي لا تَحتاجُ إلى الإشهادِ ، فإذا عَلِمتَ ذلِكَ كُنتَ بما استوْدَعْتهُ سِرّاً ، أوْثَقَ بِما استوْدعْته علانيةً ، وكُنتَ جدِيراً أنْ تكونَ أسْررْتَ إليهِ أمْراً أعْلَنْتَهُ ، وكان الأمْرُ بينَكَ وبَينَهُ فيها سِرّاً على كُلِّ حالٍ ، ولَم تستَظْهِر عَلَيهِ فيما استوْدَعْتَهُ مِنها بإشهاد الأسْماعِ والأبصارِ عَلَيهِ بها ، كأنَّها أوْثَقُ في نَفسِكَ لا كأنَّك لا تثِقُ بهِ في تأْدِيَةِ وَديعَتِكَ إلَيكَ ، ثمَّ لَم تَمْتَنَّ بِها على أحَدٍ لأنَّها لَكَ ، فإذا امْتَنَنْت بِها لم تأمَن أنْ تَكونَ بها مِثْلُ تَهْجِين حالِكَ مِنها إلى مَن مَنَنْت بِها عَلَيهِ ، لأنَّ في ذلِكَ دليلاً على أنَّكَ لم تُرِد نفسَكَ بِها ، ولَو أردْت نفسَكَ بِها لم تَمْتَنَّ بِها على أحَدٍ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

13 _ وأمَّا حَقُّ الهَدْي :فأنْ تُخلِصَ بها الإرادَةَ إلى رَبِّكَ ، والتَّعرُّضَ لِرَحْمَتِهِ وقَبولِهِ ، ولا تُريدُ عُيونَ النَّاظِرينَ دونَهُ ، فإذا كُنتَ كذلِكَ لَم تَكُن مُتَكَلِّفاً ولا مُتصَنِّعاً ، وكُنتَ إنَّما تقْصِدُ إلى اللّه ِ ، واعلَمُ أنَّ اللّه َ يراد باليَسير ولا يُراد بالعَسير ، كما أراد بِخَلْقهِ التَّيْسير وَلَم يُرِد بِهِم التَّعْسيرَ ، و كذلِكَ التَّذلُّلُ أوْلى بِكَ مِنَ التَّدَهْقُنِ ؛ لأنَّ الكُلْفةَ والمُؤنَةَ في المُتَدَهْقِنينَ ، فأمَّا التَّذلُّلُ والتَّمَسْكُنُ فلا كُلْفَةَ فيهما ، ولا مُؤَنَةَ عَلَيهِما ، لأنَّهما الخِلْقَةُ ، وهما موْجودانِ في الطَّبيعَةِ ، و لا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

.

ص: 201

14 _ فأمّا حقّ سائسك بالسّلطان
15 _ وأمّا حقّ سائسك بالعلم

ثمَّ حُقوقُ الأئمَّةِ14 _ فأمَّا حقُّ سائِسِكَ بالسُّلطانِ :فأنْ تعلم أنَّك جُعِلتَ لَهُ فِتْنةً ، وأنَّه مُبْتلًى فيكَ بما جعَلَهُ اللّه ُ لَهُ عَليكَ مِنَ السُّلطانِ وأن تُخلِصَ لَه في النَّصيحَةِ ، وأنْ لا تُماحِكَهُ وقد بُسِطَتْ يَدُه علَيكَ ، فَتَكونُ سَبَبَ هَلاكِ نَفسِكَ وهَلاكِهِ وتَذَلَّلْ وتَلَطَّفْ لإعطائِهِ مِنَ الرِّضى ما يَكُفُّهُ عَنكَ ،ولا يضُرُّ بِدينِكَ ، وتَستعِينُ عليهِ في ذلِكَ باللّه ِ ،ولا تُعازَّهُ ولا تُعانِدْهُ ، فإنَّك إن فعلْتَ ذلِكَ عقَقْتَهُ وعَقَقْت نفسَكَ ، فعَرَّضْتها لِمَكروهِهِ وعرَّضْتَهُ لِلهلَكَةِ فيكَ ، وكُنتَ خلِيقاً أنْ تكونَ مُعِيناً لَهُ على نفسِكَ ، وشَريكاً لَهُ فيما أتى إلَيكَ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

15 _ وأمَّا حقُّ سائِسِكَ بالعِلم :فالتَّعْظيمُ لَهُ والتَّوْقِيرُ لِمَجلِسهِ ، وَحُسْنُ الاسْتِماع إلَيهِ ، والإقبالُ عَلَيهِ ، والمَعونَةُ لَهُ على نَفسِكَ فيما لا غِنى بِكَ عَنهُ مِنَ العِلمِ ، بأنْ تُفَرِّغَ لَهُ عَقلَكَ ، وتُحَضِّرَهُ فَهْمَكَ ، وتُذَكِّي لَهُ قلْبَكَ ، وتُجلِّي لَهُ بَصرَكَ بترْك اللَّذَّاتِ ، ونَقْص الشَّهواتِ ، وأنْ تعلَمَ أنَّكَ فيما ألْقى إليكَ رَسولُهُ إلى مَن لَقِيكَ مِن أهلِ الجَهل ، فلزِمَكَ حُسْنُ التَّأْدِيَةِ عَنهُ إِلَيهِم ، ولا تَخُنْهُ في تأْدِيَةِ رسالَتِهِ والقِيامِ بِها عَنهُ ، إذا تَقَلَّدْتَها ، ولا حَوْل ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

.

ص: 202

16 _ وأمّا حقّ سائسك بالملك
17 _ فأمّا حقوق رعيّتك بالسّلْطان
18 _ وأمّا حقّ رعيّتك بالعلم
19 _ وأمّا حقّ رعيّتك بملك النّكاح

16 _ وأمَّا حقُّ سائسِكَ بالمُلكِ :فَنحْوٌ مِن سائِسِكَ بالسُّلطانِ إلاَّ أنَّ هذا يملِكُ ما لا يَمْلِكهُ ذاكَ ، تلْزَمُكَ طاعَتُهُ فيما دَقَّ وجَلَّ مِنكَ ، إلاَّ أنْ يُخْرِجَكَ من وُجوبِ حَقِّ اللّه ِ ، ويَحولَ بينَكَ وبَينَ حَقِّهِ وحُقوقِ الخَلْقِ ، فإذا قَضَيْتَهُ رَجَعْت إلى حَقِّهِ فتشاغَلْتَ بِه ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

ثُمَّ حُقوقُ الرَّعِيَّةِ17 _ فأمَّا حقوق رعيَّتك بالسُّلْطان :فأنْ تعْلَم أنَّك إنَّما اسْتَرْعَيْتَهم بِفَضلِ قُوَّتِكَ عَلَيهم ، فإنَّه إنَّما أحلَّهُم مَحَلَّ الرَّعيَّةِ لَكَ ضَعْفُهم وذُلُّهم ، فَما أوْلى من كَفاكَهُ ضَعْفَه وذُلَّهُ ، حتَّى صيَّرَهُ لَكَ رَعِيَّةً ، وصَيَّر حُكْمَكَ علَيهِ نافِذاً لا يَمْتَنِعُ مِنكَ بعِزَّةٍ ولا قُوَّةٍ ، ولا يَسْتنْصِرُ فيما تَعاظَمَهُ مِنكَ إلاَّ باللّه ِ بالرَّحْمَةِ والحِياطَةِ والأناةِ ، وما أوْلاك إذا عَرَفْت ما أعْطاكَ اللّه ُ من فَضلِ هَذه العِزَّةِ ، والقُوَّةِ الَّتي قَهرْتَ بِها أنْ تكونَ للّه ِ شاكِراً ، ومَن شَكَرَ اللّه َ أعْطاهُ فيما أنْعَمَ عَلَيهِ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

18 _ وأمَّا حقُّ رعيَّتك بالعلم :فأنْ تعلَم أنَّ اللّه َ قَد جَعَلَكَ لَهم فيما آتاك مِنَ العِلم وَوَلاَّكَ مِن خِزَانَةِ الحِكمَةِ ، فإنْ أحْسنْتَ فيما ولاَّكَ اللّه ُ من ذلِكَ ، وقُمْتَ بهِ لَهُم مَقامَ الخازِنِ الشَّفيقِ النَّاصِحِ لِمَولاهُ في عَبيدِهِ ، الصَّابرِ المحْتَسِبِ الَّذي إذا رأى ذا حاجَةٍ أخرَجَ لَه مِنَ الأموالِ الَّتي في يَديهِ كُنتَ راشِداً ، وكُنتَ لذلِكَ آمِلاً مُعتَقِداً ، وإلاَّ كُنتَ لَهُ خائِناً ، ولِخَلْقهِ ظالِماً ، ولسَلبهِ وعزِّهِ متعَرِّضاً .

19 _ وأمَّا حقُّ رعيَّتك بملك النِّكاح :فأنْ تعلَمَ أنَّ اللّه َ جَعَلَها سَكَناً ، ومُسْتَرَاحاً ، وأُنْساً وواقِيَةً ، وكذلِكَ كُلُّ واحِدٍ مِنكُما يجِب أنْ يَحمَدَ اللّه َ على صاحِبهِ ، و يعلَم أنَّ ذلِكَ نِعْمَةٌ مِنهُ عَلَيهِ ، ووجَبَ أنْ يُحْسِنَ صُحْبَةَ نِعْمَة اللّه ِ ، ويُكرِمَها ويَرْفَقَ بها ، وإنْ كانَ حقُّكَ عَلَيها أغْلظَ وطاعَتُك بها ألْزمَ فيما أحبَبتَ وَكَرِهتْ ، ما لم تَكُن مَعصِيَةً فَإنَّ لها حَقُّ الرَّحمَةِ والمُؤانَسَةِ ، ومَوْضِعُ السُّكونِ إليها قضاءُ اللَّذَّةِ الَّتي لابُدَّ من قضائِها ، وذلِكَ عَظيمٌ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

.

ص: 203

20 _ وأمّا حقّ رعيّتك بملْك اليمين
21 _ فحقّ أمّك

20 _ وأمَّا حقُّ رعيَّتك بمِلْك اليمِين :فأنْ تعلَم أنَّه خلْقُ ربِّكَ ولَحْمُكَ ودمُكَ ، وأنَّك تملِكُهُ لا أنتَ صَنَعْتَهُ دونَ اللّه ِ ، ولا خَلقْتَ لَهُ سَمْعاً ولا بَصَراً ، ولا أجْريت لَهُ رِزقاً ، ولَكِنَّ اللّه َ كَفاكَ ذلِكَ . ثُمَّ سَخَّرُهُ لَكَ وائْتَمَنك علَيهِ ، واسْتوْدَعَكَ إيَّاه لتَحْفَظَهُ فيهِ ، وتسيرَ فيهِ بِسيرَتِهِ ، فتُطْعِمَهُ مِمَّا تأكُلُ ، وتُلْبِسَهُ مِمَّا تَلْبَسُ ، وَلا تكلِّفَه ما لا يُطِيقُ ، فإنْ كرِهتَهُ خَرجتَ إلى اللّه ِ مِنهُ ، واسْتبدَلتَ بِه ، ولم تُعذِّب خَلْقَ اللّه ِ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

وأمَّا حقُّ الرَّحِم21 _ فحقُّ أمِّك :فأنْ تعلَم أنَّها حمَلَتْكَ حَيثُ لا يَحمِلُ أحَدٌ أحَداً ، وأطعَمَتْكَ مِن ثَمرَةِ قَلْبها ما لا يُطْعِمُ أحدٌ أحَداً ، وإنَّها وَقَتْكَ بِسَمعِها وبَصَرِها ويَدِها ورِجْلِها وشَعْرِها وبَشَرِها وجَميعِ جوارِحِها ، مُسْتبْشِرةً بذلِكَ ، فَرِحَةً مُوابِلَةً ، محْتمِلَةً لِما فيهِ مَكروهُها وألَمُها وثِقْلُها وغَمُّها ، حَتَّى دفعَتْها عَنكَ يَدُ القدْرة ، وأخْرجَتكَ إلى الأرضِ ، فرَضِيتْ أنْ تَشْبَعَ وتجوعُ هي ، وتَكْسوَكَ وتعْرى وتُرْوِيَكَ وتَظْمأُ وتُظلَّكَ وتَضْحى ، وتُنعِّمَك بِبُؤسِها ، وَتُلَذِّذَكَ بالنَّوْمِ بِأرقِها ، كان بطْنُها لَكَ وِعاءً ، وحُجْرها لَكَ حُواءً ، وثَدْيُها لَكَ سِقاءً ، ونفْسُها لَكَ وِقاءً ، تباشِرُ حَرَّ الدُّنيا وبَرْدَها لَكَ ودونَكَ ، فتَشْكُرها على قَدْرِ ذلِكَ ، ولا تَقْدر علَيهِ إلاَّ بعَوْنِ اللّه ِ وتَوْفيقِهِ .

.

ص: 204

22 _ وأمّا حقّ أبيك
23 _ وأمّا حقّ ولدك
24 _ وأمّا حقّ أخيك
25 _ وأمّا حقّ المنْعم عليك بالولاء

22 _ وأمَّا حقُّ أبيك :فتعلَم أنَّه أصلُكَ ، وأنَّكَ فرعُه ، وأنَّك لَولاهُ لَم تَكُن، فَمَهما رأيتَ في نَفسِكَ مِمَّا يُعجِبُكَ ، فاعلَم أنَّ أباكَ أصلُ النِّعمَةِ علَيكَ فيهِ، واحمَدِ اللّه َ واشكُرهُ على قَدرِ ذلِكَ . ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

23 _ وأمَّا حقُّ وَلَدِك :فَتَعْلَمُ أنَّهُ مِنكَ ، ومُضافٌ إليكَ في عاجِلِ الدُّنيا بِخَيرِهِ وشَرِّهِ ، وأنَّك مَسؤولٌ عمَّا وَلّيتَهُ مِن حُسْنِ الأدَبِ والدَّلالةِ إلى رَبِّهِ ، والمَعونَةِ لَهُ على طاعَتِهِ فيكَ وفِي نفسِهِ ، فمُثابٌ على ذلِكَ ومُعاقَبٌ ، فاعمَل في أمرهِ عَمَل المُتزَيِّنِ بِحُسنِ أثرِهِ عَلَيهِ في عاجِلِ الدُّنيا ، المُعَذِّر إلى ربِّهِ فيما بينَكَ وبينَهُ بحُسْنِ القِيام عَلَيهِ والأخْذِ لَهُ مِنهُ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

24 _ وأمَّا حقُّ أخيك :فَتَعْلَمُ أنَّه يدُكَ الَّتي تَبْسُطُها، وظهْرُكَ الَّذي تَلْتَجِئُ إليهِ ، وعِزُّك الَّذي تَعتمِدُ عَلَيهِ ، وَقُوَّتُكَ الَّتي تَصولُ بها ، فلا تتَّخذْهُ سِلاحاً على مَعصِيَةِ اللّه ِ ، ولا عُدَّةً للظُّلم بِحَقِّ اللّه َ ، ولا تَدَع نُصْرَتَهُ على نَفسِهِ ، ومعونَتَهُ على عَدُوِّهِ ، والحَوْلَ بينَهُ وبينَ شَياطينهِ ، وَتَأدِيَةَ النَّصيحَةِ إلَيهِ ، وَالإقبالَ عَلَيهِ في اللّه ِ ، فإنِ انْقادَ لِربِّهِ وأحْسَن الإجابَة لَهُ ، وإلاَّ فَليَكُنِ اللّه ُ آثرَ عِندَكَ ، و أكرَمَ عَلَيكَ مِنهُ .

25 _ وأمَّا حقُّ المُنْعِمِ عَلَيكَ بالوَلاء :فَأن تَعْلَمَ أنَّهُ أنفَقَ فيكَ مالَهُ ، وأخرجَكَ مِن ذُلِّ الرِّقِّ ، ووَحشَتِهِ إلى عِزِّ الحُرِّيَّةِ وأُنْسِها ، وأطلقَكَ مِن أسْر المَلكَةِ ، وفَكَّ عَنكَ حَلَقَ العُبودِيَّةِ ، وأوْجدَكَ رائِحَةَ العِزِّ ، وأخرجَكَ من سِجْن القَهْرِ ، ودفع عنك العُسْرَ ، وبسَط لكَ لسانَ الإنْصافِ ، وأباحَكَ الدُّنيا كُلَّها ، فملَّكَكَ نفسَكَ ، وحَلَّ أسرَكَ ، وَفرَّغكَ لِعبادَةِ رَبِّكَ ، واحتَمَل بذلِكَ التَّقْصيرَ في مالِهِ ، فَتَعلَمُ أنَّهُ أوْلى الخَلقِ بِكَ بَعدَ أُولي رَحِمِكَ في حياتِكَ ومَوْتِكَ ، وأحَقُّ الخَلْقِ بِنَصْرِكَ ومَعونَتِكَ ، ومُكانَفَتِكَ في ذاتِ اللّه ِ ، فلا تُؤثِر عَليهِ نَفسَكَ ما احتاجَ إلَيكَ .

.

ص: 205

26 _ وأمّا حقّ مولاك الجارية عليه نعمتك
27 _ وأمّا حقّ ذي المعروف عليك
28 _ وأمّا حقّ المؤذّن

26 _ وأمَّا حَقُّ مولاكَ الجاريَةُ عليهِ نِعمَتُكَ :فَأنْ تَعلَمَ أنَّ اللّه َ جَعَلَكَ حامِيَةً عَلَيهِ ، وَوَاقِيةً وناصِراً ومَعْقِلاً ، وجَعَلَهُ لَكَ وسيلَةً وسَبباً بينَك وبَينَهُ ، فبالْحَريِّ أنْ يحْجُبَك عَنِ النَّارِ ، فَيَكونُ في ذلِكَ ثوابٌ مِنهُ في الآجِلِ ، ويُحكَم لَكَ بميراثِهِ في العاجِلِ ، إذا لم يَكُن لَهُ رَحِمٌ مكافأةً لِما أنْفَقْتَهُ مِن مالِكَ عَلَيهِ ، وقُمتَ بهِ مِن حَقِّهِ بَعدَ إنفاقِ مالِكَ ، فإنْ لم تقم بِحَقّهِ خِيفَ عَلَيكَ أنْ لا يُطيِّبَ لَكَ مِيراثَهُ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

27 _ وأمَّا حقُّ ذي المَعروفِ عَلَيْكَ :فأنْ تَشكُرَهُ وتَذكُرَ معروفَهُ وتَنْشُرَ لَهُ المقالَةَ الحَسَنَة ، وتُخلِصَ لَهُ الدُّعاءَ فيما بينَكَ وبَينَ اللّه ِ سُبحانَهُ ، فإنَّكَ إذا فَعَلتَ ذلِكَ كُنتَ قَد شَكرتَهُ سِرّاً وعَلانِيَةً ، ثُمَّ إنْ أمْكَنَ مُكافأتُهُ بالفِعلِ كافأْتَهُ ، وإلاَّ كُنتَ مُرْصِداً لَهُ مُوَطِّناً نفسَكَ عَلَيها .

28 _ وأمَّا حقُّ المؤذِّن :فأنْ تعلَمَ أنَّهُ مُذكِّرُكَ بِربِّكَ ، وداعيكَ إلى حَظِّكَ ، وأفضلُ أعوانِكَ على قضاءِ الفريضَةِ الَّتي افترضَها اللّه ُ عَلَيكَ، فَتشْكرُهُ على ذلِكَ شُكْرَكَ للمُحْسِنِ إلَيكَ ، وإنْ كُنتَ في بَيتِكَ مهتَمّاً لذلِكَ لَم تَكُن للّه ِ في أمرِهِ مُتَّهِماً ، وعَلِمْتَ أنَّهُ نِعمَةٌ مِنَ اللّه ِ عَلَيكَ ، لا شَكَّ فيها، فَأَحسِن صُحْبَةَ نِعمَةِ اللّه ِ بِحَمدِ اللّه ِ عَلَيها على كُلِّ حالٍ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

.

ص: 206

29 _ وأمّا حقّ إمامك في صلاتك
30 _ وأمّا حقّ الجليس
31 _ وأمّا حقّ الجار

29 _ وأمَّا حقُّ إمامِكَ في صلاتِكَ :فَأنْ تَعلَمَ أنَّهُ قَد تَقَلَّدَ السَّفارَةَ فيما بَينَكَ وَبَينَ اللّه ِ ، والوِفادَةَ إلى رَبِّكَ ، وَتكَلَّمَ عَنكَ ولَم تَتَكلَّم عَنهُ ، ودعا لَكَ ولَم تَدْعُ لَهُ ، وطلَبَ فيكَ ولم تَطْلُب فيهِ ، وَكَفاكَ هَمَّ المُقامِ بَينَ يَدي اللّه ِ ، والمُساءَلَةَ لَهُ فَيكَ ، ولَم تَكْفِهِ ذلِك ، فإنْ كان في شيْءٍ من ذلِكَ تقْصِيرٌ كان بهِ دونَكَ ، و إنْ كانَ آثِماً لَم تَكُن شريكَهُ فيه ولَم يَكُن لهُ عَلَيكَ فَضلٌ ، فوَقى نفسَكَ بنَفسِهِ ، وَوَقى صَلاتَكَ بِصَلاتِهِ ، فتشْكُرَ لَهُ على ذلِكَ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

30 _ وأمَّا حقُّ الجلِيسِ :فأنْ تُلِينَ لَهُ كَنفَكَ ، وتُطِيبَ لَهُ جانِبَكَ ، وتُنصِفَهُ في مُجاراةِ اللَّفظِ ، ولا تُغْرِقَ في نَزْعِ اللَّحْظِ إذا لَحَظْتَ ، وتَقْصِدَ في اللَّفظِ إلى إفْهامِهُ إذا لَفَظْتَ ، وإنْ كُنتَ الجَلِيسَ إليهِ كُنتَ في القيامِ عَنهُ بالخِيارِ ، وإنْ كان الجالِسَ إليكَ كانَ بالخِيارِ ، ولا تَقومَ إلاَّ بإذْنِهِ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

31 _ وأمَّا حقُّ الجارِ :فحِفْظُهُ غائِباً ، وكَرَامَتُه شاهِداً ، ونُصرَتُهُ ومعونَتُهُ في الحَاليْنِ جَميعاً ، لا تتبَّعَ لَهُ عَوْرةً ، و لا تَبْحَث لَهُ عَن سَوْأةٍ لِتعْرِفَها ، فإنْ عَرَفْتَها مِنهُ مِن غَير إرادَةٍ مِنكَ ولا تكَلُّفٍ ، كُنتَ لِما عَلِمْتَ حِصْناً حصِيناً ، وسِتْراً سَتِيراً ، لو بَحَثَتِ الأسِنَّةُ عَنهُ ضَمِيراً لَم تتصِلْ إليهِ ، لانْطِوائِهِ عَلَيهِ ، لا تَستَمِع عَلَيهِ مِن حَيثُ لا يَعلَمُ ، لا تُسْلِمْهُ عِندَ شَديدَةٍ ، ولاتَحْسُدْهُ عِندَ نِعمَةٍ ، تُقِيلُ عَثْرتَهُ ، وَتغْفِرُ زَلَّتهُ ، ولا تدَّخِر حِلْمَكَ عَنهُ إذا جَهِلَ عَلَيكَ ، ولا تَخرُج أنْ تكونَ سِلْماً لَهُ تَرُدُّ عَنهُ لِسانَ الشَّتِيمَةِ ، وتُبْطِلُ فيه كَيدَ حامِلِ النَّصيحَةِ ، وتعاشِرُهُ مُعاشرَةً كَريمَةً ، ولا حَولَ ولا قوَّة إلاَّ باللّه ِ .

.

ص: 207

32 _ وأمّا حقّ الصّاحب
33 _ وأمّا حقّ الشّريك
34 _ أمّا حقّ المال
35 _ وأمّا حقّ الغريم الطّالب لك

32 _ وأمَّا حقُّ الصَّاحِب :فأنْ تصْحبَهُ بالفَضلِ ما وَجدْتَ إليهِ سبيلاً ، وإلاَّ فَلا أقلَّ مِنَ الإنصافِ ، وأنْ تُكرِمَهُ كما يكْرِمُكَ ، وتحْفظَهُ كما يَحْفَظُكَ ، ولا يَسبِقَكَ فيما بينَكَ وبَينَهُ إلى مَكرُمَةٍ ، فإنْ سبَقَكَ كافأْتهُ ، ولا تُقَصِّرْ بهِ عمَّا يَستحِقُّ من المَوَدَّةِ تُلْزِمُ نفسَكَ نَصيحَتَهُ وحِياطتَهُ ، ومعاضَدَتَهُ على طاعَةِ ربِّهِ ، ومعونَتَهُ على نَفسِهِ ، فيما لا يَهُمُّ بهِ من مَعصِيَةِ ربِّهِ ، ثُمَّ تكونُ عَلَيهِ رَحمَةً ، ولا تكونُ عَلَيهِ عَذاباً ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

33 _ وأمَّا حقُّ الشَّريكِ :فإنْ غابَ كفيْتَهُ ، وإنْ حَضَرَ ساوَيْتَهُ ، ولا تَعْزِم على حُكمِكَ دونَ حُكمِهِ ، ولا تَعمَل بِرأيِكَ دونَ مُناظَرَتِهِ ، وتَحفَظَ عَلَيهِ مالَهُ ، وتَنْفي عَنهُ خيانَتَهُ فيما عَزَّ أوْ هانَ ، فإنَّهُ بَلَغَنا أنَّ يدَ اللّه ِ عَلى الشَّريكَينِ ما لَم يتَخاوَنا ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

34 _ أمَّا حَقُّ المالِ :فأنْ لا تأخُذَهُ إلاَّ مِن حِلِّهِ ، ولا تُنْفِقَهُ إلاَّ في حِلِّهِ ، ولا تُحَرِّفَهُ عَن مواضِعِهِ ، ولا تَصرِفَهُ عَن حقائِقِهِ ، ولا تجعَلَهُ إذا كانَ مِنَ اللّه ِ إلاَّ إليهِ ، وسَبَباً إلى اللّه ُ لا تُؤثِرُ بهِ على نَفسِكَ مَن لَعَلَّهُ لا يَحْمَدُكَ، وبالحَرِيِّ أنْ لا يُحسِنَ خِلافَتَهُ في تَرِكَتِكَ ، ولا يَعمَلُ فيهِ بِطاعَةِ رَبِّكَ فَتكونَ مُعِيناً لَهُ على ذلِكَ ، أو بِما أحدَثَ في مالِكَ أحسنَ نظراً لِنَفسِهِ ، فَيَعمَلَ بِطاعَةَ رَبِّهِ فيذْهَبُ بِالغَنيمَةِ ، وتَبُوءُ بالإثمِ والحَسرَةِ والنَّدامَةِ مَعَ التَّبِعَةِ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

35 _ وأمَّا حَقُّ الغَريمِ الطَّالبِ لَكَ :فَإنْ كُنتَ موسِراً أوْفيتَهُ وكَفَيْتَه وأغنَيتَهُ ، ولَم تردُدْهُ وتَمْطُلْهُ ، فَإنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قالَ : مَطْلُ الغنيِّ ظُلْمٌ . وإنْ كُنتَ معسِراً أرضَيتَهُ بِحُسْنِ القَولِ ، وطلَبتَ إليهِ طَلَباً جَميلاً ، ورَدَدْتهُ عن نفسِكَ رَدّاً لَطيفاً ، ولَم تَجمَع عَليهِ ذَهابَ مالِهِ وَسوءَ مُعامَلَتِهِ ، فإنَّ ذلِكَ لُؤمٌ ، و لا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

.

ص: 208

36 _ وأمّا حقّ الخليط
37 _ وأمّا حقّ الخصْم المدّعي عليك
38 _ وأمّا حقّ الخصم المدّعى عليه

36 _ وأمَّا حقُّ الخَلِيط :فأنْ لا تغُرَّهُ ، ولا تغُشَّهُ ، ولا تُكَذِّبَهُ ، ولا تُغْفِلَهُ ، ولا تَخْدَعَهُ ، و لاتعمَلَ في انتقاضِهِ عَمَلَ العَدُوِّ الَّذي لا يُبْقي على صاحبِهِ ، وإِن اِطمأنَّ إلَيكَ استقْصَيْتَ لَهُ على نَفسِكَ ، وعَلِمْتَ أنَّ غَبْنَ المُسترسِلِ رِباً . و لا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

37 _ وأمَّا حقُّ الخَصْم المُدَّعي عليك :فإنْ كانَ ما يَدَّعي علَيكَ حَقَّاً لم تَنفَسِخ في حُجَّتِهِ ، ولم تَعمَل في إبطالِ دَعوَتِهِ وكُنتَ خَصمَ نَفسِكَ لَهُ ، والحاكِمَ عَلَيها ، والشَّاهِدَ لَهُ بِحَقِّهِ دُونَ شهادَةِ الشُّهودِ ، فإنَّ ذلِكَ حَقُّ اللّه ِ عَلَيكَ ، وإنْ كانَ ما يَدَّعيهِ باطِلاً رَفقْتَ بهِ ، وَروَّعتَهُ وناشَدْتَهُ بِدينِهِ ، وكَسرْتَ حِدَّتَهُ عَنكَ بِذِكرِ اللّه ِ ، وألْقيتَ حَشْوَ الكَلامِ ، ولَغْطَهُ الَّذي لا يَرُدُّ عَنكَ عادِيَةَ عَدُوِّكَ ، بَل تَبُوءُ بإثْمِهِ ، وبهِ يشْحَذُ علَيكَ سَيْفَ عَداوَتِهِ ، لأنَّ لفظَةَ السُّوءِ تَبْعَثُ الشَّرَّ ، والخَيرُ مَقْمَعَةٌ للشَّرِّ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

38 _ وأمَّا حَقُّ الخَصم المُدَّعى عَلَيهِ :فَإنْ كانَ ما تَدَّعيهِ حَقَّاً أجْمَلْتَ في مقاوَلَتِهِ بمَخْرَجِ الدَّعوى ، فَإنَّ للدَّعوى غِلْظَةً في سَمْع المُدَّعى عَلَيهِ ، وقَصَدْتَ قصدَ حُجَّتِكَ بالرِّفقِ ، وأمْهَلِ المُهْلَةِ ، وأبْينِ البَيانِ ، وألْطَفِ اللُّطْفِ ، ولم تَتَشاغَل عَن حُجَّتِكَ بمنَازَعَتِهِ بالقِيل وَالقالِ ، فتُذْهِبُ عنكَ حُجَّتَكَ ، ولا يكونُ لَكَ في ذلِكَ دَرَكٌ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

.

ص: 209

39 _ وأمّا حقّ المسْتشير
40 _ وأمّا حقّ المشير عليك
41 _ وأمّا حقّ المسْتنْصح
42 _ وأمّا حقّ النّاصح

39 _ وأمَّا حَقُّ المُسْتَشِيرِ :فَإنْ حضرَكَ لَهُ وجْهُ رأيٍ جَهِدتَ لَهُ في النَّصيحَةِ ، وأشَرتَ عَلَيهِ بِما تعلَمُ ، أنَّكَ لَو كُنتَ مكانَهُ عَمِلتَ بهِ ، وذلِكَ لِيَكُن مِنكَ في رَحمَةٍ ولِينٍ ، فَإنَّ اللِّينَ يؤنِسُ الوَحشَةَ ، وإنَّ الغَلِظ يُوحِشُ مَوضِعَ الأُنْسِ وإنْ لم يَحضُرْكَ لَهُ رأيٌ ، وعَرَفْتَ لَهُ مَن تَثِقُ بِرَأيهِ ، وتَرْضى بِهِ لِنَفسِكَ دَلَلْتَهُ عَلَيهِ ، وأرْشَدْتَهُ إلَيهِ ، فَكُنتَ لَم تأْ لُهُ خَيراً ، ولَم تدَّخِرْهُ نُصْحاً ، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

40 _ وأمَّا حقُّ المُشِير عَلَيكَ :فلا تَتَّهِمْهُ فيما لا يُوافِقُكَ عَلَيهِ مِن رأيهِ إذا أشارَ عَلَيكَ ، فإنَّما هِيَ الآراءُ وتَصرُّفُ النَّاسِ فيها واختِلافُهُم ، فَكُن عَليهِ في رأيهِ بالخيارِ إذا اتَّهمْتَ رأيَهُ ، فأمَّا تُهمَتُهُ فلا تَجوزُ لَكَ إذا كان عِندَكَ مِمَّن يَستَحِقُّ المُشاوَرَةَ ، ولا تَدع شُكرَهُ على ما بَدا لَكَ من إشْخاصِ رأيهِ وحسْن وجهِ مَشورَتِهِ ، فإذا وافَقَكَ حَمِدْتَ اللّه َ ، وقَبِلتَ ذلِكَ مِن أخيكَ بالشُّكرِ والإرصادِ بالمُكافَأةِ في مثلها إنْ فزَع إلَيكَ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

41 _ وأمَّا حَقُّ المسْتَنْصِحِ :فإنَّ حَقَّهُ أنْ تُؤدِّيَ إلَيهِ النَّصيحَةَ على الحَقِّ الَّذي تَرى لَهُ أنَّهُ يَحمِلُ ، ويَخرُجُ المَخْرَجَ الَّذي يَلِينُ على مَسامِعِهِ ، وتُكَلِّمَهُ مِنَ الكلامِ بِما يُطيقُهُ عَقلُهُ ، فإنَّ لِكُلِّ عَقلٍ طَبقَةً مِنَ الكلامِ يعرِفُهُ ويَجْتَنِبُهُ ، وليَكُن مذهَبُكَ الرَّحمَةَ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

42 _ وأمَّا حقُّ النَّاصح :فأنْ تُلينَ لَهُ جَناحَكَ ، ثمَّ تَشْرَئِبَّ لَهُ قلْبَكَ ، وتَفتَح لَهُ سمعَكَ حَتَّى تَفْهَمَ عَنهُ نَصيحَتَهُ ، ثُمَّ تَنْظُرَ فيها ، فَإنْ كانَ وُفَّقَ فيها للصَّوابِ حَمِدتَ اللّه َ على ذلِكَ وقبِلْتَ مِنهُ ، وعَرَفْتَ لَهُ نَصيحَتَهُ ، وإنْ لمْ يَكُن وُفِّقَ لَها (1) فيها رَحِمْتَهُ ، وَلَمْ تَتَّهِمْهُ ، وعَلِمتَ أنَّهُ لَم يأْلُكَ نُصْحاً ، إلاَّ أنَّهُ أخطَأ ، إلاَّ أن يكون عندك مُسْتَحقَّاً للتُّهمَة ، فلا تَعْبأْ بشيْء من أمره على كلّ حالٍ ، ولا قوَّة إلاَّ باللّه ِ .

.


1- . هكذا في المصدر، والصواب: «له».

ص: 210

43 _ وأمّا حقّ الكبير
44 _ وأمّا حقّ الصّغير
45 _ وأمّا حقّ السّائل

43 _ وأمَّا حقُّ الكبير :فإنَّ حقَّه تَوْقِيرُ سِنِّهِ ، وإجلالُ إسلامِهِ إذا كانَ من أهلِ الفَضلِ في الإسلامِ بِتَقْديمِهِ فيهِ ، وترْكِ مُقابَلَتِهِ عِندَ الخِصامِ ، ولا تسْبِقْهُ إلى طَريقٍ ، ولا تَؤُمَّهُ في طريقٍ ولا تَستَجْهِلْهُ ، وإنْ جَهِلَ عَلَيكَ تَحَمَّلْتَ ، وأكرَمْتَهُ بِحَقِّ إسلامِهِ مَعَ سِنِّهِ ، فإنَّما حَقُّ السِّنِّ بِقَدْرِ الإسلامِ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

44 _ وأمَّا حقُّ الصَّغير :فَرَحْمَتُهُ وتَثْقِيفُهُ وتَعْلِيمُهُ والعَفوُ عَنهُ ، والسَّتْرُ عَلَيهِ ، والرِّفُق بِهِ ، والمعُونَةُ لَهُ ، والسَّتْرُ على جرائِرِ حَدَاثَتِهِ ، فإنَّهُ سَبَبٌ للتَّوبَةِ ، والمُدارَاةُ لَهُ ، وتَرْكُ مُماحَكَتِهِ ، فإنَّ ذلِكَ أدْنى لِرُشْدِهِ .

45 _ وأمَّا حقُّ السَّائلِ :فإعطاؤهُ إذا تَيَقَّنتَ صِدقَهُ ، وقَدرْتَ على سَدِّ حاجَتِهِ ، والدُّعاءُ لَهُ فيما نزَلَ بهِ ، والمُعَاوَنةُ لَهُ على طَلِبَتِهِ ، وإنْ شَكَكْتَ في صِدْقِهِ وسَبَقَتْ إليهِ التُّهَمَةُ لَهُ ، ولم تَعْزِم على ذلِكَ لم تأمَن أنْ يَكونَ من كَيْدِ الشَّيطانِ ، أرَاد أنْ يَصُدَّكَ عَن حَظِّكَ ، ويحُولَ بَينَكَ وَبَينَ التَّقرُّبِ إلى ربِّكَ فَتَرَكتَهُ بِسَتْرهِ ، ورَدَدْتَهُ رَدّاً جميلاً ، وإنْ غلَبْتَ نَفسَكَ في أمرِهِ وأعطَيْتَهُ على ما عرَضَ في نفسِكَ منه ، فإنَّ ذلِكَ مِن عَزْمِ الاُمورِ .

.

ص: 211

46 _ وأمّا حقّ المسؤول
47 _ وأمّا حقّ من سرّك اللّه به وعلى يديْه
48 _ وأمّا حقّ من ساءلك القضاء على يديْه بقول أو فعل

46 _ وأمَّا حقُّ المَسؤولِ :فَحَقُّهُ إنْ أعْطى قُبِلَ مِنهُ ما أعْطى بالشُّكرِ لَهُ والمَعرِفَةِ لِفضْلهِ ، وطلَبِ وَجْهِ العُذْر في مَنعِهِ ، وأحسِن بهِ الظَّنَّ ، واعلَم أنَّه إنْ منَعَ فمالَهُ منَع ، وأنْ لَيسَ التَّثْرِيبُ في مالِهِ وإنْ كانَ ظالِماً ، فَإنَّ الإنسان لظَلُومٌ كَفَّارٌ .

47 _ وأمَّا حقُّ من سَرَّك اللّه به وعلى يديْه :فإنْ كانَ تعمَّدَها لَكَ حَمِدْتَ اللّه َ أوَّلاً ، ثُمَّ شكرْتَهُ على ذلِكَ بقَدْرهِ في مَوْضِعِ الجَزاءِ ، و كافأْتَهُ على فَضلِ الابْتداءِ ، وأرْصَدْتَ لَهُ المُكافأةَ ، وإنْ لم يَكُن تَعَمَّدَها حَمِدْتَ اللّه َ وشكرْتَهُ وعَلِمْتَ أنَّهُ مِنهُ تَوَحَّدَكَ بِها ، وأحْبَبْتَ هذا إذ كانَ سبباً مِن أسبابِ نِعَمِ اللّه ِ عَلَيكَ ، وترْجو لَهُ بعد ذلِكَ خَيراً ، فإنَّ أسبابَ النِّعَمِ بَرَكَةٌ حَيثُ ما كانَت وإنْ كانَ لَم يَتَعمَّد ، و لا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

48 _ وأمَّا حقُّ من ساءَكَ القضاءُ على يَديْهِ بِقَولٍ أو فِعلٍ :فإنْ كان تعمَّدَها كانَ العفْوُ أوْلى بِكَ لما فيهِ لَهُ مِنَ القَمْعِ وحُسْنِ الأدَبِ مَعَ كثيرِ أمْثاله مِنَ الخُلُقِ ، فإنَّ اللّه َ يقولُ : «وَ لَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُ_لْمِهِ فَأُولَئكَ مَا عَلَيْهِم مِن سَبِيلٍ » إلى قولهِ: «لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » (1) ، وقال عز و جل : «وَ إِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَ لَئن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ » (2) ، هذا في العَمدِ ؛ فإن لم يكن عَمْداً لم تَظْلِمهُ بتَعَمُّدِ الانتصارِ مِنهُ ، فتكونُ قد كافأْتَهُ في تعمُّدٍ على خَطإٍ ، ورَفقْتَ بهِ ورَدَدْتهُ بألْطَفِ ما تَقْدِرُ عَلَيهِ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

.


1- . الشورى : 41 إلى 43 .
2- . النحل : 126 .

ص: 212

49 _ وأمّا حقّ أهل ملّتك عامّة
50 _ وأمّا حقّ أهل الذّمّة

49 _ وأمَّا حقُّ أهل مِلَّتِكَ عامَّةً :فإضْمارُ السَّلامَةِ ، ونَشْرُ جَناحِ الرَّحْمةِ ، والرِّفْقُ بمُسِيئِهم ، وتألُّفُهُم ، واسْتِصْلاحُهم ، وشكرُ محسِنِهم إلى نفسهِ وإلَيكَ ، فإنَّ إحسانَهُ إلى نفسِهِ إحسانُهُ إلَيكَ إذا كَفَّ عَنكَ أذَاهُ ، وكفاكَ مَؤونَتَهُ ، وحبَس عَنكَ نفسَهُ ، فعُمَّهم جَميعاً بِدَعوَتِكَ ، وانْصُرْهُم جَميعاً بِنُصْرَتِكَ ، وأنزلهم جميعاً مِنكَ مَنازِلَهم ، كبيرَهم بِمَنزلَةِ الوَالدِ ، وصغيرَهم بِمَنزلَةِ الْوَلَدِ ، وأوْسَطَهم بِمَنزلَةَ الأخِ ، فمَن أتاك تَعاهَدتَهُ بلُطْفٍ ورَحمَةٍ ، وَصِلْ أخاكَ بِما يَجِبُ للأخِ على أخيهِ .

50 _ وأمَّا حَقُّ أهلِ الذِّمَّةِ :فالحكمُ فيهم أنْ تَقْبَلَ مِنهم ما قبِلَ اللّه ُ ،وتَفِيَ بِما جعَلَ اللّه ُ لَهُم من ذمَّتِهِ وعَهْدِهِ ،وتكِلَهُمْ إليهِ فيما طَلِبوا من أنفُسِهِم ، وأُجْبِروا عَلَيه ، وتَحْكُمَ فيهم بما حَكَم اللّه ُ بهِ على نَفسِكَ فيما جرَى بَينَكَ وبينَهُم من مُعامَلَةٍ ، وَليَكُن بينَكَ وبَينَ ظُلمِهِم من رِعايَةِ ذِمَّةِ اللّه ِ ، والوفاءِ بِعَهدِهِ وعَهدِ رسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله حائِلٌ ، فإنَّهُ بلَغَنا أنَّهُ قالَ : من ظَلَمَ مُعاهَداً كُنتُ خَصْمَهُ فاتَّق اللّه َ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ . فَهذهِ خمسونَ حقَّاً مُحِيطاً بِكَ ، لا تخْرُج مِنها في حالٍ مِنَ الأحوالِ ، يجِبُ عَلَيكَ رِعايَتُها ، والعَمَلُ في تأْدِيَتِها ، والاستعانَةُ باللّه ِ جَلَّ ثناؤهُ على ذلِكَ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ ، والحمدُ للّه ِ ربِّ العالمينَ . (1)

.


1- . تحف العقول : ص 255.

ص: 213

الفصل الثاني : المكاتيب الّتي لم يعثر على نصّها والكتب المنسوبة إليه

11 كتابه عليه السلام إلى يزيد بعد واقعة الحرّة

الفصل الّثاني : المكاتيب الّتي لم يعثر على نصّها و الكتب المنسوبة إليه عليه السلام11كتابُه عليه السلام إلى يزيدبعد واقعة الحرَّةقال عبد الملك بن نوفل : حدَّثني حبيب ، أنَّه بلغه في عشرة ، قال : فلم أبرحْ حتَّى رأيت يزيد بن معاوية خرج إلى الخيل يتصفَّحها ويَنظر إليها .. . وفَصَل ذلك الجيش من عند يزيد وعليهم مسلم بن عُقْبة ، وقال له : إنْ حدَث بك حدَثٌ فاستخلفْ على الجيش حُصين بن نُمَير السَّكونيّ ، وقال له : ادعُ القوم ثلاثاً ، فإنْ هم أجابوك وإلاَّ فقاتلهم ، فإذا أظهرتَ عليهم فأبِحْها ثلاثاً ، فما فيها من مال أو رِقَةٍ (1) أوْ سِلاح أو طعام فهو للجند ، فإذا مضت الثلاثُ فاكفُف عن النَّاس ؛ وانظر عليّ بن الحسين ، فاكففْ عنه واستَوصِ به خيراً ، وأدنِ مجلسه ، فإنَّه لم يدخل في شيء مِمَّا دخلوا فيه ، وقد أتاني كتابُه .. . (2) أقول : لم يذكر لفظ الكتاب .

.


1- . في حديث : «فهاتوا صدقَةَ الرِّقَة» يُريدُ الفضّةَ والدَّراهِمَ المضروبةَ منها (النهاية : ج 2 ص 254 «رقَه») .
2- . تاريخ الطبري : ج 5 ص 484 ، الكامل في التاريخ : ج 4 ص 112.

ص: 214

12 كتابه عليه السلام إلى المختار جواباً لكتاب وصله منه

12كتابُه عليه السلام إلى المختارجواباً لكتاب وصله منهأبو حمزة الثماليّ قال : كنت أزور عليّ بن الحسين عليه السلام في كلّ سنة مرَّة في وقت الحجّ ، فأتيته سنة من ذاك وإذا على فخذه صبيّ ، فقعدت إليه وجاء الصبيّ فوقع على عتبة الباب فانشجّ ، فوثب إليه عليّ بن الحسين عليه السلام .. . ويقول له : «يا بُنيَّ أعيذُكَ باللّه ِ أن تكونَ المصلوبَ في الكُناسَةِ» . قُلتُ : بأبي أنتَ وأمِّي وأيُّ كُناسَةٍ؟ قال : «كُناسَةُ الكوفَةِ» . قلتُ : جُعِلتُ فِداكَ أو يكونُ ذلِكَ؟ قال : «إي والّذي بعث محمّداً بالحقّ ، إنْ عشتَ بعدي لترينَّ هذا الغلامَ في ناحِيةٍ مِن نَواحي الكُوفَةِ مَقتولاً مَدفوناً مَنبوشاً مَسلوباً مَسحوباً مَصلوباً فِي الكُناسَةِ ، ثُمَّ يُنزَلُ ويُحرَقُ ويُدَقُّ ويذرَّى في البرِّ» . قُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ وما اسمُ هذا الغُلامِ؟ قال : «هذا ابني زَيدٌ» . ثُمَّ دَمِعَت عَيناهُ ، ثُمَّ قالَ : «أَلا أحدِّثُكَ بِحديثِ ابني هذا؟ بَينا أنا ليلةً ساجِدٌ وراكِعٌ إذ ذهَبَ بي النَّومُ في بَعضِ حالاتي ، فرأيتُ كأنِّي فِي الجنَّةِ ، وكأنَّ رسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وفاطمةَ والحَسنَ والحُسينَ قد زَوَّجوني جارِيَةً مِن حُور العينِ ، فواقَعتُها فاغتَسلتُ عِندَ سِدرَةِ المُنتهى وَوَليتُ ، وهاتِفٌ بي يهتِفُ : لِيَهنِكَ زَيدٌ ، لِيَهنِكَ زَيدٌ ، لِيَهنِكَ زَيدٌ ، فاستَيقَظتُ فَأصَبتُ جَنابَةً ، فَقُمتُ فتطهَّرتُ (1) للصلاة ، وصَلَّيتُ صَلاةَ الفَجرِ ، وَدُقَّ البابُ ، وقيلَ لي : على الباب رجُلٌ يطلبُكَ ، فَخَرجتُ فإذا أنا بِرَجُلُ مَعَهُ جارِيَةٌ ملفوفٌ كُمُّها عَلى يَدِهِ ، مُخَمَّرَةٌ بِخِمارٍ . فَقُلتُ : حاجَتُكَ؟ فقال : أردتُ عليَّ بنَ الحُسينِ . قُلتُ : أنا عليُّ بنُ الحُسَينِ . فَقالَ : أنا رَسولُ المُختارِ بنِ أبي عُبَيدٍ الثَّقفيِّ ، يُقرِؤكَ السَّلامَ ويَقولُ : وَقَعت هذهِ الجارِيَةُ في ناحِيَتِنا فاشتَرَيتُها بِستمائَةِ دينارٍ ، وَهذهِ ستمائَةُ دينارٍ فاستَعِن بِها على دَهرِكَ . وَدَفَعَ إليَّ كِتاباً ، فَأَدخَلتُ الرَّجُلَ والجارِيَةَ ، وكَتَبتُ لَهُ جَوابَ كِتابهِ وأَتَيتُ بهِ إلى الرَّجُلِ .. . » (2) . وَلَم يَذكُر نَصَّ الجَوابِ .

.


1- . في المصدر : «وطهرت» وما أثبتناه هو الصحيح كما في بحار الأنوار .
2- . فرحة الغري : ص 115 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 183 ح 48 نقلاً عنه ، ذوب النضار : ص 63 .

ص: 215

13 كتابه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروان يحذّره من الاغترار

13كتابُه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروانيحذِّره من الاغترارفي البصائر والذّخائر : كتب عليّ بن الحسين عليهماالسلام إلى عبد الملك بن مروان : «أمَّا بعدُ ؛ إنَّك أعزُّ ما تكونُ باللّه ِ ، أحوجُ ما تكونُ إليهِ ، فإنْ عَزَزْت بِه فاعفُ لَهُ ، فإنَّكَ بُه مُقَدّرٌ وإلَيهِ تُرجَعُ» (1) . (2)

.


1- . البصائر والذخائر لأبي حيّان التوحيدي : ج 1 ص 208 الرقم636 .
2- . في تاريخ مدينة دمشق : قال أبو بكر بن دريد : وكتب عبد الملك إلى الحجَّاج في أيَّام ابن الأشعث : إنَّك أعزُّ ما تكون باللّه ، أحوج ما تكون إليه ، وإذا عززت باللّه فاعف له ، فإنَّك به تعزُّ وإليه تُرجع.(ج37 ص 141 وراجع : البداية والنهاية : ج 9 ص 79).

ص: 216

. .

ص: 217

الفصل الثالث : وصاياه

14 وصيّته عليه السلام لابنه في الدّعاء لكشف البلاء

الفصل الثّالث : وصاياه عليه السلام14وصيَّته عليه السلام لابنهفي الدُّعاء لكشف البلاءعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن ابن أبي حمزة ، قال : سمعت عليَّ بن الحسين عليهماالسلام يقولُ لابنهِ :يا بُنيَّ مَن أصابَهُ مِنكُم مُصيبَةٌ أو نزَلَت بهِ نازِلةٌ فليتوضَّأ وليُسْبِغ الوُضوءَ ، ثُمَّ يُصلِّي رَكعتينِ أو أربعَ رَكَعاتٍ ، ثُمَّ يقولُ في آخرِهِنَّ : «يا موْضِعَ كُلِّ شكوى ، ويا سامِعَ كُلِّ نَجوى وشاهِدَ كُلِّ ملاَءٍ ، وعالِمَ كُلِّ خَفِيَّةٍ ، ويا دافِعَ ما يَشاءُ مِن بَلِيَّةٍ ، ويا خليلَ إبراهيمَ ، ويا نَجِيَّ موسى ، ويا مُصطَفِيَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، أَدعوكَ دُعاءَ مَن اشتدَّت فاقَتُهُ ، وقلَّتْ حِيلَتُهُ ، وضَعُفَتْ قُوَّتُهُ ، دُعاءَ الغَريقِ الغَريبِ المُضْطَرِّ الَّذي لا يَجِدُ لِكَشفِ ما هُوَ فيهِ إِلاّ أنتَ ، يا أرحَمَ الرَّاحمينَ» . فإنَّهُ لا يَدعو بهِ أحَدٌ إلاّ كَشَفَ اللّه ُ عَنهُ إنْ شاءَ اللّه ُ . (1)

.


1- . الكافي : ج 2 ص 560 ح 15 ، الدعوات : ص 129 ح 323 ، كشف الغمة : ج 2 ص 176 وكلاهما نحوه مع اختلاف يسير.

ص: 218

15 وصيّته عليه السلام لابنه و فيها مواعظ له
16 وصيّته عليه السلام لابنه في شكر النّعمة

15وصيَّته عليه السلام لابنهو فيها مواعظ لهمحمَّد بن أحمد بن يزيد الجمحيّ قال : حدَّثني هارون بن يحيى الخاطبيّ قال : حدَّثني عليّ بن عبد اللّه بن مالك الواسطيّ ، قال : حدَّثني عثمان بن عثمان بن خالد ، عن أبيه ، قال : مرض عليّ بن الحسين عليه السلام مرضه الَّذي توفيَّ فيه ، فجمع أولاده محمَّد ، والحسن ، وعبد اللّه ، وعمر ، وزيد ، والحسين ، وأوصى إلى ابنه محمَّد وكنَّاه بالباقر ، وجعل أمرهم إليه ، وكان فيما وعظه في وصيّته أنْ قال :«يا بُنيَّ إنَّ العقلَ رائِدُ الرُّوحِ ، والعِلمَ رائدُ العَقلِ ، والعَقلَ تُرجمانُ العِلمِ . واعلَم أنَّ العِلمَ أتقى ، واللِّسانَ أكثرُ هَذراً . واعلَم يا بنيَّ أنَّ صلاحَ شأنِ الدُّنيا بحذافيرِها في كلمتَينِ : إصلاحُ شأنِ المعاشِ مل ءُ مكيالٍ ، ثُلُثاهُ فِطنَةٌ ، وثُلثُهُ تَغافُلٌ ، لأنَّ الإنسانَ لا يَتَغافَلُ عَن شيءٍ قد عَرَفَهُ فَفَطِنَ فيه . واعلَم أنَّ السَّاعاتِ يُذهِبُ (1) غَمَّكَ ، وإنَّك لا تَنالُ نِعمَةً إلاَّ بِفراقِ أُخرى ، فإيَّاكَ والأمَلَ الطويلَ ، فَكَم مِن مُؤَمِّلٍ أملاً لا يَبلُغُهُ ، وجامِعِ مالٍ لا يأكُلُهُ ، ومانِعِ مالٍ سوفَ يَترُكُهُ ، ولعلَّهُ مِن باطِلٍ جَمَعهُ ومِن حَقًّ مَنَعهُ، أصابَهُ حَراماً، وَوَرَّثَهُ عَدُوَّا، احتمَلَ إصرَهُ وباءَ بِوِزرِهِ،ذلِكَ هو الخُسرانُ المُبينُ». (2)

16وصيَّته عليه السلام لابنهفي شكر النِّعمةفي الأمالي : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضَّلِ ، قال : حدَّثنا أبو بشر حيَّان بن بشر الأسديّ القاضيّ بالمصيصة ، قال : حدَّثني خالي أبو عكرمة عامر بن عمران الضَّبيّ الكوفيّ ، قال : حدَّثنا محمّد بن المفضَّل الضَّبيّ ، عن أبيه المفضَّل بن محمّد ، عن مالك بن أعين الجهنيّ ، قال : أوصى عليّ بن الحسين ( عليهماالسلام) بعض ولده فقال :«يا بُنيَّ اشكُرِ اللّه َ فيما أنعَمَ عَلَيكَ ، وَأَنعِمْ على مَن شَكَرَكَ ، فإنَّهُ لا زَوالَ للنِّعمَةِ إذا شَكَرتَ علَيها ، ولا بقاءَ لَها إذا كَفَرتَها ، والشَّاكِرُ بِشُكرِهِ أسعَدُ مِنهُ بالنِّعمَةِ الَّتي وجَبَ علَيهِ الشُّكرُ بِها ، وتلا _ يعني عليَّ بن الحسين عليهماالسلام _ قولَ اللّه ِ تعالى : «وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ » (3) _ إلى آخر الآية _ » . (4) وفي كفاية الأثر : حدَّثنا محمّد بن عبد اللّه بن المطَّلب ، قال : حدَّثنا أبو بشر الأسديّ القاضيّ بالمصيصة ، قال : حدَّثنيّ خالي أبو عكرمة بن عمران الضبيّ الكوفيّ ، قال : حدّثني محمّد بن المفضل الضبيّ ، عن أبيه المفضل بن محمّد ، عن مالك بن أعين الجهنيّ ، قال : أوصى عليّ بن الحسين عليه السلام ابنه محمّد بن عليّ صلوات اللّه عليهما فقال : «يا بُنيَّ إنِّي جَعَلتُكَ خَليفَتي مِن بَعدي ، لا يَدَّعي فيما بَيني وبينَكَ أحدٌ إلاَّ قلَّدَهُ اللّه ُ يَومَ القيامَةِ طَوقاً مِن نارٍ ، فاحمَدِ اللّه َ على ذلِكَ واشكُرهُ . يا بُنيَّ اشكُر لِمَن أنعَمَ عَلَيكَ ، وأَنعِم على مَن شكَرَكَ ، فإنَّه لا تَزولُ نِعمَةُ إذا شُكِرَت ، ولابقاءَ لها إذا كُفِرَت ، والشَّاكرُ بِشُكرِهِ ، أسعَدُ مِنهُ بِالنِّعمَةِ الَّتي وجَبَ عَلَيهِ بها الشُّكرُ . _ وتلا عليُّ بنُ الحسينِ عليهماالسلام _ «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ » (5) » . (6)

.


1- . هكذا في المصدر، والصواب: «تُذهِبُ».
2- . كفاية الأثر : ص 239 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 230 ح 7 نقلاً عنه..
3- . إبراهيم : 7 .
4- . الأمالي للطوسي : ص 501 ح 1096.
5- . إبراهيم : 7 .
6- . كفاية الأثر : ص 240 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 231 ح 8 نقلاً عنه.

ص: 219

. .

ص: 220

17 وصيّته عليه السلام لابنه في من ينبغي اجتنابه
18 وصيّته عليه السلام لابنه في فعل الخير

17وصيَّته عليه السلام لابنهفي من ينبغي اجتنابهأبو المفضَّل قال : أخبرنا رجاء بن يحيى أبو الحسين العبرتائيّ الكاتب ، قال : حدَّثنا هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب بِسُرَّ مَن رأى ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن عليّ ( عليهم السلام) ، قال : أردت سفراً ، فأوصاني أبي عليّ بن الحسين( عليه السلام ) ، فقال في وصيَّته :«إيَّاك يا بُنيَّ أنْ تصاحِبَ الأحمَقَ أو تخالِطَهُ ، واهجُرهُ ولا تُحادِثهُ ، فإنَّ الأحمَقَ هُجْنَةٌ (1) غائِباً كانَ أو حاضِراً ، إنْ تكلَّم فضحَهُ حُمقُهُ ، وإنْ سكَتَ قصَّر به عِيُّهُ ، وإنْ عَمِلَ أفسَدَ ، وَإنِ استُرعِيَ أضاعَ ، لا عِلمُهُ من نفسِهِ يُغنيهِ ، ولا عِلمُ غَيرِهِ يَنفَعُهُ ، ولا يُطيعُ ناصِحَهُ ، ولا يستريحُ مُقارِنُهُ ، تَوَدُّ اُمّهُ ، إنَّها ثَكِلَتهُ ، وامرَأتُهُ أنَّها فَقَدَتهُ ، وجارُهُ بُعدَ دارِهِ ، وجَليسُهُ الوحدَةَ مِن مُجالَسَتِهِ ، إنْ كان أصغَرَ مَن في المَجلِسِ أعْيَى (2) مَنْ فَوقَهُ ، وإنْ كانَ أكبَرَهُم أفسَدَ مَن دُونَهُ» . (3)

18وصيَّته عليه السلام لابنهفي فعل الخيرمحمّد بن أبي عبد اللّه ، عن موسى بن عمران ، عن عمِّه الحسين بن عيسى بن عبد اللّه ، عن عليِّ بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن موسى عليه السلام قال : «أخذ أبي بيدي ثمَّ قال : يا بُنيَّ إنَّ أبي مُحمَّدَ بنَ عليٍّ عليه السلام أخذَ بيدي كما أخذْتُ بِيَدِكَ وقالَ : إنَّ أبي عَليَّ بن الحسين عليهماالسلام أخذ بيدي ، وقال : يا بُنيَّ افعَلِ الخَيرَ إلى كُلِّ مَن طَلِبَهُ مِنكَ ، فإنْ كانَ من أهلِهِ فَقَد أصَبتَ موْضِعَهُ ، وإنْ لَم يَكُن مِن أهلِهِ كُنتَ أنتَ من أهلِهِ ، وإنْ شَتَمَكَ رَجُلٌ عن يَمينِكَ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلى يَسارِكَ ، فاعْتذَرَ إليكَ فاقبَل عُذْرَهُ» . (4)

.


1- . الهجنة في الكلام : العيب والقبح ، وفي العلم : إضاعته .
2- . في المصدر : «أعني» والصواب ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
3- . الأمالي للطوسي : ص 613 ح 1268 ، بحار الأنوار : ج 74 ص 197 ح 33نقلاً عنه.
4- . الكافي : ج 8 ص 152 ح 141 ، مسائل علي بن جعفر : ص 342 ح 843.

ص: 221

19 وصيّته عليه السلام لابنه و فيها مواعظ له
20 وصيّته عليه السلام لابنه في المجالسة

19وصيَّته عليه السلام لابنهو فيها مواعظ لهقال العتبي : قال عليّ بن الحسين عليهماالسلام وكان من أفضل بني هاشِمٍ لابنهِ :«يا بُنيَّ اصبر على النوائِبِ ، ولا تَتَعرّض للحُقوقِ ، ولا تُجِب (1) أخاكَ إلى الأَمرِ الَّذي مَضَرَّتُهُ عَليكَ أكثرُ من مَنفَعَتِهِ لَهُ» . (2)

20وصيَّته عليه السلام لابنهفي المجالسةروى عليُّ بن جعفر عن أبيه عن جدّه عن عليّ بن الحسين عليه السلام أنّه كان يقول لبنيهِ :«جالسوا أهلَ الدِّينِ والمَعرِفَةِ ، فإنْ لم تَقدِروا عَلَيهِم فالوَحدَةُ آنَسُ وَأَسلَمُ ، فإنْ أبيتُم إلاّ مُجالَسَةَ النَّاسِ ، فَجالِسوا أهلَ المُرُوَّاتِ فإنَّهُم لا يَرفِثونَ في مَجالسِهِم» . (3)

.


1- . في البداية والنهاية : «تخيب» بدل «تجب» .
2- . المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 165 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 95 ؛ تهذيب الكمال : ج 20 ص 399 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 41 ص 408 ، البداية والنهاية : ج 9 ص 133.
3- . رجال الكشي : ج 2 ص 788 ح 954.

ص: 222

21 وصيّته عليه السلام لابنه في من لا ينبغي مصاحبته

21وصيَّته عليه السلام لابنهفي من لا ينبغي مصاحبتهأبو عليّ المقرئ : أنبأنا أبو نعيم ، ثنا محمّد بن عليّ بن حبيش ، ثنا أحمد بن يوسف الضَّحاك ، ثنا محمّد بن يزيد ، ثنا محمّد بن عبد اللّه القرشيّ ، ثنا محمّد بن عبداللّه الزَّبيريّ ، عن أبي حمزة الثُّماليّ حدَّثني أبو جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام قال :«أوصاني أبي فقالَ لا تَصحَبَّنَ خَمسَةً ، ولا تُحادِثهُم ولا تُرافِقهُم في طريق . قال قلتُ : جُعِلتُ فِداكَ يا أبة ، مَن هؤلاءِ الخمسةُ؟ قال : لا تصحَبَنَّ فاسِقاً ، فإنَّه بايِعُكَ بأكلةٍ فَما دونَها . قال قلتُ : يا أبة ، وَما دونَها؟ قال : يطمَعُ فيها ثُمَّ لا يَنالُها . قال قُلتُ : يا أبة ، ومَنِ الثَّاني؟ قال : لا تَصحَبَنَّ البَخيلَ ، فإنَّه يَقطَعُ بِكَ في مالِهِ أحوجَ مَا كنُتَ إلَيهِ . قال قُلتُ : يا أبة ، ومَن الثَّالِثُ؟ قال : لا تَصحَبَنَّ كذَّاباً ، فإنَّهُ بِمَنزِلَةِ السَّرابِ ، يُبَعِّدُ مِنكَ القريبُ ، ويُقرِّبُ مِنكَ البعيدُ . قُلتُ : يا أبة ، ومَن الرَّابِعُ؟ قال : لا تَصحَبَّنَ أحمَقَ ، فإنَّهُ يُريدُ أنْ ينفَعَكَ فَيَضُرَّكَ . قال قُلتُ : يا أبة ، ومَن الخامِسُ؟ قال : لا تَصحَبَنَّ قاطِعَ رَحِمٍ ، فإنِّي وَجَدتُهُ مَلعوناً في كتابِ اللّه ِ عَزَّ وجَلَّ في ثَلاثَةِ مواضِع» . (1)

.


1- . تاريخ مدينة دمشق : ج 54 ص 292 ؛ كشف الغمّة : ج 2 ص 293 ، العدد القويّة : ص 319 ح 22 كلاهما نحوه مع اختلاف.

ص: 223

22 وصيّته عليه السلام لأصحابه في الاهتمام بالآخرة
23 وصيّته عليه السلام لابنه في ناقته

22وصيَّته عليه السلام لأصحابهفي الاهتمام بالآخرةقال : أخبرني أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين قال : حدَّثني أبي ، قال : حدَّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميريّ ، قال : حدَّثنا أيُّوب بن نوح ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن جميل بن درَّاج ، عن أبي حمزة الثُّماليِّ رحمه الله عن عليّ بن الحسين زين العابدين عليهماالسلام أنَّه قال يوماً لأصحابه :«إخواني! أُوصيكُم بِدارِ الآخِرَةِ ، ولا أُوصيكُم بِدارِ الدُّنيا ، فإنَّكُم عَلَيها حرَيصونَ وبِها مُتَمسِّكونَ ، أما بلَغَكُم ما قال عيسى بنُ مريمَ عليهماالسلامللحواريّينَ؟ قال لهم : الدُّنيا قَنطَرَةٌ فاعبروها ولا تَعمُروها . وقال : أيُّكم يَبني على مَوجِ البَحرِ داراً؟ تِلكُم الدَّارُ الدُّنيا ، فَلا تتَّخذوها قَراراً» . (1)

23وصيَّته عليه السلام لابنهفي ناقتهحدَّثني محمّد بن الحسن قال : حدَّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن أحمد بن أبي عبدِ اللّه ِ البرقيّ ، عن يونس بن يعقوب ، عن الصَّادقِ عليه السلام قال :« قال عليُّ بنُ الحُسينِ عليهماالسلام لابنه ِ مُحَمّدٍ عليه السلام حينَ حَضَرتهُ الوَفاةُ : إنَّني قَد حَجَجتُ على ناقتي هذهِ عِشرينَ حِجَّةً فلَم أقرَعها بِسَوطٍ قَرعَةً ، فإذا نَفِقَت فادفُنها لا تأكلُ لحمَها السِّباعُ ، فإنَّ رسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قالَ : ما مِن بَعيرٍ يُوقَفُ علَيهِ مَوقِفَ عَرَفَة سبعَ حِجَجٍ إلاَّ جَعَلَهُ اللّه ُ مِن نِعَمِ الجَنَّةِ ، وبارَكَ في نسلِهِ» .

.


1- . الأمالي للمفيد : ص 43 ح 1 ، بحار الأنوار : ج 73 ص 107 ح 107.

ص: 224

24 وصيّته عليه السلام لابنه في الصبر على الحقّ
25 وصيّته عليه السلام لابنه في التّحذير عن الظّلم

فلمَّا نَفِقَت حَفَر لَها أبو جَعفرٍ عليه السلام ودفَنَها . (1)

24وصيَّته عليه السلام لابنهفي الصبر على الحقّعدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبداللّه ، عن إسماعيل بن مهران ، عن دُرُسْتَ بن أبي منصور ، عن عيسى بن بشير ، عن أبي حمزة قال : قال أبو جعفر عليه السلام :وقال : يا بُنيَّ أُوصيكَ « بما أوْصاني بهِ أبي حِينَ حضَرَتْهُ الوَفاةُ ، وبما ذَكَرَ أنَّ أباهُ أوْصاهُ بهِ يا بُنيَّ اصبِر على الحَقِّ وإنْ كانَ مُرّاً (2) » . (3)

25وصيَّته عليه السلام لابنهفي التَّحذير عن الظُّلمعدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه ، عن إسماعيل بن مهران ، عن دُرُسْتَ بن أبي منصور ، عن عيسى بن بشير ، عن أبي حمزة الثُّماليّ ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :«لمَّا حضر عليّ بن الحسين عليهماالسلام الوفاة ضمَّني إلى صدره ،ثمَّ قال : يا بُنيَّ اُوصيكَ بما أوصاني بهِ أبي عليه السلام حينَ حَضَرتهُ الوفاةُ ، وبما ذَكَر أنَّ أباهُ أوصاهُ بهِ ، قالَ : يا بُنيَّ إيِّاكَ وظُلمَ مَن لا يَجِدُ عَلَيكَ ناصِراً إلاَّ اللّه َ» . (4)

.


1- . ثواب الأعمال : ص 74 ح 1 ، المحاسن : ج 2 ص 479 ح 2662 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 70 ح 46.
2- . وزاد في الفقيه : «يوف إليك أجرك بغير حساب» .
3- . الكافي : ج 2 ص 91 ح 13 ، من لايحضره الفقيه : ج 4 ص 410 ح 5891 ، بحار الأنوار : ج 70 ص 184.
4- . الكافي : ج 2 ص 331 ح 5 ، الخصال : ص 16 ح 59 ، الأمالي للصدوق : ص 249 ح 272 ، تحف العقول : ص 246.

ص: 225

26 وصيّته عليه السلام لابنه في تغسيله عليه السلام
27 وصيّته عليه السلام لابنه في التّرغيب بحسن الخلق

26وصيَّته عليه السلام لابنهفي تغسيله عليه السلامأبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال :«كان فيما أوصى بهِ إليَّ أبي عليُّ بنُ الحسينُ عليهماالسلام : أنْ قال : يا بُنيَّ إذا أنا مِتُّ فلا يلي غُسلي غَيرُكَ ، فإنَّ الإمامَ لا يُغَسِّلُهُ إلاَّ إمامٌ مِثلُهُ . واعلم يا بُنيَّ أنَّ عبدَ اللّه ِ أخاكَ سَيَدعو النَّاسَ إلى نَفسِهِ ، فامنَعهُ ، فإنْ أبى فَدَعهُ ، فإنَّ عُمُرَهُ قصيرٌ» . قال الباقِرُ عليه السلام : «فلمَّا مضى أبي ادَّعى عبدُ اللّه ِ الإمامَةَ فَلَم أُنازِعهُ ، فَلَم يلبَث إلاَّ شُهوراً يَسيرَةً حَتَّى قضى نحبَهُ» . (1)

27وصيَّته عليه السلام لابنهفي التّرغيب بحسن الخلقالزُّهريّ قال : دَخَلتُ على عليِّ بنِ الحُسَينِ عليهماالسلام في المَرَضِ الّذي تُوفِّيَ فيهِ .. . ثُمَّ دخَلَ علَيهِ مُحَمّد ابنهُ فَحدَّثهُ طويلاً بالسرِّ ، فَسَمِعتُهُ يَقولُ فيما يَقولُ : «عَليكَ بِحُسنِ الخُلُقِ » .

.


1- . الخرائج والجرائح : ج 1 ص 264 الرقم 8 ، كشف الغمة : ج 2 ص 351 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 166 ح 9.

ص: 226

قُلتُ : يابنَ رَسولِ اللّه ِ [من (1) الأمر من اللّه ] ما لا بدّ لنا منه _ ووقع في نفسي أنّه قد نعى نفسه _ فإلى مَن نختلفُ بعدك؟ قال : «يا أبا عبد اللّه ، إلى ابني هذا وأشار إلى محمّدٍ ابنهِ ، أنّه وصيّي ، ووارثي ، وَعَيبَةُ علمي ، ومَعدِنُ العِلمِ ، وباقِرُ العِلمِ» . قلت : يابن رسول اللّه ما معنى باقر العلم؟ قال : «سوفَ يختَلِفُ إليهِ خَلاصُ (2) شيعتي ويَبقُرُ العِلمَ علَيهِم بَقرَاً» . قال : ثُمّ أرسَلَ مُحَمَّداً ابنَهُ في حاجَةٍ لَهُ إلى السُّوقِ ، فلمّا جاءَ مُحَمّدٌ ، قُلتُ : يابنَ رسولِ اللّه ِ هَلاّ أوصيتَ (3) أكبرِ أولادِكَ؟ فقال : «يا أبا عبدِ اللّه ِ ، ليسَتِ الإمامَةُ بالصِّغْرِ والكِبَر ، هكذا عَهِدَ إلينا رَسولُ اللّه ُ صلى الله عليه و آله ، وهَكذا وجَدنا مَكتوباً في اللَّوحِ والصَّحيفَةِ» . قلتُ : يابنَ رَسولِ اللّه ِ فَكَم عَهِدَ إليكُم نبيُّكم أنْ تكونَ الأوصياءُ بعدَهُ؟ قال : «وجَدنا في الصَّحيفَةِ واللَّوحِ اثنَيْ عَشَرَ أسَامِيَ مَكتوبَةً بإمامَتِهِم وَأسامِيَ آبائِهِم و أُمّهاتِهِم» . ثمّ قال : «يخرجُ من صُلبِ محمّد ابني سَبعَةٌ مِنَ الأوصياءِ فيهِم المَهديُّ » . (4) وهذا هو ما عثرنا عليه من مكاتيب الإمام زين العابدين عليه السلام والحمد للّه ربّ العالمين .

.


1- . وفي نسخة : «إنْ كان من أمر اللّه » بدل «من الأمر من اللّه » .
2- . وفي نسخة : «ملاء من شيعتي» بدل «خلاص شيعتي» .
3- . وفي نسخة : «هذا أوصيت إليه» بدل «هلا أوصيت» .
4- . كفاية الأثر : ص 241 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 232 ح 9.

ص: 227

مكاتيب الإمام محمّد بن عليّ الباقر

اشاره

مكاتيب : الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليهماالسلام

.

ص: 228

. .

ص: 229

الفصل الأوّل : مكاتيبه العامّة

1 دعاؤه عليه السلام الذي كان يسمّيه الجامع
توحيد اللّه وتسبيحه وحمده

الفصل الأوّل : مكاتيبه عليه السلام العامّة1دعاؤه عليه السلام الذي كان يسمِّيه الجامععليٌّ ، عن أبيه ، عن ابن مَحْبوب ، عن هِشام بن سالم ، عن أبي حمزة (1) ، قال : أخذْت هذا الدُّعاء عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام ، قال : وكان أبو جعفر يُسَمِّيه الجامع :توحيد اللّه وتسبيحه وحمده بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم . أشهَدُ أن لا إلهَ إلاّ اللّه ُ ، وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ ، وأشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ ، آمَنتُ باللّه ِ وبِجَميعِ رُسُلِهِ ، وبِجَميعِ ما أُنزِلَ بهِ على جَميعِ الرُّسُلِ ، وَأنَّ وَعْد اللّه ِ حَقٌّ ، ولِقاءَهُ حَقٌّ ، وصدَقَ اللّه ُ وبَلَّغَ المُرسَلونَ ، والحَمدُ للّه ِِ رَبِّ العالَمينَ ، وسُبحانَ اللّه ِ كُلَّما سَبَّحَ اللّه َ شَيْءٌ ، وَكما يُحبُّ اللّه ُ أنْ يُسبَّحَ ، والحَمدُ للّه ِِ كُلَّما حَمِدَ اللّه َ شَيْءٌ ، وكمَا يُحِبُّ اللّه ُ أنْ يُحمَدَ ، ولا إلهَ إلاّ اللّه ُ كُلَّما هَلَّلَ اللّه َ شَيءٌ ، وَكَما يُحِبُّ اللّه ُ أنْ يُهلَّلَ ، واللّه ُ أكبرُ كُلَّما كَبَّرَ اللّه َ شَيْءٌ ، وَكَما يُحِبُّ اللّه ُ أنْ يُكَبَّرَ . في طلب الخير اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ مَفاتيحَ الخَيْرِ وخَواتِيمَهُ وَسَوابِغَهُ وَفَوائِدَهُ وبَرَكاتِهِ ، وما بَلَغَ عِلْمَهُ عِلْمي ، وما قَصَرَ عن إحْصائِهِ حِفْظي . طلب المعرفة وإخلاص العمل اللَّهمَّ انْهَجْ إليَّ أسبابَ مَعرِفَتِهِ ، وافْتَحْ لي أبْوابَهُ ، وغَشِّني بِبَركاتِ رَحمَتِكَ ، ومُنَّ عَلَيَّ بعِصْمَةٍ عَنِ الإزالَةِ عَن دينِكَ ، وَطَهِّر قَلبي مِنَ الشَّكِّ ، ولا تَشْغَل قَلبي بدُنْيايَ وعاجِلِ مَعاشي، عن آجِلِ ثَوابِ آخِرَتي ، واشْغَل قَلبي بِحفظِ ما لا تَقْبَلُ مِنِّي جَهلَهُ ، وذَلِّلْ لِكُلِّ خَيرٍ لِساني ، وَطَهِّر قَلبي مِنَ الرِّياءِ ، ولا تُجْرِهِ في مَفاصِلِي ، واجْعَلْ عَمَلي خالِصاً لَكَ . الاستعاذة باللّه اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ ، وأنواعِ الفوَاحِشِ كُلِّها ، ظاهِرِها وباطِنِها وغَفَلاتِها ، وَجَميعِ ما يُريدُني بهِ الشَّيطانُ الرَّجيمُ ، وما يُريدُني بهِ السُّلطانُ العَنِيدُ ، مِمَّا أحَطْتَ بِعلْمِهِ ، وأنتَ القادِرُ عَلى صَرْفِهِ عَنِّي . اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنْ طَوارِقِ الجِنِّ والإِنسِ ، وزَوابِعِهِم وبَوائِقِهِم ومكايِدِهِم ، وَمَشاهِدِ الفَسَقَةِ مِنَ الجِنِّ والإنسِ ، وأنْ أُسْتَزَلَّ عَن دِيني فتَفْسُدَ عليَّ آخِرَتي ، وأنْ يَكونَ ذلِكَ مِنهُم ضَرَراً علَيَّ في معاشي ، أوْ يَعْرِضُ بَلاءٌ يُصِيبُني مِنهُم ، لا قُوَّة لي بهِ وَلا صَبْرَ لي عَلى احْتِمالِهِ فَلا تَبْتَلِني يا إلهي بِمُقاسَاتِهِ ، فيَمْنَعَني ذلِكَ عَن ذِكرِكَ ويَشْعَلَني عَن عبادَتِكَ ، أنتَ العاصِمُ المانِعُ الدَّافِعُ الواقِي مِن ذلِكَ كُلِّهِ . طلب الرزق أسألُكَ اللَّهُمَّ الرَّفاهِيَةَ في مَعيشَتي ما أبْقَيْتني ، مَعيشَةً أقوَى بِها عَلى طاعَتِكَ ، وأبلُغُ بها رِضوانَكَ ، وأصِيرُ بها إلى دَارِ الحَيَوَانِ غَداً ، ولا تَرْزُقْني رِزْقاً يُطْغِيني ، ولا تَبْتَلِني بِفَقْرٍ أشْقَى بهِ مُضَيَّقاً عَلَيَّ ، أعطنِي حَظّاً وافِراً في آخِرَتِي ، وَمَعَاشاً واسِعاً هَنِيئاً مَرِيئاً في دُنيايَ ، ولا تَجعَلْ الدُّنيا عَلَيَّ سِجْناً ، ولا تَجعَلْ فِراقَها عَلَيَّ حُزْناً ، أجِرْني من فِتْنَتِها ، واجعَلْ عَمَلِي فيها مَقبولاً ، وسَعْيِي فيها مَشْكُوراً . الاستعانة باللّه عزّ وجلّ على الأعداء اللَّهمَّ وَمَنْ أرادَني بِسُوءٍ فأرِدْهُ بِمِثْلِهِ ، وَمَنْ كادَنِي فيها فَكِدْهُ ، واصْرِفْ عَنِّي هَمَّ مَن أدخَلَ عَلَيَّ هَمَّهُ ، وامكُرْ بِمَن مَكَرَ بي فإنَّك خَيرُ الماكِرينَ ، وَافْقَأ عَنِّي عُيونَ الكفَرَةِ الظَّلَمَةِ ، والطُّغاةِ والحَسَدَةِ . التحرّز باللّه عزّ وجلّ اللَّهمَّ وأنزِل عَلَيَّ مِنكَ السَّكينَةَ ، وألْبِسْني دِرْعَكَ الحَصِينَةَ ، واحْفَظْني بسِتْرِكَ الواقِي ، وجَلِّلْني عافِيَتَكَ النَّافِعَةَ ، وَصَدِّقْ قَولي وَفِعالي ، وبارِكْ لي في وُلْدي وأهْلي ومالِي . طلب المغفرة اللَّهُمَّ ، ما قدَّمْتُ وما أخَّرْتُ وما أغْفَلْتُ ، وما تَعَمَّدْتُ وما تَوانَيْتُ ، وما أعْلَنْتُ وما أسْرَرْتُ ، فاغْفِرْهُ لي يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ . (2)

.


1- . هو ثابت بن دينار وقد مضى شرح أحواله مختصراً في مكاتيب الإمام عليّ بن الحسين عليهماالسلام ، فراجع .
2- . الكافي : ج 2 ص 587 ح 26 ، تهذيب الأحكام : ج 3 ص 76 ح 236 ، مهج الدعوات : ص 172 ، بحار الأنوار : ج 94 ص 268.

ص: 230

في طلب الخير
طلب المعرفة وإخلاص العمل
الاستعاذة باللّه
طلب الرزق

.

.

ص: 231

الاستعانة باللّه عزّ وجلّ على الأعداء
التحرّز باللّه عزّ وجلّ
طلب المغفرة
2 كتابه عليه السلام إلى سعْد الخير في التّقوى و . . .

2كتابُه عليه السلام إلى سَعْد الخَيرفي التَّقوى و . . .محمَّد بن يحيَى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عمِّه حمزة بن بزيع والحسَين بن محمّد الأشعريّ ، عن أحمدَ بن محمّد بن عبد اللّه ، عن يزيد بن عبد اللّه ، عمَّن حدَّثَه ، قال : كتَب أبو جعفر عليه السلام (1) إلى سعد الخَيْر 2 :مكاتيب الإمام محمّد بن عليّ الباقرفي التقوى و آثاره «بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم أمَّا بَعدُ ، فإنِّي أُوصيكَ بِتَقوى اللّه ِ ، فَإنَّ فيها السَّلامَةَ مِن التَّلَفِ ، والغَنِيمةَ في المُنْقَلَبِ ، إنَّ اللّه َ عز و جل يَقِي بالتَّقوَى عَنِ العَبدِ ما عَزَبَ عَنهُ عَقْلُهُ ، وَيُجْلِي بالتَّقوى عَنهُ عمَاهُ وجَهْلَهُ ، وبالتَّقْوى نجَا نُوحٌ ومَن مَعَهُ في السَّفينَةِ ، وصالِحٌ ومَن مَعَهُ من الصَّاعِقَةِ ، وبالتَّقوى فَازَ الصَّابِرونَ ، ونجَتْ تِلكَ العُصَبُ مِنَ المَهالِكِ ، وَلَهُم إخوانٌ على تِلكَ الطَّريقَةِ يَلتَمسونَ تِلكَ الفَضيلَةِ ، نبَذُوا طُغيانَهُمْ مِنَ الإيرادِ بالشَّهوَاتِ لِمَا بَلَغهُم في الكتابِ مِنَ المَثُلاتِ ، حَمِدوا رَبَّهُم عَلى ما رَزَقَهُم ، وَهُو أهلُ الحَمدِ وذَمُّوا أنفُسَهُم على ما فرَّطُوا ، وهُم أهلُ الذَّمِّ . وعلِمُوا أنَّ اللّه َ _ تبارَكَ وَتَعالى _ الحَلِيمُ العَلِيمُ ، إنَّما غَضَبُهُ عَلى مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنهُ رِضاهُ ، وإنَّما يَمْنَع مَنْ لَمْ يَقْبَل مِنهُ عَطاهُ ، وإنَّما يُضِلُّ مَنْ لَمْ يَقْبَل مِنهُ هُدَاهُ ، ثُمَّ أمْكَنَ أهلَ السَّيِّئاتِ مِنَ التَّوبَةِ بِتَبديلِ الحَسَناتِ ، دَعا عِبادَهُ في الكِتابِ إلى ذلِكَ بصَوْت رفِيعٍ لَمْ يَنقَطِعْ ، وَلَمْ يَمْنَعْ دُعاءَ عِبادِهِ ، فلَعَنَ اللّه ُ الَّذينَ يكْتُمونَ ما أنزَلَ اللّه ُ ، وكَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ، فسَبَقَتْ قَبلَ الغَضَبِ فَتَمَّتْ صِدْقاً وَعَدْلاً ، فَلَيسَ يَبْتَدِئُ العِبادَ بالغَضَبِ قَبلَ أنْ يُغْضِبوهُ ، وذلِكَ مِن عِلْمِ اليَقينِ وعِلْمِ التَّقوَى .

.


1- . تردّد السيّد الخوئي بين كون المراد منه الجواد أو الباقر عليهماالسلام(معجم الرجال الحديث : ج 8 ص 96) ، وصرّح المحقق التستري بأنّ المراد منه الباقر عليه السلام .(قاموس الرجال : ج 5 ص 35) .

ص: 232

في التقوى وآثاره

.

.

ص: 233

في آثار نبذ الكتاب
في حال من اعتمد على الناس بدل اللّه

في آثار نبذ الكتابوَكُلُّ أمَّة قَد رَفَعَ اللّه ُ عَنهُم عِلمَ الكِتابِ حِينَ نَبَذُوهُ ، ووَلاّهُمْ عَدُوَّهُم حِينَ تَوَلَّوهُ ، وَكانَ مِن نَبْذِهِمُ الكِتابَ أنْ أقاموا حُرُوفَهُ ، وَحَرَّفوا حُدودَهُ ، فَهُم يَرْوونَه وَلا يَرْعَوْنَهُ ، والجُهَّالُ يُعْجِبهم حِفْظُهم للرِّوايَةِ ، والعُلماءُ يَحْزُنُهم تَرْكُهم للرِّعايَةِ ، وكانَ مِن نَبْذِهِمُ الكِتابَ أنْ وَلَّوْهُ الَّذينَ لا يَعلَمونَ ، فأوْرَدُوهُم الهَوَى ، وأصْدَرُوهُم إلى الرَّدَى ، وغيَّروا عُرَى الدِّين ، ثُمَّ ورَّثُوه في السَّفَهِ والصِّبا ، فالاُمَّةُ يَصْدُرونَ عَنْ أمْرِ النَّاسِ بَعْدَ أمرِ اللّه ِ تبارَكَ وتَعالى وَعَلَيهِ يَرِدونَ . في حال من اعتمد على الناس بدل اللّه فَبِئْسَ للظَّالِمينَ بَدَلاً وَلايَةُ النَّاسِ بَعدَ وَلايَةِ اللّه ِ ، وَثَوابُ النَّاسِ بَعدَ ثَوابِ اللّه ِ ، وَرِضا النَّاسِ بَعْدَ رِضا اللّه ِ ، فَأصبَحَتِ الاُمَّةُ كَذلِكَ ، وَفِيهِمُ المُجتَهِدونَ في العِبادَةِ عَلى تِلكَ الضَّلالَةِ ، مُعْجَبونَ مَفْتُونونَ ، فعبادَتُهُم فِتنَةٌ لَهُم ، وَلِمَنِ اقتَدَى بِهِم ، وقد كانَ في الرُّسُلِ ذِكْرَى للعابِدينَ . إنَّ نبيّاً مِنَ الأنْبياءِ كانَ يَستَكْمِلُ الطَّاعَةَ ، ثُمَّ يَعْصي اللّه َ تبارَكَ وتَعالى في البابِ الواحِدِ ، فَخَرَج بهِ مِنَ الجَنَّةِ ، ويُنْبَذُ بِهِ في بَطْنِ الحُوتِ ، ثُمَّ لا يُنَجِّيه إلاّ الاعْترافُ والتَّوبَةُ . في التحذير من المتشبّهين بالصلحاء فاعرِفْ أشْباهَ الأحْبارِ والرُّهْبانِ ، الَّذين سارُوا بِكِتْمانِ الكِتابِ وَتَحْريفِهِ ، فما رَبِحَتْ تِجارَتُهُم وما كانوا مهتدين ، ثُمَّ اعرِفْ أشْباهَهُم مِن هذهِ الاُمَّةِ ، الَّذينَ أقاموا حُرُوفَ الكِتابِ وحَرَّفُوا حُدُودَهُ فَهُم مَعَ السَّادَةِ والكُبَرَة ، فإذا تفرَّقَتْ قادَةُ الأهْواءِ ، كانوا مَعَ أكثَرِهِم دُنْيا ، وَذلِكَ مبْلَغُهُم مِنَ العِلمِ لا يَزالونَ كذلِكَ في طَبَعٍ وَطَمَعٍ ، لا يَزالُ يُسْمَعُ صوْتُ إبْليسَ عَلى ألْسِنَتِهِم بباطِلٍ كثير ، يَصْبِرُ مِنهُمُ العُلماءُ عَلى الأذَى وَالتَّعْنِيفِ ، ويَعِيبونَ على العُلماءِ بالتَّكليفِ ، والعُلماءُ في أنفُسِهِم خانَةٌ (1) إنْ كتَمُوا النَّصِيحَةَ ، إنْ رَأوْا تائِهاً ضَالاًّ لا يَهْدونَهُ ، أو مَيِّتاً لا يُحْيُونَهُ ، فَبِئْسَ ما يَصْنَعُونَ ، لِأنَّ اللّه َ تَبارَكَ وَتَعالَى أخَذَ عَلَيهِم المِيثاقَ في الكتابِ أنْ يأْمُروا بالمَعروفِ وبِما أُمِرُوا بهِ ، وأنْ ينهَوا عَمَّا نُهُوا عَنهُ ، وأنْ يَتَعاوَنوا عَلى البِرِّ والتَّقوَى ، ولا يتعَاوَنوا عَلى الإثْمِ والعُدْوانِ .

.


1- . الخونُ : أن يُؤتَمنَ الإنسانُ فلا يَنصَحُ ، خانَهُ يخونُهُ خانَةً (لسان العرب : ج 13 ص 144) .

ص: 234

في التحذير من المتشبّهين بالصلحاء
حال العلماء مع الجهّال

حال العلماء مع الجهّالفالعُلماءُ مِنَ الجُهَّالِ في جَهْدٍ وجِهادٍ . إنْ وَعَظَتْ قالوا : طَغَتْ ، وإنْ عَلَّمُوا الحَقَّ الَّذي تَرَكوا . قالوا : خَالَفَت ، وإن اعْتَزَلوهُم قالوا : فارَقتْ ، وإنْ قالوا : هاتوا بُرهانَكُم على ما تُحدِّثونَ ، قالوا : نافَقَتْ ، وإنْ أطاعُوهم ، قالوا : عَصيت اللّه َ عز و جل ، فهَلك جُهَّالٌ فِيما لا يَعلَمونَ ، أُمِّ_يُّون فيما يَتْلونَ ، يُصَدِّقُونَ بالكتابِ عِندَ التَّعْريفِ ، ويُكَذِّبونَ بهِ عِندَ التَّحْريفِ فلا يُنْكِرونَ ، أُولئِكَ أشْباهُ الأحْبار والرُّهْبان ، قادَةٌ في الهوَى ، سادَةٌ في الرَّدَى ، وآخَرون مِنهُم جُلوسٌ بَينَ الضَّلالَةِ والهُدَى ، لا يعْرِفون إحْدَى الطَّائِفتيْن مِنَ الاُخْرَى ، يَقولونَ : ما كانَ النَّاسُ يَعرِفونَ هذا ، ولا يَدْرُونَ ما هُوَ ، وصَدَقوا ، تَرْكَهُم رسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَلى البَيْضاءِ ، لَيْلُها مِن نَهارِها ، لم يَظْهَرْ فِيهِم بِدْعَةٌ ، ولم يُبَدَّلْ فِيهِم سُنَّةٌ ، لا خِلافَ عِندَهُم ولا اخْتِلافَ ، فَلَمَّا غَشِي النَّاسَ ظُلْمَةُ خَطاياهُم صاروا إمامَيْنِ ، دَاعٍ إلى اللّه ِ تَبارَكَ وَتَعالى ، ودَاعٍ إلى النَّارِ ، فعِندَ ذلِكَ نَطَقَ الشَّيطانُ فعَلا صَوْتُه عَلى لِسانِ أوْلِيائِهِ ، وكثُر خَيْلُهُ ورَجْلُهُ ، وَشارَكَ في المالِ والوَلَدِ مَنْ أشْرَكَهُ ، فَعُمِل بالبِدْعَةِ ، وتُرِكَ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، ونَطَقَ أوْلياءُ اللّه ِ بالحُجَّةِ ، وَأَخذُوا بالكِتابِ والحِكمَةِ ، فَتَفرَّقَ من ذلِكَ اليَومِ أهلُ الحَقِّ وأهلُ الباطِلِ ، وَتَخاذَلَ وَتَهادَنَ أهلُ الهُدَى ، وَتَعاوَنَ أهلُ الضَّلالَةِ ، حتَّى كانَت الجَماعَةُ مَعَ فلانٍ وَأشْباهِهِ ، فاعرِف هذا الصِّنْفَ . وصِنْفٌ آخَرُ ، فأبْصِرهم رأْيَ العَين نُجَباءَ ، والزَمْهُم حَتَّى ترِد أهلَكَ ؛ فَإنَّ الخاسرين الَّذين خَسِروا أنفُسَهُم وَأهْلِيهِم يَومَ القيامَةِ ، ألا ذلِكَ هُوَ الخُسْرانُ المُبِينُ . [إلى هاهنا رواية الحسين ، وفي رواية محمّد بن يحيَى زيادةٌ] :

.

ص: 235

في النصح والإرشاد

في النصح والإرشادمكاتيب الإمام محمّد بن عليّ الباقرلَهُم عِلمٌ بالطَّريقِ ، فَإنْ كانَ دونَهُم بَلاءٌ فلا تَنظُرْ إلَيهِم ، فإن كانَ دُونَهُم عَسْفٌ من أهلِ العَسْفِ وخَسْفٌ ، وَدونَهُم بلايا تَنْقضِي ، ثُمَّ تصِير إلى رَخاءٍ ، ثُمَّ اعلَم أنَّ إخْوان الثِّقَةِ ذَخائِرُ ، بَعضُهُم لِبَعْضٍ ، وَلَولا أنْ تَذهَبَ بِكَ الظُّنونُ عَنِّي لَجَلَيْتُ لَكَ عَن أشْياءَ مِنَ الحَقِّ غَطَّيْتُها ، ولَنَشَرْتُ لَكَ أشياءَ مِنَ الحَقِّ كتَمْتُها ، وَلكِنِّي أتَّقيكَ وأسْتَبْقِيكَ ، وَلَيسَ الحَلِيمُ الَّذي لا يَتَّقي أحداً في مَكانِ التَّقوى ، والحِلمُ لِباسُ العالِمِ ، فلا تَعْرَيَنَّ مِنهُ والسَّلامُ» . (1)

.


1- . الكافي :ج 8 ص 52 ح 16 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 358 ح 2.

ص: 236

3 كتابه عليه السلام إلى سعْد الخير في معرفة الإمام و . . .

3كتابُه عليه السلام إلى سَعْد الخَيرفي معرفة الإمام و . . .محمَّد بن يحيَى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بَزيع ، عن عمِّه حمزة بن بزيع ، قال : كتَب أبو جعفر عليه السلام إلى سعْد الخَيْر :«بسم اللّه الرَّحْمن الرَّحيم أمَّا بَعْدُ ، فَقَد جاءَني كِتابُكَ تَذْكُرُ فيهِ مَعرِفَةَ ما لا يَنْبَغي تَرْكُهُ ، وطاعَةَ مَن رِضا اللّه ِ رِضاهُ ، فَقُلتَ مِن ذلِكَ لِنَفسِكَ ما كانَت نَفسُكَ مُرْتَهَنَةً لَو تَرَكْتَهُ ، تَعْجَبُ أنَّ رِضا اللّه ِ وطاعَتَهُ وَنَصيحَتَهُ لا تُقْبَل وَلا تُوجَدُ ولا تُعْرَفُ إلاّ فِي عِبادٍ غُرَباءَ أخْلاءً من النَّاس ، قد اتَّخَذَهُم النَّاسُ سِخْرِيّاً لما يَرْمُونَهُم بهِ مِنَ المُنكَراتِ ، وكان يُقالُ : لا يَكونُ المُؤمنُ مُؤمِنا حَتَّى يَكونَ أبْغَضَ إلى النَّاسِ مِن جِيفَةِ الحِمارِ ، وَلَولا أنْ يُصيبَكَ مِنَ البَلاءِ مِثْلُ الَّذي أصابَنا فَتَجعَلَ فِتْنةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللّه ِ _ وأُعيذُكَ باللّه ِ وَإيَّانا من ذلِكَ _ لَقَرُبْتَ عَلى بُعْدِ مَنزِلَتِكَ . وَاعلَم رَحِمَكَ اللّه ُ ، أنَّهُ لا تُنالُ مَحَبَّةُ اللّه ِ إلاّ بِبُغْضِ كَثيرٍ مِنَ النَّاسِ ، وَلا ولايَتُهُ إلاّ بمُعاداتِهِم ، وَفَوْتُ ذلِكَ قَلِيلٌ يَسيرٌ ، لِدَرْكِ ذلِكَ مِنَ اللّه ِ لِقَومٍ يَعلَمونَ . يا أخي ، إنَّ اللّه َ عز و جل جَعَلَ في كُلٍّ مِنَ الرُّسُلِ بَقايا مِن أهْلِ العِلمِ ، يَدْعُونَ مَن ضَلَّ إلى الهُدى ، ويَصْبِرونَ مَعَهُم عَلى الأذَى ، يُجيبون دَاعِيَ اللّه ِ ، ويَدعونَ إلى اللّه ِ ، فأبْصرْهم رَحِمَكَ اللّه ُ ، فَإنَّهم في مَنْزِلَةٍ رَفيعَةٍ ، وإنْ أصابَتْهُم في الدُّنيا وَضِيعَةٌ ، إنَّهم يُحْيونَ بِكتابِ اللّه ِ المَوْتى ، ويُبَصِّرُنَّ بِنورِ اللّه ِ مِنَ العَمَى . كَم مِن قتيلٍ لاِءبْليسَ قَدْ أحْيَوْهُ ، وكَم من تَائِهٍ ضَالٍّ قد هَدَوْهُ يَبْذُلون دِماءَهُمْ دُونَ هَلَكَةِ العِبادِ ، وَما أحسَنَ أثَرَهُم عَلى العبادِ ، وأقْبحَ آثارَ العبادِ عَلَيهِم» . (1)

.


1- . الكافي :ج 8 ص 56 ح 17 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 362 ح 3.

ص: 237

4 كتابهُ عليه السلام في الأئمّة
5 كتابه عليه السلام لعمر بن عبد العزيز

4كتابُهُ عليه السلام في الأئَمّةِحدَّثنا أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن إسمعيل ، عن منصور ، عن طلحة بن زيد ومحمّد بن عبد الجبّار بغير هذا الإسناد ، يرفعه إلى طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :قرأت في كتاب أبي : الأئِمَّةُ (1) في كِتابِ اللّه ِ إمامانِ : إمامُ الهُدى ، وإمامُ الضَّلالِ . فأمَّا أئِمَّة الهُدى فَيُقدِّمونَ أمرَ اللّه ِ قَبلَ أمرِهِم ، وَحُكْمَ اللّه ِ قَبلَ حُكْمِهِم . وَأمَّا أئِمَّةُ الضَّلالِ ، فَإنَّهُم يُقَدِّمونَ أمْرَهُم قَبلَ أمْرِ اللّه ِ ، وحُكْمَهُم قَبلَ حُكْمِ اللّه ِ ، اتِّباعاً لِأَهوائِهِم ، وخِلافاً لِمَا فِي الكتابِ . (2)

5كتابه عليه السلام لعمر بن عبد العزيزتاريخ اليعقوبي _ في وفاةِ عليّ بن الحسين عليه السلام _ : وذكره يوماً عمر بن عبد العزيز ، فقال : ذهب سراج الدُّنيا ، وجمال الإسلام ، وزين العابدين . فقيل له : إنّ ابنه أبا جعفر _ محمّد بن عليّ _ فيه بقيّة ، فكتب عمر يختبره ، فكتب إليه محمّد كتاباً يعظه ويخوّفه . فقال عمر : أخرِجوا كتابه إلى سليمان ، فأُخرج كتابه ، فوجده يقرّظه ، ويمدحه ، فأنفذ إلى عامل المدينة ، وقال له : أحضِر محمّداً ، وقل له : هذا كتابك إلى سليمان تقرّظه ، وهذا كتابك إليّ مع ما أظهرت من العدل والإحسان . فأحضره عامل المدينة ، وعرّفه ما كتب به عمر ، فقال عليه السلام : إنّ سليمانَ كانَ جَبّاراً ، كتبتُ إليهِ بما يُكتبُ إلى الجَبّارينَ ، وإنَّ صاحِبَك أظهَرَ أمراً فكتَبتُ إلَيهِ بِما شاكَلَهُ . وكتب عامل عمر إليه بذلِكَ ، فقال عمر : إنّ أهلَ هذا البَيتِ لا يُخلِيهم اللّه ُ مِن فضلٍ . (3)

.


1- . في المصدر : «أئمّة» ، والتصويبُ من بحارِ الأنوار .
2- . بصائر الدرجات : ص 32 ح 1 ، بحار الأنوار : ج 24 ص 156 ح 14 نقلاً عنه.
3- . تاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 305.

ص: 238

6 كتابه عليه السلام إلى جابر بن يزيد الجعفيّ في الكتمان

6كتابُه عليه السلام إلى جابر بن يزيد الجعفيّفي الكتمانجبريل بن أحمد،حدَّثني الشّجاعيّ،عن محمّد بن الحسين ، عن أحمد بن النَّضر، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام وأنا شابٌّ ، فقال :«مَن أنتَ ؟» قُلتُ : مِن أهْلِ الكوفَةِ . قال : «مِمَّن؟» قلت : مِن جُعفِيّ . قال : «ما أقدمَكَ إلى هاهنا؟» قُلتُ : طَلَبُ العِلمِ . قال : «مِمَّنْ؟» قُلتُ : مِنكَ . قال : «فإذا سألَكَ أحَدٌ مِن أينَ أنتَ؟ فَقُلْ مِن أهْلِ المَدينَةِ» قالَ : قُلتُ : أسألك قَبلَ كُلِّ شَيءٍ عَنْ هذا ، أَيَحِلُّ لي أن أكذِبَ؟ قال : «ليس هذا بِكَذِبٍ ، مَنْ كانَ في مَدينَةٍ ، فَهُو مِن أهْلِها حَتَّى يَخرُجَ » . قال : ودفع إليَّ كِتاباً ، وقالَ لِي : «إنْ أنتَ حَدَّثتَ بهِ حَتَّى تهلِكَ بَنو أُمَيَّةَ ، فَعَلَيكَ لَعنتي ولَعنَةُ آبائِي ، وَإذا أَنتَ كَتَمتَ مِنهُ شَيْئاً بَعدَ هلاكِ بَني أُمَيَّةَ فَعَلَيكَ لَعنَتي وَلَعنَةُ آبائِي» . ثُمَّ دَفَعَ إليَّ كِتاباً آخَرَ ، ثُمَّ قَالَ : «وهاكَ هذا ، فَإنْ حَدَّثْتَ بِشَيْءٍ مِنهُ أبَداً فَعَلَيكَ لَعنَتي ولَعنَةُ آبائِي » . (1)

.


1- . رجال الكشي : ج 2 ص 438 ح 339 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 200 وفيه إلى «فهو من أهلِها حتّى يخرج» ، بحارُ الأنوارِ : ج 2 ص 70 ح 28 نقلاً عنه.

ص: 239

7 كتابه عليه السلام إلى جابر الجعفيّ في أمره بالجنون

7كتابه عليه السلام إلى جابر الجعفيّفي أمره بالجنونعليّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حَمَّاد ، عن محمّد بن أُورَمَة ، عن أحمد بن النَّضْر ، عن النُّعْمان بن بشير ، قال : كنت مُزَامِلاً لجابر بن يزيد الجُعْفيّ 1 ، فلمَّا أنْ كنَّا بالمدينة دخَل على أبي جعفر عليه السلام ، فودَّعَه وخرج من عنده ، وهو مسْرورٌ حتّى وردْنا الاُخَيْرِجَة (1) أوّل منزل نَعْدِل من فَيْدَ إلى المدينة يوم جُمُعة ، فصلَّيْنا الزَّوال ، فلمَّا نهَض بنا البعير إذا أنا برجل طُوال آدَم معه كتابٌ ، فناولَه جابراً ، فتناولَه فقبَّلَه وَوَضعَه على عينيه ، وإذا هو من محمّد بن عليّ إلى جابر بن يزيد وعليه طينٌ أسود رَطْبٌ ، فقال له : متى عهدُك بسَيِّدي؟ فقال : السَّاعة . فقال له : قبْل الصَّلاة أو بعد الصَّلاة؟ فقال : بعد الصَّلاة . ففَكَّ الخاتَم ، وأقْبل يقْرؤه ، ويَقْبِضُ وجْهَه ، حتّى أتى على آخره ، ثمَّ أمسك الكتاب ، فما رأيتُه ضاحكاً ولا مسرورا حتّى وافى الكوفة ، فلمَّا وَافَيْنا الكوفةَ ليلاً بِتُّ لَيْلَتي ، فلمَّا أصْبحت أتيتُه إعْظاماً له ، فوجدْتُه قد خرَج عليَّ وفي عنُقه كِعَابٌ ، قد علَّقها وقد ركِب قصَبةً وهو يقول : مَنْصُورَ (2) بن جُمْهُورأميراً غيرَ مأْمور وأبياتاً من نَحْو هذا . فنظَر في وجْهي ، ونظرْت في وجهه ، فلم يقُل لي شيئاً ، ولم أقل له ، وأقبلتُ أبكِي لمَّا رأيتُه ، واجْتمَع عليَّ وعليه الصِّبْيان والنَّاس ، وجاء حتّى دخَل الرَّحَبَة ، وأقبل يَدُور مع الصِّبْيان ، والنَّاس يقولون : جُنَّ جابر بن يزيد ، جُنَّ ، فوَ اللّه ِ ما مَضَت الأيَّام حتّى ورَد كتاب هِشام بن عبد المَلِك إلى وَالِيه ، أنِ انْظُر رجلاً يقال له جابر بن يزيد الجُعْفيّ ، فاضرب عُنُقَه ، وابْعث إليَّ برأْسه . فالْتفت إلى جُلَسائه فقال لهم : مَن جابر بن يزيد الجُعْفِيّ؟ قالوا : أصلَحك اللّه ُ ، كان رجلاً له عِلم وفضْلٌ وحدِيثٌ ، وحجَّ فجُنَّ ، وهو ذَا في الرَّحَبة مع الصِّبْيان على القَصَب ، يَلْعَب معهم . قال : فأشْرَف عليه فإذا هو مع الصِّبْيان ، يلْعَب على القَصَب . فقال : الحمد للّه ِ الَّذي عافاني من قتْله . قال : ولم تَمْض الأيَّام ، حتّى دخَل مَنْصُور بن جُمْهُور الكوفةَ ، وصنَع ما كان يقول جابر . (3)

.


1- . أخاريج وأخرجة والخرج إسم موضع بالمدينة .
2- . في المصدر : «أجد منصور» ، والصواب ما أثبتناه من المصادر الاُخرى .
3- . الكافي :ج 1 ص 396 ح 7 ، الاختصاص : ص 67 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 3 ص 323 ، بحار الأنوار : ج 27 ص 23 ح 15 وج46 ص 282 ح 85.

ص: 240

. .

ص: 241

. .

ص: 242

. .

ص: 243

. .

ص: 244

. .

ص: 245

. .

ص: 246

8 كتابه عليه السلام في الدّعاء والعوذة لما يعرض للصبيان من الرّياح

8كتابه عليه السلام في الدّعاء والعوذةلما يعرض للصبيان من الرّياحمحمّد بن جعفر أبو العبّاس ، عن محمّد بن عيسى عن صالح بن سعيد ، عن إبراهيم بن محمّد بن هارون أنّه كتب إلى أبي جعفر عليهماالسلام يسأله عوذة للرياح الّتي تعرض للصبيان . فكتب إليه بخطّه بهاتين العوذتين ، وزعم صالح أنّه أنفدهما إلى إبراهيم بخطّه :اللّه ُ أكبرُ اللّه ُ أكبرُ اللّه ُ أكبرُ ، أشهَدُ أنْ لا إلاّ اللّه ُ ، أشهد أنّ مُحَمّداً رسولُ اللّه ِ ، اللّه ُ أكبرُ اللّه ُ أكبرُ لا إلَه إلاّ اللّه ُ ولا رَبَّ لي إلاّ اللّه ُ ، لَهُ الملكُ ولَهُ الحَمدُ لا شريكَ لَهُ سُبحانَ اللّه ِ ، ما شاءَ اللّه ُ كانَ وما لَم يَشَأ لم يَكُن ، اللّهمَّ ذا الجَلالِ والإكرامِ ، رَبَّ مُوسى وعِيسى وإبراهِيمَ الّذي وَفَّى ، إلهَ إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباطِ ، لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبحانَكَ مَعَ ما عَدَّدَتَ مِن آياتِكَ ، وبِعَظمَتِكَ وبما سألَكَ بهِ النبيّونَ وبِأَنّكَ ربُّ النّاسِ ، كُنتَ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، وأنتَ بَعدَ كُلِّ شَيءٍ ، أسألُكَ باسمِكَ الّذي تُمسِكُ بهِ السماواتِ أنْ تقَعَ على الأرضِ إلاّ بإذنِكَ وبِكَلماتِكَ التّاماتِ الّتي تُحيي بها (1) الموتى أنْ تُجيرَ عبدَكَ فُلاناً من شرِّ ما يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ وما يعرُجُ إليها وما يخرُجُ مِنَ الأرضِ وما يلِجُ فيها وسلامٌ على المُرسَلينَ والحمدُ للّه ِ ربِّ العالَمينَ . وكتب إليه أيضاً بخطّه : بسمِ اللّه ِ وباللّه ِ وإلى اللّه ِ وكما شاءَ اللّه ُ وأُعيذُهُ بِعزِّةِ اللّه ِ وجَبَروتِ اللّه ِ وقُدرَةِ اللّه ِ ومَلَكوتِ اللّه ِ ، هذا الكِتابُ مِنَ اللّه ِ شِفاءٌ لِفلانِ بنِ فلانٍ ، (ابنِ) عَبدِكَ وابنِ أمَتِكَ عَبْدَي اللّه ِ صلى الله عليه و آله . (2)

.


1- . في المصدر : «تُحيي به» ، وما أثبتناه من بحار الأنوار هو الصحيح .
2- . الكافي : ج 2 ص 571 ح 10 ، بحار الأنوار : ج 95 ص 112 ح 1 ، وراجع : عدّة الداعي : ص 264.

ص: 247

9 كتابه عليه السلام إلى حصين الثّعلبيّ في الفرج

9كتابه عليه السلام إلى حصين الثّعلبيّفي الفَرَجِحدَّثنا محمّد بن همَّام ، عن جعفر بن محمّد بن مالك قال : حدَّثني أحمد بن ميثم ، عن عبيد اللّه بن موسى ، عن عبد الأعلى بن حصين الثعلبيّ ، عن أبيه قال : لقيت أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام في حجّ أو عمرة فقلت له : كبرت سنِّي و دقَّ عظمي ، فلست أدري يقضى لي لقاؤك أم لا ، فاعهد إليَّ عهداً ، و أخبرني متى الفَرَجُ؟ فقال :إنَّ الشَّريدَ الطَّريدَ الفريدَ الوحيدَ ، المُفرَدَ مِن أهلِهِ ، الموتورَ بِوالدِهِ ، المُكَنَّى بِعَمِّهِ هُوَ صاحِبُ الرَّاياتِ ، واسمُهُ اسمُ نبيّ .

فقلت أعد عليَّ . فدعا بكتابِ أديمٍ أو صحيفة فكتب لي فيها . (1) وفي رواية أخرى : حدَّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد قال : حدَّثنا أبو عبد اللّه يحيى بن زكريّا بن شيبان من كتابه ، قال : حدَّثنا يونس بن كليب قال : حدَّثنا معاوية بن هشام ، عن صباح قال : حدَّثنا سالم الأشل ، عن حصين التغلبيّ قال : لقيت أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام _ وذكر مثل الحديث الأوّل إلاَّ أنَّه قال : _ ثمَّ نظر إليَّ أبو جعفر عند فراغه من كلامه ، فقال : أحَفِظْتَ أم أكتُبُها لَكَ؟ فَقُلتُ : إنْ شِئتَ ، فدعا بِكِراعٍ مِن أديمٍ أو صحَيفَةٍ فَكتَبَها لي ، ثُمّ دَفَعَها إليَّ ، وأخرَجَها حُصينُ إلينا فَقَرأها عَلَينا ، ثُمَّ قالَ : هذا كتابُ أبي جَعفَر عليه السلام . (2)

.


1- . الغيبة للنعماني : ص 178 ح 23 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 37 ح 9.
2- . الغيبة للنعماني : ص 178 ح 22 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 38 ح 10.

ص: 248

10 كتابه عليه السلام إلى سدير الصّيْرفيّ

10كتابه عليه السلام إلى سَديِر الصَّيْرفيّمحمَّدُ بن يحيَى ، عن محمّد بن الحسين ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن سَديِر الصَّيْرفيّ 1 ، قال : أوصاني أبو جعفر عليه السلام بحوائجَ له بالمدينة ، فخرجتُ فبيْنا أنَا بين فَجِّ الرَّوْحاء على راحِلَتي ، إذا إنسانٌ يَلْوي ثوْبَه ، قال : فمِلْتُ إليه وظَنَنْت أنَّه عَطْشان ، فناوَلْتُه الإداوَة ، فقال لي : لا حاجَةَ لي بِها وناوَلَني كِتاباً طِينُه رَطْبٌ . قال : فلمَّا نظَرْتُ إلى الخاتَمِ ، إذا خاتَمُ أبي جعفر عليه السلام ، فقلتُ : مَتَى عَهْدُكَ بصاحِبِ الكتابِ؟ قال : السَّاعةَ ، وإذا في الكتابِ أشياءُ يأْمرُني بِها . ثمَّ التفَتُّ فإذا ليس عندي أحَدٌ ، قال : ثمَّ قدِمَ أبو جَعفَر عليه السلام فلَقيتُهُ ، فَقُلتُ : جُعِلْتُ فِداكَ ، رجُلٌ أتاني بِكتابِكَ وطِينُه رَطْبٌ . فقال : يا سَدِيرُ ، إنَّ لنا خدَماً من الجِنِّ ، فإذا أردْنا السُّرْعَةَ بعثْناهُم . وفي رواية أُخْرَى ، قال : إنَّ لنا أتْباعاً مِنَ الجِنِّ كمَا أنَّ لنا أتْباعاً من الإنسِ ، فإذا أرَدْنا أمراً بَعثْناهُم . (1)

.


1- . الكافي : ج 1 ص 395 ح 4 ، المناقب لابن شهر آشوب :ج4 ص 190 ، بصائر الدرجات : ص 116 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 284.

ص: 249

11 كتابه عليه السلام إلى درجان في إحضار الميت

11كتابه عليه السلام إلى درجانفي إحضار الميتعن أبي عيينة 1 : إنّ رجلاً جاء إلى أبي جعفر عليه السلام فدخل عليه ، فقال : أنا رجلٌ من أهل الشَّام لم أزل _ واللّه _ أتولاَّكم أهلَ البيت ، وأتبرَّأ من أعدائكم ، وإنَّ أبي لا رحمهُ اللّه ُ ! كان يتولَّى بني أمَيَّةَ ويُفَضِّلُهُم عَلَيكُم ، فكنت أبغضه على ذلك ، وكان يُبغضني على حبِّكم ، ويحرمني ماله ، ويجفوني في حياته و مماته ، وقد كان له مالٌ كثير ، ولم يكن له ولَد غيري ، وكان مسكنه بالرملة ، وكانت له حبيبة يخلو فيها لفسقه ، فلمَّا مات طلبتُ ماله في كلّ موضع فلم أظفر به ، ولست أشكّ أنّه دفنه في موضع وأخفاه منِّي لا رضي اللّه عنه . فقال له أبو جعفر عليه السلام أفَتُحِبُّ أنْ تَراهُ وتَسأَلَهُ أينَ وَضَعَ مالَهُ؟ فقال له الرَّجل : نعم ، وإنِّي مُحتاجٌ فَقيرٌ . فكتب له أبو جعفر كتاباً بيده في رِقٍّ أبيض ، ثمّ ختمه بخاتمه ، ثمّ قال : اذهَبْ بِهذا الكتابِ اللّيلَةَ البقيعَ حَتَّى تَوسَّطَ ثُمّ تُنادي : يا دُرْجانُ ، فإنَّه سَيأتِيكَ رَجُلٌ مُغتَمٌّ ، فادفَع إليهِ كِتابي وقُلْ لَهُ : أنا رَسولُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ ، فسألْهُ عمّا بَدا لَكَ . قال : فأخذ الرَّجل الكتاب وانطلق ، فلمّا كان من الغد أتيتُ أبا جعفر معتمداً لأنظرَ ما حالُ الرَّجل ؛ فإذا هو على باب أبي جعفر عليه السلام ينتظر متى يؤذَنَ له ، فدخلنا على أبي جعفر عليه السلام ، فقال له الرَّجل : اللّه ُ أعلَمُ عِندَ مَنْ يَضَعُ عِلمَهُ ! فَقَدِ انطَلَقتُ بِكتابِكَ اللَّيلَةَ حَتَّى تَوسَّطتُ البَقيعَ ، فناديتُ دُرجاناً ، فَأتى رَجُلٌ مُغتَمٌّ . فقالَ : أنا دُرجانُ ، فما حاجَتُكَ؟ فقلتُ : أنا رَسولُ مُحَمّدِ بنِ عَلِيٍّ إلَيكَ ، وَهذا كِتابُهُ . فَقالَ : مَرحَباً بِرَسولِ حُجَّةِ اللّه ِ عَلى خَلقِهِ ، فأخَذَ كتابَهُ فَقَرَأهُ فقالَ : أتُحِبُّ أنْ تَرَى أباكَ؟ فَقُلتُ : نَعَم . قال : فلا تبرَح مِن موضِعِكَ حَتّى آتيكَ بهِ ؛ فإنَّه بِضَجْنانَ . فانطلَقَ فَلَم يَلبَث إلاَّ قليلاً حَتَّى أتاني بِرَجُلٍ أسوَدَ ، في عُنُقِهِ حَبلٌ أسوَدُ ، مُدلِعٌ لِسانَهُ يَلهَثُ ، وعلَيهِ سِربالٌ أسوَدُ ، فقالَ لي : هذا أبوكَ ، ولكِنْ غَيَّرَهُ اللَّهَبُ ، ودُخانُ الجَحيمِ ، وَجُرَعُ الحَميمِ ، والعذابُ الأليمُ ، فَقُلتُ لَهُ : أنتَ أبي؟ فقالَ : نَعَم . قلتُ : مَن غيَّرَكَ وغَيَّرَ صورَتَكَ؟ قال : إنِّي كُنتُ أتولَّى بَني أُميَّةَ ، واُفضِّلُهُم على أهلِ بَيتِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَعَذَّبني اللّه ُ على ذلِكَ ، وإنَّكَ كُنتَ تَتولَّى أهلَ بَيتِ نبيِّكَ ، وَكُنتُ أُبغِضُكَ على ذلِكَ فأحرِمُكَ مالي ، وَدَفَنتُهُ عَنكَ ، فأنا اليومَ على ذلِكَ مِنَ النَّادِمينَ ، فانطَلِقِ إلى حَديقَتي ، فاحتَفِر تَحتَ الزّيتونَةِ ، فَخُذِ المالَ وَهُو مائةٌ وخمسونَ ألفاً ، فادفَع إلى مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ خَمسينَ ألفاً وَلكَ الباقي . قال : فإنِّي مُنطَلِقٌ حَتّى آتي بالمالِ . قال أبو عُيَينَةَ : فلَمّا كان الحولُ قلتُ لأبي جَعفَر عليه السلام : ما فَعَل الرَّجُلُ؟ قال : قَد جاءَنا بِخَمسينَ ألفاً قضيتُ بِها دَيناً كانَ عَلَيَّ ، وابتَعتُ بِها أرضاً ، ووصلتُ مِنها أهلَ الحاجَةِ مِن أهلِ بَيتي . أما إنَّ ذلِكَ سَيَنفَعُ المَيِّتَ النَّادِمَ على ما فَرَّطَ مِن حُبِّنا أهلَ البيتِ ، وَضَيَّعَ من حَقِّنا بما أدخَلَ عَلَيَّ مِنَ الرِّفقِ والسُّرورِ . (1)

.


1- . روضة الواعظين : ج 1 ص 464 ح 455 و راجع : المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 193 ، الخرائج والجرائح : ج 2 ص 597 ح 9 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 267.

ص: 250

. .

ص: 251

. .

ص: 252

12 خطّه عليه السلام في وصيّة محمّد بن الحنفيّة

12خطّه عليه السلام في وصيّة محمّد بن الحنفيَّةمحمّد بن أحمد بن يحيى ، عن عبد الصَّمد بن محمّد ، عن حنَّان بن سَديِر ، عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال :دَخلتُ على مُحمَّدِ بنِ عليّ بن الحَنَفِيَّةِ 1 وَقَدِ اعتَقَلَ لِسانُهُ ، فَأمَرتُهُ بالوَصِيَّةِ ، فَلَم يُجِبْ . قالَ : فأمَرتُ بالطَّشتِ ، فَجُعِلَ فيهِ الرَّملُ فَوُضِعَ ، فقلتُ لَهُ : فَخُطَّ بِيَدِكَ . قال : فَخَطّ وصيَّتهُ بِيَدِهِ إلى رَجُلٍ ، ونَسَختُ أنا فِي صَحيفَةٍ . (1)

.


1- . تهذيب الأحكام : ج 9 ص 241 ح 934 ، من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 197 ح 5454 ، كمال الدين : ص 36 و زاد في سنده «حدثنا أبي رضي اللّه عنه قال : حدثنا أحمد بن إدريس عن محمّد بن يحيى عن إبراهيم بن هاشم...» وفيهما «فخطّ وصيّته بيده في الرمل» بدل «فخطّ وصيّته بيده إلى رجل».

ص: 253

13 صحيفته عليه السلام في مسائل شبه الخصومة

13صحيفته عليه السلام في مسائل شبه الخصومةأخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النُّعمان ، قال أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن الحسن ، عن أبيه ، عن محمّد بن الحسن الصَّفار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبان بن عثمان ، عن إسماعيل الجعفيّ 1 ، قال : دخل رجل على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلامومعه صحيفة مسائل شبه الخصومة . فقال له أبو جعفر عليه السلام هذهِ صَحيفَةُ تَخاصُمٍ على الدّينِ الّذي يَقبَلُ اللّه ُ فيهِ العَمَلَ . فقالَ : رَحِمَكَ اللّه ُ ، هذا الّذي أُريدُ . فقال أبو جعفر عليه السلام : أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللّه ُ ، وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأنّ مُحَمّداً عَبدُهُ ورَسولَهُ ، وتُقِرُّ بما جاءَ من عندِ اللّه ِ ، والوِلايَةِ لنا أهلَ البَيتِ ، والبراءَةِ مِن عَدُوِّنا ، والتَّسليم (1) لنا ، والتَّواضُعِ والطُّمَأْنينَةِ ، وانتظارِ أمرِنا ، فَإنَّ لنا دولَةً إنْ شاءَ اللّه ُ تَعالى جاءَ بِها . (2)

.


1- . في المصدر : «والتسلُّمِ» وما أثبتناه من بحار الأنوار هو الصحيح .
2- . الأمالي للطوسي : ص 179 ح 299 ، بحار الأنوار : ج 69 ص 2 ح 2.

ص: 254

. .

ص: 255

الفصل الثّاني : مكاتيبه الفقهيّة

14 كتابه عليه السلام في نوافل شهر رمضان

الفصل الثّاني : مكاتيبه عليه السلام الفقهيّة14كتابه عليه السلام في نوافل شهر رمضانعليّ بن حاتم 1 عن الحسن بن عليّ عن أبيه قال : كتب رجل إلى أبي جعفر عليه السلام يسأله عن صلاة نوافل شهر رمضان وعن الزّيادة فيها؟ فكتب عليه السلام إليه كتاباً قرأته بخطّه :صَلِّ في أوَّلِ شَهرِ رَمَضانَ في عِشرينَ لَيلَةً عِشرينَ رَكْعَةً ، صَلِّ مِنها ما بَينَ المَغرِبِ والعَتْمَةِ ثَماني رَكَعاتِ ، وبَعدَ العِشاءِ اثَنَتَي عَشرَةَ رَكْعَةً ، وفي العَشرِ الأواخِرِ ثَماني رَكَعاتٍ بَينَ المَغرِبِ والعَتمَةِ وَاثنَتَينِ وَعِشرينَ رَكعَةً بَعدَ العَتمَةِ ، إلاّ في لَيلَةِ إحدى وَعِشرينَ ، فَإنّ المائَةَ تَجزيكَ إنْ شاءَ اللّه ُ تعالى وذلِكَ سِوى الخَمسينَ ، وأكثِر من قراءَةِ إنّا أنزلناهُ في لَيلَةِ القَدرِ . (1)

.


1- . تهذيب الأحكام : ج 3 ص 67 ح 220.

ص: 256

15 كتابه عليه السلام في الحجّ

15كتابه عليه السلام في الحجّمحمّد بن الصّفار ، عن أحمد بن محمّد عن عليّ بن مهزيار عن بكر بن صالح (1) قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام : أنّ ابني معي ، وَقَد أمَرتُهُ أنْ يَحِجّ عن أُمِّي أيجزي عنها حَجَّة الإسلام؟ فكتب عليه السلام :لا ، وكانَ ابنُهُ صَرورَةً وكانت أُمُّهُ صَرورَةً . (2)

.


1- . بكر بن صالح : من أصحاب الباقر عليه السلام (رجال الطوسي : ص 127 الرقم 1291) .
2- . تهذيب الأحكام : ج 5 ص 412 ح 1433 ، وسائل الشيعة : ج 11 ص 174 ح 14557.

ص: 257

16 كتابه عليه السلام في المتعة
17 كتابه عليه السلام في السبق والرماية

16كتابه عليه السلام في المتعةعيسى بن يزيد قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام في رجل تكون في منزله امرأة تخدمه فيلزم النَّظرُ إليها فَيتَمتّعُ بِها ، والشَّرطُ أنْ لا يفتضَّها؟ فكتب :لا بأسَ بالشَّرطِ إذا كانت مِتعَةً . (1)

17كتابه عليه السلام في السّبق و الرّمايةمحمّد بن عيسى اليقطيني ، عن أبي عاصم ، عن هاشم بن ماهويه المداريّ ، عن الوليد بن أبان الرازي قال : كتب ابن زاذان فروخ إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام يسأله عن الرّجل يركض في الصّيد لا يريد بذلك طلب الصّيد ، وإنّما يريدُ بذلك التّصحُّحَ . قال :لا بأسَ بِذلِكَ لا لِلَّهوِ . (2)

.


1- . رسالة المتعة : ص 13 ح 35 ، خلاصة الإيجاز : ص 55 ، بحار الأنوار : ج 103 ص 310 ح 47.
2- . المحاسن : ج 2 ص 468 ح 2622 ، بحار الأنوار : ج 65 ص 286 ح 41.

ص: 258

18 إملاؤه عليه السلام لورد بن زيد في الذّبيحة

18إملاؤه عليه السلام لورد بن زيدفي الذّبيحةفضالة ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرميّ ، عن الورد بن زيد 1 ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : حدّثني حديثاً و أمله عليَّ حتّى أكتبه . فقال :أينَ حفِظُكُم يا أهلَ الكوفَةِ؟ قال : قلت : حَتَّى لا يَرُدَّهُ عَلَيَّ أحَدٌ . ما تقول في مجوسيّ قال : بسم اللّه ، ثمّ ذبح؟ فقال : كُلْ . قلت : مُسلِمٌ ذبَحَ ولَم يُسَمِّ؟ فقال : لا تَأكُلْهُ ، إنَّ اللّه َ تعالى يَقولُ : فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسمُ اللّه ِ عَلَيهِ ، و لا تَأكُلُوا مِمَّا لم يُذكَرِ اسمُ اللّه ِ عَلَيهِ (1) . (2)

.


1- . اقتباس من آيتين من سورة الأنعام : « فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّه ِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِ_آيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّه ِ عَلَيْهِ» (118 و 119) .
2- . تهذيب الأحكام : ج 9 ص 69 ح 293 ، من لا يحضره الفقيه : ج 3 ص 331 ح 4183.

ص: 259

19 كتابه عليه السلام في الذبائح
20 كتابه عليه السلام في الميراث

19كتابه عليه السلام في الذّبائحفضالة عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرميّ ، عن الورد بن زيد قال : قلت لأبي جعفر عليهماالسلام : حدّثني حديثاً و أمله عليّ حتّى أكتبه . فقال:أين حِفظُكُم يا أهلَ الكوفَةِ ؟ قال : قلتُ : حتّى لا يَرُدَّهُ عَلَيَّ أحَدٌ . ما تقولُ في مجوسيّ قال : بسم اللّه ، ثمّ ذبح ؟ فقال: كُلْ . قلت : مُسلِم ذبَحَ ولَم يُسَمِّ ؟ فقال : لا تأكُلهُ ، إنَّ اللّه َ تعالى يَقولُ : فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسمُ اللّه ِ عَلَيهِ ولا تأكُلوا مِمّا لم يُذكَرِ اسمُ اللّه ِ عَلَيهِ . (1)

20كتابه عليه السلام في الميراثمحمّد الكاتب عن عبد اللّه بن عليّ بن عمر بن يزيد عن عمّه محمّد بن عمر 2 أنّه كتب إلى أبي جعفر عليهماالسلام يسأله عن رَجُلٍ ماتَ ، وكانَ مَولىً لِرجُلٍ وَقَدْ ماتَ مَولاهُ قَبلَهُ ، ولِلمَولى ابنٌ وبناتٌ ، فَسَألتُهُ عن مِيراثِ المَولى؟ فقال :هُو للرِجالِ دونَ النِّساءِ . (2)

.


1- . تهذيب الأحكام : ج 9 ص 69 ح 293 ، وسائل الشيعة : ج 24 ص 63 ح 30003.
2- . تهذيب الأحكام : ج 9 ص 397 ح 1419 ، وسائل الشيعة : ج 26 ص 87 ح 32549.

ص: 260

. .

ص: 261

21 كتابه عليه السلام في الجهاد

21كتابُه عليه السلام في الجهادمحمَّد بن يحْيَى ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسَى ، عن الحسن بن مَحْبُوب 1 ، عن بعض أصحابه قال كتَب أبو جعفر عليه السلام في رسالة إلى بعض خلفاء بني أُميَّة :«وَمِن ذلِكَ ما ضَيَّعَ الجهادَ الّذي فَضَّلَهُ اللّه ُ عز و جل عَلى الأعمالِ ، وفَضَّل عامِلَهُ على العُمَّالِ تفضِيلاً في الدَّرَجاتِ والمَغفِرَةِ والرَّحْمَةِ ؛ لِأنَّهُ ظَهَر بهِ الدِّينُ ، وَبهِ يُدفَعُ عَنِ الدِّينِ ، وبهِ اشتَرى اللّه ُ مِنَ المُؤمِنينَ أنفُسَهُم وأموالَهُم بالجَنَّةِ بَيْعاً مُفْلِحاً مُنْجِحاً ، اشترَط عَلَيهِم فيهِ حِفْظَ الحُدُودِ ، وأوَّلُ ذلِكَ الدُّعاءُ إلى طاعَةِ اللّه ِ عز و جل من طاعَةِ العِبادِ ، وإلى عبادَةِ اللّه ِ مِن عبادَةِ العِبادِ ، وإلى وَلايَةِ اللّه ِ مِن وَلايَةِ العِبادِ ، فَمَن دُعِي إلى الجِزْيةِ فأبى قُتِلَ وسُبِيَ أهلُهُ ، وَليْسَ الدُّعاءُ من طاعَةِ عَبدٍ إلى طاعَةِ عبدٍ مِثْلِهِ ، وَمَن أقَرَّ بالْجِزْيَةِ لَم يُتَعَدَّ عَلَيهِ ، ولم تُخْفَرْ ذِمَّتُهُ ، وكُلِّفَ دُونَ طاقَتِهِ ، وكانَ الفَيْءُ للمُسلِمينَ عامَّةً غيْرَ خاصَّةٍ ، وإنْ كانَ قِتالٌ وسَبْيٌ سِيرَ في ذلِكَ بسِيرَتِهِ ، وَعَمِل في ذلِكَ بسُنَّتِهِ مِنَ الدِّينِ ، ثُمَّ كَلَّف الأعْمَى والأعرَجَ ، الَّذين لا يَجدونَ ما يُنْفِقونَ عَلى الجِهادِ بعد عُذْر اللّه عز و جل إيَّاهم ، ويُكَلِّف الَّذينَ يُطِيقونَ ما لا يُطِيقونَ ، وإنَّما كانوا أهلَ مِصرٍ يُقاتِلونَ مَن يَلِيهِ ، يُعْدَلُ بينَهُم في البُعُوثِ ، فذَهبَ ذلِكَ كُلُّهُ ، حَتَّى عادَ النَّاسُ رَجُلَينِ : أجيرٌ مؤتَجِر بَعْدَ بيْعِ اللّه ِ ، ومُسْتأْجِرٌ صاحِبُهُ غارِمٌ ، وبَعْدَ عُذْرِ اللّه ِ ، وذهَبَ الحَجُّ فضُيِّع ، وافْتقَر النَّاسُ فمَن أعْوجُ مِمَّن عَوَّجَ هذا ، وَمَن أقوَمُ مِمَّن أقامَ هذا ، فرَدَّ الجِهادَ على العِبادِ ، وزَادَ الجهادَ عَلى العِبادِ ، إنَّ ذلِكَ خَطَأٌ عَظِيمٌ» . (1)

.


1- . الكافي :ج 5 ص 3 ح 4 ، تفسير نور الثقلين : ج 2 ص 269 ح 356.

ص: 262

22 كتابه عليه السلام إلى هشام بن عبدالملك في الحدّ

22كتابه عليه السلام إلى هشام بن عبدالملك في الحدّعليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن آدمَ بن إسحاق ، عن عبد اللّه بن محمّد الجُعْفِيِّ 1 ، قال : كنت عند أبي جعفر عليه السلام وجاءَه كتاب هِشام بن عبد المَلِك في رجل نبَش امْرَأة فسلَبَها ثيابَها ، ثمَّ نكَحَها ، فإنَّ النَّاس قد اخْتلفوا عليْنا هاهنا ، فَطائِفَةٌ قالوا : اقتُلوهُ ، وطائِفةٌ قالوا : أحْرِقوهُ . فكَتب إليه أبو جعفر عليه السلام :إنَّ حُرْمَةَ الميِّتِ كحُرْمَةِ الحَيِّ ، حَدُّه أنْ تُقْطَع يَدُهُ لنَبْشهِ وسَلْبهِ الثِّيابَ ، ويُقامُ عَلَيهِ الحَدُّ في الزِّنَى ، إنْ أُحْصِنَ رُجِم ، وإنْ لَم يَكُنْ أُحْصِنَ جُلِدَ مِائَةً . (1)

.


1- . الكافي ،ج7 ص228 ح2 ، تهذيب الأحكام : ج10 ص63 ص12 ، من لا يحضره الفقيه : ج4 ص74 ح5145.

ص: 263

23 كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن المبارك في عتقه

23كتابُه عليه السلام إلى عبد اللّه بن المباركفي عتقهبكر بن صالح : إنَّ عبد اللّه بن المبارك 1 أتى أبا جعفر عليه السلام فقال : إنِّي رَوَيتُ عَن آبائك عليهم السلام، إنَّ كُلَّ فتحٍ بِضَلالٍ فَهوَ للإمامِ . فقال :نعم . قلت : جُعِلتُ فِداكَ ، فإنَّهُم أتَوا بي مِن بَعضِ فُتوحِ الضَّلالِ ، وقد تخلَّصتُ مِمَّن مَلكوني بِسَبَبٍ ، وقد أتيتُكَ مُستَرَقّاً مُستَعبَداً . قال عليه السلام : قد قبلت . فلمَّا كانَ وَقتُ خُروجهِ إلى مَكَّةَ قال : مُذ حَجَجتُ فَتَزوّجتُ وَمَكسَبي مِمَّا يَعطِفُ عليّ إخواني ، لا شيءَ لي غيرُهُ فَمُرني بِأمرِكَ . فقال عليه السلام : انصرف إلى بلادِكَ وأنتَ مِن حَجِّكَ وَتَزويجِكَ وكَسبِكَ في حِلٍّ ، ثمّ أتاهُ بَعدَ سِتِّ سِنينَ ، وَذكَرَ لَهُ العُبودِيَّةَ التَّي ألزَمَها نَفسَهُ . فقال : أنتَ حُرٌّ لِوَجهِ اللّه ِ تَعالى . فَقالَ : اكتُب لي بهِ عَهداً ، فخرَجَ كِتابُهُ : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم هذا كتابُ محمّد بن عليّ الهاشميّ العلويّ لعَبدِ اللّه ِ بنِ المُبارَكِ فتاهُ ، إنِّي أعتِقُكَ لِوَجهِ اللّه ِ ، والدَّارِ الآخِرَةِ لا رَبَّ لكَ إلاَّ اللّه ُ ، ولَيسَ عَلَيكَ سَيّدٌ ، وأنتَ مَولايَ وَمَولى عَقِبي مِن بَعدِي .

.

ص: 264

وكُتِبَ في المُحرَّم سَنَةَ ثلاثِ عَشرَةَ ومائةً ، وَوَقَّعَ فيهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ بِخَطِّ يدِهِ ، وَختمَهُ بِخاتَمِهِ . وَيُقال : إنّه هاشِميّ من هاشميّين ، وعلويّ من علويّين ، وفاطميّ من فاطميّين ، لأنّه أوّل ما اجتمعت له ولادة الحسن والحسين عليهماالسلام . وكانت أُمُّه أُمَّ عبداللّه بنت الحسن بن عليّ . وكان عليه السلام أصدقَ النّاسِ لهجَةً ، وأحسنهم بَهجَةً ، وأبذَلَهُم مُهجَةً 1 . (1)

.


1- . المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 208 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 339 ح 28 نقلاً عنه و راجع : رجال الكشي : ج 2 ص 839 الرقم1076.

ص: 265

. .

ص: 266

. .

ص: 267

الفصل الثالث : وصاياه

24 وصيّته عليه السلام لعمر بن عبد العزيز

الفصل الثالث : وصاياه عليه السلام24وصيّته عليه السلام لعمر بن عبد العزيزفي تاريخ مدينة دمشق : قرأت بخطّ عبد الوهاب الميدانيّ سماعه من أبي سليمان بن زبر عن أبيه أبي محمّد قال : وأخبرني أحمد بن عبد اللّه قال : وجدت في كتاب جدي بخطّه عن الفرات بن السّائب ، عن أبي حمزة : أنَّ عمر بن عبد العزيز _ لمّا وُلِّي _ بعث إلى الفقهاء فقرّبهم وكانوا أخصّ النّاس به بعث إلى محمّد بن عليّ بن حسين أبي جعفر ، وبعث إلى عون بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود ، وكان من عُبّاد أهل الكوفة وفقهائهم فقدم عليه ، وبعث إلى محمّد بن كعب القرظيّ _ وكان من أهل المدينة من أفاضلهم وفقهائهم _ فلمّا قَدِمَ أبو جعفر محمّد بن عليّ على عمر بن عبد العزيز ، وأراد الانصراف إلى المدينَةِ ، قال : بينما هو جالس في النّاس ينتظرون الدخول على عمر ، إذ أقبل ابن حاجب عمر ، وكان أبوه مريضاً فقال : أين أبو جعفر ليدخل ، فأشفق محمّد بن عليّ أنْ يقوم فلا يكون هو الّذي دعا به فنادى ثلاث مرّات . قال : لم يَحضُر يا أميرَ المُؤمنينَ . قال : بلى قد حضر ، حدّثني بذلك الغلام . قال : فقد ناديته ثلاث مرّات . قال : كيف؟ قلت : قال قلت : أين أبو جعفر؟ قال : ويحك اخرج . فقل : أين محمّد بن عليّ؟ فخرج فقام فدخل فحدّثَهُ ساعَةً وقال : إنّي أُريدُ الوَداعَ يا أميرَ المُؤمنينَ قال عمر : فأوصِني يا أبا جَعفَر : قال : أُوصيك بِتَقوى اللّه ِ ، واتَّخِذِ الكبيرَ أباً والصَّغيرَ وَلَداً والرَّجُلَ أخاً . فقال : رحِمَكَ اللّه ُ ، جَمَعتَ لنا واللّه ِ ما إنْ أخَذنا بهِ وأماتَنا اللّه ُ عَلَيهِ استَقامَ لَنا الخَيرُ إن شاءَ اللّه ُ . ثُمَّ خرج فلمّا انصرف إلى رحله ، أرسل إليه عمر : إنّي أُريدُ أنْ آتيكَ فاجلِس في إزارٍ ورداءٍ ، فَبعَثَ إليهِ : لا بل أنا آتيك فأقسَمَ عَلَيهِ عُمَرُ . فأتاه عُمَرُ فالتزمَهُ ووَضَعَ صدرَهُ علَى صَدرِهِ ، وأقبَلَ يَبكِي ثُمَّ جَلَسَ بينَ يَدَيهِ ، ثُمَّ قامَ وليسَ لِأَبي جَعفَر حاجَةٌ سَألَهُ إيَّاها إلاّ قَضاها لَهُ ، وانصَرَفَ فَلَم يلتقيا حَتَّى ماتا جميعاً ، رَحِمَهُما اللّه ُ . (1)

.


1- . تاريخ مدينة دمشق : ج 54 ص 270.

ص: 268

25 وصيّته عليه السلام لجابر بن يزيد الجعفيّ في الوعظ

25وصيّته عليه السلام لجابر بن يزيد الجعفيّفي الوعظالإمام الباقر عليه السلام :يا جابِرُ اغْتَنِم مِن أهلِ زمانِكَ خَمْساً : اغتنم خمسا : إنْ حَضَرتَ لم تُعرَفْ ، وإنْ غِبْتَ لم تُفْتَقَدْ ، وإنْ شَهِدتَ لَم تُشاوَر ، وإنْ قُلتَ لم يُقْبَل قَولُكَ ، وإنْ خَطَبتَ لم تُزَوَّج . اُوصيك بخمسٍ : وَأُوصيكَ بِخَمسٍ : إنْ ظُلِمتَ فلا تَظلِمْ ، وإنْ خَانوكَ فلا تَخُنْ . وإنْ كُذِّبتَ فَلا تَغْضَب ، وإنْ مُدِحتَ فلا تَفرَحْ ، وإنْ ذُمِمْتَ فلا تَجزَعْ . وَفَكِّر فيما قِيلَ فيكَ ، فإنْ عَرَفتَ مِن نَفسِكَ ما قِيلَ فيكَ ، فسُقُوطُكَ مِن عَينِ اللّه ِ جَلَّ وَعَزَّ عِندَ غَضَبِكَ من الحقِّ ، أعظَمُ عَلَيكَ مُصيبَةً مِمَّا خِفْتَ مِن سُقوطِكَ مِن أعيُنِ النَّاسِ ، وإنْ كُنتَ عَلى خِلافِ ما قيلَ فِيكَ ، فثوابٌ اكتَسبْتَهُ مِن غَيرِ أنْ يَتْعَبَ بَدَنُكَ . علامة الأولياء : واعلَم بأنَّك لا تكونُ لنا ولِيّاً حتَّى لَو اجتَمَعَ عَلَيكَ أهْلُ مِصرِكَ وَقَالوا : إنَّكَ رَجُلُ سَوءٍ لَم يَحزُنكَ ذلِكَ ، وَلَو قالوا : إنَّكَ رَجُلٌ صالِحٌ لم يَسُرَّك ذلِكَ ، ولكِنِ اعرِضْ نَفسَكَ عَلى كتابِ اللّه ِ ، فإنْ كُنتَ سالِكاً سَبيلَهُ ، زَاهِداً في تَزْهيدِهِ ، راغِباً في تَرْغيبهِ ، خائِفاً مِن تَخويفِهِ فاثْبُتْ وأبْشِر ، فإنَّهُ لا يَضُرُّكَ ما قِيلَ فيكَ . وإنْ كُنتَ مُبائِناً لِلقُرآنِ ، فماذا الَّذي يَغرُّكَ مِن نَفسِكَ . في أحوال المؤمن : إنَّ المُؤمِنَ مَعْنيٌّ بِمُجاهَدة نفسِهِ لَيغلِبَها عَلى هَواها ، فمَرَّةً يُقيمُ أوَدَها (1) ويُخالِفُ هَواها في مَحَبَّةِ اللّه ِ ، وَمَرَّةً تَصْرَعُهُ نَفسُهُ فَيَتَّبِعُ هَواها فَيُنْعِشُهُ اللّه ُ (2) فينْتَعِشُ ، وَيُقيلُ اللّه ُ عَثْرَتَه فَيَتذكَّرُ ، ويفزَعُ إلى التّوبَةِ والمَخَافَةِ فيزدادُ بَصيرَةً وَمَعرِفَةً لِما زيدَ فيهِ مِنَ الخَوفِ ، وَذلِكَ بأنَّ اللّه َ يَقولُ : «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَ_ائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُبْصِرُونَ» (3) . في القناعة : يا جابِرُ ؛ استَكثِرْ لِنَفسِكَ مِنَ اللّه ِ قَليلَ الرِّزقِ تَخَلُّصاً إلى الشُّكرِ ، واستَقْلِل مِن نفسِكَ كَثيرَ الطَّاعَةِ للّه ِ إزْراءً عَلى النَّفسِ (4) وَتَعرُّضاً للعَفوِ . في أهمية العلم : وَادفَع عَن نَفسِكَ حاضِرَ الشَّرِّ بِحاضِرِ العِلمِ . واستعمِل حاضِرَ العلِم بِخالِصِ العَمَلِ . وَتَحرَّز في خالِصِ العَمَلِ مِن عَظيمِ الغَفلَةِ بِشِدَّة التَّيقُّظِ . واستَجلِبْ شِدَّةَ التَّيقُّظِ بِصدقِ الخَوفِ . واحذَر خَفِيَّ التَّزيُّنِ بحِاضِرِ الحَياةِ ، وتَوَقَّ مُجازَفَةَ الهَوى بِدَلالَةِ العَقلِ . وقِفْ عند غَلَبَةِ الهَوى باستِرشادِ العِلمِ . واستَبْقِ خالِصَ الأعمالِ لِيومِ الجَزاءِ . وَانزِلْ ساحَةَ القَناعَةِ باتِّقاءِ الحِرْصِ ، وَادفَعْ عَظيمَ الحِرصِ بإيثارِ القَناعَةِ . واستَجلِب حَلاوَةَ الزَّهادَةِ بِقِصَرِ الأمَلِ . واقطَع أسبابَ الطَّمَعِ بِبَرد اليأسِ . وَسُدَّ سَبيلَ العُجْبِ بِمَعرِفَةِ النَّفسِ . وَتَخَلَّص إلى راحَةِ النَّفسِ بِصِحَّةِ التَّفويضِ . فيما يخصُّ البدنَ والقلب : واطلب راحَةَ البَدَنِ بإجمامِ (5) القَلبِ . وَتَخَلّص إلى إجمامِ القَلبِ بقِلَّةِ الخَطأ . وَتَعَرَّض لِرِقَّة القلبِ بِكَثْرةِ الذِّكرِ في الخلوَاتِ . وَاستَجلِب نُورَ القَلْبِ بِدَوامِ الحُزنِ . التحذير من إبليس : وَتَحَرَّز مِن إبليسَ بالخَوفِ الصَّادِقِ . وإيَّاكَ والرَّجاءَ الكاذِبَ ، فَإنَّهُ يُوقِعُكَ في الخَوفِ الصَّادِقِ . التحبّب إلى اللّه : وَتَزَيَّنْ للّه ِ عز و جل بالصِّدقِ في الأعْمالِ . وَتَحَبَّبْ إلَيهِ بِتَعجيلِ الانتقالِ . وَإيَّاك وَالتَّسويفَ ، فَإنَّهُ بَحرٌ يَغْرَقُ فيهِ الهَلْكَى . وإيَّاكَ والغَفلَةَ ، ففيها تَكونُ قَساوَةُ القَلبِ . وَإيَّاك وَالتَّوانِيَ فيما لا عُذرَ لَكَ فِيهِ ، فَإلَيهِ يَلْجَأ النَّادِمونَ . مواعظ للتوبة : واسترجِع سالِفَ الذُّنوبِ بِشِدَّة النَّدَمِ ، وكَثرةِ الاستِغفارِ . وَتَعرَّضْ للرَّحْمَةِ وَعَفْوَ اللّه ِ بِحُسْنِ المُراجَعَةِ ، وَاستَعِنْ على حُسْنِ المُراجَعَةِ بِخالِصِ الدُّعاءِ وَالمُناجاةِ في الظُّلَمِ . في الشكر وطلب الرزق : وَتَخَلَّص إلى عَظيمِ الشُّكرِ باستِكثارِ قَليلِ الرِّزقِ ، واستِقلالِ كَثيرِ الطَّاعَةِ . واستجلِب زيادَةَ النِّعَمِ بِعَظيمِ الشُّكرِ والتَّوسُّلِ إلى عَظيمِ الشُّكرِ بِخَوفِ زَوَالِ النِّعَمِ . في طلب العزّ ودفع الذلّ : وَاطلُب بَقاءَ العِزِّ بإماتَةِ الطَّمَعِ . وَادفَع ذُلَّ الطَّمَعِ بِعِزِّ اليَأسِ ، وَاستَجْلِبْ عِزَّ اليأسِ بِبُعدِ الهِمَّةِ ، وَتَزَوَّدْ مِنَ الدُّنيا بِقِصَرِ الأمَلِ . وبادِر بانْتهازِ البُغْيَةِ (6) عِندَ إمكانِ الفُرْصَةِ ، وَلا إمكانَ كالأيَّامِ الخالِيَةِ مَعَ صِحَّةِ الأبدانِ . وصايا قصار : وَإيِّاكَ والثِّقَةَ بِغَيرِ المَأمونِ ، فَإنَّ لِلشَّرِّ ضَراوَةً (7) كضَراوَةِ الغِذاءِ . وَاعلَم أنَّهُ لا عِلمَ كَطَلَبِ السَّلامَةِ ، ولا سَلامَةَ كَسَلامَةِ القَلبِ . وَلا عَقلَ كَمُخالَفَةِ الهَوى . وَلا خَوْفَ كَخَوْفٍ حاجِزٍ . وَلا رجاءَ كَرَجاءٍ مُعِينٍ . وَلا فَقرَ كَفَقرِ القَلبِ . وَلا غِنى كغِنى النَّفسِ . وَلا قُوَّةَ كَغَلَبةِ الهَوَى . وَلا نُورَ كَنورِ اليَقينِ . وَلا يَقينَ كاستِصغارِكَ الدُّنيا . وَلا مَعرِفَةَ كَمَعرِفَتِكَ بِنَفسِكَ . وَلا نِعمَةَ كالعافِيَةِ . وَلا عافِيَةَ كَمُساعَدَةِ التَّوفيقِ . وَلا شَرَفَ كَبُعدِ الهِمَّةِ . وَلا زُهدَ كَقِصَرِ الأمَلِ . وَلا حِرصَ كالمُنافَسَةِ (8) فِي الدَّرَجاتِ . وَلا عَدْلَ كالإنصافِ . وَلا تَعَدِّيَ كالجَوْرِ . وَلا جَورَ كَمُوافَقَةِ الهَوى . وَلا طاعَةَ كأداءِ الفَرائِضِ . وَلا خَوفَ كالحُزنِ . وَلا مُصيبَةَ كَعَدَمِ العَقلِ . وَلا عَدمَ عَقلٍ كَقِلَّةِ اليَقينِ . وَلا قِلَّةَ يَقينٍ كَفَقْدِ الخَوْفِ . وَلا فَقدَ خَوفٍ كَقِلَّةِ الحُزنِ عَلى فَقْدِ الخَوْفِ . وَلا مُصيبَةَ كاستهانَتِكَ بالذَّنبِ وَرِضاكَ بالحالَةِ الَّتي أنتَ عَلَيها . ولا فَضيلَةَ كالجِهادِ . ولا جِهادَ كَمُجاهَدَةِ الهَوى . ولا قُوَّةَ كَرَدِّ الغَضَبِ . ولا مَعصِيَةَ كَحُبِّ البَقاءِ . ولا ذُلَّ كَذُلِّ الطَّمَعِ . وَإيَّاكَ والتَّفريطَ عِندَ إمكانِ الفُرْصَةِ ، فَإنَّهُ مَيَدانٌ يَجري لِأهلِهِ بالخُسرانِ . (9)

.


1- . الاَوَد : العوج . وقد يأتي بمعنى القوّة .
2- . نعشه اللّه : رفعه وأقامه وتداركه من هلكة وسقطة . وينعش أي ينهض _ وينشط .
3- . الأعراف :201 .
4- . أزرى على النفس : عابها وعاتبها . ويحتمل أنْ يكون : ازدراء _ من باب الافتعال _ أي احتقاراً واستخفافاً .
5- . الجمام _ بالفتح _ : الراحة . واجمّ نفسه أي: تركها .
6- . البغية : مصدر بغى الشيء أي طلبه ، وانتهاز البغية : اغتنامها والنهوض إليها مبادراً .
7- . الضراوة : مصدر ضرى بالشيء ، أي لهج به وتعوده وأولع به .
8- . المنافسة : المفاخرة والمباراة .
9- . تحف العقول : ص 284 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 162 ح 1 نقلاً عنه.

ص: 269

. .

ص: 270

. .

ص: 271

. .

ص: 272

. .

ص: 273

26 وصيّته عليه السلام لجابر بن يزيد الجعفيّ

26وصيّته عليه السلام لجابر بن يزيد الجعفيّجابر ، قال : دخلْنا على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام ونحن جَماعةٌ بعد ما قضينا نُسكَنا ، فودَّعناه وقلنا له : أوصِنا يابن رسول اللّه . فقال :لِيُعِنْ قَويُّكُم ضَعيفَكُم ، وَليَعْطِف غَنِيُّكُم على فَقيرِكُم ، وَليَنْصَحِ الرَّجُلُ أخاهُ كنُصْحِهِ لِنَفسِهِ ، وَاكْتُموا أسرَارَنا ، ولا تَحمِلوا النَّاسَ على أعناقِنا ، وَانظُروا أمرَنا وَما جاءَكُم عَنَّا ، فإنْ وجَدتُموهُ للقُرآنِ موافِقاً فَخُذُوا بهِ ، وإنْ لم تجِدوهُ مُوافِقاً فَرُدُّوهُ ، وانْ اشْتَبَهَ الأمرُ عَلَيكُم فيهِ فَقِفوا عِندَهُ ، وَرُدُّوهُ إلينا حَتّى نَشْرَح لَكُم مِن ذلِكَ ما شُرِحَ لَنا ، وإذا كُنتُم كَما أوصَيناكُم ، لَم تَعْدُوا إلى غَيرِهِ ، فماتَ مِنكُم مَيِّتٌ قَبلَ أنْ يَخرُجَ قائِمُنا كانَ شَهِيداً ، وَمَن أدرَكَ مِنكُم قائِمَنا فقُتِلَ مَعهُ كانَ لَهُ أجرُ شَهيدَينِ ، ومَن قَتَلَ بَينَ يَدَيهِ عَدُوَّاً لَنا كانَ لَهُ أجرُ عِشرينَ شَهِيداً . (1)

.


1- . الأمالي للطوسي : ص 232 ح 410 ، بشارة المصطفى : ص 113 ، بحار الأنوار : ج 52 ص 122 ح 5.

ص: 274

27 وصيّته عليه السلام لأبي الجارود

27وصيّته عليه السلام لأبي الجارودأبو الجارود 1 ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له عليه السلام : أوصني ، فقال :اُوصيكَ بِتَقوَى اللّه ، وأنْ تَلْزَم بَيتَكَ ، وَتَقْعُدَ في دَهْماءِ هَؤُلاءِ النَّاسِ ، وَإيَّاكَ والخوارِجَ مِنَّا فإنَّهُم لَيسوا على شَيْءٍ وَلا إلى شَيْءٍ . وَاعلَمْ أنَّ لِبَني أُمَيَّةَ مُلْكاً لا يَستَطيعُ النَّاسُ أنْ ترْدَعَهُ ، وأنَّ لِأهلِ الحَقِّ دَولَةً إذا جاءَتْ وَلاَّها اللّه ُ لِمَن يَشاءُ مِنَّا أهلَ البَيتِ ، فَمَن أدرَكَها مِنكُم كانَ عِندَنا في السَّنامِ الأَعلَى ، وإنْ قَبَضَه اللّه ُ قَبلَ ذلِكَ خارَ لَهُ . وَاعْلَم أنَّهُ لا تَقومُ عِصابَةٌ تَدْفَعُ ضَيْماً أو تُعِزُّ دِيناً إلاَّ صَرَعَتْهُم المَنِيَّةُ والبَلِيَّةُ حَتّى تَقومَ عِصابَةٌ شَهِدوا بَدرَاً مَعَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لا يُوارى قَتيلُهُم ، وَلا يُرفَعُ صَرِيعُهُم ، ولا يُداوى جَريحُهُم . قُلتُ : مَنْ هُمْ؟ قال : الملائِكَةُ . (1)

.


1- . الغيبة للنعماني : ص 194 ح 2 ، بحار الأنوار : ج 52 ص 136 ح 14.

ص: 275

. .

ص: 276

28 وصيّته عليه السلام لحمران بن أعْين

28وصيّته عليه السلام لحَمران بن أعْينحَمران بن أعْين 1 ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام ، فقلت له أوصني ، فقال : أوصيك بتقوى اللّه ، وإيِّاك والمِزاحَ ، فإنَّهُ يُذهِبُ هَيْبةَ الرَّجُلِ وماءَ وَجهِهِ ، وَعَلَيكَ بِالدُّعاءِ لإخوانِكَ بِظَهرِ الغَيبِ ، فإنَّه يُهيلُ الرِّزقَ ، يَقولُها ثَلاثاً . (1)

.


1- . مستطرفات السرائر : ص 144 ح 13 ، بحار الأنوار : ج 76 ص 60 ح 14.

ص: 277

. .

ص: 278

. .

ص: 279

29 وصيّته عليه السلام لخيْثمة

29وصيّته عليه السلام لخَيْثَمَةمحمّد بن يحيَى عن أحمدَ بن محمّد بن عيسَى عن عليّ بن النُّعْمان عن ابن مُسْكان عن خَيْثَمَة 1 قال : دخلْت على أبي جعفر عليه السلام أُوَدِّعُه ، فقال : يا خَيْثَمةُ أبلِغْ مَن ترَى مِن مَوالينا السَّلامَ ، وَأوْصِهِم بِتَقوَى اللّه ِ العَظِيم ، وأنْ يعود غَنِيُّهُم على فَقيرِهِم ، وَقَوِيُّهُم على ضَعيفِهِم ، وأنْ يَشهَدَ حَيُّهُم جِنازَةَ مَيِّتِهِم وأنْ يَتَلاقَوْا في بُيُوتِهِم ، فإنَّ لُقيا بَعضِهِم بَعضاً حَياةٌ لِأَمرِنا ، رَحِمَ اللّه ُ عَبداً أحيا أمرَنا . يا خَيْثَمَةُ أبلِغْ مَوالينا ، أنَّا لا نُغْني عَنهُم مِنَ اللّه ِ شَيئاً إلاّ بِعَمَلٍ ، وَأنَّهُم لَن يَنالوا وَلايتَنا إلاّ بالوَرَعِ ، وأنَّ أشَدَّ النَّاسِ حَسْرَةً يَومَ القِيامَةِ مَن وَصَفَ عَدْلاً ثُمَّ خالَفَهُ إلى غَيْرِهِ . (1)

.


1- . الكافي :ج 2 ص 175 ح 2 ، الدعوات : ص 225 ح 622 عن المفضل وفيه إلى «رَحِمَ اللّه ُ عَبداً أحيا أمرَنا» ، مشكاة الأنوار : ص 96 ح 216 نحوه ، بحار الأنوار : ج 74 ص 343 ح 2.

ص: 280

. .

ص: 281

30 وصيّته عليه السلام لبعض شيعته
وصايا للشيعة
في صفات شيعتهم عليهم السلام

30وصيّته عليه السلام لبعض شيعتهفي دعائم الإسلام : عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام ، أنَّه أوصَى بعض شيعته فقال :وصايا للشيعة يا مَعشَرَ شيعَتِنا ، اسمَعوا وافهَمُوا وصايانا وَعَهْدَنا إلى أوليائِنا ، اُصدقُوا في قَولِكُم ، وبَرُّوا في أيْمانِكُم لأوليائِكُم وأعدائِكُم ، وَتَواسَوا بِأَموالِكُم ، وتَحَابُّوا بِقُلوبِكُم ، وتَصَدَّقوا على فُقَرائِكُم ، وَاجتَمِعُوا عَلى أمرِكُم ، ولا تَدخُلوا غِشَّاً ولا خِيانَةً على أحَدٍ ، ولا تَشُكُّوا بَعدَ اليَقينِ ، ولا تَرجِعُوا بَعدَ الإقدامِ جُبْنا ، ولا يُوَلِّ أحَدٌ مِنكُم أهلَ مَوَدَّتِهِ قَفاهُ ، ولا تَكونَنَّ شَهوَتُكُم في مَوَدّةِ غَيرِكُم ، ولا مَوَدَّتُكُم فيما سِواكُم ، ولا عَمَلُكُم لِغَيرِ رَبِّكُم ، ولا إيمانُكُم وَقَصدُكُم لِغَيرِ نَبِيِّكُم ، وَاستَعينوا باللّه ِ وَاصبِروا ، إنَّ الأرضَ للّه ِ ، يُورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ والعاقِبَةُ للمُتَّقينَ ، وإنَّ الأرضَ للّه ِ يُورِثُها عبادَهُ الصالِحينَ . في صفات شيعتهم عليهم السلام ثُمَّ قال : إنَّ أولياءَ اللّه ِ وأولياءَ رَسُولِهِ مِن شيعَتِنا ، مَن إذا قالَ صَدَقَ ، وإذا وَعَدَ وَفَى ، وإذا ائتُمِنَ أدَّى ، وإذا حُمِّل في الحقِّ احتَمَل ، وإذا سُئِلَ الواجِبَ أعطَى ، وإذا أمرَ بالحَقِّ فَعَلَ ، شيعَتُنا مَن لا يَعدو عِلمُهُ سَمعَهُ ، شيعَتُنا من لا يمدَحُ لَنا مَعِيبا ولا يواصِلُ لنا مُبغِضاً ، ولا يجالِسُ لَنا قالِياً ، إن لَقِيَ مؤمِنا أكرَمَهُ ، وإنَّ لَقِيَ جاهِلاً هَجَرَهُ ، شيعَتُنا من لا يهرُّ هَريرَ الكلبِ ، ولا يَطمَعُ طمَعَ الغُرابِ ، ولا يسألُ أحَداً إلاَّ مِن إخوانِهِ ، وإنْ ماتَ جُوعاً ، شيعَتُنا مَن قالَ بقولِنا وَفارَقَ أحبَّتَهُ فينا ، وَأدنَى البُعداءَ في حُبِّنا ، وأبعَدَ القُرباءَ في بُغضِنا . فقال له رجل ممَّن شهد : جُعِلتُ فِداكَ : أينَ يُوجَدُ مَثَلُ هَؤُلاءِ؟ فقال : في أطرافِ الأرَضِينَ ، أُولئِكَ الخَفيضُ عَيشُهُم ، القَريرَةُ أعيُنُهُم ، إن شَهِدوا لَم يُعرَفُوا ، وإن غابُوا لم يُفتَقَدوا ، وإن مَرِضوا لم يُعادُوا ، وإن خَطَبُوا لم يُزَوَّجوا ، وإن وَرَدوا طريقا تَنكَّبُوا ، وَإذا خاطَبَهُم الجاهِلونَ قالوا سَلاماً ، ويَبيتونَ لِرَبِّهِم سُجَّداً وَقِياماً .

.

ص: 282

في عاقبة من يتشيّع باللسان دون القلب
في الموعظة وصفات العباد الصالحين
في أحوال علماء الشيعة

في عاقبة من يتشيّع باللّسان دون القلبقال :يابنَ رَسولِ اللّه ِ ، فَكَيفَ بالمُتشيّعينَ بِألسِنَتِهِم وَقُلوبُهُم على خِلافِ ذلِكَ؟ فقالَ : التمحيصُ يأتي عَلَيهِم بِسنينَ تُفنيهم ، وَضَغائِنَ تُبيدُهُم واختلافٍ يَقتُلُهُم ، أما والّذي نَصَرَنا بأيدي ملائِكَتِهِ لا يقتُلُهُم اللّه ُ إلاّ بِأيديهِم ، فَعَليكم بالإقرارِ إذا حَدّثتم ، وبالتَّصديقِ إذا رأيتُم ، وَتَركِ الخُصومَةِ فإنَّها تُقصيكُم ، وإيَّاكم أنْ يَبعَثَكُم قَبلَ وَقتِ الأجَلِ فَتُطَلُّ دِماؤكُم ، وَتَذهَبُ أنفسُكُم ، وَيذمُّكُم مَن يأتي بَعدَكُم ، وَتَصيروا عِبرَةً للناظِرينَ . في الموعظة وصفات العباد الصالحين : وَإنَّ أحسَنَ النَّاسِ فعلاً مَنْ فارَقَ أهْلَ الدُّنيا مِن والِدٍ وَوَلَدٍ ، وَوَالى وَوَازَرَ وَناصَحَ وكافا إخوانَهُ في اللّه ِ ، وإنْ كانَ حَبشيّاً أو زِنجياً ، وإنْ كانَ لا يُبعَثُ مِنَ المُؤمِنينَ أسوَدَ ، بَلْ يَرجِعونَ كأنَّهم البَرَدُ (1) قد غُسِلُوا بِماءِ الجِنانِ ، وأصابوا النَّعيمَ المُقيمَ ، وجالَسُوا الملائِكَةَ المُقرَّبينَ ، وَرَافقوا الأنبياءَ المُرسَلينَ ، وَلَيسَ مِن عَبْدٍ أكرمَ على اللّه ِ من عَبدٍ شُرِّدَ وَطُرِدَ في اللّه ِ حَتَّى يَلقى اللّه َ على ذلِكَ ، شيعَتُنا المُنذِرونَ في الأرضِ ، سُرُجٌ (2) وعلاماتٌ وَنُورٌ لِمَن طلَبَ ما طَلَبوا ، وقادَةٌ لاِهْلِ طاعَةِ اللّه ِ ، شُهداءُ على مَن خالَفَهُم مِمَّن ادَّعَى دَعْوَاهم ، سَكَنٌ لِمَن أتاهُم ، لُطَفاءُ بِمَن وَالاهُم ، سُمَحاءُ ، أعِفَّاءُ ، رُحَماءُ ، فَذلِكَ صِفَتُهُم في التَّورَاةِ والإنجيلِ والقُرآنِ العَظيمِ .

في أحوال عُلَماءِ الشِّيعَةِإنَّ الرَّجل العالِمَ من شيعَتِنا إذا حفِظَ لِسانَهُ وطابَ نَفْسا بِطاعَةِ أوليائِهِ ، وَأضمَرَ المُكايَدَةَ لِعَدُوِّه بِقَلبِهِ ، وَيَغدو حِينَ يَغدو وَهوَ عارِفٌ بِعُيوبِهِم ، ولا يُبدِي ما في نَفسِهِ لَهُم ، يَنظُرُ بِعَينِهِ إلى أعمالِهِم الرَّدِيَّة ، وَيَسمَعُ بِأُذنِهِ مَساوِيهِم ، وَيَدعو بِلسانِهِ عَلَيهِم ، مُبغِضوهُم أوْلياؤُهُ ومُحبُّوهُم أعداؤُهُ . فقال له رجل : بأبي أنت وأمّي ، فما ثواب مَن وصفت إذا كان يُصبح آمنا ويُمسي آمنا وَيبيتُ محفوظاً ، فما منزلته وثوابه؟ فقال : تُؤمَرُ السَّماءُ بإظلالِهِ ، وَالأَرضُ بِإكرامِهِ ، والنُّورُ بِبُرهانِهِ . قال : فما صِفَتهُ في دُنياهُ؟ قال : إنْ سأل أُعطِي ، وإنْ دَعا أُجِيبَ ، وإنْ طَلَبَ أدرَكَ ، وإنْ نصَرَ مَظلوماً عَزَّ . (3)

.


1- . البَرَد : شيء ينزل من السحاب يشبه الحصى ، ويسمّى حبّ الغمام وحب المُزن (المصباح المنير : ص 43) .
2- . السِّراجُ : المصباحُ ، والجمع سُرُجٌ (المصباح المنير : ص 272) .
3- . دعائم الإسلام : ج 1 ص 64.

ص: 283

31 وصيّته عليه السلام لبعض شيعته في المسافرة

31وصيّته عليه السلام لبعض شيعتهفي المسافرةقال عليه السلام لبعض شيعته وقد أراد سفراً فقال له : أوصني . فقال :لا تَسيرَنَّ شِبراً وأنتَ حافٍ (1) ، ولا تَنزِلَنَّ عَن دَابَّتِكَ لَيلاً إلاَّ ورِجْلاك في خُفٍّ ، وَلا تَبولَنَّ في نَفَقٍ ، ولا تَذوقَنَّ بقْلَةً ولا تشُمَّها حَتَّى تعلَمَ ما هِيَ ، وَلا تشرَبْ مِن سِقاءٍ حتَّى تعرِفَ ما فِيهِ ، ولا تَسيرَنَّ إلاَّ مَعَ مَن تَعرِفُ ، واحذَر مَن لا تَعرِفُ . (2) وفي نزهة النّاظر : وقال له عليه السلام بعضُ شيعَتِهِ : أوصِني _ وَهوَ يُريدُ سَفَراً _ فقالَ لَهُ عليه السلام : لا تَسيرَنَّ شِبراً وَأنتَ حاقِنٌ (3) ، ولا تَنزِلَنَّ عن دابَّتِكَ لَيلاً لِقَضاءِ حاجَةٍ إلاَّ ورِجلُكَ في خُفٍّ ، ولا تَبولَنَّ في نَفَقٍ ، ولا تَذوقَنَّ بَقلَةً ولا تَشُمَّها حتّى تَعْلَمَ ما هِيَ ، ولا تَشرَبْ مِن سقاءٍ حَتَّى تعلَمَ ما فيهِ ، واحذَر مَن تَعرِفُ ، ولا تَصحَبْ مَن لا تَعرِفُ . (4)

.


1- . و في نسخة : «سيراً وأنت خاف» بدل «شبراً وأنت حاف» .(راجع : بحار الأنوار : ج 78 ص 189 ح 46) .
2- . أعلام الدين : ص 302 ، بحار الأنوار : ج 99 ص 123 ح 10 نقلاً عنه.
3- . والحاقن : الذي حبس بوله .
4- . نزهة النَّاظر وتنبيه الخاطر : ص 103 ح 32.

ص: 284

32 وصيّته عليه السلام لابنه عليه السلام
33 وصيّته عليه السلام لابنه عليه السلام

32وصيّته عليه السلام لابنه عليه السلامحدَّثنا أبو أحمد القاسم بن محمّد السرَّاج الهَمَدانيّ بِهَمَدان ، قال : حدَّثنا أبو بكر محمّد بن أحمد الضبّيّ ، قال : حدَّثنا محمّد بن عبد العزيز الدَّينوريّ ، قال : حدَّثنا عبيد اللّه بن موسى العبسيّ ، عن سفيان الثوريّ قال : لقيت الصَّادق بن الصَّادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام فقلت له : يا ابن رسول اللّه أوصني . . . فقال لي :يا سُفيانُ ، أمَرَني وَالِدي عليه السلام بِثَلاثٍ وَنَهاني عَن ثَلاثٍ ، فكانَ فِيما قالَ لي : يا بُنَيَّ ، مَن يَصحَبْ صاحِبَ السُّوءِ لا يَسلَم ، ومَن يَدخُل مَداخِلَ السُّوءِ يُتَّهَم ، ومَن لا يَملِكُ لِسانَهُ يَندَمُ ، ثُمَّ أنشدني فقال عليه السلام : عَوِّد لسانَكَ قَولَ الخَيرِ تَحظَ بِهِإنَّ اللِّسانَ لِما عَوَّدتَ يَعتادُ مُوكَّل بِتَقاضِي ما سَنَنْتَ لَهُفي الخَيرِ والشَرِّ فانظُر كَيفَ تَعتادُ (1)

33وصيّته عليه السلام لابنه عليه السلامقال محمّد بن عليّ الباقر لابنه جعفر عليهماالسلام : يا بُنَيَّ ، إنَّ اللّه َ خَبَّأَ ثَلاثَةَ أشياءَ في ثلاثَةِ أشياءَ : خَبَّأ رِضاهُ في طاعَتِهِ ، فَلا تَحْقِرَنَّ مِنَ الطَّاعَةِ شَيئاً ، فَلَعَلَّ رِضاهُ فيهِ . وخَبَّأ سُخْطَهُ في مَعصِيَتِهِ ، فلا تحْقِرَنَّ مِنَ المعاصي شيئاً ، فَلَعَلَّ سُخْطَهُ فيهِ . وخَبَّأ أولياءَهُ في خَلْقِهِ ، فلا تَحقِرَنَّ أحَدَاً ، فَلَعَلَّ ذلِكَ الوَلِيَّ . (2)

.


1- . الخصال : ص 169 ح 222 ، بحار الأنوار : ج 71 ص 278 ح 17 نقلاً عنه .
2- . نثر الدرر : ج 1 ص 343 ، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر : ص 99 ح 15 ، كشف الغمة : ج 2 ص 360 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 187.

ص: 285

34 وصيّته عليه السلام لابنه عليه السلام
35 وصاياه عليه السلام لابنه

34وصيّته عليه السلام لابنه عليه السلامقال محمّد بن عليّ الباقر لابنه جعفر عليهماالسلام :يا بُنيَّ ، إذا أنعَمَ اللّه ُ علَيكَ بِنِعمَةٍ فَقُل : الحَمدُ للّه ِ ، وإذا أحزَنَكَ أمرٌ فَقُل : لا حَولَ وَلا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ ، وإذا أبطَأ عَليكَ الرّزقُ فَقُل : أستَغفِرُ اللّه َ . (1)

35وصاياه عليه السلام لابنهمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :لمّا حَضَرَتْ أبي عليه السلام الوفاةُ قالَ : يا جَعفرُ ، أُوصيكَ بِأصحابي خَيْراً . قُلت : جُعِلتُ فِداكَ ، واللّه ِ لَأدَعَنَّهُم ، وَالرَّجُلُ مِنهُم يَكونُ في المِصرِ فلاَ يَسألُ أحَداً . (2)

.


1- . نزهة الناظر وتنبيه الخاطر : ص 99 ح 14 ، كشف الغمة : ج 2 ص 362 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 187 ح 30.
2- . الكافي : ج 1 ص 306 ح 2.

ص: 286

36 وصيّته عليه السلام لابنه عليه السلام
37 إملاؤه عليه السلام لابنه عليه السلام

36وصيّته عليه السلام لابنه عليه السلامعليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونسَ بن عبد الرَّحمان ، عن عبد الأعلى ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :إِنَّ أبِي عليه السلام اسْتوْدَعَني ما هُناكَ ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفاةُ قالَ : ادعُ لي شُهوداً ، فَدَعوْتُ لَهُ أربعةً مِن قُرَيْشٍ ، فَيهِم نافعٌ مولى عَبدِ اللّه ِ بنِ عُمَرَ ، فقال : اكتُبْ ، هذا ما أوصَى بهِ يَعقوبُ بَنِيهِ ، يا بَنيَّ إنَّ اللّه َ اصطَفى لَكُم الدِّينَ فلا تَمُوتُنَّ إلاّ وأنتُم مُسلِمونَ ، وأوْصَى مُحمَّد بنُ عليٍّ إلى جَعفَرِ بِن مُحَمَّدٍ ، وَأمَرَهُ أنْ يُكَفِّنَهُ في بُرْدِهِ الَّذي كانَ يُصلِّي فيهِ الجُمُعَةَ ، وأنْ يُعَمِّمَهُ بعِمامَتِهِ ، وأنْ يُرَبِّعَ قَبرَهُ ، ويَرْفَعَهُ أرْبَعَ أصابِعَ ، وأنْ يَحُلَّ عَنهُ أطْمارَهُ عِندَ دَفْنِهِ . ثمَّ قال للشُّهُود : انصرِفوا رَحِمَكُم اللّه ُ . فَقُلت لَهُ : يا أبَتِ _ بعدَ ما انصرَفوا _ ما كان في هذا بِأنْ تُشهِدَ عَلَيهِ . فقال : يا بُنَيَّ كَرِهْتُ أنْ تُغْلَبَ ، وَأنْ يقال إنَّه لم يُوصَ إليهِ ، فأرَدْتُ أنْ تكونَ لَكَ الحُجَّةُ . (1)

37إملاؤه عليه السلام لابنه عليه السلامعليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، عن الوشّاء ، عن أبي خيثمة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :إنّ أبي أمَرَني أنْ أُغسِّلَهُ إذا تُوفِّيَ ، وَقالَ لِي : اكتُب يا بُنَيَّ ، ثُمَّ قالَ : إنَّهُم يَأمرونَكَ بِخِلافِ ما تَصنَعُ ، فَقُل لَهُم : هذا كتابُ أبي وَلَستُ أعدو قَولَهُ ، ثُمَّ قالَ : تَبدَأ فَتَغسِلُ يَدَيهِ ، ثُمَّ تُوضِّيه وُضوءَ الصَّلاةِ ، ثُمَّ تَأخذُ ماءً وسِدراً . تمام الحديث . (2)

.


1- . الكافي :ج 1 ص 307 ح 8 ، الإرشاد : ج 2 ص 181 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 3 ص 398 ، بحار الأنوار : ج 47 ص 13 ح 9.
2- . تهذيب الأحكام : ج 1 ص 303 ح 883.

ص: 287

38 وصيّته لابنه عليه السلام في التّكفين

38وصيّته لابنه عليه السلامفي التّكفينعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عُمَيْر ، عن حَمَّاد ، عن الحَلَبيّ ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :كتَب أبي في وَصِيَّتهِ أنْ أُكَفِّنَهُ في ثَلاثَةِ أثوابٍ : أحَدُها رِداءٌ لَهُ حِبَرَةٌ كانَ يُصَلِّي فيهِ يَومَ الجُمُعَةِ ، وثَوْبٌ آخَرُ ، وقَميصٌ . فَقُلتُ لِأبي : لِمَ تَكتُب هذا؟ فَقالَ : أخافُ أنْ يغْلِبَكَ النَّاسُ ، وإنْ قالوا : كَفِّنْهُ في أربَعَةٍ أوْ خَمسَةٍ فلا تَفْعَلُ ، وَعَمِّمْنِي بعِمامَةٍ ، وَلَيسَ تُعَدُّ العِمامَةُ مِنَ الكَفَنِ ، إنَّما يُعَدُّ ما يُلَفُّ بهِ الجَسَدُ . (1) وفي رواية اُخرى : عِدَّةٌ مِن أصحَابِنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن مَحْبُوب ، عن عليِّ بن رِئَاب ، عن الحَلَبيّ ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يُغَسَّلُ الميِّتُ ثَلاثَ غَسَلاتٍ ؛ مَرَّةً بالسِّدْرِ ، وَمَرَّةً بالماءِ يُطْرَحُ فيهِ الكافورُ ، وَمَرَّةً أُخْرى بالماءِ القَرَاحِ ، ثمَّ يُكَفَّنُ . وقال : إنَّ أبي كتَبَ في وَصِيَّتهِ أنْ أُكَفِّنَهُ في ثلاثَةِ أثوابٍ ؛ أحدُها رِدَاءٌ لَهُ حِبَرَةٌ ، وثوْبٌ آخَرُ ، وقمِيصٌ . قُلتُ : ولِمَ كتَب هذا؟ قال : مخافَة قَوْلِ النَّاسِ ، وعَصَّبْناه بَعدَ ذلِكَ بعِمامَةٍ ، وشَقَقْنا لَهُ الأرضَ مِن أجْلِ أنَّهُ كانَ بادِناً ، وَأمَرَني أنْ أرْفَعَ القبرَ مِنَ الأرضِ أربَعَ أصابِعَ مُفَرَّجاتٍ ، وَذَكَرَ أنَّ رَشَّ القَبرِ بِالماءِ حَسَنٌ . (2)

.


1- . الكافي :ج 3 ص 144 ح 7 ، تهذيب الأحكام : ج 1 ص 293 ح 857 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 220 ح 24.
2- . الكافي :ج 3 ص 140 ح 3 ، تهذيب الأحكام : ج 1 ص 300 ح 44 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 220.

ص: 288

. .

ص: 289

الفصل الرّابع : في ما ينسب إليه

39 كتابه عليه السلام في المساهمة

الفصل الرّابع : في ما ينسب إليه عليه السلام39كتابه عليه السلام في المساهمةأق_ول : ورويت صفة م_ساهمة برواية اُخرى بإسنادنا إل_ى عمرو بن أبي المقدام 1 ، عن أحدهما عليهماالسلام المساهمة تكتب : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم اللّهمَّ فاطِرَ السَّماواتِ والأرضِ ، عالِمَ الغَيبِ والشَّهادَةِ ، الرَّحمنَ الرَّحيمَ ، أنتَ تَحكُمَ بَينَ عِبادِكَ فيما كانُوا فيهِ يَختَلِفونَ ، أسألُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ ، أنْ تُصلِّي على مُحمَّدٍ وآل مُحمَّدٍ ، وأنْ تُخرِجَ لي خَيرَ السَّهمَينِ في دِيني وَدُنيايَ ، وَعاقِبَةِ أمرِي وعاجِلِهِ ، إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، ما شاءَ اللّه ُ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ صلَّى اللّه ُ على مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَسَلَّمَ . ثُمّ تَكتُبُ ما تُريدُ في رُقعَتَينِ ، وَيَكونُ الثَّالِثُ غُفْلاً (1) ، ثُمَّ تُجِيلُ السِّهامَ ، فَأيُّها خَرَجَ عَمِلتَ عَلَيهِ ولا تُخالِفْ ، فَمَن خَالَفَ يُصنَعْ لَهُ ، وإنْ خرَجَ الغَفلُ رمَيْتَ بهِ . (2)

.


1- . قِدْحٌ غُفْلٌ : لا خير فيه ، ولا نصيب له ، ولا غُرمَ عليه ، والغُفْل : المقيّد الذي أُغفِلَ فلا يرجى خيره ولا يخشى شرُّه (لسان العرب : ج 11 ص 499) .
2- . الأمان من أخطار الأسفار : ص 97 ، فتح الأبواب ص 269 ، بحار الأنوار : ج 91 ص 234 ح 8.

ص: 290

40 كتابه عليه السلام إلى شهاب في الأُضحيّة

40كتابه عليه السلام إلى شهابفي الأُضحِيَّةحَمَّاد ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : لا يَتَزوَّدِ الحاجُّ مِن أُضحِيَّتِهِ ، وَلَهُ أنْ يأكُلَ بِمِنِى أيّامَها . قال : وَهذهِ مَسألَةُ شهابٍ 1 كَتَبَ إِليهِ فيها . (1)

.


1- . تهذيب الأحكام : ج 5 ص 227 ح 767.

ص: 291

41 كتابه عليه السلام إلى رجل

41كتابه عليه السلام إلى رجلعليّ بن مهزيار 1 قال : كتب رجل إلى أبي جعفر عليهماالسلام يحكي له شيئاً ، فكتب عليه السلام إليه :وَاللّه ِ ما كانَ ذاكَ ، وَإنِّي لَأَكرَهُ أنْ أقولَ واللّه ، عَلى حالٍ من الأَحوالِ ، وَلكنَّهُ غَمَّني أنْ يقولَ : ما لَم يَكُنْ . (1)

.


1- . تهذيب الأحكام : ج 8 ص 290 ح 1072 ، النوادر للأشعري : ص 52 ح 98 ، بحار الأنوار : ج 104 ص 281 ح 18.

ص: 292

42 وصيّته عليه السلام لرجل

42وصيّته عليه السلام لرجلفي كتاب بحار الأنوار عن كتاب قضاء الحُقوق للصُّوري في حديث قال : إنَّ أبا جعفر الباقر عليهماالسلام استقبل الكعبة وقال :الحَمدُ للّه ِ الَّذي كَرَّمَكِ وَشَرَّفَكِ وَعَظَّمَكِ وجَعَلَكِ مَثابَةً للنَّاسِ وأمْناً ، واللّه ِ لَحُرمَةُ المُؤمِنِ أعظَمُ حُرْمَةً مِنكِ ، ولَقَد دخل عليه رجلٌ من أهل الجَبل فسلَّم عليه ، فقال : له عند الوداع : أوصِني . فقال : أُوصيكَ بِتَقوَى اللّه ِ ، وَبِرِّ أخيكَ المُؤمِنِ ، فأحببْت (1) لَهُ ما تُحِبُّ لِنَفسِكَ ، وإنْ سألَكَ فَأعْطِهِ ، وإنْ كَفَّ عَنكَ فاعرِضْ عَلَيهِ ، لا تَمُلَّه فإنَّهُ لا يَمُلُّكَ ، وَكُن لَهُ عَضُداً ، فإنْ وجَدَ عَلَيكَ فَلا تُفارِقْهُ حَتَّى تَسِلَّ سَخيمَتَهُ ، فإنْ غابَ فاحفَظْهُ في غَيْبَتِهِ ، وَإنْ شَهِدَ فاكْنُفْهُ ، وَاعضُدْهُ ، وَزُرْهُ ، وأكرِمْهُ ، والطُفْ بهِ ، فإنّهُ مِنكَ وَأنتَ مِنهُ ، وَفِطرُكَ لِأَخيكَ المُؤمنِ ، وإدخالُ السُّرورِ عَلَيهِ أفضَلُ مِنَ الصِّيامِ وأعظَمُ أجرَاً (2) . (3) وهذا ما عثرنا عليه من مكاتيب الإمام الباقر عليه السلام ، وَآخِرُ دَعوانا : «سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ» .

.


1- . هكذا في المصدر، والصواب: «فأحبب».
2- . وذكر في أكثر النّصوص هذه الوصيّة للإمام الصادق عليه السلام .
3- . بحار الأنوار : ج 74 ص 233 ح 28.

ص: 293

. .

ص: 294

. .

ص: 295

. .

ص: 296

. .

ص: 297

. .

ص: 298

. .

ص: 299

. .

ص: 300

. .

ص: 301

. .

ص: 302

. .

ص: 303

. .

ص: 304

. .

ص: 305

. .

ص: 306

. .

ص: 307

. .

ص: 308

. .

ص: 309

. .

ص: 310

. .

ص: 311

. .

ص: 312

. .

ص: 313

. .

ص: 314

. .

ص: 315

. .

ص: 316

. .

ص: 317

. .

ص: 318

. .

ص: 319

. .

ص: 320

. .

ص: 321

. .

ص: 322

. .

ص: 323

. .

ص: 324

. .

ص: 325

. .

ص: 326

. .

ص: 327

. .

ص: 328

. .

ص: 329

الفهرس التفصيلي .

ص: 330

. .

ص: 331

. .

ص: 332

. .

ص: 333

. .

ص: 334

. .

ص: 335

. .

ص: 336

. .

ص: 337

. .

ص: 338

. .

ص: 339

. .

ص: 340

. .

المجلد 4

اشاره

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

مكاتيب الإمام جعفر بن محمّد الصّادق عليهماالسلام

اشاره

مكاتيب الإمام جعفر بن محمّدٍ الصّادق

.

ص: 8

. .

ص: 9

المقدّمة

اشاره

المقدّمةفي أعقاب انبلاج فجر الإسلام في ربوع شبه جزيرة العرب، وبعدما سطع نوره واتّسع نطاقه إلى ربوع اُخرى من المعمورة، وامتدّ زاحفاً إلى أقصى الأرجاء، وتمسّكت به الاُمم ونظرت إليه باعتباره ديناً جاء لينتشل الناس من الظلمات إلى النور. وفي عهد حياة الرسول صلى الله عليه و آله كان الناس يهرعون إليه صلى الله عليه و آله في الملمّات وفي كلّ ما يستعصي عليهم ، في شتّى جوانب الحياة؛ يلتمسون عنده جواب ما يجهلون من اُمور دينهم ودنياهم، وأمّا الذين كانوا في مناطق نائية ويتعذّر عليهم الوصول إليه، فقد كانوا يتوجّهون تلقاء أصحابه الذين كان لهم نصيب من علمه، ونخصُّ بالذكر من هؤلاء الأصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، الذي كان على الدوام ملازماً لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد أخذ عنه علم القرآن وَكلَّ معانيه ومعارفه. وفي أعقاب وفاة الرسول كان أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام هو الملجأ والملاذ والقادر على حلّ المستعصيات حتّى في عهد الخلفاء . وبعد أن استشهد سلام اللّه عليه ضيّق أعداؤه الخناق على أبنائه وأصحابه وشيعته، وحالوا بينهم وبين هداية وإرشاد أبناء الاُمّة. وعلى صعيد آخر هبّ اُولئك الذين باعوا دينهم بدنياهم إلى وضع الأحاديث واختلاق الروايات إرضاءً للحكام ، وتنفيذاً لرغباتهم

.

ص: 10

وما يخدم مصالحهم، حتّى التبس سليم الحديث بسقيمه واستعصى _ حتّى على العلماء _ التمييز بين الحديث الصحيح والحديث الموضوع. واستشرى هناك الفساد، حتى غدت مدينة رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين عام 65 _ 80 ه_ . بؤرة تعجُّ بالمغنّين . ويمكن القول بأنّه في المدّة بين سنة 40 للهجرة وحتّى نهاية القرن الأوّل كانت هناك ثلّة قليلة من الصّحابة والتابعين قد حفظت وصانت وحملت معارف وفقه آل محمّد صلى الله عليه و آله . وفي عهد الإمام الباقر عليه السلام شهدت الأوضاع انفراجاً ملحوظاً، وأمّا عهد إمامة الإمام الصادق عليه السلام ؛ أي من عام 114 _ 148ه_ فقد كان عصر انتشار معارف وفقه آل محمّد صلى الله عليه و آله ، وعصر التعليم والتدريس حيث ظهرت المدينة المنورة عند ذاك بوجه آخر غير الذي كانت عليه من قبل . منذ عام 83 ه_ ( وهي السنة التي ولد فيها الإمام الصادق عليه السلام ) وحتّى عام 148 ه_ (وهي سنة استشهاده) تناوبَ على خلافة المسلمين اثنا عشر خليفة من المروانيين والعباسيّين، وكانت مدّة حكم كلّ واحد منهم قصيرة _ عدا عبد الملك بن مروان، وهشام بن عبد الملك اللّذان حكم كلُّ واحد منهما عشرين سنة _ ومن الطبيعي أنّ انتقال السلطة من حاكم إلى آخر كان يتمخّض عنه اضطراب في الأوضاع السياسية والاجتماعية ، خاصّة وأنّ العقدين الأخيرين من حياة الإمام عليه السلام شهدا انتقال السلطة من سلالة إلى اخرى، واقترن هذا الانتقال بحالة من الفوضى والمذابح . إنّ الضعف الذي أصاب الحكم المرواني وانتهى به إلى السقوط ، وفّر انفتاحاً في الحريات السياسية، ومهّد السبيل أمام اندلاع الثورات الدينية في بقاع متعدّدة من العالم الإسلامي ضدّ الحكّام ، وفسَحَ المجال أمام اتّساع البحوث العلمية والتدريس في مختلف الفروع . وكان لابدّ في مثل ذلك الظرف الحسّاس من اقتحام الميدان بكلّ قوّة ، واعتماد

.

ص: 11

وسائل متعدّدة لبلوغ الغاية المنشودة ، وهذا ما فعله الإمام الصّادق عليه السلام ، واهتمّ به غاية الاهتمام، حتّى أنّ أحد الأسرار الكامنة وراء نشر المعارف والأحكام كان اهتمامه بالكتابة وتوظيفها في سبيل هذه الغاية على أحسن وجه. والاهتمام بأمر الكتابة لا يختص به وحده، بل إنّ أوّل من كتب كتاباً في الإسلام _ كما ذكر ابن شهر آشوب _ هو عليُّ بن أبي طالب عليه السلام ، ومن بعده سلمان الفارسي وأبو ذر. وقال السُّيوطي في هذا المجال: وروى السيوطي : إنّ عليّا والحسن بن عليّ ممّن أباحوا كتابة العلم بين الصحابة وفعلوها. (1) واستمرت الكتابة قليلاً أو كثيراً ، إلى أن جاء عهد الإمام الصادق عليه السلام ، الذي كان عصر ازدهار المعارف والأحكام الدينية، واستجدّت ظروف منحت الكتابة قيمة وأهمية أكبر، ومن تلك المستجدّات كثرة طلبة العلوم في بقاع شتّى من أرجاء العالم الإسلامي ، إضافة إلى بُعدهم الجغرافي عن الإمام وتعذّر وصولهم إليه. قال الإمام الصادق عليه السلام للمفضّل في وصف أهمية الكتابة: تأمّل _ يامُفَضّلُ _ ما أنعَمَ اللّهُ تقدّسَت أسماؤهُ مِن هذا النُّطقِ الذي يُعبِّرُ بهِ عَمّا في ضَميرِهِ _ إلى أن قال _ وكذلك الكتابَةُ التي بها تُقَيَّدُ أخبارُ الماضِينَ للباقينَ ، وَأخبارُ الباقينَ لِلآتينَ ، وَبِها تُخَلَّدُ الكُتُبُ في العُلومِ وَالآدابِ وَغيرِها وَبِها يَحفَظُ الإنسانُ ذِكرَ ما يَجري بَينَهُ وَبَينَ غَيرِهِ مِنَ المُعاملاتِ وَالحِسابِ، وَلَولاهُ لانقَطَعَ أخبارُ بَعضِ الأزمِنَةِ عَن بَعضٍ ، وَأخبارُ الغائِبينَ عَن أوطانِهِم وَدَرَسَت العُلومُ وَضاعَت الآدابُ وَعَظُمَ ما يَدخُلُ عَلى الناسِ مِنَ الخَلَلِ في اُمورِهِم وَمُعامَلاتِهِمَ وَما يَحتاجونَ إلى النَّظَرِ فيهِ مِن أمرِ دينِهِم وَما رُوِيَ لَهُم مِمّا لا يَسَعُهُم جَهلُهُ (2) . وبما أنّ هذا الكتاب يدور حول ما كتبه الصادق عليه السلام من مكاتيب في مختلف الأغراض والمناسبات ، ولا يخفى أنّ فعله عليه السلام حجّة علينا ، فما أجدرنا بالسّير على

.


1- .الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، عبد الحليم الجندي: ص 200 .
2- .توحيد المفضّل : ص 39؛ بحار الأنوار : ج 3 ص 81 وج 61 ص 257.

ص: 12

في الحثّ على الكتابة والتّكاتب

نهجه ونهج آبائه الطّاهرين ، وذلك بتدوين العلم وحفظه ، الأمرُ الّذي أكّدت عليه العديد من الرّوايات عنهم عليهم السلام . وها نحن نضع أمام القارئ الكريم هذه الرّوايات الشّريفة ؛ ليكون ذلك حافزاً ودافعاً للكتابة وحفظ الآثار والعلوم .

في الحثّ على الكتابة والتّكاتبعليّ بن محمّد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبي أيّوب المدنيّ ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين الأحمسي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: القَلبُ يَتَّكِلُ عَلَى الكِتابَةِ. (1) والحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: اكتُبوا فَإنَّكُم لا تَحفَظونَ حَتَّى تَكتُبوا . (2) وأبو بصير قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال : ما يَمنَعُكُم مِنَ الكِتابَةِ ؟ إنَّكُم لَن تَحفَظوا حَتَّى تَكتُبوا ، إنَّهُ خَرَجَ مِن عِندي رَهطٌ مِن أهلِ البَصرَةِ سَأَلوني عَن أشياءَ فَكَتَبوها. (3) ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن ابن بُكير ، عن عبيد بن زرارة قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : احتَفِظوا بِكُتُبِكُم فَإنَّكُم سوف تَحتاجونَ إلَيها . (4) وعدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ ،عن بعض أصحابه ،عن أبي سعيد الخيبري ،عن المفضّل بن عمر قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : اكتُب وَبُثَّ عِلمَكَ فيإخوانِكَ فَإِن مِتَّ فَأورِث كُتُبَكَ بَنيكَ ،فَإنَّهُ يَأتيعَلَى النّاسِ زَمانُ هَرَجٍ لايأنَسونَ فيهِ إلاّ بِكُتُبِهِم. (5)

.


1- .الكافي : ج1 ص52 ح 8، مشكاة الأنوار: ص250 ح728، بحار الأنوار : ج2 ص152 ح39.
2- .الكافي : ج1 ص52 ح9، بحار الأنوار : ج2 ص152 ح38.
3- .مشكاة الأنوار: ص249 ح724، بحار الأنوار : ج2 ص153 ح47.
4- .الكافي : ج1 ص52 ح10، مشكاة الأنوار: ص249 ح725، بحار الأنوار : ج2 ص152 ح40.
5- .الكافي : ج1 ص52 ح11، مشكاة الأنوار: ص249 ح727، بحار الأنوار : ج2 ص150 ح27.

ص: 13

فيما يليق بالكتابة والتّكاتب

وأنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : المُؤمِنَ إذا ماتَ وَتَرَكَ وَرَقَةً واحِدَةً عَلَيها عِلمٌ ، تَكونُ تِلكَ الوَرَقَةُ يَومَ القِيامَةِ سِتراً فيما بَينَهُ وَبَيَنَ النَّارِ ، وَأعطاهُ اللّهُ تبارَكَ وَتعالى بِكُلِّ حَرفٍ مَكتوبٍ عَلَيها مَدينَةً أوسَعَ مِنَ الدُّنيا سَبعَ مَرَّاتٍ. (1) وأبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النّعمان في كتابه مصابيح النّور : أخبرني الصّدوق جعفر بن محمّد بن قولويّه ، عن عليّ بن الحسين بن بابويه ، عن عبد اللّه بن جعفر ، عن داوود بن القاسم الجعفريّ ، قال: عرضت على أبي محمّد صاحب العسكر عليه السلام كتاب يوم وليلة ليونس ، فقال لي: تَصنيفُ مَن هذا؟ فقلت: تصنيف يونس ، مولى آل يقطين ، فقال: أعطاهُ اللّهُ بِكُلِّ حَرفٍ نوراً يَومَ القِيامَةِ. (2) وعدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن بن أبي خالد شينولة ، قال: قلت لأبي جعفر الثّاني عليه السلام : جعلت فداك ، إنَّ مشايخنا رَوَوا عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام ، وكانت التّقيّة شديدة فكتموا كتبهم ، ولم تُروَ عنهم ، فلمّا ماتوا صارت الكتب إلينا. فقال: حَدِّثوا بِها فَإنَّها حَقٌّ. (3) وعن الحسن بن عليّ عليهماالسلام ، أنّه دعا بنيه وبني أخيه فقال: إنَّكُم صِغارُ قَومٍ ، وَيُوشَكُ أن تَكونوا كِبارَ قَومٍ آخَرينَ ، فَتَعَلَّموا العِلمَ ، فَمَن لَم يَستَطِع مِنكُم أن يَحفَظَهُ فَليَكتُبهُ وَليَضَعهُ في بَيتِهِ . (4)

فيما يليق بالكتابة والتّكاتبروي عن النّبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال لبعض كتّابه: ألقِ الدَّواةَ ، وَحَرِّفِ القَلَمَ ، وانصِبِ الباءَ ، وَفَرِّقِ السِّينَ ، وَلا تُعَوِّرِ المِيمَ ، وَحَسِّنِ اللّهَ ، وَمُدّ الرَّحمنَ ، وَجَوِّدِ الرَّحيمَ ، وَضَع قَلَمَكَ عَلَى اُذنِكَ اليُسرى ؛

.


1- .الأمالي للصدوق : ص 91 ح 64 ، الدعوات : ص 275 ح 791 ، بحار الأنوار : ج2 ص144 ح1 نقلاً عنه .
2- .بحار الأنوار: ج2 ص150 ح25 نقلاً عن الفهرست للنّجاشّي (رجال النّجاشي).
3- .الكافي : ج1 ص53 ح15 ، بحار الأنوار : ج 2 ص 167 .
4- .منية المريد : ص 340 ، تاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 227 ، بحار الأنوار : ج2 ص152 ح37 ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج13 ص 259 ، كنز العمّال : ج 10 ص 257 ح 29369 .

ص: 14

فَإنّهُ أذكَرُ لَكَ. (1) وعن سيف بن هارون مولى آل جعدة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام : اكتُب بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ مِن أجوَدِ كِتابَتِكَ ، وَلا تَمُدَّ الباءَ حَتّى تَرفَعَ السِّينَ. (2) وعن جميل بن درّاج قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : لا تَدَع بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، وإن كانَ بَعدَهُ شِعرُ. (3) وعن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عليّ بن الحكم عن الحسن بن السّري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تَكتُب بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ لِفُلانٍ ، وَلا بأسَ أن تَكتُبَ على ظَهرِ الكِتابِ لفلان (4) . وعن حديد بن حكيم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : لا بَأسَ بِأن يَبدَأ الرَّجُلُ بِاسم صاحِبِهِ في الصَّحيفَةِ قَبلَ اسمِهِ. (5) وعن أبي عبد اللّه عن آبائه عليهم السلام قال: قَالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : إذا كَتَبَ أحدُكُم في حاجَةٍ ، فَليَقرَأ آيَةَ الكُرسِيِّ وَآخِرَ بَني إسرائِيلَ ؛ فإنَّهُ أنجَحُ لِلحاجَةِ. (6) وعن مُرازم بن حكيم قال: أمر أبو عبد اللّهِ عليه السلام : بكتابٍ في حاجَةٍ ، فكتب ثمّ عرض عليه ولم يكن فيه استثناء ، فقال: كَيفَ رَجَوتُم أن يَتِمَّ هَذا وَلَيسَ فيهِ استثِناءٌ ؟ انظُروا كُلَّ مَوضِعٍ لا يَكونُ فيهِ استِثناءٌ فَاستَثنوا فِيهِ . (7) وعن جابرٍ عَن أبي جَعفَرٍ عليه السلام قال لِكاتبِ كُتُبِهِ : أن يصنع هذه الدّفاتر كراريس ،

.


1- .منية المريد : ص 349 ، بحار الأنوار : ج2 ص152 ح41 .
2- .الكافي: ج2 ص672 ح2 ، مشكاة الأنوار: ص250 ح734.
3- .الكافي: ج2 ص672 ح1، مشكاة الأنوار: ص250 ح733.
4- .الكافي: ج2 ص673 ح3 ، مشكاة الأنوار: ص250 ح735.
5- .الكافي: ج2 ص673 ح6، مشكاة الأنوار: ص251 ح736.
6- .مشكاة الأنوار: ص251 ح737.
7- .الكافي: ج2 ص673 ح7، مشكاة الأنوار: ص251 ح738، بحار الأنوار : ج47 ص48 ح73.

ص: 15

وقال: وَجَدنا كُتُبَ عَلِيٍّ عليه السلام مُدرَجَةً (1) . (2) وعن محمّد بن سنان قال: كتب أبو عبد اللّه عليه السلام كتاباً فأراد عقيبٌ أن يُتَرِّبَهُ ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : لا تُتَرِّبهُ ، فَلَعَنَ اللّهُ أوَّلَ مَن تَرَّبَ ، فَقُلتُ: يابنَ رَسولِ اللّهِ ، أخبِرني عَن أوَّلِ مَن تَرَّبَ ؟ فَقال: فُلانٌ الاُمَوِيُّ عَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ. (3) وعن الإمام الصّادق عليه السلام قال: قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : اذكُروا الحَديثَ بإسنادِهِ ، فَإن كانَ حَقّاً كُنتُم شُرَكاءَهُ فِي الآخِرَةِ ، وإن كانَ باطِلاً فإنَّ الوِزرَ عَلَى صاحِبِهِ. (4) وعن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: رَدُّ جَوابِ الكِتابِ واجِبٌ كَوُجُوبِ رَدِّ السَّلامِ. (5) وعن العَيصِ بن أبي القاسم قال: سَألتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ التَّسليم عَلَى أهلِ الكِتابِ في الكِتابِ ، قَالَ: تَكتُبُ : سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبعَ الهُدى ، وَفي آخِرِهِ: سَلامٌ عَلى المُرسَلينَ ، وَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ. (6) وعن ذريح قال: سَألتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ التَّسليمِ عَلَى اليَهودِيِّ والنَّصرانيِّ وَالرَّدِ عَلَيهِم في الكِتابِ ، فَكَرِهَ ذلِكَ . (7) والإمامُ الصّادق عليه السلام قال: التَّواصُلُ بَينَ الإخوانِ في الحَضَرِ التَّزَاوُرُ ، وَفي السَّفَرِ التَّكاتُبُ . (8)

.


1- .الدُّرجة _ بالضمّ _ وجمعها الدُّرَج ، وأصله شيءٌ يُدرج أي يُلفَّ (النهاية: ج 2 ص 111) .
2- .مشكاة الأنوار: ص249 ح726.
3- .مشكاة الأنوار: ص251 ح739.
4- .مشكاة الأنوار: ص252 ح744.
5- .الكافي: ج2 ص670 ح2، مشكاة الأنوار: ص251 ح741، بحار الأنوار : ج 84 ص 273 .
6- .مشكاة الأنوار: ص250 ح731.
7- .مشكاة الأنوار: ص250 ح732 ، الاُصول الستّة عشر : ص 87 .
8- .الكافي: ج2 ص670 ح1 ، تحف العقول: ص358 ، مشكاة الأنوار: ص250 ح730، مصادقة الإخوان: ص162 ، بحار الأنوار: ج 78 ص240 ح 13 .

ص: 16

وَسُئِلَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ الاسمِ مِن أسماءِ اللّهِ يَمحوهُ الرَّجُلُ، بالتَّفلِ؟ قالَ: امحوهُ بِأَطهَرِ ما تَجِدونَ. (1) وعن الإمام الصّادق عليه السلام أنّه قال: قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : امحُوا كِتابَ اللّهِ تَعالَى وَذِكرَهُ بِأَطهَرِ ما تَجدونَ ، وَنَهى [ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ] (2) أن يُحرَقَ كِتابُ اللّهِ ، وَنَهى أن يُمحَى بِالأَقلامِ . (3) وفي مستدرك الوسائل ، نقلاً عن السّيوطي في طبقات النّحاة: سئل محمّد بن يعقوب _ صاحب القاموس _ عن قول عليّ بن أبي طالب عليه السلام لكاتبه: ألصِق رَوانِفَكَ (4) بِالجُبوبِ (5) ، وُخُذِ المِزبَرَ (6) بِشَناتِرِكَ (7) ، وَاجعَل حَندورَتَيكَ (8) إلى قَيهَلي (9) ، حَتّى لا أنغى نَغَيةً (10) إلاّ أودَعتُها حَماطَةَ (11) جُلجُلانِكَ (12) ؛ ما معناه ؟ فَقالَ: ألزِق عَضَرطَتَكَ (13) بِالصِّلَّةِ (14) ، وَخُذِ المَصطَرَ (15) بِأباخِسِكَ (16) ، وَاجعَل

.


1- .الكافي: ج2 ص674 ح3، مشكاة الأنوار: ص252 ح742.
2- .أضفنا ما بين المعقوفين لأجل استقامة السِّياق.
3- .الكافي: ج2 ص674 ح4، مشكاة الأنوار: ص252 ح743.
4- .الروانف : المقعدة.
5- .الجبوب : الأرض .
6- .المزبر : القلم.
7- .الشناتر : الأصابع .
8- .الحندورة : الحدقة.
9- .القيهل : الوجه.
10- .النغية : النغمة .
11- .الحماطة : سوداء القلب.
12- .الجلجلان : القلب.
13- .العضرط : الاست.
14- .الصلة : الأرض.
15- .المصطر : القلم.
16- .الأباخس : الأصابع .

ص: 17

حَجمَتَيكَ (1) إلى اُثعُبانَ (2) ، حَتّى لا أنبُسَ نَبسَةً (3) إلاّ وَعَيتَها في لَمظَةِ (4) رِباطِكَ (5) . (6) تنبيه : ينبغي الإشارة إلى أنّ ما ورد بعنوان «وصاياه عليه السلام » هي في الغالب ليست مكاتيب بالمعنى الاصطلاحي ، بل وردت شفاها ، وإنّما أوردناها استطرادا . وفي ختام هذه الديباجة ،نودُّ أن نلفت انتباه القارئ الكريم إلى أنَّ هذا الكتاب الذي بين يديه ، هو المجلد الرابع من مكاتيب الأئمّة عليهم السلام ، مركب من مكاتيب الإمامين الصّادق والكاظم عليهماالسلام . وقد احتوى مكاتيب الصّادق عليه السلام على سبعة فصول : أوّلاً: في التوحيد والإيمان. ثانيا: في أهل البيت عليهم السلام. ثالثا: في المواعظ. رابعا: المكاتيب الفقهيّة. خامسا: وصاياه عليه السلام . سادسا: في الدّعاء . سابعا: في اُمور شتّى.

.


1- .الحجمة : العين.
2- .الاُثعبان : الوجه .
3- .النبسة : النغمة.
4- .اللّمظة : النكتة السوداء بياض ( من الأضداد ) .
5- .الرباط : القلب .
6- .مستدرك الوسائل: ج13 ص259 ح15295 نقلاً عن السّيوطي في طبقات النّحاة.

ص: 18

. .

ص: 19

الفصل الأوّل : في التّوحيد والإيمان

اشاره

الفصل الأوّل : في التّوحيد والإيمان

.

ص: 20

. .

ص: 21

1 . كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحيم بن عتيك في التّوحيد

1كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحيم بن عتيك في التّوحيدعليّ بن إبراهيم ، عن العبّاس بن معروف ، عن ابن أبي نجران ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبد الرّحيم بن عتيك القصير 1 ، قال: كتبت على يَدَي عبد الملك بن أعين 2 إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : إنَّ قوماً بالعراقِ يَصِفونَ اللّهَ بالصُّورَةِ وَبالتَّخطيطِ ، فَإن

.

ص: 22

2 . كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحيم القصير في الإيمان

رَأَيتَ جَعَلَنِيَ اللّهُ فِداكَ أن تَكتُبَ إليَّ بالمَذهَبِ الصّحيحِ مِنَ التَّوحيدِ . فكتب إليّ: سَأَلتَ رَحِمَكَ اللّهُ عَنِ التَّوحيدِ وَما ذَهَبَ إلَيهِ مَن قِبَلَكَ ، فَتَعالى اللّهُ الّذي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّميعُ البَصيرُ ، تَعالى عَمَّا يَصِفُهُ الواصِفونَ المُشَبِّهونَ اللّهَ بِخَلقِهِ ، المُفترونَ عَلى اللّهِ . فَاعلَم _ رَحِمَكَ اللّهُ _ أنَّ المَذهَبَ الصَّحيحَ فِي التَّوحيدِ ما نَزَلَ بِهِ القُرآنُ مِن صفاتِ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ ، فَانفِ عَنِ اللّهِ تَعالى البُطلانَ وَالتَّشبيهَ فَلا نَفيَ وَلا تَشبيهَ ، هُوَ اللّهُ الثّابِتُ المَوجودُ تَعالى اللّهُ ، عَمَّا يَصِفُهُ الواصِفونَ ، ولا تَعدوا القُرآنَ فَتَضِلّوا بَعدَ البَيانِ . (1)

2كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحيم القصير في الإيمانعليّ بن إبراهيم ، عن العبّاس بن معروف ، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبد الرّحيم القصير (2) ، قال: كتبت مع عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن الإيمان ما هو؟ فكتب إليّ مع عبد الملك بن أعين :

.


1- .الكافي: ج1 ص100 ح1، بحار الأنوار: ج3 ص261 ح12.
2- .عبد الرّحيم القصير هو عبد الرحيم بن عتيك القصير ، مرّ ترجمته في الصفحة السابقة .

ص: 23

3 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن خرزاد في معاني الأسماء واشتقاقها

سَأَلتَ _ رَحِمَكَ اللّهُ _ عَنِ الإيمانِ: وَالإيمانُ هُوَ الإقرارُ بِاللِّسانِ وَعَقدٌ فِي القَلبِ وَعَمَلٌ بِالأركانِ ، وَالإيمانُ بَعضُهُ مِن بَعضٍ وَهُوَ دارٌ وكَذلِكَ الإسلامُ دارٌ والكُفرُ دَارٌ ، فَقَد يَكونُ العَبدُ مُسلِماً قَبلَ أن يَكونَ مُؤمِناً ، ولا يَكونُ مُؤمِناً حَتَّى يَكونَ مُسلِماً ، فَالإسلامُ قَبلَ الإيمانِ وَهُوَ يُشارِكُ الإيمانَ ، فَإذا أتى العَبدُ كَبيرَةً مِن كبائِرِ المَعاصي أو صَغيرَةً مِن صَغائِرِ المَعاصي الّتي نَهَى اللّهُ عز و جل عَنها ، كانَ خارِجاً مِنَ الإيمانِ ، ساقِطاً عَنهُ اسمُ الإيمانِ ، وثابِتاً عَلَيهِ اسمُ الإسلام ، فَإِن تابَ وَاستَغفَرَ عادَ إلى دارِ الإيمانِ ، ولا يُخرِجُهُ إلى الكُفرِ إلاّ الجُحودُ وَالاستحِلالُ أن يقولَ لِلحَلالِ هذا حَرامٌ ولِلحَرامِ هذا حَلالٌ ودانَ بِذلِكَ ، فعندها يَكونُ خارِجاً مِنَ الإسلامِ وَالإيمانِ ، داخِلاً فِي الكُفرِ وَكانَ بِمَنزِلَةِ مَن دَخَلَ الحَرَمَ ثُمَّ دَخَلَ الكَعبَةَ وَأحدَثَ فِي الكَعبَةِ حَدَثاً فَأُخرَجَ عَنِ الكَعبَةِ وَعَنِ الحَرَمِ فَضُرِبَت عُنقُهُ وَصارَ إلى النَّارِ. (1)

3كتابه عليه السلام إلى الحسن بن خرزاد في معاني الأسماء واشتقاقهاالحسن بن خُرْزاد 2 قال : كتبت إلى الصّادق أسأل عن معنى اللّه .

.


1- .الكافي: ج2 ص27 ح1، التوحيد : ص228، بحار الأنوار: ج65 ص256 ح15.

ص: 24

4 . كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحيم القصير في جوابه عن بعض المسائل

فقال: استَولَى عَلى ما دَقَّ وَجَلَّ (1) . (2)

4كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحيم القصير في جوابه عن بعض المسائلمحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه في جامعه ، وحدّثنا به عن محمّد بن الحسن الصفّار عن العبّاس بن معروف، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الرّحيم القصير، قال : كتبت على يَدَي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : _ جُعِلتُ فِداكَ _ اختَلَفَ النَّاسُ في أشياءَ قَد كَتَبتُ بِها إلَيكَ، فإن رَأَيتَ جَعَلَنِيَ اللّهُ فِداكَ أن تَشرَحَ لي جَميعَ ما كَتَبتُ بِهِ إلَيكَ: اختَلَفَ النَّاسُ جُعِلتُ فِداكَ بِالعِراقِ في المَعرِفَةِ وَالجُحودِ، فَأَخبِرني جُعِلتُ فِداكَ أهُما مَخلوقانِ؟ وَاختَلَفوا فِي القُرآنِ، فَزَعَمَ قَومٌ : أنَّ القُرآنَ _ كَلامَ اللّهِ _ غَيرُ مَخلوقٍ وقال آخرون: كَلامُ اللّهِ مَخلوقٌ . وَعَنِ الاستِطاعَةِ ، أقَبلَ الفِعلِ أو مَعَ الفِعلِ ؟ فإنَّ أصحابَنا قَد اِختَلَفوا فيهِ وَرَوَوا فيهِ. وَعَنِ اللّهِ تَبارَكَ وَتَعالى ، هَل يُوصَفُ بِالصّورَةِ أو بِالتَّخطيطِ .

.


1- .وفي الكافي: أحمد بن محمّد البرقيّ ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال : سئل عن معنى اللّه . فقال : استَولَى عَلى ما دَقَّ وَجَلَّ . (ج 1 ص115 ح3) .
2- .تفسير العيّاشي : ج1 ص21 ح15، بحار الأنوار : ج 92 ص238 ح37 نقلاً عنه.

ص: 25

فَإن رَأيتَ جَعَلَنِيَ اللّهُ فِداكَ أن تَكتُبَ إلَيَّ بِالمَذهَبِ الصَّحيحِ مِنَ التَّوحيدِ ، وَعَن الحَرَكاتِ أهِيَ مَخلوقَةٌ أو غَيرُ مَخلوقَةٌ؟ وَعَنِ الإيمانِ ما هُوَ؟ فَكتَبَ عليه السلام على يَدَي عَبدِ المَلِكِ بنِ أعيَن : سَألتَ عَنِ المَعرِفَةِ ما هِيَ: فَاعلَم _ رَحِمَكَ اللّهُ _ أنَّ المَعرِفَةَ مِن صُنعِ اللّهِ عز و جل في القَلبِ مَخلوقَةُ ، وَالجُحودُ صُنعُ اللّهِ في القَلبِ مَخلوقٌ، وَلَيسَ لِلعبادِ فيهِما مِن صُنعِ ، وَلَهُم فِيهِما الاختِيارُ مِنَ الاكتِسابِ ، فَبِشَهوَتِهِم الإيمانَ اختاروا المَعرِفَةَ فَكانوا بِذلِكَ مُونينَ عارِفينَ ، وَبِشَهوَتِهِم الكُفرَ اختاروا الجُحودَ فَكانوا بِذلِكَ كافِرينَ جاحِدينَ ضُلاّلاً، وَذلِكَ بِتَوفِيقِ اللّهِ لَهُم وَخِذلانِ مَن خَذَلَهُ اللّهُ ، فَبِالاختيارِ وَالاكتِسابِ عاقَبَهُم اللّهُ وَأثابَهُم. وَسَألتَ _ رَحِمَكَ اللّهُ _ عَنِ القُرآنِ وَاختِلافِ النَّاسِ قِبَلَكُم، فَإنَّ القُرآنَ كَلامُ اللّهِ مُحدَثٌ غَيرُ مَخلوقٍ ، وَغَيرُ أَزلِيٍّ مَعَ اللّهِ تَعالى ذِكرُهُ ، وَتَعالى عَن ذلِكَ عُلُوّاً كَبيراً، كانَ اللّهُ عز و جل وَلا شَيءَ غَيرُ اللّهِ مَعروفٌ وَلا مَجهولٌ ، كانَ عز و جل وَلا مُتَكَلِّمَ وَلا مُريدَ وَلا مُتَحَرِّكَ وَلا فاعِلَ جَلَّ وَعَزَّ رَبُّنا، فَجَميعُ هذهِ الصِّفاتِ مُحدَثَةٌ عِندَ حُدوثِ الفِعلِ مِنهُ ، جَلَّ وَعَزَّ رَبُّنا، وَالقُرآنُ كلامُ اللّهِ غَيرُ مَخلوقٍ، فيهِ خَبرُ مَن كانَ قَبلَكُم ، وَخَبَرُ ما يَكونُ بَعدَكُم ، أُنزِلَ مِن عِندِ اللّهِ عَلى مُحَمَّدٍ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . وَسأَلتَ _ رَحِمَكَ اللّهُ _ عَنِ الاستِطاعَةِ لِلفعلِ ، فَإنَّ اللّهَ عز و جل خَلَقَ العَبدَ وَجَعَلَ لَهُ الآلَةَ وَالصِّحَةَ وَهِيَ القُوَّةُ الّتي يَكونُ العَبدُ بِها مُتَحَرِّكاً مُستَطيعاً لِلفِعلِ، وَلا مُتَحَرِّكَ إلاّ وَهُوَ يُريدُ الفِعلَ، وَهِيَ صِفَةٌ مُضافَةٌ إلى الشَّهوَةِ الّتي هِيَ خَلقُ اللّهِ عز و جل ، مُرَكَّبَةٌ في الإنسانِ ، فَإذا تَحَرَّكَتِ الشَّهوَةُ في الإنسانِ اشتَهى الشَّيءَ فَأرادَهُ، فَمِن ثَمَّ قِيلَ لِلإنسانِ : مُريدٌ، فَإذا أرادَ الفِعلَ وفَعَلَ كانَ مَعَ الاستِطاعَةِ وَالحَرَكَةِ ، فَمِن ثَمَّ قِيلَ لِلعَبدِ : مُستَطيعٌ مُتَحَرِّكٌ ، فَإذا كانَ الإنسانُ ساكِناً غَيرَ مُريدٍ لِلفِعلِ وَكانَ مَعَهُ الآلَةُ وَهِيَ

.

ص: 26

القُوَّةُ وَالصِّحَةُ اللّتانِ بِهِما تَكونُ حَرَكاتُ الإنسانِ وَفِعلِهِ كانَ سُكونُهُ لعلَّة سُكونِ الشَّهوَةِ . فَقيلَ : ساكِنٌ ، فَوُصِفَ بِالسُّكونِ ، فإذا اشتَهى الإنسانُ وَتَحَرَّكَت شَهوَتُهُ الّتي رُكِّبَت فيهِ اشتَهى الفِعلَ وَتَحَرَّكَت بِالقُوَّةِ المُرَكَّبَةِ فيهِ وَاستَعمَلَ الآلَةَ الّتي بِها يَفعَلُ الفِعلَ فَيَكونُ الفِعلُ مِنهُ عِندَ ما تَحَرَّكَ وَاكتَسَبَهُ . فَقيلَ : فاعِلٌ وَمُتَحرِّكٌ وَمُكتَسِبٌ وَمُستَطيعٌ ، أوَ لا تَرى أنَّ جَميعَ ذلِكَ صِفاتٌ يُوصَفُ بِها الإنسانُ. وَسَألتَ _ رَحِمَكَ اللّهُ _ عَنِ التَّوحيدِ وَما ذَهَبَ إلَيهِ مَن قِبَلَكَ ، فَتَعالى اللّهُ الّذي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّميعُ البَصيرُ ، تَعالى اللّهُ عَمَّا يَصِفُهُ الواصِفونَ المُشَبِّهونَ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى بِخَلقِهِ المُفتَرونَ عَلى اللّهِ عز و جل . فَاعلَم _ رَحِمَكَ اللّهُ _ أنّ المَذهَبَ الصَّحيحَ فِي التَّوحيدِ ما نَزَلَ بهِ القُرآنُ مِن صفاتِ اللّهِ عز و جل ، فَانفِ عَنِ اللّهِ البُطلانَ وَالتَّشبيهَ ، فَلا نَفيَ وَلا تَشبيهَ وَهُوَ اللّهُ الثّابِتَ المَوجودُ ، تَعالى اللّهُ عَمّا يَصِفُهُ الواصِفونَ، ولا تَعدُ القُرآنَ فَتَضِلَّ بَعدَ البَيانِ. وَسَألتَ رَحِمَكَ اللّهُ عَنِ الإيمانِ، فَالإيمانُ هُوَ: إقرارٌ بِاللّسانِ وَعَقدٌ بِالقَلبِ وَ عَمَلٌ بِالأركانِ ، فَالإيمانُ بَعضُهُ مِن بَعضٍ وَقَد يَكونُ العَبدُ مُسلِماً قَبلَ أن يَكونَ مُوناً ، وَلا يَكونُ مُوناً حَتَّى يَكونَ مُسلِماً فالإسلامُ قَبلَ الإيمانِ وَهُوَ يُشارِكُ الإيمانَ ، فَإذا أتى العَبدُ بِكَبيرَةٍ مِن كَبائِرِ المَعاصي أو صَغيرَةٍ مِن صَغائِرِ المَعاصي الّتي نَهى اللّهُ عز و جل عَنها كانَ خارِجاً مِنَ الإيمانِ وَساقِطاً عَنهُ اسمُ الإيمانِ وَثابِتاً عَلَيهِ اسمُ الإسلامِ ، فَإن تابَ وَاستَغفَرَ عادَ إلى الإيمانِ وَلَم يُخرِجهُ إلى الكُفرِ والجُحودِ وَالاستِحلالِ وَإذا قالَ لِلحَلالِ هذا حَرامٌ وَلِلحَرامِ هذا حَلالٌ وَدانَ بِذلِكَ فَعِندَها يَكونُ خَارِجاً مِنَ الإيمانِ والإسلامِ إلى الكُفرِ وَكانَ بِمَنزِلَةِ رَجُلٍ دَخَلَ الحَرَمَ ثُمَّ دَخَلَ الكَعبَةَ فَأحدَثَ فِي الكَعبَةِ حَدَثاً ، فَأُخرِجَ عَنِ الكَعبَةِ وَعَنِ الحَرَمِ فَضُرِبَت عُنقُهُ وَصارَ إلى النَّارِ . (1)

.


1- .التوحيد : ص 226 ح7 ، بحار الأنوار: ج5 ص30 ح39 نقلاً عنه .

ص: 27

5 . كتابه عليه السلام إلى المفضّل بن عمر في التوحيد المشتهر بالإهليلجة

5كتابه عليه السلام إلى المفضّل بن عمر 1 في التوحيد المشتهر بالإهليلجةحدّثني محرز بن سعيد النّحوي بدمشق قال: حدّثني محمّد بن أبي مسهر بالرّملة، عن أبيه، عن جدّه قال: كتب المفضل بن عمر الجعفيّ إلى أبي عبد اللّه جعفر بن

.

ص: 28

محمّد الصّادق عليهماالسلام يُعلِمُهُ أنّ أقواماً ظهروا من أهل هذه الملّة يجحدون الرّبوبيّة، ويجادلون على ذلك، ويسأله أن يردّ عليهم قولهم ، ويحتجّ عليهم فيما ادّعوا بحسب ما احتجّ به على غيرهم . فكتب أبو عبد اللّه عليه السلام :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أمّا بَعدُ ، وَفَّقَنا اللّهُ وَإيَّاكَ لِطاعَتِهِ ، وَأوجَبَ لَنا بِذلِكَ رِضوانَهُ بِرَحمَتِهِ ، وَصَلَ كِتابُكَ تَذكُرُ فيهِ ما ظَهَرَ في مِلَّتِنا، وَذلِكَ مِن قَومٍ مِن أهلِ الإلحادِ بِالرُّبوبِيَّةِ قَد كَثُرَت عِدَّتُهُم ، وَاشتَدَّت خُصومَتُهُم ، وَتَسألُ أن أصنَعَ لِلرَدِّ عَلَيهِم وَالنَّقضِ لِما في أيديهم كِتاباً عَلى نَحوِ ما رَدَدتُ عَلى غَيرِهِم مِن أهلِ البِدَعِ وَالاختِلافِ ، وَنَحنُ نَحمَدُ اللّهَ عَلى النِّعَمِ السّابِغَةِ وَالحُجَجِ البالِغَةِ وَالبَلاءِ المَحمودِ عِندَ الخاصَّةِ وَالعامَّةِ ، فَكانَ مِن نِعَمِهِ العِظامِ وَآلائِهِ الجِسامِ الَّتي أنعَمَ بِها تَقريرُهُ قُلوبَهُم بِرُبوبِيَّتِهِ ، وَأخذُهُ ميثاقَهُم بِمَعرِفَتِهِ ، وإنزالِهِ عَلَيهِم كتاباً فيه شِفاءٌ لِما في الصُّدورِ مِن أمراضِ الخَواطِرِ وَمُشتَبِهاتِ الأُمورِ ، وَلَم يَدَع لَهُم وَلا لِشَيءٍ مِن خَلقِهِ حاجَةً إلى مَن سِواهُ ، وَاستَغنى عَنهُم ، وَكانَ اللّهُ غَنِيّاً حَميداً.

.

ص: 29

وَلَعمري ما أُتِيَ الجُهَّالُ مِن قِبَلِ رَبِّهِم وَأنَّهُم لَيَرَونَ الدِّلالاتِ الواضِحاتِ وَالعَلاماتِ البَيِّناتِ في خَلقِهِم ، وَما يُعايِنونَ مِن مَلَكوتِ السَّماواتِ وَالأرضِ وَالصُّنعِ العَجيبِ المُتقَنِ الدَّالِّ عَلى الصّانِعِ ، وَلكِنَّهُم قَومٌ فَتَحوا عَلى أنفُسِهِم أبوابَ المَعاصي ، وَسَهّلوا لَها سَبيلَ الشّهواتِ ، فَغَلَبت الأهواءُ على قُلُوبِهِم ، وَاستَحوَذَ الشَّيطانُ بِظُلمِهِم عَلَيهِم ، وَكذلِكَ يَطبَعُ اللّهُ عَلى قُلوبِ المُعتَدينَ . والعَجَبُ مِن مَخلوقٍ يَزعُمُ أنّ اللّهَ يَخفى عَلى عِبادِهِ وَهُوَ يَرى أَثَرَ الصُّنعِ في نَفسِهِ بِتَركيبٍ يَبهَرُ عَقلَهُ ، وَتأليفٍ يُبطِلُ حُجَّتَهُ . وَلَعَمري لَو تَفَكَّروا في هذهِ الأُمورِ العِظامِ لَعايَنوا مِن أمرِ التَّركيبِ البَيِّنِ ، وَلُطفِ التَّدبيرِ الظّاهِرِ ، وَوُجودِ الأشياءِ مَخلوقَةً بَعدَ أن لَم تَكُن ، ثُمَّ تَحَوُّلُها مِن طَبيعَةٍ إلى طَبيعَةٍ ، وَصنيعَةٍ بَعدَ صَنيعَةٍ ، ما يَدُلُّهُم ذلِكَ عَلى الصَّانِعِ ، فَإنّهُ لا يَخلو شَيءٌ مِنها مِن أن يَكونَ فيهِ أثرُ تَدبيرٍ وَتَركيبٍ يَدُلُّ عَلى أنَّ لَهُ خَالِقاً مُدَبِّراً، وَتأليفٌ بِتَدبيرٍ يَهدي إلى واحِدٍ حَكيمٍ . وَقَد وَافاني كِتابُكَ وَرَسَمتُ لَكَ كِتاباً كُنتُ نازَعتُ فيهِ بَعضَ أهلِ الأديانِ مِن أهلِ الإنكارِ ، وَذلِكَ أنَّهُ كانَ يَحضُرُني طَبيبٌ من بِلادِ الهِندِ ، وَكانَ لا يَزالُ يُنازِعُني في رَأيِهِ ، وَيُجادِلُني عَلى ضَلالَتِهِ ، فَبَينا هُوَ يَوماً يَدُقُّ إهليلجَةً لِيَخلِطَها دَواءً احتَجتُ إلَيهِ مِن أدوِيَتِهِ ، إذ عَرَضَ لَهُ شَيءٌ مِن كلامِهِ الّذي لَم يَزَل يُنازِعُني فيهِ مِنِ ادِّعائِهِ أنَّ الدُّنيا لَم تَزَل وَلا تَزالُ شَجَرَةً تَنبُتُ وَاُخرى تَسقُطُ ، نَفسٌ تولَدُ وَاُخرى تَتلَفُ ، وَزَعَمَ أنَّ انتِحالي المَعرِفَةَ للّهِِ تَعالى دَعوَى لا بَيّنَةَ لي عَلَيها، وَلا حُجَّةَ لي فيها، وَأنَّ ذلِكَ أمرٌ أخَذَهُ الآخِرُ عَنِ الأَوَّلِ ، وَالأصغَرُ عَنِ الأكبَرِ ، وَأنَّ الأشياءَ المُختَلِفَةَ وَالمُولِفَةَ وَالباطِنَةَ وَالظّاهِرَةَ إنَّما تُعرَفُ بِالحَواسِّ الخَمسِ : نَظَرِ العَينِ ، وَسَمعِ الأُذُنِ ، وَشَمِّ الأنفِ ، وَذَوقِ الفَمِ ، وَلَمسِ الجَوارِحِ ، ثُمَّ قادَ مَنطِقَهُ عَلى الأصلِ الّذي وَضَعَهُ فَقالَ : لَم يَقَع شَيءٌ مِن حَواسّي عَلى خالِقٍ يُوي إلى قَلبي، إنكاراً للّهِِ تَعالى .

.

ص: 30

ثُمَّ قالَ : أخبِرني بِمَ تَحتَجُّ في مَعرِفَةِ رَبِّكَ الّذي تَصِفُ قُدرَتَهُ وَرُبوبِيَّتَهُ ، وَإنَّما يَعرِفُ القَلبُ الأشياءَ كُلَّها بالدّلالاتِ الخَمسِ الّتي وَصَفتُ لَكَ . قُلتُ : بِالعَقلِ الّذي في قَلبي ، وَالدَّليلِ الّذي أحتَجُّ بِهِ في مَعرِفَتِهِ . قال: فَأنّى يَكونُ ما تَقولُ وَأنتَ تَعرِفُ أنَّ القَلبَ لا يَعرِفُ شَيئاً بِغَيرِ الحَواسّ الخَمسِ ؟ فَهَل عايَنتَ رَبَّكَ بِبَصَرِ ، أو سَمِعتَ صَوتَهُ بِأُذُنٍ ، أو شَمَمتَةُ بِنَسيمٍ ، أو ذُقتَهُ بِفَمٍ ، أو مَسَستهُ بِيَدٍ ، فَأدّى ذلِكَ المَعرِفَةَ إلى قَلبِكَ ؟ قُلتُ : أرَأيتَ إذ أنكَرتَ اللّهَ وَجَحَدتَهُ _ لِأنّكَ زَعَمتَ أنَّكَ لا تُحِسُّهُ بِحَواسّكَ الّتي تَعرِفُ بِها الأشياءَ _ وَأقرَرتُ أنا بِهِ هَل بُدٌّ مِن أن يَكونَ أحَدُنا صادِقاً وَالآخَرُ كاذِباً؟ قال : لا . قُلتُ : أرَأيتَ إن كانَ القَولُ قَولُكَ فَهَل يُخافُ عَلَيَّ شَيءٌ مِمّا أُخَوّفُكَ بِهِ مِن عِقابِ اللّهِ؟ قال: لا. قُلتُ : أَفَرَأيتَ إن كانَ كما أقولُ وَالحَقُّ في يَدي ، ألَستُ قَد أخَذتُ فيما كُنتُ اُحاذِرُ مِن عِقابِ الخَالِقِ بِالثِّقَةِ ، وَأَنَّكَ قَد وَقَعتَ بِجُحودِكَ وَإنكارِكَ في الهَلَكَةِ؟ قال: بلى. قُلتُ : فَأيُّنا أولى بِالحَزمِ وَأقرَبُ مِنَ النَّجاةِ؟ قالَ : أنتَ ، إلاّ أنَّكَ مِن أمرِكَ عَلى ادِّعاءٍ وَشُبَهةٍ ، وَأنا على يَقينٍ وَثِقَةٍ ، لِأنّي لا أرَى حَواسّيَ الخَمسَ أدرَكَتهُ ، وَما لَم تُدرِكهُ حواسّي فَلَيسَ عِندي بِمَوجودٍ . قُلتُ : إنَّهُ لَمَّا عَجَزَت حَواسُّكَ عَن إدراكِ اللّهِ أنكَرَتهُ ، وَأنا لَمّا عَجَزَت حَواسّي عَن إدراكِ اللّهِ تَعالى صَدَّقتُ بهِ . قالَ : وَكيفَ ذلِكَ؟ قُلتُ : لِأَنَّ كُلَّ شَيءٍ جَرى فيهِ أثَرُ تَركيبٍ لَجِسمٌ ، أو وَقَعَ عَلَيهِ

.

ص: 31

بَصَرٌ لَلَونٌ ، فَما أدرَكَتهُ الأبصارُ وَنالَتهُ الحَواسُّ فَهُوَ غَيرُ اللّهِ سُبحانَهُ ؛ لأنَّهُ لا يُشبِهُ الخَلقَ ، وَأنَّ هذا الخَلقَ يَنتَقِلُ بِتَغييرٍ وَزَوالٍ ، وَكُلُّ شَيءٍ أشبَهَ التَّغييرَ وَالزَّوالَ فَهُوَ مِثلُهُ ، وَلَيسَ المَخلوقُ كالخالِقِ وَلا المُحدَثُ كالمُحدِثِ . قال: إنَّ هذا لَقَولٌ ، وَلكِنِّي لَمُنكِرٌ ما لَم تُدرِكهُ حَواسّي فَتُويهِ إلى قَلبي، فَلَمّا اعتَصَمَ بِهذِهِ المَقالَةِ وَلزِمَ هذهِ الحُجَّةَ قُلتُ : أمّا إذ أبَيتَ إلاّ أن تَعتَصِمَ بِالجَهالَةِ ، وَتَجعَلَ المُحاجَزَةَ حُجَّةً فَقَد دَخَلتَ في مِثلِ ما عِبتَ وَامتَثلتَ ما كَرِهتَ ، حَيثُ قُلتَ : إنّي اختَرتُ الدَّعوى لِنَفسي ؛ لاِ كُلَّ شَيءٍ لَم تُدرِكهُ حَواسّي عِندي بِلا شَيءٍ . قال: وَكيفَ ذلِكَ ؟ قُلتُ : لِأَنَّكَ نَقِمتَ عَلى الادِّعاءِ وَدَخلتَ فيهِ ، فَادَّعَيتَ أمراً لَم تُحِط بهِ خُبراً وَلَم تَقُلهُ عِلماً ، فَكَيفَ استَجزتَ لِنَفسِكَ الدَّعوى في إنكارِكَ اللّهَ ، وَدَفعَكَ أعلامَ النُّبُوَّةِ وَالحُجَّةِ الواضِحَةِ وَعِبتَها عَلَيَّ ؟ أخبِرني هَل أحَطتَ بالجِهاتِ كُلِّها وَبَلَغتَ مُنتهاها ؟ قال: لا. قُلتُ : فَهَل رَقَيتَ إلى السَّماءِ الّتي تَرَى ؟ أو اِنحَدَرتَ إلى الأرضِ السُّفلى فَجُلتَ في أقطارِها ؟ أو هَل خُضتَ في غَمَراتِ البُحورِ وَاختَرَقتَ نَواحِيَ الهَواءِ فيما فَوقَ السَّماءِ وَتَحتَها إلى الأرضِ وما أسفَلَ مِنها فَوَجَدتَ ذلِكَ خَلاءً مِن مُدبِّر حَكيمٍ عَالِمٍ بَصيرٍ ؟ قال: لا. قُلتُ : فَما يُدريكَ لَعَلَّ الّذي أنكَرَهُ قَلبُكَ هُوَ في بَعضِ ما لَم تُدرِكهُ حَواسُّكَ وَلَم يُحِط بِهِ عِلمُكَ . قال: لا أدري لَعَلَّ في بَعضِ ما ذَكَرتَ مُدَبّراً، وَما أدري لَعَلَّهُ لَيسَ في شَيءٍ من

.

ص: 32

ذلِكَ شَيءٌ ! قُلتُ : أمّا إذ خَرَجتَ مِن حَدِّ الإنكارِ إلى مَنزِلَةِ الشَكِّ فَإنِّي أرجو أن تَخرُجَ إلى المَعرِفَةِ . قالَ : فَإنّما دَخَلَ عَلَيَّ الشَّكُّ لِسُولِكَ إيّايَّ عَمّا لَم يُحِط بِهِ عِلمي، وَلكِن مِن أينَ يَدخُلُ عَلَيَّ اليقينُ بِما لَم تُدرِكهُ حَواسِّي؟ قُلتُ : مِن قِبَلِ إهليلجَتِكَ هذِهِ . قالَ : ذاكَ إذا أثبَتَّ لِلحُجَّةِ ، لِأنّها مِن آدابِ الطبِّ الّذي اُذعِنُ بِمَعرِفَتِهِ . قُلتُ : إنَّما أرَدتُ أن آتيكَ بِهِ مِن قِبَلِها لأنَّها أقرَبُ الأشياءِ إلَيكَ ، وَلَو كانَ شَيءٌ أقرَبَ إليكَ مِنها لَأتَيتُكَ مِن قِبَلِهِ ، لِأنَّ في كلِّ شَيءٍ أثَرَ تَركيبٍ وَحِكمَةٍ ، وَشاهِداً يَدُلُّ عَلى الصَّنعَةِ الدّالَةِ عَلى مَن صَنَعَها وَلَم تَكُن شيئاً، وَيُهلِكُها حَتَّى لا تَكونَ شيئاً. قُلتُ : فَأخبِرني ، هَل تَرى هذهِ إهليلجَةً ؟ قال : نَعَم . قُلتُ : أفَتَرى غَيبَ ما في جَوفِها ؟ قالَ : لا . قُلتُ : أفَتشهَدُ أنّها مُشتَمِلَةٌ على نَواةٍ وَلا تراها؟ قالَ : ما يُدريني ؟ لَعَلَّ لَيسَ فيها شَيءٌ . قُلتُ : أفَتَرى أنَّ خَلفَ هذا القِشرِ مِن هذهِ الإهليلجَةِ غائِبٌ لَم تَرهُ مِن لَحمٍ أو ذي لَونٍ ؟ قال: ما أدري لَعَلَّ ما ثَمَّ غيرُ ذي لَونٍ وَلا لَحمٍ . قُلتُ : أفَتُقِرُّ أنَّ هذهِ الإهليلَجَةَ الّتي تُسمِّيها النّاسُ بِالهِندِ مَوجودَةٌ لاجتِماعِ أهلِ الاختلاف مِنَ الأُمَمِ على ذِكرِها ؟ قال: ما أدري، لَعَلَّ ما اجتَمَعوا عَلَيهِ مِن ذلِكَ باطِلٌ ! قُلتُ : أفَ_تُقِرُّ أنَّ الإهليلجَةَ في أرضٍ تَنبُتُ ؟

.

ص: 33

قال : تِلكَ الأرضُ وَهذهِ واحِدَةٌ وَقَد رَأيتُها . قُلتُ : أفما تَشهَدُ بِحُضورِ هذهِ الإهليلجَةِ عَلى وُجودِ ما غابَ مِن أشباهِها ؟ قال: ما أدري ، لَعَلَّهُ لَيسَ في الدُّنيا إهليلجَةٌ غَيرَها . فَلَمّا اعتَصَمَ بِالجَهالَةِ قُلتُ : أخبِرني عَن هذهِ الإهليلجَةِ ، أتُقِرُّ أَنّها خَرَجَت مِن شَجَرَةٍ ، أو تَقولُ : إنَّها هَكذا وُجِدَت؟ قال: لا ، بَل مِن شَجَرَةٍ خَرَجَت . قُلتُ : فَهَل أدرَكَت حَواسُّكَ الخَمسُ ما غابَ عَنكَ مِن تِلكَ الشَّجَرَةِ ؟ قال: لا. قُلتُ : فَما أراكَ إلاّ قَد أقرَرتَ بِوُجودِ شَجَرَةٍ لَم تُدرِكها حَواسُّكَ . قال: أجَلْ ، وَلكِنِّي أقول: إنَّ الإهليلجَةَ وَالأشياءَ المُختَلِفَةَ شَيءٌ لَم تَزَل تُدرَكُ ، فَهَل عِندَك في هذا شَيءٌ تَرُدُّ بهِ قَولي؟ قُلتُ : نعم ، أخبِرني عَن هذهِ الإهليلجَةِ ، هَل كُنتَ عايَنتَ شَجَرَتَها وَعَرَفتَها قَبلَ أن تَكونَ هذهِ الإهليلجَةُ فيها؟ قال : نَعَم. قُلتُ : فَهَل كُنتَ تُعايِنُ هذهِ الإهليلجَةَ ؟ قال: لا. قُلتُ : أفَما تَعلَمُ أنَّكَ كُنتَ عايَنتَ الشَّجَرَةَ وَلَيسَ فيها الإهليلجَةُ ، ثُمَّ عُدتَ إلَيها فَوَجدتَ فيها الإهليلجَةَ ، أفَما تَعلَمُ أنَّهُ قَد حَدَثَ فيها ما لَم تَكُن ؟ قال: ما أستَطيعُ أن أُنكِرَ ذلِكَ ، وَلكِنّي أقولُ : إنَّها كانَت فيها مُتَفَرِّقَةً . قُلتُ : فَأخبِرني ، هَل رَأيتَ تِلكَ الإهليلجَةَ الّتي تَنبُتُ مِنها شَجَرَةُ هذهِ الإهليلجَةِ قَبلَ أن تُغرَسَ؟

.

ص: 34

قال: نَعَم . قُلتُ : فَهَل يَحتَمِلُ عَقلُكَ أنَّ الشَّجَرَةَ الّتي تَبلغُ أصلُها وَعُروقُها وَفُروعُها ولِحاوها وَكُلُّ ثَمَرَةٍ جُنِيَت ، وَوَرَقَةٍ سَقَطَت ألفَ ألفَ رِطلٍ ، كانَت كامِنَةً في هذهِ الإهليلجَةِ؟ قال: ما يَحتَمِلُ هذا العَقلُ وَلا يَقبَلُهُ القَلبُ . قُلتُ : أقرَرت أنَّها حَدَثَت فِي الشَّجَرَةِ؟ قال: نعم ، وَلكنّي لا أعرِفُ أنَّها مَصنوعَةٌ ، فَهَل تَقدِرُ أن تُقَرِّرَني بِذلِكَ ؟ قلتُ : نعم ، أرَأيتَ أنِّي إن أرَيتُكَ تَدبيراً ، أتُقِرُّ أنَّ لَهُ مُدَبّراً ؟ وتصويراً أنَّ لَهُ مُصَوِّراً ؟ قال: لا بُدّ مِن ذلِكَ . قلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنَّ هَذهِ الإهليلجَةَ لَحمٌ رُكِّبَ عَلى عَظمٍ ، فَوُضِعَ في جَوفٍ مُتَّصِلٍ بِغُصنٍ مُرَكَّبٍ عَلى ساقٍ يَقومُ عَلى أصلٍ ، فَيَقوى بِعُروقٍ مِن تَحتِها عَلى جُرمٍ مُتَّصِلٍ بَعضٌ بِبَعضٍ ؟ قالَ : بلى . قُلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنَّ هذهِ الإهليلجَةَ مُصَوَّرَةٌ بِتَقديرٍ وَتَخطيطٍ ، وَتَأليفٍ وَتَركيبٍ ، وَتَفصيلٍ مُتَداخِلٍ بِتأليفِ شَيءٍ في بَعضِ شَيءٍ ، بِهِ طَبَقٌ بَعدَ طَبقٍ وَجِسمٌ عَلى جِسمٍ وَلَونٌ مَعَ لَونٍ ، أبيَضُ في صُفرَةٍ ، وَلَيِّنٌ عَلى شَديدٍ ، في طبائِعَ مُتَفَرِّقَةٍ ، وَطَرائِقَ مُختَلِفَةٍ ، وَأجزاءَ مُولِفَةٍ مَعَ لِحاءٍ تَسقيها، وَعُروقٍ يَجري فيها الماءُ ، وَوَرَقٍ يَستُرُها وَتَقيها مِنَ الشَّمسِ أن تُحرِقَها ، وَمِنَ البَردِ أن يُهلِكَها ، وَالرّيحِ أن تُذبِلَها ؟ قال: أفَلَيسَ لَو كانَ الوَرَقُ مُطَبَّقاً عَلَيها كانَ خَيراً لَها ؟ قُلتُ : اللّهُ أحسَنُ تَقديراً ، لَو كانَ كَما تَقولُ لَم يَصِل إلَيها ريحٌ يُرَوِّحُها ، ولا بَردٌ

.

ص: 35

يُشَدِّدُها ، وَلَعَفِنَت عِندَ ذلِكَ ، وَلَو لَم يَصِل إلَيها حَرُّ الشَّمسِ لَمَا نَضِجَت ، وَلكِن شَمسٌ مَرَّةً وَريحٌ مَرَّةً وَبَردٌ مَرَّةً ، قَدَّرَ اللّهُ ذلِكَ بِقُوَّةٍ لَطيفَةٍ وَدَبَّرَهُ بِحكمَةٍ بالِغَةٍ . قال: حَسبي مِنَ التّصويرِ فَسّر لِيَ التَّدبيرَ الّذي زَعَمتَ أنَّكَ تُرينيهِ . قُلتُ : أرَأيتَ الإهليلجَةَ قَبلَ أن تُعقَدَ ؟ إذ هِيَ في قَمعِها ماءٌ بِغَيرِ نَواةٍ وَلا لَحمٍ وَلا قِشرٍ ، وَلا لَونٍ ولا طَعمٍ ولا شِدَّةٍ ؟ قال : نَعَم . قُلتُ : أرَأيتَ لَو لَم يَرفُقِ الخالِقُ ذلِكَ الماءَ الضَّعيفَ الّذي هُوَ مِثلُ الخَردَلَةِ فِي القِلَّةِ وَالذِلَّةِ ، وَلَم يُقَوِّهِ بِقُوَّتِهِ وَيُصَوِّرهُ بِحِكمَتِهِ وَيُقَدِّرهُ بِقُدرَتِهِ ، هَل كانَ ذلِكَ الماءُ يَزيدُ عَلى أن يَكونَ في قَمعِهِ غَيرَ مَجموعٍ بِجِسمٍ وَقَمعٍ وَتَفصيلٍ ؟ فَإن زادَ زادَ ماءاً مُتراكِباً غَيرَ مَصُوَّرٍ وَلا مُخَطَّطٍ وَلا مُدَبَّرٍ بِزِيادَةِ أَجزاءٍ وَلا تَأليفِ أطباقٍ . قال: قَد أرَيتَني مِن تَصويرِ شَجَرَتِها وَتَأليفِ خِلقَتِها ، وَحَملِ ثَمَرَتِها وَزِيادَةِ أجزائِها وَتَفصيلِ تَركيبِها أوضَحَ الدِّلالاتِ ، وَأظهَرَ البَيّنَةِ عَلى مَعرِفَةِ الصّانِع ، وَلَقَد صَدَّقتُ بأنَّ الأشياءَ مَصنوعَةً ، وَلكنِّي لا أدري لَعَلَّ الإهليلجَةَ وَالأشياءَ صَنَعَت أنفُسَها؟ قُلتُ : أوَ لَستَ تَعلَمُ أنَّ خالِقَ الأشياءِ والإهليلجَةَ حَكيمٌ عالِمٌ بِما عايَنتَ مِن قُوَّةِ تَدبيرِهِ ؟ قال: بلى. قُلتُ : فَهَل يَنبَغي لِلَّذي هُوَ كذلِكَ أن يَكونَ حَدَثاً؟ قال : لا . قُلتُ : أفَلَستَ قَد رَأيتَ الإهليلجَةَ حينَ حَدَثَت ، وَعايَنتَها بَعدَ أن لَم تَكُن شَيئاً ثُمَّ هَلَكَت كَأن لَم تَكُن شَيئاً؟

.

ص: 36

قال: بلى، وَإنَّما أعطَيتُكَ أنَّ الإهليلجَةَ حَدَثَت ، وَلَم أُعطِكَ أنَّ الصّانِعَ لا يَكونُ حادِثاً لا يَخلُقُ نَفسَهُ . قُلتُ : ألَم تُعطِني أنَّ الحَكيمَ الخالِقَ لا يَكونُ حَدَثاً ، وَزَعَمتَ أنّ الإهليلجَةَ حَدَثَت ؟ فَقَد أعطَيتَني أنَّ الإهليلجَةَ مَصنوعَةٌ ، فَهُوَ عز و جل صانِعُ الإهليلجَةَ ، وَإن رَجَعتَ إلى أن تَقولَ : إنَّ الإهليلجَةَ صَنَعَت نَفسَها وَدَبَّرت خَلقَها فَما زِدتَ أن أقرَرتَ بِما أنكَرتَ ، وَوَصفتَ صانِعاً مُدَبّراً أصبتَ صِفتَهُ ، وَلكِنَّكَ لَم تَعرِفهُ فَسَمَّيتَهُ بِغَيرِ اسمِهِ ؟ قال: كَيفَ ذلِكَ ؟ قُلتُ : لِأنَّكَ أقرَرتَ بِوجودِ حَكيمٍ لَطيفٍ مُدَب_ِّرٍ ، فَلَمّا سَألتُكَ مَن هُوَ ؟ قُلتَ : الإهليلجَةُ . قَد أقرَرتَ باللّهِ سُبحانَهُ ، وَلكِنَّكَ سَمَّيتَهُ بِغَيرِ اسمِهِ ، وَلَو عَقِلتَ وَفَكَّرتَ لَعَلِمتَ أنَّ الإهليلجَةَ أنقَصُ قُوَّةً مِن أن تَخلُقَ نَفسَها، وَأضَعفُ حيلَةً مِن أن تُدَبِّرَ خَلقَها . قال: هَل عِندَكَ غَيرُ هذا؟ قُلتُ : نَعَم ، أخبِرني عَن هذهِ الإهليلجَةَ الّتي زَعَمتَ أنَّها صَنَعَت نَفَسَها وَدَبَّرت أمرَها ، كَيفَ صَنَعَت نَفسُها صغيرَةَ الخِلقَةِ ، صَغيرَةَ القُدرَةِ ، ناقِصَةَ القُوَّةِ ، لا تَمتَنِعُ أن تُكسَرَ وَتُعصَرَ وَتُولَ ؟ وَكَيفَ صَنَعَت نَفسَها مَفضولَةً مَأكولَةً ، مُرَّةً قَبيحَةَ المَنظَرِ ، لا بَهاءَ لَها وَلا ماءَ ؟ قال: لِأَنَّها لَم تَقوَ إلاّ عَلى ما صَنَعت نَفسَها ، أوَ لَم تَصنَع إلاّ ما هَويتَ ؟ قُلتُ : أمّا إذ أبيتَ إلاّ التّمادِيَ في الباطِلَ ، فَأعلِمني مَتَى خَلَقَت نَفسَها ، وَدَبَّرَت خَلقَها ، قَبلَ أن تَكونَ أو بَعدَ أن كانَت ؟ فَإن زَعَمتَ أنَّ الإهليلجَةَ خَلَقَت نَفسَها بَعدَ ما كانَت فإنَّ هذا لَمِن أبينِ المَحالِ ! كَيفَ تَكونُ مَوجودَةً مَصنوعَةً ثُمَّ تَصنَعُ نَفسَها مَرَّةً أُخرى ؟ فَيصيرُ كَلامُكَ إلى أنَّها مَصنوعَةٌ مَرَّتَينِ ، ولئِن قُلتَ : إنَّها خَلَقَت نَفسَها

.

ص: 37

وَدَبَّرَت خَلقَها قَبلَ أن تَكونَ ، إنَّ هذا مِن أوضَحِ الباطِلِ وَأبيَنِ الكَذِبِ ! لأنّها قَبلَ أن تَكونَ لَيسَ بِشَيءٍ ، فَكَيفَ يَخلُقُ لا شَيءٌ شَيئاً؟ وَكَيفَ تَعيبُ قَولي : إنَّ شَيئاً يَصنَعُ لا شَيئاً ، وَلا تَعيبُ قَولَكَ : إنَّ لا شيءَ يَصنَعُ لا شَيئاً؟ فَانظُر أيَّ القَولَينِ أولى بِالحَقِّ؟ قَال : قَولُكَ . قُلتُ : فَما يَمنَعُكَ مِنهُ ؟ قال : قَد قَبِلتُهُ وَاستَبانَ لي حَقُّهُ وَصِدقُهُ ، بأنَّ الأشياءَ المُختَلِفَةَ والإهليلجَةَ لَم يَصنَعنَ أنفُسَهُنَّ ، وَلَم يُدَبِّرنَ خَلقَهُنَّ ، وَلكِنَّهُ تَعَرَّضَ لي أنَّ الشَّجَرَةَ هِيَ الّتي صَنَعَت الإهليلجَةَ لِأَنَّها خَرَجَت مِنها . قُلتُ : فَمَن صَنَعَ الشَّجَرَةَ ؟ قَال : الإهليلجَةُ الأُخرى ! قُلتُ : اجعَل لِكَلامِكَ غايَةً أنتهي إليها ، فَإمّا أن تقولَ : هُوَ اللّهُ سُبحانَهُ فَيُقبَلُ مِنكَ ، وإمَّا أن تقولَ : الإهليلَجَةُ فَنَسألُكَ . قال : سَل . قُلتُ : أخبِرني عَنِ الإهليلجَةِ ، هَل تَنبُتُ مِنها الشَّجَرَةُ إلاّ بَعدَما ماتَت وَبَلِيَت وَبادَت ؟ قال : لا . قُلتُ : إنَّ الشَّجَرَةَ بَقِيَت بَعدَ هَلاكِ الإهليلجَةِ مِئَةَ سَنَةٍ ، فَمَن كان يَحميها وَيزيدُ فيها ، وَيُدَبّرُ خَلقَها وَيُربِّيها ، وَيُنبِتُ وَرَقَها ؟ مالَكَ بُدٌّ مِن أن تَقولَ : هُوَ الّذي خَلَقَها . ولَئِن قُلتَ : الإهليلجَةُ وَهِيَ حَيَّةٌ قَبلَ أن تهلِكَ وَتَبلى وَتَصيرَ تُراباً ، وَقَد رَبَّتِ الشَّجَرَةَ وَهِيَ مَيِّتَةٌ ، إنَّ هذا القَولَ مُختَلِفٌ . قال: لا أقولُ : ذلِكَ .

.

ص: 38

قُلتُ : أفَتُقِرُّ بِأنَّ اللّهَ خَلَقَ الخَلقَ ؟ أم قَد بَقِيَ في نَفسِكَ شَيءٌ مِن ذَلِكَ ؟ قال: إنّي مِن ذلِكَ عَلى حَدِّ وُقوفٍ ، ما أتخَلَّصُ إلى أمرٍ يَنفَذُ لي فيهِ الأمرُ . قُلتُ : أمّا إذ أبَيتَ إلاّ الجَهالَةَ وَزَعَمتَ أنَّ الأشياءَ لا يُدرَكُ إلاّ بِالحَواسِّ فَإنّي أُخبِرُكَ أنَّهُ لَيسَ لِلحواسِّ دِلالَةٌ عَلى الأشياءِ ، وَلا فيها مَعرِفَةٌ إلاّ بِالقَلبِ ، فَإنّهُ دَليلُها وَمُعَرِّفُها الأشياءَ الّتي تَدَّعي أنَّ القَلبَ لا يَعرِفُها إلاّ بِها . فَقالَ : أمّا إذ نَطَقتَ بِهذا فَما أقبَلُ مِنكَ إلاّ بالتَخليصِ وَالتَفَحُّصِ مِنهُ بِأيضاحٍ وَبَيانٍ وَحُجَّةٍ وَبُرهانٍ . قُلتُ : فَأَوَّلُ ما أبدَأ بِهِ أنّكَ تَعلَمُ أَن_ّهُ رُبَّما ذَهَبَ الحَواسُّ ، أو بَعضُها وَدَبَّرَ القَلبُ الأشياءَ الّتي فيها المَضَرَّةُ وَالمَنفَعَةُ مِنَ الأُمورِ العَلانِيَّةِ وَالخَفِيَّةِ فَأمَرَ بِها وَنَهى ، فَنَفَذَ فيها أمرُهُ وَصَحَّ فيها قَضاوهُ . قالَ : إنَّكَ تَقولُ في هذا قَولاً يُشبِهُ الحُجَّةَ ، وَلكِنّي أُحِبُّ أن تُوَضِّحَهُ لي غَيرَ هذا الإيضاحِ . قُلتُ : أَلَستَ تَعلَمُ أنّ القَلبَ يَبقى بَعدَ ذِهابِ الحَواسِّ؟ قالَ : نَعَم وَلكن يَبقى بِغَيرِ دَليلٍ عَلى الأشياءِ الّتي تَدُلُّ عَلَيها الحَواسُّ . قُلتُ : أَفَلَستَ تَعلَمُ أنَّ الطِفلَ تَضَعُهُ أُمُّهُ مُضغَةً لَيسَ تَدُلُّهُ الحَواسُّ عَلَى شَيءٍ يُسمَعُ وَلا يُبصَرُ وَلا يُذاقُ وَلا يُلمَسُ وَلا يُشَمُّ؟ قال: بلى. قُلتُ : فَأيَّةُ الحَواسِّ دَلَّتهُ عَلى طَلَبِ اللَّبَنِ إذا جاعَ ، وَالضَّحِكِ بَعدَ البُكاءِ إذا رَوى مِنَ اللَّبَنِ ؟ وَأيُّ حَواسِّ سِباعِ الطَّيرِ وَلاقِطِ الحَبِّ مِنها ، دَلَّها عَلى أن تُلقِيَ بَينَ أفراخِها اللَّحمَ وَالحَبَّ فَتَهوي سِباعُها إلَى اللَّحمِ ، وَالآخَرونَ إلى الحَبِّ ؟ وَأخبِرني عَن فِراخِ طَيرِ الماءِ ألَستَ تَعلَمُ أنّ فِراخَ طَيرِ الماءِ إذا طُرِحَت فيهِ سَبَحَت ، وَإذا

.

ص: 39

طُرِحَت فيهِ فِراخُ طَيرِ البَرِّ غَرَقَت ، وَالحَواسُّ واحِدَةٌ ، فَكَيفَ انتفَعَ بالحَواسِّ طَيرُ الماءِ وَأعانَتهُ عَلى السِّباحَةِ وَلَم تَنتَفِع طَيرُ البَرِّ في الماءِ بِحَواسِّها ؟ وَما بالُ طَيرِ البَرِّ إذا غَمَستَها في الماءِ ساعَةً ماتَت وإذا أمسَكتَ طَيرَ الماءِ عَنِ الماءِ ساعَةً ماتَت ؟ فَلا أرى الحَواسَّ في هذا إلاّ مُنكَسِرَةً عَلَيكَ ، وَلا يَنبغي ذلِكَ أن يَكونَ إلاّ مِن مُدَبِّرٍ حَكيمٍ جَعَلَ لِلماءِ خَلقاً وَلِلبَرِّ خَلقاً . أم أخبِرني ما بالُ الذَّرَّةِ الّتي لا تُعايِنُ الماءَ قَطُّ تُطرَحُ في الماءِ فَتَسبَحُ ، وَتَلقى الإنسانَ ابنَ خَمسينَ سَنَةً مِن أقوى الرِّجالِ وَأعقَلِهِم لَم يَتَعَلّمِ السِّباحَةَ فَيَغرَقُ ؟ كَيفَ لَم يَدُلُّهُ عَقلُهُ وَلُبُّهُ وَتَجارِبُهُ وَبَصَرُهُ بِالأشياءِ مَعَ اجتِماعِ حَواسِّهِ وصِحَّتِها أن يُدرِكَ ذلِكَ بِحواسّهِ كَما أدرَكَتهُ الذَّرَّةُ إن كانَ ذلِكَ إنَّما يُدرَكُ بِالحَواسِّ ؟ أفَلَيسَ يَنبَغي لَكَ أن تَعلَمَ أنَّ القَلبَ الّذي هُوَ مَعدِنُ العَقلِ في الصَّبيِّ الّذي وَصَفتَ وَغَيرِهِ مِمَا سَمِعتَ مِنَ الحَيوانِ هُوَ الّذي يُهَيّجُ الصَّبِيَّ إلى طَلَبِ الرِّضاعِ ، وَالطَّيرَ اللاّقِطَ عَلى لَقطِ الحَبِّ ، وَالسِّباعِ عَلى ابتلاعِ اللّحمِ . قالَ : لَستُ أجِدُ القَلبَ يَعلَمُ شَيئاً إلاّ بالحَواسِّ ! قُلتُ : أمّا إذ أبَيتَ إلاّ النُّزوعَ إلى الحَواسِّ فَإنّا لَنَقبَلُ نُزوعَكَ إلَيها بَعدَ رَفضِكَ لَها ، وَنُجيبُكَ فِي الحَواسِّ حَتَّى يَتَقَرَّرَ عِندَكَ أنَّها لا تَعرِفُ مِن سائِرِ الأشياءِ إلاّ الظّاهِرَ مِمَّا هُوَ دونَ الرَّبِّ الأعلى سُبحانَهُ وَتَعالى . فَأمّا ما يَخفى وَلا يَظهَرُ فَلَيسَت تَعرِفُهُ ، وَذلِكَ أنَّ خالِقَ الحَواسِّ جَعَلَ لَها قَلباً احتَجَّ بِهِ عَلى العِبادِ ، وَجَعَلَ لِلحَواسِّ الدِّلالاتِ عَلى الظّاهِرِ الّذي يُستَدَلُّ بِها عَلى الخالِقِ سُبحانَهُ ، فَنَظَرَتِ العَينُ إلى خَلقٍ مُتَّصِلٍ بَعضُهُ بِبَعضٍ فَدَلَّتِ القَلبَ عَلى ما عايَنَت ، وَتَفَكَّرَ القَلبُ حينَ دَلَّتهُ العَينُ عَلى ما عايَنَت مِن مَلَكوتِ السَّماءِ وَارتِفاعِها فِي الهَواءِ بِغَيرِ عَمَدٍ يُرى ، وَلا دعائِمَ تُمسِكُها ، لا تُوخّرُ مَرَّةً فَتَنكَشِطُ ، وَلا تُقَدِّمُ أُخرى فَتَزولُ ، ولا تَهبِطُ مَرَّةً فَتَدنو، وَلا تَرتَفِعُ أُخرى فَتَنأى، لا تَتَغَيَّرُ لِطولِ الأَمَدِ ،

.

ص: 40

وَلا تَخلَقُ لاختِلافِ اللّيالي وَالأَيّامِ ، وَلا تَتَداعى مِنها ناحِيَةٌ ، ولا يَنهارُ مِنها طَرَفٌ ، مَعَ ما عَايَنَت مِنَ النُّجومِ الجارِيَةِ السَّبعَةِ المُختَلِفَةِ بِمَسيرِها لِدَوَرانِ الفُلكِ ، وَتَنَقُّلِها في البُروجِ يَوماً بَعدَ يَومٍ ، وَشَهراً بَعدَ شَهرٍ وَسَنَةً بَعدَ سَنَةٍ ، مِنها السَّريعُ ، وَمِنها البَطيءُ، ، وَمِنها المُعتَدِلُ السَيرِ ، ثُمَّ رُجوعُها واستِقامَتُها ، وَأخذُها عَرضاً وَطولاً، وَخُنوسُها عِندَ الشَّمسِ وَهِيَ مُشرِقَةٌ ، وَظُهورُها إذا غَرُبَت، وَجَريُ الشَّمسِ وَالقَمَرِ في البُروجِ دائِبَينِ لا يَتَغَيَّرانِ في أزمِنَتِهِما وَأوقاتِهِما ، يَعرِفُ ذلِكَ مَن يَعرِفُ بِحسابٍ مَوضوعٍ ، وَأمرٍ مَعلومٍ ، بِحِكمَةٍ يَعرِفُ ذَووا الألبابِ أنَّها لَيسَت مِن حِكمَةِ الإنسِ ، وَلا تَفتيشِ الأوهامِ ، وَلا تَقليبِ التَّفَكُّرِ ، فَعَرَفَ القَلبُ حينَ دَلَّتهُ العَينُ عَلى ما عايَنَت أنّ لِذلِكَ الخَلقِ وَالتَّدبيرِ وَالأمرِ العَجيبِ صانِعاً يُمسِكُ السَّماءَ المُنطَبِقَةَ أن تَهوى إلى الأرضِ وَأنَّ الّذي جَعَلَ الشَّمسَ وَالنُّجومَ فيها خالِقُ السَّماءِ ، ثُمَّ نَظَرَتِ العَينُ إلى ما استَقَلَّها مِنَ الأرضِ فَدَلَّتِ القَلبَ عَلى ما عايَنَت ، فَعَرَفَ القَلبُ بِعَقلِهِ أنَّ مُمسِكَ الأرضِ المُمتَدَّةُ أن تَزولَ أو تَهوي في الهَواءِ - وَهُوَ يَرى الرّيشَةَ يُرمى بِها فَتَسقُطُ مَكانَها ، وَهِيَ في الخِفَّةِ عَلى ما هِيَ عَلَيهِ - هُوَ الّذي يُمسِكُ السَّماءَ الّتي فَوقَها ، وَأن_َّه لَولا ذلِكَ لَخُسِفَت بِما عَلَيها مِن ثِقلِها وَثِقلِ الجِبالِ وَالأنامِ وَالأشجارِ وَالبُحورِ والرِّمالِ ، فَعَرَفَ القَلبُ بِدِلالَةِ العَينِ أنَّ مُدَبِّرَ الأرضِ هُوَ مُدَبِّرُ السَّماءِ . ثُمَّ سَمِعَتِ الأُذنُ صَوتَ الرِّياحِ الشَّديدَةِ العاصِفَةِ وَاللّيّنة الطّيّبة، وَعايَنَتِ العَينُ ما يُقلَعُ مِن عِظامِ الشَّجَرِ ، وَيُهدَمُ مِن وَثيقِ البُنيانِ ، وَتُسفَى مِن ثِقالِ الرِّمالِ ، تُخَلّي مِنها ناحِيَةً وَتَصُبُّها في أُخرى ، بلا سائِقٍ تُبصِرُهُ العَينُ ، وَلا تَسمَعُهُ الأُذُنُ ، وَلا يُدرَكُ بِشَيءٍ مِنَ الحَواسِّ ، وَلَيسَت مُجَسَّدَةً تُلمَسُ وَلا مَحدودَةً تُعايَنُ ، فَلَم تَزِدِ العَينُ والأُذُنُ وَسائِرُ الحَواسِّ عَلى أن دَلَّتِ القَلبَ أنَّ لَها صانِعاً ، وَذلِكَ أنَّ القَلبَ يُفَكِّرُ بِالعَقلِ الّذي فيهِ ، فَيَعرِفُ أنَّ الرّيحَ لَم تَتَحَرَّكَ مِن تِلقائِها وَأنَّها لَو كانَت هِيَ

.

ص: 41

المُتَحَرِّكَةُ لَم تَكفُف عَنِ التَّحَرُّكِ ، وَلَم تَهدِم طائِفَةً وَتُعَفّي أُخرى ، وَلَم تَقلَع شَجَرَةً وَتَدَع أُخرى إلى جَنبِها ، وَلَم تُصِب أرضاً وَتَنصَرِف عَن أُخرى ، فَلَمّا تَفَكَّرَ القَلبُ في أمرِ الرّيحِ عَلِمَ أنَّ لَها مُحَرِّكاً هُوَ الّذي يَسوقُها حَيثُ يَشاءُ ، وَيُسكِنُها إذا شاءَ ، وَيُصيبُ بِها مَن يَشاءُ ، وَيَصرِفُها عَمَّن يَشاءُ ، فَلَمّا نَظَرَ القَلبُ إلى ذلِكَ وَجَدَها مُتَّصِلَةً بِالسَّماءِ وَما فيها مِنَ الآياتِ ، فَعَرَفَ أنَّ المُدَبِّرَ القادِرَ عَلى أن يُمسِكَ الأرضَ وَالسَّماءَ هُوَ خالِقُ الرّيحِ وَمُحَرِّكُها إذا شاءَ ، وَمُمسِكُها كَيفَ شاءَ ، وَمُسَلِطُها عَلى مَن يَشاءُ . وَكَذلِكَ دَلَّتِ العَينُ وَالأُذُنُ القَلبَ عَلى هذهِ الزّلزِلَةَ ، وَعَرَفَ ذلِكَ بِغَيرِهِما مِن حواسِّهِ ، حينَ حَرَكَتِهِ فَلَمَّا دَلَّ الحَواسَّ عَلى تَحريكِ هذا الخَلقِ العَظيمِ مِنَ الأرضِ في غِلَظِها وَثِقلِها ، وَطولِها وَعَرضِها ، وَما عَلَيها مِن ثِقلِ الجِبالِ وَالمِياهِ وَالأنامِ وَغيرِ ذلِكَ ، وإنَّما تَتَحَرَّكُ في ناحِيَةٍ وَلَم تَتَحَرَّك في ناحِيَةٍ أُخرى ، وَهِي مُلتَحِمَةٌ جَسَداً واحِداً ، وَخَلقاً مُتَّصِلاً بِلا فَصلٍ وَلا وَصلٍ ، تَهدِمُ ناحِيَةً وتَخسِفُ بِها وَتَسلَمُ أُخرى ، فَعِندَها عَرَفَ القَلبُ أنَّ مُحَرِّكَ ما حَرَّكَ مِنها هُوَ مُمسِكُ ما أمسَكَ مِنها ، وَهُو مُحَرّكُ الرّيحِ وَمُمسِكُها ، وَهُوَ مُدبِّرُ السَّماءِ وَالأرضِ وَما بَينَهُما ، وَأنَّ الأرضَ لَو كانَت هِيَ المُزَلزِلَةُ لِنَفسِها لَما تَزَلزَلَت وَلَما تَحَرَّكَت ، وَلكِنَّهُ الّذي دَبَّرَها وَخَلَقَها حَرَّكَ مِنها ما شاءَ . ثُمَّ نَظَرَتِ العَينُ إلى العَظيمِ مِنَ الآياتِ مِنَ السَّحابِ المُسَخَّرِ بَينَ السَّماءِ وَالأرضِ بِمَنزِلَةِ الدُّخانِ لا جَسَدَ لَهُ يُلمَسُ بِشَيءٍ مِنَ الأرضِ وَالجِبالِ ، يَتَخَلَّلُ الشَّجَرَةَ فَلا يُحَرِّكُ مِنها شَيئاً ، وَلا يَهصُرُ مِنها غُصناً ، ولا يَعلَقُ مِنها بِشَيءٍ يَعتَرِضُ الرُّكبانَ فَيَحولُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ مِن ظُلمَتِهِ وَكَثافَتِهِ ، وَيَحتَمِلُ مِن ثِقلِ الماءِ وَكَثرَتِهِ ما لا يَقدِرُ على صِفَتِهِ ، مَعَ ما فيهِ مِنَ الصَّواعِقِ الصَّادِعَةِ ، وَالبُروقِ اللاّمِعَةِ ، وَالرَّعدِ وَالثَّلجِ وَالبَردِ وَالجَليدِ ما لا تَبلُغُ الأوهامُ صِفَتَهُ وَلا تَهتدي القُلوبُ إلى كُنهِ عَجائِبِهِ ،

.

ص: 42

فَيَخرُجُ مُستَقِلاًّ في الهَواءِ يَجتَمِعُ بَعدَ تَفَرُّقِهِ وَيَلتَحِمُ بَعدَ تَزايُلِهِ ، تُفَرِّقُهُ الرّياحُ مِنَ الجِهاتِ كُلّها إلى حَيثُ تَسوقُهُ بِإذنِ اللّهِ رَبِّها ، يَسفُلُ مَرَّةً وَيَعلو أُخرى ، مُتَمَسِّكٌ بِما فيهِ مِنَ الماءِ الكَثيرِ الّذي إذا أزجاهُ صارَت مِنهُ البُحورُ ، يَمُرُّ عَلى الأراضي الكَثيرَةِ وَالبُلدانِ المُتنائِيَةِ لا تَنقُصُ مِنهُ نُقطَةٌ ، حَتّى يَنتَهي إلى ما لا يُحصى مِنَ الفَراسِخ فَيُرسِلُ ما فيهِ قَطرَةً بَعدَ قَطرَةٍ ، وَسَيلاً بَعدَ سَيلٍ ، مُتَتابِعٍ عَلى رِسلِهِ حَتّى يَنقَعُ البِرَكُ وَتَمتلي الفِجاجُ ، وَتَعتَلي الأودِيَةُ بِالسُّيولِ كَأمثالِ الجِبالِ غاصَّةً بِسُيولِها ، مُصمِخَةً الآذانَ لِدَوِّيِّها وَهَديرِها ، فتحيي بِها الأرضَ المَيتَةَ ، فَتُصبِحُ مُخضَرَّةً بَعدَ أن كانَت مُغبَرَّةً ، وَمُعشِبَةً بَعدَ أن كانَت مُجدِبَةً ، قَد كُسِيَت ألواناً مِن نباتِ عُشبٍ ناضِرَةً زاهِرَةً مُزَيَّنَةً مَعاشاً للنّاسِ وَالأنعامِ ، فَإذا أفرَغَ الغَمامُ ماءَهُ أقلَعَ وَتَفَرَّقَ وَذَهَبَ حَيثُ لا يُعايَنُ ولا يُدرى أينَ تَوارى ، فأدَّتِ العَينُ ذلِكَ إلى القَلبِ ، فَعَرَفَ القَلبُ أنَّ ذلِكَ السَّحابَ لَو كانَ بِغَيرِ مُدَبِّرٍ وَكانَ ما وَصَفتُ مِن تِلقاءِ نَفسِهِ ، ما احتَمَل نِصفَ ذلِكَ مِنَ الثّقلِ مِنَ الماءِ ، وإن كانَ هُوَ الّذي يُرسِلُهُ لَما احتَمَلَهُ ألفَي فَرسَخٍ أو أكثَرَ ، وَلَأرسَلَهُ فيما هُوَ أقرَبُ مِن ذلِكَ ، وَلَما أرسَلَهُ قَطرَةً بَعدَ قَطرَةٍ ، بَل كانَ يُرسِلُهُ إرسالاً فَكانَ يَهدِمُ البُنيانَ وَيُفسِدُ النَّباتَ ، وَلَما جازَ إلى بَلَدٍ وَتَرَكَ آخَرَ دونَهُ ، فَعَرَفَ القَلبُ بِالأعلامِ المُنيرَةِ الواضِحَةِ أنَّ مُدَبِّرَ الأُمورِ واحِدٌ ، وأنّهُ لَو كانَ اثنَينِ أو ثَلاثَةً لَكانَ في طولِ هذهِ الأزمِنَةِ وَالأَبدِ وَالدَّهرِ اختِلافٌ فِي التَّدبيرِ وَتَناقُضٌ في الأُمورِ ، وَلَتَأخَّرَ بَعضٌ وَتَقَدَّمَ بَعضٌ ، وَلَكانَ تَسَفَّلَ بَعضُ ما قَد عَلا ، وَلَعَلا بَعضُ ما قَد سَفِلَ ، وَلَطَلَعَ شَيءٌ وَغابَ فَتَأخَّرَ عَن وَقتِهِ أو تَقَدَّمَ ما قَبلَهُ ، فَعَرَفَ القَلبُ بِذلِكَ أنَّ مُدَبِّرَ الأشياءِ _ ما غابَ مِنها وما ظَهَرَ _ هُوَ اللّهُ الأوَّلُ ، خالِقُ السَّماءِ وَمُمسِكُها ، وَفارِشُ الأرضِ وَداحيها ، وصانِعُ ما بَينَ ذلِكَ مِمّا عَدَّدنا ، وَغَيرَ ذلِكَ مِمّا لَم يُحصَ . وَكذلِكَ عايَنَتِ العَينُ اختِلافَ اللَّيلِ والنَّهارِ دائِبَينِ جَديدَينِ لا يَبلَيانِ في طولِ كَرِّهِما ، ولا يَتَغيَّرانِ لِكَثرَةِ اختلافِهِما ، وَلا يَنقُصان عَن حالِهِما ، النَّهارُ في نورِهِ

.

ص: 43

وَضيائِهِ ، وَاللّيلُ في سوادِهِ وَظُلمَتِهِ ، يَلِجُ أحدُهُما في الآخَرِ حَتَّى يَنتهي كُلُّ واحِدٍ مِنهُما إلى غايَةٍ مَحدودَةٍ مَعروفَةٍ في الطّولِ وَالقِصَرِ على مَرتِبَةٍ واحِدَةٍ وَمَجرى واحِدٍ ، مَعَ سُكونِ مَن يَسكُنُ في اللَّيلِ ، وَانتِشارِ مَن يَنتَشِرُ فِي اللَّيلِ ، وَانتِشارِ مَن يَنتَشِرُ فِي النَّهارِ ، وَسُكونِ مَن يَسكُنُ فِي النَّهارِ ، ثُمَّ الحَرُّ والبَردُ وَحُلولُ أحدِهِما بِعَقِبِ الآخَرِ حَتّى يَكونَ الحَرُّ بَرداً، وَالبَردُ حَرّاً في وَقتِهِ وإبَّانِهِ ، فَكُلُّ هذا مِمّا يَستَدِلُّ بِهِ القَلبُ عَلى الرَّبِّ سُبحانَهُ وَتَعالى، فَعَرَفَ القَلبُ بِعَقلِهِ أنَّ مَن دَبَّرَ هذهِ الأشياءَ هُوَ الواحِدُ العزيزُ الحَكيمُ الّذي لَم يَزَل ولا يَزالُ ، وَأنَّهُ لَو كانَ في السّماواتِ وَالأرضينَ آلِهَةٌ مَعَهُ سُبحانَهُ لَذَهَبَ كُلُّ إلهٍ بِما خَلَقَ ، وَلَعَلا بَعضُهُم عَلى بَعضٍ ، وَلَفَسَدَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُم على صاحِبِهِ . وَكذلِكَ سَمِعَت الأُذُنُ ما أنزَلَ المُدَبِّرُ مِنَ الكُتُبِ تَصديقاً لِما أدرَكَتهُ القُلوبُ بِعُقولِها ، وَتَوفيقِ اللّهِ إيَّاها ، وَما قالَهُ مَن عَرَفَهُ كُنهَ مَعرِفَتِهِ بِلا وَلَدٍ وَلا صاحِبَةٍ وَلا شَريكٍ ، فَأدَّتِ الأُذُنُ ما سَمِعَت مِنَ اللّسانِ بِمقالَةِ الأنبياءِ إلى القَلبِ . فقال: قَد أتيتَني مِن أبوابٍ لَطيفَةٍ بِما لَم يَأتنِي بِهِ أحَدٌ غَيرُكَ ، إلاّ أنَّهُ لا يَمنَعُني مِن تَركِ ما في يَديَّ إلاّ الإيضاحُ والحُجَّةُ القَويَّةُ بِما وَصَفتَ لي وَفَسَّرتَ . قُلتُ : أمّا إذا حُجِبتَ عَنِ الجَوابِ وَاختَلَفَ مِنكَ المَقالُ فَسَيأتيكَ مِنَ الدّلالَةِ مِن قِبَلِ نَفسِكَ خاصَّةً ما يَستَبينُ لَكَ أنَّ الحَواسَّ لا تَعرِفُ شَيئاً إلاّ بِالقَلبِ ، فَهَلَ رَأيتَ فِي المَنامِ أنَّكَ تَأكُلُ وَتَشرَبُ حَتَّى وَصَلَت لَذَّةُ ذلِكَ إلى قَلبِكَ ؟ قال: نَعَم . قُلتُ : فَهَل رَأيتَ أنَّكَ تَضحَكُ وَتَبكي وَتَجولُ في البُلدانِ الّتي لَم تَرَها وَالّتي قَد رَأيتَها حَتّى تَعلَمَ مَعالِمَ ما رَأيتَ مِنها ؟ قال: نَعَم ما لا اُحصي .

.

ص: 44

قُلتُ : هَل رأيتَ أحَداً مِن أقارِبِكَ مِن أخٍ أو أبٍ أو ذي رَحِمٍ قَد ماتَ قَبلَ ذلِكَ حَتَّى تَعلَمَهُ وَتَعرِفَهُ كَمَعرِفَتِكَ إيّاهُ قَبلَ أن يَموتَ ؟ قال: أكثرُ مِنَ الكثيرِ . قُلتُ : فَأخبِرني أيُّ حَواسِّكَ أدرَكَ هذهِ الأشياءَ في مَنامِكَ حَتَّى دَلَّت قَلبَكَ على مُعايَنَةِ المَوتى وَكلامِهِم ، وَأكلِ طَعامِهِم ، والجَوَلانِ في البُلدانِ ، والضَّحِكِ والبُكاءِ وَغَيرِ ذلِكَ؟ قال: ما أقدِرُ أن أقولَ لَكَ أيَّ حَواسّي أدرَكَ ذلِكَ أو شيئاً مِنهُ ، وَكَيفَ تُدرَكُ وَهِيَ بِمَنزِلَةِ المَيِّتِ لا تَسمَعُ ولا تُبصِرُ ؟ قُلتُ : فَأخبِرني حَيثُ استَيقَظتَ ألَستَ قَد ذَكَرتَ الّذي رَأيتَ في مَنامِكَ تَحفَظُهُ وَتَقُصُّهُ بَعدَ يَقظَتِكَ عَلى إخوانِكَ لا تَنسى مِنهُ حَرفا ؟ قال: إنَّه كما تَقولُ وَرُبَّما رَأيتُ الشَّيءَ في منامي ثُمَّ لا أُمسي حَتَّى أراهُ في يَقَظَتي كَما رَأيتُهُ في مَنامي. قُلتُ : فَأخبِرني ، أيُّ حَواسِّكَ قَرَّرَت عِلمَ ذلِكَ في قَلبِكَ حَتَّى ذَكَرتَهُ بَعدَ ما استَيقَظتَ؟ قال: إنَّ هذا الأمرَ ما دَخَلَت فيهِ الحَواسُّ . قُلتُ : أفَلَيسَ يَنبغي لَكَ أن تَعلَمَ حَيثُ بَطَلَتِ الحَواسُّ في هذا أنَّ الّذي عايَنَ تلِكَ الأشياءَ وَحَفِظَها في مَنامِكَ قَلبُكَ الّذي جَعَلَ اللّهُ فيهُ العَقلَ الّذي احتَجَّ بِهِ عَلى العِبادِ ؟ قال: إنَّ الّذي رَأيتُ في مَنامي لَيسَ بِشَيءٍ ، إنَّما هُوَ بِمَنزِلَةِ السَّرابِ الّذي يُعايِنُهُ صاحِبُهُ وَيَنظُرُ إلَيهِ لا يَشُكُّ فيهِ أنَّهُ ماءٌ ، فإذا انتَهى إلى مكانِهِ لَم يَجِدهُ شَيئاً ، فَما رَأيتُ في مَنامي فَبِهذِهِ المَنزِلَةِ !

.

ص: 45

قُلتُ : كَيفَ شَبَّهتَ السَّرابَ بِما رَأيتَ في مَنامِكَ مِن أكلِكَ الطَّعامَ الحُلوَ وَالحامِضَ ، وَما رَأيتَ مِنَ الفَرَحِ وَالحُزنِ ؟ قال: لِأنَّ السَّرابَ حَيثُ انتَهيتَ إلى مَوضِعِهِ صارَ لا شَيءَ ، وَكذلِكَ صارَ ما رَأيتُ في مَنامي حينَ انتَبَهتُ ! قُلتُ : فأخبرني ، إن أتَيتُكَ بِأمرٍ وَجَدتَ لَذَّتَهُ في منامِكَ وَخَفَقَ لِذلِكَ قَلبُكَ ، ألَستَ تَعلَمُ أنّ الأمرَ عَلى ما وَصَفتُ لَكَ ؟ قال: بلى . قُلتُ : فأخبرني ، هَل احتَلَمتَ قَطُّ حَتّى قَضَيتَ في امرَأةٍ نَهمَتَكَ عَرَفتَها أم لَم تَعرِفها ؟ قال: بلى ما لا اُحصيهِ. قُلتُ : ألَستَ وَجَدتَ لِذلِكَ لَذَّةً عَلى قَدرِ لَذَّتِكَ في يَقَظَتِكَ فَتَنتَبِهُ وَقَد أنزَلتَ الشَّهوَةَ حَتّى تُخرِجَ مِنكَ بِقَدَرِ ما تُخرِجُ مِنكَ في اليَقَظَةِ ، هذا كَسرٌ لِحُجَّتِكَ فِي السَّرابِ . قال: ما يَرى المُحتَلِمُ في مَنامِهِ شَيئاً إلاّ ما كانَت حَواسُّهُ دَلَّت عَلَيهِ في اليَقَظَةِ . قُلتُ : ما زِدتَ على أن قَوَّيتَ مَقالَتي ، وَزَعَمتَ أنَّ القَلبَ يَعقِلُ الأشياءَ وَيَعرِفُها بَعدَ ذِهابِ الحَواسِّ وَمَوتِها ، فَكَيفُ أنكَرتَ أنَّ القَلبَ يَعرِفُ الأشياءَ وَهُوَ يَقظانُ مُجتَمِعَةٌ لَهُ حَواسُّهُ ، وَما الّذي عَرَّفَهُ إيّاها بَعدَ مَوتِ الحَواسِّ وَهُوَ لا يَسمَعُ ولا يُبصِرُ ؟ وَلَكُنتَ حقيقاً أن لا تُنكِرَ لَهُ المَعرِفَةَ وَحَواسُّهُ حَيَّةٌ مُجتَمِعَةٌ إذا أقرَرتَ أنّهُ يَنظُرُ إلى الإمرَأةِ بَعدَ ذِهابِ حَواسّهِ حَتَّى نَكَحَها وأصابَ لَذَّتَهُ مِنها ، فَيَنبَغي لِمَن يَعقِلُ حَيثُ وَصَفَ القَلبَ بِما وَصفَهُ بِهِ مِن مَعرِفَتِهِ بِالأشياءِ وَالحَواسِّ ذاهِبَةً ، أن يَعرِفَ أنَّ القَلبَ مُدَبِّرُ الحَواسّ وَمالِكُها وَرائِسُها وَالقاضي عَلَيها ؛ فَإنّهُ ما جَهِلَ

.

ص: 46

الإنسانُ مِن شَيءٍ فَما يَجهَلُ أنّ اليَدَ لا تَقدِرُ عَلى العَينِ أن تَقلَعَها ، وَلا عَلى اللّسانِ أن تَقطَعَهُ ، وَأنَّهُ لَيسَ يَقدِرُ شَيءٌ مِنَ الحَواسِّ أن يفعَلَ بِشَيءٍ مِنَ الجَسَدِ شَيئاً بِغَيرِ إذنِ القَلبِ وَدِلالَتِهِ وَتَدبيرِهِ ؛ لأنّ اللّهَ تبارَكَ وَتَعالى جَعَلَ القَلبَ مُدَبِّراً لِلجَسَدِ ، بِهِ يَسمَعُ وَبِهِ يُبصِرُ وَهُوَ القاضي وَالأميرِ عَلَيهِ ، لا يَتَقَدَّمُ الجَسَدُ إن هُوَ تَأخَّرَ ، ولا يَتَأخَّرُ إن هُوَ تَقَدَّمَ ، وَبِهِ سَمِعَتِ الحَواسُّ وَأبصَرَت ، إن أمَرَها ائتَمَرَت ، وَإن نهاها انتَهَت ، وَبِهِ يَنزِلُ الفَرَحُ وَالحُزنُ ، وَبِهِ يَنزِلُ الألَمُ ، إن فَسَدَ شَيءٌ مِن الحَواسِّ بَقِيَ عَلى حالِهِ ، وَإن فَسَدَ القَلبُ ذَهَبَ جَميعاً حَتَّى لا يَسمَعُ وَلا يُبصِرُ . قال: لَقَد كُنتُ أظُنُّكَ لا تَتَخَلَّصُ مِن هذهِ المَسألَةِ وَقَد جِئتَ بِشَيءٍ لا أقدِرُ عَلى رَدِّهِ ؟ قُلتُ : وَأنا اُعطيكَ تَصاديقَ ما أنبَأتُكَ بِهِ وَما رَأيتَ في مَنامِكَ في مَجلِسِكَ السّاعَةَ . قال: افعَل ، فَإنّي قَد تَحَيَّرتُ في هذهِ المَسألَةِ . قُلتُ : أخبِرني ، هَل تُحَدّثُ نَفسَكَ مِن تِجارَةٍ أو صِناعَةٍ أو بِناءٍ أو تَقديرِ شَيءٍ ، وَتَأمُرُ بهِ إذا أحكَمتَ تَقديرَهُ في ظَنّكَ؟ قال: نَعَم . قُلتُ : فَهَل أشرَكتَ قَلبَكَ في ذلِكَ الفِكرِ شَيئاً مِن حَواسِّكَ ؟ قال: لا. قُلتُ : أفَلا تَعلَمُ أنَّ الّذي أخبَرَكَ بهِ قَلبُكَ حَقٌّ ؟ قال: اليَقينُ هُوَ ، فَزِدني ما يُذهِبُ الشَّكَ عَنّي وَيُزيلُ الشُّبَهَ مِن قَلبي. 1

.

ص: 47

قلت: أخبرني ، هَل يَعلَمُ أهلُ بِلادِكَ عِلمَ النُّجومِ؟ قال: إنَّكَ لَغافِلٌ عَن عِلمِ أهلِ بِلادي بِالنُّجومِ فَلَيسَ أحَدٌ أعلَمُ بِذلِكَ مِنهُم. قُلتُ: أخبِرني كَيفَ وَقَعَ عِلمُهُم بِالنُّجومِ وَهِيَ مِمّا لا يُدرَكُ بِالحَواسِّ ولا بِالفِكرِ؟ قال: حِسابٌ وَضَعَتهُ الحُكماءُ وَتَوارَثَتهُ النّاسُ ، فإذا سَألتَ الرَّجُلَ مِنهُم عَن

.

ص: 48

شَيءٍ قاسَ الشَّمسَ وَنَظَرَ في مَنازِلِ الشَّمسِ والقَمَرِ وَما لِلطّالِعِ مِنَ النُّحوسِ ، وَما للباطِنِ مِنَ السُّعودِ ، ثُمَّ يَحسِبُ وَلا يُخطِئُ ، ويُحمَلُ إلَيهِ المَولودُ فَيَحسِبُ لَهُ وَيُخبِرُ بِكُلِّ عَلامَةٍ فيهِ بِغَيرِ مُعايَنَةِ وَما هُوَ مُصيبُهُ إلى يَومَ يَموتُ . قلتُ : كَيفَ دَخَلَ الحِسابُ في مَواليدِ النَّاسِ؟ قال: لِأنَّ جَميعَ النّاسِ إنّما يُولَدونَ بِهذِهِ النُّجومِ ، وَلَولا ذلِكَ لَم يَستَقِم هذا الحِسابُ ، فَمِن ثَمَّ لا يُخطِئُ إذا عَلِمَ السّاعَةَ واليَومَ والشَّهرَ والسَّنَةَ الّتي يُولَدُ فيها المَولودُ . قُلتُ : لَقَد تَوَصَّفتَ عِلماً عَجيباً لَيسَ في عِلمِ الدُّنيا أدَقَّ مِنهُ ولا أعظَمَ إن كانَ حَقّاً كَما ذَكَرتَ ، يُعرَفُ بِهِ المَولودُ الصَّبِيُّ وَما فيهِ مِن العَلاماتِ وَمُنتَهى أجَلِهِ وَما يُصيبُهُ في حَياتِهِ ، أوَ لَيسَ هذا حِساباً تَوَلَّدَ بِهِ جَميعُ أهلِ الدُّنيا مَن كانَ مِنَ النَّاسِ؟ قال: لا أشُكُّ فيهِ . قُلتُ : فَتَعالَ نَنظُر بِعُقولِنا ، كَيفَ عَلِمَ النّاسُ هذا العِلمَ ؟ وَهَل يَستَقيمُ أن يَكونَ لِبَعضِ النّاسِ إذا كانَ جَميعُ النّاسِ يُولَدونَ بِهذهِ النُّجومِ ؟ وَكَيفَ عَرَفَها بِسُعودِها وَنُحوسِها ، وَساعاتِها وَأوقاتِها ، وَدَقائِقِها وَدَرَجهاتِها ، وَبَطيئِها وَسَريعِها ، وَمَواضِعِها مِنَ السَّماءِ ، وَمَواضِعِها تَحتَ الأرضِ ، وَدِلالَتِها عَلى غامِضِ هذهِ الأشياءِ الّتي وَصَفتُ في السَّماءِ وَما تَحتَ الأرضِ، فَقَد عَرَفتَ أنَّ بَعضَ هذهِ البُروجِ في السَّماءِ ، وَبَعضَها تَحتَ الأرضِ ، وَكذلِكَ النُّجومُ السَّبعَةُ ، مِنها تَحتَ الأرضِ وَمِنها في السَّماءِ ، فَما يَقبَلُ عَقلي أنَّ مَخلوقاً من أهلِ الأرضِ قَدَرَ عَلى هذا . قال: وما أنكَرتَ مِن هذا ؟ قُلتُ : إنَّكَ زَعَمتَ أنَّ جَميعَ أهلِ الأرضِ إنَّما يَتَوالَدونَ بِهذهِ النُّجومِ ، فَأَرى الحَكيمَ الّذي وَضَعَ هذا الحِسابَ بِزَعمِكَ مِن بَعضِ أهلِ الدُّنيا، وَلا شَكَّ إن كُنتَ

.

ص: 49

صادِقاً أنَّهُ وُلِدَ بِبَعضِ هذه النُّجومِ وَالسَّاعاتِ وَالحسابِ الّذي كانَ قَبلَهُ ، إلاّ أن تَزعُمَ أنَّ ذلِكَ الحَكيمَ لَم يُولَد بِهذهِ النُّجومِ كما وُلِدَ سائِرُ النّاسِ . قال : وَهَل هذا الحَكيمُ إلاّ كَسائِرِ النّاسِ ؟ قُلتُ : أفَلَيسَ يَنبغي أن يُدِلَّكَ عَقلُكَ عَلى أنَّها قَد خُلِقَتَ قَبلَ هذا الحَكيمِ الّذي زَعَمتَ أنَّهُ وَضَعَ هذا الحِسابَ ، وَقَد زَعَمتَ أنَّهُ وُلِدَ بِبَعضِ هذهِ النُّجومِ؟ قال: بلى. قُلتُ : فَكَيفَ اهتَدى لِوَضعِ هذهِ النُّجومِ ؟ وَهَل هذا العِلمُ إلاّ مِن مُعَلّمٍ كانَ قَبلَهُما وَهُوَ الّذي أسَّسَ هذا الحسابَ الّذي زَعَمتَ أنّهُ أساسُ المَولودِ ، وَالأساسُ أقدَمُ مِنَ المَولودِ ، وَالحَكيمُ الّذي زَعَمتَ أنَّهُ وَضَعَ هذا إنَّما يَتَّبِعُ أمرَ مُعَلّمٍ هُوَ أقدَمُ مِنهُ ، وَهُوَ الّذي خَلَقَهُ مَولوداً بِبَعضِ هذا النُّجومِ ، وَهُوَ الّذي أسَّسَ هذهِ البُروجِ الّتي وُلِدَ بِها غَيرُهُ مِنَ النّاسِ ، فَواضِعُ الأساسِ يَنبَغي أن يَكونَ أقدَمَ مِنها . هَب إنَّ هذا الحَكيمَ عَمَّرَ مُذ كانَتِ الدُّنيا عَشَرَةَ أضعافٍ ، هَل كانَ نَظَرُهُ في هذهِ النُّجومِ إلاّ كَنَظَرِكَ إلَيها مُعَلّقةً فِي السَّماءِ ؟ أو تَراهُ كانَ قادِراً عَلى الدُّنُوِّ مِنها وَهِيَ في السَّماءِ حَتَّى يَعرِفَ مَنازِلَها وَمجاريها ، نُحوسَها وَسُعودَها ، وَدَقائِقَها ، وَبِأيَّتِها تَكسِفُ الشَّمسُ وَالقَمَرُ ، وَبِأيَّتِها يُولَدُ كُلُّ مَولودٍ ، وَأيُّها السَّعدُ وَأيُّها النَّحسُ ، وَأيُّها البَطيءُ وأيُّها السّريعُ ، ثُمَّ يَعرِفُ بَعدَ ذلِكَ سُعودَ ساعاتِ النَّهارِ وَنُحوسَها ، وَأيُّها السَّعدُ وَأيُّها النَّحسُ ، وَكَم ساعَةً يَمكُثُ كُلُّ نَجمٍ مِنها تَحتَ الأرضِ ، وَفي أيِّ ساعَةٍ تَغيبُ ، وَأيُّ ساعَةٍ تَطلُعُ ، وَكَم ساعَةً يَمكُثُ طالِعاً ، وفي أيِّ ساعَةٍ تَغيبُ ، وَكَمِ استَقامَ لِرَجُلٍ حَكيمٍ _ كَما زَعَمتَ _ مِن أهلِ الدُّنيا أن يَعلَمَ عِلمَ السَّماءِ مِمّا لا يُدرَكُ بِالحَواسّ ، وَلا يَقَعُ عَلَيهِ الفِكرُ ، وَلا يَخطُرُ عَلى الأوهامِ ؟ وَكَيفَ اهتَدى أن يَقيسَ الشَّمسَ حَتَّى يَعرِفَ في أيِّ بُرجٍ ، وَفي أيِّ بُرجٍ القَمَرُ ، وَفي أيِّ بُرجٍ مِنَ السَّماءِ هذهِ السَّبعَةُ السُّعودُ والنُّحوسُ ، وما الطّالِعُ مِنها وَما الباطِنُ ؟ وَهيَ مُعَلّقةٌ فِي السَّماءِ وَهُوَ

.

ص: 50

مِن أهلِ الأرضِ لا يَراها إذا تَوارَت بِضَوءِ الشَّمسِ ، إلاّ أن تَزعُمَ أنَّ هذا الحكيمَ الّذي وَضَعَ هذا العِلمَ قَد رَقى إلى السَّماءِ ، وَأنا أشهَدُ أنَّ هذا العالَمَ لَم يَقدِر عَلى هذا العِلمِ إلاّ بِمَن فِي السَّماءِ ، لأنَّ هذا لَيسَ مِن عِلمِ أهلِ الأرضِ . قال: ما بَلَغَني أنَّ أحَداً مِن أهلِ الأرضِ رَقى إلى السَّماءِ . قُلتُ : فَلَعَلَّ هذا الحَكيمَ فَعَلَ ذلِكَ وَلَم يَبلُغكَ؟ قال: وَلَو بَلَغَني ما كُنتُ مُصَدِّقاً . قُلتُ : فَأنا أقولُ قَولَكَ ، هَبهُ رَقى إلى السَّماءِ هَل كانَ لَهُ بُدٌّ مِن أن يَجري مَعَ كُلِّ بُرجٍ من هذهِ البُروجِ ، وَنَجمٍ مِن هذهِ النُّجومِ مِن حَيثُ يَطلُعُ إلى حَيثُ يَغيبُ ، ثُمَّ يَعودُ إلى الآخَرِ حَتّى يَفعلَ مِثلَ ذلِكَ حَتّى يأتي عَلى آخِرِها؟ فإنَّ مِنها ما يَقطَعُ السَّماءَ في ثَلاثينَ سَنَةً ، وَمِنها ما يَقطَعُ دونَ ذلِكَ ، وَهَل كانَ لَهُ بُدٌّ مِن أن يَجولَ في أقطارِ السَّماءِ حَتّى يَعرِفَ مَطالِعَ السُّعودِ مِنها وَالنُّحوسِ ، وَالبَطيءِ وَالسَّريعِ ، حَتّى يُحصي ذلِكَ ؟ أو هَبهُ قَدَرَ على ذلِكَ حَتّى فَرغَ مِمّا في السَّماءِ ، هَل كانَ يَستقيمُ لَهُ حِسابُ ما فِي السَّماءِ حَتّى يُحكِمَ حِسابَ ما فِي الأرضِ وَما تَحتَها ؟ وأن يَعرِفَ ذلِكَ مِثلَ ما قَد عايَنَ فِي السَّماءِ ؛ لِأنَّ مَجاريها تَحتَ الأرضِ عَلى غَيرِ مَجاريها فِي السَّماءِ ، فَلَم يَكُن يَقدِرُ عَلى إحكام حِسابِها وَدَقائِقِها وَساعاتِها إلاّ بِمَعرِفَةِ ما غابَ عَنهُ تَحتَ الأرضِ مِنها ، لِأنَّهُ يَنبغي أن يَعرِفَ أيَّ ساعَةٍ مِنَ اللّيلِ يَطلُعُ طالِعُها ، وَكَم يَمكُثُ تَحتَ الأرضِ ، وَأيَّةُ ساعَةٍ مِنَ النَّهارِ يَغيبُ غائِبُها لِأنَّهُ لا يُعايِنُها ، وَلا ما طلَعَ مِنها وَلا ما غابَ ، وَلابُدَّ مِن أن يَكونَ العالِمُ بِها واحِداً وَإلاّ لَم يَنتَفِع بِالحِسابِ إلاّ تَزعُمُ أنَّ ذلِكَ الحَكيمَ قَد دَخَلَ في ظُلماتِ الأرَضينَ وَالبِحارِ فَسارَ مَعَ النُّجومِ وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ في مَجاريها عَلى قَدرِ ما سارَ فِي السَّماءِ حَتَّى عَلِمَ الغَيبَ مِنها ، وَعَلِمَ ما تَحتَ الأرضِ عَلى قَدرِ ما عايَنَ مِنها فِي السَّماءِ .

.

ص: 51

قالَ : وَهَل أرَيتَني أجَبتُكَ إلى أنَّ أحَداً مِن أهلِ الأرضِ رَقى إلى السَّماءِ وَقَدَرَ على ذلِكَ حَتّى أقولَ : إنَّهُ دَخَلَ في ظُلُماتِ الأرضينَ وَالبُحورِ . قلتُ : فَكَيفَ وَقَعَ هذا العِلمُ الّذي زَعَمتَ أنَّ الحُكماءَ مِنَ النّاسِ وَضَعوهُ ، وَأنَّ النّاسَ كُلَّهُم مولَدونَ بِهِ ؟ وكَيفَ عَرَفوا ذلِكَ الحِسابَ وَهُو أقدَمُ مِنهُم ؟ 1

.

ص: 52

قالَ : ما أجِدُ يَستقيمُ أن أقولَ : إنَّ أحَداً مِن أهلِ الأرضِ وَضَعَ عِلمَ هذهِ النُّجومِ المُعَلَّقةِ فِي السَّماءِ . قُلتُ : فَلابُدَّ لَكَ أن تَقولَ : إنَّما عَلَّمَهُ حَكيمٌ عَليمٌ بِأمرِ السَّماءِ والأَرضِ وَمُدَبِّرُهُما . قالَ : إن قُلتُ : هذا فَقَد أقرَرتُ لَكَ بِإلهِكَ الّذي تَزعُمُ أنَّهُ فِي السَّماءِ . قُلتُ : أما أنَّكَ فَقَد أعطَيتَني أنَّ حِسابَ هذهِ النُّجومِ حَقٌّ ، وَأنَّ جَميعَ النّاسِ وُلِدوا بِها . قالَ : الشَّكُّ في غَيرِ هذا . قلتُ : وَكَذلِكَ أعطَيتَني أنَّ أحَداً مِن أهلِ الأرضِ لَم يَقدِر على أن يَغيبَ مَعَ هذهِ النُّجومِ وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ في المَغرِبِ حَتّى يَعرِفَ مجاريها وَيَطَّلِعَ مَعَها إلى المَشرِقِ. قالَ : الطُّلوعُ إلى السَّماءِ دونَ هذا .

.

ص: 53

قلتُ : فَلا أراكَ تَجِدُ بُدّاً مِن أن تَزعُمَ أنَّ المُعَلّمَ لِهذا مِنَ السَّماءِ. قالَ : لَئِن قُلتَ أن لَيسَ لِهذا الحِسابِ مُعَلّمٌ ، لَقَد قُلتَ إذا غَيرَ الحَقِّ ، وَلَئِن زَعَمتَ أنَّ أحَداً من أهلِ الأرضِ عَلِمَ ما فِي السّماءِ وَما تَحتَ الأرضِ ، لَقَد أبطَلتَ ؛ لأنَّ أهلَ الأرضِ لا يَقدرونَ عَلى عِلمِ ما وُصِفَت لَكَ مِن حالِ هذهِ النُّجومِ وَالبُروجِ بِالمُعايَنَةِ والدُّنُوّ منها ، فَلا يَقدرونَ عَلَيهِ ؛ لأنّ عِلمَ أهلِ الدُّنيا لا يَكونُ عِندَنا إلاّ بالحَوَاسّ، وَما يُدرِكُ عِلمَ هذهِ النُّجومِ الّتي وُصِفَت بالحَواسّ ؛ لِأن_َّها مُعَلّقَةٌ فِي السَّماءِ ، وما زادَتِ الحَوَاسُّ عَلى النَّظَرِ إلَيها ، حَيثُ تَطلُعُ وَحَيثُ تَغيبُ ، فَأمّا حِسابُهَا وَدَقائِقُها وَنُحوسُها وَسُعودُها بَطيؤها وَسريعُها وَخُنوسُها وَرُجوعُها ، فَأنّى تُدرَكُ بِالحَواسِّ أو يُهتَدى إلَيها بِالقِياسِ؟ قُلتُ : فَأخبِرني لَو كُنتَ مُتَعلِّماً مُستَوصِفاً لِهذا الحِسابِ مِن أهلِ الأرضِ أحبُّ إلَيكَ أن تَستَوصِفَهُ وَتَتَعلَّمَهُ ، أم مِن أهلِ السَّماءِ . قالَ : مِن أهلِ السَّماءِ ، إذ كانَتِ النُّجومُ مُعَلَّقَةٌ فيها حَيثُ لا يَعلَمُها أهلُ الأرضِ . قُلتُ : فَافهَم وأدِقَّ النَّظَرَ ، وَناصِح نَفسَكَ ، ألَستَ تَعلَمُ أنَّهُ حَيثُ كانَ جَميعُ أهلِ الدُّنيا إنَّما يُولَدونَ بِهذهِ النُّجومِ عَلى ما وَصَفتَ في النُّحوسِ وَالسُّعودِ أنَّهُنَّ كُنَّ قَبلَ النّاسِ؟ قال : ما أمتَنِعُ أن أقولَ هذا . قلتُ : أفَلَيسَ يَنبغي لَكَ أن تَعلَمَ أنَّ قَولَكَ : إنَّ النّاسَ لَم يَزالوا وَلا يَزالونَ قَد انكَسَرَ عَلَيكَ حَيثُ كانَتِ النُّجومُ قَبلَ النَّاسِ ، فالنّاسُ حَدَثَ بَعدَها ، وَلَئِن كانَتِ النُّجومُ خُلِقَت قَبلَ النَّاسِ ما تَجِدُ بُدّاً مِن أن تَزعُمَ أنَّ الأرضَ خُلِقَت قَبلَهُم. قالَ: ولَم تَزعُم أنَّ الأرضَ خُلِقَت قَبلَهُم. قُلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنَّها لَو لَم تَكُن الأرضُ جَعَلَ اللّهُ لِخَلقِهِ فِراشاً وَمِهاداً ما استَقامَ

.

ص: 54

النّاسُ وَلا غَيرُهُم مِنَ الأنامِ ، وَلا قَدَروا أن يَكونوا فِي الهَواءِ إلاّ أن يكونَ لَهُم أجنِحَةٌ ؟ قالَ : وماذا يُغني عَنهُم الأجنِحَةُ إذا لَم تَكُن لَهُم مَعيشَةٌ ؟ قُلتُ : فَفي شَكٍّ أنتَ مِن أنَّ النّاسَ حَدَثَ بَعدَ الأرضِ وَالبُروجِ ؟ قالَ : لا وَلكن عَلى اليَقينِ مِن ذلِكَ . قُلتُ : آتيكَ أيضاً بِما تُبصِرُهُ . قال: ذلِكَ أنفى للشَكِّ عَنّي. قُلتُ : ألستَ تَعلَمُ أنَّ الّذي تَدورُ عَلَيهِ هذهِ النُّجومُ والشَّمسُ والقَمَرُ هذا الفَلَكُ ؟ قالَ: بلى. قلتُ: أفَلَيسَ قَد كانَ أساساً لِهذهِ النُّجومِ؟ قَال: بَلى . قُلتُ : فَما أرَى هذهِ النُّجومَ الّتي زَعَمتَ أنَّها مَواليدُ النّاسِ ، إلاّ وَقَد وَضَعتَ بَعدَ هذا الفَلَكِ ؛ لِأنّهُ بهِ تَدورُ البُروجُ وتَسفُلُ مَرَّةً وَتَصعَدُ اُخرى . قال: قَد جِئتَ بِأمرٍ واضِحٍ لا يَشكُلُ عَلى ذي عَقلٍ أنَّ الفَلَكَ الّذي تَدورُ بِهِ النُّجومُ هُوَ أساسُها الّذي وُضِعَ لَها لِأَنّها إنَّما جَرَت بِهِ . قُلتُ : أقرَرتَ أنَّ خالِقَ النُّجومِ الّتي يُولَدُ بِها النّاسُ ، سُعودُهُم وَنُحوسُهُم ، هُوَ خالِقُ الأرضِ ؛ لأنّهُ لَو لَم يَكُن خَلَقَها لَم يَكُن ذَرءٌ. قالَ : ما أجِدُ بُدّاً من إجابَتِكَ إلى ذلِكَ . قُلتُ : أفَلَيسَ يَنبغي لَكَ أن يُدِلَّكَ عَقلُكَ عَلى أنّهُ لا يَقدِرُ على خَلقِ السَّماءِ إلاّ الّذي خَلَقَ الأرضَ وَالذَّرءَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجومَ ، وأنَّهُ لَولا السَّماءُ وَما فيها لَهَلَكَ ذَرءُ الأرضِ.

.

ص: 55

قال : أشهَدُ أنّ الخالِقَ واحِدٌ مِن غَيرِ شَكٍّ ؛ لأنَّكَ قَد أتَيتَني بِحُجَّةٍ ظَهَرَت لِعَقلي ، وَانقَطَعَت بِها حُجَّتي، وَما أرى يَستقيمُ أَن يُكونَ واضِعُ هذا الحِسابِ وَمُعَلّمُ هذهِ النُّجومِ وَاحِداً مِن أهلِ الأرضِ ؛ لِأنَّها فِي السَّماءِ ، وَلا مَعَ ذلِكَ يَعرِفُ ما تَحتَ الأرضِ مِنها إلاّ مُعَلِّمَ ما فِي السَّماءِ مِنها ، وَلكن ، لَستُ أدري كَيفَ سَقَطَ أهلُ الأرضِ عَلى هذا العِلمِ الّذي هُوَ فِي السَّماءِ حَتّى اتَّفقَ حِسابُهُم عَلى ما رَأيتُ مِنَ الدِّقَةِ وَالصَّوابِ ؟ فإنّي لَو لَم أعرِف مِن هذا الحسابِ ما أعرِفُهُ لَأنكَرتُهُ ، وَلَأخبَرتُكَ أنَّهُ باطِلُ في بِدءِ الأمرِ فَكانَ أهونَ عَلَيَّ . قلتُ : فَأعطِني مَوثِقاً إن أنا أعطَيتُكَ مِن قِبَلِ هَذهِ الإهليلجَةِ الّتي في يَدِكَ وَما تَدَّعي مِنَ الطّبِّ الّذي هُوَ صَناعَتُكَ وَصَناعَةُ آبائِكَ حَتّى يَتَّصِلَ الإهليلجَةُ وَما يُشبِهُها مِنَ الأدوِيَةِ بِالسَّماءِ لَتُذعِنَنَّ بِالحَقِّ ، وَلَتُنصِفَنَّ مِن نَفسِكَ . قال: ذلِكَ لَكَ . قلتُ : هَل كانَ النّاسُ على حالٍ وَهُم لا يَعرِفونَ الطِّبَّ وَمَنافِعَهُ مِن هذهِ الإهليلجَةِ وَأشباهِها؟ قالَ: نَعَم. قُلتُ : فَمِن أينَ اهتَدَوا لَهُ؟ قال : بِالتَّجرِبَةِ وَطولِ المُقايَسَةِ . قلت : فَكَيفَ خَطَرَ على أوهامِهِم حَتّى هَمّوا بِتَجرِبَتِهِ ؟ وَكَيفَ ظَنّوا أنَّهُ مَصلَحَةٌ لِلأجسادِ وَهُم لا يَرونَ فيهِ إلاّ المَضَرّةَ؟ أو كَيفَ عَزموا على طَلَبِ ما لا يَعرِفونَ مِمّا لا تَدُلُّهُم عَلَيهِ الحَوَاسُّ؟ قال : بِالتَّجارِبِ . قلتُ : أخبرني عن واضِعِ هذا الطِّبِ وَواصِفِ هَذهِ العَقاقيرِ المُتَفَرِّقَةِ بَينَ المَشرِقِ

.

ص: 56

وَالمَغرِبِ ، هَل كان بُدٌّ من أن يَكونَ الّذي وَضَعَ ذلِكَ وَدَلَّ على هذهِ العَقاقيرِ رَجُلٌ حَكيمٌ مِن بَعضِ أهلِ هذهِ البُلدانِ؟ قالَ : لابُدَّ أن يَكونَ كذلِكَ ، وَأن يَكونَ رَجُلاً حَكيماً وَضَعَ ذلِكَ ، وَجَمَعَ عَليهِ الحُكماءَ فَنَظروا في ذلِكَ وَفَكَّروا فيهِ بِعُقُولِهِم . قُلتُ : كأنّكَ تُريدُ الإنصافَ من نَفسِكَ وَالوَفاءَ بِما أعطيتَ مِن مِيثاقِكَ فَأعلِمني كَيفَ عَرَفَ الحَكيمُ ذلِكَ؟ وَهَبهُ قَد عَرَف بِما في بِلادِهِ مِنَ الدَّواءِ ، وَالزَّعفَرانِ الّذي بِأرضِ فارسٍ ، أتُراهُ اتَّبعَ جَميعَ نباتِ الأرضِ فَذاقَهُ شَجَرَةً شَجَرَةً حَتّى ظَهَرَ عَلى جَميعِ ذلِكَ ؟ وَهَل يَدُلُّكَ عَقلُكَ على أنَّ رِجالاً حُكماءَ قَدَروا على أن يَتَّبِعوا جَميعَ بِلادَ فارسٍ وَنباتَها شَجَرَةً شَجَرَةً حَتّى عَرَفوا ذلِكَ بِحَواسِّهِم ، وَظَهَروا على تِلكَ الشَّجَرَةِ الّتي يَكونُ فيها خَلطُ بَعضِ هذهِ الأدوِيَةِ الّتي لَم تُدرِك حَواسُّهُم شَيئاً مِنها ؟ وَهَبهُ أصابَ تِلكَ الشَّجَرَةَ بَعدَ بَحثِهِ عَنها وَتَتَبُّعِهِ جَميعُ شَجَرِ فارِسٍ وَنَباتِها ، كَيفَ عَرَفَ أنَّهُ لا يَكونُ دَواءٌ حَتّى يَضُمَّ إلَيهِ الإهليلجَ مِنَ الهِندِ ، وَالمَصطَكي مِنَ الرُّومِ ، وَالمِسكَ مِنَ التِبَّتِ ، وَالدّارصينيَّ مِنَ الصّينِ ، وخصي بيدستر مِنَ التُّركِ ، وَالأَفيونَ مِنَ مِصرَ ، وَالصَّبِرَ مِنَ اليَمنِ ، وَالبُورقَ مِن أرمِنِيَّةَ ، وَغَيرَ ذلِكَ مِن أخلاطِ الأدوِيَةِ الّتي تَكونُ في أطرافِ الأرضِ وَكَيفَ عَرَفَ أنَّ بَعضَ تلِكَ الأدوِيَةِ وَهِي عَقاقيرُ مُختَلِفَةٌ يَكونُ المَنفَعَةُ باجتمِاعِها وَلا يَكونُ مَنفَعَتُها فِي الحالاتِ بِغَيرِ اجتِماعٍ؟ أم كَيفَ اهتَدى لِمَنابِتِ هذهِ الأدوِيَةِ وَهِيَ ألوانٌ مُختَلِفَةٌ وَعَقاقيرُ مُتبائِنَةٌ في بُلدانٍ مُتَفرِّقَةٍ فَمِنها عُروقٌ ، ومِنها لِحاءٌ ومِنها وَرَقٌ ، وَمِنها ثَمَرٌ ، وَمِنها عَصيرٌ ، وَمِنها مائِعٌ ، وَمِنها صَمِغٌ ، ومِنها دُهنٌ ، وَمِنها ما يُعصَرُ وَيُطبَخُ ، وَمِنها ما يُعصَرُ وَلا يُطبَخُ ، مِمّا سُمّيَ بِلُغاتٍ شَتّى لا يَصلُحُ بَعضُها إلاّ بِبَعضٍ وَلا يَصيرُ دَواءاً إلاّ بِاجتِماعِها ، وَمِنها مَرائِرُ السِّباعِ وَالدَّوابِّ البَريَّةِ وَالبَحرِيَّةِ ، وَأهلُ هذهِ البُلدانِ مَعَ ذلِكَ مُتعادونَ مُختَلِفونَ مُتَفرِّقونَ بِاللُّغَاتِ ، مُتَغالِبونَ بِالمُناصَبَةِ ، وَمُتَحارِبونَ بِالقَتلِ والسَّبي ، أفَتَرى

.

ص: 57

ذلِكَ الحَكيمَ تَتَّبعَ هذهِ البُلدانَ حَتّى عَرَفَ كُلَّ لُغَةٍ وَطافَ كُلَّ وَجهٍ ، وَتَتَّبعَ هذهِ العَقاقيرَ مَشرِقاً وَمَغرِباً آمِناً صَحيحاً لا يَخافُ وَلا يَمرُضُ ، سَليماً لا يَعطبُ ، حَيّاً لا يَموتُ ، هادِياً لا يَضِلّ ، قاصِداً لا يَجورُ حافِظاً لا يَنسى ، نَشيطاً لا يَمِلُّ ، حَتّى عَرَفَ وَقتَ أزمِنَتِها ، ومواضِعَ مَنابِتِها مَعَ اختِلاطِها واختِلافِ صفاتِها وَتَبايُنِ ألوانِها وَتَفَرُّقِ أسمائِها ، ثُمَّ وَضَعَ مِثالَها عَلى شِبهِها وَصِفَتِها ، ثُمَّ وَصَفَ كُلَّ شَجَرَةٍ بِنَباتِها وَوَرَقِها وَثَمَرِها وَريحِها وَطَعمِها ؟ أم هَل كانَ لِهذا الحَكيمِ بُدٌّ مِن أن يَتَّبِعَ جَميعَ أشجارِ الدُّنيا وَبُقولِها وَعُروقِها شَجَرَةً شَجَرَةً ، وَوَرَقةً وَرَقَةً ، شَيئاً شَيئاً ؟ فَهَبهُ وَقَعَ عَلى الشَّجَرَةِ الّتي أرادَ فَكَيفَ دَلّتهُ حَواسُّهُ على أنَّها تَصلُح لِدَواءٍ ، وَالشَّجَرُ مُختَلِفٌ ، مِنهُ الحُلوُ وَالحامِضُ وَالمُرُّ وَالمالِحُ ؟ وإن قُلتَ : يَستَوصِفُ في هذهِ البُلدانِ وَيَعمَلُ بِالسُّولِ ، فَأنّى يَسألُ عَمّا لَم يُعايِن وَلَم يُدرِكهُ بِحَواسِّهِ ؟ أم كَيفَ يَهتدي إلى مَن يَسألُهُ عَن تِلكَ الشَّجَرَةِ وَهُوَ يُكَلِّمُهُ بِغَيرِ لِسانِهِ وَبِغَيرِ لُغَتِهِ وَالأشياءُ كَثيرَةٌ ؟ فَهَبهُ فَعَلَ كَيفَ عَرَفَ مَنافِعَها وَمَضارَّها ، وَتَسكينَها وتَهييجَها ، وَبارِدَها وَحارَّها ، وَحُلوَها وَمَرارَتَها وَحَرَافَتَها ، وَلَيِّنها وَشديدَها ؟ فَلَئِن قُلتَ بالظّنِ : إنَّ ذلِكَ مِمّا لا يُدرَكُ ولا يُعرَفُ بِالطّبائِعِ وَالحَواسِّ. وَلَئِن قُلتَ : بالتّجربة والشّرب ، لَقَد كانَ يَنبغي لَهُ أن يَموتَ في أوّلِ ما شَرِبَ وَجَرَّبَ تِلكَ الأدوِيَةِ بِجَهالَتِهِ بِها وَقِلَّةِ مَعرِفَتِهِ بِمَنافِعِها وَمَضارِّها ، وَأكثَرُها السمُّ القاتِلُ . وَلَئِن قُلتَ : بَل طافَ في كُلِّ بَلَدٍ ، وَأقامَ في كُلِّ أُمَّةٍ يَتَعلَّمُ لُغاتِهِم ، وَيُجَرّبُ بِهِم أدوِيَتَهُم تَقتُلُ الأوّلَ فَالأوّلَ مِنهُم ، ما كانَ لِتَبلُغَ مَعرِفَتُهُ الدّواءَ الواحِدَ إلاّ بَعدَ قَتلِ قَومٍ كَثيرٍ ، فَما كانَ أهلُ تِلكَ البُلدانِ الّذينَ قُتِلَ مِنهُم مَن قُتِلَ بِتَجرِبَتِهِ بِالّذينَ يَنقادونه بالقَتلِ وَلا يَدَعونَهُ أن يُجاوِرَهُم ، وَهَبهُ تَرَكوهُ وَسَلَّموا لِأمرِهِ وَلَم يَنهَوهُ ،

.

ص: 58

كَيفَ قَوِيَ على خَلطِها ، وَعَرَفَ قَدرَها وَوَزنَها وَأخَذَ مَثاقيلَها وَقَرّطَ قَراريطَها؟ وَهَبهُ تَتَّبعَ هذا كُلَّهُ ، وَأكثَرُهُ سُمٌّ قاتِلٌ ، إن زيدَ على قَدرِها قُتِلَ ، وإن نَقَصَ عَن قَدرِها بَطُلَ ، وَهَبهُ تَتَّبَعَ هذا كُلَّهُ وَجالَ مشارِقَ الأرضِ ومَغارِبَها ، وَطالَ عُمرُهُ فيها تَتَّبعَهُ شَجَرَةً شَجَرَةً ، وَبُقعَةً بُقعَةً ، كَيفَ كانَ لَهُ تَتَّبعُ ما لَم يَدخُل في ذلِكَ مِن مَرارَةِ الطّيرِ والسِّباعِ وَدَوابِّ البَحرِ ؟ هَل كانَ بُدٌّ حَيثُ زَعَمتَ أنّ ذلِكَ الحَكيمَ تَتَّبعَ عَقاقيرَ الدُّنيا شَجَرَةً شَجَرَةً وَثَمَرَةً ثَمَرَةً ، حَتّى جَمَعَها كُلَّها فَمِنها ما لا يَصلُحُ وَلا يَكونُ دَواءاً إلاّ بالمَرارِ ؟ هَل كانَ بُدٌّ مِن أن يَتَّبِعَ جَميعَ طَيرِ الدُّنيا وَسِباعِها وَدَوابّها دابَّةً دابَّةً وطائِراً طائِراً يَقتُلُها وَيُجَرّبُ مَرارَتَها ، كَما بَحَثَ عَن تِلكَ العَقاقيرِ عَلى ما زَعَمتَ بِالتَّجارِبِ ؟ وَلَو كانَ ذلِكَ فَكَيفَ بَقِيَتِ الدَّوابُّ وَتَناسَلَت ، وَلَيسَت بِمَنزِلَةِ الشَّجَرَةِ إذا قُطِعَت شَجَرَةٌ نَبَتَت اُخرى ؟ وَهَبهُ أتى عَلى طَيرِ الدُّنيا ، كيفَ يَصنَعُ بِما فِي البَحرِ مِنَ الدَّوابِّ الّتي كانَ يَنبَغي أن يَتَّبِعَها بَحراً بَحراً وَدَابَّةً دَابَّةً حَتّى أحاطَ بِهِ كَما أحاطَ بِجَميعِ عَقاقيرِ الدُّنيا الّتي بَحَثَ عَنها حَتّى عَرَفَها وَطَلَبَ ذلِكَ في غَمَراتِ الماءِ ؟ فَإنَّكَ مَهما جَهِلتَ شَيئاً مِن هذا فَإنَّكَ لا تَجهَلُ أنَّ دَوابّ البَحرِ كُلَّها تَحتَ الماءِ ، فَهَل يَدُلُّ العَقلُ وَالحَوَاسُّ عَلى أنَّ هذا يُدرَكُ بِالبَحثِ وَالتَّجارِبِ؟ قالَ : لَقَد ضَيَّقتَ عَلَيَّ المَذاهِبَ ، فمَا أدري ما اُجيبُكَ بِهِ ! قُلتُ : فإنّي آتيكَ بِغَيرِ ذلِكَ مِمّا هُوَ أوضَحُ وَأبيَنُ مِمّا اقتَصَصتُ عَلَيكَ . ألَستَ تَعلَمُ أنَّ هذهِ العَقاقيرِ الّتي مِنها الأَدوِيَةُ وَالمَرارُ مِنَ الطّيرِ والسِّباعِ لا يَكونُ دَواءاً إلاّ بَعدَ الاجتِماعِ؟ قال: هُوَ كذلِكَ . قُلتُ : فَأخبِرني كَيفَ حَوَاسُّ هذا الحَكيمِ وَضَعَت هذهِ الأدوِيَةَ مَثاقيلَها وَقراريطَها ؟ فَإنَّكُ مِن أعلَمِ النّاسِ بِذلِكَ لِأنَّ صناعَتَكَ الطّبُ ، وَأنتَ تَدخُلُ في الدَّواءِ الواحِدِ مِنَ اللَّونِ الواحِدِ زِنَةَ أربَعِمئَةِ مِثقالٍ ، وَمِنَ الآخَرِ مَثاقيلُ وَقَراريطُ فَما

.

ص: 59

فَوقَ ذلِكَ وَدونَهُ حَتّى يجيء بِقَدَرٍ واحِدٍ مَعلومٍ إذا سَقَيتَ مِنهُ صاحِبَ البِطنَةِ بِمِقدارِ عَقدِ بَطنِهِ ، وإن سَقَيتَ صاحِبَ القُولَنجِ أكثَرَ مِن ذلِكَ استَطلَقَ بَطنُهُ وَألانَ ، فَكَيفَ أدرَكَت حَواسُّهُ على هذا؟ أم كَيفَ عَرَفَت حَواسُّهُ أنّ الّذي يُسقى لِوَجَعِ الرأسِ لا يَنحَدِرُ إلى الرّجلَينِ ، وَالانحدارُ أهوَنُ عَلَيهِ مِنَ الصُّعودِ ؟ وَالّذي يُسقى لِوَجَعِ القَدَمَينِ لا يَصعَدُ إلى الرَّأسِ ، وَهُوَ إلى الرّأسِ عِندَ السُّلوكِ أقرَبُ مِنهُ ؟ وكذلِكَ كُلُّ دَواءٍ يُسقى صاحِبُهُ لِكُلِّ عُضوٍ لا يَأخُذُ إلاّ طريقَهُ في العُروقِ الّتي تُسقَى لَهُ ، وَكُلُّ ذلِكَ يَصيرُ إلى المَعِدَةِ وَمِنها يَتَفَرَّقُ ؟ أم كَيفَ لا يَسفُلُ مِنهُ ما صعِدَ ولا يَصعَدُ مِنهُ ما انحَدَرَ ؟ أم كَيفَ عَرَفَتِ الحَواسُّ هذا حَتّى عَلِمَ أنّ الّذي يَنبَغي للأُذُنِ لا يَنفَعُ العَينَ وَما يَنتَفِعُ بِهِ العَينُ لا يُغني مِن وَجَعِ الأُذُنِ ، وَكذلِكَ جَميعُ الأعضاءِ يَصيرُ كُلُّ داءٍ مِنها إلى ذلِكَ الدَّواءِ الّذي يَنبَغي لَهُ بِعَينِهِ فَكَيفَ أدرَكَتِ العُقولُ والحِكمَةُ والحَواسُّ هذا وَهُوَ غائِبٌ فِي الجَوفِ ، وَالعُروقُ في اللّحمِ ، وَفَوقَهُ الجِلدُ لا يُدرِكُ بِسَمعٍ ولا بِبَصَرٍ وَلا بِشَمٍّ ولا بِلَمسٍ وَلا بِذَوقٍ ؟ قالَ : لَقَد جِئتَ بِما أعرِفُهُ إلاّ أنَّنا نَقولُ : إنَّ الحَكيمَ الّذي وَضَعَ هذهِ الأدوِيَةَ وَأخلاطَها كان إذا سَقى أحَداً شيئاً مِن هذهِ الأدوِيَةِ فَماتَ ، شَقَّ بَطنَهُ وَتَتَّبعُ عُروقَهُ وَنَظَرَ مَجارِيَ تِلكَ الأدوِيَةِ وَأتى المَواضِعَ الّتي تِلكَ الأدوِيَةُ فيها . قلتُ : فَأخبِرني ألَستَ تَعلَمُ أنَّ الدَّواءَ كُلَّهُ إذا وَقَعَ فِي العُروقِ اختَلَطَ بِالدَّمِ فَصارَ شَيئاً واحِداً؟ قالَ : بَلى . قلتُ : أما تَعلَمُ أنَّ الإنسانَ إذا خَرَجَت نَفسُهُ بَرَدَ دَمُهُ وَجَمَدَ؟ قالَ : بَلى . قلتُ : فَكَيفَ عَرَف ذلِكَ الحَكيمُ دَواءَهُ الّذي سَقاهُ لِلمَريضِ بَعدَما صارَ غَليظاً عَبيطاً ، لَيسَ بِأمشاجٍ يُستَدَلُّ عَلَيهِ بِلَونٍ فيهِ غَيرُ لَونِ الدَّمِ ؟

.

ص: 60

قالَ : لَقَد حَمَلتَني على مَطِيَّةٍ صَعبَةٍ ما حُمِلتُ على مِثلِها قَطُّ ، وَلَقَد جِئتَ بِأشياءَ لا أقدِرُ على رَدِّها . قلتُ : فأخبِرني مِن أينَ عَلِمَ العِبادُ ما وَصَفتَ مِن هذهِ الأدوِيَةِ الّتي فيها المَنافِعُ لَهُم حَتّى خَلَطوها وَتَتَّبعوا عَقاقيرَها في هذهِ البُلدانِ المُتَفَرّقَةِ ، وَعَرَفوا مَواضِعَها وَمَعادِنَها في الأماكِنِ المُتبائِنَةِ ، وما يَصلُحُ مِن عُروقِها وَزِنَتِها مِن مَثاقيلِها وَقَراريطِها ، وَما يَدخُلُها مِنَ الحِجارَةِ ومَرارِ السِّباعِ وَغَيرِ ذلِكَ ؟ قالَ : قَد أعيَيتُ عَن إجابَتِكَ لِغُموضِ مسائِلِكَ وإلجائِكَ إيّايَ إلى أمر لا يُدرَكُ عِلمُهُ بِالحَوَاسّ ، وَلا بِالتّشبيهِ وَالقِياس ، ولابُدَّ أن يَكونَ وَضَعَ هذهِ الأدوِيَةَ واضِعٌ ، لِأنَّها لَم تَضَع هِيَ أنفُسَها ، وَلا اجتَمَعَت حَتّى جَمَعَها غَيرُها بَعدَ مَعرِفَتِهِ إيَّاها ، فَأخبِرني كَيفَ عَلِمَ العِبادُ هذهِ الأدوِيَةَ الّتي فيها المَنافِعُ حَتّى خَلَطوها وَطَلَبوا عَقاقيرَها في هذهِ البُلدانِ المُتَفَرِّقَةِ؟ قلتُ : إنّي ضارِبٌ لَكَ مَثَلاً وَناصِبٌ لَكَ دَليلاً تَعرِفُ بهِ واضِعَ هذهِ الأدوِيَةِ وَالدَّالَ على هذهِ العَقاقيرِ المُختَلِفَةِ ، وَباني الجَسَدِ وَوَاضِعِ العُروقِ الّتي يَأخُذُ فيها الدَّواءُ إلى الدَّاءِ . قال : فإن قُلتُ ذلِكَ لَم أجِد بُدّاً مِنَ الانقِيادِ إلى ذلِكَ . قُلتُ : فَأخبِرني عَن رَجُلٍ أنشَأ حَديقَةً عَظيمَةً ، وَبَنى عَلَيها حائِطاً وَثيقاً ، ثُمَّ غَرَسَ فيها الأشجارَ وَالأثمارَ وَالرّياحينَ والبُقولَ ، وَتَعاهَدَ سَقيَها وَتَربِيَتَها ، وَوَقاها ما يَضُرُّها ، حَتّى لا يَخفى عَلَيهِ مَوضِعُ كُلِّ صِنفٍ مِنها فإذا أدرَكَت أشجارُها وَأينَعَت أثمارُها واهتَزَّت بُقولُها دَفَعَت إلَيهِ فَسَألتَهُ أن يُطعِمَكَ لَوناً مِنَ الثّمارِ والبُقولِ سَمّيتَهُ لَهُ ، أتُراهُ كانَ قادِراً على أن يَنطَلِقَ قاصِداً مُستَمِرّاً لا يَرجِعُ ، وَلا يَهوي إلى شَيءٍ يَمُرُّ بِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ وَالبُقولِ ، حَتّى يأتي الشَّجَرَةَ الّتي سَألتَهُ أن يأتِيَكَ بِثَمَرِها ، وَالبَقلَةَ

.

ص: 61

الّتي طَلَبتَها ، حَيثُ كانَت مِن أدنى الحَديقَةِ أو أقصاها فَيأتيكَ بِها ؟ قال: نَعَم . قلتُ : أفَرأيتَ لَو قالَ لَكَ صاحِبُ الحَديقَةِ حَيثُ سَألتَهُ الثَّمَرَةَ : ادخُلِ الحديقَةَ فَخُذ حاجَتَكَ ، فإنّي لا أقدِرُ على ذلِكَ ، هَل كُنتَ تَقدِرُ أن تَنطَلِقَ قاصِداً لا تَأخُدُ يَميناً وَلا شِمالاً حَتّى تَنتَهي إلى الشَّجَرَةِ فَتَجتَني مِنها ؟ قالَ : وَكَيفَ أقدِرُ على ذلِكَ وَلا عِلمَ لي في أيِّ مَواضِعِ الحَديقَةِ هِيَ؟ قلتُ : أفَلَيسَ تَعلَمُ أنَّكَ لَم تَكُن لِتُصيبَها دونَ أن تَهجِمَ عَلَيها بِتَعَسُّفٍ وَجَوَلانٍ في جَميعِ الحَديقَةِ حَتّى تَستَدِلَّ عَلَيها بِبَعضِ حَوَاسّكَ بَعدَ ما تَتَصَفَّحُ فيها مِنَ الشَّجَرَةِ ، شَجَرَةً شَجَرَةً وَثَمَرَةً ثَمَرَةً حَتّى تَسقُطَ عَلى الشَّجَرَةِ الّتي تَطلُبُ بِبَعضِ حَواسِّكَ أن تأتيَها ، وإن لَم تَرَها انصَرَفتَ؟ قالَ : وَكَيفَ أقدِرُ على ذلِكَ وَلَم اُعايِن مَغرِسَها حَيثُ غُرِسَت ، وَلا مَنبِتَها حَيثُ نَبَتَت ، وَلا ثَمَرَتَها حَيثُ طَلَعَت . قُلتُ : فإنّهُ يَنبَغي لَكَ أن يَدُلُّكَ عَقلُكَ حَيثُ عَجَزَت حَواسُّكَ عَن إدراكِ ذلِكَ إنَّ الّذي غَرَسَ هذا البُستانَ العظيمَ فيما بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وَغَرَسَ فيهِ هذهِ الأشجارِ وَالبُقولِ هُوَ الّذي دَلَّ الحَكيمَ الّذي زَعَمتَ أنَّهُ وَضَعَ الطّبَّ على تِلكَ العَقاقيرِ وَمَواضِعِها في المَشرِقِ وَالمَغرِبِ ، وَكذلِكَ يَنبَغي لَكَ أن تَستَدِلَّ بِعَقلِكَ على أنَّهُ هُوَ الّذي سَمّاها وسمّى بلدتها ، وَعَرَفَ مَواضِعَها كَمَعرِفَةِ صاحِبِ الحَديقَةِ الّذي سَألتَهُ الثَّمَرَةَ ، وَكذلِكَ لا يَستَقيم وَلا يَنبَغي أن يكونَ الغارِسُ وَالدالُّ عَلَيها إلاّ الدَالّ على مَنافِعِها وَمَضارِّها وَقَراريطِها وَمَثاقيلِها . قالَ : إنّ هذا لَكَما تَقولُ . قُلتُ : أفَرَأيتَ لَو كانَ خالِقُ الجَسَدِ وَما فيهِ مِنَ العَصَبِ وَاللَّحمِ وَالأمعاءِ

.

ص: 62

وَالعُروقِ الّتي يَأخُذُ فيها الأدوِيَةُ إلى الرَّأسِ وَإلى القَدَمَينِ وَإلى ما سِوى ذلِكَ ، غَيرَ خالِقِ الحَديقَةِ وَغارِسِ العَقاقيرِ ، هَل كانَ يَعرِفُ زِنَتَها وَمَثاقيلَها وَقَراريطَها وَما يَصلُحُ لِكُلِّ داءٍ مِنها ، وما كانَ يأخُذُ في كُلِّ عِرقٍ؟ قالَ : وَكَيفَ يَعرِفُ ذلِكَ أو يَقدِرُ عَلَيهِ ، وَهذا لا يُدرَكَ بالِحَواسِّ، ما يَنبَغي أن يعرِفَ هذا إلاّ الّذي غَرَسَ الحَديقَةَ وَعَرَفَ كُلَّ شَجَرَةٍ وَبَقلَةٍ وَما فيها مِنَ المنافِعِ والمَضارِّ. قُلتُ : أفَلَيسَ كذلِكَ يَنبَغي أن يَكونَ الخالِقُ واحِداً ، لأنّهُ لَو كانَ اثنَينِ أحدُهُما خالِقُ الدَّواءِ وَالآخَرُ خالِقُ الجَسَدِ وَالدّاءِ ، لَم يَهتَد غارِسُ العَقاقيرِ لاِءيصالِ دَوائِهِ إلى الدَّاءِ الّذي بِالجَسَدِ ، مِمِّا لا علِمَ لَهُ بِهِ ، ولا اهتدى خالِقُ الجَسَدِ إلى عِلمِ ما يُصلِحُ ذلِكَ الدّاءَ مِن تِلكَ العَقاقيرِ ، فَلَمّا كانَ خالِقُ الدّاءِ والدَّواءِ وَاحِداً أمضَى الدَّواءَ في العُروقِ الّتي بَرَأ وَصَوَّرَ إلى الدّاءِ الّذي عَرَفَ وَوَضَعَ فَعَلِمَ مِزاجَها مِن حَرِّها وَبَردِها وَليِّنِها وَشَديدِها وما يَدخُلُ في كُلِّ دَواءٍ مِنهُ مِن القَراريطِ وَالمَثاقيلِ ، وما يَصعَدُ إلى الرّأسِ مِنها ، وما يَهبِطُ إلى القَدَمَينِ مِنها ، وما يَتَفَرَّقُ مِنهُ فيما سِوى ذلِكَ . قالَ : لا أشُكُّ في هذا ؛ لأنّهُ لَو كانَ خالِقُ الجَسَدِ غَيرَ خالِقِ العَقاقيرِ لَم يَهتَدِ واحِدٌ مِنهُما إلى ما وَصَفتَ. قُلتُ : فَإنَّ الّذي دَلَّ الحَكيمَ الّذي وَصَفتَ أنّهُ أوّلُ مَن خَلَطَ هذهِ الأدوِيَةَ وَدَلَّ على عَقاقيرِها المُتَفَرِّقَةِ فيما بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ ، وَوَضَعَ هذا الطِّبَّ على ما وَصَفتُ لَكَ ، هُوَ صاحِبُ الحَديقَةِ فيما بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ ، وَهُوَ باني الجَسَدِ ، وَهُوَ دَلَّ الحَكيمَ بِوَحيٍ مِنهُ على صِفَةِ كُلِّ شَجَرَةٍ وَبَلَدِها ، وَما يَصلُحُ مِنها مِنَ العُروقِ وَالثّمارِ وَالدُّهنِ وَالوَرَقِ وَالخَشَبِ وَاللِّحاءِ ، وَكذلِكَ دَلَّهُ على أوزانِها مِن مَثاقيلِها وَقَراريطِها وَما يَصلُحُ لِكُلِّ داءٍ مِنها ، وَكذلِكَ هُوَ خالِقُ السِّباعِ وَالطَّيرِ وَالدَّوابِّ الّتي

.

ص: 63

في مَرارِها المَنافِعُ ، مِمّا يَدخُلُ في تِلكَ الأدوِيَةِ ، فَإنَّهُ لَو كانَ غَيرَ خالِقِها لَم يَدرِ ما يُنتَفَعُ بِهِ مِن مَرارِها وما يَضُرُّ وما يَدخُلُ مِنها فِي العَقاقيرِ ، فَلَمّا كانَ الخالِقُ سُبحانَهُ وَتَعالى وَاحِداً دَلَّ على ما فيهِ مِنَ المَنافِعِ مِنها ، فَسَمّاهُ باسمِهِ حَتّى عَرَفَ وَتَرَكَ ما لا مَنفَعَةَ فيهِ مِنها ، فَمِن ثَمَّ عَلِمَ الحَكيمُ أيَّ السِّباعِ وَالدَّوابِّ وَالطَّيرِ فيهِ المنافِعُ ، وأيُّها لا مَنفَعَةَ فيهِ ، وَلَولا أنّ خالِقَ هذهِ الأشياءِ دَلّهُ عَلَيها ما اهتَدى بِها . قال : إنّ هذا لَكما تَقولُ ، وَقَد بَطُلَتِ الحَوَاسُّ وَالتَّجارِبُ عِندَ هذهِ الصِّفاتِ . قلتُ : أمّا إذا صَحَّت نَفسُكَ ، فَتَعالَ نَنظُرُ بِعُقولِنا وَنَستَدِلُّ بِحَواسِّنا ، هَل كانَ يَستقيمُ لِخالِقِ هذهِ الحَديقَةِ ، وَغارِسِ هذهِ الأشجارِ ، وخالِقِ هذهِ الدَّوابِّ والطَّيرِ والنّاسِ ، الّذي خَلَقَ هذهِ الأشياءَ لِمَنافِعِهِم أن يَخلُقَ هذا الخَلقَ ، وَيَغرِسَ هذا الغَرسَ في أَرضِ غَيرِهِ ، مِمّا إذا شاءَ مَنعَهُ ذلِكَ ؟ قالَ : ما يَنبغي أن تَكونَ الأرضُ الّتي خُلِقَت فيها الحَديقَةُ العَظيمَةُ وَغُرِسَت فيهِ الأشجارُ ، إلاّ لِخالِقِ هذا الخَلقِ وَملِكَ يَدِهِ . قلتُ : فَقَد أرى الأرضَ أيضاً لِصاحِبِ الحَديقَةِ لاتِّصالِ هذهِ الأشياءِ بَعضِها بِبَعضٍ . قالَ : ما في هذا شَكٌّ . قلتُ : فَأخبرني وَناصِحَ نَفسَكَ ، ألَستَ تَعلَمُ أنّ هذهِ الحَديقَةَ وَما فيها مِنَ الخِلقَةِ العَظيمَةِ مِنَ الإنسِ وَالدَّوابِّ وَالطّيرِ وَالشَّجَرِ وَالعَقاقيرِ وَالثِّمارِ وَغَيرِها ، لا يُصلِحُها إلاّ شِربُها وَرِيُّها مِنَ الماءِ الّذي لا حَياةَ لِشَيءٍ إلاّ بِهِ ؟ قالَ : بلى. قلتُ : أفَتَرى الحَديقَةَ وَما فيها مِنَ الذّرءِ خالِقُها واحِدٌ ، وخالِقُ الماءِ غَيرُهُ يَحبِسُهُ عَن هذهِ الحَديقَةِ إذا شاءَ وَيُرسِلُهُ إذا شاءَ فَيُفسِدُ على خالِقِ الحَديقَةِ ؟

.

ص: 64

قالَ : ما يَنبغي أن يَكونَ خالِقُ هذهِ الحَديقَةِ وذارِئُ هذا الذّرءِ الكَثيرِ ، وَغارِسُ هذهِ الأشجارِ إلاّ المُدَبِّرُ الأوّلُ ، ومَا ينبغي أن يَكونَ ذلِكَ الماءُ لِغَيرِهِ ، وَإنَّ اليَقينَ عِندي لَهُوَ أنَّ الّذي يُجري هذهِ المِياهِ مِن أرضِهِ وَجِبالِهِ لَغارِسُ هذهِ الحَديقَةِ وَما فيها مِنَ الخَليقَةِ ؛ لأنّهُ لَو كانَ الماءُ لِغَيرِ صاحِبِ الحَديقَةِ لَهَلَكَ الحَديقَةُ وَما فيها، وَلكِنَّهُ خالِقُ الماءِ قَبلَ الغَرسِ وَالذَّرءِ ، وَبِهِ استَقامَت الأشياءُ وَصَلُحَت . قلتُ : أفَرَأيتَ لَو لَم يَكُن لِهذِهِ المِياهِ المُنفَجِرَةِ في الحَديقَةِ مُغيضٌ لِما يَفضُلُ مِن شِربِها يَحبِسُهُ عَنِ الحَديقَةِ أن يَفيضَ عَلَيها ، ألَيسَ كانَ يَهلِكُ ما فيها مِنَ الخَلقِ على حَسبِ ما كانوا يَهلِكونَ لَو لَم يَكُن لَها ماءٌ؟ قال : بلى ، وَلكنِّي لا أدري ، لَعَلّ هذا البَحرَ لَيسَ لَهُ حابِسٌ ، وأنّهُ شَيءٌ لَم يَزَل . قلتُ : أمّا أنتَ فَقَد أعطَيتَني أنَّهُ لَولا البَحرُ وَمَغيضُ المِياهِ إليه ، لَهَلَكَت الحَديقَةُ . قال: أجَل . قلتُ : فَإنّي أُخبِرُك عَن ذلِكَ بِما تَستَيقِنُ بِأنَّ خالِقَ البَحرِ هُوَ خالِقُ الحَديقَةِ وَما فيها من الخليقة ، وَأنَّهُ جَعَلَهُ مَغيضاً لِمِياهِ الحَديقَةِ مَعَ ما جَعَلَ فيهِ مِنَ المَنافِعِ لِلنّاسِ . قالَ : فاجعَلني من ذلِكَ على يَقينٍ ، كما جَعَلتَني مِن غَيرِهِ. قلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنّ فُضولَ ماءِ الدُّنيا يَصيرُ في البَحرِ؟ قالَ : بلى. قلتُ : فَهَل رَأيتَهُ زائِداً قَطُّ في كَثرَةِ الماءِ وَتَتابُعِ الأمطارِ على الحَدِّ الّذي لَم يَزَل عَلَيهِ ؟ أو هَل رَأيتَهُ ناقِصاً في قِلَّةِ المِياهِ وشِدَّةِ الحَرِّ وَشِدَّةِ القَحطِ؟ قال: لا. قلتُ : أفَلَيس يَنبغي أن يَدُلُّكَ عَقلُكَ على أنَّ خالِقَهُ وَخالِقَ الحَديقَةِ وما فيها مِنَ الخَليقَةِ واحِدٌ ، وأنّهُ هُوَ الّذي وَضَعَ لَهُ حَدّاً لا يُجاوِزُهُ لِكَثرَةِ الماءِ وَلا لِقِلَّتِهِ ، وَأنَّ مِمّا

.

ص: 65

يُستَدَلُّ به على ما أقولُ أنّهُ يُقبِلُ بِالأمواجِ أمثالَ الجِبالِ يُشرِفُ عَلى السَّهلِ وَالجَبَلِ ، فَلَو لَم تُقبَض أمواجُهُ وَلَم تُحبَس فِي المَواضِعِ الّتي أُمِرَت بِالاحتباسِ فيها ، لَأطبَقَت عَلى الدُّنيا حَتّى إذا انتَهَت على تِلكَ المَواضِعِ الّتي لَم تَزَل تَنتَهي إليها ، ذَلَّت أمواجُهُ وَخَضَعَ إشرافُهُ . قال: إنّ ذلِكَ لَكَما وَصَفتَ وَلَقَد عايَنتُ مِنهُ كُلَّ الّذي ذَكَرتَ ، وَلَقَد أتيتَني بِبُرهانٍ وَدِلالاتٍ ما أقدَرُ على إنكارِها ولا جُحودِها لِبَيانِها . قلتُ : وَغيرَ ذلِكَ سآتيكَ بِهِ مِمّا تَعرِفُ اتّصالَ الخَلقِ بَعضُه بِبَعضٍ ، وَأنّ ذلِكَ مِن مُدَبِّرٍ حَكيمٍ عالِمٍ قَديرٍ. ألستَ تَعلَمُ أنَّ عامَّةَ الحَديقَةِ لَيسَ شِربُها مِنَ الأنهارِ وَالعُيونِ وَأنَّ أعظَمَ ما يَنبُتُ فيها مِنَ العَقاقيرِ وَالبُقولِ الّتي في الحَديقَةِ ، وَمَعاشَ ما فيها مِنَ الدّوابِّ والوَحشِ وَالطّيرِ مِنَ البَراري الّتي لا عُيونَ لَها وَلا أنهارَ ، إنّما يَسقيهِ السَّحابُ ؟ قال: بلى. قُلتُ : أفَلَيسَ يَنبغي أن يَدُلُّكَ عَقلُكَ وَما أدرَكتَ بِالحَواسِّ الّتي زَعَمتَ أنّ الأشياءَ لا تُعرَفُ إلاّ بِها ، أنّهُ لَو كانَ السَّحابُ الّذي يَحتَمِلُ مِنَ المِياهِ إلى البُلدانِ وَالمَواضِعِ الّتي لا تَنالُها ماءُ العُيونِ وَالأنهارِ وَفيها العَقاقيرُ وَالبُقولُ وَالشَّجَرُ والأنامُ لِغَيرِ صاحِبِ الحَديقَةِ لَأمسَكَهُ عَنِ الحَديقَةِ إذا شاءَ ، وَلَكانَ خالِقُ الحَديقَةِ مِن بَقاءِ خَليقَتِهِ الّتي ذَرَأ وَبَرَأ على غُرورٍ وَوَجَلٍ ، خائِفاً على خَليقَتِهِ أن يَحبِسَ صاحِبُ المَطَرِ الماءَ الّذي لا حَياةَ لِلخَليقَةِ إلاّ بِهِ . قالَ : إنَّ الّذي جِئتَ بِهِ لَواضِحٌ مُتَّصِلٌ بَعضُهُ بِبَعضٍ ، وَما يَنبَغي أن يَكونَ الّذي خَلَقَ هذهِ الحَديقَةَ وَهذهِ الأرضَ ، وَجَعَلَ فيها الخَليقَةَ ، وخَلَقَ لَها هذا المَغيضَ ، وَأنبَتَ فيها هذهِ الثّمارَ المُختَلِفَةَ إلاّ خالِقُ السّماءِ وَالسَّحابِ ، يُرسِلُ مِنها ما شاءَ مِنَ الماءِ إذا شاءَ أن يَسقِيَ الحَديقَةَ وَيُحيي ما في الحَديقَةِ مِنَ الخَليقَةِ وَالأشجارِ

.

ص: 66

وَالدَّوابِّ والبُقولِ وَغَيرِ ذلِكَ ، إلاّ أنّي أُحِبُّ أن تأتِيَني بِحُجَّةٍ أزدادُ بِها يقيناً ، وَأخرُجُ بِها مِنَ الشَكِّ. قلتُ : فإنّي آتيك بِها إن شاءَ اللّهُ مِن قِبَلِ إهليلجَتِكَ وَاتّصالِها بالِحَديقَةِ ، وَما فيها مِنَ الأشياءِ المُتَّصِلَةِ بِأسبابِ السَّماءِ ، لِتَعلَمَ أنّ ذلِكَ بِتَدبيرِ عَليمٍ حَكيمٍ. قال: وَكَيفَ تَأتيني بِما يُذهِبُ عَنّي الشَكَّ مِن قِبَلِ الإهليلجَةِ ؟ قلتُ : فيما اُريكَ فيها مِن إتقانِ الصُّنعِ ، وَأثَرِ التَّركيبِ المُولّفِ ، واتِّصالِ ما بَينَ عُروقِها إلى فُروعِها ، وَاحتِياجِ بَعضِ ذلِكَ إلى بَعضٍ ، حَتّى يَتَّصِلَ بِالسَّماءِ . قال: إن أرَيتَني ذلِكَ لَم أشُكَّ. قُلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنّ الإهليلجَةَ نابِتَةٌ في الأرضِ ، وَأنَّ عُروقَها مُولَّفَةٌ إلى أصلٍ ، وَأنّ الأصلَ مُتَعَلِّقٌ بِساقٍ مُتَّصِلٍ بِالغُصونِ ، وَالغُصونُ مُتَّصِلَةٌ بِالفُروعِ ، وَالفُروعُ مَنظومَةٌ بِالأكمامِ وَالوَرَقِ ، وَمَلبسُ ذلِكَ كُلِّهِ الوَرَقُ ، وَيَتَّصِلُ جَميعُهُ بِظِلٍّ يَقيهِ حَرَّ الزَّمانِ وَبَردِهِ ؟ قالَ : أمّا الإهليلجَةُ فَقَد تَبَيَّنَ لي اتّصالُ لِحائِها وما بَينَ عُروقِها وَبَينَ وَرَقِها وَمَنبَتِها مِنَ الأرضِ ، فَأشهَدُ أنّ خالِقَها واحِدٌ لا يَشرُكُهُ في خَلقِها غَيرُهُ لإتقانِ الصُّنعِ وَاتّصالِ الخَلقِ وَايتِلافِ التَّدبيرِ وإحكامِ التّقديرِ. قلتُ : إن أريتُكَ التّدبيرَ مُولِفاً بِالحِكمَةِ وَالإتقانِ ، مُعتَدِلاً بِالصَّنعَةِ ، مُحتاجاً بَعضُهُ إلى بَعضٍ ، مُتَّصِلاً بِالأرضِ الّتي خَرَجَت مِنهُ الإهليلجَةُ في الحالاتِ كُلِّها أتُقِرُّ بِخالِقِ ذلِكَ؟ قالَ : إذن ، لا أشُكُّ في الوَحدانِيَّةِ . قلتُ : فَافهَم وَافقَه ما أصِفُ لَكَ : ألَستَ تَعلَمُ أنَّ الأرضَ مُتَّصِلَةٌ بِإهليلجَتِكَ ، وَإهليلجَتُكَ مُتّصِلَةٌ بِالتُّرابِ ، وَالتُّرابُ مُتَّصِلٌ بِالحَرّ وَالبَردِ ، وَالحَرُّ وَالبَردُ مُتَّصِلانِ

.

ص: 67

بِالهَواءِ وَالهَواءُ مُتَّصِلٌ بالرّيحِ ، وَالرّيحُ مُتَّصِلَةٌ بِالسَّحابِ ، وَالسَّحابُ مُتَّصِلٌ بِالمَطَرِ ، والمَطَرُ مُتَّصِلٌ بِالأزمِنَةِ ، وَالأزمِنَةُ مُتَّصِلَةٌ بِالشَّمسِ وَالقَمَرِ ، وَالشَّمسُ وَالقَمَرُ مُتَّصِلتانِ بِدَوَرانِ الفَلَكِ ، وَالفَلَكُ مُتَّصِلٌ بِما بَينَ السَّماءِ وَالأرضِ ، صَنعَةٌ ظاهِرَةٌ ، وَحِكمَةٌ بالِغَةٌ ، وَتأليفٌ مُتقَنٌ ، وَتَدبيرٌ مُحكَمٌ ، مُتَّصِلٌ كُلُّ هذا ما بَيَن السَّماءِ وَالأرضِ ، لا يَقومُ بَعضُهُ إلاّ بِبَعضٍ ، ولا يَتَأخَّرُ واحِدٌ مِنهُما عَن وَقتِهِ ، وَلَو تَأخَّرَ عَن وَقتِهِ لَهَلَكَ جَميعُ مَن فِي الأرضِ مِنَ الأنامِ وَالنَّباتاتِ؟ قالَ : إنّ هذهِ لَهِيَ العَلاماتُ البَيِّناتُ ، وَالدّلالاتُ الواضِحاتُ الّتي يَجري مَعَها أثَرُ التّدبيرِ ، بإتقانِ الخَلقِ وَالتّأليفِ مَعَ إتقانِ الصُّنعِ ، لَكنّي لَستُ أدري لَعَلَّ ما تَركتَ غَيرَ مُتَّصِلٍ بِما ذَكرتَ . قلتُ : وما تَركتُ؟ قالَ : النّاسُ . قلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنّ هذا كُلَّهُ مُتَّصِلٌ بِالنّاسِ ، سَخَّرَهُ لَها المُدَبِّرُ الّذي أعلَمتُكَ أنّهُ إن تَأخَّرَ شيءٌ مِمّا عَدَدتُ عَلَيكَ هَلَكَتِ الخَليقَةُ ، وَبادَ جَميعُ ما فِي الحَديقَةِ ، وَذَهَبَتِ الإهليلجَةُ الّتي تَزعُمُ أنَّ فيها منافِعَ النّاسِ ؟ قال : فَهَل تَقدِرُ أن تُفَسِّرَ لي هذا البابَ على ما لَخَّصتَ لي غَيرَهُ؟ قُلتُ : نَعَم اُبيّنُ لَكَ ذلِكَ مِن قِبَلِ إهليلجَتِكَ ، حَتّى تَشهَدَ أنّ ذلِكَ كُلَّهُ مُسَخَّرٌ لِبَني آدَمَ . قال : وَكَيفَ ذلِكَ ؟ قلتُ : خَلَقَ اللّهُ السّماءَ سَقفاً مَرفوعاً ، وَلَولا ذلِكَ اغتَمَّ خَلقُهُ لِقُربِها ، وأحرَقَتهُم الشَّمسُ لِدُنُوِّها ، وَخَلَقَ لَهُم شُهُباً وَنُجوماً يُهتَدى بِها فِي ظُلماتِ البَرِّ وَالبَحرِ لِمَنافِعِ النّاسِ ، وَنُجوماً يُعرَفُ بِها أصلُ الحِسابِ ، فيها الدِّلالاتُ على إبطالِ الحَواسِّ ،

.

ص: 68

وَوجودِ مُعَلِّمِها الّذي عَلّمَها عِبادَهُ ، مِمّا لا يُدرَكُ عِلمُها بِالعُقولِ فَضلاً عَنِ الحَواسِّ ، ولا يَقَعُ عَلَيها الأوهامُ وَلا يَبلُغُها العُقولُ إلاّ بِهِ ؛ لأنّهُ العَزيزُ الجَبّارُ الّذي دَبَّرَها ، وجَعَلَ فيها سِراجاً وَقَمَراً مُنيراً ، يَسبَحان في فَلَكٍ يَدورُ بِهِما دَائِبَينِ ، يُطلِعُهما تارَةً وَيُولُهُما اُخرى، فَبَنى عَلَيهِ الأيّامَ وَالشُّهورَ وَالسّنينَ الّتي هِيَ مِن سَبَبِ الشّتاءِ وَالصَّيفِ وَالرَّبيعِ وَالخَريفِ ، أزمِنَةٌ مُختَلِفَةُ الأعمالِ ، أصلُها اختِلافُ اللَّيلِ وَالنَّهارِ اللَّذينِ لَو كانَ واحِدٌ مِنهُما سَرَمَداً عَلى العِبادِ لَما قامَت لَهُم مَعايِشُ أبَداً ، فجَعَلَ مُدَبِّرُ هذهِ الأشياءِ وخالِقُها النّهارَ مُبصِراً وَاللَّيلَ سَكَناً ، وَأهبَطَ فيهِما الحَرَّ وَالبَردَ مُتبائِنَينِ ، لَو دامَ واحِدٌ مِنهُما بِغَيرِ صاحِبِهِ ما نَبَتَت شَجَرَةٌ وَلا طَلَعَت ثَمَرَةٌ ، وَلَهَلَكَت الخَليقَةُ لِأنَّ ذلِكَ مُتَّصِلٌ بِالرّيحِ المُصرَّفَةِ فِي الجِهاتِ الأربَعِ ، باردَةٌ تُبَرِّدُ أنفاسَهُم ، وَحارَّةٌ تُلقِحُ أجسادَهُم وَتَدفَعُ الأذى عَن أبدانِهِم وَمَعايِشِهِم، وَرُطوبَةٌ تُرَطِّبُ طَبائِعَهُم ، وَيُبوسَةٌ تُنَشِّفُ رُطوباتِهِم ، وَبِها يَأتَلِفُ المُفتَرِقُ وَبِها يَتفَرّقُ الغَمامُ المُطبِقُ ، حَتّى يَنبَسِطَ في السَّماءِ كَيفَ يَشاءُ مُدَبِّرُهُ فَيَجعَلُهُ كِسَفاً ، فَتَرى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلالِهِ بِقَدَرٍ مَعلومٍ لِمَعاشٍ مَفهومٍ ، وأرزاقٍ مَقسومَةٍ وَآجالٍ مَكتوبَةٍ ، وَلَوِ احتَبَسَ عَن أزمِنَتِهِ وَوَقتِهِ هَلَكَتِ الخَليقَةُ وَيَبَسَتِ الحَديقَةُ ، فَأنزَلَ اللّهُ المَطرَ في أيّامِهِ وَوَقتِهِ إلى الأرضِ الّتي خَلَقها لِبَني آدَمَ ، وَجَعَلَها فَرشاً وَمِهاداً ، وَحَبَسها أن تَزولَ بِهِم ، وَجَعَل الجِبالَ لَها أوتاداً، وَجَعَلَ فيها يَنابيعَ تَجري فِي الأرضِ بِما تُنبِتُ فيها ، لا تَقومُ الحَديقَةُ وَالخَليقَةُ إلاّ بِها ، وَلا يَصلُحونَ إلاّ عَلَيها مَعَ البِحارِ الّتي يَركَبونَها ، وَيَستَخرِجونَ مِنها حِليَةً يَلبسونَها وَلَحماً طَرِيّاً وَغَيرَهُ يَأكلونَهُ ، فَعَلِمَ أنّ إلهَ البَرِّ وَالبَحرِ وَالسَّماءِ وَالأرضِ وَما بَينَهُما واحِدٌ ، حَيٌّ قَيّومٌ مُدَبّرٌ حَكيمٌ ، وَأنَّهُ لَو كانَ غَيرُهُ لاختَلَفَتِ الأشياءُ . وَكذلِكَ السَّماءُ نَظيرُ الأرضِ الّتي أخرَجَ اللّهُ مِنها حَبّاً وَعِنَباً وَقَضباً ، وَزيتوناً ونَخلاً ، وَحَدائِقَ غُلباً ، وفاكِهَةً وأبّاً ، بِتَدبيرٍ مُوفٍ مُبَيَّنٍ ، بِتَصويرِ الزَّهرَةِ والثَّمَرَةِ

.

ص: 69

حَياةً لِبَني آدَمَ ، وَمَعاشاً يَقومُ بِهِ أجسادُهُم ، وَتَعيشُ بِها أنعامُهُم الّتي جَعَلَ اللّهُ في أصوافِها وَأوبارِها وَأشعارِها أثاثاً وَمَتاعاً إلى حينٍ ، وَالانتِفاعَ بِها وَالبَلاغَ على ظُهورِها مَعاشاً لَهُم لا يَحيَونَ إلاّ بِهِ ، وَصَلاحاً لا يَقومونَ إلاّ عَلَيهِ ، وَكذلِكَ ما جَهِلتَ مِنَ الأشياءِ فلا تَجهَلُ أنّ جَميعَ ما فِي الأرضِ شَيئان : شَيءٌ يُولَدُ ، وَشَيءٌ يَنبُتُ ، أحَدُهُما آكِلٌ ، وَالآخَرُ مَأكولٌ ، وَمِمّا يَدُلُّكَ عَقلُكَ أنَّهُ خالِقُهُم ، ما تَرى مِن خَلقِ الإنسانِ وَتَهيِئَةِ جَسَدِهِ لِشَهوَةِ الطّعامِ، وَالمَعِدَةِ لِتَطحَنَ المأكولَ ، ومَجارِيَ العُروقِ لِصَفوَةِ الطَّعامِ ، وَهَيّأ لَها الأمعاءَ ، وَلَو كانَ خالِقُ المَأكولِ غَيرَهُ لَما خَلَقَ الأجسادَ مُشتَهِيَةً لِلمأكولِ ، وَلَيسَ لَهُ قُدرَةٌ عَلَيهِ . قال: لَقَد وَصَفتَ صِفَةً أعلَمُ أنّها مِن مُدَبِّرٍ حَكيمٍ لَطيفٍ قَديرٍ عَليمٍ ، قَد آمَنتُ وَصَدَّقتُ أنَّ الخالِقَ واحِدٌ سُبحانَهُ وَبِحَمدِهِ ، غَيرَ أنّي أشُكُّ في هذهِ السّمائِمِ القاتِلَةِ أن يكونَ هُوَ الّذي خَلَقَها ؛ لِأنّها ضارَّةٌ غَيرَ نافِعَةٍ ! قُلتُ : أليسَ قَد صارَ عِندَكَ أنَّها مِن غَيرِ خَلقِ اللّهِ؟ قال: نعم ؛ لأنَّ الخَلقَ عَبيدُهُ وَلَم يَكُن لِيَخلُقَ ما يَضُرُّهُم . قُلتُ : سَاُبصِّرُكَ مِن هذا شيئاً تَعرِفُهُ وَلا اُنبِئُكَ إلاّ مِن قِبَلِ إهليلجَتِكَ هذهِ وَعِلمِكَ بالطِّبِّ. قالَ : هاتِ. قلتُ : هَل تَعرِفُ شيئاً مِن النَّبتِ لَيسَ فيهِ مَضَرَّةٌ لِلخَلقِ ؟ قال : نَعَم. قُلتُ : ما هُوَ؟ قالَ : هذهِ الأطعِمَةُ . قلتُ : ألَيسَ هذا الطّعامُ الّذي وَصَفتَ يُغَيِّرُ ألوانَهُم ، وَيُهيجُ أوجاعَهُم حَتّى يَكونَ

.

ص: 70

مِنها الجُذامُ وَالبَرَصُ وَالسِّلالُ وَالماءُ الأصفَرُ ، وَغَيرُ ذلِكَ مِنَ الأوجاعِ ؟ قال : هُوَ كذلِكَ . قُلتُ : أمّا هذا البابُ فَقَدِ انكَسَرَ عَلَيكَ . قال : أجَل . قلتُ : هَل تَعرِفُ شَيئاً مِنَ النَّبتِ لَيسَ فيهِ مَنفَعَةٌ ؟ قالَ : نَعَم. قلتُ : ألَيسَ يَدخُلُ في الأدوِيَةِ الّتي يُدفَعُ بِها الأوجاعُ مِنَ الجُذامِ وَالبَرَصِ وَالسِّلالِ وَغَيرِ ذلِكَ ، وَيَدفَعُ الدّاءَ وَيُذهِبُ السُّقمَ مِمّا أنتَ أعلَمُ بهِ لِطولُ مُعالَجَتِكَ. قال : إنّهُ كذلِكَ . قُلتُ : فَأخبرني ، أيُّ الأدوِيَةِ عِندَكُم أعظَمُ في السَّمائِم القاتِلَةِ ، ألَيسَ التِّرياقُ ؟ قال : نَعَم ، هُوَ رَأسُها وَأوّلُ ما يُفزَعُ إلَيهِ عِندَ نَهشِ الحَيَّاتِ وَلَسعِ الهَوامِّ وَشُربِ السَّمائِمِ . قلتُ : ألَيسَ تَعلَمُ أنّهُ لابُدَّ لِلأدوِيَةِ المُرتَفِعَةِ وَالأدوِيَةِ المُحرِقَةِ فِي أخلاطِ التِّرياقِ إلاّ أن تُطبَخَ بِالأفاعي القاتِلَةِ ؟ قال : نَعَم ، هُوَ كذلِكَ ، ولا يَكونُ التِّرياقُ المُنتَفَعُ بِهِ ، الدّافِعُ للسّمائِم القاتِلَةِ إلاّ بذلِكَ ، وَلَقَد انكَسَرَ عَلَيّ هذا البابُ ، فَأنا أشهَدُ أن لا إلَه إلاّ اللّهُ ، وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ ، وأنّهُ خالِقُ السَّمائِمِ القاتِلَةِ وَالهَوامِّ العادِيَةِ ، وَجميعِ النَّبتِ وَالأشجارِ ، وَغارِسِها ومُنبِتِها ، وَبارِئ الأجسادِ ، وسائِقِ الرّياحِ ، وَمُسَخِّرِ السَّحابِ ، وأنّهُ خالِقُ الأدواءِ الّتي تَهيجُ بالإنسانِ كالسّمائِمِ القاتِلَةِ الّتي تَجري في أعضائِهِ وَعظامِهِ ، وَمُستَقَرِّ الأدواءِ وما يُصلِحُها مِنَ الدّواءِ ، العارِفِ بالرِّوحِ وَمَجرى الدَّمِ وأقسامِهِ في العُروقِ واتِّصالِهِ بِالعَصَبِ وَالأعضاءِ وَالعَصَبِ والجَسَدِ ، وأنّهُ عارِفٌ بِما يُصلِحُهُ مِنَ الحَرِّ

.

ص: 71

والبَردِ ، عالِمٌ بِكُلِّ عُضوٍ بِما فيهِ ، وَأنّهُ هُوَ الّذي وضَعَ هذه النُّجومَ وَحسابَها وَالعالِم بِها ، وَالدّالَّ على نُحوسِها وَسُعودِها وَما يَكونُ مِنَ المَواليدِ ، وأنّ التّدبيرَ واحِدٌ لَم يَختَلِف مُتَّصِلٌ فيما بَينَ السَّماءِ وَالأرضِ وَما فيها، فَبَيِّن لي كَيفَ قُلتَ ، هُوَ الأَوّلُ وَالآخَرُ وَهُوَ اللّطيفُ الخبيرُ ، وَأشباهُ ذلِكَ . قلتُ : هُوَ الأوّلُ بِلا كَيفٍ ، وَهُوَ الآخِرُ بِلا نِهايَةٍ ، لَيسَ لَهُ مَثَلٌ ، خَلَقَ الخَلقَ وَالأشياءَ لامِن شَيءٍ وَلاكَيفٍ، بِلا علاجٍ وَلامُعاناةٍ ولافِكرٍ وَلاكَيفٍ ، كما أنَّهُ لا كَيفَ لَهُ، وإنَّما الكَيفُ بِكَيفيَّةِ المَخلوقِ؛ لِأنَّهُ الأوّلُ لا بِدءَ لَهُ وَلا شِبهَ وَلا مِثلَ وَلا ضِدَّ وَلا نِدَّ ، لا يُدرَكُ بِبَصرٍ وَلا يُحَسُّ بِلَمسٍ ، وَلا يُعرَفُ إلاّ بِخَلقِهِ تَبارَكَ وَتَعالى . قالَ : فَصِف لي قُوَّتَهُ . قلتُ : إنَّما سُمِّيَ رَبُّنا جَلَّ جَلالُهُ قَوِيّاً لِلخَلقِ العَظيمِ القَويّ الّذي خَلَقَ ، مِثلَ الأرضِ وَما عَلَيها مِن جِبالِها وَبِحارِهَا وَرِمالِها وَأشجارِها وَما عَلَيها مِنَ الخَلقِ المُتَحَرِّكِ مِنَ الإنسِ وَمِنَ الحَيوانِ ، وَتَصريفِ الرّياحِ وَالسَّحابِ المُسَخَّرِ المُثقَلِ بِالماءِ الكَثيرِ ، وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ وَعِظَمِهِما ، وعِظَمِ نُورِهِما الّذي لا تُدرِكُهُ الأبصارُ بُلوغاً ولا مُنتهىً ، وَالنّجومِ الجارِيَةِ ، وَدَوَرانِ الفَلَكِ ، وَغِلَظِ السَّماءِ ، وعِظَمِ الخَلقِ العظيمِ وَالسَّماءِ المُسقَّفَةِ فَوقَنا راكِدَةٌ فِي الهَواءِ ، وَما دونَها مِنَ الأرضِ المبسوطَةِ ، وما عَلَيها مِنَ الخَلقِ الثَّقيلِ ، وَهِيَ راكِدَةٌ لا تَتَحَرّكُ ، غَيرَ أنّهُ رُبَّما حَرَّكَ فيها ناحِيَةً ، والنّاحِيَةُ الاُخرى ثابِتَةٌ ، وَرُبَّما خَسَفَ مِنها ناحِيَةً ، والنّاحِيَةُ الاُخرى قائِمَةٌ ، يُرينا قُدرَتَهُ وَيَدُلُّنا بِفِعلِهِ على مَعرِفَتِهِ ، فَلِهذا سُمِّيَ قَويّاً لا لِقُوَّةِ البَطشِ المَعروفَةِ مِنَ الخَلقِ ، وَلَو كانَت قُوَّتُهُ تُشبِهُ قُوَّةَ الخَلقِ لَوقَعَ عَلَيهِ التَّشبيهُ ، وَكان مُحتَمِلاً لِلزيادَةِ ، وَما احتَمَل الزّيادَةَ كانَ ناقِصاً وَما كانَ ناقِصاً لَم يَكُن تَامّاً، وَما لَم يَكُن تامّاً كانَ عاجِزاً ضَعيفاً ، وَاللّهُ عز و جل لا يُشبَّهُ بِشَيءٍ ، وَإنَّما قُلنا : إنَّهُ قَوِيٌّ لِلخَلقِ القَوِيِّ، وَكذلِكَ قَولُنا : العَظيمُ وَالكبيرُ ، وَلا يُشَبَّهُ بِهذِهِ الأسماءِ اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى .

.

ص: 72

قال : أفرَأيتَ قَولَهُ : سَميعٌ بَصيرٌ عالِمٌ ؟ قلتُ : إنَّما يُسَمَّى تبارَكَ وَتَعالى بِهذهِ الأسماءِ ؛ لِأنَّهُ لا يَخفى عَلَيهِ شَيءٌ مِمَّا لا تُدرِكُهُ الأبصارُ مِن شَخصٍ صَغيرٍ أو كبيرٍ ، أو دَقيقٍ أو جَليلٍ ، وَلا نِصفَهُ بَصيراً بِلَحظِ عَينٍ كالمَخلوقِ ، وإنّما سُمِّيَ سَميعاً ؛ لِأنَّهُ ما يَكونُ مِن نَجوى ثلاثَةٍ إلاّ هُوَ رابِعُهُم ، وَلا خَمسَةٍ إلاّ هُوَ سادِسُهُم ، وَلا أدنى مِن ذلِكَ وَلا أكثَرَ إلاّ هُوَ مَعَهُم أينَما كانوا ، يَسمَعُ النَّجوى ، وَدَبيبَ النَّملِ على الصَّفا ، وَخَفَقانَ الطّيرِ في الهَواءِ ، لا تَخفى عَلَيهِ خافِيَةٌ وَلا شَيءٌ مِمّا أدركَتهُ الأسماعُ وَالأبصارُ ، وَما لا تُدرِكُهُ الأسماعَ وَالأبصارُ ، ما جَلَّ مِن ذلِكَ وَما دَقَّ ، وما صَغُرَ وَما كَبُرَ ، وَلَم نَقُل : سَميعاً بَصيراً ، كالسَّمعِ المَعقولِ مِنَ الخَلقِ ، وَكذلِكَ إنّما سُمِّيَ عَليماً لأنّهُ لا يَجهَلُ شيئاً مِنَ الأشياءِ ، لا تَخفى عَلَيهِ خافِيَةٌ في الأرضِ وَلا في السَّماءِ ، عَلِمَ ما يَكونُ وَما لا يَكونُ ، وَما لَو كانَ كَيفَ يَكونُ ، وَلم نَصِف عَليماً بِمَعنى غَريزَةٍ يَعلَمُ بِها ، كما أنّ لِلخَلقِ غَريزَةٌ يَعلَمونَ بِها ، فَهذا ما أرادَ مِن قَولِهِ : عَليمٌ ، فَعَزَّ مَن جَلّ عَن الصِّفاتِ ، وَمَن نَزَّهَ نَفسَهُ عَن أفعالِ خَلقِهِ فَهذا هُوَ المَعنى ، وَلَولا ذلِكَ ما فَصَلَ بَينَهُ وَبَينَ خَلقِهِ ؛ فَسُبحانَهُ وَتَقَدَّسَت أسماو . قالَ : إنّ هذا لَكَما تَقولُ ، وَلَقَد عَلِمتَ إنّما غَرَضي أن أسألَ عَن رَدِّ الجَوابِ فيهِ عِندَ مصرف يسنح عنّي، فَأخبِرني ، لَعَلِّي اُحكِمُهُ فَيَكونُ الحُجَّةُ قَد انشَرَحَت لِلمُتَعَنِّتِ المُخالِفِ ، أوِ السّائِلِ المُرتابِ ، أو الطّالِبِ المُرتادِ ، مَعَ ما فيهِ لِأهلِ المُوافَقَةِ مِنَ الازدِيادِ . فَأخبرني عَن قولِهِ : لَطيفٌ ، وَقَد عَرَفتُ أنّهُ لِلفِعلِ ، وَلكِن قَد رَجَوتُ أن تَشرَحَ لي ذلِكَ بِوَصفِكَ . قُلتُ : إنَّما سَمَّيناهُ لَطيفاً لِلخَلقِ اللَّطيفِ ، وَلِعِلمِهِ بِالشَّيءِ اللَّطيفِ مِمَّا خَلَقَ مِنَ البَعوضِ وَالذَّرَّةِ ، وَمِمّا هُوَ أصغَرُ مِنهُما لا يَكادُ تُدرِكُهُ الأبصارُ وَالعُقولُ ، لِصِغَرِ خَلقِهِ ، مِن عَينهِ وَسَمعِهِ وَصورَتِهِ ، لا يُعرَفُ مِن ذلِكَ _ لِصِغَرِهِ _ الذّكَرُ مِنَ الأُنثى ،

.

ص: 73

وَلا الحَديثُ المولودُ مِنَ القديمِ الوالِدِ ، فَلَمّا رَأينا لُطفَ ذلِكَ في صِغَرِهِ وَمَوضِعَ العَقلِ فيهِ وَالشَّهوةِ للّسفادِ ، وَالهَرَبِ مِنَ المَوتِ ، وَالحَدَبِ على نَسلِهِ مِن وُلدِهِ ، وَمَعرِفَةِ بَعضِها بَعضاً ، وَما كانَ مِنها في لُجَجِ البِحارِ ، وَأعنانِ السَّماءِ ، وَالمَفاوِزِ وَالقِفارِ ، ومَا هُوَ مَعَنا في مَنزِلِنا ، وَيَفهَمُ بَعضُهُم بَعضاً مِن مَنطِقِهِم ، وما يَفهَمُ مِن أولادِها ، وَنَقلِها الطّعامَ إلَيها وَالماءَ ، عَلِمنا أنّ خالِقَها لَطيفٌ وَأنَّهُ لَطيفٌ بِخَلقِ اللَّطيفِ ، كَما سَمَّيناهُ قَوِيّاً بِخَلقِ القَوِيّ. قالَ : إنَّ الّذي جِئتَ بهِ لَواضِحٌ ، فَكَيفَ جازَ لِلخَلقِ أن يَتَسمَّوا بِأسماءِ اللّهِ تَعالى ؟ قلتُ : إنَّ اللّهَ جَلَّ ثَناوهُ وَتَقدَّسَت أسماوهُ أباحَ لِلّناسِ الأسماءَ وَوَهَبَها لَهُم ، وَقَد قَالَ القائِلُ مِنَ النّاسِ للواحِدِ : واحِدٌ ، وَيَقولُ للّه : واحِدٌ ، وَيَقولُ : قَوِيٌّ ، وَاللّهُ تَعالى قَوِيٌّ ، وَيَقولُ : صانِعٌ ، وَاللّهُ صانِعٌ ، ويَقولُ : رازِقٌ واللّهُ رازِقٌ ، وَيَقولُ : سَميعٌ بَصيرٌ ، واللّهُ سَميعٌ بَصيرٌ ، وما أشبَهَ ذلِكَ ، فَمَن قالَ للإنسانِ : واحِدٌ فَهذا لَهُ اسمٌ وَلَهُ شَبيهٌ ، وَاللّهُ واحِدٌ وَهُوَ لَهُ اسمُ ولا شيءَ لَهُ شَبيهٌ وَلَيس المَعنى وَاحِداً . وَأمَّا الأسماءُ فهِيَ دِلالَتُنا عَلى المُسمَّى لِأنّا قد نَرى الإنسانَ وَاحِداً وَإنَّما نُخبِرُ واحِداً إذا كانَ مُفرَداً فَعَلِمَ أنَّ الإنسانَ في نَفسِهِ لَيسَ بِواحِدٍ في المَعنى لأنَّ أعضاءَهُ مُختَلِفَةٌ وَأجزاءَهُ لَيسَت سَواءاً ، وَلَحمَهُ غَيرَ دَمِهِ ، وَعَظمَهُ غَيرَ عَصَبِهِ ، وَشَعرَهُ غَيرَ ظُفرِهِ ، وسَوادَهُ غَيرَ بَياضِهِ ، وَكذلِكَ سائِرُ الخَلقِ وَالإنسانِ واحِدٌ في الاسمِ ، وَلَيسَ بِواحِدٍ في الاسمِ وَالمَعنى وَالخَلقِ ، فإذا قيلَ للّهِِ فَهُو الواحِدُ الّذي لا واحِدَ غَيرَهُ ؛ لأنّهُ لا اختِلافَ فيهِ ، وَهُوَ تَبارَكَ وَتَعالى سَميعٌ وَبَصيرٌ وَقَوِيٌّ وَعَزيزٌ وَحَكيمٌ وَعَليمٌ فتَعالى اللّهُ أحسَنُ الخالِقينَ . قال : فأخبِرني عَن قولِهِ : رَوفٌ رَحيمٌ ، وَعَن رِضاهُ وَمَحَبَّتِهِ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ . قلتُ : إنَّ الرّحمَةَ وَما يَحدُثُ لَنا ، مِنها شَفَقَةٌ ومِنها جُود ، وإنّ رَحمَةَ اللّهِ ثَوابُهُ لِخَلقِهِ ، وَالرَّحمَةَ مِنَ العِبادِ شَيئانِ : أحَدُهُما يُحدِثُ فِي القَلبِ الرَّأَفَةَ وَالرِّقَةَ لِما يَرى

.

ص: 74

بِالمَرحومِ مِنَ الضُرِّ والحاجَةِ وَضُروبِ البَلاءِ ، وَالآخَرُ ما يَحدُثُ مِنّا مِن بَعدِ الرّأفَةِ واللُّطفِ على المَرحومِ وَالرَّحمَةِ مِنّا ما نَزَلَ بِهِ ، وَقَد يَقولُ القائِلُ : انظُر إلى رَحمَةِ فُلانٍ ، وإنّما يُريدُ الفِعلَ الّذي حَدَثَ عَنِ الرِّقَّةِ الّتي في قَلبِ فُلانٍ ، وإنَّما يُضافُ إلى اللّهِ عز و جل مِن فِعلِ ما حَدَثَ عَنّا مِن هذهِ الأشياءِ . وَأمّا المعنى الّذي هُوَ في القَلبِ فَهُوَ مَنفِيٌّ عَنِ اللّهِ كَما وَصَفَ عَن نَفسِهِ فَهُوَ رَحيمٌ لا رَحمَةَ رِقَّةٍ . وَأمّا الغَضَبُ فَهُوَ مِنّا إذا غَضِبنا تَغَيَّرت طَبائِعُنا وَتَرتَعِدُ أحيانا مَفاصِلُنا وَحالَت ألوانُنا ، ثُمَّ نجيء مِن بَعدِ ذلِكَ بِالعُقوباتِ فَسُمِّيَ غَضَباً ، فَهذا كَلامُ النَّاسِ المَعروفِ ، وَالغَضَبُ شيئان: أحَدُهُما في القَلبِ . وَأمّا المَعنى الّذي هُوَ في القَلبِ فَهُوَ مَنفِيٌّ عَنِ اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ ، وَكذلِكَ رِضاهُ وَسَخَطُهُ وَرَحمَتُهُ على هذهِ الصِّفَةِ جلَّ وعزّ لا شَبيهَ لَهُ وَلا مِثلَ في شَيءٍ مِنَ الأشياءِ . قالَ : فأخبِرني عَن إرادَتِهِ . قلت: إنّ الإرادَةَ مِنَ العِبادِ الضّميرُ وَما يَبدو بَعدَ ذلِكَ مِنَ الفِعلِ. وَأمّا مِنَ اللّهِ عز و جل ، فالإرادَةُ لِلفِعلِ إحداثُهُ إنّما يَقولُ لَهُ : كُن فَيَكونُ بِلا تَعَبٍ وَلا كَيفٍ . قال : قَد بَلغتَ ، حَسبُكَ فَهذِهِ كافِيَةٌ لِمَن عَقِل ، وَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ ، الّذي هَدانا مِنَ الضَّلالِ ، وَعَصَمَنا مِن أن نُشَبِّهَهُ بِشَيءٍ مِن خَلقِهِ ، وأن نَشُكّ في عَظَمَتِهِ وَقُدرَتِهِ وَلَطيفِ صُنعِهِ وَجَبَروتِهِ ، جَلّ عَنِ الأشباهِ والأضدادِ ، وَتَكَبَّرَ عَنِ الشُّرَكاءِ وَالأندادِ. (1)

.


1- .بحار الأنوار: ج3 ص 152 _ 196 .

ص: 75

قال العلاّمة المجلسي رحمه الله: ولنذكر بعد ذلك توحيد المفضّل بن عمر، ورسالة الإهليلجة المرويّتين عن الصّادق عليه السلام ؛ لاشتمالهما على دلائل وبراهين على إثبات الصّانع تعالى، ولا يضرّ إرسالُهما لاشتهار انتسابهما إلى المفضّل، وقد شهد بذلك السّيد ابن طاووس وغيره. ولا ضعفُ محمّد بن سنان والمفضّل ؛ لأنّه في محلّ المنع ، بل يظهر من الأخبار الكثيرة علوّ قدرهما وجلالتهما، مع أنّ متن الخبرين شاهد صدق على صحّتهما ، وأيضاً هما يشتملان على براهين لا تتوقّف إفادتها العلم على صحّة الخبر. (1) وقال: وكتابا التّوحيد والإهليلجة عن الصّادق عليه السلام برواية المفضّل بن عمر ، ثمّ نقل ما سيأتي من كلام السّيّد في كشف المحجّة. (2) وقال السّيّد في كشف المحجّة : وانظر كتاب المفضّل بن عمر الّذي أملاه عليه مولانا الصّادق عليه السلام فيما خلق اللّه جلّ جلاله من الآثار . . . ( ص50) . وقال في كتاب الأمان من أخطار الأسفار : ويصحب معه كتاب الإهليلجة ، وهو كتاب مناظرة مولانا الصّادق عليه السلام للهندي في معرفة اللّه جلّ جلاله بطرق غريبة عجيبة ضرورية ، حتّى أقرّ الهندي بالإلهيَّة والوحدانيّة ، ويصحب معه كتاب المفضّل بن عمر الّذي رواه عن الصّادق عليه السلام في معرفة وجوه الحكمة في إنشاء العالم السّفلى ، وإظهار أسراره فإنّه عجيب في معناه. (3) قال النّجاشي في رجاله: أحمد بن عليّ بن أحمد بن العبّاس بن محمّد بن عبد اللّه بن إبراهيم بن محمّد بن عبد اللّه بن النّجاشي _ الّذي ولي الأهواز، وكتب إلى أبي عبد اللّه عليه السلام يسأله ، وكتب إليه رسالة عبد اللّه بن النّجاشي المعروفة، ولم يُرَ

.


1- .بحار الأنوار : ج3 ص55 وراجع : الأمان من أخطار الأسفار : ص 91 .
2- .بحار الأنوار : ج1 ص14 وراجع : كشف المحجّة ثمرة المهجّة : ص 9 .
3- .الأمان : ص 91 .

ص: 76

6 . محاورة المفضّل مع ابن أبي العوجاء في الحثّ على التّأمل في النّفس و

لأبي عبد اللّه عليه السلام مُصنَّف غيرَه . (1)

6محاورة المفضّل مع ابن أبي العوجاء في الحثّ على التّأمل في النّفس والخلق لمعرفة اللّه عز و جلمحمّد بن سنان قال: حدّثني المفضّل بن عمر قال: كنت ذات يوم بعد العصر جالساً في الرّوضة بين القبر والمنبر ، وأنا مفكّر فيما خصّ اللّه به سيّدنا محمّداً صلى الله عليه و آله من الشّرف والفضائل ، وما منحه وأعطاه وشرّفه به وحباه ، ممّا لا يعرفه الجمهور من الأُمّه ، وما جهلوه من فضله وعظيم منزلته وخطير مرتبته ، فإنّي لكذلك إذ أقبل ابن أبي العوجاء 2 فجلس بحيث أسمع كلامه فلمّا استقرّ به المجلس ، إذا رجل من أصحابه قد جاء فجلس إليه ، فتكلّم ابن أبي العوجاء فقال : لقد بلغ صاحب هذا القبر العزّ بكماله وحاز الشّرف بجميع خصاله ، ونال الحظوة في كلّ أحواله ، فقال له صاحبه : إنّه كان فيلسوفاً ادّعى المرتبة العظمى ، والمنزلة الكبرى ، وأتى على ذلك بمعجزات بهرت العقول ، وضلّت فيها الأحلام ، وغاصت الألباب على طلب علمها في بحار الفكر ، فرجعت خاسئات وهي

.


1- .رجال النّجاشي : ج 1 ص 252 الرّقم 250 .

ص: 77

حسير ، فلمّا استجاب لدعوته العقلاء والفصحاء والخطباء ، دخل النّاس في دينه أفواجاً ، فقرن اسمه باسم ناموسه ، فصار يهتف به على روس الصّوامع في جميع البلدان والمواضع الّتي انتهت إليها دعوته ، وعلت بها كلمته ، وظهرت فيها حجّته ، برّاً وبحراً وسهلاً وجبلاً في كلّ يوم وليلة خمس مرّات ، مردّداً في الأذان والإقامة ليتجدّد في كلّ ساعه ذكره ، ولئلاّ يخمل أمره. فقال ابنُ أبي العوجاء : دع ذكر محمّد _ صلى الله عليه و آله _ فقد تحيّر فيه عقلي ، وضلّ في أمره فكري ، وحدّثنا في ذكر الأصل الّذي نمشي به ، ثمّ ذكر ابتداء الأشياء ، وزعم ذلك بإهمال لا صنعة فيه ولا تقدير ، ولا صانع ولا مدبّر ، بل الأشياء تتكوّن من ذاتها بلا مدبّر ، وعلى هذا كانت الدّنيا لم تزل ولا تزال! قال المفضّل : فلم أملك نفسي غضباً وغيظاً وحنقاً. فقلت: يا عدوّ اللّه ألحدت في دين اللّه ، وأنكرت الباري جلّ قدسه ، الّذي خلقك في أحسن تقويم ، وصوّرك في أتم صوره ، ونقلك في أحوالك حتّى بلغ بك إلى حيث انتهيت . فلو تفكّرت في نفسك وصدقك لطيف حسّك ، لوجدت دلائل الرّبوبيّة وآثار الصّنعة فيك قائمة ، وشواهده جلّ وتقدّس في خلقك واضحة وبراهينه لك لائحة. فقال: يا هذا إن كنت من أهل الكلام كلّمناك ، فإن ثبتت لك حجّة تبعناك ، وإن لم تكن منهم فلا كلام لك ، وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمّد الصّادق فما هكذا يخاطبنا ، ولا بمثل دليلك يجادلنا ، ولقد سمع من كلامنا أكثر ممّا سمعت ، فما أفحش في خطابنا ، ولا تعدّى في جوابنا ، وإنّه للحليم الرّزين ، العاقل الرّصين ، لا يعتريه خرق (1) ، ولا طيش ولا نزق (2) ويسمع كلامنا ويصغي إلينا

.


1- .الخرق: ضعف الرأي والحمق .
2- .النّزق : هو الطّيش والخِفّة عند الغضب .

ص: 78

سببُ إملاء كتاب المفضّل

ويستعرف حجّتنا ، حتّى استفرغنا (1) ما عندنا وظنّنا إنّا قد قطعناه أدحض حجّتنا بكلام يسير، وخطاب قصير ، يلزمنا به الحجّة ، ويقطع العذر ، ولا نستطيع لجوابه ردّاً ، فإن كنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه.

[ سببُ إملاء كتاب المفضّل ]قال المفضّل: فخرجت من المسجد محزوناً مفكّراً فيما بلى به الإسلام وأهله من كفر هذه العصابة وتعطيلها ، فدخلتُ على مولاي صلوات اللّه عليه ، فرأني منكسراً فقال: ما لك؟ فأخبرته بما سمعت من الدّهريّين ، وبما رددت عليهما . فقال : لَأُلقِيَنَّ إليك مِن حِكمَةِ الباري جَلَّ وعلا وتَقَدَّسَ اسمُهُ في خَلقِ العالَمِ والسِّباعِ وَالبَهائِمِ وَالطَّيرِ والهَوامِّ وَكُلِّ ذي روحٍ مِنَ الأنعامِ وَالنَّباتِ والشَّجَرَةِ المُثمِرَةِ وَغَيرِ ذاتِ الثَّمَرِ وَالحُبوبِ وَالبُقولِ المأكولِ من ذلِكَ وَغَيرِ المَأكولِ ما يَعتَبِرَ بِهِ المُعتَبرون ، وَيَسكُنُ إلى مَعرِفَتِهِ المُونونَ ، وَيَتَحيَّرُ فيهِ المُلحدونَ فَبَكِّر عَلَيَّ غداً . قال المفضّل : فانصرفت من عنده فرحاً مسروراً ، وطالت عليّ تلك اللّيلة انتظاراً لما وعدني به ، فلمّا أصبحت غدوتُ فاستون لي فدخلت وقمت بين يديه ، فأمرني بالجلوس فجلست ، ثمّ نهض إلى حجرة كان يخلو فيها فنهضت بنهوضه فقال : اتبعني. فتبعته فدخل ودخلت خلفه ، فجلس وجلست بين يديه فقال: يا مُفضَّلُ ، كأنّي بِكَ وَقَد طالَت عَلَيكَ هذهِ اللّيلَةَ انتِظاراً لِما وَعَدتُكَ ؟ فقلتُ : أجل يا مولاي. فقال: يا مُفَضَّلُ ، إنَّ اللّهَ كانَ ولا شيءَ قَبلَهُ ، وَهُوَ باقٍ ولا نِهايَةَ لَهُ ، فله الحمد على ما ألهمنا، وله الشّكر على ما منحنا ، وَقَد خَصَّنا مِنَ العُلومِ بِأعلاها ، ومِنَ المَعالي بِأسناها ، واصطفانا على جَميع الخَلقِ

.


1- .لعلّه من الإفراغ بمعنى الصّب . يقال : استفرغ مجهوده ، أي بذل طاقته .

ص: 79

7 . كِتابُهُ عليه السلام لِزُرارَةَ في جزاء المشرك وغير المشرك

بعِلمهِ ، وجَعَلنا مهيمنين عَلَيهِم بِحُكمِهِ . فقلت: يا مولاي ، أتأذن لي أن أكتب ما تشرحه؟ _ وكنت أعددت معي ما أكتب فيه _ . فقال لي : افعل . . . (1)

7كِتابُهُ عليه السلام لِزُرارَةَفي جزاء المشرك وغير المشركزرارة 2 قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام مع بعض أصحابنا فيما يروي النّاس عن

.


1- .بحار الأنوار : ج3 ص57 نقلاً عن الخبر المشتهر بتوحيد المفضّل .

ص: 80

النّبيّ صلى الله عليه و آله أنّه : مَن أشرَكَ بِاللّهِ فَقَد وَجَبَت لَهُ النّارُ ، ومَن لَم يُشرِك بِاللّهِ فَقَد وَجَبَت لَهُ الجَنَّةُ. قال عليه السلام : أمّا مَن أشرَكَ باللّهِ فَهذا الشِّركُ البَيِّنُ ، وَهُوَ قَولُ اللّهِ : «مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» (1) وَأمّا قولُهُ : مَن لَم يُشرِك بِاللّهِ فَقَد وَجَبَت لَهُ الجَنَّةُ . قال أبو عبد اللّه عليه السلام : هاهُنا النَّظَرُ ، هُوَ مَن لَم يَعصِ اللّه . (2)

.


1- .المائدة:72.
2- .تفسير العيّاشي : ج1 ص335 ح158، بحار الأنوار: ج72 ص98 ح20 نقلاً عنه .

ص: 81

الفصل الثّاني : في أهل البيت عليهم السلام

اشاره

الفصل الثّاني : في أهل البيت

.

ص: 82

. .

ص: 83

8 . في بعض رسائله عليه السلام ؛ مكان أمير المؤمنين عليه السلام من رسول اللّه صلى الله عليه و آله
9 . إملاؤه عليه السلام على حمزة بن الطّيار في حجج اللّه على خلقه

8في بعض رسائله عليه السلاممكان أمير المؤمنين عليه السلام من رسول اللّه صلى الله عليه و آلهقال أبو عبد اللّه عليه السلام في بعض رسائله:لَيسَ مَوقِفٌ أوقَفَ اللّهُ سُبحانَهُ نَبِيَّهُ فيهِ لِيُشهِدَهُ وَ يَستَشهِدَهُ ، إلاّ وَ مَعَهُ أخوهُ وَ قرينُهُ و ابنُ عَمِّهِ وَوَصِيُّهُ ، وَ يُوذ مِيثاقُهُما مَعاً . صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِما وَ على ذُرِّيَّتِهِما الطَّيبينَ . (1)

9إملاؤه عليه السلام على حمزة بن الطّيارفي حجج اللّه على خلقهأحمد بن محمّد بن خالد،عن عليّ بن الحكم،عن أبان الأحمر،عن حمزة بن الطّيار 2 ،

.


1- .تأويل الآيات: ج1 ص417 ح9، بحار الأنوار: ج26 ص296 ح60.

ص: 84

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال لي : اكتب فأملى عَلَيَّ :إنَّ مِن قولِنا : إنّ اللّهَ يَحتَجُّ عَلى العبادِ بمِا آتاهُم وَعَرّفَهُم ، ثُمَّ أرسَلَ إلَيهِم رَسولاً وَأنزَلَ عَلَيهِم الكتابَ فَأمَرَ فيهِ وَنَهى ، أمَرَ فيهِ بِالصَّلاةِ وَالصّيامِ ، فَنامَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَنِ الصَّلاةِ فَقالَ أنا أُنيُمكَ وَأنا أُوقِظُكَ فإذا قُمتَ فَصَلِّ لِيَعلَموا إذا أصابَهُم ذلِكَ كَيفَ يَصنَعون ، لَيسَ كما يَقولونَ إذا نامَ عَنها هَلَكَ ، وَكذلِكَ الصّيامُ ، أنا أُمرِضُكَ وأنا أُصِحُّكَ ، فإذا شَفَيتُكَ فاقضِهِ. ثُمّ قالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : وَكذلِكَ إذا نَظَرتَ في جَميعِ الأشياءِ لَم تَجِد أحَداً في ضيقٍ ولَم تَجِد أحَداً إلاّ وَللّهِِ عَلَيهِ الحُجَّةُ ، وَللّهِِ فيهِ المَشيئَةُ ، وَلا أقولُ إنَّهُم ماشاؤوا صنعوا . ثمّ قال: إنَّ اللّهَ يَهدي وَيُضِلُّ .

.

ص: 85

10 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيم في فضل أهل البيت

وَقالَ : وَما أُمِروا إلاّ بِدونِ سَعَتِهم ، وَكُلُّ شَيءٍ أمَرَ النّاسَ بِهِ ، فَهُم يَسعَونَ لَهُ ، وَكُلُّ شَيءٍ لا يَسعَونَ لَهُ فَهُو مَوضوعٌ عَنهُم ، وَلَكِنَّ النّاسَ لا خَيرَ فِيهِم. ثمّ تلا عليه السلام : « لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَايُنفِقُونَ حَرَجٌ » فَوَضَعَ عَنهُم « مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ » قال : فَوَضَعَ عَنهُم لِأَنّهُم لا يَجدونَ (1) . (2)

10كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيمفي فضل أهل البيتحدّثنا أبي رضى الله عنه قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميريّ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن داوود، عن فضيل الرّسان قال: كتب محمّد بن إبراهيم 3 إلى أبي عبد اللّه عليه السلام :أخبرنا ما فضلكم أهل البيت ؟ فكتب إليه أبو عبد اللّه عليه السلام :إنَّ الكَواكِبَ جُعِلَت في السَّماءِ أماناً لِأهلِ السَّماءِ ، فَإذا ذَهَبَت نُجومُ السَّماءِ جاءَ

.


1- .تمام الآية : « لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لآَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ » . ( التّوبة : 91 و 92 ) .
2- .الكافي : ج 1 ص 164 ح 4 ، التوحيد : ص 413 ح 10 ، المحاسن : ج 1 ص 236 ح 204 ، بحار الأنوار : ج 5 ص 300 ح 4.

ص: 86

11 . كتابه عليه السلام إلى أبي الخطّاب في فضل أهل البيت

أهلَ السّماءِ ما كانوا يُوعَدونَ ، وَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : جُعِلَ أهلُ بَيتي أماناً لِأُمَّتي ، فَإذا ذَهَبَ أهلُ بَيتي ، جاءَ أُمَّتي ما كانوا يُوعَدونَ. (1)

11كتابه عليه السلام إلى أبي الخطّابفي فضل أهل البيتحمدويه قال: حدّثني محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمان، عن بشير الدّهان 2 ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كتب أبو عبد اللّه عليه السلام إلى أبي الخطّاب 3 :

.


1- .كمال الدين وتمام النعمة : ص205 ح17، بحار الأنوار: ج27 ص309 ح5 نقلاً عنه.

ص: 87

12 . كتابه عليه السلام إلى رجل في صفة علمهم عليهم السلام

بَلَغَني أنَّكَ تَزعُمُ أنَّ الزِّنا رَجُلٌ ، وَأنَّ الخَمرَ رَجُلٌ ، وَأنَّ الصَّلاةَ رَجُلٌ ، وَأنَّ الصِّيامَ رَجُلٌ ، وَأنَّ الفَواحِشَ رَجُلٌ ، وَلَيسَ هُوَ كَما تَقولُ ، إنّا أصلُ الحَقِّ ، وَفُروعُ الحَقّ طاعَةُ اللّهِ ، وعَدُوُّنا أصلُ الشَّرِّ وَفُروعُهُمُ الفَواحِشُ ، وَكَيفَ يُطاعُ مَن لا يُعرَفُ ؟ وَكَيفَ يُعرَفُ مَن لا يُطاعُ. (1)

وفي بصائر الدَّرجات : حدّثنا أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن حفص المؤذّن ، قال: كتب أبو عبد اللّه عليه السلام إلى أبي الخطّاب :بَلَغَني أنَّكَ تَزعُمُ أنَّ الخُمسَ رَجُلٌ ، وأنَّ الزِّنا رَجُلٌ ، وَأنَّ الصَّلاةُ رَجُلٌ ، وَأنَّ الصَّومَ رَجُلٌ ، وَلَيسَ كَما تَقولُ ، نَحنُ أصلُ الخَيرِ وفُروعُهُ طاعَةُ اللّهِ ، وَعَدُوُّنا أصلُ الشَّرِّ وَفُروعُهُ مَعصِيَةُ اللّهِ. ثُمَّ كتَبَ : كَيفَ يُطاعُ مَن لا يُعرَفُ؟ وَكَيفَ يُعرَفُ مَن لا يُطاعُ؟. (2)

12كتابه عليه السلام إلى رجلفي صفة علمهم عليهم السلامعن جعفر بن محمّد بن مالك ، عن يحيى بن سالم الفرّا 3 ، قال : كان رجل من

.


1- .رجال الكشّي: ج2 ص577 ح512، بحار الأنوار: ج24 ص299 ح3 نقلاً عنه.
2- .بصائر الدّرجات: ص536 ح2 ، بحار الأنوار : ج 24 ص 299 ح 3 .

ص: 88

13 . كتابه عليه السلام إلى رجال في بغداد في الإقرار بأنّه عبد من عبيد اللّه

أهل الشّام يخدم أبا عبد اللّه عليه السلام فرجع إلى أهله فقالوا : كيف كنت تخدم أهل هذا البيت ؟ فهل أصبت منهم علماً؟ قال : فندم الرّجل ، فكتب إلى أبي عبد اللّه عليه السلام يسأله عن علم ينتفع به. فكتب إليه أبو عبد اللّه عليه السلام :أمَّا بَعدُ ، فَإنَّ حَديثَنا حَديثٌ هَيوبٌ ذَعورٌ ، فإن كُنتَ تَرَى أنَّكَ تَحتَمِلُهُ ، فاكُتب إلَينا وَالسَّلامُ. (1)

13كتابه عليه السلام إلى رجال في بغدادفي الإقرار بأنّه عبد من عبيد اللّهإنّ سليمان بن خالد 2 قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام وهو يكتب كتباً إلى بغداد (2) ، وأنا أُريد أن أُودِّعه . فقال: تجي إلى بَغدادَ. قلتُ : بَلى . قالَ : تُعينُ مَولايَ هذا بِدَفعِ كُتُبِهِ . ففكرت وأنا في صحن الدّار أمشي، فقلت: هذا حجّة اللّه على خلقه ، يكتب إلى أبي أيّوب الخوريّ وفلان وفلان ، يسألهم حوائجه! فلمّا صرنا إلى باب الدّار

.


1- .بصائر الدرجات : ص23 ح13 ، بحار الأنوار : ج2 ص193 ح38 نقلاً عنه .
2- .ولم يذكر لفظ الكتاب .

ص: 89

14 . كتابه عليه السلام إلى رجل في ولايتهم عليهم السلام على الجنّ

صاح بي : يا سُليمانُ ، ارجِع أنتَ وَحدَكَ ، فرجعت فقال : كَتَبتُ إلَيهِم لِأُخبِرَهُم أنّي عَبدٌ وَبي إلَيهِم حاجَةٌ . (1)

14كتابه عليه السلام إلى رجلفي ولايتهم عليهم السلام على الجنّحدّثنا محمّد بن عيسى عن أبي عبد اللّه المون ، عن أبي حنيفة سائق الحاجّ 2 عن بعض أصحابنا ، قالَ : أتَيتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام فَقُلتُ لَهُ : أُقيمُ عَلَيكَ حَتّى تَشخَصَ . فَقالَ : لا ، امضِ حَتّى يَقدِمَ عَلَينا أبو الفَضلِ سَديرٌ ، فَإن تَهَيّأ لَنا بَعضُ ما نُريدُ كَتَبنا إلَيكَ . قال : فَسِرتُ يَومَينِ وَلَيلَتَينِ. قالَ: فأتاني رَجُلٌ طَويلٌ آدَمُ بِكِتابٍ خَاتَمُهُ رَطبٌ وَالكِتابُ رَطبٌ ، قالَ : فَقَرأتُهُ فَإذا فيه : إنَّ أبا الفَضلِ قَد قَدِمَ عَلَينا وَنَحنُ شاخِصونُ إن شاءَ اللّهُ ، فَأقِم حَتّى نَأتِيَكَ. قال: فَأَتاني فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ، إنَّهُ أتاني الكِتابُ رَطباً وَالخاتَمُ رَطباً . قال : فَقالَ : إنَّ لَنا اتّباعاً مِنَ الجِنِّ ، كما إنَّ لَنا اتّباعاً مِنَ الإنسِ ، فَإذا أرَدنا أمراً بَعثناهُم. (2)

.


1- .الخرائج والجرائح : ج2 ص639 ح44، بحار الأنوار : ج47 ص107 ح137 وفيه «الجزريّ» بدل «الخوريّ» .
2- .بصائر الدرجات: ص102 ح14 ، بحار الأنوار : ج27 ص21 ح12 نقلاً عنه .

ص: 90

15 . كتابه عليه السلام إلى بعض النّاس في بيان أفضل الأعمال
16 . املاؤه عليه السلام على ابنه موسى عليه السلام في طلب إكمال بيتين قالهما عليه السلام في الحكمة

15كتابه عليه السلام إلى بعض النّاسفي بيان أفضل الأعمالوبهذا الإسناد ( عن المفسّر، عن أحمد بن الحسن الحسيني، عن الحسن بن عليّ العسكريّ، عن آبائه عليهم السلام ) عن الرّضا عليه السلام عن أبيه موسى بن جعفر عليهم السلامقال : كتب الصّادق عليه السلام إلى بعض النّاس :إن أرَدتَ أن يُختَمَ بِخَيرٍ عَمَلُكَ حَتّى تُقبَضَ وَأنتَ في أفضَلِ الأعمالِ ، فَعَظِّم للّهِِ حَقَّهُ : أن لا تَبذُلَ نَعماءَهُ في مَعاصيهِ وَأن تَغتَرَّ بِحلِمهِ عَنكَ ، وَأكرِم كُلَّ مَن وَجَدتَهُ يَذكُرُ منّا ، أو يَنتَحِلُ مَوَدَّتَنا ، ثُمَّ لَيسَ عَلَيكَ صادِقاً كانَ أو كاذِباً ، إنّما لَكَ نِيَّتُكَ وَعَلَيهِ كِذبُهُ . (1)

16املاؤه عليه السلام على ابنه موسى عليه السلامفي طلب إكمال بيتين قالهما عليه السلام في الحكمةموسى بن جعفر عليهماالسلام قال:دَخَلتُ ذاتَ يَومٍ مِنَ المَكتَبِ وَمَعي لَوحي ، قالَ : فَأجلَسَني أبي بَينَ يَدَيهِ وَقالَ : يا بُنيَّ اكتُب : تَنَحَّ عَنِ القَبيحِ وَلا تُرِدهُ . ثُمَّ قال : أجِزهُ . فَقُلتُ : وَمَن أولَيتَهُ حُسناً فَزِدهُ . ثُمَّ قالَ : سَتَلقى مِن عَدُوِّكَ كُلَّ كَيدٍ .

.


1- .عيون أخبار الرضا : ج2 ص4 ح8 ، بحار الأنوار : ج73 ص351 ح49 نقلاً.

ص: 91

17 . إملاؤه عليه السلام لحمزة الطيّار في لزوم السؤال من أهل الذّكر
18 . رسالته عليه السلام في القرآن وتفسيره

فَقُلتُ : إذا كادَ العَدُوُّ فَلا تَكِدُه . قال: فقال: ذُرِيَّةٌ بَعضُها مِن بَعضٍ. (1)

17إملاؤه عليه السلام لحمزة الطيّارفي لزوم السؤال من أهل الذّكرحمزة بن محمّد الطّيار (2) قال: عرضت على أبي عبد اللّه عليه السلام كلاماً لأبي فقال :اكتُب ، فإنّهُ لا يَسَعَكُم فيما نَزَلَ بِكُم مِمَّا لا تَعلَمونَ إلاّ الكَفَّ عَنهُ وَالتَّثبيتَ فيهِ ، وَرُدّوهُ إلى أئِمَّةِ الهُدى حَتّى يَحمِلوكُم فيهِ عَلى القَصدِ ، وَيَجلو عَنكُم فيهِ العَمى ، قالَ اللّهُ : « فَسْألُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ » (3) . (4)

18رسالته عليه السلامفي القرآن وتفسيرهأحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ ،عن أبيه ،عمّن ذكره ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رسالة :وَأمّا ما سَألتَ مِنَ القُرآنِ فَذلِكَ أيضاً مِن خَطَراتِكَ المُتَفاوِتَةِ المُختَلِفَةِ ، لأنَّ القُرآنَ لَيسَ عَلى ما ذَكَرتَ ، وَكُلّ ما سَمعِتَ فَمَعناهُ غَيرُ ما ذَهَبتَ إلَيهِ ، وَإنّما القُرآنُ أمثالٌ لِقَومٍ يَعلَمونَ دونَ غَيرِهِم ، وَلِقَومٍ يَتلونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ، وَهُم الّذينَ يُؤمِنونَ بِهِ وَيَعرِفونَهُ .

.


1- .المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص319 ، بحار الأنوار : ج 48 ص 109 ح 10 .
2- .راجع : الكتاب التّاسع .
3- .النحل: 43.
4- .تفسير العيّاشي : ج2 ص260 ح30 ، المحاسن : ج1 ص341 ح703 نحوه ، بحار الأنوار :ج23 ص 183 ح43 .

ص: 92

19 . رسالته عليه السلام إلى أصحاب الرّأي والقياس في المقائيس والرّأي

فَأمّا غَيرُهُم فَما أشَدَّ إشكالَهُ عَلَيهِم! وَأبعَدَهُ مِن مَذاهِبِ قلوبهم ! وَلِذلِكَ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّهُ لَيسَ شَيءٌ بأبِعَدَ مِن قُلوبِ الرِّجالِ مِن تَفسيرِ القُرآنِ، وَفي ذلِكَ تَحَيَّرَ الخَلائِقُ أجمَعونَ إلاّ مَن شاءَ اللّهُ . وَإنّما أرادَ اللّهُ بِتَعمِيَتِهِ في ذلِكَ أن يَنتَهوا إلى بابِهِ وَصِراطِهِ ، وَأن يَعبُدوهُ وَيَنتَهوا في قَولِهِ إلى طاعَةِ القُوَّامِ بِكِتابِهِ وَالنّاطِقينَ عَن أمرِهِ وَأن يَستَنبِطوا (1) ما احتاجوا إلَيهِ مِن ذلِكَ عَنهُم ، لا عَن أنفُسُهِم ، ثُمَّ قالَ : «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ» (2) . فأمّا عَن غَيرِهِم ، فَلَيسَ يُعلَمُ ذلِكَ أبَداً وَلا يُوجَدُ ، وَقَد عَلِمتَ أنَّهُ لا يَستَقيمُ أن يَكونَ الخَلقُ كُلُّهُم وُلاةَ الأمرِ ، إذا لا يَجدِونَ مَن يَأتَمِرونَ عَلَيهِ ، وَلا مَن يُبَلِّغونَهُ أمرَ اللّهِ وَنَهيَهُ ، فَجَعَلَ اللّهُ الولاة خَواصا لِيَقتَدِيَ بِهِم مَن لَم يَخصُصهُم بِذلِكَ ، فَافهَم ذلِكَ إن شاءَ اللّهُ. وَإيّاكَ وَإيّاكَ وَتِلاوَةَ القُرآنِ بِرَأيِكَ ،فَإنَّ النّاسَ غَيرُ مُشتَرِكينَ في علمِهِ كاشتِراكِهِم فيما سِواهُ مِنَ الاُمورِ ، وَلا قادِرينَ عَلَيهِ ، ولا على تَأويلِهِ ، إلاّ مِن حَدِّهِ وَبابِهِ الّذي جَعَلَهُ اللّهُ لَهُ فافهَم إن شاءَ اللّهُ ، وَاطلُبِ الأمرَ مِن مَكانِهِ تَجِدهُ إن شاءَ اللّهُ . (3)

19رسالته عليه السلام إلى أصحاب الرّأي والقياسفي المقائيس والرّأيأحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ ، عن أبيه، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في

.


1- .وفي هامش المصدر : «يستنطقوا».
2- .النساء: 83.
3- .المحاسن : ج1 ص417 ح960، بحار الأنوار : ج 92 ص100 ح72 نقلاً عنه .

ص: 93

رسالته إلى أصحاب الرّأي والقياس :أمّا بَعدُ فَإنَّهُ مَن دَعا غَيرَهُ إلى دِينِهِ بِالارتِياءِ وَالمَقائيسِ ، لَم يُنصِف وَلَم يُصِب حَظَّهُ ؛ لِأَنَّ المَدعُوَّ إلى ذلِكَ لا يَخلو أيضاً مِنَ الآرتِياءِ وَالمَقائيسِ ، وَمَتى ما لَم يَكُن بِالدَّاعي قُوَّةٌ في دُعائِهِ عَلى المَدعُوِّ لَم يُون عَلى الدّاعي أن يَحتاجَ إلى المَدعُوِّ بَعدَ قَليلٍ ، لِأنّا قَد رَأينا المُتَعَلِّمَ الطّالِبَ رُبَّما كانَ فائِقاً لِمُعَلِّمٍ وَلَو بَعدَ حينٍ ، وَرَأينا المُعَلِّمَ الدّاعِيَ رُبَّما احتاجَ في رأيِهِ إلى رَأي مَن يَدعو وَفي ذلِكَ تَحَيَّرَ الجاهِلونَ ، وَشَكَّ المُرتابونَ ، وَظَنَّ الظّانونَ ، وَلَو كانَ ذلِكَ عِندَ اللّهِ جائِزاً لَم يَبعَثِ اللّهُ الرُّسُلَ بِما فيهِ الفَصلُ ، وَلَم يَنهَ عَنِ الهَزلِ ، وَلَم يُعِبِ الجَهلَ ، وَلَكِنَّ النّاسَ لَمّا سَفِهوا الحَقَّ وَغَمَطوا النِّعمَةَ ، وَاستَغنَوا بِجَهلِهِم وَتَدابيرِهِم عَن عِلمِ اللّهِ ، وَاكتَفَوا بِذلِكَ دونَ رُسُلِهِ وَالقُوّامِ بأمِرِهِ ، وَقالوا : لا شَيءَ إلاّ ما أدرَكَتهُ عُقولُنا وَعَرَفَتهُ ألبابُنا ، فَوَلاّهُمُ اللّه ما تَوَلَّوا ، وَأهمَلَهُم وَخَذَلَهُم حَتّى صاروا عَبَدَةَ أنفُسِهِم مِن حَيثُ لا يَعملونَ . ولو كانَ اللّهُ رَضِيَ مِنهُم اجتِهادَهُم وَارتِياءَهُم فيما ادَّعَوا مِن ذلِكَ ، لَم يَبعَثِ اللّهُ إلَيهِم فاصِلاً لِما بَينَهُم ، وَلا زاجِراً عَن وَصفِهِم ، وإنّما استَدلَلنا أنَّ رِضا اللّهِ غَيرُ ذلِكَ ، بِبَعثِهِ الرُّسُلَ بِالأُمورِ القَيِّمَةِ الصَّحيحَةِ ، وَالتَّحذيرِ عَنِ الأُمورِ المُشكِلَةِ المُفسِدَةِ ، ثُمَّ جَعَلَهُم أبوابَهُ وَصِراطَهُ ، وَالأدِلاّءَ عَلَيهِ بِأمورٍ مَحجوبَةٍ عَنِ الرّأيِ وَالقِياسِ ، فَمَن طَلَبَ ما عِندَ اللّهِ بِقِياسٍ وَرَأيٍ لَم يَزدَد مِنَ اللّهِ إلاّ بُعداً، وَلَم يَبعَث رَسولاً قَطُّ وَإن طالَ عُمرُهُ قابِلاً مِنَ النّاسِ خِلافَ ما جاءَ بِهِ حَتّى يَكونَ مَتبوعاً مَرَّةً وَتابِعاً أُخرى ، وَلَم يُرَ أيضاً فيما جاءَ بِهِ استعمَلَ رَأياً وَلا مِقياساً حَتّى يَكونَ ذلِكَ وَاضِحاً عِندَهُ كالوَحي مِنَ اللّهِ ، وَفي ذلِكَ دَليلٌ لِكُلِّ ذي لُبٍّ وَحِجىً ، أنَّ أصحابَ الرَّأي وَالقِياسِ مُخطِئونَ مُدحَضونَ . وَإنّما الاختلافُ فيما دونَ الرُّسُلِ لا في الرُّسُلِ فَإيّاكَ أيُّها المُستَمِعُ أن تَجمَعَ عَلَيكَ خِصلَتَينِ : إحداهُما القَذفُ بِما جاشَ بِهِ صَدرُكَ ، وَاتِّباعُكَ لِنَفسِكَ إلى

.

ص: 94

غَيرِ قَصدٍ ، ولا مَعرِفَةِ حَدٍّ ، وَالأُخرى استِغناوكَ عَمّا فيهِ حاجَتُكَ وَتَكذيبُكَ لِمَن إلَيهِ مَرَدُّكَ . وَإيّاكَ وَتَركَ الحَقِّ سَأمَةً وَمَلالَةً ، وَانتجاعَكَ الباطِلَ جَهلاً وَضَلالَةًً ، لاِا لَم نَجِد تابِعاً لِهَواهُ جائِزاً عَمّا ذَكَرنا قَطُّ رَشيداً ، فانظُر في ذلِكَ. (1)

.


1- .المحاسن : ج1 ص331 ح674 ، بحار الأنوار : ج2 ص313 ح77 نقلاً عنه.

ص: 95

الفصل الثّالث : في المواعظ

اشاره

الفصل الثّالث : في المواعظ

.

ص: 96

. .

ص: 97

20 . إملاؤه عليه السلام إلى حمزة بن الطّيار في أصناف النّاس

20إملاؤه عليه السلام إلى حمزة بن الطّيارفي أصناف النّاسسهل بن زياد ، عن عليّ بن أسباط ، عن سليم مولى طربال ، قال: حدّثني هشام ، عن حمزة بن الطّيار (1) ، قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : النّاسُ على سِتَّةِ أصنافٍ . قال : قلت : أ تأذَنُ لي أن أكتُبَها ؟ قال عليه السلام : نَعَم. قلتُ : ما أكتُبُ ؟ قال عليه السلام : اكتُب : أهلُ الوَعيدِ مِن أهلِ الجَنَّةِ وَأهلِ النّارِ ، واكتُب : « وَ ءَاخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَ__لِحًا وَ ءَاخَرَ سَيِّئًا » (2) . قال : قلتُ : مَن هواءِ ؟

.


1- .راجع : الكتاب التّاسع .
2- .التوبة : 102 .

ص: 98

21 . كتابه عليه السلام إلى المفضّل بن عمر في الحثّ على التّقوى

قال عليه السلام : وَحشِيٌّ مِنهُم . قال عليه السلام : وَاكتُب : « وَ ءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ » (1) . قال : وَاكتُب « إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَ نِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً » (2) لا يَستَطيعونَ حِيلَةً إلى الكُفرِ وَلا يَهتَدونَ سَبيلاً إلى الإيمانِ « فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ » (3) . قال عليه السلام : اكتبُ : أصحابُ الأعرافِ. قال: قلت: وما أصحابُ الأعرافِ؟ قال عليه السلام : قَومٌ استَوَت حَسَناتُهُم وسَيِّئاتُهُم ، فَإن أدخَلَهُمُ النَّارَ فَبِذنوبِهِم ، وَإن أدخَلَهُم الجَنَّةَ فَبِرَحمَتِهِ . (4)

21كتابه عليه السلام إلى المفضّل بن عمرفي الحثّ على التّقوىحدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم قال: حدّثنا القاسم بن الرّبيع الورّاق ، عن محمّد بن سنان ، عن صباح المداينيّ ، عن المفضّل ، أنّه كتب إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ، فجاءه هذا الجواب من أبي عبد اللّه عليه السلام :أمّا بَعدُ فَإنّي أُوصيكَ وَنَفسي بِتَقِوى اللّهِ وَطاعَتِهِ ، فإنَّ مِنَ التَّقوى الطّاعَةَ وَالوَرَعَ ،

.


1- .التوبة : 106 .
2- .النساء : 98 .
3- .النساء : 99 .
4- .الكافي : ج 2 ص 381 ح1.

ص: 99

وَالتَّواضُعَ للّهِِ وَالطُّمَأنينَةَ ، وَالاجتِهادَ وَالأخذَ بِأمرِهِ ، وَالنّصيحَةَ لِرُسُلِهِ وَالمُسارَعَةَ في مَرضاتِهِ وَاجتنِابَ ما نَهى عَنهُ فَإنَّهُ مَن يَتَّقِ فَقَد أحرَزَ نَفسَهُ مِنَ النّارِ بِإذنِ اللّهِ ، وأصابَ الخَيرَ كُلَّهُ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وَمَن أمَرَ بِالتّقوى فَقَد أفلَحَ المَوعِظَةَ ، جَعَلَنا اللّهُ مِنَ المُتّقينَ بِرَحمَتِهِ . جاءني كتابُكَ فَقَرَأتُهُ وَفَهِمتُ الّذي فيهِ ، فَحَمِدتُ اللّهَ عَلى سَلامَتِكَ ، وعافِيَةُ اللّهِ إيَّاكَ ، ألبَسَنا اللّهُ وَإيّاكَ عافِيَتَهُ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ. كَتَبتَ تَذكُرُ أنّ قَوماً ، أنا أعرِفُهُم كانَ أعجَبَكَ نَحوُهُم وَشَأنُهُم ، وَإنَّكَ أبلَغتَ فيهِم أُموراً تروى عَنهُم كَرِهتَها لَهُم وَلَم تُرِهم إلاّ طَريقاً حَسَناً وَرَعاً وَتَخَشُّعاً ، وَبَلَغَكَ أنَّهُم يَزعُمونَ أنَّ الدِّينَ إنّما هُوَ مَعرِفَةُ الرِّجالِ ، ثُمَّ بَعدَ ذلِكَ إذا عَرَفتَهُم فاعمَل ما شِئتَ ، وَذَكَرتَ أنَّكَ قَد عَرَفتَ أنَّ أصلَ الدِّينِ مَعرِفَةُ الرِّجالِ فَوَفَّقَكَ اللّهُ . وَذَكَرتَ أنَّهُ بَلغَكَ أنَّهُم يَزعُمونَ أنَّ الصَّلاةَ وَالزَّكاةَ ، وَصَومَ شَهرِ رَمَضانَ وَالحَجَّ وَالعُمرَةَ ، وَالمَسجِدَ الحَرامَ وَالبَيتَ الحَرَامَ وَالمِشَعرَ الحَرامَ وَالشّهر الحرام ، هُوَ رَجُلٌ ، وأنَّ الطُّهرَ وَالاغتِسالَ مِنَ الجَنابَةِ هُوَ رَجُلٌ ، وَكُلَّ فَريضَةٍ افتَرَضَها اللّهُ على عِبادِهِ هُوَ رَجُلٌ . وَإنَّهُم ذَكَروا ذلِكَ بِزَعمِهِم أنَّ مَن عَرَفَ ذلِكَ الرَّجُلَ فَقَدِ اكتَفى بِعَمَلِهِ بِهِ مِن غَيرِ عَمَلٍ ، وَقَد صَلّى وَأتى الزَّكاةُ ، وَصامَ وَحَجّ وَاعتَمَرَ ، وَاغتَسَلَ مِنَ الجَنابَةِ وَتَطهّرَ ، وَعَظَّمَ حُرُماتِ اللّهِ وَالشَّهرَ الحَرامَ والمَسجِدَ الحَرامَ . وَإنَّهُم ذَكَروا مَن عَرَفَ هذا بِعَينهِ ، وَوجَدَهُ وَثَبَتَ في قَلبِهِ جازَ لَهُ أن يَتهاوَنَ فَلَيسَ لَهُ أن يَجتَهِدَ في العَمَلِ وَزَعَموا أنَّهُم إذا عَرَفوا ذلِكَ الرَّجُلَ فَقَد قُبِلَت مِنهُم هذهِ الحُدودُ لِوَقتِها ، وَإن هُم لَم يَعمَلوا بِها . وَإنَّهُ بَلَغَكَ أنَّهُم يَزعُمونَ أنَّ الفَواحِشَ الّتي نَهى اللّهُ عَنها ، الخَمرَ وَالمَيسِرَ وَالرِّبا

.

ص: 100

وَالدَّمَ وَالمِيتَةَ وَلَحَم الخِنزيرِ هُوَ رَجُلٌ. وَذَكَروا أنَّ ما حَرَّمَ اللّهُ مِن نِكاحِ الأُمَّهاتِ وَالبَناتِ ، وَالعَمَّاتِ وَالخالاتِ ، وَبَناتِ الأخِ وَبَناتِ الأُختِ ، وَما حَرَّمَ عَلى المُؤمِنينَ مِنَ النِّساءِ . فَما حَرَّمَ اللّهُ إنَّما عَنى بِذلِكَ نِكاحَ نِساءِ النَّبيِّ وَما سِوى ذلِكَ مُباحٌ كُلُّهُ . وَذَكَرَت أنَّهُ بَلَغَكَ أنَّهُم يَترادَفونَ المَرأةَ الواحِدَةَ ، وَيَشهِدونَ بَعضُهُم لِبَعضٍ بِالزُّورِ ، وَيَزعُمونَ أنَّ لِهذا ظَهراً وَبَطناً يَعرِفونَهُ فالظّاهِرُ يَتَناسَمونَ عَنهُ يَأخذونَ بِهِ مُدافَعَةً عَنهُم ، وَالباطِنُ هُوَ الّذي يَطلُبونَ ، وَبهِ أُمِروا بِزَعمِهِم . وَكَتَبتَ تَذكُرُ الّذي زَعَمَ عَظيمَ مِنَ ذلِكَ عَلَيكَ حينَ بَلَغَكَ ، وكَتَبتَ تَسأُلني عَن قَولِهِم في ذلِكَ ، أحَلالٌ أم حَرَام؟ وَكَتَبتَ تَسألُني عَن تَفسيرِ ذلِكَ وَأنا أُبَيِّنُهُ حَتّى لا تَكونَ مِن ذلِكَ في عَمىً وَلا شُبهَةٍ ، وَقَد كَتَبتُ إلَيكَ في كِتابي هذا تَفسيرَ ما سَألتَ عَنهُ فَاحفَظهُ كُلَّهُ كَما قالَ اللّهُ في كتابِهِ : «وتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَ اعِيَةٌ » (1) وَأصِفُهُ لَكَ بِحَلالِهِ وَأنفي عَنكَ حَرامَهُ إن شاءَ اللّهُ كما وَصَفتَ ، وَمُعَرِّفَكَهُ حَتّى تَعرِفَهُ إن شاءَ اللّهُ ، فَلا تُنكِرهُ إن شاءَ اللّهُ ، وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ وَالقُوَّةُ للّهِِ جَميعاً. أُخبِرُكَ أنَّهُ مَن كانَ يَدينُ بِهذهِ الصِّفَة الّتي كَتَبتَ تَسألُني عَنها ، فَهُو عِندي مُشرِكٌ بِاللّهِ تَبارَكَ وَتَعالى ، بَيِّنَ الشِّركِ لا شَكَّ فيهِ . وأُخبِرُكَ أنَّ هذا القَولَ كانَ مِن قَومٍ سَمِعوا ما لَم يَعقلِوهُ عَن أهلِهِ ، وَلَم يُعطَوا فَهمَ ذلِكَ وَلَم يَعرِفوا حَدَّ ما سَمِعوا فَوَضَعوا حُدودَ تِلكَ الأشياءِ مُقايَسَةً بِرَأيهِم وَمُنتَهى عُقولِهِم وَلَم يَضَعوها عَلى حُدودِ ما أُمروا كَذِباً وَافتِراءً على اللّهِ وَرَسولِهِ صلى الله عليه و آله وَجُرأةً على المَعاصي ، فَكَفى بِهذا لَهُم جَهلاً . وَلَو أنَّهُم وَضَعوها على حُدودهِا الّتي حُدَّت لَهُم وَقَبلِوها ، لَم يَكُن بِهِ بَأسٌ وَلكِنَّهُم حَرَّفوها وَتَعَدَّوا وَكَذَّبوا وَتَهاوَنوا بأمِرِ اللّهِ

.


1- .الحاقّة : 12.

ص: 101

وَطاعَتِهِ ، وَلكِنّي أُخبِرُكَ أنَّ اللّهَ حَدَّها بِحُدودِها ؛ لِئلا يتعدَّى حُدودَهُ أحَدٌ ، وَلَو كانَ الأمرُ كَما ذَكَروا لَعُذِرَ النّاسُ بِجَهلِهِم ، ما لَم يَصرِفوا حَدَّ ما حُدَّ لَهُم ، وَلَكانَ المُقَصِّرُ وَالمُتَعَدّي حُدودَ اللّهِ مَعذوراً ، ولكِن جَعَلها حُدوداً مَحدودَةً لا يَتَعدّاها إلاّ مُشرِكٌ كافِرٌ ، ثُمَّ قالَ : «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ » (1) . خَلقِهِ فَلَم يَقبَل مِن أحَدٍ إلاّ بِهِ وَبِهِ بَعَثَ أنبِياءَهُ وَرُسُلُهُ . ثُمَّ قالَ : «وَ بِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ» (2) فَعَلَيهِ وَبِهِ بَعَثَ أنبِياءَهُ وَرُسُلُهُ وَنبِيَّهُ مُحَمّداً صلى الله عليه و آله ، فاختَلَّ الّذينَ لَم يَعرِفوا مَعرِفَةَ الرُّسُلِ وَوِلايَتَهُم وَطاعَتَهُم ، هُوَ الحَلالُ المُحَلَّلُ ما أحَلّوا وَالمُحرَّمُ ما حَرَّموا وَهُم أصلُهُ وَمِنهُم الفُروعُ الحَلالُ ، وَذلِكَ سَعيُهُم ، وَمِن فُروعِهِم أمرُهُم الحَلالُ ، وَإقامُ الصَّلاةِ ، وَإيتاءُ الزَّكاةِ ، وَصَومُ شَهرِ رَمَضانَ ، وَحِجُّ البَيتِ ، وَالعُمرَةُ ، وَتَعظيمُ حُرُماتِ اللّهِ وَشَعائِرِهِ وَمشاعِرِهِ ، وَتَعظيمُ البَيتِ الحَرامِ وَالمَسجِدِ الحَرامِ وَالشَّهرِ الحَرامِ ، وَالطُّهورِ وَالاغتِسالِ مِنَ الجَنابَةِ ، وَمَكارِمِ الأخلاقِ وَمَحاسِنِها ، وَجَميعِ البرّة. ثُمَّ ذَكَرَ بَعدَ ذلِكَ فَقالَ في كتابِهِ : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الاْءِحْسَانِ وَ إِيتَآءِ ذِى الْقُرْبَى وَ يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَ الْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » (3) فعدّدهم المحرّم وأولياؤهم الدّخول في أمرِهِم إلى يَومِ القِيامَةِ فِيهِم الفَواحِشَ ، ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ ، وَالخَمرَ والمَيسِرَ وَالرِّبا وَالدّمَ وَلَحمَ الخِنزيرِ ، فَهُمُ الحَرامُ المُحَرَّمُ ، وَأصلُ كُلِّ حَرامٍ ، وَهُم الشَّرُّ وَأصلُ كُلِّ شَرٍّ ، وَمِنهُم فُروعُ الشَّرِّ كُلِّهِ ، ومِن ذلِكَ الفُروعُ الحَرامُ وَاستِحلالُهُم إيّاها ، وَمِن فُروعِهِم تَكذيبُ الأنبياءِ وَجُحودُ الأوصياءِ وَركوبُ

.


1- .البقرة: 229.
2- .الإسراء: 105.
3- .النحل: 90.

ص: 102

الفَواحِشِ ، الزِّنا وَالسَّرِقَةِ وَشُربِ الخَمرِ وَالنُّكرِ وَأكلِ مالِ اليَتيمِ ، وَأكلِ الرِّبا وَالخُدعَةِ والخِيانَةِ ، وَرُكوبِ الحَرامِ كُلِّها وَانتِهاكِ المَعاصي. وَإنّما أمرُ اللّهِ بِالعَدلِ وَالإحسانِ وَإيتاءِ ذي القُربى ، يَعني مَوَدّةَ ذي القُربى وَابتِغاءِ طاعَتِهِم ، وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكرِ وَالبَغي ، وَهُم أعداءُ الأنبياءِ وَأوصِياءُ الأنبياءِ ، وَهُم البَغيُ مِن مَودَّتِهِم ، فَطاعَتُهُم يَعظِكم بِهذِهِ لَعَلَّكُم تَذَكّرونَ . وَأُخبِرُكَ أنّي لَو قُلتُ لَكَ : إنَّ الفاحِشَةَ وَالخَمَر وَالمَيسِرَ وَالزِّنا وَالمِيتَةَ وَالدَّمَ وَلَحمَ الخِنزيرِ هُوَ رَجُلٌ ، وَأنتَ أعلَمُ أنَّ اللّهَ قَد حَرَّمَ هذا الأصلَ وَحَرَّمَ فَرعَهُ ، وَنَهى عَنهُ وَجَعَلَ وِلايَتَهُ كَمَن عَبَدَ مِن دونِ اللّهِ وَثَناً وَشِركاً ، وَمَن دَعا إلى عِبادَةِ نَفسِهِ فَهُوَ كَفِرَعونَ إذ قالَ : «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى » (1) ، فَهذا كُلُّهُ على وَجهٍ ، إن شِئتَ قُلتَ هُوَ رَجُلٌ وَهوَ إلى جَهَنَّمَ وَمَن شايَعَهُ على ذلِكَ فافهَم ، مِثلَ قَولِ اللّهِ : « إِنَّمَاحَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنزِيرِ» (2) وَلَصَدَقتَ ، ثُمَّ لَو إنّي قُلتُ إنَّهُ فُلانٌ ذلِكَ كُلُّهُ لَصَدَقتَ أنَّ فُلاناً هُوَ المَعبودُ المُتَعدّي حُدودَ اللّهِ الّتي نَهى عَنها أن يَتَعَدّى . ثمّ إنّي أُخبِرُكَ أنَّ الدِّينَ وَأصلَ الدّينِ هُوَ رَجُلٌ ، وَذلِكَ الرَّجُلُ هُوَ اليَقينُ وَهُوَ الإيمانُ وَهُوَ إمامُ أُمَّتِهِ وَأهلِ زَمانِهِ فَمَن عَرَفَهُ عَرَفَ اللّهَ ، وَمَن أنكَرَهُ أنكَرَ اللّهَ وَدينَهُ ، وَمَن جَهِلَهُ جَهِلَ اللّهَ وَدينَهُ وَحُدودَهُ وَشَرايِعَهُ بِغَيرِ ذلِكَ الإمامِ ، كذلِكَ جَرى بِأنَّ مَعرِفَةَ الرِّجالِ دِينُ اللّهِ ، وَالمَعرِفَةُ على وَجهِهِ مَعرِفَةٌ ثابِتَةٌ على بَصيرَةٍ يُعرَفُ بِها دينُ اللّهِ ، وَيُوصَلُ بِها إلى مَعرِفَةِ اللّهِ ، فَهذِهِ المَعرِفَةُ الباطِنَةُ الثّابِتَةُ بِعَينِها ، المُوجِبَةُ حَقَّها ، المُستَوجِبُ أهلُها عَلَيها الشُّكرَ للّهِِ ، الّتي مَنَّ عَلَيهِم بِها مِن مَنِّ اللّهِ ، يَمُنُّ بِهِ على مَن يَشاءُ مَعَ مَعرِفَةِ الظّاهِرَةِ ، وَمَعرِفَةٍ في الظّاهِرَةِ ، فَأهلُ المَعرِفَةِ في الظّاهِرِ الذّينَ

.


1- .النازعات: 24.
2- .البقرة: 173.

ص: 103

عَلِموا أمرَنا بِالحَقِّ على غَيرِ عِلمٍ لا يُلحقُ بِأهلِ المَعرِفَةِ في الباطِنِ على بَصيرَتِهِم ، وَلا يَضِلّوا بِتِلكَ المَعرِفَةِ المُقَصِّرَةِ إلى حَقِّ مَعرِفَةِ اللّهِ ، كَما قالَ في كتابِهِ : «وَ لاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّمَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ» (1) فَمَن شَهِدَ شَهادَةَ الحَقِّ لا يَعقِدُ عَلَيهِ قَلبَهُ على بَصيرَةٍ فيهِ ، كذلِكَ مَن تَكَلَّمَ لا يَعقِدُ عَلَيهِ قَلبَهُ لا يُعاقَبُ عَلَيهِ عُقوبَةَ مَن عَقَدَ عَلَيهِ قَلبَهُ وَثَبَتَ على بَصيرَةٍ . فَقَد عَرَفتَ كَيفَ كانَ حَالُ رِجالِ أهلِ المَعرِفَةِ فِي الظّاهِر ، وَالإقرارُ بِالحَقِّ على غَيرِ عِلمٍ في قَديمِ الدَّهرِ وَحَديثِهِ ، إلى أنِ انتَهى الأمرُ إلى نَبِيِّ اللّهِ ، وَبَعدَهُ إلى مَن صارَ وإلى مَنِ انتَهت إلَيهِ مَعرِفَتُهُم ، وإنَّما عَرَفوا بِمَعرِفَةِ أعمالِهِم وَدينِهِم الّذي دانَ اللّهَ بِهِ المُحسنُ بِإحسانِهِ وَالمُسي بِإساءَتِهِ ، وَقَد يُقالُ : إنَّهُ مَن دَخَلَ في هذا الأمرِ بِغَيرِ يَقينٍ وَلا بَصيرَةٍ خَرَجَ مِنهُ كما دَخَلَ فيهِ ، رَزَقَنا اللّهُ وَإيّاكَ مَعرِفَةً ثابِتَةً على بَصيرَةٍ . وَأُخبِرُكَ أنّي لَو قُلتُ : إنَّ الصَّلاةَ وَالزَّكاةَ وَصَومَ شَهرِ رَمَضانَ ، وَالحَجَّ وَالعُمرَةَ ، والمَسجِدَ الحَرامَ وَالبَيتَ الحَرامَ وَالمَشعَرَ الحَرامَ ، وَالطَّهورَ وَالاغتِسالَ مِنَ الجَنابَةِ ، وَكُلَّ فَريضَةٍ كانَ ذلِكَ هُوَ النَّبِيُّ الّذي جاءَ بِهِ من عِندِ رَبّهِ لَصَدَّقتَ أنَّ ذلِكَ كُلَّهُ إنَّما يُعرَفُ بِالنَّبِيِّ وَلَولا مَعرِفَةُ ذلِكَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله وَالإيمانُ بِهِ وَالتَّسليمُ لَهُ ، ما عُرِفَ ذلِكَ ، فَذلِكَ مِن مَنِّ اللّهِ على مَن يَمُنُّ عَلَيهِ ، وَلَولا ذلِكَ لَم يُعرِف شيئاً من هذا ، فَهذا كُلُّهُ ذلِكَ النَّبِيُّ وَأصلُهُ ، وَهُوَ فَرعُهُ وَهُوَ دعاني إلَيهِ وَدَلَّني عَلَيهِ وَعَرَّفَنيهِ وَأمَرني بِهِ ، وَأوجَبَ عَلَيَّ لَهُ الطّاعَةَ فيما أمَرَني بهِ ، لا يَسَعُني جَهلُهُ ، وَكَيفَ يَسَعُني جَهلُهُ وَمَن هُوَ فيما بَيني وَبَينَ اللّهِ ؟ وَكَيفَ تَستَقيمُ لي لَولا أنّي أصِفُ أنّ ديني هُوَ الّذي أتاني بِهِ ذلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أن أصِفَ أنَّ الدِّينَ غَيرُهُ ؟ وَكَيفَ لا يَكونُ ذلِكَ مَعرِفَةَ الرَّجُلِ وَإنّما هُوَ الّذي جاءَ بِهِ عَنِ اللّهِ ، وَإنَّما أنكَرَ الّذي مَن أنكَرَهُ بِأن قالو : «أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا

.


1- .الزخرف: 86.

ص: 104

رَّسُولاً » (1) ثُمَّ قالوا : «أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا» (2) فَكَفَروا بِذلِكَ الرَّجُلِ وَكَذَّبوا بِهِ وَقالوا : «لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ» (3)(4) فقالَ : «قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتابَ الَّذِى جَآءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدىً لِّلنَّاسِ» (5) ثُمَّ قالَ في آيةٍ اُخرى : «وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِىَ الْأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكًا لَّجَعَلْناهُ رَجُلاً» (6) تبارك اللّه تعالى ، إنّما أحَبَّ أن يُعرَفَ بِالرّجالِ ، وَأن يُطاعَ بِطاعَتِهِم ، فَجَعَلَهُم سَبيلَهُ وَوَجهَهُ الّذي يُؤتى مِنهُ ، لا يَقبَلُ اللّهُ مِنَ العِبادَ غَيرَ ذلِكَ ، لا يُسألُ عَمّا يَفعَلُ وَهُم يُسألونَ ، فَقالَ فيمَن أوجَبَ مِن مَحَبَّتِهِ لذلِكَ : «من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً » (7) . فَمَن قالَ لَكَ : إنَّ هذهِ الفَريضَةَ كُلَّها إنَّما هِيَ رَجُلٌ ، وَهُوَ يَعرِفُ حَدَّ ما يَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَد صدَقَ وَمَن قالَ : على الصِّفَةِ الّتي ذَكَرتَ بِغَيرِ الطّاعَةِ لا يَعني التَّمَسُّكَ في الأصلِ بِتَركِ الفُروعِ ، لا يَعني بِشهادَةِ أن لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَبِتَركِ شَهادَةِ أنَّ مُحَمَّداً رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَلَم يَبعَث اللّهُ نبيّاً قَطُّ إلاّ بِالبِرِّ وَالعَدلِ وَالمَكارِمِ وَمَحاسِنِ الأعمالِ وَالنَّهي عَنِ الفَواحِشِ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ ، فَالباطِنِ ، مِنهُ وِلايَةُ أهلِ الباطِنِ ، وَالظّاهِرُ مِنهُ فُروعُهُم ، وَلَم يَبعَثِ اللّهُ نَبِيّاً قَطُّ يَدعو إلى مَعرِفَةٍ لَيسَ مَعَها طاعَةٌ في أمرٍ وَنَهيٍ ، فَإنَّما يَقبَلُ اللّهَ مِنَ العِبادِ العَمَلَ بِالفَرايِضِ الّتي افتَرَضَها اللّهُ عَلى حُدودِها مَعَ مَعرِفَةِ مَن جاءَهُم مِن عِندِهِ وَدعاهُم إلَيهِ ، فَأوَّلُ مِن ذلِكَ مَعرِفَةُ مَن دَعا إلَيهِ ، ثُمَّ طاعَتُهُ فيما يُقِرُّ بِهِ بِمَن لا طاعَةَ لَهُ وَإنَّهُ مَن عَرَفَ أطاعَ ، حَرَّمَ الحَرامَ ظاهِرَهُ وَباطِنَهُ ، وَلا يَكونُ

.


1- .الإسراء: 94.
2- .التغابن: 6.
3- .الأنعام:8.
4- .وفي آية اُخرى: «لَوْلاَ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ » (الفرقان:7).
5- .الأنعام: 91.
6- .الأنعام: 8 و9.
7- .النساء: 80.

ص: 105

تَحريمُ الباطِنِ وَاستِحلالُ الظّاهِرُ ، وَإنَّما حَرَّمَ الظّاهِرَ بِالباطِنِ وَالباطِنَ بِالظّاهِرِ مَعاً جَميعاً ، وَلا يَكونُ الأصلُ وَالفُروعُ وَباطِنُ الحَرامِ حرامٌ وظاهِرُهُ حَلالٌ ، وَلا يَحرُمُ الباطِنُ وَيَستَحيلُ الظّاهِرُ ، وَكذلِكَ لا يَستَقيم إلاّ يَعرِفَ صلاةَ الباطِنِ وَلا يَعرفَ صَلاةَ الظّاهِرِ ، وَلا الزَّكاةَ وَلا الصَّومَ ، وَلا الحَجَّ وَلا العُمرَةَ وَالمَسجِدَ الحَرامَ ، وَجَميعَ حُرُماتِ اللّهِ وشعائِرِهِ ، وَإن تَرَكَ مَعرِفَةَ الباطِنِ لِأنَّ باطِنَهُ ظَهرُهُ ، وَلا يَستَقيمُ إنَّ تَركَ واحِدَةً مِنها إذا كانَ الباطِنُ حَرَاماً خَبيثاً ، فالظّاهِرُ مِنهُ إنَّما يُشبِهَ الباطِنَ بالِظّاهِرِ فَمَن زَعَمَ أنّ ذلِكَ إنّما هِيَ المَعرِفَةُ ، إنَّهُ إذا عَرَفَ اكتَفى بِغَير طاعَةٍ ، فَقَد كَذّبَ وَأشرَكَ ، ذاكَ لَم يَعرِف وَلَم يُطِع ، وَإنَّما قيل : اعرِف وَاعمَل ما شِئتَ مِنَ الخَير ؛ فَإنَّهُ لا يُقبَلُ ذلِكَ مِنكَ بِغَيرِ مَعرِفَةٍ فَإذا عَرَفتَ فَأعمَل لِنَفسِكَ ما شِئتَ مِنَ الطّاعَةِ ، قَلَّ أو كَثُر ، فَإنَّهُ مَقبولٌ مِنكَ. أُخبِرُكَ أنَّ مَن عَرَفَ أطاعَ إذا عَرَفَ ، وَصَلَّى وَصامَ وَاعتَمَرَ ، وَعَظَّمَ حُرُماتِ اللّهِ كُلِّها ، وَلَم يَدَع مِنها شَيئاً ، وَعَمَلَ بِالبِرِّ كُلِّهِ وَمَكارِم الأخلاقِ كُلِّها ، وَيَجتَنِبُ سَيِّئها ، وَكُلُّ ذلِكَ هُوَ النّبيُّ صلى الله عليه و آله وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أصلُهُ ، وَهُوَ أصلُ هذا كُلِّهِ ؛ لِأنَّهُ جاءَ وَدَلّ عَلَيهِ وَأمَرَ بهِ ، وَلا يَقبَلُ مِن أحَدٍ شَيئاً مِنهُ إلاّ بِهِ ، وَمَن عَرَفَ اجتَنَبَ الكَبائِرَ وَحَرَّمَ الفَواحِشَ ، ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ وَحَرَّمَ المحارِمَ كُلَّها ؛ لِأنَّ بِمَعرِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وَبِطاعَتِهِ دَخَلَ فيما دَخَلَ فيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، وَخَرَجَ مِمّا خَرَجَ مِنهُ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله ، مَن زَعَمَ أنَّهُ يَملِكُ الحَلالَ وَيُحَرِّمُ الحَرامَ بِغَيرِ مَعرِفُةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، لَم يُحَلِّل اللّهُ حَلالاً وَلَم يُحَرِّم لَهُ حَراماً ، وَأنّهُ مَن صَلَّى وَزَكَّى وَحَجَّ وَاعتَمَرَ ، فَعَلَ ذلِكَ كُلَّهُ بِغَيرِ مَعرِفَةٍ مَن اِفتَرَضَ اللّهُ عَلَيهِ طاعَتَهُ لَم يَقبَل مِنهُ شَيئاً مِن ذلِكَ ، وَلَم يُصَلِّ وَلَم يَصُم وَلَم يُزَكِّ وَلَم يَحُجَّ وَلَم يَعتَمِرَ وَلَم يَغتَسِلَ مِنَ الجَنابَةِ ، وَلَم يَتَطّهَر ، وَلَم يُحَرِّمِ اللّهُ حَراماً وَلَم يُحَلِلِّ اللّهُ حَلالاً ، لَيسَ لَهُ صَلاةٌ وإن رَكَعَ وَسَجَدَ ، وَلا لَهُ زَكاةٌ وإن أخرَجَ لِكُلِّ أربَعينَ دِرهَماً وَمَن عَرَفهُ وَأخَذَ عَنهُ أطاعَ اللّهَ .

.

ص: 106

وَأمَّا ما ذَكَرتَ أنَّهُم يَستَحِلونَ نِكاحَ ذَواتِ الأرحامِ الّتي حَرَّمَ اللّهُ في كِتابِهِ ، فَإنَّهُم زَعَموا أنَّهُ إنّما حَرَّمَ عَلَينا بِذلِكَ نِكاحَ نِساءِ النّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَإنَّ أحَقَّ ما بَدأ مِنهُ تَعظيمُ حَقِّ اللّهِ وَكرامَةِ رَسولِهِ وَتَعظيمِ شَأنِهِ ، وَما حَرَّمَ اللّهُ على تابعيهِ ، وَنِكاحِ نِسائِهِ مِن بَعدِ قولِهِ : «وَ مَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوارَسُولَ اللَّهِ وَ لاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَ اجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَ لِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً » (1) وَقالَ اللّهُ تبارَكَ وَتعالى : « النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَ أَزْوَ اجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ» (2) وَهُوَ أبٌ لَهُم ثُمَّ قال : « وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاًوَسَآءَ سَبِيلاً» (3) فَمَن حَرَّمَ نِساءَ النَّبِيِّ لِتَحريمِ اللّهِ ذلِكَ فَقد حَرَّمَ اللّهُ في كِتابِهِ العَمّاتِ وَالخالاتِ ، وَبَناتِ الأخِ وَبَنات الأُختِ ، وما حَرَّمَ اللّهُ مِنَ إرضاعِهِ لِأنَّ تحرم ذلِكَ تَحريمُ نِساءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وَمَن حَرَّمَ ما حَرَّمَ اللّهُ مِنَ الأُمَّهاتِ وَالبَناتِ ، وَالأخَواتِ والعَمَّاتِ ، من نِكاحِ نِساءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وَمَن استَحَلّ ما حَرَّمَ اللّهُ فَقَد أشرَكَ إذا اتَّخَذَ ذلِكَ ديناً . وَأمّا ما ذَكَرتَ أنَّ الشّيعَةَ يَتَرادَفونَ المَرأةَ الواحِدَةَ ، فَأعوذُ باللّهِ أن يَكونَ ذلِكَ مِن دينِ اللّهِ وَرَسولِهِ ، إنَّما دينُهُ أن يُحِلَّ ما أحَلَّ اللّهُ وَيُحَرِّمَ ما حَرَّمَ اللّهُ ، سَواء إنَّ ما أحَلَّ اللّهُ مِنَ النِّساءِ في كتابِ المُتعَةِ في الحَجِّ أجلهما (4) ثُمَّ لَم يُحَرِّمُهما ، فَإذا أرادَ الرَّجُلُ المُسلِمُ أن يَتَمتَّعَ مِنَ المَرأةِ فَعَلى كِتابِ اللّهِ وَسُنَّتِهِ ، نِكاحٌ غَيرَ سِفاحٍ ، تَراضَياً على ما أحَبّا مِنَ الأُجرَةِ وَالأجَلِ كما قالَ اللّهُ : «فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَ_اتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَجُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَ اضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ » (5) إن هُما أحَبّا أن يُمِدّا

.


1- .الأحزاب: 53.
2- .الأحزاب: 6.
3- .النساء: 22.
4- .الظاهر أنّه : « أحلّهما » بدل «أجلهما » .
5- .النساء: 24.

ص: 107

في الأجَلِ على ذلِكَ الأجرِ ، فَآخِرُ يَومٍ مِن أجَلِها قَبلَ أن يَنقَضِيَ الأجَلُ قَبلَ غُروبِ الشَّمسِ مَدّا فيهِ وَزادا في الأجَلِ ما أحَبّا ، فَإن مَضى آخِرُ يَومٍ مِنهُ لَم يَصلُح إلاّ ما أمَرَ مستقبل (1) وَليسَ بَينَهُما عِدَّةٌ مِن سِواهُ ؛ فَإنَّهُ اتحادت سِواهُ اعتَدَّت خَمسَةً وَأربَعينَ يَوماً ، وَلَيس بَينَهُما ميراثٌ ، ثُمَّ إن شاءَت تَمَتَّعَت مِن آخَرَ ، فَهَذا حَلالٌ لَهُما إلى يَومِ القِيامَةِ إن هِيَ شاءَت مِن سَبعَةٍ ، وإن هِيَ شاءَت مِن عِشرينَ إن ما بَقِيَت في الدُّنيا ، كُلُّ هذا حَلالٌ لَهُما على حُدودِ اللّهِ ، وَمَن يَتَعَدَّ حُدودَ اللّهِ فَقَد ظَلَم نَفسَهُ . وَإذا أرَدتَ المُتعَةَ في الحَجِّ فَأحرِم مِنَ العَقيقِ وَاجعَلها مُتعَةً ، فَمَتى ما قَدَّمتَ طُفتَ بِالبَيتِ وَاستَلَمتَ الحَجَرَ الأسوَدَ ، وَفَتَحتَ بِهِ وَخَتَمتَ سَبَعَةَ أشواطٍ ، ثُمَّ تُصَلِّي رَكعَتَينِ عِندَ مَقامِ إبراهيمَ ، ثُمَّ اخرُج مِنَ البَيتِ فَاسعَ بَينَ الصَّفا وَالمَروَةِ سَبعَة أشواطٍ ، تَفتَحُ بِالصَّفا وَتَختِمُ بِالمَروَةِ ، فَإذا فَعَلتَ ذلِكَ فَصَبرتَ حَتّى إذا كانَ يَومُ التّروِيَةِ صَنَعتَ ما صَنَعتَ بِالعَقيقِ ، ثُمَّ احرِمَ بَينَ الرُّكنِ وَالمَقامِ بِالحَجِّ ، فَلَم تَزَل مُحرِماً حَتّى تَقِفَ بِالمَوقِفِ ثُمَّ تَرمي الجَمَراتِ وَتَذبَحُ وَتُحِلُّ وَتَغتَسِلُّ ، ثُمَّ تَزورُ البَيتَ فَإذا أنتَ فَعَلتَ ذلِكَ فَقَد أحلَلتَ وَهُوَ قَولُ اللّهِ : «فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ» (2) أن تذبَحَ . وَأمَّا ما ذَكَرتَ أنَّهُم يَستَحِلّونَ الشَّهاداتِ بعضُهم لِبَعضٍ على غَيرِهِم ، فَإنّ ذلِكَ لَيسَ هُوَ إلاّ قَولُ اللّهِ : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِى الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ» (3) إذا كانَ مُسافِراً وَحَضَرَهُ المَوتُ اثنانِ ذَوا عَدلٍ مِن دينِهِ ، فَإن لَم يَجِدوا فَآخَرَانِ مِمَّن يَقرَأُ القُرآنَ مِن غَيرِ أهلِ وِلايَتِهِ يَحبِسونَهُما مِن

.


1- .الظّاهر أنّه : « بأمر مستقبل » .
2- .البقرة: 196.
3- .المائدة: 106.

ص: 108

بَعدِ الصَّلاةِ ، فَيُقسِمانِ بِاللّهِ إن ارتَبتُم لا نَشتَري بِهِ ثَمَناً قَليلاً ، وَلَو كانَ ذا قُربى ، وَلا نَكتُمُ شَهادَةَ اللّهِ ، إنّا إذاً لَمِنَ الآثِمينَ ، فإن عَثَرَ عَلى أنَّهُما استَحَقّا إثماً فَآخَرانِ يَقومانِ مَقامَهُما مِنَ الّذي استَحَقَّ عَلَيهِم الأُولَيانِ مِن أهلِ وِلايَتِهِ فَيُقسِمانِ بِاللّهِ لَشَهادَتُنا أحقُّ مِن شَهادَتِهِما وَما اعَتدَينا ، إنّا إذاً لَمِنَ الظّالِمينَ ، ذلِكَ أدنى بِالشَّهادَةِ على وَجهِها ، أو تَخافوا أن تَرُدَّ إيماناً بَعدَ إيمانِهِم وَاتَّقوا اللّهَ واسمَعوا (1) ، وَكانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقضي بِشهادَةِ رَجُلٍ واحِدٍ مَعَ يَمينِ المُدَّعي ، ولا يُبطِلُ حَقَّ مُسلِمٍ وَلا يَرُدُّ شَهادَةَ مُونٍ ، فإذا أخَذَ يَمينَ المُدَّعي وَشهادَةَ الرَّجُلِ قَضى لَهُ بِحَقِّهِ ، وَلَيسَ يَعمَلُ بِهذا ، فَإذا كانَ لِرَجُلٍ مُسلمٍ قَبلَ آخَرَ حَقٌّ يَجحَدُهُ وَلَم يَكُن شاهِدٌ غَيرَ وَاحِدٍ ، فَإنَّهُ إذا رَفَعَهُ إلى وِلايَةِ الجَورِ أبطَلوا حَقّهُ وَلَم يَقضوا فيها بِقَضاءِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، كانَ الحَقُّ في الجَورِ أن لا يُبطِلَ حَقَّ رَجُلٍ فَيَستَخرِجَ اللّهُ عَلى يَدَيهِ حَقَّ رَجُلٍ مُسلمٍ ويُؤجرَهُ اللّهُ وَيَجي عَدلاً ، كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَعمَلُ بِهِ . وَأمّا ما ذَكَرتَ في آخِرِ كتابِكَ أنَّهُم يَزعُمونَ أنَّ اللّهَ رَبُّ العالَمينَ هُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، وَأنَّكَ شَبَّهتَ قَولَهُم بِقَولِ الّذينَ قالوا في عَلِيٍّ ما قالوا فَقَد عَرَفتَ أنّ السُّنَنَ وَالأمثالَ كايِنَةُ لَم يَكُن شَيءٌ فيما مَضى إلاّ سَيَكونُ مِثلُهُ حَتّى لَو كانَت شاةٌ بِشاةٍ وَكان هاهُنا مِثلُهُ . وَاعلَم أنَّهُ سَيَضِلُّ قَومٌ بِضَلالَةِ مَن كانَ قَبلَهُم فَكَتبتَ تَسألُني عَن مِثلِ ذلِكَ ما هُوَ

.


1- .إشارة إلى قوله تعالى : « يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَ_دَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِى الْأَرْضِ فَأَصَ_بَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَوةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِى بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَاقُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَ_دَةَ اللَّهِ إِنَّ_آ إِذًا لَّمِنَ الْأَثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّآ إِثْمًا فَئاخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَ_نِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَ_دَتُنَآ أَحَقُّ مِن شَهَ_دَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَآ إِنَّ_آ إِذًا لَّمِنَ الظَّ__لِمِينَ * ذَ لِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَ_دَةِ عَلَى وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَ_نٌ بَعْدَ أَيْمَ_نِهِمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَ_سِقِينَ » ( المائدة : 106 _ 108 ) .

ص: 109

وَما أرادوا بِهِ . أُخبِرُكَ أنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى هُوَ خَلَقَ الخَلقَ لا شريكَ لَهُ ، لَهُ الخَلقُ وَالأمرُ ، وَالدُّنيا وَالآخِرَةُ ، وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيءٍ وَخالِقُهُ ، خَلَقَ الخَلقَ وَأحَبَّ أنْ يَعرِفوهُ بِأنبِيائِهِ ، وَاحتَجَّ عَلَيهم بِهِم ، فالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله هُوَ الدَّليلُ عَلى اللّهِ ، عَبدٌ مَخلوقٌ مَربوبٌ اصطفاهُ نَفسُهُ رِسالَتَهُ وَأكرَمَهُ بِها فَجُعِلَ خَليفَتَهُ في خَلقِهِ وَلِسانَهُ فيهِم وَأمينَهُ عَلَيهِم وَخازِنَهُ في السَّمواتِ وَالأرضينَ ، قَولُهُ قَولُ اللّهِ لا يَقولُ على اللّهِ إلاّ الحَقَّ ، مَن أطاعَهُ أطاعَ اللّهَ ، وَمَن عصاهُ عَصى اللّهَ ، وَهُوَ مَولى مَن كانَ اللّهُ رَبَّهُ وَوَلِيّهُ ، مَن أبى أن يُقِرَّ لَهُ بِالطّاعَةِ فَقَد أبى أن يُقِرَّ لِرَبِّهِ بِالطّاعَةِ وَبِالعُبوديَةِ ، وَمَن أقَرَّ بِطاعَتِهِ أطاعَ اللّهَ وَهَداهُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، مَولى الخَلقِ جَميعاً عَرَفوا ذلِكَ وَأنكروهُ ، وَهُوَ الوالِدُ المَبرورُ فيمَن أحَبَّهُ وَأطاعَهُ وَهُوَ الوالِدُ البارُّ وَمُجانِبُ الكبائِرِ . قَد كَتَبتُ لَكَ ما سَألتَني عَنهُ ، وَقَد عَلِمتُ أنَّ قوماً سَمِعوا صَنعَتَنا هذهِ فَلَم يَقولوا بِها ، بَل حَرَّفوها وَوَضعوها على غَيرِ حُدودِها على نَحوِما قَد بَلغَكَ ، وَاحذَر مِنَ اللّهِ وَرَسولِهِ وَمَن يَتَعَصَّبونَ بِنا أعمالَهُم الخَبيثَةَ ، وَقَد رَمانا النّاسُ بِها ، وَاللّهُ يَحكُمُ بَينَنا وَبَينَهُم فَإنَّهُ يَقولُ : «الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ » (1) . وَأمّا ما كَتَبتَ وَنَحوَهُ وَتَخَوَّفتَ أن يَكونَ صِفَتُهم مِن صِفَة فَقَد أكرَمَهُ اللّهُ تَعالى عز و جلعَمّا يَقولونَ عُلُواً كَبيراً . صِفَتي هذهِ صِفَةُ صاحِبِنا الّتي وَصَفنا لَهُ ، وَعندَنا أخذنا فَجَزاهُ اللّهُ عَنّا أفضَلَ الحَقِّ ، فَإنَّ جَزاءَهُ عَلى اللّهِ فَتَفَهَّم كِتابي هذا وَاتّقوه للّهِِ . (2)

.


1- .النور:23 _ 25.
2- .بصائر الدرجات : ص526 ح1 ، بحار الأنوار: ج24 ص286 ح1 نقلاً عنه وراجع : دعائم الإسلام : ج1 ص51 .

ص: 110

22 . رسالته عليه السلام إلى شيعته وأصحابه فيما يجب أن يكونوا عليه

22رسالته عليه السلام إلى شيعته وأصحابهفيما يجب أن يكونوا عليهمحمّد بن يعقوب الكليني قال : حدّثني عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضّال ، عن حفص المون 1 ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام . وعن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر 2 ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنّه كتب بهذه

.

ص: 111

الرّسالة إلى أصحابه ، وأمرهم بمدارستها والنّظر فيها ، وتعاهدها والعمل بها ، فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم فإذا فرغوا من الصّلاة نظروا فيها. قال : وحدّثني الحسن بن محمّد ، عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفيّ ، عن القاسم بن الرّبيع الصّحّاف ، عن إسماعيل بن مخلّد السّرّاج (1) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : خرجت هذه الرّسالة من أبي عبد اللّه عليه السلام إلى أصحابه : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أمّا بَعدُ ، فاسألوا رَبَّكُم العافِيَةَ ، وَعَلَيكُم بِالدَّعَةِ وَالوَقارِ وَالسَّكينَةِ ، وَعَلَيكُم بِالحياءِ وَالتَّنَزُّهِ عَمّا تَنَزَّهَ عَنهُ الصّالِحونَ قبلَكُم ، وَعَلَيكُم بِمُجامَلَةِ أهلِ الباطِلِ ، تَحَمّلوا الضَّيمَ مِنهُم . وَإيّاكُمَ وَمماظتهم ، دينوا فيما بَينَكُم وَبَينَهُم ، إذا أنتُم جالَستُموهُم وَخالَطتُموهُم وَنازَعتُموهُم الكلامَ فإنَّهُ لا بُدَّ لَكُم مِن مُجالَسَتِهِم وَمُخالَطَتِهِم وَمُنازَعَتِهِم الكَلامَ بِالتَّقِيَّةِ الّتي أمَرَكُم اللّهُ أن تَأخُذوا بِها فيما بَينَكُم وَبَينَهُم فَإذا ابتُليتُم بِذلِكَ مِنهُم فَإنّهُم سَيُوونَكُم ، وَتَعرِفونَ في وُجوهِهِم المُنكَرَ وَلَولا أنَّ اللّهَ تَعالى يَدفَعُهُم عَنكُم لَسَطَوا بِكُم ، وَما في صدورِهِم مِنَ العَداوَةِ وَالبَغضاءِ أكثَرُ مِمّا يُبدونَ لَكُم . مَجالِسُكُم وَمَجالِسُهُم واحِدَةٌ وَأرواحُكُم وَأرواحُهُم مُختَلِفَةٌ لا تَأتَلِفُ ، لا تُحِبّونَهُم أبَداً وَلا يُحبِّونَكُم ، غَيرَ أنَّ اللّهَ تَعالى أكرَمَكُم بِالحَقِّ وَبَصَّرَكموهُ ، وَلَم يَجعَلُهم مِن أهلِهِ فَتُجامِلونَهُم وَتَصبِرونَ عَلَيهِم وَهُم لا مُجامَلَةَ لَهُم وَلا صَبَر لَهُم على شَيءٍ ، وَحِيَلُهُم وَسواسُ بَعضِهِم إلى بَعضٍ ؛ فَإنَّ أعداءَ اللّهِ إنِ استَطاعوا صَدّوكُم عَنِ الحَقِّ ، فَيَعصِمُكُمُ اللّهُ مِن ذلِكَ ، فَاتّقوا اللّهَ وَكُفّوا ألسِنَتَكُم إلاّ مِن خَيرٍ .

.


1- .محدث إماميّ ، مجهول الحال ، وقيل : مهمل ، روى عنه القاسم بن ربيع الصّحّاف . (راجع : تنقيح المقال : ج 1 ص 144 ، معجم رجال الحديث : ج 4 ص 95 ح 1438 ، جامع الرواة : ج 1 ص 103 ، أعيان الشيعة : ج 3 ص 431) .

ص: 112

وَإيّاكُم أن تُزلِقوا ألسِنَتَكُم بِقَولِ الزّورِ وَالبُهتانِ وَالإثمِ وَالعُدوانِ ؛ فَإنَّكُم إن كَفَفتُم ألسَنِتَكم عَمّا يَكرَهُهُ اللّهُ مِمّا نَهاكُم عَنهُ كانَ خَيراً لَكُم عِندَ رَبِّكُم مِن أن تُزلِقوا ألسِنَتَكُم بِهِ ، فإنَّ زَلَقَ اللِّسانِ فيما يَكرَهُ اللّهُ وَما يَنهى عَنهُ مَرداةٌ لِلعَبدِ عِندَ اللّهِ ، وَمَقتٌ مِنَ اللّهِ وَصَمٌّ وَعَمىً وَبَكَمٌ يُورِثُهُ اللّهُ إيّاهُ يَومَ القِيامَةِ ، فَتَصيروا كَما قالَ اللّهُ : «صُمُّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ » (1) يَعني لا يَنطِقونَ «وَ لاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ » (2) . وَإيّاكُم وما نَهاكُمُ اللّهُ عَنهُ أن تَركَبوهُ وَعَلَيكُم بِالصَّمتِ ، إلاّ فيما يَنفَعُكُم اللّهُ بِهِ مِن أمرِ آخِرَتِكُم وَيُؤجِرُكُم عَلَيهِ ، وَأكثِروا مِنَ التَّهليلِ وَالتَّقديسِ وَالتَّسبيحِ وَالثَّناءِ عَلى اللّهِ ، وَالتَّضَرُّع إلَيهِ وَالرَّغبَةِ فيما عِندَهُ مِنَ الخَيرِ الّذي لا يُقَدِّرُ قَدرَهُ وَلا يَبلُغُ كُنهَهُ أحَدٌ ، فاشغَلوا أَلسِنَتَكُم بِذلِكَ عَمّا نَهى اللّهُ عَنهُ مِن أقاويلِ الباطِل الّتي تُعقِبُ أهلَها خُلوداً في النّارِ ، مَن ماتَ عَلَيها وَلَم يَتُب إلى اللّهِ وَلَم يَنزَع عَنها . وَعَلَيكُم بِالدُّعاءِ ، فإنَّ المُسلِمينَ لَم يُدرِكوا نَجاحَ الحَوائِجِ عِندَ رَبِّهِم بِأفضَلَ مِنَ الدُّعاءِ وَالرَّغبَةِ إلَيهِ ، وَالتَّضَرُّعِ إلى اللّهِ ، وَالمَسألَةِ لَهُ فارغَبوا فيما رَغَّبَكُمُ اللّهُ فيهِ ، وَأجيبوا اللّهَ إلى ما دَعاكُم إلَيهِ ، لِتُفلِحوا وَتَنجوا مِن عَذابِ اللّهِ . وَإيّاكُم أن تَشرَهَ أنفسُكُم إلى شَيءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللّهُ عَلَيكُم ، فإنَّهُ مَنِ انتَهَكَ ما حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ هاهُنا فِي الدُّنيا ، حالَ اللّهُ بَينَهُ وَبَينَ الجَنَّةِ وَنَعيمِها وَلَذَّتِها وَكَرامَتِها القائِمَةِ الدّائِمَةِ لاِلِ الجَنَّةِ أبدَ الآبدينَ. وَاعلَموا أنَّهُ بِئسَ الحَظُّ الخَطَرُ لِمَن خاطَرَ اللّهَ بِتَرِكِ طاعَةِ اللّهِ ، وَرُكوبِ مَعصِيَتِهِ ، فاختارَ أن يَنتَهِكَ مَحارِمَ اللّهِ في لَذَّاتِ دُنيا مُنقَطِعَةٍ زائِلِةٍ عَن أهلِها ، على خُلودِ نَعيمٍ في الجَنَّةِ وَلذّاتِها وَكَرامَةِ أهلِها ، وَيلٌ لاُِولئِكَ ما أخيَبَ حَظّهُم ! وَأخسَرَ كَرَّتَهُم ! وَأسوَأ حالَهُم عِندَ رَبِّهِم يَومَ القِيامَةِ ! استَجيروا اللّهَ أن يُجيرَكُم في مِثالِهِم أبَداً ، وَأن

.


1- .البقرة: 18.
2- .المرسلات : 36 .

ص: 113

يَبتَليكُم بِما ابتَلاهُم بِهِ ، وَلا قُوَّةَ لَنا وَلكُم إلاّ بِهِ . فاتّقوا اللّهَ أيَّتُها العِصابَةُ النّاجِيَةُ إن أتَمَّ اللّهُ لَكُم ما أعطاكُم بِهِ ؛ فإنَّهُ لا يَتِمُّ الأمرُ حَتّى يَدخُلَ عَلَيكُم مِثلُ الّذي دَخَلَ عَلى الصَّالِحينَ قَبلَكُم وَحَتّى تَبتَلوا في أنفُسِكُم وَأموالِكُم وَحَتّى تَسمَعوا مِن أعداءِ اللّهِ أذىً كثيراً ، فَتَصبروا وَتَعرُكوا بِجُنوبِكُم ، وَحَتّى يَستَذِلّوكُم وَيُبغِضوكُم ، وَحَتّى يَحمِلوا عَلَيكُم الضَّيمَ فَتَحمَّلوا مِنهُم تَلتَمِسونَ بِذلِكَ وَجهَ اللّهِ وَالدّارَ الآخِرَةَ ، وَحَتّى تَكظُموا الغَيظَ الشَّديدَ فِي الأذى فِي اللّهِ عز و جليَجتَرِمونَهُ إلَيكُم ، وَحَتّى يُكَذِّبوكُمُ بِالحَقِّ وَيُعادوكُم فيهِ وَيُبغِضوكُم عَلَيهِ ، فَتَصبروا على ذلِكَ مِنهُم ، وَمِصداقُ ذلِكَ كُلِّهِ في كتابِ اللّهِ الذي أنزَلَهُ جَبرئيلُ عليه السلام على نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله ، سَمِعتُم قولَ اللّهِ عز و جل لِنَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله : «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ» . (1) ثُمَّ قالَ : «وَ إِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا» (2) فَقَد كُذِّبَ نَبِيُّ اللّهِ وَالرُّسُلُ مِن قَبلِهِ وَأُوذوا مَعَ التَّكذيبِ بِالحَقِّ ، فإن سَرَّكُم أمرُ اللّهِ فِيهِم الّذي خَلَقَهُم لَهُ في الأصلِ [أصل الخلق] مِنَ الكُفرِ الّذي سَبَقَ في عِلمِ اللّهِ أن يَخلُقَهُم لَهُ في الأصلِ ، وَمِنَ الّذينَ سَماهُم اللّهُ في كِتابِهِ في قَوله : « وَ جَعَلْنَ_هُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ » (3) ، فَتَدَّبروا هذا وَاعقِلوهُ وَلا تَجهَلوهُ ؛ فإنَّهُ مَن يَجهَل هذا وأشباهَهُ مِمّا افتَرَضَ اللّهُ عَلَيهِ في كتابِهِ مِمّا أمَرَ اللّهُ بهِ وَنَهى عَنهُ تَرَكَ دينَ اللّهِ وَرَكِبَ مَعاصيهِ ، فاستَوجَبَ سَخَطَ اللّهِ فأكبَّهُ اللّهُ على وَجهِهِ في النّارِ. وَقالَ : أيَّتُها العِصابَةُ المَرحومَةُ المُفلِحَةُ ، إنّ اللّهَ أَتمَّ لَكُم ما آتاكُم مِنَ الخَيرِ ، وَاعلَموا أنَّهُ لَيسَ مِن عِلمِ اللّهِ وَلا مِن أمرِهِ أن يأخُذَ أحَدٌ مِن خَلقِ اللّهِ في دينِهِ بِهَوى

.


1- .الأحقاف: 35.
2- .هذا قريب من آيتين أوّله في سورة الحجّ:42 وفاطر:3 و25 وآخره في سورة الأنعام: 34.
3- .القصص : 41 .

ص: 114

وَلا رأيٍ وَلا مَقاييسَ ، قَد أنزَلَ اللّهُ القُرآنَ وَجَعَلَ فيهِ تَبيانَ كُلِّ شَيءٍ ، وَجَعَلَ لِلقُرآنِ وَلِتَعَلُّمِ القُرآنِ أهلاً لا يَسَعُ أهلَ عِلمِ القُرآنِ الّذينَ آتاهُمُ اللّهُ عِلمَهُ أن يَأخُذوا فيهِ بِهَوى وَلا رَأيٍ وَلا مَقاييسَ ، أغناهُمُ اللّهُ عَن ذلِكَ بِما آتاهُم مِن عِلمِهِ ، وَخَصَّهُم بِهِ ، وَوَضَعَهُ عِندَهُم ، كَرامَةً مِنَ اللّهِ أكرَمَهُم بِها ، وَهُم أهلُ الذّكرِ الّذينَ أمَرَ اللّهُ هذهِ الأُمَّةَ بِسُولِهِم ، وَهُم الّذينَ مَن سَألَهُم _ وَقَد سَبَق في عِلمِ اللّهِ أن يُصَدِّقَهُم وَيَتَّبِعَ أثَرَهُم _ أرشَدوهُ وَأعطَوهُ من عِلمِ القُرآنِ ما يَهتدي بِهِ إلى اللّهِ بِإذنِهِ ، وإلى جَميعِ سُبُلِ الحَقِّ ، وَهُمُ الّذينَ لا يُرغَبُ عَنهُم وَعَن مَسأَلتِهِم وَعَن عِلمِهِم الّذي أكرَمَهُمُ اللّهُ بِهِ ، وَجَعَلَهُ عِندَهُم ، إلاّ مَن سَبَقَ عَلَيهِ في عِلمِ اللّهِ الشّقاءُ في أصلِ الخَلقِ ، تَحتَ الأظِلَّةِ ، فَأولئِكَ الّذينَ يَرغَبونَ عَن سُولِ أهلِ الذِّكرِ ، وَالّذينَ آتاهُمُ اللّهُ عِلمَ القُرآنِ ، وَوَضَعَهُ عِندَهُم ، وَأمَرَ بِسُولِهِم ، وَأُولئِكَ الّذينَ يَأخذونَ بِأهوائِهِم وَآرائِهِم وَمَقائيسِهِم ، حَتّى دَخَلَهُم الشَّيطانُ ؛ لِأنَّهُم جَعَلوا أهلَ الإيمانِ في عِلمِ القُرآنِ عِندَ اللّهِ كافرينَ ، وَجَعَلوا أهلَ الضَّلالَةِ في عِلمِ القُرآنِ عِندَ اللّهِ مُونينَ ، وَحَتّى جَعَلوا ما أحَلَّ اللّهُ في كَثيرٍ مِنَ الأمرِ حَراماً ، وَجَعَلوا ما حَرَّمَ اللّهُ في كَثيرٍ مِنَ الأمرِ حَلالاً ، فذلِكَ أصلُ ثَمَرَةِ أهوائِهِم . وَقَد عَهِدَ إلَيهمِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَبلَ مَوتِهِ فَقالوا : نَحنُ بَعدَ ما قَبَضَ اللّهُ عز و جل رَسولَهُ يَسَعُنا أن نَأخُذَ بِما اجتَمَعَ عَلَيهِ رَأيُ النّاسِ بَعدَ ما قَبَضَ اللّهُ عز و جل رَسولَهُ صلى الله عليه و آله ، وَبَعدَ عَهدِهِ الّذي عَهِدَهُ إلَينا وَأمَرَنا بِهِ ، مخُالِفا للّهِِ وَلِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، فَما أحَدٌ أجَرأُ عَلى اللّهِ وَلا أبيَنُ ضَلالَةً مِمَّن أخَذَ بِذلِكَ ، وَزَعَمَ أنَّ ذلِكَ يَسَعُهُ ، وَاللّهِ إنَّ للّهِِ على خَلقِهِ أن يُطيعوهُ وَيَتَّبِعوا أمرَهُ في حَياةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَبَعدَ مَوتِهِ ، هَل يَستَطيعُ أولئِكَ أعداءُ اللّهِ أن يَزعُموا أنَّ أحَدَاً مِمَّن أسلَمَ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، أخَذَ بِقَولِهِ وَرَأيِهِ وَمَقائيسِهِ ؟ فإن قالَ : نَعَم ، فَقَد كَذَّبَ عَلى اللّهِ وَضَلَّ ضَلالاً بَعيداً . وَإن قالَ : لا ، لَم يَكُن لِأحَدٍ أن يأخُذَ بِرَأيِهِ وَهَواهُ وَمَقاييسِهِ ، فَقَد أقرَّ بِالحُجَّةِ على نَفسِهِ ، وَهُوَ مِمَّن يَزعُمُ أنَّ اللّهَ يُطاعُ

.

ص: 115

وَيُتَّبَعُ أمرِهِ بَعدَ قَبضِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . وَقَد قالَ اللّهُ وَقَولُهُ الحَقُّ : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئا وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ » . (1) وَذلِكَ لِتَعلَموا أنَّ اللّهَ يُطاعُ وَيُتَّبَعُ أمرُهُ في حَياةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَبَعدَ قَبضِ اللّهِ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله ، وَكما لَم يَكُن لِأحَدٍ مِنَ النّاسِ مَعَ مُحَمّدٍ صلى الله عليه و آله أن يأخُذَ بِهَواهُ وَلا رأيِهِ وَلا مقائيسِهِ خِلافاً لِأمرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَكذلِكَ لَم يَكُن لِأحَدٍ مِنَ النّاسِ بَعدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أن يأخُذَ بِهَواهُ وَلا رأيِهِ وَلا مقائيسِهِ . وَقالَ : دَعوا رَفعَ أيديَكُم في الصَّلاةِ إلاّ مَرَّةً وَاحِدَةً حينَ تُفتَتَحُ الصَّلاةُ ، فإنَّ النّاسَ قَد شَهَروكُم بِذلِكَ ، وَاللّهُ المُستَعانُ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاّ باللّهِ . وَقالَ : أكثرِوا مِن أن تَدعوا اللّهَ ، فإنّ اللّهَ يُحِبُّ مِن عِبادِهِ المُونينَ أن يَدعوهُ ، وَقَد وَعَدَ اللّهُ عِبادَهُ المُونينَ بِالاستِجابَةِ ، وَاللّهُ مُصَيِّرُ دُعاءَ المُونينَ يَومَ القِيامَةِ لَهُم عَمَلاً يَزيدُهُم بِهِ في الجَنَّةِ فأكثِروا ذِكرَ اللّهِ ما استَطعتُم في كُلِّ ساعَةٍ من ساعاتِ اللّيلِ وَالنَّهارِ ، فإنَّ اللّهَ أمَرَ بِكَثرَةِ الذِّكرِ لَهُ ، وَاللّهُ ذاكِرٌ لِمَن ذَكَرَهُ مِنَ المُونينَ ، وَاعلَموا أنَّ اللّهَ لَم يَذكُرهُ أحَدٌ مِن عبادِهِ المُونينَ إلاّ ذَكَرَهُ بِخَيرٍ فَأعطوا اللّهَ مِن أنفُسِكُم الاجتِهادَ في طاعَتِهِ فإنَّ اللّهَ لا يُدرَكُ شَيءٌ مِنَ الخَيرِ عِندَهُ إلاّ بِطاعَتِهِ وَاجتِنابِ مَحارِمِهِ الّتي حَرَّمَ اللّهُ في ظاهِرِ القُرآنِ وَباطِنِهِ ، فإنّ اللّهَ تَبارَكَ وَتعالى قالَ في كتابِهِ ، وَقَولُهُ الحَقُّ : «وَذَرُوا ظَاهِرَ الاْءِثْمِ وَبَاطِنَهُ» (2) وَاعلَموا أنَّ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ أن تَجتَنِبوهُ فَقَد حَرَّمَهُ ، وَاتَّبِعوا آثارَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَسُنّتَهُ فَخُذوا بِها وَلا تَتَّبِعوا أهواءَكُم وَآراءَكُم فَتَضِلُّوا فإنَّ

.


1- .آل عمران: 144.
2- .الأنعام: 120.

ص: 116

أضَلَّ النّاسِ عِندَ اللّهِ مَنِ اتَّبَعَ هَواهُ وَرَأيَهُ بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللّهِ . وَأحسِنوا إلى أنفُسِكُم ما استَطعتُم ، فإن أحسَنتُم أحسَنتُم لِأنفُسِكُم ، وَإن أسَأتُم فَلَها وَجامِلوا النّاسَ وَلا تَحمِلوهُم على رِقابِكُم ، تَجمَعوا مَعَ ذلِكَ طاعَةَ رَبِّكُم . وَإيّاكُم وَسَبَّ أعداءِ اللّهِ حَيثُ يَسمَعونَكُم ، فَيَسُبّوا اللّهَ عَدوَاً بِغَيرِ عِلمٍ ، وَقَد يَنبَغي لَكُم أن تعلموا حَدَّ سَبِّهِم للّهِِ كَيفَ هُوَ ؟ إنَّهُ مَن سَبَّ أولِياءَ اللّهِ فَقَدِ انتَهَكَ سَبَّ اللّهِ ، وَمَن أظلَمُ عِندَ اللّهِ مِمَّن استَسَبَّ للّهِِ وَلِأولياءِ اللّهِ ؟ فَمَهلاً مَهلاً ، فَاتَّبِعوا أمرَ اللّهِ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ . وَقالَ : أيَّتُها العِصابَةُ الحافِظُ اللّهُ لَهُم أمرَهُم ، عَلَيكُم بِآثارِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَسُنَّتِهِ ، وَآثارِ الأئِمَّةِ الهُداةِ مِن أهلِ بَيتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله من بَعدِهِ وَسُنَّتِهمِ ، فإنَّهُ مَن أخَذَ بِذلِكَ فَقَدِ اهتَدى وَمَن تَرَكَ ذلِكَ وَرَغِبَ عَنهُ ضَلَّ ، لِأنَّهُم هُمُ الّذينَ أمَرَ اللّهُ بِطاعَتِهِم وَوِلايَتِهِم ، وَقَد قالَ أبونا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : المُداوَمَة عَلى العَمَلِ في اتِّباعِ الآثارِ وَالسُّنَنِ وإن قَلَّ أرضى للّهِِ وَأنفَعُ عِندَهُ فِي العاقِبَةِ مِنَ الاجتِهادِ في البِدَعِ وَاتِّباعِ الأهواءِ ، ألا إنّ اتِّباعَ الأهواءِ وَاتِّباعَ البِدَعِ بِغَيرِ هُدى مِنَ اللّهِ ضَلالٌ ، وَكُلُّ ضَلالَةٍ بِدعَةٌ ، وَكُلُّ بِدعَةٍ فِي النّارِ . وَلَن يُنالَ شَيءٌ مِنَ الخَيرِ عِندَ اللّهِ إلاّ بِطاعَتِهِ وَالصَّبرِ وَالرِّضا ؛ لاِ الصَّبرَ وَالرِّضا مِن طاعَةِ اللّهِ . وَاعلَموا أنَّهُ لَن يُونَ عَبدٌ مِن عَبيدِهِ حَتّى يَرضى عَنِ اللّهِ فيما صَنَعَ اللّهُ إلَيهِ ، وَصَنَعَ بِهِ ، على ما أحَبَّ وَكَرِهَ ، وَلَن يَصنَعَ اللّهُ بِمَن صَبَرَ وَرَضِيَ عَنِ اللّهِ إلاّ ما هُوَ أهلُهُ ، وَهُو خَيرٌ لَهُ مِمّا أحَبَّ وَكَرِهَ . وَعَلَيكُم بِالمُحافَظَةِ عَلى الصَّلواتِ وَالصَّلاةِ الوُسطى ، وَقوموا للّهِِ قانِتينَ كَما أمَرَ اللّهُ بِهِ المُونينَ في كِتابِهِ مِن قَبلِكُم . وَإيّاكُم وَعَلَيكُم بِحُبِّ المَساكينِ المُسلِمينَ ؛ فَإنَّهُ مَن حَقَّرَهُم وَتَكَبَّرَ عَلَيهِم فَقَد

.

ص: 117

زَلَّ عَن دينِ اللّهِ ، وَاللّهُ لَهُ حاقِرٌ ماقِتٌ ، وَقَد قالَ أبونا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أمرني رَبّي بِحُبِّ المَساكينِ المُسلِمينَ مِنهُم . وَاعلَموا أنَّ مَن حَقَّرَ أحَداً مِنَ المُسلِمينَ ألقى اللّهُ عَلَيهِ المَقتَ مِنهُ وَالمَحقَرَةَ ، حتّى يَمقُتَهُ النّاسُ وَاللّهُ لَهُ أشَدُّ مَقتاً ، فاتّقوا اللّهَ في إخوانِكُم المُسلِمينَ المَساكِينِ ؛ فَإنّ لَهُم عَلَيكُم حَقّاً أن تُحِبّوهُم ، فإنَّ اللّهَ أمَرَ رَسولَهُ صلى الله عليه و آله بِحُبِّهِم ، فَمَن لَم يُحِبَّ مَن أمَرَ اللّهُ بِحُبِّهِ فَقَد عَصى اللّهَ وَرَسولَهُ وَمَن عَصى اللّهَ وَرَسولَهُ وَماتَ على ذلِكَ ماتَ وَهُوَ مِنَ الغاوينَ . وَإيّاكُم وَالعَظَمَةَ وَالكِبرَ ، فإنَّ الكِبرَ رِداءُ اللّهِ عز و جل ، فَمَن نازَعَ اللّهَ رِداءَهُ قَصَمَهُ اللّهُ وَأذلَّهُ يَومَ القِيامَةِ . وَإيّاكُم أن يَبغي بَعضُكُم على بَعضٍ ، فَإنَّها لَيسَت مِن خِصالِ الصّالِحينَ ، فإنَّهُ مَن بَغى صَيَّرَ اللّهُ بَغيَهُ على نَفسِهِ ، وَصارَت نُصرَةُ اللّهِ لِمَن بَغِيَ عَلَيهِ ، وَمَن نَصَرَهُ اللّهُ غَلَب وَأصابَ الظّفَرَ مِنَ اللّهِ . وَإيّاكُم أن يَحسُدَ بَعضُكُم بَعضاً فَإنَّ الكُفرَ أصلُهُ الحَسَدُ . وَإيّاكُم أن تُعينوا على مُسلِمٍ مَظلومٍ فَيَدعو اللّهَ عَلَيكُم وَيُستَجابُ لَهُ فيكُم ، فَإنَّ أبانا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَقولُ : إنَّ دَعوَةَ المُسلِمِ المَظلومِ مُستَجابَةٌ . وَليُعِن بَعضُكُم بَعضاً ، فَإنَّ أبانا رسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَقولُ : إنَّ مَعونَةَ المُسلِمِ خَير وَأعظَمُ أجراً مِن صيامِ شَهرٍ واعتِكافِهِ في المَسجِدِ الحَرامِ . وَإيّاكُم وَإعسارَ أحَدٍ من إخوانِكُم المُسلِمينَ أن تَعسَروهُ بِالشَّيءِ يَكونُ لَكُم قِبَلَهُ وَهُوَ مُعسِرٌ ، فإنَّ أبانا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَقولُ لَيسَ لِمُسلِمٍ أن يُعسِرَ مُسلِماً وَمَن أنظَرَ مُعسِراً أظَلَّهُ اللّهُ بِظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلاّ ظِلُّهُ .

.

ص: 118

وَإيّاكُم _ أيَّتُها العِصابَةُ المَرحومَةُ المُفَضَّلَةُ على مَن سِواها _ وَحَبسَ حُقوقِ اللّهِ قِبَلَكُم يَوماً بَعدَ يَومٍ وَساعَةً بَعدَ ساعَةٍ فإنَّهُ مَن عَجَّلَ حُقوقَ اللّهِ قِبَلَهُ كانَ اللّهُ أقدَرَ على التَّعجيلِ لَهُ إلى مُضاعَفَةِ الخَيرِ في العاجِلِ وَالآجِلِ وَإنَّهُ مَن أخَّرَ حُقوقَ اللّهِ قِبَلَهُ كانَ اللّهُ أقدَرَ على تَأخيرِ رِزقِهِ ، وَمَن حَبَس اللّهُ رِزقَهُ لَم يَقدِر أن يَرزُقَ نَفسَهُ ، فَأدّوا إلى اللّهِ حَقَّ ما رَزَقَكُم ، يُطَيِّبِ اللّهُ لَكُم بَقِيَّتَهُ وَيُنجزِ لَكُم ما وَعَدَكُم مِن مُضاعَفَتِهِ لَكُم الأضعافَ الكَثيرَةَ الّتي لا يَعلَمُ عَدَدَها وَلا كُنهَ فَضلِها إلاّ اللّهُ رَبُّ العالَمينَ . وَقالَ : اتّقوا اللّهَ أيَّتُها العِصابَةُ ، وَإنِ استَطَعتُم أن لا يَكونَ مِنكُم مُحرِجَ الإمامِ ، فَإنَّ مُحرِجَ الإمامِ هُوَ الّذي يَسعى بِأهلِ الصَّلاحِ مِن أتباعِ الإمامِ المُسَلِّمينَ لِفَضلِهِ ، الصَّابِرينَ على أداءِ حَقِّهِ ، العارِفينَ لِحُرمَتِهِ . وَاعلَموا أنّهُ مَن نَزَلَ بِذلِكَ المَنزِلِ عِندَ الإمامِ فَهُوَ مُحرِجُ الإمامِ ، فَإذا فَعَلَ ذلِكَ عِندَ الإمامِ أحرَجَ الإمامَ إلى أن يَلعَنَ أهلَ الصَّلاحِ مِن أتباعِهِ المُسَلِّمينَ لِفَضلِهِ الصّابِرينَ على أداءِ حَقِّهِ ، العارِفينَ بِحُرمَتِهِ ، فإذا لَعَنَهُم لاِءحراجِ أعداءِ اللّهِ الإمامُ ، صارَت لَعَنتُهُ رَحمَةً مِنَ اللّهِ عَلَيهِم ، وَصارَت اللَّعنَةُ مِنَ اللّهِ وَمِنَ المَلائِكَةِ وَرُسلِهِ على أُولئِكَ . وَاعلموا أيَّتُها العِصابَةُ أنَّ السُّنَّةَ مِنَ اللّهِ قَد جَرَت فِي الصّالِحينَ قَبلُ . وَقالَ : مَن سَرَّهُ أن يَلقى اللّهَ وَهُو مُونٌ حَقّاً حَقّاً ، فَليَتَولّ اللّهَ وَرَسولَهُ وَالّذينَ آمَنوا ، وَليَبرَأ إلى اللّهِ مِن عَدُوّهِمِ ، وَيُسَلِّم لِما انتهى إلَيهِ مِن فَضلِهِم ، لأنَّ فَضلَهُم لا يَبلُغُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ وَلا مَن دونَ ذلِكَ . ألَم تَسمَعوا ما ذكَرَ اللّهُ مِن فَضلِ أتباعِ الأئِمَّةِ الهُداةِ ، وَهُم المُونونَ ، قالَ : «فَأُولَ_ئكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً » (1) . فَهذا وَجهٌ مِن

.


1- .النساء: 69.

ص: 119

وُجوهِ فَضلِ أتباعِ الأئَمِّةِ فَكَيفَ بِهِم وَفَضلِهِم ؟ وَمَن سَرَّهُ أن يُتِمَّ اللّهُ لَهُ إيمانَهُ حَتّى يَكونَ مُوناً حَقّاً حَقّاً فَليَفِ للّهِِ بِشُروطِهِ الّتي اشتَرَطَها عَلى المُونين ، فإنَّهُ قَدِ اشتَرَطَ مَعَ وِلايَتِهِ وَوِلايَةِ رَسولِهِ وَوِلايَةِ أئِمِّةِ المُونينَ ، إقامَ الصَّلاةِ ، وإيتاءَ الزّكاةِ ، وإقراضَ اللّهِ قَرضاً حَسَناً ، وَاجتِنابَ الفَواحِشِ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ ، فَلَم يَبقَ شَيءٌ مِمّا فُسِّرَ مِمّا حَرَّمَ اللّهُ إلاّ وَقَد دَخَلَ في جُملَةِ قَولِهِ ، فَمَن دانَ اللّهَ فيما بَينَهُ وَبَينَ اللّهِ مُخلِصاً للّهِِ ، وَلَم يُرَخِّص لَنِفسِهِ في تَركِ شَيءٍ مِن هذا ، فَهُوَ عِندَ اللّهِ في حِزبِهِ الغالِبينَ ، وَهُوَ مِنَ المُونينَ حَقّاً . وَإيّاكُم وَالإصرارَ على شَيءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللّهُ في ظَهرِ القُرآنِ وَبَطنِهِ وَقَد قالَ اللّهُ تَعالى : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ » (1) . (إلى هاهنا رواية القاسم بن ربيع) . يَعني المُونينَ قَبَلكُم إذا نَسوا شَيئاً مِمّا اشتَرَطَ اللّهُ في كِتابِهِ عَرَفوا أنَّهُم قَد عَصَوا اللّهَ في تَركِهِم ذلِكَ الشّيءَ فاستَغفَروا وَلَم يَعودوا إلى تَركِهِ فذلِكَ مَعنى قَولِ اللّهِ : «وَلَمْ يُصِرُّواعَلَى مَافَعَلُواوَهُمْ يَعْلَمُونَ » . وَاعلَموا أنّهُ إنّما أمَرَ وَنَهَى لِيُطاعَ فيما أمَرَ بهِ ، وَلِيُنتَهى عَمّا نَهى عَنهُ ، فَمَنِ اتَّبَعَ أمرَهُ فَقَد أطاعَهُ ، وَقَد أدرَكَ كُلَّ شَيءٍ مِنَ الخَيرِ عِندَهُ ، وَمَن لَم يَنتَهِ عَمّا نَهى اللّهُ عَنهُ فَقَد عَصاهُ ، فَإن ماتَ على مَعصِيَتِهِ أكبَّهُ اللّهُ على وَجهِهِ فِي النّارِ . وَاعلَموا أنّهُ لَيسَ بَينَ اللّهِ وَبَينَ أحَدٍ مِن خَلقِهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلا نَبيٌّ مُرسَلٌ ، وَلا مَن دونَ ذلِكَ مِن خَلقِهِ كُلِّهِم ، إلاّ طاعَتُهُم لَهُ فَاجتَهِدوا في طاعَةِ اللّهِ إن سَرَّكُم أن تَكونوا مُونينَ حَقّاً حَقّاً وَلا قُوَّةَ إلاّ باللّهِ . وَقالَ : وَعَلَيكُم بِطاعَةِ رَبِّكُم ما استَطَعتُم ، فإنَّ اللّهَ رَبُّكُم ، وَاعلَموا أنَّ الإسلامَ هُوَ

.


1- .آل عمران: 135.

ص: 120

التَّسليمُ وَالتَّسليمُ هُوَ الإسلامُ ، فَمَن سَلَّمَ فَقَد أسلَمَ ، وَمَن لَم يُسَلِّم فَلا إسلامَ لَهُ . وَمَن سَرَّهُ أن يَبلُغَ إلى نَفسِهِ في الإحسانِ ، فَليُطِعِ اللّهَ فإنَّهُ مَن أطاعَ اللّهَ فَقَد أبلَغَ إلى نفسِهِ في الإحسانِ. وَإيَّاكُم وَمَعاصِيَ اللّهِ أن تَركَبوها ، فإنَّهُ مَن انَتَهكَ مَعاصِيَ اللّهِ فَرَكِبَها فَقَد أبلَغَ في الإساءَةِ إلى نَفسِهِ ، وَلَيسَ بَينَ الإحسانِ وَالإساءَةِ مَنزِلَةٌ فَلِأهلِ الإحسانِ عِندَ رَبِّهِم الجَنَّةُ ، وَلِأهلِ الإساءَةِ عِندَ رَبِّهِم النّارُ . فَاعمَلوا بِطاعَةِ اللّهِ وَاجتَنِبوا مَعاصيهِ . وَاعلَموا أنَّهُ لَيسَ يُغني عَنكُم مِنَ اللّهِ أحَدٌ مِن خَلقِهِ شَيئاً ، لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ ، وَلا مَن دونَ ذلِكَ ، فَمَن سَرَّهُ أن تَنفَعَهُ شَفاعَةُ الشّافِعينَ عِندَ اللّهِ فَليَطلُب إلى اللّهِ أن يَرضى عَنهُ . وَاعلَموا أنَّ أحَدَاً مِن خَلقِ اللّهِ لَم يُصِب رِضا اللّهِ إلاّ بِطاعَتِهِ وَطاعَةِ رَسولِهِ وَطاعَةِ وُلاةِ أمرِهِ مِن آلِ مُحَمّدٍ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم ، وَمَعصِيَتُهُم مِن مَعصِيَةِ اللّهِ ، وَلَم يُنكِر لَهُم فَضلاً عَظُمَ أو صَغُرَ . وَاعلَموا أنَّ المُنكِرينَ هُمُ المُكَذِّبونَ ، وَأنَّ المُكَذِّبينَ هُمُ المُنافِقونَ وَأنَّ اللّهَ عز و جل قال لِلمُنافِقينَ ، وَقَولُهُ الحَقُّ : «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا » (1) وَلا يَفرُقَنَّ أحَدٌ مِنكُم ألزَمَ اللّهُ قَلبَهُ طاعَتَهُ وَخَشيَتَهُ ، مِن أحَدٍ مِنَ النّاسِ مِمَّن أخرَجَهُ اللّهُ من صِفَةِ الحَقِّ ، وَلَم يَجعَلُه مِن أهلِها ، فإنَّ مَن لَم يَجعَلِ اللّهُ مِن أهلِ صِفَةِ الحَقِّ فَأولئِكَ هُم شياطينُ الإنسِ وَالجِنِّ ، وَإنَّ لِشَياطينِ الإنسِ حِيلَةً وَمَكراً وَخَدائِعَ وَوَسوسَةً ، بَعضُهُم إلى بَعضٍ ، يُريدونَ _ إنِ استَطاعوا _ أن يَرُدّوا أهلَ الحَقِّ عَمّا أكرَمَهُم اللّهُ بِهِ مِنَ النَّظَرِ في دينِ اللّهِ الّذي لَم يَجعَلِ اللّهُ شياطينَ الإنسِ مِن أهلِهِ ،

.


1- .النساء: 145.

ص: 121

إرادَةَ أن يَستَوِيَ أعداءُ اللّهِ وَأهلَ الحَقِّ في الشَّكِ وَالإنكارِ وَالتَّكذيبِ ، فَيَكونونَ سَواءً ، كما وَصَفَ اللّهُ تَعالى في كِتابِهِ مِن قَولِهِ : «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَآءً» (1) . ثمّ نهى اللّهُ أهلَ النَّصرِ بِالحَقِّ أن يَتَّخِذوا مِن أعداءِ اللّهِ وَلِيّاً وَلا نَصيراً فلا ، يَهولَنَّكُم ولا يَرُدَّنَّكُم عَنِ النَّصرِ بِالحَقِّ الّذي خَصَّكُم اللّهُ بِهِ مِن حِيلَةِ شَياطينِ الإنسِ ومَكرِهِم مِن أُمورِكُم ، تَدفَعونَ أنتُمُ السَّيِئَةَ بِالّتي هِيَ أحسَنُ فيما بَينَكُم وَبَينَهُم تَلتَمِسونَ بذلِكَ وَجهَ رَبِّكُم بِطاعَتِهِ ، وَهُم لا خَيرَ عِندَهُم ، لا يَحِلُّ لَكُم أن تُظهِروهُم على أُصولِ دينِ اللّهِ ، فإنَّهُم إن سَمِعوا مِنكُم فيهِ شَيئاً عادوكُم عَلَيهِ ، وَرَفعوهُ عَلَيكُم وَجَهِدوا على هَلاكِكُم ، وَاستَقبَلوكُم بِما تَكرَهونَ وَلَم يَكُن لَكُم النَّصَفَةُ مِنهُم في دُوَلِ الفُجّارِ ، فَاعرِفوا مَنزِلَتَكُم فيما بَينَكُم وَبَينَ أهلِ الباطِلِ ، فإنَّهُ لا يَنبَغي لِأهلِ الحَقِّ أن يُنزِلوا أنفُسَهُم مَنزِلَةَ أهلِ الباطِلِ لأنَّ اللّهَ لَم يَجعَل أهلَ الحَقِّ عِندَهُ بِمَنزِلَةِ أهلِ الباطِلِ ، ألَم يَعرِفوا وَجهَ قَولِ اللّهِ في كتابِهِ إذ يَقولُ : «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِى الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ » (2) أكرِموا أنفُسَكُم عَن أهلِ الباطِلِ ، وَلا تَجعَلوا اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى وَلَهُ المَثَلُ الأعلى ، وَإمامَكُم وَدينَكُم الّذي تَدينونَ بِهِ عُرضةً لِأهلِ الباطِلِ ، فَتُغضِبوا اللّهَ عَلَيكُم فَتَهلُكوا . فَمَهلاً مَهلاً يا أهلَ الصَّلاح ، لا تَترُكوا أمرَ اللّهِ وَأمرَ مَن أمَرَكُم بِطاعَتِهِ ، فَيُغَيِّرُ اللّهُ ما بِكُم مِن نِعمَةٍ ، أحبّوا في اللّهِ مَن وَصَفَ صِفَتَكُم ، وَأبغِضوا في اللّهِ مَن خالَفَكُم ، وَابذلُوا مَوَدَّتَكُم وَنَصيحَتَكُم [ لِمَن وَصَفَ صِفَتَكُم ] ولا تَبتَذِلوها لِمَن رَغِبَ عَن صِفَتِكُم وَعاداكُم عَلَيها ، وَبَغى لَكُم الغوائِلَ ، هذا أدَبُنا أدَبُ اللّهِ ، فَخُذوا بِهِ وَتَفَهَّموهُ

.


1- .النساء: 89.
2- .ص: 28.

ص: 122

واعقلِوهُ وَلا تَنبذِوهُ وراءَ ظُهورِكُم ، ما وَافق هُداكُم أخَذتُم بِهِ ، وَما وَافق هَواكُم طَرَحتُموهُ وَلَم تَأخُذوا بِهِ . وَإيّاكُم وَالتَّجَبُّرَ عَلى اللّهِ وَاعلَموا أنَّ عَبداً لَم يُبتَلَ بِالتَّجَبُّرِ على اللّهِ إلاّ تَجَبَّرَ على دينِ اللّهِ ، فاستَقيموا للّهِِ ولا تَرتَدّوا على أعقابِكُم فَتَنقَلِبوا خاسرينَ ، أجارَنا اللّهُ وَإيَّاكُم مِنَ التَّجَبُّرِ على اللّهِ ، وَلا قُوَّةَ لَنا وَلَكُم إلاّ باللّهِ . وَقالَ عليه السلام : إنَّ العَبدَ إذا كانَ خَلَقَهُ اللّهُ في الأصلِ _ أصلَ الخَلِق _ مُوناً ، لَم يَمُت حَتّى يُكَرِّهَ اللّهُ إلَيهِ الشَّرَ وَيُباعِدَهُ عَنهُ ، وَمَن كَرَّهَ اللّهُ إلَيهِ الشَّرَ وَباعَدَهُ عَنهُ ، عافاهُ اللّهُ مِنَ الكِبرِ أن يَدخُلَهُ وَالجَبريَّةَ ، فَلانَت عَريكَتُهُ وَحَسُنَ خُلُقُهُ ، وَطَلُقَ وَجهُهُ ، وَصارَ عَلَيهِ وَقارُ الإسلامِ وَسَكينَتُهُ وَتَخَشُّعُه ، وَوَرَعَ عَن مَحارِمِ اللّهِ ، وَاجتَنَبَ مَساخِطَهُ وَرَزَقَهُ اللّهُ مَوَدَّةَ النّاسِ وَمُجامَلَتَهُم ، وَتَرَكَ مُقاطَعَةَ النّاسِ وَالخُصوماتِ ، وَلَم يَكُن مِنها وَلا مِن أهلِها في شَيءٍ ، وَإنَّ العَبدَ إذا كانَ اللّهُ خَلَقَهُ في الأصلِ _ أصلَ الخَلقِ _ كافِراً لَم يَمُت حَتّى يُحَبِّبَ إلَيهِ الشَّرَ وَيُقَرِّبَهُ مِنهُ ، فإذا حَبَّبَ إلَيهِ الشَّرَ وَقَرَّبَهُ مِنهُ ابتُلِيَ بِالكِبرِ وَالجَبرِيَّةِ ، فَقَسا قَلبُهُ ، وَساءَ خُلُقُهُ ، وَغَلُظَ وَجهُهُ ، وَظَهَرَ فُحشُهُ ، وَقَلَّ حَياو ، وَكَشَفَ اللّهُ سِترَهُ ، وَرَكِبَ المَحارِمَ فَلَم يَنزَع عَنها ، وَرَكِبَ مَعاصِيَ اللّهِ ، وأبغَضَ طاعَتَهُ وَأهلَها ، فَبَعُدَ ما بَينَ حالِ المُونِ وَحالِ الكافِرِ . سَلوا اللّهَ العافِيَةَ وَاطلُبوها إلَيهِ ، وَلا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاّ باللّهِ . صَبِّروا النَّفسَ عَلى البَلاءِ في الدُّنيا ، فإنَّ تَتابُعَ البَلاءِ فيها ، والشِّدَّةَ في طاعَةِ اللّهِ وَوِلايَتِهِ ووِلايَةِ مَن أمَرَ بِولاِيَتِهِ خَيرٌ عاقِبَةً عِندَ اللّهِ في الآخِرَةِ مِن مُلكِ الدُّنيا _ وَإن طالَ تَتابُعُ نَعيمِها وَزَهرَتِها وَغَضارَةِ عَيشِها _ في مَعصِيَةِ اللّهِ وَوِلايَةِ مَن نَهى اللّهُ عَن وِلايَتِهِ وطاعته ، فإنَّ اللّهَ أمَرَ بِولايَةِ الأئِمَّةِ الّذين سَمّاهُم اللّهُ في كِتابِهِ في قولِهِ :

.

ص: 123

«وَ جَعَلْنَاهُمْ أئمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» (1) ، وَهُمُ الّذينَ أمَرَ اللّهُ بِوِلاَيتِهِم وَطاعَتِهِم . وَالّذينَ نَهى اللّهُ عَن وِلايَتِهِم وَطاعَتِهِم وَهُم أئِمَّةُ الضَّلالَةِ الّذينَ قَضى اللّهُ أن يَكونَ لَهُم دُوَلٌ في الدُّنيا على أولياءِ اللّهِ الأئِمَّةِ من آلِ مُحَمّدٍ صلى الله عليه و آله ، يَعمَلونَ في دَولَتِهِم بِمَعصِيَةِ اللّهِ وَمَعصِيَةِ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، لِيُحِقَّ عَلَيهِم كَلِمَةَ العَذابِ ، وَلِيُتِمَّ أن تَكونوا مَعَ نَبيِّ اللّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَالرُّسُلِ مِن قَبلِهِ . فَتَدَبَّروا ما قَصَّ اللّهُ عَلَيكُم في كتابِهِ ، مِمّا ابتلى بهِ أنبياءَهُ وَأتباعَهُم المُونينَ ، ثُمَّ سَلوا اللّهَ أن يُعطِيَكُم الصَّبرَ على البَلاءِ في السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ ، وَالشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ ، مِثلَ الّذي أعطاهُم . وَإيّاكُم وَمُماظَّةَ أهلِ الباطِلِ ، وَعلَيكُم بِهُدى الصّالِحينَ وَوَقارِهِم ، وَسَكينَتِهِم وَحِلمِهِم ، وَتَخَشُّعِهِم وَوَرَعِهِم عَن مَحارِمِ اللّه ، وَصِدقِهِم وَوَفائِهِم ، وَاجتِهادِهِم للّهِِ في العَمَلِ بِطاعَتِهِ ، فَإنَّكُم إن لَم تَفعَلوا ذلِكَ لَم تَنزِلوا عِندَ رَبِّكُم مَنزِلَةَ الصّالِحينَ قَبلَكُم . وَاعلَموا أنَّ اللّهَ إذا أرادَ بِعَبدٍ خَيراً شَرَحَ صَدرَهُ للإسلامِ ، فَإذا أعطاهُ ذلِكَ ، أنطَقَ لِسانَهُ بِالحَقِّ ، وَعَقَدَ قَلبَهُ عَلَيهِ فَعَمَلَ بِهِ ، فإذا جَمَعَ اللّهُ لَهُ ذلِكَ تَمَّ لَهُ إسلامُهُ ، وَكانَ عِندَ اللّهِ _ إن ماتَ على ذلِكَ الحالِ _ مِنَ المُسلِمينَ حَقّاً . وَإذا لَم يُرِدِ اللّهُ بِعَبدٍ خَيراً وَكَلَهُ إلى نَفسِهِ وَكانَ صَدرُهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ، فَإن جَرى على لِسانِهِ حَقٌّ لَم يَعقِد قَلَبه عَلَيه ، وَإذا لَم يَعقِد قَلبَهُ عَلَيهِ لَم يُعطِهِ اللّهُ العَمَلَ بِهِ ، فإذا اجتَمَعَ ذلِكَ عَلَيهِ حَتّى يَموتَ وَهُو على تِلكَ الحالِ ، كانَ عِندَ اللّهِ مِنَ المُنافقين ، وَصارَ ما جَرى على لِسانِهِ مِنَ الحَقِّ الّذي لَم يُعطِهِ اللّهُ أن يُعقَدَ قَلبُهُ عَلَيهِ ، وَلَم يُعطِهِ العَمَل بِهِ حُجَّةً عَلَيهِ

.


1- .الأنبياء: 73.

ص: 124

يَومَ القِيامَةِ . فاتّقوا اللّهَ وَسَلوهُ أن يَشرَحَ صُدورَكُم للإسلامِ ، وَأن يَجعَلَ ألسِنَتَكُم تَنطِقُ بِالحَقِّ ، حتّى يَتَوَفّاكُم وَأنتُم على ذلِكَ ، وَأن يَجعَلَ مُنقَلَبُكم مُنقَلَب الصّالِحينَ قَبلَكُم ، وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ ، وَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ . وَمَن سَرَّهُ أن يَعلَمَ أنَّ اللّهَ يُحِبُّهُ فَليَعمَل بِطاعَةِ اللّهِ ، وَليَتَّبعِنا ، ألَم يَسمَع قَولَ اللّهِ عز و جللِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ » . (1) وَاللّهِ ، لا يُطيعُ اللّهَ عَبدٌ أبداً إلاّ أدخَلَ اللّهُ عَلَيهِ في طاعَتهِ اتِّباعَنا . وَلا وَاللّهِ ، لا يَتَّبِعُنا عَبدٌ أبَداً إلاّ أحَبَّهُ اللّهُ . وَلا وَاللّهِ لا يَدَعُ أحَدٌ اتِّباعَنا أبَداً إلاّ أبغَضَنا . وَلا وَاللّهِ ، لا يُبغِضُنا أحَدٌ أَبداً إلاّ عصى اللّهَ . وَمَن ماتَ عاصِياً للّهِِ أخزاهُ اللّهُ وَأكَبَّهُ على وَجهِهِ فِي النّارِ ، وَالحَمدُ للّهِ رَبِّ العالَمينَ . (2) نصّ آخر من الرّسالة : نقل صاحبُ الوافي هذه الرّسالة عن نسخة من الكافي ، نقلاً يخالف النّسخ المشهورة ، وقد أحببنا إيراده هنا لإتمام الفائدة : عليّ ، عن أبيه ، عن ابن فضّال ، عن حفص المُون (3) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وعن ابن بزيع ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنّه كتب بهذه الرّسالة إلى أصحابه وأمرهم بمدارستها والنّظر فيها ، وتعاهدها والعمل بها ، وكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم ، فإذا فرغوا من الصّلاة نظروا فيها.

.


1- .آل عمران: 31.
2- .الكافي : ج 8 ص 2 ح 1 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 210 ح 93 .
3- .مرّ ترجمته آنفآ .

ص: 125

عن ابن سماعة ، عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفيّ ، عن القاسم بن الرّبيع الصّحّاف ، عن إسماعيل بن مخلّد السّرّاج ، قال: خرجت هذه الرّسالة من أبي عبد اللّه عليه السلام إلى أصحابه : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أمّا بَعدُ : فَاسألوا رَبَّكُم العافِيَةَ ، وَعَلَيكُم بِالدَّعَةِ وَالوَقارِ وَالسَّكينَةِ ، وَعَلَيكُم بِالحَياءِ وَالتَّنَزُّهِ عَمّا تَنَزَّهَ عَنُه الصّالِحونَ قَبلَكُم ، وَعَلَيكُم بِمُجامَلَةِ أهلِ الباطِلِ ، تَحَمَّلوا الضَّيمَ مِنهُم . وَإيّاكُم وُمُماظَّتَهُم ! دينوا فيما بَينَكُم وَبَينَهُم إذا أنتُم جالَستُموهُم وَخالَطتُموهُم وَنازَعتُموهُم الكَلامَ . فَإنَّهُ لا بُدَّ لَكُم مِن مُجالَسَتِهِم وَمُخالَطَتِهِم وَمُنازَعَتِهِمُ الكَلامَ ، بِالتَّقِيَّةِ الّتي أمَرَكُم اللّهُ أن تَأخُذوا بِها فيما بَينَكُم وَبَينَهُم ، فَإذا ابتُليتُم بِذلِكَ مِنهُم فَإنَّهُم سَيُوونَكُم ، وَتَعرِفونَ في وُجوهِهِمُ المُنكَرَ ، وَلَولا أنَّ اللّهَ تَعالى يَدفَعُهُم عَنكُم لَسَطَوا بِكُم ، وَمافي صُدورِهِم مِنَ العَداوَةِ وَالبَغضاءِ أكثَرُ مِمّا يُبدونَ لَكُم . مَجالِسُكُم وَمَجالِسُهُم وَاحِدَةٌ ، وَأرواحُكُم وَأرواحُهُم مُختَلِفَةٌ لا تَأتَلِفُ ، لا تُحِبّونَهُم أبَداً وَلا يُحِبّونَكُم غَيرَ أنَ اللّهَتَعالى أكرَمَكُم بِالحَقِ وَبَصَّرَكُموهُ ،وَلَم يَجعَلهم مِن أهلِهِ فَتُجامِلونَهُم وَتَصبِرونَ عَلَيهِم ، وَهُم لا مُجامَلَةَ لَهُم وَلا صَبرَ لَهُم على شَيءٍ (1) مِن أُمورِكُم تَدفَعونَ أنتُمُ السَّيِّئَةَ بالّتي هِيَ أحسَنُ فيما بَينَكُم وَبَينَهُم ، تَلتَمِسونَ بِذلِكَ وَجهَ رَبِّكُم بِطاعَتِهِ ، وَهُم لا خَيرَ عِندَهُم ، لا يَحِلُّ لَكُم أن تُظهِروهُم على أُصولِ دينِ اللّهِ . فإنَّهُ إن سَمِعوا مِنكُم فيهِ شَيئاً عادوكُم عَلَيهِ ، وَرَفَعوهُ عَلَيكُم ، وَجاهَدوا على هَلاكِهِم ، وَاستَقَبَلوكُم بِما تَكرَهونَ ، وَلَم يَكُن لَكُم النَّصَفُ مِنهُم في دُوَلِ الفُجَّارِ ، فَاعرِفوا مَنزِلَتَكُم فيما بَينَكُم وَبَينَ أهلِ الباطِل ، فَإنَّهُ لا يَنبَغي لِأهلِ الحَقِّ أن يُنزلوا أنفُسَهُم مَنزِلَةَ أهلِ الباطلِ ، لأَنَّ اللّهَ لَم يَجعَل أهلَ الحَقِّ عِندَهُ بِمَنزِلَةِ أهلِ الباطِلِ ، ألَم

.


1- .من هنا اختلف النّص في الكافي وللحديث حاشية في الكافي.

ص: 126

تَعرِفوا وَجهَ قَولِ اللّهِ تعالى في كتابِهِ إذ يقولُ : «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِى الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ » (1) . أكرِموا أنفُسَكُم عَن أهلِ الباطِل فَلا تَجعَلوا اللّهَ تَعالى _ وَلَهُ المَثَلُ الأعلى _ وَإمامَكُم وَدينَكُم الّذي تَدينونَ بِهِ عُرضَةً لِأهلِ الباطِلِ فَتُغضِبوا اللّهَ عَلَيكُم فَتَهلُكوا . فَمَهلاً مَهلاً يا أهلَ الصَّلاحِ ، لا تَترُكوا أمرَ اللّهِ وَأمرَ مَن أمَرَكُم بِطاعَتِهِ ، فَيُغَيِّرُ اللّهُ ما بِكُم مِن نِعمَةٍ ، أحِبُّوا في اللّهِ مَن وَصَفَ صِفَتَكُم ، وَأبغِضُوا فِي اللّهِ مَن خالَفَكُم وَابذِلوا مَوَدَّتَكُم وَنَصيحَتَكُم لِمَن وَصَفَ صِفَتَكُم ، وَلا تَبتَذِلوها لِمَن رَغِبَ عَن صِفَتِكُم ، وَعاداكُم عَلَيها ، وَبَغاكُم الغوائِلَ ، هذا أدبُنا أدَبُ اللّهِ فَخُذوا بِهِ وَتَفَهَّموهُ وَاعقِلوهُ وَلا تَنبِذوهُ وَراءَ ظُهورِكُم ، ما وَافَقَ هُداكُم أخَذتُم بِهِ ، وَما وافَقَ هَواكُم طَرَحتُموهُ وَلَم تَأخذوا بِهِ . وَإيَّاكُم وَالتَّجَبُّرَ على اللّهِ ، وَاعلَموا أنّ عَبداً لَم يُبتَلَ بِالتَّجَبُّرِ عَلى اللّهِ إلاّ تَجَبَّرَ عَلى دينِ اللّهِ ، فاستقيموا للّهِِ وَلا تَرتَدُّوا على أعقابِكُم فَتَنقَلِبوا خاسرينَ ، أجارَنا اللّهُ وإيّاكُم مِن التَّجَبُّرِ على اللّهِ وَلا قُوَّةَ لَنا وَلَكُم إلاّ بِاللّهِ . وقال[ عليه السلام ] : إنَّ العَبدَ إذا كانَ خَلَقَهُ اللّهُ في الأصلِ _ أصلَ الخِلقَةِ _ مُوناً لَم يَمُت حَتّى يُكَرِّهَ اللّهُ إلَيهِ الشَّرَ وَيُباعِدَهُ مِنهُ وَمَن كَرَّهَ اللّهُ إلَيهِ الشَّرَّ وَباعَدَهُ مِنهُ عافاهُ اللّهُ مِنَ الكِبرِ أن يَدخُلَهُ وَالجَبرِيَّةَ ، فَلانَت عَريكَتُهُ ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ ، وَطَلُقَ وَجهُهُ وَصارَ عَلَيهِ وَقارُ الإسلامِ وَسَكينَتُهُ وَتَخَشُّعُهُ ، وَوَرِعَ عَن مَحارِمِ اللّهِ ، وَاجتَنَبَ مَساخِطَهُ ، وَرَزَقَهُ اللّهُ مَوَدَّةَ النّاسِ وَمُجامَلَتَهُم ، وَتَرَكَ مُقاطَعَةَ النّاسِ وَالخُصوماتِ وَلَم يَكُن مِنها وَلا مِن أهلِها في شيءٍ. وَإنَّ العَبدَ إذا كانَ اللّهَ خَلَقَهُ في الأصلِ _ أصلَ الخَلقِ _ كافِراً لَم يَمُت حَتّى يُحَبِّبَ إلَيهِ الشَّرَّ ، وَيُقَرِّبَهُ مِنهُ فإذا حَبَّبَ إلَيهِ الشَّرَّ وَقَرَّبَهُ مِنهُ ابتُلِي بِالكِبرِ وَالجَبرِيَّةِ ، فَقَسا قَلبُهُ

.


1- .ص: 28.

ص: 127

وَساءَ خُلُقُهُ ، وَغَلُظَ وَجهُهُ ، وَظَهَرَ فُحشُهُ ، وَقَلَّ حَياوهُ ، وَكَشَفَ اللّهُ سِترَهُ ، وَرَكِبَ المَحارِمَ فَلَم يَنزَع عَنها ، وَرَكِبَ مَعاصِيَ اللّه ، وَأبغَضَ طاعَتَهُ وَأهلَها ، فَبَعُدَ ما بَينَ حالِ المُونِ وَحالِ الكافِرِ ، سلوا اللّهَ العافِيَةَ وَاطلبوها إلَيهِ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاّ باللّهِ . صَبِّروا النَّفسَ عَلى البَلاءِ فِي الدُّنيا ، فإنَّ تَتابُعَ البَلاءِ فيها ، وَالشِّدَّةَ في طاعَةِ اللّهِ وَوِلايَتِهِ وَوِلايَةِ مَن أمَرَ بِوِلايَتِهِ خَيرٌ عاقِبَةً عِندَ اللّهِ في الآخِرَةِ مِن مُلكِ الدّنيا _ وَإن طالَ تَتابُعُ نَعيمِها وَزَهرَتِها وَغَضارَةِ عَيشِها _ في مَعصِيَةِ اللّهِ ، وَوِلايَةِ مَن نَهى اللّهُ عَن وِلايَتِهِ وَطاعَتِهِ ، فإنَّ اللّهَ أمَرَ بِولايَةِ الأئِمَّةِ الّذينَ سَمّاهُم في كِتابِهِ في قَولِهِ : «وَ جَعَلْنَاهُمْ أئمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» (1) ، وَهُم الّذينَ أمَرَ اللّهُ بِوِلايَتِهِم وَطاعَتِهِم ، وَالّذينَ نَهى اللّهُ عَن وِلايَتِهِم وَطاعَتِهِم ، وَهُم أئِمَّةُ الضَّلالِ الّذينَ قَضى اللّهُ أن يَكونَ لَهُم دُوَلٌ فِي الدُّنيا على أولياءِ اللّهِ ، الأئِمَّةِ مِن آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله . يَعمَلَونَ في دَولَتِهِم بِمَعصِيَةِ اللّهِ وَمَعصِيَةِ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، لِيَحِقَّ عَلَيهِم كَلِمَةَ العذابِ ، وَلِيَتِمَّ أمرُ اللّهُ فِيهِم الّذي خَلَقَهُم لَهُ فِي الأصلِ _ أصلَ الخَلقِ _ مِن الكُفرِ الّذي سَبَقَ في عِلمِ اللّهِ أن يَخُلقَهُم لَهُ في الأصلِ ، وَمِنَ الّذينَ سَمّاهُم اللّهُ في كِتابِهِ في قولِهِ : «وَ جَعَلْنَاهُمْ أَئمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» . (2) فَتَدَبّروا هذا وَاعقِلوهُ وَلا تَجهَلوهُ ، فإنَّ مَن جَهِلَ هذا وَأشباهَهُ مِمّا افتَرَضَ اللّهُ عَلَيهِ في كتابِهِ مِمّا أمَرَ بِهِ وَنَهى عَنهُ ، تَرَكَ دينَ اللّهِ وَرَكِبَ مَعاصيهِ ، فاستَوجَبَ سَخَطَ اللّهِ فأكَبَّهُ اللّهُ على وَجهِهِ فِي النّارِ . وَقالَ : أيَّتُها العِصابَةُ المَرحومَةُ المُفلِحَةُ ، إنَّ اللّهَ تعالى أتَمَّ لَكُم ما آتاكُم مِنَ الخَيرِ ، وَاعلَموا أنَّهُ لَيسَ مِن عِلم اللّهِ وَلا مِن أمرِهِ أن يَأخُذَ أحَدٌ مِن خَلقِ اللّهِ في دينِهِ بِهوىً وَلا رَأيٍ ، وَلا مَقائيسَ ، قَد أنزَلَ اللّهُ القُرآنَ وَجَعَلَ فيهِ تَبيانَ كُلِّ شَيءٍ ، وَجَعَلَ

.


1- .الأنبياء: 73.
2- .القصص: 41.

ص: 128

لِلقُرآنِ وَتَعَلُّمِ القُرآنِ أهلاً ، لا يَسَعُ أهلَ عِلمِ القُرآنِ الّذينَ آتاهُمُ اللّهُ عِلمَهُ أن يأخذوا فيهِ بِهَوىً وَلا رَأيٍ وَلا مَقائيسَ ، أغناهُمُ اللّهُ عَن ذلِكَ بِما آتاهُم مِن عِلمِهِ وَخَصَّهُم بِهِ وَوَضَعَهُ عِندَهُم ، كَرامَةً مِنَ اللّهِ تعالى أكرَمَهُم بِها ، وَهُم أهلُ الذِّكرِ الّذينَ أمَرَ اللّهُ هذهِ الأُمَّةَ بِسُولِهِم ، وَهُم الّذينَ مَن سَألَهُم وَقَد سَبَقَ في عِلمِ اللّهِ أن يُصَدِّقَهُم وَيَتَّبِع أثَرَهُم . أرشَدوهُ وَأعطَوهَ مِن عِلمِ القُرآنِ ما يَهتَدي بِهِ إلى اللّهِ بِإذنِهِ ، وَإلى جَميعِ سُبُلِ الحَقِّ ، وَهُمُ الّذينَ لا يَرغَبُ عَنهُم وَعَن مَسألَتِهِم وَعَن عِلمِهِم الّذي أكرَمَهَمَ اللّهُ بِهِ وَجَعَلهُ عِندَهُم ، إلاّ مَن سَبَقَ عَلَيهِ في عِلمِ اللّهِ الشِّقاءُ في أصلِ الخَلقِ ، تَحتَ الأظِلَّةِ ، فَأُولئِكَ الّذينَ يَرغَبونَ عَن سُولِ أهلِ الذِّكرِ ، وَالّذينَ آتاهُمُ اللّهُ تعالى عِلمَ القُرآنِ ، وَوَضَعَهُ عِندَهُم ، وَأمَرَ بِسُولِهِم ، فَأولئِكَ الّذينَ يَأخُذونَ بِأهوائِهِم ، وَآرائِهِم ، وَمَقائيسِهِم ، حَتّى دَخَلَهُمُ الشَّيطانُ ؛ لِأنَّهُم جَعَلوا أهلَ الإيمانِ في عِلمِ القُرآنِ عِندَ اللّهِ كافرينَ ، وَجَعَلوا أهلَ الضَّلالَةِ في عِلمِ القُرآنِ عِندَ اللّهِ مُونينَ ، وَحَتّى جَعَلوا ما أحَلَّ اللّهُ في كَثيرٍ مِنَ الأمرِ حَراماً ، وَجَعَلوا ما حَرَّمَ اللّهُ في كَثيرٍ مِنَ الأمرِ حَلالاً ، فذلِكَ أصلُ ثَمَرَةِ أهوائِهِم . وَقَد عَهِدَ إلَيهِم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَبلَ مَوتِهِ فَقالوا : نَحنُ بَعدَ ما قَبَضَ اللّهُ رَسولَهُ يَسَعُنا أن نَأخُذَ بِما اجتَمَعَ عَلَيهِ رَأيُ النّاسِ بَعدَ قَبضِ اللّهِ تَعالى رَسولَهُ صلى الله عليه و آله وَبَعَد عَهدِهِ الّذي عَهِدَهُ إلَينا وَأمَرَنا بِهِ ، مُخالَفَةً للّهِِ تَعالى وَلِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، فَما أحَدٌ أجرَأ عَلى اللّهِ وَلا أبينَ ضَلالَةً مِمَّن أخَذَ بِذلِكَ وَزَعَمَ أنَّ ذلِكَ يَسَعُهُ. وَاللّهِ إنَّ للّهِِ على خَلقِهِ أن يُطيعوهُ وَيَتَّبِعوا أمرَهُ في حَياةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَبَعدَ مَوتِهِ ، هَل يَستَطيع أُولئِكَ _ أعداءَ اللّهِ _ أن يَزعُموا أنَّ أحَدَاً مِمَّن أسلَمَ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أخَذَ بِقَولِهِ وَرَأيهِ ومقائيسِهِ ، فَإن قالَ : نعم ، فَقَد كَذَّبَ عَلى اللّهِ وَضَلَّ ضَلالاً بَعيداً ، وَإن قالَ : لا ، لَم يَكُن لِأحَدٍ أن يَأخُذَ بِرَأيِهِ وَهَواهُ وَمقائيسِهِ ، فَقَد أقَرَّ بالحُجَّةِ على نَفسِهِ ، وَهُوَ مِمَّن يَزعُم أنَّ اللّهَ يُطاعُ وَيُتَّبِعُ أمرُهُ بَعدَ قَبضِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . وَقَد قالَ اللّهُ تَعالى _ وَقَولُهُ الحَقُّ _ : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ

.

ص: 129

الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْ_ئاً وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ » (1) وَذلِكَ لِيَعلَموا أنَّ اللّهَ يُطاعُ وَيُتَّبَعُ أمرُهُ في حَياةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَبَعدِ قَبضِ اللّهِ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله ، وَكَما لَم يَكُن لِأحَدٍ مِنَ النّاسِ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أن يَأخُذَ بِهَواهُ وَلا رَأيِهِ وَلا مَقائيسِهِ ، خِلافاً لِأمرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله فَكذلِكَ لَم يَكُن لِأحَدٍ مِنَ النّاسِ بَعدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أن يَأخُذَ بِهَواهُ وَلا رَأيِهِ وَلا مَقائيسِهِ . وَقالَ : دَعوا رَفعَ أيدِيَكُم فِي الصَّلاةِ ، إلاّ مَرَّةً واحِدَةً حينَ تُفتَتَحُ الصَّلاةُ ، فإنَّ النّاسَ قَد شَهروكُم بِذلِكَ ، وَاللّهُ المُستَعانُ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاّ باللّهِ . وَقالَ : أكثِروا مِن أن تَدعوا اللّهَ فإنَّ اللّهَ يُحِبُّ مِن عِبادِهِ المُونينَ أن يَدعوهُ ، وَقَد وَعَدَ اللّهُ عِبادَهُ المُونينَ بالاستِجابَةِ ، وَاللّهُ مُصَيِّرٌ دُعاءَ المُونينَ يَومَ القِيامَةِ لَهُم عَمَلاً يُزيدُهُم بِهِ في الجَنَّةِ ، فأكثِروا ذِكرَ اللّهِ ما استَطعتُم في كُلِّ ساعَةٍ من ساعاتِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ ، فإنَّ اللّهَ تَعالى أمَرَ بِكَثرَةِ الذّكرِ لَهُ ، وَاللّهُ ذاكِرٌ لِمَن ذَكَرَهُ مِنَ المُونينَ ، وَاعلَموا أنَّ اللّهَ لَم يَذكُرهُ أحَدٌ مِن عِبادِهِ المُونينَ إلاّ ذَكَرَهُ بِخَيرٍ ، فَأعطوا اللّهَ مِن أنفُسِكُم الاجتِهادَ في طاعَتِهِ ، فإنَّ اللّهَ لا يُدرَكُ شَيءٌ مِنَ الخَيرِ عِندَهُ إلاّ بِطاعَتِهِ وَاجتِنابِ مَحارِمِهِ الّتي حَرَّمَ اللّهُ تَعالى في ظاهِرِ القُرآنِ وَباطِنِهِ ، فإنَّ اللّهَ تَعالى قالَ في كِتابِهِ وَقَولُهُ الحَقُّ : «وَذَرُوا ظَاهِرَ الاْءِثْمِ وَبَاطِنَهُ» (2) وَاعلَموا أنَّ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ أن تَجتَنِبوهُ فَقَد حَرَّمَهُ ، وَاتَّبِعوا آثارَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَسُنَّتَهُ ، فَخُذوا بِها وَلا تَتَّبِعوا أهواءَكُم وَآراءَكُم فَتَضِلّوا ؛ فَإِنّ أضَلَّ النّاسِ عِندَ اللّهِ مَنِ اتَّبَعَ هَواهُ وَرَأيَهُ بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللّهِ . وَأحسِنوا إلى أنفُسِكُم ما استَطَعتُم ، فَإن أحسَنتُم أحسَنتُم لِأنفُسِكُم ، وَإن أسأتُم فَلَها وَجامِلوا النّاسَ وَلا تَحمِلوهُم على رِقابِكُم تَجمَعوا مَعَ ذلِكَ طاعَةَ رَبِّكُم . وَإيّاكُم وَسَبَ أعداءِاللّهِحَيثُ يَسمَعونَكُم ،فَيَسُبّوا اللّهَعَدواً بِغَيرِ عِلمٍ ،وَقَد يَنبَغي لَكُم

.


1- .آل عمران: 144.
2- .الأنعام: 120.

ص: 130

أن تَعلموا حَدَّ سَبِّهِم للّهِِ كَيفَ هُوَ ؟ إنَّهُ مَن سَبَّ أولِياءَ اللّهِ فَقَدِ انتَهَكَ سَبَّ اللّهِ ، وَمَن أظلَمُ عِندَ اللّهِ مِمَّن استَسَبَّ للّهِِ وَلاِلِيائِهِ ، فَمَهلاً مَهلاً ، فَاتَّبِعوا أمرَ اللّهِ وَلا قُوَّةَ إلاّ باللّهِ . وَقالَ : أيَّتُها العِصابَةُ الحافِظُ اللّهُ لَهُم أمرَهُم ، عَلَيكُم بِآثارِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَسُنَّتِهِ وَآثارِ الأئِمَّةِ الهُداةِ مِن أهلِ بَيتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن بَعدِهِ وَسُنَّتِهِم ؛ فإنَّهُ مَن أخَذَ بِذلِكَ فَقَدِ اهتَدى ، وَمَن تَرَكَ ذلِكَ وَرَغِبَ عَنهُ ضَلَّ ؛ لِأنَّهُم هُمُ الّذينَ أمَرَ اللّهُ بِطاعَتِهِم وَوِلايَتِهِم ، وَقَد قالَ أبونا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : المُداوَمَةُ على العَمَلِ في اتِّباعِ الآثارِ وَالسُّنَنِ _ وَإن قَلَّ _ أرضى للّهِِ وَأنفَعُ عِندَهُ فِي العاقِبَةِ مِنَ الاجتِهادِ في البِدَعِ وَاتِّباعِ الأهواءِ ، ألا إنَّ اتِّباعَ الأهواءِ وَاتِّباعَ البِدَعِ بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللّهِ ضَلالٌ ، وَكُلُّ ضَلالٍ بِدعَةٌ ، وَكُلُّ بِدعَةٍ فِي النّارِ ، وَلَن يُنالَ شَيءٌ مِنَ الخَيرِ عِندَ اللّهِ إلاّ بِطاعَتِهِ وَالصَّبرِ وَالرِّضا ؛ لأنَّ الصَّبرَ وَالرِّضا مِن طاعَةِ اللّهِ . وَاعلَموا أنَّهُ لَن يُونَ عَبدٌ مِن عَبيدِهِ حَتّى يَرضى عَنِ اللّهِ فيما صَنَعَ اللّهُ إلَيه ، وَصَنَعَ بهِ ، على ما أحَبَّ وَكَرِهَ ، وَلَن يَصنَعَ اللّهُ بِمَن صَبَرَ وَرَضِيَ عَنِ اللّهِ إلاّ ما هُوَ أهلُهُ وَهُوَ خَيرٌ لَهُ مِمّا أحَبَّ وَكَرِهَ . وَعَلَيكُم بِالمُحافَظَةِ عَلى الصّلواتِ والصَّلاةِ الوُسطى ، وَقوموا للّهِِ قانتِينَ كما أمَرَ اللّهُ بِهِ المُونينَ في كِتابِهِ مِن قَبلِكُم . وَعَلَيكُم بِحُبِّ المَساكينِ المُسلِمينَ ؛ فإنَّهُ مَن حَقَّرَهُم وَتَكَبَّرَ عَلَيهِم فَقَد زَلَّ عَن دينِ اللّهِ ، واللّهُ لَهُ حاقِرٌ ماقِتٌ ، وَقَد قالَ أبونا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أمَرَني رَبّي بِحُبِّ المَساكينِ المُسلِمينَ مِنهُم . وَاعلَموا أنَّ مَن حَقَّرَ أحَداً مِنَ المُسلِمينَ ألقى اللّهُ عَلَيهِ المَقتَ مِنهُ وَالمَحَقَرةَ حَتّى يَمقُتَهُ النّاسُ ، وَاللّهُ لَهُ أشَدُّ مَقتاً . فَاتَّقوا اللّهَ في إخوانِكُم المُسلِمينَ المَساكينِ منهُم ، فَإنَّ لَهُم عَلَيكُم حَقّاً أن تُحِبّوهُم ، فإنَّ اللّهَ أمَرَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله بِحُبِّهم ، فَمَن لَم يُحِبَّ مَن أمَرَ اللّهُ بِحُبِّهِ فَقَد عَصى اللّهَ وَرَسولَهُ ، وَمَن عَصى اللّهَ وَرَسولَهُ وَماتَ على ذلِكَ ماتَ وَهُوَ مِنَ الغاوينَ .

.

ص: 131

وَإيَّاكُم وَالعَظَمَةَ وَالكِبَر ، فإنَّ الكِبَر رِداءُ اللّهِ تَعالى ، فَمَن نازَعَ اللّهَ رِداءَهُ ، قصَمَهُ اللّهُ وأَذلَّهُ يَومَ القِيامَةِ . وَإيّاكُم أن يَبغي بَعضُكُم على بَعضٍ ، فَإنَّها لَيسَت مِن خِصالِ الصّالِحينَ ، فإنَّهُ مَن بَغى صَيَّرَ اللّهُ بَغيَهُ على نَفسِهِ ، وَصارَت نُصرَةُ اللّهِ لِمَن بُغِيَ عَلَيهِ ، وَمَن نَصَرَهُ اللّهُ غَلَبَ وَأصابَ الظّفَرَ مِنَ اللّهِ . وَإيّاكُم أن يَحسُدَ بَعضُكُم بَعضاً ، فإنَّ الكُفرَ أصلُهُ الحَسَدُ . وَإيّاكُم أن تُعينوا على مُسلِمٍ مَظلومٍ فَيَدعو اللّهَ عَلَيكُم فيُستجابُ لَهُ فيكُم ، فإنَّ أبانا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَقولُ : إنَّ دَعوَةَ المُسلِمِ المَظلومِ مُستَجابَةٌ . وَليُعِن بَعضُكُم بَعضاً ، فإنَّ أبانا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يقولُ : إنَّ مَعونَةَ المُسلِم خَيرٌ وَأعظَمُ أجراً مِن صِيامِ شَهرٍ وَاعتِكافِهِ في المَسجِدِ الحَرامِ . وَإيّاكُم وإعسارَ أحَدٍ مِن إخوانِكُم المُؤمِنينَ أن تُعسِروهُ بِالشَّيءِ يَكونُ لَكُم قَبلَهُ وَهُوَ مُعسِرٌ ، فإنَّ أبانا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَقولُ : لَيسَ لِمُسلمٍ أن يُعسِرَ مُسلِماً ، ومَن أنظَرَ مُعسِراً أظلَّهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ بِظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلاّ ظِلُّهُ . وَإيّاكُم _ أيَّتُها العِصابَةُ المَرحومَةُ المُفَضَّلَةُ على مَن سِواها _ وَحَبسَ حُقوقِ اللّهِ قِبَلَكُم ، يَوماً بَعدَ يَومٍ وَساعَةً بَعدَ ساعَةٍ ، فإنَّهُ مَن عَجَّلَ حُقوقَ اللّهِ قِبَلَهُ كانَ اللّهُ أقدَرَ على التَّعجيلِ لَهُ إلى مُضاعَفَةِ الخَيرِ في العاجِلِ ، وَالآجِل ، وَإنّهُ مَن أخَّرَ حُقوقَ اللّهِ قِبَلَهُ كانَ اللّهُ أقدَرَ على تَأخيرِ رِزقِهِ ، وَمَن حَبَس اللّهُ رِزقَهُ لَم يَقدِر أن يَرزِقَ نَفسَهُ ، فَأدّوا إلى اللّهِ حَقَّ ما رَزَقَكُم ، يُطَيِّبُ اللّهُ لَكُم بَقِيَّتَهُ وَيُنجِزُ لَكُم ما وَعَدَكُم مِن مُضاعَفَتِهِ لَكُم الأضعافَ الكَثيرَةَ الّتي لا يَعلَمُ بِعَدَدِها وَلا بِكُنهِ فَضلِها إلاّ اللّهُ رَبُّ العالَمينَ . وَقالَ : اتَّقوا اللّهِ _ أيَّتُها العِصابَةُ _ وَإن استَطَعتُم أن لا يَكونَ مِنكُم مُحرِجٌ لِلإمامِ ، وَإنَّ مُحرِجَ الإمامِ هُوَ الّذي يَسعى بِأهلِ الصَّلاحِ مِن أتباعِ الإمامِ المُسَلِّمينَ لِفَضلِهِ ، الصّابِرينَ على أداءِ حَقِّهِ العارِفينَ لِحُرمَتِهِ .

.

ص: 132

وَاعلَموا أنَّ مَن نَزَلَ بِذلِكَ المَنزِلِ عِندَ الإمامِ فَهُوَ مُحرِجٌ لِلإمامِ ، فإذا فَعَلَ ذلِكَ عِندَ الإمامِ أحرَجَ الإمامَ إلى أن يُعلِنَ أهلَ الصَّلاحِ مِن أتباعِهِ المُسَلِّمينَ لِفَضلِهِ ، الصّابِرينَ على أداءِ حَقِّهِ العارِفينَ بِحُرمَتِهِ ، فإذا لَعَنَهُم لإحراجِ أعداءِ اللّهِ الإمامُ صارَت لَعَنتُهُ رَحمَةً مِنَ اللّهِ عَليهِم وَصارَت اللّعنَةُ مِنَ اللّهِ وَمِنَ المَلائِكَةِ وُرُسِلِهِ على أُولئِكَ . واعلموا أيّتُها العِصابَةُ أنَّ السُّنَّةَ مِنَ اللّهِ قَد جَرَت في الصّالِحينَ قبلُ . وَقالَ : مَن سَرَّهُ أن يَلقى اللّهَ وَهُوَ مُونٌ حَقّاً حقّاً ، فَليَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسولَهُ وَالّذينَ آمَنوا ، وَليَبرَأ إلى اللّهِ مِن عَدُوِّهِم وَليُسلِّم لِما انتَهى مِن فَضلِهِم ؛ لاِ فَضلَهُم لا يَبلُغُهُ مَلَكٌ مُقَرّبٌ ، وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ ، وَلا مَن دونَ ذلِكَ . ألم تَسمَعوا ما ذَكَرَ اللّهُ مِن فَضلِ أتباعِ الأئَمِّةِ الهُداةِ ، وَهُمُ المُونونَ ، قال : « فَأُولَ_ئكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً » (1) . فَهذا وَجهٌ مِن وُجوهِ فَضلِ أتباعِ الأئِمَّةِ ، فَكَيفَ بِهِم وَفَضلِهِم ؟ وَمَن سَرَّهُ أن يُتِمَّ اللّهُ لَهُ إيمانَهُ حَتّى يَكونَ مُوناً حَقّاً حَقّاً ، فَليَفِ للّهِِ بِشُروطِهِ الّتي اشتَرَطَها على المُونينَ ، فَإنَّهُ قَد اشتَرَطَ مَعَ وِلايَتِهِ وَوِلايَةِ رَسولِهِ وَوِلايَةِ أئِمَّةِ المُونينَ عليهم السلام ، إقامَ الصَّلاةِ وَإيتاءَ الزَّكاةِ وَإقراضَ اللّهِ قَرضاً حَسَناً وَاجتِنابَ الفَواحِشِ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ ، فَلَم يَبقَ شَيءٌ مِمّا فَسَّرَ مِمّا حَرَّمَ اللّهُ إلاّ وَقَد دَخَلَ في جُملَةِ قَولِهِ ، فَمَن دانَ اللّهَ فيما بَينَهُ وَبَينَ اللّهِ مُخلِصاً للّهِِ ، وَلَم يُرَخِّص لِنَفسِهِ في تَركِ شَيءٍ مِن هذا ، فَهُو عِندَ اللّهِ في حِزبِهِ الغالِبينَ ، وَهُوَ مِنَ المُونينَ حَقّاً . وَإيّاكُم وَالإصرارَ على شَيءٍ مِمّا حَرَّمَ اللّهُ في ظَهرِ القُرآنِ وَبَطنِهِ ، وَقَد قالَ اللّهُ : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ » (2) . « إلى هاهنا رواية القاسم بن ربيع» .

.


1- .النساء: 69.
2- .آل عمران: 135.

ص: 133

يَعني المُونينَ قَبلَكُم إذا نسوا شَيئاً مِمّا اشتَرَطَ اللّهُ في كتابِهِ ، عَرَفوا أنَّهُم قَد عَصَوا اللّهَ في تركِهِم ذلِكَ الشَّيءَ ، فاستَغفَروا وَلَم يَعودوا إلى تَركِهِ فَذلِكَ مَعنى قَولِ اللّهِ تَعالى : «وَلَمْ يُصِرُّواعَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ » . وَاعلَموا أنَّهُ إنَّما أمَرَ وَنَهى لِيُطاعَ فيما أمَرَ بِهِ ، وَلِيُنتَهى عَمّا نَهى عَنهُ ، فَمَن اتَّبَعَ أمرَهُ فَقَد أطاعَهُ ، وَقَد أدرَكَ كُلَّ شَيءٍ مِنَ الخَيرِ عِندَهُ ، وَمَن لَم يَنتَهِ عَمّا نَهى اللّهُ عَنهُ فَقَد عَصاهُ ، فَإن ماتَ على مَعصِيَتِهِ أكَبَّهُ اللّهُ على وَجهِهِ فِي النّارِ . وَاعلَموا أنَّهُ لَيسَ بَينَ اللّهِ وَبَينَ أحَدٍ مِن خَلقِهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ ، وَلا مَن دونَ ذلِكَ مِن خَلقِهِ كُلِّهِم إلاّ طاعَتُهُم لَهُ ، فَجِدّوا في طاعَةِ اللّه إن سَرَّكُم أن تكونوا مُونينَ حَقّاً حَقّاً ، وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ . وَقالَ : عَلَيكُم بِطاعَةِ رَبِّكُم ما استَطعتُم ، فإنَّ اللّهَ رَبُّكُم ، وَاعلَموا أنّ الإسلامَ هُوَ التّسليمَ وَالتّسليمَ هُوَ الإسلامُ ، فَمَن سَلَّمَ فَقَد أسلَم ، وَمَن لَم يُسلِم فَلا إسلامَ لَهُ ، وَمَن سَرَّهُ أن يُبلِغَ إلى نَفسِهِ في الإحسانِ فَليُطِعِ اللّهَ فإنَّهُ مَن أطاعَ اللّهَ فَقَد أبلَغَ إلى نفسِهِ في الإحسانِ . وَإيّاكُم وَمَعاصِيَ اللّهِ أن تَركَبوها ، فإنَّهُ مَن انَتَهكَ مَعاصِيَ اللّهِ فَرَكِبَها ، فَقَد أبلَغَ في الإساءَةِ إلى نَفسِهِ ، وَلَيسَ بَينَ الإحسانِ وَالإساءَةِ مَنزِلَةٌ فَلاِلِ الإحسانِ عِندَ رَبِّهِم الجَنَّةُ ، وَلاِلِ الإساءَةِ عِندَ رَبِّهِم النّارُ . فاعمَلوا بِطاعَةِ اللّهِ وَاجتَنِبوا مَعاصِيَهُ . وَاعلَموا أنَّهُ لَيسَ يُغني عَنكُم مِنَ اللّهِ أحَدٌ مِن خَلقِهِ شيئاً ، لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ ، وَلا مَن دونَ ذلِكَ ، فَمَن سَرَّهُ أن تَنفَعَهُ شَفاعَةُ الشّافِعينَ عِندَ اللّهِ ، فَليَطلُب إلى اللّهِ أن يَرضى عَنهُ . وَاعلَموا أنَّ أحَداً مِن خَلقِ اللّهِ لَم يُصِب رِضى اللّهِ إلاّ بِطاعَتِهِ وَطاعَةِ رَسولِهِ وَطاعَةِ وُلاةِ أمرِهِ مِن آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَمَعصِيَتُهُم من مَعصِيَةِ اللّهِ وَلَم يُنكِر لَهُم فَضلاً عَظُم وَلا صَغُرَ .

.

ص: 134

وَاعلَموا أنَّ المُنكِرينَ هُم المُكَذِّبونَ ، وَأنَّ المُكَذِّبينَ هُمُ المُنافِقونَ ، وَأنّ اللّهَ تَعالى قالَ لِلمُنافِقينَ _ وَقَولُهُ الحَقُّ _ : «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا » (1) وَلا يَفرُقَنّ أحَدٌ مِنكُم _ ألزَمَ اللّهُ قَلبَهُ طاعَتَهُ وَخَشيَتَهُ _ مِن أحَدٍ مِنَ النّاسِ أخرَجَهُ اللّهُ مِن صِفَةِ الحَقِّ وَلَم يَجعَلهُ مِن أهلِها ، فإنَّ مَن لَم يَجعَلهُ اللّه مِن أهلِ صِفَةِ الحَقِّ فَأُولئِكَ هُم شَياطينُ الإنسِ وَالجِنِّ ، فإنَّ لِشَياطينِ الإنسِ حِيَلاً وَمَكراً وَخَدائِعَ وَوَسوَسَةً ، بَعضُهُم إلى بَعضٍ ، يُريدون _ إن اِستَطاعوا _ أن يَرُدّوا أهلَ الحَقِّ عمّا أكَرَمَهُمُ اللّهُ بِهِ مِنَ النَّظَرِ في دينِ اللّهِ الّذي لَم يَجعَلِ اللّهُ شَياطينَ الإنسِ مِن أهلِهِ ، إرادَةَ أن يَستَوِيَ أعداءُ اللّهِ وَأهلُ الحَقِّ ، في الشَّكِ وَالإنكارِ وَالتَّكذيبِ ، فَيَكونونَ سَواءً كَما وَصَف اللّهُ في كِتابِهِ مِن قَولِهِ سُبحانَهُ : «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَآءً» (2) . ثُمَّ نهى اللّهُ أهلَ النَّصرِ بِالحَقِّ أن يَتَّخِذوا مِن أعداءِ اللّهِ وَلِيّاً وَلا نَصيراً ، فَلا يَهولَنَّكُم ولا يَرُدَّنَّكُم عَنِ النَّصرِ بِالحَقِّ الّذي خَصَّكُم اللّهُ بِهِ مِن حِيلَةِ شَياطينِ الإنسِ وَمَكرِهِم ، وَحِيَلِهِم وَوَساوِسِ بَعضِهِم إلى بَعضٍ ، فإنَّ أعداءَ اللّهِ إنِ استَطاعوا صَدُّوكُم عَنِ الحَقِّ فَيَعصِمُكُم اللّهُ مِن ذلِكَ فَاتّقوا اللّهَ وَكُفُّوا ألسِنَتَكُم إلاّ مِن خَيرِ . وَإيّاكُم أن تُذلِقوا (3) ألسِنَتَكُم بِقَولِ الزّورِ وَالبُهتانِ وَالإثمِ وَالعُدوانِ ، فَإنَّكُم إن كَفَفتُم ألسِنَتَكُم عَمّا يَكرَهُ اللّهُ مِمّا نَهاكُم عَنهُ كانَ خَيراً لَكُم عِندَ رَبِّكُم من أن تُذلِقوا ألسِنَتَكُم بِهِ ، فَإنَّ ذَلَقَ اللِّسانِ فيما يَكرَهُ اللّهُ وَفيما يَنهى عَنهُ لَدَناءَةٌ لِلعَبدِ عِندَ اللّهِ ، وَمَقتٌ مِنَ اللّهِ ، وَصَمَمٌ وَعَمىً وَبَكَمٌ يورِثُهُ اللّهُ إيّاهُ يَومَ القِيامَةِ ، فَيَصيروا كَما قالَ اللّهُ : « صُمُّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ » (4) يَعني لا يَنطِقونَ «وَ لاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ » (5) .

.


1- .البقرة: 18.
2- .النساء: 145.
3- .النساء: 89.
4- .وفي المصدر : « تزلقوا » .
5- .المرسلات: 36.

ص: 135

وَإيّاكُم وَما نَهاكُم اللّهُ عَنهُ أن تَركَبوهُ ، وَعَلَيكُم بِالصَّمتِ إلاّ فيما يَنفَعُكُم اللّهُ بِهِ في أمرِ آخِرَتِكُم ، وَيُؤجِرُكُم عَلَيهِ وَأكثِروا مِنَ التَّهليلِ وَالتَّقديسِ وَالتَّسبيحِ وَالثَّناءِ عَلى اللّهِ ، وَالتَّضَرُّعِ إلَيهِ وَالرَّغبَةِ فيما عِندَهُ مِنَ الخَيرِ الّذي لا يُقدّر قَدرَهُ ، وَلا يَبلُغُ كُنهَهُ أحَدٌ فاشغِلوا ألسِنَتَكُم بِذلِكَ عَمّا نَهى اللّهُ عَنهُ مِن أقاويلِ الباطِلِ الّتي تُعقِبُ أهلَها خُلوداً في النّارِ ، مَن ماتَ عَلَيها وَلَم يَتُب إلى اللّهِ مِنها ، وَلَم يَنزَع عَلَيها ، وَعَلَيكُم بِالدُّعاءِ ، فَإنَّ المُسلِمينَ لَم يُدرِكوا نَجاحَ الحَوائِجِ عِندَ رَبِّهِم بِأفضَلَ مِنَ الدُّعاءِ وَالرَّغبَةِ إلَيهِ ، وَالتَّضَرُّعِ إلى اللّهِ وَالمَسألَةِ لَهُ ، فارغَبوا فيما رَغَّبَكُم اللّهُ فيهِ ، وَأجيبوا اللّهَ إلى ما دَعاكُم إلَيهِ لِتُفلِحوا وَتَنجوا مِن عَذابِ اللّهِ . وَإيّاكُم أن تَشرَهَ أنفسُكُم إلى شَيءٍ مِمّا حَرَّمَ اللّهُ عَلَيكُم ، فإنَّهُ مَنِ انتَهَكَ ما حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ هاهُنا في الدُّنيا حالَ اللّهُ بَينَهُ وَبَينَ الجَنَّةِ وَنَعيمِها وَلَذَّتِها وَكَرامَتِها القائِمَةِ الدّائِمَةِ لِأهلِ الجَنَّةِ أبَدَ الآبدينَ . وَاعلَموا أنّهُ بِئسَ الحَظُّ الخَطَرُ لِمَن خاطَرَ بِتَرِكِ طاعَةِ اللّهِ وَرُكوبِ مَعصِيَتِهِ ، فاختارَ أن يَنتَهِكَ مَحارِمَ اللّهِ في لَذَّاتِ دُنيا مُنقَطِعَةٍ زائِلَةٍ عَن أهلِها على خُلودِ نَعيمٍ في الجَنَّةِ وَلَذاتِها وَكَرامَةِ أهلِها ، وَيلٌ لاُِولئِكَ ! ما أخيَبَ حَظَّهُم وَأخسَرَ كَرَّتَهُم وَأسوأ حالَهُم عِندَ رَبِّهِم يَومَ القِيامَةِ ، استَجيروا اللّهَ أن يُجريكُم في مِثالِهِم أبَداً ، وَأن يَبتَلِيَكُم بِما ابتَلاهُم بهِ وَلا قُوَّةَ لَنا وَلَكُم إلاّ بِهِ . فَاتَّقوا اللّهَ أيَّتُها العِصابَةُ النّاجِيَةُ ، أن أتَمَّ اللّهُ لَكُم ما أعطاكُم بِهِ فَإنَّهُ لا يَتِمُّ الأمرُ حَتّى يَدخُلَ عَلَيكُم مِثلُ الّذي دَخَلَ عَلى الصَّالِحينَ قَبلَكُم ، وَحَتّى تَبتَلوا في أنفُسِكُم وَأموالِكُم وَحَتّى تَسمَعوا مِن أعداءِ اللّهِ أذىً كَثيراً فَتَصبِروا وَتَعرُكوا بِجُنوبِكُم وَحَتَّى يَستَذِلّوكُم وَيُبغِضوكُم ، وَحَتّى يَحمِلوا عَلَيكُم الضَّيمَ فَتَحتَمِلوهُ مِنهُم

.

ص: 136

تَلتَمِسونَ بِذلِكَ وَجهَ اللّهِ وَالدّارَ الآخِرَةَ ، وَحَتّى تَكظِموا الغَيظَ الشَّديدَ فِي الأذى في اللّهِ يَجتَرِمونَهُ إلَيكُم وَحَتّى يُكَذِّبوكُم بِالحَقِّ وَيُعادوكُم فيهِ وَيُبغِضوكُم عَلَيهِ فَتَصبِروا على ذلِكَ منهم ، وَمِصداقُ ذلِكَ كُلِّهِ في كِتابِ اللّهِ الّذي أنزَلَهُ جَبرئيلُ على نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله ، سَمِعتُم قَولَ اللّهِ تَعالى لِنَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله : «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ» . (1) ثمَّ قالَ : « وَ إِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُواوَأُوذُوا » (2) فَقَد كُذِّبَ نَبِيُّ اللّهِ وَالرُّسلُ مِن قَبلِهِ وَأُوذوا مَعَ التَّكذيبِ بِالحَقِّ ، فَإن سَرَّكُم أن تَكونوا مَعَ نَبِيِّ اللّهِ مُحَمّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَالرُّسُلِ مِن قَبلِهِ فَتَدَبَّروا ما قَصَّ اللّهُ عَلَيكُم في كتابِهِ مِمّا ابتلى بِهِ أنبياءَهُ وَأتباعَهُم المُونينَ ثُمَّ سَلوا اللّهَ أن يُعطِيَكُم الصَّبرَ على البَلاءِ في السَّرّاءِ وَالضَّرَّاءِ ، وَالشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ مِثلَ الّذي أعطاهُم . وَإيّاكُم وَمُمّاظَّةَ أهلِ الباطِل ، وَعَلَيكُم بِهَدي الصّالِحينَ وَوَقارِهِم ، وَسَكينَتِهِم وَحِلمِهِم ، وَتَخَشُّعِهِم وَوَرَعِهِم عَن مَحارِمِ اللّهِ ، وَصِدقِهِم وَوَفائِهِم وَاجتِهادِهِم للّهِِ في العَمَلِ بِطاعَتِهِ ، فَإنَّكُم إن لَم تَفعَلوا ذلِكَ لَم تَنزِلوا عِندَ رَبِّكُم مَنزِلَةَ الصّالِحينَ قَبلَكُم . وَاعلَموا أنَّ اللّهَ تَعالى إذا أرادَ بِعَبدٍ خَيراً شَرَحَ صَدرَهُ للإسلامِ ، فَإذا أعطاهُ ذلِكَ نَطَقَ لِسانُهُ بِالحَقِّ وَعَقَدَ قَلبَهُ عَلَيهِ فَعَمَلَ بِهِ ، فإذا جَمَعَ اللّهُ لَهُ ذلِكَ تَمَّ لَهُ إسلامُهُ ، وَكانَ عِندَ اللّهِ إن ماتَ على ذلِكَ الحالِ مِنَ المُسلِمينَ حَقّاً ، وإذا لَم يُرِدِ اللّهُ بِعَبدٍ خَيراً وَكلَهُ إلى نَفسِهِ ، وَكانَ صدرُهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ، فإن جَرى عَلى لِسانِهِ حَقٌّ لَم يُعقَد قَلبُهُ عَلَيهِ وَإذا لَم يُعقَد قَلبُهُ عَلَيهِ ، لَم يُعطِهِ اللّهُ العَمَلَ بِهِ ، فَإذا اجتَمَعَ ذلِكَ عَلَيهِ حَتّى يَموتَ ، وَهُوَ على تِلكَ الحالِ كانَ عِندَ اللّهِ مِنَ المُنافِقين ، وَصارَ ما جَرى عَلى لِسانِهِ مِنَ الحَقِّ الّذي لَم يُعطِهِ اللّهُ أن يُعقَدَ قَلبُهُ عَلَيهِ ، وَلَم يُعطِهِ العَمَلَ بِهِ حُجَّةً عَلَيهِ .

.


1- .الأحقاف: 35.
2- .هذا قريب من آيتين أوّلها في سورة الحجّ : 42 وفاطر :3 و25 وآخرها في سورة الأنعام : 34 .

ص: 137

23 . كتابه عليه السلام إلى الشّيعة في حثّهم على الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر

فاتّقوا اللّهَ وَسَلوهُ أن يَشرَحَ صُدورَكُم للإسلامِ ، وأن يَجعَلَ ألسِنَتَكُم تَنطِقُ بِالحَقِّ حَتّى يَتَوفّاكُم وَأنتُم على ذلِكَ ، وَأن يَجعَلَ مُنقَلَبَكُم مُنقَلَبَ الصّالِحينَ قَبلَكُم ، وَلا قُوَّةَ إلاّ باللّهِ ، وَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ . وَمَن سَرَّهُ أن يَعلَمَ أنَّ اللّهَ يُحِبُّهُ ، فَليَعمَل بِطاعَةِ اللّهِ وَليَتَّبِعنا ، ألَم يَسمَع قَولَ اللّهِ تَعالى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» . (1) وَاللّهِ لا يُطيعُ اللّهَ عَبدُ أبَداً إلاّ أدخَلَ اللّهُ عَلَيهِ في طاعَتِهِ اِتّباعَنا . وَلا وَاللّهِ لا يَتَّبِعُنا عَبدٌ أبَداً إلاّ أحَبَّهُ اللّهُ . وَلا وَاللّهِ لا يَدَعُ اتّباعَنا أحَدٌ أبداً إلاّ أبغَضَنا . وَلا وَاللّهِ لا يُبغِضُنا أحَدٌ أبداً إلاّ عَصى اللّهَ . وَمَن ماتَ عاصِياً للّهِِ أخزاهُ اللّه وأكَبَّهُ على وَجهِهِ في النّارِ ، والحَمدُ للّهِ رَبِّ العالَمين . (2)

23كتابه عليه السلام إلى الشّيعةفي حثّهم على الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكرعن عليّ بن أسباط ، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم 3 ، قال : كتب

.


1- .آل عمران: 31.
2- .كتاب الوافي : ج 26 ص97 ح 25378 .

ص: 138

. .

ص: 139

24 . كتابه عليه السلام إلى رجل في النّهي عن المماراة والجدال والكسل

أبو عبد اللّه عليه السلام إلى الشّيعة :لِيَعطِفَنَّ ذَوو السِّنِّ مِنكُم وَالنُّهى على ذَوي الجَهلِ وَطُلاّبِ الرِّئاسَةِ ، أو لَتُصيبَنَّكُم لَعنتي أجمعينَ . (1)

24كتابه عليه السلام إلى رجلفي النّهي عن المماراة والجدال والكسلعليّ بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة 2 ، قال : كتب أبو عبد اللّه عليه السلام إلى رجل من أصحابه :أمّا بَعدُ ، فلا تُجادِل العُلماءَ ، وَلا تُمارِ السُّفَهاءَ ، فَيُبغِضُكَ العُلماءُ ،

.


1- .الكافي: ج8 ص158 ح152، أعلام الدين: ص236، تنبيه الخواطر : ج2 ص147 .

ص: 140

25 . كتابه عليه السلام إلى المنصور في جوابه في تميُّز من يريد الدّنيا ومن يريد الآخرة

وَيَشتِمُكَ السُّفهاءُ . وَلا تَكسَل عَن مَعيشَتِكَ فَتَكونَ كَلاّ على غَيرِكَ . أو قالَ : على أهلِكَ. (1)

25كتابه عليه السلام إلى المنصور في جوابهفي تميُّز من يريد الدّنيا ومن يريد الآخرةقال ابن حمدون : كتب المنصور (2) إلى جعفر بن محمّد : لم لا تغشانا كما يغشانا ساير النّاس ؟ فأجابَهُ : لَيسَ لَنا ما نَخافُكَ مِن أجلِهِ ، وَلا عِندَكَ مِن أمرِ الآخِرَةِ ما نَرجوكَ لَهُ ، وَلا أنتَ في نِعمَةٍ فَنُهنّيكَ ، وَلا تَراها نَقِمَةً فَنُعَزّيكَ بِها ، فَما نَصنَعُ عِندَكَ ؟ . قال: فكتب إليه: تَصحَبُنا لِتَنصَحَنا . فأجابَهُ عليه السلام : مَن أرادَ الدُّنيا لا يَنصَحُكَ ، وَمَن أرادَ الآخِرَةَ لا يَصحَبُكَ . فقال المنصور: وَاللّهِ لَقَد مَيَّزَ عِندي مَنازِلَ النّاسِ ، مَن يُريدُ الدُّنيا مِمَّن يُريدُ الآخِرَةَ ، وَإنَّهُ مِمَّن يُريدُ الآخِرَةَ لا الدُّنيا . (3)

.


1- .الكافي: ج5 ص86 ح9 ، وسائل الشيعة : ج 17 ص 59 ح 21975 .
2- .عبد اللّه بن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن العبّاس ، أبو جعفر المنصور الدّوانيقي ، كان الثّاني من خلفاء بني العبّاس ، تولاّه بعد موت أخيه السّفاح سنة ست وثلاثون ومائة ، ومات سنة ثمان وخمسين ومائة في طريقه إلى مكّة ودفن بها ، وعدّه الشّيخ من أصحاب الصّادق عليه السلام مع غصبه للخلافة ، وقتلهُ الإمام وجمعا كثيرا من ذرّية الرّسول صلى الله عليه و آله ، لعلّ ذكره في أصحاب الصادق عليه السلام لأنّ له روايات عنه عليه السلام ورواها أصحاب السّير . (راجع : مروج الذّهب : ج 3 ص 244 ، فتح الباري : ج 13 ص 184 ، رجال الطوسي : ص 229 الرقم 3102) .
3- .كشف الغمّة : ج2 ص420 ، بحار الأنوار : ج46 ص184 ح145 نقلاً عنه .

ص: 141

26 . كتابه عليه السلام إلى رجل في المنافق والسّعيد
27 . كتابه عليه السلام لسفيان الثّوري في ما أمر النّبيّ صلى الله عليه و آله بالنّصيحة لأئمّة المسلمين

26كتابه عليه السلام إلى رجلفي المنافق والسّعيدعليّ بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة (1) ، قال : كتب أبو عبد اللّه عليه السلام إلى رجل :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أمّا بَعدُ فإنَّ المُنافِقَ لا يَرغَبُ فيما قَد سَعِدَ بِهِ المُؤمِنونَ ، وَالسَّعيدَ يَتَّعِظُ بِمَوعِظَةِ التَّقوى ، وَإن كانَ يُرادُ بِالمَوعِظَةِ غَيرُهُ . (2)

27كتابه عليه السلام لسفيان الثّوريفي ما أمر النّبيّ صلى الله عليه و آله بالنّصيحة لأئمّة المسلمينمحمّد بن الحسن ، عن بعض أصحابنا ، عن عليّ بن الحكم ، عن الحكم بن مسكين ، عن رجل من قريش من أهل مكّة قال : قال سفيان الثّوري 3 : اذهب بنا

.


1- .راجع : الكتاب الرّابع والعشرون .
2- .الكافي: ج8 ص150 ح132.

ص: 142

إلى جعفر بن محمّد . قال: فذهبت معه إليه فوجدناه قد ركب دابّته فقال له سفيان: يا أبا عبد اللّه حدّثنا بحديث خطبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مسجد الخيف. قال : دَعني حَتّى أذهَبَ في حاجَتي فَإِنّي قَد رَكَبتُ ، فَإذا جِئتُ حَدَّثتُكَ . فقال: أسألك بقرابتك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله لما حدّثتني. قال: فنزل فقال له سفيان: مر لي بدواة وقرطاس حتّى أثبته فدعا به ثمّ قال: اكتب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم خطبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مسجد الخيف نضّر اللّه عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلّغها من لم تبلغه: يا أيُّها النّاسُ ، لِيُبلِغِ الشّاهِدُ الغائِبَ ، فَرُبَّ حامِل فِقهٍ لَيسَ بِفَقيهٍ ، وَرُبَّ حامِلِ فِقهٍ إلى مَن هُوَ أفقَهُ مِنهُ . ثَلاثٌ لا يُغَلُّ عَلَيهِنَّ قَلبُ امرِئٍ مُسلِم : إخلاصُ العَمَلِ للّهِِ ، وَالنَّصيحَةُ لِأئمِّةِ المُسلِمينَ ، وَاللُّزومِ لِجَماعَتِهِم ، فإنَّ دَعوَتَهُم مُحيطَةٌ مِن وَرائِهِم . المُونونَ إخوَةٌ تَتَكافأُ دِماوهُم وَهُم يَدٌ على مَن سِواهُم ، يَسعى بِذِمَّتِهِم أدناهُم . فَكَتَبَهُ سُفيانُ ثُمَّ عَرَضَهُ عَلَيهِ وَرَكِبَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام ، وَجِئتُ أنا وَسُفيان ، فَلَمّا كُنّا في بَعضِ الطَّريقِ قالَ لي : كَما أنتَ حَتّى أنظُرَ في هذا الحَديثِ . فَقُلتُ لَهُ : قَد وَاللّهِ ألزَمَ أبو عَبدِ اللّهِ رَقَبَتَكَ شَيئاً لا يَذهَبُ مِن رَقَبَتِكَ أبَداً .

.

ص: 143

28 . كتابه عليه السلام للنّجاشي عامل الأهواز في بعض ما يلزم الوالي

فَقالَ : وَأيُّ شيءٍ ذلِكَ ؟ فَقُلتُ لَهُ : ثَلاثٌ لا يُغَلّ عَلَيهِنَّ قَلبُ امرِىًمُسلِمٍ : إخلاصُ العَمَلِ للّهِِ قَد عَرَفناه ، وَالنَّصيحَةُ لِأئِمَّةِ المُسلِمينَ ، مَن هَولاءِ الأئِمَّةُ الّذين يَجِبُ عَلَينا نَصيحَتُهُم؟ مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيانَ وَيَزيدُ بنُ مُعاوِيَةَ وَمَروانُ بنُ الحَكَمِ ؟ وَكُلٌّ مَن لا تَجوزُ شَهادَتُهُ عِندَنا وَلا تَجوزُ الصَّلاةُ خَلفَهُم. وَقَولُهُ : وَاللُّزومُ لِجَماعَتِهِم ، فَأيُّ الجَماعَةِ مُرجِئٌ يَقولُ : مَن لَم يُصَلِّ وَلَم يَصُم ، وَلَم يَغتَسِل مِن جَنابَةٍ وَهَدَمَ الكَعبَةَ ، وَنَكَحَ أُمَّهُ ، فَهُوَ على إيمانِ جَبرئيلَ وَميكائيلَ . أو قَدرِيٌّ يَقولُ : لا يَكونُ ما شاءَ اللّهُ عز و جل ، وَيَكونُ ما شاءَ إبليسُ . أو حَرورِيٌّ يَتَبرَّأ من عَلِيٍّ بنِ أبي طالِبٍ ، وَشَهِدَ عَلَيهِ بِالكُفرِ . أو جَهمِيٌّ يقول : إنَّما هِيَ مَعرِفَةُ اللّهِ وَحدَهُ ، لَيسَ الإيمانُ شيئا (1) غيرها . قالَ : وَيحَكَ ، وَأيُّ شَيءٍ يَقولونَ؟ فَقُلتُ : يَقولونَ : إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام وَاللّهِ ، الإمامُ الّذي يَجِبُ عَلَينا نَصيحَتُهُ وَلُزومُ جَماعَتِهِم أهلَ بَيتِهِ . قال : فَأخَذَ الكِتابَ فَخَرقَهُ ثُمَّ قال : لا تُخبِر بِها أحَداً . (2)

28كتابه عليه السلام للنّجاشي عامل الأهوازفي بعض ما يلزم الواليفي كشف الرّيبة: الحديث العاشر: رويناه بأسانيد متعدّدة ، أحدها الإسناد المتقدّم

.


1- .في المصدر : « شيءٌ » والصواب ما أثبتناه .
2- .الكافي : ج 1 ص 403 ح2، المحاسن : ج2 ص612 ح2، بحار الأنوار : ج27 ص69 ح6 .

ص: 144

في الحديث السّابع (1) إلى الشّيخ أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أبيه محمّد بن عيسى الأشعريّ ، عن عبد اللّه بن سّليمان النّوفليّ 2 ، قال : كنت عند جعفر بن محمّد الصّادق عليه السلام ، فإذا بمولى لعبد اللّه النّجاشي قد ورد عليه ، فسلّم وأوصل إليه كتابه ففضّه وقرأه ، فإذا أوّل سطر فيه : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أطالَ اللّهُ تعالى بَقاءَ سَيّدي ، وَجَعَلَني مِن كُلِّ سوءٍ فِداهُ ، وَلا أراني فيهِ مَكروهاً ، فإنَّهُ وَلِيُّ ذلِكَ وَالقادِرُ عَلَيهِ . وَاعلَم _ سَيّدي وَمَولايَ _ إنّي بُليتُ بِوِلايَةِ الأهوازِ ، فَإن رَأى سَيّدِي أن يَحِدَّ لي حَدَّاً أو يُمَثِّلَ لي مِثالاً لِأستَدِلَّ بِهِ على ما يُقَرِّبُني إلى اللّهِ عز و جل ، وَإلى رَسولِهِ ، وَيُلَخِّصَ في كتابِهِ ما يَرى لِيَ العَمَلَ بِهِ ، وَفيما تَبَدّلَهُ وَابتَدَلَهُ ، وَأينَ أضَعُ زَكاتي ؟ وَفيمَن أصرِفُها ؟ وَبِمَن آنَسُ ؟ وَإلى مَن استَريحُ ؟ وَبِمَن أثِقُ ؟ وَآمَنُ وَألجأ إليهِ في سِرّي ،

.


1- .الحديث السّابع بالإسناد المتقدّم إلى شيخ المذهب ومحييه ومحققه ، جمال الدّين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، عن والده السّعيد سديد الدّين يوسف بن المطهّر قال: أخبرنا الشّيخ العلاّمة النّسّابة فخار بن المعد الموسوي ، عن الفقيه سديد الدّين شاذان بن جبرئيل القميّ ، عن عماد الدّين الطّبري ، عن الشّيخ أبي علي الحسن بن الشّيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطّوسي ، عن والده الشّيخ قدّس اللّه روحه ، عن الشّيخ المفيد محمّد بن النّعمان ، عن الشّيخ الصّدوق محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي ، عن الشيخ أبي عبد اللّه جعفر بن قولويه ، عن الشّيخ أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن يعقوب الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد اللّه بن بكر . . . (ص83) .

ص: 145

فَعَسى اللّهُ أن يُخَلِّصَني بِهِدايَتِكَ وَدَلالَتِكَ ؛ فإنّكَ حُجَّةُ اللّهِ على خَلقِهِ وَأمينُهُ في بِلادِهِ ، وَلا زالت نِعمَتُهُ عَلَيكَ . كذا بخطّه. قال عبد اللّه بن سليمان : فأجابه أبو عبد اللّه عليه السلام : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم حاطَك (1) اللّهُ بِصُنْعِهِ ، وَلَطُفَ بِمَنِّهِ ، وَكَلاكَ بِرِعايَتِهِ فَإنَّهُ وَلِيُّ ذلِكَ . أمّا بَعدُ ، فقد جاءَني رَسولُكَ بِكتابِكَ فَقَرَأتُةُ وَفَهِمتُ ما فيهِ ، وَجَميعُ ما ذَكَرتَهُ وسَألتَ عَنهُ : وَزَعَمتَ أنَّكَ بُليتَ بِوِلايَةِ الأهوازِ ، فَسَرَّني ذلِكَ وَساءَني وَسَأُخبِرُكَ بما ساءَني مِن ذلِكَ وَما سَرَّني إن شاءَ اللّهُ تَعالى . فَأمّا سُروري بِولايَتِكَ ، فَقُلتُ : عَسى أن يُغيثَ اللّهُ بِكَ مَلهوفاً خائِفاً مِن أولياءِ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَيُعِزَّ بِكَ ذَليلَهُم ، وَيَكسُوَ بِكَ عارِيَهم ، وَيُقوّي بِكَ ضَعيفَهُم ، وَيُطِفى ءَ بِكَ نارَ المُخالِفينَ عَنهُم . وَأمّا ساءَني مِن ذلِكَ ، فَإنَّ أدنى ما أخافُ عَلَيكَ أن تَعثَرَ بَوِلِيٍّ لَنا فَلا تَشُمَّ رائِحَةَ حَضيرَةِ القُدُسِ . فَإنّي مُلَخِّصٌ لَكَ جَميعَ ما سَألتَ عَنهُ ، إن أنتَ عَمِلتَ بِهِ وَلَم تُجاوِزهُ رَجوتُ أن تَسلَمَ إن شاءَ اللّهُ . أخبرني _ يا عبد اللّه _ أبي ، عن آبائه ، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّه قال : مَنِ استَشارَهُ أخوهُ المُؤمِنُ فَلَم يَمحَضهُ النَّصيحَةَ سَلَبَهُ اللّهُ لُبَّه . وَاعلَم إنّي سَأُشيرُ عَلَيكَ بِرَأيٍ ، إن أنتَ عَملِتَ بهِ تَخَلَّصتَ مِمّا أنتَ مُتَخَوِّفُهُ . وَاعلَم أنّ خَلاصَكَ وَنَجاتَكَ في حَقنِ الدِّماءِ ، وَكَفِّ الأذى عَن أولياءِ اللّهِ وَالرِّفقِ بِالرَّعِيَّةِ ، وَالتَأنّي ، وَحُسنِ المُعاشَرَةِ مَعَ لِينٍ في غَيرِ ضَعفٍ ، وَشِدَّةٍ في غَيرِ أنَفٍ ، وَمُداراةِ صاحِبِكَ وَمَن يَردُ عَلَيكَ من رُسِلِهِ ، وَارتُق فَتقَ رَعِيَّتِكَ بِأن تُوقِفَهم على ما

.


1- .في المصدر : «حاملكَ » ، والتصويب من بحار الأنوار .

ص: 146

وافَقَ الحَقَّ وَالعَدلَ إن شاءَ اللّهُ تَعالى . وَإيّاكَ والسُّعاةَ وَأهلَ النَّمايِمِ ، فَلا يَلتَزِقَنَّ مِنهُم بِكَ أحَدٌ ، وَلا يَراك اللّهُ يَوماً وَلَيلَةً وَأنتَ تَقبَلُ مِنهُم صِرفاً وَلا عَدلاً ، فَيَسخَطُ اللّهُ عَلَيكَ وَيَهتِكُ سِترَكَ ، وَاحذَر مَكرَ خُوزِ الأهوازِ ، فَإنّ أبي أخبرني عَن آبائِهِ عَن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام إنّهُ قالَ : إنّ الإيمان لا يثبت في قلب يهودي ولا خوزيّ أبداً . فَأمّا مَن تأنَسُ بهِ وَتَستَريحُ إلَيهِ وَتُلجى ءُ أمورَكَ إلَيهِ ، فَذلِكَ الرَّجُلُ المُستَبصِرُ الأمينُ المُوافِقُ لَكَ على دينِكَ . وَمَيِّز أعوانَكَ وَجَرِّب الفَريقَينِ ، فَإن رَأيتَ هُنالك رُشداً فَشأنَكَ وَإيّاهُ ، وَإيَّاكَ أن تُعطِيَ دِرهماً أو تَخلَعَ ثَوباً أو تَحمِلَ على دابَّةٍ في غيرِ ذاتِ اللّهِ ، لِشاعِرٍ أو مُضحِكٍ أو مُتَمزِّحٍ (1) إلاّ أعطَيتَ مِثلَهُ في ذاتِ اللّهِ ، وَليَكُن جَوائِزُكَ وَعَطاياكَ وَخِلَعُكَ لِلقُوّادِ وَالرُّسُلِ وَالأحفادِ وَأصحابِ الرَّسائِلِ وَأصحابِ الشُّرَطِ وَالأخماسِ ، وَما أردَتَ أن تَصرِفَهُ في وُجوهِ البِرِّ وَالنَّجاحِ وَالعِتقِ وَالصَّدَقَةِ وَالحَجِّ والمَشرَبِ وَالكِسوَةِ الّتي تُصَلّي فيها ، وَتَصِلُ بِها ، وَالهَدِيَةِ الّتي تُهديها إلى اللّهِ تَعالى وإلى رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، مِن أطيَبِ كَسبِكَ . يا عَبدَ اللّهِ ، اجهَد أن لا تَكنِزَ ذَهَباً وَلا فِضَّةً ، فَتَكونَ مِن أهلِ هذهِ الآيَةِ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ» (2) وَلا تَستَصغِرَنَّ مِن حُلوٍ أو فَضلِ طَعامٍ ، تَصرِفُهُ في بُطونٍ خالِيَةٍ يَسكُنُ بِها غَضَبُ اللّهِ تَبارَكَ وَتَعالى . وَاعلَم أنّي سَمِعتُ أبي يُحَدِّثُ عَن آبائِهِ ، عَن أميرِ المُؤمِنينَ عليهم السلام ، أنّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ يَقولُ لِأصحابِهِ يَوماً : ما آمَنَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ مَن باتَ شَبعانا وَجارُهُ جائِعٌ . فَقُلنا : هَلَكنا يا رَسولَ اللّهِ . فَقالَ : مِن فَضلِ طَعامِكُم ، وَمِن فَضلِ تَمرِكُم وَرِزقِكُم ، وَخِلَقِكُم

.


1- .في المصدر : « ممتزحٍ » ، والتصويب من بحار الأنوار .
2- .التوبة: 34.

ص: 147

وَخِرَقِكُم ، تطفئونَ بها غضب الرّب . وَسَأنبِئُكَ بِهَوانِ الدُّنيا وَهَوانِ شَرَفِها على ما مَضى مِنَ السَّلَفِ وَالتّابِعينَ ، فقد . حدّثني محمّد بن عليّ بن الحسين عليه السلام قال : لَمّا تَجَهَّزَ الحُسينُ عليه السلام إلى الكُوفَةِ أتاهُ ابن عَبّاس فَناشَدَهُ اللّهَ وَالرَّحِمَ أن يَكونَ هُوَ المَقتولُ بِالطَّفِّ . فقال : أنا أعرف بِمَصرعي مِنكَ ، وَما وَكَدي مِنَ الدُّنياإلاّ فِراقُها . ألا أخبِرُكَ يابنَ عَبّاس بِحَديثِ أميرِ المُؤمِنينَ وَالدُّنيا ؟ فَقالَ لَهُ : بلى ، لَعَمري إنّي لاَحِبُّ أن تُحَدِّثَني بِأمرِها . فَقالَ أبي : قالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : سَمِعتُ أبا عَبدِ اللّهِ يَقولُ : حَدَّثَني أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام قال : إنّي كُنتُ بِفَدَكٍ في بَعضِ حيطانِها ، وَقَد صارَت لِفاطِمَةَ عليهاالسلام ، قالَ : فَإذا أنا بامرَأةٍ قَد قَحَمَت عَلَيّ وَفي يَدي مِسحاةٌ ، وَأنا أعمَلُ بِها ، فَلَمَّا نَظَرتُ إلَيها طارَ قَلبي مِمّا تَداخَلَني مِن جَمالِها ، فَشَبَّهتُها بُثَيّنَةَ بِنتَ عامِرِ الجُمَحَيّ _ وَكانَت مِن أجمَلِ نساءِ قُرَيشٍ _ فَقالَت : يابنَ أبي طالِبٍ ، هَل لَكَ أن تَتَزَوَّجَ بي فَاُغنيَكَ عَن هذهِ المِسحاةِ ، وَأدُلُّكَ عَلى خَزائِنِ الأرضِ ، فَيَكونُ لَكَ المُلكُ ما بَقيتَ وَلِعَقِبِكَ مِن بَعدِكَ ، فَقالَ لها عليّ عليه السلام : مَن أنتِ حَتّى أخطِبَكِ مِن أهلِكَ . فَقالَت : أنا الدُّنيا . قالَ لها : فَارجعِي وَاطلُبي زَوجاً غَيري . وَأقبَلتُ على مِسحاتي وَأنشَأت أقولُ : لَقَد خابَ مَن غَرَّتهُ دُنيا دَنِيَّةٌوَما هِيَ إن غَرَّت قُروناً بِنائِلِ أتَتنا على زِيّ العَزيز بُثَنيَةٌوَزينَتُها في مِثلِ تِلكَ الشّمائِلِ فَقُلتُ لَها غُرِّي سِوايَ فَإنّنيعَزوفٌ عَن الدُّنيا وَلَستُ بِجاهِلِ وَما أنا وَالدُّنيا فإنَّ مُحَمَّداًأُحِلَّ صريعاً بَينَ تِلكَ الجَنادِلِ وَهَبها أتَتني بِالكُنوزِ وَدُرِّهاوَأموالِ قارونٍ وَمُلكِ القَبائِلِ ألَيسَ جَميعاً لِلفناءِ مَصيرُهاوَيُطلَبُ مِن خُزّانِها بِالطَّوائِلِ فَغُرِّي سِوايَ إنَّني غَيرُ راغِبٍبِما فيكِ مِن مُلكٍ وَعِزٍّ وَنائلِ فَقَد قَنَعَت نَفسي بِما قَد رُزِقتُهُفَشَأنَكَ يا دُنيا وَأهلَ الغَوائِلِ فَإنّي أخافُ اللّهَ يَومَ لِقائِهِوَأخشى عَذاباً دائِماً غَيرَ زائِلِ فَخَرَج مِنَ الدُّنيا وَلَيسَ في عُنقِهِ تَبَعِةٌ لِأحَدٍ ، حتّى لَقى اللّهَ مَحموداً غَيرَ مَلومٍ ، وَلا مَذمومٍ . ثُمَّ اقتَدَت بِهِ الائِمَّةُ مِن بَعدِهِ بِما قَد بَلَغَكُم لَم يَتَلطَّخوا بِشَيءٍ مِن بَوائِقِها عَلَيهِمُ السَّلام أجمَعينَ وَأحسَنَ مَثواهُم . وَقَد وَجَّهتُ إلَيكَ بِمَكارِمِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وَعَنِ الصَّادِقِ المُصَدَّق رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَإن أنتَ عَملِتَ بِما نَصَحتُ لَكَ في كتابي هذا ، ثُمَّ كانَت عَلَيكَ مِنَ الذُّنوبِ وَالخَطايا كَمِثلِ أوزانِ الجِبالِ وَأمواجِ البِحارِ ، رَجَوتُ اللّهَ أن يَتَجاوَزَ عَنكَ بِقُدرَتِهِ . يا عَبدَ اللّهِ ، إيَّاكَ أن تُخيفَ مُؤمِناً فَإنّ أبي مُحَمّدُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام حَدَّثَني عَن أبيهِ ، عَن جَدِّهِ عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ عليه السلام ، أنَّهُ كانَ يَقولُ : مَن نَظَرَ إلى مُؤمِنٍ نَظرَةً لِيُخيفَهُ بِها أخافَهُ اللّهُ يَومَ لا ظِلَّ إلاّ ظِلُّهُ ، وَحَشَرَهُ اللّهُ في صورَةِ الذَّرِّ ، لَحمَهُ وَجَسَدَهُ وجَميعَ أعضائِهِ ، حَتّى يُورِدَهُ مَورِدَهُ . وَحَدَّثَني أبي عَن أبائِهِ عَن عَلِيٍّ عليه السلام ، عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أنَّهُ قالَ : مَن أغاثَ لَهفاناً مِنَ المُؤمِنينَ أغاثَهُ اللّهُ يَومَ لا ظِلَّ إلاّ ظِلُّهُ ، وَآمَنَهُ يَومَ الفَزَعِ الأكبَرِ ، وَآمَنَهُ مِن سوءِ المُنقَلَبِ . وَمَن قَضى لِأخيهِ المُؤمِنِ حاجَةً ، قَضى اللّهُ لَهُ حَوائجَ كَثيرَةً إحداها الجَنّةُ . وَمَن كَسا أخاهُ المُؤمِنِ مِن عُريٍ كَساهُ اللّهُ مِن سُندُسِ الجَنَّةِ وَاستَبرَقَها وَحَريرَها ، وَلَم يَزَل يَخوضُ في رِضوانِ اللّهِ مادامَ على المَكسُوِّ مِنها سلِكٌ . وَمَن أطعَمَ أخاهُ مِن جوعٍ أطعَمَهُ اللّهُ مِن طَيِّباتِ الجَنَّةِ ، وَمَن سَقاهُ مِن ظَماًسَقاهُ اللّهُ مِنَ الرَّحيقِ المَختومِ رِيَّهُ . وَمَن أخدَمَ أخاهُ أخدَمَهُ اللّهُ مِنَ الوِلدانِ المُخَلَّدينَ ،وَأسكَنَهُ مَعَ أولِيائِهِ الطّاهِرينَ .

.

ص: 148

وَمَن حَمَلَ أخاهُ المُؤمن [ على راحِلَةٍ ] (1) حمله اللّه على ناقَةٍ مِن نوقِ الجَنَّةِ ، وباهى بِهِ على المَلائكَةِ المُقَرّبينَ يَومَ القِيامَةِ . وَمَن زَوَّجَ أخاهُ المُؤمِنَ امرَأةً يَأنَسُ بِها وَتَشُدُّ عَضُدَهُ وَيَستَريحُ إلَيها ، زَوَّجَهُ اللّهُ مِن الحور العينِ ، وَآنسَهُ بِمَن أحَبَّ مِنَ الصِدّيقينَ مِن أهلِ بَيتِهِ وَإخوانِهِ وَآنَسَهُم بِهِ . وَمَن أعانَ أخاهُ المُؤمِنَ على سُلطانٍ جائِرٍ أعانَهُ اللّهُ على إجازَةِ الصِّراطِ عِندَ زَلزَلَةِ الأقدامِ . وَمَن زارَ أخاهُ المُؤمِنَ إلى مَنزِلِهِ لا لِحاجَةٍ مِنهُ إلَيهِ ، كُتِبَ مِن زُوّارِ اللّهِ ، وَكانَ حَقيقاً على اللّهِ أن يُكرِمَ زائِرَهُ . يا عبد اللّه ، حَدَّثني أبي عَن آبائِهِ عَن عَلِيٍّ عليهم السلام ، أنَّهُ سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَهُوَ يَقولُ لِأصحابِهِ يَوماً : مَعاشِرَ النّاسِ إنّه لَيسَ بِمُؤمِنٍ مَن آمَنَ بِلِسانِهِ وَلَم يُؤمِن بِقَلبِهِ ، فَلا تَتَّبِعوا عَثَراتِ المُؤمِنينَ ، فإنَّهُ مَن اتَّبَعَ عَثرَةَ مُؤمِنٍ اتّبَعَ اللّهُ عَثراتِهِ يَومَ القِيامَةِ ، وَفَضَحَهُ في جَوفِ بَيتِهِ . وَحَدّثني أبي عَن آبائِهِ عَن عَلِيٍّ عليهم السلام أنَّهُ عليه السلام قالَ : أخَذَ اللّهُ ميثاقَ المُؤمِنِ أن لا يُصَدَّقَ في مَقالَتِهِ وَلا يَنتَصِفَ فيّ عَدُوِّهِ ، وَعَلى أن لا يَشفي غَيظَهُ إلاّ بِفَضيحَةِ نفسِهِ ، لأنَّ كُلَّ مُؤمِنٍ مُلجَمٍ ، وَذلِكَ لِغايَةٍ قَصيرَةٍ وَراحَةٍ طَويلَةٍ . أخَذَ اللّهُ ميثاقَ المُؤمِنِ على أشياءَ أيسَرِها عَلَيهِ مُؤمِنٍ مِثلِهِ ، يَقولُ بِمَقالتِهِ في فيهِ ، وَيَحسُدُهُ وَالشَّيطانُ يُغويهِ وَيَمنَعُهُ ، وَالسُّلطانُ يَقفو أثَرَهُ وَيَتَّبِ_عُ عَثَراتِهِ ، وَكافِرٍ بالّذي هُوَ مُؤمِنٌ ، يَرى سَفكَ دَمَهُ ديناً وَإباحَةَ حَريمِهِ غُنماً ، فَما بَقاءُ المُؤمِنِ بَعدَهذا. يا عَبدَ اللّهِ ، وَحَدَّثني أبيّ عليه السلام عَن آبائِهِ عَن عَلِيٍّ عليهم السلام عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله قال : نَزَلَ جَبرَئيلُ عليه السلام فَقالَ : يا مُحَمَّدُ صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ يَقرَأ عَلَيكَ السَّلام ويقولُ : اشتَقَقتُ لِلمُؤمِنِ اسماً مِن أسمائي ، سَمَّيتُهُ مُؤمِناً ، فَالمُؤمِنُ مِنّي وَأنا مِنهُ ، مَن استَهانَ بِمُؤمِنٍ فَقَد

.


1- .في المصدر :«رحله »، والتصويب ما بين المعقوفين ، كما في بحار الأنوار .

ص: 149

استَقبَلْني بِالمُحارَبَةِ . يا عَبدَ اللّهِ ، وَحَدَّثني أبي عليه السلام عَن آبائِهِ عَن عَلِيٍّ عليهم السلام ، عَن النَّبِيّ صلى الله عليه و آله ، أنَّهُ قال يَوماً : يا عَلِيُّ ، لا تُناظِر رَجُلاً حتّى تَنظُرَ في سَريرَتِهِ ، فَإن كانَت سَريرَتُهُ حَسَنَةً ، فَانَّ اللّهَ عز و جللَم يَكُن لِيَخذُلَ وَلِيَّهُ ، وَإن كانَت سَريرَتُهُ رَدِيَّةً فَقَد يَكفيهِ مُساويهِ ، فَلَو جَهدِتَ أن تعمَلَ بِهِ أكثَرَ مِمّا عَمِلَهُ مِن مَعاصِيَ اللّهِ عز و جل ما قَدَرتَ عَلَيهِ . يا عَبدَ اللّهِ ، وَحَدَّثني أبي عليه السلام عَن آبائِهِ عَن عَلِيٍّ عليهم السلام ، عَن النّبي صلى الله عليه و آله ، أنَّهُ قالَ : أدنى الكُفرِ أن يَسمَعَ الرَّجُلُ عَن أخيهِ الكَلِمَةَ لِيَحفَظَها عَلَيهِ يُريدُ أن يَفضَحَهُ بِها ، أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُم. يا عَبدَ اللّه ، وَحَدّثني أبي عَن آبائِهِ عَن عَلِيّ عليهم السلام ، أنَّهُ قال : مَن قالَ في مُؤمِنٍ ما رَأت عَيناهُ وَسَمِعَت أُذُناهُ ما يُشينُهُ وَيَهدِمُ مُرُوَّتَهُ فَهُوَ مِنَ الّذينَ قالَ اللّهُ عز و جل : « إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِى الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ » (1) . يا عَبدَ اللّهِ ، وَحَدَّثني أبي عليه السلام عَن آبائِهِ عَن عَلِيّ عليهم السلام ، أنّهُ قالَ : مَن رَوى عَن أخيهِ المُؤمِنِ رِوايَةً يُريدُ بِها أن يَهدِمَ مُرُوَّتَهُ وَثَلبَهُ ، أوقَبَهُ اللّهُ تَعالى بِخَطيئَتِهِ حَتّى يَأتيَ بِمَخرجٍ مِمّا قالَ ، وَلَن يأتِيَ بِالمَخرَجِ مِنهُ أبَداً . وَمَن أدخَلَ على أخيهِ المُؤمِنِ سُروراً ، فَقَد أدخَلَ على أهلِ البَيتِ سُروراً ، وَمَن أدخَلَ على أهلِ البَيتِ سُروراً فَقَد أدخَلَ على رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله سُروراً ، وَمَن أدخَلَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله سُروراً فَقَد سَرَّ اللّهَ ، وَمَن سَرَّ اللّهَ فَحقيقٌ عَلَيهِ أن يَدخُلَ الجَنَّةَ . ثُمَّ إنّيّ أُوصيكَ بِتَقوى اللّهِ وَإيثارَ طاعَتِهِ ، وَالاعتِصامَ بِحَبلِهِ ، فَإنَّهُ مَنِ اعتَصَمَ بِحَبلِ اللّهِ فَقَد هُدِيَ إلى صرِاطٍ مُستقيمٍ . فَاتّقِ اللّهَ وَلا تُؤثِر أحَداً على رِضاهُ وَهَواهُ ، فإنَّهُ وَصِيَّةُ اللّهِ عز و جل إلى خَلقِهِ لا يَقبَلُ مِنهُم غَيَرها ، وَلا يُعَظِّم سِواها . وَاعلَم أنّ الخَلائِقَ لَم يُوكَّلوا بِشَيءٍ أعظَمَ مِنَ التَّقوى ، فَإنَّهُ وَصيَّتُنا أهلَ البَيتِ ،

.


1- .النور: 19.

ص: 150

فإن استَطَعتَ مِن أن لا تَنالَ مِنَ الدُّنيا شَيئاً تُسألُ عَنهُ غَداً فَافعَل . قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ سُليمانَ : فَلَمّا وَصَل كِتابُ الصّادِقِ إلى النّجاشيّ نَظَرَ فيهِ وَقَالَ : صَدَقَ اللّهُ الّذي لا إلَه إلاّ هُوَ ، وَمَولايَ ، فَما عَمِلَ أحَدٌ بِهذا الكِتابِ إلاّ نَجا ، فَلَم يَزَل عَبدُ اللّهِ يَفعَلُ بِهِ أيّامَ حَياتِهِ . (1) وقال العلاّمة المجلسي رحمه الله: ووجدت في كرّاس بخطّ الشّهيد الثّاني قدّس اللّه روحه ، بعض هذه الرّواية، وكأنّه كتبها لبعض إخوانه، وهذا لفظه: يقول كاتب هذه الأحرف الفقير إلى عفو اللّه تعالى ورحمته، زين الدّين بن عليّ بن أحمد الشّامي ، عامله اللّه تعالى برحمته ، وتجاوز عن سيئاته بمغفرته: أخبرنا شيخنا السّعيد المبرور المغفور النبيل نور الدّين عليّ بن عبد العالي الميسي قدس اللّه تعالى روحه ، ونور ضريحه ، يوم الخميس خامس شهر شعبان سنة ثلاثين وتسعمئة بداره، قال: أخبرنا شيخنا المرحوم الصّالح الفاضل شمس الدّين محمّد بن محمّد بن محمّد بن داوود الشّهير بابن المؤذّن الجزيني ، حادي عشر شهر المحرّم سنة أربع وثمانين وثمانمئة ، قال: أخبرنا الشّيخ الصّالح الأصيل الجليل ضياء الدّين أبو القاسم عليّ بن الشّيخ الإمام السّعيد شمس الدّين أبو عبد اللّه الشّهيد محمّد بن مكّي أعلى اللّه درجته ، كما شرف خاتمته ، قال : أخبرني والدي السّعيد الشّهيد قال: أخبرني الإمامان الأعظمان عميد الملّة والدّين عبد المطلب بن الأعرج الحسيني ، والشّيخ الإمام فخر الدّين أبو طالب محمّد بن الشيخ الإمام ، شيخ الإسلام ، أفضل المتقدّمين والمتأخّرين ، وآية اللّه في العالمين ، محيي سنن سيّد المرسلين ، الشّيخ جمال الدّين حسن بن الشيخ السّعيد أبو المظفّر يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي ، قدس اللّه تعالى روحه الطّاهرة ، وجمع بينه وبين أئمّته في الآخرة ، كلاهما عن شيخنا السّعيد جمال الدّين

.


1- .كشف الريبة : ص85 ، بحار الأنوار : ج75 ص360 ح 77 .

ص: 151

الحسن بن المطهّر ، عن والده السّعيد سديد الدّين يوسف بن المطهّر قال : أخبرنا السّيد العلاّمة النّسابة فخار بن معد الموسوي ، عن الفقيه سديد الدّين شاذان بن جبرئيل القمي نزيل المدينة المشرفة ، عن الشّيخ الفقيه عماد الدّين محمّد بن القاسم الطّبري، عن الشّيخ الفقيه أبي عليّ الحسن بن الشّيخ الجليل السّعيد محيي المذهب محمّد بن الحسن الطّوسي، عن والده السعيد قدس اللّه روحه ، عن الشّيخ المفيد محمّد بن النّعمان ، عن الشّيخ أبي عبد اللّه جعفر بن قولويه إلى آخر ما ذكره من الرواية. (1)

.


1- .بحار الأنوار: ج75 ص366.

ص: 152

29 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن معاوية ؛ من مواعظه القصار

29كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن معاويةمن مواعظه القصارحمّاد بن عيسى ، عن عبد الحميد الطّائيّ 1 ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : كتب معي

.

ص: 153

30 . رقعة له عليه السلام في المواعظ

إلى عبد اللّه بن معاوية 1 وهو بفارس :مَنِ اتَّقى اللّهَ وَقاهُ، وَمَن شَكَرَهُ زادَهُ ، وَمَن أقرَضَهُ جَزاهُ . (1)

30رقعة له عليه السلامفي المواعظسهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن الحسن بن عليّ بن يقطين ، عن الفضل بن كثير المدائنيّ 3 ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد اللّه صلوات اللّه عليه : أنّه دخل عليه بعض أصحابه فرأى عليه قميصاً فيه قَبٌ قد رَقَعَه فجعل ينظر إليه .

.


1- .المحاسن : ج1 ص3 ح2 ، بحار الأنوار : ج78 ص199 ح24 نقلاً عنه .

ص: 154

31 . كتابه عليه السلام إلى سُكَينُ النَّخَعِيُّ في الزُّهد

فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : ما لَكَ تَنظُرُ ؟ فَقالَ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ ، قَبٌّ يُلقى في قَميصِكَ . فَقالَ لَهُ : اضرِب يَدَكَ إلى هذا الكِتابِ فَاقرَأ ما فيهِ . وَكانَ بَينَ يَديهِ كِتابٌ أو قَريبٌ مِنهُ ، فَنَظَر الرَّجُلُ فيهِ فإذا فيهِ : لا إيمانَ لِمَن لا حَياءَ لَهُ ، ولا مالَ لِمَن لا تَقديرَ لَهُ ، وَلا جَديدَ لِمَن لا خَلِقَ لَهُ . (1)

31كتابه عليه السلام إلى سُكَينُ النَّخَعِيُّ 2في الزُّهدمحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، جميعاً عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد 3 ، عن سكين النّخعيّ ، وَكانَ تَعبَّد

.


1- .الكافي: ج5 ص317 ح52 ، بحار الأنوار : ج 47 ص 45 ح 63 .

ص: 155

وَتَركَ النِّساءَ وَالطّيبَ وَالطَّعامَ ، فكَتَب إلى أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام يَسأُلهُ عَن ذلِكَ ؟ فكتب إليه : أمّا قَولُكَ فِي النِّساءِ ، فَقَد عَلِمتَ ما كانَ لِرَسول اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنَ النِّساءِ. وَأمّا قَولُكَ فِي الطَّعامِ ، فَكانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يأكُلُ اللّحمَ والعَسَلَ . (1) وَفي رجال الكشّي : محمّد بن مسعود قال: كتب إليّ الفضل بن شاذان، يذكر عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، قال : حَجَجتُ وسُكَينَ النَّخَعِيَّ ، فَتَعَّبدَ وَتَركَ النِّساءَ وَالطِّيبَ والثِّيابَ وَالطَّعامَ الطَّيِّبَ ، وكان لا يَرفَعُ رأسَهُ داخِلَ المَسجِدِ إلى السَّماءِ ، فَلَمّا قَدِمَ المَدينَةَ دنا من أبي إسحاقٍ فَصَلّى إلى جانِبِهِ ، فقالَ : جُعلِتُ فِداكَ ، إنّي أُريدُ أن أسألَكَ عَن مسائِلَ . قالَ : اذهَب فَاكتُبها وَأرسِل بِها إليَّ . فَكتَبَ : جُعلِتُ فِداكَ ، رَجُلٌ دَخَلَهُ الخَوفُ مِنَ اللّهِ عز و جل ، حَتّى تَرَكَ النِّساءَ وَالطَّعامَ الطَّيِّبَ ، وَلا يَقدِرُ أن يَرفَعَ رَأسَهُ إلى السَّماءِ ، وَأمَّا الثّيابُ فَشَكَّ فيها. فَكتَبَ : أمّا قَولُكَ فِي تَركِ النِّساءِ ، فَقَد عَلِمتَ ما كانَ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنَ النّساءِ . وَأمّا قَولُكَ في تَركِ الطَّعامِ الطَّيِّبِ ، فَقَد كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَأكُلُ اللّحمَ وَالعَسَلَ .

.


1- .الكافي:ج 5 ص 320 ح4 ، دعائم الإسلام : ج 2 ص 193 ح 702 نحوه .

ص: 156

32 . كتابه عليه السلام إلى مِسمَعٍ في الحَثّ على اتّخاذِ مَسجدٍ في البَيتِ

وَأمّا قولُكَ أنَّهُ دَخَلَهُ الخَوفُ حَتّى لا يَستَطيعُ أن يَرفَعَ رَأسَهُ إلى السَّماءِ فَليُكثِر مِن تِلاوَةَ هذهِ الآياتِ : «الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ » (1) . (2)

32كتابه عليه السلام إلى مِسمَعٍفي الحَثّ على اتّخاذِ مَسجدٍ في البَيتِعليّ بن الحكم، عن أبان، عن مسمع 3 قال : كتب إليّ أبو عبد اللّه عليه السلام :

.


1- .آل عمران: 17.
2- .رجال الكشّي : ج2 ص668 ح691 ، بحار الأنوار : ج 70 ص117 ح 6 نقلاً عنه .

ص: 157

إنّي اُحِبُّ لَكَ أن تَتَّخِذَ في دارِكَ مَسجِداً في بَعضِ بُيوتِكَ، ثُمَّ تَلبَسُ ثَوبَينِ طِمرَينِ غَليظَينِ، ثُمَّ تَسألُ اللّهَ أن يَعتِقَكَ مِنَ النّارِ، وَأن يُدخِلَكَ الجَنَّةَ، ولا تَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ باطِلٍ ولا بِكَلِمَةِ بَغيٍ . (1)

.


1- .المحاسن : ج2 ص452 ح2558 ، بحار الأنوار : ج 76 ص 162 ح 3 .

ص: 158

33 . كتابه عليه السلام إلى النّجاشي في فضل إدخال السّرور على المؤمنين

33كتابه عليه السلام إلى النّجاشيفي فضل إدخال السّرور على المؤمنينمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن السّيّاري ، عن محمّد بن جمهور قال : كان النّجاشي وهو رجل من الدّهاقين عاملاً على الأهواز وفارس (1) ، فقال بعض أهل عمله لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ في ديوان النّجاشي عليّ خَراجاً ، وَهو مؤمن يدين بطاعتك ، فإنْ رأيت أنْ تكتب لي إليه كتاباً . قال : فكتب إليه أبو عبد اللّه عليه السلام : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم سُرَّ أخاكَ يَسُرَّكَ اللّهُ (2) . قال : فَلمّا ورد الكتاب عليه دخل عليه وهو في مجلسه ، فلمّا خلا ناوله الكتاب وقال : هذا كتاب أبي عبد اللّه عليه السلام فقبّله ووضعه على عينيه وَقال له : ما حاجتك؟ قال: خَراج عليَّ في ديوانك. فقال له: وكم هو؟ قال عشرة آلاف درهم.

.


1- .يظهر من كتب الرّجال أنّ النّجاشيّ المذكور في الخبر اسمه عبد اللّه ، وأنّه ثامن آباء أحمد بن عليّ النجاشيّ صاحب الرّجال المشهور ، وفي القاموس : النّجاشيّ بتشديد الياء وبتخفيفها أفصح وتكسر نونها أو هو أفصح ، وفي المصباح الدّهقان معرَّب يطلق على رئيس القرية ، وعلى التّاجر وعلى من له مال وعقار ، وداله مكسورة وفي لغة تصنُّم والجمع دهاقين ، ودهقن الرّجل وتدهقن كثر ماله ، وفي القاموس : الأهواز تسع كور بين البصرة وفارس لكلّ كورة منها اسم ويجمعنَّ الأهواز ولا تفرد واحدة منها بهوز ، وهي : رامهرمز عسكر ، ومكرَّم ، تستر ، وجنديسابور ، وسوس ، وسرّق ... (راجع : القاموس : ج 2 ص 197 ، بحار الأنوار : ج 74 ص 293) .
2- .في الإختصاص : «سرك اللّه » بدل «يسرك اللّه ».

ص: 159

34 . كتابه عليه السلام إلى رجل من كتّاب يحيى بن خالد في فضل إدخال السّرور على المؤمنين

فدعا كاتبه وأمره بأدائها عنه، ثمّ أخرجه منها وأمر أنْ يثبتها له لقابل ، ثمّ قال له : سَررتُكَ ؟ فقال : نعم ، جُعِلتُ فداكَ . ثمّ أمر له بمركب وجارية وغلام ، وأمر له بتخت ثياب ، في كلّ ذلك يقول له : هل سَرَرتُكَ ؟ فيقول : نَعَم جُعلِتُ فِداكَ . فَكُلمّا قالَ : نعم ، زاده حتّى فرغ . ثمّ قال له : احمل فرش هذا البيت الّذي كنت جالساً فيه حين دفعت إليَّ كتاب مولاي ، الّذي ناولتني فيه ، وارفع إليّ حوائجك . قال : ففعل وخرج الرّجل فصار إلى أبي عبد اللّه عليه السلام بعد ذلك فحدّثه الرّجل بالحديث على جهته فَجَعَل يُسَرُّ بما فعل . فقال الرّجل : يابنَ رَسولِ اللّهِ ، كأنَّهُ قدَ سَرَّكَ ما فَعَل بي. فقال : إي وَاللّهِ ، لَقَد سَرَّ اللّهَ وَرَسولَهُ. (1)

34كتابه عليه السلام إلى رجل من كتّاب يحيى بن خالدفي فضل إدخال السّرور على المؤمنينروي عن الحسن بن يقطين (2) ، عن أبيه ، عن جدّه قال : ولي علينا بالأهواز رجل من كتّاب يحيى بن خالد 3 وكان عليّ من بقايا خراج كان فيها زوال نعمتي ،

.


1- .الكافي: ج2 ص190 ح9، تهذيب الأحكام: ج6 ص333 ح46، الاختصاص: ص260، بحار الأنوار: ج47 ص370 ح89 و ج74 ص292 ح22 .
2- .في بحار الأنوار : «الحسن بن عليّ بن يقطين».

ص: 160

وخروج من ملكي ، فقيل لي : إنّه ينتحل هذا الأمر فخشيت أن ألقاه مخافة ألاّ يكون ما بلغني حقّاً ، فيكون فيه خروجي من ملكي وزوال نعمتي ، فهربت منه إلى اللّه تعالى ، وأتيت الصّادق عليه السلام مُستجيراً فكتب إليه رقعة صغيرة فيها : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إنَّ للّهِِ في ظِلِّ عَرشِهِ ظِلاً لا يَسكُنُهُ إلاّ مَن نَفَّسَ عَن أخيهِ كُربَةً ، أو أعانَهَ بِنَفسِهِ ، أو صَنَعَ إلَيهِ مَعروفاً ، وَلَو بِشَقّ تَمرَةٍ . وَهذا أخوكَ وَالسَّلامُ . ثمّ ختمها ودفعها إليّ ، وأمرني أن أوصلها إليه ، فلمّا رجعت إلى بلدي صرت إلى منزله فاستأذنت عليه وقلت : رسول الصّادق عليه السلام بالباب ، فإذا أنا به وقد خرج إليّ حافياً فأبصرني ، وسلّم عليّ وقبّل ما بين عينيّ ، ثمّ قال لي: يا سيّدي أنت رسول مولاي. فقلت: نعم. فقال: قد أعتقتني من النّار إن كنت صادقاً ، فأخذ بيدي وأدخلني منزله

.

ص: 161

وأجلسني في مجلسه ، وقعد بين يديّ ثمّ قال: يا سيّدي كيف خلّفت مولاي؟ فقلت: بخير. فقال: اللّه اللّه ؟ قلت: اللّه ، حتّى أعادها ثلاثاً ، ثمّ ناولته الرّقعة فقرأها وقبّلها ووضعها على عينيه ، ثمّ قال : يا أخي مر بأمرك . فقلت: في جريدتك عليّ كذا وكذا ألف ألف درهم وفيه عطبي وهلاكي فدعا الجريدة فمحا عنّي كلّ ما كان فيها، وأعطاني براءة منها. ثمّ دعا بصناديق ماله فناصفني عليها، ثمّ دعا بدوابّه فجعل يأخذ دابّة ويعطيني دابّة، ثمّ دعا بغلمان ، فجعل يعطيني غلاماً ويأخذ غلاماً. ثمّ دعا بكسوته فجعل يأخذ ثوباً ويعطيني ثوباً، حتّى شاطرني جميع ملكه ويقول : هَل سررتك ؟ فأقول : إي واللّه ، وزدت على السّرور . فلمّا كان في الموسم قلت: واللّه لا كان جزاء هذا الفرح بشيء أحبّ إلى اللّه ورسوله من الخروج إلى الحجّ والدعاء له، والمصير إلى مولاي وسيّدي الصّادق عليه السلام وشكره عنده ، وأسأله الدّعاء له فخرجت إلى مكّة، وجعلت طريقي إلى مولاي عليه السلام فلمّا دخلت عليه رأيته والسّرور في وجهه وقال لي : يا فُلانُ ، ما كانَ مِن خَبَرِكَ مَعَ الرَّجُلِ ؟ فجعلت أُورد عليه خبري ، وجعل يتهلّل وجهه ، ويُسَرُّ السّرور . فقلت : يا سيّدي هل سررت بما كان منه إليّ ؟ سرّه اللّه تعالى في جميع اُموره. فقال : إي واللّه ، سَرَّني واللّهِ ، لَقَد سَرَّ آبائي وَاللّهِ ، لَقَد سرَّ أميرَ المُؤمِنينَ واللّهِ ، لَقدَ سرَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله واللّه لقد سرّ اللّه في عرشه . (1)

.


1- .أعلام الدين: ص289، بحار الأنوار : ج47 ص207 ح49 نقلاً عنه وراجع عدّة الداعي : ص179.

ص: 162

35 . كتابه عليه السلام إلى مسمع في البغي

35كتابه عليه السلام إلى مسمعفي البغيعليّ عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن مسمع أبي سيّار (1) ، أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام كتب إليه في كتاب :انظُر أن لا تكَلِّمَنَّ بِكَلِمَةِ بَغيٍ أبَداً ، وَإن أعجَبَتكَ نَفسُكَ وَعَشيرَتُكَ . (2)

.


1- .راجع: الكتاب الثّاني والثّلاثون .
2- .الكافي:ج 2 ص327 ح3، بحار الأنوار: ج 75 ص 279 ح 18 نقلاً عنه .

ص: 163

الفصل الرّابع : في المكاتيب الفقهيّة

اشاره

الفصل الرّابع : في المكاتيب الفقهيّة

.

ص: 164

. .

ص: 165

36 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن عبيد في اغتسال رسول اللّه صلى الله عليه و آله

36كتابه عليه السلام إلى الحسين بن عبيدفي اغتسال رسول اللّه صلى الله عليه و آلهمحمّد عن محمّد بن عيسى العبيدي ، عن الحسين بن عبيد 1 ، قال : كتبت إلى الصّادق عليه السلام : هل اغتسل أمير المؤمنين عليه السلام حين غسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند موته؟ فقال :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله طاهِراً مُطَهّراً ، وَلكِن فَعَلَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ عليه السلام ذلِكَ وَجَرَت بِهِ السُّنَةُ (1) . (2)

.


1- .وجاء فى موضع آخر وفيه «محمّد بن الحسن الصّفار عن محمّد بن عيسى عن القاسم بن الصّيقل قال: كتبت إليه : جعلت فداك هل اغتسل أمير المونين صلوات اللّه عليه حين غسّل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند موته فأجابه : النّبيّ صلى الله عليه و آله طاهر مطهّر ولكنّ أمير المونين عليه السلام فعل وجرت به السّنّة . ( تهذيب الأحكام : ج1 ص108 ح281 ) .
2- .تهذيب الأحكام : ج1 ص469 ح 1541 ، بحار الأنوار : ج 22 ص 540 ح 50 .

ص: 166

37 . ما كتبه عليه السلام في حاشية كفن إسماعيل

37ما كتبه عليه السلام في حاشية كفن إسماعيلأحمد بن محمّد بن يحيى العطار قال : حدّثنا عن سعد بن عبداللّه ، عن إبراهيم بن هاشم ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن عمرو بن عثمان ، عن أبي كهمس 1 قال : حضرت موت إسماعيل بن أبي عبداللّه عليه السلام فرأيت أبا عبد اللّه عليه السلام وقد سجد سجدة فأطال السّجود ، ثمّ رفع رأسه فنظر إليه قليلاً ، ونظر إلى وجهه ثمّ سجد سجدة أُخرى أطول مِنَ الأُولى ، ثُمّ رفع رأسه وقد حضره الموت ، فغمّضه وربط لحييه ، وغطّى عليه ملحفة ، ثُمّ قام وقد رأيت وجهه وقد دخله منه شيء اللّه أعلم به ، قال : ثمّ قام فدخل منزله فمكث ساعة ثمّ خرج علينا مدّهناً مكتحلاً ، عليه ثياب غير الثيّاب الّتي كانت عليه ، ووجهه غير الّذي دخل به ، فأمر ونهى في أمره ، حتّى إذا فرغ دعا بكفنه فكتب في حاشية الكفن: إسماعيلُ يَشهَدُ أن لا إلَه إلاّ اللّهُ (1) . (2)

.


1- .في وسائل الشّيعة : نقلاً عن أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطّبرسي في الاحتجاج ، عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري ، عن صاحب الزمّان عليه السلام ، أنّه كتب إليه قد روي لنا عن الصّادق عليه السلام أنّه كتب على إزار إسماعيل ابنه : إسماعيل يشهد أن لا إله إلاّ اللّه . فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره ؟ فأجاب : يجوزُ ذلِكَ . (ج2 ص758 ح3 ) .
2- .كمال الدين : ص72 ، بحار الأنوار : ج81 ص 327 ح 25 .

ص: 167

38 . كتابه عليه السلام إلى زرارة في الصّلاة/ لباس المصلّي
39 . كتابه عليه السلام إلى رجل في صلاة الجماعة

38كتابه عليه السلام إلى زرارةفي الصّلاة / لباس المصلّيعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن بكير ، قال : سأل زرارة (1) أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصّلاة في الثّعالب والفنك والسّنجاب وغيره من الوبر ، فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ الصَّلاةَ في وَبَرِ كُلِّ شَيءٍ حَرَامٌ أكلُهُ ، فَالصَّلاةُ في وَبَرِهِ وَشَعرِهِ وَجِلدِهِ وَبَولِهِ وَرَوثِهِ وَألبانِهِ وَكُلِّ شَيءٍ مِنهُ فاسِدَةٌ ، لا تُقبَلُ تِلكَ الصَّلاةُ حَتّى تُصَلّي في غَيرِهِ مِمّا أحَلّ اللّهُ أكلَهُ ثُمّ قالَ : يا زُرارَةُ ، هذا عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَاحفَظ ذلِكَ يا زُرارَةُ ، فإن كانَ مِمّا يُولُ لَحمُهُ فالصّلاةُ في وَبَرِهِ وَبَولِهِ وَشَعرِهِ وَرَوثِهِ وَألبانِهِ وَكُلِّ شَيءٍ مِنهُ جائِزَةٌ ، إذا عَلِمتَ أنَّهُ ذَكِيٌ ، قَد ذَكَّاهُ الذَّبحُ ، فإن كانَ غَيرَ ذلِكَ مِمّا قَد نُهيتَ عَن أكلِهِ وَحُرِّمَ عَلَيكَ أكلُهُ ، فَالصَّلاةُ في كُلِّ شَيءٍ مِنهُ فاسِدَةٌ ، ذكَّاهُ الذّبحُ أو لَم يُذكّهِ . (2)

39كتابه عليه السلام إلى رجلفي صلاة الجماعةسأله رجلٌ فقال له : إنّ لي مسجداً على باب داري ، فأيُّهما أفضل أُصلِّي في منزلي

.


1- .راجع في ترجمته : الكتاب السّابع .
2- .الكافي : ج3 ص397 ح1، تهذيب الأحكام : ج2 ص209 ح26 .

ص: 168

40 . كتابه عليه السلام إلى رجل في صلاة اللّيل
41 . كتابه عليه السلام إلى عمر بن أذينة في الصّوم

فأطيل الصّلاة ، أو أصلّي بهم وأُخفِّفُ؟ فكتب عليه السلام : صَلِّ بِهِم وَأحسِنِ الصَّلاةَ وَلا تُثَقِّل. (1)

40كتابه عليه السلام إلى رجلفي صلاة اللّيلعليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : قرأت في كتاب رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : الرَّكعتانِ اللّتانِ قَبلَ صَلاةِ الفَجرِ ، مِن صَلاةِ اللّيلِ هِيَ ؟ أم مِن صَلاةِ النَّهارِ ؟ وفي أيِّ وَقتٍ أُصَلّيها . فكتب بخطّه: احشُها في صَلاة اللّيلِ حَشواً. (2)

41كتابه عليه السلام إلى عمر بن أذينةفي الصّومعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عُمَير ، عن عمر بن أُذَيْنَة (3) ، قال : كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله ما حَدُّ المَرَضِ الّذي يُفطِرُ فيهِ صاحِبُهُ ؟ وَالمَرَضِ الّذي يَدَعُ صاحِبُهُ الصَّلاةَ قائِماً ؟ قال : بَلِ الإنسانُ على نَفسِهِ بَصيرَةٌ . وَقالَ : ذاكَ إلَيهِ هُوَ أعلَمُ بِنَفسِهِ. (4)

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص381 ح1121 ، وسائل الشيعة : ج 8 ص 430 ح 11091 .
2- .الكافي: ج3 ص450 ح35 ، وسائل الشيعة : ج 4 ص 266 ح 5114 .
3- .راجع في ترجمته : الكتاب الثّالث والأربعون .
4- .الكافي : ج4 ص118 ح2، تهذيب الأحكام : ج4 ص256 ح1.

ص: 169

42 . كتابه عليه السلام إلى سنان في الجنابة في شهر رمضان
43 . كتابه عليه السلام لعمر بن أذينة في الزّكاة/ عمل النّاصبي

42كتابه عليه السلام إلى سنانفي الجنابة في شهر رمضانأحمد بن محمّد ، عن الحجّال ، عن ابن سِنان قال : كتب أبي إلى أبي عبد اللّه عليه السلام _ وكان يقضي شهر رمضان _ وقال : إنّي أصبَحتُ بِالغُسلِ وَأصابَتني جَنابَةٌ فَلَم أغتَسِل حَتّى طَلَعَ الفَجرُ ؟ فأجابَهُ عليه السلام : لا تَصُم هذا اليَومَ وَصُم غَداً. (1)

43كتابه عليه السلام لعمر بن أذينةفي الزّكاة/ عمل النّاصبيعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عُمَيْر ، عن ابن أُذَيْنة 2 ، قال: كتب إليّ

.


1- .الكافي: ج 4 ص105 ح4 ، وسائل الشيعة : ج 10 ص 67 ح 12844 .

ص: 170

44 . كتابه عليه السلام إلى ابن مسكان في الخصيّ

أبو عبد اللّه عليه السلام :إنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلَهُ النّاصِبُ في حال ضَلالِهِ أو حالِ نَصبِهِ ثُمَّ مَنَّ اللّهُ عَلَيهِ وَعَرَّفَهُ هذا الأمرَ فإنَّهُ يُورُ عَلَيهِ وَيُكتَبُ لَه : إلاّ الزّكاةَ ، فإنَّهُ يُعيدُها ؛ لاِهُ وَضَعَها في غَيرِ مَوضِعِها ، وَإنّما مَوضِعُها أهلُ الوَلايَةِ . وَأمّا الصَّلاةُ وَالصَّومُ فَلَيس عَلَيهِ قَضاوما . (1)

44كتابه عليه السلام إلى ابن مسكانفي الخصيّمحمّد بن مسعود ، قال: حدّثني محمّد بن نصير، قال حدّثني محمّد بن عيسى، . . . وزعم يونس أنّ ابن مسكان 2 سرح بمسائل إلى أبي عبد اللّه عليه السلام يسأله عنها وأجابه

.


1- .الكافي : ج 3 ص 546 ح5 ، وسائل الشيعة : ج 9 ص 217 ح 11872 .

ص: 171

45 . كتابه عليه السلام لحفص بن غياث في تزويج المشركات / أحكام الأُسارى

عليها، من ذلك ما خرج إليه مع إبراهيم بن ميمون. كتب إليه يسأله عن خصيّ دلّس نفسه على امرأة . قال: يُفرَّقُ بَينَهُما وَيُوجَعُ ظَهرُهُ . (1)

45كتابه عليه السلام لحفص بن غياثفي تزويج المشركات / أحكام الأُسارىمحمّد بن عليّ بن محبوب ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داوود ، عن أبي أيوب ، عن حفص بن غياث (2) ، قال : كتب بعض إخواني أن أسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسائل ، فسألته عن الأسير : هل يَتَزَوَّجُ في دارِ الحَربِ؟

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص680 ح 716 ، بحار الأنوار : ج103 ص366 ح 27 نقلاً عنه .
2- .راجع في ترجمته : الكتاب الثّامن والأربعون .

ص: 172

46 . كتابه عليه السلام إلى أبي بصير في الخمس

فقال : أكرَهُ ذلِكَ ، فَإن فَعَلَ في بلاِدِ الرُّومِ فَلَيسَ هُوَ بِحَرامٍ ، وَهُوَ نِكاحٌ ، وَأمّا في التُّركِ والدَّيلَمِ والخَزَرِ فَلا يَحِلُّ لَهُ ذلِكَ . (1)

46كتابه عليه السلام إلى أبي بصيرفي الخمسأحمد بن هلال ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير 2 ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : كَتَبتُ إلَيهِ في الرَّجُلِ يُهدي لَهُ مَولاهُ وَالمُنقَطِعُ إلَيهِ هَدَّيِةً تَبلُغُ ألفَي درِهَمٍ ، [أو] (2) أقلَّ أو أكثَرَ ، هَل عَلَيهِ فيها الخُمسُ ؟ فكتَبَ عليه السلام : الخُمسُ في ذلِكَ . وَعَن الرَّجُلِ يَكونُ في دارِهِ البُستانُ ، فيهِ الفاكِهَةُ ، يَأكُلُها العِيالُ ، وَإنَّما يَبيعُ مِنهُ الشّيءَ بمئة دِرهَمٍ أو خَمسينَ دِرهَما ، هَل عَلَيهِ الخُمسُ ؟ فكتَب : أمّا ما أكَلَ ، فَلا ، وَأمّا البَيعُ ، فَنَعَمَ ، هُوَ كَساءِ الضِّياعِ . (3)

.


1- .تهذيب الأحكام: ج7 ص299 ح1251 وص453 ح1814 ، الاستبصار : ج 3 ص 180 ح 9 ، وسائل الشيعة : ج 20 ص 537 ح 26282 .
2- .ما بين المعقوفين إضافة يقتضيها السياق .
3- .مستطرفات السرائر : ص100 ح 28 .

ص: 173

47 . كتابه عليه السلام في الغنائم و وجوب الخمس

47كتابه عليه السلام في الغنائم و وجوب الخمسعن الإمام الصّادق عليه السلام في الغنائم ووجوب الخمس:فَهِمتُ ما ذَكَرتَ أنَّكَ اهتَمَمتَ بِهِ مِنَ العِلمِ بِوُجوهِ مَواضِعِ ما للّهِِ فيه رِضىً ، وَكَيفَ أمسَكَ سَهمَ ذي القُربى مِنهُ . وَما سَألتَني مِن إعلامِكَ ذلِكَ كُلِّهِ ، فاسمَع بِقَلبِكَ وَانظُر بِعَقلِكَ . ثُمَّ أعطِ في جَنبِكَ النَّصَفَ مِن نَفسِكَ ، فَإنَّهُ أسلَمُ لَكَ غَداً عِندَ رَبِّكَ المُتقدِّمُ أمرُهُ وَنَهيُهُ إلَيكَ . وَفَّقنا اللّهُ وإيَّاكَ . اعلَم ، أنَّ اللّهَ رَبّي وَرَبُّكَ ، ما غابَ عَن شَيءٍ «وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا » (1) وَما فَرَّطَ في الكِتابِ مِن شَيءٍ . وَكُلَّ شَيءٍ فَصَلَّهُ تَفصيلاً . وَأنَّهُ لَيسَ ما وَضَّحَ اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى مِن أخذِ مالِهِ بِأوضَحَ مِمّا أوضَحَ اللّهُ مِن قِسمَتِهِ إيّاهُ في سُبُلِهِ ، لِأنَّهُ لَم يَفتَرضِ مِن ذلِكَ شَيئاً في شَيءٍ مِنَ القُرآنِ إلاّ وَقَد أتبَعَهُ بِسُبُلِهِ إيَّاهُ غَيرَ مُفَرِّقٍ بَينَهُ وَبَينَهُ . يُوجِبُهُ لِمَن فَرَضَ لَهُ مالا يَزولُ عَنهُ مِنَ القِسَمِ ، كما يَزولُ ما بَقِيَ سِواهُ عَمّن سُمِّيَ لَهُ ؛ لِأنَّهُ يَزولُ عَنِ الشّيخِ بِكِبَرِهِ وَالمسكينِ بِغناهُ وَابنِ السَّبيلِ بِلحُوقِهِ بِبَلَدِهِ . وَمَعَ تَوكيدِ الحَجِّ مَعَ ذلِكَ بِالأمرِ بِهِ تَعليماً ، وَبِالنَّهي عَمّا رَكِبَ مِمَّن مَنَعَهُ تَحَرُّجاً . فَقالَ اللّهُ عز و جل في الصَّدقاتِ _ وَكانَت أوَّلَ ما افتَرَضَ اللّهُ سُبُلَهُ _ : « إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِوَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ» (2) فَاللّهُ أعلَمَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله مَوضِعَ الصَّدَقاتِ ، وَأنَّها لَيسَت لِغَيرِ هَؤلاءِ ، يَضَعُها حَيثُ يَشاءُ مِنهُم على ما يَشاءُ . وَيَكُفُّ اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ نَبِيَّهُ

.


1- .مريم: 64.
2- .التوبة:60.

ص: 174

وَأقرِباءَهُ عَنِ صَدَقاتِ النّاسِ وَأوساخِهِم، فَهذا سَبيلُ الصَّدَقاتِ . وَأمّا المغانِمُ ، فَإنَّهُ لَمّا كانَ يَومُ بَدرٍ ، قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن قَتَلَ قَتيلاً فَلَهُ كَذا وَكَذا . وَمَن أسَرَ أسيراً فَلَهُ مِن غَنائِمِ القَومِ كَذا وَكَذا . فَإنَّ اللّهَ قَد وَعَدني أن يَفتَحَ عَلَيّ ، وَأنعَمَني عَسكَرَهُم . فَلَمّا هَزَمَ اللّهُ المُشرِكينَ وَجُمِعَت غَنائِمُهُم قامَ رَجُلٌ مِنَ الأنصارِ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّكَ أمَرتَنا بِقِتالِ المُشرِكينَ ، وَحَثَثتَنا عَلَيهِ وَقُلتَ : مَن أسَرَ أسيراً فَلَهُ كَذا وَكذا مِن غَنائِمِ القَومِ . وَمَن قَتَلَ قَتيلاً فَلَهُ كَذا وَكَذا . إنّي قَتَلتُ قَتيلَينِ _ لي بِذلِكَ البَيِّنَةُ _ وَأسَرتُ أسيراً ، فَأعطِنا ما أوجَبتَ على نَفسِكَ يا رَسولَ اللّهِ ، ثُمَّ جَلَسَ . فَقامَ سَعدُ بنُ عُبادَةَ 1 فقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما مَنَعَنا أن نُصيبَ مِثلَ ما أصابوا جُبنٌ عَن العَدُوِّ ، وَلا زَهادَةٌ فِي الآخِرَةِ وَالمَغنَمِ . وَلكِنّا تَخَوَّفنا أن بَعُدَ مَكانُنا مِنكَ فَيَميلُ إلَيكَ مِن جُندِ المُشرِكينَ ، أو يُصيبوا مِنكَ ضَيعَةً فَيَميلوا إلَيكَ فَيُصيبوكَ بِمُصيبَةٍ . وَإنّكَ إن تُعطِ هؤلاءِ القَومِ ما طَلِبوا يَرجِعُ سائِرُ المُسلِمينَ لَيسَ لَهُم مِنَ الغَنيمَةِ شَيءٌ ، ثُمَّ جَلَسَ . فَقامَ الأنصاريُّ فَقالَ : مِثلَ مَقالَتِهِ الأُولى ، ثُمَّ جَلَس . يَقول ذلِكَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما ثَلاثَ مَرّاتٍ .

.

ص: 175

فَصَدَّ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله بِوَجهِهِ فَأنزَلَ اللّهُ عز و جل : «يَسْئلُونَكَ عَنِ الأَْنفَال» (1) . وَالأنفالُ اسمٌ جامِعٌ لِما أصابوا يَومَئِذٍ ، مِثلُ قَولِهِ : «مَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ» (2) ومثل قوله : «أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْ ءٍ» (3) ثمّ قال : «قُلِ الأَْنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ» (4) فاختَلَجَها اللّهُ مِن أيديهِم ، فَجَعَلَها للّهِِ وَلِرَسولِهِ . ثُمّ قالَ : «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ » (5) . فَلَمّا قَدِمَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المدينَةَ ، أنزَلَ اللّهُ عَلَيهِ : «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْ ءٍ فَإنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَا وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِاللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ» 6 . فأمّا قوله: « للّهِِ » فَكَما يَقولُ الإنسانُ : هُوَ للّهِِ وَلَكَ وَلا يُقسَمُ للّهِِ مِنهُ شَيءٌ . فَخُمسُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله الغَنيمَةُ الّتي قَبَضَ بِخَمسَةِ أسهُمٍ . فَقَبَضَ سَهمَ اللّهِ لِنَفسِهِ ، يُحيي بِهِ ذِكرَهُ وُيورَثُ بَعدَهُ . وَسَهماً لِقَرابَتِهِ مِن بَني عَبدِ المُطّلِبِ ، فَأنفَذَ سَهماً لِأيتامِ المُسلِمينَ ، وَسَهماً لِمَساكِينهِمِ . وَسَهماً لابن السَّبيلِ مِنَ المُسلِمينَ في غَيرِ تِجارَةٍ ، فَهذا يَومُ بَدرٍ ، وَهذا سَبيلُ الغنائِمِ الّتي أُخِذَت بِالسَّيفِ . وَأمّا ما لَم يُوجَف عَلَيهِ بِخَيلٍ وَلا رِكابٍ ، فَإن كانَ المُهاجِرونَ حينَ قَدِموا المَدينَةَ أعطَتهُم الأنصارُ نِصفَ دورِهِم وَنِصفَ أموالِهمِ ، وَالمُهاجِرونَ يَومَئذٍ نَحوُ مِئةِ رَجُلٍ ، فَلَمّا ظَهَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى بَني قُريظَةَ وَالنَّضيرِ 7 وَقَبَضَ أموالَهُم .

.


1- .الأنفال: 1.
2- .الحشر:6 و7.
3- .الأنفال:41
4- .الأنفال: 1 .
5- .الأنفال:41.

ص: 176

قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله لِلأنصارِ : إنْ شِئتُم أخرَجتُم المُهاجِرينَ مِن دورِكُم وَأموالِكُم ، وَقَسَّمتُ لَهُم هذهِ الأموالَ دونَكُم ، وَإن شِئتُم تَرَكتُم أموالَكُم وَدورَكُم وَقَسَّمتَ لَكُم مَعَهُم . قالتِ الأنصارُ : بَل أقسِم لَهُم دونَنا وَاترُكهُم مَعَنا في دورِنا وَأموالِنا . فأنزل اللّه تبارك وتعالى : « مَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ» _ يعني يهود قريظة _ «فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لاَ رِكَابٍ» (1) لأنّهم كانوا معهم بالمدينة أقرب من أن

.


1- .الحشر: 6.

ص: 177

يوجف عليهم بخيل وركاب . ثمّ قال : «لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَ أَمْوَ الِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَ رِضْوَ انًا وَ يَنصُرُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ » (1) فجَعَلَها اللّهُ لِمَن هاجَرَ مِن قُرَيشٍ مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه و آله وَصَدَقَ . وَأخرَجَ أيضاً عَنهُم المُهاجِرينَ مَعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنَ العَرَبِ ، لِقَولِهِ : « الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَ أَمْوَ الِهِمْ» لِأنَّ قُرَيشاً كانَت تَأخُذُ دِيارَ مَن هاجَرَ مِنها وَأموالَهُم ، وَلَم تَكُن العَرَبُ تَفعَلُ ذلِكَ بِمَن هاجَرَ مِنها ، ثُمَّ أثنى عَلى المُهاجِرينَ الّذينَ جَعَلَ لَهُمُ الخُمسَ وَبَرّأهُم مِنَ النِّفاقِ بِتَصديقِهِم إيَّاهُ حينَ قالَ : «أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ » لا الكاذِبونَ ، ثُمَّ أثنى على الأنصارِ وَذَكَرَ ما صنَعوا وَحُبّهُم لِلمُهاجِرينَ وَإيثارَهُم إيَّاهُم وَإنَّهُم لَم يَجِدوا في أنفُسِهِم حاجَةً _ يَقولُ : حَزازَةً (2) _ مِمّا أُوتوا . يَعني المُهاجِرينَ دونَهُم ، فأحسَنَ الثَّناءَ عَلَيهِم فَقالَ : «وَ الَّذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ وَ الاْءِيمانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لاَ يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَ مَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (3) وَقَد كانَ رِجالٌ اتَّبَعوا النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قَد وَتَرَهُم (4) المُسلِمونَ فيما أخَذوا مِن أموالِهِم ، فَكانَت قُلوبُهُم قَدِ امتَلأت عَلَيهِم ، فَلَمّا حَسُنَ إسلامُهُم استَغفَروا لِأنفُسِهِم مِمّا كانوا عَلَيهِ مِنَ الشِّركِ . وَسَألوا اللّهَ أن يُذهِبَ بِما في قُلوبِهِم مِنَ الغِلِّ لِمَن سَبَقَهُم إلى الإيمانِ . وَاستَغفَروا لَهُم حَتّى يُحَلِّلَ ما في قُلوبِهِم ، وَصاروا إخواناً لَهُم . فَأثنى اللّهُ عَلى الّذينَ قالوا ذلِكَ خاصّةً فَقالَ : « وَ الَّذِينَ جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَ لاِءِخْوَ انِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالاْءِيمَانِ وَ لاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَآ إِنَّكَ

.


1- .الحشر: 8.
2- .الحزازة _ بالفتح _ : التعسّف في الكلام . وأيضاً: وجع في القلب من غيظ ونحوه.
3- .الحشر: 9.
4- .وترهم: قطعهم وأبعدهم . ووتر القوم: جعلهم شفعهم وترا أي أفردهم .

ص: 178

رَءُوفٌ رَّحِيمٌ » (1) ، فَأعطى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المُهاجرينَ عامَّةً مِن قُرَيشٍ على قَدرِ حاجَتِهِم فيما يَرى ، لِأنَّها لَم تُخَمَّس فَتُقَسَّمَ بِالسَّوِيَةِ . وَلَم يُعطِ أحَداً مِنهُم شَيئاً إلاّ المُهاجِرينَ مِن قُرَيشٍ غَيرَ رَجُلَينٍ مِن الأنصارِ يُقالُ لِأحَدِهِما : سَهلُ بنُ حُنَيفٍ 2 وَلِلآخَرِ سِماكُ بنُ خَرَشَة _ أبو دُجانَةَ 3 _ فَإنَّهُ أعطاهُما لِشِدَّةِ حاجَةٍ كانَت بِهِما مِن

.


1- .الحشر : 10 .

ص: 179

حَقِّهِ . وَأمسَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله مِن أموالِ بَني قُرَيظَةَ وَالنَّضيرِ ما لَم يُوجَب عَلَيهِ خَيلٌ وَلا رِكابٌ سَبعَ حَوائِطَ لِنَفسِهِ . لأنَّهُ لَم يُوجَب على فَدَكٍ (1) خَيلٌ أيضاً وَلا رِكابٌ .

.


1- .فدك _ بالتحريك ، منصرف وغير منصرف _ : قرية من قرى اليهود قرب خيبر بينهما دون مرحلة وهي ممّا أفاء اللّه على رسوله ، لأنّ أهل فدك لمّا سمعوا أنّ المسلمين قد صنعوا ما صنعوا بأهل خيبر بعثوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يسألونه أن يسيّرهم أيضاً ويتركوا له الأموال ففعل ، وذلك في العام السّابع من الهجرة بعد فتح خيبر . فكانت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم يكن معها أحد ، فزال عنها حكم الفيء ولزمها حكم الأنفال فلمّا نزلت «وَ ءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ » ( الإسراء : 26 ) . أعطاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله فاطمة عليهاالسلاموكانت في يدها إلى أن توفى رسول اللّه صلوات اللّه وسلامه عليه فأخذها أبو بكر من فاطمة عليهاالسلامفلم تزل كذلك حتّى صارت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز فردّها إلى محمّد بن عليّ عليهماالسلام فلم تزل في أيدي أولاد فاطمة واستغنوا في تلك السّنين وحسنت أحوالهم فلمّا مات عمر بن عبد العزيز انتزعها يزيد بن عبد الملك ثمّ دفعها السّفاح إلى الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلامثمّ أخذها المنصور ثمّ أعاد المهدي ثمّ قبضها الهادي ثمّ ردّها المأمون وكانت في أيديهم في زمن المأمون والمعتصم والواثق ثمّ أخذها المتوكّل . وردّها المعتضد . وحازها المكتفي . وقيل : إنّ المقتدر ردّ إليهم . (راجع : بحار الأنوار : ج 12 ص 6 و ج 28 ص 353 و ج 29 ص 201 و 346 ، معجم البلدان : ج 4 ص239) .

ص: 180

وَأمّا خَيبَرُ 1 فَإنَها كانَت مَسيرَةَ ثَلاثَةِ أيّامٍ مِنَ المَدينَةِ ، وَهِيَ أموالُ اليَهودِ ، وَلكِنَّهُ

.

ص: 181

أُوجِبَ عَلَيها خَيلٌ وَرِكابٌ وَكانَت فيها حَربٌ . فَقَسَّمَها على قِسمَةِ بَدرٍ ، فَقالَ اللّهُ عز و جل : « ما أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبَى وَ الْيَتَامَا وَالْمَسَاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَىْ لاَ يَكُونَ دُولَةَ بَيْنَ الْأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَ مَآ ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَانَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا» (1) فَهذا سَبيلُ ما أفاءَ اللّهُ على رَسولِهِ مِمّا أُوجِفَ عَلَيهِ خَيلٌ وَرِكابٌ . وَقَد قال عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ صلواتُ اللّهِ عَلَيهِ : ما زِلْنا نَقبِضُ سَهمَنا بِهذهِ الآيَةِ الّتي أوّلُها تَعليمٌ وَآخِرُها تَحَرُّجٌ ، حَتّى جاءَ خُمسُ السُّوسِ وَجُنديّ سابورَ (2) إلى عُمَرَ وَأنا وَالمُسلِمونَ وَالعَبّاسُ عِندَهُ ، فَقالَ عُمَرُ لَنا : إنَّهُ قَد تَتابَعَت لَكُم مِنَ الخُمسِ أموالٌ فَقَبضتُموها حَتّى لا حاجَةَ بِكُم اليَومَ ، وَبِالمُسلِمينَ حاجَةٌ وَخَلَلٌ ، فَأسلِفونا حَقَّكُم مِن هذا المالِ حَتّى يأتِيَ اللّهُ بِقَضائِهِ مِن أوَّلِ شَيءٍ يَأتِي المُسلِمينَ . فَكَفَفتُ

.


1- .الحشر:7.
2- .كانتا مدينتين في نواحي فارس فتحهما المسلمون في خلافة عمر سنة 17 وسببها : إنّ المسلمين لمّا فتح رامهرمز وتستر ، وأُسر الهرمزان ساروا مع قائدهم أبي سبرة بن أبي رهم في أثر المنهزمين إلى السّوس وكان بها شهريار أخو الهرمزان فأحاط المسلمون بها وناوشوهم القتال مرّات وحاصروهم ثمّ اقتحموا الباب فدخلوا عليهم فألقى المشركون بأيديهم ونادوا: الصّلح الصّلح . فأجابهم إلى ذلك المسلمون بعدما دخلوه عنْوةً واقتسموا ما أصابوا . ولمّا فرغ أبو سبرة من السّوس خرج في جنده حتّى نزل على جندي سابور . وزر بن عبد اللّه بن كليب فحاصرهم فأقاموا عليها يقاتلونهم فرمى رجل من عسكر المسلمين إليهم بالأمان فلم يفجأ المسلمون إلاّ وقد فتحت أبوابها وأخرجوا أسواقهم فسألهم المسلمون عن ذلك . فقالوا : رميتم لنا بالأمان فقبلناه وأقررنا الجزية . فقال المسلمون : مافعلنا وسألوا بعضهم من فعل ذلك فإذا هو عبد يدعى مكثفا كان أصله منها فعل هذا فقال أهلها : قد رُمي إلينا منكم بالأمان ، ولا نعرف العبد من الحرّ وقد قبلنا وما بدّلنا ، فكتبوا بذلك إلى عمر فأجاز أمانهم فأمنوهم وانصرفوا عنهم . (راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 8 ص 178 ، تاريخ الطبري : ج 1 ص 486) .

ص: 182

48 . كتابه عليه السلام إلى حفص بن غياث في قسمة الغنيمة

عَنهُ لِأنَّي لَم آمَن حينَ جَعَلَهُ سَلفاً لَو ألحَحنا عَلَيهِ فيهِ أن يَقولَ في خُمسِنا مِثلَ قَولِهِ في أعظَمَ مِنهُ ، أعني ميراثَ نَبِيِّنا صلى الله عليه و آله حينَ ألحَحنا عَلَيهِ فيهِ . فَقالَ لَهُ العَبّاسُ : لا تَغمِز في الّذي لَنا يا عُمَرُ ، فإنَّ اللّهَ قَد أثبَتَهُ لَنا بِأَثبَتَ مِمّا أثبَتَ بهِ المَواريثَ بَينَنا . فقالَ عُمَرُ : وَأنتُم أحَقُّ مَن أرفَقَ المُسلِمينَ . وَشَفّعَني ، فَقَبَضَهُ عُمَرُ . ثُمَّ قالَ : لا وَاللّهِ ما آتيهِم ما يُقبِضُنا ، حَتّى لَحِقَ بِاللّهِ ، ثُمَّ ما قَدِرنا عَلَيهِ بَعدَهُ . ثُمَّ قال عَلِيٌّ عليه السلام : إنَّ اللّهَ حَرَّمَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله الصّدَقَةَ فَعَوّضَهُ مِنها سَهماً مِنَ الخُمسِ . وَحَرَّمَها على أهلِ بَيتِهِ خاصَّةً دونَ قَومِهِم . وَأسهَمَ لِصَغيرِهِم وَكَبيرِهِم ، وَذَكَرِهِم وَأُنثاهُم ، وَفَقيرِهِم ، وَشاهِدِهِم وَغائِبِهِم ؛ وَلأنَّهُم إنَّما اُعطوا سَهمَهُم لِأنَّهُم قَرابَةُ نَبِيِّهِم وَالّتي لا تَزولُ عَنهُم . الحَمدُ للّهِِ الّذي جَعَلَهُ مِنّا وَجَعَلَنا مِنهُ . فَلَم يُعطِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أحَداً مِنَ الخُمسِ غَيرَنا وَغَيرَ حُلفائِنا وَمَوالينا؛ لأنَّهُم مِنّا وَأعطى مِن سَهمِهِ ناساً لِحُرَمٍ كانَت بَينَهُ وَبَينَهُم مَعونَةً في الّذي كانَ بَينَهُم . فَقَد أعلَمتُكَ ما أوضَحَ اللّهُ مِنَ سَبيلِ هذهِ الأنفالِ الأربَعَةِ وَما وَعَدَ مِن أمرِهِ فيهِم وَنورِهِ ، بِشِفاءٍ مِنَ البَيانِ وَضِياءٍ مِنَ البُرهانِ ، جاءَ بِهِ الوَحيُ المُنزَلُ ، وَعَمِلَ بِهِ النَّبِيُّ المُرسَلُ صلى الله عليه و آله . فَمَن حَرَّفَ كَلامَ اللّهِ أو بَدَّ لَهُ بَعدَ ما سَمِعَهُ وَعَقِلَهُ فَإنّما إثْمُهُ عَلَيهِ وَاللّهُ حَجيجُهُ فيهِ . وَالسَّلامُ عَلَيكَ وَرَحمةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ . (1)

48كتابه عليه السلام إلى حفص بن غياثفي قسمة الغنيمةعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعليّ بن محمّد جميعاً ، عن القاسم بن محمّد ، عن

.


1- .تحف العقول : ص339، بحار الأنوار: ج96 ص204 ح1 نقلاً عنه.

ص: 183

سليمان بن داوود ، عن حفص بن غياث 1 ، قال : كتب إليّ بعض إخواني : أن أسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسائل من السّنن فسألته أو كتبت بها إليه فكان فيما سألته أخبرني عن الجيش إذا غزا أرض الحرب فغنموا غنيمة ثمّ لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلى دار السّلام ولم يلقوا عدوّاً حتّى خرجوا إلى دار السّلام هل يشاركونهم؟ فقال : نعم. وعن سرية كانوا في سفينة ولم يركب صاحب الفرس فرسه كيف تقسم الغنيمة بينهم ؟ فقال : للفارس سهمان وللراجل سهم . فقلت: وإن لم يركبوا ولم يقاتلوا على أفراسهم؟ فقال: أرأيت لو كانوا في عسكر فتقدّم الرّجال فقاتلوا وغنموا كيف كان يقسم بينهم ألم أجعل للفارس سهمين وللراجل سهماً وهم الّذين غنموا دون الفرسان. (1) وزاد في تهذيب الأحكام : قلت: فهل يجوز للإمام أن ينفل ؟ فقال له : أن ينفل قبل القتال فأمّا بعد القتال والغنيمة فلا يجوز ذلك لأنّ الغنيمة قد أحرزت. (2)

.


1- .الكافي : ج5 ص44 ح2 .
2- .تهذيب الأحكام : ج6 ص146 ح 253 وفيه : « الصّفار عن عليّ بن محمّد عن القاسم بن محمّد عن سليمان بن داوود المنقري أبي أيوب قال أخبرني حفص بن غياث . . . » .

ص: 184

49 . إملاؤه عليه السلام لعجلان أبي صالح في الصّدقة
50 . كتابه عليه السلام إلى عمر بن أُذينة في الحجّ والعمرة

49إملاؤه عليه السلام لعجلان أبي صالحفي الصّدقةالحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، عن أبان ، عن عجلان أبي صالح 1 قال: أملأ عليّ أبو عبد اللّه عليه السلام :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ هذا ما تَصَدَّقَ اللّهَ بِهِ فُلانُ بنُ فُلانُ وَهوَ حَيٌّ سَويٌّ بِدارِهِ الَّتي في بَني فُلانٍ بِحُدودِها ، صَدَقَةً لا تُباعُ وَلا تُوهَبُ وَلا تُورَثُ حَتَّى يَرِثَها وارِثُ السَّماواتِ وَالأَرضِ ، وإِنَّه قَد أَسكَنَ صَدَقَتَهُ هذِهِ فُلاناً وَعَقِبَهُ ، فَإِذا انقَرَضوا فَهيَ عَلى ذي الحَاجَةِ مِنَ المُسلِمينَ . (1)

50كتابه عليه السلام إلى عمر بن أُذينةفي الحجّ والعمرةعليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة (2) ، قال : كتبت إلى

.


1- .الكافي : ج7 ص39 ح40 ، تهذيب الأحكام :ج9 ص131 ح558 ، دعائم الإسلام :ج2 ص343 ح 1285 نحوه .
2- .راجع : الكتاب الثّالث والأربعون .

ص: 185

أبي عبد اللّه عليه السلام بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العبّاس. فجاء الجواب بإملائه: سَأَلتَ عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» (1) يَعني بِهِ الحَجَّ وَالعُمرَةَ جَميعاً ؛ لِأَن_َّهُما مَفروضانِ . وسألته عن قول اللّه عز و جل : «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للّه » (2) . قال : يَعني بِتَمامِهِما أَداءَهُما وَاتِّقاءَ ما يَتَّقي المُحرِمُ فيهِما . وسألته عن قوله تعالى : «الْحَجِّ الأَْكْبَرِ» (3) ما يعني بالحجّ الأكبر ؟ فقال: الحَجُّ الأَكبرُ الوُقوفُ بِعَرَفَةَ وَرَميُ الجِمارِ وَالحَجُّ الأصغَرُ العُمرَةُ . (4) أيضا : عليّ عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجلٍ حجّ ولا يدري ولا يعرف هذا الأمر ، ثمّ منّ اللّه عليه بمعرفته والدّينونة به ، أعليه حجّة الإسلام ، أم قد قضى؟ قال : قَد قَضى فَريضَةَ اللّهِ ، وَالحَجُّ أحَبُّ إِلَيَّ . وعن رجلٍ هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متديّن ، ثمّ منّ اللّه عليه فعرف هذا الأمر ، أيقضى عنه حجّة الإسلام ، أو عليه أن يحجّ من قابل؟ قال : الحَجُّ أَحَبُّ إِلَيَّ . (5)

.


1- .آل عمران: 97.
2- .البقرة: 196.
3- .التوبة: 3.
4- .الكافي : ج4 ص264 ح1 ، وسائل الشيعة : ج 11 ص 7 ح 14108 .
5- .الكافي :ج 4 ص275 ح4 ، تهذيب الأحكام : ج 5 ص 10 ح 25 وفيه عن « محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن . . . » .

ص: 186

51 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن أبي حمزة في الإحرام
52 . كتابه عليه السلام إلى الإمام الكاظم عليه السلام في كتمان الشّهادة
53 . كتابه عليه السلام إلى عذافر في التّجارة

51كتابه عليه السلام إلى عليّ بن أبي حمزةفي الإحرامأحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صفوان ، عن عليّ بن أبي حمزة (1) قال : كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجل جعل للّه عليه أن يحرم من الكوفة ؟ قال : يُحرِمُ مِنَ الكوفَةِ . (2)

52كتابه عليه السلام إلى الإمام الكاظم عليه السلامفي كتمان الشّهادةسهل بن زياد عن إسماعيل بن مهران عن محمّد بن منصور الخزاعيّ عن عليّ بن سويد السّائيّ عن أبي الحسن عليه السلام قال :كتب أبي في رسالته إليَّ وسألته عن الشّهادة لهم : فَأقِمِ الشَّهادَةَ للّهِِ وَلَو عَلى نَفسِكَ أو الوالِدَينِ وَالأقرَبينَ فيما بَينَكَ وَبَينَهُم فإن خِفتَ عَلى أخيكَ ضَيماً فَلا .

الحسين بن محمّد عن محمّد بن أحمد النّهديّعن إسماعيل بن مهران مثله . (3)

53كتابه عليه السلام إلى عذافرفي التّجارةسهل بن زياد عن عليّ بن أسباط عن محمّد بن عذافر عن أبيه (4) قال :

.


1- .راجع في ترجمته : الكتاب الحادي والسّتّون .
2- .تهذيب الأحكام : ج5 ص54 ح163 ، الاستبصار : ج2 ص163 ح9 ، وسائل الشيعة :ج11 ص327 ح 14929 .
3- .الكافي : ج 7 ص381 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج 6 ص 276 ح 757 .
4- .عذافر بن عيسى بن أفلح الخزاعيّ الصّيرفي: كوفيّ يكنّى أبا محمّد مولى خزاعة . عذافر الصّيرفيّ قال: كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر عليه السلام فجعل يسأله وكان أبو جعفر عليه السلام له مكرماً فاختلفا في شيء فقال أبو جعفر عليه السلام : يا بنيّ قم فأخرج كتاب عليّ فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً وفتحه (ففتحه) وجعل ينظر حتّى أخرج المسألة فقال أبو جعفر: عليه السلام هذا خطّ عليّ عليه السلام وإملاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأقبل على الحكم وقال : يا أبا محمّد أذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالاً فو اللّه لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل عليه السلام . وعدّه من أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام وأبي الحسن عليه السلام . ( راجع : رجال النّجاشي : ج 2 ص 260 الرّقم 967 ، رجال الطّوسي : الرّقم 4247 و 4654 و 5113 ، رجال البرقي : ص 20) .

ص: 187

أعطى أبو عبد اللّه عليه السلام أبي ألفاً وسبعمئة دينار فقال له : اتَّجِر بِها . ثمّ قال : أما إنَّهُ لَيسَ لي رَغبَةٌ في رِبحِها وَإن كانَ الرِّبحُ مَرغوباً فيهِ، وَلَكِنِّي أحبَبتُ أن يَرانيَ اللّهُ جَلَّ وَعَزَّ مُتَعَرّضاً لِفوائِدِهِ. قال : فربحت له فيها مئة دينار ثمّ لقيته فقلت له : قد ربحت لك فيها مئة دينار . قال ففرح أبو عبد اللّه عليه السلام بذلك فرحاً شديداً فقال لي : أثبتها في رأس مالي . قال : فمات أبي والمال عنده فأرسل إليّ أبو عبد اللّه عليه السلام فكتب : عافانا اللّهُ وَإيَّاكَ، إنَّ لي عِندَ أبي مُحَمَّدٍ ألفاً وَثَمانمَئةِ دينارٍ أعطَيتُهُ يَتَّجِرُ بِها ، فادفَعها إلى عُمَرَ بنِ يَزيدَ 1 .

.

ص: 188

54 . كتابه عليه السلام إلى عمر بن أذينة في الشّراء والبيع

قال : فنظرت في كتاب أبي فإذا فيه لأبي موسى عندي ألف وسبعمئة دينار واتّجر له فيها مئة دينار عبد اللّه بن سنان وعمر بن يزيد يعرفانه. (1)

54كتابه عليه السلام إلى عمر بن أذينةفي الشّراء والبيععليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة (2) قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذ منه برابط ؟ فقال: لا بأسَ. وعن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذه صلبان؟ قال: لا . (3) أيضا : عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عُمَيْر عن عمر بن أُذَيْنَة قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن الرّجل يوجر سفينته ودابّته ممّن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير؟ قال : لا بأسَ . (4)

.


1- .الكافي: ج5 ص76 ح12، بحار الأنوار: ج47 ص56 ح100 نقلاً عنه.
2- .راجع : الكتاب الثّالث والأربعون .
3- .الكافي: ج5 ص226 ح2، تهذيب الأحكام: ج6 ص373 ح203 وفيه «محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم...».
4- .الكافي : ج 5 ص 227 ح6 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص372 ح199 وفيه «عن محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم . . . » .

ص: 189

55 . كتابه عليه السلام إلى رجل في الشّراء والبيع

أيضا : عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجل له كرم أيبيع العنب والتّمر ممّن يعلم أنّه يجعله خمراً أو سكراً؟ فقال: إنَّما باعَهُ حَلالاً في الإبَّانِ الَّذي يَحِلُّ شُربُهُ أو أكلُهُ ، فَلا بأسَ بِبَيعِهِ. (1)

55كتابه عليه السلام إلى رجلفي الشّراء والبيععنه ( أي محمّد بن عليّ بن محبوب ) عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن أبي الجهم عن أبي خديجة 2 قال: بعثني أبو عبد اللّه عليه السلام إلى أصحابنا فقال : قُل لَهُم : إيَّاكُم إذا وَقَعَت بَينَكُم خُصومَةٌ أو تَدارى بَينَكُم في شَيءٍ مِنَ الأخذِ وَالعَطاءِ أن تَتَحاكَموا إلى أحَدٍ مِن هَؤُلاءِ الفُسَّاقِ ، اجعَلوا بَينَكُم رَجُلاً مِمَّن قَد عَرَفَ حَلالَنا وَحَرامَنا ، فإنِّي قَد جَعَلتُهُ قاضياً . وَإيَّاكُم أن يُخاصِمُ بَعضُكُم بَعضاً إلى السُّلطانِ الجائِرِ. قال أبو خديجة: وكان أوّل من أورد هذا الحديث رجل كتب إلى الفقيه عليه السلام في رجل دفع إليه رجلان شراءً لهما من رجل فقالا لا تردّ الكتاب على واحد منّا دون صاحبه فغاب أحدهما أو توارى في بيته وجاء الّذي باع منهما فأنكر الشّراء يعني القبالة فجاء الآخر إلى العدل فقال له : أخرج الشّراء حتّى نعرضه على البينة فإنّ

.


1- .الكافي : ج 5 ص 231 ح8 ، وسائل الشيعة : ج 17 ص 230 ح 22402 .

ص: 190

56 . كتابه عليه السلام لجميل بن صالح في النّذر
57 . كتابه عليه السلام لعمر بن أذينة في الذّبائح والأطعمة

صاحبي قد أنكر البيع منّي ومن صاحبي وصاحبي غائب فلعلّه قد جلس في بيته يريد الفساد عليّ فهل يجب على العدل أن يعرض الشّراء على البينة حتّى يشهدوا لهذا أم لا يجوز له ذلك حتّى يجتمعا فوقع عليه السلام : إذا كَانَ في ذلِكَ صَلاحِ أمرِ القَومِ فَلا بَأسَ بهِ إن شاءَ اللّهُ. (1)

56كتابه عليه السلام لجميل بن صالحفي النّذرأحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمّد عن جميل بن صالح (2) قال: كانت عندي جارية بالمدينة فارتفع طمثها فجعلت للّه علي نذراً إن هي حاضت فعلمت بعد أنّها حاضت قبل أن أجعل النّذر فكتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام وأنا بالمدينة فأجابني : إن كانَت حاضَت قَبلَ النَّذرِ فَلا عَلَيكَ ، وَإن كانَت حاضَت بَعدَ النَّذرِ فَعَلَيكَ. (3)

57كتابه عليه السلام لعمر بن أذينةفي الذّبائح والأطعمةعليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة (4) قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن الرّجل ينعت له الدّواء من ريح البواسير فيشربه بقدر سكرجة

.


1- .تهذيب الأحكام : ج6 ص303 ح53 ، وسائل الشيعة : ج 27 ص 295 ح 33784 .
2- .راجع : في تتمة الكتاب الثّالث والتسعون .
3- .الكافي : ج7 ص455 ح4 ، تهذيب الأحكام : ج8 ص303 ح4 ، بحار الأنوار : ج 104 ص 240 ح131 .
4- .راجع : الكتاب الثّالث والأربعون .

ص: 191

58 . كتابه عليه السلام إلى شهاب في الذّبح

من نبيذ صلب ليس يريد به اللّذة إنّما يريد به الدّواء؟ فقال: لا وَلا جُرعَةً . وقال: إنَّ اللّهَ عز و جل لَم يَجعَل في شَيءٍ مِمَّا حَرَّم دَواءً وَلا شِفاءً . (1)

58كتابه عليه السلام إلى شهابفي الذّبححمّاد عن عليّ بن أبي حمزة 2 عن أحدهما عليهماالسلام قال : لا يَتَزَوَّدِ الحاجُّ مِن أُضحيَّتِهِ ،

.


1- .تهذيب الأحكام : ج9 ص113 ح488 ، الكافي : ج6 ص413 ح2 ، بحار الأنوار: ج62 ص86 ح10 .

ص: 192

59 . رسالته عليه السلام إلى بعض خلفاء بني أميّة في فضل الجهاد

وَلَهُ أن يأكُلَ بِمِنى أيَّامَها . قال : وهذه مسألة شهاب (1) كتب إليه فيها. (2)

59رسالته عليه السلام إلى بعض خلفاء بني أميّةفي فضل الجهادمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب 3 عن

.


1- .ذكره الشيخ بعنوان : شهاب بن عبد ربّه الأسدي ، مولاهم الصّيرفيّ الكوفيّ ، وذكره النجاشي بعنوان : شهاب بن عبد ربّه بن أبي ميمونة ، مولا بني نصر بن قعين ، من بني أسد . كان موسرا ذا مال (حال) ، روى عن الصّادقين عليهماالسلام ، له كتاب ، والطريق إليه صحيح . (راجع : رجال الطوسي : ص224 الرقم 3012 ، رجال النجاشي : ج1 ص436 الرقم 521 ، رجال الكشي : ج2 ص 453 ، الفوائد الرجاليّة : ج3 ص 53) .
2- .تهذيب الأحكام : ج 5 ص 227 ح 767 ، الاستبصار : ج 2 ص 275 ح 3 ، وسائل الشيعة : ج 14 ص 171 ح 18902 وراجع التهذيب : ج 5 ص 227 ح 108 ه .

ص: 193

بعض أصحابه قال: كتب أبو جعفر عليه السلام في رسالة إلى بعض خلفاء بني أميّة:وَمِن ذلِكَ ما ضَيَّعَ الجِهادَ الَّذَي فَضَّلَه اللّهُ عز و جل عَلى الأعمالِ وَفَضَّلَ عامِلَهُ عَلى العُمَّالِ تَفضيلاً في الدَّرجاتِ وَالمَغفِرَةِ وَالرَّحمَةِ ؛ لِأنَّهُ ظَهرَ بِهِ الدِّينُ ، وَبِهِ يُدفَعُ عَنِ الدِّينِ ، وَبِهِ اشترَى اللّهُ مِنَ المُونينَ أنفُسِهم وَأموالِهِم بِالجَنَّةِ ، بَيعاً مُفلِحاً مُنجِحاً اشتَرَطَ عَلَيهِمِ فيهِ حِفظَ الحُدودِ ، وَأوَّلُ ذلِكَ الدُّعاءِ إلى طاعَةِ اللّهِ عز و جل مِن طاعَةِ العِبادِ ، وَإلى عِبادَةِ اللّهِ مِن عِبادَةِ العِبادِ ، وَإلى وَلايَةِ اللّهِ مِن وَلايَةِ العِبادِ ، فَمَن دُعيَ إلى الجِزيَةِ فأبى قُتِلَ وَسُبيَ أهلُهُ . وَلَيسَ الدُّعاءُ مِن طاعَةِ عَبدٍ إلى طاعَةِ عَبدٍ مِثلِهِ ، وَمَن أقَرَّ بِالجِزيَةِ لَم يُتَعَدَّ عَلَيهِ وَلَم تُخفَر ذِمَّتُهُ ، وَكُلِّفَ دونَ طاقَتِهِ ، وَكانَ الفَيءُ لِلمُسلِمينَ عامَّةً غَيرَ خاصَّةٍ . وإن كانَ قِتالٌ وَسبيٌ سيرَ في ذلِكَ بِسيرَتِهِ وَعُمِلَ في ذلِكَ بِسُنَّتِهِ مِنَ الدِّينِ . ثُمَّ كُلَّفَ الأعمى وَالأعرَجَ الَّذينَ لا يَجدونَ ما يُنفِقونَ عَلى

.

ص: 194

60 . كتابه عليه السلام إلى حفص بن غياث في الجزية عن النّساء

الجِهادِ بَعدَ عُذرِ اللّهِ عز و جل إيَّاهُم ، وَيُكَلِّفَ الَّذينَ يُطيقونَ ما لا يُطيقونَ ، وَإنَّما كانوا أهلَ مِصرٍ يُقاتِلونَ مَن يَليهِ يُعدَلُ بَينَهُم في البُعوثِ ، فَذَهَبَ ذلِكَ كُلُّهُ ، حَتَّى عادَ النَّاسُ رَجُلَينِ أجيرٌ مُوجِرٌ بَعدَ بَيعِ اللّهِ، وَمُستأجِرٌ صاحِبَهُ غارِمٌ وَبَعَدَ عُذرِ اللّهِ ، وَذَهَبَ الحَجُّ فَضُيِّعَ وَافتَقَرَ النَّاسُ فَمَن أعوَجُ مِمَّن عَوَّجَ هذا ، وَمَن أقوَمُ مِمَّن أقامَ هذا ، فَرَدَّ الجِهادَ عَلى العِبادِ وَزادَ الجِهادَ عَلى العِبادِ ، إنَّ ذلِكَ خَطأٌ عَظيمٌ. (1)

60كتابه عليه السلام إلى حفص بن غياثفي الجزية عن النّساءعليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، عن المنقريّ ، عن حفص بن غياث ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مدينة من مدائن أهل الحرب ، هل يجوز أن يرسل عليهم الماء ، وتحرق بالنار ، أو ترمى بالمجانيق ، حتّى يقتلوا وفيهم النّساء ، والصبيان ، والشّيخ الكبير ، والأُسارى من المسلمين ، والتّجار . فقال: يُفعَلُ ذلِكَ بِهِم وَلا يُمسَكُ عَنهُم لِهؤلاءِ ، وَلا دِيَةَ عَلَيهِم لِلمُسلِمينَ ، ولا كَفّارَة . (2) أقول : نقلناه هنا استطراداً كما تقدّم نظيره ويأتي باقيه . محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعريّ ، عن عليّ بن محمّد القاسانيّ ، عن سليمان أبي أيّوب ، قال : قال حفص : كتب إليّ بعض إخواني أن أسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسائل من السّير ، فسألته وكتبت بها إليه ، فكان فيما سألته أخبرني عن النّساء كيف سقطت الجزية عنهنّ ورفعت عنهنّ ؟ فقال :

.


1- .الكافي : ج5 ص3 ح4 ، وسائل الشيعة : ج 15 ص 12 ح 19909 .
2- .الكافي : ج 5 ص 28 ح 6 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص142 ح242 ، بحار الأنوار : ج 19 ص 178 ح 25 .

ص: 195

61 . إملاؤه عليه السلام في مسألة راجعة إلى المنصور في القتل

لِأنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَهى عَن قَتلِ النِّساءِ وَالوِلدانِ في دارِ الحَربِ إلاّ أن يُقاتِلنَ ، وَإن قاتَلَت أيضاً فَأمسِك عَنها ما أمكَنَكَ ، وَلَم تَخَف خَلَلاً ، فَلَمّا نهى عَن قَتلِهِنَّ في دارِ الحَربِ كانَ ذلِكَ في دارِ الإسلامِ أولى ، وَلَو امتَنَعَت أن تؤدِّي الجِزيَةَ لَم يُمكِنكَ قَتلُها ، فَلَمّا لَم يُمكِن قَتلُها رُفِعَتِ الجِزيَةُ عَنها ، فَلَو امتَنَعَ الرِّجالُ وَأبَوا أن يُؤَدوا الجِزيَةَ كانوا ناقِضينَ لِلعَهدِ ، وَحَلَّت دِماؤُهُم وَقَتلُهُم لأنَّ قَتلَ الرِّجالِ مُباحٌ في دارِ الشِّركِ ، وَكذلِكَ المُقعَدُ مِن أهلِ الذِّمَّةِ وَالشَّيخُ الفاني وَالمَرأةُ وَالوِلدانُ في أرضِ الحَربِ ، فَمِن أجلِ ذلِكَ رُفِعَت عَنهُم الجِزيَةُ. (1)

61إملاؤه عليه السلام في مسألة راجعة إلى المنصورفي القتلمحمَّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن بعض أصحابه ، عن محمّد بن الفضيل ، عن عمرو بن أبي المقدام (2) ، قال : كنت شاهداً عند البيت الحرام ، ورجل ينادي بأبي جعفر المنصور وهو يطوف ويقول : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّ هذينِ الرَّجُلَينِ طَرَقا أخي لَيلاً ، فَأخرَجاهُ مِن مَنزِلِهِ فَلَم يَرجِع إلَيَّ ، وَاللّهِ ما أدري ما صَنَعا بِهِ . فَقالَ لَهُما : ما صَنَعتُما بِهِ ؟ فقالا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، كَلَّمناهُ فَرجَعَ إلى مَنزِلِهِ . فقالَ لَهُما : وافِياني غداً صلاةَ العَصرِ في هذا المَكانِ ، فَوافَوهُ مِنَ الغَدِ صَلاةَ العَصرِ ، وَحَضَرتُهُ فقالَ لأبي عَبدِ اللّهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام _ وَهُوَ قابِضٌ على يَدِهِ _ : يا جَعفَرُ ، اقضِ بَينَهُم .

.


1- .تهذيب الأحكام: ج6 ص156 ح1 وراجع : كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 52 ح 1675 .
2- .راجع : الكتاب الثّاني والتّاسع .

ص: 196

62 . كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحمان بن سيابة في الجناية

فقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، اقضِ بَينَهُم أنتَ. فَقالَ لَهُ : بِحَقّي عَلَيكَ إلاّ قَضَيتَ بَينَهُم . قالَ : فَخَرَجَ جَعفَرُ عليه السلام فَطَرَحَ لَهُ مُصَلَّى قَصَبٍ فَجَلَسَ عَلَيهِ ، ثُمَّ جاءَ الخُصَماءُ فَجَلَسوا قُدّامَهُ فَقالَ : ما تَقولُ؟ قالَ : يا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، إنَّ هذينِ طَرَقا أخي لَيلاً فأخرَجاهُ مِن مَنزِلِهِ ، فَوَاللّهِ ما رَجَعَ إلَيَّ ، وَوَاللّهِ ما أدري ما صَنَعا بِهِ . فقال : ما تَقولانِ ؟ فقالا: يا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، كَلَّمناهُ ثُمَّ رَجَعَ إلى مَنزِلِهِ . فَقالَ جَعفَرُ عليه السلام : يا غُلامُ اكتُب : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : كُلُّ مَن طَرَقَ رَجُلاً بِاللَّيلِ فأخرَجَهُ مِن مَنزِلِهِ فَهُوَ لَهُ ضامِنٌ ، إلاّ أن يُقيمَ البَيِّنَةَ أنَّهُ قَد رَدَّهُ إلى مَنزِلِهِ ، يا غُلامُ ، نَحِّ هذا فاضرِب عُنُقَهُ . فَقالَ : يا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، وَاللّهِ ما أنا قَتَلتُهُ ، وَلكِنِّي أمسَكتُهُ ، ثُمَّ جاءَ هذا فَوَجَأهُ فَقَتَلهُ . فقال : أنا ابنُ رَسولِ اللّهِ ، يا غُلامُ ، نَحِّ هذا وَاضرِب عُنُقَ الآخَرِ. فقال: يا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، وَاللّهِ ما عَذَّبتُهُ وَلكِنِّي قَتَلتُهُ بِضَربَةٍ واحِدَةٍ ، فأمَرَ أخاهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ . ثُمَّ أمرَ بِالآخَرِ فَضَرَبَ جَنبَيهِ وَحَبَسَهُ في السِّجنِ وَوَقَّعَ على رأسِهِ : يُحبَسُ عُمرَهُ ، وَيُضرَبُ في كُلِّ سَنَةٍ خَمسينَ جَلدَةً . (1)

62كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحمان بن سيابةفي الجنايةأحمد بن منصور ، عن أحمد بن الفضل الخزاعي ، عن محمّد بن زياد ، عن

.


1- .الكافي : ج7 ص287 ح3، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص258 بحار الأنوار: ج104 ص396 ح41 .

ص: 197

63 . كتابه عليه السلام لعمر بن أذينة في الجنايات على الحيوان

عليّ بن عطيّة صاحب الطّعام ، قال : كتب عبد الرّحمان بن سيّابة 1 إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : قد كنتُ أُحذِّرُكَ إسماعيلَ (1) : جانيكَ مَن يَجني عَلَيكَ وَقَديُعدي الصِّحاحَ مَبارِكُ الجُربِ فكتب إليه أبو عبداللّه عليه السلام : قَولُ اللّهِ أصدَقُ : « وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى » (2) وَاللّهِ ما عَلمتُ ولا أمَرتُ ولا رَضِيتُ (3) .

63كتابه عليه السلام لعمر بن أذينةفي الجنايات على الحيوانعن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة قال : كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رواية الحسن البصري يرويها عن عليّ عليه السلام في عَينِ ذاتِ الأربَعِ قَوائِمَ إذا فُقِئت رُبعُ ثَمَنِها ؟ فقال : صَدَقَ الحَسَنُ ، قَد قالَ عَلِيٌّ عليه السلام ذلِكَ . (4)

.


1- .قوله : « قَد كُنتَ أحّذِرُكَ إسماعيلَ » ، كتب ذلك ابن سيّابة إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ، حيث تجنّى إسماعيل في أمر معلّى بن خنيس على من هو بريء من ذلك ، وتعرّض له وتحرش به .
2- .الأنعام : 164 ، الإسراء : 15 ، فاطر : 18 ، الزمر : 7 ، النجم : 38 .
3- .رجال الكشّي : ج 2 ص 688 ح 734 .
4- .تهذيب الأحكام : ج 10 ص 309 ح 1150 ، وسائل الشيعة : ج 29 ص 355 ح 35768 .

ص: 198

64 . كتابه عليه السلام لغلامه في العتق / ما يتّصف به العبد لكي يعتق

64كتابه عليه السلام لغلامهفي العتق / ما يتّصف به العبد لكي يعتقعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سِنان 1 ، عن غلام أعتقَه أبو عبد اللّه عليه السلام :هذا ما أعتَقَ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ ، أعتَقَ غُلامَهُ السِّنْديَّ فُلاناً على أنَّهُ يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ وَأنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُهُ ، وَأنَّ البَعثَ حَقٌّ ، وَأنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ ، وَأنَّ النّارَ حَقٌّ ، وَعَلى أنَّهُ يُوالي أولياءَ اللّهِ وَيَتَبَرّأُ مِن أعداءِ اللّهِ ، وَيُحِلُّ حَلالَ اللّهِ وَيُحَرِّمُ حَرامَ اللّهِ ، وَيُونُ بِرُسُلِ اللّهِ ، وَيُقِرُّ بِما جاءَ مِن عِندِ اللّهِ ، أعتَقَهُ لِوَجهِ اللّهِ ، لا يُريدُ بهِ جَزاءً وَلا شُكوراً ، وَلَيسَ لِأحَدٍ عَلَيهِ سَبيلٌ إلاّ بِخَيرٍ ، شَهِدَ فُلانُ . (1)

.


1- .الكافي: ج 6 ص 181 ح1 ، بحار الأنوار : ج 47 ص 44 ح 58 .

ص: 199

وفي رواية أُخرى : محمّد بن يحيَى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن إبراهيم بن أبي البِلاد 1 قال : قرأت عِتقَ أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام فإذَا هُوَ شَرحُهُ :هذا ما أعتَقَ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ ، أعتَقَ فُلاناً غُلامَهُ لِوَجهِ اللّهِ ، لا يُريد بِهِ جَزاءً وَلا شُكوراً ، على أنْ يُقِيمَ الصَّلاةَ ، وَيُوتِيَ الزّكاةَ ، وَيَحُجَّ البَيتَ ، وَيَصومَ شَهرَ رَمَضانَ ، وَيَتَولَّى أولياءَ اللّهِ ، وَيَتَبَرَّأ مِن أعداءِ اللّهِ ، شَهِد فُلانٌ وَفُلانٌ وَفلانٌ ؛ ثَلاثَةٌ . (1)

.


1- .الكافي: ج 6 ص 181 ح2 ، بحار الأنوار : ج 47 ص 44 ح 59 .

ص: 200

. .

ص: 201

الفصل الخامس : في وصاياه عليه السلام

اشاره

الفصل الخامس : في وصاياه عليه السلام

.

ص: 202

. .

ص: 203

65 . وصيّته عليه السلام إلى أبي أسامة لمحبّيه

65وصيّته عليه السلام إلى أبي أسامة لمحبّيهأبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل ابن شاذان ، جميعاً عن صفوان بن يحيى، عن أبي أُسامة زيد الشّحّام 1

.

ص: 204

قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام :اقَرأ على مَن تَرى أنَّهُ يُطيعُني مِنهُمُ وَيَأخُذُ بِقَولي السَّلامَ ، وَأُوصيكُم بِتَقوى اللّهِ عز و جل وَالوَرَعِ في دينِكُم ، وَالاجتِهادِ للّهِِ وَصدِقِ الحَديثِ ، وَأداءِ الأمانَةِ ، وَطولِ السُّجودِ ، وَحُسنِ الجِوارِ ، فَبِهذا جاءَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله . أدّوا الأمانَةَ إلى مَنِ ائتَمَنَكُم عَلَيها بَرّاً أو فاجِراً ، فَإنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَأمُرُ بِأداءِ الخَيطِ وَالمِخيَطِ (1) صِلوا عَشائِرَكُم وَاشهَدوا جَنائِزَهُم ، وَعودوا مَرضاهُم ، وَأدُّوا حُقوقَهُم ، فإنَّ الرَّجُلَ مِنكُم إذا وَرَعَ في دينِهِ وَصَدَقَ الحَديثَ ، وَأدّى الأمانَةَ ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ النّاسِ ، قيلَ : هذا جَعفَرِيّ ، فَيَسُرُّني ذلِكَ ، وَيَدخُلُ عَلَيَّ مِنهُ السُّرورُ ، وَقيلَ : هذا أدَبُ جَعفَرٍ . وَإذا كانَ على غَيرِ ذلِكَ ، دَخَلَ عَلَيَّ بَلاؤُهُ وَعارُهُ وَقيلَ : هذا أدَبُ جَعفَرٍ ، فَوَاللّهِ لَحَدَّثني أبي عليه السلام : أنَّ الرَّجُلَ كانَ يَكونُ فِي القَبيلَةِ مِن شيعَةِ عَلِيٍّ عليه السلام فَيَكونُ زَينَها ، آداهُم لِلأمانَةِ ، وَأقضاهُم لِلحُقوقِ ، وَأصدَقُهُم للِحَديثِ ، إلَيهِ وَصاياهُم وَوَدائِعُهم ، تَسأَلُ العَشيرةَ عَنهُ فَتَقولُ : مَن مِثلُ فلانٍ ؟ إنَّهُ لآدانا لِلأمانَةِ وَأصدَقَنا لِلحَديثِ (2) . 3

.


1- .الخيط : السّلك، والمخيط : الإبرة .
2- .الكافي : ج2 ص636 ح5، بحار الأنوار : ج78 ص372 ح12 .

ص: 205

وفي دعائم الإسلام : عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام أنّه قال لبعض شيعته :عَلَيكُم بِالوَرَعِ وَالاجتِهادِ ، وَصِدقِ الحَديثِ وَأداءِ الأمانَةِ وَالتَّمَسُّكِ بِما أنتُم عَلَيهِ ، فإنّما يَغتَبِطُ أحَدُكم إذا انتَهَت نفسُهُ إلى هاهُنا ، وَأومى بِيَدِهِ إلى حَلقِهِ . ثُمَّ قالَ : إن تَعيشوا تَرَوا ما تَقِرُّ بهِ أعيُنُكُم ، وَإن مِتُّم تَقدِموا _ واللّه _ على سَلَفٍ نِعمَ السَّلَفُ لَكُم ، أما واللّهِ ، إنَّكُم على دينِ اللّهِ وَدينِ آبائي. أما وَاللّهِ ، ما أعني مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ وَلا عَلِيَّ بَنَ الحُسَينِ وَحَدَهما ، وَلَكِنّي أعنيهِما وَأعني إبراهيمَ وَإسمعيلَ وَإسحاقَ وَيعقوبَ ، وَإنَّهُ لَدينٌ واحِدٌ ، فَاتّقوا اللّهَ وَأعينونا بِالوَرَعِ ، فَوَاللّهِ ما تُقبَلُ الصَّلاةُ وَلا الزَّكوةُ وَلا الحَجُّ إلاّ مِنكُم ، وَلا يُغفَرُ إلاّ لَكُم . وَإنّما شيعَتُنا مَن اتَّبَعَنا وَلَم يُخالِفنا ، إذا خِفنا خافَ ، وَإذا أمِنّا أمِنَ ، أُولئِكَ شيعَتُنا . إنّ إبليسَ أتى النّاسَ فَأطاعوهُ ، وَأتى شيعَتَنا فَعَصَوهُ ، فَأغرى النّاسَ بِهِم ، فَلذلِكَ ما يَلقَونَ مِنهُم . (1)

.


1- .دعائم الإسلام : ج1 ص66 .

ص: 206

66 . وصيّته عليه السلام لعبد اللّه بن جُنْدَب في الحثّ على العبوديّة والتّحذير من الشّيطان

66وصيّته عليه السلام لعبد اللّه بن جُنْدَب (1)في الحثّ على العبوديّة والتّحذير من الشّيطانروي أنّه عليه السلام قال :يا عَبدَ اللّهِ ، لَقَد نَصَبَ إبليسُ حبائِلَهُ في دارِ الغُرورِ ، فَما يَقصِدُ فيها إلاّ أولياءَنا ، وَلَقَد جَلَّتِ الآخِرَةُ في أعيُنِهِم حَتّى ما يُريدونَ بِها بَدَلاً. ثمّ قال : آهٍ آهٍ ، على قُلوبٍ حُشِيَت نوراً ، وَإنّما كانَت الدُّنيا عِندَهُم بِمَنزِلَةِ الشُّجاعِ الأرقَمِ (2) وَالعَدُوِّ الأعجَمِ ، أنِسوا بِاللّهِ وَاستَوحَشوا مِمّا بهِ استَأنَسَ المُترَفونَ ، أُولئِكَ أوليائي حَقّاً ، وَبِهِم تُكشَفُ كُلُّ فِتنَةٍ وَتُرفَعُ كُلُّ بَلِيَّةٍ . يا ابنَ جُندَب ، حَقٌّ على كُلِّ مُسلِمٍ يَعرِفُنا أن يَعرِضَ عَمَلَهُ في كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ على نَفسِهِ ، فَيَكونُ مُحاسِبَ نَفسِهِ ، فَإن رأى حَسَنَةً استَزادَ مِنها ، وَإن رَأى سَيِّئَةً استَغفَرَ مِنها لِئلاّ يَخزى يَومَ القِيامَةِ. طوبى لِعَبدٍ لَم يَغبِطِ الخاطِئينَ على ما أُوتوا مِن نَعيمِ الدُّنيا وَزَهرَتِها . طوبى لِعَبدٍ طَلَبَ الآخِرَةَ وَسَعى لَها . طوبى لِمَن لَم تُلهِهِ الأمانِيُّ الكاذِبَةُ . ثُمَّ قالَ عليه السلام : رَحِمَ اللّهُ قَوماً كانوا سِراجاً وَمَناراً، كانوا دُعاةً إلَينا بِأعمالِهِم وَمَجهودِ طاقَتِهِم ، لَيسَ كَمَن يُذيعُ أسرارَنا .

.


1- .بضمّ الكاف وسكون النّون وفتح الدّال . هو عبد اللّه بن جندب البجليّ الكوفيّ ، ثقة جليل القدر من أصحاب الصّادق والكاظم والرّضا عليهم السلام ، وإنّه من المخبتين ، وكان وكيلاً لأبي إبراهيم وأبي الحسن عليهماالسلام. كان عابداً رفيع المنزلة لديهما على ما ورد في الأخبار. ولمّا مات رحمه الله قام مقامه عليّ بن مهزيار (راجع : خلاصة الأقوال : ص193) .
2- .حشيت : أي ملات . والشّجاع _ بالكسر والضمّ _ : الحيّة العظيمة الّتي تواثب الفارس ، وربّما قلعت رأس الفارس ، وتكون في الصّحارى ، ويقوم على ذنبه . والأرقَم : الحيّة الّتي فيها سواد وبياض ، وهو أخبث الحيّات، ويحتمل أن يكون الشّجاع الأقرع ، وهو حيّة قد تمعّط شعر رأسها لكثرة سمّها .

ص: 207

يا ابنَ جُندَب إنَّما المُؤمِنونَ الّذينَ يَخافونَ اللّهَ وَيُشفِقونَ أن يُسلَبوا ما اُعطوا مِنَ الهُدى ، فإذا ذَكَروا اللّهَ وَنَعماءَهُ وَجِلوا وَأشفَقوا، وَإذا تُلِيتَ عَلَيهِم آياتُهُ زادَتُهم إيماناً مِمّا أظهَرَهُ مِن نَفاذِ قُدرَتِةِ ، وَعلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ . يا ابنَ جُندَب ، قَديماً عَمَرَ الجَهلُ وَقَوِيَ أساسُهُ ، وَذلِكَ لاتِّخاذِهِم دينَ اللّهِ لَعِباً حَتّى لَقَد كانَ المُتَقَرِّبُ مِنهُم إلى اللّهِ بعِلمِهِ يُريدُ سِواهُ ، أُولئِكَ هُمُ الظّالِمونَ . يا ابنَ جُندَب ، لَو أن شيعَتَنا استَقاموا لَصافَحَتهُمُ المَلائِكَةُ ، وَلَأظَّلَهُم الغَمامُ ، وَلأشرَقوا نَهاراً ، وَلَأكَلوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أرجُلِهِم ، وَلَما سَألوا اللّهَ شَيئاً إلاّ أعطاهُم . يا ابنَ جُنَدب ، لا تَقُل في المُذنِبينَ مِن أهلِ دَعوَتِكُم إلاّ خَيراً ، وَاستَكينوا إلى اللّهِ في تَوفيقِهِم وَسَلوا التّوبَةَ لَهُم ، فَكُلُّ مَن قَصَدَنا وَوالانا ، وَلَم يُوالِ عَدُوَّنا ، وَقالَ ما يَعلَمُ ، وَسَكَتَ عَمّا لا يَعلَمُ ، أو أشكَلَ عَلَيهِ فَهُوَ فِي الجَنَّةِ . يا ابنَ جُندَب ، يَهلِكُ المُتَّكِلُ على عَمَلِهِ ، وَلا يَنجو المُجتَرِئُ على الذُّنوبِ الواثِقُ بِرَحمَةِ اللّهِ . قُلتُ : فَمَن يَنجو ؟ قال : الّذينَ هُم بينَ الرَّجاءِ وَالخَوفِ ، كَأنّ قُلوبَهُم في مِخلَبِ طائِرٍ شَوقاً إلى الثَّوابِ وَخَوفاً مِنَ العَذابِ . يا ابنَ جُندَب ، مَن سَرَّهُ أن يُزَوِّجَهُ اللّهُ الحورَ العينَ ، وَيُتَوِّجَهُ بِالنّورِ فَليُدخِل على أخيهِ المُؤمِنِ السُّرورَ . يا ابنَ جُندَب ، أقِلَّ النَّومَ بِاللَّيلِ ، وَالكَلامَ بِالنَّهارِ ، فَما في الجَسَدِ شَيءٌ أقلَّ شُكراً من العَينِ وَاللِّسانِ ، فَإنَّ أُمَّ سُلَيمانَ قالَت لِسُلَيمانَ عليه السلام : يا بُنَيَّ ، إيَّاكَ وَالنَّومَ ، فَإنَّهُ يُفقِرُكَ يَومَ يَحتاجُ النّاسُ إلى أعمالِهِم . يا ابنَ جُندَب ، إنَّ لِلشَيطانِ مَصائِدَ يَصطادُ بِها فَتَحاموا شِباكَهُ (1) وَمَصائِدَهُ .

.


1- .فتحاموا: اجتنبوها وتوقوها . الشباك _ جَمعُ شَبَكَة _ بالتّحريك : شِركَةُ الصَّياد يعني حبائل الصّيد .

ص: 208

قُلتُ : يا ابنَ رَسولِ اللّهِ وَما هِيَ؟ قال : أمّا مَصائِدُهُ فَصَدٌّ عَن بِرِّ الإخوانِ ، وَأمّا شِباكُهُ فَنَومٌ عَن قَضاءِ الصَّلواتِ الّتي فَرَضَها اللّهُ ، أما إنَّهُ ما يُعبَدُ اللّهُ بِمِثلِ نَقلِ الأقدامِ إلى بِرِّ الإخوانِ وَزِيارَتِهِم . وَيلٌ لِلسّاهينَ عَنِ الصَّلواتِ ، النّائِمينَ فِي الخَلَواتِ ، المُستَهزِئينَ بِاللّهِ وَآياتِهِ في الفَتَراتِ (1) «أُولَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِى الْأَخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ... يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ » . يا ابنَ جُندَب ، مَن أصبَحَ مَهموماً لسِوى فِكاكِ رَقَبَتِهِ فَقَد هَوَّنَ عَلَيهِ الجَليلَ ، وَرَغِبَ من رَبِّهِ في الرِّبحِ الحَقيرِ ، وَمَن غَشَّ أخاهُ وَحَقَّرَهُ وَناواهُ (2) جَعَلَ اللّهُ النّارَ مَأواهُ ، وَمَن حَسَدَ مُؤمِناً انماثَ الإيمانُ في قَلبِهِ كَما يَنماثُ المِلحُ في الماءِ . يا ابنَ جُندَب ، الماشي في حاجَةِ أخيهِ كالسّاعي بَينَ الصَّفا وَالمَروَةِ ، وَقاضي حاجَتِهِ كالمُتَشَحِّطِ بِدَمِهِ في سَبيلِ اللّهِ يَومَ بَدرٍ وَأُحُدٍ ، وَما عَذَّبَ اللّهُ أُمَّةً إلاّ عِندَ استِهانَتِهِم بِحُقوق فُقراءِ إخوانِهِم . يا ابنَ جُندَب ، بَلِّغ مَعاشِرَ شيعَتِنا وَقُل لَهُم : لا تَذهَبَنَّ بِكُمُ المَذاهِبُ ، فَوَ اللّهِ لا تُنالُ وَلايَتُنا إلاّ بِالوَرَعِ وَالاجتِهادِ في الدُّنيا وَمُواساةِ الإخوانِ في اللّهِ ، وَلَيسَ مِن شيعَتِنا مَن يَظلِمُ النّاسَ . يا ابنَ جُندَب ، إنَّما شيعَتُنا يُعرَفونَ بِخِصالٍ شَتّى : بِالسَّخاءِ وَالبَذلِ لِلإخوانِ وَبِأن يُصَلّوا الخَمسينَ لَيلاً وَنَهاراً . شيعَتُنا لا يَهِرُّونَ هَريرَ الكَلبِ ، وَلا يَطمَعونَ طَمَعَ الغُرابِ ، وَلا يُجاورِونَ لَنا عَدُوّاً وَلا يَسألونَ لَنا مُبغِضاً وَلَو ماتوا جوعاً. شيعَتُنا لا يأكُلونَ الجِرّي (3) ، وَلا يَمسَحونَ عَلى الخُفَّينِ ، وَيُحافِظونَ على الزَّوالِ ولا يَشرَبونَ مُسكِراً.

.


1- .الفترة : الضّعف والإنكساء والمراد بها زمان ضعف الدّين .
2- .أي عاداه وأصله الهمزة من النّوء . بمعنى النّهوض والطّلوع .
3- .الجرّي _ كذمّي _ : سمك طويل أملس وليس عليه فصوص . قيل : مار ماهي.

ص: 209

قُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ فَأينَ أطلُبُهُم ؟ قالَ عليه السلام : على رُؤوس الجِبالِ وَأطرافِ المُدِنِ ، وَإذا دَخَلتَ مَدينَةً فَسَل عَمَّن لا يُجاوِرُهُم وَلا يُجاوِرونَهُ ، فَذلِكَ مُؤمِنٌ كما قالَ اللّهُ : «وَ جَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى» (1) ، وَاللّهِ لَقَد كانَ حَبيبُ النَّجّارُ وَحدَهُ . يا ابنَ جُندَب ، كُلُّ الذُّنوبِ مَغفورَةٌ سِوى عُقوقِ أهلِ دَعوَتِكَ . وَكُلُّ البِرِّ مَقبولٌ إلاّ ما كانَ رِئاءً . يا ابنَ جُندَب ، أحبِب في اللّهِ وَاستَمسِك بِالعُروَةِ الوُثقى ، وَاعتَصِم بِالهُدى ، يُقبَل عَمَلُكَ فَإنَّ اللّهَ يَقولُ : « إلا مَنَ آمَن وَ عَمِلَ صَ__لِحًا ثُمَّ اهْتَدَى » (2) فَلا يُقبَلُ إلاّ الإيمانُ ، وَلا إيمانَ إلاّ بِعَمَلٍ ، وَلا عَمَلَ إلاّ بِيَقينٍ ، وَلا يَقينَ إلاّ بِالخُشوعِ ، وَمِلاكُها كُلِّها الهُدى ، فَمَن اهتَدى يُقبَلُ عَمَلهُ وَصَعِدَ إلى المَلَكوتِ مُتَقَبَّلاً «وَاللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَ اطٍ مُّسْتَقِيمٍ » (3) . يا ابنَ جُندَب ، إن أحبَبتَ أن تجاوِرَ الجَليلَ في دارِهِ وَتَسكُنَ الفِردَوسَ في جِوارِهِ فَلتَهُن عَلَيكَ الدُّنيا ، وَاجعَل المَوتَ نُصبَ عَينِكَ ، وَلا تَدَّخِر شَيئاً لِغَدٍ ، وَاعلَم أنّ لَكَ ما قَدَّمتَ وَعَليكَ ما أخَّرتَ . يا ابنَ جُندَب ، مَن حَرَمَ نفسَهُ كَسبَهُ فإنَّما يَجمَعُ لِغَيرِهِ ، وَمَن أطاعَ هَواهُ فَقَد أطاعَ عَدُوَّهُ ، مَن يَثِقُ بِاللّهِ يَكفِهِ ما أهَمَّهُ مِن أمرِ دُنياهُ وَآخِرَتِهِ ، وَيَحفَظ لَهُ ما غابَ عَنهُ ، وَقَد عَجَزَ مَن لَم يُعِدَّ لِكُلِّ بَلاءٍ صَبراً وَلِكُلِّ نِعمَةٍ شُكراً ، وَلِكُلِّ عُسرٍ يُسراً . صَبِّر نَفسَكَ عِندَ كُلِّ بَلِيَّةٍ في وَلَدٍ أو مالٍ أو رَزِيَّةٍ ، فَإنَّما يَقبَضُ عارِيَتَهُ وَيَأخُذُ هِبَتَهُ ، لِيَبلُوَ فيهِما صَبرَكَ وَشُكرَكَ . وَارجُ اللّهَ رَجاءً لا يُجَرّيكَ على مَعصِيَتِهِ ، وَخَفهُ خَوفاً لا يُؤيِسُكَ مِن رَحمَتِهِ ، وَلا تَغتَرَّ بِقَولِ الجاهِلِ وَلا بِمَدحِهِ ، فَتَكَبَّرُ وَتَجَبَّرُ وَتُعجَبُ بِعَمَلِكَ ، فإنَّ أفضَلَ العَمَلِ العِبادَةُ وَالتَّواضُعُ . فلا تُضَيِّع مالَكَ وَتُصلِح مالَ غَيرِكَ ما خَلَّفتَهُ وَراءَ ظَهرِكَ . وَاقنَع بِما قَسَمَهُ اللّهُ لَكَ . وَلا تَنظُر إلاّ إلى ما عِندَكَ . وَلا تَتَمَنَّ ما لَستَ تَنالُهُ ، فإنَّ مَن قَنَعَ شَبِعَ ، وَمَن لَم يَقنَع لَم يَشبَع ، وَخُذ حَظَّكَ مِن

.


1- .القصص:20 ويس:20.
2- .في سورة طه الآية (82) : « وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَ ءَامَنَ وَ عَمِلَ صَ__لِحًا ثُمَّ اهْتَدَى » .
3- .البقرة:213 وراجع:البقرة:142 والأنعام:39 ويونس:25 والنّور:46 والشّورى:52.

ص: 210

آخِرَتِكَ ، وَلا تَكُن بَطِراً في الغِنى ، وَلا جَزِعاً في الفَقرِ ، وَلا تَكُن فَظّاً غَليظاً يَكرَهُ النّاسُ قُربَكَ وَلا تَكُن واهِناً يُحَقِّرُكَ مَن عَرَفَكَ . وَلا تُشارَّ مَن فَوقَكَ وَلا تَسخَر بِمَن هُوَ دونَكَ . وَلا تُنازِع الأمرَ أهلَهُ ، وَلا تُطِع السُّفَهاءَ ، وَلا تَكُن مَهيناً تَحتَ كُلِّ أحَدٍ، وَلا تَتَّكِلَنَّ على كِفايَةِ أحَدٍ ، وَقِف عِندَ كُلِّ أمرٍ حَتّى تَعرِفَ مُدخَلَهُ مِن مَخرَجِهِ قَبلَ أن تَقَعَ فيهِ فَتَندَمَ . وَاجعَل قَلبَكَ قَريباً تُشارِكُهُ ، وَاجعَل عَمَلَكَ والِداً تتَّبِعُهُ ، وَاجعَل نفسَكَ عَدُوّاً تُجاهِدُهُ وَعارِيَةً تَرُدُّها ، فَإنَّكَ قَد جُعِلتَ طَبيبَ نَفسِكَ ، وَعَرَفتَ آيَةَ الصِّحَةِ وَبُيِّنَ لَكَ الدّاءُ وَدُلِلتَ عَلى الدَّواءِ . فَانظُر قيامَكَ على نَفسِكَ ، وَإن كانَت لَكَ يَدٌ عِندَ إنسانٍ فَلا تُفسِدها بِكَثرَةِ المَنِّ وَالذّكرِ لَها ، وَلكِن أتبِعها بأفضَلَ مِنها ، فَإنّ ذلِكَ أجمَلُ بِكَ في أخلاقِكَ ، وَأوجَبُ لِلثَّوابِ في آخِرَتِكَ . وَعَلَيكَ بالِصَّمتِ تُعَدُّ حَليماً _ جاهِلاً كُنتَ أو عالِماً _ فإنَّ الصّمتَ زَينٌ لَكَ عِندَ العُلماءِ ، وَسِترٌ لَكَ عِندَ الجُهّالِ . يا ابنَ جُندَب ، إنّ عيسى بنَ مَريَم عليه السلام قالَ لأصحابِهِ : أَرأيتُم لَو أنّ أحَدَكُم مَرَّ بِأخيهِ فَرَأى ثَوبَهُ قَدِ انكَشَفَ عَن بَعضِ عَورَتِهِ ، أكانَ كاشِفاً عَنها كُلِّها أم يَرُدّ عَلَيها ما انكَشَفَ مِنها ؟ قالوا : بَل نَرُدُّ عَلَيها . قالَ : كَلاّ، بَل تَكشِفونَ عَنها كُلِّها _ فَعَرفوا أنَّهُ مَثَلٌ ضَرَبَهُ لَهُم _ . فَقيلَ : يا روحَ اللّهِ وَكَيفَ ذلِكَ؟ قالَ : الرَّجُلُ مِنكُم يَطَّلِعُ على العَورَةِ مِن أخيهِ فَلا يَستُرُها ، بِحَقٍّ أقولُ لَكُم إنَّكُم لا تُصيبونَ ما تُريدونَ إلاّ بِتَرِكِ ما تَشتَهونَ ، وَلا تَنالونَ ما تَأملونَ إلاّ بِالصَّبرِ عَلى ما تَكرَهونَ ، إيّاكُم وَالنَّظرَةَ فإنَّها تَزرَعُ في القَلبِ الشَّهوَةَ ، وَكَفى بِها لِصاحِبِها فِتنَةً ، طوبى لِمَن جَعَل بَصَرَهُ في قَلبِهِ ، وَلَم يَجعَل بَصَرَه في عَينِهِ ، لا تَنظُروا في عُيوبِ النّاسِ كَالأربابِ ، وَانظُروا في عُيوبِكُم كَهَيئَةِ العَبيدِ ، إنَّما النّاسُ رَجُلانِ : مُبتَلىً وَمُعافىً ، فارحَموا المُبتَلى وَاحمِدوا اللّهَ عَلى العافِيَةِ . يا ابنَ جُندَب ، صِل مَن قَطَعَكَ ، وَأعطِ مَن حَرَمَكَ ، وَأحسِن إلى مَن أساءَ إلَيكَ ، وَسَلِّم على مَن

.

ص: 211

سَبَّكَ ، وَأنصِف مَن خاصَمَكَ وَاعفُ عَمَّن ظَلَمَكَ ، كَما أنَّكَ تُحِبُّ أن يُعفى عَنكَ ، فَاعتَبِر بِعَفوِ اللّهِ عَنكَ ، ألا تَرى أنَّ شَمسَهُ أشرَقَت على الأبرارِ وَالفُجّارِ ، وَأنَّ مَطَرَهُ يَنزِلُ على الصّالِحينَ وَالخاطِئينَ . يا ابنَ جُندَب ، لا تَتَصَدَّق على أعيُنِ النّاسِ لِيُزَكّوكَ ، فَإنَّكَ إن فَعَلتَ ذلِكَ فَقَد استَوفَيتَ أجرَكَ ، وَلكِن إذا أعطَيتَ بِيَمينِكَ فَلا تُطلِع عَلَيها شِمالَكَ ، فإنّ الّذي تَتَصَدَّقُ لَهُ سِرّاً يَجزيكَ عَلانِيَةً على رُؤوسِ الأشهادِ في اليَومِ الّذي لا يَضُرُّكَ أن لا يَطَّلِعَ النَّاسُ على صَدَقَتِكَ ، وَاخفِض الصَّوتَ ، إنّ رَبَّكَ الّذي يَعلَمُ ما تُسِرّونَ وَما تُعلِنونَ ، قَد عَلِمَ ما تُريدونَ قَبل أن تَسألوهُ ، وَإذا صُمتَ فَلا تَغتَب أحَداً ، وَلا تُلبِسوا صيامَكُم بِظُلمٍ ، وَلا تَكُن كالّذي يَصومُ رِئاءَ النّاسِ ، مُغبَرَّةً وُجوهُهُم ، شَعِثَةً رُؤوسُهُم ، يابِسَةً أفواهُهُم لِكي يَعلَمَ النّاسُ أنَّهُم صيامٌ . يا ابنَ جُندَب ، الخَيرُ كُلُّه أمامَكَ ، وَإنّ الشَّرَّ كُلَّه أمامَكَ ، وَلَن تَرى الخَيرَ وَالشَّرَّ إلاّ بَعدَ الآخِرَةِ ، لأنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ جَعَلَ الخَيرَ كُلَّهُ في الجَنَّةِ وَالشَّرَّ كُلَّهُ في النَّارِ ، لِأنَّهُما الباقِيانِ . وَالواجِبُ على مَن وَهَبَ اللّهُ لَهُ الهُدى وَأكرَمَهُ بِالإيمانِ ، وَألهَمَهُ رُشدَهُ ، وَرَكّبَ فيهِ عَقلاً يَتَعَرَّفُ بهِ نِعمَهُ ، وَآتاهُ عِلماً وَحُكماً ، يُدَبِّرُ بهِ أمرَ دينِهِ وَدُنياهُ أن يُوجِبَ على نَفسِهِ أن يَشكُرَ اللّهَ وَلا يَكفُرَهُ ، وَأن يَذكُرَ اللّهَ وَلا يَنساهُ ، وَأن يُطيعَ اللّهَ وَلا يَعصِيَهُ ، لِلقَديمِ الّذي تَفَرَّدَ لَهُ بِحُسنِ النَّظَرِ ، وَلِلحَديثِ الّذي أنعَمَ عَلَيهِ بَعدَ إذ أنشَأهُ مَخلوقاً، وَلِلجَزيلِ الّذي وَعَدَهُ ، وَالفَضلِ الّذي لَم يُكَلِّفهُ مِن طاعَتِهِ فَوقَ طاقَتِهِ ، وَما يَعجِزُ عَن القِيامِ بِهِ ، وَضَمِنَ لَهُ العَونَ على تَيسيرِ ما حَمَلَهُ مِن ذلِكَ ، وَنَدبَهُ إلى الاستِعانَةِ على قَليلِ ما كَلَّفَهُ ، وَهُوَ مُعرِضٌ عَمّا أمَرَهُ ، وَعاجِزٌ عَنهُ ، قَد لَبِسَ ثَوبَ الاستِهانَةِ فيما بَينَهُ وَبَينَ رَبِّهِ ، مُتَقَلِّداً لِهَواهُ ، ماضِياً في شَهواتِهِ ، مُؤثِراً لِدُنياهُ على آخِرَتِهِ ، وَهُو في ذلِكَ يَتَمنّى جِنانَ الفِردَوسِ ، وَما يَنبَغي لِأحَدٍ أن يَطمَعَ أن يَنزِلَ بِعَمَلِ الفُجَّارِ مَنازِلَ الأبرارِ . أما إنَّهُ لَو وَقَعَت الواقِعَةُ ، وَقامَتِ القيامَةُ ، وَجاءَتِ الطّامَّةُ ، وَنَصَبَ الجَبَّارُ المَوازينَ لِفَصلِ القَضاءِ وَبَرَز الخَلائِقُ لِيَوم الحِسابِ ، أيقَنتَ عِندَ ذلِكَ لِمَن تَكونُ الرِّفعَةُ وَالكَرامَةُ ؟ وَبِمَن تَحِلُّ الحَسرَةُ وَالنَّدامَةُ ؛ فاعمَل اليَومَ في الدُّنيا بِما تَرجو بِهِ الفَوزَ في الآخِرَةِ .

.

ص: 212

يا ابنَ جُندَب ، قالَ اللّهُ جَلَّ وَعَزَّ في بَعضِ ما أوحى : إنَّما أقبَلُ الصَّلاةَ مِمَّن يَتَواضَعُ لِعَظَمتي ، وَيَكُفُّ نَفسَهُ عَنِ الشَّهواتِ مِن أجلي ، وَيَقطَعُ نَهارَهُ بِذكري ، وَلا يَتَعَظّمُ على خَلقي ، وَيُطعِمُ الجائِعَ ، وَيَكسو العارِيَ ، وَيَرحَمُ المُصابَ ، وَيُؤوي الغَريبَ ، فَذلِكَ يُشرِقُ نورُهُ مِثلَ الشَّمسِ ، أجعَلُ لَهُ في الظُّلمَةِ نوراً ، وَفي الجَهالَةِ حِلماً ، أكلؤهُ (1) بِعِزّتي ، وَأستَحفِظُهُ مَلائِكَتي ، يَدعوني فَأُلبِّيَهُ وَيَسألنُي فَاُعطِيَهُ ، فَمِثلُ ذلِكَ العَبدِ عِندي كَمَثَلِ جَنّاتِ الفِردَوسِ لا يُسبَقُ أثمارُها ، وَلا تَتَغَيَّرُ عَن حالِها . يا ابنَ جُندَب ، الإسلامُ عُريانٌ فَلِباسُهُ الحَياءُ ، وَزينَتُهُ الوَقارُ ، وَمُروءَتُهُ العَمَلُ الصّالِحُ ، وَعِمادُهُ الوَرَعُ ، وَلِكُلِّ شَيءٍ أساسٌ ، وَأساسُ الإسلامِ حُبُّنا أهلَ البَيتِ . يا ابنَ جُندَب ، إنَّ للّهِِ تَبارَكَ وَتَعالى سوراً مِن نورٍ ، مَحفوفاً بِالزَّبَرجَدِ وَالحَريرِ ، مُنَجَّداً بِالسُّندُسِ وَالدّيباجِ ، يُضرب هذا السّورُ بَينَ أوليائِنا وَبَينَ أعدائِنا ، فَإذا غَلى الدِّماغُ ، وَبَلغَتِ القُلوبُ الحَناجِرَ وَنَضِجَتِ الأكبادُ مِن طولِ المَوقِفِ اُدخِلَ في هذا السّورِ أولياءُ اللّهِ ، فَكانوا في أمنِ اللّهِ وَحِرزِهِ ، لَهُم فيها ما تَشتَهي الأنفُسُ وَتَلَذُّ الأعيُنُ . وَأعداءُ اللّهِ قَد ألجَمَهُم العَرَقُ وَقَطَعَهُمُ الفَرَقُ وَهُم يَنظُرونَ إلى ما أعَدَّ اللّهُ لَهُم ، فَيَقولونَ : «مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ » (2) فَيَنظُرُ إلَيهِم أولياءُ اللّهِ فَيَضحَكونَ مِنهُم ، فذلِكَ قَولُهُ عز و جل : « أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ » (3) ، وَقَولُهُ : « فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ » (4) ، فَلا يَبقى أحَدٌ مِمَّن أعانَ مُؤمِناً مِن أوليائِنا بِكَلِمَةٍ إلاّ أدخَلَهُ اللّهُ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ . (5)

.


1- .كلأ اللّه فلاناً: أي حفظه وحرسه .
2- .ص:62.
3- .ص:63.
4- .المطففين: 34 و35.
5- .تحف العقول : ص301.

ص: 213

67 . وصيّته عليه السلام إلى بعض من شيعته في التّقوى وإحياء أمرهم عليهم السلام
68 . كتابه عليه السلام إلى رجل من أصحابه في التّقوى

67وصيّته عليه السلام إلى بعض من شيعتهفي التّقوى وإحياء أمرهم عليهم السلامعن الصّادق عليه السلام أنّه أوصى بعض شيعته فقال :أما وَاللّهِ إنَّكُم لَعَلى دينِ اللّهِ وَدينِ مَلائِكَتِهِ ، فَأعينونا عَلى ذلِكَ بِوَرَعٍ وَاجتِهادٍ ، أما وَاللّهِ ، ما يَقبَلُ اللّهُ إلاّ مِنكُم. فَاتّقوا اللّهَ وَكُفّوا ألسِنَتَكُم ، وَصَلّوا في مَساجِدِكُم ، وَعودوا مَرضاكُم ، فإذا تَمَيَّزَ النّاسُ فَتَمَيَّزوا . رَحِمَ اللّهُ امرَءاً أحيا أمرَنا . فَقيلَ : وَما إحياءُ أمرِكُم ، يابنَ رَسولِ اللّهِ؟ فَقالَ : تَذكُرونَهُ عِندَ أهلِ العلِمِ وَالدّينِ وَاللُّبِ . ثُمَّ قالَ : وَاللّهِ إنَّكُم كُلَّكُم لَفي الجَنَّةِ ، وَلكِن ما أقبح بِالرَّجُلِ مِنكُم أن يَكونَ مِن أهلِ الجَنَّةِ مَعَ قَومٍ اجتَهدوا وَعَمِلوا الأعمالَ الصَّالِحَةَ ، وَيَكونُ هُوَ بَينَهُم قَد هُتِكَ سِترُهُ وَأبدى عَورَتَهُ . قيلَ : وَإنّ ذلِكَ لَكائِنٌ يابنَ رَسولِ اللّهِ ؟ قالَ : نَعَم ، مَن لا يَحفَظُ بَطنَهُ وَلا فَرجَهُ (1) وَلا لِسانَهُ . (2)

68كتابه عليه السلام إلى رجل من أصحابهفي التّقوىعليّ بن محمّد عمّن ذكره ، عن محمّد بن الحسين وحميد بن زياد ، عن

.


1- .في الخصال : حدّثنا أبي رضى الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، عن أيوب بن نوح ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن سعد بن أبي خلف ، عن نجم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال لي : يا نجم ، كلّكم في الجنّة معنا إلاّ أنّه ما أقبح بالرّجل منكم أن يدخل الجنّة قد هتك ستره وبدت عورته . قال: قلت له: جعلت فداك وإنّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم إن لم يحفظ فرجه وبطنه . (ص25 ح88) .
2- .دعائم الإسلام : ج1 ص62 وراجع : الأمالي للمفيد : ص270 ، الأمالي للطّوسي : ص33 ح33 ، شرح الأخبار : ج3 ص483 ح1393 .

ص: 214

69 . في وصيّته عليه السلام إلى ولده في التّقوى

الحسن بن محمّد الكنديّ جميعاً ، عن أحمد بن الحسن الميثميّ 1 ، عن رجل من أصحابه ، قال : قرأت جواباً من أبي عبد اللّه عليه السلام إلى رجل من أصحابه :أمّا بَعدُ : فَإنّي أُوصيكَ بِتَقوى اللّهِ ، فَإنَّ اللّهَ قَد ضَمِنَ لِمَن اتّقاهُ أن يُحَوِّلَهُ عَمّا يَكرَهُ إلى ما يُحِبُّ ، وَيَرزُقَهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ ، فَإيّاكَ أن تَكونَ مِمّن يَخافُ على العِبادِ مِن ذُنوبِهِم ، وَيَأمَنُ العُقوبَةَ مِن ذَنبِهِ ، فإنَّ اللّهَ عز و جل لا يُخدَعُ عَن جَنّتِهِ ، وَلا يُنالُ ما عِندَهُ إلاّ بِطاعَتِهِ إن شاءَ اللّهُ . (1)

69في وصيّته عليه السلام إلى ولدهفي التّقوىأبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان ومحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرّحمان بن الحجّاج 3 ، أنّ أبا الحسن موسى عليه السلام بعث إليه بوصيّة أبيه ،

.


1- .الكافي : ج 8 ص49 ح9 ، تحف العقول : ص 240 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 121 ح 3 .

ص: 215

وبصدقته مع أبي إسماعيل مصادف :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا ما عَهِدَ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللّهُ ، وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ ، يُحيي وَيُميتُ ، بِيَدِهِ الخَيرُ وَهُوَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، وَأنّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسولُهُ ، وَأنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فيها ، وَأنّ اللّهَ يَبعَثُ مَن في القُبورِ ، على ذلِكَ نحيا وَعَلَيهِ نَموتُ وَعَلَيهِ نُبعَثُ حَيّاً إن شاءَ اللّهُ . وَعَهِدَ إلى وَلَدِهِ ألاّ يَموتوا إلاّ وَهُم مُسلِمونَ ، وَأن يَتَّقوا اللّهَ وَيُصلِحوا ذاتَ بَينِهِم

.

ص: 216

70 . وصيّته عليه السلام لأبي جعفر محمّد بن النّعمان ، الحثّ على مكارم الأخلاق و

ما استَطاعوا ، فَإنَّهُم لَن يَزالوا بِخَيرٍ ما فَعَلوا ذلِكَ ، وَإن كان دينٌ يُدانُ بِهِ . وعَهِدَ إن حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ وَلَم يُغَيِّر عَهدَهُ هذا وَهُوَ أولى بِتَغييرِهِ ما أبقاهُ اللّهُ ، لِفُلانٍ كَذا وَكَذا ، وَلِفُلانٍ كَذا وَكَذا ، وَلِفُلانٍ كَذا ، وَفُلانٌ حُرٌّ ، وَجَعَلَ عَهدَهُ إلى فُلانٍ (1) . الحديث (2)

70وصيّته عليه السلام لأبي جعفر محمّد بن النّعمانالحثّ على مكارم الأخلاق والتّحذير من رذائلهاوصيّته عليه السلام لأبيجعفر محمّد بن النّعمان الأحول 3 :قال أبو جعفر :قال لي الصّادق عليه السلام :

.


1- .وسيأتي تمام الحديث في مكاتيب الإمام موسى بن جعفر عليهماالسلام إن شاء اللّه .
2- .الكافي:ج 7 ص 53 ح8 .

ص: 217

إنّ اللّه جلَّ وعزَّ عيَّرَ أقواماً في القرآنِ بالإذاعَةِ ، فَقُلتُ لَه : جُعلِتُ فداكَ أينَ قالَ ؟ قال : قولُهُ : «وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ» (1) ثمّ قال : المُذيعُ عَلَينا سِرَّنا كالشّاهِرِ بِسَيفِهِ عَلَينا ، رَحِمَ اللّهُ عَبداً سَمِعَ بِمَكنونِ عِلمِنا فَدَفَنَهُ تَحتَ قَدَميهِ . وَاللّهِ ، إنّي لَأعلَمُ بِشِرارِكُم مِنَ البَيطارِ بِالدَّوابِّ ، شِرارُكم الّذينَ لا يَقرؤونَ القُرآنَ إلاّ هُجراً وَلا يأتون الصّلاةَ إلاّ دُبراً (2) وَلا يَحفَظونَ ألسِنَتَهُم . اعلَم أنَّ الحسَنَ بنَ عَليٍّ عليهماالسلام لَمّا طُعِنَ وَاختَلَفَ النّاسُ عَلَيهِ ، سَلَّمَ الأمرَ لِمُعاوِيَةَ فَسَلَّمَت عَلَيهِ الشّيعَةُ : عَليكَ السَّلامُ يا مُذِلَّ المُؤمِنينَ . فقالَ عليه السلام : ما أنا بِمُذلِّ المُؤمِنينَ ، وَلكنّي مُعِزُّ المُؤمِنينَ . إنّي لَمّا رَأيتُكُم لَيسَ بِكُم عَلَيهِم قُوَّةٌ سَلَّمتُ الأمرَ لِأبقى أنا وَأنتُم بَينَ أظهُرِهِم ، كما عابَ العالِمُ السَّفينَةَ لِتَبقى لأصحابِها ، وَكذلِكَ نَفسي وَأنتُم لِنَبقى بَينَهُم . يا ابنَ النُّعمان ، إنّي لَأُحدِّثُ الرَّجُلَ مِنكُم بِحَديثٍ فَيَتَحدَّثُ بهِ عَنّي ، فَأستَحِلُّ بِذلِكَ لَعنَتَهُ وَالبَراءَةَ مِنهُ . فإنَّ أبي كانَ يَقولُ : وَأيُّ شَيءٍ أقرُّ لِلعَينِ مِنَ التَّقِيَّةِ ، إنَّ التَّقِيَّةَ جُنَّةُ المُؤمِنِ ، وَلَولا التَّقِيَّةَ ما عُبِدَ اللّهُ ، وَقالَ اللّهُ عز و جل : « لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَ لِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِى شَىْ ءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً » (3) . يا ابنَ النُّعمانِ ، إيّاكَ وَالمِراءَ ، فَإنّهُ يُحبِطُ عَمَلَكَ . وَإيّاكَ وَالجِدالَ ، فإنَّهُ يُوبِقُكَ . وإيّاكَ وَكَثرَةَ الخُصوماتِ ، فإنَّها تُبعِدُكَ مِنَ اللّهِ . ثُمَّ قالَ : إنَّ من كانَ قَبَلَكُم كانوا يَتَعلّمونَ الصّمتَ ، وَأنتُم تَتَعلّمونَ الكلامَ ، كان أحَدُهُم إذا أرادَ

.


1- .النساء:83.
2- .الهجر - بالضم - : الهذيان والقبيح من الكلام . والدّبر _ بضم فسكون أو بضمتين _ من كلّ شيء : مؤخّره وعقبه .
3- .آل عمران:28.

ص: 218

التَّعَبُدَ يَتَعَلَّمُ الصّمتَ قَبل ذلِكَ بِعَشرِ سِنينٍ ، فإن كانَ يُحسِنُهُ وَيَصبِرُ عَلَيهِ تَعَبَّدَ ، وَإلاّ قالَ : ما أنا لِما أرومُ (1) بِأهلٍ ، إنَّما يَنجو مَن أطالَ الصّمتَ عَن الفَحشاء ، وَصَبَرَ في دَولَةِ الباطِلِ عَلى الأذى ، أُولئِكَ النُّجباءُ الأصفِياءُ الأولياءُ حَقّاً ، وَهُم المُؤمِنونَ . إنَّ أبغَضَكُم إليّ المُتَراسّونَ (2) المَشّاؤونَ بِالنَّمائِمِ ، الحَسَدَةُ لإخوانِهِم ، لَيسوا مِنّي ولا أنا مِنهُم . إنّما أوليائي الّذين سَلَّموا لِأمرِنا وَاتَّبعوا آثارَنا وَاقتَدَوا بِنا في كُلِّ أُمورِنا . ثُمَّ قالَ : وَاللّهِ ، لَو قَدَّمَ أحدُكُم مِل ءَ الأرضِ ذَهَباً على اللّهِ ، ثُمَّ حَسَدَ مُؤمِناً لَكانَ ذلِكَ الذَّهَبُ مِمّا يُكوى بِهِ في النّارِ . يا ابنَ النُّعمانِ ، إنَّ المُذيعَ لَيسَ كَقاتِلِنا بِسَيفِهِ ، بَل هُوَ أعظَمُ وِزراً ، بَل هُوَ أعظَمُ وِزراً ، بَل هُوَ أعظَمُ وِزراً . يا ابنَ النّعمانِ ، إنَّهُ مَن رَوى عَلَينا حَديثاً ، فَهُو مِمَّن قَتَلَنا عَمداً وَلَم يَقتُلنا خَطاءً . يا ابنَ النُّعمانِ إذا كانَت دَولَةُ الظُّلِم فَامشِ واستَقبِل مَن تَتَّقيهِ بِالتَّحِيَّةِ ، فإنَّ المُتَعرِّضَ لِلدَّولَةِ قاتِلُ نَفسه وَمُوبِقِها ، إنَّ اللّهَ يَقولُ : « وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ » (3) . يا ابنَ النُّعمانِ إنّا أهلُ بَيتٍ لا يَزالُ الشَّيطانُ يُدخِلُ فينا مَن لَيسَ مِنّا وَلا مِن أهلِ دينِنا ، فَإذا رَفَعَهُ وَنَظَرَ إلَيهِ النّاسُ أمرَهُ الشّيطانُ فَيُكَذِّبُ عَلَينا ، وَكُلَّما ذَهَبَ واحِدٌ جاءَ آخَرُ . يا ابنَ النّعمانِ ، مَن سُئِلَ عَن عِلمٍ ، فقالَ : لا أدري ، فَقَد ناصَفَ العِلمَ . وَالمُؤمن يَحقِدُ ما دامَ في مَجلِسِهِ ، فإذا قامَ ذَهَبَ عَنهُ الحِقدُ . يا ابنَ النّعمانِ ، إنّ العالِمَ لا يَقدِرُ أن يُخبِرَكَ بِكُلِّ ما يَعلَمُ ؛ لأنَّهُ سِرُّ اللّهِ الّذي أسَرَّهُ إلى

.


1- .رام الشّيء يروم روماً : أراده .
2- .تراسّ القوم الخبر : تسارّوه . وارتسّ الخبر في النّاس : فشا وانتشر . ويحتمل أن يكون كما في بعض نسخ الحديث « المترئِسون » بالهمزة من ترأس أي صار رئيساً .
3- .البقرة : 195 .

ص: 219

جَبرئيلَ عليه السلام ، وَأسَرَّهُ جَبرئيلُ عليه السلام إلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وأسَرَّهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله إلى عَلِيٍّ عليه السلام ، وَأسَرَّهُ عَلِيٌّ عليه السلام إلى الحَسَنِ عليه السلام ، وَأسَرَّهُ الحَسَنُ عليه السلام إلى الحُسَينِ عليه السلام ، وأسَرَّهُ الحُسَينُ عليه السلام إلى عَلِيٍّ عليه السلام ، وأسَرَّهُ عَلِيٌّ عليه السلام إلى مُحَمَّدٍ عليه السلام ، وَأسَرَّهُ مُحَمَّدٌ عليه السلام إلى مَن أسَرَّهُ ، فلا تَعجَلوا فَوَاللّهِ لَقَد قَرُبَ هذا الأمرُ 1 _ ثَلاثَ مَرّاتٍ _ فَأذَعتُموهُ ، فَأخَّرَهُ اللّهُ . وَاللّهِ ما لَكُم سِرٌّ إلاّ وَعَدُوُّكُم أعلَمُ بِهِ مِنكُم . يا ابنَ النّعمانِ ، أبقِ على نَفسِكَ فَقَد عَصَيتَني . لا تُذِع سِرّي ، فإنَّ المُغيرَةَ بنَ سَعيدٍ 2 كَذَّبَ على

.

ص: 220

أبي وَأذاعَ سِرَّهُ فأذاقَهُ اللّهُ حَرَّ الحَديدِ . وَإنَّ أبا الخطّابِ 1 كَذَّبَ عَلَيَّ وَأذاعَ سَرّي فَأذاقَهُ اللّهُ حَرَّ الحَديدِ . وَمَن كَتَمَ أمرَنا زَيَّنَهُ اللّهُ بِهِ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَأعطاهُ حَظَّهُ وَوَقاهُ حَرَّ الحَديدِ وَضيقَ المَحابِسِ . إنَّ بني إسرائيلَ قَحَطوا حتّى هَلَكَت المَواشي وَالنَّسلُ ، فَدَعا اللّهَ مُوسى بنُ عِمرانَ عليه السلام فَقالَ : يا موسى إنَّهُم أظهَروا الزِّنا وَالرِّبا وَعَمَروا الكَنائِسَ وَأضاعوا الزَّكاةَ . فَقالَ : إلهي ! تَحَنَّن (1) بِرَحمَتِكَ عَلَيهِم ، فَإنَّهُم لا يَعقِلونَ . فَأوحى اللّهُ إليهِ : أنّي مُرسِلٌ قَطرَ السَّماءِ وَمُختَبِرُهُم بَعدَ أربعينَ

.


1- .تحنّن عليه : ترحّم عليه .

ص: 221

يَوماً ، فأذاعوا ذلِكَ وأفشَوهُ ، فَحَبَسَ عَنهُم القَطرَ أربعينَ سَنَةً ، وَأنتُم قَد قَرُبَ أمرُكُم فَأذعتُموه في مَجالِسِكُم . يا أبا جَعفَر ، ما لَكُم ولِلنّاسِ ؟ كُفّوا عَنِ النّاسِ وَلا تَدعوا أحَداً إلى هذا الأمرِ (1) ، فَوَ اللّهِ لَو أنّ أهلَ السَّماواتِ (وَالأرضِ) اجتَمَعوا على أن يُضِلّوا عَبداً يُريدُ اللّهُ هُداهُ ما استَطاعوا أن يُضِلّوهُ . كُفّوا عَنِ النّاسِ وَلا يَقُل أحَدُكُم : أخي وَعَمّي وَجاري . فإنّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ إذا أرادَ بِعَبدٍ خَيراً طَيَّبَ روحَهُ فلا يَسمَعُ معروفاً إلاّ عَرَفَهُ وَلا مُنكراً إلاّ أنكَرَهُ ، ثُمَّ قَذَفَ اللّهُ في قَلبِهِ كَلِمَةً يَجمَعُ بِها أمرَهُ . يا ابنَ النُّعمانِ ، إن أرَدتَ أن يَصفوَ لَكَ وُدُّ أخيكَ فلا تُمازِحَنَّهُ وَلا تُمارِيَنَّهُ وَلا تُباهِيَنَّهُ وَلا تُشارَّنَّهُ ، وَلا تُطلِع صديقَكَ مِن سِرِّكَ إلاّ على ما لَوِ اطّلَعَ عَلَيهِ عَدُوُّكَ لَم يَضُرَّكَ ، فإنَّ الصّديقَ قَد يَكونُ عَدُوَّكَ يَوماً . يا ابنَ النُّعمانِ ، لا يَكونُ العَبدُ مُؤمِناً حَتّى يَكونَ فيهِ ثَلاثُ سُنَنٍ : سُنَّةٌ مِنَ اللّهِ وَسُنَّةٌ مِن رَسولِهِ وَسُنَّةٌ مِنَ الإمامِ. فأمّا السُّنَّةُ مِنَ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ ، فَهُو أن يَكونَ كَتوماً لِلأسرارِ ، يَقولُ اللّهُ جَلَّ ذِكرُهُ : « عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا » (2) . وَأمّا الّتي مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَهُو أن يُداريَ النّاسِ وَيُعامِلَهُم بِالأخلاقِ الحَنيفِيَّةِ . وَأمّا الّتي مِنَ الإمامِ ، فَالصَّبرُ فِي البَأساءِ وَالضَّرّاءِ حَتّى يأتِيَهُ اللّهُ بِالفَرَجِ . يا ابنَ النّعمان ، لَيسَتِ البلاغَةُ بِحِدَّةِ اللّسانِ ، وَلا بِكَثرَةِ الهَذَيانِ ، وَلكِنَّها إصابَةُ المَعنى

.


1- .أي كُفُّوا عن دعوتهم إلى دين الحقّ في زمن شدّة التّقيّة. قال عليه السلام : هذا في زمان العُسرَةِ والشِّدّة على المؤمنين في الدولة العبّاسيّة ، وحاصل الكلام أن من يريد اللّه هداه لن يستطيع أحد أن يضلّه وهكذا من لم يرد اللّه أن يهديه لن يستطيع أحد أن يهديه . ورواه الكليني عن ثابت بن سعيد: لا تدعو أحداً إلى أمركم فو اللّه لو أنّ أهل الأرضين اجتمعوا على أن يهدوا عبداً يريد اللّه ضلالته ما استطاعوا على أن يهدوه ولو أنّ أهل السّماوات وأهل الأرضين اجتمعوا على أن يضلّوا عبدا . . . إلخ ( راجع : الكافي : ج2 ص213 ) .
2- .الجن:26.

ص: 222

71 . وصيّته عليه السلام إلى عمّار بن مروان في مكارم الأخلاق

وَقَصدُ الحُجَّةِ . يا ابنَ النُّعمانِ ، مَن قَعَد إلى سابٍّ (1) أولياءِ اللّهِ فَقد عَصَى اللّهَ . ومَن كَظُمَ غَيظاً فينا لا يَقدِرُ على إمضائِهِ ، كانَ مَعَنا في السَّنامِ الأعلى . وَمَنِ استَفتَحَ نهارَهُ بإذاعَةِ سِرِّنا سَلَّط اللّهُ عَلَيهِ حَرَّ الحَديدِ وَضيقَ المحابِسِ . يا ابنَ النُّعمانِ ، لا تَطلُبِ العِلمِ لِثَلاثٍ : لِتُرائي بِهِ ، وَلا لِتُباهي بِهِ ، وَلا لِتُماري. وَلا تَدَعهُ لِثَلاثٍ : رَغبَةً فِي الجَهلِ ، وَزَهادَةً في العِلمِ ، وَاستِحياءً مِنَ النّاسِ . وَالعِلمُ المصونُ كالسِّراجِ المُطبَقِ عَلَيهِ . يا ابنَ النُّعمان ، إنّ اللّهَ جَلّ وَعَزَّ إذا أرادَ بِعَبدٍ خَيراً نَكَتَ في قَلبِهِ نُكتَةً بَيضاءَ فَجالَ القَلبُ يَطلُبُ الحَقَّ ، ثُمَّ هُوَ إلى أمرِكُم أسرَعُ مِنَ الطّيرِ إلى وَكرِهِ (2) . يا ابنَ النُّعمانِ إنّ حُبَّنا _ أهلَ البَيتِ _ يُنَزِّلُهُ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِن خَزائِنَ تَحتِ العَرشِ كَخَزائِنِ الذّهَبِ وَالفِضَّةِ وَلا يُنَزِّلُهُ إلاّ بِقَدَرٍ ، وَلا يُعطيهِ إلاّ خَيرَ الخَلقِ ، وَإنَّ لَهُ غَمامَةً كَغَمامَةِ القَطْرِ ، فإذا أرادَ اللّهُ أن يَخُصَّ بِهِ مَن أحَبَّ مِن خَلقِهِ ، أذِنَ لِتلِكَ الغَمَامَةِ فَتَهطَّلَت كَما تَهطَّلَتِ السَّحابُ (3) ، فَتُصيبُ الجنينَ في بَطنِ أُمّهِ . (4)

71وصيّته عليه السلام إلى عمّار بن مروانفي مكارم الأخلاقمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن

.


1- .في بعض النسخ :«سباب» بدل «سابّ».
2- .الوكر : عش الطّائر: أي بيته وموضعه .
3- .تهطل المطر : نزل متتابعاً عظيم القطر .
4- .تحف العقول: ص 307 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 287 ح 2 .

ص: 223

مروان 1 قال : أوصاني أبو عبد اللّه عليه السلام فقال :أُوصيكَ بِتَقوى اللّهِ وَأداءِ الأمانَةِ وَصِدقِ الحَديثِ وَحُسنِ الصّحابَةِ لِمَن صَحِبتَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ . (1)

وفي كتاب الزّهد : فضالة عن فضيل بن عثمان (2) عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له أوصني قال :أُوصيكَ بِتَقوى اللّهِ وَصِدقِ الحَديثِ وَأداءِ الأمانَةِ وَحُسنِ الصَّحابَةِ لِمَن صَحِبَكَ ، وَإذا كانَ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ الغُروبِ فَعَلَيكَ بِالدُّعاءِ ، وَاجتَهِد وَلا تَمتَنِع بِشَيءٍ تَطلُبُهُ مِن رَبِّكَ وَلا تَقُل : هذا ما لا أُعطاهُ ، وَادعُ فَإنَّ اللّهَ يَفعَلُ ما يَشاءُ . (3)

.


1- .الكافي : ج2 ص669 ح1، المحاسن : ج2 ص358 ح71، بحار الأنوار : ج17 ص160 ح16 وج37 ص272 ح31 .
2- .الفضيل بن عثمان المرادي ، ويقال : الفضل ، الأعور الصائغ الأنباريّ ، ابن اخت عليّ بن ميمون ، وعدّه الشيخ في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام ، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام ، والفتيا والأحكام ، الذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق لذمّ واحد منهم ، وقال العلاّمة في الخلاصة : ثقة ثقة وعده من أصحاب الصادق عليه السلام (راجع : رجال الطوسي : 269 الرقم 3877 ، معجم رجال الحديث : ج 14 ص 328) .
3- .الزهد للحسين بن سعيد : ص 19 ح42 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 227 ح 98 نقلاً عنه .

ص: 224

72 . وصيّته عليه السلام إلى عمرو بن سعيد بن هلال في مكارم الأخلاق

72وصيّته عليه السلام إلى عمرو بن سعيد بن هلالفي مكارم الأخلاقعن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبي المغرا ، عن زيد الشّحام ، عن عمرو بن سعيد بن هلال 1 قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّي لا أكاد ألقاك إلاّ في السّنين فأوصني بشيء آخذ به . قال :أُوصيكَ بِتَقوى اللّهِ وَصِدقِ الحَديثِ وَالوَرَعِ وَالاجتِهادِ ، وَاعلَم أنّهُ لا يَنفَعُ اجتهادٌ لا وَرَعَ مَعَهُ ، وَإيّاكَ أن تطمَحَ نَفسُكَ إلى مَن فَوقَكَ ، وَكَفى بِما قالَ اللّهُ عز و جل لِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله : « فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَ الُهُمْ

.

ص: 225

وَلآَ أَوْلادُهُمْ » (1) ، وَقالَ اللّهُ عز و جل لِرَسولِهِ : «وَ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَامَتَّعْنَابِهِ أَزْوَ اجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا » . (2) فإن خِفتَ شَيئاً من ذلِكَ فاذكُر عَيشَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فإنَّما كانَ قوتُهُ الشَّعيرُ وَحَلواهُ التَّمرُ وَوَقودُهُ السَّعفُ إذا وَجَدَهُ . وَإذا أُصِبتَ بِمُصيبَةٍ فاذكُر مُصابَكَ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فإنَّ الخَلقَ لَم يُصابوا بِمِثلِهِ عليه السلام قطّ . (3)

وفي الأمالي : عن علي بن مهزيار عن الحسن عن عليّ بن عقبة ، عن أبي كهمس ، عن عمرو بن سعيد بن هلال ، قال : قلت لأبي عبد اللّه صلوات اللّه عليه : أوصني . قال :أُوصيكَ بِتَقوى اللّهِ وَالوَرَعِ وَالاجتِهادِ ، وَاعلَم أنّهُ لا يَنفَعُ اجتِهادٌ لا وَرَعَ فيهِ ، وَانظُر إلى مَن هُوَ دونَكَ ، وَلا تَنظُر إلى مَن هُوَ فَوقَكَ ، فَلكثيراً ما قالَ اللّهُ عز و جل لِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله : «فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَ الُهُمْ وَلآَ أَوْلادُهُمْ» (4) ، وَقال : «وَ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَ اجاًمِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا» . (5) ، وَإن نازَعَتكَ نَفسُكَ إلى شَيءٍ مِن ذلِكَ ، فاعلَم أنّ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كان قوتُهُ الشَّعيرَ ، وَحَلواهُ التّمرَ إذا وجده وَوَقودُهُ السَّعفَ ، وَإذا أُصِبتَ بِمُصيبَةٍ فاذكُر مُصابَكَ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فإنَّ النّاسَ لَم يُصابوا بِمِثلِهِ أَبداً . (6)

.


1- .التوبة:55 و85.
2- .طه:131. وفي سورة الحجر: «لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَ اجاً مِّنْهُمْ وَ لاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ اخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ » (88).
3- .الكافي : ج8 ص168 ح189، الزهد للحسين بن سعيد : ص12 ح24 ، مشكاة الأنوار : ص133 ح 303 ، بحار الأنوار : ج16 ص279 ح120 وج78 ص227 ح97 وراجع : الكافي : ج2 ص76 ح1 وص78 ح11 .
4- .التوبة:55 و85.
5- .طه:131.
6- .الأمالي للمفيد : ص194 ح25، الأمالي للطّوسي: ص681 ح1448، بحار الأنوار : ج69 ص398 ح87 وج 78 ص295 ص4 .

ص: 226

73 . وصيّته عليه السلام إلى بعض من شيعته في مكارم الأخلاق

73وصيّته عليه السلام إلى بعض من شيعتهفي مكارم الأخلاقعن أبي جعفر محمّد بن عليّ أنّه أوصى بعض شيعته فقال :يا مَعشَرَ شيعَتِنا ، اسمَعوا وَافهَموا وَصايانا وَعَهدِنا إلى أوليائِنا ، اصدُقوا في قولِكُم وَبِرّوا في أيمانِكُم لِأوليائِكُم وَأعدائِكُم ، وَتَواسَوا بِأموالِكُم ، وَتَحابوا بِقُلوبِكُم ، وَتَصَدَّقوا عَلى فُقَرائِكُم ، وَاجتَمِعوا على أمرِكُم ، وَلا تُدخِلوا غِشّاً ولا خِيانَةً على أحَدٍ ، وَلا تَشُكّوا بَعدَ اليَقينِ وَلا تَرجِعوا بَعدَ الإقدامِ جُبناً ، وَلا يُوَلِّ أحَدٌ مِنكُم أهلَ مَوَدَّتِهِ قَفاهُ ، وَلا تَكونَنَّ شَهوَتُكُم في مَوَدَّةِ غَيرِكُم ، وَلا مَوَدَّتُكُم فيما سِواكُم ، وَلا عَمَلُكُم لِغَيرِ رَبِّكُم ، وَلا إيمانُكُم وَقَصدُكُم لِغَيرِ نَبِيّكُم . وَاستَعينوا بِاللّهِ وَاصبِروا ، إنّ الأرضَ للّهِِ ، يُورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ ، وَإنَّ الأرضَ للّهِِ يُورِثُها عِبادَهُ الصّالِحينَ . ثمّ قال : إنَّ أولياءَ اللّهِ وَأولِياءَ رَسولِهِ مِن شيعَتِنا ، مَن إذا قالَ صَدَقَ ، وإذا وَعَدَ وَفى ، وَإذا ائتُمِنَ أدَّى ، وإذا حُمِّلَ في الحَقِّ احتَمَلَ ، وإذا سُئِلَ الواجِبَ أعطى ، وإذا أُمِرَ بالحَقِّ فَعَلَ . شيعَتُنا مَن لا يَعدو عِلمُهُ سَمعَهُ . شيعَتُنا مَن لا يَمدَحُ لنا مُعيباً ، وَلا يُواصِلُ لنا مُبغِضاً ، وَلا يُجالِس لَنا قالِياً ، إن لَقِيَ مُؤمِناً أكرَمَهُ ، وإن لَقِيَ جاهِلاً هَجَرَهُ . شيعَتُنا مَن لا يَهِرُّ هريرَ الكَلبِ ، وَلا يَطمَعُ طَمَعَ الغُرابِ ، وَلا يَسألُ أحَداً إلاّ مِن إخوانِهِ وإن ماتَ جوعاً . شيعَتُنا مَن قالَ بِقَولِنا ، وَفارَقَ أحِبَّتَهُ فينا ، وَأدنى البُعَدَاءَ في حُبِّنا ، وأبعَدَ القُرباءَ في بُغضِنا . فقالَ لَهُ رجل ممّن شهد : جُعلِتُ فِداكَ ، أينَ يُوجَدُ مِثلُ هؤلاءِ ؟ فقال : في أطرافِ الأرَضَينَ ، أُولئِكَ الخَفيضُ عَيشُهُم ، القَريرَةُ أعيُنُهُم ، إن شَهِدوا لَم يُعرفوا ، وَإن غابوا لَم يُفتَقَدوا، وَإن مَرِضوا لَم يُعادوا ، وَإن خَطَبوا لَم يُزَوَّجوا ، وَإن وَرَدوا طريقاً تَنَكّبوا ، وِإذا

.

ص: 227

خاطَبَهُم الجاهِلونَ قالوا سَلاماً ، وَيَبيتونَ لِرَبِّهِم سُجَّداً وَقِياماً . قال : يابنَ رَسولِ اللّهِ ، فَكَيفَ بِالمُتَشيّعينَ بِألسِنَتِهِم وَقُلوبُهُم على خِلافِ ذلِكَ ؟ فقال : التّمحيصُ يأتي عَلَيهِم بِسِنينَ تُفنيهِم ، وَضغائِنَ تُبيدُهُم ، وَاختِلافٍ يَقتُلُهُم ، أما وَالّذي نَصَرَنا بأيِدي مَلائِكَتِهِ ، لا يَقتُلُهُم اللّهُ إلاّ بِأيديهِم ، فَعَلَيكُم بالإقرارِ إذا حَدَّثتُم ، وَبِالتَّصديقِ إذا رَأيتُم ، وَتَركِ الخُصومَةِ فإنَّها تُقصيكُم ، وَإيّاكُم أن يَبعَثَكُم قَبلَ وَقتِ الأجَلِ فَتُطَلُّ دِماؤكُم ، وَتَذهَبُ أنفُسُكُم ، وَيَذُمُّكُم مَن يأتي بَعدَكُم ، وَتصيروا عِبرَةً لِلنّاظرينَ . وَإنَّ أحسَنَ النّاسِ فِعلاً مَن فارَقَ أهلَ الدُّنيا مِن والدٍ وَوَلَدٍ ، وَوالى وَوَازَرَ وَناصَحَ وكافَا إخوانَهُ في اللّهِ وَإن كانَ حَبَشِيّاً أو زِنجيِّاً ، وإن كان لا يُبعثُ مِنَ المُؤمنين أسوَدَ ، بَل يَرجِعونَ كأنَّهُم البَرَدُ قَد غُسِلوا بِماءِ الجِنانِ ، وَأصابوا النّعيمَ المُقيمَ ، وَجالَسوا المَلائِكَةَ المُقرَّبينَ ، وَرَافَقوا الأنبياءَ المُرسلينَ . وَلَيسَ مِن عَبدٍ أكرَمَ على اللّهِ مِن عَبدٍ شُرِّدَ وَطُرِّدَ في اللّهِ حَتّى يَلقى اللّهَ على ذلِكَ . شيعَتُنا المُنذِرونَ في الأرضِ ، سُرُجٌ وَعَلاماتٌ وَنورٌ لِمَن طَلَبَ ما طَلَبوا ، وَقادَةٌ لأهلِ طاعَةِ اللّهِ ، شُهَداءُ على مَن خالَفَهُم مِمّن ادّعى دَعواهُم ، سَكَنٌ لِمَن أتاهُم ، لُطَفاءُ بِمَن وَالاهُم ، سُمَحاءُ ، أعِفّاءُ ، رُحَماءُ ، فذلِكَ صِفَتُهُم في التَّوراةِ وَالإنجيلِ وَالقُرآنِ العظيمِ . إنَّ الرَّجُلَ العالِمَ مِن شيعَتِنا إذا حَفِظَ لِسانَهُ وَطابَ نفساً بِطاعَةِ أوليائِهِ ، وَأضمَرَ المُكايَدَةَ لِعَدُوِّهِ بِقَلبِهِ ، وَيَغدو حينَ يَغدو وَهُوَ عارِفٌ بِعيُوبِهِم ، وَلا يُبدي ما في نَفسِهِ لَهُم ، يَنظُرُ بِعَينِهِ إلى أعمالِهِم الرَّدِيَّةِ ، وَيَسمَعُ بِأُذنِهِ مَساويهِم ، وَيَدعو بِلِسانِهِ عَلَيهِم ، مُبغِضوهُم أولياؤُهُ وَمُحبّوهُم أعداؤُهُ . فَقال لَهُ رَجُلٌ : بأبي أنتَ وَأُمّي، فَما ثَوابُ مَن وَصَفتَ إذا كانَ يُصبِحُ آمِناً وَيُمسي آمِناً وَيَبيتُ مَحفوظاً ، فَما مَنزِلَتُهُ وَثَوابُهُ ؟ فقالَ :

.

ص: 228

74 . وصيّته عليه السلام إلى بعض من شيعته في كيفية الدّعوة إليهم عليهم السلام

تُؤَمرُ السَّماءُ بإظلالِهِ والأرضُ بإكرامِهِ وَالنّورِ بِبُرهانِهِ . قال : فَما صِفَتُهُ في دُنياه ؟ قال : إن سَأَلَ أُعطِيَ ، وَإن دعا أُجيبَ ، وَإن طَلَبَ أدرَكَ ، وَإن نَصَرَ مَظلوماً عَزُّ . (1)

74وصيّته عليه السلام إلى بعض من شيعتهفي كيفية الدّعوة إليهم عليهم السلامعن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام أنّ نفراً أتوه من الكوفة من شيعته يسمعون منه ، ويأخذون عنه ، فأقاموا بالمدينة ما أمكنهم المقام ، وهم يختلفون إليه ويتردّدون عليه ، ويسمعون منه ويأخذون عنه ، فلمّا حضرهم الانصراف وودّعوه ، قال له بعضهم : أوصنا يابن رسول اللّه . فقال : أُوصيكُم بِتَقوى اللّهِ وَالعَمَلِ بِطاعَتِهِ وَاجتِناب مَعاصيهِ ، وَأداءِ الأمانَةِ لِمَن ائتَمَنَكُم ، وَحُسنِ الصّحابَةِ لِمَن صَحِبتُموهُ ، وَأن تَكونوا لَنا دُعاةً صامِتينَ . فَقالوا : يابنَ رَسولِ اللّهِ ، وَكَيفَ نَدعو إلَيكُم وَنَحنُ صُموتٌ؟ قال : تَعلَمونَ ما أمرناكُم بهِ مِنَ العَمَلِ بِطاعَةِ اللّهِ ، وَتَتَناهَونَ عَمّا نَهَيناكُم عَنهُ مِنَ ارتكابِ مَحارِمِ اللّهِ ، وَتُعامِلونَ النّاسَ بِالصِّدقِ وَالعَدلِ ، وَتُؤدّونَ الأمانَةَ ، وَتَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَتَنهوَنَ عَنِ المُنكَرِ ، وَلا يَطَّلِعَ النّاسُ مُنكُم إلاّ على خَيرٍ ، فإذا رَأوا ما أنتمُ عَلَيهِ قالوا : هَؤلاءِ الفُلانِيَّةُ ، رَحِمَ اللّهُ فُلاناً ، ما كانَ أحسَنَ ما يُؤدِّبُ أصحابَهُ ، وَعَلمِوا فَضلَ ما كانَ عِندَنا ، فَسارَعوا إلَيهِ ، أشهَدُ على أبي مُحَمَّدٍ بنِ عَلِيٍّ رِضوانُ اللّهِ عَلَيهِ وَرَحمَتُهُ وَبَرَكاتُهُ ، لَقَد سَمِعتُهُ يَقولُ : كانَ أولِياؤُنا وَشيعَتُنا فيما مَضى خَيرَ مَن كانوا فيهِ ، إن كانَ إمامُ مَسجِدٍ في الحَيِّ كانَ مِنهُم ، وَإن كانَ مُؤذِّنٌ في القَبيلَةِ كانَ مِنهُم ، وَإن كانَ صاحبُ

.


1- .دعائم الإسلام : ج1 ص64.

ص: 229

75 . وصيّته عليه السلام إلى بعض من شيعته في ما ينبغي أن يكونوا عليه
76 . وصيّته عليه السلام للمفضّل فيما أوصى به شيعته

وَديعَةٍ كانَ مِنهُم ، وَإن كانَ صاحبُ أمانَةٍ كانَ مِنهُم ، وإن كانَ عالِمٌ مِنَ النّاسِ يَقصُدونَهُ لِدينِهِم وَمَصالِحِ أُمورِهِم كانَ مِنهُم . فَكونوا أنتُم كذلِكَ ، حَبِّبونا إلى النّاسِ ، وَلا تُبَغِّضونا إلَيهِم . (1)

75وصيّته عليه السلام إلى بعض من شيعتهفي ما ينبغي أن يكونوا عليهعن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام أنّه قال لبعض شيعته يوصيهم :وَخالِقوا النّاسَ بِأحسَنِ أخلاقِهِم ، صَلُّوا في مساجِدِهِم ، وَعودوا مَرضاهُم ، وَاشهَدوا جَنائِزَهُم ، وَإن استَطعتُم أن تَكونوا الأئِمَّةَ والمُؤذّنينَ فافعَلوا ، فإنَّكُم إذا فَعَلتُم ذلِكَ ، قالَ الناسُ : هَؤلاءِ الفُلانِيَّةُ ، رَحِمَ اللّهُ فلاناً ما كانَ أحسَنَ ما يُؤدِّبُ أصحابَهُ . (2)

76وصيّته عليه السلام للمفضّلفيما أوصى به شيعتهقال الإمام الصادق عليه السلام للمفضّل :أُوصيك بِسِتِّ خِصالٍ تُبَلِغُهُنَّ شيعَتي . قلتُ : وما هُنَّ يا سيّدي؟ قالَ عليه السلام : أداءُ الأمانَةِ إلى مَنِ ائتَمَنَكَ . وَأن تَرضى لاِيكَ ما تَرضى لِنَفسِكَ . وَاعلَم أنّ لِلأُمورِ أواخِرَ فاحذَر العواقِبَ.

.


1- .دعائم الإسلام : ج1 ص56 .
2- .دعائم الإسلام : ج1 ص66.

ص: 230

77 . وصيّته عليه السلام لعنوان البصريّ في أنّ العلم لا يأتي إلاّ بعد العبوديّة

وَأنَّ لِلأُمورِ بَغَتاتٍ (1) فَكُن على حَذَرٍ . وَإيّاكَ وَمُرتَقى جَبَلٍ سهلٌ إذا كانَ المُنحَدَرُ وَعراً. (2) ولا تَعدَنَّ أخاكَ وَعداً لَيسَ في يَدِكَ وَفاؤهُ . (3)

77وصيّته عليه السلام لعنوان البصريّفي أنّ العلم لا يأتي إلاّ بعد العبوديّةعنوان (4) البصريّ (5) _ وكان شيخاً كبيراً قد أتى عليه أربع وتسعون سنة _ قال : كنت أختلف إلى مالك بن أنس سنين ، فلمّا حضر جعفر الصّادق عليه السلام المدينة اختلفت إليه وأحببت أن آخذ عنه كما أخذت من مالك ، فقال لي يوماً: إنّي رَجُل مَطلوبٌ وَمَعَ ذلِكَ لي أورادٌ في كُلِّ ساعَةٍ مِن آناءِ اللّيلِ وَالنَّهارِ فَلا تَشغَلني عَن وِردي ، فَخُذ عَن مالِكٍ واختَلِف إلَيهِ كما كُنتَ تَختَلِفُ إلَيهِ . فاغتَمَمتُ مِن ذلِكَ وَخَرَجتُ مِن عِندِهِ ، وَقُلتُ في نَفسي : لَو تَفَرَّسَ فِيَّ خَيراً لَما زَجَرَني عَنِ الاختِلافِ إلَيهِ وَالأخذِ عَنهُ ، فَدَخلتُ مَسجِدَ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله وَسَلَّمتُ عَلَيهِ ، ثُمَّ رَجَعتُ مِنَ القَبرِ إلى الرَّوضَةِ وَصَلَّيتُ فيها رَكعَتَينِ ، وَقُلتُ : أسألُكَ يا أللّهُ يا أللّهُ أن تَعطِفَ عَلَيَّ قَلبَ جَعفَرٍ ، وَتَرزُقَني مِن عِلمِهِ ما أهتدي بِهِ إلى صِراطِكَ المُستَقيمِ .

.


1- .البغتات _ جمع بغتة _ أي الفجأة.
2- .المنحدر: مكان الانحدار أي الهبوط والنّزول. والوعر: ضدّ السّهل أي مكان الصّلب وهو الّذي مخيف الوحش.
3- .تحف العقول : ص367 ، بحار الأنوار : ج78 ص250 ح94 نقلاً عنه .
4- .وفي نسخة: «عفان» بدل «عنوان».
5- .لم نجد للرّجل ترجمة في المصادر الرّجاليّة بهذا العنوان .

ص: 231

وَرَجَعتُ إلى داري مُغَتمّاً حَزيناً وَلَم أختَلِف إلى مالِكِ بنِ أنسٍ لِما اُشرِبَ قَلبي مِن حُبِّ جَعفَرٍ ، فَما خَرَجتُ مِن داري إلاّ إلى الصَّلاةِ المَكتوبَةِ حَتّى عِيلَ صَبري ، فَلَمّا ضاقَ صَدري تَنَعَّلتُ وَتَرَدَّيتُ وَقَصَدتُ جَعفراً _ وَكان بَعدَ ما صَلَّيتُ العَصرَ _ فَلَمّا حَضَرتُ بابَ دارِهِ استَأذَنتُ عَلَيهِ ، فَخَرَج خادِمٌ لَهُ فقالَ : ما حاجَتُكَ؟ فقلتُ : السَّلامُ (1) عَلى الشَّريفِ . فَقالَ : هُوَ قائِمٌ في مُصَلاّهُ ، فَجَلَستُ بِحذِاءِ بابِهِ ، فَما لَبثِتُ إلاّ يَسيراً ، إذ خرَجَ خادِمٌ لَهُ قالَ : ادخُل عَلى بَرَكَةِ اللّهِ ، فَدَخلتُ وَسَلَّمتُ عَلَيهِ ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ . وَقالَ : اجلِس غَفَرَ اللّهُ لَكَ . فَجَلَستُ فَأطرَقَ مَلِيّاً ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وَقالَ : أبو مَن ؟ قلتُ : أبو عَبدِ اللّهِ. قال : ثَبَّتَ اللّهُ كُنيَتَكَ وَوَفَّقَكَ لِمَرضاتِهِ ، يا أبا عَبدِ اللّهِ ما مَسألَتُكَ؟. قُلتُ في نَفسي : لَو لَم يَكُن لي مِن زِيارَتِهِ وَالتَّسليمِ عَلَيهِ غَيرُ هذا الدُّعاءِ لَكانَ كَثيراً . ثُمَّ أطرَقَ مَلِيّاً ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَقالَ : يا أبا عَبدِ اللّهِ، ما حاجَتُكَ ؟ قُلتُ : سَألتُ اللّهَ أن يَعطِفَ قَلبَكَ عَلَيَّ وَيَرَزُقَني مِن عِلمِكَ ، وَأرجو أنَّ اللّهَ تَعالى أجابَني في الشَّريفِ ما سَألتُهُ . فَقالَ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، لَيسَ العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ ، إنَّما هُوَ نورٌ يَقَعُ في قَلبِ مَن يُريُد اللّهُ تباركَ وَتَعالى أن يَهدِيَهُ ، فإن أرَدتَ العِلمَ فاطلُب أوّلاً مِن نَفسِكَ حَقيقَةَ العُبودِيَّةِ ، وَاطلُب العِلمَ باستِعمالِهِ ، واستَفهِمِ اللّهَ يُفَهِّمكَ . قُلتُ : يا شريفُ . فَقالَ : قُل : يا أبا عَبدِ اللّهِ . قُلتُ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، ما حَقيقَةُ العُبودِيَّةِ؟ قال : ثَلاثَةُ أشياءَ : أن لا يَرى العَبدُ لِنَفسِهِ فيما خَوَّلَهُ اللّهُ إلَيهِ مُلكاً ؛ لِأنَّ العَبيدَ لا يَكونُ لَهُم مُلكٌ ، يَرَونَ المالَ مالَ اللّهِ يَضَعونَهُ حَيثُ أمَرَهُم اللّهُ تَعالى

.


1- .وفي نسخة : « أسلّم » بدل « السلام » .

ص: 232

بِهِ، ولا يُدَبِّرُ العَبدُ لِنَفسِهِ تَدبيراً، وَجُملَةُ اشتِغالِهِ فيما أمَرَهُ اللّهُ تَعالى بِهِ وَنَهاهُ عنهُ ، فإذا لَم يَرَ العَبدُ لِنَفسِهِ فيما خَوَّلَهُ اللّهُ تَعالى مُلكاً هانَ عَلَيهِ الإنفاقُ فيما أمَرَهُ اللّهُ تَعالى أن يُنفِقَ فيهِ ، وَإذا فَوَّضَ العَبدُ تَدبيرَ نَفسِهِ عَلى مُدَبِّرِهِ هانَ عَلَيهِ مَصائِبُ الدُّنيا ، وَإذا اشتَغَلَ العَبدُ بما أمَرَهُ اللّهُ تَعالى وَنهاهُ لا يَتَفرَّغُ مِنها إلى المِراء وَالمُباهاةِ مَعَ النّاسِ ، فإذا أكرَمَ اللّهُ العَبدَ بِهذهِ الثّلاثِ هانَ عَلَيهِ الدُّنيا وَإبليسُ وَالخَلقُ ، وَلا يَطلُبَ الدُّنيا تَكاثُراً وَتَفاخُراً ، وَلا يَطلُبَ عِندَ النّاسِ عِزّاً وعُلُوّاً، ولا يَدَعَ أيّامَهُ باطِلاً، فَهذا أوّلُ دَرَجَةِ المُتّقينَ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «تِلْكَ الدَّارُ الْأَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى الْأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » (1) . قُلتُ : يا أبا عَبدِ اللّهِ أوصِني . فَقالَ : أُوصيكَ بِتِسعَةِ أشياءَ ، فإنَّها وَصِيَّتي لِمُريدي الطّريقِ إلى اللّهِ عز و جل ، وَاللّهَ أسألُ أن يُوَفِّقَكَ لاستعمالِهِ : ثَلاثَةٌ مِنها في رياضَةِ النّفسِ ، وَثَلاثَةٌ مِنها في الحلِمِ ، وَثَلاثَةٌ مِنها في العِلمِ ، فاحفَظها وَإيّاكَ والتّهاوُنَ بِها . قال عنوان (2) : ففرّغت قلبي له . فقال : أمّا اللّواتي في الرِّياضَةِ : فَإيّاكَ أن تَأكُلَ ما لا تَشتَهيهِ ، فإنَّهُ يُورِثُ الحَماقَةَ والبَلَهَ ، وَلا تأكُل إلاّ عِندَ الجوعِ ، وَإذا أكَلتَ فَكُل حَلالاً وَسَمِّ اللّهَ ، وَاذكُر حديثَ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله : ما مَلأ آدمِيٌّ وِعاءً شَرّاً مِن بَطنِهِ ، فَإن كانَ لابُدَّ فَثُلثٌ لِطعامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفسِهِ . أمّا اللّواتي في الحِلمِ : فَمَن قالَ لَكَ : إن قُلتَ واحِدَةً سَمِعتَ عَشراً، فَقُل : إن قُلتَ عَشراً لَم تَسمَع واحِدَةً ، وَمَن شَتَمَكَ فَقُل : إن كُنتَ صادِقاً فيما تَقولُ فاللّهَ أسألُ أن يَغفِرَها لي ، وَإن كُنتَ كاذِباً فيما تَقولُ فاللّهَ أسألُ أن يَغفِرَها لَكَ ، وَمَن وَعَدَكَ بِالجَفاءِ فَعدِهُ بِالنَّصيحَةِ وَالدُّعاءِ (3) .

.


1- .وفي نسخة: «عفان» بدل «عنوان».
2- .القصص:83.
3- .في بحار الأنوار : «الرّعاء» بدل «الدّعاء».

ص: 233

78 . وصيّته عليه السلام إلى قوم من أصحابه في الهداية

وَأمّا اللّواتي في العِلمِ : فَأسألِ العُلماءَ ما جَهِلتَ ، وَإيّاكَ أن تَسألَهُم تَعَنُّتاً وَتَجرِبَةً ، وَإيّاكَ أن تعمَلَ بِرَأيِكَ شَيئاً، وَخُذ بِالاحتِياطِ في جَميعِ ما تَجِدُ إلَيهِ سَبيلاً ، وَاهرَب مِنَ الفُتيا هَرَبَكَ مِنَ الأسَدِ ، وَلا تَجعَل رَقَبَتَكَ لِلنّاسِ جِسراً ، قُم عَنّي يا أبا عَبدِ اللّهِ فَقَد نَصَحتُ لَكَ ، وَلا تُفسِد عَلَيَّ وِردي فَإنّي امرؤٌ ضَنينٌ بِنَفسي ، وَالسَّلامُ . (1)

78وصيّته عليه السلام إلى قوم من أصحابهفي الهدايةعن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه أوصى قوماً من أصحابه ، فقال لهم :اجعَلوا أمرَكُم هذا للّهِِ وَلا تَجعَلوهُ لِلنّاسِ ، فإنَّهُ ما كانَ للّهِِ فَهُوَ لَهُ ، وَما كانَ لِلنّاسِ فَلا يَصعَدُ إلى اللّهِ ، وَلا تُخاصِموا النّاسَ بِدينِكُم ، فَإنَّ الخُصومَةَ مُمرِضَةٌ لِلقَلبِ ، إنّ اللّهَ قالَ لِنَبيّهِ : يا مُحَمَّدُ ، «إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَ_كِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ» (2) ، وَقالَ : «أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ » (3) ، ذَروا النّاسَ ، فإنّ النّاسَ أخَذوا مِنَ النّاسِ ، وَإنَّكُم أخَذتُم مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَمِن عَلِيٍّ صَلواتُ اللّهِ عَلَيهِ وَمِنّا ، سَمِعتُ أبي رِضوانُ اللّهِ عَلَيهِ يَقولُ : إذا كُتِبَ على عَبدٍ دُخولُ هذا الأمرِ كانَ أسرَعَ إلَيهِ مِنَ الطّائِرِ إلى وَكرِهِ (4) . (5)

.


1- .مشكاة الأنوار : ص562 ح 1901 ، بحار الأنوار : ج1 ص224 ح17 .
2- .القصص:56.
3- .يونس:99.
4- .وذكر فيالكافي : ج1 ص166 ح3 و ج2 ص213 ح4 ، التوحيد : ص414 ح13 ، المحاسن : ج1 ص201 ح38 عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال عن عليّ بن عقبة عن أبيه قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : اجعَلوا أمرَكُم للّه ِِ وَلا تَجعَلوهُ لِلنّاسِ ، فإنَّهُ ما كانَ للّه ِِ فَهُوَ للّه ِِ . إلخ ، ولم يذكر فيهم لفظ « أوصي » .
5- .دعائم الإسلام: ج1 ص62.

ص: 234

79 . وصيّته عليه السلام لابنه موسى بن جعفر عليهماالسلام في بيان جزاء الأعمال

79وصيّته عليه السلام لابنه موسى بن جعفر عليهماالسلامفي بيان جزاء الأعمالوذكر بعض أصحابه قال : دخلت على جعفر وموسى ولده بين يديه ، وهو يوصيه بهذه الوصيّة ، فكان ممّا حفظت منه أن قال :يا بُنَيَّ احفَظ وَصِيَّتي وَاحفَظ مَقالتي ، فإنَّكَ إن حَفِظتَها تَعِش سَعيداً وَتَمُت حَميداً . يا بُنَيَّ إنَّهُ مَن قَنَعَ بِما قُسِمَ لَهُ استَغنى ، وَمَن مَدَّ عَينَهُ إلى ما في يَدِ غَيرِهِ ماتَ فَقيراً ، وَمَن لَم يَرضَ بِما قَسَمَ اللّهُ لَهُ عز و جل اتّهَمَ اللّهَ تعالى في قَضائِهِ ، وَمَن استَصغَرَ زَلّةَ نفسَهِ استَعظَمَ زَلَّةَ غَيرِهِ ، وَمَن استَعظَمَ زلََّةَ نَفسِهِ استَصغَرَ زَلَّةَ غَيرِهِ . يا بُنَيَّ مَن كَشَفَ حِجابَ غَيرِهِ انكَشَفَت عَوراتُ نَفسِهِ ، وَمَن سَلّ سَيفَ البَغيِ قُتِلَ بِهِ ، وَمَن حَفَرَ بهِ لِأخيهِ بِئراً سَقَطَ فيها ، وَمَن داخَلَ السُّفهاءَ حُقِّرَ ، وَمَن خالَطَ العُلماءَ وُقِّرَ ، وَمَن دَخَلَ مَداخِلَ السّوءِ اتُّهِمَ . يا بُنَيَّ قُلِ الحَقَّ لَكَ وَعَلَيكَ . وَإيّاكَ وَالنَّميمَةَ ، فإنَّها تَزرَعُ الشَّحناءَ في قُلوبِ الرِّجالِ . يا بُنَيَّ ، إذا طَلَبتَ الجُودَ فَعَلَيكَ بِمَعادِنِهِ ؛ فإنَّ لِلجودِ مَعادِنَ وَلِلمَعادِنِ أُصولاً وَلِلأُصولِ فروعاً وَلِلفروعِ ثَمَراً ، وَلا يَطيبُ ثَمَرٌ إلاّ بِفَرعٍ ، وَلا فَرعٌ إلاّ بِأصلٍ وَلا أصلٌ إلاّ بِمَعدِنٍ طَيِّبٍ . يا بُنَيَّ ، إذا زُرتَ فَزُرِ الأخيارَ وَلا تَزُرِ الفُجّارَ ؛ فَإنَّهُم صَخرَةٌ لا يَنفَجِرُ ماؤُها ، وَشَجَرَةٌ لا يَخضَرُّ وَرَقُها وَأرضٌ لا يَظهَرُ عُشبُها . قالَ عليُّ بنُ موسى عليه السلام : فَما تَرَكَ أبي هذهِ الوَصِيَّةَ إلى أن ماتَ . (1)

.


1- .كشف الغمة : ج2 ص369 ، بحار الأنوار : ج78 ص204 ح42 .

ص: 235

80 . وصيته عليه السلام إلى ولده عند دخول شهر رمضان
81 . ومِن وصيّته عليه السلام لرجلٍ في أفضل الوصايا

80وصيته عليه السلام إلى ولدهعند دخول شهر رمضانأحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفّوان ، عن إسحاق بن عمّار ، عن المسمعي (1) ، أنّه سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يوصي ولده [ ويقول ] :إذا دَخَلَ شَهرُ رَمضانَ فأجهِدوا أنفُسَكُم فإنّ فيهِ تقسَّمُ الأرزاقُ وَتُكتَبُ الآجالُ وفيهِ يُكتَبُ وَفدُ اللّهِ الّذينَ يَفِدونَ إلَيهِ ، وَفيهِ لَيلَةٌ العَمَلُ فيها خَيرٌ مِن العَمَلِ في ألفِ شَهرٍ . (2)

81ومِن وصيّته عليه السلام لرجلٍفي أفضل الوصايامصباح الشريعة :أفضَلُ الوَصايا وألْزَمُها أن لا تَنسى رَبَّكَ ، وَأن تَذكُرَهُ دائِماً ، ولا تَعصِيَهُ ، وَتَعبُدَهُ قاعِداً وَقائِماً ، وَلا تَغتَرَّ بِنِعمَتِهِ ، وَاشكُرهُ أبداً ، وَلا تَخرُج مِن تَحتِ أستارِ عَظَمَتِهِ وَجَلالِهِ فَتَضِلَّ ، وَتَقَعَ في مَيدانِ الهَلاكِ ، وَإن مَسَّكَ البَلاءُ وَالضُّرُّ ، وَأحرَقَتكَ نيرانُ المِحَنِ . وَاعلَم أنّ بَلاياهُ مَحشَوَةٌ بِكَراماتِهِ الأَبدِيَّةِ ، وَمِحَنَهُ مُورِثَةٌ رِضاهُ وَقُربَهُ وَلَو بَعدَ حينٍ ، فَيالَها مِن مَغنَمٍ لِمَن عَلِمَ وَوُفِّقَ لِذلِكَ . (3)

.


1- .المسمعي ، محدث إمالي ، روى عنه إسحاق بن عمّار . (راجع تنقيح المقال : ج 3 قسم الألقاب ص 57 ، جامع الرواة : ج 2 ص 451 ، نقد الرجال : ص 411 ، مجمع رجال الحديث : ج 23 ص 142 ، المسمعي ، المسمع كمنبر ، أبو قبيلة وهم المسامعة . (طرائف المقال : ج 2 ص 198) .
2- .الكافي : ج 4 ص 66 ح 2 ، تهذيب الأحكام : ج 4 ص 192 ح 547 ، فضائل الأشهر الثلاثة : ص103 ح 90، بحار الأنوار : ج 96 ص 375 ذيل الحديث 63 .
3- .مصباح الشريعة : ص 162 ، بحار الأنوار: ج78 ص200 ح27 نقلاً عنه.

ص: 236

وصيّة محكمة موجزة في السّرائر
عقاب من استخفّ بصلاته
وصيّته عليه السلام إلى سفيان الثّوري

وفي مشكاة الأنوار :أُوصيكَ بِحفظِ ما بَينَ رِجلَيكَ ، وَما بَينَ لَحيَيكَ (1) . (2)

وصيّة محكمة موجزة في السّرائر:أتى رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: يا بن رسول اللّه أوصني. فقال له :لا يَفقِدُكَ اللّهُ حَيثُ أمَرَكَ ، وَلا يَراكَ حَيثُ نَهاكَ . فقال له : زدني . فقال : لا أجِدُ (3) . (4)

عقاب من استخفّ بصلاتهحدّثني محمّد بن عليّ ما جيلويه ، عن عمّه ، عن محمّد بن عليّ القرشيّ ، عن ابن فضّال ، عن الميثميّ ، عن أبي بصير ، قال : دخلت على أُمّ حميدة (5) أُعزّيها بأبي عبد اللّه عليه السلام فبكت وبكيت لبكائها . ثمّ قالت : يا أبا محمّد ، لو رأيتَ أبا عَبدِ اللّهِ عِندَ المَوتِ لَرَأيتَ عَجَباً ، فَتَحَ عَينَهُ ثُمَّ قالَ : اجمَعوا لي كُلَّ مَن بَيني وَبَينَهُ قَرابَةٌ . قالَت : فَلَم نَتركُ أحَداً إلاّ جَمَعناهُ . قالَ : فَنَظَر إلَيهِم ثُمَّ قالَ : إنّ شفاعَتَنا لا تَنالُ مُستَخِفّاً بِالصَّلاة . (6)

وصيّته عليه السلام إلى سفيان الثّوريحدّثنا أبو أحمد القاسم بن محمّد السّراج الهمذانيّ ، بهمذان ، قال : حدّثنا أبو بكر

.


1- .وفي كتاب الزهد للحسين بن سعيد : صفوان بن يحيى عن أبي خالد عن حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أتى النّبيّ صلى الله عليه و آله أعرابيّ فقال : أوصني يا رسول اللّه . فقال: نعم اُوصيك بحفظ ما بين رجليك . ( ص8 ح14) .
2- .مشكاة الأنوار : ص122 ح 286 ، بحار الأنوار : ج71 ص274 ح22 نقلاً عنه .
3- .في الحكايات : زاد في آخره «مزيدا» .
4- .في السرائر: ج3 ص650، الحكايات : ص95 ح5 .
5- .اُمّ حميدة أو حميدة البربريّة اُخت صالح البربري زوجة الإمام جعفر الصادق عليه السلام واُمّ الكاظم عليه السلام ، والبربريّة نسبة إلى بربر ، وهم قبائل كثيرة في جبال المغرب ، وتلقب حميدة بالمصفّاة أيضا ولؤلؤة ، ويقال : هي أُندلسيّة ، وكانت من التّقّيات الثّقات ، وكان الصّادق عليه السلام يرسلها مع اُمّ فروفة تقضيات حقوق أهل المدينة ، ولها كرامات . (راجع : الإرشاد : ج 2 ص 215 ، تنقيح المقال : ج 3 ص 76) .
6- .ثواب الأعمال : ص228، الأمالي للصدوق: ص572 ح779، المحاسن: ج1 ص80 ح6، روضة الواعظين : ص318، بحار الأنوار: ج47 ص2 ح5 وج83 ص19 ح31 وج84 ص234 ح10 .

ص: 237

محمّد بن أحمد الضّبِيّ قال : حدّثنا مُحمّد بن عبد العزيز الدِّينَوَريّ قال : حدّثنا عبيد اللّه بن موسى العبسيّ ، عن سفيان الثّوريّ قال : لقيت الصّادق بن الصّادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام فقلت له : يا ابن رسول اللّه أوصني. فقال لي : يا سُفيانُ ، لا مُروءَةَ لِكَذوبٍ ، وَلا أخَ لِمَلولٍ ، وَلا راحَةَ لِحَسودٍ ، وَلا سُؤدَدَ لِسَيِّئ الخُلُقِ . فقلت : يا ابن رسول اللّه ، زدني . فقال لي : يا سُفيانُ ، ثِق بِاللّهِ تَكُن مُؤمِناً ، وَارضَ بِما قَسَمَ اللّهُ لَكَ تَكُن غَنِيّاً ، وَأحسِن مُجاوَرَةَ مَن جاوَرتَهُ تَكُن مُسلِماً ، وَلا تَصحَب الفاجِرَ فَيُعَلِّمُكَ مِن فُجورِهِ ، وَشاوِر في أمرِكَ الّذينَ يَخشَونَ اللّهَ عز و جل . فقلت: يا ابن رسول اللّه زدني. فقال لي : يا سُفيانُ مَن أرادَ عِزّاً بِلا عَشيَرةٍ ، وغِنى بِلا مالٍ وَهيَبةً بِلا سُلطانٍ ، فَليَنتَقِل مِن ذُلِّ مَعصِيَةِ اللّهِ إلى عِزّ طاعَتِهِ . فَقلتُ : زدني يا ابن رسول اللّه . فقال لي : يا سُفيانُ أمَرَني والدي عليه السلام بِثَلاثٍ وَنَهاني عَن ثَلاثٍ ، فَكانَ فيما قالَ لي: يا بُنيَّ ، مَن يَصحَب صاحِبَ السُّوءِ لا يَسلَمُ ، وَمَن يَدخُل مَداخِلَ السُّوءِ يُتَّهَمُ ، وَمَن لا يَملِك لِسانَهُ يَندَمُ، ثُمَّ أنشَدَني (فقالَ ) عليه السلام : عَوِّد لِسانَكَ قَولَ الخَيرِ تَحظَ بِهِإنّ اللِّسانَ لِما عَوّدتَ يَعتادُ مُوَكَّلٌ بِتَقاضي ما سَنَنتَ لَهُفي الخَيرِ وَالشَّرِ فانظُر كَيفَ تَعتادُ (1) وَفي تُحَفِ العُقولِ: قال سفيان الثوريّ : دَخَلتُ على الصّادِقِ عليه السلام فَقُلتُ لَهُ : أوصِني بِوَصِيَةٍ أحفَظُها مِن بَعدِكَ . قال عليه السلام : وَتَحفَظُ يا سُفيانُ ؟ قلت : أجَل يا ابنَ بنتِ رَسولِ اللّهِ . قال عليه السلام : يا سُفيانُ لا مُرُوَّةَ لِكَذوبٍ . ولا راحَةَ لِحَسودٍ ، ولا إخاءِ لِمَلولٍ . وَلا خُلَّةَ لِمُختالٍ . وَلا سُؤدَدَ لِسَيِّئ الخُلُقِ . ثُمَّ أمسَكَ عليه السلام .

.


1- .الخصال : ص 169 ح222، بحار الأنوار: ج78 ص192 ح6 نقلاً عنه.

ص: 238

مفتاح الرّزق
من مواعظه عليه السلام

فَقلت : يا ابن بنت رسول اللّه زِدني . فقال عليه السلام : يا سُفيانُ ثِق بِاللّهِ تَكُن عارِفاً . وَارضَ بِما قَسَمَهُ لَكَ تَكُن غَنِيّاً . صاحِب بِمِثلِ ما يُصاحِبونَكَ بِهِ تَزدَد إيماناً ، وَلا تُصاحِب الفاجِرَ فَيُعَلِّمُكَ مِن فُجورِهِ . وَشاوِر في أمرِكَ الّذينَ يَخشَوَن اللّهَ عز و جل . ثم أمسك عليه السلام . فقلت : يا ابن بنت رسول اللّه زدني . فقال عليه السلام : يا سُفيانُ ، مَن أرادَ عِزّاً بِلا سُلطانٍ ، وَكَثرَةً بِلا إخوانٍ ، وَهَيبَةً بِلا مالٍ ، فَلينتَقِل مِن ذُلِّ مَعاصي اللّهِ إلى عِزِّ طاعَتِهِ . ثمّ أمسك عليه السلام فقلت: يا ابن بنت رسول اللّه زدني. فقال عليه السلام : يا سُفيانُ ، أدَّبني أبي عليه السلام بِثَلاثٍ ، وَنَهاني عَن ثَلاثٍ : فَأمّا اللَّواتي أدَّبني بِهِنّ فإنَّهُ قالَ لي : يا بُنَيَّ مَن يَصحَب صاحِبَ السُّوءِ لا يَسلَمُ . وَمَن لا يُقَيِّد ألفاظَهُ يَندَم ، وَمَن يَدخُل مَداخِلَ السُّوءِ يُتَّهَم . قلت: يا ابن بنت رسول اللّه ، فما الثّلاث اللّواتي نهاك عَنهُنّ ؟ قال عليه السلام : نَهاني أن أصاحِبَ حاسِدَ نِعمَةٍ وَشامِتاً بُمُصيبَةٍ ، أو حامِلَ نَميمَةٍ . (1)

مفتاح الرّزقأحمد، عن يحيى بن العلاء، وإسحاق بن عمّار جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قالا: ما ودّعنا قطّ إلاّ أوصانا بخصلتين: عَلَيكُم بِصدقِ الحَديثِ ، وَأداءِ الأمانَةِ إلى البَرِّ وَالفاجِرِ ، فَإنَّهُما مِفتاحُ الرِّزقِ . (2)

من مواعظه عليه السلامأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عنبسة بن بجاد العابد :

.


1- .تحف العقول: ص376، بحار الأنوار: ج78 ص261 ح160 نقلاً عنه.
2- .الأمالي للطّوسي: ص676 ح1429، بحار الأنوار: ج103 ص92 ح6 نقلاً عنه.

ص: 239

تكملة فيما أمر به شيعته وأصحابه
في مكارم الأخلاق

أنّ رجلاً قال للصّادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام : أوصني . فقال : أعِدَّ جِهازَكَ ، وَقَدِّم زادَكَ لِطولِ سَفَرِكَ ، وَكُن وَصِيَّ نَفسِكَ ، وَلا تَأمَن غَيرَكَ أن يَبعَثَ إلَيكَ بِما يُصلِحُكَ . (1)

تكملةفيما أمر به شيعته وأصحابهفي مكارم الأخلاقعن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار (2) قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام :وَطِّن نَفسَكَ على حُسنِ الصَّحابَةِ لِمَن صَحِبتَ في حُسنِ خُلُقِكَ ، وَكُفَّ لِسانَكَ وَاكظُم غَيظَكَ ، وَأقِلَّ لَغوَكَ ، وَتَفَرّش عَفوَكَ وَتَسخو نَفسُكَ . (3)

وسهل بن زياد، وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول لحمران بن أعين (4) :يا حُِمرانُ ، انظُر إلى مَن هُوَ دونَكَ في المَقدِرَةِ ، وَلا تَنظُر إلى مَن هُوَ فَوقَكَ في المَقدِرَةِ ، فإنَّ ذلِكَ أقنَعُ لَكَ بِما قُسِمَ لَكَ ، وَأحرى أن تَستَوجِبَ الزِّيادَةَ مِن رَبِّكَ ، اعلَم أنَّ العَمَلَ الدّائِمَ القَليلَ على يَقينٍ ، أفضَلُ عِندَ اللّهِ جَلَّ ذِكرُهُ مِنَ العَمَلِ الكَثيرِ على غَيرِ يَقينٍ . وَاعلَم إنَّهُ لا وَرَعَ أنفَعُ مِن تَجَنُّبِ

.


1- .الأمالي للطّوسي: ص355 ح435، روضة الواعظين : ص488 .
2- .معاوية بن عمّار بن أبي معاوية خبّاب بن عبد اللّه الدّهنيّ ، ودهن هو حيّ من بجيلة ، مولاهم كوفيّ ، كان وجها ، ومقدما ، كثير الشأن ، عظيم المحل ، ثقة وأخوه القاسم ، وحكيم ، ومحمّد وكان من أصحاب الصّادق والكاظم عليهماالسلام ، وله كتاب . (راجع : رجال النجاشيّ : ج 2 ص 346 الرقم 1097 ، رجال الطوسي : ص 303 الرقم 4457 ، الفهرست : ص 247 الرقم 737) .
3- .الكافي : ج4 ص286 ح3.
4- .حُمران بن أعين الشّيبانيّ ، مولى كوفّي ، تابعيّ من أصحاب الباقر والصّادق عليهماالسلام ، ممدوح معظم ، مشكور ، قال أبي جعفر عليه السلام لحمران : أنت من شيعتنا في الدنيا والآخرة . يكني أبا الحسن ، ( راجع : رجال الطوسي : ص 194 الرقم 2415 ، رجال الكشي : ج 1 ص 412 ، خلاصة الأقوال : ص 134) .

ص: 240

في حسن المعاشرة
في الورع

مَحارِمِ اللّهِ ، وَالكَفِّ عَن أذى المُؤمِنينَ وَاغتِيابِهِم ، وَلا عَيشَ أهنَأُ مِن حُسنِ الخُلُقِ ، وَلا مالَ أنفَعُ مِن القُنوعِ بِاليَسيرِ المُجزي ، وَلا جَهلَ أضَرُّ مِنَ العُجبِ . (1)

في حسن المعاشرةأحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران ، عن محمّد بن حفص، عن أبي الرّبيع الشّاميّ 2 قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام والبيت غاص بأهله ، فيه الخراسانيّ والشّاميّ ومن أهل الآفاق ، فلم أجد موضعاً أقعد فيه ، فجلس أبو عبد اللّه عليه السلام وكان متّكئاً ثمّ قال :يا شيعَةَ آلِ مُحَمّدٍ ، اعلَموا إنَّهُ لَيس مِنّا مَن لَم يَملِك نَفسَهُ عِندَ غَضَبِهِ ، وَمَن لَم يُحسِن صُحبَةَ مَن صَحِبَهُ ، وَمُخالَقَةَ مَن خالَقَهُ ، وَمُرافَقَة مَن رافَقَهُ ، وَمُجاوَرَةَ مَن جاوَرَهُ ، وَمُمالَحَةَ مَن مالَحَهُ ، يا شيعَةَ آلِ مُحَمّد ، اتّقوا اللّهَ ما استَطَعتُم ، وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ . (2)

في الورعالفحام ، عن المنصوريّ، عن عمّ أبيه ، عن أبي الحسن الثّالث ، عن آبائه عليهم السلامقال : قال الصّادق عليه السلام :عَلَيكُم بِالوَرَعِ ، فإنَّهُ الدِّينُ الّذي نلازِمُهُ وَنَدينُ اللّهَ بِهِ ، وَنُريدُهُ مِمَّن يُوالينا ، لا تُتَّعِبونا بِالشّفاعَةِ . (3)

.


1- .الكافي: ج8 ص244 ح338، علل الشرائع : ص559 ح1، تحف العقول : ص360، الاختصاص : ص227، بحار الأنوار: ج69 ص400 ح93 وج70 ص173 ح28.
2- .الكافي : ج2 ص637 ح2.
3- .الأمالي للطّوسي: ص281 ح544، بحار الأنوار : ج70 ص306 ح29 نقلاً عنه.

ص: 241

في علّة سهولة النّزع وصعوبته على المؤمن والكافر
في الصّبر ، واليسر بعد العسر

في علّة سهولة النّزع وصعوبته على المؤمن والكافرمحمّد بن أبي القاسم ماجيلويه ، عن محمّد بن عليّ الكوفيّ ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام :يا مُفَضَّلُ ، إيّاكَ وَالذُّنوبَ وَحَذِّرها شيَعَتنا ، فَوَ اللّهِ ما هِيَ إلى أحَدٍ أسرَع مِنها إلَيكُم ، إنَّ أحَدَكُم لَتُصيبُهُ المَعَرَّةُ مِنَ السُّلطانِ ، وَما ذاكَ إلاّ بِذُنوبِهِ ، وَإنَّهُ لَيُصيبُهُ السُّقمُ ، وَما ذاكَ إلاّ بِذُنوبِهِ ، وَإنّهُ لَيُحبَسُ عَنهُ الرِّزقُ وَما هُوَ إلاّ بِذُنوبِهِ ، وَإنَّهُ لَيُشَدَّدُ عَلَيهِ عِندَ المَوتِ وَما هُوَ إلاّ بِذُنوبِهِ ، حَتّى يَقولَ مَن حَضَرَهُ لَقَد غُمَّ (1) بِالمَوتِ . فلمّا رأى ما قد دخلني قال : أتَدري لِمَ ذاكَ يا مُفَضَّلُ ؟ قال : قلتُ : لا أدري جُعِلتُ فِداكَ . قال : ذاكَ وَاللّهِ إنَّكُم لا تُؤاخَذونَ بِها في الآخِرَةِ ، وَعُجِّلَت لَكُم فِي الدُّنيا . (2)

في الصّبر ، واليسر بعد العسرعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه : وعليّ بن محمّد القاسانيّ، جميعاً، عن القاسم بن محمّد الاصبهانيّ ، عن سليمان بن داوود المنقريّ ، عن حفص بن غياث قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام :يا حَفصُ ، إنّ مَن صَبَرَ صَبَرَ قليلاً ، وَإنَّ مَن جَزَعَ جَزَعَ قَليلاً ، ثمّ قال : عَلَيكَ بِالصَّبرِ في جَميعِ اُمورِكَ ، فإنَّ اللّهَ عز و جل بَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله فأمَرَهُ بِالصَّبرِ وَالرِّفقِ ، فَقالَ : «وَ اصْبِرْ عَلَى مَايَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً * وَ ذَرْنِى وَ الْمُكَذِّبِينَ أُولِى النَّعْمَةِ» . (3) وَقالَ تَباركَ وَتَعالى : «ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَدَ اوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ * وَ مَايُلَقَّ_اهَآ إِلاَّ

.


1- .بيان : قال الفيروزآبادي : المعرة : الإثم ، والأذى ، والغرم ، والدّية ، والخيانة . قوله عليه السلام : لقد غمّ بالموت أي صار مغموماً متألماً بالموت غاية الغمّ لشدّته ، وقال الجوهري : غمّ يومناً بالفتح ، فهو يوم غمّ : إذا كان يأخذ بالنّفس من شدّة الحرّ.
2- .علل الشرائع : ص297 ح1، بحار الأنوار : ج6 ص157 ج15 نقلاً عنه.
3- .المزمل:11 و12.

ص: 242

الَّذِينَ صَبَرُوا وَ مَا يُلَقَّ_اهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ » (1) ، فَصَبَر رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى نالوهُ بالعَظائِمِ وَرَمَوهُ بِها ، فَضاقَ صَدرُهُ فَأنزَلَ اللّهُ عز و جل : «وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُن مِنَ السَّاجِدِينَ » (2) ، ثُمَّ كَذّبوهُ وَرَموهُ ، فَحَزِنَ لِذلِكَ ، فأنزَلَ اللّهُ عز و جل : «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ *وَلَقَدْكُذِّبَتْ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا» (3) . فَألزَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله نَفسَهُ الصّبرَ ، فَتَعَدّوا فَذَكروا اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى وَكَذّبوهُ ، فَقالَ : قَد صَبَرتُ في نَفسي وَأهلي وَعرِضي وَلا صَبرَ لي عَلى ذِكرِ إلهي ، فَأنزَلَ اللّهُ عز و جل : « وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَ اتِ وَالْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ مَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ» (4) ، فَصَبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله في جَميعِ أحوالِهِ ، ثُمَّ بُشِّرَ في عِترَتِهِ بِالأئمَّةِ ووُصِفوا بِالصَّبرِ ، فقالَ : جَلّ ثناؤهُ : « وَ جَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَ كَانُوا بَِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ » (5) فَعِندَ ذلِكَ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : الصَّبرُ مِنَ الإيمانِ كَالرّأسِ مِنَ الجَسَدِ ، فَشَكَرَ اللّهُ عز و جل ذلِكَ لَهُ ، فَأنزَلَ اللّهُ عز و جل : « وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِى إِسْرَ ائيلَ بِمَا صَبَرُوا وَ دَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ » (6) فَقالَ صلى الله عليه و آله : إنَّهُ بُشرى وَانتِقامٌ ، فأباحَ اللّهُ عز و جل لَهُ قِتالَ المُشرِكينَ فَأنزَلَ (اللّهُ) : «اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ» (7) ، «وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ» (8) فَقَتَلَهُم اللّهُ على يَدَي

.


1- .فصلت:34 و35.
2- .الحجر: 97 و98.
3- .الأنعام: 33 و34.
4- .ق: 38 و39.
5- .السجدة:24.
6- .الأعراف: 137.
7- .التوبة:5.
8- .البقرة:191،النساء:91.

ص: 243

في الحلم والعفو
في النّهي عن القول بغير علم والافتاء بالرأي

رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَأحِبّائِهِ ، وَجَعَلَ لَهُ ثَوابَ صَبرِهِ مَعَ ما ادَّخَرَ لَهُ في الآخِرَةِ ، فَمَن صَبَرَ وَاحتَسَبَ لَم يَخرُج مِنَ الدُّنيا حَتّى يُقِرَّ ( اللّهُ ) لَهُ عَينَهُ في أعدائِهِ ، مَعَ ما يَدّخِرُ لَهُ في الآخِرَةِ . (1)

في الحلم والعفوابن البرقيّ، عن أبيه، عن جدّه، عن جعفر بن عبد اللّه ، عن عبد الجبّار بن محمّد، عن داوود الشعيريّ ، عن الرّبيع صاحب المنصور (2) قال : قال المنصور للصّادق عليه السلام : حدّثني عن نفسك بحديث أتَّعِظ به ، ويكون لي زاجر صدق عن الموبقات، فقال الصّادق عليه السلام :عَلَيكَ بِالحِلمِ فإنَّهُ رُكنُ العِلمِ ، وَاملُك نَفسَكَ عِندَ أسبابِ القُدرَةِ ، فإنَّكَ إن تَفعَل ما تَقدِرُ عَلَيهِ كُنتَ كَمَن شَفى غَيظاً أو تَداوى حِقداً ، أو يُحِبُّ أنُ يُذكَرَ بِالصَّولَةِ وَاعلَم بِأنَّكَ إن عاقَبتَ مُستَحِقّاً لَم تَكُن غايَةُ ما تُوصَفُ بِهِ إلاّ العَدلُ ، وَلا أعرِفُ حالاً أفضَلَ مِن حالِ العَدلِ ، وَالحالُ الّتي تُوجِبُ الشُّكرَ أفضَلُ مِن الحالِ الّتي تُوجِبُ الصَّبرَ . (3)

في النّهي عن القول بغير علم والافتاء بالرأيمحمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد وعبد اللّه ابني محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن مفضّل بن مزيد (4) قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام :

.


1- .الكافي: ج2 ص88 ح3، بحار الأنوار: ج71 ص60 ح1 نقلاً عنه.
2- .الرّبيع صاحب المنصور الدّوانيقي ، واسمه : الرّبيع بن يونس بن محمّد بن أبي فروة ، واسم أبي فروة كيسان مولى الحارث الحفار مولى عثمان بن عفان ، وكان ابن عياش المنتوف يطعن في نسب الرّبيع ، وقيل : انّ الرّبيع وزر للمنصور وللهادي ولم يوزر للمهدي وإنّه مات في أوّل سنة سبعين ومئة . وحدث عن المنصور وجعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ، وروى عنه . موسى بن سهل ، وابنه الفضل بن الربيع ، وعبد اللّه بن عامر التميميّ . (راجع : تاريخ بغداد : ج 8 ص 412 الرقم 4521 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 18 ص 85 الرقم 2159) .
3- .الأمالي للصدوق : ص711 ح 978 ، بحار الأنوار : ج71 ص414 ح35 نقلاً عنه.
4- .مفضّل بن مزيد (يزيد) أخو شعيب الكاتب ، وروي الكشي حديثا : يعطى أنّه كان شيعيا وعدّه الشيخ من أصحاب الباقر عليه السلام . (راجع : رجال الكشي : ج 2 ص 672 ، رجال الطوسي : ص 146 الرقم 1606 ، خلاصة الأقوال : ص 491 ، رجال ابن داوود : ص 351 الرقم 1564) .

ص: 244

في المجالسة والمرافقة
في تزاور الإخوان

أنهاكَ عَن خِصلَتَينِ فيهِما هَلَكَ الرِّجالُ : أن تَدينَ اللّهَ بِالباطِلِ ، وَتُفتي النّاسَ بِما لا تَعلَمُ . (1) وَفي رواية اُخرى : الإمام الصادق عليه السلام : خِصلَتَينِ مُهلِكَتَينِ : تُفتي النّاسَ بِرَأيِكَ أو تَدينُ بِما لا تَعلَمُ . (2)

في المجالسة والمرافقةمحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، ومحمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان عن عمّار بن موسى (3) قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام :يا عَمّارُ ، إن كُنتَ تُحِبُّ أن تَستَتِبَّ لَكَ النِّعمَةُ ، وَتَكمُلُ لَكَ المُروءَةُ ، وَتَصلُحُ لَكَ المَعيشَةُ ، فَلا تُشارِك العَبيدَ وَالسَّفَلَةَ في أمرِك ، فَإنّكَ إنِ ائتَمنَتَهُم خانوكَ ، وَإنِ حَدَّثوكَ كَذَبوكَ ، وَإن نُكِبتَ خَذَلوكَ ، وَإن وَعَدوكَ أخلَفوكَ . (4)

في تزاور الإخوانأحمد بن محمّد بن خالد ، عن الحسن بن محبوب ، عن شعيب العقرقوفيّ (5)

.


1- .الخصال : ص52 ح65، المحاسن : ج1 ص204 ح54 و55 ، بحار الأنوار: ج2 ص114 ح5.
2- .تحف العقول : ص369 ، دعائم الإسلام : ج2 ص536 ح1904 وفيه «قال لبعض أصحابه»، بحار الأنوار : ج78 ص252 ح108.
3- .عمّار بن موسى السّاباطيّ : أبو الفضل ، مولى ، وأخواه قيس وصباح كانوا ثقات في الروّاية ، كوفيّ ، كبير ، جيّد ، معتمد ، وله كتاب ، وكان فطحيّا ، وعدّه من أصحاب الصّادق والكاظم عليهماالسلام . ( راجع : رجال النجاشي : ج 2 ص 138 الرقم 778 ، رجال الكشي : ج 2 ص 524 ، الفهرست : ص 189 الرقم 526 ، رجال الطوسي : ص 251 الرقم 3527 وص 340 الرقم 5054 ) .
4- .الكافي : ج2 ص640 ح5 .
5- .شعيب العقرقوقيّ : أبو يعقوب ابن اُخت أبي بصير يحيى بن القاسم ، ثقة ، عين ، له كتاب عدّه من أصحاب الصّادق والكاظم عليهماالسلام . (راجع : رجال النجاشي : ج 1 ص 435 الرقم 518 ، رجال الكشي : ج 2 ص 741 ، رجال الطوسي : ص 224 الرقم 3005 و ص 338 الرقم 5035) . والعقرقوفي : نسبة إلى عقرفوف ، وهو عقر أضيف إلى قوف فصار مركبا ، قيل هي قرية من نواحي دجيل ورد بالمنع وأنّه من نواحي نهر عيسى ، بينها وبين بغداد أربعة فراسخ إلى جانبها تلّ عظيم عالى يرى من خمسة فراسخ بل أكثر ، وفي وسطه بناء باللّبن والقصب ، كأنّه قد كان أعلى ممّا هو فأستهدم بالمطر فصار ما تهدم حوله تلّأ عاليا . (راجع : تنقيح المقال : ج 1 ص 19 ، مراصد الاطلاع) .

ص: 245

في تذاكر الإخوان
في الشكوى للإخوان

قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول لأصحابه :اتّقوا اللّهَ وَكونوا إخوَةً بَرَرَةً ، مُتَحابيّنَ في اللّهِ ، مُتَواصِلينَ ، مُتَراحِمينَ ، تَزاوَروا وَتَلاقَوا وَتَذاكَروا أمرَنا وَأحيوه. (1)

في تذاكر الإخوانمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن يزيد بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :تَزاوَروا ، فإنّ في زِيارَتِكُم إحياءً لِقُلوبِكُم ، وَذِكراً لِأَحاديثِنا ، وَأحاديثُنا تَعطِفُ بَعضَكُم على بَعضٍ ، فَإن أخَذتُم بِها رَشِدتُم وَنَجَوتُم ، وَإن تَرَكتُموها ضَلَلتُم وَهَلَكتُم ، فَخُذوا بِها وَأنا بِنَجاتِكُم زَعيمٌ . (2)

في الشكوى للإخوانأحمد بن محمّد بن خالد ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد (3)

.


1- .الكافي :ج 2 ص 175 ح 1 ، الأمالي للطّوسي : ص 60 ح 87 وفيه «عن محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبداللّه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن محبوب ، عن شعيب القرقوفي ، قال : حدّثنا أبو عبيد ، قال : سمعت أبا عبداللّه . . . »، بحار الأنوار : ج 74 ص 351 ح 20 .
2- .الكافي : ج2 ص186 ح2،بحار الأنوار : ج74 ص258 ح56 نقلاً عنه.
3- .قال الشيخ رحمه الله : الحسن بن راشد مولى بني العباس ، كوفيّ ، وفي مكان آخر : بغدايّ ، وقال ابن الغضائري : الحسن بن راشد مولى المنصور ، أبو محمّد ، ضعيف ، وعدّا من أصحاب الصّادق والكاظم عليهماالسلام . والظاهر اتّحادهما . ( راجع : رجال الطوسي : ص 181 الرقم 2172 ، وص 334 الرقم 4973 ، رجال ابن الغضائري : ص 49 الرقم 28 و ص 132 ، خلاصة الأقوال : ص 335) .

ص: 246

في أنَّ الشَّيعة هم أهل دين اللّه وهم على دين
الولاية

قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام :يا حَسَنُ ، إذا نَزَلَت بِكَ نازِلَةٌ فَلا تَشكُها إلى أحَدٍ مِن أهلِ الخِلافِ ، وَلكن اذكُرها لِبَعضِ إخوانِكَ ، فَإنَّكَ لَن تَعدَمَ خِصلَةً مِن أربَعِ خِصالٍ : إمّا كفايَةً بِمالٍ ، وَإمّا مَعونَةً بِجاهٍ ، أو دَعوَةً فَتُستَجابُ ، أو مَشورَةً بِرَأيٍ . (1)

في أنَّ الشَّيعة هم أهل دين اللّه وهم على دينيحيى الحلبيّ، عن عبد اللّه بن مسكان، عن حبيب 2 قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:أما واللّهِ ما أحَدٌ مِنَ النّاسِ أحَبَّ إلَيَّ مِنكُم ، وَإنَّ النّاسَ سَلَكوا سُبُلاً شَتّى فَمِنهُم مَن أخَذَ بِرَأيِهِ ، وَمنِهُم مَن اتَّبعَ هواهُ ، وَمِنهُم مَن اتَّبَعَ الرِّوايَةَ ، وَإنَّكُم أخَذتُم بِأمرٍ لَهُ أصلٌ ، فَعَلَيكُم بِالوَرَعِ وَالاجتِهادِ ، وَاشهَدوا الجَنائِزَ ، وَعودوا المَرضى وَاحضَروا مَعَ قَومِكُم في مَساجدِهِم لِلصّلاةِ ، أما يَستَحي الرَّجُلُ مِنكُم أن يَعرِفَ جارُهُ حَقَّهُ وَلا يَعرِفُ حَقَّ جارِهِ . (2)

الولايةحميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:رَحِمَ اللّهُ عَبداً حَبَّبنا إلى النّاسِ وَلَم يُبَغِّضنا إلَيهِم ، أما وَاللّهِ لَو يَروونَ مَحاسِنَ كَلامِنا لَكانوا بِهِ أعزَّ ، وَما استَطاعَ أحَدٌ أن يَتَعَلَّقَ عَلَيهمِ بِشَيءٍ ، وَلكِنَّ أحدَهُم يَسمَعُ

.


1- .الكافي :ج8 ص170 ح192،تحف العقول :ص379 ،بحار الأنوار :ج78ص265 ح174وج81 ص207 ح18.
2- .الكافي: ج8 ص146 ح121 وراجع: المحاسن : ج1 ص156 ح87، بحار الأنوار: ج68 ص90 ح23.

ص: 247

في السّكوت والكلام وموقعهما
في الحسنات بعد السّيئات

الكَلِمَةَ فَيَحُطُّ إلَيها عَشراً . (1)

وهارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة (2) قال : سَمِعتُ أبا عَبدِاللّه عليه السلام يَقولُ لِأصحابِهِ يَوماً :لا تَطعَنوا في عُيوبِ مَن أقبَلَ إلَيكُم بِمَودَّتِهِ وَلا تُوقِفوهُ على سَيِّئَةٍ يَخضَعُ لَها فإنَّها لَيسَت مِن أخلاقِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَلا مِن أخلاقِ أوليائِهِ . (3)

في السّكوت والكلام وموقعهماالإمام الصادق عليه السلام :استَمِعوا مِنّي كَلاماً هُوَ خَيرٌ مِنَ الدّراهِمِ المَدقوقَةِ : لا تَكَلَّمَنَ بِما لا يَعنيكَ ، وَدَع كَثيراً مِنَ الكَلامِ فيما يَعنيكَ حَتّى تَجِدَ لَهُ مَوضِعاً ، فَرُبَّ مُتَكَلِّمٍ بِحَقٍّ في غَيرِ مَوضِعِهِ فَعَنَتَ ، ولا تُمارِيَنَّ سَفيهاً وَلا حَليماً ، فإنَّ الحَليمَ يَغلِبُكَ وَالسّفيهَ يُرديكَ ، واذكُر أخاكَ إذا تَغَيّبَ عَنكَ بِأحسَنِ مِمّا تُحِبُّ أن يَذكُرَكَ بِهِ إذا تَغَيَّبتَ عَنهُ . وَاعلَم أنّ هذا هُوَ العَمَلُ ، وَاعمَل عَمَلَ مَن يَعلَمُ أنَّهُ مَجزِيٌّ بِالإحسانِ مأخوذٌ بِالإجرامِ . (4)

في الحسنات بعد السّيئاتأبو جعفر محمّد بن عليّ قال: حدّثنا محمّد بن عليّ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن عليّ الكوفيّ، عن محمّد بن سنان، عن أبي النّعمان، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهماالسلام ، قال : قال لي :يا أبا النُّعمانِ لا يَغُرَّنَّكَ النّاسُ مِن نَفسِكَ ، فَإنَّ الأمرَ يَصِلُ إلَيكَ دونَهُم ، وَلا تَقطَع نهارَكَ بِكَذا وَكَذا فإنّ مَعَكَ مِنهُ يُحصي عَلَيكَ ، وَأحسِن فإنّي لَم أرَ أشَدَّ طَلَباً ولا أسرَعَ دَرَكاً مِن حَسَنَةٍ مُحدَثَةٍ لِذَنبٍ قَديمٍ ، إنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ يَقولُ : « إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذَ لِكَ ذِكْرَى لِلذَّ اكِرِينَ » (5) . (6)

.


1- .الكافي: ج8 ص229 ح293، مشكاة الأنوار: ص317 نحوه.
2- .راجع : الكتاب الرابع والعشرون .
3- .الكافي: ج8 ص150 ح132.
4- .الاختصاص: ص231، بحار الأنوار: ج71 ص288 ح46 نقلاً عنه.
5- .هود:114.
6- .الأمالي للطّوسي : ص67 ح3 ، بحار الأنوار: ج71 ص244 ح9 وراجع : علل الشرائع : ص599 ح49 ، الزهد للحسين بن سعيد : ص16 ح31 ، بحار الأنوار : ج69 ص401 ح100 .

ص: 248

في الكتمان
في أحوال الشّاب
في الحبّ إلى الإخوان

في الكتمانأحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد اللّه بن يحيى ، عن حريز ، عن معلّى بن خُنَيْس (1) قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام :يا مُعَلَّى ، اكتُم أمرَنا ولا تُذِعُه ، فإنَّهُ مَن كَتَمَ أمرَنا وَلَم يُذِعهُ أعَزَّهُ اللّهُ بِهِ فِي الدُّنيا ، وَجَعَلَهُ نوراً بَينَ عَينَيهِ في الآخِرَةِ ، يَقودُهُ إلى الجَنَّةِ ، يا مُعَلَّى مَن أذاعَ أمرَنا وَلَم يَكتِمهُ أذَلَّهُ اللّهُ بِهِ في الدُّنيا وَنَزَعَ النّورَ مِن بَينِ عَينَيهِ في الآخِرَةِ ، وَجَعَلَهُ ظُلمَةً تَقودُهُ إلى النّارِ ، يا مُعَلّى ، إنَّ التَّقِيَةَ مِن ديني وَدينِ آبائي ، وَلا دينَ لِمَن لا تَقِيَّةَ لَهُ ، يا مُعَلّى ، إنَّ اللّهَ يُحِبُّ أن يُعبَدَ في السِّرِ كَما يُحِبُّ أن يُعبَدَ في العَلانِيَةِ ، يا مُعلّى ، إنّ المُذيعَ لِأمرِنا كالجاحِدِ لَهُ . (2)

في أحوال الشّابأبو قتادة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنّه قال:لَستُ اُحِبُّ أن أرى الشّابَّ مِنكُم إلاّ غادِياً في حالَينِ : إمّا عالِماً أو مُتَعَلِّماً ، فإن لَم يَفعَل فَرَّطَ ، فإن فَرَّطَ ضَيَّعَ ، وَإن ضَيَّعَ أثِمَ ، وَإن أثِمَ سَكَنَ النّارَ وَالّذي بَعَثَ مُحَمّداً صلى الله عليه و آله بِالحَقِّ . (3)

في الحبّ إلى الإخوانأبا قتادة ، عن صفوّان الجمّال، قال: دخل المعلّى بن خنيس على أبي عبد اللّه عليه السلام يودعه وقد أراد سفراً، فلمّا ودعه، قال:يا مُعَلّى، أعزِز بِاللّهِ يُعزِزكَ . قال : بماذا يابن رسول اللّه ؟ قال: يا مُعلّى،خَفِ اللّهَ( تَعالى )يَخَف مِنكَ كُلُّ شَيءٍ . يا مُعلّى ،

.


1- .معلّى بن خُنَيْس : أبو عبد اللّه ، مولى الصّادق عليه السلام ، ومن قبله كان مولى بني أسد ، كوفيّ ، بزاز ، وقد نسب إليه الغلوّ ، وروى الكشي روايات كثيرة تدلّ على مدحه ، وأنّه من أهل الجنّة ، ثمّ روى ما يدلّ على ذمّه من جهة تقصيره في التّقية ، ومن أنّه أزاع سرّ مولاه عليه السلام . (راجع : رجال النجاشي : ج 2 ص 363 الرقم 1115 ، رجال الكشي : ج 2 ص 675 ، خلاصة الأقوال : ص 352 و 408) .
2- .الكافي : ج2 ص223 ح8، المحاسن : ج1 ص255 ح286، مشكاة الأنوار : ص87.
3- .الأمالي للطّوسي: ص303 ح604، بحار الأنوار: ج1 ص170 ح22 نقلاً عنه.

ص: 249

في البذاء
في التّفتيش عن أحوال النّاس

تَحَبَّب إلى إخوانِكَ بِصِلَتِهِم ، فإنّ اللّهَ جَعَلَ العَطاءَ مَحَبَّةً وَالمَنعَ مَبغَضَةً ، فَأنتُم وَاللّهِ إن تَسألوني وَاُعطيكُم فَتُحبّوني أحَبُّ إلَيَّ مِن ألاّ تَسألوني فَلا اُعطيكُم فَتُبغِضوني ، وَمَهما أجرى اللّهُ عز و جل لَكُم مِن شَيءٍ على يَدَيَّ فَالمَحمودُ اللّهُ ( تعالى ) ، وَلا تَبعُدونَ مِن شُكرِ ما أجرى اللّهُ لَكُم على يَدَيَّ . (1)

في البذاءمعلّى بن محمّد، عن أحمد بن غسّان ، عن سَماعة (2) قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال لي مبتدئاً :يا سُماعَةُ ، ما هذا الّذي كان بَينَكَ وَبَينَ جَمّالِكَ ، إيّاكَ أن تَكونَ فَحَّاشاً أو سَخّاباً أو لَعّاناً . فقلتُ : وَاللّه لَقَد كانَ ذلِكَ ، إنَّهُ ظَلَمَني . فقال: إن كانَ ظَلَمَكَ لَقَد اُوتيتَ عَلَيهِ ، إن هذا لَيسَ مِن فِعالي وَلا آمُرُ بهِ شيَعتي ، استَغفِر رَبَّكَ وَلا تَعُد . قلت : استَغفِرُ اللّهَ وَلا أعودُ . (3)

في التّفتيش عن أحوال النّاسالإمام الصّادق عليه السلام قال لأبي بصير:يا أبا مُحَمّدٍ ، لا تُفَتِّش النّاسَ عَن أديانِهِم فَتَبقى بِلا صَديقٍ . (4)

.


1- .الأمالي للطّوسي: ص304 ح608.
2- .سماعة بن مهران بن عبد الرّحمان الحضرمي ، مولى : عبد بن وائل بن حجر الحضرميّ ، يكنّى : أبا ناشرة ، وقيل : أبا محمّد ، كان يتّجر في القز ، ويخرج به إلى حران ، ونزل من الكوفة كندة ، روى عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن عليهماالسلام ، رمات بالمدينة ، ثقة ، ثقة ، وله بالكوفة مسجد بحضرموت ، وهو مسجد زرعة بن محمّد الحضرمي بعده ، ومات سنة خمس وأربعين ومئة . (راجع : رجال النجاشي : ج 1 ص 431 الرقم 515 ، رجال الطوسي : ص 221 الرقم 2958 ، خلاصة الأقوال : ص 356) .
3- .الكافي:ج 2 ص326 ح14، كشف الغمّة : ج2 ص406.
4- .تحف العقول : ص369،بحار الأنوار : ج78 ص253 ح109 نقلاً عنه.

ص: 250

. .

ص: 251

الفصل السّادس : في الدّعاء

اشاره

الفصل السّادس : في الدّعاء

.

ص: 252

. .

ص: 253

82 . كتاب له عليه السلام إلى محمّد بن الأشعث في الدّعاءوالصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه و آله

82كتاب له عليه السلام إلى محمّد بن الأشعثفي الدّعاء والصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه و آلهيقول السّيّد الإمام العالم العامل ، الفقيه الكامل العلاّمة الفاضل ، الورع البارع ، رضي الدّين ركن الإسلام جمال العارفين ، أبو القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن محمّد الطّاووس الحسينيّ ، كبّت اللّه أعداه : ورويت هذه الصّلاة بإسنادي إلى أبي العبّاس أحمد بن عقدة، من كتابه الّذي صنّفه في مشايخ الشّيعة فقال : أنبأنا محمّد بن عبد اللّه بن مهران ، قال : حدّثني أبي ، عن أبيه أنّ أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهماالسلام دفع إلى محمّد بن الأشعث كتاباً ، فيه دعاء والصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه و آله ، دفعه جعفر بن محمّد بن الأشعث (1) إلى إبنه مهران ، وكانت الصّلوة على النّبيّ صلى الله عليه و آله الّتي فيه :

.


1- .محمّد بن الأشعث : هو الّذي أمره المنصور الدّوانيقّي بإرسال جاسوس إلى المدينة فأرسله ، فلمّا رجع أخبره بقضايا ومعجزة الصّادق عليه السلام فاهتدى إلى الحقّ هو وابنه جعفر . (راجع : قاموس الرجال : ج 9 ص 124 الرقم 6469 ، معجم رجال الحديث : ج 16 ص 121 الرقم 10301) .

ص: 254

اللّهُمَّ إنّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله كما وَصَفتَهُ في كتابِكَ ، حَيثُ تَقولُ : «لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ » (1) ، فَأشهَدُ أنَّهُ كذلِكَ وَأنَّكَ لَم تأمرُ بِالصَّلوةِ عَلَيهِ إلاّ بَعدَ أن صَلَّيتَ عَلَيهِ أنتَ وَمَلآئِكَتُكَ ، وَأنزَلتَ في مُحكَمِ قُرآنِكَ : « إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً » (2) ، لا لِحاجَةٍ إلى صَلوةِ أحَدٍ مِنَ المَخلوقينَ بَعدَ صلوتِكَ عَلَيهِ ، وَلا إلى تَزكِيَتِهِم إيّاهُ بَعدَ تَزكِيَتِكَ ، بَل الخَلقُ جميعاً هُمُ المُحتاجونَ إلى ذلِكَ ، لِأنَّكَ جَعَلتَهُ بابَكَ الّذي لا تَقبَلُ مِمَّن أتاكَ إلاّ مِنهُ ، وَجَعَلتَ الصَّلوةَ عَلَيهِ قُربَةً مِنكَ وَوَسيلَةً إلَيكَ وَزُلفَةً عِندَكَ ، وَدَلَلتَ المُؤمِنينَ عَلَيهِ وَأمَرتَهُم بِالصّلوةِ عَلَيهِ لِيَزدادوا بِها أثَرَةً لَديكَ وَكَرامَةً عَلَيكَ ، وَوَكّلتَ بِالمُصلّينَ عَلَيهِ مَلائِكَتَكَ يُصلّونَ عَلَيهِ وَيُبلّغونَهُ صَلوتَهُم وَتَسليمَهُم . اللّهُمَّ رَبَّ مُحمَّدٍ صلى الله عليه و آله فإنّي أسأَلُكَ بِما عَظّمتَ ( بِهِ ) مِن أمرِ مُحَمَّدٍ وَأوجَبتَ مِن حَقِّهِ أن تُطلِقَ لِساني مِنَ الصَّلوةِ عَلَيهِ بِما تُحِبُّ وَتَرضى ، وَبِما لَم تُطلِق بِهِ لِسانَ أحَدٍ مِن خَلقِكَ وَلَم تُعطِهِ إيّاهُ ، ثُمّ تُؤتَيِني على ذلِكَ مُرافَقَتَهُ ، حَيثُ أحلَلتَهُ على قُدسِكَ وَجَنّاتِ فِردَوسِكَ ، ثُمَّ لا تُفَرِّق بَيني وَبَينَهُ . اللّهُمَّ إنّي أبدَأُ بِالشَّهادَةِ لَهُ ثُمَّ بِالصَّلوةِ عَلَيهِ ، وَإن كُنتُ لا أبلُغُ مِن ذلِكَ رِضى نَفسي ، وَلا يُعَبِّرهُ لِساني عَن ضَميري ، وَلا اُلامُ عَلى التَّقصيرِ مِنّي لِعَجز قُدرَتي عَن بُلوغِ الواجِبِ عَلَيَّ مِنهُ ، لأنَّهُ حَظٌّ لي وَحَقٌّ عَلَيَّ وَأداءٌ لِما أوجَبتَ لَهُ في عُنُقي ، أن قَد بَلَّغَ رِسالاتِكَ غَيرَ مُفرِّطٍ فيما أمَرتَ ، وَلا مُجاوِزٍ لِما نَهَيتَ ، وَلا مُقَصِّرٍ فيما أرَدتَ ، وَلا مُتَعَدٍّ لِما أوصَيتَ ، وتلا آياتِكَ على ما أنزَلتَ إلَيهِ وَحيَكَ ، وَجاهَدَ في سَبيلِكَ مُقبِلاً غَيرَ مُدبِرٍ ، وَوَفى بِعَهدِكَ وَصَدَّقَ وَعدَكَ وَصَدَعَ بِأمرِكَ ، لا يَخافُ فيكَ

.


1- .التوبة: 128.
2- .الأحزاب: 56.

ص: 255

لَومَةَ لائِمٍ ، وَباعَدَ فيكَ الأقرَبينَ وَقَرَّبَ فيكَ الأبعَدينَ ، وَأمَرَ بِطاعَتِكَ وَائتَمَرَ بِها سِرّاً وَعَلانِيةً ، وَنَهى عَن مَعصِيَتِكَ وَانتَهى عَنها (1) ، وَأشهَدُ أنّهُ تَوَلّى مِنَ الدُّنيا راضِياً عَنكَ مَرضِيّاً عِندَكَ مَحموداً في المُقَرَّبينَ وأنبيائِكَ المُرسَلينَ وَعِبادِكَ الصّالِحينَ المُصطَفَينَ ، وَأنَّهُ غَيرُ مُليمٍ ولا ذَميمٍ وَأنَّهُ لَم يَكُن مِنَ المُتَكَلِّفينَ ، وَأَنّهُ لَم يَكُن ساحِراً وَلا سُحِرَ لَهُ ، وَلا كاهِناً ولا تُكُهِّنَ لَهُ ، ولا شاعِراً ولا شُعِرَ لَهُ ، وَلا كَذّاباً ، وَأنَّهُ (كانَ) رَسولَكَ وَخاتَمَ النَّبِيّينَ ، جاءَ بالحَقِّ مِن عِندِ الحَقِّ ، وَصَدَّقَ المُرسَلينَ ، وَأشهَدُ أنّ الّذينَ كَذّبوهُ ذائِقوا العَذابِ الأليمِ ، وَأشهَدُ أنّ ما أتانا بِهِ مِن عِندِكَ وَأخبَرَنا بِهِ عَنكَ أنَّهُ الحَقُّ اليَقينُ لا شَكَّ فيهِ مِن رَبِّ العالَمينَ . اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمّدٍ عَبدِكَ وَرَسولِكَ ، وَنَبِيِّكَ ، وَوَلِيِّكَ ، وَنَجِيِّكَ وَصَفِيِّكَ ، وَصَفوَتِكَ ، وَخِيَرَتِكَ مِن خَلقِكَ ، الّذي انتَجَبتَهُ لِرِسالاتِكَ ، واستَخلَصتَهُ لِدينِكَ ، وَاستَرعَيتَهُ عِبادَكَ ، وائتَمَنتَهُ على وَحيِكَ ، عَلَمُ الهُدى وَبابُ النُّهى وَالعُروَةُ الوُثقى ، فيما بَينَكَ وَبَينَ خَلقِكَ ، الشّاهِدُ لَهُم وَالمُهَيمِنَ عَلَيهِم ، أشرَفَ وَأفضَلَ وَأزكى وَأطهَرَ وأنمَى وَأطيَبَ ما صَلَّيتَ عَلى أحدٍ مِن خَلقِكَ وَأنبِيائِكَ وَرُسلِكَ وأصفِيائِكَ وَالمُخلِصينَ مِن عِبادِكَ .

.


1- .وفي نسخة « انتهى عنها سرّاً وعلانيّة» . أضاف في بحار الأنوار بعد هذه الجملة عبارة الذّيل من نسخة قديمة من مؤلفات الأصحاب وقال : ( فإنّ هذه الزّيادة لم تكن في ساير الكتب ووجودها أولى ) : « ودلّ على محاسن الأخلاق وأخذ بها ، ونهى عن مساوي الأخلاق ورغب عنها ، ووالى أولياءكَ الّذين تحبّ أن يوالى به قولاً وعملاً ، ودعا إلى سبيلك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وعبدك مخلصاً حتّى أتاه اليقين ، فقبضته إليك تقيّاً نقيّاً زكيّاً ، قد أكملت به الدّين وأتممت به النّعيم ، وظاهرت به الحجج ، وشرعت به شرايع الإسلام ، وفصّلت به الحلال عن الحرام ، ونهجت به لخلقك صراطك المستقيم ، وبيّنت به العلامات والنّجوم الّذي به يهتدون ، ولم تدعهم بعده في عمياء يهيمون ولا في شبهة يتيهون ، ولم تكلهم إلى النّظر لأنفسهم في دينهم بآرائهم ولا التّخير منهم بأهوائهم ، فيتشبّعون في مدلهمّات البدع ، ويتحيّرون في مطبقات الظّلم ، وتتفرّق بهم السّبل في ما يعلمون وفيما لا يعلمون » .

ص: 256

اللّهمَّ وَاجعَل صَلواتِكَ وَغُفرانَكَ وَرِضوانَكَ وَمعافاتَكَ وَكَرامَتَكَ وَرَحمَتَكَ وَمَنَّكَ وَفَضَلَكَ وَسلامَكَ وَشرَفَكَ وَإعظامَكَ وَتَبجيلَكَ ، وَصلواتِ مَلائِكَتِكَ وَرُسلِكَ وَالأوصياءِ وَالشُّهداءِ وَالصِّديقينَ وَعِبادِكَ الصّالِحينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفيقاً ، وَأهلَ السّماواتِ وَالأرضينَ وما بَينَهُما وما فَوقَهُما وَما تَحتَهُما وَما بَينَ الخافِقَينِ وَما بَينَ الهَواءِ وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ والنُّجومِ وَالجِبالِ وَالشَجَرِ وَالدَّوابِّ ، وما سَبَّحَ لَكَ في البَرِّ وَالبَحرِ ، وَفي الظُّلمَةِ وَالضِّياءِ ، بِالغُدُوِّ وَالآصالِ ، وَفي آناءِ اللّيلِ وَأطرافِ النّهارِ وَساعاتِهِ ، على مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ ، سَيّدِ المُرسَلينَ وَخاتَمِ النَّبِيّينَ وَإمامِ المُتَّقينَ وَمَولى المُؤمِنينَ وَوَلِيِّ المُسلِمينَ وَقائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلينَ وَرَسولِ رَبِّ العالَمينَ إلى الجِنِّ وَالإنسِ وَالأعجَمينَ ، وَالشّاهِدِ البَشيرِ ، وَالأمينِ النَّذيرِ ، الدّاعي إلَيكَ بإذنِكَ السِّراجِ المُنيرِ . اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ في الأوّلينَ . اللّهمّ صَلِّ على مُحَمّدٍ ( وَآلِ مُحَمّدٍ ) في الآخِرينَ ، وَصَلِّ على مُحَمّدٍ ( وَآلِ مُحمّد ) يَومَ الدّينِ ، يَومَ يَقومُ النّاسُ لِرَبِّ العالَمينَ . اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ كما هَدَيتَنا بِه . اللّهمّ صَلِّ على مُحَمّدٍ كما أنعَشتَنا بهِ . اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ كما استَنقَذتنا بهِ (1) . اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ كَما أحيَيتَنا بهِ . اللّهمّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ كما شَرَّفتَنا بهِ . اللّهمّ صَلّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما أعزَزتَنا بهِ .

.


1- .في بحار الأنوار زيادة : « اللّهمّ صلّ على محمّد كما كرّمتنا به ، اللّهمّ صلّ على محمّد كما كثّرتنا به، اللّهمّ صلّ على محمّد كما ثبّتنابه » .

ص: 257

اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ كما فَضَّلتَنا بهِ . (1) اللّهمَّ اجزِ نَبِيَّنا مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله أفضَلَ ما أنتَ جازٍ يَومَ القِيامَةِ نَبِيّاً عَن أُمَّتِهِ وَرَسولاً عَمَّن أرسَلتَهُ إلَيهِ . اللّهمَّ اخصُصهُ بأفضَلِ قِسَمِ الفَضائِلِ ، وَبَلِّغهُ أعلى شَرَف المُكَرّمينَ ، مِنَ الدّرَجاتِ العُلى في أعلى عِلّيّينَ في جَنّاتٍ وَنَهَرٍ في مَقعَدِ صِدقٍ عِندَ مَليكٍ مُقتَدِرٍ . اللّهمَّ أعطِ مُحَمّداً صلى الله عليه و آله حَتّى يَرضى ، وَزِدهُ بَعدَ الرِّضا ، وَاجعَلهُ أكرَمَ خَلقِكَ مِنكَ مَجلِساً ، وَأعظَمَهُم عِندَكَ جاهاً ، وَأوفَرَهُم عِندَك حَظّاً ، في كُلِّ خَيرٍ أنتَ قاسِمُهُ بَينَهُم . اللّهمَّ أورِد عَلَيهِ مِن ذُرِّيّتِهِ وَأزواجِهِ وأهلِ بَيتِهِ وَذَوي قَرابَتِهِ وَأُمّتِهِ مَن تُقِرُّ بهِ عَينَهُ ، وَأقرِر عُيونَنا بِرُؤيَتِهِ وَلا تُفَرِّق بيننا وَبَينَهُ . اللّهمّ صَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحمَّدٍ ، وَاعطِهِ مِنَ الوَسيلَةِ وَالفَضيلَةِ وَالشَّرَفِ وَالكَرامَةِ ما يَغبِطُهُ بهِ المَلائِكَةُ المُقرّبونَ وَالنَّبِيّونَ وَالمُرسَلونَ وَالخَلقُ أجمَعونَ . اللّهمَّ بَيّض وَجهَهُ وأعلِ كَعْبَهُ ، وَأفلِج حُجَّتَهُ وَأجِب دَعوَتَهُ ، وَابعَثهُ المَقامَ المُحمودَ الّذي وَعَدتَهُ ، وَأكرِم زُلفَتَهُ وَأجزِل عَطِيَّتَهُ ، وَتَقَبَّل شَفاعَتَهُ وَأعطِهِ سُؤلَهُ ، وَشَرِّف بُنيانَهُ وَعَظِّم بُرهانَهُ ، وَنَوِّر نورَهُ وَأورِدنا حَوضَهُ ، واسقِنا بِكأسِهِ وَتَقَبَّل صَلاةَ أُمّتِهِ عَلَيهِ ، وَاقصُص بِنا أثرَهُ وَاسلُك بِنا سَبيلَهُ وَتَوَفَّنا على مِلَّتِهِ وَاستَعمِلنا بِسُنَنِهِ ، وَابعَثنا على مِنهاجِهِ ، وَاجعَلنا نَدينُ بِدينِهِ وَنهتَدي بِهُداهُ وَنَقتَدي بِسُنَّتِهِ ، وَنَكونُ شيعَتَهُ وَمواليهِ وأولياءَهُ وأحبّاءَهُ وَخِيارَ أُمّتِهِ وَمُقَدَّمَ زُمرَتِهِ وَتَحتَ لِوائِهِ ، نُعادي عَدُوَّهُ وَنُوالي وَلِّيَهُ حَتّى تُورِدَنا عَلَيهِ بَعدَ المَماتِ مَورِدَهُ ، غَيرَ خَزايا وَلا نادمينَ ولا مُبَدِّلينَ وَلا ناكِثينَ .

.


1- .في بحار الأنوار زيادة: «اللّهمّ صلّ على محمّد كما رحمتنا به».

ص: 258

اللّهمَّ وَأعطِ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله مَعَ كُلِّ زُلفَةٍ زُلفَةً ، وَمَعَ كُلِّ قُربَةٍ قُربَةً ، وَمَعَ كُلِّ وَسيلَةٍ وَسيلَةً ، وَمَعَ كُلِّ فَضيلَةٍ فَضيلَةً ، وَمَعَ كُلِّ شَفاعَةٍ شَفاعَةً ، وَمَعَ كُلِّ كرامَةً كرامَةً ، وَمَعَ كُلِّ خَيرٍ خَيراً ، وَمَعَ كُلِّ شَرَفٍ شَرَفاً ، وَشَفِّعهُ في كُلِّ مَن يَشفَعُ لَهُ مِن أُمّتِهِ وَغَيرِهِم مِنَ الأُمَمِ ، حَتّى لا يُعطى مَلَكٌ مُقَرّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ وَلا عَبدٌ مُصطَفى ، إلاّ دونَ ما أنتَ مُعطيهِ مُحَمّداً صلى الله عليه و آله يَومَ القِيامَةِ . اللّهُمَّ وَاجعَلهُ المُقَدَّمَ في الدَّعوَةِ وَالمُؤثَرَ بِهِ في الأثَرَةِ ، وَالمُنوَّهَ باسمِهِ في الشَّفاعَةِ ، تَجَلّيتَ بِنورِكَ وَجي (1) بالنَّبيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهداءِ وَالصّالِحينَ وَقَضى بَينَهُم بِالحَقِّ وَقيلَ الحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ ، ذلِكَ يَومُ التَّغابُنِ ، ذلِكَ يَومُ الحَسرَةِ ، ذلِكَ يَومُ الأزِفَةِ ، ذلِكَ يَومٌ لا تُستَقال فيهِ العَثَراتُ ، ولا تُبسَط فيهِ التَّوباتُ وَلا يُستَدرَك فيهِ ما فاتَ . اللّهمّ فَصَلِّ على مُحَمّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَارحَم مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ ، كَأفضَلَ ما صَلَّيتَ وَرَحِمتَ وَبارَكتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ . اللّهمَّ وامنُن على مُحَمّدٍ وآلِ مُحَمّدٍ كما مَنَنتَ على موسى وَهارونَ . اللّهمَّ وَسَلِّم على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كأفضَلَ ما سَلَّمتَ على نُوحٍ فِي العالَمينَ . اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ وَعلى أئِمَّةِ المُسلِمينَ الأوّلينَ مِنهُم وَالآخِرينَ . اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحمَّدٍ وعلى إمامِ المُسلمينَ . وَاحفَظهُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خلفِهِ وَعَن يَمينِهِ وَعَن شِمالِهِ وَمِن فَوقِهِ وَمِن تَحتِهِ ، وَافتَح لَهُ فَتحاً يَسيراً وَانصُره نَصراً عَزيزاً وَاجعَل لَهُ مِن لَدُنكَ سُلطاناً نَصيراً . اللّهمّ عَجِّلّ فَرَجَ آلِ مُحَمّدٍ وَأهلِك أعداءَهُم مِنَ الجِنَّ وَالإنسِ .

.


1- .وفي نسخة: زاد «بالكتاب و» .

ص: 259

اللّهمّ صلِّ عَلى مُحَمّدٍ وأهلِ بَيتِهِ وَذُرِّيَتِهِ وَأزواجِهِ الطّيّبينَ الأخيارِ الطّاهرينَ المُطَهّرينَ الهُداة المُهتَدينَ ، غَيرَ الضّالّينَ وَلا المُضلّينَ ، الّذين أذهَبتَ عَنهُمُ الرِّجسَ وَطَهَّرتَهُم تطهيراً. اللّهمّ صَلِّ عَلى مُحَمّدٍ وآلِ مُحَمّدٍ في الأوّلينَ ، وَصَلّ عَلَيهِم في الآخِرينَ وَصَلِّ عَلَيهِم في المَلأ الأعلى ، وَصَلِّ عَلَيهِم أبَدَ الآبِدينَ ، صَلوةً لا مُنتَهى لها وَلا أمَدَ دونَ رِضاكَ ، آمينَ آمينَ رَبَّ العالَمينَ . اللّهمَّ العَنِ الّذينَ بَدَّلوا دينَكَ وَكتابَكَ ، وَغَيّروا سُنَّةَ نَبِيِّكَ عَلَيهِ سلامُك ، وَأزالوا الحَقَّ عَن مَوضِعِهِ ألفَي ألفَ لَعنَةٍ مُختَلِفَةٍ غيرَ مُؤتَلِفَةٍ والعَنهُم ألفَي ألفَ لَعنَةٍ مُؤتَلِفَةٍ غيرَ مُختَلِفَةٍ ، وَالعَن أشياعَهُم وَأتباعَهُم وَمَن رَضِيَ بِفِعالِهِم مِنَ الأوَّلينَ وَالآخِرينَ . اللّهمَّ يا بارِئَ المَسموكاتِ وَداحِيَ المَدحُوّات وَقاصِمَ الجَبابِرَةِ وَرَحمانَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَرَحيمَهُما ، تُعطي مِنهُما ما تَشاءُ وَتَمنَعُ مِنهُما ما تَشاءُ ، أسألُكَ بِنورِ وَجهِكَ وَبِحَقِّ مُحَمّدٍ صلى الله عليه و آله أعطِ مُحَمّداً حَتّى يَرضى وَبَلّغهُ الوسيلَةَ العُظمى . اللّهمَّ اجعَل مُحَمّداً في السّابقينَ غايَتُهُ وَفي المُنتَجبينَ كرامَتُهُ ، وَفي العالَمينَ ذِكرُهُ ، وَأسكِنهُ أعلى غُرَفَ الفِردَوسِ في الجَنَّةِ الّتي لا تَفوقُها دَرَجَةٌ وَلا يَفضُلُها شَيءٌ . اللّهمَّ بَيِّض وَجهَهُ وَأضِئ نورَهُ وَكُن أنتَ الحافِظَ لَهُ . اللّهمَّ اجعَل مُحَمّداً أوّلَ قارِعٍ لِبابِ الجَنَّةِ ، وَأَوّلَ داخِلٍ وَأوَّلَ شافِعٍ وَأَوّلَ مُشَفَّعٍ . اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ ، الوُلاة السّادَةِ الكُفاةِ الكُهول الكِرامِ القادَةِ القُماقِمِ الضِّخام اللُّيوثِ الأبطالِ ، عِصمَةٌ لِمَنِ اعتَصَمَ بِهِم وَإجارَةٌ لِمَن استَجارَ بِهِم وَالكَهفُ الحَصينُ ، وَالفُلكُ الجارِيَةِ في اللُّجَجِ الغامِرَةِ فالرّاغِبُ عَنهُم مارِقٌ وَالمُتأخِّرُ عَنهُم زاهِقٌ وَاللاّزِمُ لَهُم لاحِقٌ ، وَرِماحُكَ في أرضِكَ ، وَصَلِّ على عِبادِكَ

.

ص: 260

في أرضِكَ الّذينَ أنقَذتَ بِهِم مِنَ الهَلَكَةِ ، وَأنَرتَ بِهِم مِنَ الظُّلمَةِ ، شَجَرَةُ النُّبوَّةِ وَمَوضِعُ الرِّسالَةِ وَمُختَلَفُ المَلائِكَةِ وَمَعدِنُ العِلمِ ، صَلّى اللّهُ علَيهِ وَعَلَيهِم أجمَعينَ ، آمينَ آمينَ رَبَّ العالَمينَ . اللّهمّ إنّي أسألُكَ مَسألَةَ المِسكينِ المُستَكينِ ، وَأبتَغي إلَيكَ ابتِغاءَ البائِسِ الفَقيرِ وَأتضَرَّعُ إلَيكَ تَضَرُّعَ الضّعيفِ الضّريرِ ، وابتَهِلُ إلَيكَ ابتهالَ المُذنِبِ الخاطِئِ ، مَسألَةَ مَن خَضَعَت لكَ نَفسُهُ ، وَرَغِمَ لَكَ أنفُهُ ، وَسَقَطَت لَكَ ناصِيَتُهُ ، وانهمَلَت لَكَ دُموعُهُ ، وفاضَت لَكَ عَبرَتُهُ ، واعتَرَفَ بِخَطيئتِهِ ، وَقَلَّت حِيلَتُهُ ، وَأسلَمَتهُ ذنوبُهُ أسألُكَ الصّلوةَ على مُحَمّدٍ وَآلِهِ أوَّلاً وآخِراً ، وَأسألُكَ حُسنَ المَعيشَةِ ما أبقَيتَني ، مَعيشَةً أقوى بِها في جَميعِ حالاتي ، وَأتوسَّلُ بِها في الحَياةِ الدُّنيا إلى آخِرَتي عَفواً ، لا تُترِفني فَأطغى ، وَلا تُقَتِّر عليّ فَأشقى ، أعطِني من ذلِكَ غِنىً مِن جَميعِ خَلقِكَ وَبُلغةً إلى رِضاكَ وَلا تَجعَل الدُّنيا عَلَيَّ سِجناً ، ولا تَجعَل فِراقَها عَلَيَّ حُزناً أخرِجني مِنها وَمِن فِتنَتِها مَرضِيّاً عَنّي ، مَقبولاً فيها عَمَلي إلى دارِ الحَيَوانِ وَمَساكِنِ الأخيارِ . اللّهمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن أزلِها وَزِلزالِها وَسَطواتِ سُلطانِها وَسَلاطينِها وَشَرِّ شَيطانِها وَبَغي مَن بَغى علَيَّ فيها . اللّهمّ مَن أرادني فَأرِدهُ ، وَمَن كادَني فَكِدهُ ، وَافقَأ عنّي عُيونَ الكَفَرَةِ وَاعصِمني مِن ذلِكَ بِالسَّكينَةِ ، وَألبِسني دِرعَكَ الحصينَةَ ، وَاجعَلني في سِترِك الواقي ، وَأصلِح لي حالي وَبارِك لي في أهلي وَمالي وَوَلَدي وَحُزانَتي ، وَمَن أحبَبتُ فيكَ وَأحَبَّني. اللّهُمَّ اغفِر لي ما قَدَّمتُ وَما أخَّرتُ وَما أعلَنتُ وَما أسرَرتُ وَما نَسيتُ وَما تَعَمَّدتُ . اللّهُمَّ إنَّكَ خَلَقتَني كَما أرَدتَ ، فاجعَلني كَما تُحِبُّ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . (1)

.


1- .جمال الاُسبوع : ص288 ، مصباح المتهجّد : ص 387 ، البلد الأمين : ص72 ، بحار الأنوار : ج90 ص82 ح3 .

ص: 261

83 . إملاؤه عليه السلام لسليمان بن خالد في دعاء صلاة الظّهر

في بحار الأنوار : قال ووجدت هذا الدّعاء في نسخة قديمة من مؤلّفات قدماء أصحابنا ، تاريخ كتابتها سنة إحدى وثلاثين وخمسمئة ، مرويّاً عن ابن عقدة ، عن محمّد بن المفضّل بن إبراهيم الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد اللّه بن مهران ، عن أبيه ، عن أبيه ، أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام دفع إلى جعفر بن محمّد الأشعث كتاباً فيه دعاء والصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه و آله ، فدفعه جعفر بن محمّد الأشعث إلى ابنه مهران ، ثمّ ساق الدّعاء إلى قوله: صلاةً لا مُنتَهى لَهُ وَلا أمَدَ آمينَ رَبَّ العالَمينَ ، وكانت فيه اختلافات وزيادات ألحقنا بعضها ، منها قوله: «وَدَلَّ على مَحاسِنِ الأخلاقِ» إلى قَولِهِ « وَأشهَدُ أنّه قَد تَوَلّى مِنَ الدُّنيا راضِياً عَنكَ » فإنّ هذهِ الزّيادة لم تكن في ساير الكتب ووجودها أولى ، وأوردناها بهذا السّياق والسّند في كتاب الدّعاء . (1) ونقل في مكان آخر ، قال : من أصل قديم من مؤلّفات قدماء الأصحاب : أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد ، عن محمّد بن المفضّل بن إبراهيم الأشعريّ ، عن محمّد بن عبداللّه بن مهران ، عن أبيه ، عن جدّه ، أنّ أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهماالسلامدفع إلى جعفر بن محمّد بن الأشعث كتاباً فيه دعاء والصلاة على النّبيّ صلى الله عليه و آله ، فدفعه جعفر بن محمّد بن الأشعث إلى ابنه مهران ، فكانت الصلاة على النبي الّذي صلى الله عليه و آله فيه: اللّهمّ إنّ محمّداً صلّى اللّه عليه وآله كما وصفته في كتابك... الخ (2) .

83إملاؤه عليه السلام لسليمان بن خالدفي دعاء صلاة الظّهرأبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه بن المطّلب رحمه الله ، قال : حدّثنا الحسين بن سعدان بن

.


1- .بحار الأنوار : ج90 ص89 .
2- .بحار الأنوار : ج94 ص26 .

ص: 262

محمّد بن سعدان العابد الجعفيّ بالكوفة ، قال : حدّثني أبو جعفر بن محمّد بن منصور بن يزيد الرّازيّ المقرئ ، قال : حدّثنا سليمان بن خالد عن معاوية بن عمّار (1) الذّهبيّ (2) قال : هذا دعاء سيّدي أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام في عقيب صلاته ، أملاه عليّ فأوّل الصّلوات الظّهر ، وبذلك سمّيت الأُولى ؛ لأنّها أوّل صلاة افترضها اللّه تعالى على عباده . يا أسَمَع السّامِعينَ ، وَيا أبصَرَ النّاظِرينَ ، ويا أسرَعَ الحاسِبينَ ، ويا أجوَدَ الأجوَدينَ ، وَيا أكرَمَ الأكرَمينَ ، صَلّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، كأفضَلَ وَأجزَلَ وَأوفى وَأكمَلَ وَأحسَنَ وَأجمَلَ وَأكبَرَ وَأطهَرَ وَأزكى وَأنوَرَ وَأعلى وَأبهى وَأسنى وَأنمى وَأدوَمَ وَأبقى ما صَلَّيتَ وَبارَكتَ وَمَنَنتَ وسَلَّمتَ وَتَرحَّمتَ على إبراهيمَ وَعلى آلِ إبراهيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ . اللّهمَّ امنُن على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كما مَنَنتَ على موسى وَهارونَ ، وَسَلِّم على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما سَلَّمتَ على نُوحٍ في العالَمينَ . اللّهمَّ وَأورِد عَلَيهِ مِن ذُرِّيَّتِهِ وأزواجِهِ وَأهلِ بَيتِهِ وَأصحابِهِ وَأتباعِهِ مَن تَقَرُّ بِهِم عَينُهُ ، وَاجعَلنا مِنهُم وَمِمّن تَسقيهِ بِكأسِهِ ، وَتُورِدُهُ حَوضَهُ ، وَاحشُرنا في زُمرَتِهِ وَتَحتَ لِوائِهِ ، وَأدخِلنا في كُلِّ خَيرٍ أدخلتَ فيهِ مُحَمّداً وَآلَ مُحَمّدٍ ، وأخرِجنا مِن كُلِّ سوءٍ أخرَجتَ مِنهُ مُحَمّداً وَآلَ مُحَمّدٍ ، وَلا تُفَرِّق بَينَنا وَبَينَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ طَرفَةَ عَينٍ أبداً ، وَلا أقَلَّ مِن ذلِكَ وَلا أكثَرَ .

.


1- .معاوية بن عمّار : بن أبي معاوية البجليّ الدّهنيّ ، مولاهم أبو القاسم الكوفيّ ، واسم أبي معاوية خبّاب ، مولى ، كان وجها ومقدما وكثير الشأن ، عظيم المحل ، ثقة ، روى عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن عليهماالسلام . (راجع : رجال النجاشي : ج 2 ص 346 الرقم 1097 ، رجال الطوسي : ص 303 الرقم 4457) .
2- .لم توجد «الذّهبيّ» في سوي فلاح السائل ، ويحتمل خلط بين «الدّهني» و«الذّهبي» .

ص: 263

اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ ، وَاجعَلني مَعَهُم في كُلِّ عافِيَةٍ وَبَلاءٍ ، وَاجعَلني مَعَهُم في كُلِّ شِدَّةٍ وَرَخاءٍ ، وَاجعَلني مَعَهُم في كُلِّ مَثوى وَمُنقَلَبٍ . اللّهمَّ أحيِني مَحياهُم ، وَأمِتني مَماتَهُم ، وَاجعَلني بِهِم عِندَكَ وَجيهاً في الدُّنيا والآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرّبينَ . اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمِّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ ، وَاكشِف عَنّي بِهِم كُلَّ كَربٍ ، وَنَفِّس عَنّي بِهِم كُلَّ هَمٍّ ، وَفَرِّج بهم (1) عنّي كُلَّ غَمٍّ ، وَاكفِني بِهِم كُلَّ خَوفٍ ، وَاصرِف عَنّي بِهِم مَقاديرَ البَلاءِ وَسوءَ القَضاءِ وَدَركِ الشِّقاءِ وَشَماتَةِ الأعداءِ . اللّهمَّ اغفِر لي ذَنبي وَطَيِّب كَسبي ، وَقَنِّعني بِما رَزَقتَني ، وَبارِك لي فيهِ ، وَلا تَذهَب بِنَفسي إلى شَيءٍ صَرَفتَهُ عَنِّي . اللّهمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن دُنيا تَمنَعُ خَيرَ الآخِرَةِ ، وَعاجِلٍ يَمنَعُ خَيرَ الآجِلِ ، وَحَياةً تَمنَعُ خَيرَ المَماةِ ، وأملٍ يَمنَعُ خَيرَ العَمَلِ . اللّهمَّ إنّي أسألُكَ الصّبرَ على طاعَتِكَ ، وَالصَّبرَ عَن مَعصِيَتِكَ ، وَالقِيامَ بِحَقِّكَ ، وأسألُكَ حَقايِقَ الإيمانِ ، وَصِدقَ اليَقينِ في المَواطِنِ كُلِّها ، وَأسألُكَ العَفوَ وَالعافِيَةَ وَالمُعافاةَ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، عافِيَةَ الدُّنيا مِنَ البَلاءِ وَعافِيَةَ الآخِرَةِ مِنَ الشَّقاءِ . اللّهمَّ إنّي أسألُكَ العافِيَةَ ، وَتَمامَ العافِيَةِ ، وَدَوامَ العافِيَةِ ، وَالشُّكرَ على العافِيَةِ ، وَأسألُكَ الظَّفَرَ وَالسَّلامَةَ وَحُلولَ دارِ الكَرامَةِ . اللّهمَّ اجعَل في صَلاتي وَدُعائي رَهبَةً مِنكَ ، وَرَغبَةً إلَيكَ ، وَراحَةً تَمُنّ بِها عَلَيَّ . اللّهمَّ لا تَحرِمني سَعَةَ رَحمَتِكَ وَسُبوغَ نِعمَتِكَ وَشُمولَ عافِيَتِكَ وَجزيلَ عَطائِكَ وَمِنَحَ مَواهِبِكَ ، لِسوءِ ما عِندي ، وَلا تُجازِني بِقَبيحِ عَمَلي ، وَلا تَصرِف وَجهَكَ الكَريمَ عَنّي .

.


1- .في المصدر : « به » ، وما أثبتناه أنسبُ للسياق .

ص: 264

84 . إملاؤه عليه السلام في الدّعاء في شهر رجب

اللّهمَّ لا تَحرِمني وَأنا أدعوكَ ، وَلا تُخَيِّبني وَأنا أرجوكَ ، وَلا تَكِلني إلى نفسي طَرفَةَ عَينٍ أبَداً ، وَلا إلى أحَدٍ مِن خَلقِكَ فَيَحرِمَني وَيَستَأثِرَ عَلَيَّ . اللّهمَّ إنَّكَ تَمحو ما تَشاءُ وَتُثبِتُ وَعِندَكَ أُمُّ الكِتابِ ، أسألُكَ بِآلِ ياسينَ خِيرَتِكَ مِن خَلقِكَ ، وَصَفوَتِكَ مِنَ بَريَّتِكَ ، وَأُقَدِّمُهُم بَينَ يَدَي حَوائِجي وَرَغبَتي إلَيكَ . اللّهمَّ إن كُنتَ كَتَبتَني في أُمِّ الكِتابِ شَقِيّاً مَحروماً مُقَتَّراً عَلَيّ في الرّزقِ ، فامحُ مِن أُمِّ الكِتابِ شِقائي وَحِرماني وَأثبِتني عِندَكَ سَعيداً مَرزوقاً ، فإنَّكَ تَمحو ما تَشاءُ وَتُثبِتُ وَعِندَكَ أُمُّ الكِتابِ . اللّهمَّ إنّي لِما أنزَلتَ إلَيَّ مِن خَيرٍ فَقيرٍ ، وَأنا مِنكَ خائِفٌ وَبِكَ مُستَجيرٌ وَأنا حَقيرٌ مِسكينٌ أدعوكَ كَما أمَرتَني ، فاستَجِب لي كَما وَعَدتَني ، إنَّكَ لا تُخلِفُ الميعادَ ، يا مَن قالَ ادعوني أستَجِب لَكُم ، نِعمَ المُجيبُ أنتَ يا سَيِّدي ، وَنِعمَ الرَّبُّ وَنِعمَ المَولى ، بِئسَ العَبدُ أنا ، وَهذا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ النّارِ ، يا فارِجَ الهَمِّ وَيا كاشِفَ الغَمِّ يا مُجيبَ دَعوَةِ المُضطَرّينَ ، يا رحمانَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَرَحيمَهُما ، ارحَمني رَحمَةً تُغنيني بِها عَن رَحمَةِ مَن سِواكَ ، وَأدخِلني بِرَحمَتِكَ في عِبادِكَ الصّالِحينَ ، الحَمدُ للّهِِ الّذي قَضى عَنّي صَلاةً كانَت عَلى المُؤمِنينَ كِتاباً مَوقوتاً . بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . (1)

84إملاؤه عليه السلام في الدّعاءفي شهر رجبطاهر بن عيسى الورّاق قال: حدّثنا جعفر بن أحمد بن أيّوب، قال: حدّثني

.


1- .فلاح السائل: ص319 ح215، مصباح المتهجّد: ص56 ، البلد الأمين: ص15، بحار الأنوار: ج86 ص70 ح5 ، وفيهم «معاوية بن عمّار» من دون «الذّهبيّ» .

ص: 265

أبو الحسن صالح بن أبي حمّاد الرّازي، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن سنان ، عن محمّد بن زيد الشّحام (1) ، قال : رآني أبو عبد اللّه عليه السلام وأنا أصلّي ، فأرسَلَ إلَيَّ وَدعاني ، فقال لي : من أينَ أنتَ ؟ قلتُ : مِن مواليكَ . قال : فأيُّ موالي ؟ قُلتُ : مِنَ الكوفَةِ . فقال : مَن تَعرِفُ مِنَ الكوفَةِ ؟ قالَ قلتُ : بَشيرَ النّبالِ وَشَجَرَةَ . 2 قال : وَكَيفَ صَنيعَتُهُما ؟

.


1- .في القاموس بعد نقل الحديث قال : عنون الكشي هذا مع شهر النبال وأخيه شجرة ، وروى الرّواية ، وقد عرفت في محمّد بن ذكوان السّجّاد ومحمّد بن زياد السّجّاد ، كون الأصل في الثلاثة واحدا ، وأنّ الأصح الأخير ، فيكون «زيد» هنا محرّف «زياد» و«الشحام» محرف «السّجّاد» وباقي تحريفاته لا يخفى . ويشهد للإتحاد _ مضافا إلى ما تقدّم ثمة من رواية الإقبال الخبر عن محمّد بن ذكوان السّجّاد مقتصرا على دعائه _ عدم عنوان رجال الشيخ الذي موضوعه عام لهذا . ( قاموس الرجال : ج 9 ص 275 الرقم 6739 وراجع : معجم رجال الحديث : ج 17 ص 105 الرقم 10816) .

ص: 266

فقالَ : ما أحسَنَ صَنيعَتَهُما إلَيَّ . قال : خَيرُ المُسلِمينَ مَن وَصَلَ وَأعانَ وَنَفَعَ ، ما بِتُ لَيلَةً قَطُّ وَللّهِِ في مالي حَقٌّ يَسألُنيهِ . ثمّ قال : أيُّ شَيءٍ مَعَكُم مِنَ النَّفَقَةِ ؟ قلتُ : عِندي مائتا دِرهَمٍ . قال : أرِنيها . فَأتيتُهُ بِها فزادَني فيها ثَلاثينَ دِرهَماً وَدِينارَينِ ، ثُمَّ قالَ : تَعَشَّ عِندي ! فَجِئتُ فَتَعَشَّيتُ عِندَهُ . قال : فَلَمّا كانَ مِنَ القابِلَةِ لَم أذهَب إلَيهِ ، فَأرسَلَ إلَيّ فَدَعاني مِن عِندِهِ ، فقال : مالَكَ لَم تَأتِني البارِحَةَ قَد شَفَقتَ عَلَيّ ؟ فَقُلتُ : لَم يَجِئني رَسولُكَ . قال : فأنا رَسولُ نَفسي إلَيكَ ما دُمتَ مُقيماً في هذهِ البَلدَةِ ، أيَّ شَيءٍ تَشتَهي مِنَ الطَّعامِ ؟ قُلتُ : اللَّبنَ . قال: فاشتَرى مِن أجلي شاةً لَبوناً . قال: فَقُلتُ لَهُ : عَلِّمني دُعاءاً . قال : اكتُب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم يا مَن أرجوهُ لِكُلِّ خَيرٍ ، وَآمَنُ سَخَطَهُ عِندَ كُلِّ عَثرَةٍ ، يا مَن يُعطي الكَثيرَ بِالقَليلِ ، ويا مَن أعطى مَن سَألَهُ ، تَحَنُّناً مِنهُ وَرَحمَةً ، يا مَن أعطى مَن لَم يَسأَلهُ وَلَم يَعرِفهُ ، صَلِّ على مُحَمّدٍ وَأهلِ بَيتِهِ ، وَأعطِني بِمَسألتي إيّاكَ جَميعَ خَيرِ الدُّنيا وَجَميعَ خَيرِ الآخِرَةِ ، فإنَّهُ غَيرُ مَنقوصٍ لِما أعطَيتَ ، وَزدِني مِن سَعَةِ فَضلِكَ يا كريمُ . ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ ، فَقالَ : يا ذا المَنِّ وَالطَّولِ ، يا ذا الجَلالِ وَالإكرامِ ، يا ذا النَّعماءِ

.

ص: 267

وَالجودِ ، ارحَم شَيبَتي مِنَ النّارِ ، ثمّ وضع يده على لحيته ولم يرفعها إلاّ وقد امتلأ ظهر كفّه دُموعاً . (1) وفي الكافي : عنه ، عن بعض أصحابه ، عن حسين بن عمارة ، عن حسين بن أبي سعيد المكاري ، وجهم بن أبي جهيمة 2 ، عن أبي جعفر _ رجل من أهل الكوفة كان يعرف بكنيته _ قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : علّمني دعاء أدعو به . فقال: نَعَم ، قل : يا مَن أرجوهُ لِكلِّ خَيرٍ ، وَيا مَن آمَنُ سَخَطَهُ عِندَ كُلِّ عَثرَةٍ ، وَيا مَن يُعطي بِالقليلِ الكَثيرَ ، يا مَن أعطى مَن سألَهُ تَحَنُّنا مِنهُ وَرَحمَةً ، يا مَن أعطى مَن لَم يَسألهُ وَلَم يَعرِفهُ ، صَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ ، وَأعطِني بِمَسألَتي مِن جَميعِ خَيرِ الدُّنيا وَجَميعِ خَيرِ الآخِرَةِ فإنَّهُ غَيرُ مَنقوصٍ ما أعطَيتَني ، وَزِدني مِن سَعَةِ فَضلِكَ يا كَريمُ . (2) وَفي إقبالِ الأعمالِ : ومن الدعوات كلّ يوم من رجب ، ما ذكره الطّرازيّ أيضاً فقال : دعاء علمه أبو عبد اللّه محمّد السّجاد ، وهو محمّد بن ذكوان يعرف بالسّجاد ، قالوا : سجد وبكى في سجوده حتّى عمي ، روى أبو الحسن عليّ بن محمّد البرسي رضى الله عنه قال : أخبرنا الحسين بن أحمد بن شيبان ، قال : حدّثنا حمزة بن القاسم العلويّ العباسيّ ، قال : حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عمران البرقيّ ، عن محمّد بن عليّ الهمدانيّ ، قال : أخبرني محمّد بن سنان ، عن محمّد ( بن ذكوان )

.


1- .رجال الكشّي:ج2 ص665 ح689، بحار الأنوار : ج47 ص36 ح35 نقلاً عنه.
2- .الكافي : ج2 ص 584 ح 20 ، رجال الكشّي : ج 2 ص 667 ح 689 ، بحار الأنوار : ج 95 ص 360 ح 15 .

ص: 268

85 . كتابه عليه السلام لأمّ داوود في دعاء الاستفتاح والإجابة والنّجاح

السّجاد في حديث طويل ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : _ جعلت فداك _ هذا رجب ، علّمني فيه دعاء ينفعني اللّه به ، قال : فقال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : اكتب : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم وقل في كلّ يوم من رجب صباحاً ومساءً ، وفي أعقاب صلواتك في يومك وليلتك : يا مَن أرجوهُ لِكُلِّ خَيرٍ ، وَآمَنُ سَخَطَهُ عِندَ كُلِّ شَرٍّ ، يا مَن يُعطي الكثيرَ بِالقَليلِ ، يا مَن يُعطي مَن سَألَهُ ، يا مَن يُعطي مَن لَم يَسألهُ وَمَن لَم يَعرِفهُ ، تَحَنُّنا مِنهُ وَرَحمَةً ، أعطِني بِمَسألتي إيّاكَ جَميعَ خَيرِ الدُّنيا وَجَميعَ خَيرِ الآخِرَةِ ، وَاصرِف عَنّي بِمَسألَتي إيّاكَ جَميعَ شَرِّ الدُّنيا وَشَرِّ الآخِرَةِ ، فَإنّهُ غَيرُ مَنقوصٍ ما أعطَيتَ ، وَزِدني مِن فَضلِكَ يا كريمُ . قال : ثمّ مدّ أبو عبد اللّه عليه السلام يده اليسرى ، فقبض على لحيته ودعا بهذا الدّعاء ، وهو يلوذ بسبابته اليمنى ، ثمّ قال : بعد ذلك : يا ذا الجَلالِ وَالإكرامِ ، يا ذا النَّعماءِ وَالجودِ ، يا ذا المَنِّ وَالطَّولِ ، حَرِّم شَيبَتي عَلى النّارِ . (1)

85كتابه عليه السلام لأمّ داوودفي دعاء الاستفتاح والإجابة والنّجاحذكر الشّيخ الصّدوق رحمه الله في فضائل الأشهر الثّلاثة ، قصّة ابتلاء داوود بن الحسين ، وساق السّند إلى أن قال : حدّثنا الشّريف محمّد بن الحسن بن إسحاق بن الحسين بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن حمزة بن الحسين بن سعيد المدينيّ ، قال : حدّثني أبي

.


1- .إقبال الأعمال : ج3 ص210، بحار الأنوار : ج98 ص389 ح1 نقلاً عنه .

ص: 269

قال : حدّثني أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد البلويّ قال : حدّثني إبراهيم بن عبيد اللّه بن العلاء قال : حدّثتني فاطمة بنت عبد اللّه بن إبراهيم بن الحسين 1 قالت : لمّا قتل أبو الدّوانيق عبد اللّه بن الحسن بن الحسين بعد قتل ابنيه محمّد وإبراهيم حمل ابني داوود بن الحسين من المدينة مكبّلاً بالحديد مع بني عمّه الحسنيين إلى العراق ، فغاب عنّي حينا وكان هناك مسجوناً فانقطع خبره وأعمي أثره ، وكنت أدعو اللّه وأتضرّع إليه وأسأله خلاصه ، واستعين بإخواني من الزّهّاد والعبّاد وأهل الجدّ والاجتهاد ، وأسألهم أن يدعوا اللّه لي أن يجمع بيني وبين ولدي قبل موتي ، فكانوا يفعلون ولا يقصّرون في ذلك ، وكان يصل إليّ أنّه قد قتل ويقول قوم : لا ، قد بني عليه اُسطوانة مع بني عمّه فتعظم مصيبتي ، واشتدّ حزني ولا أرى لدعائي إجابة ، ولا لمسألتي نجحاً ، فضاق بذلك ذرعي وكبر سنّي ورق عظمي وصرت إلى حدّ اليأس من ولدي لضعفي وانقضاء عمري.

.

ص: 270

قالت : ثمّ إنّي دخلت على أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام _ وكان عليلاً _ فلمّا سألته عن حاله ودعوت له وهممت الانصراف . قال لي : يا اُمّ داوود ، ما الّذي بلغك عن داوود ؟ وكنت قد أرضعت جعفر بن محمّد بلبنه فلمّا ذكره لي بكيت وقلت: جعلت فداك أين داوود ؟ داوود محتبس في العراق وقد انقطع عنّي خبره ، ويئست من الاجتماع معه ، وإنّي لشديدة الشّوق إليه والتّلهف عليه ، وأنا أسألك الدّعاء له فإنّه أخوك من الرّضاعة . قالت : فقال لي أبو عبد اللّه : يا أُمّ داوود ، فأين أنت عن دعاء الاستفتاح والإجابة والنّجاح ؟ وهو الدّعاء الّذي يفتح اللّه عز و جل له أبواب السّماء ، وتتلقى الملائكة وتبشر بالإجابَةِ وهو الدّعاء المستجاب الّذي لا يحجب عن اللّه عز و جل ، ولا لصاحبه عند اللّه تبارك وتعالى ثواب دون الجنّة؟ قالت: قلت: وكيف لي يا بن الأطهار الصّادقين؟ قال: يا أُمّ داوودَ فَقَد دنى هذا الشّهرُ الحرامُ _ يريد عليه السلام شهر رجب _ وَهُوَ شهرٌ مبارَكٌ عَظيمُ الحُرمَةِ مَسموعٌ الدُّعاءُ فيه، فصومي منهُ ثلاثةَ أيّامٍ، الثّالثَ عشَرَ والرّابِعَ عَشَرَ والخامِسَ عَشَرَ، وَهِيَ الأيّامُ البيضُ، ثُمَّ اغتَسلي في يَومِ النّصفِ مِنهُ عِندَ زَوالِ الشَّمسِ، وصلّي الزّوالَ ثَمانِ رَكعاتٍ تُرسِلينَ فِيهِن وَتُحسِنينَ رُكوعَهُنَّ وَسُجودَهُنَّ وَقُنوتَهُنَّ، تَقَرأ في الرَّكعَةِ الأُولى بِفاتِحَةِ الكِتابِ وَقُل يا أيُّها الكافِرونَ، وَفي الثّانِيَةِ قل هوَ اللّهُ أحَدٌ، وَفي السِّتِ البَواقي مِنَ السُّورِ القِصارِ ما أحبَبتِ، ثُمَّ تُصلّينَ الظُّهرَ ثُمَّ تَركَعينَ بَعدَ الظُّهرِ ثمانِ رَكَعاتٍ تُحسِنينَ رُكوعَهُنَّ وَسُجودَهُنّ وقنوتهُنَّ، وَلتَكُن صَلاتُكِ في أطهَرِ أثوابِكِ في بَيتٍ نَظيفٍ على حَصيرٍ نَظيفٍ وَاستَعمِلي الطِّيبَ فإنَّهُ

.

ص: 271

تُحِبُّهُ المَلائِكَةُ، وَاجتَهِدي أن لا يَدخُلَ عَلَيكِ أحَدٌ يُكَلِّمُكِ أو يَشغَلُكِ _ الباقي ذكر في كتاب عمل السّنة ما كُتِبَ هاهنا، من أراد أن يكتب فليكتب من عمل السّنة _ فإذا فَرَغتِ مِنَ الدُّعاءِ فاسجُدي على الأرضِ، وَعَفِّري خَدَّيكِ على الأرضِ وَقولي: لكَ سَجَدتُ وَبِكَ آمَنتُ فارحَم ذُلّي وَفاقَتي، وَكَبوَتيِ لِوَجهي، وَأجهَدي أن تَسيحَ عَيناكِ وَلَو مِقدارَ رَأسِ الذُّبابِ دُموعاً؛ فإنَّهُ آيَةُ إجابَةِ هذا الدُّعاءِ حُرقَةُ القَلبِ وانسِكابُ العَبرَةِ، فاحفَظي ما عَلّمتُكِ، ثُمَّ احذَري أن يَخرُج عَن يَدَيكِ إلى يَدِ غَيرِكِ مِمِّنَ يَدعو بهِ لِغَيرِ حَقٍّ، فإنَّهُ دُعاءٌ شَريفٌ، وَفيهِ اسمُ اللّهِ الأعظَمُ الّذي إذا دُعِيَ بهِ أجابَ وَأعطى، وَلَو أنّ السَّمواتِ وَالأرضَ كانَتا رِتقاً، وَالبِحارَ بِأجمَعِها مِن دونِها، وَكانَ ذلِكَ كُلُّه بَينَكِ وَبَينَ حاجَتِكِ يُسَهِّلُ اللّهُ عز و جلالوصولَ إلى ما تُريدينَ، وَأعطاكِ طَلِبَتَكِ، وَقَضى لكِ حاجَتَكِ وَبَلَّغَكِ آمالَكِ، وَلِكُلِّ مَن دَعا بِهذا الدُّعاءِ الإجابَةُ مِنَ اللّهِ تَعالى، ذَكَراً كانَ أو أُنثى، وَلَو أنّ الجِنَّ والإنسَ أعداءٌ لِوَلَدِكِ لَكَفاكِ اللّهُ مُؤنَتَهُم وَأخرَسَ عَنكِ ألسِنَتَهُم ، وَذَلَلّ لَكِ رِقابَهُم إن شاءَ اللّهُ . قالت أُمّ داوود : فكتب لي هذا الدّعاء ، وانصرفت منزلي . الحديث (1) . ولكن لم يذكر لفظ الدّعاء ، لذا يذكر نصّ الدّعاء من المصباح للشيخ الطّوسي رحمه اللهفي أعمال يوم النّصف من رجب قال : ويستحبّ أن يدعو بدعاء أُمِّ داوود : وإذا أراد ذلك فليصمّ اليوم الثّالث عشر والرّابع عشر والخامس عشر، فإذا كان عند الزّوال اغتسل، فإذا زالت الشّمس صلّى الظّهر والعصر، يحسن ركوعهنّ وسجودهنّ، ويكون في موضع خال لا يشغله شاغل ولا يكلّمه إنسان، فإذا فرغ من الصّلاة استقبل القبلة وقرأ الحمد مئة مرّة، وسورة الإخلاص مئة مرّة، وآية الكرسي عشر مرّات، ثمّ يقرأ بعد ذلك سورة

.


1- .فضائل الأشهر الثلاثة : ص33 ح 14 ، بحار الأنوار : ج97 ص42 ح30 نقلاً عنه .

ص: 272

الأنعام، وبني إسرائيل، والكهف، ولقمان ، ويس، والصّافّات ، وحم السّجدة، وحم عسق، وحم الدّخان، والفتح، والواقعة، والملك، ون، وإذا السّمآء انشقّت وما بعدها إلى آخر القرآن . فإذا فرغ من ذلك قال وهو مستقبل القبلة : صَدَقَ اللّهُ العَظيمُ الّذي لا إلهَ إلاّ هُوَ الحَيُّ القَيّومُ، ذو الجَلالِ وَالإكرامِ، الرَّحمانُ الرّحيمُ، الحَليمُ الكَريمُ، الّذي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ، البَصيرُ الخَبير. شَهِدَ اللّهُ أنّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولو العِلمِ قائِماً بِالقِسطِ، لا إلهَ إلاّ هُوَ العَزيزُ الحَكيمُ، وَبَلّغَت رُسُلُهُ الكِرامُ، وَأنا على ذلِكَ مِنَ الشّاهِدينَ. اللّهمَّ ! لَكَ الحَمدُ وَلَكَ المَجدُ، وَلَكَ العِزُّ وَلَكَ الفَخرُ، وَلَكَ القَهرُ وَلَكَ النِّعمَةُ، وَلَكَ العَظَمَةُ وَلَكَ الرّحمَةُ، وَلكَ المَهابَةُ وَلَكَ السُّلطانُ، وَلَكَ البَهاءُ وَلَكَ الامتِنانُ، وَلَكَ التَّسبيحُ وَلَكَ التَّقديسُ، وَلَكَ التَّهليلُ وَلَكَ التَّكبيرُ، وَلَكَ ما يُرى وَلَكَ ما لا يُرى، وَلَكَ ما فَوقَ السّمواتِ العُلى وَلَكَ ما تَحتَ الثَّرى، وَلَكَ الأرَضونَ السُّفلى وَلَكَ الآخِرَةُ والأُولى، وَلَكَ ما تَرضى بهِ مِنَ الثّناءِ وَالحَمدِ وَالشُّكرِ وَالنَّعماءِ. اللّهمَّ! صَلِّ على جَبرئيلَ أمينِكَ على وَحيِكَ، وَالقَوِيِّ على أمرِكَ، وَالمُطاعِ في سَماواتِكَ وَمَحالِ كراماتِكَ، المُتَحَمِّلِ لِكَلماتِكَ، النّاصِرِ لِأنبيائِكَ، المُدَمّرِ لأعدائِكَ. اللّهمَّ صَلِّ على مِيكائيلَ مَلَكِ رَحمَتِكَ، وَالمَخلوقِ لِرَأَفتِكَ، وَالمُستَغفِرِ المُعينِ لِأهلِ طاعَتِكَ. اللّهمَّ ! صَلِّ على إسرافيلَ حامِلِ عَرشِكَ، وصاحِبِ الصُّورِ المُنتَظِرِ لِأمرِكَ، الوَجِلِ المُشفِقِ مِن خيفَتِكَ. اللّهمَّ ! صَلِّ على حَمَلَةِ العَرشِ الطّاهرينَ، وَعلى السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ الطَّيِّبينَ، وَعلى مَلائِكَتِكَ الكِرامِ الكاتِبينَ، وَعلى مَلائِكَةِ الجِنانِ وَخَزَنةِ النّيرانِ، وَمَلَكِ

.

ص: 273

المَوتِ وَالأعوانِ، يا ذا الجَلالِ وَالإكرامِ. اللّهمَّ! صَلِّ على أبينا أدمَ بَديعِ فِطرَتِكَ، الّذي كَرَّمتَهُ بِسُجودِ مَلائِكَتِكَ، وَأبَحتَهُ جَنَّتَكَ. اللّهمَّ! صَلِّ على اُمِّنا حَوّاءَ المُطَهَّرَةِ مِنَ الرّجسِ، المُصفّاةِ مِنَ الدَّنَسِ، المُفَضَّلَةِ مِنَ الإنسِ، المُتَردِّدَةِ بَينَ مَحالِّ القُدسِ. اللّهمَّ! صَلِّ على هابيلَ وَشِيثَ وإدريسَ وَنوحٍ وَهودٍ وَصالِحٍ وَإبراهيمَ وَإسماعيلَ وإسحاقَ وَيَعقوبَ وَيوسُفَ وَالأسباطِ وَلوطٍ وَشُعَيبَ وَأيّوبَ وَموسى وَهارونَ ويُوشَعَ وَمِيشا وَالخِضرِ وَذي القَرنَينِ وَيُونُسَ وَإلياسَ وَاليَسَعَ وَذي الكِفلِ وَطالوتَ وَداوودَ وَسُليمانَ وَزَكَرِيّا وشَعْيا وَيَحيى وَتُورَخَ وَمَتّى وإرميا وَحَيْقُوقَ وَدانيالَ وَعُزَيرٍ وَعيسى وَشَمعونَ وَجِرجيس وَالحَوارِيِّينَ وَالأتباعِ وَخالدٍ وحَنظَلَةَ وَلُقمانَ. اللّهمَّ! صَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، وَارحَم مُحَمّداً وَآلَ مُحَمّدٍ، وَبارِك على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، كما صَلَّيتَ وَرَحِمتَ وَبارَكتَ على إبراهيمَ وَآلَ إبراهيمَ، إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ. اللّهمَّ! صَلِّ على الأوصياءِ وَالسُّعداءِ وَالشُّهداءِ وَأئِمِّةِ الهُدى. اللّهمّ! صَلِّ على الأبدالِ وَالأوتادِ، وَالسُّيّاحِ وَالعُبّادِ وَالمُخلِصينَ وَالزُّهّادِ، وَأهلِ الجِدِّ وَالاجتِهادِ، وَاخصُص مُحَمّداً وَأهلَ بَيتِهِ بِأفضَلِ صَلواتِكَ وَأجزَلِ كراماتِكَ، وبَلِّغ روحَهُ وَجَسَدَهُ مِنّي تَحِيّةً وَسلاماً وَزِدهُ فَضلاً وَشَرَفاً وَكَرَماً حَتّى تُبَلِّغَهُ أعلى دَرجاتِ أهلِ الشّرَفِ مِنَ النّبيّينَ وَالمُرسَلينَ وَالأفاضِلِ المُقرَّبينَ. اللّهمَّ! وَصَلِّ على مَن سَمَّيتُ وَمَن لَم أُسَمِّ من مَلائِكَتِكَ وَأنبيائِكَ وَرُسُلِكَ وَأهلِ طاعَتِكَ، وَأوصِل صلواتي إلَيهِم وَإلى أرواحِهِم وَاجعَلهُم إخواني فيكَ، وَأعواني على دُعائِكَ. اللّهمَّ! إنّي أستَشفِعُ بِكَ إلَيكَ وَبِكَرَمِكَ إلى كَرِمِكَ، وَبِجودِكَ إلى جودِكَ،

.

ص: 274

وَبِرَحمَتكَ إلى رَحمَتِكَ، وَبِأهلِ طاعَتِكَ إلَيكَ، وَأسألُكَ اللّهمَّ! بِكُلِّ ما سَألَكَ بِهِ أحَدٌ مِنهُم مِن مَسألَةٍ شَريفَةٍ غيرَ مَردودَةٍ، وَبِما دَعَوكَ بهِ مِن دَعوَةٍ مُجابَةٍ غيرَ مُخَيِّبَةٍ، يا اللّهُ يا رَحمانُ يا رَحيمُ، يا حَليمُ يا كريمُ يا عظيمُ، يا جليلُ يا مُنيلُ يا جَميلُ يا كفيلُ يا وَكيلُ يا مُقيلُ، يا مُجيرُ يا خبيرُ يا مُنيرُ يا مُبيرُ، يا مَنيعُ يا مُديلُ يا مُحيلُ، يا كبيرُ يا قديرُ يا بَصيرُ يا شَكورُ، يا بَرُّ يا طُهرُ يا طاهِرُ يا قاهِرُ يا ظاهِرُ يا باطِنُ، يا ساتِرُ يا مُحيطُ يا مُقتَدِرُ، يا حَفيظُ يا مُتَجَبِّرُ يا قَريبُ، يا وَدودُ يا حَميدُ يا مَجيدُ، يا مُبدِئُ يا مُعيدُ يا شَهيدُ، يا مُحسِنُ يا مُجمِلُ، يا مُنعِمُ يا مُفضِلُ، يا قابِضُ يا باسِطُ، يا هادي يا مُرسِلُ، يا مُرشِدُ يا مُسَدِّدُ يا مُعطي، يا مانِعُ يا دافِعُ يا رافِعُ، يا باقي يا واقي، يا خَلاّقُ يا وَهّابُ يا تَوّابُ، يا فَتّاحُ يا نَفّاحُ يا مُرتاحُ، يا مَن بِيَدِهِ كُلُّ مِفتاحٍ، يا نَفَّاعُ يا رَؤوفُ يا عَطوفُ، يا كافي يا شافي، يا معافي يا مُكافي، يا وَفِيُّ يا مُهَيمِنُ، يا عَزيزُ يا جَبّارُ يا مُتَكَبِّرُ يا سَلامُ يا مُؤمِنُ، يا أحَدُ يا صَمَدُ، يا نورُ يا مُدَبِّرُ، يا فَردُ يا وِترُ، يا قُدّوسُ يا ناصِرُ، يا مُونِسُ يا باعِثُ يا وارِثُ، يا عالِمُ يا حاكِمُ، يا بادي يا مُتعالي، يا مُصَوِّرُ يا مُسَلِّمُ يا مُتَحَبِّبُ يا قائِمُ يا دائِمُ، يا عَليمُ يا حَكيمُ، يا جَوادُ يا بارِئُ، يا بارُّ يا سارُّ، يا عَدلُ يا فاصِلُ، يا دَيّانُ يا حَنّانُ يا مَنّانُ، يا سَميعُ يا بَديعُ، يا خَفيرُ يا مُغَيِّرُ، يا ناشِرُ يا غافِرُ يا قَديم، يا مُسَهِّلُ يا مُيَسِّرُ، يا مُميتُ يا مُحيي، يا نافِعُ يا رازِقُ يا مُقَدِّرُ، يا مُسَبِّبُ يا مُغيثُ، يا مُغني يا مُقني يا خالِقُ يا راصِدُ يا واحِدُ، يا حاضِرُ يا جابِرُ يا حافِظُ، يا شديدُ يا غِياثُ يا عائِدُ يا قابِضُ. يا مَن علا فَاستَعلى فَكانَ بالمَنظرِ الأعلى، يا مَن قَرُبَ فَدَنا وَبَعُدَ فَنأى، وَعِلمَ السّرَّ وأخفى، يا مَن إلَيهِ التّدبيرُ وَلَهُ المَقاديرُ، وَيا مَن العَسيرُ عَلَيهِ يَسيرٌ، يا مَن هُوَ على ما يشاءُ قديرٌ، يا مُرسِلَ الرِّياحِ، يا فالِقَ الإصباحِ، يا باعِثَ الأرواحِ، يا ذا الجودِ وَالسَّماحِ، يا رادَّ ما قَد فاتَ، يا ناشِرَ الأمواتِ، يا جامِعَ الشّتاتِ، يا رازِقَ مَن يَشاءُ وَفاعِلَ ما يَشاءُ كَيفَ يَشاءُ. وَيا ذا الجلالِ وَالإكرامِ، يا حَيُّ يا قَيّومُ، يا حَيُّ حِينَ لا حَيٌّ، يا حَيُّ يا مُحيي

.

ص: 275

المَوتى، يا حيُّ لا إلهَ إلاّ أنتَ، يا بديعَ السّمواتِ والأرضِ. يا إلهي وَسَيِّدي، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، وَارحَم مُحَمّداً وَآلَ مُحَمّدٍ، وَبارِك على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، كما صَلّيتَ وَبارَكتَ وَرَحِمتَ وَتَرَحَّمتَ علي إبراهيمَ وَآلِ إبراهيمَ، إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ، وَارحَم ذُلّي وَفاقَتي، وَفَقري وَانفِرادي، وَوَحدَتي، وَخُضوعي بَينَ يَدَيكَ، وَاعتِمادي عَلَيكَ وَتَضَرُّعي إلَيكَ، أدعوكَ دُعاءَ الخاضِعِ الذّليلِ، الخاشِعِ الخائِفِ المُشفِقِ البائِسِ المهينِ، الحَقيرِ الجائِعِ الفَقيرِ العائِذِ المُستَجيرِ، المُقِرِّ بِذنبِهِ المُستَغفِرِ مِنهُ المُستَكينِ لِرَبِّهِ، دُعاءَ مَن أسلَمَتهُ نَفسُهُ، وَرَفَضَتهُ أحِبَّتُهُ، وَعَظُمَت فَجيعَتُهُ، دُعاءَ حَرقٍ حَزينٍ ضَعيفٍ مَهينٍ بائِسٍ مُستَكينٍ بِكَ مُستَجيرٍ. اللّهمَّ !وَأسألُكَ بِأَنَّكَ مَليكٌ،وَأنَّكَ ماتَشاءُ مِن أمرٍ يَكونُ،وَأنّكَ على ماتَشاءُ قَديرٌ، وَأسألُكَ بِحُرمَةِ هذا الشَّهرِ الحَرامِ، وَالبَيتِ الحَرامِ وَالبَلَدِ الحَرامِ وَالرُّكنِ وَالمَقامِ، وَالمشاعِرِ العِظامِ،وبِحَقِ نَبيّك مُحَمّدٍ عَليهِ وَآلهِ السّلامُ،يامَن وَهَبَ لآدَمَ شِيثاً، وَلإبراهيمَ إسماعيلَ وَإسحاقَ، ويا مَن رَدّ يُوسُفَ على يَعقوبَ، وَيا مَن كَشَفَ بَعدَ البَلاءِ ضُرَّ أيّوبٍ، يا رادَّ موسى على أُمِّهِ، وَزائِدَ الخِضرِ في عِلمِهِ، وَيامَن وَهَبَ لِداوودَ سُليمانَ وَلِزَكَرِيّا يَحيى وَلِمَريمَ عيسى، يا حافِظَ بِنتَ شُعَيبٍ، وَيا كافِلَ وَلَدِ اُمِّ موسى، أسألُكَ أن تُصَلِّيَ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، وَأن تغفِرَ لي ذنوبي كُلَّها، وَتُجيرَني مِن عَذابِكَ، وَتُوجِبَ لي رِضوانَكَ وَأمانَكَ، وَإحسانَكَ وَغُفرانَكَ، وَجنانَكَ. وَأسألُكَ أن تَفُكَّ عَنّي كُلَّ حَلَقَةٍ بَيني وَبَينَ مَن يُؤذيني، وَتَفتَح لي كُلَّ بابٍ وَتُلَيِّنُ لي كُلَّ صَعبٍ، وَتُسَهِّلَ لي كُلَّ عَسيرٍ وَتُخرِسَ عَنّي كُلَّ ناطِقٍ بِشَرٍّ، وَتَكُفّ عَنّي كُلَّ باغٍ، وَتَكبِتَ عَنّي كُلَّ عَدُوٍّ لي وَحاسِدٍ، وَتَمنَعَ مِنّي كُلَّ ظالِمٍ وَتَكفِيَني كُلَّ عائِقٍ يَحولُ بيني وَبَينَ حاجَتي وَيُحاوِلُ أن يُفَرِّقَ بَيني وَبَينَ طاعَتِكَ وَيُثَبِّطَني عَن عِبادَتِكَ، يا مَن ألجَمَ الجِنَّ المُتَمرِّدينَ، وَقَهَرَ عُتاةَ الشّياطينِ، وَأذَلَّ رِقابَ

.

ص: 276

86 . دعاءٌ من صحيفة عتيقة إلى زرارة فيه دعاء عليّ بن الحسين عليهماالسلام للمهمّات

المُتَجَبّرينَ، وَرَدَّ كَيدَ المُتَسَلِّطينَ عَنِ المُستَضعَفينَ، أسألُكَ بِقُدرَتِكَ على ما تَشاءُ وَتَسهيلُكَ لِما تَشاءُ كَيفَ تَشاءُ، أن تَجعَلَ قَضاء حاجَتي فيما تَشاءُ. ثُمَّ اسجُد على الأرضِ وَعَفِّر خَدَّيكَ، وَقُل: اللّهمَّ! لَكَ سَجَدت، وَبِكَ آمَنتُ، فارحَم ذُلّي وَفاقَتي وَاجتِهادي وَتَضَرُّعي وَمَسكَنَتي وَفَقري إلَيكَ يا رَبّ! وَاجتَهِد أن تَسُحَّ عَيناكَ وَلَو بِقَدرِ رَأسِ الذُّبابَةِ دُموعاً فإنَّ ذلِكَ عَلامَةُ الإجابَةِ. (1)

86دعاءٌ من صحيفة عتيقة إلى زرارةفيه دعاء عليّ بن الحسين عليهماالسلام للمهمّاتأخبرني أبو الحسن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة (2) قال: سألت أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهماالسلام أن يعلّمني دعاء أدعو به في المهمّات، فأخرج إليّ أوراقاً من صحيفة عتيقة فقال: انتسخ ما فيها، فهو دعاء جدّي عليّ بن الحسين زين العابدين عليهماالسلام للمهمّات. فكتبت ذلك على وجهه، فما كربني شيء قطّ وأهمّني، إلاّ دعوت به ففرّج اللّه همّي وكشف غمّي وكربي، وأعطاني سؤلي وهو : اللّهمَّ هَدَيتَني فَلَهَوتُ، وَوَعظتَ فَقَسوتُ، وَأبلَيتَ الجَميلَ فَعَصَيتُ، وَعَرَّفتَ فَأصرَرتُ ثُمَّ عَرَّفتَ فاستَغفَرتُ، فَأقَلتَ فَعُدتُ فَسَتَرتَ.

.


1- .مصباح المتهجد : ص807 ، الاقبال : ج 3 ص 242 نحوه ، بحار الأنوار : ج 98 ص 400 ح 1 .
2- .راجع الكتاب : الرّابع والعشرون .

ص: 277

فَلَكَ الحَمدُ إلهي، تَقَحَّمتُ أودِيَةَ هَلاكي، وَتَخَلَّلتُ شِعابَ تَلَفي، فَتَعرَّضتُ فيها لِسَطواتِكَ، وَبِحلولِها لِعقوباتِكَ، وَوَسيلَتي إلَيكَ التّوحيدُ، وَذَريعَتي أنّي لَم أُشرِك بِكَ شَيئاً وَلَم أَتّخِذ مَعَكَ إلهاً، قَد فَرَرتُ إلَيكَ مِن نَفسي وَإلَيكَ يَفِرُّ المُسيءُ وَأنتَ مَفزَعُ المُضَيِّعِ حَظَّ نَفسِهِ. فَلَكَ الحَمدُ إلهي، فَكَم مِن عَدُوٍّ انتَضى عَلَيَّ سَيفَ عَداوَتِهِ (1) ، وَشَحَذَ لي ظُبَةَ مُديَتِهِ، وَأرهَفَ لي شَبا حَدِّهِ، وَدافَ لي قَواتِلَ سُمومِهِ، وَسَدَّدَ نَحوي صَوائِبَ سِهامِهِ، وَلَم تَنَم عَنّي عَينُ حِراسَتِهِ، وَأضمَرَ أن يَسومَني المَكروهَ (2) ، وَيُجرِّعَني زُعافَ مَرارَتِهِ. فَنَظَرتُ يا إلهي إلى ضَعفي عَنِ احتِمالِ الفَوادِحِ، وَعَجزي عَنِ الانتِصارِ مِمَّن قَصَدَني بِمُحارَبَتِهِ، وَوَحدَتي في كثيرِ عَدَدِ مَن ناواني، وَأرصَدَ لِيَ البَلاءَ فيما لَم أُعمِل فيهِ فِكري فابتَدأتَني بِنَصرِكَ وَشَدَدتَ أزري بِقُوَّتِكَ، ثُمَّ فَلَلتَ لي حَدَّهُ (3) وَصَيَّرتَهُ مِن بَعدِ جَمع (4) وَحدَهُ، وَأعليتَ كعبي عَلَيهِ، وَجَعَلتَ ما سَدَّدَهُ مَردوداً عَلَيهِ فَرَدَّدتَهُ لَم يُشفَ غَليلُهُ (5) وَلَم يَبرُد حَرارَةُ غَيظِهِ، قَد عَضّ على شُواه، وَأدبَرَ مُوَلّياً قَد

.


1- .يقال : انتضى سيفه : استله من غمده . وشحذ السّكّين ونحوه : أحده ، وبمعناه الإرهاف . والمدية : الشّفرة . والظّبة والشّبا : حدّ السّيف والسّكّين ونحوهما ، وفي بعض النّسخ : « شباة حدّه » وهي واحدها والجمع : شبا . والدوف : خلط الدّواء ومزجها . والصّوائب جمع الصّائب وهو من السّهام : الّذي لا يخطئ في الإصابة .
2- .يقال : سامه خسفاً : أولاه إيّاه وأراده عليه ، وفلاناً الأمر : كلّفه إيّاه ، وأكثر ما يستعمل في العذاب والشّرّ. وفي بعض النسخ : «وأظهر الخ ». والزّعاف كالذّعاف : السّمّ القاتل سريعاً . والفادح : الثّقيل من البلاء .
3- .أي كسرت لي سورته وشدّته، والفل ضد الشّحذ.
4- .كذا في النّسخ وفي بحار الأنوار : «من بعد جمعه». والصّحيح كما في الصّحيفة الكاملة : «من بعد جمع عديد وحدّه».
5- .حال للضمير المفعول في « رددته » . والشّوى كالفتى : اليدان والرّجلان والأطراف وما كان غير مقتل من الأعضاء.

ص: 278

أخلَفَت سَراياهُ. وَكَم من باغٍ بَغاني بِمَكائِدِهِ، وَنَصَبَ لي أشراكَ مَصائِدِهِ، وَوَكَّلَ بي تَفَقُّدَ رِعايَتِهِ، وَأضبَأ (1) إلَيَّ إضباءَ السَّبُعِ لِمَصائِدِهِ انتِظاراً لانتِهازِ (الفُرصَةِ) لِفَريسَتِهِ. فَنادَيتُكَ يا إلهي مُستَغيثاً بِكَ، واثِقاً بِسُرعَةِ إجابَتِكَ، عالِماً أنَّهُ لَم يُضطَهَد مَن أوى إلى ظِلِّ كَنَفِكَ، وَلَن يَفزَعَ مَن لَجأ إلى مَعاقِلِ انتِصارِكَ، فَحَصَّنتَني مِن بأسِهِ بِقُدرَتِكَ. وَكَم مِن سحائِبِ مَكروهٍ قَد جَلَّيتَها، وَغَواشِيَ كُرُباتٍ كَشَفَتها، لا تُسألُ عَمّا تَفعَلُ وَلَقَد سُئِلتَ فَأعطَيتَ وَلَم تُسأل فَابتَدأتَ، وَاَستُميحَ فَضلُكَ فَما أكدَيتَ (2) ، أبَيتَ إلاّ إحساناً وَأبَيتُ إلاّ تَقَحُّمَ حُرُماتِكَ، وَتَعدِّيَ حُدودِكَ وَالغَفلةَ عَن وَعيدِكَ. فَلَكَ الحَمدُ إلهي مِن مُقتَدِرٍ لا يُغلبُ وَذي أناةٍ لا يَعجَلُ هذا مَقامُ مَنِ اعتَرَفَ لَكَ بِالِتَّقصيرِ، وَشَهِدَ على نَفسِهِ بِالتَّضييعِ. اللّهمَّ إنّي أتقرَّبُ إلَيكَ بالمُحَمَّدِيَّةِ الرَّفيعَةِ، وَأتوَجَّهُ إلَيكَ بالعَلَوِيَّةِ البَيضاءِ، فَأعِذني من شَرِّ ما خَلَقتَ، وَشرِّ مَن يُريدُ بي سوءاً، فإنَّ ذلِكَ لا يَضيقُ عَلَيكَ في وُجدِكَ (3) ، وَلا يَتَكَأّدُكَ في قُدرَتِكَ، وَأنتَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٍ. اللّهمَّ ارحَمني بِتَركِ المَعاصي ما أبقَيتَني ، وَارحَمني بِتَركِ تَكَلُّفِ ما لا يَعنيني، وَارزُقني حُسنَ النَّظَرِ فيما يُرضيكَ عَنّي، وَألزِم قَلبي حِفظَ كِتابِكَ كَما عَلَّمتَني ، وَاجعَلني أتلوهُ على ما يُرضيكَ عَنّي، وَنَوِّر بهِ بَصري ، وَأوعِهِ سَمعي ، وَاشرَح بِهِ صَدري ، وَفرِّج بهِ عَن قَلبي ، وَأطلِق بهِ لِساني ، وَاستَعمِل بهِ بَدَني ، وَاجعَل فِيَّ مِنَ الحَولِ وَالقُوَّةِ ما يُسَهِّلُ ذلِكَ عَلَيَّ، فإنَّهُ لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِكَ.

.


1- .أظبأ الصّائد : استتر واختبا ليختل صيده . وفي الصّحيفة «السّبع لطريدته».
2- .أكدى الرّجل عن الشّيء : ردّه عنه .
3- .أي فيما تجده وتقدر عليه ، ولا يتكأدك أي لا يشقّ عليك ولا يثقلك .

ص: 279

اللّهمَّ اجعَل لَيلي وَنَهاري وَدُنيايَ وَآخِرَتي وَمُنقَلَبي وَمَثوايَ عافِيَةً مِنكَ ، وَمُعافاةً وَبَرَكَةً مِنكَ . اللّهمَّ أنتَ رَبّي وَمَولايَ وَسَيّدِي وَأملي، وَإلهي وَغِياثي وَسَنَدي وَخالِقي وَناصِري وَثِقَتي وَرَجائي ، لَكَ مَحيايَ وَمَماتي ، وَلَكَ سَمعي وَبَصَري ، وَبِيَدِكَ رِزقي ، وَإلَيكَ أمري في الدُّنيا والآخِرَةِ . مَلَّكتَني بِقُدرَتِكَ ، وَقَدِرتَ عَلَيَّ بِسُلطانِكَ ، لَكَ القُدرَةُ في أمري ، وَناصِيَتي بِيَدِكَ ، لا يَحولُ أحدٌ دونَ رِضاكَ ، بِرَأفَتِكَ أرجو رَحمَتَكَ ، وَبِرَحمَتِكَ أرجو رِضوانَكَ ، لا أرجو ذلِكَ بِعَمَلي ، فَقَد عَجَزَ عَنّي عَمَلي ، وَكَيفَ أرجو ما قَد عَجَزَ عَنّي (1) ، أشكو إلَيكَ فاقَتي ، وَضَعفَ قُوَّتي ، وَإفراطي في أمري ، وَكُلُّ ذلِكَ مِن عِندي، وَما أنتَ أعلَمُ بِهِ مِنّي فاكفِني ذلِكَ كُلَّهُ . اللّهمّ اجعَلني مِن رُفَقاءِ مُحَمّدٍ حَبيبِكَ، وَإبراهيمَ خَليلِكَ ، وَيَومَ الفَزَعِ الأكبَرِ مِنَ الآمِنينَ فَآمِنّي، وَبِبِشرِكَ فَبَشِّرني (2) ، وَفي ظِلالِكَ فأظِلَّني ، وَبِمَفازَةٍ مِنَ النّارِ فَنَجِّني ، وَلا تُسمني السُّوءَ وَلا تُخزِني ، وَمِنَ الدُّنيا فَسَلِّمني ، وَحُجَّتي يَومَ القِيامَةِ فَلَقِّني ، وَبذِكرِكَ فَذَكِّرني ، وَلِليُسرى فَيَسِّرني ، وَلِلعُسرى فَجَنِّبني ، وَالصَّلاةَ وَالزَّكاةَ ما دُمتُ حَيّاً فَألهِمني ، وَلِعِبادَتِكَ فَوَفِّقني ، وَفي الفِقهِ وَمَرضاتِكَ فَاستَعمِلني ، وَمِن فَضلِكَ فارزُقني ، وَيَومَ القِيامَةِ فَبَيِّض وَجهي ، وَحِساباً يَسيراً فَحاسِبني ، وَبِقَبيحِ عَمَلي فَلا تَفضَحني ، وَبِهُداك فاهدِني ، وَبِالقَولِ الثّابِتِ في الحَياةِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ فَثَبِّتني . وَما أحبَبتُ فَحَبِّبهُ إلَيَّ، وَما كَرِهتُ فَبَغِّضهُ إلَيّ ، وَما أهمَّني مِنَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ فَاكفِني ، وَفي صَلاتي وَصِيامي وَدُعائي وَنُسُكي وَشُكري وَدُنيايَ وَآخِرَتي فَبارِك

.


1- .في منقوله في بحار الأنوار : «فقد عجزت عن عملي فكيف أرجو ما عجز عنّي».
2- .في بعض نسخ الحديث : «وبيسارك فيسّر لي» وفي بعضها : «فيسرّني».

ص: 280

لِي ، وَالمَقامَ المَحمودَ فابعَثني ، وَسُلطاناً نصيراً فاجعَل لي ، وَظُلمي وَجَهلي وَإسرافي في أمري فَتَجاوَز عَنّي ، وَمِن فِتنَةِ المَحيا وَالمَماتِ فَخَلِّصني ، وَمِنَ الفَواحِشِ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ فَنَجِّني ، وَمِن أولِيائِكَ يَومَ القِيامَةِ فاجعَلني ، وَأدِم لي صالِحَ الّذي آتَيتَني ، وَبِالحَلال عَنِ الحَرامِ فَأغنِني ، وَبِالطَّيِّبِ عَنِ الخَبيثِ فاكفِني . أقبِل بِوَجهِكَ الكريمِ إلَيَّ، وَلا تَصرِفهُ عَنّي ، وَإلى صراطِكَ المُستقيمِ فاهدِني ، وَلِما تُحِبُّ وَتَرضى فَوَفِّقني . اللّهمّ إنّي أعوذُ بِكَ مِنَ الرّياءِ وَالسُّمعَةِ وَالكِبرياءِ وَالتَعَظُّمِ وَالخُيَلاءِ وَالفَخرِ وَالبَذَخِ (1) وَالأشَرِ وَالبَطَرِ، وَالإعجابِ بِنَفسي وَالجَبرِيَةِ رَبِّ فَنَجِّني . وأعوذُ بِكَ مِنَ العَجزِ (2) وَالبُخلِ وَالشُّحِّ وَالحَسَدِ وَالحِرصِ وَالمُنافَسَةِ والغِشِّ. وأعوذُ بِكَ مِنَ الطَّمَعِ وَالطَّبَعِ (3) وَالهَلَعِ وَالجَزَعِ وَالزَّيغِ والقَمعِ . وأعوذُ بِكَ مِنَ البَغي وَالظُّلمِ وَالإعتِداءِ وَالفَسادِ وَالفُجورِ وَالفُسوقِ . وَأعوذُ بِكَ مِنَ الخِيانَةِ وَالعُدوانِ وَالطُّغيانِ . رَبِّ وَأعوذُ بِكَ مِنَ المَعصِيَةِ وَالقَطيعَةِ وَالسَّيِّئَةِ وَالفَواحِشِ وَالذُّنوبِ . وَأعوذُ بِكَ مِنَ الإثمِ وَالمَأثِمَ وَالحَرامِ وَالمُحَرَّمِ وَالخَبيثِ وَكُلِّ ما لا تُحِبُّ. رَبِّ وَأعوذُ بِكَ مِن شَرِّ الشَّيطانِ وَمَكرِهِ وَبَغيِهِ وَظُلمِهِ وَعَداوَتِهِ وَشِركِهِ وَزَبانِيَتِهِ وَجُندِهِ .

.


1- .البذخ : التّكبّر ، وهو من المجاز ، أصله بمعنى الطّول والرّفعة .
2- .في بحار الأنوار : «من الفجر».
3- .الطّبع : الدّنس والدّناءة ، وفي الحديث : «أعوذ من طمع يهدى إلى طبع» . والهلع : الحرص . والجزع : عدم التّصّبر . والزّيغ : الميل والإعوجاج . والقمع : الذّلة والتّحير كما في هامش بحار الأنوار .

ص: 281

وَأعوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما خَلَقتَ مِن دابَّةٍ وَهامَّةٍ أو جِنٍّ أو إنسٍ مِمّا يَتَحرَّكُ . وَأعوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعرُجُ فيها ، وَمِن شَرِّ ما ذرأ في الأرضِ وما يَخرُجُ مِنها. وَأعوذُ بِكَ مِن شَرِّ كُلِّ كاهِنٍ وَساحِرٍ وَراكِزٍ (1) ونافِثٍ ورَاقٍ. رَبِّ وَأعوذُ بِكَ مِن شَرِّ كُلِّ حاسِدٍ وطاغٍ وَباغٍ وَنافِسٍ وَظالِمٍ وَمُعتَدٍ وَجائِرٍ . وأعوذُ بِكَ مِنَ العَمى وَالصَمَمِ وَالبَكَمِ وَالبَرَصِ وَالجُذامِ وَالشَّكِّ وَالرَّيبِ. وأعوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَالفَشَلِ والعَجزِ وَالتَّفريطِ والعَجَلَةِ وَالتَّضييعِ وَالتَّقصيرِ وَالإبطاءِ . وَأعوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما خَلَقتَ في السَّماواتِ وَالأرضِ وَما بَينَهُما وَما تَحتَ الثَّرى. رَبِّ وأعوذُ بِكَ مِنَ الفَقرِ وَالحاجَةِ وَالفاقَةِ والمَسألَةِ وَالضَّيعَةِ (2) وَالعائِلَةِ. وأعوذُ بِكَ مِنَ القِلَّةِ وَالذِلَّةِ. وأعوذُ بِكَ مِن الضّيقِ وَالشِّدَّةِ وَالقَيدِ وَالحَبسِ وَالوَثاقِ وَالسُّجونِ وَالبَلاءِ وَكُلِّ مُصيبَةٍ لا صَبرَ لي عَلَيها، آمينَ رَبَّ العالَمينَ. اللّهمَّ أعطِنا كُلَّ الّذي سَألناكَ ، وَزِدنا مِن فَضلِكَ على قَدرِ جَلالِكَ وَعَظَمَتِكَ ، بِحَقِّ لا إلَه إلاّ أنتَ العزيزُ الحَكيمُ. (3)

.


1- .كذا ، وركز الرّمح غرزها في الأرض ولعلّه كناية عن الخادع ، وفي بحار الأنوار وأمالي ابن الشيخ : «وزاكن» وهو المتفرّس الفطن الّذي يطلع على الأسرار فيؤذي النّاس . والرّاقي : النّفّاث في العقد .
2- .أي أن أضاع وأتلف والضّيعة في الأصل : المرة من الضّياع . وفي الأمالي للطّوسي : « المسألة والضّيقة ، والعائلة ، وأعوذ بك من القيلة والذلة » .
3- .الأمالي للمفيد: ص239 ح3، مهج الدعوات : ص201 مع اختلاف، بحار الأنوار: ج95 ص180 ح1 .

ص: 282

87 . كتابه عليه السلام للربيع في الدّعاء للكرب والشّدائد

87كتابه عليه السلام للربيعفي الدّعاء للكرب والشّدائدفي حديث إحضار المنصور الدّوانيقي للإمام الصّادق عليه السلام ودخوله عليه السلام على المنصور وتغيّر حاله، وأمره الرّبيع بإتيان الغالية ووضعها في لحيته عليه السلام وحمله على دابّة فارهة _ قال الرّبيع : (1) فخرجنا من عنده وأنا مسرور فرح بسلامة جعفر عليه السلام ومتعجّب ممّا أراد المنصور، وما صار إليه من أمره ، فلمّا صرنا في الصّحن قلت له: يابن رسول اللّه إنّي لأعجب ممّا عمد إليه هذا في بابك ، وما أصارك اللّه إليه من كفايته ودعائه ، ولأعجب من أمر اللّه عز و جل ، وقد سمعتك تدعو عقيب الرّكعتين بشيء في الأصل بدعاء لم أدر ما هو ، إلاّ أنّه طويل ، ورأيتك قد حركت شفتيك ههنا _ أعني الصّحن _ بشيء لم أدر ما هو ؟ فقال لي : أمّا الأوّل فدعاء الكرب والشّدائد لم أدع به على أحد قبل يومئذ جعلته عوضاً من دعاء كثير أدعو به إذا قضيت صلاتي، لأنّي لم أترك أن أدعو ما كنت أدعو به . وأمّا الّذي حركت به شفتي فهو دعاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم الأحزاب حدّثني به أبي عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : لمّا كان يوم الأحزاب كانت المدينة كالإكليل من جنود المشركين ، وكانوا كما قال اللّه عز و جل : «إِذْ جَآءُوكُم مِن فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَ إِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا » . (2) فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بهذا الدّعاء وكان أمير المؤمنين عليه السلام

.


1- .الرّبيع : صاحب المنصور الظاهر هو الربيع بن يونس حاجب المنصور ، وهو حفيد الفضل بن الربيع كما يظهر من أمالي الطوسي : ص 591 ح 1226 و ص 261 ح 1029) وذكره في أصحاب الصادق عليه السلام بعنوان ربيع الحاجب . (رجال الطوسي : ص 204 الرقم 2611) . الربيع بن يونس بن محمّد ، مولى أبي جعفر المنصور وحاجبه ووزيره له بعد أبي أيّوب المرزبانيّ توفي في سنة 170 ه ق ( راجع : المنتظم : ج 8 ص 332 الرقم 920) .
2- .الأحزاب: 10 و11.

ص: 283

يدعو به إذا أحزبه أمر والدّعاء: اللّهمّ احرسْني بعينك الّتي لا تنام ، واكْنِفنِي بركنك الّذي لا يضام، واغفر لي بقدرتك عليّ، ربِّ لا أهلك وأنت الرّجاء ، اللّهمّ أنت أعزّ وأكبر ، ممّا أخاف وأحذر ، باللّه أستفتح ، وباللّه أستنجح ، وبمحمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتوجّه يا كافي إبراهيم نمرود ، وموسى فرعون ، اكفني ما أنا فيه اللّه اللّه ربّي لا أشرك به شيئاً، حسبي الرّبّ من المربوبين، حسبي الخالق من المخلوقين ، حسبي المانع من الممنوعين، حسبي من لم يزل حسبي حسبي ، مذ قطّ حسبي ، حسبي اللّه لا إله إلاّ هو عليه توكّلت وهو ربّ العرش العظيم . ثمّ قال: لولا الخوف من أمير المؤمنين كنت لدفعت إليك هذا المال ، [ أي المال الّذي أعطاه المنصور] ولكن قد كنت طلبت منّي أرضي بالمدينة ، وأعطيتني بها عشرة آلاف دينار ، فلم أبعك وقد وهبتها لك . قلت: يابن رسول اللّه إنّما رغبتي في الدّعاء الأوّل والثّاني، وإذا فعلت هذا فهو البرّ ولا حاجة لي الآن في الأرض . فقال : إنّا أهل بيت لا نرجع في معروفنا ، نحن ننسخك الدّعاء ونسلّم إليك الأرض ، صرْ معي إلى المنزل ، فصرت معه كما تقدّم المنصور . وكما كتب لي بعهدة الأرض. وأملى عَلَيّ دعاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وأملى عَلَيّ الّذي دعا هو بعد الرّكعتين . (1) أقول: لم ننقل في الحديث نصّ الوثيقة في عهدة الأرض. والدُّعاء الّذي دعا به بعد الصّلاة هو ما ذكره في المهج:

.


1- .مهج الدعوات : ص242 ، بحار الأنوار : ج94 ص291 ح 2 نقلاً عنه .

ص: 284

اللّهمَّ إنّي أسألُكَ يا مُدرِكَ الهارِبينَ ، وَيا مَلجأ الخائِفينَ، وَيا صريخَ المُستَصرِخينَ، وَيا غِياثَ المُستَغيثينَ، وَيا مُنتَهى غايَةِ السّائِلينَ، وَيا مُجيبَ دَعوَةِ المُضطَرّينَ، يا أرحَمَ الرّاحِمينَ، يا حَقُّ، يا مُبينُ، يا ذا الكَيدِ المَتينِ، يا مُنصِفَ المَظلومينَ مِنَ الظّالِمينَ، يا مُؤمِنَ أوليائِهِ مِنَ العَذابِ المُهينِ، يا مَن يَعلَمُ خائِنَةَ الأعيُنِ، بِخافيات لَحظِ الجفون، وَسرائِرِ القُلوبِ، وَما كانَ وَيَكونُ، يا رَبَّ السّماواتِ وَالأرَضينَ، والمَلائِكَةِ المُقرَّبينَ، وَالأنبياءِ المُرسَلينَ، وَرَبِّ الجِنِّ والإنسِ أجمَعينَ، يا شاهِداً لا يَغيبُ، يا غالِباً غَيرَ مَغلوبٍ، يا مَن على كُلِّ شَيءٍ رَقيبٌ، وَعلى كُلِّ شَيءٍ حَسيبٌ، وَمِن كُلِّ عَبدٍ قَريبٌ، وَلِكُلِّ دَعوَةٍ مُستَجيبٌ، يا إلهَ الماضينَ ، والغابِرينَ والمُقِرّينَ وَالجاحِدينَ، وإلَهَ الصّامِتينَ، وَالنّاطِقينَ، وَرَبَّ الأحياءِ وَالمَيّتينَ . يا أللّهَ ، يا رَبَّاهُ ، يا عَزيزُ، يا حَكيمُ، يا غَفورُ، يا رَحيمُ، يا أَوّلُ، يا قَديمُ يا شَكورُ، ياحَليمُ يا قاهِرُ ، يا عَليمُ، يا سَميعُ، يا بَصيرُ، يا لَطيفُ، يا خَبيرُ، يا عالِمُ، يا قَديرُ، يا قَهّارُ، يا غَفّار، يا جَبّار، يا خالِقُ، يا رازِقُ، يا فاتِقُ، يا راتِقُ، يا صادِقُ، يا أحَدُ يا صَمَدُ يا واحِدُ ياماجِدُ يارَحمانُ ، يا فَردُ، يا مَنّانُ، يا سُبّوحُ، يا حنّانُ، يا قُدّوسُ، يارَؤوفُ، يا مُهَيمِنُ، يا حَميدُ، يا مَجيدُ، يا مُبدِئُ، يا مُعيدُ، يا وَلِيُّ، يا عَلِيُّ، يا غَنِيُّ، ياقَوِيُّ، يا بارِئ، يا مُصَوِّرُ ، يا مَلِكُ يا مُقتَدِرُ، يا باعِثُ، يا وارِثُ، يا مُتَكَبِّرُ، يا عَظيمُ، يا باسِطُ، يا سَلامُ، يا مُؤمِنُ، يا بارُّ يا وترُ، يا مُعطي، يا مانِعُ، يا ضارُّ، يا نافِعُ، يا مُفَرِّقُ، يا جامِعُ، يا حَقُّ، يا مُبينُ، يا حَيُّ، يا قَيُّومُ، يا وَدودُ، يا مُعيدُ، يا طالِبُ، يا غالِبُ، يا مُدرِكُ، يا جَليلُ، يا مُفضِّلُ، يا كَريمُ، يا مُتَفَضِّلُ، يا مُتَطَوِّلُ، يا أوّابُ، يا سَمحُ، يا فارِجَ الهمِّ، يا كاشِفَ الغَمِّ، يا مُنزِلَ الحَقِّ، يا قابِلَ الصِّدقِ، يا فاطِرَ السّمواتِ والأرضِ، يا عِمادَ السَّماواتِ وَالأرضِ، يا مُمسِكَ السّماواتِ وَالأرضِ، يا ذا البَلاءِ الجَميلِ، وَالطَّولِ العَظيمِ، يا ذا السُّلطانِ الّذي لا يَذِلُّ، وَالعِزِّ الّذي لا

.

ص: 285

يُضامُ، يا مَعروفاً بالإحسانِ، يا مَوصوفاً بالامتِنانِ، يا ظاهِراً بِلا مُشافَهَةٍ، يا باطِناً بِلا مُلامَسَةٍ، يا سابِقَ الأشياءِ بِنَفسِهِ، يا أوّلاً بِغَيرِ غايَةٍ، يا آخرَ بِغَيرِ نِهايَةٍ ، يا قائِماً بِلا انتِصابٍ، يا عالِماً بِلا اكتِسابٍ، يا ذا الأسماءِ الحُسنى، وَالصِّفاتِ المُثلى، وَالمَثَلِ الأعلى، يا مَن قَصُرَت عَن وَصفِهِ ألسُنُ الواصِفينَ، وَانقَطَعَت عَنهُ أفكارُ المُتَفَكِّرينَ، وعلا وَتَكَبَّرَ عَن صفاتِ المُلحِدينَ، وَجَلَّ وَعَزَّ عَن عَيبِ العائِبينَ، وَتبارَكَ وَتَعالى عَن كِذبِ الكاذِبينَ، وَأباطيلِ المُبطِلينَ، وَأقاويلِ العادِلينَ، يا مَن بَطَنَ فَخَبَرَ، وَظَهَرَ فَقَدَرَ، وَأعطى فَشَكَرَ، وعلا فقهر، يا رَبَّ العَينِ وَالأثَرِ، وَالجِنِ وَالبَشَرِ، وَالأُنثى وَالذَّكَرِ، وَالبَحثِ وَالنَّظَرِ، وَالقَطرِ وَالمَطَرِ، وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ، ياشاهِدَ النَّجوى، وَكاشِفَ الغَمِّ وَدافِعَ البَلوى، وَغايَةَ كُلِّ شَكوى، يا نِعمَ النَّصيرِ وَالمَولى، يا مَن هُوَ عَلى العَرشِ استَوى، لَهُ ما فِي السَّمواتِ، وَما فِي الأرضِ، وما بَينَهُما، وَما تَحتَ الثَّرى. يا مُنعِمُ يا مُفضِلُ يا مُحسِنُ، يا مُجمِلُ، يا كافي يا شافي، يا مُحيي يا مُميتُ، يا مَن يَرى وَلا يُرى، وَلا يَستَعينُ بِسَناءِ الضِّياءِ، يا مُحصي عَدَدِ الأشياءِ ، يا عالِيَ الجَدِّ، يا غالِبَ الجُندِ، يا مَن لَهُ على كُلِّ شَيءٍ يَدٌ، وَفي كُلِّ شَيءٍ كَيدٌ، يا مَن لا يَشغَلُهُ صغيرٌ عَن كَبيرٍ، وَلا حَقيرٌ عَن خَطيرٍ، وَلا يَسيرٌ عَن عَسيرٍ، يا فاعِلٌ بِغَيرِ مُباشَرَةٍ، يا عالِمٌ مِن غَيرِ مُعَلِّمٍ، يا مَن بَدَأ بالنِّعمَةِ قَبلَ استِحقاقِها، وَالفَضيلَةِ قَبلَ استيجابِها، يا مَن أنعَمَ على المُؤمِنِ وَالكافِرِ، وَاستَصلَحَ الفاسِدَ وَالصّالِحَ عَلَيهِ، وَرَدَّ المُعانِدَ والشّارِدَ عَنهُ، يا مَن أهلَكَ بَعدَ البَيِّنَةِ، وَأخَذَ بَعدَ قَطعِ المَعذِرَةِ، وَأقامَ الحُجَّةَ، وَدَرأ عَنِ القُلوبِ الشُّبهَةَ، وَأقامَ الدِّلالَةَ، وَقادَ إلى مُعايَنَةِ الآيَةِ، يا بارِئ الجَدِّ، وَمُوسِّعَ البَلَدِ، وَمُجري القوتِ، وَمُنشِرَ العِظامِ بَعدَ المَوتِ، وَمُنزِلَ الغَيثِ، يا سامِعَ الصَّوتِ، وَسابِقَ الفَوتِ، يا رَبَّ الآياتِ وَالمُعجِزاتِ، من مَطرٍ وَنَباتٍ، وَآباءٍ وَأُمَّهاتٍ، وَبَنينَ

.

ص: 286

وَبَناتٍ، وَذاهِبٍ وَآتٍ، وَلَيلٍ داجٍ، وَسَماءٍ ذاتِ أبراجٍ، وَسِراجٍ وَهّاجٍ، وَبَحرٍ عَجَّاجٍ، وَنُجومٍ تَمورُ، وَأرواحٍ تَدورُ، وَمِياهٍ تَفورُ، وَمِهادٍ مَوضوعٍ، وسِترٍ مَرفوعٍ ، وَرِياحٍ تَهُبُّ، وَبَلاءٍ مَدفوعٍ، وَكَلامٍ مَسموعٍ، ويقظة (1) وَمَنامٍ، وَسِباعٍ وَأنعامٍ ، وَدَوابٍّ وَهَوامٍ، وَغَمامٍ وَأكمامٍ، واُمورٍ ذاتِ نِظامٍ، مِن شِتاءٍ وَصَيفٍ، وَرَبيعٍ وَخَريفٍ، أنتَ أنتَ خَلَقتَ هذا يا ربّ ، فأحسَنتَ، وَقَدّرتَ فَأتقَنْتَ ، وَسَوَّيتَ فَأحكَمتَ ، وَنَبَّهتَ على الفِكرَةِ، فأنعَمتَ، وَنادَيتَ الأحياءَ فَأفهَمتَ، وَلَم يَبق عَلَيَّ إلاَّ الشُّكرُ لَكَ، وَالذِّكرُ لِمَحامِدِكَ، وَالانقِيادُ إلى طاعَتِكَ، وَالاستِماعُ لِلدَّاعي إلَيكَ، فإن عَصَيتُكَ فَلَكَ الحُجَّةُ، وَإن أطَعتُكَ فَلَكَ المِنَّةُ، يا مَن يُمهِلُ فَلا يَعجَلُ ، وَيَعلَمُ فَلا يَجهَلُ، وَيُعطي فلا يَبخَلُ، يا أحَقَّ مَن عُبِدَ، وَحُمِدَ وَسُئِلَ، وَرُجِيَ وَاعتُمِدَ. أسألُكَ بِكُلِّ اسمٍ مُقَدَّسٍ، مُطَهَّرٍ، مَكنونٍ اختَرتَهُ لِنَفسِكَ، وَكُلِّ ثَناءٍ عالٍ رَفيعٍ، كَريمٍ رَضيتَ بهِ مِدحَةً لَكَ، وَبِحَقِّ كُلِّ مَلَكٍ قريبٍ مَنزِلَتُهُ عِندَكَ، وَبِحَقِّ كُلِّ نَبيٍّ أرسَلتَهُ إلى عِبادِكَ، وَبِكُلِّ شَيءٍ جَعَلتَهُ مُصَدِّقاً لِرُسُلِكَ، وَبِكُلِّ كتابٍ فَضَّلتَهُ وفصَّلته (2) ، وَبَيَّنتَهُ وَأحكَمتَهُ ، وَشَرَّعتَهُ، وَنَسختَهُ، وَبِكُلِّ دُعاءٍ سَمِعتَهُ فأجبتَهُ ، وَعَمَلٍ رَفَعتَهُ، وَأسألُكَ بِكُلِّ مَن عَظَمتَ حَقَّهُ، وَأعلَيتَ قَدرَهُ، وَشَرَّفتَ بُنيانَهُ، مِمّن أسَمعتَنا ذِكرَهُ، وَعَرَّفتَنا أمرَهُ، وَمِمَّن لَم تُعرِّفنا مَقامَهُ، وَلَم تُظهِر لَنا شأنَهُ مِمَّن خَلَقتَهُ، مِن أوَّلِ ما ابتَدأتَ بِهِ خَلقَكَ ، وَمِمَّن تَخلُقُهُ إلى انقِضاءِ عِلمِكَ ، وَأسألُكَ بِتَوحيدِكَ الَّذي فَطَرتَ عَلَيهِ العُقولَ، وأخَذتَ بِهِ المَواثيقَ، وَأرسَلتَ بِهِ الرُّسُلَ وَأنزَلتَ عَليهِ الكُتُبَ، وَجَعَلتَهُ أوَّلَ فُروضِكَ، وَنِهايَةَ طاعَتِكَ، فَلَم تَقبَل حَسَنَةً إلاَّ مَعَها، وَلَم تَغفِر سَيّئةً إلاَّ بَعدَها ، وَأتوَجَّهُ إلَيكَ بِجودِكَ وَمَجدِكَ وَكَرَمِكَ، وَعِزِّكَ وَجَلالِكَ ، وَعَفوِكَ وَامتِنانِكَ،

.


1- .كلمة «يقظة » غير موجودة في المصدر ، وما أثبتناه هو الصحيح كما في المصادر الاُخرى .
2- .في المصدر : «ووصلته »، وما أثبتناه هو الصحيح كما في المصادر الاُخرى .

ص: 287

وَتَطَوُّلِكَ، وَبِحَقِّكَ الّذي هُوَ أعظَمُ مِن حُقوقِ خَلقِكَ. وَأسألُكَ يا أللّهُ، يا أللّهُ، يا أللّهُ، يا رَبّاهُ، يا رَبّاهُ، يا رَبّاهُ، يا رَبّاهُ . . . _ ثلاثَ عَشرَةَ مَرّة _ وَأرغَبُ إلَيكَ خاصّاً وَعامّاً، وَأوَّلا وَآخِراً ، وَبِحَقِّ مُحَمّدٍ صلى الله عليه و آله ، الأمينِ رَسولِكَ سَيّدِ المُرسَلينَ، وَنَبِيّكَ إمامِ المُتّقينَ ، وبِالرّسالَةِ الّتي أدّاها ، وَالعِبادَةِ الّتي اجتَهَدَ فيها ، وَالمِحنَةِ الّتي صَبَرَ عَلَيها ، وَالمَغفِرَةِ الّتي دَعا إلَيها ، وَالدِّيانَةِ الّتي حَرَّضَ عَلَيها، مُنذُ وَقتِ رِسالَتِكَ إيّاهُ إلى أن تَوَفّيتَهُ، وبِما بَينَ ذلِكَ مِن أقوالِهِ الحَكيمَةِ ، وَأفعالِهِ الكَريمَةِ، وَمَقاماتِهِ المشهورَةِ، وَسَاعاتِهِ المَعدودَةِ ، أن تُصَلِّيَ عَلَيهِ كَما وَعَدتَهُ مِن نَفسِكَ ، وَتُعطِيَهُ أفضَلَ ما أمَّلَ مِن ثَوابِكَ ، وَتُزلِفَ لَديكَ مَنزِلَتَهُ وَتُعلي عِندَكَ دَرجَتَهُ ، وَتبعَثَهُ المَقامَ المَحمودَ ، وَتوردَهُ حَوضَ الكَرَمِ وَالجودِ، وَتُبارِكَ عَلَيهِ بَرَكَةً عامّةً ، خاصّةً ماسّةً ، زاكِيَةً عالِيَةً سامِيَةً ، لا انقِطاعَ لِدَوامِها ، وَلا نَقيصَةَ في كمالِها ، وَلا مَزيدَ إلاّ في قُدرَتِكَ عَلَيها ، وَتُزيدُه بَعدَ ذلِكَ مِمّا أنتَ أعلَمُ بهِ ، وَأقدَرُ عَلَيهِ، وَأوسَعُ لَهُ، وَتُؤتي ذلِكَ، حَتّى يَزدادَ في الإيمانِ بهِ بَصيرَةً ، وَفي مَحَبَّتِهِ ثَباتاً وَحُجَّةً ، وَعلى آلِهِ الطاهِرينَ الطَيبينَ الأخيارِ ، المُنتَجبينَ الأبرارِ ، وَعلى جَبرائيلَ وَميكائيلَ وَالمَلائِكَةِ المُقرّبينَ ، وَحَمَلَةِ عَرشِكَ أجمَعينَ ، وَعلى جَميعِ النَّبِيينَ وَالمُرسلينَ ، وَالصِّديقينَ ، وَالشُّهداءِ ، وَالصّالِحينَ ، عَلَيهِ وَعَلَيهِم السّلامُ وَرَحمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ . اللّهمَّ ، إنّي أصبَحتُ لا أملِكُ لِنَفسي ، ضَرّاً ولا نَفعاً ، وَلا مَوتاً ولا حَياةً ، ولا نُشوراً ، قَد دنا مَصرَعي، وَانقَطَعَ عُذري ، وَذَهَبَت (1) مسألتي ، وَذَلَّ ناصِري ، وَأسلَمَني أهلي، وَوَلدي، بَعدَ قِيامِ حُجَّتِكَ عَلَيَّ ، وَظُهورِ بَراهينِكَ عِندي ، وَوُضوحِ دَلائِلِكَ لَدَيَّ (2) .

.


1- .في المصدر : «قد ذلّ مصرعي وذهب مسألتي . . . » وما أثبتناه هو الصحيح كما في المصادر الاُخرى .
2- .كلمة : «لَدَيَّ » غير موجودة في المصدر ، وقد أثبتناها من المصادر الاُخرى .

ص: 288

اللّهُمَّ ، إنّه قَد أكدى الطّلَبُ ، وَأعيَتِ الحِيَلُ إلاّ عِندَكَ، وَانغَلَقَتِ الطُّرُقُ ، وَضاقَتِ المَذاهِبُ ، إلاّ إلَيكَ ، وَدَرَستِ الآمالُ ، وَانقَطَعَ الرَّجاءُ ، إلاّ مِنكَ ، وَكَذِبَ الظَّنُ ، وَأخلَفَتِ العِداتُ إلاّ عِدَتُكَ . اللّهمَّ ، إنّ مَناهِلَ الرَّجاءِ لِفَضلِكَ مُترَعَةٌ ، وَأبوابَ الدُّعاءِ لِمَن دَعاكَ مُفَتَّحَةٌ ، وَالاستِغاثَةُ لِمَنِ استَغاثَ بِكَ مُباحَةٌ ، وَأنتَ لِداعيكَ بِمَوضِعِ الإجابَةِ ، وَللصارِخِ إلَيكَ وَلِيُّ الإغاثَةِ ، وَالقاصِدُ إلَيكَ ، قَريبُ المَسافَةِ ، وَأنَّ مَوعِدَكَ عِوضٌ عَن مَنعِ الباخِلينَ ، وَمَندوحَةٌ عَمّا في أيدي المُستَأثِرينَ ، وَدَركٌ مِن حِيَلِ المَوازرينِ وَأنتَ لا تُحجَبُ عَن خَلقِكَ ، إلاّ أن تَحجُبَهُم الأعمالُ السَّيِئةُ دونَكَ ، وَما أُبرِّئُ نَفسي مِنها ، وَلا أرفَعُ قَدري عَنها ، إنّي لِنَفسي يا سَيِّدي لَظَلومٌ ، وَبِقَدَري لَجَهولٌ ، إلاّ أن ترحَمَني، وتلحضني وَتعودَ بِفَضلِكَ عَلَيَّ ، وَتَدرَأ عِقابَكَ عَنّي، وَتَرحَمَني ، وَتَلحَظَني بِالعَينِ ، الّتي أنقَذتَني بِها مِن حَيرَةِ الشَّكِ ، وَرَفعَتني مِن هُوَّةِ الضَّلالَةِ ، وَأنعَشَتني مِن مِيتَةِ الجَهالَةِ ، وَهَدَيتَني بِها مِن الأنهاجِ الحائِرَةِ . اللّهمَّ ، وَقَد عَلِمتُ أنَّ أفضَلَ زادِ الرّاحِلِ إلَيكَ عَزمُ إرادَةٍ ، وإخلاصُ نِيَّةٍ ، وَقَد دَعَوتُكَ بِعَزمِ إرادَتي ، وإخلاصِ طَوِيَّتي، وَصادِقِ نِيَّتي، فَها أنا ذا مِسكينُكَ ، بائِسُكَ ، أسيرُكَ ، فَقيرُكَ ، سائِلُكَ ، مُنيخٌ بِفِنائِكَ ، قارِعٌ بابَ رَجائِكَ ، وَأنتَ اُنسُ الآنِسينَ لِأوليائِكَ ، وَأحرى بِكِفايَةِ المُتَوكِّلينَ عَلَيكَ ، وَأولى بِنَصرِ الواثِقِ بِكَ ، وَأحَقُّ بِرِعايَةِ المُنقَطِعِ إلَيكَ ، سِرّي إلَيكَ مَكشوفٌ ، وَأنا إلَيكَ مَلهوفٌ ، وأنا عاجِزٌ ، وَأنتَ قديرٌ ، وَأنا صغيرٌ وَأنتَ كَبيرٌ ، وَأنا ضعيفٌ وَأنتَ قَوِيٌّ ، وَأنا فقيرٌ وَأنتَ غَنِيٌّ ، إذا أوحَشَتني الغُربَةُ ، آنَسَني ذِكرُكَ ، وإذا صَعُبَت عَلَيَّ (1) الاُمورُ استَجرتُ بِكَ ، وإذا تلاحَقَت عَلَيَّ الشَّدائِدُ أمّلتُكَ ، وَأينَ يَذهبُ بي عَنكَ ، وَأنتَ أقرَبُ مِن وَريدي،

.


1- .في المصدر : « صُبَّت » ، وما أثبتناه هو الصحيح كما في المصادر الاُخرى .

ص: 289

وَاحصَنُ مِن عديدي وَأوجَدُ في مَكاني، وَأصَحُّ مِن مَعقولي، وَأزِمَّةُ الاُمورِ كُلُّها بِيَدِكَ ، صادِرَةٌ عَن قَضائِكَ ، مُذعِنَةٌ بِالخُضوعِ لِقُدرَتِكَ ، فَقيرَةٌ إلى عَفوِكَ ، ذاتُ فاقَةٍ إلى قارِبٍ مِن رَحمَتِكَ ، وَقَد مَسَّني الفَقرُ وَنالَني الضُّرُ ، وَشَمَلَتني الخَصاصَةُ ، وَأغرَتني الحاجَةُ ، وَتَوسَّمتُ بِالذِّلَةِ ، وَعَلَتني المَسكَنَةُ ، وَحَقَّت عَلَيَّ الكَلِمَةُ ، وَأحاطَت بِيَ الخَطيئَةُ ، وَهذا الوَقتُ الّذي وَعدتَ أولياءَكَ فيهِ الإجابَةِ ، فامسَح ما بي بِيَمينِكَ الشّافِيَةِ ، وَانظُر إليَّ بِعَينِكَ الرّاحِمَةِ ، وَأدخِلني في رَحمَتِكَ الواسِعَةِ ، وَأقبِل عَلَيَّ بِوَجهِكَ ذي الجَلال وَالإكرامِ ، فإنَّكَ إذا أقبَلتَ على أسيرٍ فَكَكتَهُ ، وَعلى ضالٍّ هَدَيَتهُ ، وعلى حائِرٍ آوَيتَهُ ، وَعلى ضَعيفٍ قَوَّيتَهُ ، وَعلى خائِفٍ آمَنتَهُ . اللّهمَّ ، إنَّكَ أنعَمتَ عَلَيَّ فَلَم أشكُر ، وَابتَلَيتَني فَلَم أصبِر ، فَلَم يُوجِب عَجزي عن شُكرِكَ مَنعَ المُؤمَّلِ مِن فَضلِكَ ، وَأوجَبَ عَجزي عَنِ الصَّبرِ على بَلائِكَ كَشفَ ضُرِّكَ ، وإنزالَ رَحمَتِكَ ، فيا مَن قَلّ عِندَ بَلائِهِ صَبري فَعافاني، وَعِندَ نَعمائِهِ شُكري فَأعطاني ، أسألُكَ المَزيدَ مِن فَضلِكَ ، وَالإيزاعَ لِشُكرِكَ ، وَالاعتِدادَ بِنَعمائِكَ في أعفى العافِيَةِ ، وَأسبَغِ النِّعمَةِ ، إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . اللّهمَّ ، لا تُخلِني مِن يَدِك ، وَلا تَترُكني لِقاءاً لِعَدُوِّكَ ، وَلا لِعَدُوّي ، وَلا تُوحِشني من لَطائِفِكَ الخَفِيَّةِ ، وَكِفايَتِكَ الجَميلَةِ ، وَإن شَرَدتُ عَنكَ فاردُدني إلَيكَ ، وَإن فَسَدتُ عَلَيكَ فأصلِحني لَكَ ، فإنَّكَ تَرُدّ الشّارِدَ ، وَتُصلِحُ الفاسِدَ ، وَأنتَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . اللّهمَّ ، هذا مُقامُ العائِذِ بِكَ ، اللائِذِ ، بِعَفوِكَ ، المُستَجيرِ بِعِزِّ جَلالِكَ ، قَد رأى أعلامَ قُدرَتِكَ ، فَأرِهِ آثارَ رَحمَتِكَ ، فإنَّكَ تُبدِئ الخَلقَ ثُمَّ تُعيدُهُ ، وَهُوَ أهونُ عَلَيكَ ، وَلَكَ المَثَلُ الأعلى فِي السَّمواتِ وَالأرضِ ، وَأنتَ العَزيزُ الحَكيمُ . اللّهمَّ ، فَتَولَّني وِلايَةً تُغنيني بِها ، عَن سِواها ، وَأعطِني عَطِيَّةً لا أحتاجُ إلى غَيرِكَ

.

ص: 290

مَعَها ، فَإنّها لَيسَت بِبِدعٍ مِن وِلايَتِكَ ، وَلا بِنُكرٍ مِن عَطِيَّتِكَ ، وَلا بِأولى مِن كِفايَتِكَ ، ادفَعِ الصَّرعَةَ ، وَأنعِش السَّقطَةَ ، وَتَجاوَز عَنِ الزَّلَةِ ، وَاقبَلِ التَّوبَةَ ، وَارحَمِ الهَفوَةَ ، وأنجِ مِنَ الوَرطَةِ ، وَأقِلِ العَثرَةَ ، يا مُنتَهى الرَّغبَةِ ، وَغِياثَ الكُربَةِ ، وَوَلِيَّ النِّعمَةِ ، وَصاحِبي فِي الشِّدَةِ ، وَرَحمانَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، أنتَ الرّحيم فإلى (1) من تَكِلُني ؟ إلى بَعيدٍ يَتَجَهَّمُني ؟ أو عَدُوٍّ يَملِكُ أمري ؟ إن لَم تَكُ عَلَيَّ ساخِطاً فَما اُبالي، غَيرَ أن عَفوكَ لا يَضيقُ عَنّي ، وَرِضاكَ يَنفَعُني ، وَكَنَفَكَ يَسَعُني، وَيَدَكَ الباسِطَةُ تَدفَعُ عَنّي، فَخُذ بِيَدي مِن دَحضِ الزّلَةِ فَقَد كَبَوتُ ، وَثَبِّتني على الصِّراطِ المُستقيمِ ، وَاهدِني وَإلاّ غَوَيتُ . يا هادِيَ الطّريقِ ، يا فارِجَ المَضيقِ ، يا إلهي بِالتَّحقيقِ ، يا جارِيَ اللَّصيقَ ، يا رُكنِيَ الوَثيقَ ، يا كنزِيَ العَتيقَ ، أحلِل عَنّي المَضيقَ ، وَاكفِني شَرَّ ما أُطيقُ ، وَما لا أُطيقُ ، يا أهلَ التَّقوى والمَغفِرَةِ ، وَذا العِزِّ وَالقُدرَةِ ، وَالآلاءِ وَالعَظَمَةِ ، يا أرحَمَ الرّاحِمينَ ، وَخَيرَ الغافِرينَ ، وَأكرَمَ النّاظِرينَ ، وَرَبَّ العالَمينَ ، لا تَقطَع مِنكَ رَجائي ، ولا تُخَيّب دُعائي ، وَلا تُجهِد بَلائي ولا تُسئ قضائي وَلا تَجعَلِ النّارَ مَأوايَ ، وَاجعَلِ الجَنَّةَ مَثوايَ ، وَأعطِني مِنَ الدُّنيا سُؤلي وَمُناي ، وَبلّغني مِنَ الآخِرَةِ أملي وَرِضايَ ، وَآتِني في الدُّنيا حَسَنَةً ، وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النّارِ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، وَبِكُلّ شَيءٍ مُحيطٌ ، وَأنتَ حَسبي ، وَنِعمَ الوَكيلُ . (2) أقول : نقله السّيّد ص175 بهذا السّند قال: ومن ذلك ما رويناه ورأيناه بإسنادنا إلى الشّيخ أبي محمّد هارون بن موسى التّلعكبريّ رضى الله عنه قال : حدّثنا محمّد بن همام

.


1- .في المصدر : « رحماني »، وما أثبتناه من المصادر الاُخرى .
2- .مهج الدعوات: ص223 ، بحار الأنوار : ج94 ص273 ح 1 .

ص: 291

88 . كتابه عليه السلام في الحوائج

قال: حدّثنا عبد اللّه بن كثير التّمار قال: حدّثنا محمّد بن عليّ الصّيرفيّ قال: حدّثنا عبد الرّحمان بن أبي نجران قال: حدّثني ياسر _ مولى الرّبيع _ قال سمعت الرّبيع 1 يقول: لمّا حجّ المنصور (1) ؛ الحديث. ولكنّه في هذه الرّواية يقول : إنّه عليه السلام دعا بهذا الدّعاء ولم يذكر الاستنساخ والإملاء . وقال السيّد بعد نقل الدّعاء ص184: كتبته من مجموع بخط الشّيخ الجليل أبي الحسين محمّد بن هارون التّلعكبريّ؛ هكذا في الأصل. (2)

88كتابه عليه السلام في الحوائجهشام بن أحمر (3) قال: كتب أبو عبد اللّه رقعة في حوائج لأشتريها وكتب : إذا قَرَأتَ الرُّقعَةَ خَرِّقها ، فاشتريت الحوائج وأخذت الرّقعة فأدخلتها في زنفيلجتي (4)

.


1- .هو أبو جعفر المنصور الدّوانيقي ثاني خلفاء بني العباس بعد أخوه أبو العباس السفاح ، بقي في الحكم اثنين وعشرين سنة (136 _ 158 ه) ، وقد وطد أركان الدّولة العباسيّة ، وثبت دعائم الحكم لها .
2- .راجع : بحار الأنوار : ج 47 ص193 _ 198 ح 39 وج94 ص273 ح 1 وص 279 وص 292 ح 2 وص 316 و317 ح 3 .
3- .هشام بن أحمر الكوفيّ ، عدّه الشيخ رحمه الله من أصحاب الصادق والكاظم عليهماالسلام ، وعدّه البرقي من أصحاب الكاظم عليه السلام وممن أدرك أبا عبد اللّه عليه السلام ، وهو الّذي بعثه أبو الحسن عليه السلام ليشتري اُمّ الرضا عليه السلام . (راجع : رجال الطوسي : ص 319 الرقم 4752 و ص 345 الرقم 5155 ، رجال البرقي : ص 48) .
4- .الزّنفليجة : بفتح الزّاي والفاء وكسر اللام ، وحكى في لسان العرب كسر الزّاي والفاء ، ويقال : الزنفيلجة ، أعجمي معرب « زين فاله » وهو وعاء شبيه بالكنف وهو وعاء أداة الرّاعي ، أو وعاء أسقاط التّاجر ، ويرجح بعض الأساتذة إنّه الزّنبيل محرفاً . ( المعرب للجواليقي : ص170 ) .

ص: 292

89 . إملاؤه عليه السلام لعمرو بن أبي المقدام في دعوات موجزات لجميع الحوائج للدنيا والآخرة

وقلت : أتبرك بها . (1) قال : وقدمت عليه فقال : يا هُشامُ اشتَرَيتَ الحوائِجَ ؟ قلت : نعم . قال : وَخَرَقت الرُّقعَةَ ؟ قلت : أدخلتها زنفيلجتي وأقفلت عليها الباب أطلب البركة، وهو ذا المفتاح في تِكَّتي . قال : فرفع جانب مصلاه وطرحها إليّ وقال : خَرِّقها ، فَخَرقتُها ورجعت ففتشت الزّنفيلجة فلم أجد فيها شيئاً . (2)

89إملاؤه عليه السلام لعمرو بن أبي المقدامفي دعوات موجزات لجميع الحوائج للدنيا والآخرةأحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن خلف بن حمّاد ، عن عمرو بن أبي المقدام 3 قال: أملى عليّ هذا الدّعاء أبو عبد اللّه عليه السلام _ وهو جامع للدنيا والآخرة _

.


1- .ولم يذكر لفظ الكتاب .
2- .كشف الغمة : ج2 ص407، بحار الأنوار : ج47 ص147 ح 203 نقلاً عنه.

ص: 293

تقول بعد حمد اللّه والثناء عليه :اللهُمَّ أنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الحليمُ الكريمُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ العزيزُ الحكيمُ وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الواحِدُ القَهَّارُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ المَلِكُ الجَبّارُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الرّحيمُ الغَفّارُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ شَديدُ المِحالِّ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الكَبيرُ المُتعالِ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ السّميعُ البَصيرُ وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ المَنيعُ القَديرُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الغَفورُ الشَّكورُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الحَميدُ المَجيدُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الغَفورُ الوَدودُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الحَنّانُ المَنّانُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الحَليمُ الدّيانُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الجَوادُ الماجِدُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الواحِدُ الأحَدُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الغائِبُ الشّاهِدُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلَهَ إلاّ أنتَ الظّاهِرُ الباطِنُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ . تَمَّ نورُكَ فَهَدَيتَ ، وَبَسَطتَ يَدَكَ فَأعطَيتَ رَبَّنا ، وَجهُكَ أكرَمُ الوُجوهُ وَجِهَتُكَ خَيرُ الجِهاتِ ، وَعَطِيَّتُكَ أفضَلُ العَطايا وَأهنَوا ، تُطاعُ رَبَّنا فَتَشكُر ، وَتُعصى رَبَّنا فَتَغفِر لِمَن شِئتَ ، تُجيبُ المُضطَرّينَ ، وَتَكشِفُ السُّوءَ وَتَقبَلُ التَّوبَةَ ، وَتَعفو عَنِ الذُنوبِ ، لا تُجازى أياديكَ ، وَلا تُحصى نِعَمُكَ ، وَلا يَبلُغُ مِدحَتَكَ قَولُ قائِلٍ : اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ ، وَعَجِّل فَرَجَهُم وَرَوحَهُم وَراحَتَهُم وَسرورَهُم ، وَأذِقني طَعمَ فَرَجَهُم ، وَأهلِك أعداءَهُم مِنَ الجِنِّ وَالإنسِ ، وَآتِنا في الدُّنيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النّارِ وَاجعَلنا مِنَ الّذينَ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزنونَ وَاجعَلني مِنَ الّذينَ صَبَروا وَعلى رَبِّهِم يَتَوكَّلونَ ، وَثَبتِني بِالقَولِ الثّابِتِ في الحَياةِ الدُّنيا وَفِي الآخِرَةِ ، بارِك لي في المَحيا وَالمَماتِ وَالمَوقِفِ وَالنّشورِ وَالحِسابِ وَالميزانِ وَأهوالِ يَومِ القِيامَةِ ، وَسَلِّمني على الصِّراطِ وَأجِزني عَلَيهِ ، وَارزُقني عِلماً نافِعاً وَيَقيناً صادِقاً وَتُقىً وَبِرّاً وَوَرَعاً ، وَخَوفاً مِنكَ وَفَرَقاً

.

ص: 294

90 . كتابه عليه السلام إلى عبد الرحمان بن سيابة في دعوات موجزات لجميع الحوائج

يُبَلِّغُني مِنكَ زُلفى وَلا يُباعِدُني عَنكَ ، وَأحبِبني وَلا تُبغِضني ، وَتَوَلَّني وَلا تَخذِلني وأعطِني مِن جَميعِ خَيرِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، ما عَلِمتُ مِنهُ وَما لَم أعلَم ، وَأجِرني مِنَ السُّوءِ كُلِّهِ بِحَذافيرِهِ ما عَلِمتُ مِنهُ وَما لَم أعلَم . (1)

90كتابه عليه السلام إلى عبد الرحمان بن سيابةفي دعوات موجزات لجميع الحوائجعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن عبد الرّحمان بن سيابة (2) قال : أعطاني أبو عبد اللّه عليه السلام هذا الدّعاء :الحَمدُ للّهِِ وَلِيّ الحَمدِ وَأهلِهِ ، وَمُنتهاهُ وَمَحِلِّهُ ، أخَلَصَ مَن وَحَّدَهُ ، وَاهتَدى مَن عَبَدَهُ ، وَفازَ مَن أطاعَهُ ، وأمِنَ المُعتَصِمُ بهِ . اللّهُمَّ يا ذا الجودِ وَالمَجدِ وَالثَّناءِ الجَميلِ وَالحَمدِ ، أسألُكَ مَسألَةَ مَن خَضَعَ لَكَ بِرَقَبَتِهِ ، وَرَغِمَ لَكَ أنفُهُ ، وَعَفّرَ لَكَ وَجهَهُ ، وَذَلَلَّ لَكَ نَفسَهُ ، وَفاضَت مِن خَوفِكَ دُموعُهُ ، وَتَرَدَّدَت عَبرَتُهُ ، وَاعتَرَفَ لَكَ بِذُنوبِهِ ، وَفَضَحَتهُ عِندَكَ خَطيئَتُهُ ، وَشانَتهُ عِندَكَ جَريرَتُهُ ، وَضَعُفَت عِندَ ذلِكَ قُوَّتُهُ ، وَقَلَّت حِيلَتُهُ ، وَانقَطَعَت عَنهُ أسبابُ خَدائِعِهِ ، واضمَحَلَّ عَنهُ كُلُّ باطِلٍ وَألجَأتهُ ذُنوبُهُ إلى ذُلِّ مَقامِهِ بَينَ يَدَيكَ ، وَخُضوعُهُ لَدَيكَ ، وَابتِهالُهُ إلَيكَ . أسألُكَ اللهُمَّ سُولَ مَن هُوَ بِمَنزِلَتِهِ ، أرغَبُ إلَيكَ كَرَغبَتِهِ ، وَأتضَرَّعُ إلَيكَ كَتَضَرُّعِهِ ، وَأبتَهِلُ إلَيكَ كأشَدِّ ابتهالِهِ . اللهُمَّ فارحَم استِكانَةَ مَنطقي ، وَذُلَّ مَقامي وَمَجلسي ، وَخضوعي إلَيكَ بِرَقَبَتي .

.


1- .الكافي : ج2 ص583 ح18.
2- .راجع الكتاب : الخامس و الستين .

ص: 295

أسألُكَ اللّهُمَّ الهُدى مِنَ الضّلالَةِ ، وَالبَصيرَةَ مِنَ العَمى ، وَالرُّشدَ مِنَ الغِوايَةِ . وَأسألُكَ اللّهُمَّ أكثَرَ الحَمدِ عِندَ الرَّخاءِ ، وَأجمَلَ الصَّبرِ عِندَ المُصيبَةِ ، وَأفضَلَ الشُّكرِ عِندَ مَوضِعِ الشُّكرِ ، التَّسليمِ عِندَ الشُّبُهاتِ ، وَأسألُكَ القُوَّةَ في طاعَتِكَ ، وَالضَعفَ عَن مَعصِيَتِكَ ، وَالهَرَبَ إلَيكَ مِنكَ ، وَالتَّقَرُّبَ إلَيكَ رَبِّ لِتَرضى ، وَالتَّحري لِكُلِّ ما يُرضيكَ عَنّي في إسخاطِ خَلقِكَ التِماساً لِرِضاكَ . رَبِّ مَن أرجوهُ إن لَم تَرحَمني ، أو مَن يَعودُ عَلَيَّ إن أقصَيتَني ، أو مَن يَنفَعُني عَفوُهُ إن عاقَبتَني ، أو مَن آمَلُ عَطاياهُ إن حَرَمتَني ، أو مَن يَملِكُ كَرامَتي إن أهنتَني ، أو مَن يَضُرُّني هَوانُهُ إن أكرَمتَني. رَبِّ ما أسوأَ فعلي ، وَأقبَحَ عَمَلي ، وَأقسى قَلبي ، وَأطوَلَ أمَلي وَأقصَرَ أجَلي ، وَأجرَأني على عِصيانِ مَن خَلَقَني. رَبِّ وَما أحسَنَ بَلاءَكَ عِندي ، وَأظهَرَ نَعماءَكَ عَلَيَّ ، كَثُرَت عَلَيَّ مِنكَ النِّعَمُ فَما أُحصيها ، وَقَلّ مِنّي الشُّكرُ فيما أولَيتَنيهِ فَبَطِرتُ بِالنِّعَمِ ، وَتَعَرّضتُ لِلنِّقَمِ وَسَهَوتُ عَنِ الذّكرِ ، وَرَكِبتُ الجَهلَ بَعدَ العِلمِ ، وَجُزتُ مِنَ العَدلِ إلى الظُّلمِ ، وَجاوَزتُ البِرِّ إلى الإثمِ ، وَصِرتُ إلى الهَرَبِ مِنَ الخَوفِ وَالحُزنِ ، فَما أصغَرَ حَسناتي وَأقلَّها في كَثرَةِ ذُنوبي ! وَما أكثَرَ ذُنوبي وَأعظَمَها على قَدرِ صِغَرِ خَلقي وَضَعفِ رُكني ! رَبِّ وَما أطوَلَ أملي في قِصَرِ أجَلي ! وَأقصَرَ أجلي في بُعدِ أملي ! وَما أقبَحَ سَريرَتي وَعَلانِيَتي. رَبِّ لا حُجَّةَ لي إنِ احتَجَجتُ ، وَلا عُذرَ لي إنِ اعتَذَرتُ ، وَلا شُكرَ عِندي إنِ ابتَلَيتَ وَأولَيتَ ، إن لَم تُعِنّي على شُكرِ ما أولَيتَ . رَبِّ ما أخَفَّ مِيزاني غَداً إن لَم تُرَجِّحُه ! وَأَزلَّ لِساني إن لَم تُثَبِّتهُ ! وَأسودَ وَجهي إن لَم تُبَيِّضهُ .

.

ص: 296

رَبِّ كَيفَ لي بِذُنوبي الّتي سَلَفَت مِنّي ، قَد هُدَّت لَها أركاني . رَبِّ كَيفَ أطلُبُ شَهَواتِ الدُّنيا وَأبكي على خَيبَتي فيها وَلا أبكي ، وَتَشتَدُّ حَسَراتي على عِصياني وَتَفريطي . رَبِّ دَعَتني دَوَاعي الدُّنيا فَأجَبتُها سريعاً ، وَرَكَنتُ إليها طائِعاً وَدَعَتني دَواعي الآخِرَةِ فَتَثَبَّطتُ عَنها وَأبطأتُ في الإجابَةِ وَالمُسارَعَةِ إلَيها ، كَما سارَعتُ إلى دَواعي الدُّنيا وَحُطامِها الهامِدِ وَهَشيمِها البائِدِ وَسَرابِها الذاهِبِ . رَبِّ خَوَّفتَني وَشَوَّقَتني ، وَاحتَجَجتَ عَلَيَّ بِرِقّي ، وَكَفَلتَ لي بِرزقي ، فَأمِنتُ مِن خَوفِكَ وَتَثَبَّطتُ عَن تَشويقِكَ وَلَم أتَّكِل على ضَمانِكَ ، تَهاوَنتُ بِاحتِجاجِكَ . اللهُمَّ فاجعَل أمني مِنكَ في هذهِ الدُّنيا خَوفاً ، وَحَوِّل تَثَبُّطي شَوقاً ، وَتَهاوُني بِحُجَّتِكَ فَرَقاً منك ، ثُمَّ رَضِني بِما قَسَمتَ لي مِن رزقِكَ يا كريمُ يا كريمُ . أسألُكَ باسمِكَ العَظيمِ رِضاكَ عِندَ السَّخطَةِ ، وَالفُرجَةِ عِندَ الكُربَةِ ، وَالنُّور عِندَ الظُّلمَةِ وَالبَصيرَةِ عِندَ تَشَبُّهِ الفِتنَةِ . رَبِّ اجعَل جَنَّتي مِن خَطايايَ حَصينَةً ، وَدَرَجاتي فِي الجِنانِ رَفيعَةً ، وَأعمالي كُلَّها مُتَقَبَّلَةً ، وَحَسَناتي مُضاعَفَةً زاكِيَةً ، وَأعوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ كُلِّها ، ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ ، وَمِن رَفيعِ المَطعَمِ وَالمَشرَبِ وَمِن شَرِّ ما أعلَمُ وَمِن شَرِّ ما لا أعلَمُ ، وَأعوذُ بِكَ مِن أن أشتَري الجَهلَ بِالعِلمِ ، والجَفاءَ بالحِلمِ ، وَالجَورَ بِالعَدلِ ، وَالقَطيعَةَ بِالبِرِّ وَالجَزَعَ بالصَبرِ وَالهُدى بِالضّلالَةِ وَالكُفرَ بِالإيمانِ .

ابن محبوب عن جميل بن صالح 1 ، أنّه ذكر أيضاً مثله ، وذكر أنّه دعاء عليّ بن

.

ص: 297

91 . كتابه عليه السلام لداوود بن زربي في الدّعاء للعلل والأمراض

الحسين صلوات اللّه عليهما ، وَزادَ في آخِرِهِ : « آمينَ رَبَّ العالَمينَ » . (1)

91كتابه عليه السلام لداوود بن زربيفي الدّعاء للعلل والأمراضأحمد بن محمّد عن عبد العزيز بن المهتدي عن يونس بن عبد الرّحمن عن داوود بن زربي 2 قال مرضت بالمدينة مرضاً شديداً فبلغ ذلك أبا عبد اللّه عليه السلام

.


1- .الكافي : ج 2 ص 590 ح31 .

ص: 298

فكتب إليّ :قَد بَلَغَني عِلَّتُكَ فاشترِ صاعاً مِن بُرٍّ ثُمَّ استَلقِ على قَفاكَ وَانثُرهُ على صَدرِكَ كَيفَما انتَثَرَ وَقُل : اللهُمَّ إني أسألُكَ باسمِكَ الّذي إذا سأَلَكَ بهِ المُضطَرُّ كَشَفتَ ما بهِ مِن ضُرٍّ وَمَكَّنتَ لَهُ في الأرضِ ، وَجَعَلتَهُ خَليفَتَكَ على خَلقِكَ ، أن تُصَلِّيَ على مُحَمّدٍ وَعلى أهلِ بَيتِهِ ، وَأن تعافِيَني مِن عِلّتي ، ثُمَّ استَوِ جالِساً واجمَعِ البُرَّ مِن حولِكَ وَقُل مِثلَ ذلِكَ ، وَأقسِمهُ مُدّاً مُدّاً لِكُلِّ مِسكينٍ وَقُل مِثلَ ذلِكَ.

قال داوود : ففعلت مِثلَ ذلك فكأنّما نشطْت من عِقال ، وقد فعله غير واحد فانتفع به . (1)

.


1- .الكافي : ج 8 ص 88 ح 54 وج2 ص564 ح2 وفيه « عن داوود بن رزين » ، مكارم الأخلاق : ج 2 ص236 ح 2569 ، عدّة الداعي : ص272، المصباح للكفعمي : ص150 ، الدعوات : ص181 ح504 ، تنبيه الخواطر : ج2 ص136 ، بحار الأنوار : ج95 ص22 ح8 .

ص: 299

92 . إملاؤه عليه السلام لبعض التّجّار في طلب الرّزق
93 . إملاؤه عليه السلام لأصحابه في عوذة لجميع الأمراض

92إملاؤه عليه السلام لبعض التّجّارفي طلب الرّزقهارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة (1) _ في حديث _ قال : وسمعت جعفراً عليه السلام يملي على بعض التّجّار من أهل الكوفة في طلب الرّزق فقال له :صَلِّ رَكعَتَينِ مَتى شِئتَ ، فإذا فَرَغتَ مِنَ التَّشَهُّدِ فَقُل : تَوَجَّهتُ بِحَولِ اللّهِ وَقُوَّتِهِ ، بِلا حَولٍ مِنّي وَلا قُوَّةٍ ، وَلكِن بِحَولِكَ _ يا رَبِّ _ وَقُوَّتِكَ . أبرَأُ إلَيكَ مِنَ الحَولِ وَالقُوَّةِ إلاّ ما قَوّيتَني . اللّهمَّ إنّي أسألُكَ بَرَكَةَ هذا اليَومِ ، وَأسألُكَ بَرَكَةَ أهلِهِ ، وأسألُكَ أن تَرزُقَني مِن فَضلِكَ رِزقاً واسِعاً حَلالاً طَيِّباً مُبارَكاً ، تَسوقُهُ إلَيَّ في عافِيَةٍ بِحَولِكَ وَقُوَّتِكَ ، وأنا خافِضٌ في عافِيَةٍ . تَقولُ ذلك ثَلاثَ مَرّاتٍ . (2)

93إملاؤه عليه السلام لأصحابهفي عوذة لجميع الأمراضمحمّد بن إسماعيل قال:حدّثنا محمّد بن خالد أبو عبداللّه ،عن سعدان بن مسلم، عن سعد المولى (3) قال: أملى علينا أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام العوذة الّتي تسمّى الجامعة:

.


1- .راجع الكتاب : الرّابع والعشرون .
2- .قرب الإسناد : ص3 ح7، بحار الأنوار : ج 95 ص293 ح 1 نقلاً عنه .
3- .لم أجد له ذكر في المصادر الرّجاليّة ، إلاّ أنّه في رواية عن أبان بن تغلب أنّه قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام ، إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن ، فسلّم عليه فرد عليه أبو عبد اللّه عليه السلام ، فقال له : مرحبا يا سعد ! فقال الرّجل : بهذا الاسم سمّتني أمّي ، وما أقلّ من يعرفني به ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : صدقت يا سعد المولى ! فقال الرّجل : جعلت فداك بهذا اللقب كنت اُلّقب . فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : لاخير في اللقب ، إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول في كتابه : ولا تنابروا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ، ما صناعتك يا سعد ؟ قال جعلت فداك أنا أهل بيت ننظر في النّجوم ، لا يقال أن باليمن أحدا أعلم بالنّجوم منّا ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام كم يزيز ضوء الشّمس ، . . . ( الاحتجاج : ج 2 ص 100 ، الخصال : ص 489 ح 68) .

ص: 300

94 . إملاؤه عليه السلام لمحمّد بن عبيد اللّه الإسكندريّ حرزه عليه السلام الجليل ودعاؤه العظيم

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم بِسمِ اللّهِ الّذي لا يَضُرُّ مَعَ اسمِهِ شَيءٌ في الأرضِ وَلا في السَّماءِ اللهُمَّ إنّي أسألُكَ باسمِكَ الطّاهِرِ الطُّهرِ المُطَهَّرِ المُقَدَّسِ السَّلامِ المُونِ المُهَيمِنِ المُبارَكِ الّذي مَن سَألَكَ بهِ أعطَيتَهُ ، وَمَن دَعاكَ بهِ أجَبتَهُ أنْ تُصَلّيَ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأن تُعافِيَني مِمّا أجِدُ في سَمعي وَبَصَري ، وَفي يَدي وَرجلي وَفي شَعري وَبَشَري وَفي بَطني إنَّكَ لَطيفٌ لِما تَشاءُ ، وَأنتَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . (1)

94إملاؤه عليه السلام لمحمّد بن عبيد اللّه الإسكندريّحرزه عليه السلام الجليل ودعاؤه العظيمقال الشّيخ عليّ بن عبد الصّمد ،حدّثنيالشّيخ الفقيه عمّ والدي أبو جعفر محمّد بن عليّ بن عبد الصّمد رحمه الله، قال:حدّثنا الشّيخ أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد بن أحمد بن العبّاس الدّوريستيّ، قال: حدّثنا والدي قال: حدّثني الشّيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه الفقيه القمي رحمه اللهوحدّثنيالشّيخ جدّيقال:حدّثني الفقيه والدي أبو الحسن عليّ بن عبد الصّمد رحمه الله، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن إبراهيم بن نبّال القاشيّ المجاور بالمشهد الرّضويّ،على ساكنه السّلام قال: حدّثني الشّيخ أبو جعفر رحمه الله عن أبيه عن شيوخه عن محمّد بن عبيداللّه الإسكندريّ 2 قال:

.


1- .طبّ الأئمة لابني بسطام : ص74، بحار الأنوار : ج95 ص8 ح6 نقلاً عنه .

ص: 301

كنت من ندماء أبي جعفر المنصور وخواصّه، وكنت صاحب سرّه، فبينا أنا إذ دخلت عليه ذات يوم فرأيته مغتمّاً فقلت له: ما هذه الفكرة يا أمير المؤمنين؟

.

ص: 302

قال: فقال لي: يا مُحَمَّد لَقَد هَلَكَ من أولادِ فاطِمَةَ مِئةٌ أو يَزيدونَ ، وَقَد بَقِيَ سَيِّدُهُم وَإمامِهُم . فَقُلتُ لَهُ : مَن ذاكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ؟ قال : جَعفَرُ بنُ مُحَمّدٍ رأسُ الرَّوافِضِ وَسَيِّدهُم . فَقُلتُ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّهُ رَجُل شَغَلَتهُ العِبادَةُ عَن طَلَبِ المُلكِ وَالخِلافَةِ . فقال لي : قَد عَلِمتُ أنَّكُ تَقولُ بهِ وَبِإمامَتِهِ ، وَلكِنَّ المُلكَ عَقيمٌ ، قَد آلَيتُ على نَفسي أن لا اُمسي عَشِيَّتي هذهِ حتّى أفرُغَ مِنهُ ، ثُمَّ دَعا بِسَيّافٍ وَقالَ لَهُ : إذا أنا أحضَرتُ أبا عَبدِ اللّهِ وَشَغَلتُهُ بِالحَديثِ ، وَوَضَعتُ قُلُنسوَتي فَهُوَ العَلامَةُ بَيني وَبَينَكَ ، فاضرِب عُنُقَهُ . فَأمَرَ بِاحضارِ الصّادِقِ عليه السلام فاُحضِرَ في تِلكَ السّاعَةِ ، وَلحِقتُهُ في الدّارِ وَهُوَ يُحَرِّكُ شَفَتَيهِ ، فَلَم أدرِ ما الّذي قَرَأ إلاّ أنَّني رأيتُ القَصرَ يَموجُ كَأنَّهُ سَفينَةٌ . فَرَأيتُ أبا جَعفَرٍ المَنصورَ يَمشي بَينَ يَدَيهِ كما يَمشي العَبدُ بَينَ يَدَي سَيِّدِهِ ، حافِيَ القَدَمَينِ ، مَكشوفَ الرّأسِ ، يَحمَرُّ ساعَةً وَيَصفَرُّ اُخرى ، وَأخَذَ بِعَضُدِ الصّادِقِ عليه السلام ، وَأجلَسَهُ على سَريرِ مُلكِهِ في مَكانِهِ ، وَجَثا بَينَ يَدَيهِ كما يَجثو العَبدُ بَينَ يَدَي مَولاهُ ثُمَّ قالَ : ما الّذي جاءَ بِكَ إلَينا في هذهِ السّاعَةِ يا ابنَ رَسولِ اللّهِ؟ قال: دَعَوتَني فأجَبتُكَ. قال: ما دَعوتُكَ إنّما الغَلَطُ مِنَ الرّسولِ ،ثمّ قال له :سَل حاجَتَكَ ياابنَ رَسولِ اللّهِ. فَقالَ : أسألُكَ أن لا تَدعوني لِغَيرِ شُغلٍ . قال: لك ذاك . وانصرف أبو عبد اللّه عليه السلام . فلمّا انصرف نام أبو جعفر ولم ينتبه إلى نصف اللّيل، فلمّا انتبه كنت جالساً عند رأسه، قال: لا تبرح يا محمّد من عندي حتّى أقضي ما فاتني من صلاتي ، واُحدّثك بحديث .

.

ص: 303

قلت : سمعاً وطاعةً يا أمير المؤمنين . فلمّا قضى صلاته . قال : أعلم أنّي لمّا أحضرت سيّدك أبا عبد اللّه ، وهممت بما هممت به من سوء رأيت تنيناً قد حوى بِذَنَبِهِ جميع داري وقصري، وقد وضع شفته العليا في أعلاها، والسّفلى في أسفلها، وهو يكلّمني بلسان طلق ذلق عربي مبين: يا منصور ، إنّ اللّه تعالى بعثني إليك وأمرني إن أنت أحدثت في عبدي الصّالح الصّادق حدثاً ابتلعتك ومن في الدّار جميعاً، فطاش عقلي وارتعدت فرائصي واصطكّت أسناني . قال محمّد: قلت : ليس هذا بعجيب، فإنّ أبا عبد اللّه عليه السلام وارث علم النّبيّ صلى الله عليه و آله وجدّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وعنده من الأسماء والدعوات الّتي لو قرأها على اللّيل المظلم لأنار، وعلى النّهار المضيء لأظلم . فقال محمّد بن عبد اللّه : فلمّا مضى عليه السلام استأذنت من أبي جعفر لزيارة مولانا الصّادق عليه السلام فأجاب ولم يأب، فدخلت عليه وسلمت وقلت له: أسألك يا مولاي بحقّ جدّك رسول اللّه أن تعلمني الدّعاء الّذي قرأته عند دخولك على أبي جعفر في ذلك اليوم. قال: لك ذلك فأملاه عليّ، ثمّ قال: هذا حرز جليل ودعاء عظيم نبيل، من قرأه صباحاً كان في أمان اللّه إلى العشاء، ومن قرأه عشاءً كان في حفظ اللّه تعالى إلى الصباح، وقد علَّمنيه أبي باقر علوم الأوّلين والآخرين عن أبيه سيّد العابدين، عن أبيه سيّد الشّهداء عن أخيه سيّد الأصفياء، عن أبيه سيّد الأوصياء، عن محمّد سيّد الأنبياء (صلوات اللّه عليه وآله الطّاهرين ) ، استخرجه من كتاب اللّه العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وهو: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحَمدُ للّهِِ الّذي هَداني للإسلامِ ، وَأكرَمَني بالإيمانِ ، وَعَرّفَني الحَقَّ الّذي عَنهُ يُؤفَكونَ ، وَالنَباَالعَظيمِ الّذي هُم فيهِ مُختَلِفونَ ، وَسُبحانَ اللّهِ الّذي رَفَعَ السَّماءَ بِغَيرِ

.

ص: 304

عَمَدٍ تَرَونَها ، وَأنشَأ جَنّاتِ المَأوى بِلا أَمدٍ تَلقَونَها ، وَلا إلهَ إلاّ اللّهُ السّابِغُ النِّعمَةِ ، الدّافِعُ النِّقمَةِ ، الواسِعُ الرَّحمَةِ، واللّهُ أكبَرُ ذو السُّلطانِ المَنيعِ ، وَالإنشاءِ البَديعِ ، وَالشّأنِ الرَّفيعِ ، وَالحِسابِ السَّريعِ . اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ عَبدِكَ وَرَسولِكَ ، وَنَبيِّكَ وَأمينِكَ وَشَهيدِكَ ، التَّقِيّ النَّقِيّ البَشيرِ النَّذيرِ السِّراجِ المُنيرِ ، وَآلِهِ الطَّيّبينَ الأخيارِ . ما شاءَ اللّهُ تَقَرُّباً إلى اللّهِ ، ما شاءَ اللّهُ تَوَجُّهاً إلى اللّهِ ، ما شاءَ اللّهُ تَلَطُّفاً بِاللّهِ ، ما شاءَ اللّهُ ما يَكُن (1) مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ، ما شاءَ اللّهُ لا يَصرِفُ السّوءَ إلاّ اللّهُ ، ما شاءَ اللّهُ لا يَسوقُ الخَيرَ إلاّ اللّهُ ، ما شاءَ اللّهُ لا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ . اُعيذُ نَفسي وَشَعري وَبَشَري ، وَأهلي وَمالي وَوَلدي ، وَذُرِّيَتي وَديني وَدُنيايَ وَما رَزَقَني رَبّي ، وَما أغلَقتُ عَلَيهِ أبوابي، وَأحاطَت بهِ جُدراني ، وَما أتقَلَّبُ فيه مِن نِعَمِهِ وَإحسانِهِ ، وَجَميعِ إخواني وَأقرِبائي وَقَراباتي مِنَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمناتِ ، بِاللّهِ العَظيمِ وبِأسمائِهِ التّامَّةِ العامَّةِ الكامِلَةِ الشّافِيَةِ الفاضِلَةِ المُبارَكَةِ المُنيفَةِ المُتَعالِيَةِ الزّاكِيَةِ الشَّريفَةِ الكريمَةِ الطّاهِرَةِ العَظيمَةِ المَخزونَةِ المَكنونَةِ الّتي لا يُجاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلا فاجِرٌ ، وَبِاُمِّ الكِتابِ وَفاتِحَتِهِ وَخاتِمَتِهِ ، وَما بَينَهُما مِن سورَةٍ شَريفَةٍ ، وَآيَةٍ مُحكَمَةٍ ، وَشِفاءٍ وَرَحمَةٍ ، وَعوذَةٍ وَبَرَكَةٍ ، وَبِالتَّورَاةِ وَالإنجيلِ وَالزَّبورِ وَالفُرقانِ ، وَبِصُحُفِ إبراهيمَ وَموسى، وَبِكُلِّ كِتابٍ أنزَلَهُ اللّهُ ، وَبِكُلِّ رَسولٍ أرسَلَهُ اللّهُ ، وَبِكُلِّ حُجَّةٍ أقامَها اللّهُ ، وَبِكُلِّ بُرهانٍ أظهَرَهُ اللّهُ ، وَبِكُلِّ آلاءِ اللّهِ ، وَعِزَّةِ اللّهِ ، وَعَظَمَةِ اللّهِ ، وَقُدرَةِ اللّهِ ، وَسُلطانِ اللّهِ ، وَجَلالِ اللّهِ ، وَمنعِ اللّهِ ، وَمَنِّ اللّهِ ، وَعَفوِ اللّهِ ، وَحِلمِ اللّهِ ، وَحِكمَةِ اللّهِ ، وَغُفرانِ اللّهِ ، وَمَلائِكَةِ اللّهِ وَكُتُبِ اللّهِ ، وَرُسُلِ اللّهِ وَأنبياءِ اللّهِ ، وَمُحَمّد رَسولِ اللّهِ وَأهلِ بَيتِ رَسولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيهِ وَعَلَيهِم أجمَعينَ مِن غَضَبِ اللّهِ ، وَسَخَطِ اللّهِ ، وَنَكالِ اللّهِ ، وَعِقابِ اللّهِ ، وَأخذِ اللّهِ ، وَبَطشِهِ وَاجتِياحِهِ وَاجتِثاثِهِ وَاصطِلامِهِ وَتَدميرِهِ

.


1- .هكذا في المصدر ، والظاهر أنّها : «يكون ».

ص: 305

وَسَطَواتِهِ وَنَقِمَتِهِ ، وَجَميعِ مَثُلاتِهِ ، وَمِن إعراضِهِ وَصدودِهِ وَتَنكيلِهِ وَتَوكيلِهِ وَخِذلانِهِ وَدَمدَمَتِهِ وَتَخلِيَتِهِ ، وَمِنَ الكُفرِ وَالنِّفاقِ وَالشَّكِ وَالشِّركِ وَالحِيرَةِ في دينِ اللّهِ ، وَمِن شَرِّ يَومِ النُّشورِ وَالحَشرِ وَالمَوقِفِ وَالحِسابِ ، وَمِن شَرِّ كِتابٍ قَد سَبَق ، وَمِن زَوالِ النِّعمَةِ وَتَحويلِ العافِيَةِ ، وَحُلولِ النِّقمَةِ ، وَمُوجباتِ الهَلَكَةِ ، وَمِن مَواقِفِ الخِزي وَالفضيحَةِ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ . وَأعوذُ بِاللّهِ العَظيمِ مِن هَوَىً مُردٍ ، وَقَرينٍ مُلهٍ ، وَصاحِبٍ مُسهٍ ، وَجارٍ مُوذٍ ، وَغِنىً مُطغٍ ، وَفَقرٍ مُنسٍ ، وَقَلبٍ لا يَخشَعُ ، وَصَلاةٍ لا تُرفَعُ ، وَدُعاءٍ لا يُسمَعُ ، وَعَينٍ لا تَدمَعُ ، ونَفسٍ لا تَقنَعُ ، وَبَطنٍ لا يَشبَعُ ، وَعَمَلٍ لا يَنفَعُ ، وَاستِغاثَةٍ لا تُجابُ ، وَغَفلَةٍ وَتَفريطٍ يُوجِبانِ الحَسرَةِ وَالنَّدامَةِ ، وَمِنَ الرِّياءِ وَالسُّمعَةِ وَالشَّكِ وَالعَمى في دينِ اللّهِ ، وَمن نَصَبٍ وَاجتِهادٍ يُوجِبانِ العَذابَ ، وَمِن مَرَدٍّ إلى النّارِ ، وَمِن ضَلَعِ الدَّينِ ، وَغَلَبَةِ الرِّجالِ ، وسوء المَنظَرِ في الدّينِ وَالنَّفسِ وَالأهلِ وَالمالِ وَالوَلَدِ وَالإخوانِ ، وَعِندَ مُعايَنَةِ مَلَكِ المَوتِ . وَأعوذُ باللّهِ العَظيمِ مِنَ الغَرَقِ وَالحَرقِ وَالشّرَقِ وَالسَّرَقِ وَالهَدمِ وَالخَسفِ وَالمَسخِ وَالحِجارَةِ وَالصَّيحَةِ وَالزّلازِلِ والفِتَنِ وَالعَينِ وَالصَّواعِقِ وَالبَردِ وَالقَوَدِ والقَرَدِ والجُنونِ وَالجُذامِ والبَرَصِ ، وَأكلِ السَّبُعِ وَمِيتَةِ السُّوءِ ، وَجَميعِ أنواعِ البَلايا في الدُّنيا وَالآخِرَةِ . وَأعوذُ بِاللّهِ العَظيمِ مِن شَرِّ السّامَّةِ وَالهامَّةِ وَاللآمَّةِ وَالخاصَّةِ والعامَّةِ وَالحامَّةِ ، وَمِن شَرِّ أحداثِ النَّهارِ وَمِن شَرِّ طوارِقِ اللّيلِ وَالنَّهارِ ، إلاّ طارِقاً يَطرُقُ بِخَيرِ يا رَحمانُ ، وَمِن دَركِ الشِّقاءِ ، وَسوءِ القَضاءِ ، وَجَهدِ البَلاءِ ، وَشَماتَةِ الأعداءِ ، وَتَتابُعِ العناءِ ، وَالفَقرِ إلى الأكفاءِ ، وَسوءِ المَمات ، والمَحيا وَسوءِ المُنقَلَبِ . وَأعوذُ باللّهِ العظيمِ مِن شَرّ إبليسَ وَجُنودِهِ وَأعوانِهِ وَأتباعِهِ ، وَمِن شَرِّ الجِنِّ والإنسِ ، وَمِن شَرِّ الشّيطانِ ، وَمِن شَرِّ السُّلطانِ ، وَمِن شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ ، وَمِن شَرِّ ما

.

ص: 306

أخافُ وَأحذَرُ ، وَمِن شَرِّ فَسَقَةِ العَرَبِ وَالعَجَمِ ، وَمِن شَرِّ فَسَقَةِ الجِنِ والإنسِ ، وَمِن شَرِّ ما في النّورِ والظُّلَمِ ، وَمِن شَرّ ما هَجَمَ أو دَهَمَ ، أو أَلمَّ وَمِن شَرّ كُلِّ سُقمٍ وَهَمٍّ وَغَمٍّ وَآفَةٍ ، وَنَدَمٍ وَمِن شَرّ مافي اللّيلِ وَالنَّهارِ وَالبَرِّ والبِحارِ ، وَمِن شَرِّ الفُسّاقِ وَالدُّعّارِ وَالفُجَّارِ وَالكُفّارِ وَالحُسَّادِ وَالسَّحارِ وَالجَبابِرَةِ وَالأشرارِ ، وَمِن شَرِّ ما يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعرُجُ فيها ، وَمِن شَرِّ ما يَلِجُ في الأرضِ وَما يَخرُجُ مِنها ، وَمِن شَرِّ كُلِّ دابَّةٍ رَبّي آخِذٌ بِناصِيَتِها ، إنّ رَبّي على صِراطٍ مُستقيمٍ . وَأعوذُ بِاللّهِ العَظيمِ مِن شَرِّ ما استعاذَ مِنهُ المَلائِكَةُ المُقَرَّبونَ ، وَالأنبياءُ المُرسَلونَ والشّهداءُ وَعِبادُكَ الصّالِحونَ ، ومُحَمّدٌ وَعَلِيٌّ وَفاطِمَةُ وَالحَسَنُ والحُسَينُ وَالأئِمَّةُ المَهديّونَ والأوصِياءُ وَالحُجَجُ المُطَهّرونَ عَلَيهِم السَّلامُ ، وَرَحمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ . وَأسألُكَ أن تُعطِيَني مِن خَيرٍ ما سَألوكَهُ ، وَأن تُعيذَني مِن شَرِّ ما استَعاذوا بِكَ مِنهُ ، وَأسألُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عاجِلِهِ وَآجِلِهِ ، ما عَلِمتُ مِنهُ وَما لَم أعلَمُ . وَأعوذُ بِكَ مِن الشَرِّ كُلِّهِ عاجِلِهِ وَآجِلِهِ ، ما عَلِمتُ مِنهُ وَما لَم أعلَمُ مِنهُ . وَأعوذُ بِكَ مِن هَمَزاتِ الشَّياطِينِ . وأعوذُ بِكَ رَبِّ أن يَحضُرونِ . اللّهمَّ مَن أرادَني في يَومي هذا وَفيما بَعدَهُ مِنَ الأيّامِ مِن جَميعِ خَلقِكَ كُلِّهِم مِنَ الجِنِّ وَالإنسِ ، قَريبٍ أو بَعيدٍ ، ضَعيفٍ أو شَديدٍ ، بِشَرٍّ أو مَكروهٍ ، أو مساءَةٍ بِيَدٍ أو بِلِسانٍ أو بِقَلبٍ ، فَأخرِج صَدرَهُ ، وَألجِم فاهُ ، وَأفحِم لِسانَهُ ، وَاسدُد سَمعَهُ ، وَاقمَح بَصَرَهُ ، وأرعِب قَلبَهُ ، وَاشغَلهُ بِنَفسِهِ ، وَأمِتهُ بِغَيظِهِ ، وَاكفِناهُ بِما شِئتَ وَكَيفَ شِئتَ وَأنّى شِئتَ ، بِحَولِكَ وَقُوَّتِكَ ، إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . اللّهمَّ اكفِني شَرَّ مَن نَصَبَ لي حَدَّهُ ، وَاكفِني مَكرَ المَكَرَةِ ، وَأعِنّي على ذلِكَ بِالسَّكينَةِ وَالوَقارِ ، وَألبِسني دِرعَكَ الحَصينَةَ ، وَأحيِني ما أحيَيتَني في سِترِكَ الواقي،

.

ص: 307

وَأصلِح حالي كُلَّهُ ، أصبحَتُ في جِوارِ اللّهِ مُمتَنعاً ، وَبِعِزَّةِ اللّهِ الّتي لا تُرام مُحتَجِباً ، وَبِسُلطانِ اللّهِ المَنيعِ مُعتَصِماً مُتَمَسِّكاً ، وَبِأسماءِ اللّهِ الحُسنى كُلِّها عائِذاً ، أصبَحتُ في حِمَى اللّهِ الّذي لا يُستَباحُ ، وفي ذِمَّةِ اللّهِ الّتي لا تُخفَرُ ، وَفي حَبلِ اللّهِ الّذي لا يُجذَمُ ، وَفي جِوارِ اللّهِ الّذي لا يُستَضامُ ، وفي مَنعِ اللّهِ الّذي لا يُدرَكُ ، وَفي سَترِ اللّهِ الّذي لا يُهتَكُ ، وَفي عَونِ اللّهِ الّذي لا يُخذَلُ . اللّهمَّ أعطِف عَلَينا قُلوبَ عِبادِكَ وإمائِكَ وأوليائِكَ بِرَأفَةٍ مِنكَ وَرَحمَةٍ ، إنَّكَ أرحَمُ الرّاحِمينَ وَحَسبِيَ اللّهُ وَكَفى ، سَمِعَ اللّهُ لِمَن دَعا ، لَيس وَراءَ اللّهِ مُنتَهى ، وَلا دونَ اللّهِ مَلجأٌ . مَنِ اعتَصَمَ بِاللّهِ نَجا ، كَتَبَ اللّهُ لَأغلِبَنَّ أنا وَرُسُلي ، إنّ اللّهَ قَوِيٌّ عَزيزٌ ، فَاللّهُ خَيرٌ حافِظاً وَهُوَ أرحَمُ الرّاحِمينَ ، وَما تَوفيقي إلاّ باللّهِ عَلَيهِ تَوَكّلتُ وإلَيهِ اُنيبُ ، فَإن تَوَلّوا فَقُل حَسبِيَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ عَلَيهِ تَوَكّلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرشِ العَظيمِ . شَهِدَ اللّهُ أنّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ ، وَالمَلائِكَةُ وَاُولوا العِلمِ قائِماً بالقِسطِ لا إلهَ إلاّ هُوَ العَزيزُ الحَكيمُ ، إنّ الدّين عِندَ اللّهِ الإسلامُ ، وأنا على ذلِكَ مِنَ الشّاهِدينَ ، تَحَصَّنتُ بِاللّهِ العَظيمِ ، وَاستَعصَمتُ بالحَيّ الّذي لا يَموتُ ، وَرَميتُ كُلَّ عَدُوٍّ لنا بِلا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ العَلِيّ العَظيمِ وَصَلّى اللّهُ على سَيِّدنا مُحَمّدٍ وَآلهِ الطَّيبينَ الطّاهِرينَ . (1) وَفي نصّ آخَرَ : قال السيّد ابن طاووس : وَمِن ذلِكَ دُعاءُ الصّادِقِ عليه السلام لَمّا استَدعاهُ المَنصورُ مَرَّةً سابِعَةً وَقَد قَدَّمناهُ في الأحرازِ عَنِ الصّادِقِ عليه السلام ، لَكنَّ فيهِ هاهُنا زِيادَةً عَمّا ذَكَرناهُ ، وَلَعَلَّ هذهِ الزِّيادَةَ كانَت قَبلَ استِدعائِهِ لِسِعايَةِ القُرَشِي ، وَهذهِ بِرِوايَةِ مُحَمّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ الإسكَندَرِيّ وَهُوَ دُعاءٌ جَليلٌ ، مَضمونُ الإجابَةِ ،

.


1- .مهج الدعوات: ص32 ، بحار الأنوار : ج86 ص299 ح62 نقلاً عنه .

ص: 308

نَقَلناهُ مِن كتابِ قَالَبُهُ نِصفُ الثَّمَنِ يَشتَمِلُ على عِدَّةِ كُتُبٍ أوَّلُها كِتابُ التَّنبيهِ لِمَن يَتَفَكَّرُ فيهِ ، وَهذا الدُّعاءُ في آخِرِهِ ، فَقالَ ما هذا لفظُهُ : روي عن محمّد بن عبد اللّه الإسكندريّ أنّه قال: كنت من جملة ندماء أمير المؤمنين المنصور أبي جعفر وخواصّه _ إلى أن قال _ فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام وسلّمت، وقلت له: أسألك يا مولاي بحقّ جدّك محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تعلّمني الدّعاء الّذي كنت تقرأه عند دخولك على أبي جعفر المنصور . قال : لك ذلك . ثمّ قال لي : يا محمّد هذا الدّعا حرز جليل، ودعاء عظيم حفظته عن آبائي الكرام عليهم السلام ، وهو حرز مستخرج من كتاب اللّه عز و جل العزيز ، الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، وقال : اكتب وَأملى عَلَيّ ذلِكَ وَهُوَ حِرزٌ جَليلٌ ، وَهوَ دُعاءٌ عَظيمٌ ، مُبارَكٌ مُستَجابٌ . فلمّا ورد أبو مخلد عبد اللّه بن يحيى من بغداد لرسالة خراسان إلى عند الأمير بن الحسن نصر بن أحمد ببخارى ، كان هذا الحرز مكتوباً في دفتر أوراقُها من فضّة ، وكتابتها بماء الذهب ، وهبها من الشّيخ أبي الفضل محمّد بن عبد اللّه البلعميّ وقال له: إنّ هذه من أسنى التّحف وأجلّ الهبات ، فمن وفقه اللّه عز و جل لقرائته صبيحة كلّ يوم حفظه اللّه من جميع البلايا ، وأعاذه من شرّ مردّة الجنّ والإنس، والشّياطين والسّلطان الجائر ، والسّباع، ومن شرّ الأمراض والآفات والعاهات كلّها ، وهو مجرّب إلاّ أن يخلص للّه عز و جل . وهذا أوّل الدّعاء : لا إلهَ إلاّ اللّهُ أبَداً حَقّاً حَقّاً ، لا إلهَ إلاّ اللّهُ إيماناً وَصِدقاً ، لا إلهَ إلاّ اللّهُ تَعبُّداً وَرِقّاً ، لا إلهَ إلاّ اللّهُ تَلَطُّفاً وَرِفقاً لا إلهَ إلاّ اللّهُ حَقّاً حَقّاً ، لا إلهَ إلاّ اللّهُ ، مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله . اُعيذُ نَفسي وَشَعري وَبَشَري وَديني وَأهلي وَمالي وَوَلدي وَذُرِّيَّتي وَدُنيايَ

.

ص: 309

وَجَميعِ مَن أمرُهُ يَعنيني ، مِن شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ يُؤذيني . اُعيذُ نَفسي، وَجَميعِ ما رَزَقَني رَبّي ، وَما أغلَقتُ عَلَيهِ أبوابي ، وَأحاطَت بهِ جُدراني ، وجَميعِ ما أتقلَّبُ فيهِ مِن نِعَمِ اللّهِ عز و جل وإحسانِهِ ، وَجَميعِ إخواني وَأخواتي مِنَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ ، وَبِأسمائِهِ التّامَّةِ الكامِلَةِ المُتَعالِيَةِ المُنيفَةِ الشَّريفَةِ الشّافِيَةِ الكَريمَةِ الطَّيِبَةِ الفاضِلَةِ المُبارَكَةِ الطّاهِرَةِ المُطَهَّرَةِ العَظيمَةِ المَخزونَةِ المَكنونَةِ الّتي لا يُجاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلا فاجِرٌ ، وَبِاُمِّ الكِتابِ وَفاتِحَتِهِ وَخاتِمَتِهِ ، وَما بَينَهُما مِن سورَةٍ شَريفَةٍ وَآيَةٍ مُحكَمَةٍ وَشِفاءٍ وَرَحمَةٍ وَعوذَةٍ وَبَرَكَةٍ وَبِالتّوراةِ وَالإنجيلِ وَالزَّبورِ وَالقُرآنِ العَظيمِ ، وَبِصُحُفِ إبراهيمَ وموسى وَبِكُلِّ كِتابٍ أنزَلَهُ اللّهُ عز و جل وَبِكُلِّ رَسولٍ أرسَلَهُ اللّهُ عز و جل وَبِكُلِّ بُرهانٍ أظهَرَهُ اللّهُ عز و جل وَبِآلاءِ اللّهِ ، وَعِزَّةِ اللّهِ ، وَقُدرَةِ اللّهِ ، وَجَلالِ اللّهِ ، وَقُوَّةِ اللّهِ ، وَعَظَمَةِ اللّهِ ، وَسُلطانِ اللّهِ ، وَمَنَعَةِ اللّهِ ، وَمَنِّ اللّهِ ، وَحِلمِ اللّهِ ، وَعَفوِ اللّهِ ، وَغُفرانِ اللّهِ ، وَمَلائِكَةِ اللّهِ ، وَكُتُبِ اللّهِ ، وَأنبياءِ اللّهِ ، وَرُسُلِ اللّهِ ، وَمُحَمّدٍ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . وَأعوذُ بِاللّهِ مِن غَضَبِ اللّهِ وَعِقابِهِ وسَخَطِ اللّهِ وَنَكالِهِ وَمِن نِقمَةِ اللّهِ وَإعراضِهِ وَصُدودِهِ وَخِذلانِهِ ، وَمِنَ الكُفرِ وَالنِّفاقِ وَالحَيرَةِ وَالشِّركِ وَالشَّكِّ في دينِ اللّهِ ، وَمِن شَرِّ يَومِ الحَشرِ وَالنُّشورِ وَالمَوقِفِ وَالحِسابِ ، وَمِن شَرِّ كُلِّ كتابٍ قَد سَبَقَ ، وَمِن زَوالِ النِّعمَةِ ، وَحُلولِ النِّقمَةِ ، وَتَحَوُّلِ العافِيَةِ ، وَمُوجِباتِ الهَلَكَةِ ، وَمَواقِفِ الخِزي وَالفَضيحَةِ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ . وَأعوذُ بِاللّهِ العَظيمِ مِن هَوى مُردٍ ، وَقَرينِ سَوءٍ مُكدٍ وَجارٍ مُوذٍ ، وَغِنىً مُطغٍ ، وَفَقرٍ مُنسٍ . وَأعوذُ بِاللّهِ العَظيمِ مِن قَلبٍ لا يَخشَعُ ، وَصَلاةٍ لا تَنفَعُ ، وَدُعاءٍ لا يُسمَعُ ، وَعَينٍ لا

.

ص: 310

تَدمَعُ ، وَبَطنٍ لا يَشبَعُ ، وَمِن نَصَبٍ وَاجتِهادٍ يُوجبانِ العَذابَ ، وَمِن مَرَدٍّ إلى النّارِ ، وَسوءِ المَنظَرِ في النَّفسِ وَالأهلِ وَالمالِ وَالوَلَدِ ، وَعِندَ مُعايَنَةِ مَلَكِ المَوتِ عليه السلام . وَأعوذُ بِاللّهِ العَظيمِ مِن شَرِّ كُلِّ دابّةٍ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ، وَمِن شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ وَمِن شَرِّ ما أخافُ وَأحذَرُ ، وَمِن شَرِّ فَسَقَةِ العَرَبِ وَالعَجَمِ ، وَمِن شَرِّ فَسَقَةِ الجِنِّ وَالإنسِ وَالشّياطينِ ، وَمِن شَرِّ إبليسَ وَجُنودِهِ وَأشياعِهِ وَأتباعِهِ ، وَمِن شَرِّ السَّلاطينِ وأتباعِهِم ، وَمِن شَرِّ ما يَنزِلُ مِنَ السّماءِ وَما يَعرُجُ فيها ، وَمِن شَرِّ ما يَلِجُ في الأرضِ وَما يَخرُجُ مِنها ، وَمِن كُلِّ سُقمٍ وَآفَةٍ ، وَغَمٍّ وَهَمٍّ ، وَفاقَةٍ وَعُدمٍ ، وَمِن شَرِّ ما في البَرِّ وَالبَحرِ ، وَمِن شَرِّ الفُسَّاقِ وَالفُجَّارِ وَالدُّعّار والحُسّادِ ، وَالأشرارِ وَالسُّرّاقِ وَاللّصوصِ ، وَمِن شَرِّ كُلِّ دابّةٍ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ، إنَّ رَبّي على صِراطٍ مُستَقيمٍ . اللّهُمَّ إنّي أحتَجِزُ بِكَ مِن شَرِّ كُلِّ شَيءٍ خَلَقتَهُ ، وَأحتَرِسُ بِكَ مِنهُم . وَأعوذُ بِاللّهِ العَظيمِ مِنَ الحَرقِ وَالغَرَقِ وَالشَّرَقِ ، وَالهَدمِ وَالخَسفِ وَالمَسخِ والجُنونِ ، وَالحِجارَةِ وَالصَّيحَةِ وَالزَّلازِلِ وَالفِتَنِ وَالعَينِ وَالصَّواعِقِ وَالجُذامِ وَالبَرَصِ وَالأمراضِ والعافات وَالعاهاتِ وَالمُصيباتِ ، وَأكلِ السَّبُعِ وَمِيتَةِ السّوءِ ، وَجَميعِ أنواعِ البَلايا في الدُّنيا وَالآخِرَةِ . وَأعوذُ بِاللّهِ العظيمِ مِن شَرِّ ما استعاذَ مِنهُ المَلائِكَةُ المُقرَّبونَ ، وَالأنبِياءُ المُرسَلونَ وَخاصّةً مِمّا استَعاذَ مِنهُ عَبدُكَ وَرَسولُكَ مُحَمّدٌ عَبدُكَ وَرَسولُكَ صلى الله عليه و آله . أسألُكَ أن تُعطِيَني مِن خَيرِ ما سَألوا ، وَأن تُعيذَني مِن شَرِّ ما استَعاذوا ، وَأسألُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ ، عاجِلِهِ وَآجِلِهِ ، ما عَلِمتُ مِنهُ وَما لَم أعلَمُ . بِسمِ اللّهِ وَبِاللّهِ وَالحَمدُ للّهِِ وَاعتَصَمتُ بِاللّهِ وَألجَأتُ ظهري إلى اللّهِ ، وَما تَوفيقي إلاّ بِاللّهِ ، وَما شاءَ اللّهُ ، وَاُفَوِّضُ أمري إلى اللّهِ ، وَما النَّصرُ إلاّ مِن عِندِ اللّهِ ، وَما صَبري إلاّ بِاللّهِ ، وَنِعمَ القادِرُ اللّهُ ، وَنِعمَ المَولى اللّهُ ، وَنِعمَ النَّصيرُ اللّهُ ، وَلا يَأتي بِالحَسَناتِ إلاّ

.

ص: 311

اللّهُ ، وَلا يَصرِفُ السَّيِّئاتِ إلاّ اللّهُ ، وَلا يَسوقُ الخَيرَ إلاّ اللّهُ ، وَما بِنا مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ، وَأنّ الأمرَ كُلَّهُ بِيَدِ اللّهِ ، وَأستَكفي اللّهَ ، وَأستَغني بِاللّهِ ، وَأستَقيلُ اللّهَ ، وَاستَغيثُ بِاللّهِ ، وَاستَغفِرُ اللّهَ ، وَصَلّى اللّهُ على مُحَمّدٍ رَسولِ اللّهِ وَعلى أنبياءِ اللّهِ ، وَعَلى رُسُلِ اللّهِ وَمَلائِكَةِ اللّهِ ، وَعلى الصّالِحينَ مِن عِبادِ اللّهِ . «إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُوا عَلَىَّ وَ أْتُونِى مُسْلِمِينَ » (1) ، «كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِى إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ » (2) ، « لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ » (3) ، «وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا » (4) « إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ » (5) ، « وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ » (6) ، «كُلَّمَآ أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ» (7) ، «قُلْنَا يَانَارُ كُونِى بَرْدًا وَسَلاماً عَلَى إِبْرَ هِيمَ » (8) ، «وَ زَادَكُمْ فِى الْخَلْقِ بَصْطَةً» (9) ، «لَهُ مُعَقِّباتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ» (10) ، «رَّبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَل لِّى مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً

.


1- .النمل: 30 و31.
2- .المجادلة: 21.
3- .آل عمران:120.
4- .النساء: 75.
5- .المائدة:11.
6- .المائدة:67.
7- .المائدة:64.
8- .الأنبياء:69.
9- .الأعراف: 69.
10- .الرعد: 11.

ص: 312

نَّصِيراً » (1) ، «وَ قَرَّبْناهُ نَجِيّاً » (2) ، «وَ رَفَعْناهُ مَكَاناً عَلِيّاً » (3) ، «سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدّاً » (4) . «وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى وَ لِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى * إِذْتَمْشِى أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَ قَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَ فَتَنَّاكَ فُتُوناً» (5) ، «لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » (6) ، «لاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْأَمِنِينَ » (7) ، «لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى » (8) ، «لا تَخَافُ دَرَكاً وَ لاَ تَخْشَى » (9) ، «لاَ تَخَافَآ إِنَّنِى مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَ أَرَى » (10) ، لا تَخَف إنّا مُنَجّوكَ وَأهلَكَ (11) ، «وَ يَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً » (12) ، «وَ مَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْ ءٍ قَدْراً » (13) ، «فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَ لِكَ الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً » (14) ، «وَ يَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً » (15) ، «وَ رَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ » (16) ،

.


1- .الإسراء:80.
2- .مريم:52.
3- .مريم:57.
4- .مريم: 96.
5- .طه: 39 و40.
6- .القصص:25.
7- .القصص:31.
8- .طه:68.
9- .طه:77.
10- .طه:46.
11- . «لا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ» (العنكبوت:33).
12- .الفتح:3.
13- .الطلاق:3.
14- .الإنسان:11.
15- .الإنشقاق:9.
16- .الإنشراح:4.

ص: 313

«يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِّلَّهِ» (1) . «رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ » (2) ، «الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواحَسْبُنَااللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ» (3) ، «رَبَّنَا ظَ_لَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَ تَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ » (4) ، «رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَ مُقَاماً » (5) ، «رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَ_ذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ *رَبَّنَآإِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعْنَامُنَادِياً يُنَادِى لِلاْءِيمَانِ أَنْ ءَامِنُوابِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّاسَيِّئاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ » (6) . «وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِى الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُن لَّهُ وَلِىٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيرَاً » (7) ، «وَ مَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَ قَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَ لَنَصْبِرَنَّ

.


1- .البقرة:165.
2- .البقرة:250.
3- .آل عمران: 173 و174.
4- .الأعراف:23.
5- .الفرقان:65 و66.
6- .آل عمران: 191 _ 194.
7- .الإسراء:111.

ص: 314

عَلَى مَآ ءَاذَيْتُمُونَا وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ » (1) . «إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْ ءٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » (2) ، « أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ» (3) ، «هُوَ الَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَافِى الأَْرْضِ جَمِيعًا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » (4) ، «سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ » (5) ، «عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ » (6) ، «إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّى وَ رَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءَاخِذُ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّى عَلَى صِرَ اطٍ مُّسْتَقِيمٍ » (7) ، «فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمْ وَ أُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرُ بِالْعِبَادِ » (8) ، «حَسْبِىَ اللَّهُ لاَ إلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ » (9) ، رَبِّ إنّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأنتَ أرحَمُ الرّاحِمينَ (10) ، «لا إِلَهَ إِلاَّأَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ » (11) ،

.


1- .إبراهيم:12.
2- .يس:81 و83.
3- .الأنعام:122.
4- .الأنفال:62 و63.
5- .القصص:35.
6- .الأعراف:89.
7- .هود:56.
8- .غافر:44.
9- .التوبة:129.
10- . «رَبَّه أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنتَ أَرْحَمُ الرَّ احِمِينَ » (الأنبياء:83).
11- .الأنبياء:87.

ص: 315

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم * اللَّهُ لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ » (1) ، «ال_م * ذَ لِكَ الْ_كِتابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَوةَ» (2) ، «اللَّهُ لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِى السَّمَاوَ اتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَاخَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَىْ ءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَ اتِ وَالْأَرْضَ وَلاَ يَئودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ * لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (3) ، «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَآئِمَا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » (4) ، «إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الاْءِسْلامُ» (5) ، «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّمَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِوَتُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّوَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ » (6) ، «رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ » (7) ، «لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ » (8) ، «فَإِن تَوَلَّوْا

.


1- .آل عمران: 1 و2.
2- .البقرة: 1 و2.
3- .البقرة: 255 و256.
4- .آل عمران: 18.
5- .آل عمران:19.
6- .آل عمران: 26 و27.
7- .آل عمران:8.
8- .التوبة:128.

ص: 316

فَقُلْ حَسْبِىَ اللَّهُ لاَإِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ » (1) ، «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى نَجَّ_انَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » (2) ، «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ» (3) ، «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَ_ذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلآَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ» (4) ، «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ » (5) ، «فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَ_لَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ » (6) ، «فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَ اتِ وَ رَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَ لَهُ الْكِبْرِيَآءُ فِى السَّمَاوَ اتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » (7) ، « فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ * وَ لَهُ الْحَمْدُ فِى السَّمَاوَ اتِ وَ الْأَرْضِ وَ عَشِيّاً وَ حِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ وَ يُحْىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَ كَذَ الِكَ تُخْرَجُونَ » (8) ، «فَسُبْحَانَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْ ءٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » (9) ، « إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَ اتِ وَالأَْرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْ_لُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَ ات بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَْمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً

.


1- .التوبة:129.
2- .المؤمنون:28.
3- .فاطر:34 و35.
4- .الأعراف:43.
5- .النمل:15.
6- .الأنعام:45.
7- .الجاثية:36 و37.
8- .الروم:17 _ 19.
9- .يس: 83.

ص: 317

وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُوا فِى الأَْرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ» (1) ، «الَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ * وَ الَّذِى هُوَ يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ * وَ إِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَ الَّذِى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحْيِينِ * وَ الَّذِى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِى حُكْماً وَ أَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ * وَ اجْعَل لِّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الْأَخِرِينَ * وَ اجْعَلْنِى مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَ اغْفِرْ لِأَبِى إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّآلِّينَ * وَلاَ تُخْزِنِى يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَ لاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » (2) . «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَ اتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّ_لُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ » (3) ، «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * وَ الصَّآفَّاتِ صَفّاً * فَالزَّ اجِرَ اتِ زَجْراً * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً * إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَ احِدٌ * رَّبُّ السَّمَاوَ اتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا بَيْنَهُمَا وَ رَبُّ الْمَشَارِقِ * إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَ حِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ * لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلاَءِ الْأَعْلَى وَ يُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَ لَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ » (4) ، «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الاْءِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَ اتِ وَ الْأَرْضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ * فَبِأَىِّ ءَالاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا

.


1- .الأعراف:54 _ 56.
2- .الشعراء:78 _ 89.
3- .الأنعام: 1.
4- .الصافات: 1 _ 10.

ص: 318

شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَ نُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ » (1) . «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَ اتِ وَ الْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلآئِكَةِ رُسُلاً أُولِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَ ثُلاثَ وَ رُبَاعَ يَزِيدُ فِى الْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ * مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَ مَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » (2) ، «إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ وَ اسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ » (3) ، « وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَ رَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ » (4) ، « وَ إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْأَخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا * وَ جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَ فِى ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا وَ إِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى الْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَ لَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا » (5) ، «أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَ_هَهُ هَوَاهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ » (6) ، « أُولَ_ئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصَارِهِمْ وَ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ » (7) ، «وَ جَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ » (8) ، « وَ مَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ

.


1- .الرحمن: 33 _ 35.
2- .فاطر: 1 و2.
3- .آل عمران: 73 و74.
4- .الإسراء : 82 .
5- .الإسراء:46 و47.
6- .الجاثية:23.
7- .النحل: 108.
8- .يس: 9.

ص: 319

وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ » (1) ، «وَ لاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لاَ تَكُن فِى ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ » (2) ، «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّ الَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ » (3) ، «وَ قَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ » (4) ، «وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَانِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً» (5) ، «فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » (6) ، «إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّى وَ رَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءَاخِذُ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّى عَلَى صِرَ اطٍ مُّسْتَقِيمٍ » (7) ، « وَ إِلَ_هُكُمْ إِلَ_هٌ وَ احِدٌ لاَّ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ » (8) ، «ذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَىْ ءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ وَكِيلٌ » (9) ، «قُلْ هُوَ رَبِّى لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ مَتَابِ » (10) ، «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَ الْأَرْضِ لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ » (11) ، «ذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَىُّ لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ

.


1- .هود:56.
2- .هود: 88.
3- .النمل:70.
4- .النحل:128.
5- .يوسف: 54.
6- .طه:108.
7- .البقرة:137.
8- .البقرة:163.
9- .الأنعام:102.
10- .الرعد:30.
11- .فاطر:3.

ص: 320

فَ_ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ » (1) ، « رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً » (2) ، «رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ » (3) ، «لَوْ أَنزَلْنَا هَ_ذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَ تِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * هُوَ اللَّهُ الَّذِى لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِى لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السَّمَاوَ اتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » (4) . «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ * وَ لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدُ » (5) ، «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَ مِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَ مِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ * وَ مِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ » (6) ، «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَ_هِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ » (7) .

.


1- .البقرة:250.
2- .غافر: 45 و65.
3- .المزمل:9.
4- .الحشر: 21 _ 24.
5- .الإخلاص: 1 _ 4.
6- .الفلق: 1 _ 5.
7- .الناس: 1 _ 6.

ص: 321

95 . إملاؤه عليه السلام لصفوان عند استدعاء المنصور له

اللّهمَّ مَن أرادَ بي شَرّاً أو بِأهلي شَرّاً أو بَأساً أو ضُرّاً فَاقمَع رَأسَهُ ، وَاصرِف عَنّي سوءَهُ وَمَكروهَهُ ، وَاعَقِد لِسانَهُ ، وَاحبِس كَيدَهُ ، وَاردُد عَنّي إرادَتَهُ . اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كما هَدَيتَنا بهِ مِنَ الكُفرِ أفضَلَ ما صَلَّيتَ على أحَدٍ مِن خَلقِكَ ، وَصَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ كَما ذَكَرَكَ الذّاكِرونَ ، وَاغفِر لَنا وَلاِبائِنا وَلاُِمّهاتِنا وَذُرّياتِنا وَجَميعِ المُؤمِنينَ وَالمُؤمناتِ ، وَالمُسلِمينَ وَالمُسلماتِ ، الأحياءِ مِنهُم وَالأمواتِ ، تابِعِ بَينَنا وَبَينَهُم بِالخَيراتِ إنّكَ مُجيبُ الدَّعواتِ ، وَمُنزِلُ البَرَكاتِ ، وَدافِعُ السَّيِئاتِ ، إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . اللّهمّ إنّي أستَودِعُكَ ديني وَدُنيايَ وَأهلي وَأولادي وَعِيالي وَأمانَتي ، وَجَميعَ ما أنعَمتَ بِهِ عَلَيّ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، فَإنَّهُ لا يَضيعُ ضائِعُكَ ، وَلا تَضيعُ وَدائِعُكَ وَلا يُجيرني مِنكَ أحَدٌ . اللّهُمَّ رَبَّنا آتِنا في الدُّنيا حَسَنَةً ، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ . ( إلى هنا والزّيادة على هذا من الكتاب ) فإنّي أرجوكَ وَلا أرجو أحَداً سِواكَ ؛ فإنَّكَ أنتَ اللّهُ الغَفورُ ، اللّهمَّ أدخِلني الجَنَّةَ وَنَجِّني مِنَ النّارِ بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . (1)

95إملاؤه عليه السلام لصفوانعند استدعاء المنصور لهلمّا استدعاه المنصور مرّة سادسة ، وهي ثاني مرَّة إلى بغداد ، بعد قتل محمّد

.


1- .مهج الدعوات : ص247 ، بحار الأنوار : ج94 ص298 ح 2 وراجع : المصباح للكفعمي : ص240 .

ص: 322

وإبراهيم ابني عبد اللّه بن الحسن، وجدتها في الكتاب العتيق الّذي قدّمت ذكره بخطّ الحسين بن عليّ بن هند قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الرّزاز القرشيّ، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين قال: حدّثنا بشير بن حمّاد، عن صفوان بن مهران الجمّال 1 ، قال: رفع رجل من قريش المدينة من بني مخزوم إلى أبي جعفر المنصور ، وذلك بعد قتله لمحمّد وإبراهيم ابني عبد اللّه بن الحسن ، أنّ جعفر بن محمّد بعث مولاه المعلّى بن خنيس لجباية الأموال من شيعته، وأنّه كان يمدّ بها محمّد بن عبد اللّه ، فكاد المنصور أن يأكل كفّه على جعفر غيظاً ، وكتب إلى عمّه داوود بن عليّ ، وداوود إذ ذاك أمير المدينة أن يسيّر إليه جعفر بن محمّد،

.

ص: 323

ولا يرخص له في التّلوم والمقام. فبعث إليه داوود بكتاب المنصور، وقال: اعمد على المسير إلى أمير المؤمنين في غد ولا تتأخّر. قال صفوان: وكنت بالمدينة يومئذ فأنفذ إليّ جعفر عليه السلام فصرت إليه، فقال لي: تعهد راحلتنا فإنّا غادون في غد هذا إن شاء اللّه العراق، ونهض من وقته وأنا معه، إلى مسجد النّبيّ صلى الله عليه و آله وكان ذلك بين الأُولى والعصر، فركع فيه ركعات ثمّ رفع يديه، فحفظت يومئذ ومن دعائه : يا مَن لَيسَ لَهُ ابتِداءٌ وَلا انقِضاءٌ ، يا مَن لَيسَ لَهُ أمَدٌ ولا نِهايَةٌ ، وَلا ميقاتٌ ولا غايَةٌ ، يا ذا العَرشِ المَجيدِ ، وَالبَطش الشّديدِ ، يا مَن هُوَ فَعّالٌ لِما يُريدُ ، يا مَن لا يَخفى عَلَيهِ اللّغاتُ ، وَلا تَشتَبِهُ عَلَيهِ الأصواتُ ، يا مَن قامَت بِجَبروتِهِ الأرضُ وَالسَّماواتُ ، يا حَسَنَ الصُّحبَةِ يا واسِعَ المَغفِرَةِ ، يا كريمَ العَفوِ صَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ وَاحرِسني في سَفري وَمَقامي وَفي حَرَكَتي وَانتِقالي بِعَينِكَ الّتي لا تَنامُ ، وَاكنِفني بِرُكنِكَ الّذي لا يُضامُ . اللّهُمَّ إنّي أتوَجَّهُ في سَفري هذا بِلا ثِقَةٍ لِغَيرِكَ ، وَلا رَجاءٍ يَأوي بي إلاّ إلَيكَ وَلا قُوَّةَ لي أتَّكِلُ عَلَيها ، وَلا حيلَةَ ألجَأ إلَيها إلاّ ابتِغاءَ فَضلِكَ وَالتِماسَ عافِيَتِكَ ، وَطَلَبَ فَضلِكَ وَإجرائِكَ لي على أفضَلِ عَوائِدِكَ عِندي . اللّهمَّ وَأنتَ أعلَمُ بِما سَبَق لي في سَفَري هذا مِمّا اُحِبُّ وَأكرَهُ فَمَهما أوقَعتَ عَلَيهِ قَدَرَكَ فَمَحمودٌ فيهِ بَلاؤكَ ، مُنتَصِحٌ فيهِ قَضاؤكَ وَأنتَ تَمحو ما تَشاءُ وَتُثبِتُ وَعِندَكَ اُمُّ الكِتابِ. اللّهمَّ فاصرِف عَنّي فيهِ مَقاديرَ كُلِّ بَلاءٍ ، وَمقضِيَّ كُلِّ لَأواءٍ ، وَابسِط عَلَيَّ كَنَفاً من رَحمَتِكَ ، وَلُطفاً مِن عَفوِكَ ، وَتَماماً مِن نِعمَتِكَ ، حَتّى تَحفَظَني فيهِ بِأحسَنِ ما حَفِظتَ بهِ غائِباً مِنَ المُؤمِنينَ ، وَخَلقتَهُ في سِترِ كُلِّ عَورَةٍ ، وَكِفايَةِ كُلِّ مَضَرَّةٍ ، وَصِرفِ كُلِّ مَحذورٍ ، وَهَب لي فيهِ أمناً وَإيماناً وَعافِيَةً وَيُسراً وَصَبراً وَشُكراً ، وَأرجِعني فيهِ سالِماً إلى سالِمينَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ .

.

ص: 324

قال صفوانُ : سَألتُ أبا عَبدِ اللّهِ الصّادِقَ عليه السلام بِأن يُعيدَ الدُّعاءَ عَلَيَّ فأعادَهُ ، وَكَتَبتُهُ فَلَمّا أصبَحَ أبو عَبداللّهِ عليه السلام رَحَلتُ لَهُ النّاقَةَ ، وَسارَ مُتَوجِّهاً إلى العِراقِ . الحَديث (1) .

.


1- .مهج الدّعوات: ص245، بحار الأنوار : ج 94 ص 294 ح 2 .

ص: 325

الفصل السّابع : في اُمور شتّى

اشاره

الفصل السّابع : في اُمور شتّى

.

ص: 326

. .

ص: 327

96 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن الحسن وبني هاشم في التّعزية

96كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن الحسن وبني هاشمفي التّعزيةقال السيّد ابن طاووس رحمهم الله: وسأذكر تعزية لمولانا جعفر بن محمّد الصّادق عليه السلام ، كتبها إلى بني عمّه رضوان اللّه عليهم لمّا حبسوا ، ليكون مضمونها تعزية عن الحسين عليه السلام وعترته وأصحابه رضوان اللّه عليهم . رويناها بإسنادنا الّذي ذكرنا من عدّة طرق إلى جدّي أبي جعفر الطّوسي ، عن المفيد محمّد بن محمّد بن النّعمان والحسين بن عبيد اللّه ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصّفار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن إسحاق بن عمّار . ورويناها أيضاً بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطّوسي ، عن أبي الحسين أحمد بن محمّد بن سعيد بن موسى الأهوازيّ ، عن أبي العبّاس أحمد بن

.

ص: 328

محمّد بن سعيد ،: قال: حدّثنا محمّد بن الحسن القطراني ، قال: حدّثنا حسين بن أيوب الخثعمي ، قال: حدّثنا صالح بن أبي الأسود ، عن عطيّة بن نجيح بن المطهر الرّازي وإسحاق بن عمّار الصّيرفيّ، قالا معاً : إنّ أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام كتب إلى عبد اللّه بن الحسن رضى الله عنه (1) حين حمل هو وأهل بيته يعزيّه عمّا صار إليه: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إلى الخَلَفِ الصّالِحِ وَالذُّرِيَةِ الطَيِّبَةِ مِن وُلد أخيهِ وَابنِ عَمِّهِ ، أمّا بَعدُ فَلَئِن كُنتَ تَفَرَّدتَ أنتَ وَأهلُ بَيتِكَ مِمّن حَمَلَ مَعَكَ بِما أصابَكُم ، ما انفَردتَ بِالحُزنِ وَالغِبطَةِ وَالكآبَةِ وَأليمِ وَجَعِ القَلبِ دوني ، فَلَقَد نالَني مِن ذلِكَ مِنَ الجَزَعِ وَالقَلَقِ وَحَرِّ المُصيبَةِ مِثلُ ما نالَكَ ، وَلكِن رَجَعتُ إلى ما أمَرَ اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ بِهِ المُتّقينَ مِنَ الصَّبرِ وَحُسنِ العَزاءِ حينَ يَقولُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا» (2) . وحين يقولُ : «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ» (3) . وحين يقول لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله حينَ مُثِّلَ بِحَمزَةَ : «وَ إِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَ لَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ » (4) وَصَبَرَ صلى الله عليه و آله وَلَمَ يَتَعاقَب (5) .

.


1- .عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلام ، أبو محمّد ، هاشميّ ، مدنيّ ، تابعيّ ، شيخ الطالبين ، من أصحاب الصادق عليه السلام ، اُمّ فاطمه بنت الحسن عليه السلام وكان يشبه الرسول صلى الله عليه و آله ، (راجع : رجال الطوسي : ص 139 الرقم 1468 وص 228 الرقم 3092 ، رجال ابن داوود : ص 118) .
2- .الطور: 48.
3- .القلم: 48.
4- .النحل: 126.
5- .هكذا في المصدر ، والظاهر أنّها : « ولم يُعاقب » .

ص: 329

وَحينَ يَقولُ: «وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْئَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَ الْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى » (1) . وَحينَ يَقولُ : « الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّ_آ إِلَيْهِ رَ اجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَ اتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ » (2) . وَحينَ يَقولُ : «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ » (3) . وَحينَ يَقولُ لُقمانُ لابنِهِ : «وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَ لِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» (4) . وَحينَ يَقولُ عَن موسى : «قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَْرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » (5) . وَحينَ يَقولُ : «إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ » (6) . وَحينَ يَقولُ : «ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَ تَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ » (7) . وَحينَ يَقولُ : «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْ ءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَ الِ وَ الْأَنفُسِ وَ الثَّمَرَ اتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ » (8) .

.


1- .طه: 132.
2- .البقرة: 156 و157.
3- .الزمر: 10.
4- .لقمان:17.
5- .الأعراف: 128.
6- .العصر: 3.
7- .البلد: 17.
8- .البقرة:155.

ص: 330

وَحينَ يَقولُ : «وَكَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَآ أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ » (1) . وَحينَ يَقولُ : « وَ الصَّ_بِرِينَ وَالصَّ_بِرَ تِ » (2) . وَحينَ يَقولُ : « وَ اصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ » (3) ، وَأمثالُ ذلِكَ مِنَ القُرآنِ كثيرٌ . وَاعلَم أيّ عَمّ وابن عمّ، إنّ اللّهَ جَلَّ جَلالُهُ لَم يُبال بِضُرِّ الدُّنيا لِوَلِيّهِ ساعَةً قَطُّ ، وَلا شَيءَ أحَبُّ إلَيهِ مِنَ الضُّرِ وَالجَهدِ وَالأذاءِ مَعَ الصَّبرِ ، وَإنَّهُ تَبارَكَ وَتَعالى لَم يُبالِ بِنَعيمِ الدُّنيا لِعَدُوّهِ ساعَةً قَطّ ، وَلَولا ذلِكَ ما كانَ أعداؤهُ يَقتُلونَ أولياءَهُ وَيُخيفونَهُم وَيَمنَعونَهُم ، وَأعداؤهُ آمِنونَ مُطمَئِنونَ عالونَ ظاهِرونَ . وَلَولا ذلِكَ ما قُتِل زَكَرِيّا ، واحتَجَبَ يَحيى ظُلماً وَعُدواناً في بَغيٍّ مِنَ البَغايا . وَلَولا ذلِكَ ما قُتِلَ جَدُّكَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ صلى الله عليه و آله ، لمّا قامَ بِأمرِ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ ظُلماً ، وَعَمُّكَ الحُسينُ بنُ فاطِمَةَ صَلّى اللّهُ عَلَيهِما اضطِهاداً وَعُدواناً. وَلَولا ذلِكَ ما قالَ اللّهُ عز و جل في كِتابِهِ : « وَ لَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَ احِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَانِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَ مَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ » (4) . وَلَولا ذلِكَ لَما قالَ في كتابِهِ : « أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَ بَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الْخَيْرَ اتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ » (5) .

.


1- .آل عمران:146.
2- .الأحزاب : 35 .
3- .يونس: 109.
4- .الزخرف:33.
5- .المؤمنون: 55 و56.

ص: 331

وَلَولا ذلِكَ لَما جاءَ في الحَديثِ : لَولا أن يَحزَنَ المُؤمِنُ لَجَعَلتُ لِلكافِرِ عصابَةً مِن حَديدٍ لا يُصدَعُ رَأسُهُ أَبداً . وَلَولا ذلِكَ لَما جاءَ في الحَديثِ : إنّ الدّنيا لا تُساوي عِندَ اللّهِ جَناحَ بَعوضَةٍ . وَلَولا ذلِكَ ما سَقى كافِراً مِنها شُربَةً مِن ماءٍ . وَلَولا ذلِكَ لَما جاءَ في الحَديثِ : لَو أنّ مُؤمِناً عَلى قُلَّةِ جَبَلٍ لَبَعَثَ اللّهُ لَهُ كافِراً أو مُنافِقاً يُؤذيهِ . وَلَولا ذلِكَ لَما جاءَ في الحَديثِ أنّه: إذا أحَبَّ اللّهُ قَوماً أو أحَبَّ عَبداً صَبَّ عَلَيهِ البَلاءَ صَبّاً ، فَلا يَخرُجُ مِن غَمٍّ إلاّ وَقَعَ في غَمٍّ . وَلَولا ذلِكَ لَما جاءَ في الحَديثِ : ما مِن جُرعَتَينِ أحَبَّ إلى اللّهِ عز و جل أن يَجرَعَهُما عَبدُهُ المُؤمِنُ في الدُّنيا ، مِن جُرعَةِ غَيظٍ كَظَمَ عَلَيها ، وَجُرعَةِ حُزنِ عِندَ مُصيبَةٍ صَبَرَ عَلَيها بِحُسن عَزاءٍ وَاحتِساب . وَلَولا ذلِكَ لَما كانَ أصحابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَدعونَ على مَن ظَلَمَهُم بِطولِ العُمرِ وَصِحَّةِ البَدَنِ وَكَثرَةِ المالِ وَالوَلَدِ . وَلَولا ذلِكَ لما بَلَغَنا أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ إذا خصَّ رَجُلاً بِالتَّرَحُّمِ عَلَيهِ وَالاستِغفارِ استُشهِدَ . فَعَلَيكُم يا عَمِّ وابنَ عَمِّ وَبَني عُمومَتي وَإخوَتي بِالصَّبرِ وَالرِّضا ، وَالتَّسليمِ وَالتَّفويضِ إلى اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ ، وَالرِّضا وَالصَّبرِ على قَضائِهِ وَالتَّمَسُّكِ بِطاعَتِهِ وَالنُّزولِ عِندَ أمرِهِ . أفرَغَ اللّهُ عَلَينا وَعَلَيكُمُ الصَّبرَ ، وَخَتَمَ لَنا وَلكُم بِالأجرِ وَالسَّعادَةِ ، وَأنقَذَكُم وَإيّانا مِن كُلِّ هَلَكَةٍ ، بِحَولِهِ وَقُوَّتِهِ إنّهُ سَميعٌ قَريبٌ ، وَصَلَّى اللّهُ على صَفوَتِهِ مِن خَلقِهِ مُحَمّدٍ النَّبِيِّ وَأهلِ بَيتِهِ .

.

ص: 332

97 . كتابه عليه السلام إلى المفضّل إنّ اللّه ينصر دينه بمن يشاء

أقول : وهذا آخر التّعزية بلفظها من أصل صحيح بخطّ محمّد بن عليّ بن مهجناب البزّاز ، تاريخه في صفر سنة ثمان وأربعين وأربعمئة . (1)

97كتابه عليه السلام إلى المفضّلإنّ اللّه ينصر دينه بمن يشاءقال نصر بن الصّباح ، رفعه ، عن محمّد بن سنان (2) ، أن عدّة من أهل الكوفة كتبوا إلى الصّادق عليه السلام فقالوا : إنّ المفضّل يجالس الشّطار وأصحاب الحمام وقوماً يشربون الشّراب ، فينبغي أن تكتب إليه وتأمره ألاّ يجالسهم ، فكتب إلى المفضّل كتاباً وختم ودفع إليهم ، وأمرهم أن يدفعوا الكتاب من أيديهم إلى يد المفضّل. فجاؤوا بالكتاب إلى المفضّل ، منهم زرارة ، وعبد اللّه بن بكير ، ومحمّد بن مسلم . وأبو بصير ، وحجر بن زائدة ، ودفعوا الكتاب ، إلى المفضّل ففكّه وقرأه، فإذا فيه : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ، اشتر كذا وكذا واشتر كذا . ولم يذكر قليلاً ولا كثيراً ممّا قالوا فيه. فلمّا قرأ الكتاب دفعه إلى زرارة ، ودفع زرارة إلى محمّد بن مسلم حتّى أرى الكتاب إلى الكلّ ، فقال المفضّل : ما تقولون؟ قالوا : هذا مال عظيم حتّى ننظر ونجمع ونحمل إليك ، لم ندرك إلاّ نراك بعد ننظر في ذلك . وأرادوا الانصراف . فقال المفضّل : حتّى تغدوا عندي ، فحبسهم لغدائه، ووجه المفضّل إلى

.


1- .الإقبال : ج3 ص82، مسكّن الفؤاد : ص126، بحار الأنوار : ج47 ص298 ح25 .
2- .راجع الكتاب : السّابع والسّتين .

ص: 333

98 . كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه إنّ اللّه ينصر دينه بمن يشاء

أصحابه الّذين سعوا بهم ، فجاؤوا فقرأ عليهم كتاب أبي عبد اللّه عليه السلام ، فرجعوا من عنده وحبس المفضّل هؤلاء ليتغدّوا عنده ، فرجع الفتيان وحمل كلّ واحد منهم على قدر قوته ألفاً وألفين وأقلّ وأكثر، فحضروا أو أحضروا ألفي دينار ، وعشرة آلاف درهمٍ ، قبل أن يفرغ هؤلاء من الغداء . فقال لهم المفضّل : تأمروني أن أطرد هؤلاء من عندي، تظنّون إنّ اللّه تعالى يحتاج إلى صلاتكم وصومكم . (1)

98كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهإنّ اللّه ينصر دينه بمن يشاءعليّ بن الحسن ، عن عبّاس بن عامر ، عن يونس بن يعقوب (2) ، قال : كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله أن يدعو اللّه لي أن يجعلني ممّن ينتصر به لدينه فلم يجبني، فاغتممت لذلك ، قال يونس فأخبرني بعض أصحابنا ، أنّه كتب إليه بمثل ما كتبت ، فأجابه وكتب في أسفل كتابه : يَرحَمُكَ اللّهُ ، إنّما يَنتَصِرُ اللّهُ لِدينِهِ بِشَرِّ خَلقِهِ . (3)

.


1- .رجال الكشّي: ج2 ص619 ح592.
2- .يونس بن يعقوب بن قيس ، أبو عليّ الجلاب البجليّ الدّهنيّ ، اُمّه (منيّة) بنت عمّار بن أبي معاوية الدّهني ، اُخت معاوية بن عمّار ، اختصّ بأبي عبد اللّه وأبي الحسن عليهماالسلام ، ومات بالمدينة في أيّام الرضا عليه السلام ، فتولّى أمره ، وكان عظيما عندهم ، موثّقا ، وكان قد قال بعبد اللّه ورجع ، وله كتاب الحجّ . (راجع : رجال النجاشي : ج 2 ص 419 الرقم 1208 ، رجال الطوسي : ص 323 الرقم 4827 وص368 الرقم 5477) .
3- .رجال الكشيّ : ج2 ص686 ح726.

ص: 334

99 . كتابه عليه السلام لرجل في شراء دار في الجنّة

99كتابه عليه السلام لرجلفي شراء دار في الجنّةهشام بن الحكم 1 قال : كان رجل من ملوك أهل الجبل يأتي الصّادق عليه السلام في حجّة كلّ سنة فينزله أبو عبد اللّه عليه السلام في دار من دوره في المدينة ، وطال حجّه ونزوله فأعطى أبا عبد اللّه عليه السلام عشرة آلاف درهم ليشتري له داراً وخرج إلى الحجّ .

.

ص: 335

100 . كتابه عليه السلام إلى المفضّل بن عمر الجعفيّ في عبد اللّه بن أبي يعفور

فلمّا انصرف قال : جعلت فداك اشتريت لي الدّار . قال : نعم ، وأتى بِصَكٍّ فيهِ : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا ما اشتَرى جَعفَرُ بنُ مُحَمّدٍ لِفُلانٍ بنِ فُلانٍ الجَبَليّ لَه دارٌ في الفِردَوسِ حَدُّها الأوّلُ رَسولُ اللّهِ وَالحَدُّ الثّاني أميرُ المُؤمِنينَ وَالحَدُّ الثّالِثُ الَحَسنُ بنُ عَلِيٍّ وَالحَدُّ الرّابِعُ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ . فَلَمّا قرأ الرّجل ذلكَ قال : قَد رَضيتُ جَعَلَنِيَ اللّهُ فِداكَ . قال : فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّي أخَذتُ ذلِكَ المَالَ فَفَرقتُهُ في وُلدِ الحَسَنِ وَالحُسَينِ وَأرجو أن يَتَقَبّلَ اللّهُ ذلِكَ وَيُثيبُكَ بهِ الجَنَّةَ . قال : فانصَرَفَ الرَّجُلُ إلى مَنزِلِهِ ، وَكانَ الصَّكُ مَعَهُ ، ثُمَّ اعتَلَّ عِلَّةَ المَوتِ فَلَمّا حَضَرَتهُ الوَفاةُ جَمَعَ أهلَهُ وَحَلَّفهُم أنْ يجعلوا الصّكَ مَعَهُ فَفَعلوا ذلِكَ ، فَلَمّا أصبَحَ القومُ غَدَوا إلى قَبرِهِ فَوَجَدوا الصّكَ على ظَهرِ القَبرِ مَكتوبٌ عَلَيهِ : وَفى وَلِيُّ اللّهِ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ . (1)

100كتابه عليه السلام إلى المفضّل بن عمر الجعفيّفي عبد اللّه بن أبي يعفورحمدويه ، عن الحسن بن موسى، عن عليّ بن حسان الواسطيّ الخزّاز قال : حدّثنا عليّ بن الحسين العبيديّ ، قال : كتب أبو عبد اللّه عليه السلام إلى المفضّل بن عمر الجعفيّ

.


1- .المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص233 ، كشف الغمة : ج2 ص200 ، بحار الأنوار : ج47 ص134 ح 183 .

ص: 336

حين مضى عبد اللّه بن أبي يعفور 1 :

.

ص: 337

يا مُفَضَّلُ ، عَهِدتُ إلَيكَ عَهدي ، كان إلى عَبدِ اللّهِ بن أبي يَعفور صَلواتُ اللّهِ عَلَيهِ ، فَمَضى صلواتُ اللّهِ عَلَيهِ مُوفياً للّهِِ عز و جل وَلِرَسولِهِ وَلإمامِهِ بِالعَهدِ المَعهود للّهِِ ، وقُبِضَ صَلواتُ اللّهِ على روحِهِ مَحمودَ الأثَرِ ، مَشكورَ السَّعي ، مَغفوراً لَهُ مَرحوماً بِرضى اللّهِ ورَسولِهِ وَإمامِهِ عَنهُ ، فَولادَتي مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ما كانَ في عَصرِنا أحَدٌ أطوَعَ للّهِِ ولِرَسولِهِ وَلإمامِهِ مِنهُ . فَما زالَ كذلِكَ حَتّى قَبَضَهُ اللّهُ إلَيهِ بِرَحمَتِهِ وَصَيَّرَهُ إلى جَنَّتِهِ ، مُساكِناً فيها مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَأميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، أنزَلَهُ اللّهُ بَينَ المَسكَنَينِ مَسكَنَ مُحَمّدٍ وَأميرِ المُؤمِنينَ ( صلواتُ اللّهِ عَلَيهِما ) وَإن كانَت المَساكِنُ (1) واحِدَةً فزاده اللّه رضى من عنده ومغفرة من فضله برضاي عنه . (2)

.


1- .في المصدر : «المساكينُ » ، وما أثبتناه هو الصحيح ، وهو المناسب للسياق .
2- .رجال الكشّي:ج2 ص518 ح461.

ص: 338

101 . كتابه عليه السلام إلى المفضّل بن عمر علّة كون الشّتاء والصّيف

101كتابه عليه السلام إلى المفضّل بن عمرعلّة كون الشّتاء والصّيفحدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رحمه الله عن عمّه محمّد بن أبي القاسم عن يحيى بن عليّ الكوفيّ عن محمّد بن سنان عن صباح المدائنيّ عن المفضّل بن عمر (1) أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام : كتب إليه كتاباً فيه:أنَّ اللّهَ تَعالى لَم يَبعَث نَبِيّاً قَطُّ يَدعو إلى مَعرِفَةِ اللّهِ لَيسَ مَعَها طاعَةٌ في أمرٍ وَلا نَهيٍ وَإنّما يَقبَلُ اللّهُ مِنَ العِبادِ العَمَلَ بِالفَرائِضِ الّتي فَرَضَها اللّهُ عَلى حُدودِها مَعَ مَعرِفَةِ مَن دَعا إلَيهِ ، وَمَن أطاعَ حَرّمَ الحَرامَ ظاهِرَهُ وَباطِنَهُ وَصَلّى وَصامَ وَحَجَّ وَاعتَمَرَ وَعَظَّمَ حُرُماتِ اللّهِ كُلِّها وَلَم يَدَع مِنها شَيئاً وَعَمَلَ بِالبِرِّ كُلِّهِ وَمَكارِمِ الأخلاقِ كُلِّها وَتَجَنُّبِ سَيِّئِها ، وَمَن زَعَمَ أنَّهُ يُحِلُّ الحَلالَ وَيُحَرِّمُ الحَرامَ بِغَيرِ مَعرِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، لَم يُحِلَّ للّهِِ حَلالاً وَلَم يُحَرِّم لَهُ حَراماً ، وَإنَّ مَن صَلَّى وَزَكَّى وَحَجَّ وَاعتَمَرَ وَفَعَلَ ذلِكَ كُلَّهُ بِغَيرِ مَعرِفَةِ مَنِ افتَرَضَ اللّهُ عَلَيهِ طاعَتَهُ ، فَلَم يَفعَل شَيئاً من ذلِكَ ، لَم يُصَلِّ وَلَم يَصُم وَلَم يُزَكِّ وَلَم يَحُجَّ وَلَم يَعتَمِر ، وَلَم يَغتَسِل مِنَ الجَنابَةِ وَلَم يَتَطَهَّر ، وَلَم يُحَرِّم للّهِِ حَلالاً وَلَيسَ لَهُ صَلاةٌ وَإن رَكَعَ وإن سَجَدَ وَلا لَهُ زَكاةٌ وَلا حَجٌّ ، وَإنّما ذلِكَ كُلُّهُ يَكونُ بِمَعرِفَةِ رَجُلٍ مِنَ اللّهِ تَعالى على خَلقِهِ بِطاعَتِهِ ، وَاُمِرَ بِالأخذِ عَنهُ فَمَن عَرَفَهُ وَأخَذَ عَنهُ أطاعَ اللّهَ وَمَن زَعَمَ أنّ ذلِكَ إنّما هِيَ المَعرِفَةُ وَأنَّهُ إذا عُرِفَ اكتَفى بِغَيرِ طاعَةٍ ، فَقَد كَذّبَ وَأشرَكَ وَإنّما قيلَ : اعرِف وَاعمَل ما شِئتَ مِنَ الخَيرِ ؛ فَإنَّهُ لا يُقبَلُ مِنكَ ذلِكَ بِغَيرِ مَعرِفَةٍ .

.


1- .راجع : الكتاب الخامس .

ص: 339

102 . كتابه عليه السلام إلى جابر بن حسّان (حيّان ) في الطّب

فإذا عَرَفتَ فاعمَل لِنَفسِكَ ما شِئتَ مِنَ الطّاعَةِ قَلَّ أو كَثُر فإنَّهُ مَقبولٌ مِنكَ . (1)

102كتابه عليه السلام إلى جابر بن حسّان (حيّان)في الطّبجعفر بن جابر الطّائيّ قال: حدّثنا موسى بن عمر بن يزيد الصّيقل قال: حدّثنا عمر بن يزيد (2) قال: كتب جابر بن حسّان (3) الصّوفيّ 4 إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يابن رسول اللّه منعتني ريح شابكة شبكت بين قرني إلى قدمي فادع اللّه لي . فدعا له وكتب إليه : عَلَيكَ بِسُعوطٍ العَنبرِ وَالزَّيبَقِ على الرِّيقِ ، تُعافى منها إن شاءَ اللّهُ تَعالى . فَفَعَلَ ذلِكَ فَكَأنَّما نَشَطَ مِن عِقالٍ . (4)

.


1- .علل الشرائع : ص250 ح7، بحار الأنوار: ج 27 ص175 ح 21 نقلاً عنه .
2- .راجع: في ذيل «كتابه عليه السلام إلى عذافر».
3- .في بعض النسخ: «جابر بن حيّان» بدل «جابر بن حسّان».
4- .طبّ الأئمّة لابني بسطام : ص70 ، الفصول المهمّة في أصول الأئمّة : ج3 ص179 ح2819 ، بحار الأنوار : ج62 ص186 ح1 نقلاً عن طبّ الأئمة عليهم السلام .

ص: 340

103 . كتابه عليه السلام إلى محمّد وهارون ابني أبي سهل في علم النّجوم
104 . أمره عليه السلام بكتابة : « إن شاء اللّه تعالى »

103كتابه عليه السلام إلى محمّد وهارون ابني أبي سهلفي علم النّجومفي فرج المهموم: ما وجدناه في كتاب التّجمل المقدم ذكره عن محمّد وهارون ابني أبي سهل (1) أنّهما كتبا إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : أنّ أبانا وجدَّنا كانا ينظران في علم النّجوم فهل يحلّ النّظر فيه ؟ فكتب : نعم . (2)

104أمره عليه السلام بكتابة : « إن شاء اللّه تعالى »في النوادر : روى لي مرازم 3 قال: دخل أبو عبد اللّه عليه السلام يوماً إلى منزل زيد وهو

.


1- .لم نجد له ترجمة في كتب الرّجال بأيدينا . وفي أعيان الشيعة : قال صاحب كتاب خاندان نوبختي : إنّ أبا سهل بن نوبخت الذي تنتهي إليه سلسلة هذه الطّائفة كان له عشرة أولاد : إسماعيل ، سليمان ، داوود ، إسحاق ، عليّ ، هارون ، محمّد ، فضل ، عبد اللّه ، سهل ، واثنان منهم كانت لهم ذرّيّة كثيرة مشهورة ، وهما إسحاق أبو عليّ بن إسحاق . . . وثانيهما أخوه إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت . (ج 2 ص 94) .
2- .فرج المهموم: ص100 ، بحار الأنوار : ج 55 ص 250 ح 35 نقلاً عن النجوم .

ص: 341

املاؤه باللُّغة العبرية

يريد العمرة فتناول لوحاً فيه كتاب لعمّهِ فيه أرزاق العيال ، وما يخرج لهم ، فإذا فيه لفلان وفلان وفلان وليس فيه استثناء . فقال له : مَن كَتَبَ هذا الكِتابَ وَلَم يَستَثنِ فيهِ ؟ كَيفَ ظَنَّ أنَّهُ يَتِمُّ ؟ ثُمَّ دَعا بِالدَّواةِ فَقالَ : ألحِق فيهِ في كُلِّ اسمٍ إن شاءَ اللّهُ تَعالى (1) . (2)

املاؤه باللُّغة العبريةحدّثنا الحسن بن محمّد ،عن أبيه محمّد بن عليّ بن شريف ، عن عليّ بن أسباط ، عن إسماعيل بن عباد ، عن عامر بن عليّ الجامعيّ (3) ، قال : قلت لأبي عبد للّه عليه السلام : جُعِلتُ فِداكَ ، نأكُلُ ذَبايِحَ أهلِ الكِتابِ وَلا نَدري يُسَمّونَ عَلَيها أم لا؟ فَقالَ :

.


1- .وفي الكافي : عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن مرازم بن حكيم قال: أمر أبو عبد اللّه عليه السلام بكتاب في حاجة فكتب ثمّ عرض عليه ولم يكن فيه استثناء. فقال: كيف رجوتم أن يتمّ هذا وليس فيه استثناء؟ انظروا كلّ موضع لا يكون فيه استثناء فاستثنوا فيه.(ج2 ص673 ح7).
2- .النوادر للأشعري : ص57 ح109 ، مستطرفات السرائر : ص630 ، بحار الأنوار : ج76 ص307 ح8 .
3- .لم نجد له ترجمة في المصادر التي بأيدينا .

ص: 342

105 . في التداوي بالتّفاح
حسن الختام

إذا سَمِعتَهُم قَد سَمَّوا فَكُلوا ، أتَدرى ما يَقولونَ على ذَبايِحِهِم ؟ فقلتُ : لا . فَقَرأ كَأنَّهُ يُشبِهُ يَهوديا قَد هَذّها (1) ثُمَّ قال : بِهذا اُمِروا . فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ، إن رَأيتَ أن نَكتُبَها . فقال اكتب : نوح ايوا ادينوا يلهيز مالحوا عالم اشرسوا أو رضوا بنو يوسعه موسق دغال اسطحوا . (2)

105في التداوي بالتّفاحفي دعائم الإسلام : عن جعفر بن محمّد عليه السلام أنّ رجلاً كتب إليه من أرضٍ وَبيئَة يخبره بوَبَئِها . فكتب إليه : عَلَيكَ بِالتُّفاحِ فَكُلْهُ . فَفَعَلَ ذلِكَ فَعُوفيَ (3) .

حسن الختامأحمد بن محمّد بن خالد عن عبد الرّحمان بن حمّاد الكوفيّ عن عمرو بن مصعب عن فرات بن الأحنف (4) عن أبي عبداللّه عليه السلام قال :

.


1- .الهذّ: سرعة القراءة.
2- .بصائر الدرجات: ص353، بحار الأنوار: ج47 ص81 ح68 نقلاً عنه.
3- .دعائم الإسلام : ج 2 ص 148 ح 525 .
4- .يرمي بالغلوّ والتفريط في القول ، عدّه الشيخ من أصحاب عليّ بن الحسين عليهماالسلام على قوله : فرات بن الأحنف العبديّ ، يرمي بالغلوّ والتّفريط في القول ، وعدّه من أصحاب محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام مقتصرا على قوله : فرات بن أحنف ، وفي أصحاب الصادق عليه السلام قائلاً : فرات بن أحنف الهلاليّ ، أبو محمّد ، أسند عنه . ( رجال الطوسي : ص 119 الرقم 1206 و ص 143 الرقم 1550 و ص 270 الرقم 3892 وراجع : رجال ابن داوود : القسم الثاني ص 492 الرقم 379) .

ص: 343

مَهما تَرَكتَ مِن شَيءٍ فلا تَترُك أن تقولَ في كُلِّ صَباحٍ وَمَساءٍ : اللّهمَّ إنّي أصبَحتُ أستَغفِرُكَ في هذا الصَّباحِ وَفي هذا اليَومِ لِأهلِ رَحمَتِكَ وَأبرأُ إلَيكَ مِن أهلِ لَعنَتِكَ . اللّهمَّ إنّي أصبَحتُ أبرأُ إلَيكَ في هذا اليَوم ، وَفي هذا الصَّباحِ مِمَّن نَحنُ بَينَ ظَهرانيهِم مِنَ المُشرِكينَ وَمِمّا كانوا يَعبُدونَ إنَّهُم كانوا قَومَ سَوءٍ فاسِقينَ . اللّهمَّ اجعَل ما أنزَلتَ مِنَ السَّماءِ إلى الأرضِ في هذا الصَّباحِ وَفي هذا اليَومِ بَرَكَةً على أوليائِكَ وَعِقاباً على أعدائِكَ . اللّهمَّ والِ مَن وَالاكَ وعادِ مَن عاداكَ . اللّهمَّ اختِم لي بِالأمنِ وَالإيمانِ ، كُلَّما طَلَعَت شَمسٌ أو غَرُبَت . اللّهمَّ اغفِر لي وَلِوالِدَيَّ وَارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيراً . اللّهمّ اغفِر للمُونينَ وَالمُوناتِ ، وَالمُسلِمينَ وَالمُسلماتِ ، الأحياءِ مِنهُم وَالأمواتِ . اللّهمَّ إنَّكَ تَعلَمُ مُنقَلَبهُم وَمَثواهُم . اللّهمَّ احفَظ إمامَ المُسلِمينَ بِحِفظِ الإيمانِ ، وَانصُرهُ نَصراً عَزيزاً ، وَافتَح لَهُ فَتحاً يَسيراً وَاجعَل لَهُ وَلَنا مِن لَدُنكَ سُلطاناً نَصيراً . اللّهمَّ العَن فُلاناً وَفُلاناً ، وَالفِرَقَ المُختَلِفَةَ على رَسولِكَ ، وَوُلاةَ الأمرِ بَعدَ رَسولِكَ وَالأئِمَّةَ مِن بَعدِهِ شيعَتَهُم . وَأسألُكَ الزِّيادَةَ مِن فَضلِكَ ، وَالإقرارَ بِما جاءَ مِن عِندِكَ وَالتَّسليمَ لِأمرِكَ ، وَالمُحافَظَةَ على ما أمَرتَ بِهِ ، لا أبتَغي بِهِ بَدَلاً وَلا أشتَري بهِ ثَمَناً قَليلاً . اللّهُمَّ اهدِني فيمَن هَدَيتَ ، وَقِني شَرَّ ما قَضَيتَ ، إنَّكَ تقضي وَلا يُقضى عَلَيكَ ، وَلا يَذِلُّ مَن وَالَيتَ تبارَكتَ وَتعالَيتَ سُبحانَكَ رَبَّ البَيتِ تَقَبَّل مِنّي دُعائي وَما تَقَرّبتُ بهِ إلَيكَ مِن خَيرٍ فَضاعِفهُ

.

ص: 344

لي أضعافاً مُضاعَفَةً كَثيرةً ، وَآتِنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً وَأجراً عَظيماً . رَبِّ ما أحسَنَ ما ابتَلَيتَني ! وَأعظَمَ ما أعطَيتَني ! وَأطوَلَ ما عافَيتَني ! وَأكثَرَ ما سَتَرتَ عَلَيَّ ! فَلَكَ الحَمدُ يا إلهي كثيراً طَيّباً مُبارَكاً عَلَيهِ مِل ءَ السّماواتِ وَمِل ءَ الأرضِ وَمِل ءَ ما شاءَ رَبّي ، كَما يُحِبُّ وَيَرضى ، وَكَما يَنبَغي لِوَجهِ رَبّي ذي الجَلال وَالإكرامِ . (1)

وفي موضع آخر: محمّد بن عليّ عن عبد الرّحمان بن أبي هاشم عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :إنّ الدّعاء قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها سنّة واجبة مع طلوع الفجر والمغرب تقول : لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ يُحيي وَيُميتُ وَيُميتُ وَيُحيي ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَموتُ ، بِيَدِهِ الخَيرُ وَهُوَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ _ عَشرَ مَرّاتٍ _ وَتقولُ : أعوذُ بِاللّهِ السّميعِ العَليمِ مِن هَمَزاتِ الشّياطينِ وَأعوذُ بِكَ رَبّ أن يَحضُرونِ ، إنّ اللّهَ هُوَ السَّميعُ العَليمُ عَشرَ مَرّاتٍ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ الغُروبِ ، فإن نَسيتَ قَضَيتَ كَما تَقضي الصّلاةَ إذا نَسيتَها . (2)

وعن محمّد بن عليّ عن أبي جميلة عن محمّد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :قل : أستَعيذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ ، وَأعوذُ بِاللّهِ أن يَحضُرونِ إنَّ اللّهَ هُوَ السَّميعُ العَليمُ ، وَقُل لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ ، يُحيي وَيُميتُ وَهُوَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . قال : فقال له: رجل مفروض هو ؟ قال : نَعَم مَفروضٌ مَحدودٌ تَقولُهُ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ الغُروبِ _ عشر مرّات _ فإن فاتَكَ شَيءٌ فَاقضِهِ مِنَ اللّيلِ وَالنَّهارِ . (3)

وعن إسماعيل بن مهران عن رجل عن إسحاق بن عمّار عن العلاء بن كامل قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام :

.


1- .الكافي : ج2 ص529 ح23 .
2- .الكافي : ج 2 ص 532 ح 31 ، بحار الأنوار : ج 86 ص 268 ح 38 .
3- .الكافي : ج 2 ص 533 ح 32 ، تفسير العيّاشي : ج 2 ص 45 ح 137 ، بحار الأنوار : ج 86 ص 262 ح 31 .

ص: 345

إنّ مِنَ الدُّعاءِ ما يَنبَغي لِصاحِبِهِ إذا نَسِيَهُ أن يَقضيهِ ، يَقولُ بَعدَ الغَداةِ : لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ ، يُحيي وَيُميتُ وَيُميتُ وَيُحيي ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَموتُ بِيَدِهِ الخَيرُ كُلُّهُ ، وَهُوَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ _ عشر مرّات _ . وَيَقولُ : أعوذُ بِاللّهِ السَّميعِ العَليمِ _ عَشرَ مَرّاتٍ _ فإذا نَسِيَ مِن ذلِكَ شَيئاً كانَ عَلَيهِ قَضاو . (1) وَآخِرُ دَعوانا : « سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ » .

.


1- .الكافي : ج2 ص533 ، ح 33 ، بحار الأنوار : ج 86 ص 284 .

ص: 346

. .

ص: 347

مكاتيب الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهماالسلام

اشاره

مكاتيب الإمام موسي بن جعفرٍ الكاظم

.

ص: 348

. .

ص: 349

المقدّمة

اشاره

المقدمةبسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين وصلّى اللّه على محمّد وآل محمّد واللعن على أعدائهم . بدأ نجم الأمويين بالاُفول عام 132 للهجرة . حين ذاك كان الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام يبلغ الخامسة من عمره الشّريف . وقد اتّقدت في نفوس النّاس جذوة من الأمل في أن يتصدّى لزعامة المسلمين من بإمكانه تبيين الإسلام الحقيقي . لكن سرعان ما تبدّد الأمل ، فخطب أبو جعفر الدوانيقي _ من العباسيّين _ بالنّاس في يوم عرفة من العام 137 للهجرة ، وبيّن في خطابه أهداف المستقبل ، وما على النّاس القيام به من أجل ذلك ، وقال : أيّها النّاس ، إنّ بكم داء هذا دواؤه ( مشيرا إلى السّيف ) ، وأنا زعيم لكم بشفائه ، فليَعتبر عبد قبل أن يُعتبر به . وضاعف من الظلم والاضطهاد خاصّة بحقّ العلويّين .

.

ص: 350

كان الإمام عليه السلام في العاشرة من عمره مازال ينهل من فيض علوم والده الإمام الصادق عليه السلام ومعارفه ، وقد أصبح بيته مركزا ومأوى لحلّ مشاكل المسلمين الّذين كانوا يقصدونه من قريب وبعيد ، وحتّى من أقاصي البلاد . تقلّد موسى بن جعفر عليه السلام الإمامة عام 148 للهجرة بعد شهادة الإمام الصادق عليه السلام ، فكان يبلغ العشرين وقد توفّرت فيه كافّة شروط الإمامة ، فأودعه أبوه هذه الأمانة الجسيمة . كان هارون الرّشيد يرى نفسه ولي أمر المسلمين ، وكان يتفاخر بقرابته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ويجعلها مبرّرا لاستيلائه على السّلطة . خاطب القبر الشّريف للرسول صلى الله عليه و آله يوما حين زيارته له على مرأى من النّاس وقال : السّلام عليك يا رسول اللّه ، السّلام عليك يا بن عمّ . دنى الإمام من القبر مبدّدا مكر هارون ، وقابل القبر وقال : السَّلامُ عَلَيكَ يا رَسولَ اللّهِ ، السَّلامُ عَليكَ يا أبَتِ . تغيّر لون هارون الرشيد حنقا وغضبا (1) وأمر بالقبض على موسى بن جعفر عليه السلام (2) ، ونقله من سجن إلى سجن معذّبا ، حتّى أمر بقتله نهاية المطاف . نظرا للظروف الزّمانية والمكانية الّتي عاشها الإمام الكاظم عليه السلام يجدر الالتفات إلى نقطتين : 1 _ كان من الضّروري إيجاد طريقة لاتّصال النّاس بالإمام . فكان من الصّعب الوصول إليه لما كان يعيشه من ظروف الإبعاد والحجز . وفي نفس الوقت كان

.


1- .راجع : الإرشاد : ج 2 ص 234 ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج 3 ص 434 .
2- .راجع : المناقب لابن شهر آشوب : ج 3 ص 434 .

ص: 351

زعيما وقائدا للمسلمين وعليه حلّ المشاكل ورفع الشّبهات ، فكانت المراسلة أحد الطرق التي اعتمدت للتواصل مع الإمام ، وكانت هذه المراسلات مستقيمة تارة وعن طريق وكلاء الإمام تارة اُخرى . يسعى هذا الكتاب لتبيين هذه المراسلات ، وقد جمعها في ثماني فصول ، وهي بشكل مجمل : الفصل الأوّل : في التّوحيد ، الفصل الثّاني : في الإمامة ، الفصل الثّالث : مكاتيب فقهية ، الفصل الرّابع : في المواعظ ، الفصل الخامس : في الدّعاء ، الفصل السّادس : في فضائل بعض الأصحاب ، الفصل السّابع : في وصاياه عليه السلام ، الفصل الثامّن : في اُمور شتّى . 2 _ كثرة استخدام لفظ « أبي الحسن » للإمام الكاظم عليه السلام وبعده ، أي اشتراك عدد من الأئمة في هذه الكنية والملابسات الّتي تحصل جراء ذلك ، تستدعي الانتباه وإيجاد قواعد من شأنها التّمييز في الأمر . مما يمكننا جعله قرينة لمعرفة المراد بأبي الحسن ، معرفة الرّاوي الّذي يرد اسمه قبل المعصوم ، وهذا ما أشرنا إليه . وقد جئنا بشرح مبسوط حول بعض من هؤلاء الأشخاص ، وإن كان من المفيد أيضا الإلتفات إلى القرائن التاريخية أو مضمون الروايات لرفع هذا الالتباس . وقد احتوى مكاتيب الكاظم عليه السلام على ثمانيّة فصول : أولاً : في التوحيد . ثانيا : في الإمامة . ثالثا : في المكاتيب الفقهية . رابعا : في المواعظ .

.

ص: 352

خامسا : في الدّعاء . سادسا : في فضائل بعض الأصحاب . سابعا : في وصاياه عليه السلام . ثامنا : في اُمور شتّى . وفي الختام ، نرجو من اللّه تعالى أن يوفّقنا للقيام ولو بخطوات متواضعة لإحياء ثقافة أهل البيت عليهم السلام الأصيلة . وما توفيقي إلاّ باللّه ، عليه توكّلت وإليه أنيب .

.

ص: 353

الفصل الأوّل : في التّوحيد

اشاره

الفصل الأوّل : في التّوحيد

.

ص: 354

. .

ص: 355

1 . كتابه عليه السلام إلى طاهر بن حاتم بن ماهوية معرفة الخالق

1كتابه عليه السلام إلى طاهر بن حاتم بن ماهويةمعرفة الخالقفي كتاب التّوحيد : أبي ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهماالله قالا : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، وأحمد بن إدريس جميعاً ، عن محمّد بن أحمد ، عن بعض أصحابنا ، عن محمّد بن عليّ الطّاحيّ (1) عن طاهر بن حاتم بن ماهويه 2 قال : كتبت إلى الطّيّب _ يعني أبا الحسن موسى _ عليه السلام : ما الّذي لا تجزئ معرفة الخالق بدونه ؟ فكتب :

.


1- .هو : أبو سمينة محمّد بن علي الكوفيّ الصّيرفيّ .

ص: 356

2 . كتابه عليه السلام إلى الكاهليّ ، علمه تعالى

لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَلَم يَزَل سَميعاً وعَليماً وَبَصيراً ، وَهُوَ الفَعَّالُ لِما يُريدُ . (1) وفي الكافي : عليّ بن محمّد عن سهل بن زياد عن طاهر بن حاتم في حال استقامته ، أنّه كتب إلى الرّجل : ما الّذي لا يُجتزأ في معرفة الخالق بدونه ؟ فكتب إليه : لَم يَزَل عَالِماً وَسامِعاً وَبَصيراً وَهُوَ الفَعَّالُ لِما يُريدُ . (2)

2كتابه عليه السلام إلى الكاهليّعلمه تعالىمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفّوان بن يحيى ، عن الكاهليّ 3 قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في دعاء : الحمد للّه منتهى علمه ، فكتب إليَّ : لا تَقولَنَّ مُنتَهى عِلمِهِ ، فَلَيسَ لِعِلمِهِ مُنتَهى وَلكِن قُل : مُنتَهى رِضاهُ . (3)

.


1- .التّوحيد : ص284 ح4 ، بحار الأنوار : ج3 ص269 ح5 نقلاً عنه.
2- .الكافي : ج1 ص86 ح2 .
3- .الكافي : ج1 ص107 ح3 ، التوحيد : ص134 ح2 ، تحف العقول : ص408 عن عبد اللّه بن يحيى ، بحار الأنوار : ج4 ص83 ح12 وج76 ص319 ح3.

ص: 357

3 . كتابه عليه السلام إلى فتح بن عبد اللّه النّهي عن التّشبيه والتّحديد

3كتابه عليه السلام إلى فتح بن عبد اللّهالنّهي عن التّشبيه والتّحديدرواه محمّد بن الحسين ، عن صالح بن حمزة ، عن فتح بن عبد اللّه مولى بني هاشم (1) قال : كتبت إلى أبي إبراهيم عليه السلام أسأله عن شيء من التّوحيد ، فكتب إليّ بخطّه :الحَمدُ للّهِِ المُلهِمِ عِبادَهُ حَمدَهُ _ وذكره مثل ما رواه سهل بن زياد إلى قوله _ : وَقَمَعَ وجودُهُ جَوائِلَ الأوهامِ _ ثمّ زاد فيه _ : أوَّلُ الدِّيانَةِ بِهِ مَعرِفَتُهُ ، وَكَمالُ مَعرِفَتِهِ تَوحيدُهُ وَكَمالُ تَوحيدِهِ نَفيُ الصِّفاتِ عَنهُ ، بِشَهادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أنَّها غَيرُ المَوصوفِ ، وَشَهادَةِ المَوصوفِ أنَّهُ غَيرُ الصِّفَةِ ، وَشَهادَتُهُما جَميعاً بِالتَّثنِيَةِ المُمتَنِعِ مِنهُ الأزَلُ (2) ، فمَن وَصَفَ اللّهَ فَقَد حَدَّهُ وَمَن حَدَّهُ فَقَد عَدَّهُ ، وَمَن عَدَّه فَقَد أبطَلَ أزَلَهُ ، وَمَن قالَ : كَيفَ ؟ فَقَدِ استَوصَفَهُ ، وَمَن قالَ : فيمَ ؟ فَقَد ضَمَّنَهُ ، وَمَن قالَ عَلامَ ؟ فَقَد جَهِلَهُ ، وَمَن قالَ : أينَ ؟ فَقَد أخلَى مِنهُ ، وَمَن قالَ ما هُوَ ؟ فَقَد نَعَتَهُ ، وَمَن قالَ : إلامَ ؟ فَقَد غاياهُ ، عالِمٌ إذ لا مَعلومَ ، وَخالِقٌ إذ لا مَخلوقَ ، وَرَبٌّ إذ لا مَربوبَ ، وَكَذلِكَ يُوصَفُ رَبُّنا ، وَفَوقَ ما يَصِفُهُ الواصِفونَ . (3)

وفي التّوحيد نقلاً عن الإمام الرّضا عليه السلام : حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقاق رحمه الله ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيّ ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيّ ، قال : حدّثني عليّ بن العبّاس ، قال : حدّثني

.


1- .لم نجد له ترجمة في المصادر التي بأيدينا .
2- .في هامش المصدر : «الممتنعة من الأزل» وهو الأنسب إلى المتن .
3- .الكافي : ج1 ص140 ح6 ، بحار الأنوار : ج57 ص166.

ص: 358

جعفر بن محمّد الأشعريّ ، عن فتح بن يزيد الجرجانيّ (1) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام أسأله عن شيء من التّوحيد . فكتب إليّ بخطّه _ قال جعفر : وإنّ فتحا أخرج إليّ الكتاب فقرأته بخطّ أبي الحسن عليه السلام _ :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحَمدُ للّهِِ المُلهِمِ عِبادَهُ الحَمدَ ، وفاطِرِهِم عَلى مَعرِفَةِ رُبوبِيَّتِهِ ، الدّالِ عَلى وجودِهِ بِخَلقِهِ ، وَبِحُدوثِ خَلقِهِ على أزَلِهِ ، وَبِأشباهِهِم على أن لا شِبهَ لَهُ ، المُستَشهِدِ آياتِهِ على قُدرَتِهِ ، المُمتَنِعِ مِنَ الصِّفاتِ ذاتُهُ ، وَمِنَ الأبصارِ رُؤيَتُهُ ، وَمِنَ الأوهامِ الإحاطَةُ بِهِ ، لا أمَدَ لِكَونِهِ ، وَلاغايَةَ لِبَقائِهِ ، لا يَشمُلُهُ المَشاعِرُ ، وَلا يَحجُبُهُ الحِجابُ فالحِجابُ بَينَهُ وَبَينَ خَلقِهِ ؛ لامتِناعِهِ مِمّا يُمكِنُ في ذَواتِهِم ، وَالإمكانِ ذَواتِهِم مِمّا يَمتَنِعُ مِنهُ ذاتُهُ ، ولافتِراقِ الصّانِعِ وَالمَصنوعِ ، وَالرّبِّ وَالمَربوبِ ، وَالحادِّ وَالمَحدودِ ، أحَدٌ لا بِتأويلِ عَدَدٍ ، الخالِقُ لا بِمَعنى حَرَكَةٍ ، السَّميعُ لا بِأداةٍ ، البَصيرُ لا بِتَفريقِ آلَةٍ ، الشّاهِدُ لابِمُماسَّةٍ ، البائِنُ لا بِبَراحِ مَسافَةٍ ، الباطِنُ لا باجتِنانٍ ، الظّاهِرُ لا بِمُحاذٍ ، الّذي قَد حُسِرَت دونَ كُنهِهِ نَواقِدُ الأبصارِ ، وَامتَنَعَ وُجودُهُ جَوائل (2) الأوهامِ . أوَلُّ الدِّيانَةِ مَعرِفَتُهُ ، وَكَمالُ المَعرِفَةِ تَوحيدُهُ ، وَكَمالُ التَّوحيدِ نَفيُ الصِّفاتِ عَنهُ ، لِشهادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أنَّها غَيرُ المَوصوفِ ، وَشَهادَةُ المَوصوفِ أنَّهُ غَيرُ الصِّفَةِ ، وشَهادَتُهُما جَميعاً على أنفُسِهِما بِالبَيِّنَةِ المُمتَنِعِ مِنها الأَزلُ ، فَمَن وَصَفَ اللّهَ فَقَد

.


1- .الفتح بن يزيد أبو عبد اللّه الجرجانيّ ، صاحب المسائل لأبي الحسن عليه السلام ، عدّه الشيخ من أصحاب الهادي عليه السلام ، وذكره ابن داوود في القسم الثاني وقال الرجل مجهول . (راجع رجال الطوسي : ص 390 الرقم 5741 ، رجال ابن داوود : ص 492 الرقم 377) .
2- .كذا في المصدر ، والصحيح : « عن جَوائِلِ الأوهام » .

ص: 359

حَدَّهُ ، وَمَن حَدَّهُ فَقَد عَدَّهُ ، وَمَن عَدَّهُ فَقَد أبطَلَ أزَلَهُ ، وَمَن قال : كَيفَ ؟ فَقَدِ استَوصَفَهُ ، وَمَن قالَ : عَلامَ ؟ فَقَد حَمَلَهُ ، وَمَن قالَ : أينَ ؟ فَقَد أخلى مِنهُ ، وَمَن قالَ : إلامَ ؟ فَقَد وَقَّتَهُ ، عالِمٌ إذ لا مَعلومَ ، وَخالِقٌ إذ لا مَخلوقَ ، وَرَبٌّ إذ لا مَربوبَ ، وَإلهٌ إذ لا مألوهَ ، وَكذلِكَ يُوصَفُ رَبُّنا ، وَهُوَ فَوقَ ما يَصِفُهُ الواصِفونَ . (1)

أقول : وذكر ما رواه سهل إشارة إلى الرّواية الّتي نقلها الكليني قبل هذه ، هي : عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن شباب الصّيرفيّ واسمه محمّد بن الوليد ، عن عليّ بن سيف بن عميرة ، قال : حدّثني إسماعيل بن قتيبة (2) ، قال : دخلت أنا وعيسى شلقان على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فابتدأنا فقال :عَجَبا لِأقوامٍ يَدَّعونَ على أميرِ المُونينَ عليه السلام ما لَم يَتَكَلَّم بِهِ قَطُّ ، خَطَبَ أميرُ المُونينَ عليه السلام النّاسَ بِالكوفَةِ فَقالَ : الحَمدُ للّهِ المُلهِمِ عِبادَهُ حَمدَهُ ، وَفاطِرِهِم على مَعرِفَةِ رُبوبِيَّتِهِ ، الدَّالِّ على وُجودِهِ بِخَلقِهِ ، وَبِحُدوثِ خَلقِهِ على أزلِهِ وَباشتِباهِهِم على أن لا شِبهَ لَهُ ، المُستَشهِدِ بِآياتِهِ على قُدرَتِهِ المُمتَنِعَةِ مِنَ الصِّفاتِ ذاتُهُ ، وَمِنَ الأبصارِ رُوتُهُ ، وَمِنَ الأوهامِ الإحاطَةُ بِهِ ، لا أمَدَ لِكَونِهِ ، وَلا غايَةَ لِبَقائِهِ ، لا تَشمُلُهُ المَشاعِرُ ، ولا تَحجُبُهُ الحُجُبُ ، وَالحِجابُ بَينَهُ وَبَينَ خَلقِهِ خَلقُهُ إيّاهُم ، لامتِناعِهِ مِمّا يُمكِنُ في ذَواتِهِم ، وَلإمكانِ مِمّا (3) يَمتَنِعُ مِنهُ ، وَلافتِراقِ الصَّانِعِ مِنَ المَصنوعِ ، وَالحادِّ مِنَ المَحدودِ ، وَالرَّبِّ مِنَ المَربوبِ ، الواحِدُ بِلا تأويلِ عَدَدٍ وَالخالِقُ لا بِمَعنى حَرَكَةٍ ، وَالبَصيرُ لا بِأداةٍ ، وَالسّميعُ لا بِتَفريقِ آلَةٍ ، وَالشّاهِدُ لا بِمُماسَّةٍ ، وَالباطِنُ لا بِاجتِنانٍ ، وَالظّاهِرُ البائِنُ لا بِتراخي مَسافَةٍ أزلُهُ نَهيُهُ

.


1- .التوحيد : ص56 ح14 ، بحار الأنوار : ج4 ص284 ح17 نقلاً عنه .
2- .إسماعيل بن قُتَيبة البصريّ ، مجهول ، عدّه من أصحاب الكاظم والرضا عليهماالسلام ، وروى عن أبي عبداللّه عليه السلام . (راجع : رجال الطوسي : ص 353 الرقم 5230 ، خلاصة الأقوال : ص 316 ، رجال ابن داوود : القسم الثاني ص 427 الرقم 58) .
3- .هكذا في المصدر ، وفي الروايات الاُخرى : « ولإمكان ذواتهم مما يمتنع منه ذاته » وهو الصحيح .

ص: 360

4 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن حكيم النّهي عن الصّفة بغير ما وصف به نفسه تعالى

لِمَجاوِلِ الأفكارِ ، وَدَوامُهُ رَدعٌ لِطامِحاتِ العُقولِ ، قَد حَسَرَ كُنهُهُ نَوافِذَ الأبصارِ ، وَقَمَعَ وُجودُهُ جَوائِلَ الأوهامِ . الحديث . (1)

4كتابه عليه السلام إلى محمّد بن حكيمالنّهي عن الصّفة بغير ما وصف به نفسه تعالىسهل عن محمّد بن عيسى ، عن إبراهيم ، عن محمّد بن حكيم 2 ، قال : كتب أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام إلى أبي : إنَّ اللّهَ أعلى وَأجَلَّ وَأعظَمَ مِن أن يُبلَغَ كُنهُ صِفَتِهِ ، فَصِفوهُ بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ وَكُفّوا عَمّا سِوى ذلِكَ . (2) وفي رجال الكشّي : عليّ بن محمّد ، قال : حدّثني محمّد بن موسى الهمدانيّ ، عن الحسن بن موسى الخشّاب ، عن غيره ، عن جعفر بن محمّد بن حكيم الخثعميّ ، قال : اجتمع هشام بن سالم ، وهشام بن الحكم ، وجميل بن درّاج ، وعبدالرّحمان بن الحجّاج،ومحمّد بن حمران ، وسعيد بن غزوان ، ونحو من خمسة عشر رجلاً من

.


1- .الكافي : ج1 ص140 ح5.
2- .الكافي : ج1 ص102 ح6 ؛ الفصول المهمة في اُصول الأئمّة : ص172 ح113.

ص: 361

5 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن الحكم ، الإيمان والكفر / الشّكّ

أصحابنا ، فسألوا هشام بن الحكم أن يناظر هشام بن سالم فيما اختلفوا فيه من التّوحيد ، وصفة اللّه عز و جل ، وغير ذلك ؛ لينظروا أيّهما أقوى حجّة . فرضي هشام بن سالم أن يتكلّم عند محمّد بن أبي عمير ، ورضي هشام بن الحكم أن يتكلّم عند محمّد بن هشام ، فتكالما وساق ما جرى بينهما . وقال ، قال عبد الرّحمان بن الحجّاج لهشام بن الحكم :كفرت واللّه باللّه العظيم وألحدت فيه ، ويحك ، ماقدرت أن تشبه بكلام ربّك إلاّ العود يضرب به ! قال جعفر بن محمّد بن حكيم ، فكتب إلى أبي الحسن موسى عليه السلام يحكي له مخاطبتهم وكلامهم ، ويسأله أن يُعلّمه ما القول الّذي ينبغي [ أن ] ندين اللّه به من صفه الجبّار ، فأجابه في عرض كتابه : فَهِمتُ رَحِمَكَ اللّهُ ، وَاعلَم رَحِمَكَ اللّهُ أنَّ اللّهَ أجَلُّ وَأعلى وَأعظَمُ مِن أن يُبلَغَ كُنهُ صِفَتِهِ ، فَصِفوهُ بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ ، وَكُفُّوا عَمّا سِوى ذلِكَ . (1)

5كتابه عليه السلام إلى الحسين بن الحكمالإيمان والكفر / الشّكّعليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحسين بن الحكم (2) قال : كتبت إلى العبد الصّالح عليه السلام اُخبره أنّي شاكٌّ ، وَقَد قالَ إبراهيمُ عليه السلام : « وَإِذْ قَالَ إِبْرَ اهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتَى » (3) وإنّي اُحبّ أن تريني شيئاً . فكتب عليه السلام :

.


1- .وراجع رجال الكشّي : ج2 ص564 ح500 ، بحار الأنوار : ج3 ص266 ح31.
2- .الحسين بن الحكم = الحسين بن الحكم النّخعيّ : روى الحسين عن العبد الصّالح عليه السلام ، وروى عنه يونس ، وروى عن أبي جعفر الثّاني عليه السلام ، وروى عنه محمّد بن سهل . ( راجع : معجم رجال الحديث : ج5 ص221 الرقم3367 و3368 ) .
3- .البقرة :260 .

ص: 362

6 . كتابه عليه السلام إلى هارون الرّشيد

إنَّ إبراهيمَ كانَ مُؤمِناً وأحَبَّ أن يَزدادَ إيماناً ، وَأنتَ شاكٌّ وَالشّاكُّ لا خَيرَ فيهِ . وَكَتَبَ: إنَّما الشَّكُ ما لَم يَأتِ اليَقينُ ، فَإذا جاءَ اليَقينُ لَم يَجُزِ الشَّكُّ . وكتب : إنّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : « وَمَا وَجَدْنَا لأَِكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ » (1) قالَ : نَزَلَت في الشَّاكِّ . (2)

6كتابه عليه السلام إلى هارون الرّشيدقال الرّشيد (3) : بحقّ آبائك لمّا اختصرت كلمات جامعة لمّا تجاريناه . فقال عليه السلام : نعم . واُتي بدواة وقرطاس فكتب :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ جَميعُ اُمورِ الأديانِ أربَعَةٌ : أمرٌ لا اختِلافَ فيهِ وَهُوَ إجماعُ الاُمَّةِ على الضَّرورَةِ الّتي يَضطَرّونَ إلَيها ، وَالأخبارِ المُجمَعِ عَلَيها ، وَهِيَ الغايَةُ المَعروضُ عَلَيها كُلُّ شُبهَةٍ ، وَالمُستَنبَطُ مِنها كُلُّ حادِثَةٍ ، وَهُوَ إجماعُ الاُمَّةِ . وَأمرٌ يَحتَمِلُ الشَّكَ وَالإنكارَ ، فَسَبيلُهُ استيضاحُ أهلِهِ لِمُنتَحِليهِ بِحُجَّةِ مِن كِتابِ اللّهِ مُجمَعٍ على تَأويلِها ، وَسُنَّةٍ مُجمَعٍ عَلَيها لا اختِلافَ فيها ، أو قياسٍ تَعرِفُ العُقولُ عَدلَهُ وَلا يَسَعُ خاصَّةَ الاُمَّةِ وَعامَّتَها الشَّكُّ فيهِ وَالإنكارُ لَهُ . وَهذانِ الأمرانِ مِن أمرِ التَّوحيدِ فَما دونَهُ ، وَأرشُ الخَدشِ فَما فَوقَهُ . فَهذا المَعروضُ الّذي يُعرَضُ عَلَيهِ أمرُ الدّينِ ، فَما ثَبَتَ لَكَ بُرهانُهُ اصطَفَيتَهُ وَما غَمَضَ

.


1- .الأعراف :102 .
2- .الكافي : ج2 ص399 ح1 ، قصص الأنبياء : ص132 ، بحار الأنوار : ج12 ص62 ح8.
3- .هو هارون العبّاسيّ .

ص: 363

عَلَيكَ صَوابُهُ نَفَيتَهُ . فَمَن أورَدَ واحِدَةً مِن هذهِ الثَّلاثِ فَهِيَ الحُجَّةُ البالِغَةُ الّتي بَيَّنَها اللّهُ في قَولِهِ لِنَبِيِّهِ : « قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ » (1) يَبلُغُ الحُجَّةَ البالِغَةَ الجاهِلُ فَيَعلَمُها بِجَهلِهِ كَما يَعلَمُهُ العالِمُ بِعلمِهِ ، لِأنَّ اللّهَ عَدلٌ لا يَجورُ ، يَحتَجُّ على خَلقِهِ بِما يَعلَمونَ ، وَيَدعوهُم إلى ما يَعرِفونَ ، لا إلى ما يَجهَلونَ وَيُنكِرونَ . (2)

وفي الاختصاص في حديث أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام : محمّد بن الحسن بن أحمد ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد بن محمّد بن إسماعيل العلويّ ، قال : حدّثني محمّد بن الزّبرقان الدّامغانيّ الشّيخ (3) ، قال : قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام :لمّا أمَرَهُم هارونُ الرَّشيدُ بِحَملي . . . فَقالَ : اُحِبُّ أن تَكتُبَ لي كَلاماً مُوجزاً لَهُ اُصولٌ وَفُروعٌ ، يُفهَمُ تَفسيرُهُ ، وَيَكونُ ذلِكَ سَماعَكَ مِن أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام ؟ فَقُلتُ : نَعَم . . . فَكَتَبتُ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ جَميعُ اُمورِ الدُّنيا أمرانِ : أمرٌ لا اختِلافَ فيهِ ، وَهُوَ إجماعُ الاُمَّةِ على الضَّرورَةِ الّتي يَضطَرّونَ إلَيها ، والأخبارِ (4) المُجمَعِ عَلَيها ، المَعروضِ عَلَيها كُلُّ شُبهَةٍ ، وَالمُستَنبَطِ مِنها على كُلِّ حادِثَةٍ .

.


1- .الأنعام :149 .
2- .تحف العقول : ص407 ، بحار الأنوار : ج10 ص243 ، وسائل الشيعة : ج27 ص103 ح33329 وفيه : «عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ، كان لأبي يوسف معه كلام في مجلس الرّشيد فقال الرّشيد _ بعد كلام طويل _ لموسى بن جعفر عليه السلام : بحقّ آبائك . . . » .
3- .روى عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ، وروى عنه محمّد بن أحمد بن محمّد بن إسماعيل العلويّ ، في حديث أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام مع هارون الرّشيد ، والرّواية طويلة ومشتملة على عدّة مسائل ، سأل عنها هارون والإمام عليه السلام أجابه وأفهمه . ( راجع : معجم رجال الحديث : ج16 ص85 الرّقم 10753 ).
4- .في المصدر : «وأخبار » ، والصّواب ما أثبتناه .

ص: 364

وَأمرٌ يَحتَمِلُ الشَّكَّ وَالإنكارَ ، وَسَبيلُهُ استيضاحُ أهلِ الحُجَّةِ عَلَيهِ ، فَما ثبَتَ لِمُنتَحليهِ مِن كِتابٍ مُستَجمَعٍ على تَأويلِهِ ، أو سُنَّةٍ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله لا اختِلافَ فيها ، أو قِياسٍ تَعرِفُ العُقولُ عَدلَهُ ، ضاقَ على مَنِ استَوضَحَ تِلكَ الحُجَّةِ رَدُّها ، وَوَجَبَ عَلَيهِ قَبولُها وَالإقرارُ وَالدِّيانَةُ بِها ، وَما لَم يَثبُت لِمُنتَحِليهِ بِهِ حُجَّةٌ مِن كِتابٍ مُستَجمَعٍ على تَأويلِهِ أو سُنَّةٍ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله ، لا اختِلافَ فيها ، أو قِياسٍ تَعرِفُ العُقولُ عَدلَهُ وَسِعَ خاصَّ الاُمَّةِ وَعامَّها الشَّكُّ فيهِ ، وَالإنكارُ لَهُ . كَذلِكَ هذانِ الأمرانِ مِن أمرِ التَّوحيدِ فَما دونَهُ إلى أرشِ الخَدشِ فَما دونه ، فَهذا المَعروضُ الّذي يُعرَضُ عَلَيهِ أمرُ الدّينِ ، فَما ثَبَتَ لَكَ بُرهانُهُ اصطَفَيتَهُ ، وَما غمَضَ عَنكَ ضَوؤهُ نَفَيتَهُ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ ، وَحَسبُنا اللّهُ وَنِعمَ الوَكيلُ . فَأخبَرتُ المُوكَّلَ بي أنِّي قَد فَرَغتُ مِن حاجَتِهِ ، فَأخبَرَهُ فَخَرَجَ وَعَرَضتُ عَلَيهِ فَقالَ : أحسَنتَ ، هُوَ كَلامٌ مُوجَزٌ جامِعٌ فَارفَع حَوائِجَكَ يا موسى . . . (1)

.


1- .الاختصاص : ص54 ، بحار الأنوار : ج2 ص239 .

ص: 365

الفصل الثّاني : في الإمامة

اشاره

الفصل الثّاني : في الإمامة

.

ص: 366

. .

ص: 367

ألف _ في النّص على الإمامة
7 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن المختار

ألف _ في النّص على الإمامة7كتابه عليه السلام إلى الحسين بن المختارأحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد اللّه بن المغيرة ، عن الحسين بن المختار 1 قال : خرج إلينا من أبي الحسن عليه السلام بالبصرة ألواح مكتوب فيها بالعرض : عَهدي إلى أكبَرِ وُلدي ، يُعطى فُلانٌ كَذا وَفُلانٌ كَذا ، وَفُلانٌ كَذا ، وَفُلانٌ لا يُعطى حَتّى أجيءَ أو يَقضِيَ اللّهُ عز و جل عَلَيَّ الموتَ ، إنَّ اللّهَ يَفعَلُ ما يَشاءُ . (1)

.


1- .الكافي : ج1 ص313 ح9.

ص: 368

8 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن يقطين

وفي رواية اُخرى : أحمد بن مهران ، عن محمّد بن عليّ ، عن محمّد بن سنان وعليّ بن الحكم جميعاً ، عن الحسين بن المختار ، قال : خرجت إلينا ألواح من أبي الحسن عليه السلام _ وهو في الحبس _ : عَهدي إلى أكبَرِ وُلدي أن يَفعَلَ كَذا ، وَأن يَفعَلَ كَذا ، وَفُلانٌ لا تُنِلهُ شَيئاً حَتّى ألقاكَ ، أو يَقضِيَ اللّهُ عَلَيَّ المَوتَ . (1)

8كتابه عليه السلام إلى عليّ بن يقطينأحمدُ بنُ مِهران ، عن محمّد بن عليّ ، عن ابن محرز ، عن عليّ بن يقطين 2 ،

.


1- .الكافي :ج1 ص312 ح8 ،الإرشاد :ج2 ص250 ،الغيبة للطّوسي :ص37 ح13 ،بحار الأنوار :ج49ص24 ح37 .

ص: 369

عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : كتب إليّ من الحبس : إنَّ فُلاناً ابني سَيِّدُ وُلدي ، وَقَد نَحَلتُهُ كُنيَتي . (1)

.


1- .الكافي : ج1 ص313 ح10.

ص: 370

9 . وصيّته عليه السلام إلى ابنه عليه السلام

وفي رواية اُخرى : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن الحسين بن نُعيم الصّحّاف قال : كنت أنا وهشام بن الحكم وعليّ بن يقطين ببغداد ، فقال عليُّ بن يقطين : كنت عند العبد الصّالح جالساً ، فدخل عليه ابنه عليّ فقال لي : يا عليُّ بنَ يَقطين ؛ هذا عَلِيٌّ سَيِّدُ وُلدي ، أما إنّي قَد نَحَلتُهُ كُنيَتي . فضرب هشام بن الحكم براحته جبهته ثمّ قال : وَيحَكَ كَيفَ قُلتَ ؟ فقال عليّ بن يقطين : سَمِعتُ وَاللّهِ مِنهُ كَما قُلتُ . فَقالَ هشامُ : أخبَرَكَ أنّ الأمرَ فيهِ من بَعدِهِ . أحمدُ بن مهران ، عن محمّد بن عليّ ، عن الحسين بن نُعيم الصّحّاف (1) ، قال : كنتُ عِندَ العَبدِ الصّالِحِ ، وَفي نسخة : الصّفوانيّ قال : كُنتُ أنا _ ثمّ ذكر مثله _ . (2)

9وصيّته عليه السلام إلى ابنه عليه السلاممحمّد بن عليّ ماجيلويه ، قال : حدّثنا عمّي محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي الكوفيّ ، عن محمّد بن الخلف ، عن يونس بن عبد الرّحمان ، عن أسد بن أبي العلا ، عن عبد الصّمد بن بشير ، وخلف بن حمّاد ، عن عبدالرّحمان بن الحجَّاج (3) ، قال : أوصى أبو الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام إلى ابنه

.


1- .الحسين بن نُعَيْم الصّحّاف الكوفيّ ، مولى بني أسد ، ثقة ، وأخواه : عليّ ومحمّد ، رووا عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، له كتاب . (راجع رجال النجاشي : ج1 ص164 الرقم119 ، الفهرست : ص110 الرقم 216 ، رجال الطوسي : ص 183 الرقم 2208) .
2- .الكافي : ج 1 ص 311 ح 1.
3- .راجع الكتاب : الثّاني والتّسعون .

ص: 371

10 . كتابه عليه السلام إلى ابنه عليه السلام
11 . كتابه عليه السلام إلى ابني أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام

عليّ عليه السلام ، وكتب له كتاباً أشهد فيه ستّين رَجُلاً من وجوه أهل المدينة . (1)

10كتابه عليه السلام إلى ابنه عليه السلامسعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد اللّه بن مرحوم 2 ، قال : خرجت من البصره اُريد المدينة ، فلمّا صرت في بعض الطّريق لقيت أبا إبراهيم عليه السلام وهو يذهب به إلى البصرة ، فأرسل إليّ فدخلت عليه فدفع إليّ كُتباً ، وأمرني أن أوصلها بالمدينة ، فقلت : إلى من أدفعها جعلت فداك ؟ قال : إلى ابني عَلِيٍّ ؛ فإنّه وَصِيّي ، وَالقَيِّمُ بِأمري ، وَخَيرُ بَنِيَّ . (2)

11كتابه عليه السلام إلى ابني أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلامحدّثنا المظفّر بن جعفر العلويّ السّمرقنديّ رضى الله عنه ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود العياشيّ ، عن أبيه ، قال : حدّثنا يوسف بن السّخت ، عن

.


1- .عيون أخبار الرضا : ج1 ص38 ح3 ، بحار الأنوار : ج97 ص17 ح15 نقلاً عنه .
2- .عيون أخبار الرضا : ج1ص27 ح13 ، بحار الأنوار : ج49 ص16.

ص: 372

عليّ بن القاسم العريضيّ الحسينيّ ، عن صفوان بن يحيى ،عن عبد الرّحمان بن الحجّاج ، عن إسحاق 1 وعليّ 2 ابني أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام : أنّهما دخلا على عبد الرّحمن بن أسلم بمكّة في السّنة الّتي (1) أخذ فيها موسى بن جعفر عليهماالسلامومعهما كتاب أبي الحسن عليه السلام بخطّه ، فيه حوائج قد أمر بها فقالا : أمر بهذه الحوائج من هذا الوجه فإن كان من أمره شيءفادفعه إلى ابنه عليّ عليه السلام فإنّه خليفته ،والقيّم بأمره ، وكان هذا بعد النّفر بيوم بعد ما أخذ أبو الحسن عليه السلام بنحو من خمسين يوماً ، وأشهد إسحاق وعليّا ابني (2) أبي عبد اللّه عليه السلام ، والحسين بن أحمد المنقريّ ، وإسماعيل بن عمر ، وحسّان بن معاوية ، والحسين بن محمّد صاحب الختم على شهادتهما : أنّ أبا الحسن عليّ بن موسى عليهماالسلام وصيُّ أبيه عليه السلام وخليفته ، فشهد اثنان بهذه الشّهادة .

.


1- .في المصدر : « الذي » ، والصواب ما أثبتناه .
2- .في المصدر : « وعليّ إبنا » ، والصواب ما أثبتناه ، وهو مقتضى الإعراب .

ص: 373

12 . كتابه عليه السلام إلى يحيى بن عبد اللّه بن الحسن ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة

واثنان قالا خليفته ووكيله ، فقُبلت شهادتهم عند حفص بن غياث القاضي . (1)

12كتابه عليه السلام إلى يحيى بن عبد اللّه بن الحسنما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامةعبد اللّه بن إبراهيم الجعفري قال : كتب يحيى بن عبد اللّه بن الحسن 2 إلى

.


1- .عيون أخبار الرضا : ج1 ص38 ح3 ، بحار الأنوار : ج49 ص38 ح3.

ص: 374

موسى بن جعفر عليه السلام : أمّا بعد فإنّي اُوصي نفسي بِتَقوى اللّهِ وَبِها اُوصيكَ ، فَإِنَّها وصيّة اللّه في الأوّلين ، ووصيّته في الآخرين ، خبّرني من ورد عليَّ من أعوان اللّه على دينه ونشر طاعته بما كان من تحنّنك مع خذلانك ، وقد شاورت في الدّعوة للرّضا من آل محمّد صلى الله عليه و آله ، وقد احتجبتها واحتجبها أبوك من قبلك ، وقديماً ادّعيتم ما ليس لكم ، وبسطتم آمالكم إلى ما لم يُعطكم اللّه ، فاستهويتم وأضللتم ، وأنا محذّرك ما حذّرك اللّه من نفسه . فكتب إليه أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : مِن موسى بنِ أبي عَبدِ اللّهِ جَعفَرٍ وَعَلِيٍّ مُشتَرِكَينِ في التَّذَلُلِ للّهِِ وطاعَتِهِ إلى يَحيى بنِ عَبدِ اللّهِ بن حَسَنٍ ، أمّا بعد ؛ فَإنّي اُحَذِّرُكَ اللّهَ وَنَفسي ، واُعلِمُكَ أليمَ عَذابِهِ وَشَديدَ عِقابِهِ وَتَكامُلَ نَقِماتِهِ ، واُوصيكَ وَنَفسي بِتَقوى اللّهِ ؛ فَإنَّها زَينُ الكَلامِ وَتَثبيتُ النِّعَمِ ، أتاني كِتابُكَ تَذكُرُ فيهِ أنِّي مُدَّعٍ وَأَبي مِن قَبلُ ، وَما سَمِعتَ ذلِكَ مِنِّي ، وَسَتُكتَبُ شَهادَتُهُم وَيُسألونَ . وَلَم يَدع حِرصُ الدُّنيا وَمَطالِبِها لِأَهلِها مَطلَبا لاِخِرَتِهِم حَتّى يُفسِدَ عَلَيهِم مَطلَبَ آخِرَتِهِم في دُنياهُم ، وَذَكَرتَ أنّي ثَبّطتُ النّاسَ عَنكَ لِرَغبَتي فيما في يَدَيكَ ، وَما مَنَعَني مِن مُدخَلِكَ الّذي أنتَ فيهِ _ لَو كُنتُ راغِباً _ ضَعفٌ عَن سُنَّةٍ وَلا قِلَّةُ بَصيرَةٍ بِحُجَّةٍ ، وَلكِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى خَلَقَ النّاسَ أمشاجاً وَغرائِبَ وَغَرائِزَ ، فَأخبِرني عَن حَرفَينِ أسألُكَ عَنهُما : ما العترفُ في بَدَنِكَ ؟ وَما الصَّهلَجُ (1) في الإنسانِ؟ ثُمَّ اكتُب إلَيَّ بِخَبَرِ ذلِكَ وَأنا مُتَقَدِّمٌ إلَيكَ اُحذِّرُكَ مَعصِيَةَ الخَليفَةِ وَأحثُّكَ على بِرِّهِ وَطاعَتِهِ ، وَأن تَطلُبَ لِنَفسِكَ أماناً قَبلَ أن تَأخُذَكَ الأظفارُ وَيَلزَمُكَ الخِناقُ مِن كُلِّ مَكانٍ ، فَتَروحُ إلى النَّفَسِ مِن كُلِّ مَكانٍ وَلا تَجِدُهُ حَتّى يَمُنَّ اللّهُ عَليكَ بِمَنِّهِ وَفَضلِهِ وَرِقَّةِ الخَليفَةِ أبقاهُ اللّهُ ، فَيُونُكَ وَيَرحَمُكَ وَيحفَظُ فيكَ

.


1- .العترف والصهلج : كأنّهما عضوان غير معروفين عند الأطبّاء ، ولعلّ السؤال عنهما من باب التعجيز .

ص: 375

ب _ في دلالات الكاظم وخوارق عاداته عليه السلام
13 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عبد الحميد

أرحامَ رَسولِ اللّهِ وَالسَّلامُ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدى ، إنّا قَد اُوحِيَ إلَينا أنَّ العَذابَ على مَن كَذَّبَ وَتَوَلّى . قالَ الجَعفَريُّ : فَبَلَغَني أنَّ كِتابَ موسى بنَ جَعفَرٍ عليه السلام وَقَعَ في يَدَي هارونَ ، فَلَمّا قَرَأهُ قالَ : النّاسُ يَحمِلوني على موسى بنِ جَعفَرٍ وَهُوَ بَريءٌ مِمّا يُرمى بِهِ . (1)

ب _ في دلالات الكاظم وخوارق عاداته عليه السلام13كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عبد الحميدالحسن بن عليّ بن النّعمان ، عن عثمان بن عيسى ، عن إبراهيم بن عبدالحميد قال : كتب إليّ أبو الحسن _ قال عثمان بن عيسى (2) : وكنت حاضراً بالمدينة _ : تَحَوَّل عَن مَنزِلِكَ . فاغتم بذلك ، وكان منزله منزلاً وسطاً بين المسجد والسّوق ، فلم يتحوّل . فعاد إليه الرّسول : تحوّل عن منزلك ، فبقي . ثمّ عاد إليه الثّالثة : تحوّل عن منزلك ، فذهب وطلب منزلاً ، وكنت في المسجد ولم يجئ إلى المسجد إلاّ عتمة . فقلت له : ما خلفك ؟ فقال : ما تدري ما أصابني اليوم ؟ قلت : لا . قال : ذهبت أستقي الماء من البئر لأتوضّأ ، فخرج الدّلو مملوءاً خرءاً ، وقد عجنّا وخبزنا بذلك الماء ، فطرحنا خبزنا وغسلنا ثيابنا ، فشغلني عن المجيء ، ونقلت متاعي إلى المنزل الّذي اكتريته ، فليس بالمنزل إلاّ الجارية ، السّاعة أنصرف وآخذ بيدها . فقلت : بارك اللّه لك ، ثمّ افترقنا ، فلمّا كان سحر تلك اللّيلة خرجنا إلى المسجد فجاء فقال : ما ترون ما حدث في هذه اللّيلة؟ قلت : لا . قال :

.


1- .الكافي : ج1 ص366 ح19 ، بحار الأنوار : ج48 ص165.
2- .راجع الكتاب : السّادس والخمسون .

ص: 376

14 . رواية عليّ بن أبي حمزة

سقط واللّه منزلي السّفلي والعلوي . (1) وفي دلائل الإمامة : محمّد بن أبي عمير ، عن عثمان بن عيسى ، عن إبراهيم بن عبد الحميد (2) ، قال : أرسل إليّ أبو الحسن عليه السلام أن : تَحَوَّل عَن مَنزِلِكَ . فشقّ ذلك عليّ ، فقلت : نعم . ولم أتحوّل فأرسل إليّ : تَحَوَّل . فطلبت منزلاً فلم أجد ، وكان منزلي موافقاً لي ، فأرسل إليَّ الثّالثة أن : تَحَوَّلَ عَن مَنزِلِكَ . قال عثمان : فقلت : لا واللّه ، لا أدخل عليك هذا المنزل أبداً . قال : فلمّا كان بعد يومين عند العشاء إذا أنا بإبراهيم قد جاء ، فقال : ما تدري ما لقيت اليوم ؟ فقلت : وما ذاك ؟ قال : ذهبت استقي ماءً من البئر ، فخرج الدّلو ملآن عذرة ، وقد عجنّا من البئر ، فطرحنا العجين ، وغسلنا ثيابنا ، فلم أخرج منذ اليوم ، وقد تحوّلت إلى المنزل الّذي اكتريت . فقلت له : وأنت أيضاً تتحوّل . وقلت له : إذا كان غدا _ إن شاء اللّه _ حين ننصرف من الغداة نذهب إلى منزلك ، فندعو لك بالبركة . فلمّا خرجت من المنزل سحراً ، فإذا إبراهيم عند القبر ، فقال : تدري ما كان اللّيلة ؟ فقلت : لا واللّه . فقال : سقط منزلي العلو والسّفل . (3)

14رواية عليّ بن أبي حمزةعليّ بن أبي حمزة 4 قال : كنت معتكفاً في مسجد الكوفة إذ جاءني أبو جعفر

.


1- .قرب الإسناد : ص337 ح1241 ، بحار الأنوار : ج48 ص45 ح46.
2- .راجع الكتاب : الأربعون .
3- .دلائل الإمامة : ص326 ح280 .

ص: 377

. .

ص: 378

الأحول 1 بكتاب مختوم من أبي الحسن عليه السلام فقرأت كتابه فإذا فيه :

.

ص: 379

إذا قَرَأتَ كِتابِيَ الصَّغيرَ الّذي في جَوفِ كِتابِيَ المَختومِ فَاحرُزهُ حَتّى أطلُبَهُ مِنكَ . فأخذ عليّ الكتاب فأدخله بيت بزّه في صندوق مقفّل ، في جوف قمطر ، في جوف حقّ ، مقفّل ، وباب البيت مقفّل ومفاتيح هذه الأقفال في حجرته ، فإذا كان اللّيل فهي تحت رأسه وليس يدخل بيت البزّ غيره ، فلمّا حضر الموسم خرج إلى مكّة وأفاد بجميع ما كتب إليه من حوائجه ، فلمّا دخل عليه قال له العبد الصّالح : يا عليّ ؛ ما فعلت بالكتاب الصّغير الّذي كتبت إليك فيه أن احتفظ به فحكيته ، قال : إذا نظرت إلى الكتاب أليس تعرفه قلت : بلى ، قال : فرفع مصلّى تحته فإذا هو قد أخرجه إليّ ، فقال : احتفظ به ، فلو تعلم ما فيه لضاق صدرك ، قال : فرجعت إلى الكوفة والكتاب معي فأخرجته من دروز جيبي عند إبطي ، فكان الكتاب حياة عليّ في جيبه فلمّا مات عليّ قال محمّد وحسن ابناه : فلم يكن لنا همّ إلاّ الكتاب

.

ص: 380

ففقدناه ، فعلمنا إنّ الكتاب قد صار إليه . (1) وفي دلائل الإمامة : روى أبو حمزة ، عن أبيه ، قال : كنت في مسجد الكوفة معتكفاً في شهر رمضان ، في العشر الأواخر ، إذ جاءني حبيب الأحوال بكتاب مختوم من أبي الحسن عليه السلام قدر أربع أصابع ، فقرأته ، فكان في كتابه : إذا قَرَأتَ الكِتابَ الصَّغيرَ المَختومَ ، الّذي في جَوفِ كِتابِكَ ، فَاحرُزهُ حتّى أطلُبَهُ مِنكَ . قال : فأخذت الكتاب وأدخلته بيت بزي (2) ، فجعلته في جوف صندوق مقفل ، في جوف قمطر (3) مقفل ، وبيت البُزّ مقفل ، ومفاتيحُ هذه الأقفال في حجرتي ، فإذا كان اللّيل فهي تحت رأسي ، وليس يدخل بيت بُزّي أحد غيري . فلمّا حضر الموسم خرجت إلى مكّة ومعي جميع ما كتب لي من حوائجه ، فلمّا دخلت عليه قال : يا عليّ ، ما فعل الكتاب الصّغير الّذي كتبت إليك ، وقلت احتفظ به قلت : جعلت فداك ، عندي . قال : أين ؟ قلت : في بيت بُزّي ، قد أحرزته ، والبيت لا يدخله غيري . قال : يا عليّ ، إذا نظرت إليه أليس تعرفه ؟ قلت : بلى ، واللّه ، لو كان بين ألف كتاب لأخرجته . فرفع مصلّىً تحته فأخرجه إليّ ، فقال : قلت : إنّ في البيت صندوق ، في جوف قمطر مقفل ، وفي جوف القمطر حُقّ مقفل ، وهذه المفاتيح معي في حُجرتي بالنّهار ، وتحت رأسي باللّيل . ثمّ قال : يا عليّ ، احتفظ به ، فلو تعلم ما فيه لضاق ذرعك . قلت : قد وصفت لك ، فما أغنى إحرازي . قال عليّ : فرجعت إلى الكوفة والكتاب معي محتفظ به في جُبّتي . فكان الكتاب مدّة حياة عليّ في جُبّته ، فلمّا مات جئت أنا ومحمّد ، فلم يكن لنا هم إلاّ الكتاب ،

.


1- .المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص304 ، بحار الأنوار : ج48 ص79.
2- .أي ثيابي ( لسان العرب : بزز _ ج5 ص311 ).
3- .هو ما تصان فيه الكتب ( لسان العرب _ قمطر _ ج5 ص117 ).

ص: 381

15 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن يقطين

ففتقنا الجُبّة موقع الكتاب ، فلم نجده ، فعلمنا بعقولنا أنّ الكتاب قد صار إليه كما صار في المرّة الاُولى . (1)

15كتابه عليه السلام إلى عليّ بن يقطينروى محمّد بن إسماعيل ، عن محمّد بن الفضل 2 قال : إختلفت الرّواية من بين أصحابنا في مسح الرّجلين في الوضوء ، أهو من الأصابع إلى الكعبين ، أم من الكعبين إلى الأصابع ؟ فكتب عليّ بن يقطين إلى أبي الحسن موسى عليه السلام : جعلت فداك ، إنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرّجلين ، فإن رأيت أن تكتب إليّ بخطّك ما يكون عملي بحسبه ، فعلت إن شاء اللّه . فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام : فَهِمتُ ما ذَكَرتَ مِن الاختِلافِ في الوضوءِ ، وَالّذي آمُرُكَ بِهِ في ذلِكَ أن تَتَمَضمَضَ ثَلاثاً ، وَتَستَنشِقَ ثَلاثاً ، وَتَغسِلَ وَجهَكَ ثَلاثاً ، وَتُخلِّلَ شَعرَ لِحيَتِكَ وَتَغسِلَ يَدَكَ إلى المِرفَقَينِ ثَلاثاً وَتَمسَحَ رَأسَكَ كُلَّهُ ، وَتَمسَحَ ظاهِرَ اُذُنَيكَ وَباطِنَهُما ، وَتَغسِلَ رِجلَيكَ إلى الكَعبَينِ ثَلاثاً ، وَلا تُخالِف ذلِكَ إلى غَيرِهِ .

.


1- .دلائل الإمامة : ص341 ح300 .

ص: 382

فلمّا وصل الكتاب إلى عليّ بن يقطين ، تعجّب ممّا رسم له فيه ممّا جميع العصابة على خلافه، ثمّ قال :مولاي أعلم بما قال ،وأنا ممتثل أمره ، فكان يعمل في وضوئه على هذا الحدّ ،ويخالف ما عليه جميع الشيعة ، امتثالاً لأمر أبي الحسن عليه السلام . وسُعي بعليّ بن يقطين إلى الرّشيد وقيل له : إنّه رافضيّ مخالف لك ، فقال الرّشيد لبعض خاصّته : قد كثر عندي القول في عليّ بن يقطين ، والقرف (1) له بخلافنا ، وميله إلى الرّفض ، ولست أرى في خدمته لي تقصيراً ، وقد امتحنته مراراً ، فما ظهرت منه على ما يقرف به ، واُحبّ أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيتحرّز منّي . فقيل له : إنّ الرّافضة _ يا أمير المؤمنين _ تخالف الجماعة في الوضوء فتُخفّفه ، ولا ترى غسل الرّجلين ، فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه . فقال : أجل ، إنّ هذا الوجه يظهر به أمره . ثمّ تركه مدّة وناطه بشيء من الشُّغل في الدّار حتّى دخل وقت الصّلاة ، وكان عليّ بن يقطين يخلو في حجرة في الدّار لوضوئه وصلاته ،فلمّا دخل وقت الصّلاة وقف الرّشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى عليّ بن يقطين ولايراه هو ، فدعا بالماء للوضوء، فتمضمض ثلاثاً،واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه، وخلل شعر لحيته، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ، ومسح رأسه واُذنيه ، وغسل رجليه ، والرّشيد ينظر إليه ، فلمّا رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ، ثمّ ناداه : كذب _ يا عليّ بن يقطين _ من زعم أنّك من الرّافضة . وصلحت حاله عنده . وورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السلام : ابتَدِئ مِنَ الآنَ يا عَلِيُّ بنُ يَقطينٍ ، تَوَضَّأ كَما أمَرَ اللّهُ ، اغسِل وَجهَكَ مَرَّةً فَريضَةً واُخرى إسباغاً ، وَاغسِل يَدَيكَ مِنَ المِرفَقينِ كَذلِكَ ، وَامسَح بِمُقدَّمِ رَأسِكَ وَظاهِرِ قَدَمَيكَ مِن فَضلِ نَداوَةِ وضوئِكَ ، فَقَد زالَ ما كانَ يُخافُ عَلَيكَ ، والسَّلامُ . (2)

.


1- .القرف : الاتهام . ( الصحاح : ج4 ص1415 ) .
2- .الإرشاد : ج2 ص227 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص288 ، كشف الغمّة : ج2 ص225 ، بحار الأنوار : ج48 ص38 وص136 وص203 وج80 ص270 ، وسائل الشيعة : ج1 ص444 ح1173.

ص: 383

وفي رجال الكشّي : محمّد بن مسعود ، قال : حدّثني أبو عبد اللّه الحسين بن أشكيب ، قال : أخبرنا بكر بن صالح الرّازيّ ، عن إسماعيل بن عبّاد القصريّ قصر بن هبيرة ، عن إسماعيل بن سلام (1) ، وفلان بن حميد (2) ، قالا ، بعث إلينا عليّ بن يقطين ، فقال : اشتريا راحلتين وتجنّبا الطّريق ، ودفع إلينا مالاً وكتباً حتّى توصلا ما معكما من المال والكتب إلى أبي الحسن موسى عليه السلام ولا يعلم بكما أحد . قالا : فأتينا الكوفة فاشترينا راحلتين وتزوّدنا زاداً وخرجنا نتجنَّبُ الطّريق حتّى إذا صرنا ببطن الرّمة شددنا راحلتنا ، ووضعنا لهما العلف وقعدنا نأكل ، فبينا نحن كذلك إذا راكب قد أقبل ومعه شاكريٌّ . فلمّا قرب منّا فإذا هو أبو الحسن موسى عليه السلام ، فقمنا إليه وسلّمنا عليه ودفعنا إليه الكتب وما كان معنا فأخرج من كمّه كتباً فناولنا إيّاها ، فقال : هَذِهِ جَواباتُ كُتُبِكُم . قال ، قلنا : إنّ زادنا قد فنى ، فلو أذنت لنا فدخلنا المدينة ، فزرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتزودنا زاداً فقال : هاتا ما مَعَكُما مِنَ الزّادِ فأخرجنا الزّاد إليه فقلّبه بيده ، فقال : هذا يُبَلِّغُكُما إلَى الكوفَةِ ، وَأمَّا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقَد رَأيتُماهُ ، إنّي صَلَّيتُ مَعَهُم الفَجرَ ، وَأنا اُريدُ أن اُصَلِّيَ مَعَهُم الظُّهرَ ، انصَرِفا في حِفظِ اللّهِ . (3) وفي كشف الغمّة : إنّ إسماعيل بن سالم (4) قال : بعث إليَّ عليّ بن يقطين ،

.


1- .إسماعيل بن سلام (سالم ) : روى معجزة عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، وروى عنه إسماعيل بن عبّاد القصريّ ، ذكره الكشّي ، في ترجمة عليّ بن يقطين وإخوته . (راجع : معجم رجال الحديث : ج3 ص138 الرّقم 1344 والرّقم 1338 ) .
2- .فلان بن حميد : روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام . وروى عنه ابن مياح . (الكافي : ج6 ص18 ح5 وراجع : معجم رجال الحديث : ج13 ص343 الرّقم 9447 ).
3- .رجال الكشّي : ج2 ص735 ح821 ، بحار الأنوار : ج48 ص34 ح5 نقلاً عنه.
4- .عدّه البرقي من أصحاب الصّادق عليه السلام ، روى عنه ابن أبي عمير . (رجال البرقي : ص 28 ، معجم رجال الحديث : ج 3 ص 142 الرقم 1347) .

ص: 384

16 . رواية عبد الرّحمان بن الحجّاج
17 . رواية شهاب بن عبد ربّه

وإسماعيل بن أحمد (1) فقالا لي : خذ هذه الدّنانير فائت الكوفة فألق فلاناً فاستصحبه ، واشتريا راحلتين وامضيا بالكتب وما معكما من مال ، فادفعاه إلى موسى بن جعفر عليهماالسلام ، فسرنا حتّى إذا كنّا ببطن الرّملة وقد اشترينا علفاً ووضعناه بين الرّاحلتين وجلسنا نأكل فبينما نحن كذلك إذ طلع علينا موسى بن جعفر على بغلة له ، أو بغل ، وخلفه شاكري فلمّا رأيناه وثبنا له وسلّمنا عليه . فقال : هاتا ما مَعَكُما فأخرجناه ودفعناه إليه ، وأخرجنا الكتب ودفعناها إليه ، فأخرج كتبا من كُمِّهِ ، فقالَ : هذهِ جَواباتُ كُتُبِكُم فَانصَرِفوا في حِفظِ اللّهِ تَعالى . (2)

16رواية عبد الرّحمان بن الحجّاجروي عن عبد الرّحمان بن الحجّاج (3) قال : استقرض أبو الحسن الأوّل عليه السلام من شهاب بن عبد ربه مالاً ، وكتب كتاباً ووضعه على يدي ، وقال : إن حَدَثَ حَدَثٌ فَخَرِّقهُ . قال عبد الرّحمان : فخرجت إلى مكّة فلقيني أبو الحسن عليه السلام ولم يقل لي شيئاً ثمّ أرسل إليّ بمنى فقال : خَرِّقِ الكِتابَ . ففعلت ، وقدمت الكوفة فسألت عن شهاب فإذا هو قد مات في الوقت الّذي أرسل إليّ أن خرّق الكتاب . (4)

17رواية شهاب بن عبد ربّهمعاوية بن حكيم عن جعفر بن محمّد بن يونس عن عبد الرّحمان بن

.


1- .لم نجد له ترجمة في المصادر التي بأيدينا .
2- .كشف الغمّة : ج3 ص39 ، بحار الأنوار : ج48 ص32 و43 .
3- .راجع الكتاب : الثّاني والتّسعون .
4- .الخرائج والجرائح : ج2 ص716 ح15 ، الثاقب في المناقب : ص435 ح370.

ص: 385

18 . رواية أحمد بن عمر الحلاّل

الحجّاج قال : استقرض أبو الحسن عليه السلام عن شهاب بن عبد ربّه (1) قال : وكتب كتاباً ، ووضع على يدي عبدالرّحمان بن الحجّاج ، قال : إن حدث بي حدثة قال عبدالرّحمان : فخرجت من مكّة فلقيني أبو الحسن ، فأرسل إليّ بمنى فقال لي : يا عَبدَ اللّهِ خَرِّقِ الكِتابَ . قال : ففعلت وقدمت الكوفة فسألت عن شهاب ، فإذا هو قد مات في وقت لم يكن فيه بعث الكتاب . (2)

18رواية أحمد بن عمر الحلاّلأحمد بن عمر الحلاّل 3 قال : سمعت الأخرس يذكر موسى بن جعفر عليه السلام بسوء ، فاشتريت سكّيناً وقلت في نفسي : واللّه لأقتلنّه إذا خرج من المسجد ، فأقمت على ذلك فما شعرت إلاّ برقعة أبي الحسن عليه السلام قد طلعت عليّ فيها : بِحَقّي عَلَيكَ لَمّا كَفَفتَ عَنِ الأخرَسِ فإنَّ اللّهَ ثِقَتي وَهُوَ حَسبي .

.


1- .شهاب بن عبد ربّه ابن ميمونة ، مولى بني نصر بن قعين من بني أسد ، كوفيّ ، روى عن أبي عبد اللّه وأبي جعفر عليهماالسلام ، وكان موسرا ذا حال ، خير ، فاضل . ( راجع : رجال الطوسي : ص 195 الرقم 2447 و ص 224 الرقم 3012 ، الفهرست : ص 145 الرقم 355 ، رجال الكشي : ج 2 ص 712 ، خلاصة الأقوال : ص 168 ، طرائف المقال : ج 2 ص 25 الرقم 6761 ) .
2- .بصائر الدّرجات : ص263 ح5 ، بحار الأنوار : ج48 ص53 ح52.

ص: 386

19 . رواية بكّار القميّ

فما بقي أيّاماً إلاّ ومات . (1) وفي بصائر الدّرجات : موسى بن عمر عن أحمد بن عمر الحلال قال : سمعت الأخرس بمكّة يذكر الرّضا عليه السلام فنال منه قال : فدخلت مكّة فاشتريت سكّيناً فرأيته فقلت : واللّه لأقتلنّه إذا خرج من المسجد ، فأقمت على ذلك فما شعرت إلاّ برقعة أبي الحسن عليه السلام : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم بِحَقّي عَلَيكَ لَمّا كَفَفتَ عَنِ الأَخرَسِ فإنَّ اللّهَ ثِقَتي وَهُوَ حَسبي . (2)

19رواية بكّار القميّالمُعلّى بن محمّد عن بعض أصحابنا ، عن بكّار القميّ (3) قال : حججت أربعين حجّة ، فلمّا كان في آخرها اُصبت بنفقتي بجمع ، فقدمت مكّة فأقمت حتّى يصدر النّاس ، ثمّ قلت : أصير إلى المدينة ، فأزور رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنظر إلى سيّدي أبي الحسن موسى عليه السلام ، وعسى أن أعمل عملاً بيدي فأجمع شيئاً فأستعين به على طريقي إلى الكوفة . فخرجت حتّى صرت إلى المدينة ، فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسلّمت عليه ، ثمّ جئت إلى المصلّى إلى الموضع الّذي يقوم فيه الفعلة ، فقمت فيه رجاء أن يسبّب اللّه لي عملاً أعمله ، فبينا أنا كذلك إذ أنا برجل قد أقبل فاجتمع حوله الفعلة فجئت فوقفت ، معهم فذهب بجماعة فاتبعته ، فقلت : يا عبد اللّه إنّي رجل غريب ، فإن

.


1- .الخرائج والجرائح : ج2 ص651 ح3 وراجع : المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص408.
2- .بصائر الدرجات : ص252 ح6 ، بحار الأنوار : ج48 ص53 .
3- .ما وجدنا له ترجمة في كتب الرّجال التي بأيدينا .

ص: 387

رأيت أن تذهب بي معهم فتستعملني . فقال : أنت من أهل الكوفة؟ قلت : نعم . قال : إذهب . فانطلقت معه إلى دار كبيرة تبنى جديدة ، فعملت فيها أيّاماً ، وكنّا لا نعطى من اُسبوع إلى اُسبوع إلاّ يوماً واحداً ، وكان العمّال لا يعملون ، فقلت للوكيل : استعملني عليهم حتّى أستعملهم وأعمل معهم . فقال : قد استعملتك . فكنت أعمل ، وأستعملهم . قال : فإنّي لو أقف ذات يوم على السّلّم إذ نظرت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام قد أقبل وأنا في السّلّم في الدّار ، فدار في الدّار ثمّ رفع رأسه إليّ فقال : يا بَكَّارُ جِئتَنا . انزِل . فَنَزَلتُ . قال : فتنحّى ناحية ، فقال لي : ما تَصنَعُ ها هُنا ؟ فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ اُصِبتُ بِنَفَقَتي بِجَمعٍ ، فَأَقَمتُ بِمَكَّةَ إلى أن صَدَرَ النّاسُ ، ثُمَّ إنّي صِرتُ إلى المَدينَةِ فَأَتَيتُ المُصَلّى ، فَقُلتُ : أطلُبُ عَمَلاً ، فَبَينا أنا قائِمٌ إذ جاءَ وَكيلُكَ فَذهَبَ بِرِجالٍ فَسَألتُهُ أن يَستَعمِلَني كَما يَستَعمِلُهُم ، فقال لي : قُم يَومَكَ هذا . فَلَمّا كانَ مِن الغَدِ وَكانَ اليَومُ الّذي يُعطونَ فيهِ جاءَ (1) فَقَعَدَ عَلى البابِ ، فَجَعَلَ يَدعو الوَكيلُ بِرَجُلٍ رَجُلٍ يُعطيهِ ، فَكُلَّما ذَهَبتُ إلَيهِ أومَأ بِيَدِهِ إلَيَّ أنِ اقعُد . (2) حَتّى إذا كانَ في آخِرِهِم ، قالَ لي : اُدنُ . فَدَنَوتُ فَدَفَعَ إلَيَّ صُرَّةً فيها خَمسَةَ عَشَرَ ديناراً ، فَقالَ : خُذ ، هذهِ نَفَقَتُكَ إلَى الكُوفَةِ . ثمّ قال : اُخرج غداً . قلت : نعم جعلت فداك ، ولم أستطع أن أردّه ، ثُمّ ذهب وعاد إليّ الرّسول ، فقال : قال أبو الحسن عليه السلام (3) : إئتِني غَداً قَبلَ أن تَذهَبَ . ( فقلت :

.


1- .في نسخة : « ثمّ توجّه بالخروج ، فعملت حتّى كان اليوم الّذي يعطون فيه الفعلة فجاء الوكيل » ، وفي نسخة اُخرى : « فعملت ، فقال لي : «أقم يومك هذا حتّى كان اليوم الّذي يعطون فيه العملة فجاء الوكيل » بدل « فلمّا كان من الغد وكان اليوم الّذي يعطون فيه جاء » .
2- .في البحار : « فكلّما ذهبت لأدنو قال لي بيده : كذا».
3- .وفي نسخة المصدر : « ثمّ ذهب وأتاني رسوله قال : إنّ أبا الحسن عليه السلام قال :... » .

ص: 388

سمعاً وطاعةً ) . فلمّا كان من الغد أتيته ، فقال : اُخرج السّاعة حتّى تصير إلى فيد (1) فإنّك توافق قوماً يخرجون إلى الكوفة ، وهاك هذا الكتاب فادفعه إلى عليّ بن أبي حمزة . قال : فانطلقت ، فلا واللّه ما تلقّاني خلق حتّى صرت إلى فيد ، فإذا قوم قد تهيّأوا للخروج إلى الكوفة من الغد ، فاشتريت بعيراً وصحبتهم إلى الكوفة فدخلتها ليلاً ، فقلت : أصير إلى منزلي فأرقد ليلتي هذه ثمّ أغدو بكتاب مولاي إلى عليّ بن أبي حمزة ، فأتيت منزلي فأخبرت أنّ اللّصوص دخلوا إلى حانوتي قبل قدومي بأيّام . فلمّا أن أصبحت صلّيت الفجر فبينا أنا جالس متفكّر فيما ذهب لي من حانوتي إذا أنا بقارع يقرع ( عليّ ) الباب ، فخرجت فإذا ( هو ) عليّ بن أبي حمزة فعانقته وسلّم عليّ، ثمّ قال لي: يابكّار هات كتاب سيّدي. قلت: نعم، (وإنّني) قد كنت على ( عزم ) المجيء إليك السّاعة . قال : هات قد علمت أنّك قدمت ممسياً ، فأخرجت الكتاب فدفعته إليه فأخذه وقبّله ووضعه على عينيه وبكى ، فقلت : مايبكيك ؟ قال : شوقاً إلى سيّديّ . ففكّه وقرأه ، ثمّ رفع رأسه ( إليّ ) وقال : يا بكّار دخل عليك اللّصوص؟ قلت : نعم . قال : فأخذوا ما كان في حانوتك؟ قلت : نعم . قال : إنّ اللّه أخلفه عليك ، قد أمرني مولاك ومولاي أن أخلف عليك ما ذهب منك . أعطاني أربعين ديناراً . قال : فقوّمت ما ذهب (منّي) فإذا قيمته أربعون ديناراً ففتح عليّ الكتاب فإذا فيه : ادفَع إلى بَكّارٍ قيمَةَ ما ذَهَبَ مِن حانوتِهِ أربَعينَ ديناراً . (2)

.


1- .فيد بالفتح ، ثمّ السّكون ، ودال مهملة : بليدة في نصف طريق مكّة من الكوفة . ( مراصد الاطلاع : ج3 ص1049 ) .
2- .الخرائج والجرائح : ج1 ص319 ح13 ، الثّاقب في المناقب : ص211 ح186 ، بحار الأنوار : ج48 ص62 ح82 .

ص: 389

20 . رواية عن مولىً لأبي عبد اللّه عليه السلام

وراجع كتابه عليه السلام إلى جماعة من الشّيعة فيقصّة أهل نيسابور وشطيطة،الكتاب105 .

20رواية عن مولىً لأبي عبد اللّه عليه السلامعن مولىً لأبي عبد اللّه عليه السلام قال : كنّا مع أبي الحسن عليه السلام حين قدم به البصرة ، فلمّا أن كان قرب المدائن ركبنا في أمواج كثيرة ، وخلفنا سفينة فيها امرأة تزفّ إلى زوجها وكانت لهم جلبة . فقال عليه السلام : ما هذِهِ الجَلبَةُ ؟ قلنا : عروس . فما لبثنا أن سمعنا صيحة . فقال عليه السلام : ما هذا ؟ فقالوا : ذهبت العروس لتغترف ماءً فوقع منها سوارٌ من ذهب فصاحت . فقال عليه السلام : احبِسوا وَقولوا لِمَلاَّحِهِم يَحبِسُ . فجلسنا وحبس ملاّحهم، فاتّكأ عليه السلام على السّفينة وهمس قليلاً وقال: قولوا لِمَلاّحِهِم يَتَّزِرُ بِفوطَةٍ وَيَنزِلُ فَيَتَناوَلُ السِّوارَ فنظرنا، فإذا السّوار على وجه الأرض ، وإذا ماء قليل ، فنزل الملاّح فأخذ السّوار. فقال عليه السلام : أعطِها وَقُل لَها فَلتَحمِدِ اللّهَ رَبَّها ثمّ سرنا . فقال له أخوه إسحاق : جعلت فداك ، الدّعاء الّذي دعوت به علّمنيه . قال : نعم وَلا تُعَلِّمهُ مَن لَيسَ لَهُ بِأهلٍ ، وَلا تُعَلِّمهُ إلاّ مَن كانَ مِن شيعَتِنا . ثُمَّ قالَ : اكتب . فأملى عليّ إنشاءً : يا سابِقَ كُلِّ فَوتٍ ، يا سامِعاً لِكُلِّ صَوتٍ قَوِيٍّ أو خَفِيٍّ ، يا مُحيِيَ النُّفوسِ بَعدَ المَوتِ ، لا تَغشاكَ الظُّلُماتُ الحِندِسِيَّةُ ، وَلا تَشابَهُ عَلَيكَ اللُّغاتُ المُختَلِفَةُ ، وَلا يَشغَلُكَ شَيءٌ عَن شَيءٍ ، يا مَن لا تَشغَلُهُ دَعوَةُ داعٍ دَعاهُ مِنَ الأرضِ ، عَن دَعوَةِ داعٍ دَعاهُ مِنَ السَّماءِ ، يا مَن لَهُ عِندَ كُلِّ شَيءٍ مِن خَلقِهِ سَمعٌ سامِعٌ وَبَصَرٌ نافِذٌ ، يا مَن لا تُغَلِّطُهُ كَثرَةُ المَسائِلِ ، وَلا يُبرِمُهُ إلحاحُ المُلِحّينَ ، يا حَيُّ حينَ لا حَيٌّ في دَيمومَةِ

.

ص: 390

21 . رواية إسحاق بن أبي عبد اللّه

مُلكِهِ وَبَقائِهِ ، يا مَن سَكَنَ العُلى ، وَاحتَجَبَ عَن خَلقِهِ بِنورِهِ ، يا مَن أشرَقَت لِنورِهِ دُجاءُ الظُّلَمِ أسأَلُكَ بِاسمِكَ الواحِدِ الأَحَدِ الفَردِ الصَّمَدِ ، الّذي هُوَ مِن جَميعِ أركانِكَ كُلِّها ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَأهلِ بَيتِهِ ، ثُمَّ سَل حاجَتَكَ . (1)

21رواية إسحاق بن أبي عبد اللّهإسحاق بن أبي عبد اللّه (2) ، قال : كنت مع أبي الحسن موسى عليه السلام حين قدم من البصرة ، فبينما نحن نسير في البطائح في هول أرياح إذ سايرنا قوم في السّفينة ، فسمعنا لهم جلبة . فقال عليه السلام : ما هذا ؟ فقيل : عروس تهدى إلى زوجها . قال : ثمّ مكثنا ما شاء اللّه تعالى ، فسمعنا صراخاً وصيحةً . فقال عليه السلام : ما هذا ؟ فقيل : العروس أرادت تغرف ماء فوقع سوارها في الماء . فقال : احبِسوا وَقولوا لِمَلاّحِهِم يَحبِسُ ، فحبسنا وحبس ملاّحهم ، فجلس ووضع أبو الحسن عليه السلام صدره على السّفينة وتكلّم بكلام خفيّ ، وقال للملاح : انزِل . فنزل الملاّح بفوطة ، فلم يزل في الماء نصف ساعة وبعض ساعة فإذا هو بسوارها ، فجاء به . فلمّا أخرج الملاح السّوار قال له إسحاق أخوه : جعلت فداك ، الدّعاء الّذي قُلتَ أخبِرنا به . فقال له : استُرهُ إلاّ مِمَّن تَثِقُ بِهِ ، ثُمّ قال :

.


1- .كشف الغمّة : ج3 ص29 ، بحار الأنوار : ج48 ص30 .
2- .لم نجد له ترجمة في كتب الرّجال التي بأيدينا .

ص: 391

22 . رواية موسى بن بكر
23 . رواية عليّ بن جعفر بن ناجية

يا سابِقَ كُلِّ فَوتٍ ، ويا سامِعَ كُلِّ صَوتٍ ، وَيا بارِئَ النُّفوسِ بَعدَ المَوتِ ، يا كاسِيَ العِظامِ لَحماً بَعدَ المَوتِ ، يا مَن لا تَغشاهُ الظُّلماتُ الحِندِسِيَّةُ ، وَلا تَتَشابَهُ عَلَيهِ الأصواتُ المُختَلِفَةُ ، وَيا مَن لا يَشغَلُهُ شَأنٌ عَن شأنٍ ، يا مَن لَهُ عِندَ كُلِّ شَيءٍ مِن خَلقِهِ سَمعٌ حاضِرٌ ، وَبَصَرٌ نافِذٌ ، لا يُغَلِّطُهُ كَثرَةُ المَسائِلِ ، وَلا يُبرِمُهُ إلحاحُ المُلِحّينَ ، يا حَيُّ حينَ لا حَيٌّ في دَيمومَةِ مُلكِهِ وَبَقائِهِ ، يا مَن سَكَنَ العُلى وَاحتَجَبَ عَن خَلقِهِ بِنورِهِ ، يا مَن أشرَقَ بِنورِهِ دَياجِيَ الظُّلَمِ ، أسأَلُكَ باسمِكَ الواحِدِ الأَحَدِ ، الفَردِ الوِترِ الصَّمَدِ ، أن تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، الطَّيِّبِينَ الطّاهِرينَ . (1)

22رواية موسى بن بكرمحمّد بن الحسين قال : حدّثني عليّ بن حسّان الواسطيّ ، عن موسى بن بكر (2) ، قال : دفع إلَيَّ أبو الحسن الأوّل عليه السلام رقعة فيها حوائج ، وقال لي : اعمَلِ بِما فيها . فَوَضَعتُها تَحتَ المُصَلَّى وَتَوانَيتُ عَنها ، فَمَرَرتُ فإذا الرُّقعَةُ في يَدِهِ ، فَسَألني عَنِ الرُّقعَةِ ، فَقُلتُ : في البَيتِ . فَقالَ : يا موسى ، إذا أمَرتُكَ بِالشَّيءِ فَاعمَلهُ ، وَإلاّ غَضَبتُ عَلَيكَ . فعلمت أنّ الّذي دفعها إلَيهِ بَعضُ صِبيانِ الجِنِّ . (3)

23رواية عليّ بن جعفر بن ناجية

.


1- .الثّاقب في المناقب : ص459 ح387.
2- .راجع الكتاب : السّادس والثّمانون .
3- .قرب الإسناد : ص333 ح1234 ، بحار الأنوار : ج48 ص44 ح24 نقلاً عنه.

ص: 392

24 . كتابه عليه السلام إلى هشام

محمّد بن الحسين ، عن عليّ بن جعفر بن ناجية (1) ، أنّه كان اشترى طيلساناً طرازيّاً أزرق بمئةِ درهم ، وحمله معه إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام ولم يعلم به أحد ، وكنت أخرج أنا مع عبدالرّحمان بن الحجّاج ، وكان هو إذ ذاك قيّما لأبي الحسن الأوّل عليه السلام ، فبعث بما كان معه ، فكتب : اطلُبوا لي ساجاً (2) طِرازياً (3) أزرَقَ . فطلبوه بالمدينة فلم يوجد عند أحد ، فقلت له : هو ذا هو معي ، وما جئت به إلاّ له . فبعثوا به إليه وقالوا له : أصبناه مع عليّ بن جعفر . ولمّا كان من قابل اشتريت طيلساناً مثله ، وحملته معي ولم يعلم به أحد ، فلمّا قدمنا المدينة أرسل إليهم : اطلُبوا لي طَيلَساناً مِثلَهُ مَعَ ذلِكَ الرَّجُلِ . فسألوني فقلت : هو ذا هو معي ، فبعثوا به إليه . (4)

24كتابه عليه السلام إلى هشامقال هشام بن الحكم 5 : أردت شراء جارية بمنى ، وكتبت إلى أبي الحسن

.


1- .لم نجد له ترجمة في المصادر التي بأيدينا .
2- .السّاج : الطّيلسان الأخضر . ( الصحاح _ سوج _ ج1 ص323 ) .
3- .الطّراز : الموضع الّذي تنسج فيه الثّياب الجياد . ( النهاية _ طرز _ ج3 ص 119 ) .
4- .قرب الإسناد : ص332 ح1232 ، بحار الأنوار : ج48 ص51 وراجع :وسائل الشيعة : ج5 ص34 ح5823.

ص: 393

اُشاوره فلم يردّ عليّ جواباً ، فلمّا كان في الطّواف مرّ بي يرمى الجمار على حمار ، فنظر إليّ وإلى الجارية من بين الجواري ثمّ أتاني كتابه : لا أرى بِشِرائِها بَأساً ، إن لَم يَكُن في عُمُرِها قِلَّةٌ .

.

ص: 394

25 . في قضاء الحوائج

قلت : لا واللّه ما قال لي هذا الحرف إلاّ وهاهنا شيء ، لا واللّه لا اشتريتها ، قال : فما خرجت من مكّه حتّى دفنت . (1) وفي بصائر الدّرجات : حدّثنا محمّد بن عيسى عن الحسين بن عليّ الوشا عن هشام قال : أردت شراء جارية بثمن وكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام استشيره في ذلك فأمسك فلم يجبني ، فإنّي من الغد عند مولى الجارية إذ مرّ بي وهي جالسة عند جَوارٍ ، فصرت بتجربة الجارية فنظر إليها ، قال : ثمّ رجع إلى منزله فكتب : إليّ : لا بَأسَ إن لَم يَكُن في عُمُرِها قِلَّةٌ . قال : فأمسكت عن شرائها فلم أخرج من مكّة حتّى ماتت . (2)

25في قضاء الحوائجأحمد بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّا 3 قال : حججت أيّام خالي

.


1- .كشف الغمّة : ج3 ص33 ، بحار الأنوار : ج48 ص19 ح2.
2- .بصائر الدّرجات : ص263 ح4 ، بحار الأنوار : ج48 ص53 ح51.

ص: 395

إسماعيل بن إلياس (1) ، فكتبنا إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام ، فكتب خالي : إنّ لي بنات وليس لي ذكر ، وقد قلّ رجالنا ، وقد خلّفت امرأتي وهي حامل ، فادع اللّه أن يجعله غلاماً ، وسمّه . فوقع في الكتاب : قَد قَضَى اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى حاجَتَكَ ، وسَمِّهِ مُحَمَّداً . فقدمنا الكوفة ، وقد ولد لي غلام قبل دخول الكوفة بستّة أيّام ، ودخلنا يوم سابعه ، قال أبو محمّد : فهو واللّه اليوم رجل له أولاد . (2) وفي كشف الغمّة : الوشاء قال : حدّثني الحسن بن عليّ ، قال : حججت أنا وخالي إسماعيل بن إلياس ، فكتبت إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام ، وكتب خالي : أنّ لي بنات وليس لي ذكر ، وقد قتل رجالنا و . .. (3) وفي البحار : أيّوب بن نوح قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : أنّ لي حمْلاً فادْع اللّه أنْ يرزقني ابناً . فكتب إليَّ : إذا وُلِدَ فَسَمِّه محمَّداً . قال : فولد ابن فسمّيته محمّداً . (4)

.


1- .لم نجد له ترجمة في المصادر التي بأيدينا .
2- .قرب الإسناد : ص331 ح1231 ، كشف الغمّة : ج3 ص36 ، بحار الأنوار : ج87 ص43 ح21 .
3- .كشف الغمّة : ج2 ص243 .
4- .بحار الأنوار : ج50 ص177.

ص: 396

. .

ص: 397

الفصل الثّالث : في المكاتيب الفقهيّة

اشاره

الفصل الثّالث : في المكاتيب الفقهيّ_ة

.

ص: 398

. .

ص: 399

باب الطّهارة
26 . كتابه عليه السلام إلى سعدان بن مسلم ، نواقض الوضوء/ البلل المشتبه

باب الطّهارة26كتابه عليه السلام إلى سعدان بن مسلمنواقض الوضوء/ البلل المشتبهالحسين بن محمّد عن أحمد بن محمّد عن أحمد بن إسحاق عن سعدان عبدالرّحمان (1) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في خصيّ يبول فيلقى من ذلك شدّة ، ويرى البلل بعد البلل ؟ قال : يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَنتَضِحُ في النَّهارِ مَرَّةً واحِدَةً . (2) وفي رواية اُخرى : سعد عن أحمد عن العبّاس بن معروف عن سعدان بن مسلم عن عبد الرّحيم القصير 3 قال : كتبت إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام أسأله عن

.


1- .سعدان عبد الرّحمان ، هو سعدان بن مسلم .
2- .الكافي : ج3 ص20 ح6 .

ص: 400

خصيّ يبول فيلقى من ذلك شدّة فيرى البلل بعد البلل . فقال : يَتَوضَّأُ وَيَنضَحُ فِي النَّهارِ مَرَّةً واحِدَةً . (1) وفي التّهذيب : محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن سعدان بن مسلم 2 ، عن

.


1- .تهذيب الأحكام : ج1 ص425 ح22 وراجع : كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص75 ح168.

ص: 401

27 . كتابه عليه السلام إلى سليمان بن أبي زينبة ، الرجل أجنب في شهر رمضان

عبدالرّحيم ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في الخصيّ يبول فيلقى من ذلك شدّة ، فيرى البلل بعد البلل؟ قال : يَتَوَضَّأُ وَيَنتَضِحُ فِي النَّهارِ مَرَّةً واحِدَةً . (1) محمّد بن عيسى وأحمد بن إسحاق جميعاً ، عن سعدان بن مسلم ، قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام في خصيّ يبول فيلقى من ذلك شدّة ، ويرى البلل بعد البلل . قال : يَتَوضَّأُ ثُمَّ يَنضَحُ في النَّهارِ مَرَّةً واحِدَةً (2) . (3)

27كتابه عليه السلام إلى سليمان بن أبي زينبةالرجل أجنب في شهر رمضانالنّوفليّ عن صفوان بن يحيى ، عن سليمان بن أبي زينبة (4) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل اللّيل ، فأخّر الغسل حتّى طلع الفجر ، فكتب عليه السلام إليّ بخطّه أعرفه مع مصادف : يَغتَسِلُ مِن جَنابَتِهِ وَيُتِمُّ صَومَهُ وَلا شَيءَ عَلَيهِ . (5)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج1 ص353 ح1051 وراجع : كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص75 ح168.
2- .قرب الإسناد : ص316 ح1225.
3- .وفي كتاب من لا يحضره الفقيه : وسئل أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عن خصيّ يبول فيلقى من ذلك شدَّة ويرى البلل بعد البلل؟ قال : يتوضَّأ ثمّ ينضح ثوبه في النّهار مرَّة واحدة . (ج1 ص75 ح168 ) .
4- .سليمان بن أبي زينبة : روى عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ، وإسحاق بن عمّار وحريز ، وروى عنه عليّ بن أسباط وصفّوان بن يحيى ، وعدّ من أصحاب أبي الحسن موسى عليه السلام . (راجع : رجال البرقي : ص49 ، معجم رجال الحديث : ج8 ص234 الرّقم5406 ).
5- .تهذيب الأحكام : ج4 ص210 ح609 ، قرب الإسناد :ص340 ح1246 وفيه «عن سليمان بن اذينة» بدل «سليمان بن أبي زينبة » ، بحار الأنوار : ج96 ص287 ح4.

ص: 402

28 . كتابه عليه السلام إلى أسلم مولى عليّ بن يقطين ، الرجل يتنور وهو جنب
باب الصّلاة
29 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحصين ، القبلة

28كتابه عليه السلام إلى أسلم مولى عليّ بن يقطينالرجل يتنور وهو جنبأحمد بن محمّد عن ابن أبي عمير عن أسلم (1)(2) مولى عليّ بن يقطين قال : أردت أن أكتب إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله يتنوّر الرّجل وهو جنب ؟ قال : فكتب لي ابتداءً : النُّورَةُ تَزيدُ الجُنُبَ نَظافَةً ، وَلكِن لا يُجامِعُ الرَّجُلُ مُختَضِباً ، ولا تُجامَعُ امرَأةٌ مُختَضِبَةً . (3)

باب الصّلاة29كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحصينالقبلةالحسين بن سعيد عن محمّد بن الحصين (4) ، قال : كتبت إلى العبدِ الصالحِ عليه السلام :

.


1- .في دلائل الإمامة :«سليم» بدل «أسلم » ، وفي البحار :«أحمد بن محمّد ، عن الأهوازيّ ، عن ابن أبي عمير ، عن سالم مولى عليّ بن يقطين ، عن عليّ بن يقطين قال : أردت أن . ..» نقلاً عن السّرائر ، وفي وسائل الشيعة :«سلم» بدل «أسلم » .
2- .أسلم مولى عليّ بن يقطين : روى عن أبي الحسن عليه السلام ، وروى عنه ابن أبي عمير ، وتعرّض الأردبيليّ لذلك وضبطه : «سلم بن عبد الرّحمان العجليّ» من دون الهمزة ، والظّاهر : أنّه سلم وأسلم واحد .(راجع : جامع الرّواة : ج1 ص371 ، معجم رجال الحديث : الرّقم 1256 والرّقم 5397 ).
3- .تهذيب الأحكام : ج1 ص377 ح1164 ، الخرائج والجرائح : ج2 ص652 ح4 ،دلائل الإمامة :ص324 ح276 ، بحار الأنوار :ج48ص51ح45وج76ص90ح10وج103ص289ح27 ،وسائل الشيعة :ج2ص224 ح1998.
4- .محمّد بن الحصين : روى عن عبد صالح عليه السلام وخالد بن يزيد القميّ ، وعمر الجرجانيّ ومحمدّ بن الفضيل ، وروى عنه الحسين بن سعيد ، وابن فضّال . (راجع : معجم رجال الحديث :ج16 ص27 الرّقم 10607 ).

ص: 403

30 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرج ، النّوافل

الرّجل يصلّي في يوم غيم في فلاة من الأرض ، ولا يعرف القبلة ، فيصلّي ، حتّى إذا فرغ من صلاته بدت له الشّمس ، فإذا هو قد صلّى لغير القبلة أيعتدّ بصلاته أم يعيدها ؟ فكتب : يُعيدُها ما لَم يَفُتهُ الوَقتُ ، أوَ لَم يَعلَم أنَّ اللّهَ يَقولُ وَقَولُهُ الحَقُّ : «فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ» (1) . (2)

30كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرجالنّوافلسعد عن موسى بن جعفر بن أبي جعفر ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ميمون (3) ، عن محمّد بن الفرج 4 ، قال : كتبت إلى العبد الصّالح عليه السلام أسأله عن

.


1- .البقرة :115 .
2- .تهذيب الأحكام : ج 2 ص 49 ح160 ، وسائل الشيعة : ج4 ص316 ح5254 ، بحار الأنوار : ج84 ص31.
3- .ميمون : روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام ، ومحمّد بن الفرج ، وروى عنه عبد اللّه ابنه ، ومحمّد بن عبد الجبّار ، ميمون مشترك بين جماعة والتّمييز إنّما هو بالرّاوي والمروي عنه .(راجع : معجم رجال الحديث : ج19 ص111 الرّقم12934 ).

ص: 404

31 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن وضّاح ، أوقات الصّلاة

مسائل . فكتب إليّ : وَصَلِّ بَعدَ العَصرِ مِنَ النَّوافِلِ ما شِئتَ ، وَصَلِّ بَعدَ الغَداةِ مِنَ النَّوافِلِ ما شِئتَ . (1)

31كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن وضّاحأوقات الصّلاةسليمان بن داوود ، عن عبد اللّه بن وضّاح (2) ، قال : كتبت إلى العبد الصّالح عليه السلام : يتوارى القرص ، ويقبل اللّيل ، ثمّ يزيد اللّيل ارتفاعاً وتستتر عنّا الشّمس ، وترتفع فوق الجبل حمرة ، ويؤذّن عندنا المؤذّنون ، فأصلي حينئذ وأفطر إن كنت صائماً ؟ أو أنتظر حتّى تذهب الحمرة الّتي فوق الجبل؟ فكتب إليّ :

.


1- .تهذيب الأحكام : ج2 ص275 ح1091 وص173 ح688 ، وسائل الشيعة : ج4 ص235 ح5020.
2- .راجع الكتاب : الرّابع والسّتون .

ص: 405

32 . كتابه عليه السلام إلى بعض الأصحاب ،وقت الفضيلة للظهر والعصر ونافلتها

أرى لَكَ أن تَنتَظِرَ حَتَّى تَذهَبَ الحُمرَةُ وَتأخُذَ بِالحائِطَةِ لِدينِكَ . (1)

32كتابه عليه السلام إلى بعض الأصحابوقت الفضيلة للظهر والعصر ونافلتهاسعد بن عبد اللّه ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى 2 ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام : روي عن آبائك القدمُ والقدمين والأربع ، والقامة والقامتين وظلّ مثلك والذّراع والذّراعين . فكتب عليه السلام : لا القَدَمَ وَلا القَدَمَينِ ، إذا زالَتِ الشَّمسُ فَقَد دَخَلَ وَقتُ الصَّلاتَينِ وَبَينَ يَدَيها

.


1- .تهذيب الأحكام : ج2 ص259 ص1031 ، بحار الأنوار : ج2 ص259 ح11 ، وسائل الشيعة : ج4 ص179 ح 4840 .

ص: 406

33 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ بن يقطين ، لباس المصلّي
34 . كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه ، ما يسجد عليه وما يكره

سَبحَةٌ وَهِيَ ثَمانِ رَكَعاتٍ ، فَإِن شِئتَ طَوَّلتَ وَإِن شِئتَ قَصَّرتَ ، ثُمَّ صَلِّ صَلاةَ الظُّهرِ ، فَإِذا فَرَغتَ كانَ بَينَ الظُّهرِ وَالعَصرِ سَبحَةٌ ، وهِيَ ثَمانِ رَكَعاتٍ إن شِئتَ طَوَّلتَ وَإِن شِئتَ قَصَّرتَ ثُمَّ صَلِّ العَصرَ . (1)

33كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ بن يقطينلباس المصلّيعليّ بن إسماعيل ، عن حمّاد بن عيسى ، قال : كتب الحسن بن عليّ بن يقطين 2 إلى العبد الصّالح : هل يصلّي الرّجل الصّلاة وعليه إزار متوشّح به فوق القميص ؟ فكتب : نَعَم . (2)

34كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهما يسجد عليه وما يكرهمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين (3) ، أنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي

.


1- .تهذيب الأحكام : ج2 ص249 ح990 ، وسائل الشيعة : ج4 ص134 ح4727.
2- .تهذيب الأحكام : ج2 ص215 ح844 ، الاستبصار : ج1 ص388 ح1477 ، وسائل الشيعة : ج4 ص397 ح5510 ، بحار الأنوار : ج83 ص206.
3- .محمّد بن الحسين: فقد روى عن أبي الحسن الرّضا وأبي محمّد والحسن بن عليّ عليهم السلام، وعن موسى بن سعدان، وعن محمد بن يحيى وغيره . (راجع : معجم رجال الحديث : ج15 ص268 الرّقم 10548 و10549 ).

ص: 407

35 . كتابه عليه السلام إلى الحميريّ ، الصّلاة على الرّاحلة

الحسن الماضي عليه السلام يسأله عن الصّلاة على الزّجاج . قال : فلمّا نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت : هو ممّا أنبتت الأرض وما كان لي أن أسأله عنه . قال : فكتب إليّ : لا تُصَلِّ عَلى الزُّجاجِ وَإن حَدَّثَتكَ نَفسُكَ أنَّهُ مِمّا أنبتَتِ الأَرضُ وَلكِنَّهُ مِنَ المِلحِ وَالرَّملِ وَهُما مَمسوخانِ . (1)

35كتابه عليه السلام إلى الحميريّالصّلاة على الرّاحلةمحمّد بن عليّ محبوب عن الحميريّ (2) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام (3) : روى _ جعلني اللّه فداك _ مواليك عن آبائك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى الفريضة على راحلته في يوم مطير ، ويصيبنا المطر ونحن في محاملنا ، والأرض مبتلة والمطر يؤذي ، فهل يجوز لنا يا سيّدي أن نصلّي في هذه الحال في محاملنا أو على دوابّنا الفريضة

.


1- .الكافي : ج3 ص332 ح14 ، تهذيب الأحكام : ج2 ص304 ح1231 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص304 ، بحار الأنوار : ج48 ص37 ح12 ، وسائل الشيعة : ج5 ص360 ح6792 .
2- .الحميريّ : فقد روى عن أبي الحسن عليه السلام ، وعن إبراهيم بن مهزيار ، وإبراهيم بن هاشم ، وأحمد بن محمّد ، وأحمد بن محمّد بن عيسى ، وأيّوب بن نوح ، وعبد اللّه بن محمّد بن عيسى ، ومحمّد بن أبي الصّهبان ، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، ومحمّد بن عبد الجبّار ، وهارون بن مسلم ، ويعقوب بن يزيد . وروى عنه : محمّد بن الحسن ، ومحمّد بن عليّ بن محبوب ، ومحمّد بن موسى بن المتوكّل ، ووالد الصّدوق ، وغيره . (راجع : معجم رجال الحديث : ج23 ص89 الرّقم 15291 ).
3- .والحميريّ عدّه الشيخ في رجاله تارة في أصحاب الرضا عليه السلام قائلاً : أبو العباس الحميريّ واُخرى في أصحاب الهادي عليه السلام قائلاً عبداللّه بن جعفر الحميريّوثالثة فيأصحاب العسكريّ عليه السلام قائلاً :عبداللّه بن جعفر الحميري ، قميّ ، ثقة ،وعدّه البرقيفيأصحاب الهاديوالعسكرى عليهماالسلام .والظاهر لايمكن أن يكون المراد من أبي الحسن الكاظم عليه السلام .

ص: 408

36 . كتابه عليه السلام إلى صالح بن عبد اللّه الخثعميّ ، صلاة المسافر في مكّة والمدينة
باب الصّيام
37 . كتابه عليه السلام إلى جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمذانيّ ، مقدار الفطرة

إن شاء اللّه ؟ فوقّع عليه السلام : يَجوزُ ذلِكَ مَعَ الضَّرورَةِ الشَّديدَةِ . (1)

36كتابه عليه السلام إلى صالح بن عبد اللّه الخثعميّصلاة المسافر في مكّة والمدينةعبد اللّه بن عامر ، عن ابن أبي نجران ، عن صالح بن عبد اللّه الخثعميّ (2) قال : كَتَبتُ إلى أبيالحَسَنِ موسى عليه السلام أسألُهُ عَنِ الصَّلاةِ فِيالمَسجِدَينِ (3) ،أُقصّر أو أُتمّ؟فكتب إليّ : أيَّ ذلِكَ فَعَلتَ لا بَأسَ . (4)

باب الصّيام37كتابه عليه السلام إلى جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمذانيّمقدار الفطرةمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد عن جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (5) وكان معنا حاجّاً قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام على يدي أبي : جعلت

.


1- .تهذيب الأحكام : ج3 ص231 ح600 ، وسائل الشيعة : ج 4 ص 326 ح 5288 .
2- .صالح بن عبد اللّه الخثعميّ : الكوفيّ ، وعدّه من أصحاب أبي عبد اللّه ، وأبي الحسن موسى ، وأبي الحسن الرّضا عليهم السلام ، وروى عنه ابن فضّال ، وعبد اللّه بن خداش . ( راجع : رجال الطّوسي : الرّقم 3027 و5310 ، رجال البرقي : ص52 ، معجم رجال الحديث : ج9 ص75 الرّقم 5828 ).
3- .أي مكّة والمدينة .
4- .قرب الإسناد : ص304 ح1194 ، بحار الأنوار : ج89 ص81 ح7 ، وسائل الشيّعة : ج8 ص532 ح11370.
5- .جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ = جعفر بن محمّد الهمدانيّ : روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، وروى عنه محمّد بن أحمد . ( راجع : معجم رجال الحديث : ج4 ص47 الرّقم2109 ) .

ص: 409

باب الحجّ والمزار
38 . كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه ، الإحرام والتّلبية

فداك إنّ أصحابنا اختلفوا في الصّاع بعضهم يقول : الفطرة بصاع المدنيّ وبعضهم يقول : بصاع العراقيّ . فكتب إليّ : الصّاعُ سِتَّةُ أرطالٍ بِالمَدَنِيِّ وَتِسعَةُ أرطالٍ بِالعِراقِيِّ . (1)

باب الحجّ والمزار38كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهالإحرام والتّلبيةمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النّضر بن سويد 2 ، عن بعض أصحابه قال : كتبت إلى أبي إبراهيم عليه السلام : رجل دخل مسجد الشّجرة فصلّى وأحرم وخرج من المسجد ، فبدا له قبل أن يلبّي أن ينقض ذلك بمواقعة النّساء أله ذلك ؟ فَكتَبَ عليه السلام : نَعَم _ أو _ لا بَأسَ بِهِ . (2)

.


1- .الكافي : ج4 ص172 ح9 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص84 ح243 وص334 ح1051 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص176 ح2063.
2- .الكافي : ج4 ص331 ح9 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص322 ح2569 .

ص: 410

39 . كتابه عليه السلام إلى شعيب العقرقوفيّ ، إحرام المتمتّع بالحجّ

39كتابه عليه السلام إلى شعيب العقرقوفيّإحرام المتمتّع بالحجّروى النّضر عن شعيب العقرقوفيّ 1 قال : خرجت أنا وحديدٌ (1) فانتهينا إلى

.


1- .الظاهر أنّه حديد بن حكيم : عنونه النجاشي في رجاله وقال : ثقة ، وجه ، متكلّم ، روى عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن عليهماالسلام ، له كتاب . (رجال النجاشي : ج 1 ص 148 الرقم 385) ، أورده العلاّمة في رجاله في القسم الأوّل ( رجال العلاّمة : ص 135 الرقم 365) ، وأورده ابن داوود في القسم الأوّل من أصحاب الصادق والكاظم عليهماالسلام(رجال ابن داوود : ص 101 الرقم 383) ، وعنونه الشيخ وقال له كتاب ( الفهرست : ص 63 الرقم 241 ) .

ص: 411

40 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن أبي البلاد وإبراهيم بن عبد الحميد ، طواف النّساء

البستان يوم التّروية فتقدَّمت على حمار فقدمت مكّة وطفت وسعيت وأحللت من تمتُّعي ثمّ أحرمت بالحجّ وقدم حديدٌ من اللّيل فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام استفتيته في أمره ، فكتب إليّ : مُرهُ يَطوفُ وَيَسعى وَيُحِلُّ مِن مِتعَتِهِ وَيُحرِمُ بِالحَجِّ وَيَلحَقُ النّاسَ بِمِنىً ولا يَبِيتَنَّ بِمَكَّةَ . (1)

40كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن أبي البلاد وإبراهيم بن عبدالحميدطواف النّساءموسى بن القاسم ، عن إبراهيم بن أبي البلاد 2 ، قال : قلت لإبراهيم بن

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص385 ح2771 ، وسائل الشيعة : ج11 ص292 ح14831.

ص: 412

عبد الحميد 1 _ وقد هيّأنا نحواً من ثلاثين مسألة نبعث بها إلى أبي الحسن موسى عليه السلام _ أدخل لي هذه المسألة ولا تُسَمِّني له ، سله عن العمرة المفردة ، على صاحبها طواف النّساء ؟ قال : فجاءه الجواب في المسائل كلّها غيرها . فقلت له : أعِدها في مسائِلَ اُخَر . فجاءه الجواب فيها كلّها غير مسألتي . فقلت لإبراهيم بن عبدالحميد : إنّ هاهنا لشيئاً،أفرد المسألة باسميفقد عرفت مقاميبحوائجك،فكتب بها إليه فجاء الجواب : نَعَم هُوَ واجِبٌ لا بُدَّ مِنهُ . فلقي إبراهيم بن عبد الحميد إسماعيل بن حميد الأزرق ومعه المسألة

.

ص: 413

41 . كتابه عليه السلام إلى يونس بن عبد الرّحمان ، المواقيت / حدود العقيق للإحرام
42 . كتابه عليه السلام إلى أبي جرير القميّ ، فَتحُ مُحرِمٍ جُرحَهُ مَعَ الضَّرورَةِ

والجواب فقال : لقد فتق عليكم إبراهيم بن أبي البلاد فتقاً ، وهذه مسألته والجواب عنها ، فدخل عليه إسماعيل بن حميد فسأله عنها ، فقال : نعم ، هو واجب ، فلقي إسماعيل بن حميد بشر بن إسماعيل بن عمّار الصّيرفي فأخبره ، فدخل فسأله عنها فقال : نعم هو واجب . (1)

41كتابه عليه السلام إلى يونس بن عبد الرّحمانالمواقيت / حدود العقيق للإحراممحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن موسى بن جعفر ، عن يونس بن عبدالرّحمان (2) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : إنا نُحرم من طريق البصرة ولسنا نعرف حدّ عرض العقيق . فكتب : أحرِم مِن وَجرَةَ . (3)

42كتابه عليه السلام إلى أبي جرير القميّفَتحُ مُحرِمٍ جُرحَهُ مَعَ الضَّرورَةِمحمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي جرير القميّ 4 قال : كتبت إلى

.


1- .تهذيب الأحكام : ج5 ص439 ح1524 ، وسائل الشيعة : ج13 ص444 ح18174 .
2- .راجع الكتاب : الواحد والتّسعون .
3- .الكافي : ج4 ص320 ح8 ، وسائل الشيعة : ج11 ص312 ح14889 .

ص: 414

43 . في بناء الكعبة إن انهدمت ، وكيفية بنائها

أبي الحسن موسى عليه السلام أسأله عن المُحرِمِ يكون به الجرح فيكون فيه المِدَّةُ ، وهو يُؤذي صاحبه يجد فيه حرقة . قال : فأجابني : لا بَأس أن يَفتَحَهُ . (1)

43في بناء الكعبة إن انهدمت ، وكيفية بنائهاالحسن بن عليّ بن النّعمان (2) قال : لمّا بنى المهديّ في المسجد الحرام بقيت دار في تربيع المسجد ، فطلبها من أربابها فامتنعوا ، فسأل عن ذلك الفقهاء فكلّ قال له : إنّه لا ينبغي أن يدخل شيئاً في المسجد الحرام غصباً . فقال له عليّ بن يقطين : يا أمير المؤمنين ، لو كتبت إلى موسى بن جعفر عليه السلام لأخبرك بوجه الأمر في ذلك ، فكتب إلى والي المدينة أن يسأل موسى بن جعفر عن دار أردنا أن ندخلها في المسجد الحرام فامتنع علينا صاحبها ، فكيف المخرج من ذلك؟ فقال ذلك لأبي الحسن عليه السلام ، فقال أبو الحسن عليه السلام : ولابدّ من الجواب في هذا ؟ فقال له : الأمر لابدّ منه . فقال له : اكتب :

.


1- .قرب الإسناد : ص302 ح1189 ، وسائل الشيعة : ج12 ص535 ح17009 .
2- .الحسن بن عليّ بن النّعمان : مولى بني هاشم ، أبوه عليّ بن النّعمان الأعلم ثقة ثبت . له كتاب نوادر ، صحيح الحديث ، كثير الفوائد . أخبر أبو المفضّل عن ابن بطة عن أحمد بن أبي عبد اللّه والصّفّار جميعاً عنه ، وعدّ من أصحاب العسكريّ عليه السلام . (راجع : رجال النّجاشي : ج1 ص139 الرّقم 80 ، الفهرست : الرّقم 201) .

ص: 415

44 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن أبي البلاد في زيارة رسول اللّه صلى الله عليه و آله

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إن كانَتِ الكَعبَةُ هِيَ النّازِلَةُ بِالنّاس ، فَالنّاسُ أولى بِفِنائِها ، وَإِن كانَ النّاسُ هُمُ النّازِلونَ بِفِناءِ الكَعبَةِ فَالكَعبَةُ أولى بِفِنائِها . فَلَمّا أتى الكِتابُ إلَى المَهدِيِّ أخَذَ الكِتابَ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ أمَرَ بِهَدمِ الدّارِ ، فَأَتى أهلُ الدّارِ أبا الحَسَنِ عليه السلام فَسَأَلوهُ أن يَكتُبَ لَهُم إلَى المَهدِيَّ كِتاباً في ثَمَنِ دارِهِم . فَكَتبَ إلَيهِ : أن أرضِخ لَهُم شَيئاً ، فَأَرضاهُم . (1)

44كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن أبي البلادفي زيارة رسول اللّه صلى الله عليه و آلهحدّثني الحسن بن عبد اللّه بن محمّد بن عيسى ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن أبي البلاد (2) قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام : كَيفَ تَقولُ فِي التَّسليمِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ؟ قلتُ : الّذي نعرفه ورويناه . قال : أوَ لا أُعَلِمُّكَ ما هُوَ أفضَلُ مِن هذا ؟ قلتُ : نَعَم جُعِلتُ فِداكَ . فَكَتَبَ لي وَأنا قاعِدٌ عِندَهُ بِخَطِّهِ ، وَقَرَأَهُ عَلَيَّ : إذا وَقَفتَ على قَبرِهِ صلى الله عليه و آله فَقُل : أشهَدُ أن لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ ، وَأشهَدُ أنَّكَ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ ، وَأَشهَدُ أنَّكَ رَسولُ اللّهِ ، وَأَشهَدُ أنَّكَ خاتَمُ النَّبِيّينَ ، وَأَشهَدُ أنَّكَ قَد بَلَّغتَ رِسالاتِ رَبِّكَ ، وَنَصَحتَ لاُِمَّتِكَ ، وَجاهَدتَ في سَبيلِ رَبِّكَ ، وَعَبَدتَهُ حَتّى أتاكَ اليَقينُ ، وَأَدَّيتَ الَّذي عَليكَ مِنَ الحَقِّ . اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ عَبدِكَ وَرَسولِكَ ، وَنَجيبِكَ وَأَمينِكَ ، وَصَفِيِّكَ وَخِيَرَتِكَ

.


1- .تفسير العيّاشي: ج1 ص185 ح90، بحارالأنوار: ج10 ص245 ح4، وسائل الشيعة: ج13 ص217 ح 17595.
2- .راجع الكتاب : الأربعون .

ص: 416

باب التّجارة
45 . كتابه عليه السلام إلى رجل ، باب بيع المضمون / بيع الدّقيق

مِن خَلقِكَ ، أفضَلَ ما صَلَّيتَ على أحَدٍ مِن أنبِيائِكَ وَرُسلِكَ . اللّهُمَّ سَلِّم على مُحَمِّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما سَلَّمتَ على نوحٍ فِي العالَمينَ ، وَامنُن على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما مَنَنتَ على موسى وَهارونَ ، وَبارِك على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما بارَكتَ على إبراهيمَ وَآلِ إبراهيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ . اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَتَرَحَّم على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ . اللّهُمَّ رَبَّ البَيتِ الحَرامِ ، وَرَبَّ المَسجِدِ الحَرامِ ، وَرَبَّ الرُّكنِ وَالمَقامِ ، وَرَبَّ البَلَدِ الحَرامِ ، وَرَبَّ الحِلِّ وَالحَرامِ ، وَرَبَّ المِشعَرِ الحَرامِ ، بَلِّغ روحَ مُحَمَّدٍ مِنِّي السَّلامَ . (1)

باب التّجارة45كتابه عليه السلام إلى رجلباب بيع المضمون / بيع الدّقيقمحمّد بن أحمد بن يحيى،عن إبراهيم بن إسحاق،عن محمّد بن سليمان الديلميّ 2 ، عن أبيه 3 ، عن رجل كتب إلى العبد الصّالح عليه السلام يسأله : أنّي اُعامل قوماً أبيعهم

.


1- .كامل الزّيارات : ص53 ح31 ، المزار للمفيد : ص173 ح1 ، بحار الأنوار : ج100 ص154 .

ص: 417

46 . كتابه عليه السلام إلى عمر بن يزيد ، التّدبير / بيع المُدبّر وعتقه / وطى ءُ المدبَّرة

الدّقيق أربح عليهم في القفيز درهمين إلى أجل معلوم ، وإنّهم يسألوني أن اُعطيهم عن نصف الدّقيق دراهم فهل لي من حيلة ألاّ أدخل في الحرام ؟فكتب إليه : أقرِضهُمُ الدَّراهِمَ قَرضاً وَازدَد عَلَيهِم في نِصفِ القَفيزِ بِقَدَرِ ما كُنتَ تَربَحُ عَلَيهِم . (1)

46كتابه عليه السلام إلى عمر بن يزيدالتّدبير / بيع المُدبّر وعتقه / وطى ءُ المدبَّرةعمر بن يزيد 2 قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن رجل دبّر مملوكه ، هل له

.


1- .تهذيب الأحكام : ج7 ص33 ح138 وص45 ح195 ، وسائل الشيعة : ج18 ص56 ح23131.

ص: 418

باب الوصيّة
47 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن محمّد الرّازيّ ، الوصيّة بالثّلث وأقلّ منه وأكثر

أن يبيع عتقه ؟ قال : كَتَبَ : « كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِى إِسْرَ ائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائيلُ عَلَى نَفْسِهِ» (1) . (2)

باب الوصيّة47كتابه عليه السلام إلى الحسين بن محمّد الرّازيّالوصيّة بالثّلث وأقلّ منه وأكثرجعفر بن محمّد بن نوح ، عن الحسين بن محمّد الرّازيّ (3) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : الرّجل يموت فيوصي بماله كلّه في أبواب البرّ ، وبأكثر من الثّلث هل يجوز ذلك له ؟ وكيف يصنع الوصيّ ؟ فكتب : تُجازُ وَصِيَّتُهُ ما لَم يَتَعَدَّ الثُّلُثَ . (4)

.


1- .آل عمران :93.
2- .تفسير العيّاشي : ج1 ص185 ح87 ، مستدرك الوسائل : ج16 ص6 ح18951 نقلاً عنه .
3- .الحسين بن محمّد الرّازيّ :روى عن أبي الحسن عليه السلام ، وروى عنه جعفر بن محمّد بن نوح .(راجع : معجم رجال الحديث : ج6 ص82 الرّقم 3632 ).
4- .تهذيب الأحكام : ج 9 ص 195 ح784 ، وسائل الشيعة : ج19 ص276 ح24584 .

ص: 419

48 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن زياد ،وصيّة الإنسان لعبده وعتقه له قبل موته
49 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الأشعريّ ،الوصيّة المبهمة/وصيّة الإنسان لعبده وعتقه له

48كتابه عليه السلام إلى أحمد بن زيادوصيّة الإنسان لعبده وعتقه له قبل موتهأحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أحمد بن زياد (1) ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن الرّجل تحضره الوفاة وله مماليك لخاصّة نفسه،وله مماليك فيشركة رجل آخر ، فيوصي في وصيّته : مماليكي أحرارٌ . ما حالُ مماليكه الّذين في الشّركة ؟ فكتب : يُقَوَّمونَ عَلَيهِ إن كانَ مالُهُ يَحتَمِلُ ، ثُمَّ فَهُم أحرارُ . (2)

49كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الأشعريّالوصيّة المبهمة / وصيّة الإنسان لعبده وعتقه له قبل موتهعليّ بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد بن أورمة القميّ ، عن محمّد بن الحسن الأشعريّ (3) قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك إنّي سألت أصحابنا عمّا أريد

.


1- .راجع الكتاب : التّاسع والخمسون .
2- .تهذيب الأحكام : ج9 ص222 ح872 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص213 ح5497 ، وسائل الشيعة : ج19 ص407 ح24854 وراجع : الكافي : ج7 ص20 ح17 وفيه : « محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أحمد بن زياد ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل تحضره الوفاة وله مماليك لخاصّة نفسه ، وله مماليك في شركة رجل آخر ، فيوصي في وصيّته : مماليكي أحرار ، ما حال مماليكه الّذين في الشّركة؟ فقال : يقوّمون عليه إن كان ماله يحتمل ثمّ هم أحرار » .
3- .محمّد بن الحسن الأشعريّ = محمّد بن الحسن بن أبي خالد الأشعريّ القميّ : روى عن أبي الحسن الرّضا ، وأبي جعفر الثّانيّ عليهم السلام، وعن محمّد بن عبد اللّه الأشعريّ . وروى عنه أحمد بن محمّد بن عيسى ، والحسين بن سعيد ، وعليّ بن مهزيار ، وعليّ بن يوسف ، ومحمّد بن أورمة القميّ ، والهيثم بن أبي مسروق النّهديّ . أنّ البرقي عدّ محمّد بن الحسن بن أبي خالد ، من أصحاب الكاظم عليه السلام ، ويوده ما ورد من روايته عن أبي الحسن عليه السلام ، فإنّه منصرف إلى الكاظم عليه السلام ، إذا تجرّد عن القرينة . ( راجع : معجم رجال الحديث : ج15 ص200 الرّقم 10447 و10458 ) .

ص: 420

50 . كتابه عليه السلام إلى أبي جميلة المفضّل بن صالح ، الوصيّة المبهمة / الرّجل يوصي بسيف

أن أسألك فلم أجد عندهم جواباً وقد اضطررت إلى مسألتك ، وإنّ سعد بن سعد أوصى إليّ فأوصى في وصيّته حجّوا عنّي مبهماً ولم يفسّر فكيف أصنع ؟ قال : يأتيك جوابي في كتابك . فكتب عليه السلام : يحجّ ما دام له مال يحمله . (1)

50كتابه عليه السلام إلى أبي جميلة المفضّل بن صالحالوصيّة المبهمة / الرّجل يوصي بسيفمحمّد بن الحسين عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي جميلة المفضّل بن صالح 2 قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن رجل أوصى لرجل بسيف ، فقال

.


1- .تهذيب الأحكام : ج9 ص226 ح888 وراجع : وسائل الشيعة : ج11 ص171 ح14549 .

ص: 421

51 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن نعيم ، الرّجل يموت ولا يترك إلاّ امرأته
باب النّكاح
52 . كتابه عليه السلام إلى صالح بن عبد اللّه الخثعميّ ،مقدماته/نظر الخصيّ إلى المرأة

الورثة : إنّما لك الحديد ، وليس لك الحلية ، ليس لك غير الحديد . فكتب إليّ : السَّيفُ لَهُ وَحِليَتَهُ . (1)

51كتابه عليه السلام إلى محمّد بن نعيمالرّجل يموت ولا يترك إلاّ امرأتهحميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن محمّد بن الحسن بن زياد العطّار ، عن محمّد بن نعيم الصّحّاف 2 ، قال : مات محمّد بن أبي عمير بيّاع السّابريّ ، وأوصى إليّ وترك امرأةً له ، ولم يترك وارثاً غيرها ، فكتبت إلى العبد الصّالح عليه السلام فكتب إليَّ : أعطِ المَرأَةَ الرُّبُعَ وَاحمِل الباقي إلَينا . (2)

باب النّكاح52كتابه عليه السلام إلى صالح بن عبد اللّه الخثعميّمقدماته / نظر الخصيّ إلى المرأةعبد اللّه بن عامر ، عن عبد الرّحمان بن أبي نجران ، عن صالح بن عبد اللّه

.


1- .الكافي : ج7 ص44 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص212 ح16.
2- .الكافي : ج7 ص125 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص 295 ح1058 .

ص: 422

53 . كتابه عليه السلام إلى الحسين ، القواعد من النّساء
54 . كتابه عليه السلام إلى صالح بن عبد اللّه الخثعميّ ، الرّضاع

الخثعميّ (1) ، قال : وكتبت إليه _ أبي الحسن موسى عليه السلام _ أسأله عن خصيّ لي في سنّ رجل مدرك ، يحل للمرأة أن يراها وتكشف بين يديه؟ قال : فلم يجبني فيها . (2)

53كتابه عليه السلام إلى الحسينالقواعد من النّساءالصّفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن عليّ بن أحمد ، عن يونس (3) ، قال : ذكر الحسين أنّه كتب إليه يسأله عن حدّ القواعد من النّساء ، اللاّتي إذا بلغت جاز لها أن تكشف رأسها وذراعها ؟ فكتب عليه السلام : مَن قَعَدنَ عَنِ النِّكاحِ . (4)

54كتابه عليه السلام إلى صالح بن عبد اللّه الخثعميّالرّضاععبد اللّه بن عامر ، عن ابن أبي نجران ، عن صالح بن عبد اللّه الخثعميّ ، قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام أسأله عن اُمّ ولد لي ذكرت أنّها أرضعت جارية لي . فقال : لا تَقبَل قَولَها وَلا تُصَدِّقها . (5)

.


1- .راجع الكتاب : السّادس والثلاثون .
2- .قرب الإسناد : ص304 ح1194 ، بحار الأنوار : ج89 ص80 ح7 ، وسائل الشيعة : ج20 ص227 ح25492.
3- .راجع : الفصل السّادس ، يونس بن عبد الرّحمان .
4- .تهذيب الأحكام : ج7 ص467 ص1871 ، وسائل الشيعة : ج 20 ص203 ح25434 وفيه : « عليّ بن أحمد بن يونس » بدل « عليّ بن أحمد عن يونس » . وبهذا العنوان لم تجد في كتب الرّجال بين أيدينا.
5- .قرب الإسناد : ص304 ح1193 ، بحار الأنوار : ج103 ص322 ح4 ، وسائل الشيعة : ج20 ص401 ح25936.

ص: 423

55 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن شعيب ، ما يحرم من النّكاح من الرّضاع
56 . كتابه عليه السلام إلى عثمان بن عيسى ، ما يحرم بالمصاهرة ونحوها

55كتابه عليه السلام إلى عليّ بن شعيبما يحرم من النّكاح من الرّضاعمحمّد بن أحمد بن يحيى ، عن عبد اللّه بن جعفر ، عن أيّوب بن نوح ، قال : كتب عليّ بن شعيب (1) إلى أبي الحسن عليه السلام :امرأة أرضعت بعض ولدي ، هل يجوز لي أن أتزوّج بعض ولدها؟فكتب عليه السلام : لايَجوزُ لَكَ ذلِكَ لِأَنَّ وُلدها صارَت بِمَنزِلَةِ وُلدِكَ . (2)

56كتابه عليه السلام عثمان بن عيسىما يحرم بالمصاهرة ونحوهاأبو عليّ الأشعريّ ، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ ، عن عثمان بن عيسى 3 ، عن أبي

.


1- .عليّ بن شعيب : روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام وروى عنه عبد الرّحمان بن أبي نجران .(راجع : معجم رجال الحديث : ج12 ص61 الرّقم 8200 ).
2- .تهذيب الأحكام : ج7 ص321 ح1324 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص476 ح4668 ، وسائل الشيعة : ج20 ص404 ح25942.

ص: 424

57 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن رئاب ، المتعة

الحسن الأوّل عليه السلام قال : كتبت إليه هذه المسألة ، وعرفت خطّه ، عن اُمّ ولد لرجل كان أبو الرّجل وهبها له فولدت منه أولاداً ، ثمّ قالت بعد ذلك : إنّ أباك كان وطأني قبل أن يهبني لك . قال : لا تُصَدَّق ، إنَّما تَهرَبُ مِن سُوءِ خُلُقِهِ . (1)

57كتابه عليه السلام إلى عليّ بن رئابالمتعةروى عليُّ بن رئاب 2 ، قال : كتبت إليه أسأله عن رجل تمتَّع بامرأة ، ثمّ وهب لها

.


1- .الكافي : ج5 ص566 ح44 ، قرب الإسناد : ص306 ح1199 ، وسائل الشيعة : ج20 ص499 ح26195.

ص: 425

58 . كتابه عليه السلام إلى المهلَّب الدّلال

أيّامها قبل أن يفضي إليها ، أو وهب لها أيّامها بعد ما أفضى إليها ، هل له أن يرجع فيما وهب لها من ذلك ؟ فوقَّع عليه السلام : لا يَرجِعُ . (1)

58وكتابه عليه السلام إلى المهلَّب الدّلالمحمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى ، عن الفضل بن كثير المدائنيّ ، عن المهلب الدّلال (2) أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام أنّ امرأة كانت معي في الدّار ، ثمّ إنّها زوجتني نفسها وأشهدت اللّه وملائكته على ذلك ، ثمّ إنّ أباها زوّجها من رجل آخر ، فما تقول ؟ فكتب عليه السلام : التَّزويجُ الدّائِم لا يَكونُ إلاّ بِوَلِيٍّ وَشاهِدَينِ ، وَلا يَكونُ تَزويجُ مِتعَةٍ بِبِكرٍ ، استُر

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص460 ح4590 ، وسائل الشيعة : ج21 ص63 ح26539 .
2- .المهلب الدّلال ، روى عن أبي الحسن عليه السلام ، وروى عنه الفضل بن كثير المدائنيّ .(راجع : معجم رجال الحديث : ج19 ص90 الرّقم 12907 ).

ص: 426

باب الطّلاق
59 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن زياد ، المطلقات ثلاثاً / حكم المملوك
باب الظّهار
60 . في جواب مكتوبة عطيّة المدائنيّ

على نَفسِكَ وَاكتُم رَحِمَكَ اللّهُ . (1)

باب الطّلاق59كتابه عليه السلام إلى أحمد بن زيادالمطلقات ثلاثاً / حكم المملوكمحمّد بن أحمد بن يحيى ،عن أبيعبد اللّه الرّازيّ ،عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أحمد بن زياد (2) ،عن أبي الحسن عليه السلام قال :سألته عن الرّجل يزوّج عبده أمته ، ثُمّ يبدو للرجل في أمته فيعزلها عن عبده ،ثمّ يستبرئها ويواقعها ،ثمّ يردّها على عبده ، ثمّ يبدو له بعد فيعزلها عن عبده ، أيَكون عزل السّيّد الجارية عن زوجها مرّتين طلاقاً لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره ، أم لا ؟ فكتب عليه السلام : لا تَحِلُّ لَهُ إلاّ بِنِكاحٍ . (3)

باب الظّهار60في جواب مكتوبة عطيّة المدائنيّمحمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان (4) قال : كتب معي عطيّة المدائنيّ إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام يسأله ، قال : قلتُ : امرَأَتي طالِقٌ عَلَى السُّنَةِ إن أعَدتُ الصَّلاةَ ، فَأَعَدتُ الصَّلاةَ ، ثُمَّ قلتُ : امرَأَتي طالِقٌ عَلَى الكِتابِ وَالسُّنَّةِ إن أعَدتُ الصَّلاةَ ،

.


1- .تهذيب الأحكام : ج7 ص255 ح1100 ، وسائل الشيعة : ج21 ص34 ح26457 .
2- .أحمد بن زياد = أحمد بن زياد الخزّاز : روى عن أبي الحسن عليه السلام ، وروى عنه أحمد بن محمّد بن أبي نصر . (راجع : معجم رجال الحديث : ج2 ص119 الرّقم 576 ).
3- .تهذيب الأحكام : ج8 ص86 ح295 ، الاستبصار : ج3 ص311 ح3 ، وسائل الشيعة : ج22 ص168 ح 28300 .
4- .راجع الكتاب : السابع والستون .

ص: 427

باب الإرث
61 . كتابه عليه السلام إلى نصر بن حبيب صاحب الخان ، ميراث المفقود
62 . كتابه عليه السلام إلى الهيثم أبي روح صاحب الخان

فَأَعدتُ ، ثُمَّ قُلتُ : امرَأَتي طالِقٌ طَلاقَ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَى السُّنَّةِ إن أعَدتُ صَلاتي ، فَأَعَدتُ . قال : فَلَمّا رَأَيتُ استِخفافي بِذلِكَ . قُلتُ : امرَأَتي عَلَيَّ كَظَهرِ اُمِّي إن أعَدتُ الصَّلاةُ ، فَأَعَدتُ ، ثُمَّ قُلتُ : امرَأَتي عَلَيَّ كَظَهرِ اُمّي إن أعَدتُ الصَّلاة ، فَأَعَدتُ ، ثُمَّ قُلت : امرَأَتي عَلَيَّ كَظَهرِ اُمِّي إن أعَدتُ الصَّلاة ، فَأَعَدتُ ، وَقَدِ اعتَزَلتُ أهلي مُنذُ سِنينَ . قالَ : فَقالَ أبو الحَسَنِ عليه السلام : الأَهلُ أهلُهُ وَلا شَيءَ عَلَيهِ ، إنَّما هذا وَأَشباهُهُ مِن خُطُواتِ الشَّيطانِ . (1)

باب الإرث61كتابه عليه السلام إلى نصر بن حبيب صاحب الخانميراث المفقوديونس ، عن نصر بن حبيب صاحب الخان ، قال :كتبت إلى عبد صالح عليه السلام قد وقعت

.


1- .قرب الإسناد : ص304 ح1192 ، بحار الأنوار : ج104 ص164 ، وسائل الشيعة : ج22 ص313 ح28676.

ص: 428

باب القضاء والشّهادة
63 . كتابه عليه السلام إلى حسين بن خالد الصّيرفيّ ، من أوصى بمال لقرابته/شهادة المرأة
64 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن وضّاح ، اليمين في البيع

عندي مئتا درهم وأربعة دراهم ، وأنا صاحب فندق ومات صاحبها ولم أعرف له ورثةً ، فرأيك في إعلامي حالها ، وما أصنع بها ؟ فقد ضقت بها ذرعاً . فكتب : اعمَل فيها وَأَخرِجها صَدَقَةً قَليلاً قَليلاً حَتّى تَخرُجَ . (1)

62كتابه عليه السلام إلى الهيثم أبي روح صاحب الخانيونس عن الهيثم أبي روح صاحب الخان (2) ، قال : كتبت إلى عبد صالح عليه السلام : أنّي أتَقَبَّلُ الفَنادِقَ ، فَيَنزِلُ عِندي الرَّجُلُ فَيَموتُ فَجأَةً ، لا أعرِفُهُ وَلا أعرِفُ بلادَهُ وَلا وَرَثَتَهُ ، فَيَبقَى المالُ عِندي ، كَيفَ أصنَعُ بِهِ ؟ وَلِمَن ذلِكَ المالُ ؟ فَكَتَبَ عليه السلام : اترُكهُ على حالِهِ . (3)

باب القضاء والشّهادة63كتابه عليه السلام إلى حسين بن خالد الصّيرفيّمن أوصى بمال لقرابته / شهادة المرأةأحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين بن خالد الصّيرفيّ (4) ، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال : كَتَبتُ إلَيهِ في رَجُلٍ ماتَ وَلَهُ أُمّ وَلَدٍ وَقَد جَعَلَ لَها شَيئاً في حَياتِهِ ثُمَّ ماتَ . قالَ : فَكَتَبَ : لَها ما أثابَها بِهِ سَيِّدُها في حَياتِهِ ، مَعروفٌ ذلِكَ لَها ، تُقبَلُ على ذلِكَ شَهادَةُ الرَّجُلِ وَالمَرأَةِ وَالخادِمِ غَيرِ المُتَّهَمينَ . (5)

64كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن وضّاحاليمين في البيعمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن أبي عبد اللّه الجامورانيّ ، عن

.


1- .الكافي : ج7 ص153 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج 9 ص 389 ح 1389 وفيه : « يونس عن فيض بن حبيب صاحب الخان قال : كتبت إلى عبد صالح عليه السلام . . . » ، وسائل الشيعة : ج26 ص297 ح 33032 .
2- .لم نجد له ترجمة في المصادر التي بأيدينا ، مجهول . ( راجع المعين : ص 100 الرقم 13012 والرقم 9460 ، المنير : ص 656 الرقم 13410 ، تنقيح المقال : ج 3 ص 305 الرقم 12938 ) .
3- .الكافي : ج 7 ص 154 ح4 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص 389 ح7 ، وسائل الشيعة : ج26 ص298 ح33033.
4- .الحسين بن خالد : عدّ من أصحاب أبي الحسن موسى ، أبي الحسن الرّضا عليهماالسلام . (راجع : رجال الطّوسي :الرّقم4975 و5262 ، رجال البرقي : ص48 و53 ). وراجع : الحسن بن خالد .
5- .الكافي:ج7 ص29 ح2، تهذيب الأحكام:ج9 ص224 ح878، كتاب من لايحضره الفقيه:ج3 ص53 ح3314.

ص: 429

65 . في جواب مكتوبة أبي بكر الأرمنيّ ، في الأيمان

الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة ، عن عبد اللّه بن وضّاح 1 ، قال : كانَت بَيني وَبَينَ رَجُلٍ مِنَ اليَهودِ مُعامَلَةٌ فَخانَني بِأَلفِ دِرهَمٍ فَقَدّمتُهُ إلَى الوالي فَأَحلَفتُهُ فَحَلَفَ وَقَد عَلِمتُ أنَّهُ حَلَفَ يَميناً فاجِرَةً فَوَقَعَ لَهُ بَعدَ ذلِكَ عِندي أرباحٌ وَدَراهِمُ كَثيرَةٌ فَأَرَدتُ أن أقتَصَّ الأَلفَ دِرهَمٍ الّتي كانَت لي عِندَهُ وَحَلَفَ عَلَيها . فَكَتَبتُ إلى أبي الحَسَنِ عليه السلام وَأَخبَرتُهُ أنّي قَد أحلَفتُهُ فَحَلَفَ وَقَد وَقَعَ لَهُ عِندي مالٌ فَإِن أمَرتَني أن آخُذَ مِنهُ الألفَ دِرهَمٍ الَّتي حَلَفَ عَلَيها فَعَلتُ؟ فَكَتَبَ عليه السلام : لا تَأخُذ مِنهُ شَيئاً إن كانَ قَد ظَلَمَكَ فَلا تَظلِمهُ ، وَلَولا أنَّكَ رَضيتَ بِيَمينِهِ فَحَلَّفتَهُ ، لَأَمَرتُكَ أن تَأخُذَها مِن تَحتِ يَدِكَ وَلكِنَّكَ رَضيتَ بِيَمينِهِ فَقَد مَضَتِ اليَمينُ بِما فيها . فَلَم آخُذ مِنهُ شَيئاً وَانتَهَيتُ إلى كتابِ أبي الحَسَنِ عليه السلام . (1)

65في جواب مكتوبة أبي بكر الأرمنيّفي الأيمانأبو عبد اللّه الرّازيّ ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بكر الأرمنيّ (2) ،

.


1- .الكافي : ج7 ص430 ح14 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص289 ح9 وج8 ص293 ح76.
2- .ذكره التستري في رجاله عدّه من أصحاب الكاظم عليه السلام . ( قاموس الرجال : ج11 ص226 الرقم69 ) ، مجهول ( المعين : ص109 الرقم 13966 ) .

ص: 430

باب النّذر
66 . كتابه عليه السلام إلى سعدان بن مسلم ، نذر الصّوم
باب الأطعمة والأشربة
67 . كتابه عليه السلام إلى جعفر بن أحمد المكفوف ، الأشربة

قال : كتبت إلى العبد الصّالح عليه السلام : جعلت فداك ، إنّه كان لي على رجل دراهم فجحدني ، فوقعت له عندي دراهم ، فأقبض من تحت يدي ما لي عليه ، وإن استحلفني حلفت أن ليس له عليَّ شيء؟ قال : نَعَم ، فاقبَض مِن تَحتِ يَدِكَ وَإِنِ استَحلَفَكَ فَاحلِف لَهُ أنَّهُ لَيسَ لَهُ عَلَيكَ شَيءٌ . (1)

باب النّذر66كتابه عليه السلام إلى سعدان بن مسلمنذر الصّومأحمد بن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن سعدان بن مسلم (2) قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام :إنّيجعلت عليّ صيام شهر بمكّة وشهر بالمدينة وشهر بالكوفة ، فصمت ثمانية عشر يوماً بالمدينة ،وبقي عليّ شهر بمكّة ،وشهر بالكوفة ، وتمام الشّهر بالمدينة . فكتب : لَيسَ عَلَيكَ شَيءٌ ، صُم في بِلادِكَ حَتّى تُتِمَّهُ . (3)

باب الأطعمة والأشربة67كتابه عليه السلام إلى جعفر بن أحمد المكفوفالأشربةعدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن منصور بن العبّاس ، عن جعفر بن أحمد

.


1- .تهذيب الأحكام : ج8 ص293 ح75 وسائل الشيعة : ج23 ص285 ح29580.
2- .راجع الكتاب : السّادس والعشرون .
3- .قرب الإسناد : ص341 ح1248 ، بحار الأنوار : ج 96 ص335 ح2 وج104 ص215 ح2 ، وسائل الشيعة : ج 10 ص386 ح13656 .

ص: 431

68 . كتابه عليه السلام إلى جعفر بن أحمد المكفوف ، أشربة مختلفة
69 . كتابه عليه السلام إلى حسين القلانسيّ ، الفقّاع

المكفوف (1) قال : كتبت إليه يعني أبا الحسن الأوّل عليه السلام أسأله عن السّكنجبين ، والجلاّب ، ورُبِّ التّوتِ ، وَرُبِّ التُّفاحِ ، وَرُبِّ السَّفرجَلِ وَرُبِّ الرُّمانِ ؟ فكتب : حلال . (2)

68كتابه عليه السلام إلى جعفر بن أحمد المكفوفأشربة مختلفةمحمّد بن يحيى ، عن حمدان بن سليمان ، عن عليّ بن الحسن ، عن جعفر بن أحمد المكفوف (3) قال : كتبت إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام أسأله عن أشربة تكون قِبَلَنا ، السّكنجبين والجلاّب وربّ التّوت وربّ الرّمان وربّ السّفرجل وربّ التّفاح ، إذا كان الّذي يبيعها غير عارف وهي تباع في أسواقنا ؟ فكتب : جايِزٌ لا بَأسَ بِها . (4)

69كتابه عليه السلام إلى حسين القلانسيّالفقّاعمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن حسين القلانسيّ (5) قال : كتبت إلى أبي الحسن الماضي عليه السلام أسأله عن الفقّاع . فقال :

.


1- .لم نجد له ترجمة في المصادر التي بأيدينا .
2- .الكافي : ج6 ص426 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص127 ح551 .
3- .لم نجد له ترجمة في المصادر التي بأيدينا .
4- .الكافي : ج6 ص427 ح2 ،تهذيب الأحكام : ج9 ص127 ح552.
5- .الحسين القلانسيّ = الحسين بن المختار .

ص: 432

70 . كتابه عليه السلام إلى زياد بن مروان ، التُّفّاح / معالجة الوباء

لا تَقرَبهُ فَإِنَّهُ مِنَ الخَمرِ . (1)

70كتابه عليه السلام إلى زياد بن مروانالتُّفّاح / معالجة الوباءمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ،عن عليّ بن الحكم ،عن زياد بن مروان 2 ،

.


1- .الكافي : ج 6 ص 422 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص125 ح278 وج10 ص97 ح377 ، وسائل الشيعة : ج25 ص361 ح32126.

ص: 433

71 . كتابه عليه السلام إلى داوود الرّقّيّ ، لحوم الجزور والبخت

قال : أصاب النّاس وباء بمكّة فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام . فكتب إليّ : كُلِ التُفّاحَ . (1) وفي المحاسن :عن أبي يوسف ،عن القنديّ ،قال :أصاب النّاس وباء ونحن بمكّة فأصابني ، فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام . فكتب إليّ : كُلِ التُّفّاحَ . فأكلته فعوفيت . (2) وفي رواية اُخرى : عبد اللّه بن حمّاد ويعقوب بن يزيد ، عن القنديّ ، قال : أصاب النّاس . . . (3)

71كتابه عليه السلام إلى داوود الرّقّيّلحوم الجزور والبختمحمّد بن يحيى،عن أحمد بن محمّد بن عيسى،عن عليّ بن الحكم ، عن داوود الرّقّيّ 4

.


1- .الكافي : ج6 ص356 ح5 ، الفصول المهمّة في اُصول الأئمّة : ج3 ص 108 ح2681.
2- .المحاسن : ج2 ص370 ح2292 ، بحار الأنوار : ج62 ص 210 ح2 وج66 ص174 ح28 .
3- .المحاسن : ج2 ص369 ح2290 ، بحار الأنوار : ج62 ص 210 ح1 وج66 ص173 ح26 وفيه : « عبد الرّحمان بن حمّاد » بدل « عبد اللّه بن حمّاد » .

ص: 434

. .

ص: 435

قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأَلُهُ عَن لُحومِ البُختِ وَأَلبانِهِنَّ؟ فَقالَ : لا بَأسَ بِهِ . (1)

.


1- .الكافي : ج6 ص311 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص48 ح202 وفيه «عن موسى بن عمر ، عن جعفر بن بشير ، عن داوود بن كثير الرّقّي » ، المحاسن : ج2 ص473 ح472.

ص: 436

باب التجمّل والزينة
72 . كتابه عليه السلام إلى سليم مولى عليّ بن يقطين ، الكحل

باب التجمّل والزّينة72كتابه عليه السلام إلى سليم مولى عليّ بن يقطينالكحلعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سليم مولى عليّ بن يقطين (1) ، أنّه كان يلقى من رمد عينيه أذىً . قال : فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام ابتداء من عنده : ما يَمنَعُكَ مِن كُحلِ أبي جَعفَرٍ عليه السلام ؟ جُزءُ كافورٍ رَباحِيٍّ وَجُزءُ صَبِر أصقوطِرِيٍّ يُدَقّانِ جَميعاً وَيُنخَلانِ بِحَريرَةٍ يُكتَحَلُ مِنهُ مِثلَ ما يُكتَحَلُ مِنَ الإِثمِدِ ، الكُحلَةُ فِي الشَّهرِ تَحدِرُ كُلَّ داءٍ فِي الرَّأسِ وَتُخرِجُهُ مِنَ البَدنِ . قال : فكانَ يَكتَحِلُ بهِ فَمَا اشتَكى عَينَيهِ حَتّى ماتَ . (2)

.


1- .ذكره التجليل في الثقات فيمن روى عنه ابن عمير ( معجم الثقات : ص 174 الرقم 171) ، مجهول (المعين : ص 16 الرقم 1256 ، ذكره السيد الخوئي . وقال : الظاهر إنّه وسلم مولى علي بن يقطين وأسلم واحد . (معجم رجال الحديث : ج 9 ص241 الرقم 5407 ) .
2- .الكافي : ج8 ص383 ح583 ، بحار الأنوار : ج62 ص150 ، وسائل الشيعة : ج25 ص231 ح31769 ؛ الفصول المهمّة في اُصول الأئمة : ج3 ص139 ح2744 وفيهما : « رياحي » بدل « رباحي » و« سقطري » بدل « أصقوطري » .

ص: 437

الفصل الرّابع : في المواعظ

اشاره

الفصل الرّابع : في المواعظ

.

ص: 438

. .

ص: 439

73 . كتابه عليه السلام إلى هارون الرّشيد : ينبغي للإنسان أن يعتبر بكلّ ما يراه

73كتابه عليه السلام إلى هارون الرّشيدينبغي للإنسان أن يعتبر بكلّ ما يراهمحمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الكوفيّ ، عن سعيد بن عمرو ، عن إسماعيل بن بشر بن عمّار (1) ، قال : كتب هارون الرّشيد إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : عظني وأوجز . قال : فكتب إليه : ما مِن شَيءٍ تَراهُ عَينُكَ إلاّ وفيه مَوعِظَةٌ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَحَسبُنا اللّهُ وَنِعمَ الوَكيلُ . (2)

.


1- .ما وجدنا له عنواناً في كتب الرّجال .
2- .الأمالي للصدوق : ص599 ح829 ، بحار الأنوار : ج71 ص324 ، الفصول المهمّة في اُصول الأئمّة : ج3 ص378 ح3129 وسائل الشيعة : ج15 ص196 ح20263 وفيهما : «إسماعيل بن بشير» بدل «إسماعيل بن بشر».

ص: 440

74 . كتابه عليه السلام إلى معقلة بن إسحاق ، الحكم والآداب والسّنن

74كتابه عليه السلام إلى معقلة بن إسحاقالحكم والآداب والسّننرواه عبد اللّه بن الصّلت 1 في كتاب التّواقيع من اُصول الأخبار ، قال : حملت الكتاب _ وهو الّذي نقلته من العراق _ كتب مصقلة بن إسحاق (1) إلى عليّ بن جعفر رقعة ، يعلمه فيها أنّ المنجّم كتب ميلاده ووقّت عمره وقتاً ، وقد قارب ذلك الوقت وخاف على نفسه ، فأحبّ أن يسأله أن يدلّه على عمل يعمله يتقرّب به إلى اللّه عز و جل ، فأوصل عليّ بن جعفر رقعته _ الّتي كتبها _ إلى موسى بن جعفر عليه السلام ، فكتب إليه :

.


1- .مصقلة بن إسحاق : القميّ ، الأشعريّ ، من أصحاب الإمام الهادي عليه السلام . (راجع : رجال الطّوسي : ح391 الرّقم5770 ).

ص: 441

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم مَتَّعَنِيَ اللّهُ بِكَ ، قَرَأتُ رُقعَةَ فُلانٍ فَأَصابَني وَاللّهِ إلى ما أَخرَجَني إلى بَعضِ لأئمّتك ، سُبحانَ اللّهِ ، أنتَ تَعلَمُ حالَهُ مِنّا وَفي طاعَتِنا واُمورِنا فَما مَنَعَكَ مِن نَقلِ الخَبَرِ إلَينا . لِيَستَقبِلَ الأَمرَ بِبَعضِ السُّهولَةِ حَتّى لَو نَقَلتَ أنَّهُ رَأى رُؤيا في مَنامِهِ ، أو بَلَغَ سِنَّ أبيهِ أو أنكَرَ شَيئاً مِن نَفسِهِ ، فَكانَ الأَمرُ يَخِفُّ وقوعُهُ ، وَيَسهُلُ خَطبُهُ وَيَحتَسِبُ هذِهِ الاُمورَ عِندَ اللّهِ عز و جل . بِالأَمسِ تَذكُرُهُ في اللَّفظِ بِأَن لَيسَ أحَدٌ يَصلُحُ لَنا غَيرُهُ وَاعتِمادُنا عَلَيهِ على ما تَعلَمُ ، فَليَحمِدِ اللّهَ كَثيراً وَيَسأَلُهُ الإمتاعَ بِنِعمَتِهِ وَما أصلَحَ المَولى وَأَحسَنَ الأَعوانُ عَوناً بِرَحمَتِهِ وَمَغفِرَتِهِ ، مُر فُلاناً لا فَجَعَنا اللّهُ بِهِ ، بِما يَقدِرُ عَلَيهِ مِنَ الصِّيامِ كُلَّ يَومٍ أو يَوماً وَيَوماً أو ثَلاثَةً فِي الشَّهرِ ، وَلا يُخلي كُلَّ يَومٍ أو يَومَينِ مِن صَدَقَةٍ على سِتّينَ مِسكيناً ، وَما يُحرِّكُهُ عَلَيهِ النِّسبَةُ ، وَما يَجري ، ثُمَّ يَستَعمِلُ نَفسَهُ في صلاةِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ استِعمالاً شَديداً ، وَكذلِكَ فِي الاستِغفارِ وَقِراءَةِ القُرآنِ ، وَذِكرِ اللّهِ تَعالى وَالاعتِرافِ فِي القُنوتِ بِذُنوبِهِ وَالاِستِغفارِ مِنها وَيَجعَلُ أبواباً فِي الصَّدَقَةِ وَالعِتقِ وَالتَّوبَةِ عَن أشياءَ يُسَمِّيها مِن ذُنوبِهِ ، وَيُخلِصُ نِيَّتَهُ فِي اعتِقادِ الحَقِّ ، وَيَصِلُ رَحِمَهُ وَيَنشُرُ الخَيرَ فيها ، فَنَرجو أن يَنفَعَهُ اللّهُ عز و جللِمَكانِهِ مِنّا ، وَما وَهَبَ اللّهُ تَعالى مِن رِضانا ، وَحَمدِنا إيّاهُ ، فَلَقَد وَاللّهِ ساءَني أمرُهُ فَوقَ ما أصِفُ ، وَأنا أرجو أن يَزيدُ اللّهُ في عُمُرِهِ ، وَيُبطِلُ قَولَ المُنَجِّمِ فيما أطلَعَهُ عَلَى الغَيبِ ، وَالحَمدُ للّهِِ . وقد رأيت هذا الحديث في كتاب التّوقيعات لعبد اللّه بن جعفر الحميريّ رحمه اللهوقد رواه عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، بإسناده إلى الكاظم عليه السلام ، يقول أبو القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن محمّد الطّاووس : فلو كان القول بعلم النّجوم محالاً ، ما كان مولانا الكاظم صلوات اللّه عليه قد اهتمّ بتدبير زواله بما أشار إليه ، ولا كان بلغ الأمر في استعمال صاحب القطع نفسه في صلاة الاستيجار ،

.

ص: 442

وكثرة الاستغفار ، والعتق والصّدقة ممّا يدفع به الأخطار . (1) وفي بحار الأنوار : ومنه ( كتاب ربيع الأبرار ) روى عبد اللّه بن الصّلت في كتاب التّواقيع من اُصول الأخبار ، قال : حملت الكتاب وهو الّذي نقلته من العراق ، قال : كتب معقلة بن إسحاق (2) إلى عليّ بن جعفر رقعة يعلمه فيها أنّ المنجّم كتب ميلاده . . . وَكانَ الأمرُ يَخِفّ وُقوعُهُ ، وَيَسُهلُ خَطبُهُ ، وَيَحتَسِبُ هذِهِ الاُمورَ عِندَ اللّهِ بِالأَمسِ . نَذكُرُهُ فِي اللَّفظَةِ بِأن لَيسَ أحَدٌ يَصلُحُ لَها غَيرُهُ وَاعتِمادُنا عَلَيهِ على ما تَعلَمُ ، نَحمَدُ اللّهَ كَثيراً ، وَنَسأَلُهُ الاستِمتاعَ بِنِعمَتِهِ ، وَبِأَصلَحِ المَوالي وَأَحسَنِ الأَعوانِ عَوناً ، وَبِرَحمَتِهِ وَمَغفِرَتِهِ ، مُر فلاناً _ لا فجعنا اللّه به _ بِما يَقدِرُ عَلَيهِ مِنَ الصِّيامِ على ما أصِفُ : إمّا كُلَّ يَومٍ ، أو يَوماً وَيَوماً لا ، أو ثَلاثَةً في الشَّهرِ ، وَلا يَخلو كُلُّ يَومٍ أو يَومَينِ مِن صَدَقَةٍ على سِتّينَ مِسكيناً،أو مايُحَرِّكُهُ عَلَيهِ النِّيَّةُ (3) وَما جَرى وَتَمَّ ، وَيَستَعمِلُ نَفسَهُ في صَلاةِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ استِعمالاً شَديداً،وَكذلِكَ فِي الاستِغفارِ وَقِراءَةِ القُرآنِ وَذِكرِ اللّهِ تَعالى ، وَالاِعتِرافِ فِي القُنوتِ بِذُنوبِهِ ، وَيَستَغفِرُ اللّهَ مِنها ، وَيجعَلُ أبواباً فِي الصَّدَقَةِ وَالعِتقِ عَن أشياءَ يَعلَمُها (4) مِن ذُنوبِهِ ، وَيُخلِصُ نِيَّتَهُ فِي اعتِقادِ الحَقِّ ، وَيَصِلُ رَحِمَهُ ، وَيَنشُرُ الخَيرَ فيها ، وَنَرجو أن يَنفَعَهُ مَكانُهُ مِنّا ، وَما وَهَبَ اللّهُ مِن رِضانا عَنهُ وَحَمدِنا إيّاهُ ، فَلَقَد وَاللّهِ ساءَني أمرُهُ فَوقَ ما أصِفُ ، على أنَّهُ أرجو أن يَزيدَ اللّهُ في عُمُرِهِ ، وَيُبطِلَ قَولَ المُنجِّمِ ، فَما أطلَعَهُ اللّهُ عَلَى الغَيبِ وَالحَمدُ للّهِِ . وقد رأيت هذا الحديث في كتاب التّوقيعات لعبد اللّه بن جعفر الحميريّ رحمة اللّه عليه ، قد رواه عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، بإسناده إلى الكاظم عليه السلام .

.


1- .فرج المهموم : ص114 ، مسائل عليّ بن جعفر : ص349 ح864 نقلاً عنه .
2- .ما وجدنا له عنواناً في كتب الرّجال .
3- .وفي هامش المصدر : « النسبة » .
4- .في المصدر : « يُسَمِّها » ، وما أثبتناه من نسخة اُخرى هو الصحيح .

ص: 443

75 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جندب ، الإحسان إلى الميّت / برّ الوالدين
76 . كتابه عليه السلام إلى مهران ، الصّبر على الشّدايد

والنّسخة كانت في هذه الرّواية سقيمة جدّاً ، ولم نجدها في مكان آخر نصلحها به ، فتركناها كما كانت . (1)

75كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جندبالإحسان إلى الميّت / برّ الوالدينأحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن عبد اللّه بن جندب (2) قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام أسأله عن الرّجل يريد أن يجعل أعماله من الصّلاة والبرّ والخير أثلاثاً : ثلثاً له ، وثلثين لأبويه ، أو يفردهما من أعماله بشيء ممّا يتطوّع به ، بشيء معلوم ، وإن كان أحدهما حيّاً والآخر ميّتاً . فكتب إليّ : أمّا لِلمَيّتِ فَحَسَنٌ جائِزٌ ، وَأَمّا لِلحَيِّ فَلا ، إلاّ البِرِّ وَالصِّلَةَ . (3)

76كتابه عليه السلام إلى مهرانالصّبر على الشّدايدمهران 4 ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أشكو إليه الدَّين وتغيّر الحال . فكتب لي :

.


1- .بحار الأنوار : ج58 ص255 ح46.
2- .راجع الكتاب : الواحد والثّمانون .
3- .قرب الإسناد : ص311 ح1212 ، بحار الأنوار : ج74 ص67 ح39 نقلاً عنه.

ص: 444

77 . فعل المعروف / قضاءُ حاجة المؤمن

اصبِر تُؤجَر ، فَإِنَّكَ إن لم تَصبِر لَم تُؤجَر ، وَلَم تَرُدَّ قَضاءَ اللّهِ عز و جل . (1)

77فعل المعروف / قضاءُ حاجة المؤمنمن كتاب قضاء حقوق المؤمنين لأبي عليّ بن طاهر الصّوري ، بإسناده عن رجل من أهل الرّي ، قال : وُلّي علينا بعض كتّاب يحيى بن خالد 2 ، وكان عليّ

.


1- .مشكاة الأنوار : ص58 ح64 ، بحار الأنوار : ج18 ص184.

ص: 445

بقايا يطالبني بها ، وخفت من إلزامي إيّاها خروجاً عن نعمتي ، وقيل لي : إنّه ينتحل هذا المذهب ، فخفت أن أمضي إليه فلا يكون كذلك فأقع فيما لا اُحبّ ، فاجتمع رأيي على أنّي هربت إلى اللّه تعالى ، وحججت ولقيت مولاي الصّابر _ يعني موسى بن جعفر عليه السلام _ فشكوت حالي إليه فأصحبني مكتوباً نسخته : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم اعلَم أنَّ اللّهَ تَحتَ عَرشِهِ ظِلاًّ لا يَسكُنُهُ إلاّ مَن أسدى إلى أخيهِ مَعروفاً ، أو نَفَّسَ عَنهُ كُربَةً ، أو أدخَلَ على قَلبِهِ سُروراً ، وَهذا أخوكَ وَالسَّلامُ . قال : فعدت من الحجّ إلى بلدي ، ومضيت إلى الرّجل ليلاً ، واستأذنت عليه وقلت : رسول الصّابر عليه السلام فخرج إليّ حافياً ماشياً ، ففتح لي بابه ، وقبّلني وضمّني إليه ، وجعل يقبّل بين عينيَّ ، ويكرّر ذلك كلّما سألني عن رؤيته عليه السلام ، وكلّما أخبرته بسلامته وصلاح أحواله استبشر وشكر اللّه ، ثمّ أدخلني داره وصدّرني في مجلسه وجلس بين يدي ، فأخرجت إليه كتابه عليه السلام ، فقبَّله قائماً وقرأه ثمّ استدعى بماله وثيابه ، فقاسمني ديناراً ديناراً ، ودرهماً درهماً ، وثوباً ثوباً ، وأعطاني قيمة ما لم يمكن قسمته ، وفي كلّ شيء من ذلك يقول : يا أخي هل سررتك فأقول : إي واللّه ، وزدت على السّرور ، ثمّ استدعى العمل فأسقط ما كان باسمي، وأعطاني براءة ممّا يتوجّه عليّ منه ، وودّعته ، وانصرفت عنه . فقلت : لا أقدر على مكافاة هذا الرّجل إلاّ بأن أحجّ في قابل وأدعو له ، وألقى الصّابر عليه السلام واُعرّفه فعله ، ففعلت ولقيت مولاي الصّابر عليه السلام ، وجعلت اُحدِّثه ووجهه يتهلّل فرحاً ، فقلت : يا مولاي هل سرّك ذلك ؟ فقال : إي وَاللّهِ ، لَقَد سَرَّني وَسَرَّ

.

ص: 446

78 . كتابه عليه السلام إلى موسى بن بكر الواسطيّ ، توديع المسافر والدّعاء له

أميرَ المُؤمِنينَ ، وَاللّهِ لَقَد سَرَّ جَدّي رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَلَقَد سَرَّ اللّهَ تَعالى . (1)

78كتابه عليه السلام إلى موسى بن بكر الواسطيّتوديع المسافر والدّعاء لهأبو الجهم هارون بن الجهم ، عن موسى بن بكر الواسطيّ (2) ، قال : أردت وداع أبي الحسن عليه السلام فكتب إليّ رقعة : كَفاكَ اللّهُ المُهِمَّ ، وَقَضى لَكَ بِالخَيرِ ، ويَسَّرَ لَكَ حاجَتَكَ في صُحبَةِ اللّهِ وَكَنَفِهِ . (3)

.


1- .بحار الأنوار :ج48 ص174 ح16 وج74 ص312 ح69 ، مستدرك الوسائل :ج13 ص132 ح14997 نقلاً عنه .
2- .راجع الكتاب : السّادس والثّمانون .
3- .المحاسن : ج2 ص98 ح1258 ، بحار الأنوار : ج76 ص280 ، وسائل الشيعة : ج11 ص408 ح15122 وفيهما : « يسر » بدل « سير » .

ص: 447

الفصل الخامس : في الدّعاء

اشاره

الفصل الخامس : في الدّعاء

.

ص: 448

. .

ص: 449

79 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جندب ، الدّعاء الّذي يقرّب الرّبّ ويزيد الفهم والعلم

79كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جندبالدّعاء الّذي يقرّب الرّبّ ويزيد الفهم والعلمجعفر بن محمّد الفزاريّ معنعناً : عن الحسين بن عبد اللّه بن جندب ، قال : أخرج إلينا صحيفة فذكر أنّ أباه (1) كتب إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلِتُ فِداكَ ، إنّي قد كبرت وضعفت وعجزت عن كثير ممّا كنت أقوى عليه ، فاُحبّ _ جُعلِتُ فِداكَ _ أن تعلّمني كلاماً يقرّبني من ربّي ، ويزيدني فهماً وعلماً . فكتب إليه : قَد بَعَثتُ إليكَ بِكِتابٍ فَاقرَأهُ وَتَفَهَّمهُ ، فَإِنَّ فيهِ شِفاءً لِمَن أرادَ اللّهُ شِفاهُ وَهُدىً لِمَن أرادَ اللّهُ هُداهُ ، فَأَكثِر مِن ذِكرِ بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ . وَاقرَأها على صَفوانَ وَآدَمَ . (2)

.


1- .ذكره الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام ، ووثقّه (رجال الطوسي : ص232 الرقم 3143 وص340 الرقم 5059 وص359 الرقم 5316) ، وقال في الغيبة : كان وكيلاً لأبي ابراهيم وأبي الحسن عليهماالسلام ، كان عابدا رفيع المنزلة . . . ( الغيبة للطوسي : ص 348 ) ، وعنونه الكشي في رجاله ومدحه . ( راجع رجال الكشي : ج 2 ص 585 الرقم 1096 الى 1098 ) .
2- .تفسير فرات الكوفي : ص283 ح384 ، بحار الأنوار : ج23 ص312 ح20.

ص: 450

80 . الدّعاء بعد الفريضة

80الدّعاء بعد الفريضةفي البحار نقلاً عن الكتاب العتيق : لبعض قدماء علمائنا ، عن أبي الحسن أحمد بن عنان ، يرفعه عن معاوية بن وهب البجليّ 1 ، قال : وجدت في ألواح أبي بخطّ مولانا موسى بن جعفر صلواتُ اللّه عليهما : إنّ من وُجوبِ حَقِّنا على شيعَتِنا أن لا يَثنوا أرجُلَهُم مِن صَلاةِ الفَريضَةِ أو يَقولوا : اللَّهُمَّ بِبِرِّكَ القَديمِ ، وَرَأفَتِكَ ، بِتَربِيَتِكَ اللَّطيفَةِ وشَرَفِكَ ، بِصَنعَتِكَ المُحكَمَةِ وَقُدرَتِكَ ، بِسَترِكَ الجَميلِ وَعِلمِكَ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَحيِ قُلوبَنا بِذكِرِكَ ، وَاجعَل ذُنوبَنا مَغفورَةً ، وَعُيوبَنا مَستورَةً ، وَفَرائِضَنا مَشكورَةً ، وَنَوافِلَنا مَبرورَةً ، وَقُلوبَنا بِذِكرِكَ مَعمورَةً ، وَنُفوسَنا بِطاعَتِكَ مَسرورَةً ، وَعُقولَنا على تَوحيدِكَ مَجبورَةً ، وَأَرواحَنا عَلى دينِكَ مَفطورَةً ،وَجَوارِحَنا على خِدمَتِكَ مَقهورَةً ، وَأَسماءَنا في خَواصِّكَ مَشهورَةً ، وَحَوائِجَنا لَدَيكَ مَيسورَةً ، وَأَرزاقَنا مِن خَزائِنِكَ مَدرورَةً ، أنتَ اللّهُ الّذي لا إلهَ إلاّ أنتَ ، لَقَد فازَ مَن والاكَ ، وَسَعِدَ مَن ناجاكَ ، وَعَزَّ مَن ناداكَ ، وَظَفَرَ مَن رَجاكَ ، وَغَنِمَ مَن قَصَدَكَ ، وَرَبِحَ مَن تاجَرَكَ ، وَأَنتَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ .

.

ص: 451

81 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جندب ، الدّعاء في سجدتي الشّكر

اللَّهُمَّ وَصَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاسمَع دُعائي كَما تَعلَمُ فَقري إلَيكَ ، إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . (1) وفي المصباح : وكان أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام يدعو عقيب الفريضة فيقول : اللَّهُمَّ ! بِبِرِّكَ القَديمِ ، وَرَأَفتِكَ بِبَرِيَّتِكَ اللَّطيفَةِ ، وَشَفَقَتِكَ بِصَنَعتِكَ المُحكَمَةِ وَقُدرَتِكَ ، بِسَترِكَ الجَميلِ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدِ ، وَأَحيِ قُلوبَنا بِذِكرِك ، وَاجعَل ذُنوبَنا مَغفورَةً ، وَعُيوبَنا مَستورَةً ، وَفَرائِضَنا مَشكورَةً ، وَنَوافِلَنا مَبرورَةً وَقُلوبَنا بِذِكرِكَ مَعمورَةً وَنُفوسَنا بِطاعَتِكَ مَسرورَةً ، وَعُقولَنا على تَوحيدِكَ مَجبورَةً ، وَأَرواحَنا على دينِكَ مَفطورَةً ، وَجَوارِحَنا على خِدمَتِكَ مَقهورَةً ، وَأَسماءَنا في خَواصِّكَ مَشهورَةً ، وَحَوائِجَنا لَدَيكَ مَيسورَةً ، وَأَرزاقَنا مِن خَزائِنِكَ مَدرورَةً ، أنتَ اللّهُ الَّذي لا إلهَ إلاّ أنتَ ، لَقَد فازَ مَن والاكَ وَسَعِدَ مَن ناجاكَ وَعَزَّ مَن ناداكَ ، وَظَفَرَ مَن رجاكَ ، وَغَنِمَ مَن قَصَدَكَ ، وَرَبِحَ مَن تاجَرَكَ . (2)

81كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جندبالدّعاء في سجدتي الشّكركتب أبو إبراهيم عليه السلام إلى عبد اللّه بن جُندَب ، فقال :إذا سَجَدتَ فَقُل : اللَّهُمَّ إنّي اُشهِدُكَ ، واُشهِدُ مَلائِكَتَكَ وَأنبِياءَكَ وَرُسُلَكَ وَجَميعَ خَلقِكَ ، بِأَنَّكَ أنتَ اللّهُ رَبّي ، وَالإِسلامُ ديني ، وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي ، وَعَلِيٌّ وَلِيِّي ، وَالحَسَنُ وَالحُسَينُ وَعَلِيُّ بنُ الحُسَينِ وَمحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ وَجَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ وَموسى بنُ جَعفَرٍ

.


1- .بحار الأنوار : ج86 ص53 ح58 ، مستدرك الوسائل : ج5 ص72 ح5387.
2- .مصباح المتهجّد : ص59 ، الرّسائل العشر : ص299 ، بحار الأنوار : ج86 ص 54 ح59 وفيه : « مصباح الشّيخ والبلد الأمين وجنّة الأمان واختيار ابن الباقي وغيرها قالوا : كان أبو الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام يدعو عقيب كلّ فريضة فيقول : اللّهمّ ببرك القديم ورأفتك . . . » .

ص: 452

وَعَلِيُّ بنُ موسى وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ وَالخَلَفُ الصّالِحُ صَلواتُكَ عَلَيهِم أئِمَّتي ، بِهِم أتوَلّى وَمِن عَدُوِّهِم أتبرّأ . اللَّهُمَّ ! إنّي اُنشِدُكَ دَمَ المَظلومِ _ ثَلاثاً _ . اللَّهُمَّ إنّي أنشُدُكَ بِوَأيِكَ على نَفسِكَ لِأَوليائِكَ لَِتُظهَرِنَّهُم على عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِم أن تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَعَلَى المُستَحفَظينَ مِن آلِ مُحَمَّدٍ _ ثَلاثاً _ . وَتَقولُ : اللّهُمَّ ! إنّي اُنشدُكَ بِإِيوائِكَ ( بَوأيكَ ) على نَفسِكَ لِأَعدائِكَ لَتَهلِكَنَّهُم وَلَتَخزِيَنَّهُم بِأَيديهِم وَأَيدي المُؤمِنينَ أن تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَعَلَى المُستَحفَظينَ مِن آلِ مُحَمَّدٍ _ ثَلاثاً _ . وَتَقولُ : اللَّهُمَّ ! إنّي أسأَلُكَ اليُسرَ بَعدَ العُسرِ _ ثَلاثاً _ . ثُمَّ تَضَعُ خَدَّكَ الأَيمَنَ عَلَى الأَرضِ وَتَقولُ : يا كَهفي حينَ تُعيينِيَ المَذاهِبُ ، وَتَضيقُ عَلَيَّ الأَرضُ بِما رحُبَت ! وَيا بارِئَ خَلقي رَحمَةً لي وَكانَ عَن خَلقي غَنِيّاً ، صَلِّ على مُحَمِّدٍ وَعَلَى المُستَحفَظينَ مِن آلِ مُحَمَّدٍ _ ثَلاثاً _ . ثُمَّ تَضَعُ خَدَّكَ الأَيسَرَ عَلَى الأَرضِ ، وَتَقولُ : يا مُذِلَّ كُلِّ جَبّارٍ ! وَيا مُعِزَّ كُلِّ ذَليلٍ ! قَد وَعِزَّتِكَ بَلَغَ مَجهودي فَفَرِّج عَنِّي _ ثلاثاً _ . ثُمَّ تَقولُ : يا حَنّانُ ! يا مَنّانُ ! يا كاشِفَ الكُرَبِ العِظامِ _ ثَلاثاً _ . ثُمَّ تَعودُ إلَى السُّجودِ ، وَتَضَعُ جَبهَتَكَ عَلَى الأَرضِ ، وَقُل : شُكراً شُكراً _ مِئَةً مَرَّةٍ _ . ثُمَّ تَقولُ : يا سامِعَ الصَّوتِ ! يا سابِقَ الفَوتِ ! يا بارِئَ النُّفوسِ بَعدَ المَوتِ ، صَلِّ على مُحَمِّدٍ وَعلى آلِ مُحَمَّدٍ وَافعَل بي كَذا وَكَذا . (1)

.


1- .مصباح المتهجّد : ص238 ، بحار الأنوار : ج86 ص235 ح59.

ص: 453

82 . كتابه عليه السلام إلى سليمان بن حفص المروزيّ

أقولُ : قال العلاّمة المجلسي رحمة اللّه عليه : هذا الدّعاء رواه الكليني (1) والصّدوق (2) والشّيخ (3) وغيرهم رضوان اللّه عليهم ، بأسانيد حسنة لا تقصر عن الصّحيح ، عن عبد اللّه بن جندب ، قال : سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام عمّا أقول في سجدة الشّكر ، فقد اختلف أصحابنا فيه ، فقال : قل وأنت ساجد ، وذكر الدّعاء ، وفيها وعليّ وفلان وفلان إلى آخرهم أئمّتي . وفي الفقيه ذكر أسماءهم عليهم السلام ، وليس في الكافي والتّهذيب : « اللّهمّ إنّي أنشدك بوأيك على نفسك لأعدائك » إلى قوله : ثلاثاً . وفي الفقيه موجود هكذا : « لتهلكنّهم بأيدينا وأيدي المؤمنين » ومقدّمة على فقرة الأولياء ، وفيها جميعاً : « بعدوّك وعدوّهم » وليس فيها ففرّج عنّي . . . (4)

82كتابه عليه السلام إلى سليمان بن حفص المروزيّعليّ بن إبراهيم ، عن عليّ بن محمّد القاسانيّ ، عن سليمان بن حفص المروزيّ 5 ، قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام في سجدة الشّكر ، فكتب إليّ :

.


1- .الكافي : ج3 ص325 ح 17 .
2- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص329 ح 967 .
3- .تهذيب الأحكام : ج2 ص111 ح 416 .
4- .بحار الأنوار : ج86 ص236 .

ص: 454

83 . كتابه عليه السلام إلى حاتم بن الفرج ، ما يستحبّ أن يقرأ في بعض النّوافل

مِئَةَ مَرَّةٍ شُكراً شُكراً وَإِن شِئتَ عَفواً عَفواً . (1) وفي الفقيه ينسب هذه الرّواية إلى الإمام الرّضا عليه السلام : روي عن سليمان بن حفص المروزيّ أنّه قال : كتب إليّ أبو الحسن الرّضا عليه السلام : قُل في سَجدَةِ الشُّكرِ مِئَةَ مَرَّةٍ « شُكراً شُكراً » وَإِن شِئتَ « عَفواً عَفواً » . (2) وفي العيون : حدّثنا أبي رضى الله عنه ، قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن سليمان بن حفص المروزيّ ، قال : كتب إليّ أبو الحسن عليه السلام : قُل في سَجدَةِ الشُّكرِ مِئَةَ مَرَّةٍ شُكراً شُكراً وَإِن شِئتَ عَفواً عَفواً . وَقالَ مصنّف هذا الكتاب : لقي سليمان بن حفص موسى بن جعفر والرّضا عليهماالسلامجميعاً ، ولا أدري هذا الخبر عن أيّهما هو ؟ (3)

83كتابه عليه السلام إلى حاتم بن الفرجما يستحبّ أن يقرأ في بعض النّوافلأبو محمّد هارون بن موسى رضى الله عنه قال : حدّثنا محمّد بن همّام ، قال : حدّثنا أحمد بن مابنداد ، عن أحمد بن هليل الكرخيّ ، قال : حدّثني حاتم بن الفرج (4) ، قال : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام عمّا يُقرأ في الأربع ركعات ؟ فكتب بخطّه عليه السلام : في أوَّلِ رَكعَةٍ « قل هو اللّه أحد » وفي الثّانية « إنّا أنزلناه » ، وَفِي الرَّكَعَتينِ الأَخيرَتَينِ في أوَّلِ رَكعَةِ مِنها آياتٌ مِن أوَّلِ البَقَرَةِ ، وَمِن وَسَطِ السّورَةِ « وإلهكم إله

.


1- .الكافي : ج3 ص326 ح18 ، تهذيب الأحكام : ج2 ص111 ح417.
2- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص332 ح970 .
3- .عيون أخبار الرضا : ج 1 ص 280 ح23 .
4- .في رجال الشّيخ عدّه من أصحاب الهاديّ عليه السلام .(الرّقم 5679 ).

ص: 455

84 . كتابه عليه السلام إلى زياد القنديّ ، الدّعاء في الإبتلاء

واحد » ثُمَّ يَقرَأُ « قل هو اللّه أحد» خَمسَ عَشرَةَ مَرَّةً . (1) وفي مصباح المتهجّد : والأفضل تأخير سجدة الشّكر إلى بعد النّوافل ، ثمّ تقوم ، فتصلّي الأربع الرّكعات ، ويستحبّ أن تقرأ في الرّكعة الاُولى : الحمد مرّة ، وقل هو اللّه أحد . ثلاث مرّات ، وفي الثّانية : الحمد ، وإنّا أنزلناه في ليلة القدر ، وفي الثّالثة : الحمد وأربع آيات من أوّل البقرة ، ومن وسط السّورة « وإلهكم إله واحد » ، إلى قوله : « تعقلون » ، ثمّ تقرأ خمس عشر مرّة « قل هو اللّه أحد » . وفي الرّابعة : الحمد وآية الكرسي وآخر سورة البقرة ، ثمّ تقرأ خمس عشر مرّة « قل هو اللّه أحد » . (2)

84كتابه عليه السلام إلى زياد القنديّالدّعاء في الإبتلاءعليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ، عن ابن أبي عمير ، عن زياد القنديّ (3) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام : علّمني دعاء فإنّي قد بليت بشيء ، وكان قد حبس ببغداد حيث اتّهم بأموالهم فكتب إليه : إذا صَلَّيتَ فَأَطِلِ السُّجودُ ثُمَّ قُل : « يا أحَدَ مَن لا أحَدَ لَهُ » حَتّى ينقَطِعَ النَّفَسُ ، ثُمَّ قُل : « يا من لا يَزيدُهُ كَثرَةُ الدُّعاءِ إلاّ جوداً وَكَرَماً » حتّى ينقَطِعَ نَفَسُكَ ، ثُمَّ قُل : « يا رَبَّ الأَربابِ ، أنتَ أنتَ أنتَ الَّذي انقَطَعَ الرَّجاءُ إلاّ مِنكَ ، يا عليُّ يا عَظيمُ » . قالَ زِيادٌ : فَدَعَوتُ بِهِ فَفَرَّجَ اللّهُ عَنِّي وَخُلِّي سَبيلي . (4)

.


1- .فلاح السّائل: ص413 ح 284، بحار الأنوار : ج87 ص90 ح9 ، مستدرك الوسائل : ج4 ص171 ح4407 وزاد في آخره « ويقرأ في الركعة الرابعة آية الكرسي وآخر سورة البقرة ، ثمّ يقرأ قل هو اللّه أحد خمس عشرة مرّة» .
2- .مصباح المتهجّد : ص98 .
3- .راجع الكتاب : السبعون .
4- .الكافي : ج3 ص328 ح25 ، بحار الأنوار : ج86 ص232 .

ص: 456

85 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن خالد ، الدّعاء للكرب والدّين
86 . كتابه عليه السلام إلى موسى بن بكر ، الدّعاء للمظالم / الدّعاء للدّين

85كتابه عليه السلام إلى الحسين بن خالدالدّعاء للكرب والدّينالحسين بن خالد (1) ، قال : لزمني دين ببغداد ثلاثمئة ألف ، وكان لي دين عند النّاس أربعمئة ألف ، فلم يدعني غرمائي أن أقتضي ديني واُعطيهم ، قال : فحضر الموسم فخرجت مستتراً وأردت الوصول إلى أبي الحسن عليه السلام فلم أقدر ، فكتبت إليه أصف له حالي ، وما عليّ ، وما لي . فكتب إليّ في عرض كتابي : قُل في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ : اللَّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ يا لا إلهَ إلاّ أنتَ بِحَقِّ لا إلهَ إلاّ أنتَ أن تَرحَمَني بِلا إله إلاّ أنتَ ، اللَّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ يا لا إلهَ إلاّ أنتَ بِحَقِّ لا إلهَ إلاّ أنتَ أن تَرضى عَنِّي بِلا إلهَ إلاّ أنتَ ، اللَّهمَّ إنّي أسأَلكُ يا لا إلهَ إلاّ أنتَ بِحَقِّ لا إلهَ إلاّ أنتَ أن تَغفِرَ لِي بِلا إلهَ إلاّ أنتَ . أعدِ ذلِكَ ثَلاثَ مَرّاتٍ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةِ فَريضَةٍ ، فَإِنَّ حاجَتَكَ تُقضى إن شاءَ اللّهُ . قال الحسين : فَأَدَمتُها ، فَوَ اللّهِ ما مَضَت بي إلاّ أربَعَةُ أشهُرٍ حَتّى أقتَضَيتُ دَيني وَقَضَيتُ ما عَلَيَّ ، واستَفضَلتُ مِئَةَ ألفِ دِرهَمٍ . (2)

86كتابه عليه السلام إلى موسى بن بكرالدّعاء للمظالم / الدّعاء للدّينعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد اللّه بن المغيرة ، عن موسى بن بكر (3) ، عن أبي

.


1- .راجع الكتاب : الثالث والسّتون .
2- .مكارم الأخلاق : ج 2 ص147 ح 2363 ، بحار الأنوار : ج95 ص302 ح5 .
3- .مقاييس اللغة : ج 3 ، ص 30 «زهد» .

ص: 457

إبراهيم عليه السلام ، كان كتبه لي في قرطاس : اللّهُمَّ اردُد إلى جَميعِ خَلقِكَ مَظالِمَهُمُ الَّتي قِبَلي ، صَغيرَها وَكَبيرَها ، في يُسرٍ مِنكَ وَعافِيَةٍ ، وَما لَم تَبلُغهُ قُوَّتي ، وَلَم تَسَعهُ ذاتُ يَدي ، وَلَم يَقوَ عَلَيهِ بَدَني وَيَقيني وَنَفسي ، فَأَدِّهِ عَنّي مِن جَزيلِ ما عِندَكَ مِن فَضلِكَ ، ثُمَّ لا تُخلِف عَلَيَّ مِنهُ شَيئاً تَقضيهِ مِن حَسَناتي يا أرحَمَ الرّاحِمينَ ، أشهَدُ أن لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ وَأشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُهُ وَأَنَّ الدّينَ كما شَرَعَ ، وَأَنَّ الإِسلامَ كَما وَصَفَ ، وَأَنَّ الكِتابَ كَما اُنزَلَ وَأَنَّ القَولَ كَما حَدَّثَ ، وَأَنَّ اللّهَ هُوَ الحَقُّ المُبينُ ، ذَكَرَ اللّهُ مُحَمَّداً وَأَهلَ بَيتِهِ بِخَيرٍ ، وَحَيّا مُحَمّداً وَأَهلَ بَيتِهِ بِالسَّلامِ . 1

.

ص: 458

87 . كتابه عليه السلام إلى مروان العبديّ ، الأدعية الموجزة للأمراض والأوجاع
88 . إملاؤه عليه السلام إلى أحمد بن بشارة ، ما يداوى به السِّلُ

87كتابه عليه السلام إلى مروان العبديّالأدعية الموجزة للأمراض والأوجاعمروان العبديّ (1) ، قالَ : كَتَبتُ إلى أبي الحَسَنِ عليه السلام أشكو إلَيهِ وَجَعاً بي . فَكَتَبَ : قُل : يا مَن لا يُضامُ وَلا يُرامُ ، يا مَن بِهِ تَواصَلُ الأَرحامُ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَعافِني مِن وَجَعي هذا . (2)

88إملاؤه عليه السلام إلى أحمد بن بشارةما يداوى به السِّلُجعفر بن محمّد بن إبراهيم ، قال : حدّثنا أحمد بن بشارة (3) : حججت فأتيت المدينة فدخلت مسجد الرّسول صلى الله عليه و آله ، فإذا أبو إبراهيم جالس في جنب المنبر ، فدنوت فقبّلت رأسه ويديه وسلّمت عليه ، فردّ عليّ السّلام وقال : كَيفَ أنتَ مِن عِلَّتِكَ؟ قُلتُ : شاكِياً بَعدُ _ وَكانَ بِيَ السِّلُّ _ . فقال : خُذ هذا الدَّواءَ بِالمَدينَةِ قَبلَ أن تَخرُجَ إلى مَكَّةَ ؛ فَإِنَّكَ تُعافى فيها . وَقَد عوفيتَ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى . فَاخرَجتُ الدَّواةَ وَالكاغِذَ وَأَملى عَلَينا :

.


1- .ما وجدنا له بهذا العنوان ترجمة في كتب الرّجال بأيدينا ، وفي البحار : «القنديّ» بدل «العبديّ ». راجع : زياد بن مروان (ج 62 ص 210) .
2- .الدعوات : ص190 ح527 ، بحار الأنوار : ج95 ص17 ح18.
3- .يوسف : 20 .

ص: 459

يُؤخَذُ سُنبُلٌ وَقاقِلَةٌ وَزَعفَرانُ وَعاقِر قَرحا وَبَنجٌ وَخَربَقٌ أبيَضٌ ، أجزاءٌ بِالسَّوِيَّةِ ، وَأَبرفيونُ جزءان ، يُدَقُّ وَيُنخَلُ بحَريرَةٍ وَيُعجَنُ بِعَسَلٍ مَنزوعِ الرَّغوَةِ ، وَيُسقى صاحِبُ السِّلِ مِنهُ مِثلَ الحُمُّصَةِ بِماءٍ مُسَخَّنٍ عِندَ النَّومِ ، وَإِنَّكَ لا تَشرَبُ ذلِكَ إلاّ ثَلاثَ لَيالٍ حَتّى تُعافى مِنهُ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى . فَفَعَلتُ ، فَدَفَعَ اللّهُ عَنّي، فَعوفيتُ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى . (1) وفي الفصول المهمَّة : الحسين بن بسطام في طبّ الأئمّة عليهم السلام ، عن جعفر بن محمّد بن إبراهيم ، عن أحمد بن بشارة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، في حديث أنّه قال له : كَيفَ أنتَ مِن عِلَّتِكَ ؟ قُلتُ : شاكِياً ، وَكانَ بِيَ السِّلُّ فَقالَ لي : خُذ هذا الدَّواءَ بِالمَدينَةِ قَبلَ أن تَخرُجَ إلى مَكَّةَ فَإِنَّكَ تُوافيها وَقَد عُوفيتَ بِإِذنِ اللّهِ عز و جل ، فَأخرَجتُ الدَّواة وَالكاغِذَ وَأَملى عَلَينا : يُؤخَذُ سُنبُلٌ وَقاقِلَةٌ وزَعفرانٌ وَعاقِر قَرحاءَ وَبَنجُ وَحِزبَقٌ أبيَضٌ وَفُلفُلُ أبيَضُ ، أجزاءٌ بِالسَّوِيَّةِ ، وَأَبرَفيونُ جزءان ، يُدَقُّ وَيُنخَلُ بِحَريرَةٍ وَيُعجَنُ بِعَسَلٍ مَنزوعِ الرَّغوَةِ وَيُسقى صاحِبُ السِّلِّ ، مِثلَ الحُمُّصَّةِ بِماءٍ مُسَخَّنٍ عِندَ النَّومِ ، فَإِنَّكَ لا تَفعَلُ ذلِكَ إلاّ ثَلاثَ لَيالٍ حَتّى تُعافى مِنهُ بِإِذنِ اللّهِ . فَفَعَلتُ فَدَفَعَ اللّهُ عَنّي وَعوفيتُ بِإِذنِ اللّهِ . (2) وفي البحارِ ذُكِرَ ذَيلَ هذهِ الرِّوايةِ بيانٌ : المراد بالبنج بزره أو ورقه قبل أن يعمل ويصير مسكراً ، وقد يقال : إنّه نوع آخر غير ما يعمل منه المسكر . قال ابن بيطار في جامعه : بنج هو السّيكران بالعربيّة ، قال ديقوريدس : له قضبان غلاظ ، وورق

.


1- .ما وجدنا له عنواناً في كتب الرّجال .
2- .طبّ الأئمّة لابني بسطام : ص85 ، بحار الأنوار : ج62 ص179 ح1 ، مستدرك الوسائل : ج16 ص463 ح20551 كلاهما نقلاً عنه .

ص: 460

عراض صالحة الطّول ، مشقّقة الأطراف إلى السّواد ، عليها زغب (1) ، وعلى القضبان ثمر ، شبيه بالجُلَّنار في شكله ، متفرّق في طول القضبان ، واحد بعد واحد ، كلّ واحد منها مطبق بشيء شبيه بالتّرس ، وهذا الثّمر ملآن بزرا شبيها ببزر الخشخاش . وهو ثلاثة أصناف : منه ماله دهن ، لونه إلى لون الفرفير ، وورق شبيه بورق النّبات الّذي يقال له : عين اللّوبيا ، وورق أسود ، وزهره شبيه بالجُلَّنار مشوك . ومنه ماله زهر لونه شبيه بلون التُّفاح ، وورقه وزهره ألين من ورق وحمل الصّنف الأوّل ، وبزر لونه إلى الحمرة شبيه ببزر النّبات الّذي يقال له : أروسمين ، وهو التّوذري . وهذان الصّنفان يجنّنان ويسبّتان ، (2) وهما رديّان لا منفعة فيها في أعمال الطّب . وأمّا الصّنف الثّالث فإنّه ينتفع به في أعمال الطّب ، وهو ألينها قوّة وأسلسها ، وهو ألين في المجسّ (3) وفيه رطوبة تدبق (4) باليد ، وعليه شيء فيما بين الغبار والزّغب ، وله زهر أبيض ، وبزر أبيض ، وينبت في القرب من البحر ، وفي الخرابات . فإن لم يحضر هذا الصّنف فليستعمل بدله الصّنف الّذي بزره أحمر . وأمّا الصّنف الّذي بزره أسود فينبغي أن يرفض ، لأنّه شرّها . وقد يدقّ الثّمر مع الورق والقضبان كلّها رطبة ، وتخرج عصارتها وتجفّف في الشّمس . وإنّما تستعمل نحو من سنة فقط لسرعة العفونة إليها ، وقد يؤخذ البزر على حدته وهو يابس ، يدقّ ويرشّ عليه ماء حارّ في الدّقّ وتخرج عصارته . وعصارة هذا النّبات هي أجود من صمغه ، وأشدّ تسكيناً للوجع ، وقد يدقّ هذا النّبات ويخلط بدقيق الحنطة وتعمل منه أقراص وتخزن . قال : وإذا اُكل البنج أسبت وخلط الفكر مثل الشّوكران من الطُّلا . وقال الرّازي :

.


1- .الفصول المهمة في اُصول الأئمّة : ج3 ص192 ح2835 .
2- .الزّغب بفتح المعجمتين : صغار الشّعر والرّيش .
3- .أي يورثان الجنون والسّبات وهو تعطّل القوى كالغشى والنّوم .
4- .المجس : موضع اللّمس .

ص: 461

89 . كتابه عليه السلام في عوذة لِحُمَّى الرَّبعِ ، الدّعاءُ لِلحُمَّى

يعرض لمن شرب البنج سكر شديد ، واسترخاء الأعضاء ، وزبد يخرج من الفم ، وحمرة في العين . وقال عيسى بن عليّ : من شرب من بزر البنج الأسود درهمين قتله ، ويعرض لشاربه ذهاب العقل ، وبرد البدن كلّه ، وصفرة اللّون ، وجفاف اللّسان ، وظلمة في العين ، وضيق نفس شديد ، وشبيه بالجنون ، وامتناع الكلام . وقال جالينوس : أمّا البنج الّذي بزره أسود فهو يحرّك جنوناً أو سباتاً ، والّذي بزره أيضاً أحمر حمرة معتدلة هو قريب من هذا في القوّة ، ولذلك ينبغي للإنسان أن يتوقّاهما جميعاً ويحذرهما ويجانبهما مجانبة من لا ينتفع به . وأمّا البنج الأبيض البزر والزّهرة فهو أنفع الأشياء في علاج الطّبّ ، وكأنّه في الدّرجة الثّالثة من درجات الأشياء الّتي تبرد _ انتهى _ . وأبرفيون معرّب فربيون ويقال له : فرفيون . قالوا : هو صمغ المازربون ، حارّ يابس في الرّابعة ، وقيل : يابس في الثّالثة ، الشّربة منه قيراط إلى دانق ، يخرج البلغم من الوركين والظّهر والأمعاء ، ويفيد عرق النّسا والقولنج . (1)

89كتابه عليه السلام في عوذة لِحُمَّى الرَّبعِالدّعاءُ لِلحُمَّىيحيى بن بكر الحضرميّ (2) عن أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام ، قال : أمَرَ أن يَكتُبَ

.


1- .أي تلصق .
2- .لم نجده بهذا العنوان في التّراجم الظّاهر وقع التّصحيف ، وما ورد في طلب الأئمّة الآتي هو الصّحيح ، لأنّ عبد اللّه والحسين ابنا بسطام بن سابور الزيّات مؤلفي كتاب طب الأئمّة كانا حيّا في القرن الرّابع من الهجرة وهو أقدم من الرّاوندي ، وعبد اللّه ابن بسطام نقل عن أبي زكريّا يحيى بن أبي بكر بن مهرويه المعنون في رجال النّجاشي والشيخ ، والرّجل نقل عن الحضرميّ الّذي هو مشترك بين جماعة من أصحاب الكاظم عليه السلام ، منها زرعة بن محمّد الحضرميّ . . . ( راجع : أحسن التراجم : ج 2 ص 359) .

ص: 462

90 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن خالد ، في علّة البطن ومايكتب من الدّعاء

لِحُمَّى الرَّبعِ على يَدِهِ اليُمنى « بِسمِ اللّهِ ، جَبرئيلُ » وَعلَى اليُسرىَ « بِسمِ اللّهِ ، ميكائيلُ » وَعَلَى الرِّجلِ اليُمنى « بِسمِ اللّهِ ، اسرافيل » وَعَلَى اليُسرى « بِسمِ اللّهِ ، لا يَرَونَ فيها شَمساً وَلا زَمهَريراً » وَبَينَ كَتِفَيهِ « بِسمِ اللّهِ العَزيزِ الجَبّارِ » . (1) وفي طبّ الأئمّة عليهم السلام : عبد اللّه قال : حدّثنا أبو زكريّا يحيى بن أبي بكر (2) ، عن الحضرميّ أنّ أبا الحسن الأوّل عليه السلام كتب له هذا ، وكان ابنه يحمّ حمّى الرّبع ، فأمره أن يكتب على يده اليمنى : « بسم اللّه جبرئيل » ، وعلى يده اليسرى : « بسم اللّه ميكائيل » ، وعلى رجله اليمنى : « بسم اللّه إسرافيل » ، وعلى رجله اليسرى : « بسم اللّه لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً » ، وبين كتفيه : « بسم اللّه العزيز الجبّار » قال : ومن شكّ لم ينفعه . (3)

90كتابه عليه السلام إلى الحسن بن خالدفي علّة البطن وما يكتب من الدّعاءأحمد بن عبد الرّحمان بن جميلة عن الحسن بن خالد (4) قال : كتبت إلى أبي

.


1- .الدعوات للراوندي : ص208 ح566 .
2- .قال النجاشي: يحيى بن أبي بكر بن مهرويه القزوينيّ ، له نوادر ، أخبرنا محمّد بن محمّد ، قال : حدّثنا الحسن بن حمزة ، قال : حدّثنا ابن بطّة ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن خالد ، عن يحيى بنوادره .وقال الشّيخ :يحيى بن أبي بكر بن مهرويه ،يكنّى أبا زكريّا ،من أهل قزوين ،له كتاب ،رويناه بهذا الإسناد ،عن أحمد بن أبي عبد اللّه ،عنه . وأراد بهذا الإسناد جماعة ،عن أبيالمفضّل ،عن ابن بطّة ،عن أحمد بن أبيعبد اللّه . وعدّه فيرجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام. (راجع : رجال النّجاشي : ص442 الرّقم 1192 ، رجال الطّوسي : الرّقم 6396 ، الفهرست : الرّقم 794 و875 ).
3- .طبّ الأئمّة عليهم السلام: ص51 ، بحار الأنوار : ج95 ص21 ح4.
4- .راجع : ص 277 ح802 .

ص: 463

الحسن عليه السلام أشكو إليه علّة في بطني ، وأسأله الدّعاء . فكتب : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم يَكتُبُ أُمَّ القُرآنِ وَالمُعَوِّذَتِينِ وَقُل هُوَ اللّهُ أحَدٌ . ثُمَّ يَكتُبُ أسفَلَ من ذلِكَ : أعوذُ بِوَجهِ اللّهِ العَظيمِ وَعِزَّتِهِ الّتي لا تُرامُ وَقُدرَتُهُ الّتي لا يَمتَنِعُ مِنها شَيءٌ مِن شَرِّ هذا الوَجَعِ وَشَرِّ ما فيهِ وَما أحذَرُ . يُكتَبُ ذلِكَ في لَوحٍ أو كَتِفٍ ثُمَّ يُغسَلُ بِماءِ السَّماءِ ثُمَّ تَشرَبُهُ عَلَى الرِّيقِ وَعِندَ مَنامِكَ وَيُكتَبُ أسفَلَ من ذلِكَ : جَعَلَهُ شِفاءً مِن كُلِّ داءٍ . (1)

.


1- .الحسن بن خالد بن محمّد بن عليّ البرقيّ ، أبو عليّ ، أخو محمّد بن خالد ، كان ثقة ، يكنّى أبا عليّ ،له كتب منها كتاب نوادر . الحسن بن خالد البرقيّ ، أخو محمّد بن خالد ، أخبرنا بها عدّة من أصحابنا ، عن أبي المفضّل عن ابن بطّة ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه ، عن عمّه الحسن بن خالد . وعدّه في من لم يرو عنهم عليهم السلام.( راجع : رجال النّجاشي : ص61 الرّقم139 ، رجال الطّوسي : الرّقم 6066 ، الفهرست : الرّقم 169 ، رجال ابن داوود : ص73 ).

ص: 464

. .

ص: 465

الفصل السّادس : في فضائل بعض الأصحاب

اشاره

الفصل السّادس : في فضائل بعض الأصحاب

.

ص: 466

. .

ص: 467

91 . يونس بن عبد الرّحمان

91يونس بن عبد الرّحمانوجدت بخطّ جبريل بن أحمد في كتابه ، حدّثني أبو سعيد الآدميّ ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن الرّبيع الأقرع ، عن محمّد بن الحسن البصريّ ، عن عثمان بن رشيد البصريّ ، قال : أحمد بن محمّد الأقرع ثمّ لقيت محمّد بن الحسن فحدّثني بهذا الحديث ، قال : كنّا في مجلس عيسى بن سليمان (1) ببغداد ، فجاء رجل إلى عيسى ، فقال : أردت أن أكتب إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام في مسألة أسأله عنها : جُعِلتُ فِداكَ عِندَنا قَومٌ يَقولونَ بِمَقالَةِ يُونُسَ ، فَاُعطيهِم مِنَ الزَّكاةِ شَيئاً ؟ قال : فكتب إليّ : نَعَم ، أعطِهِم فَإِنَّ يُونُسَ أوَّلُ مَن يُجيبُ عَلِيّاً إذا دعا . قال : كنّا جلوساً بعد ذلك فدخل علينا رجل ، فقال : قد مات أبو الحسن موسى عليه السلام ، وكان يونس 2 في المجلس ، فقال يونس : يا معشر أهل المجلس ، إنّه ليس بيني

.


1- .عيسى بن سليمان :روى عن محمّد بن زياد ، وروى عنه يونس . روى عن أبي إبراهيم عليه السلام ، وروى عنه الحسن بن عليّ بن يقطين ، وعمر بن عبد العزيز . (راجع : معجم رجال الحديث : ج2 ص252 الرّقم9180 ).

ص: 468

. .

ص: 469

92 . عليّ بن يقطين
93 . كتابه عليه السلام إلى علي بن يقطين ، عمل السّلطان

وبين اللّه إمام إلاّ عليُّ بن موسى الرّضا عليه السلام ، فهو إمامي عليه السلام . (1)

92عليّ بن يقطينمحمّد بن مسعود ، قال : حدّثني محمّد بن أحمد ، قال : حدّثني محمّد بن عيسى ، قال : روى بكر بن محمّد الأشعريّ (2) ، أنّ أبا الحسن الأوّل عليه السلام قال : إنّي استَوهَبتُ عَلِيَّ بنَ يَقطينٍ مِن رَبّي عز و جل البارِحَةَ فَوَهَبَهُ لي ، إنَّ عَلِيَّ بنَ يَقطينٍ بَذَلَ مالَهُ وَمَوَدَّتَهُ ، فَكانَ لِذلِكَ مِنّا مُستَوجِباً . وَيُقالُ : إنَّ عَلِيَّ بنَ يَقطينٍ رُبَّما حَمَل مِئَةَ ألفٍ إلَيَّ ، ثَلاثَمِئَةِ ألفِ دِرهَمٍ . وَأنَّ أبا الحَسَنِ عليه السلام زَوَّجَ ثَلاثَةَ بَنينَ أو أربَعَةً ، مِنهُم أبو الحَسَنِ الثّاني ، فَكَتَبَ إلى عَلِيِّ بنِ يَقطينٍ : إنّي قَد صَيَّرتُ مُهورَهُنَّ إلَيكَ . قال محمّد بن عيسى : فحدّثني الحسن بن عليّ،أنّ أباه عليّ بن يقطين رحمه الله ، وجّه إلى جواريه حتّى حمل حبايهنّ ممّن باعه،فوجّه إليه بما فرض عليه من مهورهنّ ، وزاد ثلاثة آلاف دينار للوليمة ، فبلغ ذلك ثلاثة عشر ألف دينار في دفعة واحدة . حدّثني حمدويه وإبراهيم ،قالا:حدّثنا أبو جعفر،عن الحسن بن عليّ ، وذكر مثله . (3)

93كتابه عليه السلام إلى علي بن يقطينعمل السّلطانمحمّد بن عيسى ، عن عليّ بن يقطين أو عن زيد ، عن عليّ بن يقطين ، أنّه كتب

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص783 ح933 وراجع : وسائل الشيعة : ج9 ص229 ح11903.
2- .بكر بن محمّد الأشعريّ : روى عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام وروى عنه محمّد بن عيسى : ذكره الكشّي ، في ترجمة عليّ بن يقطين . ( راجع معجم رجال الحديث : ج3 ص351 الرّقم 1863 ) .
3- .رجال الكشّي : ج2 ص732 ح819 .

ص: 470

94 . هشام بن سالم

إلى أبي الحسن موسى عليه السلام : إنّ قلبي يضيق ممّا أنا عليه من عمل السّلطان _ وكان وزيراً لهارون _ فإن أذنت لي _ جعلني اللّه فداك _ هربت منه ؟ فرجع الجواب : لا آذَنُ لَكَ بِالخُروجِ مِن عَمَلِهِم ، وَاتَّقِ اللّه . أو كما قال . (1) وفي البحار : من كتاب حقوق المؤمنين لأبي عليّ بن طاهر ، قال : استأذن عليّ بن يقطين مولاي الكاظم عليه السلام في ترك عمل السّلطان فلم يأذن له ، وقال : لا تَفعَل فَإِنَّ لَنا بِكَ اُنساً ، وَلإِخوانِكَ بِكَ عِزّاً ، وَعَسى أن يَجبُرَ اللّهُ بِكَ كَسراً ، وَيَكسِرَ بِكَ نائِرَةَ المُخالِفينَ عَن أولِيائِهِ ، يا عَلِيُّ ، كَفَّارَةُ أعمالِكُم الإِحسانُ إلى إخوانِكُم ، اضمَن لي واحِدَةً وَأَضمَنُ لَكَ ثَلاثاً ، اضمَن لي أن لا تَلقى أحَداً مِن أوليائِنا إلاّ قَضَيتَ حاجَتَهُ وَأَكرَمتَهُ ، وَأَضمَنُ لَكَ أن لا يُظِلَّكَ سَقفُ سِجنٍ أبَداً ، وَلا يَنالَكَ حَدُّ سَيفٍ أبَداً ، وَلا يَدخُلُ الفَقرُ بَيتَكَ أبَداً ، يا عَلِيُّ ، مَن سَرَّ مُؤمِناً فَبِاللّهِ بَدَأ وَبِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ثَنّى وَبِنا ثَلَّثَ . (2)

94هشام بن سالمإبراهيم الورّاق السّمرقنديّ قال : حدّثني عليّ بن محمّد القميّ ، قال : حدّثني عبد اللّه بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم (3) ، قال : قال

.


1- .قرب الإسناد : ص305 ح1198 ، بحار الأنوار : ج48 ص158 ح32 ، وسائل الشيعة :ج17 ص198 ح 22341 .
2- .بحار الأنوار : ج48 ص136 ح10.
3- .غرر الحكم : ح 9648 ، عيون الحكم والمواعظ : 479 .

ص: 471

أبو الحسن عليه السلام : قولوا لِهُشامٍ يَكتُبُ إلَيَّ بِما يُرَدُّ بِهِ القَدرِيّةُ . قال : فكتب إليه يسأل القدريّة 1 : أعَصَى اللّهَ مَن عَصى لِشَيءٍ مِنَ اللّهِ ، أو لِشَيءٍ كانَ مِنَ النّاسِ ، أو لِشَيءٍ لَم يَكُن مِنَ اللّهِ وَلا مِنَ النّاسِ؟ . قالَ : فَلَمّا دُفِعَ الكِتابُ إلَيهِ ، قالَ لَهُم : ادفَعوهُ إلَى الجَرمِيّ . فَدَفَعوهُ إلَيهِ ، فَنَظَرَ فيهِ ثُمَّ قال : ما صَنَعَ شَيئاً ، فَقالَ أبو الحَسَنِ عليه السلام : ما تَرَكَ شَيئاً . قال أبو أحمد : وأخبرني أنّه كان الرّسول بهذا إلى الصّادق عليه السلام . 2

.

ص: 472

95 . هشام بن الحكم

95هشام بن الحكمحمدويه بن نصير ، قال : حدّثنا محمّد بن عيسى ، قال : حدّثني الحسن بن عليّ بن يقطين ، قال : كان أبو الحسن عليه السلام إذا أراد شيئاً من الحوائج لنفسه أو ممّا يعني به اُموره ، كتب إلى أبي _ يعني عليّاً _ : اشتَرِ لي كَذا وَكَذا وَاتَّخِذ لي كَذا وَكَذا ، وَليَتَوَلَّ ذلِكَ لَكَ هِشامُ بنُ الحَكَمِ ، فإذا كان غير ذلك من اُموره كتب إليه : اشتَرِ لي كَذا وَكَذا ، وَلَم يَذكُر هِشاماً إلاّ فيما يعني به من أمره . وذكر أنّه بلغ من عنايته به وحاله عنده ، أنّه سرّح إليه خمسة عشر ألف درهم ، وقال له : اعمَل بِها وَكُل أرباحَها وَرُدَّ إلَينا رَأسَ المالِ ، فَفَعَلَ ذلِكَ هِشامُ رحمه الله . وَصَلَّى على أبي الحَسَنِ . (1) أيضا : حمدويه وإبراهيم ابنا نصير ، قالا : حدّثنا محمّد بن عيسى ، قال : حدّثني زحل عن أسد بن أبي العلاء (2) ،قال: كتب أبو الحسن الأوّل عليه السلام إلى من وافى الموسم من شيعته في بعض السّنين في حاجة له ، فما قام بها غير هشام بن الحكم ، قال : فإذا هو قد كتب صلّى اللّه عليه : جَعَلَ اللّهُ ثَوابَكَ الجَنَّةَ ، يعني هشام بن الحكم . (3)

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص546 ح484 .
2- .أسد بن أبي العلاء يروي المناكير ، لعلّ هذا الخبر إنّما روي في حال استقامة المفضّل قبل أن يصير خطابيّاً . ( رجال الكشّي : ج2 ص614 ) . عدّه من أصحاب الكاظم عليه السلام ، وروى عن أبي حمزة الثّماليّ ، وروى عنه أبو محمّد ، والحجّال ، والحسن بن عليّ بن يقطين . ( راجع : معجم رجال الحديث : ج3 ص80 الرّقم 1211 ).
3- .رجال الكشّي : ج2 ص 548 ح487.

ص: 473

الفصل السّابع : في وصاياه عليه السلام

اشاره

الفصل السّابع : في وصاياه عليه السلام

.

ص: 474

. .

ص: 475

96 . وصيّته عليه السلام برواية عبد الرّحمان بن الحجّاج

96وصيّته عليه السلام برواية عبد الرّحمان بن الحجّاجأبو عليّ الأشعريّ عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان ومحمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن عبدالرّحمان بن الحجّاج (1) : أنّ أبا الحسن موسى عليه السلام بعث إليه بوصيّة أبيه وبصدقته مع أبي إسماعيل مصادف (2) :ح بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا ما عَهِدَ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ يَشهَدُ أن لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، لَهُ المُلكَ وَلَهُ الحَمدُ يُحيي وَيُميتُ ، بِيَدِهِ الخَيرُ وَهُوَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُهُ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فيها وَأَنَّ اللّهَ يَبعَثُ مَن فِي القُبورِ على ذلِكَ نَحيا وَعَلَيهِ نَموتُ وَعَليهِ نُبعَثُ حَيّاً إن شاءَ اللّهُ .

.


1- .راجع : مكاتيب الإمام الصادق عليه السلام الكتاب : الثّاني والسبعون .
2- .في رجال الطّوسي : مصادف ، أبو إسماعيل : مدنيّ ، وعدّه من أصحاب الصّادق عليه السلام .(ص312 الرّقم4624) .

ص: 476

وَعَهِدَ إلى وُلدِهِ ألاّ يَموتوا إلاّ وَهُم مُسلِمونَ وَأَن يَتَّقوا اللّهَ وَيُصلِحوا ذاتَ بَينِهِم ما استَطاعوا ، فَإِنَّهُم لَن يَزالوا بِخَيرٍ ما فَعَلوا ذلِكَ ، وإن كانَ دينٌ يُدانُ بِهِ ، وَعَهِدَ إن حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ وَلَم يُغَيِّر عَهدَهُ هذا _ هُوَ أولى بِتَغييرِهِ ما أَبقاهُ اللّهُ _ لِفُلانٍ كَذا وَكَذا ، وَلِفُلانٍ كَذا وَكَذا ، وَلِفُلانٍ كَذا وَفُلانٌ حُرٌّ ، وَجَعَلَ عَهدَهُ إلى فُلانٍ . بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم هذا ما تَصَدَّقَ بِهِ موسى بنِ جَعفَرٍ بِأرضٍ بِمكان كَذا وَكَذا ، وَحَدُّ الأَرضِ كَذا وَكَذا ، كُلِّها وَنَخلِها ، وَأَرضِها وَبَياضِها ، وَمائِها وَأَرجائِها ، وَحُقوقِها وَشُربِها مِنَ الماءِ ، وَكُلِّ حَقٍّ قَليلٍ أو كَثيرٍ هُوَ لَها ، في مَرفَعٍ أو مَظهَرٍ أو مَغيضٍ أو مِرفَقٍ أو ساحَةٍ ، أو شُعبَةٍ أو مُشعَبٍ ، أو مَسيلٍ أو عامرٍ أو غامرٍ ، تَصَدَّقَ بِجَميعِ حَقِّهِ مِن ذلِكَ عَلى وُلدِهِ مِن صُلِبهِ ، الرِّجالِ وَالنِّساءِ يُقَسِّمُ واليها ما أخرَجَ اللّهُ عز و جل مِن غَلَّتِها بَعدَ الَّذي يَكفيها مِن عِمارَتِها وَمَرافِقِها ، وَبَعدَ ثَلاثينَ عِذقاً يُقَسَّمُ في مَساكينِ أهلِ القَرَيةِ ، بَينَ وُلدِ موسى ، للِذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الاُنثَيَينِ ، فَإِن تَزَوَّجَتِ امرَأةٌ مِن وُلدِ موسى فَلا حَقَّ لَها في هذهِ الصَّدَقَةِ ، حَتّى تَرجِعَ إلَيها بِغَيرِ زَوجٍ ، فَإِن رَجَعَت كانَ لَها مِثلُ حَظِّ الَّتي لَم تَتَزَوَّج مِن بَناتِ موسى ، وَإنَّ من تُوُفِّيَ مِن وُلدِ موسى وَلَهُ وَلَدٌ فَوَلَدُهُ على سَهمِ أبيهِ للِذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الاُنثَيَينِ على مِثلِ ما شَرَطَ موسى بنُ جَعفَرٍ في وُلدِهِ مِن صُلبِهِ ، وَإِنَّ مَن تُوُفِّيَ مِن وُلدِ موسى وَلَم يَترُك وَلَداً رُدَّ حَقُّهُ على أهلِ الصَّدَقَةِ وَأَنَّ لَيسَ لِوُلدِ بَناتي في صَدَقَتي هذهِ حَقٌّ إلاّ أن يَكونَ آباؤهُم مِن وُلدي . وَإِنَّهُ لَيسَ لِأَحَدٍ حَقٌّ في صَدَقتي مَعَ وُلدي أو وُلدِ وُلدي وَأعقابِهِم ما بَقِيَ مِنهُم أحَدٌ ، وَإِذا انقَرَضوا وَلَم يَبقَ مِنهُم أحدٌ فَصَدَقتي على وُلدِ أبي مِن اُمِّي ، ما بَقِيَ أحَدٌ مِنهُم ، على ما شَرَطتُهُ بَينَ وُلدي وَعَقِبي ، فَإِن انقَرَضَ وُلدُ أبي مِن اُمِّي فَصَدَقتي

.

ص: 477

97 . وصيّته عليه السلام برواية اُخرى

على وُلدِ أبي وَأعقابِهِم ما بَقِيَ مِنهُم أحَدٌ على مِثلِ ما شَرَطتُ بَينَ وُلدي وَعَقِبي ، فَإِذا انقَرَضَ مِن وُلدِ أبي وَلَم يَبقَ مِنهُم أحَدٌ فَصَدَقتي عَلَى الأَوَّلِ فَالأوّلِ حَتّى يَرِثَها اللّهُ الّذي وَرَّثَها وَهُوَ خَيرُ الوارِثينَ . تَصَدَّقَ موسى بنُ جَعفَرٍ بِصَدَقَتِهِ هذهِ وَهُوَ صَحيحٌ صَدَقَةً حَبساً بَتلاً بَتّاً ، لا مَشوبَةَ فيها ولا رَدَّ أبَداً ابتِغاءَ وَجهِ اللّهِ عز و جل وَالدّارَ الآخِرَةَ ، لا يَحِلُّ لِمُؤمِنٍ يُؤمِنُ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ أن يَبيعَها أو شيئاً منها ولا يهبها ولا ينحلها ولا يغيِّر شيئاً منها ممّا وضعته عليها حتّى يرث اللّه الأرض وما عليها وجعل صدقته هذه إلى عليّ وإبراهيم فإن انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي منهما فإن انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع الباقي منهما فإن انقرض أحدهما دخل العبّاس مع الباقي منهما فإن انقرض أحدهما فالأكبر من ولدي فإن لم يبق من ولدي إلاّ واحدٌ فهو الّذي يليه وزعم أبو الحسن أنّ أباه قدَّم إسماعيل في صدقته على العبَّاس وهو أصغر منه . (1)

97وصيّته عليه السلام برواية اُخرىالحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرّحمان بن الحجّاج ، قال : بعث إليّ بهذه الوصيّة أبو إبراهيم عليه السلام (2) :هذا ما أوصى بِهِ وَقَضى في مالِهِ عَلِيٌّ عَبدُ اللّهِ ابتِغاءَ وَجهِ اللّهِ ، لِيولِجَني بِهِ الجَنَّةَ

.


1- .الكافي:ج7 ص53 ح8،تهذيب الأحكام:ج9ص 149ح610،كتاب من لايحضره الفقيه:ج4 ص249 ح5593.
2- .وفي الكافي : ج 7 ص 49 ح 7 : أبو عليّ الأشعريُّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرّحمان بن الحجّاج ، قال : بعث إليّ أبو الحسن موسى عليه السلام بوصيّة أمير المؤمنين عليه السلام ، وهي : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبد اللّه عليّ ابتغاء وجه اللّه . . .

ص: 478

وَيَصرِفَني بِهِ عَنِ النّارِ ، وَيَصرِفَ النّارَ عَنِّي يَومَ تَبيَضُّ وُجوهٌ وَتَسوَدُّ وُجوهٌ أنَّ ما كانَ مِن مالِ يَنبُعَ مِن مالٍ يُعرَفُ لي فيها وَما حَولَها صَدَقَةٌ ، وَرَقيقِها ، غَيرَ أنَّ أبي رباحٍ وَأبي نيزِرَ وَجُبَيرٍ عُتَقاءُ لَيسَ لِأَحَدٍ عَلَيهِم سَبيلٌ فَهُم مَوالٍ يَعمَلونَ فِي المالِ خَمسَ حِجَجٍ وَفيهِ نَفَقَتُهُم وَرِزُقُهم وَرِزقُ أهاليهِم ، وَمَعَ ذلِكَ ما كانَ لي بوادي القُرى ، كُلُّهُ مالُ بني (1) فاطِمَةَ وَرَقيقِها صَدَقَةٌ ، وَما كانَ لي بَدِعَةَ وَأَهلِها صَدَقَةٌ ، غَيرَ أنَّ رَقيقَها لَهُم مِثلُ ما كَتَبتُ لِأَصحابِهِم ، وَما كانَ لي بِاُذَينَةَ وَأَهلِها صَدَقَةٌ ، وَالفَقيرين (2) كَما قَد عَلِمتُم صَدَقَةٌ في سَبيلِ اللّهِ ، وَإنَّ الَّذي كَتَبتُ مِن أموالي هذهِ صَدَقَةٌ واجِبَةٌ بَتلَةٌ حَيّاً أنا أو مَيِّتاً ، يُنفَقُ في كُلِّ نَفَقَةٍ أبتَغي بِها وَجهَ اللّهِ في سَبيلِ اللّهِ وَوَجهِهِ وَذوي الرَّحِمِ مِن بَني هاشِمٍ وَبَني المُطَّلِبِ ، وَالقَريبِ وَالبَعيدِ ، وَإنَّهُ يَقومُ على ذلِكَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ ، يَأكُلُ مِنهُ بِالمَعروفِ وَيُنفِقُهُ حَيثُ يُريدُ اللّهُ في حِلِّ مُحَلَّلٍ لا حَرَجَ عَلَيهِ فيهِ ، فَإِن أرادَ أن يَبيعَ نَصيباً مِنَ المالِ فَيَقضي بِهِ الدَّينَ فَليَفعَل إن شاءَ لا حَرَجَ عَلَيهِ فيهِ ، وإن شاءَ جَعَلَهُ شِراءَ المِلكِ ، وَإِنَّ وُلدَ عَلِيٍّ وَمَواليهِمِ وَأَموالِهِم إلى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ ، وَإِن كانَ دارُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ غَيرُ دارِ الصَّدَقَةِ فَبَدا لَهُ أن يَبيعَها فَليَبِعها إن شاءَ لا حَرَجَ عَلَيهِ فيهِ ، وَإِن باعَ فَإِنَّهُ يُقَسِّمُها ثَلاثَةَ أثلاثٍ فَيَجعَلُ ثُلُثاً في سَبيلِ اللّهِ وَيَجعَلُ ثُلُثاً في بَني هاشِمٍ وَبَني المُطَّلِبِ ، وَيَجعَلُ الثُّلثَ في آلِ أبي طالِبٍ ، وَإنَّهُ يَضَعُهُم حَيثُ يُريدُ اللّهُ وَإِن حَدَثَ بِحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ حَدَثٌ وَحُسَينٌ حَيٌّ فَإِنَّهُ إلى حسين بنِ عَلِيٍّ ، وَإِنَّ حُسَيناً يَفعَلُ فيهِ مِثلَ الَّذي أمَرتُ بِهِ حَسَناً لَهُ مِثلُ الَّذي كَتَبتُ لِلحَسَنِ وَعَلَيهِ مِثلُ الَّذي عَلَى الحَسَنِ ، وَإِنَّ الَّذي لِبَني فاطِمَةَ مِن صَدَقَةٍ عَلِيٍّ مِثلُ الَّذي جَعلتُ لِبَني عَلِيٍّ وَإِني إنّما جَعَلتُ الَّذي جَعَلتُ لاِبنَي فاطِمَةَ ابتِغاءَ

.


1- .كذا في المصدر ، والصواب : « لبني » .
2- .الفقيرين : اسم موضعين قرب بني قريضة من نواحى مدينة .

ص: 479

وَجهِ اللّهِ وَتَكريمِ حُرمَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَتَعظيمِها وَتَشريفِها وَرِضاهُما بِهِما ، وَإن حَدَثَ بِحَسَنٍ وَحُسَينٍ حَدَثٌ فَإِنَّ الآخِرَ مِنهُما يَنظُر في بَني عَلِيٍّ ، فَإِن وَجَدَ فيهِم مَن يَرضى بِهَديِهِ وَإِسلامِهِ وَأَمانَتِهِ فَإِنَّهُ يَجعَلُهُ إلَيهِ إن شاءَ ، وَإِن لَم يَرَ فيهِم بَعضَ الَّذي يُريدُ فَإِنَّهُ في بَني ابنَي فاطِمَةَ ، فَإِن وَجَدَ فيهِم مَن يَرضى بِهَديهِ وَإِسلامِهِ وَأمانَتِهِ فَإِنَّهُ يَجعَلُهُ إلَيهِ إن شاءَ وَإن لَم يَرَ فيهِم بَعضَ الَّذي يُريدُ فَإِنَّهُ يَجعَلُهُ إلى رَجُلٍ مِن آلِ أبي طالِبٍ يَرضى بِهِ ، فَإِن وَجَد آلَ أبي طالِبٍ قَد ذَهَبَ كُبَراؤُهُم وَذَوو آرائِهِم ، فَإِنَّهُ يَجعَلُهُ إلى رَجُلٍ يَرضاهُ مِن بَني هاشم ، وَإنَّهُ شَرَطَ عَلَى الَّذي يَجعَلُهُ إلَيهِ أن يَترُكَ المالَ على اُصولِهِ وَيُنفِقَ حَيثُ أمرَهُ بِهِ مِن سَبيلِ اللّهِ وَوجوهِهِ وَذوي الرَّحِمِ من بَني هاشِمٍ وَبَني المُطَّلِبِ وَالقَريبِ وَالبَعيدِ لا يُباعُ مِنهُ شَيءٌ وَلا يُوهَبُ وَلا يُورثُ ، وإنَّ مالَ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ على ناحِيَتِهِ ، وَهُوَ إلَى ابنَي فاطِمَةَ ، وَإِنَّ رَقيقيَ الَّذينَ فِي الصَّحيفَةِ الصَّغيرَةِ الَّتي كَتَبتُ عُتَقاءُ ، هذا ما قضى بِهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ في أموالِهِ هذهِ الغدَ مِن يَومِ قَدِمَ مَسكِنٍ ابتِغاءَ وَجهِ اللّهِ وَالدَّارِ الآخِرَةِ ، وَاللّهُ المُستَعانُ على كُلِّ حالٍ ، وَلا يَحِلُّ لاِمرِئٍ مُسلِمٍ يُؤمِنُ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ أن يُغَيِّرَ شَيئاً مِمّا أوصَيتُ بِهِ في مالي ، وَلا يُخالِفَ فيه أمري مِن قَريبٍ أو بَعيدٍ . أمّا بَعدُ فَإِنَّ وَلائِديَ اللاّتي أطوفُ عَلَيهِنَّ السَّبعَةَ عَشَرَ مِنهُنَّ اُمَّهاتُ أولادٍ أحياءٍ ، مَعَهُنَّ أولادُهُنَّ وَمِنُهنَّ حُبالى وَمِنهُنَّ مَن لا وَلَدَ لَهُ ، فَقَضائي فيهِنَّ إن حَدَثَ بي حَدَثٌ أنَّ مَن كانَ مِنُهنَّ لَيسَ لَها وَلَدٌ ، وَلَيسَت بِحُبلى فَهِيَ عَتيقٌ لِوَجهِ اللّهِ ، لَيسَ لِأَحَدٍ عَلَيهِنَّ سَبيلٌ ، وَمَن كانَ مِنهُنَّ لَها وَلَدٌ وَهِيَ حُبلى فَتُمسَكُ على وَلَدِها وَهِيَ مِن حَظِّهِ ، فَإِن ماتَ وَلَدُها وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ عَتيقٌ لَيسَ لِأَحَدٍ عَلَيها سَبيلٌ . هذا ما قَضى بِهِ عَلِيٌّ في مالِهِ الغَدَ مِن يَومِ قَدِمَ مَسكِنٍ ، شَهِدَ أبو شِمرٍ بنِ أبرَهَةَ وَصَعصَعَةُ بنُ صوحانٍ وَسَعَيدُ بنُ قَيسٍ ، وَهَيَّاجُ بنُ أبي الهَيّاجِ ، وكَتَبَ عَلِيُّ بنُ أبي

.

ص: 480

98 . وصيّته عليه السلام برواية يزيد بن سليط

طالِبٍ بِيَدِهِ لِعَشرٍ خَلَونَ مِن جُمادى الأُولى سَنَةَ سَبعٍ وَثَلاثينَ . (1)

أقولُ : لقد أوردنا هذه الوصيّة كاملةً في مكاتيب الإمام عليّ عليه السلام ، وقد كرّرنا ذكرها هنا بصورة مختصرة لمناسبتها مع الموضوع ، وكون راويها هو الإمام الكاظم عليه السلام .

98وصيّته عليه السلام برواية يزيد بن سليطأحمد بن مهران ، عن محمّد بن عليّ ، عن أبي الحكم ، قال : حدّثني عبد اللّه بن إبراهيم الجعفريّ ، وعبد اللّه بن محمّد بن عمارة ، عن يزيد بن سليط (2) ، قال : لمّا أوصى أبو إبراهيم عليه السلام أشهد إبراهيم بن محمّد الجعفريّ ، وإسحاق بن محمّد الجعفريّ ، وإسحاق بن جعفر بن محمّد ، وجعفر بن صالح ، ومعاوية الجعفريّ ، ويحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ ، وسعد بن عمران الأنصاريّ ، ومحمّد بن الحارث الأنصاريّ ، ويزيد بن سليط الأنصاريّ ، ومحمّد بن جعفر بن سعد الأسلميّ _ وهو كاتب الوصيّة الاُولى _:أشهَدَهُم أنَّهُ يَشهَدُ أن لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُهُ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فيها ، وَأَنَّ اللّهَ يَبعَثُ مَن فِي القُبورِ ، وَأَنَّ البَعثَ بَعدَ المَوتِ حَقٌّ ، وَأنَّ الوَعدَ حَقٌّ ، وَأَنَّ الحِسابَ حَقٌّ ، وَالقَضاءَ حَقٌّ ، وَأَنَّ الوُقوفَ بَينَ يَدَي اللّهِ

.


1- .تهذيب الأحكام : ج9 ص146 ح608 ، الكافي : ج7 ص49 ح7 ،وسائل الشيعة : ج19 ص199 ح24426 .
2- .يزيد بن سليط الزّيديّ ، عدّ من أصحاب أبي الحسن موسى عليه السلام . ( في رجال الطّوسي : الرّقم 5159 ، رجال البرقي : ص48 ، رجال ابن داوود : الرّقم 1692 ) . وعدّه الشّيخ المفيد من خاصّة الكاظم عليه السلام وثقاته ، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته ، ممّن رووا النّصّ على الرّضا عليه السلام . ( راجع : الإرشاد : ج2 ص248 ) .

ص: 481

حَقٌّ ، وَأنَّ ما جاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله حَقٌّ وَأنَّ ما نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأَمينُ حَقٌّ ، على ذلِكَ أحيا وَعَلَيهِ أموتُ ، وَعَلَيهِ اُبعَثُ إن شاءَ اللّهُ . وأشهَدَهُم أنّ هذهِ وَصِيَّتي بِخَطّي ، وَقَد نَسَختُ وَصِيَّةَ جَدّي أميرِ المُونينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وَوَصِيَّةِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ قَبلَ ذلِكَ نَسَخُتها حَرفاً بِحَرفٍ ، وَوَصِيَّةَ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ على مِثلِ ذلِكَ ، وَإِنّي قَد أوصَيتُ إلى عَلِيٍّ وَبَنِيَّ بَعدُ مَعَهُ إن شاءَ وَآنَسَ مِنهُم رُشداً ، وأَحَبَّ أن يُقِرَّهُم فَذاكَ لَهُ ، وَإِن كَرِهَهُم وَأَحَبَّ أن يُخرِجَهُم فَذاكَ لَهُ وَلا أمرَ لَهُم مَعَهُ وَأَوصَيتُ إلَيهِ بِصَدَقاتي وَأموالي وَمَوالِيَّ وَصِبيانِيَ الَّذينَ خَلَّفتُ ، وَوُلدي إلى إبراهيمَ وَالعَبّاسِ وَقاسِمٍ وَإِسماعيلَ وأحَمَد وَاُمَّ أحمَدَ ، وَإِلى عَلِيٍّ أمرُ نِسائي دونَهُم ، وَثُلُثُ صَدَقَةِ أبي وَثُلُثي يَضَعُهُ حَيثُ يَرى ، وَيَجعَلُ فيهِ ما يَجعَلُ ذو المالِ في مالِهِ فَإِن أحَبَّ أن يَبيعَ أو يَهبَ أو يَنحَلَ أو يَتَصَدَّقَ بِها على مَن سَمَّيتُ لَهُ وَعَلى غَيرِ مَن سَمَّيتُ ، فَذاكَ لَهُ وَهُوَ أنا في وَصِيَّتي في مالي ، وَفي أهلي ، وَوُلدي ، وَإِن يَرى أن يُقِرَّ إخوَتَهُ الَّذينَ سَمَّيتُهُم في كتابي هذا أقَرَّهُم ، وَإن كَرِهَ فَلَهُ أن يُخرِجَهُم غَيرَ مُثَرَّبٍ عَلَيهِ وَلا مَردودٍ ، فَإِن آنَسَ مِنهُم غَيرَ الَّذي فارَقتُهُم عَلَيهِ فَأَحَبَّ أن يَرُدَّهُم في وِلايَةٍ فَذاكَ لَهُ . وَإِن أرادَ رَجُلٌ مِنهُم أن يُزَوِّجَ اُختَهُ فَلَيسَ لَهُ أن يُزَوِّجَها إلاّ بِإِذنِهِ وَأمرِهِ فَإِنَّهُ أعرَفُ بِمَناكِحِ قَومِهِ ، وَأَيُّ سُلطانٍ أو أحَدٍ مِنَ النّاسِ كَفَّهُ عَن شَيءٍ أو حالَ بَينَهُ وَبَينَ شَيءٍ مِمّا ذَكَرتُ في كِتابي هذا ، أو أحَدٍ مِمَّن ذَكَرتَ فَهُوَ مِنَ اللّهِ وَمِن رَسولِهِ بَريءٌ ، وَاللّهُ وَرَسولُهُ مِنهُ بُراءٌ ، وَعَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ وَغَضَبُهُ ، وَلَعنَةُ اللاّعِنينَ ، وَالمَلائِكَةِ المُقَرَّبينَ ، وَالنَّبِيّينَ وَالمُرسَلينَ ، وَجَماعَةِ المُونينَ ، وَلَيسَ لِأَحَدٍ مِنَ السَّلاطينِ أن يَكُفَّهُ عَن شَيءٍ وَلَيسَ لي عِندَهُ تَبِعَةٌ وَلا تَباعَةَ وَلا لِأَحَدٍ مِن وُلدي لَهُ قِبَلي مالٌ فَهُوُ مُصَدَّقٌ فيما ذَكَرَ ، فَإِن أقَلَّ فَهُوَ أعلَمُ وَإِن أكثَرَ فَهُوَ الصّادِقُ كَذلِكَ .

.

ص: 482

99 . وصيّته عليه السلام لهشام في العقل

وَإِنَّما أرَدتُ بِإِدخالِ الَّذينَ أدخَلتُهُم مَعَهُ مِن وُلدي ، التَّنويهَ بِأَسمائِهِم وَالتَّشريفَ لَهُم ، وَاُمَّهاتُ أولادي مَن أقامَت مِنهُنَّ في مَنزِلِها وَحِجابِها ، فَلَها ما كانَ يَجري عَلَيها في حَياتي ، إن رأى ذلِكَ ، وَمَن خَرَجَت مِنهُنَّ إلى زَوجٍ فَلَيسَ لَها أن تَرجِعَ إلى مَحوايَ ، إلاّ أن يَرى عَلِيٌّ غَيرَ ذلِكَ ، وَبَناتي بِمِثلِ ذلِكَ ، وَلا يُزَوِّجُ بَناتي أحَدٌ مِن إخوَتِهِنَّ مِن اُمَّهاتِهِنَّ ، وَلا سُلطانَ وَلا عَمَّ إلاّ بِرَأيِهِ وَمَشورَتِهِ ، فَإِن فَعَلوا غَيرَ ذلِكَ فَقَد خالفوا اللّهَ وَرَسولَهُ ، وَجاهَدوهُ في مُلكِهِ ، وَهُوَ أعرَفُ بِمَناكِحِ قَومِهِ ، فَإِن أرادَ أن يُزَوِّجَ ، زَوَّجَ ، وَإن أرادَ أن يَترُكَ تَرَكَ ، وَقَد أوصَيتُهُنَّ بِمِثلِ ما ذَكَرتُ في كتابي هذا ، وَجَعَلتُ اللّهَ عز و جل عَلَيهِنَّ شَهيداً ، وَهُوَ واُمُّ أحمَدَ شاهِدانِ ، وَلَيسَ لِأَحَدٍ أن يَكشِفَ وَصِيَّتي وَلا يَنشُرَها وَهُوَ مِنها على غَيرِ ما ذَكَرتُ وَسَمَّيتُ ، فَمَن أساءَ فَعَلَيهِ ، وَمَن أحسَنَ فَلِنَفسِهِ ، وَما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلعَبيدِ ، وَصَلَّى اللّهُ على مُحَمَّدٍ وَعلى آلِهِ . وَلَيسَ لِأَحَدٍ مِن سُلطانٍ وَلا غَيرِهِ أن يَفُضَّ كِتابي هذا الَّذي خَتَمتُ عَلَيهِ الأَسفَلَ ، فَمَن فَعَلَ ذلِكَ فَعَلَيهِ لَعَنةُ اللّهِ وَغَضَبُهُ وَلَعنَةُ اللاّعِنينَ وَالمَلائِكَةِ المُقَرَّبينَ ، وَجَماعَةِ المُرسلينَ وَالمُونينَ مِنَ المُسلِمينَ ، وَعلى مَن فَضَّ كتابي هذا وَكَتَبَ وَخَتَمَ أبو إبراهيمَ وَالشّهودِ وَصَلَّى اللّهُ على مُحَمَّدٍ وَعلى آلِهِ . الحديث (1) . . .

99وصيّته عليه السلام لهشامفي العقلروي عن الإمام الكاظمالأمين أبي إبراهيم ، ويكنّى أبا الحسن موسى بن

.


1- .الكافي : ج1 ص316 ح15 وراجع : عيون أخبار الرضا : ج1 ص33 ح 1 ، بحار الأنوار : ج48 ص276 .

ص: 483

جعفر عليه السلام (1) في طوال هذه المعاني ، وصيّته عليه السلام (2) لهشامٍ ، وصفته للعقل : إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى بَشَّرَ أهلَ العَقلِ وَالفَهمِ في كِتابِهِ فَقالَ : «فَبَشِّرْ عِبادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبابِ » (3) . يا هِشامُ بنَ الحَكَمِ ؛ إنَّ اللّهَ عز و جل أكمَلَ لِلنّاسِ الحُجَجَ بِالعُقولِ ، وَأَفضى إلَيهِم بِالبَيانِ ، وَدَلَّهُم على رُبوبِيَّتِهِ بِالأَدِلاّءِ ، فَقالَ : « وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ» (4) «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ » إلى قَولِهِ : « لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » . (5) يا هِشامُ ؛ قَد جَعَلَ اللّهُ عز و جل ذلِكَ دَليلاً على مَعرِفَتِهِ بِأَنَّ لَهُم مُدَبِّراً فَقالَ : « وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ وَالشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (6) وَقالَ : «حم * وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ * إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » (7) وقال : « وَ مِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» . (8) يا هِشامُ ؛ ثُمَّ وَعَظَ أهلَ العَقلِ وَرَغَّبَهُم فِي الآخِرَةِ فَقالَ : « وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ لَلدّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ» (9) وَقالَ : « وَ ما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ

.


1- .وفي الكافي : أبو عبد اللّه الأشعريّ عن بعض أصحابنا رفعه عن هشام بن الحكم قال : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : يا هشام . . .
2- .كما تنبّهنا في مقدمة مكاتيب الإمام الصّادق عليه السلام ليست هي مكتوبة بل ورد شفاها وأوردناها استطرادا .
3- .الزمر : 17 و 18 .
4- .البقرة : 163 .
5- .البقرة : 164 .
6- .النحل : 12 .
7- .الزخرف : 1 _3 .
8- .الروم : 24 .
9- .الأنعام : 32 .

ص: 484

الْحَياةِ الدُّنْيا وَ زِينَتُها وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى أَ فَلا تَعْقِلُونَ» . (1) يا هِشام ؛ ثُمَّ خَوَّفَ الَّذينَ لا يَعقِلونَ عَذابَهُ فَقالَ عز و جل : «ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ * وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَ بِاللَّيْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ» . (2) يا هِشامُ ؛ ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ العَقلَ مَعَ العِلمِ ، فَقالَ : «وَ تِلْكَ الأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلاّ الْعالِمُونَ» . (3) ياهِشامُ ؛ثُمَّ ذَمَّ الَّذينَ لا يَعقلِونَ ، فَقالَ : «وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ كانَ آباوهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ» (4) وَقالَ : «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ» (5) وقال : «وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ» (6) ثُمَّ ذَمَّ الكَثرَةَ فَقالَ : «وَ إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ» (7) وقال : «وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» (8) ، وَأَكثَرَهُم لا يَشعرونَ . (9)

.


1- .القصص : 60 .
2- .الصافات : 136 _ 138 .
3- .العنكبوت : 43 .
4- .البقرة : 170 .
5- .الأنفال : 22 .
6- .في سورة لقمان الآية 25 : «وَ لَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ » . وفي سورة العنكبوت الآية 63 : «وَ لَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنم بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ » لعلّه سهو من الرّاوي أو من النّسّاخ .
7- .الأنعام : 116 .
8- .سورة الأنعام : 37 . ونظيرها قوله تعالى : «بَلْ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» : سورة النّحل : 77 و103 . والأنبياء : 24 ، والنّمل : 62 ، ولقمان : 24 ، والزّمر :30 ، وكذا قوله تعالى : « بَلْ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ» : سورة العنكبوت : 63 . وقوله تعالى : « وَ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ» : سورة المائدة : 102 .
9- .مضمون مأخوذ من آيات القرآن .

ص: 485

يا هِشامُ ؛ ثُمَّ مَدَحَ القِلَّةَ فَقالَ : «وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ» (1) وَقالَ : «وَ قَلِيلٌ ما هُمْ» (2) وَقالَ : «وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ» . (3) يا هِشامُ ؛ ثُمَّ ذَكَرَ اُولي الأَلبابِ بِأَحسَنِ الذِّكرِ وَحَلاّهُم بِأَحسَنِ الحِليَةِ فَقالَ : «يُوتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُوتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَ ما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الأَلْبابِ» . (4) يا هِشامُ ؛ إنَّ اللّهَ يَقولُ : «إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ» (5) يَعني العَقلَ وَقالَ : «وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ» (6) قالَ : الفَهمُ وَالعَقلُ . يا هِشامُ ؛ إنَّ لُقمانَ قالَ لاِبنِهِ : تَواضَع لِلحَقِّ تَكُن أعقَلَ النّاسِ (7) يا بَنِيَّ إنَّ الدُّنيا بَحرٌ عَميقٌ قَد غَرِقَ فيهِ عالَمٌ كَثيرٌ فَلتَكُن سَفينَتُكَ فيها تَقوَى اللّهِ ، وَحَشُوها (8) الإِيمانُ وَشِراعُها التَّوكُّلُ ، وَقَيِّمُها العَقلُ وَدَليلُها العِلمُ وَسُكّانُها الصَّبرُ . يا هِشامُ ؛ لِكُلِّ شَيءٍ دَليلٌ وَدَليلُ العاقِلِ التَّفَكُّرُ ، وَدَليلُ التَّفَكُّرِ الصَّمتُ ، وَلِكُلِّ شَيءٍ مَطِيَّةٌ وَمَطِيَّةُ العاقِلِ التَّواضُعُ (9) وَكَفى بِكَ جَهلاً أن تَركَبَ ما نُهيتَ عَنهُ . يا هِشامُ لَو كانَ في يَدِكَ جَوزَةٌ وَقالَ النّاسُ : في يَدِكَ لُؤلُؤَةٌ ، ما كانَ يَنفَعُكَ وَأَنتَ تَعلَمُ أنَّها جَوزَةٌ ؟ وَلَو كانَ في يَدِكَ لُؤلُؤَةٌ وقالَ النّاسُ : إنَّها جَوزَةٌ ما ضَرَّكَ وَأَنتَ تَعلَمُ أنَّها لُؤلُؤَةٌ ؟ .

.


1- .سبأ : 13 .
2- .ص : 24 .
3- .هود : 40 .
4- .البقرة : 269 . ونظيرها قوله تعالى في سورة آل عمران :187 والرّعد : 19 وص : 28 والزّمر : 12 والمؤمن : 56 .
5- .ق : 37 .
6- .لقمان : 12 . إلى هنا في الكافي مع تقديم وتأخير .
7- .زاد في الكافي : « وإنّ الكيّس لدى الحقّ يسير » .
8- .الحشو : ما حشى به الشيء أي ملاء به . وفي بعض النّسخ : فلتكن سفينتك منها . و« حشوها» في بعض النّسخ «جسرها » . وشِراع السّفينة _ بالكسر _ : ما يرفع فوقها من ثوب وغيره ليدخل فيه الرّيح فتجريها .
9- .في الكافي : «العاقل» بدل «العقل» في الموضعين .

ص: 486

يا هِشامُ ، ما بَعَثَ اللّهُ أنبِياءَهُ وَرُسُلَهُ إلى عِبادِهِ إلاّ لِيَعقِلوا عَن اللّهِ ، فَأَحسَنُهُم استِجابَةً أحسَنُهُم مَعرِفَةً للّهِِ ، وَأَعلَمُهُم بِأَمرِ اللّهِ أحسَنُهُم عَقلاً ، وَأعقَلُهُم (1) أرفَعُهُم دَرَجَةً فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . ياهِشامُ ، ما مِن عَبدٍ إلاّ وَمَلَكٌ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ ، فَلا يَتَواضَعُ إلاّ رَفعَهُ اللّهُ ، وَلا يَتَعاظَمُ إلاّ وَضَعَهُ اللّهُ . يا هِشامُ ، إنَّ للّهِِ عَلَى النّاسِ حُجَّتَينِ : حُجَّةً ظاهِرَةً ، وَحُجَّةً باطِنَةً فَأَمّا الظّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالأَنبِياءُ وَالأَئِمَّةُ ، وَأَمّا الباطِنَةُ فَالعُقولُ . يا هِشامُ ؛ إنَّ العاقِلَ الَّذي لا يَشغَلُ الحَلالُ شُكرَهُ ، وَلا يَغلِبُ الحَرامُ صَبرَهُ . يا هِشامُ ؛ مَن سَلَّطَ ثَلاثاً على ثَلاثٍ فَكَأَنَّما أعانَ هَواهُ على هَدِم عَقلِهِ : مَن أظلَمَ نورَ فِكرِهِ (2) بِطولِ أمَلِهِ ، وَمَحا طَرائِفَ حِكمَتِهِ بِفُضولِ كَلامِهِ ، وَأَطفَأَ نورَ عِبرَتِهِ بِشَهواتِ نَفسِهِ ، فَكَأَنَّما أعانَ هَواهُ عَلى هَدمِ عَقلِهِ ، وَمَن هَدَمَ عَقلَهُ أفسَدَ عَلَيهِ دينَهُ وَدُنياهُ . يا هِشامُ ؛ كَيفَ يَزكو عِندَ اللّهِ عَمَلُكَ وَأَنتَ قَد شَغَلتَ عَقلَكَ عَن أمرِ رَبِّكَ ، وَأطَعتَ هَواكَ على غَلَبَةِ عَقلِكَ . يا هِشامُ ؛ الصَّبرُ عَلَى الوَحدَةِ عَلامةُ قُوَّةِ العَقلِ فَمَن عَقِلَ عَنِ اللّهِ تَبارَكَ وَتَعالى اعتَزَلَ أهلِ الدُّنيا وَالرَّاغِبينَ فيها وَرَغِبَ فيما عِندَ رَبِّهِ وَكانَ اللّهُ آنِسَهُ فِي الوَحشَةِ وَصاحِبَهُ فِي الوحَدَةِ وَغِناهُ فِي العَيلَةِ (3) وَمُعِزَّهُ في غَيرِ عَشيرَةٍ . (4) يا هِشامُ ؛ نُصِبَ الخَلقُ لِطاعَةِ اللّهِ وَلا نَجاةَ إلاّ بِالطّاعَةِ ، وَالطّاعَةُ بِالعِلمِ وَالعِلمُ بِالتَّعَلُّمِ وَالتّعَلُّمُ بِالعَقلِ يُعتَقَدُ (5) ، وَلا عِلمَ إلاّ مِنَ عالِمٍ رَبّانِيٍّ ، وَمَعرِفَةُ العالِم بِالعَقلِ .

.


1- .في الكافي : « وأكملهم عقلاً » .
2- .في الكافي : « من أظلم نور تفكّره » .
3- .العَيلة : الفاقة .
4- .نصب _ من باب ضرب على صيغة المجهول _ : بمعنى وضع ، أو من باب التّفعيل من نصب الأمير فلاناً ولاّه منصباً . وفي الكافي : « ونصب الحقّ لطاعة اللّه » .
5- .اعتقد الشيء : نقيض حله . وفي بعض النسخ : «يعتقل» هو أيضاً نقيض حل أي يمسك ويشدّ .

ص: 487

يا هِشام ؛ قَليلُ العَمَلِ مِنَ العاقِلِ مَقبولٌ مُضاعَفٌ وَكثيرُ العَمَلِ مِن أهلِ الهَوى وَالجَهلِ مَردودٌ . يا هِشامُ ؛ إنَّ العاقِلَ رَضِيَ بِالدّونِ مِنَ الدُّنيا مَعَ الحِكمَةِ ، وَلَم يَرضَ بِالدُّونِ مِنَ الحِكمَةِ مَعَ الدُّنيا ، فَلِذلِكَ رَبِحَت تِجارَتُهُم . يا هِشامُ ؛ إن كانَ يُغنيكَ ما يَكفيكَ فَأَدنى ما فِي الدُّنيا يَكفيكَ ، وَإِن كانَ لا يُغنيكَ ما يَكفيكَ فَلَيسَ شَيءٌ مِنَ الدُّنيا يُغنيكَ . يا هِشامُ ؛ إنَّ العُقلاءَ تَرَكوا فُضولَ الدُّنيا ، فَكَيفَ الذُّنوبُ ؟ وَتَركُ الدُّنيا مِنَ الفَضلِ ، وَتَركُ الذُّنوبِ مِنَ الفَرضِ . (1) يا هِشامُ ؛ إنَّ العُقلاءَ زَهَدوا فِي الدُّنيا وَرَغِبوا فِي الآخِرَةِ ؛ لِأَنَّهُم عَلِموا أنَّ الدُّنيا طالِبَةٌ وَمَطلوبَةٌ ، وَالآخِرَةَ طالِبَةٌ وَمَطلوبَةٌ ، فَمَن طَلَبَ الآخِرَةَ طَلِبَتهُ الدُّنيا حَتّى يَستَوفِيَ مِنها رِزقَهُ ، وَمَن طَلَبَ الدُّنيا طَلِبَتهُ الآخِرَةُ ، فَيَأتِيَهُ المَوتُ فَيُفسِدُ عَلَيهِ دُنياهُ وَآخِرَتَهُ . يا هِشامُ مَن أَرادَ الغِنى بِلا مالٍ ، وَراحَةَ القَلبِ مِنَ الحَسَدِ ، وَالسّلامَةَ فِي الدّينِ ، فَليَتَضَرَّع إلَى اللّهِ في مَسأَلتِهِ بِأَن يُكَمِّلَ عَقلَهُ فَمَن عَقِلَ قَنَعَ بِما يَكفيهِ ، وَمَن قَنَعَ بِما يَكفيهِ استَغنى ، وَمَن لَم يَقنَع بِما يَكفيهِ لَم يُدرِكِ الغِنى أبَداً . يا هِشامُ ؛ إنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ حَكى عَن قَومٍ صالِحينَ أنّهُم قالوا : « رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ» (2) حينَ عَلِموا أنَّ القُلوبَ تَزيغُ وَتَعودُ إلى عَماها وَرَداها (3) ، إنَّهُ لَم يَخَفِ اللّهَ مَن لَم يَعقِل عَنِ اللّهِ ، وَمَن لَم يَعقِل عَنِ اللّهِ لَم يَعقِد قَلبَهُ على مَعرِفَةٍ ثابِتَةٍ يُبصِرُها وَيَجِدُ حَقيقَتَها في قَلبِهِ وَلا يَكونُ أحَدٌ كذلِكَ إلاّ مَن كانَ قَولُهُ لِفِعلِهِ مُصَدِّقا ، وَسِرُّهُ

.


1- .زاد في الكافي : « يا هشام إنّ العاقل نظر إلى الدّنيا وإلى أهلها فعلم أنّها لا تنال إلاّ بالمشقّة ونظر إلى الآخرة فعلم أنّها لا تنال إلاّ بالمشقّة ، فطلب بالمشقّة أبقاهما » .
2- .آل عمران : 8 .
3- .الرّدى : الهلاك .

ص: 488

لِعَلانِيَّتِهِ مُوافقاً ؛ لِأَنَّ اللّهَ لَم يَدُلَّ عَلَى الباطِنِ الخَفِيِّ مِنَ العَقلِ إلاّ بِظاهِرٍ مِنهُ وَناطِقٍ عَنهُ . يا هِشامُ ، كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَقولُ : ما مِن شَيءٍ عُبِد اللّهُ بِهِ (1) أفضَلُ مِنَ العَقلِ ، وَماتَمَّ عَقلُ امرِىًحَتّى يَكونَ فيهِ خِصالٌ شَتّى ، الكُفرُ وَالشَّرُّ مِنهُ مَأمونانِ (2) ، وَالرُّشدُ وَالخَيرُ مِنهُ مَأمولانِ (3) وَفَضلُ مالِهِ مَبذولٌ وَفَضلُ قَولِهِ مَكفوفٌ ، نَصيبُهُ مِنَ الدُّنيا القوتُ وَلا يَشبَعُ مِنَ العِلمِ دَهرَهُ ، الذُّلُّ أحَبُّ إلَيهِ مَعَ اللّهِ مِنَ العِزِّ مَعَ غَيرِهِ ، وَالتَّواضُعُ أحَبُّ إلَيهِ مِنَ الشَّرَفِ ، يَستَكثِرُ قَليلَ المَعروفِ مِن غَيرِهِ ، وَيَستَقِلُّ كَثيرَ المَعروفِ مِن نَفسِهِ ، وَيَرَى النّاسَ كُلَّهُم خَيراً مِنهُ ، وَأنَّهُ شَرُّهُم في نَفسِهِ ، وَهُوَ تَمامُ الأَمرِ . (4) يا هِشامُ ؛ مَن صَدَق لِسانُهُ زَكا عَمَلُهُ ، وَمَن حَسُنَت نِيَّتُهُ زيدَ في رِزِقِهِ ، وَمَن حَسُنَ بِرُّهُ بِإِخوانِهِ وَأهلِهِ مُدَّ في عُمُرِهِ . يا هِشامُ ؛ لا تَمنَحوا الجُهّالَ الحِكمَةَ فَتَظلِموها (5) ، وَلا تَمنَعوها أهلَها فَتَظلِموهُم . يا هِشامُ ؛ كَما تَرَكوا لَكُم الحِكمَةَ ، فَاترُكوا لَهُمُ الدُّنيا . (6) يا هِشامُ ؛ لا دينَ لِمَن لا مُرُوَّةَ لَهُ ، وَلا مُرُوَّةَ لِمَن لا عَقلَ لَهُ ، وَإِنَّ أعظَمَ النّاسِ قَدراً الَّذي لا يَرَى الدُّنيا لِنَفسِهِ خَطراً (7) ، أما إنَّ أبدانَكُم لَيسَ لَها ثَمَنٌ إلاّ الجَنَّةَ ، فَلا تَبيعوها بِغَيرِها . (8)

.


1- .في الكافي : « ما عبد اللّه بشيء » .
2- .الكفر في الاعتقاد والشّرّ في القول والعمل والكلّ ينشأ من الجهل . وفي بعض النّسخ :«مأمون » .
3- .الرّشد في الاعتقاد والخير في القول والكلّ ناش من العقل . وفي بعض النّسخ : «مأمول » .
4- .أي ملاك الأمر وتمامه في أن يكون الإنسان كاملاً تامّ العقل هو كونه متصفاً بمجموعة هذه الخصال.(وافي).
5- .لا تمنحوا الجهّال : أي لا تعطوهم ولا تعلموهم . والمنحة : العطاء .
6- .في الكافي ههنا : « يا هشام إنّ العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه » .
7- .أي قدراً ورفعة . والخطر : الحظّ والنّصيب والقدر والمنزلة .
8- .ههنا كلام نقله صاحب الوافي عن استاده رحمهماالله قال : وذلك لأنّ الأبدان في التّناقص يوماً فيوماً لتوجّه النّفس منها إلى عالم آخر ، فإن كانت النّفس سعيدة كانت غاية سعيه في هذه الدّنيا وانقطاع حياته البدنيّة إلى اللّه سبحانه وإلى نعيم الجنّة ، لكونه على منهج الهداية والاستقامة ، فكأنّه باع بدنه بثمن الجنّة معاملة مع اللّه تعالى ولهذا خلقه اللّه عز و جل ، وإن كانت شقيّة كانت غاية سعيه وانقطاع أجله وعمره إلى مقارنة الشّيطان وعذاب النّيران لكونه على طريق الضّلالة ، فكأنّه باع بدنه بثمن الشّهوات الفانية واللذّات الحيوانيّة الّتي ستصير نيرانات محرقة مؤلمة ، وهي اليوم كامنة مستورة عن حواسّ أهل الدُّنيا وستبرز يوم القيامة : « وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى » ، معاملة مع الشّيطان وخسر هنالك المبطلون .

ص: 489

يا هِشامُ ؛ إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام كانَ يَقولُ (1) : لا يَجلِسُ في صَدرِ المَجلِس إلاّ رَجُلٌ فيهِ ثَلاثُ خِصالٍ : يُجيبُ إذا سُئِلَ وَيَنطِقُ إذا عَجَزَ القَومُ عَنِ الكَلامِ ، وَيُشيرُ بِالرَّأي الَّذي فيهِ صَلاحُ أهلِهِ ، فَمَن لَم يَكُن فيهِ شَيءٌ مِنهُنَّ فَجَلَسَ فَهُوَ أحمَقُ . وَقالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام : إذا طَلَبتُم الحَوائِجَ فَاطلُبوها مِن أهلِها . قيلَ : يا بنَ رَسولِ اللّهِ وَمَن أهلُها ؟ قالَ : الّذينَ قَصَّ اللّهُ في كِتابِهِ وَذَكَرَهُم فَقالَ : « إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ » (2) قالَ : هُم اُولو العُقولِ . وَقالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليهماالسلام : مُجالَسَةُ الصّالِحينَ داعِيَةٌ إلَى الصَّلاحِ ، وَأدَبُ العُلماءِ (3) زِيادَةٌ فِي العَقلِ ، وَطاعَةُ وُلاةِ العَدلِ تَمامُ العِزِّ ، وَاستِثمارُ المالِ تَمامُ المُرُوَّةِ ، وَإِرشادُ المُستَشيرِ قَضاءٌ لِحَقِّ النِّعمَةِ ، وَكَفُّ الأَذى مِن كَمالِ العَقلِ وَفيهِ رَاحَةُ البَدَنِ عاجِلاً وَآجِلاً . يا هِشامُ ، إنَّ العاقِلَ لا يُحَدِّثُ مَن يَخافُ تَكذيبَهُ ، وَلا يَسأَلُ مَن يَخافُ مَنعَهُ ، وَلا يَعِدُ ما لا يَقدِرُ عَلَيهِ ، وَلا يَرجو ما يُعنَّفُ بِرَجائِهِ (4) وَ لا يَتَقَدَّمُ عَلى ما يَخافُ العَجزَ عَنهُ (5) . وَكانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يُوصي أصحابَهُ يَقولُ : اُوصيكُم بِالخَشيَةِ مِنَ اللّهِ في السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ ،

.


1- .في الكافي : إنّ من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال : يجيب إذا سئل . وينطق إذا عجز القوم عن الكلام . ويشير بالرّأي الّذي يكون فيه صلاح أهله ، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثّلاث شيء فهو أحمق . إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : لا يجلس في صدر المجلس إلاّ رجل فيه هذه الخصال الثّلاث أو واحدة منهنّ _ إلخ .
2- .الزمر : 9 .
3- .في الكافي : « وآداب العلماء » .
4- .التّعنيف : اللّؤم والتّوبيخ والتّقريع .
5- .في الكافي : « ولا يقدم على ما يخاف فوته بالعجز عنه » . أي لا يبادر إلى فعل قبل أوانه خوفاً من أن يفوته بالعجز عنه في وقته .

ص: 490

وَالعَدلِ في الرِّضا وَالغَضَبِ ، وَالاِكتِسابِ في الفَقرِ وَالغِنى وَأن تَصِلوا مَن قَطَعَكُم وَتَعفوا عَمَّن ظَلَمَكُم ، وَتَعطِفوا على مَن حَرَمَكُم ، وَليَكُن نَظَرُكُم عِبَراً وَصَمتُكُم فِكَراً ، وَقولُكُم ذِكراً ، وطَبيعَتُكُمُ السَّخاءُ ؛ فَإِنَّهُ لا يَدخُلِ الجَنَّةَ بَخيلٌ وَلا يَدخُلِ النَّارَ سَخِيٌّ . يا هشامُ ، رَحِمَ اللّهُ مَن استَحيا مِنَ اللّهِ حَقَّ الحَياءِ ، فَحَفِظَ الرَّأسَ وَما حَوى (1) وَالبَطنَ وما وَعى ، وَذَكَرَ المَوتَ وَالبِلى (2) ، وَعَلِمَ أنَّ الجَنَّةَ مَحفوفَةٌ بِالمَكارِهِ (3) وَالنَّارَ مَحفوفَةٌ بِالشَّهواتِ . يا هِشامُ ؛ مَن كَفَّ نَفسَهُ عَن أعراضِ النّاسِ أقالَهُ اللّهُ عَثرَتَهُ يَومَ القِيامَةِ ، وَمَن كَفَّ غَضَبَهُ عَنِ النّاسِ ، كَفَّ اللّهُ عَنهُ غَضَبَهُ يَومَ القِيامَةِ . يا هِشامُ ؛ إنَّ العاقِلَ لا يَكذِبُ ، وَإِن كانَ فيهِ هَواهُ . يا هِشامُ ؛ وُجِدَ في ذُؤابَةِ (4) سَيفِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ أعتَى النّاسِ (5) عَلَى اللّهِ مَن ضَرَبَ غَيرَ ضارِبِهِ وَقَتَلَ غَيرَ قاتِلِهِ ، وَمَن تَوَلّى غَيرَ مَواليهِ فَهُوَ كافِرٌ بِما أنزَلَ اللّهُ على نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَمَن أحدَثَ حَدَثاً أو آوى مُحدِثاً لَم يَقبَلِ اللّهُ مِنهُ يَومَ القِيامَةِ صِرفاً وَلا عَدلاً . يا هِشامُ ؛ أفضَلُ ما يَتَقَرَّبُ بِهِ العَبدُ إلَى اللّهِ بَعدَ المَعرِفَةِ بِهِ الصَّلاةُ ، وَبِرُّ الوالِدَينِ ، وَتَركُ الحَسَدِ

.


1- .«وما حوى» : أي ما حواه الرّأس من الأوهام والأفكار ، بأن يحفظها ولا يبديها ، ويمكن أن يكون المراد ما حواه الرّأس من العين والأذن وسائر المشاعر بأن يحفظها عمّا يحرم عليه . وما وعى أي ما جمعه من الطّعام والشّراب بأن لا يكونا من حرام .
2- .والبلى _ بالكسر _ : الاندراس والاضمحلال .
3- .المحفوفة : المحيطة . والمكاره : جمع مكرهة _ بفتح الرّاء وضمّها _ : ما يكرهه الإنسان ويشقّ عليه . والمراد أنّ الجنّة محفوفة بما يكره النّفس من الأقوال والأفعال فتعمل بها ، فمن عمل بها دخل الجنّة . والنّار محفوفة بلذّات النّفس وشهواتها ، فمن أعطى نفسه لذّتها وشهوتها دخل النّار .
4- .الذّؤابة من كلّ شيء : أعلاه . ومن السّيف : علاقته . ومن السّوط : طرفه . ومن الشّعر : ناصيته .
5- .عتا يعتو عتوّاً ، وعتى يعتى عتياً : بمعنى واحد أي استكبر وتجاوز الحدّ ، والعتو : الطّغيان والتّجاوز عن الحدود والتّجبّر . وفي بعض النّسخ : «واعنى النّاس» ، من عنّ عليه أي اعترض . وفي بعضها :« وأعق النّاس» ، من عقّه : خالفه وعصاه .

ص: 491

وَالعُجبُ وَالفَخرُ . يا هِشامُ ؛ أصلَحُ أيّامِكَ الَّذي هُوَ أمامَكَ فَانظُر أيَّ يَومٍ هُوَ وَأَعِدَّ لَهُ الجَوابَ ؛ فَإِنَّكَ مَوقوفٌ وَمَسؤولٌ، وَخُذ مَوعِظَتَكَ مِنَ الدَّهرِ وَأهلِهِ ، فَإِنَّ الدَّهرَ طَويلُهُ قَصيرُهُ ، فاعمَل كَأَنَّكَ تَرى ثَوابَ عَمَلِكَ لِتَكونَ أطمَعَ في ذلِكَ ، وَاعقِل عَنِ اللّهِ ، وَانظُر في تَصَرُّفِ الدَّهرِ وَأحوالِهِ ؛ فَإِنَّ ما هُوَ آتٍ مِنَ الدُّنيا كَما وَلّى مِنها ، فَاعتَبِر بِها . وَقالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : إنَّ جَميعَ ما طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ في مَشارِقِ الأَرضِ وَمَغارِبِها ، بَحرِها وَبَرِّها وَسَهلِها وَجَبَلِها عِندَ وَلِيٍّ مِن أولياءِ اللّهِ وَأهلِ المَعرِفَةِ بِحَقِّ اللّهِ كَفَيءِ الظِّلالِ ، ثمّ قالَ عليه السلام : أَوَلا حُرٌّ يَدَعُ هذهِ اللُّمّاظَةَ لِأَهلِها (1) ، يَعني الدُّنيا ، فَلَيسَ لِأَنفُسِكُم ثَمَنٌ إلاّ الجَنَّةُ ، فَلا تَبيعوها بِغَيرِها ؛ فَإِنَّهُ مَن رَضِيَ مِنَ اللّهِ بِالدُّنيا فَقَد رَضِيَ بِالخَسيسِ . يا هِشامُ ؛ إنَّ كُلَّ النّاسِ يُبصِرُ النُّجومَ ، وَلَكِن لا يَهتَدي بِها إلاّ مَن يَعرِفُ مَجاريها ومَنازِلِها ، وَكَذلِكَ أنتُم تَدرُسونَ الحِكمَةَ ، وَلكِن لا يَهتَدي بِها مِنكُم إلاّ مَن عَمِلَ بِها . يا هِشامُ ، إنَّ المَسيحَ عليه السلام قال للحواريّين : يا عَبيدَ السّوءِ ، يَهولُكُم (2) طولُ النَّخِلَةِ وَتَذكُرونَ شَوكَها وَمَؤونَةَ مَراقيها ، وَتَنسَونَ طيبَ ثَمَرِها وَمَرافِقَها (3) كَذلِكَ تَذكُرونَ مَؤونَةَ عَمَلِ الآخِرَةِ فَيَطولُ عَلَيكُم أمَدُهُ (4) ، وَتَنسَونَ ما تُفضونَ إلَيهِ مِن نَعيمِها وَنَورِها ، وَثَمَرِها ، يا عبيدَ السّوءِ نَقّوا القَمحَ وَطَيِّبوهُ ، وَأدِقّوا طَحنَهُ تَجِدوا طَعمَهُ ، وَيُهنِئُكُم أكلُهُ ، كَذلِكَ فَأَخلِصوا الإيمانَ وَأكمِلوهُ تَجِدوا حَلاوَتَهُ وَيَنفَعُكُم غِبُّهُ (5) ، بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : لَو وَجَدتُم سِراجاً يَتَوَقَّدُ بالقَطِرانِ (6) في لَيلَةٍ مُظلِمَةٍ

.


1- .اللّمّاظة _ بالضّمّ _ : بقيّة الطّعام في الفم . وأيضاً بقية الشّيء القليل .
2- .يهولكم : أي يفزعكم وعظم عليكم .
3- .مؤونة المراقى : شدّة الارتقاء . والمرافق : المنافع ؛ وهي جمع مرفق _ بالفتح _ : ما انتفع به .
4- .الأمد : الغاية ومنتهى الشّيء ، يقال : طال عليهم الأمد أي الأجل . والنّور _ بالفتح _ : الزّهرة .
5- .الغِبّ _ بالكسر _ : العاقبة . وأيضاً بمعنى البعد .
6- .القطران _ بفتح القاف وسكون الطّاء وكسرها أو بكسر القاف وسكون الطّاء _ : سيّال دهني شبيه النّفط ، يتّخذ من بعض الأشجار كالصّنوبر والارز فيهنأ به الإبل الجربى ويسرع فيه اشعال النّار .

ص: 492

لاستَضَأتُم بِهِ ولَم يَمنَعكُم مِنهُ ريحُ نَتنِهِ (1) ، كذلِكَ يَنبَغي لَكُم أن تَأخُذوا الحِكمَةَ مِمَّن وَجَدتُموها مَعَهُ وَلا يَمنَعكُم مِنهُ سوءُ رَغَبتِهِ فيها . يا عَبيدَ الدُّنيا ؛ بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : لا تُدرِكونَ شَرَفَ الآخِرَةِ إلاّ بِتَركِ ما تُحِبّونَ فَلا تَنظُروا بِالتَّوبَةِ غَداً ؛ فَإِنَّ دونَ غَدٍ يَوماً وَلَيلَةً ، وَقَضاء اللّهِ فيهِما يَغدو وَيَروحُ بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : إنَّ مَن لَيسَ عَلَيهِ دَينٌ مِنَ النّاسِ أروَحُ وَأَقَلُّ هَمّاً مِمَّن عَلَيهِ الدَّينُ ، وَإِن أحسَنَ القَضاءَ ، وَكَذلِكَ مَن لَم يَعمَل الخَطيئَةَ أروَحُ هَمّاً مِمَّن عَمِلَ الخَطيئَةَ ، وَإن أخلَصَ التَّوبَةَ وَأنابَ وَإنَّ صِغارَ الذُّنوبِ وَمُحَقَّراتِها مِن مكائِدِ إبليسَ ، يُحَقِّرُها لَكُم وَيُصَغِّرُها في أعيُنِكُم فَتَجتَمِعُ وَتَكثُرُ فَتُحيطُ بِكُم ، بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : إنَّ النّاسَ في الحِكمَةِ رَجُلانِ : فَرَجُلٌ أتقَنَها بِقَولِهِ وَصَدَّقَها بِفِعلِهِ ، وَرَجُلٌ أتقَنَها بِقَولِهِ وَضَيَّعَها بِسوءِ فِعلِهِ ، فَشَتّانَ بَينَهُما . فَطوبى لِلعُلماءِ بِالفِعلِ ، وَوَيلٌ لِلعُلَماءِ بِالقَولِ ، يا عَبيدَ السّوءِ اتَّخِذوا مساجِدَ رَبِّكُم سُجوناً لِأَجسادِكُم وَجباهِكُم ، وَاجعَلوا قُلوبَكُم بُيوتاً لِلتّقوى ، وَلا تَجعَلوا قُلوبَكُم مَأوى لِلشّهَواتِ ، إنّ أجزَعَكُم عِندَ البَلاءِ لَأَشَدَّكُم حُبّاً لِلدُّنيا وَإنَّ أصبَرَكُم عَلَى البَلاءِ لَأَزهَدَكُم فِي الدُّنيا ، يا عَبيدَ السّوءِ ؛ لا تَكونوا شَبيهاً بِالحِداءِ الخاطِفَةِ (2) ، وَلا بِالثَّعالِبِ الخادِعَةِ ، وَلا بِالذِّئابِ الغادِرَةِ (3) ، وَلا بِالاُسدِ العاتِيَةِ (4) ، كَما تَفعَلُ بِالفَرائِسِ ، كَذلِكَ تَفعَلونَ بِالنّاسِ فَريقاً تَخطِفونَ وَفَريقاً تَخدَعونَ ، وَفَريقاً تَغدُرونَ بِهِم ، بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : لا يُغني عَنِ الجَسَدِ أن يَكونَ ظاهِرُهُ صَحيحاً وَباطِنُهُ فاسِداً ، كَذلِكَ لا تُغني أجسادُكُم الّتي قَد أعجَبَتكُم ، وَقَد فَسَدَت قُلوبُكُم ، وَما يُغني عَنكُم أن تُنَقّوا جُلودَكُم وَقُلوبَكُم دَنِسَةٌ . لا تَكونوا كالمُنخُلِ (5) يَخرُجُ مِنهُ الدّقيقُ الطَّيِّبُ وَيُمسِكُ النُّخالَةَ ، كَذلِكَ أنتُم تُخرِجونَ

.


1- .نتنه : أي خبث رائحته .
2- .الحداء _ بالكسر _ : جمع حدأة _ كعنبة _ : طائر من الجوارح وهو نوع من الغُراب يخطف الأشياء والخاطفة من خطف الشّيء يخطف كعلم يعلم _ : استلبه بسرعة .
3- .الغادرة : الخائنة .
4- .والعاتى : الجبّار .
5- .المنخل _ بضمّ الميم والخاء أو بفتح الخاء _ : ماينخل به . والنخالة _ بالضّمّ _ : ما بقى في المنخل من القشر ونحوه .

ص: 493

الحِكمَةَ مِن أفواهِكُم وَيَبقى الغِلُّ في صُدورِكُم . يا عَبيدَ الدُّنيا ، إنَّما مَثَلُكُم مَثَلُ السِّراجِ ، يُضيءُ لِلنّاسِ وَيُحرِقُ نَفسَهُ ، يا بَني إسرائيلَ زاحِموا العُلماءَ في مَجالِسِهِم ، وَلَو جَثوا عَلَى الرُّكَبِ (1) ، فَإِنَّ اللّهَ يُحيي القُلوبَ المَيِّتَةَ بِنورِ الحِكمَةِ كَما يُحيي الأَرضَ المَيِّتَةَ بِوابِلِ المَطَرِ (2) . يا هِشامُ ؛ مَكتوبٌ فِي الإِنجيلِ : طوبى لِلمُتَراحِمينَ ، اُولئِكَ هُمُ المَرحومونَ يَومَ القِيامَةِ ، طوبى للمُصلِحينَ بَينَ النّاسِ ، اُولئِكَ هُمُ المُقَرَّبونَ يَومَ القِيامَةِ . طوبى لِلمُطَهَّرَةِ قُلوبُهُم اُولئِكَ هُمُ المُتَّقونَ يَومَ القِيامَةِ . طوبى لِلمُتَواضِعينَ فِي الدُّنيا ، اُولئِكَ يَرتَقون مَنابِرَ المُلكِ يَومَ القِيامَةِ . يا هِشامُ ؛ قِلَّةُ المَنطِقِ حُكمٌ عَظيمٌ ، فَعَلَيكُم بِالصَّمتِ ، فَإِنَّهُ دَعَةٌ حَسَنَةٌ ، وَقِلَّةُ وِزر وَخِفَّةٌ مِنَ الذُّنوبِ ، فَحَصِّنوا بابَ الحِلمِ فَإِنَّ بابَهُ الصَّبرُ وَإِنَّ اللّهَ عز و جل يُبغِضُ الضَّحّاكَ مِن غَيرِ عَجَبٍ وَالمَشّاءَ (3) إلى غَيرِ أرَبٍ (4) وَيَجِبُ عَلَى الوالي أن يَكونَ كَالرّاعي ، لا يَغفُلُ عَن رَعِيَّتِهِ وَلا يَتَكَبَّرُ عَلَيهِم فَاستَحيوا مِنَ اللّهِ في سَرائِرِكُم كَما تَستَحيونَ مِنَ النّاسِ في عَلانِيَتِكُم ، وَاعلَموا أنَّ الكَلِمَةَ مِنَ الحِكمَةِ ضَالَّةُ المُؤمِنِ فَعَلَيكُم بِالعِلمِ قَبلَ أن يُرفَعَ ، وَرَفعُهُ غَيبَةُ عالِمِكُم بَينَ أظهُرِكُم . يا هِشامُ ؛ تَعَلَّم مِنَ العِلمِ ما جَهِلتَ ، وَعَلِّمِ الجاهِلَ مِمّا عَلِمتَ ، عَظِّمِ العالِمَ لِعِلمِهِ ، وَدَع مُنازَعَتَهُ ، وَصَغِّرِ الجاهِلَ لِجَهلِهِ وَلا تَطرُدهُ ، وَلكِن قَرِّبهُ وَعَلِّمهُ . يا هِشامُ ، إنَّ كُلَّ نِعمَةٍ عَجَزتَ عَن شُكرِها بِمَنزِلَةِ سَيِّئَةٍ تُؤاخَذُ بِها . وَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : إنّ للّهِِ عِباداً كَسَرَت قُلوبَهُم خَشيَتُهُ فَأَسكَتَتهُم عَنِ المَنطِقِ ، وَإنَّهُم لفُصَحاءُ عُقَلاءُ ، يَستَبِقونَ إلَى اللّهِ بِالأَعمالِ الزَّكِيَّةِ ، لا يَستَكثِرونَ لَهُ الكَثيرَ وَلا يَرضَونَ لَهُم مِن أنفُسهِم بِالقَليلِ ، يَرَونَ في أنفُسِهِم

.


1- .جثا يجثو . وجثى يجثى : جلس على ركبتيه أو قام على أطراف الأصابع . وفي بعض النّسخ : «حبواً» أي زحفاً على الرّكب من حبا يحبو وحبى يحبى : إذا مشى على أربع .
2- .الوابل : المطر الشّديد الضّخم القطر .
3- .المشّاء : الكثير المشي .
4- .الأرب _ بفتحتين _ : الحاجة .

ص: 494

أنَّهُم أشرارٌ ، وَإِنَّهُم لأَكياسٌ وَأَبرارٌ . يا هِشامُ ؛ الحَياءُ مِنَ الإِيمانِ وَالإِيمانُ في الجَنَّةِ ، وَالبَذَاءُ (1) مِنَ الجَفاءِ وَالجَفاءُ فِي النّارِ . يا هِشامُ ، المُتَكَلِّمونَ ثَلاثَةٌ : فَرابِحٌ وَسالِمٌ وَشاجِبٌ ، فَأَمَّا الرّابِحُ فَالذّاكِرُ للّهِِ وَأمّا السَّالِمُ فَالسّاكِتُ وَأَمَّا الشّاجِبُ (2) فَالَّذي يَخوضُ فِي الباطِلِ ، إنَّ اللّهَ حَرَّمَ الجَنَّةَ على كُلِّ فاحِشٍ بَذيءٍ قَليلِ الحَياءِ ، لا يُبالي ما قالَ وَلا ما قيلَ فيهِ ، وَكانَ أبو ذَرٍّ رضى الله عنه يقولُ : يا مُبتَغي العلِمَ إنَّ هذا اللِّسانَ مِفتاحُ خَيرٍ وَمفِتاحُ شَرٍّ ، فَاختِم على فيكَ كَما تَختِمُ على ذَهَبِكَ وَوَرَقِكَ . يا هِشامُ ، بِئسَ العَبدُ عَبدٌ يَكونُ ذا وَجهَينِ وَذا لِسانَينِ ، يُطري أخاهُ إذا شاهَدَهُ (3) ، وَيَأكُلُهُ إذا غابَ عَنهُ ، إن اُعطِيَ حَسَدَهُ ، وإِن ابتُلِيَ خَذَلَهُ ، إنَّ أسرَعَ الخَيرِ ثَواباً البِرُّ ، وَأسرَعُ الشَّرِّ عُقوبَةً البَغيُ ، وَإنَّ شَرَّ عِبادِ اللّهِ مَن تَكرَهُ مُجالَسَتَهُ لِفُحشِهِ ، وَهَل يَكُبُّ النّاسَ على مَناخِرِهِم فِي النّارِ إلاّ حَصائِدُ ألسِنَتِهِم ، وَمِن حُسنِ إِسلامِ المَرءِ تَركُ ما لا يَعنيهِ . يا هِشامُ ؛ لا يَكونُ الرَّجُلُ مُؤمِناً حَتّى يَكونَ خائِفاً راجِياً وَلا يَكونُ خائِفاً راجِياً حَتّى يَكونَ عامِلاً لِما يَخافُ وَيَرجو . يا هِشامُ ؛ قالَ اللّهُ جَلَّ وَعَزَّ : وَعِزَّتي وَجَلالي وَعَظَمَتي وَقُدرَتي وَبَهائي وَعُلُوّي في مَكاني ، لا يُؤثِرُ عَبدٌ هَوايَ على هَواهُ إلاّ جَعَلتُ الغِنى في نَفسِهِ ، وَهَمَّهُ في آخِرَتِه ، وَكَفَفتُ عَلَيهِ في ضَيعَتِهِ (4) ، وَضَمَّنتُ السَّماواتِ وَالأَرضِ رِزقَهُ ، وَكُنتُ لَهُ مِن وَراءِ تِجارَةِ كُلِّ تاجِرٍ . يا هِشامُ ؛ الغَضَبُ مِفتاحُ الشَّرِّ وَأَكمَلُ المُؤمِنينَ إيماناً أحسَنُهُم خُلُقاً ، وَإن خالَطتَ النّاسَ فَإِنِ استَطَعتَ أن لا تُخالِطَ أحَداً مِنهُم إلاّ مَن كانَت يَدُك عَلَيهِ العُليا (5) فَافعَل .

.


1- .البذاء : الفحش . والبذي _ على فعيل _ : السّفيه والّذي أفحش في منطقه .
2- .الشّاجب : الهذّاء المكثار أي كثير الهذيان وكثير الكلام . وأيضاً الهالك . وهو الأنسب .
3- .أي يحسن الثّناء وبالغ في مدحه إذا شاهده ؛ ويعيبه بالسّوء ويذمّه إذا غاب .
4- .الضّيعة _ بالفتح _ : حرفة الرّجل وصناعته وفي بعض النسخ : «صنعته » .
5- .اليد العليا : المعطية المتعفّفة .

ص: 495

يا هِشامُ ؛ عَلَيكَ بِالرِّفقِ فَإِنَّ الرِّفقَ يُمنٌ وَالخُرقُ شُؤمٌ ، إنَّ الرِّفقَ وَالبِرِّ وَحُسنَ الخُلُقِ يُعَمِّرُ الدِّيارَ وَيَزيدُ فِي الرِّزقِ . يا هِشامُ ؛ قَولُ اللّهِ : « هَلْ جَزاءُ الإِحْسانِ إِلاّ الإِحْسانُ » (1) جَرَت فِي المُؤمِنِ وَالكافِرِ وَالبَرِّ وَالفاجِرِ ، مَن صُنعَ إلَيهِ مَعروفٌ فَعلَيهِ أن يُكافِئَ بِه ، وَلَيسَت المُكافَأَةُ أن تَصنَعَ كَما صَنَعَ حَتّى تَرَى فَضلَكَ ، فَإِن صَنَعتَ كَما صَنَعَ فَلَهُ الفَضلُ بِالاِبتِداءِ . يا هِشامُ ؛ إنَّ مَثَلَ الدُّنيا مَثَلُ الحَيَّةِ ، مَسُّها لَيِّنٌ وَفي جَوفِها السُّمُّ القاتِلُ يَحذَرُها الرِّجالُ ذَوو العُقولِ ، وَيَهوي إلَيها الصِّبيانُ بِأَيديهِم . يا هِشامُ ؛ اصبِر على طاعَةِ اللّهِ وَاصبِر عَن مَعاصي اللّهِ ، فَإنَّما الدُّنيا ساعَةٌ ، فَما مَضى مِنها فَلَيسَ تَجِدُ لَهُ سُروراً وَلا حُزناً وَما لَم يَأتِ مِنها فَلَيسَ تَعرِفُهُ ، فَاصبِر على تِلكَ السّاعَةِ الّتي أنتَ فيها ، فَكَأَنَّكَ قَدِ اغتَبَطتَ . (2) يا هِشامُ ؛ مَثَلُ الدُّنيا مَثَلُ ماءِ البَحرِ كُلَمّا شَرِبَ مِنهُ العَطشانُ ازدادَ عَطَشاً حَتّى يَقتُلَهُ . يا هِشام ؛ إيّاكَ وَالكِبرَ ؛ فَإِنَّهُ لا يَدخُلُ الجَنّة مَن كانَ في قَلبِهِ مِثقالُ حَبَّةٍ مِن كِبرٍ ، الكِبرُ رِداءُ اللّهِ فَمَن نازَعَهُ رِداءَهُ أكبَّهُ اللّهُ فِي النَّارِ على وَجهِهِ . يا هِشامُ ؛ لَيسَ مِنّا مَن لَم يُحاسِب نَفسَهُ في كُلٍّ يَومٍ ؛ فَإِن عَمِلَ حُسناً استَزادَ مِنهُ وَإن عَمِلَ سَيِّئاً استَغفَرَ اللّهَ مِنهُ وَتابَ إلَيهِ . يا هِشامُ ؛ تَمَثَّلَتِ الدُّنيا لِلمَسيحِ عليه السلام في صورَةِ امرَأَةٍ زرقاءَ ، فَقالَ لَها : كَم تَزَوَّجتِ ؟ فَقالَت : كَثيراً . قالَ : فَكُلٌّ طَلَّقَكِ ؟ قالَت : لا ، بَل كُلاًّ قَتَلتُ . قالَ المَسيحُ عليه السلام : فَوَيحٌ لِأَزواجِكِ الباقينَ ، كَيفَ لا يَعتَبِرونَ بِالماضينَ . يا هشامُ ؛ إنَّ ضَوءَ الجَسَدِ في عَينِهِ ، فَإِن كانَ البَصَرُ مُضيئاً استَضاءَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِنَّ ضَوءَ الرّوحِ

.


1- .الرّحمن : 60 .
2- .اغتبط : كان في مسرّة وحسن حال . وفي بعض النّسخ : « قد احتبطت » .

ص: 496

العَقلُ ، فَإِذا كانَ العَبدُ عاقِلاً كانَ عالِماً بِرَبِّهِ ، وَإِذا كانَ عالِماً بِرَبِّهِ أبصَرَ دينَهُ ، وَإن كانَ جاهِلاً بِرَبِّهِ لَم يَقُم لَهُ دينٌ ، وَكَما لا يَقومُ الجَسَدُ إلاّ بِالنَّفسِ الحَيَّةِ ، فَكذلِكَ لا يَقومُ الدّينُ إلاّ بِالنِّيَّةِ الصّادِقَةِ وَلا تَثبُتُ النِّيَّةُ الصّادِقَةُ إلاّ بِالعَقلِ . يا هِشامُ ؛ إنَّ الزَّرعَ يَنبُتُ فِي السَّهلِ وَلا يَنبُتُ فِي الصَّفا (1) ، فَكَذلِكَ الحِكمَةُ تَعمُرُ في قَلبِ المُتَواضِعِ وَلا تَعمُرُ في قَلبِ المُتَكَبِّرِ الجَبّارِ ؛ لِأَنَّ اللّهَ جَعَلَ التَّواضُعَ آلَةُ العَقلِ وَجَعَلَ التَّكَبُّرَ مِن آلَةِ الجَهلِ ، ألَم تَعلَم أنَّ مَن شَمَخَ (2) إلَى السَّقفِ بِرَأسِهِ شَجَّهُ (3) وَمَن خَفَضَ رَأسَهُ استَظَلَّ تَحتَهُ وأَكَنَّهُ ، وَكَذلِكَ مَن لَم يَتَواضَع للّهِِ خَفَضَهُ اللّهُ ، وَمَن تَواضَعَ للّهِِ رَفَعَهُ . يا هِشامُ ، ما أقبَحَ الفَقرَ بَعدَ الغِنى ! وَأقَبحَ الخَطيئَةَ بَعدَ النُّسُكِ ! وَأقبَحُ مِن ذلِكَ العابِدُ للّهِِ ثُمَّ يَترُكُ عِبادَتَهُ . يا هِشامُ ؛ لا خَيرَ فِي العَيشِ إلاّ لِرَجُلَينِ : لِمُستَمِعٍ واعٍ ، وَعالِمٍ ناطِقٍ . يا هِشامُ ؛ ما قُسِّمَ بَينَ العِبادِ أفضَلُ مِنَ العَقلِ ، نَومُ العاقِلِ أفضَلُ مِن سَهَرِ الجاهِلِ ، وَما بَعَثَ اللّهُ نَبِيّاً إلاّ عاقِلاً ، حَتّى يَكونَ عَقلُهُ أفضَلَ مِن جَميعِ جَهدِ المُجتَهدينَ ، وَما أدَّى العَبدُ فَريضَةً مِن فرائِضِ اللّهِ حَتّى عَقِلَ عَنهُ . يا هِشامُ ؛ قالِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إذا رَأيتُم المُؤمِنَ صَموتاً فَادنوا مِنهُ ، فَإنَّهُ يُلقي الحِكمَةَ ، وَالمُؤمِنُ قَليلُ الكَلامِ كَثيرُ العَمَلِ ، وَالمُنافِقُ كَثيرُ الكَلامِ قَليلُ العَمَلِ . يا هِشامُ ، أوحَى اللّهُ تَعالى إلى داوودَ عليه السلام : قُل لِعبادي : لا يَجعلوا بَيني وَبَينَهُم عالِماً مَفتوناً بِالدُّنيا فَيَصُدُّهُم عَن ذِكري ، وَعَن طَريقِ مَحَبَّتي وَمُناجاتي ، اُولئِكَ قُطّاعُ الطَّريقِ مِن عِبادي ، إنّ أدنى ما أَنا صانِعٌ بِهِم أن أنزَعَ حَلاوَةَ مَحَبَّتي وَمُناجاتي مِن قُلوبِهِم . يا هِشامُ ؛ مَن تَعَظَّمَ في نَفسِهِ لَعَنَتهُ مَلائِكَةُ السَّماءِ وَمَلائِكَةُ الأَرضِ ، وَمَن تَكَبَّرَ على إخوانِهِ

.


1- .الصّفا : الحجر الصّلد الضّخم .
2- .شمخ - من باب منع - : علا ورفع .
3- .أي كسره وجرحه .

ص: 497

وَاستَطال عَلَيهِم (1) فَقَد ضادَّ اللّهَ ، وَمَن ادَّعى ما لَيسَ لَهُ فَهُوَ أعني لِغَيرِ رُشدِهِ . يا هِشام ؛ أوحَى اللّهُ تَعالى إلى داوودَ عليه السلام : يا داوودُ حَذِّر وَأَنذِر أصحابَكَ عَن حُبِّ الشَّهواتِ ، فَإِنَّ المُعَلَّقَةَ قُلوبُهُم بِشَهَواتِ الدُّنيا قُلوبُهُم مَحجوبَةٌ عَنِّي . يا هِشامُ ؛ إيّاكَ وَالكِبرَ على أوليائي وَالاستِطالَةَ بِعلمِكَ فَيَمقُتَكَ اللّهُ ، فَلا تَنفَعُكَ بَعدَ مَقتِهِ دُنياكَ وَلا آخِرَتُكَ ، وَكُن فِي الدُّنيا كَساكِنِ دارٍ لَيَست لَهُ إنَّما يَنتَظِرُ الرَّحيلَ . يا هِشامُ ؛ مُجالَسَةُ أهلِ الدّينِ شَرَفُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وَمُشاوَرَةُ العاقِلِ النّاصِحِ يُمنٌ وبَرَكَةٌ وَرُشدٌ وَتَوفيقٌ مِنَ اللّهِ ، فَإِذا أشارَ عَلَيكَ العاقِلُ النّاصِحُ فَإِيّاكَ وَالخِلافَ ، فَإِنَّ في ذلِكَ العَطَبَ . (2) يا هِشامُ ؛ إيّاكَ وَمُخالَطَةَ النّاسِ وَالاُنسَ بِهِم ، إلاّ أن تَجِدَ مِنهُم عاقِلاً وَمَأموناً ، فَآنِس بِهِ وَاهرَب مِن سائِرِهِم كَهَرَبِكَ مِن السِّباعِ الضّارِيَةِ (3) . وَيَنبغي لِلعاقِلِ إذا عَمِلَ عَمَلاً أن يَستَحيي مِنَ اللّهِ ، وَإِذا تَفَرَّدَ لَهُ بِالنِّعَمِ أن يُشارِكَ في عَمَلِهِ أحَداً غَيرَهُ (4) ، وَإِذا مَرَّ بِكَ (5) أمرانِ لا تَدري أيُّهُما خَيرٌ وَأَصوَبُ فَانظُر أيَّهما أقرَبَ إلى هواكَ فَخالِفهُ ، فَإِنَّ كَثيرَ الصَّوابِ في مُخاَلَفةِ هَواكَ ، وَإِيَّاكَ أن تَغلِبَ الحِكمَةَ وَتَضَعَها في أهلِ الجَهالَةِ 6 . قالَ هِشامُ : فَقُلتُ لَهُ : فَإِن وَجَدتُ رَجُلاً طالِباً لَهُ ، غَيرَ أنَّ عَقلَهُ لا يَتَّسِعُ لِضَبطِ ما اُلِقيَ إلَيهِ ؟ قالَ عليه السلام : فَتَلَطَّفَ لَهُ فِي النَّصيحَةِ ، فَإِن ضاقَ قَلبُهُ فَلا تُعَرِضَنَّ نَفسَكَ لِلفِتنَةِ ، وَاحذَر رَدَّ المُتَكَبِّرينَ ،

.


1- .استطال عليهم : أي تفضّل عليهم .
2- .العطب : الهلاك .
3- .الضّاري : الحيوان السّبع ، من ضرّا الكلب بالصّيد يضْرو : تعوَّده وأوْلع به . وأيضاً : تطعم بلحمه ودمه .
4- .أيإذا اختصّ العاقل بنعمة ينبغي له أن يشارك غيره في هذه النّعمة بأن يعطيه منها. وفيبعض النّسخ:«إذ تفرّد له».
5- .في بعض النّسخ : «وإذا خرّ بك أمران » ، وخرّ به أمر : أي نزل به وأهمّه .

ص: 498

فَإِنَّ العِلمَ يَدُلُّ على أن يُملى على مَن لا يُفيقُ (1) . قُلتُ : فَإِن لَم أجِدَ مَن يَعقِلُ السُّؤالَ عَنها؟ قالَ عليه السلام : فَاغتَنِم جَهلَهُ عَنِ السُّؤالِ حَتّى تَسلَمَ مِن فِتنَةِ القَولِ وَعَظيمِ فِتنَةِ الرَّدِّ ، وَاعلَم أنَّ اللّهَ لَم يَرفَعِ المُتَواضِعينَ بِقَدرِ تَواضُعِهِم ، وَلكِن رَفَعَهُم بِقَدرِ عَظَمَتِهِ وَمَجدِهِ ، وَلَم يُؤمِنِ الخائِفينَ بِقَدرِ خَوفِهِم ، وَلكِن آمَنَهُم بِقَدرِ كَرَمِهِ وَجودِهِ ، وَلَم يُفّرِجِ (2) المَحزونينَ بِقَدرِ حُزنِهِم ، وَلكِن بِقَدرِ رَأَفتِهِ وَرَحمَتِهِ ، فَما ظَنُّكَ بِالرّؤوفِ الرَّحيمِ الَّذي يَتَوَدَّدُ إلى مَن يُؤذيهِ بِأَوليائِهِ ، فَكَيفَ بِمَن يُؤذى فيهِ ؟ وَما ظَنُّكَ بِالتَّوابِ الرَّحيمِ الَّذي يَتوبُ على مَن يُعاديهِ فَكَيفَ بِمَن يَتَرَضّاهُ (3) ، وَيَختارُ عَدَاوَةَ الخَلقِ فيه ؟ . يا هِشامُ ؛ مَن أحَبَّ الدُّنيا ذَهَبَ خَوفُ الآخِرَةِ مِن قَلبِهِ ، وَما اُوتِيَ عَبدٌ عِلماً فَازدادَ لِلدُّنيا حُبّاً ، إلاّ ازدادَ مِنَ اللّهِ بُعداً وَازدادَ اللّهُ عَلَيهِ غَضَباً . يا هِشامُ ؛ إنَّ العاقِلَ اللَّبيبَ مَن تَرَكَ ما لا طاقَةَ لَهُ بِهِ ، وَأكثَرَ الصَّوابَ في خِلافِ الهَوى وَمَن طالَ أملُهُ ساءَ عَمَلُهُ . يا هِشامُ ؛ لَو رَأَيتَ مَسيرَ الأَجَلِ لَأَلهاكَ عَنِ الأَملِ . يا هِشامُ ؛ إيّاكَ وَالطَّمَعَ وَعَلَيكَ بِاليَأسِ مِمّا في أيدي النّاسِ ، وَأمِتِ الطَّمَعَ مِنَ المَخلوقينَ ، فَإِنَّ الطَّمَعَ مِفتاحٌ لِلذُّلِّ ، وَاختِلاسَ العَقلِ وَاختِلاقَ (4) المُرُوّاتِ وَتَدنيسَ العِرضِ (5) ، والذَّهابَ بِالعِلمِ ، وَعَلَيكَ بِالاِعتِصامِ بِرَبِّكَ وَالتَّوَكُّلَ عَلَيهِ ، وَجاهِد نَفسَكَ لِتَرُدَّها عَن هَواها ، فَإِنَّهُ واجِبٌ عَلَيكَ كَجِهادِ عَدُوِّكَ . قالَ هِشامُ : فَقُلتُ لَهُ : فَأَيُّ الأَعداءِ أوجَبُهُم مُجاهَدَةً ؟ قالَ عليه السلام : أقرَبُهُم إلَيكَ ، وَأَعداهُم لَكَ

.


1- .الإفاقة : الرّجوع عن الكسر والاغماء والغفلة إلى حال الاستقامة . وفي بعض النّسخ : « فإنّ العلم يذلّ على أن يحمل على من لا يفيق» وفي بعضها : «يجلى » .
2- .في بعض النّسخ : «يفرح » .
3- .يترضّاه : أي يطلب رضاه .
4- .الاختلاق : الافتراء . وفي بعض النّسخ : « واخلاق » . والظّاهر أنّه جمع خلق _ بالتحريك _ أي البالي .
5- .العرض : النّفس والخليقة المحمودة _ وأيضاً _ : ما يفتخر الإنسان من حسب وشرف .

ص: 499

وَأضَرُّهُم بِكَ ، وَأعظَمُهُم لَكَ عَداوَةً ، وَأخفاهُم لَكَ شَخصاً ، مَعَ دُنُوِّهِ مِنكَ ، وَمَن يُحَرِّضُ أعداءَكَ عَلَيكَ وَهُوَ إبليسُ المُوَكَّلُ بِوَسواسٍ مِنَ القُلوبِ ، فَلَهُ فَلتَشتَدَّ عَداوَتُكَ ، وَلا يَكونَنَّ أصبَرَ على مُجاهَدَتِهِ لِهَلَكَتِكَ مِنكَ على صَبرِكَ ، لِمُجاهَدَتِهِ ، فَإِنَّهُ أضعَفُ مِنكَ رُكناً (1) في قُوَّتِهِ ، وَأقَلُّ مِنكَ ضَرراً في كَثرَةِ شَرِّهِ ، إذا أنتَ اعتَصَمتَ بِاللّهِ فَقَد هُديتَ إلى صِراطٍ مُستَقيمٍ . يا هِشامُ ؛ مَن أكرَمَهُ اللّهُ بِثَلاثٍ فَقَد لَطُفَ لَهُ : عَقلٌ يَكفيهِ مَؤونَةَ هَواهُ ، وَعِلمٌ يَكفيهِ مَؤونَةَ جَهلِهِ ، وَغِنىً يَكفيهِ مَخافَةَ الفَقرِ . يا هِشامُ ؛ احذَر هذهِ الدُّنيا ، وَاحذَر أهلَها ، فَإِنَّ النّاسَ فيها على أرَبَعةِ أصنافٍ : رَجُلٍ مُتَرَدٍّ مُعانِقٍ لِهواهُ ، وَمُتعَلِّمٍ مُقرِئٍ كُلَّما ازدادَ عِلماً ازدادَ كِبراً يَستَعلي بِقِراءَتِهِ وَعلِمِهِ على مَن هُوَ دونَهُ ، وَعابِدٍ جاهِلٍ يَستَصغِرُ مَن هُوَ دونَهُ في عِبادَتِهِ يُحِبُّ أن يُعَظَّمَ وَيُوَقَّرَ وَذي بَصيرَةٍ عالِمٍ عارِفٍ بِطَريقِ الحَقِّ ، يُحِبُّ القِيامَ بِهِ ، فَهُوَ عاجِزٌ أو مَغلوبٌ ، ولا يَقدِرُ عَلَى القِيامِ بِما يَعرِفُهُ فَهُوَ مَحزونٌ مَغمومٌ بِذلِكَ فَهُوَ أمثَلُ (2) أهلِ زَمانِهِ وَأوجَهُهُم عَقلاً . يا هِشامُ ؛ اعرِفِ العَقلَ وَجُندَهُ ، وَالجَهلَ وَجُندَهُ ، تَكُن مِن المُهتَدينَ . قالَ هِشامُ : فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ لا نَعرِفُ إلاّ ما عَرَّفتَنا . فَقالَ عليه السلام : يا هِشامُ ؛ إنَّ اللّهَ خَلَقَ العَقلَ وَهُوَ أوَّلُ خَلقٍ خَلَقَهُ اللّهُ مِنَ الرَّوحانِيينَ عَن يَمينِ العَرشِ من نورِهِ فقال له : أدبِر فَأَدبَرَ ثُمَّ قالَ لَهُ : أقبِل فَأَقبَلَ ، فَقالَ اللّهُ جَلَّ وَعَزَّ : خَلَقتُكَ خَلقاً عَظيماً وَكَرَّمتُكَ على جَميعِ خَلقي . ثُمَّ خَلَقَ الجَهلَ مِنَ البَحرِ الاُجاجِ الظَّلمانِي فَقالَ لَهُ : أدبِر فَأَدبَرَ ، ثُمَّ قالَ لَهُ : أقبِل فَلَم يُقبِل فَقالَ لَهُ : استَكبَرتَ فَلَعَنَهُ ، ثُمَّ جَعَلَ لِلعَقلِ خَمَسةً وسَبعينَ جُنداً ، فَلَمّا رَأَى الجَهلُ ما كَرَّمَ اللّهُ بِهِ العَقلَ وَما أعطاهُ أضمَرَ لَهُ العَداوَةَ فَقالَ الجَهلُ : يا رَبِّ ، هذا خَلقٌ مِثلي خَلَقتَهُ وَكَرَّمتَهُ وَقَوَّيتَهُ ، وَأنا ضِدُّهُ وَلا قُوَّةَ لي بِهِ ، أعطِني مِنَ الجُندِ مِثلَ ما أعطَيتَهُ ؟ فَقالَ تَبارَكَ وَتَعالى : نَعَم ، فَإِن عَصَيتَني بَعدَ

.


1- .الرّكن : العزّ والمنعة . وأيضاً : ما يقوى به . والأمر العظيم .
2- .الأمثل : الأفضل .

ص: 500

جنود العقل والجهل

ذلِكَ أخرَجتُكَ وَجُندَكَ مِن جِواري وَمِن رَحمَتي ، فَقالَ : قَد رَضيتُ . فَأَعطاهُ اللّهُ خَمسَةً وَسَبعينَ جُنداً ، فَكانَ مِمّا أعطى العقلَ مِنَ الخَمسَةِ وَالسَّبعينَ جُنداً ، الخَيرُ وَهُوَ وَزيرُ العَقلِ ، وَجَعَلَ ضِدَّهُ الشَّرَّ وَهُوَ وَزيرُ الجَهلِ : جنود العقل والجهل : الإِيمانُ ، الكُفرُ . التَّصديقُ ، التَّكذيبُ ، الإِخلاصُ ، النِّفاقُ ، الرَّجاءُ ، القُنوطُ ، العَدلُ ، الجَورُ الرِّضا ، السُّخط ، الشُّكرُ ، الكُفرانُ ، اليَأسُ ، الطَّمَعُ ، التَّوَكُّلُ ، الحرِصُ الرَّأفَةُ ، الغِلظَةُ ، العِلمُ ، الجَهلُ ، العِفَّةُ التَّهَتُّكُ ، الزُّهدُ ، الرَّغبَةُ ، الرِّفقُ ، الخُرقُ الرَّهبَةُ ، الجُرأةُ ، التَّواضُعُ ، الكِبرُ ، التَّؤُدَةُ ، العَجَلَةُ ، الحِلمُ السَّفَهُ الصَّمتُ ، الهَذَرُ ، الاِستِسلامُ ، الاِستِكبارُ ، التَّسليمُ ، التَّجَبُّرُ ، العَفوُ ، الحِقدُ ، الرّحمَةُ ، القَسوَةُ ، اليَقينُ الشَّكُ ، الصَّبرُ ، الجَزَعُ ، الصَّفحُ ، الاِنتِقامُ ، الغِنى ، الفَقرُ ، التَّفَكُّرُ ، السَّهوُ ، الحِفظُ ، النِّسيان ، التَّواصُلُ ، القَطيعَةُ ، القَناعَةُ ، الشّرَهُ ، المُؤاساةُ ، المَنعُ ، المَوَدَّةُ ، العَداوَةُ ، الوَفاءُ ، الغَدرُ ، الطّاعَةُ ، المَعصِيَةُ ، الخُضوعُ ، التَّطاوُلُ ، السَّلامَةُ ، البَلاءُ ، الفَهمُ ، الغَباوَةُ ، المَعرِفَةُ ، الإِنكارُ ، المُداراةُ ، المُكاشَفَةُ . سَلامَةُ الغَيبِ ، المُماكَرَةُ ، الكِتمانُ ، الإِفشاءُ البِرُّ ، العُقوقُ ، الحَقيقَةُ ، التَّسويفُ ، المَعروفُ ، المُنكَرُ ، التَّقِيَّةُ ، الإِذاعَةُ الإِنصافُ ، الظُّلمُ ، التُّقى ، الحَسَدُ النّظافَةُ ، القَذَرُ ، الحَياءُ ، القِحَةُ ، القَصدُ ، الإِسرافُ ، الرّاحَةُ ، التَّعَبُ ، السُّهولَةُ ، الصُّعوبَةُ ، العافَيِةُ ، البَلوى ، القِوامُ ، المُكاثَرَةُ ، الحِكمَةُ ، الهَوى ، الوَقارُ ، الخِفَّةُ ، السَّعادَةُ ، الشَّقاءُ ، التَّوبَةُ ، الإِصرارُ ، المُحافَظَةُ ، التَّهاوُنُ ، الدُّعاءُ ، الاستِنكافُ النَّشاطُ ، الكَسَلُ ، الفَرَحُ ، الحُزنُ الاُلفَةُ الفُرقَةُ ، السَّخاءُ ، البُخلُ ، الخُشوعُ ، العُجبُ ، صَونُ الحَديثِ ، النَّميمَةُ ، الاِستِغفارُ ، الاِغتِرارُ ، الكِياسَةُ الحُمقُ . يا هِشامُ ؛ لا تُجمَعُ هذهِ الخِصالُ إلاّ لِنَبِيٍّ أو وَصيٍّ أو مُؤمِنٍ امتَحَنَ اللّهُ قَلبَهُ لِلإِيمانِ . وَأَمّا سائِرُ ذلِكَ مِنَ المُؤمِنينَ ، فَإِنَّ أحَدَهُم لا يَخلو مِن أن يَكونَ فيهِ بَعضُ هذهِ الجُنودِ مِن أجنادِ العَقلِ حَتّى يَستَكمِلَ العَقلُ ، وَيَتَخَلَّصَ مِن جُنودِ الجَهلِ فَعِندَ ذلِكَ يَكونُ فِي الدَّرَجَةِ العُليا مَعَ الأَنبِياءِ وَالأوصِياءِ عليهم السلام وَفَّقَنا اللّهُ وَإِيّاكُم لِطاعَتِهِ . (1)

.


1- .تحف العقول : ص383 _ 402 ، بحار الأنوار : ج1 ص132 ح30 ، وج78 ص296 ح1 نقلاً عنه وراجع : الكافي : ج1 ص15 ح12 .

ص: 501

100 . وصيّته عليه السلام لأولاده

100وصيّته عليه السلام لأولادهروي أنّ موسى بن جعفر عليه السلام أحضر وُلده يوماً فقال لهم :يا بَنِيَّ إنّي مُوصيكُم بِوَصِيَّةٍ مَن حَفِظَها لَم يَضِع مَعَها : إن أتاكُم آتٍ فَأَسمَعَكُم في الاُذُنِ اليُمنى مَكروهاً ثُمَّ تَحَوَّلَ إلى الاُذُنِ اليُسرى فَاعتَذَرَ وَقالَ : لَم أقُل شَيئاً فَاقبَلوا عُذرَهُ . (1)

.


1- .كشف الغمّة : ج3 ص8 ، بحار الأنوار : ج71 ص425 ح67 نقلاً عنه .

ص: 502

. .

ص: 503

الفصل الثّامن : في اُمور شتّى 503

اشاره

الفصل الثّامن : في اُمور شتّى

.

ص: 504

. .

ص: 505

101 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن يقطين ، مناظراته عليه السلام مع خلفاء الجور

101كتابه عليه السلام إلى عليّ بن يقطينمناظراته عليه السلام مع خلفاء الجورروى عبد اللّه بن إدريس ، عن ابن سنان ، قال : حمل الرّشيد في بعض الأيّام إلى عليّ بن يقطين ثياباً أكرمه بها ، وكان في جُملتها دُرّاعة خزّ سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذّهب ، فأنفذ عليّ بن يقطين جُلّ تلك الثّياب إلى موسى بن جعفر ، وأنفذ في جملتها تلك الدُّرّاعة ، وأضاف إليها مالاً كان عنده على رسم له فيما يحمله إليه من خمس ماله . فلمّا وصل ذلك إلى أبي الحسن عليه السلام قَبِلَ المال والثّياب ، وردّ الدُّرّاعة على يد الرّسول إلى عليّ بن يقطين وكتب إليه : احتَفِظ بِها ، وَلا تُخرِجها عَن يَدِكَ ، فَسَيَكونُ لَكَ بِها شَأنٌ تَحتاجُ إلَيها مَعَهُ . فارتاب عليّ بن يقطين بردّها عليه ، ولم يدر ما سبب ذلك ، واحتفظ بالدُّرّاعة . فَلَمّا كان بعد أيّام تغيّر عليّ بن يقطين على غلام كان يختصّ به فصرفه عن خدمته ، وكان الغلام يعرف ميل عليّ بن يقطين إلى أبي الحسن موسى عليه السلام ، ويقف على ما يحمله إليه في كلّ وقت من مال وثياب وألطاف وغير ذلك ، فسعى به إلى

.

ص: 506

102 . كتابه عليه السلام إلى الخيزران ، ما بينه وبين خلفاء الجور

الرّشيد فقال : إنّه يقول : بإمامة موسى بن جعفر ، ويحمل إليه خمس ماله في كُلّ سنة ، وقد حمل إليه الدُّرّاعة الّتي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا . فاستشاط الرّشيد لذلك ، وغضب غضباً شديداً . وقال : لأكشفنّ عن هذه الحال ، فإن كان الأمر كما تقول أزهقت نفسه . وأنفذ في الوقت بإحضار عليّ بن يقطين ، فلمّا مثل بين يديه قال له : ما فعلت الدّراعة الّتي كسوتك بها ؟ قال : هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم فيه طيب ، قد احتفظت بها ، قلّما أصبحت إلاّ وفتحت السّفط ونظرت إليها تبرّكاً بها وقبّلتها ورددتها إلى موضعها ، وكلّما أمسيت صنعت بها مثل ذلك . فقال : أحضرها السّاعة ، قال : نعم يا أمير المؤمنين . واستدعى بعض خدمه فقال له : إمض إلى البيت الفلاني من داري ، فخذ مفتاحه من خازنتي وافتحه ، ثُمَّ افتح الصّندوق الفلاني فجئني بالسّفط الّذي فيه بختمه . فلم يلبث الغلام أن جاء بالسّفط مختوماً ، فوضع بين يدي الرّشيد فأمر بكسر ختمه وفتحه . فلمّا فتح نظر إلى الدّراعة فيه بحالها ، مطويّة مدفونة في الطّيب ، فسكن الرّشيد من غضبه ، ثُمَّ قال لعليّ بن يقطين : ارددها إلى مكانها وانصرف راشداً ، فلن اُصدّق عليك بعدها ساعياً . وأمر أن يُتبع بجائزة سنيّة ، وتقدّم بضرب السّاعي به ألف سوط ، فضرب نحو خمسمئة سوط فمات في ذلك . (1)

102كتابه عليه السلام إلى الخيزرانما بينه وبين خلفاء الجورمحمّد بن عيسى ، عن بعض من ذكره ، أنّه كتب أبو الحسن موسى عليه السلام إلى

.


1- .الإرشاد : ج2 ص225 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص289 ، كشف الغمّة : ج2 ص224 ، بحار الأنوار : ج48 ص137 .

ص: 507

الخيزران (1) اُمّ أمير المؤمنين يعزّيها بموسى ابنها ، ويهنؤها بهارون ابنها :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم لِلخَيزُران اُمِّ أميرِ المُؤمِنينَ مِن موسى بنِ جَعفَرِ بنِ مُحمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ . أمّا بَعدُ : أصلَحَكِ اللّهُ وَأمتَعَ بِكَ ، وَأَكرَمَكِ وَحَفِظَكِ ، وَأتَمَّ النِّعمَةَ وَالعافِيَةَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ لَكِ بِرَحمَتِهِ . ثُمَّ إنَّ الاُمورَ _ أطالَ اللّهُ بَقاءَكِ _ كُلُّها بِيَدِ اللّهِ عز و جل ، يُمضيها وَيُقَدِّرُها بِقُدرَتِهِ فيها وَالسُّلطانِ عَلَيها ، تَوكّل بِحِفظِ ماضيها وَتَمامِ باقيها ، فلا مُقَدِّمَ لِما أخَّر مِنها وَلا مُؤخِّرَ لِما قَدَّمَ ، استَأثَرَ بِالبَقاءِ وَخَلَقَ خَلقَهُ لِلفَناءِ ، أسكَنَهُم دُنيا سَريعٌ زَوالُها قَليلٌ بَقاؤُها ، وَجَعَلَ لَهُم مَرجِعاً إلى دارٍ لا زَوالَ لَها وَلا فَناءَ . وَكَتَبَ المَوتَ على جَميعِ خَلقِهِ ، وَجَعَلَهُم اُسوَةً فيهِ ، عَدلاً مِنهُ عَلَيهِم عَزيزاً ، وَقُدرَةً مِنهُ عَلَيهِم ، لا مَدفَعَ لأَحَدٍ مِنهُ وَلا مَحيصَ لَهُ عَنهُ ، حَتّى يَجمَعَ اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى بِذلِكَ إلى دارِ البَقاءِ خَلقَهُ ، وَيَرِثَ بهِ أرضَهُ وَمَن عَلَيها ، وَإلَيهِ يَرجِعونَ . بَلَغَنا _ أطال اللّهُ بَقاءَكِ _ ما كانَ مِن قَضاءِ اللّهِ الغَالِبِ في وَفاةِ أميرِ المُؤمِنينَ موسى صلواتُ اللّهِ عَلَيهِ وَرَحمَتُهُ وَمَغفِرَتُهُ وَرِضوانُهُ ، وَإِنّا للّهِِ وَإِنّا إلَيهِ راجِعونَ ، إعظاماً لِمُصيبَتهِ وَإِجلالاً لِرُزئِهِ (2) وَفَقدِهِ ، ثُمَّ إنّا للّهِِ وَإِنّا إلَيهِ راجِعونَ ، صبراً لِأَمرِ اللّهِ عز و جلوَتَسليماً لِقَضائِهِ ، ثُمَّ إنّا للّهِِ وَإِنّا إلَيهِ راجِعونَ لِشِدَّةِ مُصيبَتِكِ عَلَينا خاصَّةً ، وَبُلوغِها مِن حَرِّ قُلوبِنا وَنُشوزِ أنفُسِنا .

.


1- .خيزران أمّ هارون الرشيد والهادي : المتوفية سنة 173 ، هي من ربات السياسة والنفوذ والسّلطان لعبت دورا عظيما في خلافة ولدها واستبدت بالأمر حتى شاركته في شؤون الدولة ، وكان الهادي كثيرا لطاعتها ومجيبا لها فيها تسأله من الحوائج . . . ( تراجم أعلام النساء : ج 1 ص 314 و ج 2 ص 67 ) .
2- .وفي نسخة : « لرزيته » .

ص: 508

نَسأَلُ اللّهَ أن يُصَلِّيَ علىَ أميرِ المُؤمِنينَ وَأن يَرحَمَهُ ، وَيُلحِقَهُ بِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله وَبِصالِحِ سَلَفِهِ ، وَأن يَجعَل ما نَقَلَهُ إلَيهِ خَيراً مِمّا أخرَجَهُ مِنهُ . وَنَسأَلُ اللّهَ أن يُعَظِّمَ أجرَكِ ، أمتَعَ اللّهُ بِكَ _ وَأن يُحسِنَ عُقباكِ ، وَأن يُعَوِّضَكِ مِنَ المُصيبَةِ بِأَميرِ المُؤمنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ أفضَلَ ما وَعَدَ الصّابِرينَ مِن صَلَواتِهِ وَرَحمَتِهِ وَهُداهُ . وَنَسأَلُ اللّهَ أن يَربُطَ على قَلبِكِ ، وَيُحسِنَ عَزاءَكِ وَسَلوَتَكِ ، وَالخَلَفَ عَلَيكِ ، وَلا يُريكِ بَعدَهُ مَكروها في نَفسِكِ وَلا في شَيءٍ مِن نِعمَتِهِ عَلَيكَ . وَأسأَلُ اللّهَ أن يُهنيكِ خِلافَةَ أميرِ المُؤمِنينَ أمتَعَ اللّهُ بِهِ وَأَطالَ بَقاءَهُ وَمَدَّ في عُمُرِهِ وَأَنسَأ في أجَلِهِ ، وَأَن يُسَوِّغَكُما بِأَتَمِّ النِّعمَةِ وَأفضَلِ الكَرامَةِ ، وَأطوَلِ العُمُرِ ، وَأحسَنِ الكِفايَةِ ، وَأن يُمَتِّعَكِ وَإِيّانا خاصَّةً ، وَالمُسلِمينَ عامَّةً بِأَميرِ المُؤمِنينَ ، حَتّى نَبلُغَ بِهِ أفضَلَ الأَمَلِ فيهِ لِنَفسِهِ وَمِنكِ _ أطالَ اللّهُ بقاءَهُ _ وَمِنّا لَهُ . لَم يَكُن _ أطالَ اللّهُ بَقاءَكِ _ أحَدٌ مِن أهلي وَقَومِكِ وَخاصَّتِكِ وَحُرَمتِكِ ، كانَ أشَدَّ لِمُصيبَتِكِ إِعظاماً وَبِها حُزناً ، وَلَكِ بِالأَجرِ عَلَيها دُعاءً ، وَبِالنِّعمَةِ الّتي أحدَثَ اللّهُ لِأَميرِ المُؤمِنينَ _ أطالَ اللّهُ بَقاءَهُ _ دُعاءً بِتَمامِها وَدَوامِها وَبَقائِها ، وَدَفعِ المَكروهِ فيها ، مِنّي . وَالحَمدُ للّهِِ لِما جَعَلَ اللّهَ عَلَيهِ بِمَعرِفَتي بِفَضلِكِ ، وَالنِّعمَةِ عَلَيكِ ، وَشُكري بَلاءَكِ ، وَعَظيمِ رَجائي لَكِ ، أمتَعَ اللّهُ بِكِ وَأَحسَنَ جزاءَكِ . إن رأيتِ _ أطالَ اللّهُ بَقاءَكِ _ أن تَكتُبي إلَيَّ بِخَبَرِكِ في خاصَّةِ نَفسِكِ ، وَحالِ جَزيلِ هذهِ المُصيبَةِ وَسَلوَتِكِ عَنها ، فَعَلتِ ، فَإنّي بذِلِكَ مُهتَّمٌ إلى ما جاءَني مِن خَبَرِكِ وَحالِكِ فيهِ مُتَطَلِّعٌ ، أتَمَّ اللّهُ لَكِ أفضَلَ ما عَوَّدَكِ مِن نِعَمِهِ ، وَاصطَنَعَ عِندَكِ مِن كرامَتِهِ ، وَالسَّلامُ عَليكِ وَرَحمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ .

.

ص: 509

103 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن سويد ، في السّؤال عن مسائل كثيرة

وَكُتِبَ يَومَ الخَميسِ لِسَبعِ لَيالٍ خَلَونَ مِن شَهرِ رَبيعِ الآخِرِ سَنَةَ سَبعينَ وَمِئَةٍ . (1)

قال العلاّمة المجلسي رحمة اللّه عليه : انظُر إلى شِدَّةِ التقيّة في زمانِهِ عليه السلام حَتّى أحوجته إلى أن يكتب مثل هذا الكتاب لموت كافر لا يؤمن بيوم الحساب ، فهذا يفتح لك من التّقية كلّ باب .

103كتابه عليه السلام إلى عليّ بن سويدفي السّؤال عن مسائل كثيرةعن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن محمّد بن منصور الخزاعيّ ، عن عليّ بن سويد ومحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عمّه حمزة بن بزيع ، عن عليّ بن سويد ، والحسن بن محمّد ، عن محمّد بن أحمد النّهديّ ، عن إسماعيل بن مهران ، عن محمّد بن منصور ، عن عليّ بن سويد 2 ، قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام وهو في الحبس كتاباً ، أسأله عن حاله وعن مسائل كثيرة .

.


1- .قرب الإسناد : ص306 ح1201 ، بحار الأنوار : ج48 ص134 ح7.

ص: 510

فاحتبس الجواب عليّ أشهراً ، ثمّ أجابني بجواب هذه نسخته :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحَمدُ للّهِِ العَلِيِّ العَظيمِ ، الَّذي بِعَظَمَتِهِ وَنورِهِ أبصَرَ قُلوبَ المُونينَ ، وَبِعَظَمَتِهِ وَنورِهِ عاداهُ الجاهِلونَ ، وَبِعَظَمَتِهِ وَنورِهِ ابتَغى مَن فِي السَّماواتِ وَمَن فِي الأرضِ إلَيهِ الوَسيلَةَ بِالأَعمالِ المُختَلِفَةِ ، وَالأديانِ المُتَضادَّةِ ، فَمُصيبٌ وَمُخطِئٌ ، وَضالٌّ وَمُهتَدٍ ، وَسَميعٌ وَأَصَمُّ ، وَبَصيرٌ وَأَعمى حَيرانُ ، فَالحَمدُ للّهِِ الَّذي عَرَّفَ وَوَصَفَ دينَهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله . أمّا بَعدُ : فَإِنَّكَ امرُوأنزلَكَ اللّهُ من آلِ مُحَمَّدٍ بِمَنزِلَةٍ خاصَّةٍ ، وَحَفِظَ مَوَدَّةَ ما استَرعاكَ مِن دينِهِ ، وَما ألهَمَكَ مِن رُشدِكَ ، وبَصَّرَكَ مِن أمرِ دينِكَ بِتَفضيلِكَ إيّاهُم وَبِرَدِّكَ الاُمورَ إلَيهِم . كَتَبتَ تَسأَلُني عَن اُمورٍ كُنتَ مِنها في تَقِيَّةٍ ، وَمِن كِتمانِها في سَعَةٍ فَلَمّا انقَضى سُلطانُ الجَبابِرَةِ وَجاءَ سُلطانُ ذِي السُّلطانِ العَظيم بِفِراقِ الدُّنيا المَذمومَةِ إلى أهلِها العُتاةِ على خالِقِهِم ، رَأَيتُ أن اُفسِّرَ لَكَ ما سَأَلتَني عَنهُ مَخافَةَ أن يَدخُلَ الحيرَةُ على ضُعفاءِ شيعَتِنا مِن قِبَلِ جَهالَتِهِم ، فَاتَّقِ اللّهَ عَزَّ ذِكرُهُ وَخُصَّ لِذلِكَ الأَمرِ أهلَهُ وَاحذَر أن تَكونَ سَبَبَ بَلِيَّةٍ عَلَى الأَوصياءِ ، أو حارِشاً عَلَيهِم بِإِفشاءِ ما استَودَعتُكَ ، وَإِظهارِ ما استَكتَمتُكَ وَلَن تَفعَلَ إن شاءَ اللّهُ . إنَّ أوَّلَ ما اُنهي إلَيكَ أنّي أنعى إلَيكَ نَفسي في لَيالِيَّ هذهِ غَيرَ جازِعٍ وَلا نادِمٍ وَلا شاكٍّ فيما هُوَ كائِنٌ مِمّا قَد قَضَى اللّهُ عز و جل ، وَحَتَمَ فاستَمسِك بِعُروَةِ الدّينِ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَالعُروَةِ الوُثقى الوَصِيِّ بَعدَ الوَصِيِّ وَالمُسالَمَةِ لَهُم وَالرِّضا بِما قالوا ، وَلا تَلتَمِس دينَ مَن لَيس مِن شيعَتِكَ ، وَلا تُحِبَّنَّ دينَهُم ، فَإِنَّهُم ، الخائِنونَ ، الَّذينَ خانوا اللّهَ وَرَسولَهُ ، وَخانوا أماناتِهِم ، وَتَدري ما خانوا أماناتِهِم ؟ ائتُمِنوا على كِتابِ اللّهِ

.

ص: 511

فَحَرَّفوهُ وَبَدَّلوهُ ، وَدَلّوا على وُلاةِ الأَمرِ مِنهُم ، فَانصَرَفوا عَنهُم فَأَذاقَهُم اللّهُ لِباسَ الجوعِ وَالخَوفِ بِما كانوا يَصنَعونَ . وَسَأَلتَ عَن رَجُلَينِ اغتَصَبا رَجُلاً مالاً كانَ يُنفِقُهُ عَلَى الفُقَراءِ وَالمَساكينِ ، وَأبناءِ السَّبيلِ ، وَفي سَبيلِ اللّهِ ، فَلَمّا اغتَصَباهُ ذلِكَ لَم يَرضَيا ، حَيثُ غَصَباهُ حتّى حَمَّلاهُ إيّاهُ كُرهاً فَوقَ رَقَبَتِهِ إلى مَنازِلِهِما ، فَلَمّا أحرزاهُ تَوَلّيا إنفاقَهُ أيَبلُغانِ بِذِلِكَ كُفراً؟ فَلَعَمري لَقَد نافَقا قَبلَ ذلِكَ ، وَرَدّا عَلَى اللّهِ عز و جل كَلامَهُ وَهَزِئا بِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله وَهُما الكافِرانِ عَلَيهِما لَعنَةُ اللّهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أجمَعينَ ، وَاللّهِ ما دَخَلَ قَلبَ أحَدٍ مِنهُما شَيءٌ مِنَ الإِيمانِ مُنذُ خُروجِهِما مِن حالَتَيهِما ، وَما ازدادا إلاّ شَكّا ، كانا خَدّاعَينِ مُرتابَينِ مُنافِقَينِ حَتّى تَوَفتهما مَلائِكَةِ العَذابِ إلى مَحَلِّ الخِزيِ في دارِ المُقامِ . وَسَأَلتَ عَمَّن حَضَرَ ذلِكَ الرَّجُلَ وَهُوَ يُغصَبُ مالُهُ وَيوضَعُ على رَقَبَتِهِ ، مِنهُم عارِفٌ وَمُنكِرٌ ، فَاُولئِكَ أهلُ الرِّدَّةِ الاُولى مِن هذهِ الاُمَّةِ ، فَعَلَيهِم لَعنَةُ اللّهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاس أجمَعينَ . وَسَأَلتَ عَن مَبلَغِ عِلمِنا ، وَهُوَ على ثَلاثَةِ وُجوهٍ : ماضٍ وَغابِرٍ وَحادِثٍ ، فَأمّا الماضي فَمُفَسَّرٌ ، وَأمّا الغابِرُ فَمَزبورٌ ، وأَمَّا الحادِثُ فَقُذِفَ فِي القُلوبِ ، وَنَقَرَ في الأَسماعِ ، وَهُوَ أفضَلُ عِلمِنا ، وَلا نَبِيَّ بَعدَ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله . وَسَأَلتَ عَن اُمَّهاتِ أولادِهِم ، وَعَن نِكاحِهِم ، وَعَن طَلاقِهِم ، فَأَمّا اُمّهاتُ أولادِهِم فَهُنَّ عَواهِرُ إلى يَومِ القِيامَةِ ، نِكاحٌ بِغَيرِ وَلِيٍّ ، وَطَلاقٌ في غَيرِ عِدَّةٍ ، وَأمّا مَن دَخَلَ في دَعوَتِنا فَقَد هَدَمَ إيمانُهُ ضلالَهُ ، وَيَقينُهُ شَكَّهُ . وَسَأَلتَ عَنِ الزَّكاةِ فيهِم ، فَما كانَ مِنَ الزَّكاةِ فَأَنتُم أحَقُّ بِهِ ؛ لِأَنّا قَد أحلَلنا ذلِكَ لَكُم ، مَن كانَ مِنكُم وَأَينَ كانَ . وَسَأَلتَ عَنِ الضُّعَفاءِ ، فَالضَّعيفُ مَن لَم يُرفَع إلَيهِ حُجَّةٌ ، وَلَم يَعرِفِ الاختِلافَ ،

.

ص: 512

104 . كتابه عليه السلام إلى جماعة من الشيعة ، في قصّة أهل نيسابور وشطيطة

فَإِذا عَرَفَ الاِختِلافَ فَلَيسَ بِضَعيفٍ . وَسَأَلتَ عَنِ الشَّهاداتِ لَهُم فَأَقِمِ الشَّهادَةَ للّهِِ عز و جل ، وَلَو على نَفسِكَ وَالوالِدَينِ وَالأَقرَبينَ ، فيما بَينَكَ وَبَينَهُم فَإِن خِفتَ على أخيكَ ضَيماً فَلا ، وَادعُ إلى شَرائِطِ اللّهِ عَزَّ ذِكرُهُ بِمَعرِفَتِنا مَن رَجَوتَ إجابَتَهُ ، وَلا تَحَصّنَ بِحِصِنِ رِياءٍ ، وَوالِ آلَ مُحَمَّدٍ ، وَلا تَقُل لِما بَلَغَكَ عَنّا وَنُسِبَ إلَينا : هذا باطِلٌ ، وَإن كُنتَ تَعرِفُ مِنّا خِلافَهُ ، فَإِنَّكَ لا تَدري لِما قُلناهُ ، وَعلى أيِّ وَجهٍ وَصَفناهُ . آمِن بِما اُخبَرَكَ ، وَلا تُفشِ ما استَكتَمناكَ مِن خَبَرِكَ ، إنّ مِن واجِبِ حَقِّ أخيكَ أن لاتَكتُمَهُ شَيئاً تَنفَعُهُ بِهِ لِأَمرِ دُنياهُ وَآخِرَتِهِ ،وَلاتَحقِد عَلَيهِ ،وَإن أساءَ ،وَأَجِب دَعوَتَهُ إذا دَعاكَ ،وَلاتُخَلِّ بَينَهُ وَبَينَ عَدُوِّهِ مِنَ النّاسِ ،وَإن كانَ أقرَبَ إلَيهِ مِنكَ ،وَعُدهُ في مَرضِهِ. لَيسَ مِن أخلاقِ المُونينَ الغِشُّ وَلا الأذى ، وَلا الخِيانَةُ وَلا الكِبرُ ، وَلا الخَنا وَلا الفُحشُ ، وَلا الأمرُ بِهِ ، فَإِذا رَأيتَ المُشَوَّهَ الأَعرابِيَّ في جَحفَلٍ جَرّارٍ فَانتَظِر فَرَجَكَ وَلِشيعَتِكَ المُونينَ ، وَإِذا انكَسَفَتِ الشَّمسُ فَارفَع بَصَرَكَ إلَى السَّماءِ وَانظُر ما فَعَلَ اللّهُ عز و جلبالمُجرِمينَ ، فَقَد فَسَّرتُ لَكَ جُمَلاً مُجمِلاً ، وَصَلَّى اللّهُ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الأَخيارِ . (1)

104كتابه عليه السلام إلى جماعة من الشيعةفي قصّة أهل نيسابور وشطيطةأبو عليّ بن راشد 2 وغيره في خبرٍ طويل : إنّه اجتمعت العصابة الشيعة بنيسابور

.


1- .الكافي :ج8 ص124ح95وراجع :الكافي :ج7ص381ح3،تهذيب الأحكام:ج6ص276ح757،رجال الكشّي : ج2 ص753 ح859 ، بحار الأنوار : ج48 ص244 وج52 ص265 وراجع : قرب الإسناد : ص333 ح 1235 .

ص: 513

واختاروا محمّد بن عليّ النّيسابوريّ ، فدفعوا إليه ثلاثين ألف دينار وخمسين ألف درهم وألفي شقة من الثّياب ، وأتت شطيطة بدرهم صحيح ، وشقة خادم ، من غزل يدها تساوي أربعة دراهم فقالت : إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ . قال : فثنيت درهمها وجاؤوا بجزء فيه مسائل مل ء سبعين ورقة ، في كلّ ورقة مسألة ، وباقي الورق بياض ليكتب الجواب تحتها ، وقد حزمت كلّ ورقتين بثلاث حزم ، وختم عليها بثلاث خواتيم ، على كلّ حزام خاتم ، وقالوا : ادفع إلى الإمام ليلة وخذ منه في غد ، فإن وجدت الجزء صحيح الخواتيم فاكسر منها خمسة ، وانظره هل أجاب عن المسائل ، وإن لم تنكسر الخواتيم فهو الإمام المستحقّ للمال ، فادفع إليه وإلاّ فرُدّ إلينا أموالنا . فدخل على الأفطح عبد اللّه بن جعفر 1 وجرّبه وخرج عنه قائلاً : ربّ اهدني

.

ص: 514

. .

ص: 515

إلى سواء الصّراط . قال : فبينما أنا واقف إذا أنام بغلام يقول : أجب من تريد ، فأتى بي دار موسى بن جعفر عليه السلام ، فلمّا رأني قال لي : لَم تَقنَط يا أبا جَعفَرٍ ، وَلَم تَفزَع إلَى اليَهودِ وَالنَّصارى ، فَأنا حُجَّةُ اللّهِ وَوَلِيُهُ ، ألَم يُعرِفكَ أبو حَمزَةَ على بابِ مَسجِدِ جَدّي ، وَقَد أجَبتُكَ عَمّا في الجُزءِ مِنَ المَسائِل بِجَميعِ ما تَحتاجُ إلَيهِ مُنذُ أمس فَجِئني بِهِ وَبِدِرهَمِ شُطَيطَةَ الَّذي وَزنُهُ دِرهَمٌ وَدانِقانِ ، الَّذي فِي الكيسِ الَّذي فيهِ أربَعُمِئَةِ دِرهَمٍ لِلوازِوارِيّ (كذا ) ، وَالشُّقَةُ الَّتي في رِزمَةِ الأَخَوَينِ البَلِخيينِ .

.

ص: 516

قالَ : فَطارَ عَقلي مِن مَقالِهِ ، وأتيتُ بِما أمَرَني ، وَوَضَعتُ ذلِكَ قِبَلَهُ فَأَخَذَ دِرهَمَ شُطَيطَةَ وَإزارَها ، ثُمَّ استَقبَلَني وَقالَ : إنَّ اللّهَ لا يَستَحي مِنَ الحَقِّ يا أبا جَعفَرٍ ، أبلِغ شُطَيطَةَ سَلامي وَأعطِها هذهِ الصُّرَّةَ _ وَكانَت أربعينَ دِرهَماً _ ثُمَّ قالَ : وَأهديتُ لَكَ شُقَّةً مِن أكفاني مِن قُطِنِ قَريَتِنا صَيداءَ ، قَريَةِ فاطِمَةَ عليهاالسلاموَغَزلِ اُختي حَليمَةَ ابنَةِ أبي عَبدِ اللّهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدِ الصّادِقِ عليه السلام ، ثُمَّ قالَ : وَقُل لَها سَتَعيشينَ تِسعَةَ عَشَرَ يَوماً مَن وصول أبي جَعفَرٍ وَوُصولِ الشِّقَّةِ وَالدَّراهِمِ فَانفِقي على نَفسِكِ مِنها سِتَّةَ عَشَرَ دِرهَماً وَاجعَلي أربعَةً وَعِشرينَ صَدَقَةً مِنكِ ، وَما يَلزَمُ عَنكِ وَأنا أتوَلّى الصَّلاةَ عَلَيكِ ، فَإِذا رَأَيتَني يا أبا جَعفَرٍ فَاكتُم عَلَيَّ فَإِنَّهُ أبقى لِنَفسِكَ ، ثُمَّ قالَ : وَاردُدِ الأَموالَ إلى أصحابِها وَافكُك هذهِ الخَواتيمَ عَنِ الجُزءِ وَانظُر هَل أجَبناك عَنِ المَسائِلِ أم لا ، مِن قَبلِ أن تَجيئنا بِالجُزءِ ! فَوَجَدتُ الخَواتيمَ صَحيحَةً ، فَفَتَحتُ مِنها واحِداً مِن وَسَطِها فَوَجدتُ فيهِ مَكتوباً : ما يَقولُ العالِمُ عليه السلام في رَجُلٍ قالَ : نَذَرتُ للّهِِ لَأَعتِقَنَّ كُلَّ مَملوكٍ كانَ في رِقّي قَديماً ، وَكانَ لَهُ جَماعَةٌ مِنَ العَبيدِ . الجوابُ بِخَطِّهِ : لِيَعتِقَنَّ مَن كانَ في مِلكِهِ مِن قَبلِ سِتَّةِ أشهُرٍ ، وَالدَّليلُ على صِحَّةِ ذلِكَ قَولُهُ تَعالى : «وَ الْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ » (1) الآية والحديث : مَن لَيسَ لَهُ مِن سِتَّةِ أشهُرٍ . وَفَكَكتُ الخَتمَ الثّاني ، فَوَجَدتُ ما تَحتَهُ : ما يَقولُ العالِمُ في رَجُلٍ قالَ : وَاللّهِ لَأَتصَدَقَنَّ بِمالٍ كَثيرٍ فيما يُتَصَدَّقُ ؟ الجَوابُ تَحتَهُ بِخَطِّهِ : ان كانَ الَّذي حَلَفَ مِن أربابِ شِياهٍ فَليَتَصَدَّق بِأَربَعٍ وَثَمانينَ شاةً وَإن كانَ من أصحابِ النِّعَمِ فَليَتَصَدَّق بِأربَعٍ وَثَمانينَ بَعيراً ، وَإن كانَ مِن أربابِ الدَّراهِمِ فَليَتَصَدَّق بِأربَعٍ وَثَمانينَ دِرهَماً ، وَالدَّليلُ عَلَيهِ قَولُهُ تَعالى : « لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ » (2) فَعَدَدتُ مَواطِنَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَبلَ نُزولِ تِلكَ

.


1- .يس : 39 .
2- .التوبة : 25 .

ص: 517

105 . الكُتُبُ المُتَرَّبَة

الآيَةِ فَكانَت أربَعَةً وَثَمانينَ مَوطِناً . فَكَسَرتُ الخَتمَ الثّالِثَ فَوَجَدتُ تَحتَهُ مَكتوباً : ما يَقولُ العالِمُ في رَجُلٍ نَبَشَ قَبرَ مَيِّتٍ وَقَطَعَ رَأسَ المَيِّتِ وَأَخَذَ الكَفَنَ؟ الجَوابُ بِخَطِّهِ : يُقطَعُ السَّارِقُ لِأَخذِ الكَفَنِ مِن وَراءِ الجَزرِ ، وَيُلزَمُ مِئَةَ دينارٍ لِقَطع رَأسِ المَيِّتِ ؛ لِأَنّا جَعَلناهُ بِمَنزِلَةِ الجَنينِ في بَطنِ اُمّهِ قَبلَ أن يُنفَخَ فيهِ الرّوحُ ، فَجَعَلنا فِي النُّطفَةِ عِشرينَ ديناراً . المَسألة إلى آخرها . فَلمّا وافى خُراسانَ وَجَدَ الَّذينَ رَدَّ عَلَيهِم أموالَهُم ارتَدّوا إلَى الفَطَحِيَّةِ ، وَشُطَيطَةَ عَلَى الحَقِّ ، فَبَلَّغَها سَلامَهُ وَأَعطاها صُرَّتَهُ وَشُقَّتَهُ ، فَعاشَت كما قالَ عليه السلام ، فَلَمّا تُوفِيَت شُطَيطَةُ جاءَ الإِمامُ على بَعيرٍ لَهُ ، فَلَمّا فُرِغَ مِن تَجهِيزِها رَكِبَ بَعيرَهُ وَانثَنى نَحَو البَرِيَّةِ وَقالَ : عَرِّف أصحابَكَ ، وَاقرَأهُم مِنّي السَّلامَ وَقُل لَهُم : إنّي وَمَن يَجري مَجرايَ مِنَ الأئِمَّةِ عليهم السلام لابُدَّ لَنا مِن حضور جنائزكم في أيّ بلد كنتم فاتّقوا اللّه في أنفسكم . (1)

105الكُتُبُ المُتَرَّبَةعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عليّ بن عطيّة (2) ، أنّه رأى كتباً

.


1- .المناقب لابن شهرآشوب: ج4ص291،راجع:الخرائج والجرائح :ج1 ص328 ح22وبحار الأنوار :ج48 ص73 .
2- .راجع : ص 75 (النهي عن الترهّب وتحريم ما أحلّ اللّه ) .

ص: 518

لأبي الحسن عليه السلام مترّبة . 1 وآخر دعوانا : « سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ » .

.

ص: 519

الفهرس التفصيلي

الفهرس التفصيلي

.

ص: 520

. .

ص: 521

. .

ص: 522

. .

ص: 523

. .

ص: 524

. .

ص: 525

. .

ص: 526

. .

ص: 527

. .

ص: 528

. .

ص: 529

. .

ص: 530

. .

المجلد 5

اشاره

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

مَكاتيْبُ الإِمامِ عَليِّ بنِ موسى الرِّضا عليهماالسلام

اشاره

مَكاتيْبُ الإِمامِ عَليِّ بنِ موسى الرِّضا عليهماالسلام

.

ص: 8

. .

ص: 9

تصدير

تصديرلقد عاش أئمّة الهدى عليهم السلام في ظروفٍ غلب عليها طابع الكبت و الرّعب و شتّى أنواع الضغوطات ، ولكنّهم رغم ذلك لم يتوانوا لحظة واحدة عن أداء واجبهم ، و لم يستسلموا لتلك الظروف ، بل نهضوا بما تمليه عليهم رسالتهم في الحياة ، فنظروا إلى متطلّبات زمانهم ، و عملوا على تلبيتها بما يتناسب معها . فكانت إجاباتهم عمّا يُعرض عليهم من الأسئلة على شكل أقوالٍ تارّةً ، أو سلوكٍ علميٍّ ، أو آثارٍ مكتوبةٍ تارّةً أُخرى ، و خلّفوا وراءهم ما هو كفيل بهداية الأجيال اللّاحقة . و لكن ممّا يؤسف له حقّا أنّه لم يصلنا من تلك الآثار و من ذلك التراث الغني إلّا القليل النادر ممّا لم يكن عرضة لعوادي الدهور و صروف الأيّام ، و حتّى هذا القليل النادر لا يتّسم بما ينبغي أن يتّسم به من الشفّافية و الوضوح ، و إنّما فيه متّسع للكلام و التعليق . و يمكننا في هذا المجال أن نُشير _ على سبيل المثال _ إلى كتابين ، هما : فقه الرّضا و صحيفة الرّضا ؛ حيث هناك جدل حول صحّة أو عدم صحّة انتسابهما إلى الإمام الرّضا عليه السلام ، و كُتبت بعض الآراء الّتي تتناول هذه المسألة بالبحث و التدقيق . وهذا الكتاب الّذي بين أيديكم ، هو المجلد الخامس من سلسلة مكاتيب الأئمة التي عني بجمعها وتحقيقها المرحوم آية اللّه الحاج الشيخ علي الأحمدي الميانجي ويتضمن مكاتيب الإمامين الهمامين عليّ ابن موسى الرضا عليه السلام ومحمّد بن عليّ الجواد عليه السلام . إنّ الكتاب الجامع لمكاتيب الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام قد طبع في زمن حياته عام 1411 ه . ق من قبل المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام وضمت تلك الطبعة 200 مكتوبة للإمام الرضا عليه السلام . ولكنّها لم تكن مرتبة وفق ترتيب موضوعى مع مازاده عليه ، و قوامها إجاباته على ما كان يصل إليه من مكتوبات تتضمّن أسئلة أو أيّة قضايا أُخرى ، فكان في المقابل يجيب عليها ، أو يردّ عليها بخطّ يده ، أو يأمر بكتابة الرّدّ عليها . و فيها بعض الموارد بادر ابتداءً إليها من غير أن تُعرض عليه ، رغم أنّ بعض الأقسام مثل : مكتوبة محض الإسلام ، و أجوبة مسائل ابن سنان ، و علل ابن شاذان لا تخلو من مباحث وردت في فقه الرّضا و صحيفة الرّضا . كما أنّ بعض الأقسام أُضيفت إليها مطالب أُخرى طردا للباب .

.

ص: 10

و بما أنّ المرحوم المؤلّف كان قد كتب مقدّمة مكاتيب الإمام الرضا عليه السلام في زمن تدوينه ، لذلك فهي تُعتبر بمثابة وثيقة علميّة جديرة بالاهتمام ، فأدرجناها بحذافيرها في مقدمة هذا القسم من الكتاب . و لابدّ من التنبيه إلى أنّ الإحصائيات و الأرقام الّتي أوردها المؤلّف في المطبوع ، تستند إلى ما كان متوفّرا لديه من المعلومات في ذلك الوقت ، إلّا أنّ هذه السلسلة من الكتب الّتي تصدر اليوم تحت عنوان مكاتيب الأئمّة ، قد أُعيد النظر فيها و أُضيف إليها مزيدا من الأحاديث المكتوبة . وقد رتبت مكاتيب الإمام الجواد عليه السلام في ثمانية موضوعات وهي تطبع اوّل مرّة وتشكّل القسم الثاني من هذا الكتاب . و قد أُخضع هذا المجلّد _ كما هو الحال بالنسبة إلى المجلّدات الأُخرى _ للمراجعة و التنقيح ، و أُضيفت إلى ما كتبه رحمه الله زيادات ، سواء في المتن أو في الهوامش ، وأُعيد تنظيم المكاتيب فيه حسب الترتيب الموضوعي . و هنا نرى بأنّ الواجب يملي علينا ضمن دعائنا للمؤلّف الرّاحل بالرحمة و المغفرة ، أن نعرب عن فائق الشكر و التقدير لسماحة حجّة الإسلام مجتبى فرجي ؛ الَّذي تكفّل بمهمّة مراجعة الكتاب و تحقيقه مع ما زاده عليه . والسلام عليكم محمد كاظم رحمان ستايش

.

ص: 11

المقدّمة

اشاره

المقدّمةالحمد للّه ربّ العالمين ، و صلّى اللّه على رسوله محمّد و آله الطاهرين ، و اللعن على أعدائهم و منكري فضائلهم و ولايتهم من الأوّلين و الآخرين . اللّهمّ صلّ على وليّ أمرك القائم المؤمّل و العدل المنتظر ، و حفّه بملائكتك ، و أيّده بنصرك ، و أعزّه بجندك ، و أحيي به ما أماته الظالمون من معالم دينك . اللّهمّ أعزّه و اعزز به ، و انصره و انتصر به ، و انصره نصرا عزيزا ، و افتح له فتحا يسيرا ، و اجعلنا من شيعته و أعوانه و أنصاره . آمين ربّ العالمين . و بعد ، فبفضل اللّه و منّه تسلّمت الدعوة من المؤتمر العالمي للإمام الرّضا _ صلوات اللّه عليه _ سنة 1365 ه . ش ، الموافق لسنة 1406 ه . ق ، فاغتنمت الفرصة لتلبيتها ؛ لتقبيل العتبة السامية ، و التشرّف بزيارة الإمام الثامن _ سلام اللّه عليه _ و الحضور في هذا المجمع الحافل بالعلماء المحقّقين . و حضرت المؤتمر و استفدت من محتوياته العالية ؛ من خطبة تُلقى ، و كتاب تحقيقيّ يُهدى ، و رسالة جامعة تُقرأ ، كلّها حول عظمة الإمام و تاريخ حياته و ... . و بما أنّني لم أكن قد أعددت شيئا لهذه المناسبة ، فقد حثّني بعض الإخوان _ بحسن ظنّهم _ على أن أكتب شيئا و لو قليلاً كهدبة النملة ، فرجعت إلى ما كنت قد جمعته في طوال السنين الغابرة _ لعلّه منذ ثلاثين سنة _ من كتب الإمام الرّضا عليه السلام ، من دون أيّ تحقيق حول مصادر الكتاب و أسانيده ، أو تحقيق حول مضامينه . رجعت إليه و أهديته إلى المؤتمر ، معتذرا لثامن الأئمّة عن التقصير ، و لعلّ القليل

.

ص: 12

نظ_رات هامّ_ة

يُقبل و يُكرم ؛ لأنّ المُهدى إليه كريم عادته الكرم و سجيّته الفضل و الإنعام . هذا ، و تشتمل هذه الوجيزة المتواضعة على كلّ ما روي عنه صلوات اللّه عليه من الكتب و الرّسائل ، حتّى جواب الأسئلة في الأحكام و غيرها ، و حتّى ما أملاه على آخرين فكتبوه ، باستثناء ما طُبع مستقلّاً ممّا نُسب إليه صلوات اللّه عليه ، ك صحيفة الرّضا عليه السلام و فقه الرّضا عليه السلام المنسوبين إليه صلوات اللّه عليه ؛ فإننّا لم نحتج إلى نقلهما في هذه الوجيزة ؛ فإنّهما قد طبعا مرارا و كتب حولهما العلماء المحقّقون ، كالعلّامة المحقّق النوري رحمه الله في خاتمة المستدرك المجلّد الثالث ، و بحار الأنوار في المقدّمة ، و أعيان الشيعة في ترجمة الإمام الرّضا عليه السلام . نظ_رات هامّ_ة اهتمّ النبيّ العظيم صلى الله عليه و آله و آل بيته الطاهرين عليهم السلام بعد كتابة القرآن الكريم ، بكتابة السنن و العلوم النبويّة . فقال صلى الله عليه و آله : «قيّدوا العلم بالكتاب » . (1) عن عبد اللّه بن عمرو ، قال : قالت لي قريش : تكتب عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، و إنّما هو بشر يغضب كما يغضب البشر . فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقلت : يا رسول اللّه ، إنّ قريشا يقول : تكتب عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله و إنّما هو بشر يغضب كما يغضب البشر ! قال : فأومأ لي شفتيه فقال : « و الّذي نفسي بيده ما يخرج ممّا بينهما إلّا حقّ فاكتب » . (2) و شكى رجل إليه سوء الحفظ ، قال : « استعن بيمينك » و أومأ بيده للخطّ . (3)

.


1- .تحف العقول : ص 36 ، بحار الأنوار : ج 77 ص 139 ح 9 ؛ المعجم الكبير : ج 1 ص 246 ح 700 ، الطبقات الكبرى : ج 7 ص 22 ، تاريخ بغداد : ج 10 ص 48 الرقم 5176 ، مسند الشهاب : ج 1 ص 370 ح 637 ، تاريخ دمشق : ج 37 ص 353 ، كنز العمّال : ج 10 ص 249 ح 29332 كلّها عن أنس بن مالك .
2- .المستدرك على الصحيحين : ج 1 ص 186 ح 357 ، سنن أبي داوود : ج 2 ص 176 ح 3646 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج 6 ص 229 ح 4 ، كنز العمّال : ج 10 ص 221 ح 26169 كلّها نحوه .
3- .راجع : سنن الترمذي : ج 5 ص 39 ح 2666 ، المعجم الأوسط : ج 1 ص 80 ح 2846 و ص 244 و ج 3 ص 169 ، كنز العمّال : ج 10 ص 245 ح 29305 و ص 249 ح 29333 ؛ بحار الأنوار : ج 2 ص 152 .

ص: 13

« و اكتبوا هذا العلم ؛ فإنّكم تنتفعون به إمّا في دنياكم أو في آخرتكم ، و أنّ العلم لا يضيّع صاحبه » . (1) « ضالّة المسلم العلم ، كلّما قيّد حديثا طلب إليه آخر » . (2) « من ترك أربعين حديثا بعد موته ، فهو رفيقي في الجنّة » . (3) هذا الحديث ورد بأسانيد متعدّدة متظافرة أو متواترة من طرق الفريقين بألفاظ متقاربة . (4) « من كتب عنّي أربعين حديثا رجاء أن يغفر اللّه له ، غفر اللّه له و أعطاه ثواب الشهداء » . (5) «اكتبوا عنّي و لا حرج » أو «اكتبوا و لا حرج» . (6) قال عبد اللّه بن عمرو : يا رسول اللّه أُقيّد العلم؟ قال : «نعم» . قلت : و ممّا تقييده؟ قال : «الكتاب» . (7) و الإمام الباقر عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام : اُكتب ما أُملي عليك . قال : يا نبي اللّه أتخاف عليَّ النسيان؟ فقال : لست أخاف عليك النسيان و قد دعوت اللّه لك أن يحفظك و لا ينسيك ، و لكن اُكتب لشركائك . قال : قلت : و من شركائي يا نبيّ اللّه ؟

.


1- .كنز العمّال : ج 10 ص 262 ح 29389 نقلاً عن الديلمي .
2- .كنز العمّال : ج 10 ص 143 ح 28724 نقلاً عن الديلمي في الفردوس .
3- .كنز العمّال : ج 10 ص 226 ح 29192 نقلاً عن الديلمي وابن الجوزي في العلل .
4- .كنز العمّال : ج 10 ص 220 الباب الثالث في آداب العلم و ... آداب الكتابة .
5- .كنز العمّال : ج 10 ص 232 ح 29223 نقلاً عن ابن الجوزي في العلل .
6- .راجع : المعجم الكبير : ج 4 ص 276 ، كنز العمّال : ج 10 ص 232 ؛ وسائل الشيعة : ج 1 ص 9 .
7- .المعجم الأوسط : ج 5 ص 194 ، تاريخ دمشق : ج 56 ص 281 ، كنز العمّال : ج 10 ص 307 ح 29540 ؛ عوالي اللآلي : ج 1 ص 68 ح 119 ، بحار الأنوار : ج 2 ص 147 ح 15 .

ص: 14

قال : الأئمّة من ولدك ، بهم تُسقى أُمّتي الغيث ، و بهم يُستجاب دعاؤهم ، و بهم يصرف اللّه عنهم البلاء ، و بهم تنزل الرّحمة من السماء ، و هذا أوّلهم _ و أومأ بيده إلى الحسن عليه السلام ، ثمّ أومأ بيده إلى الحسين عليه السلام ، ثمّ قال عليه السلام _ : الأئمّة من ولده » . (1) و عن الحارث الأعور ، عن عليّ عليه السلام ، قال : « قيّدوا العلم ، قيّدوا العلم » ، مرّتين . (2) و قال عليه السلام : « من يشتري منّي علما بدرهم ؟ » أو « يشتري صحيفة بدرهم يكتب فيها العلم » . (3) عن شرحبيل بن سعد ، قال : دعا الحسن بن عليّ بنيه و بني أخيه ، فقال : « يا بني و بني أخي ، إنّكم صغار قومٍ يوشك أن تكونوا كبار قومٍ آخرين ، فتعلّموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يرويه فيكتبه و يضعه في بيته » . (4) هذا كلّه في الاهتمام بكتابة العلم المرويّ عن النبيّ الأقدس صلى الله عليه و آله . و أمّا ما روى الأئمّة من ولده _ صلوات اللّه عليه _ ، فكثير لا تسعه هذه العجالة . كما أنّه صلى الله عليه و آله على رغم أنّه كان أُميّا بعث في الاُميّين ، فقال صلى الله عليه و آله : « إنّي بُعثت إلى أُمّة أُميّة» (5) ، و « إنّا أُمّة أُميّة لا نكتب و لا نحسب » (6) ، فلم يكن _ حينما بُعث _ في مكّة و المدينة من يحسن الكتابة إلّا القليل .

.


1- .كمال الدين وتمام النعمة : ص 206 ح 21 عن أبي الطفيل ، علل الشرائع : ص 208 ح 8 ، الإمامة والتبصرة : ص54 ، بصائر الدرجات : ص 187 ح 22 ، بشارة المصطفى : ص 133 ، بحار الأنوار : ج 36 ص 232 ح 14 .
2- .تقييد العلم : ص 89 و90 .
3- .العلل لابن حنبل : ج 1 ص 213 ح 234 ، تاريخ بغداد : ج 8 ص 352 ، الطبقات الكبرى : ج 6 ص 168 ، تاريخ دمشق : ج 46 ص 301 ، كتاب العلم لأبي خيثمة النسائي : ص 34 ؛ الغارات : ج 2 ص 718 وفيهم : «قال علي عليه السلام : من يشتري منّي علما بدرهم ، قال أبو خيثمة : يقول : يشترى صحيفة بدرهم يكتب فيها العلم» .
4- .سنن الدارمي : ج 1 ص 130 ، تاريخ دمشق : ج 13 ص 259 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 227 ، بحار الأنوار : ج 2 ص 152 ح 37 .
5- .صحيح ابن حبّان : ج 3 ص 14 ، تفسير القرطبي : ج 1 ص 42 ، مسند أبي داوود الطيالسي : ص 73 .
6- .صحيح البخاري : ج 2 ص 230 ، صحيح مسلم : ج 3 ص 124 ، سنن أبي داوود : ج 1 ص 520 ، سنن النسائي : ج 4 ص 139 ، مسند ابن حنبل : ج 2 ص 43 ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج 1 ص 198 ، بحار الأنوار : ج 16 ص134 ح 75 .

ص: 15

اهتمّ كثيرا بتعليم المسلمين الكتابة في مكّة و المدينة ، فشاعت الكتابة و ذاعت بين المسلمين ، حتّى إنّه صلى الله عليه و آله في بدر يقبل ممّن لا مال له و هو يحسن الكتابة أن يعلّم عشرا من غلمان الأنصار (1) . و أمر عبد اللّه بن سعيد أن يعلّم النّاس الكتابة بالمدينة ، و كان محسنا (2) . و كثرت الكتابة العربية في المدينة بعد الهجرة ، و لعلّ كلّ ذلك استيحاء منه صلى الله عليه و آله عن القرآن الكريم ، حيث يقسم بالقلم فيقول : «ن وَ الْقَلَمِ وَ مَا يَسْطُرُونَ» (3) ، ويقول : «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الْاءِنسَ_نَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْاءِنسَ_نَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» (4) . ويشير سبحانه إلى أهمّية الكتابة ، فيصف القرآن الكريم بالكتاب ويقول : «ذَ لِكَ الْ_كِتَ_بُ لَا رَيْبَ فِيهِ » (5) ،كما أنّه يصف مانزل على موسى وعيسى _ على نبيّنا وآله وعليهم السلام _ بالكتاب ، ويصف الّذين أُنزل عليهم التوراة والإنجيل بأنّهم أهل الكتاب ، بل يصف ما نزل على الأنبياء عليهم السلام بالصحف والكتب ، في قوله : «أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِى الصُّحُفِ الْأُولَى» (6) و «إِنَّ هَ_ذَا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَ هِيمَ وَ مُوسَى» (7) و «كُلٌّ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ» (8) و «مَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ» (9) «وَ لَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ» (10) إلى غير ذلك .

.


1- .راجع : سنن أبي داوود : ج2 ص11 ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص23 ، المصنّف لابن عبدالرزّاق : ج5 ص206 و352 ، تاريخ الطبري : ج2 ص465 ، الطبقات الكبرى : ج2 ص14 ؛ بحار الأنوار :ج19 ص355 .
2- .راجع : الاستيعاب : ج 2 ص 374 ، الإصابة : ج 2 ص 344 ، أُسد الغابة : ج 3 ص 175 .
3- .القلم : 1 .
4- .العلق : 1 _ 5 .
5- .البقرة : 2 .
6- .الأعلى : 18 و 19 .
7- .طه : 133 .
8- .البقرة : 285 .
9- .النساء : 136 .
10- .الأنبياء : 105 .

ص: 16

ويأمر سبحانه وتعالى المسلمين بالكتابة في الاُمور الجارية المتعارفة في معاملاتهم ، ويقول : «فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ» (1) و «وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبُ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْ_ئا فَإِن كَانَ الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلَا تَسْ_ئمُواْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَ لِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَ_دَةِ وَأَدْنَى أَلَا تَرْتَابُواْ...» (2) . و يشير إلى الحكمة الداعية إلى الأمر بها . أو استرشادا ممّا يحكم به العقل السليم من أنّ الكتابة فيها ضبط أدقّ و أوفى ، و لا سيما لجزئيات الاُمور ، و أنّها وسيلة ناجحة لتقديم الخيرات للأجيال اللّاحقة ، و تعاون البشرية على بناء حياتها ، و أنّها تمثّل تراثا و وثائقا قويّةً تساعد كثيرا على دراسة كثير من الحالات و الظواهر الّتي قد لا تجد من يعبّر عنها في الظروف العادية لولا هذا الكتاب . كما أنّ الكتابة تمثّل التاريخ و الحضارة في الأقوام البائدة و مقدار الحضارة الغابرة . و أوّل من عمل بوصية رسول اللّه صلى الله عليه و آله في كتابة السنن و الأخلاق و التفسير و الفقه و كلّ العلوم النبويّة ، هو وصيّه و وزيره و ابن عمّه و أبو ولده أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، فإنّه كتب عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلّ ما يحتاج إليه النّاس إلى يوم القيامة ، بإملائه صلى الله عليه و آله ، كما أوردناه في مكاتيب الرّسول صلى الله عليه و آله الفصل التاسع من المقدّمة . و كان أهل بيته عليهم السلام الوارثون لهذه الكتب ، يفتخرون بها و يدّخرونها كما يدّخر

.


1- .النور : 33 .
2- .البقرة : 282 .

ص: 17

أصحاب الدنيا كنوزهم ، و قال عليّ عليه السلام في وصف أهل بيته عليهم السلام : «موضع سرّه ، و لجأ أمره ، و عيبة علمه ، و موئل حكمه ، و كهوف كتبه ، و جبال دينه » . (1) و « الكتب » جمع أُريد به الكتب العديدة الكثيرة ، لا القرآن فقط ، و لذا قال المعتزلي في الشرح : و كتبه : يعني القرآن والسنّة عندهم ، فهم كالكهوف له لاحتوائهم عليه ، و واضح أنّ المراد هو السنّة المكتوبة الموجودة المحفوظة عندهم ، بقرينة المقابلة مع قوله : « و عيبة علمه » . (2) و الضمائر الثمانية راجعة إلى محمّد صلى الله عليه و آله ، كما مرّ ذكره في أوائل الخطبة ، و هذا هو الأظهر بقرينة المقام ، لا ما يظهر من ابن ميثم حيث أرجع الضمير إلى اللّه تعالى ، و قال : إنّ المراد من كتبه تعالى : القرآن و سائر الكتب السماوية . و هذه كتب أمير المؤمنين عليه السلام الّتي نقلها جهابذة العلم في الفنون المختلفة من العلوم الإسلامية ، وكانت من الكثرة بحيث اختار منها الشريف الرّضيّ _ رضوان اللّه عليه _ على عادته في النهج طائفة ، و ما تركها أو فات عنها كثير جدّا ، و لعمري إنّ كتبه صلوات اللّه عليه من ذخائر الإسلام ، يجب على كلّ مسلم منصف أن يدرسها و يتعلّمها و يتأدّب بها و يستعين بها في دينه و دنياه . هذا ، و قد اتّبع أثره صلوات اللّه عليه بنوه المعصومون الأطهار عليهم السلام في كتابة العلم ، فإنّهم عليهم السلام مع وجود الموانع الّتي أوجدها الأعداء الألدّاء الأمويّون ؛ الشجرة الملعونة و شيعتهم و مواليهم الملعونون ، و بعدهم العبّاسيون ، حتّى إنّ الحسنين عليهماالسلامطيلة حياتهما لم يُسألا عن شيء من أحكام الدين و حقائقه إلّا فيما ندر وشذّ ، و لأجل ذلك لا يوجد عنهما في كتب الحديث إلّا ما نقله عنهما آلهما و قليل من غيرهم . نعم ، إنّهم مع وجود الموانع الكثيرة قد كتبوا في أجوبة المسائل الكلامية أو الفقهية ، كما و كتبوا العديد من الرّسائل في المسائل الهامّة ، كالتوحيد و الإمامة و الحقوق و العلل و ... .

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 2 .
2- .راجع : منهاج البراعة :ج2 ص314 و ما بعدها ، شرح ابن ميثم :ج1ص245،نهج الصدق :ج3 ص48 ومابعدها .

ص: 18

فها نحن نجد كتبا للحسنين عليهماالسلام في الكلام و التفسير و الولاية و الوثائق السياسية و . . . ما لم يصل إلينا . كما إنّا نجد كتبا للإمام أبي الحسن عليّ بن الحسين عليهماالسلام في المعارف الإلهية في صورة الدعاء ، وهناك كتبه عليه السلام في الحقوق والمواعظ و ... ولعلّها تقرب من أربعين كتابا ، هذا عدى ما روي عنه عليه السلام كتاب الصحيفة السجّادية بأسانيد جمّة . وروي عن الصادقين عليهماالسلام أيضا كتب كثيرة ، فانظر إلى ما كتبه أبو جعفر الباقر عليه السلام إلى بعض خلفاء بني أُميّة في الجهاد ، وإلى ما كتبه إلى سعد الخير في المعارف والأخلاق ، وما أعطاه لأبي حمزة من الدعاء الجامع . وانظر إلى ما أملاه الصادق عليه السلام على المفضّل من التوحيد ، وإلى ما كتبه إليه من مناظرته مع الهندي ؛ فإنّها مناظرة هامّة جدّا ، وإلى ما كتبه إلى بني الحسن المعتقلين تعزيةً لهم ، وإلى ما كتب في الدعاء ، وإلى ما كتبه في المغانم ، وإلى رسالته إلى شيعته ، وإلى ما كتبه إلى المفضّل في الرّدّ على المنحرفين المنتحلين للإسلام ... ولعلّها تبلغ إلى ثلاثة وتسعين ومئة كتاب . وراجع كتب الإمام الكاظم عليه السلام _ مع أنّه عاش معتقلاً في السجون _ فيما كتبه للرشيد _ لعنه اللّه تعالى _ في كلمات جامعة في الإسلام ، وما كتب إلى عليّ بن سويد في جوابه ، وإلى فتح بن عبد اللّه في التوحيد ، وما كتبه في صدقاته ، وما كتبه إلى المهديّ العبّاسيّ في جوابه ، وما كتب إلى الخيزران في تعزيتها بابنها موسى ، و ... إلى ما ينيف على سبع ومئة كتاب . وانظر إلى كتب أبي جعفر الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام ، وقد تصل إلى خمسة عشر ومئة كتاب ، فيها كتابه عليه السلام إلى بعض أوليائه في الزهد ، وكتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرج في الدعاء ، وإلى حاكم سجستان ، وكتابه في الخمس ، وإلى عليّ بن مهزيار في أجوبة مسائله ، و غير ذلك . و انظر إلى كتب أبي الحسن الهادي عليه السلام ، فإنّها تقرب من سبعة وثمانين ومئتين

.

ص: 19

كتاب ، وفيها كتابه عليه السلام في جواب يحيى بن أكثم ، ورسالته في الرّدّ على أهل الجبر والتفويض ، وكتابه إلى اليسع بن حمزة القمّي والي المتوكّل _ لعنه اللّه تعالى _ ، وكتابه في الزيارة المعروفة . و انظر إلى كتب أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام الّتي تصل إلى سبعة و خمسين و مئة كتاب ، منها كتابه عليه السلام إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري ، و كتبه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار ، و إلى أهل قم و آبة و إلى ابن بابويه القمّي ، و كتابه عليه السلام في أحمد بن هلال ، و فيمن ادّعوا النيابة من قبله عليه السلام ، و إلى محمّد بن عبيد اللّه في اختلاف النّاس ، و كتابه عليه السلام في الصلوات ، و كتابه عليه السلام في الدعاء ، و ... . و انظر في التوقيعات الصادرة عن الحجّة القائم عليه السلام ، فإنّها تقرب من ستّة و عشرين ومئة توقيع . كلّها متضمّنة للعلوم الإلهية و السنن النبويّة ؛ من التفسير و الفقه و الأخلاق و الأدعية و الزيارات ، وكذا ما في هذه الوجيزة من الكتب المنسوبة إلى المولى الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام ، فإنّ فيها الكتاب الّذي كتبه صلوات اللّه عليه إلى المأمون العبّاسي _ لعنه اللّه تعالى _ في محض الإسلام المشتمل على الاُصول العقائدية ، حيث قد أكّد على مسألة الولاية ، مصرّحا بأسماء الأئمّة عليهم السلام ، و كذا الفروع . . . و كذا ما كتبه من العلل إلى محمّد بن سنان ، و إلى محمّد بن عبيد ، و الفتح في الكلام ، و إلى عبد اللّه بن جندب في الولاية ، و . . . و لعلّها تصل إلى عشرين و مئتين كتاب . و قد سبق إلى جمع قسم كبير منها العلّامة المحقّق المتتبّع ، علم الهدى الكاشاني ، في كتابه القيّم معادن الحكمة في مكاتيب الأئمّة عليهم السلام ، والفضل لمن سبق . عليّ الأحمدي الميانجى ¨ أوّل شوال المكرّم 1409ه . ق 17 / 1 / 1368 ه . ش

.

ص: 20

. .

ص: 21

الفصل الأول : في التوحيد

اشاره

الفصل الأوّل: في التّوحيد

.

ص: 22

. .

ص: 23

( 1 ) كتابه عليه السلام إلى هشام المشرقيّ في معاني التّوحيد

1كتابه عليه السلام إلى هشام المشرقيّفي معاني التّوحيدهشام المشرقيّ1 ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الخراساني عليه السلام : رجلٌ يسأل عن معانٍ في التّوحيد ؟ قال : فقال لي : ما تَقولُ إِذا قالوا لَكَ أَخبِرنا عَنِ اللّهِ ، شَيءٌ هوَ أَم لا شَيء ؟ قال : فقلتُ : إنّ اللّه أثبت نفسه شيئا فقال : « قُلْ أَىُّ شَىْ ءٍ أَكْبَرُ شَهَ_دَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدُ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ» (1) ، لا أقول شيئا كالأشياء ، أو نقول إنّ اللّه جسم ؟ فقال : وما الّذي يَضعُفُ فيهِ مِن هذا إنّ اللّهَ جِسمٌ لا كالأَجسامِ وَ لا يَشبَهُهُ شَيءٌ مِنَ المَخلوقينَ ؟ قال : ثمّ قال : إِنَّ لِلنَّاسِ في التَّوحيدِ ثَلاثَةَ مَذاهِبَ : مَذهَبُ نَفيٍ ، و مَذهَبُ تَشبيهٍ ، وَ مَذهَبُ إِثباتٍ

.


1- .الأنعام : 19 .

ص: 24

( 2 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن زيد

بِغَيرِ تَشبيهٍ،فَمَذهَبُ النَّفي لايَجوزُ ،وَمَذهَبُ التَّشبيهِ لايَجوزُ ؛ وذلِكَ أَنَّ اللّهَ لايُشبِهُهُ شَيءٌ ، وَالسَّبيلُ في ذلِكَ الطَّريقَةُ الثَّالِثَةُ ؛ وَ ذلِكَ أَنَّه مُثبَتٌ لا يُشبِهُهُ شَيءٌ ، وَ هوَ كَما وَصَفَ نَفسَهُ أَحَدٌ صَمَدٌ نورٌ . (1) وفي رواية أُخرى عن هشام بن المشرقيّ ، عن أبي الحسن الخراسانيّ عليه السلام ، قال : إِنَّ اللّهَ كَما وَصَفَ نَفسَهُ ، أحَدٌ صَمَدٌ نورٌ . ثمّ قال : «بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ» (2) . فقلت له : أفله يدان هكذا ؟ وأشرت بيدي إلى يده . فقال : لَو كانَ هكَذا كانَ مَخلوقا. (3)

2كتابه عليه السلام إلى محمّد بن زيدمحمّد بن الحسن عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع (4) ، عن محمّد بن زيد 5 قال : جئت إلى الرّضا عليه السلام أسأله عن التّوحيد ، فأملى عليَّ :الحَمدُ للّهِ فاطِرِ الأَشياءِ إِنشاءً ، ومُبتَدِعِها ابتِداعا بِقُدرَتِهِ وحِكمَتِهِ ، لا مِن شَيءٍ فَيَبطُلَ الاِختِرَاعُ وَلا لِعِلَّةٍ فَلا يَصِحَّ الاِبتِداعُ ، خَلَقَ ما شاءَ كَيفَ شاءَ ، مُتَوَحِّدا بِذلِكَ لإِظهارِ حِكمَتِهِ وَحَقيقَةِ رُبوبيَّتِهِ ، لا تَضبِطُهُ العُقولُ وَلا تَبلُغُهُ الأَوهامُ وَلا تُدرِكُهُ الأَبصارُ وَلا يُحيطُ بِهِ مِقدارٌ ، عَجَزَت دونَهُ العِبَارَةُ وَكَّلتُ دونَهُ الأَبصارُ وَضَلَّ فيهِ تَصاريفُ الصِّفاتِ ، احتَجَبَ بِغَيرِ حِجابٍ مَحجوبٍ واستَتَرَ بِغَيرِ سِترٍ مَستورٍ ، عُرِفَ بِغَيرِ رُؤيَةٍ وَوُصِفَ بِغَيرِ صورَةٍ وَنُعِتَ بِغَيرِ

.


1- .تفسير العيّاشي : ج1 ص356 ح11 ، وراجع : بحار الأنوار : ج3 ص263 ح19.
2- .المائدة : 64.
3- .تفسير العيّاشي : ج1 ص330 ح145 ، بحار الأنوار : ج3 ص291 ح1 .
4- .راجع : ص 104 الرقم 45 .

ص: 25

( 3 ) كتابه عليه السلام إلى يونس بن بهمن في السّؤال عن جوهريّة اللّه

جِسمٍ ، لا إِلهَ إلَا اللّهُ الكَبيرُ المُتَعالِ . (1)

3كتابه عليه السلام إلى يونس بن بهمنفي السّؤال عن جوهريّة اللّهعليّ بن محمّد قال : حدّثني محمّد بن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن الحسين بن بشّار الواسطيّ (2) ، عن يونس بن بهمن 3 ، قال : قال لي يونس : اكتب إلى أبي الحسن عليه السلام فاسأله عن آدم ، هل فيه من جوهريّة اللّه شيء؟ قال : فكتب إليه ، فأجابه :هذِهِ المَسأَلَةُ مَسأَلَةُ رَجُلٍ عَلَى غَيرِ السُّنَّةِ . فقلت ليونس ، فقال : لا يسمع ذا أصحابنا فيبرؤون منك . قال ، قلت ليونس : يبرؤون منّي أو منك (3) ؟ وفي رواية أُخرى : طاهر بن عيسى قال : حدّثني جعفر بن أحمد ، قال : حدّثني الشّجاعيّ ، عن يعقوب بن يزيد ، عن الحسين بن بشّار ، عن الحسن بن بنت إلياس ،

.


1- .الكافي : ج1 ص105 ح3 ، التوحيد : ص98 ح5 و فيه «محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن سهل بن زياد...» ، علل الشرائع : ص9 ح3 و فيه « محمّد بن عليّ ماجيلويه رضى الله عنهقال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن سهل بن زياد...» ، بحار الأنوار : ج4 ص263 ح11 .
2- .راجع : ص 153 الرقم 120 .
3- .رجال الكشّي : ج2 ص785 الرقم 942 ، بحار الأنوار : ج3 ص292 ح11 و ج85 ص79 .

ص: 26

( 4 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبيد في نفي الرّؤية

عن يونس بن بهمن ، قال : قال يونس بن عبد الرّحمن 1 : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام سألته عن آدم عليه السلام هل كان فيه من جوهرية الرّبّ شيء؟ قال : فكتب إليّ جواب كتابي : لَيسَ صاحِبُ هذِهِ المَسأَلَةِ عَلى شَيءٍ مِن السُّنَّةِ ، زِنديقٌ . (1)

4كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبيدفي نفي الرّؤيةأحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى (2) ، عن عليّ بن سيف ، عن محمّد بن عبيد (3) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام أسأله عن الرّؤية وما ترويه

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص787 الرقم 949 ، بحار الأنوار : ج3 ص292 ح12 .
2- .راجع : ص 130 الرقم 79 .
3- .محمّد بن عبيد : والّذي ورد في التوحيد ( ص109 ح8 ) وبحار الأنوار ( ج4 ص10 ح20 ) « محمّد بن عبيد » ، والظّاهر هو الصحيح ، بقرينة سائر الرّوايات مع اتّحادها مع ما نحن فيه من حيث السند ، فراجع : عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج 1 ص110 ح13 وكتاب التوحيد للصدوق : ص153 ح2 ، والقصص للراوندي : ص160 ، ولم نجد للرجل ترجمة في مصادرنا الرّجاليّة ، والظّاهر اتّحاده مع محمّد بن عبيدة الهمداني الرّاوي عن الرّضا عليه السلام ( راجع : الكافي : ج5 ص441 ح7 ) .

ص: 27

( 5 ) كتابه عليه السلام إلى فتح بن يزيد الجرجانيّ في نفي التّشبيه

العامّة والخاصّة ، وسألته أن يشرح لي ذلك . فكتب بخطّه :اتَّفَقَ الجَميعُ لا تَمانُعَ بَينَهُم ، أَنَّ المَعرِفَةَ مِن جِهَةِ الرُّؤيَةِ ضَرورَةٌ ، فإِذا جازَ أَن يُرَى اللّهُ بِالعَينِ ، وَقَعتِ المَعرِفَةُ ضَرورَةً ، ثُمَّ لَم تَخْلُ تِلكَ المَعرِفَةُ مِن أَن تَكونَ إِيمانا أَو لَيسَت بِ_إِيمانٍ . فإِن كانَت تِلكَ المَعرِفَةُ مِن جِهَةِ الرُّؤيَةِ إِيمانا ، فالمَعرِفَةُ الَّتي في دار الدُّنيا مِن جِهَةِ الاكتِسابِ لَيسَت بِإِيمانٍ ؛ لِأَنَّها ضِدُّهُ ، فَلا يَكونُ في الدُّنيا مُؤمِنٌ ؛ لِأَنَّهُم لَم يَرَوا اللّهَ عَزَّ ذِكرُهُ . وَإِن لَم تَكُن تِلكَ المَعرِفَةُ الَّتي مِن جِهَةِ الرُّؤيَةِ إِيمانا ، لَم تَخْلُ هذِهِ المَعرِفَةُ الَّتي مِن جِهَةِ الاكتِسابِ أَن تَزولَ ، وَلا تَزولُ في المِعادِ ، فَهذا دَليلٌ عَلَى أَنَّ اللّهَ عز و جل لا يُرى بِالعَينِ ؛ إذِ العَينُ تُؤَدِّي إِلى ما وَصَفناهُ . (1)

5كتابه عليه السلام إلى فتح بن يزيد الجرجانيّفي نفي التّشبيهعليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقاق رحمه الله ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيّ ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيّ ، قال : حدّثني عليّ بن العبّاس ، قال : حدّثني جعفر بن محمّد الأشعريّ ، عن فتح بن يزيد الجرجانيّ 2 ، قال : كتبت

.


1- .الكافي : ج1 ص96 ح3 ، التوحيد : ص109 ح8 وفيه «عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقاق رحمه الله ، قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثنا أحمد بن إدريس...» ، بحار الأنوار : ج4 ص56 ح33.

ص: 28

إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام أسأله عن شيء من التّوحيد ؟ فكتب إليَّ بخطّه _ قال جعفر : و إنّ فتحا أخرج إليَّ الكتاب فقرأته بخطّ أبي الحسن عليه السلام _ :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم الحَمدُ للّهِ المُلهِمِ عِبادَهُ الحَمدَ ، وَ فاطِرِهِم عَلى مَعرِفَةِ رُبوبِيَّتِهِ ، الدَّالِّ عَلى وُجودِهِ بِخَلقِهِ ، وَ بِحُدُوثِ خَلقِهِ عَلى أَزَلِهِ ، وَ بِأَشباهِهِم عَلى أَلّا شِبهَ لَهُ ، المستَشهِدِ آياتِهِ عَلى قُدرَتِهِ ، المُمتَنِعِ مِنَ الصِّفاتِ (1) ذاتُهُ ، وَ مِنَ الأَبصارِ رُؤيَتُهُ ، وَ مِنَ الأَوهامِ الإِحاطَةُ بِهِ ، لا أَمَدَ لِكَونِهِ ، وَ لا غايَةَ لِبَقائِه ، لا يَشمُلُهُ المَشاعِرُ وَ لا يَحجُبُه الحِجابُ ، فَالحِجابُ بَينَهُ وَ بَينَ خَلقِهِ ، لامتِناعِهِ مِمَّا يُمكِنُ في ذَواتِهِم ، وَ لإِمكانَ ذَواتِهِم مِمِّا يَمتَنِعُ مِنهُ ذاتُهُ ، وَ لافتِراقِ الصَّانِعِ و المَصنوعِ ، وَ الرَّبِّ و المَربوبِ ، وَ الحادِّ و المَحدودِ ، أَحدٌ لا بِتَأويلِ عَدَدٍ ، الخالِقُ لا بِمَعنى حَرَكَةٍ ، السَّميعُ لا بِأَداةٍ ، البَصيرُ لا بِتَفريقِ آلَةٍ ، الشَّاهِدُ لا بِمُماسَّةٍ ، البائِنُ لا بِبَراحِ (2) مَسافَةٍ ، الباطِنُ لا بِاجتِنانٍ (3) ، الظَّاهِرُ لا بمُحاذٍ ، الّذي قَد حَسَرَت دونَ كُنهِهِ نَواقِدُ الأَبصارِ ، وَ امتَنَعَ وُجودُهُ جَوائِلَ الأَوهامِ .

.


1- .أي : من الوصف .
2- .البراح _ بالفتح _ : المتّسع من الأرض لا زرع فيها ولا شجر ؛ أي : بائنٌ عن خلقه لا ببعده عنهم بالمسافة ( راجع : مجمع البحرين : ج 1 ص 179 ) .
3- .الاجتنان : الستر (النهاية : ج 1 ص 296) .

ص: 29

( 6 ) إملاؤه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي في المشيئة والإرادة

أَوَّلُ الدِّيانَةِ مَعرِفَتُهُ ، وَ كَمَالُ المَعرِفَةِ تَوحيدُهُ ، وَ كَمَالُ التَّوحيدِ نَفيُ الصِّفاتِ عَنهُ ، لِشَهادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّها غَيرُ المَوصوفِ ، وَ شَهادَةِ المَوصوفِ أَنَّهُ غَيرُ الصِّفَةِ ، وَ شَهادَتِهِما جَمِيعا عَلى أَنفُسِهِما بِالبَيِّنَةِ المُمتَنِعِ مِنها الأَزَلُ ، فَمَن وَصَفَ اللّهَ فَقَد حَدَّهُ ، وَ مَنَ حَدَّهُ فَقَد عَدَّهُ ، وَ مَن عَدَّهُ فَقَد أَبطَلَ أَزَلَهُ ، وَ مَن قالَ : كَيف فَقَدِ استوصَفَهُ ، وَ مَن قالَ : عَلى مَ فَقَد حَمَلَهُ ، وَ مَن قالَ : أَينَ فَقَد أَخلى مِنهُ ، وَ مَن قالَ : إلى مَ فَقَد وَقَّتَهُ ، عالِمٌ إِذ لا مَعلومَ ، وَ خالِقٌ إذ لا مَخلوقَ ، وَ رَبٌّ إِذ لا مَربوبَ ، وَ إِلهٌ إِذ لا مَألوهَ ، وَ كَذلِكَ يُوصَفُ رَبُّنا ، وَ هوَ فَوقَ ما يَصِفُهُ الواصِفونَ. (1)

6إملاؤه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيفي المشيئة والإرادةفي عيون أخبار الرّضا عليه السلام : حدّثنا أبي رضى الله عنه و محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه ، قالا : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ 2 ، عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام ، قال : قلت له : إنّ أصحابنا

.


1- .التوحيد : ص56 ح14 ، بحار الأنوار : ج4 ص284 ح17 .

ص: 30

( 7 ) كتابه عليه السلام إلى حَمدان بن سليمان في أفعال العباد
( 8 ) كتابه عليه السلام إلى طاهر بن حاتم في أدنى المعرفة

بعضهم يقول بالجبر و بعضهم يقول بالاستطاعة . فقال لي : اكتُب :قالَ اللّهُ تَعالى : يا بنَ آدَمَ ، بِمَشيَّتي كُنتَ أنتَ الّذي تَشاءُ ، وَ بِقوَّتي أَدَّيتَ لي فَرائِضي ، وَ بِنِعمَتي قَوِيتَ عَلى مَعصِيَتي ، جَعَلتُكَ سَميعا بَصيرا قَويَّا ، ما أَصابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفسِكَ ، وَ ذلِكَ أَنِّي أَولى بِحَسَناتِكَ مِنكَ ، وَ أَنتَ أَولى بِسَيِّئاتِكَ مِنِّي ، وَ ذلِكَ أَنِّي لا أُسأَلُ عَمَّا أَفعَلُ وَ أَنتُم تُسأَلونَ ، وَ قَد نَظَمتُ لَكَ كُلَّ شَيءٍ تُريدُ . (1)

7كتابه عليه السلام إلى حَمدان بن سليمانفي أفعال العبادعبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النّيسابوريّ العطّار رضى الله عنه ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد بن محمّد بن قُتَيبة النّيسابوريّ ، عن حَمدان بن سليمان (2) ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام أسأله عن أفعال العباد أمخلوقةٌ هي أمْ غير مخلوقة؟ فكتب عليه السلام :أَفعالُ العِبادِ مُقدَّرةٌ في عِلمِ اللّهِ عز و جل قَبلَ خَلقِ العِبادِ بِأَلفي عامٍ . (3)

8كتابه عليه السلام إلى طاهر بن حاتمفي أدنى المعرفةعليّ بن محمّد عن سهل بن زياد ، عن طاهر بن حاتم 4 _ في حال استقامته _ أنّه

.


1- .عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج1 ص144 ح49 ، التوحيد : ص338 ح6 .
2- .حَمدان بن سليمان ، أبو سعيد النيشابوري ،ثقة ،من وجوه الأصحاب ، عدّه من أصحاب الرضا والهادي والعسكري عليهم السلام ( راجع : رجال النجاشي : ص 138 الرقم 357 ، رجال الطوسي : ص 356 الرقم 5270 وص 398 الرقم 5839 ، رجال العلّامة : ص 62 الرقم 1 ، رجال ابن داوود : ص 85 الرقم 525 ) .
3- .التوحيد : ص 416 ح16 ، عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص124 ح34 ، بحار الأنوار : ج 5 ص 29 ح 35 .

ص: 31

كتب إلى الرّجل : ما الّذي لا يُجتزأ (1) في معرفة الخالق بدونه ؟ فكتب إليه :لَم يَزَل عالِما وَسامِعا وَبَصيرا ، وَهو الفَعَّالُ لِما يُريدُ . وسُئل أبو جعفر عليه السلام عن الّذي لا يُجتزأ بدون ذلك من معرفة الخالق ؟ فقال : لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَ لا يُشبِهُهُ شَيءٌ ، لَم يَزَل عالِما سَميعا بَصيرا . (2) وفي التّوحيد : أبي ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهماالله ، قالا : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، وأحمد بن إدريس جميعا ، عن محمّد بن أحمد ، عن بعض أصحابنا ، عن محمّد بن عليّ الطّاحي ، عن طاهر بن حاتم بن ماهويه ، قال : كتبت إلى الطيّب _ يعني أبا الحسن موسى عليه السلام _ :ماالّذي لاتُجزِئُ معرفه الخالق بدونه؟ فكتب: لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، وَ لَم يَزَل سَميعا وَ عَليما وَ بَصيرا ، وَ هوَ الفَعَّالُ لِما يُريدُ . (3)

.


1- .الاجتزاء : الاكتفاء .
2- .الكافي : ج 1 ص 86 ح 2 .
3- .التوحيد : ص 284 ح 4 .

ص: 32

. .

ص: 33

الفصل الثاني : في الإمامة

اشاره

الفصل الثّاني: في الإمامة

.

ص: 34

. .

ص: 35

( 9 ) كتابه عليه السلام إلى الحسن بن العبّاس المعروفيّ في الفرق بين الرّسول والنّبيّ والإمام

9كتابه عليه السلام إلى الحسن بن العبّاس المعروفيّفي الفرق بين الرّسول والنّبيّ والإمامعليُّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرَّار 1 ، قال : كتب الحسن بن العبّاس المعروفيّ (1) إلى الرّضا عليه السلام : جُعلت فداك أخبرني ما الفرق بين الرَّسول والنَّبيِّ و الإمام؟ قال : فكتب أو قال :الفَرقُ بَينَ الرَّسولِ وَ النَّبيِّ وَ الإِمامِ : أَنَّ الرَّسولَ الّذي يُنزَلُ عَليهِ جِبرَئيلُ فَيَراهُ وَ يسمَعُ

.


1- .لم نجده بهذا العنوان في التّراجم.

ص: 36

( 10 ) كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جُندَب في أنّ الأئمّة ورثوا علم النّبيّ وجميع الأنبياء والأوصياء

كَلامَهُ وَ يُنزَلُ عَلَيهِ الوَحيُ ، وَ رُبَّما رَأَى في مَنَامِهِ نَحوَ رؤيا إبراهيم عليه السلام ، و النَّبيُّ رُبَّما سَمِعَ الكَلامَ وَ رُبَّما رأَى الشَّخصَ وَ لَم يَسمَع ، وَ الإِمامُ هوَ الّذي يَسمَعُ الكَلامَ وَ لا يَرى الشَّخصَ . (1)

10كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جُندَبفي أنّ الأئمّة ورثوا علم النّبيّ وجميع الأنبياء والأوصياءفي الكافي : عليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن عبد العزيز بن المُهتدي (2) ، عن عبد اللّه بن جندب (3) ، أنّه كتب إليه الرّضا عليه السلام :أَمَّا بَعدُ ، فَإِنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله كانَ أَمينَ اللّهِ في خَلقِهِ ، فَلَمَّا قُبِضَ صلى الله عليه و آله كُنَّا أَهلَ البَيتِ وَرَثَتَهُ ، فَنَحن أُمَناءُ اللّهِ في أَرضِهِ ، عِندَنا عِلمُ البَلايا وَالمَنايا وأَنسابُ العَرَبِ وَمَولِدُ الإِسلامِ ، وإِنَّا لَنَعرِفُ الرَّجُلَ إِذا رَأَيناهُ بِحَقيقَةِ الإِيمانِ وَحَقيقَةِ النِّفاقِ ، وإِنَّ شيعَتَنا لَمَكتوبونَ بِأَسمائِهِم وَأَسماءِ آبائِهِم ، أَخَذَ اللّهُ عَلَينا وَعَلَيهِمُ الميثاقَ ، يَرِدُونَ مَورِدَنا وَيَدخُلونَ مَدخَلَنا ، لَيسَ عَلى مِلَّةِ الإِسلام غَيرُنا وَغَيرُهُم ، نَحنُ النُّجَباءُ النُّجَاةُ ، وَنَحنُ أَفراطُ الأَنبياءِ وَنَحنُ أَبناءُ الأَوصياءِ ، وَنَحنُ المَخصوصونَ في كِتابِ اللّهِ عز و جل ، وَنَحنُ أَولى النَّاسِ بِكِتابِ اللّهِ ، وَنَحنُ أَولى النَّاسِ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله .

.


1- .الكافي : ج1 ص176 ح2 ، الاختصاص : ص328 وفيه «الهيثم بن أبي مسروق النّهديّ و إبراهيم بن هاشم عن إسماعيل بن مهران ، قال : كتب الحسن بن العبّاس المعروفيّ إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : جُعلت فداك . . . » ، بصائر الدرجات : ص 108 .
2- .راجع : الرقم 140 .
3- .عبد اللّه بن جُنْدَب _ بضمّ الجيم وسكون النّون وفتح الدّال _ : هو عبد اللّه بن جندب البجليّ الكوفيّ ، ثقة جليل القدر ، من أصحاب الصّادق والكاظم والرّضا عليهم السلام ، وأنّه من المخبتين ، وكان وكيلاً لأبي إبراهيم وأبي الحسن عليهماالسلام ، وكان عابدا رفيع المنزلة لديهما على ما ورد في الأخبار . ولمّا مات قام مقامه عليّ بن مهزيار ( راجع : رجال الطوسي : ص 232 الرقم3143 وص 340 الرقم 5059 وص 358 الرقم 5316 . رجال العلّامة : ص 1050 الرقم 16 ) .

ص: 37

وَنَحنُ الَّذينَ شَرَعَ اللّهُ لَنا دِينَهُ فَقالَ في كِتابِهِ : «شَرَعَ لَكُم» يا آلَ مُحَمَّدٍ «مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا» قَد وَصَّانا بِما وَصَّى بِهِ نُوحا «وَ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ» يامُحَمَّدٍ «وَ مَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَ هِيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسَى» فَقَدَ عَلَّمَنا وَبَلَّغَنا عِلمَ ما عَلِمنا ، واستَودَعَنا عِلمَهُم نَحنُ وَرَثَةُ أُولي العَزمِ مِنَ الرُّسُلِ «أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ» يا آلَ مُحَمَّدٍ «وَ لَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ» وَكُونوا على جَمَاعَةٍ «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» مَن أَشرَكَ بِوَلايَةِ عَليٍّ «مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» مِن وَلايَةِ عَليٍّ ، إِنَّ «اللَّهُ» . . . يامُحَمَّدُ «يَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ» (1) مَن يُجيبُكَ إِلى وَلايَةِ عَليٍّ عليه السلام . (2) وفي تفسير فرات : جعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا عن الحسين بن عبد اللّه بن جندب ، قال : أخرج [خرج ] إلينا صحيفة ، فذكر أنّ أباه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، إنّي قد كبرت و ضعفت و عجزت عن كثير ممّا كنت أقوى عليه ، فأحبّ جُعلت فداك أن تعلّمني كلاما يقرّبني من ربّي [ بربّي ] ، و يزيدني فهما و علما . فكتب إليه : قَد بَعَثتُ إِليكَ بِكِتابٍ فَاقرَأَهُ وَ تَفَهَّمَهُ ؛ فإِنَّ فيهِ شِفاءٌ لِمَن أَرادَ اللّهُ شِفاه ، وَ هُدىً لِمَن أَرادَ اللّهُ هُداهُ ، فأَكثِر مِن ذِكرِ بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم ، لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيم ، وَ اقرأها عَلى صَفوانَ وَ آدَمَ . قالَ عَليُّ بنُ الحُسَينِ عليهماالسلام : إنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله كانَ أَمينُ اللّهِ في أَرضِهِ ، فَلَمَّا قُبِضَ مُحَمَّدٌ [ صلى الله عليه و آله ] كُنَّا أَهلَ البَيتِ أُمَناءَ اللّهِ في أَرضِهِ ، عِندَنا عِلمُ البَلايا وَ المَنايا وَ أَنسابُ العَرَبِ وَ مَولِدُ الإسلامِ ، وِ إِنَّا لَنَعرِفُ الرَّجُلَ إِذا رأَيناهُ بِحَقيقَةِ الإِيمانِ وَ بِحقَيقَةِ النِّفاقِ ، وَ إِنَّ شيعَتَنا لَمَكتوبونَ بِأَسمائِهِم وَ أَسماءِ آبائِهِم ، أَخَذَ اللّهُ الميثاقَ عَلَينا [ وَ عَلَيهِم ] ، يَرِدونَ مَوارِدَنا وَ يدخُلونَ مَداخِلَنا ، لَيسَ عَلى مِلَّةِ إِبراهيمَ خَليلُ الرَّحمنِ غَيرُنا وَ غَيرُهُم ، إِنَّا يَومَ القِيامَةِ آخِذِينَ بِحُجزَةِ نَبِيِّنا وَ نَبِيُّنا آخِذٌ بِحُجزَةِ رَبِّه ، وَ إِنَّ الحُجزَةَ النُّورُ ، وَ شيعَتُنا آخِذينَ بِحُجزَتِنا ، مَن فارَقَنا هَلَكَ وَ مَن تَبِعَنا نَجا ، [ مُفارِقُنا ] وَ الجاحِدُ لِوَلايَتِنا كافِرٌ ، وَ شيعَتُنا وَ تابِعُ وَلايَتِنا [ وَمُتَّبِعُنا وَ تابِعُ أَوليائِنا لِوَلايَتِنا ]

.


1- .الشورى : 13 .
2- .الكافي : ج1 ص223 ح1 ، بصائر الدرجات : ص119 ح3.

ص: 38

مُؤمِنٌ ، لا يُحِبُّنا كافِرٌ وَ لا يُبغِضُنا مُؤمِنٌ ، مَن ماتَ وَ هو مُحِبُّنا [ يُحِبُّنا ] كانَ حَقّا عَلى اللّهِ أَن يَبعَثَهُ مَعَنا . نَحنُ نُورٌ لِمَن تَبِعَنا وَ نُورٌ لِمَن اقتَدَى بِنا ، مَن رَغِبَ عَنَّا لَيسَ مِنَّا ، وَ مَن لَم يَكُن مِنَّا [ مَعَنا ] فَلَيسَ مِن الإِسلامِ في شَيءٍ . بِنا فَتَحَ اللّهُ وَ بِنا يَختِمُهُ ، وَ بِنا أَطعَمَكُم اللّهُ عُشبَ الأَرضِ ، وَ بِنا أَنزَلَ اللّهُ عَلَيكُم قَطرَ السَّماءِ ، وَ بِنا آمَنَكُم اللّهُ مِنَ الغَرَقِ في بَحرِكُم وَ مِنَ الخَسفِ في بَرِّكُم ، وَ بِنا نَفَعَكُم اللّهُ في حَياتِكُم وَ في قُبورِكُم وَ في مَحشَرِكُم وَ عِندَ الصِّراطِ وَ عِندَ المِيزانِ وَ عِندَ دُخولِكُم الجِنانَ . إِنَّ مَثَلَنا في كِتابِ اللّهِ كَمَثَلِ المِشكاةِ وَ المِشكاةُ في القِنديلِ ، فَنَحنُ المِشكاةُ « فِيهَا مِصْبَاحٌ » وَ المِصباحُ [ هوَ ]مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله «الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ» نَحنُ الزُّجاجَةُ « كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَ_رَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَ لَا غَرْبِيَّةٍ » لا مُنكِرَةٍ وَ لا دَعيَّةٍ «يَكَادُ زَيْتُهَا» نورُها « يُضِىءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » نورُ الفُرقانِ «نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ » لِوَلايَتِنا «مَن يَشَآءُ» (1) ، « وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ » (2) عَلى أَن يَهدِي مَن أَحَبَّ لِوَلايَتِنا ، حَقّا عَلى اللّهِ أَن يَبعَثَ وَلِيَّنا مُشرِقا وَجهُهُ نَيِّرا بُرهانُهُ عَظيما عِندَ اللّهِ حُجَّتُهُ ، [ حَقّا عَلى اللّهِ أَن ]يَجيء عَدوُّنا يَومَ القِيامَةِ مُسوَدّا وَجهُهُ مُدحَضَةٌ عِندَ اللّهِ حُجَّتُهُ ، حَقّا [ حَقٌّ ] عَلى اللّهِ أَن يَجعَلَ وَلِيَّنا رفيق النَّبِيِّينَ و الصِّدِّيقينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفيقا ، وَحَقٌّ [ حَقّا ] عَلى اللّهِ أَن يَجعَلَ عَدوَّنا رَفيقا لِلشَّياطينِ وَ الكافِرينِ وَ بِئسَ أُولئِكَ رَفيقا . لِشهيدِنا فَضلٌ [ أَفضل ] عَلى الشُّهَدَاءِ بِعَشرِ دَرَجاتٍ ، وَ لِشَهيدِ شيعَتِنا عَلى شَهيدِ غَيرِنا سَبعُ دَرَجاتٍ . نَحنُ النُّجَبَاءُ ، وَ نَحنُ أَبناءُ الأَوصياءِ ، وَنَحنُ أَولى النَّاسِ بِاللّهِ ، وَنَحنُ المُخلَصونَ [ المُختَصُّونَ المَخصوصونَ ] في كِتابِ اللّهِ ، وَ نَحنُ أَولى النَّاسِ بِدينِ اللّهِ ، وَ نَحنُ الَّذين شَرَعَ اللّهُ [ لَنا ]دِينَهُ فَقالَ اللّهُ : «شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَ الَّذِى

.


1- .النور : 35.
2- .البقرة : 284 .

ص: 39

أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ» يا مُحَمَّدُ وَ ما وَصَّى بِهِ إِبراهيمَ وَ إِسماعيلَ [ وَ إِسحاقَ ]وَيَعقوبَ ، فَقَد عَلَّمَنا وَبَلَّغَنا ماعَلَّمنا وَاستَودَعَنا عِلمَهُم . نَحنُ وَرَثَةُ الأَنبياءِ وَ نَحنُ ذُرِّيَّةُ أُولي العِلمِ «أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ» بِآلِ مُحَمَّدٍ « وَ لَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ » وَ كونوا عَلى جَماعَتِكُم «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» مَن أَشرَكَ بِولَايَةِ عَليِّ بنِ أَبي طَالِبٍ عليه السلام «مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» مِن وَلايةِ عَليٍّ « إنَّ اللّهَ » يا مُحَمَّدُ «يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَ يَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ» (1) ] قالَ ] مَن يُجيبُكَ إِلى وَلايةِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام . (2) وفي تفسير القمّي : عبد اللّه بن جندب (3) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام أسأل عن تفسير هذه الآية : « اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الأَرْضِ . . . » (4) إلى آخر الآية . فكتب إليَّ الجواب : أَمّا بَعدُ ، فإِنَّ مُحَمَّدَا كانَ أَمينَ اللّهِ في خَلقِهِ ، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله كُنَّا أَهلَ البَيتِ وَرَثَتَهُ ، فَنَحنُ أُمَناءُ اللّهِ في أَرضِهِ ، عِندَنا عِلمُ المَنايا وَ البَلايا وَ أَنسابُ العَرَبِ وَ مَولِدُ الإِسلامِ ، وَ ما مِن فِئَةٍ تُضِلُّ مِئَةً بِهِ وَ تَهدِي مِئَةً به إِلَا وَ نَحنُ نَعرِفُ سائِقَها وَ قائِدَها وَ ناعِقَها ، و إِنَّا لَنعرِفُ الرَّجُلَ إِذا رَأَيناهُ بِحَقيقَةِ الإِيمانِ وَ حَقيقَةِ النِّفاقِ ، و إِنَّ شيعَتَنا لَمَكتوبونَ بِأَسمائِهِم وَ أَسماءِ آبائِهِم ، أَخَذَ اللّهُ عَلَينا وَ عَلَيهِمُ الميثاقَ ، يَرِدُونَ مَورِدَنا وَ يَدخُلونَ مَدخَلَنا ، لَيسَ عَلى مِلَّةِ الإِسلامِ غَيرُنا وَ غَيرُهُم إِلى يَومِ القِيامَةِ . نَحنُ آخِذونَ بحُجزَةِ نَبِيِّنا وَ نَبِيُّنا آخِذٌ بِحُجزَةِ رَبِّنا ، وَ الحُجزَةُ النُّورُ ، وَ شيعَتُنا آخذونَ بحُجزَتِنا ، مَن فارَقَنا هَلَكَ وَ مَن تَبِعَنا نَجا ، وَ المُفارِقُ لَنا وَ الجاحِدُ لِولَايَتِنا كافِرٌ ، وَ متّبعنا وَ تابع أوليائنا مؤمن ، لا يُحِبُّنا كافِرٌ وَ لا يُبغِضُنا مُؤمِنٌ ، وَ مَن ماتَ وَ هو يُحِبُّنا كانَ حَقَّا عَلى اللّهِ أَن يَبعَثَهُ مَعَنا . نَحنُ نورٌ لِمَن تَبِعَنا ، وَ هُدَىً لِمَن اهتَدَى بِنا ، وَ مَن لَم يَكُن مِنّا فَلَيسَ مِن الإِسلامِ في شَيءٍ ،

.


1- .الشورى : 13 .
2- .تفسير فرات : ص283 ح384 ، بحار الأنوار : ج23 ص312 ح20 .
3- .راجع : ص 32 الرقم 10 .
4- .النور : 35 .

ص: 40

وَ بِنا فَتَحَ اللّهُ الدِّينَ وَ بِنَا يَختِمُهُ ، وَ بِنا أَطعَمَكُم اللّهُ عُشبَ الأَرضِ ، وَ بِنا أَنزَلَ اللّهُ قَطرَ السَّماءِ ، وَ بِنا آمَنَكُم اللّهُ مِن الغَرَقِ في بَحرِكُم وَ مِنَ الخَسفِ في بَرِّكُم وَ بِنا نَفَعَكُم اللّهُ في حَياتِكُم وَ في قُبورِكُم وَ في مَحشَرِكُم وَ عِندَ الصِّراطِ وَ عِندَ المِيزانِ وَ عِندَ دُخولِكُم الجِنانَ . مَثَلُنا في كِتابِ اللّهِ كَمَثَلِ مِشكاةٍ وَ المِشكاةُ في القِنديلِ ، فَنَحنُ المِشكاةُ فيها مِصباحٌ ، المِصباحُ مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله « الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ » مِن عُنصُرَةٍ طاهِرَةٍ « الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَ_رَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَ لَا غَرْبِيَّةٍ » لا دَعيَّةٍ وَ لا مُنكِرَةٍ «يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » القُرآنُ « نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَ_لَ لِلنَّاسِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ » فَالنُّورُ عَلِيٌّ عليه السلام ، يهدي اللّه لِوَلايَتِنا مَن أَحَبَّ . وَ حَقٌّ عَلى اللّهِ أَن يَبعَثَ وَلِيَّنا مُشرِقا وَجهُهُ مُنيرا بُرهانُهُ ظاهِرَةٌ عِندَ اللّهِ حُجَّتُهُ ، حَقٌّ عَلى اللّهِ أَن يَجعَلَ أَولياءَنا المُتَّقينَ وَ الصِّدِّيقينَ وَ الشُّهداءَ وَ الصَّالِحينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفيقا ، فَشُهداؤنا لَهُم فَضلٌ عَلى الشُّهداءِ بِعَشرِ دَرَجاتٍ ، وَ لِشَهيدِ شيعَتِنا فَضلٌ عَلى كُلِّ شَهيدٍ غَيرنا بِتِسعِ دَرَجاتٍ . نَحنُ النُّجَبَاءُ ، وَ نَحنُ أَفراطُ الأَنبياءِ ، وَ نحنُ أَولادُ الأَوصياءِ ، وَ نحن المَخصوصونَ في كِتابِ اللّهِ ، وَ نحنُ أَولى النَّاسِ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَ نَحنُ الَّذينَ شَرَعَ اللّهُ لَنا دينَهُ فَقَالَ في كِتابِهِ : « شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ » يا مُحَمَّدُ « وَ مَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَ هِيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسَى » . قَد عَلَّمَنا وَ بَلَّغَنا ما عَلَّمنا وَ استَودَعَنا عِلمَهُم ، وَ نَحنُ وَرَثَةُ الأَنبياءِ ، وَ نَحنُ وَرَثَةُ أُولي العِلم وَ أُولي العَزمِ مِن الرُّسلِ « أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ » وَ « لَا تَمُوتُنَّ إِلَا وَ أَنتُم مُّسْلِمُونَ » (1) كَما قَالَ اللّهُ : « وَ لَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » مِن الشِّركِ مَن أَشرَكَ بِوَلايةِ عَلِيٍّ عليه السلام « مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » مِن وَلايةِ عَليٍّ عليه السلام يا مُحَمَّد فيهِ هُدَىً « وَ يَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ » (2) مِن يُجيبُكَ إِليَّ بِوَلايةِ عَلِيٍّ عليه السلام . وَقَد بَعَثتُ إِليكَ بِكتابٍ فَتَدَبَّرهُ و افهَمهُ ؛ فإِنَّهُ

.


1- .البقرة : 132.
2- .الشورى : 13.

ص: 41

شِفاءٌ لِما في الصُّدورِ وَ نورٌ ، وَ الدَّليلُ عَلى أَنَّ هذا مَثَلٌ لَهُم. (1) وفي بصائر الدّرجات : عبد اللّه بن عامر عن عبد الرّحمن بن أبي نجران ، (2) قال : كتب أبو الحسن الرّضا عليه السلام رسالة و أقرأنيها ، قال : قالَ عَليُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : إِنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله كانَ أَمينَ اللّهِ في أَرضِهِ ، فَلَمَّا قُبِضَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله كُنَّا أَهلَ البَيتِ وَرَثَتَهُ ، وَ نَحن أُمَناءُ اللّهُ في أَرضِهِ ، عِندَنا عِلمُ البَلايا وَ المَنايا وَ أَنسابُ العَرَبِ وَ مَولِدُ الإِسلامِ ، وَ إِنَّا لَنَعرِفُ الرَّجُلَ إِذا رَأَيناهُ بِحَقيقَةِ الإِيمانِ وَ حَقيقَةِ النِّفاقِ ، وَ إِنَّ شيعَتَنا لَمَكتوبونَ بِأَسمائِهِم ، و أَسماءِ آبائِهِم ، أَخَذَ اللّهُ عَلَينا وَ عَلَيهِمُ الميثاقَ ، يَرِدونَ مَورِدَنا وَ يَدخُلونَ مَدخَلَنا . نَحنُ النُّجَباءُ وَ أَفراطُنا أَفراطُ الأَنبياءِ ، وَ نَحنُ أَبناءُ الأَوصياءِ ، وَ نَحنُ المَخصوصونَ في كِتابِ اللّهِ ، وَ نَحنُ أَولى النَّاسِ بِاللّهِ ، وَ نَحنُ أَولى النَّاسِ بِكِتابِ اللّهِ ، وَ نَحنُ أَولى النَّاسِ بِدينِ اللّهِ ، وَ نَحنُ الَّذينَ شَرَعَ لَنا دينَهُ فَقالَ في كِتابِهِ : « شَرَعَ لَكُم » يا آلَ مُحَمَّدٍ «مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا» وَ قَد وَصَّانا بِمَا أَوصى بِهِ نَوحا «وَ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ» يا مُحَمَّدُ «وَ مَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَ هِيمَ» و إِسماعيل «وَ مُوسَى وَ عِيسَى» وَ إِسحاقَ وَ يَعقوبَ ، فَقَد عَلَّمَنا وَ بَلَّغَنا ما عَلِمنا وَ استَودَعَنا عِلمَهُم . نَحنُ وَرَثَةُ الأَنبياءِ . وَ نَحنُ وَرَثَةُ أُولي العَزمِ مِنَ الرُّسُلِ « أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ » يا آلَ مُحَمَّدٍ «وَ لَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ» وَ كونوا عَلى جَماعَةٍ «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» مَن أَشرَكَ بِوَلايَةِ عَلِيٍّ «مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» مِن وَلايَةِ عَلِيٍّ إنّ «اللَّهُ» يا مُحَمَّدُ «يَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ» (3) مَن يُجيبُك إلى وَلاية عَليٍّ عليه السلام . (4)

.


1- .الشورى : 13 .
2- .تفسير القمّي : ج2 ص104 ، بحار الأنوار : ج26 ص241 ح5.
3- .عبد الرّحمن بن أبي نجران التّميميّ ، مولى كوفيّ ، كان من أصحاب الإمام الرّضا و الجواد عليهماالسلام ( رجال الطوسي : ص360 الرقم5323 وص376 الرقم5567 ، الفهرست للطوسي : ص 177 الرقم475 ) . وقال النجاشي : كان عبد الرّحمن ثقة ثقة ، معتمدا على ما يرويه ( راجع : رجال النجاشي : ص235 الرقم 622 ) .
4- .بصائر الدرجات : ص118 ح1 ، بحار الأنوار : ج26 ص142 ح16 .

ص: 42

( 11 ) كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد في أنّهم : الذّكر وأهل الذكر
( 12 ) كتابه عليه السلام إلى سليمان بن جعفر فيما عند الأئمّة عليهم السلام من سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله

11كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّدفي أنّهم عليهم السلام الذّكر وأهل الذكرأحمد بن محمّد (1) قال : كتب إليّ أبو الحسن الرّضا عليه السلام :عافانا اللّهُ وَ إِيَّاكَ أَحسَنَ عافيَةٍ ، إِنَّما شيعَتُنا مَن تابَعَنا وَ لَم يُخالِفنا ، وَ إذا خِفنا خافَ وَ إِذا أَمنَّا أَمِنَ ، قالَ اللّهُ : «فَسْ_ئلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ » (2) قال : « فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَ_آئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدِّينِ وَ لِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ » (3) الآية ، فَقَد فُرِضَت عَلَيكُم المَسأَلَةُ وَ الرَّدُّ إِلَينا ، وَ لَم يُفرَض عَلَينا الجَوابُ ، أَو لَم تُنهَوا عَن كَثرَةِ المَسائِلِ فَأَبَيتُم أَن تَنتَهوا ، إِيَّاكُم وَ ذاكَ ، فإِنَّهُ إِنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبلَكُم بِكَثرَةِ سُؤالِهِم لأَنبيائِهِم ، قالَ اللّهُ : « يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسْ_ئلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ » (4) . (5)

12كتابه عليه السلام إلى سليمان بن جعفرفيما عند الأئمّة عليهم السلام من سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آلهالحسين بن عليّ عن محمّد بن عبد اللّه بن المغيرة ، عن سليمان بن جعفر (6) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : عندك سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فكتب إليَّ بخطّه

.


1- .المراد به هو أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ،وذلك بقرينة كثرة روايته عنه عليه السلام ( راجع : ص27 الرقم6 وص250 الرقم 172 ) .
2- .النحل : 43 .
3- .التوبة : 122.
4- .المائدة : 101.
5- .تفسير العيّاشي : ج2 ص261 ح33 وص117 ح160 وراجع : ج1 ص346 ح212 ، عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص 274 ، بحار الأنوار : ج23 ص183 ح44 وج1 ص221 ح2 .
6- .راجع : ص 12 الرقم 67 .

ص: 43

( 13 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفضيل

الّذي أعرفه :هَو عِندي . (1) و في كشف الغمّة : قال صاحب كتاب الدلائل _ الحميري _ : عن جعفر بن محمّد بن يونس (2) ، قال : كتب رجل إلى الرّضا عليه السلام يسأله مسائل ، و أراد أن يسأله عن الثّوب المُلحَم (3) يلبسه المحرم ، وعن سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فنسي ذلك وتلهّف عليه . فجاء جواب المسائل وفيه : لا بَأسَ بِالإِحرامِ في الثَّوبِ المُلحَمِ ، وَ اعلَم أَنَّ سِلاحَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فينا بِمَنزِلَةِ التَّابوتِ في بَني إِسرائيلَ ، يَدورُ مَعَ كُلِّ عالِمٍ حَيثُ دارَ . (4)

13كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفضيلالهيثم النّهديّ عن محمّد بن الفضيل الصّيرفيّ 5 قال : دخلت على أبي الحسن

.


1- .بصائر الدرجات : ص185 ح42 ، بحار الأنوار : ج26 ص211 ح20 .
2- .جعفر بن محمّد بن يونس الأحول الصّيرفيّ مولى بجيلة. روى عن أبي جعفر الثّاني وأبي الحسن الثّالث عليّ بن محمّد الهادي عليهماالسلام ، وروى عنه أحمد بن محمّد بن عيسى ( راجع : رجال النجاشي : ص120 الرقم307 ، رجال الطوسي : ص384 الرقم5533 والرقم5660 ، الفهرست للطوسي :ص93 الرقم149 وص109 الرقم 51 .
3- .جنس من الثياب ( راجع : لسان العرب : ج 12 ص 538 ) .
4- .كشف الغمّة : ج3 ص89 ، بحار الأنوار : ج72 ص142 ح4 .

ص: 44

الرّضا عليه السلام ، فسألته عن أشياء وأردت أن أسأله عن السّلاح فاغفلته ، فخرجت ودخلت على أبي الحسن بن بشير ، فإذا غلامه ومعه رقعته وفيها :بِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرَّحيم أَنا بِمَنزِلَةِ أَبي وَوارِثُهُ ، وَعِندي ما كانَ عِندَهُ . (1) وفي الخرائج والجرائح : محمّد بن الفضيل الصّيرفيّ ، قال : دخلت على الرّضا عليه السلام فسألته عن أشياء ، وأردت أن أسأله عن سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأغفلته ، فخرجت فدخلت إلى منزل الحسين بن بشّار ، فإذا رسول للرّضا عليه السلام أتى ، وكان معه رقعة فيها : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أَنا بِمَنزِلَةِ أَبي ، وَوارثُهُ كُلَّ ما كانَ عِندَه ، وَسِلاحُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عِندي . (2)

.


1- .بصائر الدرجات : ص252 ح5 ، بحار الأنوار : ج97 ص47 ح43 .
2- .الخرائج والجرائح : ج2 ص663 ح6 .

ص: 45

( 14 ) إملاؤه عليه السلام لعلماء نيسابور في معنى حصن اللّه عز و جل

14إملاؤه عليه السلام لعلماء نيسابورفي معنى حصن اللّه عز و جلفي عيون أخبار الرّضا عليه السلام : حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضى الله عنه ، قال : حدّثنا أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسديّ ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسين الصّولي ، قال : حدّثنا يوسف بن عقيل عن إسحاق بن راهويه ، قال : لمّا وافى أبو الحسن الرّضا عليه السلام نيسابور و أراد أن يخرج منها إلى المأمون ، اجتمع عليه أصحاب الحديث ، فقالوا له : يا بن رسول اللّه ، ترحل عنّا و لا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك ؟ و كان قد قعد في العُمّارية فأطلَع رأسه وقال :سَمِعتُ أَبي موسى بنَ جَعفَرٍ يَقولُ : سَمِعتُ أَبي جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ يَقولُ : سَمِعتُ أَبي مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ يَقولُ : سَمِعتُ أَبي عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ يَقولُ : سَمِعتُ أَبي الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ يَقولُ : سَمِعتُ أَبي أَميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أَبي طالِبٍ عليهم السلام يَقولُ : سَمِعتُ النَّبيَّ صلى الله عليه و آله يَقولُ : سَمِعتُ اللّهَ عز و جل يَقولُ : لا إِلهَ إِلَا اللّهُ حِصني ، فَمن دَخَلَ حِصني أَمِنَ مِن عَذابي . قال : فلمّا مرّت الرّاحلة نادانا : بِشُروطِها وَ أَنا مِن شُروطِها . قال مصنّف هذا الكتاب رحمه الله : من شروطها الإقرار للرّضا عليه السلام بأنّه إمام من قبل اللّه عز و جل على العباد ، مفترض الطّاعة عليهم . و يقال : إنّ الرّضا عليه السلام لمّا دخل نيسابور ، نزل في محلّة يقال لها « الفرويني » ، فيها حمّام ، و هو الحمّام المعروف ( اليوم ) بحمّام الرّضا عليه السلام ، و كانت هناك عين قد قلّ ماؤها ، فأقام عليها من إخرج ماؤها حتّى توفّر و كثر ، و اتّخذ من خارج الدّرب حوضا يُنزل إليه بالمراقي (1) إلى هذه العين ، فدخله الرّضا عليه السلام و اغتسل فيه ثمّ خرج

.


1- .المراقي جمع المرقاة : الدّرجة.

ص: 46

منه و صلّى على ظهره ، و النّاس يتناوبون ذلك الحوض و يغتسلون فيه و يشربون منه إلتماسا للبركة ، و يصلّون على ظهره و يدعون اللّه عز و جل في حوائجهم فتُقضى لهم ، و هي العين المعروفة بعين كهلان ، يقصدها النّاس إلى يومنا هذا . (1) و في كشف الغمّة : أورد صاحب كتاب تاريخ نيسابور في كتابه : إنّ عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام لمّا دخل إلى نيسابور في السّفرة الّتي فاز فيها بفضيلة الشّهادة ، كان في مهدٍ على بغلةٍ شهباء عليها مركب من فضّة خالصة ، فعرض له في السّوق الإمامان الحافظان للأحاديث النّبويّة ، أبو زرعة و محمّد بن أسلم الطوسي رحمهماالله ، فقالا : أيّها السّيد ابن السّادة ، أيّها الإمام و ابن الأئمّة ، أيّها السّلالة الطّاهرة الرّضيّة ، أيّها الخلاصة الزّاكية النّبويّة ، بحقّ آبائك الأطهرين و أسلافك الأكرمين ، إلّا ما أريتنا وجهك المبارك الميمون ، و رويت لنا حديثا عن آبائك عن جدّك نذكرك به . فاستوقف البغلة و رفع المظلّة ، و أقرّ عيون المسلمين بطلعته المباركة الميمونة ، فكانت ذؤابتاه كذؤابتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، و النّاس على طبقاتهم قيام كلّهم ، و كانوا بين صارخ و باك و ممزّق ثوبه و متمرّغ في التّراب و مقبّل حزام بغلته و مطوّل عنقه إلى مظلّة المهد ، إلى أن انتصف النّهار وجرت الدّموع كالأنهار و سكنت الأصوات . و صاحت الأئمّة و القضاة : معاشر النّاس اسمعوا و عوا ، و لا تؤذوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله في عترته و انصتوا . فأملى عليه السلام هذا الحديث ، و عدّ من المحابر أربع و عشرون ألفا ، سوى الدّوي ، و المستملي أبو زرعة الرّازي ومحمّد بن أسلم الطوسي رحمهماالله . فقال عليه السلام : حَدَّثَني أَبي موسى بنُ جَعفَرٍ الكاظِمُ ، قالَ : حَدَّثَني أَبي جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الصّادقُ ، قالَ : حَدَّثَني أَبي مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الباقِرُ ، قالَ : حَدَّثَني أَبي عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ زينُ العابِدينَ ، قالَ : حَدَّثَني أَبي الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ شهيدُ أَرضَ كَربَلاء ، قالَ : حَدَّثَني أَبي أَميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أَبي طالِبٍ شَهيدُ أَرضَ الكوفَةِ ، قالَ : حَدَّثَني أَخي وابنُ عَمِّي مُحَمَّدٌ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، قالَ : حَدَّثَني جَبرَئيلُ عليه السلام ، قالَ :

.


1- .عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص135 ح4 ، التّوحيد : ص25 ح23 ، معاني الأخبار : ص370 ح1 ، ثواب الأعمال : ص6 ، الأمالي للصدوق : ص305 ح349 ، بحار الأنوار : ج49 ص123 ح4.

ص: 47

( 15 ) كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن أبي سمّاك في الإمام لا يغسله إلّا الإمام

سَمِعتُ رَبَّ العِزَّةِ سُبحانَهُ وَ تَعالى يَقولُ : كَلِمَةُ لا إِلهَ إلّا اللّهُ حِصني ، فَمَن قالَها دَخَلَ حِصني ، وَ مَن دَخَلَ حِصني أَمِنَ مِن عَذابي ، صَدَقَ اللّهُ سُبحانَهُ وَ صَدَقَ جَبرَئيلُ وَ صَدَقَ رَسولُهُ وَ صَدَقَ الأَئِمَّةُ عليهم السلام . قال الاُستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله : إنّ هذا الحديث بهذا السّند بلغ بعض أُمراء السّامانيّة ، فكتبه بالذّهب و أوصى أن يدفن معه ، فلمّا مات رؤي في المنام ، فقيل : ما فعل اللّه بك ؟ فقال : غفر اللّه لي بتلفّظي بلا إله إلّا اللّه و تصديقي محمّدا رسول اللّه مخلصا ، و إنّي كتبت هذا الحديث بالذّهب تعظيما و احتراما . (1)

15كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن أبي سمّاكفي الإمام لا يغسله إلّا الإمامحدّثنا معاوية بن حكيم ، عن إبراهيم بن أبي سمّاك ، (2) قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : إنّا قد روينا عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ الإمام لا يغسِله إلّا الإمام ، و قد بلغنا هذا الحديث ، فما تقول فيه ؟ فكتب إليَّ :إِنَّ الّذي بَلَغَكَ هوَ الحَقُّ . قال : فدخلت عليه بعد ذلك ، فقلت له : أبوك من غسّله و من وليه ؟ فقال : لَعَلَّ الَّذينَ حَضَروهُ أَفضَلَ مِن الَّذينَ تَخلَّفوا عَنهُ . قلت : و مَن هم ؟ قال : حَضَروهُ الَّذينَ حَضَروا يوسُفَ عليه السلام مَلائِكَةُ اللّهِ وَ رَحمَتُهُ . (3)

.


1- .كشف الغمّة : ج3 ص98.
2- .لم نجده بهذا العنوان في التّراجم .
3- .مختصر بصائر الدرجات : ص13 ، بحار الأنوار : ج27 ص288 ح1.

ص: 48

( 16 ) كتابه عليه السلام إلى أحمد بن عمر الحلّال من علامات الإمام
( 17 ) كتابه عليه السلام إلى الحسين بن قياما في الإشارة و النّص على إمامة الجواد عليه السلام

16كتابه عليه السلام إلى أحمد بن عمر الحلّالمن علامات الإمامأحمد بن محمّد بن أبي نصر (1) قال : كتب أبو الحسن الرّضا عليه السلام إلى أحمد بن عمر الحلّال (2) في جواب كتابته :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم عافانا اللّهُ و إِيَّاكَ بِأَحسَنِ عافيةٍ ، سَأَلتَ عَنِ الإِمامِ إِذا ماتَ بِأَيِّ شَيءٍ يُعرَفُ الإِمامُ الّذي بَعدَهُ . الإِمامُ لَهُ علاماتٌ ، مِنها : أَن يَكونَ أَكبَرَ وُلدِهِ ، وَ يَكونَ فيهِ الفَضلُ ، و إِذا قَدِمَ الرَّكبُ المَدينَةَ قالوا : إِلى مَن أَوصى فُلانٌ ؟ قالوا : إلى فُلانِ بنِ فُلانٍ ، و السِّلاحُ فينا بِمَنزِلَةِ التَّابوتِ في بَني إِسرائيلَ ، فَكونوا مَعَ السِّلاحِ أَينَما كانَ (3) . و في الكافي : محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصر ، قال : قلت لأبي الحسن الرّضا عليه السلام : إذا مات الإمام بِمَ يُعرف الّذي بعده ؟ فقال عليه السلام : لِلإِمامِ عَلاماتٌ ، منها : أن يَكونَ أَكبرَ وُلدِ أَبيهِ ، وَ يَكونَ فيهِ الفَضلُ وَ الوَصيَّةُ ، وَيقدَمَ الرّكبُ فَيَقولَ : إلى مَن أَوصى فُلانٌ؟ فَيُقالَ : إلى فُلانٍ ، و السِّلاحُ فينا بِمَنزِلَةِ التَّابوتِ في بَني إِسرائيلَ ، تَكونُ الإِمامَةُ مَعَ السِّلاحِ حَيثُما كانَ . (4)

17كتابه عليه السلام إلى الحسين بن قيامافي الإشارة و النّص على إمامة الجواد عليه السلامأحمد بن محمّد عن جعفر بن يحيى ، عن مالك بن أشْيَم ، عن الحسين بن بَشّار ،

.


1- .راجع : ص 27 الرقم 6 .
2- .راجع : ص 64 الرقم 34 .
3- .مختصر بصائر الدرجات : ص 8 .
4- .الكافي : ج 1 ص 284 ح 1 ، بحار الأنوار : ج 25 ص 166 ح 35 .

ص: 49

قال : كتب ابن قياما 1 إلى أبي الحسن عليه السلام كتابا يقول فيه : كيف تكون إماما و ليس لك ولد ؟ فأجابه أبو الحسن الرّضا عليه السلام _ شِبهَ المُغضَب _ :و ما عَلَّمَكَ أَنَّهُ لا يَكونُ لي وَلَدٌ ، وَ اللّهِ لا تَمضي الأَيَّامُ وَ اللَّيالي حَتَّى يَرزُقَنيَ اللّهُ وَلَدا ذَكَرا يَفرُقُ بَينَ الحَقِّ و الباطِلِ . (1) و في عيون أخبار الرّضا عليه السلام : حدّثنا حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام بقم في رجب سنة تسع و ثلاثين و ثلاثمئة ، قال : أخبرني عليّ بن إبراهيم بن هاشم فيما كتب إليَّ سنة سبع و ثلاثمئة ، قال : حدّثني محمّد بن عيسى بن عبيد عن عبد الرّحمن بن أبي نجران و صفوان بن يحيى (2) ، قالا : حدّثنا الحسين بن قياما ، و كان من رؤساء الواقفة ، فسألنا أن نستأذن له على الرّضا عليه السلام ففعلنا ، فلمّا صار بين يديه قال له : أنت إمام؟ قال : نَعَ_م .

.


1- .الكافي : ج1 ص320 ح4 ، الإرشاد : ج2 ص277 وفيه «أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد عن محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن جعفر بن يحيى ، عن مالك بن أشيم ، عن الحسين بن يسار . . .» ، إعلام الورى : ص346 ، كشف الغمّة : ج2 ص352 ، بحار الأنوار : ج50 ص22 ح10.
2- .راجع : ص 117 الرقم 62 .

ص: 50

( 18 ) كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جُندَب في الولاية ووجوب طاعتهم :

قال : إنّي أُشهد اللّه أنّك لست بإمام. قال : فنكت عليه السلام في الأرض طويلاً منكس الرّأس ، ثمّ رفع رأسه إليه فقال له : ما عِلمُكَ أَنِّي لَستُ بِإِمامٍ ؟ قال له : إنّا قد روينا عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ الإمام لا يكون عقيما ، و أنت قد بلغت السّنّ و ليس لك ولد . قال : فنكس رأسه أطول من المرّة الاُولى ، ثمّ رفع رأسه فقال : إِنِّي أُشهِدُ اللّهَ أَنَّهُ لا تَمضي الأَيَّامَ وَ اللَّياليَ حَتَّى يَرزُقَنيَ اللّهُ وَلَدا مِنِّي . قال عبد الرّحمن بن أبي نجران : فعددنا الشّهور من الوقت الّذي قال ، فوهب اللّه له أبا جعفر عليه السلام في أقلّ من سنة . قال : و كان الحسين بن قياما هذا واقفا في الطواف ، فنظر إليه أبو الحسن الأوّل عليه السلام فقال : ما لَكَ حَيَّرَكَ اللّهُ تَعالى ؟ فوقف عليه بعد الدّعوة . (1)

18كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جُندَبفي الولاية ووجوب طاعتهم عليهم السلامعبد اللّه بن جُندَب (2) قال : كتب إليَّ أبو الحسن الرّضا عليه السلام :ذَكَرتَ رَحِمَكَ اللّهُ هَؤُلاءِ القَومِ الَّذينَ وَصَفتَ أَنَّهُم كانوا بِالأَمسِ لَكُم إِخوانا ، وَ الّذي صاروا إِليهِ مِنَ الخِلافِ لَكُم وَ العَداوَةِ لَكُم وَ البَراءَةِ مِنكُم ، وَ الَّذينَ تَأَفَّكوا بِهِ مِن حَياةِ أَبي صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ وَ رَحمَتُهُ .

.


1- .عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص209 ح13.
2- .راجع : ص 32 الرقم 10 .

ص: 51

( 19 ) كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر في الولاية و

و ذكر في آخر الكتاب : إِنَّ هؤُلاءِ القَومَ سَنَحَ لَهُم شَيطانٌ اغتَرَّهُم بِالشُّبهَةِ وَ لَبَّسَ عَلَيهِم أَمرَ دينِهِم ، وَ ذلِكَ لَمَّا ظَهَرَت فِريَتُهُم و اتَّفَقَت كَلِمَتُهُم وَ كَذَّبوا [ نَقَموا] عَلى عالِمِهِم ، وَ أَرادوا الهُدى مِن تِلقَاءِ أَنفُسِهِم ، فَقَالوا : لِمَ وَ مَن وَ كَيفَ ؟ فَأَتاهُمُ الهُلكُ مِن مَأمَنِ احتياطِهِم ، وَ ذلِكَ بِما كَسَبَت أَيديهِم وَ ما رَبُّكَ بِظَلَامٍ لِلعَبيدِ . وَ لَم يَكُن ذلِكَ لَهُم وَ لا عَلَيهِم ، بَل كانَ الفَرضُ عَلَيهِم ، وَ الواجِبُ لَهُم مِن ذلِكَ الوُقوفَ عِندَ التَّحَيُّرِ ، وَ رَدَّ ما جَهِلوهُ مِن ذلِكَ إِلى عالِمِهِ وَ مُستَنبِطِهِ ؛ لِأَنَّ اللّهَ يَقولُ في مُحكَمِ كِتابِهِ : « وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ » (1) يَعني آلَ مُحَمَّدٍ ، وَ هُمُ الَّذينَ يَستَنبِطونَ مِنَ القُرآنِ ، وَ يَعرِفونَ الحَلالَ وَ الحَرامَ ، وَ هُمُ الحُجَّةُ للّهِ عَلى خَلقِهِ . (2)

19كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصرفي الولاية و...أحمد بن محمّد بن عيسى (3) عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر (4) ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام : إنّي رجل من أهل الكوفة ، و أنا و أهل بيتي ندين اللّه عز و جل بطاعتكم ، و قد أحببت لقاءك لأسألك عن ديني ، و أشياء جاء بها قوم عنك بحجج يحتجّون بها عليّ فيك ، و هم الّذين يزعمون أنّ أباك صلّى اللّه عليه حيّ في الدّنيا لم يمت يقينا ، و ممّا يحتجّون به أنّهم يقولون : إنّا سألناه عن أشياءٍ فأجاب بخلاف ما جاء عن آبائه و أقربائه كذا ، و قد نفى التّقيّة عن نفسه ، فعليه أن يخشى. ثمّ إنّ صفوان لقيك

.


1- .النساء : 83 .
2- .تفسير العيّاشي : ج1 ص260 ح206 ، بحار الأنوار : ج23 ص295 ح36 .
3- .راجع : ص 130 الرقم 79 .
4- .راجع : ص 27 الرقم 6 .

ص: 52

فحكى لك بعض أقاويلهم الّتي سألوك عنها ، فأقررت بذلك و لم تنفه عن نفسك ، ثمّ أجبته بخلاف ما أجبتهم ، و هو قول آبائك ، و قد أحببت لقاءك لتخبرني لأيّ شيء أجبت صفوان بما أجبته ، و أجبت أولئك بخلافه ، فإنّ في ذلك حياة لي و للناس ، و اللّه تبارك و تعالى يقول : « وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا » (1) . فكتب عليه السلام :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم قَد وَصَلَ كِتابُكَ إِليَّ ، وَ فَهِمتُ ما ذَكَرتَ فيهِ مِن حُبِّكَ لِقائي وَ ما تَرجو فيهِ ، وَ يَجِبُ عَلَيكَ أَن أُشافِهكَ في أَشياءٍ جاءَ بِها قَومٌ عَنِّي ، وَ زَعَمتَ أَنَّهُم يَحتَجُّونَ بِحُجَجٍ عَلَيكُم وَ يَزعُمونَ أَنِّي أَجِبتُهُم بِخِلافِ ما جاءَ عَن آبائي ، وَ لَعَمري ما يُسمِعُ الصُّمَّ وَ لا يَهدي العُمي إِلَا اللّهُ «فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْاءِسْلَ_مِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ كَذَ لِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ» (2) «إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَ_كِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (3) . وَ قَد قَالَ أَبو جَعفَرٍ : لَو استَطاعَ النَّاسُ لَكانوا شيعَتَنا أَجمَعينَ ، وَ لكِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى أَخَذَ ميثاقَ شيعَتِنا يَومَ أَخَذَ ميثاقَ النَّبيِّينَ . وَ قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : إِنَّما شيعَتُنا مَن تابَعَنا وَ لَم يُخالِفنا ، وَ مَن إِذا خِفنا خافَ ، وَ إِذا أَمِنَّا أَمِنَ ، فَأُولئِكَ شيعَتُنا . وَ قالَ اللّهُ تَبارَكَ وَ تَعالى : « فَسْ_ئلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَّ » (4) وَ قالَ اللّهُ : «وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَ_آئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدِّينِ وَ لِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» (5) فَقَد فُرِضَت عَلَيكُمُ المَسأَلَةُ وَ الرَّدُّ إِلَينا ، وَ لَم يُفرَض عَلَينا الجَوابُ ، قالَ اللّهُ عز و جل : «فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ

.


1- .المائدة : 32.
2- .الأنعام : 125 .
3- .القصص : 56.
4- .النحل : 43 ، الأنبياء : 7 .
5- .التوبة : 122 .

ص: 53

اللَّهِ» (1) يَعني مَن اتَّخَذَ دينَهُ رَأيَهُ بِغيرِ إِمامٍ مِن أَئِمَّةِ الهُدى . فكتبت إليه : إنّه يعرض في قلبي ممّا يروي هؤلاء في أبيك . فكتب : قَالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : ما أَحَدٌ أَكذَبَ عَلى اللّهِ وَ عَلى رَسولِهِ صلى الله عليه و آله مِمَّن كَذَّبَنا أَهلَ البَيتِ أَو كَذَبَ عَلَينا ؛ لأَنَّهُ إِذا كَذَّبَنا أَو كَذَبَ عَلَينا فَقَد كَذَّبَ اللّهَ وَ رَسولَهُ صلى الله عليه و آله ؛ لِأَنَّا إِنَّما نُحدِّثُ عَن اللّهِ تَبارَكَ وَ تَعالى وَ عَن رَسولِهِ . قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام ، وَ أَتاهُ رَجُلٌ فَقالَ : إِنَّكُم أَهلُ بَيتِ الرَّحمَةِ ، اختَصَّكُمُ اللّهُ بِها . فَقالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : نَحنُ كَذلِكَ _ وَ الحَمدُ للّهِ _ لَم نُدخِل أَحَدا في ضَلالَةٍ وَ لَم نُخرِجهُ عَن هُدَىً ، وَ إِنَّ الدُّنيا لا تَذهَبُ حَتَّى يَبعَثَ اللّهُ مِنَّا _ أَهلَ البَيتِ _ رَجُلاً يَعمَلُ بِكِتابِ اللّهِ عز و جل ، لا يَرى مُنكَرا إِلَا أَنكَرَهُ . فكتب إليه : جُعلت فداك ، إنّه لم يمنعني من التّعزية لك بأبيك إلّا أنّه كان يعرض في قلبي ممّا يروي هؤلاء ، فأمّا الآن فقد علمت أنّ أباك قد مضى صلوات اللّه عليه ، فآجرك اللّه في أعظم الرّزيّة ، و هنّاك أفضل العطيّة ، فإنّي أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا عبده و رسوله صلى الله عليه و آله . ثمّ وصفت له حتّى انتهيت إليه . فكتب : قَالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : لا يَستَكمِل عَبدٌ الإِيمانَ حَتَّى يَعرِفَ أَنَّهُ يَجري لِاخِرِهِم ما يَجري لِأَوَّلِهِم في الحُجَّةِ وَ الطَّاعَةِ وَ الحَرامِ وَ الحَلالِ سَواءٌ ، وَ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَ لأَميرِ المُؤمِنينَ فَضلُهُما . وَ قَد قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن ماتَ وَ لَيسَ عَلَيهِ إِمامٌ حَيٌّ يَعرِفُهُ ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً . وَ قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : إنَّ الحُجَّةَ لا تَقومُ للّهِ عز و جل عَلى خَلقِهِ إِلَا بِإِمامٍ حَيٍّ يَعرِفونَهُ . وَ قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : مَن سَرَّهُ أَلّا يَكونَ بَينَهُ وَبَينَ اللّهِ حِجابٌ حَتَّى يَنظُرَ إلى اللّهِ وَ ينظُرَ اللّهُ إِلَيهِ ، فَليَتَوَلَّ آلَ مُحَمَّدٍ وَ يَبرأَ مِن عَدُوِّهِم ، وَ يَأتَمَّ بِالإِمامِ مِنهُم ، فَإِنَّه إِذا كانَ كَذلِكَ نَظَرَ اللّهُ

.


1- .القصص : 50 .

ص: 54

إلَيهِ وَ نَظَرَ إِلى اللّهِ . وَ لَولا ما قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام حينَ يَقولُ : لا تَعجَلوا عَلى شيعَتِنا ، إِن تَزِلَّ قَدَمٌ تَثبُتُ أُخرى ، وَ قالَ : مَن لَكَ بِأَخيكَ كُلِّهِ ، لَكانَ مِنِّي مِنَ القَولِ في ابنِ أَبي حَمزَةَ و ابنِ السَّرَّاجِ وَ أَصحابِ ابنِ أَبي حَمزَةَ . أمَّا ابنُ السَّرَّاجِ (1) فَإِنَّما دَعاهُ إِلى مُخالَفَتِنا وَ الخُروجِ عَن أَمرِنا ، أَنَّهُ عَدا عَلى مالٍ لِأَبي الحَسَنِ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ _ عَظيمٍ فَاقتَطَعَهُ في حَياةِ أَبي الحَسَنِ ، وَ كابَرَني عَلَيهِ وَ أَبى أَن يَدفَعَهُ ، وَ النَّاسُ كُلُّهُم مُسلِمونَ مُجتَمِعونَ عَلى تَسليمِهِم الأَشياءَ كُلَّها إِليَّ ، فَلَمَّا حَدَثَ ما حَدَثَ مِن هَلاكِ أَبي الحَسَنِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ، اغتَنَمَ فِراقَ عَليِّ بنِ أَبي حَمزَةَ وَ أَصحابِهِ إِيَّايَ ، وَ تَعلَّلَ ، وَ لَعَمري ما بِهِ مِن عِلَّةٍ إِلَا اقتِطاعَهُ المالَ وَ ذَهابَهُ بِهِ . وَ أَمَّا ابنُ أَبي حَمزَةَ فَإِنَّهُ رَجُلٌ تَأوَّلَ تَأويلاً لَم يُحسِنهُ ، وَ لَم يُؤتَ عِلمَهُ ، فَأَلقاهُ إِلى النَّاسِ ، فَلَجَّ فيهِ وَكَرِهَ إِكذابَ نَفسِهِ في إِبطالِ قَولِهِ بِأَحاديثَ تَأَوَّلَها وَ لَم يُحسِن تَأويلَها وَ لَم يُؤتَ عِلمَها ، وَرَأَى أَنَّه إِذا لَم يُصَدِّق آبائي بِذلِكَ ، لَم يَدرِ لَعَلَّ ما خَبَّرَ عَنهُ مِثلُ السُّفيانيِّ وَ غَيرُهُ أَنَّهُ كائِنٌ لا يَكونُ مِنهُ شَيءٌ ، وَ قالَ لَهُم : لَيسَ يَسقُطُ قَولُ آبائِهِ بِشَيءٍ ، وَ لَعَمري ما يَسقُطُ قَولَ آبائي شيءٌ ، وَ لكِن قَصَرَ عِلمُهُ عَن غاياتِ ذلِكَ وَ حَقائِقِهِ ، فَصارَ فِتنةٌ لَهُ وَ شُبِّهَ عَلَيهِ وَ فَرَّ مِن أَمرٍ فَوَقَعَ فيهِ . وَ قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : مَن زَعَمَ أَنَّه قَد فَرَغَ مِنَ الأَمرِ فَقَد كَذَبَ ؛ لِأَنَّ للّهِ عز و جل المَشيئَةَ في خَلقِهِ ، يُحدِثُ ما يَشاءُ وَ يَفعَلُ ما يُريدُ . و قال : « ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (2) فآخِرُها مِن أَوَّلِها و أَوَّلُها مِن آخِرِها ، فَإِذا أُخبرَ عَنها بِشَيءٍ مِنها بِعَينِهِ أَنَّه كائِنٌ فَكانَ في غَيرِهِ مِنهُ ، فَقَد وَقَعَ الخَبَرُ عَلى ما أُخبِرَ ، أَلَيسَ في أَيديهِم أَنَّ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام قالَ : إِذا قيلَ في المَرءِ شَيءٌ فَلَم يَكُن فيهِ ثُمَّ كانَ في وَلَدِهِ مِن بَعدِهِ ، فَقَد كانَ فيهِ . (3)

.


1- .راجع : ص 139 الرقم 96 .
2- .آل عمران : 34.
3- .قرب الإسناد : ص348 ح1260 ، بحار الأنوار : ج49 ص264 ح8 وراجع : الاُصول الستّة عشر : ص59 وبحار الأنوار : ج25 ص353 ح2 وج26 ص223 ح3 وج39 ص91 ح2 وج27 ص51 ح2 .

ص: 55

( 20 ) جوابه عليه السلام لمكتوبة الحسن بن محبوب
( 21 ) كتابه عليه السلام لرجل في حبّ آل محمّد صلى الله عليه و آله

20جوابه عليه السلام لمكتوبة الحسن بن محبوبالحسن بن محبوب (1) ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام وسألته عن قول اللّه : « وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَ لِىَ مِمَّا تَرَكَ الْوَ لِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَ_نُكُمْ » (2) . قال :إنّما عَنى بِذلِكَ الأَئِمَّةَ ، بِهِم عَقَدَ اللّهُ أَيمانَكُم . (3)

21كتابه عليه السلام لرجل في حبّ آل محمّد صلى الله عليه و آلهفي الدّعوات : وإليه _ أي الحبّ في اللّه والبغض في اللّه _ أشار الرّضا عليه السلام بمكتوبه :كُن مُحِبَّا لِالِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَإِن كُنتَ فاسِقا ، وَمُحِبَّا لِمُحِبِّيهِم وَإِن كانوا فاسِقينَ . (4)

وزاد في بحار الأنوار : إنّ هذا المكتوب هو الآن عند بعض أهل « كرمند » ، قرية من نواحينا إلى أصفهان ما هي ورفعته (5) أنّ رجلاً من أهلها كان جمّالاً لمولانا أبي الحسن عليه السلام عند توجّهه إلى خراسان ، فلمّا أراد الانصراف قال له : يابن رسول اللّه ، شرِّفني بشيء من خطّك أتبرَّك به ، وكان الرّجل من العامّة ، فأعطاه ذلك المكتوب . (6)

.


1- .راجع : ص 159 الرقم 130 .
2- .النساء : 33 .
3- .تفسير العياشي : ج1 ص240 ح120 ، بحار الأنوار : ج107 ص364 ح4 ، الكافي : ج1 ص216 ح1 وفيه : « محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، قال : سألت أبا الحسن الرّضا عليه السلام . . . » ، وسائل الشيعة : ج26 ص247 ح32931 .
4- .الدعوات : ص 28 ح 52 .
5- .في مستدرك الوسائل : ج 12 ص 233 « ووقعتُه » و « كومند » بدل «كرمند » .
6- .بحار الأنوار : ج 69 ص 253 .

ص: 56

. .

ص: 57

الفصل الثالث : في بعض معجزاته و غرائب شأنه عليه السلام

اشاره

الفصل الثّالث: في بعض معجزاته وغرائب شأنه عليه السلام

.

ص: 58

. .

ص: 59

( 22 ) كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن شعيب

22كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن شعيبنصر بن الصّباح ، قال : حدّثني إسحاق بن محمّد ، عن محمّد بن عبد اللّه بن مهران ، عن أحمد بن محمّد بن مطر و زكريّا اللّؤلؤيّ ، قالا : قال إبراهيم بن شعيب (1) : كنت جالسا في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله و إلى جانبي رجل من أهل المدينة ، فحادثته مليّا ، و سألني من أين أنا ؟ فأخبرته : أنّي رجل من أهل العراق . قلت له : ممّن أنت ؟ قال : مولىً لأبي الحسن الرّضا عليه السلام . فقلت له : لي إليك حاجة . قال : و ما هي ؟ قلت : توصل لي إليه رقعة ؟ قال : نعم إذا شئت . فخرجت و أخذت قرطاسا و كتبت فيه : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إنّ من كان قبلك من آبائك يخبرنا بأشياء فيها دلالات و براهين ، و قد أحببت أن تخبرني باسمي و اسم أبي و ولدي . قال : ثمّ ختمت الكتاب و دفعته إليه ، فلمّا كان من الغد أتاني بكتاب مختوم ففضضته و قرأته ، فإذا أسفل من الكتاب بخطّ ردي (2) :

.


1- .واقفي ، وعدّ من أصحاب الكاظم والرضا عليهماالسلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 332 الرقم 4946 و ص 353 الرقم 5222 ، رجال العلّامة : ص 197 الرقم 2 ) .
2- .رَدْي : ردْيا ورديانا الشيءَ : كسره . أي : خطّ منكسر ( راجع : المنجد في اللغة : ص 256 ) .

ص: 60

( 23 ) كتابه عليه السلام إلى أبي جعفر عليه السلام

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم يا إِبراهيمَ ، إِنَّ مِن آبائِكَ شُعَيبا وَ صالِحا ، وَ إِنَّ مِن أَبنائِكَ مُحَمَّدا وَ عَليَّا وَ فُلانَةُ و فُلانَةُ . غير أنّه زاد اسما لا نعرفها . قال : فقال له بعض أهل المجلس : اعلم أنّه كما صدقك في غيرها فقد صدقك فيها فابحث عنها . (1)

23كتابه عليه السلام إلى أبي جعفر عليه السلامفي رجال الكشّي : وجدت بخطّ جبريل بن أحمد : حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن مهران ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر (2) و محمّد بن سنان (3) ، جميعا قالا : كنّا بمكّة و أبو الحسن الرّضا عليه السلام بها ، فقلنا له : جعلنا اللّه فداك ، نحن خارجون و أنت مقيم ، فإن رأيت أن تكتب لنا إلى أبي جعفر عليه السلام كتابا نلمّ به . فكتب إليه . فقدمنا فقلنا للموفّق : أخرجه إلينا . قال : فأخرجه إلينا و هو في صدر موفّق ، فأقبل يقرؤه و يطويه و ينظر فيه و يتبسّم ، حتّى أتى على آخره ، و يطويه من أعلاه و ينشره من أسفله . قال محمّد بن سنان : فلمّا فرغ من قراءته حرّك رجله و قال : ناج ناج . فقال أحمد : ثمّ قال ابن سنان عند ذلك : فطرسية فطرسية. (4)

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص470 الرقم 896 ، بحار الأنوار : ج49 ص65 .
2- .راجع : ص 27 الرقم 6 .
3- .راجع : ص 101 الرقم 42 .
4- .رجال الكشّي : ج2 ص583 الرقم 1093 .

ص: 61

( 24 ) كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ
( 25 ) كتابه عليه السلام إلى أبي محمّد المصريّ

24كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّسعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى (1) ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ (2) ، قال : كنت شاكّا في أبي الحسن الرّضا عليه السلام ، فكتبت إليه كتابا أسأله فيه الإذن عليه ، و قد أضمرت في نفسي أن أسأله إذا دخلت عليه عن ثلاث آيات قد عقدتُ قلبي عليها . قال : فأتاني جواب ما كتبت به إليه :عافانا اللّهُ وَ إِيَّاكَ ، أَمَّا ما طَلَبتَ مِنَ الإِذنِ عَلَيَّ فَإِنَّ الدُّخولَ إِليَّ صَعبٌ ، وَهَؤُلاءِ قَد ضَيَّقوا عَلَيَّ في ذلِكَ ، فَلَستَ تَقدِرُ عَلَيهِ الآنَ ، وَ سَيَكونُ إِن شاءَ اللّهُ . وكتب عليه السلام بجواب ما أردت أن أسأله عنه عن الآيات الثّلاث في الكتاب ، ولا واللّه ما ذكرت له منهنّ شيئا ، و لقد بقيت متعجّبا لما ذكرها في الكتاب ، و لم أدر أنّه جوابي إلّا بعد ذلك فوقفت على معنى ما كتب به عليه السلام . (3)

25كتابه عليه السلام إلى أبي محمّد المصريّمحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ ، عن محمّد بن الوليد بن يزيد الكرمانيّ (4) ، عن أبي محمّد المصريّ (5) ، قال : قَدِمَ أبو الحسن الرّضا عليه السلام فكتبت إليه أسأله الإذن في

.


1- .راجع : ص 130 الرقم 79 .
2- .راجع : ص 26 الرقم 6 .
3- .عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص212 ح18 ، بحار الأنوار : ج49 ص36 ح17 .
4- .راجع : ص 107 الرقم 49 .
5- .الظاهر هو «عبداللّه بن محمّد البلويّ» ؛ لأنّ العلّامة ذكر هذا العنوان ثمّ جمع بينه وبين ما ذكره ابن الغضائريّ بعنوان «عبداللّه بن محمّد بن عمر بن محفوظ البلويّ ، أبو محمّد المصريّ ...» ، فعلى هذا فالرجل : من بلي وهي قبيلة من أهل مصر ، وقال غيره : بلي قبيلة من قضاعة ، النسبة إليها بلويّ . وهو كان واعظا فقيها ، ولم ينصّ الشيخ على تعديله ولا على جرحه ، ولكنّ النجاشيّ ضعّفه قائلاً : والبلويّ رجل ضعيف مطعون عليه . وابن الغضائريّ قال فيه : كذّاب وضّاع للحديث ، لا يلتفت إلى حديثه ولا يعبأ به ( راجع : رجال العلّامة : ص236 الرقم 14 ، الفهرست للطوسي :ص103 الرقم 433 ، رجال النجاشي : ص324 الرقم884 ترجمة محمّد بن الحسن بن عبداللّه الجعفري ، رجال ابن الغضائري : ص80 الرقم 97 .

ص: 62

( 26 ) كتابه عليه السلام إلى المأمون

الخروج إلى مصر أتّجر إليها . فكتب إليَّ :أَقِم ما شاءَ اللّهُ . قال : فأقمت سنتين ثمّ قَدِمَ الثّالثة فكتبت إليه أستأذنه . فكتب إليّ : اخرُج مُبارَكا لَكَ صَنَعَ اللّهُ لَكَ ، فَإِنَّ الأَمرَ يَتَغَيَّرُ . قال : فخرجت فأصبت بها خيرا ، و وقع الهرج ببغداد فسلمت من تلك الفتنة . (1)

26كتابه عليه السلام إلى المأمونعليّ بن إبراهيم عن ياسر ، قال : لمّا خرج المأمون من خراسان يريد بغداد و خرج الفضل ذو الرّياستين و خرجنا مع أبي الحسن عليه السلام ، ورد على الفضل بن سهل ذي الرّياستين (2) كتاب من أخيه الحسن بن سهل و نحن في بعض المنازل : إنّي نظرت في تحويل السَّنَة في حساب النّجوم ، فوجدت فيه أنّك تذوق في شهر كذا و كذا يوم الأربعاء حرّ الحديد و حرّ النّار ، و أرى أن تدخل أنت و أمير المؤمنين و الرّضا الحمّام في هذا اليوم و تحتجم فيه و تصبّ على يديك الدّم ليزول عنك نحسه . فكتب ذو الرّياستين إلى المأمون بذلك و سأله أن يسأل أبا الحسن ذلك .

.


1- .عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص222 ح41 ، دلائل الإمامة : ص187 ، بحار الأنوار : ج49 ص43 ح33.
2- .راجع : ص 107 الرقم 49 .

ص: 63

فكتب المأمون إلى أبي الحسن يسأله ذلك . فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام :لَستُ بِداخِلٍ الحَمَّامَ غَدا ، وَلا أَرى لَكَ وَلا لِلفَضلِ أَن تَدخُلا الحَمَّامَ غَدا. فأعاد عليه الرّقعة مرّتين . فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام : يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، لَستُ بِداخِلٍ غَدا الحَمَّامَ ؛ فإِنِّي رَأَيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله في هذِهِ اللَّيلَةِ في النَّومِ فَقالَ لي : يا عَلِيُّ لا تَدخُلِ الحَمَّامَ غَدا . وَ لا أَرى لَكَ وَ لا لِلفَضلِ أَن تَدخُلا الحَمَّامَ غَدا . فكتب إليه المأمون : صدقت يا سيّدي و صدق رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لست بداخلٍ الحمّام غدا و الفضل أعلم . قال : فقال ياسرٌ : فلمّا أمسينا و غابت الشّمس قال لنا الرّضا عليه السلام : قولوا نَعوذُ بِاللّهِ مِن شَرِّ ما يَنزِلُ في هذِهِ اللَّيلَةِ . فلم نزل نقول ذلك ، فلمّا صلّى الرّضا عليه السلام الصّبح قال لي : اصعَد عَلى السَّطحِ فاستَمِع هَل تَسمَعُ شَيئا ؟ فلمّا صعدت سمعت الضجّة و التَحَمَت و كثرت ، فإذا نحن بالمأمون قد دخل من الباب الّذي كان إلى داره من دار أبي الحسن و هو يقول : يا سيّدي يا أبا الحسن آجرك اللّه في الفضل ، فإنّه قد أبى و كان دخل الحمّام ، فدخل عليه قومٌ بالسّيوف فقتلوه . و أُخِذَ ممّن دخل عليه ثلاث نفر كان أحدهم ابن خاله الفضل بن ذي القلمين . قال : فاجتمع الجند و القوّاد و من كان من رجال الفضل على باب المأمون فقالوا : هذا اغتاله و قتله _ يعنون المأمون _ و لنطلبنّ بدمه . و جاؤوا بالنّيران ليحرقوا الباب . فقال المأمون لأبي الحسن عليه السلام : يا سيّدي ! ترى أن تخرج إليهم و تفرّقهم ؟ قال : فقال ياسر : فركب أبو الحسن و قال لي : اركَب . فركبت ، فلمّا خرجنا من

.

ص: 64

( 27 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الحسين بن يحيى
( 28 ) كتابه عليه السلام إلى ابن الجهم

باب الدّار نظر إلى النّاس و قد تزاحموا ، فقال لهم بيده تفرّقوا تفرّقوا . قال ياسر : فأقبل النّاس واللّه يقع بعضهم على بعض ، و ما أشار إلى أحد إلّا ركض و مرّ . (1)

27كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الحسين بن يحيىعليّ بن الحسين بن يحيى (2) : كان لنا أخ يرى رأي الإرجاء يقال له : عبد اللّه ، و كان يطعن علينا . فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أشكو إليه و أسأله الدّعاء . فكتب إليَّ :سَتَرى حالَهُ إِلى ما تُحِبُّ ، وَ أَنَّهُ لَن يَموتَ إِلَا عَلى دينِ اللّهِ ، وَ سَيولَدُ لَهُ مِن أُمِّ وَلَدٍ لَهُ فُلانَةَ غُلامٌ . قال عليّ بن الحسين بن يحيى : فما مكثنا إلّا أقلّ من سنة حتّى رجع إلى الحقّ ، فهو اليوم خير أهل بيتي ، و ولد له _ بعد كتاب أبي الحسن _ من أُمّ ولده تلك غلام . (3)

28كتابه عليه السلام إلى ابن الجهممحمّد بن عبد الحميد عن ابن فضّال ، عن ابن الجهم (4) ، قال : و كتب ( الرّضا عليه السلام ) إليَّ

.


1- .الكافي : ج1 ص490 ح8 ، و راجع : عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج1 ص171 ، الإرشاد : ج2 ص266 ، روضة الواعظين : ص228 ، إعلام الورى : ص337 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص347 ، فرج المهموم : ص133 ، بحار الأنوار : ج49 ص168.
2- .عليّ بن الحسين بن يحيى ، كان من أصحاب عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص361 الرقم5342 ) .
3- .الخرائج والجرائح : ج1 ص358 ح12 ، بحار الأنوار : ج49 ص51 ح53 .
4- .الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين ، أبو محمّد الشّيباني ، ثقة ، روى عن أبي الحسن موسى والرّضا عليهماالسلام . له كتاب تختلف الرّوايات فيه ، ذكره الشيخ والبرقي من أصحاب الكاظم عليه السلام ( راجع : رجال النجاشي : ص50 الرقم109 ، الفهرست للطوسي: ص97 الرقم163،رجال الطوسي:ص334 الرقم4979،رجال البرقي:ص118 الرقم1298).

ص: 65

( 29 ) كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر

بعد ما انصرفت من مكّة في صفر :يَحدُثُ إِلى أَربَعةِ أَشهُرٍ قِبَلَكُم حَدَثٌ . فكان من أمر محمّد بن إبراهيم ، و أمر أهل بغداد ، و قتل أصحاب زهير و هزيمتهم. (1)

29كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصرجعفر بن محمّد بن مالك عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر (2) _ و هو من آل مهران _ و كانوا يقولون بالوقف و كان على رأيهم ، فكاتب أبا الحسن الرّضا عليه السلام و تعنّت في المسائل فقال : كتبت إليه كتابا و أضمرت في نفسي أنّي متى دخلت عليه أسأله عن ثلاث مسائل من القرآن ، و هي قوله تعالى : «أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِى الْعُمْىَ وَ مَن كَانَ فِى ضَ_لَ_لٍ مُّبِينٍ» (3) ، و قوله : «فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْاءِسْلَ_مِ» (4) ، وقوله : « إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَ_كِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ » (5) . قال أحمد : فأجابني عن كتابي ، و كتب في آخره الآيات الّتي أضمرتها في نفسي أن أسأله عنها و لم أذكرها في كتابي إليه ، فلمّا وصل الجواب أُنسيت ما كنت

.


1- .قرب الإسناد : ص393 ح1375 ، بحار الأنوار : ج49 ص45 ح40 .
2- .راجع : ص 27 الرقم 6 .
3- .الزخرف : 40 .
4- .الأنعام : 125.
5- .القصص : 56 .

ص: 66

( 30 ) كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ الوشّاء

أضمرته ، فقلت : أيّ شيء هذا من جوابي ؟ ثمّ ذكرت أنّه ما أضمرته . (1)

30كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ الوشّاءالحسن بن عليّ الوشّاء (2) و كان يقول بالوقف فرجع ، و كان سببه أنّه قال : خرجت إلى خراسان في تجارةٍ لي ، فلمّا وردته بعث إليّ أبو الحسن الرّضا عليه السلام يطلب منّي حِبرَة _ وكانت بين ثيابي قد خفي عليّ أمرها _ فقلت : ما معي منها شيء . فردّ الرّسول و ذكر علامتها و أنّها في سفط (3) كذا . فطلبتها فكان كما قال ، فبعثت بها إليه ، ثمّ كتبت مسائل أسأله عنها ، فلمّا وردت بابه خرج إليّ جواب تلك المسائل الّتي أردت أن أسأله عنها من غير أن أظهرتها. فرجع عن القول بالوقف إلى القطع على إمامته . (4) و في عيون أخبار الرّضا عليه السلام : حدّثنا أبي رضى الله عنه ، قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا أبو الخير صالح بن أبي حمّاد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، قال : بعث إليَّ أبو الحسن الرّضا عليه السلام غلامه ومعه رقعة فيها :ابعَث إِلَيَّ بِثَوبٍ مِن ثيابِ مَوضِعِ كَذا وَ كَذا مِن ضَربِ كَذا . فكتبت إليه ، و قلت للرسول : ليس عندي ثوب بهذه الصّفة ، و ما أعرف هذا الضّرب من الثّياب . فأعاد الرّسول إليَّ و قال : فَاطلبهُ . فأعدت إليه الرّسول و قلت : ليس عندي من هذا الضّرب شيء فأعاد إلى الرّسول : اطلُبهُ فَإِنَّهُ عِندَكَ مِنهُ . قال الحسن بن عليّ الوشّاء : و قد كان أبضع منّي رجلٌ ثوبا منها و أمرني ببيعه و كنت قد نسيته ، فطلبت كلّ شيء كان معي فوجدته في سفط تحت الثّياب كلّها ،

.


1- .الغيبة للطوسي : ص71 ح76 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج4 ص336 ، بحار الأنوار : ج49 ص48 ح46 .
2- .راجع : ص 142 الرقم 100 .
3- .السفط : الّذي يعبّى فيه الطيب وما أشبهه من الأدوات . ( لسان العرب : ج 7 ص 315 ) .
4- .الغيبة للطوسي : ص72 ح77 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج4 ص336 .

ص: 67

( 31 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن سنان

فحملته إليه . (1) و في روايةٍ أُخرى : سعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا أبو الخير صالح بن أبي حمّاد عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، قال : كنت كتبت معي مسائل كثيرة قبل أن أقطع على أبي الحسن عليه السلام ، و جمعتها في كتاب ممّا روي عن آبائه عليهم السلام و غير ذلك ، و أحببت أن أثبت في أمره و أختبره ، فحملت الكتاب في كُمّي و صرت إلى منزله ، و أردت أن آخذ منه خلوة فأناوله الكتاب ، فجلست ناحية و أنا متفكّر في طلب الإذن عليه و بالباب جماعة جلوس يتحدّثون ، فبينا أنا كذلك في الفكرة في الاحتيال للدخول عليه إذ أنا بغلامٍ قد خرج من الدّار في يده كتاب ، فنادى : أيّكم الحسن بن علي الوشّاء ابن بنت إلياس البغداديّ ؟ فقمت إليه ، فقلت : أنا الحسن بن عليّ فما حاجتك ؟ فقال : هذا الكتاب أُمرت بدفعه إليك ، فهاك خذه . فأخذته و تنحّيت ناحية فقرأته ، فإذا واللّه فيه جواب مسألة مسألة ، فعند ذلك قطعت عليه و تركت الوقف . (2)

31كتابه عليه السلام إلى محمّد بن سنانحمدويه ، قال : حدّثنا أبو سعيد الآدمي ، عن محمّد بن مرزبان ، عن محمّد بن سنان (3) ، قال : شكوت إلى الرّضا عليه السلام وجع العين ، فأخذ قرطاسا فكتب إلى أبي جعفر عليه السلام و هو أقلّ من نيتي ، فدفع الكتاب إلى الخادم و أمرني أن أذهب معه ، و قال : اكتُم . فأتيناه و خادم قد حمله ، قال : ففتح الخادم الكتاب بين يدي أبي جعفر عليه السلام ،

.


1- .عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص229 ح1 ، بحار الأنوار : ج49 ص44 ح38 .
2- .عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص228 ح1 ، بحار الأنوار : ج49 ص44 ح37 .
3- .راجع : ص 101 الرقم 42 .

ص: 68

( 32 ) جوابه عليه السلام إلى البزنطيّ

فجعل أبو جعفر عليه السلام ينظر في الكتاب و يرفع رأسه إلى السّماء ، و يقول : ناجٍ . ففعل ذلك مرارا ، فذهب كلّ وجع في عيني ، و أبصرت بصرا لا يبصره أحد . قال : فقلت لأبي جعفر عليه السلام : جعلك اللّه شيخا على هذه الاُمّة ، كما جعل عيسى بن مريم شيخا على بني إسرائيل . قال : ثمّ قلت له : يا شبيه صاحب فُطرُس ، قال : و انصرفت و قد أمرني الرّضا عليه السلام أن أكتم ، فما زلت صحيح البصر حتّى أذعت ما كان من أبي جعفر عليه السلام في أمر عيني ، فعاودني الوجع . قال : قلت لمحمّد بن سنان : ما عنيت بقولك يا شبيه صاحب فُطرُس ؟ فقال : إنّ اللّه تعالى غضب على ملك من الملائكة يُدعى فُطرُس ، فدُقّ جناحه ورمي في جزيرة من جزائر البحر ، فلمّا ولد الحسين عليه السلام بعث اللّه عز و جل جبريل إلى محمّد صلى الله عليه و آله ليهنّئه بولادة الحسين عليه السلام ، و كان جبريل صديقا لفُطرُس ، فمرّ به و هو في الجزيرة مطروح ، فخبّره بولادة الحسين عليه السلام و ما أمر اللّه به ، فقال له : هل لك أن أحملك على جناح من أجنحتي و أمضي بك إلى محمّد صلى الله عليه و آله ليشفع لك ؟ قال : فقال فُطرُس : نعم . فحمله على جناح من أجنحته حتّى أتى به محمّدا صلى الله عليه و آله ، فبلغه تهنية ربّه تعالى ثمّ حدّثه بقصّة فُطرُس ، فقال محمّد صلى الله عليه و آله لفُطرُس : امسح جناحك على مهد الحسين و تمسّح به ، ففعل ذلك فُطرُس ، فجبّر اللّه جناحه و ردّه إلى منزله مع الملائكة . (1)

32جوابه عليه السلام إلى البزنطيّالبزنطيّ (2) ، قال : إنّي كنت من الواقفة على موسى بن جعفر عليه السلام و أشكّ في الرّضا عليه السلام ، فكتبت أسأله عن مسائل و نسيت ما كان أهمّ المسائل إليّ ، فجاء الجواب من جميعها ، ثمّ قال :

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص849 الرقم 1092 ، بحار الأنوار : ج 50 ص66 ح43 .
2- .راجع : ص 27 الرقم 6 .

ص: 69

( 33 ) كتابه عليه السلام إلى أبي جعفر عليه السلام

وَ قَد نَسَيتَ ما كانَ أَهَمَّ المَسائِلِ عِندَكَ . فاستبصرت . . . (1)

33كتابه عليه السلام إلى أبي جعفر عليه السلامأبو المفضل محمّد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريّ ، قال : حدّثني عليّ بن يونس الخزّاز ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، قال : كنت أنا و محمّد بن سنان و صفوان و عبد اللّه بن مغيرة عند أبي الحسن الرّضا عليه السلام بمنىً ، فقال لي :أَلَكَ حاجَةٌ ؟ فقلت : نعم . و كتب معنا كتابا إلى أبي جعفرٍ عليه السلام ، فلمّا صرنا إلى رذالمدينة أخرجه إلينا مسافر على كتفه و له يومئذ ثمانيةٍ عشر شهرا ، فدفعنا إليه الكتاب ففضّ الخاتم و قرأه ، ثمّ رفع رأسه إلى نخلة كان تحتها فقال : باح باح . (2) وفي الخرائج و الجرائح : محمّد بن ميمون ، أنّه كان مع الرّضا عليه السلام بمكّة قبل خروجه إلى خراسان ، قال : قلت له : إنّي أُريد أن أتقدّم إلى المدينة ، فاكتب معي كتابا إلى أبي جعفر عليه السلام . فتبسّم وكتب . فصرت إلى المدينة ، وقد كان ذهب بصري ، فأخرج الخادم أبا جعفر عليه السلام إلينا يحمله من المهد ، فناولته الكتاب ، فقال لموفّق الخادم : فِضَّهُ وَ انشُرهُ . ففضّه و نشره بين يديه ، فنظر فيه ، ثمّ قال لي : يا مُحَمَّدُ ، ما حالُ بَصَرِك ؟ قلت : يا بن رسول اللّه ، اعتلّت عيناي ، فذهب بصري كما ترى .

.


1- .الخرائج و الجرائح : ج2 ص662 ح5 ، بحار الأنوار : ج49 ص48 ح48 .
2- .دلائل الإمامة : ص402 ح361.

ص: 70

( 34 ) رواية أحمد بن عمر الحلّال في أن الأئمّة يخبرون شيعتهم بإضمارهم وحديث أنفسهم

فقال : أُدنُ مِنِّي . فدنوت منه ، فمدّ يده فمسح بها على عيني ، فعاد إليّ بصري كأصحّ ما كان ، فقبّلت يده و رجله ، و انصرفت من عنده وأنا بصير . (1)

34رواية أحمد بن عمر الحلّالفي أن الأئمّة يخبرون شيعتهم بإضمارهم وحديث أنفسهمموسى بن عمر عن أحمد بن عمر الحلّال (2) ، قال : سمعت الأخرس بمكّة يذكر الرّضا عليه السلام فنال منه ، قال : فدخلت مكّة فاشتريت سكّينا ، فرأيته فقلت : واللّه لأقتلنّه إذا خرج من المسجد . فأقمت على ذلك فما شعرت إلّا برقعة أبي الحسن عليه السلام :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم بِحَقِّي عَلَيكَ لَمَّا كَفَفتَ عَن الأَخرَسِ ، فَإِنَّ اللّهَ ثِقَتي وَ هوَ حَسبي . (3) و في الخرائج و الجرائح : أحمد بن عمر الحلّال ، قال : سمعت الأخرس يذكر موسى بن جعفر عليه السلام بسوء ، فاشتريت سكّينا و قلت في نفسي : و اللّه لأقتلنّه إذا خرج من المسجد ، فأقمت على ذلك و جلست ، فما شعرت إلّا برقعة أبي الحسن عليه السلام قد طلعت عليَّ فيها : بِحَقِّي عَلَيكَ لَمَّا كَفَفتَ عَن الأَخرَسِ ، فَإِنَّ اللّهَ ثِقَتي وَ هوَ حَسبي .

.


1- .الخرائج والجرائح : ج1 ص372 ح1 ، كشف الغمّة : ج2 ص365 ، بحار الأنوار : ج50 ص46 ح20.
2- .أحمد بن عمر الحلّال ، كان يبيع الحلّ _ يعني الشّيرج _ روى عن الرّضا عليه السلام ، وله مسائل وكتاب ( راجع : رجال النجاشي : ج 1 ص 249 الرقم 249 ، الفهرست للطوسي : ص 82 الرقم 103 ، رجال الطوسي : ص 412 الرقم 5970 ) . وعدّه البرقي في رجاله ( ص 52 ) من أصحاب أبي الحسن موسى عليه السلام . وروى عن عليّ بن سويد وياسر ، وروى عنه : أحمد بن محمّد بن عيسى ، والحسن بن عليّ الوشّاء ، وعليّ بن أسباط ، وموسى بن القاسم ، والوشّاء ( راجع : معجم رجال الحديث : ج2 ص 179 الرقم 727 ) .
3- .بصائر الدرجات : ص 252 ح 6 ، بحار الأنوار : ج 48 ص 53 وج49 ص47 وص274 ح22 .

ص: 71

( 35 ) كتابه عليه السلام إلى حكيمة ابنة أبي موسى عليه السلام
( 36 ) كتابه عليه السلام إلى موسى بن مهران

فما بقي أيّاما إلّا ومات . (1)

35كتابه عليه السلام إلى حكيمة ابنة أبي موسى عليه السلامأبوالمفضّل محمّد بن عبد اللّه ، قال : حدّثني أبو النّجم بدر بن عمّار ، قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عليّ ، قال : حدّثني عبد اللّه بن أحمد ، عن صفوان ، عن حكيمة (2) بنت أبي الحسن موسى عليه السلام ، قالت : كتبت لمّا عَلِقَت (3) أُمّ أبي جعفرٍ عليه السلام به : خادمتك ( سبيكة ) قد عَلِقَت . فكتب إليَ :إِنَّها عَلِقَت ساعَةَ كَذا ، مِن يَومِ كَذا ، مِن شَهرِ كَذا ، فَإِذا هِيَ وَلَدَت فالزَميها سَبعَةَ أَيَّامٍ . قالت : فلمّا وَلَدَته قال : أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ . فلمّا كان اليوم الثالث عطس ، فقال : الحَمدُ للّهِِ ، وَ صَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ عَلى الأَئِمَّةِ الرَّاشِدينَ . (4)

36كتابه عليه السلام إلى موسى بن مهرانأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثني أبي ، عن محمّد بن عيسى ، عن موسى بن مهران (5) ، أنّه كتب إلى الرّضا عليه السلام يسأله أن يدعو اللّه لابنٍ له . فكتب عليه السلام إليه :وَهَبَ اللّهُ لَكَ ذَكَرا صالِحا .

.


1- .الخرائج والجرائح : ج2 ص651 ح3 ، وراجع : المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص408 ، بحار الأنوار : ج48 ص59 ح69 .
2- .راجع : مكاتيب الإمام الجواد عليه السلام ، الرقم 105 .
3- .عَلِقَت المرأةُ عَلَقا ، أي : حَبِلَت ( راجع : تاج العروس : ج 13 ص 346 ) .
4- .دلائل الإمامة : ص 383 ح1 ، إثبات الوصيّة : ص210 .
5- .من أصحاب الرضا عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 367 الرقم 5454 ) .

ص: 72

( 37 ) كتابه عليه السلام إلى الوشّاء

فمات ابنه ذلك و ولد له ابن . (1)

37كتابه عليه السلام إلى الوشّاءابن الوليد عن الصّفار ، عن اليقطينيّ ، عن الوشّاء (2) ، قال : سألني العبّاس بن جعفر بن محمّد بن الأشعث أن أسأله _ الرّضا عليه السلام _ أن يحرق كتبه إذا قرأها ؛ مخافة أن يقع في يَدَي غيره ، قال الوشّاء : فابتدأني عليه السلام بكتابٍ قبل أن أسأله أن يحرق كتبه ، فيه :أعلِم صاحِبَكَ أَنِّي إِذا قَرَأتُ كُتُبَهُ إليَ خَرَقتُها . (3) و روي عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، قال : كنّا عند رجل بمرو ، و كان معنا رجل واقفيّ ، فقلت له : اتّق اللّه ، قد كنت مثلك ثمّ نوّر اللّه قلبي ، فصُم الأربعاء و الخميس و الجمعة و اغتسل و صلّ ركعتين ، وسل اللّه أن يريك في منامك ما تستدلّ به على هذا الأمر . فرجعت إلى البيت ، و قد سبقني كتاب أبي الحسن إليّ يأمرني فيه أن أدعو إلى هذا الأمر ذلك الرّجل ، فانطلقت إليه و أخبرته ، و قلت له : احمد اللّه و استخره مئة مرّة ، و قلت : إنّي وجدت كتاب أبي الحسن قد سبقني إلى الدّار أن أقول لك ، و فيه ما كنّا فيه ، و إنّي لأرجو أن ينوّر اللّه قلبك فافعل ما قلت لك من الصّوم و الدّعاء . فأتاني يوم السّبت في السّحر ، فقال لي : أشهد أنّه الإمام المفترض الطّاعة . فقلت : وكيف ذلك ؟ قال : أتاني أبو الحسن البارحة في النّوم فقال :

.


1- .عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص221 ح38 ، إثبات الوصيّة : ص201 ، بحار الأنوار : ج49 ص42 ح30 .
2- .راجع : ص 142 الرقم 100 .
3- .كشف الغمّة : ج3 ص92 ، بحار الأنوار : ج49 ص40 ح25 .

ص: 73

( 38 ) كتابه عليه السلام إلى يحيى بن أبي عمران و أصحابه في أحمد بن سابق

يا إِبراهيمُ ، وَاللّهِ لَتَرجِعَنَّ إِلى الحَقِّ . و زعم أنّه لم يطّلع عليه إلّا اللّه . (1)

38كتابه عليه السلام إلى يحيى بن أبي عمران و أصحابهفي أحمد بن سابقنصر بن صباح ، قال : حدّثني أبو يعقوب إسحاق بن محمّد البصريّ ، عن محمّد بن عبد اللّه بن مهران ، قال : حدّثني سليمان بن جعفر الجعفريّ ، قال : كتب أبو الحسن الرّضا عليه السلام إلى يحيى بن أبي عمران 2 و أصحابه ، قال : و قرأ يحيى بن أبي عمران الكتاب ، فإذا فيه :عافانا اللّهُ وَ إِيَّاكُم ، انظُروا أَحمَدَ بنَ سابِقٍ لَعَنَهُ اللّهُ ، الأَعثَمَ الأَشَجَّ وَ احذَروهُ .

قال أبو جعفر : و لم يكن أصحابنا يعرفون أنّه أشجّ أو به شجّة حتّى كشف رأسه فإذا به شجّة . قال أبو جعفر محمّد بن عبد اللّه : و كان أحمد قبل ذلك يظهر القول بهذه المقالة . قال : فما مضت الأيّام حتّى شرب الخمر و دخل في البلايا . (2)

.


1- .الخرائج والجرائح : ج1 ص366 ح23 ، بحار الأنوار : ج49 ص53 ح62 .
2- .رجال الكشّي : ج2 ص828 الرقم 1043 .

ص: 74

. .

ص: 75

الفصل الرابع : في مكاتيبه عليه السلام الفقهيّة

اشاره

الفصل الرّابع: في مكاتيبه الفقهيّة

.

ص: 76

. .

ص: 77

( 39 ) في محض الإسلام وشرائع الدّين
[ في محض الإسلام]

39في محض الإسلام وشرائع الدّينعبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النّيسابوريّ العطّار رضى الله عنه بنيسابور في شعبان سنة اثنتين و خمسين و ثلاثمئة ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النّيسابوريّ ، عن الفضل بن شاذان ، قال : سأل المأمونُ عليَّ بن موسى الرّضا عليه السلام أن يكتب له محض الإسلام على سبيل الإيجاز و الاختصار . فكتب عليه السلام له : [في محض الإسلام]إنَّ مَحضَ الإِسلامِ شَهادَةُ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، إلها واحِدا ، أَحَدا ، فَردا ، صَمَدا ، قَيُّوما ، سَميعا ، بَصيرا ، قَديرا ، قَديما ، قائِما ، باقيا ، عالِما لا يَجهَلُ ، قادِرا لا يَعجِزُ ، غَنيَّا لا يَحتاجُ ، عَدلاً لا يَجورُ ، وَ أَنَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ وَ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، لا شِبهَ لَهُ ، وَ لا ضِدَّ لَهُ ، وَ لا نِدَّ لَهُ ، وَ لا كُفؤَ لَهُ ، وَ أَنَّهُ المَقصودُ بِالعِبادَةِ وَ الدُّعاءِ وَ الرَّغبَةِ وَ الرَّهبَةِ . وَ أَنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ وَ رَسولُهُ وَ أَمينُهُ وَ صَفيُّهُ وَ صَفوَتُهُ مِن خَلقِهِ ، وَ سَيِّدُ المُرسَلينَ وَ خاتَمُ النَّبيِّينَ ، وَ أَفضَلُ العالَمِينَ ، لا نَبِيَّ بَعدَهُ ، وَ لا تَبديلَ لِمِلَّتِه وَ لا تَغييرَ لِشَريعَتِهِ ، وَ أَنَّ جَميعَ ما جاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ بنُ عَبدِ اللّهِ هوَ الحَقُّ المُبينُ ، وَ التَّصديقُ بِهِ وَبِجَميعِ مَن مَضى قَبلَهُ مِن رُسُلِ اللّهِ وَ أَنبيائِهِ وَ حُجَجِهِ ، وَ التَّصديقُ بِكتابِهِ الصَّادِقِ العَزيزِ الّذي « لَا يَأْتِيهِ الْبَ_طِ_لُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » (1) .

.


1- .فصّلت : 42 .

ص: 78

[ من دين الأئمّة : ]
[في الوضوء]

وَ أَنَّه المُهَيمِنُ عَلى الكُتُبِ كُلِّها ، وَ أَنّهُ حَقٌّ مِن فاتِحَتِهِ إِلى خاتِمَتِهِ ، نُؤمِنُ بِمُحكَمِهِ وَمُتَشابِهِهِ ، وَ خاصِّهِ وَ عامِّهِ ، وَ وَعدِهِ وَ وَعيدِهِ ، وَ ناسِخِهِ وَ مَنسوخِهِ ، وَ قِصَصِهِ وَأَخبارِهِ ، لا يَقدِرُ أَحدٌ مِنَ المَخلوقينَ أَن يَأتيَ بِمِثلِهِ ، وَ أَنَّ الدَّليلَ بَعدَهُ وَ الحُجَّةَ عَلى المُؤمِنينَ وَ القائِمَ بِأمرِ المُسلِمينَ ، وَ النَّاطِقَ عَنِ القُرآنِ ، وَ العالِمَ بِأَحكامِهِ أَخوهُ وَخَليفَتُهُ وَ وَصيُّهُ وَ وَليُّهُ وَ الّذي كانَ مِنهُ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، عَلِيُّ بنُ أَبي طالِبٍ عليه السلام ، أَميرُ المُؤمِنينَ وَ إِمامُ المُتَّقينَ وَ قائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، وَ أَفضَلُ الوَصيِّينَ وَوَارِثُ عِلمِ النَّبيِّينَ وَ المُرسَلينَ . وَ بَعدَهُ الحَسَنُ وَ الحُسَينُ سَيِّدا شَبابِ أَهلِ الجَنَّةِ ، ثُمَّ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ زَينُ العابِدينَ ، ثُمَّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ باقِرُ عِلمِ النَّبيِّينَ ، ثُمَّ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ وارِثُ عِلمِ الوَصيِّينَ ، ثُمَّ موسى بنُ جَعفَرٍ الكاظِمُ ، ثُمَّ عَلِيُّ بنُ موسى الرِّضا ، ثُمَّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ ، ثُمَّ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ ، ثُمَّ الحُجَّةُ القائِمُ المُنتَظَرُ ، صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم أَجمَعينَ . أَشهَدُ لَهُم بِالوَصيَّةِ وَ الإِمامَةِ وَ أِنَّ الأَرضَ لا تَخلو مِن حُجَّةِ اللّهِ تَعالى عَلى خَلقِهِ في كُلِّ عَصرٍ وَ أَوانٍ ، وَ أَنَّهُم العُروَةُ الوُثقى وَ أَئِمَّةُ الهُدى وَ الحُجَّةُ عَلى أَهلِ الدُّنيا إِلى أَن يَرِثَ اللّهُ الأَرضَ وَ مَن عَلَيها ، وَ أَنَّ كُلَّ مَن خالَفَهُم ضالٌّ مُضِلٌّ باطِلٌ تارِكٌ لِلحَقِّ وَ الهُدى ، وَ أَنَّهُم المُعَبِّرونَ عَنِ القُرآنِ وَ النَّاطِقونَ عَنِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله بِالبَيانِ ، وَ مَن ماتَ وَ لَم يَعرِفهُم ماتَ مِيتَةً جاهِليَّةً .

[من دين الأئمّة عليهم السلام ]وَ إنَّ مِن دينِهِم : الوَرَعُ وَ العِفَّةُ ، وَ الصِّدقُ وَ الصَّلاحُ ، وَ الاستِقامَةُ وَ الاجتِهادُ ، وَ أَداءُ الأَمانَةِ إِلى البَرِّ وَ الفاجِرِ ، وَ طولُ السُّجُودِ ، وَ صيامُ النَّهارِ ، وَ قيامُ اللَّيلِ ، وَ اجتِنابُ المَحارِمِ ، وَ انتِظارُ الفَرَجِ بِالصَّبرِ ، وَ حُسنُ العَزاءِ ، وَ كَرَمُ الصُّحبَةِ . (1)

[في الوضوء]ثُمَّ الوُضوءُ كَما أَمَرَ اللّهُ تَعالى في كِتابِهِ : غَسلُ الوَجهِ وَ اليَدَينِ مِنَ المِرفَقَينِ ، وَ مسحُ الرَّأسِ

.


1- .راجع : بحار الأنوار : ج85 ص162 ح5.

ص: 79

[ في الأغسال وأقسامها]
[ في صلاة الفريضة]
[ في صلاة السّنّة]
[ الحثّ على الصّلاة في أوّل الوقت]
[ في صلاة الجماعة]
[ في عدم طهارة جلد الميتة]

وَ الرِّجلَينِ مَرَّةً واحِدَةً ، وَ لا ينقُضُ الوُضوءَ إِلَا غائِطٌ أَو بَولٌ أَو ريحٌ أَو نَومٌ أَو جَنابَةٌ ، وَ أَنَّ مَن مَسَحَ عَلى الخُفَّينِ فَقَد خالَفَ اللّهَ تَعالى وَ رَسولَهُ وَ تَركَ فَريضَةً مِن كِتابِهِ . (1)

[في الأغسال وأقسامها]وَ غُسلُ يَومِ الجُمُعَةِ سُنَّةٌ ، وَ غُسلُ العيدَينِ ، وَ غُسلُ دُخولِ مَكَّةَ وَ المَدينَةِ ، و غُسلُ الزِّيارَةِ ، وَ غُسلُ الإِحرامِ ، وَ أَوَّلِ لَيلَةٍ مِن شَهرِ رَمَضانَ ، وَ لَيلَةِ سَبعَ عَشرَةَ ، وَ لَيلَةِ تِسعَ عَشرَةَ ، وَ لَيلَةِ إحدى وَ عِشرينَ ، وَ لَيلَةِ ثَلاثٍ وَ عِشرينَ مِنَ شَهرِ رَمَضانَ ، هذِهِ الأَغسالُ سُنَّةٌ ، وَ غُسلُ الجَنابَةِ فَريضَةٌ ، وَ غُسلُ الحَيضِ مِثلُهُ .

[في صلاة الفريضة]وَ الصَّلاةُ الفَريضَةُ الظُّهرُ أَربَعُ رَكَعاتٍ ، وَ العَصرُ أَربَعُ رَكَعاتٍ ، وَ المَغرِبُ ثَلاثُ رَكَعاتٍ ، وَ العِشاءُ الآخِرَةُ أَربَعُ رَكعاتٍ ، وَ الغَداةُ رَكعَتانِ ، هذِهِ سَبعَ عَشرَةَ رَكعَةً .

[في صلاة السّنّة]وَ السُّنَّةُ أَربَعٌ وَ ثَلاثونَ رَكعَةً ، ثَمانُ رَكَعاتٍ قَبلَ فَريضَةِ الظُّهرِ ، وَ ثَمانُ رَكَعاتٍ قَبلَ العَصرِ ، وَ أَربَعُ رَكَعاتٍ بَعدَ المَغرِبِ ، وَ رَكعَتانِ مِن جُلوسٍ بَعدَ العَتَمَةِ تُعَدَّانِ بِرَكعَةٍ وَثَمانُ رَكَعاتٍ في السَّحرِ ، وَ الشَّفعُ وَ الوَترُ ثَلاثُ رَكَعاتٍ يُسَلِّمُ بَعدَ الرَّكعَتَينِ ، وَ رَكعَتا الفَجرِ .

[الحثّ على الصّلاة في أوّل الوقت]وَ الصَّلاةُ في أَوَّلِ الوَقتِ أَفضَلُ . (2)

[في صلاة الجماعة]وَ فَضلُ الجَماعَةِ عَلى الفَردِ أَربعٌ وَ عِشرونَ ، وَلا صَلاةَ خَلفَ الفاجِرِ ، وَلا يُقتَدى إِلَا بِأَهلِ الوَلايَةِ .

[في عدم طهارة جلد الميتة]وَ لا يُصَلَّى في جُلودِ المَيتَةِ وَ لا في جُلودِ السِّباعِ .

.


1- .راجع : بحار الأنوار : ج80 ص215 ح7 ، وسائل الشيعة : ج1 ص251 ح648.
2- .راجع : بحار الأنوار : ج83 ص13 ح20.

ص: 80

[ في التّشهّد]
[ في تبيين الصّلاة وصوم المسافر]
[ في القنوت]
[ في الصّلاة على الميّت]
[ في دفن الميّت]
[ في الإجهار ببسم اللّه ]
[ في الزكاة]

[في التّشهّد]وَ لا يَجوزُ أَن يَقولَ في التّشَهُّدِ الأَوَّلِ : السَّلامُ عَلَينا وَ عَلى عِبادِ اللّهِ الصَّالِحينَ ؛ لأَنَّ تَحليلَ الصَّلاةِ التَّسليمُ ، فَإِذا قُلتَ هذا فَقَد سَلَّمتَ .

[في تبيين الصّلاة وصوم المسافر]وَ التَّقصيرُ في ثَمانيَةِ فَراسِخَ وَ ما زادَ ، وَ إِذا قَصَّرتَ أَفطَرتَ ، وَ مَن لَم يُفطِر لَم يُجزِ عَنهُ صَومُهُ في السَّفرِ وَ عَلَيهِ القَضاءُ ؛ لِأَنَّه لَيسَ عَلَيهِ صَومٌ في السَّفرِ . (1)

[في القنوت]وَ القُنوتُ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ في الغَداةِ وَ الظُّهرِ وَ العَصرِ وَ المَغرِبِ وَ العِشاءِ الآخِرَةِ .

[في الصّلاة على الميّت]وَ الصَّلاةُ عَلى المَيِّتِ خَمسُ تَكبيراتٍ ، فَمَن نَقَصَ فَقَد خالَفَ السُّنَّةَ . (2)

[في دفن الميّت]وَ المَيِّتُ يُسَلُّ مِن قِبَلِ رِجلَيهِ ، وَ يُرفَقُ بِهِ إذا أُدخِلَ قَبرَهُ . (3)

[في الإجهار ببسم اللّه ]وَ الإِجهارُ بِبِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ في جَميعِ الصَّلَواتِ سُنّةٌ .

[في الزكاة]وَ الزَّكاةُ الفَريضَةُ في كُلِّ مِئَتَي دِرهَمٍ خَمسَةُ دَراهِمَ ، وَلا يَجِبُ فيما دونَ ذلِكَ شَيءٌ ، وَ لا تَجِبُ الزَّكاةُ عَلى المالِ حَتَّى يَحولَ عَليه الحَولُ ، وَ لا يَجوزُ أَن يُعطَى الزَّكاةُ غَيرَ أَهلِ الوَلايَةِ المَعروفينَ ، وَ العُشرُ مِنَ الحِنطَةِ وَ الشَّعيرِ وَ التَّمرِ وَ الزَّبيبِ إِذا بَلَغَ خَمسَةَ أَوساقٍ ، وَ الوَسقُ سِتُّون صاعا ، وَ الصَّاعُ أَربَعَةُ أَمدادٍ . (4)

.


1- .راجع : بحار الأنوار : ج89 ص58 ح22.
2- .راجع : بحار الأنوار : ج81 ص347 ح14.
3- .راجع : بحار الأنوار : ج82 ص22 ح8.
4- .راجع : بحار الأنوار : ج96 ص64 ح24.

ص: 81

[ في زكاة الفِطر]
[ في الحيض و الاستحاضة]
[ في علامة شهر رمضان]
[ في التّطوّع في جماعة]
[ في صوم السّنّة]
[ في حجّ بيت اللّه الحرام]

[في زكاة الفِطر]وَ زَكاةُ الفِطرِ فَريضَةٌ عَلى كُلِّ رَأسٍ صَغيرٍ أَو كَبيرٍ ، حُرٍّ أَو عَبدٍ ، ذَكَرٍ أَو أُنثى ، مِنَ الحِنطَةِ وَ الشَّعيرِ وَ التَّمرِ وَ الزَّبيبِ صاعٌ ، وَ هوَ أَربَعَةُ أَمدادٍ . وَ لا يَجوزُ دَفعُها إِلّا إِلى أَهلِ الوَلايَةِ . (1)

[في الحيض و الاستحاضة]وَ أَكثرُ الحَيضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ، وَ أَقلَّهُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ ، وَ المُستَحاضَةُ تَحتَشي وَ تَغتَسِلُ وَ تُصَلِّي ، وَ الحائِضُ تَترُكُ الصَّلاةَ وَ لا تَقضي وَ تَترُكُ الصَّومَ وَ تَقضي .

[في علامة شهر رمضان]وَ صِيامُ شَهرِ رَمَضانَ فَريضَةٌ ، يُصامُ لِلرُّؤيَةِ وَ يُفطَرُ لِلرُّؤيَةِ . (2)

[في التّطوّع في جماعة]وَ لا يَجوزُ أَن يُصَلَّى التَّطَوُّعُ في جَماعَةٍ ؛ لِأَنَّ ذلِكَ بِدعَةٌ ، وَ كُلُّ بِدعَةٍ ضَلالَةٌ ، وَ كُلُّ ضَلالَةٍ في النَّارِ .

[في صوم السّنّة]وَ صَومُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِن كُلِّ شَهرٍ سُنَّةٌ في كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ يَومُ أَربِعاءَ بَينَ خَميسَينِ ، وَ صَومُ شَعبانَ حَسَنٌ لِمَن صامَهُ ، وَ إِن قَضَيتَ فَوائِتَ شَهرِ رَمَضانَ مُتَفَرِّقَةً أَجزأَ . (3)

[في حجّ بيت اللّه الحرام]وَ حِجُّ البَيتِ فَريضَةٌ « عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً » (4) وَ السَّبيلُ الزَّادُ وَ الرَّاحِلَةُ مَعَ الصِّحَّةِ ، وَ لا يَجوزُ الحَجُّ إِلَا تَمَتُّعا ، وَ لا يَجوزُ القِرانُ وَ الإِفرادُ الّذي يَستَعمِلَهُ العامَّةُ إِلَا لاِهلِ مَكَّةَ وَ حاضِريها ، وَ لا يَجوزُ الإِحرامُ دونَ الميقاتِ ، قالَ اللّهُ تَعالى : « وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ » (5) . (6)

.


1- .راجع : وسائل الشيعة : ج9 ص358 ح12233.
2- .راجع : وسائل الشيعة : ج10 ص243 ح13320 وص259 ح13364.
3- .راجع : بحار الأنوار : ج97 ص3 ح20 و ص96 ح13.
4- .آل عمران : 97.
5- .البقرة : 196.
6- .راجع : بحار الأنوار : ج99 ص107 ح2 و ص128 ح11 ، وسائل الشيعة : ج11 ص320 ح 14915.

ص: 82

[ في الجهاد والتّقية]
[ في الطّلاق والنّكاح]
[ في الصّلوات على النّبيّ صلى الله عليه و آله ]
[ في حبّ أولياء اللّه وبغض أعدائهم]
[ في برّ الوالدين]

وَ لا يَجوزُ أَن يُضَحِّي بِالخَصيِّ ؛ لِأَنَّهُ ناقِصٌ ، وَ لا يَجوزُ المَوجوءُ . (1)

[في الجهاد والتّقية]وَ الجِهادُ واجِبٌ مَعَ الإِمامِ العَدلِ ، وَ مَن قُتِلَ دونَ مالِهِ فَهوَ شَهيدٌ ، وَ لا يَجوزُ قَتلُ أَحَدٍ مِنَ الكُفَّارِ وَ النُّصَّابِ في دارِ التَّقيَّةِ ، إِلّا قاتِلٌ أَو ساعٍ في فَسادٍ وَ ذلِكَ إذا لَم تَخَف عَلى نَفسِكَ وَ عَلى أَصحابِكَ . (2) وَ التَّقيَّةُ في دارِ التَّقيَّةِ واجِبَةٌ ، وَ لا حِنثَ عَلى مَن حَلَفَ تَقيَّةً يَدفَعُ بِها ظُلما عَن نَفسِهِ .

[في الطّلاق والنّكاح]وَ الطَّلاقُ لِلسُّنَّةِ عَلى ما ذَكَرَهُ اللّهُ تَعالى في كِتابِهِ وَ سُنَّةِ نَبيِّهِ صلى الله عليه و آله ، وَ لا يَكونُ طَلاقٌ لِغَيرِ سُنَّةٍ ، وَ كُلُّ طَلاقٍ يُخالِفُ الكِتابَ فَلَيسَ بِطَلاقٍ كَما أَنَّ كُلَّ نِكاحٍ يُخالِفُ الكِتابَ فَلَيسَ بِنِكاحٍ ، وَ لا يَجوزُ أَن يَجمَعَ بَينَ أَكثَرَ مِن أَربَعِ حَرائِرَ ، وَ إذا طُلِّقتِ المَرأَةُ لِلعِدَّةِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَم تَحِلَّ لِزَوجِها حَتَّى تَنكِحَ زَوجا غَيرَهُ . (3) وَ قالَ أَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : اتَّقوا تَزويجَ المُطَلَّقاتِ ثَلاثا في مَوضِعٍ واحِدٍ ؛ فَإنَّهُنَّ ذَواتُ أَزواجٍ .

[في الصّلوات على النّبيّ صلى الله عليه و آله ]وَ الصَّلَواتُ عَلى النَّبيِّ صلى الله عليه و آله واجِبَةٌ في كُلِّ مَوطِنٍ وَ عِندَ العُطاسِ وَ الذَّبائِحِ وَ غَيرِ ذلِكَ . (4)

[في حبّ أولياء اللّه وبغض أعدائهم]وَحُبُّ أَولياءِ اللّهِ تَعالى واجِبٌ ، وَ كَذلِكَ بُغضُ أَعداءِ اللّهِ وَ البَراءَةُ مِنهُم وَ مِن أَئِمَّتِهِم .

[في برّ الوالدين]وَبِرُّ الوالِدَينِ واجِبٌ وَإِن كانا مُشرِكَينِ ، وَلا طاعَةَ لَهُما في مَعصيَةِ اللّهِ عز و جل وَلا لِغَيرِهِما ؛ فَإِنَّه لا طاعَةَ لِمَخلوقٍ في مَعصيَةِ الخالِقِ .

.


1- .الموجوء : الحيوان الّذي رُضّ عروق بيضتيه أو رُضّ خصيتيه لكسر شهوته ( هامش المصدر ) .
2- .راجع : بحار الأنوار : ج100 ص24 ح19.
3- .راجع : بحار الأنوار : ج104 ص150 ح24.
4- .راجع : بحار الأنوار : ج65 ص311 ح5 و ج76 ص63 ح7 و ج94 ص50.

ص: 83

[ في ذكاة الجنين]
[ في تحليل المتعتين]
[ في سهام المواريث]
[في سنن المولود]
[ في نفي الظّلم والجور عن اللّه تعالى]

[في ذكاة الجنين]وَ ذَكاةُ الجَنينِ ذَكاةُ أُمِّهِ إِذا أَشعَرَ وَ أَوبَرَ .

[في تحليل المتعتين]وَ تَحليلُ المُتعَتَينِ اللَّتَينِ أَنزَلَهُما اللّهُ تَعالى في كِتابِهِ وَ سَنَّهُما رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مُتعَةُ النِّساءِ وَ مُتعَةُ الحَجِّ .

[في سهام المواريث]وَ الفَرائِضُ عَلى ما أَنزَلَ اللّهُ تَعالى في كِتابِهِ وَ لا عَولَ (1) فيها ، وَ لا يَرِثُ مَعَ الوَلَدِ وَ الوالِدَينِ أَحَدٌ إِلَا الزَّوجُ وَ المَرأَةُ ، وَ ذو السَّهمِ أَحَقُّ مِمَّن لا سَهمَ لَهُ ، وَ لَيسَتِ العَصَبَةُ مِن دينِ اللّهِ تَعالى .

[في سنن المولود]وَ العَقيقَةُ عَنِ المَولودِ لِلذَّكَرِ وَ الاُنثى واجِبَةٌ ، وَ كَذلِكَ تَسميَتُهُ وَ حَلقُ رأسِهِ يَومَ السَّابِعِ وَ يَتَصَدَّقُ بِوَزنِ الشَّعرِ ذَهَبا أَو فِضَّةً ، وَ الخِتانُ سُّنَّةٌ واجِبَةٌ لِلرِّجالِ وَ مَكرُمَةٌ لِلنِّساءِ .

[في نفي الظّلم والجور عن اللّه تعالى]وَ إِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى : « لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا وُسْعَهَا » (2) وَ إنَّ أَفعالَ العِبادِ مَخلوقَةٌ للّهِ تَعالى خَلقَ تَقديرٍ لا خَلقَ تَكوينٍ وَ « اللَّهُ خَ__لِقُ كُلِّ شَىْ ءٍ » (3) وَ لا نَقولُ بِالجَبرِ وَ التَّفويضِ ، وَ لا يَأخُذُ اللّهُ البَريءَ بِالسَّقيمِ ، وَ لا يُعذِّبُ اللّهُ تَعالى الأَطفالَ بِذنُوبِ الآباءِ « وَ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى » (4) « وَ أَن لَّيْسَ لِلْاءِنسَ_نِ إِلَا مَا سَعَى » (5) وَللّهِِ أَن يَعفوَ وَ يَتَفَضَّلَ ، وَ لا يَجورُ وَلا يَظلِمَ ؛ لِأَنَّه تَعالى مُنَزَّهٌ عَن ذلِكَ .

.


1- .العَولُ : الجور والميل عن الحقّ ( هامش المصدر ) .
2- .البقرة : 286.
3- .الزمر : 62.
4- .فاطر : 18.
5- .النجم : 39.

ص: 84

[ في لزوم عصمة الإمام عليه السلام ]
[ في الإسلام والإيمان]
[ في الشّفاعة]
[ في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر]
[ في الإيمان]
[ في صلاة العيدين]

[في لزوم عصمة الإمام عليه السلام ]وَ لا يَفرُضُ اللّهُ عز و جل طاعَةَ مَن يَعلَمُ أَنَّهُ يُضِلُّهُم وَ يُغويهِم ، وَ لا يَختارُ لِرِسالَتِهِ وَ لا يَصطَفي مِن عِبادِهِ مَن يَعلَمُ أنَّه يَكفُرُ بِهِ وَ بِعِبادَتِهِ وَ يَعبُدُ الشَّيطانَ دونَهُ .

[في الإسلام والإيمان]وَ إِنَّ الإِسلامَ غَيرُ الإِيمانِ ، وَ كُلُّ مُؤمِنٍ مُسلِمٍ ، وَ لَيسَ كُلُّ مُسلِمٍ مُؤمِنٍ ، وَ لا يَسرِقُ السَّارِقُ حينَ يَسرِقُ وَ هو مُؤمِنٌ ، وَ لا يَزني الزَّاني حينَ يَزني وَ هوَ مُؤمِنٌ ، وَ أَصحابُ الحُدودِ مُسلِمونَ لا مُؤمِنونَ وَ لا كافِرونَ ، وَ اللّهُ تَعالى لا يُدخِلُ النَّارَ مُؤمِنا وَ قَد وَعَدَهُ الجَنَّةَ ، وَ لا يُخرِجُ مِنَ النَّارِ كافِرا وَ قَد أَوعَدَهُ النَّارَ وَ الخُلودَ فيها ، وَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَ يَغفِرُ ما دونَ ذلِكَ لِمَن يَشاءُ . (1)

[في الشّفاعة]وَ مُذنِبو أَهلَ التَّوحيدِ لا يُخَلَّدونَ في النَّارِ وَ يُخرَجونَ مِنها ، وَ الشَّفاعَةُ جائِزَةٌ لَهُم ، وَ أَنَّ الدَّارَ اليَومَ دارُ تَقيِّةٍ وَ هي دارُ الإِسلامِ لا دارُ كُفرٍ وَ لا دارُ إِيمانٍ .

[في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر]وَ الأَمرُ بِالمَعروفِ وَ النَّهيُ عَنِ المُنكَرِ واجِبانِ إِذا أَمكَنَ وَ لَم يَكُن خيفَةٌ عَلى النَّفسِ .

[في الإيمان]وَ الإِيمانُ هوَ أَداءُ الأَمانَةِ و اجتِنابُ جَميعِ الكَبائِرِ ، وَ هوَ مَعرِفَةٌ بِالقَلبِ وَ إقرارٌ بِاللِّسانِ وَ عَمَلٌ بِالأَركانِ .

[في صلاة العيدين]وَ التَّكبيرُ في العيدَينِ واجِبٌ في الفِطرِ في دُبُرِ خَمسِ صَلَواتٍ ، وَ يُبدَأُ بِهِ في دُبُرِ صَلاةِ المَغرِبِ لَيلَةَ الفِطرِ وَ في الأَضحى في دُبُرِ عَشرِ صَلَواتٍ ، وَ يَبدَأُ بِهِ مِن صَلاةِ الظُّهرِ يَومَ النَّحرِ وَ بِمِنىً في دُبُرِ خَمسَ عَشرَةَ صَلاةً .

.


1- .راجع : بحار الأنوار : ج10 ص228 وج69 ص159.

ص: 85

[ في النّفاس و المستحاضة]
[ في التّبرّي]
[ في الولاية]

[في النّفاس و المستحاضة]وَ النُّفَساءُ لا تَقعُدُ عَنِ الصَّلاةِ أَكثَرَ مِن ثَمانيَةَ عَشَرَ يَوما ، فَإِن طَهُرَت قَبلَ ذلِكَ صَلَّت ، وَ إِن لَم تَطهُر حَتَّى تَجاوَزَ ثَمانيَةَ عَشَرَ يَوما اغتَسَلَت وَ صَلَّت وَ عَمِلَت ما تَعمَلُ المُستَحاضَةِ . وَ يُؤمِنُ بِعَذابِ القَبرِ وَ منكَرٍ وَ نَكيرٍ وَ البَعثِ بَعدَ المَوتِ ، وَ الميزانِ وَ الصِّراطِ .

[في التّبرّي]وَ البَراءَةُ مِنَ الَّذينَ ظَلَموا آلَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَ هَمُّوا بِإخراجِهِم وَ سَنُّوا ظُلمَهُم وَ غَيَّروا سُنَّةَ نَبيِّهِم صلى الله عليه و آله ، وَ البَراءَةُ مِنَ النّاكِثينَ وَ القاسِطينَ وَ المارِقينَ الَّذينَ هَتَكوا حِجابَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَ نَكَثوا بَيعَةَ إِمامِهِم ، وَ أَخرَجوا المَرأَةَ وَ حارَبوا أَميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وَ قَتَلوا الشِّيعَةَ المُتَّقينَ رَحمَةُ اللّهِ عَليهِم ، واجِبَةٌ ، وَ البَراءَةُ مِمَّن نَفى الأَخيارَ وَ شَرَّدَهُم ، وَ آوى الطُّرَداءِ اللُّعناءِ ، وَ جَعَلَ الأَموالَ دَولَةً بَينَ الأَغنياءِ ، وَاستَعمَلَ السُّفَهاءَ مِثلُ مُعاويةَ وَ عَمرِو بنِ العاصِ لَعينَيّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . وَ البَراءَةُ مِن أَشياعِهِم وَ الَّذينَ حارَبوا أَميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وَ قَتَلوا الأَنصارَ وَ المُهاجِرينَ وَ أَهلَ الفَضلِ وَ الصَّلاحِ مِنَ السَّابِقينَ ، وَ البَراءَةُ مِن أَهلِ الاستئثارِ ، وَ مِن أَبي موسى الأَشعَريِّ وَ أَهلِ وَلايَتِهِ «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِ_ئايَ_تِ رَبِّهِمْ » (1) وَ بِوَلايَةِ أَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وَ «لِقائِهِ» كَفَروا بِأَن لَقوا اللّهَ بِغيرِ إِمامَتِهِ « فَحَبِطَتْ أَعْمَ__لُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ وَزْنًا» (2) ، فَهُم كِلابُ أَهلِ النَّارِ . وَ البَراءَةُ مِنَ الأَنصابِ وَ الأَزلامِ أَئِمَّةِ الضَّلالَةِ وَ قادَةِ الجَورِ كُلِّهِم أَوَّلِهِم وَ آخِرِهِم ، وَ البَراءَةُ مِن أَشباهِ عاقِري النَّاقَةِ أَشقياءِ الأَوَّلينَ وَ الآخِرينَ وَ مِمَّن يَتَولَاهُم .

[في الولاية]وَ الوَلايَةُ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وَ الَّذينَ مَضَوا عَلى مِنهاجِ نَبيِّهِم صلى الله عليه و آله وَ لَم يُغيِّروا وَ لَم يُبَدِّلوا ،

.


1- .الكهف : 104 و 105.
2- .الكهف : 105.

ص: 86

[ في تحريم المسكر و التّداوي بالحرام]
[ في تحريم بعض غير المأكول]
[ في الكبائر]

مِثلُ سَلمانِ الفارِسيِّ وَ أَبي ذَرٍّ الغِفاريِّ وَ المِقدادِ بَنِ الأَسوَدِ وَ عَمَّارِ بنِ ياسِرٍ وَ حُذيفَةَ اليَمانيِّ وَ أَبي الهَيثَمِ بنِ التَّيِّهانِ وَ سَهلِ بنِ حُنَيفٍ وَ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ وَ أَبي أَيُّوبِ الأَنصاريِّ وَ خَزيمَةَ بنِ ثابِتٍ ذي الشِّهادَتَينِ وَ أَبي سَعيدٍ الخُدريِّ ، وَ أَمثالِهِم رَضيَ اللّهُ عَنهُم وَرَحمَةُ اللّهُ عَليهِم ، وَ الوَلايَةُ لِأَتباعِهِم وَ أَشياعِهِم وَ المُهتَدينَ بِهُداهُم وَ السَّالِكينَ مِنهاجَهُم رِضوانُ اللّهِ عَلَيهِم .

[في تحريم المسكر و التّداوي بالحرام]وَ تَحريمُ الخَمرِ قَليلِها وَ كَثيرِها ، وَ تَحريمُ كُلِّ شَرابٍ مُسكِرٍ قَليلِهِ وَ كَثيرِهِ ، وَما أَسكَرَ كَثيرُهُ فَقَليلُهُ حَرامٌ ، وَ المُضطَرُّ لا يَشرَبِ الخَمرَ ؛ لِأَنَّها تَقتُلُهُ . (1)

[في تحريم بعض غير المأكول]وَ تَحريمُ كُلِّ ذي نابٍ مِنَ السِّباعِ وَ كُلِّ ذي مِخلَبٍ مِنَ الطَّيرِ ، وَ تَحريمُ الطَّحالِ فَإِنَّهُ دَمٌ ، وَ تَحريمُ الجِرِّيِّ وَ السَّمَكِ الطَّافي وَ المارماهي وَ الزِّمِّيرِ ، وَ كُلِّ سَمَكٍ لا يَكونُ لَهُ فَلسٌ . (2)

[في الكبائر]وَ اجتِنابُ الكَبائِرِ ، وَ هيَ : قَتلُ النَّفسِ الَّتي حَرَّمَ اللّهُ تَعالى ، وَ الزِّنا ، وَ السَّرِقَةُ ، وَ شُربُ الخَمرِ ، وَ عُقوقِ الوالِدَين ، وَ الفِرارُ مِنَ الزَّحفِ ، وَ أَكلُ مالِ اليَتيمِ ظُلما ، وَ أَكلُ المَيتَةِ وَ الدَّمِ وَ لَحمِ الخِنزيرَ ، وَ ما أُهِلَّ لِغَيرِ اللّهِ بِهِ مِن غَيرِ ضَرورَةٍ ، وَ أَكلُ الرِّبا بَعدَ البَيِّنَةِ ، وَ السُّحتُ ، وَ المَيسِرُ ، وَ القِمارُ ، وَ البَخسُ في المِكيالِ وَ الميزانِ ، وَ قَذفُ المُحصَناتِ ، وَ اللِّواطُ ، وَ شَهادَةُ الزُّورِ ، وَ اليأسُ مِن رَوحِ اللّهِ ، وَ الأَمنُ مِن مَكرِ اللّهِ ، وَالقُنوطُ مِن رَحمَةِ اللّهِ ، وَ مَعونَةُ الظَّالِمينَ وَ الرُّكونُ إِلَيهِم ، وَ اليَمينُ الغَموسُ ، وَ حَبسُ الحُقوقِ مِن غَيرِ العُسرَةِ ، وَ الكَذِبُ ، وَ الكِبرُ ، وَ الإِسرافُ ، وَ التَّبذيرُ ، وَ الخيانَةُ ، وَالاستِخفافُ بِالحَجِّ ، وَ المُحارَبَةُ لِأَولِياءِ اللّهِ تَعالى ، وَ الاشتِغالُ بِالمَلاهي ، وَ الإِصرارُ عَلى الذُّنوبِ. (3)

.


1- .راجع : بحار الأنوار : ج62 ص91 ح26 و ج63 ص484 ح7 و ج76 ص134 ح27 و ص169 ح8 ، وسائل الشيعة : ج25 ص330 ح32041.
2- .راجع : بحار الأنوار : ج65 ص204 ح28 و ج63 ص 36 ح7.
3- .عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص121 ح1 ، بحار الأنوار : ج10 ص352 ح1 .

ص: 87

( 40 ) إملاؤه عليه السلام إلى الفضل بن سهل

40إملاؤه عليه السلام إلى الفضل بن سهلفي تحف العقول: روي أنّ المأمون بعث الفضل بن سهل ذا الرّياستين 1 إلى الرّضا عليه السلام ، فقال له : إنّي أُحبّ أن تجمع لي من الحلال و الحرام و الفرائض و السّنن ، فإنّك حجّة اللّه على خلقه ومعدِن العلم . فدعا الرّضا عليه السلام بدواةٍ و قرطاسٍ ، و قال للفضل : أُكتُب :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم حَسبُنا شَهادَةُ أَن لا إِلهَ إلَا اللّهُ ، أَحَدا صَمَدا ، لَم يَتَّخِذ صاحِبَةً وَ لا وَلَدا ، قَيّوما ، سَميعا ، بَصيرا ، قَويّا ، قائِما ، باقيا ، نورا ، عالِما لا يَجهَلُ ، قادِرا لا يَعجِزُ ، غَنيّا لا يَحتاجُ ، عَدلاً لا يَجورُ ، خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، لا شِبهَ لَهُ وَلا ضِدَّ وَلا نِدَّ و لا كُفؤَ . وَ أَنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ وَ رَسولُهُ وَ أَمينُهُ وَ صَفوَتُهُ مِن خَلقِهِ ، سَيّدُ المُرسَلينَ وَ خاتَمُ النَّبيِّينَ وَ أَفضَلَ العالَمينَ ، لا نَبيَّ بَعدَهُ وَلا تَبديلَ لِمِلَّتِهِ وَ لا تَغييرَ . وَ أَنَّ جَميعَ ما جاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله أَنَّهُ هوَ الحَقُّ المُبينُ ، نُصَدِّقُ بِهِ وَ بِجَميعِ مَن مَضى قَبلَهُ مِن رُسُلِ اللّهِ وَ أَنبيائِهِ وَ حُجَجِهِ . وَ نُصَدِّقُ بِكِتابِهِ الصَّادِقِ : « لَا يَأْتِيهِ الْبَ_طِ_لُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » (1) . وَ أَنَّهُ ( كِتابُهُ ) المُهَيمِنُ عَلى الكُتُبِ كُلِّها ، وَ أَنَّهُ حَقٌّ مِن فاتِحَتِهِ إِلى خاتِمَتِهِ ، نُؤمِنُ بِمُحكَمِهِ وَ مُتَشابِهِهِ ، وَ خاصِّه وَ عامِّه ، وَ وَعدِهِ وَ وَعيدِهِ . وَ ناسِخِهِ وَ مَنسوخِهِ وَ أَخبارِهِ ، لا يَقدِرُ واحِدٌ مِنَ المَخلوقينَ أَن يأتيَ بِمِثلِهِ . وَ أَنَّ الدَّليلُ وَ الحُجَّةُ مِن بَعدِهِ عَلى المُؤمِنينَ ، وَ القائِمُ بِأُمورِ المُسلِمينَ ، وَ النَّاطِقُ عَن

.


1- .فصّلت : 42.

ص: 88

القُرآنِ وَ العالِمُ بِأَحكامِهِ ، أَخوهُ وَ خَليفَتُهُ وَ وَصيُّهُ وَ الّذي كانَ مِنهُ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، عَليُّ بنُ أَبي طالِبٍ عليه السلام أَميرُ المُؤمِنين ، وَ إِمامُ المُتَّقينَ ، وَ قائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، يَعسوبُ المُؤمِنينَ ، وَ أَفضَلُ الوَصيِّينَ بَعدَ النَّبيِّينَ . وَ بَعدَهُ الحَسَنُ وَ الحُسينُ عليهماالسلام ، واحِدا بَعدَ واحِدٍ إلى يَومِنا هذا ، عِترَةُ الرَّسولِ وَ أَعلَمُهُم بِالكِتابِ وَ السُّنَّةِ وَ أَعدَلُهُم بِالقَضيَّةِ ، وَ أَولاهُم بِالإِمامَةِ في كُلِّ عَصرٍ وَ زَمانٍ ، وَ أَنَّهُم العُروَةُ الوُثقى ، وَ أئِمَّةُ الهُدى ، وَ الحُجَّةُ عَلى أَهلِ الدُّنيا حَتَّى يَرِثَ اللّهُ الأَرضَ وَ مَن عَلَيها وَ هوَ خَيرُ الوارِثينَ ، وَ أَنَّ كُلَّ مَن خالَفَهُم ضالٌّ مُضِلٌّ ، تارِكٌ لِلحَقِّ وَ الهُدى ، وَ أَنَّهُم المُعَبِّرونَ عَنِ القُرآنِ ، النّاطِقونَ عَنِ الرَّسولِ بِالبَيانِ ، مَن ماتَ لا يَعرِفَهُم وَ لا يَتَوَلّاهُم بِأَسمائِهِم وَأَسماءِ آبائِهِم ماتَ ميتَةً جاهِليَّةً . وَ إنَّ مِن دينِهِم الوَرَعُ وَ العِفَّةُ وَ الصِّدقُ وَ الصَّلاحُ وَ الاجتِهادُ ، وَ أَداءُ الأَمانَةِ إِلى البِرِّ وَ الفاجِرِ ، وَ طولُ السُّجودِ ، وَ القيامُ بِاللَّيلِ ، وَ اجتِنابُ المَحارِمِ ، وَ انتِظارُ الفَرَجِ بِالصَّبرِ وَ حُسنِ الصُّحبَةِ ، وَ حُسنُ الجِوارِ ، وَ بَذلُ المَعروفِ ، وَ كَفُّ الأَذى ، وَ بَسطُ الوَجهِ ، وَ النَّصيحَةُ ، وَ الرَّحمَةُ لِلمُؤمِنينَ . وَ الوُضوءُ _ كَما أَمَرَ اللّهُ في كِتابِهِ _ غَسلُ الوَجهِ وَ اليَدَينِ ، وَ مَسحُ الرَّأسِ وَ الرِّجلَينِ ، واحِدٌ فَريضَةٌ وَاثنانِ إِسباغُ ، وَ مَن زادَ أَثِمَ وَ لَم يُؤجَر . وَ لا يَنقُضُ الوُضوءَ إِلَا الرِّيحُ وَ البَولُ وَ الغائِطُ وَ النَّومُ وَ الجَنابَةُ . وَ مَن مَسَحَ عَلى الخُفَّينِ فَقَد خالَفَ اللّهَ وَرَسولَهُ وَ كِتابَهُ وَ لَم يُجزِ عَنهُ وُضوءُه ؛ وَ ذلِكَ أَنَّ عَليّا عليه السلام خالَفَ القَومَ في المَسحِ عَلى الخُفَّينِ ، فَقالَ لَهُ عُمَرُ : رَأَيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه و آله يَمسَحُ . فَقالَ عَليٌّ عليه السلام : قَبلَ نُزولِ سُورَةِ المائِدَةِ أَو بَعدَها ؟ قالَ : لا أَدري . قالَ عَليٌّ عليه السلام : لكِنِّي أَدري أَنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم يَمسَح عَلى خُفَّيهِ مُذ نَزَلَت سورَةُ المائِدَةِ . وَ الاغتِسالُ مِنَ الجَنابَةِ وَ الاِحتِلامِ وَ الحَيضِ ، وَ غُسلُ مَن غَسَّلَ المَيِّتَ فَرضٌ ، وَ الغُسلُ يَومَ الجُمُعَةِ وَ العيدَينِ وَ دُخولِ مَكَّةَ وَ المَدينَةِ ، وَ غُسلُ الزِّيارَةِ ، وَ غُسلُ الإِحرامِ ، وَ يَومِ عَرَفَةَ ، وَ أَوَّلِ لَيلَةٍ مِن شَهرِ رَمَضانَ ، وَ لَيلَةِ تِسعَ عَشرَةَ مِنهُ ، وَ إِحدى وَ عِشرينَ ، وَ ثَلاثٍ وَ عِشرينَ مِنهُ ، سُنَّةٌ .

.

ص: 89

وَ صَلاةُ الفَريضَةِ : الظُّهرُ أَربَعُ رَكَعاتٍ ، وَ العَصرُ أَربَعُ رَكَعاتٍ ، وَ المَغرِبُ ثَلاثُ رَكَعاتٍ ، وَ العِشاءُ الآخِرَةُ أَربَعُ رَكَعاتٍ ، وَ الفَجرُ رَكعَتانِ ، فَذلِكَ سَبعَ عَشرَةَ رَكعَةً. وَ السُّنَّةُ أربَعٌ وَ ثَلاثونَ رَكعَةً : مِنها ثَمانٌ قَبلَ الظُّهر ، وَ ثَمانٌ بَعدَها ، وَ أَربَعٌ بَعدَ المَغرِبِ ، وَ رَكعَتانِ مِن جُلوسٍ بَعدَ العِشاءِ الآخِرَةِ _ تُعَدُّ بِواحِدَةٍ _ وَ ثَمانٌ في السَّحَرِ ، وَ الوَترُ ثَلاثُ رَكَعاتٍ وَ رَكعَتانِ بَعدَ الوَترِ . وَ الصَّلاةُ في أَوَّلِ الأَوقاتِ ، وَفَضلُ الجَماعَةِ عَلى الفَردِ كُلُّ رَكعَةٍ بِأَلفَي رَكعَةَ ، وَ لا تُصَلِّ خَلفَ فاجِرٍ ، وَ لا تَقتَدي إِلَا بِأَهلِ الوَلايَةِ ، وَ لا تُصَلِّ في جُلودِ المَيتَةِ وَ لا جُلودِ السِّباعِ . وَ التَّقصيرُ في أَربَعِ فَراسِخَ ، بَريدٌ ذاهِبا وَ بَريدٌ جائِيا ، اثنا عَشَرَ ميلاً ، وَ إِذا قَصَّرتَ أَفطَرتَ . وَ القُنوتُ في أَربَعِ صَلَواتٍ : في الغَداةِ ، وَ المَغرِبِ ، وَ العَتَمَةِ (1) ، وَ يَومِ الجُمُعَةِ ، وَ صَلاةِ الظُّهرِ ، وَ كُلُّ القُنوتِ قَبلَ الرُّكوعِ وَ بَعدَ القِراءَةِ . وَ الصَّلاةُ عَلى المَيِّتِ خَمسُ تَكبيراتٍ ، وَ لَيسَ في صَلاةِ الجَنائِزِ تَسليمٌ ؛ لِأَنَّ التَّسليمَ في الرُّكوعِ وَ السُّجودِ وَ لَيسَ لِصَلاةِ الجَنازَةِ رُكوعٌ وَلا سُجودٌ ، وَ يُرَبَّعُ قَبرُ المَيِّتِ وَ لا يُسَنَّمُ . (2) وَ الجَهرُ بِبِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ في الصَّلاةِ مَعَ فاتِحَةِ الكِتابِ . وَ الزَّكاةُ المَفروضَةُ مِن كُلِّ مِئتَي دِرهَمٍ خَمسَةُ دَراهِمَ ، وَ لا تَجِبُ في ما دونَ ذلِكَ ، وَ فيما زادَ في كُلِّ أَربَعينَ دِرهَما دِرهَمٌ ، وَ لا تَجِبُ فيما دونَ الأَربَعيناتِ شَيءٌ (3) ، وَ لا تَجِبُ حَتَّى يَحولَ الحَولُ ، وَ لا تُعطى إِلَا أَهلَ الوَلايَةِ وَ المَعرِفَةِ ، وَ في كُلِّ عِشرينَ دينارا نِصفُ دينارٍ . وَ الخُمسُ مِن جَميعِ المالِ مَرَّةً واحِدَةً ، وَ العُشرُ مِنَ الحِنطَةِ وَ الشَّعيرِ وَ التَّمرِ وَ الزَّبيبِ ،

.


1- .العَتَمَةُ _ بفتحتين _ : الثّلث الأوّل من اللّيل بعد غيبوبة الشّفق ، قيل : لأنّ العرب يعتمون بالإبل في المرعى فلا يأتون بها إلّا بعد العشاء الآخرة فيسمّون ذلك الوقت عتمة ، فالمراد بها هاهنا صلاة العشاء ( الصحاح : ج5 ص1979 « عتم » .
2- .سَنَّم الشّيء : علّاه و رفعه . سنّم القبر : رفعه عن الأرض ، وهو خلاف التّسطيح . وقبر مسنّم أي : مرتفع غير مسطّح ، ومنه : ولا تسنّم كسنام البعير ( لسان العرب : ج 12 ص 307 « سنم ») .
3- .أي : من الغلّات الأربعة .

ص: 90

وَ كُلُّ شَيءٍ يَخرُجُ مِن الأَرضِ مِنَ الحُبوبِ إِذا بَلَغَت خَمسَةَ أَوسُقٍ ففيهِ العُشرُ إِن كانَ يُسقى سَيحا (1) ، وَ إِن كانَ يُسقى بِالدَّوالي (2) فَفيهِ نِصفُ العُشرِ لِلمُعسِرِ وَ الموسِرِ . وَ تُخرَجُ مِنَ الحُبُوبِ القَبضَةُ وَ القَبضتانِ ؛ لِأَنَّ اللّهُ لا يُكلِّفُ نَفسا إِلَا وُسعَها ، وَلا يُكلِّفُ العَبدَ فَوقَ طاقَتِهِ . وَالوَسقُ سِتُّونَ صاعا ، وَ الصَّاعُ سِتَّةُ أَرطالٍ وَهوَ أَربَعَةُ أَمدادٍ ، وَالمُدُّ رِطلانِ وَربُعٌ بِرَطلِ العِراقيّ ، وَقالَ الصَّادِقُ عليه السلام : هوَ تِسعةُ أَرطالٍ بِالعِراقيّ وَسِتَّةُ أَرطالٍ بِالمَدَنيّ . وَزَكاةُ الفِطرِ فَريضَةٌ عَلى رَأسِ كُلِّ صَغيرٍ أَو كَبيرٍ ، حُرٍّ أَو عَبدٍ ، مِنَ الحِنطَةِ نِصفُ صاعٍ ، وَمِنَ التَّمرِ وَالزَّبيبِ صاعٌ . وَلا يَجوزُ أَن تُعطى غَيرَ أَهلِ الوَلايَةِ ؛ لِأَنَّها فَريضَةٌ . وَ أَكثَرُ الحَيضِ عَشَرَةُ أيّامٍ ، وَ أقَلُّهُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ ، وَ المُستَحاضَةُ تَغتَسِلُ وَ تُصَلِّي ، وَ الحائِضُ تَترُكُ الصَّلاةَ وَ لا تَقضي ، وَ تَترُكُ الصِّيام وَ تَقضيهِ . وَ يُصامُ شَهرُ رَمَضانَ لِرُؤيَتِهِ وَ يُفطَرُ لِرُؤيَتِهِ ، وَلا يَجوزُ التَّراويحُ (3) في جَماعَةٍ . وَ صَومُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ في كُلِّ شَهرٍ سُنَّةٌ ، مِن كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ يَومٌ ، خميسٌ من العَشرِ الأَوَّلِ ، وَ الأَربِعاءُ مِن العَشرِ الأَوسَطِ ، وَ الخَميسُ مِنَ العَشرِ الآخَرِ . وَ صَومُ شَعبانَ حَسَنٌ وَ هوَ سُنّةٌ ، وَ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : شَعبانُ شَهري وَ شَهرُ رَمَضانَ شَهرُ اللّهِ . وَ إن قَضَيتَ فائِتَ شَهرِ رَمَضانَ مُتَفَرِّقا أَجزَأَكَ .

.


1- .ساح الماء : جرى على وجه الأرض ( الصحاح : ج 1 ص 377 ، القاموس المحيط : ج 1 ص 23 « سيح » ) .
2- .الدّوالي : جمع الدّالية ، و هي الدّلو الكبيرة تديرها البقرة غالبا . قال في مجمع البحرين ج 2 ص 53 « دلو » : و الدّالية : جذع طويل يُركّب تركيب مداق الأرز ، و في رأسه مغرفة كبيرة يُستقى بها ، قال في المغرب : وفي المصباح : «الدّالية» دلو ونحوها ، و خشبة تُصنع كهيئة الصّليب و تُشدّ برأس الدّلو ، ثمّ يؤخذ حبل يربط طرفه بذلك و طرفه الآخر بجذعٍ قائمةٍ على رأس البئر و يستقى بها ، فهي فاعلة بمعنى مفعولة . و قال الجوهري : و هي المنجنون تديرها البقرة .
3- .التّراويح : جمع ترويحة ، وهي في الأصل اسم للجلسة مطلقا ، ثمّ سُمّيت بها الجلسة الّتي بعد أربع ركعات في ليالي شهر رمضان ؛ لاستراحة النّاس بها ، وسُمّيت أيضا نفس ركعاتها ؛ لأنّ المصلّي يستريح بعد كلّ أربع ركعات عمدة القارئ : ج 11 ص 124 . و الجماعة فيها بدعة ، فهي من المخترعات الّتي لم تكن في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولا في أيّام أبي بكر ولا في صدرٍ من أيّام عمر ، فأحدث بعد ذلك عمر فاتّبعه النّاس كما جاء بها في الرّواية .

ص: 91

وَحَجُّ البَيتِ مَنِ استَطاعَ إِلَيهِ سَبيلاً ، وَ السَّبيلُ زادٌ وَ راحِلَةٌ . وَ لا يَجوزُ الحَجُّ إِلَا مُتَمَتِّعا ، وَ لا يَجوزُ الإِفرادُ وَ القِرانُ الّذي تَعمَلُهُ العامَّةُ ، وَ الإِحرامُ دونَ الميقاتِ لا يَجوزُ ، قالَ اللّهُ : « وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ » ، (1) وَ لا يَجوزُ في النُّسُكِ الخَصِيُّ ؛ لِأَنَّهُ ناقِصٌ ، وَ يَجوزُ المَوجوءُ . وَالجِهادُ مَعَ إِمامٍ عادِلٍ ، وَ مَن قاتَلَ فَقُتِلَ دونَ مالِهِ وَ رَحلِهِ وَ نَفسِهِ فَهوَ شَهيدٌ . وَلا يَحِلُّ قَتلُ أَحَدٍ مِنَ الكُفَّارِ في دارِ التَّقيَّةِ ، إِلَا قاتِلٍ أَو باغٍ وَ ذلِكَ إِذا لَم تَحذَر عَلى نَفسِكَ ، وَلا أَكلُ أَموالِ النَّاسِ مِنَ المُخالِفينَ وَ غَيرِهِم ، وَ التَّقيَّةُ في دارِ التَّقيَّةِ واجِبَةٌ ، وَ لا حِنثَ عَلى مَن حَلَفَ تَقيَّةً يَدفَعُ بِها ظُلما عَن نَفسِهِ . وَ الطَّلاقُ بِالسُّنَّةِ عَلى ما ذَكَرَ اللّهُ جَلَّ وَ عَزَّ وَ سُنَّةُ نَبيِّهِ صلى الله عليه و آله ، وَ لا يَكونُ طَلاقٌ بِغَيرِ سُنَّةٍ ، وَ كُلُّ طَلاقٍ يُخالِفُ الكِتابَ فَلَيسَ بِطَلاقٍ ، وَ كُلُّ نِكاحٍ يُخالِفُ السُّنَّةَ فَلَيسَ بِنِكاحٍ . وَ لا يُجَمع بَينَ أَكثَرَ مِن أَربَعِ حَرائِرَ ، وَ إِذا طُلِّقَتِ المَرأَةُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لِلسُّنَّةِ لَم تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنكِحَ زَوجا غَيرَهُ ، وَ قالَ أَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : اتَّقوا المُطَلَّقاتِ ثَلاثا فَإِنَّهُنَّ ذَواتِ أَزواجٍ . وَ الصَّلاةُ عَلى النَّبيِّ صلى الله عليه و آله في كُلِّ المَواطِنِ عِندَ الرِّياحِ وَ العُطاسِ وَ غَيرِ ذلِكَ ، وَحُبُّ أَولياءِ اللّهِ وَأَوليائِهِم ، وَبُغضُ أَعدائِهِ وَ البَراءَةُ مِنهُم وَ مِن أَئِمَّتِهِم . وَ بِرُّ الوالِدَينِ ، وَ إِن كانا مُشرِكَينِ فَلا تُطِعهُما وَ صاحِبهُما في الدُّنيا مَعروفا ؛ لِأَنَّ اللّهُ يَقولُ : « اشْكُرْ لِى وَ لِوَ لِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ * وَ إِن جَ_هَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا » (2) ، قالَ أَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : ما صاموا لَهُم وَلا صَلَّوا وَ لكِن أَمَروهُم بِمَعصيَةِ اللّهِ فَأَطاعوهُم ، ثُمَّ قالَ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن أَطاعَ مَخلوقا في غَيرِ طاعَةِ اللّهِ جَلَّ وَ عَزَّ فَقَد كَفَرَ وَ اتَّخَذَ إِلها مِن دونِ اللّهِ . وَ ذَكاةُ الجَنينِ ذَكاةُ أُمِّهِ . وَ ذُنوبُ الأَنبياءِ صِغارٌ مَوهوبَةٌ لَهُم بِالنُّبوَّةِ . وَ الفَرائِضُ عَلى ما

.


1- .البقرة : 196.
2- .لقمان : 14 و 15.

ص: 92

أَمَرَ اللّهُ لا عَولَ (1) فيها ، وَ لا يَرِثُ مَعَ الوالِدَينِ وَ الوَلدُ أَحدٌ إِلَا الزَّوجُ وَ المَرأَةُ ، وَ ذو السَّهمِ أَحَقُّ مِمَّن لا سَهمَ لَهُ ، وَ لَيسَتِ العَصَبَةُ (2) مِن دينِ اللّهِ . وَ العَقيقَةُ عَنِ المَولودِ الذَّكَرِ وَ الأُنثى يَومَ السَّابِعِ ، وَ يُحلَقُ رَأسُهُ يَومَ السَّابِعِ ، وَ يُسَمَّى يَومُ السَّابِعِ ، وَ يُتَصَدَّقُ بِوَزنِ شَعرِهِ ذَهَبا أَو فِضَّةً يَومَ السَّابِعِ . وَ إِنَّ أَفعالَ العِبادِ مَخلوقَةٌ خَلقَ تَقديرٍ ، لا خَلقَ تَكوينٍ ، وَ لا تَقُل بِالجَبرِ وَ لا بِالتَّفويضِ ، وَ لا يَأخُذُ اللّهُ عز و جل البَريءَ بِجُرمِ السَّقيمِ ، وَلا يُعَذِّبُ اللّهُ الأَبناءَ وَ الأَطفالَ بِذُنوبِ الآباءِ ، وَ أَنّهُ قالَ : « وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى » (3) « وَ أَن لَّيْسَ لِلْاءِنسَ_نِ إِلَا مَا سَعَى » (4) ، وَاللّهُ يَغفِرُ وَلا يَظلِمُ ، وَ لا يَفرِضُ اللّهُ عَلى العِبادِ طاعَةَ مَن يَعلَمُ أَنَّهُ يُظلِمُهُم وَ يُغويهِم ، وَ لا يَختارُ لِرِسالَتِهِ وَ يَصطَفي مِن عِبادِهِ مَن يَعلَمُ أَنَّهُ يَكفُرُ وَ يَعبُدُ الشَّيطانَ مِن دونِهِ . وَ أَنّ الإِسلامَ غَيرُ الإِيمانِ ، وَ كُلُّ مُؤمِنٍ مُسلِمٍ وَ لَيسَ كُلُّ مُسلِمٍ مُؤمِنا ، لا يَسرِقُ السَّارِقُ حينَ يَسرِقُ وَ هوَ مُؤمِنٌ ، وَ لا يَشرَبُ الشّارِبُ حينَ يَشرَبُ الخَمرَ وَ هوَ مُؤمِنٌ ، وَ لا يَقتُلُ النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللّهُ بِغَيرِ الحَقِّ وَ هوَ مُؤمِنٌ ، وَ أَصحابُ الحُدودِ لا بِمُؤمِنينَ وَ لا بِكافِرينَ ، وَ أَنَّ اللّهَ لا يُدخِلُ النَّارَ مُؤمِنا وَ قَد وَعَدَهُ الجَنَّةَ وَ الخُلودَ فيها ، وَ مَن وَجَبَت لَهُ النَّارُ بِنِفاقٍ أَو فِسقٍ أَو كَبيرَةٍ مِنَ الكَبائِرِ لَم يُبعَث مَعَ المُؤمِنينَ وَ لا مِنهُم ، وَ لا تُحيطُ جَهَنَّمَ إِلَا بِالكافِرينَ ، وَكُلُّ إِثمٍ دَخَلَ صاحِبُهُ بِلزِومِهِ النَّارَ فَهوَ فاسِقٌ ، وَ مَن أَشرَكَ ، أَو كَفَرَ ، أَو نافَقَ ، أَو أَتى كَبيرَةً مِنَ الكَبائِرِ .

.


1- .العَول _ لغةً _ : الجَور و الميل عن الحقّ . و استعمل في سهم الإرث و التناقص فيه ( مجمع البحرين : ج 3 ص279 « عول » لسان العرب : ج 11 ص 484 ) .
2- .العَصَبَة _ بالتحريك _ : أقرباء الرّجل ؛ لأنّهم عصبوا به . أي : أحاطوا به ، فالأب طرف و الابن طرف ، وكذلك الأخ و العمّ و غيرهم ، و المراد هنا الّذين يرثون الرّجل على تقدير زيادة السّهام عن الورثة . فالإماميّة قالوا ببطلانه ؛ لعموم آية « وَأُوْلُواْ الأَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ) (الأنفال : 75) و إجماع أهل البيت ، فيردّ فاضل الفريضة على البنت و البنات و الاُخت و الأخوات .
3- .الأنعام : 164 ، الإسراء : 15 ، فاطر : 18 ، الزّمر : 7 ، وفي النّجم : 38 هكذا : « أَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى » .
4- .النّجم : 39.

ص: 93

وَ الشَّفاعَةُ جائِزَةٌ لِلمُستَشفِعينَ ، وَ الأَمرُ بِالمَعروفِ وَ النَّهيُ عَنِ المُنكَرِ بِاللِّسانِ واجِبٌ ، وَ الإِيمانُ أَداءُ الفَرائِضِ وَاجتنابُ المَحارِمِ ، وَ الإِيمانُ هوَ مَعرِفَةٌ بِالقَلبِ وَ إِقرارٌ بِاللِّسانِ وَ عَمَلٌ بِالأَركانِ . وَ التَّكبيرُ في الأَضحى خَلفَ عَشرَ صَلَواتٍ ، يُبتَدأُ مِن صَلاةِ الظُّهرِ مِن يَومِ النَّحرِ ، وَ في الفِطرِ في خَمسِ صَلَواتٍ ، يُبتَدَأُ بِصَلاةِ المَغرِبِ مِن لَيلَةِ الفِطرِ . وَ النُّفَساءِ تَقعُدُ عِشرينَ يَوما لا أَكثَرَ مِنها ، فَإِن طَهُرَت قَبلَ ذلِكَ صَلَّت ، وَ إِلَا فَإِلى عِشرينَ يَوما ، ثُمَّ تَغتَسِلَ وَ تُصَلِّي وَ تَعمَلَ عَمَلَ المُستَحاضَةِ . وَ يُؤمِنُ بِعَذابِ القَبرِ ، وَ مُنكَرٍ وَ نَكيرٍ ، وَ البَعثِ بَعدَ المَوتِ ، وَ الحِسابِ ، وَ الميزانِ ، وَ الصِّراطِ ، وَ البَراءَةِ مِن أَئِمَّةِ الضَّلالِ وَ أَتباعِهِم ، وَ المُوالاتِ لِأَولياءِ اللّهِ ، وَتَحريمِ الخَمرِ قَليلِها وَ كَثيرِها ، وَ كُلُّ مُسكِرٍ خَمرٌ ، وَ كُلُّ ما أَسكَرَ كَثيرُهُ فَقَليلُهُ حَرامٌ ، وَ المُضطَرُّ لا يَشرَبِ الخَمرَ ؛ فَإِنَّها تَقتُلُهُ . وَتَحريمُ كُلِّ ذي نابٍ مِنَ السِّباعِ وَ كُلِّ ذي مِخلَبٍ مِنَ الطَّيرِ ، وَ تَحريمُ الطِّحالِ فَإِنَّهُ دَمٌ ، وَ الجِرِّيِّ (1) ، وَ الطَّافي (2) ، وَالمارماهي ، وَالزِّمِّيرِ (3) ، وَكُلِّ شَيءٍ لا يَكونُ لَهُ قُشورٌ ، وَمِنَ الطَّيرِ ما لا تَكونُ لَهُ قانِصَةٌ ، وَ مِنَ البَيضِ كُلُّ ما اختَلَفَ طَرَفاهُ فَحَلالٌ أَكلُهُ وَ ما استَوى طَرَفاهُ فَحَرامٌ أَكلُهُ . وَ اجتِنابُ الكَبائِرِ ، وَ هيَ قَتلُ النَّفسِ الَّتي حَرَّمَ اللّهُ ، وَ شُربُ الخَمرِ ، وَ عُقوقُ الوالِدَينِ ، وَ الفِرارُ مِنَ الزَّحفِ (4) ، وَ أَكلُ مالِ اليَتامى ظُلما ، وَ أَكلُ المَيتَةِ ، وَ الدَّمِ ، وَ لَحمِ الخِنزيرِ ، وَ

.


1- .الجرّي _ كذمّي _ : سمك طويل أملس ، ليس له عظم إلّا عظم الرّأس والسّلسلة وليس عليه فصوص ( القاموس المحيط : ج 1 ص 388 ، تاج العروس : ج 6 ص 181 ) .
2- .والطّافي : سمك يموت في الماء فيعلو ويظهر ، من طفا يطفو : علا فوق الماء ولم يرسب ( مجمع البحرين : ج3 ص52 « طفو » ، تاج العروس : ج19 ص636 .
3- .و الزّمّير _ كسكّيت _ : سمك له شوك ناتئ على ظهره ، قيل : أكثر ما يكون في المياه العذبة . وفي بعض النّسخ « الزّمار » ( قاموس المحيط : ج 2 ص 59 «زمر » ) .
4- .الزحف : الجيش يزحفون إلى العدوّ ( النهاية : ج 2 ص 297 « زحف » ، لسان العرب : ج 6 ص 129 .

ص: 94

ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيرِ اللّهِ مِن غَيرِ ضَرورَةٍ بِهِ ، وَ أَكلُ الرِّبا وَ السُّحتُ بَعدَ البَيِّنَةِ ، وَ المَيسِرُ ، وَ البَخسُ في الميزانِ وَ المِكيالِ ، وَ قَذفُ المُحصَنات ، وَ الزِّنا ، وَاللِّواطُ ، وَ الشَّهاداتُ الزُّورِ ، وَ اليأسُ مِنَ رَوحِ اللّه ، وَ الأَمنُ مِن مَكرِ اللّهِ ، وَ القُنوطُ مِن رَحمَةِ اللّهِ ، وَ مُعاوَنَةُ الظَّالِمينَ وَ الرُّكونُ إلَيهِم ، وَ اليَمينُ الغَمُوسُ (1) ، وَ حَبسُ الحُقوقِ مِن غَيرِ عُسرٍ ، وَ الكِبرُ ، وَ الكُفرُ ، وَ الإِسرافُ ، وَ التَّبذيرُ ، وَ الخيانَةُ ، وَ كِتمانُ الشَّهادَةِ ، وَ المَلاهي الَّتي تَصُدُّ عَن ذِكرِ اللّهِ مِثلَ الغِناءِ وَ ضَربِ الأَوتارِ ، والإِصرارُ عَلى الصّغائِر مِنَ الذُّنوبِ. فَهذا أُصولُ الدِّينِ ، وَ الحَمدُ للّهِ رَبِّ العالَمينَ ، وَ صَلَّى اللّهُ عَلى نَبيِّهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ تَسليما. (2) و في مخطوطات مكتبة آية اللّه المرعشي دامت بركاته نسخةٌ حسنة الخطّ و الاُسلوب ، فيها : إنّ المأمون بعث إلى الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليهماالسلام ، ووجّه بالفضل بن سهل ذو الرّئاستين ، فقال : أحبّ أن تجمع لنا أُصول الدّين جميعا ، من التّوحيد و العدل و الحلال و الحرام و الفرائض و السّنن ، فإنّك حجّة اللّه على خلقه و معدن العلم و مفترض الطّاعة . قال : فدعى الرّضا عليه السلام بدواةٍ و قرطاسٍ و كتب : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ : أَوَّلُ الفَرائِض . . . و أشار إلى الرّسالة على كلتا الرّوايتين في أعيان الشّيعة (3) ، و ظاهر كلامه أنّهما كتابان كتبهما الإمام عليه السلام ، و لكنّه بعيد ؛ لكثرة اشتراك الكتابين في العبائر و الألفاظ كما لا يخفى . ظاهر رواية العيون أنّ الكتاب كان بخطّه عليه السلام ، و ظاهر نقل التّحف أو صريحه أنّه كان بإملائه و خطّ الفضل بن سهل .

.


1- .اليمين الغموس _ بفتح الغين _ : اليمين الكاذبة الّتي يتعمّدها صاحبها لأنّها تغمس صاحبها في الإثم ( الصحاح :ج 3 ص 956 ، القاموس المحيط : ج2 ص235 ، النهاية : ج3 ص386 « غمس » ) .
2- .تحف العقول : ص415 .
3- .راجع : أعيان الشّيعة : ج2 ص26 .

ص: 95

( 41 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن سنان
اشاره

و عثرت بعد كتابة ما تقدّم على كتاب نظريّة الإمامة تأليف الدّكتور أحمد محمود صبحي ، و فيه : و لقد بعث المأمون إلى الرّضا يطلب منه أن يجمع له في كتاب أُصول الدّين جميعا ، من التّوحيد و الحلال و الحرام و الفرائض و السّنن . . . فدعا الرّضا بدواةٍ و قرطاسٍ ، و كتب إلى المأمون كتابا حدّد فيه الفرائض و السّنن كما هي معروفة في الإسلام ، ثمّ عرج إلى وجوب الإيمان بالأئمّة من آل بيت النّبيّ ، إذ يقول : وَإِنَّ الدَّليلَ مِن بَعدِهِ [ النّبيّ ] و الحُجَّةَ عَلى المُؤمِنينَ وَ القائِمَ بِأُمورِ المُسلِمين ، وَ النَّاطِقَ عَنِ القُرآنِ ، وَ العالِمَ بِأَحكامِهِ أَخوهُ وَ خَليفَتُهُ وَ وَصيُّهُ ، وَ وَليُّهُ الّذي كانَ مِنهُ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى عَليُّ بنُ أَبي طالِبٍ ، وَ بَعدَهُ الحَسَنُ وَالحُسينُ .

ثمّ ذكر الأئمّة واحدا بعد واحد ، و وصفهم بأنّهم عترة الرّسول و أعلمهم بالكتاب و السّنّة . . . (1) ، و نحن نحاول أن نحصل منه على نسخةٍ فتوغرافيّة ، و لكنّ المانع الآن هو الحرب بين الإيمان و الكفر ، و لعلّ اللّه يفتح لنا المجال بنجاح الثّورة إن شاء اللّه تعالى . و في معجم المؤلّفين في عنوان عليّ الرّضا : . . . . من آثاره مسند في فضائل أهل البيت . . . أظنّه أن يكون هو هذا الكتاب ، لا صحيفة الرّضا عليه السلام ؛ لأنّها ليست في فضائل أهل البيت عليهم السلام (2) .

41كتابه عليه السلام إلى محمّد بن سنانمحمّد بن عليّ ماجيلويه عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن عليّ الكوفيّ ، عن محمّد بن سنان : و حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقاق و محمّد بن أحمد السّنانيّ و عليّ بن عبد اللّه الورّاق و الحسين بن إبراهيم بن

.


1- .راجع : نظريّة الإمامة : ص388 ( مخطوط بدار الكتب ، بالرقم 1358 ) .
2- .راجع : معجم المؤلّفين : ج7 ص250 .

ص: 96

[ علّة غسل الجنابة]
[ علّة التّخفيف في البول و الغائط]
[ علّة غُسل العيدين والجمعة وغير ذلك من الأغسال]

أحمد بن هشام المُكَتِّب رضي الله عنهم ، قالوا : حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيّ ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عليّ بن العبّاس ، قال : حدّثنا القاسم بن الرّبيع الصّحّاف ، عن محمّد بن سنان ، و حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبد اللّه البرقيّ و عليّ بن عيسى المجاور في مسجد الكوفة وأبو جعفر محمّد بن موسى البرقي بالري _ رحمهم اللّه _ ، قالوا : حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان (1) : أنّ عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام كتب إليه في جواب مسائله :[علّة غسل الجنابة] عِلَّةُ غُسلِ الجَنابَةِ النَّظافَةُ وَ تَطهيرُ الإِنسانِ نَفسَهُ مِمَّا أَصابَ مِن أَذاهُ وَ تَطهيرُ سائِرِ جَسَدِهِ ؛ لأَنَّ الجَنابَةَ خارِجَةٌ مِن كُلِّ جَسَدِهِ ، فَلِذلِكَ وَجَبَ عَلَيهِ تَطهيرُ جَسَدِهِ كُلِّهِ . (2)

[علّة التّخفيف في البول و الغائط]وَ عِلَّةُ التَّخفيفِ في البَولِ وَ الغائِطِ لِأَنَّهُ أَكثَرُ وَ أَدوَمُ مِنَ الجَنابَةِ فَرَضيَ فيهِ بِالوضُوءِ لِكَثرَتِهِ وَ مَشَقَّتِهِ وَ مَجيئِهِ بِغَيرِ إِرادَةٍ مِنهُ وَ لا شَهوَةٍ ، وَ الجَنابَةُ لا تَكونُ إلَا بِالِاستِلذاذِ مِنهُم وَ الإِكراهِ لِأَنفُسِهِم. (3)

[علّة غُسل العيدين والجمعة وغير ذلك من الأغسال]وَ عِلَّةُ غُسلِ العيدَينِ وَ الجُمُعَةِ وَ غَيرِ ذلِكَ مِنَ الأَغسالِ ؛ لِما فيهِ مِن تَعظيمِ العَبدِ رَبَّهُ ، وَاستِقبالِهِ الكَريمَ الجَليلَ ، وَ طَلَبِ المَغفِرَةِ لِذُنوبِهِ ، وَ ليَكونَ لَهُم يَومَ عيدٍ مَعروفٍ يَجتَمِعونَ فيهِ عَلى ذِكرِ اللّهِ عز و جل ، فَجُعِلَ فيهِ الغُسلُ تَعظيما لِذلِكَ اليَومِ وَ تَفضيلاً لَهُ عَلى سائِرِ الأَيَّامِ وَ زيادَةً في النَّوافِلِ وَ العِبادَةِ ، وَ ليَكونَ تِلكَ طَهارَةً لَهُ مِنَ الجُمُعَةِ إِلى الجُمُعَةِ . (4)

.


1- .راجع : ص 101 الرقم 42 .
2- .راجع : كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص76 ح171 ، بحار الأنوار : ج6 ص95 ح2 ، وسائل الشيعة : ج2 ص178 ح1866.
3- .راجع : كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص76 ح171 ، علل الشرائع : ص281 ، بحار الأنوار : ج6 ص95 ح2 ، وسائل الشيعة : ج2 ص178 ح1866.
4- .راجع : علل الشرائع : ص285 ح4 ، وسائل الشيعة : ج3 ص316 ح3746.

ص: 97

[ علّة غُسل المَيّت]
[ علّة الوضوء]
[ علّة الزّكاة]

[علّة غُسل المَيّت]وَ عِلَّةُ غُسلِ المَيِّتِ ؛ أَنَّهُ يُغَسَّلُ لِأَنَّهُ يُطَهَّرُ وَ يُنَظَّفُ مِن أَدناسِ أَمراضِهِ وَ ما أَصابَهُ مِن صُنوفِ عِلَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَلقَى المَلائِكَةَ وَ يُباشِرُ أَهلَ الآخِرَةِ ، فَيُستَحَبُّ إِذا وَرَدَ عَلى اللّهِ وَ لَقيَ أَهلَ الطَّهارَةِ وَ يُماسُّونَهُ وَ يُماسُّهُم ، أَن يَكونَ طاهِرا نَظيفا موَجَّها بِهِ إِلى اللّهِ عز و جل ، لِيُطلَبَ بِهِ وَ يُشَفَّعَ له . وَ عِلَّةٌ أُخرى أَنَّهُ يَخرُجُ مِنهُ المَنيُّ الّذي مِنهُ خُلِقَ فَيُجنِبُ فَيَكونُ غُسلُهُ لَهُ . وَ عِلَّةُ اغتِسالِ مَن غَسَّلَهُ أَو مَسَّهُ ؛ فَطَهارَةٌ لِما أَصابَهُ مِن نَضحِ المَيِّتِ ، لِأَنَّ المَيِّتَ إِذا خَرَجَت الرُّوحُ مِنهُ بَقيَ أَكثَرُ آفَتِهِ ، فَلِذلِكَ يُتَطَهَّرُ مِنهُ وَ يُطَهَّرُ . (1)

[علّة الوضوء]وَ عِلَّةُ الوُضوءِ الَّتي مِن أَجلِها صارَ غَسلُ الوَجهِ وَ الذِّراعَينِ وَ مَسحُ الرَّأسِ وَ الرِّجلَينِ ؛ فَلِقيامِهِ بَينَ يَدي اللّهِ عز و جل وَ استِقبالِهِ إِيَّاهُ بِجَوارِحِهِ الظَّاهِرَةِ ، وَ مُلاقاتِهِ بِها الكِرامَ الكاتِبينَ ، فَغُسلُ الوَجهِ لِلسُّجودِ وَ الخُضوعِ ، وَ غُسلُ اليَدَينِ ليَقلِبَهُما وَ يَرغَبَ بِهِما وَ يَرهَبَ وَ يَتَبَتَّلَ ، وَ مَسحُ الرَّأسِ وَ القَدَمَينِ لِأَنَّهُما ظاهِرانِ مَكشوفانِ يَستَقبِلُ بِهِما في كُلِّ حالاتِهِ ، وَ لَيسَ فيهِما مِنَ الخُضوعِ وَ التَّبَتُّلِ ما في الوَجهِ وَ الذِّراعَينِ . (2)

[علّة الزّكاة]وَ عِلَّةُ الزَّكاةِ مِن أَجلِ قُوتِ الفُقَراءِ وَ تَحصينِ أَموالِ الأَغنياءِ ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى كَلَّفَ أَهلَ الصِّحَّةِ القيامَ بِشأنِ أَهلِ الزَّمانَةِ وَ البَلوى ، كَما قالَ اللّهُ تَعالى : « لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوَ لِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ » (3) في أَموالِكُم بِإِخراجِ الزَّكاةِ ، وَ في أَنفُسِكُم بِتَوطينِ الأَنفُسِ عَلى الصَّبرِ ، مَعَ ما في ذلِكَ مِن أَداءِ شُكرِ نِعَمِ اللّهِ عز و جل ، وَ الطَّمَعِ في الزِّيادَةِ مَعَ ما فيهِ مِنَ الرَّأفَةِ وَ الرَّحمَةِ لِأَهلِ الضَّعفِ ، وَ العَطفِ عَلى أَهلِ المَسكَنَةِ ، وَ الحَثِّ لَهُم عَلى المُواساتِ ، وَ تَقوِيَةِ الفُقَراءِ ، وَ

.


1- .راجع : علل الشرائع : ص300 ح3.
2- .راجع : كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص56 ح128 ، علل الشرائع : ص280 ح2 .
3- .آل عمران : 186.

ص: 98

[ علّة وجوب الحجّ و الطواف]
[ وجوب الحجّ مع الشّرائط]
[ العلّة الَّتي من أجلها وضع البيت]

المَعونَةِ عَلى أَمرِ الدِّينِ ، وَهُم عِظَةٌ لِأَهلِ الغِنى ، وَ عِبرَةٌ لَهُم لِيَستَدِلُّوا عَلى فُقَراءِ الآخِرَةِ بِهِم ، وَ ما لَهُم مِنَ الحَثِّ في ذلِكَ عَلى الشُّكرِ للّهِ تَبارَكَ وَ تَعالى لِما خَوَّلَهُم وَ أَعطاهُم ، وَ الدُّعاءِ وَ التَّضَرُّعِ ، وَ الخَوفِ مِن أَن يَصيروا مِثلَهُم في أُمورٍ كَثيرَةٍ ، في أَداءِ الزَّكاةِ وَ الصَّدَقاتِ ، وَ صِلَةِ الأَرحامِ ، وَ اصطِناعِ المَعروفِ. (1)

[علّة وجوب الحجّ و الطواف]وَ عِلَّةُ الحَجِّ الوِفادَةُ إِلى اللّهِ تَعالى وَ طَلَبُ الزِّيادَةِ ، وَ الخُروجُ مِن كُلِّ ما اقتَرَفَ ، وَ ليَكونَ تائِبا مِمَّا مَضى مُستأنِفا لِما يَستَقبِلُ ، وَ ما فيهِ مِن استِخراجِ الأَموالِ ، وَ تَعَبِ الأَبدانِ ، و حَظرها عَنِ الشَّهَواتِ وَ اللَّذَّاتِ ، وَ التَّقَرُّبُ بِالعِبادَةِ إلى اللّهِ عز و جل ، وَ الخُضوعُ وَ الاستِكانَةُ و الذُّلُّ ، شاخِصا إِليهِ في الحَرِّ وَ البَردِ ، وَ الأَمنِ وَ الخَوفِ ، دائِبا في ذلِكَ دائِما ، وَ مَا في ذلِكَ لِجَميعِ الخَلقِ مِنَ المَنافِعِ . وَ الرَّغبَةُ وَ الرَّهبَةُ إِلى اللّهِ عز و جل وَ مِنهُ تَركُ قَساوَةِ القَلبِ ، وَ جَسارَةِ الأَنفُسِ ، وَ نِسيانِ الذِّكرِ ، وَ انقِطاعِ الرَّجاءِ . وَ العَمَلُ وَ تَجديدُ الحُقوقِ ، وَ حَظرُ النَّفسِ عَنِ الفَسادِ ، وَ مَنفَعَةُ مَن في شَرقِ الأَرضِ وَ غَربِها ، وَ مَن في البَرِّ وَ البَحرِ مِمَّن يَحُجُّ وَ مِمَّن لا يَحُجُّ ، مِن تاجِرٍ وَ جالِبٍ وَ بائعٍ وَ مُشتَرٍ وَ كاسِبٍ وَ مِسكينٍ . وَ قَضاءُ حَوائِجِ أَهلِ الأَطرافِ وَ المَواضِعِ المُمكِنِ لَهُم الاجتِماعُ فيها كَذلِكَ لِيَشهَدوا مَنافِعَ لَهُم . (2)

[وجوب الحجّ مع الشّرائط]وَ عِلّةُ فَرضِ الحَجِّ مَرَّةً واحِدَةً ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَعالى وَضَعَ الفَرائِضَ عَلى أَدنى القَومِ قُوَّةً ، فَمِن تِلكَ الفَرائِضِ الحَجُّ المَفروضُ واحِدا ، ثُمَّ رَغَّبَ أَهلَ القُوَّةِ عَلى قَدرِ طاقَتِهِم . (3)

[العلّة الَّتي من أجلها وضع البيت]وَ عِلَّةُ وَضعِ البَيتِ وَسَطَ الأَرضِ ؛ أنَّه المَوضِعُ الّذي مِن تَحتِهِ دُحيَتُ الأَرضُ ، وَ كُلُّ ريحٍ تَهُبُّ

.


1- .راجع : علل الشرائع : ص368 ح3.
2- .راجع : علل الشرائع : ص404 ح5.
3- .راجع : وسائل الشيعة : ج11 ص20 ح14137.

ص: 99

[ علّة تسمية مكّة]
[ علّة الطواف بالبيت]
[ علّة استلام الحجر الأسود]

في الدُّنيا فَإِنَّها تَخرُجُ مِن تَحتِ الرُّكنِ الشَّاميِّ ، وَ هي أَوَّلُ بُقعَةٍ وُضِعَت في الأَرضِ ؛ لِأَنَّها الوَسَطُ ، لِيَكونَ الفَرضُ لِأَهلِ الشَّرقِ وَ الغَربِ في ذلِكَ سَواءً . (1)

[علّة تسمية مكّة]وَ سُمِّيَت مَكَّةُ مَكَّةُ ؛ لاِنَّ النّاسَ كانوا يَمكونَ فيها ، وَ كانَ يُقالُ لِمَن قَصَدَها : قَد مَكا ، وَ ذلِكَ قَولُ اللّهِ عز و جل : « وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَا مُكَآءً وَتَصْدِيَةً » (2) ، فَالمُكاءُ : التَّصفيرُ ، وَ التَّصديَةُ : صَفقُ اليَدَينِ . (3)

[علّة الطواف بالبيت]وَ عِلَّةُ الطَّوافِ بِالبَيتِ ؛ أَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى قالَ لِلمَلائِكَةِ : « إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَآءَ » (4) فَرَدُّوا عَلى اللّهِ تَعالى هذا الجَوابُ ، فَنَدِموا وَ لاذوا بِالعَرشِ وَ استَغفَروا ، فَأَحَبَّ اللّهُ عز و جل أَن يَتَعَبَّدَ بِمِثلِ ذلِكَ العِبادُ ، فَوَضَعَ في السَّماءِ الرَّابِعَةِ بَيتا بِحِذاءِ العَرشِ يُسَمَّى الضُّراحَ ، ثُمَّ وَضَعَ في السَّماءِ الدُّنيا بَيتا يُسَمَّى المَعمورَ بِحِذاءِ الضُّراحَ ، ثُمَّ وَضَعَ هذا البَيتُ بِحِذاءِ البَيتِ المَعمورِ ، ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ عليه السلام فَطافَ بِهِ فَتابَ اللّهُ عز و جل عَلَيهِ ، وَ جَرى ذلِكَ في وُلدِهِ إِلى يَومِ القيامَةِ . (5)

[علّة استلام الحجر الأسود]وَ عِلَّةُ استِلامِ الحَجَرِ ؛ أَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى لَمَّا أَخَذَ ميثاقَ بَني آدَمَ التَقَمَهُ الحَجَرُ ، فَمِن ثَمَّ كُلِّفَ النّاسُ تَعاهُدِ ذلِكَ الميثاقِ ، وَ مِن ثَمَّ يُقالُ عِندَ الحَجَرِ : أَمانَتي أَدِّيتُها وَ ميثاقٌ تَعاهَدتُهُ لِتَشهَدَ لي بِالموافاةِ ، وَ مِنهُ قَولُ سَلمانَ رضى الله عنه : لَيَجيئَنَّ الحَجَرُ يَومَ القيامَةِ مِثلَ ( جَبَلِ ) أَبي قُبَيسٍ لَهُ لِسانٌ وَ شَفَتانِ ، يَشهَدُ لِمَن وافاهُ بِالمُوافاةِ . (6)

.


1- .راجع : علل الشرائع : ص396 ح1.
2- .الأنفال : 35 .
3- .راجع : علل الشرائع : ص397 ح1.
4- .البقرة : 30 .
5- .راجع : الكافي : ج4 ص187 ح1 ، علل الشرائع : ص406 ح7 ، بحار الأنوار : ج11 ص110 ح24 وج55 ص58 ح5 وج69 ص33 ح10.
6- .راجع : علل الشرائع : ص424 ح2 ، وسائل الشيعة : ج13 ص318 ح17837 .

ص: 100

[علّة تسمية مِنى]
[ علّة فرض الصّيام]
[ علّة تحريم قتل النّفس]
[ تحريم العقوق]
[ علّة تحريم الزّنا]

[علّة تسمية مِنى]وَ العِلَّةُ الَّتي مِن أَجلِها سُمِّيَت مِنىً مِنىً ؛ أَنَّ جَبرَئيلَ عليه السلام قالَ هُناكَ لِاءِبراهيمَ عليه السلام : تَمَنَّ عَلى رَبِّكَ ما شِئتَ ، فَتَمَنَّى إِبراهيمُ في نَفسِهِ أَن يَجعَلَ اللّهُ مَكانَ ابنِهِ إِسماعيلَ كَبشا يأمُرُهُ بِذَبحِهِ فِداءً لَهُ ، فَأُعطِيَ مُناهُ . (1)

[علّة فرض الصّيام]وَ عِلَّةُ الصَّومِ ؛ لِعِرفانِ مَسِّ الجُوعِ وَ العَطَشِ ، لِيَكونَ العَبدُ ذَليلاً مِسكينا مأجورا مُحتَسِبا صابِرا ، فَيَكونَ ذلِكَ دَليلاً لَهُ عَلى شَدائِدِ الآخِرَةِ مَعَ ما فيهِ مِن الانكِسارِ لَهُ عَنِ الشَّهَواتِ ، وَاعِظا لَه في العاجِلِ دَليلاً عَلى الآجلِ ، ليَعلَمَ شِدَّةَ مَبلَغِ ذلِكَ مِن أَهلِ الفَقرِ وَ المَسكَنَةِ في الدُّنيا وَ الآخِرَةِ . (2)

[علّة تحريم قتل النّفس]وَ حَرَّمَ اللّهُ قَتلَ النَّفسِ ؛ لِعِلَّةِ فَسادِ الخَلقِ في تَحليلِهِ لَو أَحَلَّ ، وَ فَنائِهِم ، وَ فَسادِ التَّدبيرِ . (3)

[تحريم العقوق]وَ حَرَّمَ اللّهُ عز و جل عُقوقَ الوالِدَينِ ؛ لِما فيهِ ، مِنَ الخُروجِ عَنِ التَّوقيرِ لِطاعَةِ اللّهِ عز و جل ، وَ التَّوقيرِ لِلوالِدَينِ ، وَ تَجَنُّبِ كُفرِ النِّعمَةِ ، وَ إبطالِ الشُّكرِ ، وَ ما يَدعو في ذلِكَ إلى قِلَّةِ النَّسلِ وَ انقِطاعِهِ ، لِما في العقُوقِ مِن قِلَّةِ تَوقيرِ الوالِدَينِ وَ العِرفانِ بِحَقِّهِما ، وَ قَطعِ الأَرحامِ ، وَ الزُّهدِ مِنَ الوالِدَينِ في الوَلَدِ ، وَ تَركِ التَّربيَةِ لِعِلَّةِ تَركِ الوَلَد بِرَّهُما . (4)

[علّة تحريم الزّنا]وَ حَرَّمَ الزِّنا ؛ لِما فيهِ مِنَ الفَسادِ مِن قَتلِ الأَنفُسِ ، وَ ذَهابِ الأَنسابِ ، وَ تَركِ التَّربيَةِ لِلأَطفالِ ،

.


1- .راجع : علل الشرائع : ص435 ح2 ، بحار الأنوار : ج12 ص108 ح26.
2- .راجع : كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص73 ح1767 ، علل الشرائع : ص378 ح1 ، وسائل الشيعة : ج10 ص8 ح12699.
3- .راجع : علل الشرائع : ص478 ح1.
4- .راجع : وسائل الشيعة : ج21 ص502 ح27700.

ص: 101

[ علّة تحريم أكل مال اليتيم ظلما]
[ علّة تحريم الفِرار من الزّحف]
[ علّة تحريم التّعرّب بعد الهجرة]

وَ فَسادِ المَواريثِ ، وَ ما أَشبَهَ ذلِكَ مِن وُجوهِ الفَسادِ . (1)

[علّة تحريم أكل مال اليتيم ظلما]وَ حَرَّمَ أَكلُ مالِ اليَتيمِ ظُلما ؛ لِعِلَلٍ كَثيرَةٍ مِن وُجوهِ الفَسادِ : أَوَّلُ ذلِكَ أَنَّهُ إِذا أَكَلَ الإِنسانُ مالَ اليَتيمِ ظُلما فَقَد أَعانَ عَلى قَتلِهِ ؛ إِذ اليَتيمُ غَيرُ مُستَغنٍ وَ لا مُحتَمِلٌ لِنَفسِهِ وَ لا عَليمٌ بِشَأنِهِ ، وَ لا لَهُ مَن يَقومُ عَلَيهِ وَ يَكفيهِ كَقيامِ وَالِدَيهِ ، فَإِذا أَكَلَ مَالَهُ فَكَأَنَّهُ قَد قَتَلَهُ وَ صَيَّرَهُ إِلى الفَقرِ وَ الفاقَةِ ، مَعَ ما خَوَّفَ اللّهُ عز و جل وَ جَعَلَ مِنَ العُقوبَةِ في قَولِهِ عز و جل : « وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَ_فًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ اللَّهَ » (2) وَ لِقَولِ أَبي جَعفَرٍ عليه السلام : إِنَّ اللّهَ عز و جل وَعَدَ في أَكلِ مَالِ اليَتيمِ عُقوبَتَينِ : عُقوبَةٌ في الدُّنيا ، وَ عُقوبَةٌ في الآخِرَةِ . فَفي تَحريمِ مَالِ اليَتيمِ استِبقاءُ اليَتيمِ وَ استِقلالُهُ بِنَفسِهِ ، وَ السَّلامَةُ لِلعَقِبِ أَن يَصيبَهُ ما أَصابَهُ ، لِما وَعَدَ اللّهُ فيهِ مِنَ العُقوبَةِ ، مَعَ ما في ذلِكَ مِن طَلَبِ اليَتيمِ بِثَأرِهِ إذا أَدرَكَ ، وَ وُقوعِ الشَّحناءِ وَ العَداوَةِ وَ البَغضاءِ حَتَّى يَتَفانوا. (3)

[علّة تحريم الفِرار من الزّحف]وَ حَرَّمَ اللّهُ الفِرارَ من الزَّحفِ ؛ لِما فيهِ مِنَ الوَهنِ في الدِّينِ ، وَ الاستِخفافِ بِالرُّسُلِ وَ الأَئِمَّةِ العادِلَةِ عليهم السلام ، وَ تَركِ نُصرَتِهِم عَلى الأَعداءِ ، وَ العُقوبَةِ لَهُم عَلى إِنكارِ ما دَعَوا إِليهِ مِنَ الإِقرارِ بِالرُّبوبيَّةِ وَ إِظهارِ العَدلِ وَ تَركِ الجَورِ وَ إماتَةِ الفَسادِ ، وَ لِما في ذلِكَ مِن جُرأَةِ العَدوِّ عَلى المُسلِمينَ ، وَ ما يَكونُ في ذلِكَ مِنَ السَّبي وَ القَتلِ وَ إِبطالِ دينِ اللّهِ عز و جل ، وَ غيرِهِ مِنَ الفَسادِ . (4)

[علّة تحريم التّعرّب بعد الهجرة]وَ حَرَّمَ التَّعَرُّبَ بَعدَ الهِجرَةِ (5) ؛ لِلرُّجوعِ عَنِ الدِّينِ ، وَ تَركِ مُؤازَرَةِ الأَنبياءِ وَ الحُجَجِ عليهم السلام ،

.


1- .راجع : علل الشرائع : ص479 ح1 ، وسائل الشيعة : ج20 ص311 ح25699.
2- .النساء : 9 .
3- .راجع : علل الشرائع : ص480 ح1 ، وسائل الشيعة : ج17 ص246 ح22442.
4- .راجع:علل الشرائع:ص481 ح1 ،بحار الأنوار:ج76ص9 ح10 ، وسائل الشيعة :ج15ص87 ح20043 .
5- .هو أن يعود إلى البادية و يقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا . و كان مَن رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتدّ ( النهاية : ج 3 ص 202 ) .

ص: 102

[ علّة تحريم ما أُهِلَّ لغير اللّه به]
[ علّة تحريم جميع السّباع من الطّير والوحش]
[ تحريم لحوم المسوخ وعلّة تحريم الأرنب]

وَ ما في ذلِكَ مِنَ الفَسادِ وإِبطالِ حَقِّ كُلِّ ذي حَقٍّ لا لِعلَّةِ سُكنى البَدوِ ، وَ كَذلِكَ لَو عَرَفَ الرَّجلُ الدِّينَ كامِلاً ، لَم يَجزُ لَهُ مُساكَنَةُ أَهلِ الجَهلِ وَ الخوفِ عَلَيهِم ؛ لِأَنَّهُ لا يُؤمَنُ أَن يَقَعَ مِنهُ تَركُ العِلمِ ، وَ الدُّخولُ مَعَ أَهلِ الجَهلِ ، وَ التَّمادي في ذلِكَ . (1)

[علّة تحريم ما أُهِلَّ لغير اللّه به]و حَرَّمَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيرِ اللّهِ ؛ لِلَّذي أَوجَبَ اللّهُ عز و جل عَلى خَلقِهِ مِنَ الإِقرارِ بِهِ وَ ذِكرِ اسمِهِ عَلى الذَّبائِحِ المُحلَّلَةِ ، وَ لِئَلّا يُسَوِّي بَينَ ما تُقُرِّبَ بِهِ إِليهِ ، وَ بَينَ ما جُعِلَ عِبادَةً لِلشَّياطينِ وَ الأَوثانِ ؛ لِأَنَّ في تَسميَةِ اللّهِ الإِقرارَ بِرُبوبيَتِهِ وَ تَوحيدِهِ ، وَ ما في الإِهلالِ لِغَيرِ اللّهِ مِنَ الشِّركِ بِهِ وَ التَّقَرُّبِ بِهِ إِلى غَيرِهِ ، ليَكونَ ذِكرُ اللّهِ وَ تَسميَتُهُ عَلى الذَّبيحَةِ فَرقا بَينَ ما أَحَلَّ اللّهُ ، وَ بَينَ مَا حَرَّمَ اللّهُ . (2)

[علّة تحريم جميع السّباع من الطّير والوحش]وَ حُرِّمَ سِباعُ الطَّيرِ وَ الوَحشِ كُلُّها ؛ لِأَكلِها مِنَ الجِيَفِ وَ لُحومِ النَّاسِ وَ العَذِرَةِ وَ ما أَشبَهَ ذلِكَ ، فَجَعَلَ اللّهُ عز و جل دَلائِلَ ما أَحَلَّ مِنَ الوَحشِ وَ الطَّيرِ وَ ما حَرَّمَ كَما قالَ أَبي عليه السلام : كُلُّ ذي نابٍ مِنَ السِّباعِ وَ ذي مِخلَبٍ مِنَ الطَّيرِ حَرامٌ ، وَ كُلُّ ما كانَت لَهُ قانِصَةٌ مِنَ الطَّيرِ فَحَلالٌ . وَ عِلَّةٌ أُخرى يُفرِّقُ بَينَ ما أُحِلَّ مِنَ الطَّيرِ وَ ما حُرِّمَ قَولُهُ عليه السلام : كُل ما دَفَّ ، وَ لا تَأكُل ما صَفَّ . (3)

[تحريم لحوم المسوخ وعلّة تحريم الأرنب]وَ حَرَّمَ الأَرنَبَ ؛ لِأَنَّها بِمَنزِلَةِ السِّنّورِ ، وَ لَها مَخالِيبُ كَمخالِيبِ السِّنّورِ وَ سِباعِ الوَحشِ ، فَجَرَت مَجراها ، مَعَ قَذَرِها في نَفسِها ، وَ ما يَكونُ مِنها مِنَ الدَّمِ كَما يَكونُ مِنَ النِّساءِ ؛ لِأَنَّها مَسخٌ . (4)

.


1- .راجع : علل الشرائع : ص481 ح1 ، وسائل الشيعة : ج15 ص100 ح20066 ، بحار الأنوار : ج76 ص9 ح10.
2- .راجع: علل الشرائع :ص481 ح1 ، بحار الأنوار :ج62 ص323 ح27 ،وسائل الشيعة :ج24 ص213 ح30372.
3- .علل الشرائع : ص482 ح1 ، بحار الأنوار : ج62 ص170 ح3 ، وسائل الشيعة : ج24 ص109 ح30099.
4- .علل الشرائع : ص482 ح1 ، بحار الأنوار : ج62 ص170 ح3 ، وسائل الشيعة : ج24 ص109 ح30099.

ص: 103

[ علّة تحريم الرّبا]
[ علل تحريم المحرّمات من المأكول]

[علّة تحريم الرّبا]وَ عِلَّةُ تَحريمِ الرِّبا ، إِنَّما نَهى اللّهُ عَنهُ لِما فيهِ مِن فَسادِ الأَموالِ ؛ لِأَنَّ الإِنسانَ إذا اشتَرى الدِّرهَمَ بِالدِّرهَمَينِ كانَ ثَمَنُ الدِّرهَمِ دِرهَما ، وَ ثَمَنُ الآخَرِ باطِلاً ، فَبَيعُ الرِّبا وَكسٌ عَلى كُلِّ حالٍ عَلى المُشتَري وَ عَلى البائِعِ ، فَحَرَّمَ اللّهُ تَبارَكَ وَ تَعالى الرِّبا لِعِلَّةِ فَسادِ الأَموالِ ، كَما حَظَرَ عَلى السَّفيهِ أَن يُدفَعَ مالُهُ إِلَيهِ ؛ لِما يُتَخَوَّفُ عَلَيهِ مِن إِفسادِهِ حَتَّى يُؤنَسَ مِنهُ رُشدُهُ ، فَلِهذِهِ العِلَّةِ حَرَّمَ اللّهُ الرِّبا وَ بَيعَ الدِّرهَمِ بِالدِّرهَمَينِ يَدا بِيَدٍ . وَ عِلَّةُ تَحريمِ الرِّبا بَعدَ البَيِّنَةِ ، لِما فيهِ مِنَ الاستِخفافِ بِالحرامِ المُحَرَّمِ ، وَ هي كَبيرَةٌ بَعدَ البَيانِ ، وَ تَحريمِ اللّهِ تَعالى لَها ، وَ لَم يَكُن ذلِكَ مِنهُ إلّا استِخفافا بِالتَّحريمِ لِلحَرامِ ، وَالاستِخفافُ بِذلِكَ دُخولٌ في الكُفرِ . وَ عِلَّةُ تَحريمِ الرِّبا بِالنّسيئَةِ لِعِلَّةِ ذَهابِ المَعروفِ ، وَ تَلَفِ الأَموالِ ، وَرَغبَةِ النَّاسِ في الرِّبحِ ، وَ تَركِهِم القَرضَ وَ الفَرضَ وَ صَنائِعَ المَعروفِ ، وَ لِما في ذلِكَ مِنَ الفَسادِ وَ الظُّلمِ وَفَناءِ الأَموالِ . (1)

[علل تحريم المحرّمات من المأكول]وَ حَرَّمَ الخِنزير ؛ لِأَنَّهُ مُشَوَّهٌ جَعَلَهُ اللّهُ عز و جل عِظَةً لِلخَلقِ وَ عِبرَةً وَ تَخويفا ، وَ دَليلاً عَلى ما مَسَخَ عَلى خِلقَتِهِ ، وَ لِأَنَّ غِذاءَهُ أَقذَرُ الأَقذارِ ، مَعَ عِلَلٍ كَثيرَةٍ . وَ كَذلِكَ حَرَّمَ القِرَدَ ؛ لِأَنَّهُ مَسخٌ مِثلَ الخِنزيرِ ، وَ جَعَلَ عِظَةً وَ عِبرَةً لِلخَلقِ ، وَ دَليلاً عَلى ما مَسَخَ عَلى خِلقَتِهِ وَ صورَتِهِ ، وَ جَعَلَ فيهِ شِبها مِنَ الإِنسانِ ليَدُلَّ عَلى أَنَّهُ مِنَ الخَلقِ المَغضوبِ عَلَيهِم . وَ حُرِّمَتِ المَيتَةُ ؛ لِما فيها مِن فَسادِ الأَبدانِ وَ الآفَةِ ، وَ لِما أَرادَ اللّهُ عز و جل أَن يَجعَلَ تَسميَتَهُ سَبَبا لِلتَّحليلِ وَ فَرقا بَينَ الحَلالِ وَ الحَرامِ . وَ حَرَّمَ اللّهُ عز و جل الدَّمَ كَتَحريمِ المَيتَةِ ؛ لِما فيهِ مِن فَسادِ الأَبدانِ ، وَ لِأَنَّهُ يُورِثُ الماءَ الأَصفَرَ ،

.


1- .علل الشرائع : ص483 ح4 ، بحار الأنوار : ج100 ص119 ح23 ، وسائل الشيعة : ج18 ص121 ح23280.

ص: 104

[ علّة المهر و وجوبه]
[ علّة التّزويج للرّجل أربعة نسوة]
[ علّة التّزويج للعبد اثنتين]
[ علّة الطّلاق]

وَ يُبخِرُ الفَمَ ، وَ يُنتِنُ الرِّيحَ ، وَ يُسيءُ الخُلُقَ ، وَ يُورِثُ القَسَوةَ لِلقَلبِ ، وَ قِلَّةَ الرَّأفَةِ وَ الرَّحمَةِ حَتَّى لا يُؤمَنُ أَن يَقتلُ والِدَهُ وَ صاحِبَهُ . وَ حَرَّمَ الطِّحالِ ؛ لِما فيهِ مِنَ الدَّمِ ، وَ لِأَنَّ عِلَّتَهُ وَ عِلَّةَ الدَّمِ وَ المَيتَةِ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَجري مَجراها في الفَسادِ . (1)

[علّة المهر و وجوبه]وَ عِلَّةُ المَهرِ وَ وُجوبِهِ عَلى الرِّجالِ وَ لا يَجِبُ عَلى النِّساءِ أَن يُعطينَ أَزواجَهُنَّ ؛ لِأَنَّ لِلرَّجلِ مَؤونَةَ المَرأَةِ ، وَ لِأَنَّ المَرأَةَ بائِعَةٌ نَفسَها وَ الرَّجُلُ مُشتَرٍ ، وَ لا يَكونُ البَيعُ إِلَا بِثَمَنٍ وَ لا الشِّراءُ بِغَيرِ إعطاءِ الثَّمَنِ ، مَعَ أَنَّ النِّساءَ مَحظوراتٌ عَنِ التَّعامُلِ وَ المَتجَرِ ، مَعَ عِلَلٍ كَثيرَةٍ . (2)

[علّة التّزويج للرّجل أربعة نسوة]وَ عِلَّةُ التَّزويجِ لِلرَّجُلِ أَربَعةَ نِسوَةٍ وَ تَحريمِ أَن تَتَزَوَّجَ المَرأَةُ أَكثَرَ مِن واحِدٍ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إِذا تَزَوَّجَ أَربَعَ نِسوَةٍ كانَ الوَلَدُ مَنسوبا إِلَيهِ ، وَ المَرأَةُ لَو كانَ لَها زَوجانِ وَ أَكثَرُ مِن ذلِكَ لَم يُعرَفِ الوَلَدُ لِمَن هوَ ، إِذ هُم مُشتَرِكونَ في نِكاحِها ، وَ في ذلِكَ فَسادُ الأَنسابِ وَ المَواريثِ وَ المَعارِفِ . (3)

[علّة التّزويج للعبد اثنتين]وَ عِلَّةُ التَّزويجِ لِلعَبدِ اثنَتَينِ لا أَكثَرَ مِنهُ ؛ لِأَنَّهُ نِصفُ الرَّجُلِ الحُرِّ في الطَّلاقِ وَ النِّكاحِ ، لا يَملِكُ نَفسَهُ وَ لا لَهُ مالٌ ، إِنَّما يُنفِقُ مَولاهُ عَلَيهِ ، وَ ليَكونَ ذلِكَ فَرقا بَينَهُ وَ بَينَ الحُرِّ ، وَ ليَكونَ أَقلَّ لِاشتِغالِهِ عَن خِدمَةِ مَواليهِ . (4)

[علّة الطّلاق]وَ عِلَّةُ الطَّلاقِ ثَلاثا ؛ لِما فيهِ مِنَ المُهلَةِ فيما بَينَ الواحِدَةِ إِلى الثَّلاثِ ، لِرَغبَةٍ تَحدُثُ أَو سُكونِ غَضَبٍ إِن كان ، وَ ليَكُن ذلِكَ تَخويفا وَ تَأديبا لِلنِّساءِ ، وَ زَجرا لَهُنَّ عَن مَعصيَةِ أَزواجِهِنَّ

.


1- .راجع :علل الشرائع : ص484 ح4 ، بحار الأنوار : ج62 ص165 ح3 ، وسائل الشيعة : ج24 ص102 ح30085.
2- .راجع :علل الشرائع :ص501ح1 ،بحار الأنوار :ج100ص349ح16 ،وسائل الشيعة :ج21ص267 ح27062.
3- .راجع: علل الشرائع:ص504 ح1،بحار الأنوار :ج100 ص384 ح5 ، وسائل الشيعة : ج20 ص517 ح26238.
4- .راجع : وسائل الشيعة : ج20 ص517 ح26238.

ص: 105

[ علّة ترك شهادة النّساء في الطّلاق والهلال]
[ علّة شهادة أربعة في الزّنا]
[ علّة تحليل مال الولد للوالد]

فاستَحَقَّتِ المَرأَةُ الفُرقَةَ وَ المُبايَنَةَ ؛ لِدُخولِها فيما لا يَنبَغي مِن مَعصِيَةِ زَوجِها . وَ عِلَّةُ تَحريمِ المَرأَةِ تِسعِ تَطليقاتٍ فَلا تَحِلُّ لَهُ أَبَدا ؛ عُقوبَةٌ لِئَلَا يَتَلاعَبَ بِالطَّلاقِ ، وَ لا يَستَضعِفَ المَرأَةَ ، وَ ليَكونَ ناظِرا في أُمورِهِ مُتَيقِّظا مُعتَبِرا ، وَ ليَكونَ يأسا لَهُما مِنَ الاِجتِماعِ بَعدَ تِسعِ تَطليقاتٍ . وَ عِلَّةُ طَلاقِ المَملوكِ اثنَتَينِ ؛ لِأَنَّ طَلاقَ الأَمَةِ عَلى النِّصفِ ، فَجَعَلَهُ اثنَتَينِ احتياطا لِكَمالِ الفَرائِضِ ، وَ كَذلِكَ في الفَرقِ في العِدَّةِ لِلمُتَوَفَّى عَنها زَوجُها . (1)

[علّة ترك شهادة النّساء في الطّلاق والهلال]وَ عِلَّةُ تَركِ شَهادَةَ النِّساءِ في الطّلاقِ وَ الهِلالِ ؛ لِضَعفِهِنَّ عَن الرُّؤيَةِ ، وَ مُحاباتِهِنَّ النِّساءَ في الطَّلاقِ ، فَلِذلِكَ لا يَجوزُ شَهادتُهُنَّ إِلَا في مَوضِعِ ضَرورَةٍ ، مِثلِ شَهادَةِ القابِلَةِ وَ ما لا يَجوزُ لِلرِّجالِ أَن يَنظروا إِلَيهِ ، كَضَرورَةِ تَجويزِ شَهادَةِ أَهلِ الكِتابِ إِذا لَم يُوجَد غَيرُهُم ، وَ في كِتابِ اللّهِ عز و جل : «اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ » (2) كافِرينِ ، وَ مِثلِ شَهادَةِ الصِّبيانِ عَلى القَتلِ إِذا لَم يُوجَد غَيرُهُم . (3)

[علّة شهادة أربعة في الزّنا]وَ العِلَّةُ في شَهادَةِ أَربَعَةٍ في الزِّنا و اثنَينِ في سائِرِ الحُقوقِ ؛ لِشِدَّةِ حَدِّ المُحصَنِ ؛ لِأَنَّ فيهِ القَتلَ ، فَجُعِلَت الشَّهادَةُ فيهِ مُضاعَفَةً مُغَلَّظَةً لِما فيهِ مِن قَتلِ نَفسِهِ وَذَهابِ نَسَبِ وَلَدِهِ ، وَلِفَسادِ الميراثِ . (4)

[علّة تحليل مال الولد للوالد]وَ عِلَّةُ تَحليلِ مالِ الوَلَدِ لِوالِدِهِ بِغَيرِ إِذنِهِ وَ لَيسَ ذلِكَ لِلوَلَدِ ؛ لِأَنَّ الوَلَدَ مَولودٌ لِلوالِدِ في قَولِ

.


1- .راجع : كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص502 ح4763 ، علل الشرائع : ص506 ح1 ، بحار الأنوار : ج101 ص151 ح47 ، وسائل الشيعة : ج22 ص160 ح28274.
2- .المائدة : 106.
3- .راجع : علل الشرائع : ص509 ح1 ، وسائل الشيعة : ج27 ص365 ح33958.
4- .راجع : علل الشرائع : ص510 ح2 ، بحار الأنوار : ج79 ص38 ح16 ، وسائل الشيعة : ج27 ص238 ح33675.

ص: 106

[ علّة أن البيّنة على المدّعي و اليمين على المنكر]
[ علّة قطع يمين السّارق]
[ علّة حرمة السّرقة]

اللّهِ عز و جل : « يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَ_ثًا وَ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ » (1) ، مَعَ أَنَّهُ المأخُوذُ بِمَؤونَتِهِ صَغيرا أَو كَبيرا ، وَ المَنسوبُ إِلَيهِ أَو المَدعوُّ لَهُ ، لِقَولِ اللّهِ عز و جل : « ادْعُوهُمْ لِأَبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ » (2) ، وَ قَولِ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله : « أَنتَ وَ مالُكَ لِأَبيكَ » وَ لَيسَ لِلوالِدَةِ مِثلُ ذلِكَ ، لا تأخُذُ مِن مالِهِ إِلَا بِإِذنِهِ أَو بِإِذنِ الأَبِ ؛ لِأَنَّ الأَبَ مأخوذٌ بِنَفَقَةِ الوَلَدِ ، وَلا تُؤخَذُ المَرأَةُ بِنَفَقَةِ وَلَدِها . (3)

[علّة أن البيّنة على المدّعي و اليمين على المنكر]وَ العِلَّةُ في أَنَّ البَيِّنَةَ في جَميعِ الحُقوقِ عَلى المُدَّعي وَ اليَمينَ عَلى المُدَّعى عَليهِ ما خَلا الدَّمِ ؛ لِأَنَّ المُدَّعى عَليهِ جاحِدٌ وَلا يُمكِنُهُ إِقامَةُ البَيِّنَةِ عَلى الجُحودِ ، وَ لِأَنَّه مَجهولٌ وَ صارَت البَيِّنَةُ في الدَّمِ عَلى المُدَّعى عَليهِ ، وَ اليَمينُ عَلى المُدَّعي لِأَنَّهُ حَوطٌ يَحتاطُ بِهِ المُسلِمونَ ؛ لِئَلَا يَبطُلَ دَمُ امرِى ءٍ مُسلِمٍ ، وَ ليَكونَ زاجِرا وَ ناهيا لِلقاتِلِ لِشِدَّةِ إِقامَةِ البَيِّنَةِ عَليهِ ؛ لِأَنَّ مَن يَشهَدُ عَلى أَنَّهُ لَم يَفعَل قَليلٌ . وَ أَمّا عِلَّةُ القَسامَةِ أَن جُعِلَت خَمسينَ رَجُلاً ؛ فَلِمَا في ذلِكَ مِنَ التَّغليظِ وَ التَّشديدِ وَ الاحتياطِ ؛ لِئَلَا يَهدِرَ دَمُ امرِى ءٍ مُسلِمٍ . (4)

[علّة قطع يمين السّارق]وَ عِلَّةُ قَطعِ اليَمينَ مِنَ السَّارِقِ ؛ لِأَنَّه يُباشِرُ الأَشياءِ بِيَمينِهِ وَ هيَ أَفضَلُ أَعضائِهِ وَ أَنفَعُها لَهُ ، فَجَعَلَ قَطعُها نَكالاً وَ عِبرَةً لِلخَلقِ لِئَلَا يَبتَغوا أَخذَ الأَموالِ مِن غَيرِ حِلِّها ، وَ لِأَنَّهُ أَكثَرُ ما يُباشِرُ السَّرِقَةَ بِيَمينِهِ . وَ حُرِّمَ غَصبُ الأَموالِ وَ أَخذُها مِن غَيرِ حِلِّها ؛ لِما فيهِ مِن أَنواعِ الفَسادِ ، وَ الفَسادُ مُحَرَّمٌ ؛ لِما فيهِ مِن الفَناءِ ، وَ غَيرِ ذلِكَ مِن وُجوهِ الفَسادِ . (5)

[علّة حرمة السّرقة]وَ حُرمَةُ السَّرِقَةِ ؛ لِما فيهِ مِن فَسادِ الأَموالِ وَ قَتلِ الأَنفُسِ لَو كانَت مُباحَةً ، وَ لِما يأتي في

.


1- .الشورى : 49.
2- .الأحزاب : 5 .
3- .راجع:علل الشرائع : ص524 ح1 ، بحار الأنوار : ج100 ص73 ح3 ، وسائل الشيعة : ج17 ص266 ح22487.
4- .راجع:علل الشرائع :ص542 ح2 ، بحار الأنوار :ج101 ص402 ح1 ،وسائل الشيعة :ج27 ص235 ح33671.
5- .راجع:المناقب لابن شهرآشوب:ج4ص358،بحارالأنوار:ج6ص102،وسائل الشيعة:ج28ص241 ح34655.

ص: 107

[ علّة ضرب الزّاني]
[ علّة ضرب القاذف و شارب الخمر]
[ علّة القتل بعد إقامة الحدّ في الثالثة]
[ علّة تحريم الذُّكران للذُّكران و الإناث للإناث]

التَّغاصُبِ مِنَ القَتلِ وَ التَّنازُعِ وَ التَّحاسُدِ ، وَ ما يَدعو إِلى تَركِ التِّجاراتِ وَ الصِّناعاتِ في المَكاسِبِ ، وَ اقتِناءِ الأَموالِ إِذا كانَ الشَّيءُ المُقتَنى لا يَكونُ أَحدٌ أَحقَّ بِهِ مِن أَحدٍ. (1)

[علّة ضرب الزّاني]وَ عِلَّةُ ضَربِ الزَّاني عَلى جَسَدِهِ بِأَشَدِّ الضَّربِ ؛ لِمُباشَرَتِهِ الزِّنا وَ استِلذاذِ الجَسَدِ كُلِّهِ بِهِ ، فَجُعِلَ الضَّربُ عُقوبَةً لَهُ وَ عِبرَةً لِغَيرِهِ ، وَ هوَ أَعظَمُ الجِناياتِ . (2)

[علّة ضرب القاذف و شارب الخمر]وَ عِلَّةُ ضَربِ القاذِفِ وَ شارِبِ الخَمرِ ثَمانينَ جَلدَةً ؛ لِأَنَّ في القَذفِ نَفيَ الوَلَدِ وَ قَطعَ النَّسلِ وَ ذَهابَ النَّسَبِ . وَ كذلِكَ شارِبُ الخَمرِ ؛ لِأَنَّهُ إِذا شَرِبَ هَذي ، وَ إِذا هَذي افتَرى ، فَوَجَبَ عَلَيهِ حَدُّ المُفتَري . (3)

[علّة القتل بعد إقامة الحدّ في الثالثة]وَ عِلَّةُ القَتلِ بَعدَ إِقامَةِ الحَدِّ في الثَّالِثَةِ عَلى الزَّاني وَ الزَّانيَةِ ؛ لِاستِخفافِهِما وَ قِلَّةِ مُبالاتِهِما بِالضَّربِ ، حَتَّى كَأَ نَّهُما مُطلَقٌ لَهُما ذلِكَ الشَّيءُ . وَ عِلَّةٌ أُخرى : أَنَّ المُستَخِفَّ بِاللّهِ وَ بِالحَدِّ كافِرٌ ، فَوَجَبَ عَلَيهِ القَتلُ لِدُخولِهِ في الكُفرِ . (4)

[علّة تحريم الذُّكران للذُّكران و الإناث للإناث]وَ عِلَّةُ تَحريمِ الذُّكرانِ لِلذُّكرانِ وَ الإِناثِ لِلإِناثِ ؛ لِما رُكِّبَ في الإِناثِ ، وَ ما طُبِعَ عَلَيهِ الذُّكرانِ ، وَ لِما في إِتيانِ الذُّكرانِ لِلذُّكرانِ وَ الإِناثِ لِلإِناثِ مِنِ انقِطاعِ النَّسلِ ، وَ فَسادِ التَّدبيرِ ، وَ خَرابِ الدُّنيا . (5)

.


1- .راجع : بحار الأنوار : ج6 ص102 ، وسائل الشيعة : ج28 ص241 ح34655.
2- .راجع : علل الشرائع : ص544 ح2 ، وسائل الشيعة : ج28 ص94 ح4302.
3- .راجع : علل الشرائع : ص545 ح1 ، وسائل الشيعة : ج28 ص176 ح34495.
4- .راجع : علل الشرائع : ص547 ح1 ، وسائل الشيعة : ج28 ص19 ح34115 وص117 ح34362.
5- .راجع : علل الشرائع : ص547 ح1 ، وسائل الشيعة : ج20 ص331 ح25751.

ص: 108

[ علّة إباحة لحوم البقر والغنم والإبل]
[علّة حرمة النّظر إلى شعور النّساء]
[ علّة إعطاء النّساء نصف ما يعطى الرّجال من الميراث]

[علّة إباحة لحوم البقر والغنم والإبل]وَ أَحَلَّ اللّهُ تَبارَكَ وَ تَعالى لُحومَ البَقَرِ وَ الغَنَمِ وَ الإِبلِ ، لِكَثرَتِها وَ إِمكانِ وُجودِها . وَ تَحليلُ بَقَرِ الوَحشِ وَ غَيرِها مِن أَصنافِ ما يُؤكَلُ مِنَ الوَحشِ المُحَلَّلَةِ ؛ لِأَنَّ غِذاءَها غَيرُ مَكروهٍ وَ لا مُحَرَّم ، وَ لا هيَ مُضِرَّةٌ بَعضُها بِبَعضٍ ، وَ لا مُضِرَّةٌ بِالإِنسِ ، وَ لا في خَلقِها تَشويهٌ . وَ كُرِهَ أَكلُ لُحومِ البِغالِ وَ الحُمُرِ الأَهليَّةِ ؛ لِحاجَةِ النَّاسِ إِلى ظُهورِها وَ استِعمالِها ، وَ الخَوفِ مِن قِلَّتِها ، لا لِقَذَرِ خَلقِها وَ لا لِقَذَرِ غِذائِها . (1)

[علّة حرمة النّظر إلى شعور النّساء]وَ حُرِّمَ النَّظَرُ إِلى شُعورِ النِّساءِ المَحجوباتِ بِالأَزواجِ وَ إِلى غَيرِهِنَّ مِنَ النِّساءِ ؛ لِما فيهِ مِن تَهييجِ الرِّجالِ ، وَ ما يَدعو التَّهييجُ إِليهِ مِنَ الفَسادِ وَ الدُّخولِ فيما لا يَحِلُّ وَ لا يَجمُلُ ، وَ كَذلِكَ ما أَشبَهَ الشُّعورِ ، إِلَا الّذي قالَ اللّهُ تَعالى : « وَ الْقَوَ عِدُ مِنَ النِّسَآءِ الَّ_تِى لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَ_ت بِزِينَةٍ وَ أَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (2) أَي غَيرَ الجِلبابِ فَلا بَأسَ بِالنَّظَرِ إِلى شُعورِ مِثلِهِنَّ . (3)

[علّة إعطاء النّساء نصف ما يعطى الرّجال من الميراث]

.


1- .راجع : علل الشرائع : ص561 ح1 و ص563 ح4 ، بحار الأنوار : ج62 ص175 ح7 ، وسائل الشيعة : ج25 ص50 ح31145 .
2- .النور : 60.
3- .راجع : علل الشرائع : ص565 ح1 ، بحار الأنوار : ج100 ص384 ح4 وج101 ص2 ح5 وص34 ح12 ، وسائل الشيعة : ج20 ص193 ح25406.

ص: 109

[ علّة المرأة لا ترث من العقار]
( 42 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن سنان في علّة تحريم قذف المحصنات

« الرِّجَالُ قَوَّ مُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَ لِهِمْ » (1) . (2)

[علّة المرأة لا ترث من العقار]وَ عِلَّةُ المَرأَةِ أَنَّها لا تَرِثُ مِنَ العَقارِ شَيئا إِلَا قِيمَةَ الطُّوبِ وَ النِّقضِ ؛ لِأَنَّ العَقارَ لا يُمكِنُ تَغييرُهُ وَ قَلبُهُ ، وَ المَرأَةَ يَجوزُ أَنَ يَنقَطِعَ ما بَينَها وَ بَينَهُ مِنَ العِصمَةِ ، وَ يجوزُ تَغييرُها وَ تَبديلُها . وَ لَيسَ الوَلَدُ وَ الوالِدُ كَذلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لا يُمكِنُ التَّفَصِّي مِنهُما ، وَ المَرأَةُ يُمكِنُ الاستِبدالُ بِها ، فَما يَجوزُ أَن يَجئَ وَ يَذهَبَ كانَ ميراثُهُ فيما يَجوزُ تَبديلُهُ وَ تَغييرُهُ إِذا أَشبَهَهُ ، وَ كانَ الثَّابِتُ المُقيمُ عَلى حالِهِ كَمَن كانَ مِثلُهُ الثَّباتِ وَ القيامِ . (3)

42كتابه عليه السلام إلى محمّد بن سنانفي علّة تحريم قذف المحصناتعليّ بن أحمد ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عليّ بن العبّاس ، قال : حدّثنا القاسم بن الرّبيع الصّحّاف ، عن محمّد بن سنان 4 : أنّ

.


1- .النساء : 34.
2- .راجع : علل الشرائع : ص570 ح1.
3- .عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص88 ح1 ، بحار الأنوار : ج6 ص94 ح2 ، و راجع : تهذيب الأحكام : ج9 ص300 ح34 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص348 ، وسائل الشيعة : ج26 ص211 ح32849 ، بحار الأنوار : ج82 ص261 ح10 وج81 ص169 .

ص: 110

( 43 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن سنان في علّة الصلاة

أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام كَتب إليه فيما كَتب من جواب مسائله :حَرَّمَ اللّهُ عز و جل قَذفَ المُحصَناتِ ؛ لِما فيهِ مِن فَسادِ الأَنسابِ ، وَ نَفي الوَلَدِ ، وَ إِبطالِ المَواريثِ ، وَ تَركِ التَّربيَةِ ، وَ ذَهابِ المَعارِفِ ، وَ ما فيهِ مِنَ المَساوئ وَ العِلَلِ الَّتي تُؤَدِّي إِلى فَسادِ الخَلقِ . (1)

43كتابه عليه السلام إلى محمّد بن سنانفي علّة الصّلاةعليّ بن أحمد بن محمّد ، قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عليّ بن العبّاس ، قال : حدّثنا القاسم بن ربيع الصّحّاف ، عن محمّد بن سنان : أنّ أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله :إنَّ عِلَّةَ الصَّلاةِ أَنَّها إقرارٌ بِالرُّبوبيَّةِ للّهِ عز و جل ، وَ خَلعُ الأَندادِ ، وَ قيامٌ بَينَ يَدي الجَبَّارِ جَلَّ جَلالُهُ بالذُّلِّ وَ المَسكَنَةِ وَ الخُضوعِ وَ الِاعتِرافِ ، وَ الطَّلبُ لِلإِقالَةِ مِن سالِفِ الذُّنوبِ ، وَ وَضعُ الوَجهِ عَلى الأَرضِ كُلَّ يَومٍ خَمسَ مَرَّاتٍ إعظاما للّهِ عز و جل ، وَ أَن يَكونَ ذاكِرا غَيرَ ناسٍ وَ لا بَطِرٍ ، وَ يَكونُ خاشِعا مُتَذَلِّلاً ، راغِبا ، طالِبا لِلزِّيادَةِ في الدِّين وَ الدُّنيا ، مَعَ ما فيهِ مِنَ الانزِجارِ وَ المُداوَمَةِ عَلى ذِكرِ اللّهِ عز و جل بِاللَّيلِ وَ النَّهارِ ؛ لِئَلَا يَنسى العَبدُ سَيِّدَهُ وَ مُدَبِّرَهُ وَ خالِقَهُ فَيَبطَرَ

.


1- .علل الشرائع : ص480 ح1 ، وسائل الشيعة : ج28 ص174 ح34489.

ص: 111

( 44 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن سنان في علل تحريم المحرّمات

وَ يَطغى ، وَ يَكونَ في ذِكِرِهِ لِرَبِّهِ و قيامِهِ بَينَ يَدَيهِ زاجِرا لَهُ عَنِ المَعاصي ، وَ مانِعا مِن أَنواعِ الفَسادِ . (1)

44كتابه عليه السلام إلى محمّد بن سنانفي علل تحريم المحرّماتعليّ بن أحمد رحمه الله قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عليّ بن العبّاس ، قال : حدّثنا القاسم بن الرّبيع الصّحّاف ، عن محمّد بن سنان : أنّ أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام كتب إليه بما في هذا الكتاب جواب كتابه إليه يسأله عنه :جاءَني كِتابُكَ تَذكُرُ أَنَّ بَعضَ أَهلِ القِبلَةِ يَزعُمُ أَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى لَم يُحِلَّ شَيئا وَ لَم يُحَرِّمَهُ لِعِلَّةٍ أَكثَرَ مِنَ التَّعَبُّدِ لِعِبادِهِ بِذلِكَ ، قَد ضَلَّ مَن قالَ ذلِكَ ضَلالاً بَعيدا ، وَ خَسِرَ خُسرانا مُبِينا ؛ لِأَنَّهُ لَو كان ذلِكَ لَكانَ جائِزا أَن يَستَعبِدَهُم بِتَحليلِ مَا حَرَّمَ وَ تَحريمِ مَا أَحَلَّ ، حَتَّى يَستَعبِدَهُم بِتَركِ الصَّلاةِ وَ الصِّيامِ وَ أَعمالِ البِرِّ كُلِّها ، وَ الإِنكارِ لَهُ وَ لِرُسُلِهِ وَ كُتُبِهِ ، وَ الجُحودِ بِالزِّنا وَ السَّرِقَةِ ، وَ تَحريمِ ذَواتِ المَحارِمِ ، وَ ما أَشبَهَ ذلِكَ مِنَ الأُمورِ الَّتي فيها فَسادُ التَّدبيرِ وَ فَناءُ الخَلقِ ، إِذ العِلَّةُ في التَّحليلِ وَ التَّحريمِ التَّعَبُّدُ لا غيرُهُ . فَكانَ كَما أَبطَلَ اللّهُ تَعالى بِهِ قَولَ مَن قالَ ذلِكَ ، إِنَّا وَجَدنا كُلَّما أَحَلَّ اللّهُ تَبارَكَ وَ تَعالى فَفيهِ صَلاحُ العِبادِ وَ بَقاؤُهُم ، وَ لَهُم إليهِ الحاجَةُ الَّتي لا يَستَغنونَ عَنها ، وَ وَجَدنا المُحَرَّمَ مِنَ الأَشياءِ لا حاجَةَ بِالعِبادِ إِليهِ ، وَ وَجَدناهُ مُفسِدا داعيا إلى الفَناءِ وَ الهَلاكِ ، ثُمَّ رَأَيناهُ تَبارَكَ وَ تَعالى قَد أَحَلَّ بَعضَ ما حَرَّمَ في وَقتِ الحاجَةِ ؛ لِما فيهِ مِنَ الصَّلاحِ في ذلِكَ الوَقتِ ، نَظيرَ ما أَحَلَّ مِنَ المَيتَةِ وَ الدَّمِ وَ لَحمِ الخِنزيرِ إِذا اضطَرَّ إِليها المُضطَّرُ ؛ لِما في ذلِكَ الوَقتِ مِنَ

.


1- .علل الشرائع : ص317 ح2 ، بحار الأنوار : ج82 ص261 ح10 ، و راجع : كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص214 ، عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص103 ، بحار الأنوار : ج82 ص261 ح10 .

ص: 112

باب الطّهارة
( 45 ) جوابه عليه السلام لمكتوبة محمّد بن إسماعيل بن بزيع في ماء البئر

الصَّلاحِ وَ العِصمَةِ وَ دَفعِ المَوتِ ، فَكَيفَ أَنَّ الدَّليلَ عَلى أَنَّهُ لَم يُحِلَّ إِلَا لِما فيهِ مِنَ المَصلَحَةِ لِلأَبدانِ ، وَ حَرَّمَ ما حَرَّم لِما فيه مِنَ الفَسادِ ، وَ لِذلِكَ وَصَفَ في كِتابِهِ وَ أَدَّت عَنهُ رُسُلُهُ وَ حُجَجُهُ ، كَما قالَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : « لَو يَعلَمُ العِبادُ كَيفَ كانَ بَدءُ الخَلقِ ما اختَلَفَ اثنانِ » ، وَ قَولُه عليه السلام : « لَيسَ بَينَ الحَلالِ وَ الحَرامِ إِلَا شَيءٌ يَسيرٌ يُحَوِّلَهُ مِن شَيءٍ إِلى شَيءٍ فَيَصيرُ حَلالاً وَ حَراما » . (1)

باب الطّهارة45جوابه عليه السلام لمكتوبة محمّد بن إسماعيل بن بزيعفي ماء البئرأبو القاسم جعفر بن محمّد عن أبيه ، عن سعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع 2 ، قال : كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أباالحسن

.


1- .علل الشرائع : ص592 ح43 ، بحار الأنوار : ج6 ص93 ح1 .

ص: 113

( 46 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيل بن بزيع في ملاقاة نجاسةٍ مع ماء البئر
( 47 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيل بن بزيع في المياه

الرّضا عليه السلام . فقال : ماءُ البِئرِ واسِعٌ لا يُفسِدُهُ شَيءٌ ، إِلَا أَن يَتَغَيَّرَ رِيحُهُ أَو طَعمُهُ فَيُنزَحُ مِنهُ حَتَّى يَذهَبَ الرِّيحُ وَ يَطيبَ طَعمُهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ مادَّةً . (1)

46كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيل بن بزيعفي ملاقاة نجاسةٍ مع ماء البئرأبو القاسم جعفر بن محمّد عن محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع (2) ، قال : كتبت إلى رجلٍ أسأله أن يسأل أبا الحسن الرّضا عليه السلام عن البئر يكون في المنزل للوضوء ، فتقطر فيها قطرات من بولٍ أو دمٍ ، أو يسقط فيها شيء من عذرةٍ كالبعرة أو نحوها ، ما الّذي يطهرهاحتّى يحلّ الوضوء منها للصّلاة ؟ فوقّع عليه السلام في كتابي بخطّه : يُنزَحُ مِنها دِلاءٌ . (3)

47كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيل بن بزيعفي المياهأحمد بن محمّد عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد (4) ،

.


1- .تهذيب الأحكام : ج1 ص234 ح7.
2- .راجع : ص 104 الرقم 45 .
3- .تهذيب الأحكام : ج1 ص244 ح36 ، الاستبصار : ج1 ص44 ، عوالي اللآلي : ج3 ص15 ح28 ، وسائل الشيعة : ج1 ص176 ح442 .
4- .راجع : ص 110 الرقم 52 .

ص: 114

( 48 ) كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسى في لبس الخزّ

عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع (1) ، قال : كتبت إلى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السّماء أو يُستقى فيه من بئرٍ ، فيستنجي فيه الإنسان من بولٍ أو يغتسل فيه الجنب ، ما حدّه الّذي لا يجوز ؟ فكتب :لا تَوَضَّأ مِن مِثلِ هذا ، إِلَا مِن ضَرورَةٍ إِلَيهِ . (2)

48كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسىفي لبس الخزّجعفر بن عيسى 3 ، قال : كتبت إلى أبيالحسن الرِّضا عليه السلام أسألُه عن الدّوابّ الّتي يُعمَل الخزّ من وبرها ، أسباع هي ؟ فكتب عليه السلام :لَبِسَ الخَزَّ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ وَمِن بَعدِهِ جَدِّي عليهماالسلام . (3)

.


1- .راجع : ص 104 الرقم 45 .
2- .تهذيب الأحكام : ج1 ص150 ح118 وص418 ح38 ، الاستبصار : ج1 ص9 ح11 ، وسائل الشيعة : ج1 ص163 ح405 .
3- .الكافي : ج6 ص452 ح8 ، وسائل الشيعة : ج4 ص364 ح5398.

ص: 115

( 49 ) كتابه عليه السلام إلى الفضل في المسك

49كتابه عليه السلام إلى الفضلفي المسكمحمّد بن الوليد الكرمانيّ (1) ، قال : أتيت أبا جعفر بن الرّضا عليهماالسلام ، فوجدت بالباب الّذي في الفناء قوما كثيرا ، فعدلت إلى مسافرٍ فجلست إليه حتّى زالت الشّمس ، فقمنا للصّلاة ، فلمّا صلّينا الظّهر وجدت حسّا من ورائي ، فالتفتّ فإذا أبو جعفرٍ عليه السلام ، فسرت إليه حتّى قبّلت يده ، ثمّ جلس و سأل عن مقدمي ، ثمّ قال :سَلِّم . فقلت : جُعلت فداك قد سلّمت ، فأعاد القول ثلاث مرّات : سَلِّم . وقلت : ذاك ما قد كان في قلبي منه شيء ، فتبسّم و قال : سَلِّم . فتداركتها وقلت : سلّمت ورضيت يابن رسول اللّه . فأجلى اللّه ما كان في قلبي ، حتّى لو جهدت و رمت لنفسي أن أعود إلى الشّك ما وصلت إليه . فعدت من الغد باكرا ، فارتفعت عن الباب الأوّل و صرت قبل الخيل و ما ورائي أحد أعلمه ، و أنا أتوقّع أن أجد السّبيل إلى الإرشاد إليه ، فلم أجد أحدا ، حتّى اشتدّ الحرّ والجوع جدّا ، حتّى جعلت أشرب الماء أَطفِئُ به حرّ ما أجد من الجوع و الخواء ، فبينا أنا كذلك إذ أقبل نحوي غلام قد حمل خِوانا عليه طعام و ألوان ، و غلام آخر معه طشت و إبريق ، حتّى وُضِعَ بين يدي و قالا : أمرك أن تأكل . فأكلت ، فما فرغت حتّى أقبل ، فقمت إليه فأمرني بالجلوس و بالأكل ، فأكلت ، فنظر إلى الغلام فقال : كُل مَعَه يَنشَط . حتّى إذا فرغت و رفع الخوان ذهب الغلام ليرفع ما وقع من الخوان من فتات الطّعام ، فقال : مَه مَه ، ما كانَ في الصَّحراءِ فَدَعهُ وَ لَو فَخِذَ شاةٍ ، وَ ما كانَ في البَيتِ فالقُطهُ . ثمّ قال : سَل . قلت : جعلني اللّه فداك ما تقول في المسك ؟ فقال :

.


1- .محمّد بن الوليد الخزّاز الكرمانيّ ، من أصحاب أبي جعفر محمّد بن عليّ الثّاني ( رجال الطوسي : ص 378 الرقم5605 ) .

ص: 116

( 50 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن أحمد الدّقاق البغداديّ في الخروج والحجامة يوم الأربعاء

إِنَّ أَبي أَمَرَ أَن يُعمَل لَهُ مِسكٌ في بانٍ (1) ، فَكَتَبَ إِليهِ الفَضلُ يُخبِرُهُ أَنَّ النَّاسَ يَعيبونَ ذلِكَ عَلَيهِ . فَكَتَبَ : يا فَضلُ أَما عَلِمتَ أَنَّ يُوسُفَ كانَ يَلبَسُ ديباجا مَزرورا بِالذَّهَبِ وَ يَجلِسَ عَلى كَراسيِّ الذَّهَبِ فَلَم يَنقُص مِن حِكمَتِهِ شَيئا ، وَ كَذلِكَ سُليمان . ثمّ أمر أن يعمل له غالية بأربعة آلاف درهم . ثمّ قلت : ما لمواليك في موالاتكم ؟ فقال : إِنَّ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام كانَ عِندَه غُلامٌ يُمسِكُ بَغلَتَهُ إِذا هوَ دَخَلَ المَسجِدَ ، فَبَينا هوَ جَالِسٌ و مَعَهُ بَغلَةٌ إِذ أَقبَلَت رِفقَةٌ مِن خُراسانَ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِن الرِّفقَةِ : هَل لَكَ يا غُلامُ أَن تَسأَلَهُ أَن يَجعَلَني مَكانَكَ وَ أَكونَ لَهُ مَملوكا وَ أَجعَل لَكَ مالي كُلَّهُ ، فَإِنِّي كَثيرُ المالِ مِن جَميعِ الصُّنُوف ، اذهَب فاقبِضهُ وَ أَنا أُقيمُ مَعَهُ مَكانَكَ . . . (2) .

50كتابه عليه السلام إلى محمّد بن أحمد الدّقاق البغداديّفي الخروج والحجامة يوم الأربعاءمحمّد بن الحسن رضى الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثني محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعريّ (3) ، قال : حدّثنا السّياريّ ، عن محمّد بن أحمد الدّقاق البغداديّ (4) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثّاني عليه السلام أسأله عن الخروج يوم الأربعاء لا يدور (5) . فكتب عليه السلام :مَن خَرَجَ يَومَ الأَربِعاءِ لا يَدورُ خِلافا عَلى أَهلِ الطِّيَرَةِ ، وُقِيَ مِن كُلِّ آفَةٍ ، وَعُوفيَ مِن كُلِّ

.


1- .البان : شجر ، ولِحَبّ ثمره دهن طيّب ( راجع : مجمع البحرين : ج 2 ص 398 ) .
2- .الخرائج والجرائح : ج1 ص388 ، بحار الأنوار : ج50 ص87 ح3 .
3- .راجع : الرقم 149 .
4- .لم نجده بهذا العنوان في التّراجم ، والظاهر أنّه مجهول لا يعرف ؛ لعدم وروده في غير ما نحن فيه.
5- .لا يدور في شهره . أي : الأربعاء الأخيرة من الشهر ؛ حيث كان النّاس يتطيّرون منه .

ص: 117

( 51 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن يونس في خضاب الجُنُب

داءٍ وَعاهَةٍ ، وَقَضَى اللّهُ لَهُ حاجَتَهُ . (1) وكتبت إليه مرّة أُخرى أسأله عن الحجامة يوم الأربعاء لا يدور ؟ فكتب عليه السلام : مَنِ احتَجَمَ في يَومِ الأَربِعاءِ لا يَدورُ خِلافا عَلى أَهلِ الطِّيَرَةِ ، عُوفيَ مِن كُلِّ آفَةٍ ، وَوُقيَ مِن كُلِّ عاهَةٍ ، وَلَم تَخضَرَّ مَحاجِمُهُ . (2)

51كتابه عليه السلام إلى محمّد بن يونسفي خضاب الجُنُبسعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمّد بن عيسى (3) ، عن محمّد بن الحسن بن عَلاّن ، عن جعفر بن محمّد بن يونس (4) : أنّ أباه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام عن الجُنُب يختَضب أو يُجنب و هو مُختضب . فكتب :لا أُحِبُّ لَهُ ذلِكَ . (5)

.


1- .الخصال : ص386 ح72 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص266 ح2393 ، الأمان : ص32 ، مكارم الأخلاق : ص241 وفيهم «كتب بعض البغداديِّين إلى أبي الحسن الثّاني عليه السلام . . . » ، بحار الأنوار : ج56 ص43 ح4 وج 59 ص114 ح15 ، وسائل الشيعة : ج11 ص362 ح15022 .
2- .الخصال : ص386 ح72 ، بحار الأنوار : ج56 ص43 ح4 وج 59 ص114 ح15 .
3- .راجع : ص 130 الرقم 79 .
4- .هو جعفر بن محمّد بن يونس الأحول الصيرفي ، مولى بجيلة ، ثقة ، روى عن أبي جعفر الثاني عليه السلام ، له كتاب نوادر ، وعُدّ من أصحاب الجواد والهادي عليهماالسلام ، وكذا عُدّ من أصحاب الرّضا عليه السلام ، ولكن ردّ ذلك السيّد الخوئي بقوله : « لم يثبت . . . » وقال عنه : « روى كتاب أبيه عن ابن الحسن عليه السلام . . . » وفي هذا الخبر نسب إلى جدّه « جعفر » أي : «جعفر بن يونس» ( راجع : رجال النجاشي : ج1 ص120 الرقم307 ، الفهرست للطوسي : ص112 الرقم149 ، رجال الطوسي : ص374 الرقم5533 وص 385 الرقم5662 ، رجال البرقي : ص132 الرقم1515 ، معجم رجال الحديث : ج4 ص124 الرقم21093 وراجع : ص 39 الرقم 13 ) .
5- .تهذيب الأحكام : ج1 ص181 ح91 ، الاستبصار : ج1 ص117 ح7 ، وسائل الشيعة : ج2 ص222 ح1990.

ص: 118

( 52 ) كتابه عليه السلام إلى الحسين بن سعيد في التّربيع
( 53 ) كتابه عليه السلام إلى يونس في دفن الكافر

52كتابه عليه السلام إلى الحسين بن سعيدفي التّربيعكتب الحسين بن سعيد 1 إلى أبي الحسن الرِّضا عليه السلام يسألُه عن سَرير الميّت يُحمَل ، ألَه جانبٌ يُبدَأُ به في الحمل من جوانبه الأربعة ، أو ما خفّ على الرّجل يَحمِل من أيِّ الجوانب شاء ؟ فكتب عليه السلام :مِن أَيِّها شاءَ . (1)

53كتابه عليه السلام إلى يونسفي دفن الكافرأبو القاسم جعفر بن محمّد عن أبيه ، عن سعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد ، عن أحمد بن أشيم ، عن يونس ، قال : سألت الرّضا عليه السلام عن الرّجل تكون له الجارية اليهوديّة والنّصرانيّة فيواقعها فتحمل ، ثمّ يدعوها إلى أن تسلم فتأبى عليه ، فدنى ولادتها فماتت وهي تطلق والولد في بطنها ومات الولد ، أيدفن معها على النّصرانيّة ، أو يخرج منها ويدفن على فطرة الإسلام ؟ فكتب :يُدفَنُ مَعَها (2) .

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص162 ح462 ، وسائل الشيعة : ج3 ص155 ح3273.
2- .تهذيب الأحكام : ج1 ص334 ح148 ، وسائل الشيعة : ج3 ص204 ح3415 . ويونس في السند هو يونس بن عبد الرّحمن الّذي تقدّمت ترجمته فراجع .

ص: 119

( 54 ) كتابه عليه السلام إلى الفتح بن يزيد الجرجانيّ في استعمال جلد الميتة
باب الصّلاة
( 55 ) كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن مهران في مواقيت الصّلاة

54كتابه عليه السلام إلى الفتح بن يزيد الجرجانيّفي استعمال جلد الميتةعليّ بن إبراهيم عن المختار بن محمّد بن المختار ومحمّد بن الحسن ، عن عبداللّه بن الحسن العلويّ ، جميعا عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ (1) ،عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : كتبت إليه عليه السلام أسأله عن جلود الميتة الّتي يؤكل لحمها إن ذُكّي . فكتب :لا يُنتَفَعُ مِنَ المَيتَةٍ بِإِهابٍ وَ لا عَصَبٍ ، وَ كُلُّ ما كانَ مِنَ السِّخالِ مِنَ الصُّوفِ _ إِن جُزَّ _ وَ الشَّعرِ و الوَبَرِ وَ الإِنفَحَةِ وَ القَرنِ ، وَ لا يُتَعَدَّى إلى غَيرِها إِن شاءَ اللّهُ . (2)

باب الصّلاة55كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن مهرانفي مواقيت الصّلاةعليّ بن محمّد و محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران 3 ،

.


1- .راجع : ص 25 الرقم 5 .
2- .الكافي : ج6 ص258 ح6 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص76 ح58 ، وسائل الشيعة : ج24 ص185 ح30300.

ص: 120

( 56 ) كتابه عليه السلام إلى عبداللّه بن محمّد

قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام : ذَكَرَ أصحابنا أنّه إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظّهر و العصر و إذا غربت دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة ، إلّا أنّ هذه قبل هذه في السّفر و الحضر ، و أنّ وقت المغرب إلى ربع اللّيل . فكتب :كَذلِكَ الوَقتُ ، غَيرَ أَنَّ وَقتَ المَغرِبِ ضَيِّقٌ ، وَ آخِرُ وَقتِها ذَهابُ الحُمرَةِ وَ مَصيرُها إِلى البَياضِ في أُفُقِ المَغرِبِ . (1)

56كتابه عليه السلام إلى عبداللّه بن محمّدالحسين بن سعيد (2) ، عن عبداللّه بن محمّد (3) ، قال : كتبت إليه : جُعلت فداك ، روى أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام أنّهما قالا :إِذا زالَتِ الشَّمسُ فَقَد دَخَلَ وَقتُ الصَّلاتَينِ ، إِلَا أَنَّ بَينَ يَدَيهِمَا سُبحَةٌ ، إِن شِئتَ طَوَّلتَ ، وَإِن شِئتَ قَصَّرتَ . و روى بعض مواليك عنهما : أَنَّ وَقتَ الظُّهرِ عَلى قَدَمَينِ مِنَ الزَّوالِ ، وَوَقتَ العَصرِ عَلى أَربَعَةِ أَقدامٍ مِنَ الزَّوالِ ، فَإِن صَلَّيتَ قَبلَ ذلِكَ لَم يُجزِك . و بعضهم يقول : يُجزي ، وَلكنَّ الفَضلَ في انتِظارِ القَدَمينِ وَ الأَربَعَةِ أَقدامٍ . وقد أحببت جُعلت فداك أن أعرف موضع الفضل في الوقت ؟ فكتب : القَدَمانِ وَ الأَربَعَةُ أَقدامٍ صَوابٌ جَميعا . (4)

.


1- .الكافي : ج3 ص281 ح16 ، تهذيب الأحكام : ج2 ص260 ح74 ، الاستبصار : ج1 ص270 ح37 ، وسائل الشيعة : ج4 ص130 ح4711 و ص186 ح4870 و ص188 ح4874.
2- .راجع : ص 110 الرقم 52 .
3- .راجع : ص 122 الرقم 68 .
4- .تهذيب الأحكام : ج2 ص249 ح26 ، الاستبصار : ج1 ص254 ح39 ، وسائل الشيعة : ج4 ص148 ح4770 .

ص: 121

( 57 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن يحيى بن حبيب في قضاء النّوافل
( 58 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيم في الصّلاة في جلود الأرانب والفَنَك والقَزّ

57كتابه عليه السلام إلى محمّد بن يحيى بن حبيبفي قضاء النّوافلمحمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن يحيى بن حبيب ، 1 قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : يكون عليّ الصّلاة النّافلة ، متى أقضيها ؟ فكتب عليه السلام :أَيَّةَ ساعَةٍ شِئتَ مِن لَيلٍ أَو نَهارٍ . (1)

58كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيمفي الصّلاة في جلود الأرانب والفَنَك (2) والقَزّعليّ بن إبراهيم عن أحمد بن عبديل ، عن ابن سنان ، عن عبد اللّه بن جندب (3) ، عن سفيان بن السّمط . . . قال : و قرأت في كتاب محمّد بن إبراهيم (4) إلى أبي الحسن عليه السلام

.


1- .الكافي : ج3 ص454 ح17 ، تهذيب الأحكام : ج2 ص272 ح120 ، وسائل الشيعة : ج4 ص240 ح5032.
2- .الفَنَك : دابّة يُفترى بجلده ، أي : يلبس منه فراء . ( لسان العرب : ج 2 ص 349 ) .
3- .راجع : ص 32 الرقم 10 .
4- .بهذا العنوان في التّراجم مشترك بين أسماء متعدّدة ، و ليس فيهم من يروي عن الرّضا عليه السلام . لا نعرفه ، والّذي وجدت من يروي عنه «الحسين بن سعيد» محمّد بن إبراهيم الحضيني الأهوازي ، وقد ورد في مدحه حديث في الكشّي . ومحمّد من أصحاب الجواد عليه السلام ، والطبقة لا تأبى من روايته عن الإمام الرّضا عليه السلام ؛ لرواية عليّ بن مهزيار عنه ( راجع : رجال الكشّي : ج2 ص563 الرقم 1064 و ص496 الرقم 953 ، رجال البرقي : ص496 الرقم953 ، رجال البرقي : ص132 الرقم 1522 ، الموسوعة الرّجالية : ج7 ص836 ) .

ص: 122

( 59 ) كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّد

يسأله عن الفَنَك يُصلّى فيه ؟ فكتب :لا بَأسَ بِهِ . و كتب يسأله عن جلود الأرانب . فكتب عليه السلام : مَكروهٌ . و كتب : يسأله عن ثوب حَشوُه قَزّ ، يُصلّى فيه ؟ فكتب : لا بَأسَ بِهِ . (1)

59كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّدأبو القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمّد ، عن عبد اللّه بن عامر ، عن عليّ بن مهزيار و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ و عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن مهزيار (2) ، قال : قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمّد (3) إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، روى زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهماالسلام في الخمر يصيب ثوب الرّجل ، أنّهما قالا :لا بَأسَ أَن يُصلِّيَ فيهِ ، إِنَّما

.


1- .الكافي : ج3 ص401 ح15 ، راجع : تهذيب الأحكام : ج2 ص364 ح41 .
2- .راجع : ص 131 الرقم 81 .
3- .عبد اللّه بن محمّد الأسديّ مولاهم ، كوفيّ ، الحجّال المزخرف أبو محمّد ، و قيل : إنّه من موالي بني تيم ، ثقة ثقة ثبت . له كتاب . وقال الفضل بن شاذان : إنّي كنت في قطيعة الرّبيع في مسجد الزّيتونة أقرأ على مقرئ يقال له إسماعيل بن عبّاد ، فرأيت يوما في المسجد نفرا يتناجون .. . و كان مصلّاه بالكوفة في المسجد عند الاُسطوانة الّتي يقال لها السّابعة ، و يقال لها أُسطوانة إبراهيم عليه السلام ، و كان يجتمع هو و أبو محمّد عبد اللّه الحجّال و عليّ بن أسباط ، و كان الحجّال يدّعي الكلام و كان من أجدل النّاس ، فكان ابن فضّال يغري بيني و بينه في الكلام في المعرفة ، و كان يحبّني حبّا شديدا ( راجع : رجال النجاشي : ج2 ص30 الرقم593 ، الفهرست للطوسي : ص167 الرقم438 والرقم 856 ، رجال الطوسي : ص 360 الرقم 5332 ، رجال الكشّي : ج2 ص801 الرقم 993 ، رجال البرقي : ص55 ) وراجع : ص 122 الرقم 68 .

ص: 123

( 60 ) كتابه عليه السلام إلى رجلٍ
( 61 ) كتابه عليه السلام إلى قاسم الصّيقل في الصّلاة في جلود الحُمُر المَيتَة

حُرِّمَ شُربُها . وروى غير زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : إِذا أَصابَ ثَوبَكَ خَمرٌ أَو نَبيذٌ _ يَعني المُسكِرَ _ فاغسِلهُ إِن عَرَفتَ مَوضِعَهُ ، وَ إِن لَم تَعرِف مَوضِعَهُ فاغسِلهُ كُلَّهُ ، وَ إِن صَلَّيتَ فيهِ فَأَعِدِ صَلاتَكَ . فأعلمني ما آخذ به ؟ فوقّع بخطّه عليه السلام وقرأته : خُذ بِقَولِ أَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام . (1)

60كتابه عليه السلام إلى رجلٍمحمّد بن أحمد بن يحيى (2) ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن عليّ بن مهزيار (3) ، عن رجلٍ سأل الرّضا عليه السلام عن الصّلاة في جلود الثّعالب ، فنهى عن الصّلاة فيها و في الّذي يليه ، فلم أدر أيّ الثّوبين الّذي يلصق بالوبر أو الّذي يلصق بالجلد . فوقّع عليه السلام بخطّه :الّذي يَلصَقُ بِالجِلدِ . و ذكر أبو الحسن عليه السلام أنّه سُئل عن هذه المسألة فقال : لا تُصَلِّ في الّذي فَوقَهُ وَ لا في الّذي تَحتَهُ . (4)

61كتابه عليه السلام إلى قاسم الصّيقلفي الصّلاة في جلود الحُمُر المَيتَةالحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن عبد اللّه الواسطيّ ، عن قاسم الصّيقل 5 ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام : إنّي أعمل أغماد السّيوف من جلود الحُمُر

.


1- .تهذيب الأحكام : ج1 ص281 ح113.
2- .راجع : ص 171 الرقم 149 .
3- .راجع : ص 131 الرقم 81 .
4- .تهذيب الأحكام :ج2ص206ح16 ، الكافي :ج3 ص399 ح8 وفيه :«سأل الماضي عليه السلام » وهو الإمام الكاظم عليه السلام .

ص: 124

( 62 ) جوابه عليه السلام لمكتوبة صفوان بن يحيى في الصّلاة مع اشتباه النّجس بالطّاهر

المَيتَة ، فيصيب ثيابي ، فاُصلّي فيها ؟ فكتب عليه السلام إليَّ :اتَّخِذ ثَوبا لِصَلاتِكَ . (1) و في تهذيب الأحكام : محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن أبي القاسم الصّيقل وولده ، قال : كتبوا إلى الرّجل عليه السلام : جعلنا اللّه فداك ، إنّا قوم نعمل السّيوف و ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها ، و نحن مضطرّون إليها ، و إنّما علاجنا من جلود الميتة من البغال و الحمير الأهليّة لا يجوز في أعمالنا غيرها ، فيحلّ لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسّها بأيدينا و ثيابنا ؟ ونحن نصلّي في ثيابنا ، و نحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيّدنا لضرورتنا إليها . فكتب عليه السلام : اجعَل ثَوبا لِلصَّلاةِ . (2)

62جوابه عليه السلام لمكتوبة صفوان بن يحيىفي الصّلاة مع اشتباه النّجس بالطّاهر

.


1- .الكافي : ج3 ص407 ح16 ، وسائل الشيعة : ج3 ص489 ح4258.
2- .تهذيب الأحكام : ج6 ص376 ح221 ، وسائل الشيعة : ج17 ص173 ح22281 .

ص: 125

( 63 ) كتابه عليه السلام إلى سليمان بن رشيد

كتبت إليه أسأله عن رجلٍ كان معه ثوبان ، فأصاب أحدهما بولٌ و لم يدر أيّهما هو ، و حضرت الصّلاة و خاف فوتها و ليس عنده ماء ، كيف يصنع ؟ قال :يُصَلِّي فيهِما جَميعا . (1)

63كتابه عليه السلام إلى سليمان بن رشيدمحمّد بن الحسن الصّفّار عن أحمد بن محمّد و عبد اللّه بن محمّد (2) ، عن عليّ بن مهزيار (3) ، قال : كتب إليه سليمان بن رشيد 4 يخبره : أنّه بال في ظلمة اللّيل ، وأنّه

.


1- .تهذيب الأحكام : ج2 ص225 ح95 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص249 ح756 ، وسائل الشيعة : ج3 ص505 ح4298.
2- .راجع : ص 114الرقم 59 .
3- .راجع : ص 131 الرقم 81 .

ص: 126

( 64 ) كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن مهران في حدّ غسل الوجه

أصاب كفّه بَردُ نقطةٍ من البول لم يَشُكَّ أنّه أصابه و لم يره ، و أنّه مسحه بخرقةٍ ثمّ نسي أن يغسله ، و تمسّح بدهنٍ فمسح به كفّيه و وجهه و رأسه ، ثمّ توضّأ وضوء الصّلاة فصلّى . فأجاب بجواب قرأته بخطّه :أَمَّا ماتَوَهَّمتَ مِمَّا أَصابَ يَدَكَ فَلَيسَ بِشَيءٍ إلّا ماتَحَقَّق ، فَإِن حَقَّقتَ ذلِكَ كُنتَ حَقيقا أَن تُعيدَ الصَّلَواتِ الَّتي كُنتَ صَلَّيتَهُنَّ بِذلِكَ الوُضوءِ بِعَينِهِ ماكانَ مِنهُنَّ في وَقتِها ، وَ ما فاتَ وَقتُها فَلا إِعادَةَ عَلَيكَ لَها ، مِن قِبَلِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذا كانَ ثَوبُهُ نَجِسا لَم يُعِدِ الصَّلاةَ إِلَا ما كانَ في وَقتٍ ، وَ إِذا كانَ جُنُبا أَو صَلَّى عَلى غَيرِ وُضُوءٍ فَعَلَيهِ إِعادَةُ الصَّلَواتِ المَكتوباتِ الَّتي فاتَتهُ ؛ لِأَنَّ الثَّوبَ خِلافُ الجَسَدِ ، فَاعمَل عَلى ذلِكَ إِن شاءَ اللّهُ تَعالى . (1)

64كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن مهرانفي حدّ غسل الوجهعليّ بن محمّد عن سهل بن زياد ،عن إسماعيل بن مهران (2) ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام أسأله عن حدّ الوجه ، فكتب:مِن أَوَّلِ الشَّعرِ إِلى آخِرِ الوَجهِ ، وَكَذلِكَ الجَبينَينِ . (3)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج1 ص426 ح1355 ، الاستبصار : ج1 ص184 ، وسائل الشيعة : ج3 ص479 ح4228.
2- .راجع : ص 111 الرقم 55 .
3- .الكافي : ج3 ص28 ح4 ، تهذيب الأحكام : ج1 ص55 ح4 وزاد فيه : «الجبينين حينئذٍ» ، وسائل الشيعة : ج1 ص404 ح1049 .

ص: 127

( 65 ) جوابه عليه السلام لمكتوبة محمّد بن القاسم في السّجود على الملابس
( 66 ) كتابه عليه السلام إلى سليمان بن حفص المروزيّ في سجدة الشّكر والقول فيها

65جوابه عليه السلام لمكتوبة محمّد بن القاسمفي السّجود على الملابسعَبّاد بن سليمان عن سعد بن سعد (1) ، عن محمّد بن القاسم بن الفضيل بن يسار (2) ، قال : كتب رجل إلى أبي الحسن عليه السلام : هل يسجد الرّجل على الثّوب يتّقي به وجهَه من الحرّ و البَرد و من الشّيء يكرَه السّجود عليه؟ فقال :نَعَم لا بَأسَ بِهِ . (3)

66كتابه عليه السلام إلى سليمان بن حفص المروزيّفي سجدة الشّكر والقول فيهاسليمان بن حَفص المَروَزيّ (4) أنّه قال : كتَب إليَّ أبو الحسن الرّضا عليه السلام :قُل في سَجدَةِ الشُّكر مِئَةِ مَرَّةٍ « شُكرا شُكرا » ، وَ إِن شِئتَ « عَفوا عَفوا » . (5)

.


1- .راجع : ص 133 الرقم 85 .
2- .محمّد بن القاسم بن الفضيل بن يسار النّهديّ ، ثقة هو و أبوه و عمّه العلاء و جدّه الفضيل ، روى عن الرّضا عليه السلام . له كتاب ( راجع : رجال النّجاشي : ص 362 الرقم 973 ، الفهرست للطوسي : ص 235 الرقم 701 ، رجال الطوسي : ص 366 الرقم 5443 ، رجال البرقي : ص52 ) .
3- .تهذيب الأحكام :ج2ص307ح99 ،الاستبصار :ج1 ص333 ح1252 ، وسائل الشيعة :ج5 ص350 ح6764 .
4- .سليمان بن حفص المروزيّ : ذكره الشّيخ في أصحاب الرّضا عليه السلام . و لقي سليمان بن حفص موسى بن جعفر والرّضا عليهماالسلامجميعا ، أدرك الهاديّ عليه السلام و روى عنه . روى عن أبي الحسن ، و أبي الحسن موسى بن جعفر ، و أبي الحسن الرّضا ، و أبي الحسن العسكريّ ، و الرّجل العسكريّ ، و أبي الحسن الأخير ، و الفقيه ، و الفقيه العسكريّ ، والرّجل عليهم السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص385 الرقم5672 ، معجم رجال الحديث : ج8 ص243 الرقم5428 ) .
5- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص332 ح970 ، وسائل الشيعة : ج7 ص16 ح8586 وراجع : مكاتيب الأئمّة عليهم السلام ، الإمام الكاظم عليه السلام .

ص: 128

( 67 ) إملاؤه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيل بن بزيع وسليمان الجعفريّ في الدّعاء في سجدة الشّكر

67إملاؤه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيل بن بزيع وسليمان الجعفريّفي الدّعاء في سجدة الشّكرسعد بن عبد اللّه في كتاب فضل الدّعاء ، قال : أبو جعفر محمّد بن إسماعيل بن بزيع (1) عن الرّضا عليه السلام ، و بكير بن صالح ، عن سليمان بن جعفر 2 عن الرّضا عليه السلام ، قالا : دخلنا عليه وهو ساجد في سجدة الشّكر ، فأطال في سجوده ثمّ رفع رأسه ، فقلنا له : أطلت السّجود ؟ فقال :مَن دَعا في سَجدَةِ الشُّكرِ بِهذا الدُّعاءِ كانَ كالرَّامي مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ بَدرٍ . قالا : قلنا : فنكتبه ؟ قال : اكتُبَا : إذا أَنتَ سَجَدتَ سَجدَةَ الشُّكرِ فَقُلِ : اللَّهُمَّ العَنِ اللَّذَينِ بَدَّلا دِينَكَ ، وَ غَيّرا نِعمَتَكَ ، وَ اتَّهَمَا رَسولَكَ صلى الله عليه و آله ، وَ خالَفا مِلَّتَكَ ، وَ صَدَّا عَن سَبيلِكَ ، وَ كَفَرا آلاءَكَ ، وَ رَدَّا عَلَيكَ كَلامَكَ ، وَ استَهزَءا بِرَسولِكَ ، وَ قَتَلا ابنَ نَبِيِّكَ ، وَ حَرَّفا كِتابَكَ ، وَ جَحَدا آياتِكَ ، وَ سَخِرا بِآياتِكَ ، وَ استَكبَرا عَن عِبادَتِكَ ، وَ قَتَلا أَولياءَكَ ، وَ جَلَسا في مَجلِسٍ لَم يَكُن لَهُما بِحَقٍّ ، وَحَمَلا النَّاسَ عَلى أَكتافِ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام . اللَّهُمَّ العَنهُما لَعنا يَتلو بَعضَهُم بَعضا ، وَاحشُرهُما و أَتباعَهُما إِلى جَهَنَّمَ زُرقا . اللَّهُمَّ إِنّا نَتَقَرَّبُ إلَيكَ باللَّعنَةِ عَلَيهِما وَ البَراءَةِ مِنهُما في الدُّنيا وَ الآخِرَةِ . اللَّهُمَّ العَن قَتَلَةَ أَميرِ المُؤمِنين ، وَقَتَلَةَ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ ابنِ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله .

.


1- .راجع : ص 104 الرقم 45 .

ص: 129

( 68 ) كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّد في صلاة المُغمى عليه

اللَّهُمَّ زِدهُما عَذابا فَوقَ العَذابِ ، وَ هَوانا فَوقَ هَوانٍ ، وَ ذُلَاً فَوقَ ذُلٍّ ، وَ خِزيا فَوقَ خِزيٍ . اللَّهُمَّ دُعَّهُما في النَّارِ دَعَّا ، وَ أَركِسهُما في أَليمِ عَذابِكَ رَكسا . اللَّهُمَّ احشُرهُما وَ أَتباعَهُما إِلى جَهَنَّمَ زُمَرا . اللَّهُمَّ فَرِّق جَمعَهُم ، وَ شَتِّت أَمرَهُم ، وَ خالِف بَينَ كَلِمَتِهِم ، وَ بَدِّد جَماعَتَهُم ، وَ العَن أَئِمَّتَهُم ، وَ اقتُل قادَتَهُم وَ سادَتَهُم وَ كُبَراءَهُم ، وَ العَن رُؤَساءَهُم ، وَ اكسِر رايَتَهُم ، وَ أَلقِ البَأسَ بَينَهُم ، وَلا تُبقِ مِنهُم دَيَّارا . اللَّهُمَّ العَن أَبا جَهلٍ وَ الوَليدَ لَعنا يَتلو بَعضُهُ بَعضا ، وَ يَتبَعُ بَعضُهُ بَعضا . اللَّهُمَّ العَنهُما لَعنا يَلعَنُهُما بِهِ كُلُّ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ،وَكُلُّ نَبِيٍّ مُرسَلٍ ،وَكُلُّ مُؤمِنٍ امتَحَنتَ قَلبَهُ لِلإِيمانِ . اللَّهُمَّ العَنهُما لَعنا يَتَعَوَّذُ مِنهُ أَهلُ النَّارِ . اللَّهُمَّ العَنهُما لَعنا لا يَخطُرُ لِأَحَدٍ بِبالٍ . اللَّهُمَّ العَنهُما في مُستَسِرِّ سِرِّكَ ، وَ ظاهِرِ عَلانِيَتِكَ ، وَ عَذِّبهُما عَذابا في التَّقديرِ وَ فَوقَ التَّقديرِ ، وَ شارِك مَعَهُما ابنَتَيهِما وَ أَشياعَهُما وَ مُحِبِّيهِما وَ مَن شايَعَهُما ، إِنَّكَ سَميعُ الدُّعاءِ ، وَ صَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ أَجمَعينَ . (1) وَ في المصباح : عن الرّضا عليه السلام : مَن دَعا بِهذا الدُّعاءِ في سَجدَةِ الشُّكرِ كانَ كالرَّامي مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله يَومَ بَدرٍ وَ أُحُدٍ وَ حُنَينٍ بِأَلفِ أَلفِ سَهمٍ . ثمّ ذكر هذا الدّعاء . (2)

68كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّدفي صلاة المُغمى عليهعبد اللّه بن محمّد 3 ، قال : كتبت إليه : جُعلت فداك ، روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في

.


1- .مهج الدّعوات : ص307 ، بحار الأنوار : ج38 ص223 ح44 .
2- .راجع : المصباح للكفعمي : ص735 .

ص: 130

( 69 ) كتابه عليه السلام إلى الفضل الواسطيّ في صلاة الآيات

المريض يُغمى عليه أيّاما ، فقال بعضهم : يقضي صلاة يومه الّذي أفاق فيه ، وَ قال بعضهم : يَقضي صلاة ثلاثة أيّام وَ يدع ما سوى ذلك ، وَ قال بعضهم : إنّه لا قضاء عليه . فكتب :يَقضي صَلاةَ اليَومِ الّذي يُفيقُ فيهِ . (1)

69كتابه عليه السلام إلى الفضل الواسطيّفي صلاة الآياتمحمّد بن عبد الحميد ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال (2) ، عن الفضل الواسطيّ 3 ، قال : كتبت إليه عليه السلام : كسفت الشّمس و القمر و أنا راكب . قال : فكتب إليَّ :صَلِّ عَلى مَركَبِكَ الّذي أَنتَ عَلَيهِ . (3)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج3 ص305 ح17 ، الاستبصار : ج1 ص459 ح17.
2- .راجع : ص 123 الرقم 70 .
3- .قرب الإسناد : ص393 ح1377 ، بحار الأنوار : ج18 ص96 ح7 .

ص: 131

( 70 ) كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ بن فضّال في متابعة المأموم الإمامَ

70كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ بن فضّالفي متابعة المأموم الإمامَأبو جعفر ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال 1 ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام في الرّجل

.

ص: 132

( 71 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيل في إعادة المنفرد صلاته

كان خلف الإمام يأتمّ به ، فركع قبل أن يركع الإمام و هو يظنّ أنّ الإمام قد ركع ، فلمّا رآه لم يركع رفع رأسه ثمّ أعاد الرّكوع مع الإمام ، أيفسد ذلك صلاته أم تجوز له الرّكعة ؟ فكتب :يُتِمُّ صَلاتَهُ ، وَ لا يُفسِدُ ما صَنَعَ صَلاتَهُ . (1)

71كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيلفي إعادة المنفرد صلاتهمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل (2) ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام : إنِّي أحضر المساجد مع جيرتي و غيرهم فيأمرونّي بالصّلاة بهم و قد صلّيت قبل أن آتيهم ، و ربّما صلّى خلفي مَن يقتدي بصلاتي و المستضعف و الجاهل ، و أكره أن أتقدّم و قد صلّيتُ بحال مَن يُصلّي بصلاتي ممّن سمّيتُ لك ، فمرني في ذلك بأمرك أنتهي إليه و أعمل به إن شاء اللّه . فكتب عليه السلام :صَلِّ بِهِم . (3)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج3 ص280 ح143 وص277 ح131 ، وسائل الشيعة : ج8 ص391 ح10985.
2- .راجع : ص 104 الرقم 45 .
3- .الكافي : ج3 ص380 ح5 ، وسائل الشيعة : ج8 ص401 ح11018. محمّد بن إسماعيل هذا «محمّد بن إسماعيل بن بزيع» الّذي تقدّمت ترجمته فراجع.

ص: 133

( 72 ) كتابه عليه السلام إلى زكريّا بن آدم في صلاة المسافر
( 73 ) كتابه عليه السلام إلى عبداللّه بن محمّد

72كتابه عليه السلام إلى زكريّا بن آدمفي صلاة المسافرسأل زكريّا بن آدم 1 أبا الحسن الرّضا عليه السلام عن التّقصير : في كم يقصّر الرّجل إذا كان في ضياع أهل بيته و أمره جائز فيها يسير في الضّياع يومين و ليلتين و ثلاثة أيّام و لياليهنّ ؟ فكتب :التَّقصيرُ في مَسيرَةِ يَومٍ وَ لَيلَةٍ . (1)

73كتابه عليه السلام إلى عبداللّه بن محمّدالعبّاس بن معروف عن عليّ بن مهزيار (2) ، قال : قرأت في كتاب لعبداللّه بن محمّد (3) إلى أبي الحسن عليه السلام : اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في ركعتي الفجر في السّفر ، فروى بعضهم : أن صلّهما في المحمل ، وروى بعضهم : أن لا تصلّهما إلّا على الأرض ، فاعلمني كيف تصنع أنت لأقتدي بك في ذلك؟ فوقّع عليه السلام :مُوَسَّعٌ عَلَيكَ بِأَيَّةٍ عَمِلتَ . (4)

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص450 ح1304 ، وسائل الشيعة : ج8 ص452 ح11143.
2- .راجع : ص 131 الرقم 81 .
3- .راجع : ص 122 الرقم 68 .
4- .تهذيب الأحكام : ج 3 ص 228 ح 92 ، وسائل الشيعة : ج 4 ص 330 ح 5302 وج 27 ص 122 ح 33377 ، بحار الأنوار : ج 2 ص 235 ح 16 .

ص: 134

باب الزّكاة
( 74 ) كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّد

باب الزّكاة74كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّدمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى (1) ، عن العبّاس بن معروف ، عن عليّ بن مهزيار (2) ، قال : قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمّد (3) إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال :وَضَعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الزَّكاةَ على تِسعَةِ أَشياءَ : الحِنطَةِ وَ الشَّعيرِ وَ التَّمرِ وَ الزَّبيبِ وَ الذَّهَبِ وَ الفِضَّةِ وَ الغَنَمِ وَ البَقَرِ وَ الإِبِلِ ، وَ عَفا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَمَّا سِوى ذلِكَ . فقال له القائل : عندنا شيءٌ كثير يكون أضعاف ذلك . فقال : وَ ما هوَ ؟ فقال له : الأرُزُّ . فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : أَقولُ لَكَ : إِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَضَعَ الزَّكاةَ عَلى تِسعَةِ أَشياءَ وَ عَفا عَمَّا سِوى ذلِكَ وَ تقولُ : عِندَنا أَرُزٌّ وَ عِندَنا ذُرَةٌ ، وَ قَد كانَت الذُّرَةُ عَلى عَهدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَوَقَّع عليه السلام : كَذلِكَ هوَ ، وَ الزَّكاةُ عَلى كُلِّ ما كِيلَ بِالصَّاعِ . (4)

.


1- .راجع : ص 130 الرقم 79 .
2- .راجع : ص 131 الرقم 81 .
3- .راجع : ص 114 الرقم 59 و ص 123 الرقم 69 .
4- .الكافي : ج3 ص510 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص5 ح11 وراجع : وسائل الشيعة : ج9 ص61 ح11521. وقد تقدّم ترجمة عبداللّه بن محمّد فراجع .

ص: 135

( 75 ) كتابه عليه السلام إلى جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمذانيّ في مقدار الصّاع
( 76 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن القاسم بن الفُضَيل في زكاة مال اليتيم

75كتابه عليه السلام إلى جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمذانيّفي مقدار الصّاعمحمّد بن يحيى عن محمّد بن أحمد ، عن جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمذانيّ (1) و كان معنا حاجّا ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام عَلى يدِ أبي : جُعلت فداك ، إنّ أصحابنا اختلفوا في الصّاع ، بعضهم يقول : الفِطرَةُ بصاعِ المدنيّ ، و بعضهم يقول : بصاعِ العراقيّ . قال : فكتب إليَّ :الصَّاعُ سِتَّةُ أَرطالٍ بِالمَدَنيِّ وَ تِسعَةُ أَرطالٍ بِالعِراقيِّ . قال : و أخبرني أنّه يكون بالوزن ألفا و مئة و سبعين وزنة . (2)

76كتابه عليه السلام إلى محمّد بن القاسم بن الفُضَيلفي زكاة مال اليتيم

.


1- .جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ = جعفر بن محمّد الهمدانيّ : روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، وروى عنه محمّد بن أحمد ( راجع : معجم رجال الحديث : ج4 ص47 الرقم2109) . تستفاد وثاقته من رواية الصدوق بإسناده عنه مترضّيا عنه ومترحّما عنه ، على ما حكي ، ومن عدم استثناء القميّين له من رجال كتاب نوادر الحكمة ، ورواية الكشّي أنّ أباه الذي هو من وكلاء الإمام الهادي عليه السلام كتب إليه عليه السلام مع جعفر ابنه هذا ، لظهور أنّ ظاهر هذا اعتماد أبيه عليه ( راجع : مصباح المنهاج للسيّد محمّد سعيد الحكيم : ج 3 ص 654 ، رجال الكشّي : ج2 ص527 الرقم1009 ) .
2- .تهذيب الأحكام : ج4 ص83 ح17 وص334 ح19 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص176 ح63 ، معاني الأخبار : ص249 ح2 ، عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج1 ص309 ح73 وفيه « درهما » بدل « وزنة » ، بحار الأنوار : ج77 ص348 ح2 وج93 ص106 ح9 .

ص: 136

( 77 ) جوابه عليه السلام لمكتوبة محمّد بن القاسم بن الفُضَيل في زكاة المملوك
( 78 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيل في إخراج الزّكاة إلى الإمام

كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام ، أسأله عن الوصيّ أيزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مالٌ ؟ قال : فكتب عليه السلام :لا زَكاةَ عَلى يَتيمٍ . (1)

77جوابه عليه السلام لمكتوبة محمّد بن القاسم بن الفُضَيلفي زكاة المملوكمحمّد بن الحسين عن محمّد بن القاسم بن الفُضَيل البصريّ (2) ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : كتبت إليه : . . . وعن مملوكٍ يموت مولاه وهو عنه غائبٌ في بَلدٍ آخر و في يده مال لمولاه ويحضر الفِطرُ ، أ يزكّي عن نفسه من مال مولاه وقد صار لليتامى ؟ قال :نَعَم . (3)

78كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيلفي إخراج الزّكاة إلى الإماممحمّد بن يحيى عن بُنان بن محمّد ، عن أخيه عبد الرَّحمن بن محمّد ، عن محمّد بن

.


1- .الكافي : ج3 ص541 ح8 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص30 ح15 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص177 ح2065 ، وسائل الشيعة : ج9 ص326 ح12137. ومحمّد بن القاسم قد تقدّمت ترجمته.
2- .راجع : ص 119 الرقم 65 .
3- .الكافي : ج4 ص172 ح13 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص30 ح15 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص180 ح2073 ، وسائل الشيعة : ج9 ص326 ح12138. وقد تقدّمت ترجمته.

ص: 137

باب الخمس
( 79 ) كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن عيسى
( 80 ) كتابه عليه السلام إلى الحسين بن عبد ربّه في الصّلة وفيما يصله به صاحب الخمس

إسماعيل (1) ، قال : بعثت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام بدراهمٍ لي و لغيري ، وكتبت إليه أُخبره أنّها من فِطرة العيال . فكتَب بخطّه :قَبَضتُ وَ قَبِلتُ . (2)

باب الخمس79كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن عيسىأحمد بن محمّد بن عيسى بن يزيد (3) ، قال : كتبت : جُعلتُ لك الفداء ، تعلّمني ما الفائدة وما حدّها ، رأيك _ أبقاك اللّه تعالى _ أن تمنّ عليّ ببيان ذلك ؛ لكيلا أكون مقيما على حرامٍ لا صلاة لي ولا صوم . فكتب :الفائِدَةُ مِمَّا يُفيدُ إِلَيكَ في تِجارَةٍ مِن رِبحِها ، وَ حَرثٍ بَعدَ الغَرامِ أَو جائِزَةٍ . (4)

80كتابه عليه السلام إلى الحسين بن عبد ربّهفي الصّلة وفيما يصله به صاحب الخمسسهل بن زياد عن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحسين بن عبد ربّه 5 ، قال : سرّح

.


1- .راجع : ص 104 الرقم 45 .
2- .الكافي : ج4 ص174 ح22 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص91 ح3 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص183 ح2083 ، وسائل الشيعة : ج9 ص345 ح12190 . هو محمّد بن إسماعيل بن بزيع الّذي تقدّمت ترجمته .
3- .الظاهر وقوع التصحيف في « بن يزيد » ؛ لوقوع العدّة في طريق الكليني إلى أحمد بن محمّد بن عيسى ، وقال السيّد الخوئي : وفي بعض النسخ أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن يزيد ( راجع : معجم رجال الحديث : ج 2 ص 318 الرقم 904 ) . أمّا أحمد بن محمّد بن عيسى هو الأشعري المكنّى بأبي جعفر ، أوّل مَن سكن قم ، من آبائه سعد بن مالك بن الأحوض ،وهو شيخ القمّيين ووجههم وفقيههم ، عدّه الشيخ من أصحاب الرضا والجواد والهادي عليهم السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 366 الرقم 5197 وص 397 الرقم 5519 و ص 409 الرقم 5632 ) .
4- .الكافي : ح 1 ص 545 ح 12 ، وسائل الشيعة : ج 9 ص 503 ح 12585 .

ص: 138

( 81 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار

الرّضا عليه السلام بصلة إلى أبي ، فكتب إليه أبي : هل عليَّ فيما سرّحت إليَّ خمس ؟ فكتب إليه :لا خُمُسَ عَلَيكَ فيما سَرَّحَ بِهِ صاحِبُ الخُمُسِ . (1)

81كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارمحمّد بن الحسين وعليّ بن محمّد عن سهل بن زياد،عن عليّ بن مهزيار 2 ، قال : كتبت إليه: ياسيّدي،رجلٌ دُفِعَ إليه مالٌ يحجّ به،هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمسُ ، أو على ما فَضَل في يده بعد الحجّ ؟ فكتب عليه السلام :لَيسَ عَلَيهِ الخُمُسُ . (2)

.


1- .الكافي : ج1 ص547 ح23 ، وسائل الشيعة : ج9 ص507 ح12596 .
2- .الكافي : ج1 ص547 ح22 ، وسائل الشيعة : ج9 ص507 ح12595.

ص: 139

( 82 ) كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ في المؤونة
( 83 ) كتابه عليه السلام إلى رجلٍ من تجّار فارس في إيصال حصّة الإمام

82كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّفي المؤونةسهل عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (1) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : أقرأني عليّ بن مهزيار (2) كتاب أبيك عليه السلام ، فيما أوجبه على أصحاب الضّياع نصف السّدس بعد المؤونة ، و أنّه ليس على من لم تَقُم ضيعته بمؤونته نصف السّدس ولا غير ذلك ، فاختَلَفَ مَن قِبَلَنا في ذلك ، فقالوا : يجب على الضّياع الخمس بعد المؤونة ، مؤونة الضّيعة و خراجها لا مؤونة الرّجل وعياله . فكتب عليه السلام :بَعدَ مَؤونَتِهِ وَ مَؤونَةِ عِيالِهِ وَ بَعدَ خَرَاجِ السُّلطانِ . (3) و في كتاب من لا يحضره الفقيه : في توقيعات الرّضا عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ : إِنَّ الخُمُسَ بَعدَ المَؤونَةِ . (4)

83كتابه عليه السلام إلى رجلٍ من تجّار فارسفي إيصال حصّة الإمامسهل عن أحمد بن المثنّى ، قال : حدّثني محمّد بن زيد الطّبريّ (5) ، قال : كتب رجلٌ

.


1- .إبراهيم بن محمّد الهمداني: هو وكيل الناحية ، روى عن الرّضا عليه السلام وعُدّ من أصحابه والجواد والهادي عليهم السلام ، وروى الكشّي توثيقه ( راجع : رجال الطوسي : ص352 الرقم 5210 و ص373 الرقم 5515 و ص383 الرقم5637 ، رجال الكشّي : ج2 ص608 الرقم 1131 و ص611 و 612 ، رجال البرقي : ص54 و56 و58 ) .
2- .راجع : ص 131 الرقم 81 .
3- .الكافي : ج1 ص547 ح24.
4- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 42 ح 1652 ، وسائل الشيعة : ج 9 ص 508 ح 12598 .
5- .أصله كوفيّ ، كان من أصحاب أبي الحسن الرّضا عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص364 الرقم5403 و راجع : ص22 الرقم2 ) .

ص: 140

باب الصّوم
( 84 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الحسن في الاحتقان

من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرِّضا عليه السلام يسأله الإذن في الخمس . فكتب إليه :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم إِنَّ اللّهَ واسِعٌ كَريمٌ ، ضَمِنَ عَلى العَمَلِ الثَّوابَ وَ عَلى الضِّيقِ الهَمَّ ، لا يَحِلُّ مالٌ إِلَا مِن وَجهٍ أَحَلَّهُ اللّهُ وَ إِنَّ الخُمُسَ عَونُنا عَلى دِينِنا وَ عَلى عِيالاتِنا وَ عَلى مَوالينا و ما نَبذُلُهُ وَ نَشتَري مِن أَعراضِنا مِمَّن نَخافُ سَطوَتَهُ ، فَلا تزوُوهُ عَنَّا ، وَ لا تَحرِموا أَنفُسَكُم دُعاءَنا ما قَدَرتُم عَلَيهِ ، فَإِنَّ إِخراجَهُ مِفتاحُ رِزقِكُم وَ تَمحِيصُ ذُنوبِكُم ، وَ ما تُمَهِّدونَ لِأَنفُسِكُم لِيَومِ فاقَتِكُم ، وَ المُسلِمُ مَن يَفِي للّهِِ بِما عَهِدَ إِلَيهِ ، وَ لَيسَ المُسلِمُ مَن أَجابَ بِاللِّسانِ وَ خالَفَ بِالقَلبِ ، وَ السَّلامُ . (1)

باب الصّوم84كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الحسنفي الاحتقانأحمد بن محمّد عن عليّ بن الحسن (2) ، عن أبيه ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : ما تقول في التّلطّف بالأشياف يستدخله الإنسان وهو صائم ؟ فكتب عليه السلام :لا بَأسَ بِالجامِدِ . (3)

.


1- .الكافي : ج1 ص547 ح25 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص135 ح17 ، الاستبصار : ج2 ص59 ح9 ، وسائل الشيعة : ج9 ص538 ح12665.
2- .عليّ بن الحسن ومحمّد بن الحسن هما ابنا « الحسن بن عليّ بن فضّال » ، كما ذهب إليه السيّد البروجردي في موسوعته الرّجاليّة : ج1 ص150 . وقد تقدّمت ترجمته .
3- .تهذيب الأحكام : ج4 ص204 ح7 ، الاستبصار : ج2 ص83 ح2 ، الكافي : ج4 ص110 ح6 وفيه «الحسين» بدل «الحسن».

ص: 141

( 85 ) جوابه عليه السلام لمكتوبة سعد بن سعد في شمّ الرّيحان للصّائم
( 86 ) جوابه عليه السلام لمكتوبة الفتح بن يزيد الجرجانيّ في تكرير الكفّارة

85جوابه عليه السلام لمكتوبة سعد بن سعدفي شمّ الرّيحان للصّائمأبو جعفر عن عبّاد بن سليمان ، عن سعد بن سعد 1 ، قال : كتب رجل إلى أبي الحسن عليه السلام : هل يشمّ الصّائم الرّيحان يتلذّذ به ؟ فقال عليه السلام :لا بَأسَ بِهِ . (1)

86جوابه عليه السلام لمكتوبة الفتح بن يزيد الجرجانيّفي تكرير الكفّارةأبو طالب المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويّ رضى الله عنه ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود ، عن أبيه أبي النّضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش العيّاشي ، قال : حدّثنا جعفر بن أحمد ، قال : حدّثني عليّ بن محمّد بن شجاع ، عن محمّد بن عثمان ، عن حميد بن محمّد ، عن أحمد بن الحسن بن صالح ، عن أبيه ، عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ (2) ، أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام سأله عن رجلٍ واقع امرأةً

.


1- .تهذيب الأحكام : ج4 ص266 ح41 ، الاستبصار : ج2 ص93 ح3 ، وسائل الشيعة : ج10 ص94 ح12931 . وقد تقدمت ترجمة الفتح بن يزيد .
2- .راجع : ص 25 الرقم 5 .

ص: 142

( 87 ) كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليِّ بن فضّال في إطعام المفطر في شهر رمضان
باب الحجّ
( 88 ) كتابه عليه السلام إلى صَفوان بن يحيى في مواقيت الحجّ

في شهر رمضان من حلٍّ أو حرامٍ عشر مرّات ؟ قال :عَلَيهِ عَشرُ كَفَّاراتٍ ، لِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ ، فَإِن أَكَلَ أَو شَرِبَ فَكَفّارَةُ يَومٍ واحِدٍ . (1)

87كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليِّ بن فضّالفي إطعام المفطر في شهر رمضانسعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسن بن عليّ بن فَضّال (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام أسألُه عن قومٍ عندنا يصلّون و لا يصومون شهر رمضان ، و أنا أحتاج إليهم يحصدون لي ، فإذا دعوتهم إلى الحصاد لم يجيبوا حتّى أُطعمهم ، و هم يجدون مَن يطعمهم فيذهبون إليه و يدعوني ، و أنا أضيق من إطعامهم في شهر رمضان . فكتب عليه السلام إليّ بخطّه أعرفه :أَطعِمهُم . (3)

باب الحجّ88كتابه عليه السلام إلى صَفوان بن يحيىفي مواقيت الحجّأحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد (4) ، عن صفوان بن يحيى (5) ، عن أبي الحسن

.


1- .الخصال : ص450 ح54 ، عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج1 ص254 ح3 ، وسائل الشيعة : ج10 ص55 ح12817 .
2- .راجع : ص 123 الرقم 70 .
3- .تهذيب الأحكام : ج4 ص314 ح21 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص169 ح2039 ، وسائل الشيعة : ج10 ص363 ح13615 . وتقدّمت ترجمة صفوان .
4- .راجع : ص 110 الرقم 52 .
5- .راجع : ص 117 الرقم 62 .

ص: 143

( 89 ) كتابه عليه السلام إلى يونس بن عبد الرّحمن
( 90 ) كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ بن يحيى في الإحرام في الثّوب المُلحَم

الرّضا عليه السلام ، قال : كتبت إليه : أنّ بعض مَواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق و ليس بذلك الموضع ماءٌ و لا منزل ، و عليهم في ذلك مؤونةٌ شديدةٌ و يُعجِلُهُم أصحابُهم و جَمّالهم ، و مِن وراء بطن العقيق بخمسة عشر ميلاً منزلٌ فيه ماء و هو منزلهم الّذي ينزلون فيه ، فترى أن يُحرموا من موضع الماء لرفقه بهم و خفّته عليهم ؟ فكتب :إِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَقَّتَ المَوَاقيتَ لِأَهلِها وَ لِمَن أَتَى عَلَيها مِن غَيرِ أَهلِها ، وَ فيها رُخصَةٌ لِمَن كانَت بِهِ عِلَّةٌ ، فَلا يُجَاوِزِ الميقاتَ إلَا مِن عِلَّةٍ . (1)

89كتابه عليه السلام إلى يونس بن عبد الرّحمنمحمّد بن يحيى عن محمّد بن أحمد ، عن موسى بن جعفر ، عن يونس بن عبد الرّحمن (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : أنّا نحرم من طريق البصرة ولسنا نعرف حَدّ عرض العقيق . فكتب :أَحرِم مِن وَجرَةَ . (3)

90كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ بن يحيىفي الإحرام في الثّوب المُلحَممحمّد بن عيسى عن الحسن بن عليّ بن يحيى 4 ، قال : زوّدتني جاريةٌ لي ثوبين

.


1- .الكافي: ج4 ص323 ح2 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص305 ، وسائل الشيعة : ج11 ص331 ح14941.
2- .راجع : ص 23 الرقم 3 .
3- .الكافي : ج4 ص320 ح8 .

ص: 144

( 91 ) كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن سفيان في الطّيب للمحرم

ملحمين و سألتني أن أُحرم فيهما ، فأمرت الغلام فوضعهما في العَيبة (1) ، فلمّا انتهيت إلى الوقت الّذي ينبغي أن أُحرم فيه دعوت بالثّوبين لألبسهما ، ثمّ اختلج في صدري فقلت : ما أظنّه ينبغي أن أُحرم فيهما ، فتركتهما و لبست غيرهما ، فلمّا صرت بمكّة كتبت كتابا إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام وبعثت إليه بأشياء كانت معي ، و نسيت أن أكتب إليه أسأله عن المحرم هل يلبس الملحم . فلم ألبث أن جاءني الجواب بكلّ ما سألته عنه و في أسفل الكتاب :لا بَأسَ بِالمُلحَمِ أَن يَلبَسَهُ المُحرِمُ . (2)

91كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن سفيانفي الطّيب للمحرمكتب إبراهيم بن سفيان 3 إلى أبي الحسن عليه السلام : المُحرم يغسل يده

.


1- .العَيبة _ بالفتح _ : مستودع الثياب أو مستودع أفضل الثياب . وعيبة العلم على الاستعارة ، ومنه : « الأنصار كرشي وعيبة علمي » ( راجع : مجمع البحرين : ج 3 ص 282 ) .
2- .الخرائج والجرائح : ج1 ص356 ح11 ، كشف الغمّة : ج2 ص304 « نقلاً من كتاب الدّلائل لعبد اللّه بن جعفر الحِميَريّ عن جعفر بن محمّد بن يونس ، قال : كتب رجلٌ إلى الرّضا عليه السلام يسأله عن مسائل . . . » ، بحار الأنوار : ج 49 ص 50 ح 52 و ج 96 ص 141 ح 1 ، وسائل الشيعة : ج 12 ص 481 ح 16839 .

ص: 145

( 92 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيل بن بزيع في الظّلال للمحرم
( 93 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيل في الطّيب للمتمتّع قبل طواف النساء

بأُشنان (1) فيه الإذخِر ؟ فكتب :لا أُحِبُّهُ لَكَ . (2)

92كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيل بن بزيعفي الظّلال للمحرمأحمد بن محمّد عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع (3) ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام : هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظلّ المحمل ؟ فكتب :نَعَم .

قال : وسأله رجلٌ عن الظّلال للمحرم من أذى مطرٍ أو شمسٍ وأنا أسمع ، فأمره أن يفدي شاةً و يذبحها بمنىً . (4)

93كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيلفي الطّيب للمتمتّع قبل طواف النساءالحسين بن سعيد عن محمّد بن إسماعيل ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : هل يجوز للمحرم المتمتّع أن يمسّ الطّيب قبل أن يطوف طواف النّساء؟ فقال :لا . (5)

.


1- .الأُشنان : وهو شجر يؤخذ ورقه رطبا ، ثمّ يحرق و يُرشّ الماء على رماده فينعقد ، ثمّ تُغسل به الأيدي والثياب ( راجع : شرح شافية ابن الحاجب : ج 1 ص 188 ) .
2- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص351 ح2665 ، وسائل الشيعة : ج12 ص457 ح16770.
3- .راجع : ص 104 الرقم 45 .
4- .الكافي : ج 4 ص 351 ح 5 ، وسائل الشيعة : ج 12 ص 524 ح 16975 .
5- .تهذيب الأحكام :ج5 ص248 ح33 ، الاستبصار : ج2 ص290 ح1 ، وسائل الشيعة : ج14 ص242 ح19098 .

ص: 146

( 94 ) كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن سفيان فيما على من اختصر شوطا في الحجّ
( 95 ) جوابه عليه السلام لمكتوبة يونس بن عبد الرّحمن البَجَليّ
( 96 ) كتابه عليه السلام إلى ابن السرّاج فيمن لم يجد الهدي

94كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن سفيانفيما على من اختصر شوطا في الحجّالحسين بن سعيد (1) عن إبراهيم بن سفيان (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام :امرأةٌ طافت طواف الحجّ ، فلمّا كانت في الشّوط السّابع اختصرت فطافت في الحِجرِ وصلّت ركعتي الفريضة وسعت و طافت طواف النّساء ثمّ أتت مِنىً . فكتب عليه السلام : تُعيدُ . (3)

95جوابه عليه السلام لمكتوبة يونس بن عبد الرّحمن البَجَليّموسى بن القاسم عن أبي جعفر محمّد الأحمسي ، عن يونس بن عبد الرّحمن البَجَليّ (4) ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام أو كتبت إليه عن سعيد بن يَسار : أنّه سقط من جملِهِ فلا يستمسك بطنُه ، أطوفُ عنه و أسعى ؟ قال :لا ، وَلكِن دَعهُ فَإِن بَرَأَ قَضى هوَ ، وَ إِلَا فاقضِ أَنتَ عَنهُ . (5)

96كتابه عليه السلام إلى ابن السرّاجفيمن لم يجد الهديصَفوان بن يحيى (6) عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : قلت له : ذكر ابن السرّاج 7 أنّه كتب

.


1- .راجع : ص 110 الرقم 52 .
2- .راجع : ص 137 الرقم 91 .
3- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص399 ح2808 ، وسائل الشيعة : ج13 ص357 ح17941.
4- .راجع : ص 23 الرقم 3 .
5- .تهذيب الأحكام : ج5 ص124 ح78 ، وسائل الشيعة : ج13 ص387 ح18025 .
6- .راجع : ص 117 الرقم 62 .

ص: 147

( 97 ) كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن أبي البلاد في التّسليم على النّبيّ صلى الله عليه و آله

إليك يسألُك عن مُتمتّع لم يكن له هَديٌ ؟ فأجبتَه في كتابك :يَصُومُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ بمِنى ، فَإِن فاتَهُ ذلِكَ صامَ صَبيحَةَ الحَصبَةِ وَ يَومَينِ بَعدَ ذلِكَ . قال : أَمَّا أيَّامُ مِنىً فَإِنَّها أَيَّامُ أَكلٍ وَ شُرْبٍ لا صِيامَ فيها ، وَ سَبعَةَ أَيَّامٍ إذا رَجَعَ إِلى أَهلِهِ . (1)

97كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن أبي البلادفي التّسليم على النّبيّ صلى الله عليه و آلهالحسن بن عبد اللّه عن محمّد بن عيسى ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن أبي البلاد 2 ،

.


1- .تهذيب الأحكام :ج5 ص229 ح115 ،الاستبصار :ج2 ص277 ح3 ، وسائل الشيعة :ج14 ص192 ح18960.

ص: 148

( 98 ) كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر في فضل زيارته عليه السلام

قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام :كَيفَ تَقولُ في التَّسليمِ عَلى النَّبيِّ صلى الله عليه و آله ؟ قلت : الّذي نعرفه و رويناه . قال : أَوَ لا أُعَلِّمُكَ ما هوَ أَفضَلُ مِن هذا ؟ قلت : نعم جعلت فداك . فكتب لي و أنا قاعد ، بخطّه و قرأه عليَّ : إِذا وَقَفتَ عَلى قَبرِهِ صلى الله عليه و آله فَقُل : أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إلّا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَ أَشهَدُ أَنَّكَ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ ، وَ أشهَدُ أَنَّكَ رَسولُ اللّهِ ، وَ أَشهَدُ أَنَّكَ خاتِمُ النَّبيِّينَ ، وَ أَشهَدُ أَنَّكَ قَد بَلَّغتَ رِسالَةَ رَبِّكَ وَ نَصَحتَ لِأُمَّتِكَ ، وَ جاهَدتَ في سَبيلِ رَبِّكَ وَ عَبَدتَهُ حَتَّى أَتاكَ اليَقينُ ، وَ أَدَّيتَ الّذي عَلَيكَ مِنَ الحَقِّ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبدِكَ وَ رَسولِكَ وَ نَجيبِكَ وَ أَمينِكَ وَ صَفيِّكَ وَ خيرَتِكَ مِن خَلقِكَ ، أَفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أَحَدٍ مِن أَنبيائِكَ وَ رُسُلِكَ . اللَّهُمَّ سَلِّم عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ كَما سَلَّمتَ عَلى نوحٍ في العالَمينَ ، وَ امنُن عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ كَما مَنَنتَ عَلى موسى وَ هارونَ ، وَ بارِك عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ كَما بارَكتَ عَلى إِبراهيمَ وَ آلِ إبراهيمَ ، إِنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ . اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ تَرَحَّم عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ. اللَّهُمَّ رَبَّ البَيتِ الحَرامِ ، وَ رَبَّ المَسجِدِ الحَرامِ ، وَ رَبَّ الرُّكنِ وَ المَقامِ ، وَ رَبَّ البَلَدِ الحَرامِ وَ رَبَّ الحِلِّ وَ الحَرامِ وَ رَبَّ المَشعَرِ الحَرامِ ، بَلِّغ روحَ نَبيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مِنِّي السَّلامَ . (1)

98كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصرفي فضل زيارته عليه السلاممحمّد بن أحمد بن داوود عن الحسن بن أحمد بن إدريس ، عن أبيه ، عن عليِّ بن الحسن ، عن عبد اللّه بن موسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر (2) ، قال : قرأت

.


1- .كامل الزيارات : ص53 ح31 ، كتاب المزار للمفيد : ص173 ح1 ، بحار الأنوار : ج97 ص154 ح24.
2- .راجع : ص 27 الرقم 6 .

ص: 149

باب التّجارة
( 99 ) كتابه عليه السلام إلى يونس في البيع و الشّراء ، فيمَن يؤاجر أرضا ثمّ يبيعها قبل انقضاء الأجل
( 100 ) كتابه عليه السلام إلى الوشّاء في الفُقّاع

كتاب أبي الحسن الرّضا عليه السلام بخطّه :أَبلِغ شيعَتي أَنَّ زيارَتي تَعدِلُ عِندَ اللّهِ أَلفَ حَجَّةٍ وَ أَلف عُمرَةٍ مُتَقَبَّلَةٍ كُلُّها . قال : قلت لأبي جعفر : ألف حجَّة؟! قال : إِي وَ اللّهِ ، وَ أَلفَ أَلفِ حَجَّةٍ لِمَن يَزورُهُ عارِفا بِحَقِّهِ . (1)

باب التّجارة99كتابه عليه السلام إلى يونس في البيع و الشّراءفيمَن يؤاجر أرضا ثمّ يبيعها قبل انقضاء الأجلمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن أحمد ، عن يونس ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام أسأله عن رجلٍ تقبّل من رجلٍ أرضا أو غير ذلك سِنينَ مُسمّاةً ، ثمّ إنّ المُقَبِّل أراد بيع أرضه الّتي قَبَّلها قبل انقضاء السّنين المسمّاة ، هل للمتقبِّل أن يمنعه من البيع قبل انقضاء أجله الّذي تقبّلها منه إليه ، وما يلزم المتقبِّل له ؟ قال : فكتب :لَهُ أَن يَبيعَ إِذا اشتَرَطَ عَلى المُشتَري أَنَّ لِلمُتَقَبِّلِ مِنَ السِّنينَ ما لَهُ . (2)

100كتابه عليه السلام إلى الوشّاءفي الفُقّاعأحمد بن محمّد بن عيسى (3) عن الوشّاء (4) ، قال : كتبت إليه _ يعني الرّضا عليه السلام _ أسأله

.


1- .تهذيب الأحكام : ج6 ص85 ح4.
2- .الكافي : ج5 ص270 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج7 ص208 ح60 ، وسائل الشيعة : ج19 ص134 ح24309.
3- .راجع : ص 130 الرقم 79 .
4- .الحسن بن عليّ بن زياد الوشّاء ، بجليّ ، كوفيّ . قال أبو عمرو : و يُكنّى بأبي محمّد الوشّاء ، و هو ابن بنت إلياس الصّيرفيّ ، خزّاز ، من أصحاب الرّضا عليه السلام ، و كان من وجوه هذه الطّائفة ، روى عن جدّه إلياس . وله كتاب . قال : لمّا حضرته الوفاة قال لنا : اشهدوا عليّ وليست ساعة الكذب هذه السّاعة ، لسمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : و اللّه لا يموت عبد يحبّ اللّه ورسوله (والرّسول) ويتولّى الأئمّة فتمسّه النّار ، ثمّ أعاد الثّانية والثّالثة من غير أن أسأله ( راجع : رجال النجاشي : ج1 ص137 الرقم79 ، الفهرست للطوسي : ص 106 الرقم202 ، رجال الطوسي : ص354 الرقم 5244 وص 384 الرقم 5665 ، رجال البرقي : ص51 و55 و58 ) .

ص: 150

( 101 ) كتابه عليه السلام إلى الحسن بن الحسين الأنباريّ في العمل للسّلطان

عن الفُقاع . فكتب :حَرامٌ وَ هوَ خَمرٌ ، وَ مَن شَرِبَهُ كانَ بِمَنزِلَةِ شارِبِ خَمرٍ . (1) و في روايةٍ أُخرى : محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفقاع . قال : فكتب يقول : هوَ الخَمرُ ، وَ فيهِ حَدُّ شارِبِ الخَمرِ . (2) و في روايةٍ أُخرى : أبو عليّ الأشعريّ عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ابن فضّال ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفُقاع ، فكتب ينهاني عنه . (3) و في روايةٍ أُخرى : أحمد بن محمّد عن بكر بن صالح (4) ، عن زكريّا بن يحيى ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام أسأله عن الفُقاع و أصفه له ، فقال : لا تَشرَبَهُ . فأعدته عليه ، كلّ ذلك أصِفه له كيف يصنع . فقال : لا تَشرَبَهُ ، وَ لا تُراجِعني فيهِ . (5)

101كتابه عليه السلام إلى الحسن بن الحسين الأنباريّفي العمل للسّلطانعليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن عليّ بن الحكم ، عن الحسن بن الحسين

.


1- .تهذيب الأحكام : ج9 ص125 ح275.
2- .الكافي : ج6 ص424 ح15 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص124 ح69 ، وسائل الشيعة : ج25 ص360 ح32122 وراجع : الكافي : ج6 ص423 ح8 .
3- .الكافي : ج6 ص423 ح5.
4- .راجع : ص 250 الرقم 173 .
5- .تهذيب الأحكام :ج9 ص124 ح272 ، الاستبصار : ج4 ص95 ح3 ، وسائل الشيعة : ج25 ص360 ح32125.

ص: 151

( 102 ) كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم الصّيقل

الأنباريّ (1) ، عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام ، قال : كتبت إليه أربعة عشر سنة أستأذنه في عمل السّلطان ، فلمّا كان في آخر كتابٍ كتبته إليه أذكر أنّي أخاف على خَبط (2) عُنقي ، و أنّ السّلطان يقول لي : إنّك رافضيّ و لسنا نشكّ في أنّك تركت العمل للسلطان للرفض . فكتب إليّ أبو الحسن عليه السلام :قَد فَهِمتُ كِتابَكَ وَ ما ذَكَرتَ مِنَ الخَوفِ عَلى نَفسِكَ ، فَإِن كُنتَ تَعلَمُ أَنَّكَ إِذا وُلِّيتَ عَمِلتَ في عَمَلِكَ بما أَمَرَ بِهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ثُمَّ تُصيِّرُ أَعوانَكَ وَ كُتَّابَكَ أَهلَ مِلَّتِكَ ، فَإِذا صارَ إِلَيكَ شَيءٌ واسَيتَ بِهِ فُقَراءَ المُؤمِنينَ حَتَّى تَكونَ واحِدا مِنهُم ، كانَ ذا بِذَا ، وَ إلَا فَلا . (3)

102كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم الصّيقلمحمّد بن عيسى عن أبي القاسم الصّيقل (4) ، قال : كتبت إليه : إنّي رجل صيقل (5) أشتري السّيوف وأبيعها من السّلطان ، أجائز لي بيعها ؟ فكتب عليه السلام :لا بَأسَ بِهِ . (6)

.


1- .ليس له ذكر في المصادر الرجالية ، وقد يستفاد تشيّعه وقوّة ديانته ممّا رواه الكليني في أبواب المعيشة ( راجع : الكافي : ج5 ص111 ح4 ) .
2- .خبط : خبطه يخبطه خبطا أي : ضربه ضربا شديدا . ومنه قولهم : خبط الرّجل القومَ بسيفه ( راجع : لسان العرب : ج7 ص280 ، ترتيب إصلاح المنطق لابن السكّيت : ص 140 ) .
3- .الكافي : ج5 ص111 ح4 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص335 ح49 ، بحار الأنوار : ج49 ص277 ح28 ، وسائل الشيعة : ج17 ص201 ح22344.
4- .راجع : ص 116 الرقم 61 .
5- .وهو الّذي يشحذ السيوف و يجلوها ( شرح شافية ابن الحاجب : ج 2 ص 190 ) .
6- .تهذيب الأحكام : ج 6 ص 382 ح 249 ، وسائل الشيعة : ج 17 ص 103 ح 22090 .

ص: 152

( 103 ) كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسى في سقوط الرّدّ بالبراءة من العيوب
( 104 ) كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم الصّيقل في جلد غير مأكول اللّحم

103كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسىفي سقوط الرّدّ بالبراءة من العيوبالصّفّار عن محمّد بن عيسى ، عن جعفر بن عيسى (1) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، المتاع يُباع فيمن يزيد ، فينادي عليه المنادي ، فإذا نادى عليه بَرِئ مِن كلّ عيبٍ فيه ، فإذا اشتراه المشتري و رضيَهُ و لم يبق إلّا نَقدُهُ الثّمن فربّما زهد ، فإذا زهد فيه ادّعى فيه عيوبا و أنّه لم يعلم بها ، فيقول له المنادي : قد بَرِئتُ منها ، فيقول له المشتري : لم أسمع البراءةَ منها ، أ يُصدَّق فلا يجب عليه الثّمن ، أم لا يُصدَّق فيجب عليه الثّمن ؟ فكتب عليه السلام :عَلَيهِ الثَّمَنُ . (2)

104كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم الصّيقلفي جلد غير مأكول اللّحممحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى (3) ، عن أبي القاسم الصّيقل (4) ، قال : كتبت إليه : قوائم السّيوف الّتي تُسمّى السّفَنَ (5) أتّخذها من جلود السّمك ، فهل يجوز العمل بها ولسنا نأكل لحومها ؟ فكتب عليه السلام :لا بَأسَ . (6)

.


1- .راجع : ص 106 الرقم 48 .
2- .تهذيب الأحكام : ج7 ص66 ح39 ، وسائل الشيعة : ج18 ص111 ح23262.
3- .راجع : ص 130 الرقم 79 .
4- .راجع : ص 116 الرقم61 .
5- .السّفَن _ محرّكة _ : جلد خشن أو قطعة خشناء من جلود السمك أو جلود التمساح . وهنا جلد الأطوم ، و هي سمكة بحريّة تسوّى قوائم السيوف من جلدها ( الصحاح : ج5 ص2135 ، لسان العرب : ج13 ص21 « سفن » ) .
6- .الكافي : ج 5 ص 227 ح 10 ، تهذيب الأحكام : ج 6 ص 371 ح 197 وص 377 ح 221 وج 7 ص 135 ح 67 ، وسائل الشيعة : ج 17 ص 173 ح 22280 .

ص: 153

( 105 ) كتابه عليه السلام إلى يونس في بيع الواحد بالاثنين و أكثر
( 106 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عمرو

105كتابه عليه السلام إلى يونسفي بيع الواحد بالاثنين و أكثرمحمّد بن عيسى عن يونس ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : أنّه كان لي على رجلٍ دراهم ، و أنّ السّلطان أسقط تلك الدّراهم و جاء بدراهمٍ أعلى من تلك الدّراهم الاُولى ، و لهم اليوم وضيعةٌ ، فأيّ شيء لي عليه ؟ الاُولى الّتي أسقطها السّلطان ، أو الدّراهم الّتي أجازها السّلطان ؟ فكتب عليه السلام :الدَّراهِمُ الأُولى . (1)

106كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عمرومحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى ، عن الفضل بن كثير ، عن محمّد بن عمرو (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : أنّ امرأةً مِن أهلنا أوصت أن ندفع إليك ثلاثين دينارا ، و كان لها عندي فلم يحضرني ، فذهبت إلى بعض الصّيارفة فقلت : أسلفني دنانير على أن أعطيك ثمن كلّ دينار ستّة و عشرين درهما ، فأخذت منه عشرة دنانير بمئتين و ستّين درهما و قد بعثتها إليك . فكتب عليه السلام إليّ :وَصَلَت الدَّنانيرُ . (3)

.


1- .تهذيب الأحكام :ج7 ص117 ح113 ، الاستبصار : ج3 ص99 ح1 ، وسائل الشيعة : ج18 ص206 ح23504 .
2- .محمّد بن عمرو (عمر) بن سعيد الزّيّات المدائنيّ ، ثقة عين ، روى عن الرّضا عليه السلام نسخة ( راجع : رجال النجاشي : ج2 ص369 الرقم 1001 ، الفهرست للطوسي : ص 207 الرقم 593 وص 234 الرقم699 ، رجال الطوسي : ص 437 الرقم 6355 ) .
3- .تهذيب الأحكام :ج7 ص101 ح42 ، الاستبصار : ج3 ص95 ح10 ، وسائل الشيعة : ج18 ص171 ح23415.

ص: 154

( 107 ) كتابه عليه السلام إلى يونس فيما كان له مال على غيره دراهم فسقطت حتّى لا تَنفُق
( 108 ) كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسى في الدّراهم المغشوشة والنّاقصة

107كتابه عليه السلام إلى يونسفيما كان له مال على غيره دراهم فسقطت حتّى لا تَنفُقعليُّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : أنّ لي على رجلٍ ثلاثة آلاف درهم ، و كانت تلك الدّراهم تَنفُق بين النّاس تلك الأيّام و ليست تنفق اليوم ، فلي عليه تلك الدَّراهم بأعيانها ، أو ما ينفق اليوم بين النّاس ؟ قال : فكتب إليّ :لَكَ أَن تَأخُذَ منه ما يَنفُقُ بَينَ النَّاسِ كَما أَعطَيتَهُ ما يَنفُقُ بَينَ النَّاسِ . (1)

108كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسىفي الدّراهم المغشوشة والنّاقصةمحمّد بن الحسن الصّفّار عن محمّد بن عيسى ، عن جعفر بن عيسى (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : ما تقول جُعلت فداك في الدّراهم الّتي أعلم أنّها لا تجوزُ بين المسلمين إلّا بوضيعةٍ ، تصير إليّ من بعضهم بغير وضيعةٍ لجهلي به ، و إنّما أخذته على أنّه جيّدٌ ، أ يجوز لي أن آخذه و أخرجه من يدي إليه على حدّ ما صار إليّ من قِبلهم ؟ فكتب عليه السلام :لا يَحِلُّ ذلِكَ . وكتبت إليه : جُعلت فداك ، هل يجوز إن وصلت إليّ ردّه على صاحبه من غير معرفته به ، أو إبداله منه و هو لا يدري أنّي أبدله منه و أردّه عليه ؟ فكتب عليه السلام : لايَجوزُ . (3)

.


1- .الكافي : ج5 ص252 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج7 ص116 ح111 ، الاستبصار : ج3 ص100 ح3 ، وسائل الشيعة : ج18 ص306 ح23503.
2- .راجع : ص 106 الرقم 48 .
3- .تهذيب الأحكام : ج7 ص116 ح112 .

ص: 155

( 109 ) جوابه عليه السلام لمكتوبة الحسن بن عليّ بن فضّال في السّلف في الطّعام
باب الإجارة
( 110 ) كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن همّام
باب الرّهن
( 111 ) كتابه عليه السلام إلى سليمان بن حفص المروزيّ إذا مات الرّاهن

109جوابه عليه السلام لمكتوبة الحسن بن عليّ بن فضّالفي السّلف في الطّعامسهل بن زياد عن معاوية بن حكيم ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال (1) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : الرّجل يسلفني في الطّعام فيجيء الوقت و ليس عندي طعام ، أعطيه بقيمته دراهم ؟ قال :نَعَم . (2)

باب الإجارة110كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن همّامكتب أبوهمّام (3) إلى أبي الحسن عليه السلام في رجلٍ استأجر ضيعةً من رجلٍ ، فباع المُؤاجِرُ الضّيعة بحضرة المستأجِر ولم ينكر المستأجِر البيع وكان حاضرا شاهدا عليه ، فمات المشتري وله ورثة ، هل يرجع ذلك الشّيء في ميراث الميّت ، أو يثبت في يد المستأجر إلى أن تنقضي إجارته ؟ فكتب عليه السلام :يَثبُتُ في يَدِ المُستَأجِرِ إلى أَن تَنقَضيَ إِجارَتُهُ . (4)

باب الرّهن111كتابه عليه السلام إلى سليمان بن حفص المروزيّإذا مات الرّاهنمحمّد بن عيسى بن عبيد عن سليمان بن حفص المروزيّ (5) ، قال : كتبت إلى أبي

.


1- .راجع : ص 123 الرقم 70 .
2- .تهذيب الأحكام : ج7 ص30 ح16.
3- .يعنى إسماعيل بن همّام ، وهو ثقة ، وكان من أصحاب الرّضا عليه السلام .
4- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 3 ص 252 ح 3914 ، وسائل الشيعة : ج 19 ص 134 ح 24306 .
5- .راجع : ص 120 الرقم 66 .

ص: 156

باب الوقوف والصّدقات
( 112 ) كتابه عليه السلام إلى صَفْوَان بن يحيى
( 113 ) كتابه عليه السلام إلى أحمد بن هلال

الحسن عليه السلام في رجلٍ مات و عليه دينٌ و لم يخلف شيئا إلّا رهنا في يد بعضهم ، فلا يبلغ ثمنه أكثر من مال المرتهن إيّاه ، أيأخذه بماله ، أو هو و سائر الدّيّان فيه شركاء ؟ فكتب عليه السلام :جَميعُ الدُّيَّانِ في ذلِكَ سَواءٌ يَتَوَزَّعونَهُ بَينَهُم بِالحِصَصِ . و قال : و كتبت إليه في رجلٍ مات و له ورثةٌ ، فجاء رجل فادّعى عليه مالاً و أنّ عنده رهنا ؟ فكتب عليه السلام : إِن كانَ لَهُ عَلى المَيِّتِ مالٌ وَ لا بَيِّنَةَ لَه عَليهِ ، فَليأخُذ مالَهُ مِمَّا في يَدِهِ وَ ليَرُدَّ الباقيَ عَلى وَرَثَتِهِ ، وَ مَتى أَقَرَّ بِما عِندَهُ أُخِذَ بِهِ وَ طُولِبَ بِالبَيِّنَةِ عَلى دَعواهُ وَ أَوفى حَقَّهُ بَعدَ اليَمينِ ، وَ مَتى لَم يُقِم البَيِّنَةَ وَ الوَرَثَةُ يُنكِرونَ فَلَهُ عَلَيهِم يَمينُ عِلمٍ يَحلِفونَ بِاللّهِ ما يَعلَمونَ أَنَّ لَهُ عَلى مَيِّتِهِم حَقّا . (1)

باب الوقوف والصّدقات112كتابه عليه السلام إلى صَفْوَان بن يحيىروى صفوان بن يحيى (2) عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن الرّجل يوقف ثلث الميّت بسبب الإجراء . فكتب عليه السلام :يُنفِذُ ثُلُثَهُ وَ لا يُوقِفُ . (3)

113كتابه عليه السلام إلى أحمد بن هلالمحمّد بن عليّ بن محبوب عن العبيديّ،عن أحمد بن هلال 4 ،قال:كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام :

.


1- .تهذيب الأحكام : ج7 ص178 ح41 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص310 ح41 ، وسائل الشيعة : ج18 ص405 ح23939.
2- .راجع : ص 117 الرقم 62 .
3- .تهذيب الأحكام : ج9 ص144 ح47 ، وسائل الشيعة : ج19 ص226 ح24473.

ص: 157

( 114 ) جوابه عليه السلام لمكتوبة بعض الأصحاب

ميّتُ أوصى بأن يُجرى على رجلٍ ما بقي من ثُلثه ولم يَأمر بإنفاذ ثُلثه ، هل للوصيّ أن يُوقِفَ ثُلث الميّت بسبب الإجراء . فكتب عليه السلام :يُنفِذُ ثُلُثَهُ وَلا يُوقِف . (1)

114جوابه عليه السلام لمكتوبة بعض الأصحابمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار (2) ، عن بعض أصحابنا ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : أنّي وقَفت أرضا على ولدي و في حجٍّ و وجوه برٍّ ،

.


1- .تهذيب الأحكام : ج9 ص197 ح787 وص144 ح599 و فيه « عمرو بن عليّ بن عمر عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ ، قال : كتبت إليه : ميّت أوصى . . . » ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص239 ح5572 ، الكافي : ج7 ص36 ح32 .
2- .راجع : ص 131 الرقم 81 .

ص: 158

( 115 ) جوابه عليه السلام لمكتوبة محمّد بن عبداللّه القمّي في الهديّة
باب الوصايا
( 116 ) كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسى في اختيارات الموصي

و لك فيه حقٌّ بعدي أو لِمَن بعدك و قد أزلتها عن ذلك المجرى . فقال عليه السلام :أَنتَ في حِلٍّ وَ مُوسَّعٌ لَكَ . (1)

115جوابه عليه السلام لمكتوبة محمّد بن عبداللّه القمّيفي الهديّةمحمّد بن إسماعيل بن بزيع (2) عن الرّضا عليه السلام ، قال : سألته عن مسألة كتب بها إليّ محمّد بن عبداللّه القمّي الأشعريّ فقال : لنا ضياعٌ فيها بيوت نيرانٍ تُهدي إليها المجوس البقر و الغنم و الدّراهم ، فهل يَحلّ لأرباب القرى أن يأخذوا ذلك ، و لبيوت نيرانهم قُوّامٌ يقومون عليها ؟ فقال أبو الحسن عليه السلام :لِيَأخُذ أَصحابُ القُرَى مِن ذلِكَ ، فَلا بَأسَ بِهِ . (3)

باب الوصايا116كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسىفي اختيارات الموصيمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن جعفر بن عيسى (4) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله في رجل أوصى ببعض ثُلُثه من بعد

.


1- .الكافي : ج7 ص59 ح8 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص143 ح45.
2- .راجع : ص 104 الرقم 45 .
3- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص301 ح4082 وراجع : الكافي : ج5 ص142 ح15 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص 378 ح 230 .
4- .راجع : ص 106 الرقم 48 .

ص: 159

( 117 ) كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر في الوصيّة المبهمة
( 118 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد اللّه الطّاهريّ

موته من غَلّة ضيعة له إلى وصيّه يضع نصفه في مواضع سمّاها له معلومةٍ في كلّ سنة ، و الباقي من الثّلث يعمل فيه بما شاء ، و رأى الوصيُّ فأنفذ الوصيُّ ما أوصى إليه من المسمّى المعلوم ، و قال في الباقي : قد صيّرت لفلانٍ كذا و لفلانٍ كذا و لفلانٍ كذا في كلّ سنةٍ ، و في الحجّ كذا و كذا ، و في الصّدقة كذا في كلّ سنةٍ ، ثمّ بدا له في كلّ ذلك فقال : قد شئتُ الأوّل و رأيت خلاف مشيّتي الاُولى ، و رأيي أله أن يرجع فيها و يُصيِّر ما صيّر لغيرهم أو ينقصهم أو يدخل معهم غيرهم إن أراد ذلك ؟ فكتب عليه السلام :لَهُ أَن يَفعَلَ ما شاءَ إِلَا أَن يَكونَ كَتَبَ كِتابا عَلى نَفسِهِ . (1)

117كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصرفي الوصيّة المبهمةأحمد بن محمّد بن عيسى (2) عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر (3) ، قال : نسخت من كتابٍ بخطّ أبي الحسن عليه السلام : رجلٌ أوصى لقرابته بألف درهمٍ و له قرابة من قِبَل أبيه و أُمّه ، ما حدّ القرابة يُعطي مَن كان بينه قرابة ، أو لها حدٌّ ينتهي إليه ؟ رأيك فدتك نفسي . فكتب عليه السلام :إِن لَم يُسَمِّ أَعطاها قَرابَتَهُ . (4)

118كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد اللّه الطّاهريّسعد بن عبداللّه عن محمّد بن عيسى بن عبيد،قال:إنّ محمّد بن عبداللّه الطّاهريّ 5

.


1- .الكافي : ج7 ص59 ح9 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص233 ح7 ، وسائل الشيعة : ج19 ص431.
2- .راجع : ص 130 الرقم 79 .
3- .راجع : ص 27 الرقم 6 .
4- .تهذيب الأحكام : ج9 ص215 ح25 ، قرب الإسناد : ص172 ، وسائل الشيعة : ج19 ص401 ح24844.

ص: 160

( 119 ) إملاؤه عليه السلام للمأمون
باب النّكاح
( 120 ) جوابه عليه السلام لمكتوبة الحسين بن بشَّار الواسطي في كراهة تزويج سيّئ الخُلق

كتب إلى الرّضا عليه السلام يشكو عمّه بعمل السّلطان والتلبّس به ، وأمر وصيّته في يديه . فكتب عليه السلام :أَمَّا الوَصيَّةُ فَقَد كَفَيتُ أَمرَها . فاغتمّ الرّجل وظنّ إنّها تؤخذ منه ، فمات بعد ذلك بعشرين يوما . (1)

119إملاؤه عليه السلام للمأمونأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضى الله عنه ، قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن ياسر الخادم (2) ، قال : كتب من نيسابور إلى المأمون : أنّ رجلاً من المجوس أوصى عند موته بمالٍ جليلٍ يُفرّق في الفقراء والمساكين ، ففرّقه قاضي نيسابور على فقراء المسلمين ، فقال المأمون للرّضا عليه السلام : يا سيّدي ، ما تقول في ذلك ؟ فقال الرّضا عليه السلام :إِنَّ المَجوسَ لا يَتَصدَّقونَ عَلى فُقَراءِ المُسلِمينَ ، فاكتُب إِليهِ أَن يُخرِجَ بِقَدرِ ذلِكَ مِن صَدَقاتِ المُسلِمينَ فَيَتَصَدَّقَ بِهِ عَلى فُقراءِ المَجوسِ . (3)

باب النّكاح120جوابه عليه السلام لمكتوبة الحسين بن بشَّار الواسطيفي كراهة تزويج سيّئ الخُلقمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن الحسين بن بشّار

.


1- .عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص204 ح2 ، بحار الأنوار : ج97 ص31 ح4 .
2- .راجع : ص 261 الرقم 181 الهامش .
3- .يون أخبار الرّضا عليه السلام :ج2ص15ح34،وسائل الشيعة:ج19ص342ح24728،بحارالأنوار:ج106ص202ح4 .

ص: 161

( 121 ) كتابه عليه السلام إلى رجل في الجمع بين الاُختين

الواسطيّ 1 قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : أنّ لي قرابةً قد خطب إليّ و في خُلقه شيءٌ . فقال :لا تُزَوِّجه إِن كانَ سَيِّئَ الخُلُقِ . (1)

121كتابه عليه السلام إلى رجلفي الجمع بين الاُختينعليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرّار (2) ، عن يونس ، قال : قرأت في

.


1- .الكافي : ج5 ص563 ح30 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص409 ح4428 ، مكارم الأخلاق : ص203 ، بحار الأنوار : ج100 ص234 ح17 ، وسائل الشيعة : ج20 ص81 ح25086.
2- .راجع : ص 31 الرقم 9 الهامش .

ص: 162

( 122 ) كتابه عليه السلام إلى الرّيّان بن شَبيب في حبس المهر إذا أخلفت

كتاب رجلٍ إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : جُعلت فداك ، الرّجل يتزوّج المرأة مُتعةً إلى أجلٍ مُسمّىً فينقضي الأجلُ بينهما ، هل له أن ينكح أُختها من قبل أن تنقضي عِدّتها ؟ فكتب :لا يَحِلُّ لَهُ أَن يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تنقَضيَ عِدَّتُها . (1)

122كتابه عليه السلام إلى الرّيّان بن شَبيبفي حبس المهر إذا أخلفتمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن أحمد بن أشيَم (2) ، قال : كتب إليه الرّيّان بن شَبيب 3 _ يعني أبا الحسن عليه السلام _ : الرّجل يتزوّج المرأة متعةً بِمَهرٍ إلى أجَلٍ

.


1- .الكافي :ج5 ص431 ح5، تهذيب الأحكام :ج7 ص287 ح45 ، الاستبصار:ج3 ص170ح4، النوادر للأشعري : ص125 ح318 وفيه « قرأت في كتاب رجل إلى أبي الحسن العالم عليه السلام » ، بحار الأنوار : ج101 ص27 ح12 .
2- .عليّ بن أحمد بن أشيم _ بالهمزة المفتوحة و الشّين المعجمة السّاكنة و الياء المثنّاة تحت ، وفي نسخة : بضمّ الهمزة و فتح الشّين المعجمة و سكون الياء المثنّاة تحت ضا _ من أصحاب الرّضا عليه السلام ، مجهول ( راجع : رجال الطوسي : ص 363 الرقم 5380 ) .

ص: 163

( 123 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن شعيب في عقد المرأة مع تعيينها و خطأ الوكيل

معلومٍ ، و أعطاها بعض مهرها و أخّرته بالباقي ، ثمّ دخل بها وعلم بعد دخوله بها _ قبل أن يوفّيها باقي مهرها _ أنّما زوّجته نفسها و لها زوجٌ مُقيمٌ معها ، أيجوز له حبس باقي مهرها ، أم لا يجوز ؟ فكتب عليه السلام :لا يُعطيها شَيئا ؛ لِأَنَّها عَصَتِ اللّهَ . (1)

123كتابه عليه السلام إلى محمّد بن شعيبفي عقد المرأة مع تعيينها و خطأ الوكيلمحمّد بن عبد الحميد عن محمّد بن شعيب (2) ، قال : كتبت إليه : أنّ رجلاً خَطبَ إلى عمٍّ له ابنتَهُ ، فأمر بعض إخوته أن يزوّجه ابنته الّتي خطبها ، و أنّ الرّجل أخطأ باسم الجارية ، و كان اسمها فاطمة فسمّاها بغير اسمها و ليس للرّجل ابنة باسم الّتي ذكر المزوّج . فوقّع عليه السلام :لا بَأسَ بِهِ. (3)

.


1- .الكافي : ج5 ص461 ح5 ، وسائل الشيعة : ج21 ص62 ح26538.
2- .من أصحاب الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام ( رجال الطوسي : ص 367 الرقم 5457 ) .
3- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص423 ح4470 ، وسائل الشيعة : ج20 ص297 ح25668.

ص: 164

( 124 ) كتابه عليه السلام إلى الحسين بن سعيد في نكاح الأمة
( 125 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيل
( 126 ) كتابه عليه السلام إلى الفتح بن يزيد الجرجانيّ فيمّن أتى جاريته في دبرها

124كتابه عليه السلام إلى الحسين بن سعيدفي نكاح الأمةالحسين بن سعيد (1) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : رجلٌ كانت له أمة يطأها فماتت أو باعها ، ثمّ أصاب بعد ذلك أُمّها ، هل يحلّ له أن ينكحها ؟ فكتب عليه السلام :لا يَحِلُّ لَهُ . (2) 125

كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيلمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل (3) ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام في جاريةٍ لابنٍ لي صغيرٍ ، أ يجوزُ لي أن أطأها ؟ فكتب :لا ، حتَّى تُخَلِّصَها . (4)

126كتابه عليه السلام إلى الفتح بن يزيد الجرجانيّفيمّن أتى جاريته في دبرهاالفتح بن يزيد الجرجانيّ (5) ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام في مثله _ أي في رجل أتى جاريته في دبرها _ . فورد منه الجواب :

.


1- .راجع : ص 110 الرقم 52 .
2- .تهذيب الأحكام : ج7 ص276 ح1173 ، الاستبصار : ج3 ص159 ح3 ، النوادر للأشعري : ص121 ح307 ، بحار الأنوار : ج101 ص24 ح41 ، وسائل الشيعة : ج20 ص467 ح26110.
3- .راجع : ص 104 الرقم 45 .
4- .الكافي : ج5 ص471 ح4 ، وسائل الشيعة : ج21 ص140 ح26735.
5- .راجع : ص 25 الرقم 5 .

ص: 165

( 127 ) كتابه عليه السلام إلى الرّيان بن شبيب فيما لو زوّج أمته حرّا و شرط لنفسه الخيار في التّفريق
( 128 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار فيما يحرم من الرّضاع

سألتَ عَمَّن أَتى جاريَتَهُ في دُبُرِها وَ المَرأَةُ لُعبَة ( الرَّجُلِ ) ، لا تُؤذَى ، وَ هي حَرثٌ كَما قالَ اللّهُ تَعالى . (1)

127كتابه عليه السلام إلى الرّيان بن شبيبفيما لو زوّج أمته حرّا و شرط لنفسه الخيار في التّفريقأحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن أحمد ، قال : كتب إليه الرّيان بن شَبيب (2) : رجلٌ أراد أن يزوّج مملوكته حرّا و شرط عليه أنّه متى شاء فرّق بينهما ، أيجوز له ذلك جعلت فداك أو لا ؟ فكتب عليه السلام :نَعَم ، إِذا جَعَلَ إِلَيهِ الطَّلاقَ . (3)

128كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفيما يحرم من الرّضاعمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن عليّ بن مهزيار (4) ، عن أبي الحسن عليه السلام ، أنّه كتب إليه يسأله عن الّذي يُحرِّمُ من الرّضاع . فكتب عليه السلام :قَليلُهُ وَ كَثيرُهُ حَرامٌ . (5)

.


1- .تفسير العيّاشي : ج1 ص111 ح336 ، بحار الأنوار : ج104 ص29 ح8 ، وسائل الشيعة : ج20 ص144 ح25257 .
2- .راجع : ص 155 الرقم 122 .
3- .تهذيب الأحكام:ج7 ص374 ح77 ، الاستبصار :ج3 ص208 ح11 ، وسائل الشيعة : ج21 ص302 ح27133 .
4- .راجع : ص 131 الرقم 81 .
5- .تهذيب الأحكام : ج7 ص316 ح16 .

ص: 166

( 129 ) كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ في الزّوج إذا بان خصيّا
( 130 ) كتابه عليه السلام إلى الحسن بن محبوب في التّصرّف بجارية الولد

129كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّفي الزّوج إذا بان خصيّاأحمد بن محمّد بن عيسى (1) عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن خصيٍّ تزوّج امرأةً ثمّ طلّقها بعدما دخل بها و هما مسلمان ، فسأل عن الزوج ، أله أن يرجع عليها بشيءٍ من المَهر ، و هل عليها عِدّة ؟ فلم يكن عندنا فيها شيء . فرأيك فدتك نفسي . فكتب :هذا لا يَصلُحُ . (3)

130كتابه عليه السلام إلى الحسن بن محبوبفي التّصرّف بجارية الولدالحسن بن محبوب 4 ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : إنّي كنت وهبت لابنةٍ

.


1- .راجع : ص 130 الرقم 79 .
2- .راجع : ص 27 الرقم 6 .
3- .قرب الإسناد : ص388 ح1361 ، بحار الأنوار : ج100 ص355 ح42 ، وسائل الشيعة : ج21 ص228 ح26959.

ص: 167

باب الطّلاق
( 131 ) جوابه عليه السلام لمكتوبة عليّ بن الفضل الواسطيّ في شرائط الطّلاق

لي جاريةً حيث زوَّجتها ، فلم تزل عندها و في بيت زوجها حتّى مات زوجها ، فرجعت إليّ هي و الجارية ، أ فيحلّ لي أن أطَأ الجارية ؟ قال :قَوِّمها قِيمَةً عادِلَةً وَ أشهِد عَلى ذلِكَ ، ثُمَّ إِن شِئتَ فَطَأها . (1)

باب الطّلاق131جوابه عليه السلام لمكتوبة عليّ بن الفضل الواسطيّفي شرائط الطّلاقسهل بن زياد عن عليّ بن أسباط (2) ، عن عليّ بن الفضل الواسطيّ (3) ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام : رجلٌ طلّق امرأته الطّلاق الّذي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره ، فتزوّجها غلامٌ لم يحتلم . قال :لا حَتَّى يَبلُغَ . فكتبت إليه : ما حدّ البلوغ ؟ فقال : ما أَوجَبَ عَلى المُؤمِنينَ الحُدودَ . (4)

.


1- .تهذيب الأحكام:ج6 ص345 ح91،الاستبصار:ج3 ص51 ح166، وسائل الشيعة:ج17 ص267 ح22489 .
2- .راجع : ص 244 الرقم 165 .
3- .من أصحاب أبي الحسن الرّضا عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 361 الرقم 5343 ، رجال البرقي : ص52 ) .
4- .الكافي : ج6 ص76 ح6 ، تهذيب الأحكام : ج8 ص33 ح19 ، الاستبصار : ج3 ص274 ح17 وفيهما « محمّد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد . . . » ، وسائل الشيعة : ج1 ص44 ح77 .

ص: 168

( 132 ) كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّد في الطّلاق ثلاثا
( 133 ) كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّد

132كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّدفي الطّلاق ثلاثاعليُّ بن إسماعيل (1) قال : كتب عبد اللّه بن محمّد (2) إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، روى أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرّجل يُطلّق امرأته ثلاثا بكلمةٍ واحدةٍ على طُهرٍ بغير جماعٍ بشاهدين ، أنّه يلزمه تطليقةٌ واحدةٌ ؟ فوقَّع بخطِّه عليه السلام :أُخطِئَ عَلى أَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام إِنَّهُ لا يَلزَمُهُ الطَّلاقُ ، وَ يُرَدُّ إِلى الكِتابِ وَ السُّنَّةِ إِن شاءَ اللّهُ . (3)

133كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّدمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب عبد اللّه بن محمّد (4) إلى أبي الحسن عليه السلام : روى بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرّجل يطلّق امرأته على الكتاب والسّنّة ، فَتَبينُ منه بواحدةٍ ، فتزوّجُ زوجا غيره فيموت عنها أو يطلّقها ، فترجع إلى زوجها الأوّل ، أنّها تكون عنده على تطليقتين و واحدةٌ قد مضت . فوقّع عليه السلام بخطّه :صَدَقوا . وروى بعضهم : أنّها تكون عنده على ثلاثٍ مستقبلاتٍ ، و أنّ تلك الّتي طلّقها

.


1- .عليّ بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم بن يحيى التّمّار ، مولى بني أسد ، كوفيّ ، سكن البصرة ، و كان من وجوه المتكلّمين ، كلّم أبا الهذيل العلّاف والنظّام . و كان من أصحاب أبي الحسن الرّضا عليه السلام ، وله مجالس و كتب ( راجع : رجال النجاشي : ج2 ص72 الرقم 659 ، رجال الطوسي : ص362 الرقم 5366 ) .
2- .راجع : ص 114 الرقم 59 .
3- .تهذيب الأحكام : ج8 ص56 ح101 ، الاستبصار : ج3 ص289.
4- .راجع : ص 112 الرقم 59 و 69 .

ص: 169

( 134 ) كتابه عليه السلام إلى الفقهاء في طلاق أهل السنّة

ليست بشيءٍ ؛ لأنّها قد تزوّجت زوجا غيره . فوقّع عليه السلام بخطّه : لا . (1) وفي تهذيب الأحكام :أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن أحمد ،عن عبد اللّه بن محمّد ، قال : قلت له : روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرّجل يطلّق امرأته على الكتاب و السّنّة و تَبينُ منه بواحدةٍ ، و تَزوَّجُ زوجا غيره فيموت عنها أو يطلّقها ، فترجع إلى زوجها الأوّل ، أنّها تكون عنده على تطليقتين وواحدة قد مضت . فكتب : صَدَقوا . (2)

134كتابه عليه السلام إلى الفقهاءفي طلاق أهل السنّةالحاكم أبو عليّ الحسين بن أحمد البيهقيّ ، قال : حدّثني محمّد بن يحيى الصّوليّ ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن إسحاق الطّالقانيّ ، قال : حدّثني أبي ، قال : حلف رجلٌ بخراسان بالطّلاق أنّ معاوية ليس من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أيّام كان الرّضا عليه السلام بها ، فأفتى الفقهاء بطلاقها ، فسُئل الرّضا عليه السلام . فأفتى :أَنَّها لا تُطَلَّقُ . فكتب الفقهاء رقعة و أنفذوها إليه ، و قالوا له : من أين قلت يا بن رسول اللّه إنّها لم تُطلّق ؟ فوقّع عليه السلام في رقعتهم : قُلتُ هذا مِن رِوايَتَكُم عَن أَبي سَعيدٍ الخُدريِّ أَنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ لِمَسلَمَةٍ يَومَ الفَتحِ وَ قَد كَثُروا عَلَيهِ : أَنتُم خَيرٌ وَ أَصحابي خير ، وَ لا هِجرَةَ بَعدَ الفَتحِ ، فأَبطَلَ الهِجرَةَ وَ لَم يَجعَل هؤلاءِ أَصحابا لَهُ . قال : فرجعوا إلى قوله . (3)

.


1- .الكافي : ج5 ص426 ح6 ، و راجع : وسائل الشيعة : ج22 ص127 ح7 .
2- .تهذيب الأحكام:ج8 ص32 ح16، الاستبصار :ج3 ص273 ح14، وراجع: وسائل الشيعة : ج22 ص127 ح7 .
3- .عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص87 ح34 ، بحار الأنوار : ج33 ص166 ح436 وج94 ص89 ح44 وج104 ص158 ح78 .

ص: 170

باب الظّهار
( 135 ) كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّد
باب العتق
( 136 ) جوابه عليه السلام لمكتوبة ابن محبوب في نفقة المملوك و إن أُعتق

باب الظّهار135كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّدمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار (1) ، قال : كتب عبد اللّه بن محمّد (2) إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، إنّ بعض مواليك يزعم أنّ الرّجل إذا تكلّم بالظّهار وجبت عليه الكفّارة حَنِثَ أو لم يَحنث ، و يقول : حِنثُهُ كلامُه بالظّهار ، و إنّما جُعلت عليه الكفّارة عقوبةً لكلامه . و بعضهم يزعم أنّ الكفّارة لا تلزمه حتّى يَحنَثَ في الشّيء الّذي حلف عليه ، فإن حَنِثَ وجبت عليه الكفّارة ، و إلّا فلا كفّارة عليه . فوقَّع عليه السلام بخطِّه :لا تَجِبُ الكَفَّارَةُ حَتَّى يَجِبَ الحِنثُ . (3)

باب العتق136جوابه عليه السلام لمكتوبة ابن محبوبفي نفقة المملوك و إن أُعتقمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب (4) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام ، و سألته عن الرّجل يعتق غلاما صغيرا أو شيخا كبيرا أو من به زمانَةٌ و لا حيلة له . فقال :

.


1- .راجع : ص 131 الرقم 81 .
2- .راجع : ص 114 الرقم 59 .
3- .الكافي : ج6 ص157 ح19 ، وسائل الشيعة : ج22 ص312 ح28674.
4- .راجع : ص 159 الرقم 130 .

ص: 171

( 137 ) كتابه عليه السلام إلى رجلٍ في الوصيّة لاُمّ الولد وعتقها
باب النّذر
( 138 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن أحمد بن أشيَم فيمن جعل على نفسه صوما معلوما

مَن أَعتَقَ مَملوكا لا حيلَةَ لَهُ فَإِنَّ عَلَيهِ أَن يَعولَهُ حَتَّى يَستَغنيَ عَنهُ ، وَ كَذلِكَ كانَ أَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَفعَلُ إِذا أَعتَقَ الصِّغارَ وَ مَن لا حيلَةَ لَهُ . (1)

137كتابه عليه السلام إلى رجلٍفي الوصيّة لاُمّ الولد وعتقهاأحمد بن محمّد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر (2) ، قال : نَسخت من كتابٍ بخطّ أبي الحسن عليه السلام : فلانٌ _ مولاي _ تُوفّي ابن أخٍ له و ترك أُمّ ولدٍ له ليس لها ولدٌ ، فأوصى لها بألفٍ ، هل تجوز الوصيّة ، و هل يقع عليها عِتقٌ ، و ما حالها ؟ رأيُك فدتك نفسي . فكتب عليه السلام :تُعتَقُ مِنَ الثُّلُثِ وَ لَها الوَصيَّةُ . (3)

باب النّذر138كتابه عليه السلام إلى عليّ بن أحمد بن أشيَمفيمن جعل على نفسه صوما معلوماأحمد بن محمّد عن عليّ بن أحمد بن أشيَم (4) ، قال : كتب الحسين إلى الرّضا عليه السلام :

.


1- .الكافي : ج6 ص181 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج8 ص218 ح11 وج8 ص218 ح11 ، وسائل الشيعة : ج21 ص528 ح27769.
2- .راجع : ص 27 الرقم 6 .
3- .تهذيب الأحكام : ج9 ص224 ح27 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص217 ح5508.
4- .عدّه الشيخ في أصحاب الإمام الرضا عليه السلام وحكم بعض من ترجمه بحسنه لوقوعه في طريق الصدوق إليه ( رجال الطوسي : ص 362 الرقم 5340 وفيه علي بن أحمد بن رستم وفي نسخة أشيم ، جامع الرواة : ج1 ص553 ) . وعده البرقي في أصحاب مولانا الكاظم عليه السلام ( رجال البرقي : ص 53 ) .

ص: 172

باب الصّيد
( 139 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيل في الرّبيثا
باب الأطعمة و الأشربة
( 140 ) جوابه عليه السلام لمكتوبة عبد العزيز بن المُهتدي في انقلاب الخمر خلّاً

جعلت فداك ، رجلٌ نذر أن يصوم أيّاما معلومةً ، فصام بعضها ثمّ اعتلّ فأفطر ، أيبتدئ في صومه أم يحتسب بما مضى؟ فكتب إليه :يَحتَسِبُ ما مَضَى . (1)

باب الصّيد139كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيلفي الرّبيثامحمّد بن إسماعيل (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : اختلف النّاس عليَّ في الرَّبِيثا (3) ، فما تأمرني به فيها ؟ فكتب عليه السلام :لا بَأسَ بِها . (4)

باب الأطعمة و الأشربة140جوابه عليه السلام لمكتوبة عبد العزيز بن المُهتديفي انقلاب الخمر خلّاًمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى بن عُبيد ، عن عبد العزيز بن المُهتدي 5 ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام : جُعلت فداك ، العصير يصير خمرا فيُصبّ

.


1- .الكافي : ج4 ص141 ح2 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص287 ح41 ، وسائل الشيعة : ج10 ص371 ح13621.
2- .راجع : ص 104 الرقم 45 .
3- .الربيثا _ بالراء المفتوحة والباء الموحّدة المكسورة والياء المثنّاة من تحت والثّاء المثلّثة والألف المقصورة _ : ضرب من السّمك له فلس لطيف . وعن الغوري : الرِّبيثي _ بكسر الراء وتشديد الباء _ : ضرب من السّمك ، ويقال الربيث والريثة : الجريث ( مجمع البحرين : ج2 ص130 ) .
4- .تهذيب الأحكام:ج9 ص6 ح19،عيون أخبار الرّضا:ج2ص18 ح44،وسائل الشيعة: ج24 ص140 ح30183.

ص: 173

( 141 ) كتابه عليه السلام إلى أبي جعفر الثّاني عليه السلام في شُربِ الرّجُل السّويق بالسكّر
( 142 ) جوابه عليه السلام إلى مكتوبة يونس في أكل السّمك و ما استُثنى

عليه الخلّ و شيء يُغَيّره حتَّى يصير خلّاً ؟ قال :لا بَأسَ بِهِ . (1)

141كتابه عليه السلام إلى أبي جعفر الثّاني عليه السلامفي شُربِ الرّجُل السّويق (2) بالسكّرمحمّد بن يحيى عن موسى بن الحسن، عن السّياريّ، عن عبيد اللّه بن أبي عبد اللّه (3) ، قال : كتب أبو الحسن عليه السلام من خراسان إلى المدينة :لا تَسقوا أَبا جَعفَرٍ الثَّانيَ السَّويقَ بِالسُّكَّرِ ؛ فَإِنَّهُ رَديٌّ لِلرِّجالِ . وفسّره السّياريّ عن عبيد اللّه : أنّه يُكره للرّجال ؛ فإنّه يقطع النّكاح من شدّة برده مع السكّر . (4)

142جوابه عليه السلام إلى مكتوبة يونسفي أكل السّمك و ما استُثنىعليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن صالح بن السّنديّ ، عن يونس ، قال : كتبت إلى

.


1- .تهذيب الأحكام : ج9 ص118 ح244 ، الاستبصار : ج4 ص93 ح5 ، بحار الأنوار : ج63 ص526 ، وسائل الشيعة : ج25 ص372 ح32155.
2- .ما يُتّخذ من الحنطة و الشعير ( شرح شافية ابن الحاجب : ج 2 ص 176 ) .
3- .لم نجده بهذا العنوان في التّراجم.
4- .الكافي : ج6 ص307 ح13 ، بحار الأنوار : ج66 ص284 ح29 ، وسائل الشيعة : ج25 ص19 ح31026.

ص: 174

باب المواريث
( 143 ) جوابه عليه السلام لمكتوبة البزنطيّ في ميراث ولد الصّلب
باب الشهادات
( 144 ) كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسى في رجلٍ ينسى الشّهادة و يَعرف خطّه بالشهادة

الرّضا عليه السلام : السّمك لا يكون له قشرٌ أيؤكل ؟ فقال :إِنَّ مِنَ السَّمَكِ ما يَكون لَهُ زَعَارَّةٌ (1) فَيَحتَكُّ بِكُلِّ شَيءٍ فَتَذهَبُ قُشورُهُ ، وَ لكِن إِذا اختَلَفَ طَرَفاهُ _ يعني ذَ نَبَهُ وَ رَأسَهُ _ فَكُلهُ . (2)

باب المواريث143جوابه عليه السلام لمكتوبة البزنطيّفي ميراث ولد الصّلبكتب البزنطيّ (3) إلى أبي الحسن عليه السلام في رجلٍ مات وترك ابنته وأخاه . قال :ادفَعِ المالَ إِلى الِابنَةِ إِن لَم تَخَف مِن عَمِّها شَيئا . (4)

باب الشهادات144كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسىفي رجلٍ ينسى الشّهادة و يَعرف خطّه بالشهادةأحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد (5) ، قال : كتب إليه جعفر بن عيسى (6) : جُعلت فداك ، جاءني جيرانٌ لنا بكتابٍ زعموا أنّهم أشهدوني عليه ما فيه ، و في الكتاب

.


1- .الزعارّة _ بتشديد الرّاء _ : شراسة الخُلق ( الصحاح : ج 2 ص 67 ) .
2- .الكافي : ج6 ص221 ح13 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص4 ح7 ، وسائل الشيعة : ج42 ص138 ح30179.
3- .راجع : ص 27 الرقم 6 .
4- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص261 ح5610 .
5- .راجع : ص 110 الرقم 52 .
6- .راجع : ص 106 الرقم 48 .

ص: 175

باب القضاء
( 145 ) كتابه عليه السلام إلى أبي الأسد في القضاة

اسمي بخطّي قد عرفته ، و لست أذكر الشّهادة و قد دعوني إليها ، فأشهد لهم على معرفتي أنّ اسمي في الكتاب و لست أذكر الشّهادة ، أو لا تجب لهم الشّهادة عليّ حتّى أذكرها ، كان اسمي في الكتاب بخطّي أو لم يكن ؟ فكتب :لا تَشهَد . (1)

باب القضاء145كتابه عليه السلام إلى أبي الأسدفي القضاةمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى عن الحسن بن عليّ بن فضّال (2) ، قال : قرأت في كتاب أبي الأسد إلى أبي الحسن الثّاني عليه السلام ، و قرأته بخطّه ، سأله ما تفسير قوله تعالى : « وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَ لَكُم بَيْنَكُم بِالْبَ_طِ_لِ وَتُدْلُواْ بِهَآ إِلَى الْحُكَّامِ » (3) ؟ قال : فكتب إليه بخطّه :الحُكَّامُ القُضاةُ . قال : ثمّ كتب تحته : هوَ أَن يَعلَمَ الرَّجُلُ أَنَّهُ ظالِمٌ فَيَحكُمَ لَهُ القاضي ، فَهوَ غَيرُ مَعذورٍ في أَخذِهِ ذلِكَ الّذي حَكَمَ لَهُ إِذا كانَ قَد عَلِمَ أَنَّهُ ظالِمٌ . (4)

.


1- .الكافي : ج 7 ص 382 ح 2 ، تهذيب الأحكام : ج 6 ص 259 ح 89 ، الاستبصار : ج 3 ص 22 ح 67 ، وسائل الشيعة : ج 27 ص 321 ح 33840 .
2- .راجع : ص123 الرقم 70 .
3- .البقرة : 188 .
4- .تهذيب الأحكام : ج6 ص219 ح10 ، تفسير العيّاشي : ج1 ص85 ح206 ، بحار الأنوار : ج101 ص265 ح12 ، وسائل الشيعة : ج27 ص15 ح33087.

ص: 176

( 146 ) كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسى في كيفيّة الحكم في الدّعوى
باب الحدود
( 147 ) كتابه عليه السلام إلى رجلٍ في الحدّ في اللّواط

146كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسىفي كيفيّة الحكم في الدّعوىمحمّد بن جعفر الكوفيّ عن محمّد بن إسماعيل (1) ، عن جعفر بن عيسى (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، المرأة تموت فيدّعي أبوها أنّه كان أعارها بعض ما كان عندها من متاعٍ و خدمٍ ، أتُقبل دعواه بلا بيّنةٍ ، أم لا تُقبل دعواه إلّا ببيّنةٍ ؟ فكتب إليه :يَجوزُ بِلا بَيِّنَةٍ . قال : و كتبت إليه : إِنِ ادَّعى زوجُ المرأة الميّتة أو أبو زوجها أو أُمُّ زوجها في متاعها أو ( في ) خدمها مثل الّذي ادَّعى أبوها من عاريَّة بعض المتاع أو الخدم ، أتكون في ذلِكَ بمنزلة الأب في الدَّعوى ؟ فكتب عليه السلام : لا . (3)

باب الحدود147كتابه عليه السلام إلى رجلٍفي الحدّ في اللّواطالحسين بن سعيد (4) ، قال : قرأت بخطّ رجلٍ أعرِفُهُ إلى أبي الحسن عليه السلام _ وقرأت جواب أبي الحسن عليه السلام _ بخطّه : هل على رجلٍ لَعِبَ بغلامٍ بين فَخذيه حدٌّ ، فإنّ بعض العصابة روى أنّه لا بأس بلَعبِ الرّجل بالغلام بين فَخذيه ؟ فكتب :لَعنةُ اللّهِ عَلى مَن فَعَلَ ذلِكَ .

.


1- .راجع : ص 104 الرقم 45 .
2- .راجع : ص 106 الرقم 48 .
3- .الكافي : ج7 ص431 ح18 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص289 ح7.
4- .راجع : ص 110 الرقم 52 .

ص: 177

( 148 ) كتابه عليه السلام إلى رجلٍ في حدّ المرتدّ عن فطرةٍ
( 149 ) جوابه عليه السلام لكتاب المأمون في حكم من مضى ليغيث مستغيثا فدفعه

وكتب أيضا هذا الرّجل و لم أرَ الجواب : ما حدّ رجلين نكح أحدهما الآخر طوعا بين فخذيه و ما توبتُه ؟ فكتب : القَتلُ . و ما حدّ رجلين وجدا نائمين في ثوبٍ واحدٍ ؟ فكتب عليه السلام : مِئَةُ سَوطٍ . (1)

148كتابه عليه السلام إلى رجلٍفي حدّ المرتدّ عن فطرةٍالحسين بن سعيد (2) ، قال : قرأتُ بخطّ رجلٍ إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : رجل ولد على الإسلام ثمّ كفر وأشرك وخرج عن الإسلام ، هل يُستتاب أو يُقتل و لا يُستتاب ؟ كتب عليه السلام :يُقتَلُ . (3) وفي الاستبصار : الحسين بن سعيد قال : قرأت بخطّ . . . فكتب عليه السلام : يُقتَلُ ، فَأَمَّا المَرأَةُ إِذا ارتَدَّت فَإِنَّها لا تُقتَلُ عَلى كلِّ حالٍ ، بَل تُخَلَّدُ السِّجنَ إِن لَم تَرجِع إِلى الإِسلامِ . (4)

149جوابه عليه السلام لكتاب المأمونفي حكم من مضى ليغيث مستغيثا فدفعه ، فوقع في البئر فماتمحمّد بن أحمد بن يحيى (5) بإسناده ، قال : رُفع إلى المأمون رجلٌ دفع رجلاً في بئرٍ

.


1- .تهذيب الأحكام : ج10 ص56 ح13 ، وسائل الشيعة : ج28 ص154 ح34449.
2- .راجع : ص 110 الرقم 52 .
3- .تهذيب الأحكام : ج10 ص139 ح10 ، الاستبصار : ج4 ص254 ح9 ، وسائل الشيعة : ج28 ص325 ح34868 .
4- .الاستبصار : ج 4 ص 254 ح 9 وراجع : ج4 ص 255 ح 10 و تهذيب الأحكام : ج 10 ص 137 ح 4 .
5- .قال النجاشي : محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران بن عبد اللّه بن سعد بن مالك الأشعري القمّي ، أبو جعفر ، كان ثقة في الحديث ، إلّا أنّ أصحابنا قالوا : كان يروي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل ، ولا يبالي عمّن أخذ ، وما عليه في نفسه مطعن شيء ، كان محمّد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمّد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن محمّد بن موسى الهمداني ما رواه عن رجل ،أو يقول بعض أصحابنا ، . . . ( راجع : رجال النجاشي : ص 348 الرقم 939 ، الفهرست للطوسي : ص 144 الرقم 612 ) ذكره الشيخ فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 338 الرقم 6262 ) .

ص: 178

فمات ، فَأَمر به أن يُقتل ، فقال الرّجل : إنّي كنت في منزلي فسمعت الغوث فخرجت مسرعا و معي سيفي ، فمررت على هذا و هو على شفير بئرٍ فدفعته فوقع في البئر . فسأل المأمون الفقهاء في ذلك ، فقال بعضهم : يُقاد به ، و قال بعضهم : يُفعل به كذا و كذا ، فسأل أبا الحسن عليه السلام عن ذلك و كتب إليه . فقال :دِيَتُهُ عَلى أَصحابِ الغَوثِ الَّذِينَ صاحوا الغَوثَ . قال : فاستعظم ذلك الفقهاء ، فقالوا للمأمون : سله من أين قلت هذا ؟ فسأل ، فقال عليه السلام : إِنَّ امرأَةً استَعدَت إِلى سُلَيمانَ بنِ داوودَ عليه السلام عَلى ريحٍ ، فَقالَت : كُنتُ عَلى فَوقِ بَيتي فَدَفَعَتني ريحٌ فَوَقَعتُ إِلى الدَّارِ فانكَسَرَت يَدي ! فَدَعا سُلَيمانُ عليه السلام بِالرِّيحِ فَقالَ لَها : ما حَمَلَكِ عَلى ما صَنَعتِ بِهذِهِ المَرأَةِ ؟ فَقالَت الرِّيحُ : يا نَبيَّ اللّهِ ، إِنَّ سَفينَةَ بَني فُلانٍ كانَت في البَحرِ قَد أَشرَفَ أَهلُها عَلى الغَرَقِ ، فَمَرَرتُ بِهذِهِ المَرأَةِ وَ أَنا مُستَعجِلَةٌ ، فَوَقَعَت فانكَسَرَت يَدُها . فَقَضى سُلَيمانُ عليه السلام بِأَرشِ يَدِها عَلى أَصحابِ السَّفينَةِ . (1)

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص173 ح5400 ، وسائل الشيعة : ج29 ص265 ح35589.

ص: 179

الفصل الخامس : رسالته عليه السلام في الطّبّ
اشاره

الفصل الخامس: رسالته في الطّبّ

.

ص: 180

. .

ص: 181

( 150 ) كتابه عليه السلام إلى المأمون في الرّسالة المعروفة بالذّهبيّة
اشاره

150كتابه عليه السلام إلى المأمونفي الرّسالة المعروفة بالذّهبيّةقال العلّامة الشّيخ آغا بزرك الطّهراني رحمه الله في الذّريعة : ( الذّهبيّة الطّبيّة ) ، المشهور بطبّ الرّضا عليه السلام ، كتبه للمأمون العبّاسي ، و هو في تعليم حفظ صحّة البدن و تدبيره بالأغذية و الأشربة و الألبسة و الأدوية الصّالحة و الفصد و الحجامة و السّواك و الحمّام و النّورة ، و غير ذلك . أوّله : اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ اللّهَ لَم يَبتَلِ المُؤمِنَ بِبَلاءٍ حَتَّى يَجعَلَ لَهُ دَواءً . . . . أورده العلّامة المجلسي بتمامه في مجلّد : « السّماء و العالم » من بحار الأنوار ، و نسخه شائعة ، و طبع قبل سنين في بمبئي . و أوّل انتشار هذا الكتاب برواية محمّد بن الحسن بن جهور ( جمهور ) العَمِّي البصري بسنده عن الإمام الرّضا عليه السلام . و قيل إنّه أوّل كتاب دوّن في الإسلام في علم الطّبّ و حفظ صحّة الأبدان ، فإنّ ما بلغنا عن النّبيّ صلى الله عليه و آله في متفرّقات الطّبّ قد جمعها و دوّنها الشّيخ أبو العبّاس المستغفريّ المتوفّى « 432ه.ق » ، و كذا ما جمعه ابنا بسطام في كتاب طبّ الأئمّة ، و لكونه أوّل ما كُتب في الطّبّ في الإسلام ، قدّره المأمون خليفة المسلمين في عصره ، و قرضه و أمر بكتابته بماء الذّهب ، وسمّاه بالذّهبيّة ، و بعده سائر

.

ص: 182

الأسناد المنقولة لهذه الرّسالة

علماء الإسلام ، وزادت عنايتهم به حتّى كتبوا عليه شروحا من لدن القرن الخامس حتّى اليوم . وقد اطّلعنا على شروحه و تراجمه بالفارسيّة و الاُردويّة بما يبلغ ستّة عشر كتابا ذكرناها في محالّها ، إمّا بعنوان التّرجمة أو الشّرح أو العناوين الخاصّة ، و آخر شروحه على نحو التّعليق شرح الدّكتور عبد الصّاحب زيني المعلّق على الطّبع الأخير ، حيث جعل العدد الثّاني من أعداد ملتقى العصرين من نشريات الفاضل السّيّد مرتضى السّاوجي العسكريّ مدير مدرسة الإمام الكاظم عليه السلام في الكاظميّة . (1)

الأسناد المنقولة لهذه الرّسالة :1 و 2 . نقلها الشّيخ العلّامة المجلسي رحمه الله عن خطّ الشّيخ الأجلّ الأفضل الكامل نور الدّين عليّ بن عبد العالي الكركيّ رحمه الله (2) . . . ثمّ قال : و وجدت في تأليف بعض الأفاضل بهذين السّندين : قال موسى بن عليّ بن جابر السّلامي : أخبرني الشّيخ الأجلّ العالم الأوحد سديد الدّين يحيى بن محمّد بن علبان الخازن ، قال : أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد الجمهور . و قال هارون بن موسى التّلعكبريّ رضى الله عنه : حدّثنا محمّد بن هشام بن سهل رحمه الله ، قال : حدّثنا الحسن بن محمّد بن جمهور ، قال : حدّثني أبي _ و كان عالما بأبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام خاصّة به ملازما لخدمته ، و كان معه حين حُمل من المدينة إلى أن صار إلى خراسان ، و استشهد عليه الصّلاة و السّلام بطوس و هو ابن تسع و أربعين سنة _ قال : و كان المأمون بنيسابور . . . الحديث . (3)

.


1- .الذّريعة : ج10 ص46 _ 47 .
2- .في فهارس المكتبة المركزيّة للجامعة بطهران : إنّ الرّسالة الذّهبيّة بخطّ عليّ بن عبد العالي موجودة هناك. وللعلّامة الحجّة النّوري في خاتمة مستدركه : ج3 ص335 كلام في التّحقيق حول هذه الرّسالة فراجع.
3- .بحار الأنوار : ج62 ص306 و 307.

ص: 183

3 . في الفهرست في ترجمة محمّد بن الحسن بن جمهور العَمِّي البصري : له كتب جماعة ، منها : كتاب الملاحم ، و كتاب الواحدة ، و كتاب صاحب الزّمان عليه السلام ، وله الرّسالة الذّهبيّة عن الرّضا عليه السلام ، وله كتاب وقت خروج القائم عليه السلام . أخبرنا برواياته وكتبه كلّها _ إلّا ما كان فيها من غلوّ أو تخليط _ جماعة ، عن أبي جعفر بن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن الحسين بن سعيد ، عنه . ورواها محمّد بن عليّ بن بابويه ، عن ابن الوليد ، عن الحسن بن متيل ، عن محمّد بن أحمد العلويّ ، عن العمركيّ بن عليّ ، عنه ( محمّد بن جمهور ) . (1) 4 . و في رجال النجاشي طريقه : أخبرنا محمّد بن عليّ الكاتب ، قال : حدّثنا محمّد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا عليّ بن الحسين الهذليّ المسعوديّ ، قال : لقيت الحسن بن محمّد بن جمهور فقال لي : حدّثني أبي محمّد بن جمهور ، وهو ابن مئة و عشر سنين . أخبرنا ابن شاذان ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، قال : حدّثنا سعد ، قال : حدّثنا أحمد بن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن جمهور بجميع كتبه. (2) 5 . و قال : قال محمّد بن شهر آشوب : محمّد بن الحسن بن جمهور العَمِّي البصري ، له كتاب الملاحم والفتن ، و الواحدة ، صاحب الزّمان ، الرّسالة الذهبيّة عن الرّضا عليه السلام في الطّب. (3) وقال العلّامة المجلسي بعد نقل هذه الأسانيد : فظهر أنّ الرّسالة كانت من المشهورات بين علمائنا و لهم إليه طرق و أسانيد ، لكن كان في نسختها الّتي وصلت إلينا اختلاف فاحش أشرنا إلى بعضها... (4) 6 . قال في كشف الظّنون : كتب أبو الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام للمأمون

.


1- .الفهرست للطوسي : ص223 الرقم626 .
2- .رجال النجاشي : ج 2 ص337 الرقم901 ، بحار الأنوار : ج62 ص308 .
3- .معالم العلماء : ص138 الرقم689 وراجع : بحار الأنوار : ج62 ص309 و طبّ الإمام الرّضا عليه السلام : ص24 .
4- .بحار الأنوار : ج62 ص309.

ص: 184

الشّروح و التّرجمة للرّسالة

رسالة مشتملة عليه _ الطّبّ النّبويّ _ . (1) 7 . أشار إسماعيل باشا في هديّة العارفين في ترجمة الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام إليها ، و قال : صنّف رسالة في الطّبّ . (2) 8 . في نسخة مخطوطة في مكتبة آية اللّه المرعشي في قم ، رواها عن خلف بن محمّد الماورديّ في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين و ستّين و ثلاثمئة ، قال : أخبرنا أبو عليّ محمّد بن الحسن بن محمّد الجمهوريّ عن الحسن ، قال : حدّثنا أبو محمّد عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام . (3) 9 . التّراتيب الإدارية . (4) 10 . أعيان الشّيعة . (5) 11 . و في معجم المؤلّفين : عليّ بن موسى الكاظم بن جعفر الصّادق أبو الحسن . . . من آثاره مسند فضائل أهل البيت و الرّسالة الذّهبيّة في حفظ صحّة المزاج و . . . ألّفها للمأمون العبّاسي ثمّ نقلها عن فهرس المؤلّفين بالظّاهرية (6) و الأعلام للزركلي (7) و هديّة العارفين . (8)

الشّروح و التّرجمة للرّسالة :1 . ترجمة العلويّ للطبّ الرّضويّ للسّيّد فضل بن عليّ الرّاونديّ كتب عليها شرحا . (9)

.


1- .كشف الظّنون : ج2 ص1095 ، طبّ الإمام الرّضا عليه السلام : ص23.
2- .هديّة العارفين : ج1 ص668 ، طبّ الإمام الرّضا عليه السلام : ص24.
3- .يوجد في المخطوطات برقم 2761 : ص147 ب186 .
4- .راجع : ج2 ص339.
5- .راجع : ج2 ص26.
6- .راجع : ج7 ص250.
7- .راجع : ج5 ص178.
8- .راجع : ج1 ص668.
9- .راجع : الفهرست لمنتجب الدّين : ص174 ، هديّة العارفين : ج1 ص821 ، الذّريعة : ج12 ص364 ، بحار الأنوار : ج62 ص309 ، طبّ الإمام الرّضا عليه السلام : ص24 _ 31 .

ص: 185

2 . ترجمة الذّهبيّة للمولى فيض اللّه عصارة التّستريّ ، الماهر بالطّبّ و النّجوم في عصر فتح عليّ خان ، في حوالي سنة ( 1078 ) ، مخطوط موجود بمكتبة مشكاة في جامعة طهران . 3 . ترجمة الذّهبيّة للمولى محمّد باقر المجلسي المتوفّى ( 1110 ) ، مخطوط موجود في خزانة كتب المغفور له آية اللّه الصّدر في الكاظميّة . 4 . عافية البريّة في شرح الذّهبيّة للميرزا محمّد هادي ابن ميرزا محمّد صالح الشّيرازيّ ، ألّفه في عصر السّلطان حسين الصّفوي ، مخطوط موجود في خزانة كتب السّيّد العالم السّيّد حسين الهمدانيّ في النّجف الأشرف . 5 . شرح طبّ الرّضا عليه السلام للمولى محمّد شريف الخاتون آبادي ، ألّفه حوالي سنة ( 1120 ) . 6 . ترجمة الذّهبيّة للسّيّد شمس الدّين محمّد بن محمّد بديع الرّضويّ المشهديّ ، فرغ من تأليفه سنة ( 1105 ) مخطوط موجود بمكتبة الشّيخ علي أكبر النّهاونديّ بخراسان . 7 . شرح طبّ الرّضا عليه السلام للسّيّد عبد اللّه بن محمّد رضا الشّبّر الحسينيّ المتوفّى سنة ( 1342 ) ، ذكر الشّيخ النّوري أنّه قد رأى نسخته . 8 . شرح طبّ الرّضا عليه السلام للحاجّ المولى محمّد بن الحاجّ محمّد حسن المشهديّ والمدرّس بها المتوفّى سنة ( 1257 ) . 9 . شرح طبّ الرّضا عليه السلام للمولى نوروز عليّ البسطاميّ ، ألّفها بعد الشّرح السّابق. 10 . المحموديّة للحاجّ ميرزا كاظم الموسوي الزّنجاني و المتوفّى بها سنة ( 1292 ) محفوظ موجود عند أحفاده . 11 . شرح طبّ الرّضا عليه السلام للمولى محمّد بن يحيى ، مخطوط موجود بخزانة المولى

.

ص: 186

محمّد عليّ الخونساريّ بالنّجف الأشرف . 12 . شرح السّيّد نصر اللّه الموسويّ الأرموي ، المسمّى بالطّبّ الرّضوي . 13 . الذّهبيّة في أسرار العلوم الطّبيّة للمولوي مقبول أحمد ، شرحها بالأردويّة و طبع بحيدر آباد . 14 . الشّرح الأخير للدكتور السيّد عبد الصّاحب زيني خرّيج الكليّة الطّبيّة العراقيّة . 15 . شَرَحَ العلّامة المجلسي الكتاب في البحار كما يأتي . 16 . ابن محمّد هاشم الطّبيب ، له شرح على الذّهبيّة ألّفه باسم الشّاه سليمان الصّفوي بالفارسيّة . 17 . السّيّد محمود الدّهسرخي ، له مفاتيح الصّحة جمع فيه طبّ النّبيّ صلى الله عليه و آله و طبّ الأئمّة و الرّسالة الذّهبيّة ، مع شرح يسير بالفارسيّة ، طبع سنة 1379 ش . 18 . السّيّد ميرزا عليّ إمام جمعة التّفرشيّ ، له شرح الرّسالة الذّهبيّة بالفارسيّة . 19 . السّيّد حسين بن نصر اللّه بن صادق الأرموي الموسويّ عرب باغي ، له ترجمة الموسوي للطّبّ في الطّبّ الرّضوى¨ . 20 . المرحوم الاُستاذ أبو القاسم سحاب ، له شرح على الرّسالة بالفارسيّة باسم بهداشت رضوي . (1) و اعلم أنّ نسخ الرّسالة مختلفة شديدة الاختلاف ، و نحن نورد هنا بتلفيق ما أورده العلّامة المجلسي رحمه الله في البحار ، والرّسالة الذّهبيّة بتحقيق محمّد مهدي نجف ، و نعمل ما كان الممكن من نقل الاختلاف بين النّسخة المعتمدة عند المجلسي و نسخة الرّسالة الذّهبيّة تحقيق محمّد مهدي نجف . وأمّا ما بعد الّتي نجد الاختلاف

.


1- .راجع : طبّ الرّضا عليه السلام : ص131 _ 136 بتحقيق العسكريّ ، وطبّ الرّضا عليه السلام : ص31 _ 33 بتحقيق خرسان ، الذّريعة : ج4 ص103.

ص: 187

كثيرا لا يمكن الإشارة إليه ، ننقل عن الرّسالة الذّهبية والنّسخة المعتمدة عند المجلسي كلّ على حدة من دون نقل اختلاف النّسخ . قال العلّامة المجلسي رحمه الله : أقول : وجدت بخطّ الشّيخ الأجلّ الأفضل العلّامة الكامل في فنون العلوم و الأدب ، مروّج الملّة [ و الدين ] و المَذهب نور الدّين عليّ بن عبد العالي الكركيّ _ جزاه اللّه سبحانه عن الإيمان و أهله الجزاء السّني _ ما هذا لفظه : الرّسالة الذّهبيّة في الطّبّ ، الّتي بعث بها الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام إلى المأمون العبّاسي في حفظ صحّة المزاج وتدبيره بالأغذية والأشربة والأدوية . قال إمام الأنام ، غرّة وجه الإسلام ، مظهر الغموض بالروية اللّامعة ، كاشف الرّموز في الجفر و الجامعة ، أقضى من قضى بعد جدّه المصطفى ، و أغزى من غزى بعد أبيه عليّ المرتضى ، إمام الجنّ و الإنس أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا صلوات اللّه عليه و على آبائه النّجباء [النقباء] الكرام الأتقياء : اعلم يا أمير المؤمنين . _ إلى آخر ما سيأتي من الرّسالة _ . و وجدت في تأليف بعض الأفاضل بهذين السّندين : قال موسى بن عليّ بن جابر السّلامي : أخبرني الشّيخ الأجلّ العالم الأوحد سديد الدّين يحيى بن محمّد بن علبان الخازن _ أدام اللّه توفيقه _ ، قال : أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد بن جمهور . (1) في الرّسالة الذّهبيّة : أخبرنا أبو محمّد هارون بن موسى التّلعكبريّ رضى الله عنه (2) ، قال :

.


1- .بحار الأنوار : ج62 ص306 و ص307.
2- .هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد بن سعيد أبو محمّد التّلعكبريّ ، من بني شيبان ، يكنّى أبا محمّد ، جليل القدر عظيم المنزلة واسع الرّواية عديم النّظير ، ثقة ، روى جميع الاُصول و المصنّفات ، وكان وجها ثقة معتمدا لا يطعن عليه. له كتب منها : كتاب الجوامع في علوم الدّين. كنت أحضر في داره مع ابنه أبي جعفر و النّاس يقرؤون عليه ، مات سنة خمس و ثمانين و ثلاثمئة ، أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا ( راجع : رجال النجاشي : ج1 ص439 الرقم1184 ، رجال الطوسي : ص449 الرقم6386 ) .

ص: 188

حدّثنا محمّد بن همّام بن سهيل 1 رحمة اللّه عليه ، قال : حدّثنا الحسن بن محمّد بن جمهور (1) ، قال : حدّثني أبي ، وكان عالما بأبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا صلوات اللّه عليهما خاصّا به ملازما لخدمته ، و كان معه حين حُمل من المدينة إلى المأمون إلى خراسان ، و استشهد عليه السلام بطوس و هو ابن تسع و أربعين سنة . قال : كان المأمون بنيسابور و في مجلسه سيّدي أبو الحسن الرّضا عليه السلام و جماعة

.


1- .الحسن بن محمّد بن جمهور العَمِّي ، أبو محمّد البصري ، ثقة في نفسه ، يُنسب إلى بني العمّ من تميم . وكان أوثق من أبيه وأصلح ، وأبيه روى عن الرّضا عليه السلام . له كتاب الواحدة ( راجع : رجال النجاشي : ج 2 ص22 الرقم1446 ) .

ص: 189

من الفلاسفة و المتطبّبين ، مثل يوحنّا بن ماسويه (1) و جبرائيل بن بختيشوع (2) و صالح بن بهلمة الهنديّ (3) و غيرهم من منتحلي العلوم و ذوي البحث و النّظر . فجرى ذكر الطّبّ و ما فيه صلاح الأجسام و قوامها ، فأغرق المأمون و من كان بحضرته في الكلام و تغلغلوا في علم ذلك و كيف ركّب اللّه تعالى هذا الجسد و جمع فيه هذه الأشياء المتضادّة من الطّبائع الأربع ، و مضارّ الأغذية و منافعها و ما يلحق الأجسام من مضارّها من العلل . قال : و أبو الحسن عليه السلام ساكت لا يتكلّم في شيءٍ من ذلك ، فقال له المأمون : ما تقول يا أبا الحسن في هذا الأمر الّذي نحن فيه منذ اليوم ؟ فقد كبر عليَّ ، و هو الّذي لا بدّ منه ، و معرفة هذه الأغذية النّافع منها و الضّارّ و تدبير الجسد . فقال له أبو الحسن عليه السلام : عندي من ذلك ماجرّبته وعرفت صحّته بالاختبار ومرور الأيّام ، مع ما وقّفني عليه من مضى من السّلف ممّا لا يسع الإنسان جهله ولا يعذر في تركه ، و أنا أجمع ذلك لأمير المؤمنين (4) مع ما يقاربه ممّا يحتاج إلى معرفته .

.


1- .هو أبو زكريا يوحنّا بن ماسويه ، مسيحيّ المذهب سرياني ، قلّده الرّشيد ترجمة الكتب القديمة الطّبية ممّا وجد بأنقرة و عمورية و بلاد الرّوم حين سباها المسلمون ، و وضعه أمينا على التّرجمة . وخدم هارون الرّشيد و الأمين و المأمون ، و بقي على ذلك إلى أيّام المتوكّل ، و كان معظّما ببغداد جليل القدر ، و جعله المأمون في سنة 215 ه رئيسا لبيت الحكمة ( راجع : الفهرست لابن النديم : ص295 ، طبقات الأطبّاء لابن جلجل : ص65 ) .
2- .جبرائيل بن بختيشوع بن جورجيس بن بختيشوع الجنديسابوري ، كان طبيبا حاذقا ، و كان طبيب الرّشيد وجليسه وخليله ، و يقال : إنّ منزلته ما زالت تقوى عند الرّشيد حتّى قال لأصحابه : من كانت له حاجة إليّ فليخاطب بها جبرائيل ، فإنّي أفعل كلّ ما يسألني في كلّ أُمورهم . و لمّا توفّى الرّشيد خدم الأمين و المأمون إلى أن توفّي ، و دفن في دير مارجرجس بالمدائن سنة 213 هجري ( راجع : طبقات الأطبّاء : ص64 ، أخبار العلماء للقفطي : ص93 ) .
3- .هو من علماء الهند ، كان خبيرا بالمعالجات الّتي لهم ، و له قوّة و إنذارات في تقدّمة المعرفة ، كان بالعراق في أيّام الرّشيد ، وله نادرة مع الرّشيد في شفاء ابن عمّه إبراهيم بن صالح بعد أن غُسّل وحُنّط وكفّن ( راجع : طبقات الأطباء : ج3 ص52 ) .
4- .ليس في بعض النسخ : «لأمير المؤمنين».

ص: 190

[ إنّ اللّه لم يُنزل داءً إلّا أنزل له دواءً]
[ وظائف الأعضاء و مثالها مثال المُلك ]

قال : و عاجل المأمون الخروج إلى بلخ (1) و تخلّف عنه أبو الحسن عليه السلام ، فكتب المأمون إليه كتابا يتنجّز ما كان ذكره له ممّا يحتاج إلى معرفته على ما سمعه و جرّبه من الأطعمة و الأشربة و أخذ الأدوية و الفصد و الحجامة (2) و السّواك و الحمّام و النّورة و التّدبير في ذلك . فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام كتابا هذه نسخته :

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم اعتَصَمتُ بِاللّهِ . أَمَّا بَعدُ : فَإِنَّه وَصَلَ كِتابُ أَميرِ المُؤمِنينَ فيما أَمَرني بِهِ مِن تَوقيفِهِ عَلى ما يَحتاجُ إِليهِ ، مِمَّا جَرَّبتُهُ وَ سَمِعتُهُ في الأَطعِمَةِ ، وَ الأَشرِبَةِ ، وَ أَخذِ الأَدويَةِ ، وَ الفَصدِ ، وَ الحِجامَةِ ، وَ الحَمَّامِ ، وَ النُّورَةِ ، وَ الباهِ ، وَ غَيرِ ذلِكَ مِمَّا يُدَبِّرُ استِقامَةَ أَمرِ الجَسَدِ بِهِ . وَ قَد فَسَّرتُ ( لِأَميرِ المُؤمِنينَ ) (3) ما يَحتاجُ إِليهِ ، وَ شَرَحتُ لَهُ ما يَعمَلُ عَلَيهِ مِن تَدبيرِ مَطعَمِهِ ، وَ مَشرَبِهِ ، وَ أَخذِهِ الدَّواءِ ، وَ فَصدِهِ ، وَ حِجامَتِهِ ، وَ باهِهِ ، وَ غَيرِ ذلِكَ مِمَّا يَحتاجُ إِليهِ في سياسَةِ جِسمِهِ ، وَ بِاللّهِ التَّوفيقُ .

[إنّ اللّه لم يُنزل داءً إلّا أنزل له دواءً]اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ (4) : إِنَّ اللّهَ عز و جل لَم يَبتَلِ البَدنَ بِداءٍ حَتّى جَعَلَ لَهُ دَواءً يُعالَجُ بِهِ ، وَ لِكُلِّ صِنفٍ مِنَ الدَّاءِ صِنفٌ مِنَ الدَّواءِ وَ تَدبيرٌ وَ نَعتٌ .

[ وظائف الأعضاء و مثالها مثال المُلك ]و ذلِكَ أَنَّ هذِهِ الأَجسامِ أُسِّسَت عَلى مِثالِ المُلكِ 5 . فَمَلِكُ الجَسَدِ هوَ

.


1- .بلخ : مدينة مشهورة بخراسان ، من أجلّ ولاياتها وأشهرها ذكرا وأكثرها خيرا ( مراصد الاطلاع : ج1 ص217) .
2- .الفرق بين الفصد و الحجامة : الفصد : هو استفراغ كلّي يستفرغ الكثرة ، و الكثرة هي تزايد الأخلاط على تساويها في العروق . و الحجامة : كالفصد و هو شقّ العرق و إخراج الدّم منه ، لكنّها تختلف عن الفصد بأنّها تؤخذ من صغار العروق ( راجع : القانون لابن سينا : ج 1 ص204 و 212 ) .
3- .في بحار الأنوار : « له » بدل « لأمير المؤمنين » .
4- .ليس في بحار الأنوار : «يا أمير المؤمنين» .

ص: 191

ما في (1) القَلبِ ، وَ العُمَّالُ العُروقُ في الأَوصالِ (2) وَ الدِّماغِ ، وَ بَيتُ المَلِكِ قَلبُهُ ، وَ أَرضُهُ الجَسَدُ، وَالأَعوانُ يَداهُ وَرِجلاهُ وَعَيناهُ وَشَفَتاهُ وَلِسانَهُ وَأُذُناهُ، وَخَزائِنُهُ مَعِدَتُهُ (3) وَبَطنُهُ وَحِجابُهُ وَ صَدرُهُ (4) . فَاليَدانِ عَونانِ يُقَرِّبانِ وَ يُبَعِّدانِ ، وَ يَعمَلانِ عَلى ما يُوحي إِلَيها المَلِكُ ، وَالرِّجلانِ يَنقُلانِ المَلِكَ حَيثُ يَشاءُ ، وَ العَينانِ يَدُلَانِهِ عَلى ما يَغيبُ عَنهُ ؛ لِأَنَّ المَلِكَ وَراءَ حِجابٍ (5)

.


1- .ليس في بحار الأنوار : «ما في» .
2- .و يمكن تعميم العروق بحيث تشمل العروق المتحرّكة النّابتة من القلب ، والسّاكنة النّابتة من الكبد ، و الأعصاب النّابتة من الدّماغ. و المراد بالأوصال مفاصل البدن و ما يصير سببا لوصولها ، فإنّ بها تتمّ الحركات المختلفة من القيام و القعود و تحريك الأعضاء.
3- .لأنّ الغذاء يرد أوّلاً المعدة ، فإذا صار كيلوسا نفذ صفوه في العروق الماساريقية إلى الكبد ، و بعد تولّد الأخلاط فيه إلى سائر البدن لبدل ما يتحلّل ، فالمعدة و البطن و ما احتوى عليه البطن من الأمعاء و الكبد و الأخلاط بمنزلة خزانة المَلِك ، يجمع فيها ثمّ يفرّق إلى سائر البدن .
4- .لأنّ اللّه تعالى جعله في الصّدر ، لأنّه أحفظ أجزاء البدن ، لأنّه فيه محاط بعظام الصّدر ، و بفقرات الظّهر و بالأضلاع . و حجاب القلب بمنزلة غلاف محيط به ، و الحجابان اللّذان يقسمان الصّدر محيطان به أيضا ، فهو محجوب بحجب كثيرة ، كما أنّ الملك يحتجب بحجب و حجاب كثيرة.
5- .إذ هو مستور بالحجب، فلا بدّ له من آلة ظاهرة توصّل إليه أحوال الأشياء النّافعة و الضّارّة. و بالمعنى الآخر لمّا كان إدراكه موقوفا على الأعضاء و الآلات ولا يكفي في ذلك الرّوح الّذي في القلب حتّى يسري إلى الأعضاء الّتي هي محلّ الإدراك ، فيصدق أنّه محجوب بالحجب بهذا المعنى. ثمّ إنّ سائر الحواسّ الخمس من السّامعة و الشّامة و الذّائقة و اللامسة وإن كانت أُسوة للباصرة في ذلك، فإنّ بالسّامعة يطلع على الأصوات الهائلة ، و الأشياء النّافعة الّتي لها صوت فيجلبها ، والضّارة فيجتنبها ، و كذا الشّامّة تدلّه على المشمومات الضّارة و النّافعة ، و الذّائقة على الأشياء النّافعة و السّموم المهلكة ، و اللامسة على الحرّ والبرد و غيرهما. لكن فائدة الباصرة أكثر ، إذ أكثر تلك القوى إنّما تدرك ما يجاورها و ما يقرّب منها ، و الباصرة تدرك القريب و البعيد ، و الضّعيف و الشّديد ، فلذا خصّه عليه السلام بالذّكر ، ولذلك جعلها اللّه في أرفع المواضع في البدن و أحصنها و أكشفها .

ص: 192

لا يُوصَلُ إِليهِ إِلَا بِإِذنٍ ، وَ هُما سُراجاهُ أَيضا . وَ حِصنُ الجَسَدِ وَ حِرزَهُ الأُذُنانِ ، لا يُدخِلانِ عَلى المَلِكِ إِلَا ما يُوافِقُهُ ؛ لِأَنَّهُما لا يَقدِرانِ أَن يُدخِلا شَيئا حَتَّى يُوحي المَلِكُ إِلَيهِما (1) ، أَطرَقَ المَلِكُ مُنصِتا لَهُما حَتَّى يَعي مِنهُما ، ثُمَّ يُجيبُ بِما يُريدُ ، نادّا منه ريحَ الفُؤادِ وَ بُخارَ المَعِدَةِ ، وَ مَعونَةُ الشَّفَتَينِ . وَ لَيسَ لِلشَّفَتَينِ قُوَّةٌ إِلَا بِإِنشاءِ اللِّسانِ ، وَ لَيسَ يَستَغني بَعضُها عَن بَعضٍ ، وَ الكلام لا يُحسَنُ إِلَا بِتَرجيعِهِ فِي الأَنفِ ؛ لِأَنَّ الأَنفَ يُزيِّنُ الكَلامَ كَما يُزيِّنُ النَّافِخُ المِزمارَ 2 ، وَ كَذلِكَ

.


1- .وحي الملك كناية عن إرادة السّماع وتوجّه النّفس إليه . و إنصاته عبارة عن توجّه النّفس إلى إدراكه و عدم اشتغاله بشيءٍ آخر ليدرك المعاني بالألفاظ الّتي تؤدّيها السّامعة . و ريح الفؤاد هي الهواء الّتي يخرج من القلب إلى الرّئة و القصبة . و بخار المعدة تصل إلى تجاويف الرّئة أو إلى الفم فيعين الكلام ، أو المراد ببخار المعدة الرّوح الّذي يجري من الكبد _ بعد وصول الغذاء من المعدة إليه _ إلى آلات النّفس .

ص: 193

[ عمارة الجسم مثل عمارة الأرض ]

المَنخَرانِ هُما ثَقبا الأَنفِ ، وَ الأَنفُ يُدخِلُ عَلى المَلِكِ مِمَّا يُحِبُّ مِنَ الرَّوائِحِ الطَّيِّبَةِ ، فَإِذا جاءَ ريحٌ يَسوء أَوحى المَلِكُ إِلى اليَدَينِ فَحَجَبَت بَينَ المَلِكِ وَ بَينَ تِلكَ الرَّوائِحِ . وَ لِلمَلِكِ مَعَ هذا ثَوابٌ وَ عَذابٌ ، فَعَذابُهُ أَشَدُّ مِن عَذابِ المُلوكِ الظَّاهِرَةِ القاهِرَةِ في الدُّنيا ، وَ ثَوابُهُ أَفضَلُ مِن ثَوابِها (1) ! فَأَمَّا عَذابُهُ فَالحُزنِ ، وَ أَمّا ثَوابُهُ فَالفَرَحِ ، وَ أَصلُ الحُزنِ في الطِّحالِ ، وَ أَصلُ الفَرَحِ في الثَّربِ (2) وَ الكُليَتَينِ ، وَ فيهِما (3) عِرقانِ موصِلانِ إِلى الوَجهِ ، فَمِن هُناكَ يَظهَرُ الفَرَحُ وَ الحُزنُ ، فَتَرى تَباشيرِهِما (4) في الوَجهِ . وَ هذِهِ العُروقِ كُلُّها طُرُقٌ مِنَ العُمَّالِ إِلى المَلِكِ وَ مِنَ المَلِكِ إِلى العُمَّالِ ، وَ تَصديقُ (5) ذلِكَ أَنَّه (6) إِذا تَناوَلتَ الدَّواءَ أَدَّتهُ العُروقُ إِلى مَوضِعِ الدَّاءِ بِإِعانَتِها (7) .

[عمارة الجسم مثل عمارة الأرض ]وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ (8) : إنَّ الجَسَدَ بِمَنزِلَةِ الأَرضِ الطَّيِّبَةِ ، مَتى تُعوهِدَت بِالعِمارَةِ وَ السَّقي مِن حَيثُ لا تَزدادُ مِنَ (9) الماءِ فَتَغرِق ، وَ لا تُنقَصُ مِنهُ فَتَعطَشَ ، دامَت عِمارَتُها ، وَ كَثُرَ رَيعُها ، وَ زَكا زَرعُها . وَ إِن تَغافَلتَ عَنها فَسَدَت ، و نَبَتَ (10) فيها العُشبُ (11) ، وَ الجَسَدُ بِهذِهِ المَنزِلَةِ .

.


1- .في بحار الأنوار : «ثوابهم» بدل «ثوابها».
2- .« الثّرب » غشاء على المعدة والأمعاء ، ذو طبقتين بينهما عروق و شرايين و شحم كثير ، و منشؤه من فم المعدة ، ومنتهاه عند المعاء الخامس المُسمّى بقولون . و سبب كون الفرح منه أنّه بسبب كثرة عروقه و شرايينه يجذب الدّم و رطوبته إلى الكلية ، فيصير سببا لصفاء الدّم و رقّته و لطافته ، فينبسط به الرّوح .
3- .في بحار الأنوار : «منهما» بدل «فيهما» .
4- .في بحار الأنوار : «علامتهما» بدل «تباشيرهما» .
5- .في بحار الأنوار : «مصداق» بدل «تصديق» .
6- .زاد في بحار الأنوار : «أنّه».
7- .زاد في بحار الأنوار : «بإعانتها».
8- .ورد في بعض نسخ المصدر : «أيّها الأمير» بدل «يا أمير المؤمنين» .
9- .في بحار الأنوار : «يزداد في» بدل «تزداد من».
10- .في بحار الأنوار : «تغوفل عنها فسدت و لم ينبت».
11- .العُشب _ بالضّم _ : الكلاء الرّطب.

ص: 194

[الاعتدال في الأكل و الشّرب]

[الاعتدال في الأكل و الشّرب]وَ التَّدبيرُ في الأَغذيَةِ وَ الأَشرِبَةِ يَصلُحُ وَ يَصِحُّ ، وَ تَزكو العَافيَةُ فيهِ . وَ انظُر يا أَميرَ المُؤمِنينَ ما يُوافِقُكَ ، وَ ما يُوافِقُ مَعِدَتِكَ ، وَ يُقَوِّي عَليهِ بَدَنُكَ ، وَ يستَمرِئُهُ مِنَ الطَّعامِ وَ الشَّرابِ (1) فَقَدِّرهُ لِنَفسِكَ وَ اجعَلهُ غِذاءَكَ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ كُلَّ واحِدَةٍ مِن هذِهِ الطَّبائِعِ (2) تَحُبُّ ما يُشاكِلُها (3) ، فَاتَّخِذ (4) ما يُشاكِلُ جَسَدَكَ ، وَ مَن أَخَذَ الطَّعامَ زيادَةَ الإبانِ لَم يُفدهُ (5) ، وَ مَن أَخَذَ بِقَدَرٍ لا زيادَةَ عَلَيهِ وَ لا نَقصَ في غِدَّاهُ وَ نَفَعَهُ . وَ كَذلِكَ الماءُ فَسَبيلُكَ (6) أَن تأخُذَ مِنَ الطَّعامِ مِن كُلِّ صِنفٍ مِنهُ في إبانِهِ (7) ، وَ ارفَع يَدَيكَ مِنَ الطَّعامِ وَ بِكَ إِلَيهِ بَعضُ القَرَمِ (8) ؛ فَإنَّهُ أَصَحُّ (9) لِبَدَنِكَ ، وَ أَذكى لِعَقلِكَ (10) وَ أَخَفُّ عَلى نَفسِكَ إِن شاءَ اللّهُ (11) .

.


1- .ليس في بحار الأنوار : «و الشراب».
2- .أي : الأخلاط الأربعة ، أو الأمزجة الأربعة من الحارّ و البارد و الرّطب و اليابس ، أو الأربعة المركّبة من الحارّ اليابس و الحارّ الرّطب و البارد اليابس و البارد الرّطب .
3- .أي : تطلب ما يوافقها.
4- .وفي بحار الأنوار : «فاغتذ» بالغين والذّال المعجمتين ، أي : اجعل غذاءك ، و في بعضها بالمهملتين من الاعتياد.
5- .و في بحار الأنوار : « لم يغذه » بدل « الإبان لم يفده » ، يقال : غذوت الصّبي اللّبن ، أنّك إذا تناولت من الغذاء أكثر من قدر الحاجة يصير ثقلاً على المعدة ، و تعجز الطّبيعة عن التصرّف فيه ، و لا ينضج ، و لا يصير جزء البدن ، ويتولّد منه الأمراض و يصير سببا للضعف .
6- .أي : طريقتك الّتي ينبغي أن تسلكها و تعمل بها ، و في بحار الأنوار : « فسبيله » بدل « فسبيلك » .
7- .في بحار الأنوار : « كفايتك في أيّامه » بدل « من كلّ صنف منه في إبانه » .
8- .القَرَم _ بالتحريك _ : شهوة الطعام .
9- .في بحار الأنوار : «و عندك إليه ميل ، فإنّه أصلح لمعدتك و لبدنك» بدل «فإنّه أصحّ».
10- .«و أذكى لعقلك» أي : أنمى ، و في بعض النّسخ بالذّال و هو أنسب ؛ لأنّ الذّكاء سرعة الفهم و شدّة لهب النّار ؛ و ذلك لأنّ مع امتلاء المعدة تصعد إلى الدّماغ الأبخرة الرّديّة فتصير سببا لغلظة الرّوح النّفساني و قلّة الفهم و تكدّر الحواسّ ، «و أخفّ على جسمك» فإنّ البدن يثقل بكثرة الأكل.
11- .في بحار الأنوار : «لجسمك» بدل «على نفسك إن شاء اللّه ».

ص: 195

[ تدبير الصّحة في الفصول الأربعة ]

[تدبير الصّحة في الفصول الأربعة ]ثُمَّ كُل يا أَميرَ المُؤمِنينَ البارِدَ في الصَّيفِ (1) ، وَ الحارَّ في الشِّتاءِ ، وَ المُعتَدِلَ في الفَصلَينِ عَلى قَدَرِ قُوَّتِكَ وَ شَهوَتِكَ . وَ ابدأ في أَوّلِ (2) طَعامِكَ بِأَخَفِّ الأَغذيَةِ الَّتي تُغَذِّيَ بِها بَدَنَكَ بِقَدَرِ عادَتِكَ وَ بِحَسَبِ وَطَنِكَ (3) وَ نَشاطِكَ ، وَ زمانِكَ 4 ، وَ الّذي يَجبُ أَن يَكونَ أَكلُكَ في كُلِّ يَومٍ عِندَما يَمضي مِنَ النَّهارِ ثَمانِ ساعاتٍ أَكلَةً واحِدَةً ، أَو ثَلاثَ أَكَلاتٍ في يَومَينِ ، تَتَغَذَّى باكِرا في أَوَّلِ يَومٍ ، ثُمَّ تَتَعَشَّى ، فَإِذا كانَ في اليَومِ الثَّاني ، عِندَ مُضيِّ ثَمانِ ساعاتٍ مِنَ النَّهارِ ، أَكَلَتَ أَكلَةً 7واحِدَةً وَ لَم تَحتَج إِلى العِشاءِ .

.


1- .«البارد في الصّيف » يحتمل أن يكون المراد بالبارد ، البارد بالفعل ، كالماء الّذي فيه الجمد و الثّلج ، أو البارد بالقوّة بحسب المزاج ، كالخيار و الخسّ ، و كذا الحارّ يحتملها ؛ و ذلك لأنّه لمّا كان في الصّيف ظاهر البدن حارّا لسبب حرارة الهواء فإذا أكل أو شرب الحارّ بأحد المعنيين اجتمعت الحرارتان فصار سببا لفساد الهضم و كثرة تحليل الرّطوبات ، و كذا أكل البارد و شربه في الشّتاء يصير سببا لاجتماع البرودتين الموجب لقلّة الحرارة الغريزية ، ومنه يظهر علّة رعاية الاعتدال في الفصلين المعتدلين.
2- .«و ابدأ في أوّل الطّعام» : هذا إشارة إلى ترتيب بين الأغذية بأنّه إذا أراد أكل غذاءٍ لطيفٍ مع غذاءٍ غليظٍ بأيّهما يبدأ ؟ فحكم عليه السلام بالابتداء باللطيف من الغذاء ، وكذا ذكره بعض الأطبّاء ، فإنّه إذا عكس فيسرع إليه هضم اللّطيف و الغذاء الغليظ بعد و هو في قعر المعدة قد سدّ طريق نفوذ المهضوم إلى الأمعاء ، فيفسد المنهضم و يختلط بالغليظ فيفسده أيضا ، و يصير سببا للتخمة.
3- .في بحار الأنوار: «طاقتك» بدل «وطنك».

ص: 196

[ وَ كَذا أَمَرَ جَدِّي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله عَليّا عليه السلام في كُلِّ يَومٍ وَجبَةً ، (1) وَ في غَدِهِ وَجبتين] (2) . وَ ليَكُن ذلِكَ بِقَدَرٍ لا يَزيدُ وَ لا يَنقُصُ . وَ تَكُفُّ عَنِ الطَّعامِ وَ أَنتَ مُشتَهيٍ لَهُ (3) ، وَ ليَكُن شَرابُكَ عَلى أَثَرِ طَعامِكَ مِن هذا الشَّرابِ الصَّافي المُعَتَّقِ (4) مِمَّا يَحُلُّ شُربُهُ ، [ وَ الّذي أَنا واصِفُهُ فيما بَعد ] (5) . وَ نَذكُرُ الآنَ ما يَنبَغي ذِكرُهُ مِن تَدبيرِ فُصولِ السَّنَةِ وَ شُهورِها الرُّوميَّةِ الواقِعَةِ فيها مِن كُلِّ فَصلٍ عَلى حِدَةٍ ، وَ ما يُستَعمَلُ مِنَ الأَطعِمَةِ وَ الأَشرِبَةِ وَ ما يُجتَنَبُ مِنهُ ، وَ كَيفيَّةِ حِفظِ الصِّحَّةِ مِن أَقاويلِ القُدَماءِ ، وَ نَعودُ إِلى قَولِ الأَئِمَّةِ عليهم السلام في صِفَة شَرابٍ يَحِلُّ شُربُهُ وَ يُستَعمَلُ بَعدَ الطَّعامِ . أَمَّا فَصلُ الرَّبيعِ : فَإِنَّه روحُ الأَزمانِ (6) ، وَ أَوَّلُهُ « آذار » وَ عَدَدُ (7) أَيَّامِهِ ثَلاثَونَ يَوما ، وَ فيهِ يَطيبُ اللَّيلُ وَ النَّهارُ (8) ، وَ تَلينُ الأَرضُ ، وَ يَذهَبُ سُلطانُ البَلغَمِ ، وَ يَهيجُ الدَّمُ ، وَ يُستَعمَلُ فيهِ مِنَ الغِذاءِ اللَّطيفِ وَ اللُّحومِ وَ البَيضِ النِّيمبِرِشتِ 9 ، وَ يُشرَبُ الشَّرابُ بَعدَ تَعديلِهِ بِالماءِ ، وَ يُتَّقى فيهِ أَكلُ البَصَلِ وَ الثُّومِ وَ الحامِضِ ، وَ يُحمَدُ فيهِ شُربُ المُسهِلِ ، وَ

.


1- .الوجبة _ بالفتح _ : ووجب يجب وجبا ، أكل أكلة واحدة فيالنّهار كأوجب ووجب . ووجب عياله وفرسه عوّدهم أكلة واحدة . والوجبة الأكلة فياليوم واللّيلة ، وأكلة في اليوم إلى مثلها من الغد ( راجع : لسان العرب : ج1 ص795 « » ) .
2- .ما بين المعقوفين من بحار الأنوار و ليس في المصدر .
3- .في بحار الأنوار : « و ارفع من الطّعام و أنت تشهيه » بدل « و تكف عن الطّعام و أنت مشتهي له » .
4- .في بحار الأنوار : «العتيق» بدل «المعتق».
5- .و في هامش المصدر : «الزمان».
6- .وفي هامش المصدر : « عدة » .
7- .«و فيه يطيب الليل و النهار» لاعتدال الهواء فيه و عدم الاختلاف الكثير فيه بين الليل و النهار ، «و تلين الأرض» إذ بحرارة الهواء و رطوبته تذهب الصلابة الحاصلة في الأرض من يبس الشتاء ، فتنبت فيها الأعشاب و تذهب سلطنة البلغم المتولّد في الشتاء.
8- .النيمبرشت : كلمة فارسيّة بمعنى : نصف مقليّ .

ص: 197

[ التّدبير في أشهر السّنة ]
[ نيسان ]
[ أيار ]
[ حزيران ]

يُستَعمَلُ فيهِ الفَصدُ وَ الحِجامَةُ . (1)

[التّدبير في أشهر السّنة ][ نيسان ]نَيسانُ ثَلاثونَ يَوما ، فيهِ يَطولُ النَّهارُ وَيَقوى مِزاجُ الفَصلِ ، وَ يَتَحَرَّكُ الدَّمُ ، وَ تَهُبُّ فيهِ الرِّياحُ الشَّرقيَّةُ ، وَ يُستَعمَلُ فيهِ مِنَ المآكِلِ المَشويَّةِ ، وَ ما يُعمَلُ بِالخَلِّ ، وَ لُحومِ الصَّيدِ ، وَيُعالَجُ (2) الجِماعُ وَالتَمريخُ (3) بِالدُّهنِ في الحَمَّامِ ، وَ لا يُشرَبُ الماءُ (4) عَلى الرِّيقِ ، وَ يُشَمُّ الرَّياحينُ وَ الطِّيبُ .

[ أيار ]أَيارُ أَحَدٌ وَ ثَلاثونَ يَوما ، وَ تَصفو فيهِ الرِّياحُ ، وَ هوَ آخِرُ فَصلِ الرَّبيعِ ، وَ قَد نُهيَ فيهِ عَن أَكلِ المُلوحاتِ وَ اللُّحومِ الغَليظَةِ كَالرُّؤوسِ وَ لَحمِ (5) البَقَرِ (6) وَ اللَّبَنِ ، وَ يَنفَعُ فيهِ دُخولُ الحَمَّامِ أَوَّلَ النَّهارِ ، وَ يُكرَهُ فيهِ الرِّياضَةُ (7) قَبلَ الغِذَاءِ .

[ حزيران ]حَزيرانُ ثَلاثونَ يَوما ، يَذهَبُ فيهِ سُلطانُ البَلغَمِ وَ الدَّمِ ، وَ يُقبِلُ زَمانُ المِرَّةِ الصَّفراويَّةِ (8) ،

.


1- .لما مرّ من تولّد الدّم في هذا الفصل و هيجانه ، ويقوي مزاج الفصل لظهور الحرارة فيه ، فإنّ الشّهر الأوّل شبيه بالشّتاء بارد في أكثر البلاد ، و حركة الدّم و تولّده في هذا الشّهر أكثر .
2- .في هامش المصدر : « يصالح » بدل « يعالج » .
3- .التمريخ : التدهين .
4- .وفي هامش المصدر : « ويشرب » والأوّل أوفق بقول الأطبّاء .
5- .و في هامش المصدر : « لحوم » .
6- .و في القاموس : البقرة للمذكّر و المؤنّث . و الجمع بقر و بقرات و بقر _ بضمّتين _ و بقار و أبقور و بواقر . و أمّا باقر و بقير و بيقورة و باقور و باقورة فأسماء للجمع .
7- .الرياضة : التّعب و المشقّة في الأعمال .
8- .لأنّ الفصل حارّ يابس و موافق لطبع الصّفراء ، فهو يولدها و يقوّيها . و في بعض النسخ : « الصفراء » .

ص: 198

[ تموز ]
[ آب ]

وَ نُهيَ فيهِ عَنِ التَّعَبِ (1) ، وَ أَكلِ اللَّحمِ داسِما (2) وَ الإِكثارِ مِنهُ ، وَ شمِّ المِسكِ وَ العَنبَرِ (3) ، وَ يَنفَعُ فيهِ أَكلُ البُقولِ البارِدَةِ كالهِندَباءِ وَ بَقلَةِ الحَمقاءِ (4) ، وَأَكلُ الخُضَرِ كالخيارِ وَ القِثاءِ ، وَ الشِّيرَخِشتِ ، وَ الفاكِهَةِ الرَّطبَةِ ، وَ استِعمالُ المُحَمِّضاتِ ، وَ مِنَ اللُّحومِ لَحمُ المَعزِ الثَّنيِّ (5) وَ الجَذَعِ (6) ، وَ مِنَ الطُّيورِ الدَّجاجُ وَ الطَّيهوجُ (7) وَ الدُّرَّاجُ ، وَ الأَلبانُ ، وَ السَّمَكُ الطَّريُّ .

[ تموز ]تَمُّوزُ أَحَدٌ وَ ثَلاثونَ يَوما ، فيهِ شِدَّةُ الحَرارَةِ ، وَ تَغورُ المياهُ ، وَ يُستَعمَلُ فيهِ شُربُ الماءِ البارِدِ عَلى الرِّيقِ ، وَ يُؤكَلُ فيهِ الأَشياءُ البارِدَةُ الرَّطبَةُ (8) ، وَ يُكسَرُ فيهِ مِزاجُ الشَّرابِ (9) ، وَ تُؤكَلُ فيهِ الأَغذيَةُ اللَّطيفَةُ السَّريعَةُ الهَضمِ ، كَما ذُكِرَ في حَزيرانَ ، وَيُستَعمَلُ فيهِ مِنَ النَّورِ وَ الرَّياحينِ البارِدَةِ الرَّطبَةِ الطَّيِّبَةِ الرَّائِحَةِ .

[ آب ]آبُ أَحَدٌ وَ ثَلاثونَ يَوما ، فيهِ تَشتَدُّ السُّمومُ ، وَ يَهيجُ الزُّكامُ بِاللَّيلِ ، وَ تَهُبُّ الشَّمالُ ، وَ يَصلُحُ

.


1- .لأنّه بسبب شدّة حرارة الهواء و تخلخل مسام البدن يتحلّل كثير من المواد البدنيّة ، و التّعب و الرّياضة موجبة لزيادة التّحليل و ضعف البدن . و لأنّه يوجب تهيّج الصّفراء .
2- .و في هامش المصدر : « دائما » .
3- .و شمّ المسك و العنبر ليبسهما لا يناسبان الفصل ، و يوجبان وجع العين و الصّداع و الزّكام .
4- .البقلة الحمقاء : هي الّتي يسمّونها بالفارسيّة « خرفة » .
5- .الثني : الّذي يلقي ثنيته ، و الجمع ثنيات و أثنى البعير أي : صار ثنيّا ( راجع : لسان العرب : ج14 ص 123 ) .
6- .في هامش المصدر : « الجَذَع » من البهائم صغيرها ، و في بعض النسخ « الجداء » _ بالكسر _ جمع الجدي ، و هو ولد المعز . و إنّما يناسب أكل هذه اللّحوم في هذا الفصل للطافتها و سرعة هضمها ، و ضعف الهاضمة في هذا الفصل لتفرّق الحرارة الغريزيّة و ضعف القوى .
7- .الطَّيهوج : طائر يشبه الحجل الصغير غير أنّ عنقه أحمر و منقاره و رجله أحمران ، و هو خفيف مثل الدرّاج ، و هو معرّب ( راجع : لسان العرب : ج 2 ص 317 ) .
8- .وفي هامش المصدر : «المرطبة» بدل «الرطبة» .
9- .أي : الشّراب الحلال ، بتبريده بالماء البارد .

ص: 199

[ أيلول ]
[ تشرين الأوّل ]
[ تشرين الآخر ]

المِزاجُ بِالتَّبريدِ وَ التَّرطيبِ ، وَ يَنفَعُ فيهِ شُربُ اللَّبَنِ الرَّائبِ (1) ، وَ يُجتَنَبُ فيهِ الجِماعُ وَ المُسهِلُ ، وَ يُقَلُّ مِنَ الرِّياضَةِ ، وَ يُشَمُّ مِنَ الرَّياحينِ البارِدَةِ .

[ أيلول ]أَيلولُ ثَلاثونَ يَوما ، فيهِ يَطيبُ الهَواءُ ، وَ يَقوى سُلطانُ المِرَّةِ (2) السَّوداءِ ، وَ يَصلُحُ شُربُ المُسهِلِ ، وَ يَنفَعُ فيهِ أَكلُ الحَلاواتِ ، وَ أَصنافِ اللُّحومِ المُعتَدِلَةِ ، كالجِداءِ وَ الحَوليِّ (3) مِنَ الضَّأنِ ، وَ يُجتَنَبُ فيهِ لَحمُ البَقَرِ ، وَ الإِكثارُ مِنَ الشَّواءِ ، وَ دُخولُ الحَمَّامِ ، وَ يُستَعمَلُ فيهِ الطِّيبُ المُعتَدِلُ المِزاجِ ، وَ يُجتَنَبُ فيهِ أَكلُ البِطِّيخِ وَ القِثَّاءِ .

[ تشرين الأوّل ]تِشرينُ الأَوَّلُ أَحَدٌ وَ ثَلاثونَ يَوما ، فيهِ تَهُبُّ الرِّياحُ المُختَلِفَةُ ، وَ يُتَنَفَّسُ فيهِ ريحُ الصِّبا ، وَ يُجتَنَبُ فيهِ الفَصدُ وَ شُربُ الدَّواءِ ، وَ يُحمَدُ فيهِ الجِماعُ ، وَ يَنفَعُ فيهِ أَكلُ اللَّحمِ السَّمينِ ، وَ الرُّمَّانِ المُزِّ (4) ، وَ الفاكِهَةِ بَعدَ الطَّعامِ ، وَ يُستَعمَلُ فيهِ أَكلُ اللُّحومِ بِالتَّوابِلِ (5) ، وَ يُقَلَّلُ فيهِ مِن شُربِ الماءِ ، وَ يُحمَدُ فيهِ الرِّياضَةُ .

[ تشرين الآخر ]تِشرينُ الآخِرُ (6) ثَلاثونَ يَوما ، فيهِ يُقطَعُ المَطرُ الوَسميُّ (7) ، وَ يُنهى فيهِ عَن شُربِ الماءِ بِاللَّيلِ ، وَ يُقَلَّلُ فيهِ مِن دُخولِ الحَمَّامِ وَ الجِماعِ ، وَ يُشرَبُ بُكرَةَ كُلِّ يَومٍ جُرعَةُ ماءٍ حارٍّ ،

.


1- .اللّبن الرائب : الماست ، أو الّذي أُخرج زبده . في القاموس : راب اللّبن روبا و رؤوبا : خثر أي غلظ ، و لبن رؤوب و رائب ، أو هو ما يمخض و يخرج زبده ( القاموس المحيط : ج 1 ص 77 ) .
2- .« و يقوى سلطان المرّة السّوداء » أي : سلطنتها واستيلاؤها ؛ لكونها باردة يابسة ، و الفصل أيضا كذلك ، و لذا يكثر فيه حدوث الأمراض السّوداويّة .
3- .و الحولي : ما أتى عليه حول من ذي حافر و غيره .
4- .المُزّ : ما كان طعمه بين الحامض و الحلو ( راجع : لسان العرب : ج 5 ص 409 ) .
5- .و هو ما يُطيَّب به الطّعام كالفلفل و الكمون . و في القاموس : التّابل _ كصاحب و هاجر و جوهر _ : أبزار الطّعام و الجمع توابل ( القاموس المحيط : ج 3 ص 340 ) .
6- .و في هامش المصدر : « الثاني » بدل « الآخر » .
7- .أي : مطر الرّبيع الأوّل ، لأنّه يسمّ الأرض بالنّبات ، و يقال له أيضا : الموسميّ .

ص: 200

[ كانون الأوّل ]
[ كانون الآخر ]
[ شباط ]

وَ يُجتَنَبُ أَكلُ البُقولِ (1) كَالكَرَفسِ وَ النَّعناعِ وَ الجِرجيرِ . (2)

[ كانون الأوّل ]كانونُ الأَوَّلُ أَحَدٌ وَ ثَلاثون يَوما ، تَقوى فيهِ العَواصِفُ ، وَ يشتَدُّ فيهِ البَردُ ، وَ يَنفَعُ فيهِ كُلُّ ما ذَكَرناهُ في تِشرينِ الآخِرِ ، وَ يُحذَرُ فيهِ مِن أَكلِ الطَّعامِ البارِدِ ، وَ يُتَّقَى فيهِ الحِجامَةُ وَ الفَصدُ ، وَ يُستَعمَلُ فيهِ الأَغذيةُ الحارَّةُ بِالقُوَّةِ وَ الفِعلِ .

[ كانون الآخر ]كانُونُ الآخِرُ أَحَدٌ وَ ثَلاثونَ يَوما ، يَقوى فيهِ غَلَبَةُ البَلغَمِ ، وَ يَنبَغي أَن يُتَجَرَّعَ فيهِ الماءُ الحارُّ عَلى الرِّيقِ (3) ، وَ يُحمَدُ فيهِ الجِماعُ ، وَ يَنفَعُ الأَحشاءَ (4) فيهِ مِثلُ البُقولِ الحارَّةِ كَالكَرَفسِ وَ الجِرجيرِ وَ الكُرَّاثِ ، وَ يَنفَعُ فيهِ دُخولُ الحَمَّامِ أَوَّلَ النَّهارِ ، وَ التَّمريخُ بِدُهنِ الخيريِّ (5) وَ ما ناسَبَهُ ، وَ يُحذَرُ فيهِ الحُلوُ (6) ، وَ أَكلُ السَّمَكِ الطَّريِّ وَ اللَّبَنِ .

[ شباط ]شُباطُ ثَمانيَةٌ وَ عِشرونَ يَوما ، تَختَلِفُ فيهِ الرِّياحُ ، وَ تَكثُرُ الأَمطارُ ، وَ يَظهَرُ فيهِ العُشبَ ، وَ يَجري فيهِ الماءُ في العُودِ ، وَ يَنفَعُ فيهِ أَكلُ الثُّومِ وَ لحمُ الطَّيرِ وَ الصُّيودِ وَ الفاكِهَةِ اليابِسَةِ ، وَ يُقَلَّلُ مِن أَكلِ الحَلاوَةِ ، وَ يُحمَدُ فيهِ كَثرَةُ الجِماعِ ، وَ الحَرَكَةُ ، وَ الرِّياضَةُ .

.


1- .و لعلّ المراد بالبقول الحارّة منها ؛ لأنّ ما ذكره على التّشبيه كلّها حارّة ، و يُحتمل التّعميم .
2- .بقلة حولية تنبت في المناطق المعتدلة ( المعجم الوسيط : ج 1 ص 114 ) .
3- .التّجرّع : شرب الشّيء جرعة جرعة بالتّدريج ، و تجرُّع الماء الحارّ يرقّق البلغم و يذيبه ، و كذا دخول الحمّام يلطّف البلغم و يحلّله .
4- .في بعض النسخ : « يقع الأحساء » و الظّاهر أنّه تصحيف .
5- .الخيريّ : هو الّذي يقال له بالفارسيّة : « شبّو » و له أنواع من ألوانٍ مختلفة .
6- .و في بعض النّسخ : « الحلق » ، حمله بعضهم على الحلق في موضع تؤثّر برودة الهواء في الرّأس و يصير سببا للزّكام ، و هو خطأ ؛ لأنّه قد جرّب أصحاب الزّكام أنّ ترك حلق كلّ الرّأس أو وسطه في الشّتاء ينفعهم ؛ لعدم انصبابه على العين و الأسنان و الصّدر .

ص: 201

[ إعداد الشّراب الّذي يحلّ شربه واستعماله بعد الطّعام ]

[ إعداد الشّراب الّذي يحلّ شربه واستعماله بعد الطّعام ][صِفَةُ الشَّرابِ الّذي يَحِلُّ شُربُهُ وَ استِعمالُهُ بَعدَ الطَّعامِ . وَ قَد تَقَدَّمَ ذِكرُ نَفعِهِ في ابتِدائِنا بِالقَولِ عَلى فُصولِ السَّنَةِ وَ ما يُعتَمَدُ فيها مِن حِفظِ الصِّحَّةِ ] (1) . وَ صِفَتُهُ أَن يُؤخَذَ مِنَ الزِّبيبِ المُنَقَّى عَشَرَةُ أَرطالٍ ، فَيُغَسلَ وَ يُنقَّعَ في ماءٍ صافٍ ، في غَمرَةٍ (2) وَ زيادَةٍ عَلَيهِ أَربَعَ أَصابِعَ (3) ، وَ يُترَكَ في إِنائِهِ ذلِكَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ في الشِّتاءِ ، وَ في الصَّيفِ يَوما وَ لَيلَةً . ثُمَّ يُجعَلَ في قِدرٍ نَظيفَةٍ ، وَ ليَكُنِ الماءُ ماءَ السَّماءِ إِن قُدِرَ عَلَيهِ ، وَ إِلَا فَمِنَ الماءِ العَذبِ الصافي الّذي يَكونُ يَنبوعُهُ مِن ناحيةِ المَشرِقِ ، ماءً أَبيَضا بَرَّاقا خَفيفا ، وَ هوَ القابِلُ لِما يَعتَرِضُهُ عَلى سُرعَةٍ مِنَ السُّخونَةِ وَ البُرودَةِ ، وَ تِلكَ الدَّلالَةُ عَلى خِفَّةِ (4) الماءِ ، وَ يُطبَخُ حَتّى يَنتَفِخَ الزَّبيبُ ، ثُمَّ يُعصَرُ ، وَ يُصَفَّى ماؤُهُ ، وَ يُبَرَّدُ ، ثُمَّ يُرَدُّ إِلى القِدرِ ثانيا ، وَ يُؤخَذُ مِقدارَهُ بِعودٍ ، وَ يُغلَى بِنارٍ لَيِّنَةٍ غَلَيانا رَقيقا حَتَّى يَمضي ثُلُثاهُ وَ يَبقى ثُلُثُهُ ، ثُمَّ يُؤخَذُ مِنَ العَسلِ المُصَفَّى رِطلٌ (5) ، فَيُلقى عَلَيهِ ، وَ يُؤخَذُ مِقدارَ الماءِ وَ مِقدارَهُ مِنَ القِدرِ ، وَ يُغلَى حَتَّى يَذهَبَ قَدرُ العَسَلِ ، وَ يَعودَ إِلى حَدِّهِ ، وَ يُؤخَذُ [خِرقَةٌ ] (6) صَفيقَةُ (7) ، فَيجعَلُ فيها مِنَ الزَّنجَبيلِ وَزنَ دِرهَمٍ (8) ، وَ مِنَ القَرَنفُلِ (9) وَزنَ دِرهَمٍ ، وَ مِنَ الدَّارصينيِّ وَزنَ نِصفِ دِرهَمٍ ، وَ مِنَ الزَّعفَرانِ وَزنَ دِرهَمٍ ، وَ مِنَ السُّنبُلِ وَزنَ نِصفِ دِرهَمٍ ، وَ مِنَ العودِ النِّيِّ وَزنَ

.


1- .ما بين المعقوفين ليس في متن المصدر ، بل في الهامش مع اختلاف ، و نحن نذكره من بحار الأنوار .
2- .أي : في مقدار من الماء يغمره و يستره ، و يرتفع عنه مقدار أربعة أصابع .
3- .و في هامش المصدر : « أربعة أرطال » .
4- .و في بحار الأنوار : «صفة» بدل «خفّة» .
5- .الرّطل : ما يساوي 314 غراما تقريبا .
6- .ما بين المعقوفين من بحار الأنوار وليس من المصدر .
7- .صفيقة : أي غير رقيقة . و ثوب صفيق : متين بين الصفاقة ، صفق صفاقة أي : كثف نسجه ( راجع : لسان العرب : ج 1 ص204 ) .
8- .الدّرهم : هو ما يساوي ( 5/2 ) غراما تقريبا .
9- .القرنفل : قال الشّيخ الرّئيس : نبات في حدّ الصّين ، و القرنفل ثمرة ذلك النّبات ، و هو يشبه الياسمين لكنّه أسود ( راجع : القانون : ج1 ص416 ) .

ص: 202

[ في الماء البارد بعد أكل السّمك]
[ في أكل الأترج باللّيل]

نِصفِ دِرهَمٍ ، وَ مِنَ المَصطَكيِّ (1) وَزنَ نِصفِ دِرهَمٍ ، بَعدَ أَن يُسحَقَ كُلَّ صِنفٍ مِن هذِهِ الأَصنافِ وَحدَهُ وَ يُنخَلَ ، وَ يُجعَلَ في الخِرقَةِ ، وَ يُشَدَّ بِخَيطٍ شَدَّا جَيِّدا ، وَ يَكونُ لِلخَيطِ طَرَفٌ طَويلٌ تُعَلَّقُ بِهِ الخِرقَةُ المَصرورَةُ في عودٍ مُعارِضٍ بِهِ عَلى القِدرِ ، وَ يَكونُ ألقى هذِهِ الصُّرَّةِ في القِدرِ في الوَقتِ الّذي يُلقى فيهِ العَسَلُ ، ثُمَّ تُمرَسُ الخِرقَةُ ساعَةً فَساعَة ؛ ليُنزِلَ ما فيها قَليلاً قَليلاً ، وَ يُغلى إِلى أَن يَعودَ إِلى حالِهِ ، وَ يَذهَبَ زيادَةُ العَسَلِ ، وَ ليَكُنِ النَّارُ لَيِّنَةٌ ، ثُمَّ يُصَفَّى وَ يُبَرَّدَ وُ يُترَكَ في إِنائِهِ ثَلاثَةَ أَشهُرٍ مَختوما عَلَيهِ لا يُفتَح ، فَإِذا بَلَغَت المُدَّةُ فَاشرَبهُ ، وَ الشَّربَةُ مِنهُ قَدرُ أُوقيَّةٍ (2) بِأُوقيَّتَينِ ماءً . فَإِذا أَكَلتَ يا أَميرَ المُؤمِنينَ كَما وَصَفتُ لَكَ مِن قَدَرِ الطَّعامِ ، فَاشرَب مِن هذا الشَّرابِ ثَلاثَةَ أَقداحٍ بَعدَ طَعامِكَ ، فَإِذا فَعَلتَ فَقَد أَمِنتَ بِإِذنِ اللّهِ يَومَكَ مِن وَجَعِ النِّقرِسِ (3) ، وَ الإِبرِدَةِ ، وَ الرِّياحِ المُؤذيَةِ . فَإِن اشتَهَيتَ الماءَ بَعدَ ذلِكَ ، فاشرَب مِنهُ نِصفَ ما كُنتَ تَشرَبُ ، فَإِنَّهُ أَصَحُّ لِبَدَنِكَ ، وَ أَكثَرُ لِجِماعِكَ ، وَ أَشَدُّ لِضَبطِكَ وَ حِفظِكَ .

[في الماء البارد بعد أكل السّمك]فَإِنَّ الماءَ البارِدَ بَعدَ أَكلِ السَّمَكِ الطَّريِّ يُورِثُ الفَالِجَ (4) .

[في أكل الأترج باللّيل]وَ أَكلُ الأُترُجِّ (5) بِاللَّيلِ يَقلِبُ العَينَ وَ يُورِثُ الحَوَلَ (6) .

.


1- .المصطكي : شجر له ثمر ، يميل طعمه إلى المرارة ، ويُستخرج منه صمغ يعلك وهو دواء ( راجع : العين : ج 5 ص 425 «مصطك» ) .
2- .الأوقية : تساوي (323) غراما تقريبا.
3- .النّقرس _ بالكسر _ : ورم و وجع في مفاصل الكعبين و أصابع الرّجلين .
4- .قال الشّيخ الرّئيس : هو ما كان من الاسترخاء عامّا لأحد شقّي البدن طولاً . فمنه ما يكون في الشّقّ المبتدأ من الرّقبة و يكون الوجه و الرّأس معه صحيحين ، و منه ما يسري في جميع الشّقّ من الرّأس إلى القدم ( القانون لابن سينا : ج2 ص90 ) .
5- .الأترج : قال ديسقوريدوس : هو نبات تبقى ثمرته عليه جميع السّنة . و الثّمر بنفسه طويل ، و لونه شبيه بلون الذّهب ، طيّب الرّائحة مع شيء من كراهة ، و له بزر شبيه ببزر الكمثرى ( راجع : الجامع لمفردات الأدوية و الأغذية : ج1 ص10 ) .
6- .الحَوَل : ظهور البياض في مؤخّر العين ، و يكون السّواد في قبل المآق ، أو إقبال الحدقة على الأنف ، أو ذهاب حدقتها قبل مؤخّرها ( راجع : القاموس المحيط : ج2 ص375 ) .

ص: 203

[ في إتيان المرأة الحائض]
[ في الجماع من غير إهراق]
[ في الجماع بعد الجماع]
[ في كثرة أكل البيض وإدمانه]
[ في أكل اللّحم النّيء]

[في إتيان المرأة الحائض]وَ إِتيانُ المَرأَةِ الحائِضِ يُوَلِّدُ الجُذامَ (1) في الوَلَدِ .

[في الجماع من غير إهراق]وَ الجِماعُ مِن غَيرِ إِهراقِ الماءِ عَلى أَثَرِهِ يُورِثُ الحَصاةَ (2) .

[في الجماع بعد الجماع]وَ الجِماعُ بَعدَ الجِماعِ مِن غَيرِ أَن يَكونَ بَينَهُما غُسلٌ يُورِثُ لِلوَلَدِ الجُنونَ إِن غَفَلَ عَنِ الغُسلِ .

[في كثرة أكل البيض وإدمانه]وَ كَثرَةُ أَكلِ البَيضِ وَ إِدمانُهُ يُورِثُ الطُّحالَ وَ رياحا في رَأسِ المَعِدَةِ ، وَ الاِمتِلاءُ مِنَ البَيضِ المَسلوقِ (3) يُورِثُ الرَّبوَ وَ الاِبتِهارَ 4 .

[في أكل اللّحم النّيء]وَ أكلُ اللَّحمِ النَّيءِ (4) يُورِثُ الدُّودَ في البَطنِ .

.


1- .قيل : لأنّ النّطفة حينئذٍ تستمدّ من الدّم الكثيف الغليظ السّوداوي . و الجذام : فساد الأعضاء و هيأتها ، و ربّما انتهى إلى تآكل الأعضاء و سقوطها عن تقرّحٍ ( راجع : القاموس المحيط : ج4 ص88 ) .
2- .الحَصاة : اشتداد البول في المثانة حتّى يصير كالحصاة ( راجع : القاموس المحيط : ج4 ص318 ) .
3- .في القاموس المحيط : سلق الشّيء أغلاه بالنّار .
4- .النّي : الّذي لم ينضج ، و لعلّه أعمّ من أن لم يطبخ أصلاً أو طبخ و لم ينضج . أي : غير المطبوخ ( راجع : القاموس المحيط : ج 1 ص 31 ) .

ص: 204

[ في أكل التّين]
[ في شرب الماء البارد عقيب الحارّ والحلاوة]
[ في الإكثار من أكل لحوم الوحش والبقر]
[ في دخول الحمّام وآدابه]
[ في التّنوير ]

[في أكل التّين]وَ أَكلُ التِّينِ يَقمَلُ الجَسَدَ إِذا أُدمِنَ عَلَيهِ .

[في شرب الماء البارد عقيب الحارّ والحلاوة]وَ شُربُ الماءِ البارِدِ عَقيبَ الشَّيءِ الحارِّ وَ عَقيبَ الحَلاوَةِ يَذهَبُ بِالأَسنانِ .

[في الإكثار من أكل لحوم الوحش والبقر]وَ الإِكثارُ مِن أَكلِ لُحومِ الوَحشِ و البَقَرِ يُورِثُ تَيبيسَ العَقلِ ، وَ تَحيُّرَ الفَهمِ ، وَ تَلَ_بُّدَ الذِّهنِ ، وَ كَثرَةَ النِّسيانِ .

[في دخول الحمّام وآدابه]وَ إِذا أَرَدتَ دُخولَ الحَمَّامِ وَ أَلّا تَجِدَ في رَأسِكَ ما يُؤذيكَ ، فَابدأ عِندَ دُخولِ الحَمَّامِ بِخَمسِ حَسَواتِ ماءٍ حارٍّ ، فَإِنَّكَ تَسلَمُ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى مِن وَجَعِ الرَّأسِ وَ الشَّقيقَةِ (1) ، وَ قيلَ : خَمسَةَ أَكُفِّ ماءٍ حارٍّ تَصُبُّها عَلى رَأسكَ عِندَ دُخولِ الحَمَّامِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ تَركيبَ الحَمَّامِ عَلى تَركيبِ الجَسَدِ ، لِلحَمَّامِ أَربَعَةُ أَبياتٍ مِثلُ أَربَعُ طَبائِعٍ : البَيتُ الأَوَّلُ : بارِدٌ يابِسٌ . وَ الثَّاني : بارِدٌ رَطبٌ . وَ الثَّالِثُ : حارٌّ رَطبٌ . وَ الرَّابِعُ : حارٌّ يابِسٌ . وَ مَنفَعَةُ الحَمَّامِ تُؤَدِّي إِلى الاعتِدالِ ، وَ يُنَقِّي الدَّرنَ ، وَ يُلَيِّنُ العَصَبَ وَ العُروقَ ، وَ يُقَوِّي الأَعضاءَ الكِبارَ ، وَ يُذيبُ الفُضولَ وَ العُفوناتَ . وَ إِذا أَرَدتَ أَلّا يَظهَرَ في بَدَنِكَ بَثرَةٌ وَ لا غَيرُها ، فابدأ عِندَ دُخولِ الحَمَّامِ بِدُهنِ بَدَنَكَ بِدُهنِ البَنَفسَجِ ، وَ إِذا أَرَدتَ أَلّا يَبثُرَ وَ لا يُصيبَكَ قُروحٌ ، وَ لا شُقاقٌ ، وَ لا سُوادٌ ، فاغسِل بِالماءِ البارِدِ قَبلَ أَن تُنَوِّرَ .

[في التّنوير ]وَ مَن أَرادَ دُخولَ الحَمَّامِ لِلنُّورَةِ ، فَليَتَجَنَّب الجِماعَ قَبلَ ذلِكَ بِاثنَتَي عَشرَةَ ساعَةً ،

.


1- .الشّقيقة _ كسفينة _ : وجع يأخذ نصف الرّأس و الوجه ( راجع : القاموس المحيط : ج3 ص259 ) .

ص: 205

وَ هوَ تَمامُ يَومٍ ، وَ ليَطرَح في النُّورَةِ شَيئا مِنَ الصَّبِرِ (1) ، وَ القاقيا 2 ، و الحُضُضِ (2) ، أَو يَجمَعُ ذلِكَ ، وَ يَأخُذُ مِنهُ اليَسيرَ إذا كان مُجتَمِعا أَو مُتَفَرِّقا ، وَ لا يُلقي في النُّورَةِ مِن ذلِكَ شَيئا حَتَّى تُماتَ النُّورَةُ بِالماءِ الحارِّ الّذي يُطبَخُ فيهِ البابونَجُ (3) ، وَ المَرزَنجُوشُ (4) ، أَو وَردُ البَنَفسَجِ (5) اليابِسِ ، وَإِن جُمِعَ ذلِكَ أُخِذَ مِنهُ اليَسيرُ مُجتَمِعا أَو مُتَفَرِّقا قَدرِ ما يَشرَبُ الماءُ رائِحَتَهُ ، وَ ليَكُنِ زِرنيخُ (6) النُّورَةِ مِثلَ ثُلُثها . وَ يُدلَّكُ الجَسَدُ بَعدَ الخُروجِ مِنها ما يَقطَعُ ريحَها ، كَوَرَقِ الخَوخِ (7) ، و ثَجيرهِ (8) العُصفُرِ (9) ، وَ الحِنَّاءِ ، وَ السَّعدِ (10) ، وَ الوَردِ (11) .

.


1- .قال الشّيخ الرّئيس : الصّبر ، عصارة جامدة بين حمرة وشقرة ، وماؤه كماء الزّعفران ( راجع : القانون لابن سينا : ج1 ص415 ) .
2- .و هو : عصارة شجرة لها زهر أصفر وفروع كثيرة ، تثمر حبّا أسود كالفلفل ، ويقال له بمصر : «الخولان» وبالهنديّة : «فليزهرج» ( راجع : الجامع لمفردات الأدوية والأغذية : ج2 ص323 ) .
3- .البابونج : هو ثلاثة أصناف ، و الفرق بينها إنّما هو في لون الزّهر فقط . و له أغصان طولها نحو من شبر ، و فيها شعب ، و ورق صغار دقاق و رؤوس مستديرة صغار في باطن بعضها زهر أبيض و أصفر و فرفيري . و ينبت في أماكن خشنة ، و بالقرب من الطّرق ، و يُقلع في الرّبيع . و البابونق : بالقاف ، اسم خاصّ لنوع العطر من البابونج الدّقيق ( راجع : الجامع لمفردات الأدوية و الأغذية : ج1 ص73 ) .
4- .المرزنجوش : نبات كثير الأغصان ينبسط على الأرض في نباته ، و له ورق مستدير عليه زغب ، و هو طيّب الرّائحة جدّا ( راجع : الجامع لمفردات الأدوية و الأغذية : ج4 ص144 ) .
5- .البنفسج : هو نبات معروف له ورق أسود ، و له ساق يخرج من أصله ، عليه زغب صغير ، و على طرف ساقه زهر طيّب الرّائحة جدّا . ينبت في المواضع الضّليلة الحسنة ( راجع :الجامع لمفردات الأدوية والأغذية :ج1 ص114 ) .
6- .الزّرنيخ : جوهر معدني ، منه أخضر و منه أصفر و منه أحمر ، أجوده الأصفر المتسرّح الأرمني ، الذّهبي الصّفائحي ، و له رائحة كرائحة الكبريت ( راجع : القانون : ج1 ص304 ) .
7- .قال الشّيخ الرّئيس : يقطع ورقه إذا طلي به رائحة النّورة ( القانون : ج1 ص461 ) .
8- .ثجيره : ثفله .
9- .العصفر : قال ديسقوريدوس : هو نبات له ورق طوال مشرف خشن مشوّك ، وساق طولها نحو من ذراعين بلا شوكة ، عليها رؤوس مدوّرة مثل حبّ الزّيتون الكبار ، وزهر شبيه بالزّعفران ، ونور أبيض ، ومنه ما يضرب إلى الحمرة ، وهو ريفي وبرّي ( راجع : القانون : ج1 ص396 ) .
10- .قال ديسقوريدوس : هو أصل نبات له ورق يشبه الكرّاث غير أنّه أطول وأدقّ وأصلب ، وله ساق طولها ذراع أو أكثر ، وساقه ليست مستقيمة بل فيها اعوجاج ، على طرفها أوراق صغار نابتة ، وأُصوله كأنّها زيتون ، منه طوال منشبك بعضه مع بعض ، سود ، طيّبة الرّائحة ، فيها مرارة ( راجع : القانون : ج1 ص378 ) .
11- .الورد : هو نور كلّ شجرة ، وزهر كلّ نبتة ، ثمّ خصّ بهذا المعروف . فقيل لأحمره : الحوحم ، ولأبيضه الوثير ، وأصله فارسي ( راجع : الجامع لمفردات الأدوية والأغذية : ج4 ص189 ) .

ص: 206

[ في حبس البول]
[في شرب الماء على الطّعام]
[ في الأمن من الحصاة وعسر البول]

وَ مَن أَرادَ أَن يَأمَنَ النُّورَةَ وَ يَأمَنَ إِحراقَها ، فَليُقَلِّل مِن تَقليبِها ، وَ ليُبادِر إِذا عُمِلَت في غَسلِها ، وَ أَن يَمسَحُ البَدَنِ بِشَيءٍ مِن دُهنِ وَردٍ . فَإِن أَحرَقَت _ وَ العياذِ بِاللّهِ _ أُخِذَ عَدَسٌ مُقَشَّرٌ فَيُسحَقُ بِخَلٍّ وَ ماءِ وَردٍ ، وَ يُطَلَّى عَلى المَوضِعِ الّذي أَحرَقَتهُ النُّورَةُ ، فَإِنَّهُ يَبرأُ بِإذنِ اللّهِ . وَ الّذي يَمنَعُ مِن تَأثيرِ النُّورَةِ لِلبَدَنِ هوَ أَن يُدَلَّكَ عَقيبَ النُّورَةِ بِخَلِّ عِنَبٍ ، وَ دُهنِ وَردٍ دَلكا جَيِّدا .

[في حبس البول]وَ مَن أَرادَ أَلّا يَشتَكيَ مَثانَتَهُ فَلا يَحبِسِ البَولَ وَ لَو عَلى ظَهرِ دابَّتِهِ .

[في شرب الماء على الطّعام]وَ مَن أَرادَ أَلّا تُؤذيَهُ مَعِدَتُهُ فَلا يَشرَب عَلى طَعامِهِ ماءً حَتَّى يَفرُغَ مِنهُ ، وَ مَن فَعَلَ ذلِكَ رَطِبَ بَدَنُهُ وَ ضَعُفَ (1) مَعِدَتُهُ ، وَ لَم تَأخُذِ العُروقَ قُوَّةَ الطَّعامِ ؛ لِأَنَّه يَصيرُ في المَعِدَةِ فِجَّا (2) إِذا صُبَّ الماءُ عَلى الطَّعامِ أَوَّلاً فَأَوَّلاً .

[في الأمن من الحصاة وعسر البول]وَ مَن أَرادَ أَن يَأمَنَ الحَصاةَ ، وَ عُسرَ البَولِ ، فَلا يَحبِسِ المَنيَّ عِندَ نُزولِ الشَّهوَةِ ، وَ لا يُطيلِ المَكثَ عَلى النِّساءِ .

.


1- .كذا في المصدر ، والصحيح : « ضعفت » .
2- .الفجّ _ بالكسر _ : الّذي لم ينضج .

ص: 207

[ في الأمن من وجع السّفل والبواسير]
[ في ازدياد الحافظة]
[ في ازدياد العقل]
[ في تشقّق الأظفار]
[ في الأُذُن]
[ في دفع الزّكام]
[ في العسل]

[في الأمن من وجع السّفل والبواسير]وَ مَن أَرادَ أَن يَأمَنَ وَجَعَ السُّفِل (1) ، وَ لا يَضُرُّهُ شَيءٌ مِن أَرياحِ البَواسيرِ ، فَليَأكُل سَبَعَ تَمَراتٍ هيرونٍ (2) بِسَمنِ بَقَرٍ ، وَ يُدَهِّنُ أُنثَيَيهِ بِزِئبَقٍ خالِصٍ .

[في ازدياد الحافظة]وَ مَن أَرادَ أَن يَزيدَ في حِفظِهِ فَليأكُل سَبعَ مَثاقيلَ زَبيبا بِالغَداةِ عَلى الرِّيقِ . وَمَن أَرادَ أَن يَقِلَّ نِسيانِهِ ، وَ يَكونَ حافِظا ، فَليَأكُل في كُلِّ يَومٍ ثَلاثَ قِطَعِ زَنجَبيلٍ ، مُرَبَّىً بِالعَسَلِ ، وَ يَصطَنِعُ بِالخَردَلِ (3) مَعَ طَعامِهِ فِي كُلِّ يَومٍ .

[في ازدياد العقل]وَ مَن أَرادَ أَن يَزيدَ في عَقلِهِ فَلا يَخرُج كُلَّ يَومٍ حَتَّى يَلوكَ عَلى الرِّيقِ ثَلاثَ هَليلَجاتٍ (4) سودٍ مَعَ سُكَّرٍ طَبرزَدٍ .

[في تشقّق الأظفار]وَ مَن أَرادَ ألّا تَشَقَّقَ أَظفارُهُ وَ لا تَفسُدَ فَلا يُقَلِّمُ أَظفارَهُ إِلَا يَومَ الخَميسِ .

[في الأُذُن]وَ مَن أَرادَ ألّا يَشتَكيَ أُذنَهُ فَليَجعَل فيها عِندَ النَّومِ قُطنَةٌ .

[في دفع الزّكام]وَ مَن أَرادَ دَفعَ الزُّكامِ في الشِّتاءِ أَجمَع فَليَأكُل كُلَّ يَومٍ ثَلاثَ لُقَمِ شَهدٍ (5) .

[في العسل]وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ لِلعَسَلِ دَلائِلٌ يُعرَفُ بِها نَفعُهُ مِن ضَرَرِهِ ، وَ ذلِكَ أَنَّ مِنهُ ما إِذا

.


1- .أي : أسافل البدن ، أو خصوص المقعدة .
2- .الهيرون : ضرب من التّمر جيّد ( راجع : تاج العروس : ج9 ص367 ) .
3- .الخردل : بقلة معروفة ، و من خواصّها إن شرب على الرّيق ذكى الفهم ( راجع : القانون لابن سينا : ج1 ص454 ) .
4- .الهليلج : أصناف كثيرة ، منه الأصفر الفج ، ومنه الأسود الهنديّ ، وهو البالغ النّضج وهو أسخن ، ومنه كابليّ و هو أكبر الجميع ، ومنه صينيّ وهو دقيق خفيف ( القانون لابن سينا : ج 1 ص 297 ) .
5- .الشّهد : هو العسل.

ص: 208

[ في الزّكام]
[ في الشّقيقة والشّوصة]
[ في سلامة الجسم]
[ في الحجامة]
[ في عدم الابتلاء بشكاية السُّرة]

أَدرَكَهُ الشَّمُّ عَطِسَ ، وَمِنهُ ما يُسكِرُ وَلَهُ عِندَ الذَّوقِ حَرافَةٌ (1) شَديدَةٌ ، فَهذِهِ الأَنواعُ مِنَ العَسَلِ قاتِلَةٌ . (2)

[في الزّكام]وَ ليَشُمَّ النَّرجِسِ فَإِنَّهُ يأمَنُ الزُّكامَ ، وَ كَذلِكَ الحَبَّةُ السَّوداءُ (3) . وَ إِذا جاءَ الزُّكامُ في الصَّيفِ فَليَأكُل كُلَّ يَومٍ خيارَةً واحِدَةً ، وَليَحذَرِ الجُلوسَ في الشَّمسِ .

[في الشّقيقة والشّوصة]وَ مَن خَشيَ الشَّقيقَةَ ، وَ الشَّوصَةَ (4) فَلا يَنَم حينَ يَأكُلُ السَّمكَ الطَّريَّ صَيفا كانَ أَم شِتاءً .

[في سلامة الجسم]وَ مَن أَرادَ أَن يَكونَ صالِحا خَفيفَ اللَّحمِ فَليُقَلِّل عَشاءَهُ بِاللَّيلِ .

[في الحجامة]وَ مَن أَرادَ ألّا يَشتَكيَ كَبِدَهُ عِندَ الحِجامَةِ فَليَأكُل في عَقيبِها هِندَباءَ بِخَلٍّ .

[في عدم الابتلاء بشكاية السُّرة]وَ مَن أَرادَ أَلّا يَشتَكيَ سُرَّتَهُ فَليُدَهِّنُها إِذا دَهَّنَ رأَسَهُ .

.


1- .الحرافة : طعم يلذع اللّسان بحرارته.
2- .قال في القانون عند ذكر أنواع العسل و خواصّه : و من العسل جنس حريف سمّيّ . ثمّ قال : الحريف من العسل الّذي يعطش شمّه ، و أكله يورث ذهاب العقل بغتةً و العرق البارد ( القانون لابن سينا : ج 1 ص 402 ) .
3- .الحبّة السّوداء : و تسمّى أيضا بالشّونيز . و هو نبات صغير دقيق العيدان ، طوله نحو من شبرين أو أكثر ، و له ورق صغار ، شبيه بالخشخاش في شكله ، طويلة مجوّفة ، تحوي بزر أسود ، حريفا طيّب الرّائحة ( راجع : الجامع لمفردات الأدوية و الأغذية : ج3 ص72 ) .
4- .الشّقيقة _ كسفينة _ : وجع يأخذ نصف الرّأس و الوجه ، و قال : الشّوصة وجع في البطن ، أو ريح تعقب في الأضلاع ، أو ورم في حجابها من داخل ، واختلاج العرق . وفسّرت الشّوصة في القانون و غيره بذات الجنب ( راجع : القانون لابن سينا : ج2 ص307 ) .

ص: 209

[ في عدم الابتلاء بانشقاق الشفتين ]
[ في عدم الابتلاء بإسقاط أُذن ولهاة]
[ في حفظ الأسنان]
[ في عدم الابتلاء باليرقان والصّفار]
[ في عدم الابتلاء بالريح]
[ في استمراء الطّعام]
[ في ذهاب البلغم]

[في عدم الابتلاء بانشقاق الشفتين ]وَ مَن أَرادَ أَلّا تَشَقَّق شَفَتاهُ وَ لا يَخرُجَ فيها ناسورٌ (1) ، فَليُدَهِّن حاجِبَيهِ .

[في عدم الابتلاء بإسقاط أُذن ولهاة]وَ مَن أَرادَ أَلّا يَسقُطَ أُذُناهُ وَ لا لَهاتُهُ (2) ، فَلا يَأكُل حَلوا إِلَا تَغَرغَرَ بِخَلٍّ .

[في حفظ الأسنان]وَ مَن أَرادَ أَلّا يَفسُدَ أَسنانُهُ فَلا يأكُل حَلوا إِلَا أَكَلَ بَعدَهُ كِسرَةَ خُبزٍ .

[في عدم الابتلاء باليرقان والصّفار]وَ مَن أَرادَ أَلّا يُصيبَهُ اليَرَقانُ (3) وَ الصُّفارُ (4) ، فَلا يَدخُلَنَّ بَيتا في الصَّيفِ أَوَّلَ ما يَفتَحُ بابَهُ ، وَ لا يَخرُجَنَّ مِن بَيتٍ في الشِّتاءِ أَوَّلَ ما يَفتَحُ بابَهُ بِالغِداةِ .

[في عدم الابتلاء بالريح]وَ مَن أَرادَ أَلّا يُصيبَهُ ريحٌ فَليَأكُلِ الثُّومَ (5) في كُلِّ سَبعةِ أَيَّامٍ .

[في استمراء الطّعام]وَ مَن أَرادَ أَن يُمرِئَهُ الطَّعامُ فَليَتَّكِئ عَلى يَمينِهِ ، ثُمَّ يَنقَلِبُ بَعدَ ذلِكَ عَلى يَسارِهِ حينَ يَنامَ .

[في ذهاب البلغم]وَ مَن أَرادَ أَن يَذهَبَ بِالبَلغَمِ فَليَأكُل كُلَّ يَومٍ جَوارِشنا (6) حِرِّيفا ، وَ يُكثِرُ دُخولَ الحَمَّامِ ،

.


1- .النّاسور : علّة في اللّثة ( راجع : القاموس المحيط : ج2 ص141 ) .
2- .اللّهاة : اللّحمة المشرفة على الحلق . و هي الّتي تسمّى بالملاذة ، و سقوطها استرخاؤها وتدلّيها للورم العارض لها ، و قيل : المراد بالأُذنين هنا اللّوزتان الشّبيهتان باللّوز ( راجع : القاموس المحيط : ج4 ص388 ) .
3- .اليرقان : وجع يتغيّر منه لون البدن فاحشا إلى صفرة أو سواد ( راجع : القاموس المحيط : ج3 ص215 ) .
4- .الصّفار : دود في البطن ( راجع : القاموس المحيط : ج2 ص71 ) .
5- .الثّوم : بستاني و برّي و يعرف بثوم الحيّة . و عن جالينوس : الثّوم يحلّل الرّياح أكثر من كلّ شيء يحلّله و لا يعطش ( راجع : الجامع لمفردات الأدوية والأغذية : ج1 ص152 ) .
6- .قال الأنطاكيّ : فارسيّة ، عبارة عن الدّواء الّذي لم يحكم سحقه و لم يطرح على النّار ، بشرط تقطيعه رقاقا . و يستعمل غالبا لإصلاح المعدة و الأطعمة و تحلّل الرّياح ( راجع : تذكرة أولي الألباب : ج1 ص112 ) .

ص: 210

[ في ذهاب لهب الصّفراء]
[ في ذهاب السّوداء]
[ في ذهاب الرّيح الباردة]
[ في ذهاب البلغم]
[ في المسافر]

وَ إِتيانَ النِّساءِ ، وَ القُعودَ في الشَّمسِ ، وَ يَتَجَنَّبُ كُلَّ بارِدٍ ؛ فَإِنَّهُ يُذيبُ البَلغَمَ وَ يُحرِقُهُ .

[في ذهاب لهب الصّفراء]وَ مَن أَرادَ أَن يُطفِئَ المِرَّةَ الصَّفراءَ فَليَأكُل كُلَّ بارِدٍ لَيِّنٍ ، وَ يُرَوِّحُ بَدَنَهُ ، وَ يُقلِلُ الانتِصابَ ، وَ يُكثِرُ النَّظرَ إِلى مَن يُحبُّ .

[في ذهاب السّوداء]وَ مَن أَرادَ أَلّا تَحرِقَهُ السَّوداءُ فَعَلَيهِ بِالقَيءِ ، وَ فَصدِ العُروقِ ، وَ الاِطِّلاءِ بِالنّورَةِ .

[في ذهاب الرّيح الباردة]وَ مَن أَرادَ أَن يُذهِبَ بِالرِّيحِ البارِدَةِ فَعَلَيهِ بِالحُقنَةِ ، وَ الإِدِّهانِ اللَّيِّنَةِ عَلى الجَسَدِ ، وَ عَلَيهِ بِالتَّكميدِ بِالماءِ الحارِّ في الأَبزَنِ (1) ، وَ يَتَجَنَّبُ كُلَّ بارِدٍ يابِسٍ ، وَ يَلزَمُ كُلَّ حارٍّ لَيِّنٍ .

[في ذهاب البلغم]وَ مَن أَرادَ أَن يَذهَبَ عَنهُ البَلغَمُ ، فَليَتَناوَل كُلَّ يَومٍ مِنَ الإِطريفِلِ (2) الأَصغَرِ مِثقالاً واحِدا .

[في المسافر]وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ المُسافِرَ يَنبَغي لَهُ أَن يَحتَرِزَ في الحَرِّ أَن يُسافِرَ وَ هوَ مُمتَلِئٌ مِنَ الطَّعامِ ، أَو خاليَ الجَوفِ ، وَ ليَكُن عَلى حَدِّ الاِعتِدالِ ، وَ ليَتَناوَل مِنَ الأَغذيَةِ إِذا أَرادَ الحَرَكَةَ ، الأَغذيَةَ البارِدَةَ ، مِثلُ القريصِ (3) ، وَ الهُلامِ (4) ، وَ الخَلِّ ، وَ الزَّيتِ ، وَ ماءِ الحِصرِمِ (5) ، وَ نَحوِ

.


1- .الأبزن : ظرف فيه ماء حارّ بأدوية يجلس المريض فيه . قال في القاموس : الكماد _ ككتاب _ : خرقة وسخة تسخّن و توضع على الموجوع ، يستشفي بها من الرّيح و وجع البطن ، كالكمّادة ، و تكميد العضو تسكينه بها . و قال : الأبزن _ مثلّثة الأوّل _ : حوض يغتسل فيه ، و قد يتّخذ من نحاس ، معرّب « آب زن » ( راجع : القاموس المحيط : ج4 ص201 ) .
2- .الإطريفل : لفظة يونانيّة معناها الإهليلجات ( راجع : تذكرة أولى الألباب : ج1 ص50 ) .
3- .القريص : غذاء يطبخ من اللّحوم اللّطيفة كلحم السّمك و الفرخ ، مع الخلّ أو الحموضات . و في بعض النّسخ : « العرمص » و هو يطلق على السّدر و الطّحلب ، و في بعضها : « القريض » و هو بتشديد الرّاء بزر الأبخرة ، و الصّواب ما أثبتناه في المتن ؛ لأنّ الأخيرين ليسا من الأغذية ، على أنّ القريض حارّ ، و كلامه في الأغذية الباردة .
4- .الهلام _ كغراب _ : طعام من لحم عجل بجلده ، أو مرق السّكباج المبرّد المصفّى من الدّهن ( راجع : القاموس المحيط : ج4 ص191 ) .
5- .الحصرم : العنب ، و هو أخضر قبل أن ينضج ، وهو حامض ( راجع : لسان العرب : ج12 ص137 ) .

ص: 211

ذلِكَ مِنَ البَوادِرِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ السَّيرَ الشَّديدَ في الحَرِّ ضارٌّ لِلأَجسامِ المَهلوسَةِ (1) إِذا كانَت خاليَةٌ مِنَ الطَّعامِ ، وَ هوَ نافِعٌ لِلأَبدانِ الخِصبَةِ . أَمَّا إِصلاحُ المياهِ لِلمُسافِرِ ، وَ دَفعُ الأَذى عَنها ، هوَ أَلّا يَشرَبِ المُسافِرُ مِن كُلِّ مَنزِلٍ يَرِدهُ ، إِلَا بَعدَ أَن يَمزُجَهُ بِماءِ المَنزِلِ الأَوَّلِ الّذي قَبلَهُ ، أَو بِشَرابٍ واحِدٍ غَيرِ مُختَلِفٍ ، فَيَشوبُهُ بِالمياهِ عَلى اختِلافِهِا . 2 وَ الواجِبُ أَن يَتَزَوَّدَ المُسافِرُ مِن تُربَةِ بَلَدِهِ وَ طينِهِ ، فَكُلَّمَا دَخَلَ مَنزِلاً طَرَحَ في إنائِهِ الّذي

.


1- .أي : الهزيلة ( راجع : تاج العروس : ج4 ص274 ) .

ص: 212

[ في أنواع المياه و خيرها شربا]

يَكونُ فيهِ الماءُ شَيئا مِنَ الطِّينِ ، وَ يُماتُّ فيهِ ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ إِلى مائِهِ المُعتادِ بِهِ بِمُخالَطَتهِ الطِّينَ .

[في أنواع المياه و خيرها شربا]وَ خيرُ المياهِ شُربا لِلمُقيمِ وَ المُسافِرِ ما كانَ يَنبوعُها مِنَ المَشرِقِ نَبعا أَبيَضا ، وَ أَفضَلُ المياهِ الَّتي تَجري مِن بَينِ مشرِقِ الشَّمسِ الصَّيفيِّ وَ مَغرِبِ الشَّمسِ الصَّيفيِّ ، و أَفضَلُها وَ أَصَحُّها إِذا كانت بِهذا الوَصفِ الّذي يَنبُعُ مِنهُ ، وَ كانَت تَجري في جِبالِ الطِّينِ ؛ لِأَنَّها تَكونُ حارَّةً في الشِّتاءِ بارِدَةً في الصَّيفِ ، مُلَيِّنَةً لِلبَطنِ ، نافِعَةً لِأَصحابِ الحَراراتِ . وَ أَمَّا المياهُ المالِحَةُ الثَّقيلَةُ ، فَإِنَّها تُيَبِّسُ البَطنَ ، وَ مياهُ الثُّلوجِ وَ الجَليدِ 1 رَديئَةٌ لِلأَجسامِ ، كَثيرَةُ الإِضرارِ بِها . وَ أَمَّا مياهُ الجُبِّ ، فَإِنَّها خَفيفَةٌ ، عَذبَةٌ ، صافيَةٌ ، نافِعَةٌ جِدَّا لِلأَجسامِ إِذا لَم يَطُل خَزنُها وَ حَبسُها في الأَرضِ .

.

ص: 213

[ في قوام الجسد و فساده ]

وَ أَمَّا مياهُ البَطائِحِ (1) وَ السِّباخِ (2) ، فَحارَّةٌ غَليظَةٌ في الصَّيفِ ؛ لِرُكودِها وَ دَوامِ طُلوعِ الشَّمسِ عَلَيها ، وَ قَد تُوَلِّد لِمَن داوَمَ عَلى شُربِها المِرَّةُ الصَّفراءُ ، وَ تَعظُم أَطحِلَتُهُم . وَ قَد وَصَفتُ لَكَ يا أَميرَ المُؤمِنينَ فيما بَعدُ مِن كِتابيَ هذا ما فيهِ كفايَةٌ لِمَن أَخَذَ بِهِ ، وَ أَنا ذاكِرٌ مِن أَمرِ الجِماعِ ما هوَ صَلاحُ الجَسَدِ وَ قَوامُهُ بِالطَّعامِ وَ الشَّرابِ ، وَ فَسادُهُ بِهِما ، فَإِن أَصلَحتَهُ بِهِما صَلَحَ ، وَ إِن أَفسَدتَهُ بِهِما فَسَدَ .

[في قوام الجسد و فساده ]وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ قُوى النَّفسِ تابِعَةٌ لِمزاجاتِ الأَبدانِ ، وَ مِزاجاتُ الأَبدانِ تابِعَةٌ لِتَصَرُّفِ الهَواءِ ، فَإِذا بَرَدَ مَرَّةً ، وَ سَخَنَ أُخرى ، تَغَيَّرَت بِسَبَبِهِ الأَبدانُ وَ الصُّوَرُ ، فَإِذا استَوى الهَواءُ ، وَ اعتَدَلَ ، صارَ الجِسمُ مُعتَدِلاً ؛ لِأَنَّ اللّهَ عز و جل بَنى الأَجسامَ عَلى أَربَعِ طَبائِعٍ : عَلى الدَّمِ (3) ، وَ البَلغَمِ ، (4) وَ الصَّفراءِ (5) ، وَ السَّوداءِ (6) . فَاثنانِ حارَّانِ ، وَ اثنانِ بارِدانِ ، وَ خُولِفَ بَينَهُما ، فَجُعِلَ حارٌّ يابِسٌ ، وَ حارٌّ لَيِّنٌ ، وَ بارِدٌ يابِسٌ ، وَ بارِدٌ لَيِّنٌ . ثُمَّ فُرِّقَ ذلِكَ عَلى أَربَعَةِ أَجزاءٍ مِنَ الجَسَدِ : عَلى الرَّأسِ ، وَ الصَّدرِ ، وَ الشَّراسيفِ (7) ، وَ أَسفَلِ البَطنِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ الرَّأسَ ، وَ الأُذنَينِ ، وَ العَينَينِ ، وَ المَنخَرَينِ ، وَ الأَنفَ ، وَ الفَمَ مِنَ الدَّمِ (8) ، وَ أَنَّ الصَّدرَ مِنَ البَلغَمِ وَ الرِّيحِ ، وَ أَنَّ الشَّراسيفَ مِنَ المِرَّةِ الصَّفراءِ ، وَ أَنَّ

.


1- .البطائح : أي المياه الرّاكدة فيها . و في القاموس المحيط : البطيحة و البطحاء والأبطح : مسيل واسع فيه دقاق الحصا ، والجمع : أباطح و بطاح وبطائح ( راجع القاموس المحيط : ج1 ص216 ) .
2- .السّباخ : جمع سبخة ، أي : الأرض ذات الملح و النّز ( القاموس المحيط : ج1 ص261) .
3- .الدّم : يشتمل إضافة إلى ما ذكر على القلب والعروق و توابعهما .
4- .البلغم : يضمّ الجهاز التّنفّسي بمجاريه و الرّئتين و القصبات الهوائيّة و توابعها .
5- .الصّفراء : تشمل الجهاز الهضمي و الكبد و المرارة و الطّحال و البنكرياس و توابعها .
6- .السّوداء : تشمل الكلى و المجاري البوليّة و التّناسليّة و توابعها .
7- .الشّرسوف _ كعصفور _ : غضروف معلّق بكلّ ضلع ، أو مقط الضّلع ، وهو الطّرف المشرف على البطن ( القاموس المحيط : ج3 ص157 ) .
8- .كأنّه عليه السلام خصّ الدّم بهذه الأعضاء لأنّه لكثرة العروق و الشّرايين فيها يجتمع الدّم أكثر من غيرها ، و لأنّها محلّ الإحساسات و الإدراكات ، و هي إنّما تحصل بالروح الّذي حامله الدّم . و خصّ البلغم بالصّدر لاجتماع البلاغم فيها من الدّماغ و سائر الأعضاء ، و تكثر الرّيح فيها باستنشاق الهواء . و خصّ الشّراسيف بالصّفراء لقرب الحرارة الّتي هي مجتمع الصّفراء منها ، أو لكون تلك المرّة أدخل في خلقها . و خصّ أسفل البطن بالسّوداء لأنّ الطّحال الّذي هو محلّها فيه .

ص: 214

[في النّوم ]
[ في حفظ الأسنان ]

أَسفَلَ البَطنِ مِنَ المِرَّةِ السَّوداءِ .

[في النّوم ]وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ النَّومَ سُلطانُهُ في الدَّماغِ (1) ، وَ هوَ قِوامُ الجَسَدِ وَ قُوَّتُهُ ، وَ إِذا أَرَدتَ النَّومَ فَليَكُن اضطِجاعُكَ أَوَّلاً عَلى شِقِّكَ الأَيمَنِ ، ثُمَّ انقَلِب عَلى شِقِّك الأَيسَرِ (2) ، وَكذلِكَ فَقُم مِن مَضطجَعِكَ عَلى شِقِّكَ الأَيمَنِ ، كَما بَدَأتَ بِهِ عِندَ نَومِكَ . وَ عَوِّد نَفسَكَ مِنَ القُعودِ بِاللَّيلِ مِثلُ ثُلثِ ما تَنامَ ، فَإِذا بَقيَ مِنَ اللَّيلِ ساعَتانِ فَادخُلِ الخَلاءِ لِحاجَةِ الإِنسانِ ، وَ البَث فيهِ بِقَدرِ ما تَقضيَ حاجَتَكَ ، وَلا تُطيل ، فَإِنَّ ذلِكَ يُورِثُ الدَّاءَ الدَّفينِ .

[في حفظ الأسنان ]وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ خَيرَ ما استَكتَ بِهِ الأَشياءُ المُقبِضةُ الَّتي تَكونُ لَها ماءٌ ، فَإِنَّهُ يَجلو الأَسنانَ ، وَ يطيبُ النَّكهَةَ ، وَ يَشُدُّ اللَّثَّةَ ، وَ يُسَمِّنُها ، وَ هوَ نافِعٌ مِنَ الحَفرِ (3) ، إِذا كانَ ذلِكَ بِاعتِدالٍ ، وَ الإِكثارُ مِنهُ يُرِقُّ الأَسنانَ وَ يُزَعزِعُها (4) ، وَ يُضَعِّفُ أُصولَها . فَمَن أَرادَ حِفظَ أَسنانِهِ فَليَأخُذ قَرنَ إِيَّلٍ مُحرَقٍ (5) ، وَ كَزمازَجَ (6) ، وَ سَعدَ ، وَوَردَ ، وَ سُنبُلَ الطِّيبِ ، أَجزاءً

.


1- .إذ بوصول البخارات الرّطبة إليه و استرخاء الأعصاب و تغليظ الرّوح الدّماغي يستولي النّوم الّذي يوجب سكون الحواس الظّاهرة ، و به قوام البدن و قوّته ؛ لاستراحة القوى عن حركاتها و إحساساتها ، و به يستكمل هضم الطّعام و الأفعال الطّبيعية للبدن ، لاجتماع الحرارة في الباطن .
2- .قال الأطبّاء : ليقع الكبد على المعدة و يصير سببا لكثرة حرارتها فيقوى الهضم .
3- .الحفر : داء في أُصول الأسنان ( الصحاح : ج 2 ص 635 ) .
4- .أي : يحرّكها .
5- .و الإيّل _ كقنّب و خلّب و سيّد _ : تيس الجبل ، و يقال له بالفارسيّة : « گوزن » . و طريق إحراقه كما ذكره الأطبّاء أن يُجعل في جرّة و يُطيّن رأسه و يجعل في التنّور حتّى يحرق .
6- .كَزمازَج : معرّب « كزمازة » أو « گزمازو » ، عند العرب : « حبّ الأثل » ، و يسمّونها بالفارسيّة « مازو » ، و هي ثمرة شجرة الطّرفاء أو « گز » . ( لغة نامه دهخدا ) .

ص: 215

[ في أحوال الإنسان سنّا ]

بِالسَّويَّةِ ، وَ مِلحَ أَندَرانيّ (1) رُبُعَ جُزءٍ ، فَخُذ كُلَّ جُزءٍ مِنها ، فَتَدُقُّ وَحدَهُ وَ تَستَكَّ بِهِ ، فَإِنَّهُ مُمسِكٌ لِلأَسنانِ . وَ مَن أَرادَ أَن يُبَيِّضَ أَسنانَهُ فَليَأخُذ جُزءَ مِلحٍ أَندَرانيّ ، وَ جُزءا مِن زَبَدِ البَحرِ بِالسَّويَّةِ ، يُسحقانِ جَميعا وَ يَستَنَّ بِهِما (2) .

[ في أحوال الإنسان سنّا ]وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ أَحوالَ الإِنسانِ الَّتي بَناهُ اللّهُ تَعالى عَلَيها وَ جَعَلَهُ مُتَصَرِّفا بِها ، أَربَعَةُ أَحوالٍ : الحالَةُ الأُولى : لِخَمسَ عَشرَةَ سَنَةَ ، وَ فيها شَبابُهُ ، وَ صَباهُ ، وَ حُسنُهُ ، وَ بَهاؤُهُ ، وَ سُلطانُ الدَّمِ في جِسمِهِ . وَ الحالَةُ الثَّانيَةُ : لِعِشرينَ سَنَةً ، مِن خَمسَ عَشَرَةَ إِلى خَمسَ وَ ثَلاثينَ سَنَةً ، وَ فيها سُلطانُ المِرَّةِ الصَّفراءِ وَ غِلبَتُها ، وَ هوَ أَقوَمُ ما يَكونُ وَ أَيقَظُهُ وأَلعَبُهُ ، فَلا يَزالُ كَذلِكَ حَتَّى يَستَوفيَ خَمسَ وَ ثَلاثينَ سَنَةً . ثُمَّ يَدخُلُ في الحالَةِ الثَّالِثَةِ : وَ هيَ مِن خَمسٍ وَ ثَلاثينَ سَنَةً إلى أَن يَستَوفيَ سِتَّينَ سَنَةً ، فَيَكونَ في سُلطانِ المِرَّةِ السَّوداءِ ، وَ يَكونَ أَحكَمَ ما يَكونُ ، وَ أَقوَلَهُ ، وَ أَدراهُ ، وَ أَكتَمَهُ لِلسِّرِّ ، وَ أَحسَنَهُ نَظَرا في الأُمورِ وَ فِكرا في عَواقِبِها ، وَ مُداراةٍ لَها ، وَ تَصَرُّفا فيها . ثُمَّ يَدخُلُ في الحالَةِ الرَّابِعَةِ : وَ هيَ سُلطانُ البَلغَمِ ، وَ هيَ الحالَةُ الَّتي لا يَتَحَوَّلُ مِنها ما بَقيَ ، وَ قَد دَخَلَ في الهَرِمِ حينَئِذٍ ، وَفاتَهُ الشَّبابُ وَ استَنكَرَ كُلَّ شَيءٍ كانَ يَعرِفُهُ مِن نَفسِهِ ، حَتَّى صارَ يَنامُ عِندَ القَومِ ، وَ يَسهَرُ عِندَ النَّومِ وَ يَذكُرُ ما تَقَدَّمَ وَ يَنسى ما تَحَدَّثَ بِهِ ، وَ يُكثِرُ مِن حَديثِ النَّفسِ ، وَ يذهَبُ ماءُ الجِسمِ وَ بَهاؤُهُ ، وَ يَقِلُّ نَباتُ أَظفارِهِ وَ شَعرِهِ ، وَ لا يَزالُ جِسمُهُ في إِدبارٍ وَ انعِكاسٍ ما عاشَ ؛ لِأَنَّهُ في سُلطانِ البَلغَمِ ، وَ هوَ بارِدٌ جامِدٌ ، فَلِجُمودِهِ وَ

.


1- .و الملح الأندراني ( والدّراني) : هو الّذي يشبه البلّور كما في القانون ، و يسمّونه بالفارسيّة : « التّركي » .
2- .أي : يستاك بهما .

ص: 216

[ في الحجامة ]

[في الحجامة ]فَإذا أَرَدتَ الحِجامَةَ فَلا تَحتَجِمَ إِلَا لاثنَتي عَشَرَ تَخلوَ مِنَ الهِلالِ إِلى خَمسَةَ عَشَرَ مِنهُ (1) ؛ فَإِنَّه أَصَحُّ لِبَدَنِكَ ، فَإِذا نَقَصَ الشّهرُ فَلا تَحتَجِم ، إِلَا أَن تَكونَ مُضطَرَّا إِلى إِخراجِ الدَّمِ ، وَ ذلِكَ أَنَّ الدَّمَ يَنقُصُ في نُقصانِ الهِلالِ ، وَ يَزيدُ في زيادَتِهِ ، وَ لتَكُنِ الحِجامَةُ بِقَدَرِ ما مَضى مِنَ السِّنينَ ، ابنُ عِشرينَ سَنَةً يَحتَجِمُ في كُلِّ عِشرينَ يَوما ، وَ ابنُ ثَلاثينَ سَنَةً في كُلِّ ثَلاثينَ يَوما ، وَ ابنُ أَربَعينَ فِي كُلِّ أَربَعينَ يَوما ، وَ ما زادَ فَبِحِسابِ ذلِكَ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ الحِجامَةَ إِنَّما يُؤخَذُ دَمُها مِن صِغارِ العُروقِ المَبثوثَةِ في اللَّحمِ ، وَ مِصداقُ ذلِكَ ، أَنَّها لا تُضَعِّفُ القُوَّةَ كَما يُوجَدُ مِنَ الضَّعفِ عِندَ الفَصادِ . وَ حِجامَةُ النُّقرَةِ (2) تَنفَعُ لِثِقلِ الرَّأسِ ، وَ حِجامَةُ الأَخدَعَينِ (3) تُخَفِّفُ عَنِ الرَّأسِ ، وَ الوَجهِ ، وَ العَينِ ، وَ هيَ نافِعَةٌ لِوَجَعِ الأَضراسِ ، وَ رُبَّما نابَ الفَصدُ عَن سائِرِ ذلِكَ . وَ قَد يَحتَجِمُ تَحتَ الذَّقَنِ لِعِلاجِ القُلاعِ 4 في الفَمِ ، وَ فَسادِ اللَّثَّةِ ، وَ غَيرِ ذلِكَ مِن أَوجاعِ الفَمِ ، وَ كَذلِكَ الَّتي توضَعُ بَينَ

.


1- .قال الشيخ الرّئيس : يؤمر باستعمال الحجامة لا في أوّل الشّهر ؛ لأنّ الأخلاط لا تكون قد تحرّكت و هاجت ، و لا في آخره ؛ لأنّها قد نقصت ، بل في وسط الشّهر حين تكون الأخلاط هائجة تابعة في تزيدها لتزيد النّور في جرم القمر ، يزيد الدّماغ في الأقحاف ، و المياه في الأنهار ذوات المدّ و الجزر . و أفضل أوقاتها في النّهار هي السّاعة الثّانية و الثّالثة ( القانون لابن سينا : ج1 ص 212 ) .
2- .النّقرة _ بالضّم _ : حفرة في القفا فوق فقرات العنق بأربع أصابع و تحت القمحدوة ، و هي الموضع المرتفع خلف الرّأس يقع على الأرض عند النّوم على القفا .
3- .الأخدعان : عرقان خلف العنق من يمينه و شماله ( راجع : النهاية : ج 2 ص 14 ) .

ص: 217

الكَتِفَينِ ، تَنفَعُ مِنَ الخَفَقانِ الّذي يَكونُ مَعَ الامتِلاءِ وَ الحَرارَةِ . وَ الَّتي تُوضَعُ عَلى السَّاقَينِ ، قَد يَنقُصُ مِنَ الامتِلاءِ في الكُلى وَ المَثانَةِ وَ الأَرحامِ ، وَ يُدِرُّ الطَّمثَ (1) ، غَيرَ أَنَّها مُنهِكَةٌ لِلجَسَدِ ، وَ قَد تَعرَضُ مِنها العُشوَةُ (2) الشَّديدةُ ، إِلَا أَنَّها نافِعَةٌ لِذَوي البُثورِ (3) وَ الدَّماميلِ . وَ الّذي يُخَفِّفُ مِن أَلَمِ الحِجامَةِ تَخفيفُ المَصِّ عِندَ أَوَّلِ ما يَضَعُ المَحاجِمَ ، ثُمَّ يُدَرِّجُ المَصَّ قَليلاً قَليلاً ، وَ الثَّواني أَزيَدُ في المَصِّ مِنَ الأَوائِلِ ، وَ كذلِكَ الثَّوالِثُ فَصاعِدا . وَ يَتَوَقَّفُ عَنِ الشَّرطِ حَتَّى يَحمَرَّ المَوضِعُ جَيِّدا بِتَكريرِ المَحاجِمِ عَلَيهِ ، وَ تُلَيَّنُ المِشرَطَةِ عَلى جُلودٍ لَيِّنَةٍ ، وَ يَمسَحُ المَوضِعَ قَبلَ شَرطِهِ بِالدُّهنِ ، وَ كَذلِكَ يَمسَحُ المَوضِعَ الّذي يُفصَدُ بِدُهنٍ ، فَإِنَّهُ يُقَلِّلُ الأَلَمَ ، وَ كذلِكَ يُلَيِّنُ المِشراطَ وَ المِبضَعَ بِالدُّهنِ ، وَ يَمسَحَ عَقَيبَ الحِجامَةِ ، وَ عِندَ الفَراغِ مِنها [ يُليِّنُ ] (4) المَوضِعَ بِالدُّهنِ . وَ ليُنَقَّطُ (5) عَلى العُروقِ إِذا فَصَدَت شَيئا مِنَ الدُّهنِ كَيلا تَلتَحِمَ فَيُضِرَّ ذلِكَ المَقصودَ ، وَ لَيَعمَدِ الفاصِدُ أَن يَفصِدَ مِنَ العُروقِ ما كانَ في المَواضِعِ القَليلَةِ اللَّحمِ ؛ لأَنَّ في قِلَّةِ اللَّحمِ مِن فَوقِ العُروقِ قِلَّةُ الأَلَمِ . وَ أَكثَرُ العُروقِ أَلَما إِذا كانَ الفَصدُ في حَبلِ الذِّراعِ وَ القِيفالِ (6) لِأَجلِ كَثرَةِ اللَّحمِ عَلَيها . فَأَمَّا الباسَليقُ وَ الأَكحَلُ (7) ، فَإِنَّهُما أَقَلُّ أَلَما في الفَصدِ

.


1- .الطّمث : دم الحيض . ويقال : نهكه الحُمّى _ كمنع وفرح _ أضنته وهزلته وجهدته ( القاموس المحيط : ج3 ص322 ) .
2- .العشوة : هي العمش ، ضعف الرّؤية مع سيلان الدّمع في أكثر الأوقات ( راجع : القاموس المحيط : ج4 ص364 ) .
3- .البثور : الجدري يقبح على الوجه وغيره من بدن الإنسان ، وجمعها بثر ( لسان العرب : ج 4 ص 29 ) .
4- .ما بين المعقوفين من بحار الأنوار و ليس في المصدر .
5- .و لينقط : أي و ليضع على الموضع الّذي يريد أن يفصده من العروق نقطة لئلّا يشتبه عند البضع .
6- .القيفال : هو الوريد الّذي يظهر عند المرفق على الجانب الوحشي ، و في القانون : هو عرق في الكتف ( راجع : القانون لابن سينا : ج1 ص64 ) .
7- .الباسليق : هو وريد يظهر عند مأبض المرفق مائل إلى السّاعد من وسط انسيه ، و قد يطلق الباسليق على عرق آخر تحته فيسمّى الأوّل الباسليق الأعلى ، و هذا الباسليق « الإبطي » لقربه من الإبط . و الأكحل هو المعروف بالبدن بين الباسليق و القيفال ( راجع : القانون لابن سينا : ج1 ص209 ) .

ص: 218

إِذا لَم يَكُن فَوقَهُما لَحمٌ ، وَ الواجِبُ تَكميدُ مَوضِعِ الفَصدِ (1) بِالماءِ الحارِّ ، لِيَظهَرَ الدَّمُ ، وَ خاصَّةً في الشِّتاءِ ، فَإِنَّهُ يُلَيِّنُ الجِلدَ ، وَ يُقَلِّلُ الأَلَمَ ، وَ يُسَهِّلُ الفَصدَ . وَ يَجِبُ في كُلِّ ما ذَكَرنا مِن إِخراجِ الدَّمِ ، اجتِنابُ النِّساءِ قَبلَ ذلِكَ باثنَتَي عَشرَةَ ساعَةً ، وَ يَحتَجِمُ في يَومٍ صاحٍ صافٍ ، لا غَيمَ فيهِ ، وَ لا ريحَ شَديدَةً . وَ ليَخرُج مِنَ الدَّمِ بِقَدرِ ما يُرى مِن تَغَيُّرِهِ ، وَ لا تَدخُل يَومُكَ ذاكَ الحَمَّامَ ؛ فَإِنَّه يُورِثُ الدَّاءَ ، وَ اصبُب عَلى رَأسِكَ وَ جَسَدِكَ الماءَ الحارَّ ، وَ لا تَغفَل ذلِكَ مِن ساعَتِكَ . وَ إيَّاكَ وَ الحَمَّامِ إِذا احتَجَمتَ ، فَإِنَّ الحُمَّى الدَّائِمَةَ تَكونُ مِنهُ ، فَإِذا اغتَسلتَ مِنَ الحِجامَةِ ، فَخُذ خِرقَة مَرغَزيِّ (2) ، فَأَلقِها عَلى مَحاجِمِكَ (3) ، أَو ثَوبا لَيِّنا مِن قَزٍّ (4) ، أَو غَيرِهِ ، وَ خُذ قَدرَ الحِمَّصَةِ من التِّرياقِ الأَكبَرِ (5) فَاشرَبهُ ، وَ كُلهُ مِن غَيرِ شِربٍ إِن كان شِتاءً ، وَ إِن كانَ صَيفا فاشرَب الإسكَنجَبينَ المَغليَّ ، فَإِنَّكَ إِذا فَعَلتَ ذلِكَ فَقَد أَمِنتَ مِنَ اللّقوَةِ (6) ، وَ البَهَقِ (7) ، وَ البَرَصِ (8) ، وَ الجُذامِ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى . وَ مُصَّ مِنَ الرُّمانِ الإِمليسيِّ (9) ، فَإِنَّه يُقَوِّي النَّفسَ ، وَ يُحيي الدَّمَ . وَ لا تَأكُلَنَّ طَعاما مالِحا ،

.


1- .تكميد موضع الفصد : هو أن يبلّ خرقة بالماء الحارّ و يضعه عليه ( المصدر السابق ) .
2- .اسم لنوع من الماعز الأنقري ( راجع : لغة نامه دهخدا : ج 12 ص 18266 ) .
3- .المحاجم : مواضع الحجامة.
4- .القزّ : نوع من الإبريسم ، و قد يقال : لا يطلق عليه الإبريسم . و في المصباح المنير : القزّ معرّب ، قال اللّيث : هو ما يعمل منه الإبريسم . و لهذا قال بعضهم : القزّ و الإبريسم مثل الحنطة و الدّقيق .
5- .الترياق الأكبر : ما يستعمل لدفع السمّ من الأدوية والمعاجين ( لسان العرب : ج 1 ص 32« » ) .
6- .اللقوة : مرض يميل به الوجه إلى جانب ( راجع : حياة الحيوان الكبرى : ج2 ص319 ) .
7- .البهق : بياض رقيق يعتري ظاهره البشرة لسوء مزاج العضو إلى البرودة ، و غلبة البلغم على الدّم ( راجع : القاموس المحيط : ج3 ص223 ) .
8- .البرص : بياض يظهر في ظاهر البدن لفساد المزاج ( راجع : القاموس المحيط : ج2 ص192« » ) .
9- .منسوب إلى الإمليس ، أي : الفلات الّتي لا نبات فيها ( راجع : مكارم الأخلاق : ص 170 ) .

ص: 219

[ التّحذير من الجمع بين البيض و السّمك ]
[ التّحذير من الجمع بين التّين والنّبيذ ]

وَ لا مِلحا بَعدَهُ بِثُلثَي ساعَةٍ ، فَإِنَّه يَعرُضُ مِنهُ الجَرَبُ (1) . وَ إِن كانَ شِتاءً فَكُل الطَّياهيجِ (2) إِذا احتَجَمتَ ، وَ اشرَب عَلَيهِ مِن ذلِكَ الشَّرابِ الّذي وَصَفتُهُ لَكَ . وَ ادهُن مَوضِعَ الحِجامَةِ بِدُهنِ الخِيريِّ ، وَ ماءَ وَردٍ ، وَ شَيءٍ مِن مِسكٍ ، وَ صُبَّ مِنهُ عَلى هامَتِكَ ساعَةَ تَفرَغُ مِن حِجامَتِكَ . وَ أَمَّا في الصَّيفِ ، فَإِذا احتَجَمتَ فَكُلِ السِّكباجَ (3) ، وَ الهَلامَ ، وَ المَصوصَ (4) ، وَ الخاميرَ (5) ، وَ صُبَّ عَلى هامَتِكَ دُهنَ البَنَفسَجِ ، وَ ماءَ وَردٍ ، وَ شَيئا مِن كافورٍ (6) ، وَ اشرَب مِن ذلِكَ الشَّرابِ الّذي وَصَفتُهُ لَكَ بَعدَ طَعامِكَ . وَ إِيَّاكَ وَ كَثرَةَ الحَرَكَةِ ، وَ الغَضَبَ وَ مُجامَعَةَ النِّساءِ يَومَكَ ذاكَ .

[التّحذير من الجمع بين البيض و السّمك ]وَ ينبَغي أَن تَحذَرَ أَميرَ المُؤمِنينَ أَن تَجمَعَ في جَوفِكَ البَيضَ وَ السَّمَكَ في حالٍ واحِدَةٍ ، فَإِنَّهُما إِذا اجتَمَعا وَلَّدا القُولَنجَ (7) ، وَ رياحَ البَواسيرِ ، وَ وَجَعَ الأَضراسِ .

[التّحذير من الجمع بين التّين والنّبيذ ]وَ التِّينُ (8) ، وَ النَّبيذُ الّذي يَشرَبُهُ أَهلُهُ إِذا اجتَمَعا وَلَّدا النِّقرِسَ ، وَ البَرَصَ .

.


1- .الجرب : داء يُحِدث في الجلد بثورا صغارا لها حكّة شديدة.
2- .الطّياهيج : جمع طيهوج ، و هو طائر يعرف بالأندلس بالضّريس . و هو شبيه بالحجل الصّغير غير أنّ عنقه أحمر و منقاره و رجله أحمران مثل الحجل وما تحت جناحه أسود و أبيض ( راجع : الجامع لمفردات الأدوية والأغذية : ج3 ص105 ) .
3- .السّكباج : فارسيّة : مرق يعمل من اللّحم والخلّ.
4- .المصوص _ كصبور _ : طعام من لحم يطبخ و ينقع في الخلّ ، أو يكون من لحم الطّير خاصّة _ انتهى . و قيل : الهلام : لحم البقر أو العجل أو المعز يطبخ بماء و ملح ، ثمّ يخرج و يوضع حتّى يذهب ماؤه ، ثمّ يطبخ البقول الباردة مع الخلّ و يطرح فيه ذلك اللّحم ، ثمّ يؤكل ( راجع : القاموس المحيط : ج2 ص318 ) .
5- .مرق السّكباج البارد .
6- .قال الشّيخ الرّئيس : الكافور أصناف : و قال بعضهم إنّ شجرته كبيرة تظلّ خلقا ، و تألفه البابورة فلا يوصل إليها إلّا في مدّة معلومة من السّنة ، و هي سفحية بحرية ، أمّا خشبه فهو أبيض هشّ خفيف جدّا ( راجع : القانون لابن سينا : ج1 ص336 ) .
7- .القولنج : مرض معوي مؤلم ، يعسر منه خروج الثّقل والرّيح ( راجع : القاموس المحيط : ج1 ص204 ) .
8- .كما في هامش المصدر . في النسّخ ( ب ، ج ، د ) ، « اللّبن » بدل « التّين » ، و ظاهره الصّواب .

ص: 220

[ التّحذير من مداومة أكل البيض ]
[ التّحذير من بعض المأكولات بعد الحجامة ]
[ التّحذير من أكل كُلى و أجواف الغنم ]
[ التّحذير من دخول الحمّام على البطنة ]
[ في مجامعة النّساء ]

[التّحذير من مداومة أكل البيض ]وَ إِدامَةُ أَكلِ البَيضِ يُوَلِّدُ الكَلَفُ (1) في الوَجهِ .

[التّحذير من بعض المأكولات بعد الحجامة ]وَ أكلُ المُلوحَةِ ، وَ اللُّحمانِ المَملوحَةِ ، وَ أكلُ السَّمكِ المَملوحِ بَعدَ الحِجامَةِ وَ الفَصدِ لِلعروقِ يُوَلِّدا البَهَقَ وَ الجَرَبَ .

[التّحذير من أكل كُلى و أجواف الغنم ]وَ إِدمانُ أَكلِ كُلَى الغَنَمِ ، وَ أَجوافِها يَعكُسُ المَثانَةَ .

[التّحذير من دخول الحمّام على البطنة ]وَ دُخولُ الحَمَّامِ عَلى البِطنَةِ (2) يُوَلِّدُ القولَنجَ .

[في مجامعة النّساء ]وَ لا تَقرَبِ النِّساءِ في أَوَّلِ اللَّيلِ ، لا شِتاءً ، وَ لا صَيفا ؛ وَ ذلِكَ أَنَّ المَعِدَةَ وَ العُروقَ تَكونُ مُمتَلِئَةً ، وَ هوَ غَيرُ مَحمودٍ ، يُتَخَوَّفُ مِنهُ القولَنجُ ، وَ الفالِجُ ، وَ اللَّقوَةُ ، والنِّقرِسُ ، وَ الحَصاةُ ، وَ التَّقطيرُ (3) ، وَ الفَتقُ ، وَ ضُعفُ البَصَرِ وَ الدَّماغِ . فَإِذا أُريدَ ذلِكَ فَليَكُن في آخِرِ اللَّيلِ ؛ فَإِنَّهُ أَصَحُّ لِلبَدَنِ ، وَ أَرجَى لِلوَلَدِ ، وَ أَذكى لِلعَقلِ فِي الوَلَدِ الّذي يُقضى بَينَهُما . وَ لا تُجامِع امرأَةً حَتَّى تُلاعِبَها ، وَ تَغمِزَ ثَديَيها ، فَإِنَّكَ إِن فَعَلتَ ، اجتَمَعَ ماؤُها وَ ماؤُكَ فَكانَ مِنها الحَملُ ، وَ اشتَهَت مِنكَ مِثلَ الّذي تَشتَهيهِ مِنها ، وَ ظَهَرَ ذلِكَ في عَينَيها . وَ لا تُجامِعها إِلَا وَ هي طاهِرَةٌ ، فَإِذا فَعَلتَ ذلِكَ كانَ أَروَحَ لِبَدَنِكَ ، وَ أَصَحَّ لَكَ بِإِذنِ اللّهِ .

.


1- .الكلف _ محرّكة _ : شيء يعلو الوجه كالسّمسم ، و لون بين السّواد و الحمرة ، و حمرة كدرة تعلو الوجه ( راجع : القاموس المحيط : ج3 ص198 ) .
2- .البطنة _ بالكسر _ : امتلاء المعدة من الطّعام . و عُلِّل ذلك بأنّه بسبب حرارة الحمّام ينجذب الغذاء المنهضم إلى الأمعاء ، فيصير سببا للسّدّة و القولنج .
3- .التّقطير : علّة في الصّفاق ، يحدث منها تقطير البول المستمرّ.

ص: 221

[ في ختام الرّسالة ]

[ في ختام الرّسالة ]وَ لا تَقولُ طالَما ما فَعلتُ كَذا ، وَ أَكَلتُ كَذا فَلَم يُؤذِني ، وَ شَرِبتُ كَذا وَ لَم يَضُرَّني ، وَ فَعَلتُ كَذا وَ لَم أرَ مَكروها ، وَ إِنَّما هذا القَليلُ مِنَ النَّاسِ _ يا أَميرَ المُؤمِنينَ _ كالبَهيمَةِ لا يَعرِفُ ما يَضُرُّهُ ، وَ لا ما يَنفَعُهُ . وَ لَو أُصيبَ اللِّصُّ أَوَّلَ ما يَسرِقُ فَعوقِبَ لَم يَعُد ، لَكانَت عُقوبَتُهُ أَسهَلَ ، وَ لكِن يُرزَقُ الإِمهالِ وَ العافيَةِ ، فَيُعاوِدُ ثُمَّ يُعاوِدُ ، حَتَّى يُؤخَذُ عَلى أَعظَمِ السَّرِقاتِ ، فَيُقطَعُ ، وَ يُعَظَّمُ التَّنكيلُ بِهِ ، وَ ما أَودَتهُ عاقِبةُ طَمَعِهِ . وَ الأُمورُ كُلُّها بِيَدِ اللّهِ عز و جل أَن يَكونَ لَهُ وَلَدا ، وَ إِليهِ المَآبُ ، وَ نَرجو مِنهُ حُسنَ الثَّوابِ ، إِنَّهُ غَفورٌ تَوَّابٌ . عَلَيهِ تَوَكَّلنا وَ عَلَيهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنونَ ، وَ لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ العَليِّ العَظيمِ . قال أبو محمّد الحسن القمّي : قال لي أبي : فلمّا وصلت هذه الرّسالة من أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا _ صلوات اللّه عليهما و على آبائهما و الطّيّبين من ذرّيتهما _ إلى المأمون ، قرأها و فرح بها ، وأمر أن تُكتب بالذّهب ، و أن تترجم بالرسالة الذّهبيّة . تمّت الرّسالة بحمد اللّه تعالى ، و كتب العبد الفقير إلى اللّه تعالى عبد الرّحمن المدعوّ أبي بكر بن عبد اللّه الكرخي الجنس ، عتيق السعيد المرحوم قاضي القضاة كان بالعراق الحسن بن قاسم بن أبي الحسين بن عليّ بن قاسم النيليّ (1) رحمهم اللّه تعالى . في يوم الاثنين قبل أذان المغرب [ في ] بلخ ، كان فراغها من النّسخ تاسع عشر ذي الحجّة سنة خمس عشرة و سبعمئة ( 715 ه ) تمّ . (2)

.


1- .هو أبو محمّد الحسن بن القاسم بن هبة اللّه النّيلي ، مدرّس المالكيّة بالمستنصريّة ، من أكابر العلماء وأعيان الأفاضل ، قدم بغداد ، ورتّب قاضي القضاة في رجب سنة سبعمئة ، و لم يزل على منصبه إلى أن توفّي في شعبان سنة اثنتي عشرة و سبعمئة ( راجع : تلخيص مجمع الأدب : ج4 ص90 ) .
2- .الرّسالة الذّهبيّة المعروفة بطبّ الإمام الرّضا عليه السلام : ص3 _ 68 . تحقيق : محمّد مهدي نجف .

ص: 222

هذه تمام الرّسالة نقلاً عن كتاب الرّسالة الذّهبيّة . وللاختلاف الكثير بين نسخة بحار الأنوار و الرّسالة الذهبية تحقيق محمّد مهدي نجف ، نأتي بالباقي من الرّسالة ، من « الزِّبيب و يُنضج ، ثمّ يعصر . . . » إلى نهاية الرّسالة نقلاً عن نسخة بحار الأنوار من دون نقل اختلاف النّسخ لمزيد الفائدة إن شاء اللّه تعالى ، وهي : الزّبيبُ وَ يَنضَجَ ، ثُمَّ يُعصَرُ وَ يُصَفَّى ماؤُهُ وَيُبَرَّدُ ، ثُمَّ يُرَدُّ إِلى القِدرِ ثانيا ، وَ يُؤخَذُ مِقدارَهُ بِعودٍ ، وَ يُغلى بِنارٍ لَيِّنَةٍ غَلَيانا لَيِّنا رَقيقا ، حتّى يَمضي ثُلُثاهُ وَ يَبقى ثُلثُهُ . ثُمَّ يُؤخَذُ مِن عَسَلِ النَّحلِ المُصَفَّى رِطلٌ ، فَيُلقى عَلَيهِ ، وَ يُؤخَذُ مِقدارَهُ وَ مِقدارَ الماءِ إِلى أَين كانَ مِنَ القِدرِ ، وَ يُغلى حَتَّى يَذهَبَ قَدرُ العَسَلِ وَ يَعودَ إِلى حَدِّهِ ، وَ يُؤخَذُ خِرقَةٌ صَفيقَةٌ فَيُجعَلُ فيها زَنجَبيلٌ وَزنَ دِرهَمٍ ، وَ مِنَ القَرَنفُلِ نِصفُ دِرهَمٍ ، وَ مِنَ الدَّارچينيِّ نِصفُ دِرهَم ، وَ مِنَ الزَّعفرانِ دِرهَمٌ ، وَ مِن سُنبُلِ الطِّيبِ نِصفُ دِرهَمٍ ، وَ مِنَ الهِندَباءِ مِثلُهُ ، وَ مِن مَصطَكيّ نِصفُ دِرهَمٍ ، بَعدَ أَن يُسحَقَ الجَميعُ كُلَّ واحِدَةٍ عَلى حِدَةٍ ، وَ يُنخَلَ وَ يُجعَلَ في الخِرقَةِ ، وَ يُشَدَّ بِخَيطٍ شَدَّا جَيِّدا ، وَتُلقى فيهِ ، وَ تُمرَسَ الخِرقَةُ في الشَّراب بِحَيثُ تَنزِلُ قُوى العقاقيرِ الَّتي فيها ، وَلا يَزالُ يُعاهَدُ بِالتَّحريكِ عَلى نارٍ لَيِّنَةٍ بِرِفقٍ حَتَّى يَذهَبَ عَنهُ مِقدارُ العَسَلِ ، وَ يُرفَعَ القِدرُ وَ يُبَرَّدَ ، وَ يُؤخَذَ مُدَّةَ ثَلاثَةِ أَشهُرٍ حَتَّى يَتَداخَلَ مِزاجُهُ بَعضُهُ بِبَعضٍ ، وَ حِينَئِذٍ يُستَعمَلُ . وَ مِقدارُ ما يُشرَبُ مِنهُ أُوقيَّةٌ إِلى أُوقيَّتينِ مِنَ الماءِ القَراحِ . فَإِذا أَكَلتَ يا أَميرَ المُؤمِنينَ مِقدارَ ما وَصَفتُ لَكَ مِنَ الطَّعامِ ، فَاشرَب مِن هذا الشَّرابِ مِقدارَ ثَلاثَةِ أَقداحٍ بَعدَ طَعامِكَ ، فَإِذا فَعَلتَ ذلِكَ فَقَد أَمِنتَ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى يَومَكَ وَ لَيلَتِكَ مِنَ الأَوجاعِ البارِدَةِ المُزمِنَةِ ، كالنِّقرِسِ ، وَ الرِّياحِ ، وَ غَيرِ ذلِكَ مِن أَوجاعِ العَصَبِ ، وَ الدِّماغِ ، وَ المَعِدَةِ ، وَ بَعضِ أَوجاعِ الكَبِدِ ، وَ الطِّحالِ ، وَ المِعاءِ ، وَ الأَحشاءِ . فإن صَدَقَت بَعدَ ذلِكَ شَهوَةُ الماءِ ، فَليَشرَب مِنهُ مِقدارَ النِّصفِ مِمَّا كانَ يَشرَبُ قَبلَهُ ؛ فَإِنَّه أَصلَحُ لِبَدَنِ أَميرِ المُؤمِنينَ ، وَ أَكثَرُ لِجِماعِهِ ، وَ أَشَدُّ لِضَبطِهِ وَ حِفظِهِ ، فَإِنَّ صَلاحَ البَدَنِ

.

ص: 223

وَ قَوامَهُ يَكونُ بِالطَّعامِ وَ الشَّرابِ ، وَ فَسادَهُ يَكونُ بِهِما ، فَإِن أَصلَحتَهُما صَلَحَ البَدَنُ ، وَ إِن أَفسَدتَهُما فَسَدَ البَدَنُ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ قُوَّةَ النُّفوسِ تابِعَةٌ لاِمزِجَةِ الأَبدانِ ، وَ أَنَّ الأَمزِجَةَ تابِعَةٌ لِلهَواءِ ، وَ تَتَغَيَّرَ بِحَسَبِ تَغيُّرِ الهَواءِ في الأَمكِنَةِ ، فَإِذا بَرَدَ الهَواءُ مَرَّةً وَ سَخَنَ أُخرى ، تَغَيَّرَت بِسَبَبِهِ أَمزِجَةُ الأَبدانِ ، وَ أَثَّر ذلِكَ التَّغَيُّرِ فِي الصُّورِ ، فَإِذا كانَ الهَواءُ مُعتَدِلاً اعتَدَلَت أَمزِجَةُ الأَبدانِ ، وَ صَلَحَت تَصَرُّفاتِ الأَمزِجَةِ في الحَرَكاتِ الطَّبيعيَّةِ ، كالهَضمِ ، وَ الجِماعِ ، وَ النَّومِ ، وَ الحَرَكَةِ ، وَ سائِرَ الحَرَكاتِ ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَعالى بَنى الأَجسامَ عَلى أَربَعِ طَبائِعٍ ، وَ هي : المِرَّتانِ ، وَ الدَّمِ ، وَ البَلغَمِ . وَ بِالجُمَلَةِ : حارَّانِ وَ بارِدانِ ، قَد خُولِفَ بَينَهُما ، فَجَعَلَ الحارَّينِ لَيِّنا و يابِسا ، وَ كَذلِكَ البارِدَينِ رَطبا وَ يابِسا ، ثُمَّ فَرَّقَ ذلِكَ عَلى أَربَعَةِ أَجزاءٍ مِنَ الجَسَدِ ، وَ عَلى الرَّأسِ ، وَ الصَّدرِ ، وَ الشَّراسيفِ ، وَ أَسفَلِ البَطنِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ الرَّأسَ وَ الأُذُنَينِ وَ العَينَينِ وَ المَنخَرينِ وَ الفَمَ و الأَنفَ مِنَ الدَّمِ ، وَ أَنَّ الصَّدرَ مِنَ البَلغَمِ وَ الرِّيحِ ، وَ الشَّراسيفَ مِنَ المِرَّةِ الصَّفراءِ ، و أَنَّ أَسفَلَ البَطنِ مِنَ المِرَّةِ السَّوداءِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ النَّومَ سُلطانُ الدَّماغِ ، وَ هوَ قِوامُ الجَسَدِ وقوّته ، فَإِذا أَرَدتَ النَّومَ فَليَكُن اضطِجاعُكَ أَوّلاً عَلى شَقِّكَ الأَيمَنِ ، ثُمَّ انقَلِب عَلى الأَيسَرِ ، وَ كَذلِكَ فَقُم مِن مَضجَعِكَ عَلى شَقِّكَ الأَيمَنِ كَما بَدَأتَ بِهِ عِندَ نَومِكَ . وَ عَوِّد نَفسَكَ القُعودَ مِنَ اللَّيلِ ساعَتَينِ مِثلُ ما تَنامَ . فَإِذا بَقيَ مِنَ اللَّيلِ ساعَتانِ فَادخُل ، وَ ادخُلِ الخَلاءِ لِحاجَةِ الإِنسانِ ، وَ البَث فيهِ بِقَدرِ ما تَقضيَ حاجَتَكَ ، وَ لا تُطِل فيهِ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ يُورِثُ داءَ الفيلِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : إِنَّ أَجوَدَ ما استَكتَ بِهِ ليفُ الأَراكِ ، فَإِنَّهُ يَجلو الأَسنانَ ، وَ يُطيبُ النَّكهَةَ ، وَ يَشُدُّ اللَّثَّةَ وَ يُسَنِّنُها ، وَ هوَ نافِعٌ مِنَ الحَفرِ إِذا كانَ بِاعتِدالٍ ، وَ الإِكثارُ مِنهُ يَرِقُّ الأَسنانَ وَ يُزَعزِعُها ، وَ يُضَعِّفُ أُصولَها . فَمَن أَرادَ حِفظَ الأَسنانِ فَليَأخُذ قَرنَ الإِيلِ مُحرَقا ، وَ كَزمازَجا ، وَ سَعدا ، وَ وَردا ، وَ سُنبُلَ الطِّيبِ ، وَ حَبَّ الأَثلِ ، أَجزاءً سواءً ، وَ مِلحا أَندَرانيّا رُبُعَ جُزءٍ ، فَيُدَقُّ الجَميعَ ناعِما وَ يُستَنَّ بِهِ ، فَإِنَّهُ يُمسِكُ الأَسنانَ ، وَ يَحفَظُ

.

ص: 224

أُصولَها مِنَ الآفاتِ العارِضَةِ . وَ مَن أَرادَ أَن يُبَيِّضُ أَسنانَهُ فَليَأخُذ جُزءً مِن مِلحٍ أَندَرانيّ ، وَ مِثلُهُ زَبَدَ البَحرِ ، فَيَسحَقُهُما ناعِما وَيَستَنَّ بِهِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَحوالُ الإِنسانِ الَّتي بَناهُ اللّهُ تَعالى عَلَيها وَ جَعَلَهُ مُتَصَرِّفا بِها ، فَإِنَّها أَربَعَةُ أَحوالٍ : الحالَةُ الأُولى : لِخَمسَ عَشرَةَ سَنَةً ، وَ فيها شَبابُهُ وَ حُسنُهُ وَبَهاؤُهُ ، وَ سُلطانُ الدَّمِ في جِسمِهِ . ثُمَّ الحالَةُ الثَّانيةُ : مِن خَمسَةٍ وَ عِشرينَ سَنَةً إِلى خَمسٍ وَ ثَلاثينَ سَنَةً ، وَ فيها سُلطانُ المِرَّةِ الصَّفراءِ ، وَقُوَّةُ غَلَبَتِها عَلى الشَّخصِ ، وَ هيَ أَقوى ما يَكونُ . وَ لا يَزالُ كَذلِكَ حَتَّى يَستَوفيَ المُدَّةَ المَذكورَةَ ، وَ هيَ خَمسٌ وَ ثَلاثونَ سَنَةً . ثُمَّ يَدخُلُ في الحالَةِ الثَّالِثةِ : إلى أَن تَتَكامَلَ مُدَّةُ العُمرِ سِتِّينَ سَنَةً ، فَيَكونُ في سُلطانِ المِرَّةِ السَّوداءِ ، وَ هيَ سِنِّ الحِكمَةِ ، وَ المَوعِظَةِ ، وَ المَعرِفَةِ ، وَ الدِّرايَةِ ، وَ انتِظامِ الأُمورِ ، وَ صِحَّةِ النَّظَرِ في العَواقِبِ ، وَ صِدقِ الرَّأيِ ، وَ ثَباتِ الجأشِ (1) في التَّصرّفاتِ . ثُمَّ يَدخُلُ في الحالَةِ الرَّابِعَةِ : وَ هيَ سُلطانُ البَلغَمِ ، وَ هيَ الحالَةُ الَّتي لا يَتَحَوَّلُ عَنها ما بَقيَ إِلَا إِلى الهَرِمِ ، وَ نَكِدِ عَيشٍ (2) ، وَ ذُبولٍ ، وَ نَقصٍ في القُوَّةِ ، وَ فَسادٍ في كَونِهِ ، وَ نِكتَتَهُ أَنَّ كُلَّ شَيءٍ كانَ لا يَعرِفُهُ حَتَّى يَنامَ عِندَ القُوَّةِ ، وَ يَسهَرَ عِندَ النَّومِ ، وَ لا يَتَذكَّرَ ما تَقَدَّمَ ، وَ يَنسى ما يُحَدِّثُ في الأَوقاتِ ، وَ يَذبَلَ (3) عودُهُ ، وَ يَتَغَيَّرَ مَعهودُهُ ، وَ يَجُفَّ ماءُ رَونَقِهِ وَ بَهائِهِ ، وَ يَقُلَّ نَبتَ شَعرِهِ وَ أَظفارِهِ ، وَ لا يَزالُ جِسمُهُ في انعِكاسٍ وَ إِدبارٍ ما عاشَ ؛ لِأَنَّهُ في سُلطانِ المِرَّةِ البَلغَمِ . وَ هوَ بارِدٌ وَ جامِدٌ ، فَبِجُمودِهِ وَ بَردِهِ يَكونُ فَناءُ كُلَّ جِسمٍ يَستَولي عَلَيهِ في آخِرِ

.


1- .في القاموس المحيط : الجأش : رواع القلب إذا اضطرب عند الفزع (ج 2 ص 264 ، العين : ج 6 ص 158 ، لسان العرب : ح 6 ص 269 « جأش » ) .
2- .نكد عيشهم _ كفرح _ : اشتدّ.
3- .يذبل : بالذّال المعجمة والباء الموحّدة ، يقال : ذبل النّبات _ كنصر وكرم _ ذبلاً وذبولاً: ذوي ، وذبل الفرس : ضمر . وفي بعض النّسخ بالياء المثنّاة التّحتانيّة ، من قولهم : ذالت المرأة أي : هزلت (لسان العرب : ج 11 ص 255 « ذبل » ) .

ص: 225

القُوَّةِ البَلغَميَّةِ . وَ قَد ذَكَرتُ لِأَميرِ المُؤمِنينَ جَميعَ ما يَحتاجُ إلَيهِ في سياسَةِ المِزاجِ ، وَ أَحوالَ جِسمِهِ ، وَ علاجَهُ . وَ أَنا أَذكُرُ ما يَحتاجُ إِلى تَناوِلِهِ مِنَ الأَغذيَةِ وَ الأَدويَةِ ، وَ ما يَجِبُ أَن يَفعَلَهُ في أوقاتِهِ : فَإِذا أَرَدتَ الحِجامَةَ فَليَكُن في اثنَي عَشرَةَ لَيلَةً مِن الهِلالِ إِلى خَمسَ عَشَرَةَ ، فَإِنَّهُ أَصَحُّ لِبَدَنِكَ ، فَإِذا انقَضى الشَّهرُ فَلا تَحتَجِم ، إِلَا أَن تَكون مُضطَرّا إِلى ذلِكَ ، وَ هوَ لِأَنَّ الدَّمَ يَنقُصُ في نُقصانِ الهِلالِ ، وَ يَزيدُ في زيادَتِهِ ، وَ لتَكُن الحِجامَةُ بِقَدرِ ما يَمضي مِنَ السِّنينَ ، ابنُ عِشرينَ سَنَةً يَحتَجِمُ في كُلِّ عِشرينَ يَوما ، وَ ابنُ الثَّلاثينَ في كُلِّ ثَلاثين يَوما مَرَّةً واحِدَةً ، وَ كَذلِكَ مَن بَلَغَ مِنَ العُمرِ أَربَعينَ سَنَةً يَحتَجِمُ في كُلِّ أَربعينَ يَوما مَرَّةً ، وَ ما زادَ فَبِحَسَب ذلِكَ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ الحِجامَةَ إِنَّما تَأخُذُ دَمُها مِن صِغارِ العُروقِ المَبثوثَةِ في اللَّحمِ ، وَ مِصداقُ ذلِكَ ما أَذكُرُهُ أَنَّها لا تُضَعِّفُ القُوّةَ كَما يوجَدُ مِنَ الضَّعفِ عِندَ الفَصدِ . وَ حِجامَةُ النُّقرَةِ تَنفَعُ مِن ثِقلِ الرَّأسِ ، وَ حِجامَةُ الأَخدَعَينِ تُخَفِّفُ عَنِ الرَّأسِ وَ الوَجهِ وَ العَينَينِ ، وَ هيَ نافِعَةٌ لِوَجعِ الأَضراسِ . وَ رُبَّما نابَ الفَصدُ عَن جَميعِ ذلِكَ . وَ قَد يُحتَجَمُ تَحتَ الذَّقَنِ لِعلاجِ القُلاعِ في الفَمِ ، وَمِن فَسادِ اللَّثَّةِ ، وَ غَيرِ ذلِكَ مِن أَوجاعِ الفَمِ . وَ كَذلِكَ الحِجامَةُ بَينَ الكَتِفَينِ تَنفَعُ مِنَ الخَفَقانِ الّذي يَكونُ مِنَ الاِمتِلاءِ وَ الحَرارَةِ ، وَ الّذي يُوضَعُ عَلى السَّاقَينِ قَد يَنقُصُ مِنَ الاِمتِلاءِ نَقصَا بَيِّنا ، وَ يَنفَعُ مِنَ الأَوجاعِ المُزمِنَةِ فِي الكُلى وَ المَثانَةِ وَ الأَرحامِ ، وَ يُدِرُّ الطَّمثَ ، غَيرَ أَنَّها تَنهَكُ الجَسَدَ ، وَ قَد يَعرِضُ مِنها الغَشيُ الشَّديدُ ، إِلّا أَنَّها تَنفَعُ ذَوي البُثورِ وَ الدَّماميلِ . وَ الّذي يُخَفِّفُ مِن أَلَمِ الحِجامَةِ تَخفيفُ المَصِّ عِندَ أَوَّلِ ما يَضَعُ المَحاجِمَ ، ثُمَّ يُدَرِّجُ المَصَّ قَليلاً قَليلاً ، وَ الثَّواني أَزيَدُ في المَصِّ مِنَ الأَوائِلِ ، وَ كَذلِكَ الثَّوالِثُ فَصاعِدا . وَ يَتَوَقَّفُ عَنِ الشَّرطِ حَتَّى يَحمَرَّ المَوضِعُ جَيِّدا بِتَكريرِ المَحاجِمِ عَلَيهِ ، وَ يُلَيِّنُ المِشراطَ عَلى جُلودٍ لَيِّنَةٍ ، وَ يَمسَحُ المَوضِعَ قَبلَ شَرطِهِ بِالدُّهنِ . وَ كَذلِكَ الفَصدُ يَمسَحُ المَوضِعَ الّذي يَفصِدُ فيهِ بِالدُّهنِ ،

.

ص: 226

فَإِنَّهُ يُقلِّلُ الأَلَمَ ، وَ كَذلِكَ يُلَيِّنُ المِشرَطَ وَ المِبضَعَ بِالدُّهنِ عِندَ الحِجامَةِ ، وَ عِندَ الفَراغِ مِنها يُلَيِّنُ المَوضِعَ بِالدُّهنِ . وَ ليُقَطِّرُ عَلى العُروقِ إِذا فَصَدَ شَيئا مِنَ الدُّهنِ ، لِئَلَا يَحتَجِبَ فَيُضِرَّ ذلِكَ بِالمَفصودِ . وَ ليَعمَدِ الفاصِدُ أَن يَفصِدَ مِنَ العُروقِ ما كانَ في المَواضِعِ القَليلَةِ اللَّحمِ ؛ لِأَنَّ في قلَّةِ اللَّحمِ مِنَ العُروقِ قِلَّةُ الأَلَمِ . وَ أَكثَرُ العُروقِ أَلَما إِذا فُصِدَ حَبلُ الذِّراعِ وَالقِيفالِ ، لِاتَّصالِهِما بِالعَضَلِ وَ صَلابَةِ الجِلدِ ، فَأَمَّا الباسَليقُ وَ الأَكحَلُ فَإِنَّهما في الفَصدِ أَقَلُّ أَلَما إِذا لَم يَكُن فَوقَهُما لَحمٌ . وَ الواجِبُ تَكميدُ مَوضِعِ الفَصدِ بِالماءِ الحارِّ لِيَظهَرَ الدَّمَ ، وَ خاصَّةً في الشِّتاءِ فَإِنَّهُ يُلَيِّنُ الجِلدَ ، وَ يُقَلِّلُ الأَلَمَ ، وَيُسَهِّلُ الفَصدَ . وَ يَجبُ في كُلِّ ما ذَكَرناهُ مِن إِخراجِ الدَّمِ اجتِنابُ النِّساءِ قَبلَ ذلِكَ بِاثنَي عَشَرَ ساعَةً ، وَ يَحتَجِمُ في يَومٍ صاحٍ صافٍ ، لا غَيمَ فيهِ وَ لا ريحَ شَديدَةً ، وَ يَخرُجُ مِنَ الدَّمِ بِقَدرِ ما تَرى مِن تَغَيُّرِهِ ، وَ لا تَدخُل يَومَكَ ذلِكَ الحَمَّامَ ، فَإِنَّه يُورِثُ الدَّاءَ . وَ صُبَّ عَلى رَأسِكَ وَ جَسَدِكَ الماءَ الحارَّ ، وَ لا تَفعَل ذلِكَ مِن ساعَتِكَ . وَ إِيَّاكَ وَ الحَمَّامَ إِذا احتَجَمتَ ، فَإِنَّ الحُمَّى الدَّائِمَةَ يَكونُ فيهِ ، فَإِذا اغتَسَلتَ مِنَ الحِجامَةِ فَخُذ خِرقَةَ مِرغَريِّ فَأَلقِها عَلى مَحاجِمِكَ ، أَو ثَوبا لَيِّنا مِن قَزٍّ أَو غَيرِهِ ، وَخُذ قَدرَ حِمَّصَةٍ مِنَ التِّرياقِ الأَكبَرِ ، و اشرَبهُ إِن كانَ شِتاءً ، وَ إِن كانَ صَيفا فَاشرَبِ السَّكَنجَبينَ العُنصُليَّ ، وَ امزُجهُ بِالشَّرابِ المُفرِحِ المُعتَدِلِ ، وَ تَناوَلهُ ، أَو بِشَرابِ الفاكِهَةِ . وَ إِن تَعَذَّرَ ذلِكَ فَشَرابِ الأَترُجِّ ، فَإِن لَم تَجِد شَيئا مِن ذلِكَ فَتَناوَلهُ بَعدَ عَركِهِ (1) ناعِما تَحتَ الأَسنانِ ، وَ اشرَب عَلَيهِ جُرَعَ ماءٍ فاتِرٍ (2) . وَ إِن كانَ في زَمانِ الشِّتاءِ وَ البَردِ ، فاشرَب عَلَيه السَّكَنجَبينَ العُنصُليَّ العَسَليَّ (3) ، فَإِنَّكَ مَتى فَعَلتَ ذلِكَ أَمِنتَ مِنَ اللَّقوَّةِ ، وَ البَرَصِ ، وَ البَهَقِ ، وَ الجُذامِ بِ_إِذنِ اللّهِ

.


1- .العرك : الدّلك والحك ( غريب الحديث « لابن قتيبة » : ج 1 ص 262) .
2- .فتر الماء : سكن حرّه وهو فاتر وفاتور .
3- .السّكنجبين العنصلي العسلي : أي بالخلّ المعمول المتّخذ من بصل العنصل. وفي القاموس: العنصل _ كقنفذ وجندب ، و يمدّان _ : البصل البرّي ، و يعرف بالأسقال ، و ببصل الفار ، نافع لدّاء الثّعلب و الفالج و النّساء ، و خلّه للسعال المزمن و الرّبو والحشرجة ، و يقوّي البدن الضعيف . و ذكر الأطبّاء لأصله و خلّه فوائد جمّة لأنواع الأمراض ( القاموس المحيط : ج 4 ص 22 ، مجمع البحرين : ج 3 ص 259 « عنصل ») .

ص: 227

تَعالى ، وَ امتَصَّ مِنَ الرُّمانِ المُزِّ ، فَإِنَّهُ يُقَوِّي النَّفسَ ، وَ يُحيي الدَّمَ ، وَ لا تَأكُل طَعاما مالِحا بَعدَ ذلِكَ بِثَلاثِ ساعاتٍ ، فَإِنَّهُ يُخافُ أَن يَعرِضَ مِن ذلِكَ الجَرَبُ . وَ إِن كانَ شِتاءً فَكُل مِنَ الطَّياهيجِ إِذا احتَجَمتَ ، وَ اشرَب عَلَيهِ مِنَ الشَّرابِ المُذَكَّى الّذي ذَكَرتُهُ أَوَّلاً ، وَ ادهُن بِدُهنِ الخِيريِّ ، أَو شَيءٍ مِنَ المِسكِ وَ ماءِ وَردٍ ، وَ صُبَّ مِنهُ عَلى هامَتِكَ ساعَةَ فَراغِكَ مِنَ الحِجامَةِ . وَ أَمَّا في الصَّيفِ ، فَإِذا احتَجَمتَ فَكُلِ السِّكباج ، وَ الهَلامَ ، وَ المَصوصَ أَيضا ، وَ الحامِضَ ، وَ صُبَّ عَلى هامَتِكَ دُهنَ البَنَفسَجِ بِماءِ الوَردِ شَيءٍ مِنَ الكافورَ ، وَ اشرَب مِن ذلِكَ الشَّرابِ الّذي وَصَفتُهُ لَكَ بَعدَ طَعامِكَ ، وَ إِيَّاكَ وَ كَثرَةَ الحَرَكَةِ ، وَ الغَضَبَ ، وَ مُجامَعَةَ النِّساءِ لِيَومِكَ . وَ احذَر يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَن تَجمَعَ بَينَ البَيضِ وَ السَّمَكِ في المَعِدَةِ في وَقتٍ وَاحِدٍ ، فَإنَّهُما مَتى اجتَمَعا في جَوفِ الإِنسانِ ، وَلَدَ عَلى النِّقرِسِ ، وَ القُولَنجِ ، وَ البَواسيرِ ، وَ وَجَعِ الأَضراسِ . وَ اللَّبَنُ وَ النَّبيذُ الّذي يَشرَبُهُ أَهلُهُ إِذا اجتَمَعا وَلَدَ النِّقرِسَ وَ البَرَصَ . وَ مُداوَمَةُ أَكلِ البَيضِ يَعرِضُ مِنهُ الكَلَفُ في الوَجهِ . وَ أَكلُ المَملوحَةِ وَ اللَّحمانِ المَملوحَةِ ، وَ أَكلُ السَّمَكِ المَملوحِ بَعدَ الفَصدِ وَ الحِجامَةِ ، يَعرِضُ مِنهُ البَهَقُ وَ الجَرَبُ . وَ أَكلُ كُليَةِ الغَنَمِ وَ أَجوافِ الغَنَمِ يُغَيِّرُ المَثانَةَ . وَ دُخولُ الحَمَّامِ عَلى البِطنَةِ يُوَلِّدُ القولَنجَ . وَ الاِغتِسالُ بِالماءِ البارِدِ بَعدَ أَكلِ السَّمَكِ يُورِثُ الفالِجَ . وَ أَكلُ الأُترُجِّ بِاللَّيلِ يَقلِبُ العَينَ وَ يُوجِبُ الحَوَلَ . وَ إِتيانُ المَرأَةِ الحائِضِ يُورِثُ الجُذامَ في الوَلَدِ ، وَ الجِماعُ مِن غَيرِ إهراقِ الماءِ عَلى أَثَرِهِ

.

ص: 228

يُوجِبُ الحَصاةَ ، وَ الجِماعُ بَعدَ الجِماعُ مِن غَيرِ فَصلٍ بَينَهُما بِغُسلٍ يُورِثُ لِلوَلَدِ الجُنونَ . وَ كَثرَةُ أَكلِ البَيضِ وَ إِدمانُهُ يُوَلِّدُ الطُّحالَ وَ رياحا في رَأسِ المَعِدَةِ ، وَ الامتِلاءُ مِنَ البَيضِ المَسلوقِ يُورِثُ الرَّبوَ وَ الانبِهارَ . وَ أَكلُ اللَّحمِ النِّيءِ يُوَلِّدُ الدُّودَ في البَطنِ . وَ أَكلُ التِّينِ يَقمَلُ مِنهُ الجَسَدُ إِذا أُدمِنَ عَلَيهِ . وَ شُربُ الماءِ البارِدِ عَقيبَ الشَّيءِ الحارِّ أَو الحَلاوَةِ يَذهَبُ بِالأَسنانِ . وَ الإكثارُ مِن أَكلِ لُحومِ الوَحشِ وَ البَقَرِ يُورِثُ تَغَيُّرَ العَقلِ ، وَ تَحَيُّرَ الفَهمِ ، وَ تَبَلُّدَ الذِّهنِ ، وَ كَثرةَ النِّسيانِ . وَ إِذا أَرَدتَ دُخولَ الحَمَّامِ وَ أَلّا تَجِدَ في رَأسِكَ ما يُؤذيكَ ، فَابدأ قَبلَ دُخولِكَ بِخَمسِ جُرَعٍ مِن ماءٍ فاتِرٍ ، فَإِنَّكَ تَسلَمُ _ إن شاءَ اللّهُ تَعالى _ مِن وَجَعِ الرَّأسِ وَ الشَّقيقَةِ . وَ قيلَ : خَمسَ مَرَّاتٍ يُصَبُّ الماءُ الحارُّ عَلَيهِ عِندَ دُخولِ الحَمَّامِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ الحَمَّامَ رُكِّبَ عَلى تَركيبِ الجَسَدِ : لِلحَمَّامِ أَربَعةُ بُيوتٍ مِثلُ أَربَعِ طَبائِعِ الجَسَدِ : البَيتُ الأَوَّلُ بارِدٌ يابِسٌ ، وَ الثَّاني بارِدٌ رَطبٌ ، وَ الثَّالِثُ حارٌّ رَطبٌ ، وَ الرَّابِعُ حارٌّ يابِسٌ . وَ مَنفَعَةٌ عَظيمَةٌ ، يُؤَدِّي إِلى الاعتِدالِ ، وَ يُنَقِّي الدِّرنَ ، وَ يُلَيِّنُ العَصَبَ وَ العُروقَ ، وَ يُقَوِّي الأَعضاءَ الكِبارَ ، وَ يُذيبُ الفُضولَ ، وَ يُذهِبُ العَفَنَ (1) . فَإِذا أَرَدتَ أَلّا يَظهَرَ في بَدَنِكَ بَثرَةٌ وَ لا غَيرُها ، فَابدأ عِندَ دُخولِ الحَمَّامِ فَادهُن بَدَنَكَ بِدُهنِ البَنَفسَجِ . وَإِذا أَرَدتَ استِعمالَ النُّورَةِ وَ لا يُصيبَكَ قُروحٌ ولا شُقاقٌ وَلا سُوادٌ فاغتَسِل بِالماءِ البارِدِ قَبلَ أَن تَتَنَوَّرَ . وَ مَن أَرادَ دُخولَ الحَمَّامِ لِلنُّورَةِ فَليَجتَنِبِ الجِماعَ قَبلَ ذلِكَ بِاثنَتَي عَشرَةَ ساعَةً ، وَ هوَ تَمامُ يَومٍ ، وَ ليَطرَح في النُّورَةِ شَيئا مِن الصَّبِرِ ، وَ الأَقاقيا ، وَ الحُضُضِ ، أَو يَجمَعُ ذلِكَ ، وَ يأخُذُ مِنهُ اليَسيرَ إِذا كانَ مُجتَمِعا أَو مُتَفَرِّقا ، و لا يُلقي في النُّورَةِ شَيئا مِن

.


1- .والعفن _ بالتّحريك _ : أي العفونة ، أو بكسر الفاء ، أي : الخلط العفن ، وهذا أظهر. وفي بعض النسخ : «والعفونات» وفي بعضها : «العقق» بالتّحريك ، وهو الشّقاق في البدن ( بحار الأنوار : ج 59 ص 349 ) .

ص: 229

ذلِكَ حَتَّى تُماثَ النُّورَةُ بِالماءِ الحارِّ الّذي طُبِخَ فيهِ بابونَجٌ ، وَ مَرزنجوشٌ ، أَو وَردُ بَنَفسجٍ يابِسٍ ، أَو جَميعُ ذلِكَ ، أَجزاءٌ يَسيرَةٌ ، مَجموعَةً أَو مُتَفَرِّقَةً ، بِقَدرِ مايَشرَبُ الماءُ رائِحَتَه ، وَ ليَكُن الزِّرنيخُ مِثلَ سُدُسِ النُّورَةِ . وَ يُدلَكُ الجَسَدُ بَعدَ الخُروجِ مِنها بِشَيءٍ يَقلَعُ رائِحَتَها ، كَوَرَقِ الخَوخِ ، وَ ثَجيرِ العُصفُرِ ، وَ الحِنّاءِ ، وَ الوَردِ ، وَ السُّنبُلِ مُفرَدَةً أَو مُجتَمِعَةً . وَ مَن أَرادَ أَن يأمَنَ إِحراقَ النُّورَةِ فَليُقَلِّل مِن تَقليبِها ، وَ ليُبادِر إِذا عَمِلَت في غَسلِها ، وَ أَن يَمسَحَ البَدَنَ بِشَيءٍ مِن دُهنِ الوَردِ ، فَإِن أَحرَقَتِ البَدَنَ _ وَ العياذُ بِاللّهِ _ يُؤخَذُ عَدَسٌ مُقَشَّرٌ ، يُسحَقُ ناعِما ، وَ يُدافُّ في ماءِ وَردٍ وَخَلٍّ ، يُطلى بِهِ المَوضِعُ الّذي أَثَّرَت فيه النُّورَةُ ، فَإِنَّه يَبرأُ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى . وَ الّذي يَمنَعُ مِن آثارِ النُّورَةِ في الجَسَدِ ، هوَ أَن يُدلَكَ المَوضِعُ بِخَلِّ العِنَبِ العُنصُلِ الثَّقيفِ (1) ، وَ دُهنِ الوَردِ ، دَلكا جَيّدا . وَ مَن أَرادَ أَلّا يَشتَكي مَثانَتَهُ فَلا يَحبِسِ البَولَ وَ لَو عَلى ظَهرِ دابَّتِهِ . وَ مَن أَرادَ أَلّا يُؤذيَهُ مَعِدَتُهُ فَلا يَشرَبَ بَينَ طَعامِهِ مَاءً حَتَّى يَفرُغَ ، وَ مَن فَعلَ ذلِكَ رَطِبَ بَدَنُهُ ، وَ ضَعُفَت مَعِدَتُهُ ، وَ لَم يأخُذِ العُروقُ قُوَّةَ الطَّعامِ ، فَإِنَّهُ يَصيرُ في المَعِدَةِ فِجأ ، إِذا صَبَّ الماءُ عَلى الطَّعامِ أَوّلاً فَأَوَّلاً . وَ مَن أَراد أَلّا يَجِدَ الحَصاةَ وَ عُسرَ البَولِ فلا يَحبِسِ المَنيَّ عِندَ نُزولِ الشَّهوَةِ ، وَ لا يُطِل المَكثَ عَلى النِّساءِ . وَ مَن أَرادَ أَن يأمَنَ مِن وَجَعِ السُّفلِ وَ لا يَظهَرَ بِهِ وَجَعُ البَواسيرِ ، فَليَأكُل كُلَّ لَيلَةٍ سَبعَ تَمَرَاتٍ بَرنيٍّ 2 بِسَمنِ البَقَرِ ، وَ يَدّهِنُ بَينَ أُنثَيَيهِ بِدُهنِ زَنبَقٍ خَالِصٍ . وَ مَن أَرادَ أَن يَزيدَ في حِفظهِ فَليَأكُل سَبعَ مَثاقيلَ زَبيبا بِالغَداةِ عَلى الرِّيقِ . وَ مَن أَرادَ أَن يَقِلَّ نِسيانُهُ وَ يَكونَ حافِظا ، فَليَأكُل كُلَّ يَومٍ ثَلاثَ قِطَعِ زَنجَبيلٍ مُرَبَّىً بِالعَسَلِ ، وَ يَصطَبِغُ (2) بِالخَردَلِ مَعَ طَعامِهِ في كُلِّ يَومٍ .

.


1- .خلّ ثقيف _ كأمير وسكين _ : حامض جدّا ( القاموس المحيط : ج 3 ص 121 ، الصحاح : ج 4 ص 1334 ) .
2- .يصطبغ أي : يجعله صبغا وإداما . وفي بعض النّسخ بالحاء من الاصطباح ، وهو الأكل أو الشّرب في الصّباح والغداة .

ص: 230

وَ مَن أَرادَ أَن يَزيدَ في عَقلِهِ يَتَناوَلُ كُلَّ يَومٍ ثَلاثَ هَليلَجاتٍ بِسُكَّرٍ أَبلوجٍ 1 . وَ مَن أَرادَ أَلّا يَنشَقَّ ظُفرَهُ وَ لا يَميلُ إِلى الصُّفرَةِ وَ لا يَفسُدُ حَولَ ظُفرِهِ ، فَلا يُقَلِّم أَظفارَهُ إلَا يَومَ الخَميسِ . وَ مَن أَرادَ أَلّا يُؤلِمُهُ أُذُنُهُ فَليَجعَل فيها عِندَ النَّومِ قُطنَةٌ . وَ مَن أَرادَ رَدعَ الزُّكامِ مُدَّةَ أَيَّامِ الشِّتاءِ فَليَأكُل كُلَّ يَومٍ ثَلاثَ لُقَمٍ مِن الشَّهدِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ لِلعَسَلِ دَلائِلٌ يُعرَفُ بِها نَفعُهُ مِن ضَرِّهِ ، وَ ذلِكَ أَنَّ مِنهُ شَيئا إِذا أَدرَكَهُ الشَّمُّ عَطِشَ ، وَ مِنهُ شَيءٌ يُسكِرُ ، وَ لَهُ عِندَ الذَّوقِ حَراقَةٌ شَديدَةٌ ، فَهذِهِ الأَنواعُ مِنَ العَسَلِ قاتِلَةٌ . وَ لا يُؤَخِّر شَمَّ النَّرجِسِ ، فَإِنَّهُ يَمنَعُ الزُّكامَ في مُدَّةِ أَيَّامِ الشِّتاءِ ، وَ كَذلِكَ الحَبَّةُ السَّوداءُ . وَ إِذا خافَ الإِنسانُ الزُّكامَ في زَمانِ الصَّيفِ فَليَأكُل كُلَّ يَومٍ خيارَةً ، وَ ليَحذَرِ الجُلوسَ في الشَّمسِ . وَ مَن خَشيَ الشَّقيقَةَ وَ الشَّوصَةَ ، فَلا يُؤَخِّر أَكلَ السَّمَكِ الطَّرِيِّ صَيفا وَ شِتاءً . وَ مَن أَرادَ أَن يَكونَ صالِحا خَفيفَ الجِسمِ وَ اللَّحمِ ، فَليُقَلِّل مِن عَشَائِهِ بِاللَّيلِ . وَ مَن أَرادَ أَلّا يَشتَكيَ سُرَّتَهُ فَليُدَهِّنُها مَتى دَهَّنَ رَأسَهُ . وَ مَن أراد أَلّا تَنشَقَّ شَفَتاهُ وَ لا يَخرُجَ فيها باسورٌ ، فَليُدَهِّن حاجِبَهُ مِن دُهنِ رَأسِهِ . وَ مَن أَرادَ أَلّا تَسقُطَ أُذُناهُ وَ لَهاتُهُ ، فَلا يأكُل حُلوا حَتَّى يَتَغَرغَرَ بَعدَهُ بِخَلٍّ . وَ مَن أَرادَ أَلّا يُصيبَهُ اليَرَقانُ فَلا يَدخُل بَيتا في الصَّيفِ أَوَّلَ ما يَفتَحُ بابَهُ ، وَ لا يَخرُج مِنهُ

.

ص: 231

أَوَّلَ ما يَفتَحُ بابَهُ في الشِّتاءِ غُدوَةً . وَ مَن أَرادَ أَلّا يُصيبَهُ ريحٌ في بَدَنِهِ فَليَأكُلِ الثُّومَ كُلَّ سَبعَةِ أَيَّامٍ مَرَّةً . وَ مَن أَرادَ أَلّا تَفسُدَ أَسنانُهُ فَلا يأكُل حُلوا إِلَا بَعدَ كِسرَةِ خُبزٍ . وَ مَن أَرادَ أَن يَستَمرئ طَعامَهُ فَليَستَك بَعدَ الأَكلِ عَلى شَقِّهِ الأَيمَنِ ، ثُمَّ يَنقَلِبُ بَعدَ ذلِكَ عَلى شَقِّهِ الأَيسَرِ ، حَتَّى يَنامَ . وَ مَن أَرادَ أَن يُذهِبَ البَلغَمَ مِن بَدَنِهِ وَ يَنقُصَهُ ، فَليَأكُلُ كُلَّ يَومٍ بُكرَةً شَيئا مِنَ الجَوارِشِ الحِرِّيفِ ، وَ يُكثِرُ دُخولَ الحَمَّامِ ، وَ مُضاجَعَةَ النِّساءِ ، وَ الجُلوسَ في الشَّمسِ ، وَ يَجتَنِبُ كُلَّ بارِدٍ مِنَ الأَغذيَةِ ، فَإِنَّهُ يُذهِبُ البَلغَمَ وَ يُحرِقُهُ . وَ مَن أَرادَ أَن يُطفئَ لَهَبَ الصَّفراءِ (1) فَليَأكُلُ كُلَّ يَومٍ شَيئا رَطبا بَارِدا ، وَ يُرَوِّحُ بَدَنَهُ ، وَ يُقِلُّ الحَرَكَةَ ، وَ يُكثِرُ النَّظَرَ إِلى مَن يُحِبُّ . وَ مَن أَرادَ أَنَ يُحرِقَ السَّوداءَ فَعَلَيهِ بِكَثرَةِ القَيءَ وَ فَصدِ العُروقِ وَ مُداوَمَةِ النُّورَةِ . وَ مَن أَرادَ أَن يَذهَبَ بِالرِّيحِ البارِدَةِ فَعَلَيهِ بِالحُقنَةِ وَ الإِدِّهانِ اللَّيِّنَةِ عَلى الجَسَدِ ، وَ عَلَيهِ بِالتَّكميدِ بِالماءِ الحارِّ في الأَبزَنِ وَ يَجتَنِبُ كُلَّ بارِدٍ ، وَ يَلزَمُ كُلَّ حارٍّ لَيِّنٍ . وَ مَن أَرادَ أَن يَذهَبَ عَنهُ البَلغَمَ فَليَتَناوَل بُكرَةً كُلِّ يَومٍ مِنَ الإِطريفِلِ الصَّغيرِ مِثقالاً واحِدا . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنّ المُسافِرَ يَنبَغي لَهُ أَن يَتَحَرَّزَ بِالحَرِّ إِذا سافَرَ وَ هوَ مُمتَلِئٌ مِنَ الطَّعامِ ، وَ لا خالي الجَوفِ ، وَ ليَكُن عَلى حَدِّ الاعتِدالِ ، وَ ليَتَناوَل مِنَ الأَغذيَةِ البارِدَةِ مِثلُ القريصِ ، وَ الهُلامِ ، و الخَلِّ ، وَ الزَّيتِ ، وَ ماءِ الحِضرِمِ ، وَ نَحوِ ذلِكَ مِنَ الأَطعِمَةِ البارِدَةِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ السَّيرَ في الحَرِّ الشَّديدِ ضارٌّ بِالأَبدانِ المَنهوكَةِ إِذا كانَت خاليَةٌ عَنِ الطَّعامِ ، وَ هوَ نافِعٌ في الأَبدانِ الخَصِبَةِ . فَأَمَّا صَلاحُ المُسافِرَ وَ دفعُ الأَذى عَنهُ ، فَهوَ أَلّا يَشرَب مِن ماءِ كُلِّ مَنزِلٍ يَرِدهُ إِلَا بَعدَ أَن يَمزُجَهُ بِماءِ المَنزِلِ الّذي قَبلَهُ ، أَو شَرابٍ واحِدٍ غَيرِ

.


1- .لهب الصّفراء : بسكون الهاء والتّحريك ، وفي بعض النّسخ « لهيب » وفي القاموس المحيط : اللّهب واللّهيب : اشتعال النّار ( القاموس المحيط : ج 1 ص 129 ، لسان العرب : ج 1 ص 743 « لهب » ) .

ص: 232

مُختَلِفٍ يَشوبُهُ بِالمياهِ عَلى الأَهواءِ عَلى اختِلافِها . وَ الواجِبُ أَن يَتَزَوَّدَ المُسافِرُ مِن تُربَةِ بَلَدِهِ وَ طينَتِهِ الَّتي رُبِّيَ عَلَيها ، وَ كُلَّما وَرَدَ إِلى مَنزِلٍ طَرَحَ في إِنائِهِ الّذي يَشرَبُ مِنهُ الماءَ شَيئا مِنَ الطِّينِ الّذي تَزَوَّدَهُ مِن بَلَدِهِ ، وَ يَشوبَ الماءَ وَ الطِّينَ في الآنيَةِ بِالتَّحريكِ ، وَ يُؤخَّر قَبلَ شُربِهِ حَتَّى يَصفوَ صَفاءً جَيِّدا . وَ خَيرُ الماءِ شُربا لِمَن هوَ مُقيمٌ أَو مُسافِرٌ ، ما كانَ ينبوعُهُ مِنَ الجِهَةِ المَشرِقيَّةِ مِنَ الخَفيفِ الأَبيَضِ . وَ أَفضَلُ المياهِ ما كانَ مَخرَجُها مِن مَشرِقِ الشَّمسِ الطَّيفيِّ ، وَ أَصَحُّها وَ أَفضَلُها ، ما كانَ بِهذا الوَصفِ الّذي نَبَعَ مِنهُ ، وَ كانَ مَجراهُ في جِبالِ الطِّينِ ، وَ ذلِكَ أَنَّها تَكونُ في الشِّتاءِ بارِدَةً ، وَ في الصَّيفِ مُلَيِّنَةً لِلبَطنِ نافِعَةً لأَصحابِ الحَراراتِ . وَ أَمَّا الماءُ المالِحُ وَ المياهُ الثَّقيلَةُ ، فَإِنَّها تُيَبِّسُ البَطنَ ، وَ مياهُ الثُّلوجِ وَ الجَليدِ رَديَّةٌ لِسائِرِ الأَجسادِ ، وَ كَثيرةُ الضَّررِ جِدَّا ، وَ أَمَّا مياهُ السُّحُب فَإِنَّها خَفيفَةٌ ، عَذبَةٌ ، صافيَةٌ ، نافِعَةٌ لِلأَجسامِ إِذا لَم يَطُل خَزنُها وَ حَبسُها في الأَرضِ ، وَ أَمَّا مياهُ الجُبِّ فَإِنَّها عَذبَةٌ ، صافيَةٌ نافِعَةٌ إِن دامَ جَريُها وَ لَم يَدُم حَبسُها في الأَرضِ . وَ أَمَّا البطائِحُ وَ السِّباخُ فَإِنَّها حارَّةٌ غَليظَةٌ في الصَّيفِ ، لِرُكودِها وَ دَوامِ طُلوعِ الشَّمسِ عَلَيها ، وَ قَد يَتَوَلَّدُ مِن دَوامِ شُربِها المِرَّةُ الصَّفراويَّةُ وَ تَعظُمُ بِهِ أَطحِلَتُهُم . وَ قَد وَصَفتُ لَكَ يا أَميرَ المُؤمِنينَ فيما تَقَدَّمَ مِن كِتابي هذا ما فيهِ كِفايَةٌ لِمَن أَخَذَ بِهِ . وَ أَنا أَذكُرُ أَمرَ الجِماعِ : فَلا تَقرَبِ النِّساءَ مِن أَوّلِ اللَّيلِ صَيفا وَ لا شِتاءً ؛ وَ ذلِكَ لأَنَّ المَعِدَةَ وَ العُروقَ تَكونُ مُمتَلِئَةً ، وَ هوَ غَيرُ مَحمودٍ ، وَ يَتَوَلَّدُ مِنهُ القولَنجُ ، وَ الفالِجُ وَ اللَّقوَةُ ، وَ النِّقرِسُ ، وَ الحَصاةُ ، وَ التَّقطيرُ ، وَ الفَتقُ ، وَ ضُعفُ البَصَرِ وَ رِقَّتُهُ . فَإِذا أَرَدتَ ذلِكَ فَليَكُن في آخرِ اللَّيلِ ، فَإِنَّهُ أَصلَحُ لِلبَدَنِ ، وَ أَرجى لِلوَلَدِ ، وَ أَزكى لِلعَقلِ في الوَلَدِ الّذي يَقضي اللّهُ بَيَنَهُما . وَ لا تُجامِع امرأَةً حَتَّى تُلاعِبَها ، وَ تُكثِرَ مُلاعَبَتَها ، وَ تَغمِزَ ثَديَيها ، فَإِنَّكَ إِذا فَعَلتَ ذلِكَ غَلَبتَ شَهوَتُها وَ اجتَمَعَ ماؤُها ؛ لِأَنَّ ماءَها يَخرُجُ مِن ثَديَيها ، وَ الشَّهوَةُ تَظهَرُ مِن وَجهِها وَ عَينَيها ، وَ اشتَهَت مِنكَ مِثلَ الّذي تَشتَهيهُ مِنها .

.

ص: 233

وَ لا تُجامِعِ النِّساءَ إِلَا وَ هي طاهِرَةٌ ، فَإِذا فَعَلتَ ذلِكَ فَلا تَقُم قائِما ، وَ لا تَجلِس جالِسا ، وَ لكِن تَميلُ عَلى يَمينِكَ ، ثُمّ انهَض لِلبَولِ إِذا فَرَّغتَ مِن ساعَتِكَ شَيئا ، فَإنَّكَ تَأمَنُ الحَصاةَ بِ_إِذنِ اللّهِ تَعالى ، ثُمّ اغتَسِل وَ اشرَب مِن ساعَتِكَ شَيئا مِنَ المُوميائي بِشَرابِ العَسَلِ ، أَو بِعَسَلٍ مَنزوعِ الرَّغوَةِ ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ مِنَ الماءِ مِثلَ الّذي خَرَجَ مِنكَ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ جِماعِهِنَّ وَ القَمَرُ في بُرجِ الحَملِ أَو الدَّلوِ مِنَ البُروجِ أَفضَلُ ، وَ خَيرٌ مِن ذلِكَ أَن يَكونَ في بُرجِ الثَّورِ ؛ لِكَونِهِ شَرَفُ القَمَرِ . وَ مَن عَمِلَ فيما وَصَفتُ في كِتابي هذا وَ دَبَّرَ بِهِ جَسَدَهُ ، أَمِنَ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى مِن كُلِّ داءٍ ، وَ صَحَّ جِسمُهُ بِحَولِ اللّهِ وَقُوَّتِهِ ، فَإِنَّ اللّهَ تَعالى يَعطي العافيَةُ لِمَن يَشاءُ ، وَ يَمنَحُها ، إِيَّاهُ ، و الحَمدُ للّهِ أَوَّلاً وَ آخِرا وَ ظاهِرا وَ باطِنا . (1)

.


1- .بحار الأنوار : ج62 ص306 _ 327.

ص: 234

. .

ص: 235

الفصل السادس : في الدّعاء
اشاره
اشاره

الفصل السّادس: في الدّعاء

.

ص: 236

. .

ص: 237

( 151 ) كتابه عليه السلام في ذكر الحاجة وأدبه

151كتابه عليه السلام في ذكر الحاجة وأدبهداوود الصّرميّ 1 عن أبي الحسن الثّالث عليه السلام ، قال : أمرني سيّدي عليه السلام بحوائج كثيرة فقال عليه السلام لي : قُل : كَيفَ تَقولُ ؟ فلم أحفظ مثل ما قال لي ، فمدّ الدّواة و كتب :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، أَذكُرُهُ إِن شاءَ اللّهُ وَ الأَمرُ بِيَدِ اللّهِ . فتبسّمت ، فقال عليه السلام : ما لَكَ ؟ قلت : خير . فقال : أَخبِرني . قلت : جُعلت فداك ، ذكرت حديثا حدّثني به رجل من أصحابنا عن جدّك الرّضا عليه السلام إذا أمرَ بحاجة كتب : بِسم اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، أذكُرُ إِن شاءَ اللّهُ . فتبسّمت ، فقال عليه السلام لي : يا داوودُ ، وَ لَو قُلتُ : إِنَّ تارِكَ التَّقِيَّةِ كَتارِكِ الصَّلاةِ لَكُنتُ صادِقا. (1) وفي تحف العقول : كان عليه السلام _ أي الإمام الرّضا عليه السلام _ : يُترِبُ الكتاب ويقول : لا بَأسَ بِهِ . وكان إذا أراد أن يكتب تَذَكّرات حوائجه كتب : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، أذكُرُ إِن

.


1- .تحف العقول : ص483 ، كشف الغمّة : ج2 ص389 ، بحار الأنوار : ج76 ص50 ح6.

ص: 238

( 152 ) كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جندب فيما يقرّب إلى الرّبّ ويزيد الفهم والعلم
( 153 ) كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن سهل فيمن كان يرجو مع الإمام في الدّنيا والآخرة

شاءَ اللّهُ ، ثمّ يَكتب ما يُريد . (1)

152كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جندبفيما يقرّب إلى الرّبّ ويزيد الفهم والعلمجعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا : عن الحسين بن عبد اللّه بن جندب (2) ، قال : أخرج إلينا صحيفة ، فذكر أنّ أباه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، إنّي قد كبرت و ضعفت و عجزت عن كثير ممّا كنت أقوى عليه ، فأحبّ _ جعلت فداك _ أن تعلّمني كلاما يقرّبني من ربّي و يزيدني فهما و علما . فكتب إليه :قَد بَعَثتُ إِليكَ بِكِتابٍ فاقرَأهُ وَ تَفَهَّمهُ ، فَإِنَّ فيهِ شِفاءً لِمَن أَرادَ اللّهُ شِفاهُ ، وَ هُدَىً لِمَن أَرادَ اللّهُ هُداهُ ، فَأَكثِر مِن ذِكرِ بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلّا بِاللّهِ العَليِّ العَظيمِ . وَ اقرَأها عَلى صَفوانَ وَ آدَمَ . (3)

153كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن سهلفيمن كان يرجو مع الإمام في الدّنيا والآخرةإسماعيل بن سهل 4 قال : قلت لأبي الحسن الرّضا عليه السلام : علّمني دعاءً إذا أنا قلته كنت

.


1- .تحف العقول : ص 443 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 335 ح 12 .
2- .راجع : ص 32 الرقم 10 .
3- .تفسير فرات : ص283 ح384 ، بحار الأنوار : ج23 ص312 ح20 .

ص: 239

( 154 ) كتابه عليه السلام إلى يونس بن بكير عند الشّدائد

معكم في الدّنيا و الآخرة . فكتب إليَّ :أَكثِر تِلاوَةَ إِنَّا أَنزَلناهُ ، وَ رَطِّب شَفَتَيكَ بِالاستِغفارِ . (1)

154كتابه عليه السلام إلى يونس بن بكيرعند الشّدائدفي مهج الدّعوات : دعاء الرّضا عليه السلام ، و جدناه في أصل يونس بن بكير (2) ، قال : و سألت سيّدي أن يعلّمني دعاءً أدعو به عند الشّدائد . فقال لي : يا يونُسُ ، تَحفِظُ ما أَكتُبُهُ لَكَ ، وَ ادعُ بِهِ في كُلِّ شِدَّةٍ ، تُجابُ وَ تُعطى ما تَتَمَنَّاهُ . ثمّ كتب لي :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، اللَّهُمَّ إِنَّ ذُنوبي وَ كَثرَتَها قَد أَخلَقَت وَجهي عِندَكَ ، وَ حَجَبَتني عَنِ استِئهالِ رَحمَتِكَ ، وَ باعَدَتني عَنِ استِيجابِ مَغفِرَتِكَ ، وَ لَولا تَعَلُّقي بِآلائِكَ ، وَ تَمسُّكي بِالدُّعاءِ ، وَ ما وَعَدتَ أَمثالي مِنَ المُسرِفينَ ، وَ أَشباهي مِنَ الخاطِئينَ ، وَ أَوعَدتَ القانِطينَ مِن رَحمَتِكَ بِقَولِكَ : « يَ_عِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » (3) وَ حَذَّرتَ القانِطينَ مِن رَحمَتِكَ فَقُلتَ : « وَ مَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَا الضَّآلُّونَ» (4) ثُمَّ نَدبتَنا بِرَأفَتِكَ إِلى دُعائِكَ فَقُلتَ : « ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ » (5) .

.


1- .الدعوات : ص49 ح121 ، بحار الأنوار : ج93 ص284 ح30 .
2- .الظاهر أنّ المراد به هو يونس بن بكير أبو بكر الشيباني ، و هو عامّي ، ورد في المصادر العامّة ( راجع : الجرح و التّعديل : ج9 ص236 الرقم 995 ، تاريخ ابن معين الدارمي : ص22 ، الثقات لابن حبّان : ج9 ص289 ، تهذيب التهذيب : ج11 ص383 الرقم 745 ) . و روى الصّدوق عنه بإسناده في إكمال الدّين و غيره ( ص171 ح27 و ص172 ح29 و ص199 ح41 ) .
3- .الزمر : 53.
4- .الحِجر : 56.
5- .غافر : 60.

ص: 240

إِلهي لَقَد كانَ الإِياسُ عَلَيَّ مُشتَمِلاً ، وَ القُنوطُ مِن رَحمَتِكَ مُلتَحِفا . إلهي لَقَد وَعَدتَ المُحسِنُ ظَنِّهِ بِكَ ثَوابا ، وَ أَوعَدتَ المُسيءُ ظَنِّهِ بِكَ عِقابا . اللَّهُمَّ وَ قَد أَمسَكَ رَمَقي حُسنُ الظَّنِّ بِكَ في عِتقِ رَقَبَتي مِنَ النَّارِ ، وَ تَغَمُّدُ زَلَّتي ، وَ إِقالَةُ عَثرَتي . اللَّهُمَّ قُلتَ في كِتابِكَ وَ قَولُكَ الحَقُّ الّذي لا خُلفَ لَهُ وَ لا تَبديلَ : « يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاس بِإِمَ_مِهِمْ » و ذلِكَ يَومُ النُّشورِ «إِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ» و « بُعْثِرَ مَا فِى الْقُبُورِ » . اللَّهُمَّ فَإِنّي أُوفي وَ أُشهِدُ وَ أُقِرُّ ، وَ لا أَنكُرُ وَ لا أَجحُدُ ، وَ أُسِرُّ وَ أُعلِنُ وَ أُظهِرُ وَ أُبطِنُ ، بِأَنَّكَ أَنتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلَا أَنتَ وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ ، وَ أَنَّ مُحَمَّدا عَبدُكَ وَ رَسولُكَ صلى الله عليه و آله ، وَ أَنَّ عَليَّا أَميرُ المُؤمِنينَ سَيِّدُ الأَوصياءِ ، وَ وارِثِ عِلمِ الأَنبياءِ ، عِلمُ الدِّينِ ، وَ مُبيرُ المُشرِكينِ ، وَ مُمَيِّزُ المُنافِقينَ ، وَ مُجاهِدُ المارِقينَ ، وَ إِمامي ، وَ حُجَّتي ، وَ عُروَتي ، وَ صِراطي ، وَ دَليلي ، وَ مَحَجَّتي ، وَ مَن لا أَثِقُ بِأَعمالي وَ لَو زَكَت ، وَلا أَراها مُنجيَةٌ لي وَ لَو صَلَحَت ، إِلّا بِوَلايَتِهِ وَ الاِئتِمامِ بِهِ وَ الإِقرارِ بِفَضائِلِهِ ، وَ القَبولِ مِن حَمَلَتِها ، وَ التَّسليمِ لِرواتِها . وَ أُقِرُّ بِأَوصيائِهِ مِن أَبنائِهِ أَئِمَّةً وَ حُجَجا وَ أَدِلَّةً وَ سُرُجا وَ أَعلاما وَ مَنارا وَ أَبرارا . وَ أُؤمِنُ بِسِرِّهِم وَ جَهرِهِم وَ ظاهِرِهِم وَ باطِنِهِم ، وَ شاهِدِهِم وَ غائِبِهِم ، وَ حيِّهِم وَ ميِّتِهِم ، لا شَكَّ في ذلِكَ وَ لا ارتيابَ ، عِندَ تَحَوُّلِكَ وَ لا انقِلابَ . اللَّهُمَّ فادعُني يَومَ حَشري وَ نَشري بِ_إِمامَتِهِم ، وَ أَنقِذني بِهِم يا مَولايَ مِن حَرِّ النِّيرانِ ، وَ إِن لَم تَرزُقَني روحَ الجِنانِ ، فَإِنَّكَ إِن أَعتَقتَني مِنَ النَّارِ كُنتُ مِنَ الفائِزينَ . اللَّهُمَّ وَ قَد أَصبَحتُ يَوميَ هذا ، لا ثِقَةَ لي وَ لا رَجاءَ ، وَ لا لَجأ وَ لا مَفزَعَ وَ لا مَنجى ، غَيرَ مَن تَوَسَّلتُ بِهِم إِلَيكَ ، مُتَقَرِّبا إِلى رَسولِكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ عَليٍّ أَميرِ المُؤمِنينَ ، وَ الزَّهراءِ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ ، وَ الحَسَنِ ، وَ الحُسَينِ ، وَ عَليٍّ وَ مُحَمَّدٍ ، وَ جَعفَرٍ ، وَ موسى ، وَ عَليٍّ ، وَ مُحَمَّدٍ ، وَ عَليٍّ ، وَ الحَسَنِ ، وَ مِن بَعدِهِم يَقيمُ المَحَجَّةِ إِلى الحُجَّةِ المَستورَةِ مِن وُلدِهِ ، المَرجو لِلأُمَّةِ مِن بَعدِهِ . اللَّهُمَّ فَاجعَلهُم في هذا اليَومِ وَ ما بَعدَهُ حِصني مِنَ المَكارِهِ ، وَ مَعقِلي مِنَ المَخاوِفِ ، وَنَجِّني

.

ص: 241

( 155 ) كتابه عليه السلام إلى الحسين في الكرب والهمّ والحزن

بِهِم مِن كُلِّ عَدوٍّ وَ طاغٍ وَ باغٍ وَ فاسِقٍ ، وَ مِن شَرِّ ما أَعرِفُ وَ ما أُنكِرُ ، وَ ما استَتَرَ عَنِّي وَ ما أُبصِرُ ، وَ مِن شَرِّ كُلِّ دابَّةٍ رَبِّي آخِذٌ بِناصِيَتِها ، إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُستَقيمِ . اللَّهُمَّ بِتَوَسُّلي بِهِم إِلَيكَ وَ تَقَرُّبي بِمَحَبَّتِهِم ، وَ تَحَصُّني بِإِمامَتِهِم ، افتَح عَلَيَّ في هذا اليَومِ أَبوابَ رِزقِكَ ، وَ انشُر عَلَيَّ رَحمَتَكَ ، وَ حَبِّبني إِلى خَلقِكَ ، وَ جَنِّبني بُغضَهُم وَ عَداوَتَهُم ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٍ . اللَّهُمَّ وَ لِكُلِّ مُتَوَسِّلٍ ثَوابٌ ، وَ لِكُلِّ ذي شَفاعَةٍ حَقٌّ ، فَأَسأَلُكَ بِمَن جَعَلتَهُ وَسيلَتي إِلَيكَ ، وَ قَدَّمتَهُ أَمامَ طَلِبَتي ، أَن تُعَرِّفَني بَرَكَةَ يَومي هذا ، وَ شَهري هذا ، وَ عامي هذا . اللَّهُمَّ وَ هُم مَفزَعي وَ مَعونَتي في شِدَّتي وَ رَخائي ، وَ عافيَتي وَ بَلائي ، وَ نَومي وَ يَقظَتي ، وَ ظَعني وَ إِقامَتي ، وَ عُسري وَ يُسري ، وَ عَلانيَتي وَ سِرِّي ، وَ إِصباحي وَ إِمسائي ، وَ تَقَلُّبي وَ مَثواي ، وَ سِرِّي وَ جَهري . اللَّهُمَّ فَلا تُخَيِّبني بِهِم مِن نائِلِكَ ، وَ لا تَقطَع رَجائي مِن رَحمَتِكَ ، وَ لا تُؤيسني مِن رَوحِكَ ، وَ لا تَبتَلِني بِانغِلاقِ أَبوابِ الأَرزاقِ ، وَ انسِدادِ مَسالِكِها ، وَ ارتياحِ مَذاهِبِها ، وَ افتَح لي مِن لَدُنكَ فَتحَا يَسيرا ، وَ اجعَل لي مِن كُلِّ ضَنَكٍ مَخرَجا ، وَ إِلى كُلِّ سَعَةٍ مَنهَجا ، إِنَّكَ أَرحمُ الرَّاحِمينَ ، وَ صَلَّى اللّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ ، آمينَ رَبَّ العالَمينَ . (1)

155كتابه عليه السلام إلى الحسينفي الكرب والهمّ والحزنمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين (2) قال : سألتُ أبا الحسن عليه السلام دعاءً و أنا خلفه ، فقال :اللَّهُمَّ إنِّي أسأَلُكَ بِوَجهِكَ الكَريمِ ، وَ اسمِكَ العَظيمِ ، وَ بِعِزَّتِكَ الَّتي لا تُرَامُ ، وَ بِقُدرَتِكَ

.


1- .مهج الدّعوات : ص 303 ، بحار الأنوار : ج94 ص347 ح4 .
2- .الظاهر أنّ المراد به هو الحسين بن سعيد (راجع : ص 110 الرقم 52) .

ص: 242

( 156 ) كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن يقطين في سحر شهر رمضان

الَّتي لا يَمتَنِعُ مِنها شيءٌ ، أَن تَفعَلَ بي كَذا وَ كَذا . قال : و كتب إليَّ رقعةً بخطّه : قُل : يا مَن عَلا فَقَهَرَ ، وَ بَطَنَ فَخَبَرَ ، يا مَن مَلَكَ فَقَدَرَ ، وَ يا مَن يُحيِي المَوتى وَ هوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ افعَل بي كَذا وَ كَذا . ثُمَّ قُل : يا لا إِله إِلَا اللّهُ ارحَمنِي ، بِحَقِّ لا إِله إِلَا اللّهُ ارحَمنِي . و كتب إليَّ في رقعة أُخرى ، يأمرني أن أقول : اللَّهُمَّ ادفَع عَنِّي بِحَولِكَ وَ قُوَّتِكَ ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسأَلُكَ في يَومي هذا وَ شهري هذا وَ عامي هذا برَكَاتِكَ فيها ، وَ ما يَنزِلُ فيها مِن عُقوبَةٍ أَو مَكروهٍ أَو بَلاءٍ فاصرِفهُ عَنِّي وَ عَن وُلدِي ، بِحَولِكَ وَ قُوَّتِكَ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِن زَوَالِ نِعمَتِكَ و تَحوِيلِ عَافِيَتكَ ، و مِن فَجأَةِ نَقِمَتِك ، وَ مِن شَرِّ كِتابٍ قَد سَبَقَ ، اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِك مِن شَرِّ نَفسِي و مِن شَرِّ كُلِّ دابَّةٍ أَنتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِها ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، وَ إِنَّ اللّهَ قَد أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلما ، وَ أَحصى كُلَّ شَيءٍ عَدَدا . (1)

156كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن يقطينفي سحر شهر رمضانفي إقبال الأعمال : رويناه بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي ، بإسناده إلى عليّ بن الحسن بن فضّال من كتاب الصّيام ، و رواه أيضا ابن أبي قرّة في كتابه و اللّفظ واحد ، فقالا معا : عن أيّوب بن يقطين (2) ، أنّه كتب إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام يسأله أن يصحّح له هذا الدّعاء . فكتب إليه :

.


1- .الكافي : ج2 ص561 ح19.
2- .لم نجده بهذا العنوان في التّراجم ، و لم نجده في غير هذا السند أيضا ، و الظاهر وقوع التّصحيف في العنوان ، لعلّ المراد به هو أيّوب بن نوح ، و ذلك لورود رواية عليّ بن الحسن بن فضّال عنه كما في تهذيب الأحكام ( ج4 ص228 و ج9 ص282 ) و غيره .

ص: 243

نَعَم ، وَ هوَ دُعاءُ أَبي جَعفَرٍ عليه السلام بِالأَسحارِ في شَهرِ رَمَضانَ . قالَ أَبي : قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : لَو يَعلَمُ النّاسُ مِن عِظَمِ هذا المَسائِلِ عِندَ اللّهِ ، وَ سُرعَةِ إِجابَتِهِ لِصاحِبِها ، لاقتَتَلوا عَلَيهِ وَ لَو بِالسُّيوفِ ، وَ اللّهُ يَختَصُّ بِرَحمَتِهِ مَن يَشاءُ . وَ قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : لَو حَلَفتُ لَبَرَرتُ أَنَّ اسمَ اللّهِ الأَعظَمِ قَد دَخَلَ فيها ، فَإِذا دَعَوتُهُم فاجتَهَدوا في الدُّعاءِ فَإِنَّه مِن مَكنونِ العِلمِ ، وَ اكتُموهُ إِلَا مِن أَهلِهِ ، وَ لَيسَ مِن أَهلِهِ المُنافِقونَ وَ المُكَذِّبونَ وَ الجاحِدونَ وَ هوَ دُعاءُ المُباهَلَة ، تَقولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن بَهائِكَ بِأَبهاهُ وَ كُلُّ بَهائِكَ بَهِيٌّ ، اللَّهُمَّ إِنَّي أَسأَلُكَ بِبَهائِكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن جَمالِكَ بِأَجمَلِهِ وَ كُلُّ جَمالِكَ جَميلٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِجَمالِكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن جَلالِكَ بِأَجَلِّهِ وَ كُلُّ جَلالِكَ جَليلٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِجَلالِكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن عَظَمَتِكَ بِأَعظَمِها وَ كُلُّ عَظَمَتِكَ عَظيمَةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِعَظَمَتِكَ كُلِّها . اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن نُورِكَ بِأَنوَرِهِ وَ كُلُّ نُورِكَ نَيِّرٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِنُورِكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن رَحمَتِكَ بِأَوسَعِها وَ كُلُّ رَحمَتِكَ واسِعَةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِرَحمَتِكَ كُلِّها ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن كَلِماتِكَ بِأَتَمِّها وَ كُلُّ كَلِماتِكَ تامَّةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِكَلِماتِكَ كُلِّها ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن كَمالِكَ بِأَكمَلِهِ وَ كُلُّ كَمالِكَ كامِلٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِكَمالِكَ كُلِّه . اللَّهُمَّ إنِّي أَسأَلُكَ مِن أَسمائِكَ بِأَكبَرِها وَ كُلُّ أَسمائِكَ كَبيرَةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِأَسمائِكَ كُلِّها ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن عِزَّتِكَ بِأَعَزِّها وَ كُلُّ عِزَّتِكَ عَزيزَةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِعِزَّتِكَ كُلِّها ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن مَشيَّتِكَ بِأَمضاها وَ كُلُّ مَشيَّتِكَ ماضيَةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِمَشيَّتِكَ كُلِّها ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن قُدرَتِكَ بِالقُدرَةِ الَّتي استَطَلتَ بِها عَلَى كُلِّ شَيءٍ ، وَ كُلُّ قُدرَتِكَ مُستَطيلَةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِقُدرَتِكَ كُلِّها . اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن عِلمِكَ بِأَنفَذِهِ وَ كُلُّ عِلمِكِ نافِذٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِعلِمِكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن قَولِكَ بِأَرضاهُ وَ كُلُّ قَولِكَ رَضيٌّ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِقَولِكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن مَسائِلِكَ بِأَحَبِّها إِلَيكَ وَ كُلُّ مَسائِلِكَ إِلَيكَ حَبيبَةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِمَسائِلِكَ كُلِّها . اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن شَرَفِكَ بِأَشرَفِهِ وَ كُلُّ شَرَفِكَ شَريفٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِشَرَفِكَ كُلِّهِ ،

.

ص: 244

( 157 ) كتابه عليه السلام إلى داوود بن كثير الرّقّي في النجاة من الحبس

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن سُلطانِكَ بِأَدوَمِهِ وَ كُلُّ سُلطانِكَ دائِمٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِسُلطانِكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن مُلكِكَ بِأَفخَرِهِ وَ كُلُّ مُلكِكَ فاخِرٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِمُلكِكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن عُلوِّكَ بِأَعلاه وَ كُلُّ عُلوِّكَ عالٍ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِعُلوِّكَ كُلِّهِ . اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن مَنِّكَ بِأَقدَمِهِ وَ كُلُّ مَنّكَ قَديمٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِمَنِّكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن آياتِكَ بِأَكرَمِها وَ كُلُّ آياتِكَ كَريمَةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِآياتِكَ كُلِّها ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِما أَنتَ فيهِ مِنَ الشَّأنِ وَ الجَبَروتِ ، وَ أَسأَلُكَ بِكُلِّ شَأنٍ وَحدَهُ وَ جَبَروتٍ وَحدها ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِما تُجيبُني بِهِ حينَ أَسأَلُكَ ، فَأَجِبني يا اللّهَ . وَ افعَل بي كَذا وَ كَذا . وَ تَذكُرُ حاجَتَكَ ، فَإِنَّها تُعطاها إِن شاءَ اللّهُ تَعالى . (1)

157كتابه عليه السلام إلى داوود بن كثير الرّقّيفي النجاة من الحبسالحسين بن يسار قال : قرأت كتابه إلى داوود بن كثير الرّقّي 2 _ وهو محبوس و كتب إليه يسأله الدّعاء _ فكتب :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، عافانا اللّهُ وَ إِيَّاكَ بِأَحسَنِ عافيَةٍ في الدُّنيا وَ الآخِرَةِ بِرَحمَتِهِ ،

.


1- .إقبال الأعمال : ج1 ص175 ، بحار الأنوار : ج98 ص93 .

ص: 245

( 158 ) رقعة من جيبه عليه السلام في الحرز من الشّيطان و السّلطان

كَتَبتُ إِلَيكَ وَ ما بِنا مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ، لَهُ الحَمدُ لا شَريكَ لَهُ . وَصَلَ إِليَّ كِتابُكَ . يا أَبا سَلمانَ ، وَ لَعَمري لَقَد قُمتَ مِن حاجَتِكَ ما لَو كُنتَ حاضِرا لَقَصُرتَ ، فَثِق بِاللّهِ العَظيمِ الّذي بِهِ يُوثَقُ ، وَ لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ ، وَ نَسألُ اللّهُ بِمَنِّهِ وَ فَضلِهِ وَ طَولِهِ . . . (1) يُحيي المَوتى وَ هوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٍ ، وَ صَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، يا اللّهُ بِحَقِّ لا إِلهَ إِلَا اللّهُ ، ارحَمني بِحَقِّ لا إِلهَ إِلَا اللّهُ . (2)

158رقعة من جيبه عليه السلامفي الحرز من الشّيطان و السّلطانمحمّد بن موسى المتوكّل رضى الله عنه ، قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ياسر الخادم (3) ، قال : لمّا نزل أبو الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام قصر حميد بن قحطبة ، نزع ثيابه و ناولها حميدا ، فاحتملها و ناولها جارية له لتغسلها ، فما لبثت أن جاءت و معها رقعة فناولتها حميدا و قالت : وجدتها في جيب أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام ، فقلت : جُعلت فداك ، إنّ الجارية وجدت رقعة في جيب قميصك فما هي ؟ قال : يا حَميدُ ، هذِهِ عُوذَةٌ لا نُفارِقُها . فقلت : لو شرّفتني بها. قال عليه السلام : هذِهِ عُوذَةٌ مَن أَمسَكَها في جَيبِهِ كانَ مَدفوعا ، وَ كانَت لَهُ حِرزا مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ وَ مِنَ السُّلطانِ . ثمّ أملى على حميد العوذة ، و هي :

.


1- .ورد بياض في النّسخ.
2- .قرب الإسناد : ص394 ح1384 ، راجع : بحار الأنوار : ج100 ص269 ح12 .
3- .راجع : ص 261 الرقم 181 الهامش .

ص: 246

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، باسمِ اللّهِ ، إِنَّي أَعوذُ بِالرَّحمن مِنكَ إِن كُنتَ تَقَيّا أَو غَيرَ تَقيٍّ ، أَخَذتُ بِاللّهِ السَّميعِ البَصيرِ عَلى سَمعِكَ وَ بَصَرِكَ ، لا سُلطانَ لَكَ عَلَيَّ ، وَ لا عَلى سَمعي ، وَ لا بَصَري ، وَ لا شَعري ، وَ لا عَلى بَشَري ، وَ لا عَلى لَحمي ، وَ لا عَلى دَمي ، وَ لا عَلى مُخِّي ، وَ لا عَلى عَصَبي ، وَ لا عَلى عِظامي ، وَ لا عَلى أَهلي ، وَ لا عَلى مالي ، وَ لا عَلى ما رَزَقَني رَبِّي . سَتَرتُ بَيني وَ بَينَكَ بِسِترَةِ النُّبوَّةِ ، الّذي استَتَرَ بِهِ أَنبياءُ اللّهِ مِن سُلطانِ الفَراعِنَةِ ، جَبرَئيلُ عَن يَميني ، وَ ميكائيلُ عَن يَساري ، وَ إِسرافيلُ مِن وَرائي ، وَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله أَمامي ، وَ اللّهُ مُطَّلِعٌ عَلى ما يَمنَعُكَ وَ يَمنَعُ الشَّيطانَ مِنِّي . اللَّهُمَّ لا يَغلِبُ جَهلُهُ أَناتَكَ أَن يَستَفِزَّني وَ يَستَخِفَّني ، اللَّهُمَّ إِلَيكَ التجأتُ ، اللَّهُمَّ إِلَيكَ التَجأتُ ، اللَّهُمَّ إِلَيكَ التَجأتُ . (1) و في مهج الدّعوات بعد نقل قول ياسر الخادم ، قال : قلت : و لهذا الحرز قصّة مونقة و حكاية عجيبة كما رواه أبو الصّلت الهرويّ ، قال : كان مولاي عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام ذات يوم جالسا في منزله إذ دخل عليه رسول المأمون فقال : أجب أمير المؤمنين . فقام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام فقال لي : يا أَبا الصَّلتِ ، إِنَّه لا يَدعوني في هذا الوَقتِ إِلّا لِداهيَةٍ ، وَ اللّهُ لا يُمكِنُهُ أَن يَعمَلَ بي شَيئا أكرَهُهُ لِكَلِماتٍ وَقَعَت إِليَّ مِن جَدِّي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قال : فخرجت معه حتّى دخلنا على المأمون ، فلمّا نظر به الرّضا عليه السلام قرأ هذا الحرز إلى آخره ، فلمّا وقف بين يديه نظر إليه المأمون و قال : يا أبا الحسن ، قد أمرنا لك بمئة ألف درهم ، و اكتب حوائج أهلك . فلمّا ولّى عنه عليّ بن موسى بن جعفر عليه السلام و مأمون ينظر إليه في قفاه و يقول : أردت و أراد اللّه و ما أراد اللّه خيرا . (2)

.


1- .عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص137 ح3 ، بحار الأنوار : ج94 ص192 ح1 .
2- .مهج الدّعوات : ص50 ، بحار الأنوار : ج94 ص343 ح1 .

ص: 247

( 159 ) دعاء عنه عليه السلام في الحرز في رقعة الجيب برواية أُخرى

159دعاء عنه عليه السلام في الحرزفي رقعة الجيب برواية أُخرىفي مهج الدّعوات : حدّثني السّيد الإمام أبو البركات محمّد بن إسماعيل الحسينيّ المشهديّ قال : حدّثني المفيد أبو الوفاء عبد الجبّار بن عبداللّه المقري ، قال : حدّثنا الشّيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي ، و أخبرني الشّيخ الفقيه أبو القاسم الحسن بن عليّ بن محمّد الجويني رحمه الله ، و أخبرني الشّيخ أبو عبداللّه الحسن بن أحمد بن محمّد بن طحال المقداديّ _ قدّس اللّه روحه _ ، و أخبرني الشّيخ أبو عليّ بن محمّد بن الحسن الطوسي ، قال : حدّثنا والدي رحمه الله ، و أخبرني شيخي و جدّي ، قال : والدي الفقيه أبو الحسن ، قال : حدّثنا الشّيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، قال : حدّثنا عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، قال : حدّثنا الحسن بن عليّ بن فضّال (1) ، قال : حدّثنا محمّد بن أرومة ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر (2) ، عن الرّضا عليه السلام أنّه قال :رُقعَةُ الجَيبِ عُوذَةٌ لِكُلِّ شَيءٍ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، بِاسمِ اللّه « اخْسَ_ئواْ فِيهَا وَ لَا تُكَلِّمُونِ » « إِنِّى أَعُوذُ بِالرَّحْمَ_نِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا » ، أَخذتُ بِسَمعِ اللّهِ وَ بَصَرِهِ عَلى أَسماعِكُم وَ أبصارِكُم ، وَ بِقُوّةِ اللّهِ عَلى قُوَّتِكُم ، لا سُلطانَ لَكُم عَلى فُلانِ بنِ فُلانَةَ ، وَ لا عَلى ذُرِّيَّتِهِ ، وَ لا عَلى أَهلِهِ ، وَ لا عَلى أَهلِ بَيتِهِ ، سَتَرتُ بَيني وَ بَينَكُم بِسِترِ النُّبُوَّةِ الّذي استَتَروا بِهِ مِن سَطَواتِ الجَبابِرَةِ وَ الفَراعِنَةِ ، جَبرَئيلُ عَن أَيمانِكُم ، وَ ميكائيلُ عَن يَسارِكُم ، وَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله أَمامَكُم ، وَ اللّهُ يَطَّلِعُ عَلَيكُم بِمَنعِهِ نَبيَّ اللّهِ وَ بِمَنعِ ذُرِّيَّتَهُ وَ أَهلَ بَيتِهِ مِنكُم وَ مِنَ الشَّياطينَ ، ما شاءَ اللّهُ لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ العَليِّ العَظيمِ . اللَّهُمَّ إِنَّهُ لا يَبلُغُ جَهلُهُ أَناتَكَ وَ لا يَبتَليَهُ ، وَ لا يَبلُ مَجهُودُ نَفسِهِ ، عَلَيكَ تَوَكَّلتُ وَ أَنتَ

.


1- .راجع : ص 123 الرقم 70 .
2- .راجع : ص 27 الرقم 6 .

ص: 248

( 160 ) كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ الوشّاء في رقعة الحُمّى

نِعمَ المَولى وَ نِعمَ النَّصيرِ ، حَرَسَكَ اللّهُ يا فُلانَ ابنَ فُلانَةَ وَ ذُرِّيَّتَكَ مِمَّا تَخافُ عَلى أَحدٍ مِن خَلقِهِ ، وَ صَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ . وَ يَكتُبُ آيةَ الكُرسيِّ عَلى التَّنزيلِ : « اللَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِى السَّمَ_وَ تِ وَمَا فِى الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَىْ ءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَا بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَ_ئودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ » (1) . و يَكتُبُ : لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ العَليِ العَظيمِ ، لا مَلجَأ مِنَ اللّهِ إِلَا إِلَيهِ ، وَ حَسبيَ اللّهُ وَ نِعمَ الوَكيلِ . وَ أَسلَمَ في رَأسِ الشَّهباءِ فيها طَأَلسَلسَبيلا . وَ يَكتُبُ : وَ صَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ . (2)

160كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ الوشّاءفي رقعة الحُمّىالحسن بن عليّ الوشّاء (3) عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام ، قال : قال لي : ما لي أَراكَ مُصفَرَّا ؟ فقلت : هذا الحُمّى الرِّبعُ قد ألحّت عليَّ . قال : فدعا بدواة و قرطاس ثمّ كتب :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، أَبجَد هَوَّز حُطِّي عَن فُلانِ بنِ فُلانَةَ . ثمّ دعا بخَيط فاُتي بخيط مَبلول فقال : ائتِني بِخَيطٍ لَم يَمَسَّهُ الماءُ . فأُتي بخيط يابس فشدّ وسطه ، و عَقَد على الجانب الأيمن أربعة و عقَد على الأيسر ثلاث عُقَد ، و قرأ على كلّ عقدة الحمد والمعوّذتين و آية الكرسي ، ثمّ دفعه إليّ و قال : شُدَّهُ عَلى

.


1- .البقرة : 255 .
2- .مهج الدعوات : ص 51 ، بحار الأنوار : ج 91 ص 344 ح 1 .
3- .راجع : ص 142 الرقم 100 .

ص: 249

( 161 ) كتابه عليه السلام إلى سليم مولى عليّ بن يقطين في علاج رمد العين

عَضُدِكَ الأَيمَنِ ، وَ لا تَشُدَّهُ عَلى الأَيسَرِ . (1)

161كتابه عليه السلام إلى سليم مولى عليّ بن يقطينفي علاج رمد العينعليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سليم (2) مولى عليّ بن يقطين 3 ، أنّه كان يلقى من رمد عينيه أذىً ، قال : فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام ابتداءً من عنده :ما يَمنَعُكَ مِن كُحلِ أَبي جَعفَرٍ عليه السلام جُزءُ كافورٍ رَباحيٍّ وَ جُزءُ صَبِرٍ أُصقوطرَى ، يُدَقَّانِ جَميعا وَ يُنخَلانِ بِحَريرَةٍ ، يُكتَحَلُ مِنهُ مِثلَ ما يُكتَحَلُ مِنَ الإِثمِدِ ، الكَحلَةُ في الشَّهرِ تَحدُرُ كُلَّ داءٍ في الرَّأسِ وَ تُخرِجُهُ مِنَ البَدَنِ .

.


1- .الاختصاص : ص18 ، بحار الأنوار : ج95 ص21 ح5 .
2- .سليم مولى عليّ بن يقطين : روى عن أبي الحسن عليه السلام وروى ابن أبي عمير في روضة الكافي (ج8 ص383 ح583) . و ورد في بعض الرّوايات بعنوان « أسلم مولى عليّ بن يقطين » ( تهذيب الأحكام : ج1 ص377 ح1164 ) .

ص: 250

( 162 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن يقطين في علاج الصّداع وبرد الرّأس
( 163 ) كتابه عليه السلام إلى موسى بن عمر بن بزيع في طلب الولد
اشاره

قال : فكان يكتحل به ، فما اشتكى عينيه حتّى مات . (1)

162كتابه عليه السلام إلى عليّ بن يقطينفي علاج الصّداع وبرد الرّأسعليّ بن الحسن الحنّاط (2) قال : حدّثنا عليّ بن يقطين ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام (3) : أنّي أجد بردا شديدا في رأسي ، حتّى إذا هبّت عليّ الرّياح كدت أن يغشى عليَّ . فكتب لي :عَلَيكَ بِسُعوطِ العَنبَرِ وَ الزَّنبَقِ بَعدَ الطَّعامِ ، تُعافى مِنهُ بِإِذنِ اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ. (4)

163كتابه عليه السلام إلى موسى بن عمر بن بزيعفي طلب الولدأحمد بن الهارون الفامي رحمه الله قال : حدّثنا محمّد بن جعفر بن بطّة ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن موسى بن عمر بن بزيع (5) ، قال : كان عندي جاريتان حاملتان ، فكتبت إلى الرّضا عليه السلام أعلمه ذلك

.


1- .الكافي : ج8 ص383 ح583 ، بحار الأنوار : ج62 ص150 ح23 .
2- .لم نجده بهذا العنوان في التّراجم.
3- .بناء على كون وفاة عليّ بن يقطين في حياة موسى بن جعفر عليه السلام ، فمكاتبته مع الإمام الرّضا عليه السلام محلّ إشكال ، مع أنّه لم نجد روايته عنه عليه السلام غير هذا .
4- .طبّ الأئمّة عليهم السلام : ص87 ، بحار الأنوار : ج62 ص143 ح3 ( الفصول المهمة في اُصول الأئمة : ج 3 ص 196 ) .
5- .موسى بن عمر بن بزيع ، مولى المنصور ، ثقة ، كوفيّ ، له كتاب ، وكان من أصحاب أبي جعفر الثّاني وأبي الحسن الثّالث عليهماالسلام ( راجع : رجال النجاشي : ج2 ص409 الرقم1090 ، الفهرست للطوسي : ص 244 الرقم 727 ، رجال الطوسي : ص 378 الرقم 5598 والرقم 5769 ، رجال البرقي : ص57 و58 ) .

ص: 251

تتميم في طلب الولد
في البواسير

و أسأله أن يدعو اللّه تعالى أن يجعل ما في بطونهما ذكرين ، و أن يهب لي ذلك . قال : فوقّع عليه السلام :أَفعَلُ إِن شاءَ اللّهُ تَعالى . ثمّ ابتدأني عليه السلام بكتاب مفرد نسخته : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، عافانا اللّهُ وَ إِيَّاكَ بِأَحسَنِ عافيَةٍ في الدُّنيا وَ الآخِرَةِ بِرَحمَتِهِ ، الأُمورُ بِيَدِ اللّهِ عز و جل يَمضي فيها مَقاديرَهُ عَلى ما يُحِبُّ ، يولَدُ لَكَ غُلامٌ وَ جاريَةٌ إِن شاءَ اللّهُ تَعالى ، فَسَمِّ الغُلامَ مُحَمَّدا وَ الجاريَةَ فاطِمَةَ عَلى بَرَكَةِ اللّهِ تَعالى . قال : فولد لي غلام و جارية على ما قاله عليه السلام . (1)

تتميم في طلب الولدأبو عبد اللّه محمّد بن محمّد قال : حدّثنا أبو الطّيب الحسن بن عليّ النّحوي ، قال : حدّثنا محمّد بن القاسم الأنباريّ ، قال : حدّثني أبو نصر محمّد بن أحمد الطّائيّ ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد الصّيمريّ (2) الكاتب ، قال : تزوّجت ابنة جعفر بن محمود الكاتب و أحببتها حبّا لم يحبّ أحد مثله ، و أبطأ عليّ الولد ، فصرت إلى أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام فذكرت ذلك له ، فتبسّم و قال :اتَّخِذ خاتَما فَصُّهُ فَيروزَجٌ ، وَ اكتُب عَلَيهِ : « رَبِّ لَا تَذَرْنِى فَرْدًا وَ أَنتَ خَيْرُ الْوَ رِثِينَ » (3) . قال : ففعلت ذلك ، فما أتى عليّ حول حتّى رزقت منها ولدا ذكرا. (4)

في البواسيرفي بحار الأنوار :روي عن الرّضا عليه السلام أنّه شكا إليه رجل البواسير . فقال :

.


1- .عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص218 ح30 ، بحار الأنوار : ج100 ص38 ح23 .
2- .عليّ بن محمّد بن زياد الصّيمريّ ، كان من أصحاب أبي الحسن الثّالث والعسكري عليهماالسلام ( راجع : رجال الطوسي : ص389الرقم5729 و ص400 الرقم 5858 ، رجال البرقي : ص138 الرقم1603 و ص143 الرقم 1672 ) .
3- .الأنبياء : 89 .
4- .الأمالي للطوسي : ص48 ح62 ، بحار الأنوار : ج95 ص343 ح1 و ج104 ص78 ح3 .

ص: 252

في التطيّب بالمسك

اُكتُب يس بِالعَسَلِ وَ اشرَبهُ . (1)

في التطيّب بالمسكمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى (2) ، عن معمّر بن خلّاد (3) ، قال : أمرني أبو الحسن الرّضا عليه السلام فعملت له دهنا فيه مسك و عنبر ، فأمرني أن أكتب في قرطاس آية الكرسي ، و أُمّ الكتاب و المعوّذتين و قوارع من القرآن ، و أجعله بين الغِلاف و القارورة ، ففعلت ثمّ أتيته فتغلّف به و أنا أنظر إليه. (4)

.


1- .بحار الأنوار : ج95 ص82 ح2 ، ولكن في مكارم الأخلاق : روي عن الإمام الصّادق عليه السلام ( ج2 ص224 ح2544 ) .
2- .راجع : ص 130 الرقم 79 .
3- .معمّر بن خلّاد بن أبي خلّاد ، بغداديّ ، ثقة . له كتاب ، و روى عن الرّضا عليه السلام ( راجع : رجال النجاشي : ج2 ص73 الرقم1129 ، رجال الطوسي : ص 366 الرقم5433 ) .
4- .الكافي : ج6 ص516 ح2 ، بحار الأنوار : ج49 ص103 ح26 ، وسائل الشيعة : ج2 ص151 ح1778 .

ص: 253

الفصل السابع : في المواعظ
اشاره

الفصل السّابع: في المواعظ

.

ص: 254

. .

ص: 255

( 164 ) كتابه عليه السلام إلى الحسين بن سعيد المكفوف في الاستغفار و التّوكّل و . . .

164كتابه عليه السلام إلى الحسين بن سعيد المكفوففي الاستغفار و التّوكّل و . . .الحسين بن سعيد المكفوف (1) ، كتب إليه عليه السلام في كتابٍ له : جُعلت فداك يا سيّدي ، علّم مولاك ما لا يقبل لقائله دعوة ، و ما لا يؤخّر لفاعله دعوة ، وما حدّ الاستغفار الّذي وعد عليه نوح ، و الاستغفار الّذي لا يعذّب قائله ، و كيف يلفظ بهما ، و معنى قوله : « يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ » (2) « وَ مَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ » (3) و قوله : « فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ » (4) و « وَ مَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى » (5) و « إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ » (6) ، و كيف تغيير القوم ما بأنفسهم ؟ فكتب صلوات اللّه عليه :كافأَكُم اللّهُ عَنِّي بِتَضعيفِ الثَّوابِ وَ الجَزاءِ الحَسَنِ الجَميلِ ، وَ عَلَيكُم جَميعا السَّلامُ وَرَحمَةُ اللّهُ وَ بَرَكاتُهُ .

.


1- .لم نجده بهذا العنوان في التّراجم لعله الحسين بن سعيد الأهوازي الذي مرّ ترجمته .
2- .الطلاق : 2.
3- .الطلاق : 3.
4- .طه : 123.
5- .طه : 124.
6- .الرّعد : 11.

ص: 256

( 165 ) تقريره عليه السلام لعليّ بن أسباط في المواعظ و الحكم

الاستِغفارُ أَلفٌ ، وَ التَّوَكُّلُ مَن تَوَكَّلَ عَلى اللّهِ فَهوَ حَسبُهُ ، وَ مَن يَتَّقِ اللّهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجا وَ يَرزُقهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ . وَ أَمَّا قَولُهُ : « فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ » أَي مَن قالَ بِالإِمامَةِ وَ اتَّبَعَ أَمرَهُم بِحُسنِ طاعَتِهِم . وَ أَمَّا التّغيُّرُ فَإِنَّهُ لا يَسيءُ إِلَيهِم حَتَّى يَتَوَلَّوا ذلِكَ بِأَنفُسِهِم بِخَطَاياهُم ، وَ ارتِكابُهُم ما نُهِيَ عَنهُ . و كتب بخطّه . (1)

165تقريره عليه السلام لعليّ بن أسباطفي المواعظ و الحكمالحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد ، عن عليّ بن أسباط 2 ، قال : سمعت أبا الحسن الرّضا عليه السلام يقول :كانَ في الكَنزِ الّذي قالَ اللّهُ عز و جل : « وَ كَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا » (2) كانَ فيهِ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ : عَجِبتُ لِمَن أَيقَنَ بِالمَوتِ كَيفَ يَفرَحُ ؟ وَ عَجِبتُ لِمَن أَيقَنَ بِالقَدَرِ كَيفَ يَحزَنُ ؟ وَ عَجِبتُ لِمَن رَأَى الدُّنيا وَ تَقَلُّبَها بِأَهلِها كَيفَ يَركَنُ إِلَيها ؟ وَ يَنبَغي لِمَن عَقَلَ عَنِ اللّهِ أَلّا يَتَّهِمَ اللّهَ في قَضائِهِ وَ لا يَستَبطِئَهُ في رِزقِهِ .

.


1- .تفسير العيّاشي : ج2 ص206 ح21 ، بحار الأنوار : ج6 ص57 ح6 ، غاية المرام : ج 4 ص 215 .
2- .الكهف : 82 .

ص: 257

( 166 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفضيل في النّفاق والرّياء

فقلت : جُعلت فداك ، اُريد أن أكتبه . قال : فضرب واللّه يده إلى الدّواة ليضعها بين يدي ، فتناولت يده فقبّلتها وأخذت الدّواة فكتبته. (1)

166كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفضيلفي النّفاق والرّياءفي الكافي :محمّد بن يحيى عن الحسين بن إسحاق ، عن عليّ بن مهزيار (2) ، عن محمّد بن عبد الحميد و الحسين بن سعيد (3) جميعا ، عن محمّد بن الفضيل (4) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن مسألة . فكتب إليّ : « إِنَّ الْمُنَ_فِقِينَ يُخَ_دِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَ_دِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلَوةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَا قَلِيلاً * مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَ لِكَ لَا إِلَى هَ_ؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَ_ؤُلَاءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً » (5) لَيسوا مِنَ الكافِرينَ ، وَلَيسوا مِنَ المُؤمِنينَ ، وَلَيسوا مِنَ المُسلِمينَ ، يُظهِرونَ الإِيمانَ وَيَصيرونَ إِلى الكُفرِ وَالتَّكذيبِ ، لَعَنَهُمُ اللّهُ . (6) وفي تفسير العيّاشي : محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام ، قال : كتبت إليه

.


1- .الكافي : ج2 ص59 ح9 ، بحار الأنوار : ج82 ص156 ح14 و راجع : وسائل الشيعة : ج72 ص83 ح33269 .
2- .راجع : ص 131 الرقم 81 .
3- .راجع : ص 110 الرقم 52 .
4- .محمّد بن فضيل ( الفضيل ) بن كثير الصّيرفيّ الأزديّ ، أبو جعفر الأزرق ، كوفيّ ، روى عن أبي الحسن موسى والرّضا عليهماالسلام يرمى بالغلوّ ، له كتاب ومسائل . وضعّفه الشيخ وعدّه من أصحاب الصّادق والكاظم والرّضا عليهم السلام ( راجع : رجال النجاشي : ج2 ص367 الرقم995 ، الفهرست للطوسي : ص 226 الرقم634 ، رجال الطوسي : ص292 الرقم4259 وص 342 الرقم 5124 و5422 وص 365 الرقم 5423 ، رجال البرقي : ص21 و48 و53 ، وراجع : ص 39 الرقم 13 ) .
5- .النساء : 142 و 143.
6- .الكافي : ج2 ص395 ح2.

ص: 258

( 167 ) كتابه عليه السلام إلى بعض الأصحاب في تعيين الكبائر
( 168 ) كتابه عليه السلام إلى ابنه عليه السلام في الإنفاق وصلة الرّحم

أسأله عن مسألة . فكتب إليّ : إنَّ اللّهَ يَقولُ : « إِنَّ الْمُنَ_فِقِينَ يُخَ_دِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَ_دِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلَوةِ » إلى قوله « سَبِيلاً » (1) ، لَيسوا مِن عِترَةِ [رسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ] ، وَ لَيسوا مِنَ المُؤمِنينَ ، وَ لَيسوا مِنَ المُسلِمينَ ، يُظهِرونَ الإِيمانَ وَ يُسِرُّونَ الكُفرَ وَ التَّكذيبَ ، لَعَنَهُمُ اللّهُ . (2)

167كتابه عليه السلام إلى بعض الأصحابفي تعيين الكبائرابن محبوب (3) قال : كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الكبائر ، كم هي وما هي ؟ فكتب :الكَبائِرُ : مَنِ اجتَنَبَ ما وَعَدَ اللّهُ عَلَيهِ النَّارَ ، كَفَّرَ عَنهُ سَيِّئاتِهِ إذا كانَ مُؤمِنا ، وَالسَّبعُ الموجِباتُ : قَتلُ النَّفسِ الحَرامِ ، وَعُقوقُ الوالِدَينِ ، وَأَكلُ الرِّبا ، وَ التَّعَرُّبُ بَعدَ الهِجرَةِ ، وَقَذفُ المُحصَناتِ ، وَأَكلُ مالِ اليَتيمِ ، وَالفِرارُ مِنَ الزَّحفِ . (4)

168كتابه عليه السلام إلى ابنه عليه السلامفي الإنفاق وصلة الرّحممحمّد بن عيسى بن زياد 5 قال : كنت في ديوان ابن عبّاد فرأيت كتابا يُنسخ ،

.


1- .النساء : 142 و 143.
2- .تفسير العيّاشي :ج1 ص282 ح294،الزهد للحسين بن سعيد:ص66 ح176،بحار الأنوار:ج72 ص175 ح1 .
3- .راجع : ص 159 الرقم 130 .
4- .الكافي : ج2 ص276 ح2 ، مشكاة الأنوار : ص155 ، وسائل الشيعة : ج15 ص318 ح20628.

ص: 259

سألت عنه فقالوا : كتاب الرّضا إلى ابنه عليهماالسلام من خراسان . فسألتهم أن يدفعوه إليّ ، فدفعوه إليّ فإذا فيه :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم أَبقاكَ اللّهُ طَويلاً ، وَأَعاذَكَ مِن عَدُوِّكَ يا وَلَدي فَداكَ أَبوكَ ، قَد فَسَّرتُ (1) لَكَ مالي وَأَنَا حَيٌّ سَويٌّ ، رَجاءَ أَن يَمُنَّكَ ( اللّهُ ) بِالصِّلَةِ لِقَرابَتِكَ وَلِمَوالي موسى وَجَعفَرَ رَضيَ اللّهُ عَنهُما . فَأَمَّا سَعيدَةُ فَإِنَّها امرأَةٌ قَويُّ الجَزمِ في النَّحلِ وَالصَّوابِ ، في رِقَّةِ الفِطرِ ، وَلَيسَ ذلِكَ كَذلِكَ ، قالَ اللّهُ : « مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَ_عِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً » (2) وقال : « لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَ مَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ ءَاتَاهُ اللَّهُ » (3) وَقَد أَوسَعَ اللّهُ عَلَيكَ كَثيرا يا بُنَيَ فَداكَ أَبوكَ لا ، يُسَتّر في الأُمورِ بِحَسبِها فَتَحظى حَظَّكَ وَالسَّلامُ . (4)

.


1- .كذا في الأصل و نسخة المصدر ، وأظنّه تصحيف « خيّرت » ، والمعنى فوّضت .
2- .البقرة : 245.
3- .الطلاق : 7.
4- .تفسير العيّاشي : ج1 ص131 ح436.

ص: 260

( 169 ) كتابه عليه السلام إلى أبي جعفر عليه السلام في الإنفاق
( 170 ) كتابه عليه السلام إلى المأمون في الشّيب

169كتابه عليه السلام إلى أبي جعفر عليه السلامفي الإنفاقأحمد بن محمّد بن خالد ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى (1) جميعا ، عن ابن أبي نصر ، قال : قرأت في كتاب أبي الحسن الرّضا إلى أبي جعفر عليهماالسلام :يا أَبا جَعفَرٍ ، بَلَغَني أَنَّ المَواليَ إِذا رَكِبَت أَخرَجوكَ مِنَ البابِ الصَّغيرِ ، فَإِنَّما ذلِكَ مِن بُخلٍ مِنهُم ؛ لِئَلَا يَنالَ مِنكَ أَحَدٌ خَيرا ، وَأَسأَلُكَ بِحَقِّي عَلَيكَ لا يَكُن مَدخَلُكَ وَ مَخرَجُكَ إِلّا مِنَ البابِ الكَبيرِ ، فَإِذا رَكِبتَ فَليَكُن مَعَكَ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ ، ثُمَّ لا يَسأَلُكَ أَحَدٌ شيئا إِلّا أَعطَيتَهُ. وَمَن سَأَلَكَ مِن عُمومَتِكَ أَن تَبَرَّهُ فَلا تُعطِهِ أَقَلَّ مِن خَمسينَ دينارا ، وَالكَثيرُ إِلَيكَ ، وَمَن سَأَلَكَ مِن عَمَّاتِكَ فَلا تُعطِها أَقَلَّ مِن خَمسَةٍ وعِشرينَ دينارا ، وَالكَثيرُ إِلَيكَ ، إِنَّي إِنَّما أُريدُ بِذلِكَ أن يَرفَعَكَ اللّهُ ، فَأَنفِق وَلا تَخشَ مِن ذي العَرشِ إِقتارا . (2)

170كتابه عليه السلام إلى المأمونفي الشّيبأحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ رضى الله عنه قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه ، قال : حدّثني إبراهيم بن محمّد (3) الحسنيّ ، قال : بعث المأمون إلى أبي الحسن

.


1- .راجع : ص 130 الرقم 79 .
2- .الكافي : ج4 ص43 ح5 ، عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج1 ص11 ح20 وفيه «حدّثنا أبي ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد _ رضي اللّه عنهما _ ، قالا : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، قال : قرأت كتاب أبي الحسن الرّضا عليه السلام ...» ، مشكاة الأنوار : ص409 ، بحار الأنوار : ج50 ص102 ح6 ، وسائل الشيعة : ج9 ص463 ح12504 .
3- .راجع : ص 131 الرقم 82 .

ص: 261

( 171 ) كتابه عليه السلام إلى الحسن بن شاذان الواسطيّ في الصّبر في دولة الباطل

الرّضا عليه السلام جارية ، فلمّا أُدخلت إليه اشمأزّت من الشّيب ، فلمّا رأى كراهيتها ردّها إلى المأمون ، وكتب إليه بهذه الأبيات شعرا : نَعى نَفسي إلى نفسي المَشيبُ وَعِندَ الشَّيبِ يَتَّعِظُ اللَّبيبُ فَقَد وَلَّى الشَّبابُ إِلى مَداهُ فَلَستُ أَرى مَواضِعَهُ يَؤُبُ سَأَبكيهِ وَأَندُبُه طَويلاً وَأَدعوهُ إِليَّ عَسى يَجيبُ وَهَيهاتَ الّذي قَد فاتَ عَنِّي تُمَنِّيني بِهِ النَّفسُ الكَذوبُ وَراعَ الغانياتُ بَياضُ رَأسي وَمَن مَدَّ البَقاءُ لَه يَشيبُ أَرى البيضَ الحِسانَ يَجدِفُ عَنِّي وَفي هِجرانِهِنَّ لَنا نَصيبُ فَإِن يَكُن الشَّبابُ مَضى حَبيبا فَإِنَّ الشَّيبُ أَيضا لي حَبيبُ سَأَصحَبهُ بِتَقوى اللّهِ حَتَّى يُفَرِّقُ بَينَنا الأَجَلُ القَريبُ (1)

171كتابه عليه السلام إلى الحسن بن شاذان الواسطيّفي الصّبر في دولة الباطلالحسين بن محمّد و محمّد بن يحيى جميعا ، عن محمّد بن سالم بن أبي سلمة ، عن الحسن بن شاذان الواسطيّ (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام أشكو جَفاء أهل واسط و حملهم عليّ ، و كانت عصابة من العثمانيّة تؤذيني . فوقّع بخطّه :إِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى أَخَذَ ميثاقَ أَوليائِنا عَلى الصَّبرِ في دَولَةِ الباطِلِ « فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ » (3) فَلَو قَد قامَ سَيِّدُ الخَلقِ لَقالوا « قَالُواْ يَ_وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَ_ذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَ_نُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ » (4) . (5)

.


1- .عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص178 ح8 ، بحار الأنوار : ج49 ص164 ح4 .
2- .لم نجده بهذا العنوان في التّراجم ، بل في بعض التّراجم الحسين بن شاذان الواسطيّ .
3- .القلم : 48.
4- .يس : 52 .
5- .الكافي : ج8 ص247 ح346 ، بحار الأنوار : ج53 ص89 ح87 .

ص: 262

( 172 ) كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد في النّهي عن كثرة السؤال
( 173 ) كتابه عليه السلام إلى بكر بن صالح في طلب الولد مع الفقر والغنى والقوّة والضّعف

172كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّدفي النّهي عن كثرة السؤالأحمد بن محمّد (1) قال : كتب إليّ أبو الحسن الرّضا عليه السلام ، و كتب في آخره :أَ و لَم تَنتَهوا عَن كَثرَةِ المَسائِلِ فَأَبَيتُم أَن تَنتَهوا ، إِيَّاكُم وَ ذاكَ ، فَإِنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبلَكُم بِكَثرَةِ سُؤالِهِم ، فَقالَ اللّهُ تَبارَكَ وَ تَعالى : « يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسْ_ئلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ » إلى قوله : « كَ_فِرِينَ » . (2)

173كتابه عليه السلام إلى بكر بن صالحفي طلب الولد مع الفقر والغنى والقوّة و الضّعفبكر بن صالح 3 قال : كتبت إلى أبي الحسن الثّاني عليه السلام : إنّي اجتنبت طلب الولد منذ

.


1- .الظاهر أنّ المراد به هو أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، بقرينة كثرة رواياته عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام ، وهو كان من أصحاب الإجماع ، من أجلّاء الإماميّة ، وقد أدرك وروى عن الثّلاثة من الأئمّة عليهم السلام ( راجع : رجال النجاشي : ج 1 ص 75 الرقم 180 ، رجال الطوسي : ص 332 الرقم 4954 و ص351 الرقم 5196 ، الفهرست للطوسي : ص 60 الرقم 63 ، رجال الكشّي : ج 2 ص 831 الرقم 1050 و ص 852 الرقم 1099 وراجع : ص 38 الرقم11 ).
2- .تفسير العيّاشي : ج1 ص346 ح212 ، بحار الأنوار : ج1 ص221 ح2 .

ص: 263

خمس سنين ، و ذلك أنّ أهلي كرهت ذلك و قالت : إنّه يشتدّ عليّ تربيتهم لقلّة الشّيء ، فما ترى؟ فكتب عليه السلام :اطلُبِ الوَلَدَ ، فَإِنَّ اللّه يَرزُقُهُم . (1)

.


1- .مكارم الأخلاق : ج1 ص480 ح1664 ، بحار الأنوار : ج104 ص84 ح43 ، وسائل الشيعة : ج21 ص360 ح27301 .

ص: 264

. .

ص: 265

اشاره
الفصل الثامن : الواقفة
اشاره

الفصل الثّامن: في الواقفة

.

ص: 266

. .

ص: 267

( 174 ) كتابه عليه السلام إلى يحيى بن المبارك
( 175 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن عبد اللّه

174كتابه عليه السلام إلى يحيى بن المباركخلف بن حامد الكشّي ، قال : أخبرني الحسن بن طلحة المروزيّ ، عن يحيى بن المبارك (1) ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام بمسائل فأجابني _ وكنت ذكرت في آخر الكتاب قول اللّهعز و جل : « مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَ لِكَ لَا إِلَى هَ_ؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَ_ؤُلَاءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً » (2) _ فقال : نَزَلَت في الواقِفَةِ . ووجدت الجواب كلّه بخطّه : لَيسَ هُم مِنَ المُؤمِنينَ وَلا مِنَ المُسلِمينَ ، هُم مَن كَذَّب بِآياتِ اللّهِ ، وَنَحنُ أَشهُرٌ مَعلوماتٌ ، فَلا جِدالَ فينا وَلا رَفَثَ وَلافُسوقَ فينا ، أَنصِب لَهُم مِنَ العَداوَةِ يا يَحيى ما استَطَعتَ . (3)

175كتابه عليه السلام إلى عليّ بن عبد اللّهمحمّد بن مسعود ، ومحمّد بن الحسن البراثي قالا : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن

.


1- .من أصحاب أبي الحسن الرّضا عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 368 الرقم 5479 ، رجال البرقي : ص54 ) .
2- .النساء : 143 .
3- .رجال الكشّي : ج2 ص762 الرقم 880 ، بحار الأنوار : ج48 ص268 .

ص: 268

( 176 ) كتابه عليه السلام في ردّ مذهب الواقفيّة

محمّد بن فارس ، قال : حدّثني أبو جعفر أحمد بن عبدوس الخلنجيّ أو غيره ، عن عليّ بن عبد اللّه الزّبيريّ (1) ، قال :كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الواقفة . فكتب :الواقِفُ عانِدٌ مِنَ الحَقِّ ، وَمُقيمٌ عَلى سَيِّئَةٍ ، إِن ماتَ بِها ، كانَت جَهَنَّمُ مأواهُ وَ بِئسَ المَصيرُ . (2)

176كتابه عليه السلام في ردّ مذهب الواقفيّةحدّثنا أبي و محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه قالا : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن جمهور ، عن أحمد بن حمّاد 3 ، قال : كان أحد القوّام عثمان بن عيسى الرّواسيّ ، و كان يكون بمصر ، و كان عنده مال كثير و ستّ جواري ، قال : فبعث إليه أبو الحسن الرّضا عليه السلام فيهنّ و في المال ، قال : فكتب إليه : إنّ أباك لم يمت . قال : فكتب إليه :إِنَّ أَبي قَد ماتَ ، وَ قَد قَسَّمنا ميراثَهُ ، وَ قَد صَحَّت الأَخبارُ بِمَوتِهِ . واحتجّ عليه فيه . قال : فكتب إليه : إن لم يكن أبوك مات فليس لك مِن ذلك شيء ، و إن كان قد مات على ما تحكي فلم يأمرني بدفع شيء إليك ، و قد أعتقت

.


1- .عليّ بن عبداللّه الزّهريّ : يمكن أن يقال : وقوع التصحيف في عنوان « ابن عبداللّه » بدل « ابن عبيداللّه الزّبيريّ » مصغّرا كما وقع كثيرا في الأسانيد ، وذلك لتشابههما خطّا ، وعدّ الشيخ والبرقيّ « عليّ بن عبيداللّه الزّبيريّ » مصغّرا من أصحاب مولانا الهادي عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص389 الرقم5736 ، رجال البرقي : ص140 الرقم1641 ) . فعلى هذا لعلّ المراد من أبي الحسن في السند المبحوث عنه هو أبي الحسن الثالث عليه السلام أي : عليّ بن محمّد الهادي عليهماالسلام .
2- .رجال الكشّي : ج2 ص755 الرقم 860 .

ص: 269

( 177 ) كتابه عليه السلام إلى حمزة الزّيّات
( 178 ) كتابه عليه السلام إلى الحسين بن مهران في مواعظه عليه السلام له

الجواري و تزوّجتهنّ . (1)

177كتابه عليه السلام إلى حمزة الزّيّاتأيّوب بن نوح عن سعيد العطّار ، عن حمزة الزّيّات (2) ، قال : سمعت حمران بن أعين يقول : قلت لأبي جعفر عليه السلام : أمن شيعتكم أنا؟ قال :إِي وَ اللّهِ في الدُّنيا وَ الآخِرَةِ ، وَ ما أَحَدٌ مِن شيعَتِنا إِلَا وَ هوَ مَكتوبٌ عِندَنا اسمُهُ وَ اسمُ أَبيهِ ، إِلَا مَن يَتَوَلَّى مِنهُم عَنَّا. قال : قلت : جُعلت فداك ، أو من شيعتكم من يتولّى عنكم بعد المعرفة؟ قال : يا حُمرانُ نَعَم ، وَ أَنتَ لا تُدرِكُهُم. قال حمزة : فتناظرنا في هذا الحديث قال : فكتبنا به إلى الرّضا عليه السلام نسأله عمّن استثنى به أبو جعفر عليه السلام . فكتب : هُمُ الواقِفَةُ عَلى موسى بنِ جَعفَرٍ عليهماالسلام . (3)

178كتابه عليه السلام إلى الحسين بن مهرانفي مواعظه عليه السلام لهحمدويه ، قال : حدّثنا الحسن بن موسى ، قال : حدّثنا إسماعيل بن مهران (4) ، عن

.


1- .عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج1 ص113 ح3 ، علل الشرائع : ص236 ح2 ، رجال الكشّي: ج2 ص598 الرقم1120 وفيه «عليّ بن محمّد، قال :حدّثني محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن الحسين ، عن محمّد بن جمهور ، عن أحمد بن محمّد ، قال : أحد القوم عثمان بن عيسى . . . » ، بحار الأنوار : ج48 ص253 ح5 وص252 ح4 .
2- .لم نجده بهذا العنوان في التّراجم ، والموجود هو حمزة بن حبيب الزّيّات الكوفي ، وهو أحد القرّاء السبعة الّذي مات بحلوان سنة 156 ه ، ولا يصحّ مكاتبته للرضا عليه السلام من حيث الطبقة .
3- .رجال الكشّي : ج2 ص762 الرقم 882 ، بحار الأنوار : ج48 ص268 ح28 .
4- .راجع : ص 111 الرقم 55 .

ص: 270

أحمد بن محمّد (1) ، قال : كتب الحسين بن مهران (2) إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام كتابا ، قال : فكان يمشي شاكّا في وقوفه . قال : فكتب إلى أبي الحسن عليه السلام يأمره و ينهاه. فأجابه أبو الحسن عليه السلام بجواب و بعث به إلى أصحابه فنسخوه ، و ردّ إليه لئلّا يستره حسين بن مهران ، و كذلك كان يفعل إذا سُئل عن شيء ، فأحبّ ستر الكتاب ، و هذه نسخة الكتاب الّذي أجابه به :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم عافانا اللّهُ وَ إِيَّاكَ ، جاءَني كِتابُكَ تَذكُرُ فيهِ الرَّجلَ الّذي عَلَيهِ الخيانَةُ ، وَ العَينُ تَقولُ أَخَذتُهُ ، وَتَذكُرُ ما تَلقاني بِهِ وَ تَبعَثُ إِليَّ بِغَيرِهِ ، وَ احتَجَجتَ فيهِ فَأَكثَرتَ ، وَ عِبتَ عَلَيهِ أَمرا وَ أَرَدتَ الدُّخولَ في مِثلِهِ . تَقولُ إِنَّهُ عَمَلَ في أَمري بِعَقلِهِ وَ حيلَتِهِ ، نَظَرا مِنهُ لِنَفسِهِ ، وَ إِرادَةَ أَن تَميلَ إِليهِ قُلوبُ النَّاسِ ، لِيَكونَ الأَمرُ بِيَدِهِ وَ إِليهِ ، يَعمَلُ فيهِ بِرَأيِهِ وَ يَزعُمُ أَنَّي طاوَعتُهُ فيما أَشارَ بِهِ عَلَيَّ ، وَ هذا أَنتَ تَشيرُ عَلَيَّ فيما يَستَقيمُ عِندَكَ في العَقلِ وَ الحيلَةِ بَعدَكَ ، لا يَستَقيمُ الأَمرُ إِلَا بِأَحدِ أَمرَينِ : إِمَّا قَبِلتَ الأَمرَ عَلى ما كانَ يَكونُ عَلَيهِ ، و إمَّا أَعطَيتَ القَومَ ما طَلَبوا وَ قَطَعتَ عَلَيهِم ، وَ إِلَا فَالأَمرُ عِندنا مِعوَجٌ ، وَ النَّاسُ غَيرُ مُسلِّمينَ ما في أَيديهِم مِن مالٍ وَ ذاهِبونَ بِهِ ، فَالأَمُر لَيسَ بِعَقلِكَ وَ لا بِحيلَتِكَ يَكونُ ، وَ لا تَفعَل الّذي تَجيلُهُ بِالرَّأيِ وَ المَشوَرَةِ ، وَلكِنَّ الأَمرَ إِلى اللّهِ عز و جلوَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، يَفعَلُ في خَلقِهِ ما يَشاءُ ، مَن يهدي اللّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَ مَن يُضلِلهُ فَلا هاديَ لَهُ ، وَ لَن تَجِد لَهُ مُرشِدا . فَقُلتَ : وَأَعمَلُ في أَمرِهِم وَ أَحتِلُ فيهِ ، وَ كَيفَ لَكَ الحيلَةُ ، وَ اللّهُ يَقولُ : « وَ أَقْسَمُواْ بِاللَّهِ

.


1- .راجع : ص 250 الرقم 172 .
2- .الحسين بن مهران بن محمّد بن أبي نصر السّكونيّ ، روى عن أبي الحسن موسى و الرّضا عليهماالسلام ، وكان واقفا ، وله مسائل ( راجع : رجال النجاشي : ج 1 ص167 الرقم126 ، رجال الطوسي : ص 355 الرقم5260 ، الفهرست للطوسي : ص 110 الرقم224 ، رجال ابن الغضائري : ص51 الرقم 32 ) .

ص: 271

جَهْدَ أَيْمَ_نِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا » (1) في التَّوراةِ وَ الإِنجيلِ ، إِلى قَولِهِ عز و جل : « وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ » (2) . فَلَو تُجيبُهُم فيما سَألوا عَنهُ استَقاموا وَ سَلَّموا ، وَ قَد كانَ مِنِّي ما أَنكَرتُ وَ أَنكَروا مِن بَعدي ، وَ مُدَّ لي لِقائي ، وَ ما كانَ ذلِكَ مِنِّي إِلَا رَجاءَ الإِصلاحِ ، لِقَولِ أَميرِ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهُ عَلَيهِ : اقتَرِبوا اقتَرِبوا وَسَلوا وَسَلوا ، فإِنَّ العِلمُ يَفيضُ فَيضا ، وَ جَعَلَ يَمسَحُ بَطنَهُ وَيَقولُ : ما مُلِئَ طَعامٌ ، وَ لكِن مَلأََهُ عِلمٌ ، وَ اللّهِ ما آيةٌ نَزَلَت في بَرٍّ وَ لا بَحرٍ وَ لا سَهلٍ وَ لا جَبَلٍ إِلَا أَنا أَعلَمُها و أَعلَمُ فيمَن نَزَلَت . وَ قَولُ أَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : إِلى اللّهِ أَشكو أَهلَ المَدينَةِ إِنَّما أَنا فيهِم كَالشّعرِ أَتَنَقَّلُ ، يُريدونَني عَلى أَلّا أَقولُ الحَقَّ ، وَ اللّهِ لا أَزالُ أَقولُ الحَقَّ حَتَّى أَموتُ ، فَلمَّا قُلتُ حَقّا أُريدُ بِهِ حَقنَ دِمائِكُم ، وَ جَمعَ أَمرِكُم عَلى ما كُنتُم عَلَيهِ ، أَن يَكونَ سِرُّكُم مَكنونا عِندَكُم غَيرُ فاشٍ في غَيرِكُم ، وَ قَد قالَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : سِرَّا أَسَرَّهُ اللّهُ إِلى جَبريلَ ، وَ أَسَرَّهُ جَبريلَ إِلى مُحَمَّدٍ ، وَ أَسَرَّهُ مُحمَّدُ إِلى عَليٍّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم ، وَ أَسرَّهُ عَليٌّ إلى مَن شاءَ . ثُمَّ قالَ : قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : ثُمَّ أَنتُم تُحَدِّثونَ بِهِ في الطَّريقِ ، فَأَردتُ حَيثُ مَضى صاحِبُكُم أَن أَلَفَّ أَمرَكُم عَلَيكُم ، لِئَلَا تُضَيِّعوهُ في غَيرِ مَوضِعِهِ ، وَ لا تَسأَلوا عَنهُ غَيرَ أَهلِهِ فَتَكونوا في مَسأَلتِكُم إِيَّاهُم هَلَكُتُم ، فَكَم دُعيَ إِلى نَفسِهِ وَ لَم يَكُن داخِلُهُ ، ثُمَّ قُلتُم : لابُدَّ إِذا كانَ ذلِكَ مِنهُ يَثبُتُ عَلى ذلِكَ ، وَ لا يَتَحَوَّلَ عَنهُ إِلى غَيرِهِ . قُلتُ : لِأَنَّه كانَ مِنَ التَّقيَّةِ وَ الكَفِّ أَوَّلاً ، وَ أَمَّا إِذا تَكَلَّمَ فَقَد لَزَمَهُ الجَوابُ فيما يَسألُ عَنهُ ، فَصارَ الّذي كُنتُم تَزعَمونَ أَنَّكُم تَذُمُّونَ بِهِ ، فَإِنَّ الأَمرُ مَردودٌ إِلى غَيرِكُم ، وَ إِنَّ الفَرضَ عَلَيكُم اتّباعُهُم فيهِ إِلَيكُم ، فَصَيَّرتُم ما استَقامَ في عُقولِكُم وَ آرائِكُم ، وَ صَحَّ بِهِ القياسُ عِندَكُم بِذلِكَ لازِما ، لِما زَعَمتُم مِن أَلّا يَصُحُّ أَمرُنا ، زَعَمتُم حَتّى يَكونَ ذلِكَ عَلَيَّ لَكُم . فَإِن قُلتُم : إِن لَم يَكُن كَذلِكَ لِصاحِبِكُم فَصارَ الأَمرُ إِن وَقَعَ إِلَيكُم ، نَبَذتُم أَمرَ رَبِّكُم وَراءَ

.


1- .النحل : 38.
2- .الأنعام : 113.

ص: 272

( 179 ) جوابه عليه السلام إلى رجلٍ من الواقفة

ظُهورِكُم ، فَلا أَتَّبِعُ أَهواءَكُم ، قَد ضَلَلتُ إِذا وَ ما أَنا مِنَ المُهتَدينَ ، وَ ما كانَ بَدُّ مِن أَن تَكونوا كَما كانَ مِن قَبلِكُم ، قَد أُخبِرتُم أَنَّها السُّنَنُ وَ الأَمثالُ ، القُذَّةُ بِالقُذَّةِ ، وَ ما كانَ يَكونُ ما طَلَبتُم مِنَ الكَفِّ أَوَّلاً وَ مِنَ الجَوابِ آخِرا ، شَفاءٌ لِصُدورِكُم وَ لا ذِهابَ شَكِّكُم ، وَ ما كانَ مِن أَن يَكونَ ما قَد كانَ مِنكُم ، وَ لا يَذهَبُ عَن قُلوبِكُم حَتَّى يُذهِبَهُ اللّهُ عَنكُم ، وَ لَو قَدَرَ النَّاسُ كُلَّهُم عَلى أَن يُحِبُّونا وَيَعرِفوا حَقَّنا وَيُسَلِّموا لأَِمرنا ، فَعَلوا ، وَلكِنَّ اللّهَ يَفعَلُ ما يَشاءُ وَيَهدي إِلَيهِ مَن أَنابَ . فَقَد أَجَبتُكَ في مَسائِلٍ كَثيرَةٍ ، فَانظُر أَنتَ وَمَن أَرادَ المَسائِلَ مِنها وَتَدَبَّرَها ، فَإِن لَم يَكُن في المَسائِلِ شَفاءٌ ، فَقَد مَضى إِلَيكُم مِنِّي ما فيهِ حُجَّةٌ وَمُعتَبَرٌ ، وَكَثرَةُ المَسائِلِ مُعيبَةٌ عِندَنا مَكروهَةٌ ، إِنَّما يُريدُ أَصحابُ المَسائِلِ المِحنَةَ ، لِيَجدوا سَبيلاً إِلى الشُّبهَةِ وَالضَّلالَةِ وَمَن أَرادَ لَبسا لَبَسَ اللّهُ عَلَيهِ وَوَكَّلَهُ إِلى نَفسِهِ ، وَلا تَرى أَنتَ وَأَصحابُكَ إِنِّي أَجِبتُ بِذلِكَ ، وَإِن شِئتَ صَمَتّ ، فَذَاكَ إِليَّ ، لا ما تَقولَهُ أَنتَ وَأَصحابُكَ ، لا تَدرونَ كَذا وكَذا ، بَل لابُدَّ مِن ذلِكَ ، إِذ نَحنُ مِنهُ عَلى يَقينٍ ، وَأَنتُم مِنهُ في شَكٍّ . (1)

179جوابه عليه السلام إلى رجلٍ من الواقفةروى البرسيّ في مشارق الأنوار : أنّ رجلاً من الواقفة جمع مسائل مشكلة في طومار و قال في نفسه : إن عرف الرّضا عليه السلام معناه فهو وليّ الأمر . فلمّا أتى الباب وقف ليخفّ المجلس ، فخرج إليه الخادم و بيده رقعة فيها جواب مسائله بخطّ الإمام عليه السلام . فقال له الخادم : أين الطومار ؟ فأخرجه ، فقال له : يقول لك وليّ اللّه :هذا جَوابُ ما فيهِ . فأخذه و مضى . (2)

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص861 الرقم 1121 ، بحار الأنوار : ج78 ص351 ح8 .
2- .في بحار الأنوار : ج49 ص71 ح95.

ص: 273

( 180 ) كتابه عليه السلام إلى رجلٍ

180كتابه عليه السلام إلى رجلٍجعفر بن أحمد عن يونس بن عبدالرّحمن ، عن الحسين بن عمر (1) ، قال : قلت له : إنّ أبي أخبرني أنّه دخل على أبيك فقال له : إنّي أحتجّ عليك عند الجبّار ، أمرتني بترك عبد اللّه ، وأنّك قلت :أنا إمام . فقال : نَعَم فَما كانَ مِن إثمٍ فَفي عُنُقي . فقال : وإنّي أحتجّ عليك بمثل حجّة أبي على أبيك ، فإنّك أخبرتني بأنّ أباك قد مضى وأنّك صاحب هذا الأمر من بعده ؟ فقال : نَعَم . فقلت له : إنّي لم أخرج من مكّة حتّى كاد يتبيّن لي الأمر ، وذلك أَنَّ فلانا أقرأني كتابك يذكر : أَنَّ تَركَة صاحِبِنا عِندَكَ . فقال : صَدَقتُ وَصَدَقَ ، أَما وَاللّهِ مَا فَعَلتُ ذلِكَ حَتَّى لَم أَجِدُ بَدَّا ، وَلَقَد قُلتُهُ عَلى مِثلِ جَدعِ أَنفي ، وَلكِنِّي خِفتُ الضَّلالَ وَالفُرقَةَ . (2)

.


1- .الحسين بن عمر ، وهو الحسين بن عمر بن يزيد من أصحاب أبي الحسن الرّضا عليه السلام ، وهو ثقة ، وثّقه الشيخ وغيره ، لم يكن يعتريه الوقف ولا فيه غميزة أصلاً .
2- .رجال الكشّي : ج 2 ص 725 الرقم 801 ، بحار الأنوار : ج 48 ص 262 ح 16 .

ص: 274

. .

ص: 275

الفصل التاسع : مكاتيبه عليه السلام السياسيّة
اشاره

الفصل التّاسع: مكاتيبه السياسيّة

.

ص: 276

. .

ص: 277

( 181 ) كتابه عليه السلام إلى المأمون في ولاية العهد و العلّة في قبوله

181كتابه عليه السلام إلى المأمونفي ولاية العهد و العلّة في قبولهعليّ بن إبراهيم عن ياسر الخادم (1) والرّيان بن الصّلت (2) جميعا ، قال : لمّا انقضى أمر المخلوع واستوى الأمر للمأمون ، كتب إلى الرّضا عليه السلام يستقدمه إلى خراسان ، فاعتلّ عليه أبو الحسن عليه السلام بعللٍ ، فلم يزل المأمون يكاتبه في ذلك حتّى علم أنّه لا محيص له و أنّه لا يكفّ عنه ، فخرج عليه السلام ولأبي جعفرٍ عليه السلام سبع سنين . فكتب إليه المأمون : لا تأخذ على طريق الجبل وقُم ، وخذ على طريق البصرة والأهواز وفارس . حتّى وافى مرو . فعرض عليه المأمون أن يتقلّد الأمر والخلافة ، فأبى أبو الحسن عليه السلام . قال : فولاية العهد ؟ فقال : عَلى شُروطٍ أَسأَلُكَها . قال المأمون له : سل ما شئت . فكتب الرّضا عليه السلام :

.


1- .ياسر الخادم مولىً لحمزة بن اليسع ، ثمّ صار مولىً لليسع ( راجع : رجال النجاشي : ج2 ص453 الرقم 1228) ، ثمّ صار مولى حمزة الأشعريّ القمّي ، وله مسائل عن الرّضا عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص369 الرقم 5491 ) . ولم نجد توثيقه .
2- .الريّان بن الصلت ، بغدادي ، ثقة ، خراساني الأصل ، عدّ من أصحاب الرضا والهادي عليهماالسلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 357 الرقم 5293 و ص 386 الرقم 5692 ) .

ص: 278

إِنِّي داخِلٌ في وِلايَةِ العَهدِ عَلى أَلّا آمُرَ ، وَلا أَنهى ، وَلا أُفتيَ ، وَلا أَقضيَ ، وَلا أُوَلِّيَ ، وَلا أَعزِلَ ، وَلا أُغَيِّر شَيئا مِمَّا هوَ قائِم ، وَتَعفيَني مِن ذلِكَ كُلِّهِ . فأجابه المأمون إلى ذلك كلّه . قال : فحدّثني ياسر (1) ، قال : فلمّا حضر العيد بعث المأمون إلى الرّضا عليه السلام يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلّي ويخطب . فبعث إليه الرّضا عليه السلام : قَد عَلِمتَ ما كانَ بَيني وَبَينَكَ مِن الشُّروطِ في دُخولِ هذا الأَمرِ . فبعث إليه المأمون : إنّما أُريد بذلك أن تطمئنّ قلوب النّاس ويعرفوا فضلك ، فلم يزل عليه السلام يُرادُّه الكلام في ذلك فألحّ عليه . فقال : يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، إِن أَعفَيتَني مِن ذلِكَ فَهوَ أَحَبُّ إِليَّ ، وَإِن لَم تُعفِني خَرَجتُ كَما خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَأَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام . فقال المأمون : اخرج كيف شئت . وأمر المأمون القوّاد والنّاس أن يبكّروا إلى باب أبي الحسن . قال:فحدّثني ياسر الخادم أنّه قعد النّاس لأبيالحسن عليه السلام في الطّرقات والسّطوح ، الرّجال والنّساء والصّبيان ، واجتمع القوّاد والجند على باب أبي الحسن عليه السلام ، فلمّا طلعت الشّمس قام عليه السلام فاغتسل وتعمّم بعمامة بيضاء من قطن ، ألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه وتشمّر ، ثمّ قال لجميع مواليه : افعَلوا مِثلَ ما فَعَلتُ . ثمّ أخذ بيده عكّازا ، ثمّ خرج ونحن بين يديه وهو حافٍ قد شمّر سراويله إلى نصف السّاق ، وعليه ثيابٌ مشمّرة ، فلمّا مشى ومشينا بين يديه رفع رأسه إلى السّماء وكبّر أربع تكبيرات ، فخُيّل إلينا أن السّماء والحيطان تجاوبه ، والقوّاد والنّاس على الباب قد تهيّؤوا ولبسوا السّلاح وتزيّنوا بأحسن الزّينة ، فلمّا طلعنا عليهم بهذه الصّورة وطلع الرّضا عليه السلام وقف على الباب وقفة ، ثمّ قال : اللّهُ أَكبرُ ، اللّهُ أَكبرُ ، اللّهُ أَكبرُ ، اللّهُ

.


1- .راجع : ص 261 الرقم 181 الهامش .

ص: 279

( 182 ) كتابه عليه السلام إلى المأمون

أَكبرُ عَلى ما هدانا ، اللّهُ أَكبرُ عَلى ما رَزَقَنا مِن بَهيمَةِ الأَنعامِ ، وَالحَمدُ للّهِ عَلى ما أَبلانا . نرفع بها أصواتنا . قال ياسر : فتزعزعت مرو بالبكاء والضّجيج والصّياح لمّا نظروا إلى أبي الحسن عليه السلام ، وسقط القوّاد عن دوابّهم ورموا بخفافهم لمّا رأوا أبا الحسن عليه السلام حافيا ، وكان يمشي ويقف في كلّ عشر خطوات ويكبّر ثلاث مرّات . قال ياسر : فتخيّل إلينا أنّ السّماء والأرض والجبال تجاوبه ، وصارت مرو ضجّة واحدة من البكاء ، وبلغ المأمون ذلك. فقال له الفضل بن سهل ذو الرّياستين : يا أمير المؤمنين ، إن بلغ الرّضا المصلّى على هذا السّبيل افتتن به النّاس ، والرّأي أن تسأله أن يرجع . فبعث إليه المأمون فسأله الرّجوع . فدعا أبو الحسن عليه السلام بخفّه فلبسه وركب ورجع . (1)

182كتابه عليه السلام إلى المأمونفي كشف الغمّة : قال الفقير إلى اللّه تعالى عبد اللّه عليّ بن عيسى (2) أثابه اللّه : وفي سنة سبعين وستّمئة وصل من مشهده الشّريف عليه السلام أحد قوّامه ومعه العهد الّذي كتبه المأمون بخطّ يده ، وبين سطوره وفي ظهره بخطّ الإمام عليه السلام ما هو مسطور ، فقبّلت مواقع أقلامه ، وسرحت طرفي في رياض كلامه ، وعددت الوقوف عليه من منن اللّه وأنعامه ، ونقلته حرفا فحرفا . وما هو بخطّ المأمون : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم هذا كتاب كتبه عبد اللّه بن هارون الرّشيد أمير المؤمنين لعليّ بن موسى بن جعفر

.


1- .الكافي : ج1 ص488 ح7 ، عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص149 ح21 ، بحار الأنوار : ج49 ص133 ح9 .
2- .هو الشيخ بهاء الدين علي بن عيسى الأربلي صاحب كتاب كشف الغمّة .

ص: 280

وليّ عهده . أمّا بعد فإنّ اللّه عز و جل اصطفى الإسلام دينا ، واصطفى له من عباده رسلاً دالّين عليه وهادين إليه ، يبشّر أوّلهم بآخرهم ويصدّق تاليهم ماضيهم ، حتّى انتهت نبوّة اللّه إلى محمّد صلى الله عليه و آله على فترة من الرّسل ودروس من العلم وانقطاع من الوحي واقتراب من السّاعة ، فختم اللّه به النّبيّين وجعله شاهدا لهم ومهيمنا عليهم ، وأنزل عليه كتابه العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد بما أحلّ وحرّم ووعد وأوعد وحذّر وأنذر وأمر به ونهى عنه ؛ لتكون له الحجّة البالغة على خلقه ، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة وإنّ اللّه لسميع عليم ، فبلّغ عن اللّه رسالته ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالّتي هي أحسن ، ثمّ بالجهاد والغلظة حتّى قبضه اللّه إليه ، واختار له ما عنده صلى الله عليه و آله . فلمّا انقضت النّبوّة ، وختم اللّه بمحمّد صلى الله عليه و آله الوحي والرّسالة جعل قوام الدّين ونظام أمر المسلمين بالخلافة واتمامها وعزّها ، والقيام بحقّ اللّه فيها بالطّاعة الّتي بها يقام فرائض اللّه وحدوده وشرائع الإسلام وسننه ويجاهد بها عدوّه . فعلى خلفاء اللّه طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده ، وعلى المسلمين طاعة خلفائهم ومعاونتهم على إقامة حقّ اللّه وعدله وأمن السّبيل وحِقن الدّماء وصلاح ذات البين وجمع الأُلفة ، وفي خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين واختلالهم ، واختلاف ملّتهم ، وقهر دينهم واستعلاء عدوّهم وتفرّق الكلمة وخسران الدّنيا والآخرة . فحقّ على من استخلفه اللّه في أرضه وائتمنه على خلقه ، أن يجهد للّه نفسه ويؤثر ما فيه رضا اللّه وطاعته ، ويعتد لما اللّه مواقفه عليه ومسائله عنه ، و يحكم بالحقّ ويعمل بالعدل فيما حمّله اللّه وقلّده ، فإنّ اللّه عز و جل يقول لنبيّه داوود عليه السلام : « يَ_دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَ_كَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن

.

ص: 281

سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الْحِسَابِ » (1) وقال اللّه عز و جل : « فَوَرَبِّكَ لَنَسْ_ئلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ » (2) . وبلغنا أنّ عمر بن الخطّاب قال : لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات لتخوّفت أن يسألني اللّه عنها ، وايم اللّه إنّ المسؤول عن خاصّة نفسه الموقوف على عمله فيما بينه وبين اللّه ، ليتعرّض على أمرٍ كبير وعلى خطرٍ عظيم ، فكيف بالمسؤول عن رعاية الأُمّة ، وباللّه الثّقة ، وإليه المفزع ، والرّغبة في التّوفيق والعصمة والتّشديد ، والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجّة ، والفوز من اللّه بالرضوان والرّحمة . وأنظر الاُمّة لنفسه وأنصحهم للّه في دينه وعباده من خلائقه في أرضه ، من عمل بطاعة اللّه وكتابه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله في مدّة أيّامه وبعدها ، وأجهد رأيه ونظره فيمن يوليه عهده ويختاره لإمامة المسلمين ورعايتهم بعده ، وينصبه علما لهم ، ومفزعا في جميع أُلفتهم ، ولمّ شعثهم ، وحقن دمائهم ، والأمن بإذن اللّه من فرقتهم وفساد ذات بينهم واختلافهم ، ورفع نزع الشّيطان وكيده عنهم ، فإنّ اللّه عز و جل جعل العهد بعد الخلافة من تمام أمر الإسلام وكماله وعزّه وصلاح أهله ، وألهم خلفائه من توكيده لمن يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النّعمة وشملت فيه العافية ، ونقض اللّه بذلك مكر أهل الشّقاق والعداوة والسّعي في الفرقة والتّربّص للفتنة . ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة ، فاختبر بشاعة مذاقها وثقل محملها وشدّة مؤنتها وما يجب على من تقلّدها من ارتباط طاعة اللّه ومراقبته فيما حمّله منها ، فأنصب بدنه ، وأشهر عينه ، وأطال فكره فيما فيه عزّ الدّين ، وقمع المشركين ، وصلاح الاُمّة ، ونشر العدل ، وإقامة الكتاب والسّنة ، و منعه ذلك من الخفض والدّعة ومهنؤ العيش ، علما بما اللّه سائله عنه ، و محبّة أن يلقى اللّه مناصحا

.


1- .ص : 26 .
2- .الحجر : 92 و 93 .

ص: 282

له في دينه وعباده ، و مختارا لولاية عهده ورعاية الأُمّة من بعده أفضل من يقدر عليه في ورعه ودينه وعلمه ، و أرجاهم للقيام في أمر اللّه وحقّه ، مناجيا للّه تعالى بالاستخارة في ذلك ومسألته إلهامه ما فيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره ، مُعمّلاً في طلبه والتماسه في أهل بيته من وِلد عبد اللّه بن العبّاس وعليّ بن أبي طالب فكره و نظره ، مقتصرا لمن علم حاله ومذهبه منهم على علمه وبالغا في المسألة عمّن خفي عليه أمره جهده وطاقته . حتّى استقصى أُمورهم معرفةً ، وابتلى أخبارهم مشاهدةً ، واستبرأ أحوالهم معاينةً ، وكشف ما عندهم مسائلةً ، فكانت خيرته بعد استخارته للّه ، وإجهاده نفسه في قضاء حقّه في عباده وبلاده في البيتين جميعا ، عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، لما رأى من فضله البارع وعلمه النّاصع وورعه الظّاهر وزهده الخالص وتخلّيه من الدّنيا وتسلمه من النّاس ، وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطئة والألسن عليه متّفقة والكلمة فيه جامعة ، ولما لم يزل يعرفه به من الفضل نافعا وناشئا وحدثا ومكتهلاً ، فعقد له بالعهد والخلافة من بعده واثقا بخيرة اللّه في ذلك ، إذ علم اللّه إنّه فعله ايثارا له وللدين ، ونظرا للإسلام والمسلمين وطلبا للسّلامة وثبات الحقّ ، والنجاة في اليوم الّذي يقوم النّاس فيه لربّ العالمين . ودعا أمير المؤمنين ، وِلده وأهل بيته وخاصّته وقوّاده و خدمه ، فبايعوا مسرعين مسرورين عالمين بإيثار أمير المؤمنين ، طاعة اللّه على الهوى في ولده وغيرهم ممّن هو أشبك منه رحما وأقرب قرابة ، و سمّاه الرّضا إذ كان رضا عند أمير المؤمنين ، فبايعوا معشر أهل بيت أمير المؤمنين ومن بالمدينة المحروسة من قوّاده وجنده وعامّة المسلمين لأمير المؤمنين وللرّضا من بعده ( كتب بقلمه الشّريف بعد قوله «وللرّضا من بعده» بل آل من بعده) عليّ بن موسى ، على اسم اللّه وبركته ،

.

ص: 283

صورة ماكان على ظهر العهد بخطّ الإمام الرّضا عليه السلام

وحسن قضائه لدينه وعباده ، بيعة مبسوطة إليها أيديكم منشرحة لها صدوركم ، عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها وآثر طاعة اللّه والنّظر لنفسه ولكم فيها ، شاكرين للّه على ما ألهم أمير المؤمنين من قضاء حقّه في رعايتكم وحرصه على رشدكم وصلاحكم ، راجين عائدة ذلك في جمع أُلفتكم وحقن دمائكم ولَمّ شعثكم وسدّ ثغوركم وقوّة دينكم ورغم عدوّكم واستقامة أُموركم ، و سارعوا إلى طاعة اللّه وطاعة أمير المؤمنين ، فإنّه الأمن إن سارعتم إليه وحمدتم اللّه عليه ، عرفتم الحظّ فيه إن شاء اللّه . وكتب بيده يوم الاثنين بسبع خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومئتين .

صورة ماكان على ظهر العهد بخطّ الإمام الرّضا عليه السلامبِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم الحَمدُ للّهِ الفَعَّالُ لِما يَشاءُ ، لا مُعِّقّبَ لِحُكمِهِ وَلا رَادَّ لِقضائِهِ ، يَعلَمُ خائِنَةَ الأَعيُنِ وَما تُخفي الصُّدورُ . وَصلاتُهُ عَلى نَبيِّهِ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبيِّينَ ، وَآلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ. أَقولُ وَأَنا عَليُّ بنُ موسى الرِّضا بنُ جَعفَرٍ : إِنَّ أَميرَ المُؤمِنينَ عَضَدَهُ اللّهُ بِالسَّدادِ ، وَوَفَّقَهُ لِلرَّشادِ ، عَرَّفَ مِن حَقِّنا ما جَهَلَهُ غَيرُهُ ، فَوَصَلَ أَرحاما قُطِعَت ، وَآمَنَ نُفوسا فَزِعَت ، بَل أَحياها وَقَد تَلَفَت ، وَأَغناها إِذ افتَقَرَت ، مُبتَغيا رِضا رَبِّ العَالمينَ ، لا يُريدُ جَزاءً مِن غَيرِهِ « وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّ_كِرِينَ » (1) و « لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ » (2) . وَإِنَّهُ جَعَلَ إِلَيَّ عَهدَهُ وَالإِمرَةَ الكُبرى إِن بَقيتُ بَعدَهُ ، فَمَن حَلَّ عَقدَةً أَمَرَ اللّهُ بِشَدِّها ، وَفَصَمَ عُروَةً أَحَبَّ اللّهُ إِيثاقَها ، فَقَد أَباحَ حَريمَهُ وَأَحَلَّ مُحَرَّمَهُ ، إِذ كانَ بِذلِكَ زاريا عَلى الإِمامِ ، مُنهَتِكا حُرمَةَ الإِسلامِ بِذلِكَ جَرَى السَّالِفُ ، فَصَبَرَ عَنهُ عَلى الفَلتَاتِ (3) ، وَلَم يَعتَرِض بَعدَهَا عَلى الغُرماتِ ، خَوفا مِن شَتاتِ الدِّينِ وَاضطِرابِ حَبلِ المُسلِمينَ ، وَلِقُربِ أَمرِ الجاهِليَّةِ ،

.


1- .آل عمران : 144.
2- .التوبة : 120.
3- .جمع فلتة ؛ وهي الزلّة .

ص: 284

[ الشّهود على العهد] :

وَرَصدِ فرصَةً تُنتَهَزُ وَبائِقَةً تُبتَدَرُ . وَقَد جَعَلتُ اللّهَ عَلى نفسي إِن استَرعاني أَمرَ المُسلِمينَ وَقَلَّدَني خِلافَتَهُ ، العَمَلَ فيهِم عامَّةً ، وَفي بَني العَبَّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ خاصَّةً ، بِطاعَتِهِ وَطاعَةِ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، وَأَلّا أَسفُكُ دَما حَراما ، وَلا أُبيحُ فَرجا وَلا مالاً ، إِلَا ما سَفَكتهُ حُدودُ اللّهِ ، وَأباحَتهُ فَرائِضُهُ ، وَأَن أَتَخَيَّرَ الكُفاةَ (1) جُهدي وَطاقتي ، وَجَعَلتُ بِذلِكَ عَلى نَفسي عَهدا مُؤَكَّدا يَسأَلُني اللّهُ عَنهُ ، فَإِنَّه عز و جل يَقولُ : « وَ أَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَ الْعَهْدَكَانَ مَسْ_ئولًا » (2) ، وَإِن أَحدَثتُ أَو غَيَّرتُ أَو بَدَّلتُ كُنتُ لِلغَيرِ مُستَحِقَّا ، وَلِلنِكالِ مُتَعَرِّضا ، وَأَعوذُ بِاللّهِ مِن سَخَطِهِ وَإِلَيهِ أَرغَبُ في التَّوفيقِ لِطاعَتِهِ ، وَالحَولِ بَيني وَبَينَ مَعصيَتِهِ في عافيةٍ لي وَلِلمُسلِمينَ . وَالجامِعَةُ وَالجَفر يَدُلَان عَلى ضِدِّ ذلِكَ ، وَما أَدري مَا يُفعَلُ بي وَلا بِكُم ، إِنَّ الحُكمَ إِلَا للّهِ يَقضي بِالحَقِّ وَهوَ خَيرُ الفاصِلينَ ، لكِنِّي امتَثَلتُ أَمرَ أَميرِ المُؤمِنينَ وَآثَرتُ رِضاهُ ، واللّهُ يَعصِمُني وَإيَّاهُ ، وَأَشهَدتُ اللّهَ عَلى نَفسي بِذلِكَ ، وَكَفى بِاللّهِ شَهيدا. وَكَتبتُ بِخَطِّي بِحَضرَةِ أَميرِ المُؤمِنينَ _ أَطالَ اللّهُ بَقاءَهُ _ وَالفَضلِ بنِ سَهلٍ (3) ، وَسهلِ بنِ الفَضلِ ، وَيَحيى بنِ أَكثَمٍ ، وَعَبدِ اللّهِ بنِ طاهِرٍ ، وَثُمامَةُ بنِ أَشرَسِ ، وَبِشرِ بنِ المُعتَمِرِ ، وَحَمَّادِ بنِ النُّعمانِ ، في شَهرِ رَمَضانِ سَنَةَ إِحدَى وَمِئَتَين.

[الشّهود على العهد] :شَهَدَ يَحيى بنُ أَكثَمَ عَلى مَضمونِ هذا المَكتوبِ ظَهرَهُ وَبَطنَهُ ، وَهوَ يَسأَلُ اللّهَ أَن يُعَرِّفَ أَميرَ المُؤمِنينَ وَكافَّةَ المُسلِمينَ بِبَرَكَةِ هذا العَهدِ وَالميثاقِ. وَكَتَبَ بِخَطِّهِ في التاريخِ المُبيّنِ فيهِ ، عَبدُ اللّهِ بنُ طاهِرٍ بنُ الحُسينِ ، أَثبَتَ شَهادَتَهُ فيهِ بِتاريخِهِ ، شَهَدَ حَمَّادُ بَنُ النُّعمانِ بِمَضمونِهِ ظَهرَهُ وَبَطنَهُ وَكَتَبَ بِيَدِهِ في تاريخِهِ بِشرُ بَنُ المُعتَمِرِ يَشهَدُ بِمِثلِ ذلِكَ .

رسم (4) أمير المؤمنين _ أطال اللّه بقاءه _ قراءة هذه الصّحيفة الّتي هي صحيفة

.


1- .قوله عليه السلام : «أن أتخيّر الكفاة» : أي أختار لكفاية اُمور الخلق وإمارتهم من يصلح لذلك .
2- .الإسراء: 34.
3- .راجع : ص 107 الرقم 49 .
4- .أي : كتب وأمر أن يقرأ هذه الصّحيفة في حرم الرّسول صلى الله عليه و آله .

ص: 285

الميثاق ، نرجو أن يجوز بها الصّراط ظهرها وبطنها بحرم سيّدنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين الرّوضة والمنبر ، على رؤوس الأشهاد ، بمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم وسائر الأولياء والأجناد ، بعد استيفاء شروط البيعة عليهم بما أوجب أمير المؤمنين الحجّة به على جميع المسلمين ، و لتبطل الشّبهة الّتي كانت اعترضت آراء الجاهلين ، وما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه ، و كتب الفضل بن سهل بأمر أمير المؤمنين بالتّاريخ فيه . (1) و في بحار الأنوار بيان : أقول : أخذنا أخبار كشف الغمّة من نسخة قديمة مصحّحة كانت عليها إجازات العلماء الكرام ، و كان مكتوبا عليها في هذا الموضع على الهامش أشياء نذكرها ، و هي هذه : و كتب بقلمه الشّريف تحت قوله و الخلافة من بعده : « جعلت فداك » ، و كتب تحت ذكر اسمه عليه السلام «و صلتك رحم و جزيت خيرا» ، وكتب عند تسميته بالرضا «رضي اللّه عنك وأرضاك وأحسن في الدّارين جزاك » ، و كتب بقلمه الشّريف تحت الثّناء عليه « أثنى اللّه عليك فأجمل و أجزل لديك الثّواب فأكمل » . ثمّ كان على الهامش بعد ذلك : « العبد الفقير إلى اللّه تعالى الفضل بن يحيى عفى اللّه عنه : قابلت المكتوب الّذي كتبه الإمام عليّ بن موسى الرّضا صلوات اللّه عليه وعلى آله الطّاهرين مقابلة بالّذي كتبه الإمام المذكور عليه السلام حرفا فحرفا ، و ألحقت ما فات منه و ذكرت أنّه من خطّه عليه السلام ، و ذلك في يوم الثّلثاء مستهلّ المحرّم من سنة تسع و تسعين و ستّ مئة الهلاليّة بواسط ، و الحمد للّه على ذلك و له المنّة » . انتهى . (2)

.


1- .كشف الغمّة : ج3 ص123 ، بحار الأنوار : ج49 ص152 و راجع : عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج1 ص158 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص473 ، الفصول المهمّة لابن الصّبّاغ : ص1010 ، صبح الأعشى : ج9 ص362 .
2- .بحار الأنوار : ج49 ص154.

ص: 286

( 183 ) كتابه عليه السلام في الفضل بن سهل وأخيه

183كتابه عليه السلام في الفضل بن سهل وأخيهفي عيون أخبار الرّضا عليه السلام : وجدت في بعض الكتب نسخة كتاب الحباء و الشّرط من الرّضا عليّ بن موسى عليه السلام إلى العمّال في شأن الفضل بن سهل و أخيه ، و لم أروِ ذلك [ عن ] (1) أحد :أَمَّا بَعدُ ، فَالحَمدُ للّهِ البَديءَ الرَّفيعِ القادِرِ القاهِرِ ، الرَّقيبِ عَلى عِبادِهِ ، المَقيتِ عَلى خَلقِهِ ، الّذي خَضَعَ كُلُّ شَيءٍ لِمُلكِهِ ، وَ ذَلَّ كُلُّ شَيءٍ لِعِزَّتِهِ ، وَاستَسلَمَ كُلُّ شَيءٍ لِقُدرَتِهِ ، وَ تَواضَعَ كُلُّ شَيءٍ لِسُلطانِهِ وَ عَظَمَتِهِ ، وَ أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمُهُ ، وَ أَحصى عَدَدَهُ ، فَلا يَؤُدُهُ كَبيرٌ وَ لا يَعزُبُ عَنهُ صَغيرٌ ، الّذي لا تُدرِكُهُ أَبصارُ النَّاظرِينَ ، وَ لا تُحيطُ بِهِ صِفَةُ الواصِفينَ ، لَهُ الخَلقُ وَ الأَمرُ وَ المَثَلُ الأَعلى في السَّماواتِ وَ الأَرضِ ، وَ هُوَ العَزيزُ الحَكيمُ . وَ الحَمدُ للّهِ الّذي شَرَعَ لِلإِسلامِ دينا ، فَفَضَّلَهُ وَ عَظَّمَهُ وَ شَرَّفَهُ وَ كَرَّمَهُ وَ جَعَلَهُ الدِّينَ القَيِّمَ لا يَقبَلُ غَيرَهُ ، وَ الصِّراطَ المُستَقيمَ الّذي لا يَضِلُّ مَن لَزَمَهُ ، و لا يَهتَدي مَن صُرِفَ عَنهُ ، وَ جَعَلَ فيهِ النُّورَ وَ البُرهانَ وَ الشِّفاءَ وَ البَيانَ ، وَ بَعَثَ بِهِ مَن اصطَفى مِن مَلائِكَتِهِ إِلى مَن اجتَبى مِن رُسُلِهِ ، في الأُمَمِ الخاليَةِ وَالقُرونِ الماضيَةِ ، حَتَّى انتَهَت رِسالَتُهُ إِلى مُحَمَّدٍ المُصطَفى صلى الله عليه و آله ، فَخَتَمَ بِهِ النَّبِيِّينَ ، وَقَفى بِهِ عَلى آثارِ المُرسَلينَ ، وَبَعَثَهُ رَحمَةً لِلعالَمينَ وَبَشيرا لِلمُؤمِنينَ المُصَدِّقينَ ، وَنَذيرا لِلكافِرينَ المُكَذِّبينَ ، لِتَكونَ لَهُ الحُجَّةُ البالِغَةُ ، وَليَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ، وَيَحيى مَن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ، وَإِنَّ اللّهَ لَسَميعٌ عَليمٌ . وَالحَمدُ للّهِ الّذي أَورَدَ أهلَ بَيتِهِ مَواريثَ النُّبوَّةِ ، وَاستَودَعَهُم العِلمَ وَالحِكمَةَ ، وَجَعَلَهُم مَعدَنَ الإِمامَةِ وَالخِلافَةِ ، وَأَوجَبَ وَلايَتَهُم وَشَرَفَ مَنزِلَتِهُم ، فَأَمَرَ رَسولَهُ بِمَسأَلَةِ أُمَّتِهِ مَوَدَّتَهُم ، إِذ يَقولُ : « قُل لَا أَسْ_ئلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى » (2) وَما وَصَفَهُم بِهِ مِن

.


1- .ما بين المعقوفين من بحار الأنوار .
2- .الشورى : 23.

ص: 287

إِذهابِهِ الرِّجسَ عَنهُم ، وَتَطهيرِهِ إِيَّاهُم في قَولِهِ : « إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا » (1) . ثُمَّ إِنَّ المَأمونَ بَرَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله في عِترَتِهِ ، وَ وَصَلَ أَرحامَ أَهلِ بَيتِهِ ، فَرَدَّ أُلفَتَهُم وَ جَمَعَ فُرقَتَهُم ، وَ رَأَبَ صَدعَهُم ، وَ رَتَقَ فَتقَهُم ، وَ أَذهَبَ بِهِ الضَّغائِنَ ، وَ الإِحَنَ بَينَهُم وَ أسكَنَ التَّناصُرَ وَ التَّواصُلَ وَ المَوَدَّةَ وَ المَحَبَّةَ قُلوبَهُم ، فَأَصبَحَت بيُمنِهِ وَحِفظِهِ وَبَرَكَتِهِ وَبِرِّهِ وَصِلَتِهِ أَيديهِم واحِدَةٌ ، وَكَلِمَتُهم جامِعَةٌ ، وَأَهوائُهُم مُتَّفِقَةٌ . وَرَعى الحُقوقَ لأَِهلِها ، وَوَضَعَ المَواريثَ مَواضِعَها ، وَكَافَأَ إِحسانَ المُحسِنينَ ، وَحَفَظَ بَلاءَ المُبتَلينَ ، وَقَرَّبَ وَباعَدَ عَلى الدِّينِ ، ثُمَّ اختَصَّ بِالتَّفضيلِ وَالتَّقديمِ وَالتَّشريفِ مَن قَدَّمَتهُ مَساعيهُ ، فَكانَ ذلِكَ ذا الرِّئاسَتَينِ الفَضلَ بنَ سَهلٍ ، إذ رآهُ لَهُ مُؤازِرا ، وَبِحَقِّهِ قائِما ، وَبِحُجَّتِهِ ناطِقا ، وَلِنُقَبائِهِ نَقيبا ، وَلِخُيوله قائِدا ، وَلِحُروبِهِ مُدَبِّرا ، وَلِرَعيَّتِهِ سائِسا ، وَإليهِ داعيا ، وَلِمَن أَجابَ إِلى طاعَتِهِ مُكافِئا ، وَلِمَن عَدَلَ عَنها مُنابِذا ، وَبِنُصرَتِهِ مُتَفَرِّدا ، وَلِمَرَضِ القُلوبِ وَالنِّيَّاتِ مُداويا ، لَم يَنهَهُ عَن ذلِكَ قِلَّةُ مالٍ وَلا عَوزُ رِجالٍ ، وَلَم يَمِل بِهِ طَمَعٌ ، وَلَم يَلفِتهُ عَن نيَّتِهِ وَبَصيرَتِهِ وَجَلٌ ، بَل عِندَما يُهَوِّلُ المُهَوِّلونَ ، وَيَرعُدُ وَيَبرُقُ لَهُ المُبرِقونَ وَالمُرعِدونَ ، وَكَثرَةُ المُخالِفينَ وَ المُعانِدينَ مِنَ المُجاهِدينَ وَ المُخاتِلينَ ، أَثبَتُ ما يَكونُ عَزيمَةً ، وَ أَجرَئَ جِنانا ، وَ أَنفَذَ مَكيدَةً ، وَأَحسَنَ تَدبيرا ، وَأَقوى في تَثبيتِ حَقِّ المَأمونِ وَالدُّعاءِ إِليهِ . حَتَّى قَصَمَ أَنيابَ الضَّلالَةِ ، وَ فَلَّ حَدَّهُم ، وَ قَلَّمَ أَظفارَهُم وَ حَصَدَ شَوكَتَهُم ، وَ صَرَعَهُم مَصارِعَ المُلحِدينَ في دِينِهِم ، وَالنَّاكِثينَ لِعَهدِهِ ، الوانينَ (2) في أَمرِهِ ، المُستَخِفِّينَ بِحَقِّهِ ، الآمِنينَ لِما حُذِّرَ مِن سَطوَتِهِ وَ بأسِهِ ، مَعَ آثار ذي الرِّئاسَتَينِ في صُنوفِ الأُمم مِنَ المُشرِكينَ ، وَ ما زادَ اللّهُ بِهِ في حُدودِ دارِ المُسلِمينَ ، مِمَّا قَد وَرَدَت أَنباؤهُ عَلَيكُم ، وَ قُرِأَت بِهِ الكُتُبُ عَلى مَنابِرِكُم ، وَ حَمَلَهُ أَهلُ الآفاقِ إِلَيكُم إِلى غَيرِكُم .

.


1- .الأحزاب : 33.
2- .الوني : الضعف والفتور والإكلال والإعياء ( الصحاح : ج 6 ص 2531 « وني » ) .

ص: 288

فَانتَهى شُكرُ ذي الرِّئاسَتَينِ بَلاءَ أَميرِ المُؤمِنينَ عِندَهُ وَ قيامَهُ بِحَقِّه ، وابتِذالَهُ مُهجَتَهُ وَ مُهجَةَ أَخيهِ أَبي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ سَهلٍ ، الميمونِ النَّقيبَةِ ، المَحمودِ السِّياسَةِ ، إِلى غايَةٍ تَجاوَزَ فيها الماضينَ ، وَ فازَ بِها الفائِزينَ ، وَ انتَهَت مُكافَأَةُ أَميرُ المُؤمِنينَ إِيَّاه إِلى ما حَصَلَ لَهُ مِنَ الأَموالِ وَ القَطائِعِ وَ الجَواهِرِ ، وَإِن كانَ ذلِكَ لا يَفي بِيَومٍ مِن أَيَّامِهِ ، وَلا بِمَقامٍ مِن مَقاماتِهِ ، فَتَرَكَهُ زُهدا فيهِ ، وَارتِفاعا مِن هِمَّتِهِ عَنهُ ، وَ تَوفيرا لَهُ عَلى المُسلِمينَ ، وَ إطراحا لِلدُّنيا واستِصغارا لَها ، وَ إيثارا لِلآخِرَةِ وَمُنافَسَةً فيها . وَسأَلَ أَميرَ المُؤمِنينَ ما لَم يَزل لَهُ سائِلاً وَ إِلَيهِ فيهِ راغِبا ، مِنَ التَّخَلِّي وَ التَّزَهُّد ، فَعَظُمَ ذلِكَ عِندَهُ وَ عِندَنا ، لِمَعرِفَتِنا بِما جَعَلَ اللّهُ عز و جلفي مَكانِهِ الّذي هوَ بِهِ ، مِن العِزِّ وَ الدِّينِ وَ السُّلطانِ وَ القُوَّةِ عَلى صَلاحِ المُسلِمينَ وَ جِهادِ المُشرِكينَ ، وَ ما أَرى اللّهُ بِهِ مِن تَصديقِ نيَّتِهِ وَ يُمنُ نَقيبَتِهِ ، وَ صِحَّةِ تَدبيرِهِ وَ قُوَّةِ رَأيهِ ، وَ نُجحِ طَلِبَتِهِ وَ مُعاوَنَتِهِ عَلى الحَقِّ وَ الهُدى وَ البِرِّ وَ التَّقوى . فَلَمَّا وَثِقَ أَميرُ المُؤمِنينَ وَثَقنا مِنهُ بِالنَّظَرِ لِلدِّينِ وَ إِيثارِ ما فيهِ صَلاحُهُ وَ أَعطَيناهُ سُؤلَهُ الّذي يَشبَهُ قَدرَهُ ، وَ كَتَبنا لَهُ كِتابَ حِباءٍ وَ شَرطٍ قَد نُسِخَ في أَسفَلِ كِتابي هذا ، وَ أَشهَدنا اللّهَ عَلَيهِ ، وَ مَن حَضَرَنا مِن أَهلِ بَيتِنا ، وَ القُوَّادِ ، وَ الصَّحابَةِ ، وَ القُضاةِ وَ الفُقَهاءِ ، وَ الخاصَّةِ ، وَ العامَّةِ . وَ رأَى أَميرُ المُؤمِنينَ الكِتابَ بِهِ إِلى الآفاقِ لِيَذيعَ وَ يَشيعَ في أَهلِها ، وَ يُقرَأُ عَلى مَنابِرِها ، وَ يُثبَتُ عِندَ وِلاتِها وَ قُضاتِها ، فَسَأَلني أَن أَكتُبَ بِذلِكَ وَ أَشرَحَ مَعانيهِ ، وَ هيَ عَلى ثَلاثَةِ أَبوابٍ : فَفي البابِ الأَوَّلِ : البيانُ عَن كُلِّ آثارِهِ الَّتي أَوجَبَ اللّهُ تَعالى بِها حَقَّهُ عَلَينا وَ عَلى المُسلِمين . وَ البابُ الثَّاني : البيانُ عَن مَرتَبَتِهِ في إِزاحَةِ عِلَّتِهِ ، في كُلِّ ما دَبَرَ وَ دَخَلَ فيهِ ، وَلا سَبيلَ عَلَيهِ فيما تَرَكَ وَ كَرَهَ ، وَذلِكَ لِما لَيسَ لِخَلقٍ مِمَّن في عُنُقِهِ بَيعَةٌ إلّا لَهُ وَحدَهُ وَ لأَِخيهِ ، وَ مِن إِزاحَةِ العِلَّةِ تَحكيمُها في كُلِّ مَن بَغيَ عَلَيهُما ، وَسَعى بِفَسادٍ عَلَينا وَ عَلَيهِما وَأَوليائِنا ، لِئَلَا يَطمَعُ طامِعٌ في خِلافٍ عَلَيهِما ، وَلا مَعصيَةَ لَهُما ، وَلا احتيالَ في مَدخَلٍ بَينَنا وَ بَينَهُما.

.

ص: 289

وَالبابُ الثَّالثُ : البَيانُ عَن إِعطائِنا إِيَّاهُ ما أَحَبَّ مِن مُلكِ التَّحَلِّي ، وَ حُليَةِ الزُّهدِ ، وَحُجَّةِ التَّحقيقِ لِما سَعى فيهِ مِن ثَوابِ الآخِرَةِ بِما يُتَقَرَّبُ في قَلبِ مَن كانَ شاكَّا في ذلِكَ مِنهُ ، وَ ما يَلزَمُنا لَهُ مِن الكَرامَةِ وَ العِزِّ وَ الحِباءِ الّذي بَذَلناهُ لَهُ وَ لأَِخيهِ ، في مَنعِهِما ما نَمنَعُ مِنهُ أَنفُسَنا ، وَذلِكَ مُحيطٌ بِكُلِّ ما يَحتاطُ فيهِ مُحتاطٌ في أَمرِ دينٍ وَ دُنيا . وَهذِهِ نُسخَةُ الكِتابِ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم هذا كِتابٌ وَشَرطٌ مِن عَبدِاللّهِ المَأمونِ أَميرِ المُؤمِنينَ وَوَلِيِّ عَهدِهِ عَليِّ بنِ موسى الرِّضا ، لِذي الرِّئاسَتَينِ الفَضلِ بنِ سهلٍ ، في يَومِ الإِثنَينِ لِسَبعِ لَيالٍ خَلَونَ مِن شَهرِ رَمَضانَ مِن سَنَةِ إِحدَى وَمئَتَينِ ، وَ هوَ اليَومُ الّذي تَمَّمَ اللّهُ فيهِ دَولَةَ أَميرِ المُؤمِنينَ ، وَعَقَدَ لِوَليِّ عَهدِهِ ، وَ أَلبَسَ النَّاسَ اللِّباسَ الأَخضَرَ ، وَ بَلَغَ أَمَلَهُ في إِصلاحِ وَليِّهُ وَ الظَّفَرِ بِعَدُّوِّهِ . إِنَّا دَعَوناكَ إِلى ما فيهِ بَعضُ مُكافاتِكَ عَلى ما قُمتَ بِهِ مِن حَقِّ اللّهِ تَبارَكَ وَ تَعالى ، وَ حَقِّ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، وَ حَقِّ أَميرِ المُؤمِنينَ وَ وَلِيِّ عَهدِهِ عَليِّ بنِ موسى ، وَحَقِّ هاشِمٍ الَّتي بِها يُرجى صَلاحُ الِّدينِ وَ سَلامَةُ ذاتِ البَينِ بَينَ المُسلِمينَ ، إِلى أَن يَثبُتَ النِّعمَةُ عَلَينا وَعَلى العامَّةِ بِذلِكَ ، وَ بِما عاوَنتَ عَلَيه أَميرَ المُؤمِنينَ مِن إِقامَةِ الدِّينِ وَ السُّنَّةِ ، وَ إِظهارِ الدَّعوَةِ الثَّانيةِ وَ إِيثارِ الأَولى ، مَعَ قَمعِ المُشرِكينَ ، وَ كَسرِ الأَصنامِ ، وَقَتلِ العُتاةِ ، وَ سائِرِ آثارِكَ المُمَثَّلَةِ لِلأَمصارِ في المَخلوعِ (1) وَقابِل ، وَ في المُسَمَّى بِالأَصفَرِ المُكَنَّى بِأَبي السَّرايا ، وَفي المُسَمَّى بِالمَهديِّ مُحَمَّدِ بنِ جَعفَرٍ الطَّالِبيِّ ، وَالتُّركِ الحولِيَّةِ ، وَ في طَبَرِستانَ وَ مُلوكِها ، إِلى بُندارَ هُرمُزَ بنِ شِروينَ ، وَ في الدَّيلَمِ وَ مَلِكِها مهورس ، وَ في كابُلَ وَ مَلِكِها هُرموس ، ثُمَّ مَلِكِها الأَصفَهبُدِ ، وَ في ابنِ البُرمِ ، وَ جِبالِ بدار بنده وغرشستان ، وَ الغور وَ أَصنافِها ، وَ في خُراسانَ خاقانَ وَ ملون صاحِبِ جَبَلِ التَّبَّتِ ، وَ في كيمان والتّغرغر ، وَ في إِرمينيَّةَ وَالحِجازِ ، وَ صاحِبِ السَّريرِ ، وَ صاحِبِ الخَزَرِ ، وَ في المَغرِبِ وَ حُروبِهِ ، وَ في تَفسيرِ ذلِكَ في ديوانِ السِّيرَةِ ،

.


1- .و يعني به : الأمين .

ص: 290

وَكانَ ما دعَوناكَ إِليهِ وَ هوَ مَعونَةٌ لَكَ مِئَةَ ألفِ أَلفِ دِرهَمٍ ، وَغَلَّةَ عَشَرَةِ أَلفِ أَلفِ دِرهَمٍ جَوهَرا سِوى ما أَقطَعَكَ أَميرُ المُؤمِنينَ قَبلَ ذلِكَ ، وَقيمَةُ مِئَةِ أَلفِ أَلفِ دِرهَمٍ جَوهَرا يَسيرا ، عِندَنا ما أَنتَ لَهُ مُستَحِقٌّ ، فَقَد تَرَكتَ مِثلَ ذلِكَ حَينَ بَذَلَهُ لَكَ المَخلوعُ ، وَ آثَرتَ اللّهَ وَ دينَهُ ، وَ أَنَّكَ شَكَرتَ أَميرَ المُؤمِنينَ وَ وَليَّ عَهدِهِ ، وَ آثَرتَ تَوفيرَ ذلِكَ كُلَّهُ عَلى المُسلِمينَ ، وَجُدتَ لَهُم بِهِ ، وَ سَأَلتَنا أَن نَبلُغَكَ الخَصلَةُ الَّتي لَم تَزَل إِلَيها تائِقا مِنَ الزُّهدِ وَ التَّخَلِّي ، ليَصِحَّ عِندَ مَن شَكَّ في سَعيِكَ لِلآخِرَةِ دونَ الدُّنيا وَ تَركُكَ الدُّنيا ، وَ ما عَن مِثلِكَ يُستَغني في حالٍ وَ لا مِثلُكَ رُدَّ عَن طَلَبِهِ . وَ لَو أَخرَجَتنا طَلِبَتُكَ عَن شَطرِ النَّعيمِ عَلَينا ، فَكَيفَ بِأَمرٍ رُفِعَت فيهِ المَؤُنَةُ ، وَ أَوجَبَت بِهِ الحُجَّةُ عَلى مَن كانَ يَزعُمُ أَنَّ دُعاكَ إِلَينا لِلدُّنيا لا لِلآخِرَةِ ، وَ قَد أَجَبناكَ إِلى ما سَأَلتَ بِهِ ، وَ جَعَلنا ذلِكَ لَكَ مُؤَكَّدا بِعَهدِ اللّهِ وَميثاقِهِ الّذي لا تَبديلَ لَهُ وَلا تَغييرَ ، وَ فَوَّضنا الأَمرَ في وَقتِ ذلِكَ إِلَيكَ ، فَما أَقمتَ فَغَريزٌ مُزاحُ العِلَّةِ مَدفوعٌ عَنكَ الدُّخولُ فيما تَكرَهُهُ مِنَ الأَعمالِ كائِنا ما كانَ ، نَمنَعُكَ مِمَّا نَمنَعُ أَنفُسَنا في الحالاتِ كُلِّها ، وَإِذا أَرَدتَ التَّخَلِّيَ فَمُكَّرَمٌ مِزاحُ البَدَنِ وَ حَقٌّ لِبَدَنِكَ بِالرَّاحَةِ وَ الكَرامَةِ ، ثُمَّ نُعطيكَ مِمَّا تَتَناوَلُهُ مِمَّا بَذلناهُ لَكَ في هذا الكِتابِ فَتَرَكتُهُ اليَومَ ، وَ جَعَلنا لِلحَسَنِ بنِ سَهلٍ مِثلَ ما جَعَلناهُ لَكَ فَنِصفَ ما بَذَلناهُ مِنَ العَطيَّةِ وَ أَهلُ ذلِكَ هوَ لَكَ ، وَ بِما بَذَلَ مِن نَفسي في جِهادِ العُتاةِ وَ فَتحِ العِراقِ مَرَّتَينِ ، وَ تَفريقِ جُموعِ الشَّيطانِ بِيَدِهِ حَتَّى قَوِيَ الدِّينُ ، وَ خاضَ نيرانَ الحُروبِ ، وَ وَقانا عَذابَ السُّمومِ بِنَفسِهِ وَ أَهلِ بَيتِهِ ، وَ مَن ساسَ مِن أَولياءِ الحَقِّ . وَ أَشهَدنا اللّهَ وَ ملائِكَتَهُ وَ خيارَ خَلقِهِ ، وَ كُلَّ مَن أَعطانا بَيعَتَهُ وَ صَفقَةَ يَمينِهِ في هذا اليَومِ وَ بَعدَهُ عَلى ما في هذا الكِتابِ . وَ جَعَلنا اللّهَ عَلَينا كَفيلاً ، وَأَوجَبنا عَلى أَنفُسِنا الوَفاءَ بِما اشتَرَطنا مِن غَيرِ استِثناءٍ بِشَيءٍ يَنقُضُهُ في سِرٍّ وَلا عَلانيِّةٍ ، وَ المُؤمِنونَ عِندَ شُروطِهِم ، وَ العَهدُ فَرضٌ مَسؤولٌ وَ أَولى النَّاسِ بِالوَفاءِ مَن طَلَبَ مِنَ النَّاسِ الوَفاءَ وَكانَ مَوضِعا لِلقُدرَةِ ، قالَ اللّهُ تَعالى : « وَ أَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَ_هَدتُّمْ وَ لَا تَنقُضُواْ الْأَيْمَ_نَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ

.

ص: 291

( 184 ) كتابه عليه السلام إلى المأمون

عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ » (1) . وَ كَتَبَ الحَسَنُ بنُ سَهلٍ تَوقيعَ المَأمونِ فيهِ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم قَد أَوجَبَ أَميرُ المُؤمِنينَ عَلى نَفسِهِ جَميعَ ما في هذا الكِتابِ ، وَ أَشهَدَ اللّهَ تَعالى ، وَ جَعَلَهُ عَلَيهِ داعيا وكفيلاً . وَ كَتَبَ بِخَطِّهِ في صَفَرٍ سَنَةَ اثنَينِ وَ مِئَتَينِ تَشريفا لِلحِباءِ وَ تَوكيدا لِلشُّروطِ . تَوقيعُ الرِّضا عليه السلام فيه : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم قَد أَلزَمَ عَليُّ بنُ موسى الرِّضا نَفسَهُ بِجَميعِ ما في هذا الكِتابِ عَلى ما أُكِّدَ فيهِ في يَومِهِ وَ غَدِهِ ما دامَ حَيَّا ، وَ جَعَلَ اللّهَ تَعالى عَلَيهِ داعيا وكفيلاً «وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا» (2) . وَكَتَبَ بِخَطِّهِ في هذا الشّهرِ مِن هذهِ السَّنَةِ : وَ الحَمدُ للّهِ رَبِّ العَالَمينَ وَ صَلَّى اللّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسلَّمَ « حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ » (3) . (4)

184كتابه عليه السلام إلى المأمونفي كشف الغمّة : قال الفقير إلى اللّه تعالى عليّ بن عيسى أثابه اللّه : ورأيت خطّه عليه السلام في واسط سنة سبع وسبعين وستّمئة جوابا عمّا كتبه إليه المأمون :

.


1- .النحل : 91.
2- .النساء : 78.
3- .آل عمران : 173.
4- .عيون أخبار الرّضا عليه السلام : ج2 ص154 ح23.

ص: 292

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم وَصَلَ كِتابُ أَميرِ المُؤمِنينَ أَطالَ اللّهُ بَقاءَهُ ، يَذكُرُ ما ثَبَتَ مِنَ الرِّواياتِ ، وَ رَسَمَ أَن أَكتُبَ لَهُ ما صَحَّ عِندي مِن حالِ هذهِ الشَّعرَةِ الواحِدَةِ ، وَ الخَشَبَةِ الَّتي لِرَحى المُدِّ لِفاطِمَةَ بِنتِ مُحَمَّدٍ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَعَلى أَبيها وَزَوجِها وَبَنيها ، فَهذِهِ الشَّعرَةُ الواحِدَةُ شَعرَةٌ مِن شَعرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، لا شُبهَةَ وَلا شَكَّ ، وَ هذِهِ الخَشَبَةُ المُدُّ المَذكورَةُ لِفاطِمَةَ عليهاالسلام لا رَيبَ وَلا شُبهَةَ ، وَ أَنا قَد تَفَحَّصتُ وَ تَحَدَّبتُ وَ كَتَبتُ إِلَيكَ فَاقبَلَ قَولي فَقَد أَعظَمَ اللّهُ لَكَ في هذا الفَحصِ أَجرا عَظيما ، وبِاللّهِ التَّوفيقُ. وَ كَتَبَ عَليُّ بنُ موسى بنِ جَعفَرٍ عليهماالسلام وَ عَلَيَّ سَنَةَ إحدى وَ مِئَتَين مِن هِجرَةِ صاحِبِ التَّنزيلِ جَدِّي صلى الله عليه و آله . (1)

.


1- .كشف الغمّة : ج3 ص129 ، بحار الأنوار : ج100 ص148 ح25 و ج49 ص152 .

ص: 293

الفصل العاشر : في أُمورٍ شتّى
اشاره

الفصل العاشر: في أُمورٍ شتّى

.

ص: 294

. .

ص: 295

( 185 ) كتابه عليه السلام إلى عبد العظيم بن عبد اللّه العلويّ الحسنيّ في إيمان أبي طالب

185كتابه عليه السلام إلى عبد العظيم بن عبد اللّه العلويّ الحسنيّفي إيمان أبي طالبفي كتاب إيمان أبي طالب : السّيّد الإمام أبو عليّ عبد الحميد بن عبد اللّه التّقيّ العلويّ الحسينيّ النسّابة رحمه الله ، بإسناده إلى الشّريف النسّابة المحدّث أبي عليّ عمر بن الحسين بن عبد اللّه بن محمّد الصّوفيّ بن يحيى بن عبيد اللّه بن محمّد بن عمر بن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، و كان الشّريف أبو عليّ هذا يُعرف بالمُوضِحِ ، و كان ثقة جماعا ، و يقال له ابن اللّبن ، و هو كوفيّ معروف ، قال : روى الشّيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه بإسناده له : أنّ عبد العظيم بن عبد اللّه العلويّ الحسنيّ 1 ، المدفون بالري ، كان مريضا ، يكتب إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : عرّفني

.

ص: 296

يابن رسول اللّه عن الخبر المروي أنّ أبا طالبٍ في ضَحضَاحٍ (1) من نارٍ يغلي منه دماغه . فكتب إليه الرّضا عليه السلام :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم أَمَّا بَعدُ ، فَإِنَّكَ إِن شَكَكتَ في إِيمانِ أَبي طالِبِ كانَ مَصيرُكَ إِلى النَّارِ . (2) وفي كنز الفوائد : كتابه عليه السلام إلى أبان بن محمّد : أبو عبد اللّه الحسين بن عبد اللّه بن عليّ المعروف بابن الواسطيّ رضى الله عنه ، قال : أخبرني أبو محمّد هارون بن موسى التّلعكبريّ ، قال : حدّثني أبو عليّ بن همام ، قال : حدّثنا أبو الحسن عليّ بن محمّد القمّي الأشعريّ ، قال : حدّثني منجح الخادم مولى بعض الطّاهرية بطوس ، قال : حدّثني أبان بن محمّد (3) ، قال : كتبت إلى الإمام الرّضا عليّ بن موسى عليه السلام : جعلت

.


1- .وهو استعارة ، فإنّ الضَحضَاح من الماء الّذي يبلغ الكعبين ، فاستعير للنار ( راجع : المصنّف : ج 6 ص 41 ، النهاية : ج 3 ص 75 ) .
2- .إيمان أبي طالب للفخّار : ص77 ، بحار الأنوار : ج35 ص110 ح41 وفيه : « أخبرني عبد الحميد بن عبد اللّه عن عمر بن الحسين بن عبد اللّه بن محمّد ، عن محمّد بن عليّ بن بابويه بإسنادٍ له . . . » وراجع : إيمان أبي طالب للمفيد : ص4 .
3- .في رجال النجاشي : سنديّ بن محمّد واسمه أبان ، يكنّى أبا بشر صليب ، من جهينة ، ويقال من بجيلة ، وهو الأشهر . وهو ابن اُخت صفوان بن يحيى . كان ثقة ، وجها في أصحابنا الكوفيّين ، له كتاب نوادر ( ج1 ص187 الرقم 495 وراجع : ص82 الرقم10 ، الفهرست للطوسي : ص 141 الرقم341 ) .

ص: 297

( 186 ) كتابه عليه السلام إلى زياد القنديّ في أمر البرامكة

فداك ، قد شككت في إيمان أبي طالب . قال : فكتب : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم أَمَّا بَعدُ : فَمَن يَتَّبِع غَيرَ سَبيلِ المُؤمِنينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ، إِنَّكَ إِن لَم تُقِرَّ بِإِيمانِ أَبي طالِبٍ كانَ مَصيرُكَ إِلى النَّارَ. (1) و في شرح نهج البلاغة : كتابه عليه السلام إلى أبان بن محمود . روي أنّ رجلاً من رجال الشّيعة و هو أبان بن محمود ، كتب إلى عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام : جُعلت فداك ، إنّي قد شككت في إسلام أبي طالب. فكتب إليه : « وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ » (2) الآية ، وبعدها : إِنَّكَ إِن لَم تُقِرَّ بِإيمانِ أَبي طالِبٍ كانَ مَصيرُكَ إِلى النَّارِ. (3)

186كتابه عليه السلام إلى زياد القنديّفي أمر البرامكةمحمّد بن الحسن ، قال : حدّثني أبو عليّ الفارسيّ ، عن محمّد بن عيسى و محمّد بن مهران ، عن محمّد بن إسماعيل بن أبي سعيد الزّيّات ، قال : كنت مع زياد القنديّ 4

.


1- .كنز الفوائد : ج1 ص182 ، بحار الأنوار : ج35 ص110 ح40 .
2- .النساء : 115.
3- .شرح نهج البلاغة : ج14 ص68.

ص: 298

حاجّا ، و لم نكن نفترق ليلاً و لا نهارا في طريق مكّة و بمكّة و في الطواف ، ثمّ قصدته ذات ليلة فلم أره حتّى طلع الفجر ، فقلت له : غمّني إبطاؤك ، فأيّ شيء كانت الحال ؟ قال لي : ما زلت بالأبطح مع أبي الحسن _ يعني أبا إبراهيم و عليّ ابنه عليهماالسلامعن يمينه _ فقال :يا أَبا الفَضلِ _ أو يا زيادُ _ هذا ابني عَلِيٌّ ، قَولُهُ قَولي وَ فِعلُهُ فِعلي ، فَإِن كانَت لَكَ حاجَةٌ فَأَنزِلها بِهِ وَاقبَل قَولَهُ ، فَإِنَّه لا يَقولُ عَلى اللّهِ إِلَا الحَقَّ . قال ابن أبي سعيد : فمكثنا ما شاء اللّه حتّى حدث من أمر البرامكة ما حدث ، فكتب زياد إلى أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليهماالسلام يسأله عن ظهور هذا الأمر الحديث ، أو الاستتار. فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام : أَظهِر ، فَلا بَأسَ عَلَيكَ مِنهُم . فظهر ، زياد ، فلمّا حدَّث الحديثَ ، قلت له : يا أبا الفضل ، أيّ شيء يعدل بهذا الأمر ؟ فقال لي : ليس هذا أوان الكلام فيه . قال : فألححت عليه بالكلام بالكوفة و ببغداد ، كلّ ذلك يقول لي مثل ذلك ، إلى

.

ص: 299

( 187 ) كتابه عليه السلام إلى يونس و هشام في قصّة موسى عليه السلام حين لقي الخضر عليه السلام

أن قال لي آخر كلامه : ويحك! فتبطل هذه الأحاديث الّتي روينا. (1)

187كتابه عليه السلام إلى يونس و هشامفي قصّة موسى عليه السلام حين لقي الخضر عليه السلاممحمّد بن عليّ بن بلال عن يونس ، قال : اختلف يونس و هشام بن إبراهيم في العالم الّذي أتاه موسى عليه السلام أيّهما كان أعلم ، و هل يجوز أن يكون على موسى حجّة في وقته و هو حجّة اللّه على خلقه ؟ فقال قاسم الصّيقل (2) : فكتبوا ذلك إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام يسألونه عن ذلك . فكتب في الجواب :أَتى موسى العالِمَ فَأَصابَهُ وَ هوَ في جَزيرَةٍ مِن جَزائِرِ البَحرِ ، إِمَّا جالِسا وَ إمَّا مُتَّكِئا ، فَسَلَّمَ عَلَيهِ موسى فَأَنكَرَ السَّلامَ ، إِذ كانَ بِأَرضٍ لَيسَ فيها سَلامٌ ، قالَ : مَن أَنتَ؟ قالَ : أَنا موسى بنُ عِمرانَ ، قالَ : أَنتَ موسى بنُ عِمرانَ ، الّذي كَلَّمَهُ اللّهُ تَكليما؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَما حاجَتُكَ؟ قالَ : جِئتُ أَن لِتُعَلِّمَني مِمَّا عُلِّمتَ رُشدا . قالَ : إِنِّي وُكِّلتُ بِأَمرٍ لا تُطيقُهُ ، وَ وُكِّلتَ أَنتَ بِأَمرٍ لا أُطيقُهُ . ثُمَّ حَدَّثَهُ العالِمُ بِما يُصيبُ آلَ مُحَمَّدٍ مِنَ البَلاءِ وَ كَيدِ الأَعداءِ حَتَّى اشتَدَّ بُكاؤُهُما . ثُمَّ حَدَّثَهُ العالِمُ عَن فَضلِ آلِ مُحَمَّدٍ حَتَّى جَعَلَ موسى يَقولُ : يا لَيتَني كُنتُ مِن آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ حَتَّى ذَكَرَ فُلانا وَ فُلانا وَ فُلانا وَ مَبعَثَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إِلى قَومِهِ ، وَ ما يَلقى مِنهُم وَ مِن تَكذيبِهِم إِيَّاهُ ، وَ ذَكَرَ لَهُ مِن تَأويلِ هذهِ الآيَةِ : « وَنُقَلِّبُ أَفْ_ئدَتَهُمْ وَأَبْصَ_رَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ » (3) حينَ أَخَذَ الميثاقَ عَلَيهِم .

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص767 الرقم 887 ، بحار الأنوار : ج48 ص272 ح32 .
2- .راجع : ص 116 الرقم 61 .
3- .الأنعام : 110.

ص: 300

فَقالَ لَهُ موسى : « قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا » (1) ؟ فَقالَ الخَضِرُ : « إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا * وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا » . فَقالَ موسى عليه السلام : « سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ صَابِرًا وَ لَا أَعْصِى لَكَ أَمْرًا » . قالَ الخَضِرُ : « فَإِنِ اتَّبَعْتَنِى فَلَا تَسْ_ئلْنِى عَن شَىْ ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا » ، يَقولُ : لا تَسأَلني عَن شَيءٍ أَفعَلُهُ وَ لا تُنكِرهُ عَلَيَّ حَتَّى أَنا أُخبِرَكَ بِخَبَرِهِ . قالَ : نَعَم . فَمَرُّوا ثَلاثَتُهُم حَتَّى انتَهَوا إلى ساحِلِ البَحرِ وَ قَد شُحِنَت سَفينَةٌ وَ هي تُريدُ أَن تَعبُرَ ، فَقالَ لأَِربابِ السَّفينَةِ : تَحمِلوا هؤُلاءِ الثَّلاثَةَ نَفَرٍ ، فَإِنَّهُم قَومٌ صالِحونَ ، فَحَمَلوهُم فَلَمَّا جَنَحَتِ السَّفينَةُ في البَحرِ ، قامَ الخَضِرُ إِلى جَوانِبِ السَّفينَةِ فَكَسَرَها وَ أَحشاها بِالخِرَقِ وَ الطِّينِ ، فَغَضَبَ موسى غَضَبا شَديدا ، وَ قَال لِلخَضِرِ : « أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْ_ئا إِمْرًا » . فَقالَ لَهُ الخَضِرُ عليه السلام : « أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا » ؟ قالَ موسى : « لَا تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَ لَا تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْرًا » . فَخَرَجوا مِنَ السَّفينَةِ فَمَرُّوا فَنَظَرَ الخَضِرُ إِلى غُلامٍ يَلعَبُ بَينَ الصِّبيانِ ، حَسَنِ الوَجهِ كَأَنَّهُ قِطعَةُ قَمَرٍ ، في أُذُنَيهِ دُرَّتانِ ، فَتَأَمَّلَهُ الخَضِرُ ثُمَّ أَخَذَهُ فَقَتَلَهُ ، فَوَثَبَ موسى عَلى الخَضِرِ وَ جَلَدَ بِهِ الأَرضَ فَقالَ : « أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةَ بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْ_ئا نُّكْرًا » . فَقالَ الخَضِرُ : « أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا » . قالَ موسى : « إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْ ءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَ_حِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّى عُذْرًا * فَانطَ_لَقَا حَتَّى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ » . بِالعَشيِّ تُسمَّى النَّاصِرَةَ ، وَ إِلَيها يَنتَسِبُ النَّصارى ، وَ لَم يُضَيِّفوا أَحَدا قَطُّ ، وَ لَم يَطعَموا غَريبا ، فاستَطعَموهُم فَلَم يُطعِموهُم ، وَ لَم يُضَيِّفوهُم ، فَنَظَرَ الخَضِرُ عليه السلام إِلى حائِطٍ قَد زالَ لِيَنهَدِمَ ، فَوَضَعَ الخَضِرُ يَدَهُ عَلَيهِ وَ قالَ : قُم بِإِذنِ اللّهِ فَقامَ . فَقالَ موسى : لم يَنبَغِ لَكَ أَن تُقيمَ الجِدارَ حَتَّى يُطعِمونا وَ يُؤوونا ، وَ هوَ قوله : « لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا » .

.


1- .الكهف : 66.

ص: 301

( 188 ) كتابه عليه السلام إلى حاكم الطّبَسَين

فَقالَ لَهُ الخَضِرُ : « هَ_ذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَ بَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا أَمَّا السَّفِينَةُ » الَّتي فَعَلتُ بِها ما فَعَلتُ ، فَإِنَّها كانَت لِقَومٍ « مَسَ_كِينَ يَعْمَلُونَ فِى الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَ كَانَ وَرَآءَهُم » أَي وَراءَ السَّفينَةِ « مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ » صالِحَةٍ « غَصْبًا » _ كَذا نَزَلَت _ وَ إِذا كانَت السَّفينَةُ مَعيوبَةً لَم يَأخُذ مِنها شَيئا ، « وَ أَمَّا الْغُلَ_مُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ » وَ طُبِعَ كافِرا _ كَذا نَزَلَت _ فَنَظَرتُ إِلى جَبينِهِ وَ عَلَيهِ مَكتوبٌ طُبِعَ كافِرا ، « فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَ_نًا وَ كُفْرًا * فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَوةً وَ أَقْرَبَ رُحْمًا » فَأَبدَلَ اللّهُ لِوالِدَيهِ بنتا ، وَ وَلَدَت سَبعينَ نَبيّا ، « وَ أَمَّا الْجِدَارُ » الّذي أَقَمتُهُ « فَكَانَ لِغُلَ_مَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَ كَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَ كَانَ أَبُوهُمَا صَ__لِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا » إلى قوله : « ذَ لِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا » (1) . (2)

188كتابه عليه السلام إلى حاكم الطّبَسَين (3)بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم مِن عَليِّ بنِ موسى بنِ جَعفَرٍ الرِّضا ، إِلى عامِرِ بنِ زَروامهر مَرزَبان الطَّبَسَينِ .

.


1- .الكهف : الآيات من 67 إلى 82 .
2- .تفسير القمّي : ج2 ص38 ، قصص الأنبياء : ص290 ، بحار الأنوار : ج13 ص278 ح1.
3- .في القاموس : الطّبس والطّبسان : بالتّحريك ، كورتان بخراسان أعجميّة . و في معجم البلدان : الطّبسان : بفتح أوّله وثانيه ، وهو تثنية طبس ، وهي عجميّة فارسيّة ، وفي العربيّة : الطّبس الأسود من كلّ شيء ، والطّبس ، بالكسر : الذّئب ، والطّبسان : قصبة ناحية بين نيسابور وأصبهان تسمّى قهستان قاين ، وهما بلدتان كلّ واحدة منهما يقال لها طبس ، إحداهما طبس العناب والاُخرى طبس التّمر ، قال الأصطخري : الطّبس مدينة صغيرة أصغر من قاين وهي من الجروم ، وبها نخيل وعليها حصن وليس لها قهندز ، وبناؤها من طين وماؤها من القني ونخيلها أكثر من بساتين قاين ، والعرب تسمّيها باب خراسان ؛ لأنّ العرب في أيّام عثمان بن عفّان لمّا قصدوا فتح خراسان كانت أوّل فتوحهم ، قالّ أبو الحسن عليّ بن محمّد المدائنيّ : أوّل فتوح خراسان الطّبسان ، وهما بابا خراسان ، وقد فتحهما عبد اللّه بن بديل بن ورقاء في أيّام عثمان بن عفّان سنة 29 ه ، ثمّ دخلوا إلى خراسان ، وهي بين نيسابور وأصبهان وشيراز وكرمان ( القاموس المحيط : ج4 ص20 ) .

ص: 302

سَلامٌ عَلَيكَ ، فَإِنَّي أَحمِدُ إِلَيكَ اللّهَ الّذي لا إِلهَ إِلَا هوَ ، وَ أَسأَلُكَ أَن تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبدِهِ وَرَسولِهِ صلى الله عليه و آله . الحَمدُ للّهِ الأَحدِ الصَّمَدِ ، القاهِرِ فَوقَ عِبادِهِ ، القادِرِ عَلى ما يشاءُ مِن أَمرِهِ ، الّذي يَجيرُ مَن استَجارَهُ ، وَ يُعيذُ مَن استَعاذَهُ ، مَلكُ المُلوكِ وَ رَبُّ الأَربابِ ، لَيسَ أَحَدٌ يُسابِقُ إِلى نَفسِهِ قِسمٌ لَهُ ، وَ لا يُصارِفُ فيما جَرَى القَلَمُ بِهِ ، فَاتَّقوا اللّهَ في السِّرِّ وَ العَلانيَّةِ . أَمَّا بَعدُ ، فَإِنَّهُ عَرَضَت لَنا مِنَ الأُمورِ وَ الحاجَةِ ما لا أَعتَمِدُ عَلَيهِ بِهذِهِ النَّاحيَةِ دونَكَ ، وَ إِنَّه فُقِدَ وَلَدٌ مِن أَولادِ قُرَيشٍ مِن عِترَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله ، وَ قَد وَرَّثَني حُزنَهُ ، المُسَمَّى بالحُسَينِ ، قَد راهَقَ الحُلُمَ ، وَ كانَ مِنِ ابنِ اثنَتَي عَشرَةَ سَنَةً ، أَسمَرُ اللَّونِ ، في بَياضِ عَينِهِ اليُمنى نُقطَةٌ حَمراءٌ ، قاني الوَجنَتَينِ ، سَبِطَ (1) الشَّعرِ ، طَويلٌ ساعِداهُ ، أَطوَلُ مِن سائِرِ النَّاسِ ، مُنذُ أَتى عَلى فَقدِهِ تِسعِ [ سَبعِ ] سِنينَ ، وَ قَد بَلَغنَا أَنَّهُ قَصَدَ إِلى هذِهِ النَّاحيةِ بِبابَي خُراسانَ واقِفا بِهِما . فَأَسأَلُكَ أَن تَستَعينَ بِأَوليائِكَ وَ تَتَوَلَّى أَثَرَ هذا المَفقودِ ، فَإِن وَجَدتَهُ فَبَيِّن لي بَعدَ ما يَصُحُّ عِندَكَ الصِّفَةُ وَ الحُليَةُ ، لِأَقِفُ عَلَيهِ ، وَ أَسأَلُكَ تَعاهُدَهُ وَ بِرَّهُ وَ لُطفَهُ ، وَ إزاحَةَ عِلَّتَهُ إِلى أَن يَرُدَّ اللّهُ بِخَبَرِهِ المُعظَّمِ المُتَفَرِّقِ وَ أَكرَم ، وَ اكتُب إِليَّ بِما يَعرُضَ لَكَ بِهذِهِ النَّاحيَةِ دَقيقُكَ وَجَليلُكَ ، تَجِدَني عِندَ ذلِكَ مُوافَّقا إِن شاءَ اللّهُ . وَ احفِظ أَمرَ اللّهِ عز و جل وَ وَصيَّتَهُ في سورَةِ النِّساءِ الكُبرى : « إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الْأَمَ_نَ_تِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعَا بَصِيرًا » (2) ؛ حَتَّى ذَكَرَ بَعدَ ذلِكَ : « وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَ_زَعْتُمْ فِى شَىْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ » (3) .

.


1- .بسكون الباء أو كسرها : المسترسل .
2- .النّساء : 58.
3- .النّساء : 59.

ص: 303

وَ السَّلامُ عَلَيكَ وَ رَحمَةُ اللّهِ وَ بَركاتُهُ ، وَ عَلى جَميعِ أَوليائِكَ المُسلِمينَ المُستَضعَفينَ ، المُطيعينَ بِطاعَةِ اللّهِ وَ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله . 1 وآخر دعوانا : « سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ » (1) .

.


1- .الصافّات : 180 _ 182 .

ص: 304

. .

ص: 305

مَكاتيبُ الإِمامِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الجَوادِ عليهماالسلام

اشاره

مكاتيب الإمام محمّد بن عليٍّ الجواد عليهما السّلام

.

ص: 306

. .

ص: 307

الفصل الأوّل : في التوحيد

اشاره

الفصل الأوّل: في التوحيد

.

ص: 308

. .

ص: 309

( 189 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار إثبات قدمه جلّ جلاله

189كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارإثبات قدمه جلّ جلالهمحمّد بن موسى بن المتوكّل رضى الله عنه ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد ، عن عبد اللّه بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار 1 ، قال : كتب أبو جعفرٍ عليه السلام إلى رجلٍ بخطّه و قرأتُه في دعاءٍ كتب به أن يقول :

.

ص: 310

( 190 ) كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحمن بن أبي نَجران في التّحذير من عبادة ألفاظٍ دون معنى
( 191 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار في البراءة من القائلين بالتّجسّم

ياذا الَّذي كانَ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، ثُمَّ خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ ، ثُمَّ يَبقى وَ يَفنى كُلُّ شَيءٍ، وَ ياذا الَّذي لَيسَ في السَّماواتِ العُلى وَ لا في الأَرَضَينَ السُّفلى وَ لا فَوقَهُنَّ وَ لا بَينَهُنَّ وَ لا تَحتَهُنَّ إِلهٌ يُعبَدُ غَيرُهُ . (1)

190كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحمن بن أبي نَجرانفي التّحذير من عبادة ألفاظٍ دون معنىعليُّ بن إبراهيم ، عن العبّاس بن معروف ، عن عبد الرّحمن بن أبي نَجران 2 قال : كتبتُ إلى أبي جعفرٍ عليه السلام أو قلتُ له : جعلني اللّه فداك نعبد الرّحمن الرّحيمَ الواحِدَ الأحدَ الصّمدَ . قال : فقال :إِنَّ مَن عَبَدَ الاسمَ دونَ المُسَمّى بِالأَسمَاء ، أَشرَك وَ كَفَرَ وَ جَحَدَ وَ لَم يَعبُد شَيئاً ، بَل اعبُدِ اللّهَ الواحِدَ الأَحَدَ الصَّمَدَ ، المُسَمّى بِهذِهِ الأَسماءِ دونَ الأَسمَاءِ ، إنَّ الأَسماءَ صِفَاتٌ وَصَفَ بِها نَفسَهُ . (2)

191كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي البراءة من القائلين بالتّجسّممحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن العبّاس بن

.


1- .التوحيد : ص47 ح11 ، بحار الأنوار : ج3 ص285 ح5 وج94 ص179 ح2 وج6 ص 328 ح9 .
2- .الكافي : ج1 ص87 ح3 .

ص: 311

معروف ، عن عليّ بن مهزيار (1) ، قال : كتبتُ إلى أبي جعفرٍ محمّد بن عليّ بن موسى الرّضا عليهم السلام : جُعلتُ فداك اُصلّي خلف من يقول بالجسم و من يقول بقول يونس بن عبد الرّحمن ؟ فكتب عليه السلام :لا تُصَلّوا خَلفَهُم ، وَ لا تُعطوهُم مِنَ الزَّكاةِ ، وَ ابرَءوا مِنهُم ، بَرِئَ اللّهُ مِنهُم . (2)

.


1- .و قد مضى شرحه في الرقم« 1 » .
2- .الأمالي للصدوق : ص352 ح426 ، بحار الأنوار : ج3 ص292 ح13 وج88 ص79 ح34 ، وسائل الشيعة : ج8 ص312 ح10758 مع اختلافٍ يسير .

ص: 312

. .

ص: 313

الفصل الثاني : في الإمامة

اشاره

الفصل الثّاني: في الإمامة

.

ص: 314

. .

ص: 315

( 192 ) في الوصيّة على أبي الحسن الثّالث

192في الوصيّة على أبي الحسن الثّالثفي نسخة الصّفوانيّ من الكافي : محمّد بن جعفر الكوفيّ ، عن محمّد بن عيسى بن عُبيد ، عن محمّد بن الحسين الواسطيّ أنّه سمع أحمد بن أبي خالد (1) مولى أبي جعفرٍ يحكي أنّه أشهَدَهُ على هذه الوصيّة المنسوخة (2) : شهد أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفرٍ : أنّ أبا جعفرٍ محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، أشْهده أنّه أوصى إلى عليٍّ ابنه بنفسه وأخواته ، و جعل أمرَ موسى (3) إذا بلغ إليه ، و جعل عبد اللّه بن المُساور (4) قائماً على تركَتِه مِن الضّياع و الأموال و النّفقات و الرّقيق ، و غير ذلك ، إلى أن يبلغ عليُّ بن محمّدٍ .

.


1- .أحمد بن أبي خالد : مولى أبي جعفر الثّاني عليه السلام ، و أشهده على الوصيّة إلى ابنه . روى عنه محمّد بن الحسين الواسطي ، و وثّقه لأنّه أشهده على الوصيّة ( راجع : قاموس الرجال : ج11 ص172 ، معجم رجال الحديث : ج2 ص26 الرقم406 ) .
2- .أي المكتوبة .
3- .أي ابنه الملقّب بالمبرقع المدفون بقم .
4- .و في هامش المصدر : « في بعض النّسخ : عبد اللّه بن المشاور » .

ص: 316

( 193 ) كتابه عليه السلام في الوصيّة النّصّ على أبي الحسن الثّالث

صيّر عبد اللّه بن المُسَاور ذلك اليوم إليه يقوم بأمر نفسِه و أخواته (1) ، و يُصيّر أمر موسى إليه يقومُ لنفسه بعدهما على شرط أبيهما في صدقاته الّتي تصدّق بها ، و ذلك يوم الأحد لثلاث ليالٍ خلون من ذي الحجّة سنة عشرين و مئتين ، و كتب أحمد بن أبي خالد شهادته بخطّه ، و شهد الحسن بن محمّد بن عبد اللّه بن الحسن بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام وهو الجَوّانيّ ، على مثل شهادة أحمد بن أبي خالد في صدر هذا الكتاب ، و كتب شهادته بيده ، و شهد نصرٌ الخادم ، و كتب شهادته بيده . (2)

193كتابه عليه السلام في الوصيّةالنّصّ على أبي الحسن الثّالثالحسين بن محمّد ، عن الخَيرانيّ 3 ، عن أبيه أنّه قال : كان يلزم باب أبي جعفرٍ عليه السلام للخدمة الّتي كان وُكِّل بها ، و كان أحمدُ بن محمّد بن عيسى (3) يجيء في السّحر في

.


1- .و الصّحيح: إخوانه .
2- .الكافي : ج1 ص325 ح3 ، بحار الأنوار : ج50 ص121 ح4 .
3- .راجع : ص 41 الرقم 14 .

ص: 317

كلّ ليلة ، ليعرف خبر علّة أبي جعفرٍ عليه السلام ، و كان الرّسول الّذي يختلف بين أبي جعفرٍ عليه السلام و بين أبي إذا حضر قام أحمد و خلا به أبي ، فخرجت ذات ليلةٍ و قام أحمد عن المجلس و خلا أبي بالرّسول ، و استدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام ، فقال الرّسول لأبي : إنّ مولاك يقرأ عليك السّلام و يقول لك : إِنّي ماضٍ وَ الأمرُ صائِرٌ إلى ابني عَليِّ ، وَ لَهُ عَلَيكُم بَعدي ما كانَ لي عَلَيكُم بَعدَ أَبي . ثمّ مضى الرّسول و رجع أحمد إلى موضعه و قال لأبي : ما الّذي قد قال لك ؟ قال : خيراً . قال : قد سمعت ما قال ، فلِمَ تكتُمُه ؟ و أعاد ما سمع . فقال له أبي: قد حرّم اللّه عليك ما فعلت ؛ لأنّ اللّه تعالى يقول : «وَ لَا تَجَسَّسُوا» (1) ، فاحفَظ الشّهادة ، لعلّنا نحتاج إليها يوماً ما ، و إيّاك أن تُظهرها إلى و قتها . فلمّا أصبح أبي كتب نسخة الرّسالة في عشر رِقاعٍ ، و ختمها و دفعها إلى عشرةٍ من وجوه العصابة ، و قال: إن حدث بي حدث الموت قبل أن اُطالبكم بها فافتحوها و أعلِموا بما فيها . فلمّا مضى أبو جعفر عليه السلام ، ذكر أبي أنّه لم يخرج من منزله حتّى قطع على يديه نحوٌ من أربعمئة إنسان ، و اجتمع رُؤساء العصابة عند محمّد بن الفرج يتفاوضون هذا الأمر ، فكتب محمّد بن الفرج إلى أبي يُعلمه باجتماعهم ، عنده و أنّه لولا مخافة الشّهرة لصار معهم إليه ، و يسأله أن يأتيه . فركب أبي و صار إليه ، فوجد القوم مجتمعين عنده ، فقالوا لأبي : ما تقول في هذا الأمر ؟ فقال أبي لمن عنده الرّقاعُ : أَحضِروا الرّقاع . فأحضروها ، فقال لهم : هذا ما اُمرتُ به . فقال بعضهم : قد كُنّا نُحِبُّ أن يكون معك في هذا الأمر شاهدٌ آخَر ؟ فقال لهم : قد أتاكم اللّهُ عزّ و جلّ به هذا أبو جعفر الأشعريّ يشهد لي بسماع هذه

.


1- .الحجرات : 12 .

ص: 318

( 194 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفَرَج في علّة الغيبة
( 195 ) كتابه عليه السلام في علّة الغيبة

الرّسالة . و سأله أن يشهد بما عنده فأنكر أحمدُ أن يكون سمع من هذا شيئاً . فدعاه أبي إلى المُباهلة . فقال : لمّا حَقّقَ عليه قال : قد سمعت ذلك ، و هذا مكرمة كنت اُحِبّ أن تكون لرجلٍ من العرب ، لا لرجلٍ من العجم فلم يبرح القومُ حتّى قالوا بالحقّ جميعاً . (1)

194كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفَرَجفي علّة الغيبةمحمّد بن يحيى ، عن جعفر بن محمّد ، عن أحمد بن الحسين ، عن محمّد بن عبداللّه ، عن محمّد بن الفَرَج 2 ، قال : كتب إليَّ أبو جعفرٍ عليه السلام :إذا غَضِبَ اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعالى عَلى خَلقِهِ ، نَحّانا عَن جِوَارِهِم . (2)

195كتابه عليه السلام في علّة الغيبةأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن

.


1- .الكافي : ج1 ص324 ح2 ، الإرشاد : ج2 ص 298 ، بحار الأنوار : ج50 ص119 ح1 .
2- .الكافي : ج1 ص343 ح31 ، وسائل الشيعة : ج3 ص338 .

ص: 319

( 196 ) كتابه عليه السلام إلى أبي طالبٍ القمّي في استحباب مدح الأئمّة :

أحمد بن الحسين بن عمر ، عن محمّد بن عبد اللّه ، عن مروان الأنباريّ 1 ، قال : خرج من أبي جعفرٍ عليه السلام :إِنَّ اللّهَ إِذا كَرِهَ لَنا جِوارَ قَومٍ ، نَزَعَنا مِن بَينِ أَظهُرِهِم . (1)

196كتابه عليه السلام إلى أبي طالبٍ القمّيفي استحباب مدح الأئمّة عليهم السلامعليّ بن محمّد ، قال : حدّثني محمّد بن عبد الجبّار ، عن أبي طالبٍ القمّي (2) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام بأبيات شِعرٍ ، و ذكرتُ فيها أباه ، و سألته أن يأذن لي في أن أقول فيه ، فقطع الشّعر وحبسه ، و كتب في صدر ما بقي من القرطاس :قَد أَحسَنتَ ، فَجَزاكَ اللّهُ خَيراً . (3)

.


1- .علل الشرائع : ص244 ح2 ، بحار الأنوار : ج52 ص244 ح2 .
2- .راجع : « عبد اللّه بن الصّلت » في الرقم 197 الهامش .
3- .رجال الكشّي : ج2 ص514 الرقم 451 وص 838 الرقم 1075 ، بحار الأنوار : ج26 ص231 ح6 ، وسائل الشيعة : ج14 ص 598 ح19896 .

ص: 320

( 197 ) كتابه عليه السلام إلى أبي طالبٍ القمّي

197كتابه عليه السلام إلى أبي طالبٍ القمّيمحمّد بن مسعود ، قال : حدّثني حمدان بن أحمد النّهديّ ، قال : حدّثنا أبو طالبٍ القمّي _ يعني عبد اللّه بن الصّلت _ 1 قال: كتبتُ إلى أبي جعفرٍ بن الرّضا عليهماالسلام ، فَأَذِن لي أن أرثي أبا الحسن عليه السلام _ أعني أباه _ ، قال : و كتب إليَّ : اندُبني وَ اندُب أَبي . (1)

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص 838 الرقم1074 ، بحار الأنوار : ج26 ص232 ح8 وج72 ص263 ح10 ، وسائل الشيعة : ج14 ص 598 ح19895 .

ص: 321

الفصل الثالث : في بعض معجزات و غرائب شأنه عليه السلام

اشاره

الفصل الثّالث: في بعض معجزات و غرائب شأنه

.

ص: 322

. .

ص: 323

( 198 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن فُضَيل الصّيرفي

198كتابه عليه السلام إلى محمّد بن فُضَيل الصّيرفيروى بكر بن صالح عن محمّد بن فُضَيل الصّيرفي (1) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام كتاباً ، و في آخره : هل عندك سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ و نسيت أن أبعث بالكتاب . فكتب إليَّ بحوائجٍ له ، و في آخر كتابه :عِندي سِلاحُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَ هوَ فينا بِمَنزِلَةِ التّابوتِ في بَني إِسرائيلَ ، يَدورُ مَعَنا حَيثُ دُرنا ، وَ هوَ مَعَ كُلِّ إِمامٍ . و كنت بمكّة فأضمرت في نفسي شيئاً لا يعلمه إلّا اللّه ، فلمّا صرت إلى المدينة و دخلت عليه نظر إليَّ فقال : استَغفِرِ اللّهَ مِمّا أَضمَرتَ وَ لا تَعُد . قال بكر : فقلت لمحمّد : أيّ شيءٍ هذا ؟ قال : لا أخبر به أحداً . قال : و خرج بإحدى رِجلَيّ العِرق المدنيّ ، و قد قال لي قبل أن يخرج العِرق في

.


1- .أبو جعفر الأزرق محمّد بن فضيل ( الفضيل ) بن كثير الصّيرفيّ الأزديّ كوفيّ ، روى عن أبي الحسن موسى و الرّضا عليهماالسلام ، يرمى بالغلوّ ، له كتاب و مسائل . ضعّفه الشّيخ و عدّه من أصحاب الصّادق و الكاظم و الرّضا عليهم السلام ( راجع : رجال النجاشي : ج2 ص367 الرقم995 ، الفهرست للطوسي : ص 326 الرقم634 ، رجال الطوسي : ص292 الرقم4259 وص 343 الرقم5124 وص364 الرقم5422 ، رجال البرقي : ص21 و48 و53 ) .

ص: 324

( 199 ) ما أرسله عليه السلام في إنشاء مكتوبة محمّد بن سهل

رِجلي و قد ودّعته ، فكان آخر ما قال : إِنَّهُ سَتُصيبُ وَجَعاً ، فاصبِر ، فَأَيُّما رَجُلٍ مِن شيعَتِنا اشتَكى فَصَبَرَ وَاحتَسَبَ ، كَتَبَ اللّهُ لَهُ أَجرَ أَلفِ شَهيدٍ . فلمّا صرت في بطن مَرَّ (1) ضُرب (2) على رِجلي ، و خرج بي العِرق ، فما زلت شاكياً أشهراً . و حججت في السّنة الثّانية ، فدخلت عليه فقلت: جعلني اللّه فداك ، عوّذ رجلي . و أخبرته أنّ هذه الّتي توجعني . فقال : لا بَأسَ عَلى هذِهِ ، وَ أَعطِني رِجلَكَ الأُخرى الصَّحيحَةَ . فبسطتها بين يديه و عوّذها ، فلمّا قمت من عنده خرج في الرّجل الصّحيحةِ ، فرجعت إلى نفسي فعلمت أنّه عوّذها قبل من الوجع ، فعافاني اللّه من بعد . (3)

199ما أرسله عليه السلام في إنشاء مكتوبة محمّد بن سهلعبد اللّه بن جعفر الحِميريّ فيما رواه في كتاب الدّلائل ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سهل بن اليسع (4) ، قال : كنت مجاوراً بمكّة فصرت إلى المدينة ، فدخلت على أبي جعفرٍ عليه السلام ، و أردت أن أسأله عن كِسوة يكسونيها ، فلم يتّفق لي أن أسأله ، حتّى ودّعته و أردت الخروج ، فقلت : أكتب إليه و أسأله .

.


1- .بطن مَرّ _ بفتح الميم و تشديد الرّاء _ : من نواحي مكّة ، عنده يجتمع وادي النّخلتين فيصيران واديّاً واحداً . قال الواقديّ : بين مرّ و بين مكّة خمسة أميال ( معجم البلدان : ج1 ص449 وج5 ص104 ) .
2- .أي : ضرب الوجع .
3- .الخرائج و الجرائح : ج1 ص387 ح16 ، بحار الأنوار : ج50 ص53 ح31 .
4- .محمّد بن سهل بن اليسع بن عبد اللّه بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعريّ القمّي : روى عن الرّضا و أبي جعفر عليهماالسلام ( راجع : رجال النجاشي : ص367 الرقم996 ، رجال الطوسي : ص395 الرقم5412 ) . ذكره ابن داوود في القسم الأوّل ( راجع : رجال ابن داوود : ص174 الرقم1407 ) ، لم يوثّق و لم يرد فيه مدح ، و ما ذكره البهبهاني من وثاقته وورود المدح فيه لم يثبت ( كتاب الحجّ للسيّد الخوئي : ج1 ص199 ) .

ص: 325

( 200 ) كتابه عليه السلام إلى جماعة

قال : و كتبت الكتاب و صرت إلى مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله على أن أصلّي ركعتين و أستخير اللّه مئة مرّة ، فإن و قع في قلبي أن أبعث إليه بالكتاب و إلّا خرّقته . قال : فوقع في قلبي أن لا أبعث إليه . فخرّقت الكتاب و خرجت من المدينة، فبينا أنا كذلك إذ رأيت رسولاً معه ثياب في منديل يتخلّل الطّرقات و يسأل عن محمّد بن سهل القمّي ، حتّى انتهى إليَّ ، فقال : مولاك بعث إليك بهذا . و إذا مُلاءتان (1) . (2)

200كتابه عليه السلام إلى جماعةأحمد بن عليّ بن كلثوم السّرخسيّ 3 ، قال : رأيت رجلاً من أصحابنا يُعرف بابن زينبة (3) ، فسألني عن أحكم بن بشّار المروزيّ 5 ، و سألني عن قصّته و عن الأثر

.


1- .المُلاءة : وهي الإزار ( النهاية : ج2 ص403 ) .
2- .فتح الأبواب : ص243 ، الخرائج و الجرائح : ج2 ص668 ، بحار الأنوار : ج50 ص44 ح12 .
3- .لم نجد له ترجمة .

ص: 326

( 201 ) كتابه عليه السلام إلى ابن أُورَمَة

الّذي في حلقه ، و قد كنت رأيت في بعض حلقه شبه الخيط كأنّه أثر الذّبح . فقلت له : قد سألته مراراً فلم يخبرني . قال : فقال : كنّا سبعة نفر في حجرةٍ و احدة ببغداد في زمان أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام ، فغاب عنّا أحكم من عند العصر و لم يرجع في تلك اللّيلة ، فلمّا كان جوف اللّيل جائنا توقيع من أبي جعفرٍ عليه السلام :إِنَّ صاحِبَكُم الخُراسانيَّ مَذبوحٌ مَطروحٌ في لِبدٍ في مَزبَلَةِ كَذا وَ كَذا ، فاذهَبوا فَداووهُ بِكَذا وَ كَذا . فذهبنا فوجدناه مذبوحاً مطروحاً كما قال ، فحملناه وداويناه بما أمر به ، فبرء من ذلك . (1)

201كتابه عليه السلام إلى ابن أُورَمَة( محمّد ) ابن اُورَمَة 2 ، قال (2) : حملت إليَّ امرأة شيئاً من حليّ ، و شيئاً من دراهم ،

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص839 الرقم 1077 ، بحار الأنوار: ج50 ص64 ح41 وراجع المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص501 .
2- .زاد في هامش المصدر : « حدّثنا الشّيخ » .

ص: 327

و شيئاً من ثياب . فتوهّمت أنّ ذلك كلّه لها ، و لم أسألها (1) أنّ لغيرها في ذلك شيئاً ، فحملت ذلك إلى المدينة مع بضاعاتٍ لأصحابنا (2) . و كتبت في الكتاب أنّي قد بعثت إليك من قبل فلانة كذا ، و من قبل فلان كذا ، و من قبل فلان و فلان بكذا . فخرج في التّوقيع :قَد وَصَلَ ما بَعَثتَ مِن قِبَلِ فُلانٍ وَ فُلانٍ ، وَ مِن قِبَلِ المَرأَتَينِ ، تَقَبَّلَ اللّهُ مِنكَ ، وَرَضيَ عَنكَ ، وَ جَعَلَكَ مَعَنا في الدُّنيا وَ الآخِرَةِ . فلمّا رأيت ذكر المرأتين شككت في الكتاب أنّه غير كتابه ، وأنّه قد عمل عليّ دونه ؛ لأنّي كنت في نفسي على يقين أنّ الّذي دفعت إليَّ المرأة كان كلّه لها و هي امرأة واحدة ، فلمّا رأيت في التّوقيع امرأتين اتّهمت موصّل كتابي . فلمّا انصرفت إلى البلاد ، جاءتني المرأة فقالت : هل أوصلت بضاعتي ؟ قلت : نعم . قالت : و بضاعة فلانة ؟ قلت : و كان فيها لغيرك شيء ؟

.


1- .زاد في هامش المصدر : « احفظ عليها » . و في بحار الأنوار بلفظ : « ولم أحتط عليها أنّ ذلك لغيرها فيه شيء » .
2- .زاد في هامش المصدر : « فحملت إلى المدينة مع بضاعات لأصحابنا فوجّهت ذلك كلّه إليه » .

ص: 328

( 202 ) في العلم بالإضمار و حديث النّفس

قالت : نعم ، كان لي فيها كذا ، ولأُختي فلانة كذا . قلت : بلى قد أوصلت ذلك . و زال ما كان عندي . (1)

202في العلم بالإضمار و حديث النّفسمحمّد بن مسعود ، قال : حدّثني عليّ بن محمّد القمّي ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى القمّي (2) ، قال : بعث إليَّ أبو جعفرٍ عليه السلام غلامه و معه كتابه ، فأمرني أن أصير إليه ، فأتيته فهو بالمدينة نازل في دار بزيع ، فدخلت عليه و سلّمت عليه، فذكر في صفوان و محمّد بن سنان وغيرهما ممّا قد سمعه غير واحد، فقلت في نفسي استعطفه على زكريّا بن آدم لعلّه أن يسلم ممّا قال في هؤلاء، ثمّ رجعت إلى نفسي فقلت : من أنا أن أتعرّض في هذا و في شبهه ، مولاي هو أعلم بما يصنع . فقال لي :يا أَبا عَليٍّ ، لَيسَ عَلى مِثلِ أَبي يَحيى يَعجَلُ ، وَ قَد كانَ مِن خِدمَتِهِ لِأَبي عليه السلام وَمَنزِلَتِهِ عِندَهُ وَعِندي مِن بَعدِهِ ، غَيرَ أَنّي احتَجتُ إِلى المالِ الَّذي عِندَهُ . فقلت : جعُلت فداك ، هو باعث إليك بالمال ، وقال لي : إن وصلت إليه فاعلمه أنّ الّذي منعني من بعث المال اختلاف ميمون و مسافر . فقال : احمِل كِتابيَ إلَيهِ وَ مَرهُ أَن يَبعَثَ إِلَيَّ بِالمالِ .

.


1- .الخرائج و الجرائح : ج1 ص386 ح15 ، بحار الأنوار: ج50 ص52 ح26 .
2- .أحمد بن محمّد بن عيسى أبو جعفر ، أحمد بن محمّد بن عيسى بن عبداللّه بن سعد بن مالك بن الأحوص ، الأشعري : شيخ القميّين وجههم وفقيههم ، و كان من أجلّاء رواة الإماميّة ، ثقة ، و كان أيضا الرّئيس الّذي يلقى السّلطان ( راجع : رجال النجاشي : ص81 الرقم198 ) . و كان من أصحاب الرّضا و الجواد و الهاديّ عليهم السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص351 الرقم5197 و ص373 الرقم5519 و ص383 الرقم5632 ) .

ص: 329

فحملت كتابه إلى زكريّا ، فوجّه إليه بالمال . قال : فقال لي أبو جعفرٍ عليه السلام ابتداءً منه : ذَهَبَت الشُّبهَةُ ، ما لاِبي وَلَدٌ غَيري . فقلت : صدقت جُعلت فداك . (1)

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص 858 الرقم 1115 ، بصائر الدرجات : ص257 ح9 بإسناده عن أحمد بن محمّد عن أبيه محمّد بن عليّ القمّي ، الاختصاص : ص87 ، بحار الأنوار : ج49 ص279 ح34 : وج50 ص67 ح45 .

ص: 330

. .

ص: 331

الفصل الرابع : في فضائل بعض أصحابه عليه السلام

اشاره

الفصل الرّابع: في فضائل بعض أصحابه

.

ص: 332

. .

ص: 333

( 203 ) عليّ بن مهزيار

203عليّ بن مهزيارالتّلعكبريّ ، عن أحمد بن عليّ الرّازيّ ، عن الحسين بن عليّ ، عن أبي الحسن البلخيّ،عن أحمد بن مابندار الإسكافيّ،عن العلاء النّداريّ (1) ،عن الحسن بن شمّون 2 ، قال : قرأت هذه الرّسالة على عليّ بن مهزيار (2) عن أبي جعفرٍ الثّاني بخطّه :

.


1- .في بحار الأنوار : المذاريّ، و المذار : في ميسان بين واسط و البصرة . و كانت بالمذار وقعة لمصعب بن الزّبير على أحمر بن سميط النّخليّ ( معجم البلدان : ج5 ص88 ) .
2- .و قد مضى شرحه في الرقم « 1 » .

ص: 334

( 204 ) عليّ بن مهزيار
( 205 ) عليّ بن مهزيار

بسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم يا عَليُّ ، أَحسَنَ اللّهُ جَزاكَ ، وَأَسكَنَكَ جَنَّتَهُ ، وَ مَنَعَكَ مِنَ الخِزيِ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وَ حَشَرَكَ اللّهُ مَعَنا ، يا عَليُّ قَد بَلَوتُكَ وَ خَبَرتُكَ (1) في النَّصيحَةِ وَ الطّاعَةِ وَ الخِدمَةِ ، وَ التَّوقيرِ ، وَ القيامِ بِما يَجِبُ عَلَيكَ ، فَلَو قُلتُ إِنّي لَم أَرَ مِثلَكَ لَرَجَوتُ أَن أَكونُ صادِقاً ، فَجَزاكَ اللّهُ جَنّاتِ الفِردَوسِ نُزُلاً ، فَما خَفيَ عَلَيَّ مُقامُكَ وَ لا خِدمَتُكَ في الحَرِّ وَ البَردِ ، في اللَّيلِ وَ النَّهارِ ، فَأَسأَلُ اللّهَ إِذا جَمَعَ الخَلائِقَ لِلقيامَةِ أَن يَحبوكَ بِرَحمَةٍ تَغتَبِطَ بِها ، إِنَّهُ سَميعُ الدُّعاءِ . (2)

204عليّ بن مهزيارفي كتابٍ إلى عليّ بن مهزيار :وَأَسأَلُ اللّهَ أَن يَحفَظَكَ مِن بَينِ يَدَيكَ وَ مِن خَلفِكَ وَ في كُلِّ حالاتِكَ ، فَأَبشِر فَإِنّي أَرجوا أَن يَدفَعَ اللّهُ عَنكَ ، وَ أَسأَلُ اللّهَ أَن يَجعَلَ لَكَ الخيرَةَ فيما عَزَمَ لَكَ بِهِ عَلَيهِ مِنَ الشُّخوصِ في يَومِ الأَحَدِ ، فَأَخِّر ذلِكَ إِلى يَومِ الإِثنَينِ إِن شاءَ اللّهُ . صَحَبَكَ اللّهُ في سَفَرِكَ ، وَ خَلَّفَكَ في أَهلِكَ ، وَ أَدَّي غَيبَتَكَ وَسَلَّمتَ بِقُدرَتِهِ . (3)

205عليّ بن مهزيارقال عليّ بن مهزيار: كتبت إليه ( أبي جعفرٍ عليه السلام ) : أسأله التّوسع عليّ و التّحليل لما في يدي . فكتب :وَسَّعَ اللّهُ عَلَيكَ ، وَ لِمَن سَأَلتَ بِهِ التَّوسِعَةَ في أَهلِكَ ، وَلاِهلِ بَيتِكَ وَ لَكَ يا عَليُّ عِندي مِن

.


1- .و في هامش المصدر : « خيرتك » بدل « خبرتك » .
2- .الغيبة للطوسي : ص349 ح306 ، بحار الأنوار : ج50 ص104 ح22 .
3- .رجال الكشّي : ج2 ص826 الرقم 1040 .

ص: 335

( 206 ) عليّ بن مهزيار
( 207 ) عليّ بن مهزيار
( 208 ) عليّ بن مهزيار

أَكبَرِ التَّوسِعَةِ ، وَأَنا أَسأَلُ اللّهَ أَن يَصحَبَكَ بِالعافيَةِ ، وَ يُقَدِّمُكَ عَلى العافيَةِ ، وَ يَستُرُكَ بِالعافيَةِ ، إِنَّهُ سَميعُ الدُّعاءِ . (1)

206عليّ بن مهزيارفي كتابٍ لأبي جعفرٍ عليه السلام إليه ببغداد :قَد وَصَلَ إِليَّ كِتابُكَ ، وَ قَد فَهِمتُ ما ذَكَرتَ فيهِ ، وَ مَلَأتَني سُروراً ، فَسَرَّكَ اللّهُ ، وَأَنا أَرجو مِنَ الكافي الدّافِعِ أَن يَكفي كَيدَ كُلِّ كائِدٍ إِن شاءَ اللّهُ تَعالى . (2)

207عليّ بن مهزيارفي كتابٍ إلى عليّ بن مهزيار :وَ قَد فَهِمتُ ما ذَكَرتَ مِن أَمرِ القُمِّيِّينَ ، خَلَّصَهُمُ اللّهُ وَ فَرَّجَ عَنهُمُ ، وَ سَرَرتَني بِما ذَكَرتَ مِن ذلِكَ ، وَلَم تَزَل تَفعَل ، سَرَّكَ اللّهُ بِالجَنَّةِ وَرَضيَ عَنكَ بِرِضائي عَنكَ ، وَأَنا أَرجوا مِنَ اللّهِ حُسنُ العَونِ وَ الرَّأفَةِ ، وَ أَقولُ حَسبُنا اللّهُ وَ نِعمَ الوَكِيلِ . (3)

208عليّ بن مهزيارفي كتابٍ إلى عليّ بن مهزيار بالمدينة :فاشخِص إِلى مَنزِلِكَ ، صَيَّرَكَ اللّهُ إِلى خَيرِ مَنزِلٍ

.


1- .المصدر السابق .
2- .المصدر السابق .
3- .المصدر السابق .

ص: 336

( 209 ) عليّ بن مهزيار
( 210 ) يونس بن عبد الرّحمن

في دُنياكَ وَآخِرَتِكَ . (1)

209عليّ بن مهزيارقال عليّ بن مهزيار : سألته عليه السلام الدّعاء ؟ فكتب إليَّ :وَ أمّا ما سَأَلتَ مِنَ الدُّعاءِ ، فَإنَّكَ بَعدُ لَستَ تَدري كَيفَ جَعَلَكَ اللّهُ عِندي ، وَ رُبَّما سَمَّيتُكَ بِاسمِكَ وَنَسَبِكَ ، مَعَ كَثرَةِ عِنايَتي بِكَ وَ مَحَبَّتي لَكَ وَ مَعرِفَتي بِما أَنتَ إِلَيه ، فَأَدامَ اللّهُ لَكَ أَفضَلَ ما رَزَقَكَ مِن ذلِكَ ، وَرَضيَ عَنكَ بِرِضائي ، وَ بَلَّغَكَ أَفضَلَ نيَّتِكَ ، وَ أَنزَلَكَ الفِردَوسَ الأَعلى بِرَحمَتِه ، إِنَّهُ سَميعُ الدُّعاءِ ، حَفِظَكَ اللّهُ وَ تَوَلّاكَ وَدَفَعَ الشَّرَّ عَنكَ بِرَحمَتِهِ . . . . (2)

210يونس بن عبد الرّحمنحمدويه بن نصير ، قال : حدّثني محمّد بن إسماعيل الرّازيّ (3) ، قال : حدّثني : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : ما تقول في يونس بن عبد الرّحمن ؟ فكتب إليَّ بخطّه :أَحِبَّه وَ تَرَحَّمَ عَلَيهِ ، وَإِن كانَ يُخالِفُكَ أَهلُ بَلَدِكَ . (4)

.


1- .المصدر السابق .
2- .المصدر السابق .
3- .محمّد بن إسماعيل الرّازيّ : محمّد بن إسماعيل بن أحمد بن بشير البرمكيّ ، المعروف بصاحب الصّومعة ، أبو عبد اللّه [ أبو جعفر ] . اختلف كلام علمائنا في شأنه ، قال النجاشي : « إنّه كان ثقة مستقيما » ( راجع : رجال النجاشي : ص341 الرقم915 ) ، و قال ابن الغضائريّ : « إنّه ضعيف » ( رجال ابن الغضائري : ص97 الرقم146 ) ، و قال العلّامة في القسم الأوّل : « والأرجح عندي قول النجاشي » ( راجع : خلاصة الأقوال : ص155 الرقم89 ) كذا ذكره ابن داوود في القسم الأوّل قائلاً : «وضعّفه ابن الغضائري و الثّقة أرجح » ( رجال ابن داوود : ص165 الرقم1313 ) . وروى عن أبي جعفر الثّاني ، وروى عنه عليه السلام السيّاريّ .
4- .رجال الكشّي : ج2 ص783 الرقم 931 .

ص: 337

( 211 ) محمّد بن أحمد بن حمّاد أبو عليّ المروزيّ المحموديّ
( 212 ) إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ

211محمّد بن أحمد بن حمّاد أبو عليّ المروزيّ المحموديّابن مسعود ، قال : حدّثني أبو عليّ المحموديّ (1) : و كتب أبو جعفر عليه السلام إليَّ بعد وفاة أبي :قَد مَضى أَبوكَ رَضيَ اللّهُ عَنهُ وَ عَنكَ وَ هوَ عِندَنا عَلى حالٍ مَحمودَةٍ وَ لَم يَتَعَدَّ مِن تِلكَ الحالِ . (2)

212إبراهيم بن محمّد الهمدانيّعليّ بن محمّد ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد ، عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ 3 ،

.


1- .راجع : ص 149 الرقم 113 هو محمد بن أحمد بن حماد أبو علي المحمودي المروزي .
2- .رجال الكشّي : ج2 ص 798 الرقم 986 و ص833 ذيل الحديث 1057 و فيه : « كتب إليَّ الماضي عليه السلام » بدل « كتب أبو جعفر عليه السلام إليَّ » ، و ذكر المكتوبة مع اختلاف .

ص: 338

( 213 ) أبو طالبٍ القمّي
( 214 ) زكريّا بن آدم

قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام أصف له صنع السّبع بي . فكتب بخطّه :عَجَّل اللّهُ نُصرَتَكَ مِمَّن ظَلَمَكَ وَ كَفاكَ مَؤُنَتَهُ ، وَأَبشِر بِنَصرِ اللّهِ عاجِلاً وَ بِالأَجرِ آجِلاً ، وَأَكثِر مِن حَمدِ اللّهِ . (1)

213أبو طالبٍ القمّيعليّ بن محمّد ، قال : حدّثني محمّد بن عبد الجبّار ، عن أبي طالبٍ القمّي (2) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام بأبيات شعرٍ و ذكرت فيها أباه ، و سألته أن يأذن لي في أن أقول فيه ، فقطع الشّعر وحبسه ، و كتب في صدر ما بقي من القرطاس :قَد أَحسَنتَ جَزَاكَ اللّهُ خَيراً . (3)

214زكريّا بن آدمجعفر بن محمّد بن قولويه ، عن الحسن بن بُنان ، عن محمّد بن عيسى ، عن أبيه ،

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص869 الرقم 1135 ، بحار الأنوار: ج50 ص 108 ح29 .
2- .و قد مضى شرحه في الرقم 10 .
3- .رجال الكشّي : ج2 ص 838 الرقم 1075 .

ص: 339

عن عليّ بن مهزيار ، عن بعض القميّين ، عن محمّد بن إسحاق و الحسن بن محمّد (1) قالا : خرجنا بعد وفاة زكريّا بن آدم إلى الحجّ ، فتلقّانا كتابه عليه السلام في بعض الطّريق :ما جَرَى مِن قَضاءِ اللّهِ في الرَّجُلِ المُتَوَفّى رَحِمَهُ اللّهُ يَومَ وُلِدَ وَ يَومَ قُبِضَ وَ يَومَ يُبعَثُ حَيّاً ، فَقَد عاشَ أَيّامَ حَياتِهِ عارِفاً بِالحَقِّ قائِلاً بِهِ صابِراً مُحتَسِباً لِلحَقِّ قائِماً بِما يُحِبُّ اللّهُ وَرَسولُهُ صلى الله عليه و آله ، وَ مَضى رَحَمَةُ اللّهِ عَلَيهِ غَيرَ ناكِثٍ وَ لا مُبَدِّلٍ ، فَجَزاهُ اللّهُ جَزاء نيَّتِهِ ، وَأَعطاهُ جَزاءَ سَعيِهِ . وَذَكرتَ الرَّجُلَ المُوصَى إِلَيهِ فَلَم أَجِدُ فيهِ رَأيَنا ، وَ عِندَنا مِنَ المَعرِفَةِ بِهِ أَكثَرُ ما وَصَفتَ . يعني الحسن بن محمّد بن عمران . (2) و في كتاب الغيبة : خرج فيه عن أبي جعفرٍ عليه السلام : ذَكَرتَ ما جَرى مِن قَضاءِ اللّهِ في الرَّجُلِ المُتَوفَّى رَحِمَهُ اللّهُ تَعالى يَومَ وُلِدَ وَ يَومَ يَموتُ وَ يَومَ يُبعَثُ حَيّاً ، فَقَد عاشَ أَيّامَ حَياتِهِ عارِفاً بِالحَقِّ قائِلاً بِهِ ، صابِراً مُحتَسِباً لِلحَقِّ ، قائِماً بِما يُحِبُّ للّهِ وَ لِرَسولِهِ ، وَ مَضى رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِ غَيرَ ناكِثٍ وَ لا مُبَدِّلٍ ، فَجَزاهُ اللّهُ أَجرَ نيَّتِهِ وَأَعطاهُ جَزاءَ سَعيِهِ (3) . (4)

.


1- .الحسن بن محمّد : هو الحسن بن محمّد بن عمران ، بقرينة ذيل الخبر ، و لم يُترجم في المصادر الرّجاليّة غير ورود هذا الخبر و خبر آخر منه في التّهذيب و البصائر ( راجع : تهذيب الأحكام : ج1 ص92 الرقم94 و بصائر الدرجات : ص347 الرقم2 ) ، و هو يدلّ على مدح الرّجل وحسنه .
2- .الاختصاص : ص87 ، رجال الكشّي : ج2 ص 858 الرقم 1114 ، بحار الأنوار: ج50 ص104 ح21 راجع: الغيبة للطوسي : ص211 ، رجال الكشّي : ج2 ص595 الرقم 1114 .
3- .وقال أبو طالب القمّي : دخلت على أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام في آخر عمره ، فسمعته يقول: جزى اللّه صفوان بن يحيى و محمّد بن سنان و زكريّا بن آدم و سعد بن سعد عنّي خيراً ، فقد وفوا لي . و كان زكريّا بن آدم ممّن تولّاهم .
4- .الغيبة للطوسي : ص 348 ح303 ، بحار الأنوار : ج49 ص274 ح23 .

ص: 340

( 215 ) عبد الجبّار بن المبارك النّهاوندي

215عبد الجبّار بن المبارك النّهاونديأبو صالح خالد بن حامد ، قال : حدّثني أبو سعيد الآدمي ، قال : حدّثني بكر بن صالح ، عن عبد الجبّار بن المبارك النّهاونديّ (1) ، قال : أتيت سيّدي سنة تسع و مئتين ، فقلت له : جُعلت فداك ، إنّي رويت عن آبائك أنّ كلّ فتحٍ فُتِحَ بضلالٍ فهو للإمام . فقال : نَعَم . قلت : جُعلت فداك ، فإنّه أتوا بي في بعض الفتوح الّتي فُتحت على الضّلال ، و قد تخلّصت من الّذين ملكوني بسببٍ من الأسباب ، و قد أتيتك مسترقّاً مُستَعبداً .فقال : قَد قَبلتُ . قال:فلمّا حضر خروجيإلى مكّة قلت له:جُعلت فداك،إنّيقد حججت و تزوّجت و مكسبي ممّا يعطف عليّ إخواني لا شيء لي غيره ، فمرني بأمرك . فقال لي : انصَرِف إِلى بِلادِكَ وَأَنتَ مِن حَجِّكَ وَ تَزويجِكَ وَ كَسبِكَ في حِلِّ . فلمّا كانت سنة ثلاث عشرة و مئتين أتيته و ذكرت العبودية الّتي اُلزمتها ، فقال : أَنتَ حُرٌّ لِوَجهِ اللّهِ . قلت له : جُعلت فداك ، اكتب لي عهدك . فقال : تَخرُجُ إِلَيكَ غَداً .

.


1- .عبد الجبّار بن المبارك النّهاونديّ : روى ابن شهر آشوب الخبر في باب النصّ على إمامة أبي جعفرٍ الباقر عليه السلام ( المناقب لابن شهرآشوب : ج4 ص208 ) مع تفاوت يسير في السّند و المتن ، أمّا السّند ففيه : « عبد اللّه بن » المبارك بدل « عبد الجبّار » ، وأمّا المتن ففيه أيضا تفاوت يسير ، ورد عنوان « عبد الجبّار بن المبارك » في أسانيد اُخر ( راجع : تهذيب الأحكام : ج4 ص282 ح31 و ج4 ص312 ح31 ) ، عدّه الشّيخ تارّةً من أصحاب مولانا الرّضا عليه السلام ، واُخرى من أصحاب الجواد عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص360 الرقم5325 و ص377 الرقم 5579 ) . و عدّه البرقي من أصحاب الكاظم عليه السلام ( راجع : رجال البرقي : ص52 ) .

ص: 341

( 216 ) السّياريّ

فخرج إليَّ مع كتبي كتاب فيه : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم هذا كِتابٌ مِن مُحَمَّدٍ بنِ عَليٍّ الهاشِميِّ العَلَويِّ لِعَبدِ اللّهِ بنِ المُبارَكِ (1) فَتاهُ (2) ، إِنَّي أُعتِقُكَ لِوَجهِ اللّهِ وَ الدّارِ الآخِرَةِ ، لا رَبَّ لَكَ إِلّا اللّهُ ، وَ لَيسَ عَلَيكَ سَبيلٌ ، وَ أَنتَ مَولايَ وَ مَولى عَقِبي مِن بَعدي . و كتب في المحرّم سنة ثلاث عشرة و مئتين ، ووقع فيه محمّد بن عليّ بخطّ يده و ختمه بخاتمه صلوات اللّه و سلامه عليه . (3)

216السّياريّطاهر بن عيسى الورّاق ، قال : حدّثني جعفر بن أحمد بن أيّوب ، قال : حدّثني الشّجاعيّ ، قال : حدّثني إبراهيم بن محمّد بن حاجب (4) ، قال : قرأت في رقعةٍ مع الجواد عليه السلام يُعلم من سأل عن السّياريّ (5) :

.


1- .عبد اللّه بن المبارك : الظّاهر أنّ عبد اللّه ذيل الخبر المبحوث عنه إمّا مصحّف « عبد الجبّار » ، و قع التّصحيف فيها لقربهما خطّا ، أو أراد المعنى اللغوي أو الإضافي ، كما هو شائع في المكاتبات ، مثلاً من « عبد اللّه عبد الجبّار بن المبارك . . . » ، كما احتمله المحقّق التّستري ( راجع : قاموس الرجال : ج6 ص60 الرقم3949 ) ، وأمّا عبد اللّه بن المبارك الّذي كان من فقهاء العامّه ولد سنة 118 ه ( معارف ابن قتيبة : ص286 ) . و لم يدرك مولانا الباقر عليه السلام فضلاً عن الجواد عليه السلام ، و لم نجده أيضا من هذه الطّبقة في المصادر الرّوائيّة ، غير ما ورد في المناقب ( المناقب لابن شهرآشوب : ج4 ص 208 و ص155 ) . و على ضوء ما ذكرناه كان عبد اللّه مصحّف عبد الجبّار .
2- .في بحار الأنوار : « أفتاه » بدل « فتاه » .
3- .رجال الكشّي : ج2 ص839 الرقم 1076 ، بحار الأنوار : ج93 ص195 ح20 وراجع : المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص 208 .
4- .لم نجد لهذا العنوان ترجمة .
5- .أحمد بن محمّد السيّاريّ ، أبو عبد اللّه ، كان من كتّاب آل طاهر في زمن أبي محمّد عليه السلام ، ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، مجفوف الرّواية ، غال ، منحرف . . . » ( راجع : رجال النجاشي : ج 1 ص80 الرقم192 ، الفهرست للطوسي : ص23 الرقم60 ، رجال ابن الغضائري : ص40 الرقم11 ، رجال ابن داوود : ص421 ، خلاصة الأقوال : ص203 الرقم9 ) كان من أصحاب الهاديّ والعسكريّ عليهماالسلام ( رجال الطوسي : ص384 الرقم5650 و ص397 الرقم5819 ورجال البرقي : ص61) . يستظهر من الخبر أنّ السيّاري كان وكيلاً و يُعتمد عليه ، إلّا أنّ الخبر ضعيف سندا .

ص: 342

إنَّهُ لَيسَ في المَكانِ الَّذي ادَّعاهُ لِنَفسِهِ ، وَإِلّا تَدفَعوا إلَيهِ شَيئاً . قال نصر بن الصباح : السّياريّ أحمد بن محمّد أبو عبد اللّه من وُلد سيّار ، و كان من كبار الطّاهريّة في وقت أبي محمّد الحسن العسكريّ عليه السلام . (1)

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص865 الرقم 1128 .

ص: 343

الفصل الخامس : في مكاتيبه عليه السلام الفقهية

اشاره

الفصل الخامس: في مكاتيبه الفقهيّة

.

ص: 344

. .

ص: 345

الطّهارة
( 217 ) كتابه عليه السلام إلى عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ في علّة نجاسة البول و الغائط

الطّهارة217كتابه عليه السلام إلى عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّفي علّة نجاسة البول و الغائطعليّ بن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيّ ، عن سهل بن زياد الآدمي ، عن عبد العظيم بن عبداللّه الحسنيّ رضى الله عنه 1 ، قال : كتبتُ إلى أبي جعفرٍ

.

ص: 346

( 218 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفُضَيل في غسل السّقط من المولود

محمّد بن عليّ بن موسى عليهم السلام أسأله عن علّة الغائط ونَتنه .قال : إنّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ عليه السلام وَ كانَ جَسَدُهُ طَيِّباً ، وَبَقِيَ أَربَعِينَ سَنَةً مُلقًىً ، تَمُرُّ بِهِ المَلائِكَةُ فَتقُولُ لِأَمرٍ ما خُلِقتَ ، وَ كانَ إِبليسُ يَدخُلُ مِن فيهِ وَ يَخرُجُ مِن دُبُرِهِ ، فَلِذلِكَ صارَ ما في جَوفِ آدَمَ مُنتِناً خَبِيثاً غَيرَ طَيِّبٍ . (1)

218كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفُضَيلفي غسل السّقط من المولودسَهل بن زياد ، عن عليّ بن مهران (2) ، عن محمّد بن الفُضَيل 3 ، قال : كتبت إلى أبي

.


1- .علل الشرائع : ص275 ح2 ، قصص الأنبياء : ص26 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص384 ، بحار الأنوار : ج11 ص109 ح22 و ج63 ص200 ح16 و ج80 ص163 ح2 .
2- .عليّ بن مهران : عليّ بن مهران اشتباه ، و الصّحيح « علي بن مهزيار » ؛ و ذلك بقرينة رواية سهل بن زياد عنه ، ولورود هذا الخبر في التّهذيب ، و فيه : روى عليّ بن مهزيار عن محمّد بن الفضيل ؛ و لعدم ورود عنوان عليّ بن مهران [ عن محمّد بن الفضيل ] في المصادر الرّوائيّة و الرّجاليّة ، لعلّ الاشتباه وقع من النسّاخ لتقاربهما خطّا .

ص: 347

الصّلاة
( 219 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرج في المواقيت

جعفرٍ عليه السلام أسأله عن السّقط كيف يُصنع به ؟فكتب عليه السلام إليَّ : إِنَّ السَّقطَ يُدفَنُ بِدَمِهِ في مَوضِعِهِ . (1)

الصّلاة219كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرجفي المواقيتسعد ، عن موسى بن جعفر ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ميمون بن يوسف النّحّاس (2) ، عن محمّد بن الفرج (3) ، قال : كتبت أسأل عن أوقات الصّلاة ؟ فأجاب :إِذا زالَتِ الشَّمسُ فَصَلِّ سُبحَتَكَ ، وَأُحِبُّ أَن يَكونَ فَراغُكَ مِنَ الفَريضَةِ وَ الشَّمسُ عَلى قَدَمَينِ ، ثُمَّ صَلِّ سُبحَتَكَ ، وَأُحِبُّ أَن يَكونَ فَراغُكَ مِنَ العَصرِ وَالشَّمسُ عَلى أَربَعَةِ أَقدامٍ ، فَإن عَجَّلَ بِكَ أَمرٌ فابدَأ بِالفَريضَتَينِ وَاقضِ النّافِلَةَ بَعدَهُما ، فَإِذا طَلَعَ الفَجرُ فَصَلِّ الفَريضَةَ ثُمَّ اقضِ بَعدُ ما شِئتَ . (4)

.


1- .الكافي : ج3 ص 208 ح6 ، تهذيب الأحكام : ج1 ص329 ح129 ، وسائل الشيعة : ج2 ص502 ح 2758 .
2- .ميمون بن يوسف النحّاس : الظّاهر الصّحيح ابن يوسف النّخاس ؛ و ذلك لوروده في الوافي و وسائل الشيعة و الاستبصار ، و أمّا النّحاس لعلّه من سهو قلم النسّاخ أو المطبعة . ذكره المحقّق مير الداماد قائلاً : « إنّه من أصحاب أبي الحسن الرّضا و أبي جعفر الجواد عليهماالسلام ( راجع : اثنا عشر رسالة : ج7 ص32 ) .
3- .راجع : ص 296 الرقم 194 .
4- .تهذيب الأحكام : ج2 ص250 ح991 ، الاستبصار : ج1 ص255 ح914 ، وسائل الشيعة : ج4 ص 148 ح4771 .

ص: 348

( 220 ) كتابه عليه السلام إلى أبي الحسن بن الحُصَين في وقت الفجر

220كتابه عليه السلام إلى أبي الحسن بن الحُصَينفي وقت الفجرعليُّ بن محمّد ، عن سَهل بن زياد ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب أبو الحسن بن الحُصَين 1 إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام معي : جُعلت فداك ، قد اختلفَت مُوالُوك في صلاة الفجر ، فمنهم مَن يُصلّي إذا طلع الفجر الأوّل المستطيل في السّماء ، و منهم مَن يُصلّي إذا اعترض في أسفل الاُفق و استبان ، ولستُ أعرِف أفضل الوقتَين فاُصلّي فيه ، فإن رأيت أن تعلّمني أفضل الوقتين وتحدّه لي ، و كيف أصنع مع القمر و الفجر لا يتبيّن معه حتّى يحمرّ ويُصبِح ، و كيف أصنع مع الغيم ، و ما حَدّ ذلك في السّفر و الحضر ، فعلتُ إن شاء اللّه . فكتب عليه السلام بخطّه و قرأته :الفَجرُ _ يَرحَمُكَ اللّهُ _ هوَ الخَيطُ الأَبيَضُ المُعتَرِضُ ، لَيسَ هوَ الأَبيَضَ صُعَداءَ ، فلا تُصَلِّ في

.

ص: 349

( 221 ) كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه فيما يصحّ السّجود عليه

سَفَرٍ وَ لا حَضَرٍ حَتّى تَتَبَيَّنَهُ ، فَإنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى لَم يَجعَل خَلقَهُ في شُبهَةٍ مِن هذا ، فَقالَ : «كُلُوا وَاشرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ» (1) ، فالْخَيْطُ الأَبْيَضُ هوَ المُعتَرِضُ الّذي يَحرُمُ بِهِ الأَكلُ وَ الشُّربُ في الصَّومِ وَ كَذلِكَ هوَ الَّذي تُوجَبُ بِهِ الصَّلاةُ . (2)

221كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهفيما يصحّ السّجود عليهعليُّ بن محمّدٍ و غيرُه ، عن سَهل بن زياد ، عن عليّ بن الرّيّان (3) ، قال : كتب بعض أصحابنا إليه بيد إبراهيم بن عُقبة (4) يسأله [ يعني أبا جعفرٍ عليه السلام ] عن الصّلاة على الخُمرة (5) المدنيّة ؟ فكَتَب :صَلِّ فيها ما كانَ مَعمولاً بِخُيوطَةٍ ، وَ لا تُصَلِّ عَلى ما كانَ مَعمُولاً بِسُيورَةٍ (6) .

.


1- .البقرة : 185 .
2- .الكافي : ج3 ص282 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج2 ص36 ح66 ، الاستبصار : ج1 ص274 ح5 بإسنادهما عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحُصَين بن أبي الحُصَين ، وسائل الشيعة : ج4 ص210 ح4944 وص280 ح5164 .
3- .عليّ بن الرّيان عليّ بن الرّيان بن الصّلت الأشعريّ القمّي : ثقة ( رجال النجاشي : ج2 ص116 الرقم729 ) . و في رجال الطوسي : عليّ بن الرّيان بن الصّلت من أصحاب أبي الحسن الثّالث و أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ عليهماالسلام ( الرقم 5728 و5869) . و في رجال البرقي من أصحاب أبي الحسن الثّالث عليه السلام ( ص 58 ) .
4- .إبراهيم بن عقبه : من أصحاب الهاديّ عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص383 الرقم5636 ) وروى عن أبي جعفرٍ الثاني عليه السلام ( الكافي : ج3 ص331 ) ، و أبي الحسن الثّالث أو العسكريّ عليهماالسلام ( رجال الكشّي : ج2 ص761 ح875 و ص762 ح879 ) .
5- .الخُمرة : سجّادة صغيرة تُعمل من سعف النّخل و تُرمّل بالخيوط ( الصحاح : ج2 ص484 ) . و في النهاية : هي ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده ( النهاية : ج2 ص77 ) .
6- .السُّيور : جمع السّير _ بالفتح _ و هو ما يُقدّ من الجلد ( هامش المصدر ) .

ص: 350

( 222 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيم الحضينيّ في الصّلاة على السّرير
( 223 ) كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه في لباس المصلّي

قال : فتوقّف أصحابنا فأنشدتهم بيت شعرٍ لتأبّطَ شَرّاً العَدوانِيّ : كأنّها خُيوطَةُ ماريٍّ تُغارُ وَ تُفتَلُ (1) و ماريّ كان رجلاً حبّالاً ، كان يعمل الخيوط . (2)

222كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيم الحضينيّفي الصّلاة على السّريرأحمد بن محمّد ، عن عليّ بن أحمد بن أشيم ، عن محمّد بن إبراهيم الحُضينيّ (3) ، قال : سألته عن الرّجل يصلّي على السّرير و هو يقدر على الأرض . فكتب :لا بَأسَ ، صَلِّ فيهِ . (4)

223كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهفي لباس المصلّيعليّ بن محمّد ، عن سَهل بن زياد ، عن عليّ بن مهزيار ، عن محمّد بن الحسين

.


1- .وأوّله: وأطوي على الخُمص الحوايا كأنّها خيوله . الخ .
2- .الكافي : ج3 ص331 ح7 ، تهذيب الأحكام : ج2 ص306 ح 1238 و فيه « الفهمي » بدل « العدوانيّ » ، وسائل الشيعة : ج5 ص359 ح6790 ، بحار الأنوار : ج85 ص150 .
3- .محمّد بن إبراهيم الحُضيني ( الحُصيني ) : عدّه الشّيخ و البرقي من أصحاب الجواد عليه السلام (رجال الطوسي : ص377 الرقم 5588 ، رجال البرقي : ص56 ) ، و ذكره الكشّي في ترجمة محمّد بن إبراهيم الحُضينيّ الأهوازيّ ؛ عن حمدان الحُضينيّ قال ، قلت لأبي جعفرٍ عليه السلام : ابن أخي مات فقال لي : رحم اللّه أخاك فإنّه كان من خصّيص شيعتي ( راجع : رجال الكشّي : ج2 ص835 ح1064 ، رجال البرقي : ص496 الرقم953 ، الموسوعة الرجاليّة : ج7 ص836) .
4- .تهذيب الأحكام : ج2 ص310 ح1258 ، وسائل الشيعة : ج5 ص179 ح6269 .

ص: 351

( 224 ) كتابه عليه السلام إلى يحيَى بن أبي عِمران في لباس المصلّي
( 225 ) كتابه عليه السلام إلى قاسم الصّيقَل في لباس المصلّي

الأشعريّ (1) ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : ما تقول في الفَرو يُشترى من السّوق ؟ فقال :إذا كانَ مَضمُوناً فَلا بَأسَ . (2)

224كتابه عليه السلام إلى يحيَى بن أبي عِمرانفي لباس المصلّيروي عن يحيَى بن أبي عِمران (3) أنّه قال: كتبتُ إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام في السّنجاب و الفَنَك والخَزّ ، و قلتُ : جُعلت فداك اُحبّ أن لا تُجيبني بالتّقيّة في ذلك . فكتب بخطّه إليَّ :صَلِّ فيها . (4)

225كتابه عليه السلام إلى قاسم الصّيقَلفي لباس المصلّيالحسين بن محمّد ، عن مُعَلّى بن محمّد ، عن محمّد بن عبد اللّه الواسطيّ ، عن قاسم

.


1- .الظاهر وقوع التصحيف في « الحسين » بدل « الحسن » كما في بعض النّسخ و هو الصحيح ، راجع : محمّد بن الحسن الأشعري .
2- .الكافي: ج3 ص 398 ح7 ، وسائل الشيعة : ج3 ص493 ح4269 وج4 ص463 ح5731 .
3- .يحيى بن أبي عمران : عنونه البرقي و الكشّي في رجاليهما ، و فيهما : يحيى بن أبي عمران يونسي (رجال الكشّي : ج2 ص828 الرقم 1043 ، ورجال البرقي : ص54) . عدّه الشّيخ في أصحاب مولانا الرّضا عليه السلام ، و فيه : يحيى بن عمران الهمدانيّ ، في بعض النّسخ زاد يونسي ، و في طبع الموجود بدون ذكر زيادته ، عدّه البرقي من أصحاب الجواد عليه السلام ( رجال البرقي : ص54) . الظّاهر أنّه هو يحيى بن أبى عمران ، وقد سقطت «أبي» من قلم الشّيخ أو من قلم النسّاخ ( رجال الطوسي : ص369 الرقم5484 ) . و هذا الخبر يدلّ على أنّ يحيى بن أبي عمران كان من وكلاء أبي جعفرٍ عليه السلام ، مات في حياته عليه السلام ( راجع : معجم رجال الحديث : ج21 ص28 الرقم13482 ) .
4- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص262 ح808 ، وسائل الشيعة : ج4 ص349 ح5357 .

ص: 352

( 226 ) كتابه عليه السلام إلى يحيَى بن أبي عِمران الهمدانيّ في قراءة الصّلاة

الصّيقَل (1) ، قال : كتبتُ إلى الرّضا عليه السلام أنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحُمُر الميتة فيصيب ثيابي ، فاُصلّي فيها ؟ فكتب عليه السلام إليَّ :اتّخِذ ثَوباً لِصَلاتِك . فكتبتُ إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : كنت كتبت إلى أبيك عليه السلام بكذا و كذا ، فصعّب عليّ ذلك ، فصرت أعملها من جلود الحُمُر الوحشيّة الذّكيّة . فكتب عليه السلام إليَّ : كُلُّ أَعمالِ البِرِّ بِالصَّبر يَرحَمُكَ اللّهُ ، فَإن كانَ ما تَعمَلُ وَحشيّاً ذَكيّاً فَلا بَأسَ . (2)

226كتابه عليه السلام إلى يحيَى بن أبي عِمران الهمدانيّفي قراءة الصّلاةمحمّد بن يحيَى ، عن أحمدَ بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار ، عن يحيَى بن أبي عِمران الهمدانيّ ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : جُعلت فداك ، ما تقول في رجلٍ ابتدأ ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم في صلاته وحده في اُمّ الكتاب ، فلمّا صار إلى غير اُمّ الكتاب من السّورة تركها ، فقال العبّاسِيّ (3) : ليس بذلك بأسٌ . فكتب بخطّه :يُعِيدُها مَرَّتَينِ عَلى رَغم أَنفِهِ _ يَعني العَبّاسِيّ _ . (4)

.


1- .قاسم الصّيقل : كان من أصحاب أبي الحسن الثّالث عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 390 الرقم 5744 ، رجال البرقي : ص 58 ) . قال السيّد الخوئي : روى عن الرّضا وأبي جعفرٍ الثّاني عليهماالسلام ( معجم رجال الحديث : ج 15 ص73 الرقم9601 ) . وذكره السيّد البروجردي بعنوان « القاسم بن الصّيقل » ( راجع : الموسوعة الرجاليّة : ج 4 ص291 ) .
2- .الكافي : ج3 ص407 ح16 ، تهذيب الأحكام : ج2 ص 358 ح15 ، وسائل الشيعة : ج3 ص462 ح4181 وص489 ح4258 .
3- .هو هشام بن إبراهيم العبّاسيّ ، و كان يعارض الرّضا و الجواد عليهماالسلام .
4- .الكافي : ج3 ص313 ح2 ، تهذيب الأحكام : ج2 ص69 ح20 ، الاستبصار : ج1 ص311 ح3 ، وسائل الشيعة : ج6 ص58 ح7341 .

ص: 353

( 227 ) كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن شَيبَة في صلاة الجماعة
( 228 ) كتابه عليه السلام إلى أبي عبد اللّه البرقي في صلاة الجماعة

227كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن شَيبَةفي صلاة الجماعةأحمد بن محمّد بن أبي نَصر ، عن إبراهيم بن شَيبة (1) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام أسأله عن الصّلاة خلف مَن يتولّى أمير المؤمنين عليه السلام و هو يرى المسح على الخُفّين ، أو خلف مَن يُحَرّم المسح و هو يمسح ؟ فكتب :إِن جامَعَكَ وَ إِيّاهُم مَوضِعٌ فَلَم تَجِد بُدّاً مِنَ الصَّلاةِ فَأَذِّن لِنَفسِكَ وَأَقِم ، فَإِن سَبَقَكَ إِلى القِرَاءَةِ فَسَبِّح . (2)

228كتابه عليه السلام إلى أبي عبد اللّه البرقيفي صلاة الجماعةأحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه البرقي (3) ، قال: كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : أيجوز _ جُعلت فداك _ الصّلاة خلف مَن وقف على أبيك وجدّك عليهم السلام ؟ فأجاب :لا تُصَلّ وَرَاءَهُ . (4)

.


1- .إبراهيم بن شيبة الأصبهاني : مولى بني أسد ، وأصله من قاشان، من أصحاب الجواد عليه السلام ( رجال الطوسي : ص373 الرقم5525 ) ، و ذكره أيضا من أصحاب الهاديّ عليه السلام في رجاله ( ص384 الرقم 5648 ) . و ذكره البرقي أيضاً في أصحاب الجواد عليه السلام ، من غير توصيف له بالأصبهاني .
2- .تهذيب الأحكام : ج3 ص276 ح807 ، وسائل الشيعة : ج 8 ص363 ح10912 .
3- .هو محمّد بن خالد البرقي المُكنّى بأبي عبد اللّه ، انظر ترجمته في ص 330 الرقم 234 .
4- .تهذيب الأحكام : ج3 ص 28 ح 98 ، كتاب من لايحضره الفقيه : ج1 ص379 ح1112 ، وسائل الشيعة : ج 8 ص310 ح10753 .

ص: 354

( 229 ) كتابه عليه السلام إلى رجل في النّوافل
( 230 ) كتابه عليه السلام إلى رجل فضل صلاة النوافل في شهر رمضان

229كتابه عليه السلام إلى رجلفي النّوافلعليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : قرأت في كتاب رجلٍ إلى أبي جعفرٍ عليه السلام (1) : الرّكعتان اللّتان قبل صلاة الفجر ، من صلاة اللّيل هي أم من صلاة النّهار ؟ و في أيّ وقتٍ اُصلّيهما ؟ فكتب بخطّه :احشوهُما في صَلاةِ اللَّيلِ حَشوا . (2)

230كتابه عليه السلام إلى رجلفضل صلاة النوافل في شهر رمضانعليُّ بن حاتم ، عن الحسن بن عليّ (3) ، عن أبيه ، قال : كتب رجلٌ إلى أبي جعفرٍ عليه السلام يسألُه عن صلاة نوافل شهر رمضان ، و عن الزّيادة فيها . فكتب عليه السلام إليه كتاباً قرأته بخطّه :صَلِّ في أوَّل شَهرِ رَمَضَانَ في عِشرِينَ لَيلَةً عِشرِينَ رَكعَةً ، صَلِّ مِنها ما بَينَ المَغرِبِ وَ العَتَمَةِ ثَمانيَ رَكَعاتٍ ، وَبَعدَ العِشَاءِ اثنَتَي عَشرَةَ رَكعَةً ، وَ في العَشرِ الأَواخِرِ ثَمانيَ رَكَعاتٍ بَينَ المَغرِبِ وَ العَتَمَةِ ، وَ اثنَتَينِ وَ عِشرِينَ رَكعَةً بَعدَ العَتَمَةِ ، إلّا في لَيلَةِ إِحدى وَعِشرينَ ، فَإِنَّ المِئَةَ تُجزيكَ إِن شاءَ اللّهُ تَعالى ، وَ ذلِكَ سِوى الخَمسينَ ، وَ أَكثِر مِن قِراءَةِ « إِنَّ_آ أَنزَلْنَ_هُ فِى

.


1- .في كتاب من لا يحضره الفقيه : « أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام » .
2- .تهذيب الأحكام : ج2 ص132 ح510 ، الاستبصار : ج1 ص283 ح1028 ، وسائل الشيعة : ج4 ص265 ح5114 وراجع : الكافي : ج3 ص450 ح35 .
3- .المراد منه هو الحسن بن عليّ بن مهزيار ، و المراد من أبيه هو عليّ بن مهزيار ( راجع : وسائل الشيعة : ج11 ص82 ح 14298 ) .

ص: 355

( 231 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الرّيّان صلاة القضاء في الأماكن المقدّسة
( 232 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار في إتمام الصّلاة في الحرمين

لَيْلَةِ الْقَدْرِ » . (1)

231كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الرّيّانصلاة القضاء في الأماكن المقدّسةعليّ بن محمّد ، عن سَهل بن زياد ، عن محمّد بن الرّيّان (2) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : رجلٌ يقضي شيئاً من صلاته الخمسين في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول صلى الله عليه و آله أو في مسجد الكوفة ، أتُحسب له الرّكعة على تضاعُف ما جاء عن آبائك عليهم السلام في هذه المساجد حتّى يُجزئه إذا كانت عليه عشرة آلاف ركعة أن يُصلّي مئةَ ركعة أو أقلّ أو أكثرَ ؟ و كيف يكون حاله ؟ فوقّع عليه السلام :يُحسَبُ لَهُ بِالضِّعفِ ، فَأَمّا أَن يَكونَ تَقصيراً مِنَ الصَّلاةِ بِحالِها فَلا يَفعَلُ ؛ هوَ إِلى الزّيادَةِ أَقرَبُ مِنهُ إِلى النُّقصانِ . (3)

232كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي إتمام الصّلاة في الحرمينسَهل بن زياد و أحمد بن محمّد جميعاً ، عن عليّ بن مهزيار (4) ، قال : كتبت إلى أبي

.


1- .تهذيب الأحكام : ج3 ص67 ح220 ، الاستبصار : ج1 ص464 ح13 ، وسائل الشيعة : ج 8 ص33 ح10041 وراجع: إقبال الأعمال: ص260 .
2- .محمّد بن الرّيان بن الصّلت الأشعريّ : من أصحاب أبي جعفرٍ و الهاديّ عليهماالسلام ، و له مسائل لأبي الحسن العسكريّ عليه السلام ، ثقة ، و له كتاب مشترك بينه و بين أخيه عليّ ( راجع : رجال النجاشي : ج 2 ص 370 الرقم 1009 ، رجال الطوسي : ص391 الرقم5764 ، رجال ابن داوود : ص172 الرقم1376 ) .
3- .الكافي : ج3 ص455 ح19 ، وسائل الشيعة : ج 8 ص270 ح10626 .
4- .راجع : ص 21 الرقم 1 .

ص: 356

جعفرٍ عليه السلام : إنّ الرّواية قد اختلفت عن آبائك عليهم السلام في الإتمام و التّقصير في الحرمين ، فمنها بأن يُتمّ الصّلاة ولو صلاةً واحدةً ، و منها أن يُقصّر ما لم ينوِ مُقام عشرة أيّام ، و لم أزل على الإتمام فيها إلى أن صَدَرنا في حجنّا في عامنا هذا ، فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا عليَّ بالتّقصير ، إذ كنت لا أنوي مُقام عشرة أيّام فصرت إلى التّقصير ، و قد ضقت بذلك حتّى أعرف رأيك ؟ فكتب إليَّ بخطّه :قَد عَلِمتَ يَرحَمُكَ اللّهُ فَضلَ الصَّلاةِ في الحَرَمَينِ عَلى غَيرِهِما ، فَإِنّي أُحِبُّ لَكَ إِذا دَخَلتَهُما أَن لا تَقصُرَ ، وَ تُكثِرَ فيهِما الصَّلاةَ . فقلت له بعد ذلك بسنتين مُشافَهةً : إنّي كَتبت إليك بكذا وأجبتني بكذا . فقال : نَعَم . فقلتُ : أيّ شيء تعني بالحرمين ؟ فقال : مَكّةَ وَ المَدينَةَ . (1) وفي تهذيب الأحكام : عليّ بن مهزيار ، قال : كتبتُ إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : الرّواية قد اختلفت عن آبائك عليهم السلام في الإتمام و التّقصير للصّلاة في الحرمين ، فمنها أن يأمر بتتميم الصّلاة و لو صلاةً واحدةً ، و منها أن يأ مر بتقصير الصّلاة ما لم ينوِ مُقام عشرة أيّامٍ ، و لم أزل على الإتمام فيهما إلى أن صدرنا من حجّنا في عامنا هذا ، فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا عليّ بالتّقصير إذا كنت لا أنوي مُقامَ عشرة ، و قد ضقت بذلك حتّى أعرف رأيك ؟ فكتب بخطّه عليه السلام : قد عَلِمتَ يَرحَمُكَ اللّهُ فَضلَ الصَّلاةِ في الحَرَمَينِ عَلى غَيرِهِما ، فَأَنا أُحِبُّ لَكَ إِذا دَخَلتَهُما أَن لا تَقصُرَ وَتُكثِرَ فيهِما مِنَ الصَّلاةِ . فقلتُ له بعد ذلك بسنتين مُشافهةً: إنّي كتبتُ إليك بكذا فأجبت بكذا . فقال: نَعَم . فقلتُ : أيّ شيءٍ تعني بالحرمين ؟ فقال : مَكَّةَ وَ المَدِينَةَ ، وَ مَتى إذا تَوَجَّهتَ مِن مِنىً فَقَصِّرِ الصَّلاةَ ، فَإِذا انصَرَفتَ مِن عَرَفَاتٍ

.


1- .الكافي : ج4 ص525 ح 8 .

ص: 357

( 233 ) كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن شَيبَة في إتمام الصّلاة في الحرمين
الزّكاة
( 234 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن خالد البرقي في إخراج القيمة عن الزكاة

إِلى مِنىً وَزُرتَ البَيتَ وَرَجَعتَ إِلى مِنىً ، فَأَتِمَّ الصَّلاةَ تِلكَ الثَّلاثَةَ الأَيّامِ . وَ قالَ بِإِصبَعِهِ ثَلاثاً . (1)

233كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن شَيبَةفي إتمام الصّلاة في الحرمينأحمد بن محمّد وسَهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن إبراهيم بن شَيبة (2) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام أسأله عن إتمام الصّلاة في الحرمين . فكتب إليَّ :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُحِبُّ إِكثَارَ الصَّلاةِ في الحَرَمَينِ فَأَكثِر فيهِما وَ أَتِمَّ . (3)

الزّكاة234كتابه عليه السلام إلى محمّد بن خالد البرقيفي إخراج القيمة عن الزكاةمحمّد بن يحيَى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد البرقي (4) ، قال : كتبتُ

.


1- .تهذيب الأحكام : ج5 ص 428 ح1487 ، الاستبصار : ج2 ص333 ح12 ، وسائل الشيعة : ج 8 ص525 ح11346 ، بحار الأنوار : ج89 ص83 وراجع : الكافي : ج4 ص525 ح 8 .
2- .هو إبراهيم بن شيبة الأصبهاني ، مولى بني أسد ، وأصله من قاشان ، عدّه الشيخ من أصحاب مولانا الجواد والهادي عليهماالسلام وعدّه البرقي من أصحاب الإمام الجواد عليه السلام من غير توصيف ( رجال الطوسي : ص375 الرقم5525 و ص 384 الرقم5648 ، رجال البرقي : ص 56 ) . قال المحقّق السبزواري وهو غير موثق . ( ذخيرة المعاد : ج 1 ص 413 ) .
3- .الكافي : ج4 ص524 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج5 ص425 ح122 ، الاستبصار : ج2 ص330 ح1 ، وسائل الشيعة : ج8 ص529 ح11360 .
4- .محمّد بن خالد بن عبد الرّحمن بن محمّد بن عليّ البرقي : أبو عبد اللّه ، مولى أبي موسى الأشعري ، يُنسب إلى بَرقْرود ، قرية من سواد قم ، عدّه الشّيخ و البرقي من أصحاب مولانا الكاظم و الرّضا و الجواد عليهم السلام ، ووثّقه ( راجع : رجال الطوسي : ص343 الرقم5122 و ص362 الرقم5391 و ص377 الرقم5585 و رجال البرقي : ص55 _ 54 _ 50 ) . قال ابن الغضائري : « حديثه يعرف وينكر ، و يروى عن الضّعفاء كثيرا ، و يعتمد المراسيل » . ذكره النجاشي قائلاً : « وكان محمّد ضعيفا في الحديث ، و كان أديبا حسن المعرفة بالأخبار و علوم العرب » ( راجع : رجال النجاشي : ج 2 ص335 الرقم898 ) . ذكره العلّامة و ابن داوود في القسم الأوّل ، قال العلّامة بعد نقل كلام الشّيخ في وثاقته و كلام النجاشي و ابن الغضائري في ضعفه : «والاعتماد عندي على قول الشّيخ أبي جعفرٍ الطوسي رحمه الله من تعديله » ( راجع : خلاصة الأقوال : ص237 الرقم813 ، رجال ابن داوود : ص309 الرقم1340 ) .

ص: 358

الخمس
( 235 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار

إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : هل يجوز أن يُخرَجَ عمّا يجب في الحَرث من الحنطة و الشّعير ، و ما يجب على الذّهب دراهمُ بقيمة ما يَسوَى ، أم لا يجوز إلّا أن يُخرج من كلّ شيءٍ ما فيه . فأجاب عليه السلام :أَيُّما تَيَسَّرَ يُخرَجُ . (1)

الخمس235كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارمحمّد بن الحسن الصّفّار ، عن أحمد بن محمّد و عبد اللّه بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب إليه أبو جعفر عليه السلام ، و قرأت أنا كتابه إليه في طريق مكّة ، قال :الَّذي أَوجَبتُ في سَنَتي هذِهِ ، وَ هذِهِ سَنَةُ عِشرينَ وَ مِئَتَينِ فَقَط _ لِمَعنىً مِنَ المَعاني أَكرَهُ تَفسيرَ المَعنى كُلِّه ؛ خَوفاً مِنَ الانتِشارِ ، وَ سَأُفَسِّرُ لَكَ بَعضَهُ إِن شاءَ اللّهُ تَعالى _ إنَّ مَواليَّ أَسأَلُ اللّهَ صَلاحَهُم أَو بَعضَهَم ، قَصَّروا فيما يَجِبُ عَلَيهِم ، فَعَلِمتُ ذلِكَ فَأَحبَبتُ أَن أُطَهِّرَهُم وَأُزَكِّيَهُم بِما فَعَلتُ في عامي هذا مِن أَمرِ الخُمُسِ ، قالَ اللّهُ تَعالى : « خُذ مِن أَموَ لِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَ تُزَكِّيهِم بِهَا وَ صَلِّ عَلَيهِم إِنَّ صَلَوتَكَ سَكَنٌ لَّهُم وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * أَلَم يَعلَمُوا أَنَّ اللَّهَ

.


1- .الكافي : ج3 ص559 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص95 ح271 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص32 ح1623 ، وسائل الشيعة : ج9 ص167 ح11754 .

ص: 359

هُوَ يَقبَلُ التَّوبَةَ عَن عِبَادِهِ وَ يأخُذُ الصَّدَقَ_تِ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَ قُلِ اعمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَ رَسُولُهُ وَ المُؤمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَ__لِمِ الغَيبِ وَ الشَّهَ_دَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ » (1) . وَ لَم أُوجِب ذلِكَ عَلَيهِم في كُلِّ عامٍ ، وَ لا أُوجِبُ عَلَيهِم إِلَا الزَّكاةَ الَّتي فَرَضَها اللّهُ عَلَيهِم ، وَإِنَّما أَوجَبتُ عَلَيهِم الخُمُسَ في سَنَتي هذِهِ في الذَّهَبِ وَ الفِضَّةِ الَّتي قَد حالَ عَلَيها الحَولُ ، وَ لَم أُوجِبُ ذلِكَ عَلَيهِم في مَتاعٍ وَ لا آنيَةٍ وَ لا دَوابَّ وَ لا خَدَمٍ وَ لا رِبحٍ رَبِحَهُ في تِجارَةٍ ، وَ لا ضَيعَةٍ ، إلّا ضيعَةً سَأُفَسِّرُ لَكَ أَمرَها ؛ تَخفيفاً مِنّي عَن مَواليَّ ، وَ مَنّاً مِنّي عَلَيهِم لِما يَغتالُ السُّلطانُ مِن أَموالِهِم ، وَ لِما يَنوبُهُم في ذاتِهِم . فَأَمّا الغَنائِمُ وَ الفَوائِدُ ، فَهيَ واجِبَةٌ عَلَيهِم في كُلِّ عامٍ ، قالَ اللّهُ تَعالى : « وَاعلَمُوا أَنَّمَا غَنِمتُم مِّن شَى ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذى القُربَى وَاليَتَ_مى وَالمَسَ_كِينِ وَابنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُم ءَامَنتُم بِاللَّهِ وَمَآ أَنزَلنَا عَلَى عَبدِنَا يَومَ الفُرقَانِ يَومَ التَقَى الجَمعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَى ءٍ قَدِيرٌ » (2) ، وَ الغَنائِمُ وَ الفَوائِدُ _ يَرحَمُكُ اللّهُ _ فَهيَ الغَنيمَةُ يَغنَمُها المَرءُ ، وَ الفائِدَةُ يُفيدُها ، وَ الجائِزَةُ مِنَ الإِنسانِ لِلإنسانِ الَّتي لَها خَطَرٌ عَظيمٌ ، وَ الميراثُ الَّذي لا يُحتَسَبُ مِن غَيرِ أَبٍ وَ لا ابنٍ ، وَ مِثلُ عَدوٍّ يُصطَلَمُ (3) فَيُؤخَذُ مالُهُ ، وَ مِثلُ مالٍ يُؤخَذُ لا يُعرَفُ لَهُ صاحِبُهُ ، وَ مِن ضَربٍ ما صارَ إِلى قَومٍ مِن مَواليَّ مِن أَموالِ الخُرَّميَّةِ 4 الفَسَقَةِ ، فَقَد عَلِمتُ أَنَّ أَموالاً عِظاماً

.


1- .التّوبة : 104 _ 106 .
2- .الأنفال : 41 .
3- .الصّلم : هو القطع ، و اصطلمه استأصله ، و يُحتمل الظّلم ، و الأظهر الإهمال بمعنى الاستئصال ، كما في الوافي : ج10 ص343 .

ص: 360

( 236 ) كتابه عليه السلام إلى ابن أبي نصر في إخراج الخمس بعد المؤونة

صارَت إِلى قَومٍ مِن مَواليَّ ، فَمَن كانَ عِندَهُ شَيءٌ مِن ذلِكَ فَليوصِل إِلى وَكيلي ، وَ مَن كانَ نائِياً بَعيدَ الشُّقَّةِ فَليَتَعَمَّد لإِيصالِهِ وَ لَو بَعدَ حينٍ ، فَإِنَّ نيَّةِ المُؤمِن خَيرٌ مِن عَمَلِهِ . فَأَمّا الَّذي أُوجِبُ مِنَ الغَلّاتِ وَ الضّياعِ في كُلِّ عامٍ ، فَهو نِصفُ السُّدُسِ مِمَّن كانت ضَيعَتُهُ تَقومُ بِمَؤنَتِهِ ، وَ مَن كانَت ضَيعَتُهُ لا تَقومُ بِمَؤنَتِهِ فَلَيسَ عَلَيهِ نِصفُ سُدُسٍ وَ لا غَيرُ ذلِكَ . (1)

236كتابه عليه السلام إلى ابن أبي نصرفي إخراج الخمس بعد المؤونةأحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصر 2 ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : الخمس اُخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة ؟ فكتب :بَعدَ المَؤونَةِ . (2)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج4 ص141 ح398 ، الاستبصار : ج2 ص60 ح 198 ، وسائل الشيعة : ج9 ص501 ح12583 .
2- .الكافي: ج1 ص545 ح13، وسائل الشيعة : ج9 ص 508 ح12597 .

ص: 361

( 237 ) كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه في إخراج الخمس بعد المؤونة
( 238 ) كتابه عليه السلام إلى عبد العزيز بن المهتديّ القمّي الأشعريّ في دفع وجوه الخمس

237كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهفي إخراج الخمس بعد المؤونةسعد بن عبد اللّه ، عن أبي جعفرٍ ، عن عليّ بن مهزيار ، عن محمّد بن الحسن الأشعريّ 1 ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : أخبرني عن الخمس ، أعلى جميع ما يستفيد الرّجلُ من قليلٍ و كثيرٍ من جميع الضّروب ، و على الصُّنّاع ، و كيف ذلك ؟ فكتب بخطّه :الخُمُسُ بَعدَ المَؤونَةِ . (1)

238كتابه عليه السلام إلى عبد العزيز بن المهتديّ القمّي الأشعريّفي دفع وجوه الخمسمحمّد بن مسعود ، قال : حدّثني عليّ بن محمّد ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد ، عن عبد العزيز (2) أو من رواه عنه ، عن أبي جعفرٍ عليه السلام ، قال : كتبت إليه أنّ لك معي شيئاً

.


1- .تهذيب الأحكام : ج4 ص123 ح352 ، الاستبصار : ج2 ص55 ح3 ، وسائل الشيعة : ج9 ص499 ح12579 .
2- .عبد العزيز بن المهتديّ بن محمّد بن عبد العزيز الأشعريّ القمّي : ثقة ، روى عن الرّضا عليه السلام . له كتاب ( راجع : رجال النجاشي : ج2 ص245 الرقم641 ، الفهرست للطوسي : ص191 الرقم535 ، رجال الطوسي : ص36 الرقم5324 ، رجال البرقي : ص51 ) . و جعفر بن معروف قال : حدّثني الفضل بن شاذان بحديث عبد العزيز بن المهتديّ فقال الفضل : ما رأيت قمّياً يشبهه في زمانه . وقال الفضل : حدّثني عبد العزيز و كان خير قمّي فيمن رأيته ، و كان وكيل الرّضا عليه السلام ( راجع : رجال الكشّي : ج2 ص759 الرقم 973 _ 975 ) .

ص: 362

( 239 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرج في دفع وجوه الخمس

فمرني بأمرك فيه إلى من أدفعه ؟ فكتب :إِنّي قَبَضتُ ما في هذِهِ الرُّقعَةِ وَ الحَمدُ للّهِ ، وَ غَفَرَ اللّهُ ذَنبَكَ وَرحِمَنا وَ إِيّاكَ وَرَضَيَ اللّهُ عَنكَ بِرِضايَ عَنكَ . (1) وفي كتاب الغيبة : خرج فيه عن أبي جعفرٍ عليه السلام : قَبَضتُ وَ الحَمدُ للّهِ ، وَ قَد عَرَفتُ الوجوهَ الّتي صارَت إِلَيكَ مِنها غَفَرَ اللّهُ لَكَ وَ لَهُم الذُّنوبَ وَرَحِمَنا وَإِيّاكُم . و خرج فيه : غَفَرَ اللّهُ لَكَ ذَنبَكَ وَرَحِمَنا وَإِيّاكَ وَرَضيَ عَنكَ بِرضائي عَنكَ . (2)

239كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرجفي دفع وجوه الخمسحمدان بن سليمان ، عن أبي سعيد الأرمنيّ ، عن محمّد بن عبد اللّه بن مهران ، قال : قال محمّد بن الفرج (3) : كتب إليَّ أبو جعفرٍ عليه السلام :احمِلوا إِلَيَّ الخُمُس ؛ فَإِنّي لَستُ آخُذَهُ مِنكُم سِوى عامي هذا . فقُبض عليه السلام في تلك السّنة . (4)

.


1- .رجال الكشّي: ج2 ص795 الرقم 975 .
2- .الغيبة للطوسي : ص349 ح305، بحار الأنوار : ج50 ص104 ح22 .
3- .راجع : ص 296 الرقم 194 .
4- .المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص495 ، كشف الغمّة : ج2 ص370، إعلام الورى : ج2 ص100 ح12 ، بحار الأنوار : ج50 ص63 .

ص: 363

( 240 ) كتابه عليه السلام إلى رجل في الأكل و شرب من الخمس
الحجّ
( 241 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن راشد الإحرام في السّكر

240كتابه عليه السلام إلى رجلفي الأكل و شرب من الخمسأبو جعفرٍ عليّ بن مهزيار ، قال : قرأت في كتابٍ لأبي جعفرٍ عليه السلام من رجلٍ يسأله أن يجعله في حلٍّ من مأكله و مشربه من الخمس . فكتب بخطّه :مَن أَعوَزَهُ شَيءٌ مِن حَقّي فَهوَ في حِلٍّ . (1)

الحجّ241كتابه عليه السلام إلى عليّ بن راشدالإحرام في السّكرمحمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى ، عن أبي عليّ بن راشد (2) ، قال : كتبت إليه أسأله عن رجل مُحرم سَكرَ و شهد المناسك و هو سكران ، أيتمّ حجّه على سُكره ؟ فكتب عليه السلام :لا يَتِمُّ حَجُّهُ . (3)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج4 ص143 ح400 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص44 ح1660 ، وسائل الشيعة : ج9 ص543 ح12676 .
2- .أبو عليّ بن راشد : هو الحسن بن راشد ، مولى لآل المهلّب ، المكنّى بأبي عليّ ، عدّ من أصحاب الجواد و الهاديّ عليهماالسلام ، و كان وكيلاً من ناحية الإمام الهادي عليه السلام في سنة 232 ( راجع : رجال الطوسي : ص400 و413 ، رجال الكشّي : ج2 ص513 الرقم 991 ، قاموس الرجال : ج10 ص136 ) .
3- .تهذيب الأحكام : ج5 ص296 ح1002 ، وسائل الشيعة : ج12 ص412 ح16649 .

ص: 364

( 242 ) كتابه عليه السلام إلى بكر بن صالح في الظّلال للمحرم
( 243 ) كتابه عليه السلام إلى بكر بن صالح في الحجّ نيابة

242كتابه عليه السلام إلى بكر بن صالحفي الظّلال للمحرمسَهل بن زياد ، عن بكر بن صالح (1) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ : إنّ عليه السلام عمّتي معي و هي زميلتي (2) ، و الحرّ تشتدّ عليها إذا أحرمت ، فترى لي أن اُظلّل عليّ و عليها ؟ فكتب عليه السلام :ظَلّل عليها وَحدَهَا . (3)

243كتابه عليه السلام إلى بكر بن صالحفي الحجّ نيابةمحمّد بن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار ، عن بكر بن صالح ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : إنّ ابني معي و قد أمرته أن يحجّ عن اُمّي ، أيُجزي عنها حجّة الإسلام ؟ فكتب عليه السلام :لا .

.


1- .بكر بن صالح الضّبي الرّازيّ : مولى بني ضبّة ، روى عن أبي الحسن موسى و الرّضا عليهماالسلام ، ضعيف . له كتاب نوادر ، و له كتاب في درجات الإيمان و وجوه الكفر و الاستغفار و الجهاد ( راجع : رجال النجاشي : ج1 ص270 ح274 ، الفهرست للطوسي : ص 87 الرقم127 ، رجال الطوسي : ص 351 الرقم5233 و ص 417 الرقم 6031 ، رجال البرقي : ص55 ) . قال ابن الغضائري : إنّه ضعيف جدّاً ، كثير التفرّد بالغرائب ( رجال ابن الغضائري : ص44 الرقم19 ) ، و ذكره ابن داوود تارةً في القسم الأوّل قائلاً إنّه «ثقة » ، واُخرى في القسم الثاني ، و ثالثةً في فصل جماعة أطلق عليهم الضعف ( راجع رجال ابن داوود : ص57 الرقم262 و 263 و ص234 الرقم80 و ص297 الرقم11 ) .
2- .الزّميل : الرّفيق والعديل والّذي يعادلك في المحمل ( راجع : لسان العرب : ج11 ص310 ) .
3- .الكافي : ج4 ص352 ح12 ، تهذيب الأحكام : ج5 ص311 ح66 ، الاستبصار : ج2 ص185 ح1 بإسنادهما عن الحسين بن سعيد عن بكر بن صالح ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص353 ح2675 بإسناده عن عليُّ بن مهزيار عن بكر بن صالح ، وسائل الشيعة : ج12 ص526 ح16982 .

ص: 365

( 244 ) كتابه عليه السلام عمرُو بن سعيد السّاباطي في الحجّ نيابة

و كانَ ابنه صَرورةً و كانت اُمّه صَرورَةً (1) . (2)

244كتابه عليه السلام عمرُو بن سعيد السّاباطيفي الحجّ نيابةكتب عمرو بن سعيد السّاباطيّ 3 إلى أبي جعفرٍ عليه السلام يسأله عن رجلٍ أوصى إليه رجلٌ أن يُحجّ عنه ثلاثة رجالٍ ، فَيحلّ له أن يأخذ لنفسه حَجّةً منها ؟ فوقّع عليه السلام بخطّه و قرأته :حُجَّ عَنهُ إِن شَاءَ اللّهُ تَعالَى ، فَإِنَّ لَكَ مِثلَ أَجرِهِ ، و لا يَنقُصُ مِن أَجرِهِ شَيءٌ إن شاءَ اللّهُ تَعالى . (3)

.


1- .الصّرورة : الّذي لم يحجّ ( أقرب الموارد : ج1 ص643 ).
2- .تهذيب الأحكام : ج5 ص412 ح1433 ، الاستبصار : ج2 ص321 ح7 .
3- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص443 ح2925 ، وسائل الشيعة : ج11 ص164 ح14534 و ص210 ح14640 .

ص: 366

( 245 ) كتابه عليه السلام إلى عليِّ بن مُيَسِّر في التخيير بين الحجّ مفرداً و متمتّعاً

245كتابه عليه السلام إلى عليِّ بن مُيَسِّرفي التخيير بين الحجّ مفرداً و متمتّعاًكتب عليّ بن مُيَسِّر 1 إلَى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام يسأله عن رجلٍ اعتمر في شهر رمضان ثمّ حضر الموسم ، أيحُجّ مُفرداً للحجّ ، أو يتمتّع ؟ أيّهما أفضل ؟ فكتب عليه السلام إليه :يَتَمَتَّعُ . (1) وفي الكافي : أحمد بن عليّ ، عن عليّ بن حديد ، قال : كتب إليه عليّ بن مُيَسِّر يسأله عن رجلٍ اعتمر في شهر رمضان ثمّ حضر له الموسم ، أيحُجّ مُفرداً للحجّ ، أو يتمتّع ؟ أيّهما أفضل ؟ فكتب عليه السلام إليه : يَتَمَتَّعُ أفضَلُ . (2)

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص315 ح2551 ، وسائل الشيعة : ج11 ص247 ح14704 .
2- .الكافي : ج4 ص292 ح8 .

ص: 367

( 246 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن حديد العمرة في شهر رمضان
( 247 ) كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد بن عمران الهمدانيّ في حجّ المخالف

246كتابه عليه السلام إلى عليّ بن حديدالعمرة في شهر رمضانسَهل بن زياد و أحمد بن محمّد جميعاً ، عن علي بن مهزيار ، عن عليّ بن حديد (1) ، قال : كنتُ مقيماً بالمدينة في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة و مئتين ، فلمّا قرب الفطر كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام أسأله عن الخروج في عمرة شهر رمضان أفضَل ، أو اُقيمُ حتّى ينقضي الشّهر واُتمّ صومي ؟ فكتب إليَّ كتاباً قرأته بخطّه :سَأَلتَ رَحِمَكَ اللّهُ عَن أَيِّ العُمرَةِ أَفضَلُ ؛ عُمرَةُ شَهرِ رَمضانَ أَفضَلُ يَرحَمُكَ اللّهُ . (2)

247كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد بن عمران الهمدانيّفي حجّ المخالفسهل بن زياد ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب إبراهيم بن محمّد بن عمران

.


1- .عليّ بن حديد بن حكيم المدائنيّ : عدّه الشّيخ والبرقي من أصحاب مولانا الرّضا والجواد عليهماالسلام ( رجال الطوسي : ص360 الرقم5338 و ص376 الرقم5571 ورجال البرقي : ص55 _ 56 ) ، قال في التهذيبين : أنّه « ضعيفٌ » ( تهذيب الأحكام : ج1 ص240 ح 24 ، والاستبصار : ج1 ص40 ح 7 ) ، و قال الكشّي : « قال نصر بن الصبّاح عليّ بن حديد بن حكيم ، فطحيّ من أهل الكوفة ، و كان أدرك الرضا عليه السلام » ( رجال الكشّي : ج2 ص840 الرقم 1078 ) ، ذكره ابن داوود تارةً في القسم الثاني ، و اُخرى في جماعة من الفطحيّة ( رجال ابن داوود : ص260 الرقم336 و ص289 الرقم6 ) ، و ذكره العلّامة فى القسم الثّاني قائلاً : « ضعّفه شيخنا في كتاب الاستبصار وتهذيب الأحكام ، لا يعول على ما ينفرد بنقله » ( رجال العلّامة : ص367 الرقم1443 ) . قال السيّد الخوئي في ترجمته : « فالمتحصل أنّه لا يمكن الحكم بوثاقة الرجل » ( معجم رجال الحديث : ج12 ص331 الرقم7994 ) .
2- .الكافي : ج4 ص536 ح2 ، وسائل الشيعة : ج14 ص304 ح19263 .

ص: 368

المكاسب
( 248 ) كتابه عليه السلام إلى موسى بن عبد الملك في استيفاء الدّين من مال الغريم

الهمدانيّ (1) إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : إنّي حججت وأنا مخالف و كنت صَرورة ، فدخلت متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ ؟ قال : فكتب إليه :أَعِد حَجَّكَ . (2)

المكاسب248كتابه عليه السلام إلى موسى بن عبد الملكفي استيفاء الدّين من مال الغريممحمّد بن الحسن الصّفّار ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : أخبرني إسحاق بن إبراهيم (3) : أنّ موسى بن عبد الملك (4) كتب إلى أبي جعفرٍ عليه السلام يسأله عن رجلٍ دفع إليه مالاً ليصرفه في بعض وجوه البرّ ، فلم يمكنه صرف ذلك المال في الوجه الّذي أمره به ، و قد كان له عليه مال بقدر هذا المال ، فسأل : هل يجوز لي أن أقبض مالي ، أو أردّه عليه واقتضيه ؟ فكتب عليه السلام إليه :اقبِض مالَكَ مِمّا في يَدَيكَ . (5)

.


1- .لم نجد لهذا العنوان ترجمة غير هذا الخبر، لعلّه متّحد مع إبراهيم بن محمّد الهمداني، بقرينة رواية عليّ بن مهزيار عنه (راجع: تهذيب الأحكام : ج4 ص123).
2- .الكافي : ج4 ص275 ح5، تهذيب الأحكام : ج5 ص10 ح24، الاستبصار: ج2 ص145 ح473، وسائل الشيعة : ج1 ص126 ح319 .
3- .إسحاق بن إبراهيم : مشترك بين عدّة أشخاص ، ومتّحد مع إسحاق بن محمّد بن إبراهيم الحُضيني ، نسب إلى جدّه كما هو أمر شائع في الأسانيد الّذي لقي الرّضا عليه السلام بواسطة حسن بن سعيد الأهوازي ( رجال الكشّي : ج2 ص827 الرقم 1042 ) ، و في أصحاب الجواد عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص373 الرقم5220 ورجال البرقي : ص54 و ص56) . الرجل لم تثبت وثاقته ( معجم رجال الحديث : ج3 ص196 الرقم1116) .
4- .موسى بن عبد الملك : عدّه البرقي في أصحاب الجواد عليه السلام ( رجال البرقي : ص56 ) .
5- .تهذيب الأحكام : ج6 ص 348 ح984 ، الاستبصار : ج3 ص52 ح170 ، وسائل الشيعة : ج17 ص275 ح22506.

ص: 369

الوقوف و الصّدقات
( 249 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار في وقف المعلوم و المجهول
( 250 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار فى بيع الوقف

الوقوف و الصّدقات249كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي وقف المعلوم و المجهولعليّ بن مهزيار (1) ، قال : قلت لأبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : روى بعض مواليك عن آبائك عليهم السلام أنّ كلّ وقفٍ إلى وقتٍ معلوم (2) فهو واجب على الورثة ، وكلّ وقفٍ إلى غير وقتٍ معلوم جهلٌ مجهولٌ باطلٌ مردودٌ على الورثة ، وأنت أعلم بقول آبائك عليهم السلام . فكتب عليه السلام :هوَ عِندي كَذا . (3)

250كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي بيع الوقفمحمّد بن يحيَى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى وعدّة من أصحابنا ، عن سَهل بن زياد جميعاً ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتبتُ إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : إنّ فلاناً ابتاع ضيعةً فوقفها و جعل لك في الوقف الخُمس ، و يسأل عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض ، أو يقوّمها على نفسه بما اشتراها به ، أو يدعها موقوفة . فكتب عليه السلام إليَّ :

.


1- .راجع : ص 289 الرقم 189 .
2- .أي يكون مؤبّداً أو موقّتاً بوقتٍ معلوم فيكون حبسا .
3- .الكافي : ج7 ص36 ح31 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص132 ح561 ، الاستبصار : ج4 ص99 ح62 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص237 ح5569 ، وسائل الشيعة : ج19 ص192 ح24414 .

ص: 370

( 251 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد بن سليمان النّوفليّ في الوقف على كثيرين

أَعلِم فُلاناً أَنّي آمُرُهُ بِبَيعِ حَقّي مِنَ الضَّيعَةِ وَإِيصالِ ثَمَنِ ذلِكَ إِلَيَّ ، وَإِنَّ ذلِكَ رَأيي إِن شاءَ اللّهُ ، أو يُقَوِّمُها عَلى نَفسِهِ إِن كانَ ذلِكَ أَوفَقَ لَهُ . وكَتَبتُ إليه : إنّ الرّجل ذكر أنّ بين من وَقف بقيّة هذه الضيعة عليهم اختلافاً شديداً ، وأنّهُ ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده ، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كُلّ إنسان منهم ما كان وُقف له من ذلك أمرته . فكتب بخطّه إليَّ : وَأَعلِمهُ أَنَّ رَأيي لَهُ إن كانَ قَد عَلِمَ الاختِلافَ ما بَينَ أَصحابِ الوَقفِ أَن يبِيعَ الوَقفَ أَمثَلُ ، فَإنَّهُ رُبَّما جاءَ في الاختِلافِ ما فيهِ تَلَفُ الأَموالِ وَ النُّفوسِ . (1)

251كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد بن سليمان النّوفليّفي الوقف على كثيرينمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن موسى بن جعفرٍ ، عن عليّ بن محمّد بن سليمان النّوفليّ ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام أسأل عن أرضٍ أوقفها جدّي على المحتاجين من وُلد فلان بن فلان ، و هم كثيرٌ مُتفرّقون في البلاد . فأجاب عليه السلام :ذَكَرتَ الأَرضَ الَّتي أَوقَفها جَدُّكَ عَلى فُقَرَاءِ وُلدِ فُلانِ بنِ فُلانٍ ، وَ هيَ لِمَن حَضَرَ البَلَدَ الَّذي فيهِ الوَقفُ ، وَ لَيسَ لَكَ أن تُتبِعَ مَن كانَ غائِباً . (2)

.


1- .الكافي : ج7 ص36 ح30 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص130 ح4 بإسناده عن أحمد بن محمّد و سهل بن زياد جميعاً و الحسين بن سعيد عن عليّ بن مهزيار ، الاستبصار : ج4 ص98 ح5 ، كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج 4 ص240 ح5575 بإسناده عن العبّاس بن معروف عن عليّ بن مهزيار ، راجع : وسائل الشيعة : ج19 ص187 ح24409 .
2- .الكافي : ج7 ص38 ح37 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص133 ح10 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص240 ح5574 بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب عن موسى بن جعفر البغداديّ عن عليّ بن سليمان ، وسائل الشيعة : ج19 ص193 ح24416 .

ص: 371

( 252 ) كتابه عليه السلام إلى عليِّ بن مهزيار في إعطاء فقراء بني هاشم من الصّدقات
الوصايا
( 253 ) وصيّته عليه السلام إلى العبّاس بن معروف في الوصيّة بأكثر من الثّلث

252كتابه عليه السلام إلى عليِّ بن مهزيارفي إعطاء فقراء بني هاشم من الصّدقاتسَهل بن زياد و محمّد بن يحيى ، عن أحمدَ بن محمّد جميعاً ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام اُعلِمه أنّ إسحاق بن إبراهيم (1) وقف ضيعةً على الحجّ واُمّ ولده و ما فضل عنها للفقراء ، و أنّ محمّد بن إبراهيم أشهدني على نفسه بمالٍ ليُفرّق على إخواننا ، و أنّ في بني هاشم مَن يُعرف حقّه يقول بقولنا ممّن هو محتاج ، فترى أن أصرف ذلك إليهم إذا كان سبيله سبيل الصّدقة ؛ لأنّ وقف إسحاق إنّما هو صدقة؟ فكتب عليه السلام :فَهِمتُ يَرحَمُكَ اللّهُ ما ذَكَرتَ مِن وَصِيَّةِ إِسحاقَ بنِ إِبراهيمَ رضى الله عنه ، وَ ما أَشهَدَ لَكَ بِذلِكَ مُحَمَّدُ بنُ إِبراهيم رضى الله عنه ، و ما استأمَرتَ فيهِ مِن إِيصالِكَ بَعضَ ذلِكَ إِلى مَن له مَيلٌ وَمَوَدَّةٌ مِن بَني هاشمٍ مِمَّن هوَ مُستَحِقٌّ فَقيرٌ ، فَأَوصِل ذلِكَ إلَيهِم يَرحَمُكَ اللّهُ ، فَهُم إذا صاروا إِلى هذِهِ الخُطَّةِ أَحَقُّ بِهِ مِن غَيرِهِم ، لِمَعنىً لَو فَسَّرتُهُ لَكَ لَعَلِمتَهُ إِن شاءَ اللّهُ . (2) الوصايا

253وصيّته عليه السلام إلى العبّاس بن معروففي الوصيّة بأكثر من الثّلثأحمد بن محمّد بن عيسَى ، عن العبّاس بن معروف (3) ، قال : كان لمحمّد بن

.


1- .هو إسحاق بن إبراهيم الحضيني ، عدّه الشيخ من الإمام الرضا والجواد عليهماالسلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 352 الرقم 5220 وص 374 الرقم 5514 ) . ذكره ابن داوود في القسم الأوّل قائلاً : إنّه وكيل الرضا عليهماالسلام ( راجع : رجال ابن داوود : ص 48 الرقم 159 ) .
2- .الكافي : ج7 ص65 ح30 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص238 ح18 ، وسائل الشيعة : ج19 ص213 ح24453.
3- .العبّاس بن معروف أبو الفضل : مولى جعفر بن عبد اللّه الأشعريّ ، قميّ ، ثقة ، له كتاب الآداب ، و له نوادر ، و عدّه الطوسي من أصحاب الرّضا و الجواد عليهماالسلام( راجع : رجال الطوسي : ص361 الرقم5348 ) .

ص: 372

الحسن بن أبي خالد 1 غلام لم يكن به بأس ، عارف ، يُقال له : ميمُونٌ ، فحضره الموت فأوصى إلى أبي الفضل العبّاس بن معروف بجميع ميراثه وتركته ، أن اجعله دراهم وابعث بها إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام ، وترك أهلاً حاملاً وإخوةً قد دخلوا في الإسلام واُمّاً مجوسيّةً . قال : ففعلتُ ما أوصى به ، و جمعتُ الدّراهم ودفعتها إلى محمّد بن الحسن ، و عزم رأيي أن أكتب إليه بتفسير ما أوصى به إليَّ و ما ترك الميّتُ من الورثة ، فأشار عليّ محمّد بن بشير و غيره من أصحابنا أن لا أكتب بالتفسير و لا احتاج إليه ؛ فإنّه يعرف ذلك من غير تفسيري ، فأبيت إلّا أن أكتب إليه بذلك على حقّه و صدقه . فكتبت و حصّلت الدراهم وأوصلتها إليه عليه السلام ، فأمره أن يعزل منها الثّلث يدفعها إليه و يردّ الباقي على وصيّه يرُدّها على ورثته . (1) و بروايةٍ اُخرى : محمّد بن عبد الجبّار ، عن العبّاس بن معروف ، قال : مات غلام محمّد بن الحسن و ترك اُختا ، وأوصى بجميع ماله له عليه السلام ، قال : فبعنا متاعه فبلغ ألف درهمٍ ، وحُمل إلى أبي جعفرٍ عليه السلام ، قال : وكتبت إليه و اعلمته أنّه أوصى بجميع ماله له ، فأخذ ثلث ما بعثت به إليه وردّ الباقي ، وأمرني أن أدفعه إلى وارثه . (2)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج9 ص198 ح22 ، الاستبصار : ج4 ص125 ح23 ، وسائل الشيعة : ج19 ص277 ح24586.
2- .تهذيب الأحكام : ج9 ص242 ح937 ، الاستبصار : ج4 ص126 ح474 ، وسائل الشيعة : ج19 ص277 ح24587 .

ص: 373

( 254 ) كتابه عليه السلام إلى بعض الأصحاب في الوصيّة بأكثر من الثّلث
( 255 ) كتابه عليه السلام إلى جعفرٍ و موسى في إنفاذ الوصيّة الشّرعيّة

254كتابه عليه السلام إلى بعض الأصحابفي الوصيّة بأكثر من الثّلثمحمّد بن أحمد بن يحيى ، عن العبّاس ( بن المعروف ) ، عن بعض أصحابنا (1) ، قال : كتبت إليه : جُعلت فداك إنّ امرأةً أوصت إلى امرأةٍ ودفعت إليها خمسمئة درهم ، و لها زوج وولد ، فأوصتها أن تدفع سهماً منها إلى بعض بناتها و تصرف الباقي إلى الإمام . فكتب عليه السلام :تَصرِفُ الثُّلثَ مِن ذلِكَ إِلَيَّ ، وَ الباقي يُقسَمُ عَلى سِهامِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَينَ الوَرَثَةِ . (2)

255كتابه عليه السلام إلى جعفرٍ و موسىفي إنفاذ الوصيّة الشّرعيّةسَهل بن زياد عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب أبو جعفرٍ عليه السلام إلى جعفرٍ و موسى (3) :وَ فيما أَمَرتُكُما مِنَ الإِشهادِ بِكَذا وَ كَذا نَجاةٌ لَكُما في آخِرَتِكُما ، وَ إِنفاذٌ لِما أَوصى بِهِ أَبَواكُما ، وَ بِرٌّ مِنكُما لَهُما ، وَ احذَرا أَن لا تَكونا بَدَّلتُما وَصِيَّتَهُما ، وَ لا غَيَّرتُماها عَن حالِها ؛ لِأَنَّهُما قَد خَرَجا مِن ذلِكَ رَضيَ اللّهُ عَنهُما ، وَصارَ ذلِكَ في رِقابِكُما ، وَ قَد قالَ للّهُ تَبارَكَ وَ تَعالى في كِتابِهِ في الوَصيَّةِ : « فَمَن بَدَّلَهُ بَعدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَآ إِثمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ

.


1- .يحتمل أن يكون المراد من «بعض أصحابنا» عليّ بن مهزيار الأهوازيّ ، و له كتب عديدة عن الجواد عليه السلام .
2- .تهذيب الأحكام : ج9 ص242 ح938 ، الاستبصار : ج4 ص126 ح475 ، المقنع : ص485 نُقل مرسلاً ، و فيه : « عن بعض الأئمّة عليهم السلام » ، وسائل الشيعة : ج19 ص277 ح24588 .
3- .لعلّ المراد هو جعفر و موسى ابني عيسى بن عبيد أخوا محمّد بن عيسى بن عبيد.

ص: 374

( 256 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عمر السّاباطيّ في موت المُوصَى له قبل المُوصي
( 257 ) كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ في إنفاذ الثّلث

سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (1) . (2)

256كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عمر السّاباطيّفي موت المُوصَى له قبل المُوصيمحمّد بن يحيى ، عن عِمران بن موسى ، عن موسى بن جعفرٍ ، عن عمرو بن سعيد المدائنيّ ، عن محمّد بن عمر السّاباطيّ (3) ، قال : سألت أبا جعفرٍ عليه السلام _ يعني الثّاني _ عن رجلٍ أوصى إليَّ و أمرني أن اُعطي عَمّاً له فِي كُلّ سنةٍ شيئاً ، فماتَ العَمُّ . فكتب عليه السلام :أَعطِهِ وَرَثَتَهُ . (4)

257كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّفي إنفاذ الثّلثكتب إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (5) إليه عليه السلام : ميّتٌ أوصى بأن يُجرى على رجلٍ ما بقي من ثُلُثه ، ولم يأمر بإنفاذ ثُلُثه ، هل للوصيّ أن يُوقِفَ ثُلُث الميّت بسبب الإجراء ؟

.


1- .البقرة : 181 .
2- .الكافي: ج7 ص14 ح3، وسائل الشيعة : ج19 ص338 ح24723 .
3- .حمّد بن عمر السّاباطيّ : السّاباطي في النّسختين من الكافي الّذي حكى المحقّق الأردبيلي في جامع الرّواة : ( ج2 ص163 ) الموافقة للتهذيبين و كتاب من لا يحضره الفقيه ، ووروده في أسانيد اُخرى بخلاف الباهلي ؛ لأنّه لا وجود له لا في الرّجال و لا في الأخبار ، عدّه البرقي من أصحاب مولانا الكاظم عليه السلام ( رجال البرقي : ص51 ) . الرّجل لم يوثّق .
4- .الكافي : ج7 ص13 ح2 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص231 ح904 ، الاستبصار : ج4 ص138 ح516 و فيه : « محمّد بن أحمد بن يحيى » ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص210 ح5488 ، وسائل الشيعة : ج19 ص334 ح24718.
5- .ص 131 الرقم 82 .

ص: 375

( 258 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن يحيى الخراسانيّ في ميراث الأولى من ذوي الأرحام
النّكاح
اشاره

فكتب عليه السلام :يُنفِذُ ثُلُثَهُ وَ لا يُوقِفُ . (1)

258كتابه عليه السلام إلى محمّد بن يحيى الخراسانيّفي ميراث الأولى من ذوي الأرحاممحمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى ، عن إبراهيم بن محمّد ، قال : كتب محمّد بن يحيى الخراسانيّ 2 في رجلٍ أوصى إلى رجلٍ و له بنو عمٍّ و بنات عمٍّ و عمُّ أبٍ و عمّتان ، لِمن الميراث ؟ فكتب عليه السلام :أَهلُ العَصَبَةِ بَنو العَمِّ هُم وارِثونَ . (2)

النّكاح259كتابه عليه السلام إلى عليّ بن أسباطفي الكفاءة في النّكاحقال محمّد بن يعقوب الكلينيّ فيما صنّفه من كتاب رسائل الأئمّة عليهم السلام ، فيما يختصّ

.


1- .الكافي : ج7 ص36 ح32 نُقل مرسلاً ، تهذيب الأحكام : ج9 ص144 ح599 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص239 ح5572 بإسنادهما عن محمّد بن أحمد، عن عمر بن عليّ بن عمر ، عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ ، وسائل الشيعة : ج19 ص226 ح24472 .
2- .تهذيب الأحكام : ج9 ص392 ح1401 و ص327 ح1178، الاستبصار: ج4 ص170 ح643 ، وسائل الشيعة : ج26 ص191 ح32801.

ص: 376

( 259 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن أسباط في الكفاءة في النّكاح

بمولانا الجواد عليه السلام ، فقال : و من كتابٍ إلى عليّ بن أسباطٍ 1 :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ وَفَهِمتُ ما ذَكَرتَ مِن أَمرِ بَناتِكَ ، وَأَنَّكَ لا تَجِدُ أَحَداً مِثلَكَ ، فَلا تُفَكِّر في ذلِكَ يَرحَمُكَ اللّهُ ، فإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : إِذا جاءَكُم مَن تَرضَونَ خُلُقَهُ وَدينَهُ فَزَوِّجوهُ ، وَ «إِلَا تَفعَلُوهُ تَكُن فِتنَةٌ فِى الأَْرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ » (1) . وَ فَهِمتُ ما استَأمَرتَ فيهِ مِن أَمرِ ضَيعَتَيكَ اللَّتَينِ تَعَرَّضَ لَكَ السُّلطانُ فيهِما ، فاستَخِرِ اللّهَ مِئَةَ مَرَّةٍ خيرَةً في عافيَةٍ ، فَإِن احلَولى في قَلبِكَ بَعدَ الاستِخارَةِ فَبِعهِما ، وَ استَبدِل غَيرَهُما إِن شاءَ اللّهُ . وَ لتَكُنِ الاستِخارَةُ بَعدَ صَلاتِكَ رَكعَتَينِ ، وَ لا تُكَلِّم أَحَداً بَينَ أَضعافِ الاستِخارَةِ حَتَّى تُتِمَّ مِئةَ مَرَّةٍ . (2) وفي روايةٍ اُخرى : سهل بن زياد و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب عليّ بن أسباط إلى أبي جعفرٍ عليه السلام في أمر بناته ، و أنّه لا يجد أحداً مثله .

.


1- .الأنفال : 73 .
2- .فتح الأبواب : ص 143 ، بحار الأنوار : ج91 ص264 ح18 ، وسائل الشيعة : ج8 ص77 ح10122 .

ص: 377

( 260 ) كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ في الكفاءة في النّكاح
( 261 ) كتابه عليه السلام إلى الحسين بن بَشّار الواسطيّ في الكفاءة في النّكاح

فكتب إليه أبو جعفرٍ عليه السلام : فَهِمتُ ما ذَكَرتَ مِن أَمرِ بَنَاتِكَ ، وَ أَنَّكَ لا تَجِدُ أَحَداً مِثلَكَ ، فَلا تَنظُر في ذلِكَ رَحِمَكَ اللّهُ ؛ فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : إِذا جاءَكُم مَن تَرضَونَ خُلُقَهُ وَ دينَهُ فَزَوِّجُوهُ ؛ « إِلَا تَفعَلُوهُ تَكُن فِتنَةٌ فِى الأَْرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ » . (1)

260كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّفي الكفاءة في النّكاحأحمد بن أبي عبد اللّه ، عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (2) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام في التّزويج ، فأتاني كتابه بخطّه :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِذا جاءَكُم مَن تَرضَونَ خُلُقَهُ وَدينَهُ فَزَوِّجوهُ ؛ «إِلَا تَفعَلُوهُ تَكُن فِتنَةٌ فِى الأَْرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ » . (3)

261كتابه عليه السلام إلى الحسين بن بَشّار الواسطيّفي الكفاءة في النّكاحسهل بن زياد ، عن الحسين بن بَشّار الواسطيّ 4 ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ

.


1- .الكافي : ج5 ص347 ح2 ، تهذيب الأحكام : ج7 ص396 ح1586 و في ص394 ح1580 فيه : « عليّ بن مهزيار قال : قرأت كتاب أبي جعفر عليه السلام إلى أبي شيبة الإصبهانيّ : فهمت ما ذكرت . . . » .
2- .راجع : ص 131 الرقم 82 .
3- .الكافي : ج5 ص347 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج7 ص396 ح1584 ، وسائل الشيعة : ج 14 ص51 .

ص: 378

( 262 ) كتابه عليه السلام إلى رجلٍ في الشكّ في إيقاع العقد

الثّاني عليه السلام أسأله عن النّكاح ؟ فكتب إليَّ :مَن خَطَبَ إِلَيكُم فَرَضيتُم دينَهُ وَ أَمَانَتَهُ فَزَوِّجُوهُ ؛ «إِلَا تَفعَلُوهُ تَكُن فِتنَةٌ فِى الأَْرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ » . (1)

262كتابه عليه السلام إلى رجلٍفي الشكّ في إيقاع العقدأحمد بن محمّد ، عن عبد اللّه بن الخزرج (2) أنّه كتب إليه رجلٌ خطب إلى رجلٍ

.


1- .تهذيب الأحكام : ج7 ص396 ، الكافي : ج5 ص347 ح1 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص393 ح4381 ، مكارم الأخلاق : ص204 ، وسائل الشيعة : ج20 ص77 ح25075 .
2- .عبد اللّه بن الخزرج : لم يذكر إلّا أنّه وقع في طريق الكليني ، استظهر من البعض بكونه أخا موسى بن الخزرج الّذي استقبل فاطمة المعصومة عليهاالسلام و نزلت في بيته ( راجع : الجامع في الرجال : ج2 ص1126 ) . قال السّيد البروجرديّ : لعلّه من الطبقة السّادسة ( الموسوعة الرجالية : ج4 ص213 ) . فعلى هذا ، المكتوب إليه إمّا الجواد أو أبو الحسن الهاديّ عليهماالسلام .

ص: 379

( 263 ) كتابه عليه السلام إلى الرّيّان بن شبيب في العقود على الإماء

فطالت به الأيّامُ والشّهورُ و السّنون ، فذهب عليه أن يكون قال له : أفعلُ أو قد فَعلَ ، فأجاب فيه :لا يَجِبُ عَلَيهِ إلَا ما عَقَدَ عَلَيهِ قَلبَهُ وَ ثَبَتَت عَلَيهِ عَزيمَتُهُ . (1)

263كتابه عليه السلام إلى الرّيّان بن شبيبفي العقود على الإماءأحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن أحمد (2) ، قال : كتب إليه الريّان بن شبيب (3) : رجل أراد أن يزوّج مملوكتّه حرّاً و يشترط عليه أنّه متى شاء فيفرّق بينهما ، أيجوز ذلك له جعلت فداك أم لا ؟ فكتب عليه السلام :نَعَم ، إِذا جَعَلَ إِلَيهِ الطَّلاقَ . (4)

.


1- .الكافي : ج5 ص562 ح25، وسائل الشيعة : ج20 ص298 ح25669 .
2- .يّ بن أحمد : مشترك بين ابن أحمد بن أشيم و ابن أحمد بن رستم ، كلاهما كانا من أصحاب الرضا عليه السلام (رجال الطوسي : ص363 الرقم5380 و ص360 الرقم5340 ) ، الظّاهر أنّ المراد به هو عليّ بن أحمد بن أشيم ؛ بقرينة رواياته في الأخبار ، وروايته عن ريّان في موضوعٍ آخر ( الكافي : ج5 ص461 ح5 ) ، وروايته عمّن كان في طبقة ريّان كصفوان ( الكافي : ج3 ص19 ح3 و ص512 ح2 ) ، و أبي نصر البزنطي ( الكافي : ج3 ص 75 ح1 ) . الرّجل مجهول كما صرّح به الشّيخ الطوسي ( رجال الطوسي : ص363 الرقم5380 ) .
3- .الرّيان بن شبيب : قال النجاشي : « إنّه خال المعتصم ، ثقة ، سكن قم » ( راجع : رجال النجاشي : ج 1 ص165 الرقم436 ) . قيل إنّه خال المأمون ( راجع : إثبات الوصيّة : ص169 ، عنه مستدرك الوسائل : ج9 ص253 و ج14 ص311 ) . ودعا له مولانا الجواد عليه السلام في خبر الكشّي في ترجمة خيران الخادم ( راجع : رجال الكشي : ص608 الرقم1132 ) .
4- .تهذيب الأحكام : ج7 ص341 ح1393 ، الاستبصار : ج3 ص208 ح750 مع اختلافٍ يسير ، وسائل الشيعة : ج21 ص183 ح26852 وص302 ح27133 .

ص: 380

( 264 ) كتابه عليه السلام إلى خشف في التّزويج
( 265 ) كتابه عليه السلام إلى عيسى بن يزيد في المتعة

264كتابه عليه السلام إلى خشففي التّزويجمحمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى ، قال : كَتَبَت إليه خِشفُ اُمُّ ولد عيسى بن عليّ بن يقطين في سنة ثلاث و مئتين ؛ تسأل عن تزويج ابنتها من الحسين بن عبيد : اُخبرك يا سيّدي و مولاي ، أنّ ابنة مولاك عيسى بن عليّ بن يقطينٍ أملكتها من ابن عبيد بن يقطينٍ ، فبعدما أملكتها ذكروا أنّ جدّتها اُمّ عيسى بن عليّ بن يقطين كانت لعبيد بن يقطين ، ثمّ صارت إلى عليّ بن يقطين فأولدها عيسى بن عليّ ، فذكروا أنّ ابن عبيد قد صار عمّها من قبل جدّتها اُمّ أبيها أنّها كانت لعبيد بن يقطين ، فرأيك يا سيّدى و مولاي أن تمنّ على مولاتك بتفسيرٍ منك ، و تخبرني هل تحلّ له ، فإنّ مولاتك يا سيّدي في غمٍّ اللّهُ به عليم . فوقّع عليه السلام في هذا الموضع بين السّطرين :إِذا صارَ عَمّاً لا تَحِلُّ لَهُ ، وَ العَمُّ و الِدٌ وَ عَمٌّ . (1)

265كتابه عليه السلام إلى عيسى بن يزيدفي المتعةعيسى بن يزيد (2) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام في رجلٍ تكون في منزله امرأة

.


1- .تهذيب الأحكام : ج7 ص456 ح1826، الاستبصار: ج3 ص175 ح636 ، وسائل الشيعة : ج20 ص475 ح26134.
2- .لعلّه هو عيسى بن يزيد الجلودي الذي كان حيّا في زمن المأمون العباسي ويظهر من تاريخ الطبري بقاء عيسى بن يزيد الجلودي إلى سنة 205 وحيث قال : وفي هذه السنة 205 ه ولّى المأمون عيسى بن يزيد الجلودي محاربة الزطّ (تاريخ الطبري : ج 8 ص 580) .

ص: 381

( 266 ) كتابه عليه السلام إلى بعض بني عمّ محمّد بن الحسن الأشعري في استئمار البكر
الطّلاق
( 267 ) كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه في طلاق الغائب

تخدمه ، فيلزم النّظر إليها فيتمتّع بها ، و الشّرط أن لا يفتضّها . فكتب :أَن لا بَأسَ بِالشَّرطِ إِذا كانَت مُتعةً . (1)

266كتابه عليه السلام إلى بعض بني عمّ محمّد بن الحسنفي استئمار البكرمحمّد بن يحيى ، عن أحمدَ بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار ، عن محمّد بن الحسن الأشعريّ (2) ، قال : كتب بعض بني عمّي إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : ما تقول في صبيّة زوّجها عمّها ، فلمّا كبرت أبت التّزويج ؟ فكتب بخطِّه :لا تُكرَهُ عَلى ذلِكَ ، وَ الأَمرُ أَمرُها . (3)

الطّلاق267كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهفي طلاق الغائبسهل بن زياد و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار ، عن محمّد بن الحسن الأشعريّ ، قال : كتب بعض موالينا إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : أنّ معي امرأةً

.


1- .خلاصة الإيجاز للمفيد: ص55، رسالة المتعة للمفيد: ص7 ح35، بحار الأنوار : ج103 ص310 ح47.
2- .هذا هو محمد بن الحسن بن أبي خالد الأشعري القمي الذي عدّه الشيخ من أصحاب مولانا الرضا عليه السلام ( رجال الطوسي : ص 366 الرقم 5439 ) . قال النجاشي في ترجمة « ادريس بن عبداللّه بن سعد الأشعري »انّه هو المعروف بشنبولة وهو راوي كتاب ادريس (راجع : رجال النجاشي : ج 1 ص 104 الرقم 259) .
3- .الكافي : ج5 ص394 ح7 ، تهذيب الأحكام : ج7 ص386 ح1551، الاستبصار: ج3 ص239 ح857 ، وسائل الشيعة : ج20 ص276 ح25619 .

ص: 382

( 268 ) كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمداني في المخالف إذا طلّق امرأته
الحلف
( 269 ) كتابه عليه السلام إلى رجل في الحلف باللّه صادقاً و كاذباً

عارفةً أحدث زوجُها فَهرب عن البلاد فتبع الزّوجَ بعضُ أهلِ المرأة ، فقال : إمّا طَلّقتَ وإمّا رددتُك ، فطلّقها و مضى الرّجلُ على وَجهه ، فما ترى للمرأة ؟ فكتب بخطّه :تَزَوَّجي يَرحَمُكِ اللّهُ . (1)

268كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيفي المخالف إذا طلّق امرأتهأحمد بن محمّد بن عيسى ، عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (2) قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام مع بعض أصحابنا ، وأتاني الجوابُ بخطّه :فَهِمتُ ما ذَكَرتَ مِن أَمرِ ابنَتِك وَزَوجِها ، فَأَصلَحَ اللّهُ لَكَ ما تُحِبُّ صَلاحَهُ . فَأَمّا ما ذَكَرتَ من حِنثِهِ بطَلاقِها غَيرَ مَرَّةٍ فانظُر رَحِمَكَ اللّهُ ، فَإِن كانَ مِمَّن يَتَوَلّانا وَ يَقولُ بِقَولِنا فَلا طَلاقَ عَلَيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَم يَأتِ أَمراً جَهِلَهُ ، وَإِن كانَ مِمَّن لا يَتَوَلّانا وَ لا يَقولُ بِقَولِنا فاختَلِعها مِنهُ ؛ فَإِنَّه إِنَّما نَوى الفِراقَ بِعَينِهِ. (3)

الحلف269كتابه عليه السلام إلى رجلفي الحلف باللّه صادقاً و كاذباًعليّ بن مهزيار قال : كتب رجل إلى أبي جعفرٍ عليه السلام يحكي له شيئاً.

.


1- .الكافي : ج6 ص81 ح9 ، تهذيب الأحكام : ج8 ص62 ح200 ، وسائل الشيعة : ج22 ص57 ح28011.
2- .راجع : ص 131 الرقم 82 .
3- .تهذيب الأحكام : ج 8 ص 57 ح 186 ، الاستبصار : ج 3 ص 291 ح 1 ، وسائل الشيعة : ج 22 ص 72 ح 28052 .

ص: 383

النّ_ذر
( 270 ) كتابه عليه السلام إلى رجلٍ من بني هاشم في نذر المال للمرابطة
( 271 ) كتابه 7 إلى بندار مولى إدريس في لزوم العمل بالنّذز

فكتب عليه السلام إليه :وَاللّهِ ما كانَ ذاكَ ، وَإِنّي لأَكرَهُ أَن أَقولَ واللّهِ عَلى حالٍ مِنَ الأَحوالِ ، وَ لكِنَّهُ غَمَّني أَن يَقولَ ما لَم يَكُن . (1)

النّ_ذر270كتابه عليه السلام إلى رجلٍ من بني هاشمفي نذر المال للمرابطةعليّ بن مهزيار قال : كتب رجل من بني هاشمٍ إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : إنّي كنت نذرت نذراً مُنذ سنتين أن أخرج إلى ساحلٍ من سواحل البحر ، إلى ناحيتنا ممّا يُرابط فيه المُتطوّعةُ نحو مرابطهم بجُدّة و غيرها من سواحل البحر ، أفترى جُعلت فداك أ نّه يلزمني الوفاء به ، أو لا يلزمني ، أو أفتدي الخروج إلى ذلك الموضع بشيءٍ من أبواب البرّ لأصيرَ إليه إن شاء اللّه تعالى ؟ فكتب إليه بخطّه و قرأتُه :إِن كانَ سَمِعَ مِنكَ نَذرَكَ أَحَدٌ مِنَ المُخالِفينَ ، فالوَفاءُ بِهِ إِن كُنتَ تَخَافُ شُنعَتَهُ (2) ، وَإلَا فاصرِف ما نَوَيتَ مِن ذلِكَ في أَبوابِ البِرِّ ، وَفَّقَنا اللّهُ وَإِيّاكَ لِما يُحِبُّ وَيَرضى . (3)

271كتابه عليه السلام إلى بندار مولى إدريسفي لزوم العمل بالنّذزأبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب بندار

.


1- .تهذيب الأحكام : ج8 ص290 ح1072 ، النوادر للأشعري : ص52 ح98 ، بحار الأنوار: ج104 ص281 ، وسائل الشيعة : ج23 ص197 ح29353 .
2- .شَنُع الشّيء شناعةً وشَنَعاً وشَنُعاً وشُنوعاً : قبح ( أقرب الموارد : ج1 ص615) .
3- .تهذيب الأحكام : ج6 ص126 ح221 و ج8 ص311 ح1156 ، وسائل الشيعة : ج15 ص32 ح19946 .

ص: 384

الأطعمة و الأشربة
( 272 ) كتابه عليه السلام إلى عُبيد اللّه بن محمّد الرّازيّ في الفُقّاع

مولى إدريس (1) : يا سيّدي ، نذرت أن أصوم كلّ يوم سبتٍ ، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة ؟ فكتب و قرأته :لا تَترُكهُ إلَا مِن عِلَّةٍ ، وَ لَيسَ عَلَيكَ صَومُهُ في سَفَرٍ وَ لا مَرَضٍ ، إلَا أَن تَكونَ نَويتَ ذلِكَ ، وَإِن كُنتَ أَفطَرتَ مِنهُ مِن غَيرِ عِلَّةٍ ، فَتَصَدَّق بِعَدَدِ كُلِّ يَومٍ لِسَبعَةِ مَساكينَ ، نَسأَلُ اللّهَ التَّوفيقَ لِما يُحِبُّ وَيَرضى . (2)

الأطعمة و الأشربة272كتابه عليه السلام إلى عُبيد اللّه بن محمّد الرّازيّفي الفُقّاعالحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، قال : كتب عُبَيد اللّه بن محمّد الرّازيّ 3

.


1- .بندار مولى إدريس : ذكره البرقي فى عداد أصحاب مولانا الجواد عليه السلام من دون شيء ( رجال البرقي : ص57 ) . عدّه الشّيخ من أصحاب الجواد عليه السلام ( رجال الطوسي : ص373 الرقم5527 ) . ذكره النجاشي قائلاً : أحمد بن محمّد بن الرّبيع الأقرع الكندي ( رجال النجاشي : ج 1 ص79 الرقم189 ) . لعلّ بندار مولى إدريس متّحد مع ابن بندار مولى الرّبيع كما ذكره الشّيخ .
2- .الكافي : ج7 ص456 ح10 ، تهذيب الأحكام : ج8 ص305 ح11 و ج4 ص235 ح64 و ص286 ح40، الاستبصار: ج2 ص102 بإسنادهما عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد و عبد اللّه بن محمّد جميعاً، عن عليّ بن مهزيار، وسائل الشيعة : ج10 ص195 ح13204 و ص379 ح13641 .

ص: 385

( 273 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد الحصيني في الفقّاع

إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : إن رأيت أن تُفسّر لي الفُقّاع ؛ فإنّه قد اشتبه علينا أمكروهٌ هو بعد غليانه أم قبله ؟ فكتب عليه السلام إليه :لا تَقرَبِ الفُقّاعَ إلَا ما لَم تَضرَ آنيَتُهُ أَو كانَ جَديداً . فأعاد الكتاب إليه أنّي كتبت أسأل عن الفُقّاع ما لم يَغلِ . فأتاني : أن اشرَبهُ ما كانَ في إِناءٍ جَديدٍ أَو غَيرِ ضارٍ وَ لَم أَعرِف حَدَّ الضَّراوَةِ (1) وَالجَديدِ . و سأل أن يُفسّر ذلك له ، وهل يجوزُ شربُ ما يُعمل في الغَضارَة و الزُّجاج و الخشب و نحوه من الأواني ؟ فكتب : يُفعَلُ الفُقّاعُ في الزُّجاجِ وَفي الفَخّارِ الجَديدِ إِلى قَدرِ ثَلاثِ عَمَلاتٍ ، ثُمَّ لا تُعِد مِنهُ بَعدَ ثَلاثِ عَمَلاتٍ إلَا في إِناءٍ جَديدٍ ، وَالخَشَبُ مِثلُ ذلِكَ . (2)

273كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد الحصينيفي الفقّاعأبو محمّد هارون بن موسى التّلّعكبَري ، عن أبي عليّ محمّد بن هَمّام ، عن الحسن بن هارون الحارثيّ المعروف بابن هرونا (3) ، قال : أخبرني إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه قال : كتب عليّ بن محمّد الحُصيني إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام يسأله عن الفُقّاع ، و كتب : أنّي شيخ كبير ، و هو يَحُطّ عنّي طعامي ويُمرئ و ( تمرء ) لي ، فما ترى لي فيه ؟ فكتب إليه :

.


1- .الإناء الضّاري : هو الّذي ضري بالخمر وعود بها ، فإذا وُضع فيها الخمر صار مُسكرا ( النهاية : ج3 ص87 ) .
2- .تهذيب الأحكام : ج9 ص126 ح546 ، الاستبصار : ج4 ص96 ح12 ، الرسائل العشر للطوسي : ص265 بإسناده عن أحمد بن محمّد بن الحسن الوليد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، وسائل الشيعة : ج25 ص381 ح32181 .
3- .في هامش المصدر : « في الأصل صرونا ، و في النّسخة الاُخرى حروبا » .

ص: 386

الصّيد
( 274 ) كتابه عليه السلام إلى فرّوخ في طلب الصّيد للتّصحّح

لا بَأسَ بِالفُقّاعِ إِذا عُمِلَ أَوَّلَ عَمَلَةٍ أَو الثّانيَةَ في أَواني الزُّجاجِ وَ الفَخّارِ ، فَأَمّا إِذا ضَريَ عَلَيهِ الإِناءُ فَلا تَقرَبهُ . قال عليّ [ بن مهزيار ] (1) : فاقرأني الكتاب و قال: لست أعرف ضراوة الإناء . فأعاد الكتاب إليه : جُعلت فداك لست أعرف حدّ ضراوة الإناء ، فاشرح لي من ذلك شرحاً بيّناً أعمل به . فكتب إليه : إِنَّ الإِناءَ إِذا عُمِلَ بِهِ ثَلاث عَمَلاتٍ أَو أَربَعٌ ، ضَريَ عَلَيهِ فَأَغلاهُ ، فَإِذا غَلا حَرُمَ ، فَإِذا حَرُمَ فَلا يَتعرَّض لَهُ . (2)

الصّيد274كتابه عليه السلام إلى فرّوخفي طلب الصّيد للتّصحّحمحمّد بن عيسى اليقطينيّ ، عن أبي عاصم ، عن هاشم بن ماهويه المداريّ ، عن الوليد بن أبان الرّازيّ ، قال : كتب ابن زاذان فرّوخ 3 إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام يسأله

.


1- .ما بين المعقوفين ليس في المصدر .
2- .الرسائل العشر للطوسي : ص265 ، مستدرك الوسائل : ج17 ص77 ح20809 .

ص: 387

( 275 ) كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن خالد بن نصر المدائنيّ في أكل صّيد الباز

عن الرّجل يركض في الصّيد لا يريد بذلك طلب الصّيد ، و إنّما يريد بذلك التّصَحّحَ (1) . قال :لا بَأسَ بِذلِكَ إلَا لِلَّهوِ . (2)

275كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن خالد بن نصر المدائنيّفي أكل صيد البازأحمد بن محمّد بن عيسى (3) ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب إلى أبي جعفرٍ عليه السلام عبد اللّه بن خالد بن نصر المدائنيّ (4) : جُعلت فداك عن البازي إذا أمسك صيدَه و قد سُمّي عليه فقتل الصّيدَ ، هل يحلّ أكلُه ؟ فكتب عليه السلام بخطّه و خاتمه :إذا سَمَّيتَهُ أَكَلتَهُ . وقال عليُّ بن مهزيار: قرأته . (5)

.


1- .التصحّح : الصحّة وسلامة البدن .
2- .المحاسن: ج2 ص627 ح94، بحار الأنوار: ج65 ص286 ح41 ، وسائل الشيعة : ج19 ص254 ح24534 .
3- .راجع : ص 130 الرقم 79 .
4- .لم نجد له ترجمة .
5- .تهذيب الأحكام: ج9 ص31 ح125،الاستبصار: ج4 ص72 ح261، وسائل الشيعة : ج23 ص353 ح 29728 .

ص: 388

الإرث
( 276 ) كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابنا في ميراث ولد الزّنى
( 277 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عمر في إرث الموالي

الإرث276كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابنافي ميراث ولد الزّنىمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن سيف ، عن محمّد بن الحسن الأشعريّ (1) ، قال : كتب بعض أصحابنا كتابا إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام معي ؛ يسأله عن رجلٍ فجر بامرأةٍ ثمّ إنّه تزوّجها بعد الحمل ، فجاءت بولدٍ ، و هو أشبه خلق اللّه به . فكتب بخطّه و خاتمه :الوَلَدُ لِغَيَّةٍ لا يُوَرَّثُ . (2)

277كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عمرفي إرث المواليمحمّد الكاتب ، عن عبد اللّه بن عليّ بن عمر بن يزيد ، عن عمّه محمّد بن عمر (3) أنّه كتب إلى أبي جعفرٍ عليه السلام يسأله عن رجلٍ مات و كان مولىً لرجلٍ ، و قد مات مولاه

.


1- .راجع : ص 353 الرقم 266 .
2- .الكافي : ج7 ص163 ح2 و ص164 ح4 بإسناده عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن مهزيار ، عن محمّد بن الحسن الأشعريّ ، تهذيب الأحكام : ج9 ص343 ح17 ، الاستبصار : ج4 ص182 ح1 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص316 ح5681 بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمّد بن الحسن بن أبي خالد الأشعريّ ، وسائل الشيعة : ج26 ص274 ح32991 .
3- .محمّد بن عمر مشترك بين جماعة ، و التّمييز إنّما بالرّاوي و المروي عنه . والمراد به هو محمّد بن عمر بن يزيد بيّاع السابري ، الذي عدّه الشيخ في أصحاب مولانا الرضا عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 366 الرقم 5441 ) . ذكره النجاشي من غير توثيق ( راجع : رجال النجاشي : ج 2 ص 364 الرقم 980 ) . ذكره ابن داوود في القسم الأوّل ( راجع : رجال ابن داوود : ص 181 الرقم 1474 ) .

ص: 389

( 278 ) كتابه عليه السلام إلى الحسن بن سعيد في إرث المعتق
( 279 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن حمزة العلويّ في ميراث الأزواج

قبله ، و للمولى ابنٌ و بناتٌ ، فسألته عن ميراث المولى ؟ فقال :هوَ لِلرِّجالِ دونَ النِّساءِ . (1)

278كتابه عليه السلام إلى الحسن بن سعيدفي إرث المعتقمحمّد بن عليّ بن محبوب ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن أخيه الحسن 2 ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : الرّجلُ يموت و لا وارث له إلّا مواليه الّذين أعتقوه ، هل يرثونَه ؟ ولمن ميراثه ؟ فكتب عليه السلام :لِمَولاهُ الأَعلى . (2)

279كتابه عليه السلام إلى محمّد بن حمزة العلويّفي ميراث الأزواجسهل بن زياد و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب محمّد بن حمزة العلويّ (3) إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : مولىً لك أوصى إليَّ

.


1- .تهذيب الأحكام: ج9 ص397 ح1419، الاستبصار:ج4 ص173 ح8 ، وسائل الشيعة : ج26 ص87 ح32549 .
2- .تهذيب الأحكام : ج8 ص257 ح934، وسائل الشيعة : ج8 ص257 ح934 .
3- .محمّد بن حمزة العلويّ : الرّجل مشترك بين ابن حمزة من دون توصيف ، عدّه الشّيخ و البرقي من أصحاب مولانا الجواد عليه السلام ، لعلّه متّحد مع محمّد بن حمزة الأشعريّ ( راجع : رجال الطوسي : ص378 الرقم5591 _ 5603 ، رجال البرقي : ص56 ) . وابن حمزة الهاشمي الّذي روى عن الجواد عليه السلام مع الواسطة ، لعلّه متّحد مع محمّد بن حمزة العلويّ ، كما ذهب إليه السيّد الخوئي ( معجم رجال الحديث : ج17 ص52 الرقم10679 ) .

ص: 390

بمئة درهم ، و كنت أسمعهُ يقول : كلّ شيء هو لي فهو لمولاي ، فمات وتركها و لم يأمر فيها بشيءٍ ، و له امرأتان ، أمّا إحداهما فببغداد و لا أعرف لها موضعاً السّاعة ، و الاُخرى بقمّ . فما الّذي تأمرني في هذه المئة درهم ؟ فكتب إليه :انظُر أَن تَدفَعَ مِن هذِهِ الدَّراهِمِ إِلى زَوجَتَي الرَّجُلِ ، وَ حَقُّهُما مِن ذلِكَ الثُّمُنُ إِن كانَ لَهُ وَلَدٌ ، فَإِن لَم يَكُن لَهُ وَلَدٌ فالرُّبُعُ ، وَ تَصَدَّق بِالباقي عَلى مَن تَعرِفُ أَنَّ لَهُ إلَيهِ حاجَةً إِن شاءَ اللّهُ . (1)

.


1- .الكافي : ج7 ص126 ح4 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص296 ح19 ، الاستبصار : ج4 ص150 ح3 ، وسائل الشيعة : ج26 ص201 ح32824 .

ص: 391

الفصل السادس : في الدّعاء
اشاره

الفصل السّادس: في الدّعاء

.

ص: 392

. .

ص: 393

( 280 ) كتابه عليه السلام إلى المأمون أدعية المُناجاة
اشاره

280كتابه عليه السلام إلى المأمونأدعية المُناجاةروى الشّيخ أبو جعفر محمّد بن بابويه ، عن إبراهيم بن محمّد بن الحارث النّوفليّ (1) ، قال : حدّثني أبي _ و كان خادماً لمحمّد بن عليّ الجواد عليهماالسلام _ قال : لمّا زوّج المأمون أبا جعفرٍ محمّد بن عليّ بن موسى الرّضا عليهم السلام ابنته ، كتب إليه :إِنَّ لِكُلِّ زَوجَةٍ صَداقاً مِن مالِ زَوجِها ، وَ قَد جَعَلَ اللّهُ أَموالَنا في الآخِرَةِ مُؤَجَّلَةً مَذخورَةً هُناكَ ، كَما جَعَلَ أَموالَكُم مُعَجَّلَةً في الدُّنيا وَ كَثُرَ هاهُنا ، وَ قَد أَمهَرتُ ابنَتَكَ الوَسائِلَ إِلى المَسائِلِ ، وَ هيَ مُناجاةٌ دَفَعَها إِلَيَّ أَبي ، قالَ : دَفَعَها إِلَيَّ أَبي موسى ، قالَ : دَفَعَها إِليَّ أَبي جَعفَرٌ ، وَ قالَ : دَفَعَها إِلَيَّ مُحَمَّدٌ أَبي ، قالَ : دَفَعَها إِلَيَّ عَليُّ بنُ الحُسينِ أَبي ، قالَ : دَفَعَها إِلَيَّ الحُسينُ أَبي ، قالَ : دَفَعَها إِلَيَّ الحَسنُ أَخي ، قال : دَفَعَها إِلَيَّ أَميرُ المُؤمِنينَ عَليُّ بنُ أَبي طالِبٍ عليه السلام ، قالَ : دَفَعَها إِلَيَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، قالَ : دَفَعَها إِلَيَّ جَبرَئيلُ عليه السلام ، قالَ : يا مُحَمَّدُ ، رَبُّ العِزَّةِ يُقرِئُكَ السَّلامَ وَيَقولُ : هذِهِ مَفاتيحُ كُنوزِ الدُّنيا وَ الآخِرَةِ ، فاجعَلها وَسائِلَكَ إِلى مَسائِلِكَ ، تَصَل إِلى

.


1- .إبراهيم بن محمّد بن الحارث النّوفليّ : لم نجد له ترجمة في المصادر الرّجاليّة و غيرها ، وروى العجلي من كتاب صفوة الأخبار : « عن إبراهيم بن محمّد النّوفليّ ، عن أبيه _ و كان خادما لأبي الحسن الرّضا عليه السلام _ أنّه قال : حدّثني العبد الصّالح الكاظم عليه السلام . . . » ( بحار الأنوار : ج27 ص107 ح80 ) .

ص: 394

المُناجاة للاستخارة
المنُاجاة بالاستقالة

المُناجاة للاستخارةاَللَّهُمَّ إِنَّ خيرَتَكَ فيما استَخَرتُكَ فيهِ تُنيلُ الرَّغائِبَ ، وَ تُجزِلُ المَواهِبَ ، وَ تُغنِمُ المَطالِبَ ، وَ تُطَّيِّبُ المَكاسِبَ ، وَ تَهدي إِلى أَجمَلِ المَذاهِبِ ، وَ تَسوقُ إِلى أَحمَدِ العَواقِبِ ، وَ تَقي مَخوفَ النَّوائِبِ . اللَّهُمَّ إِنّي أَستَخيرُكَ فيما عَزَمَ رَأيي عَلَيهِ ، وَ قادَني عَقَلي إِلَيهِ ، فَسَهِّل اللَّهُمَّ فيهِ ما تَوَعَّر ، وَ يَسِّر مِنهُ ما تَعَسَّرَ ، وَ اكفِني فيهِ المُهِمُّ ، وَ ادفَع بِهِ عَنّي كُلَّ مُلِّمٍّ (1) ، وَ اجعَل يا رَبِّ عَواقِبَهُ غُنماً ، وَمخوفَهُ سِلماً ، وَبُعدَهُ قُرباً ، وَجَدبَهُ خِصباً (2) ، وَأَرسِل اللَّهُمَّ إِجابَتي ، وَأَنجحِ طَلِبَتي ، وَاقضِ حاجَتي ، وَ اقطَع عَنّي عَوائِقَها (3) ، وَ امنَع عَنّي بَوائِقَها (4) . وَ أَعطِني اللَّهُمَّ لِواءَ الظَّفَرِ ، وَ الخيرَةِ فيما استَخَرتُكَ ، وَوُفورَ المَغنَمِ فيما دَعَوتُكَ ، وَ عَوائِدَ الإِفضالِ فيما رَجَوتُكَ ، وَأَقرِنهُ اللَّهُمَّ بِالنَّجاحِ وَخُصَّهُ بِالصَّلاحِ، وَأَرِني أَسبابَ الخيَرَةِ فيهِ واضِحَةً، وَأَعلامَ غُنمِها لائِحَةً ، وَاشدُد خِناقَ تَعسيرِها ، وَ انعَش صَريخَ تَكسيرِها ، وَ بَيِّنِ اللَّهُمَّ مُلتَبَسَها ، وَأَطلِق مُحتَبَسَها ، وَ مَكِّن أُسَّها ؛ حَتّى تَكونَ خيرَةً مُقبِلَةً بِالغُنمِ ، مُزيلَةً لِلغُرمِ ، عاجِلَةً لِلنَّفعِ ، باقيَةَ الصُّنعِ ، إِنَّكَ مَلي بِالمَزيدِ مُبتَدئٌ بِالجودِ .

المُناجاة بالاستقالةاللَّهُمَّ إِنَّ الرَّجاءَ لِسَعَةِ رَحمَتِكَ أَنطَقَني بِاستِقالَتِكَ ، وَ الأمَلَ لِأَناتِكَ وَرِفقِكَ شَجَّعَني عَلى طَلَبِ

.


1- .المُلِمّات _ بضمّ الميم الأوّل و تشديد الثّانية و كسر اللام بينهما _ : الشّدائد ( مجمع البحرين : ج6 ص165 ) .
2- .الجَدب : المَحل ، نقيض الخصب، و في الحديث : و اجدبت البلاد ، أي قحطت و غلت الأسعار . والخِصب : نقيض الجدب ، وهو كثرة العشب ( لسان العرب : ج1 ص354 _ 355 ) .
3- .عوائق الدّهر : الشّواغل من أحداثه ( لسان العرب : ج10 ص281 ) .
4- .بوائقها : قال الكسائي و غيره : بوائقه : غوائله و شرّه ، أو ظلمه ( لسان العرب : ج10 ص30 ) .

ص: 395

المُناجاة بالسّفر

أَمانِكَ وَ عَفوِكَ ، وَلي يا رَبِّ ذُنوبٌ قَد واجَهَتها أَوجُهُ الانتِقامِ ، وَ خَطايا قَد لاحَظَتها أَعيُنُ الإِصطِلامِ (1) ، وَ استَوجَبتُ بِها عَلى عَدلِكَ أَليمَ العَذابِ ، وَ استَحقَقتُ بِاجتِراحِها مُبيرَ (2) العِقابِ ، وَ خِفتُ تَعويقَها لِاءِجابَتي ، وَرَدَّها إِيّايَ عَن قَضاءِ حاجَتي بِإِبطالِها لِطَلِبَتي ، وَقَطعَها لِأَسبابِ رَغبَتي ، مِن أَجلِ ما قَد أَنقَضَ ظَهري مِن ثِقلِها ، وَبَهَظَني (3) مِنَ الاستِقلالِ بِحَملِها ، ثُمَّ تَراجَعتُ رَبِّ إِلى حِلمِكَ عَنِ الخاطِئينَ، وَعَفوِكَ عَنِ المُذنِبينَ، وَرَحمَتِكَ لِلعاصينَ ، فَأَقبَلتُ بِثِقَتي مُتَوَكِّلاً عَلَيكَ ، طارِحاً نَفسي بَينَ يَدَيكَ ، شاكياً بَثّي إِلَيكَ ، سائِلاً ما لا أَستوجِبُهُ مِن تَفريجِ الهَمِّ ، وَ لا أَستَحِقُّهُ مِن تَنفيس الغَمِّ ، مُستَقيلاً لَكَ إِيّايَ ، واثِقاً مَولايَ بِكَ . اللَّهُمَّ فامنُن عَلَيَّ بِالفَرَجِ ، وَ تَطَوَّل بِسُهولَةِ المَخرَجِ ، وَأدلُلني بِرأفَتِكَ عَلى سَمتِ المَنهَجِ ، وَأَزلِقني بِقُدرَتِكَ عَنِ الطَّريقِ الأَعوَجِ ، وَ خَلِّصني مِن سِجنِ الكَربِ بِإِقالَتِكَ ، وَأَطلِق أَسري بِرَحمَتِكَ ، وَطُل عَلَيَّ بِرِضوانِكَ ، وَجُد عَلَيَّ بِإِحسانِكَ ، وَأَقِلني عَثرَتي ، وَ فَرِّج كُربَتي ، وَارحَم عَبرَتي ، وَ لا تَحجُب دَعوَتي ، وَ اشدُد بِالإِقالَةِ أَزري ، وَ قَوِّ بِها ظَهري ، وَ أَصلِح بِها أَمري ، وَ أَطِل بِها عُمري ، وَ ارحَمني يَومَ حَشري ، وَ وَقتَ نَشري ، إِنَّكَ جَوادٌ كَريمٌ غَفورٌ رَحيمٌ .

المُناجاة بالسّفراللَّهُمَّ إِنّي أُريدُ سَفَراً ، فَخِر لي فيه ، وَأَوضِح فيهِ سَبيلَ الرَّأيِ ، وَ فَهِّمنيهِ ، وَافتَح عَزمي بِالاستِقامَةِ ، و اشمُلني في سَفَري بِالسَّلامَةِ ، وَأَفدِني جَزيلَ الحَظِّ وَالكَرامَةِ ، وَاكلَأني بِحُسنِ الحِفظِ وَالحِراسَةِ ، وَ جَنِّبني اللَّهُمَّ وَعثاءَ (4) الأَسفارِ ، وَ سَهِّل لي حُزونَةَ الأَوعارِ ، وَ اطوِ لي بِساطَ المَراحِلِ ، وَ قرِّب مِنّي نَأي المَناهِلِ (5) ، وَ باعِدني في المَسيرِ بَينَ خُطى الرَّواحِلِ حَتّى تُقَرِّبَ نياطَ (6) البَعيدِ ، وَتُسَهِّلَ وُعُورَ الشَّديد .

.


1- .الاصطلام : إذا اُبيد قوم من أصلهم ( لسان العرب : ج12 ص340 ) .
2- .مُبير : أي مُهلك ( لسان العرب : ج4 ص86 ) .
3- .بهظني الأمر و الحمل : أثقلني و عجزت عنه ( لسان العرب : ج7 ص436 ) .
4- .الوعثاء : المشقّة و التّعب ( المنجد : ص907 ) .
5- .المنهل : الموضع الّذي فيه المشرب ( لسان العرب : ج11 ص681 ) .
6- .النّياط : عِرق علق به القلب من الوتين ( لسان العرب : ج7 ص418 ) .

ص: 396

المُناجاة في طلب الرّزق

وَ لَقِّني اللَّهُمَّ في سَفَري نُجحَ طائِرِ الواقيَةِ ، وَ هَبني فيهِ غُنمَ العافيَةِ و خَفيرَ (1) الاستِقلالِ ، وَدَليلَ مُجاوَزَةِ الأَهوالِ ، وَ باعِثَ وُفورِ الكِفايَةِ ، وَ سانِحَ خَفيرِ الوَلايَةِ ، وَ اجعَلهُ اللَّهُمَّ سَبَبَ عَظيمِ السِّلمِ حاصِلَ الغُنمِ ، وَ اجعَلِ اللَّيلَ عَلَيَّ سِتراً مِنَ الآفاتِ ، وَالنَّهارَ مانِعاً مِنَ الهَلَكاتِ ، وَ اقطَع عَنّي لُصوصَهِ بِقُدرَتِكَ ، وَ احرُسني مِن وُحوشِهِ بِقوَّتِكَ ، حَتّى تكونَ السَّلامَةُ فيهِ مُصاحِبَتي ، وَ العافيةُ فيهِ مُقارِنَتي ، وَ اليُمنُ سائِقي ، وَ اليُسرُ مُعانِقي ، وَ العُسرُ مُفارِقي ، وَ الفَوزُ مُوافِقي ، وَ الأَمرُ مُرافِقي ، إِنَّكَ ذو الطَّولِ وَ المَنِّ ، وَ القُوَّةِ وَ الحَولِ ، وَأَنتَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، وَ بِعِبادِكَ بَصيرٌ خَبيرٌ .

المُناجاة في طلب الرّزقاللَّهُمَّ أَرسِل عَلَيَّ سِجالَ (2) رِزقِكَ مِدراراً ، وَأَمطِر عَلَيَّ سَحائِبَ إِفضالِكَ غِزاراً ، وَأَدِم غَيثَ نَيلِكَ إِلَيَّ سِجالاً ، وَ أَسبِل مَزيدَ نَعمِكَ عَلى خِلَّتي إِسبالاً ، وَ أَفقِرني بِجُودِكَ إِلَيكَ ، وَ أَغنِني عَمَّن يَطلُبُ ما لَدَيكَ ، وَ دَاوِ داءَ فَقري بِدَواءِ فَضلِكَ ، وَ انعَش صَرعَةَ عَيلَتي بِطَولِكَ ، وَ تَصَدَّق عَلَى إِقلالي بِكَثرَةِ عَطائِكَ ، وَ عَلى اختِلالي بِكَريمِ حِبائِكَ . وَ سَهِّل رَبِّ سَبيلَ الرِّزقِ إِلَيَّ ، وَ ثَبِّت قَواعِدَهُ لَدَيَّ ، وَبَجِّس (3) لي عُيونَ سَعَتِهِ بِرَحمَتِكَ ، وَ فَجِّر أَنهارَ رَغَدِ العَيشِ قِبَلي بِرَأفَتِكَ ، وَ أَجدِب أَرضَ فَقري ، وَأَخصِب جَدبَ ضُرّي ، وَاصرِف عَنّي في الرِّزقِ العَوائِقَ ، وَ اقطَع عَنّي مِنَ الضّيق العَلائِقَ . وَ ارمِني مِن سَعَةِ الرِّزقِ اللَّهُمَّ بِأَخصَبِ سِهامِهِ ، وَأَحبِني مِن رَغَدَ العَيشِ بِأَكثَرِ دَوامِهِ ، وَ اكسُنُي اللَّهُمَّ سَرابيلَ السَّعَةِ ، وَجَلابِيبَ (4) الدَّعَةِ ، فَإِنّي يا رَبِّ مُنتَظِرٌ لِاءِنعامِكَ بِحَذفِ المَضيقِ ، وَ لِتَطَوُّلِكَ بِقَطعِ التَّعويقِ ، وَ لِتَفَضُّلِكَ بِإِزالَةِ التَّقتيرِ (5) ، وَ لِوُصولِ حَبلي بِكَرَمِكَ

.


1- .خفير : أي حافظاً و مجيراً ( مجمع البحرين : ج3 ص291 ) .
2- .السّجل : الدّلو الضّخمة المملوءة ماءً ( لسان العرب : ج11 ص325 ) .
3- .بجّس : أي فجّر ( لسان العرب : ج6 ص24 ) .
4- .جلابيب : جمع جلباب ، و هو ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرّداء . . . و قيل الجلباب : الملحفة كلّما يستتر به من كساء أو غيره ( مجمع البحرين : ج2 ص23 ) .
5- .القترة : غَبَرَة يعلوها سواد كالدّخان، الأقتار: التّضييق على الإنسان في الرّزق ( لسان العرب : ج5 ص71 ) .

ص: 397

المُناجاة بالاستعاذة

بِالتَّيسيرِ . وَأَمطِر اللَّهُمَّ عَلَيَّ سَماءَ رِزقِكَ بِسِجالِ الدَّيَمِ ، وَأَغنِني عَن خَلقِكَ بِعوائِدِ النِّعَمِ . وَأَرمِ مَقاتِلَ الإِقتارِ مِنّي ، وَ احمِل كَشفَ الضُّرِّ عَنّي عَلى مَطايا الإِعجالِ ، وَ اضرِب الضّيقَ عَنّي بِسَيفِ الاستِئصالِ ، وَ أتحِفني رَبِّ مِنكَ بِسَعَةِ الإِفضالِ ، وَامدُدني بِنُمُوِّ الأَموالِ ، وَاحرُسني مِن ضيقِ الإِقلالِ وَ اقبِض عَنّي سُوءَ الجَدب، وَ ابسُط لي بِساطَ الخِصبِ ، وَ اسقِني مِن ماءِ رِزقِكَ غَدَقاً (1) ، وَ انهَج لي مِن عَميمِ بَذلِكَ طُرُقاً ، وَ فاجِئني بِالثَّروَةِ وَ المالِ ، وَ انعَشني مِنَ الإِقلالِ ، وَصَبِّحني بِالاستِظهارِ ، وَ مَسِّني بِالتَّمَكُّن مِنَ اليَسارِ ، إِنَّكَ ذو الطَّولِ العَظيم ، وَ الفَضلِ العَميم ، وَالمَنِّ الجَسيمِ ، وَ أَنتَ الجَوادُ الكَريمُ .

المُناجاة بالاستعاذةاللَّهُمَّ إِنّي أَعوذُ بِكَ مِن مُلِمّاتِ نَوازِلِ البَلاءِ ، وَأَهوالِ عَظائِمِ الضَّرّاءِ ، فَأَعِذني رَبِّ مِن صَرعَةِ البَأساءِ ، وَ احجُبني مِن سَطَواتِ البَلاءِ ، وَ نَجِّني مِن مُفاجَأَةِ النِّقَمِ ، وَ أَجِرني مِن زَوالِ النِّعَمِ ، وَ مِن زَلَلِ القَدَمِ ، وَ اجعَلني اللَّهُمَّ في حياطَةِ عِزِّكَ وَحِفاظِ حِرزِكَ مِن مُباغَتَةِ الدَّوائِرِ (2) ، وَ مُعاجَلَةِ البَوادِرِ (3) . اللّهُمَّ رَبِّ ، وَأَرضَ البَلاءِ فاخسِفها ، وَعَرصَةَ المِحَنِ فَأَرجِفها ، وَشَمسَ النَّوائِبِ فَأَكسِفها ، وَجِبالَ السَّوءِ فانسِفها ، وَ كُرَبَ الدَّهرِ فاكشِفها ، وَ عَوائِقَ الأُمورِ فاصرِفها ، وَأَورِدني حياضَ السَّلامة ، وَ احمِلني عَلى مَطايا الكَرامَةِ ، وَ اصحَبني بِإِقالَةِ العَثرَةِ ، وَ اشمَلني بِسَترِ العَورةِ ، وَجُد عَلَيَّ يا رَبِّ بِآلائِكَ ، وَ كَشفِ بَلائِكَ ، وَدَفعِ ضَرّائِكَ . وَ ارفع كَلاكِلَ (4) عَذابِكَ ، وَ اصرِف عَنّي أَليمَ عِقابِكَ ، وَأَعِذني مِن بَوائِقِ الدُّهورِ ، وَأَنقِذني مِن سوءِ عَواقِبِ الأُمورِ ، وَاحرُسني مِن جَميعِ المَحذورِ ، وَ اصدَع صَفاءَ البَلاءِ عَن أَمري ، وَ اشلُل يَدَهُ عَنّي مَدى عُمري ، إِنَّكَ الرَّبُّ المَجيدُ المُبدئُ المُعيدُ الفَعّال لِما تُريدُ .

.


1- .الغَدَق : المطر الكثير العامّ ( لسان العرب : ج1 ص282 ) .
2- .الدّائرة : الهزيمة والسّوء . و قوله عزّ و جلّ : « وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَآئِرَ » قيل : الموت أو القتل ( لسان العرب : ج 4 ص 297 ) .
3- .البادرة : الغضبة السّريعة ( لسان العرب : ج4 ص49 ) .
4- .الكلاكل : الجماعات ، أي أصناف عذابك ( المنجد : ص695 ) .

ص: 398

المُناجاة بطلب التّوبة
المُناجاة بطلب الحج

المُناجاة بطلب التّوبةاللَّهُمَّ إِنّي قَصَدتُ إِلَيكَ بِإخلاصِ تَوبَةٍ نَصوحٍ ، وَتَثبيتِ عَقدٍ صَحيحٍ ، وَدُعاءِ قَلبٍ قَريحٍ (1) ، وَإِعلانِ قَولٍ صَريحٍ . اللَّهُمَّ فَتَقَبَّل مِنّي مُخلَصَ التَّوبَةِ ، وَإِقبالَ سَريعِ الأَوبَةِ (2) ، وَمَصَارِعَ تَخَشُّعِ الحَوبَةِ (3) ، وَ قابِل رَبِّ تَوبَتي بِجَزيلِ الثَّوابِ وَ كَريمِ المَآبِ ، وَحَطِّ العِقابِ ، وَصَرفِ العَذابِ ، وَغُنمِ الإيابِ ، وَسِترِ الحِجابِ . وَ امحُ اللَّهُمَّ ما ثَبَتَ مِن ذُنوبي ، وَ اغسِل بِقَبولِها جَميعَ عُيوبي ، وَ اجعَلها جالِيَةً لِقَلبيِ ، شاخِصَةً لِبَصيرَةِ لُبّي ، غاسِلَةً لِدَرَني ، مُطَهِّرةً لِنَجاسَةِ بَدني ، مُصَحِّحَةً فيها ضَميري ، عاجِلَةً إِلى الوَفاءِ بِها بَصيرَتي . وَ اقبَل يا رَبِّ تَوبَتي ، فَإِنَّها تَصدُرُ مِن إِخلاصِ نيَّتي ، وَمَحضٍ مِن تَصحيحِ بَصيرَتي ، وَ احتِفالاً في طَويَّتي ، وَ اجتِهاداً في نَقاءِ سَريرَتي ، وَتَثبيتاً لِاءنابَتي ، مُسارِعَةً إِلى أَمرِكَ بِطاعَتي ، وَ اجلُ اللَّهُمَّ بِالتَّوبَةِ عَنّي ظُلمَةَ الإِصرارِ ، وَامحُ بِها ما قَدَّمتُهُ مِنَ الأَوزارِ ، وَ اكسُني لِباسَ التَّقوى وَجَلابِيبَ الهُدى ، فَقَد خَلَعتُ رِبقَ المَعاصيَ عَن جِلدي ، ونَزَعتُ سِربالَ (4) الذُّنوبِ عَن جَسَدي ، مُستَمسِكاً رَبِّ بِقُدرَتِكَ ، مُستَعيناً عَلى نَفسي بِعِزَّتِكَ ، مُستودِعاً تَوبَتي مِن النَّكثِ بِخَفرَتِكَ ، مُعتَصِماً مِنَ الخِذلانِ بِعِصمَتِك ، مُقارِناً بِهِ ، لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِكَ .

المُناجاة بطلب الحجاللَّهُمَّ ارزُقني الحَجَّ الَّذي افتَرَضتَهُ عَلى مَن استَطاعَ إِلَيهِ سَبيلاً ، وَ اجعَل لي فيهِ هادياً وَإلَيهِ دَليلاً ، وَ قَرِّب لي بُعدَ المَسالِكِ ، وَ أَعِنّي عَلى تَأديَةِ المَناسِكِ ، وَ حرِّم بِإِحرامي عَلى النّارِ جَسَدي ، وزِد للسَّفَرِ قُوَّتي وَ جَلَدي ، وَ ارزُقني رَبِّ الوَقوفَ بَينَ يَدَيكَ ، وَ الإِفاضَةَ إِلَيكَ ،

.


1- .قريح : الجريح ( لسان العرب: ج2 ص557).
2- .الأوب : الرّجوع ( لسان العرب : ج1 ص217 ) .
3- .الحوبة : الحاجة ( لسان العرب : ج1 ص337 ) .
4- .السّربال : القميص و الدّرع ( لسان العرب : ج11 ص335) .

ص: 399

المُناجاة بكشف الظّلم

وَاظفِرني بِالنُّجحِ بِوافِر الرِّبحِ ، وَأصدِرني رَبِّ مِن مَوقِفِ الحَجِّ الأَكبَرِ إِلى مُزدَلَفَةِ المَشعَرِ ، وَاجعَلها زُلفةً إِلى رَحمَتِكَ ، وَ طريقاً إِلى جَنَّتِكَ ، وَقِفنى مَوقِفَ المَشعَرِ الحَرامِ ، وَمَقامَ وُقُوفِ الإِحرامِ . وَ أهِّلني لِتَأديَةِ المَناسِكِ وَنَحرِ الهَدي التَّوامِكِ (1) بِدَمٍ يَثُجُّ (2) ، وَأَوداجٍ تَمُجُّ ، وَإِراقَةِ الدِّماءِ المَسفوحَةِ ، وَالهَدايا المَذبوحَةِ ، وَفَري أَوداجِها عَلى ما أَمَرتَ ، وَ التَّنَفُّلِ بِها كَما وَسَمتَ . وَأَحضِرني اللَّهُمَّ صَلاةَ العيدِ راجياً لِلوَعدِ ، خائِفاً مِنَ الوَعيدِ ، حالِقاً شَعرَ رَأسي ، وَ مُقَصِّراً وَ مُجتَهِداً في طاعَتِكَ ، مُشَمِّراً ، رامياً لِلجِمارِ بِسَبعٍ بَعدَ سَبعٍ مِنَ الأَحجارِ ، وَأَدخِلني اللَّهُمَّ عَرصَةَ بَيتِكَ ، وَعَقوَتَكَ (3) ، وَمَحَلَّ أَمنِكَ ، وَ كَعبَتَكَ ، و مَساكِنكَ ، وَ سُؤالِكَ ، وَ مَحاويجَكَ ، وَ جُد عَلَيَّ اللَّهُمَّ بوافِرِ الأَجرِ مِنَ الانكِفاءِ وَ النَّفرِ . وَ اختِم اللَّهُمَّ مَناسِكَ حَجّي وَ انقِضاءِ عَجّي بِقَبولٍ مِنكَ لي ، وَرَأفةٍ مِنكَ بي ، يا أَرحَمَ الرّاحِمينَ .

المُناجاة بكشف الظّلماللَّهُمَّ إِنَّ ظُلمَ عِبادِكَ قَد تَمَكَّنَ في بِلادِكَ حَتّى أَماتَ العَدلَ ، وَقَطَعَ السُّبُلَ ، وَ مَحَقَ الحَقَّ ، وَأَبطَلَ الصِّدقَ ، وَأخفَى البِرَّ ، وَأَظهَرَ الشَّرَّ ، وَ أَحمَدَ (4) التَّقوى ، وَأَزالَ الهُدى ، وَأَزاحَ الخَيرَ ، وَأَثبَتَ الضَّيرَ (5) ، وَأَنمَى الفَسادَ ، وَ قَوّى العِنادَ ، وَبَسَطَ الجورَ وَعَدَى الطَّورَ (6) . اللَّهُمَّ يا رَبِّ لا يَكشِفُ ذلِكَ إلَا سُلطانُكَ ، وَ لا يُجيرُ مِنهُ إِلَا امتِنانُكَ . اللَّهُمَّ رَبِّ فابتِر الظُّلمَ ، وَبُثَّ حِبالَ الغَشمِ (7) ، وَ أَخمِد سوقَ المُنكَرِ وَ أَعِزَّ مَن عَنهُ

.


1- .أتمكها الكلأ : سمّنها ( لسان العرب : ج10 ص407 ) .
2- .ثجّ الماء : سال ، و ثجّأ الماء : أساله ( المنجد : ص69 ) .
3- .العقوة : السّاحة وما حول الدّار ( لسان العرب : ج15 ص79 ) .
4- .الصّحيح : « أخمد » بدل « أحمد » ، في لسان العرب : خمدت النّار تخمد خموداً ؛ سكن لهبها و لم يدفع خمرها ( ج3 ص165 ) . وفي بحار الأنوار : « أهمل » بدل « أحمد » .
5- .ضارّه ضيراً : ضَرّه ( لسان العرب : ج4 ص495 ) .
6- .الطَّور : الحدّ بين الشّيئين ، وعدا طوره ، أي جاوز حدّه وقدره ( لسان العرب : ج4 ص508 ) .
7- .الغشم : الظّلم و الغصب ( لسان العرب : ج12 ص437 ) .

ص: 400

المُناجاة بالشّكر للّه تعالى

يَنزَجِرُ ، وَاحصُد شَأفَةَ (1) أَهلِ الجَورِ ، وَألبِسهُمُ الحَورَ (2) بَعد الكَورِ (3) ، وَ عَجِّلِ اللَّهُمَّ إِلَيهِم البَياتَ ، وَ أَنزِل عَلَيهِم المُثَلاتِ ، وَأَمِت حَياةَ المُنكَرِ ليُؤمَنَ المَخُوفُ ، وَيَسكُنَ المَلهوفُ ، وَيَشبَعَ الجائِعُ ، وَيَحفَظَ الضّائِعُ ، وَ يأويَ الطَّريدُ وَ يعودَ الشَّريدُ ، وَ يُغنيَ الفقيرُ ، وَ يُجارَ المُستَجيرُ ، وَ يُوقَّرَ الكَبيرُ ، وَ يُرحَمَ الصَّغيرُ ، وَيُعَزَّ المَظلومُ ، وَيُذَلَّ الظّالِمُ ، وَيُفَرَّجَ المَغمومُ ، وَ تَنفَرِجَ الغَمّاءُ ، وَ تَسكُنَ الدَّهماءُ (4) ، وَ يَموتَ الاختِلافُ ، وَ يَعلو العِلمُ ، وَ يَشمُلَ السِّلمُ ، وَيُجمَعَ الشَّتاتُ ، وَيَقوى الإيمانُ ، وَيُتلى القُرآنُ ، إِنَّكَ أَنتَ الدَّيّانُ المُنعِمُ المَنّانُ .

المُناجاة بالشّكر للّه تعالىاللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ عَلى مَرَدِّ نَوازِلِ البَلاءِ وَ تَوالي سُبُوغِ النَّعماءِ ، ومُلِمّات الضَّرّاءِ ، وَ كَشفِ نَوائِبِ اللَأواءِ (5) . وَ لَكَ الحَمدُ عَلى هَنيَ عَطاءِكَ وَ مَحمودِ بَلائِكَ ، وَ جَليلِ آلائِكَ ، وَ لَكَ الحَمدُ عَلى إِحسانِكَ الكَثيرِ ، وَخَيرِكَ الغَزيرِ ، وَ تكليفِكَ اليَسيرِ ، وَدَفعِ العَسيرِ ، وَ لَكَ الحَمدُ يا رَبِّ عَلى تَثميرِكَ قَليلَ الشُّكرِ وَإِعطائِكَ وافِرَ الأَجرِ ، وَحَطِّكَ مُثقَلَ الوِزرِ ، وَ قَبولِكَ ضَيِّقَ العُذرِ ، وَوَضعِكَ باهِضَ الإِصرِ ، وَ تَسهيلِكَ مَوضِعَ الوَعرِ ، وَمَنعِكَ مُفظِعَ (6) الأَمرِ . وَ لَكَ الحَمدُ عَلى البَلاءِ المَصروفِ ، وَوافِرِ المَعروفِ ، وَدَفعِ المَخوفِ ، وَإِذلالِ العَسوفِ (7) ، وَ لَكَ الحَمدُ عَلى قِلَّةِ التَّكليفِ ، وَكَثرَةِ التَّخفيفِ ، وَتَقوَيةِ الضَّعيفِ ، وَإِغاثَةِ اللَّهيفِ ، وَ لَكَ الحَمدُ عَلى سَعَةِ إِمهالِكَ ، وَدَوامِ إِفضالِكَ ، وَصَرفِ إِمحالِكَ (8) ، وَ حَميدِ أفعالِكَ ، وَ تَوالي

.


1- .الشّأفة : الأصل ( لسان العرب : ج9 ص168 ) .
2- .الحَور : الرّجوع عن الشّيء وإلى الشّيء ( لسان العرب : ج4 ص217 ) .
3- .الكور : الزّيادة ( لسان العرب : ج5 ص155 ) .
4- .الدّهمة : السّوداء المظلمة ( لسان العرب : ج12 ص209 ) .
5- .اللّأواء : الشدّة و المحنة ( المنجد : ص709 ) .
6- .المُفظع : الشّديد الشّنيع ( لسان العرب : ج8 ص254 ) .
7- .عَسَفَ فلان فلاناً عسفاً : ظلمه ( لسان العرب : ج9 ص245 ) .
8- .المَحل : المكر و الكيد ( لسان العرب : ج11 ص618 ) .

ص: 401

المُناجاة بطلب الحوائج

نَوالِكَ ، وَ لَكَ الحَمدُ عَلى تَأخيرِ مُعاجَلَةِ العِقابِ ، وَتَركِ مُغافَصَةِ (1) العَذابِ ، وَتَسهيلِ طَريقِ المآبِ وَإِنزالِ غَيثِ السَّحابِ .

المُناجاة بطلب الحوائججَدَيرٌ مَن أَمرتَهُ بِالدُّعاءِ أَن يَدعوكَ ، وَمَن وَ عَدتَهُ بِالإِجابَةِ أَن يَرجوكَ ، وَلِيَ اللَّهُمَّ حاجَةٌ قَد عَجَزَت عَنها حيلَتي ، وَكَلَّت فيها طاقَتي ، وَ ضَعُفَ عَن مَرامِها قُوَّتي ، وَ سَوَّلَت لي نَفسي الأَمّارَةُ بِالسُّوءِ ، وَعَدُوّي الغَرورُ الَّذي أَنا مِنهُ مَبلوٌّ أَن أَرغَبَ إِلَيكَ فيها . اللَّهُمَّ وَأَنجِحها بِأَيمَنِ النَّجاحِ ، وَاهدِها سَبيلَ الفَلاح ، وَ اشرَحِ بِالرَّجاءِ لِاءسعافِكَ (2) صَدري ، وَيَسِّر في أَسبابِ الخَيرِ أَمري ، وَ صَوِّر إِلى الفَوز ببُلوغِ ما رَجَوتُهُ بِالوُصولِ إِلى ما أَمَّلتُهُ ، وَوَفِّقني اللَّهُمَّ في قَضاءِ حاجَتي بِبُلوغ أُمنيَّتي ، وَ تصديقِ رَغبَتي ، وَأَعِذني اللَّهُمَّ بِكَرَمِكَ مِنَ الخَيبَةِ وَالقُنوطِ وَالأَناةِ (3) ، وَالتَّثبيطِ (4) . اللَّهُمَّ إِنَّكَ مَليءٌ بِالمنائِحِ الجَزيلَةِ ، وَفيٌّ بِها ، وَ أَنتَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، بِعِبادِكَ خَبيرٌ بَصيرٌ . (5)

ذكرتها مفصّلاً في مكاتيب الرّسول صلى الله عليه و آله ، و نذكرها هنا ؛ لنقلها الجواد عليه السلام عنهم عليهم السلام ، و لجلالتها ، و التّبرّك بها (6) .

.


1- .غافص الرّجل : أخذه على غِرّة ( لسان العرب : ج7 ص61 ) .
2- .أسعفه على الأمر : أعانه ( لسان العرب : ج9 ص152 ) .
3- .الأناة : و في الحديث : « والرّأي مع الأناة » ؛ و ذلك لأنّها ظنّة الفكر في الاهتداء إلى وجوه المصالح ( مجمع البحرين : ج1 ص36 ) .
4- .التّثبيط : ثبّطه عن الشّيء تثبيطاً ، إذا شغله عنه ( لسان العرب : ج7 ص267 ) .
5- .مهج الدّعوات : ص309 ، بحار الأنوار : ج91 ص113 ح17 وراجع : المصباح للكفعمي : ص518 ، بلد الأمين : ص161 .
6- .مكاتيب الرّسول صلى الله عليه و آله : ج2 ص177 .

ص: 402

( 281 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بصير في دعاء جامع للدّنيا و الآخرة

281كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بصيرفي دعاء جامع للدّنيا و الآخرةمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى و عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، جميعاً عن عليّ بن زياد (1) ، قال : كتب عليّ بن بصير (2) يسأله أن يكتب له في أسفل كتابه دعاءً يعلّمه إيّاه ، يدعو به فيُعصم به من الذّنوب ، جامعاً للدّنيا والآخرة . فكتب عليه السلام بخطّه :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم يا مَن أَظهَرَ الجَميلَ ، وَ سَتَرَ القَبيحَ ، وَ لَم يَهتِكِ السِّترَ عَنّي ، يا كَريمَ العَفو ، يا حَسَنَ التَّجاوُزِ ، يا واسِعَ المَغفِرَةِ ، يا باسِطَ اليَدَينِ بِالرَّحمَةِ ، يا صاحِبَ كُلِّ نَجوى ، وَ يا مُنتَهى كُلِّ شَكوى ، يا كَريمَ الصَّفحِ ، يا عَظيمَ المَنِّ ، يا مُبتَدئَ كُلِّ نِعمَةٍ قَبلَ استِحقاقِها ، يا رَبّاه ، يا سَيِّداه ، يا مَولاه ، يا غياثاه ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَسأَلُكَ أَن لا تَجعَلَني في النّارِ . ثمّ تسأل ما بدا لك . (3)

.


1- .عليّ بن زياد الصيمريّ : الخبر كان مضمرة ، و عدّه الشّيخ من أصحاب الهاديّ عليه السلام ( رجال الطوسي : ص388 ح5714 ) .
2- .عليّ بن بصير : في بعض النّسخ « عليّ بن نصير » ، والرّجل لم نجد له ترجمة في المصادر الرّجاليّة و لا الرّوائيّة ، لعلّه هو عليّ بن نصر [ الغاب ] الّذي عدّه الشّيخ والبرقي من أصحاب مولانا الجواد عليه السلام ( رجال الطوسي : ص377 الرقم5576 ، رجال البرقي : ص57 ) . و في فلاح السّائل « عليّ بن نصر » بدل « عليّ بن بصير » .
3- .الكافي : ج2 ص578 ح4 ، فلاح السّائل : ص345 ح231 ، و فيه « غايتاه » بدل « غياثاه » ، بحار الأنوار : ج87 ص79 ح3 ، و فيه « أقول : و هذه ألفاظ هذا الدّعاء نقلته من نسخة قد كانت للشّيخ أبي جعفر الطوسي ، و عليها خطّ أبي عبد اللّه الحسين بن أحمد بن عبيد اللّه ، تاريخه صفر سنة إحدى عشرة وأربعمئة ، و قد قابلها جدّي أبو جعفر الطوسي وأحمد بن الحسين بن أحمد ابن عبيد اللّه ، و صحّحاها » .

ص: 403

( 282 ) كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن شيبة و عليّ بن أسباط في الاستخارة
( 283 ) كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن سهل مع الأئمّة: في الدّنيا و الآخرة

282كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن شيبة و عليّ بن أسباطفي الاستخارةرواه سعد بن عبد اللّه في كتاب الأدعية ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب أبو جعفرٍ الثّاني إلى إبراهيم بن شيبة (1) :فَهِمتُ ما استَأمَرتَ فيهِ مِن أَمرِ ضَيعَتِكَ الَّتي تَعَرَّضَ لَكَ السُّلطانُ فيها ، فاستَخِرِ اللّهَ مِئَةَ مَرَّةٍ ، خِيَرَةً في عافيَةٍ ، فَإِنِ احلَولى بِقَلبِكَ بَعدَ الاستِخارَةِ بَيعُها ، فَبِعها وَ استَبدِل غَيرَها إِن شاءَ اللّهُ تَعالى ، وَ لا تَتَكَلَّم بَينَ أَضعافِ الاستِخارَةِ حَتّى تُتِمَّ المِئَةَ إِن شاءَ اللّهُ . (2) وفي روايةٍ اُخرى : عن محمّد بن يعقوب الكليني فيما صنّفه من كتاب رسائل الأئمّة عليهم السلام ، فيما يختصّ بمولانا الجواد عليه السلام : فقال : و من كتاب لهٍ إلى عليّ بن أسباط : فَهِمتُ ما ذَكَرتَ مِن أَمرِ ضَيعَتِكَ . . . و ذكر مثله ، إلَا أنّه زاد : وَ لتَكُنِ الاستِخارَةُ بَعدَ صَلاتِكَ رَكعَتَينِ . (3)

283كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن سهلمع الأئمّة عليهم السلام في الدّنيا و الآخرة

.


1- .راجع : ص 329 الرقم 233 .
2- .فتح الأبواب : ص142 ، بحار الأنوار : ج91 ص264 ح17 ، وسائل الشيعة : ج8 ص76 ح10121 وراجع : المصباح للكفعمي : ص517 .
3- .وسائل الشيعة : ج8 ص77 ح10122 .

ص: 404

( 284 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرج في تعقيب صلاة الفجر

كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : علّمني شيئاً إذا أنا قلته كنت معكم في الدّنيا و الآخرة . قال : فكتب بخطٍّ أعرفه :أَكثِر مِن تِلاوَةِ « إِنَّ_آ أَنزَلْنَ_هُ » وَرَطِّب شَفَتَيكَ بِالاستِغفارِ . (1)

284كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرجفي تعقيب صلاة الفجرسهل بن زياد عن بعض أصحابه ، عن محمّد بن الفَرَج (2) ، قال : كتب إليَّ أبو جعفرٍ بن الرّضا عليه السلام بهذا الدّعاء وعلّمنيه و قال :مَن قالَ في دُبُرِ صَلاةِ الفَجرِ ، لَم يَلتَمِس حاجَةً إِلَا تَيَسَّرَت لَهُ ، وَ كَفاهُ اللّهُ ما أهَمَّهُ : بِسمِ اللّهِ وَ بِاللّهِ وَ صَلّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ «وَ أُفَوِّضُ أَمرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ مَا مَكَرُوا» (3) ، «لا إِلَهَ إِلَا أَنتَ سُبحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاستَجَبنَا لَهُ وَ نَجَّينَاهُ مِنَ الغَمِّ وَ كَذَ لِكَ نُنجِى المُؤمِنِينَ » (4) ، «حَسبُنَا اللَّهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ * فَانقَلَبُوا بِنِعمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضلٍ لَّم يَمسَسهُم سُوءٌ » (5) . «مَا شَآءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَا بِاللَّهِ » (6) العَليِّ

.


1- .ثواب الأعمال : ص165 ، مكارم الأخلاق : ص313 ، جامع الأخبار : ص56 ، وسائل الشيعة : ج16 ص69 ح21003 ، بحار الأنوار : ج93 ص279 ح14 .
2- .راجع : ص 296 الرقم 194 .
3- .غافر : 44 و45 .
4- .الأنبياء : 87 و 88 .
5- .آل عمران : 173 و 174 .
6- .الكهف : 39 .

ص: 405

العَظيمِ ، ما شاءَ اللّهُ لا ما شاءَ النّاسُ ، ما شاءَ اللّهُ وإِن كَرِهَ النّاسُ ، حَسبيَ الرَّبُّ مِنَ المَربوبينَ حَسبيَ الخَالِقُ مِنَ المَخلوقينَ ، حَسبِيَ الرّازِقُ مِنَ المَرزُوقينَ ، حَسبيَ الَّذي لَم يَزَل حَسبي مُنذُ قَطُّ «حَسبِىَ اللَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَ هُوَ رَبُّ العَرشِ العَظِيمِ» (1) . وقال عليه السلام : إِذا انصَرَفتَ مِن صَلاةٍ مَكتوبَةٍ فَقُل : رَضيتُ بِاللّهِ رَبّاً وَ بِمُحَمَّدٍ نَبيّاً وَ بِالإِسلامِ ديناً وبِالقُرآنِ كِتاباً وبِفُلانٍ وَ فُلانٍ أَئِمَّةً . اللَّهُمَّ وَليُّك فُلانٌ فاحفَظهُ من بَينِ يَدَيهِ وَ مِن خَلفِهِ ، وَ عَن يَمينِهِ وَ عَن شِمالِهِ ، وَمِن فَوقِهِ وَمِن تَحتِهِ ، وَ امدُد لَهُ في عُمُرِهِ ، وَ اجعَلهُ القائِمَ بِأَمرِكَ وَ المُنتَصِرَ لِدينِكَ ، وَ أَرِهِ ما يُحِبُّ وَ ما تَقَرُّ بِهِ عَينُهُ في نَفسِهِ وَ ذُرّيَّتِهِ ، وَ في أَهلِهِ وَ مَالِهِ ، وَ في شيعَتِهِ ، وَ في عَدوِّهِ ، وَ أَرِهِم مِنهُ ما يَحذَرونَ ، وَ أَرِهِ فيهِم ما يُحِبُّ وَ تَقِرُّ بِهِ عَينُهُ ، وَ اشفِ صُدُورَنا وَصُدورَ قَومٍ مُؤمِنينَ . قال عليه السلام : وَ كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله يَقولُ إِذا فَرَغَ مِن صَلاتِهِ : اللَّهُمَّ اغفِر لي ما قَدَّمتُ وَ ما أَخَّرتُ ، وَ ما أَسرَرتُ وَ ما أَعلَنتُ ، وَ إِسرافي عَلى نَفسي ، وَ ما أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنّي . اللَّهُمَّ أَنتَ المُقَدِّمُ وَ أَنتَ المُؤَخِّرُ ، لا إِلهَ إِلَا أَنتَ ، بِعِلمِكَ الغَيبَ ، وَبِقُدرَتِكَ عَلى الخَلقِ أَجمَعينَ ، ما عَلِمتَ الحَياةَ خَيراً لي فَأَحيِني ، وَ تَوَفَّني إِذا عَلِمتَ الوَفاةَ خَيراً لي . اللَّهُمَّ إِنّي أَسأَلُكَ خَشيَتَكَ في السِّرِّ وَ العَلانيَةِ ، وَ كَلِمَةَ الحَقِّ في الغَضَبِ وَ الرِّضا ، وَ القَصدَ في الفَقرِ وَ الغِنى ، وَ أَسأَلُكَ نَعيماً لا يَنفَدُ ، وَ قُرَّةَ عَينٍ لا يَنقَطِعُ . وَ أَسأَلُكَ الرِّضا بِالقَضاءِ ، وَ بَرَكَةَ المَوتِ بَعدَ العَيشِ ، وَ بَردَ العَيشِ بَعدَ المَوتِ ، ولَذَّةَ المَنظَرِ إِلى وَجهِكَ ، وَشَوقاً إِلى رُؤيَتِكَ وَ لِقَائِكَ مِن غَيرِ ضَرّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَ لا فِتنَةٍ مَضَلَّةٍ . اللَّهُمَّ زَيِّنّا بِزِينَةِ الإِيمانِ ، وَ اجعَلنَا هُدَاةً مَهديّينَ . اللَّهُمَّ اهدِنا فيمَن هَدَيتَ . اللَّهُمَّ إِنّي أَسأَلُك عَزِيمَةَ الرَّشادِ ، وَ الثَّباتَ في الأَمرِ وَ الرُّشدِ ، وَ أَسأَلُكَ شُكرَ نِعمَتِكَ ،

.


1- .التوبة : 129 .

ص: 406

( 285 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار في الفَرَج
( 286 ) كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفُضَيل في الدّعاء عند الإصباح و الإمساء

وَ حُسنَ عَافيَتِكَ ، وَ أَدَاءَ حَقِّكَ . وَ أَسأَلُكَ يا رَبِّ قَلباً سَليماً ، وَ لِساناً صَادِقاً ، وَ أَستَغفِرُكَ لِما تَعلَمُ ، وَ أَسأَلُكَ خَيرَ ما تَعلَمُ ، وَ أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ مَا تَعلَمُ ، فَإِنَّكَ تَعلَمُ وَ لا نَعلَمُ ، وَ أَنتَ عَلَامُ الغُيوبِ . (1)

285كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي الفَرَجسَهل بن زياد و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن عليّ بن مهزيار (2) ، قال : كتب محمّد بن حمزة الغَنَويّ إليَّ يسألني أن أكتب إلى أبي جعفرٍ عليه السلام في دعاء يُعلّمه ، يرجو به الفَرَج . فكتب إليَّ :أمّا ما سَأَلَ مُحَمَّدُ بنُ حَمزَةَ مِن تَعليمِهِ دُعاءً يَرجو بِهِ الفَرَجَ ، فَقُل لَهُ يَلزَمُ: يا مَن يَكفي مِن كُلِّ شَيءٍ ، و لا يَكفي مِنهُ شَيءٌ ، اكفِني ما أَهَمَّني مِمّا أَنا فيهِ . فَإنّي أَرجو أَن يُكفى ما هوَ فيهِ مِنَ الغَمِّ إِن شَاءَاللّهُ تَعالَى . فأعلمته ذلك ، فما أتى عليه إلّا قليل حتّى خرج مِن الحبس . (3)

286كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفُضَيلالدّعاء عند الإصباح و الإمساءمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن

.


1- .الكافي : ج2 ص547 ح6 و راجع: كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص326 ح959، المصباح للكفعمي: ص115، عدّة الداعي : ص268 ، مكارم الأخلاق : ص270 ح19، بحار الأنوار: ج86 ص186 ح48.
2- .راجع : ص 131 الرقم 81 .
3- .الكافي : ج2 ص560 ح14 ، عدّة الدّاعي : ص262 ، الدّعوات : ص51 ح126 ، بحار الأنوار: ج95 ص208 ح39 .

ص: 407

( 287 ) كتابه عليه السلام إلى رجل في الدّعاء عند الوسوسة و حديث النّفس

محمّد بن الفُضَيل (1) ، قال : كتبتُ إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام أسألُه أن يُعلّمني دعاءً . فكتب إليَّ :تَقولُ إِذا أَصبَحتَ وَ أَمسَيتَ : اللّهُ اللّهُ اللّهُ رَبِّيَ ، الرَّحمنُ الرَّحيمُ ، لا أُشرِكُ بِهِ شَيئاً . وإن زِد تَ عَلى ذلِكَ فَهوَ خَيرٌ ، ثُمَّ تَدعو بِما بَدا لَكَ في حاجَتِكَ ، فَهوَ لِكُلِّ شَيءٍ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى ، يَفعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ . (2)

287كتابه عليه السلام إلى رجلالدّعاء عند الوسوسة و حديث النّفسسَهل بن زياد و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب رجلٌ إلى أبي جعفرٍ عليه السلام يشكو إليه لَمَماً يخطر على باله ، فأجابه في بعض كلامه :إِنَّ اللّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إن شاءَ ثَبَّتَكَ فَلا يَجعَلَ لِاءِبليسَ عَلَيكَ طَريقاً ، قَد شَكى قَومٌ إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه و آله لَمَماً يَعرِضُ لَهُم ، لَأَن تَهويَ بِهُمُ الرّيحُ أَو يُقَطَّعُوا ، أَحَبُّ إِلَيهم مِن أَن يَتَكَلَّموا بِهِ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أَتَجِدونَ ذلِكَ ؟ قالوا : نَعَم . فَقالَ : وَ الَّذي نَفسي بيَدِهِ ، إِنَّ ذلِكَ لَصَرِيحُ الإيمانِ ، فَإِذا وَجَدتُموهُ فَقولوا : آمَنّا بِاللّهِ وَرَسولِهِ ، وَ لا حَولَ و لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ . (3)

.


1- .راجع : الرقم « 13 » .
2- .الكافي : ج2 ص534 ح36 .
3- .الكافي : ج2 ص425 ح4 ، وسائل الشيعة : ج7 ص168 ح9027 .

ص: 408

( 288 ) في جواب الرّقاع في الحوائج
( 289 ) كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن سهل في قضاء الدّين

288في جواب الرّقاعفي الحوائججماعة من أعلام الإمام محمّد بن عليّ التّقي عليهماالسلام قالوا : كتبنا إليه [ أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام ] رقاعاً في حوائجٍ لنا ، و كتب رجل من الواقفة رقعةً جعلها بين الرّقاع . فوقّع الجواب بخطّه في الرّقاع ، إلّا في رقعة الواقفي لم يجب فيها بشيء . (1)

289كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن سهلفي قضاء الدّينسهل بن زياد عن منصور بن العبّاس ، عن إسماعيل بن سهل (2) ، قال : كتبتُ إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : إنّي قد لزمني دينٌ فادح (3) . فكتب :أَكثِر مِنَ الاستِغفارِ ، وَرَطِّب لِسَانَكَ بِقِرَاءَةِ « إِنَّ_آ أَنزَلْنَ_هُ » . (4)

.


1- .الخرائج و الجرائح: ج2 ص668، بحار الأنوار: ج50 ص46 ح19.
2- .راجع : ص 228 الرقم 153 .
3- .فدحه الدّين : أي أثقله ( الصحاح : ج1 ص390 ) .
4- .الكافي : ج5 ص319 ح51 ، بحار الأنوار : ج92 ص329 ح8 ، وسائل الشيعة : ج17 ص463 ح23003 .

ص: 409

( 290 ) كتابه عليه السلام إلى أبي عمرو الحَذّاء في قضاء الحوائج

290كتابه عليه السلام إلى أبي عمرو الحَذّاءفي قضاء الحوائجسَهل بن زياد ، عن عليّ بن سليمان ، عن أحمد بن الفضل ، عن أبي عمرو الحَذّاء 1 ، قال : ساءت حالي فكتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام . فكتب إليَّ :أَدِم قِراءَةِ : « إِنَّ_آ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ » (1) . قال : فقرأتُها حولاً فلم أرَ شيئاً ، فكتبت إليه اُخبره بسوء حالي ، و أ نّي قد قرأت « إِنَّ_آ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ » حولاً كما أمرتني و لم أرَ شيئاً . قال : فكتب إليَّ : قَد وَفى لَكَ الحَولُ ، فانتَقِل مِنها إِلى قِرَاءَةِ « إِنَّ_آ أَنزَلْنَ_هُ » . قال : ففعلت ، فما كان إلّا يسيراً حتّى بعث إليَّ ابنُ أبي داوود فقضى عنّي ديني وأجرى عليَّ وعلى عيالي ، ووجّهني إلى البصرة في وكالته بباب كلّاء ، و أجرى عليَّ خمسمئة درهم . و كتبت من البصرة على يدي عليّ بن مهزيار إلى أبي الحسن عليه السلام : إنّي كنت سألت أباك عن كذا و كذا ، و شكوت إليه كذا و كذا ، و إنّي قد نلت الّذي أحببت ، فأحببت أن تُخبرني يا مولاي كيف أصنع في قراءة « إِنَّ_آ أَنزَلْنَ_هُ » ؟ أقتصرُ عليها و حدها في فرائضي و غيرها ، أم أقرأ معها غيرها ، أم لها حدٌّ أعمل به ؟ فوقّع عليه السلام و قرأت التّوقيع : لا تَدَع مِنَ القُرآنِ قَصيرَهُ وَ طَويلَهُ ، وَ يُجزِئُكَ مِن قِراءَةِ « إِنَّ_آ

.


1- .سورة نوح ، وأراد عليه السلام به تمام السّورة .

ص: 410

( 291 ) كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد بن هارون في العوذة

أَنزَلْنَ_هُ » يَومَكَ وَ لَيلَتَكَ مِئَةَ مَرَّةٍ . (1)

291كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد بن هارونفي العوذةمحمّد بن جعفر أبو العبّاس ، عن محمّد بن عيسى ، عن صالح بن سعيد ، عن إبراهيم بن محمّد بن هارون 2 أ نّه كتب إلى أبي جعفرٍ عليه السلام يسأله عوذةً للرّياح الّتي تعرض للصّبيان . فكتب إليه بخطّه بهاتين العوذتين ، و زعم صالحٌ أ نّه أنفذهما إلى إبراهيم بخطّه :اللّهُ أَكبَرُ اللّهُ أَكبَرُ اللّه أَكبَرُ ، أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إلَا اللّهُ ، أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللّهِ ، اللّهُ أَكبَرُ اللّهُ أَكبَرُ ، لا إِله إِلَا اللّهُ ، وَ لا رَبَّ لي إِلَا اللّهُ ، لَهُ المُلكُ وَ لَهُ الحَمدُ ، لا شَريكَ لَهُ ، سُبحانَ اللّهِ ، ما شَاءَ اللّهُ كانَ ، وَ ما لَم يَشَأ لَم يَكُن ، اللَّهُمَّ ذا الجَلالِ وَ الإِكرام ، رَبَّ موسى وَ عيسى ، وَ إبراهيمَ الَّذي وَفّى ، إلهَ إِبراهيمَ وَ إِسماعيلَ وَ إِسحاقَ وَ يَعقوبَ وَ الأَسبَاطَ . لا إِلهَ إلَا أَنتَ سُبحانَكَ مَعَ ما عَدَّدتَ مِن آياتِكَ ، وَ بِعَظَمَتِكَ ، وَبِما سَأَلكَ بِهِ النَّبيّونَ ، وَبِأَنَّكَ رَبُّ النّاسِ ، كُنتَ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، وَ أَنتَ بَعدَ كُلِّ شَيءٍ ، أَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذي تُمسِكُ بِهِ السَّماواتِ أَن تَقَعَ عَلى الأَرضِ إِلَا بِإِذنِكَ ، وَ بِكَلِماتِكَ التّامّاتِ الَّتي تُحيي بِهِ المَوتى ، أَن تُجيرَ

.


1- .الكافي : ج5 ص316 ح50 ، وسائل الشيعة : ج17 ص464 ح23004 ، بحار الأنوار : ج92 ص328 ح7 و ج95 ص295 ح9 .

ص: 411

( 292 ) كتابه عليه السلام إلى ابنه الهاديّ عليه السلام في العوذة

عَبدَكَ فُلاناً مِن شَرِّ ما يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ ، وَ ما يَعرُجُ إِلَيها ، وَ ما يَخرُجُ مِنَ الأَرضِ ، وَ ما يَلِجُ فيها ، و سَلامٌ عَلى المُرسَلينَ ، وَ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمينَ . وكتب إليه أيضاً بخطِّه : بِسمِ اللّهِ وَ بِاللَّهِ وَ إِلى اللّهِ وَ كَما شاءَ اللّهُ ، وَ أُعيذُهُ بِعِزَّةِ اللّهِ ، وَ جَبَروتِ اللّهِ ، وَ قُدرَةِ اللّهِ ، وَ مَلَكوتِ اللّهِ ، هذا الكِتابُ مِنَ اللّهِ شِفاءٌ لِفُلانِ بنِ فُلانٍ ، ابنِ عَبدِكَ وَ ابنِ أَمَتِكَ عَبدَي اللّهِ ، صَلّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ . (1)

292كتابه عليه السلام إلى ابنه الهاديّ عليه السلامفي العوذةأبو المفضّل قال : حدّثنا أبو أحمد عبد اللّه بن الحسين بن إبراهيم العلويّ ، قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثني عبد العظيم بن عبداللّه الحسني رضى الله عنه (2) : أنّ أبا جعفرٍ محمّد بن عليّ عليهماالسلام كتب هذه العوذة لابنه أبي الحسن عليه السلام و هو صبيّ في المهد ، و كان يعوذه بها يوماً فيوماً :بِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرَّحيم لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ العَليِّ العَظيمِ ، اللَّهُمَّ رَبَّ المَلائِكَةِ وَ الرّوحِ وَ النَّبيّينَ وَ المُرسَلَينَ ، وَ قاهِرَ مَن في السَّماواتِ وَ الأَرضَينَ ، وَ خالِقَ كُلِّ شَيءٍ وَ مالِكَهُ ، كُفَّ عَنّي بَأسَ أَعدآئِنا ، وَ مَن أَرادَنا بسوءٍ مِنَ الجِنِّ وَ الإِنسِ ، وَ أَعِم أَبصارَهُم وَ قُلوبَهُم ، وَ اجعَل بَينَنا وَ بَينَهُم حِجاباً وَ حَرَساً وَ مَدفَعاً ، إِنَّكَ رَبُّنا ، لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ لَنا إِلَا بِاللّهِ ، عَلَيهِ تَوَكَّلنا وَ إِلَيهِ أَنَبنا ، وَ هوَ العَزيزُ الحَكيمُ . رَبَّنا عافِنا مِن كُلِّ سُوءِ ، وَ مِن شَرِّ كُلِّ دابَّةٍ أَنتَ آخِذٌ بِناصيَتِها ، وَ مِن شَرِّ ما سَكَنَ في

.


1- .الكافي : ج2 ص571 ح10 ، عدّة الدّاعي : ص264 و ليس فيه ذيل الحديث ، بحار الأنوار : ج95 ص112 ح1 .
2- .راجع : ص 277 الرقم 185 .

ص: 412

اللَّيلِ وَ النَّهارِ ، وَ مِن كُلِّ سوءٍ ، وَ مِن شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ ، رَبَّ العالَمينَ وَ إِلهَ المُرسَلينَ ، وَ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ أَجمَعينَ ، وَ أَوليائِكَ ، وَ خُصَّ مُحَمَّداً وَ آلَه بِأَتَمِّ ذلِكَ ، وَ لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ العَليِّ العَظيمِ . بِسمِ اللّهِ وَ بِاللّهِ ، أُؤمِنُ بِاللّهِ ، وَ بِاللّهِ أَعوذُ ، وَ بِاللّهِ أَعتَصِمُ ، وَ بِاللّهِ أَستَجيرُ ، وَ بِعِزَّةِ اللّهِ وَ مَنعَتِهِ أَمتَنِعُ مِن شَياطينِ الإِنسِ وَ الجِنِّ ، وَ مِن رِجلِهِم وَ خَيلِهِم ، وَ رَكضِهِم وَ عَطفِهِم ، وَ رَجعيِهِم وَكَيدِهِم وَ شَرِّهِم ، و شَرِّ ما يَأتونَ بِهِ تَحتَ اللَّيلِ وَ تَحتَ النَّهارِ مِنَ البُعدِ وَ القُربِ ، وَ مِن شَرِّ الغائِبِ وَ الحاضِرِ ، وَ الشّاهِدِ وَ الزّائِرِ ، أَحياءً وَ أَمواتاً ، أَعمى وَ بَصيراً ، وَ مِن شَرِّ العامَّةِ وَ الخاصَّةِ ، وَ مِن شَرِّ نَفسٍ وَ وَسوَسَتِها ، وَ مِن شَرِّ الدَّياهِشِ ، وَ الحَسِّ و اللَّمسِ وَ اللَّبسِ ، وَ مِن عَينِ الجِنِّ وَ الإِنسِ ، وَ بِالاِسمِ الَّذي اهتَزَّ بِهِ عَرشُ بِلقيسَ . وَ أُعيذُ ديني وَ نَفسي وَ جَميعَ ما تَحُوطُهُ عِنايَتي ، وَ مِن شَرِّ كُلِّ صورَةٍ وَ خَيالٍ ، أَو بَياضٍ أَو سَوادٍ ، أَو تِمثالٍ ، أَو مُعاهِدٍ أَو غَيرِ مُعاهِدٍ ، مِمَّن يَسكُنُ الهَواءَ وَ السَّحابَ ، وَ الظُّلُمات وَ النّورَ ، وَ الظِّلَ وَ الحَرورَ ، وَ البَرَّ وَ البُحورَ ، وَ السَّهلَ وَ الوُعورَ ، وَ الخَرابَ وَ العُمرانَ ، وَ الآكامَ وَ الآجامَ ، وَ المغائِضَ وَ الكَنائِسَ ، وَ النَّواويسَ وَ الفَلَواتَ ، وَ الجَبّاناتَ ، مِنَ الصّادِرينَ وَالوارِدين ، مِمَّن يَبدو بِاللَّيلِ وَ يَنشرُ بِالنَّهارِ ، و بالعَشِيِّ وَ الإِبكارِ ، وَ الغُدوِ وَ الآصالِ ، وَ المُربِئينَ ، وَ الأَسامِرَةَ وَ الأَفاتِرَةَ ، وَ الفَراعِنَةَ وَ الأَبالِسةَ ، وَ مِن جُنودِهِمِ وَ أَزواجِهِم وَ عَشائِرهِم وَ قَبائِلِهِم ، وَ مِن هَمزِهِم وَ لَمزِهِم ، وَ نَفثِهِم وَ وِقاعِهِم ، وَ أَخذِهِم وَ سِحرِهِم ، وَ ضَربِهِم وَ عَينِهِم ، وَ لَمحِهِم وَ احتِيالِهم وَ أَخلاقِهِم (1) . وَ مِن شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ مِنَ السَّحَرَةِ وَ الغيلانِ ، وَ أُمَّ الصِّبيانِ ، وَ ما وَلَدوا وَ ما وَرَدوا ، و مِن شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ ، داخِلٍ أَو خارِجٍ ، وَ عارِضٍ وَ مُعتَرِضٍ ، وَ ساكِنٍ وَ متَحَرِّكٍ ، وَ ضَرَبانِ عِرقٍ ، وَ صُداعٍ وَ شَقِيقَةٍ ، وَ أُمِّ مَلدَمٍ وَ الحُمّى ، وَ المُثَلَّثَةِ وَ الرِّبعِ ، وَ الغِبِّ وَ النّافِضَةِ وَ الصّالِبَةِ ، وَ الدّاخِلَةِ وَ الخارِجَةِ ، وَ مِن شَرِّ كُلِّ دابَّةٍ أَنتَ آخِذٌ بِناصيَتِها ، إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُستَقيمٍ ،

.


1- .و في هامش المصدر : « في نسخة ب : أخلافهم . و في نسخة ألف : أحلافهم » .

ص: 413

( 293 ) كتابه عليه السلام في الحرز

وَ صَلّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ سَلَّمَ تَسليماً . (1) و في مهج الدّعوات : قال الشّيخ عليّ بن عبد الصّمد : أخبرني جماعة من أصحابنا كثّرهم اللّه تعالى ، منهم الشّيخ جدّي ، قال : حدّثني أبي الفقيه أبو الحسن رحمه الله ، قال : حدّثنا الشّيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي رحمه الله وأخبرني الشّيخ أبو عبد اللّه الحسين بن أحمد بن طحال المقداديّ ، قال : حدّثنا أبو محمّد الحسين بن الحسين بن بابويه ، عن الشّيخ السّعيد أبي جعفرٍ محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي رحمه الله ، قال : أخبرني جماعة من أصحابنا عن أبي المفضّل محمّد بن عبد اللّه الشّيباني ، قال : حدّثني أبو أحمد عبد اللّه بن الحسين بن إبراهيم العلويّ ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثنا عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ : إنّ أبا جعفرٍ محمّد بن عليّ الرّضا عليهم السلام كتب هذه العوذة لابنه أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهم السلام و هو صبيّ في المهد ، و كان يعوذه بها ، و يأمر أصحابه به . الحرز : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ العَليِّ العَظيمِ . . . الحديث . ذكره مع اختلافٍ يسير . (2)

293كتابه عليه السلام في الحرزالشّيخ عليّ بن عبد الصّمد قال : حدّثنا الشّيخ الفقيه أبو جعفرٍ محمّد بن أبي الحسن رحمه الله عمّ والدي ، قال : حدّثنا أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد بن أحمد بن عبّاس الدّرويستي ، قال : حدّثنا والدي ، عن الفقيه أبي جعفرٍ محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي ، وأخبرني جدّي قال : حدّثنا والدي الفقيه أبو الحسن رحمه الله قال : حدّثنا

.


1- .مصباح المتهجّد : ص500 ، بحار الأنوار : ج90 ص139 ح5 وراجع : الدعوات للراوندي : ص103 ، بلد الأمين : ص88 ، المصباح للكفعمي : ص98 .
2- .مهج الدعوات : ص60 ، بحار الأنوار : ج94 ص361 ح1 .

ص: 414

جماعة من أصحابنا رحمهم الله منهم السيّد العالم أبو البركات و الشّيخ أبو القاسم عليّ بن محمّد المعاذي وأبو بكر محمّد بن عليّ المعمّريّ وأبو جعفر محمّد بن إبراهيم بن عبد اللّه المدائنيّ ، قالوا كلّهم : حدّثنا الشّيخ أبو جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي _ قدّس اللّه روحه _ قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن جدّه ، قال : حدّثني أبو نصر الهمدانيّ ، قال : حدّثتني حكيمة 1 بنت محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر عمّة أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام قالت : لمّا مات محمّد بن عليّ الرّضا عليه السلام أتيت زوجته أمّ عيسى بنت المأمون فعزيتها فوجدتها شديدة الحزن و الجزع عليه تقتل نفسها بالبكاء و العويل فخفت عليها أن تتصدّع مرارتها فبينما نحن في حديثه و كرمه ووصف خُلقه و ما أعطاه اللّه تعالى من الشّرف و الإخلاص و منحه من العزّ و الكرامة إذ قالت أمّ عيسى : أ لا أخبرك عنه بشيء عجيب وأمر جليل فوق الوصف والمقدار . قلت:وما ذاك . قال : كنت أغار عليه كثيراً واُراقبه أبداً وربّما يسمعني الكلام فأشكو ذلك إلى أبي فيقول يا بنية احتمليه فإنّه بضعة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله فبينما أنا جالسة ذات يوم إذ

.

ص: 415

دخلت عليّ جارية فسلّمت فقلت : من أنت ؟ فقالت : أنا جارية من ولد عمّار بن ياسر وأنا زوجة أبي جعفرٍ محمّد بن عليّ الرّضا عليه السلام زوجك . فدخلني من الغيرة ما لا أقدر على احتمال ذلك ، فهممت أن أخرج وأسيح في البلاد ، و كاد الشّيطان أن يحملني على الإساءة إليها ، فكظمت غيظي وأحسنت رفدها و كسوتها ، فلمّا خرجت من عندي المرأة نهضت ودخلت على أبي وأخبرته بالخبر و كان سكراناً لا يعقل . فقال : يا غلام عليّ بالسّيف . فأتى به فركب و قال : واللّه لأقتلنّه . فلمّا رأيت ذلك قلت : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، ما صنعت بنفسي و بزوجي ! و جعلت ألطم حرّ وجهي (1) . فدخل عليه والدي و ما زال يضربه بالسّيف حتّى قطّعه ، ثمّ خرج من عنده و خرجت هاربة من خلفه ، فلم أرقد ليلتي . فلمّا ارتفع النّهار أتيت أبي ، فقلت : أتدري ما صنعت البارحة ؟ قال : و ما صنعت ؟ وقلت : قتلت ابن الرّضا عليه السلام . فبرق عينه و غشي عليه ، ثمّ أفاق بعد حين و قال : ويلك ما تقولين ؟ قلت: نعم واللّه يا أبت ، دخلت عليه و لم تزل تضربه بالسّيف حتّى قتلته . فاضطرب من ذلك اضطراباً شديداً و قال : عليّ بياسر الخادم . فجاء ياسر فنظر إليه المأمون و قال: ويلك ما هذا الّذي تقول هذه ابنتي ؟ قال : صدقت يا أمير المؤمنين . فضرب بيده على صدره و خدّه و قال : إنّا للّه و إنّا إليه راجعون ، هلكنا باللّه و عطبنا و افتضحنا إلى آخر الأبد ، ويلك يا ياسر فانظر ما الخبر والقصّة عنه عليه السلام و عجّل عليّ بالخبر ، فإنّ نفسي تكاد أن تخرج السّاعة .

.


1- .حرُّ الوجه بالضمّ : ما بدا من الوجنة ( الصحاح : ج2 ص627 ) .

ص: 416

فخرج ياسر وأنا ألطم حرّ وجهي ، فما كان بأسرع من أن رجع ياسر فقال : البشرى يا أمير المؤمنين . قال لك البشرى : فما عندك ؟ قال ياسر : دخلت عليه فإذا هو جالس و عليه قميص ودواج (1) و هو يستاك ، فسلّمت عليه وقلت : يا ابن رسول اللّه أحبّ أن تهب لي قميصك هذا اُصلّي فيه وأتبرّك به ، وإنّما أردت أن أنظر إليه وإلى جسده هل به أثر السّيف ، فواللّه كأنّه العاج الّذي مسّه صفرة ما به أثر . فبكى المأمون طويلاً وقال :مابقي مع هذا شيء،إنّ هذا لعبرة للأوّلين و الآخرين . وقال : يا ياسر ، أمّا ركوبي إليه وأخذي السّيف و دخولي عليه فإنّي ذاكر له ، و خروجي عنه فلست أذكر شيئاً غيره ، و لا أذكر أيضاً انصرافي إلى مجلسي ، فكيف كان أمري و ذهابي إليه ! لعن اللّه هذه الإبنة لعناً وبيلاً ، تقدّم إليها و قل لها : يقول لك أبوك واللّه لئن جئتني بعد هذا اليوم شكوت أو خرجت بغير إذنه لأنتقمنّ له منك ! ثمّ سر إلى ابن الرّضا وأبلغه عنّي السّلام ، و احمل إليه عشرين ألف دينار ، و قدّم إليه الشِّهري (2) الّذي ركبته البارحة . ثمّ مرّ بعد ذلك الهاشميّين أن يدخلوا عليه بالسّلام و يسلّموا عليه . قال ياسر:فأمرت لهم بذلك،ودخلت أنا أيضاً معهم،وسلّمت عليه وأبلغت التّسليم ووضعت المال بين يديه ، و عرضت الشّهري عليه ، فنظر إليه ساعة ثمّ تبسّم فقال :يا ياسِرُ ، هكَذا كانَ العَهدُ بَينَنا وَ بَينَهُ حَتّى يَهجُمَ عَلَيَّ بِالسَّيفِ ، أَ ما عَلِمَ أَنَّ لي ناصِراً وَ حاجِزاً يَحجُزُ بَيني وَ بَينَهُ ؟ فقلت : يا سيّدي يا ابن رسول اللّه دع عنك هذا العتاب و اصفح ، واللّه و حقّ جدّك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما كان يعقل شيئاً من أمره و ما علم أين هو من أرض اللّه ، و قد نذر اللّه نذراً صادقاً و حلف أن لا يسكر بعد ذلك أبداً ، فإنّ ذلك من حبائل الشّيطان ،

.


1- .الدّواج كزنار و غراب: اللّحاف الّذي يُلبس ( القاموس المحيط : ج1 ص189 ) .
2- .الشّهري _ بالكسر _ : ضرب من البراذين (القاموس المحيط : ج2 ص66 ) .

ص: 417

فإذا أنت يا ابن رسول اللّه أتيته فلا تذكر له شيئاً و لا تعاتبه على ما كان منه. فقال عليه السلام : هكَذا كانَ عَزمي وَرَأيي وَاللّهِ . ثمّ دعا بثيابه و لبس و نهض ، و قام معه النّاس أجمعون حتّى دخل على المأمون ، فلمّا رآه قام إليه و ضمّه إلى صدره ورحّب به ، و لم يأذن لأحدٍ في الدّخول عليه ، و لم يزل يحدّثه و يستأمره . فلمّا انقضى ذلك قال أبو جعفر محمّد بن عليّ الرّضا عليهم السلام : يا أَميرَ المُؤمِنينَ . قال : لبّيك و سعديك . قال : لك عِندي نَصيحَةٌ فاقبَلها . قال المأمون: بالحمد و الشّكر ، فما ذاك يا ابن رسول اللّه ؟ قال : أُحِبُّ لَكَ أَن لا تَخرُجَ بِاللَّيلِ ؛ فَإِنّي لا آمَنُ عَلَيكَ مِن هذا الخَلقِ المَنكوسِ ، وَ عِندي عَقدٌ تَحصُنُ بِهِ نَفسَكَ وَ تُحرَزُ بِهِ مِنَ الشُّرورِ وَ البَلايِا وَ المَكارِهِ وَ الآفاتِ وَ العاهاتِ ، كَما أَنقَذَني اللّهُ مِنكَ البارِحَةَ ، وَ لَو لَقيتَ بِهِ جُيوشَ الرّومِ وَ التُّركِ ، وَ اجتَمَعَ عَلَيكَ وَ عَلى غَلَبَتِكَ أَهلُ الأَرضِ جَميعاً ما تَهَيَّأ لَهُم مِنكَ شَيءٌ بِإِذنِ اللّهِ الجَبّارِ ، وَ إِن أَحبَبتَ بَعَثتُ بِهِ إِلَيكَ لِتَحتَرِزَ بِهِ مِن جَميعِ ما ذَكَرتُ لَكَ . قال : نعم ، فاكتب ذلك بخطّك و ابعثه إليَّ . قال : نَعَم . قال ياسر : فلمّا أصبح أبو جعفرٍ عليه السلام بعث إليَّ فدعاني ، فلمّا صرت إليه و جلست بين يديه دعا برقّ ظبيٍ من أرض تهامة ، ثمّ كتب بخطّه هذا العقد ، ثمّ قال : يا ياسِرُ ، احمِل هذا إِلى أَميرِ المُؤمِنينَ وَ قُل لَهُ : حَتّى يُصاغَ لَهُ قَصَبَةٌ مِن فِضَّةٍ مَنقوشٌ عَلَيها ما أَذكُرُهُ بَعدُهُ ، فَإِذا أَرادَ شَدَّهُ عَلى عَضُدِهِ فَليَشُدَّهُ عَلى عَضُدِهِ الأَيمَنِ ، وَ ليَتَوَضَّأ وُضوءً حَسَناً سابِغاً ، وَ ليُصَلِّ أَربَعَ رَكَعاتٍ يَقرَأُ في كُلِّ رَكعَةٍ فاتِحَةَ الكِتابِ مَرَّةً ، وَ سَبعَ مَرّاتٍ آيَةَ الكُرسيِّ ، وَ سَبعَ مَرّاتٍ شَهدَ اللّهُ ، وَ سَبعَ مَرّاتٍ وَ الشَّمسُ وَ ضُحيها ، وَ سَبعَ مَرّاتٍ وَ اللَّيلِ إِذا يَغشى ، وَ سَبعَ مَرّاتٍ قُل هوَ اللّهُ أَحَدٌ . فَإِذا فَرَغَ مِنها فَليَشُدَّهُ عَلى عَضُدِهِ الأَيمَنِ عِندَ الشَّدائِدِ وَ النَّوائِبِ ، يَسلم بِحَولِ اللّهِ وَ قُوَّتِهِ مِن كُلِّ شَيءٍ يَخافَهُ وَ يَحذَرُهُ . وَ يَنبَغي أَن لا يَكونَ طُلوعُ القَمَرِ في بُرجِ العَقرَبِ ، وَ لَو أَنَّه غَزيَ أَهلَ الرّومِ وَ مِلكِهِم لَغَلَبَهُم بِإِذنِ اللّهِ وَ بَرَكَةِ هذا الحِرزِ .

.

ص: 418

و روي أنّه لمّا سمع المأمون من أبي جعفرٍ في أمر هذا الحرز هذه الصّفات كلّها غزا أهل الرّوم ، فنصره اللّه تعالى عليهم ، و منح منهم من المغنم ما شاء اللّه ، و لم يفارق هذا الحرز عند كلّ غزاة ومحاربة ، و كان ينصره اللّه عزّ و جلّ بفضله و يرزقه الفتح بمشيئته ، إنّه ولي ذلك بحوله و قوته . الحرز : « بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَ_نِ الرَّحِيمِ * الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ * الرَّحمَ_نِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَومِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعبُدُ وَ إِيَّاكَ نَستَعِينُ * اهدِنَا الصِّرَ طَ المُستَقِيمَ * صِرَ طَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَ لَا الضَّآلِّينَ » . « أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مّا فِى الْأَرْضِ وَ الْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ يُمْسِكُ السَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ » (1) . اللَّهُمَّ أَنتَ الواحِدُ المَلِكُ الدَّيّانُ يَومَ الدّينِ،تَفعَلُ ماتَشاءُ بِلا مُغالَبَةٍ ،وَتُعطي مَن تَشاءُ بِلا مَنٍّ ، وَتَفعَلُ ما تَشاءُ ، وَتَحكُمُ ماتُريدُ ، وَتُداوِلُ الأَيّامَ بَينَ النّاسِ ، وَتُرَكِّبُهُم طَبَقاً عَن طَبَقِ ، أَسأَلُكَ بِاسمِكَ المَكتوبِ عَلى سُرادِقِ المَجدِ ،وَأَسأَلُكَ بِاسمِكَ المَكتوبِ عَلى سُرادِقِ السَّرائِرِ ، السّابِقِ الفائِقِ ، الحَسَنِ الجَميلِ النَّضيرِ ، رَبِّ المَلائِكَةِ الثَّمانيَةِ وَ العَرشِ الَّذي لا يَتَحَرَّكُ . وَ أَسأَلُكَ بِالعَينِ الَّتي لا تَنامُ ، وَ بِالحَياةِ الَّتي لا تَموتُ ، وَ بِنورِ وَجهِكَ الّذي لا يُطفَأُ ، وَ بِالاسمِ الأَكبَرِ الأَكبَرِ الأَكبَرِ ، وَ بِالاسمِ الأَعظَمِ الأَعظَمِ الأَعظَمِ ، الَّذي هوَ مُحيطٌ بِمَلَكوتِ السَّماواتِ وَ الأَرضِ ، وَ بِالاسمِ الَّذي أَشرَقَت بِهِ الشَّمسُ ، وَ أَضاءَ بِهِ القَمَرُ ، وَ سُجِّرَت بِهِ البُحورُ ، وَنُصِبَت بِهِ الجِبالُ ، وَ بِالاسمِ الَّذي قامَ بِهِ العَرشُ وَ الكُرسيُّ ، وَ بِاسمِكَ المَكتوبِ عَلى سُرادِقِ العَرشِ . وَ بِالاسمِ المَكتوب عَلى سُرادِقِ العَظَمَةِ ، وَ بِاسمِكَ المَكتوبِ عَلى سُرادِقِ العَظَمَةِ ، وَ بَاسمِكَ المَكتوبِ عَلى سُرادِقِ البَهاءِ ، وَ بِاسمِكَ المَكتوبِ عَلى سُرادِقِ القُدرَةِ ، وَ باسمِكَ العَزيزِ ، وَ بأَسمائِكَ المُقَدَّساتِ المُكَرَّماتِ المَخزوناتِ في عِلمِ الغَيبِ عِندَكَ ، وَ أَسأَلُكَ مِن خَيرِكَ خَيراً مِمّا أَرجو ، وَ أَعوذُ بِعِزَّتِكِ وَ قُدرَتِكَ مِن شَرِّ ما أَخافُ وَ أَحذَرُ وَ ما لا أَحذَرُ .

.


1- .الحجّ : 65 .

ص: 419

يا صاحِبَ مُحَمَّدٍ يَومَ حُنينِ ، وَ يا صاحِبَ عَليٍّ يَومَ صِفّينٍ ، أَنتَ يا رَبِّ مُبيرُ الجَبّارينَ وَ قاصِمُ المُتَكَبِّرينَ ، أَسأَلُكَ بِحَقِّ طه وَ يس ، وَ القُرآنِ العَظيمِ ، وَ الفُرقانِ الحَكيمِ ، أَن تُصَلّيَ عَلى مُحَمَّدِ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ أَن تَشُدَّ بِهِ عَضُدَ صاحِبِ هذا العَقدِ ، وَ أَدرَأُ بِكَ في نَحرِ كُلِّ جَبّارٍ عَنيدٍ ، وَ كُلِّ شَيطانٍ مَريدٍ ، وَ عَدوٍّ شَديدٍ ، وَ عَدوٍّ مُنكَرِ الأَخلاقِ ، وَ اجعَلهُ مِمَّن أَسلَمَ إِلَيكَ نَفسَهُ ، وَ فَوَّضَ إلَيكَ أَمرَهُ ، وَ أَلجأَ إِلَيكَ ظَهرَهُ . اللَّهُمَّ بِحَقِّ هذِهِ الأَسماءِ الَّتي ذَكرتُها وَ قَرَأتُها وَ أَنتَ أَعرَفُ بِحَقِّها مِنّي ، وَ أَسأَلُكَ يا ذا المَنِّ العَظيمِ ، وَ الجودِ الكَريمِ ، وَليَّ الدَّعَواتِ المُستَجاباتِ ، وَ الكَلِماتِ التّامّاتِ ، وَ الأَسماءِ النّافِذاتِ . وَ أَسأَلُكَ يا نورَ النَّهارِ ، وَ يا نورَ اللَّيلِ ، وَ يا نورَ السَّماءِ وَ الأَرضِ ، وَ نورَ النّورِ ، وَ نوراً يُضيءُ بِهِ كلُّ نورٍ ، يا عالِمَ الخَفيّاتِ كَلِّها في البَرِّ وَ البَحرِ ، وَ الأَرضِ وَ السّماءِ وَالجِبالِ . وَ أَسأَلُكَ يا مَن لا يَفنى وَ لا يَبيدُ وَلا يَزول ، وَلا لَهُ شَيءٌ مَوصوفٌ ، وَلا إِلَيهِ حَدٌّ مَنسوبٌ ، وَ لا مَعَهُ إِلهٌ ، وَ لا إِلهٌ سِواهُ ، وَ لا لَهُ في مُلكِهِ شَريكٌ ، وَ لا تُضافُ العِزَّةُ إِلَا إِلَيهِ . لَم يَزل بِالعُلومِ عالِماً ، وَ عَلى العُلومِ واقِفاً ، وَ لِلأُمورِ ناظِماً وَ بِالكَينونيَّةِ عالِماً ، وَ للتَّدبيرِ مُحكِماً ، وَ بِالخَلقِ بَصيراً ، وَ بِالأُمورِ خَبيراً . أَنتَ الَّذي خَشَعَت لَكَ الأَصواتُ ، وَ ضَلَّت فيكَ الأَحلامُ ، وَ ضاقَت دونَكَ الأَسبابُ ، وَ مَلأَ كُلَّ شَيءٍ نورُكَ ، وَوَجِلَ كُلُّ شَيءٍ مِنكَ ، وَ هرَبَ كُلُّ شَيءٍ إِلَيكَ ، وَ تَوَكَّل كُلُّ شَيءٍ عَلَيكَ . وَ أَنتَ الرَّفيعُ في جَلالِكَ ، وَ أَنتَ البَهِيُّ في جَمالِكَ ، وَ أَنتَ العَظيمُ في قُدرَتِكَ ، وَ أَنتَ الَّذي لا يُدرِكُكَ شَيءٌ ، وَ أَنتَ العَليُّ الكَبيرُ العَظيمُ ، مُجيبُ الدَّعَواتِ ، قاضيُ الحاجاتِ ، مُفَرِّجُ الكُرُباتِ ، وَليُّ النَّعَماتِ . يا مَن هوَ في عُلوِّهِ دانٍ ، وَ في دُنوِّهِ عالٍ ، وَ في إشراقِهِ مُنيرٌ ، وَ في سُلطانِهِ قَويٌّ ، وَ في مُلكِهِ عَزيزٌ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَ احرُس صاحِبَ هذا العَقدِ وَ هذا الحِرزِ وَ هذا الكِتابِ ، بِعَينِكَ الّتي لا تَنامُ ، وَ اكنُفهُ بِرُكنِك الَّذي لا يُرامُ ، وَ ارحَمهُ بِقُدرَتِكَ عَلَيهِ ، فَإِنَّه مَرزوقُكَ . بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ ، بِسمِ اللّهِ وَ بِاللّهِ ، لا صاحِبَةَ لَهُ وَ لا وَلَدَ . بِسمِ اللّهِ قَويِّ الشَّأنِ ، عَظيمِ البُرهانِ ، شَديدِ السُّلطانِ ، ما شاءَ اللّهُ كانَ ، وَ ما لَم يَشَأ لَم يَكُن . أَشهَدُ أَنَّ نوحاً رَسولُ اللّهِ ، وَ أَنَّ إِبراهيمَ خَليلُ اللّهِ ، وَ أَنَّ موسى كَليمُ اللّهِ وَ نجِيُّه ، وَ أَنَّ

.

ص: 420

عيسى بنَ مَريَمَ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ وَ عَلَيهِم أَجمَعينَ _ كَلِمَتُهُ وَروحُهُ ، و أَنَّ مُحَمَّداً _ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ _ خاتَمُ النَّبيّينَ لا نَبيَّ بَعدَهُ . وَ أَسأَلُكَ بِحَقِّ السّاعَةِ الَّتي يُؤتى فيها بِإِبليسَ اللَّعينِ يَومَ القيامَةِ ، وَ يَقَولُ اللَّعينُ في تِلكَ السّاعَةِ : و اللّهِ ما أَنا إِلَا مُهَيِّجُ مَرَدَةٍ . اللّهُ نورُ السَّماواتِ وَ الأَرضِ ، وَ هوَ القاهِرُ وَ هوَ الغِالبُ ، لَهُ القُدرَةُ السّابِقَةُ ، وَ هوَ الحَكيمُ الخَبيرُ . اللَّهُمَّ وَ أَسأَلُكَ بِحَقِّ هذِهِ الأَسماءِ كُلِّها ، وَ صِفاتِها وَ صوَرِها . وَ هيَ : سُبحانَ الَّذي خَلَقَ العَرشَ وَ الكُرسيَّ وَ استَوى عَلَيهِ ، أَسأَلُكَ أَن تَصرِفَ عَن صاحِبِ كِتابي هذا كُلَّ سوءٍ وَ مَحذُورٍ ، فَهوَ عَبدُكَ وَ ابنُ عَبدِكَ وَ ابنُ أَمَتِك ، وَ أَنتَ مَولاهُ ، فَقِهِ اللَّهُمَّ يا رَبِّ الأَسواءَ كُلَّها ، وَ اقمَع عَنهُ أَبصارَ الظّالِمينَ ، وَ أَلسِنَةِ المُعانِدينَ وَ المُريدينَ لَهُ السّوءَ وَ الضُّرَ ،

.

ص: 421

وَ ادفَع عَنهُ ، كُلَّ مَحذُورٍ وَ مَخُوفٍ . وَ أَيُّ عَبدٍ مِن عَبيدِكَ ، أَو أَمَةٍ مِن إِمائِكَ ، أو سُلطانٍ مارِدٍ ، أو شَيطانٍ أَو شَيطانَةٍ ، أَو جِنٍّي أَو جِنيَّةٍ ، أو غُولٍ أَو غُولَةٍ أَرادَ صاحِبَ كِتابي هذا بِظُلمٍ أَو ضُرٍّ ، أَو مَكرٍ أَو مَكروهٍ ، أَو كَيدٍ أَو خَديعَةٍ ، أَو نِكايَةٍ أَو سِعايَةٍ ، أَو فَسادٍ أَو غَرَقٍ ، أَو اصطِلامٍ أَو عَطَبٍ ، أَو مُغالَبَةٍ أَو غَدرٍ ، أَو قَهرٍ أَو هَتكِ سِترٍ ، أو اقتِدارٍ ، أَو آفَةٍ ، أَو عاهَةٍ أَو قَتلٍ ، أَو حَرقٍ أَو انتِقامٍ ، أَو قَطعٍ أَو سِحرٍ ، أَو مَسخٍ أَو مَرَضٍ ، أَو سُقمٍ أَو بَرَصٍ ، أَو جُذامٍ أَو بُؤسٍ ، أَو آفَةٍ أَو فاقَةٍ ، أَو سَغَبٍ أَو عَطَشٍ ، أَو وَسوَسَةٍ أَو نَقصٍ في دِينٍ أو مَعيشَةٍ ، فاكفِنيهِ بِما شِئتَ ، وَ كَيفَ شِئتَ ، وَ أَنّى شِئتَ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٍ ، وَ صَلّى اللّهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ أَجمَعينَ ، وَ سَلَّم تَسليماً كَثيراً ، وَ لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ العَليِّ العَظيمِ ، وَ الحَمدُ للّهِ رَبِّ العالَمينَ . فَأَمّا ما يَنقُشُ عَلى هذِهِ القَصَبَةِ مِن فِضَّةٍ غَيرِ مَغشوشَةٍ : يا مَشهوراً في السَّمواتِ ، يا مَشهوراً في الأَرضَينِ ، يا مَشهوراً في الدُّنيا وَ الآخِرَةِ ، جَهَدَت الجبابِرَةُ وَ المُلوكُ عَلى إِطفاءِ نُورِكَ و إِخمادِ ذِكرِكَ ، فَأَبى اللّهُ إِلَا أَن يُتِمَّ نورَكَ وَ يَبوحَ بِذِكرِكَ وَ لَو كَرِهَ المُشرِكونَ . و رأيت في نسخة : و أبَيتَ إلَا أن يُتِمّ نورُكَ . أقول [ السيّد بن الطّاووس رحمة اللّه عليه ] : وأمّا قوله : « فَأَبى اللّهُ إِلَا أَن يُتِمَّ نُورُكَ » لعلّه يعني نورك أيّها الاسم الأعظم المكتوب في هذا الحرز بصورة الطّلسم. ووجدت في الجزء الثّالث من كتاب الواحدة (1) : إنّ المراد بقوله : يا مشهوراً في السّماوات إلى آخره ، هو مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2) . (3)

.


1- .تأليف محمّد بن الحسن بن جمهور العمّي البصري . الذي مرّ ترجمته .
2- .و زاد في الأمان من أخطار الأسفار : ورأيت في نسخه خلاف كلمة ، و هي : « وأبيت أن تتمّ نورك » . والرّواية الأولى أعني : « فأبى اللّه أليق » ، بكون عليّ عليه السلام هو المُراد بالدّعاء الى آخره ، و المراد بما قلت ظاهر لكلّ أحد .
3- .مهج الدعوات : ص52 ، الأمان من أخطار الأسفار : ص74 ، بحار الأنوار : ج97 ص354 ح1 .

ص: 422

( 294 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار في الزّلازل

294كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي الزّلازلعليّ بن مهزيار (1) قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام و شكوت إليه كثرة الزّلازل في الأهواز ، و قلت : ترى لِيَ التّحوّل عنها ؟ فكتب عليه السلام :لا تَتَحَوَّلوا عَنها ، وَ صوموا الأَربِعَاءَ وَ الخَميسَ وَ الجُمُعَةَ ، وَ اغتَسِلوا وَ طَهِّروا ثيَابَكُم ، و ابرُزوا يَومَ الجُمُعَةِ ، وَ ادعوا اللّهَ فَإِنَّهُ يَدفَعُ عَنكُم . قال : ففعَلنا فسَكَنت الزّلازل . (2)

.


1- .راجع : ص 131 الرقم 81 .
2- .تهذيب الأحكام : ج3 ص294 ح891 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص544 ح1515 ، علل الشرائع : ص555 ح6 ، بحار الأنوار : ج50 ص101 ح14 وج88 ص150 .

ص: 423

الفصل السابع : في المواعظ
اشاره

الفصل السّابع: في المواعظ

.

ص: 424

. .

ص: 425

( 295 ) كتابه عليه السلام إلى رجلٍ في الفضائل و مكارم الأخلاق
( 296 ) كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار في المشورة

295كتابه عليه السلام إلى رجلٍفي الفضائل و مكارم الأخلاقروي أنّه حُمل لأبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام حِملُ بَزٍّ (1) له قيمة كثيرة ، فَسُلّ (2) في الطّريق . فكتب إليه الّذي حمله يُعرِّفه الخبَر . فوقّع بخطّه :إِنَّ أَنفُسَنا وَ أَموالَنا مِن مَواهِبِ اللّهِ الهَنيئَةِ وَ عَواريهِ المُستَودَعَةِ ، يُمَتِّعُ بِما مَتَّعَ مِنها في سُرورٍ وَغِبطَةٍ ، وَ يَأخُذُ ما أَخَذَ مِنها في أَجرٍ وَحِسَبةٍ (3) . فَمَن غَلَبَ جَزَعُهُ عَلى صَبرِهِ حَبِطَ أَجرُهُ ، نَعوُذُ بِاللّهِ مِن ذلِكَ . (4)

296كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي المشورةأحمد بن محمّد عن عليّ بن مهزيار (5) قال: كتب إليَّ أبو جعفر عليه السلام :

.


1- .البزّ : الثّياب ، وقيل : ضرب من الثياب ، وقيل : امتعة البزّاز ( لسان العرب : ج5 ص311 ) .
2- .سلّ الشّيء : سرقه خفية ، و السّال : السّارق ( راجع : تاج العروس : ج14 ص349 ) .
3- .الحِسبة _ بالكسر _ : الأجر و الثواب ( أقرب الموارد : ج1 ص189 ) .
4- .تحف العقول : ص456 ، بحار الأنوار ، ج50 ص103 ح17 .
5- .راجع : ص 131 الرقم 81 .

ص: 426

( 297 ) كتابه عليه السلام إلى رجلٍ في المصائب و التّعزية

أَن سَل فُلاناً أَن يُشِيرَ عَلَيَّ وَ يَتَخَيَّرَ لِنَفسِهِ فَهوَ أَعلَمُ بِما يَجُوزُ في بَلَدِهِ وَ كَيفَ يُعَامِلُ السَّلاطينَ ، فَإِنَّ المَشُورَةَ مُبَارَكَةٌ ، قالَ اللّهُ لِنَبيِّهِ في مُحكَمِ كِتابِهِ: «وَشَاوِرهُم فِى الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» (1) ، فَإِنْ كانَ ما يَقولُ مِمّا يَجوزُ كَتَبتُ: أُصَوِّبُ رَأيَهُ ، وَ إِن كانَ غَيرَ ذلِكَ رَجَوتُ أَن أَضَعَهُ عَلى الطَّريقِ الواضِحِ إن شَاءَ اللّهُ ، وَ شاوِرهُم في الأَمرِ . قالَ : يَعني الاستِخارَةَ . (2)

297كتابه عليه السلام إلى رجلٍفي المصائب و التّعزيةسَهل بن زياد عن ابن مهران 3 قال : كتب أبو جعفرٍ الثّاني عليه السلام إلى رجلٍ :ذَكَّرتَ مُصِيبَتَكَ بِعَليٍّ ابنِك ، وَ ذكَّرتَ أَنَّهُ كانَ أَحَبَّ وُلدِكَ إِلَيكَ ، وَ كَذلِكَ اللّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّما يَأخُذُ مِنَ الوالِدِ وَغَيرِهِ أَزكى ما عِندَ أَهلِهِ لِيُعظِمَ بِهِ أَجرَ المُصابِ بالمُصيبَةِ ، فَأَعظَمَ اللّهُ

.


1- .آل عمران : 159 .
2- .تفسير العيّاشي: ج1 ص204 ح147،بحار الأنوار: ج75 ص103 ح34 ، وسائل الشيعة : ج12 ص45 ح15604 .

ص: 427

( 298 ) كتابه عليه السلام إلى رجلٍ في المصائب و التّعزية
( 299 ) كتابه عليه السلام إلى عبد العظيم عبد اللّه الحسنيّ في قصص ذي الكفل عليه السلام

أَجرَكَ وَأَحسَنَ عَزاكَ وَرَبَطَ (1) على قَلبِك إنَّه قدِيرٌ ، وَ عَجَّل اللّهُ عَلَيكَ بِالخَلَفِ ، وَ أَرجو أَن يَكونَ اللّهُ قَد فَعَلَ إِن شاءَ اللّهُ تَعالى . (2)

298كتابه عليه السلام إلى رجلفي المصائب و التّعزيةمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى وعِدّةٌ من أصحابنا عن سَهل بن زياد جميعاً ، عن ابن مهران قال: كتب رجلٌ إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام يشكو إليه مُصَابَهُ بِوَلَده وشِدَّة ما دَخَلَه. فكتب إليه :أَما عَلِمتَ أَنَّ اللّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَختارُ مِن مالِ المُؤمِنِ وَ مِن وُلدِهِ أَنفَسَهُ ؛ لِيَأجُرَهُ عَلى ذلِكَ . (3)

299كتابه عليه السلام إلى عبد العظيم عبد اللّه الحسنيّفي قصص ذي الكفل عليه السلامابن بابويه قال : حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق ، حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيّ ، حدّثنا سهل بن زياد الآدمي عن عبد العظيم عبد اللّه الحسنيّ رضى الله عنه (4) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ أعني محمّد بن عليّ بن موسى عليهم السلام ؛ أسأله

.


1- .الرّبط على القلب : تسديده و تقويته ( مجمع البحرين : ج4 ص248 ) .
2- .الكافي : ج3 ص205 ح10 ، وسائل الشيعة : ج3 ص218 ح3450 .
3- .الكافي : ج3 ص218 ح3 وص263 بإسناده عن سهل بن زياد عن عليّ بن مهزيار ، مشكاة الأنوار : ص280 ، وسائل الشيعة : ج3 ص243 ح3522 ، بحار الأنوار : ج82 ص123 ح18 .
4- .راجع : ص 277 الرقم 185 .

ص: 428

عن ذي الكفل ما اسمه ؟ و هل كان من المرسلين ؟ فكتب عليه السلام :بَعَثَ اللّهُ تَعالى جَلَّ ذِكرُهُ مِئَةَ أَلفَ نَبيٍّ وَ أَربَعَةَ وَ عِشرينَ أَلفَ نَبيٍّ ، المُرسَلونَ مِنهُم ثَلاثُمِئَةِ وَ ثَلاثَةُ عَشَرَ رَجُلاً ، وَ أَنَّ ذا الكِفلِ مِنهُم صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم ، وَ كانَ بَعَدَ سُلَيمانَ بنِ داوودَ ، وَ كانَ يَقضي بَينَ النّاسِ كَما كانَ يَقضي داوودَ عليه السلام ، وَ لَم يَغضَب إِلَا للّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ كانَ اسمُهُ عَويديا ، وَ هوَ الَّذي ذَكَرَهُ اللّهُ تَعالى جَلَّت عَظَمَتُهُ في كِتابِهِ حَيثُ قالَ : « وَ اذكُر إِسمَ_عِيلَ وَ اليَسَعَ وَ ذَا الكِفلِ وَ كُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ » (1) . 2(2)

.


1- .ص : 48 .
2- .صص الأنبياء : ص322 ح278 ، بحار الأنوار : ج13 ص405 ح2 وراجع : مجمع البيان : ج4 ص59 .

ص: 429

( 300 ) كتابه عليه السلام إلى بكر بن صالح في برّ الوالدين

300كتابه عليه السلام إلى بكر بن صالحفي برّ الوالدينأحمد بن محمّد عن أبيه محمّد بن الحسن بن الوليد القمّي ، عن محمّد بن الحسن الصّفار ، عن العبّاس بن معروف ، عن عليّ بن مهزيار ، عن بكر بن صالح (1) ، قال : كتب صِهرٌ لي إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : إنّ أبي ناصبٌ خبيثُ الرّأي ، و قد لقيتُ منه شدّةً وجَهداً ، فرأيُك _ جُعلت فِداك _ في الدُّعاء لي ، و ما ترَى _ جُعلت فداك _ أفترى أن اُكاشفه ، أم اُداريه ؟ فكتب عليه السلام :قَد فَهِمتُ كِتَابَك وَ ما ذَكَرتَ مِن أَمرِ أَبيكَ ، وَلَستُ أَدَعُ الدُّعاءَ لَكَ إِن شاءَ اللّهُ وَ المُدَاراةُ خَيرٌ لَكَ مِنَ المُكاشَفَةِ ، وَ مَعَ العُسرِ يُسرٌ ، فاصبِر إِنَّ العاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ ثَبَّتَك اللّهُ عَلى وِلايَةِ مَن تَوَلَّيتَ ، نَحنُ وَ أَنتُم في وَديعَةِ اللّهِ الَّذي لا تَضيعُ وَدَائِعُهُ . قال بكر : فعطف اللّه بقلب أبيه حتّى صار لا يُخالفه في شيءٍ . (2)

.


1- .راجع : ص 250 الرقم 173 .
2- .الأمالي للمفيد : ص191 ح20 ، بحار الأنوار : ج50 ص55 ح34 و ج74 ص79 ح80 .

ص: 430

( 301 ) أحمد بن حمّاد المروزيّ في الدّنيا و الآخرة

301أحمد بن حمّاد المروزيّفي الدّنيا و الآخرةمحمّد بن مسعود قال: حدّثني أبو عليّ المحموديّ محمّد بن أحمد بن حمّاد المروزيّ (1) ، قال : كتب أبو جعفرٍ عليه السلام إلى أبي (2) في فصلٍ من كتابه :فكأنّ قد في يومٍ أو غد « وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْ_لَمُونَ » (3) ، أَمّا الدُّنيا فَنَحنُ فيها مُتَفَرِّجونَ في البِلادِ ، وَ لكِن مَن هَوى هَوَى صاحِبَهُ ، فَإِن بِدينِهِ فَهوَ مَعَهُ ، وَإِن كانَ نائياً عَنهُ ، وَأَمّا الآخِرَةُ فَهيَ دارُ القَرارِ . (4) وفي تحف العقول : كتب إلى بعض أوليائه: أَمّا هذِهِ الدُّنيا فَإِنّا فيها مُغتَرِفونَ ، وَ لكِن مَن كانَ هَواهُ هَوى صاحِبَهُ، وَدانَ بِدينِهِ فَهوَ مَعَهُ حيثُ كانَ ، وَ الآخِرَةُ هيَ دارُ القَرارِ . (5)

.


1- .محمّد بن أحمد بن حمّاد أبو عليّ المروزيّ المحموديّ : كان من أصحاب مولانا الهاديّ عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص392 الرقم5785 ) و العسكريّ عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص397 الرقم5822 ) ، و فيه سقط عنوان « محمّد بن » في أوّل عنوانه ؛ بقرينة كنيته بأبي عليّ ، وإنّ أحمد بن حمّاد مات في حيات أبي جعفرٍ الثّاني كما يأتي ، و كان ظاهر الجلالة و شرف المنزلة و علوّ القدر ، و قد ورد له توثيقات من ناحيه أبي جعفر الثانيّ عليه السلام وأصحابه ( راجع : رجال الكشّي : ج2 ص823 الرقم 1057 و ص798 الرقم 986 و 987 و 988 ) ذكره ابن داوود في القسم الأوّل من رجاله قائلاً « إنّه ممدوح » ( رجال ابن داوود : ص292 الرقم1266 ) .
2- .أحمد بن حمّاد المروزيّ : كان من أصحاب مولانا الجواد عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص373 الرقم5528 و رجال البرقي : ص56 ) ، و مات في حياته عليه السلام ( رجال الكشّي : ج2 ص798 الرقم 986 ) ، الرّجل ممدوح . ذكره العلّامة أيضا في القسم الأوّل ( راجع : خلاصة الأقوال : ص152 الرقم72 ) .
3- .آل عمران : 25 .
4- .رجال الكشّي : ج2 ص833 الرقم 1057 راجع : تنبيه الخواطر و نزهة النواظر : ص25 ، بحار الأنوار : ج68 ص140 ح83 .
5- .تحف العقول : ص456 ، بحار الأنوار : ج78 ص358 ح1 .

ص: 431

فيما ينسب إليه عليه السلام
( 302 ) كتابه عليه السلام إلى سعد الخير في التّقوى و

فيما ينسب إليه عليه السلام302كتابه عليه السلام إلى سعد الخيرفي التّقوى و...محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عمّه حمزة بن بزيع و الحسين بن محمّد الأشعريّ ، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه ، عن يزيد بن عبد اللّه ، عمّن حدّثه ، قال : كتب أبو جعفرٍ عليه السلام (1) إلى سعد الخير 2 :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم أَمّا بَعدُ ، فَإِنّي أُوصيكَ بِتَقوى اللّهِ ، فَإِنَّ فيها السَّلامَةَ مِنَ التَّلَفِ ، وَ الغَنيمَةَ في المُنقَلَبِ ، إِنَّ اللّهَ عز و جل يَقي بِالتَّقوى عَنِ العَبدِ ما عَزَبَ عَنهُ عَقلُهُ ، وَ يُجلي بِالتَّقوى عَنهُ عَماهُ وَ جَهلَهُ ،

.


1- .تردّد السيّد الخوئي بين كون المراد منه الجواد أو الباقر عليهماالسلام ( معجم رجال الحديث : ج8 ص96) ، و صرّح المحقّق التستري بأنّ المُراد منه الباقر عليه السلام ( قاموس الرجال : ج5 ص35 ) .

ص: 432

وَ بِالتَّقوى نَجا نوحٌ وَمَن مَعَهُ في السَّفينَةِ ، وَ صالِحٌ وَ مَن مَعَهُ مِنَ الصّاعِقَةِ ، وَ بِالتَّقوى فازَ الصّابِرونَ ، وَ نَجَت تِلكَ العُصَبُ مِنَ المَهالِكِ ، وَ لَهُم إِخوانٌ عَلى تِلكَ الطَّريقَةِ يَلتَمِسونَ تِلكَ الفَضيلَةِ ، نَبَذوا طُغيانَهُم مِنَ الإيرادِ بِالشَّهَواتِ لِما بَلَغَهُم في الكِتابِ مِنَ المَثُلاتِ ، حَمِدوا رَبَّهُم عَلى ما رَزَقَهُم ، وَ هوَ أَهلُ الحَمدِ ، وَ ذَمّوا أنفُسَهُم عَلى ما فَرَّطوا ، وَ هُم أَهلُ الذَّمِّ . وَ عَلِموا أَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى الحَليمَ العَليمَ ، إِنَّما غَضَبُهُ عَلى مَن لَم يَقبَل مِنهُ رِضاهُ ، وَ إِنَّما يَمنَعُ مَن لَم يَقبَل مِنهُ عَطاهُ ، و إِنَّما يُضِلُّ مَن لَم يَقبَل مِنهُ هُداه ، ثُمَّ أَمكَنَ أَهلَ السَّيِّئاتِ مِنَ التَّوبَةِ بِتَبديلِ الحَسَناتِ ، دَعا عِبادَهُ في الكِتابِ إِلى ذلِكَ بِصَوتٍ رَفيعٍ لَم يَنقَطِع ، وَ لم يَمنَع دُعاءَ عِبادِهِ ، فَلَعَنَ اللّهُ الَّذينَ يَكتُمونَ ما أَنزَلَ اللّهُ ، وَ كَتَبَ عَلى نَفسِهِ الرَّحمَةَ ، فَسَبَقَت قَبلَ الغَضَبِ فَتَمَّت صِد قاً وَ عَدلاً ، فَلَيسَ يَبتَدئُ العِبادِ بِالغَضَبِ قَبلَ أَن يُغضِبوهُ ، وَ ذلِكَ مِن عِلمِ اليَقينِ وَ عِلمِ التَّقوى . وَ كُلُّ أُمَّةٍ قَد رَفَعَ اللّهُ عَنهُم عِلمَ الكِتابِ حينَ نَبَذُوهُ ، وَوَلَاهُم عَدُوَّهُم حينَ تَوَلَّوهُ ، وَ كانَ مِن نَبذِهِمُ الكِتابَ أَن أَقاموا حُرُوفَهُ ، وَ حَرَّفوا حُدودَهُ ، فَهُم يَروونَهُ وَ لا يَرعَونَهُ ، وَ الجُهّالُ يُعجِبُهُم حِفظُهُم لِلرِّوايَةِ ، وَ العُلَماءُ يَحزُنُهُم تَركُهُم لِلرِّعايَةِ . وَ كانَ مِن نَبذِهِم الكِتابَ أَن وَلَّوهُ الَّذينَ لا يَعلَمونَ ، فَأَورَدوهُم الهَوى ، وَ أَصدَروهُم إِلى الرَّدى ، وَ غَيَّروا عُرى الدّين ، ثُمَّ وَرَّثوهُ في السَّفَهِ وَ الصِّبا ، فالأُمَّةُ يَصدُرون عَن أَمرِ النّاسِ بَعدَ أَمرِ اللّهِ تَبارَكَ وَ تَعالى ، وَ عَلَيه يُرَدّون . فَبِئسَ لِلظّالِمينَ بَدَلاً وَلايَةُ النّاس بَعدَ وَلايَةِ اللّهِ ، وَ ثَوابُ النّاسِ بَعدَ ثَوابِ اللّهِ ، وَرِضا النّاسِ بَعدَ رِضا اللّهِ ، فَأَصبَحتِ الاُمَّةُ كَذلِكَ ، وَ فيهِمُ المُجتَهِدونَ في العِبادَةِ عَلى تِلكَ الضَّلالَةِ ، مُعجَبونَ مَفتونونَ ، فَعِبادَتُهُم فِتنَةٌ لَهُم وَ لِمَن اقتدى بِهِم ، وَ قَد كانَ في الرُّسُلِ ذِكرى لِلعابِدينَ ، إِنَّ نَبيّاً مِنَ الأَنبياءِ كانَ يَستَكمِلُ الطّاعَةَ ، ثُمَّ يَعصي اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى في البابِ الواحِدِ ، فَخَرَجَ بِهِ مِنَ الجَنَّةِ ، وَ يُنبَذُ بِهِ في بَطنِ الحوتِ ، ثُمَّ لا يُنَجّيهِ إِلَا الاعتِرافُ وَ التَّوبَةُ . فاعرِف أَشباهَ الأَحبارِ وَ الرُّهبانِ ، الَّذينَ ساروا بِكِتمانِ الكِتابِ وَ تَحريفِهِ « فَمَا رَبِحَت تِّجَ_رَتُهُمْ وَ مَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ » ، ثُمَّ اعرِف أَشباهَهُم مِن هذِهِ الأُمَّةِ ، الَّذينَ أَقاموا حُرُوفَ

.

ص: 433

الكِتابِ وَ حَرَّفوا حُدودَهُ ، فَهُم مَعَ السّادَةِ وَ الكُبُرَّةِ ، فَإِذا تَفَرَّقَت قادَةُ الأَهواءِ ، كانوا مَعَ أَكثَرِهِم دُنيا ، وَ ذلِكَ مَبلَغُهُم مِنَ العِلمِ لا يَزالونَ كَذلِكَ في طَبَعٍ و طَمَعٍ ، لا يَزالُ يُسمَعُ صَوتُ إِبليسَ عَلى أَلسِنَتِهِم بِباطِلٍ كَثيرٍ ، يَصبِرُ مِنهُمُ العُلَماءُ عَلى الأَذى وَ التَّعنيفِ ، وَ يعيبونَ عَلى العُلَماءِ بِالتَّكليفِ ، وَ العُلَماءُ في أَنفُسِهِم خانَةٌ إِن كَتَموا النَّصيحَةَ ، إن رَأَوا تائِهاً ضالّاً لا يَهدونَهُ ، أَو مَيّتاً لا يُحيونَهُ ، فَبِئسَ ما يَصنَعونَ ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى أَخَذَ عَليهِمُ الميثاقَ في الكِتابِ أَن يَأمُروا بِالمَعروفِ وَ بِما أُمِروا بِهِ ، وَ أَن يَنهَوا عَمّا نُهوا عَنهُ ، وَ أَن يَتَعاوَنوا عَلى البِرِّ وَ التَّقوى ، وَ لا يَتَعاوَنوا عَلى الإِثمِ وَ العُدوانِ ، فَالعُلَماءُ مِنَ الجُهّالِ في جَهدٍ وَ جِهادٍ ، إِن وَعَظَت قالوا : طَغَت ، وَ إن عَلَّموا الحقَّ الَّذي تَرَكوا قالوا : خالَفَت ، وَ إِن اعتَزَلوهُم قالوا : فارَقَت ، وَ إِن قالوا هاتوا بُرهانَكُم على ما تُحدِّثونَ قالوا : نافَقَت ، وَ إِن أَطاعوهُم قالوا : عَصَتِ اللّهَ عز و جل ، فَهَلَكَ جُهَّالٌ فيما لا يَعلَمونَ ، أُمِّيّونَ فيما يَتلونَ ، يُصَدِّقونَ بِالكِتابِ عِندَ التَّعريفِ ، وَ يُكَذِّبونَ بِهِ عِندَ التَّحريفِ ، فَلا يُنكِرونَ ، أُولئِكَ أَشباهُ الأَحبارِ وَ الرُّهبانِ ، قادَةٌ في الهَوى ، سادَةٌ في الرَّدى . وَآخَرونَ مِنهُم جُلوسٌ بَينَ الضَّلالَهِ وَالهُدَى،لايَعرِفونَ إِحدى الطّائِفَتَينِ مِنَ الأُخرى، يَقولونَ : ما كانَ النّاسُ يَعرِفونَ هذا ، وَ لا يَدرونَ ما هوَ ، وَ صَدَّقوا تَركَهُم رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى البَيضاءِ لَيلُها مِن نَهارِها ، لَم يَظهَر فيهِم بِدعَةٌ ، وَ لَم يُبَدَّل فيهِم سُنَّةٌ ، لا خِلافَ عِندَهُم وَ لا اختِلافَ ، فَلَمّا غَشي النّاسَ ظُلمَةُ خَطاياهُم صارَوا إِمامَينِ دَاعٍ إِلى اللّهِ تَبارَكَ وَ تَعالى ، وَ داعٍ إِلى النّارِ ، فَعِندَ ذلِكَ نَطَقَ الشَّيطانُ فَعَلا صَوتُهُ عَلى لِسانِ أَوليائِهِ ، وَ كَثُرَ خَيلُهُ وَ رَجلُهُ ، وَ شارَكَ في المالِ وَالوَلَدِ مَن أَشرَكَهُ ، فَعُمِلَ بِالبِدعَةِ ، وَ تُرِكَ الكِتَابُ وَ السُّنَّةُ ، وَ نَطَقَ أَولياءُ اللّهِ بِالحُجَّةِ ، وَ أَخَذوا بِالكِتابِ وَ الحِكمَةِ ، فَتَفَرَّقَ مِن ذلِكَ اليَومِ أَهلُ الحَقِّ وَ أَهلُ الباطِلِ ، وَ تَخاذَلَ وَ تَهادَنَ أَهلُ الهُدَى ، وَ تَعاوَنَ أَهلُ الضَّلالَةِ ، حَتّى كانَت الجَماعَةُ مَعَ فُلانٍ وَ أَشباهِهِ . فَاعرِف هذا الصِّنفَ وَ صِنفٌ آخَرُ ، فَأَبصِرِهُم رَأيَ العَينِ نُجَباءُ ، وَالزَمهُم حَتّى تَرِدَ أَهلَكَ إنّ « الْخَ_سِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ أَلَا ذَ لِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ » . [ إلى هاهنا رواية الحسين ، و في رواية محمّد بن يحيى زيادةٌ ] :

.

ص: 434

لَهُم عِلمٌ بِالطَّريقِ ، فَإِن كانَ دونَهُم بَلاءٌ فَلا تَنظُر إِلَيهِم ، فَإِن كانَ دونَهُم عَسفٌ مِن أَهلِ العَسفِ وَ خَسفٌ ، وَ دونَهُم بَلايا تَنقضي ، ثُمَّ تَصيرُ إِلى رَخاءٍ ، ثُمَّ اعلَم أَنَّ إِخوانَ الثِّقَةِ ذَخائِرُ بَعضُهُم لِبَعضٍ ، وَ لولا أَن تَذهَبَ بِكَ الظُّنونُ عَنّي لَجَلَيتُ لَكَ عَن أَشياءَ مِنَ الحَقِّ غَطَّيتُها ، وَ لَنَشَرتُ لَكَ أَشياءَ مِنَ الحَقِّ كَتَمتُها ، وَ لكِنّي أَتَّقيكَ وَ أستَبقيك ، وَ لَيسَ الحَليمُ الَّذي لا يَتَّقي أَحَداً في مَكان التَّقوى ، وَ الحِلمُ لِباسُ العالِمِ فَلا تَعرَيَنَّ مِنهُ ، وَ السَّلامُ » . (1) وفي رسالةٍ اُخرى : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بَزيع ، عن عمّه حمزة بن بَزيع ، قال : كتب أبو جعفرٍ عليه السلام إلى سعد الخير : « بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم أَمّا بَعدُ ، فَقَد جاءَني كِتابُكَ تَذكُرُ فيهِ مَعرِفَةَ ما لا يَنبغي تَركُهُ ، و طَاعَةَ مَن رِضا اللّهِ رِضاهُ ، فَقُلتَ مِن ذلِكَ لِنَفسِكَ ما كانَت نَفسُكَ مُرتَهَنَةً لَو تَرَكتَهُ تَعجَبُ أَنَّ رِضا اللّهِ وَ طاعَتَهُ وَ نَصيحَتَهُ لا تُقبَلُ وَ لا توجَدُ وَ لا تُعرَفُ إِلَا في عِبادٍ غُرَباءَ أَخلاءً مِنَ النّاسِ ، قَد اتَّخَذَهُم النّاسُ سِخريّاً لِما يَرمُونَهُم بِهِ مِنَ المُنكَراتِ ، وَ كانَ يُقالُ لا يَكونُ المُؤمِنُ مُؤمِنا حَتّى يَكونَ أَبغَضَ إِلى النّاسِ مِن جِيفَةِ الحِمارِ ، وَ لَولا أَن يُصيبَكَ مِنَ البَلاءِ مِثلُ الَّذي أَصابَنا فَتَجَعَلَ فِتنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللّهِ ، وَ أُعيذُكَ بِاللّهِ وَ إِيّانا مِن ذلِكَ ، لَقرُبتَ على بُعدِ مَنزِلَتِكَ . وَاعلَم رَحِمَكَ اللّهُ ، أنَّهُ لا تُنالُ مَحبَّةُ اللّهِ إلَا بِبُغضِ كَثيرٍ مِنَ النّاسِ ، وَ لا وَلايَتُهُ إِلَا بمُعاداتِهِم ، وَ فوتُ ذلِكَ قَليلٌ يَسيرٌ ، لِدركِ ذلِكَ مِنَ اللّهِ لِقَومٍ يَعلَمونَ . يا أَخي ، إِنَّ اللّهَ عز و جل جَعَلَ في كُلٍّ مِنَ الرُّسُلِ بَقايا مِن أَهلِ العِلمِ ، يَدعونَ مَن ضَلَّ إِلى الهُدى ، وَ يَصبِرونَ مَعَهُم عَلى الأَذى ، يُجيبونَ داعيَ اللّهِ ، وَ يَدعونَ إِلى اللّهِ ، فَأبصِرهُم رَحِمَكَ اللّهُ ؛ فَإنَّهُم في مَنزلَةٍ رَفيعَةٍ وَ إِن أَصابَتهُم في الدُّنيا وَضيعَةٌ ، إِنَّهم يُحيون بِكِتابِ اللّهِ المَوتى ، وَيُبَصِّرُنَّ بِنورِ اللّهِ مِنَ العَمى . كَم مِن قَتيلِ لِاءبليسَ قَد أَحيَوهُ ، وَكَم مِن تائِهٍ ضالٍّ قَد هَدَوهُ ، يَبذُلونَ دِماءَهُم دونَ هَلَكَةِ

.


1- .الكافي : ج 8 ص52 ح16 ، بحار الأنوار : ج78 ص358 ح2 .

ص: 435

( 303 ) كتابه عليه السلام إلى خيران في قبول الهدية

العِبادِ ، وَ ما أَحسَنَ أَثَرَهُم عَلى العِبادِ ، وَ أَقبحَ آثارَ العِبادِ عَلَيهِم » . (1)

303كتابه عليه السلام إلى خيرانفي قبول الهديةمحمّد بن مسعود قال: حدّثني سليمان بن حفص، عن أبي بصير حمّاد بن عبد اللّه القنديّ ، عن إبراهيم بن مهزيار، قال: كتب إليَّ خيران 2 : قد وجّهت إليك ثمانية دراهم ، كانت اُهديت إليَّ من طرسوس (2) ، دراهم منهم ، و كرهت أن أردّها على صاحبها أو اُحدث فيها حدثاً دون أمرك، فهل تأمرني في قبول مثلها أم لا ، لأعرفها إن شاء اللّه و أنتهي إلى أمرك ؟ فكتب و قرأته :اقبَل مِنهُم إِذا اُهديَ إِلَيكَ دَراهِمُ أَو غَيرُها ، فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم يَرُدَّ هَديَّةً عَلى يَهوديٍّ وَ لا نَصرانيٍّ . (3)

.


1- .الكافي : ج 8 ص56 ح17 ، بحار الأنوار : ج78 ص362 ح3 .
2- .مدينة بثغور الشّام بين أنطاكيّة و حلب و بلاد الرّوم ، و بها قبر المأمون ( راجع : معجم البلدان : ج4 ص28 ) .
3- .رجال الكشّي : ج2 ص868 الرقم1133 ، بحار الأنوار: ج50 ص107 ح26 ، وسائل الشيعة : ج17 ص292 ح22559 .

ص: 436

. .

ص: 437

الفصل الثامن : في أُمورٍ شتّى
اشاره

الفصل الثّامن: في اُمورٍ شتّى

.

ص: 438

. .

ص: 439

( 304 ) مكاتبته عليه السلام مع أبيه عليه السلام
( 305 ) كتابه عليه السلام إلى داوود بن القاسم

304مكاتبته عليه السلام مع أبيه عليه السلامالحاكم أبو عليّ الحسين بن أحمد البيهقيّ ، قال : حدّثني محمّد بن يحيى الصّولي ، قال : حدّثنا عون بن محمّد ، قال : حدّثنا أبو الحسين بن محمّد بن أبي عبّاد (1) ، وكان يكتب للرضا عليه السلام ،ضمّه إليه الفضل بن سهل ، قال : ما كان عليه السلام يذكر محمّداً ابنه عليه السلام إلّا بكنيته ، يقول : كَتَبَ إِلَيَّ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام ، وَ كُنتُ أَكتُبُ إِلى أَبي جَعفَرٍ عليه السلام ، و هو صبيّ بالمدينة ، فيخاطبه بالتّعظيم . و ترد كُتب أبي جعفرٍ عليه السلام في نهاية البلاغة و الحسن . (2)

305كتابه عليه السلام إلى داوود بن القاسمعن عليّ _ يعني ابن مهزيار _ قال : قرأت في كتابٍ لأبي جعفرٍ عليه السلام إلى داوود بن

.


1- .أبو الحسين بن محمّد بن أبي عبادة : الرّجل لم يذكروه في المصادر الرّجاليّة و لا الرّوائيّة غير عيون أخبار الرّضا عليه السلام . روى الصّدوق عنه بواسطة عون بن محمّد الكنديّ تارةً بعنوان « أبو الحسين بن محمّد بن أبي عباد » كما في السّند المبحوث عنه ، و اُخرى بعنوان « أبي عباد » ، وثالثةً بعنوان « محمّد بن أبي عبّاد » ( عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج2 ص128 ح7 وص164 ح25 و ص 178 ح 1 و ص224 ح1 ) .
2- .عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج2 ص240 ح1، بحار الأنوار: ج50 ص18 ح2 .

ص: 440

في الحوائج
( 306 ) كتابه عليه السلام إلى حاكم سجستان باب شرط من أذن له في أعمالهم

القاسم (1) :إِنّي قَد جِئتُ وَ حَياتِكَ . (2)

في الحوائج306كتابه عليه السلام إلى حاكم سجستانباب شرط من أذن له في أعمالهممحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن السيّاريّ ، عن أحمد بن زكريّا الصّيدلانيِّ (3) ، عن رجلٍ من بني حنيفة من أهل بُستَ (4) وسِجِستان (5) ، قال : رافقت أبا جعفرٍ عليه السلام في السّنة الّتي حَجّ فيها في أوّل خلافة المُعتصم ، فقلت له وأنا معه على المائدة و هناك جماعة من أولياء السّلطان : إنّ والينا جُعلت فداك رجل يتولّاكم أهل البيت ويُحبّكم ، و عَلَيَّ في ديوانه خراج ، فإن رأيت جعلني اللّه فداك أن تكتب إليه كتاباً بالإحسان إليَّ .

.


1- .داوود بن القاسم ابن إسحاق بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ، يُكنّى أبا هاشم الجعفريّ ، كان من حفيد عبد اللّه بن جعفر ، و كان من ثقات و أجلّاء أهل البيت ، و عظيم المنزلة عند الأئمّة عليهم السلام ( راجع : رجال النجاشي : ص156 الرقم411 ، رجال الكشّي : ج2 ص841 الرقم 1080 ، رجال الطوسي : ص375 الرقم5553 ) ، و كان من أصحاب أربعة من الأئمّة المعصومين عليهم السلام و هم الرّضا و الجواد و الهاديّ والعسكريّ عليهم السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص357 الرقم 5290 و ص375 الرقم5553 و ص386 الرقم5686 و ص399 الرقم5847 وراجع رجال البرقي : ص60 و 57 و 56 ) .
2- .النوادر للأشعري:ص52 ح97، وسائل الشيعة : ج23 ص264 ح29532 ، بحار الأنوار : ج104 ص211 ح32 .
3- .مجهول.
4- .بُست : مدينة قديمة بين سجستان و غزنين و هرات من بلاد أفغانستان ، على ملتقى الطّرق بين بلوخستان والهند ( معجم البلدان : ج1 ص414 ) .
5- .سِجِستان : بكسر أوّله و ثانيه معرب سكستان ( سگزاستان ) . و« سگز » قوم من الأعاجم كانوا يسكنون هذه البلاد و جبالها ، و النسبة إليها «سجزي» على الأصل «سگزي» لا غير ، و أمّا الأعاجم فيقولون اليوم : سيستان و سيستاني ( القاموس المحيط : ج 2 ص 221 ، تاج العروس : ج 8 ص 318 ) .

ص: 441

( 307 ) كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ في الوكالة

فقال لي :لا أَعرِفُهُ . فقلت : جُعلت فداك ، إنّه على ما قلت من مُحبّيكم أهل البيت ، و كتابُك ينفعني عنده . فأخذ القرطاس و كتب : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم أَمّا بَعدُ ، فَإِنَّ موصِلَ كِتابي هذا ذَكَرَ عَنكَ مَذهَباً جَميلاً ، وَ إِنَّ ما لَكَ مِن عَمَلِكَ ما أَحسَنتَ فيهِ ، فَأَحسِن إِلى إِخوانِكَ ، وَ اعلَم أَنَّ اللّهَ عَزَّ وَ جَلَّ سائِلُكَ عَن مَثاقيل الذَّرِّ وَ الخَردَلِ . قال : فلمّا وردت سِجِستان سبق الخبر إلى الحسين بن عبد اللّه النّيسابوريّ و هو الوالي ، فاستقبلني على فرسخين من المدينة ، فدفعت إليه الكتاب فقبّله ووضعه على عينيه ثمّ قال لي : ما حاجتك ؟ فقلت : خراج عليّ في ديوانك . قال : فأمر بطرحه عنّي و قال لي : لا تُؤدّ خراجاً ما دام لي عمل . ثمّ سألَني عن عيالي فأخبرته بمبلغهم فأمر لي و لهم بما يقوتنا وفضلاً . فما أدّيت في عمله خراجاً ما دام حيّاً ، و لا قطع عنّي صلتهُ حتّى مات . (1)

307كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّفي الوكالةعليّ بن محمّد ، قال : حدّثني محمّد بن أحمد ، عن عمر بن عليّ بن عمر بن يزيد ، عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (2) ، قال : و كتب [ أبو جعفرٍ عليه السلام ] إليَّ :قَد وَصَلَ الحِسابُ ، تَقَبَّلَ اللّهُ مِنكَ وَرَضي عَنهُم ، وَ جَعَلَهُم مَعَنا في الدُّنيا وَ الآخِرَةِ ، وَ قَد بَعَثتُ إِلَيكَ مِنَ الدَّنانيرِ بِكَذا ، وَ مِنَ الكِسوَةِ كَذا ، فَبارَكَ لَكَ فيهِ وَ في جَميعِ نِعمَةِ اللّهِ عَلَيكَ .

.


1- .الكافي : ج5 ص111 ح6 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص334 ح926 ، بحار الأنوار : ج46 ص339 ح29 .
2- .راجع : ص 339 الرقم 247 .

ص: 442

( 308 ) كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد بن يحيى الهمدانيّ

وَقَد كَتَبتُ إِلى النَّضرِ (1) أَمَرتُهُ أَن يَنتَهيَ عَنكَ ، وَ عَنِ التَّعَرُّضِ لَكَ وَ بِخِلافِكَ ، وَ أَعلَمتُهُ مَوضِعَكَ عِندي ، وَ كَتَبتُ إِلى أَيَّوبَ (2) أَمرتُهُ بِذلِكَ أَيضاً ، وَ كَتَبتُ إِلى مَوالي بِهَمَدانَ كِتاباً أَمَرتُهُم بِطاعَتِكَ وَ المَصيرِ إِلى أَمرِكَ ، وَ أَن لا وَكيلَ لي سِواكَ . (3)

308كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد بن يحيى الهمدانيّقال إبراهيم بن محمّد بن يحيى الهمدانيّ (4) : كتب أبو جعفرٍ الثّاني عليه السلام إليَّ كتاباً ، و أمرني أن لا أفكّه حتّى يموت يحيى بن أبي عمران . فمكث الكتاب عندي سنتين ، فلمّا كان اليوم الّذي مات فيه يحيى بن أبي عمران فككته ، فإذا فيه :قُم بِما كانَ يَقومُ بِهِ وَ نَحوِ هذا مِنَ الأَمرِ . فقال إبراهيم: كنت لا أخاف الموت مادام يحيى حيّاً . (5)

.


1- .الظّاهر أنّ المراد منه هو النضر بن محمّد الهمدانيّ ، من أصحاب الهاديّ عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص425 ) .
2- .الظّاهر أنّ المراد منه هو أيّوب بن نوح بن درّاج الّذي كان وكيلاً لأبي الحسن وأبي محمّد عليهماالسلام (راجع : رجال النجاشي : ج1 ص102 الرقم254 ) .
3- .رجال الكشّي : ج2 ص869 الرقم 1136 ، بحار الأنوار : ج50 ص108 ح109 .
4- .إبراهيم بن محمّد بن يحيى الهمدانيّ : كان من أصحاب مولانا الرّضا و الجواد و الهاديّ عليهم السلام ( رجال الطوسي : ص352 الرقم5210 و ص373 الرقم5515 ، ص383 الرقم5636 ، رجال البرقي : ص54 _ 56 _ 58 ) ، روى الكشّي بإسناده عن أبي محمّد الرّازي قال : كنت أنا و أحمد بن أبي عبداللّه البرقي بالعسكر فورد علينا رسول من الرّجل . . . و أيّوب بن نوح وإبراهيم بن محمّد الهمدانيّ و أحمد بن إسحاق ثقات جميعا ( رجال الكشّي : ج2 ص831 الرقم 1053 ) . و كان وكيلاً ودعا له عليه السلام ( رجال الكشّي : ج2 ص865 الرقم 1136 ) . قال النجاشي في ترجمة ابن ابنه أي محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ ، وكيل النّاحية ، و أبوه وكيل النّاحية ، و جدّه وكيل النّاحية ، و جدّ أبيه إبراهيم بن محمّد وكيل النّاحية . . . » ( رجال النجاشي : ج 2 ص 236 الرقم929 ) . ذكره العلّامة في القسم الأوّل قائلاً : وكيل ، كان حجّ أربعين حجّة ( الخلاصة : ص6 الرقم23 ) ، وكذا ذكره ابن داوود ( ص18 الرقم35 ) .
5- .الخرائج و الجرائح : ج2 ص717 ، بصائر الدّرجات : ص282 ح2 باسناده عن محمّد بن عيسى عن إبراهيم بن محمّد ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص502 ، بحار الأنوار : ج5 ص37 ح2 .

ص: 443

في حسن الختام

في حسن الختامقال له عليه السلام رجل : أوصني ؟ قال عليه السلام : وَتَقبَلُ ؟ قال : نعم . قال :تَوَسَّدِ الصَّبرَ ، وَ اعتَنِقِ الفَقرَ ، وَ ارفَضِ الشَّهَواتِ ، وَ خالِفِ الهَوى ، وَ اعلَم أَنَّكَ لَن تَخلوَ مِن عَينِ اللّهِ ، فانظُر كَيفَ تَكونُ . (1)

وآخر دعوانا : « سُبحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَ سَلامٌ عَلَى المُرسَلِينَ * وَ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالمِينَ » (2) .

.


1- .تحف العقول : ص455 ، بحار الأنوار : ج78 ص358 ح1 .
2- .الصافات : 180 _ 182 .

ص: 444

. .

ص: 445

الفهرس التفصيلي

الفهرس التّفصيلي

.

ص: 446

. .

ص: 447

. .

ص: 448

. .

ص: 449

. .

ص: 450

. .

ص: 451

. .

ص: 452

. .

ص: 453

. .

ص: 454

. .

ص: 455

. .

ص: 456

. .

ص: 457

. .

ص: 458

. .

ص: 459

. .

ص: 460

. .

ص: 461

. .

ص: 462

. .

ص: 463

. .

ص: 464

. .

المجلد 6

اشاره

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

مكاتيب الإمام عليّ بن محمّد الهادي عليه السلام

اشاره

مكاتيب الإمام عليُّ بنُ محمّدٍ الهاديُّ عليه السلام

.

ص: 6

. .

ص: 7

المقدّمة

المقدّم_ةعاصر الإمام الهادي عليه السلام ستّة من الخلفاء هم : المعتصم، الواثق ، المتوكّل ، المستنصر ، المستعين والمعتزّ . وقد تزامنت إمامته التي استمرّت 34 سنة مع عصر كانت قد أثرت فيه الدعايات الكاذبة لبني اُميّة وبني العبّاس ضدّ الشيعة ، كما أنّ بعض شخصيّات أهل السنّة لم تقف صامتة ، بل إنّها كانت تؤجّج هذه الفتنة ، حتّى طغت معتقدات أهل السنّة على غالب المجتمع المسلم ، واتّسعت النظرة السلبية والكراهية للشيعة بين عامّة الناس ، ولم تعد نسبة التشيّع إلى الشخص أو الأشخاص بأقلّ من السباب والشتائم (1) . ولذلك كان الشيعة يكتمون تشيّعهم كي لا يتعرّضوا لاضطهاد الناس والدولة . ولم يكن الإمام الهادي عليه السلام مُستثنى من ذلك ، باعتباره إمام المذهب الشيعي ، ولذلك كان يتعرّض للضغوط من جانب حكّام عصره ومن جانب عامّة الناس في نفس الوقت ، وفي ظلّ تلك الظروف استدعاه المتوكّل العبّاسي من المدينة إلى بغداد ، وفرض عليه رقابة شديدة ، وكان يراقب كلّ تحرّكاته ، وأخيراً فقد فرض عليه الإقامة الجبريّة وسجنه ، بل إنّه همّ بقتله ، ولكن الأجل لم يمهله . وفي ظلّ هذه الأوضاع بدا أنّ من غير الممكن إقامة حلقات التدريس والمجالس الصغيرة والكبيرة لإرشاد الشيعة ، وفي أثناء ذلك كانت المناظرات

.


1- .راجع : تاريخ بغداد : ج 12 ص 351 وج 13 ص 287 .

ص: 8

والاحتجاجات بين علماء العصر وفقهائه وبين الإمام عليه السلام ، هي الّتي كانت تضيء بصيصاً من النور في ذلك المجتمع الذي خيّم الظلام على أرجائه ، وتكشف النقاب عن الحقيقة المخفية . وكانت هذه المناظرات تُقام من جانب المتوكّل بشكلٍ رئيس بهدف تحطيم شخصية الإمام عليه السلام ، ولكنّها كانت دوماً تتمخّض عن نتائج عكسية من باب قوله تعالى: « وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَ_كِرِينَ » (1) ، ولم يكن المتوكّل يجني منها شيئاً سوى الفضيحة له ولحاشيتة ، فيما كانت تعود بالرفعة للإمام . ونظراً للتوتر والخناق السياسي الشديد الّذي كان يسود المجتمع آنذاك ، فقد كان الإمام عليه السلام يرشد الشيعة خلال الأحداث الصعبة والأزمات السياسيّة والثقافيّة عن طريق إقامة تنظيمات الوكالة واللقاءات السرّية والمراسلات ، وكان الناس يمدّون جسور التواصل معه عليه السلام من خلال الارتباط بالوكلاء وطرح الأسئلة عليهم إمّا من خلال المراسلات ، أو بشكل شفوي أحياناً ، وبذلك يحلّون مشكلاتهم ويعرفون وظائفهم العلميّة . وكان الإمام الهادي عليه السلام يعلّم الناس طريقة الرجوع إلى الوكلاء بهدف إعدادهم لعصر الغيبة ، ومن خلال نظرة مجملة إلى كثرة رسائله في هذه الفترة من الزمان يُمكن الإشارة إلى انتشار هذه الظاهرة ونجاح الإمام عليه السلام في هذا العصر . وقد كان الإمام عليه السلام يستخدم ألقاباً عديدة حسب ما يقتضيه الوضع السائد ، حيث كان معظمها سريّاً بشكلٍ من الأشكالٍ ، وهو ما يدلّ على التوتر الّذي كان يسود عصره ، حيث يمكننا الإشارة في هذا المجال إلى الألقاب التالية : النقي (2) ، الهادي (3) ،

.


1- .آل عمران : 54 .
2- .في المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 401 : ألقابه عليه السلام : النجيب ، المرتضى ، الهادي ، النقي ، العالم ، الفقيه ، الأمين المؤتمن ، الطيّب ، المتوكّل ، العسكري ، ويقال له : أبو الحسن الثالث الفقيه العسكري .
3- .الخرائج والجرائح : ج 1 ص 419 ح 22 ، كشف المحجّة : ص 153 ، كشف الغمّة : ج 3 ص 189 .

ص: 9

العسكري (1) ، المرتضى ، الناصح ، العالم (2) ، الفقيه (3) ، الدليل ، الطيّب (4) ، الأمين ( المؤتمن ) ، الفقيه العسكري (5) ، النجيب ، المتّقي ، المتوكّل ، الرجل (6) ، الشيخ (7) ، صاحب العسكر (8) ، العبد الصالح (9) ، العالم (10) . كما ذُكرت له عليه السلام كنيتان هما : أبو الحسن (11) ، وأبو الحسن الثالث . 12

.


1- .الكافي : ج 1 ص 409 ح 6 و ص 326 ح 7 ، تهذيب الأحكام : ج 3 ص 303 ح 927 ، الاستبصار : ج1 ص458 ح 5 ، الاحتجاج : ج 2 ص449 ، الإرشاد : ج 2 ص 316 ، إعلام الورى : ص 368 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 405 .
2- .النوادر للأشعري : ص 125 ح 318 .
3- .تهذيب الأحكام : ج 2 ص 315 ح 1286 وج 3 ص 303 ح 927 ، الاستبصار : ج 1 ص 458 ح 5 .
4- .الكافي : ج 4 ص 239 ح 4 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 179 ح 2071 .
5- .راجع : تهذيب الأحكام : ج 1 ص 131 ح 361 و ج 3 ص 230 ح 594 .
6- .التوحيد : ص 459 ح 26 .
7- .مستطرفات السرائر : ص 68 ح 12 و 13 .
8- .الكافي : ج 1 ص 401 ح 4 ، تهذيب الأحكام : ج 4 ص 79 ح 1 ، الاستبصار : ج 2 ص 44 ح 5 .
9- .تهذيب الأحكام : ج 2 ص 275 ح 1091 وص 173 ح 688 ، الاستبصار : ج 1 ص 289 .
10- .تهذيب الأحكام : ج 6 ص 92 ، الإرشاد : ج 2 ص 297 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 401 ، تاريخ بغداد ، ج 12 ص 56 .
11- .إعلام الورى : ص339 ، المناقب لابن شهرآشوب ، ج4 ص401 ، ألقاب الرسول وعترته ( مجموعة نفيسة ) : ص275 .

ص: 10

. .

ص: 11

الفصل الأوّل : في التوحيد

اشاره

الفصل الاول: في التوحيد

.

ص: 12

. .

ص: 13

1 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلال في النهي عن التكلّم في ذات اللّه
2 . كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوح بن درّاج في صفات اللّه عز و جل

1كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلال في النهي عن التكلّم في ذات اللّهسعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا محمّد بن عيسى ، قال : قرأت في كتاب عليّ بن بلال (1) أنّه سأل الرجل _ يعني أبا الحسن عليه السلام _ : أنّه روي عن آبائك أنّهم نهوا عن الكلام في الدين ، فتأوّل مواليك المتكلّمون بأنّه إنّما نهى مَن لا يُحسن أن يتكلّم فيه ، فأمّا مَن يُحسن أن يتكلّم فيه فلم ينهه ، فهل ذلك كما تأوّلوا أو لا ؟ فكتب عليه السلام :المُحسِنُ وَغَيرُ المُحسِنِ لا يَتَكَلَّم فِيهِ ، فَإِنَّ إِثمَهُ أَكثَرُ مِن نَفعِهِ . (2)

2كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوح بن درّاج في صفات اللّه عز و جلمحمّد بن يحيى عن سعد بن عبد اللّه ، عن محمّد بن عيسى ، عن أيّوب بن نوح (3) أنّه

.


1- .عليّ بن بلال البغدادي الواسطي ، روى عن أبي الحسن الثالث عليه السلام ( رجال النجاشي : ج2 ص116 الرقم 728 و728 ) . وعدّه الشيخ من أصحاب مولانا الجواد قائلاً : إنّه ثقة ، من أصحاب الهادي والعسكريّ عليهماالسلام ( رجال الطوسي : ص377 الرقم 5578 و ص388 و ص400 الرقم5859 ) . وورد في التوقيع من ناحية العسكريّ عليه السلام : « يا أبا إسحاق ، إقرأ كتابنا على البلالي ، فإنّه الثقة المأمون العارف ، يجب عليه » ( راجع : رجال الكشّي : ص578 الرقم 1088 ، خلاصة الأقوال : ص190 الرقم 32 ، رجال ابن داوود : ص409 الرقم 100 ) .
2- .التوحيد : ص459 ح26 ، وسائل الشيعة : ج16 ص201 ح21349 وفيه «أكبر» بدل «أكثر» نقلاً عنه .
3- .أيّوب بن نوح بن درّاج النخعيّ : أبو الحسين ، كان من الأجلّاء الثقاة الإماميّة ، ووكيلاً من ناحية إمامين همّامين : أبي الحسن ، وأبي محمّد عليهماالسلام( راجع : رجال النجاشي : ج1 ص 255 الرقم 252 ، ورجال الكشّي : ج2 ص644 الرقم 664 ، والخلاصة : ص59 الرقم 58 ) . وعُدّ من أصحاب مولانا الرضا والجواد والهادي عليهم السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص352 الرقم 5214 و ص373 الرقم 5524 و ص 383 الرقم 5642 ، ورجال البرقي : ص 54 و 57 ) .

ص: 14

3 . كتابه عليه السلام لمن سأل في صفات اللّه عز و جل

كتب إلى أبي الحسن عليه السلام (1) يسأله عن اللّه عز و جل ، أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكوّنها ، أو لم يعلم ذلك حتّى خلقها وأراد خلقها وتكوينها ، فعلم ما خلق عندما خلق وما كوّن عندما كوّن ؟ فوقّع بخطّه :لَم يَزَلِ اللّهُ عَالِماً بِالأَشيَاءِ قَبلَ أَن يَخلُقَ الأَشيَاءَ ، كَعِلمِهِ بِالأشيَاءِ بَعدَمَا خَلَقَ الأَشيَاءَ . (2)

3كتابه عليه السلام لمن سأل في صفات اللّه عز و جلأبو منصور الطبرسيّ قال : سُئل أبو الحسن عليه السلام (3) عن التوحيد ، فقيل له : لم يزل اللّه وحده لا شيء معه ، ثمّ خلق الأشياء بديعاً ، واختار لنفسه الأسماء ، ولم تزل الأسماء والحروف له معه قديمة ؟ فكتب عليه السلام :لَم يَزَلِ اللّهُ مَوجُوداً ، ثُمَّ كَوَّنَ مَا أَرَادَ ، لا رَادَّ لِقَضَائِهِ ، وَلا مُعَقِّبَ لِحُكمِهِ تَاهَت أَوهَامُ المُتَوَهِّمِينَ ، وَقَصُرَ طَرَفُ الطَّارِفِينَ ، وَتَلاشَتَ أَوصَافُ الوَاصِفِينَ ، وَاضمَحَلَّت أَقَاوِيلُ المُبطِلِينَ عَنِ الدَّركِ لِعَجِيبِ شَأنِهِ ، أَو الوُقُوعِ بِالبُلُوغِ عَلَى عُلُوِّ

.


1- .في التوحيد : سنده : « أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضى الله عنه ، قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه عن أيّوب بن نوح أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام . . . » .
2- .الكافي : ج 1 ص107 ح4 ، التوحيد : ص145 ح13 ، بحار الأنوار : ج4 ص88 ح25 وج54 ص162 ح98 .
3- .في بحار الأنوار : « أبو الحسن عليّ بن محمد عليهماالسلام» بدل « أبو الحسن عليه السلام » ، وفي الفصول المهمّة : « أبو الحسن العسكريّ عليه السلام » .

ص: 15

4 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن إسحاق في إبطال الرؤية

مَكَانِهِ ، فَهُوَ بِالمَوضِعِ الَّذِي لا يَتَناهَى ، وَبِالمَكَانِ الَّذِي لَم يَقَع عَلَيهِ عُيُونٌ (1) بِإِشَارَةٍ وَلا عِبَارَةٍ ، هَيهَاتَ هَيهَاتَ . (2)

4كتابه عليه السلام إلى أحمد بن إسحاق في إبطال الرؤيةأحمد بن إسحاق 3 ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن الرؤية وما اختلف فيه الناس . فكتب :لا تَجُوزُ الرُّؤيَةُ مَا لَم يَكُن بَينَ الرَّائِيِّ والمَرئِيِّ هَوَاءٌ لَم يَنفُذهُ البَصَرُ ، فَإِذَا انقَطَعَ الهَوَاءُ عَنِ الرَّائِيِّ والمَرئِيِّ لَم تَصِحَّ الرُّؤيَةُ ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الاشتِبَاهُ ؛ لِأَنَّ الرَّائِيَ مَتَى سَاوَى المَرئِيَّ فِي السَّبَبِ المُوجِبِ بَينَهُمَا فِي الرُّؤيَةِ وَجَبَ الاشتِبَاهُ ، وَكانَ ذَلِكَ

.


1- .في بحار الأنوار : « الناعتون » بدل « عيون » .
2- .الاحتجاج : ج2 ص449 ، الفصول المهمّة : ج1 ص151 ح65 ، بحار الأنوار : ج4 ص160 ح4 وج54 ص83 ح64 نقلاً عنه .

ص: 16

5 . كتابه عليه السلام إلى حمزة بن محمّد في نفي الجسم والصورة

التَّشبِيهُ ؛ لِأَنَّ الأَسبَابَ لا بُدَّ مِنِ اتِّصَالِهَا بِالمُسَبَّبَاتِ . (1)

وفي التوحيد : حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله عن أبيه ، عن أحمد بن إسحاق ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن الرؤية وما فيه الناس . فكتب عليه السلام :لا يَجُوزُ الرُّؤيَةُ مَا لَم يَكُن بَينَ الرَّائِيَّ وَالمَرئِيِّ هَوَاءٌ يَنفُذُهُ البَصَرُ ، فَإِذَا انقَطَعَ الهَوَاءُ وَعُدِمَ الضِّيَاءُ بَينَ الرَّائِيِّ وَالمَرئِيِّ ، لَم تَصِحَّ الرُّؤيِةُ . . . (2)

وفي الاحتجاج : حدّثنا أحمد بن إسحاق ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ أسأله عن الرؤية وما فيه الخلق . فكتب :لا تَجُوزُ الرُّؤيَةُ مَا لَم يَكُن بَينَ الرَّائِيِّ وَ المَرئِيِّ هَوَاءٌ يَنفُذُهُ البَصَرُ ، فَمَتَى انقَطَعَ الهَوَاءُ وَ عُدِمَ الضِّيَاءُ ، لَم تَصِحَّ الرُّؤيَةُ ، وَفِي جَوَابِ اتِّصَالِ الضِّيَاءَينِ الرَّائِيِّ وَالمَرئِيِّ ، وُجُوبُ الاشتِبَاهِ ، وَاللّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الاشتِبَاهِ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لا يَجُوزُ عَلَيهِ سُبحَانَهُ الرُّؤيَةُ بِالأَبصَارِ ؛ لِأَنَّ الأَسبَابَ لا بُدَّ مِنِ اتِّصالِهَا بِالمُسَبِّبَاتِّ . (3)

5كتابه عليه السلام إلى حمزة بن محمّد في نفي الجسم والصورةمحمّد بن الحسن ( الصفّار ) عن سهل بن زياد ( الأدمي ) ، عن حمزة بن محمّد (4) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الجسم والصورة . فكتب عليه السلام :سُبحَانَ مَن لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، لا جِسمٌ وَلا صُورَةٌ .

.


1- .الكافي : ج1 ص95 ح4 ، الحكايات : ص86 ، بحار الأنوار : ج 10 ص 454.
2- .التوحيد : ص 109 ح 7 ، بحار الأنوار : ج4 ص34 ح13.
3- .الاحتجاج : ج2 ص449 ، بحار الأنوار : ج4 ص34 ح12 .
4- .ذكره الشيخ من أصحاب أبي محمّد حسن بن عليّ عليه السلام ( رجال الطوسي : ص 339 الرقم 5846 ) . و لكنّ الرجل مجهول الوصف غير منعوت بالتوثيق و لا بغيره ( راجع : طرائف المقال : ج 1 ص 236 ) .

ص: 17

6 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرج الرخّجيّ في نفي الجسم و الصورة

ورواه محمّد بن أبي عبد اللّه ، إلّا أنّه لم يسمّ الرجل . (1)

6كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرج الرُّخّجيّ في نفي الجسم و الصورةعليّ بن محمّد ، رفعه عن محمّد بن الفرج الرُّخّجيّ 2 ، (2) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عمّا قال هشام بن الحكم في الجسم ، وهشام بن سالم في الصورة ؟ فكتب عليه السلام :دَع عَنكَ حَيرَةَ الحَيرَانِ ، وَاستَعِذ بِاللّهِ مِنَ الشَّيطَانِ ، لَيسَ القَولُ مَا قَالَ الهِشَامَانِ . (3)

وفي الأمالي : حدّثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رحمه الله ، قال:حدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام[عاصم] الكليني رضى الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني ، عن عليّ بن محمّد المعروف بعلّان (4) ، عن

.


1- .الكافي :ج 1 ص104 ح2 ، التوحيد : ص97 ح3 وص102 ح16 وفيه : « سهل بن زياد عن بعض أصحابنا قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام . . . » و ح17 وليس فيه : «لا جسم ولا صورة» ، بحار الأنوار : ج3 ص301 .
2- .. في التوحيد : « حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق رحمه الله ، قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد ، رفعه عن محمّد بن الفرج الرُخّجيّ ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام . . . » .
3- .الكافي : ج1 ص105 ح5 ، التوحيد : ص97 ح2.
4- .في البحار : الظاهر أنّه هو عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازيّ الكلينيّ ، استاد محمّد بن يعقوب الكليني وخاله . قال النجاشي : يكنّى أبا الحسن ، ثقة ، عين . أقول : علّان بالعين المهملة المفتوحة ثمّ اللّام المشدّدة . وحُكي عن الشهيد الثاني رحمه الله في تعليقته على الخلاصة : إنّ علان مخفّف اللّام .

ص: 18

7 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمذانيّ في نفي الجسم و الصورة

محمّد بن الفرج الرُّخّجيّ ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب : . . . (1)

7كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمذانيّ في نفي الجسم و الصورةسهل ( بن زياد ) عن إبراهيم بن محمّد الهمذانيّ 2 ، قال : كتبت إلى الرجل عليه السلام : إنّ من قِبَلَنا مِن مواليك قد اختلفوا في التوحيد ، فمنهم من يقول : جسمٌ ، ومنهم من يقول : صورة . فكتب عليه السلام بخطّه :سُبحَانَ مَن لا يُحَدُّ وَلا يُوصَفُ ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ؛ أَو

.


1- .الأمالي للصدوق : ص351 ح424 ، بحار الأنوار : ج3 ص288 ح3 نقلاً عنه.

ص: 19

8 . كتابه عليه السلام إلى بِشر بن بَشّار النيسابوري في نفي الجسم و الصورة
9 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عيسى في الحركة والانتقال

قَالَ البَصِيرُ . (1)

8كتابه عليه السلام إلى بِشر بن بَشّار النيسابوري في نفي الجسم و الصورةسهل ( بن زياد ) عن بشر بن بشّار النيسابوريّ (2) ، قال : كتبت إلى الرجل عليه السلام : إنّ من قِبَلَنا قد اختلفوا في التوحيد ، فمنهم مَن يقول : [ هو ] جسمٌ ، ومنهم مَن يقول : [ هو ] صورة ؟ فكتب إليَّ :سُبحَانَ مَن لا يُحَدُّ وَلا يُوصَفُ ، وَلا يُشبِهُهُ شَيءٌ ، وَلَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ . (3)

9كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عيسى في الحركة والانتقالعليُّ بن محمّد عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى 4 ، قال : كتبتُ إلى أبي

.


1- .الكافي : ج1 ص102 ح5 ، التوحيد : ص100 ح9 وفيه : « كتبت إلى الرجل ، يعني أبا الحسن عليه السلام » ، بحار الأنوار :ج3 ص294 ح17.
2- .بِشر بن بَشّار النيسابوريّ الشاذانيّ : عدّه الشيخ من أصحاب الهادي عليه السلام قائلاً : « إنّه عمّ أبي عبداللّه الشاذاني » ( راجع : رجال الطوسي : ص 384 الرقم 5656) .
3- .الكافي :ج 1 ص 102 ح 9 ، التوحيد : ص 101 ح 13 ، بحار الأنوار : ج 3 ص 264 ح 17.

ص: 20

10 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ القاسانيّ لا يوصف ، ليس كمثله شيء

الحسن عليّ بن محمّد عليه السلام : جعلني اللّه فداك يا سيّدي ، قد روي لنا : أنّ اللّه في موضعٍ دون موضع على العرش استوى ، وأنّه ينزل كلّ ليلة في النصف الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ، ورُوي أنّه ينزل عشيّة عرفة ، ثمّ يرجع إلى موضعه . فقال بعض مواليك في ذلك : إذا كان في موضع دون موضع ، فقد يلاقيه الهواء ويتكنّفُ عليه ، والهواء جسم رقيق يتكنّف على كلّ شيء بقدره ، فكيف يتكنّف عليه جلّ ثناؤُه على هذا المثال ؟ فوقّع عليه السلام :عِلمُ ذَلِكَ عِندَهُ وَهُوَ المُقَدِّرُ لَهُ بِمَا هوَ أَحسَنُ تَقدِيراً ، وَاعلَم أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي السَّماءِ الدُّنيا فَهُوَ كَمَا هُوَ عَلَى العَرشِ ، وَالأَشيَاءُ كُلُّهَا لَهُ سَوَاءٌ ، عِلماً وَقُدرَةً وَمُلكاً وَإِحَاطَةً . وعنه عن محمّد بن جعفر الكوفيّ ، عن محمّد بن عيسى مثله . (1)

10كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ القاسانيّ لا يوصف ، ليس كمثله شيءسهل عن محمّد بن عليّ القاسانيّ 2 ، قال : كتبت إليه عليه السلام أنّ من قبلنا قد اختلفوا في

.


1- .الكافي : ج1 ص126 ح4.

ص: 21

11 . رسالته عليه السلام في الردّ على أهل الجبر والتفويض

التوحيد ، قال : فكتب عليه السلام :سُبحَانَ مَن لا يُحَدُّ وَلا يُوصَفُ ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ . (1)

11رسالته عليه السلام في الردّ على أهل الجبر والتفويضمِن عَلِيِّ بنِ مُحَمّدٍ : سَلامٌ عَلَيكُم وَعَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى وَرَحمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، فَإِنَّهُ القَدَرِ ، وَمَقالَةِ مَن يَقُولُ مِنكُم بِالجَبرِ وَمَن يَقُولُ بِالتَّفوِيضِ ، وَتَفَرُّقِكُم فِي ذلِكَ وَتَقاطِعكُم ، وَمَا ظَهَرَ مِنَ العَدَاوَةِ بَينَكُم ، ثُمَّ سَألتُموُنِي عَنهُ وَبَيَانِهِ لَكُم ، وَفَهِمتُ ذلِكَ كُلَّهُ . اِعلَموُا رَحِمَكُمُ اللّهُ ، أَنَّا نَظَرنَا فِي الآثَارِ وَكَثرَةِ مَا جَاءَت بِهِ الأَخبَارُ ، فَوَجَدنَاهَا عِندَ جَمِيعِ مَن يَنتَحِلُ الإسلامَ مِمَّن يَعقِلُ عَنِ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ ، لا تَخلُو مِن مَعنَييَنِ :

.


1- .الكافي : ج 1 ص 102 ح 8 ، التوحيد : ص 101 ح 12 ، بحار الأنوار : ج 3 ص 303 ح 37.

ص: 22

إِمَّا حَقٌّ فَيُتَّبَعُ ، وَإِمَّا باطِلٌ فَيُجتَنَبُ . وَقَدِ اجتَمَعَتِ الأُمَّةُ قَاطِبَةً لَا اختِلافَ بَينَهُم أَنَّ القُرآنَ حَقٌّ لا رَيبَ فيهِ عِندَ جَمِيعِ أَهلِ الفِرَقِ ، وَفِي حَالِ اجتِماعِهِم مُقِرُّونَ بِتَصدِيقِ الكِتَابِ وَتَحقِيقِهِ ، مُصِيبُونَ ، مُهتَدُونَ ، وَذلِكَ بِقَولِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «لا تَجتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ » . فَأَخبَرَ أَنَّ جَمِيعَ مَا اجتَمَعَت عَلَيهِ الأُمَّةُ كُلُّهَا حَقٌّ ، هَذَا إِذَا لَم يُخالِف بَعضُها بَعضاً . وَالقُرآنُ حَقٌّ لَا اختِلافَ بَينَهُم فِي تَنزِيلِهِ وَتَصدِيقِهِ ، فَإِذَا شَهِدَ القُرآنُ بِتَصدِيقِ خَبَرٍ وَتَحقِيقِهِ ، وَأَنكَرَ الخَبَرَ طَائِفَةٌ مِنَ الأُمَّةِ ، لَزِمَهُمُ الإِقرارُ بِهِ ضَرُورَةً حِينَ اجتَمَعَت في الأَصلِ عَلَى تَصدِيقِ الكِتَابِ ، فَإِن هِيَ جَحَدَت وَأَنكَرَت لَزِمَهَا الخُرُوجُ مِنَ المِلَّةِ . فَأَوَّلُ خَبَرٍ يُعرَفُ تَحقِيقُهُ مِنَ الكِتَابِ وَتَصدِيقُهُ وَالتِمَاسُ شَهَادَتِهِ عَلَيهِ ، خَبَرٌ وَرَدَ عَن رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَوُجِدَ بِمُوافَقَةِ الكِتَابِ وَتَصدِيقِهِ ، بِحَيثُ لا تُخالِفُهُ أَقَاوِيلُهُم ؛ حَيثُ قَالَ : « إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَينِ : كِتابَ اللّهِ ، وَعِترَتي أَهلَ بَيتِي ، لَن تَضِلُّوا مَاتَمَسَّكتُم بِهِمَا ، وَإِنَّهُمَا لَن يَفتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوضَ » . فَلَمَّا وَجَدنَا شَواهِدَ هَذَا الحَدِيثِ فِي كِتَابِ اللّهِ نَصَّاً مِثلَ قَولِهِ جَلَّ وَعَزَّ : « إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَ__لِبُونَ » (1) ، وَرَوَتِ العَامَّةُ فِي ذَلِكَ أَخبَاراً لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ وَهُو رَاكِعٌ ، فَشَكَرَ اللّهُ ذَلِكَ لَهُ وَأَنزَلَ الآيَةَ فِيهِ ، فَوَجَدنَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَد أَتَى بِقَولِهِ : « مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَليٌّ مَولاهُ » ، وَبِقَولِهِ : « أَنتَ مِنِّي بِمَنزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَى ، إِلَا أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدِي » ، وَوَجَدناهُ يَقُولُ : « عَليٌّ يَقضِي دَينِي ، وَ يُنجِزُ مَوعِدِي ، وَهُوَ خَليفَتي عَلَيكُم مِن بَعدِي » . فَالخَبَرُ الأَوَّلُ الَّذِي استُنبِطَت مِنهُ هذِهِ الأَخبَارُ خَبَرٌ صَحِيحٌ مُجمَعٌ عَلَيهِ لَا اختِلافَ فِيهِ عِندَهُم ، وَهُوَ أَيضاً مُوافِقٌ لِلكِتَابِ ؛ فَلَمَّا شَهِدَ الكِتابُ بِتَصدِيقِ الخَبَرِ

.


1- .المائدة : 56 .

ص: 23

وَهذِهِ الشَّوَاهِدُ الأُخَرُ ، لَزِمَ عَلَى الأُمَّةِ الإقرَارُ بِها ضَرُورَةً ، إِذ كانَت هذِهِ الأَخبَارُ شَواهِدُها مِنَ القُرآنِ ناطِقَةٌ ، وَوافَقَتِ القُرآنَ وَالقُرآنُ وَافَقَهَا . ثُمَّ وَرَدَت حَقائِقُ الأَخبارِ مِن رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَنِ الصَّادِقِينَ عليهم السلام ، وَنَقَلَها قَومٌ ثِقاتٌ مَعرُوفُونَ ، فَصَارَ الاقتِدَاءُ بِهَذِهِ الأَخبَارِ فَرضاً وَاجِباً عَلَى كُلِّ مُؤمِنٍ وَمُؤمِنَةٍ لا يَتَعَدَّاهُ إِلَا أَهلُ العِنادِ ، وَذَلِكَ أَنَّ أَقاوِيلَ آلِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مُتَّصِلَةٌ بِقَولِ اللّهِ ، وَذَلِكَ مِثلُ قَولِهِ فِي مُحكَمِ كِتَابِهِ : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِيناً » (1) ، وَوَجَدنا نَظيرَ هَذِهِ الآيَةِ قَولَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «مَن آذَى عَلِيَّاً فَقَد آذَانِي ، وَمَن آذَانِي فَقَد آذَى اللّهَ ، وَمَن آذَى اللّهَ يُوشِكُ أَن يَنتَقِمَ مِنهُ » ، وَكَذلِكَ قَولُهُ صلى الله عليه و آله : «مَن أَحَبَّ عَلِيَّاًفَقَد أَحَبَّنِي ، وَمَن أَحَبَّنِي فَقَد أَحَبَّ اللّهَ » ، وَمِثلُ قَولِهِ صلى الله عليه و آله في بَنِي وَليعَةَ (2) : « لَأَبعَثَنَ إلَيهِم رَجُلاً كَنَفسِي ، يُحِبُّ اللّهَ وَرَسُولَهُ ، وَيُحِبُّهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ، قُم يا عَلِيُّ فَسِر إِلَيهِم » . وَقَولِهِ صلى الله عليه و آله يَومُ خَيبَرَ : «لَأَبعَثَنَّ إِلَيهِم غَدَاً رَجُلَاً يُحِبُّ اللّهَ وَرَسُولَهُ ، وَيُحِبُّهُ اللّهُوَرَسُولُهُ ، كَرَّاراً غَيرَ فَرَّارٍ ، لا يَرجِعُ حَتَّى يَفتَحَ اللّهُ عَلَيهِ » . فَقَضَى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالفَتحِ قَبلَ التَّوجِيهِ ، فَاستَشرَفَ لِكَلامِهِ أَصحَابُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ دَعَا عَلِيَّاً عليه السلام فَبَعَثَهُ إِلَيهِم ، فَاصطَفَاهُ بِهَذِهِ المَنقَبَةِ ، وَسَمَّاهُ كَرَّارَاً غَيرَ فَرَّارٍ ، فَسَمّاهُ اللّهُ مُحِبَّاً للّهِِ وَلِرَسُولِهِ ، فَأَخبَرَ أَنَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُحِبَّانِهِ . وَ إِنَّما قَدَّمَنا هَذَا الشَّرحَ وَالبَيَانَ دَلِيلَاً عَلَى مَا أَرَدنا ، وَقُوَّةً لِمَا نَحنُ مُبَيِّنُوهُ مِن أَمرِ الجَبرِ وَالتَّفوِيضِ وَالمَنزِلَةِ بَينَ المَنزِلَتَينِ ، وَبِاللّهِ العَونُ وَالقُوَّةُ ، وَعَلَيهِ نَتَوَكَّلُ فِي جَمِيع أُمُورِنا ، فَإنَّا نَبدَأ مِن ذَلِكَ بِقَولِ الصَّادِقِ عليه السلام : « لا جَبرَ وَلا تَفوِيضَ ، وَلَكِن مَنزِلَةٌ بَينَ المَنزِلَتَينِ ، وَهَيَ صِحَّةُ الخِلقَةِ ، وَتَخلِيَةُ السَّربِ (3) ، وَالمُهلَةُ في الوَقتِ ، وَالزَّادُ مِثلُ الرَّاحِلَةِ ، وَالسَّبَبُ المُهَيِّجُ لِلفَاعِلِ عَلَى فِعلِهِ » .

.


1- .الأحزاب :57 .
2- .بنو وليعة _ كسفينة _ : حيّ من كندة .
3- .السرب بالفتح : الطريق والصدر . وبالكسر أيضاً : الطريق والقلب . وبالتحريك : الماء السائل .

ص: 24

فَهَذِهِ خَمسَةُ أَشيَاءَ جَمَعَ بِهِ الصَّادِقُ عليه السلام جَوامِعَ الفَضلِ ، فَإِذَا نَقَصَ العَبدُ مِنهَا خَلَّةً ، كَانَ العَمَلُ عَنهُ مَطرُوحاً بِحَسَبِهِ ، فَأَخبَرَ الصَّادِقُ عليه السلام بِأصلِ ما يَجِبُ عَلَى النَّاسِ مِن طَلَبِ مَعرِفَتِهِ وَنَطَقَ الكِتَابُ بِتَصدِيقِهِ ، فَشَهِدَ بِذَلِكَ مُحكَمَاتُ آيَاتِ رَسُولِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه و آله وَآلَهُ عليهم السلام لا يَعِدُونَ شَيئاً مِن قَولِهِ ، وَأَقاوِيلُهُم حُدُودُ القُرآنِ ، فَإذَا وَرَدَت حَقَائِقُ الأَخبَارِ وَالتُمِسَت شَواهِدُها مِنَ التَّنزِيلِ فَوُجِدَ لَهَا مُوَافِقاً وَعَلَيهَا دَلِيلَاً ، كَانَ الاِقتِداءُ بِهَا فَرضاً ، لا يَتَعَدَّاهُ إِلَا أَهلُ العِنادِ ، كَمَا ذَكَرنَا فِي أَوَّلِ الكِتَابِ . وَلَمَّا التَمَسنَا تَحقِيقَ مَا قَالَهُ الصَّادِقُ عليه السلام مِنَ المَنزِلَةِ بَينَ المَنزِلَتَينِ وَإِنكَارِهِ الجَبرَ وَالتَّفوِيضَ ، وَجَدنَا الكِتَابَ قَد شَهِدَ لَهُ وَصَدَّقَ مَقالَتَهُ في هَذا . وَخَبَرٌ عَنهُ أيضاً مُوافِقٌ لِهَذَا ، أَنَّ الصَّادِقَ عليه السلام سُئِلَ هَل أَجبَرَ اللّهُ العِبَادَ عَلَى المَعَاصِيَ ؟ فَقَالَ الصَّادِقُ عليه السلام : هُوَ أَعدَلُ مِن ذَلِكَ ، فَقِيلَ لَهُ فَهَل فَوَّضَ إِلَيهِم ؟ فَقَالَ عليه السلام : هُوَ أَعَزُّ وَأَقهَرُ لَهُم مِن ذَلِكَ . وَرُوِيَ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ : « النَّاسُ فِي القَدَرِ عَلَى ثَلاثَةِ أَوجُهٍ : رَجُلٌ يَزعُمُ أَنَّ الأَمرَمُفَوَّضٌ إِلَيهِ ، فَقَد وَهَّنَ اللّهَ فِي سُلطَانِهِ ، فَهُوَ هَالِكٌ . وَرَجُلٌ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ أَجبَرَ العِبَادَ عَلَى المَعَاصِيَ ، وَكَلَّفَهُم مَا لا يُطِيقُونَ ، فَقَد ظَلَّمَ اللّهَ فِي حُكمِهِ ، فَهُوَ هَالِكٌ . وَرَجُلٌ يَزعُمُ أَنَّ اللّهَ كَلَّفَ العِبَادَ ما يُطيقُونَ وَلَم يُكلِّفهُم ما لا يُطِيقُونَ ، فَإذَا أَحسَنَ حَمِدَ اللّهَ ، وَإِذَا أَسَاءَ استَغفَرَ اللّهَ ، فَهَذَا مُسلِمٌ بالِغٌ ، فَأَخبَرَ عليه السلام أَنَّ مَن تَقَلَّدَ الجَبرَ وَالتَّفوِيضَ وَدَانَ بِهِمَا ، فَهُوَ عَلَى خِلافِ الحَقِّ . فَقَد شَرَحتُ الجَبرَ الَّذِي مَن دَانَ بِهِ يَلزَمُهُ الخَطَأُ ، وَأَنَّ الَّذِي يَتَقَلَّدُ التَّفوِيضَ يَلزَمُهُ البَاطِلُ ، فَصَارَتِ المَنزِلَةُ بَينَ المَنزِلَتَينِ بَينَهُما . ثُمَّ قَالَ عليه السلام : وَأَضرِبُ لِكُلِّ بَابٍ مِن هَذِهِ الأَبوَابِ مَثَلاً ، يُقرِّبُ المَعنَى لِلطَّالِبِ ، وَيُسَهِّلُ لَهُ البَحثَ عَن شَرحِهِ ، تَشهَدُ بِهِ مُحكَمَاتُ آيَاتِ الكِتَابِ ، وَتَحَقَّقَ تَصدِيقُهُ عِندَ ذَوِي الأَلبَابِ ، وَبِاللّهِ التَّوفِيقُ وَالعِصمَةُ . فَأَمَّا الجَبرُ الَّذِي يَلزَمُ مَن دَانَ بِهِ الخَطَأُ ، فَهُوَ قَولُ مَن زَعَمَ أَنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ أَجبَرَ

.

ص: 25

العِبَادَ عَلَى المَعاصِي وَعَاقَبَهُم عَلَيهَا ، وَمَن قَالَ بِهَذَا القَولِ فَقَد ظَلَّمَ اللّهَ فِي حُكمِهِ وَكَذَّبَهُ ، وَرَدَّ عَلَيهِ قَولَهُ : «وَلَا يَظْ_لِمُ رَبُّكَ أَحَدًا » (1) ، وَقَولَهُ : « ذَ لِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَ_لَّ_مٍ لِّلْعَبِيدِ » (2) ، وَقَولَهُ : « إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْ_لِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَ لَ_كِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ » (3) ، مَع آيٍ كَثيرَةٍ فِي ذِكرِ هَذَا . فَمَن زَعَم أنَّهُ مُجبَرٌ عَلَى المَعَاصِي فَقَد أَحَالَ بِذَنبِهِ عَلَى اللّهِ وَقَد ظَلَّمَه فِي عُقُوبَتِهِ ، وَمَن ظَلَّم اللّهَ فَقَد كَذَّبَ كِتَابَهُ ، وَمَن كَذَّبَ كِتابَهُ فَقَد لَزِمَهُ الكُفرُ بِاجتِمَاعِ الأُمَّةِ ، وَمَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ مَلَكَ عَبدَاً مَملُوكاً لا يَملِكُ نَفسَهُ وَلا يَملِكُ عَرَضاً مِن عَرَضِ الدُّنيا ، وَيَعلَمُ مَولاهُ ذَلِكَ مِنهُ ، فَأَمَرَهُ عَلى عِلمٍ مِنهُ بِالمَصِيرِ إلَى السُّوقِ لِحَاجَةٍ يَأَتِيهِ بِهَا ، وَلَم يُمَلِّكهُ ثَمَنَ ما يَأتيهِ بِه مِن حَاجَتِهِ ، وَعَلِمَ المَالِكُ أنَّ عَلَى الحَاجَةِ رَقيباً لا يَطمَعُ أَحَدٌ فِي أَخذِها مِنهُ إِلَا بِمَا يَرضَى بِهِ مِنَ الثَّمَنِ ، وَقَد وَصَفَ مَالِكُ هَذَا العَبدِ نَفسَهُ بِالعَدلِ وَالنَّصِفَةِ وَإِظهَارِ الحِكمَةِ وَنَفيِ الجَورَ ، وَأَوعَدَ عَبدَهُ إن لَم يَأتِهِ بِحَاجَتِهِ أَن يُعاقِبَهُ ، عَلَى عِلمٍ مِنهُ بِالرَّقِيبِ الَّذِي عَلَى حَاجَتِهِ أَنَّه سَيَمنَعُهُ ، وَعَلِمَ أَنَّ المَملُوكَ لا يَملِكُ ثَمَنَها وَلَم يُمَلِّكهُ ذَلِكَ ، فَلَمَّا صَارَ العَبدُ إِلَى السُّوقِ وَجَاءَ لِيَأخُذَ حَاجَتَهُ الَّتي بَعَثَهُ المَولَى لَهَا ، وَجَدَ عَلَيهَا مَانِعاً يَمنَعُ مِنهَا إِلَا بِشِراءٍ ، وَلَيسَ يَملِكُ العَبدُ ثَمَنَها ، فَانصَرَفَ إلَى مَولاهُ خائِباً بِغَيرِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ ، فَاغتَاظَ مَولاهُ مِن ذَلِكَ وَعَاقَبَهُ عَلَيهِ . أ لَيسَ يَجِبُ في عَدلِهِ وحُكمِهِ أَن لا يُعاقِبَهُ ، وَهُوَ يَعلَمُ أَنَّ عَبدَهُ لا يَملِكُ عَرَضاً مِن عُرُوضِ الدُّنيا ، وَلَم يُمَلِّكه ثَمَنَ حَاجَتِهِ ؟ فَإِن عَاقَبَهُ عاقَبَهُ ظَالِماً مُتَعَدِّياً عَلَيهِ ، مُبطِلاً لِمَا وَصَفَ مِن عَدلِهِ وَحِكمَتِهِ وَنِصفَتِهِ ، وَإِن لَم يُعاقِبهُ كَذَّبَ نَفسَهُ في وَعيدِهِ إِيَّاهُ حِينَ أَوعَدَهُ بِالكِذبِ وَالظُّلمِ اللَّذينِ يَنفِيَانِ العَدلَ وَالحِكمَةَ . تَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ

.


1- .الكهف :49 .
2- .الحج :10 .
3- .يونس :44 .

ص: 26

عُلُوَّاً كَبِيرَاً ؛ فَمَن دَانَ بِالجَبرِ أَو بِمَا يَدعُو إِلَى الجَبرِ فَقَد ظَلَّمَ اللّهَ وَنَسَبَهُ إِلَى الجَورِ وَالعُدوَانِ ، إِذ أَوجَبَ عَلَى مَن أَجبَرَهُ العُقُوبَةَ . وَمَن زَعَمَ أَنَّ اللّهَ أَجبَرَ العِبَادَ ، فَقَد أَوجَبَ عَلَى قِياسِ قَولِهِ إِنَّ اللّهَ يَدفَعُ عَنهُمُ العُقُوبَةَ ، وَمَن زَعَمَ أَنَّ اللّهَ يَدفَعُ عَن أَهلِ المَعَاصِي العَذَابَ ، فَقَد كَذَّبَ اللّهَ فِي وَعِيدِهِ حَيثُ يَقُولُ : « بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحَ_طَتْ بِهِ خَطِي_ئتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحَ_بُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَ__لِدُونَ » (1) ، وَقَولَهُ : « إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَ لَ الْيَتَ_مَى ظُ_لْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًاوَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) (2) ، وَقَولَهُ : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِ_ئايَ_تِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَ_هُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً » (3) ، مَعَ آيٍ كَثيرةٍ فِي هَذَا الفَنِّ ، مِمَّن كَذَّبَ وَعيدَ اللّهِ وَيَلزَمُهُ في تَكذِيبِهِ آيَةً مِن كِتَابِ اللّهِ الكُفرُ ، وَهُوَ مِمَّن قَالَ اللّهُ : «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَ_بِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذَ لِكَ مِنكُمْ إِلَا خِزْىٌ فِى الْحَيَوةِ لدُّنْيَا وَ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَ مَا اللَّهُ بِغَ_فِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ » (4) . بَل نَقُولُ : « إِنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ جَازَى العِبَادَ عَلَى أَعمَالِهِم وَيُعَاقِبُهُم عَلَى أَفعَالِهِم بِالاِستِطَاعَةِ الَّتِي مَلَّكَهُم إِيَّاهَا ، فَأَمَرَهُم وَنَهَاهُم بِذَلِكَ ، وَنَطَقَ كِتَابُهُ : « مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْ_لَمُونَ » (5) ، وَقالَ جَلَّ ذِكرُهُ : « يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ » (6) ، وَقالَ : « الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسِ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُ_لْمَ الْيَوْمَ» (7) ، فَهَذِهِ آيَاتٌ مُحكَمَاتٌ تَنفِي الجَبرَ وَمَن دَانَ بِهِ ، وَمِثلُها فِي القُرآنِ كَثِيرٌ ، اختَصَرنَا ذَلِكَ لِئَلَا يَطُولَ الكِتَابُ ، وَبِاللّهِ التَّوفِيقُ .

.


1- .البقرة :81 .
2- .النساء :10 .
3- .النساء :56 .
4- .البقرة :85 .
5- .الأنعام : 160 .
6- .آل عمران : 30 .
7- .غافر :17 .

ص: 27

وَأَمَّا التَّفوِيضُ الَّذِي أَبطَلَهُ الصَّادِقُ عليه السلام وَأَخطَأ مَن دَانَ بِهِ وَتَقَلَّدَهُ ، فَهُوَ قَولُ القَائِلِ : إِنَّ اللّهَ جَلَّ ذِكرُهُ فَوَّضَ إِلَى العِبادِ اختِيارَ أَمرِهِ وَنَهيِهِ وَأَهمَلَهُم ، وَفِي هذَا كَلامٌ دَقِيقٌ لِمَن يَذهَبُ إلَى تَحرِيرِه وَدِقَّتِهِ ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَتِ الأَئِمَّةُ المُهتَدِيَةُ مِن عِترَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله ، فَإِنَّهُم قَالُوا : لَو فَوَّضَ إِلَيهِم عَلَى جَهَةِ الإِهمَالِ لَكَانَ لازِماً لَهُ رِضاً مَا اختَارُوهُ وَاستَوجَبُوا مِنهُ الثَّوَابَ وَلَم يَكُن عَلَيهِم فِيمَا جَنَوهُ العِقَابُ إِذَا كَانَ الإهمَالُ وَاقِعاً . وَتَنصَرِفُ هَذِهِ المَقالَةُ عَلَى مَعنَييَنِ : إِمَّا أَن يَكُونَ العِبَادُ تَظَاهَروُا عَلَيهِ فَأَلزَمُوهُ قَبُولَ اختِيَارِهِم بِآرَائِهِم ضَروُرَةً كَرِهَ ذَلِكَ أم أَحَبَّ فَقَد لَزِمَهُ الوَهنُ ، أَو يَكُونَ جَلَّ وَعَزَّ عَجَزَ عَن تَعَبُّدِهِم بِالأَمرِ وَالنَّهي عَلَى إِرَادَتِهِ كَرِهُوا أَو أَحَبُّوا ، فَفَوَّضَ أَمرَهُ وَنَهيَهُ إلَيهِم وَأَجرَاهُمَا عَلَى مَحَبَّتِهِم ، إِذ عَجَزَ عَن تَعَبُّدِهِم بِإِرادَتِهِ ، فَجَعَلَ الاختِيارَ إِلَيهِم فِي الكُفرِ وَالإِيمَانِ . وَمَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ مَلَكَ عَبدَاً ابتَاعَهُ لِيَخدِمَهُ وَيَعرِفَ لَهُ فَضلَ وِلايَتِهِ وَيَقِفَ عِندَ أَمرِهِ وَنَهيِهِ ، وَادَّعَى مالِكُ العَبدِ أَنَّهُ قَاهِرٌ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، فَأَمَرَ عَبدَهُ وَنَهَاهُ ، وَوَعَدَهُ عَلَى اتِّباعِ أَمرِهِ عَظِيمَ الثَّوَابِ ، وَأَوعَدَهُ عَلَى مَعصِيَتِهِ أَليمَ العِقَابِ ، فَخَالَفَ العَبدُ إِرَادَةَ مَالِكِهِ ، وَلَم يَقِف عِندَ أَمرِهِ وَنَهيِهِ ، فَأيُّ أَمرٍ أمَرَهُ أَو أيُّ نَهيٍّ نَهَاهُ عَنهُ لَم يَأتِهِ عَلَى إِرَادَةِ المَولَى ، بَل كَانَ العَبدُ يَتَّبِعُ إِرَادَةَ نَفسِهِ وَاتِّبَاعَ هَواهُ ، وَلا يُطِيقَ المَولَى أَن يَرُدَّهُ إِلَى اتِّبَاعِ أَمرِهِ وَنَهيِهِ وَالوُقُوفِ عَلَى إِرَادَتِهِ ، فَفَوَّضَ اختِيارَ أَمرِهِ وَنَهيِهِ إِلَيهِ ، وَرَضِيَ مِنهُ بِكُلِّ مَا فَعلَهُ عَلَى إِرَادَةِ العَبدِ لا عَلَى إِرَادَةِ المَالِكِ ، وَبَعَثَهُ فِي بَعضِ حَوَائِجِهِ ، وَسَمَّى لَهُ الحَاجَةَ ، فَخَالَفَ عَلَى مَولاهُ ، وَقَصَدَ لِاءرادَةِ نَفسِهِ وَاتَّبَعَ هَواهُ ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَولاهُ نَظَرَ إلَى ما أَتَاهُ بِهِ ، فَإِذَا هُوَ خِلافُ مَا أَمَرَهُ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ : لِمَ أَتَيتَنِي بِخِلافِ ما أمَرتُكَ ؟ فَقَالَ العَبدُ : اتَّكَلتُ عَلَى تَفوِيضِكَ الأَمرَ إِلَيَّ ، فَاتَّبَعتُ هَوَايَ وَإِرَادَتي ؛ لِأَنَّ المُفَوَّضَ إِلَيهِ غَيرُ مَحَظُورٍ عَلَيهِ ، فَاستَحَالَ التَّفوِيضُ . أَوَ لَيسَ يَجِبُ عَلَى هَذَا السَّبَبِ إِمَّا أَن يَكُونَ المَالِكُ لِلعَبدِ قَادِرَاً ، يَأمرُ عَبدَهُ بِاتِّبَاعِ أَمرِهِ وَنَهيِهِ عَلَى إِرَادَتِهِ لا عَلَى إِرادَةِ العَبدِ ، وَيُمَلِّكَهُ مِنَ الطَّاقَةِ بِقَدرِ مَا يَأمُرُهُ بِهِ

.

ص: 28

وَيَنهَاهُ عَنهُ ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِأَمرٍ وَنَهاهُ عَن نَهيٍ ، عَرَّفَهُ الثَّوَابَ وَالعِقَابَ عَلَيهِمَا ، وَحذَّرَهُ وَرَغَّبَهُ بِصِفَةِ ثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ ؛ لِيَعرِفَ العَبدُ قُدرَةَ مَولاهُ بِمَا مَلَّكَهُ مِنَ الطَّاقَةِ لِأَمرِهِ وَنَهيِهِ ، وَتَرغيبِهِ وَتَرهيبِهِ ، فَيَكُونَ عَدلُهُ وَإِنصَافُهُ شَامِلاً لَهُ ، وَحُجَّتُهُ وَاضِحَةً عَلَيهِ لِلإعذارِ وَ الإِنذَارِ . فَإذَا اتَّبَعَ العَبدُ أَمرَ مَولاهُ جَازَاهُ ، وَإِذَا لَم يَزدَجِر عَن نَهيِهِ عَاقَبَهُ . أَو يَكُونُ عَاجِزَاً غَيرَ قَادِرٍ ، فَفَوَّضَ أَمرَهُ إِلَيهِ أَحسَنَ أَم أَسَاءَ ، أَطَاعَ أَم عَصَى ، عَاجِزٌ عَن عُقُوبَتِهِ وَرَدِّهِ إِلَى اتِّبَاعِ أَمرِهِ . وَفِي إِثباتِ العَجزِ نَفيُ القُدرَةِ وَالتَّأَلُّهِ ، وَإِبطالُ الأَمرِ وَالنَّهيِ ، وَالثَّوابِ وَالعِقَابِ ، وَمُخالَفَةُ الكِتَابِ إذ يَقُولُ : «وَ لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَ إِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ» (1) ، وَقَولُهُ عز و جل : «اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ » (2) ، وقَولُهُ : «وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْاءِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ * مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَ مَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ » (3) ، وَقَولُهُ : «اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً» (4) ، وَقَولُهُ : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ » (5) . فَمَن زَعَمَ أَنَّ اللّهَ تَعَالَى فَوَّضَ أَمرَهُ وَنَهيَهُ إِلَى عِبَادِهِ ، فَقَد أَثبَتَ عَلَيهِ العَجزَ ، وَأَوجَبَ عَلَيهِ قَبُولَ كُلِّ ما عَمِلوُا مِن خَيرٍ وَشَرٍّ ، وَأَبطَلَ أَمرَ اللّهِ وَنَهيَهُ ، وَوَعدَهُ وَوَعيدَهُ ، لِعِلَّةِ مَا زَعَمَ أَنَّ اللّهَ فَوَّضَهَا إِلَيهِ ؛ لِأَنَّ المُفَوَّضَ إِلَيهِ يَعمَلُ بِمَشيئَتِهِ ، فَإِن شَاءَ الكُفرَ أَوِ الإِيمَانَ كَانَ غَيرَ مَردُودٍ عَلَيهِ وَلا مَحظُورٍ ، فَمَن دَانَ بِالتَّفوِيضِ عَلَى هَذَا المَعنَى فَقَد أَبطَلَ جَميعَ مَا ذَكَرنَا مِن وَعدِهِ وَوَعيدِهِ ، وَأَمرِهِ وَنَهيِهِ ، وَهُوَ مِن أَهلِ هَذِهِ الآيَةِ : «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَ_بِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذَ لِكَ مِنكُمْ إِلَا خِزْىٌ فِى الْحَيَوةِ لدُّنْيَا وَ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَ مَا اللَّهُ بِغَ_فِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ » (6) ، تَعَالَى اللّهُ

.


1- .البقرة :85 .
2- .الزمر :7 .
3- .آل عمران :102 .
4- .الذاريات :56 و 57 .
5- .النساء :36 .
6- .الأنفال :20 .

ص: 29

عَمَّا يَدِينُ بِهِ أَهلُ التَّفوِيضِ عُلُوَّاً كَبِيرَاً . لَكِن نَقُولُ : إِنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ خَلَقَ الخَلقَ بِقُدرَتِهِ ، وَمَلَّكَهُم اِستِطَاعَةً تَعَبَّدَهُم بِهَا ، فَأَمَرَهُم وَنَهَاهُم بِمَا أَرَادَ ، فَقَبِلَ مِنهُمُ اتِّباعَ أَمرِهِ ، وَرَضِيَ بِذَلِكَ لَهُم ، وَنَهَاهُم عَن مَعصِيَتِهِ ، وَذَمَّ مَن عَصَاهُ وَعَاقَبَهُ عَلَيهَا ، وَللّهِِ الخِيَرَةُ فِي الأَمرِ وَالنَّهيِ ، يَختارُ مَا يُريدُ وَيَأمُرُ بِهِ ، وَيَنهَى عَمَّا يَكرَهُ وَيُعَاقِبُ عَلَيهِ ، بِالاِستِطَاعَةِ الَّتِي مَلَّكَها عِبادَهُ لِاتِّباعِ أَمرِهِ ، وَ اجتِنابِ مَعَاصِيهِ ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ العَدلِ وَالنَّصَفَةِ وَالحِكمَةِ البَالِغَةِ ؛ بَالَغَ الحُجَّةَ بِالإِعذَارِ وَالإِنذَارِ ، وَإلَيهِ الصَّفوَةُ ، يَصطَفِي مِن عِبَادِهِ مَن يَشَاءُ لِتَبلِيغِ رِسَالَتِهِ وَاحتِجَاجِهِ عَلَى عِبَادِهِ ، اصطَفَى مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله وَبَعَثَهُ بِرِسَالاتِهِ إِلَى خَلقِهِ ، فَقَالَ مَن قَالَ مِن كُفَّارِ قَومِهِ حَسَدَاً وَاستِكبَارَاً : «لَوْلَا نُزِّلَ هَ_ذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ » (1) ، يَعنِي بِذَلِكَ أُمَيَّةَ بنَ أَبِي الصَّلتِ ، وَأَبَا مَسعُودٍ الثَّقَفِيَّ 2 ، فَأَبطَلَ اللّهُ اختِيارَهُم ، وَلَم

.


1- .الزخرف :31 .

ص: 30

. .

ص: 31

يُجِز لَهُم آراءَهُم ، حَيثُ يَقُولُ : «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَ_تٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ » (1) ، وَ لِذلِكَ اختَارَ مِنَ الأُمُورِ مَا أَحَبَّ ، وَنَهَى عَمَّا كَرِهَ ، فَمَن أَطَاعَهُ أَثَابَهُ ، وَمَن عَصَاهُ عَاقَبَهُ ، وَلَو فَوَّضَ اختِيارَ أَمرِهِ إِلَى عِبَادِهِ لَأَجَازَ لِقُرَيشٍ اختِيارَ اُمَيَّةَ بنِ أَبِي الصَّلتِ وَأَبِي مَسعُودٍ الثَّقَفيِّ ، إِذ كَانَا عِندَهُم أَفضَلَ مِن مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله . فَلَمَّا أَدَّبَ اللّهُ المُؤمِنينَ بِقَولِهِ : «وَ مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» (2) فَلَم يُجِز لَهُمُ الاِختِيارَ بِأَهوَائِهِم ، وَلَم يَقبَل مِنهُم إِلَا اتِّبَاعَ أَمرِهِ وَاجتِنَابَ نَهيِهِ عَلَى يَدَي مَنِ اصطَفَاهُ ، فَمَن أَطَاعَهُ رَشَدَ ، وَمَن عَصَاهُ ضَلَّ وَغَوَى ، وَلَزِمَتهُ الحُجَّةُ بِمَا مَلَّكَهُ مِنَ الاِستِطَاعَةِ لِاتِّبَاعِ أَمرِهِ وَاجتِنَابِ نَهيِهِ ، فَمَن أَجلِ ذَلِكَ حَرَمَهُ ثَوَابَهُ وَأَنزَلَ بِهِ عِقَابَهُ . وَهَذَا القَولُ بَينَ القَولَينِ لَيسَ بِجَبرٍ وَلا تَفويضٍ ، وَبِذَلِكَ أَخبَرَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ عَبَايَةَ بنَ رَبعِيِّ الأَسَدِيِّ (3) ، حِينَ سَأَلَهُ عنِ الاِستِطَاعَةِ الَّتِي بِهَا يَقُومُ وَيَقعُدُ وَيَفعَلُ ، فَقالَ لَهُ أَميرُ المُؤمِنِينَ عليه السلام : سَأَلتَ عَنِ الاِستِطَاعَةِ تَملِكُهَا مِن دُونِ اللّهِ أَو مَعَ اللّهِ ؟ فَسَكَتَ عَبَايَةُ ، فَقَالَ لَهُ أَميرُ المُؤمِنِينَ عليه السلام : قُل يا عَبَايَةُ ، قَالَ : وَمَا أَقُولُ؟ قَالَ عليه السلام : إِن قُلتَ : إِنَّكَ تَملِكُها مَعَ اللّهِ قَتَلتُكَ ، وَإِن قُلتَ : تَملِكُها دُونَ اللّهِ قَتَلتُكَ . قَالَ عَبَايَةُ : فَمَا أقُولُ يا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ ؟ قَالَ عليه السلام : تَقُولُ إِنَّكَ تَملِكُها بِاللّهِ الَّذِي يَملِكُها مِن دُونِكَ ، فَإن يُمَلِّكهَا إِيَّاكَ كَانَ ذَلِكَ مِن عَطَائِهِ ، وَإِن يَسلُبكَهَا كَانَ ذَلِكَ مِن بَلائِهِ ، هُوَ

.


1- .الزخرف :32 .
2- .الأحزاب :36 .
3- .هو عباية بن عمرو بن ربعيّ الأسدي ، من أصحاب أمير المؤمنين والحسن بن عليّ عليهماالسلام ، بل من خواصّهما ومعتمد عليه ( راجع : رجال الطوسي : ص71 الرقم 656 و ص95 الرقم 939 ، قاموس الرجال : ج9 ص507 ) .

ص: 32

المَالِكَ لِمَا مَلَّكَكَ ، وَالقَادِرُ عَلَى مَا عَلَيهِ أَقدَرَكَ ، أَ مَا سَمِعتَ النَّاسَ يَسأَلُونَ الحَولَ وَالقُوَّةَ حِينَ يَقُولُونَ : لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ . قَالَ عَبَايَةُ : وَمَا تَأوِيلُها يا أَميرَ المُؤمِنِينَ ؟ قَالَ عليه السلام : لا حَولَ عَن مَعَاصِي اللّهِ إِلَا بِعِصمَةِ اللّهِ ، وَلا قُوَّةَ لَنَا عَلَى طَاعَةِ اللّهِ إِلّا بِعَونِ اللّهِ ، قَالَ : فَوَثَبَ عَبَايَةُ فَقَبَّلَ يَدَيهِ وَرِجلَيهِ . وَرُوِيَ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عليه السلام : حِينَ أَتَاهُ نَجدَةُ يَسأَلُهُ عَن مَعرِفَةِ اللّهِ ، قَالَ : يا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ ، بِمَاذَا عَرَفتَ رَبَّكَ ؟ قَالَ عليه السلام : بِالتَّمييزِ الَّذِي خَوَّلَنِي ، وَالعَقلِ الَّذِي دَلَّنِي ، قَالَ : أَفَمَجبُولٌ أَنتَ عَلَيهِ ؟ قَالَ : لَو كُنتُ مَجبُولاً ما كُنتُ مَحمُودَاً عَلَى إِحسَانٍ ، وَلا مَذمُوماً عَلَى إِسَاءَةٍ ، وَكَانَ المُحسِنُ أَولَى بِاللَائِمَةِ مِنَ المُسِيءِ ، فَعَلِمتُ أَنَّ اللّهَ قائِمٌ باقٍ وَما دُونَهُ حَدَثٌ حَائِلٌ زَائِلٌ ، وَلَيسَ القَدِيمُ البَاقِي كَالحَدَثِ الزَّائِلِ . قَالَ نَجدَةُ : أَجِدُكَ أَصبَحتَ حَكِيماً يا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ ، قَالَ : أَصبَحتُ مُخَيَّراً ؛ فَإِن أَتَيتُ السَّيِّئَةَ بِمَكَانِ الحَسَنَةِ فَأَنَا المُعَاقَبُ عَلَيهَا . وَرُوِيَ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ بَعدَ انصِرافِهِ مِنَ الشَّامِ ، فَقَالَ : يا أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ، أَخبِرنَا عَن خُرُوجِنَا إِلَى الشَّامِ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ؟ قَالَ عليه السلام : نَعَم يا شَيخُ ؛ ما عَلَوتُم تَلعَةً (1) وَلا هَبَطتُم وَادِياً ، إِلّا بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ مِنَ اللّهِ ، فَقَالَ الشَّيخُ : عِندَ اللّهِ أَحتَسِبُ عَنَائِي يا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ؟ فَقَالَ عليه السلام : مَه يا شَيخُ ، فَإِنَّ اللّهَ قَد عَظَّمَ أَجرَكُم فِي مَسِيرِكُم وَأَنتُم سائِرُونَ ، وَفِي مَقامِكُم وَأَنتُم مُقِيمُونَ ، وَفِي انصِرافِكُم وَأَنتُم مُنصَرِفُونَ ، وَلَم تَكُونُوا في شَيءٍ مِن أُمُورِكُم مُكرَهِينَ ، وَلا إِلَيهِ مُضطَرِّينَ ، لَعلَّكَ ظَنَنتَ أَنَّه قَضاءٌ حَتمٌ وَقَدَرٌ لازِمٌ ، لَو كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ الثَّوَابُ وَالعِقَابُ ، وَلَسَقَطَ الوَعدُ وَالوَعِيدُ ، وَلَمَا أُلزِمَتِ الأَشيَاءُ أَهلَهُا عَلَى الحَقَائِقِ ؛ ذَلِكَ مَقَالَةُ عَبَدَةِ الأَوثَانِ وَأَولِيَاءِ الشَّيطَانِ ، إِنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ أَمَرَ

.


1- .التلعة : ما علا من الأرض .

ص: 33

تَخيِيراً ، وَنَهَى تَحذِيرَاً ، وَلَم يُطَع مُكرَهاً ، وَلم يُعصَ مَغلُوباً ، وَلَم يَخلُقِ السَّماوَاتِ وَالأَرضَ وَما بَينَهُمَا باطِلاً ، ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ، فَوَيلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ . فَقَامَ الشَّيخُ فَقَبَّلَ رَأسَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عليه السلام وَأَنشَأَ يَقُولُ : أَنتَ الإِمَامُ الَّذِي نَرجُو بِطَاعَتِهِ يَومَ النَّجَاةِ مِنَ الرَّحمنِ غُفرَاناً أَوضَحتَ مِن دِينِنَا ما كَانَ مُلتَبِساً جَزَاكَ رَبُّكَ عَنَّا فِيهِ رِضوَاناً فَلَيسَ مَعذِرَةٌ فِي فِعلِ فَاحِشَةٍ قَد كُنتُ رَاكِبَها ظُلماً وَعِصياناً فَقَد دَلَّ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عليه السلام عَلَى مُوافَقَةِ الكِتَابِ ، وَنَفي الجَبرِ وَالتَّفويضِ اللَّذَينِ يَلزَمَانِ مَن دَانَ بِهِمَا وَتَقَلَّدَهُمَا البَاطِلَ وَالكُفرَ وَتَكذِيبَ الكِتَابِ ، وَنَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الضَّلالَةِ وَالكُفرِ ، وَلَسنَا نَدِينُ بِجَبرٍ وَلا تَفوِيضٍ ، لَكِنَّا نَقُولُ بِمَنزِلَةٍ بَينَ المَنزِلَتَينِ ، وَهُوَ الامتِحَانُ وَالاختِبَارُ بِالاِستِطَاعَةِ الَّتِي مَلَّكَنَا اللّهُ وَتَعَبَّدَنَا بِهَا ، عَلَى ما شَهِدَ بِهِ الكِتَابُ ، وَدَانَ بِهِ الأَئِمَّةُ الأَبرَارُ مِن آلِ الرَّسُولِ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِم . وَمَثَلُ الاِختِبَارِ بِالاِستِطَاعَةِ مَثَلُ رَجُلٍ مَلَكَ عَبدَاً وَمَلَكَ مالَاً كَثيرَاً ، أَحَبَّ أَن يَختَبِرَ عَبدَهُ عَلَى عِلمٍ مِنهُ بِمَا يَؤُولُ إِلَيهِ ، فَمَلَّكَهُ مِن مالِهِ بَعضَ ما أَحَبَّ ، وَوَقَفَهُ عَلَى أُمُورٍ عَرَّفَهَا العَبدَ ، فَأَمَرَهُ أَن يَصرِفَ ذَلِكَ المَالَ فِيهَا ، وَنَهاهُ عَن أَسبابٍ لَم يُحِبُّها ، وَتَقَدَّم إِلَيهِ أَن يَجتَنِبَهَا ، وَلا يُنفِقَ مِن مَالِهِ فِيهَا ، وَالمَالُ يُتَصرَّفُ فِي أَيِّ الوَجهَينِ ، فَصَرَفَ المَالَ أَحَدُهُمَا فِي اِتِّبَاعِ أَمرِ المَولَى وَرِضَاهُ ، وَالآخَرُ صَرَفَهُ فِى¨ اتِّبَاعِ نَهيِهِ وَسَخَطِهِ ، وَأَسكَنَهُ دَارَ اختِبَارٍ أَعلَمَهُ أَنَّهُ غَيرُ دَائِمٍ لَهُ السُّكنَى فِي الدَّارِ ، وَأَنَّ لَهُ دَارَاً غَيرَهَا وَهُوَ مُخرِجُهُ إلَيهَا ، فِيهَا ثَوَابٌ وعِقَابٌ دَائِمانِ ، فَإِن أَنفَذَ العَبدُ المَالَ الَّذِى¨ مَلَّكَهُ مَولاهُ فِي الوَجهِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ ، جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ الثَّوابَ الدَّائِمَ فِي تِلكَ الدَّارِ الَّتِي أَعلَمَهُ أَنَّهُ مُخرِجُهُ إِلَيهَا ، وَإِن أَنفَقَ المَالَ فِي الوَجهِ الَّذِي نَهَاهُ عَن إِنفاقِهِ فِيهِ ، جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ العِقَابَ الدَّائِمَ في دَارِ الخُلُودِ ، وَقَد حَدَّ المَولَى فِي ذَلِكَ حَدَّاً مَعرُوفاً ، وَهُوَ المَسكَنُ الَّذِي أَسكَنَهُ فِي الدَّارِ الأُولَى ، فَإِذا بَلَغَ الحَدَّ استَبدَلَ المَولَى بِالمَالِ وَبالعَبدِ ، عَلَى أَنَّهُ لَم يَزَل مالِكاً لِلمَالِ وَالعَبدِ فِي الأَوقَاتِ كُلِّها ، إِلَا أَنَّهُ وَعَدَ أَن لا يَسلُبُهُ ذلِكَ المَالَ ما كَانَ فِي تِلكَ الدَّارِ الأُولَى إِلَى أَن يَستَتِمَّ سُكنَاهُ فِيهَا ، فَوَفَى لَهُ ؛

.

ص: 34

تَفسِيرُ صِحَّةِ الخِلقَةِ

لاِنَّ مِن صِفَاتِ المَولَى العَدلَ وَالوَفَاءَ وَالنَّصَفَةَ وَالحِكمَةَ ، أَوَ لَيسَ يَجِبُ إِن كَانَ ذَلِكَ العَبدُ صَرَفَ ذَلِكَ المَالَ فِي الوَجهِ المَأمُورِ بِهِ أن يَفِيَ لَهُ بِمَا وَعَدَهُ مِنَ الثَّوَابِ ، وَتَفَضَّلَ عَلَيهِ بِأَنِ استَعمَلَهُ فِي دَارٍ فَانِيَةٍ وَأثابَهُ عَلَى طَاعَتِهِ فِيهَا نَعِيماً دَائِماً فِي دَارٍ بَاقِيَةٍ دَائِمَةٍ . وَإن صَرَفَ العَبدُ المَالُ الَّذِي مَلَّكَهُ مَولاهُ أَيَّامَ سُكنَاهُ تِلكَ الدَّارَ الأُولَى فِي الوَجهِ المَنهِيِّ عَنهُ ، وَخالَفَ أَمرَ مَولاهُ كَذلِكَ تَجِبُ عَلَيهِ العُقُوبَةُ الدَّائِمَةُ الَّتِي حَذَّرَهُ إِيَّاهَا ، غَيرَ ظَالِمٍ لَهُ لِما تَقَدَّمَ إِلَيهِ وَأَعلَمَهُ وَعَرَّفَهُ وَأَوجَبَ لَهُ الوَفَاءَ بِوَعدِهِ وَوَعِيدِهِ ، بِذَلِكَ يُوصَفُ القَادِرُ القَاهِرُ . وَأَمَّا المَولَى فَهُوَ اللّهُ جَلَّ وَعَزَّ ، وَأَمَّا العَبدُ فَهُوَ ابنُ آدَمَ المَخلُوقُ ، وَالمَالُ قُدرَةُ اللّهِ الوَاسِعَةُ ، وَمِحنَتُهُ إِظهَارُهُ الحِكمَةَ وَالقُدرَةَ ، وَالدَّارُ الفَانِيَةُ هِيَ الدُّنيَا ، وَبَعضُ المَالِ الَّذِي مَلَّكَهُ مَولاهُ هُوَ الاِستِطَاعَةُ الَّتِي مَلَّكَ ابنَ آدَمَ ، وَالأُمُورُ الَّتِي أَمَرَ اللّهُ بِصَرفِ المَالِ إِلَيهَا هُوَ الاِستِطَاعَةُ لِاتِّباعِ الأَنبِياءِ ، وَالإِقرارِ بِمَا أَورَدُوهُ عَنِ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ ، وَاجتِنابُ الأَسبَابِ الَّتي نَهَى عَنهَا هِيَ طُرُقُ إِبليسَ ، وَأَمَّا وَعدُهُ فَالنَّعيمُ الدَّائِمُ وَهِيَ الجَنَّةُ ، وَأَمَّا الدَّارُ الفَانِيَةُ فَهِيَ الدُّنيا ، وَأَمَّا الدَّارُ الأُخرَى فَهِيَ الدَّارُ البَاقِيَةُ وَهِيَ الآخِرَةُ ، وَالقَولُ بَينَ الجَبرِ وَالتَّفوِيضِ هُوَ الاِختِبَارُ وَالاِمتِحَانُ وَالبَلوَى بِالاِستِطَاعَةِ الَّتِي مَلَّكَ العَبدَ . وَشَرحُهَا فِي الخَمسَةِ الأَمثَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا الصَّادِقُ عليه السلام أَنَّها جَمَعَت جَوَامِعَ الفَضلِ ، وَأَنَا مُفَسِّرُهَا بِشَوَاهِدَ مِنَ القُرآنِ وَالبَيَانِ إِن شَاءَ اللّهُ .

تَفسِيرُ صِحَّةِ الخِلقَةِأَمَّا قَولُ الصَّادِقِ عليه السلام : فَإِنَّ مَعنَاهُ كَمَالُ الخَلقِ لِلإِنسَانِ ، وَكَمَالُ الحَوَاسِّ ، وَثَباتُ العَقلِ وَالتَّميِيزِ ، وَإِطلاقُ اللِّسَانِ بِالنُّطقِ ؛ وَذلِكَ قَولُ اللّهِ : «وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ وَحَمَلْنَ_هُمْ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَ_هُم مِّنَ الطَّيِّبَ_تِ وَ فَضَّلْنَ_هُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً » (1) . فَقَد أَخبَرَ عز و جل عَن تَفضِيلِهِ بَنِي آدَمَ عَلَى سَائِرِ خَلقِهِ مِنَ البَهَائِمِ وَالسِّبَاعِ وَدَوابِّ

.


1- .الإسراء :70 .

ص: 35

البَحرِ وَالطَّيرِ ، وَكُلِّ ذِي حَرَكَةٍ تُدرِكُهُ حَوَاسُّ بَنِي آدَمَ بِتَميِيزِ العَقلِ وَالنُّطقِ ؛ وَذَلِكَ قَولُهُ : «لَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَ_نَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ » (1) ، وَ قَولُهُ : « يَ_أَيُّهَا الْاءِنسَ_نُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ » (2) ، وَ قَولُهُ : « يَ_أَيُّهَا الْاءِنسَ_نُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّكَ فَعَدَلَكَ * فِى أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ » (3) ، وَفِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ . فَأَوَّلُ نِعمَةِ اللّهِ عَلَى الإِنسانِ صِحَّةُ عَقلِهِ ، وَتَفضيلُهُ عَلَى كَثيرٍ مِن خَلقِهِ بِكَمَالِ العَقلِ وَتَميِيزِ البَيانِ ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ ذِي حَرَكَةٍ عَلَى بَسِيطِ الأَرضِ هُوَ قَائِمٌ بِنَفسِهِ بِحَوَاسِّهِ ، مُستَكمِلٌ فِي ذَاتِهِ ، فَفَضَّلَ بَنِي آدَمَ بِالنُّطقِ الَّذِي لَيسَ فِي غَيرِهِ مِنَ الخَلقِ المُدرِكِ بِالحَوَاسِّ ، فَمِن أَجلِ النُّطقِ مَلَّكَ اللّهُ ابنَ آدَمَ غَيرَهُ مِنَ الخَلقِ ، حَتَّى صَارَ آمِرَاً نَاهِياً وَغَيرُهُ مُسَخَّرٌ لَهُ ، كَمَا قَالَ اللّهُ : «كَذَ لِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَكُمْ» (4) ، وَقَالَ : «وَ هُوَ الَّذِى سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا» (5) ، وَقَالَ : «وَ الْأَنْعَ_مَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْ ءٌ وَ مَنَ_فِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَ لَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ * وَ تَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَ__لِغِيهِ إِلَا بِشِقِّ الْأَنفُسِ» (6) . فَمِن أَجلِ ذَلِكَ دَعَا اللّهُ الإِنسَانَ إِلَى اتِّباعِ أَمرِهِ وَإِلَى طَاعَتِهِ ، بِتَفضِيلِهِ إِيَّاهُ بِاستِوَاءِ الخَلقِ ، وَكَمَالِ النُّطقِ ، وَالمَعرِفَةِ بَعدَ أَن مَلَّكَهُمُ استِطَاعَةَ مَا كَانَ تَعَبَّدَهُم بِهِ بِقَولِهِ : «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ اسْمَعُوا وَ أَطِيعُوا» (7) ، وَقَولِهِ : «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَا وُسْعَهَا» (8) ، وَقَولِهِ : «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَا مَآ ءاتاها» (9) ، وَفِي آيَاتٍ كَثيرَةٍ .

.


1- .التين :4 .
2- .. التين :4 .
3- .الانفطار : 6 _ 8 .
4- .. الحج :37 .
5- .النحل : 14 .
6- .النحل : 5 _ 7 .
7- .التغابن :16 .
8- .البقرة :286 .
9- .الطلاق :7 .

ص: 36

فَإذَا سَلَبَ مِنَ العَبدِ حَاسَّةً مِن حَوَاسِّهِ رَفَعَ العَمَلَ عَنهُ بِحَاسَّتِهِ ، كَقَولِهِ : «لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ» (1) الآية ، فَقَد رَفَعَ عَن كُلِّ مَن كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الجِهَادَ ، وَجَمِيعَ الأَعمَالِ الَّتِي لا يَقُومُ بِهَا . وَكَذلِكَ أَوجَبَ عَلَى ذِي اليَسَارِ الحَجَّ وَالزَّكَاةَ لِما مَلَّكَهُ مِنِ استِطَاعَةِ ذَلِكَ ، وَلَم يُوجِب عَلَى الفَقِيرِ الزَّكَاةَ وَالحَجَّ ؛ قَولُهُ : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» (2) ، وَقَولُهُ فِي الظِّهَارِ : «وَ الَّذِينَ يُظَ_هِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ _ إلى قوله _ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً» (3) . كُلُّ ذلِكَ دَليلٌ عَلَى أَنَّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَم يُكَلِّف عِبَادَهُ إِلَا مَا مَلَّكَهُمُ استِطَاعَتَهُ بِقُوَّةِ العَمَلِ بِهِ وَنَهَاهُم عَن مِثلِ ذَلِكَ ، فَهَذِهِ صِحَّةُ الخِلقَةِ . وَأَمَّا قَولُهُ : تَخلِيَةُ السَّربِ (4) ، فَهُوَ الَّذِي لَيسَ عَلَيهِ رَقيبٌ يَحظُرُ عَلَيهِ ، وَيمنَعَهُ العَمَلَ بِمَا أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ ، وَذَلِكَ قَولُهُ فِيمَنِ استُضعِف وَحُظِرَ عَلَيهِ العَمَلُ فَلَم يَجِد حِيلَةً وَلا يَهتَدِي سَبِيلاً ، كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَى : « إِلَا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَ نِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً » (5) ، فَأَخبَرَ أَنَّ المُستَضعَفَ لَم يُخَلَّ سَربُهُ ، وَلَيسَ عَلَيهِ مِنَ القَولِ شَيءٌ إِذَا كَانَ مُطمَئِنَّ القَلبِ بِالْاءِيمَانِ . وَأَمَّا المُهلَةُ فِي الوَقتِ ، فَهُوَ العُمرُ الَّذي يُمَتَّعُ الإِنسَانُ ، مِن حَدِّ مَا تَجِبُ عَلَيهِ المَعرِفَةُ إِلَى أَجَلِ الوَقتِ ، وَذَلِكَ مِن وَقتِ تَميِيزِه وَبُلُوغِ الحُلُمِ إِلَى أَن يَأتِيَهُ أَجَلُهُ ، فَمَن مَاتَ عَلَى طَلَبِ الحَقِّ وَلَم يُدرِك كَمَالَهُ فَهُوَ عَلَى خَيرٍ ؛ وَذَلِكَ قَولُهُ : «وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ» (6) الآية .

.


1- .النور :61 ، الفتح 17 .
2- .آل عمران :97 .
3- .المجادلة : 3 و 4 .
4- .السرب _ بالفتح والسكون _ : الطريق .
5- .النساء :98 .
6- .النساء :100 .

ص: 37

وَ إِن كَانَ لَم يَعمَل بِكَمَالِ شَرائِعِهِ لِعِلَّةٍ ما ، لَم يُمهِلهُ فِي الوَقتِ إِلَى استِتمَامِ أَمرِهِ ، وَقَد حَظَرَ عَلَى البَالِغِ ما لَم يَحظُر عَلَى الطِّفلِ إِذَا لَم يَبلُغِ الحُلُمَ فِي قَولِهِ : «وَ قُل لِّلْمُؤْمِنَ_تِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَ_رِهِنَّ» (1) الآيَة ، فَلَم يَجعَل عَلَيهِنَّ حَرَجاً في إِبداءِ الزِّينَةِ لِلطِّفلِ ، وَكَذَلِكَ لا تَجرِي عَلَيهِ الأَحكَامُ . وَأَمَّا قَولُهُ : الزَّادُ ؛ فَمَعنَاهُ الجِدَةُ (2) وَالبُلغَةُ الَّتِي يَستَعِينُ بِهَا العَبدُ عَلَى ما أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ ، وَذَلِكَ قَولُهُ : «مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ» (3) الآيَة ، أَلا تَرَى أَنَّهُ قَبِلَ عُذرَ مَن لَم يَجِد ما يُنفِقُ ، وَأَلزَمَ الحُجَّةَ كُلَّ مَن أَمكَنَتهُ البُلغَةُ وَالرَّاحِلَةُ لِلحَجِّ وَالجِهَادِ وَأَشبَاهِ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ قَبِلَ عُذرَ الفُقَرَاءِ وَأَوجَبَ لَهُم حَقَّاً فِي مَالِ الأَغنِياءِ بِقَولِهِ : «لِلْفُقَرَآءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ» (4) الآيَة ، فَأَمَرَ بِإِعفائِهِم ، وَلَم يُكَلِّفُهُمُ الإِعدادَ لِمَا لا يَستَطِيعُونَ وَلا يَملِكُونَ . وَأَمَّا قَولُهُ فِي السَّبَبِ المُهَيِّجِ ؛ فَهُوَ النِّيَّةُ الَّتِي هِيَ داعِيَةُ الإِنسَانِ إِلَى جَمِيعِ الأَفعَالِ ، وَحاسَّتُهَا القَلبُ ، فَمَن فَعَلَ فِعلاً وَكَانَ بِدينٍ لَم يَعقِد قَلبُهُ عَلَى ذَلِكَ ، لَم يَقبَلِ اللّهُ مِنهُ عَمَلاً إِلَا بِصِدقِ النِّيَّةِ ، وَلِذَلِكَ أَخبَرَ عَنِ المُنَافِقِينَ بِقَولِهِ : « يَقُولُونَ بِأَفْوَ هِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ » (5) ، ثُمَّ أَنزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله تَوبِيخاً لِلمُؤمِنِينَ : « يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ » (6) الآيَة ، فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ قَولاً وَاعتَقَدَ فِي قَولِهِ ، دَعَتهُ النِّيَّةُ إِلَى تَصدِيقِ القَولِ بِإِظهَارِ الفِعلِ ، وَإِذَا لَم يَعتَقِدِ القَولَ لَم تَتَبيَّن حَقِيقَتُهُ ، وَقَد أَجَازَ اللّهُ صِدقَ النِّيَّةِ وَإِن كَانَ الفِعلُ غَيرَ مُوافِقٍ لَهَا لِعِلَّةِ مَانِعٍ يَمنَعُ إِظهَارَ الفِعلِ فِي قَولِهِ : «إِلَا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنُّ بِالْاءِيمَ_نِ» (7) ، وَ قَولِهِ : « لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ

.


1- .النور :31 .
2- .الجِدَة _ بالكسر_ : الغنى والقدرة .
3- .التوبة :91 .
4- .البقرة :273 .
5- .آل عمران :167 .
6- .الصف :2 .
7- .النحل :106 .

ص: 38

بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَ_نِكُمْ» (1) ، فَدَلَّ القُرآنُ وَأَخبَارُ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله أَنَّ القَلبَ مَالِكٌ لِجَمِيعِ الحَوَاسِّ يُصَحِّحُ أَفعَالَهَا ، وَلا يُبطِلُ ما يُصَحِّحُ القَلبُ شَيءٌ . فَهَذَا شَرحُ جَمِيعِ الخَمسَةِ الأَمثَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا الصَّادِقُ عليه السلام أَنَّهَا تَجمَعُ المَنزِلَةَ بَينَ المَنزِلَتَينِ ، وَهُمَا الجَبرُ وَالتَّفوِيضُ . فَإِذَا اجتَمَعَ فِي الإِنسَانِ كَمَالُ هَذِهِ الخَمسَةِ الأَمثَالِ ، وَجَبَ عَلَيهِ العَمَلُ كَمُلاً لِمَا أَمَرَ اللّهُ عز و جل بِهِ وَرَسُولُهُ ، وَإذَا نَقَصَ العَبدُ مِنهَا خَلَّةً ، كَانَ العَمَلُ عَنهَا مَطرُوحاً بِحَسَبِ ذَلِكَ . فَأَمَّا شَواهِدُ القُرآنِ عَلَى الاِختِبارِ وَالبَلوَى بِالاِستِطَاعَةِ الَّتِي تَجمَعُ القَولَ بَينَ القَولَينِ فَكَثيرَةٌ ، وَمِن ذَلِكَ قَولُهُ : «وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَ_هِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّ_بِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبَارَكُمْ » (2) ، وَقَالَ : «سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ » (3) ، وَقَالَ : «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَ هُمْ لَا يُفْتَنُونَ » (4) ، وَقَالَ فِي الفِتَنِ الَّتِي مَعنَاهَا الاِختِبَارُ : «وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَ_نَ» (5) الآيَة ، وَقَالَ فِي قِصَّةِ مُوسَى عليه السلام : «فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِىُّ » (6) ، وَقَولُ مُوسَى : «إِنْ هِىَ إِلَا فِتْنَتُكَ» (7) ، أَي اختِبَارُكَ ، فَهَذِهِ الآيَاتُ يُقاسُ بَعضُهَا بِبَعضٍ ، وَيَشهَدُ بَعضُهَا لِبَعضٍ . وَأَمَّا آيَاتُ البَلوَى بِمَعنَى الاِختِبَارِ ، قَولُهُ : « لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ ءَاتَكُمْ» (8) ، وَقَولُهُ : «ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ» (9) ، وَ قَولُهُ : «إِنَّا بَلَوْنَ_هُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَ_بَ الْجَنَّةِ» (10) ، وَقَولُهُ :

.


1- .البقرة :225 .
2- .محمد :31 .
3- .الأعراف :182 .
4- .العنكبوت :1 و 2 .
5- .ص :34 .
6- .طه :85 .
7- .الأعراف :155 .
8- .المائدة :48 .
9- .آل عمران :152 .
10- .القلم :17 .

ص: 39

«خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَيَوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (1) ، وَقَولُهُ : «وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَ هِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَ_تٍ» (2) ، وَ قَولُهُ : «وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لَ_كِن لِّيَبْلُوَا بَعْضَكُم بِبَعْضٍ» (3) ، وَكُلُّ ما فِي القُرآنِ مِن بَلوَى هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي شَرَحَ أَوَّلَهَا فَهِيَ اختِبَارُ ، وَأَمثَالُهَا فِي القُرآنِ كَثيرةٌ . فَهِيَ إِثبَاتُ الاِختِبَارِ وَالبَلوىَ ، إِنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ لَم يَخلُقِ الخَلقَ عَبَثاً ، وَلا أَهمَلَهُم سُدَىً ، وَلا أَظهَرَ حِكمَتَهُ لَعِباً ، وَبِذَلِكَ أَخبَرَ فِي قَولِهِ : «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَ_كُمْ عَبَثًا» (4) . فَإن قَالَ قَائِلٌ : فَلَم يَعلَمِ اللّهُ مَا يَكُونُ مِنَ العِبَادِ حَتَّى اختَبَرَهُم؟ قُلنَا : بَلَى ؛ قَد عَلِمَ ما يَكُونُ مِنهُم قَبلَ كَونِهِ ، وَذَلِكَ قَولُهُ : «وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا» (5) ، وَإِنَّمَا اختَبَرَهُم لِيُعلِمَهُم عَدلَهُ ، وَلا يُعَذِّبَهُم إِلَا بِحُجَّةٍ بَعدَ الفِعلِ ، وَقَد أَخبَرَ بِقَولِهِ : «وَلَوْ أَنَّ_آ أَهْلَكْنَ_هُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا» (6) ، وَقَولِهِ : «وَ مَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا » (7) ، وَقَولِهِ» : «رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ» (8) ، فَالاِختِبارُ مِنَ اللّهِ بِالاِستِطَاعَةِ الَّتِي مَلَّكَها عَبدَهُ ، وَهُوَ القَولُ بَينَ الجَبرِ وَالتَّفوِيضِ ، وَبِهَذَا نَطَقَ القُرآنُ ، وَجَرَتِ الأَخبَارُ عَنِ الأَئِمَّةِ مِن آلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله . فَإن قَالُوا : مَا الحُجَّةُ فِي قَولِ اللّهِ : «يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ» (9) وَمَا أَشبَهَهَا ؟ قِيلَ : مَجَازُ هَذِهِ الآيَاتِ كُلِّها عَلَى مَعنَيِينِ ، أَمَّا أَحَدُهُمَا : فَإِخبَارٌ عَن قُدرَتِهِ ، أَي إِنَّهُ

.


1- .الملك :2 .
2- .البقرة :124 .
3- .محمد :4 .
4- .المؤمنون :115 .
5- .الأنعام :28 .
6- .طه :134 .
7- .الإسراء :15 .
8- .النساء :165 .
9- .فاطر :8 ، النحل :93 .

ص: 40

قَادِرٌ عَلَى هِدايَةِ مَن يَشَاءُ وَضَلالِ مَن يَشَاءُ ، وَإذَا أَجبَرَهُم بِقُدرَتِهِ عَلَى أَحَدِهِما لَم يَجِب لَهُم ثَوابٌ وَلا عَلَيهِم عِقابٌ عَلَى نَحوِ ما شَرَحنَا فِي الكِتَابِ . وَالمَعنَى الآخَرُ : إنَّ الهِدايَةَ مِنهُ تَعرِيفُهُ ، كَقَولِهِ : «وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَ_هُمْ» (1) » ، أَي عَرَّفنَاهُم ، «فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى» (2) » . فَلَو أَجبَرَهُم عَلَى الهُدَى لَم يَقدِرُوا أَن يَضِلُّوا ، وَلَيسَ كُلَّمَا وَرَدَت آيَةٌ مُشتَبِهَةٌ كَانَتِ الآيَةُ حُجَّةً عَلَى مُحكَمِ الآيَاتِ اللَّوَاتِي أُمِرنَا بِالأَخذِ بِهَا ؛ مِن ذَلِكَ قَولُهُ : «مِنْهُ ءَايَ_تٌ مُّحْكَمَ_تٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَ_بِ وَأُخَرُ مُتَشَ_بِهَ_تٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَ_بَهَ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ» (3) الآيَة ، وَقالَ : «فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَ_ئِكَ الَّذِينَ هَدَهُمُ اللَّهُ وَ أُولَ_ئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبَ_بِ » (4) . وَفَّقَنَا اللّهُ وَإِيَّاكُم إِلَى القَولِ وَالعَمَلِ لِمَا يُحِبُّ وَيَرضَى ، وَجَنَّبَنَا وَإِيَّاكُم مَعَاصِيَهُ بِمَنِّهِ وَفَضلِهِ ، وَالحَمدُ للّهِِ كَثِيراً كَمَا هُوَ أَهلُهُ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ ، وَحَسبُنَا اللّهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ . 5

.


1- .فصلت :17 .
2- .آل عمران :7 .
3- .الزمر : 17 و 18 .
4- .تحف العقول : ص458 ، بحار الأنوار : ج5 ص68 ح1 ، وراجع : الاحتجاج : ج2 ص487 ح328.

ص: 41

الفصل الثاني : في الإمامة

اشاره

الفصل الثاني: في الإمامة

.

ص: 42

. .

ص: 43

12 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الريّان في أنّ الأرض كلّها لرسول اللّه صلى الله عليه و آله
13 . توقيعه عليه السلام في جعل قلوب الأئمّة مورداً لإرادة اللّه

12كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الريّانإنّ الأرض كلّها لرسول اللّه صلى الله عليه و آلهعلي بن محمّد عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن الريّان 1 ، قال : كتبتُ إلى العسكريّ عليه السلام : جُعلت فداك ، رُوي لنا أن ليس لرسول اللّه صلى الله عليه و آله من الدنيا إِلّا الخُمس ؟ فجاء الجواب :إِنَّ الدُّنيَا وَمَا عَلَيهَا لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . (1)

13توقيعه عليه السلامجعل قلوب الأئمّة مورداً لإرادة اللّهأحمد بن محمّد السيّاريّ (2) ، قال : حدّثني غير واحد من أصحابنا ، قال : خرج عن

.


1- .الكافي :ج 1 ص 409 ح 6.
2- .أحمد بن محمّد السيّاريّ : أبو عبد اللّه ، كان من كتّاب آل طاهر في زمن أبي محمّد عليه السلام ، ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، مجفوف الرواية ، غال ، منحرف . . . ( راجع : رجال النجاشي : ج 1 ص80 الرقم192 ، الفهرست للطوسي : ص23 الرقم60 ، رجال ابن الغضائري : ص40 الرقم11 ، رجال ابن داوود : ص421 ، خلاصة الأقوال : ص203 الرقم9 ) . كان من أصحاب الهادي والعسكريّ عليهماالسلام ( رجال الطوسي : ص384 الرقم5650 وص397 الرقم5819 ورجال البرقي : ص61) . يستظهر من الخبر أنّ السيّاري كان وكيلاً ويُعتمد عليه ، إلّا إنّ الخبر ضعيف سندا .

ص: 44

14 . كتابه عليه السلام إلى بعض الأصحاب فيما جاء في معنى الحديث الصعب المستصعب

أبي الحسن الثالث عليه السلام أنّه قال :إِنَّ اللّهَ جَعَلَ قُلُوبَ الأَئِمَّةِ مَورِدَاً لِاءِرَادَتِهِ ، فَإِذَا شَاءَ اللّهُ شَيئاً شَاءُوهُ ، وَهُوَ قَولُ اللّهِ : «وَ مَا تَشَآءُونَ إِلَا أَن يَشَآءَ اللَّهُ» (1) . (2)

14كتابه عليه السلام إلى بعض الأصحابفيما جاء في معنى الحديث الصعب المستصعبمحمّد بن يحيى وغيره ، عن محمّد بن أحمد ، عن بعض أصحابنا ، قال : كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام : جُعلت فداك ، ما معنى قول الصادق عليه السلام :حَدِيثُنَا لا يَحتَمِلُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ وَلا مُؤمِنٌ امتَحَنَ اللّهُ قَلبَهُ لِلإِيمَانِ ؟ فجاء الجواب : إِنَّمَا مَعنَى قَولِ الصَّادِقِ عليه السلام _ أَي لا يَحتَمِلُهُ مَلَكٌ وَلا نَبِيٌّ وَلا مُؤمِنٌ _ أَنَّ المَلَكَ لا يَحتَمِلُهُ حَتَّى يُخرِجَهُ إِلَى مَلَكٍ غَيرِهِ ، وَالنَّبِيُّ لا يَحتَمِلُهُ حَتَّى يُخرِجَهُ إِلَى نَبِيٍّ غَيرِه ، وَالمُؤمِنُ لا يَحتَمِلُهُ حَتَّى يُخرِجَهُ إِلَى مُؤمِنٍ غَيرِه ، فَهَذَا مَعنَى قَولِ جَدِّي عليه السلام (3) . 4

.


1- .الإنسان :30 .
2- .بصائر الدرجات:ص537 ح47 ،تفسير القمّي: ج2 ص409 بإسناده عن محمّد بن جعفر ، عن محمّد بن أحمد ، عن أحمد بن محمّد بن السيّاريّ ، بحار الأنوار : ج5 ص114 ح44 وج24 ص305 ح4 وج25 ص372 ح23 .
3- .الكافي : ج1 ص401 ح4 .

ص: 45

15 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن هُلَيل في دعوى بين المحقّ والمبطل في أمر الإمامة
16 . كتابه عليه السلام إلى الشيعة في النصّ على إمامته عليه السلام

15كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن هُلَيلفي دعوى بين المحقّ و المبطل في أمر الإمامةالحسين بن محمّد عن مُعلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه ، قال : كان عبد اللّه بن هُلَيل (1) يقول بعبد اللّهِ (2) ، فصار إلى العسكر (3) ، فرجع عن ذلك ، فسألته عن سبب رجوعه ؟ فقال : إنّي عرضت لأبي الحسن عليه السلام أن أسأله عن ذلك فوافقني في طريقٍ ضيّق ، فمال نحوي حتّى إذا حاذاني ، أقبل نحوي بشيءٍ من فيه ، فوقع على صدري ، فأخذته فإذا هو رقٌّ فيه مكتوب :ما كَانَ هُنَالِكَ ، وَلا كَذَلِكَ . (4)

16كتابه عليه السلام إلى الشيعةفي النصّ على إمامته عليه السلامأحمد بن زياد بن جعفر رضى الله عنه قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن صدقة ، عن عليّ بن عبد الغفّار 5 ، قال : لمّا مات أبو جعفر الثاني عليه السلام كتبت الشيعة

.


1- .عبداللّه بن هُلَيل : على وزن التصغير ، وهليل تصغير هلال ، قال المحقّق الغفاري في تعليقة على الكافي ذيل هذا العنوان : « في بعض النسخ عبداللّه بن هلال» . ذكر النجاشي من دون إشارة إلى شيء ( راجع : رجال النجاشي : ج 2 ص 39 الرقم 609 ، ذكره ابن داوود في القسم الأوّل : ص 125 الرقم 916 ، إيضاح الاشتباه : ص244 الرقم 491) .
2- .أي بإمامة عبد اللّه الأفطح .
3- .أي إلى سامراء ، سُمّي به لأنّه بُني للعسكر .
4- .الكافي :ج 1 ص 355 ح 14 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 186 ح 61.

ص: 46

17 . كتابه عليه السلام إلى أبي بكر الفَهفَكيّ في الإشارة و النصّ على إمامة أبي محمّد عليه السلام

إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام (1) يسألونه عن الأمر ؟ فكتب عليه السلام :الأَمرُ لِي ما دمُتُ حَيَّاً ، فَإِذَا نَزَلَت بِي مَقَادِيرُ اللّهِ عز و جل آتَاكُمُ اللّهُ الخَلَفَ مِنِّي ، وَأَنِّى لَكُم بِالخَلَفِ بَعدَ الخَلَفِ . (2)

17كتابه عليه السلام إلى أبي بكر الفَهفَكيّفي الإشارة و النصّ على إمامة أبي محمّد عليه السلامعلي بن محمّد عن إسحاق بن محمّد ، عن محمّد بن يحيى بن درياب ، عن أبي بكر الفَهفَكيّ 3 ، قال : كتب إليَّ أبو الحسن عليه السلام :

.


1- .ليس في البحار : « صاحب العسكر » .
2- .إكمال الدين وإتمام النعمة : ج2 ص382 ح8 ، إعلام الورى : ج2 ص247 ، بحار الأنوار : ج51 ص160 ح5 .

ص: 47

18 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن عَمرو العَطّار في الإشارة على إمامة أبي محمّد عليه السلام

أَبُو مُحَمَّد ابنِي أَنصَحُ آلِ مُحَمَّد غَرِيزَةً (1) ، وَأَوثَقُهُم حُجَّةً ، وَهُوَ الأَكبَرُ مِن وُلدِي ، وَهُوَ الخَلَفُ ، وَإِلَيهِ يَنتَهِي عُرَى الإمَامَةِ وَأَحكَامُهَا ، فَمَا كُنتَ سَائِلِي فَسَلهُ عَنهُ ، فَعِندَهُ ما يُحتَاجُ إِلَيهِ . (2)

18كتابه عليه السلام إلى عليّ بن عَمرو العَطّارفي الإشارة على إمامة أبي محمّد عليه السلامعليّ بن محمّد عن أبي محمّد الإسبارقينيّ ، عن عليّ بن عمرو العطّار (3) ، قال : دخلت على أبي الحسن العسكريّ عليه السلام ، وأبو جعفر ابنه في الأحياء ، وأنا أظنّ أنّه هو ، فقلت له : جُعلت فداك ، مَن أخصّ من ولدك ؟ فقال :لا تَخُصُّوا أَحَدَاً حَتَّى يَخرُجَ إِلَيكُم أَمرِي . قال : فكتبت إليه بعد فيمن يكون هذا الأمر ؟ قال : فكتب إليَّ : فِي الكَبِيرِ مِن وُلدِي .

.


1- .غريزة : أي طبيعة .
2- .الكافي : ج1 ص327 ح11 ، الإرشاد : ج2 ص319 بإسناده عن إسحاق بن محمّد ، عن محمّد بن يحيى بن رئاب ، عن أبي بكر الفهفكيّ ، كشف الغمّة : ج2 ص406 ، إعلام الورى : ج2 ص135 ، بحار الأنوار : ج50 ص245 ح18 ، وراجع : إثبات الوصية : ص245 .
3- .عليّ بن عمرو العطّار القزوينيّ : كان من أصحاب مولانا الهادي عليه السلام (راجع : رجال الطوسي : ص 388 الرقم 5718 و رجال البرقي : ص 59 ) . وهو الّذي وصفه الصدوق في الخصال بصاحب عليّ بن محمّد العسكريّ عليه السلام ، وهو الّذي خرج على يده لعن فارس بن حاتم بن ماهويه ( راجع : الخصال : ج 1 ص 323 الرقم 10 ) ، وهو ممّن روى النصّ على إمامة أبيالعسكريّ عليه السلام ( راجع : الكافي : ج 1 ص 326 الرقم 7 ) .

ص: 48

19 . كتابه عليه السلام إلى شاهَوَيه بن عبد اللّه الجلّاب في الإشارة والنصّ
20 . كتابه عليه السلام إلى نرجس اُمّ المهديّ عليه السلام فيما روي في نرجس اُمّ القائم

قال : وكان أبو محمّد أكبر من أبي جعفر . (1)

19كتابه عليه السلام إلى شاهَوَيه بن عبد اللّه الجلّابفي الإشارة و النصّ على إمامة أبي محمّد عليه السلامعليّ بن محمّد عن إسحاق بن محمّد ، عن شاهويه بن عبد اللّه الجلّاب (2) ، قال : كتب إليَّ أبو الحسن في كتابٍ :أَرَدتَ أَن تَسألَ عَنِ الخَلَفِ بَعدَ أَبِي جَعفَرٍ وَقَلِقتَ (3) لِذَلِكَ ، فَلا تَغتَمَّ ؛ فَإِنَّ اللّهَ عز و جللا يُضِلُّ « قَوْمَاً بَعْدَ إِذْ هَدَهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ» (4) ، وَصَاحِبُكَ بَعدِي أَبُو مُحَمَّدٍابنِي ، وَعِندَهُ مَا تَحتَاجُونَ إِلَيهِ ، يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ اللّهُ وَيُؤخِّرُ مَا يَشَاءُ اللّهُ «مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ أَوْ مِثْلِهَآ» (5) ، قَد كَتَبتُ بِمَا فِيهِ بَيَانٌ وَقِنَاعٌ لِذِي عَقلٍ يَقظَانَ . (6)

20كتابه عليه السلام إلى نرجس اُمّ المهديّ عليه السلامفيما رُوي في نرجس اُمّ القائم ، واسمها مليكة بنت يشوعا بن قيصر الملكمحمّد بن عليّ بن حاتم النوفليّ قال : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسى الوشّاء

.


1- .الكافي :ج 1 ص 326 ح7 ، الإرشاد : ج 2 ص 316 ، إعلام الورى : ص 368 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 405 ، و فيهم : «أكبر» بدل «كبير» ، بحار الأنوار : ج 50 ص 244 ح 16.
2- .شاهَويه بن عبد اللّه الجلّاب : من أصحاب الهادي والعسكريّ عليهماالسلام (راجع : رجال الطوسي : ص 387 الرقم 5702 و ص 399 الرقم 5855) .
3- .قلقت كنصرت : أي اضطربت لذلك .
4- .التوبة :115 .
5- .البقرة :106 .
6- .الكافي :ج 1 ص 328 ح 12 ، الغيبة للطوسي : ص 200 ، الإرشاد : ج 2 ص 319 ، إعلام الورى : ص 369 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 406 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 242 ح 10.

ص: 49

البغداديّ ، قال : حدّثنا أحمد بن طاهر القمّي ، قال : حدّثنا أبو الحسين محمّد بن بحر الشيبانيّ ، قال : وردتُ كربلاء سنة ستّ وثمانين ومئتين ، قال : وزرتُ قبر غريب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ انكفأت إلى مدينة السلام متوجّهاً إلى مقابر قريش في وقتٍ قد تضرّمت الهواجر وتوقّدت السمائم ، فلمّا وصلت منها إلى مشهد الكاظم عليه السلام واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة المحفوفة بحدائق الغفران ، أكببت عليها بعبرات متقاطرة ، وزفرات متتابعة ، وقد حجب الدمع طَرفِي عن النظر ، فلمّا رَقَأت العبرةُ وانقطع النحيب ، فتحتُ بصري فإذا أنا بشيخٍ قد انحنى صلبه ، وتقوّس منكباه ، وثفنت جبهته وراحتاه ، وهو يقول لآخرٍ معه عند القبر : يابن أخي ، لقد نال عمّك شرفاً بما حمّله السيّدان من غوامض الغيوب ، وشرائف العلوم الّتي لم يحمل مثلها إلّا سلمان ، وقد أشرف عمّك على استكمال المدّة وانقضاء العمر ، وليس يجد في أهل الولاية رجلاً يفضي إليه بسرّه . قلت : يا نفس ، لا يزال العناء والمشقّة ينالان منكِ بإتعابي الخفّ والحافر (1) في طلب العلم ، وقد قرع سمعي مِن هذا الشيخ لفظ يدلُّ على عِلمٍ جسيم وأثرٍ عظيم . فقلت : أيّها الشيخ ، ومن السيّدان ؟ قال : النجمان المغيّبان في الثرى بسُرَّ مَن رَأى . فقلت : إنّي اُقسم بالموالاة وشرف محلِّ هذين السيّدين من الإمامة والوراثة إنّي خاطبٌ علمهما ، وطالبٌ آثارهما ، وباذلٌ من نفسي الأيمان المؤكّدة على حفظ أسرارهما . قال : إن كنت صادقاً فيما تقول فأحضر ما صحبك من الآثار عن نَقَلَةِ أخبارهم . فلمّا فتّش الكتب وتصفّح الروايات منها ، قال : صدقت ، أنا بِشرُ بن سليمان النخّاس ، من ولد أبي أيّوب الأنصاريّ أحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد عليهماالسلام ، وجارُهُما بسُرّ مَن رَأى . قلت : فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما .

.


1- .كناية عن البعير والفرس .

ص: 50

قال : كان مولانا أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ عليهماالسلام فقّهني في أمر الرقيق ، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلّا بإذنه ، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات ، حتّى كملت معرفتي فيه ، فأحسنت الفرق فيما بين الحلال والحرام ، فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسرَّ مَن رَأى وقد مضى هَويٌّ (1) من الليل ، إذ قرع الباب قارع ، فعدوت مسرعاً فإذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهماالسلام يدعوني إليه ، فلبست ثيابي ، ودخلت عليه ، فرأيته يحدِّث ابنه أبا محمّد واُخته حكيمة من وراء الستر ، فلمّا جلست قال :يا بِشرُ ، إِنَّكَ مِن وُلدِ الأَنصَارِ ، وَهَذِهِ الوَلايَةُ لَم تَزَل فِيكُم يَرِثُهَا خَلَفٌ عَن سَلَفٍ ، فَأَنتُم ثِقَاتُنَا أَهلَ البَيتِ ، وَإِنِّي مُزَكِّيكَ وَمُشَرِّفُكَ بِفَضِيلَةٍ تَسبِقُ بِها شَأوَ (2) الشِّيعَةِ (3) في المُوَالاةِ بِها ، بِسِرٍّ أَطلَّعُكَ عَلَيهِ ، وَأُنفِذُكَ في ابتِياعِ أَمَةٍ . فكتب كتاباً ملصقاً (4) بخطٍّ رومي ولغةٍ روميّة ، وطبع عليه بخاتمه ، وأخرج شستقة (5) صفراء فيها مئتان وعشرون ديناراً ، فقال : خُذهَا وَتَوَجَّه بِهَا إِلَى بَغدَادَ ، واحضُر مَعبَرَ الفُرَاتِ ضَحوَةَ كَذَا ، فَإِذَا وَصَلت إِلَى جَانِبِكَ زَوَارِقُ السَّبَايَا وَبَرَزنَ الجَوَارِيَ مِنَها ، فَسَتَحدِقُ بِهِم طَوَائِفُ المُبتَاعِينَ مِن وُكَلاءِ قُوَّادِ بَنِي العَبَّاسِ وَشَرَاذِمُ مِن فِتيَانِ العِرَاقِ ، فَإِذَا رَأَيتَ ذَلِكَ فَأَشرِف مِنَ البُعدِ عَلَى المُسَمَّى عُمَرَ بنَ يَزِيدٍ النَّخَّاسَ عَامَّةَ نَهَارِكَ ، إِلَى أَن تَبرُزَ لِلمُبتَاعِينَ جَارِيَةٌ صَفَتُها كَذَا وَكَذَا ، لابِسَةٌ حَرِيرَتَينِ صَفِيقَتَينِ ، تَمتَنِعُ مِنَ السُّفُورِ وَلَمسِ المُعتَرِضِ ، وَالِانقِيادِ لِمَن يُحَاوِلُ لَمسَها وَيَشغِلُ نَظَرَهُ بِتَأَمُّلِ مَكَاشِفَهَا مِن وَرَاءِ

.


1- .أي زماناً غير قليل .
2- .الشأو : الأمد والغاية ، يقال : فلان بعيد الشأو ، أي عالي الهمّة .
3- .في هامش المصدر : «سائر الشيعة» بدل «شأو الشيعة» .
4- .في هامش المصدر : في بعض النسخ « مطلقاً» بدل « ملصقاً » ، وبعض النسخ الاُخرى « ملفقاً » بدل « ملصقاً » .
5- .في هامش المصدر : كذا في أكثر النسخ ، وفي بعض النسخ « الشنسقة » بدل « شستقة » . والظاهر الصواب : « الشنتقة » معرّب « چنته » . وفي بحار الأنوار : «الشقة» _ وهي بالكسر والضم _ : السبيبة المقطوعة من الثياب المستطيلة . وعلى أيٍّ ، المراد : الصرّة الّتي يُجعل فيها الدنانير .

ص: 51

السُّتُرِ الرَّقِيقِ ، فَيَضرِبُها النَّخَّاسُ ، فَتَصرَخُ صَرخَةً رُومِيَّةً ، فَاعلَم إِنَّهَا تَقُولُ : وا هَتكَ سَترَاهُ . فَيَقولُ بَعضُ المُبتَاعِينَ : عَلَيَّ بِثَلاثُمِئَةٍ دِينَارٍ ، فَقَد زَادَنِي العِفَافُ فِيهَا رَغبَةً ، فَتَقُولُ بِالعَرَبِيَّةِ : لَو بَرَزتَ فِي زَيِّ سُلِيمَانَ وَعَلَى مِثلِ سَرِيرِ مُلكِهِ ما بَدَت لِي فِيكَ رَغبَةٌ ، فَاشفَق عَلَى مَالِكَ . فَيَقُولُ النَّخَّاسُ : فَمَا الحِيلَةُ وَلابُدَّ مِن بَيعِكِ ؟ فَتَقُولُ الجَارِيَةُ : وَمَا العَجَلَةُ وَلابُدَّ مِن اختِيارِ مُبتَاعٍ يَسكُنُ قَلبِي إلَيهِ وَإلَى أَمَانَتِهِ وَدِيَانَتِهِ ؟ فَعِندَ ذَلِكَ قُم إِلَى عُمَرَ بنِ يَزيدَ النَّخَّاسِ وَقُل لَهُ : إِنَّ مَعِي كِتَاباً مُلصَّقاً لِبَعضِ الأَشرَافِ ، كَتَبَهُ بِلُغَةٍ رُومِيَّةٍ وَخَطٍّ رُومِيٍّ ، وَوَصَفَ فِيهِ كَرَمَهُ وَوَفاءَهُ وَنُبلَهُ وَسَخاءَهُ ، فَناوِلُهَا لِتَتَأمَّلَ مِنهُ أَخلاقَ صَاحِبِهِ ، فَإِن مَالَت إِلَيهِ وَ رَضِيَتهُ ، فَأَنَا وَكيلُهُ فِي ابتِياعِهَا مِنكَ .

قال بشر بن سليمان النخّاس : فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليه السلام في أمر الجارية ، فلمّا نَظَرَت في الكتاب بكت بكاءً شديداً ، وقالت لعمر بن يزيد النخّاس : بعني من صاحب هذا الكتاب ، وحلفت بالمُحرِّجة والمُغَلِّظة 1 أنّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها . فما زلت أُشاحُّه في ثمنها حتّى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السلام من الدنانير في الشستقة الصفراء ، فاستوفاه وتسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة ، وانصرفت بها إلى الحُجيرة الّتي كنت آوى إليها ببغداد ، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولانا عليه السلام من جيبها و هي تلثمه وتضعه على خدّها وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها . فقلت تعجّباً منها : تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه ؟ فقالت : أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء ، أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك ، أنا مليكة بنت يشوعا (1) بن قيصر ملك الروم ، واُمّي من وُلد الحواريّين ، تُنسب إلى وصيّ المسيح شمعون ، اُنبّئك العجب العجيب ، أنّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني

.


1- .وفي هامش المصدر : في بعض النسخ :«يوشعا» بدل «يشوعا» .

ص: 52

من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة ، فجمع في قصره من نسل الحواريّين ومن القسّيسين والرُّهبان ثلاثمئة رجل ، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمئة رجل ، وجمع من اُمراء الأجناد وقوّاد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف ، وأبرز من بهو (1) مُلكه عرشاً مُساغاً (2) من أصناف الجواهر إلى صحن القصر ، فرفعه فوق أربعين مرقاة ، فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت الصلبان وقامت الأساقفه عكفاً ونشرت أسفار الإنجيل ، تسافلت الصُّلُب من الأعالي فلصقت بالأرض ، وتقوّضت أعمدة العرش فانهارت إلى القرار ، وخرّ الصاعد من العرش مغشيّاً عليه ، فتغيّرت ألوان الأساقفة ، وارتعدت فرائصهم ، فقال كبيرهم لجدّي : أيّها الملك ، أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال هذا الدين المسيحيو المذهب المَلِكاني (3) . فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً ، وقال للأساقفة : أقيموا هذه الأعمدة ، وارفعوا الصلبان ، وأحضروا أخا هذا المُدبَر العاثر (4) المنكوس جدُّه ؛ لأزوّج منه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده ، فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأوّل . وتفرّق الناس ، وقام جدّي قيصر مغتمّاً ، ودخل قصره واُرخيت الستور ، فاُريت في تلك الليلة كأنّ المسيح والشمعون وعدّة من الحواريّين قد اجتمعوا في قصر جدّي ، ونصبوا فيه منبراً يباري (5) السماء علوّاً وارتفاعاً ، في الموضع الّذي كان جدّي نصب فيه عرشه ، فدخل عليهم محمّد صلى الله عليه و آله مع فتيةٍ وعدَّة من بنيه ، فيقوم إليه المسيح فيعتنقه فيقول :يا روحَ اللّهِ ، إِنِّي جِئتُكَ خَاطِبَاً مِن وَصِيِّكَ شَمعُونَ فَتاتَهُ مَلِيكَةَ لِابنِي هَذَا . وأومأ بيده إلى أبي

.


1- .البهو : البيت المقدم أمام البيوت .
2- .في هامش المصدر : في بعض النسخ : «وأبرز هو من ملكه عرشاً مصنوعاً» .
3- .الملكانيّ : أصحاب ملكا الّذي ظهر بالروم واستولى عليها . ومعظم الروم ملكانيّة . قالوا : إنّ الكلمة اتّحدت بجسد المسيح ( راجع : الملل والنحل ) .
4- .وفي الغيبة للطوسي : « العاهر » بدل « العاثر » ، في بعض النسخ : « العابر » .
5- .يباري : أي يعارض .

ص: 53

محمّد صاحب هذا الكتاب . فنظر المسيح إلى شمعون فقال له : قَد أَتَاكَ الشَّرَفُ ، فَصِلَ رَحِمَكَ بِرَحِمِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قال : قد فعلت . فصعد ذلك المنبر وخطب محمّد صلى الله عليه و آله ، وزوّجني ، وشهد المسيح عليه السلام ، وشهد بنو محمّد صلى الله عليه و آله والحواريّون . فلمّا استيقظت من نومي أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل ، فكنت أسرُّها في نفسي ولا أبديها لهم ، وضرب صدري بمحبّة أبي محمّد ، حتّى امتنعت من الطعام والشراب ، وضعفت نفسي ودقّ شخصي ، ومرضتُ مرضاً شديداً ، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلّا أحضره جدّي وسأله عن دوائي ، فلمّا برَّح (1) به اليأس قال : يا قرّة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فاُزوِّدكها في هذه الدنيا ؟ فقلت : يا جدّي أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة ، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من اُسارى المسلمين ، وفككت عنهم الأغلال ، وتصدّقت عليهم ومننتهم بالخلاص ، لرجوت أن يهب المسيح واُمّه لي عافية وشفاء . فلمّا فعل ذلك جدّي تجلّدت في إظهار الصحّة في بدني ، وتناولت يسيراً من الطعام ، فسرّ بذلك جدّي ، وأقبل على إكرام الاُسارى إعزازهم ، فرأيت أيضاً بعد أربع ليالٍ كأنّ سيّدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف وصيفة من وصائف الجنّان ، فتقول لي مريم : هَذِهِ سَيِّدَةُ النِّسَاءِ اُمُّ زَوجِكَ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام . فأتعلّق بها وأبكي ، وأشكو إليها امتناع أبي محمّد من زيارتي . فقالت لي سيّدة النساء عليهاالسلام : إِنَّ ابنِي أَبَا مُحَمَّدٍ لا يَزورُكِ وَأَنتِ مُشرِكَةٌ بِاللّهِ وَعَلَى مَذهَبِ النَّصَارَى ، وَهَذِهِ أُختِي مَريَمُ تَبرَأُ إِلَى اللّهِ تَعَالَى مِن دِينِكِ ، فَإِن مِلتِ إِلَى رِضَا اللّهِ عز و جل وَرِضَا المَسِيحِ وَمَريَمَ عَنكِ ، وَزِيَارَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ إِيَّاكِ ، فَتَقُولِي : أَشهَدُ أَن لا إِله إِلَا اللّهُ ، وَأَشهَدُ أَنَّ _ أَبِي _ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللّهِ . فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ، ضمّتني سيّدة النساء إلى صدرها فطيّبت لي نفسي ، وقالت : الآنَ تَوَقَّعِي زِيَارَةَ أَبِي مُحَمَّدٍ إِيَّاكِ ، فَإِنِّي مُنفِذَتُهُ إِلَيكِ .

.


1- .برّح به الأمر تبريحاً : جهده وأضرّ به .

ص: 54

فانتبهت وأنا أقول : وا شوقاه إلى لقاء أبي محمّد . فلمّا كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمّد عليه السلام في منامي ، فرأيته كأنّي أقول له : جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبّك . قال : مَا كَانَ تَأخِيرِي عَنكِ إِلَا لِشرِكِكِ ، وَإِذ قَد أَسلَمتِ فَإِنِّي زَائِرُكِ فِي كُلِّ لَيلَةٍ إِلَى أَن يَجمَعَ اللّهُ شَملَنَا فِي العَيَانِ . فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية . قال بشر : فقلت لها : وكيف وقعت في الأسر ؟ فقالت : أخبرني أبو محمّد ليلة من الليالي : إِنَّ جَدَّكِ سَيُسَرِّبُ (1) جُيوشَاً إِلى قِتَالِ المُسلِمِينَ يَومَ كَذَا ، ثُمَّ يَتَبعُهُم ، فَعَلَيكِ بِاللِّحَاقِ بِهِم مُتَنَكِّرَةً فِي زَيِّ الخَدَمِ مَعَ عِدَّةٍ مِنَ الوَصَائِفِ مِن طَرِيقِ كَذَا . ففعلت ، فوقعت علينا طلائع المسلمين ، حتّى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت ، وما شعر أحدٌ بي بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك ، وذلك باطِّلاعي إيّاك عليه ، ولقد سألني الشيخ الّذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته ، وقلت : نرجس ، فقال : اسم الجواري . فقلت : العجب أنّك روميّة ولسانك عربيّ ! قالت : بلغ من ولوع جدّي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب ، أن أوعز (2) إلى امرأة ترجمان له في الاختلاف إليَّ ، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتفيدني العربيّة ، حتّى استمرّ عليها لساني واستقام . قال بشر : فلمّا انكفأت بها إلى سرّ مَن رَأى دخلت على مولانا أبي الحسن العسكريّ عليه السلام ، فقال لها : كَيفَ أَرَاكِ اللّهُ عِزَّ الإِسلامِ وَذُلَّ النَّصرَانِيِّةِ ، وَشَرَفَ أَهلِ بَيتِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ؟ قالت : كيف أصف لك يا ابن رسول اللّه ما أنت أعلم به منّي ؟ قال : فَإِنِّي أُريدُ أَن أُكرِمَكِ ، فَأَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيكِ ، عَشرَةُ آلافِ دِرهَمٍ ؟ أَم بُشرَى لَكِ فِيها شَرَفُ الأَبَدِ ؟ قالت : بل البشرى . قال عليه السلام : فَأَبشِرِي بِوَلَدٍ يَملِكُ الدُّنيا شَرقاً وَغَرباً ، وَيَملَأُ الأَرضَ قِسطاً وَعَدلاً كَمَا مُلِئَت ظُلماً وَجَوَرَاً .

.


1- .أي سيرسل . وفي الغيبة للطوسي : «سيسر» بدل «سيسرب» .
2- .أي تقدّم .

ص: 55

21 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد بن زياد ، وعليّ بن مهزيار في النصّ على القائم

قالت : ممّن ؟ قال عليه السلام : مِمَّن خَطَبَكِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَهُ مِن لَيلَةِ كَذَا مِن شَهرِ كَذَا مِن سَنةِ كَذَا بِالرُّوميَّةِ . قالت : من المسيح ووصيّه ؟ قال : فَمِمَّن زَوَّجَكِ المَسِيحُ وَوَصِيُّهُ ، قالت : من ابنك أبي محمّد ؟ قال : فَهَل تَعرِفينَهُ ؟ قالت : وهل خَلَت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة الّتي أسلمتُ فيها على يد سيّدة النساء اُمّه . فقال أبو الحسن عليه السلام : يا كَافُورُ ، ادعُ لِي أُختِي حَكيمَةَ . فلمّا دَخَلَت عليه قال عليه السلام لها : هَا هِيَه . فاعتَنَقَتها طويلاً وسرَّت بها كثيراً ، فقال لها مولانا : يا بِنتَ رَسُولِ اللّهِ ، أُخرِجِيهَا إِلَى مَنزِلِكِ وَعَلِّمِيهَا الفَرائِضَ وَالسُّنَنَ ، فَإِنَّهَا زَوجَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ وَأُمُّ القَائِمِ عليه السلام . (1)

21كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد بن زياد ، وعليّ بن مهزيارفي النصّ على القائم وغيبته عليه السلام وانتظار الفرجسعد بن عبد اللّه قال : حدّثني إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن عليّ بن محمّد بن زياد (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام أسأله عن الفرج ؟ فكتب إليّ :إِذَا غَابَ صَاحِبُكُم عَن دَارِ الظَّالِمينَ فَتَوَقَّعُوا الفَرَجَ . (3)

وفي روايةٍ اُخرى : أبي ، عن الحميريّ ، عن محمّد بن عمران الكاتب ، عن عليّ بن محمّد (بن زياد) الصيمريّ ، عن عليّ بن مهزيار 4 ، قال : كتبت إلى أبي

.


1- .إكمال الدين وإتمام النعمة : ج2 ص417 ح1 ، وراجع : الغيبة للطوسي : ص208 ، روضة الواعظين : ص252 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص440 ، بحار الأنوار : ج51 ص6 ح12 .
2- .عليّ بن محمّد بن زياد الصيمريّ : كان من أصحاب أبي الحسن الثالث والعسكري عليهماالسلام ( راجع : رجال الطوسي : ص389 الرقم5729 و ص400 الرقم 5858 ، رجال البرقي : ص138 الرقم1603 و ص143 الرقم 1672 ) .
3- .إكمال الدين وإتمام النعمة : ج2 ص380 ح2 ، بحار الأنوار : ج52 ص150 ح77 نقلاً عنه .

ص: 56

22 . كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوح في النصّ على القائم و غيبته عليه السلام وانتظار الفرج

الحسن عليه السلام أسأله عن الفرج ؟ فكتب عليه السلام :إِذَا غَابَ صَاحِبُكُم عَن دَارِ الظَّالِمينَ فَتَوَقَّعُوا الفَرَجَ . (1)

22كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوحفي النصّ على القائم و غيبته عليه السلام وانتظار الفرجسعد بن عبد اللّه قال : حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن أبي غانم القزوينيّ ، قال : حدّثني إبراهيم بن محمّد بن فارس ، قال : كنت أنا ونوح وأيّوب بن نوح (2) في طريق مكّة ، فنزلنا على وادي زُبالة (3) ، فجلسنا نتحدّث ، فجرى ذكر ما نحن فيه ، وبُعد الأمر علينا .

.


1- .إكمال الدين وإتمام النعمة : ج2 ص380 ح3 ، الإمامة والتبصرة : ص93 ح83 ، الخرائج والجرائح : ج3 ص1172 ح67 ، بحار الأنوار : ج51 ص159 ح2 .
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 2 .
3- .زُبالة _ بضمّ أوّله _ : منزل معروف بطريق مكّة من الكوفة ، وهي قرية عامرة بها أسواق بين واقصة والثعلبيّة ( معجم البلدان : ج3 ص129 ) .

ص: 57

23 . كتابه عليه السلام لأعرابي في مكارم أخلاقه وكرمه عليه السلام

فقال أيّوب بن نوح : كتبت في هذه السنة أذكر شيئاً من هذا . فكتب إليّ :إِذَا رُفِعَ عِلمِكُم (1) مِن بَينِ أَظهُرِكُم ، فتَوَقَّعُوا الفَرَجَ مِن تَحتِ أَقَدَامِكُم . (2)

وفي روايةٍ اُخرى : عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ، عن أيّوب بن نوح ، عن أبي الحسن الثالث عليه السلام :إِذَا رُفِعَ عِلمُكُم مِن بَينِ أظهُرِكُم فَتَوَقَّعُوا الفَرَجَ مِن تَحتِ أَقدَامِكُم . (3)

23كتابه عليه السلام لأعرابيفي مكارم أخلاقه وكرمه عليه السلامإنّ أبا الحسن عليه السلام كان يوماً قد خرج من سُرَّ مَن رَأى إلى قريةٍ لمهمّ عرض له ، فجاء رجل من الأعراب يطلبه ، فقيل له : قد ذهب إلى الموضع الفلاني ، فقصده ، فلمّا وصل إليه قال له : مَا حَاجَتُكَ ؟ فقال : أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسّكين بوَلاية جدّك عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وقد ركبني دين فادح أثقلني حمله ، ولم أرَ من أقصده لقضائه سواك . فقال له أبو الحسن عليه السلام : طِب نَفساً وَقَرَّ عَيناً . ثمّ أنزله ، فلمّا أصبح ذلك اليوم قال له أبو الحسن عليه السلام : أُريدُ مِنكَ حَاجَةً ، اللّهَ اللّهَ أَن تُخَالِفَنِي فِيهَا . فقال الأعرابيّ : لا أخالفك . فكتب أبو الحسن عليه السلام ورقة بخطّه ، معترفاً فيها أنّ عليه للأعرابيّ مالاً عيّنه فيها يرجَحُ على دَينه ، وقال : خُذ هَذَا الخَطَّ ، فَإِذَا وَصَلتُ إِلَى سُرِّ مَن رَأَى أَحضُر إِليَّ وَعِندِي جَمَاعَةٌ ، فَطَالِبنِي بِهِ ، وَأَغلِظِ القَولَ عَلَيَّ فِي تَركِ إِبقَائِكَ إِيَّاهُ ، اللّهَ اللّهَ فِي

.


1- .علمكم _ بالكسر_ : أي صاحب علمكم . وبالتحريك : أي من يعلم به سبيل الحقّ .
2- .إكمال الدين وإتمام النعمة : ص381 ح4 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 159 ح 4 وج 52 ص 145 ح 67 كلاهما نقلاً عنه .
3- .الكافي : ج1 ص341 ح24 ، الغيبة للنعمانيّ : ص187 ح39.

ص: 58

مُخَالَفَتِي . فقال : أفعل . وأخذ الخطّ ، فلمّا وصل أبو الحسن إلى سُرّ مَن رَأى ، وحضر عنده جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة وغيرهم ، حضر ذلك الرجل وأخرج الخطّ وطالبه ، وقال كما أوصاه ، فألان أبو الحسن له القول عليه السلام ورفقه ، وجعل يعتذر إليه ، ووعده بوفائه وطيبة نفسه . فنُقل ذلك إلى الخليفة المتوكّل ، فأمر أن يُحمل إلى أبي الحسن عليه السلام ثلاثون ألف درهم . فلمّا حُملت إليه تركها إلى أن جاء الرجل ، فقال : خُذ هَذَا المَالَ وَاقضِ مِنهُ دَينَكَ ، وَأَنفِقِ البَاقِيَ عَلَى عِيالِكَ وَأَهلِكَ ، وَأَعذرِنَا . فقال له الأعرابيّ : يابن رسول اللّه ، واللّه إنّ أملي كان يقصر عن ثلث هذا ، ولكنّ اللّه أعلم حيث يجعل رسالته . وأخذ المال وانصرف . (1)

.


1- .كشف الغمّة : ج3 ص164 ، الفصول المهمّة : ص278 ، بحار الأنوار : ج50 ص175 ح55 .

ص: 59

الفصل الثالث : في بعض كراماته وغرائب شأنه عليه السلام

اشاره

الفصل الثالث : في بعض كراماته وغرائب شأنه (ع)

.

ص: 60

. .

ص: 61

24 . كتابه عليه السلام إلى إسحاق الجلّاب
25 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الحسين بن عبد اللّه

24كتابه عليه السلام إلى إسحاق الجلّابالحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه ، عن علي بن محمّد ، عن إسحاق الجلّاب (1) ، قال : اشتريتُ لأبي الحسن عليه السلام غنماً كثيرةً ، فدعاني فأدخلني من إصطبل داره إلى موضعٍ واسعٍ لا أعرفه ، فجعلت أُفرّق تلك الغنم فيمن أمرني به ، فبعث إِلى أبي جعفرٍ (2) وإلى والدته وغيرهما ممّن أمرني ، ثمّ استأذنته في الانصراف إلى بغداد إلى والدي ، وكان ذلك يوم التَّروية ، فكتب إليَّ :تُقِيمُ غَداً عِندَنَا ثُمَّ تَنصَرِفُ .

قال : فأقمت ، فلمّا كان يوم عرفة أقمت عنده وبتُّ ليلة الأضحى في رواق له ، فلمّا كان في السحَرِ أتاني فقال :يَا إِسحَاقُ قُم . قال : فقمت ففتحت عيني ، فإذا أنا على بابي ببغداد . قال : فدخلت على والدي وأنا في أصحابي ، فقلت لهم : عرّفت بالعسكر وخرجت ببغداد إلى العيد . (3)

25كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الحسين بن عبد اللّهمحمّد بن مسعود ، قال : حدّثنا محمّد بن نصير ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن

.


1- .الجلّاب بالفتح والتشديد : من يشتري الغنم ونحوها في موضع يسوقها إلى موضع آخر ليبيعها .
2- .هذا هو ابنه المرجوّ للإمامة .
3- .الكافي : ج1 ص 498 ح3 ، بصائر الدرجات : ص426 ، الاختصاص : ص325 ، بحار الأنوار : ج50 ص132 .

ص: 62

26 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن جعفر

عيسى ، قال : كتب إليه عليّ بن الحسين بن عبد اللّه 1 يسأله الدعاء في زيادة عمره ؛ حتّى يرى ما يحبّ . فكتب إليه في جوابه :تَصِيرُ إِلَى رَحمَةِ اللّهِ خَيرٌ لَكَ . فتوفّى الرجل بالخزيمية . (1)

26كتابه عليه السلام إلى عليّ بن جعفرمحمّد بن مسعود ، قال : حدّثني عليّ بن القمّي ، قال : حدّثني محمّد بن أحمد ، عن أبي يعقوب يوسف بن السخت ، قال : حدّثني العبّاس ، عن عليّ بن جعفر 3 ، قال : عرضت أمري على المتوكّل ، فأقبل على عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان فقال له : لا تُتعبنّ نفسك بعرض قصّة هذا وأشباهه ، فإن عمّه أخبرني أنّه رافضيّ ، وأنّه وكيل

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص798 الرقم 985 ، بحار الأنوار : ج49 ص66 ح85 نقلاً عنه .

ص: 63

27 . كتابه عليه السلام إلى المتوكّل
28 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرج الرُّخّجيّ

عليّ بن محمّد ، وحلف أن لا يخرج من الحبس إلّا بعد موته ، فكتبت إلى مولانا : إنّ نفسي قد ضاقت ، و إني أخاف الزيغ . فكتب إليّ :أَمَّا إِذَا بَلَغَ الأَمرُ مِنكَ مَا أَرَى ، فَسَأَقصِدُ اللّهَ فِيكَ . فما عادت الجمعة حتّى اُخرجت من السجن . (1)

27كتابه عليه السلام إلى المتوكّلفي تفسير القمّي : حدّثني أبي قال : أمر المعتصم أن يُحفر بالبطائيّة (البطانيّة) بئر ، فحفروا ثلاثمئة قامةٍ فلم يظهر الماء ، فتركه ولم يحفره ، فلمّا ولِّيَ المتوكّل أمر أن يُحفر ذلك البئر أبداً حتّى يبلغ الماء ، فحفروا حتّى وضعوا في كلّ مئة قامة بكرة ، حتّى انتهوا إلى صخرة ، فضربوها بالمِعوَل (2) ، فانكسرت فخرج منها ريح باردة ، فمات من كان بقربها . فأخبروا المتوكّل بذلك ، فلم يعلم بذلك ما ذاك ، فقالوا : سل ابن الرضا عن ذلك ، وهو أبو الحسن عليّ بن محمّد عليهماالسلام ، فكتب إليه يسأل عن ذلك ؟ فقال أبو الحسن عليه السلام :تِلكَ بِلادُ الأَحقَافِ ، وَهُم قَومُ عَاد الَّذِينَ أَهلَكَهُمُ اللّهُ بِالرِّيحِ الصَّرصَرِ (3) . (4)

28كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرج الرُّخّجيّالحسين بن محمّد عن المُعَلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عبداللّه ، عن

.


1- .رجال الكشّي : ج 2 ص 866 الرقم 1130 ، بحار الأنوار : ج50 ص184 ح59 نقلاً عنه .
2- .المِعوَل _ كمنبر_ : حديدة يُحفر بها الجبال ، والجمع المعاول ( مجمع البحرين : ج5 ص432 ) .
3- .الصرصر : صوّت ، وصاح أشدّ الصياح ( لسان العرب : ج4 ص450 ) .
4- .تفسير القمّي : ج2 ص298 ، بحار الأنوار : ج11 ص353 ح4 نقلاً عنه .

ص: 64

29 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسين بن مصعب المدائنيّ

عليّ بن محمّد النوفليّ ، قال : قال لي محمّد بن الفرج (1) : إنّ أبا الحسن كتب إليه :يَا مُحَمَّدُ ، أَجمِع أَمرَكَ وَخُذ حِذرَكَ . قال : فأنا في جمع أمري وليس أدري ما كتب إليَّ ، حتّى ورد عليَّ رسول حملني من مصر مقيّداً ، وضرب على كلّ ما أملك ، وكنت في السجن ثمان سنين ، ثمّ ورد عليَّ منه في السجن كتاب فيه : يَا مُحَمَّدُ ، لا تَنزِل فِي نَاحِيَةِ الجَانِبِ الغَربِيِّ . فقرأت الكتاب فقلت : يكتب إليَّ بهذا وأنا في السجن ، إن هذا لعجب ! فما مكثت أن خُلّي عنّي والحمد للّه . قال : وكتب إليه محمّد بن الفرج يسأله عن ضياعه ، فكتب إليه : سَوفَ تُرَدُّ عَلَيكَ ، وَمَا يَضُرُّكَ أَن لا تُرَدَّ عَلَيكَ . فلمّا شخص محمّد بن الفرج إلى العسكر كتب إليه بردّ ضياعه ، ومات قبل ذلك . قال : وكتب أحمد بن الخضيب إلى محمّد بن الفرج يسأله الخروج إلى العسكر ، فكتب إلى أبي الحسن عليه السلام يشاوره ، فكتب إليه : اخرُج فَإِنَّ فِيهِ فَرَجَكَ إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . فخرج ، فلم يلبث إلّا يسيراً حتّى مات . (2)

29كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسين بن مصعب المدائنيّروى المُعَلّى بن محمّد البصريّ ، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه ، قال : كتب إليه

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 6 .
2- .الكافي : ج1 ص500 ح5 ، الإرشاد : ج2 ص304 ، الخرائج و الجرائح : ج2 ص679 ، إعلام الورى : ج2 ص115 ، إثبات الوصية : ص 246 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص414 ، كشف الغمّة : ج2 ص380 ، بحار الأنوار : ج50 ص140 ح25 كلّها مع اختلاف يسير.

ص: 65

30 . كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوح

محمّد بن الحسين بن مصعب المدائني (1) يسأله عن السجود على الزجاج ؟ قال : فلمّا نفذ الكتاب حدّثت نفسي : إنّه ممّا تنبت الأرض ، وإنّهم قالوا : لا بأس بالسجود على ما أنبتت الأرض ، قال : فجاء الجواب :لا تَسجُد ، وَإِن حَدَّثَتكَ نَفسُكَ ، أَنَّهُ مِمَّا أَنبَتَت الأَرضُ ، فَإِنَّهُ مِنَ الرَّملِ وَالمِلحِ ، وَالمِلحُ سَبَخٌ ، وَالرَّملُ سَبَخٌ ، والسَّبَخ بَلَدٌ مَمسُوخٌ (2) . 3

30كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوحأيّوب بن نوح (3) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : أنّ لي حملاً ، فادع اللّه أن يرزقني ابنا . فكتب عليه السلام إليَّ :إِذَا وُلِدَ لَكَ فَسَمِّهِ مُحَمَّدَاً . قال : فولد لي ابن فسمّيته محمّداً . (4)

.


1- .الرجل مجهول ، ذكره الطبري في تاريخه فى قضيّة بيعة الرشيد لابنه محمّد ( راجع : تاريخ الطبري : ج6 ص449 و ج7 ص58 ) .
2- .دلائل الإمامة للطبري : ص414 ، و راجع : كشف الغمّة : ج 3 ص 177 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 175 .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 2 .
4- .كشف الغمّة : ج2 ص385 ، بحار الأنوار : ج50 ص177 ، إثبات الوصية : ص 251 نحوه .

ص: 66

31 . كتابه عليه السلام إلى يحيى بن زكريّا
32 . كتابه عليه السلام إلى رجل من أهل المدائن

31كتابه عليه السلام إلى يحيى بن زكريّاإنّ أيّوب بن نوح قال : كان ليحيى بن زكريّا 1 حمل ، فكتب إلى أبي الحسن عليه السلام : إِنَّ لي حملاً ، ادعُ اللّه لي أن يرزقني ابناً . فكتب عليه السلام إليه :رُبَّ ابنَةٍ خَيرٌ مِن ابنٍ . فولدت له ابنة . (1)

32كتابه عليه السلام إلى رجل من أهل المدائنروي أنّ رجلاً من أهل المدائن كتب إليه يسأله عمّا بقي من مُلك المتوكّل ، فكتب عليه السلام :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم «قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ إِلَا قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذَ لِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَا قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذَ لِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ » (2) .

.


1- .الخرائج و الجرائح : ج1 ص398 ح4 ، كشف الغمّة : ج2 ص385 ، بحار الأنوار : ج50 ص177.
2- .يوسف : 47 _ 49 .

ص: 67

33 . كتابه عليه السلام إلى بعض عمّال المتوكّل

فقُتل في أوّل الخامس عشر . (1)

33كتابه عليه السلام إلى بعض عمّال المتوكّلقال المسعوديّ : حدّثني بعض الثقات قال : كان بين المتوكّل وبين بعض عمّاله من الشيعة معاملة ، فعُملت له مؤامرة أُلزم فيها ثمانون ألف درهم ، فقال المتوكّل : إن باعني غلامه الفلاني بهذا المال فليؤخذ منه ويُخلّى له السبيل . قال الرجل : فأحضرني عبيد اللّه بن يحيى ، وكان يعني بأمري ويحبّ خلاصي ، فعرّفني الخبر . ووصف سروره بما جرى ، وأمرني بالإشهاد على نفسي ببيع الغلام ، فانعمت له ، ووجّه لإحضار العدول ، وكتب العهدة ، فقلت في نفسي : واللّه ما بعته غلاماً وقد ربّيته وقد عرف بهذا الأمر واستبصر فيه ، فيملكه طاغوت ، فإنّ هذا حرام عليَّ ، فلمّا حضر الشهود واُحضر الغلام فأقرّ لي بالعبوديّة ، قلت للعدول : اشهدوا إنّه حرّ لوجه اللّه . فكتب عبيداللّه بن يحيى بالخبر ، فخرج التوقيع : أن يقيّد بخمسين رطلاً ، ويغلّ بخمسين ، ويوضع في أضيق الحبوس . قال : فوجّهت بأولادي وجميع أسبابي إلى أصدقائي وإخواني يعرّفونهم الخبر ، ويسألونهم السعي في خلاصي ، وكتبت بعد ذلك بخبري إلى أبي الحسن عليه السلام . فوقّع إليّ :لا وَاللّهِ لا يَكُونُ الفَرَجُ حَتَّى تَعلَمَ أَنَّ الأَمرَ للّهِ وَحدَهُ .

قال : فأرسلت إلى جميع من كنت راسلته وسألته السعي في أمري ، أسأله أن لا يتكلّم ولا يسعى في أمري ، وأمرتُ أسبابي ألّا يعرّفوا خبري ولا يسيروا إلى زائرٍ منهم . فلمّا كان بعد تسعة أيّام فُتحت الأبواب عنّي ليلاً ، فُحملت ، فاُخرجت بقيودي ، فاُدخلت إلى عبيد اللّه بن يحيى ، فقال لي وهو مستبشر : ورد عليَّ الساعة توقيع أمير المؤمنين يأمرني بتخلية سبيلك . فقلت له : إنّي لا أحبّ أن يحلّ قيودي

.


1- .إثبات الوصيّة : ص 254 ، عيون المعجزات : ص120 ، بحار الأنوار : ج50 ص185 نقلاً عنه.

ص: 68

34 . كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوح
35 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الريّان بن الصلت

حتّى تكتب إليه تسأله عن السبب في إطلاقي ، فاغتاظ عليّ واستشاط غضبا ، وأمرني فنُحّيت من بين يديه . فلمّا أصبح ركب إليه ثمّ عاد فأحضرني وأعلمني أنّه رأى في المنام كأنّ آتيا أتاه وبيده سكّين ، فقال له : لئن لم تخلّ سبيل فلان بن فلان لأذبحنّك ، وأنّه انتبه فزعا فقرأ وتعوّذ ونام ، فأتاه الآتي فقال له : أليس أمرتك بتخلية سبيل فلان ؟ لئن لم تخلّ سبيله الليلة لأذبحنّك ، فانتبه مذعورا ، وداخله شأن في تخليتك ونام ، فعاد إليه الثالثة فقال له : واللّه لئن لم تخلّ سبيله في هذه الساعة لأذبحنّك بهذا السكّين ، قال : فانتبهت ووقّعت إليك بما وقّعت . قال : ثمّ نمت فلم أر شيئا ، فقلت له : أمّا الآن فتأمر بحلّ قيودي . فحلّوها ، فخرجت إلى منزلي وأهلي ولم أرد من المال درهما . (1)

34كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوحأيّوب بن نوح (2) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : قد تعرّض لي جعفر بن عبد الواحدالقاضي وكان يؤذيني بالكوفة ، أشكو إليه ما ينالني منه مِن الأذى . فكتب إليّ :تُكفَى أَمرَهُ إِلى شَهرَينِ . فعُزل عن الكوفة في شهرين واسترحت منه . (3)

35كتابه عليه السلام الى محمّد بن الريّان بن الصلتمحمّد بن الريّان بن الصلت (4) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أستأذنه في كيد عدوٍّ لم يُمكن كيده ، فنهاني عن ذلك ، وقال كلاما معناه :تُكفَاهُ .

.


1- .إثبات الوصيّة : ص 255 .
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 2 .
3- .كشف الغمّة : ج 2 ص 385 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 177 نقلاً عنه.
4- .اُنظر ترجمته في الرقم 12 .

ص: 69

36 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد الحجّال
37 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار

فكُفيته واللّه أحسن كفاية ، ذلّ وافتقر ومات في أسوأ الناس حالاً في دنياه ودينه . (1)

36كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد الحجّالعليّ بن محمّد الحجّال (2) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : أنا في خدمتك ، وأصابني علّة في رِجلي لا أقدر على النهوض والقيام بما يجب، فإن رأيت أن تدعو اللّه يكشف علّتي ويعينني على القيام بما يجب عليّ ، وأداء الأمانة في ذلك ، ويجعلني من تقصيري من غير تعمّد منّي وتضييع مال أتعمّده من نسيان يصيبني في حلّ ، ويوسّع عليّ ، وتدعو لي بالثبات على دينه الّذي ارتضاه لنبيّه صلى الله عليه و آله . فوقّع عليه السلام :كَشَفَ اللّهُ عَنكَ وَعَن أَبِيكَ . قال : وكان بأبي علّة ولم أكتب فيها ، فدعا له ابتداءً . (3)

37كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارالحسن بن عليّ السرسونيّ ، عن إبراهيم بن مهزيار ، قال : كان أبو الحسن عليه السلام كتب إلى عليّ بن مهزيار (4) يأمره أن يعمل له مقدار الساعات ، فحملناه إليه في سنة ثمان وعشرين ، فلمّا صرنا ب سَيالة (5) كتب يعلمه قدومه ويستأذنه في المصير إليه ، وعن

.


1- .كشف الغمّة : ج2 ص388 ، بحار الأنوار : ج50 ص180 نقلاً عنه.
2- .عليّ بن محمّد الحجّال : الرجل مجهول ، ولم نعثر له ترجمة في الرجال والسيَر ، لعلّه أخو عبد اللّه بن محمّد الأسديّ الحجّال الثقة .
3- .كشف الغمّة : ج2 ص388 ، بحار الأنوار : ج50 ص180 ح56 نقلاً عنه.
4- .اُنظر ترجمته في الرقم 21 .
5- .السَيالة _ بفتح أوّله وتخفيف الثانية _ : أرض يطؤها طريق الحاجّ . قيل : هي أوّل مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكّة ( راجع : معجم البلدان : ج3 ص292 ) .

ص: 70

الوقت الّذي نسير إليه فيه ، واستأذن لإبراهيم . فورد الجواب بالإذن ، إنّا نصير إليه بعد الظهر . فخرجنا جميعاً إلى أن صرنا في يوم صائف شديد الحرّ ، ومعنا مسرور غلام عليّ بن مهزيار ، فلمّا أن دنوا من قصره إذا بلال قائم ينتظرنا ، وكان بلال غلام أبي الحسن عليه السلام ، فقال : ادخلوا . فدخلنا حجرة وقد نالنا من العطش أمر عظيم ، فما قعدنا حيناً حتّى خرج إلينا بعض الخدم ومعه قلال من ماء أبرد ما يكون ، فشربنا . ثمّ دعا بعليّ بن مهزيار ، فلبث عنده إلى بعد العصر ، ثمّ دعاني ، فسلّمت عليه واستأذنته أن يناولني يده فاُقبّلها ، فمدّ يده عليه السلام فقبّلتها ، ودعاني وقعدت ، ثمّ قمت فودّعته ، فلمّا خرجت من باب البيت ناداني فقال :يا إِبرَاهِيمَ ! فقلت : لبّيك يا سيّدي . فقال : لا تَبرَح . فلم نَزَل جالساً ومسرور غلامنا معنا ، فأمر أن يُنصب المِقدار (1) ، ثمّ خرج عليه السلام فاُلقي له كرسيّ فجلس عليه ، واُلقي لعليّ بن مهزيار كرسيّ عن يساره فجلس ، وكنت أنا بجنب المقدار ، فسقطت حصاة ، فقال مسرور : هَشت . فقال : هشت ثَمَانِيَةَ ؟ فقلنا : نعم يا سيّدنا . فلبثنا عنده إلى المساء ، ثمّ خرجنا فقال لعليّ : رُدَّ إِليَّ مَسرُورَاً بِالغَدَاةِ . فوجّهه إليه ، فلمّا أن دخل قال له بالفارسيّة : بار خدايا چون . فقلت له : نيك يا سيّدي ! فمرّ نصر ، فقال لمسرور : در ببند ، در ببند . فأغلق الباب . ثمّ ألقى رداه عليّ يخفيني من نصر ، حتّى سألني عمّا أراد ، فلقيه عليّ بن مهزيارفقال له :

.


1- .المقدار : آلة يعيّن بها ساعات الليل والنهار ( راجع : المعجم الوسيط : ص719 ) .

ص: 71

38 . كتابه عليه السلام إلى بعض تجّار المدينة

كُلُّ هَذَا خَوفاً (1) مِن نَصرٍ ! فقال : يا أبَا الحسن ، يكاد خوفي من عمروِ بن قَرحٍ . (2)

38كتابه عليه السلام إلى بعض تجّار المدينةأحمد بن هارون قال : كنت جالساً اُعلّم غلاماً من غِلمانه في فازة (3) داره فيها بستان ، إذ دخل علينا أبو الحسن عليه السلام راكباً على فرسٍ له ، فقمنا إليه فسبقنا ، فنزل قبل أن ندنو منه ، فأخذ بعنان (4) فرسه بيده ، فعلّقه في طُنُبٍ (5) من أطناب الفازة ، ثمّ دخل فجلس معنا ، فأقبل عليَّ فقال :مَتَى رَأيُكَ أَن تَنصَرِفَ إِلَى المَدِينَةِ ؟ فقلت : الليلة . قال : فَاكتُب إِذَن كِتَاباً مَعَكَ تُوصِلُهُ إِلَى فُلَانٍ التَّاجِرِ ؟ قلت : نعم . قال : يا غُلَامُ ، هَاتِ الدَّوَاةَ والقِرطَاسِ . فخرج الغلام ليأتي بهما من دارٍ اُخرى ، فلمّا غاب الغلام صهل الفرس وضرب بذنبه ، فقال له بالفارسيّة : مَا هَذَا القَلَقُ ؟ فصهل الثانية فضرب بذنبه . فقال له بالفارسيّة : لِي حاجَةٌ أُرِيدُ أَن أَكتُبُ كِتَاباً إِلَى المَدِينَةِ ، فَاصبِر حَتَّى أَفرَغُ . فصهل الثانية وضرب بيده ، فقال له _ بالفارسيّة _ : اقلَع ، فَامضِ إِلَى نَاحِيَةِ البُستَانِ ، وَبُل هُناكَ وَرُث ، وَارجِع ، فَقِف هُنَاكَ مَكَانَكَ .

.


1- .في المصدر : « حرفاً » بدل « خوفاً » ، و في بحار الأنوار : « خوفاً » بدل « حرفاً » وما أثبتناه من بحار الأنوار .
2- .بصائر الدرجات : ص337 ح15 ، بحار الأنوار : ج50 ص131 ح13 نقلاً عنه ، وراجع : المناقب لابن شهرآشوب : ج4 ص333.
3- .الفازة : مظلّة من نسيج أو غيره ، تمدّ على عمودٍ أو عمودين .
4- .العنان : سير اللجام .
5- .الطُنُب : حبل طويل يُشدّ به سرادق البيت .

ص: 72

فرفع الفرس رأسه وأخرج العنان من موضعه ، ثمّ مضى إلى ناحية البستان حتّى لا نراه في ظهر الفازة ، فبال وراث ، وعاد إلى مكانه . فدخلني من ذلك ما اللّه به عليم ، فوسوس الشيطان في قلبي ، فقال : يا أَحمَدُ ، لا يُعَظِّمُ عَلَيكَ مَا رَأَيتَ ، إِنَّ مَا أَعطَى اللّهُ مُحَمَّدَاً وَآلَ مُحَمَّدٍ أَكثَرُ مِمَّا أَعطَى دَاوُودَ وَآلَ دَاوُودَ . قلتُ : صدق ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فما قال لك وما قلت له فهمته . فقال : قَالَ لِي الفَرَسُ : قُم فَاركَب إِلَى البَيتِ حَتَّى تَفرُغَ عَنِّي ، قُلتُ : مَا هَذَا القَلَقُ ؟ قال : قَد تَعِبتُ ، قُلتُ : لِي حَاجَةٌ أُرِيدُ أَن أكتُبُ كِتَاباً إِلَى المَدِينَةِ ، فَإِذَا فَرَغتُ رَكِبتُكَ ، قَالَ : إِنِّي أُرِيدُ أَن أَرُوثَ وَأَبُولَ ، وَأَكرَهُ أَن أَفعَلَ ذَلِكَ بَينَ يَدَيكَ ، فَقلُتُ : اذهَب إِلَى نَاحِيَةِ البُستانِ فَافعَل مَا أَرَدتَ ، ثُمَّ عُد إِلَى مَكانِكَ . فَفَعَلَ الَّذِي رَأَيتَ . ثمّ أقبل الغلام بالدواة والقرطاس _ وقد غابت الشمس _ فوضعها بين يديه ، فأخذ في الكتابة حتّى أظلم الليل فيما بيني وبينه ، فلم أر الكتاب ، وظننت أنّه قد أصابه الّذي أصابني . فقلت للغلام : قم فهات بشمعة من الدار حتّى يبصر مولاك كيف يكتب . فمضى ، فقال للغلام : لَيسَ إِلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ . ثمّ كتب كتاباً طويلاً إلى أن غاب الشفق ، ثمّ قَطَعه فقال للغلام : أَصلِحهُ. وأخذ الغلام الكتاب ، وخرج من الفازة ليصلحه ، ثمّ عاد إليه وناوله ليختمه ، فختمه من غير أن ينظر الخاتم مقلوباً أو غير مقلوب ، فناولني ( الكتاب ) فأخذت ، فقمت لأذهب ، فعرض في قلبي قبل أن أخرج من الفازة أصلّي قبل أن آتي المدينة . قال : يا أَحمَدُ صَلِّ المَغرِبَ وَ العِشَاءَ الآخِرَةَ فِي مَسجِدِ الرَّسُول صلى الله عليه و آله ثُمَّ اطلُبِ الرَّجُلَ فِي الرَّوضَةِ ، فَإِنَّكَ تُوَافِيهُ ، إِن شَاءَ اللّهُ . قال : فخرجت مبادراً ، فأتيت المسجد وقد نودي العشاء الآخرة ، فصلّيت المغرب ثمّ صلّيت معهم العتمة (1) و طلبت الرجل حيث أمرني فوجدته ، فأعطيته

.


1- .العتمة : صلاة العشاء أو وقت صلاة العشاء الآخرة . قيل : والوجه في تسمية صلاة العشاء بالعتمة ؛ لأنّ الأعراب يعتمون بالإبل في المرعى ، فلا يأتون بها إلّا بعد العشاء الآخرة ، فيسمّون ذلك الوقت : عتمة ( مجمع البحرين : ج3 ص119 ) .

ص: 73

39 . توقيعه عليه السلام لمحمّد بن الفَرج
40 . كتابه عليه السلام لمن سأله

الكتاب ، فأخذه ففضّه ليقرأه ، فلم يتبيّن قراءة في ذلك الوقت ، فدعا بسراج ، فأخذته فقرأته عليه في السراج في المسجد ، فإذا خطّ مستوٍ ليس حرفٌ ملتصقاً بحرفٍ ، وإذا الخاتم مستوٍ ليس بمقلوب ، فقال لي الرجل : عد إليّ غداً حتّى أكتب جواب الكتاب . فغدوت ، فكتب الجواب فمضيت به إليه . فقال : أَلَيسَ قَد وَجَدتَ الرَّجُلَ حَيثُ قُلتُ لَكَ ؟ فقلت : نعم . قال : أَحسَنتَ . (1)

39توقيعه عليه السلام لمحمّد بن الفَرجمحمّد بن الفَرج (2) قال : قال لي عليّ بن محمّد الهادي عليه السلام :إِذَا أَردَتَ أَن تَسأَلَ مَسأَلَةً فَاكتُبهَا ، وَضَعِ الكِتَابَ تَحتَ مُصَلَاكَ ، وَدَعهُ سَاعَةً ، ثُمَّ أَخرجِهُ وَانظُر فيهِ . قال : ففعلت ، فوجدت جواب ما سألت عنه موقّعاً فيه . (3)

40كتابه عليه السلام لمن سألهقال السيّد ابن طاووس بإسناده من كتاب الرسائل للكليني عمّن سمّاه ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : أنّ الرجل يجب (4) أن يفضي (5) إلى إمامه ما يجب أن يفضي إلى

.


1- .الخرائج و الجرائح : ج1 ص408 ح14 ، بحار الأنوار : ج50 ص153 ح40 نقلاً عنه .
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 6 .
3- .الخرائج والجرائح : ج1 ص419 ح22 ، كشف المحجّة : ص153 ، كشف الغمّة : ج3 ص189 ، بحار الأنوار : ج50 ص155 ح41 .
4- .في البحار : « يحبّ » بدل « يجب » وكذا بعده .
5- .الإفضاء : في الحقيقة الانتهاء ( راجع : لسان العرب : ج15 ص157 ) .

ص: 74

ربّه . قال : فكتب عليه السلام :إِن كَانَ لَكَ حَاجَةٌ فَحَرِّك شَفَتَيكَ ، فَإنَّ الجَوَابَ يَأتِيكَ . (1)

.


1- .كشف المحجّة : ص211 ، بحار الأنوار ، ج50 ص155 ح42 وج53 ص306 وج94 ص22 ح18 .

ص: 75

الفصل الرابع : في مكاتيبه الفقهيّة عليه السلام

اشاره

الفصل الرّابع: في مكاتيبه الفقهيّة عليه السلام

.

ص: 76

. .

ص: 77

41 . كتابه عليه السلام إلى داوود بن فرقد الفارسيّ في اختلاف الأخبار

41كتابه عليه السلام إلى داوود بن فرقد الفارسيّفي اختلاف الأخبارمحمّد بن عيسى قال : أقرأني داوود بن فرقد الفارسيّ 1 كتابَهُ إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام وجوابَهُ بخَطِّه ، فقال : نَسألُك عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك ، قد اختلفوا علينا فيه ، كيف العمل به على اختلافه إذا نردُّ إليك فقد اختُلف فيه ؟ فكتب وقرأته :مَا عَلِمتُم أنَّهُ قَولُنَا فَاَلزَمُوهُ ، وَمَا لَم تَعلَمُوا فَرُدُّوهُ إِلَينَا . (1)

.


1- .بصائر الدرجات : ص524 ح26 ، مستطرفات السرائر : ص69 ح17 ، وفيه : « في كتاب مسائل الرجال من مسائل محمّد بن عليّ بن عيسى ، حدّثنا محمّد بن أحمد بن زياد وموسى بن محمّد ، عن محمّد بن عليّ بن عيسى ، قال : كتبت إلى الشيخ أعزّه اللّه وأيّده . . . وسألته عن العلم المنقول إلينا . . . » ، بحار الأنوار : ج2 ص241 ح33 نقلاً عن البصائر : ص245 ح55 ، وسائل الشيعة : ج27 ص119 ح33369 نقلاً عن السرائر .

ص: 78

42 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن حاتم بن ماهويه وأخيه في أخذ معالم الدين

42كتابه عليه السلام إلى أحمد بن حاتم بن ماهويه وأخيهفي أخذ معالم الدينأبو محمّد جبريل بن محمّد الفاريابيّ ، قال : حدّثني موسى بن جعفر بن وهب ، قال : حدّثني أبو الحسن أحمد بن حاتم بن ماهويه 1 ، قال : كتبت إليه _ يعني أبا الحسن الثالث عليه السلام _ أسأله عمّن آخذ معالم ديني ، وكتب أخوه أيضاً بذلك ؟ فكتب إليهما :فَهِمتُ مَا ذَكَرتُمَا ، فَاصمِدَا فِي دِينِكُما عَلَى مُستَنٍّ فِي حُبِّنَا وكُلِّ كَبِيرِ التَّقدُّمِ (1) فِي أَمرِنَا ، فَإِنَّهُم كَافُوكُمَا إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . (2)

.


1- .في البحار : «فاعتمدا في دينكما على مسنّ في حبّكما و كلّ كثير القدم » بدل « فاصمدا في دينكما على مستنّ في حبّنا وكلّ كبير التقدّم » ، وفي الوسائل : « فاصمدا في دينكما على مسنّ في حبّنا وكلّ كثير القدم في أمرنا فإنّهما » بدل « فاصمدا في دينكما على مستنّ في حبّنا وكلّ كبير التقدّم في أمرنا فإنّهم » .
2- .رجال الكشّي : ج 1 ص 15 الرقم 7 ، بحار الأنوار : ج2 ص 82 ح 3 نقلاً عنه ، وسائل الشيعة : ج 27 ص 151 ح 33460.

ص: 79

باب الطهارة
43 . كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوح في الوضوء ( المسح على الرجلين )
44 . كتابه عليه السلام إلى رجل في الأحداث الموجبة للطهارة
45 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن هلال في الاستبراء من الجنابة بالبول قبل الغسل

باب الطهارة43كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوحفي الوضوء ( المسح على الرجلين )أحمد بن محمّد عن أبيه ، عن سعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد ، عن أيّوب بن نوح (1) ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن المسح على القدمين . فقال :الوُضُوءُ بِالمَسحِ ، وَلا يَجِبُ فِيهِ إِلَا ذَلِكَ ، وَمَن غَسَلَ فَلا بَأسَ . (2)

44كتابه عليه السلام إلى رجلفي الأحداث الموجبة للطهارةالصفّار عن محمّد بن عيسى ، قال : كتب إليه رجل : هل يجب الوضوء ممّا خرج من الذكَر بعد الاستبراء ؟ فكتب عليه السلام :نَعَ_م . (3)

45كتابه عليه السلام إلى أحمد بن هلالفي الاستبراء من الجنابة بالبول قبل الغسلمحمّد بن الحسن الصفّار عن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن هلال 4 ، قال : سألته

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 2 .
2- .تهذيب الأحكام : ج1 ص64 ح180 ، الاستبصار : ج1 ص65 ح195 ، وسائل الشيعة : ج1 ص421 ح1100 .
3- .تهذيب الأحكام : ج1 ص28 ح72 ، الاستبصار : ج1 ص49 ح138 ، وسائل الشيعة : ج1 ص285 ح752 .

ص: 80

46 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد الرحمن الهمداني في سقوط فرض الوضوء

عن رجلٍ اغتسل قبل أن يبول ؟ فكتب عليه السلام :إِنَّ الغُسلَ بَعدَ البَولِ ، إِلَا أَن يَكونَ ناسِياً فَلا يُعِيدُ مِنهُ الغُسلَ . (1)

46كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد الرحمن الهمدانيفي سقوط فرض الوضوء عند غسل الجمعةسَعدُ بن عبد اللّه ، عن الحسن بن عليّ بن إبراهيم بن محمّد ، عن جدّه إبراهيم بن محمّد أنّ محمّد بن عبد الرحمن الهمداني (2) كتب إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام يسأله عن

.


1- .تهذيب الأحكام :ج1ص145ح410 ، الاستبصار:ج1ص120ح407 ، وسائل الشيعة:ج2ص252 ح20876.
2- .لعلّه متّحد مع محمّد بن عبد اللّه النوفليّ الهمدانيّ الّذي عدّه الشيخ من أصحاب الهادي عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 391 الرقم 5756 ) .

ص: 81

47 . كتابه عليه السلام إلى جعفر بن محمّد بن يونس في الجُنُب يختضب ويدهن
48 . كتابه عليه السلام إلى القاسم بن الصيقل في غسل الميّت

الوضوء للصلاة في غُسل الجمعة ؟ فكتب :لا وُضُوءَ لِلصَّلاةِ فِي غُسلِ يَومِ الجُمُعَةِ وَلا غَيرِهِ . (1)

47كتابه عليه السلام إلى جعفر بن محمّد بن يونسفي الجُنُب يختضب ويدهنأبو القاسم جعفر بن محمّد عن أبيه ، عن سعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن الحسن بن علّان ، عن جعفر بن محمّد بن يونس (2) ، أنّ أباه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الجُنُب أيختضب ، أو يجنب وهو مختضب ؟ فكتب :لا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ . (3)

48كتابه عليه السلام إلى القاسم بن الصيقلفي غسل الميّتمحمّد بن الحسن الصفّار عن محمّد بن عيسى ، عن القاسم بن الصيقل 4 ، قال : كتبت

.


1- .تهذيب الأحكام : ج1 ص141 ح88 ، الاستبصار : ج1 ص126 ح6 ، وسائل الشيعة : ج2 ص244 ح2056.
2- .هو جعفر بن محمّد بن يونس الأحول الصيرفي ، مولى بجيلة ، ثقة ، روى عن أبي جعفر الثاني عليه السلام ، له كتاب نوادر ، وعُدّ من أصحاب الجواد والهادي عليهماالسلام ، وكذا عُدّ من أصحاب الرضا عليه السلام ، ولكن ردّ ذلك السيّد الخوئي بقوله : « لم يثبت . . . » وقال عنه : « روى كتاب أبيه عن ابن الحسن عليه السلام . . . » ، وفي هذا الخبر نُسب إلى جدّه « جعفر » ، أي : «جعفر بن يونس» ( راجع : رجال النجاشي : ج1 ص120 الرقم307 ، الفهرست للطوسي : ص112 الرقم149 ، رجال الطوسي : ص374 الرقم5533 وص 385 الرقم5662 ، رجال البرقي : ص132 الرقم1515 ، معجم رجال الحديث : ج4 ص124 الرقم21093 وراجع : ص 39 الرقم 13 ) .
3- .تهذيب الأحكام : ج1 ص181 ح91.

ص: 82

49 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن القاسم
50 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلال في وضع الجريدتين مع الميت

إليه : جُعلت فداك ، هل اغتَسلَ أميرُ المؤمنين حين غسّل رسولَ اللّه صلى الله عليه و آله عند موته ؟ فأجابه عليه السلام :النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله طَاهِرٌ مُطَهَّرٌ ، وَلكِن أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عليه السلام فَعَلَ وَجَرَت بِهِ السُّنَّةُ . (1)

49كتابه عليه السلام إلى أحمد بن القاسمعليّ بن الحسين _ يعني ابن بابَوَيه _ عن سعد بن عبد اللّه ، عن أيّوب بن نوح ، قال : الغاسل يغسّله وعنده جماعة عن المُرجِئَة ، هل يغسّله غُسل العامّة ولا يعمّمه ولا يصيّر معه جريدةً ؟ فكتب :يُغَسِّلُهُ غُسلَ المُؤمِنِ وَإِن كانُوا حُضُورَاً ، وَأَمَّا الجَرِيدَهُ فَليَستَخفِ بِها ولا يَرَونَهُ ، وَليَجهَد فِي ذَلِكَ جَهدَهُ . (2)

50كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلالفي وضع الجريدتين مع الميتكتب علي بن بلال (3) إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام : الرجلُ يموت في بلادٍ ليس فيها

.


1- .تهذيب الأحكام : ج1 ص108 ح281 ، وص469 ح1541 بإسناده عن محمّد ، عن محمّد بن عيسى العبيديّ ، عن الحسين بن عبيد ، عن الصادق عليه السلام ، والظاهر المراد به الهادي عليه السلام أيضاً ( راجع : الجامع في الرجال : ج1 ص610 ، الاستبصار : ج1 ص99 ح323 ، وسائل الشيعة : ج3 ص291 ح3677 ) .
2- .تهذيب الأحكام : ج1 ص448 ح96 ، وسائل الشيعة : ج3 ص23 ح2926 .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 1 .

ص: 83

51 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلال
52 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلال في فرش القبر عند الاحتياج

نخل ، فهل يجوز مكان الجريدة شيء من الشجر غير النخل ، فإنّه قد رُوي عن آبائكم : أنّه يتجافى عنه العذابُ مادامت الجريدتان رطبتين ، وأنّها تنفع المؤمن والكافر ؟ فأجاب عليه السلام :يَجُوزُ مِن شَجَرٍ آخَرَ رَطبٍ . (1)

51كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلالعليّ بن إبراهيم عن عليّ بن محمّد القاسانيّ ، عن محمّد بن محمّد (2) ، عن عليّ بن بلال (3) أنّه كتب إليه : يسأله عن الجريدة إذا لم نجد نجعلُ بدلها غيرها في موضعٍ لا يمكن النخل . فكتب :يَجُوزُ إِذَا أُعوِزَتِ (4) الجَرِيدَةُ ، وَالجَرِيدَةُ أَفضَلُ . (5)

52كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلالفي فرش القبر عند الاحتياجعليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن عليّ بن محمّد القاسانيّ (6) ، قال : كتب عليّ بن

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص144 ح404 ، وسائل الشيعة : ج3 ص24 ح2929 .
2- .محمّد بن محمّد : مشترك بين عدّة أشخاص ، يعرف بالراوي والمروي عنه ، و«محمّد بن محمّد» من دون توصيف في هذه الطبقة مجهول ، كما ذهب إليه السيّد البروجردي قائلاً : « لا أعرفه في هذه الطبقة » ( الموسوعة الرجالية : ج4 ص347 ) ووقع في طريق النجاشي إلى كتاب عليّ بن بلال بن أبي معاوية ( رجال النجاشي : ص265 ح690 ) ، وورد في موضع آخر من التهذيب و الفقيه فيهما : « محمّد بن أحمد بن يحيى ، قال : حدّثنا محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن محمّد ، قال : كتب عليّ بن بلال إلى أبي الحسن عليه السلام يعني عليّ بن محمّد عليه السلام . . . » ( تهذيب الأحكام : ج9 ص205 ح10 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص233 ح5556 ) .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 1 .
4- .أعوزّ الشيء : عزّ فلم يوجد ( المعجم الوسيط : ص636 ) .
5- .الكافي : ج3 ص153 ح11 ، تهذيب الأحكام : ج1 ص294 ح86 ، وسائل الشيعة : ج3 ص24 ح2930.
6- .الظاهر وقوع السقط في السند ، والصواب ما في التهذيب : « بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن عليّ بن محمّد القاسانيّ ، عن محمّد بن محمّد ، قال : كتب عليّ بن بلال إليه : إنّه ربّما . . . » .

ص: 84

باب النجاسات
53 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الريّان في الثوب يصيبه الدم
54 . كتابه عليه السلام إلى الفتح بن يزيد الجرجانيّ في جلود الميتة

بلال (1) إلى أبي الحسن عليه السلام : أ نّه رُبّما مات الميّت عندنا وتكون الأرض نديّةً ، فنفرش القبر بالساج ، أو نطبق عليه ، فهل يجوز ذلك ؟ فكتب عليه السلام :ذَلِكَ جَائِزٌ . (2)

باب النجاسات53كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الريّانفي الثوب يصيبه الدمعليّ بن محمّد عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الريان (3) ، قال : كتبت إلى الرجل عليه السلام : هل يجري دم البقّ مجرى دم البراغيث ؟ وهل يجوز لأحد أن يقيس بدم البقّ على البراغيث فيصلّي فيه ، وأن يقيس على نحو هذا فيعمل به ؟ فوقّع عليه السلام :يَجُوزُ الصَّلاةُ ، وَالطُّهرُ مِنهُ أَفضَلُ . (4)

54كتابه عليه السلام إلى الفتح بن يزيد الجرجانيّفي جلود الميتةعليّ بن إبراهيم عن المُختار بن محمّد بن المُختار ومحمّد بن الحسن ، عن عبد اللّه بن الحسن العلويّ ، جميعاً عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ 5 ، عن أبي الحسن عليه السلام

.


1- .مرّ ترجمته في الرقم 1 .
2- .الكافي : ج3 ص197 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج1 ص456 ح1488 ، وسائل الشيعة : ج3 ص188 ح3366 .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 12 .
4- .الكافي :ج 3 ص 60 ح 9 ، تهذيب الأحكام : ج 1 ص 260 ح 754 ، وسائل الشيعة : ج 3 ص 436 ح 4091.

ص: 85

باب الصلاة
55 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرج في أوقات الصلاة

قال : كتبت إليه عليه السلام أسأله عن جلود الميتة الّتي يُؤكل لحمها إن ذُكّي ؟ فكتب عليه السلام :لا يُنتَفَعُ مِنَ المَيتَةِ بِإِهَابٍ وَلا عَصَبٍ ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنَ السِّخَالِ مِنَ الصُّوفِ إِن جُزَّ ، وَالشَّعرِ وَالوَبَرِ وَالإنفَحَةِ وَالقَرنِ (1) ، وَلا يُتَعَدَّى إِلَى غَيرِهَا إِن شَاءَ اللّهُ (2)

باب الصلاة55كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرجفي أوقات الصلاةسعد عن موسى بن جعفر ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ميمون بن يوسف النحّاس ، عن محمّد بن الفرج (3) ، قال : كتبت أسأل عن أوقات الصلاة ؟ فأجاب عليه السلام :إِذَا زَالَتِ الشَّمسُ فَصَلِّ سُبحَتَكَ ، وَأُحِبُّ أَن يَكُونَ فَرَاغُكَ مِنَ الفَرِيضَةِ وَالشَّمسُ عَلَى قَدَمَينِ ، ثُمَّ صَلِّ سُبحَتَكَ ، وَأُحِبُّ أَن يَكُونَ فَرَاغُكَ مِنَ العَصرِ وَالشَّمسُ عَلَى أَربَعَةِ أَقدَامٍ ، فَإِن عَجَّلَ بِكَ أَمَرٌ فَابدَأ بِالفَرِيضَتَينِ وَاقضِ النَّافِلَةَ بَعدَهُمَا ، فَإِذَا طَلَعَ الفَجرُ فَصَلِّ الفَرِيضَةَ ثُمَّ اقضِ بَعدُ مَا شِئتَ . (4)

.


1- .و زاد في التهذيب : «القرن ينتفع بها» بدل «القرن» .
2- .الكافي : ج6 ص258 ح6 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص76 ح58 ، الاستبصار : ج4 ص89 ح1 ، وسائل الشيعة : ج24 ص185 ح30300 .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 6 .
4- .تهذيب الأحكام :ج2 ص250 ح991 ،الاستبصار :ج1 ص255 ح914 ،وسائل الشيعة :ج4 ص149 ح4771 .

ص: 86

56 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد في وقت صلاة الظهر والعصر
57 . كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه

56كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّدفي وقت صلاة الظهر والعصرالحسين بن سعيد عن أحمد بن محمّد (1) ، قال : سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر ؟ فكتب عليه السلام :قَامَةٌ لِلظُّهرِ ، وَقامَةٌ لِلعَصرِ . (2)

57كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهسعد بن عبد اللّه عن محمّد بن أحمد بن يحيى 3 ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام روي عن آبائك القدم والقدمين والأربع ، والقامة والقامتين ، وظلّ مثلك والذراع والذراعين ؟ فكتب عليه السلام :لا القَدَمِ وَلا القَدَمَينِ ، إِذَا زَالَتِ الشَّمسُ فَقَد دَخَلَ وَقتُ الصَّلاتَينِ وَبَيَنَ يَدَيهَا سُبحَةٌ وَهِيَ ثَمَانُ رَكَعَاتٍ ، فَإِن شِئتَ طَوَّلتَ ، وَإِن شِئتَ قَصَّرتَ ، ثُمَّ صَلِّ صَلاةَ الظُّهرِ ، فَإِذَا فَرَغتَ كَانَ بَينَ الظُّهرِ وَالعَصرِ سُبحَةٌ وَهِيَ ثَمَانُ رَكَعَاتٍ ، إِن شِئتَ طَوَّلتَ ، وَ إِن شِئتَ قَصَّرتَ ، ثُمَّ صَلِّ العَصِرَ . (3)

.


1- .الظاهر أنّ المراد هو أحمد بن محمّد بن عيسى . راجع : ترجمته في الرقم 106 .
2- .تهذيب الأحكام : ج2 ص21 ح61 ، الاستبصار : ج1 ص248 ح890 ، وسائل الشيعة : ج4 ص144 ح4752 .
3- .تهذيب الأحكام :ج2ص249ح990 ، الاستبصار :ج1ص254ح913 ، وسائل الشيعة :ج4 ص134 ح4727 .

ص: 87

58 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الريّان في وقت المغرب والعشاء
59 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن عيسى في لباس ومكان المصّلي

58كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الريّانفي وقت المغرب والعشاءعليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن الريّان 1 ، قال : كتبتُ إليه : الرجل يكون في الدار تمنعه حيطانها النظر إلى حُمرة المغرب ومعرفة مغيب الشفق ووقت صلاة العشاء الآخرة ، متى يصلّيها ؟ وكيف يصنع ؟ فوقّع عليه السلام :يُصَلِّيهَا إِذَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ عِندَ قَصرَةِ النُّجُومِ (1) ، وَالمَغرِبَ عِندَ اشتِباكِهَا ، وَبَياضُ مَغِيبِ الشَّمسِ قَصرَةُ النُّجُومِ إِلَى بَيانِها . (2)

59كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن عيسىفي لباس ومكان المصّليفي كتاب مسائل الرجال من مسائل محمّد بن عليّ بن عيسى : محمّد بن أحمد بن

.


1- .قال المجلسي في التهذيب : عند قصر النجوم ، والعشاء عند اشتباكها وبياض مغيب الشفق . قال محمّد بن الحسن : معنى قصر النجوم بيانها ، وهو الظاهر ، ولعلّه تصحيف من نسّاخ الكتاب . وفي القاموس : «القصر» اختلاط الظلام ، وقصر الطعام قصوراً نما وغلا . ولعلّ تفسير القصر بالبيان مأخوذ من معنى النموّ مجازاً ، أو هو بمعنى بياض النجوم كما أنّ القصّار يطلق على من يبيّض الثوب . وعلى ما في الكتاب يمكن أن يكون المراد بقصرة النجوم ظهور أكثر النجوم ، و باشتباكها ظهور بعض النجوم المشرفة الكبيرة ، ويكون البياض مبتدأ وقصرة النجوم خبره ، أي علامته ذهاب الحمرة من المغرب ، وظهور البياض قصرة النجوم وبيانها عطف بيان أو بدل للقصرة ( مرآة العقول : ج 15 ص 42 ) .
2- .الكافي :ج 3 ص281 ح15 ، تهذيب الأحكام : ج2 ص261 ح1038 ، وسائل الشيعة : ج4 ص205 ح4931 ، بحار الأنوار : ج80 ص67 ح38.

ص: 88

60 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيم الحضيني

محمّد بن زياد وموسى بن محمّد[ ، عن محمّد] بن عليّ بن عيسى 1 ، قال : كتبت إلى الشيخ أعزّه اللّه وأيّده ، أسأله عن الصلاة (1) في الوبر ، أيّ أصنافه أصلح ؟ فأجاب عليه السلام :لا أُحِبُّ الصَّلاةَ فِي شَيءٍ مِنهُ . قال : فرددت الجواب : إنّا مع قومٍ في تقيّةٍ ، وبلادنا بلاد لا يمكن أحداً أن يسافر فيها بلا وبر ، ولا يأمن على نفسه إن هو نزع وبره ، وليس يُمكن الناس كلّهم ما يُمكن الأئمّة ، فما الّذي ترى أن نعمل به في هذا الباب ؟ قال : فرجع الجواب (2) : تَلبَسُ الفَنكَ وَالسَّمُّورَ . (3)

60كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيم الحضيني

.


1- .في الوسائل : « محمّد بن أحمد بن محمّد بن زياد وموسى بن محمّد ، عن محمّد بن عليّ بن عيسى ، قال : كتبت إلى الشيخ _ يعني الهادي عليه السلام _ أسأله عن الصلاة . . . » .
2- .في الوسائل و البحار : « فرجع الجواب إليّ » .
3- .مستطرفات السرائر : ص67 ح12 ، وسائل الشيعة : ج4 ص351 ح5361 ، بحار الأنوار : ج80 ص228 ح18 .

ص: 89

61 . كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم الصيقل وولده
62 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الريّان

سألته عن الرجل يصلّي على السرير وهو يقدر على الأرض ؟ فكتب :لا بَأسَ ، صَلِّ فِيهِ . (1)

61كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم الصيقل وولدهمحمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن أبي القاسم الصيقل (2) وولده (3) قال : كتبوا إلى الرجل عليه السلام : جعلنا اللّه فداك ، إنّا قوم نعمل السيوف ، ليست لنا معيشة ولا تجارة غيرها ، ونحن مضطرّون إليها ، وإنّما علاجنا جلود الميتة والبغال والحمير الأهليّة ، لا يجوز في أعمالنا غيرها ، فيحلّ لنا عملها وشراؤها وبيعها ومسّها بأيدينا وثيابنا ، ونحن نُصلّي في ثيابنا ؟ ونحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيّدنا لضرورتنا ؟ فكتب :اجعَل ثَوباً لِلصَّلاةِ . (4)

62كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الريّانمحمّد بن عليّ بن محبوب عن عليّ بن الريّان (5) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : هل تجوز الصلاة في ثوبٍ يكون فيه شعرٌ من شَعر الإنسان وأظفاره مِن غير أن ينفضه ويلقيه عنه ؟ فوقّع عليه السلام :يَجُوزُ . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج 2 ص 310 ح 1258 ، وسائل الشيعة : ج 5 ص 179 ح 6269 نقلاً عنه .
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 126 .
3- .لم نجد له ترجمة في الرجال والأخبار .
4- .تهذيب الأحكام : ج6 ص376 ح1100 ، وسائل الشيعة : ج17 ص173 ح22281 .
5- .اُنظر ترجمته في الرقم 58 .
6- .تهذيب الأحكام : ج2 ص367 ح1526 ، وسائل الشيعة : ج4 ص382 ح5460 ، بحار الأنوار : ج80 ص258 .

ص: 90

63 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عُقبَة
64 . كتابه عليه السلام إلى رجل

وفي كتاب من لا يحضره الفقيه : سأل عليّ بن الريّان بن الصلت أبا الحسن الثالث عليه السلام عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره ثمّ يقوم إلى الصلاة من غير أن ينفضه من ثوبه ؟ فقال :لا بَأسَ . (1)

63كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عُقبَةعليّ بن مهزيار قال : كتب إليه إبراهيم بن عقبة (2) : عندنا جوارب وتِكَك تُعمل من وبر الأرانب ،فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولاتقيّة ؟ فكتب عليه السلام :لا تَجُوزُ الصَّلاةُ فِيهَا . (3)

64كتابه عليه السلام إلى رجلأحمد بن إدريس عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن عليّ بن مهزيار ، عن رجلٍ سأل الماضي عليه السلام عن الصلاة في الثعالب ؟ فنهى عن الصلاة فيها وفي الثوب الّذي يليها ، فلم أدرِ أيّ الثوبين الّذي يلصق بالوبر ، أو الّذي يلصق بالجلد . فوقّع عليه السلام بخطّه :الَّذِي يَلصَقُ بِالجِلدِ . قال : وذكر أبو الحسن عليه السلام أنّه سأله عن هذه المسألة ؟ فقال :

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص265 ح816 ، وسائل الشيعة : ج 4 ص 382 ح5459 ، بحار الأنوار : ج 73 ص123 ح 16 .
2- .إبراهيم بن عقبة : من أصحاب الهادي عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص383 الرقم5636 ) . وروى عن أبي جعفرٍ الثاني عليه السلام ( الكافي : ج3 ص331 ) ، و أبي الحسن الثالث أو العسكريّ عليهماالسلام ( رجال الكشّي : ج2 ص761 الرقم 875 و ص762 الرقم 879 ) .
3- .الكافي : ج3 ص399 ح9 ، تهذيب الأحكام : ج2 ص206 ح809 وح805 بإسناده عن عليّ بن محبوب ، عن بنان بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن مهزيار ، عن أحمد بن إسحاق الأبهريّ ، الاستبصار : ج1 ص383 ح1451 و1452 ، وسائل الشيعة : ج4 ص356 ح5377 و5379 وص377 ح5441 .

ص: 91

65 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ
66 . كتابه عليه السلام إلى داوود الصرمي

لا تُصَلِّ فِي الثَّوبِ الَّذِي فَوقَهُ ، وَلا فِي الَّذِي تَحتَهُ 1 . (1)

65كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّمحمّد بن أحمد بن يحيى عن عمر بن عليّ بن عمر بن يزيد ، عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (2) ، قال : كتبت إليه : يسقط على ثوبي الوبر والشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقيّة ، ولا ضرورة ؟ فكتب عليه السلام :لا يَجُوزُ الصَّلاةُ فِيهِ . (3)

66كتابه عليه السلام إلى داوود الصرمي

.


1- .الكافي : ج3 ص399 ح 8 ، تهذيب الأحكام : ج2 ص206 ح808 ، الاستبصار : ج1 ص381 ح1446 ، وسائل الشيعة : ج4 ص357 حج5382 .
2- .راجع: «إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ» بالرقم 46 .
3- .التهذيب : ج25 ص209 ح819 ، الاستبصار : ج1 ص384 ح1455 ، وسائل الشيعة : ج4 ص381 ح5457 .

ص: 92

67 . كتابه عليه السلام إلى خيران

سأل رجلٌ أبا الحسن الثالث عليه السلام عن الصلاة في الخزّ يُغشّ بوبر الأرانب . فكتب :يَجُوزُ ذَلِكَ . (1)

67كتابه عليه السلام إلى خيرانعليّ بن محمّد عن سهل بن زياد ، عن خيران الخادم (2) ، قال : كتبتُ إلى الرجل عليه السلام أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير ، أيُصَلَّى فيه أم لا ؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : صلِّ فيه فإنَّ اللّهَ إنّما حرّم شربها ، وقال بعضهم : لا تُصلِّ فيه . فكتب عليه السلام :لا تُصَلِّ فِيهِ ، فَإِنَّهُ رِجسٌ . (3)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج2 ص213 ح834 ، الاستبصار : ج1 ص387 ح1471 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص262 ح809 و فيه « رُوِي عن داوودَ الصَّرميِّ أنَّه قال : سأل رجلٌ ابا الحسن الثالث عليه السلام . . . » ، الاحتجاج : ج2 ص589 وفيه : « عن صاحب العسكر عليه السلام » ، وسائل الشيعة : ج4 ص362 ح5394 ، وج4 ص366 ح5409 ، بحار الأنوار : ج53 ص170 وج80 ص220 و223 .
2- .خيران : خيران الخادم = خيران الأسباطيّ ، وثّقه الشيخ وعدّه من أصحاب الهادي عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص386 الرقم5686 ، رجال البرقي : ص58 ) ، كذا ذكره العلّامة وابن داوود في القسم الأوّل ( راجع : خلاصة الأقوال : ص66 الرقم2 ، رجال ابن داوود : ص142 الرقم568 ) . قال الكشّي في ترجمة خيران الخادم القراطيسي ، بإسناده عنه : وجّهت إلى سيّدي ثمانية دراهم ، ذكر مثله . . . وقال : قلت : جُعلت فداك ، إنّه ربّما أتاني الرجل لك قِبَله الحقّ أو يعرف موضع الحقّ لك ، فيسألني عمّا يعمل به ، فيكون مذهبي أخذ ما يتبرّع في سرّ ؟ قال : اعمل في ذلك برأيك ، فإنّ رأيك رأيي ، ومن أطاعك فقد أطاعني . قال أبو عمرو وهذا يدلّ على أنّه كان وكيله . ولخيران هذا مسائل يرويها عنه وعن أبي الحسن عليه السلام . وذكره الكشّي في أصحاب الجواد والعسكريّ عليهماالسلام ( رجال الكشّي : ج2 ص867 الرقم 1132 وص868 الرقم1134 ) . وله أخبار يدلّ على وثاقته وجلالته وعظم منزلته عند الإمام عليه السلام ( راجع : رجال الكشّي : ج2 ص867 الرقم1132 ) .
3- .الكافي :ج 3 ص 405 ح 5 ، وسائل الشيعة : ج3 ص 418 ح 4037 .

ص: 93

68 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيم
69 . كتابه عليه السلام إلى جعفر بن محمّد بن يونس

68كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيمعليّ بن إبراهيم عن أحمد بن عِبديلٍ ، عن ابن سنان ، عن عبد اللّه بن جندب ، عن سفيان بن السمط (1) عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : الرَّجُلُ إِذَا اتَّزَرَ بِثَوبٍ وَاحدٍ إِلَى ثُندُوَتِهِ صَلَّى فِيهِ . قال : وقرأت في كتاب محمّد بن إبراهيم 2 إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الفنك يُصَلَّى فيه ؟ فكتب :لا بَأسَ بِهِ . وكتب يسأله عن ثوبٍ حَشوه قَزٌّ (2) يُصلّى فيه ؟ فكتب : لا بَأسَ بِهِ . (3)

69كتابه عليه السلام إلى جعفر بن محمّد بن يونسروي عن جعفر بن محمّد بن يونس (4) أنّ أباه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الفرو والخفِّ ، ألبسه واُصلّي فيه ولا أعلم أنّه ذكيّ ؟ فكتب عليه السلام :لا بَأسَ بِهِ . (5)

.


1- .سفيان بن السمط البجليّ الكوفيّ ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ( رجال الطوسي :ص220 الرقم2926 ) .
2- .قوله عليه السلام : « حَشوه قَزٌّ » ، قال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه : إنّ المعنى في هذا الخبر قزّ الماعز دون قزّ الأبريسم ( مرآة العقول : ج15 ص316 ) .
3- .الكافي :ج 3 ص 401 ح 15 ، وسائل الشيعة : ج 4 ص 391 ح 5483 .
4- .اُنظر ترجمته في الرقم 47 .
5- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص258 ح793 ، وسائل الشيعة : ج4 ص456 ح5709 .

ص: 94

70 . كتابه عليه السلام إلى رجل
71 . كتابه عليه السلام إلى داوود بن يزيد في ما يُسجد عليه و ما لا يُسجد عليه

70كتابه عليه السلام إلى رجلأبو القاسم جعفر بن محمّد عن محمّد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى ، عن فارس 1 ، قال : كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج تجوز الصلاة فيه ؟ فكتب عليه السلام :لا . (1)

71كتابه عليه السلام إلى داوود بن يزيدفي ما يُسجد عليه و ما لا يُسجد عليهسأل داوود بن يزيد 3 أبا الحسن الثالث عليه السلام عن القَراطيس والكواغذ المكتوبة عليها ،

.


1- .. تهذيب الأحكام:ج1 ص266 ح782 ،الاستبصار :ج1 ص178 ح619 ، وسائل الشيعة:ج3 ص412 ح4017 .

ص: 95

72 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن عليّ بن كَيسان الصنعانيّ

هل يجوز السُّجودُ عليها ؟ فكتب :يَجُوزُ . (1)

72كتابه عليه السلام إلى الحسين بن عليّ بن كَيسان الصنعانيّسعد عن عبد اللّه بن جعفر ، عن الحسين بن عليّ بن كَيسان الصنعانيّ (2) ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسألُهُ عن السجود على القطن والكتّان من غير تقيّة ولا ضَرورة ؟ فكتب إليَّ :ذَلِكَ جَائِزٌ . (3)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج2 ص235 ح929 و ص309 ح1250 ، وفيه « أحمد بن محمّد عن عليّ بن مهزيار قال : سأل داوودُ بن يزيد أبا الحسن عليه السلام . . . » ، الاستبصار : ج1 ص334 وفيه : « ما رواه عليّ بن مهزيار قال : سأل داوود بن فرقد أبا الحسن عليه السلام . . . » ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص270 ح834 ، وسائل الشيعة : ج5 ص356 ح6782 .
2- .الحسين بن عليّ بن كَيسان الصنعاني : الظاهر وقوع التصحيف في عنوان الحسين بن عليّ مصغّراً ، والصحيح الحسن بن عليّ بن كيسان مكبّراً ، كما ذهب إليه السيّد الخوئيّ (راجع : معجم رجال الحديث : ج 7 ص 52 الرقم 3564) ، وبقرينة سائر الروايات (راجع : الكافي : ج 6 ص 97 ح1 و ج7 ص658 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج 7 ص 376 ح 87 ) .
3- .تهذيب الأحكام : ج2 ص308 ح104 ، الاستبصار : ج1 ص333 ح13 ، وسائل الشيعة : ج5 ص348 ح6757 وراجع : تهذيب الأحكام : ج2 ص307 ح102 ، الاستبصار : ج1 ص332 ح6 .

ص: 96

73 . كتابه عليه السلام إلى موسى بن عيسى في الأذان و الإقامة

73كتابه عليه السلام إلى موسى بن عيسىفي الأذان و الإقامةمحمّد بن الحسين عن موسى بن عيسى 1 ، قال : كتبتُ إليه : رجل تجب عليه إعادة الصلاة ، أيعيدها بأذانٍ وإقامة ؟ فكتب :يُعِيدُها بِإِقَامَةٍ . (1)

.


1- .. تهذيب الأحكام : ج2 ص282 ح1124 ، وسائل الشيعة : ج5 ص446 ح7049 ، بحار الأنوار : ج86 ح166 ص68 .

ص: 97

74 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرج في أفعال الصلاة
75 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد بن سليمان

74كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرجفي أفعال الصلاةعليّ بن محمّد عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن عُبدوسٍ ، عن محمّد بن زاوية ، عن أبي عليّ بن راشد 1 ، قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، إنّك كتبت إلى محمّد بن الفرج (1) تُعلِّمه أنّ أفضل ما تقرأ في الفرائض بإنّا أنزلناه ، وقل هو اللّه أحد ، وإنّ صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر ؟ فقال عليه السلام :لا يَضِيقَنَّ صَدرُكَ بِهِمَا ، فَإِنَّ الفَضلَ وَاللّهِ فِيهِمَا . (2)

75كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد بن سليمانمحمّد بن عليّ بن محبوب عن عليّ بن محمّد بن سليمان 4 ، قال : كتبت إلى الفقيه عليه السلام أسأله عن القنوت ؟ فكتب عليه السلام إليّ :

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 6 .
2- .الكافي :ج 3 ص315 ح19 ،تهذيب الأحكام : ج1 ص456 وج2 ص20 ، وسائل الشيعة :ج6 ص78 ح7395 .

ص: 98

76 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عُقبة
77 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيم

إِذَا كَانَت ضَرُورَةٌ شَدِيدَةٌ ، فَلا تَرفَعِ اليَدَينَ ، وَقُل ثَلاثَ مَرَّاتٍ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ . (1)

76كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عُقبةحمدويه قال : حدّثني محمّد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عُقبة (2) ، قال : كتبتُ إليه _ يعني أبا الحسن عليه السلام _ : جُعلت فداك ، قد عرفت بغض هذه الممطورة ، أفأقنت عليهم في صلاتي ؟ قال :نَعم ، اقنُت عَلَيهِم فِي صَلاتِكَ . (3)

77كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيمعليُّ بن محمّد عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب محمّد بن إبراهيم (4) إلى أبي الحسن عليه السلام إن رأيت يا سيّدي أن تُعَلّمني دعاءً أدعو به في دُبر صلواتي يجمعُ اللّهُ لي به خير الدنيا والآخرة . فكتب :تَقُولُ عليه السلام : أَعُوذُ بِوَجهِكَ الكَرِيمِ ، وَعِزَّتِكَ الَّتي لا تُرَامُ ، وقُدرَتِكَ الَّتِي لا يَمتَنِعُ

.


1- .تهذيب الأحكام : ج2 ص315 ح1286 ، وسائل الشيعة : ج6 ص274 ح7948 وص282 ح7974 .
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 63 .
3- .رجال الكشّي : ج 2 ص 879 الرقم 879 ، بحار الأنوار : ج 82 ص 202 ح 17 نقلاً عنه.
4- .. محمّد بن إبراهيم : بهذا العنوان في التراجم مشترك بين أسماء متعدّدة ، وليس فيهم من يروي عن الرضا عليه السلام . لا نعرفه ، والّذي وجدت من يروي عنه «الحسين بن سعيد » محمّد بن إبراهيم الحضيني الأهوازي ، وقد ورد في مدحه حديث في الكشّي . ومحمّد من أصحاب الجواد عليه السلام ، والطبقة لا تأبى من روايته عن الإمام الرضا عليه السلام ؛ لرواية عليّ بن مهزيار عنه ( راجع : رجال الكشّي : ج2 ص563 الرقم 1064 و ص496 الرقم 953 ، رجال البرقي : ص496 الرقم953 ، الموسوعة الرجالية : ج7 ص836 ) .

ص: 99

78 . كتابه عليه السلام إلى الحميريّ في الصلاة على راحلة
79 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرج في النوافل

مِنهَا شَيءٌ ، مِن شَرِّ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، وَمِن شَرِّ الأَوجَاعِ كُلِّهَا . (1)

78كتابه عليه السلام إلى الحميريّفي الصلاة على راحلةمحمّد بن عليّ المحبوب عن الحميريّ (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : روى _ جعلني اللّه فِداك _ مواليك عن آبائك ، أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى الفريضة على راحلته في يومٍ مَطِير ، ويصيبنا المطرُ ونحن في محاملنا ، والأرض مُبتلّة والمطر يؤذي ، فهل يجوز لنا يا سيّدي أن نُصلّي في هذه الحال في محاملنا أو على دوابِّنا الفريضة إن شاء اللّه ؟ فوقّع عليه السلام :يَجُوزُ ذَلِكَ مَعَ الضَّرُورَةِ الشَّدِيدَةِ . (3)

79كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرجفي النوافلسعد عن موسى بن جعفر بن أبي جعفر ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ميمون ، عن

.


1- .الكافي : ج3 ص346 ح28 ، وسائل الشيعة : ج6 ص471 ح8471 ، بحار الأنوار : ج83 ص48 .
2- .عبد اللّه بن جعفر بن مالك بن جامع الحميريّ أبو العبّاس القمّي : شيخ القميّين ووجههم ، قدم الكوفة سنّة نيف وتسعين ومئتين ، وسمع أهلها منه ، وصنّف كتبا كثيرة ( راجع : رجال النجاشي : ص 219 الرقم 573 ) . ذكره الشيخ أيضا قائلاً : إنّه ثقة ( الفهرست : ص 102 الرقم 429 ورجال الطوسي : ص 400 الرقم 5859 ) . وكان من أصحاب الرضا والهادي والعسكريّ عليهم السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 370 الرقم 5507 و ص 389 الرقم 5727 ، و ص 400 الرقم 5859 ورجال البرقي : ص 60 ) .
3- .تهذيب الأحكام : ج3 ص231 ح600 ، وسائل الشيعة : ج4 ص326 ح5288 .

ص: 100

80 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن هلال
81 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن عليّ بن بلال

محمّد بن الفرج (1) ، قال : كتبت إلى العبد الصالح عليه السلام أسأله عن مسائل . فكتب إليّ :وَصَلِّ بَعدَ العَصرِ مِنَ النَّوافِلِ مَا شِئتَ ، وَصَلِّ بَعدَ الغَدَاةِ مِنَ النَّوافِلِ مَا شِئتَ . (2)

80كتابه عليه السلام إلى عليّ بن هلالمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى ، عن أبي الحسن عليّ بن بلال (3) ، قال : كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ومن بعد العصر إلى أن تغيب الشمس . فكتب عليه السلام :لا يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَا لِلمُقتَضِي ، فَأَمَّا لِغَيرِهِ فَلا . (4)

81كتابه عليه السلام إلى الحسين بن عليّ بن بلالمحمّد بن عليّ بن محبوب عن إبراهيم بن مهزيار ، عن الحسين بن عليّ بن بلال ، قال : كتبت إليه في وقت صلاة الليل . فكتب عليه السلام :عِندَ زَوَالِ اللَّيلِ وَهُوَ نِصفُهُ أَفضَلُ ، فَإِن فَاتَ فَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ جَائِزٌ . (5)

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 1 .
2- .تهذيب الأحكام : ج2 ص275 ح1091 وص173 ح688 ، الاستبصار : ج1 ص289 ، وسائل الشيعة : ج4 ص235 ح5020 .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 1 .
4- .تهذيب الأحكام:ج2 ص175 ح696،الاستبصار:ج1 ص291 ح1068،وسائل الشيعة:ج4 ص235 ح5018 .
5- .تهذيب الأحكام : ج 2 ص 337 ح 248 ، وسائل الشيعة : ج 4 ص 253 ح 5071 .

ص: 101

82 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عيسى
83 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الريان

82كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عيسىمحمّد بن عليّ بن محبوب عن محمّد بن عيسى (1) ، قال : كتبت إليه أسأله : يا سيّدي ، روي عن جدّك أنّه قال : لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في أوّل الليل ؟ فكتب :فِي أَيِّ وَقتٍ صَلَّى فَهُوَ جَائِزٌ إِن شَاءَ اللّهُ . (2)

83كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الريانسعد عن عبد اللّه بن جعفر ، عن عليّ بن الريّان (3) ، قال : كتبت إلى الماضي الأخير عليه السلام أسأله عن رجلٍ صلّى صلاة جعفر عليه السلام ركعتين ، ثمّ يعجّله عن الركعتين الأخيرتين حاجة أو يقطع ذلك بحادث ، أيجوز له أن يتمّها إذا فرغ من حاجته وإن قام عن مجلسه ، أم لا يحتسب ذلك إلّا أن يستأنف الصلاة ويصلّي الأربع ركعات كلّها في مقامٍ واحد ؟ فكتب عليه السلام :بَلَى ، إِن قَطَعَهُ عَن ذَلِكَ أَمرٌ لا بُدَّ مِنهُ ، فَليَقطَع ذَلِكَ ، ثُمَّ ليرَجَع فَليَبنِ عَلَى مَا بَقِيَمِنهَا إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . (4)

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 9 .
2- .تهذيب الأحكام : ج2 ص337 ح1393 ، وسائل الشيعة : ج4 ص253 ح5072 .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 58 .
4- .تهذيب الاحكام : ج3 ص309 ح957 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص554 ح1538 ، وسائل الشيعة : ج8 ص59 ح10088 .

ص: 102

84 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن سُليمان في صلاة التسبيح في المحمل

84كتابه عليه السلام إلى عليّ بن سُليمانفي صلاة التسبيح في المحملأحمد بن إِدريس عن محمّد بن أحمد ، عن عليّ بن سليمان1 ، قال : كتبت إلى الرجل عليه السلام : ما تقول في صلاة التسبيح 2 في المحمل ؟ فكتب عليه السلام : إِذَا كُنتَ مُسَافِرَاً فَصَلِّ . (1)

.


1- .الكافي : ج 3 ص 466 ح 4 ، تهذيب الأحكام : ج 3 ص 216 ح 534 وج3 ص309 ح955 ، الاستبصار : ج1 ص 234 ، وسائل الشيعة : ج8 ص58 ح10086 ، بحار الأنوار : ج88 ص206 ح13 .

ص: 103

85 . كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوح في قضاء الصلاة
86 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد القاسانيّ
87 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار

85كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوحفي قضاء الصلاةسعد ( بن عبد اللّه ) عن أيّوب بن نوح (1) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر ، هل يقضي ما فاته من الصلاة ، أم لا ؟ فكتب عليه السلام :لا يَقضِي الصَّومَ وَلا يَقضِي الصَّلَاةَ . (2)

86كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد القاسانيّمحمّد بن الحسن الصفّار عن عليّ بن محمّد القاسانيّ (3) قال : كتبت إليه عليه السلام وأنا بالمدينة أسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر ، هل يقضي ما فاته ؟ فكتب عليه السلام :لا يَقضِي الصَّومَ . (4)

87كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن عليّ بن مهزيار (5) ، قال : سألته عن المغمى عليه يوماً أو أكثر من ذلك ، هل يقضي ما فاته من الصلاة ؟

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 2 .
2- .تهذيب الأحكام : ج3 ص303 ح928 وج4 ص243 ح1 و ح5 وج3 ص303 ح6 ، الاستبصار : ج1 ص458 ح6 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص363 ح1041 ، وسائل الشيعة : ج8 ص259 ح10581 وج10 ص226 ح13278 .
3- .اُنظر ترجمته في « محمّد بن عليّ القاسانيّ » في الرقم 10 .
4- .تهذيب الأحكام : ج4 ص243 ح712 ، وسائل الشيعة : ج 10 ص 226 ح 13279 .
5- .اُنظر ترجمته في الرقم 21 .

ص: 104

88 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد بن سليمان
89 . كتابه عليه السلام إلى جعفر بن أحمد في مقدار المسافة التي يجب فيها التقصير

فكتب عليه السلام :لا يَقضِي الصَّومَ ، وَلا يَقضِي الصَّلَاةَ . (1)

88كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد بن سليمانمحمّد بن عليّ بن محبوب عن عليّ بن محمّد بن سليمان (2) ، قال : كتبتُ إلى الفقيه أبي الحسن العسكري أسأله عليه السلام عن المُغمى عليه يوما أو أكثر ، هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا ؟ فكتب عليه السلام :لا يَقضِي الصَّومَ ، وَلا يَقضِي الصَّلَاةَ . (3)

89كتابه عليه السلام إلى جعفر بن أحمدفي مقدار المسافة التي يجب فيها التقصيرمحمّد بن الحسن الصفّار عن محمّد بن عيسى ، عن عمرو بن سعيد ، قال : كتب إليه جعفر بن أحمد (4) يسأله عن السفر ، وفي كم التقصير ؟ فكتب عليه السلام بخطّه _ وأنا أعرفه _ قال :كَانَ أَميرُ المُؤمِنِينَ عليه السلام إِذَا سَافَرَ وَخَرَجَ فِي سَفَرٍ ، قَصَّرَ فِي فَرسَخٍ . ثُمَّ أعاد (5) من قابلٍ المسألة إليه ، فكتب عليه السلام إليه :

.


1- .تهذيب الأحكام : ج 3 ص 176 ح 395 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص363 ح1042 ، وسائل الشيعة : ج8 ص 262 ح 10597 وج 10 ص 227 ح 13279 .
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 75 .
3- .تهذيب الأحكام : ج3 ص303 ح927 ، الاستبصار : ج1 ص458 ح5 ، وسائل الشيعة : ج8 ص262 ح10597 .
4- .جعفر بن أحمد من غير توصيف مشترك بين جماعة . لعلّه جعفر بن أحمد الّذي عدّه الشيخ والبرقي من دون تقييد من أصحاب مولانا الهادي عليه السلام ( رجال الطوسي : ص 384 ح 5658 ، رجال البرقي : ص 59 ) . وأمّا المكتوب إليه فمردّد بين مولانا أبي الحسن الرضا والهادي عليهماالسلام .
5- .في الاستبصار : «أعاد عليه» بدل «أعاد» .

ص: 105

90 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن جَزّك في صلاة المسافر
91 . توقيعه عليه السلام

فِي عَشرَةِ أَيَّامٍ . (1)

90كتابه عليه السلام إلى محمّد بن جَزّكفي صلاة المسافرسعد عن عبد اللّه بن جعفر ، عن محمّد بن جَزّك (2) ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام : إنّ لي جمالاً ولي قُوّاماً عليها ، ولستُ أخرج فيها إلّا في طريق مكّة ؛ لرغبتي في الحجّ أو في الندرة إلى بعض المواضع ، فما يجب عليّ إذا أنا خرجتُ معهم أن أعمل ؟ أيجب عليّ التقصير في الصلاة والصيام في السفر ، أو التمام ؟ فوقّع عليه السلام :إِذا كُنتَ لا تَلزَمُهَا وَلا تَخرُجُ مَعَهَا فِي كُلِّ سَفَرٍ إِلاَّ إِلَى طَرِيقِ مَكَّةَ ، فَعَلَيكَ تَقصِيرٌ وَ إِفطَارٌ . (3)

91توقيعه عليه السلاممحمّد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن محمّد السيّاريّ (4) ، عن بعض أهل العسكر ، قال : خرج عن أبي الحسن عليه السلام :إنَّ صَاحِبَ الصَّيدِ يُقَصِّرُ مَادَامَ عَلَى الجَادَّةِ ، فَإِذَا عَدَلَ عَنِ الجَادَّةِ أَتَمَّ ، فَإِذَارَجَعَ

.


1- .تهذيب الأحكام : ج4 ص224 ح660 ، الاستبصار : ج1 ص226 ح804 و فيه : « جعفر بن محمّد » بدل « جعفر بن أحمد » ، وسائل الشيعة : ج 8 ص 471 ح 11195 .
2- .من أصحاب الهادي عليه السلام ، ثقة ( راجع : رجال الطوسي : ص 391 الرقم 5755 ، ورجال البرقي : ص60 ، خلاصة الأقوال : ص142 الرقم 21 ، رجال ابن داوود : ص 301 الرقم 1306 ) .
3- .تهذيب الأحكام : ج3 ص216 ح543 ، الاستبصار : ج1 ص234 ح835 وفيه : «عن عبد اللّه بن المُغيرة» بدل «عبد اللّه بن جعفر» ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص440 ح1279 ، الكافي : ج3 ص438 ح11 بإسناده عن محمّد بن يحيى ، عن عبد اللّه بن جعفر ، عن محمّد بن جزّك ، نحوه مضمراً ، وسائل الشيعة : ج8 ص489 ح11248 .
4- .اُنظر ترجمته في الرقم 13 .

ص: 106

92 . كتابه عليه السلام إلى عمران بن إسماعيل في إعطاء الزكاة للولد
93 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار في زكاة المَهر

إِلَيهَا قَصَّرَ . (1)

باب الزكاة92كتابه عليه السلام إلى عمران بن إسماعيلفي إعطاء الزكاة للولدمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن عمران بن إسماعيل بن عمران القمّي 2 ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام : إنّ لي ولداً رجالاً ونساءً ، أفيجوز لي أن أعطيهم من الزكاة شيئاً ؟ فكتب عليه السلام :إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَكُم . (2)

93كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي زكاة المَهرسهل بن زياد عن عليّ بن مهزيار (3) ، قال : كتبت إليه أسأله عن رجلٍ عليه مَهر امرأته

.


1- .تهذيب الأحكام : ج3 ص218 ح543 ، الاستبصار : ج1 ص237 ح846 ، وسائل الشيعة : ج8 ص480 ح11221 ، بحار الأنوار : ج86 ص32 .
2- .الكافي : ج3 ص552 ح9 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص 56 ح9 ، الاستبصار : ج2 ص34 ح3 ، وسائل الشيعة : ج9 ص243 ح11934 .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 21 .

ص: 107

94 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلال في مستحقّ الزكاة
95 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عُقبة

لا تطلبه منه إمّا لرفقٍ بزوجها وإمّا حياءً ، فمكث بذلك على الرجل عمره وعمرها ، يجب عليه زكاة ذلك المهر أم لا ؟ فكتب :لا يَجِبُ عَلَيهِ الزَّكَاةُ إِلَا فِي مَالِهِ . (1)

94كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلالفي مستحقّ الزكاةمحمّد بن الحسن الصفّار عن عليّ بن بلال (2) ، قال : كتبت إليه أسأله هل يجوز أن أدفع زكاة المال والصدقة إلى محتاجٍ غير أصحابي ؟ فكتب عليه السلام :لا تُعطِ الصَدَقَةَ وَالزكاةَ إِلَا لِأَصحَابِكَ . (3)

95كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عُقبةمحمّد بن الحسن الصفّار عن محمّد بن عيسى ، قال : كتب إليه إبراهيم بن عُقبة (4) يسأله عن الفِطرَة كم هي برطل بغداد عن كلّ رأس ، وهل يجوز إعطاؤها غير مؤمنٍ ؟ فكتب عليه السلام إليه :عَلَيكَ أَن تُخرِجَ عَن نَفسِكَ صَاعاً بِصَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وَعَن عِيالِكَ أَيضاً ، لا يَنبَغِي لَكَ أَن تُعطِيَ زَكَاتَكَ إِلَا مُؤمِناً . (5)

.


1- .الكافي : ج3 ص521 ح11 ، وسائل الشيعة : ج9 ص104 ح11634 .
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 1 .
3- .تهذيب الأحكام : ج4 ص53 ح140 ، وسائل الشيعة : ج9 ص222 ح11883 .
4- .مرّ ترجمته في الرقم 63 .
5- .تهذيب الأحكام : ج4 ص87 ح257 ، الاستبصار : ج2 ص51 ح170 ، وسائل الشيعة : ج9 ص334 ح12161 .

ص: 108

96 . كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه في مقدار إعطاء المستحقّ من الزكاة
97 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن شُجاع النيسابوريّ في مقدار زكاة الحنطة

96كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهفي مقدار إعطاء المستحقّ من الزكاةمحمّد بن عبد الجبّار : إنّ بعض أصحابنا كتب على يدي أحمد بن إسحاق (1) إلى عليّ بن محمّد العسكريّ عليه السلام : أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة . فكتب :افعَل إِن شَاءَ اللّهُ . (2)

وفي التهذيب : أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن أبي الصهبان (3) ، قال : كتبت إلى الصادق عليه السلام (4) : هل يجوز لي يا سيّدي أن أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة الدراهم ، فقد اشتبه ذلك عليّ ؟ فكتب عليه السلام :ذَلِكَ جَائِزٌ . (5)

97كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن شُجاع النيسابوريّفي مقدار زكاة الحنطةسعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : حدّثني محمّد بن عليّ بن شجاع النيسابوري (6) أنّه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مئة كرٍّ ما يزكّى ، فأخذ منه العشر عشرة أكرار ، وذهب منه بسبب

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 4 .
2- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص17 ح1600 ، وسائل الشيعة : ج9 ص256 ح11956 .
3- .هو محمّد بن عبد الجبّار ، كان عبد الجبّار يكنّى أبا الصهبان ، قميّ ، ثقة ، ذكره الشيخ في رجاله ، في أصحاب أبي جعفر الثاني وفي أصحاب أبي الحسن الثالث وفي أصحاب أبي محمّد العسكريّ عليهم السلام ووثّقه ( راجع : رجال الطوسى¨ : ص 378 الرقم 5612 و ص 391 الرقم 5765 ، و ص 401 الرقم 5887 ، رجال البرقي : ص 59 ) .
4- .عدّه تارةً في أصحاب الهادي ، واُخرى في أصحاب العسكريّ عليهماالسلام .
5- .تهذيب الأحكام :ج4 ص63 ح169 ، الاستبصار :ج2 ص38 ح169 ، وسائل الشيعة : ج9 ص258 ح11969 .
6- .محمّد بن عليّ بن شجاع النيسابوريّ : الرجل مجهول (راجع : قاموس الرجال : ج 9 ص 442 ، جامع الرواة : ج2 ص154 ) .

ص: 109

98 . كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوح في الفطرة
99 . كتابه عليه السلام إلى جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمداني في كمّية الفطرة

عمارة الضيعة ثلاثون كُرّاً ، وبقي في يده ستّون كُرّاً ، ما الّذي يجب لك من ذلك ؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيءٌ . فوقّع عليه السلام لي :مِنهُ الخُمُسُ مِمَّا يَفضُلُ مِن مَؤُونَتِهِ . (1)

98كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوحفي الفطرةمحمّد بن يحيى عن محمّد بن عبد اللّه ، عن عبد اللّه بن جعفر ، عن أيّوب بن نوح (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام : إنّ قوماً سألوني عن الفطرة ويسألونِّي أن يحملوا قيمتها إليك ، وقد بعث إِليك هذا الرجل عام أوّل ، وسألني أن أسألك فنسيت ذلك ، وقد بعثت إليك العام عن كلّ رأسٍ من عيالي بدرهمٍ على قيمة تسعة أرطالٍ بدرهمٍ ، فرأيك جعلني اللّه فداك في ذلك . فكتب عليه السلام :الفِطرَةُ قَد كَثُرَ السُّؤالُ عَنهَا ، وَأَنَا أَكرَهُ كُلَّ مَا أَدَّى إِلَى الشُّهرَةِ ، فَاقطَعُوا ذِكرَ ذَلِكَ ، وَاقبِض مِمَّن دَفَعَ لَهَا ، وَأَمسِك عَمَّن لَم يَدفَع . (3)

99كتابه عليه السلام إلى جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمدانيفي كمّية الفطرةمحمّد بن يحيى عن محمّد بن أحمد ، عن جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمذانيّ (4)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج4 ص16 ح6 ، الاستبصار : ج2 ص17 ح9 ، وسائل الشيعة : ج9 ص186 ح11801 وص500 ح12580 .
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 2 .
3- .الكافي : ج4 ص174 ح24 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص91 ح 2 ، وسائل الشيعة : ج 9 ص 346 ح 12192 .
4- .في التهذيب ج4 ص83 ح17 : « جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمذانيّ » ، وفي ص334 ح19 : « جعفر بن محمّد الهمذانيّ » ، روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، وروى عنه محمّد بن أحمد ( راجع : معجم رجال الحديث : ج4 ص47 الرقم2109 ) . تُستفاد وثاقته من رواية الصدوق بإسناده عنه مترضّيا عنه ومترحّما عنه ، على ما حُكي ، ومن عدم استثناء القميّين له من رجال كتاب نوادر الحكمة ، ورواية الكشّي أنّ أباه الّذي هو من وكلاء الإمام الهادي عليه السلام كتب إليه عليه السلام مع جعفر ابنه هذا ، لظهور أنّ ظاهر هذا اعتماد أبيه عليه ( راجع : مصباح المنهاج للسيّد محمّد سعيد الحكيم : ج3 ص654 ، رجال الكشّي : ج2 ص527 الرقم 1009 ) .

ص: 110

100 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الريّان
101 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلال

وكان معنا حاجّاً ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام على يدي أبي : جُعلت فداك ، إنّ أصحابنا اختلفوا في الصاع ، بعضهم يقول : الفطرة بصاع المدنيّ ، وبعضهم يقول : بصاع العراقيّ . فكتب إليَّ :الصَّاعُ سِتَّةُ أرطَالٍ بِالمَدَنِيِّ ، وَتِسعَةُ أرطَالٍ بِالعِرَاقِيِّ . قال : وأخبرني أنّه يكون بالوزن ألفاً ومئة وسبعين وزنةً . (1)

100كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الريّانمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن الريّان (2) قال : كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن الفطرة وزكاتها كم تُؤدّى ؟ فكتب عليه السلام :أَربَعَةُ أَرطَالٍ بِالمَدَنِيِّ . (3)

101كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلالمحمّد بن عيسى عن عليّ بن بلال (4) ، قال : كتبت إلى الرجل أسأله عن الفطرة وكم

.


1- .الكافي :ج 4 ص 172 ح 9 ، تهذيب الأحكام : ج 4 ص 334 ح 19 وص 83 ح 17 ، الاستبصار : ج 1 ص 121 ح 411 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 176 ح 2063 ، عيون أخبار الرضا : ج 1 ص 309 ح 73 ، معاني الأخبار : ص 249 ح 2 ، بحار الأنوار : ج 77 ص 348 ح2 و ج 93 ص 106 ح 9 .
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 12 .
3- .تهذيب الأحكام :ج4 ص84 ح244 ، الاستبصار :ج2 ص49 ح164 ، وسائل الشيعة : ج9 ص342 ح12183 .
4- .اُنظر ترجمته في الرقم 1 .

ص: 111

102 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار

تُدفع ؟ قال : فكتب :سِتَّةُ أَرطَالٍ مِن تَمرٍ بِالمَدَنِيِّ ، وَذَلِكَ تِسعَةُ أَرطَالٍ بِالبَغدَادِيِّ . (1)

102كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارأبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه عن جعفر بن محمّد بن مسعود ، عن جعفر بن معروف (2) ، قال : كتبت إلى أبي بكر الرازيّ (3) في زكاة الفطرة ، وسألناه أن يكتب في ذلك إلى مولانا _ يعني عليّ بن محمّد عليهماالسلام _ فكتب :إِنَّ ذَلِكَ قَد خَرَجَ لِعلِيِّ بنِ مَهزيَارِ أنَّهُ يُخرَجُ مِن كُلِّ شَيءٍ ، التَّمرِ والبُرِّ وَغَيرِهِ صَاعٌ ، وَلَيسَ عِندَنَا بَعدَ جَوَابِهِ عَلَينَا فِي ذَلِكَ اختِلافٌ . (4)

.


1- .الكافي :ج 4 ص172 ح8 ، تهذيب الأحكام : ج1 ص135 ح373 ، الاستبصار : ج2 ص49 ح162 ، وسائل الشيعة : ج 9 ص 341 ح 12180 .
2- .مشترك بين جعفر بن معروف الكشّي أو جعفر بن محمّد بن معروف الّذي يكنّى أبا محمّد ، وبين جعفر بن معروف المكنّى أبا الفضل السمرقنديّ ، والمراد من جعفر بن معروف في السند المبحوث عنه هو جعفر بن معروف أبو محمّد من حيث الطبعة ؛ لأنّه كان من أهل الكشّ ، كما ذكره فيمن لم يروِ عن الأئمّة عليهم السلام قائلاً : إنّه يكنّى أبا محمّد ، من أهل كشّ ، وكيل ، وكان مكاتبا ( رجال الطوسي : ص418 الرقم 6041 ) ، كذا ذكره العلّامة وابن داوود ( راجع : رجال ابن داوود : ص89 الرقم 332 ، وخلاصة الأقوال : ص31 الرقم 5 ) . وأمّا جعفر معروف المُكنّى بأبي الفضل ، كان من أهل سمرقند ، ويروي عنه العيّاشي ، كما صرّح به ابن الغضائري ( رجال ابن الغضائري : ص 45 ) . فعلى هذا ، الرجل في الخبر مهمل ؛ لعدم الدليل على وثاقته ، فما ذكره الشيخ من كونه « وكيلاً » لم تثبت الملازمة بين الوكالة والوثاقة ، كما ذهب إليه السيّد الخوئي أيضا ( راجع : معجم رجال الحديث : ج5 ص102 الرقم 2324 ) .
3- .. لعلّه يحيى بن أبي بكر الرازيّ الضرير ، الّذي عدّه الشيخ من أصحاب الهادي عليه السلام ، سقط « يحيى بن » في المتن ، إمّا سهو من قلم النسّاخ ، أو خطأ مطبعي ( رجال الطوسي : ص 393 ، الرقم 5799 ) .
4- .تهذيب الأحكام : ج4 ص81 ح232 ، الاستبصار : ج2 ص47 ح153.

ص: 112

103 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمذاني في تمييز فطرة أهل الأمصار

103كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمذانيفي تمييز فطرة أهل الأمصارعليّ بن حاتم القزوينيّ ، قال : حدّثني أبو الحسن محمّد بن عمرو ، عن أبي عبد اللّه الحسين بن الحسن الحسينيّ ، عن إبراهيم بن محمّد الهمذانيّ (1) ، قال : اختلفت الروايات في الفطرة ، فكتبتُ إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام أسأله عن ذلك . فكتب :إنَّ الفِطرَةَ صَاعٌ مِن قُوتِ بَلدِكَ عَلَى أَهل مَكَّةَ وَاليَمَنِ وَالطَّائِفِ وَأَطرَافِ الشَّامِ وَاليَمَامَةِ وَالبَحرَينِ والعِرَاقَينِ وَفَارِسَ وَالأَهوَازِ وَكِرمَانَ تَمرٌ ، وَعَلَى أَهلِ أَوسَاطِ الشَّامِ زَبِيبٌ ، وَعَلَى أَهلِ الجَزيرَةِ وَالمَوصِلِ وَالجِبَالِ كُلِّها بُرٌّ أَو شَعِيرٌ ، وَعَلَى أَهلِ طَبَرِستَان الأَرُزُّ ، وَعَلَى أَهل خُرَاسَانَ البُرُّ ، إِلاَّ أَهلَ مَروَ وَالرَّيِّ فَعَلَيهِمُ الزَّبِيبُ وَعَلَى أَهلِ مِصرَ البُرُّ ، وَمَن سِوَى ذَلِكَ فَعَلَيهِم مَا غَلَبَ قُوتَهُم ، وَمَن سَكَنَ البَوَادِيَ مِنَ الأَعرَابِ فَعَلَيهِمُ الأَقِطُ ، وَالفِطرَةُ عَلَيكَ ، وَعَلَى النَّاسِ كُلِّهِم وَمَن تَعُولُ مِن ذَكَرٍ كَانَ أَو أُنثَى ، صَغِيرَاً أَو كَبيرَاً ، حُرَّاً أَو عَبدَاً ، فَطِيماً أَو رَضِيعاً ، تَدَفَعُهُ وَزَنا سِتَّةَ أَرطَالٍ بِرِطلِ المَدِينَةِ ، وَالرَّطلُ مِئَةٌ وَخَمسَةٌ وَتِسعُونّ دِرهَماً ، تَكُونُ الفِطرَةُ أَلفَا وَمِئةً وَسَبعِينَ دِرهَماً . (2)

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 7 .
2- .تهذيب الأحكام : ج 4 ص 79 ح 1 ، الاستبصار : ج 2 ص 44 ح 5 ، وسائل الشيعة : ج 9 ص 344 ح 12187 ، بحار الأنوار : ج 77 ص 352 .

ص: 113

104 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلال في مستحقّ الفطرة
105 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلال
باب الخمس
106 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن عيسى بن يزيد في تفسير الفائدة
باب الوصايا
اشاره

104كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلالفي مستحقّ الفطرةمحمّد بن الحسن الصفّار عن محمّد بن عيسى ، قال : حدّثني عليّ بن بلال ، وأراني قد سمعته من عليّ بن بلال (1) ، قال : كتبت إليه : هل يجوز أن يكون الرجل في بلدةٍ ورجل من إخوانه في بلدةٍ اُخرى يحتاج أن يوجّه له فطرةٍ ، أم لا ؟ فكتب عليه السلام :تَقسِمُ الفِطرَةَ عَلَى مَن حَضَرَهَا ، وَلا تُوَجِّه ذَلِكَ إِلَى بَلدَةٍ أُخرَى وَإِن لَم تَجِد مُوَافِقاً . (2)

105كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلالمحمّد بن عيسى عن عليّ بن بلال (3) ، قال : كتبت إلى الطيّب العسكريّ عليه السلام : هل يجوز أن يُعطى الفطرة عن عيال الرجل وهم عشرةٌ أقلّ أو أكثر رجلاً محتاجاً موافقاً ؟ فكتب عليه السلام :نَعَم ، افعَل ذَلِكَ . (4)

باب الخمس106كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن عيسى بن يزيدفي تفسير الفائدةعدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى بن يزيد 5 ، قال : كتبت : جُعلت لك

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 1 .
2- .تهذيب الأحكام :ج4 ص88 ح258 ، الاستبصار : ج2 ص51 ح171 ، وسائل الشيعة : ج9 ص360 ح12237 .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 1 .
4- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص179 ح2071 ، وسائل الشيعة : ج9 ص363 12245 .

ص: 114

107 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد في أنّ الخمس لا يجب إلّا بعد المؤونة

الفداء ، تعلّمني ما الفائدة وما حدّها ، رأيك أبقاك اللّه تعالى أن تمنّ عليّ ببيان ذلك ، لكيلا أكون مقيماً على حرامٍ لا صلاة لي ولا صوم ؟ فكتب :الفَائِدَةُ مِمَّا يُفِيدُ إِلَيكَ فِي تِجَارَةٍ مِن رِبحِهَا ، وَحَرثٍ بَعدَ الغَرَامِ ، أو جَائِزَةٍ . (1)

107كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّدفي أنّ الخمس لا يجب إلّا بعد المؤونةإبراهيم بن محمّد (2) قال : كتبتُ إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عمّا يجب في

.


1- .الكافي : ج1 ص545 ح12 ، وسائل الشيعة : ج9 ص503 ح12585 .
2- .اُنظر ترجمته في «إبراهيم بن محمّد الهمداني» بالرقم 7 .

ص: 115

108 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمذانيّ
109 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار فيما يأخذ الأجير من أجرة الحجّ

الضياع ؟ فكتب :الخُمُسُ بَعدَ المَؤُونَةِ . قال :فناظرت أصحابنا فقالوا : المؤونة بعدما يأخذ السلطان ، وبعد مؤونة الرجل . فكتبت : إنّك قلت : الخُمُسُ بعد المَؤُونَةِ . وإنّ أصحابنا اختلفوا في المؤونة ؟ فكتب : الخُمُسُ بَعدَمَا يَأخُذُ السُّلطَانُ ، وَبَعدَ مَؤُونَةِ الرَّجُلِ وَعِيَالِهِ . (1)

108كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمذانيّسهلٌ عن إبراهيم بن محمّد الهمذانيّ (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : أقرأني عليّ بن مهزياركتاب أبيك عليه السلام فيما أوجبه على أصحاب الضياع نصف السدس بعد المؤونة ، وأنّه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس ولا غير ذلك ، فاختلف من قِبَلنا في ذلك ، فقالوا : يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة مؤونة الضيعة وخراجها ، لا مؤونة الرجل وعياله . فكتب عليه السلام :بَعدَ مَؤُونَتِهِ وَمَؤُونَةِ عِيَالِهِ ، وَبَعدَ خَرَاجِ السُّلطَانِ . (3)

وفي التهذيب : عليّ بن مهزيار قال : كتب إليه إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ : أقرأني عليّ كتاب أبيك . . . الرجل وعياله . فكتب _ وقرأه عليّ بن مهزيار _ :عَلَيهِ الخُمُسُ بَعدَ مَؤُونَتِهِ وَمَؤُونَةِ عِيَالِهِ ، وَبَعدَ خَرَاجِ السُّلطَانِ . (4)

109كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفيما يأخذ الأجير من أجرة الحجّ

.


1- .تفسير العيّاشي : ج2 ص63 ح61 ، بحار الأنوار : ج96 ص193 ح14 نقلاً عنه .
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 7 .
3- .الكافي :ج 1 ص 547 ح 24 ، وسائل الشيعة : ج9 ص500 ح12582 .
4- .تهذيب الأحكام : ج4 ص123 ح354 ، الاستبصار : ج2 ص55 ح183.

ص: 116

باب الصيام
110 . كتابه عليه السلام إلى أبي عمرو في علامة أوّل شهر رمضان وآخره ودليل دخوله

كتبت إليه : يا سيّدي ، رجل دَفع إليه مال يحج به ، هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس ، أو على ما فضل في يده بعد الحجّ ؟ فكتب عليه السلام :لَيسَ عَلَيهِ الخُمُسُ . (1)

باب الصيام110كتابه عليه السلام إلى أبي عمروفي علامة أوّل شهر رمضان وآخره ودليل دخولهمحمّد بن عيسى قال : كتب إليه أبو عمرو 2 : أخبرني يا مولاي أنّه ربّما أشكل علينا هلال شهر رمضان فلا نراه ، ونرى السماء ليست فيها علّة ، فيفطر الناس ونفطر معهم ، ويقول قوم من الحُسّاب قِبَلنا : إنّه يُرى في تلك الليلة بعينها بمصر وإفريقيّه والاُندلس ، فهل يجوز يا مولاي ما قال الحُسّاب في هذا الباب حتّى يَختلف الفرض على أهل الأمصار ، فيكون صومهم خلاف صومنا وفِطرهم خلاف فِطرنا ؟ فوقّع عليه السلام :لا تَصُومَنَّ الشَّكَّ ، أَفطِر لِرُؤيَتِهِ ، وَصُم لِرُؤَيَتِهِ . (2)

.


1- .الكافي : ج1 ص547 ح22 ، وسائل الشيعة : ج9 ص507 ح12595 .
2- .تهذيب الأحكام : ج4 ص159 ح446 ، وسائل الشيعة : ج10 ص297 ح13459 ، بحار الأنوار : ج55 ص375 ح6 .

ص: 117

111 . كتابه عليه السلام إلى أبي عليّ بن راشد
112 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد القاساني

111كتابه عليه السلام إلى أبي عليّ بن راشدأبو الحسن أحمد بن محمّد بن الحسن عن أبيه ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى ، قال : حدّثني أبو عليّ بن راشد (1) ، قال : كتب إليّ أبو الحسن العسكريّ عليه السلام كتاباً وأرّخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان ، وذلك في سنة اثنين وثلاثين ومئتين ، وكان يوم الأربعاء يوم شكّ ، وصام أهل بغداد يوم الخميس ، وأخبروني أنّهم رأوا الهلال ليلة الخميس ، ولم يغب إلّا بعد الشفق بزمانٍ طويل . قال : فاعتقدت أنّ الصوم يوم الخميس وأنّ الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء . قال : فكتب إليّ :زَادَكَ اللّهُ تَوفِيقاً ، فَقَد صُمتَ بِصِيَامِنَا . قال : ثمّ لقيته بعد ذلك فسألته عمّا كتبت به إليه . فقال لي : أَوَ لَم أَكتُب إِلَيكَ أَنَّمَا صُمتَ الخَمِيسَ ، وَلا تَصُم إِلَا لِلرُّؤيَةِ . (2)

112كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد القاسانيمحمّد بن الحسن الصفّار عن عليّ بن محمّد القاسانيّ (3) ، قال : كتبت إليه وأنا بالمدينة ، عن اليوم الّذي يُشكّ فيه من شهر رمضان ، هل يُصام أم لا ؟ فكتب عليه السلام :اليَقِينُ لا يَدخُلُ فِيهِ الشَّكُّ ، صُم لِلرُّؤيَةِ وَأَفطِر لِلرُّؤيَةِ . (4)

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 159 .
2- .تهذيب الأحكام : ج 4 ص 167 ح 47 ، وسائل الشيعة : ج 10 ص 281 ح 13418 .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 10 .
4- .تهذيب الأحكام : ج4 ص159 ح 445 ، الاستبصار : ج2 ص64 ح210 ، وسائل الشيعة : ج10 ص255 ح13351 .

ص: 118

113 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عيسى
114 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفَرج في حساب الصوم

113كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عيسىعليّ بن حاتم عن محمّد بن جعفر ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى (1) ، قال : كتبت إليه عليه السلام : جُعلت فداك ، ربّما غمّ علينا هلال شهر رمضان ، فيرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربّما رأيناه بعد الزوال ، فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ وكيف تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه السلام :تُتِمُّ إِلَى اللَّيلِ ، فَإِنَّهُ إِن كَانَ تَامَّاً رُئِيَ قَبلَ الزَّوَالِ . (2)

114كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفَرجفي حساب الصوممحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن السيّاريّ (3) ، قال : كتب محمّد بن الفرج (4) إلى العسكريّ عليه السلام يسأله عمّا رُوي من الحساب في الصوم ، عن آبائك في عدّ خمسة أيّام بين أوّل السنة الماضية والسنة الثانية الّتي تأتي . فكتب :صَحِيحٌ ، وَلَكِن عُدَّ فِي كُلِّ أَربَعِ سِنِينَ خَمسَاً ، وَفِي السَّنَةِ الخَامِسَةِ سِتَّاً ، فِيمَا بَينَ الأُولَى وَالحَادِثِ ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ خَمسَةٌ خَمسَةٌ .

قال السيّاريّ : وهذه من جهة الكبيسة . قال : وقد حسبه أصحابنا فوجدوه صحيحاً . قال : وكتب إليه محمّد بن الفرج في سنة ثمان وثلاثين ومئتين : هذا الحساب لا يتهيّأُ لكلّ إنسان أن يعمل عليه إنّما هذا لمن يعرف السنين ومن يعلم

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 9 .
2- .تهذيب الأحكام : ج4 ص177 ح62 ، الاستبصار : ج2 ص73 ح221 ، وسائل الشيعة : ج10 ص279 ح13413 .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 13 .
4- .مرّ ترجمته في الرقم 6 .

ص: 119

115 . كتابه عليه السلام إلى الخليل بن هاشم في الوط ء في شهر رمضان
116 . كتابه عليه السلام إلى الحسين في حكم الاحتقان

متى كانت السنة الكبيسة ، ثمّ يصحّ له هلال شهر رمضان أوّل ليلةٍ فإذا صحّ الهلال لليلته وعرف السنين صحّ له ذلك إن شاء اللّه . (1)

115كتابه عليه السلام إلى الخليل بن هاشمفي الوط ء في شهر رمضانأحمد بن محمّد عن إِبراهيم بن مهزيار ، قال : كتب الخليل بن هاشم 2 إلى أبي الحسن عليه السلام : رجل سمع الوط ء والنداء في شهر رمضان ، فظنّ أنّ النداء للسحور ، فجامع وخرج ، فإذا الصبح قد أسفر . فكتب عليه السلام بخطّه :يَقضِي ذَلِكَ اليَومَ إِن شَاءَ اللّهُ . (2)

116كتابه عليه السلام إلى الحسينفي حكم الاحتقان

.


1- .الكافي : ج4 ص81 ح3 ، وسائل الشيعة : ج10 ص283 ح13423 .
2- .تهذيب الأحكام : ج 4 ص 318 ح 38 ، وسائل الشيعة : ج 10 ص 115 ح 12996 .

ص: 120

117 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار في صوم المستحاضة

كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : ما تقول في التلطّف (1) يستدخله الإنسان وهو صائم ؟ فكتب :لا بَأسَ بِالجَامِدِ . (2)

117كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي صوم المستحاضةأبو عليّ الأشعريّ عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن عليّ بن مهزيار (3) ، قال : كتبتُ إليه عليه السلام : امرأةٌ طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أوّل يومٍ من شهر رمضان ، ثمّ استحاضت فصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين ، فهل يجوز صومها وصلاتها أم لا ؟ فكتب عليه السلام :تَقضِي صَومَهَا ولا تَقضِي صَلاتَهَا ، إنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَانَ يَأمُرُ فَاطِمَةَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهَا وَالمُؤمِنَاتِ مِن نِسَائِهِ بِذَلِكَ . (4)

.


1- .في التهذيب : « في التلطّف بالأشياف » بدل « في التلطّف » . التلطّف : إدخال الشيء في الفرج ( مجمع البحرين : ج5 ص121 ) .
2- .الكافي :ج 4 ص110 ح6 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص207 ح7 ، الاستبصار : ج2 ص83 ح2 ، وسائل الشيعة : ج10 ص42 ح12783 .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 21 .
4- .الكافي : ج4 ص136 ح6 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص310 ح937 بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن عليّ بن مهزيار ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص144 ح1989 علل الشرائع : ص293 ح1 بإسناده عن سعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن عليّ بن مهزيار ، وسائل الشيعة : ج2 ص349 ح2333 وج10 ص66 ح12842 ، بحار الأنوار : ج81 ص112 ح38 .

ص: 121

118 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار في المرضعة
119 . جوابه عليه السلام لمكتوبة الفتح بن يزيد الجرجانيّ في تكرير الكفّارة

118كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي المرضعةفي كتاب مسائل الرجال : عليّ بن مهزيار (1) قال : كتبت إليه أسأله عن امرأةٍ ترضع ولدها وغير ولدها في شهر رمضان ، فيشتدّ عليها الصوم وهي تُرضع ، حتّى يُغشى عليها ولا تقدر على الصيام ، أتُرضع وتُفطر وتقضي صيامها إذا أمكنها ، أو تدع الرضاع ؟ ( قال ) : فإن كانت ممّن لا يمكنها اتّخاذ مَن تُرضع ولدها ، فكيف تصنع ؟ فكتب :إِن كَانَت مِمَّن يُمكِنُهَا اتِّخَاذُ ظِئرٍ استَرضَعَت لِوَلَدِهَا وَأَتَمَّت صِيَامَها ، وَإِن كَانَ ذَلِكَ لا يُمكِنُهَا أَفطَرَت وَأَرضَعَت وَلَدَهَا ، وَقَضَت صِيَامَهَا مَتَى أَمكَنَهَا . (2)

119جوابه عليه السلام لمكتوبة الفتح بن يزيد الجرجانيّفي تكرير الكفّارةأبو طالب المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويّ رضى الله عنه ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود ، عن أبيه أبي النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش العيّاشي ، قال : حدّثنا جعفر بن أحمد ، قال : حدّثني عليّ بن محمّد بن شجاع ، عن محمّد بن عثمان ، عن حميد بن محمّد ، عن أحمد بن الحسن بن صالح ، عن أبيه ، عن

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 21 .
2- .مستطرفات السرائر : ص67 ح 11 ، بحار الأنوار : ج96 ص320 ح8 نقلاً عنه.

ص: 122

باب الحجّ
120 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار
121 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد فيما يجب على المحرم اجتنابه في إحرامه

الفتح بن يزيد الجرجانيّ (1) ، أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام سأله عن رجل واقع امرأة في شهر رمضان من حلٍّ أو حرامٍ عشر مرّات ؟ قال :عَلَيهِ عَشرُ كَفَّارَاتٍ ، لِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ ، فَإِن أَكَلَ أَو شَرِبَ فَكُفَّارَةُ يَومٍ وَاحِدٍ . (2)

باب الحجّ120كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارعليّ بن مهزيار (3) قال : سألت أبا الحسن عليه السلام : المقام أفضل بمكّة ، أو الخروج إلى بعض الأمصار؟ فكتب عليه السلام :المَقَامُ عِندَ بَيتِ اللّهِ أَفضَلُ . (4)

121كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّدفيما يجب على المحرم اجتنابه في إحرامهمحمّد بن الحسن الصفّار عن عليّ بن محمّد (5) ، قال : كتبت إليه المُحرم هل يُظلّل على نفسه إذا آذته الشمس أو المطر أو كان مريضاً ، أم لا ؟ فإن ظلّل هل يجب عليه الفداء ، أم لا ؟ فكتب عليه السلام :يُظَلِّلُ عَلَى نَفسِهِ ، وَيُهرِيقُ دَماً إِن شَاءَ اللّهُ . (6)

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 54 .
2- .الخصال : ص450 ح54 ، عيون أخبار الرضا : ج1 ص254 ح3 ، وسائل الشيعة : ج10 ص55 ح12817 .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 21 .
4- .تهذيب الأحكام : ج5 ص476 ح1681 ، وسائل الشيعة : ج13 ص232 ح17623 .
5- .الظاهر أنّه : « عليّ بن محمّد القاسانيّ » ، اُنظر ترجمته في « محمّد بن عليّ القاسانيِّ » بالرقم 10 .
6- .تهذيب الأحكام : ج5 ص310 ح63 ، الاستبصار : ج2 ص186 ح623 ، وسائل الشيعة : ج13 ص154 ح17462 .

ص: 123

122 . كتابه عليه السلام إلى أبي عليّ بن راشد
123 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عُقبة في أن يحجّ الصرورة عن الصرورة

122كتابه عليه السلام إلى أبي عليّ بن راشدمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى ، عن أبي عليّ بن راشد (1) ، قال : كتبت إليه أسأله عن رجلٍ محرم سكر ، وشهد المناسك وهو سكران ، أيتمّ حجّه على سُكره ؟ فكتب عليه السلام :لا يَتِمُّ حَجُّهُ . (2)

123كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عُقبةفي أن يحجّ الصرورة عن الصرورةمحمّد بن الحسن الصفّار عن محمّد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عقبة (3) ، قال : كتبت إليه أسأله عن رجل حجّ عن صَرُورة (4) لم يحجّ قطّ ، أيجزي كلّ واحدٍ منهما تلك الحجّة عن حجّة الإسلام ، أم لا ؟ بيّن لي ذلك يا سيّدي إن شاء اللّه . فكتب عليه السلام :لا يُجزِي ذَلِكَ . (5)

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 159 .
2- .تهذيب الأحكام : ج 5 ص 296 ح 1002 ، وسائل الشيعة : ج 12 ص 413 ح 16648 .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 63 .
4- .الصرورة :_ بفتح فضمّ _ يقال : رجل صرورة ، للّذي لم يحجّ ( الصحاح للجوهري ) . و اصطلاحاً : الحاجّ _ رجلاً كان أو امرأة _ الّذي لم يسبق له الحجّ ، أي الحجّ الّذي هو ( أو هي ) فيه هو حجّه الأوّل .
5- .تهذيب الأحكام : ج5 ص411 ح1430 ، الاستبصار : ج2 ص320 ح1134 ، وسائل الشيعة : ج8 ص122 ح14560 .

ص: 124

124 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار في الحجّ عن المخالف
125 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن سَرو في رجل يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ

124كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي الحجّ عن المخالفسهل بن زياد عن عليِّ بن مهزيار (1) ، قال : كتبت إليه : الرجل يحج عن الناصب ، هل عليه إثمٌ إذا حجّ عن النَّاصب ؟ وهل ينفع ذلك النَّاصب أم لا ؟ فكتب :لا يَحُجَّ عَنِ النَّاصِبِ وَلا يَحُجَّ بِهِ . (2)

125كتابه عليه السلام إلى محمّد بن سَروفي رجل يتمتّع بالعمرة إلى الحجّسعد بن عبد اللّه ، عن (3) عبد اللّه بن جعفر ، عن محمّد بن سَروٍ (4) ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام : ما تقول في رجل يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ وافى غداة عرفه وخرج الناس من منى إلى عرفات ، أعمرته قائمة ، أو ذهبت منه ؟ إلى أيّ وقتٍ عمرته قائمةٌ إذا كان مُتمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ فلم يُواف يوم التروية ولا ليلة التروية فكيف يصنع ؟ فوقّع عليه السلام :سَاعَةَ يَدخُلُ مَكَّةَ إن شَاءَ اللّهُ يَطُوفُ وَيُصَلِّي رَكعَتَينِ ، ويَسعَى ويُقَصِّرُ ، ويَخرُجُ

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 21 .
2- .الكافي : ج4 ص309 ح2 ، وسائل الشيعة : ج11 ص192 ح14600 .
3- .. الظاهر أنّ « عن عبد اللّه بن جعفر » في السند مصحّف « وعبد اللّه » بواو العطف ، وذلك لكون سعد وعبد اللّه كانا في طبقة واحدة ، ولم نجد رواية سعد عنه .
4- .محمّد بن سرو أو سرد ، مصحّف محمّد بن جزّك الّذي عدّه الشيخ من أصحاب الهادي عليه السلام قائلاً : «محمّد بن جَزّك الجمّال ثقة » ؛ وذلك لتشابهما وتقاربهما خطّا ، وكثرة رواية عبداللّه بن جعفر الحميري عنه في الأخبار ، وعدم ورود روايته عن محمّد بن سروٍ في المصادر الروائيّة غير هذا الخبر ، كما جزم بذلك صاحب المعالم والمحقّق التستري ، واحتمله السيّد الخوئي أيضا ( راجع : منتقى الجمّان : ج2 ص528 ، قاموس الرجال : ج9 ص284 الرقم 6755 ، معجم رجال الحديث : ج 17 ص 115 الرقم 10843 ) .

ص: 125

126 . كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم مخلّد بن موسى الرازيّ في العمرة المَبتولة
127 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن سليمان في الميّت يموت بمنى أو بعرفات

بِحَجَّتِهِ وَيَمضِي إِلَى المَوقِفِ ، وَ يُفِيضُ مَعَ الإِمامِ . (1)

126كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم مخلّد بن موسى الرازيّفي العمرة المَبتولةمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، قال : كتب أبو القاسم مخلّد بن موسى الرازي 2 إلى الرجل يسأله عن العمرة المبتولة (2) ، هل على صاحبها طواف النساء والعمرة التي يُتمتّع بها إلى الحجّ ؟ فكتب :أَمَّا العُمرَةُ المَبتُولَةُ فَعَلَى صَاحِبِهَا طَوَافُ النِّسَاءِ ، وَأَمَّا الَّتِي يُتَمَتَّعُ بِهَا إِلَى الحَجِ فَلَيسَ عَلَى صَاحِبِهَا طَوَافُ النِّسَاءِ . (3)

127كتابه عليه السلام إلى عليّ بن سليمانفي الميّت يموت بمنى أو بعرفاتمحمّد بن عيسى عن عليّ بن سليمان (4) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن

.


1- .تهذيب الأحكام :ج5 ص171 ح16 ، الاستبصار :ج2 ص247 ح6 ، وسائل الشيعة :ج11 ص295 ح14843 .
2- .المبتول : المقطوع ، ومنه العمرة المبتولة ( مجمع البحرين : ج5 ص371 ) .
3- .الكافي : ج4 ص538 ح9 ، تهذيب الأحكام : ج5 ص163 ح545 وص254 ح861 ، الاستبصار : ج2 ص232 ح804 ، وسائل الشيعة : ج13 ص442 ح18170 .
4- .اُنظر ترجمته في الرقم 84 .

ص: 126

128 . كتابه عليه السلام في جواب هشام المُكاري في الأضاحي

الميّت يموت بمنىً أو بعرفات _ الوهم منّي _ يُدفن بعرفات أو يُنقل إلى الحرم ؟ وأيّهما أفضل ؟ فكتب عليه السلام :يُحمَلُ إِلَى الحَرَمِ فَيُدفَنُ ، فَهَوُ أَفضَلُ . (1)

وفي الكافي : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن محمّد بن شيرة ( القاساني ) ، عن عليّ بن سليمان ، قال : كتبت إليه أسأله عن الميّت يموت بعرفات ، يدفن بعرفات أو ينقل إلى الحرم ، فأيُّهما أفضل ؟ فكتب عليه السلام :يُحمَلُ إِلَى الحَرَمِ وَيُدفَنُ ، فَهُوَ أَفضَلُ . (2)

128كتابه عليه السلام في جواب هشام المُكاريفي الأضاحيعليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن عبد اللّه بن عمر ، قال : كنّا بمكة فأصابنا غلاء من الأضاحي ، فاشترينا بدينار ثمّ بدينارين ، ثمّ لم نجد بقليل و لا كثير ، فرقّع هشام المُكاري (3) رقعة إلى أبي الحسن عليه السلام وأخبره بما اشترينا ثمّ لم نجد بقليل ولا كثير . فوقّع :انظُرُوا الثَّمَنَ الأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ ، ثُمَّ تَصَدَّقُوا (4) بِمِثل ثُلُثِهِ . (5)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج 5 ص465 ح1624.
2- .الكافي : ج4 ص543 ح14 ، وسائل الشيعة : ج13 ص287 ح17763 ، بحار الأنوار :ج79 ص66 ح2.
3- .لعلّه مصحّف هاشم ، والمراد به ابنه الحسين بن هاشم أبي سعيد المكاري ، واقفيّ ، وكان هو وأبوه وجهين في الواقفة ، وكان الحسين ثقة في حديثه ، ذكره الكشّي في جمله الواقفة ، وذكر فيه ذموما ( راجع : رجال الكشّي : ج2 ص765 ) .
4- .في الفقيه : « الثالث فاجمعوه ثمّ » بدل « الثالث فاجمعوه ثمّ تصدّقوا » .
5- .الكافي : ج4 ص544 ح22 ، تهذيب الأحكام : ج 5 ص 239 ح 805 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص497 ح3063 ، وسائل الشيعة : ج 14 ص 203 ح 18983 .

ص: 127

129 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الريّان
130 . كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوح في النفر من منى
131 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن القاسم في كفّارات الحجّ

129كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الريّانسعد بن عبد اللّه عن عبد اللّه بن جعفر الحميريّ ، عن علي بن الريّان بن الصلت (1) ، عن أبي الحسن الثالث عليه السلام ، قال : كتبت إليه أسأله عن الجاموس ، عن كم يُجزي في الضحيّة ؟ فجاء في الجواب :إِن كَانَ ذَكَراً فعَن وَاحِدٍ ، وَ إِن كَانَ أُنثَى فَعَن سَبعَةٍ . (2)

130كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوحفي النفر من منىمحمّد بن يحيى عن عبد اللّه بن جعفر ، عن أيّوب بن نوح (3) ، قال : كتبتُ إليه : إنّ أصحابنا قد اختلفوا علينا ، فقال بعضهم : إنّ النفر يوم الأخير بعد الزوال أفضل ، وقال بعضهم : قبل الزوال؟ فكتب :أَمَا عَلِمتَ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله صَلَّى الظُّهرَ وَالعَصرَ بِمَكَّةَ ، وَلا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَا وَقَد نَفَرَ قَبلَ الزَّوَالِ . (4)

131كتابه عليه السلام إلى أحمد بن القاسمفي كفّارات الحجّموسى بن القاسم عن بعض أصحابنا ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : كتب إليه أحمد بن

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 58 .
2- .تهذيب الأحكام : ج5 ص209 ح40 ، الاستبصار : ج2 ص267 ح7 ، وسائل الشيعة : ج14 ص112 ح18741 وص119 ح18761 .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 2 .
4- .الكافي : ج4 ص521 ح8 ، تهذيب الأحكام : ج5 ص273 ح935 ، وسائل الشيعة : ج14 ص281 ح19208.

ص: 128

باب التجارة والمكاسب
132 . كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم الصيقل فيما يحلّ الشراء والبيع منه وما لا يحلّ

القاسم في رجلٍ تمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، فلم يكن عنده ما يهدي ، فصام ثلاثة أيّام فلمّا قدم أهله لم يقدر على صوم السبعة الأيّام ، فأراد أن يتصدّق من الطعام ، فعلى كم يتصدّق ؟ فكتب :لا بُدَّ مِنَ الصِّيَامِ . (1)

باب التجارة والمكاسب132كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم الصيقلفيما يحلّ الشراء والبيع منه وما لا يحلّمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن عيسى ، عن أبي القاسم الصيقل (2) ، قال : كتبُ إليه قوائم السيوف التي تسمّى السفن (3) أتخذها من جلود السمك ، فهل يجوز العمل لها ولسنا نأكل لحومها ؟ فكتب عليه السلام :لا بَأسَ . (4)

وفي التهذيب : محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن أبي القاسم الصيقل و ولده ، قال : كتبوا إلى الرجل عليه السلام : جعلنا اللّه فداك ، إنّا قوم نعمل السيوف . . . وكُتب إليه : جُعلت فداك ، وقوائم السيوف الّتي تُسمّى السفن نتّخذها من جلود السمك ، فهل يجوز لي العمل بها . . . (5)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج 5 ص 40 ح 119 ، وسائل الشيعة : ج 14 ص 189 ح 18951.
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 126 .
3- .السَّفَن _ محرّكة _ : جلد خشن ، و قطعة خشناء من جلود السمك أو جلود التمساح .
4- .الكافي : ج5 ص227 ح10 ، تهذيب الأحكام : ج7 ص135 ح597 ، وسائل الشيعة : ج17 ص173 ح22280 ، بحار الأنوار : ج62 ص330 ح62.
5- .تهذيب الأحكام : ج6 ص376 ح1100 ، وسائل الشيعة : ج17 ص173 ح22281.

ص: 129

133 . جوابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمذاني
134 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد في الحَمَل و الجَدي يرضعان من لبن الخنزيرة

133جوابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمذانيمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى ، عن الحسين عن إبراهيم بن محمّد الهمذاني (1) ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام وسألته عن رجل . . . يبيع متاعاً في بيت قد عرف كيله بربحٍ إلى أجلٍ أو بنقدٍ ، ويعلم المشتري مبلغ كيل المتاع ، أيجوز ذلك ؟ قال :نَعَم . (2)

134كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّدفي الحَمَل و الجَدي يرضعان من لبن الخنزيرةأحمد بن محمّد (3) قال : كتبت إليه عليه السلام : جُعلت فداك من كُلّ سوء ، امرأة أرضعت عناقاً (4) حتّى فطمت وكبرت ، وضربها الفحل ثُمّ وضعت ، أيجوز أن يؤكل لحمها ولبنها ؟ فكتب عليه السلام :فِعلٌ مَكرُوهٌ وَلا بَأسَ بِهِ . (5) وفي التهذيب : محمّد بن أحمد عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، قال : كتبت : جعلني اللّه فِداك ، امرأة أرضعت عناقاً بلبن نفسها ، حتّى فُطمت وكبرت وضربها الفحل ووضعت ، يجوز أن يُؤكل لبنها ؟ وتُباع وتُذبح ويُؤكل لحمها ؟ فكتب عليه السلام : فِعلٌ مَكرُوهٌ وَلا بَأسَ بِهِ . (6) وفي الفقيه : كتب أحمد بن محمّد بن عيسى إلى عليّ بن محمّد عليه السلام : امرأة أرضعت

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 7 .
2- .تهذيب الأحكام : ج 7 ص 207 ح 910 ، وسائل الشيعة : ج 19 ص 134 ح 24310.
3- .الظاهر أنّ المراد هو « أحمد بن محمّد بن عيسى » ، بقرينة نقل الحديث اللّاحق ، فهذا الحديث منقول بالمعنى والراوي واحد . اُنظر ترجمته في الرقم 106 .
4- .العناق _ بالفتح _ : الاُنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول ( مجمع البحرين : ج 3 ص 261 « عنق » ) .
5- .الكافي : ج6 ص 250 ح 4 ، وسائل الشيعة : ج 24 ص 163 ح 30244 ، بحار الأنوار : ج 65 ح 248.
6- .تهذيب الأحكام : ج 7 ص 325 ح 46 ، وسائل الشيعة : ج20 ص406 ح25948 .

ص: 130

135 . كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم الصَّيقَل في شراء و بيع السيوف من السلطان
136 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن سليمان في استيفاء الدين من مال الغريم الممتنع

عناقاً من الغنم بلبنها حتّى فطمتها . فكتب عليه السلام : فِعلٌ مَكرُوهٌ وَلا بَأسَ بِهِ . (1)

135كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم الصَّيقَلفي شراء و بيع السيوف من السلطانمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى ، عن أبي القاسم الصيقل (2) ، قال : كتبت إليه : إنّي رجل صيقل أشتري السيوف وأبيعها من السلطان ، أجائز لي بيعها ؟ فكتب عليه السلام :لا بَأسَ بِهِ . (3)

136كتابه عليه السلام إلى عليّ بن سليمانفي استيفاء الدين من مال الغريم الممتنع من الأداء بغير إذنهمحمّد بن عيسى عن عليّ بن سليمان (4) ، قال : كُتب إليه : رجلٌ غصب رجلاً مالاً أو جاريةً ، ثمّ وقع عنده مال بسبب وديعةٍ أو قرض مثل ما خانه أو غصبه ، أيحلّ له حبسه عليه ، أم لا ؟ فكتب عليه السلام :نَعَم ، يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ إِن كانَ بِقَدرِ حَقِّهِ ، وَإِن كَانَ أَكثَرَ فَيَأخُذُ مِنهُ مَا كَانَ عَلَيهِ وَيُسَلِّمُ البَاقِيَ إِلَيهِ ، إِن شَاءَ اللّهُ . (5)

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 3 ص 333 ح 4195 ، بحار الأنوار : ج 65 ص 248.
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 126 .
3- .تهذيب الأحكام : ج6 ص382 ح1128 ، وسائل الشيعة : ج17 ص103 ح22090 .
4- .اُنظر ترجمته في الرقم 84 .
5- .تهذيب الأحكام : ج6 ص349 ح985 ، الاستبصار : ج3 ص53 ح173 بإسناده عن محمّد بن يحيى عن عليّ بن سليمان ، وسائل الشيعة : ج17 ص275 ح22507.

ص: 131

137 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عنبسة في اللعب بالقمار
138 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن سليمان في العقود

137كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عنبسةفي اللعب بالقمارحمدويه عن محمّد بن عيسى ، قال : سمعته يقول : كتب إليه إبراهيم بن عنبسة (1) _ يعني إلى عليّ بن محمّد _ : إنّ رأى سيّدي ومولاي أن يخبرني عن قول اللّه : « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ» (2) الآية ، فما الميسر جُعلت فداك ؟ فكتب :كُلُّ ما قُومِرَ بِهِ فَهُوَ المَيسِرُ ، وَكُلُّ مُسكِرٍ حَرَامٌ . (3)

138كتابه عليه السلام إلى عليّ بن سليمانفي العقودالصفّار عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن عليّ بن سليمان (4) ، قال : قلت : الرجل يأتيني فيقول لي : اشتر لي ثوباً بدينارٍ وأقلّ وأكثر ، فأشتري له بالثمن الّذي يقول ، ثمّ أقول له : هذا الثوب بكذا وكذا بأكثر من الّذي اشتريته ، ولا اُعلمه أنّي ربحت عليه ، وقد شرطت على صاحبه أن ينقد بالّذي اُريد ، وألّا أردّ به عليه ، فهل يجوز الشرط والربح أو يطيب لي شيء منه؟ وهل يطيب لي شيء أن أربح عليه إذا كنت استوجبته من صاحبه ؟ فكتب عليه السلام :لا يَطِيبُ لَكَ شَيءٌ مِن هَذَا ، فَلا تَفعَلهُ . (5)

.


1- .الرجل مجهول لم نجد له ترجمة ، و لم يعنون في أسانيد الروائيّة غير هذه المكاتبة .
2- .البقرة :219 .
3- .تفسير العيّاشي : ج 1 ص 105 ح 311 ، وسائل الشيعة : ج 17 ص 325 ح 22675 نقلاً عنه .
4- .إن كان المراد منه عليّ بن سليمان بن رشيد الظاهر كان من الهادي عليه السلام ، وإن كان هو عليّ بن سليمان بن داوود كان من أصحاب العسكريّ عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص388 الرقم5710 وص400 الرقم5865 ) . راجع : ترجمته في الرقم 84 .
5- .تهذيب الأحكام : ج7 ص228 ح997 ، وسائل الشيعة : ج18 ص93 ح23225 .

ص: 132

139 . كتابه عليه السلام إلى أبي عمر (عمرو) الحذاء
140 . كتابه عليه السلام إلى طاهر في الربا

139كتابه عليه السلام إلى أبي عمر ( عمرو ) الحذاءمحمّد بن عليّ بن محبوب عن محمّد بن عيسى العبيديّ ، قال : كتب أبو عمرو الحذّاء (1) إلى أبي الحسن عليه السلام ، وقرأت الكتاب والجواب بخطّه يعلمه ، أنّه كان يختلف إلى بعض قضاة هؤلاء ، وأنّه صيّر إليه وُقوفاً ومواريث بعض ولد العبّاس أحياءً وأمواتاً ، وأجرى عليه الأرزاق ، وأنّه كان يؤدّي الأمانة إليهم ، ثمّ إنّه بعدُ عاهد اللّه أن لا يدخل لهم في عملٍ ، وعليه مؤونة وقد تلف أكثر ما كان في يده ، وأخاف أن ينكشف عنهم ما لا يحبّ أن ينكشف من الحال ، فإنّه منتظر أمرك في ذلك فما تأمر به ؟ فكتب عليه السلام إليه :لا عَلَيكَ إِن دَخَلتَ مَعَهُمُ ، اللّهُ يَعلَمُ وَنَحنُ مَا أَنتَ عَلَيهِ . (2)

140كتابه عليه السلام إلى طاهرفي الربافي كتاب مسائل الرجال من مسائل محمّد بن عليّ بن عيسى : حدّثنا محمّد بن أحمد بن زياد وموسى بن محمّد(بن عليّ بن عيسى ) ، عن محمّد بن عليّ بن عيسى ، عن طاهر 3 ، قال : كتبت إليه ( الهادي عليه السلام ) أسأله عن الرجل يعطي الرجل

.


1- .راجع : « أبو عمرو » في الرقم 110 .
2- .تهذيب الأحكام : ج 6 ص 336 ح 930 ، وسائل الشيعة : ج 17 ص 197 ح 22339.

ص: 133

141 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد القاسانيّ في القرض
142 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد القاسانيّ

مالاً يبيعه شيئاً بعشرين درهماً ، ثُمَّ يحول عليه الحول فلا يكون عنده شَيءٌ فيبيعه شيئاً آخر . فأجابني عليه السلام :مَا تَبايَعَهُ النَّاسُ فَحَلال ، وَمَا لَم يُبَايِعُوهُ فَرِباً . (1)

141كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد القاسانيّفي القرضالصفّار عن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن محمّد (2) وقد سمعته من عليّ ، قال : كتبت إليه : القرض يجرّ المنفعة ، هل يجوز أم لا ؟ فكتب عليه السلام :يَجُوزُ ذَلِكَ .

142كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد القاسانيّالصفّار عن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن محمّد (3) وقد سمعته من عليّ ، قال : . . .

.


1- .مستطرفات السرائر : ص69 ح18 ، وسائل الشيعة : ج18 ص163 ح23393 ، بحار الأنوار : ج100 ص113 ح5 وص120 ح31.
2- .اُنظر ترجمته في « محمّد بن عليّ القاسانيِّ » بالرقم 10 .
3- .وفيه قلب ، والصحيح « محمّد بن عليّ » بدل « عليّ بن محمّد » ، اُنظر ترجمته في « محمّد بن عليّ القاسانيّ » بالرقم 10 .

ص: 134

143 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد القاسانيّ في الضمان على الدلال والجمال
144 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم الهمذانيّ في الإجارة

كتبت إليه : رجل له على رجلٍ تمر أو حِنطة أو شَعير أو قُطن ، فلمّا تقاضاه قال : خذ بقيمة ما لك عندي دراهم ، أيجوز له ذلك أم لا ؟ فكتب عليه السلام :يَجُوزُ ذَلِكَ عَن تَراضٍ مِنهُمَا إِن شَاءَ اللّهُ . (1)

143كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد القاسانيّفي الضمان على الدلال والجمالمحمّد بن جعفر أبو العبّاس الكوفيّ عن محمّد بن عيسى بن عبيد وعليّ بن إبراهيم جميعاً ، عن عليّ بن محمّد القاسانيّ (2) ، قال : كتبتُ إِليه _ يعني أبا الحسن الثالث عليه السلام _ وأنا بالمدينة سنة إحدى وثلاثين ومئتين : جُعلت فداك ، رجل أمر رجلاً يشتري له متاعاً أو غير ذلك ، فاشتراه فسُرق منه أو قُطع عليه الطريق من مال من ذهب المتاع ، مِن مال الآمر أو مِن مال المأمور ؟ فكتب عليه السلام :مِن مَالِ الآمِرِ . (3)

144كتابه عليه السلام إلى إبراهيم الهمذانيّفي الإجارةسهل بن زياد وأحمد بن محمّد عن عليِّ بن مهزيار عن إبراهيم بن محمّد الهمذانيّومحمّد بن جعفر الرزاز ، عن محمّد بن عيسى ، عن إبراهيم الهمذانيّ (4) ، قال : كتبتُ

.


1- .تهذيب الأحكام : ج6 ص205 ح469 وج7 ص44 ح191 ، وسائل الشيعة : ج18 ص308 ح23731 وص359 ح23845 .
2- .اُنظر ترجمته في «محمّد بن عليّ القاسانيِّ» بالرقم 10 .
3- .الكافي : ج5 ص314 ح44 ، تهذيب الأحكام : ج7 ص225 ح985 ، وسائل الشيعة : ج18 ص73 ح23180 وج19 ص153 ح24354.
4- .راجع : «إبراهيم بن محمّد الهمداني» في الرقم 7 .

ص: 135

145 . كتابه عليه السلام إلى رجل

إلى أبي الحسن عليه السلام وسألته عن امرأة آجرت ضيعتها (1) عشر سنين على أن تُعطى الاُجرة في كلّ سنة عند انقضائها ، لا يُقدّم لها شيء من الاُجرة ما لم يمضِ الوقت ، فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها ، هل يجب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى الوقت ، أم تكون الإجارة منتقضة بموت المرأة ؟ فكتب عليه السلام :إِن كَانَ لَهَا وَقتٌ مُسَمّىً ، لَم يَبلُغ فَمَاتَت ، فَلِوَرَثَتِهَا تِلكَ الإِجَارَةُ ، فَإِن لَم تَبلُغ ذَلِكَ الوَقتَ وَبَلَغَت ثُلُثَهُ أَو نِصفَهُ أَو شَيئاً مِنهُ ، فَيُعطَى وَرَثَتُهَا بِقَدرِ مَا بَلَغَت مِن ذَلِكَ الوَقتِ إِن شَاءَ اللّهُ . (2)

145كتابه عليه السلام إلى رجلسَهلُ بن زياد عن أحمد بن إسحاق الرازيّ ، قال : كتب رجل إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام : رجل استأجر ضيعةً من رجل ، فباع المُؤاجر تلك الضيعة الّتي آجرها بحضرة المستأجر ولم يُنكر المستأجر البيع وكان حاضراً له شاهداً عليه ، فمات المشتري وله ورثة ، أيرجع ذلك في الميراث ، أو يبقى في يد المستأجر إلى أن تنقضي إجارته ؟ فكتب عليه السلام :إِلَى أَن تَنقَضِيَ إِجَارَتُهُ . (3)

.


1- .الضيع : ضيعة الرجل : حرفته و صناعته و معاشه وكسبه . . . قال الأزهري : الضيعة عند الحاضرة مال الرجل من النخل والكرم والأرض ( لسان العرب : ج8 ص230 ) .
2- .الكافي : ج 5 ص 270 ح 2 ، تهذيب الأحكام : ج 7 ص 207 ح 912 ، وسائل الشيعة : ج 19 ص 137 ح 24311.
3- .الكافي : ج5 ص271 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج7 ص207 ح910 وفيه : « محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى ، عن الحسين ، عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام » ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص252 ح3914 وفيه : « كتب أبو هَمّام إلى أبي الحسن عليه السلام في رجلٍ استأجر ضيعة . . . » ، وسائل الشيعة : ج19 ص134 ح24306 وج19 ص136 ح24310 .

ص: 136

146 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّ فيمن آجر ولده مدّة
147 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن سليمان في الوقوف و الصدقات

146كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّفيمن آجر ولده مدّةكتب محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّ (1) إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ عليهماالسلام في رجلٍ دفع ابنه إلى رجل وسلّمه منه سنة بأجرةٍ معلومة ليخيط له ، ثمّ جاء رجل آخر فقال له : سلّم ابنك منّي سنة بزيادة ، هل له الخيار في ذلك ؟ وهل يجوز له أن يفسخ ما وافق عليه الأوّل أم لا ؟ فكتب عليه السلام بخطّه :يَجِبُ عَلَيهِ الوَفَاءُ لِلأَوَّلِ مَا لَم يَعرِض لِابنِهِ مَرَضٌ أَو ضَعفٌ . (2)

147كتابه عليه السلام إلى عليّ بن سليمانفي الوقوف و الصدقاتمحمّد بن جعفر الرزّاز ، عن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن سليمان (3) ، قال : كتبتُ إليه _ يعني أبا الحسن عليه السلام _ : جُعلت فداك ، ليس لي ولد (4) ولي ضياع ورثتُها من أبي وبعضها استفدتها ، ولا آمنُ الحدثان ، فإن لم يكن لي ولد وحدث بي حدث فما ترى جُعلت فداك ، لي أن أوقف بعضها على فقراء إخواني والمستضعفين ، أو أبيعها وأتصدّق بثمنها في حياتي عليهم ؟ فإنّي أتخوّف أن لا ينفُذ الوقف بعد موتي ، فإن أوقفتها في حياتي فلي أن آكل منها أيّام حياتي أم لا؟ فكتب عليه السلام :

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 9 .
2- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص173 ح3654 ، وسائل الشيعة : ج19 ص118 ح24270.
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 84 .
4- .وفي الفقيه : « روى محمّد بن أحمد بن يحيى عن العبيدي عن علي بن سليمان بن رشيد ، قال : كتبت إليه عليه السلام : جُعلت فداك ، ليس لي ولدٌ . . . » .

ص: 137

148 . كتابه عليه السلام إلى أبي الحسن بن عليّ بن بلال

فَهِمتُ كِتَابَكَ فِي أَمرِ ضِيَاعِكَ ، وَلَيسَ لَكَ أَن تَأكُلَ مِنهَا مِنَ الصَّدَقَةِ ، فَإِن أَنتَ أَكَلتَ مِنهَا لَم يَنفُذ ، إِن كَانَ لَكَ وَرَثَةٌ فَبِع وَتَصَدَّق بِبعضِ ثَمَنِهَا فِي حَيَاتِكَ ، وَإِن تَصَدَّقتَ أَمسَكتَ لِنَفسِكَ مَا يَقُوتُكَ مِثلَ مَا صَنَعَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عليه السلام . (1)

148كتابه عليه السلام إلى أبي الحسن بن عليّ بن بلالمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار ، عن بعض أصحابنا ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام : إنّي وقفتُ أرضاً على وُلدي وفي حَجٍّ ووجوه بِرٍّ ، ولك فيه حقٌّ بعدي أو لمن بعدك ، وقد أزلتها عن ذلك المجرى . فقال عليه السلام :أَنتَ فِي حِلٍّ وَمُوَسَّعٌ لَكَ . (2)

وفي التهذيب : محمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى اليقطيني ، عن عليّ بن مهزيار ، عن أبي الحسن (3) ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام : إنّي وقفتُ أرضاً على وُلدي وفي حجٍّ ووُجوه بِرٍّ ، ولك فيه حقٌّ بعدي ولي بعدك ، وقد أنزلتها (4) عن ذلك المجرى . فقال :أَنتَ فِي حِلٍّ وَمُوَسَّعٌ لَكَ . (5)

.


1- .الكافي :ج 7 ص 37 ح33 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص129 ح554 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص238 ح5570 ، وسائل الشيعة : ج19 ص176 ح24388 .
2- .الكافي : ج 7 ص 59 ح 8 .
3- .أبو الحسن بن عليّ بن بلال من أصحاب الإمام الهادي عليه السلام ، وفي الفقيه : « الحسين » بدل « الحسن » ، والظاهر : أنّه هو أبو الحسن بن هلال ، الثقة ، كان من أصحاب أبي الحسن الثالث عليه السلام .
4- .وفي الفقيه : « أزلتها » بدل « أنزلتها » كما في الكافي .
5- .تهذيب الأحكام : ج9 ص143 ح45 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص237 ح5568 ، وسائل الشيعة : ج19 ص180 ح24397.

ص: 138

149 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن محمّد
150 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن حمزة ( أبو طاهر بن حمزة )

149كتابه عليه السلام إلى محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن محمّدمحمّد بن عليّ بن محبوب عن محمّد بن الفرج (1) ، عن عليّ بن معبد ، قال : كتب إليه محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن محمّد (2) سنة ثلاث وثلاثين ومئتين يسأله عن رجلٍ مات وخلّف امرأةً وبنين وبنات ، وخلّف لهم غلاماً أوقفه عليهم عشر سنين ، ثمّ هو حرّ بعد العشر سنين ، فهل يجوز لهؤلاء الورثة بيع هذا الغلام وهم مضطرّون إذا كان على ما وصفته لك جعلني اللّه فداك ؟ فكتب عليه السلام :لا تَبِعهُ (3) إِلَى مِيقَاتِ شَرطِهِ ، إِلَا أَن يَكُونُوا مُضطَرِّينَ إلَى ذَلِكَ فَهُوَ جائِزٌ لَهُم . (4)

150كتابه عليه السلام إلى أحمد بن حمزة ( أبو طاهر بن حمزة )روى محمّد بن عيسى العبيديّ ، قال : كتب أحمد بن حمزة 5 إلى أبي الحسن عليه السلام :

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 6 .
2- .محمّد بن أحمد بن إبراهيم : عدّه الشيخ من أصحاب مولانا الهادي عليه السلام ( رجال الطوسي : ص391 الرقم 5756 ) .
3- .و في الفقيه : « يبيعونه » بدل « تبعه » .
4- .تهذيب الأحكام : ج9 ص138 ح581 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص181 ح634 ، وسائل الشيعة : ج19 ص221 ح24464.

ص: 139

151 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار في وقف المعلوم والمجهول

مدبّرٌ وقف ثمّ مات صاحبه وعليه دَين لا يفي بماله . فكتب عليه السلام :يُبَاعُ وَقفُهُ فِي الدَّينِ . (1)

وفي التهذيب : محمّد بن عليّ بن محبوب عن أبي طاهر بن حمزة ، أنّه كتب إليه عليه السلام : مدينٌ أوقف ثمّ . . . (2)

151كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي وقف المعلوم والمجهولمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى وعدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، جميعاً عن عليّ بن مهزيار (3) ، قال : قلت : روى بعض مواليك عن آبائك عليهم السلام : أنّ كلّ وقف إلى وقتٍ معلومٍ (4) فهو واجبٌ على الورثة ، وكلّ وقف إلى غير وقتٍ معلومٍ جهلٌ مجهول باطل مردود على الورثة ، وأنت أعلم بقول آبائك ؟ فكتب عليه السلام :

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 239 ح 5571.
2- .تهذيب الأحكام : ج 9 ص138 ح 26 ، وسائل الشيعة : ج 19 ص 184 ح 24410.
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 21 .
4- .أي يكون مؤبّداً أو موقّتاً بوقتٍ معلوم فيكون حبسا .

ص: 140

152 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن عيسى في التصدّق على المساكين

هُوَ عِندِي كَذَا 1 . (1)

152كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن عيسىفي التصدّق على المساكينفي كتاب مسائل الرجال من مسائل محمّد بن عليّ بن عيسى : ( محمّد بن أحمد بن محمّد بن زياد وموسى بن محمّد[ ، عن محمّد] بن عليّ بن عيسى (2) ، قال : كتبت إلى الشيخ (3) أعزّه اللّه وأيّده . . . ) ، وكتبت إليه أسأله عليه السلام عن المساكين الّذين يقعدون في الطرقات من الجزايرة والساسانيين (4) وغيرهم ، هل يجوز التصدّق عليهم قبل أن أعرف مذهبهم؟ فأجاب :مَن تَصَدَّقَ عَلَى نَاصِبٍ ، فَصَدَقَتُهُ عَلَيهِ لا لَهُ ، لَكِن عَلَى مَن لا يُعرَفُ مَذهَبُهُ وَحالُهُ فَذَلِكَ أَفضَلُ وَأَكثَرُ ، وَمَن بَعدَ فَمَنَ تَرَفَّقتَ عَلَيهِ (5) وَرَحِمتَهُ وَلَم يُمكِنِ استِعلامُ مَا هُوَ عَلَيهِ ، لَم يَكُن بِالتَّصَدُّقِ عَلَيهِ بَأسٌ إِن شَاءَ اللّهُ . (6)

.


1- .الكافي : ج7 ص36 ح31 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص132 ح561 ، الاستبصار : ج4 ص99 ح62 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص237 ح5569 ، وسائل الشيعة : ج19 ص192 ح24414.
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 59 .
3- .وسائل الشيعة : كتبت إلى الشيخ ، يعني الهادي عليه السلام .
4- .. في وسائل الشيعة : « من الحرائم والسايسين » بدل « الجزايرة والساسانيين » . وسايسين : يقال : بنو ساسا للسؤال ( لسان العرب : ج6 ص109 « سيس » ) .
5- .و في الوسائل : «وأكبر ، ومن بعد فمن ترقّقت عليه» بدل «وأكثر ، ومن بعد فمن ترفّقت عليه» .
6- .مستطرفات السرائر : ص68 ح15 ، وسائل الشيعة : ج9 ص416 ح12368 نقلاً عنه ، بحار الأنوار : ج93 ص127 ح46 .

ص: 141

153 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عيسى بن عبيد في الهبات
154 . كتابه عليه السلام إلى خيران

153كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عيسى بن عبيدفي الهباتمحمّد بن محمّد بن عصام الكليني رضى الله عنه قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيّ ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّ (1) ، قال : كتبت إلى عليّ بن محمّد بن عليّ عليه السلام : رجل جعل لك _ جعلني اللّه فداك _ شيئاً من ماله ، ثمّ احتاج إليه ، أيأخذه لنفسه ، أو يبعث به إليك ؟ قال عليه السلام :هُوَ بِالخِيَارِ فِي ذَلِكَ مَا لَم يُخرِجهُ عَن يَدِهِ ، وَلَو وَصَلَ إِلَينَا لَرَأَيَنا أَن نُوَاسِيَهُ (2) بِهِ وَقَد احتَاجَ إِلَيهِ . (3)

وزاد في الفقيه : قال : وكتبت إليه : رجلٌ أوصى لك _ جعلني اللّه فداك _ بشيءٍ معلومٍ من ماله ، وأوصى لأقربائه من قبل أبيه واُمّه ، ثمّ إنّه غيّر الوصيّة ، فحَرَم من أعطى وأعطى من حَرَم ، أيجوز له ذلك ؟ فكتب عليه السلام :هُوَ بِالخِيَارِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إِلَى أَن يَأتِيَهُ المَوتُ . (4)

154كتابه عليه السلام إلى خيرانمحمّد بن مسعود قال : حدّثني سليمان بن حفص ، عن أبي بصير حمّاد بن عبد اللّه القنديّ ، عن إبراهيم بن مهزيار ، قال : كتب إليه خيران (5) : قد وجّهت إليك ثمانية

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 9 .
2- .واسى مواساة الرجل : لغةً في آساه مؤاساة ، أي عاونه ( المنجد : ص901 ) .
3- .إكمال الدين وإتمام النعمة : ج2 ص522 ح52 ، وسائل الشيعة : ج19 ص234 ح24488 ، بحار الأنوار : ج96 ص187 ح12 .
4- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص232 ح5554.
5- .اُنظر ترجمته في الرقم 67 .

ص: 142

155 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن عيسى في تحريم الولاية من قبل الجائر

دراهم كانت اُهديت إليّ من طرسوس ، دراهم منهم ، وكرهت أن أردّها على صاحبها أو أحدث فيها حدثاً دون أمرك ، فهل تأمرني في قبول مثلها أم لا ، لأعرفها إن شاء اللّه وانتهي إلى أمرك ؟ فكتب وقرأته :اقبَل مِنهُم إِذَا أُهدِيَ إِلَيكَ دَراهِمُ أَو غَيرُها ، فَإِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم يَرُدَّ هَدِيَّةً عَلَى يَهُودِيٍّ وَلا نَصرَانِيٍّ . (1)

155كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن عيسىفي تحريم الولاية من قبل الجائرفي كتاب مسائل الرجال من مسائل محمّد بن عليّ بن عيسى : ( محمّد بن أحمد بن محمّد بن زياد وموسى بن محمّد[ عن محمّد ] بن عليّ بن عيسىج (2) ، قال : كتبت إلى الشيخ (3) أعزّه اللّه وأيّده . . . ) ، وكتبت إليه أسأله عن العمل لبني العبّاس وأخذ ما أتمكّن من أموالهم ، هل فيه رُخصة ؟ وكيف المذهب في ذلك ؟ فقال :مَا كَانَ المَدخَلُ فِيهِ بِالجَبرِ وَالقَهرِ ، فَاللّهُ قَابِلُ العُذرِ ، وَمَا خَلَا ذَلِكَ فَمَكرُوهٌ ، وَلا مَحَالَةَ قَلِيلُهُ خَيرٌ مِن كَثِيرِهِ ، وَما يُكَفَّرُ بِهِ مَا يَلزَمُهُ فِيهِ ( مَن ) يَرزُقُهُ ، وَيُسَبَّبُ عَلَى يَدَيهِ مَا يَسُرُّكَ فِينَا وَفِي مَوَالِينَا .

قال : وكتبت إليه في جواب ذلك اُعلمه أنّ مذهبي في الدخول في أمرهم ، وجود السبيل إلى إدخال المكروه على عدوّه ، وانبساط اليد في التشفّي منهم بشيءٍ ، أن أتقرّب إليه به إليهم . فأجاب :

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص868 الرقم1133 ، وسائل الشيعة : ج17 ص291 ح22560 ، بحار الأنوار : ج50 ص107 ح26 .
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 59 .
3- .وسائل الشيعة : كتبت إلى الشيخ ، يعني الهادي عليه السلام .

ص: 143

156 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن هلال في الوصيّة بالثلث و أقلّ منه و أكثر
157 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن مالك

مَن فَعَلَ ذَلِكَ فَلَيسَ مَدخَلُهُ فِي العَمَلِ حَرَاماً ، بَل أَجرَاً وَثَوَاباً . (1)

باب الوصايا156كتابه عليه السلام إلى أحمد بن هلالفي الوصيّة بالثلث و أقلّ منه و أكثرمحمّد بن عليّ بن محبوب عن العبيديّ عن أحمد بن هلال (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : ميّت أوصى بأن يُجرى على رجلٍ ما بقي من ثُلثه ، ولم يأمر بإنفاذ ثُلثه ، هل للوصي أن يوقف ثُلث الميّت بسبب الإجراء ؟ فكتب عليه السلام :يُنفِذُ ثُلُثَهُ وَلا يُوقِفُ . (3)

157كتابه عليه السلام إلى الحسين بن مالكمحمّد بن يحيى عن عبد اللّه بن جعفر ، عن الحسين بن مالك (4) ، قال : كتبت إلى أبي

.


1- .مستطرفات السرائر : ص68 ح14 ، وسائل الشيعة : ج17 ص190 ح22322 نقلاً عنه.
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 45 .
3- .. تهذيب الأحكام : ج9 ص197 ح19 وص144 ح599 ، الكافي : ج7 ص36 ح32 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص239 ح5572 كلّهم عن محمّد بن أحمد ، عن عمر بن عليّ بن عمر ، عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ ، وبهذا الإسناد مرّ في مكتوبة الإمام الجواد عليه السلام ، وسائل الشيعة : ج19 ص226 ح24472 .
4- .الحسين بن مالك القمّي : عدّه الشيخ في أصحاب الهادي عليه السلام قائلاً : إنّه ثقة ( راجع : رجال الطوسي : ص385 الرقم 5671 ) . وذكره البرقي في أصحاب الهادي عليه السلام قائلاً : « الحسن بن مالك » مكبّرا ، كذا في رجال العلّامة ( خلاصة الأقوال : ص 39 الرقم 6 ) . وذكره ابن داوود في القسم الأوّل قائلاً : واشتبه على بعض أصحابنا ، فأثبته في باب الحسن ، وليس كذلك ( راجع : رجال ابن داوود : ص 126 الرقم 486 ) ، و قال المحقّق التستري : نسخة ابن داوود من رجال الشيخ بخطّ مصنّفه ، فالمتّبع ما قاله ( راجع : قاموس الرجال : ج 3 ص 346 الرقم 2011 ) ، وقال المحقّق الأردبيلي : في بعض نسخ كتاب رجال الشيخ الحسين بن مالك بالياء ، واختاره ابن داوود ونسب ما هنا « الحسن بن مالك » إلى الاشتباه ، والّذي وجدته بخطّ السيّد بن طاووس « الحسن » بغير ياء كما ذكره المصنّف . انتهى . والّذي وجدته بالياء كما يأتي . . . والّذي وجدته في رجال الهادي عليه السلام بالياء كما يأتي ، واللّه أعلم ( راجع : جامع الرواة : ج1 ص220 ) .

ص: 144

158 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن إسحاق

الحسن عليه السلام : اعلم يا سيّدي إنّ ابن أخٍ لي تُوفّي ، فأوصى لسيّدي بضيعةٍ ، وأوصى أن يُدفع كلّ شيءٍ في داره ، حتّى الأوتاد تُباع ويُجعل الثمن إلى سيدي ، وأوصى بحجٍّ ، وأوصى للفقراء من أهل بيته ، وأوصى لعمّته واُخته بمالٍ ، فنظرت فإذا ما أوصى به أكثر من الثلث ، ولعلّه يقارب النصف ممّا ترك ، وخلّف ابناً له ثلاث سنين ، وترك ديناً ، فرأي سيّدي . فوقّع عليه السلام :يُقتَصرُ مِن وَصِيَّتِهِ عَلَى الثُّلُثِ مِن مَالِهِ ، وَيُقسَمُ ذَلِكَ بَينَ مَن أَوصَى لَهُ عَلَى قَدرِ سِهَامِهِم إِن شَاءَ اللّهُ . (1)

158كتابه عليه السلام إلى أحمد بن إسحاقمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ( بن عيسى ) ، قال : كتب أحمد بن إِسحاق (2) إلى أبي الحسن عليه السلام : إنّ دُرّة بنت مُقاتل توفّيت وتركت ضيعةً أشقاصاً في مواضع ، وأوصت لسيّدها من أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث (3) ، ونحن أوصياؤها وأحببنا أن نُنهي إلى سيّدنا ، فإن هو أمر بإمضاء الوصيّة على وجهها أمضيناها ، وإن أمر بغير

.


1- .الكافي : ج 7 ص 60 ح 13 ، تهذيب الأحكام : ج 9 ص 189 ح 11 ، الاستبصار : ج 4 ص 124 ح 470 ، وسائل الشيعة : ج 19 ص 279 ح 24593.
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 4 .
3- .وفي الفقيه : « في موضع كذا وأوصت لسيّدنا في أشقاصها بأكثر من الثلث » بدل « في مواضع وأوصت لسيّدها من أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث » .

ص: 145

159 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن راشد

ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاء اللّه . قال : فكتب عليه السلام بخطّه :لَيسَ يَجِبُ لَهَا مِن تَرِكَتِهَا إِلَا الثُّلُثُ ، وَإِن تَفَضَّلتُم وَكُنتُمُ الوَرَثَةَ كَانَ جَائِزاً لَكُم إِن شَاءَ اللّهُ . (1)

159كتابه عليه السلام إلى الحسن بن راشدمحمّد بن عيسى العبيديّ ، عن الحسن بن راشد 2 ، قال : سألت العسكريّ عليه السلام عن رجلٍ أوصى بثلثه بعد موته ، فقال : ثلثي بعد موتي بين موالي ومولياتي ، ولأبيه موال ، يدخلون موالي أبيه في وصيّته بما يسمّون في مواليه ، أم لا يدخلون ؟ فكتب عليه السلام :لا يَدخُلُونَ . (2)

.


1- .الكافي : ج 7 ص 10 ح2 ، تهذيب الأحكام : ج 9 ص 192 ح 772 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 187 ح 5429.
2- .تهذيب الأحكام : ج9 ص215 ح843 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص233 ح5555 ، وسائل الشيعة : ج19 ص402 ح24846 .

ص: 146

160 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن محمّد الرازيّ
161 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن الحسن ( ابن فضّال )
162 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن الحسن ( ابن فضّال ) فيمن أوصى في جميع تركته أن

160كتابه عليه السلام إلى الحسين بن محمّد الرازيّجعفر بن محمّد بن نوح عن الحسين بن محمّد الرازيّ ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام : الرجل يموت فيوصي بماله كلّه في أبواب البرّ وبأكثر من الثلث ، هل يجوز ذلك له ، وكيف يصنع الوصي ؟ فكتب :تُجَازُ وَصِيَّتُهُ مَا لَم يَتَعَدَّ الثُلُثَ . (1)

161كتابه عليه السلام إلى أحمد بن الحسن ( ابن فضّال )قال عليّ [بن الحسن بن فضّال] : ومات الحسين بن أحمد الحلبيّ وخلّف دراهم مئتين ، فأوصى لامرأته بشيءٍ من صداقها وغير ذلك ، وأوصى بالبقية لأبي الحسن عليه السلام ، فدفعها أحمد بن الحسن إلى أيّوب بحضرتي ، وكتب إليه كتاباً ، فورد الجوابُ بقبضها ، ودعا للميّت . (2)

162كتابه عليه السلام إلى أحمد بن الحسن ( ابن فضّال )فيمن أوصى في جميع تركته أن تُباع ويُحمل ثمنها إلى أبي الحسن عليه السلامقال عليّ بن الحسن [ بن فضّال ] : ومات محمّد بن عبد اللّه بن زرارة ، فأوصى إلى أخي أحمد ، وخلّف داراً ، وكان أوصى في جميع تركته أن تُباع ويُحمل ثمنها إلى أبي الحسن عليه السلام ، فباعها ، فاعترض فيها ابن أخت له وابن عمّ له ، فأصلحنا أمره بثلاثة دنانير ، وكتب إليه أحمد بن الحسن ودفع الشيء بحضرتي إلى أيّوب بن نوح ،

.


1- .تهذيب الأحكام : ج 9 ص 195 ح 784 ، الاستبصار : ج 4 ص 121 ح 458 ، وسائل الشيعة : ج 19 ص 276 ح 24584.
2- .تهذيب الأحكام : ج9 ص195 ح785 ، الاستبصار : ج4 ص123 وسائل الشيعة : ج19 ص281 ح24596 و24597.

ص: 147

163 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسحاق المتطبّب
164 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد الجبّار في الوصيّة في الدَّين

وأخبره أنّه جميع ما خلّف وابن عمّ له وابن أخته ، عرض ، فأصلحنا أمره بثلاثة دنانير . فكتب :قَد وَصَلَ ذَلِكَ وَتَرَحَّمَ عَلَى المَيِّتِ ، وَقَرَأتُ الجَوَابَ . (1)

163كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسحاق المتطبّبأحمد بن محمّد بن عيسى قال : كتب إليه محمّد بن إسحاق المتطبّب (2) : وبعد ، أطال اللّه بقاك ، نُعلمك يا سيّدنا أنّا في شبهةٍ من هذه الوصيّة الّتي أوصى بها محمّد بن يحيى بن درياب ، وذلك أنّ موالي سيّدنا وعبيده الصالحين ذكروا أنّه ليس للميّت أن يوصي إذا كان له ولد بأكثر من ثلث ماله ، وقد أوصى محمّد بن يحيى بأكثر من النصف ممّا خلّف من تركته ، فإن رأى سيّدنا ومولانا أطال اللّه بقاءه أن يفتح غياب هذه الظلمة الّتي شكونا ، ويفسّر ذلك لنا نعمل عليه إن شاء اللّه تعالى . فأجاب عليه السلام :إِن كَانَ أَوصَى بِهَا مِن قَبلِ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ فَجَائِزٌ وَصِيَّتُهُ ، وَذَلِكَ أَنَّ وَلَدَهُ وُلِدَ مِن بَعدِهِ . (3)

164كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد الجبّارفي الوصيّة في الدَّينمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عبد الجبّار ، قال : كتبتُ إلى العسكريّ عليه السلام : امرأة أوصت إلى رجلٍ وأقرّت له بدين ثمانية آلاف درهم ، وكذلك ما كان لها من

.


1- .تهذيب الأحكام : ج9 ص195 ح785 ، الاستبصار : ج4 ص123 وسائل الشيعة : ج19 ص281 ح24596 و24597.
2- .في الاستبصار : « المتطيّب » بدل « المتطبّب » ، والرجل لم نجد له ترجمة .
3- .تهذيب الأحكام : ج 9 ص 198 ح 789 ، الاستبصار : ج 4 ص 125 ح 472 ، وسائل الشيعة : ج 19 ص 283 ح 24600.

ص: 148

165 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمذاني في قيام الورثة بما في الكتاب ولم

متاع البيت من صوفٍ وشَعر وشَبَه وصُفر ونُحاس ، وكلّ ما لها أقرّت به للموصَى إليه ، وأشهدت على وصيّتها ، وأوصت أن يُحجّ عنها من هذه التركة حجتّين ، ويُعطي مولاةٌ لها أربعمئة درهم ، وماتت المرأة وتركت زوجاً ، فلم ندر كيف الخروج من هذا ، واشتبه علينا الأمر . وذكر الكاتب : إنّ المرأة استشارته فسألته أن يكتب لها ما يصحّ لهذا الوصيّ ؟ فقال : لا تصحّ تركتك لهذا الوصيّ إلّا بإقرارك له بدينٍ يحيط بتركتك بشهادة الشهود ، وتأمريه بعد أن ينفذ ما توصيه به ، فكتبت له بالوصيّة على هذا ، وأقرّت للوصيّ بهذا الدين . فرأيك أدام اللّه عزّك في مسألة الفقهاء قبلك عن هذا ، وتعريفنا ذلك ؛ لنعمل به إن شاء اللّه . فكتب عليه السلام بخطّه :إِن كَانَ الدَّينُ صَحِيحاً مَعرُوفاً مَفهُوماً ، فَيُخرَجُ الدَّينُ مِن رَأسِ المَالِ إِن شَاءَ اللّهُ ، وَإِن لَم يَكُن الدَّينُ حَقَّاً أُنفِذَ لَهَا ما أَوصَت بِهِ مِن ثُلُثِها ، كَفَى أَو لَم يَكفِ . (1)

165كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمذانيفي قيام الورثة بما في الكتاب ولم يأمرهم بذلك قولاًمحمّد بن أحمد بن يحيى عن عمر بن عليّ ، عن إبراهيم بن محمّد الهمذانيّ (2) ، قال : كتبت إليه : رجل كتب كتاباً فيه ما أراد أن يوصي به ، هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب بخطّه ولم يأمرهم بذلك ؟ فكتب :إِن كَانَ وُلدُهُ يُنفِذُونَ كُلَّ شَيءٍ يَجِدُونَ فِي كِتَابِ أَبِيهِم فِي وَجهِ البِرِّ وَغَيرِهِ . (3)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج 9 ص162 ح664 ، الاستبصار : ج4 ص113 ح433 ، وسائل الشيعة : ج19 ص294 ح24630.
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 7 .
3- .تهذيب الأحكام : ج 9 ص 242 ح 29 ، وسائل الشيعة : ج 19 ص 373 ح 24790.

ص: 149

166 . كتابه عليه السلام إلى الحسن [ بن إبراهيم ] بن محمّد الهمذانيّ في الوصيّ يشتري من
167 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الريّان في قبول الولد وصيّة والده

وفي الفقيه : روي عن إبراهيم بن محمّد الهمذانيّ ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام :رجل كتب كتاباً بخطّه ، ولم يقل لورثته هذه وصيّتي ، ولم يقل إنّي قد أوصيت ، إلّا أنّه كتب كتاباً . . . إِن كَانَ لَهُ وُلدُ يُنفِذُونَ . . . (1)

166كتابه عليه السلام إلى الحسن [ بن إبراهيم ] بن محمّد الهمذانيّفي الوصيّ يشتري من مال الميّت شيئاًمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن [ بن إبراهيم ] بن الهمدانيّ (2) ، قال : كتب محمّد بن يحيى : هل للوصيّ أن يشتري شيئاً من مال الميّت إذا بيع فيمن زاد ، فيزيد ويأخذ لنفسه ؟ فقال عليه السلام :يَجُوزُ إِذَا اشتَرَى صَحِيحاً . (3)

167كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الريّانفي قبول الولد وصيّة والدهسَهل بن زياد عن عليّ بن الريّان (4) ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام : رجل دعاه والده إلى قبول وصيّته ، هل له أن يمتنع من قبول وصيّته ؟ فوقّع عليه السلام :لَيسَ لَهُ أَن يَمتَنِعَ . (5)

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 198 ح 5456 ، وسائل الشيعة : ج 19 ص 373 ح 24790.
2- .وفي هامش الكافي : وفي بعض النسخ : «الحسين بن إبراهيم بن محمّد الهمداني » .
3- .الكافي : ج7 ص59 ح10 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص233 ح913 وص245 ح950 بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن الحسن بن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص219 ح5514 بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن الحسين بن إبراهيم الهمدانيّ ، وسائل الشيعة : ج19 ص423 ح2488 .
4- .اُنظر ترجمته في الرقم 58 .
5- .الكافي : ج7 ص7 ح6 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص195 ح5447 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص206 ح819 ، وسائل الشيعة : ج19 ص322 ح24694.

ص: 150

168 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن زياد في الوصيّة قبل الموت
169 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الريّان في الوصيّ إذا نسي بعض المصارف

168كتابه عليه السلام إلى أحمد بن زيادفي الوصيّة قبل الموتمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر [ البزنطيّ ] ، عن أحمد بن زيادٍ ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجلٍ تحضره الوفاة وله مماليك لخاصّة نفسه ، وله مماليك في شركة رجلٍ آخر ، فيوصي في وصيّته : مماليكي أحرارٌ ، ما حال (1) مماليكه الّذين في الشركة ؟ فقال : (2)يُقَوَّمُونَ عَلَيهِ إِن كَانَ مَالُهُ يَحتَمِلُ ، ثُمَّ هُم أَحرَارٌ . (3)

169كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الريّانفي الوصيّ إذا نسي بعض المصارفسَهل بن زياد عن محمّد بن الريّان (4) ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام (5) أسأ له عن إنسانٍ أوصى بوصيّةٍ فلم يَحفظ الوصيّ إلّا باباً واحداً منها ، كيف يصنع في الباقي . فوقّع عليه السلام :الأَبوَابُ البَاقِيَةُ يَجعَلُهَا فِي البِرِّ . (6)

.


1- .في الفقيه : «ما خلا » بدل «ما حال» .
2- .في التهذيب و الفقيه : «فكتب» بدل «فقال» .
3- .الكافي :ج 7 ص 20 ح 17 ، تهذيب الأحكام : ج 9 ص 223 ح 872 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 213 ح 5497 ، وسائل الشيعة : ج 19 ص 407 ح 24854.
4- .اُنظر ترجمته في الرقم 12 .
5- .وفي الفقيه : « كتبت إليه _ يعني عليّ بن محمّد عليه السلام _» بدل « كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام » .
6- .الكافي : ج7 ص58 ح7 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص214 ح844 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص218 ح5513. وسائل الشيعة : ج19 ص393 ح24830.

ص: 151

170 . ما يُنسب إليه عليه السلام : فيمن أوصى مبهماً
171 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن مالك في رجلٍ مات وأوصى كلّ شيء له في حياته . . .

170ما يُنسب إليه عليه السلامفيمن أوصى مبهماًعليّ بن الحسن بن فضّال عن محمّد بن أورمة القمّي ، عن محمّد بن الحسن الأشعريّ 1 ، قال : قلتُ لأبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، إنّي سألت أصحابنا عمّا أريد أن أسألك ، فلم أجد عندهم جواباً ، وقد اضطررت إلى مسألتك ، وإنّ سعد بن سعدأوصى إليّ فأوصى في وصيّته : حجّوا عنّي ، مبهماً ولم يفسّر ، فكيف أصنع ؟ قال : يأتيك جوابي في كتابك . فكتب عليه السلام :يَحُجُّ مَا دَامَ لَهُ مَالٌ يَحمِلُهُ . (1)

171كتابه عليه السلام إلى الحسين بن مالكفي رجلٍ مات وأوصى كلّ شيء له في حياته . . .محمّد بن أحمد [ بن يحيى ] ، عن الحسين بن مالك (2) ، قال : كتبت إليه : رجلٌ مات

.


1- .تهذيب الأحكام:ج9 ص226 ح888 ، الاستبصار :ج4 ص137ح513 ، وسائل الشيعة :ج11 ص171 ح14549 .
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 157 .

ص: 152

172 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار في رجلٍ له امرأة لم يكن له منها ولد
173 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلال و أحمد بن هلال في الوصيّة لأهل الضلال

وجعل كلّ شيءٍ له في حياته لك ، ولم يكن له ولد ، ثمّ إنّه أصاب بعد ذلك ولداً ، ومبلغ ماله ثلاثة آلاف درهمٍ ، وقد بعثتُ إليك بألف درهمٍ ، فإن رأيت _ جعلني اللّه فداك _ أن تُعلمني فيه رأيك لأعمل به . فكتب :أَطلِق لَهُم . (1)

172كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي رجلٍ له امرأة لم يكن له منها ولد وله ولد من غيرهامحمّد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار (2) ، قال : سألته عن رجلٍ له امرأة لم يكن له منها ولد وله ولد من غيرها ، فأحبَّ أن لا يجعل لها في ماله نصيباً ، فأشهد بكلّ شيء له في حياته وصحّته لولده دونها ، وأقامت معه بعد ذلك سنين ، أيحلّ له ذلك إذا لم يعلمها ولم يتحلّلها ؟ وإنّما به على أنّ المال له يصنع فيه ما شاء في حياته وصحّته ؟ فكتب عليه السلام :حَقُّهَا وَاجِبٌ ، فَيَنَبَغِي أَن يِتَحَلَّلَها . (3)

173كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلال و أحمد بن هلالفي الوصيّة لأهل الضلالمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن محمّد ، قال : كتب

.


1- .الكافي : ج7 ص59 ح12 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص189 ح759 ، الاستبصار : ج4 ص124 ح471 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص232 ح5553 وفيه : « روى عبد اللّه بن جعفر الحميريّ ، عن الحسن بن مالك قال : كتبت إليه _ يعني عليّ بن محمّد عليه السلام _ : رجل مات وجعل كلّ . . . » ، وسائل الشيعة : ج19 ص280 ح24594 .
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 21 .
3- .تهذيب الأحكام : ج9 ص162 ح667 ، وسائل الشيعة : ج19 ص295 ح24631.

ص: 153

باب النكاح
174 . كتابه عليه السلام إلى المهلّب الدلّال في التزويج الدائم والتمتّع بالأبكار

عليّ بن بلال (1) إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد عليه السلام : يهوديّ مات وأوصى لدُيّانه بشيءٍ أقدرُ على أخذه ، هل يجوز أن آخذه فأدفعه إلى مواليك ، أو أنفذه فيما أوصى به اليهوديّ ؟ فكتب عليه السلام :أَوصِلهُ إِلَيَّ وَعَرِّفنِيهِ ؛ لأُنفِذَهُ فِيمَا يَنبَغِي إِن شَاءَ اللّهُ . (2)

وفي حديثٍ آخر : عن محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن أبي محمّد الحسن بن عليّ الهمدانيّ ، عن إبراهيم بن محمّد ، قال : كتب أحمد بن هلال (3) إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن يهوديّ مات وأوصى لديّانهم ؟ فكتب عليه السلام :أَوصِلهُ إِلَيَّ وَعَرِّفنِي ؛ لأُنفِذَهُ فِيمَا يَنبَغِي إِن شَاءَ اللّهُ . (4)

باب النكاح174كتابه عليه السلام إلى المهلّب الدلّالفي التزويج الدائم والتمتّع بالأبكارمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى ، عن الفضل بن كثير المدائنيّ ، عن المهلّب الدلّال (5) أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام : إنّ امرأة كانت معي في الدار ، ثمّ إنّها زوّجتني نفسها وأشهدت اللّه وملائكته على ذلك ، ثمّ إنّ أباها زوّجها من رجلٍ

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 1 .
2- .تهذيب الأحكام : ج9 ص205 ح813 ، الاستبصار : ج4 ص130 ح490 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص233 ح5556 ، وسائل الشيعة : ج19 ص344 ح24732 .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 45 .
4- .تهذيب الأحكام : ج9 ح204 ح812 ، الاستبصار : ج4 ص129 ح489 ، وسائل الشيعة : ج19 ص344 ح24731.
5- .و الرجل لم نجد له ترجمة .

ص: 154

175 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن بن شمّون في المتعة

آخر ، فما تقول ؟ فكتب عليه السلام :التَّزوِيجُ الدَّائِمُ لا يَكُونُ إِلَا بِوَلِيٍّ وَشاهِدَينِ ، وَلا يَكونُ تَزوِيجُ مُتعَةٍ بِبِكرٍ ، استُرعَلَى نَفسِكَ وَاكتُم رَحِمَكَ اللّهُ . (1)

175كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن بن شمّونفي المتعةسهل بن زياد عن محمّد بن الحسن بن شَمّون 2 ، قال : كتب أبو الحسن عليه السلام إلى بعض مواليه :لا تُلِحُّوا عَلَى المُتعَةِ ، إِنَّمَا عَلَيكُم إِقَامَةُ السُّنَّةِ ، فَلا تَشتَغِلُوا بِهَا عَن فُرُشِكُم وَحَرَائِرِكُم ، فَيَكفُرنَ وَيَتَبَرَّينَ وَيَدعِينَ عَلَى الآمِرِ بِذَلِكَ وَيَلعَنُونَا . (2)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج7 ص255 ح1100 ، الاستبصار : ج3 ص146 ح529 ، وسائل الشيعة : ج21 ص34 ح26457.
2- .الكافي : ج5 ص453 ح3 ، خلاصة الإيجاز : ص57 ، وسائل الشيعة : ج21 ص23 ح26423 ، بحار الأنوار : ج103 ص310 ح51 .

ص: 155

176 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن جَزّك في الرجل يتزوّج بالمرأة على أنّها
177 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن سعيد فيمن أحلّ اللّه نكاحه من النساء وحرم منهنّ

176كتابه عليه السلام إلى محمّد بن جَزّكفي الرجل يتزوّج بالمرأة على أنّها بكر فيجدها غير عذراءمحمّد بن يحيى عن عبد اللّه بن جعفر ، عن محمّد بن جَزّك ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن رجلٍ تزوّج جارية بكراً فوجدها ثيّباً ، هل يجب لها الصداق وافياً أم يُنتقصُ ؟ قال عليه السلام :يُنتَقَصُ . (1)

177كتابه عليه السلام إلى الحسين بن سعيدفيمن أحلّ اللّه نكاحه من النساء وحرم منهنّالحسين بن سعيد 2 قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : رجلٌ كانت له أمّة يطأها ، فماتت أو باعها ، ثمّ أصاب بعد ذلك اُمّها ، هل يحلّ له أن ينكحها ؟ فكتب عليه السلام :لا يَحِلُّ لَهُ (2) . (3)

.


1- .الكافي : ج5 ص413 ح2 ، تهذيب الأحكام : ج7 ص363 ح1472 وص428 ح1706 ، وسائل الشيعة : ج21 ص223 ح26946.
2- .تهذيب الأحكام : ج7 ص276 ح1173 ، الاستبصار : ج3 ص159 ح3 ، النوادر للأشعري : ص121 ح307 ، وسائل الشيعة : ج20 ص467 ح26110 ، بحار الأنوار : ج101 ص24 ح41 .
3- .قد ذكر هذه المكتوبة في مكاتيب الامام الرضا عليه السلام ، وأوردها هنا لاحتمال هذه المكتوبة للإمام الهادي عليه السلام ؛ لأنّه ليس قرينة على ترجيح أحدهما عليهماالسلام مع روايته عن الرضا وأبي جعفر الثاني وأبي الحسن الثالث عليهم السلام .

ص: 156

178 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عيسى ( بن عبيد اليقطينيّ )
179 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن شعيب فيما يحرم من النكاح من الرضاع

178كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عيسى ( بن عبيد اليقطينيّ )محمّد بن الحسن الصفّار عن محمّد بن عيسى (1) ، قال : كَتبَت إليه خِشفُ اُمّ ولد عيسى بن عليّ بن يقطين في سنة ثلاث ومئتين تسأل عن تزويج ابنتها من الحسين بن عبيد : اُخبرك يا سيّدي ومولاي أنّ ابنة مولاك عيسى بن عليّ بن يقطين أملكتها من ابن عبيد بن يقطين ، فبعدما أملكتها ، ذكروا أنّ جدّتها اُمّ عيسى بن عليّ بن يقطين كانت لعبيد بن يقطين ، ثمّ صارت إلى عليّ بن يقطين فأولدها عيسى بن عليّ ، فذكروا أنّ ابن عبيد قد صار عمّها من قبل جدّتها اُمّ أبيها أنّها كانت لعبيد بن يقطين ، فرأيك يا سيّدي ومولاي أن تمنّ على مولاتك بتفسيرٍ منك ، وتخبرني هل تحلّ له ؟ فإنّ مولاتك يا سيّدي في غمٍّ ، اللّه به عليم . فوقّع عليه السلام في هذا الموضع بين السطرين :إِذَا صَارَ عَمَّاً لا تَحِلُّ لَهُ ، وَالعَمُّ وَالِدٌ وَعَمٌّ . (2)

179كتابه عليه السلام إلى عليّ بن شعيبفيما يحرم من النكاح من الرضاعمحمّد بن أحمد بن يحيى عن عبد اللّه بن جعفر ، عن أيّوب بن نوح ، قال : كتب عليّ بن شعيب (3) إلى أبي الحسن عليه السلام : امرأة أرضعت بعض ولدي ، هل يجوز لي أن

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 9 .
2- .. تهذيب الأحكام : ج7 ص456 ح1826 ، الاستبصار : ج3 ص175 ح636 ، وسائل الشيعة : ج20 ص475 ح26136 .
3- .محدّث مجهول الحال لم نجد له ترجمة في المصادر الرجاليّة . روى ابن شعبة مرسلة عنه عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال عليّ بن شعيب : دخلت على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال لي : يا عليّ ، مَن أحسن الناس معاشاً ؟ قلت : أنت سيّدي أعلم به منّي . فقال عليه السلام : ياعليّ مَن حسن معاش غيره في معاشه . . . ( تحف العقول : ص448 ) .

ص: 157

180 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار في مقدار ما يحرم من الرضاع
181 . كتابه عليه السلام إلى رجل في الجمع بين الاُختين

أتزوّج بعض ولدها ؟ فكتب عليه السلام :لا يَجُوزُ لَكَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ وُلدَها صَارَت بِمَنزِلَةِ وُلدِكَ . (1)

180كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي مقدار ما يحرم من الرضاعمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن عليّ بن مهزيار (2) ، عن أبي الحسن عليه السلام أنّه كتب إليه يسأله عن الّذي يُحرّم من الرضاع ؟ فكتب عليه السلام :قَلِيلُه وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ . (3)

181كتابه عليه السلام إلى رجلفي الجمع بين الاُختينأحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره ، قال : قرأت في كتاب رجلٍ إلى أبي الحسن العالم عليه السلام : يتزوّج المرأة متعة إلى أجلٍ مسمّى ، فينقضي الأجل بينهما ، هل له أن ينكح اُختها من قبل أن تنقضي عدّتها ؟ فكتب :لا يَحِلُّ لَهُ أَن يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تنقَضِيَ عِدَّتُها . (4)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج 7 ص 321 ح 1325 ، الاستبصار : ج 3 ص 201 ح 727 ، وسائل الشيعة : ج 20 ص 404 ح 25942.
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 21 .
3- .تهذيب الأحكام : ج7 ص316 ح1308 ، الاستبصار : ج3 ص196 ح711 ، وسائل الشيعة : ج20 ص377 ح25869.
4- .النوادر للأشعري : ص125 ح318 ، بحار الأنوار : ج101 ص27 ح12 نقلاً عنه . و قد مرّ في مكاتيب الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرّار ، عن يونس ، قال : قرأت في كتاب رجلٍ إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام : جُعلت فداك ، الرجل يتزوّج المرأة مُتعةً إلى أجلٍ مُسمّىً . . . ( راجع : الكافي : ج5 ص431 ح5 ، تهذيب الأحكام : ج7 ص287 ح45 ، الاستبصار : ج3 ص170 ح4).

ص: 158

182 . كتابه عليه السلام إلى رجل في مباشرة الأجنبية
183 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن سليمان في الرجل إذا زوّج مملوكته عبده كان الطلاق بيده

182كتابه عليه السلام إلى رجلفي مباشرة الأجنبيةسَهل بن زياد عن عليّ بن الريّان (1) ، عن أبي الحسن عليه السلام أنّه كتب إليه : رجلٌ يكون مع المرأة لا يُباشرها إلّا من وراء ثيابها ( وثيابه ) ، فَيُحَرِّكُ حتَّى يُنزلَ مَاءَ الَّذي عليه ، وهَل يَبلُغُ به حَدَّ الخَضخَضَة (2) ؟ فوَقَّعَ في الكتاب :بِذَلِكَ بَالِغُ أَمرِهِ . (3)

183كتابه عليه السلام إلى عليّ بن سليمانفي الرجل إذا زوّج مملوكته عبده كان الطلاق بيدهمحمّد بن الحسن الصفّار عن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن سليمان (4) ، قال : كتبت إليه : جُعلت فداك ، رجل له غلام وجارية ، زوّج غلامُهُ جاريتَهُ ، ثمّ وقع عليها سيّدها ، هل يجب في ذلك شيء ؟ قال عليه السلام :لا يَنبَغِيَ لَهُ أَن يَمَسَّهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا الغُلَامُ . (5)

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 58 .
2- .الخَضخَضَة : هي الاستمناء باليد ( مجمع البحرين : ج4 ص202 ، لسان العرب : ج4 ص127 ) .
3- .الكافي : ج5 ص541 ح4 ، وسائل الشيعة : ج20 ص354 ح25812.
4- .اُنظر ترجمته في الرقم 138 .
5- .تهذيب الأحكام : ج7 ص457 ح1827 ، الاستبصار : ج3 ص215 ح783 ، وسائل الشيعة : ج21 ص147 ح26751 وص185 ح26858.

ص: 159

184 . كتابه عليه السلام إلى اُمّ عليّ في كشف الرأس بين يدي الخادم
185 . كتابه عليه السلام إلى جعفر بن محمّد بن إسماعيل بن الخطّاب في لحوق الأولاد بالآباء

184كتابه عليه السلام إلى اُمّ عليّفي كشف الرأس بين يدي الخادممحمّد بن الحسن الصفّار عن محمّد بن عيسى ، عن القاسم الصيقل (1) ، قال : كتبت إليه اُمّ عليّ (2) تسأل عن كشف الرأس بين يدي الخادم ؟ وقالت له : إنّ شيعتك اختلفوا عليَّ في ذلك ، فقال بعضهم : لا بأس ، وقال بعضهم : لا يحلّ . فكتب عليه السلام :سَأَلتِ عَن كَشفِ الرَّأسِ بَينَ يَدَيِّ الخَادِمِ ، لا تَكشَفِي رَأسَكِ بَينَ يَدَيهِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكرُوهٌ . (3)

185كتابه عليه السلام إلى جعفر بن محمّد بن إسماعيل بن الخطّابفي لحوق الأولاد بالآباءالصفّار عن محمّد بن إسماعيل ، عن عليّ بن سليمان ، عن جعفر بن محمّد بن إسماعيل بن الخطّاب (4) ، أنّه كتب إليه يسأله عن ابن عمٍّ له كانت له جارية تخدمه ، وكان يطؤها ، فدخل يوماً إلى منزله فأصاب معها رجلاً تحدّثه ، فاستراب بها ، فهدّد الجارية فأقرّت أنّ الرجل فجر بها ، ثمّ إنّها حبلت فأتت بولد . فكتب عليه السلام :إِن كَانَ الوَلَدُ لَكَ أَو فِيهِ مُشَابَهَةٌ مِنكَ فَلَا تَبِعهُمَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَحِلُّ لَكَ ، وَإِن كَانَ الِابنُ لَيسَ مِنكَ وَلا فِيهِ مُشَابَهَةٌ مِنكَ فَبِعهُ وَبِع أُمَّهُ . (5)

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 48 .
2- .لم تُعرف ، ويُحتمل هي زوجة يقطين بن موسى البغداديّ ، الّذي طلبه مروان فهرب ، وولد عليّ بالكوفة سنة أربع وعشرين ومئة ، وكانت اُمّ عليّ هربت به وبأخيه عبيد إلى المدينة حتّى ظهرت الدولة الهاشميّة ورجعت .
3- .تهذيب الأحكام : ج7 ص457 ح18238 ، وسائل الشيعة : ج20 ص224 ح25482.
4- .ذكره الشيخ وعدّه في أصحاب الهادي عليه السلام ، مهملاً ولم يتعرّض له غيره ( راجع : رجال الطوسي : ص384 الرقم 5655 ) .
5- .تهذيب الأحكام:ج8 ص180 ح631،الاستبصار:ج3 ص367 ح1313،وسائل الشيعة:ج21 ص168 ح26819 .

ص: 160

186 . كتابه عليه السلام إلى يعقوب بن يزيد
187 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن سعيد في النزاع في تزويج الزوجة

186كتابه عليه السلام إلى يعقوب بن يزيدمحمّد بن الحسن الصفّار عن يعقوب بن يزيد 1 ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في هذا العصر : رجلٌ وَقَعَ على جاريته ثمّ شكّ في ولده ؟ فكتب عليه السلام :إِن كَانَ فِيهِ مُشَابَهَةٌ مِنهُ فَهُوَ وَلَدُهُ . (1)

187كتابه عليه السلام إلى الحسين بن سعيدفي النزاع في تزويج الزوجةأحمد بن محمّد عن الحسين (2) أنّه كتب إليه يسأله عن رجلٍ تزوّج امرأةً في بلدٍ من البلدان ، فسألها : ألك زوج ؟ قالت : لا ، فتزوّجها ، ثمّ إنّ رجلاً أتاه فقال : هي امرأتي ، فأنكرت المرأة ذلك ، ما يلزم الزوج ؟ فقال :هِيَ امرَأَتُهُ إِلَا أَن يُقِيمَ البَيِّنَةَ . (3)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج8 ص181 ح632 ، الاستبصار : ج3 ص367 ح1314 ، وسائل الشيعة : ج21 ص168 ح26810.
2- .المراد به : « الحسين بن سعيد » ، اُنظر ترجمته في الرقم 177 .
3- .تهذيب الأحكام : ج 7 ص 477 ح 1914 وص 468 ح 1876 ، وسائل الشيعة : ج 20 ص 300 ح 25673.

ص: 161

188 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن الخَزرَج في رجلٍ خَطَب إلى رجلٍ فطالت . . .
189 . كتابه عليه السلام إلى حمدان بن إسحاق في علاج الإنسان ولده

188كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن الخَزرَجفي رجلٍ خَطَب إلى رجلٍ فطالت . . .أحمد بن محمّد عن عبد اللّه بن الخزرج (1) أنّهُ كتب إليه : رجلٌ خطب إِلى رجلٍ فطالت به الأيّام والشهور والسنون ، فذهب عليه أن يكون قال له : أفعل أو قد فعل ؟ فأجاب فيه :لا يَجِبُ عَلَيهِ إِلَا مَا عَقَدَ عَلَيهِ قَلبَهُ وَثَبَتَت عَلَيهِ عَزِيمَتُهُ . (2)

189كتابه عليه السلام إلى حمدان بن إسحاقفي علاج الإنسان ولدهمحمّد بن يحيى عن عليّ بن إبراهيم الجعفريّ ، عن حمدان بن إسحاق 3 قال : كان لي ابنٌ وكان تصيبه الحصاة ، فقيل لي : ليس له علاج إِلّا أن تبطّه ، فبططته فمات ، فقالت الشيعة : شركت في دم ابنك . قال : فكتبت إلى أبي الحسن العسكريّ عليه السلام ،

.


1- .عبد اللّه بن الخزرج : لم يُذكر ، إلّا أنّه وقع في طريق الكليني ، استظهر البعض بكونه أخا موسى بن الخزرج الّذي استقبل فاطمة المعصومة عليهاالسلام ونزلت في بيته ( راجع : الجامع في الرجال : ج2 ص1126 ) . قال السيّد البروجرديّ : لعلّه من الطبقة السادسة ( الموسوعة الرجالية : ج4 ص213 ) . فعلى هذا ، المكتوب إليه إمّا الجواد أو أبو الحسن الهادي عليهماالسلام ، هذه المكتوبة ذُكرت في مكاتيب الإمام الجواد عليه السلام أيضاً .
2- .الكافي : ج5 ص562 ح25 ، وسائل الشيعة : ج20 ص298 ح25669 .

ص: 162

190 . كتابه عليه السلام إلى هارون بن مسلم في حلق رأس المولود
باب الطلاق
191 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن أحمد بن مُطهّر

فوقّع عليه السلام :يَا أَحمَدُ ، لَيسَ عَلَيكَ فِيمَا فَعَلتَ شَيءٌ ، إِنَّمَا التَمَستَ الدَّوَاءَ ، وَكَانَ أَجَلُهُ فِيمَا فَعَلتَ . (1)

190كتابه عليه السلام إلى هارون بن مسلمفي حلق رأس المولودهارون بن مسلم (2) قال : كتبت إلى صاحب الدار عليه السلام : ولد لي مولودٌ وحلقت رأسه ، ووزنت شعره بالدراهم وتصدّقت به . قال :لا يَجوُزُ وَزنُهُ إِلَا بِالذَّهَبِ أَو الفِضَّةِ ، وَكَذا جَرَتِ السُّنَّةُ . (3)

باب الطلاق191كتابه عليه السلام إلى محمّد بن أحمد بن مُطهّرمحمّد بن يحيى عن عبداللّه بن جعفر ، عن محمّد بن أحمد بن مُطهّر (4) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام : إنّي تزوّجت بأربع نسوةٍ لم أسأل عن أسمائهنّ ، ثمّ إنّي أردت طلاق إحداهنّ وتزويج امرأةٍ اُخرى . فكتب :انظُر إِلَى عَلامَةٍ ، إِن كَانَت بِوَاحِدَةٍ مِنهُنَّ فَتَقُولُ : اشهَدُوا أَنَّ فُلانَةَ الَّتِي بِهَا عَلامَةُ

.


1- .الكافي :ج 6 ص 53 ح 6 ، وسائل الشيعة : ج 21 ص 496 ح 27683 ، بحار الأنوار : ج 59 ص 68 ح 22.
2- .هارون من أصحاب أبي الحسن عليه السلام كما في جامع الرواة ، ولقي أبا محمّد وأبا الحسن عليهماالسلام كما في النجاشي ، وله مسائل لأبي الحسن الثالث عليه السلام ، فالظاهر أنّ المراد هو أبو الحسن عليه السلام .
3- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 3 ص 489 ح 4727 ، وسائل الشيعة : ج 21 ص 424 ح27485 نقلاً عنه.
4- .. محمّد بن أحمد بن مطهّر البغداديّ يونسي ، عدّه الشيخ والبرقيّ من أصحاب الهادي والعسكريّ عليهماالسلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 391 الرقم 5761 ، و ص 401 الرقم 5885 ورجال البرقي : ص 60 ) .

ص: 163

192 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ بن كيسان في المهور
193 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن مالك في التوصّل إلى الطلاق بطلب المَهر

كَذَا وَكَذَا هِيَ طَالِقٌ ، ثُمَّ تَزَوَّجُ الأُخرَى إِذَا انقَضَتِ العِدَّةُ . (1)

192كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ بن كيسانفي المهورمحمّد بن أبي يحيى عن عبداللّه بن جعفر ، عن الحسن بن عليّ بن كيسان ، قال : كتبت إلى الصادق عليه السلام : أسأله عن رجلٍ يُطلّق امرأته فطلبت منه المهر ، وروى أصحابنا : إذا دخل بها لم يكن لها مهر . فكتب عليه السلام :لا مَهرَ لَهَا . (2)

193كتابه عليه السلام إلى الحسن بن مالكفي التوصّل إلى الطلاق بطلب المَهرروى عبد اللّه بن جعفر الحميري عن الحسن بن مالك (3) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : رجل زوّج ابنته من رجلٍ فرغب فيه ثمّ زهد فيه بعد ذلك ، وأحبّ أن يفرّق بينه وبين ابنته ، وأبى الختن (4) ذلك ولم يجب إلى الطلاق ، فأخذه بمهر ابنته ليجيب إلى الطلاق ، ومذهب الأب التخلّص منه ، فلمّا اُخذ بالمهر أجاب إلى الطلاق . فكتب عليه السلام :إِن كَانَ الزُهدُ مِن طَرِيقِ الدَينِ فَليَعمِد إِلَى التَّخَلُّصِ ، وَإِن كَانَ غَيرَهُ فَلا يَتَعَرَّض لِذَلِكَ . (5)

.


1- .الكافي :ج 5 ص563 ح31 ، تهذيب الأحكام : ج7 ص486 ح1954 ، وسائل الشيعة : ج20 ص520 ح26246.
2- .تهذيب الأحكام : ج7 ص376 ح1524 ، وسائل الشيعة : ج21 ص261 ح27043.
3- .راجع : « الحسين بن مالك » الّذي مرّ في الرقم 157 .
4- .. كلّ ما كان من قبل المرأة ( مثل الأب والأخ ) ، وهم الاُختان ، هكذا عند العرب ، وأمّا عند العامّة فختن الرجل : زوج ابنته ( الصحاح للجوهري : ج5 ص2107 ) .
5- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 3 ص 434 ح 4500 ، وسائل الشيعة : ج 21 ص 292 ح 27113.

ص: 164

194 . كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوح في حضانة الولد
195 . كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوح في الولد يكون بين والديه أيّهما أحقّ به

194كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوحفي حضانة الولدمن كتاب مسائل الرجال من مسائل أيّوب بن نوح : أيّوب بن نوح (1) قال : كتب معي بشير بن بشّار (2) : جُعلت فداك ، رجل تزوّج بامرأة فولدت منه ، ثمّ فارقها ، متى يجب له أن يأخذ ولده ؟ فكتب له :إِذَا صَارَ لَهُ سَبعُ سِنِينَ ، فَإِن أَخَذَهُ فَلَهُ ، وَإِن تَرَكَهُ فَلَهُ . (3)

195كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوحفي الولد يكون بين والديه أيّهما أحقّ بهعبد اللّه بن جعفر الحميريّ عن أيّوب بن نوح (4) ، قال : كتب إليه عليه السلام بعض أصحابه : أنّه كانت لي امرأة ولي منها ولد وخلّيت سبيلها . فكتب عليه السلام :المَرأَةُ أَحَقُّ بِالوَلَدِ إِلَى أَن يَبلُغَ سَبعَ سِنِينَ ، إلَا أَن تَشَاءَ المَرأَةُ . (5)

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 2 .
2- .الوسائل : « بشر بن بشّار » بدل « بشير بن بشّار » ، وفي البحار : « بشير بن ياسر » بدل « بشير بن بشّار » . اُنظر ترجمته في بِشر بن بَشار النيسابوريّ الشاذانيّ الرقم 8 .
3- .مستطرفات السرائر : ص 65 ح 2 ، وسائل الشيعة : ج 21 ص 472 ح 27617 ، بحار الأنوار : ج 104 ص 134 ح 5 .
4- .اُنظر ترجمته في الرقم 2 .
5- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص435 ح4504 ، وسائل الشيعة : ج21 ص472 ح27616.

ص: 165

196 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ بن كَيسان في طلاق امرأة تكتم حيضها
باب العتق
197 . كتابه عليه السلام إلى الفضل بن المبارك في عتق المملوك في مرضه

196كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ بن كَيسانفي طلاق امرأة تكتم حيضهامحمّد بن يحيى عن عبد اللّه بن جعفر ، عن الحسن بن عليّ بن كيسان ، قال : كتبت إلى الرجل عليه السلام أسألهُ عن رجلٍ له امرأةٌ من نساء هؤلاء العامّة ، وأراد أن يُطلّقها وقد كتمت حيضها وطهرها مخافة الطلاق ؟ فكتب عليه السلام :يَعتَزِلُهَا ثَلاثَةَ أَشهُرٍ وَيُطَلِّقُهَا . (1)

باب العتق197كتابه عليه السلام إلى الفضل بن المباركفي عتق المملوك في مرضهمحمّد بن عيسى العُبيدي عن الفضل بن المُبارك (2) ، أنّه كتب إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهماالسلام في رجلٍ له مملوك فمرض ، أيُعتقه في مرضه أعظمُ لأجره ، أو يتركه مملوكاً ؟ فقال :إِن كَانَ فِي مَرَضٍ فَالعِتقُ أَفضَلُ لَهُ ؛ لِأنَّهُ يُعتِقُ اللّهُ عز و جل بِكُلِّ عُضوٍ مِنهُ عُضوَاً مِنَ النَّارِ ، وَإنِ كَانَ فِي حَالِ حُضُورِ المَوتِ فيَترُكُهُ مَملُوكاً أَفضَلُ لَهُ مِن عِتقِهِ . (3)

.


1- .الكافي :ج 6 ص 97 ح 1 ، وسائل الشيعة : ج22 ص 61 ح 28021 .
2- .الفضل بن المبارك البصري : لم يذكروه ، مجهول ولم نجد له ترجمة .
3- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص154 ح3560 ، وسائل الشيعة : ج23 ص58 ح29101 .

ص: 166

198 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار في عتق المملوك في موته
باب الأيمان والنذور والكفّارات
199 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن عُبيد

198كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي عتق المملوك في موتهمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار (1) قال : كتبتُ إليه أسأله عن المملوك يحضره الموت فيعتقه المولى في تلك الساعة فيخرج من الدنيا حرّاً ، فهل لمولاه في ذلك أجر ، أو يتركه فيكون له أجرِه إذا مات وهو مملوك ؟ فكتب عليه السلام إليه :يَترُكُ العَبدَ مَملُوكاً فِي حَالِ مَوتِهِ ، فَهُوَ أجرٌ لِمَولاهُ ، وَهَذَا عِتقٌ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ لَيسَ بِنَافِعٍ لَهُ . (2)

باب الأيمان والنذور والكفّارات199كتابه عليه السلام إلى الحسين بن عُبيدمحمّد بن عليّ بن محبوب عن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن عُبيد 3 ، قال : كتبت إليه _ يعني أبا الحسن الثالث عليه السلام _ : يا سيّدي ، رجلٌ نذر أن يصوم يوماً للّه ، فوقع في

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 21 .
2- .الكافي : ج6 ص196 ح8 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص153 ح3559 بإسناده عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه عليّ بن مهزيار ، وسائل الشيعة : ج23 ص57 ح29100 .

ص: 167

200 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن هلال في عتق الآبق إذا لم يُعلم موته
201 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار فيمن أفطر يوماً نذر صومه

ذلك اليوم على أهله ، ما عليه من الكفّارة ؟ فأجابه عليه السلام :يَصُومُ يَوماً بَدَلَ يَومٍ ، وَتَحرِيرُ رَقَبَةٍ . (1)

200كتابه عليه السلام إلى أحمد بن هلالفي عتق الآبق إذا لم يُعلم موتهروي عن أحمد بن هلال (2) قال : كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام : كان عليّ عتق رقبة ، فهرب لي مملوك لست أعلم أين هو ، أيجزيني عتقه ؟ فكتب عليه السلام :نَعَم . (3)

201كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفيمن أفطر يوماً نذر صومهعليّ بن مهزيار (4) . . . وكتب إليه _ أي لأبي الحسن عليه السلام _ : يا سيّدي ، رجل نذر أن يصوم يوم الجمعة دائماً ما بقي ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحىً أو أيّام التشريق أو السفر أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم ، أو قضاؤه ، أو كيف يصنع يا سيّدي ؟ فكتب إليه :قَد وَضَعَ اللّهُ عَنهُ الصِّيَامَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ كُلِّهَا ، وَيَصُومُ يَوماً بَدَلَ يَومٍ إِن شَاءَ اللّهُ . (5)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج4 ص330 ح1029 ، وسائل الشيعة : ج10 ص131 ح13030.
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 45 .
3- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص143 ح3526 ، وسائل الشيعة : ج23 ص84 ح29158 .
4- .اُنظر ترجمته في الرقم 21 .
5- .الكافي :ج 7 ص456 ح12 ، تهذيب الأحكام : ج8 ص305 ح1135 ، وسائل الشيعة : ج10 ص378 ح13638 .

ص: 168

202 . كتابه عليه السلام إلى القاسم بن أبي القاسم الصيقل
203 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار في رجل نذر أن يصوم يوماً فوقع على أهله
204 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد في رجلٍ نذر متى فاتته صلاة الليل

202كتابه عليه السلام إلى القاسم بن أبي القاسم الصيقلمحمّد بن الحسن الصفّار عن القاسم بن أبي القاسم الصيقل (1) ، قال : كتب إليه : يا سيّدي ، رجل نذر أن يصوم يوم الجمعة دائماً ما بقي ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطرٍ أو أضحىً أو أيّامَ التشريق أو السفر أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيّدي ؟ فكتب عليه السلام إليه :قَد وَضَعَ اللّهُ عَنهُ الصِّيَامَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ كُلِّهَا ، وَتَصُومُ يَوماً بَدَلَ يَومٍ إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . (2)

203كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي رجل نذر أن يصوم يوماً فوقع على أهلهعليّ بن مهزيار (3) . . . وكتب إليه _ أي لأبي الحسن عليه السلام _ يسأله : يا سيّدي ، رجلٌ نذر أن يصوم يوماً فوقع ذلك اليوم على أهله ، ما عليه من الكفّارة ؟ فكتب عليه السلام إليه :يَصُومُ يَوماً بَدَلَ يَومٍ ، وَتَحرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ . (4)

204كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّدفي رجلٍ نذر متى فاتته صلاة الليل صام في صبيحتها ، ففاتهمحمّد بن عليّ بن محبوب عن محمّد بن عيسى العبيدي ، عن عليّ وإسحاق ابني

.


1- .راجع : «القاسم بن الصيقل» في الرقم 48 .
2- .تهذيب الأحكام :ج4 ص234 ح61 ، الاستبصار :ج2 ص101 ح4 ، وسائل الشيعة : ج10 ص196 ح13205 .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 21 .
4- .الكافي:ج7 ص456 ح12 ،تهذيب الأحكام :ج8 ص305 ح1135 ، وسائل الشيعة :ج10 ص378 ح13638 .

ص: 169

205 . كتابه عليه السلام إلى بُندار مولى إدريس في رجلٍ أفطر يوماً نذر صومه على العمد

سليمان بن داوود ، أنّ إبراهيم بن محمّد (1) أخبرهما ، قال : كتبت إلى الفقيه : يا مولاي ، نذرتُ أن يكون متى فاتتني صلاة الليل صمت في صبيحتها ، ففاته ذلك كيف يصنع ؟ فهل له من ذلك مخرج ؟ وكم يجب عليه من الكفّارة في صوم كلّ يوم تركه إن كفّر إن أراد ذلك ؟ فكتب عليه السلام :يُفَرِّقُ عَن كُلِّ يَومٍ بِمُدٍّ مِن طَعَامٍ كُفَّارَةً . (2)

205كتابه عليه السلام إلى بُندار مولى إدريسفي رجلٍ أفطر يوماً نذر صومه على العمدأبو عليّ الأشعري عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب بُندار مولى إدريس (3) : يا سيّدي ، نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت ، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة ؟ فكتب وقرأته :لا تَترُكهُ إِلَا مِنِ عِلَّةٍ ، وَلَيسَ عَلَيكَ صَومُهُ فِي سَفَرٍ وَلا مَرَضٍ ، إِلَا أَن تَكُونَ نَوَيتَ ذَلِكَ ، وَإِن كُنتَ أَفطَرتَ مِنهُ مِن غَيرِ عِلَّةٍ ، فَتَصَدَّق بِعَدَدِ كُلِّ يَومٍ لِسَبعَةِ مَسَاكِينَ ، نَسأَلُ اللّهَ التَّوفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرضَى . (4)

.


1- .اُنظر ترجمته في «إبراهيم بن محمّد الهمداني» بالرقم 7 .
2- .تهذيب الأحكام : ج2 ص335 ح1383 وج4 ص329 ح1026 ، وسائل الشيعة : ج22 ص394 ح28875 وج10 ص391 ح13667.
3- .في التهذيب والاستبصار : « محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد وعبد اللّه بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب بندار مولى إدريس : . . . » .
4- .الكافي :ج 7 ص 456 ح 10 ، تهذيب الأحكام : ج 4 ص 286 ح867 و ج8 ص 305 ح 1134 ، الاستبصار : ج 2 ص 102 ح 331 و ج 2 ص 126 ح 408 ، وسائل الشيعة : ج 10 ص 379 ح 13641.

ص: 170

206 . كتابه عليه السلام إلى المتوكّل فيمن نذر الصدقة بمالٍ كثير

206كتابه عليه السلام إلى المتوكّلفيمن نذر الصدقة بمالٍ كثيريوسف بن السخت قال : اشتكى المتوكّل شكاةً شديدة ، فنذر للّه إن شفاه اللّه يتصدّق بمالٍ كثير ، فعوفي من علّته ، فسأل أصحابه عن ذلك ، فأعلموه أنّ أباه تصدّق بثمانمئة ألف ألف درهم ، وإن أراه تصدّق بخمسة ألف ألف درهم ، فاستكثر ذلك ، فقال أبو يحيى بن أبي منصور المنجّم : لو كتبت إلى ابن عمّك _ يعني أبا الحسن عليه السلام _ . فأمر أن يُكتب له فيسأله ، فكتب إليه ، فكتب أبو الحسن عليه السلام :تَصَدَّقَ بِثَمَانِينَ دِرهَمَا . فقالوا : هذا غلط ، سلوه من أين ؟ قال : هَذَا مِن كِتَابِ اللّهِ ، قَالَ اللّهُ لِرَسُولِهِ : «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ» (1) ، وَالمَوَاطِنُ الَّتِي نَصَرَ اللّهُ رَسُولَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ السَّلامُ فِيهَا ثَمانُونَ مَوطِناً ، فَثَمَانِينَ دِرهَماً مِن حِلِّهِ مَالٌ كَثِيرٌ . (2)

وفي الاحتجاج : عن أبي عبد اللّه الزياديّ قال : لمّا سُمّ المتوكّل ، نذر للّه إنّ رزقه اللّه العافية أن يتصدّق بمالٍ كثير ، فلمّا سلم وعوفي سأل الفقهاء عن حدّ المال الكثير كم يكون؟ فاختلفوا ، فقال بعضهم : ألف درهم ، وقال بعضهم : عشرة آلاف ، وقال بعضهم : مئة ألف ، فاشتبه عليه هذا ، فقال له الحسن حاجبه : إن أتيتك يا أمير المؤمنين من هذا أخبرك بالحقّ والصواب فما لي عندك؟ فقال المتوكّل : إن أتيت بالحقّ فلك عشرة آلاف درهم ، وإلاّ أضربك مئة مقرعة .

.


1- .التوبة :25 .
2- .تفسير العيّاشي : ج2 ص84 ، بحار الأنوار : ج101 ص227 ح56 ، وسائل الشيعة : ج23 ص300 ح29609 .

ص: 171

باب الأطعمة والأشربة
207 . كتابه عليه السلام إلى نصر بن محمّد في أكل لحم الحُمُر الوحشيّة

فقال : قد رضيت ، فأتى أبا الحسن العسكريّ عليه السلام فسأله عن ذلك ، فقال أبو الحسن عليه السلام : قُل لَه :يَتَصَدَّقُ بِثَمَانِينَ دِرهَماً . فرجع إلى المتوكّل فأخبره ، فقال : سله ما العلّة في ذلك ؟ فسأله فقال : إنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ» (1) . فعددنا مواطن رسول اللّه صلى الله عليه و آله فبلغت ثمانين موطناً . فرجع إليه فأخبره ، ففرح وأعطاه عشرة آلاف درهم . (2)

باب الأطعمة والأشربة207كتابه عليه السلام إلى نصر بن محمّدفي أكل لحم الحُمُر الوحشيّةسهل بن زياد عن نصر بن محمّد 3 ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن لحوم حُمُر الوحش ؟ فكتب عليه السلام :يَجُوزُ أَكلُهُ لِوَحشَتِهِ ، وتَركُهُ عِندِي أَفضَلُ . (3)

.


1- .التوبة :25 .
2- .الاحتجاج : ج2 ص453 .
3- .الكافي : ج6 ص313 ح1 ، وسائل الشيعة : ج25 ص50 ح31143 ، بحار الأنوار : ج62 ص179.

ص: 172

208 . كتابه عليه السلام إلى محمّد الطبريّ في سمكٍ
209 . كتابه عليه السلام في الجاموس

208كتابه عليه السلام إلى محمّد الطبريّفي سمكٍمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن موسى ، عن سهل ، عن محمّد الطبريّ (1) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن سمكٍ يُقال له الإبلامي ، وسمكٍ يُقال له الطبرانيّ ، وسمكٍ يُقال له الطمر ، وأصحابي ينهوني عن أكله . قال : فكتب :كُلهُ لا بَأسَ بِهِ . وكتبتُ بخطّي . (2)

209كتابه عليه السلامفي الجاموسأيّوب بن نوح بن درّاج (3) قال : سألت أبا الحسن الثالث عليه السلام عن الجاموس ، وأعلمته أنّ أهل العراق يقولون : إنّه مسخ ؟ فقال :أَوَمَا سَمِعتَ قَولَ اللّهِ : «وَمِنَ الْاءبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ» (4) . وكتبت (5) إلى أبي الحسن عليه السلام بعد مقدمي من خراسان أسأله عمّا حدّثني به أيّوب في الجاموس ؟ فكتب : هُوَ كَمَا قَالَ لَكَ . (6)

.


1- .. يحتمل هو محمّد بن زيد الطبريّ ، أصله كوفيّ ، كان من أصحاب أبي الحسن الرضا عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص364 الرقم5403 ) . ويقول السيّد الخوئي : يحتمل اتّحاده مع محمّد بن زيد الرزاميّ خادم الرضا عليه السلام ( راجع : معجم رجال الحديث : ج 17 ص 104 الرقم 10815 ) . وعلى هذا فالمكتوبة يكون من مولانا الرضا عليه السلام .
2- .تهذيب الأحكام : ج 9 ص 13 ح 47 ، وسائل الشيعة : ج 24 ص 129 ح 30154.
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 2 .
4- .الأنعام :144 .
5- .في هامش المصدر : كذا في النسخ ، ومعلوم أنّ الراوي سقط من قلم الناسخ سهواً ، أو أسقطه اختصاراً ، كما ذكر في أوّل الكتاب .
6- .تفسيرالعيّاشي:ج1ص380ص115،بحارالأنوار:ج62ص180 ح21،وسائل الشيعة:ج25 ص52 ح31152 .

ص: 173

210 . كتابه عليه السلام إلى خَلِيل بن هِشَام في شرابٍ يُسمّى المَيبَة
211 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن عيسى في طبيخ يُجعل فيه الحِصرِم

210كتابه عليه السلام إلى خَلِيل بن هِشَامفي شرابٍ يُسمّى المَيبَةمحمّد بن يحيى عن محمّد بن أحمد ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن خليلان (1) بن هشام (2) ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، عندنا شرابٌ يُسمّى المَيبَة ، نعمِد إلى السفرجَل فنقشره ونُلقيه في الماء ، ثمّ نعمد إلى العصير فنطبخه على الثلث ، ثمّ ندقّ ذلك السفرجل ونأخذ ماءه ، ثمّ نعمد إلى ماء هذا المثلّث وهذا السفرجل ، فنلقي فيه المسك والأفاوي والزعفران والعسل ، فنطبخه حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، أيحلّ شربه ؟ فكتب :لا بَأسَ بِهِ ما لَم يَتَغَيَّر . (3)

211كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن عيسىفي طبيخ يُجعل فيه الحِصرِمفي كتاب مسائل الرجال من مسائل محمّد بن عليّ بن عيسى : ( محمّد بن أحمد بن محمّد بن زياد وموسى بن محمّد ، [ عن محمّد] بن عليّ بن عيسى (4) ، قال : كتبت

.


1- .قال في القاموس : « الخليل بن هاشم » ، الظاهر كونه محرّف « الخليل بن هشام » مع كون « الخليل » محرّف « الخيلان » . ( راجع : ج 4 ص 32 ) .
2- .الرجل مجهول ، مردّد بين خليل بن هاشم الّذي روى إبراهيم بن مهزيار مكاتبته إلى أبي الحسن في تهذيب الأحكام : ج4 ص318 ح38 ، وخليل بن هاشم كما ذهب إلى اتّحاده المحقّق الأردبيلي ( راجع : جامع الرواة : ج1 ص299 ) ، وخليل بن هشام الفارسي الّذي عدّه الشيخ من أصحاب الهادي عليه السلام . الظاهر هو الأخير كما ذهب إليه السيّد الخوئي أيضا قائلاً : « فمن المطمأنّ به وقوع التحريف ، إمّا في الكافي وإمّا في التهذيب ، بل من المحتمل قريبا وقوع التحريف فيهما ، والصحيح : خليل بن هشام . إذ يتّحد من في الروايتين مع من ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الهادي عليه السلام » ( راجع : معجم رجال الحديث : ج8 ص79 الرقم 4343 ) .
3- .الكافي : ج6 ص427 ح3 ، وسائل الشيعة : ج 25 ص367 ح32140.
4- .اُنظر ترجمته في الرقم 59 .

ص: 174

212 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن بن شَمّون في التمر البَرنِي

إلى الشيخ (1) أعزّه اللّه وأيّده . . . ) وكتبت إليه : جُعلت فداك ، عندنا طبيخ يُجعل فيه الحِصرِم (2) ، وربّما جُعل فيه العصير من العنب ، وإنّما هو لحم ( قد ) يُطبخ به ، وقد روي عنهم في العصير أنّه إذا جُعل على النار لم يُشرب حتّى يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه ، وإنّ الّذي يُجعل في القدر من العصير بتلك المنزلة ، وقد اجتنبوا أكله إلى أن يستأذن مولانا في ذلك . فكتب بخطّه عليه السلام :لا بَأسَ بِذَلِكَ . (3)

212كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن بن شَمّونفي التمر البَرنِيمحمّد بن الحسن بن شمّون (4) قال : كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام : إنّ بعض أصحابنا يشكو البَخَر ؟ فكتب عليه السلام إليه :كُلِ التَّمرَ البَرنِيَّ . قال : وكتب إليه آخَرُ يشكو يَبَساً . فكتب عليه السلام إليه : كُلِ التَّمرَ البَرنِيَّ عَلَى الرِّيقِ وَاشرَب عَلَيهِ المَاءَ . ففعل فسمن وغلبت عليه الرطوبة ، فكتب إليه يشكو ذلك . فكتب عليه السلام إليه : كُلِ التَّمرَ البَرنِيَّ عَلَى الرِّيقِ وَلا تَشرَب عَلَيهِ المَاءَ . فاعتدل . (5)

.


1- .وسائل الشيعة : كتبت إلى الشيخ يعني الهادي عليه السلام .
2- .الحِصرِم : أوّل العنب مادام حامضاً ( مجمع البحرين : ج6 ص41 ) .
3- .مستطرف السرائر : ص69 ح16 ، وسائل الشيعة : ج25 ص288 ح31928 ، بحار الأنوار : ج66 ص504 ح6 وج76 ص176 ح6 .
4- .اُنظر ترجمته في الرقم 175 .
5- .المحاسن : ج2 ص533 ح793 ، بحار الأنوار : ج59 ص203 ح1 وج63 ص133 ح32 نقلاً عنه ، وسائل الشيعة : ج25 ص138 ح31443 .

ص: 175

باب اللقطة والضالّة
213 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن رجاء الأرّجانيّ

باب اللقطة والضالّة213كتابه عليه السلام إلى محمّد بن رجاء الأرّجانيّمحمّد بن يحيى عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن رجاء الأرّجَانيّ 1 ، قال : كتبتُ إلى الطيّب عليه السلام 2 : أ نّي كنتُ في المسجد الحرام فرأيتُ ديناراً فأهويتُ إليه لآخذه فإذا أنا بآخر ، ثمّ بحثتُ الحصى فإذا أنا بثالثٍ ، فأخذتها فعرّفتها فلم يعرفها أحدٌ ، فما ترى في ذلك ؟ فكتب عليه السلام :فَهِمتُ مَا ذَكَرتَ مِن أَمرِ الدَّنَانِيرِ ، فَإِن كُنتَ مُحتَاجاً فَتَصَدَّق بِثُلُثِها ، وَإِن كُنتَ غَنِيَّاً فَتَصَدَّق بِالكُلِّ . (1) وفي التهذيب : عليّ بن مهزيار عن محمّد بن رجاء الخيّاط (2) ، قال : كتبت إليه : إنّي كنت في المسجد الحرام ، فرأيتُ ديناراً فأهويتُ إليه لآخذه فإذا أنا بآخر ، ثمّ نحّيت الحصى فإذا أنا بثالثٍ ، فأخذتها فعرّفتها فلم يعرفها أحد ، فما تأمرني في ذلك جُعلت فداك ؟ قال فكتب عليه السلام إليّ :

.


1- .الكافي :ج 4 ص239 ح4 ، وسائل الشيعة : ج13 ص261 ح17698.
2- .راجع : « محمّد بن رَجاء الأرّجانيّ » في الرقم 213 .

ص: 176

214 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جعفر
باب المواريث
215 . كتابه عليه السلام ميراث الإخوة والأخوات مع الولد

قَد فَهِمتُ مَا ذَكَرتَ مِن أَمرِ الدَّينَارَينِ _ تحت ذكري موضع الدينارين _ . ثمّ كتب تحت قصّة الثالث : فَإن كُنتَ مُحتَاجاً فَتَصَدَّق بِالثَّالِثِ ، وَإِن كُنتَ غَنِيَّاً فَتَصَدَّق بِالكُلِّ . (1)

214كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جعفرمحمّد بن يحيى عن عبد اللّه بن جعفر (2) ، قال : كتبت إلى الرجل أسأله عن رجلٍ اشترى جَزوراً (3) أو بقرةً للأضاحي ، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صُرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك ؟ فوقّع عليه السلام :عَرِّفهَا البَائِعَ ، فَإِن لَم يَكُن يَعرِفُهَا فَالشَّيءُ لَكَ ، رَزَقَكَ اللّهُ إِيَّاهُ . (4)

باب المواريث215كتابه عليه السلامميراث الإخوة و الأخوات مع الولدأحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن الحسن الأشعريّ (5) ، قال : وقع بين رجلين

.


1- .تهذيب الأحكام : ج6 ص395 ح1188 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص293 ح4051 بإسناده عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن رجاء الخيّاط ، وسائل الشيعة : ج25 ص462 ح32358.
2- .اُنظر ترجمته في « الحميريّ » بالرقم 78 .
3- .الجَزور _ بالفتح _ : هي من الإبل خاصّة ما كمل خمس سنين ودخل في السادسة ، يقع على الذكر والاُنثى ( مجمع البحرين : ج3 ص345 ) .
4- .الكافي : ج5 ص139 ح9 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص392 ح1174 ، وسائل الشيعة : ج25 ص452 ح32335 وراجع : كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص189 ح853 .
5- .اُنظر ترجمته في الرقم 170 .

ص: 177

216 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن يحيى الخراسانيّ في ميراث الأعمام و العمّات

من بني عمّي منازعة في ميراثٍ ، فأشرت عليهما بالكتاب إليه في ذلك ليصدُرا عن رأيه ، فكتبا إليه جميعاً : جعلنا اللّه فداك ، ما تقول في امرأةٍ تركت زوجها وابنتها لأبيها وأمّها ؟ وقلت جُعلت فداك إن رأيت أن تجيبنا بمُرّ الحقّ . فخرج إليهما كتاب (1) :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم عَافَانَا اللّهُ وَإِيَّاكُمَا أَحسَنَ عَافِيَةٍ ، فَهِمتُ كِتَابَكُمَا ، ذَكَرتُمَا أنَّ امرَأةً مَاتَت وَتَرَكَت زَوجَهَا وَابنَتَهَا وَأُختَهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا ، فَالفَرِيضَةُ لِلزَّوجِ الرُّبُعُ ، وَمَا بَقِيَ فَلِلِابنَةِ (2) . (3)

216كتابه عليه السلام إلى محمّد بن يحيى الخراسانيّفي ميراث الأعمام و العمّاتمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى ، عن إبراهيم بن محمّد ، قال : كتب محمّد بن يحيى الخراسانيّ 4 في رجلٍ أوصى إلى رجلٍ وله بنو عمٍّ وبنات عمٍّ وعمّ أبٍ وعمّتان (4) ، لمن الميراث ؟ فكتب عليه السلام :أَهلُ العَصَبَةِ بَنُو العَمِّ هُم وَارِثُونَ . (5)

.


1- .وفي التهذيب : « فجرّد إليهما كتاباً » بدل « فخرج إليهما كتاب » .
2- .في التهذيب : « فللبنت» بدل «فللابنة» .
3- .الكافي : ج7 ص99 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص273 ح986 وص290 ح1044 ، وسائل الشيعة : ج26 ص106 ح32593 .
4- .في الاستبصار : «محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى ، عن إبراهيم بن محمّد ، قال : كتب محمّد بن يحيى الخراساني : أوصى إليّ رجل ولم يخلّف إلّا بني عمّ وبنات عمّ وعمّ أب وعمّتين . . . » .
5- .تهذيب الأحكام : ج9 ص392 ح1401 ، الاستبصار : ج4 ص170 ح643 ، وسائل الشيعة : ج26 ص192 ح3280.

ص: 178

217 . كتابه عليه السلام إلى أبي طاهر
باب القضاء والشهادات
218 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن هلال في شهادة النساء

217كتابه عليه السلام إلى أبى طاهرمحمّد بن الحسن الصفّار عن محمّد بن عيسى ، عن أبي طاهر (1) ، قال : كتبتُ إليه : رجل ترك عمّاً وخالاً . فأجاب عليه السلام :الثُّلُثَانِ لِلعَمِّ ، وَالثُّلُثُ لِلخَالِ . (2)

باب القضاء والشهادات218كتابه عليه السلام إلى أحمد بن هلالفي شهادة النساءمحمّد بن عليّ بن محبوب عن يعقوب بن يزيد ، عن إبراهيم بن محمّد الهمداني (3) ، قال : كتب أحمد بن هلال (4) إلى أبي الحسن عليه السلام : امرأة شهدت على وصيّة رجلٍ لم يشهدها غيرها ، وفي الورثة من يصدّقها ، وفيهم من يتّهمها . فكتب عليه السلام :لا ، إِلاَّ أَن يَكُونَ رَجُلٌ وَامرَأَتَانِ ، وَلَيسَ بِوَاجِبٍ أَن تُنفَذَ شَهَادَتُهَا . (5)

.


1- .راجع : «أحمد بن حمزة ( أبو طاهر بن حمزة ) » في الرقم 150 و« طاهر » في الرقم 140 .
2- .تهذيب الأحكام : ج9 ص327 ح1177 ، وسائل الشيعة : ج26 ص189 ح32794.
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 7 .
4- .اُنظر ترجمته في الرقم 45 .
5- .تهذيب الأحكام : ج 6 ص 268 ح 124 ، الاستبصار : ج 3 ص 28 ح 22 ، وسائل الشيعة : ج 19 ص 319 ح 24687 و ج 27 ص 360 ح 33942.

ص: 179

باب الحدود
219 . كتابه عليه السلام إلى رجل في حدّ اللواط
220 . كتابه عليه السلام إلى المتوكّل في أهل الذمّة من الحدود

باب الحدود219كتابه عليه السلام إلى رجلفي حدّ اللواطالحسين بن سعيد (1) قال : قرأت بخطّ رجلٍ أعرفه إلى أبي الحسن عليه السلام ، وقرأت جواب أبي الحسن عليه السلام بخطّه :هل على رجلٍ لعب بغلامٍ بين فخذيه حدٌّ ، فإنّ بعض العصابة روى أنّه لا بأس بلعب الرجل بالغلام بين فخذيه ؟ فكتب : لَعَنةُ اللّهِ عَلَى مَن فَعَلَ ذَلِكَ . وكتب أيضاً هذا الرجل ولم أرَ الجواب : ما حدّ رجلين نكح أحدهما الآخر طوعاً بين فخذيه ، وما توبته ؟ فكتب : القَتلُ . وما حدّ رجلين وجدا نائمين في ثوبٍ واحدٍ ؟ فكتب عليه السلام : مِئَةُ سَوطٍ (2) . (3)

220كتابه عليه السلام إلى المتوكّلفي أهل الذمّة من الحدودمحمّد بن يحيى عن محمّد بن أحمد ، عن جعفر بن رِزق اللّه أو رجل عن جعفر بن

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 177 .
2- .تهذيب الأحكام : ج10 ص56 ح13 ، الاستبصار : ج 4 ص 222 ، وسائل الشيعة : ج28 ص154 ح34449 .
3- .قد ذكر هذه المكتوبة في مكاتيب الامام الرضا عليه السلام ، وأوردها هنا لاحتمال أنّ هذه المكتوبة للإمام الهادي عليه السلام ؛ لأنّه ليس قرينة على ترجيح أحدهما عليهماالسلام مع روايته عن الرضا وأبي جعفر الثاني وأبي الحسن الثالث عليهم السلام .

ص: 180

221 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن دَاذَوَيه في مدمن الخمر

رِزق اللّه ، قال : قُدّم إلى المتوكّل رجل نصرانيّ فجر بامرأَةٍ مسلمةٍ ، فأراد أن يُقيم عليه الحدّ فأسلم ، فقال يحيى بن أكثم : قد هدم إيمانُه شركه وفعله ، وقال بعضهم : يُضرب ثلاثة حدود ، وقال بعضهم : يُفعل به كذا وكذا ، فأمر المتوكّل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام وسؤاله عن ذلك ، فلمّا قرأ الكتاب ، كتب عليه السلام :يُضرَبُ حَتَّى يَمُوتَ . فأنكر يحيى بن أكثم وأنكر فقهاء العسكر ذلك ، وقالوا : يا أمير المؤمنين سل عن هذا ، فإنّه شيء لم ينطق به كتاب ولم تجيء به سنّةٌ . فكتب إليه : إنّ فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا ، وقالوا لم يجيء به سنّة ولم ينطق به كتاب ، فبيّن لنا لِمَ أوجبت عليه الضرب حتّى يموت ؟ فكتب عليه السلام : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم فَلَمَّا أَحَسُّوا « بَأْسَنَا قَالُوا ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَ_نُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ وَ خَسِرَ هُنَالِكَ الْكَ_فِرُونَ » (1) . قال : فأمر به المتوكّل فضُرب حتّى مات . (2)

221كتابه عليه السلام إلى محمّد بن دَاذَوَيهفي مدمن الخمرسهل بن زياد ويعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن داذَويه 3 قال : كتبتُ إلى أبي

.


1- .غافر : 84 و85 .
2- .الكافي : ج7 ص238 ح2 ، تهذيب الأحكام : ج10 ص38 ح135 ، الاحتجاج : ج2 ص454 ، بحار الأنوار : ج76 ص96 ح1 ، وسائل الشيعة : ج28 ص141 ح34420 وراجع : المناقب لابن شهرآشوب : ج4 ص405 ، بحار الأنوار : ج76 ص54 ح44 .

ص: 181

222 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار في أَحكام المخالفين
223 . كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوح

الحسن عليه السلام أسأله عن شارب المُسكر ؟ قال فكتب عليه السلام :شَارِبُ الخَمرِ كَافِرٌ . (1)

222كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي أَحكام المخالفينأحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن مهزيار (2) ، عن عليّ بن محمّد عليهماالسلام ، قال : سألته هل نأخذ في أحكام المخالفين ما يأخذون منّا في أحكامهم ؟ فكتب عليه السلام :يَجُوزُ لَكُم ذَلِكَ إِن شَاءَ اللّهُ ، إِذَا كَانَ مَذهَ_بُكُم فِيهِ التَقِيَّةُ مِنهُم وَالمُدَارَاةُ لَهُم . (3)

223كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن نوحأيّوب بن نوح (4) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله : هل نأخذ في أحكام المخالفين ما يأخذون منّا في أحكامهم ، أم لا ؟ فكتب عليه السلام :يَجُوزُ لَكُم ذَلِكَ إِن كَانَ مَذهَبُكُم فيه التَّقِيَّةُ مِنهُم وَالمُدَارَاةُ . (5)

.


1- .الكافي : ج6 ص405 ح9 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص108 ح469 ، وسائل الشيعة : ج25 ص319 ح32007.
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 21 .
3- .تهذيب الأحكام : ج6 ص224 ح27 ، وسائل الشيعة : ج27 ص226 ح33652.
4- .اُنظر ترجمته في الرقم 2 .
5- .تهذيب الأحكام : ج9 ص322 ح1154 ، الاستبصار : ج4 ص147 ح 9 ، وسائل الشيعة : ج26 ص158 ح32710.

ص: 182

224 . كتابه عليه السلام إلى المتوكّل في تكنية أهل الكتاب
تتم_ة
225 . إملاؤه عليه السلام إلى يحيى بن أكثم في أجوبته عليه السلام ليحيى بن أكثم عن مسائله

224كتابه عليه السلام إلى المتوكّلفي تكنية أهل الكتابالمجلسي رحمهم الله نقلاً عن كتاب الاستدراك ، قال : نادى المتوكّل يوماً كاتباً نصرانيّاً : أبا نوح ! فأنكروا كُنى الكتابيّين ، فاستفتى فاختُلف عليه ، فبعث إلى أبي الحسن . فوقّع عليه السلام :بِسمِ اللّهِ الرَّحم_نِ الرَّحِيم «تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَ تَبَّ » (1) . فعلم المتوكّل أنّه يحلّ ذلك ؛ لأنّ اللّه قد كنّى الكافر . (2)

تتمّ_ة225إملاؤه عليه السلام إلى يحيى بن أكثمفي أجوبته عليه السلام ليحيى بن أكثم عن مسائلهقال موسى بن محمّد بن الرضا (3) : لقيت يحيى بن أكثم في دار العامّة ، فسألني عن

.


1- .المسد :1 .
2- .بحار الأنوار : ج10 ص391 ح4 وج72 ص391 ح13.
3- .هو أبو أحمد موسى المبرقع ، أخو أبي الحسن الهاديّ عليه السلام من طرف الأب والاُمّ ، اُمّهما اُمّ ولدٍ تُسمّى بسمانة المغربية ، وكان موسى جدّ سادات الرضويّة ، قدم قم سنة256 ، وهو أوّل من انتقل من الكوفة إلى قم من السادات الرضويّة ، وكان يسدل على وجهه برقعاً دائماً ، ولذلك سُمّي بالمبرقع . فلم يعرفه القمّيّون ، فانتقل عنهم إلى كاشان ، فأكرمه أحمد بن عبد العزيز بن دلف العجليّ ، فرحّب به وأكرمه وأهدى إليه خلاعاً فاخرة وأفراسا جياداً ، ووظّفه في كلّ سنة ألف مثقال من الذهب وفرساً مسرّجاً ، فلمّا عرفه القمّيّون أرسلوا رؤساءهم إلى كاشان بطلبه ، وردّوه إلى قم ، واعتذروا منه وأكرموه ، واشتروا من مالهم ووهبوا له سهاماً من القرى ، وأعطوه عشرين ألف درهم ، واشترى ضياعاً كثيرة . فأتته أخواته زينب واُمّ محمّد وميمونة بنات محمّد بن الرضا عليهماالسلام ، ونزلن عنده ، فلمّا متن دُفنّ عند فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهماالسلام . وأقام موسى بقم حتّى مات سنة 266 ، ودُفن في داره ، وقيل : في دار محمّد بن الحسن بن أبي خالد الأشعريّ ، وهو المشهد المعروف اليوم . ويظهر من بعض الروايات أنّ المتوكّل الخليفة العبّاسيّ يحتال في أن ينادمه . وقد أفرد المحدّث النوريّ رحمه الله في أحواله رسالة سمّاها البدر المشعشع في أحوال موسى المبرقع .

ص: 183

مسائل ، فجئت إلى أخي عليّ بن محمّد عليهماالسلام فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني وبصّرني طاعته ، فقلت له : جُعلت فداك إنّ ابن أكثم كتب يسألني عن مسائل لأفتيه فيها . فضحك عليه السلام ثمّ قال :فَهَل أفتَيتَهُ ؟ قلتُ : لا ، لم أعرفها ، قال عليه السلام : وَما هِيَ ؟ قلت : كتب يسألني عن قول اللّه : «قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَ_بِ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا» (1) ، (2) نبِيّ اللّه كان محتاجا إلى علم آصف ؟ وعن قوله : «وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا» (3) ، سجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء ، وعن قوله : «فَإِن كُنتَ فِى شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَسْ_ئلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَ_بَ» (4) ، مَن المخاطب بالآية ؟ فإن كان المُخاطب النبِيّ صلى الله عليه و آله فقد شكّ ، وإن كان المخاطب غيره فعلى من إذا أنزل الكتاب ؟ وعن قوله : «وَ لَوْ أَنَّمَا فِى الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَ_مٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَ_تُ اللَّهِ» (5) ، ما هذه الأبحر وأين هي ؟ وعن قوله : «وَ فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ» (6) ، فاشتهت نفس آدم عليه السلام أكل البرّ فأكل وأطعم [ وفيها ما

.


1- .النمل :40 .
2- .في الاختصاص : « محمّد بن عيسى بن عبيد البغداديّ ، عن موسى بن محمّد بن عليّ بن موسى ، سأله ببغداد في دار الفطن قال : قال موسى : كتب إليّ يحيى بن أكثم يسألني عن عشر مسائل أو تسعة ، فدخلت على أخي فقلت له : جُعلت فداك ، إنّ ابن أكثم كتب إليّ يسألني عن مسائل اُفتيه فيها ، فضحك ثمّ قال : فهل أفتيته ؟ قلت : لا . قال عليه السلام : ولِمَ ؟ قلت : لم أعرفها . قال عليه السلام : وما هي ؟ قلت : كتب إليّ : اخبرني عن قول اللّه : قال الّذي عنده علم من الكتاب . . . » .
3- .يوسف :100 .
4- .يونس :94 .
5- .لقمان :27 .
6- .الزخرف :71 .

ص: 184

تشتهي الأَنفُسُ ] فكيف عُوقب ؟ وعن قوله : «أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَ إِنَ_ثًا» (1) ، يُزوّج اللّه عباده الذُّكران ، وقد عاقب قوما فعلوا ذلك ؟ وعن شهادة المرأة جازت وحدها وقد قال اللّه : «وَ أَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ» (2) ، وعن الخُنثى وقول عليّ عليه السلام : يُورث من المبال ، فمن ينظر _ إذا بال _ إليه ؟ مع أنّه عسى أن يكون امرأة وقد نظر إليها الرجال ، أو عسى أن يكون رجلاً وقد نظرت إليه النساء وهذا مالا يحلّ ، وشهادة الجارّ إلى نفسه لا تقبل ؟ وعن رجل أتى إلى قطيع غنمٍ فرأى الراعي ينزو على شاةٍ منها ، فلمّا بَصُرَ بصاحبها خلّى سبيلها ، فدخلت بين الغنم ، كيف تُذبح وهل يجوز أكلها أم لا ؟ وعن صلاة الفجر لم يُجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار وإنّما يُجهر في صلاة الليل ؟ وعن قول عليّ عليه السلام لابن جُرموز : بشّر قاتل ابن صَفيّة (3) بالنار . فلم يقتله وهو إمام ؟ وأخبرني عن علي عليه السلام لِمَ قتل أَهل صفّين وأمر بذلك مُقبلين ومدبِرِين وأَجاز على الجرحى ، وكان حُكمُه يوم الجمل أنَّه لم يقتُل مولِّيا ولم يُجز على جريح ولم يأمر بذلك ، وقال : من دخل داره فهو آمن ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن . لِمَ فعل ذلك ؟ فإن كان الحُكم الأَوَّل صوابا فالثاني خطأ . وأخبرني عن رجل أقرّ باللواط على نفسهِ أيحدّ ، أم يدرأُ عنه الحدُّ ؟ قال عليه السلام : أُكتُب إِلَيهِ ، قُلت : وما أَكتُب ؟ قال عليه السلام : أُكتُب : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ : وَأَنتَ فَأَلهَمَكَ اللّهُ الرُّشدَ ، أَتَانِي كِتَابُكَ فَامتَحَنتَنا بِهِ مِن تَعَنُّتِكَ لِتَجِدَ إِلَى الطَّعنِ سَبِيلاً إِن قَصُرنَا فِيها ، وَاللّهُ يُكافِيكَ عَلَى نِيَّتِكَ ، وَقَد شَرَحنَا مَسَائِلَكَ فَأَصغِ إِلَيِهَا سَمعَكَ وَذَلِّل لَهَا فَهمَكَ وَاشغَل بِهَا قَلبَكَ ، فَقَد لَزِمَتكَ الحُجَّةُ وَالسَّلامُ .

.


1- .الشورى :50 .
2- .الطلاق :2 .
3- .ابن صفية هو الزبير بن العوّام ، الصحابي المعروف الّذي نكث بيعة عليّ عليه السلام وأوقد نيران الحرب بين المسلمين في وقعة الجمل .

ص: 185

سَأَلتَ : عَن قَولِ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ : «قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَ_بِ» (1) ، فَهُوَ آصِفُ بنُ بَرخِيَا وَلَم يَعجِز سُلَيمَانُ عليه السلام عَن مَعرِفَةِ ما عَرَفَ آصِفُ ، لَكِنَّهُ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ أَحَبَّ أَن يُعَرِّفَ أُمَّتَهُ مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ أَنَّهُ الحُجَّةُ مِن بَعدِهِ ، وَذَلِكَ مِن عِلم سُلَيمَانَ عليه السلام أَودَعَهُ عِندَ آصِفَ بِأَمرِ اللّهِ ، فَفَهَّمَهُ ذَلِكَ لِئَلَا يَختَلِفَ عَلَيهِ فِي إِمَامَتِهِ وَدَلالَتِهِ كَمَا فُهِّمَ سُلَيمَانُ عليه السلام في حَيَاةِ داوُودَ عليه السلام لِتُعرَفَ نُبُوَّتُهُ وَإمَامَتُهُ مِن بَعدِهِ لِتَأَكُّدِ الحُجَّةِ عَلَى الخَلقِ . وَأَمَّا سُجُودُ يَعقُوبَ عليه السلام وَوُلدِهِ ، فَكَان طَاعَةً للّهِِ وَمَحَبَّةً لِيُوسُفَ عليه السلام ، كَمَا أَنَّ السُّجُودَ مِنَ المَلائِكَةِ لِادَمَ عليه السلام لَم يَكُن لِادَمَ عليه السلام ، وَإنَّمَا كَانَ ذَلِكَ طَاعَةً للّهِِ وَمَحَبَّةً مِنهُم لِادَمَ عليه السلام ، فَسُجُودُ يَعقُوبَ عليه السلام وَوُلدِهُ وَيُوسُفَ عليه السلام مَعَهُم كَانَ شُكرَا للّهِِ بِاجتِمَاعِ شَملِهِم ، أَلَم تَرَهُ يَقُولُ فِي شُكرِهِ ذَ ل_ِكَ الوَقتَ : «رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ» (2) إلى آخِرِ الآيَةِ . وَأَمَّا قَولُهُ : « فَإِن كُنتَ فِى شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَسْ_ئلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَ_بَ» (3) فَإِنَّ المُخَاطَبَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَلَم يَكُن فِي شَكٍّ مِمَّا أُنزِلَ إِلَيهِ وَلَكِن قَالَتِ الجَهَلَةُ : كَيفَ لَم يَبعَثِ اللّهُ نَبِيَّا مِنَ المَلائِكَةِ ؟ إِذ لَم يَفرُق بَينَ نَبِيِّهِ وَبَينَنا فِي الاِستِغنَاءِ عَنِ المَآكِلِ وَالمَشَارِبِ وَالمَشِيِ فِي الأَسوَاقِ ، فَأَوحَى اللّهُ إِلَى نَبِيِّهِ : «فَسْ_ئلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَ_بَ» (4) بِمَحضَرِ الجَهَلَةِ ، هَل بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً قَبلَكَ إِلّا وَهُوَ يَأكُلُ الطَّعَامَ ويَمشِي فِي الأَسواقِ وَلَكَ بِهِم أُسوَةٌ . وَإِنَّمَا قَالَ : « فَإِن كُنتَ فِى شَكٍّ» 5 وَلَم يَكُن شَكٌّ وَلَكِن لِلنَّصَفَةِ كَمَا قَالَ : «تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ

.


1- .النمل :40 .
2- .يوسف :101 .
3- .يونس : 94 .
4- .. يونس : 94 .

ص: 186

نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَ_ذِبِينَ » (1) وَلَو قَالَ : عَلَيكُم لَم يُجِيبُوا إِلَى المُباهَلَةِ ، وَقَد عَلِمَ اللّهُ أَنَّ نَبِيَّهُ يُؤَدِّي عَنهُ رِسَالاتِهِ وَمَا هُوَ مِنَ الكَاذِبيِنَ ، فَكَذَلِكَ عَرَفَ النَّبِيُّ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا يَقُولُ وَلَكِن أَحَبَّ أَن يُنصِفَ مِن نَفسِهِ . وَأَمَّا قَولُهُ : «وَ لَوْ أَنَّمَا فِى الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَ_مٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَ_تُ اللَّهِ» (2) ، فَهُوَ كَذَلِكَ ، لَو أَنَّ أَشجَارَ الدُّنيَا أَقلامٌ وَالبَحرُ يَمُدُّهُ سَبعَةُ أَبحُرٍ وَانفَجَرَتِ الأَرضُ عُيُونا لَنَفِدَت قَبلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ اللّهِ وَهِيَ عَينُ الكِبرِيتِ وَعَينُ النَمرِ وَعَينُ البَرَهُوتِ وَعَينُ طَبرِيَّةِ وَحَمَّةُ (3) مَا سَبذانَ وَحَمَّةُ إِفرِيقيَّةَ يُدعَى لَسنَانَ وَعَينُ بَحَرَونَ ، وَنَحنُ كَلِمَاتُ اللّهِ الَّتِي لا تَنفَدُ وَلا تُدرَكُ فَضَائِلُنَا . وَأَمَّا الجَنَّةُ فَإنَّ فِيهَا مِنَ المَآكِلِ وَالمَشَارِبِ وَالمَلاهِي مَا تَشتَهِي الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعيُنُ وَأَبَاحَ اللّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ لِادَمَ عليه السلام . وَالشَّجَرَةَُ الَّتِي نَهَى اللّهُ عَنهَا آدَمَ عليه السلام وَزَوجَتَهُ أَن يَأكُلا مِنهَا شَجَرَةُ الحَسَدِ ، عَهِدَ إِلَيهِمَا أَن لا يَنظُرَا إِلَى مَن فَضَّلَ اللّهُ عَلَى خَلائِقِهِ بِعَينِ الحَسَدِ فَنَسِيَ وَنَظَرَ بِعَينِ الحَسَدِ وَلَم يَجِد لَهُ عَزمَا . وَأَمَّا قَولُهُ : «أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَ إِنَ_ثًا» (4) ، أَي يُولَدُ لَهُ ذُكُورٌ وَيُولَدُ لَهُ إِنَاثٌ ، يُقَالُ لِكُلِّ اثنَينِ مُقرَنَينَ زَوجَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمَا زَوجٌ ، وَمَعَاذَ اللّهِ أَن يَكُونَ عَنَى الجَلِيلُ مَا لَبَّستَ بِهِ عَلَى نَفسِكَ تَطلُبُ الرُّخصَ لِارتِكَابِ المَآثِمِ « ومَن يَفْعَلْ ذَ لِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَ_عَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا » (5) إِن لَم يَتُب .

.


1- .لقمان :27 .
2- .الشورى :50 .
3- .آل عمران :61 .
4- .الحمّة _ بالفتح فالتشديد _ : العين الحارّة الّتي يستشفي بها الأعلّاء والمرضى ، وأراد بها وبالعين هاهنا كلّ ماء له منبع ولا ينقص منه شيء ، كالبحار وليس منحصراً فيها ، فكان ذكرها على سبيل التمثيل ، ولأنّها معهودة عند السائل .
5- .الفرقان : 68 و 69 .

ص: 187

وَأَمَّا شَهادَةُ المَرأَةِ وَحدَهَا الَّتِي جَازَت فَهِيَ القَابِلَةُ جَازَت شَهَادَتُها مَعَ الرِّضا ، فَإِن لَم يَكُن رِضَىً فَلا أَقَلَّ مِن امرَأَتَيِنِ تَقُومُ المَرأَتَانِ بَدَلَ الرَّجُلِ لِلضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لا يُمكِنُهُ أَن يَقُومَ مَقامَهَا ، فَإِن كَانَت وَحدَهَا قُبِلَ قَولُها مَعَ يَمينِها . وَأَمَّا قَولُ عَلِيٍّ عليه السلام فِي الخُنثَى فَهِيَ كَمَا قَالَ : يَنظُرُ قَومٌ عُدُولٌ يَأخُذُ كُلُّ واحِدٍ مِنهُم مِرآةً وَتَقُومُ الخُنثَى خَلفَهُم عُريانَةً وَيَنظُروُنَ فِي المَرايَا فَيَرَونَ الشَّبَحَ فَيَحكُمُونَ عَلَيهِ . وَأَمَّا الرَّجُلُ النَّاظِرُ إِلَى الرَّاعِي وَقَد نَزَا عَلَى شَاةٍ فَإِن عَرَفَهَا ذَبّحَهَا وَأَحرَقَهَا ، وَإِن لَم يَعرِفهَا قَسَمَ الغَنَمَ نِصفَينِ وَسَاهَمَ بَينَهُمَا ، فَإِذَا وَقَعَ عَلَى أَحَدِ النِّصفَينِ فَقَد نَجَا النِّصفُ الآخَرُ ، ثُمَّ يُفَرِّقُ النِّصفَ الآخَرَ ، فَلا يَزالُ كَذلِكَ حَتَّى تَبقَى شَاتَانِ ، فَيَقرَعُ بَينَهُمَا فَأَيُّتهَا وَقَعَ السَّهمُ بِهَا ذُبِحَت وَأُحرِقَت وَنَجَا سَائِرُ الغَنَمِ . وَأَمَّا صَلاةُ الفَجرِ فَالجَهرُ فِيهَا بِالقِراءَةِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله كَانَ يُغَلِّسُ (1) بِهَا فَقِراءَتُها مِنَ اللَّيلِ . وَأمّا قَولُ عَليٍّ عليه السلام : بَشِّر قَاتِلَ ابنِ صَفيَّةَ بِالنَّارِ فَهُوَ لِقَولِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَكَانَ مِمَّن خَرَجَ يَومَ النَّهرَوان فَلَم يَقتُلهُ أَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بِالبَصرَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يُقتَلُ فِي فِتنَةِ النَّهرَوَانِ . وَأَمَّا قَولُكَ : إِنَّ عَلِيَّا عليه السلام قَتَلَ أَهلَ الصِّفِّينِ مُقبِلِينَ وَمُدبِرِينَ وَأَجَازَ عَلَى جَرِيحِهِم ، وَإنَّهُ يَومَ الجَمَلِ لَم يُتبِع مُوَلِّيَا وَلَم يُجِز عَلَى جَرِيحٍ وَمَن أَلقَى سِلاحَهُ آمَنَهُ وَمَن دَخَلَ دَارَهُ آمَنَهُ ، فَإنَّ أَهلَ الجَمَل قُتِلَ إِمَامُهُم وَلَم تَكُن لَهُم فِئَةٌ يَرجِعُونَ إِلَيهَا ، وَإِنَّمَا رَجَعَ القَومُ إِلَى مَنازِلِهِم غَيرَ مُحَارِبِينَ وَلا مُخالِفِينَ وَلا مُنابِذِينَ ، رَضُوا بِالكَفِّ عَنهُم ، فَكَانَ الحُكمُ فيهِم رَفعَ السَّيفِ عَنهُم وَالكَفَّ عَن أَذَاهُم ، إِذ لَم يَطلُبُوا عَلَيهِ أَعوَانَا ، وَأَهلُ صِفِّينَ كَانُوا يَرجِعُونَ إِلَى فِئَةٍ مُستَعِدَّةٍ وإِمَامٍ يَجمَعُ لَهُمُ السِّلاحَ

.


1- .يُغلّس بها : أي يصلّى بالغلس _ وهو بالتحريك _ : ظلمة آخر الليل .

ص: 188

الدُّرُوعَ وَالرِّمَاحَ وَالسُّيُوفَ ، وَيُسنِي لَهُمُ العَطَاءَ ، ويُهَيِّيءُ لَهُمُ الأَنزَالَ ، وَيَعُودُ مَريضَهُم ، وَيَجبُرُ كَسِيرَهُم ، وَيُدَاوِي جَرِيحَهُم ، وَيَحمِلُ رَاجِلَهُم ، وَيَكسُوا حَاسِرَهُم ، وَيَرُدُّهُم فَيَرجِعُونَ إِلَى مُحَارَبَتِهِم وَقِتَالِهِم ، فَلَم يُساوِ بَينَ الفَرِيقَينِ فِيِ الحُكمِ ؛ لِمَا عَرَفَ مِنَ الحُكمِ في قِتَالِ أَهلِ التَّوحِيدِ ، لَكِنَّهُ شَرَحَ ذَلِكَ لَهُم ، فَمَن رَغِبَ عُرِضَ عَلَى السَّيفِ أَو يَتُوبَ مِن ذلِكَ . وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي اعتَرَفَ بِاللِّواطِ ، فَإنَّهُ لَم تَقُم عَلَيهِ بَيِّنَةٌ ، وَإِنَّمَا تَطَوَّعَ بِالإِقرَارِ مِن نَفسِهِ ، وَإِذَا كَانَ لِلإِمامِ الَّذِي مِنَ اللّهِ أَن يُعاقِبَ عَنِ اللّهِ ، كَانَ لَهُ أَن يَمُنَّ عَنِ اللّهِ ؛ أَما سَمِعتَ قَولَ اللّهِ : «هَ_ذَا عَطَ_آؤُنَا» (1) الآيَة . قَد أَنبَأنَاكَ بِجَمِيعِ مَا سَأَلتَنَا عَنهُ فَاعلَم ذلِكَ . (2)

وفي المناقب : قال المتوكّل لابن السكّيت 3 : اسأل ابن الرضا مسألة عوصاء بحضرتي ، فسأله فقال : لِمَ بعث اللّه موسى بالعصا ؟ وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ؟ وبعث محمّداً بالقرآن والسيف ؟ فقال أبو الحسن عليه السلام :

.


1- .ص :39 .
2- .تحف العقول : ص 476 ، الاختصاص : ص91 ، بحار الأنوار : ج10 ص386 ح1 ، وراجع : الكافي : ج7 ص158 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص43 ح182 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص203 ح926 ، الاحتجاج : ج2 ص499 ح331 ، علل الشرائع : ص129 ح1 ، الغيبة للطوسي : ص124 ، تحف العقول : ص476 ، تفسير العيّاشي : ج1 ص176 وج2 ص9 ح8 وص128 ح42 وص197 ح82 ، تفسير القمّي : ج2 ص278 وج1 ص356 .

ص: 189

بَعَثَ اللّهُ مُوسَى بِالعَصَا وَاليَدِ البَيضَاءِ فِي زَمَانٍ الغَالِبُ عَلَى أَهلِهِ السِّحرُ ، فَأَتَاهُم مِن ذَلِكَ مَا قَهَرَ سِحرَهُم وَبَهَرَهُم (1) ، وَأَثبَتَ الحُجَّةَ عَلَيهِم . وبَعَثَ عِيسَى بِإبرَاءِ الأَكمَهِ وَالأبرَصِ وَإِحيَاءِ المَوتَى بِإِذنِ اللّهِ فِي زَمَانٍ الغَالِبُ عَلَى أَهلِهِ الطِّبُّ ، فَأَتَاهُم من إبراء الأكمه وَالأَبرَصِ وَإحيَاءِ المَوتَى بِإِذنِ اللّهِ ، فَقَهَرَهُم وَبَهَرَهُم . وَبَعَثَ مُحَمَّدَاً بِالقُرآنِ وَالسَّيفِ فِي زَمَانٍ الغَالِبُ عَلَى أَهلِهِ السَّيفُ وَالشِّعرُ ، فَأَتَاهُم مِنَ القُرآنِ الزَّاهِرِ وَالسَّيفِ القَاهِرِ مَا بَهَرَ بِهِ شِعرَهُم وَقَهَرَ سَيفَهُم وَأَثبَتَ الحُجَّةَ عَلَيهِم . فقال ابن السكّيت : فما الحجّة الآن ؟ قال : العَقلُ ، يُعرَفُ بِهِ الكَاذِبُ عَلَى اللّهِ فَيُكَذَّبُ .

فقال يحيى بن أكثم : ما لابن السكّيت ومناظرته ، وإنّما هو صاحب نحوٍ وشعر ولغة . ورفع قرطاساً فيه مسائل ، فأملى عليّ بن محمّد عليهماالسلام على ابن السكّيت جوابها ، و أمره أن يكتب :سَأَلتَ : عَن قَولِ اللّهِ تَعَالَى : «قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَ_بِ» (2) ، فَهُوَ آصِفُ بنُ بَرخِيا ، وَلَم يَعجِز سُلَيمَانُ عليه السلام عَن مَعرِفَةِ مَا عَرَفَهُ آصِفُ ، وَلَكِنَّهُ ( صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ ) أَحَبَّ أَن يُعَرِّفَ أُمَّتَهُ مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ أَنَّهُ الحُجَّةُ مِن بَعدِهِ ، وَذلِكَ مِن عِلمِ سُلَيمَانَ عليه السلام أَودَعَهُ آصِفَ بِأَمرِ اللّهِ ، فَفَهَّمَهُ ذَلِكَ لِئَلَا يَختَلِفَ عَلَيهِ فِي إِمَامَتِهِ وَوَلايَتِهِ مِن بَعدِهِ ، وَلِتأكُّدِ الحُجَّةِ عَلَى الخَلقِ . وَأَمَّا سُجُودُ يَعقُوبَ عليه السلام لِوَلَدِهِ ، فَإِنَّ السُّجُودَ لَم يَكُن لِيُوسُفَ ، وَإنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِن

.


1- .بَهرَ : أي غلب ( لسان العرب : ج 1 ص 165 ) .
2- .النمل :40 .

ص: 190

يَعقُوبَ وَوُلدِهِ طَاعَةً للّهِِ تَعَالَى وَتَحِيَّةً لِيُوسُفَ عليه السلام ، كَمَا أَنَّ السُّجُودَ مِنَ المَلائِكَهِ لِادَمَ عليه السلام لَم يَكُن لِادَمَ عليه السلام ، فَسُجُودُ يَعقُوبَ عليه السلام وَوُلدِهِ وَيُوسُفَ عليه السلام مَعَهُم كَانَ شُكرَا للّهِِ تَعَالَى بِإِجمَاعِ ( بِاجتِمَاعِ ) شَملِهِم ، أَلَم تَرَهُ يَقُولُ في شُكرِهِ فِي ذَلِكَ الوَقتِ : «رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ» (1) الآيَة . وَأَمَّا قَولُهُ : «فَإِن كُنتَ فِى شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَسْ_ئلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَ_بَ» (2) ، فَإِنَّ المُخَاطَبَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَلَم يَكُن فِي شَكٍّ مِمَّا أُنزِلَ إِلَيهِ ، وَلَكِن قَالَتِ الجَهَلَةُ : كَيفَ لَم يَبعَثِ نَبِيَّا مِنَ المَلائِكَةِ ؟ وَلِمَ لَم يُفَرِّقُ بَينَ نَبِيِّهِ وَبَينَ النَّاسِ فِي الاِستِغنَاءِ عَنِ المَأكَلِ وَالمَشرَبِ وَالمَشيِ فِي الأَسوَاقِ ؟ ، فَأَوحَى اللّهُ إِلَى نَبِيِّهِ : «فَسْ_ئلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَ_بَ» (3) بِمَحضَرِ الجَهَلَةِ ، هَل بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً قَبلَكَ إِلَا وَهُوَ يَأكُلُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ ، وَلَكَ بِهِم أُسوَةٌ يا مُحَمَّدُ . وَإِنَّمَا قَالَ : « فَإِن كُنتَ فِى شَكٍّ» (4) وَلَم يَكُن شَكٌّ ، وَلم يَكُن لِلنَّصَفَةِ كَمَا قَالَ : «قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ» ، وَلَو قَالَ : تَعَالُوا نَبتَهِل فَنَجعَل لَّعنَةَ اللّهِ عَلَيكُم ، لَم يَكُونُوا يُجيبُوا إِلَى المُبَاهَلَةِ ، وَقَد عَلِمَ اللّهُ أَنَّ نَبِيَّهُ مُؤَدٍّ ( يُؤَدِّي ) عَنهُ رِسَالَتَهُ وَمَا هُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ ، وَكَذَلِكَ عَرَفَ النَّبِيُّ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا يَقُولُ ، وَلَكِن أَحَبَّ أَن يُنصِفَ مِن نَفسِهِ . . . فلمّا قرأ ابن أكثم قال للمتوكّل : ما نحبّ أن تسأل هذا الرجل عن شيءٍ بعد مسائلي هذه ، وأنّه لا يُرَدُّ عليه شيء بعدها إلّا دونها ، وفي ظهور علمه تقويةٌ للرافضة . 5

.


1- .يوسف :101 .
2- .يونس : 94 .
3- .يونس :94 .
4- .المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 403 .

ص: 191

226 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن عيسى في تفسير الناصب

226كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن عيسىفي تفسير الناصبفي كتاب مسائل الرجال من مسائل محمّد بن عليّ بن عيسى : ( محمّد بن أحمد بن محمّد بن زياد وموسى بن محمّد ، [ عن محمّد ] بن عليّ بن عيسى (1) ، قال : كتبت إلى الشيخ (2) أعزّه اللّه وأيّده . . . ) ، وكتبت إليه أسألُه عن الناصب هل أحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاد إمامتهما ؟ فرجع الجواب :مَن كَانَ عَلَى هَذَا فَهُوَ نَاصِبٌ . (3)

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 59 .
2- .وسائل الشيعة : كتبت إلى الشيخ ، يعني الهادي عليه السلام .
3- .مستطرفات السرائر : ص68 ح13 ، وسائل الشيعة : ج29 ص133 ح35326 وج9 ص490 ح12559 ، وفيه « عن أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهماالسلام » بدل « الشيخ » ، كلاهما نقلاً عنه ، بحار الأنوار : ج72 ص135 ح18 .

ص: 192

. .

ص: 193

الفصل الخامس : في الزيارة
اشاره

الفصل الخامس: في الزيارة

.

ص: 194

. .

ص: 195

227 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمذاني في قبر فاطمة الزهراء عليهاالسلام
228 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عُقبة في فضل زيارة أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام

227كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمذانيفي قبر فاطمة الزهراء عليهاالسلاموقد ذكر جامع كتاب المسائل وأجوبتها من الأئمّة عليهم السلام فيما سُئل عنه مولانا عليّ بن محمّد الهادي عليه السلام ، فقال فيه ما هذا لفظه : أبو الحسن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (1) قال : كتبت إليه : إن رأيت أن تخبرني عن بيت اُمّك فاطمة عليهاالسلام ، أهي في طَيبة ، أو كما يقول الناس في البقيع ؟ فكتب :هِيَ مَعَ جَدِّي صلى الله عليه و آله . (2)

228كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عُقبةفي فضل زيارة أبي عبد اللّه الحسين عليه السلاممحمّد بن يحيى عن حمدان القلانسيّ ، عن عليّ بن محمّد الحُضَينِيِّ ، عن عليِّ بن عبد اللّه بن مروان ، عن إبراهيمَ بن عُقبَةَ (3) ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسألُه عن زيارة أبي عبد اللّه الحسين ، وعن زيارة أبي الحسن ، وأبي جعفر عليهم السلام أجمعين .

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 7 .
2- .الإقبال بالأعمال الحسنة : ج 3 ص 161 ، بحار الأنوار : ج 100 ص 198 ح 18 نقلاً عنه .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 63 .

ص: 196

229 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفضل البغداديّ

فكتب إليَّ :أَبُو عَبدِاللّهِ عليه السلام المُقَدَّمُ ، وَهَذَا أَجمَعُ وَأَعظَمُ أَجرَاً . (1)

229كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفضل البغداديّمحمّد بن أحمد بن داوود القمّي عن محمّد بن الحسين بن أحمد ، عن عبد اللّه بن جعفر الحِميريّ ، قال : حدّثني محمّد بن الفضل البغداديّ 2 ، قال : كتبت إلى أبي الحسن العسكريّ عليه السلام : جُعلت فداك ، يدخل شهر رمضان على الرجل فيقع بقلبه زيارة الحسين عليه السلام وزيارة أبيك ببغداد ، فيقيم في منزله حتّى يخرج عنه شهر رمضان ثمّ يزورهم ؟ أو يخرج في شهر رمضان ويفطر ؟ فكتب عليه السلام :لِشَهرِ رَمَضانَ مِنَ الفَضلِ وَالأَجرِ مَا لَيسَ لِغَيرِهِ مِنَ الشُّهورِ ، فَإِذَا دَخَلَ فَهُوَ المَأثُورُ . (2)

.


1- .الكافي : ج4 ص583 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص91 ح1 ، عيون أخبار الرضا : ج2 ص261 ح25 ، المقنعة : ص482 ، جامع الأخبار : ص32 ، كتاب المزار : ص190 ح1 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص385 ، روضة الواعظين : ص243 ، كامل الزيارات : ص300 ح11 ، وسائل الشيعة : ج14 ص570 ح19841 ، بحار الأنوار : ج99 ص2 ح7.
2- .تهذيب الأحكام : ج6 ص110 ح198 ، وسائل الشيعة : ج14 ص573 ح19844 ، بحار الأنوار : ج97 ص115 ح23.

ص: 197

230 . كتابه عليه السلام إلى أبي منصور بن عبد المنعم بن النعمان البغداديّ في زيارة

230كتابه عليه السلام إلى أبي منصور بن عبد المنعم بن النعمان البغداديّفي زيارة الشهداء في يوم عاشوراءرويناها بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ رحمة اللّه عليه ، قال : حدّثنا الشيخ أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عيّاش ، قال : حدّثني الشيخ الصالح أبو منصور بن عبد المنعم بن النعمان البغداديّ رحمة اللّه عليه (1) ، قال : خرج من الناحية سنة اثنتين وخمسين ومئتين على يد الشيخ محمّد بن غالب الإصفهانيحين وفاة أبي رحمه الله ، وكنت حديث السنّ ، وكتبت أستأذن في زيارة مولاي أبي عبد اللّه عليه السلام وزيارة الشهداء رضوان اللّه عليهم ، فخرج إليّ منه :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم إِذَا أَردَتَ زِيَارَةَ الشُّهدَاءِ رِضوَانُ اللّهِ عَلَيهِم فَقِف عِندَ رِجلَي الحُسِينِ عليه السلام وَهُوَ قَبرُ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِمَا ، فَاستَقبِل القِبلَةَ بِوَجهِكَ ، فَإِنَّ هُنَاكَ حَومَةُ الشُّهَداءِ ، وَأَومِئ وَأَشِر إِلَى عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليه السلام وَقُل : السَّلامُ عَلَيكَ يَا أَوَّلَ قَتِيلٍ مِن نَسلِ خَيرِ سَلِيلٍ مِن سُلالَةِ إِبرَاهِيمَ الخَلِيلِ ، صَلَّى اللّهُ عَلَيكَ وَعَلَى أَبِيكَ ، إِذ قَالَ فِيكَ : قَتَلَ اللّهُ قَوماً قَتَلُوكَ ، يا بُنيَّ مَا أَجرَأَهُم عَلَى الرَّحمنِ وَعَلى انتِهَاكِ حُرمَةِ الرَّسُولِ ، عَلَى الدُنيَا بَعدَكَ العَفَا (2) ، كَأَنِّي بِكَ بَينَ يَدَيهِ مَاثِلاً وَلِلكَافِرِينَ قَائِلاً : أَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسِينِ بنِ عَلِيٍّ نَحنُ وَبَيتِ اللّهِ أَولَى بِالنَّبِيِّ أَطعَنُكُم بِالرُّمحِ حَتَّى يَنثَنِي أَضرِبُكُم بِالسَّيفِ أَحمِي عَن أَبِي ضَربَ غُلامٍ هَاشِمِيٍّ عَرَبيٍّ وَاللّهِ لا يَحكُمُ فِينَا ابنُ الدَّعِيِّ حَتَّى قَضَيتَ نَحبَكَ ، وَلَقِيتَ رَبَّكَ ، أَشهَدُ أَنَّكَ أَولَى بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ ، وَأَنَّكَ ابنُ رَسُولِهِ ، وَحُجَّتُهُ وَدِينُهُ ، وَابنُ حُجَّتِهِ ، وَأَمينُهُ . حَكَمَ اللّهُ لَكَ عَلَى قَاتِلُكَ مُرَّةَ بنِ مُنقِذِ بنِ النُّعمَانِ العَبدِيِّ _ لَعَنهُ اللّهُ وَأَخزَاهُ _ وَمَن شرَكَهُ فِي قَتلِكَ ، وَكَانُوا عَلَيكَ ظَهِيراً ، أَصلاهُمُ اللّهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَت مَصِيرَاً ، وَجَعَلَنَا اللّهُ مِن مُلاقِيكَ ( مُوافِقِيكَ ) وَمُرافِقِيكَ ، وَمُرافِقِي جَدِّكَ وَأَبِيكَ وَعَمِّكَ وَأَخِيكَ وَأُمِّكَ المُظلُومَةِ ، وَأَبرَأُ إِلَى اللّهِ مِن أَعدَائِكَ أُولِي الجُحُودِ (3) ، وَالسَّلامُ عَلَيكَ وَرَحمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ . السَّلامُ عَلَى عَبدِاللّهِ بنِ الحُسَينِ ، الطِّفلِ الرَّضِيعِ المَرمِيِّ الصَّرِيعِ ، المتَشَحِّطِ دَماً ، المُصَعَّدِ دَمُهُ فِي السَّمَاءِ ، المَذبُوحِ بِالسَّهمِ فِي حِجرِ أَبِيهِ ، لَعَنَ اللّهُ رَامِيَهُ حَرمَلَةَ بنَ كَاهِلٍ الأَسَدِيَّ وَذَويِهِ . السَّلامُ عَلَى عَبدِ اللّهِ بنِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ، مُبلَى البَلاءِ ، وَالمُنادِي بِالوَلاءِ فِي عَرصَةِ كَربَلاءِ ، المَضرُوبِ مُقبِلاً وَمُدبِرَاً ، لَعَنَ اللّهُ قاتِلَهُ هانِيَ بنَ ثُبَيتٍ الحَضرَمِيِّ . السَّلام عَلَى أَبِي الفَضلِ العَبَّاسِ بنِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ، المُواسِي أَخَاهُ بِنَفسِهِ ، الآخِذُ لِغَدِهِ مِن أَمسِهِ ، الفَادِي لَهُ ، الوَاقِي ، السَّاعِي إِلَيه بِمائِهِ ، المَقطوعَةِ يَدَاهُ ، لَعَنَ اللّهُ قَاتِلِيه يَزِيدَ بنَ الرُّقَادِ الحَيتِيّ (4) وَحَكِيمَ بنَ الطُّفَيلِ الطَّائِيَّ . السَّلامُ عَلَى جَعفَرِ بنِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ، الصَّابِر بِنَفسِهِ مُحتَسِباً ، وَالنَّائِي عَنِ الأَوطَانِ مُغتَرِباً ، المُستَسلِمِ لِلقِتَالِ ، المُستَقدِمِ لِلنِّزَالِ ، المَكثُورِ بِالرِّجَالِ ، لَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ هانِيَ بنَ ثُبَيتٍ الحَضرَمِيَّ . السَّلامُ عَلَى عُثمَانَ بنِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ، سَمِيِّ عُثمَانَ بنَ مَظعُونٍ ، لَعَنَ اللّهُ رَامِيَهُ بِالسَّهمِ خَولِيَّ بنَ يَزِيدَ الأَصبَحيَّ الأَيَادِيَّ (5) الدَّارمِيَّ .

.


1- .لم نجد مترجماً بهذا الإسم سوى ما ذكره في قاموس الرجال ( ج 10 ص 169 ) ، وفي أعيان الشيعة نقلاً عن الرياض : « فقيه عالم ، قيل : إنّه من مشايخ الطوسي ، وقد وصفه بالصلاح ودعا له بالرحمة على ما يظهر من كتب ابن طاووس » ، وفيه كلام ؛ لأنّ الشيخ يروى عنه بالواسطة . . . فلعلّ المراد أنّه من مشايخه بالواسطة ( أعيان الشيعة : ج2 ص436 ) .
2- .العفا : أي درس لم يبق منها أثر .
3- .وزاد في هامش المصدر : « وأبرأ إلى اللّه من قاتليك ، وأسأل اللّه مرافقتك في دار الخلود ) .
4- .وفي البحار : «الجهنيّ» بدل «الحيتيّ» .
5- .في البحار : «الأبانيّ الداريّ» .

ص: 198

السَّلامُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ، قَتِيلِ الأَيَادِيِّ (1) الدَّارمِيِّ ، لَعَنَهُ اللّهُ وَضَاعَفَ عَلَيهِ العَذَابَ الأَلِيمَ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلَيكَ يا مُحَمَّدُ وَعَلَى أَهلِ بَيتِكَ الصَّابِرِينَ . السَّلامُ عَلَى أَبِي بَكرٍ بنِ الحَسَنِ الزَّكيِّ الوَليِّ ، المَرمِيِّ بِالسَّهمِ الرَّدِيِّ ، لَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ عَبدَ اللّهِ بنَ عُقَبَةَ الغَنَوِيَّ . السَّلامُ عَلَى عَبدِ اللّهِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ الزَّكِيِّ ، لَعَنَ اللّهُ قاتِلَهُ ورَامِيَهُ حَرمَلَةَ بنَ كَاهِلِ الأَسَدِيَّ . السَّلامُ عَلَى القَاسِمِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ ، المَضرُوبِ عَلَى هَامَتِهِ ، المَسلُوبِ لامَتُهُ ، حِينَ نَادَى الحُسِينَ عَمَّهُ ، فَجَلَى عَلَيهِ عَمُّهُ كَالصَّقرِ ، وَهُوَ يَفحَصُ بِرِجلَيهِ التُّرابَ ، وَالحُسَينُ يَقُولُ : بُعدَاً لِقَومٍ قَتَلُوكَ ، وَمَن خَصمُهُم يَومَ القِيامَة جَدُّكَ وَأَبُوكَ . ثُمَّ قَالَ : عَزَّ وَاللّهِ عَلَى عَمِّكَ أَن تَدعُوَهُ فَلا يُجِيبُكَ ، أَو أَن يُجِيبَكَ وَأَنتَ قَتِيلٌ جَدِيلٌ فَلا يَنفَعُكَ ، هَذَا وَاللّهِ يَومٌ كَثُرَ وَاتِرُهُ ، وَقَلَّ نَاصِرُهُ ، جَعَلَنِي اللّهُ مَعَكُما يَومَ جَمعِكُما ، وَبَوَّأَنِي مُبَوَّأَكُمَا ، وَلَعَنَ اللّهُ قَاتِلَكَ عُمَرَ بنَ سَعدِ بنِ عُروَةَ بنِ نُفَيلٍ الأَزدِيَّ ، وَأَصلَاهُ جَحِيماً وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً أَلِيماً . السَّلامُ عَلَى عَونِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ الطَّيَّارَ فِي الجِنَانِ ، حَلِيفِ الإِيمَانِ ، وَمُنازِلِ الأَقرَانِ ، النَّاصِحِ لِلرَّحمنِ ، التَّالِي لِلمَثَانِي وَالقُرآنِ ، لَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ عَبدَ اللّهِ بنَ قُطبَةَ (2) البَهبَهانِيَّ . السَّلامُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ الشَّاهِدِ مَكَانَ أَبِيهِ ، وَالتَّالِي لِأَخِيهِ ، وَوَاقِيهِ بِبَدَنِهِ ، لَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ عَامِرَ بنَ نَهشَلٍ التَّمِيمِيَّ . السَّلامُ عَلَى جَعفَرِ بنِ عَقَيلٍ ، لَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ وَرَامِيهُ بِشرَ بنَ خُوطٍ (3) الهَمدَانِيَّ . السَّلامُ عَلَى عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَقِيل ، لَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ وَرَامِيَهُ عُمَيرَ (4) بنَ خالِدِ بنِ

.


1- .في البحار : «الأبانيّ الداريّ» .
2- .وفي هامش المصدر : «قطية» بدل «قطبة».
3- .في البحار : «حوط» .
4- .وفي هامش المصدر : « عمر » بدل « عمير » ، وفي البحار : « عثمان بن خالد بن أشيم » .

ص: 199

أَسَدِ الجُهَنِيَّ . السَّلامُ عَلَى القَتِيلِ بنِ القَتِيلِ عَبدِ اللّهِ بنِ مُسلِمِ بنِ عَقَيلٍ ، وَلَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ عَامِرَ بنَ صَعصَعَةَ ، وَقِيلَ : أَسَدَ (1) بنَ مَالِكٍ . السَّلامُ عَلَى عُبَيدِ اللّهِ بنِ مُسلِمِ بنِ عَقِيلٍ ، وَلَعَنَ اللّهُ قاتِلَهُ وَرَامِيَهُ عَمرُو بنَ صُبَيحٍ الصَّيدَاوِيَّ . السَّلامُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ أَبِي سَعِيدِ بنِ عَقِيلٍ ، وَلَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ لَقِيطَ بنَ ناشِرٍ الجُهَنِيَّ . السَّلامُ عَلَى سُلَيمَانَ مَولَى الحُسِينِ بنِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ، وَلَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ سُلَيمانَ بنَ عَوفٍ الحَضرَمِيَّ . السَّلامُ عَلَى قَارِبٍ ، مَولَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ . السَّلامُ عَلَى مُنجِحٍ ، مَولَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ . السَّلامُ عَلَى مُسلِمِ بنِ عَوسَجَةٍ الأَسَدِيِّ ، القَائِلُ لِلحُسَينِ وَقَد أَذِنَ لَهُ فِي الانصِرَافِ : أَنَحنُ نُخَلِّي عَنكَ ؟ وَبِمَ نَعتَذِرُ عِندَ اللّهِ مِن أَدَاءِ حَقِّكَ ؟ لا وَاللّهِ حَتَّى أَكسِرَ فِي صُدُورِهِم رُمحِي هَذَا ، وَأَضرِبَهُم بِسَيفِي مَا ثَبَتَ قَائِمُهُ فِي يَدِي ، وَلا أُفارِقُكَ ، وَلَو لَم يَكُن مَعِي سِلاحٌ أُقاتِلُهُم بِهِ لَقَذَفتُهُم بِالحِجَارَةِ ، وَلَم أُفارِقُكَ حَتَّى أَموتَ مَعَكَ ؛ وَكُنتَ أَوَّلَ مَن شَرَى نَفسَهُ ، وَأَوَّلَ شَهِيدٍ شَهِدَ للّهِ ، وَقَضَى نَحبَهُ ، بِرَبِّ الكَعبَةِ . شَكَرَ اللّهُ استِقدَامَكَ وَمُوَاسَاتَكَ إِمَامَكَ ، إِذَا مَشَى إِلَيكَ وَأَنتَ صَرِيعٌ ، فَقَالَ : يَرحَمُكَ اللّهُ يا مُسلِمَ بنَ عَوسَجَةَ ، وَقَرَأ : « فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً » (2) ، لعَنَ اللّهُ المُشتَرِكِينَ فِي قَتلِكَ : عَبدَ اللّهِ الضَّبَابِيَّ وَعَبدَ اللّهِ بنَ

.


1- .وفي هامش المصدر : «أسيد» بدل «أسد» .
2- .الأحزاب: 23 .

ص: 200

خُشكَارَةَ (1) البَجَلِيَّ . (2) السَّلامُ عَلَى سَعدِ بنِ عَبدِ اللّهِ الحَنَفِيِّ ، القَائِلِ لِلحُسَينِ عليه السلام وَقَد أَذِنَ لَهُ فِي الانصِرَافِ : لا وَاللّهِ لا نُخَلِّيكَ حَتَّى يَعلَمَ اللّهُ أَنَّا قَد حَفِظنَا غَيبَةَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِيكَ ، وَاللّهِ لَو أَعلَمُ أَنِّي أُقتَلُ ثُمَّ أُحيَا ثُمَّ أُحرَقُ ثُمَّ أُذرَى ، وَيُفعَلُ بِي ذَلِكَ سَبعِينَ مَرَّةً مَا فَارَقتُكَ ، حَتّى أَلقَى حِمامِي دُونَكَ ، وَكَيفَ لا أَفعَلُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ مَوتَةٌ أَو قَتلَةٌ وَاحِدَةٌ ، ثُمَّ هِيَ بَعدَهَا الكَرامَةُ الَّتِي لا انقِضَاءَ لَها أَبَدَاً ، فَقَد لَقِيتَ حِمامَكَ وَوَاسَيتَ إِمَامَك ، وَلَقِيتَ مِنَ اللّهِ الكَرامَةَ فِي دَارِ المَقامَةِ ، حَشَرَنا اللّهُ مَعَكُم فِي المُستَشهَدِينَ ، وَرَزَقَنَا مُرَافَقَتَكُم فِي أَعلَى عِلِّيِّينَ . السَّلامُ عَلَى بِشرِ بنِ عُمَرَ الحَضرَمِيِّ ، شَكَرَ اللّهُ لَكَ قَولَكَ لِلحُسَينِ عليه السلام وَقَد أَذِنَ لَكَ فِي الانصِرَافِ : أَكَلَتنِي إِذَن السِّبَاعُ حَيَّاً إِن فَارَقتُكَ ، وَأَسأَلُ عَنكَ الرُّكبَانَ وَأَخذُلُكَ مَعَ قِلَّةِ الأَعوَانِ ، لا يَكُونُ هَذَا أَبَدَاً . السَّلامُ عَلَى يَزِيدَ بنِ حُصَينٍ الهَمَدَانِيِّ المَشرِقِيِّ (3) القَارِي ، المُجَدَّلِ بِالمَشرَفِيِّ . السَّلامُ عَلَى عمَرَ بن أَبِي كَعب الأَنصَارِيِّ . السَّلامُ عَلَى نُعِيمَ بنِ العَجلانَ الأَنصَارِيِّ . السَّلامُ عَلَى زُهَيرِ بنِ القَينِ البَجَلِيِّ ، القَائِلُ لِلحُسَينِ وَقَد أَذِنَ لَهُ فِي الانصِرَافِ : لا وَاللّهِ لا يَكونُ ذَلِكَ أَبَدَاً ، أَترُكُ ابنَ رَسُولِ اللّهِ أَسِيرَاً فِي يَدِ الأَعدَاءِ وَأَنجُو! لا أَرَانِيَ اللّهُ ذَلِكَ اليوَمَ . السِّلامُ عَلَى عَمرُو ( عمير ) بنِ قُرظَةَ الأَنصَارِيِّ . السَّلامُ عَلَى حَبِيبِ بنِ مَظاهِرٍ الأَسَدِيِّ . السَّلامُ عَلَى الحُرِّ بنِ يَزِيدَ الرِّياحِيِّ .

.


1- .وفي هامش المصدر : «خسكارة» بدل «خشكارة» .
2- .وزاد في البحار : مسلم بن عبد الضبابيّ .
3- .وفي هامش المصدر : «المشرفيّ» بدل «المشرقيّ» .

ص: 201

السَّلامُ عَلَى عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَيرٍ الكَلبِيِّ . السَّلامُ عَلَى نَافِعِ بنِ هِلالِ بنِ نَافِعٍ البَجَلِيِّ المُرادِيِّ . السَّلامُ عَلَى أنَسَ بنِ كَاهِلٍ الأَسَدِيِّ . السَّلامُ عَلَى قَيسِ بنِ مُسهِرٍ الصَّيدَاوِيِّ . السَّلامُ عَلَى عَبدِ اللّهِ وَعَبدِ الرَّحمنِ ابنَي عُروَةَ بنِ حَرَاقٍ الغَفَارِيَّينِ . السَّلامُ عَلَى جَونِ ( عَونِ ) بنِ حَرِيِّ مَولَى أَبِي ذَرِّ الغَفارِيِّ . السَّلامُ عَلَى شَبِيبِ بنِ عَبدِ اللّهِ النَّهشَلِيِّ . السَّلامُ عَلَى الحَجَّاجِ بنِ يَزِيدٍ السَّعدِيِّ . السَّلامُ عَلَى قَاسِطٍ وَ كَرِشٍ ( كَردُوسِ ) ابنَي ظُهَيرٍ ( زُهَيرٍ ) التَّغلِبيَّينِ . السَّلامُ عَلَى كَنانَةَ بنِ عَتِيقٍ . السَّلامُ عَلَى ضِرغَامَةَ بنِ مَالِكٍ . السَّلامُ عَلَى حُوَيِّ بنِ مَالِكٍ الضَّبعِيِّ . السَّلامُ عَلَى عُمَرَ بنِ ضُبَيعَة الضَّبَعِيِّ . السَّلامُ عَلَى زَيدِ بنِ ثُبَيتٍ القَيسِيِّ . السَّلامُ عَلَى عَبدِ اللّهِ وَعُبَيدِ اللّهِ ابنَي زَيدِ بنِ ثُبَيتٍ ( ثُبَيطٍ ) القَيسِيِّ . السَّلامُ عَلَى عَامِرِ بنِ مُسلِمٍ . السَّلامُ عَلَى قَعنَبِ بنِ عَمروٍ التَّمرِيِّ . السَّلامُ عَلَى سَالِمٍ مَولَى عَامِرِ بنِ مُسلِمٍ . السَّلامُ عَلَى سَيفِ بنِ مَالِكٍ . السَّلامُ عَلَى زُهَيرِ بنِ بِشرٍ الخَثعَمِيِّ . السَّلامُ عَلَى زَيدِ بنِ ( بَدرِ بنِ ) مَعقَلٍ الجُعفِيِّ . السَّلامُ عَلَى الحَجَّاجِ بنِ مَسرُوقٍ الجُعفِيِّ . السَّلامُ عَلَى مَسعُودِ بنِ الحَجَّاجِ وَابنِهِ . السَّلامُ عَلَى مُجَمَّعِ بنِ عَبدِ اللّهِ العَائِذِيِّ .

.

ص: 202

السَّلامُ عَلَى عَمَّارِ بنِ حَسَّانِ بنِ شَرِيحٍ الطَّائِيِّ . السَّلامُ عَلَى حَيَّانِ ( حَبَابِ ) بنِ الحَارِثِ السَّلمَانِيِّ الأَزدِيِّ . السَّلامُ عَلَى جُندَبِ بنِ حُجرٍ الخَولانِيِّ . السَّلامُ عَلَى عُمَرَ بنِ خَالِدٍ الصَّيدَاوِيِّ . السَّلامُ عَلَى سَعِيدٍ مَولاهُ . السَّلامُ عَلَى يَزِيدَ بنِ زِيَادِ بنِ المُهَاجِرِ ( المُظَاهِرِ ) الكِندِيِّ . السَّلامُ عَلَى زَاهِرِ ( زَاهِدٍ ) مَولَى عَمرِو بنِ الحَمقِ الخُزَاعِيِّ . السَّلامُ عَلَى جَبَلَةَ بنِ عَلِيٍّ الشَّيبَانِيِّ . السَّلامُ عَلَى سَالِمٍ مَولَى ابنِ المَدَنيَّةِ الكَلبِيِّ . السَّلامُ عَلَى أَسلَمَ بنِ كَثِيرٍ الأَزدِيِّ الأَعرَجِ . السَّلامُ عَلَى زُهَيرِ بنِ سُلَيمٍ الأَزدِيِّ . السَّلامُ عَلَى قَاسِمِ بنِ حَبِيبٍ الأَزدِيِّ . السَّلامُ عَلَى عُمَرَ بنِ جُندَبٍ ( الأحدوث ) الحَضرَمِيِّ . السَّلامُ عَلَى أَبِي ثُمَامَة ( تمامة ) عُمَرَ بنِ عَبدِ اللّهِ الصَّائِدِيِّ . السَّلامُ عَلَى حَنظَلَةَ بنِ أَسعَدٍ الشَّبَامِيِّ ( الشَّيبَانِيِّ ) . السَّلامُ عَلَى عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ الكَدِرِ الأَرحَبِيِّ . السَّلامُ عَلَى ( أَبِي ) عَمَّارِ بنِ أَبِي سَلامَةَ الهَمدَانِيِّ . السَّلامُ عَلَى عَابِسِ بنِ شَبِيبِ الشَّاكِرِيِّ . السَّلامُ عَلَى شَوذَبٍ مَولَى شَاكِرٍ . السَّلامُ عَلَى شَبِيبِ بنِ الحَارِثِ بنِ سَرِيعٍ . السَّلامُ عَلَى مَالِكِ بنِ عَبدِ بنِ سَرِيعٍ . السَّلامُ عَلَى الجَريِحِ المَأسُورِ سَوَّارِ بنِ أَبِي حِميَرٍ ( خير ) الفَهمِيِّ الهَمدَانِيِّ .

.

ص: 203

السَّلامُ عَلَى المُرَثَّب ( المُرَتَّبِ ) مَعَهُ عَمرِو بنِ عَبدِ اللّهِ الجَندَعِيِّ . السَّلامُ عَلَيكُم يَا خَيرَ أَنصَارٍ . السَّلامُ عَلَيكُم بِمَا صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَى الدَّارِ ، بَوَّأَكُمُ اللّهُ مُبَوَّأ الأَبرَارِ ، أَشهَدُ لَقَد كَشَفَ اللّهُ لَكُم الغِطَاءِ ، وَمَهَّدَ لَكُم الوِطَاءَ ، وَأَجزَلَ لَكُم العَطَاءَ ، وَكُنتُم عَنِ الحَقِّ غَيرَ بِطَاءٍ ، وَأَنتُم لَنَا فُرَطَاءُ ، وَنَحنُ لَكُم خُلَطَاءُ فِي دَارِ البَقَاءِ ، وَالسَّلامُ عَلَيكُم وَرَحَمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ . (1)

.


1- .إقبال الأعمال : ج3 ص73 ، بحار الأنوار : ج45 ص64 وج101 ص269 ح1 ، راجع : المزار الكبير : ص485 ح8 ، مصباح الزائر : ص278 .

ص: 204

بي_ان

بي_ان :قال العلّامة المجلسي رحمه الله : هذه الزيارة أوردها المفيد والسيّد في مزاريهما ، وغيرهما ، بحذف الاسناد في زيارة عاشورا ، وكذا قال مؤلّف المزار الكبير ؛ زيارة الشهداء_ رضوان اللّه عليهم _ في يوم عاشورا : أخبرني الشريف أبو الفتح محمّد بن محمّد الجعفري أدام اللّه عزّه عن الفقيه عماد الدين محمّد بن أبي القاسم الطبري ، عن الشيخ أبي عليّ الحسن بن محمّد الطوسي ، وأخبرني عاليا الشيخ أبو عبد اللّه الحسين بن هبة اللّه بن رطبة ، عن الشيخ أبي عليّ ، عن والده أبي جعفر الطوسي ، عن الشيخ محمّد بن أحمد بن عيّاش ، وذكر مثله سواء ، وإنّما أوردناها في الزيارات المطلقة لعدم دلالة الخبر على تخصيصه بوقتٍ من الأوقات . واعلم إنّ في تاريخ الخبر إشكالاً ؛ لتقدّمها على ولادة القائم عليه السلام بأربع سنين ، لعلّها كانت اثنتين وستّين ومئتين ، ويُحتمل أن يكون خروجه عن أبي محمّد العسكريّ عليه السلام . انتهى كلام العلّامة المجلسي رحمه الله . قال العلّامة المحقّق المتتبّع السيّد موسى الزنجاني : إنّ الزيارة خرجت عن الهادي عليه السلام ؛ لأنّ تاريخ كتابة هذا الكتاب على ما في نفس الحديث هو سنة اثنتين وخمسين ومئتين ، وهذه السنة زمن إمامة الإمام الهادي عليه السلام ؛ لأنّه عليه السلام قُبض سنة أربع وخمسين ومئتين . والعجب أنّ المحقّق التستري أيضاً في قاموس الرجال اشتبه عليه الأمر كالعلّامة المجلسي رحمه الله .

.

ص: 205

الفصل السادس : في الدعاء
اشاره

الفصل السادس: في الدعاء

.

ص: 206

. .

ص: 207

231 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بصير ( نصر ) في دعاء جامع للدنيا والآخرة

231كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بصير ( نصر )في دعاء جامع للدنيا والآخرةمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى وعِدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعاً ، عن عليّ بن زياد (1) ، قال : كتب عليّ بن بصير (2) يسأله أن يكتب له في أسفل كتابه دعاءً يُعلّمه إيّاه ، يدعو به فيعصم به من الذنوب ، جامعاً للدّنيا والآخرة . فكتب عليه السلام بخطّه :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم يا مَن أَظهَرَ الجَمِيلَ وَسَتَرَ القَبِيحَ وَلَم يَهتِكِ السِّترَ عَنِّي ، يَا كَرِيمَ العَفوِ ، يا حَسَنَ التَّجَاوُزِ ، يا وَاسِعَ المَغفِرَةِ ، يا بَاسِطَ اليَدَينِ بِالرَّحمَةِ ، يَا صَاحِبَ كُلِّ نَجوَى ، وَيا مُنتَهَى كُلِّ شَكوَى ، يا كَرِيمَ الصَّفحِ ، يا عَظِيمَ المَنِّ ، يا مُبتَدِئ كُلِّ نِعمَةٍ قَبلَ استِحقَاقِهَا ، يا رَبَّاه يا سَيِّدَاه ، يا مَولاه يا غِيَاثَاه ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَسألُكَ أَن لا تَجعَلَنِي فِي النَّارِ .

.


1- .عليّ بن زياد الصميريّ . الخبر كان مضمرة ، وعدّه الشيخ من أصحاب الهادي عليه السلام ( رجال الطوسي : ص 388 الرقم 5714 ) .
2- .في بعض النسخ عليّ بن نصير ، الرجل لم نجد له ترجمة في المصادر الرجاليّة ولا الروائيّة ولعلّه عليّ بن نصر [ الغاب ] الّذي عدّه الشيخ والبرقي من أصحاب مولانا الجواد عليه السلام ( رجال الطوسي : ص 377 الرقم 5576 ، رجال البرقي : ص 57 ) . وفي فلاح السائل : « عليّ بن نصر » بدل « عليّ بن بصير » .

ص: 208

232 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الريّان
233 . كتابه عليه السلام إلى سهل بن زياد

ثُمَّ تسأل ما بدا لك (1) . (2)

232كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الريّانمحمّد بن الريّان (3) قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله أن يعلّمني دعاءً للشدائد والنوازل والمهمّات وقضاء حوائج الدنيا والآخرة ، وأن يخصّني كما خصّ آباؤه مواليهم ؟ فكتب إليّ :الزَم الاستِغفَارَ . (4)

233كتابه عليه السلام إلى سهل بن زيادسهل بن زياد قال : كتب إليه _ أي أبي الحسن الهادي عليه السلام _ بعض أصحابنا يسأله أن يعلّمه دعوةً جامعةً للدنيا والآخرة؟ فكتب عليه السلام :أَكثِر مِنَ الاستِغفَارِ وَالحَمدِ ، فَإِنَّكَ تُدرِكَ بِذَلِكَ الخَيرَ كُلَّهُ . (5)

.


1- .الكافي : ج2 ص578 ح4 ، فلاح السائل : ص345 ح231 وفيه «غايتاه» بدل « غياثاه » ، بحار الأنوار : ج87 ص79 ح3 نقلاً عنه وفيه : « أقول : وهذه ألفاظ هذا الدعاء نقلته من نسخة قد كانت للشّيخ أبي جعفر الطوسي وعليها خطّ أبي عبد اللّه الحسين بن أحمد بن عبيد اللّه ، تاريخه صفر سنة إحدى عشرة وأربعمئة ، وقد قابلها جدّي أبو جعفر الطوسي وأحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد اللّه وصحّحاها » .
2- .قد ذكر هذه المكتوبة في مكاتيب الامام الجواد عليه السلام ، وأوردها هنا لاحتمال هذه المكتوبة للإمام الهادي عليه السلام ؛ لأنّه ليس قرينة على ترجيح أحدهما عليهماالسلام ، مع روايته عن الرضا وأبي جعفر الثاني وأبي الحسن الثالث عليهم السلام .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 12 .
4- .الدعوات للراوندي : ص49 ح120 ، بحار الأنوار : ج93 ص283 نقلاً عنه .
5- .الدرّ النظيم : ص732 .

ص: 209

234 . كتابه عليه السلام إلى اليسع بن حمزة القمّي في الكرب والخوف

234كتابه عليه السلام إلى اليسع بن حمزة القمّيفي الكرب والخوفمحمّد بن جعفر بن هشام الأصبغيّ قال : أخبرني اليسع بن حمزة القمّي 1 ، قال : أخبرني عمرو بن مسعدة وزير المعتصم الخليفة : أنّه جاء عليّ بالمكروه الفظيع حتّى تخوّفته على إراقة دمي وفقر عقبي ، فكتبت إلى سيّدي أبي الحسن العسكريّ عليه السلام أشكو إليه ما حلّ بي . فكتب إليّ :لا رَوعَ إِلَيكَ وَلا بَأسَ ، فَادعُ اللّهَ بِهَذِهِ الكَلِمَاتِ يُخَلِّصكَ اللّهُ وَشِيكاً بِهِ مِمّا وَقَعَتَ فِيهِ ، وَيَجعَل لَكَ فَرَجاً ، فَإِنَّ آلَ مُحَمَّدٍ يَدعُونَ بِهَا عِندَ إِشرَافِ البَلاءِ وَظُهُورِ الأَعدَاءِ ، وَعِندَ تَخَوُّفِ الفَقرِ وَضِيقِ الصَّدرِ .

قال اليسع بن حمزة : فدعوت اللّه بالكلمات الّتي كتب إليّ سيّدي بها في صدر النهار ، فواللّه ما مضى شطره حتّى جاءني رسول عمرو بن مسعدة ، فقال لي : أجب الوزير . نهضت ودخلت عليه ، فلمّا بصر بي تبسّم إليّ وأمر بالحديد ففُكّ عنّي وبالأغلال فحُلّت منّي ، وأمرني بخلعة من فاخر ثيابه ، وأتحفني بطيبٍ ، ثمّ أدناني وقرّبني، وجعل يحدّثني ويعتذر إليّ، وردّ عليّ جميع ماكان استخرجه منّي، وأحسن رفدي ، وردّني إلى الناحية الّتي كنت أتقلّدها ، وأضاف إليها الكورة الّتي تليها .

.

ص: 210

235 . كتابه عليه السلام إلى حمران لاحتباس البول

قال : وكان الدعاء :يا مَن تَحَلُّ بِأَسمَائِهِ عُقَدَ المَكَارِهِ ، وَيا مَن يُفَلُّ بِذِكرِهِ حَدُّ الشَّدَائِدِ ، وَيا مَن يُدعَى بِأَسمَائِهِ العِظَامِ مِن ضِيقِ المَخرَجِ إِلَى مَحَلِّ الفَرَجِ ، ذَلَّت لِقُدرَتِكَ الصِّعَابُ ، وَتَسَبَّبَت بِلُطفِكَ الأَسبَابُ ، وَجَرَى بِطَاعَتِكَ القَضَاءُ ، وَمَضَت عَلَى ذِكرِكَ الأَشيَاءُ فَهِيَ بِمَشيَّتِكَ دُونَ قَولِكَ مُؤتَمِرَةٌ ، وَبِإرَادَتِكَ دُونَ وَحيِكَ مُنزَجِرَةٌ ، وَأَنتَ المَرجُوُّ لِلمُهِمَّاتِ ، وَأَنتَ المَفزَعُ لِلمُلِمَّاتِ ، لا يَندَفِعُ مِنهَا إِلَا مَا دَفَعتَ ، وَلا يَنكَشِفُ مِنهَا إِلَا مَا كَشَفتَ ، وَقَد نَزَلَ بِي مِنَ الأَمرِ مَا فَدَحَنِي ثِقلُهُ ، وَحَلَّ بِي مِنهُ ما بَهَظَنِي حَملُهُ ، وَبِقُدرَتِكَ أَورَدتَ عَلَيَّ ذَلِكَ ، وَبِسُلطَانِكَ وَجَّهتَهُ إِلَيَّ ، فَلا مُصدِرُ لِمَا أَورَدتَ ، وَلا مُيَسِّرَ لِمَا عَسَّرتَ ، وَلا صارِفَ لِمَا وَجَّهتَ ، وَلا فَاتِحَ لِمَا أَغلَقتَ ، وَلا مُغلِقَ لِمَا فَتَحتَ ، وَلا نَاصِرَ لِمَن خَذَلتَ إلَا أَنتَ . صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَافتَح لِي بَابَ الفَرَجِ بِطُولِكَ ، وَاصرِف عَنِّي سُلطَانَ الهَمِّ بِحَولِكَ ، وَأَنِلِني حُسنَ النَظَرِ فِي مَا شَكَوتُ ، وَارزُقِني حَلاوَةَ الصُّنع فِيمَا سَألتُكَ ، وَهَب لِي مِن لَدُنكَ فَرَجاً وَحِيَّاً ، وَاجعَل لِي مِن عِندِكَ مَخرَجاً هَنِيئاً ، وَلا تَشغَلنِي بِالاهتِمَامِ عَن تَعاهُدِ فَرَائِضِكَ وَاستِعمَالِ سُنَّتِكَ ، فَقَد ضِقُت بِمَا نَزَلَ بِي ذَرعاً ، وَامتَلأتُ بِحَملِ ما حَدَثَ عَلَيَّ جَزعاً ، وَأَنتَ القَادِرُ عَلَى كَشفِ ما بُليتُ بِهِ وَدَفَعِ ما وَقَعتُ فِيهِ ، فَافعَل ذَلِكَ بِي وَإنِ كُنتُ غَيرَ مُستَوجِبِهِ مِنكَ ، يا ذَا العَرشِ العَظِيمِ ، وَذَا المَنِّ الكَرِيمِ ، فَأَنتَ قَادِرٌ يا أَرحَمَ الرَّاحِمِين ، آمِينَ رَبَّ العَالِمَينَ . (1)

235كتابه عليه السلام إلى حمرانلاحتباس البولعن حمران (2) قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام : جُعلت فداك ، قِبَلي رجلٌ من

.


1- .مهج الدعوات : ص324 ، بحار الأنوار : ج50 ص224 ح12 وج92 ص229 ح27 نقلاً عنه .
2- .حمران : لم يذكروه بهذا العنوان من أصحاب أبي الحسن الثالث عليه السلام ، لا في الرجال ولا في الأخبار .

ص: 211

236 . كتاب له عليه السلام في صبيّ يشتكي ريح اُمّ الصبيان
237 . كتاب له عليه السلام في مطلق الدعاء

مواليك به حصر البول ، وهو يسألك الدعاء أن يلبسه اللّه عز و جل العافية ، واسمه نفيس الخادم . فأجاب :كَشَفَ اللّهُ ضُرَّكَ وَدَفَعَ عَنكَ مَكَارِهَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، فَأَلِحَّ عَلَيهِ بِالقُرآنِ ، فَإِنَّهُ يَشفَى إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . (1)

236كتاب له عليه السلامفي صبيّ يشتكي ريح اُمّ الصبيانوكان بعضهم كتب إلى أبي الحسن العسكريّ عليه السلام في صبيٍّ له يشتكي ريح اُمّ الصبيان ، فقال : اكتُب فِي وَرَقٍ (2) وَعَلِّقهُ عَلَيهِ ، ففعل فعوفي بإذن اللّه ، والمكتوب هذا :بِسمِ اللّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ الحَلِيمِ الكَرِيمِ القَدِيمِ ، الَّذِي لا يَزُولُ ، أَعُوذُ بِعِزَّةِ الحَيِّالَّذِي لا يَمُوتُ مِن شَرِّ كُلِّ حَيٍّ يَمُوتُ . (3)

237كتاب له عليه السلامفي مطلق الدعاءروى ابن عيّاش عن محمّد بن أحمد الهاشميّ المنصوريّ ، عن أبيه ، عن أبي موسى ، عن سيّدنا أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهماالسلام : إنّه كان يدعو في هذه الساعة به ، فادعُ بهذا ، فإنّه خرج عن العسكريّ عليه السلام في قول ابن عيّاش :يا نُورَ النُّورِ ، يا مُدَبِّرَ الأُمُورِ ، يا مُجرِيَ البُحُورِ ، يا بَاعِثَ مَن فِي القُبُورِ ، يا كَهفِي

.


1- .مكارم الأخلاق : ج 2 ص 215 ح 2536 ، بحار الأنوار : ج 95 ص 106 ح 2 .
2- .و في البحار : «رق» بدل «ورق» .
3- .الدعوات للراوندي : ص 209 ح 554 ، بحار الأنوار : ج 95 ص 151 ح 12 نقلاً عنه .

ص: 212

238 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن سعيد

حِينَ تُعِييني المَذاهِبُ ، وَكَنزِي حِينَ تُعجِزُنِي المَكاسِبُ ، وَمُونِسِي حِينَ تَجفُونِي الأَبَاعِدُ ، وَ تَمُلُّنِي الأَقَارِبُ ، وَمُنَزِّهِي بِمُجَالَسَةِ أَولِيَائِهِ وَمُرافَقَةِ أَحِبَّائِهِ فِي رِيَاضِهِ ، وَسَاقِيَّ بِمُؤَانَسَتِهِ مِن نَمِيرِ (1) حِيَاضِهِ ، وَرَافِعِي بِمُجاوَرَتِهِ مِن وَرطَةِ الذُّنُوبِ إِلَى رَبوَةِ (2) التَّقرِيبِ ، وَمُبَدِّلِي بِوَلايَتِهِ عِزَّةَ العَطَايَا مِن ذِلَّةِ الخَطَايَا . أَسأَلُكَ يا مَولايَ بِالفَجرِ وَاللَّيَالِي العَشرِ وَالشَّفعِ وَالوَترِ وَاللَّيلِ إِذَا يَسرِ ، وَبِمَا جَرَى بِهِ قَلَمُ الأَقلامِ بِغَيرِ كَفٍّ وَلا إِبهَامٍ ، وَبِأَسمَائِكَ العِظَامِ ، وَبِحُجَجِكَ عَلَى جَمِيعِ الأَنَامِ ، عَلَيهِم مِنكَ أَفضَلُ السَّلامِ ، وَبِمَا استَحفَظتَهُم مِن أَسمَائِكَ الكِرَامِ ، أَن تُصَلِّيَ عَلَيهِم وَتَرحَمَنَا فِي شَهرِنَا هَذَا وَمَا بَعدَهُ مِنَ الشُّهُورِ وَالأَيَّامِ ، وَأَن تُبلِّغَنَا شَهرَ القِيَامِ (3) فِي عَامِنَا هَذَا وَفِي كُلِّ عَامٍ ، يا ذَا الجَلالِ وَالإِكرَامِ وَالمِنَنِ الجِسَامِ ، وَعَلَى مُحَمَّدٍوَآلِهِ مِنّا أَفضَلُ السَّلامِ . (4)

238كتابه عليه السلام إلى الحسين بن سعيدمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين (5) ، قال : سألتُ أبا الحسن عليه السلام دعاءً وأنا خلفه . فقال :اللَّهُمَّ إِنِّي أسأَلُكَ بِوَجهِكَ الكَرِيمِ ، وَاسمِكَ العَظِيمِ ، وَبِعِزَّتِكَ الَّتِي لا تُرَامُ ، وَبِقُدرَتِكَ الَّتي لا يَمتَنِعُ مِنهَا شَيءٌ ، أَن تَفعَلَ بِي كَذَا وَ كَذَا .

.


1- .النمير : الزاكي من الماء .
2- .الربوة : المكان المرتفع .
3- .في الإقبال : « الصيام » بدل « القيام » .
4- .مصباح المتهجّد : ص 800 ، الإقبال بالأعمال الحسنة : ج 3 ص 188 ، المصباح للكفعمي : ص 78 ، بحار الأنوار : ج 98 ص 382 .
5- .المراد به : « الحسين بن سعيد » ، اُنظر ترجمته في الرقم 177 .

ص: 213

239 . كتابه عليه السلام إلى داوود الصرميّ في ذكر الحوائج

قال : و كتب إليّ رقعةً بخطّه : قُل : يا مَن عَلا فَقَهَرَ ، وَبَطَنَ فَخَبَرَ ، يا مَن مَلَكَ فَقَدَرَ ، وَيا مَن يُحيِي المَوتَى وَهُوَعَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَافعَل بِي كَذَا وَكَذَا . ثُمَّ قُل : يا لا إِله إِلَا اللّهُ ارحَمنِي ، بِحَقِّ لا إِله إِلَا اللّهُ ارحَمنِي . وكتب إليَّ في رقعةٍ اُخرى يأمرني أن أقول : اللَّهُمَّ ادفَع عَنِّي بِحَولِكَ وَقُوَّتِكَ ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسأَلُكَ فِي يَومِي هذا وَشَهرِي هَذَا وَعَامِي هَذَا بَرَكَاتِكَ فِيهَا ، وَمَا يَنزِلُ فِيهَا مِن عُقوبَةٍ أَو مَكرُوهٍ أَو بَلاءٍ ، فَاصرِفهُ عَنِّي وَعَن وُلدِي ، بِحَولِكَ وَقُوَّتِكَ ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ . اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِن زَوَالِ نِعمَتِكَ وتَحوِيلِ عَافِيَتكَ ، ومِن فَجأَةِ نَقِمَتِكَ ، وَمِن شَرِّ كِتَابٍ قَد سَبَقَ ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ نَفسِي وَمِن شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِها ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، وَإِنَّ اللّهَ قَد أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمَا ، وَأَحصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَدَا (1) . (2)

239كتابه عليه السلام إلى داوود الصرميّفي ذكر الحوائجداوود الصرميّ (3) عن أبي الحسن الثالث عليه السلام ، قال : أمرني عليه السلام بحوائجٍ كثيرة ، فقال لي :

.


1- .الكافي : ج2 ص561 ح19.
2- .قد ذكر هذه المكتوبة في مكاتيب الإمام الرضا عليه السلام ، وأوردها هنا لاحتمال هذه المكتوبة للإمام الهادي عليه السلام ؛ لأنّه ليس قرينة على ترجيح أحدهما عليهماالسلاممع ذكره في أصحاب الرضا والهادي عليهماالسلام .
3- .و في كشف الغمّة : صدره « داوود الضرير قال : أردت الخروج إلى مكّة ، فودّعت أبا الحسن بالعشي وخرجت ، فامتنع الجمّال تلك الليلة و أصبحت ، فجئت أودّع القبر فإذا رسوله يدعوني ، فأتيته واستحييت وقلت : جُعلت فداك ، إنّ الجمّال تخلّف أمس ، فضحك وأمرني بأشياءٍ وحوائج كثيرة ، فقال : كيف تقول ، فلم أحفظ مثل ما قال لي ، فمدّ الدواة . . . » . اُنظر ترجمته في الرقم 66 .

ص: 214

قُل كَيفَ تَقُولُ ، فَلَم أحفظ مثل ما قال لي ، فمدّ الدواة وكتب :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ ، أَذكُرُهُ إِن شَاءَ اللّهُ ، وَالأَمرُ بِيَدِ اللّهِ . (1) فتبسّمتُ ، فقال عليه السلام : مَا لَكَ ؟ قلت : خير . فقال : أَخبِرنِي ؟ قلت : جُعلت فداك ، ذكرت حديثاً حدّثني به رجلٌ من أصحابنا عن جدّك الرضا عليه السلام إذا أمر بحاجةٍ كتب : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ ، أَذكُرُ إِن شَاءَ اللّهُ . فتبسّمتُ ، فقال عليه السلام لي : يا دَاوُودُ ، وَلَو قُلتُ : إِنَّ تَارِكَ التَّقيَّةِ كَتَارِكَ الصَّلاةِ لَكُنتُ صَادِقاً . (2)

.


1- .في كشف الغمّة والبحار : « أذكره إن شاء اللّه والأمر بيدك كلّه » بدل « أذكره إن شاء اللّه والأمر بيد اللّه » .
2- .تحف العقول : ص483 ، كشف الغمّة : ج3 ص182 ، بحار الأنوار : ج50 ص181 وفي كلاهما « داوود الضرير » بدل « داوود الصرميّ » ، وراجع : وسائل الشيعة : ج16 ص211 ح21382 .

ص: 215

الفصل السابع : في المواعظ
اشاره

الفصل السابع: في المواعظ

.

ص: 216

. .

ص: 217

240 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن هلال في التوبة النصوح
241 . كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه في النصيحة للمسلمين وقبول النصح

240كتابه عليه السلام إلى أحمد بن هلالفي التوبة النصوحمحمّد بن يحيى عن محمّد بن أحمد ، عن أحمد بن هلال (1) ، قال : سألت أبا الحسن الأخير عليه السلام عن التوبة النصوح ما هي ؟ فكتب عليه السلام :أَن يَكُونَ البَاطِنُ كَالظَّاهِرِ وَأَفضَلَ مِن ذَلِكَ . (2)

241كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهفي النصيحة للمسلمين وقبول النصحفي كتاب مسائل الرجال : أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن عبيد اللّه بن الحسن بن عبّاس الجوهريّ وعبد اللّه بن جعفر الحميريّ ، من مسائل أيّوب بن نوح ، قال : وكتب _ أيّ عليّ بن محمّد عليهماالسلام _ إلى بعض أصحابنا :عَاتِب فُلاناً ، وقُل لَهُ إِنَّ اللّهَ إذَا أَرَادَ بِعَبدٍ خَيراً ، إِذَا عُوتِبَ قَبِلَ . (3)

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 45 .
2- .معاني الأخبار : ص 174 ح 1 ، بحار الأنوار : ج 6 ص 22 ح 20 نقلاً عنه .
3- .مستطرفات السرائر : ص65 ح1 ، تحف العقول : ص481 وفيه : ومن كلمات قصار عن أبي الحسن الثالث عليه السلام أنّه قال لبعض مواليه : عاتب فلاناً . . . ، وسائل الشيعة : ج12 ص18 ح15529 ، بحار الأنوار : ج72 ص65 ح4 .

ص: 218

242 . كتابه عليه السلام إلى أبي عمرو الحذّاء في سورة القدر

242كتابه عليه السلام إلى أبي عمرو الحذّاءفي سورة القدرسهل بن زياد عن عليّ بن سليمان ، عن أحمد بن الفضل ، [ عن ] أبي عمرو الحذّاء (1) ، قال : ساءت حالي فكتبتُ إلى أبي جعفرٍ عليه السلام . . . وكتبتُ من البصرة على يدي عليّ بن مهزيار إلى أبي الحسن عليه السلام : إنّي كنت سألتُ أباك عن كذا وكذا ، وشكوتُ إِليه كذا وكذا ، وإنّي قد نلت الّذي أحببتُ ، فأحببتُ أن تخبرني يا مولاي كيف أصنع في قراءة : «إِنَّ_آ أَنزَلْنَ_هُ » ، أقتصرُ عليها وحدها في فرائضي وغيرها ، أم أقرأُ معها غيرها ، أم لها حدٌّ أعملُ به ؟ فوقّع عليه السلام ، وقرأتُ التوقيع :لا تَدَع مِنَ القُرآنِ قَصِيرَهُ وَطَوِيلَهُ ، وَيُجزِئُكَ مِن قِرَاءَةِ « إِنَّ_آ أَنزَلْنَ_هُ » يَومَكَ وَلَيلَتَكَ مِئَةَ مَرَّةٍ . (2)

.


1- .اُنظر ترجمته في أبي عمرو بالرقم 110 .
2- .الكافي :ج 5 ص 316 ح50 ، وسائل الشيعة : ج 17 ص 464 ح 23004 ، بحار الأنوار : ج 95 ص 328 ح7 وج 92 ص 295 ح9.

ص: 219

الفصل الثامن : مكافحته الضالّون المُضلّون ( في الغُلاة )
243 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن شَيبَة في عليّ بن مسعود بن حسكة والقاسم

ص: 220

ص: 221

243كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن شَيبَةفي عليّ بن مسعود بن حسكة والقاسم بن يقطين القمّيانقال الكشّي : وجدت بخطّ جبريل بن أحمد الفاريابيّ : حدّثني موسى بن جعفر بن وهب ، عن إبراهيم بن شيبة (1) ، قال : كتبت إليه : جُعلت فداك ، أنّ عندنا قوماً يختلفون في معرفة فضلكم بأقاويل مختلفة تشمئزّ منها القلوب وتضيق لها الصدور ، ويروون في ذلك الأحاديث لا يجوز لنا الإقرار بها ؛ لما فيها من القول العظيم ، ولا يجوز ردّها ولا الجحود لها إذا نُسبت إلى آبائك ، فنحن وقوف عليها ؛ من ذلك أنّهم يقولون ويتأوّلون في معنى قول اللّه عز و جل : «إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَ الْمُنكَرِ» (2) ، وقوله عز و جل : «وَ أَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَ ءَاتُوا الزَّكَوةَ» (3) ، معناها رجل ، لا ركوع ولا سجود ، وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد دراهم و لا إخراج مال ، وأشياء تشبهها من الفرائض والسنن والمعاصي ، تأوّلوها وصيّروها على هذا الحدّ الّذي ذكرت لك ، فإن رأيت أن تمنّ على مواليك بما فيه سلامتهم ونجاتهم من الأقاويل الّتي تصيّرهم إلى العطب والهلاك ، والّذين ادّعوا هذه الأشياء ادّعوا أنّهم أولياء ، ودعوا إلى طاعتهم ، منهم

.


1- .إبراهيم بن شَيبَة الأصبهانيّ : مولى بني أسد ، وأصله من قاشان ، من أصحاب الجواد عليه السلام ( رجال الطوسي : ص373 الرقم5525 ) ، و ذكره أيضاً من أصحاب الهادي عليه السلام في رجاله ( ص384 الرقم 5648 ) ، وذكره البرقي أيضاً في أصحاب الجواد عليه السلام ، من غير توصيف له بالأصبهانيّ .
2- .العنكبوت :45 .
3- .البقرة :43 .

ص: 222

244 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عيسى

عليّ بن حسكة والقاسم اليقطينيّ ، فما تقول في القبول منهم جميعا ؟ فكتب عليه السلام :لَيسَ هَذَا دِينَنَا فَاعتَزِلهُ . (1)

وفي روايةٍ اُخرى : محمّد بن مسعود قال : حدّثني محمّد بن نصير ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى (2) ، كتب إليه في قومٍ يتكلّمون ويقرأون أحاديث ينسبونها إليك وإلى آبائك ، فيها ما تشمئزّ فيها القلوب ، ولا يجوز لنا ردّها إذا كانوا يروون عن آبائك عليهم السلام ، ولا قبولها لما فيها ؛ وينسبون الأرض إلى قوم يذكرون أنّهم من مواليك ، وهو رجل يقال له عليّ بن حسكة ، وآخر يقال له القاسم اليقطينيّ . من أقاويلهم إنّهم يقولون : إنّ قول اللّه تعالى : «إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِوَ الْمُنكَرِ» (3) معناها رجل ، لا سجود ولا ركوع ، وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد درهم ولا إخراج مال ، وأشياء من الفرائض والسنن والمعاصي ، تأوّلوها وصيّروها على هذا الحدّ الّذي ذكرت . فإن رأيت أن تبيّن لنا وأن تمنّ على مواليك بما فيه السلامة لمواليك ونجاتهم من هذه الأقاويل الّتي تخرجهم إلى الهلاك . فكتب عليه السلام :لَيسَ هَذَا دِينَنَا فَاعتَزِلهُ . (4)

244كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عيسىسعد قال : حدّثني سهل بن زياد الآدميّ ، عن محمّد بن عيسى (5) ، قال : كتب إليّ أبو الحسن العسكريّ عليه السلام ابتداءً منه :

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص803 الرقم995 ، بحار الأنوار : ج25 ص315 ح80 نقلاً عنه .
2- .اُنظر ترجمته في الرقم 106 .
3- .العنكبوت :45 .
4- .رجال الكشّي : ج2 ص802 الرقم994 ، بحار الأنوار : ج25 ص314 ح79 نقلاً عنه .
5- .اُنظر ترجمته في الرقم 9 .

ص: 223

245 . كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه

لَعَنَ اللّهُ القَاسِمَ اليَقطِينِيَّ ، وَلَعَنَ اللّهُ عَلِيَّ بنِ حَسَكَةَ القُمِّيَّ ، إِنَّ شَيطَاناً تَرَاءَى لِلقَاسِمِ فَيُوحِي إِلَيهِ زُخرُفَ القَولِ غُرُورَاً . (1)

245كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهالحسين بن الحسن بن بندار القمّي ، قال : حدّثنا سهل بن زياد الآدميّ ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن العسكريّ عليه السلام : جُعلت فداك يا سيّدي ، إنّ عليّ بن حَسكة يدّعي أنّه من أوليائك ، وأنّك أنت الأوّل القديم ، وأنّه بابك ونبيّك أمرته أن يدعو إلى ذلك ، ويزعم أنّ الصلاة والزكاة والحجّ والصوم كلّ ذلك معرفتك ومعرفة من كان فيه ، مثل حال ابن حسكة فيما يدّعي من البابيّة والنبوّة ، فهو مؤمن كامل سقط عنه الاستعباد بالصلاة والصوم والحجّ ، وذكر جميع شرائع الدين أنّ معنى ذلك كلّه ما ثبت لك ، ومال الناس إليه كثيراً ، فإن رأيت أن تمنّ على مواليك بجواب في ذلك تنجيهم من الهلكة . قال : فكتب عليه السلام : كَذِبَ ابنُ حَسَكَةَ عَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ ، وَبِحَسبِكَ أَنِّي لا أَعرِفُهُ فِي مَوَالِيِّ ، مَا لَهُ لَعَنَهُ اللّهُ ؟ فَوَاللّهِ مَا بَعَثَ اللّهُ مُحَمَّدَاً وَالأَنبِيَاءَ قَبلَهُ إِلَا بِالحَنِيفِيَّةِ وَالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالحَجِّ وَالوَلايَةِ ، وَمَا دُعِيَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله إِلَا إِلَى اللّهِ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ . وَكَذَلِكَ نَحنُ الأَوصِياءَ مِن وُلدِهِ عَبِيدُ اللّهِ لا نُشرِكُ بِهِ شَيئاً ، إِن أَطَعنَاهُ رَحِمَنَا ، وَإِن عَصَينَاهُ عَذَّبَنَا ، مَا لَنَا عَلَى اللّهِ مِن حُجَّةٍ ، بَل الحُجَّةُ للّهِ عز و جل عَلَينَا وَعَلَى جَمِيعِ خَلقِهِ ، أَبرَأُ إِلَى اللّهِ مِمَّن يَقُولُ ذَلِكَ ، وَأَنتَفِي إِلَى اللّهِ مِن هَذَا القَولِ ، فَاهجُرُوهُم لَعَنَهُمُ اللّهُ وَأَلجِئُوهُم إِلَى ضِيقِ الطَّرِيقِ ، فَإِن وَجَدتَ مِن أَحَدٍ مِنهُم خَلوَةً فَاشدَخ رَأَسَهُ بِالصَّخرِ . (2)

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص804 الرقم 996 ، بحار الأنوار : ج25 ص316 ح81 نقلاً عنه.
2- .رجال الكشّي : ج2 ص804 الرقم 997 ، بحار الأنوار : ج25 ص316 ح82 ، وسائل الشيعة : ج28 ص336 ح34867.

ص: 224

246 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد في فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني
247 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّ

246كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّدفي فارس بن حاتم بن ماهويه القزوينيمحمّد بن مسعود قال : حدّثني عليّ بن محمّد ، قال : حدّثني محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، عن أبي محمّد الرازي .. . كتب إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (1) ، مع جعفر ابنه ، في سنة ثمان وأربعين ومئتين يسأل عن العليل وعن القزوينيّ أيّهما يقصد بحوائجه وحوائج غيره ؟ فقد اضطرب الناس فيهما ، وصار يبرأ بعضهم من بعضٍ . فكتب إليه :لَيسَ عَن مِثلِ هَذَا يُسأَلُ ، وَلا فِي مِثلِ هَذَا يُشَكُّ ، وَقَد عَظَّمَ اللّهُ مِن حُرمَةِ العَلِيلِ أَن يُقَاسَ إِلَيهِ القِزوِينِيّ _ سمّى باسمهما جميعاً _ فَاقصِدِ إِلَيهِ بِحَوائِجِكَ وَمَن أَطَاعَكَ مِن أَهلِ بِلادِكَ أَن يَقصُدُوا إِلَى العَلِيلِ بِحَوائِجِهِم . وَأَن تَجتَنِبُوا القِزوينِيَّ أَن تَدخُلُوهُ فِي شَيءٍ مِن أُمورِكُم ، فَإِنَّهُ قَد بَلَغَنِي ما يُمَوِّهُ بِهِ عِندَ النَّاسِ ، فَلا تَلتَفِتُوا إِلَيهِ إِن شَاءَ اللّهُ . وقد قرأ منصور بن عبّاس هذا الكتاب وبعض أهل الكوفة . (2)

247كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّقال سعد : وحدّثني محمّد بن عيسى بن عبيد (3) أنّه كتب إلى أيّوب بن نوح يسأله عمّا خرج إليه في الملعون فارس بن حاتم ، في جواب كتاب الجبليّ عليّ بن عبيد اللّه الدينوري ؟ فكتب إليه أيّوب :

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 7 .
2- .رجال الكشّي : ج 2 ص 809 الرقم 1009 .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 9 .

ص: 225

248 . كتابه عليه السلام إلى سهيل بن محمّد

سألتني أن أكتب إليك بخبر ما كتب به إليّ في أمر القزوينيّ فارس ، وقد نسخت لك في كتابي هذا أمره ، وكان سبب خيانته ، ثمّ صرفته إلى أخيه . فلمّا كان في سنتنا هذه أتاني وسألني ، وطلب إليّ في حاجة وفي الكتاب إلى أبي الحسن أعزّه اللّه ، فدفعت ذلك عن نفسي ، فلم يزل يلحّ عليَّ في ذلك حتّى قبلت ذلك منه ، وأنفذت الكتاب ومضيت إلى الحجّ ، ثمّ قدّمت فلم يأت جوابات الكتب الّتي أنفذتها قبل خروجي ، فوجّهت رسولاً في ذلك . فكتب إليَّ ما قد كتبت به إليك ، ولولا ذلك لم أكن أنا ممّن يتعرّض لذلك ، حتّى كتب به إليّ : كتب إلى الجبليّ يذكر أنّه وجّه بأشياء على يدي فارس الخائن لعنه اللّه متقدّمة ومتجدّدة ، لها قدر ، فأعلمناه أنّه لم يصل إلينا أصلاً ، وأمرناه أن لا يوصل إلى الملعون شيئاً أبداً ، وأن يصرف حوائجه إليك . ووجّه بتوقيعٍ من فارس بخطّه له بالوصول :لَعَنَهُ اللّهُ وَضَاعَفَ عَلَيهِ العَذَابَ ، فَمَا أَعظَمُ ما اجتَرَأَ عَلَى اللّهِ عز و جل وَعَلَينَا ، فِي الكَذِبِ عَلَينَا وَاختِيانِ أَموَالِ مَوَالِينَا ، وَكَفَى بِهِ مُعَاقِباً وَمنتَقِماً ، فَاشهِر فِعلَ فَارِسَ فِي أَصحَابِنَا الجَبَلِيِّينَ وَغَيرِهِم مِن مَوَالِينَا ، وَلا تَتَجَاوَزَ بِذَلِكَ إِلَى غَيرِهِم مِنَ المُخَالِفِينَ ، كَيمَا تُحَذِّرَ نَاحِيَةَ فَارِسَ لَعَنهُ اللّهُ وَيَتَجَنَّبُوهُ وَيَحتَرِسُوا مِنهُ ، كَفَى اللّهُ مَؤُونَتَهُ ، وَنَحنُ نَسأَلُ اللّهَ السَّلامَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنيَا ، وَأَن يُمَتِّعَنَا بِهَا ، وَالسَّلامُ . (1)

248كتابه عليه السلام إلى سهيل بن محمّدمحمّد بن مسعود قال : حدّثني عليّ بن محمّد ، قال : حدّثني محمّد ، عن محمّد بن موسى ، عن سهل بن خلف ، عن سهيل بن محمّد : وقد اشتبه يا سيّدي على جماعة

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص 808 الرقم 1007.

ص: 226

249 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن عمرو القزوينيّ

من مواليك أمر الحسن بن محمّد بن بابا ، فما الّذي تأمرنا يا سيّدي في أمره ، نتولّاه ، أم نتبرّأ عنه ، أم نمسك عنه؟ فقد كثر القول فيه . فكتب عليه السلام بخطّه وقرأته :مَلعُونٌ هُوَ وَفِارِسُ ، تَبَرَّؤُا مِنهُمَا لَعَنَهُمَا اللّهُ ، وَضَاعَفَ ذَلِكَ عَلَى فَارِسَ . (1)

249كتابه عليه السلام إلى عليّ بن عمرو القزوينيّعبد اللّه بن جعفر الحميريّ (2) قال : كتب أبو الحسن العسكريّ عليه السلام إلى عليّ بن عمرو القزوينيّ (3) بخطّه :أَعتَقِدُ فِيمَا تَدِينُ اللّهَ تَعَالَى بِهِ ، أَنَّ البَاطِنَ عِندِي حَسَبَ مَا أَظهَرتُ لَكَ فِيمَنِ استَنبَأتُ عَنهُ ، وَهُوَ فَارِسٌ لَعَنَهُ اللّهُ ، فَإِنَّهُ لَيسَ يِسَعُكَ إِلَا الاجتِهَادُ فِي لَعنِهِ وَقَصدُهُ وَمُعَادَاتُهُ وَالمُبَالَغَةُ فِي ذَلِكَ بِأَكثَرِ مَا تَجِدُ السَّبِيلَ إِلَيهِ . مَا كُنتُ آمُرُ أَن يُدَانَ اللّهُ بِأَمرٍ غَيرِ صَحِيحٍ ، فَجِدَّ وَشُدَّ فِي لَعنِهِ وَهتَكِهِ وَقَطعِ أَسبَابِهِ وَصَدِّ أَصحَابِنَا عَنهُ وَإِبطَالِ أَمرِهِ ، وَأَبلِغهُم ذَلِكَ مِنِّي وَاحكِهِ لَهُم عَنِّي ، وَإِنِّي سَائِلُكُم بَينَ يَدِيِ اللّهِ عَن هَذَا الأَمرِ المُؤَكَّدِ ، فَوَيلٌ لِلعَاصِي وَلِلجَاحِدِ . وَكَتَبتُ بِخَطِّي لَيلَةَ الثَّلاثَاءِ لِتِسعِ لِيَالٍ مِن شَهرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ خَمسِينَ وَمِئَتَينِ وَأَنَا أَتَوَكَّلُ عَلَى اللّهِ وَأَحمِدُهُ كَثَيِرَاً . (4)

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص810 الرقم 1011.
2- .عبد اللّه بن جعفر بن الحسن بن مالك بن جامع الحميريّ : أبو العبّاس القمّي ، شيخ القميّين ووجههم ، قدم الكوفة سنّة نيف وتسعين ومئتين ، وسمع أهلها منه ، فأكثروا ، وصنّف كتبا كثيرة ( راجع : رجال النجاشي : ج2 ص18 الرقم 573 ) . ذكره الشيخ أيضا قائلاً : إنّه ثقة ( الفهرست : ص102 الرقم429 ورجال الطوسي : ص400 الرقم 5859 ) . وكان من أصحاب الرضا والهادي والعسكريّ عليهم السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص370 الرقم 5507 و ص389 الرقم 5727 ، و ص400 الرقم 5859 ورجال البرقي : ص60 ) .
3- .اُنظر ترجمته في « عليّ بن عمرو العطّار » بالرقم 18 .
4- .الغيبة للطوسي : ص352 ، بحار الأنوار : ج50 ص221 ح8 نقلاً عنه.

ص: 227

250 . كتاب له عليه السلام

250كتاب له عليه السلامالحسين بن الحسن بن بندار القمّي قال : حدّثني سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف القمّي ، قال : حدّثني محمّد بن عيسى بن عبيد : أنّ أبا الحسن العسكريّ عليه السلام أمر بقتل فارس بن حاتم القزويني ، وضمن لمن قتله الجنّة ، فقتله جُنيد . وكان فارس فتّاناً يفتن الناس ويدعو إلى البدعة . فخرج من أبي الحسن عليه السلام :هَذَا فَارِسٌ لَعَنَهُ اللّهُ يَعمَلُ مِن قِبَلِي ، فَتَّاناً دَاعِياً إِلَى البِدعَةِ ، وَدَمُهُ هَدَرٌ لِكُلِّ مَن قَتَلَهُ ، فَمَن هَذا الَّذِي يُرِيُحَنِي مِنهُ وَيَقتُلُهُ ، وَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ عَلَى اللّهِ الجَنَّةَ .

قال سعد : وحدّثني جماعة من أصحابنا من العراقيّين وغيرهم بهذا الحديث عن جُنيد ، ثمّ سمعته أنا بعد ذلك من جُنيد : أرسل إليّ أبو الحسن العسكريّ عليه السلام يأمرني بقتل فارس بن حاتم القزوينيّ لعنه اللّه ! فقلت : لا ، حتّى أسمعه منه يقول لي ذلك يشافهني به . قال : فبعث إليّ فدعاني ، فصرت إليه فقال :آمُرُكَ بِقَتلِ فَارِسِ بنَ حَاتَمٍ . فناولني دراهم من عنده ، وقال : اشتَرِ بِهَذِهِ سِلاحاً فَأَعرِضهُ عَلَيَّ . فذهبت فاشتريت سيفاً فعرضته عليه ، فقال : رُدَّ هَذَا وَخُذ غَيرَهُ . قال : فرددته وأخذت مكانه ساطوراً فعرضته عليه ، فقال : هَذَا نَعَم .

فجئت إلى فارس وقد خرج من المسجد بين الصلاتين المغرب والعشاء ، فضربته على رأسه فصرعته وثنيت عليه ، فسقط ميتاً ، ووقعت الضجّة ، فرميت الساطور بين يدي واجتمع الناس ، واُخذت إذ لم يوجد هناك أحد غيري ، فلم يروا معي سلاحاً ولا سكّيناً ، وطلبوا الزقاق والدور فلم يجدوا شيئاً ، ولم يُرَ أثر الساطور بعد ذلك . (1)

.


1- .رجال الكشّي :ج2 ص807 الرقم1006 ، وسائل الشيعة:ج15 ص124 ح20127 وج28 ص319 ح34858 .

ص: 228

251 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن داوود اليعقوبي
252 . كتابه عليه السلام إلى عروة

251كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن داوود اليعقوبيقال الكشّي : وجدت بخطّ جبريل بن أحمد : حدّثني موسى بن جعفر بن وهب ، عن محمّد بن إبراهيم ، عن إبراهيم بن داوود اليعقوبيّ (1) ، قال : كتبت إليه _ يعني أبا الحسن عليه السلام _ أعلمته أمر فارس بن حاتم . فكتب :لا تَحفَلَنَّ بِهِ ، وَ إِن أَتَاكَ فَاستخَفَّ بِهِ . (2)

252كتابه عليه السلام إلى عروةموسى بن جعفر بن وهب عن محمّد بن إبراهيم ، عن إبراهيم بن داوود اليعقوبيّ ، عن موسى [بن جعفر بن إبراهيم بن محمّد] ، قال : كتب عروة 3 إلى أبي الحسن عليه السلام

.


1- .إبراهيم بن داوود اليعقوبي : ذكر الخبر في التحرير الطاووسي ، في ترجمة فارس بن حاتم القزوينيّ . وفسّر المكتوب إليه بأبي الحسن الرضا عليه السلام ( التحرير الطاووسي : ص471 الرقم 341 ) . عدّه الشيخ والبرقي تارةً من أصحاب مولانا الجواد عليه السلام واُخرى من أصحاب الهادي عليه السلام (رجال الطوسي : ص373 الرقم 5516 و ص383 الرقم 5641 ورجال البرقي : ص60 _ 57 ) .
2- .رجال الكشّي : ج 2 ص 806 الرقم 1003 .

ص: 229

253 . كتابه عليه السلام إلى العبيدي في الحسن بن محمّد بن بابا القمّي

في أمر فارس بن حاتم ؟ فكتب عليه السلام :كَذِّبُوه وَهَتِّكُوه أَبعَدَهُ اللّهُ وَأَخزَاهُ ، فَهُوَ كَاذِبٌ فِي جَمِيعِ مَا يَدَّعِي وَيَصِف ، وَلَكِن صُونُوا أَنفُسَكُم عَنِ الخَوضِ وَالكَلامِ فِي ذَلِكَ ، وَتَوَقَّوا مُشَاوَرَتَهُ ، وَ لا تَجعَلُوا لَهُ السَّبِيلَ إِلَى طَلَبِ الشَّرِّ ، كَفَانَا اللّهُ مَؤُونَتَهُ ، وَمَؤُونَةَ مَن كَانَ مِثلَهُ . (1)

وفي كتاب الدهقان : محمّد بن مسعود قال : حدّثني عليّ بن محمّد ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى ، قال : قرأنا في كتاب الدهقان (2) وخطّ الرجل في القزوينيّ ، وكان كتب إليه الدهقان يخبره باضطراب الناس في هذا الأمر ، وأنّ الموادعين قد أمسكوا عن بعض ما كانوا فيه لهذه العلّة من الاختلاف . فكتب :كَذِّبُوه وَهَتِّكُوه أَبعَدَهُ اللّهُ وَأَخزَاهُ . . . (3)

253كتابه عليه السلام إلى العبيديفي الحسن بن محمّد بن بابا القمّيذكر أبو محمّد الفضل بن شاذان في بعض كتبه : إنّ من الكذّابين المشهورين ابن بابا القمّي . قال سعد : حدّثني العبيديّ (4) ، قال : كتب إليّ العسكريّ عليه السلام ابتداءً منه :أَبرَأُ إِلَى اللّهِ

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص806 الرقم 1004 .
2- .روى الكشّي بإسناده عن محمّد بن موسى الهمداني : إنّ عروة بن يحيى البغدادي المعروف بالدهقان لعنه اللّه . . . ( راجع : رجال الكشّي : ج2 ص842 الرقم 1086 ) . راجع : « عروة » .
3- .رجال الكشّي : ج2 ص810 الرقم1010 .
4- .راجع : « محمّد بن عيسى العبيديّ » في الرقم 9 .

ص: 230

254 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن باديه في يونس

مِنَ الفِهرِيِّ ، 1 وَالحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ بَابَا القُمِّيِّ ، فَابرَأ مِنهُمَا ، فَإِنِّي مُحَذِّرُكَ وَجَمِيعَ مَوَالِيَّ ، وَإِنِّي أَلعَنُهُمَا ، عَلَيهُمَا لَعنَةُ اللّهِ ، مُستَأكِلَينِ يَأكُلانِ بِنَا النَّاسَ ، فَتَّانِيَنِ مُؤذِيَينِ ، آذَاهُمَا اللّهُ وَأَركَسَهُمَا فِي الفِتنَةِ رَكساً . يَزعُمُ ابنُ بَابَا أَنِّي بَعَثتُهُ نَبِيَّاً وَأَنَّه بَابٌ ، عَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ ، سَخِرَ مِنهُ الشَّيطَانُ فَأَغوَاهُ ، فَلَعَنَ اللّهُ مَن قَبِلَ مِنهُ ذَلِكَ ، يَا مُحَمَّدُ إِن قَدِرتَ أَن تَشدَخَ (1) رَأسَهُ بِحَجَرٍ فَافعَل ، فَإِنَّهُ قَد آذَانِي آذَاهُ اللّهُ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ . (2)

254كتابه عليه السلام إلى محمّد بن باديهفي يونسعليّ قال : حدّثني محمّد بن يعقوب ، عن الحسن بن راشد ، عن محمّد بن باديه (3) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في يونس ؟ فكتب عليه السلام :

.


1- .الشدخ : الكسر في الشيء الأجوف ، يقال : شدخت رأسه شدخاً من باب نفع : كسرته . ( مجمع البحرين : ج2 ص435 ) .
2- .رجال الكشّي : ج2 ص805 الرقم 999 ، بحار الأنوار : ج25 ص317 ح84 نقلاً عنه.
3- .لعلّه هو متّحد مع محمّد بن دازويه ( والصحيح داذويه ) أو زاويه الّذي مرّ ذكره ذيل عنوان «محمّد بن داذويه» بالرقم 221 .

ص: 231

255 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن عبد اللّه الزبيريّ في موقفه عليه السلام من الواقفة

لَعَنَهُ اللّهُ وَلَعَنَ أَصحَابَهُ ، أَو بَرِئَ اللّهُ مِنهُ وَمِن أَصحَابِهِ . (1)

255كتابه عليه السلام إلى عليّ بن عبد اللّه الزبيريّفي موقفه عليه السلام من الواقفةمحمّد بن مسعود ومحمّد بن الحسن البراثيّ ، قالا : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن فارس ، قال : حدّثني أبو جعفر أحمد بن عبدوس الخلنجيّ أو غيره ، عن عليّ بن عبد اللّه الزبيريّ (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الواقفة ؟ فكتب عليه السلام :الوَاقِفُ عَانِدٌ (3) عَنِ الحَقِّ ، وَمُقِيمٌ عَلَى سَيِّئَةٍ ، إِن مَاتَ بِهَا كَانَت جَهَنَّمُ مَأوَاهُ وَبِئسَ المَصِيرِ . (4)

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص785 الرقم 941 .
2- .عليّ بن عبيد اللّه الزبيريّ ( مصغّرا ) : عدّه الشيخ من أصحاب الهادي عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص389 الرقم5737 ، نقد الرجال : ج3 ص279 الرقم3628 ، جامع الرواة : ج1 ص590 ) . عدّه البرقي أيضا من أصحاب الهادي عليه السلام قائلاً : عليّ بن عبيداللّه مصغّرا من دون توصيف ( رجال البرقي : ص60 ) .
3- .في البحار : «حائد» بدل «عاند» .
4- .رجال الكشّي : ج2 ص755 الرقم860 ، بحار الأنوار : ج48 ص263 ح18 نقلاً عنه .

ص: 232

. .

ص: 233

الفصل التاسع : في مكاتيبه السياسيّة
اشاره

الفصل التاسع: في مكاتبه السياسية

.

ص: 234

. .

ص: 235

256 . كتابه عليه السلام إلى المتوكّل في سبب شخوصه عليه السلام من المدينة

256كتابه عليه السلام إلى المتوكّلفي سبب شخوصه عليه السلام من المدينةمحمّد بن يحيى عن بعض أصحابنا قال : أخذتُ نسخة كتاب المتوكّل إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام من يحيى بن هَرثَمَة ، في سنة ثلاث وأربعين ومئتين ، وهذه نسخته : بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين عارفٌ بقدرك ، راعٍ لقرابتك ، موجبٌ لحقّك ، يقدّر من الاُمور فيك وفي أهل بيتك ما أصلح اللّه به حالك وحالهم ، وثبّت به عزّك وعزّهم ، وأدخل اليمن والأمن عليك وعليهم ، يبتغي بذلك رضاء ربّه وأداء ما افترض عليه فيك وفيهم ، وقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد اللّه بن محمّد عمّا يتولّاه من الحرب والصلاة بمدينة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقّك واستخفافه بقدرك ، وعندما قرفك به ونسبك إليه من الأمر الّذي قد علم أمير المؤمنين براءتك منه ، وصدق نيّتك في ترك محاولته ، وأنّك لم تؤهّل نفسك له ، وقد ولّى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمّد بن الفضل ، وأمره بإكرامك وتبجيلك والانتهاء إلى أمرك ورأيك ، والتقرّب إلى اللّه وإلى أمير المؤمنين بذلك . وأمير المؤمنين مشتاقٌ إليك ، يحبّ إحداث العهد بك والنظر إليك ، فإن نشطت لزيارته المقام قبله ما رأيت ، شخصت ومن أحببت من أهل بيتك ومواليك وحشمك ، على مهلةٍ وطمأنينةٍ ، ترحل إذا شئت وتنزل إذا شئت ، وتسير كيف شئت ،

.

ص: 236

وإن أحببت أن يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين ومن معه من الجند مشيّعين لك يرحلون برحيلك ويسيرون بسيرك ، والأمر في ذلك إليك حتّى توافي أمير المؤمنين ، فما أحدٌ من إخوته وولده وأهل بيته وخاصّته ألطف منه منزلةً ولا أحمد له أثرةً ، ولا هو لهم أنظر وعليهم أشفق ، وبهم أبرّ وإليهم أسكن منه إليك إن شاء اللّه تعالى ، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته . وكتب إبراهيم بن العبّاس ، وصلّى اللّه على محمّد وآله وسلّم . (1) في الإرشاد : وكان سبب شخوص أبي الحسن عليه السلام إلى سرّ من رأى أنّ عبد اللّه بن محمّد كان يتولّى الحرب والصلاة في مدينة الرسول صلى الله عليه و آله ، فسعى بأبي الحسن عليه السلام إلى المتوكّل ، وكان يقصده بالأذى ، وبلغ أبا الحسن سعايته به ، فكتب إلى المتوكّل يذكر تحامل عبد اللّه بن محمّد ويكذّبه فيما سعى به ، فتقدّم المتوكّل بإجابته عن كتابه ، ودعائه فيه إلى حضور العسكر على جميلٍ من الفعل والقول ، فخرجت نسخة الكتاب وهي : بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين عارفٌ بقدرك ، راع لقرابتك ، موجبٌ لحقّك ، مؤثرٌ من الاُمور فيك وفي أهل بيتك ما يصلح اللّه به حالك وحالهم ، ويُثبت به عزّك وعزّهم ، ويدخل الأمن عليك وعليهم ، يبتغي بذلك رضى ربّه وأداء ما افترض عليه فيك وفيهم ، وقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد اللّه بن محمّد عمّا كان يتولّاه من الحرب والصلاة بمدينة الرسول صلى الله عليه و آله ، إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقّك واستخفافه بقدرك ، وعند ما قرفك به ونسبك إليه من الأمر الّذي علم أمير المؤمنين براءتك منه ، وصدق نيّتك في برّك وقولك وأنّك لم تؤهّل نفسك لما قرفت بطلبه ، وقد ولّى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمّد بن الفضل ، وأمره بإكرامك وتبجيلك والانتهاء إلى أمرك ورأيك ، والتقرّب إلى اللّه وإلى أمير المؤمنين بذلك .

.


1- .الكافي : ج1 ص501 ح7.

ص: 237

257 . كتابه عليه السلام إلى بعض شيعته ببغداد في فتنة الجِدال في القرآن

وأمير المؤمنين مشتاقٌ إليك يحبّ إحداث العهد بك والنظر إليك ، فإن نشطت لزيارته والمقام قبله ما أحببت ، شخصت ومن اخترت من أهل بيتك ومواليك وحشمك ، على مهلةٍ وطمأنينة ، ترحل إذا شئت وتنزل إذا شئت وتسير كيف شئت ، وإن أحببت أن يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين ومن معه من الجند يرتحلون برحيلك ويسيرون بسيرك ، فالأمر في ذلك إليك ، وقد تقدّمنا إليه بطاعتك ، فاستخر اللّه حتّى توافي أمير المؤمنين ، فما أحدٌ من إخوته وولده وأهل بيته وخاصّته ألطف منه منزلةً ، ولا أحمد لهم أثرة ، ولا هو لهم أنظر وعليهم أشفق وبهم أبرّ وإليهم أسكن منه إليك ، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته . وكتب إبراهيم بن العبّاس في شهر كذا من سنة ثلاث وأربعين ومئتين . فلمّا وصل الكتاب إلى أبي الحسن عليه السلام تجهّز للرحيل ، وخرج معه يحيى بن هرثمة ، حتّى وصل إلى سرّ من رأى ، فلمّا وصل إليها تقدّم المتوكّل بأن يحجب عنه في يومه ، فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك ، وأقام فيه يومه ، ثمّ تقدّم المتوكّل بإفراد دارٍ له ، فانتقل إليها . . . (1)

257كتابه عليه السلام إلى بعض شيعته ببغدادفي فتنة الجِدال في القرآنسعد بن عبد اللّه قال : حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّ ، قال : كتب عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى الرضا عليهم السلام إلى بعض شيعته ببغداد :بِسمِ اللّهِ الرَحمنِ الرَّحِيم عَصَمَنَا اللّهُ وَإِيَّاكَ مِنَ الفِتنَةِ ، فَإِن يفعَل فَأَعظِم بِهَا نِعمَةً ، وَإِلَا يَفعَل فَهِيَالهَلَكَةُ ،

.


1- .الإرشاد : ج2 ص309 ، بحار الأنوار : ج50 ص200 ح12 وراجع : روضة الواعظين : ج1 ص245 ، كشف الغمّة : ج2 ص382 .

ص: 238

نَحنُ نَرَى أَنَّ الجِدَالَ فِي القُرآنِ بِدعَةٌ اشترَكَ فِيهَا السَّائِلُ وَالمُجِيبُ ، فيَتَعَاطَى السَّائِلُ مَا لَيسَ لَهُ ، وَيَتَكَلَّفُ المُجِيبُ مَا لَيسَ عَلَيهِ ، وَلَيسَ الخَالِقُ إِلَا اللّهَ عز و جل ، وَمَا سِوَاهُ مَخلُوقٌ ، وَالقُرآنُ كَلامُ اللّهِ ، لا تَجعَل لَهُ اسماً مِن عِندِكَ فَتَكُونَ مِنَ الضَّالِّينَ ، جَعَلَنَا اللّهُ وَإِيَّاكَ مِنَ الَّذِينَ يَخشُونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ ، وَهُم مِنَ السَّاعَةِ مُشفِقُونَ . (1)

.


1- .التوحيد للصدوق : ص224 ح4 ، الأمالي للصدوق : ص546 ح14 ، روضة الواعظين : ص47 ، بحار الأنوار : ج92 ص118 ح4 .

ص: 239

الفصل العاشر : في ذكر المحمودين من الوكلاء وأصحابه عليه السلام
اشاره

الفصل العاشر: في ذكر المحمودين من الوكلاء وأصحابه

.

ص: 240

. .

ص: 241

258 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلال في أبي عليّ بن بلال

258كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بلالفي أبي عليّ بن بلالقال الكشّي : وجدت بخطّ جبريل بن أحمد : حدّثني محمّد بن عيسى اليقطينيّ ، قال : كتب عليه السلام إلى عليّ بن بلال (1) في سنة اثنتين وثلاثين ومئتين :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم أَحمدُ اللّهَ إِلَيكَ وَأَشكُرُ طُولَهُ وَعَودَهُ ، وَأُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلَوَاتُ اللّهِوَرَحمَتُهُ عَلَيهِم ، ثُمَّ إِنِّي أَقَمتُ أَبَا عَلِيٍّ مَقَامَ الحُسَينِ بنِ عَبدِ رَبِّهِ ، وَائتَمَنتُهُ عَلَى ذَلِكَ بِالمَعرِفَةِ بِمَا عِندَهُ الَّذِي لا يَتَقَدَّمُهُ أَحَدٌ ، وَقَد أَعلَمُ أَنَّكَ شَيخُ نَاحِيَتِكَ ، فَأَحبَبتُ إِفرَادَكَ وَإِكرَامَكَ بِالكِتَابِ بِذَلِكَ . فَعَلَيكَ بِالطَّاعَةِ لَهُ وَالتَّسلِيمِ إِلَيهِ جَمِيعَ الحَقِّ قَبلَكَ ، وَأَن تَخُصَّ مَوَالِيَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَتُعَرِّفَهُم مِن ذَلِكَ مَا يَصِيرُ سَبَباً إِلَى عَونِهِ وَكِفَايَتِهِ ، فَذَلِكَ تَوفِيرٌ عَلَينَا وَمَحبُوبٌ لَدَينَا ، وَلَكَ بِهِ جَزَاءٌ مِنَ اللّهِ وَأَجرٌ ، فَإِنَّ اللّهَ يُعطِي مَن يَشَاءُ ، ذُو الإِعطَاءِ وَالجَزَاءِ بِرَحمَتِهِ ، وَأَنتَ فِي وَدِيعَةِ اللّهِ . وَكَتَبتُ بِخَطِّي ، وَأَحمَدُ اللّهَ كَثِيرَاً . (2)

.


1- .اُنظر ترجمته في الرقم 1 .
2- .رجال الكشّي : ج2 ص799 الرقم 991 ، بحار الأنوار : ج50 ص222 ح1نقلاً عنه.

ص: 242

259 . كتابه عليه السلام إلى جماعة من الموالي

259كتابه عليه السلام إلى جماعة من المواليمحمّد بن مسعود قال : حدّثني محمّد بن نصير ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى ، قال : نسخة الكتاب مع ابن راشد إلى جماعة الموالي الّذين هم ببغدادالمقيمين بها والمدائن والسواد وما يليها :أَحمَدُ اللّهَ إِلَيكُم مَا أَنَا عَلَيهِ مِن عَافِيَّتِهِ وَحُسنِ عَادَتِهِ ، وَأُصَلِّي عَلَى نَبِيِّهِ وَآلِهِ أَفضَلُ صَلَوَاتِهِ وَأَكمَلُ رَحمَتِهِ وَرَأفَتِهِ ، وَإِنِّي أَقَمتُ أَبَا عَلِيِّ بنِ رَاشِدٍ مَقامَ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَبدِ رَبِّهِ 1 وَمَن كَانَ قَبلَهُ مِن وكَلائِي ، وَصَارَ فِي مَنزِلَتِهِ عِندِي ، وَوَلَّيتُهُ مَا كَانَ يَتَوَلَاهُ غَيرُهُ مِن وكَلائِي قَبلَكُم ، لِيَقبِضَ حَقِّي ، وَارتَضَيتُهُ لَكُم وَقَدَّمتُهُ عَلَى غَيرِهِ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ أَهلُهُ وَمَوضِعُهُ . فَصِيرُوا رَحِمَكُم اللّهُ إِلَى الدَّفعِ إِلَيهِ ذَلِكَ وَإِلَيَّ ، وَأَن لا تَجعَلُوا لَهُ عَلَى أَنفُسِكُم عِلَّةً ، فَعَلَيكُم بِالخُرُوجِ عَن ذَلِكَ وَالتَّسَرُّعِ إِلَى طَاعَةِ اللّهِ ، وَتَحلِيلِ أَموَالِكُم ، وَالحَقنِ لِدِمَائِكُم «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى» (1) ، «وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ » (2) ، «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً» 4 ، «وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ » 5 ، فَقَد أَوجَبتُ فِي طَاعَتِهِ طَاعَتِي ،

.


1- .المائدة :2 .
2- .البقرة : 189 ، آل عمران : 123 و130 و200 ، الأعراف :69 ، الحجرات :10 .

ص: 243

260 . كتابه عليه السلام إلى جماعةٍ من الموالي

وَالخُرُوجِ إِلَى عِصيَانِهِ الخُرُوجَ إِلَى عِصيانِي ، فَالزَمُوا الطَّرِيقَ يَأجُرُكُمُ اللّهُ وَيَزِيدُكُم مِن فَضلِهِ ، فَإِنَّ اللّهَ بِمَا عِندَهُ وَاسِعٌ كَرِيمٌ ، مُتَطَوِّلٌ عَلَى عِبَادِهِ رَحِيمٌ ، نَحنُ وَأَنتُم فِي وَدِيعَةِ اللّهِ وَحِفظِهِ . وَكَتبتُهُ بِخَطِّي ، وَالحَمدُ للّهِ كَثِيرَاً . وفي كتابٍ آخر : وَأَنا آمُرُكَ يا أَيُّوبَ بنَ نُوحٍ أَن تَقطَعَ الإِكثَارِ بَينَكَ وَبَينَ أَبِي عَلِيٍّ ، وَأَن يَلزَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنكُمَا مَا وُكِّلَ بِهِ وَأَمرَ بِالقِيامِ فِيهِ بِأَمرِ نَاحِيَتهِ ، فَإِنَّكُم إِذَا انتَهَيتُم إِلَى كُلِّ ما أُمرِتُم بِهِ استَغنَيتُم بِذَلِكَ عَن مُعَاوَدَتِي . وَآمُرُكَ يا أَبَا عَلِيٍّ بِمِثلِ ما آمُرُكَ يا أَيُّوبُ أَن لا تَقبَلَ مِن أَحَدٍ مِن أَهلِ بَغدَادَوَالمَدَائِنِ شَيئاً يَحمِلُونَهُ ، وَلا تَلِي لَهُم استِيذَاناً عَلَيَّ ، وَمُر مَن أَتَاكَ بِشَيءٍ مِن غَيرِ أَهلِ نَاحِيَتِكَ أَن يُصَيِّرَهُ إِلَى المُوَكَّلِ بِنَاحِيَتِهِ . وَآمُرُكَ يا أَبَا عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ بِمِثلِ مَا أَمَرتُ بِهِ أَيُّوبَ ، وَليَقبَل كُلُّ وَاحِدٍ مِنكُما قَبلَ ما أَمرَتُهُ بِهِ . (1)

260كتابه عليه السلام إلى جماعةٍ من المواليابن أبي جِيد عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى ، قال : كتب أبو الحسن العسكريّ عليه السلام إلى الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها :قَد أَقمَتُ أَبَا عَلِيِّ بنِ رَاشِدٍ مَقامَ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَبدِ رَبِّهِ ، وَمَن قَبَلَهُ مِن وُكَلائِي ، وَقدَ أَوجَبتُ فِي طَاعَتِهِ طَاعَتِي ، وَفِي عِصيَانِهِ الخُرُوجَ إِلَى عِصيَانِي ، وَكَتَبتُ بِخَطِّي . (2)

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص800 الرقم992 ، بحار الأنوار : ج50 ص223 ح11 وراجع : الغيبة للطوسي : ص212 ، بحار الأنوار : ج50 ص220.
2- .الغيبة للطوسي : 350 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 220.

ص: 244

261 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرج في جماعةٍ من المَوالي
262 . كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن الناب في أبي محمّد الفضل بن شاذان

261كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرجفي جماعةٍ من المَوالي ( عيسى بن جعفر وأبي عليّ راشد وابن بند )محمّد بن قولويه قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا أحمد بن هلال ، عن محمّد بن الفرج (1) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن أبي عليّ بن راشد وعن عيسى بن جعفر بن عاصم وابن بند ، فكتب إليّ عليه السلام :ذَكَرتَ ابنَ رَاشِدٍ ( رحمه اللّه ) فَإِنَّهُ عَاشَ سَعِيدَاً وَمَاتَ شَهِيدَاً ، وَدَعَا لِابنِ بندٍوَالعَاصِمِيِّ ، وَابنُ بنِدٍ ضُرِبَ بِالعَمُودِ حَتَّى قُتِلَ ، وَأَبُو جَعفَرٍ ضُرِبَ ثَلاثَمِئَةِ سَوطٍ وَرُمِيَ بِهِ فِي دِجلَةَ . (2)

وفي الغيبة : محمّد بن الفرج قال : كتبتُ إليه أسأله عن أبي عليّ بن راشد ، وعن عيسى بن جعفر [ بن عاصم ] ، وعن ابن بند ، وكتب إليّ :ذَكَرتَ ابنَ رَاشِدٍ رحمه الله فَإِنَّهُ عَاشَ سَعِيداً وَمَاتَ شَهِيدَاً ، وَدَعَا لِابنِ بندٍ وَالعَاصِمِيِّ ، وَابنُ بَندٍ ضُرِبَ بِعَمُودٍ وَقُتِل ، وَابنُ عَاصِمِ ضُرِبَ بِالسِّيَاطِ عَلَى الجِسر ثَلاثمِئَةِ سَوطٍ وَرُمِي بِهِ فِي دِجلَةَ . (3)

262كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن النابفي أبي محمّد الفضل بن شاذانأحمد بن يعقوب أبو عليّ البيهقيّ رحمه الله : أمّا ما سألت من ذكر التوقيع الّذي خرج في

.


1- .وفي الغيبة : «محمّد بن يعقوب رفعه إلى محمّد بن فرج » بدل « محمّد بن قولويه .. . عن محمّد بن الفرج » اُنظر ترجمته في الرقم 6 .
2- .رجال الكشّي : ج2 ص863 الرقم 1122 ، بحار الأنوار : ج50 ص220.
3- .الغيبة للطوسي : ص351.

ص: 245

263 . كتابه عليه السلام إلى المحموديّ في أحمد بن حمّاد المروزيّ

الفضل بن شاذان ، أنّ مولانا عليه السلام لَعَنَهُ بسبب قوله بالجسم ؛ فإنّي أخبرك أنّ ذلك باطل ، وإنّما كان مولانا عليه السلام أنفذ إلى نيسابور وكيلاً من العراق ، كان يسمّى أيّوب بن الناب ، يقبض حقوقه ، فنزل بنيسابور عند قومٍ من الشيعة ممّن يذهب مذهب الارتفاع والغلوّ والتفويض ، كرهت أن اُسمّيهم ، فكتب هذا الوكيل : يشكو الفضل بن شاذان بأنّه يزعم أنّي لستُ من الأصل ، ويمنع الناس من إخراج حقوقه ، وكتب هؤلاء النفر أيضاً إلى الأصل الشكاية للفضل ، ولم يكن ذكروا الجسم ولا غيره ، وذلك التوقيع خرج من يد المعروف بالدهقان ببغداد في كتاب عبد اللّه بن حمدويه البيهقيّ ، وقد قرأته بخطّ مولانا عليه السلام ، والتوقيع هذا :الفَضلُ بنُ شَاذَانِ مَا لَهُ وَلِمَوَالِيِّ يُؤذِيهِم وَيُكَذِّبُهم ! وَأَنِّي لَأَحلِفُ بِحَقِّ آبَائِي ، لَئِن لَم يَنتِه الفَضلُ بنُ شَاذَانِ عَن هَذَا لَأَرمِيَنَّهُ بِمَرمَاةٍ لا يَندَمِلُ جُرحُهُ مِنهَا فِي الدُّنيا وَلا فِي الآخِرَةِ .

وكان هذا التوقيع بعد موت الفضل بن شاذان بشهرين في سنة ستّين ومئتين . قال أبو عليّ : والفضل بن شاذان كان برستاق بيهق ، فورد خبر الخوارج ، فهرب منهم فأصابه التعب من خشونة السفر فاعتلّ ومات منه ، وصلّيت عليه . (1)

263كتابه عليه السلام إلى المحموديّفي أحمد بن حمّاد المروزيّ[محمّد بن مسعود قال :] قال المحموديّ [ أبو عليّ المحموديّ محمّد بن أحمد بن حمّاد المروزيّ 2 ] : وكتب إليّ الماضي عليه السلام ( أي الهادي ) بعد وفاة أبي :

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص820 الرقم 1028 ، الإيضاح لابن شاذان : ص19 .

ص: 246

264 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن الحسين

قَد مَضَى أَبُوكَ رَضِيَ اللّهُ عَنهُ وَعَنَكَ وَهُوَ عِندَنَا عَلَى حَالَةٍ مَحمُودَةٍ ، وَلَن تُبعَد مِن تِلكَ الحَالِ . (1)

264كتابه عليه السلام إلى الحسن بن الحسينعلي بن محمّد القتيبيّ عن الزفريّ بكر بن زفر الفارسيّ ، عن الحسن بن الحسين (2) ، أنّه قال : استحلّ أحمد بن حمّاد منّي مالاً له خطر ، فكتبت رقعة إلى أبي الحسن عليه السلام وشكوت فيها أحمد بن حمّاد ، فوقّع فيها :خَوِّفهُ بِاللّهِ . ففعلتُ ولم ينفع ، فعاودته برقعةٍ اُخرى أعلمته أنّي قد فعلت ما أمرتني به فلم

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص833 الرقم1057 .
2- .الحسن بن الحسين : الرجل مردّد بين الحسن بن الحسين المروزيّ [ في نسخة الحسن بن الحسن ] روى الشيخ عنه بإسناده عن إسماعيل بن مهران عنه . . . ( تهذيب الأحكام : ج3 ص60 _ 61 ح8 _ 13 ) ، أو الحسن بن الحسين العلويّ . عدّه الشيخ من أصحاب الهادي عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص386 الرقم 5684 ، الكافي : ج6 ص479 ح9 ) .

ص: 247

265 . كتابه عليه السلام إلى موسى بن جعفر بن إبراهيم بن محمّد في عليّ بن جعفر

أنتفع ، فوقّع : إِذَا لَم يَحُلّ فِيهِ التَّخوِيفُ بِاللّهِ فَكَيفَ تُخَوِّفهُ بِأَنفُسِنَا . (1)

265كتابه عليه السلام إلى موسى بن جعفر بن إبراهيم بن محمّدفي عليّ بن جعفرموسى بن جعفر بن وهب عن محمّد بن إبراهيم ، عن إبراهيم بن داوود اليعقوبيّقال : موسى بن جعفر بن إبراهيم بن محمّد (2) أنّه قال : كتبت إليه : جُعلت فداك ، قِبَلنا أشياء يحكي عن فارس ، والخلاف بينه وبين عليّ بن جعفر ، حتّى صار يبرأ بعضهم من بعض ، فإن رأيت أن تمنّ عليّ بما عندك فيهما ، وأيّهما يتولّى حوائجي قِبَلك حتّى أعدوه إلى غيره ، فقد احتجت إلى ذلك ، فعلت متفضّلاً إن شاء اللّه . فكتب عليه السلام :لَيسَ عَن مِثلِ هَذَا يُسأَلُ وَلا فِي مِثلِهِ يُشَكُّ ، قَد عَظَّمَ اللّهُ قَدرَ عَلِيِّ بنِ جَعفَرٍ (3) ، مَتَّعَنَا اللّهُ تَعَالَى عَن أَن يُقَاسَ إِلَيهِ ، فَاقصُد عَلِيَّ بنَ جَعفَرٍ بِحَوائِجِكَ ، وَاجتَنِبُوا فَارِساً ، وَامتَنِعُوا مِن إِدخَالِهِ فِي شَيءٍ مِن أُمورِكُم أَو حَوائِجِكُم ، تَفعَل ذَلِكَ أَنتَ وَمَن أَطاعَكَ مِن أَهلِ بِلادِكَ ، فَإِنَّهُ قَد بَلَغَنِي مَا تَمَوَّهَ (4) بِهِ عَلَى النَّاسِ ، فَلا تَلتَفِتُوا إلَيهِ إِن شَاءَ اللّهُ . (5)

.


1- .رجال الكشّي : ج 2 ص 834 الرقم 1059.
2- .هكذا في نسخ الكشّي ، لعلّ السند هكذا موسى بن جعفر عن إبراهيم بن محمّد ( الهمدانيّ ) كما ثبّته السيّد الخوئي في معجمه ، أو عن محمّد بن إبراهيم . أوقع التصحيف أو القلب من النسّاخ أو غيره ( معجم رجال الحديث : ج14 ص 259 الرقم 9311 وج12 ص312 الرقم 7981 ) .
3- .اُنظر ترجمته في الرقم 26 .
4- .موّهت الشيء : إذا طليته بفضّة أو ذهب وتحت ذلك نحاس أو حديد ، ومنه التموية وهو التلبيس . مموّه : أي مزخرف أو ممزوج من الحقّ والباطل ، ومنه : التمويه ، وهو التلبيس ( مجمع البحرين : ج6 ص363 ) .
5- .رجال الكشّي : ج2 ص 807 الرقم 1005.

ص: 248

266 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن جعفر
حسن الختام
دعاؤه عليه السلام في الزيارة

266كتابه عليه السلام إلى عليّ بن جعفرمحمّد بن مسعود قال : قال يوسف بن السخت : كان عليّ بن جعفر وكيلاً لأبي الحسن عليه السلام ، وكان رجلاً من أهل همينيا ، قرية من قرى سواد بغداد ، فسعى به إلى المتوكّل ، فحبسه فطال حبسه ، واحتال من قبل عبيد اللّه بن خاقان بمالٍ ضمنه عنه ثلاثة آلاف دينار ، وكلّمه عبيد اللّه بن خاقان ، فعرض جامعه على المتوكّل ، فقال : يا عبيد اللّه ، لو شككت فيك لقلت أنّك رافضيّ ، هذا وكيل فلان وأنا على قتله . قال : فتأدّى الخبر إلى عليّ بن جعفر ، فكتب إلى أبي الحسن عليه السلام : يا سيّدي ، اللّه اللّه فيّ ، فقد واللّه خفت أن أرتاب . فوقّع عليه السلام في رقعته :أَمَّا إِذَا بَلَغَ بِكَ الأَمرُ مَا أَرَى فَسَأَقصُدُ اللّهَ فِيكَ . وكان هذا في ليلة الجمعة ، فأصبح المتوكّل محموماً فازدادت علّته حتّى صُرخ عليه يوم الاثنين ، فأمر بتخلية كلّ محبوس عرض عليه اسمه ، حتّى ذكر هو عليّ بن جعفر . فقال لعبيد اللّه : لِمَ لم تعرض عليّ أمره ؟ فقال : لا أعود إلى ذكره أبداً . قال : خلّ سبيله الساعة ، وسله أن يجعلني في حلٍّ . فخلّى سبيله وصار إلى مكّة بأمر أبي الحسن عليه السلام ، فجاور بها ، وبرأ المتوكّل من علّته . (1)

حسن الختامدعاؤه عليه السلام في الزيارةأبو محمّد الفحّام قال : حدّثني أبو الحسن محمّد بن أحمد ( بن عبد اللّه المنصوري ) ، قال : حدّثني عمّ أبي ( موسى عيسى بن أحمد بن عيسى ) ، قال : قصدت الإمام

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص865 الرقم 1129 وراجع : ص866 الرقم 1130 ، بحار الأنوار : ج50 ص183 ح58 نقلاً عنه.

ص: 249

( عليّ بن محمّد ) عليه السلام يوماً فقلت : يا سيّدي ، إنّ هذا الرجل قد أطرحني وقطع رزقي وملّلني ، وما أتّهمُ في ذلك إلّا علمه بملازمتي لك ، فإذا سألته شيئاً منه يلزمه القبول منك ، فينبغي أن تتفضّل عليّ بمسألته . فقال :تُكفَى إِن شَاءَ اللّهُ . فلمّا كان في الليل طرقني رُسل المتوكّل ، رسولٌ يتلو رسولاً ، فجئت والفتح على الباب قائم فقال : يا رجل ، ما تأوي في منزلك بالليل ، كدّني هذا الرجل ممّا يطلبك . فدخلت وإذا المتوكّل جالس على فراشه ، فقال : يا أبا موسى ، نشغل عنك وتُنسينا نفسك ، أيّ شيء لك عندي ؟ فقلت : الصلة الفلانيّة ، والرزق الفلانيّ ، وذكرت أشياء ، فأمر لي بها وبضعفها . فقلت للفتح : وافَى عليُّ بن محمّد إلى هاهنا ؟ فقال : لا . فقلت : كتب رقعة ؟ فقال : لا . فولّيت منصرفاً فتبعني ، فقال لي : لست أشكّ أنّك سألته دعاءً لك ، فالتمس لي منه دعاء ! فلمّا دخلت إليه عليه السلام قال لي : يا أَبَا مُوسَى ، هَذَا وَجهُ الرِّضَا . فقلت : ببركتك يا سيّدي ، ولكن قالوا لي : إنّك ما مضيت إليه ولا سألته . فقال : إِنَّ اللّهَ تَعَالَى عَلِم مِنَّا أَنَّا لا نَلجَأُ فِي المُهِمَّاتِ إِلَا إِلَيهِ ، وَلا نَتَوَكَّلُ فِي المُلِمَّاتِ إِلَا عَلَيهِ ، وَعَوَّدنَا إِذَا سَأَلنَا الإِجَابَةَ ، وَنَخَافُ أَن نَعدِلَ فَيَعدِلَ بِنَا . قلت : إنّ الفتح قال لي كيت وكيت ! قال : إِنُّهُ يُوَالِينَا بِظَاهِرِهِ ، وَيُجانِبُنَا بِبَاطِنِهِ ، الدُّعَاءُ لِمَن يَدعُو بِهِ ، إِذَا أَخلَصتَ فِي طَاعَةِ اللّهِ ، وَاعتَرفَتَ بِرَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله وَبِحَقِّنَا أَهلَ البَيتِ ، وَسَأَلَت اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى شَيئاً لَم يَحرِمكَ .

.

ص: 250

قلت : يا سيّدي ، فتعلّمني دعاءً اختصّ به من الأدعية . قال : هَذَا الدُّعَاءُ كَثِيرَاً مَا أَدعُو اللّهَ بِهِ ، وَقَد سَأَلتُ اللّهَ أَن لا يُخَيِّبَ مَن دَعَا بِهِ فِي مَشهَدِي بَعدِي ، وَهُوَ : يا عُدَّتِي عِندَ العُدَدِ ، وَيَا رَجَائِي وَالمُعتَمَدُ ، وَيَا كَهفِي وَالسَّنَد ، وَيَا وَاحِدُ يا أَحَدُ ، وَيَا قُل هُوَ اللّهُأَحَدٌ ، أَسأَلُكَ اللَّهُمَّ بِحَقِّ مَن خَلَقتَهُ مِن خَلقِكَ وَلَم تَجعَل فِي خَلقِكَ مِثلَهُم أَحَدَاً ، أَن تُصَلِّيَ عَلَيهِم ، وَتَفعَلَ بِي كَيتَ وَكَيتَ . (1) وآخر دعوانا : « سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ » (2) .

.


1- .الأمالي للطوسي : ص291 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص410 ، بشارة المصطفى : ص135 ، بحار الأنوار : ج50 ص127 ح5 .
2- .الصافّات : 180 _ 182 .

ص: 251

مكاتيب الإمام الحسن بن عليّ العسكري عليه السلام

اشاره

مكاتيب الإمام الحسن بنُ عليٍّ العسكريُّ عليه السلام

.

ص: 252

. .

ص: 253

الفصل الأوّل : في التوحيد

اشاره

الفصل الأوّل: في التّوحيد

.

ص: 254

. .

ص: 255

1 . كتابه عليه السلام إلى يعقوب بن إسحاق في إبطال الرؤية

1كتابه عليه السلام إلى يعقوب بن إسحاقفي إبطال الرؤيةمحمّد بن أبي عبد اللّه ، عن عليّ بن أبي القاسم ، عن يعقوب بن إسحاق 1 ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام أسأله كيف يعبد العبد ربّه وهو لا يراه ؟ فوقّع عليه السلام :يَا أبَا يُوسُفَ ، جَلَّ سَيِّدِي وَمَوَلايَ والمُنعِمُ عَلَيَّ وَعَلَى آبَائِي أَن يُرَى . قال : وسألته هل رأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ربّه ؟ فوقّع عليه السلام :

.

ص: 256

2 . كتابه عليه السلام إلى سهل في النهي عن وصفه بغَير ما وصَف به نفسَه تعالى

إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالَى _ أرَى رَسُولَهُ بِقَلبِهِ مِن نُورِ عَظَمَتِهِ مَا أحَبَّ . (1)

2كتابه عليه السلام إلى سهلفي النهي عن وصفه بغَير ما وصَف به نفسَه تعالىسهلٌ (2) قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام سنة خمس وخمسين ومئتين : قد اختلف ياسيّدي أصحابنا في التوحيد ، منهم من يقول : هو جسم ، ومنهم من يقول : هو صورة ، فإن رأيت يا سيّدي أن تُعلّمني من ذلك ما أقفُ عليه ، ولا أجوزُهُ فعلتَ مُتطوّلاً على عبدك . فوقّع بخطّه عليه السلام :سَألتَ عَنِ التَّوحِيدِ وَهَذَا عَنكُم مَعزُولٌ ، اللّهُ وَاحِدٌ أحَدٌ (3) ، لَم يَلِد وَلَم يُولَد وَلَم يَكُن لَهُ كُفُواً أحَدٌ ، خَالِقٌ وَلَيسَ بِمَخلُوقٍ ، يَخلُقُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا يَشَاءُ مِنَ الأجسَامِ وَغَيرِ ذَلِكَ (4) وَلَيسَ بِجِسمٍ ، وَيُصَوِّرُ مَا يَشَاءُ ولَيسَ بِصُورَةٍ ، جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَت أسمَاؤُهُ أن يَكُونَ لَهُ شِبهٌ هُوَ لا غَيرُهُ ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ . (5)

.


1- .. الكافي : ج1 ص95 ح1 ، التوحيد : ص108 ح2 ، بحار الأنوار : ج4 ص43 ح21 .
2- .. المراد به هو : سهل بن زياد الآدمي ، يُكنّى أبا سعيد ، من أهل الري ، من أصحاب أبي جعفر الثاني عليه السلام ( راجع: رجال الطوسي : ص375 الرقم5556 ) ، وأصحاب أبي الحسن الثالث عليه السلام ( ص 387 الرقم 5699 ) ، وأصحاب أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام ( ص 399 الرقم5851 ) .
3- .. وزاد في التوحيد : « صمد » .
4- .. في التوحيد : « غير ذلك ويصوّر ما يشاء وليس بمصوّر » بدل « غير ذلك وليس بجسم ويصوّر ما يشاء ، وليس بصورة » .
5- .. الكافي : ج1 ص103 ح10 ، التوحيد : ص101 ح14 ، بحار الأنوار : ج3 ص260 ح10 .

ص: 257

الفصل الثاني : في الإمامة

اشاره

الفصل الثاني: في الإمامة

.

ص: 258

. .

ص: 259

3 . كتاب له عليه السلام في حكمة بالغة

3كتاب له عليه السلامحكمة بالغةوجِدَ مكتوباً بخطّه هذا الكتاب :قَد صَعِدنَا ذُرَى (1) الحَقَائِقِ بِأَقدَامِ النُّبُوَّةِ وَالوَلايَةِ ، وَنَوَّرنَا السَّبعَ الطَّرَائِقَ بِأَعلامِ الفُتُوَّةِ وَالهِدَايَةِ (2) ، فَنَحنُ لُيُوثُ الوَغَى (3) وَغُيُوثُ النَّدَى ، وَفِينَا السَّيفُ ، وَالقَلَمُ فِي العَاجِلِ ، وَلِوَاءُ الحَمدِ وَالعَلَمُ فِي الآجِلِ ، وَأَسبَاطُنَا خُلَفَاءُ الدِّينِ ، وَحُلَفَاءُ ( خُلَفَاءُ ) اليَقِينِ ، وَمَصَابِيحُ الأُمَمِ ، وَمَفَاتِيحُ الكَرَمِ ، وَالكَلِيمُ أُلبِسَ حُلَّةَ الاِصطِفَاءِ لَمَّا عَهِدنَا مِنهُ الوَفَاءَ ، وَرُوحُ القُدُسِ فِي جِنَانِ الصَّاقُورَةِ (4) ذَاقَ مِن حَدَائِقِنَا البَاكُورَةِ (5) ، وَشِيعَتُنَا الفِئَةُ النَّاجِيَةُ وَالفِرقَةُ الزَّاكِيَةُ ، صَارُوا لَنَا رِداءً وَصَوناً ، وَعَلَى الظَّلَمَةِ إِلباً (6) وَعَوناً ،

.


1- .الذرى : جمع ذروة ، وهي أعلى سنام البعير ، وذروة كلّ شيء أعلاه ( النهاية لابن الأثير : ج2 ص159 ) .
2- .. وفي نسخةٍ : «ونوّرنا سبع طبقات النبوّة والهداية » ، وفي نسخةٍ أُخرى : « ونوّرنا سبع طبقات أعلام الفتوّة والهداية » .
3- .. الوَغَى : الجلبة والأصوات ( معجم مقاييس اللغة : ج6 ص127 ) .
4- .. صقر : يدلّ على وقع شيء بشدّة ، من ذلك الصقر وهو ضربك الصخرة بمعول ، ويقال : المعول الصاقور، ويجوز أن يدخل فيه الهاء فيقال : الصاقورة ( معجم مقاييس اللغة: ج 3 ص 297) . وفي نسخة : « الصاغورة » .
5- .. البَاكُورَة : أوّل كلّ شيء ( لسان العرب : ج4 ص77 ) .
6- .. الألب بالفتح والكسر : القوم يجتمعون على عداوة إنسان ، وقد تألّبوا أي : تجمّعوا ( النهاية لابن الأثير : ج1 ص59 ) .

ص: 260

4 . كتاب له عليه السلام

وَسَيُحفَرُ (1) لَهُم يَنَابِيعُ الحَيَوَانِ بَعدَ لَظَى النِّيرَانِ . (2) وكتبه الحسن بن العسكري في سنة أربع وخمسين ومئتين (3) . (4)

4كتاب له عليه السلامكتاب المحتضر للحسن بن سليمان : رُوي أنّه وجَد بخطِّ مولانا أبي محمّد العسكريّ عليه السلام :أَعُوذُ بِاللّهِ مِن قَومٍ حَذَفُوا مُحكَمَاتِ الكِتَابِ ، وَنَسُوا اللّهَ رَبَّ الأَربَابِ وَالنَّبِيَّوَسَاقِيَ الكَوثَرِ فِي مَوَاقِفِ الحِسَابِ ، وَلَظَى وَالطَّامَّةَ الكُبرَى وَنَعِيمَ دَارِ الثَّوَابِ ، فَنَحنُ السَّنَامُ الأَعظَمُ ، وَفِينَا النُّبُوَّةُ وَالوَلايَةُ وَالكَرَمُ ، وَنَحنُ مَنَارُ الهُدَى وَالعُروَةُ الوُثقَى ، وَالأَنبِيَاءُ كَانُوا يَقتَبِسُونَ مِن أَنوَارِنَا وَيَقتَفُونَ آثَارَنَا ، وَسَيَظهَرُ حُجَّةُ اللّهِ عَلَى الخَلقِ بِالسَّيفِ المَسلُولِ لإِظهَارِ الحَقِّ . وَهَذَا خَطُّ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُوسَى بنِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ بنَ عَلِيٍّ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ . (5)

.


1- .. وفي نسخة : « وسيسفر لنا » .
2- .. وفي البحار : « وَعَوناً وَسَيَنفَجِرُ لَهُم يَنَابِيعُ الحَيَوَانِ بَعدَ لَظَى النِّيرَانِ ، لِتَمَامِ آل حم وطه ( الطَّوَاوِيَةِ ) وَالطَّوَاسِينِ مِنَ السِّنِينَ ، وهذا الكتاب درّة من درر الرحمة وقطرة من بحر الحكمة . . . » بدل « وَعَوناً ، وَسيحفر لَهُم يَنَابِيعُ الحَيَوَانِ بَعدَ لَظَى النِّيرَانِ لتمام آل حم وطه والطواسين من السنين ، وهذا لكتاب درّة من درر الرحمة وقطرة من بحر الحكمة . . . » ( بحار الأنوار ، ج26 ص265 ح50 ) .
3- .. قال العلّامة المجلسي رحمه اللهبعد نقله : « هذه حكمة بالغة ونعمة سابغة تسمعها الآذان الصمّ وتقصر عليها الجبال الشمّ _ صلوات اللّه عليهم وسلامه _ » بحار الأنوار : ج 75 ص 378 .
4- .. الدرّة الباهرة : ص 44 ، بحار الأنوار : ج 75 ص 378 ح3 وج26 ص265 ح 51 وفيه : « قال بعض الثقات : وجدت بخطّه عليه السلام مكتوباً على ظهر كتاب : . . . » .
5- .. مشارق أنوار اليقين : ص 71 ، بحار الأنوار : ج 26 ص 264 ح 50 .

ص: 261

5 . توقيعه عليه السلام إلى أحمد بن داوود ومحمّد بن عبد اللّه الطلحيّ

5توقيعه عليه السلام إلى أحمد بن داوود ومحمّد بن عبد اللّه الطلحيّفي الإشارة والنصّ إلى الإمام عليه السلامأحمد بن داوود القميّ (1) ومحمّد بن عبد اللّه الطلحيّ (2) ، قالا : حملنا مالاً اجتمع من خُمس ونذور ، من عين وورق وجوهر وحلي وثياب من قمّ وما يليها ، فخرجنا نريد سيّدنا أبا الحسن عليّ بن محمّد عليه السلام ، فلمّا صرنا إلى دسكرة الملك تلقّانا رجل راكب على جمل ونحن في قافلة عظيمة ، فقصدنا ونحن سائرون في جملة الناس وهو يعارضنا بجمله ، حتّى وصل إلينا وقال : يا أحمد بن داوود ومحمّد بن عبد اللّه الطلحيّ ، معي رسالة إليكما . فقلنا له : ممّن يرحمك اللّه ؟ قال : من سيّدكما أبي الحسن عليّ بن محمّد عليه السلام يقول لكما :أَنَا رَاحِلٌ إِلَى اللّهِ فِي هَذِهِ اللَّيلَةِ ، فَأَقِيمَا مَكَانَكُمَا حَتَّى يَأتِيكُمَا أَمرُ ابنِي أَبِي مُحَمَّدٍالحَسَنِ عليه السلام .

فخشعت قلوبنا وبكت عيوننا ، وأخفينا ذلك ولم نظهره ، ونزلنا بدسكرة الملك ، واستأجرنا منزلاً وأحرزنا ما حملناه فيه ، وأصبحنا والخبر شائع في الدسكرة بوفاة مولانا أبي الحسن عليه السلام ، فقلنا : لا إله إلّا اللّه ، أترى ( الرسول ) الّذي جاء برسالته أشاع الخبر في الناس .

.


1- .. أحمد بن داوود بن عليّ القميّ : قال النجاشي : « أخو شيخنا الفقيه ، كان ثقة ثقة كثير الحديث ، صحب أبا الحسن عليّ بن الحسين بن بابويه _ والد الصدوق _ وله كتاب نوادر » ( رجال النجاشي : ج 1 ص 242 الرقم 233 ) ، والظاهر أنّه قد وقع سهو في قوله : « أخو شيخنا » والصواب « أبو شيخنا » ، كما يُستفاد من ترجمة ولده محمّد بن أحمد بن داوود .
2- .. الرجل مجهول لم نجد له ترجمة ، وهو متّحد مع محمّد بن داوود القميّ ( مستدركات علم رجال الحديث : ج7 ص179 الرقم 13742 ) .

ص: 262

فلمّا أن تعالى النهار ، رأينا قوماً من الشيعة على أشدّ قلق ممّا نحن فيه ، فأخفينا أثر الرسالة ولم نظهره . فلمّا جنّ علينا الليل جلسنا بلا ضوء حزناً على سيّدنا أبي الحسن عليه السلام ، نبكي ونشتكي إلى اللّه فقده ، فإذا نحن بيدٍ قد دخلت علينا من الباب ، فأضاءت كما يضيء المصباح ، وقائل يقول : يا أحمد يا محمّد ، ( خذا ) هذا التوقيع فاعملا بما فيه . فقمنا على أقدامنا وأخذنا التوقيع فإذا فيه :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ ، مِنَ الحَسَنِ المُستَكِينَ للّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، إِلَى شِيعَتِهِ المَسَاكِينَ . أَمَّا بَعدُ ، فَالحَمدُ للّهِ عَلَى مَا نَزَلَ بِنَا مِنهُ ، وَنَشكُرُ إِلَيكُم جَمِيلَ الصَّبرِ عَلَيهِ ، وَهُوَ حَسبُنَا فِي أَنفُسِنَا وَفِيكُم وَنِعمَ الوَكِيلِ ، رُدُّوا مَا مَعَكُم لَيسَ هَذَا أَوَانُ وُصُولِهِ إِلَينَا ، فَإِنَّ هَذَا الطَّاغِيَةُ قَد بَثَّ عَسَسَهُ (1) وَحَرَسَهُ حَولَنَا ، وَلَو شِئنَا مَا صَدَّكُم ، وَأَمرُنَا يُرَدَّ عَلَيكُم ، وَمَعَكُمَا صُرَّةٌ فِيهَا سَبعَةُ عَشَرَ دِينَاراً فِي خِرقَةٍ حَمرَاءَ « لِأَيَّوبَ بنِ سُلَيمَانَ الآبِي » ، فَرِدَّاهَا عَلَيهِ ، فَإِنَّهُ مُمتَحَنٌ بِمَا فَعَلَهُ ، وَهُوَ مِمَّن وَقَفَ عَلَى جَدِّي مُوسَى بنِ جَعفَرٍ عليهماالسلام . فَردِّا صُرَّتَهُ عَلَيهِ وَلَا تُخبِرَاهُ . فرجعنا إلى قمّ وأقمنا بها سبع ليالٍ ، فإذا قد جاءنا أمره : قَد أَنفذَنَا إِلَيكُمَا إِبِلاً غَيرَ إِبلِكُمَا ، فَاحمِلَا مَا قَبلَكُمَا عَلَيهَا وَخَلَّيَا لَهَا السَّبِيلَ ، فَإنَّها وَاصِلَةٌ إِلَينَا .

قالا : وكانت الإبل بغير قائدٍ ولا سائق توقيع بها الشرح ، وهو مثل ذلك التوقيع الّذي أوصلته إلينا بالدسكرة تلك اليد ، فحلمنا لها ما عندنا واستودعناها اللّه وأطلقناها . فلمّا كان من قابل خرجنا نريده عليه السلام ، فلمّا وصلنا إلى سُرَّ مَن رَأى دخلنا

.


1- .. العَسَس : جمع العاس ، الّذين يطوفون باللّيل ويحرسون الناس ويكشفون أهل الريبة ( راجع : لسان العرب : ج6 ص139 ) .

ص: 263

6 . كتابه عليه السلام إلى هارون بن مسلم

عليه عليه السلام ، فقال لنا :يَا أَحمَدُ يَا مُحَمَّدُ ، ادخُلَا مِنَ البَابِ الَّذِي بِجَانِبِ الدَّارِ ، فَانظُرَا إِلَى مَا حَمِلتُمَاهِ إِلَينَا عَلَى الإِبِلِ ، فَلَم تَفقِدَا ( فلن نَفقِد ) مِنهُ شَيئَاً . فدخلنا فإذا نحن بالمتاع كما وعيناه وشددناه لم يتغيّر منه شيء ، ووجدنا فيه الصرّة الحمراء والدنانير بختمها ، وكنّا رددناها على أيّوب . فقلنا : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، هذه الصرّة أليس قد رددناها على أيّوب ؟ فما نصنع هاهنا ؟ فواسوأتاه من سيّدنا . فصاح بنا من مجلسه : مَا لَكُمَا سَوأَتكُمَا . فسمعنا الصوت فأتينا إليه . فقال : آمَنَ أَيُّوبُ فِي وَقتِ رَدِّ الصُّرَّةِ عَلَيهِ ، فَقَبِلَ اللّهُ إِيمَانَهُ وَقَبِلنَا هَدِّيَتَهُ . فحمدنا اللّه وشكرناه على ذلك . (1)

6كتابه عليه السلام إلى هارون بن مسلمسعد بن عبد اللّه ، عن هارون بن مسلم 2 ، قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام بعد مضيّ أبي

.


1- .. مدينة المعاجز : ج 7 ص 661 ح 2651 نقلاً عن الهداية الكبرى للحضيني : ص 342 .

ص: 264

7 . كتابه عليه السلام إلى ناصح البادوديّ

الحسن عليه السلام أنا وجماعة نسأله عن وصيّ أبيه ، فكتب :قَد فَهِمتُ مَا ذَكَرتُم وَإِن كُنتُم إِلَى هَذَا الوَقتِ فِي شَكٍّ فَإِنَّهَا المُصِيبَةُ العُظمَى ، أَنَا وَصِيُّهُ وَصَاحِبُكُم بَعدَهُ عليه السلام ، بِمُشَافَهَةٍ مِنَ المَاضِي ، أُشهِدُ اللّهَ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ وَأَولِيَاءَهُ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِن شَكَكتُم بَعدَمَا رَأَيتُم خَطِّي وَسَمِعتُم مُخَاطَبَتِي فَقَد أَخطَأتُم حَظَّ أَنفُسِكُم وَغَلَطتُم الطَّرِيقَ . (1)

7كتابه عليه السلام إلى ناصح البادوديّروى علّان الكلابيّ عن إسحاق بن إسماعيل النيشابوريّ ، قال : حدّثني الربيع بن سويد الشيبانيّ (2) ، قال : حدّثني ناصح البادوديّ (3) ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام أُعزّيه بأبي الحسن ، وقلتُ في نفسي وأنا أكتب : لو قد خرج ببرهانٍ يكون حجّة لي . فأجابني عن تعزيتي ، وكتب بعد ذلك :مَن سَأَلَ آيَةً أَو بُرهَاناً فَأُعطِيَ ثُمَّ رَجَعَ عَمَّن طَلَبَ مِنهُ الآيَةَ ، عُذِّبَ ضِعفَ العَذَابِ ، وَمَن صَبَرَ أُعطِيَ التَّأيِيدَ مِنَ اللّهِ ، وَالنَّاسُ مَجبُولُونَ عَلَى جِبلَةِ (4) إِيثَارِ الكُتُبِ

.


1- .. إثبات الوصية : ص 261 .
2- .. الظاهر أنّ الربيع بن سويد الشيباني مصحّف محمّد بن الربيع بن سويد السائي وهو الصحيح ، وذلك لأنّ الشيخ عدّه من أصحاب مولانا الحسن العسكري عليه السلام ، قائلاً : «محمّد بن ربيع بن سويد السائي » ( رجال الطوسي : ص402 ، الرقم 5907 ) ولورود رواية إسحاق عن محمّد بن الربيع في الكافي : ج 1 ص 511 ح 20 ، والسائي نسبة إلى ساية _ قرية بمكّة ، أو واد بين الحرمين _ فعلى هذا ف_« الشيباني » و « الشائي » أو « النسائي » و « النشائي » أو « الناشي » أو « الشامي » كلّهم مصحّف « السائي » ، كما ذهب إليه شارح الكافي : ج7 ص 329 .
3- .. الرجل مجهول ، لم نجد له ترجمة .
4- .. وفي تحف العقول : « حيلة » بدل « جبلة » .

ص: 265

8 . كتابه عليه السلام إلى بعض رجاله في اتّصال الوصيّة من لدن آدم عليه السلام

المُنَشَّرَةِ ، فَاسأَلُ اللّهَ ( السَّدَادَ ) (1) ، فَإِنَّمَا هُوَ التَّسلِيمُ أَو العَطَبُ (2) ، وَللّهِ عاقِبَةُ الأُمُورِ . (3)

8كتابه عليه السلام إلى بعض رجالهفي اتّصال الوصيّة من لدن آدم عليه السلامحدّثنا محمّد بن الحسن رضى الله عنه قال : حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري ، قال : حدّثنا أحمد بن إسحاق 4 ، قال :خرج عن أبي محمّد عليه السلام إلى بعض رجاله في عرض كلامٍ له :ما مُنِيَ أَحَدٌ مِن آبَائِي بِمَا مُنِيتُ بِهِ مِن شَكِّ هَذِهِ العِصَابَةِ فِيَّ ، فَإِن كَانَ هَذَا الأَمرُ أَمراً اعتَقَدَتمُوُهُ وَدِنتُم بِهِ إِلَى وَقتٍ ثُمَّ يَنقَطِعُ ، فَلِلشَّكِّ مَوضِعٌ ، وَإِن كَانَ مُتَّصِلاً مَا اتَّصَلَت أُمُورُ اللّهِ عزّ وجلّ فَمَا مَعنَى هَذَا الشَّكِّ ؟ (4)

.


1- .. وفي تحف العقول زاد « السداد » ، أي من عادة الناس أن يكتبوا كتباً مزوّرة وينشروها .
2- .. العَطَب : أي الهلاك ( لسان العرب : ج 1 ص 610 ) .
3- .. إثبات الوصية : ص 261 ، تحف العقول : ص486 ، وفيه : «كتب عليه السلام إلى رجلٍ سأله دليلاً : من سأل آية . . . » ، بحار الأنوار : ج 75 ص 371 .
4- .. كمال الدين : ج1 ص222 ح10 ، تحف العقول : ص 487 ، وفيه : « خرج في بعض توقيعاته عليه السلام _ عند اختلاف قوم من شيعته في أمره _ : ما مُنِيَ أَحدٌ . . . » ، بحار الأنوار : ج23 ص38 ح68 وج 75 ص372 .

ص: 266

9 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن مُطهّر في الواقفية

9كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن مُطهّرفي الواقفيةرُوي عن أحمد بن محمّد بن مطهّر 1 ( قال : ) كتب بعض أصحابنا إلى أبي محمّد عليه السلام _ من أهل الجَبَل _ يسأله عمّن وقف (1) على أبي الحسن موسى ، أتولاهم أم أتبرّأ منهم ؟ فكتب إليه :لا تَتَرَحَّم عَلَى عَمِّكَ ، لا رَحِمَ اللّهُ عَمَّكَ وَتَبَرَّأ مِنهُ ، أَ نَا إِلَى اللّهِ مِنهُم بَرِيءٌ فَلا تَتَوَلّاهُم ، وَلا تَعُد مَرضَاهُم ، وَلا تَشهَد جَنَائِزَهُم ، وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنهُم ماتَ أَبَداً . سَوَاءٌ مَن جَحَدَ إِمَاماً مِنَ اللّهِ ، أَو زَادَ إِمَاماً لَيسَت إِمَامَتُهُ مِنَ اللّهِ ، أَو جَحَدَ ، أَو قَالَ : ثَالِثُ ثَلاثَةٍ . (2) إِنَّ الجَاحِدَ أَمرَ آخِرِنَا جَاحِدٌ أَمرَ أَوَّلِنَا ، وَالزَّائِدَ فِينَا كَالنَّاقِصِ الجَاحِدِ أَمرَنَا .

.


1- .. الفرقة الواقفيّة : هم الّذين وقفو على الإمام الكاظم عليه السلام ، وربّما يُطلق عليهم ب_« الكلاب الممطورة » ، أي الكلاب الّتي أصابها المطر ، مبالغةً في نجاستهم والبعد عنهم .
2- .. راجع المائدة : 73 .

ص: 267

10 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه حمدويه البيهقيّ في نصب الوكلاء

وكَأنّ هذا _ أي السائل _ لم يعلم أنّ عمّه كان منهم ، فأعلمه ذلك . (1)

10كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن حمدويه البيهقيّفي نصب الوكلاءومن كتاب له عليه السلام إلى عبد اللّه بن حمدويه البيهقيّ (2) :وَبَعدُ ، فَقَد نَصَبتُ لَكُم إِبرَاهِيمَ بنَ عَبدَةَ ؛ 3 لِيَدفَعَ إِلَيهِ النَّوَاحِي وَأَهلُ نَاحِيَتِكَ حُقُوقِي الوَاجِبَةَ عَلَيكُم ، وَجَعَلتُهُ ثِقَتِي وَأَمِينِي عِندَ مَوَالِي هُنَاكَ ، فَليَتَّقُوا اللّهَ جَلَّ جَلَالَهُ ، وَليُراقِبُوا وَليُؤَدُّوا الحُقُوقَ ، فَلَيسَ لَهُم عُذرٌ فِي تَركِ ذلِكَ وَلَا تَأخِيرِهِ ، لَا أَشقَاكُم اللّهُ بِعِصيَانِ أَولِيَائِهِ ، وَرَحِمَهُم وَإِيَّاكَ مَعَهُم بِرَحمَتِي لَهُم ، إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ . (3)

.


1- .. الخرائج والجرائح : ج 1 ص 452 ح 38 ، كشف الغمّة : ج 3 ص 226 وفيه : « إماماً من اللّه ، أو زاد إماماً ليست إمامته من اللّه ، كان كمن قال : إنّ اللّه ثالث ثلاثة ، إنّ الجاحد أمر . . . » بدل « إماماً ليست إمامته من اللّه ، أو جحد ، أو قال : ثالث ثلاثة ، إنّ الجاحد أمر . . . » ، بحار الأنوار : ج 50 ص 275 ح 46 ، وسائل الشيعة : ج 28 ص352 ح34943 .
2- .. عبد اللّه بن حمدويه البيهقيّ : كان من أصحاب مولانا العسكري عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 400 الرقم 5862 ) . وترحّم عليه أبي محمّد العسكريّ عليه السلام ، وورد بعض التوقيعات إليه ( جامع الرواة : ج 1 ص 483 ) .
3- .. رجال الكشّي : ج2 ص796 الرقم983 .

ص: 268

11 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عبدة
12 . كتاب له عليه السلام في ولادة صاحب الزمان عليه السلام

11كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عبدةقال أبو عمرو : حكى بعض الثقات أنّ أبا محمّد عليه السلام كتب إلى إبراهيم بن عبدة :وَكِتَابِي الَّذِي وَرَدَ عَلَى إِبرَاهِيمَ بنِ عَبدَةَ بِتَوكِيلِي إيِّاهُ بِقَبضِ حُقُوقِي مِن مَوَالِينَا هُنَاكَ ، نَعَم ، هُوَ كِتَابِي بِخَطِّي إِلَيهِ أَقَمتُهُ _ أَعنِي إِبرَاهِيمَ بنَ عَبدَةَ _ لَهُم بِبَلَدِهِم حَقّاً غَيرَ بَاطِلٍ ، فَليَتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ، وَليَخرُجُوا مِن حُقُوقِي ، وَليَدفَعُوهَا إِلَيهِ ، فَقَد جَوَّزتُ لَهُ مَا يَعمَلُ بِهِ فِيهَا ، وَفَّقَهُ اللّهُ ، وَمَنَّ عَلَيهِ بِالسَّلَامَةِ مِنَ التَّقصِيرِ بِرَحمَتِهِ . (1)

12كتاب له عليه السلامفي ولادة صاحب الزمان عليه السلامالحسين بن محمّد الأشعريّ عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه (2) ، قال : خرج عن أبي محمّد عليه السلام حين قُتل الزبيريّ (3) لعنه اللّه :هَذَا جَزَاءُ مَنِ اجتَرَأ عَلَى اللّهِ فِي أولِيَائِهِ ، يَزعُمُ أنَّهُ يَقتُلُنِي وَلَيسَ لِي عَقِبٌ ، فَكَيفَ

.


1- .. رجال الكشّي : ج 2 ص 848 الرقم 1089 .
2- .. الظاهر أنّ المراد به هو أحمد به محمّد بن عبد اللّه بن مروان الأنباريّ ، بقرينة رواية معلّى بن محمّد عنه في مواضع كثيرة، في الكافي وغيره ، كما ورد السند المبحوث في الكافي كتاب الحجّة باب الإشارة والنصّ على أبي محمّد عليه السلام ، وفيه : « الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه بن مروان الأنباريّ ، قال . . . » الحديث ( الكافي : ج 1 ص 326 ح 5 ) ، عدّه الشيخ في أصحاب العسكري عليه السلام ( ص 397 ح5821 ) .
3- .. الزبيريّ كان لقب بعض الأشقياء من ولد الزبير ، كان في زمانه عليه السلام فهدّده ، وقتله اللّه على يد الخليفة أو غيره ، وصحّف بعضهم ، وقُرأ بفتح الزاء وكسر الباء من الزبير بمعنى الداهية ، كناية عن المهتدي العبّاسي ، حيث قتله الموالي ( مرآة العقول : ج 4 ص 3 ) .

ص: 269

13 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن إسحاق

رَأى قُدرَةَ اللّهِ فِيهِ . ووُلِد له ولدٌ سمّاه « م ح م د » 1 في سنة ستّ وخمسين ومئتين . (1)

13كتابه عليه السلام إلى أحمد بن إسحاقحدّثنا أبو العبّاس أحمد بن الحسين بن عبد اللّه بن مهران الآبي الأزديّ العروضيّ بمرو ، قال : حدّثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق القمّي ، قال : لمّا ولد الخلف الصالح عليه السلام ورد عن مولانا أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام إلى جدّي أحمد بن إسحاق (2) كتاب ، فإذا فيه مكتوب بخطّ يده عليه السلام الّذي كان ترد به التوقيعات عليه ، وفيه :وُلِدَ لَنا مَولُودٌ ، فَليَكُن عِندَكَ مَستُوراً ، وعَن جَمِيعِ النَّاسِ مَكتُوماً ، فَإنَّا لَم نُظهِر عَلَيهِ إلَا الأَقرَبَ لِقِرابَتِهِ ، والوَلِيَّ لِوِلايَتِهِ ، أَحبَبنَا إِعلامَكَ لِيَسُرَّكَ اللّهُ لَهُ مِثلَ مَا سَرَّنَا

.


1- .. الكافي : ج1 ص 329 ح 5 ، الإرشاد : ج 2 ص 349 ، وفيه : « قال محمّد بن عبد اللّه : وولد له ولد » بدل « وولد له ولد سمّاه ( م ح م د ) في سنة ستّ وخمسين ومئتين » ، الغيبة للطوسي : ص 231 ح 198 ، كمال الدين ، ص430 ح3 ، وفيه : « جعفر بن محمّد بن مسرور قال : حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر ، عن معلّى بن محمّد البصريّ قال : خرج عن أبي محمّد عليه السلام . . . » ، بحار الأنوار : ج 53 ص 4 ح 4 .
2- .. اُنظر ترجمته في الرقم 8 .

ص: 270

14 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن إِدرِيس

بِهِ ، (1) وَالسَّلامُ . (2)

روى الصدوق رحمه الله : حدّثنا أبي ومحمّد بن الحسن _ رضي اللّه عنهما _ ، قالا : حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميريّ ، قال : حدّثنا أحمد بن إسحاق ، قال : دخلت على مولانا أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام ، فقال : يَا أَحمَدُ ، مَا كَانَ حَالُكُم فِيمَا كَانَ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الشَّكِّ وَالارتِيَابِ ؟ فقلت له : يا سيّديّ ، لمّا ورد الكتاب (3) لم يبق منّا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلّا قال بالحقّ . فقال :أَحمِدُ اللّهَ عَلَى ذَلِكَ يَا أَحمَدُ ، أَمَا عَلِمتُم أَنَّ الأَرضَ لَا تَخلُو مِن حُجَّةٍ ؟ وَأَنَا ذَلِكَ الحُجَّةُ _ أَو قَالَ : أَنَا الحُجَّةُ _ . (4)

14كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن إِدرِيسعنه ( محمّد بن عليّ الشلمغانيّ ) ، قال : حدّثني الثقة عن إبراهيم بن إدرِيس 5 ، قال : وجّه إليَّ مولاي أبو محمّد عليه السلام بكبشٍ وقال :عُقَّهُ عَن ابنِي فُلَانٍ وَكُل وَأَطعِم أَهلَكَ .

ففعلت ، ثمّ لقيتُه بعد ذلك ، فقال لي :المَولُودُ الَّذِي وُلِدَ لِي مَاتَ . ثمّ وجّه إليَّ بكبشين وكتب : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ ، عُقَّ هذَينِ الكَبشَينِ عَن مَولَاكَ ، وَكُل

.


1- .. في بعض النسخ : « كما سرّنا به » .
2- .. كمال الدين : ص 433 ح 16 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 16 ح 21 نقلاً عنه .
3- .. من المحتمل أن يكون الكتاب المذكور في الحديث هو ما تقدّم آنفاً .
4- .. كمال الدين : ص 222 ح9 .

ص: 271

15 . كتابه عليه السلام إلى موسى بن جعفر بن وهب البغداديّ

هَنَّأَكَ اللّهُ وَأَطعِم إخوَانَكَ . (1)

وفي روايةٍ أُخرى : عن إبراهيم صاحب أبي محمّد عليه السلام (2) أنّه قال : وجّه إليَّ مولاي أبو الحسن عليه السلام بأربعة أكبشٍ ، وكتب إليّ :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ ، عُقَّ هَذِه عَن ابنِي مُحَمَّدٍ المَهدِيِّ ، وَكُل هَنَّأَكَ ، وَأَطعِم مَن وَجَدتَ مِن شِيعَتِنَا . (3)

15كتابه عليه السلام إلى موسى بن جعفر بن وهب البغداديّحدّثنا عليّ بن عبد اللّه الورّاق ، قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال : حدّثني موسى بن جعفر بن وهب البغداديّ (4) أنّه خرج من أبي محمّد عليه السلام توقيع :زَعَمُوا أنَّهُم يُرِيدُونَ قَتلِي لِيَقطَعُوا هَذا النَّسل ، وَقَد كَذَّبَ اللّهُ عزَّ وَجلَّ قَولَهُم وَالحَمدُ للّهِ . (5)

.


1- .. الغيبة للطوسي : ص 245 ح 214 ، إثبات الوصيّة : ص 221 عن الثقة من إخوانه مثله . . . ، وسائل الشيعة : ج 21 ص448 ح27548 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 22 ح 32 .
2- .. وفي المستدرك في حديثٍ صدره : « الحسين بن حمدان الحضينيّ في كتاب الهداية : عن إبراهيم بن إدريس صاحب نفقة أبي محمّد عليه السلام ، أنّه قال : وجّه إليَّ مولاي أبو الحسن عليه السلام . . . » . وفي حديث آخر صدره : « وفي كتابه الآخر : عن الحسن بن محمّد بن جمهور ، عن السيّاري ، عن إبراهيم بن إدريس _ صاحب نفقة أبي محمّد عليه السلام _ قال : وجّه إليّ مولاي أبو الحسن عليه السلام . . . » .
3- .. بحار الأنوار : ج 51 ص 28 ، مستدرك الوسائل : ج15 ص154 ح17838 نقلاً عن الهداية الكبرى للحضينيّ ص71 ، وراجع : ح 17839 .
4- .. أبو الحسن البغداديّ ، غير موثّق ومجهول الحال ( ذخيرة المعاد:ج2ص191ط ق ) ، ذكره الشيخ في الفهرست ، والنجاشي قائلاً : « له كتاب» من دون إشارة إلى شيء ( الفهرست : ص162 الرقم707 ، رجال النجاشي : ص406 الرقم1076 ) . عدّه الشيخ فيمَن لم يروِ عن الأئمّة عليهم السلام ( رجال الطوسي : ص449 الرقم6376 ) .
5- .. كمال الدين : ص 407 ح 3 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 160 ح 8 نقلاً عنه .

ص: 272

16 . كتاب له عليه السلام
17 . كتابه عليه السلام إلى أُمّه عليهاالسلام

16كتاب له عليه السلاموذكر الصيمَريّ 1 أيضاً عن المحموديّ (1) ، قال : رأيت خطّ أبي محمّد عليه السلام لمّا خرج من حبس المُعتمد : « يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَ اهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ » (2) . (3)

17كتابه عليه السلام إلى أُمّه عليهاالسلامحدّثنا عليّ بن الحسين بن شاذويه المؤدّب رضى الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن عبد اللّه ، عن أبيه عبد اللّه بن جعفر الحميريّ ، قال : حدّثني محمّد بن جعفر ، قال :حدّثني

.


1- .. هو أبو عليّ محمّد بن أحمد بن حمّاد المروزيّ ، من أصحاب أبي جعفر والهادي والعسكري عليهم السلام ، توفّي أبوه أبو العبّاس أحمد بن حمّاد في زمن الهادي عليه السلام ، فكتب عليه السلام بعد وفاة أبيه :« قد مضى أبوك _ رضي اللّه عنه وعنك _ وهو عندنا على حالة محمودة ، ولن تبعد من تلك الحال» فلُقّب بالمحموديّ (راجع : هامش بحارالأنوار: ج50 ص94) .
2- .. الصف :8 .
3- .. مهج الدعوات : ص 331 ، إثبات الوصية : ص 247 ، بحار الأنوار : ج50 ص314 .

ص: 273

18 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن ظَريف في قضاء القائم عليه السلام ، ولحُمّى الرِّبع

أحمد بن إبراهيم 1 ، قال : دخلت على حكيمة بنت محمّد بن عليّ الرضا أُخت أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام في سنة اثنتين وستّين ومئتين ، فكلّمتها من وراء حجاب ، وسألتها عن دينها ، فسمّت لي من تأتمّ بهم ، ثمّ قالت : والحجّة بن الحسن بن عليّ ، فسمّته . فقلت لها : جعلني اللّه فداك ، معاينةً أو خبراً ؟ فقالت : خبراً عن أبي محمّد عليه السلام كتب به إلى أُمّه . . . (1)

18كتابه عليه السلام إلى الحسن بن ظَريففي قضاء القائم عليه السلام ، ولحُمّى الرِّبعإسحاق قال : حدّثني الحسن بن ظَريف (2) ، قال : اختلج في صدري مسألتان أردتُ

.


1- .. كمال الدين : ج2 ص507 ، ورواه في ص501 ح27 وفيه : « حدّثنا عليّ بن أحمد بن مهزيار ، قال : حدّثني أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسديّ ، قال : حدّثنا أحمد بن إبراهيم ، قال : دخلت على حكيمة بنت محمّد بن عليّ الرضا أُخت أبي الحسن العسكري عليه السلام في سنة اثنتين وثمانين بالمدينة ، فكلّمتها من وراء الحجاب ، وسألتها عن دينها ، فسمّت لي من تأتمّ به ، ثمّ قالت : فلان بن الحسن عليه السلام فسمّته . . . » ، بحار الأنوار : ج51 ص363 ح11 نقلاً عنه .
2- .. الحسن بن ظريف بن ناصح ، كوفيّ ، يُكنّى أبا محمّد ، ثقة ، سكن ببغداد ( راجع : رجال النجاشي : ص61 الرقم140 ، رجال ابن داوود : ص 109 الرقم 423 ، خلاصة الأقوال : ص 43 الرقم 38 ) . عدّه الشيخ من أصحاب أبي الحسن الثالث عليه السلام ( رجال الطوسي : ص 385 الرقم 5672 ) .

ص: 274

19 . كتابه عليه السلام إلى المدائن في شهادته عليه السلام

الكتاب فيهما إلى أبي محمّد عليه السلام ، فكتبتُ أسأله عن القائم عليه السلام إذا قام بما يقضي ؟ وأين مجلسه الّذي يقضي فيه بين الناس ؟ وأردت أن أسأله عن شيءٍ لحُمّى الرِّبع (1) ، فأغفلتُ خبر الحُمّى ، فجاء الجواب :سَألتَ عَنِ القَائِمِ ، فَإِذَا قَامَ قَضَى بَينَ النَّاسِ بِعِلمِهِ كَقَضَاءِ دَاوُودَ عليه السلام لا يَسألُ البَيِّنَةَ ، وَكُنتَ أرَدتَ أن تَسألَ لِحُمَّى الرِّبعِ فَأُنسِيتَ ، فَاكتُب فِي وَرَقَةٍ وَعَلِّقهُ عَلَى المَحمُومِ ، فَإِنَّهُ يَبرَأُ بِإِذنِ اللّهِ إِن شَاءَ اللّهُ : « يَا نَارُ كُونِى بَرْدًا وَسَلاماً عَلَى إِبْرَ اهِيمَ » (2) . فعلّقنا عليه ما ذكر أبو محمّد عليه السلام فأفاق . (3)

19كتابه عليه السلام إلى المدائنفي شهادته عليه السلامحدّث أبو الأديان (4) قال : كنت أخدم الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، وأحمل كتبه إلى الأمصار ، فدخلت عليه في علّته الّتي توفّي فيها صلوات اللّه عليه ، فكتب معي كُتباً ، وقال :

.


1- .. حمّى الرِّبع: هي الّتي تأتي يوماً وتنقطع يومين وتعود في اليوم الرابع .
2- .. الأنبياء : 69 .
3- .. الكافي : ج1 ص509 ح13 ، الإرشاد : ج2 ص329 ، الدعوات للراوندي : ص209 ح568 ، الخرائج والجرائح : ج1 ص432 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص431 ،كشف الغمّة : ج2 ص413 ، إعلام الورى : ج2 ص145 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 264 و ج 52 ص 320 .
4- .. لم نجد له ترجمة لا في الرجال ولا في التاريخ والسِيَر غير هذا الخبر ، ويُستظهر منه أنّه خادم مولانا أبي محمّد العسكري عليه السلام ، وحامل كتبه إلى الأمصار وأمينه على ذلك .

ص: 275

20 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن بِلال

امضِ بِهَا إِلَى المَدَائِنِ ، فَإِنَّكَ سَتَغِيبُ خَمسَةَ عَشَرَ يَوماً ، فَتَدخُلُ إِلَى سُرَّ مَن رَأَى يَومَ الخَامِسَ عَشَرَ وَتَسمَعُ الوَاعِيَةَ فِي دَارِي وَتَجِدُنِي عَلَى المُغتَسَلِ . قال أبو الأديان : فقلت : يا سيّدي ، فإذا كان ذلك فمَن ؟ قال : مَن طَالَبَكَ بِجَوَاباتِ كُتُبِي فَهُوَ القائِمُ بَعدِي . فقلت : زدني . فقال : مَن يُصَلِّي عَلَيَّ فَهُوَ القَائِمُ بَعدِي . فقلت : زدني . فقال : مَن أَخبَرَ بِمَا فِي الهِميَانِ فَهُوَ القَائِمُ بَعدِي . ثمّ منعتني هيبته أن أسأله عمّا في الهميان . (1)

20كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن بِلالعليّ بن محمّد عن محمّد بن عليّ بن بِلال 2 ، قال :خرج إليَّ من أبي محمّد قبل

.


1- .. كمال الدين : ص 475 ، الخرائج : ج3 ص1101 ح23 ، بحار الأنوار : ج50 ص332 ح5 و ج52 ص67 ح52 ، مدينة المعاجز : ج7 ص611 ح2599 .

ص: 276

مُضيّه بسنتين يخبرني بالخَلَف من بعده ، ثمّ خرج إليَّ من قبل مُضيّه بثلاثة أيّام يخبرني بالخَلَف من بعده . (1) وفي روايةٍ اُخرى : أبو جعفر قال : بعثنا مع ثقة من ثقات إخواننا إلى العسكرشيئاً ، فعمد الرجل فدسّ فيما معه رقعة من غير علمنا ، فرُدّت عليه الرقعة من غير جواب ، قال أبو عبد اللّه الحسين بن إسماعيل الكنديّ : قال لي أبو طاهر البلالي : التوقيع الّذي خرج إليَّ من أبي محمّد عليه السلام فعلّقوه في الخَلَف بعده وديعةٌ في بيتك ، فقلت له : أحبّ أن تنسخ لي من لفظ التوقيع ما فيه . فأخبر أبا طاهر بمقالتي (2) ، فقال له : جئني به حتّى يسقط الإسناد بيني وبينه . فخرج إليَّ من أبي محمّد عليه السلام قبل مُضيّه بسنتين يخبرني بالخَلَف من بعده ، ثمّ خرج إليَّ بعد مُضيّه بثلاثة أيّام يخبرني بذلك ، فلعن اللّه من جحد أولياء اللّه حقوقهم وحمل الناس على أكتافهم ، والحمد للّه كثيرا (3) . (4)

.


1- .. الكافي :ج 1 ص 328 ح 1 ، الإرشاد : ج 2 ص 348 ، كشف الغمّة : ج 3 ص 246 ، إعلام الورى : ج 2 ص250 .
2- .. في بعض النسخ «بمسألتي» .
3- ..ذكر فيالبحار فيذيل هذه الرواية بيان،قال:قوله«قال أبو عبداللّه »كلام سعد بن عبد اللّه ،وكذا قوله«فقلت له»، وضمير «له »،راجع إلى الحسين،وكذا المستتر في قوله«فأخبر» .والحاصل،أنّ الحسين سمع من البلاليأنّه قال:التوقيع الّذي خرج إليَّ من أبي محمّد عليه السلام في أمر الخلف القائم هو في جملة ما أودعتك في بيتك . وكان قد أودعه أشياء كان في بيته فأخبر الحسين سعداً بما سمع منه ، فقال سعد للحسين : أحبّ أن ترى التوقيع الّذي عنده وتكتب لي من لفظه ، فأخبر الحسين أبا طاهر بمقالة سعد ، فقال أبو طاهر : جئني بسعد حتّى يسمع منّي بلا واسطة ، فلمّا حضر أخبره بالتوقيع . ويؤيّد ما وجّهنا به هذا الكلام أنّ الكليني روى هذا التوقيع عن البلاليّ ( بحار الأنوار : ج51 ص335 ) .
4- .. كمال الدين : ص 499 ح24 ، إثبات الهداة : ج 3 ص 677 .

ص: 277

21 . كتابه عليه السلام إلى جماعة
22 . كتابه عليه السلام إلى أبي طاهر بن بُلبُل

21كتابه عليه السلام إلى جماعةمحمّد بن عيّاش (1) قال :تذاكرنا آيات الإمام ، فقال ناصبيّ : إن أجاب عن كتابٍ بلا مِداد علمت أنّه حقّ . فكتبنا مسائل وكتب الرجل بلا مِدادٍ على ورقٍ ، وجعل في الكتب وبعثنا إليه ، فأجاب عن مسائلنا ، وكتب على ورقه اسمه واسم أبويه . فدهش الرجل ، فلمّا أفاق اعتقد الحقّ . (2)

22كتابه عليه السلام إلى أبي طاهر بن بُلبُلقال أبو جعفر العَمريّ 3 : إنّ أبا طاهر بن بُلبُل 4 حجّ فنظر إلى عليّ بن جعفر

.


1- .. لم نجده في التراجم بهذا العنوان ، لعلّه أحمد بن محمّد بن عيّاش مع سقط « أحمد بن » في العنوان .
2- .. المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص440 ، بحار الأنوار : ج50 ص289 ح62 نقلاً عنه وفيه : « عبّاس » بدل « عيّاش » ، مدينة المعاجز : ج7 ص652 ح2647 .

ص: 278

. .

ص: 279

الهمدانيّ 1 وهو يُنفق النفقات العظيمة ، فلمّا انصرف كتب بذلك إلى أبي محمّد عليه السلام ،

.

ص: 280

23 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن ظريف في معنى « مَن كُنتُ مَولَاهُ فَهَذَا مَولَاهُ »

فوقّع في رُقعته :قَد أَمَرنَا لَهُ بِمِئَةِ أَلفِ دِينَارٍ ، ثُمَّ أَمَرنَا لَكَ بِمِثلِهَا . (1)

وفي روايةٍ اُخرى : جماعةٌ عن التلّعُكبَريِّ ، عن أحمد بن عليّ الرازيّ ، عن الحسين بن عليّ ، عن أبي الحسن الإياديّ ، قال : حدّثني أبو جعفر العَمريّ رضى الله عنه : إنّ أبا طاهر بن بُلبُل حجّ ، فنظر إلى عليّ بن جعفر الهمانيّ وهو يُنفق النفقات العظيمة ، فلمّا انصرف كتب بذلك إلى أبي محمّد عليه السلام ، فوقّع في رُقعته :قَد كُنَّا أَمَرنَا لَهُ بِمِئَةِ أَلفِ دِينَارٍ ، ثُمَّ أَمَرنَا لَهُ بِمِثلِهَا ، فَأَبَى قَبُولَهَا إِبقَاءً عَلَينَا ، مَا لِلنَّاسِ وَالدُّخُولَ فِي أَمرِنَا فِيمَا لَم نُدخِلهُم فِيهِ . (2)

23كتابه عليه السلام إلى الحسن بن ظريففي معنى « مَن كُنتُ مَولَاهُ فَهَذَا مَولَاهُ »الحسن بن ظريف (3) قال : كتبت إلى أبي محمّد أسأله ما معنى قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله

.


1- .. المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 425 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 289 نقلاً عنه .
2- .. الغيبة للطوسي : ص 218 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 306 ح 1 نقلاً عنه .
3- .. اُنظر ترجمته في الرقم 18 .

ص: 281

24 . كتابه عليه السلام إلى الأقرع في احتلام الإمام

لأمير المؤمنين عليه السلام :مَن كُنتُ مَولَاهُ فَهَذَا مَولاهُ؟ قال عليه السلام : أرادَ بِذَلِكَ أن يَجعَلَهُ عَلَمَاً يُعرَفُ بِهِ حِزبُ اللّهِ عِندَ الفُرقَةِ . (1)

24كتابه عليه السلام إلى الأقرعفي احتلام الإمامإسحاق (2) عن الأقرع 3 ، قال : كتبت إلى أبي محمّد أسأله عن الإمام هل يحتلم ؟ وقلتُ في نفسي بعدما فَصَلَ الكتابُ : الاحتلام شَيطَنَةٌ ، وقد أعاذ اللّه تبارك وتعالى أولياءه من ذلك . فورد الجواب :حَالُ الأَئِمَّةِ فِي المَنَامِ حَالُهُم فِي اليَقَظَةِ ، لا يُغَيِّرُ النَّومُ مِنهُم شَيئاً ، وَقَد أعَاذَ اللّهُ أَولِيَاءَهُ مِن لَمَّةِ (3) الشَّيطَانِ ، كَمَا حَدَّثَتكَ نَفسُكَ . (4)

.


1- .كشف الغمّة : ج3 ص213 ، بحار الأنوار : ج37 ص223 ح95 وج50 ص290 نقلاً عنه .
2- .. إسحاق بن محمّد النخعيّ .
3- .. اللمّة : الهمّة والخطرة تقع في القلب . وقيل : للشّيطان لمّة أي دُنوّ ( لسان العرب : ج12 ص552 ) .
4- .. الكافي :ج 1 ص 508 ح 12 ، إثبات الوصية : ص214 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 423 ، الثاقب في المناقب لابن حمزة الطوسي : ص 570 ح 515 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 290 ح 64 وج25 ص 157 ح 28 .

ص: 282

25 . كتابه عليه السلام إلى بعض أهل المدائن في معنى « الصعب المستصعب »

25كتابه عليه السلام إلى بعض أهل المدائنفي معنى « الصعب المستصعب »محمّد بن يحيى وغيرُه ، عن محمّد بن أحمد ، عن بعض أصحابنا ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام : جُعلتُ فداك ، ما معنى قول الصادق عليه السلام :حَدِيثُنَا لَا يَحتَمِلُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، ولا نَبِيٌّ مُرسَلٌ ، ولا مُؤمِنٌ امتَحَنَ اللّهُ قَلبَهُ لِلإِيمَانِ ؟ فجاء الجواب : إنَّمَا معنَى قَولِ الصَّادِقِ عليه السلام _ أَي لا يَحتَمِلُهُ مَلَكٌ وَلَا نبيٌّ وَلَا مُؤمِنٌ _ أَنَّ المَلَكَ لا يَحتَمِلُهُ حتَّى يُخرِجَهُ إلى مَلَكٍ غَيرِهِ ، والنَّبِيُّ لَا يَحتَمِلُهُ حَتَّى يُخرِجَهُ إِلَى نَبِيٍّ غَيرِه ، وَالمُؤمِنُ لَا يَحتَمِلُهُ حَتَّى يُخرِجَهُ إِلَى مُؤمِنٍ غَيرِهِ ، فَهَذَا مَعنَى قَولِ جَدِّي عليه السلام . (1)

وفي معاني الأخبار : أبي رحمه اللّه قال : حدّثنا أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبد اللّه ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن بعض أهل المدائن ، قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام : روي لنا عن آبائكم : إنّ حديثكم صعبٌ مستصعب ، لا يحتمله ملكٌ مقرّب ، ولا نبيٌّ مرسل ، ولا مؤمنٌ امتحن اللّه قلبه للإيمان . قال : فجاءه الجواب :إِنَّمَا مَعنَاهُ أَنَّ المَلَكَ لَا يَحتَمِلُهُ فِي جَوفِهِ حَتَّى يُخرِجَهُ إِلَى مَلَكٍ مِثلِهِ ، وَلَا يَحتَمِلُهُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخرِجَهُ إِلَى نَبِيٍّ مِثلِهِ ، وَلَا يَحتَمِلُهُ مؤمِنٌ حَتَّى يُخرِجَهُ إِلَى مُؤمِنٍ مِثلِهِ . إِنَّمَا مَعنَاهُ أَلّا يَحتَمِلُهُ فِي قَلبِهِ مِن حَلَاوَةِ مَا هُوَ فِي صَدرِهِ حَتَّى يُخرِجَهُ إِلَى غَيرِهِ . (2)

.


1- .. الكافي : ج1 ص401 ح4 .
2- .. معاني الأخبار : ص188 ح1 ، مختصر بصائر الدرجات : ص 127 ، بحار الأنوار : ج2 ص184 ح6 ، وسائل الشيعة : ج 18 ص 66 ح 33285 .

ص: 283

26 . كتاب له عليه السلام

26كتاب له عليه السلامروى الكلابيّ عن أبي الحسين بن عليّ بن بلال (1) ، وأبي يحيى النعمانيّ (2) ، قالا : ورد كتاب من أبي محمّد عليه السلام ونحن حضور عند أبي طاهر بن بلال (3) ، فنظرنا فيه ، فقال النعمانيّ : فيه لحن أو يكون النحو باطلاً ، وكان هذا بسُرّ مَن رَأى ، فنحن في ذلك إذ جاءنا توقيعه :مَا بَالُ قَومٍ يُلحِّنُونَنَا ، وَإِنَّ الكَلِمَةَ نَتَكَلَّمُ بِهَا تَنصَرِفُ عَلَى سَبعِينَ وَجهَاً ، فِيهَا كُلِّهَا المَخرَجُ مِنهَا وَالمَحَجَّة . (4)

.


1- .. الظاهر أنّه أبو الحسن مكبّراً ؛ وذلك لوروده في رجال الشيخ من أصحاب الهادي عليه السلام قائلاً : أبو طاهر محمّد وأبو الحسن وأبو الطيّب بنو عليّ بن بلال ( ص 394 الرقم 5812 وص 388 الرقم 5708 ) .
2- .. لم نجد هذا العنوان ولا « أبي يحيى النعمانيّ » الّذي ورد في سند خاتمة المستدرك ، لا في الرجال ولا في التراجم .
3- .. أبو طاهر كنيته ، محمّد بن عليّ بن بلال الّذي مرّ ترجمته .
4- .. إثبات الوصية : ص 267 . خاتمة المستدرك : ج 1 ص 296 نقلاً عنه ، وفيه : « عن الكلابيّ ، عن أبي الحسن عليّ بن بلال ، وأبي يحيى النعمانيّ ، قالا : . . » .

ص: 284

. .

ص: 285

الفصل الثالث : في بعض كراماته وغرائب شأنه عليه السلام

اشاره

الفصل الثالث: في بعض كراماته وغرائب شأنه (ع)

.

ص: 286

. .

ص: 287

27 . كتابه عليه السلام إلى سفيان بن محمّد الضبَعي

27كتابه عليه السلام إلى سفيان بن محمّد الضُّبَعيعلي بن محمّد ومحمّد بن أبي عبد اللّه ، عن إسحاق بن محمّد النخَعيّ ، قال : حدّثني سفيان بن محمّد الضُّبَعيّ (1) ، قال : كتبت إلى أبي محمّد أسأله عن الوليجة (2) ، وهو قول اللّه تعالى : « وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً » (3) ، قلت في نفسي : لا في الكتاب من ترى المؤمنين هاهنا (4) . فرجع الجوابُ :الوَلِيجَةُ الَّذِي يُقَامُ دُونَ وَلِيِّ الأَمرِ ، وَحَدَّثَتكَ نَفسُكَ عَنِ المُؤمِنِينَ مَن هُم فِي هَذَا المَوضِعِ ، فَهُمُ الأَئِمَّةُ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ عَلَى اللّهِ فَيُجِيزُ أَمَانَهُم . (5)

.


1- .. لم نجد له ترجمة .
2- .. الوَليجة : الدخيلة والخاصّة والمعتمد عليه واللصيق بالرجل من غير أهله ( الوافي : ج3 ص582 ) . وفي مجمع البحرين : الوَليجة : الدخيلة وخاصّتك من الناس ( ج 2 ص 335 ) .
3- .. التوبة :16 .
4- .. يعني لم أكتب في الكتاب السؤال عن تفسير المؤمنين في هذا الموضع ما رأيه فيه ، ليتني كنت أكتبه ( الوافي : ج3 ص 582 ) .
5- .. الكافي : ج1 ص 508 ح 9 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 432 ، وفيه « سفيان بن محمّد الصيفي » ، بحار الأنوار : ج 24 ص 245 ، ج 50 ص 285 .

ص: 288

28 . كتابه عليه السلام إلى بعض شيعته

28كتابه عليه السلام إلى بعض شيعتهقال أبو القاسم الهَرَويّ (1) : خرج توقيعٌ ( من ) أبي محمّد عليه السلام إلى بعض بني أسباط ، قال : كتبت إلى الإمام (2) اُخبرُه من اختلاف الموالي ، وأسألُه بإظهار دليل . فكتب ( إليَّ ) :إِنَّمَا خَاطَبَ اللّهُ العَاقِلَ ، وَلَيسَ أَحَدٌ يَأتِي بِآيَةٍ وَيُظهِرُ دَلِيلاً أَكثَرَ مِمَّا جَاءَ بِهِ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَسَيِّدُ المُرسَلِينَ صلى الله عليه و آله ، فَقَالُوا : كَاهِنٌ وَسَاحِرٌ وَكَذَّابٌ! وَهُدِيَ مَنِ اهتَدَى ، غَيرَ أَنَّ الأَدِلَّةَ يَسكُنُ إِلَيهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، وَذَلِكَ أَنَّ اللّهَ يَأذَنُ لَنَا فَنَتَكَلَّمُ ، وَيَمنَعُ فَنَصمُتُ . وَلَو أَحَبَّ اللّهُ أَلَا يُظهِرَ حَقَّنَا مَا ظَهَرَ ، بَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ، يَصدَعُونَ بِالحَقِّ فِي حَالِ الضَّعفِ وَالقُوَّةِ ، وَيَنطِقُونَ فِي أَوقَاتٍ ؛ لِيَقضِيَ ( اللّهُ ) أَمرَهُ وَيُنفِذَ حُكمَهُ . وَالنَّاسُ عَلَى طَبَقَاتٍ ( مُختَلِفِينَ ) شَتَّى : فَالمُستَبصِرُ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ مُتَمَسِّكٌ بِالحَقِّ ، فَيَتَعَلَّقُ بِفَرعٍ أَصِيلٍ غَيرُ شَاكٍّ وَلا مُرتَابٍ ، لا يَجِدُ عَنهُ مَلجَأً . وَطَبَقَةٌ لَم تَأخُذِ الحَقَّ مِن أَهلِهِ ، فَهُم كَرَاكِبِ البَحرِ يَمُوجُ عِندَ مَوجِهِ ، وَيَسكُنُ عِندَ سُكُونِهِ ، وَطَبَقَةٌ استَحوَذَ عَلَيهِمُ الشَّيطَانُ ، شَأنُهُمُ الرَّدُّ عَلَى أَهلِ الحَقِّ ، وَدَفعُ الحَقِّ بِالبَاطِلِ ، حَسَداً مِن عِندِ أَنفُسِهِم . فَدَع مَن ذَهَبَ يَمِيناً وَشِمَالاً ، كَالرَّاعِي إِذَا أَرَادَ أَن يَجمَعَ غَنَمَهُ جَمَعَهَا بِأَدوَنِ السَّعيِ .

.


1- .. لم نجد له ترجمة .
2- .. في بحار الأنوار : « أبي محمّد » بدل « الإمام » .

ص: 289

ذَكَرتَ مَا اختَلَفَ فِيهِ مَوَالِيَّ ، فَإِذَا كَانَتِ الوَصِيَّةُ وَالكِبَرُ فَلا رَيبَ . وَمَن جَلَسَ بِمَجَالِسِ الحُكمِ فَهُوَ أَولَى بِالحُكمِ ، أَحسِن رِعَايَةَ مَنِ استَرعَيتَ ، فَإِيَّاكَ وَالإِذَاعَةَ وَطَلَبَ الرِّئَاسَةِ ، فَإِنَّهُمَا تَدعُوَانِ إِلَى الهَلَكَةِ . ذَكَرتَ شُخُوصَكَ إِلَى فَارِسَ فَاشخَص (عَافَاكَ اللّهُ) خَارَ اللّهُ لَكَ ، وَتَدخُلُ مِصرَإِن شَاءَ اللّهُ آمِناً ، وَاقرأ مَن تَثِقُ بِهِ مِن مَوَالِيَّ السَّلامَ ، وَمُرهُم بِتَقوَى اللّهِ العَظِيمِ ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ ، وَأَعلِمهُم أَنَّ المُذِيعَ عَلَينَا (سرّنا) حَربٌ لَنَا .

قال : فلمّا قرأتُ : « وَتَدخُلُ مِصرَ » لم أعرف له معنىً ، وقدمت بغداد وعزيمتي الخروج إلى فارس ، فلم يتهيّأ لي الخروج إلى فارس ، وخرجت إلى مصر فعرفت أنّ الإمام عرف أنّي لا أخرج إلى فارس . (1) وفي تحف العقول : وكتب إليه بعض شيعته يعرّفُه اختلاف الشيعة ، فكتب عليه السلام :إِنَّمَا خَاطَبَ اللّهُ العَاقِلَ ، وَالنَّاسُ فِيَّ عَلَى طَبَقَاتٍ : المُستَبصِرُ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ ، مُتَمَسِّكٌ بِالحَقِّ ، مُتَعَلِّقٌ بِفَرعِ الأَصلِ ، غَيرُ شَاكٍّ وَلا مُرتَابٍ ، لا يَجِدُ عَنِّي مَلجَأً . وَطَبَقَةٌ لَم تَأخُذِ الحَقَّ مِن أَهلِهِ ، فَهُم كَرَاكِبِ البَحرِ ، يَمُوجُ عِندَ مَوجِهِ وَيَسكُنُ عِندَ سُكُونِهِ . وَطَبَقَةٌ استَحوَذَ عَلَيهِمُ الشَّيطانُ ، شَأنُهُمُ الرَّدُّ عَلَى أَهلِ الحَقِّ وَدَفعُ الحَقِّ بِالبَاطِلِ حَسَداً مِن عِندِ أَنفُسِهِم . فَدَع مَن ذَهَبَ يَمِيناً وَشِمَالاً ، فَإِنَّ الرَّاعِيَ إِذَا أَرَادَ أَن يَجمَعَ غَنَمَهُ جَمَعَهَا بِأَهوَنِ سَعيٍ .

.


1- .. الخرائج والجرائح : ج1 ص449 ح35 ،كشف الغمّة:ج2 ص416 مع اختلافٍ يسير ، بحار الأنوار:ج2 ص181 ح4 وج50 ص296 ح70 ، وراجع : إثبات الوصيّة : ص262 ، عن الحسن بن محمّد ، عن محمّد بن عبيد اللّه .

ص: 290

29 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد
30 . كتابه عليه السلام إلى أبي الهيثم بن سيابة

وَإِيَّاكَ وَالإِذَاعَةَ وَطَلَبَ الرِّئَاسَةِ ، فَإِنَّهُمَا يَدعُوَانِ إِلَى الهَلَكَةِ . (1)

29كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّدإسحاق قال : حدّثني محمّد بن الحسن بن شَمُّونٍ ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام حين أخذ المُهتدي (2) في قتل الموالي :يا سيّدي ، الحمد للّه الّذي شغلهُ عنّا ، فقد بلغني أنّه يتهدّدك ، ويقول : واللّه لأجلينّهم عن جديد الأرض (3) . فوقّع أبو محمّد عليه السلام بخطّه : ذَاكَ أقصَرُ لِعُمُرِهِ ، عُدَّ مِن يَومِكَ هَذَا خَمسَةَ أَيَّامٍ وَيُقتَلُ فِي اليَومِ السَّادِسِ بَعدَ هَوَانٍ وَاستِخفَافٍ يَمُرُّ بِهِ . فكان كما قال عليه السلام . (4)

30كتابه عليه السلام إلى أبي الهيثم بن سيابةسعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد ، قال : أخبرني أبو الهيثم بن

.


1- .. تحف العقول : ص486 ، بحار الأنوار : ج 50 ص273 ح 1 وج 75 ص 371 .
2- .. محمّد بن الواثق بن المعتصم ، ملك الخلافة بعد المعتزّ بن المتوكّل بن المعتصم ، وقد وقع بين المهتدي ومواليه _ عساكره الأتراك _ محاربة عظيمة ؛ لرجوعهم عنه ، حتّى غُلب وخلع الخلافة عن نفسه في رجب سنة ستّ وخمسين ومئتين ، فقتلوه يوم الخلع ذلّاً وصغاراً ، وكان عمره تسعاً وثلاثين سنة ، وزمان خلافته أحد عشر شهراً وسبعة عشر يوماً ، ثمّ ملك الخلافة بعده المعتمد أحمد بن المتوكّل .
3- .. جديد الأرض : وجهها ، وفي الإرشاد : « جدد الأرض » .
4- .. الكافي : ج1 ص 510 ح 16 ، الإرشاد : ج 2 ص 333 ، مهج الدعوات : ص 329 ،المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 436 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 414 ، إعلام الورى : ج 2 ص 144 ،بحار الأنوار : ج 50 ص308 ح 5 .

ص: 291

31 . كتابه عليه السلام إلى أبي أحمد عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر

سيّابة (1) أنّه كتب إليه لمّا أمر المعتزّ بدفعه إلى سعيد الحاجب عند مُضيّه إلى الكوفة ، وأن يحدَث فيه ما يحدَثُ به الناس بقَصر ابن هُبَيرَة : جعلني اللّه فداك ، بلغنا خبرٌ قد أقلقنا وأبلَغ منّا . فكتب عليه السلام إليه :بَعدَ ثَالثٍ يَأتِيكُمُ الفَرَجُ . فخُلع المُعتز اليوم الثالث 2 . (2)

31كتابه عليه السلام إلى أبي أحمد عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهرعليّ بن محمّد بن زياد الصيمَريّ قال : دخلت على أبي أحمد عبيد اللّه بن

.


1- .. لعلّه خالد بن عبد الرحمن الغفّار أبو الهيثم العبديّ الكوفيّ، مجهول.
2- .. الغيبة للطوسي : ص 208 ، مهج الدعوات : ص 328 ، وفيه : «وأمّا تعرّض المسمّى بالمعتزّ الخليفة من بني عبّاس لمولانا الحسن العسكري عليه السلام ، فقد رواه الشيخ السعيد أبو جعفر الطوسي رضى الله عنه في كتابه الغيبة ، من نسخة عندنا الآن ، تاريخ كتابتها سنة إحدى وسبعين وأربعمئة ، عند ذكر معجزات مولانا الحسن العسكري عليه السلام ، فقال ما هذا لفظه : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن الحسين ، عن عمر بن زيد ، قال : أخبرني أبو الهيثم بن سبابة أنّه . . . » ، الخرائج والجرائح : ج1 ص 450 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 416 ، وفيه : « محمّد بن عبد اللّه قال : لمّا أمر سعيد بحمل أبي محمّد إلى الكوفة ، قد كتب إليه أبو الهيثم : جُعلت فداك ، بلغنا خبر أقلقنا وبلغ منّا . فكتب . . . » ، بحار الأنوار : ج 50 ص 251 ح 5 وص 259 وص 312 ح 11 ، راجع : إثبات الوصية : ص 240 .

ص: 292

عبد اللّه بن طاهر (1) وبين يديه رُقعة أبي محمّد عليه السلام فيها :إِنِّي نَازَلتُ (2) اللّهَ فِي هَذَا الطَّاغِي _ يعني المستعين 3 _ ، وَهُوَ آخِذُهُ بَعدَ ثَلاثٍ . فلمّا كان اليوم الثالثُ خَلَعَ ، وكان من أمره ما كان إلى أن قُتل . (3)

.


1- .. أبو أحمد المصعبيّ ، عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر بن الحسين بن مصعب الخزاعيّ ، كان أميرا ، وولي الشرطة ببغداد خلافةً من أخيه محمّد بن عبد اللّه ، ثمّ استقلّ بها بعد موت أخيه في خلافة المعتزّ ، وكان سيّدا ، وإليه انتهت رئاسة أهله ، وكان شاعرا لطيفا ، وله كتب . . . » ( راجع : وفيات الأعيان : ج 3 ص 120 ) .
2- .. قال الجزري : نازلت ربّي في كذا ، أي : راجعته وسألته مرّة بعد مرّة ، وهو مفاعلة من النزول عن الأمر أو من النزال في الحرب ، وهو تقابل القرنين .
3- .. الغيبة للطوسي : ص204 ، الخرائج والجرائح : ج1 ص429 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج4 ص430 ، وفيه : « عمرو بن محمّد بن رَيّان الصيمَرِيّ » بدل « عليّ بن محمّد بن زياد الصيمَريّ » ، كشف الغمّة : ج3 ص 218 وفيهما : « أحمد بن عبد اللّه بن طاهر » بدل « أحمد عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر » ، مهج الدعوات : ص 328 وفيه « حدّث محمّد بن عمر المكاتب عن عليّ بن محمّد بن زياد الصيمَرِيّ ، صهر جعفر بن محمود الوزير على ابنته أُمّ أحمد ، وكان رجلاً من وجوه الشيعة وثقاتهم ، ومقدّماً في الكتابة والأدب والعلم والمعرفة ، قال : دخلت على أبي أحمد . . . فلمّا كان في اليوم الثالث خُلع ، وكان من أمره ما رواه الناس في إحداره إلى واسط وقتله » ، بحار الأنوار : ج 50 ص 249 ح 2 .

ص: 293

32 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن بُلبُل

وفي رواية اُخرى : محمّد بنّ عليّ الصيمَرِيّ (1) قال : دخلت على أبي أحمد عبيد اللّه بن عبد اللّه وبين يديه رُقعة أبي محمّد عليه السلام فيها : إنِّي نَازَلتُ اللّهَ فِي هَذَا الطَّاغِي _ يعني الزبيري _ ، وَهُوَ آخِذُهُ بَعدَ ثَلاثٍ . فلمّا كان في اليوم الثالث فُعل به ما فُعل . (2)

32كتابه عليه السلام إلى محمّد بن بُلبُلأبو طاهر : قال محمّد بن بُلبُل (3) : تقدّم المعتزّ إلى سعيد الحاجب (4) أن أخرج أبا محمّد إلى الكوفة ، ثمّ اضرب عنقه في الطريق . فجاء توقيعه عليه السلام إلينا :الّذي سَمِعتُمُوهُ تُكفَونَهُ . فخُلع المعتزّ بعد ثلاث وقُتل . (5)

.


1- .. في المصدر : « السمُريّ » بدل « الصيمريّ » .
2- .. كشف الغمّة : ج 3 ص 207 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 297 ح 72 نقلاً عنه .
3- .. قد مرّ سابقاً ، «بن بُلبُل» مصحّف «بن بلال ».
4- .. أحد قوّاد المتوكّل ، قدم معه _ فيما قرأته بخطّ عبد اللّه بن محمّد الخطّابيّ _ دمشق سنة ثلاث وأربعين ومئتين ، وسعيد هذا هو الّذي تولّى قتل المستعين بعدما استتبّ الأمر للمعتزّ ( تاريخ دمشق : ج 21 ص 339 الرقم 2578 ) .
5- .. المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 432 .

ص: 294

33 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن شَمّون البصريّ
34 . كتابه عليه السلام إلى إسحاق بن جعفر

33كتابه عليه السلام إلى محمّد بن شَمّون البصريّكتب محمّد بن شَمون البصريّ 1 ، فسأل أبا محمّد عليه السلام عن الحال وقد اشتدّت على المواليّ من محمّد المُهتدي ، فكتب إليه :عُدَّ مِن يَومِكَ خَمسَةَ أيَّامٍ ، فإنَّه يُقتَلُ فِي اليَومِ السَّادِسِ مِن بَعدِ هَوَانٍ يُلاقِيهِ . فكان كما قال عليه السلام . (1)

34كتابه عليه السلام إلى إسحاق بن جعفرعليّ بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر ، قال : كتب

.


1- .. المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 436 ، وقد تقدّم ذيله عن الكافي بكامل تخريجاته .

ص: 295

35 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد السَّمريّ[ الصيمريّ ]

أبو محمّد عليه السلام إلى أبيالقاسم إسحاق بن جعفر الزبيريّ (1) قبل موت المُعتزّ (2) بنحو عشرين يوماً :الزَم بَيتَكَ حَتَّى يَحدُثَ الحَادِثُ . فلمّا قُتل بُرَيحَةُ (3) كتب إليه : قد حدث الحادث فما تأمرني ؟ فكتب : لَيسَ هَذَا الحَادِثُ ، هُوَ الحَادِثُ الآخَرُ . فكان من أمر المُعتزّ ما كان . وعنه قال : كتب إلى رجلٍ آخر : يُقتَلُ ابنُ مُحَمَّدُ بنُ دَاوودَ (4) قَبلَ قَتلِهِ بِعَشَرَةِ أيَّامٍ . فلمّا كان في اليوم العاشر قُتل . (5)

35كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد السَّمريّ[ الصيمريّ ]وعنه ( أي عن عليّ بن محمّد السمريّ ) قال : كتب إليَّ أبو محمّد عليه السلام :فِتنَةٌ تُظِلُّكُم ، فَكُونُوا عَلَى أُهبَةٍ مِنها .

.


1- .. الرجل مجهول .
2- .. المعتزّ باللّه هو محمّد بن المتوكّل .
3- .. في كشف الغمّة : « تريخة » بدل « بريحة » ، وفي الإرشاد : « تُرنجة » . كذا في النسخ والكافي ، ونقل العلّامة المجلسي عن الإرشاد ( مرآة العقول : ج 6 ص 148 ) . والظاهر أنّ الصحيح : « ابن أترجة » ، وهو عبد اللّه بن محمّد بن داوود الهاشميّ بن أترجة ، من ندماء المتوكّل ، والمشهور بالنصب والبغض لعليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وقد قُتل بيد عيسى بن جعفر وعليّ بن زيد الحسنيين بالكوفة قبل موت المعتزّ بأيّام ( راجع : الكامل في التاريخ : ج7 ص 56 ، تاريخ الطبري : ج 9 ص 388 ) .
4- .. الرجل مجهول ، ولعلّه مصحّف محمّد بن أبي داوود ، وهو محمّد بن أحمد بن داوود القاضي .
5- .. الكافي : ج1 ص 506 ح 2 ، الإرشاد : ج 1 ص 325 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص 436 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 410 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 277 ح 51 .

ص: 296

36 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن حُجر
37 . كتابه عليه السلام إلى أبي هاشم الجعفريّ

فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام وقَع بين بني هاشم ما وقع 1 ، فكتبت إليه : هي ؟ قال : لا ، وَلَكِن غَيرُ هَذِهِ فَاحتَرِزوا . فلمّا كان بعد أيّام كان من أمر المُعتزّ ما كان . (1)

36كتابه عليه السلام إلى محمّد بن حُجرعليّ بن محمّد عن بعض أصحابنا قال : كتب محمّد بن حُجر إلى أبي محمّد عليه السلام يشكو عبدَ العزيز بن دُلَفَ ويزيد بن عبد اللّه ، فكتب إليه :أمَّا عَبدُ العَزِيزِ فَقَد كُفِيتَهُ ، وَأمَّا يَزِيدُ فَإِنَّ لَكَ وَلَهُ مَقَاماً بَينَ يَدَيِ اللّهِ . فمات عبد العزيز ، وقَتل يزيد محمّد بن حُجر . (2)

37كتابه عليه السلام إلى أبي هاشم الجعفريّإسحاق قال : حدّثني أبو هاشم الجعفريّ 4 قال : شكوت إلى أبي محمّد عليه السلام ضيق

.


1- .. دلائل الإمامة : ص 428 ح 394 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 416 ، ، بحار الأنوار : ج 50 ص 298 .
2- .. الكافي : ج 1 ص 513 ح 25 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 433 ، الثاقب في المناقب : ص 573 ح 518 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 285 .

ص: 297

38 . كتابه عليه السلام إلى الجعفريّ

الحبس وكَتَلَ القَيد فكتب إليَّ :أنتَ تُصَلِّي اليَومَ الظُّهرَ فِي مَنزِلِكَ . فاُخرجت في وقت الظهر ، فصلّيت في منزلي كما قال عليه السلام ، وكنت مضيَّقاً ، فأردتُ أن أطلب منه دنانير في الكتاب فاستحييت ، فلمّا صرت إلى منزلي وَجّه إليَّ بمئة دينار ، وكتب إليَّ : إِذَا كَانَت لَكَ حَاجَةٌ فَلا تَستَحيِ وَلا تَحتَشِم وَاطلُبهَا ، فَإِنَّكَ تَرَى مَا تُحِبُّ إِن شَاءَ اللّهُ . (1)

38كتابه عليه السلام إلى الجعفريّعليّ بن محمّد ، عن عليّ (2) بن الحسن بن الفضل اليمانيّ قال : نزل بالجعفريّ من آل جعفر 3 خَلقٌ لا قِبَل له بهم ، فكتب إلى أبي محمّد يشكو ذلك ، فكتب إليه :

.


1- .. الكافي : ج1 ص 508 ح 10 ، الإرشاد : ج 2 ص 330 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 432 ، كشف الغمّة : ج3 ص 208 ، الخرائج والجرائح : ج 1 ص 435 ح 13 نحوه ، بحار الأنوار : ج 50 ص 267 .
2- .. قال السيّد الشبيريّ الزنجانيّ في تعليقه على سند الكافي ذيل عنوان : « عليّ بن الحسن بن الفضل » ، التحقيق : هل هذا هو الصواب ؟ أم الصواب عن أبي عليّ الحسن ، أو عن الحسن بإسقاط « عليّ بن » .

ص: 298

39 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن بن شَمُّون

تُكفَونَ ذَلِكَ إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . فخرج إليهم في نفرٍ يسير والقوم يزيدون على عشرين ألفاً وهو في أقلّ من ألف ، فاستباحهم (1) . (2)

39كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن بن شَمُّونإسحاق قال : حدّثني محمّد بن الحسن بن شَمُّون (3) ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام أسألُه أن يدعو اللّه لي من وجع عيني ، وكانت إحدى عينيَّ ذاهبةً والأُخرى على شرف ذهاب ، فكتب إليَّ :حبَس اللّهُ عَلَيكَ عَينَكَ .

.


1- .. استباحهم : أي استأصلهم .
2- .. الكافي ج 1 ص 508 ح 7 ،الإرشاد : ج 2 ص 329 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 431 ، كشف الغمّة : ج2 ص 412 وفيه : « الحسين » بدل « الحسن » وفيهم : «تُكفَونَهُم إن شَاءَ اللّه ُ . . . » بدل « تُكفَونَ ذلك إن شَاءَ اللّه ُ تعالى . . . » ، بحار الأنوار : ج 50 ص 280 ح 55 .
3- .. اُنظر ترجمته في الرقم 33 .

ص: 299

40 . كتابه عليه السلام إلى أبي عليّ المُطهّر

فأفاقت الصحيحةُ . ووقّع في آخر الكتاب : آجَرَكَ اللّهُ وَأحسَنَ ثَوَابَكَ . فاغتممتُ لذلك ولم أعرف في أهلي أحداً مات ، فلمّا كان بعد أيّام جاءتني وفاةُ ابني طيّب ، فعلمتُ أنّ التعزية له . (1)

40كتابه عليه السلام إلى أبي عليّ المُطهّرعليّ بن محمّد ، عن أبي عبد اللّه بن صالح ، عن أبيه ، عن أبي عليّ المُطهّر 2 أنّه كتب إليه (2) سَنَةَ (3) القادسيّة 5 يعلمه انصراف الناس ، وأنّه يخاف العطش ، فكتب عليه السلام :

.


1- .. الكافي : ج1 ص 510 ح 17 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 432 وفيه : « أشجَع بن الأَقرَع » بدل « محمّد بن الحسن بن شَمُّون » ، و « أقامت» بدل «فأفاقت »، بحار الأنوار : ج 50 ص 285 .
2- .. المراد بالمكتوب إليه ، هو أبي محمّد عليه السلام ، كما ذهب إليه المجلسي رحمه الله ( راجع : مرآة العقول : ج 6 ص 152 ح6 ) .
3- .. وفي الإرشاد: «من» بدل «سنة».

ص: 300

41 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن زيد
42 . كتابه عليه السلام إلى الحجّاج بن سفيان العبديّ

امضُوا فَلا خَوفٌ عَلَيكُم إِن شَاءَ اللّهُ . فمضَوا سالمين ، والحمدُ للّه ربّ العالمين . (1)

41كتابه عليه السلام إلى محمّد بن زيدمحمّد بن الحسن بن شمّون ، قال : كتب إليه ابن عمّنا محمّد بن زيد يشاوره في شراء جارية نفيسة بمئتي دينار لابنه ، فكتب :لا تَشتَرها ؛ فإنَّ بِها جُنُوناً ، وهِيَ قَصِيرةُ العُمرِ مَعَ جُنُونِها . قال : فأضربت عن أمرها ، ثمّ مررت بعد أيّام ومعي ابني على مولاها ، فقلت : اشتهي أن أستعيد عرضها وأراها ، فأخرجها إلينا ، فبينا هي واقفة بين يدينا حتّى صار وجهها في قفاها ، فلبثت على تلك الحال ثلاثة أيّام وماتت . (2)

42كتابه عليه السلام إلى الحجّاج بن سفيان العبديّما روي عن الحجّاج بن سفيان العبديّ ، قال : خلّفتُ ابني بالبصرة عليلاً ، وكتبت إلى أبي محمّد عليه السلام أسأله الدعاء لابني ، فكتب إليّ :

.


1- .. الكافي : ج 1 ص 507 ح 6 ، الإرشاد : ج 2 ص 339 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 431 ، كشف الغمّة : ج2 ص414 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 279 .
2- .. إثبات الوصية : ص 265 .

ص: 301

43 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن رياب الرقَاشيّ

رَحِمَ اللّهُ ابنَكَ إِنَّه كَانَ مُؤمِناً . قال الحجّاج : فورد عليَّ كتاب من البصرة أنّ ابني مات في ذلك اليوم الّذي كتب ( إليَّ ) أبو محمّد بموته ، وكان ابني شكّ في الإمامة للاختلاف الّذي جرى بين الشيعة (1) . (2)

43كتابه عليه السلام إلى محمّد بن رياب الرقَاشيّسعد بن عبد اللّه ، عن علّان بن محمّد الكلابيّ ، عن إسحاق بن محمّد النخعيّ ، قال : محمّد بن رياب (3) الرقَاشيّ ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام أسأله عن المشكاة ، وأن يدعو لامرأتي _ وكانت حاملاً _ أن يرزقها ذكراً ، وأن يُسمّيه ، فرجع الجواب :المِشكَاةُ قَلبُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله . وكتب في آخر الكتاب : أَعظَمَ اللّهُ أَجرَكَ وَأَخلَفَ عَلَيكَ ، فَوَلَدَت وَلَدَاً مَيِّتاً . وحَمَلَت بعده فولدت غُلاماً . (4)

.


1- .. الخرائج والجرائح : ج 1 ص 448 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 422 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 274 ح 44 ، وفيه : « إن كان » بدل « إنّه كان » ، وج 50 ص 289 .
2- .. رواه المسعودي في إثبات الوصية : ص 242 بإسناده عن الحميريّ ، عن أبي هاشم ، عن الحجّاج بن سفيان العبدي وفيه : « السنّة » بدل « الشيعة » ، وأورده في الصراط المستقيم : ج2 ص208 ح22 عن الحجّاج العبدي .
3- .. الرجل مردّد : ب_ « بن رياب أو بن درياب » ، أحدهما مصحّف الآخر ، كلاهما مجهول ، قال الوحيد : «روى محمّد بن درياب الرقاشيّ عن العسكري عليه السلام معجزة ، وكان يكاتبه » ، ولم يزد غير هذا ( راجع : قاموس الرجال : ج9 ص259 الرقم 6700 ) .
4- .. إثبات الوصية : ص266 ، كشف الغمّة : ج2 ص422 وفيه : « محمّد بن دَريَاب الرَّقَاشِيّ قال : . . . كانت حاملاً على رأس ولدها أن يرزقني اللّه ذكراً . . . قلب محمّدٍ صلى الله عليه و آله ولم يُجبني عن امرأتي بشيءٍ . وكتب في آخر الكتاب : . . . » ، عيون المعجزات : ص124 وفيه « محمّد بن درياب » بدل « محمّد بن رياب » ، بحار الأنوار : ج50 ص290 ح63 و ج16 ص 356 ح 45 .

ص: 302

44 . كتابه عليه السلام إلى هَمَّام ( بن سهيل )
45 . كتابه عليه السلام إلى جعفر بن محمّد القلانسيّ

44كتابه عليه السلام إلى هَمَّام ( بن سهيل )أبو محمّد هارون بن موسى : ( قال ) أبو عليّ محمّد بن همّام 1 : كتب أبي إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام يُعرِّفه أنّه ما صحّ له حَمل بولد ، ويُعرِّفه أنّ له حملاً ، ويسأله أن يدعو اللّه في تصحيحه وسلامته ، وأن يجعله ذكراً نجيباً من مواليهم . فوقّع على رأس الرقعة بخطّ يده :قَد فَعَلَ اللّهُ ذَلِكَ . فصح الحمل ذكراً . ( قال ) هارون بن موسى : أراني أبو عليّ بن همّام الرقعة والخطّ ، وكان محقّقاً . (1)

45كتابه عليه السلام إلى جعفر بن محمّد القلانسيّعن جعفر بن محمّد القَلانسيّ (2) قال : كتب أخي محمّد إلى أبي محمّد عليه السلام وامرأتُه حاملٌ تسأله الدعاء بخلاصها ، وأن يرزقه اللّه ذكراً ، أو تسأله أن تسمّيه ، فكتب إليه :

.


1- .. رجال النجاشي : ج 2 ص 297 الرقم 1033 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 302 ح 77 نقلاً عنه .
2- .. جعفر بن محمّد القلانسي ، قال الوحيد رحمه الله : « من أصحاب أبي محمّد عليه السلام ، يظهر من الأخبار عن عقيدته وعلام كونه مخالفا » ( تعليقة على منهج المقال : ص 109 ) .

ص: 303

46 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن يزيد
47 . كتابه عليه السلام إلى أبي سليمان المحموديّ

رَزَقَكَ اللّهُ ذَكَراً سَوِيّاً ، وَنِعمَ الاسمُ مُحَمَّدٌ وَعَبدُ الرَّحمنِ . فولدت ابنين توأماً ، فسمّى أحدهما محمّداً ، والآخر عبد الرحمن . 1

46كتابه عليه السلام إلى عليّ بن يزيدروى أبو سليمان عن عليّ بن يزيد المعروف (1) ب_ « ابن رمش » ، قال : اعتلّ ابني أحمد وكنت بالعَسكر وهو ببغداد ، فكتبت إلى أبي محمّد أسألُه الدعاء ، فخرج توقيعُه :أَ وَمَا عَلِمَ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً . فمات الابنُ . (2)

47كتابه عليه السلام إلى أبي سليمان المحموديّروى أبو سليمان المحموديّ (3) قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام أسأله الدعاء بأن اُرزَق

.


1- .. الظاهر أنّه عليّ بن زيد العلويّ ، ولعلّه متّحد مع عليّ بن زيد العلويّ الّذي قَتل قائد الزنج ، عليّ بن زيد العلويّ صاحب الكوفة سنة 260 ه_ ( راجع : تاريخ الطبري : ج 9 ص 509 _ 508 ) ، هو عليّ بن زيد بن عليّ ، علويّ من أصحاب العسكري عليه السلام ( راجع : مرآة العقول : ج 6 ص 159 ح 15 ) .
2- .. الخرائج والجرائح : ج 1 ص 438 ح 17 ،كشف الغمّة : ج 2 ص 428 ، بحار الأنوار : ج50 ص 269 ح 31 .
3- .. الظاهر أنّ المحموديّ هو محمّد بن أحمد بن حمّاد ، المكنّى بأبي عليّ ، الّذي عدّه الشيخ في أصحاب الهادي والعسكري عليهماالسلام ( راجع : رجال الطوسي : ص392 الرقم 5783 وص397 الرقم 5824 ، خلاصة الأقوال : ص255 الرقم 72 ) . روى الكشّي وغيره فيه مدحا وذمّا ، ولعلّ وجه الذم لتقيّة أو غيرها ( رجال الكشّي : ج2 ص833 الرقم 1057 _ 1058 _ 1097 ) ، وأمّا أحمد بن حمّاد أبوه مات في حياة الإمام الجواد عليه السلام ، ولا يصحّ عدّه في أصحاب العسكري عليه السلام .

ص: 304

48 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن إبراهيم الهمدانيّ
49 . كتابه عليه السلام إلى عمرو بن أبي مسلم

ولداً ، فوقّع :رَزَقَكَ اللّهُ وَلَداً وَأَصبَرَكَ عَلَيهِ . فوُلِد لي ابنٌ ومات . (1)

48كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن إبراهيم الهمدانيّرُوي عن محمّد بن عليّ بن إبراهيم الهمدانيّ (2) ، قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام أسألُه ( التبرّك بأن يدعو ) أن اُرزق ولداً من بنت عمٍّ لي ، فوقّع :رَزَقَكَ اللّهُ ذُكرَاناً . فوُلِد لي أربعةٌ . (3)

49كتابه عليه السلام إلى عمرو بن أبي مسلمعبد اللّه بن جعفر الحِميَريّ في كتاب الدلائل بإسناده عن الكُلينيّ ، عن إسحاق بن محمّد ، عن عمرو بن أبي مسلم أبي عليّ 4 ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام وجاريتي

.


1- .. الخرائج والجرائح : ج 1 ص 439 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 428 وفيه « ولداً وأجراً » بدل « ولداً وأصبَرَك عليه » ، بحار الأنوار : ج 50 ص 269 ح 32 .
2- .. قال النجاشي في ترجمة ابن أنبه : أي محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ ، وكيل الناحية ، وأبوه وكيل الناحية ، وجدّه وكيل الناحية ، وجدّ أبيه إبراهيم بن محمّد وكيل الناحية . . . » ( رجال النجاشي : ص 344 الرقم 928 ) .
3- .. الخرائج والجرائح : ج 1 ص 436 ح 19 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 428 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 269 ح 33 .

ص: 305

50 . كتابه عليه السلام إلى سَيف بن اللَّيث

حاملٌ ، أسألُه أن يُسمّي ما في بطنها ، فكتب :سَمِّ مَا فِي بَطنِهَا إِذَا ظَهَرَت . ثمّ ماتت بعد شهرٍ من ولادتها ، فبعث إليَّ بخمسين ديناراً على يد محمّد بن سِنان الصوّاف وقال : اشتَر بِهَذِهِ جَارِيةً . (1)

50كتابه عليه السلام إلى سَيف بن اللَّيثإسحاق قال : حدّثني عمر بن أبي مسلم (2) ، قال : قدم علينا بِسُرّ مَن رَأى رجل من أهل مصر يُقال له : سيف بن اللّيث ، يتظلّم إلى المُهتدي في ضيعةٍ له قد غصبها إيّاه شفيعٌ الخادم وأخرجه منها ، فأشرنا عليه أن يكتب إلى أبي محمّد عليه السلام يسألُه تسهيل أمرها . فكتب إليه أبو محمّد عليه السلام :لا بَأسَ عَلَيكَ ، ضَيعَتُكَ تُرَدُّ عَلَيكَ ، فَلا تَتَقَدَّم إِلَى السُّلطَانِ ، وَالقَ الوَكِيلَ الَّذِي فِي يَدِهِ الضَّيعَةُ وَخَوِّفهُ بِالسُّلطَانِ الأعظَمِ اللّهِ رَبِّ العَالَمِينَ .

فلقيَه ، فقال له الوكيل الّذي في يده الضيعة : قد كتب إليَّ عند خروجك من مصرأن أطلُبك وأردّ الضيعة عليك . فردّها عليه بحكم القاضي ابن أبي الشوارب وشهادة

.


1- .. بحار الأنوار : ج 50 ص 282 ح 58 نقلاً عن كتاب النجوم ، راجع : فرج المهموم : ص 237 .
2- .. راجع الرقم 49 « عمرو بن أبي مسلم » .

ص: 306

51 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن حميد الذادع

الشهود ، ولم يحتج إلى أن يتقدّم إلى المُهتدي ، فصارت الضيعة له وفي يده ، ولم يكن لها خبر بعد ذلك . قال : وحدّثني سيف بن الليث هذا ، قال : خلّفت ابناً لي عليلاً بمصر عند خروجي عنها ، وابناً لي آخر أسَنّ منه كان وصيّي وقيّمي على عيالي وفي ضياعي ، فكتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام أسألُه الدعاء لابني العليل ، فكتب إليَّ :قَد عُوفِيَ ابنُكَ المُعتَلُّ وَمَاتَ الكَبِيرُ وَصِيُّكَ وَقَيِّمُكَ ، فَاحمَدِ اللّهَ وَلا تَجزَع فَيَحبَطَ أجرُكَ . فورد عليَّ الخبر أنّ ابني قد عُوفي من علّته ، ومات الكبير يوم ورد عليَّ جواب أبي محمّد عليه السلام . (1)

51كتابه عليه السلام إلى عليّ بن حميد الذادعإسحاق قال : حدّثني عليّ بن حميد الذادع (2) ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام أسأله الدعاء بالفرج ممّا نحن فيه من الضيق ، فرجع الجواب :الفَرَجُ سَرِيعٌ (3) يَقَدِمُ عَلَيكَ مَالٌ مِن نَاحِيَةِ فَارِسَ . فمات ابن عمٍّ لي بفارس ورثته ، وجاءني مال بعد أيّامٍ يسيرة . (4)

.


1- .. الكافي : ج1 ص 511 ح 18 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 433 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 424 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 285 ح 65 .
2- .. لعلّه مصحّف محمّد بن عليّ الذراع الّذي عدّه الشيخ في أصحاب العسكري عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص402 ح 5905 ) .
3- .. وفي البحار : « أبشر بالفرج سريعا » .
4- .. إثبات الوصيّة : ص 266 ، راجع : الخرائج والجرائح : ج 1 ص 447 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 273 ح 43 .

ص: 307

52 . كتابه عليه السلام إلى هارون بن مسلم
53 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد بن زياد

52كتابه عليه السلام إلى هارون بن مسلمهارون بن مسلم (1) قال : ولِد لابني أحمد ابنٌ ، فكتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام ، وذلك بالعسكر اليوم الثاني من ولادته ؛ أسألُه أن يُسمّيه ويُكّنيه ، وكان مَحبّتي أن اُسمّيه جعفراً واُكنّيه بأبي عبد اللّه ، فوافاني رسوله في صبيحة اليوم السابع ومعه كتابٌ :سَمِّهِ جَعفَراً وَكَنِّهِ بِأَبِي عَبدِ اللّهِ . ودعا لي . (2)

53كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد بن زيادعن عليّ بن محمّد بن زياد (3) أنّه خرج إليه توقيع أبي محمّد عليه السلام :فِتنَةٌ تَخُصُّكَ فَكُن حِلساً مِن أَحلاسِ بَيتِكَ . قال : فنابتني نائبةٌ فزعت منها ، فكتبتُ إليه : أهي هذه ؟ فكتب : لا ، أَشَدُّ مِن هَذِهِ . فطلبتُ بسبب جعفر بن محمود ، ونُودي عليَّ : مَن أصابني فله مئة ألف درهم . (4)

.


1- .. اُنظر ترجمته في الرقم 6 .
2- .. كشف الغمّة : ج 2 ص 16 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 296 ح 70 نقلاً عنه .
3- .. عليّ بن محمّد بن زياد الصيمريّ ، كان من أصحاب أبي الحسن الثالث والعسكري عليهماالسلام ، مرّ ترجمته ( راجع : رجال الطوسي : ص389 الرقم 5729 و ص400 الرقم 5858 ، رجال البرقي : ص138 الرقم 1603 و ص143 الرقم 1672 ) .
4- .. كشف الغمّة : ج 2 ص 417 ، الخرائج والجرائح : ج 1 ص 452 ح 37 وليس فيه : « فتنة تخصّك » ، بحار الأنوار : ج 50 ص 297 ح 71 .

ص: 308

54 . كتابه عليه السلام إلى أبي بكر
55 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن صالح الخَثعَميّ

54كتابه عليه السلام إلى أبي بكرعن أبي بكر قال : عرض عليَّ صديقٌ أن أدخل معه في شراء ثمار من نواحي شتّى ، فكتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام أشاوره (1) ، فكتب :لا تَدخُل فِي شَيءٍ مِن ذَلِكَ ، مَا أَغفَلَكَ عَنِ الجَرَادِ وَالحَشَفِ . فوقَع الجرادُ فأفسده ، وما بقي منه تَحشَّفَ وأعاذني اللّه من ذلك ببركته . (2)

55كتابه عليه السلام إلى محمّد بن صالح الخَثعَميّعن محمّد بن صالح الخَثعَميّ (3) قال : كتبتُ إلى أبي محمّد أسأله عن البطّيخ ، وكنت به مشغُوفاً ، فكتب إليَّ :لا تَأكُلهُ علَى الرِّيقِ ؛ فَإِنَّهُ يُوَلِّدُ الفَالِجَ . وكنتُ اُريد أن أسألَه عن صاحب الزنج خرج بالبصرة ، فنسيتُ حتّى نفذ كتابي إليه ، فوقّع : صَاحِبُ الزِّنجِ لَيسَ مِن أَهلِ البَيتِ . (4) وفي المناقب : محمّد بن صالح الخثعميّ قال : عزمتُ أن أسأل في كتابي إلى أبي محمّد عليه السلام عن أكل البطّيخ على الريق ، وعن صاحب الزنج ، فاُنسيت فورد عليّ

.


1- .. وفي البحار : « أستأذنه » بدل « أشاوره » .
2- .. كشف الغمّة : ج 2 ص 423 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 290 ح 65 نقلاً عنه .
3- .. عدّه الشيخ من أصحاب العسكري عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 402 الرقم 5909 ) ، لم نجد له مدحا أو وصفا يدلّ على قبول روايته أو حسنه .
4- .. كشف الغمّة : ج 3 ص 220 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 293 .

ص: 309

56 . كتابه عليه السلام إلى عُمَر بن أبي مُسلم
57 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن موسى

جوابه : لَا يؤكَل عَلَى الرِّيقِ ؛ فَإِنَّهُ يُورِثُ الفَالِجَ ، وصَاحِبُ الزِّنجِ لَيسَ مِنّا أَهلَ البَيتِ . (1)

56كتابه عليه السلام إلى عُمَر بن أبي مُسلمقال عُمَر بن أبي مسلم : كان سميعٌ المِسمَعيّ يُؤذيني كثيراً ويبلغني عنه ما أكره ، وكان ملاصقاً لداري ، فكتبت إلى أبي محمّد عليه السلام أسأله الدعاء بالفرج منه ، فرجع الجواب :أَبشِر بِالفَرَجِ سَرِيعاً ، وَأَنتَ مَالِكُ دَارِهِ . فمات بعد شهر ، واشتريت داره فوصلتها بداري ببركته . (2)

57كتابه عليه السلام إلى محمّد بن موسىعن محمّد بن موسى قال : شكوتُ إلى أبي محمّد عليه السلام مَطلَ غَريمٍ لي ، فكتب إليَّ :عَن قَرِيبٍ يَمُوتُ ، وَلَا يَمُوتُ حَتَّى يُسَلِّمَ إِلَيكَ مَا لَكَ عِندَهُ . فما شعرتُ إلّا وقد دقّ عليَّ الباب ومعه مالي ، وجعل يقول : اجعلني في حِلٍّ ممّا مَطلتُك . (3)

.


1- .. المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص428 ، بحار الأنوار : ج 66 ص 197 ح 17 .
2- .. كشف الغمّة : ج2 ص422 وراجع : الخرائج والجرائح : ج1 ص447 ح33 ، بحار الأنوار :ج50 ص273 ح43 .
3- .. المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 419 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 284 .

ص: 310

58 . كتابه عليه السلام إلى حمزة بن محمّد السرويّ
59 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن حمزة السروريّ

58كتابه عليه السلام إلى حمزة بن محمّد السَّروِيّحمزة بن محمّد السرويّ (1) قال : أملَقتُ وعزمت على الخروج إلى يحيى بن محمّدابن عمّي بِحَرّان ، وكتبت أسألُه أن يدعو لي ، فجاء الجواب :لَا تَبرَح ، فَإِنَّ اللّهَ يَكشِفُ مَا بِكَ ، وَابنُ عَمِّكَ قَد مَاتَ . وكان كما قال ، ووصَلتُ إلى تركته . (2)

59كتابه عليه السلام إلى محمّد بن حمزة السُّروريّعن محمّد بن حمزة السروريّ (3) قال : كتبتُ على يد أبي هاشم داوود بن القاسم الجعفريّ ، وكان لي مُواخِياً ، إلى أبي محمّد عليه السلام أسألُه أن يدعو لي بالغنى ، وكنت قد أملَقتُ فأوصلها ، وخرج الجواب على يده :أَبشِر ، فَقَد أَجَلَّكَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالغِنَى ، مَاتَ ابنُ عَمِّكَ يَحيَى بنُ حَمزَهَ وَخَلَّفَ مِئَةَ أَلفِ دِرهَمٍ ، وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَيكَ ، فَاشكُرِ اللّهَ ، وَعَلَيكَ بِالاقتِصَادِ ، وَإِيَّاكَ وَالإِسرَافَ ، فَإِنَّهُ مِن فِعلِ الشَّيطَنَةِ . فورد عليَّ بعد ذلك قادمٌ معه سَفاتِج من حَرّان ، فإذا ابن عمّي قد مات في اليوم الّذي رجع إليَّ أبو هاشم بجواب مولاي أبي محمّد ، فاستغنيت وزال الفقر عنّي كما قال سيّدي ، فأدّيت حقّ اللّه في مالي ، وبَرِرتُ إخواني ، وتماسكت بعد ذلك _ وكنت

.


1- .. لم نجد له ترجمة ، غير أنّ الشيخ ذكره في أصحاب مولانا العسكري عليه السلام قائلاً : «حمزة بن محمّد» ( راجع : رجال الطوسي : ص 399 الرقم 5846 ) .
2- .. المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 419 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 284 .
3- .. لعلّه مقلوب حمزة بن محمّد السرويّ المتقدّم ، لم يعنون في الرجال والتراجم غير هذا .

ص: 311

60 . كتابه عليه السلام إلى شاهَوَيه بن عبد ربّه
61 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن ظَرِيف

مُبذّراً _ كما أمرني أبو محمّد عليه السلام . (1)

60كتابه عليه السلام إلى شاهَوَيه بن عبد ربّهشاهَوَيه بن عبد ربّه (2) قال : كان أخي صالحٌ محبوساً ، فكتبتُ إلى سيّدي أبي محمّد عليه السلام أسأله أشياء ، فأجابني عنها وكتب :إِنَّ أَخَاكَ يَخرُجُ مِنَ الحَبسِ يَومَ يَصِلُكَ كِتَابِي هَذَا ، وَقَد كُنتَ أَرَدتَ أَن تَسأَلَنِيعَن أَمرِهِ فَأُنسِيتَ . فبينا أنا أقرأُ كتابه إذا اُناس جاؤوني يبشّرونني بتخلية أخي ، فتلقّيتُه وقرأت عليه الكتاب . (3)

61كتابه عليه السلام إلى الحسن بن ظَرِيفقال ( الحسن بن ظَريف ) (4) : وكتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام ، وقد تركت التمتّع ثلاثين سنة ، وقد نشطتُ لذلك ، وكان في الحيّ امرأة وُصفت لي بالجمال فمال إليها قلبي ، وكانت عاهراً لا تمنع يد لامس فكرهتها ، ثمّ قلت : قد قال : تمتّع بالفاجرة فإنّك تُخرجها من حرام إلى حلال ، فكتبت إلى أبي محمّد اُشاورُه في المتعة وقلت : أيجوز بعد هذه السنين أن أتمتّع ؟ فكتب :

.


1- .. كشف الغمّة : ج 2 ص 424 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 292 ح 66 نقلاً عنه .
2- .. الظاهر هو شاهوية بن عبد اللّه الجلّاب ( الحلّال ) ، عدّه الشيخ تارةً من أصحاب الهادي عليه السلام ، واُخرى من أصحاب مولانا العسكري عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 397 الرقم 5853 وص 387 الرقم 5702 ) .
3- .. المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 438 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 288 ح 62 نقلاً عنه .
4- .. اُنظر ترجمته في الرقم 18 .

ص: 312

62 . كتابه عليه السلام إلى ابن الفُرات
63 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن بن ميمون ( شمّون )

إِنَّمَا تُحيِي سُنَّةً وَتُمِيتُ بِدعَةً ، وَلا بَأسَ ، وَإِيَّاكَ وَجَارَتَكَ المَعرُوفَةَ بِالعَهَرِ وَإِن حَدَّثَتكَ نَفسُكَ ، أَنَّ آبَائِي قَالُوا : تَمَتَّع بِالفَاجِرَةِ فَإِنَّكَ تُخرِجُهَا مِن حَرَامٍ إِلَى حَلالٍ ، فَهَذِهِ امرَأَةٌ مَعرُوفَةٌ بِالهَتكِ وَهِيَ جَارَةٌ ، وَأَخَافُ عَلَيكَ استِفَاضَةَ الخَبَرِ فِيهَا . فتركتُها ولم أتمتّع بها ، وتمتّع بها شاذان بن سعد رجلٌ من إخواننا وجيراننا ، فاشتهر بها حتّى علا أمرُه وصار إلى السلطان ، وغُرّم بسببها مالاً نفيساً ، وأعاذني اللّه من ذلك ببركة سيّدي . (1)

62كتابه عليه السلام إلى ابن الفُراترُوي عن ابن الفُرات ( قال : ) كان لي على ابن عمّي عشرة آلاف درهم (2) ، فكتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام أسأله الدعاء لذلك ، فكتب إليَّ :إنّه رادٌّ عَلَيكَ مَالَكَ ، وَهُوَ مَيِّتٌ بَعدَ جُمعَةٍ . قال : فردّ عليَّ ابن عمّي مالي ، فقلت : ما بدا لك في ردّه وقد منعتنيه ؟ قال : رأيت أبا محمّد عليه السلام في النوم فقال : إنَّ أَجَلَكَ قَد دَنَا فَرُدَّ عَلَى ابنِ عَمِّكَ مَالَهُ . (3)

63كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن بن ميمون ( شمّون )أبو عليّ أحمد بن عليّ بن كلثوم السرخسي ، قال : حدّثني إسحاق بن محمّد بن أبان

.


1- .. كشف الغمّة : ج3 ص213 ، بحار الأنوار : ج50 ص290 وج103 ص319 ح44 نقلاً عنه .
2- .. زاد في كشف الغمّة بين الهلالين : « فطالبته بها مرارا فمنعنيها » .
3- .. الخرائج والجرائح : ج 1 ص 441 ح 22 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 429 ، الثاقب في المناقب : ص 568 ح 512 ، الصراط المستقيم : ج 2 ص 207 ح 14 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 270 ح 36 .

ص: 313

64 . كتابه عليه السلام إلى جعفر بن محمّد القَلانِسِيّ

البصري ، قال : حدّثني محمّد بن الحسن بن ميمون (1) ، أنّه قال : كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أشكو إليه الفقر ، ثمّ قلت في نفسي: أليس قال أبو عبد اللّه عليه السلام : الفقر معنا خير من الغنى مع عدوّنا ، والقتل معنا خير من الحياة مع عدوّنا ؟ فرجع الجواب :إِنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمحِضُ (2) أَولِيَاءَنَا إِذَا تَكَاثَفَت ذُنُوبُهُم بِالفَقرِ ، وَقَد يَعفُو عَن كَثِيرٍ ، وَهُوَ كَمَا حَدَّثَت نَفسُكَ الفَقرُ مَعَنَا خَيرٌ مِنَ الغِنَى مَعَ عَدُوِّنَا ، وَنَحنُ كَهفٌ لِمَنِ التَجَأَ إِلَينَا وَنُورٌ لِمَنِ استَضاءَ ( استَبصَرَ ) بِنَا ، وَعِصمَةٌ لِمَنِ اعتَصَمَ بِنَا ، مَن أَحَبَّنَا كَانَ مَعَنَا فِي السَّنَامِ الأَعلَى ، وَمَنِ انحَرَفَ عَنَّا فَإِلَى (3) النَّارِ . (4)

64كتابه عليه السلام إلى جعفر بن محمّد القَلانِسِيّعن جعفر بن محمّد القَلانسيّ (5) قال : كتبت إلى أبي محمّد مع محمّد بن عبد الجبّاروكان خادماً يسأله عن مسائل كثيرة ، ويسأله الدعاء لأخٍ له خرج إلى إرمنيّة ( إِرمِينِيَّة ) يجلب غنماً ، فورد الجواب بما سأل ولم يذكر أخاه فيه بشيء ، فورد الخبر بعد ذلك أنّ أخاه مات يوم كتب أبو محمّد جواب المسائل ، فعلمنا أنّه لم يذكره ؛ لأنّه علم بموته . (6)

.


1- .. الظاهر أنّ « بن ميمون » مصحف « بن شمون » الّذي مرّ ترجمته .
2- .. في المناقب : «يَخُصُّ» بدل «يمحّض ».
3- .. في المناقب : «مال إلى» بدل «فإلى ».
4- .. رجال الكشّي : ج 2 ص 815 الرقم 1018 ، الخرائج والجرائح : ج 2 ص740 وفيه : « شمّون » بدل « ميمون » ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 436 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 421 ، بحار الأنوار : ج 69 ص45 .
5- .. من أصحاب أبي محمّد عليه السلام ، يظهر من الأخبار حسن عقيدته وعدم كونه مخالفا ( راجع : تعليقة الوحيد على منهج المقال : ص 109 ) ، لم يُذكر في المصادر الرجاليّة ، غير أنّ له ولأخيه « محمّد » مكاتبة إلى أبي محمّد العسكري عليه السلام .
6- .. كشف الغمّة : ج 2 ص 418 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 298 نقلاً عنه .

ص: 314

. .

ص: 315

الفصل الرابع : في مكاتيبه عليه السلام الفقهيّة

اشاره

الفصل الرابع: في مكاتيبه الفقهيّة عليه السلام

.

ص: 316

. .

ص: 317

باب الطهارة
65 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جعفر في الختان

باب الطّهارة65كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جعفرفي الختانمحمّد بن يحيى ومحمّد بن عبد اللّه ، عن عبد اللّه بن جعفر (1) أنّه كتب إلى أبي محمّد عليه السلام : أنّه روي عن الصادقين : أن اختنوا أولادكم يوم السابع يطّهّروا ، وأنّ الأرض تضجّ إلى اللّه من بول الأغلف ، وليس جُعلتُ فداك لحجّامي بلدنا حذقٌ بذلك ولا يختنونه يوم السابع ، وعندنا حجّامُ اليهود ، فهل يجوز لليهود أن يختنوا أولاد المسلمين ، أم لا إن شاء اللّه ؟ فوقّع عليه السلام :السُّنَّةُ يَومَ السَّابِعِ فَلا تُخَالِفُوا السُّنَنَ إِن شَاءَ اللّهُ . (2)

.


1- .. عبد اللّه بن جعفر بن الحسن بن مالك بن جامع الحميريّ ، أبو العبّاس القمّي ، شيخ القميّين ووجههم ، قدم الكوفة سنة نيف وتسعين ومئتين ، وسمع أهلها منه فأكثروا ، وصنّف كتبا كثيرة ( راجع : رجال النجاشي : ج2 ص18 الرقم 573 ) . ذكره الشيخ أيضا قائلاً : إنّه ثقة ( الفهرست : ص 102 الرقم 429 ، رجال الطوسي : ص400 الرقم 5859 ) ، وكان من أصحاب الرضا والهادي والعسكريّ عليهم السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 370 الرقم 5507 وص389 الرقم 5727 ، وص 400 الرقم 5859 ، رجال البرقي : ص 60 ) . وقد تنظّر السيّد الخوئي في إدراكه الرضا والجواد عليهماالسلام ؛ لكون روايته عنهما عليهماالسلام كانت مع الواسطة ( راجع : معجم رجال الحديث : ج11 ص 150 الرقم 6766 ) .
2- .. الكافي : ج6 ص35 ح3 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص488 ح4725 وفيه : «كتب عبد اللّه بن جعفر الحميريّ إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهماالسلام : أنَّه روي عن الصالحين : أن اختنوا أولادكم . . . » ، مكارم الأخلاق : ج2 ص490 ح 1698 ، وسائل الشيعة : ج 21 ص 433 ح27512 .

ص: 318

66 . كتابه عليه السلام إلى أبي الخير صالح بن أبي حَمَّاد في غُسل ليالي شهر رمضان

66كتابه عليه السلام إلى أبي الخير صالح بن أبي حَمَّادفي غُسل ليالي شهر رمضانحدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى ، قال : حدّثني محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيّ ، قال : حدّثنا أبو الخير صالح 1 بن أبي حمّاد ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، أسأله عن الغُسل في ليالي شهر رمضان ؟ فكتب عليه السلام :إِن استَطَعتَ أن تَغتَسِلَ لَيلَةَ سَبعَةَ عَشرَةَ وَلَيلَةَ تِسعَةَ عَشرَةَ وَلَيلَةَ إحدَى وَعِشرِينَ وَلَيلَةَ ثَلاثٍ وَعِشرِينَ فَافعَل ، فَإِنَّ فِيها تُرجَى لَيلَةُ القَدرِ ، فَإِن لَم تَقدِر عَلَى إِحيَائِهَا فَلا يَفُوتُنَّك إِحيَاءُ لَيلَةُ ثَلاثٍ وَعِشرِينَ ، تُصَلِّي فِيها مَئَةَ رَكعَةٍ ، تَقرَأُ فِي كُلِّ رَكعَةٍ الحَمدَ مَرَّةً وَقُل هُوَ اللّهُ أحَدٌ عَشرَ مَرَّاتٍ . (1)

.


1- .. فضائل الأشهر الثلاثة : ص 103 ح 91 ، وسائل الشيعة : ج 10 ص 358 ح 13598 .

ص: 319

67 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار في حمل الجنازة والصلاة عليها
68 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار في مسّ الميّت

67كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارفي حمل الجنازة والصلاة عليهامحمّد بن الحسن الصفّار 1 قال : كتبتُ إلى أبي محمّد الحسن العسكريّ عليه السلام : أيجوز أن يُجعل الميّتين على جنازة واحدة في موضع الحاجة وقلّة الناس ، وإن كان الميّتان رجلاً وامرأة ، يحملان على سرير واحد ويُصلّى عليهما ؟ فوقّع عليه السلام :لَا يُحمَلُ الرَّجُلُ مَعَ المَرأَةِ عَلَى سَرِيرٍ وَاحدٍ . (1)

68كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارفي مسّ الميّتمحمّد بن الحسن الصفّار (2) قال : كتبتُ إليه [ عليه السلام ] : رجلٌ أصاب يديه أو بدنه ثوب الميّت الّذي يلي جلده قبل أن يُغسّل ، هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه ؟ فوقّع :إِذَا أَصَابَ يَدكَ جَسَدُ المَيِّتِ قَبلَ أَن يُغسَّلَ فَقَد يَجِبُ عَلَيكَ الغُسلُ . (3)

.


1- .. تهذيب الأحكام : ج1 ص454 ح125 ، وسائل الشيعة : ج3 ص208 ح3423 ، بحار الأنوار : ج81 ص367 .
2- .. اُنظر ترجمته في الرقم 67 .
3- .. تهذيب الأحكام : ج 1 ص 429 ح 13 ، وسائل الشيعة : ج 3 ص 290 ح 3675 .

ص: 320

69 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن في حدّ الماء الّذي يُغسّل به الميّت

69كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسنفي حدّ الماء الّذي يُغسّل به الميّتمحمّد بن يحيى قال : كتب محمّد بن الحسن (1) إلى أبي محمّد عليه السلام في الماء الّذي يُغسّل به الميّت كم حدّه ؟ فوقّع عليه السلام :حَدُّ غُسلِ المَيِّتِ يُغسَلُ حَتَّى يَطهُرَ إِن شَاءَ اللّهُ . قال وكتب إليه : هل يجوز أن يُغسّل الميّت وماؤُه الّذي يُصبّ عليه يدخل إلى بِئرٍ كنيف ، أو الرجل يتوضّأ وضوء الصلاة أن يُصبّ ماء وضوئه في كنيف ؟ فوقّع عليه السلام : يَكُونُ ذَلِكَ فِي بَلالِيعَ (2) . (3)

وفي روايةٍ اُخرى : محمّد بن الحسن الصفّار قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام : كم حدّ الماء الّذي يُغسّل به الميّت ، كما روَوا أنّ الجُنب يغتسل بستّة أرطالٍ ، والحائض بتسعة أرطالٍ ، فهل للميّت حدٌّ من الماء الّذي يُغسّل به ؟ فوقّع عليه السلام :حَدُّ غُسلِ المَيِّتِ يُغَسَّلُ حَتَّى يَطهُرَ ، إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . (4)

.


1- .. اُنظر ترجمته في الرقم 67 .
2- .. بلاليع : جمع البالوعة .
3- .. الكافي : ج3 ص150 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج1 ص431 ح1378 ، وسائل الشيعة : ج1 ص491 ح1297 .
4- .. تهذيب الأحكام : ج1 ص431 ح1377 ، الاستبصار : ج1 ص195 ح116 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص141 ح393 وفيه : « كتب محمّد بن الحسن الصفّار إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام : كم حدّ الماء الّذي يُغسل به الميّت . . . وهذا التوقيع في جملة توقيعاته عندي بخطّه عليه السلام في صحيفة » .

ص: 321

70 . كتابه عليه السلام إلى أبي عون الأبرش في النياح على الميّت وشقّ الثوب

70كتابه عليه السلام إلى أبي عون الأبرشفي النياح على الميّت وشقّ الثوبحدّثنا جَماعةٌ كلّ واحد منهم يحكي أنّه دخل الدار _ أي دار أبي الحسن عليه السلام يوم وفاته _ وقد اجتمع فيها جملة ( جُلُّ ) بني هاشم من الطالبيّين والعبّاسيّين ( والقُوّاد وغيرهم ) ، واجتمع خلقٌ من الشيعة ، ولم يكن ظهر عندهم أمرُ أبي محمّد عليه السلام ولا عرف خبره إلّا الثقات الّذين نصّ أبو الحسن عليه السلام عندهم عليه ، فحكوا أنّهم كانوا في مصيبة وحَيرة ، فهم في ذلك إذ خرج من الدار الداخلة خادم فصاح بخادمٍ آخر : يا رَيّاش ، خذ هذه الرقعة وامض بها إلى دار أمير المؤمنين ، وادفعها إلى فلان وقل له : هذه رقعة الحسن بن عليّ عليه السلام . فاستشرف الناس لذلك ، ثمّ فُتح من صدر الرواق باب وخرج خادم أسود ، ثمّ خرج بعده أبو محمّد عليه السلام حاسراً مكشوف الرأس مشقوق الثياب ، وعليه مُبَطّنة ( مُلحَمٌ) بيضاء ، وكأنّ وجهه وجه أبيه عليه السلام لا يخطئ منه شيئاً ؛ وكان في الدار أولاد المتوكّل وبعضهم ولاة العهود ، فلم يبق أحدٌ إلّا قام على رجله ، ووثب إليه أبو محمّد الموفّق فقصده أبو محمّد عليه السلام فعانقه ، ثمّ قال له : مرحباً بابن العمّ . وجلس بين بابي الرواق ، والناس كلّهم بين يديه ، وكانت الدار كالسوق بالأحاديث ، فلمّا خرج وجلس أمسك الناس ، فما كنّا نسمع شيئاً إلّا العطسة والسعلة ، وخرجت جارية تندب أبا الحسن عليه السلام ، فقال أبو محمّد عليه السلام :ما هاهُنا مَن يَكفِينَا مَؤُونَةَ هَذِهِ الجاهِلَةِ ( الجَارِيَةِ ). فبادر الشيعة إليها فدخلت الدار ، ثمّ خرج خادم ، فوقف بحذاء أبي محمّد عليه السلام ، فنهض عليه السلام وأُخرجت الجنازة ، فوقف يمشي حتّى أُخرج بها إلى الشارع الّذي بإزاء دار موسى بن بقا ، وقد كان أبو محمّد صلّى عليه قبل أن يخرج إلى الناس ، وصلّى عليه لمّا أُخرج المعتمد ، ثمّ دفن في دار من دوره .

.

ص: 322

واشتدّ الحرّ على أبي محمّد عليه السلام ، وضغطه الناس في طريقه ومنصرفه من الشارع بعد الصلاة عليه ، فصار في طريقه إلى دكّان لبقّال رآه مرشوشاً فسلّم واستأذنه في الجلوس ، فأذن له وجلس ، ووقف الناس حوله ، فبينا نحن كذلك إذ أتاه شابّ حسن الوجه نظيف الكسوة على بغلة شهباء على سرج ببرذون أبيض قد نزل عنه ، فسأله أن يركبه ، فركب حتّى أتى الدار ، ونزل وخرج في تلك العشيّة إلى الناس ما كان يحزم عن أبي الحسن عليه السلام ، حتّى لم يفقدوا منه إلّا الشخص . وتكلّمت الشيعة في شقّ ثيابه ، وقال بعضهم : رأيتم أحداً من الأئمّة عليهم السلام شقّ ثوبه في مثل هذه الحال ؟ فوقّع إلى مَن قال ذلك : يَا أَحمَقُ مَا يُدرِيكَ مَا هَذَا ؟ قَد شَقَّ مُوسَى عَلَى هَارُون عليهماالسلام . (1) وفي رجال الكشّي : أحمد بن عليّ بن كلثوم السرخسي ، قال : حدّثني أبو يعقوب إسحاق بن محمّد البصري ، قال : حدّثني محمّد بن الحسن بن شمّون ، وغيره ، قال : خرج أبو محمّد عليه السلام في جنازة أبي الحسن عليه السلام وقميصه مشقوق ، فكتب إليه أبو عون الأبرش (2) قرابة نجاح بن سلمه : من رأيت أو بلغك من الأئمّة شقّ ثوبه في مثل هذا ؟ فكتب إليه أبو محمّد عليه السلام : يَا أَحمَقُ . . . (3) وفي رواية اُخرى : أحمد بن علي قال : حدّثني إسحاق ، قال : حدّثني إبراهيم بن الخضيب الأنباريّ قال : كتب أبو عون الأبرش قرابة نجاح بن سلمه إلى أبي محمّد عليه السلام : إنّ الناس قد استوحشوا من شقّك ثوبك على أبي الحسن عليه السلام ، فقال :

.


1- .. إثبات الوصيّة للمسعوديّ : ص 257 .
2- .. الحسن بن النضر ، وعدّه الشيخ من أصحاب مولانا الحسن العسكريّ عليه السلام قائلاً : الحسن بن النضر أبو عون الأبرش ( رجال الطوسي : ص 399 الرقم 5844 ) . ويظهر من الخبر ذمّه ( خلاصة الأقوال : ص 432 الرقم 17 ) والخبر ضعيف ( معجم رجال الحديث : ج 6 ص 162 الرقم3180 ) . ذكره ابن داوود في باب الكنى من القسم الثاني قائلاً : إنّه مذموم ( رجال ابن داوود : ص 33 الرقم 22 ) .
3- .. رجال الكشّي : ج 2 ص 842 الرقم 1084 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 191 ح 3 نقلاً عنه ، وراجع : كشف الغمّة : ج2 ص418 ، بحار الأنوار : ج 79 ص 85 ح 28 .

ص: 323

باب الصلاة
71 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد الجبّار في لباس المصلّي

يَا أَحمَقُ ، مَا أَنتَ وَذَاكَ ؟ قَد شَقَّ مُوسَى عَلَى هَارُونَ عليهماالسلام ، إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَن يُولَدُ مُؤمِناً ويَحيَا مُؤمِناً وَيَمُوتُ مُؤمِناً ، وَمِنهُم مَن يُولَدُ كَافِراً وَيَحيَا كَافِراً وَيَمُوتُ كَافِراً ، وَمِنهُم مَن يُولَدُ مُؤمِناً وَيحيَا مُؤمِناً وَيَمُوتُ كَافِراً ، وَإِنَّكَ لَا تَمُوتَ حَتَّى تَكفُرَ وَيَتَغَيَّرَ عَقلُكَ . فما مات حتّى حجبه وُلدُه عن الناس وحبسوه في منزله ، في ذهاب العقل والوسوسة وكثرة التخليط ، ويَرِدُ على الإمامة ، وانكشف عمّا كان عليه . (1)

باب الصّلاة71كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد الجبّارفي لباس المصلّيمحمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عبد الجبّار (2) ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام أسأله : هل يُصلّى في قلنسوة عليها وَبَر ما لا يؤكل لحمه أو تِكّة حريرٍ أو تِكّةٍ من وَبَر الأرانب ؟ فكتب عليه السلام :لا تَحِلُّ الصَّلَاةُ فِي الحَرِيرِ المَحضِ ، وَإِن كَانَ الوَبَرُ ذَكِيَّاً حَلَّت الصَّلَاةُ فِيهِ إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . (3)

.


1- .. رجال الكشّي : ج 2 ص 842 الرقم 1085 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 191 ح 4 نقلاً عنه ، وراجع : المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 435 ، بحار الأنوار : ج 79 ص 85 ح 30 .
2- .. هو محمّد بن أبي الصهبان ، وعبدالجبّار كُنية لأبي الصهبان ، قمّي ، ثقة ، ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب أبي جعفر الثاني ، وفي أصحاب أبي الحسن الثالث ، وفي أصحاب أبي محمّد العسكريّ عليهم السلام ووثّقه ( راجع : رجال الطوسي : ص378 الرقم 5612 وص391 الرقم 5765 ، وص401 الرقم 5887 ، رجال البرقي : ص59 ) .
3- .. تهذيب الأحكام :ج2 ص207 ح810 ، الاستبصار :ج1 ص383 ح11 ، وسائل الشيعة :ج4 ص377 ح5442 .

ص: 324

72 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جعفر
73 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيار

72كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جعفرمحمّد بن عليّ بن محبوب ، عن عبد اللّه بن جعفر ، قال : كتبتُ إليه _ يعني أبا محمّد عليه السلام _ : يجوز للرجل أن يُصلّي ومعه فأرة مسكٍ ؟ فكتب عليه السلام :لا بَأسَ بِهِ إِذَا كَانَ ذَكِيَّاً . (1)

73كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارسَعد ، عن الحسن بن عليّ بن مَهزيار ، عن عليّ بن مهزيار 2 ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام أسألُه عن الصلاة في القِرمِز ، وأنّ أصحابنا يتوقّفون عن الصلاة فيه ؟ فكتب عليه السلام :

.


1- .. تهذيب الأحكام : ج2 ص362 ح1500 ، بحار الأنوار : ج63 ص55 .

ص: 325

74 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن مهزيار

لَا بَأسَ بِهِ مُطلَقٌ ، وَالحَمدُ للّهِ رَبِّ العَالَمِينَ . (1)

74كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن مهزياركتب إبراهيم بن مهزيار 2 إلى أبي محمّد الحسن عليه السلام يسأله عن الصلاة في القرمز ، فإنّ أصحابنا يتوقّون (2) عن الصلاة فيه ، فكتب :لَا بَأسَ مُطلَقٌ ، وَالحَمدُ للّهِِ . (3) كتب ( إبراهيم بن مهزيار ) إليه في الرجل يجعل في جبّته بدل القُطن قَزّاً (4) هل يصلّي فيه ؟ فكتب : نَعَم لَا بَأسَ بِهِ . (5)

.


1- .. تهذيب الأحكام : ج2 ص363 ح1502 ، وسائل الشيعة : ج4 ص375 ح5437 وص435 ح5640 .
2- .. التوقّي : التجنّب ، ومنه : يتوقّون شطوط الأنهار ( مجمع البحرين : ج4 ص542 ) . وفي بعض النسخ : « يتوقّفون » .
3- .. كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 1 ص 263 ح 810 ، وسائل الشيعة : ج 4 ص 375 ح 5437 .
4- .. القزّ : هو الّذي يسوّى منه الإبريسم ( لسان العرب : ج 5 ص 395 ) .
5- .. كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 1 ص 263 ح 811 ، وسائل الشيعة : ج 4 ص 444 ح 5672 .

ص: 326

75 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد الجبّار
76 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن أحمد بن مُطهّر في نوافل شهر رمضان

75كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد الجبّارأحمد بن إدريس عن محمّد بن عبد الجبّار (1) ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام أسألُه :هل يُصلّى في قَلَنسُوة حريرٍ مَحض أو قَلَنسوة ديباج ؟ فكتب عليه السلام ؟ لا تَحِلُّ الصَّلاةُ فِي حَرِيرٍ مَحضٍ . (2)

76كتابه عليه السلام إلى محمّد بن أحمد بن مُطهّر ( أحمد بن محمّد بن مطهّر )في نوافل شهر رمضانعليّ بن محمّد عن محمّد بن أحمد بن مُطهّر (3) أنّه كتب إلى أبي محمّد عليه السلام يُخبره بما جاءت به الروايةُ أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يُصلّي في شهر رمضان وغيره من الليل ثلاث عشرة ركعةً منها الوترُ وركعتا الفجر ، فكتب عليه السلام :فَضَّ اللّهُ فَاهُ ، صَلَّى مِن شَهرِ رَمَضَانَ فِي عِشرِينَ لَيلَةً كُلَّ لَيلَةٍ عِشرِينَ رَكعَةً ، ثَمَانِيَ بَعدَ المَغرِبِ ، وَاثنَتَي عَشرَةَ بَعدَ العِشَاءَ الآخِرَةِ ، وَاغتَسَلَ لَيلَةَ تِسعَ عَشرَهَ ولَيلَةَ إِحدَى وَعِشرِينَ ، وَلَيلَةَ ثَلاثٍ وَعِشرِينَ ، وَصَلَّى فِيهِمَا ثَلاثِينَ رَكعَةً ، اثنَتَي عَشرَةَ بَعدَ المَغرِبِ ، وَثَمَانِيَ عَشرَةَ بَعدَ عِشَاءِ الآخِرَةِ ، وَصَلَّى فِيهِمَا مِئَةَ رَكعَةٍ ، يَقرَأُ فِي كُلِّ رَكعَةٍ فَاتِحَةَ الكِتَابِ وَقُل هُوَ اللّهُ أحَدٌ عَشرَ مَرَّاتٍ ، وَصَلَّى إِلَى آخِرِ الشَّهرِ كُلَّ لَيلَةٍ ثَلاثِينَ رَكعَةً كَمَا فَسَّرتُ لَكَ . (4)

.


1- .. اُنظر ترجمته في الرقم 71 .
2- .. الكافي : ج3 ص399 ح10 ، تهذيب الأحكام : ج2 ص207 ح812 ، الاستبصار : ج1 ص385 ، وسائل الشيعة : ج4 ص 368 ح 5413 .
3- .. اُنظر ترجمته في الرقم 191 من مكاتيب الإمام الهادي : ص 163 .
4- .. الكافي : ج4 ص155 ح6 ، تهذيب الأحكام : ج3 ص68 ح222 ، الاستبصار : ج1 ص463 ، وسائل الشيعة : ج8 ص35 ح10045 .

ص: 327

77 . كتابه عليه السلام إلى رجاء بن يحيى بن سامان

وفي روايةٍ اُخرى : عن عليّ بن حاتم ، عن عليّ بن سليمان ، قال : حدّثنا عليّ بن أبي خليس ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن مطهّر ، قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام : إنّ رجلاً روى عن آبائك : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما كان يزيد من الصلاة في شهر رمضان على ما كان يصلّيه في سائر الأيّام؟ فوقّع عليه السلام :كَذَبَ فَضَّ اللّهُ فَاهُ ، صَلِّ فِي كُلِّ لَيلَةٍ مِن شَهرِ رَمَضَانَ عِشرِينَ رَكعَةً إِلَى عِشرِينَ مِنَ الشَّهرِ ، وَصَلِّ لَيلَةَ إِحدَى وَعِشرِينَ مِئَةَ رَكعَةً ، وَصَلِّ لَيلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشرِينَ مِئَةَ رَكعَةٍ ، وَصَلِّ فِي كُلِّ لَيلَةٍ مِنَ العَشرِ الأَوَاخِرِ ثَلاَثِينَ رَكعَةً (1) .

77كتابه عليه السلام إلى رجاء بن يحيى بن سامانعليّ بن عبد الواحد بإسناده إلى رجاء بن يحيى بن سامان 2 ، قال : خرج إلينا من دار سيّدنا أبي محمّد الحسن بن عليّ صاحب العسكر سنة خمس وخمسين ومئتين ، فذكر الرسالة المقنعة بأسرها ، قال :

.


1- .. تهذيب الأحكام : ج3 ص68 ح221 .

ص: 328

78 . كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه في أوقات الصلاة
79 . كتاب له عليه السلام في صفة دخول المسجد

وَليَكُن مِمَّا يَدعُو بِهِ بَينَ كُلِّ رَكعَتِينِ مِن نَوافَلِ شَهرِ رَمَضَانَ : اللَّهُمَّ اجعَل فِيمَا تَقضِي وَتُقَدِّرُ مِنَ الأَمرِ المَحتُومِ ، وَفِيمَا تَفرُقُ مِنَ الأَمرِ الحَكِيمِ فِي لَيلَةِ القَدرِ ، أَن تَجعَلَنِي مِن حُجَّاجِ بَيتِكَ الحَرَامِ ، المَبرُورِ حَجُّهُم ، المَشكُورِ سَعيُهُم ، المَغفُورِ ذُنُوبُهُم ، وَأَسأَلُكَ أَن تُطِيلَ عُمُرِي فِي طَاعَتِكَ ، وَتُوَسِّعَ لِي فِي رِزقِي ، يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ . (1)

78كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهفي أوقات الصلاةعن محمّد بن أبي قُرّة بإسناده إلى إبراهيم بن سَيَابَة ، قال : كتب بعض أهل بيتي إلى أبي محمّد عليه السلام في صلاة المسافر أوّل الليل صلاة الليل ، فكتب :فَضلُ صَلَاةُ المُسَافِرِ مِن أَوَّلِ اللَّيلِ كَفَضلِ صَلَاةِ المُقِيمِ فِي الحَضَرِ مِن آخِرِ اللَّيلِ . (2)

79كتاب له عليه السلامفي صفة دخول المسجدحدّث أبو الحسين محمّد بن هارون التّلعُكبَريّ ، قال : حدّثنا أبو الفضل محمّد بن

.


1- .. إقبال الأعمال : ج 1 ص 80 ، بحار الأنوار : ج 94 ص 358 .
2- .. الذكرى : ج 2 ص 371 ، بحار الأنوار : ج 84 ص 210 ح 25 نقلاً عنه وج 80 ص 133 ، وسائل الشيعة : ج 4 ص254 ح5077 ، كشف اللثام : ج 3 ص 118 ( ط - ج ) ، الحدائق الناظرة : ج 6 ص 231 .

ص: 329

باب الخمس
80 . كتابه عليه السلام إلى الريّان بن الصلت فيما يجب فيه الخمس

عبد اللّه ، قال : حدّثنا رجاء بن يحيى بن سامان العَبَرتائيّ الكاتب (1) ، قال : هذا ممّا خرج من دار سيّدنا أبي محمّد الحسن بن عليّ صاحب العسكر الآخر عليه السلام في سنة خمس وخمسين ومئتين ، قال :إِذَا أَرَدتَ دُخُولَ المَسجِدِ فَقَدِّم رِجلَكَ اليُسرَى قَبلَ اليُمنَى فِي دُخُولِكَ ، وَقُل : بِسمِ اللّهِ وَبِاللّهِ وَمِنَ اللّهِ وَإِلَى اللّهِ وَخَيرُ الأَسمَاءِ كُلِّهَا للّهِ ، تَوَكَّلتُ عَلَى اللّهِ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ . اللَّهُمَّ افتَح لِي بَابَ رَحمَتِكَ وَتَوبَتِكَ ، وَأَغلِق عَنِّي أَبوَابَ مَعصِيَتِكَ ، وَاجعَلنِي مِن زُوَّارِكَ وَعُمَّارِ مَسَاجِدِكَ ، وَمِمَّن يُنَاجِيكَ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ ، وَمِنَ الَّذِينَ هُم فِي صَلاتِهِم خاشِعُونَ ، وَادحَر عَنِّي الشَّيطَانَ الرَّجِيمَ وَجُنُودَ إِبلِيسَ أَجمَعِينَ . القول عند التوجّه إلى القبلة بالإسناد ، قال : فَإِذَا تَوَجَّهتَ القِبلَةَ فَقُلِ : اللَّهُمَّ إِلَيكَ تَوَجَّهتُ ، وَرِضَاكَ طَلَبتُ ، وَثَوَابَكَ ابتَغَيتُ ، وَلَكَ آمَنتُ ، وَعَلَيكَ تَوَكَّلتُ . اللَّهُمَّ افتَح مَسَامِعَ قَلبِي لِذِكرِكَ ، وَثَبِّت قَلبِي عَلَى دِينِكَ وَدِينِ نَبِيِّكَ ، وَلا تُزِغ قَلبِي بَعدَ إِذ هَدَيتَنِي ، وَهَب لِي مِن لَدُنكَ رَحمَةً ، إِنَّكَ أَنتَ الوَهّابُ . (2)

باب الخمس80كتابه عليه السلام إلى الريّان بن الصلتفيما يجب فيه الخمسروى الريّان بن الصلت (3) قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام : ما الّذي يجب عليّ يا مولاي

.


1- .. اُنظر ترجمته في الرقم 77 .
2- .. جمال الأُسبوع : ص 225 ، بحار الأنوار : ج 81 ص 27 ح 21 نقلاً عنه ، وراجع : مصباح المتهجّد : ص33 ، مكارم الأخلاق : ص 298 ، فلاح السائل : ص 92 .
3- .. الريّان بن الصلت ، بغداديّ ، ثقة ، خراسانيّ الأصل ، عدّ من أصحاب الرضا والهادي عليهماالسلام ( راجع : رجال الطوسي : ص 357 الرقم 5293 وص 386 الرقم 5692 ) .

ص: 330

باب الصيام
81 . كتابه عليه السلام إلى حمزة بن محمّد في علّة الصيام

في غَلّة رَحىً في أرض قطيعةٍ لي ، وفي ثمن سمكٍ وبَرديٍّ وقَصبٍ أبيعه من أجمَةِ هذه القطيعة ؟ فكتب عليه السلام :يَجِبُ عَلَيكَ فِيهِ الخُمسُ ، إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . (1)

باب الصّيام81كتابه عليه السلام إلى حمزة بن محمّدفي علّة الصياممحمّد بن موسى بن المتوكّل رضى الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيّ ، عن إسحاق بن محمّد ، عن حمزة بن محمّد ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام : لِمَ فرَض اللّه عز و جل الصوم ؟ فورد في الجواب :لِيَجِدَ الغَنِيُّ مسَّ الجُوعِ فَيَمُنَّ عَلَى الفَقِيرِ . (2) وفي الكافي : عليّ بن محمّد ومحمّد بن أبي عبد اللّه ، عن إسحاق بن محمّد ، عن حمزة بن محمّد (3) ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام : لِمَ فرض اللّه الصوم ؟ فورد الجواب : لِيَجِدَ الغَنِيُّ مَضَضَ الجُوعِ فَيَحِنَّ عَلَى الفَقِيرِ . (4)

.


1- .. تهذيب الأحكام : ج4 ص139 ح394 ، وسائل الشيعة : ج 9 ص 504 ح 12587 .
2- .. الأمالي للصدوق : ص42 ح2 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص73 ح1768 وفيه لم يذكر السند ، كشف الغمّة : ج2 ص403 وفيه : « قال القاضي أبو عبد اللّه الحسين بن عليّ بن هارون الضبّي إملاءً ، قال : وجدت في كتاب والديّ : حدّثنا جعفر بن محمّد بن حمزة العلويّ ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن الرضا عليهم السلام أسأله : لِمَ فرض اللّه تعالى الصوم ؟ فكتب عليه السلام إليّ : فرض اللّه تعالى الصوم ليجد الغني مسّ الجوع ليحنو على الفقير » ، وسائل الشيعة :ج10 ص8 ح12700 ، بحار الأنوار : ج93 ص339 ح49 وص369 ح61 .
3- .. ذكره الشيخ من أصحاب أبي محمّد حسن بن عليّ عليه السلام ( رجال الطوسي : ص 339 الرقم 5846 ) ، ولكنّ الرجل مجهول الوصف غير منعوت بالتوثيق ولا بغيره ( راجع : طرائف المقال : ج 1 ص 236 ) .
4- .. الكافي :ج4 ص 181 ح 6 .

ص: 331

82 . كتابه عليه السلام إلى محمّد ( الصفّار ) في قضاء شهر رمضان
باب الحجّ
83 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن مهزيار فيمن أوصى في الحجّ بدون الكفاية

82كتابه عليه السلام إلى محمّد ( الصفّار )في قضاء شهر رمضانمحمّد بن يحيى ، عن محمّد (1) ، قال : كتبتُ إلى الأخير عليه السلام : رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيّام وله وليّان ، هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعاً ، خمسة أيّامٍ أحدُ الوليَّين ، وخمسة أيّام الآخرُ ؟ فوقّع عليه السلام :يَقضِي عَنهُ أكبَرُ وَلِيِّهِ (2) عَشَرَةَ أيَّامٍ وِلاءً إِن شَاءَ اللّهُ . (3)

باب الحجّ83كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن مهزيارفيمن أوصى في الحجّ بدون الكفايةمحمّد بن يحيى عمّن حدّثه ، عن إبراهيم بن مَهزيار (4) ، قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام : إنّ مولاك عليّ بن مهزيار (5) أوصى أن يُحجّ عنه من ضَيعةٍ صيّر رُبعها لك

.


1- .. محمّد هو « محمّد بن الحسن الصفّار » بقرينة سائر الروايات .
2- .. في تهذيب الأحكام والاستبصار وكتاب من لا يحضره الفقيه : «ولييه» بدل «وليّه » .
3- .. الكافي : ج4 ص124 ح5 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص247 ح732 ، الاستبصار : ج2 ص108 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 154 ح 2010 ، وفيه : « كتب محمّد بن الحسن الصفّار رضى الله عنه إلى أبي محمّدٍ الحسن بن عليّ عليه السلام في رجلٍ مات . . . قال مصنّف هذا الكتاب رحمه الله : وهذا التوقيع عندي مع توقيعاته إلى محمّد بن الحسن الصفّار بخطّه عليه السلام ، وسائل الشيعة : ج10 ص 330 ح 13528 .
4- .. اُنظر ترجمته في الرقم 74 .
5- .. اُنظر ترجمته في الرقم 73 .

ص: 332

84 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد الحصينيّ
85 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن مطهّر في دفع الحجّ إلى من يخرج فيها

في كلّ سنةٍ حجّةً إلى عشرين ديناراً ، وأنّه قد انقطع طريق البصرة فتضاعفُ المؤونةُ على الناس ، فليس يكتفون بعشرين ديناراً ، وكذلك أوصى عدّة من مواليك في حِججهم ؟ فكتب عليه السلام :يُجعَلُ ثَلاثُ حِجَجٍ حَجَّتَينِ إِن شَاءَ اللّهُ . (1)

84كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد الحصينيّ[محمّد بن عليّ بن محبوب عن] إبراهيم [بن مهزيار] ، قال : وكتب إليه عليّ بن محمّد الحُصَينيّ (2) : إنّ ابن عمّي أوصى أن يُحجّ عنه بخمسة عشر ديناراً في كلّ سنةٍ ، فليس يكفي ، فما تأمر في ذلك ؟ فكتب :يَجعَلُ حَجَّتَينِ فِي حَجَّةٍ ، إِنَّ اللّهَ عَالِمٌ بِذَلِكَ . (3)

85كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن مطهّرفي دفع الحجّ إلى من يخرج فيهاروى سعد بن عبد اللّه عن موسى بن الحسن ، عن أبي عليّ أحمد بن محمّد بن

.


1- .. الكافي : ج4 ص310 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص226 ح890 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص444 ح2928 ، وسائل الشيعة : ج 11 ص 170 ح 14548 .
2- .. الرجل مجهول لم نجد له ترجمة . قال العلّامة في الفائدة الثامنة من رجاله : « عليّ بن محمّد الحضينيّ ، ضعيفٌ » ( راجع : خلاصة الأقوال : ص 442 عنه ، جامع الرواة : ج 2 ص 538 ) .
3- .. الكافي : ج4 ص310 ح2 ، تهذيب الأحكام : ج5 ص408 وج 9 ص227 ح890 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص445 ح 2929 ، وسائل الشيعة : ج11 ص170 ح14547 .

ص: 333

باب التجارة والمكاسب
86 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار في مكاسب الحرام

مطهّر (1) ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام : إنّي دفعتُ إلى ستّة أنفسٍ مئة دينارٍ وخمسين ديناراً ليحجّوا بها ، فرجعوا ولم يشخص بعضهم ، وأتاني بعض فذكر أنّه قد أنفق بعض الدنانير وبقيت بقيّة ، وأنّه يرد عليّ ما بقي ، وإنّي قد رمت مطالبة من لم يأتني بما دفعت إليه . فكتب عليه السلام :لا تَعَرَّض لِمَن لَم يَأتِكَ ، وَلَا تَأخُذ مِمَّن أَتَاكَ شَيئاً مِمَّا يَأتِيكَ بِهِ ، وَالأَجرُ قَد وَقَعَ عَلَى اللّهِ عز و جل . (2)

باب التّجارة والمكاسب86كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارفي مكاسب الحراممحمّد بن يحيى ، قال : كتب محمّد بن الحسن ( الصفّار ) إلى أبي محمّد عليه السلام : رجلٌ اشترى من رجلٍ ضيعةً أو خادماً بمالٍ أخذه من قَطع الطريق أو من سرقةٍ ، هل يحلّ له ما يدخل عليه من ثمرة هذه الضيعة أو يحلّ له أن يَطأ هذا الفَرجَ الّذي اشتراهُ من السرقة أو من قطع الطريق ؟ فوقّع عليه السلام :لا خَيرَ في شَيءٍ أَصلُهُ حَرَامٌ ، وَلَا يَحِلُّ استِعمَالُهُ . (3)

.


1- .. اُنظر ترجمته في الرقم 191 من مكاتيب الإمام الهادي : ص 163 .
2- .. كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص422 ح2868 ، وسائل الشيعة : ج 11 ص 180 ح 14575 .
3- .. الكافي : ج5 ص125 ح8 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص369 ح1067 ، الاستبصار : ج3 ص67 ح2 ، وسائل الشيعة : ج17 ص86 ح22048 .

ص: 334

87 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار في رجلٍ يشتري الطعام فيتغيّر سعره

87كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارفي رجلٍ يشتري الطعام فيتغيّر سعرهمحمّد بن يحيى ، قال : كتب محمّد بن الحسن ( الصفّار ) (1) إلى أبي محمّد : رجلٌ استأجر أجيراً يعملُ له بِناءً أو غيره ، وجعل يُعطيه طعاماً وقُطناً وغير ذلك ، ثمّ تغيّر الطعام والقُطن من سعره الّذي كان أعطاه إلى نُقصانٍ أو زيادةٍ ، أيحتسبُ له بسعر يوم أعطاه أو بسعر يوم حاسبه ؟ فوقّع عليه السلام :يَحتَسِبُ لهُ بِسِعرِ يَومٍ شَارَطَهُ فِيهِ إِن شَاءَ اللّهُ . وأَجابَ عليه السلام في المال يحلّ على الرجل فيُعطي به طعاماً عند مَحِلِّه ولم يُقاطعه ، ثمّ تغيّر السعرُ . فوقّع عليه السلام : لَهُ سِعرُ يَومَ أَعطَاهُ الطَّعَامَ . (2) وفي روايةٍ اُخرى : محمّد بن الحسن الصفّار ، قال : كتبتُ إليه : في رجلٍ كان له على رجلٍ مال ، فلمّا حلّ عليه المال أعطاه بها طعاماً أو قُطناً أو زعفراناً ، ولم يُقاطعه على السعر ، فلمّا كان بعد شهرين أو ثلاثةٍ ارتفع الزعفران والطعام والقُطن أو نقص ، بأيّ السعرين يحسبه ؟ قال (3) : لصاحب الدَّين سِعرُ يومه الّذي أعطاه وحلّ ماله عليه أو السعرُ الثاني بعد شهرين أو ثلاثةٍ يوم حاسبه . فوقّع عليه السلام : لَيسَ لَه إلَا علَى حَسَبِ سِعرِ وَقتِ مَا دُفِعَ إِلَيهِ الطَّعَامُ ، إنَ شَاءَ اللّهُ . قال : وكتبتُ إليه : الرجل استأجر أجيراً ليعمل له بِناءً أو غيره من الأعمال ، وجعل يعطيه طعاماً أو قُطناً أو غيرهما ، ثمّ يتغيّر الطعام والقُطن عن سعره الّذي كان أعطاه إلى نقصانٍ أو زيادةٍ ، أيحسب له بسعره يوم أعطاه أو بسعره يوم حاسبه ؟ فوقّع عليه السلام : يَحتَسِبُهُ بِسِعر يَومَ شَارَطَهُ فِيهِ ، إِن شَاءَ اللّهُ . (4)

.


1- .. اُنظر ترجمته في الرقم 67 .
2- .. الكافي : ج5 ص181 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج7 ص35 ح144 ، وسائل الشيعة : ج18 ص84 ح23207 .
3- .. ليس في التذكرة لفظة ( قال ) ، كما هو المناسب ( هامش المصدر ) .
4- .. تهذيب الأحكام : ج6 ص196 ح432 .

ص: 335

88 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسين في ثبوت الضمان على المستودع
89 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار في ضمان من حمل شيئاً فادّعى ذهابه

88كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسينفي ثبوت الضمان على المستودعمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين (1) ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام : رجلٌ دفع إلى رجلٍ وديعةً فوضعها في منزل جاره فضاعت ، فهل يجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها من ملكه ؟ فوقّع عليه السلام :هوَ ضَامِنٌ لَهَا إِن شَاءَ اللّهُ . (2)

89كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارفي ضمان من حمل شيئاً فادّعى ذهابهمحمّد بن الحسن الصفّار (3) ، قال : كتبتُ إلى الفقيه 4 عليه السلام في رجلٍ دفع ثوباً إلى القصّار

.


1- .. قال السيّد البروجرديّ في موسوعته : « قد وقع التصحيف في كثير من أسانيد الكافي ، ففي بعضها عليّ بن الحسن الميثميّ ، وفي آخر عليّ بن الحسين الميثميّ ، وفي ثالث عليّ بن الحسين السلميّ ، وكلّها وهم ، وفي بعض أسانيد الكافي : « عن محمّد بن الحسين ، عن أبيه ، وهو وهم ، وصوابه محمّد بن الحسن وهو أخوه . . . » ( الموسوعة الرجاليّة : ج 4 ص 248 ) ، والمراد به هو محمّد بن الحسن الصفّار ، كما ذهب إليه السيّد الشبيريّ الزغائي من تعليقته على سند الكافي : ج 5 ص 239 ح 9 ، كذا في بعض نسخ الكافي ، وصرّح العلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء : ج 2 ص 200 ، والبحرانيّ في الحدائق الناظرة : ج 21 ص 439 ، و . . .
2- .. الكافي : ج5 ص239 ح9 ، تهذيب الأحكام : ج7 ص180 ح791 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص304 ح4089 وفيه : « محمّد بن عليّ بن محبوب قال : كتب رجل إلى الفقيه عليه السلام في رجلٍ دفع إلى رجلٍ وديعةً وأمره أن يضعها في منزله أو لم يأمره ، فوضعها الرجل في منزل جاره فضاعت . . . » ، وسائل الشيعة : ج19 ص81 ح24206 .
3- .. اُنظر ترجمته في الرقم 67 .

ص: 336

90 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسين في الضرار

ليقصّره ، فدفعه القصّار إلى قصّارٍ غيره ليقصّره ، فضاع الثوب ، هل يجب على القصّار أن يردّه إذا دفعه إلى غيره ، وإن كان القصّار مأموناً ؟ فوقّع عليه السلام :هُوَ ضَامِنٌ لَه ، إلَا أن يَكُونَ ثِقَةً مَأمُونَاً ، إن شَاءَ اللّهُ . (1)

90كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسينفي الضرارمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين (2) ، قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام : رجل كانت له قناة في قرية ، فأراد رجل أن يحفر قناة اُخرى إلى قريةٍ له ، كم يكون بينهما في البُعد حتّى لا يضرّ بالاُخرى في الأرض إذا كانت صلبة أو رخوة ؟ فوقّع عليه السلام :عَلَى حَسَبِ أَلَا يُضِرُّ إِحدَاهُمَا بِالأُخرَى إِن شَاءَ اللّهُ . قال : وكتبت إليه عليه السلام : رجلٌ كانت له رَحَى على نهر قرية ، والقرية لرجلٍ ، فأراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا النهر ، ويعطّل هذه الرحى ، أ له ذلك أم لا ؟ فوقّع عليه السلام : يَتَّقِي اللّهَ ، وَيَعمَلُ فِي ذَلِكَ بِالمَعرُوفِ ، وَلَا يَضُرُّ أَخَاهُ المُؤمِنَ . (3)

.


1- .. تهذيب الأحكام : ج7 ص222 ح974 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص258 ح3933 ، وفيه : « روي عن محمّد بن عليّ بن محبوب قال : كتب رجلٌ إلى الفقيه عليه السلام : في رجل دفع ثوباً إلى القصّار . . . » ، وسائل الشيعة : ج19 ص 146 ح 24334 .
2- .. الظاهر «بن الحسين» مصحّف «بن الحسن» مكبّرا ، وذلك بقرينة سائر الروايات ، كما صرّح به السيّد الزنجانيّ في تعليقته على سند الكافي ذيل الخبر أيضا .
3- .. الكافي : ج5 ص293 ح5 ،وسائل الشيعة : ج 25 ص 431 ح 32286 .

ص: 337

91 . كتابه عليه السلام إلى محمّد ( الصفّار ) في الديون

وفي روايةٍ اُخرى : محمّد بن عليّ بن محبوب ، قال : كتب رجلٌ إلى الفقيه عليه السلام في رجل كانت له رَحَى على نهر قريةٍ ، والقرية لرجلٍ أو رجلين ، فأراد صاحب القرية أن يسوق الماء إلى قريته في غير هذا النهر الّذي عليه هذه الرحى ، ويعطّل هذه الرحى ، أله ذلك أم لا ؟ فوقّع عليه السلام :يَتَّقِي اللّهَ عز و جل ، وَيَعمَلُ فِي ذَلِكَ بِالمَعرُوفِ وَلَا يُضَارُّ أَخَاهُ المُؤمِنَت .

وفي رجلٍ كانت له قناة في قرية ، فأراد رجل أن يحفر قناة اُخرى فوقه ، كم يكون بينهما في البُعد حتّى لا يضرّ بالاُخرى في أرض إذا كانت صَعبة أو رِخوة ؟ فوقّع عليه السلام :عَلَى حَسَبِ أَلَا يُضِرُّ أَحَدُهُمَا بِالآخَرِ ، إِن شَاءَ اللّهُ . (1)

91كتابه عليه السلام إلى محمّد ( الصفّار )في الديونمحمّد بن يحيى ، قال : كتب محمّد (2) إلى أبي محمّد عليه السلام : رجل يكون له على رجلٍ مئة درهم فيلزمه ، فيقول له : أنصرف إليك إلى عشرة أيّام وأقضي حاجتك ، فإن لم أنصرف فلك عليّ ألف درهم حالّة من غير شرط ، وأشهد بذلك عليه ، ثمّ دعاهم إلى الشهادة . فوقّع عليه السلام :لا يَنبَغِي لَهُم أَن يَشهَدُوا إِلَا بِالحَقِّ ، وَلَا يَنبَغِي لِصَاحِبِ الدَّينِ أَن يَأخُذَ إِلَا الحَقَّ ، إِن شَاءَ اللّهُ . (3)

.


1- .. تهذيب الأحكام : ج7 ص146 ح647 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص238 ح3870 .
2- .. هو « محمّد بن الحسن الصفّار » ، كما مرّ .
3- .. الكافي : ج5 ص307 ح14 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص192 ح415 وفيه : « محمّد بن الحسن الصفّار : كتبتُ إلى الأخير عليه السلام : رجل يكون له على رجل . . . » ، وسائل الشيعة : ج 18 ص 358 ح23843 .

ص: 338

92 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار فيمن آجر نفسه ليُبَدرِق القوافل
93 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار فيمن اشترى بيتاً في داره

92كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارفيمن آجر نفسه ليُبَدرِق القوافلمحمّد بن الحسن الصفّار (1) ، قال : كتبتُ إليه (2) : رجل يُبَدرِق القوافل من غير أمر السلطان (3) في موضعٍ مُخيف ، ويشارطونه على شيءٍ مُسمّى أن يأخذ منهم إذا صاروا إلى الأمن ، هل يحلّ له أن يأخذ منهم أم لا؟ فوقّع عليه السلام :إِذَا آجَرَ نَفسَهُ بِشَيءٍ مَعرُوفٍ أَخَذَ حَقَّهُ ، إِن شَاءَ اللّهُ . (4)

93كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارفيمن اشترى بيتاً في دارهكتب محمّد بن الحسن الصفّار (5) إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام في رجلٍ اشترى من رجلٍ بيتاً في داره بجميع حقوقه وفوقه بيتٌ آخر ، هل يدخل البيت الأعلى في حقوق البيت الأسفل أم لا ؟ فوقّع عليه السلام :

.


1- .. اُنظر ترجمته في الرقم 67 .
2- .. المراد بالمكتوب إليه هو مولانا أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام ، كما صرّح به صاحب الحدائق الناظرة : ج21 ص535 .
3- .. «رجل يُبَدرِق القَوَافِل من غير أمر السلطان » ، كأنّ المعنى يتعرّضهم ، من البدرقة ، وهي الجماعة الّتي تتقدّم القافلة وتكون معهم ، تحرسها وتمنعها العدوّ ( مجمع البحرين : ج 1 ص 163 ).
4- .. تهذيب الأحكام : ج6 ص385 ح1140 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص173 ح3653 ، وسائل الشيعة : ج19 ص117 ح24269 .
5- .. اُنظر ترجمته في الرقم 67 .

ص: 339

94 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار
95 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار فيمن اشترى الأرض بحدودها

لَيسَ لَهُ إلَا ما اشترَاهُ بِاسمِهِ وَمَوضِعِهِ إن شَاءَ اللّهُ . (1)

94كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّاركتب ( محمّد بن الحسن الصفّار ) إليه (2) في رجلٍ اشترى حجرة أو مسكناً في دارٍ بجميع حقوقها ، وفوقها بيوت ومسكن آخر ، يدخل البيوت الأعلى والمسكن الأعلى في حقوق هذه الحجرة والمسكن الأسفل الّذي اشتراه ، أم لا ؟ فوقّع عليه السلام :لَيسَ لَهُ مِن ذَلِكَ إِلَا الحَقُّ الَّذِي اشتَرَاهُ إِن شَاءَ اللّهُ . (3)

95كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارفيمن اشترى الأرض بحدودهاكتب محمّد بن الحسن الصفّار (4) إلى أبي محمّد عليه السلام في رجلٍ اشترى من رجلٍ أرضاً بحدودها الأربعة ، وفيها زرع ونخل وغيرهما من الشجر ، ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر في كتابه ، وذكر فيه أنّه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها والخارجة منها ، أيدخل الزرع والنخل والأشجار في حقوق الأرض ، أم لا ؟ فوقّع عليه السلام :إِذَا ابتَاعَ الأَرضَ بِحُدُودِهَا وَمَا أُغلِقَ عَلَيهِ بَابُهَا فَلَهُ جَمِيعُ مَا فِيهَا ، إِن شَاءَ اللّهُ . (5)

.


1- .. تهذيب الأحكام : ج7 ص150 ح664 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص242 ح3884 ، وسائل الشيعة : ج18 ص91 ح23220 .
2- .. المراد بالمكتوب إليه هو أبو محمّد العسكري عليه السلام ( راجع:السرائر :ج2 ص377 ،الحدائق الناضرة :ج19 ص143 ) .
3- .. تهذيب الأحكام : ج 7 ص 150 ح 665 ، وسائل الشيعة : ج 18 ص 92 ح 23221 .
4- .. اُنظر ترجمته في الرقم 67 .
5- .. تهذيب الأحكام : ج7 ص138 ح613 وص 155 ح 685 ،وسائل الشيعة : ج18 ص90 ح23217 .

ص: 340

96 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار في بيع الثمار
97 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار في سقوط خيار المشتري

96كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارفي بيع الثمارمحمّد بن الحسن (1) ، قال : كتبتُ إليه عليه السلام في رجلٍ باع بستاناً له فيه شجر وكرم ، فاستثنى شجرة منها ، هل له ممرّ إلى البستان إلى موضع شجرته الّتي استثناها ؟ وكم لهذه الشجرة الّتي استثناها من الأرض الّتي حولها ، بقدر أغصانها ؟ أو بقدر موضعها الّتي هي نابتة فيه ؟ فوقّع عليه السلام :لَهُ مِن ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا بَاعَ وَأَمسَكَ ، فَلَا يَتَعَدَّى الحَقَّ فِي ذَلِكَ ، إِن شَاءَ اللّهُ . (2)

97كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارفي سقوط خيار المشتري بتصرّفه في الحيوان وإحداثه فيهمحمّد بن الحسن الصفّار (3) ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام في الرجل اشترى من رجلٍ دابّة ، فأحدث فيها حدثاً من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ ، أله أن يردّها في الثلاثة أيّام الّتي له فيها الخيار بعد الحدث الّذي يحدث فيها أو الركوب الّذي ركبها فراسخ ؟ فوقّع عليه السلام :إِذَا أحدَثَ فِيهَا حَدَثاً فَقَد وَجَبَ الشَّرَاءُ إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . (4)

.


1- .. اُنظر ترجمته في الرقم 67 .
2- .. تهذيب الأحكام : ج7 ص90 ح381 ، وسائل الشيعة : ج 18 ص 90 ح 23218 .
3- .. اُنظر ترجمته في الرقم 67 .
4- .. تهذيب الأحكام : ج 7 ص 75 ح 320 ، وسائل الشيعة : ج 18 ص 13 ح 23033 .

ص: 341

98 . كتابه عليه السلام إلى رجل في الشركة
99 . كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه في الوقوف

98كتابه عليه السلام إلى رجلفي الشركةمحمّد بن عليّ بن محبوب (1) ، عن رجل قال : كتبتُ إلى الفقيه عليه السلام في رجلٍ اشترى من رجلٍ نصف دار مشاعاً غير مقسوم ، وكان شريكه الّذي له النصف الآخر غائباً ، فلمّا قبضها وتحوّل عنها تهدّمت الدار وجاء سيلٌ جارف (2) فهدمها وذهب بها ، فجاء شريكه الغائب فطلب الشفعة من هذا فأعطاه الشفعة على أن يعطيه ماله كمّلاً الّذي نقد في ثمنها ، فقال له : ضع عنّي قيمة البناء ، فإنّ البناء قد تهدّم وذهب به السيل ، ما الّذي يجب في ذلك ؟ فوقّع عليه السلام :لَيسَ لَهُ إِلَا الشِّراءُ وَالبَيعُ الأَوَّلُ إن شَاءَ اللّهُ . (3)

99كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهفي الوقوفمحمّد بن يحيى قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي محمّد عليه السلام في الوقف وما رُوي فيها ، فوقّع عليه السلام :الوُقُوفُ عَلَى حَسَبِ مَا يَقِفُهَا (4) أهلُهَا إِن شَاءَ اللّهُ . (5)

.


1- .. رواه صاحب الحدائق نقلاً عن التهذيب وفيه : «عن الحسن بن محبوب عن رجل قال : كتبت . . . » ( الحدائق الناظرة : ج 20 ص 325 ، جواهر الكلام : ج 37 ص 335 ) .
2- .. جُراف _ وزان غراب _ : يذهب بكلّ شيء ( المصباح المنير : ص97 ) .
3- .. تهذيب الأحكام : ج7 ص192 ح850 ، وسائل الشيعة : ج 25 ص 405 ح 32231 .
4- .. في التهذيب والفقيه : «يوقفها» بدل «يقفها ».
5- .. الكافي : ج7 ص37 ح34 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص130 ح555 وفيه : « كتب محمّد بن الحسن الصفّار إلى أبي محمّد . . . » ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص237 ح5567 وفيه : « كتب محمّد بن الحسن الصفّار إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ في الوقوف وما روي فيها عن آبائه عليهم السلام فوقّع عليه السلام . . . » ، وسائل الشيعة : ج11 ص175 ح24387 .

ص: 342

100 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار

100كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارمحمّد بن الحسن الصفّار (1) ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام : أسألُه عن الوقف الّذي يصحّ كيف هو ؟ فقد رُوي أنّ الوقف إذا كان غير مُؤقّتٍ فهو باطلٌ مردودٌ على الورثة ، وإذا كان مؤقّتاً فهو صحيحٌ مُمضىً ، قال قومٌ : إنّ المؤقّت هو الّذي يُذكر فيه أنّه وُقِف على فلان وعَقِبِه فإذا انقرضوا فهو للفقراء والمساكين إلى أن يرث اللّهُ الأرض ومن عليها . قال : وقال آخَرون : هذا مُؤقّتٌ إذا ذُكر أنّه لفلان وعَقِبِه ما بقوا ولم يُذكر في آخره للفقراء والمساكين إلى أن يرث اللّهُ الأرض ومَن عليها ، والّذي هو غير مُؤقّتٍ أن يقول : هذا وقفٌ ولم يذكر أحداً ، فما الّذي يصحّ من ذلك ، وما الّذي يبطل ؟ فوقّع عليه السلام :الوُقُوفُ بِحَسَبِ مَا يُوقِفُهَا إن شَاءَ اللّهُ . (2)

وفي روايةٍ اُخرى : محمّد بن يحيى ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي محمّد عليه السلام في الوقف وما روي فيها ، فوقّع عليه السلام :الوُقُوفُ عَلَى حَسَبِ مَا يَقِفُهَا أَهلُهَا إِن شَاءَ اللّهُ . (3)

.


1- .. اُنظر ترجمته في الرقم 67 .
2- .. تهذيب الأحكام : ج9 ص132 ح562 ، الاستبصار : ج4 ص100 ح2 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص237 ح5567 ، وسائل الشيعة : ج19 ص175 ح24386 ، وص192 ح24415 .
3- .. الكافي : ج 7 ص 37 ح 34 ، تهذيب الأحكام : ج 9 ص 130 ح 2555 وفيه : « كتب محمّد بن الحسن الصفّار إلى أبي محمّد عليه السلام في الوقوف . . . » ، وسائل الشيعة : ج19 ص192 ح24415 .

ص: 343

باب الوصايا
اشاره
101 . كتابه عليه السلام إلى رجلٍ
102 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار

باب الوصايا101كتابه عليه السلام إلى رجلٍمحمّد بن عليّ بن محبوب ، قال : كتب رجل إلى الفقيه عليه السلام (1) : رجلٌ أوصى لمواليه وموالي أبيه بثلث ماله فلم يبلغ ذلك ، قال عليه السلام :المَالُ لِمَوَالِيه وَسَقَطَ مَوَالِي أبِيهِ . (2)

102كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارمحمّد بن يحيى ، قال : كتب محمّد بن الحسن (3) إلى أبي محمّد عليه السلام : رجلٌ أوصى إلى وُلدِه وفيهم كبار قد أدركوا ، وفيهم صغار ، أيجوز للكبار أن يُنفذوا وصيّته ويقضوا دينه لمن صحّ على الميّت بشهودٍ عدول قبل أن يدرك الأوصياءُ الصغار ؟ فوقّع عليه السلام :نَعَم ، عَلَى الأَكابِر مِنَ الوِلدَانِ أَن يَقضُوا دَينَ أَبِيهِم وَلَا يَحبِسُوهُ بِذَلِكَ . (4)

.


1- .. المراد بالفقيه عليه السلام هو مولانا العسكري عليه السلام ، كما مرّ .
2- .. تهذيب الأحكام : ج9 ص244 ح948 ، وسائل الشيعة : ج19 ص402 ح24846 .
3- .. كما مرّ سابقاً ، يعني الصفّار .
4- .. الكافي : ج7 ص46 ح2 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص185 ح744 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص209 ح5487 ، وسائل الشيعة : ج19 ص375 ح24794 .

ص: 344

103 . كتابه عليه السلام إلى سهل بن زياد
104 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار

103كتابه عليه السلام إلى سهل بن زيادعدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام : رجل كان له ابنان فمات أحدهما وله وُلدٌ ذكور وإِناث ، فأوصى لهم جدّهم بسهم أبيهم ، فهذا السهم الذكر والاُنثى فيه سواء ؟ أم للذكر مثل حظِّ الاُنثيين ؟ فوقّع عليه السلام :يُنفِذُونَ وَصِيَّةَ جَدِّهِم ، كَمَا أمَرَ إِن شَاءَ اللّهُ . قال : كتبتُ إليه : رجل له وُلدٌ ذكور وإناث ، فأقرّ لهم بضيعةٍ أنّها لوُلده ولم يذكر أنّها بينهم على سهام اللّه عز و جل وفرائضه ، الذكر والاُنثى فيه سواءٌ ؟ فوقّع عليه السلام : يُنفِذُونَ فِيهَا وَصِيَّةَ أبِيهِم عَلَى مَا سَمَّى ، فَإِن لَم يَكُن سَمَّى شَيئاً رَدُّوهَا إِلَى كِتَابِ اللّهِ عز و جل وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله إِن شَاءَ اللّهُ . (1)

104كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارمحمّد بن يحيى ، قال : كتب محمّد بن الحسن ( الصفّار ) إلى أبي محمّد عليه السلام : رجلٌ أوصى بثلث ماله لمواليه ولمَولياته الذكر والاُنثى فيه سواءٌ ؟ أو للذّكر مثل حظّ الاُنثيَين من الوصيّة ؟ فوقّع عليه السلام :جَائِزٌ لِلمَيِّتِ مَا أَوصَى بِهِ عَلَى مَا أَوصَى بِهِ إِن شَاءَ اللّهُ . (2)

.


1- .. الكافي : ج7 ص45 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص214 ح846 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص209 ح5484 وليس فيهما : « وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله » ، وسائل الشيعة : ج19 ص395 ح24834 .
2- .. الكافي : ج7 ص45 ح2 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص215 ح847 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص209 ح5485 ، وسائل الشيعة : ج19 ص394 ح24832 .

ص: 345

105 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار
106 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبدوس

105كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّاركتب محمّد بن الحسن الصفّار رضى الله عنه إلى أبي محمّد عليه السلام : رجلٌ كان وَصِيَّ رجلٍ ، فمات وأوصى إلى رجلٍ ، هل يَلزَمُ الوصيَّ وصيّةُ الرجل الّذي كان هذا وصِيَّهُ ؟ فكتب عليه السلام :يَلزَمُهُ بِحَقِّهِ إن كَانَ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ إِن شَاءَ اللّهُ . (1)

106كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبدوسعليّ بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد بن عبدوس 2 ، قال : أوصى رجل بتركته _ متاع

.


1- .. تهذيب الأحكام : ج9 ص215 ح850 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص226 ح5535 ، وسائل الشيعة : ج19 ص402 ح24847 .

ص: 346

107 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار
108 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جعفر

وغير ذلك _ لأبي محمّد عليه السلام ، فكتبت إليه : جُعلتُ فداك ، رجلٌ أوصى إليَّ بجميع ما خلّف لك ، وخلّف ابنَتَي اُختٍ له ، فرأيك في ذلك ؟ فكتب إليَّ عليه السلام :بِع مَا خَلَّفَ وَابعَث بِه إِلَيَّ . فبعتُ وبعثتُ به إليه فكتب إليَّ : قَد وَصَلَ . (1)

107كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارمحمّد بن يحيى ، قال : كتب محمّد بن الحسن إلى أبي محمّدٍ عليه السلام : رجلٌ مات وأوصى إلى رجلين ، أيجوز لأحدهما أن ينفرِد بنصف التركة والآخر بالنصف ؟ فوقّع عليه السلام :لا يَنبَغِي لَهُمَا أَن يُخَالِفَا المَيِّتَ ، وأَن يَعمَلَا عَلَى حَسَبِ مَا أَمَرَهُما إِن شَاءَ اللّهُ . (2)

108كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جعفرمحمّد بن يحيى العطّار وعليّ بن عبد اللّه ، جميعاً عن إبراهيم ، عن عبد اللّه بن جعفر (3) ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام : امرأةٌ ماتت وتركت زوجها وأبويها أو جدّها أو جدّتها ، كيف يُقسَمُ ميراثها ؟ فوقّع عليه السلام :

.


1- .. تهذيب الأحكام : ج 9 ص 195 ح 785 ، الاستبصار : ج 4 ص 123 ح 18 ، وسائل الشيعة : ج 19 ص 280 ح24595 .
2- .. الكافي : ج7 ص46 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص185 ح745 ، الاستبصار : ج4 ص118 ح1 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص203 ح5471 ، وسائل الشيعة : ج19 ص376 ح24797 .
3- .. اُنظر ترجمته في الرقم 65 .

ص: 347

109 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار
باب النكاح
110 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جعفر ( الحميريّ ) في الرضاع

لِلزَّوجِ النِّصفُ وَمَا بَقِيَ فَلِلأبَوَينِ . (1)

109كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّاركتب محمّد بن الحسن الصفّار إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام : رجلٌ مات وترك ابنة ابنته وأخاه لأبيه واُمّه ، لمن يكون الميراث ؟ فوقّع عليه السلام في ذلك :المِيرَاثُ لِلأَقرَبِ إِن شَاءَ اللّهُ . (2)

باب النكاح110كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جعفر ( الحميريّ )في الرضاعمحمّد بن يحيى ، عن عبد اللّه بن جعفر ( الحميريّ ) (3) ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام : امرأةٌ أرضعت ولد الرجل ، هل يحلّ لذلك الرجل أن يتزوّج ابنة هذه المُرضعة أم لا ؟ فوقّع عليه السلام :لا ، لا تَحِلُّ لَهُ . (4)

.


1- .. الكافي : ج7 ص114 ح10 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص310 ح1113 ، الاستبصار : ج4 ص161 ح3 ، وسائل الشيعة : ج 26 ص 135 ح32664 .
2- .. تهذيب الأحكام : ج9 ص317 ح1140 ، الاستبصار : ج4 ص167 ح5 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 269 ح 5619 ، وسائل الشيعة : ج 26 ص 114 ح 32611 .
3- .. اُنظر ترجمته في الرقم 65 .
4- .. الكافي : ج5 ص447 ح18 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص476 ح4669 ، وسائل الشيعة : ج 20 ص 405 ح 25943 .

ص: 348

باب الطلاق
111 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار
باب الأيمان والنذور والكفّارات
112 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار

باب الطّلاق111كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّاركتب محمّد بن الحسن الصفّار رضى الله عنه (1) إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام ، في امرأة طلّقها زوجها ولم يُجرِ عليها النفقة للعدّة وهي محتاجة ، هل يجوز لها أن تخرج وتبيت عن منزلها للعمل والحاجة ؟ فوقّع عليه السلام :لَا بَأسَ بِذَلِكَ إِذَا عَلِمَ اللّهُ الصِّحَّةَ مِنهَا . (2)

وفي روايةٍ اُخرى : كتب محمّدُ بن الحسن الصفّار إلى أبي محمّدٍ الحسن بن عليٍّ عليه السلام في امرأةٍ مات عنها زوجُها وهي في عدّةٍ منه وهي محتاجة لا تجد من يُنفق عليها ، وهي تعمل للناس ، هل يجوز لها أن تخرج وتعمل وتبيت عن منزلها للعمل والحاجة في عدّتها ؟ قال فوقّع عليه السلام :لا بَأسَ بِذَلِكَ إِن شَاءَ اللّهُ . (3)

باب الأيمان والنذور والكفّارات112كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارمحمّد بن يحيى قال : كتب محمّد بن الحسن إلى أبي محمّد عليه السلام : رجلٌ حلف بالبراءة

.


1- .. اُنظر ترجمته في الرقم 67 .
2- .. كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص499 ح4760 ، وسائل الشيعة : ج22 ص278 ح28587 .
3- .. كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص508 ح4784 ، وسائل الشيعة : ج22 ص246 ح28504 .

ص: 349

باب الأطعمة والأشربة
113 . كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه
114 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن إسحاق

من اللّه ومن رسوله صلى الله عليه و آله فحَنِث ، ما توبته وكفّارته ؟ فوقّع عليه السلام :يُطعِمُ عَشَرَةَ مَساكِينَ لِكُلِّ مِسكِينٍ مُدٌّ ، ويَستَغفِرُ اللّهَ عز و جل . (1)

باب الأطعمة والأشربة113كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهمحمّد بن يحيى ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي محمّد عليه السلام يشكو إليه دماً وصفراء ، فقال : إذا احتجمتُ هاجت الصفراء ، وإذا أخّرت الحجامة أضرّني الدم ، فما ترى في ذلك ؟ فكتب عليه السلام :احتَجِم وَكُل عَلَى أثَرِ الحِجَامَةِ سَمَكَاً طَرِيّاً كَبَاباً . قال : فأعَدتُ عليه المسألةَ بعينها . فكتَب عليه السلام : احتَجِم وَكُل عَلَى أثَرِ الحِجَامَةِ سَمَكَاً طَرِيّاً كَبَاباً بِمَاءٍ وَمِلحٍ . قال : فاستعملتُ ذلك ، فكنت في عافية وصار غِذاي . (2)

114كتابه عليه السلام إلى أحمد بن إسحاقعن أحمد بن إسحاق (3) ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام سألته عن الإسقَنقُور يُدخل في

.


1- .. الكافي : ج7 ص461 ح7 ، تهذيب الأحكام : ج8 ص299 ح1108 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص378 ح3430 ، وسائل الشيعة : ج22 ص390 ح28863 وج23 ص213 ح29395 .
2- .. الكافي : ج6 ص324 ح10 ، مكارم الأخلاق : ج1 ص351 ح1142 وفيه : « الحميري قال : كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أشكو إليه أنّ بي دماً صفراء فإذا احتجمت . . . » ، وسائل الشيعة : ج25 ص75 ح 31225 ، بحار الأنوار : ج62 ص217 ح75 .
3- .. اُنظر ترجمته في الرقم 8 .

ص: 350

باب اللقطة والضالّة
115 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جعفر الحميريّ
باب القضاء والشهادات
116 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار في الشهادة على النساء

دواء الباءة له مَخاليب وذَنَبٌ ، أيجوز أن يُشرب ؟ فقال :إن كانَ لَهُ قُشُورٌ فَلا بَأسَ . (1)

باب اللقطة والضالّة115كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جعفر الحميَريّمحمّد بن يحيى ، عن عبد اللّه بن جعفر (2) ، قال : كتبتُ إلى الرجل عليه السلام أسأله عن رجلٍ اشترى جَزوراً أو بقرةً للأضاحيّ ، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صُرّة فيها دراهم أو دنانير ، أو جوهرة ، لمن يكون ذلك ؟ فوقّع عليه السلام :عَرِّفهَا البَائِعَ ، فَإِن لَم يَكُن يَعرِفُهَا فَالشَّيءُ لَكَ رَزَقَكَ اللّهُ إِيَّاهُ . (3)

باب القضاء والشهادات116كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارفي الشهادة على النساءكتب محمّد بن الحسن الصفّار (4) إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام ، في رجلٍ أراد أن يشهد على امرأةٍ ليس لها بمحرمٍ ، هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر

.


1- .. مكارم الأخلاق : ج1 ص162 ، وسائل الشيعة : ج24 ص129 ح30153 ، بحار الأنوار : ج62 ص199 ح21 .
2- .. اُنظر ترجمته في الرقم 65 .
3- .. الكافي : ج5 ص139 ح9 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص392 ح14 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص296 ح4062 ، وسائل الشيعة : ج25 ص452 ح32335 و32336 .
4- .. اُنظر ترجمته في الرقم 67 .

ص: 351

117 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار في شهادة الوصي للميت وعليه دين

ويسمع كلامها إذا شهد عدلان أنّها فلانة بنت فلان الّتي تُشهدك وهذا كلامها ، أو لا تجوز الشهادة عليها حتّى تبرز وتثبتها بعينها ؟ فوقّع عليه السلام :تَتَنَقَّبُ وتَظهَرُ لِلشُّهُودِ إِن شَاءَ اللّهُ . وهذا التوقيع عندي بخطّه عليه السلام . (1)

117كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارفي شهادة الوصي للميت وعليه دينمحمّد بن يحيى ، قال : كتب محمّد بن الحسن (2) إلى أبي محمّد عليه السلام : هل تُقبل شهادة الوصيّ للميّت بدينٍ له على رجلٍ مع شاهدٍ آخر عدل ؟ فوقّع عليه السلام : إذا شَهِدَ مَعَهُ آخَرُ عَدلٌ فَعَلَى المُدَّعِي يَمِينٌ . وكتب : أيجوز للوصيّ أن يشهد لوارث الميّت صغير أو كبير بحقٍّ له على الميّت أو على غيره وهو القابض للوارث الصغير وليس للكبير بقابض ؟ فوقّع عليه السلام :نَعَم يَنبَغِي لِلوَصِيِّ أن يَشهَدَ بِالحَقِّ ولا يَكتُمَ الشَّهَادَةَ . وكتب : أو تُقبل شهادة الوصيّ على الميّت مع شاهدٍ آخر عدل ؟ فوقّع عليه السلام ؟ نَعَم مِن بَعدِ يَمِينٍ . (3)

.


1- .. كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص67 ح3347 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص255 ح666 ، الاستبصار : ج3 ص19 وفيهما : « محمّد بن الحسن الصفّار قال : كتبت إلى الفقيه عليه السلام في رجل أراد . . . » ، وسائل الشيعة : ج27 ص401 ح24021 .
2- .. اُنظر ترجمته في الرقم 67 .
3- .. الكافي : ج7 ص394 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص247 ح626 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص73 ح3362 ، وسائل الشيعة : ج27 ص371 ح33973 .

ص: 352

118 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار في شهادة الشهود بحدود الأرض

118كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّارفي شهادة الشهود بحدود الأرضمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسن (1) ، أنّه كتب إلى أبي محمّد عليه السلام في رجلٍ باع ضيعته من رجلٍ آخر وهي قِطاعُ أرَضِينَ ، ولَم يُعرّف الحدود في وقت ما أشهده ، قال : إذا ما أتوك بالحدود فاشهد بها ، هل يجوز له ذلك ، أو لا يجوز له أن يشهد ؟ فوقّع عليه السلام :نَعَم يَجُوزُ ، والحَمدُ للّهِ .

وكتب إليه : رجلٌ كان له قِطاعُ أرَضِين ، فحضره الخروجُ إلى مكّة والقرية على مراحل من منزله ولم يُؤت بحدود أرضه ، وعرّف حدود القرية الأربعة ، فقال للشهود : اشهدوا أنّي قد بعتُ من فلان جميع القرية الّتي حَدٌّ منها كذا والثاني والثالث والرابع ، وإنّما له في هذه القرية قِطاعُ أَرَضِين ، فهل يصلح للمشتري ذلك ؟ وإنّما له بعض هذه القرية وقد أقرّ له بكلّها . فوقّع عليه السلام :لا يَجُوزُ بَيعُ مَا لَيسَ يَملِكُ ، وَقَد وَجَبَ الشِّرَاءُ عَلَى البَائِعِ عَلَى ما يَملِكُ .

وفي مكتوبةٍ اُخرى : وكتب : هل يجوز للشاهد الّذي أشهده بجميع هذه القرية أن يشهد بحدود قِطاع الأرض الّتي له فيها إذا تعرّف حدودَ هذه القِطاع بقومٍ من أهل هذه القرية إذا كانوا عدولاً ؟ فوقّع عليه السلام :نَعَم يَشهَدُونَ عَلَى شَيءٍ مَفهُومٍ مَعرُوفٍ .

وكتب : رجلٌ قال لرجلٍ : اشهد أنّ جميع الدار الّتي له في موضع كذا وكذا بحدودها كلِّها لفلان بن فلان ، وجميع ما له في الدار من المتاع ، هل يصلح للمشتري ما في الدار من المتاع أيّ شيءٍ هو ؟ فوقّع عليه السلام :

.


1- .. اُنظر ترجمته في الرقم 67 .

ص: 353

باب الحدود
119 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن إسحاق في اللصّ

يَصلُحُ لَهُ مَا أَحَاطَ الشِّرَاءُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ إِن شَاءَ اللّهُ . (1)

وفي روايةٍ اُخرى : كتب إليه في رجلٍ قال لرجلين : اشهدا أنّ جميع هذه الدار الّتي في موضع كذا وكذا بجميع حدودها كلّها لفلان بن فلان ، وجميع ما له في الدار من المتاع والبيّنة لا تعرف المتاع أيّ شيءٍ هو ؟ فوقّع عليه السلام :يَصلُحُ . . . (2)

وفي روايةٍ اُخرى : كتب إليه : هل يجوز أن يشهد على الحدود إذا جاء قومٌ آخرون من أهل تلك القرية ليشهدوا له : أنّ حدود هذه الضيعة الّتي باعها الرجل هي هذه ، فهل يجوز لهذا الشاهد الّذي أشهده بالضيعة ولم يسمِّ الحدود بأن يشهد بالحدود بقول هؤلاء الّذين عرّفوا هذه الضيعة وشهدوا له ، أم لا يجوز لهم أن يشهدوا ، وقد قال لهم البائع : اشهدوا بالحدود إذا أتوكم بها ؟ فوقّع عليه السلام :لَا يَشهَد إِلَا عَلَى صَاحِبِ الشَّيءِ وَبِقَولِهِ . (3)

باب الحدود119كتابه عليه السلام إلى أحمد بن إسحاقفي اللصّعليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ، عن عبد اللّه بن عامر (4) ، قال : سمعته يقول وقد

.


1- .. الكافي : ج7 ص402 ح4 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص276 ح758 ، وسائل الشيعة : ج27 ص407 ح34074 ، وراجع : ج17 ص339 ح22704 ، تهذيب الأحكام : ج 7 ص 151 ح668 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص242 ح3885 .
2- .. تهذيب الأحكام : ج 7 ص 150 ح 15 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 3 ص 242 ح 3885 .
3- .. تهذيب الأحكام : ج7 ص151 ح669 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص243 ح3888 وزاد فيه : « . . . وبقوله : إن شاء اللّه ».
4- .. عبد اللّه بن عامر بن عمران بن أبي عمر الأشعريّ أبو محمّد ، شيخ من وجوه أصحابنا ، ثقة له كتاب (رجال النجاشي : ج 2 ص218 الرقم 570 ) ، وكذا ذكره العلّامة في خلاصة الأقوال : ص201 الرقم 42 .

ص: 354

120 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن أبي عبد اللّه وغيره

تجارينا ذكر الصعاليك (1) ، فقال عبد اللّه بن عامر : حدّثني هذا _ وأومأ إلى أحمد بن إسحاق (2) _ : أنّه كتب إلى أبي محمّد عليه السلام يسأل عنهم ، فكتب إليه :اقتُلهُم . (3)

120كتابه عليه السلام إلى أحمد بن أبي عبد اللّه وغيرهأحمد بن أبي عبد اللّه 4 وغيره ، أنّه كتب إليه يسأله عن الأكراد ؟ (4) فكتب (5) إليه :لا تُنَبِّهُوهُم إِلّا بِحَدِّ السَّيفِ . (6)

.


1- .التصعلك ، وصعاليك العرب : ذؤبانها ، وكان عروة بن الورد يُسمّى : عروة الصعاليك ؛ لأنّه كان يجمع الفقراء في حظيرة فيرزقهم ممّا يغنمه ( لسان العرب : ج 10 ص 456 ) .
2- .. اُنظر ترجمته في الرقم 8 .
3- .. الكافي : ج 7 ص 296 ح 3 ، تهذيب الأحكام : ج 10 ص 211 ح 36 وليس فيه صدر الحديث ، وسائل الشيعة : ج28 ص382 ح 35013 .
4- .. لعلّ المراد بالأكراد اللصوص منهم ، فإنّ الغالب فيهم ذلك ، كذا فهمه الكليني( مرآة العقول :ج24 ص57 ح4 ) .
5- .. المراد بالمكتوب إليه مردّد بمولانا الجواد أو الهادي عليهماالسلام .
6- .. الكافي : ج 7 ص 297 ح 4 ، تهذيب الأحكام : ج 10 ص 211 ح 37 ، وسائل الشيعة : ج 28 ص 382 ح 35014 .

ص: 355

باب النوادر
121 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن محمّد بن الوجناء أبو محمّد النصيبيّ

النوادر121كتابه عليه السلام إلى الحسن بن محمّد بن الوجناء أبو محمّد النصيبيّأبو العبّاس بن نوح ، قال : حدّثنا الصفوانيّ ، قال :حدّثنا الحسن بن محمّد بن الوجناء أبو محمّد النصيبيّ 1 ، ( قال ) : كتبنا إلى أبي محمّد عليه السلام نسأله أن يكتب أو يخرج إلينا كتاباً نعمل به ، فأخرج إلينا كتاب عمل . ( قال ) الصفوانيّ : نَسَختُهُ ، فقابَل به كتاب ابن خانِبة (1) ، زيادة حروفٍ أو نقصان حروفٍ يسيرةٍ . (2)

.


1- .. هو جدّ محمّد بن أحمد بن عبد اللّه بن مهران ( ابن خانبه ) .
2- .. رجال النجاشي : ج 2 ص 240 الرقم 936 ، وسائل الشيعة : ج 27 ص 102 ح 33326 وراجع هامش بحار الأنوار : ج 87 ص 294 .

ص: 356

. .

ص: 357

الفصل الخامس : في الدعاء
اشاره

الفصل الخامس: في الدعاء

.

ص: 358

. .

ص: 359

122 . إملاؤه عليه السلام لمحمّد بن عبد اللّه بن محمّد العابد في ذكر الصلوات
اشاره

122إملاؤه عليه السلام لمحمّد بن عبد اللّه بن محمّد العابدذكر الصلوات على النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلامالسيّد ابن طاووس ( عليّ بن موسى ) : أخبرني الجماعة الّذين قدّمت ذكر أسمائهم في عدّة مواضع ، بإسنادهم إلى جدّي أبي جعفر الطوسي _ رضوان اللّه عليه _ ، قال : أخبرنا جماعة من أصحابنا عن أبي المفضّل الشيبانيّ ، قال : حدّثنا أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد العابد بالدالية لفظاً ، قلت أنا : الدالية موضعٌ بالقرب من سِنجار . ووجدت في روايةٍ اُخرى بهذه الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله وهذا لفظ إسنادها : عن محمّد بن وهبان الهينانيّ ، قال : حدّثنا أبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه بن المطّلب الشيبانيّ ، قال : حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه بن باتين بن محمّد بن عجلان اليمنيّ الشيخ الصالح لفظاً . أقول : ثمّ اتّفقت الروايتان بعد ذلك ، كما سيأتي ذكره ، وإن اختلف فيهما شيء ذكرناه على حاشية الكتاب . قال أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد العابد المقدّم (1) ذكره : سألت مولاي أبا محمّد الحسن بن عليّ عليهماالسلام في منزله بسُرَّ مَن رأى سنة خمس وخمسين ومئتين أن يملي

.


1- .. لم يُذكر في الرجال ، الرجل مجهول .

ص: 360

الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله
الصلاة على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام

عليَّ الصلاة على النبيّ وأوصيائه عليهم السلام ، وأحضرت معي قرطاساً كبيراً ، فأملى عليَّ لفظاً من غير كتاب وقال : اكتُب :

الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله :اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما حَمَلَ وَحيَكَ وَبَلَّغَ رِسالاتِكَ ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما أَحَلَّ حَلالَكَ وَحَرَّمَ حَرامَكَ وَعَلَّمَ كِتابَكَ ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما أَقامَ الصَّلاةَ وَأَدَّى الزَّكَاةَ وَدَعا إِلى دينِكَ ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما صَدَّقَ بِوَعدِكَ وَأَشفَقَ مِن وَعيدِكَ ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما غَفَرتَ بِهِ الذُّنُوبَ وَسَتَرتَ بِهِ العُيُوبَ وَفَرَّجتَ بِهِ الكُرُوبَ ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما دَفَعتَ بِهِ الشَّقاءَ وَكَشَفتَ بِهِ الغَماءَ وَأَجَبتَ بِهِ الدُّعاءَ وَنَجَّيتَ بِهِ مِنَ البَلاءِ ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما رَحِمتَ بِهِ العِبادَ وَأَحيَيتَ بِهِ البِلادَ وَقَصمتَ بِهِ الجَبابِرَةَ وَأَهلَكتَ بِهِ الفَراعِنَةَ ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما أَضعَفتَ بِهِ الأَموالَ وَحَذَّرتَ بِهِ مِنَ الأَهوالِ وَكَسَّرتَ بِهِ الأَصنامَ وَرَحِمتَ بِهِ الأَنامَ ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما بَعَثتَهُ بِخَيرِ الأَديانِ وَأَعزَزتَ بِهِ الإِيمانَ وَتَبَّرْتَ (1) بِهِ الأَوثانَ وَعَظَّمتَ (2) بِه البَيتَ الحَرامَ ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَاَهلِ بَيتِهِ الطّاهِرينَ الأَخيارِ وَسَلَّمَ تَسليما .

الصلاة على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام :اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى أَميرِالمُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أَبي طَالِبٍ ، أَخِي نَبِيِّكَ وَوَلِيِّهِ وَوَصِيِّهِ (3) وَوَزيرِهِ ، وَمُستَودِعِ عِلمِهِ وَمَوضِعِ سِرِّهِ ، وَبابِ حِكمَتِهِ وَالنّاطِقِ بِحُجَّتِهِ ، وَالدّاعي اِلى شَريعَتِهِ ، وَخَليفَتِهِ في أُمَّتِهِ ، وَمُفَرِّجِ الكُرَبِ عَن وَجهِهِ ، قاصِمِ الكفَرَةِ وَمُرغِمِ الفَجَرَةِ ، الَّذي جَعَلتَهُ مِن نَبِيِّكَ بِمَنزِلَةِ هارُونَ مِن مُوسى ، اَللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وَعادِ

.


1- .. التبّار : الهلاك والفناء، وتبر يتبر تبارا ( العين للفراهيدي: ج 8 ص 117 ) .
2- .. في البحار : «عصمت» بدل «عظّمت» .
3- .. في هامش المصدر : صفيّه ( خ ل ) .

ص: 361

الصلاة على السيّدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام
الصلاة على الحسن والحسين عليهماالسلام

مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ وَاخذُل مَن خَذَلَهُ ، وَالعَن مَن نَصَبَ لَهُ مِنَ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ ، وَصَلِّ عَلَيهِ أَفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أَحَدٍ مِن أَوصِياءِ أَنبِيائِكَ يا رَبَّ العالَمينَ .

الصلاة على السيّدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام :اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى الصِّدِّيقَةِ فاطِمَةَ الزَّهراءِ الزَّكِيَّةِ ، حَبيبَةِ نَبِيِّكَ وَأُمِّ أَحِبّائِكَ وَأَصفِيائِكَ ، الَّتِي انتَجَبتَها وَفَضَّلتَها واختَرتَها عَلى نِساءِ العالَمينَ ، اَللّهُمَّ كُنِ الطّالِبِ لَها مِمَّن ظَلَمَها وَاستَخَفَّ بِحَقَّها ، اَللّهُمَّ وَكُنِ الثائِرَ لَهَا اللّهُمَّ بِدَمِ أَولادِها ، اَللّهُمَّ وَكَما جَعَلتَها أُمَّ أَئِمَّةِ الهُدى ، وحَليلَةَ صاحِبِ اللَّواءِ ، الكَريمَةَ عِندَ المَلاَ الأَعلى ، فَصَلِّ عَلَيها وَعَلى أُمِّها خَديجَةَ الكُبرى ، صَلَاةً تُكَرِّمُ بِها وَجهَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَتُقِرُّبِها أَعيُنَ ذُرِّيَّتِها ، وَأَبلِغهُم عَنِّي فِي هذِهِ السّاعَةِ أَفضَلَ التَّحِيَّةِ وَالسَّلامِ .

الصلاة على الحسن والحسين عليهماالسلام :اَللّهُمَّ صَلِّ عَلىَ الحَسَنِ وَالحُسَينِ ، عَبدَيكَ وَوَلِيَّيكَ وَابنَي رَسُولِكَ وَسِبطَيِ الرَّحمَةِ وَسَيِّدَي شَبابِ أَهلِ الجَنَّةِ ، أَفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أَحَدٍ مِن أَولادِ النَّبِيّينَ وَالمُرسَلينَ . اَللّهُمَّ صَلِّ عَلَى الحَسَنِ ابنِ سَيِّدِ النَّبِيِّينَ . وَوَصِيِّ أَميرِالمُؤمِنينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيكَ يَابنَ رَسُولِ اللّهِ ، اَلسَّلامُ عَلَيكَ يَابنَ سَيِّدِ الوَصِيّينَ ، أَشهَدُ أَنَّكَ يَابنَ أَميرِالمُؤمِنينَ ، أَمينُ اللّهَ وَابنُ أَمينِهِ ، عِشتَ رَشيدا مَظلُوما وَمَضَيتَ شَهيدا ، وَأَشهَدُ أَنَّكَ الإِمامُ الزَّكِيُّ الهادِي المَهدِيُّ ، اَللّهُمَّ صَلِّ عَلَيهِ وَبَلِّغ رُوحَهُ وَجَسَدَهُ عَنّي في هذِهِ السّاعَةِ أَفضَلَ التَّحِيَّةِ وَالسَّلامِ . اَللّهُمَّ صَلِّ عَلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ ، اَلمَظلُومِ الشَّهيدِ ، قَتيلِ الكَفَرَةِ وَطَريحِ الفَجَرَةِ ، اَلسَّلامُ عَلَيكَ يا أَبا عَبدِ اللّهِ ، اَلسَّلامُ عَلَيكَ يَابنَ رَسُولِ اللّهِ ، اَلسَّلامُ عَلَيكَ يَابنَ

.

ص: 362

الصلاة على عليِّ بن الحسين عليه السلام
الصلاة على محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام

أَميرِالمُؤمِنينَ ، أَشهَدُ مُوقِنا أَنَّكَ أَمينُ اللّهِ وَابنُ أَمينِهِ ، قُتِلتَ مَظلُوما وَمَضَيتَ شَهيدا ، وَأَشهَدُ أَنَّ اللّهَ تَعالى الطّالِبَ بِثارِكَ وَمُنجِزَ ما وَعَدَكَ مِنَ النَّصرِ وَالتَّأييدِ في هِلاكِ عَدُوِّكَ وَإِظهارِ دَعوَتِكَ ، وَأَشهَدُ أَنَّكَ وَفَيتَ بِعَهدِ اللّهِ وَجاهَدتَ في سَبيلِ اللّهِ وَعَبَدتَ اللّهَ مُخلِصا حَتّى أَتَاكَ اليَقينُ ، لَعَنَ اللّهُ أُمَّةً قَتَلتكَ ، وَلَعَنَ اللّهُ أُمَّةً خَذَلَتكَ ، وَلَعَنَ اللّهُ أُمَّةً أَلَّبَت عَلَيكَ ، وَأَبرَأُ إِلى اللّهِ تَعالى مِمَّن أَكذَبَكَ وَاستَخَفَّ بِحَقِّكَ وَاستَحَلَّ دَمَكَ ، بِأَبي أَنتَ وَأُمّي يا أَبَا عَبدِ اللّهِ ، لَعَنَ اللّهُ قاتِلَلَكَ ، وَلَعَنَ اللّهُ خاذِلَكَ ، وَلَعَنَ اللّهُ مَن سَمِعَ واعِيَتَكَ فَلَم يُجِبكَ وَلَم يَنصُركَ ، وَلَعَنَ اللّهُ مَن سَبى نِساءَكَ ، أَنَا اِلَى اللّهِ مِنهُم بَريء وَمِمَّن والاهُم ، [وَما لأَهُم] (1) وَأَعانَهُم عَلَيهِ ، وَأَشهَدُ أَنَّكَ وَالأَئِمَّهَ مِنْ وُلْدِكَ كَلِمَةُ التَّقوى وَبابُ الهُدى وَالعُروَةُ الوُثقى وَالحُجَّةُ عَلى أَهلِ الدُّنيا ، وَأَشهَدُ أَنّي بِكُم مُؤمِنٌ وَبِمَنزِلَتِكُم مُوقِنٌ وَلَكُم تابِعٌ ، بِذاتِ نَفسي وَشَرائعِ ديني وَخَواتيمِ عَمَلي ، وَمُنقَلَبي وَمَثوايَ في دُنيايَ وَآخِرَتي .

الصلاة على عليِّ بن الحسين عليهماالسلام :اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ ، سَيِّدِ العابِدينَ ، الَّذي استَخلَصتَهُ لِنَفسِكَ وَجَعَلتَ مِنهُ أَئِمَّةُ الهُدى ، الَّذينَ يَهدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعدِلُونَ ، اِختَرتَهُ لِنَفسِكَ وَطَهَّرتَهُ مِنَ الرِّجسِ وَاصطَفَيتَهُ ، وَجَعَلتَهُ هادِيا مَهدِيّا ، اَللّهُمَّ صَلِّ عَلَيهِ أَفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أَحَدٍ مِن ذُرِّيَّةِ أَنبِيائِكَ حَتّى تَبلُغَ بِهِ ما تُقِرُّ بِهِ عَينُهُ فِي الدُّنيا وَالْاخِرَةِ ، إِنَّكَ عَزيزٌ حَكيمٌ .

الصلاة على محمّد بن عليّ الباقر عليهماالسلام :اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ ، باقِر العِلمِ وَإِمامِ الهُدى وَقائِدِ أَهلِ التَّقوى

.


1- .. في هامش المصدر : من المصدر .

ص: 363

الصلاة على جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام
الصلاة على موسى بن جعفر عليه السلام
الصلاة على عليِّ بن موسى الرضا عليه السلام

وَالمُنتَجَبِ مِن عِبادِكَ ، اَللّهُمَّ وَكَما جَعَلتَهُ عَلَما لِعِبادِكَ وَمَنارا لِبِلادِكَ وَمَستُودِعا لِحِكمَتِكَ وَمُتَرجِما لِوَحيِكَ ، وأَمَرتَ بِطاعَتِهِ وَحَذَّرتَ عَن مَعصِيَتِهِ ، فَصَلِّ عَلَيهِ يا رَبِّ أَفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أَحَدٍ مِن ذُرِّيَّةِ أَنبِيائِكَ وَأَصفِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَأَمَنائِكَ يا إِلهَ العالَمينَ .

الصلاة على جعفر بن محمّد الصّادق عليهماالسلام :اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى عَبدِكَ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصّادِقِ عليهماالسلام ، خازِنِ العِلمِ ، الدّاعي إِلَيكَ بِالحَقِّ ، النُّورِ المُبينِ ، اَللّهُمَّ وَكَما جَعَلتَهُ مَعدِنَ كَلامِكَ (1) وَوَحيِكَ وَخازِنِ عِلمِكَ وَلِسانِ تَوحيدِكَ وَوَلِيِّ أَمرِكَ وَمُستَحفِظِ دينِكَ ، فَصَلِّ عَلَيهِ أَفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أَحَدٍ مِن أَصفِيائِكَ وَحُجَجِكَ إِنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ .

الصلاة على موسى بن جعفر عليهماالسلام :اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى الأَمينِ المُؤتَمَنِ ، مُوسَى بنِ جَعفَرٍ ، اَلبَرِّ الوَفِيِّ الطّاهِرِ الزَّكِيِّ النُّورِ المُنيرِ (2) ، المُجتَهِدِ المُحتَسِبِ الصّابِرِ عَلَى الأَذى فيكَ ، اَللّهُمَّ وَكَما بَلَّغَ عَن آبائِهِ ما استَودَعَ مِن أَمرِكَ وَنَهيِكَ ، وَحَمَلَ عَلَى المَحَجَّةِ وَكابَدَ (3) أَهلَ الغِرَّةِ وَالشِّدَّةِ فيما كانَ يَلقى مِن جُهّالِ قَومِهِ ، رَبِّ فَصَلِّ عَلَيهِ أَفضَلَ وَأَكمَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أَحَدٍ مِمَّن أَطاعَكَ وَنَصَحَ لِعِبادِكَ إِنَّكَ غَفُورٌ رَحيمٌ .

الصلاة على عليِّ بن موسى الرِّضا عليهماالسلام :اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى عَلِيِّ بنِ مُوسَى الرِّضا ، الَّذِي ارتَضَيتَهُ وَرَضَّيتَ بِهِ مَن شِئتَ مِن

.


1- .. في هامش المصدر : حكمك ( خ ل ) .
2- .. في هامش المصدر : في المصدر : النور المبين ( المنير خ ل ) .
3- .. أي : جاهد .

ص: 364

الصلاة على محمَّد بن عليِّ الجواد عليه السلام
الصلاة على عليِّ بن محمّد أبي الحسن العسكريّ عليه السلام

خَلقِكَ ، اَللّهُمَّ وَكَما جَعَلتَهُ حُجَّةً عَلى خَلقِكَ وَقائِما بِأَمرِكَ ، وَناصِرا لِدينِكَ وَشاهِدا عَلى عِبادِكَ ، وَكَما نَصَحَ لَهُم فِي السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ وَدَعا اِلى سَبيلِكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ، فَصَلِّ عَلَيهِ أَفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أَحَدٍ مِن أَولِيائِكَ وَخِيَرَتِكَ مِن خَلقِكَ إِنَّكَ جَوادٌ كَريمٌ .

الصلاة على محمَّد بن عليِّ الجواد عليهماالسلام :اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُوسى عليهم السلام ، عَلَمِ التُّقى وَنُورِ الهُدى وَمَعدِنِ الوَفى (1) ، وَفَرعِ الأَزكِياءِ وَخَليفَةِ الأَوصِياءِ وَأَمينِكَ عَلى وَحيِكَ ، اَللّهُمَّ فَكَما هَدَيتَ بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ وَاستَنقَذتَ بِهِ مِنَ الجَهالَةِ ، وَأَرشَدتَ بِهِ مَنِ اهتَدى وَزَكَّيتَ بِهِ مَن تَزَكّى ، فَصَلِّ عَلَيهِ أَفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أَحَدٍ مِن أَولِيائِكَ وَبَقِيَّةِ أَولِيائِكَ إِنَّكَ عَزيزٌ حَكيمٌ .

الصلاة على عليِّ بن محمّد أبي الحسن العسكريّ عليهماالسلام :اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ ، وَصِيِّ الأَوصِياءِ وَإِمامِ الأَتقِياءِ وَخَلَفَ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَالحُجَّةِ عَلَى الخَلائِقِ أَجمَعينِ ، اَللّهُمَّ كَما جَعَلتَهُ نُورا يَستَضيِي بِهِ المُؤمِنُونَ ، فَبَشَّرَ بِالجَزيلِ مِن ثَوابِكَ ، وَأَنذَرَ بِالأَليمِ مِن عِقابِكَ ، وَحَذَّرَ بَأسَكَ ، وَذكَّرَ بِآياتِكَ ، وَأَحَلَّ حَلالَكَ وَحَرَّمَ حَرامَكَ ، وَبَيَّنَ شَرائِعَكَ وَفَرائِضَكَ وَحَضَّ عَلى عِبادَتِكَ ، وَأَمَرَ بِطاعَتِكَ وَنَهى عَن مَعصِيَتِكَ ، فَصَلِّ عَلَيهِ أَفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أَحَدٍ مِن أَولِيائِكَ وَذُرِّيَّةِ أَنبِيائِكَ يا إِلهَ العالَمينَ . وفي نسخةٍ اُخرى عتيقة : قال أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد اليمني _ فلمّا انتهيت إلى الصلاة عليه أمسك ، فقلت له في ذلك ، فقال :

.


1- .. في هامش المصدر : في الأصل : الهدى ، وفي المصدر : الوفى (الهدى خ ل) .

ص: 365

الصلاة على الحسن بن عليِّ العسكريِّ بن محمّد عليه السلام
الصلاة على وليّ الأمر المنتظر الحجّة بن الحسن عليه السلام

الصلاة على الحسن بن عليِّ العسكريِّ بن محمّد عليهم السلام :اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ الهادي ، البَرِّ التَّقِيِّ الصّادِقِ الوَفِيِّ ، النُّورِ المُضِيءِ ، خازِنِ عِلمِكَ ، وَالمُذَكِّرِ بِتَوحيدِكَ وَوَلِىِّ أَمرِكَ ، وَخَلَفِ أَئِمَّةِ الدِّينِ الهُداةِ الرّاشِدينَ ، وَالحُجَّةِ عَلى أَهلِ الدُّنيا ، فَصَلِّ عَلَيهِ يا رَبِّ أَفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أَحَدٍ مِن أَصفِيائِكَ وَحُجَجِكَ عَلى خَلقِكَ وَأَولادِ رُسُلِكَ يا إِلهَ العالَمينَ .

الصلاة على وليّ الأمر المنتظر الحجّة بن الحسن عليهماالسلام :اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى وَلِيِّكَ وَابنِ أَولِيائِكَ ، الَّذينَ فَرَضتَ طاعَتَهُم وَأَوجَبتَ حَقَّهُم وَأَذهَبتَ عَنهُمُ الرِّجسَ وَطهَّرتَهُم تَطهيرا ، اَللّهُمَّ انصُرهُ وَانتَصِر بِهِ لِدينِكَ وَانصُر بِهِ أَولِياءَكَ وَأَولِياءَهُ وَشيعَتَهُ وَأَنصارَهُ ، وَاجعَلنا مِنهُم ، اَللّهُمَّ أَعِذهُ مِن شَرِّ كُلِّ طاغٍ وَباغٍ ، وَمِن شَرِّ جَميعِ خَلقِكَ ، وَاحفَظهُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ وَعَن يَمينِهِ وَعَن شِمالِهِ ، وَاحرُسهُ وَامنَعهُ اَن يُوصَلَ إِلَيهِ بِسُوءٍ ، وَاحفَظ فيهِ رَسُولَكَ وَآلَ رَسُولِكَ ، وَأَظهِر بِهِ العَدلَ ، وَأَيِّدهُ بِالنَّصرِ وَانصُر ناصِريهِ وَاِخذُل خاذِليهِ وَاقصِم بِهِ جَبابِرَةِ الكُفرِ (1) وَاقتُل بِهِ الكُفّارَ وَالمُنافِقينَ وَجَميعَ المُلحِدينَ حَيثُ كانُوا ، مِن مَشارِقِ الأَرضِ وَمَغارِبِها وَبَرِّها وَبَحرِها وَسَهِلها وَجَبَلِها ، واملأ بِهِ الْاَرضَ عَدلاً ، وَأَظهِر بِهِ دِينَ نَبِيِّكَ عَلَيهِ وَآلِهِ السَّلاُمُ ، وَاجعَلنِي اللّهُمَّ مِن أَنصارِهِ وَأَعوانِهِ وَأَتباعِهِ وشيعَتِهِ ، وَأَرِني في آلِ مُحَمَّدٍ ما يَأمُلُونَ وَفي عَدُوِّهِم ما يَحذَرُونَ ، إِلهَ الحَقِّ رَبِّ

.


1- .. في هامش المصدر : في الأصل : جبابرة الكفرة ، وفي المصباح : جبابرة الكفرة ( الكفر خ ل ) ، ما أثبتناه من البحار .

ص: 366

123 . كتابه عليه السلام في ذكر قنوتات الأئمّة الطاهرين عليهم السلام
اشاره

العالَمينَ آمينَ » (1) .

123كتابه عليه السلامفي ذكر قنوتات الأئمّة الطاهرين عليهم السلامالسيّد ابن طاووس ( عليّ بن موسى ) : وجدت في الأصل الّذي نقلت منه هذه القنوتات ما هذا لفظه ممّا يأتي ذكره بغير إسناد ، ثمّ وجدت بعد سطر هذه القنوتات إسنادها في كتاب عمل رجب وشعبان وشهر رمضان تأليف أحمد بن محمّد بن عبد اللّه بن عبّاس رحمهم الله ، فقال : حدّثني أبو الطيب الحسن بن أحمد بن محمّد بن عمر بن الصباح القزوينيّ ، وأبو الصباح محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن البغداديّ الكاتبان ، قالا : جرى بحضرة شيخنا فقيه العصابة ذكر مولانا أبي محمّد الحسن بن أمير المؤمنين عليهماالسلام ، فقال رجل من الطالبييّن : إنّما ينتقم منه الناس تسليم هذا الأمر إلى ابن أبي سفيان ، فقال شيخنا : رأيتُ أيضاً مولانا أبا محمّد عليه السلام أعظم شأناً وأعلى مكاناً وأوضح برهاناً من أن يقدح في فعل له اعتبار المعتبرين أو يعترضه شكّ الشاكّين وارتياب المرتابين . ثمّ أنشأ يحدّث فقال : لمّا مضى سيّدنا الشيخ أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمريّ [ رضي اللّه عنه وأرضاه وزاده علوّاً فيما أولاه ] وفرغ من أمره ، جلس الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر _ زاد اللّه توفيقه _ للنّاس في بقيّة نهار يومه في دار الماضي رحمهم الله ، فأخرج إليه ذكاء الخادم الأبيض مُدرّجاً وعُكّازاً وحُقّة خشبٍ مدهونةً ، فأخذ العُكّاز فجعلها في حجره على فخذيه وأخذ المُدرّج بيمينه والحُقّة بشماله ، فقال الورثة : في هذا المُدرّج ذكر ودائع ، فنشره فإذا هي أدعية وقنوت مَوالينا الأئمّة من آل محمّد عليهم السلام

.


1- .. جمال الاُسبوع : ص 295 ، مصباح المتهجّد : ص 399 وص 404 مع اختلافٍ يسير ، بحار الأنوار : ج94 ص73 ح1 ، وراجع : البلد الأمين : ص 303 .

ص: 367

قنوت سيّدنا الحسن عليه السلام

فأضربوا عنها ، وقالوا : ففي الحُقّة جوهر لا محالة . قال لهم (1) : تبيعونها ؟ فقالوا : بكَم ؟ قال : يا أبا الحسن _ يعني ابن شيث الكوثاويّ _ ادفع إليهم عشر دنانير . فامتنعوا ، فلم يزل يزيدهم ويمتنعون إلى أن بلغ مئة دينار ، فقال لهم : إن بعتم وإلّا ندمتم . فاستجابوا البيع وقبضوا المئة الدينار ، واستثنى عليهم « المُدرّج » والعُكّاز . فلمّا انفصل الأمر ، قال : هذه عُكّاز مولانا أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ الرضا عليهم السلام ، الّتي كانت في يده يوم توكيله سيّدنا الشيخ عثمان بن سعيد العَمريّ رحمهم الله ووصيّته إليه وغيبته إلى يومنا هذا ، وهذه الحُقّة فيها خواتيم الأئمّة عليهم السلام . فأخرجها فكانت كما ذَكَرَ من جواهرها ونقوشها وعددها ، وكان في « المُدرّج » قنوت موالينا الأئمّة عليهم السلام ، وفيه قنوت مولانا أبي محمّد الحسن بن أمير المؤمنين عليه السلام ، وأملاها علينا من حفظه ، فكتبناها على ما سَطَرَ في هذه المدرجة ، وقال : احتفظوا بها كما تحتفظون بمُهمّات الدين وعَزَمات ربّ العالمين جلّ وعزّ ، وفيها بلاغٌ إلى حين .

قنوت سيّدنا الحسن عليه السلام :يَا مَن بِسُلطَانِهِ يَنتَصِرُ المَظلُومُ ، وَبِعَونِهِ يَعتَصِمُ المَكلُومُ ، سَبَقَت مَشِيَّتُكَ وَتَمَّت كَلِمَتُكَ وَأَنتَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ وَبِمَا تُمضِيهِ خَبِيرٌ ، يَا حَاضِرَ كُلِّ غَيبٍ وَيَا عَالِمَ كُلِّ سِرٍّ وَمَلجَأَ كُلِّ مُضطَرٍّ ضَلَّت فِيكَ الفُهُومُ وَتَقَطَّعَت دُونَكَ العُلُومُ ، وَأَنتَ اللّهُ الحَيُّ القَيُّومُ الدَّائِمُ الدَّيمُومُ ، قَد تَرَى مَا أَنتَ بِهِ عَلِيمٌ وَفِيهِ حَكِيمٌ وَعَنهُ حَلِيمٌ ، وَأَنتَ بِالتَّنَاصُرِ عَلى كَشفِهِ وَالعَونِ عَلى كَفِّهِ غَيرُ ضَائِقٍ ، وَإِلَيكَ مَرجِعُ كُلِّ أَمرٍ ، كَمَا عَن مَشِيئَتِكَ مَصدَرُهُ وَقَد أَبَنتَ عَن عُقُودِ كُلِّ قَومٍ ، وَأَخفَيتَ سَرَائِرَ آخَرِينَ ، وَأَمضَيتَ مَا قَضَيتَ ، وَأَخَّرتَ مَا لا فَوتَ عَلَيكَ فِيهِ ، وَحَمَلتَ العُقُولَ مَا تَحَمَّلَت فِي غَيبِكَ ،

.


1- .. القائل هو الحسين بن روح رحمه الله .

ص: 368

و دعا عليه السلام في قنوته

لِيَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحيا مَن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ، وَإِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ الأَحَدُ البَصِيرُ ، وَأَنتَ اللّه المُستَعَانُ وَعَلَيكَ التَّوَكُّلُ ، وَأَنتَ وَلِيُّ مَن [ مَا ] تَوَلَّيتُ لَكَ الأَمرُ كُلُّهُ ، تَشهَدُ الانفِعَالَ وَتَعلَمُ الاختِلالَ ، وَتَرَى تَخَاذُلَ أَهلِ الجَبَالِ وَجُنُوحَهُم إِلَى مَا جَنَحُوا إِلَيهِ مِن عَاجِلٍ فَانٍ وَحُطَامٍ عُقبَاهُ حَمِيمٌ آنٍ ، وَقُعُودَ مَن قَعَدَ وَارتِدَادَ مَنِ ارتَدَّ ، وَخُلُوِّي مِنَ النُّصَّارِ وَانفِرَادِي عَن الظُّهَارِ ، وَبِكَ أَعتَصِمُ وَبِحَبلِكَ أَستَمسِكُ وَعَلَيكَ أَتَوَكَّلُ . اللّهُمَّ فَقَد تَعلَمُ أَنِّي مَا ذَخَرتُ جُهدِي وَلا مَنَعتُ وُجدِي ، حَتَّى انفَلَّ حَدِّي وَبَقِيتُ وَحدِي ، فَاتَّبَعتُ طَرِيقَ مَن تَقَدَّمَنِي فِي كَفِّ العَادِيَةِ وَتَسكِينِ الطَّاغِيَةِ ، عَن دِمَاءِ أَهلِ المُشَايَعَةِ ، وَحَرَستُ مَا حَرَسَهُ أَولِيَائِي مِن أَمرِ آخِرَتِي وَدُنيَايَ ، فَكُنتُ لِغَيظِهِم أَكظِمُ وَبِنِظَامِهِم أَنتَظِمُ وَلِطَرِيقِهِم أَتَسَنَّمُ وَبِمِيسَمِهِم أَتَّسِمُ ، حَتَّى يَأتِيَ نَصرُكَ وَأَنتَ نَاصِرُ الحَقِّ وَعَونُهُ ، وَإِن بَعُدَ المُدَى مِنَ المُرتَادِ (1) وَنَأَى الوَقتُ عَن إِفنَاءِ الأَضدَادِ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ واخرُجهُم مَعَ النُّصَّابِ فِي سَرمَدِ العَذَابِ ، وَأَعمِ عَنِ الرُّشدِ أَبصَارَهُم ، وَسَكِّعهُم فِي غَمَرَاتِ لَذَّاتِهِم ، حَتَّى تَأخُذَهُم بَغتَةً وَهُم غَافِلُونَ ، وَسُحرَةً وَهُم نَائِمُونَ ، بِالحَقِّ الَّذِي تُظهِرُهُ ، وَاليَدِ الَّتِي تَبطِشُ بِهَا ، وَالعِلمِ الَّذِي تُبدِيهِ ، إِنَّكَ كَرِيمٌ عَلِيم .

و دعا عليه السلام في قنوته :اللّهُمَّ إِنَّكَ الرَّبُّ الرَّؤوفُ ، المَلِكُ العَطُوفُ ، المُتَحَنِّنُ المَألُوفُ ، وَأَنتَ غِيَاثُ

.


1- .. الارتياد: وهو الطلب ( مجمع البحرين: ج 3 ص 444 ) .

ص: 369

قنوت الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام

الحَيرَانِ المَلهُوفِ ، وَمُرشِدُ الضَّالِّ المَكفُوفِ ، تَشهَدُ خَوَاطِرَ أَسرَارِ المُسِرِّينَ كَمُشَاهَدَتِكَ أَقوَالَ النَّاطِقِينَ ، أَسأَ لُكَ بِمُغَيَّبَاتِ عِلمِكَ فِي بَوَاطِنِ سَرَائِرِ المُسِرِّينَ إِلَيكَ ، أَن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، صَلاةً نَسبِقُ بِهَا مَنِ اجتَهَدَ مِنَ المُتَقَدِّمِينَ ، وَنَتَجَاوَزُ فِيهَا مَن يَجتَهِدُ مِنَ المُتَأَخِّرِينَ ، وَأَن تَصِلَ الَّذِي بَينَنَا وَبَينَكَ صِلَةَ مَن صَنَعتَهُ لِنَفسِكَ وَاصطَنَعتَهُ لِعَينِكَ فَلَم تَتَخَطَّفهُ خَاطِفَاتُ الظِّنَنِ (1) ، وَلا وَارِدَاتُ الفِتَنِ ، حَتَّى نَكُونَ لَكَ فِي الدُّنيَا مُطِيعِينَ وَفِي الآخِرَةِ فِي جِوَارِكَ خَالِدِينَ .

قنوت الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ مِنكَ البَدءُ وَلَكَ المَشِيئَةُ [ المَشِئَةُ ] وَلَكَ الحَولُ وَلَكَ القُوَّةُ وَأَنتَ اللّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إلّا أَنتَ ، جَعَلتَ قُلُوبَ أَولِيَائِكَ مَسكَناً لِمَشِيئَتِكَ وَمَكمَناً لإِرَادَتِكَ ، وَجَعَلتَ عُقُولَهُم مَنَاصِبَ أَوَامِرِكَ وَنَوَاهِيكَ ، فَأَنتَ إِذَا شِئتَ مَا تَشَاءُ حَرَّكتَ مِن أَسرَارِهِم كَوَامِنَ مَا أَبطَنتَ فِيهِم ، وَأَبدَأتَ مِن إِرَادَتِكَ عَلى أَلسِنَتِهِم مَا أَفهَمتَهُم بِهِ عَنكَ فِي عُقُودِهِم ، بِعُقُولٍ تَدعُوكَ وَتَدعُو إِلَيكَ بِحَقَائِقِ مَا مَنَحتَهُم بِهِ ، وَإِنِّي لأَعلَمُ مِمَّا عَلَّمتَنِي مِمَّا أَنتَ المَشكُورُ عَلى مَا مِنهُ أَرَيتَنِي وَإِلَيهِ آوَيتَنِي . اللّهُمَّ وَإِنِّي مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ عَائِذٌ بِكَ ، لائِذٌ بِحَولِكَ وَقُوَّتِكَ ، رَاضٍ بِحُكمِكَ الَّذِي سُقتَهُ إِلَيَّ فِي عِلمِكَ ، جَارٍ بِحَيثُ أَجرَيتَنِي ، قَاصِدٌ مَا أَمَّمتَنِي ، غَيرُ ضَنِينٍ بِنَفسِي فِيمَا يُرضِيكَ عَنِّي إِذ بِهِ قَد رَضَّيتَنِي ، وَلا قَاصِرٌ بِجُهدِي عَمَّا إِلَيهِ نَدَبتَنِي ، مُسَارِعٌ لِمَا عَرَّفتَنِي ، شَارِعٌ فِيمَا أَشرَعتَنِي ، مُستَبصِرٌ مَا بَصَّرتَنِي ، مُرَاعٍ مَا أَرعَيتَنِي ، فَلا تُخلِنِي مِن رِعَايَتِكَ ، وَلا تُخرِجنِي مِن عِنَايَتِكَ ، وَلا تُقعِدنِي عَن حَولِكَ ، وَلا تُخرِجنِي عَن مَقصَدٍ أَنَالُ بِهِ إِرَادَتَكَ ، وَاجعَل عَلى البَصِيرَةِ مَدرَجَتِي ، وَعَلى الهِدَايَةِ مَحَجَّتِي ،

.


1- .. الظِّنة بالكسر : التهمة جمع الظنن كعنب ، ومنه الظنين : المتّهم ( تاج العروس : ج 18 ص 364 ) .

ص: 370

ودعا عليه السلام في قنوته
قنوت الإمام زين العابدين عليه السلام

وَعَلى الرَّشَادِ مَسلَكِي ، حَتَّى تُنِيلَنِي وَتُنِيلَ بِي أُمنِيَّتِي ، وَتَحِلَّ بِي عَلى مَا بِهِ أَرَدتَنِي وَلَهُ خَلَقتَنِي وَإِلَيهِ آوَيتَ بِي ، وَأَعِذ أَولِيَاءَكَ مِنَ الافتِتَانِ بِي ، وَفَتِّنهُم بِرَحمَتِكَ لِرَحمَتِكَ فِي نِعمَتِكَ تَفتِينَ الاجتِبَاءِ وَالاستِخلاصِ بِسُلُوكِ طَرِيقَتِي وَاتِّبَاعِ مَنهَجِي ، وَأَلحِقنِي بِالصّالِحِينَ مِن آبَائِي وَذَوِي رَحِمِي [لُحمَتي] .

ودعا عليه السلام في قنوته :اللّهُمَّ مَن أَوَى إِلَى مَأوىً فَأَنتَ مَأوَايَ ، وَمَن لَجَأَ إِلَى مَلجَاً فَأَنتَ مَلجَئِي . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد وَاسمَع نِدَائِي وَأَجِب دُعَائِي ، وَاجعَل [عِندَكَ] مَآبِي عِندَكَ وَمَثوَايَ ، وَاحرُسنِي فِي بَلوَايَ مِنِ افتِنَانِ الامتِحَانِ وَلُمَّةِ (1) الشَّيطَانِ ، بِعَظَمَتِكَ الَّتِي لا يَشُوبُهَا وَلَعُ نَفسٍ بِتَفتِينٍ وَلا وَارِدُ طَيفٍ بِتَظنِينٍ وَلا يَلُمُّ بِهَا فَرَحٌ [فَرَجٌ] ، حَتَّى تَقلِبَنِي إِلَيكَ بِإِرَادَتِكَ ، غَيرَ ظَنِينٍ وَلا مَظنُونٍ ، وَلا مُرَابٍ ، وَلا مُرتَابٍ ، إِنَّكَ أَنتَ أَرحَمُ الرّاحِمِينَ .

قنوت الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ إِنَّ جِبِلَّةَ البَشَرِيَّةِ وَطِبَاعَ الإِنسَانِيَّةِ وَمَا جَرَت عَلَيهِ تَركِيبَاتُ النَّفسِيَّةِ وَانعَقَدَت بِهِ عُقُودُ النَّشِئيَّةِ [ النَّسِبيَّةِ ] ، تَعجِزُ عَن حَملِ وَارِدَاتِ الأَقضِيَةِ ، إلّا مَا وَفَّقتَ لَهُ أَهلَ الاصطِفَاءِ وَأَعَنتَ عَلَيهِ ذَوِي الاجتِبَاءِ . اللّهُمَّ وَإِنَّ القُلُوبَ فِي قَبضَتِكَ وَالمَشِيئَةَ لَكَ فِي مَلكَتِكَ ، وَقَد تَعلَمُ أَي رَبِّ مَا الرَّغبَةُ إِلَيكَ فِي كَشفِهِ ، وَاقِعَةً لأَوقَاتِهَا بِقُدرَتِكَ ، وَاقِفَةً بِحَدِّكَ مِن إِرَادَتِكَ ، وَإِنِّي لأَعلَمُ أَنَّ لَكَ دَارَ جَزَاءٍ مِنَ الخَيرِ وَالشَّرِّ مَثُوبَةً وَعُقُوبَةً ، وَأَنَّ لَكَ يَوماً تَأخُذُ فِيهِ

.


1- .. اللُّمة : الرفقة ، ففي الحديث : لا تسافروا حتّى تصيبوا لمّة أي رفقة ( لسان العرب : ج 15 ص 257 ) .

ص: 371

ودعا عليه السلام في قنوته

بِالحَقِّ ، وَأَنَّ أَنَاتَكَ أَشبَهُ الأَشيَاءِ بِكَرَمِكَ ، وَأَليَقُهَا بِمَا وَصَفتَ بِهِ نَفسَكَ فِي عَطفِكَ وَتَرَاؤُفِكَ ، وَأَنتَ بِالمِرصَادِ لِكُلِّ ظَالِمٍ فِي وَخِيمِ عُقبَاهُ وَسُوءِ مَثوَاهُ . اللّهُمَّ إِنَّكَ قَد أَوسَعتَ خَلقَكَ رَحمَةً وَحِلماً ، وَقَد بَدَّلتَ أَحكَامَكَ وَغَيَّرتَ سُنَنَ نَبِيِّكَ ، وَتَمَرَّدَ الظَّالِمُونَ عَلى خُلَصَائِكَ ، وَاستَبَاحُوا حَرِيمَكَ ، وَرَكِبُوا مَرَاكِبَ الاستِمرَارِ عَلى الجُرأَةِ عَلَيكَ . اللّهُمَّ فَبَادِرهُم بِقَوَاصِفِ سَخَطِكَ وَعَوَاصِفِ تَنكِيلاتِكَ وَاجتِثَاثِ غَضَبِكَ ، وَطَهِّرِ البِلادَ مِنهُم ، وَاعِفَّ عَنهَا آثَارَهُم ، وَاحطُط مِن قَاعَاتِهَا وَمَظَانِّهَا مَنَارَهُم ، وَاصطَلِمهُم بِبَوَارِكَ حَتَّى لا تُبق مِنهُم دِعَامَةً لِنَاجِمٍ وَلا عَلَماً لآِمٍّ وَلا مَنَاصاً لِقَاصِدٍ وَلا رَائِداً لِمُرتَادٍ . اللّهُمَّ امحُ آثَارَهُم ، وَاطمِس عَلى أَموَالِهِم وَدِيَارِهِم ، وَامحَق أَعقَابَهُم وَافكُك أَصلابَهُم ، وَعَجِّل إِلَى عَذَابِكَ السَّرمَدِ انقِلابَهُم ، وَأَقِم لِلحَقِّ مَنَاصِبَهُ ، وَأَقدِح لِلرَّشَادِ زَنَادَهُ ، وَأَثِر لِلثَّارِ مُثِيرَهُ ، وَأَيِّد بِالعَونِ مُرتَادَهُ ، وَوَفِّر مِنَ النَّصرِ زَادَهُ ، حَتَّى يَعُودَ الحَقُّ بِجَدَّيِهِ ، وَيُنِيرَ مَعَالِمُ مَقَاصِدِهِ ، وَيَسلُكَهُ أَهلُهُ بِالأَمَنَةِ حَقَّ سُلُوكِهِ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ .

دعا عليه السلام في قنوته :اللّهُمَّ أَنتَ المُبِينُ البَائِنُ ، وَأَنتَ المَكِينُ المَاكِنُ المُمكِنُ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى آدَمَ بَدِيعِ فِطرَتِكَ ، وَبِكرِ حُجَّتِكَ ، وَلِسَانِ قُدرَتِكَ ، وَالخَلِيفَةِ فِي بَسِيطَتِكَ ، وَأَوَّلِ مُجتَبىً لِلنُّبُوَّةِ بِرَحمَتِكَ ، وَسَاحِفِ شَعرِ رَأسِهِ تَذَلُّلاً لَكَ فِي حَرَمِكَ لِعِزَّتِكَ ، وَمُنشَاً مِنَ التُّرَابِ نَطَقَ إِعرَاباً بِوَحدَانِيَّتِكَ ، وَعَبَدَ لَكَ ، أَنشَأتَهُ لأُمَّتِكَ ، وَمُستَعِيذٍ بِكَ مِن مَسِّ عُقُوبَتِكَ ، وَصَلِّ عَلى ابنِهِ الخَالِصِ مِن صَفوَتِكَ ، وَالفَاحِصِ

.

ص: 372

قنوت الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام

عَن مَعرِفَتِكَ ، وَالغَائِصِ [ الفَائِضِ ] المَأمُونِ عَن مَكنُونِ سَرِيرَتِكَ بِمَا أَولَيتَهُ مِن نِعَمِكَ وَمَعُونَتِكَ ، وَعَلى مَن بَينَهُمَا مِنَ النَّبِيِّينَ وَالمُرسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ . وَأَسأَلُكَ اللّهُمَّ حَاجَتِيَ الَّتِي بَينِي وَبَينَكَ لا يَعلَمُهَا أَحَدٌ غَيرُكَ ، أَن تَأتِيَ عَلى قَضَائِهَا وَإِمضَائِهَا فِي يُسرٍ مِنكَ [ وَعَافِيَةٍ ] وَشَدِّ أَزرٍ وَحَطِّ وِزرٍ ، يَا مَن لَهُ نُورٌ لا يُطفَأ ، وَظُهُورٌ لَا يَخفَى ، وَأُمُورٌ لا تُكفَى . اللّهُمَّ إِنِّي دَعَوتُكَ دُعَاءَ مَن عَرَفَكَ وَتَسَبَّلَ [تَبَتَّلَ] إِلَيكَ وَآلَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ إِلَيكَ . سُبحَانَكَ طَوَتِ الأَبصَارُ فِي صَنعَتِكَ مَدِيدَتَهَا ، وَثَنَتِ الأَلبَابُ عَن كُنهِكَ أَعِنَّتَهَا ، فَأَنتَ المُدرِكُ غَيرُ المُدرَكِ ، وَالمُحِيطُ غَيرُ المُحَاطِ ، وَعِزَّتِكَ لَتَفعَلَنَّ ، وَعِزَّتِكَ لَتَفعَلَنَّ ، وَعِزَّتِكَ لَتَفعَلَنَّ .

قنوت الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام :اللّهُمَّ إِنَّ عَدُوِّي قَدِ استَسَنَّ فِي غُلوائِهِ ، وَاستَمَرَّ فِي عُدوَانِهِ ، وَأَمِنَ بِمَا شَمِلَهُ مِنَ الحِلمِ عَاقِبَةَ جُرأَتِهِ عَلَيكَ ، وَتَمَرَّدَ فِي مُبَايَنَتِكَ ، وَلَكَ اللّهُمَّ لَحَظَاتُ سَخَطٍ بَياتاً وَهُم نائِمُونَ ، وَنَهَاراً وَهُم غَافِلُونَ ، وَجَهرَةً وَهُم يَلعَبُونَ ، وَبَغتَةً وَهُم سَاهُونَ ، وَأنَّ الخِنَاقَ قَدِ اشتَدَّ وَالوَثَاقَ قَدِ احتَدَّ وَالقُلُوبَ قَد شُجِيَت وَالعُقُولَ قَد تَنَكَّرَت وَالصَّبرَ قَد أَودَى وَكَادَ يَنقَطِعُ حَبَائِلُهُ ، فَإِنَّكَ لَبِالمِرصَادِ مِنَ الظَّالِمِ وَمُشَاهَدَةٍ مِنَ الكَاظِمِ ، لا يَعجِّلُكَ فَوتُ دَركٍ وَلا يُعجِزُكَ احتِجَازُ مُحتَجِزٍ ، وَإِنَّمَا مُهِّلِ [مَهَّلتَهُ ]استِثبَاتاً ، وَحُجَّتُكَ عَلى الأَحوَالِ البَالِغَةِ الدَّامِغَةِ وَبِعُبَيدِكَ [لِعَبدِكَ] ضَعفُ البَشَرِيَّةِ وَعَجزُ الإِنسَانِيَّةِ ، وَلَكَ سُلطَانُ الإِلَهِيَّةِ وَمَلكَةُ البَرِيَّةِ [مَلِكَةُ الرُّبُوبِيَّةِ] وَبَطشَةُ الأَنَاةِ وَعُقُوبَةُ التَّأبِيدِ .

.

ص: 373

ودعا عليه السلام في قنوته

اللّهُمَّ فَإِن كَانَ فِي المُصَابَرَةِ لِحَرَارَةِ المُعَانِ مِنَ الظَّالِمِينَ وَكَيدِ مَن يُشَاهِدُ مِنَ المُبَدِّلِينَ ، رِضىً لَكَ وَمَثُوبَةً مِنكَ ، فَهَب لَنَا مَزِيداً مِنَ التَّأيِيدِ وَعَوناً مِنَ التَّسدِيدِ إِلَى حِينِ نُفُوذِ مَشِيئَتِكَ فِيمَن أَسعَدتَهُ وَأَشقَيتَهُ مِن بَرِيَّتِكَ ، وَامنُن عَلَينَا بِالتَّسلِيمِ لِمَحتُومَاتِ أَقضِيَتِكَ ، وَالتَّجَرُّعِ لِوَارِدَاتِ أَقدَارِكَ ، وَهَب لَنَا مَحَبَّةً لِمَا أَحبَبتَ فِي مُتَقَدِّمٍ وَمُتَأَخِّرٍ وَمُتَعَجِّلٍ وَمُتَأَجِّلٍ ، وَالإِيثَارُ لِمَا اختَرتَ فِي مُستَقرَبٍ وَمُستَبعَدٍ ، وَلا تُخلِنَا اللّهُمَّ مَعَ ذَلِكَ مِن عَوَاطِفِ رَأفَتِكَ وَرَحمَتِكَ وَكِفَايَتِكَ وَحُسنِ كِلاءَتِكَ ، بِمَنِّكَ وَكَرَمِكَ .

ودعا عليه السلام في قنوته :يَامَن يَعلَمُ هَوَاجِسَ السَّرَائِرِ وَمَكَامِنَ الضَّمَائِرِ وَحَقَائِقَ الخَوَاطِرِ ، يَامَن هُوَ لِكُلِّ غَيبٍ حَاضِرٌ ، وَلِكُلِّ مَنسِيٍّ ذَاكِرٌ وَعَلى كُلِّ شَيءٍ قَادِرٌ وَإِلَى الكُلِّ نَاظِرٌ ، بَعُدَ المَهَلُ وَقَرُبَ الأَجَلُ وَضَعُفَ العَمَلُ وَأَرَابَ (1) [أَرأَبَ] الأَمَلُ وَآنَ المُنتَقَلُ ، وَأَنتَ يَا اللّهُ الآخِرُ كَمَا أَنتَ الأَوَّلُ ، مُبيدُ [ مُبدِئٌ ] مَا أَنشَأتَ وَمُصَيِّرُهُم إِلَى البِلَى (2) ، وَمُقَلِّدُهُم أَعمَالَهُم وَمُحَمِّلُهَا ظُهُورَهُم إِلَى وَقتِ نُشُورِهِم مِن بِعثَةِ قُبُورِهِم عِندَ نَفخَةِ الصُّورِ وَانشِقَاقِ السَّمَاءِ بِالنُّورِ وَالخُرُوجِ بِالمَنشَرِ إِلَى سَاحَةِ المَحشَرِ ، لايَرتَدُّ إِلَيهِم أبصارُهُم [طَرفُهُم] وَأَفئِدَتُهُم هَواءٌ ، مُتَرَاطِمِينَ فِي غُمَّةٍ مِمَّا أَسلَفُوا وَمُطَالِبِينَ بِمَا احتَقَبُوا وَمُحَاسَبِينَ هُنَاكَ عَلى مَا ارتَكَبُوا ، الصَّحَائِفُ فِي الأَعنَاقِ مَنشُورَةٌ وَالأَوزَارُ عَلى الظُّهُورِ مَأزُورَةٌ ، لا انفِكَاكَ وَلا مَنَاصَ وَلا مَحِيصَ عَنِ القِصَاصِ ، قَد أَفحَمَتهُمُ الحُجَّةُ وَحَلُّوا فِي حَيرَةِ المَحَجَّةِ هَمسِ [هَمَسُوا ]الضَّجَّةَ مَعدُولٌ بِهِم عَنِ المَحَجَّةِ

.


1- .. الآراب : قطع اللحم والعقل والدين ( تاج العروس : ج1 ص298 ) . وفي الدعاء : اللّهمّ ارأب بينهم ، أي أصلح بينهم ( مجمع البحرين : ج 2 ص 112 ) .
2- .. بلى _ بالكسر والقصر _ وبلاء _ بالضمّ والمدّ _ :خلق،فهو بال،وبلى الميت:أفنته الأرض(مجمع البحرين:ج1ص249) .

ص: 374

قنوت الإمام جعفر الصادق عليه السلام

إلّا مَن سَبَقَت لَهُ مِنَ اللّهِ الحُسنَى ، فَنُجِّيَ [فَنَجى ]مِن هَولِ المَشهَدِ وَعَظِيمِ المَورِدِ ، وَلَم يَكُن مِمَّن فِي الدُّنيَا تَمَرَّدَ وَلا عَلى أَولِيَاءِ اللّهِ تَعَنَّدَ ، وَلَهُم استُعبَدَ ، وَعَنهُم بِحُقُوقِهِم تَفَرَّدَ . اللّهُمَّ فَإِنَّ القُلُوبَ قَد بَلَغَتِ الحَنَاجِرَ ، وَالنُّفُوسَ قَد عَلَتِ التَّرَاقِيَ ، وَالأَعمَارَ قَد نَفِدَت بِالانتِظَارِ ، لا عَن نَقصِ استِبصَارٍ وَلا عَنِ اتِّهَامِ مِقدَارٍ وَلَكِن لِمَا تُعَانِي مِن رُكُوبِ مَعَاصِيكَ ، وَالخِلافِ عَلَيكَ فِي أَوَامِرِكَ وَنَوَاهِيكَ ، وَالتَّلَعُّبِ بِأَولِيَائِكَ وَمُظَاهَرَةِ أَعدَائِكَ . اللّهُمَّ فَقَرِّب مَا قَد قَرُبَ ، وَأَورِد مَا قَد دَنَا ، وَحَقِّق ظُنُونَ المُوقِنِينَ ، وَبَلِّغِ المُؤمِنِينَ تَأمِيلَهُم مِن إِقَامَةِ حَقِّكَ وَنَصرِ دِينِكَ وَإِظهَارِ حُجَّتِكَ وَالانتِقَامِ مِن أَعدَائِكَ .

قنوت الإمام جعفر الصّادق عليه السلام :يَا مَن سَبَقَ عِلمُهُ وَنَفَذَ حُكمُهُ وَشَمِلَ حِلمُهُ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَزِل حِلمَكَ عَن ظَالِمِيَّ ، وَبَادِرهُ بِالنَّقِمَةِ ، وَعَاجِلهُ بِالاستِئصَالِ ، وَكُبَّهُ لِمَنخِرِهِ ، وَاغصُصهُ بِرِيقِهِ ، وَاردُد كَيدَهُ فِي نَحرِهِ ، وَحُل بَينِي وَبَينَهُ بِشُغُلٍ شَاغِلٍ مُؤلِمٍ ، وَسُقمٍ دَائِمٍ ، وَامنَعهُ التَّوبَةَ ، وَحُل بَينَهُ وَبَينَ الإِنَابَةِ ، وَاسلُبهُ رُوحَ الرَّاحَةِ ، وَاشدُد عَلَيهِ الوَطأَةَ ، وَخُذ مِنهُ بِالمُخَنَّقِ ، وَحَشرِجهُ (1) فِي صَدرِهِ ، وَلا تُثَّبِت لَهُ قَدَماً ، وَأَثكِلهُ وَنَكِّلهُ ، وَاجتَثَّهُ وَاجتَثَّ رَاحَتَهُ ، وَاستَأصِلهُ وَجُثَّهُ ، وَجُثَّ نِعمَتَكَ عَنهُ ، وَأَلبِسهُ الصِّغَارَ ، وَاجعَل عُقبَاهُ النَّارَ بَعدَ مَحوِ آثَارِهِ وَسَلبِ قَرَارِهِ وَإِجهَارِ قَبِيحِ آصَارِهِ (2) ، وَأَسكِنهُ دَارَ بَوَارِهِ ، وَلا تُبقِ لَهُ ذِكراً ، وَلا تُعَقِّبهُ مِن مُستَخلَفٍ أَجراً .

.


1- .. حشرج المريض : إذا غرغر عند الموت وتردّد النفس ( لسان العرب : ج 2 ص 237 ) .
2- .. الإصر : الذنب والثقل ( الصحاح : ج 2 ص 579 ) .

ص: 375

اللّهُمَّ بَادِرهُ [ثَلاثاً] . اللّهُمَّ عَاجِلهُ [ثَلاثاً] . اللّهُمَّ لا تُؤَجِّلهُ [ثَلاثاً] . اللّهُمَّ خُذهُ [ثَلاثاً] . اللّهُمَّ اسلُبهُ التَّوفِيقَ [ثَلاثاً] . اللّهُمَّ لا تُنهِضهُ . اللّهُمَّ لا تَرِثهُ . اللّهُمَّ لا تُؤَخِّرهُ . اللّهُمَّ عَلَيكَ بِهِ . اللّهُمَّ اشدُد قَبضَتَكَ عَلَيهِ . اللّهُمَّ بِكَ اعتَصَمتُ عَلَيهِ وَبِكَ استَجَرتُ مِنهُ وَبِكَ تَوَارَيتُ عَنهُ وَبِكَ استَكفَفتُ دُونَهُ وَبِكَ استَتَرتُ مِن ضَرَّائِهِ . اللّهُمَّ احرُسنِي بِحَرَاسَتِكَ مِنهُ وَمِن عِدَاتِكَ ، وَاكفِنِي بِكِفَايَتِكَ كَيدَهُ وَكَيدَ بُغَاتِكَ . اللّهُمَّ احفَظنِي بِحِفظِ الإِيمَانِ ، وَأَسبِل عَلَيَّ سَترَكَ الَّذِي سَتَرتَ بِهِ رُسُلَكَ عَنِ الطَّوَاغِيتِ ، وَحَصِّنِّي بِحِصنِكَ الَّذِي وَقَيتَهُم بِهِ مِنَ الجَوَابِيتِ (1) . اللّهُمَّ أَيِّدنِي مِنكَ بِنَصرٍ لا يَنفَكُّ وَعَزِيمَةِ صِدقٍ لا تُختَلُّ [ تَحِلُّ ] ، وَجَلِّلنِي بِنُورِكَ ، وَاجعَلنِي مُتَدَرِّعاً بِدِرعِكَ الحَصِينَةِ الوَاقِيَةِ ، وَاكلأنِي بِكِلَاءَتِكَ الكَافِيَةِ ، إِنَّكَ

.


1- .. الجبت : في الدعاء : « اللّهمّ العن الجوابيت والطواغيت وكلّ ندّ يُدعى من دون اللّه » ، ويمكن تنزيله على الجميع ( مجمع البحرين : ج 1 ص 337 ) .

ص: 376

ودعا عليه السلام في قنوته

وَاسِعٌ لِمَا تَشَاءُ ، وَوَلِيُّ مَن لَكَ تَوَالَى ، وَنَاصِرُ لِمَن إِلَيكَ آوَى ، وَعَونُ مَن بِكَ استَعدَى ، وَكَافِي مَن بِكَ استَكفَى ، وَالعَزِيزُ الَّذِي لا يُمَانِعُ عَمَّا يَشَاءُ ، وَلا قُوَّةَ إِلّا بِاللّهِ ، وَهُوَ حَسبِي وَعَلَيهِ تَوَكَّلتُ ، وَهُوَ رَبُّ العَرشِ العَظِيمِ .

ودعا عليه السلام في قنوته :يَا مَأمَنَ الخَائِفِ وَكَهفَ اللّاهِفِ وَجُنَّةَ العَائِذِ وَغَوثَ اللّائِذِ ، خَابَ مَنِ اعتَمَدَ سِوَاكَ ، وَخَسِرَ مَن لَجَأَ إِلَى دُونِكَ ، وَذَلَّ مَنِ اعتَزَّ بِغَيرِكَ ، وَافتَقَرَ مَنِ استَغنَى عَنكَ ، إِلَيكَ اللّهُمَّ المَهرَبُ وَمِنكَ اللّهُمَّ المَطلَبُ . اللّهُمَّ قَد تَعلَمُ عَقدَ ضَمِيرِي عِندَ مُنَاجَاتِكَ ، وَحَقِيقَةَ سَرِيرَتِي عِندَ دُعَائِكَ ، وَصِدقَ خَالِصَتِي بِاللَّجَاَ إِلَيكَ ، فَأَفزِعنِي إِذَا فَزِعتُ إِلَيكَ ، وَلا تَخذُلنِي إِذَا اعتَمَدتُ عَلَيكَ ، وَبَادِرنِي بِكِفَايَتِكَ ، وَلا تَسلُبنِي رِفقَ عِنَايَتِكَ ، وَخُذ ظَالِمِيَّ السَّاعَةَ السَّاعَةَ أَخذَ عَزِيزٍ مُقتَدِرٍ عَلَيهِ مُستَأصِلٍ شَأفَتَهُ (1) مُجتَثٍّ قَائِمَتَهُ حَاطٍّ دِعَامَتَهُ مُبِيرٍ لَهُ مُدَمِّرٍ عَلَيهِ . اللّهُمَّ بَادِرهُ قَبلَ أَذِيَّتِي ، وَاسبِقهُ بِكِفَايَتِي كَيدَهُ وَشَرَّهُ وَمَكرُوهَهُ وَغَمزَهُ وَسُوءَ عَقدِهِ وَقَصدِهِ . اللّهُمَّ إِنِّي إِلَيكَ فَوَّضتُ أَمرِي ، وَبِكَ تَحَصَّنتُ مِنهُ ، وَمِن كُلِّ مَن يَتَعَمَّدُنِي بِمَكرُوهِهِ وَيَتَرَصَّدُنِي بِأَذِيَّتِهِ وَيَصلِتُ لِي بِطَانَتَهُ وَيَسعَى عَلَيَّ بِمَكَايِدِهِ . اللّهُمَّ كِد لِي وَلا تَكِد عَلَيَّ ، وَامكُر لِي وَلا تَمكُر بِي ، وَأَرِنِي الثَّأرَ مِن كُلِّ عَدُوٍّ أَو مَكَّارٍ ، وَلا يَضُرُّنِي ضَارٌّ وَأَنتَ وَلِيِّي ، وَلا يَغلِبُنِي مُغَالِبٌ وَأَنتَ عَضُدِي ، وَلا تَجرِي عَلَيَّ مَسَاءَةٌ وَأَنتَ كَنَفِي .

.


1- .. الشأفة : قرحة تخرج في أسفل القدم فتُقطع أو تُكوى فتذهب ، ومنه قولهم : استأصل اللّه شأفته ، أي أذهبته ( النهاية : ج 2 ص 436 ) .

ص: 377

قنوت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام
ودعا عليه السلام في قنوته

اللّهُمَّ بِكَ استَذرَعتُ وَاعتَصَمتُ ، وَعَلَيكَ تَوَكَّلتُ ، وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلّا بِكَ .

قنوت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام :يَا مَفزَعَ الفَازِعِ وَمَأمَنَ الهَالِعِ (1) وَمَطمَعَ الطَّامِعِ وَمَلجَأَ الضَّارِعِ ، يَا غَوثَ اللَّهفَانِ (2) وَمَأوَى الحَيرَانِ وَمُروِّيَ الظَّمآنِ وَمُشبِعَ الجَوعَانِ وَكَاسِيَ العُريَانِ وَحَاضِرَ كُلِّ مَكَانٍ ، بِلَا دَركٍ وَلا عَيَانٍ وَلا صِفَةٍ وَلا بِطَانٍ ، عَجَزَتِ الأَفهَامُ وَضَلَّتِ الأَوهَامُ عَن مُوَافَقَةِ صِفَةِ دَابَّةٍ مِنَ الهَوَامِّ ، فَضلاً عَنِ الأَجرَامِ العِظَامِ مِمَّا أَنشَأَت حِجَاباً لِعَظَمَتِكَ ، وَأَنَّى يَتَغَلغَلُ إِلَى مَا وَرَاء ذَلِكَ مِمَّا لا يُرَامُ . تَقَدَّستَ يَا قُدُّوسُ عَنِ الظُّنُونِ وَالحُدُوسِ ، وَأَنتَ المَلِكُ القُدُّوسُ ، بَارِي الأَجسَامِ وَالنُّفُوسِ ، وَمُنَخِّرُ العِظَامِ وَمُمِيتُ الأَنَامِ ، وَمُعِيدُهَا بَعدَ الفَنَاءِ وَالتَّطمِيسِ . وَأَسأَلُكَ يَا ذَا القُدرَةِ وَالعَلاءِ وَالعِزِّ وَالثَّنَاءِ ، أَن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أُولِي النُّهَى وَالمَحَلِّ الأَوفَى وَالمَقَامِ الأَعلَى ، وَأَن تُعَجِّلَ مَا قَد تَأَجَّلَ ، وَتُقَدِّمَ مَا قَد تَأَخَّرَ ، وَتَأتِيَ بِمَا قَد أوجَبَتَ إِثبَاتُهُ ، وَتُقَرِّبَ مَا قَد تَأَخَّرَ فِي النُّفُوسِ الحَصِرَةِ أَوَانُهُ ، وَتَكشِفَ البَأسَ وَسُوءَ اللِّبَاسِ وَعَوَارِضَ الوَسوَاسِ الخَنَّاسِ فِي صُدُورِ النَّاسِ ، وَتَكفِيَنَا مَا قَد رَهِقَنَا ، وَتَصرِفَ عَنَّا مَا قَد رَكِبَنَا ، وَتُبَادِرَ اصطِلامَ الظَّالِمِينَ وَنَصرَ المُؤمِنِينَ وَالإِدَالَةَ (3) مِنَ العَانِدِينَ ، آمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِين .

ودعا عليه السلام في قنوته :اللّهُمَّ إِنِّي وَفُلانُ بنُ فُلانٍ عَبدَانِ مِن عَبِيدِكَ ، نَوَاصِينَا بِيَدِكَ ، تَعلَمُ مُستَقَرَّنَا

.


1- .. الهالع : أشدّ الجزع والضجر ( النهاية : ج 5 ص 269 ) .
2- .. اللهفَان : المكروب ( النهاية : ج 4 ص 282 ) .
3- .. الإدالة : الغلبة (النهاية : ج 2 ص 141 ).

ص: 378

وَمُستَودَعَنَا وَمُنقَلَبَنَا وَمَثوَانَا وَسِرَّنَا وَعَلانِيَتَنَا تَطَّلِعُ عَلى نِيَّاتِنَا وَتُحِيطُ بِضَمَائِرِنَا ، عِلمُكَ بِمَا نُبدِيهِ كَعِلمِكَ بِمَا نُخفِيهِ ، وَمَعرِفَتُكَ بِمَا نُبطِنُهُ كَمَعرِفَتِكَ بِمَا نُظهِرُهُ ، وَلا يَنطَوِي عِندَكَ شَيءٌ مِن أُمُورِنَا ، وَلا يَستَتِرُ دُونَكَ حَالٌ مِن أَحوَالِنَا ، وَلا مِنكَ مَعقِلٌ يُحصِنُنُا وَلا حِرزٌ يُحرِزُنَا ، وَلا مَهرَبٌ لَنَا نَفُوتُكَ بِهِ ، وَلا يَمنَعُ الظَّالِمَ مِنكَ حُصُونُهُ ، وَلا يُجَاهِدُكَ عَنهُ جُنُودُهُ ، وَلا يُغَالِبُكَ مُغَالِبٌ بِمَنعِهِ ، وَلا يُعَازُّكَ مُعَازٌّ بِكَثرَةٍ ، أَنتَ مُدرِكُهُ أَينَمَا سَلَكَ وَقَادِرٌ عَلَيهِ أَينَمَا لَجَأَ ، فَمَعَاذُ المَظلُومِ مِنَّا بِكَ ، وَتَوَكُّلُ المَقهُورِ مِنَّا عَلَيكَ ، وَرُجُوعُهُ إِلَيكَ يَستَغِيثُ بِكَ إِذَا خَذَلَهُ المُغِيثُ ، وَيَستَصرِخُكَ إِذَا قَعَدَ عَنهُ النَّصِيرُ ، وَيَلُوذُ بِكَ إِذَا نَفَتهُ الأَفنِيَةُ ، وَيَطرُقُ بِكَ [بَابَكَ] إِذَا أُغلِقَت [غُلِّقَت] عَنهُ الأَبوَابُ المُرتَجَةُ ، وَيَصِلُ إِلَيكَ إِذَا احتَجَبَ [احتَجَبَت] عَنهُ المُلُوكُ الغَافِلَةُ ، تَعلَمُ مَا حَلَّ بِهِ قَبلَ أَن يَشكُوَهُ إِلَيكَ ، وَتَعلَمُ مَا يُصلِحُهُ قَبلَ أَن يَدعُوَكَ لَهُ ، فَلَكَ الحَمدُ سَمِيعاً لَطِيفاً عَلِيماً خَبِيراً . وَأَنَّهُ قَد كَانَ فِي سَابِقِ عِلمِكَ ، وَمُحكَمِ قَضَائِكَ ، وَجَارِي قَدَرِكَ ، وَنَافِذِ أَمرِكَ ، وَقَاضِي حُكمِكَ ، وَمَاضِي مَشِيئَتِكَ فِي خَلقِكَ أَجمَعِينَ ، شَقِيِّهِم وَسَعِيدِهِم وَبَرِّهِم وَفَاجِرِهِم ، أَن جَعَلتَ لِفُلانِ بنِ فُلانٍ عَلَيَّ قُدرَةً فَظَلَمَنِي بِهَا ، وَبَغَى عَلَيَّ بِمَكَانِهَا ، وَاستَطَالَ وَتَعَزَّزَ بِسُلطَانِهِ الَّذِي خَوَّلتَهُ إِيَّاهُ ، وَتَجَبَّرَ وَافتَخَرَ بِعُلُوِّ حَالِهِ الَّذِي نَوَّلتَهُ ، وَعَزَّهُ [غَرَّهُ] إِملاؤُكَ لَهُ ، وَأَطغَاهُ حِلمُكَ عَنهُ ، فَقَصَدَنِي بِمَكرُوهٍ عَجَزتُ عَنِ الصَّبرِ عَلَيهِ ، وَتَعَمَّدَنِي بَشَرٍّ ضَعُفتُ عَنِ احتِمَالِهِ ، وَلَم أَقدِر عَلى الاستِنصَافِ [الانتِصَافِ] مِنهُ لِضَعفِي ، وَلا عَلى الانتِصَارِ لِقِلَّتِي وَذُلّي ، فَوَكَلتُ أَمرَهُ إِلَيكَ ، وَتَوَكَّلتُ فِي شَأنِهِ عَلَيكَ ، وَتَوَعَّدتُهُ بِعُقُوبَتِكَ ، وَحَذَّرتُهُ بِبَطشِكَ ، وَخَوَّفتُهُ نَقِمَتَكَ ، فَظَنَّ أَنَّ حِلمَكَ عَنهُ مِن ضَعفٍ ، وَحَسِبَ أَنَّ إِملاءَكَ لَهُ من عَجزٍ ، وَلَم تَنهَهُ وَاحِدَةٌ عَن أُخرَى ، وَلا

.

ص: 379

انزَحَرَ [انزَجَرَ] عَن ثَانِيَةٍ بِأُولَى ، لَكِنَّهُ تَمَادَى فِي غَيِّهِ ، وَتَتَابَعَ فِي ظُلمِهِ ، وَلَجَّ فِي عُدوَانِهِ ، وَاستَشرَى [استَثرَى] فِي طُغيَانِهِ ، جُرأَةً عَلَيكَ يَا سَيِّدِي وَمَولايَ ، وَتَعَرُّضاً لِسَخَطِكَ الَّذِي لا تَرُدُّهُ عَنِ الظَّالِمِينَ ، وَقِلَّةَ اكتِرَاثٍ بِبَأسِكَ الَّذِي لا تَحبِسُهُ عَنِ البَاغِينَ فَهَأَنَذَا يَا سَيِّدِي مُستَضعَفٌ فِي يَدِهِ ، مُستَضَامٌ تَحتَ سُلطَانِهِ ، مُستَذِلٌّ بِفِنَائِهِ مَغصُوبٌ مَغلُوبٌ مَبغِيٌّ عَلَيَّ ، مَرعُوبٌ وَجِلٌ خَائِفٌ مُرَوَّعٌ مَقهُورٌ ، قَد قَلَّ صَبرِي وَضَاعَت حِيلَتِي ، وَانغَلَقَت عَلَيَّ المَذَاهِبُ إلّا إِلَيكَ ، وَانسَدَّت عَنِّي الجِهَاتُ إلّا جِهَتُكَ ، وَالتَبَسَت عَلَيَّ أُمُورِي فِي دَفعِ مَكرُوهِهِ عَنِّي ، وَاشتَبَهَت عَلَيَّ الآرَاءُ فِي إِزَالَةِ ظُلمِهِ ، وَخَذَلَنِي مَنِ استَنصَرتُهُ مِن خَلقِكَ ، وَأَسلَمَنِي مَن تَعَلَّقتُ بِهِ مِن عِبَادِكَ ، فَاستَشَرتُ نَصِيحِي فَأَشَارَ عَلَيَّ بِالرَّغبَةِ إِلَيكَ ، وَاستَرشَدتُ دَلِيلِي فَلَم يَدُلَّنِي إلّا إلَيكَ ، فَرَجَعتُ إِلَيكَ يَا مَولايَ صَاغِراً رَاغِماً مُستَكِيناً ، عَالِماً أَنَّهُ لا فَرَجَ لِي إلّا عِندَكَ ، وَلا خَلاصَ لِي إلّا بِكَ ، أَنتَجِزُ وَعدَكَ فِي نُصرَتِي وَإِجَابَةِ دُعَائِي ؛ لأَنَّ قَولَكَ الحَقُّ الَّذِي لا يُرَدُّ وَلا يُبَدَّلُ ، وَقَد قُلتَ تَبَارَكتَ وَتَعَالَيتَ وَمَن بُغِيَ عَلَيهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللّهُ ، وَقُلتَ جَلَّ ثَنَاؤُكَ وَتَقَدَّسَت أَسمَاؤُكَ : «ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ» (1) ، فَهَأَنَذَا فَاعِلٌ مَا أَمَرتَنِي بِهِ لا مَنّاً عَلَيكَ ، وَكَيفَ أَمُنُّ بِهِ وَأَنتَ عَلَيهِ دَلَلتَنِي ؟ فَصَلِّ على محمَّدٍ وَآلِ محَمَّدٍ وَاستَجِب لِي كَمَا وَعَدتَنِي ، يَا مَن لا يُخلِفُ المِيعَادَ . وَإِنِّي لأَعلَمُ يَا سَيِّدِي أَنَّ لَكَ يَوماً تَنتَقِمُ فِيهِ مِنَ الظَّالِمِ لِلمَظلُومِ ، وَأَتَيَقَّنُ أَنَّ لَكَ وَقتاً تَأخُذُ فِيهِ مِنَ الغَاصِبِ لِلمَغصُوبِ لأَنَّك لا يَسبِقُكَ مُعَانِدٌ وَلا يَخرُجُ مِن قَبضَتِكَ مُنَابِذٌ وَلا تَخَافُ فَوتَ فَائِتٍ ، وَلَكِنَّ جَزَعِي وَهَلَعِي لا يَبلُغَانِ الصَّبرَ عَلى أَنَاتِكَ وَانتِظَارَ حِلمِكَ ، فَقُدرَتُكَ يَا سَيِّدِي فَوقَ كُلِّ قُدرَةٍ وَسُلطَانُكَ غَالِبٌ كُلَّ

.


1- .. غافر : 60 .

ص: 380

سُلطَانٍ ، وَمَعَادُ كُلِّ أَحَدٍ [أَمَدٍ] إِلَيكَ وَإِن أَمهَلتَهُ ، وَرُجُوعُ كُلِّ ظَالِمٍ إِلَيكَ وَإِن أَنظَرتَهُ . وَقَد أَضَرَّنِي يَا سَيِّدِي حِلمُكَ عَن فُلانٍ وَطُولُ أَنَاتِكَ لَهُ وَإِمهَالُكَ إِيَّاهُ ، فَكَادَ القُنُوطُ يَستَولِي عَلَيَّ لَولا الثِّقَةُ بِكَ وَاليَقِينُ بِوَعدِكَ ، وَإِن كَانَ فِي قَضَائِكَ النَّافِذِ وَقُدرَتِكَ المَاضِيَةِ أَنَّهُ يُنِيبُ أَو يَتُوبُ أَو يَرجِعُ عَن ظُلمِي وَيَكُفُّ عَن مَكرُوهِي وَيَنتَقِلُ عَن عَظِيمِ مَا رَكِبَ مِنِّي ، فَصَلِّ اللّهُمَّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَوقِع ذَلِكَ فِي قَلبِهِ السَّاعَةَ السَّاعَةَ ، قَبلَ إِزَالَةِ نِعمَتِكَ الَّتِي أَنعَمتَ بِهَا عَلَيَّ وَتَكدِيرِ مَعرُوفِكَ الَّذِي صَنَعتَهُ عِندِي ، وَإِن كَانَ عِلمُكَ بِهِ غَيرَ ذَلِكَ مِن مُقَامِهِ عَلى ظُلمِي ، فَإِنِّي أَسأَلُكَ يَا نَاصِرَ المَظلُومِينَ المَبغِيِّ عَلَيهِم إِجَابَةَ دَعوَتِي ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَخُذهُ مِن مَأمَنِهِ [مَنامِه] أَخذَ عَزِيزٍ مُقتَدِرٍ ، وَأَفجِأهُ فِي غَفلَتِهِ مُفَاجَأَةَ مَلِيكٍ مُنتَصِرٍ ، وَاسلُبهُ نِعمَتَهُ وَسُلطَانَهُ ، وَافضُض عَنهُ جُمُوعَهُ وَأَعوَانَهُ ، وَمَزِّق مُلكَهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ ، وَفَرِّق أَنصَارَهُ كُلَّ مُفَرَّقٍ ، وَأَعِرهُ مِن نِعمَتِكَ الَّتِي لا يُقَابِلُهَا بِالشُّكرِ ، وَانزِع عَنهُ سِربَالَ عِزِّكَ الَّذِي لَم يُجَازِهِ بِإِحسَانٍ ، وَاقصِمهُ يَا قَاصِمَ الجَبَابِرَةِ ، وَأَهلِكهُ يَا مُهلِكَ القُرُونِ الخَالِيَةِ ، وَأَبِرهُ يَا مُبِيرَ الأُمَمِ الظَّالِمَةِ ، وَاخذُلهُ يَا خَاذِلَ الفِرَقِ البَاغِيَةِ ، وَابتُر عُمُرَهُ ، وَابتَزَّهُ مُلكَهُ ، وَعِفَّ أَثَرَهُ ، وَاقطَع خَبَرَهُ ، وَأَطفِ نَارَهُ ، وَأَظلِم نَهَارَهُ ، وَكَوِّر شَمسَهُ ، وَأَزهِق نَفسَهُ ، وَاهشِم سُوقَهُ ، وَجُبَّ سَنَامَهُ ، وَأَرغِم أَنفَهُ ، وَعَجِّل حَتفَهُ . وَلا تَدَع لَهُ جُنَّةً إلّا هَتَكتَهَا ، وَلا دِعَامَةً إلّا قَصَمتَهَا ، وَلا كَلِمَةً مُجتَمِعَةً إلّا فَرَّقتَهَا ، وَلا قَائِمَةَ عُلُوٍّ إلّا وَضَعتَهَا ، وَلا رُكناً إلّا وَهَنتَهُ ، وَلا سَبَباً إلّا قَطَعتَهُ ، وَأَرِنَا أَنصَارَهُ عَبَادِيدَ (1) بَعدَ الأُلفَةِ ، وَشَتَّى بَعدَ اجتِمَاعِ الكَلِمَةِ ، وَمُقنِعِي الرُّؤُوسِ بَعدَ الظُّهُورِ عَلى

.


1- .. العباديد : الفرق من الناس الذاهبون في كلّ وجه ، وكذلك العبابيد بالباء الموحّدة ( مجمع البحرين : ج3 ص109 ) .

ص: 381

الأُمَّةِ ، وَاشفِ بِزَوَالِ أَمرِهِ القُلُوبَ الوَجِلَةَ وَالأَفئِدَةَ اللَّهِفَةَ وَالأُمَّةَ المُتَحَيِّرَةَ وَالبَرِّيَّةَ الضَّائِعَةَ ، وَأَدِل بِبَوَارِهِ الحُدُودَ المُعَطَّلَةَ وَالسُّنَنَ الدَّاثِرَةَ وَالأَحكَامَ المُهمَلَةَ وَالمَعَالِمَ المُغَيَّرَةَ وَالآيَاتِ المُحَرَّفَةَ وَالمَدَارِسَ المَهجُورَةَ وَالمَحَارِيبَ المَجفُوَّةَ وَالمَشَاهِدَ المَهدُومَةَ ، وَأَشبِع بِهِ الخِمَاصَ السَّاغِبَةَ ، وَاروِ بِهِ اللَّهَوَاتِ اللاّغِبَةَ وَالأَكبَادَ الطَّامِعَةَ [الظَّامِئَةَ] ، وَأَرِح بِهِ الأَقدَامَ المُتعَبَةَ ، وَاطرُقهُ بِلَيلَةٍ لا أُختَ لَهَا ، وَبِسَاعَةٍ لا مَثوَى فِيهَا ، وَبِنَكبَةٍ لا انتِعَاشَ مَعَهَا ، وَبِعَثرَةٍ لا إِقَالَةَ مِنهَا . وَأَبِح حَرِيمَهُ ، وَنَغِّص نَعِيمَهُ ، وَأَرِهِ بَطشَتَكَ الكُبرَى وَنَقِمَتَكَ المُثلَى وَقُدرَتَكَ الَّتِي فَوقَ قُدرَتِهِ وَسُلطَانَكَ الَّذِي هُوَ أَعَزُّ مِن سُلطَانِهِ ، وَاغلِبهُ لِي بِقُوَّتِكَ القَوِيَّةِ وَمِحَالِكَ (1) الشَّدِيدِ ، وَامنَعنِي مِنهُ بِمَنعِكَ الَّذِي كُلُّ خَلقٍ فِيهِ ذَلِيلٌ ، وَابتَلِهِ بِفَقرٍ لا تَجبُرُهُ وَبِسُوءٍ لا تَستُرُهُ ، وَكِلهُ إِلَى نَفسِهِ فِيمَا يُرِيدُ ، إِنَّكَ فَعَّالٌ لِمَا تُرِيدُ ، وَأَبرِأهُ مِن حَولِكَ وَقُوَّتِكَ وَكِلهُ إِلَى حَولِهِ وَقُوَّتِهِ ، وَأَزِل مَكرَهُ بِمَكرِكَ ، وَادفَع مَشِيئَتَهُ بِمَشِيئَتِكَ ، وَأَسقِم جَسَدَهُ ، وَأَيتِم وُلدَهُ ، وَاقضِ [انقُص] أَجَلَهُ ، وَخَيِّب أَمَلَهُ ، وَأَدِل دَولَتَهُ ، وَأَطِل عَولَتَهُ ، وَاجعَل شُغُلَهُ فِي بَدَنِهِ ، وَلا تَفُكَّهُ مِن حُزنِهِ ، وَصَيِّر كَيدَهُ فِي ضَلالٍ ، وَأَمرَهُ إِلَى زَوَالٍ ، وَنِعمَتَهُ إِلَى انتِقَالٍ ، وَجِدَّهُ فِي سَفَالٍ ، وَسُلطَانَهُ فِي اضمِحلالٍ ، وَعَاقِبَتَهُ إِلَى شَرِّ مَآلٍ ، وَأَمِتهُ بِغَيظِهِ إِن أَمَتَّهُ ، وَأَبقِهِ بِحَسرَتِهِ إِن أَبقَيتَهُ ، وَقِنِي شَرَّهُ وَهَمزَهُ وَلَمزَهُ وَسَطوَتَهُ وَعَدَاوَتَهُ ، وَالمَحهُ لَمحَةً تُدَمِّرُ بِهَا عَلَيهِ ، فَإِنَّكَ أَشَدُّ بَأساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً .

.


1- .. المحل : الشدّة ، المِحال : الكيد ، وقيل : المكر ، والمحال من اللّه : العقاب ( لسان العرب : ج 11 ص 619 ) .

ص: 382

قنوت الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

قنوت الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام :الفَزَعَ الفَزَعَ إِلَيكَ يَا ذَا المُحَاضَرَةِ (1) ، وَالرَّغبَةَ الرَّغبَةَ إِلَيكَ يَا مَن بِهِ المُفَاخَرَةُ ، وَأَنتَ اللّهُمَّ مُشَاهِدُ هَوَاجِسِ النُّفُوسِ وَمُرَاصِدُ حَرَكَاتِ القُلُوبِ وَمُطَالِعُ مَسَرَّاتِ السَّرَائِرِ مِن غَيرِ تَكَلُّفٍ وَلا تَعَسُّفٍ ، وَقَد تَرَى اللّهُمَّ مَا لَيسَ عَنكَ بِمُنطَوًى ، وَلَكِن حِلمُكَ آمَنَ أَهلَهُ عَلَيهِ جُرأَةً وَتَمَرُّداً وَعُتُوّاً وَعِنَاداً وَمَا يُعَانِيهِ أَولِيَاؤُكَ مِن تَعفِيَةِ آثَارِ الحَقِّ ، وَدُرُوسِ مَعَالِمِهِ ، وَتَزَيُّدِ الفَوَاحِشِ ، وَاستِمرَارِ أَهلِهَا عَلَيهَا ، وَظُهُورِ البَاطِلِ ، وَعُمُومِ التَّغَاشُمِ ، وَالتَّرَاضِي بِذَلِكَ فِي المُعَامَلاتِ وَالمُتَصَرِّفَاتِ ، قَد جَرَت بِهِ العَادَاتُ وَصَارَ كَالمَفرُوضَاتِ وَالمَسنُونَاتِ . اللّهُمَّ فَبَادِرنَا مِنكَ بِالعَونِ الَّذِي مَن أَعَنتَهُ بِهِ فَازَ ، وَمَن أَيَّدتَهُ لَم يَخَف لَمزَ لَمَّازٍ ، وَخُذِ الظَّالِمَ أَخذاً عَنِيفاً ، وَلا تَكُن لَهُ رَاحِماً وَلا بِهِ رَؤُوفاً . اللّهُمَّ اللّهُمَّ اللّهُمَّ بَادِرهُم . اللّهُمَّ عَاجِلهُم . اللّهُمَّ لا تُمهِلهُم . اللّهُمَّ غَادِرهُم بُكرَةً وَهَجِيرَةً (2) [هجرة] ، وَسَحَرَةً وَبَياتاً وَهُم نائِمُونَ ، وَضُحىً وَهُم يَلعَبُونَ ، وَمَكراً وَهُم يَمكُرُونَ ، وَفَجأَةً وَهُم آمِنُونَ . اللّهُمَّ بَدِّدهُم وَبَدِّد أَعوَانَهُم ، وَافلُل (3) [اغلُل] أَعضَادَهُم ، وَاهزِم جُنُودَهُم ، وَافلُل

.


1- .. المحاضرة : أن يعدو معك ، وقال الليث : وهو أن يحاضرك إنسان بحقّك فيذهب به مغالبة أو مكابرة . قال غيره : المحاضرة والمجالدة : أن يغالبك على حقّك فيغلبك عليه ويذهب به ( تاج العروس : ج 6 ص 288 ) .
2- .. الهجيرة : تصغير هجرت ، كأنّه صغر عن هجر الكبرى . الهجيرة : من الهجير ، وهو شدّة الحرّ وقت الظهيرة : ماء لبني عجل بين الكوفة والبصرة ( معجم البلدان : ج 5 ص 394 ) .
3- .. الفلّ : الكسر ( لسان العرب : ج 11 ص 530 ) .

ص: 383

قنوت الإمام محمّد بن عليّ بن موسى عليه السلام
ودعا عليه السلام في قنوته

حَدَّهُم ، وَاجتَثَّ سَنَامَهُم ، وَأَضعِف عَزَائِمَهُم . اللّهُمَّ امنَحنَا أَكتَافَهُم ، وَبَدِّلهُم بِالنِّعَمِ النِّقَمَ ، وَبَدِّلنَا مِن مُحَاذَرَتِهِم وَبَغيِهِمُ السَّلامَةَ ، وَأَغنِمنَاهُم أَكمَلَ المَغنَمِ . اللّهُمَّ لا تَرُدَّ عَنهُم بَأسَكَ الَّذِي إِذَا حَلَّ بِقَومٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنذَرِين .

قنوت الإمام محمّد بن عليّ بن موسى عليه السلام :[اللّهُمَّ] مَنَائِحُكَ مُتَتَابِعَةٌ ، وَأَيَادِيكَ مُتَوَالِيَةٌ ، وَنِعَمُكَ سَابِغَةٌ ، وَشُكرُنَا قَصِيرٌ ، وَحَمدُنَا يَسِيرٌ وَأَنتَ بِالتَّعَطُّفِ عَلى مَنِ اعتَرَفَ جَدِيرٌ . اللّهُمَّ وَقَد غَصَّ أَهلُ الحَقِّ بِالرِّيقِ وَارتَبَكَ (1) أَهلُ الصِّدقِ فِي المَضِيقِ ، وَأَنتَ اللّهُمَّ بِعِبَادِكَ وَذَوِي الرَّغبَةِ إِلَيكَ شَفِيقٌ ، وَبِإِجَابَةِ دُعَائِهِم وَتَعجِيلِ الفَرَجِ عَنهُم حَقِيقٌ . اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَبَادِرنَا مِنكَ بِالعَونِ الَّذِي لا خِذلانَ بَعدَهُ ، وَالنَّصرِ الَّذِي لا بَاطِلَ يَتَكَأَّدُهُ ، وَأَتِح (2) لَنَا مِن لَدُنكَ مَتَاحاً فَيَّاحاً يَأمَنُ فِيهِ وَلِيُّكَ ، وَيَخِيبُ فِيهِ عَدُوُّكَ ، وَيُقَامُ فِيهِ مَعَالِمُكَ ، وَيَظهَرُ فِيهِ أَوَامِرُكَ ، وَتَنكَفُّ فِيهِ عَوَادِي عِدَاتِكَ . اللّهُمَّ بَادِرنَا مِنكَ بِدَارِ الرَّحمَةِ ، وَبَادِر أَعدَاءَكَ مِن بَأسِكَ بِدَارِ النَّقِمَةِ . اللّهُمَّ أَعِنَّا وَأَغِثنَا ، وَارفَع نَقِمَتَكَ عَنَّا وَأَحِلَّهَا بِالقَومِ الظَّالِمِين .

ودعا عليه السلام في قنوته :اللّهُمَّ أَنتَ الأَوَّلُ بِلا أَوَّلِيَّةٍ مَعدُودَةٍ ، وَالآخِرُ بِلا آخِرِيَّةٍ مَحدُودَةٍ ، أَنشَأتَنَا لا لِعِلَّةٍ

.


1- .. ربكت الشيء أربكه ربكا : خلطته ، فارتبك ، أي اختلط ( الصحاح : ج 4 ص 1584 ) .
2- .. أتاح اللّه لفلان كذا ، أي قدّره له وأنزله به ( النهاية : ج 1 ص 202 ) .

ص: 384

اقتِسَاراً ، وَاختَرَعتَنَا لا لِحَاجَةٍ اقتِدَاراً ، وَابتَدَعتَنَا بِحِكمَتِكَ اختِيَاراً ، وَبَلَوتَنَا بِأَمرِكَ وَنَهيِكَ اختِبَاراً ، وَأَيَّدتَنَا بِالآلاتِ ، وَمَنَحتَنَا بِالأَدَوَاتِ ، وَكَفَلتَنَا الطَّاقَةَ ، وَجَشَمتَنَا (1) الطَّاعَةَ ، فَأَمَرتَ تَخيِيراً ، وَنَهَيتَ تَحذِيراً ، وَخَوَّلتَ كَثِيراً ، وَسَأَلتَ يَسِيراً ، فَعُصِيَ أَمرُكَ فَحَلَمتَ ، وَجُهِلَ قَدرُكَ فَتَكَرَّمتَ . فَأَنتَ رَبُّ العِزَّةِ وَالبَهَاءِ ، وَالعَظَمَةِ وَالكِبرِيَاءِ ، وَالإِحسَانِ وَالنَّعمَاءِ ، وَالمَنِّ وَالآلاءِ ، وَالمِنَحِ وَالعَطَاءِ ، وَالإِنجَازِ وَالوَفَاءِ ، لا تُحِيطُ القُلُوبُ لَكَ بِكُنهٍ ، وَلا تُدرِكُ الأَوهَامُ لَكَ صِفَةً ، وَلا يُشبِهُكَ شَيءٌ مِن خَلقِكَ ، وَلا يُمَثَّلُ بِكَ شَيءٌ مِن صَنعَتِكَ ، تَبَارَكتَ أَن تُحَسَّ أَو تُمَسَّ أَو تُدرِكَكَ الحَوَاسُّ الخَمسُ ، وَأَنَّى يُدرِكُ مَخلُوقٌ خَالِقَهُ ؟ وَتَعَالَيتَ يَا إِلَهِي عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيراً . اللّهُمَّ أَدِل لأَولِيَائِكَ مِن أَعدَائِكِ الظَّالِمِينَ البَاغِينَ النَّاكِثِينَ القَاسِطِينَ المَارِقِينَ ، الَّذِينَ أَضَلُّوا عِبَادَكَ ، وَحَرَّفُوا كِتَابَكَ ، وَبَدَّلُوا أَحكَامَكَ ، وَجَحَدُوا حَقَّكَ ، وَجَلَسُوا مَجَالِسَ أَولِيَائِكَ جُرأَةً مِنهُم عَلَيكَ وَظُلماً مِنهُم لأَهلِ بَيتِ نَبِيِّكَ عَلَيهِم سَلامُكَ وَصَلَوَاتُكَ وَرَحمَتُكَ وَبَرَكَاتُكَ ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا خَلقَكَ ، وَهَتَكُوا حِجَابَ سِترِكَ [سِرِّكَ] عَن عِبَادِكَ ، وَاتَّخَذُوا اللّهُمَّ مَالَكَ دُوَلاً ، وَعِبَادَكَ خَوَلاً (2) ، وَتَرَكُوا اللّهُمَّ عَالِمَ أَرضِكَ فِي بَكمَاءَ عَميَاءَ ظَلمَاءَ مُدلَهِمَّةً ، فَأَعيُنُهُم مَفتُوحَةٌ وَقُلُوبُهُم عَمِيَّةٌ ، وَلَم تَبقَ لَهُمُ اللّهُمَّ عَلَيكَ مِن حُجَّةٍ ، لَقَد حَذَّرتَ اللّهُمَّ عَذَابَكَ ، وَبَيَّنتَ نَكَالَكَ ، وَوَعَدتَ المُطِيعِينَ إِحسَانَكَ ، وَقَدَّمتَ إِلَيهِم بِالنُّذُرِ ، فَآمَنَت طَائِفَةٌ ، فَأَيَّدِ [وَأَيَّدتَ] اللّهُمَّ الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّ أَولِيَائِكَ ، فَأَصبَحُوا ظاهِرِينَ وَإِلَى الحَقِّ دَاعِينَ

.


1- .. جشم الأمر _ كسمع _ جشماً بالفتح ، وجشامة : تكلّفه على مشقّة ( تاج العروس : ج 16 ص 111 ) .
2- .. خول الرجل : حشمه ، الواحد خائل ، وقد يكون واحداً ، وهو اسم يقع على العبد والأمة ( لسان العرب : ج11 ص224 ) .

ص: 385

قنوت مولانا الزكي عليّ بن محمّد بن عليّ الرضا عليه السلام

وَلِلإِمَامِ المُنتَظَرِ القَائِمِ بِالقِسطِ تَابِعِينَ ، وَجَدِّدِ اللّهُمَّ عَلى أَعدَائِكَ وَأَعدَائِهِم نَارَكَ وَعَذَابَكَ الَّذِي لا تَدفَعُهُ عَنِ القَومِ الظَّالِمِينَ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَقَوِّ ضَعفَ المُخلَصِينَ لَكَ بِالمَحَبَّةِ ، المُشَايِعِينَ لَنَا بِالمُوَالاةِ ، المُتَّبِعِينَ لَنَا بِالتَّصدِيقِ وَالعَمَلِ ، المُؤَازِرِينَ لَنَا بِالمُؤَاسَاةِ فِينَا ، المُحيِينَ ذِكرَنَا عِندَ اجتِمَاعِهِم ، وَشَدِّدِ اللّهُمَّ رُكنَهُم ، وَسَدِّد لَهُمُ اللّهُمَّ دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَيتَهُ لَهُم ، وَأَتمِم عَلَيهِم نِعمَتَكَ ، وَخَلِّصهُم وَاستَخلِصهُم ، وَسُدَّ اللّهُمَّ فَقرَهُم ، وَالمُمِ اللّهُمَّ شَعَثَ فَاقَتِهِم ، وَاغفِرِ اللّهُمَّ ذُنُوبَهُم وَخَطَايَاهُم ، وَلا تُزِغ قُلُوبُهُم بَعدَ إِذ هَدَيتَهُم ، وَلا تُخلِهِم أَي رَبِّ بِمَعصِيَتِهِم ، وَاحفَظ لَهُم مَا مَنَحتَهُم بِهِ مِنَ الطَّهَارَةِ بِوَلايَةِ أَولِيَائِكَ ، وَالبَرَاءَةِ مِن أَعدَائِكَ ، إِنَّكَ سَمِيعٌ مُجِيبٌ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ أَجمَعِينَ .

قنوت مولانا الزّكي عليّ بن محمّد بن عليّ الرّضا عليه السلام :مَنَاهِلُ كَرَامَاتِكَ بِجَزِيلِ عَطِيَّاتِكَ مُترَعَةٌ ، وَأَبوَابُ مُنَاجَاتِكَ لِمَن أَمَّكَ مُشرَعَةٌ ، وَعَطُوفُ لَحَظَاتِكَ لِمَن ضَرَعَ إِلَيكَ غَيرُ مُنقَطِعَةٍ ، وَقَد أُلجِمَ الحِذَارُ ، وَاشتَدَّ الاضطِرَارُ ، وَعَجَزَ عَنِ الاصطِبَارِ أَهلُ الانتِظَارِ ، وَأَنتَ اللّهُمَّ بِالمَرصَدِ مِنَ المَكَّارِ ، اللّهُمَّ وَغَيرُ مُهمِلٍ مَعَ الإِمهَالِ ، وَاللاّئِذُ بِكَ آمِنٌ ، وَالرَّاغِبُ إِلَيكَ غَانِمٌ ، وَالقَاصِدُ اللّهُمَّ لِبَابِكَ سَالِمٌ . اللّهُمَّ فَعَاجِل مَن قَدِ استَنَّ فِي طُغيَانِهِ وَاستَمَرَّ عَلى جَهَالَتِهِ لِعُقبَاهُ فِي كُفرَانِهِ ، وَأَطمِعهُ حِلمَكَ عَنهُ فِي نَيلِ إِرَادَتِهِ ، فَهُوَ يَتَسَرَّعُ إِلَى أَولِيَائِكَ بِمَكَارِهِهِ ، وَيُوَاصِلُهُم بِقَبَائِحِ مَرَاصِدِهِ ، وَيَقصِدُهُم فِي مَظَانِّهِم بِأَذِيَّتِهِ . اللّهُمَّ اكشِفِ العَذَابَ عَنِ المُؤمِنِينَ ، وَابعَثهُ جَهرَةً عَلى الظَّالِمِينَ .

.

ص: 386

ودعا عليه السلام في قنوته

اللّهُمَّ اكفُفِ العَذَابَ عَنِ المُستَجِيرِينَ ، وَاصبُبهُ عَلى المُغتَرِّينَ . اللّهُمَّ بَادِر عُصبَةَ الحَقِّ بِالعَونِ ، وَبَادِر أَعوَانَ الظُّلمِ بِالقَصمِ . اللّهُمَّ أَسعِدنَا بِالشُّكرِ ، وَامنَحنَا النَّصرَ ، وَأَعِذنَا مِن سُوءِ البَدَاءِ وَالعَاقِبَةِ وَالخَتر (1) .

ودعا عليه السلام في قنوته :يَا مَن تَفَرَّدَ بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَتَوَحَّدَ بِالوَحدَانِيَّةِ ، يَا مَن أَضَاءَ بِاسمِهِ النَّهَارُ ، وَأَشرَقَت بِهِ الأَنوَارُ ، وَأَظلَمَ بِأَمرِهِ حِندِسُ (2) اللَّيلِ ، وَهَطَلَ بِغَيثِهِ وَابِلُ السَّيلِ ، يَا مَن دَعَاهُ المُضطَرُّونَ فَأَجَابَهُم ، وَلَجَأَ إِلَيهِ الخَائِفُونَ فَآمَنَهُم ، وَعَبَدَهُ الطَّائِعُونَ فَشَكَرَهُم ، وَحَمِدَهُ الشَّاكِرُونَ فَأَثَابَهُم ، مَا أَجَلَّ شَأنَكَ ، وَأَعلَى سُلطَانَكَ ، وَأَنفَذَ أَحكَامَكَ . أَنتَ الخَالِقُ بِغَيرِ تَكَلُّفٍ ، وَالقَاضِي بِغَيرِ تَحَيُّفٍ ، حُجَّتُكَ البَالِغَةُ وَكَلِمَةُ الدَّامِغَةُ ، بِكَ اعتَصَمتُ ، وَتَعَوَّذتُ مِن نَفَثَاتِ العَنَدَةِ وَرَصَدَاتِ المُلحِدَةِ ، الَّذِينَ أَلحَدُوا فِي أَسمَائِكَ ، وَرَصَدُوا بِالمَكَارِهِ لأَولِيَائِكَ ، وَأَعَانُوا عَلى قَتلِ أَنبِيَائِكَ وَأَصفِيَائِكَ ، وَقَصَدُوا لإِطفَاءِ نُورِكَ بِإِذَاعَةِ سِرِّكَ ، وَكَذَّبُوا رُسُلَكَ ، وَصَدُّوا عَن آيَاتِكَ ، وَاتَّخَذُوا مِن دُونِكَ وَدُونِ رَسُولِكَ وَدُونِ المُؤمِنِينَ وَلِيجَةً رَغبَةً عَنكَ وَعَبَدُوا طَوَاغِيتَهُم وَجَوَابِيتَهُم بَدَلاً مِنكَ ، فَمَنَنتَ عَلى أَولِيَائِكَ بِعَظِيمِ نَعمَائِكَ ، وَجُدتَ عَلَيهِم بِكَرِيمِ آلائِكَ ، وَأَتمَمتَ لَهُم مَا أَولَيتَهُم بِحُسنِ جَزَائِكَ ، حِفظاً لَهُم مِن مُعَانَدَةِ الرُّسُلِ وَضَلالِ السُّبُلِ ، وَصَدَقَت لَهُم بِالعُهُودِ أَلسِنَةُ الإِجَابَةِ ، وَخَشَعَت لَكَ بِالعُقُودِ قُلُوبُ الإِنَابَةِ . أَسأَلُكَ اللّهُمَّ بِاسمِكَ الَّذِي خَشَعَت لَهُ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ ، وَأَحيَيتَ بِهِ مَوَاتَ

.


1- .. الختر : شبيه بالغدر والخديعة ( لسان العرب : ج 4 ص 229 ) .
2- .. الحندس : الظلمة ، وفي الصحاح : الليل الشديد الظلمة ( لسان العرب : ج 6 ص 58 ) .

ص: 387

الأَشيَاءِ ، وَأَمَتَّ بِهِ جَمِيعَ الأَحيَاءِ ، وَجَمَعتَ بِهِ كُلَّ مُتَفَرِّقٍ ، وَفَرَّقتَ بِهِ كُلَّ مُجتَمِعٍ ، وَأَتمَمتَ بِهِ الكَلِمَاتِ ، وَرَأَيتَ بِهِ كُبرَى الآيَاتِ ، وَتُبتَ بِهِ عَلى التَّوَّابِينَ ، وَأَخسَرتَ بِهِ عَمَلَ المُفسِدِينَ ، فَجَعَلتَ عَمَلَهُم هَبَاءً مَنثُوراً ، وَتَبَّرتَهُم تَتبِيراً ، أَن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَن تَجعَلَ شِيعَتِي مِنَ الَّذِينَ حُمِّلُوا فَصَدَّقُوا ، وَاستُنطِقُوا فَنَطَقُوا آمِنِينَ مَأمُونِينَ . اللّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ لَهُم تَوفِيقَ أَهلِ الهُدَى ، وَأَعمَالَ أَهلِ اليَقِينِ ، وَمُنَاصَحَةَ أَهلِ التَّوبَةِ ، وَعَزمَ أَهلِ الصَّبرِ ، وَتَقِيَّةَ أَهلِ الوَرَعِ ، وَكِتمَانَ الصِّدِّيقِينَ حَتَّى يَخَافُوكَ . اللّهُمَّ مَخَافَةً تَحجُزُهُم عَن مَعَاصِيكَ ، وَحَتَّى يَعمَلُوا بِطَاعَتِكَ لِيَنَالُوا كَرَامَتَكَ ، وَحَتَّى يُنَاصِحُوا لَكَ وَفِيكَ خَوفاً مِنكَ ، وَحَتَّى يُخلِصُوا لَكَ النَّصِيحَةَ فِي التَّوبَةِ حُبّاً لَهُم ، فَتُوجِبَ لَهُم مَحَبَّتَكَ الَّتِي أَوجَبتَهَا لِلتَّوَّابِينَ ، وَحَتَّى يَتَوَكَّلُوا عَلَيكَ فِي أُمُورِهِم كُلِّهَا حُسنَ ظَنٍّ بِكَ ، وَحَتَّى يُفَوِّضُوا إِلَيكَ أُمُورَهُم ثِقَةً بِكَ . اللّهُمَّ لا تُنَالُ طَاعَتُكَ إلّا بِتَوفِيقِكَ ، وَلا تُنَالُ دَرَجَةٌ مِن دَرَجَاتِ الخَيرِ إلّا بِكَ . اللّهُمَّ يَا مَالِكَ يَومِ الدِّينِ ، العَالِمَ بِخَفَايَا صُدُورِ العَالَمِينَ ، طَهِّرِ الأَرضَ مِن نَجَسِ أَهلِ الشِّركِ ، وَأَخرِسِ الخَرَّاصِينَ عَن تَقَوُّلِهِم عَلى رَسُولِكَ الإِفكَ . اللّهُمَّ اقصِمِ الجَبَّارِينَ ، وَأَبِرِ المُفتَرِينَ ، وَأَبِدِ الأَفَّاكِينَ ، الَّذِينَ إِذَا تُتلَى عَلَيهِم آيَاتُ الرَّحمَنِ قَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ، وَأَنجِز لِي وَعدَكَ إِنَّكَ لا تُخلِفُ المِيعادَ ، وَعَجِّل فَرَجَ كُلِّ طَالِبٍ مُرتَادٍ إِنَّكَ لَبِالمِرصَادِ لِلعِبَادِ . أَعُوذُ بِكَ مِن كُلِّ لَبسٍ مَلبُوسٍ ، وَمِن كُلِّ قَلبٍ عَن مَعرِفَتِكَ مَحبُوسٍ ، وَمِن نَفسٍ تَكفُرُ إِذَا أَصَابَهَا بُؤسٌ ، وَمِن وَاصِفِ عَدلٍ عَمَلُهُ عَنِ العَدلِ مَعكُوسٌ ، وَمِن طَالِبٍ لِلحَقِّ وَهُوَ عَن صِفَاتِ الحَقِّ مَنكُوسٌ ، وَمِن مُكتَسِبِ إِثمٍ بِإِثمِهِ مَركُوسٌ ، وَمِن وَجهٍ

.

ص: 388

قنوت مولانا الوفي الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام

عِندَ تَتَابُعِ النِّعَمِ عَلَيهِ عَبُوسٌ ، أَعُوذُ بِكَ مِن ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَمِن نَظِيرِهِ وَأَشكَالِهِ وَأشباهِه وَأَمثَالِهِ ، إِنَّكَ عليٌّ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .

قنوت مولانا الوفي الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام :يَا مَن غَشِيَ نُورُهُ الظُّلُمَاتِ ، يَامَن أَضَاءَت بِقُدسِهِ الفِجَاجُ المُتَوَعِّرَاتُ ، يَامَن خَشَعَ لَهُ أَهلُ الأَرضِ وَالسَّمَاوَاتِ ، يَامَن بَخَعَ (1) لَهُ بِالطَّاعَةِ كُلُّ مُتَجَبِّرٍ عَاتٍ ، يَاعَالِمَ الضَّمَائِرِ المُستَخفِيَاتِ ، وَسِعتَ كُلَّ شَيءٍ رَحمَةً وَعِلماً ، فَاغفِر لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ، وَقِهِم عَذابَ الجَحِيمِ ، وَعَاجِلهُم بِنَصرِكَ الَّذِي وَعَدتَهُم إِنَّكَ لا تُخلِفُ المِيعادَ ، وَعَجِّلِ اللّهُمَّ اجتِيَاحَ (2) ، أَهلِ الكَيدِ ، وَآوِهِم [أَوِّبهُم] إِلَى شَرِّ دَارٍ فِي أَعظَمِ نَكَالٍ وَأَقبَحِ مَثَابٍ . اللّهُمَّ إِنَّكَ حَاضِرُ أَسرَارِ خَلقِكَ وَعَالِمٌ بِضَمَائِرِهِم ، وَمُستَغنٍ لَولا النَّدبُ بِاللَّجَاَ إِلَى تَنَجُّزِ مَا وَعَدتَ اللاّجِينَ عَن كَشفِ مَكَامِنِهِم ، وَقَد تَعلَمُ يَا رَبِّ مَا أُسِرُّهُ وَأُبدِيهِ ، وَأَنشُرُهُ وَأَطوِيهِ ، وَأُظهِرُهُ وَأُخفِيهِ عَلى مُتَصَرِّفَاتِ أَوقَاتِي ، وَأَصنَافِ حَرَكَاتِي مِن جَمِيعِ حَاجَاتِي ، وَقَد تَرَى يَا رَبِّ مَا قَد تَرَاطَمَ فِيهِ أَهلُ وَلايَتِكَ ، وَاستَمَرَّ عَلَيهِم مِن أَعدَائِكَ ، غَيرَ ظَنِينٍ فِي كَرَمٍ ، وَلا ضَنِينٍ بِنِعَمٍ ، لَكِنَّ الجُهدَ يَبعَثُ عَلى الاستِزَادَةِ ، وَمَا أَمَرتَ بِهِ مِنَ الدُّعَاءِ إِذَا أُخلِصُ لَكَ اللَّجَأَ يَقتَضِي إِحسَانُكَ شَرطَ الزِّيَادَةِ ، وَهَذِهِ النَّوَاصِي وَالأَعنَاقُ خَاضِعَةٌ لَكَ بِذُلِّ العُبُودِيَّةِ ، وَالاعتِرَافِ بِمَلَكَةِ الرُّبُوبِيَّةِ ، دَاعِيَةٌ بِقُلُوبِهَا ، وَمُحَصَّنَاتٍ [مُشَخِّصَاتٍ] إِلَيكَ فِي تَعجِيلِ الإِنَالَةِ ، وَمَا شِئتَ كَانَ ، وَمَا تَشَاءُ كَائِنٌ ، أَنتَ المَدعُوُّ المَرجُوُّ المَأمُولُ المَسؤُولُ ، لا يَنقُصُكَ نَائِلٌ وَإِنِ اتَّسَعَ ، وَلا

.


1- .. بخع الأرض : أي قهر وأذلّ ( لسان العرب : ج 8 ص 5 ) .
2- .. الجوح : الاستئصال ( لسان العرب : ج 2 ص 431 ) .

ص: 389

ودعا عليه السلام في قنوته وأمر أهل قم بذلك لمّا شكوا من موسى بن بغي

يُلحِفُكَ (1) [ يُحلِفُكَ ] سَائِلٌ وَإِن أَلَحَّ وَضَرَعَ ، مُلكُكَ لا يَلحَقُهُ [يُخلِقُهُ] التَّنفِيدُ ، وَعِزُّكَ البَاقِي عَلى التَّأبِيدِ ، وَمَا فِي الأَعصَارِ مِن مَشِيئَتِكَ بِمِقدَارٍ ، وَأَنتَ اللّهُ لا إِلَهَ إلّا أَنتَ الرَّؤوفُ الجَبَّارُ . اللّهُمَّ أَيِّدنَا بِعَونِكَ ، وَاكنُفنَا بِصَونِكَ ، وَأَنِلنَا مَنَالَ المُعتَصِمِينَ بِحَبلِكَ المُستَظِلِّينَ بِظِلِّكَ .

ودعا عليه السلام في قنوته وأمر أهل قم بذلك لمّا شكوا من موسى بن بغي :الحَمدُ للّهِ شَاكِراً لِنَعمَائِهِ ، وَاستِدعَاءً لِمَزِيدِهِ ، وَاستِخلاصاً لَهُ وَبِهِ دُونَ غَيرِهِ ، وَعِيَاذاً بِهِ مِن كُفرَانِهِ وَالإِلحَادِ فِي عَظَمَتِهِ وَكِبرِيَائِهِ ، حَمدَ مَن يَعلَمُ أَنَّ مَا بِهِ مِن نَعمَائِه فَمِن عِندِ رَبِّهِ ، وَمَا مَسَّهُ مِن عُقُوبَةٍ فَبِسُوءِ جِنَايَةِ يَدِهِ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ عَبدِهِ وَرَسُولِهِ وَخِيَرَتِهِ مِن خَلقِهِ ، وَذَرِيعَةِ المُؤمِنِينَ إِلَى رَحمَتِهِ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ وُلاةِ أَمرِهِ . اللّهُمَّ إِنَّكَ نَدَبتَ إِلَى فَضلِكَ ، وَأَمَرتَ بِدُعَائِكَ وَضَمِنتَ الإِجَابَةَ لِعِبَادِكَ ، وَلَم تُخَيِّب مَن فَزَعَ إِلَيكَ بِرَغبَةٍ وَقَصَدَ إِلَيكَ بِحَاجَةٍ ، وَلَم تَرجِع يَدٌ طَالِبَةٌ صِفراً مِن عَطَائِكَ وَلا خَائِبَةً مِن نِحَلِ هِبَاتِكَ ، وَأَيُّ رَاحِلٍ رَحَلَ إِلَيكَ فَلَم يَجِدكَ قَرِيباً ، أَو [أَيُّ] وَافِدٍ وَفَدَ عَلَيكَ فَاقتَطَعَتهُ عَوَائِقُ [عَوَائِدُ] الرَّدِّ دُونَكَ ، بَل أَيُّ مُحتَفِرٍ مِن فَضلِكَ لَم يُمهِهِ فَيضُ جُودِكَ ، وَأَيُّ مُستَنبِطٍ لِمَزِيدِكَ أَكدَى دُونَ استِمَاحَةِ سِجَالِ (2) عَطِيَّتِكَ . اللّهُمَّ وَقَد قَصَدتُ إِلَيكَ بِرَغبَتِي ، وَقَرَعَت بَابَ فَضلِكَ يَدُ مَسأَلَتِي ، وَنَاجَاكَ بِخُشُوعِ الاستِكَانَةِ قَلبِي ، وَوَجَدتُكَ خَيرَ شَفِيعٍ لِي إِلَيكَ ، وَقَد عَلِمتَ مَا يَحدُثُ مِن

.


1- .. ألحف في المسألة يلحف إلحافاً : إذا ألحّ فيها ولزمها ( النهاية: ج 4 ص 237 ) .
2- .. السجال : جمع سجل ، وهي الدلو المملوءة ( لسان العرب : ج 2 ص 185 ) .

ص: 390

طَلِبَتِي قَبلَ أَن يَخطُرَ بِفِكرِي أَو يَقَعَ فِي خَلَدِي ، فَصِلِ اللّهُمَّ دُعَائِي إِيَّاكَ بِإِجَابَتِي وَاشفَع مَسأَلَتِي بِنُجحِ طَلِبَتِي . اللّهُمَّ وَقَد شَمِلَنَا زَيغُ الفِتَنِ ، وَاستَولَت عَلَينَا غَشوَةُ الحَيرَةِ ، وَقَارَعَنَا الذُّلُّ وَالصِّغَارُ ، وَحَكَمَ عَلَينَا غَيرُ المَأمُونِينَ فِي دِينِكَ ، وَابتَزَّ أُمُورَنَا مَعَادِنُ الأُبَنِ مِمَّن عَطَّلَ حُكمَكَ وَسَعَى فِي إِتلافِ عِبَادِكَ وَإِفسَادِ بِلادِكَ . اللّهُمَّ وَقَد عَادَ فينا [فَيئُنَا] دُولَةً بَعدَ القِسمَةِ وَإِمَارَتُنَا غَلَبَةً بَعدَ المَشُورَةِ ، وَعُدنَا مِيرَاثاً بَعدَ الاختِيَارِ لِلأُمَّةِ ، فَاشتُرِيَتِ المَلاهِي وَالمَعَازِفُ بِسَهمِ اليَتِيمِ وَالأَرمَلَةِ ، وَحَكَمَ فِي أَبشَارِ المُؤمِنِينَ أَهلُ الذِّمَّةِ ، وَوَلِيَ القِيَامَ بِأُمُورِهِم فَاسِقُ كُلِّ قَبِيلَةٍ ، فَلا ذَائِدٌ يَذُودُهُم عَن هَلَكَةٍ ، وَلا رَاعٍ يَنظُرُ إِلَيهِم بِعَينِ الرَّحمَةِ وَلا ذُو شَفَقَةٍ يُشبِعُ الكَبِدَ الحَرَّى مِن مَسغَبَةٍ ، فَهُم أُولُو ضَرَعٍ بِدَارٍ مَضِيعَةٍ ، وَأُسَرَاءُ مَسكَنَةٍ ، وَحُلَفَاءُ كَآبَةٍ وَذِلَّةٍ . اللّهُمَّ وَقَدِ استَحصَدَ زَرعُ البَاطِلِ وَبَلَغَ نِهَايَتَهُ وَاستَحكَمَ عَمُودُهُ وَاستَجمَعَ طَرِيدُهُ وَخَذرَفَ وَلِيدُهُ وَبَسَقَ فَرعُهُ وَضُربَ بُحرَانِهِ [ضَرَبَ بِجِرَانِهِ (1) ] . اللّهُمَّ فَأَتِح لَهُ مِنَ الحَقِّ يَداً حَاصِدَةً تَصدَعُ [تَصرَعُ] قَائِمَهُ وَتَهشِمُ سُوقَهُ وَتَجُبُّ سَنَامَهُ وَتَجدَعُ مَرَاغِمَهُ ، لِيَستَخفِيَ البَاطِلُ بِقُبحِ صُورَتِهِ وَيَظهَرَ الحَقُّ بِحُسنِ حِليَتِهِ . اللّهُمَّ وَلا تَدَع لِلجَورِ دِعَامَةً إلّا قَصَمتَهَا ، وَلا جُنَّةً إلّا هَتَكتَهَا ، وَلا كَلِمَةً مُجتَمِعَةً إلّا فَرَّقتَهَا ، وَلا سَرِيَّةَ ثِقلٍ إلّا خَفَّفتَهَا ، وَلا قَائِمَةَ عُلُوٍّ إلّا حَطَطتَهَا ، وَلا رَافِعَةَ عَلَمٍ إلّا نَكَّستَهَا ، وَلَا خَضرَاءَ إلّا أَبَرتَهَا . اللّهُمَّ فَكَوِّر شَمسَهُ ، وَحُطَّ نُورَهُ ، وَاطمِس ذِكرَهُ ، وَارمِ بِالحَقِّ رَأسَهُ ، وَفُضَّ جُيُوشَهُ ، وَأَرعِب قُلُوبَ أَهلِهِ .

.


1- .. الأبجر : العظيم البطن وقد بجر كفرح فيهما « ج » بجر وبجران ( تاج العروس : ج 6 ص 48 ) .

ص: 391

اللّهُمَّ وَلا تَدَع مِنهُ بَقِيَّةً إلّا أَفنَيتَ ، وَلا بُنيَةً إلّا سَوَّيتَ ، وَلا حَلقَةً إلّا فَصَمتَ ، وَلا سِلاحاً إلّا أَكلَلتَ ، وَلا حَدَّاً إلّا أَفلَلتَ ، وَلا كُرَاعاً إلّا اجتَحتَ ، وَلا حَامِلَةَ عَلَمٍ إلّا نَكَّستَ . اللّهُمَّ وَأَرِنَا أَنصَارَهُ عَبَادِيدَ بَعدَ الأُلفَةِ ، وَشَتَّى بَعدَ اجتِمَاعِ الكَلِمَةِ ، وَمُقنِعِي الرُّؤُوسِ بَعدَ الظُّهُورِ عَلى الأُمَّةِ ، وَأَسفِر لَنَا عَن نَهَارِ العَدلِ ، وَأَرِنَاهُ سَرمَداً لا ظُلمَةَ فِيهِ ، وَنُوراً لا شَوبَ مَعَهُ ، وَأَهطِل عَلَينَا نَاشِئَتَهُ ، وَأَنزِل عَلَينَا بَرَكَتَهُ ، وَأَدِل لَهُ مِمَّن نَاوَاهُ وَانصُرهُ عَلى مَن عَادَاهُ . اللّهُمَّ وَأَظهِر [بِهِ] الحَقَّ ، وَأَصبِح بِهِ فِي غَسَقِ الظُّلَمِ وَبُهَمِ الحَيرَةِ . اللّهُمَّ وَأَحيِ بِهِ القُلُوبَ المَيِّتَةَ ، وَاجمَع بِهِ الأَهوَاءَ المُتَفَرِّقَةَ وَالآرَاءَ المُختَلِفَةَ ، وَأَقِم بِهِ الحُدُودَ المُعَطَّلَةَ وَالأَحكَامَ المُهمَلَةَ ، وَأَشبِع بِهِ الخِمَاصَ السَّاغِبَةَ ، وَأَرِح بِهِ الأَبدَانَ اللّاغِبَةَ المُتعَبَةَ ، كَمَا أَلهَجتَنَا بِذِكرِهِ ، وَأَخطَرتَ بِبَالِنَا دُعَاءَكَ لَهُ ، وَوَفَّقتَنَا لِلدُّعَاءِ إِلَيهِ وَحِيَاشَةِ أَهلِ الغَفلَةِ عنه [عَلَيهِ] ، وَأَسكَنتَ فِي قُلُوبِنَا مَحَبَّتَهُ وَالطَّمَعَ فِيهِ وَحُسنَ الظَّنِّ بِكَ لإِقَامَةِ مَرَاسِمِهِ . اللّهُمَّ فَآتِ لَنَا مِنهُ عَلى أَحسَنِ يَقِينٍ ، يَا مُحَقِّقَ الظَّنُونِ الحَسَنَةِ ، وَيَا مُصَدِّقَ الآمَالِ المُبطِنَةِ [المُبطِئَةِ] . اللّهُمَّ وَأَكذِب بِهِ المُتَأَلِّينَ (1) عَلَيكَ فِيهِ ، وَأَخلِف بِهِ ظُنُونَ القَانِطِينَ مِن رَحمَتِكَ وَالآيِسِينَ مِنهُ . اللّهُمَّ اجعَلنَا سَبَباً مِن أَسبَابِهِ ، وَعَلَماً مِن أَعلامِهِ ، وَمَعقِلاً مِن مَعَاقِلِهِ ، وَنَضِّر وُجُوهَنَا بِتَحلِيَتِهِ ، وَأَكرِمنَا بِنُصرَتِهِ ، وَاجعَل فِينَا خَيراً تُظهِرُنَا لَهُ وَبِهِ ، وَلا تُشمِت بِنَا

.


1- .. ألي ، فيه : من يتألّ على اللّه يكذبه ، أي من حكم عليه وحلف ( النهاية : ج 1 ص 62 ) .

ص: 392

حَاسِدِي النِّعَمِ وَالمُتَرَبِّصِينَ بِنَا حُلُولَ النَّدَمِ وَنُزُولَ المُثَلِ ، فَقَد تَرَى يَا رَبِّ بَرَاءَةَ سَاحَتِنَا وَخُلُوَّ ذَرعِنَا مِنَ الإِضمَارِ لَهُم عَلى إِحنَةٍ ، وَالتَّمَنِّي لَهُم وُقُوعَ جَائِحَةٍ (1) وَمَا تَنَازَلَ مِن تَحصِينِهِم بِالعَافِيَةِ وَمَا أَضبَؤُوا (2) [أَضَبُّوا] لَنَا مِنِ انتِهَازِ الفُرصَةِ وَطَلَبِ الوُثُوبِ بِنَا عِندَ الغَفلَةِ . اللّهُمَّ وَقَد عَرَّفتَنَا مِن أَنفُسِنَا وَبَصَّرتَنَا مِن عُيُوبِنَا خِلالاً نَخشَى أَن تَقعُدَ بِنَا عَنِ اشتِهارِ : [استِيهَالِ] إِجَابَتِكَ ، وَأَنتَ المُتَفَضِّلُ عَلى غَيرِ المُستَحِقِّينَ ، وَالمُبتَدِئُ بِالإِحسَانِ غَيرَ السَّائِلِينَ ، فَآتِ لَنَا مِن أَمرِنَا عَلى حَسَبِ كَرَمِكَ وَجُودِكَ وَفَضلِكَ وَامتِنَانِكَ ، إِنَّكَ تَفعَلُ مَا تَشَاءُ ، وَتَحكُمُ مَا تُرِيدُ ، إِنَّا إِلَيكَ رَاغِبُونَ وَمِن جَمِيعِ ذُنُوبِنَا تَائِبُونَ . اللّهُمَّ وَالدَّاعِي إِلَيكَ وَالقَائِمُ بِالقِسطِ مِن عِبَادِكَ ، الفَقِيرُ إِلَى رَحمَتِكَ ، المُحتَاجُ إِلَى مَعُونَتِكَ عَلى طَاعَتِكَ إِذِ ابتَدَأتَهُ بِنِعمَتِكَ وَأَلبَستَهُ أَثوَابَ كَرَامَتِكَ ، وَأَلقَيتَ عَلَيهِ مَحَبَّةَ طَاعَتِكَ وَثَبَّتَّ وَطأَتَهُ فِي القُلُوبِ مِن مَحَبَّتِكَ ، وَوَفَّقتَهُ لِلقِيَامِ بِمَا أَغمَضَ فِيهِ أَهلُ زَمَانِهِ مِن أَمرِكَ ، وَجَعَلتَهُ مَفزَعاً لِمَظلُومِ عِبَادِكَ وَنَاصِراً لِمَن لا يَجِدُ [لَهُ] نَاصِراً غَيرَكَ ، وَمُجَدِّداً لِمَا عُطِّلَ مِن أَحكَامِ كِتَابِكَ ، وَمُشَيِّداً لِمَا رُدَّ [دثر] مِن أَعلامِ دِينكَ وَسُنَنِ نَبِيِّكَ عَلَيهِ وَآلِهِ سَلامُكَ وَصَلَوَاتُكَ وَرَحمَتُكَ وَبَرَكَاتُكَ ، فَاجعَلهُ اللّهُمَّ فِي حَصَانَةٍ مِن بَأسِ المُعتَدِينَ ، وَأَشرِق بِهِ القُلُوبَ المُختَلِفَةَ مِن بُغَاةِ الدِّينِ ، وَبَلِّغ بِهِ أَفضَلَ مَا بَلَّغتَ بِهِ القَائِمِينَ بِقِسطِكَ مِن أَتبَاعِ النَّبِيِّينَ . اللّهُمَّ وَأَذلِل بِهِ مَن لَم تُسهِم لَهُ فِي الرُّجُوعِ إِلَى مَحَبَّتِكَ وَمَن نَصَبَ لَهُ العَدَاوَةَ ، وَارمِ بِحَجَرِكَ الدَّامِغِ مَن أَرَادَ التَّألِيبَ عَلى دِينِكَ بِإِذلالِهِ وَتَشتِيتِ أمرِه [جَمعِهِ] ،

.


1- .. جائحة : المصيبة تحلّ بالرجل في ماله فتجتاحه كلّه ( لسان العرب : ج 2 ص 431 ) .
2- .. الأضباء : وعوعة جرو الكلب إذا وحوح ( تاج العروس : ج 1 ص 196 ) .

ص: 393

وَاغضَب لِمَن لا تِرَةَ (1) لَهُ وَلا طَائِلَةَ ، وَعَادَى الأَقرَبِينَ وَالأَبعَدِينَ فِيكَ ، مَنّاً مِنكَ عَلَيهِ لا مَنّاً مِنهُ عَلَيكَ . اللّهُمَّ فَكَمَا نَصَبَ نَفسَهُ غَرَضاً فِيكَ لِلأَبعَدِينَ ، وَجَادَ بِبَذلِ مُهجَتِهِ لَكَ فِي الذَّبِّ عَن حَرِيمِ المُؤمِنِينَ ، وَرَدَّ شَرَّ بُغَاةِ المُرتَدِّينَ المُرِيبِينَ ، حَتَّى أُخفِيَ مَا كَانَ جُهِرَ بِهِ مِنَ المَعَاصِي ، وَأبدا [أُبدِيَ] مَا كَانَ نَبَذَهُ العُلَمَاءُ وَرَاءَ ظُهُورِهِم مِمَّا أَخَذتَ مِيثَاقَهُم عَلى أَن يُبَيِّنُوهُ لِلنَّاسِ وَلا يَكتُمُوهُ ، وَدَعَا إِلَى إِفرَادِكَ بِالطَّاعَةِ ، وَأَلاّ يَجعَلَ لَكَ شَرِيكاً مِن خَلقِكَ يَعلُو أَمرُهُ عَلى أَمرِكَ مَعَ مَا يَتَجَرَّعُهُ فِيكَ مِن مَرَارَاتِ الغَيظِ الجَارِحَةِ بِحَوَاسِّ [ بمواسى ] القُلُوبِ وَمَا يَعتَوِرُهُ مِنَ الغُمُومِ ، وَيَفرُغُ عَلَيهِ مِن أَحدَاثِ الخُطُوبِ ، وَيَشرَقُ بِهِ مِنَ الغُصَصِ الَّتِي لا تَبتَلِعُهَا الحُلُوقُ وَلا تَحنُو عَلَيهَا الضُّلُوعُ مِن نَظرَةٍ إِلَى أَمرٍ مِن أَمرِكَ ، وَلا تَنَالُهُ يَدُهُ بِتَغيِيرِهِ وَرَدِّهِ إِلَى مَحَبَّتِكَ ، فَاشدُدِ اللّهُمَّ أَزرَهُ بِنَصرِكَ وَأَطِل بَاعَهُ فِيمَا قَصُرَ عَنهُ مِن إِطرَادِ الرَّاتِعِينَ في حِمَاكَ ، وَزِدهُ فِي قُوَّتِهِ بَسطَةً مِن تَأيِيدِكَ ، وَلا تُوحِشنَا مِن أُنسِهِ ، وَلا تَختَرِمهُ دُونَ أَمَلِهِ مِنَ الصَّلاحِ الفَاشِي فِي أَهلِ مِلَّتِهِ وَالعَدلِ الظَّاهِرِ فِي أُمَّتِهِ . اللّهُمَّ وَشَرِّف بِمَا استَقبَلَ بِهِ مِنَ القِيَامِ بِأَمرِكَ لَدَى مَوقِفِ الحِسَابِ مُقَامَهُ ، وَسُرَّ نَبِيَّكَ مُحَمَّداً صَلَوَاتُكَ عَلَيهِ وَآلِهِ بِرُؤيَتِهِ وَمَن تَبِعَهُ عَلى دَعوَتِهِ ، وَأَجزِل لَهُ عَلى مَا رَأَيتَهُ قَائِماً بِهِ مِن أَمرِكَ ثَوَابَهُ ، وَابنِ قُربَ دُنُوِّهِ مِنكَ فِي حَيَاتِهِ ، وَارحَمِ استِكَانَتَنَا مِن بَعدِهِ وَاستِخذَاءَنَا لِمَن كُنَّا نَقمَعُهُ بِهِ ، إِذ أَفقَدتَنَا وَجهَهُ وَبَسَطتَ أَيدِيَ مَن كُنَّا نَبسُطُ أَيدِيَنَا عَلَيهِ لِنَرُدَّهُ عَن مَعصِيَتِهِ ، وَافتَراقَنا [ افتَرَقنَا ] بَعدَ الأُلفَةِ وَالاجتِمَاعِ تَحتَ ظِلِّ كَنَفِهِ ، وَتَلَهَّفنَا عِندَ الفَوتِ عَلى مَا أَقعَدتَنَا عَنهُ مِن نُصرَتِهِ وَطَلَبنَا مِنَ القِيَامِ بِحَقِّ مَا لا

.


1- .. الترة : النقص ( النهاية : ج 1 ص 189 ) .

ص: 394

سَبِيلَ لَنَا إِلَى رَجعَتِهِ ، وَاجعَلهُ اللّهُمَّ فِي أَمنٍ مِمَّا يُشفَقُ عَلَيهِ مِنهُ ، وَرُدَّ عَنهُ مِن سِهَامِ المَكَائِدِ مَا يُوَجِّهُهُ أَهلُ الشَّنَآنِ إِلَيهِ وَإِلَى شُرَكَائِهِ فِي أَمرِهِ وَمُعَاوِنِيهِ عَلى طَاعَةِ رَبِّهِ ، الَّذِينَ جَعَلتَهُم سِلاحَهُ وَحِصنَهُ وَمَفزَعَهُ وَأُنسَهُ ، الَّذِينَ سَلَوا عَنِ الأَهلِ وَالأَولادِ ، وَجَفَوُا الوَطَنَ ، وَعَطَّلُوا الوَثِيرَ (1) مِنَ المِهَادِ ، وَرَفَضُوا تِجَارَاتِهِم ، وَأَضَرُّوا بِمَعَايِشِهِم ، وَفُقِدُوا فِي أَندِيَتِهِم بِغَيرِ غَيبَةٍ عَن مِصرِهِم ، وَخالَلُوا (2) [ حَالَفُوا ] (3) البَعِيدَ مِمَّن عَاضَدَهُم عَلى أَمرِهِم ، وَقَلَوُا القَرِيبَ مِمَّن صَدَّ عَنهُم وَعَن جِهَتِهِم ، فَائتَلَفُوا بَعدَ التَّدَابُرِ وَالتَّقَاطُعِ فِي دَهرِهِم ، وَقَلَعُوا الأَسبَابَ المُتَّصِلَةَ بِعَاجِلِ حُطَامِ الدُّنيَا ، فَاجعَلهُمُ اللّهُمَّ فِي أَمنِ حِرزِكَ وَظِلِّ كَنَفِكَ ، وَرُدَّ عَنهُم بَأسَ مَن قَصَدَ إِلَيهِم بِالعَدَاوَةِ مِن عِبَادِكَ ، وَأَجزِل لَهُم عَلى دَعوَتِهِم مِن كِفَايَتِكَ وَمَعُونَتِكَ ، وَأَمِدَّهُم [أَيِّدهُم] بِتَأيِيدِكَ وَنَصرِكَ ، وَأَزهِق بِحَقِّهِم بَاطِلَ مَن أَرَادَ إِطفَاءَ نُورِكَ . اللّهُمَّ وَاملأ بِهِم كُلَّ أُفُقٍ مِنَ الآفَاقِ وَقُطرٍ مِنَ الأَقطَارِ ، قِسطاً وَعَدلاً وَمَرحَمَةً وَفَضلاً ، وَاشكُرهُم عَلى حَسَبِ كَرَمِكَ وَجُودِكَ ، مَا مَنَنتَ بِهِ عَلى القَائِمِينَ بِالقِسطِ مِن عِبَادِكَ ، وَادَّخَرتَ لَهُم مِن ثَوَابِكَ مَا يَرفَعُ لَهُم بِهِ الدَّرَجَاتِ ، إِنَّكَ تَفعَلُ مَا تَشَاءُ وَتَحكُمُ مَا تُرِيدُ .

قنوت مولانا الحجّة محمّد بن الحسن عليهماالسلاماللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَكرِم أَولِيَاءَكَ بِإِنجَازِ وَعدِكَ ، وَبَلِّغهُم دَركَ مَا يَأمُلُونَهُ مِن نَصرِكَ ، وَاكفُف عَنهُم بَأسَ مَن نَصَبَ الخِلافَ عَلَيكَ ، وَتَمَرَّدَ بِمَنعِكَ

.


1- .. الوثير : الفراش الوطئ ( لسان العرب : ج 5 ص 278 ) .
2- .. خاللوا من الخلّة ؛ بمعنى الصداقة ( بحار الأنوار : ج 85 ص 255 ) . خالطوا في رواية : خاللوا الحكماء ، أي اختلطوا بهم في كلّ وقت ، فإنّهم المصيبون في أقوالهم . . . ( فيض القدير : ج3 ص452 ) .
3- .. حالفوا البعيد : أي على التناصر والتعاون ( بحار الأنوار : ج 85 ص 255 ) .

ص: 395

قنوت مولانا الحجّة محمّد بن الحسن عليه السلام
ودعا عليه السلام في قنوته

عَلى رُكُوبِ مُخَالَفَتِكَ ، وَاستَعَانَ بِرِفدِكَ عَلى فَلِّ حَدِّكَ ، وَقَصَدَ لِكَيدِكَ بِأَيدِكَ ، وَوَسِعتَهُ حِلماً لِتَأخُذَهُ عَلى جَهرَةٍ ، وَ[ أَو ] تَستَأصِلَهُ عَلى عِزَّةٍ [ غِرَّةٍ ] ، فَإِنَّكَ اللّهُمَّ قُلتَ وَقَولُكَ الحَقُّ : «إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَاأَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَ لِكَ نُفَصِّلُ الْأَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » (1) ، وَقُلتَ : «فَلَمَّا ءَاسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ » (2) . وَإِنَّ الغَايَةَ عِندَنَا قَد تَنَاهَت ، وَإِنَّا لِغَضَبِكَ غَاضِبُونَ ، وَإِنَّا عَلى نَصرِ الحَقِّ مُتَعَاصِبُونَ ، وَإِلَى وُرُودِ أَمرِكَ مُشتَاقُونَ ، وَلإِنجَازِ وَعدِكَ مُرتَقِبُونَ ، وَلِحَولِ وَعِيدِكَ بِأَعدَائِكَ مُتَوَقِّعُونَ . اللّهُمَّ فَأذَن بِذَلِكَ ، وَافتَح طُرُقَاتِهِ ، وَسَهِّل خُرُوجَهُ ، وَوَطِّئ مَسَالِكَهُ ، وَاشرَع شَرَائِعَهُ ، وَأَيِّد جُنُودَهُ وَأَعوَانَهُ ، وَبَادِر بَأسَكَ القَومَ الظَّالِمِينَ ، وَابسُط سَيفَ نَقِمَتِكَ عَلى أَعدَائِكَ المُعَانِدِينَ ، وَخُذ بِالثَّارِ إِنَّكَ جَوَادٌ مَكَّارٌ .

ودعا عليه السلام في قنوته :اللّهُمَّ مالِكَ المُلكِ ، تُؤتِي المُلكَ مَن تَشاءُ ، وَتَنزِعُ المُلكَ مِمَّن تَشاءُ ، وَتُعِزُّ مَن تَشاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشاءُ ، بِيَدِكَ الخَيرُ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، يَا مَاجِدُ يَا جَوَادُ ، يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكرَامِ ، يَا بَطَّاشُ ، يَا ذَا البَطشِ الشَّدِيدِ ، يَا فَعَّالاً لِمَا يُرِيدُ ، يَا ذَا القُوَّةِ المَتِينِ ، يَا رَؤُوفُ يَا رَحِيمُ يَا لَطِيفُ ، يَا حَيُّ حِينَ لا حَيَّ . [اللّهُمَّ] أَسأَلُكَ بِاسمِكَ المَخزُونِ المَكنُونِ الحَيِّ القَيُّومِ ، الَّذِي استَأثَرتَ بِهِ فِي عِلمِ الغَيبِ عِندَكَ وَلَم يَطَّلِع عَلَيهِ أَحَدٌ مِن خَلقِكَ ، وَأَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذِي تُصَوِّرُ بِهِ

.


1- .. يونس : 24 .
2- .. الزخرف : 55 .

ص: 396

خَلقَكَ فِي الأَرحَامِ كَيفَ تَشَاءُ ، وَبِهِ تَسُوقُ إِلَيهِم أَرزَاقَهُم فِي أَطبَاقِ الظُّلُمَاتِ مِن بَينِ العُرُوقِ وَالعِظَامِ ، وَأَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذِي أَلَّفتَ بِهِ بَينَ قُلُوبِ أَولِيَائِكَ ، وَأَلَّفتَ بَينَ الثَّلجِ وَالنَّارِ ، لا هَذَا يُذِيبُ هَذَا وَلا هَذَا يُطفِئُ هَذَا ، وَأَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذِي كَوَّنتَ بِهِ طَعمَ المِيَاهِ ، وَأَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذِي أَجرَيتَ بِهِ المَاءَ فِي عُرُوقِ النَّبَاتِ بَينَ أَطبَاقِ الثَّرَى ، وَسُقتَ المَاءَ إِلَى عُرُوقِ الأَشجَارِ بَينَ الصَّخرَةِ الصَّمَّاءِ ، وَأَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذِي كَوَّنتَ بِهِ طَعمَ الثِّمَارِ وَأَلوَانَهَا ، وَأَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذِي بِهِ تُبدِئُ وَتُعِيدُ ، وَأَسأَلُكَ بِاسمِكَ الفَردِ الوَاحِدِ المُتَفَرِّدِ بِالوَحدَانِيَّةِ المُتَوَحِّدِ بِالصَّمَدَانِيَّةِ ، وَأَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذِي فَجَّرتَ بِهِ المَاءَ مِنَ الصَّخرَةِ الصَّمَّاءِ وَسُقتَهُ مِن حَيثُ شِئتَ ، وَأَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذِي خَلَقتَ بِهِ خَلقَكَ وَرَزَقتَهُم كَيفَ شِئتَ وَكَيفَ شَاؤُوا . يَا مَن لا تُغَيِّرُهُ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي ، أَدعُوكَ بِمَا دَعَاكَ بِهِ نُوحٌ حِينَ نَادَاكَ فَأَنجَيتَهُ وَمَن مَعَهُ وَأَهلَكتَ قَومَهُ ، وَأَدعُوكَ بِمَا دَعَاكَ [ بِهِ ] إِبرَاهِيمُ خَلِيلُكَ حِينَ نَادَاكَ فَأَنجَيتَهُ وَجَعَلتَ النَّارَ عَلَيهِ بَرداً وَسَلاماً ، وَأَدعُوكَ بِمَا دَعَاكَ بِهِ مُوسَى كَلِيمُكَ حِينَ نَادَاكَ فَفَلَقتَ [فَفَرَّقتَ ] لَهُ البَحرَ فَأَنجَيتَهُ وَبَنِي إِسرَائِيلَ وَأَغرَقتَ فِرعَونَ وَقَومَهُ فِي اليَمِّ ، وَأَدعُوكَ بِمَا دَعَاكَ بِهِ عِيسَى رُوحُكَ حِينَ نَادَاكَ فَنَجَّيتَهُ مِن أَعدَائِهِ وَإِلَيكَ رَفَعتَهُ ، وَأَدعُوكَ بِمَا دَعَاكَ بِهِ حَبِيبُكَ وَصَفِيُّكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله فَاستَجَبتَ لَهُ وَمِنَ الأَحزَابِ نَجَّيتَهُ وَعَلى أَعدَائِكِ نَصَرتَهُ ، وَأَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبتَ ، يَا مَن لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ ، يَا مَن أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلماً ، يا مَن أَحصى كُلَّ شَيءٍ عَدَداً ، يَا مَن لا تُغَيِّرُهُ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي ، وَلا تَتَشَابَهُ عَلَيهِ الأَصوَاتُ ، وَلا تَخفَى عَلَيهِ اللُّغَاتُ ، وَلا يُبرِمُهُ إِلحَاحُ المُلِحِّينَ . أَسأَلُكَ أَن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ خِيَرَتِكَ مِن خَلقِكَ ، فَصَلِّ عَلَيهِم

.

ص: 397

124 . كتابه عليه السلام إلى القاسم بن العلاء الهمدانيّ في الثالث من شعبان

بِأَفضَلِ صَلَوَاتِكَ ، وَصَلِّ عَلى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ وَالمُرسَلِينَ الَّذِينَ بَلَّغُوا عَنكَ الهُدَى وَعَقَدُوا لَكَ المَوَاثِيقَ بِالطَّاعَةِ ، وَصَلِّ عَلى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ، يَا مَن لا يُخلِفُ المِيعادَ أَنجِز لِي مَا وَعَدتَنِي ، وَاجمَع لِي أَصحَابِي وَصَبِّرهُم ، وَانصُرنِي عَلى أَعدَائِكَ وَأَعدَاءِ رَسُولِكَ ، وَلا تُخَيِّب دَعوَتِي ، فَإِنِّي عَبدُكَ ابنُ عَبدِكَ ابنُ أَمَتِكَ أَسِيرٌ بَينَ يَدَيكَ ، سَيِّدِي أَنتَ الَّذِي مَنَنتَ عَلَيَّ بِهَذَا المَقَامِ وَتَفَضَّلتَ بِهِ عَلَيَّ دُونَ كَثِيرٍ مِن خَلقِكَ ، أَسأَلُكَ أَن تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَن تُنجِزَ لِي مَا وَعَدتَنِي ، إِنَّكَ أَنتَ الصَّادِقُ وَلا تُخلِفُ المِيعَادَ ، وَأَنتَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ . (1)

الظاهر أنّ «المدرج» أيضاً لم يكن جزء من تركة أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمريّ رضى الله عنه حتّى يقسّم بين الورثة ، بل كان من شؤون النيابة ومختصّاً بالنائب ، كما أنّ الظاهر كون «المدرج» كالعكّاز والحقّة من عطايا الإمام أبي محمّد عليه السلام لأبي جعفر ، فحينئذٍ يكون من مكاتيبه عليه السلام أو من إملائه عليه السلام لأبي جعفر ، ولذلك أوردناه هنا في مكاتيبه عليه السلام .

124كتابه عليه السلام إلى القاسم بن العلاء الهمدانيّفي الثالث من شعبانخرج إلى القاسم بن العلاء الهمدانيّ (2) وكيل أبي محمّد عليه السلام : أنّ مولانا الحسين عليه السلام وُلد

.


1- .. مهج الدعوات : 65 _ 92 ، بحار الأنوار : ج 85 ص 211 .
2- .. القاسم بن العلا الهمدانيّ ( أبو الحسن ) : عدّه الشيخ في رجاله فيمَن لم يروِ عنهم عليهم السلام ، قائلاً : القاسم بن العلاء الهمدانيّ روى عنه الصفوانيّ ( رجال الطوسي : ص 436 الرقم 6244 ) . كان من أهل آذربيجان ، ذكره ابن طاووس في ربيع الشيعة من وكلاء الناحية وممّن رأى الحجّة عليه السلام . عُدّ من مشايخ الكليني ذكره مترحّما عليه . روى الكشّي في كتاب الرجال عن عليّ بن محمّد بن قتيبة ، عن أحمد بن إبراهيم المراغيّ ، قال : ورد على القاسم بن العلاء ، وذكر توقيعا شريفا يقول فيه : فإنّه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يؤدّيه ( يرويه ) عنّا ثقاتنا ، قد عرفوا بأنّنا نفاوضهم سرّنا ونحملهم إيّاه إليهم ، الحديث ( رجال الكشّي : ج 2 ص 816 الرقم 1020 ) . عن محمّد بن أحمد الصفوانيّ رحمه الله ، قال : رأيت القاسم بن العلاء وقد عمّر مئة سنة وسبع عشر سنة ، منها ثمانون سنة صحيح العينين ، لقي مولانا أبا الحسن وأبا محمّد العسكريين عليهماالسلام . وحجب بعد الثمانين ، ردّت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيّام . وذلك أنّي كنت مقيما عنده بمدينة الران من أرض آذربايجان ، وكان لا تنقطع توقيعات مولانا صاحب الزمان عليه السلام على يد أبي جعفر بن محمّد عثمان العمري ، وبعده على [ يد ] أبي القاسم [ الحسين ] بن روح قدّس اللّه روحهما ، فانقطعت عنه المكاتبة نحوا من شهرين ، فقلق لذلك ، فبينا نحن عنده نأكل ، إذ دخل البوّاب مستبشرا ، فقال له : فيج العراق لا يسمّى بغيره ، فاستبشر القاسم وحوّل وجهه إلى القبلة فسجد ، ودخل كهل قصير يرى أثر الفيوج عليه ، وعليه جبّة مصريّة ، وفي رجله نعل محامليّ ، وعلى كتفه مخلاة . . . الحديث ( الغيبة للطوسي : ص 311 ، فرج المهموم : ص249 ، الثاقب في المناقب : ص 590 ، الخرائج والجرائح : ج 1 ص 467 ح 14 ) .

ص: 398

يوم الخميس لثلاثٍ خلون من شعبان ، فصُمه ، وادع فيه بهذا الدعاء :اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِحَقِّ المَولُودِ فِي هَذَا اليَومِ المَوعُودِ بِشَهَادَتِهِ قَبلَ استِهلالِهِ وَوِلادَتِهِ ، بَكَتهُ السَّمَاءُ وَمَن فِيهَا وَالأَرضُ وَمَن عَلَيهَا ، وَلَمَّا يَطَأ لابَتَيهَا ، قَتِيلِ العَبرَةِ وَسَيِّدِ الأُسرَةِ ، المَمدُودِ بِالنُّصرَةِ يَومَ الكَرَّةِ ، المُعَوَّضِ مِن قَتلِهِ ، أَنَّ الأَئِمَّةَ مِن نَسلِهِ وَالشِّفَاءَ فِي تُربَتِهِ وَالفَوزَ مَعَهُ فِي أَوبَتِهِ ، وَالأَوصِيَاءَ مِن عِترَتِهِ بَعدَ قَائِمِهِم وَغَيبَتِهِ ، حَتَّى يُدرِكُوا الأَوتَارَ وَيَثأَرُوا الثَّأرَ وَيُرضُوا الجَبَّارَ وَيَكُونُوا خَيرَ أَنصَارٍ ، صَلَّى اللّهُ عَلَيهِم مَعَ اختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ . اللَّهُمَّ فَبِحَقِّهِم إِلَيكَ أَتَوَسَّلُ ، وَأَسأَلُ سُؤَالَ مُقتَرِفٍ وَمُعتَرِفٍ مُسِيءٍ إِلَى نَفسِهِ مِمَّا فَرَّطَ فِي يَومِهِ وَأَمسِهِ ، يَسأَلُكَ العِصمَةَ إِلَى مَحَلِّ رَمسِهِ . اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعِترَتِهِ وَاحشُرنَا فِي زُمرَتِهِ ، وَبَوِّئنَا مَعَهُ دَارَ الكَرَامَةِ وَمَحَلَّ الإِقَامَةِ .

.

ص: 399

125 . كتابه عليه السلام إلى بعض مواليه في سوء الحال

اللَّهُمَّ وَكَمَا أَكرَمتَنَا بِمَعرِفَتِهِ فَأَكرِمنَا بِزُلفَتِهِ وَارزُقنَا مُرَافَقَتَهُ وَسَابِقَتَهُ ، وَاجعَلنَا مِمَّن يُسَلِّمُ لأَمرِهِ وَيُكثِرُ الصَّلاةَ عَلَيهِ عِندَ ذِكرِهِ ، وَعَلَى جَمِيعِ أَوصِيَائِهِ وَأَهلِ أَصفِيَائِهِ المَمدُودِينَ مِنكَ بِالعَدَدِ الاثنَي عَشَرَ ، النُّجُومِ الزُّهَرِ وَالحُجَجِ عَلَى جَمِيعِ البَشَرِ . اللَّهُمَّ وَهَب لَنَا فِي هَذَا اليَومِ خَيرَ مَوهِبَةٍ وَأَنجِح لَنَا فِيهِ كُلَّ طَلِبَةٍ ، كَمَا وَهَبتَ الحُسَينَ لِمُحَمَّدٍ جَدِّهِ ، وَعَاذَ فُطرُسُ بِمَهدِهِ ، فَنَحنُ عَائِذُونَ بِقَبرِهِ مِن بَعدِهِ نَشهَدُ تُربَتَهُ ، وَنَنتَظِرُ أَوبَتَهُ ، آمِينَ رَبَّ العَالَمِينَ . (1)

125كتابه عليه السلام إلى بعض مواليهفي سوء الحاليُروى عن عبد اللّه بن جعفر الحِميَري ، قال : كنتُ عند مولاي أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ _ صلوات اللّه عليه _ ، إذ وردت إليه رُقعةٌ من الحبس من بعض مواليه يذكر فيها ثقل الحديد وسوء الحال وتحامل السلطان ، وكتب إليه :يا عَبدَ اللّهِ ، إِنَّ اللّهَ عز و جل يَمتَحِنُ عِبَادَهُ لِيَختَبِرَ صَبرَهُم ، فَيُثِيبَهُم عَلَى ذَلِكَ ثَوَابَ الصَّالِحِينَ ، فَعَلَيكَ بِالصَّبرِ ، وَاكتُب إِلَى اللّهِ عز و جل رُقعَةً وَأَنفِذهَا إِلَى مَشهَدِ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ _ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ _ ، وَارفَعهَا عِندَهُ إِلَى اللّهِ عز و جل وَادفَعهَا حَيثُ لا يَرَاكَ أَحَدٌ ، وَاكتُب فِي الرُّقعَةِ : إِلَى اللّهِ المَلِكِ الدَّيَّانِ المُتَحَنِّنِ المَنَّانِ ، ذِي الجَلالِ وَالإِكرَامِ وَذِي المِنَنِ العِظَامِ

.


1- .. مصباح المتهجّد : ص 826 ، إقبال الأعمال : ج 3 ص 303 ، المزار الكبير : ص 397 ح 1 ، المصباح للكفعمي : ص 543 ، مختصر بصائر الدرجات : ص 35 ، بحار الأنوار : ج 101 ص 347 ح 1 وج 53 ص 94 ح107 . الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة : ص 295 ، مستدرك الوسائل : ج 7 ص 538 ح 8837 .

ص: 400

وَالأَيَادِي الجِسَامِ ، وَعَالِمِ الخَفِيَّاتِ وَمُجِيبِ الدَّعَوَاتِ ، وَرَاحِمِ العَبَرَاتِ الَّذِي لا تَشغَلُهُ اللُّغَاتُ وَلا تُحَيِّرُهُ الأَصوَاتُ وَلا تَأخُذُهُ السِّنَاتُ ، مِن عَبدِهِ الذَّلِيلِ البَائِسِ الفَقِيرِ المِسكِينِ الضَّعِيفِ المُستَجِيرِ . اللَّهُمَّ أَنتَ السَّلامُ وَمِنكَ السَّلامُ وَإِلَيكَ يَرجِعُ السَّلامُ ، تَبَارَكتَ وَتَعَالَيتَ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكرَامِ وَالمِنَنِ العِظَامِ وَالأَيَادِي الجِسَامِ . إِلَهِي ، مَسَّنِي وَأَهلِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ وَأَرأَفُ الأَرأَفِينَ وَأَجوَدُ الأَجوَدِينَ وَأَحكَمُ الحَاكِمِينَ وَأَعدَلُ الفَاصِلِينَ . اللَّهُمَّ إِنِّي قَصَدتُ بَابَكَ وَنَزَلتُ بِفِنَائِكَ وَاعتَصَمتُ بِحَبلِكَ وَاستَغَثتُ بِكَ وَاستَجَرتُ بِكَ ، يَا غِيَاثَ المُستَغِيثِينَ أَغِثنِي ، يَا جَارَ المُستَجِيرِينَ أَجِرنِي ، يَا إِلَهَ العَالَمِينَ خُذ بِيَدِي ، إِنَّهُ قَد عَلا الجَبَابِرَةُ فِي أَرضِكَ وَظَهَرُوا فِي بِلادِكَ ، وَاتَّخَذُوا أَهلَ دِينِكَ خَوَلاً ، وَاستَأثَرُوا بِفَيءِ المُسلِمِينَ ، وَمَنَعُوا ذَوِي الحُقُوقِ حُقُوقَهُمُ الَّتِي جَعَلتَهَا لَهُم ، وَصَرَفُوهَا فِي المَلاهِي وَالمَعَازِفِ ، وَاستَصغَرُوا آلاءَكَ وَكَذَّبُوا أَولِيَاءَكَ ، وَتَسَلَّطُوا بِجَبرِيَّتِهِم لِيُعِزُّوا مَن أَذلَلتَ وَيُذِلُّوا مَن أَعزَزتَ ، وَاحتَجَبُوا عَمَّن يَسأَلُهُم حَاجَةً أَو مَن يَنتَجِعُ مِنهُم فَائِدَةً ، وَأَنتَ مَولايَ سَامِعُ كُلِّ دَعوَةٍ وَرَاحِمُ كُلِّ عَبرَةٍ وَمُقِيلُ كُلِّ عَثرَةٍ ، سَامِعُ كُلِّ نَجوَى وَمَوضِعُ كُلِّ شَكوَى ، لا يَخفَى عَلَيكَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ العُلَى وَالأَرَضِينَ السُّفلَى وَمَا بَينَهُمَا وَمَا تَحتَ الثَّرَى . اللَّهُمَّ إِنِّي عَبدُكَ ابنُ أَمَتِكَ ذَلِيلٌ بَينَ بَرِيَّتِكَ مُسرِعٌ إِلَى رَحمَتِكَ رَاجٍ لِثَوَابِكَ . اللَّهُمَّ إِنَّ كُلَّ مَن أَتَيتُهُ فَعَلَيكَ يَدُلُّنِي وَإِلَيكَ يُرشِدُنِي وَفِيمَا عِندَكَ يُرَغِّبُنِي ، مَولايَ وَقَد أَتَيتُكَ رَاجِياً سَيِّدِي ، وَقَد قَصَدتُكَ مُؤَمِّلاً ، يَا خَيرَ مَأمُولٍ وَيَا أَكرَمَ مَقصُودٍ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، وَلا تُخَيِّب أَمَلِي وَلا تَقطَع رَجَائِي وَاستَجِب دُعَائِي

.

ص: 401

وَارحَم تَضَرُّعِي ، يَا غِيَاثَ المُستَغِيثِينَ أَغِثنِي ، يَا جَارَ المُستَجِيرِينَ أَجِرنِي ، يَا إِلَهَ العَالَمِينَ خُذ بِيَدِي ، أَنقِذنِي وَاستَنقِذنِي وَوَفِّقنِي وَاكفِنِي . اللَّهُمَّ إِنِّي قَصَدتُكَ بِأَمَلٍ فَسِيحٍ ، وَأَمَّلتُكَ بِرَجَاءٍ مُنبَسِطٍ ، فَلا تُخَيِّب أَمَلِي وَلا تَقطَع رَجَائِي . اللَّهُمَّ إِنَّهُ لا يَخِيبُ مِنكَ سَائِلٌ وَلا يَنقُصُكَ نَائِلُ ، يَا رَبَّاه يَا سَيِّدَاه يَا مَولاه يَا عِمَادَاه يَا كَهفَاه يَا حِصنَاه يَا حِرزَاه يَا لَجَآه . اللَّهُمَّ إِيَّاكَ أَمَّلتُ يَا سَيِّدِي ، وَلَكَ أَسلَمتُ مَولايَ ، وَلِبَابِكَ قَرَعتُ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَلا تَرُدَّنِي بِالخَيبَةِ مَحزُوناً [ محروماً ] ، وَاجعَلنِي مِمَّن تَفَضَّلتَ عَلَيهِ بِإِحسَانِكَ وَأَنعَمتَ عَلَيهِ بِتَفَضُّلِكَ وَجُدتَ عَلَيهِ بِنِعمَتِكَ وَأَسبَغتَ عَلَيهِ آلاءَكَ . اللَّهُمَّ أَنتَ غِيَاثِي وَعِمَادِي وَأَنتَ عِصمَتِي وَرَجَائِي ، مَا لِي أَمَلٌ سِوَاكَ ، وَلا رَجَاءٌ غَيرُكَ . اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَجُد عَلَيَّ بِفَضلِكَ ، وَامنُن عَلَيَّ بِإِحسَانِكَ ، وَافعَل بِي مَا أَنتَ أَهلُهُ ، وَلا تَفعَل بِي مَا أَنَا أَهلُهُ ، يَا أَهلَ التَّقوَى وَأَهلَ المَغفِرَةِ ، وَأَنتَ خَيرٌ لِي مِن أَبِي وَأُمِّي وَمِنَ الخَلقِ أَجمَعِينَ . اللَّهُمَّ إِنَّ هَذِهِ قِصَّتِي إِلَيكَ لا إِلَى المَخلُوقِينَ ، وَمَسأَلَتِي لَكَ إِذ كُنتَ خَيرَ مَسؤُولٍ وَأَعَزَّ مَأمُولٍ . اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَتَعَطَّف عَلَيَّ بِإِحسَانِكَ ، وَمُنَّ عَلَيَّ بِعَفوِكَ وَعَافِيَتِكَ ، وَحَصِّن دِينِي بِالغِنَى وَاحرُز أَمَانَتِي بِالكِفَايَةِ ، وَاشغَل قَلبِي بِطَاعَتِكَ وَلِسَانِي بِذِكرِكَ وَجَوَارِحِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنكَ . اللَّهُمَّ ارزُقنِي قَلباً خَاشِعاً وَلِسَاناً ذَاكِراً وَطَرفاً غَاضّاً وَيَقِيناً صَحِيحاً ، حَتَّى لا

.

ص: 402

126 . كتابه عليه السلام إلى رجلٍ في الوالدين كانت الأُمّ غالية والأب مؤمنا
127 . كتابه عليه السلام إلى رجلٍ في الوالدين كانت الأُمّ مؤمنةً والأب ثنويّا

أُحِبَّ تَعجِيلَ مَا أَخَّرتَ وَلا تَقدِيمَ مَا أَجَّلتَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ ، وَيَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاستَجِب دُعَائِي ، وَارحَم تَضَرُّعِي ، وَكُفَّ عَنِّي البَلاءَ ، وَلا تُشمِت بِيَ الأَعدَاءَ وَلا حَاسِداً ، وَلَا تَسلُبنِي نِعمَةً أَلبَستَنِيهَا ، وَلا تَكِلنِي إِلَى نَفسِي طَرفَةَ عَينٍ أَبَداً يَا رَبَّ العَالَمِينَ ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلِّم تَسلِيماً . (1)

126كتابه عليه السلام إلى رجلٍفي الوالدين كانت الأُمّ غالية والأب مؤمناعن أبي سَهل البَلخيّ (2) قال : كتب رجل إلى أبي محمّد يسأله الدعاء لوالديه ، وكانت الاُمّ غاليةً والأب مؤمناً ، فوقّع :رَحِمَ اللّهُ وَالِدَكَ . (3)

127كتابه عليه السلام إلى رجلٍفي الوالدين كانت الأُمّ مؤمنةً والأب ثنويّاكتب آخر يسأل الدعاء لوالديه ، وكانت الاُمّ مؤمنةً والأبُ ثنويّاً ، فوقّع :رَحِمَ اللّهُ وَالِدَتَكَ . (4)

.


1- .. بحار الأنوار : ج102 ص 238 ح 5 نقلاً عن كتاب العتيق الغرويّ .
2- .. لم يوجد له ترجمة لا في الرجال ولا في الأخبار غير هذا .
3- .. كشف الغمّة : ج 2 ص 426 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 294 ح 69 .
4- .. كشف الغمّة : ج 2 ص 426 ، بحار الأنوار : ج 50 3ص 294 ح 69 .

ص: 403

128 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن ( بن ميمون _ شمّون ) في معالجة علّة العين
129 . كتابه عليه السلام إلى أبي هاشم في مطلق الدعاء

128كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن ( بن ميمون _ شمّون )في معالجة علّة العينقال محمّد بن الحسن (1) : لقيت من علّة عيني شدّةً ، فكتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام أسأله أن يدعو لي ، فلمّا نفذ الكتاب قلتُ في نفسي : ليتني كنت سألته أن يصف لي كُحلاً أكحُلها ، فوقّع بخطّه يدعو لي بسلامتها إذ كانت إحداهما ذاهبةً ، وكتب بعده :أردتَ أن أَصِفَ لَكَ كُحلاً ، عَلَيكَ بِصَبرٍ مَعَ الإِثمِدِ كَافُوراً وَتُوتِيَاءَ ، فَإِنَّهُ يَجلُو مَا فِيهَا مِنَ الغِشَاءِ وَيُيبِسُ الرُّطُوبَةَ . قال : فاستعملتُ ما أمرني به عليه السلام فصحّت والحمد للّه . (2)

129كتابه عليه السلام إلى أبي هاشمفي مطلق الدعاءمن دلائل الحِميَريّ عن أبي هاشم (3) ، قال : كتب إليه بعض مواليه يسأله أن يعلّمه دعاءً ، فكتب إليه :أَنِ ادعُ بِهَذِهِ الدُّعَاءِ : يَا أَسمَعَ السَّامِعِينَ ، وَيَا أَبصَرَ المُبصِرِينَ ، يَا عِزَّ النَّاظِرِينَ ،

.


1- .. اُنظر ترجمته في الرقم 67 .
2- .. رجال الكشّي : ج2 ص815 الرقم1018 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص435 ، بحار الأنوار : ج50 ص299 ح73 .
3- .. هو داوود بن القاسم بن إسحاق بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام من أهل بغداد ، جليل القدر ، عظيم المنزلة عند الأئمّة عليهم السلام ، قد شاهد الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الزمان عليهم السلام ، وروى عنهم كلّهم . اُنظر ترجمته في الرقم 37 فراجع .

ص: 404

130 . كتابة رجاء بن يحيى أبو الحسن العَبَريانيّ

وَيَا أَسرَعَ الحَاسِبِينَ ، وَيَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَيَا أَحكَمَ الحَاكِمِينَ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَوسِع لِي فِي رِزقِي ، وَمُدَّ لِي فِي عُمُرِي ، وَامنُن عَلَيَّ بِرَحمَتِكَ ، وَاجعَلنِي مِمَّن تَنتَصِرُ بِهِ لِدِينِكَ ، وَلا تَستَبدِل بِي غَيرِي . (1)

130كتابة رجاء بن يحيى أبو الحسن العَبَريانيّالسيّد ابن طاووس ( عليّ بن موسى ) : رويناه بإسنادنا إلى أبي الفضل محمّد بن عبد اللّه بن المطّلب الشيباني ، قال : أخبرنا رجاء بن يحيى أبو الحسن العَبَريانيّ (2) ، (3) قال : كتبت هذا الدعاء في دار سيّدنا أبي محمّد الحسن بن عليّ صاحب العسكر عليه السلام ، وهو دعاء الحسن بن عليّ عليه السلام لمّا أتى معاوية :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ ، باسمِ اللّهِ العَظِيمِ الأَكبَرِ ، اللَّهُمَّ سُبحَانَكَ يَا قَيُّومُ ، سُبحَانَ الحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ، أَسأَلكَ كَمَا أَمسَكتَ عَن دَانِيَالَ أَفوَاهَ الأَسَدِ وَهُوَ فِي الجُبِّ فَلا يَستَطِيعُونَ إِلَيهِ سَبِيلاً إِلّا بِإِذنِكَ ، أَسأَ لُكَ أَن تُمسِكَ عَنِّي أَمرَ هَذَا الرَّجُلِ ، وَكُلَّ عَدُوٍّ لِي فِي مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا مِنَ الإِنسِ وَالجِنِّ ، خُذ بآذَانِهِم وَأَسمَاعِهِم وَأَبصَارِهِم وَقُلُوبِهِم وَجَوَارِحِهِم ، وَاكفِنِي كَيدَهُم بِحَولٍ مِنكَ وَقُوَّةٍ ، فَكُن لِي جَاراً مِنهُم وَمِن كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ، وَمِن كُلِّ شَيطَانٍ مَرِيدٍ لا يُؤمِنُ بِيَومِ الحِسَابِ ، إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصّالِحِينَ ، فَإِن تَوَلَّوا فَقُل : حَسبِيَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرشِ العَظِيمِ .

.


1- .. كشف الغمّة : ج2 ص421 ، إعلام الورى : ج 2 ص 142 ، بحار الأنوار : ج50 ص 298 ح 72 وج95 ص 359 .
2- .. اُنظر ترجمته في الرقم 77 .
3- .. وفي البحار : « بإسنادنا إلى أبي المفضّل الشيبانيّ ، عن رجاء بن يحيى أبي الحسن العَبَرتائيّ ، قال : كتبت هذا . . . » .

ص: 405

وهذا قد ذكرناه في كتاب إعانة الداعي وإغاثة الساعي (1) ، وإنّما كان هذا الكتاب أحقّ فيه المعارف الواعي . (2)

.


1- .. في البحار : « في كتاب إغاثة الداعي وإعانة الساعي » بدل « إعانة الداعي وإغاثة الساعي » .
2- .. مهج الدعوات : ص 180 ، بحار الأنوار : ج 95 ص 407 ح 39 .

ص: 406

. .

ص: 407

الفصل السادس : في المواعظ
اشاره

الفصل السادس: في المواعظ

.

ص: 408

. .

ص: 409

131 . كتابه عليه السلام إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابُوريّ

131كتابه عليه السلام إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابُوريّحكى بعض الثقات بنيسابور أنّه خرج لإسحاق بن إسماعيل (1) من أبي محمّد عليه السلام توقيع :يَا إِسحَاقَ بنَ إِسمَاعِيلَ ، سَتَرَنَا اللّهُ وَإيَّاكَ بِسَترِهِ ، وَتَوَلَاكَ فِي جَمِيعِ أُمورِكَ بِصُنعِهِ ، قَد فَهَمتُ كِتَابَكَ يَرحَمُكَ اللّهُ ، وَنَحنُ بِحَمدِ اللّهِ وَنِعمَتِهِ أَهلُ بَيتٍ نَرِقُّ عَلَى مَوالِينَا ، وَنَسُرُّ ، بِتَتَابُعِ إِحسَانِ اللّهِ إِلَيهِم ، وَفَضلِهِ لَدَيهِم ، وَنَعتَدُّ بِكُلِّ نِعمَةٍ يُنعِمُهَا اللّهُ عز و جل عَلَيهِم . فَأَتَمَّ اللّهُ عَلَيكُم بِالحَقِّ ، وَمَن كَانَ مِثلَكَ ، مِمَّن قَد رَحِمَهُ اللّهُ ، وَبَصَّرَهُ بَصِيرَتَكَ ، وَنَزَعَ عَنِ البَاطِلِ ، وَلَم يَعمَ فِي طُغيانِهِ بِعَمَهٍ . فَإِنَّ تَمَامَ النِّعمَةِ دُخُولِكَ الجَنَّةَ ، وَلَيسَ مِن نِعمَةٍ وَإِن جَلَّ أَمرُهَا ، وَعَظُمَ خَطَرُهَا ، إِلَا وَالحَمدُ للّهِِ تَقَدَّسَت أَسمَاؤُهُ عَلَيهَا ، مُؤَدِّي شُكرَهَا .

.


1- .. إسحاق بن إسماعيل النيسابوريّ الثقة من أصحاب مولانا أبي محمّد العسكري عليه السلام ( راجع : رجال الطوسي : ص397 الرقم 5822 ، رجال البرقي : ص 61 ) ، وممّن كانت ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل ، وهذا هو المراد بإسحاق في السند المبحوث عنه .

ص: 410

وَأَنَا أَقُولُ : الحَمدُ للّهِِ مِثلَ مَا حَمِدَ اللّهَ بِهِ حَامِدٌ إِلَى أَبَدِ الأَبَدِ ، بِمَا مَنَّ عَلَيكَ مِن نِعمَةٍ ، وَنَجَّاكَ مِنَ الهَلَكَةِ ، وَسَهَّلَ سَبِيلَكَ عَلَى العَقَبَةِ ، وَايمُ اللّهِ أَنَّها لَعَقَبَةٌ كَؤُودٌ شَدِيدٌ أَمرُهَا ، صَعبٌ مَسلَكُهَا ، عَظِيمٌ بَلاؤُهَا ، طَوِيلٌ عَذَابُهَا قَدِيمٌ فِي الزَّبُرِ الأُولَى ذِكرُهَا . وَلَقَد كَانَت مِنكُم أمُورٌ فِي أَيَّامِ المَاضِي عليه السلام ، إلَى أَن مَضَى لِسَبِيلِهِ عليه السلام عَلَى رُوحِهِ ، وَفِي أَيَّامِي هَذِهِ كُنتُم بِهَا غَيرَ مَحمُودِيّ ، الشَّأنِ ، وَلَا مُسَدَّدِي التَّوفِيقِ . وَاعلَم يَقِيناً يَا إِسحَاقُ ، أَنَّ مَن خَرَجَ مِن هَذِهِ الحَيَاةِ أَعمَى ، فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ، أَنَّها يَا بن إِسماعِيلَ لَيسَ تَعمَى الأَبصَارُ ، وَلَكِن تَعمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ، وَذَلِكَ قَولُ اللّهِ عز و جل فِي مُحكَمِ كِتَابِهِ للِظَّالِمِ : « قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَى وَ قَدْ كُنتُ بَصِيرًا » (1) ؟ قَالَ اللّهُ عز و جل : « كَذَ لِكَ أَتَتْكَ ءَايَ_تُنَا فَنَسِيتَهَا وَ كَذَ لِكَ الْيَوْمَ تُنسَى » (2) . وَأَيَّةُ آيَةٍ يَا إِسحَاقُ ، أَعظَمُ مِن حُجَّةِ اللّهِ عز و جل عَلَى خَلقِهِ وَأَمِينِهِ فِي بِلَادِهِ ، وَشَاهِدِهِ عَلَى عِبَادِهِ مِن بَعدِ مَا سَلَفَ مِن آبَائِهِ الأَوَّلَينَ مِنَ النَّبِيِّينَ ، وَآبَائِهِ الآخِرِينَ مِنَ الوَصِيِّينَ أَجمَعِينَ ، وَرَحمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ . فَأَينَ يُتاهُ بِكُم ، وَأَينَ تَذهَبُونَ كَالأَنعَامِ عَلَى وُجُوهِكُم ، عَنِ الحَقِّ تَصدِفُونَ ، وَبِالبَاطِلِ تُؤمِنُونَ ، وَبِنِعمَةِ اللّهِ تَكفُرُونَ ، أَو تُكَذِّبُونَ ، فَمَن يُؤمِنُ بِبَعضِ الكِتَابِ ، وَيَكفُرُ بِبَعضٍ ، فَمَا جَزَاءُ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ مِنكُم ، وَمِن غَيرِكُم إِلَا خِزيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنيا الفَانِيَةِ ، وَطُولُ عَذَابٍ فِي الآخِرَةِ البَاقِيَةِ ، وَذَلِكَ وَاللّهِ الخِزيُ العَظِيمُ .

.


1- .. طه : 125 .
2- .. طه : 126 .

ص: 411

وفي علل الشرائع و اُصول الإسلام :إِنَّ اللّهَ بِفَضلِهِ وَمَنِّهِ لَمَّا فَرَضَ عَلَيكُم الفَرائِضَ ، لَم يَفرِض عَلَيكُم لِحَاجَةٍ مِنهُ إلَيكُم ، بَل بِرَحمَةٍ مِنهُ _ لا إِله إِلَا هُوَ _ عَليكُم ؛ لِيَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطِّيِّبِ وَلِيَبتَلِيَ مَا فِي صُدُورِكُم ، وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلوبِكُم ، وَلِتَتَسَابِقُونَ إِلَى رَحمَتِهِ ، وَتَتَفَاضَلَ مَنَازِلُكُم فِي جَنَّتِهِ . فَفَرَضَ عَلَيكُمُ الحَجَّ وَالعُمرَةَ ، وَإِقَامَ الصَّلَاةِ ، وَإيتاءَ الزَّكَاةِ ، وَالصَّومَ ، وَالوَلَايَةَ ، وَكَفَاهُم لَكُم بَابَاً لِتَفتَحُوا أَبوَابَ الفَرَائِضِ ، وَمِفتَاحَاً إِلَى سَبِيلِهِ ، وَلَولَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَالأَوصِيَاءُ مِن بَعدِهِ ، لَكُنتُم حَيَارَى كَالبَهَائِمِ لَا تَعرِفُونَ فَرضَاً مِنَ الفَرَائِضِ ، وَهَل تُدخَلُ قَريَةٌ إِلَا مِن بَابِهَا ؟ فَلَمَّا مَنَّ اللّهُ عَلَيكُم بِإِقَامَةِ الأَولِيَاءِ بَعدَ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، قَالَ اللّهُ عز و جل لِنَبِيِّهِ : « اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلامَ دِيناً » (1) ، وَفَرَضَ عَلَيكُم لِأَولِيَائِهِ حُقُوقَاً أَمَرَكُم بِأَدَائِهَا إِلَيهِم ، لِيَحِلَّ لَكُم مَا وَرَاءِ ظُهُورِكُم مِن أَزوَاجِكُم ، وَأَموَالِكُم ، وَمَآكِلِكُم ، وَمَشَارِبِكُم وَمَعرِفَتِكُم بِذَلِكَ النِّمَاءِ ، وَالبَرَكَةِ ، وَالثَّروَةِ ، وَليَعلَمَ مَن يُطِيعُهُ مِنكُم بِالغَيبِ ، قَالَ اللّهُ عز و جل : « قُل لَا أَسْ_ئلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى» (2) . وَاعلَمُوا : أَنَّ مَن يَبخَل فَإِنَّمَا يَبخَلُ عَلَى نَفسِهِ ، وَأَنَّ اللّهَ هُوَ الغَنِيُّ ، وَأَنتُم الفُقَرَاءُ إِلَيهِ ، لَا إِلهَ إِلَا هُوَ ، وَلَقَد طَالَت المُخَاطَبَةُ فِيما بَينَنَا وَبينَكُم فِيمَا هُوَ لَكُم وَعَلَيكُم ، فَلَولَا مَا يَجِبُ مِن تَمَامِ النِّعمَةِ مِنَ اللّهِ عز و جل عَلَيكُم لَمَا أَرَيتُكُم لِي خَطّاً ، وَلَا سَمِعتُم مِنِّي حَرفاً مِن بَعدِ المَاضِي عليه السلام ، أَنتُم فِي غَفلَةٍ عَمَّا إِلَيهِ مَعَادُكُم ، وَمَن بَعدِ الثَّانِي

.


1- .. المائدة : 3 .
2- .. الشورى :23 .

ص: 412

رَسُولِي ، وَمَا نَالَهُ مِنكُم حِينَ أَكرَمَهُ اللّهُ بِمَصِيرِهِ إِلَيكُم ، وَمَن بَعدِ إِقَامَتِي لَكُم إِبرَاهِيمَ بنَ عَبدَةَ ، وَفَّقَهُ اللّهُ لِمَرضَاتِهِ وَأَعانَهُ عَلَى طَاعَتِهِ ، وَكِتَابِي الَّذَي حَمَلَهُ مُحَمَّدُ بنُ مُوسَى النِّيسَابُورِيُّ ، وَاللّهُ المُستَعَانُ عَلَى كُلِّ حَالٍ . وَإِنِّي أَرَاكُم تُفَرِّطُونَ فِي جَنبِ اللّهِ فَتَكُونُونَ مِنَ الخَاسِرِينَ ، فَبعدَاً وَسَحقَاً لِمَن رَغَبَ عَن طَاعَةِ اللّهِ وَلَم يَقبَل مَواعِظَ أَولِيَائِهِ ، وَقَد أَمَرَكُم اللّهُ جَلَّ وَعَلَا بِطَاعَتِهِ لَا إِله إِلَا هُوَ ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله ، وَبِطَاعَةِ أُولِى الأَمرِ عليهم السلام ، فَرَحِمَ اللّهُ ضَعفَكُم وَقِلَّةَ صَبرِكُم عَمَّا أَمَامَكُم ، فَمَا أَغَرَّ الإِنسَانَ بِرَبِّهِ الكَرِيمِ ، وَاستَجَابَ اللّهُ دُعَائِي فِيكُم ، وَأَصلَحَ أُمُورَكُم عَلَى يَدِي ، فَقَد قَالَ اللّهُ جَلَّ جَلَالُهُ : « يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسِ بِإِمَامِهِمْ» (1) ، وَقَالَ جل جلاله : « وَكَذَ لِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً » (2) ، وقال اللّه جل جلاله : « كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ» (3) . فَمَا أُحِبُّ أَن يَدعُوَ اللّهَ جل جلاله بِي وَلَا بِمَن هُوَ فِي أَيَّامِي إِلَا حَسَبَ رِقَّتِي عَلَيكُم ، وَمَا انطَوَى لَكُم عَلَيهِ مِن حُبِّ بُلُوغِ الأَمَلِ فِي الدَّارَينِ جَمَيعَاً ، وَالكَينُونَةِ مَعَنا فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ . فَقَد يا إِسحَاقُ _ يَرحَمُكَ اللّهُ وَيَرحَمُ مَن هُوَ وَرَاءَكَ _ بَيَّنتُ لَكُم بَيَاناً ، وَفَسَّرتُ لَكُم تَفسِيراً ، وَفَعَلتُ بِكُم فِعلَ مَن لَم يَفهَم هَذَا الأَمرَ قَطُّ ، وَلَمَ يَدخُل فِيهِ طَرفَةَ عَينٍ ، وَلَو فَهِمَتِ الصُّمُّ الصِّلَابُ بَعضَ مَا فِي هَذَا الكِتَابِ لَتَصَدَّعَت قَلَقاً خَوفاً مِن

.


1- .. الإسراء :71 .
2- .. البقرة : 143 .
3- .. آل عمران :110 .

ص: 413

خَشيَةِ اللّهِ ، وَرُجُوعاً إِلَى طَاعَةِ اللّهِ عز و جل . فَاعمَلُوا مِن بَعدِهِ مَا شِئتُم فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ وَالمَؤمِنُونَ ، ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ ، وَالحَمدُ للّهِ كَثِيرَاً رَبِّ العَالَمِينَ . وَأَنتَ رَسُولِي يَا إِسحَاقُ إِلَى إِبرَاهِيمَ بنِ عَبدَةَ وَفَّقَهُ اللّهُ ، أَن يَعمَلَ بِمَا وَرَدَ عَلَيهِ فِي كِتَابِي مَعَ مُحَمَّدِ بنِ مُوسَى النِّيسَابُورِيِّ إِن شَاءَ اللّهُ ، وَرَسُولِي إِلَى نَفسِكَ ، وَإلَى كُلِّ مَن خَلفَكَ بِبَلَدِكَ ، أَن يَعمَلُوا بِمَا وَرَدَ عَليكُم فِي كِتَابِي مَعَ مُحَمَّدٍ بنِ مُوسَى إِن شَاءَ اللّهُ ، ويَقرَأُ إِبرَاهيمُ بنُ عَبدَةَ كِتَابِي هَذَا وَمَن خَلفَهُ بِبَلَدِهِ ، حَتَّى لَا يَسأَلُونِي ، وَبِطَاعَةِ اللّهِ يَعتَصِمُونَ ، وَالشَّيطَانِ بِاللّهِ عَن أَنفُسِهِم يَجتَنِبُونَ ، وَلَا يَطِيعُونَ . وَعَلَى إِبرَاهِيمَ بنِ عَبدَةَ سَلَامُ اللّهِ وَرَحمَتُهُ ، وَعَلَيكَ يَا إِسحَاقُ ، وَعَلَى جَمِيعِ مَوَالِيَّ السَّلَامُ كَثِيرَاً ، سَدَّدَكُم اللّهُ جَمِيعاً بِتَوفِيقِهِ ، وَكُلُّ مَن قَرَأَ كِتَابَنَا هَذَا مِن مَوَالِيَّ مِن أَهلِ بَلَدِكَ ، وَمَن هُوَ بِنَاحِيَتِكُم ، وَنَزَعَ عَمَّا هُوَ عَلَيهِ مِنَ الانحِرَافِ عَنِ الحَقِّ ، فَليُؤَدِّ حُقُوقَنَا إِلَى إِبرَاهِيمَ بنِ عَبدَةَ ، وَليَحمِل ذَلِكَ إِبرَاهِيمُ بنُ عَبدَةَ إِلَى الرَّازِيِّ رضى الله عنه ، أَو إِلَى مَن يُسَمِّي لَهُ الرَّازِيُّ ، فَإِنَّ ذَلِكَ عَن أَمرِي وَرَأيِيِ إِن شَاءَ اللّهُ . وَيَا إِسحَاقُ اقرَأ كِتَابَنَا عَلَى البَلَالِيِّ رضى الله عنه ، فَإِنَّهُ الثِّقَةُ المَأمُونُ العَارِفُ بِمَا يَجِبُ عَلَيهِ ، وَاقرَأهُ عَلَى المَحمُودِيِّ عَافَاهُ اللّهُ ، فَمَا أَحمَدنَا لَهُ لِطَاعَتِهِ ، فَإِذَا وَرَدتَ بَغدَادَفَاقرَأهُ عَلَى الدِّهقَانِ ، وَكيلِنَا ، وَثِقَتِنَا ، وَالَّذِي يَقبِضُ مِن مَوَالِينَا ، وَكُلُّ مَن أَمكَنَكَ مِن مَوَالِينَا فَاقرَأهُم هَذَا الكِتَابَ ، وَيَنسِخُهُ مَن أَرَادَ مِنهُم نُسخَةً إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . وَلَا يَكتُم إِن شَاءَ اللّهُ أَمرَ هَذَا عَمَّن يُشَاهِدهُ مِن مَوَالِينَا ، إِلَا مِن شَيطَانٍ مُخَالِفٍ لَكُم ، فَلَا تَنثُرَنَّ الدُّرَّ بَينَ أَظلَافِ الخَنَازِيرِ ، وَلَا كَرَامَةَ لَهُم ، وَقَد وَقَعنَا فِي كِتَابِكَ

.

ص: 414

بِالوُصُولِ وَالدُّعَاءِ لَكَ وَلِمَن شِئتَ ، وَقَد أَجَبنَا شِيعَتَنَا عَن مَسأَلَتِهِ وَالحَمُدُ للّهِ ، فَمَا بَعدَ الحَقِّ إِلَا الضَّلَالُ ، فَلَا تَخرُجَنَّ مِنَ البَلدَةِ حَتَّى تَلقَى العَمرِيِّ رضى الله عنه بِرِضَائِي عَنهُ ، فَتُسَلِّمَ عَلَيهِ ، وَتَعرِفَهُ وَيَعرِفَكَ ، فَإِنَّهُ الطَّاهِرُ الأَمِينُ العَفِيفُ القَرِيبُ مِنَّا وَإلَينَا ، فَكُلُّ مَا يُحمَلُ إِلَينَا مِن شَيءٍ مِنَ النَّواحِي فَإِلَيهُ المَسِيرُ آخِرُ عُمرِهِ ، لِيُوصِلَ ذَلِكَ إلَينَا . وَالحَمدُ للّهِ كَثِيرَاً ، سَتَرَنَا اللّهُ وَإِيَّاكُم يِا إِسحَاقُ بِسِترِهِ ، وَتَوَلَاكَ فِي جَمِيعِ أُمورِكَ بِصُنعِهِ ، وَالسَّلَامُ عَلَيكَ وَعَلَى جَمِيعِ مَوَالِيَّ ، وَرَحمَةُ اللّهِ وَبَركَاتُهُ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَثِيرَاً . (1)

وفي علل الشرائع : حدّثنا عليّ بن أحمد رحمه الله ، قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب عن عليّ بن محمّد ، عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوريّ ، أنّ العالم كتب إليه _ يعني الحسن بن عليّ عليه السلام _ :إِنَّ اللّهَ تَعَالَى بِمَنِّهِ وَرَحمَتِهِ لَمَّا فَرَضَ عَلَيكُم الفَرائِضَ ، لَم يَفرِض ذَلِكَ عَلَيكُم لِحَاجَةٍ مِنهُ إِلَيهِ ، بَل رَحمَةً مِنهُ إِلَيكُم لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ ؛ لِيَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَلِيَبتَلِيَ مَا فِي صُدُوركُم ، وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُم ، وَلتَتَسَابَقُوا إِلَى رَحمَتِهِ ، وَلتَتَفَاضَلَ مَنَازِلُكُم فِي جَنَّتِهِ ، فَفَوَّضَ عَلِيكُمُ الحَجَّ وَالعُمرَةَ وَإقَامَ الصَّلاةِ وَإيتَاءَ الزَّكَاةِ وَالصُّومَ وَالوَلَايَةَ ، وَجَعَلَ لَكُم بَاباً لِتَفتَحُوا بِهِ أَبوَابَ الفَرِائِضِ وَمِفتَاحاً إِلَى سَبِيلِهِ . وَلَولَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وَالأَوصِياءُ مِن وُلدِهِ كُنتُم حَيَارَى كَالبَهَائِمِ لَا تَعرِفُونَ فَرضاً مِنَ الفَرَائِضِ ، وَهَل تُدخَلُ قَريَةً إِلَا مِن بَابِهَا ؟ فَلَمَّا مَنَّ اللّهُ عَلَيكُمِ بِإقَامَةِ الأَولِيَاءَ بَعدَ نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله قَالَ اللّهُ عز و جل : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلامَ

.


1- .. رجال الكشّي : ج 2 ص 844 الرقم 1088 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 319 نقلاً عنه .

ص: 415

دِيناً » (1) ، وَفَرضَ عَلَيكُم لِأَولِيائِهِ حُقُوقاً فَأَمَرَكُم بِأَدَائِهَا إِلَيهِم ؛ لِيَحِلَّ لَكُم مَا وَرَاءَ ظُهُورِكُم مِن أَزوَاجِكُم وَأَموَالِكُم وَمَأكَلِكُم وَمَشرَبِكُم ، وَيُعَرِّفَكُم بِذَلِكَ البَرَكَةَ والنَّمَاءَ وَالثَّروَةَ ، وَلِيَعلَمَ مَن يُطِيعُهُ مِنكُم بِالغَيبِ ، وقَالَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : « قُل لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى» (2) . فَاعلَمُوا إِنَّ مَن يَبخَلُ فَإِنَّمَا يَبخَلُ عَلَى نَفسِهِ ، إِنَّ اللّهَ هُوَ الغَنِيُّ وَأَنتُمُ الفُقرَاءُ إِلَيهِ لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ ، فَاعمَلُوا مِن بَعدِ مَا شِئتُم فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُم وَرسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ ، ثُمَّ تُرَدَّوَن إِلَى عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُوَن وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ ، وَالحَمدُ للّهِ رَبِّ العَالَمِينَ . (3)

وفي الأمالي للطوسي : قال : أخبرنا الحسين بن عبيد اللّه ، عن عليّ بن محمّد العلويّ ، قال : حدّثنا الحسين بن صالح بن شعيب الجوهري ، قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني ، عن عليّ بن محمّد ، عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري ، قال : حدّثنا الحسن بن عليّ عليه السلام :إِنَّ اللّهَ عز و جل بِمَنِّهِ وَرَحمَتِهِ ، لَمَّا فَرَضَ عَلَيكُم الفَرَائِضَ ، لَم يَفرِض ذَلِك عَلَيكُم لِحَاجَةٍ مِنهُ إِلَيهِ ، بَل رَحمَةً مِنهُ ، لِا إِلَهَ إِلَا هُوَ ، لِيَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ، وَلِيَبتَلِيَ مَا فِي صُدُورِكُم ، وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُم ، وَلتَتَسَابَقُوا إِلَى رَحمَتِهِ ، وَلِتَتَفَاضَلَ مَنَازِلُكُم فِي جَنَّتِهِ ، فَفَرَضَ عَلَيكُم الحَجَّ وَالعُمرَةَ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالصَّومَ وَالوَلَايَةَ ، وَجَعَلَ لَكُم بَاباً لِتَفتَحُوا بِهِ أَبوَابَ الفَرَائِضِ مِفتَاحاً إِلَى سُبُلِهِ . وَلَولَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وَالأَوصِيَاءُ مِن وُلدِهِ كُنتُم حَيَارَى كَالبَهَائِمِ ، لَا تَعرِفُونَ فَرضاً مِنَ

.


1- .. المائدة : 3 .
2- .. الشورى : 23 .
3- .. علل الشرائع : ص 249 ح6 ، وسائل الشيعة : ج 1 ص 21 ح 21 ، بحار الأنوار : ج 23 ص 99 ح 3 .

ص: 416

الفَرَائِضِ ، وَهَل تُدخَلُ قَريَةً إِلَا مِن بَابِهَا ، فَلَمَّا مَنَّ عَلَيكُم بِإِقَامَةِ الأَولِيَاءِ بَعدَ نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله قَالَ : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلامَ دِيناً » (1) ، وَفَرضَ عَلَيكُم لِأَولِيائِهِ حُقُوقاً ، وَأَمَرَكُم بِأَدَائِهَا إِلَيهِم ؛ لِيَحِلَّ لَكُم مَا وَرَاءَ ظُهُورِكُم مِن أَزوَاجِكُم وَأَموَالِكُم وَمَآكِلِكُم وَمَشَارِبِكُم ، وَيُعَرِّفَكُم بِذَلِكَ البَرَكَةَ وَالنَّمَاءَ وَالثَّروَةَ ، لِيَعلَمَ مَن يُطِيعُهُ مِنكُم بِالغَيبِ ، ثُمَّ قَالَ عز و جل : « قُل لَا أَسْ_ئلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى» (2) . فَاعلَمُوا إِنَّ مَن يَبخَلُ فَإِنَّمَا يَبخَلُ عَن نَفسِهِ ، إِنَّ اللّهَ هُوَ الغَنِيُّ وَأَنتُمُ الفُقَراءُ إِلَيهِ ، فَاعمَلُوا مِن بَعدِ مَا شِئتُم فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُم وَرسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ ، ثُمَّ تُرَدّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُوَن وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ ، وَلَا عُدوَانَ إِلَا عَلَى الظَّالِمِينَ ، سَمِعتُ جَدِّي رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقوُلُ : خُلِقتُ مِن نُورِ اللّهِ عز و جل ، وَخُلِقَ أَهلُ بَيتِي مِن نُورِي ، وَخُلِقَ مُحِبُّوهُم مِن نُورِهِم ، وَسَائِرُ الخَلقِ فِي النَّارِ . (3)

وفي تحف العقول :سَتَرَنا اللّهُ وَإيّاكَ بِسَترِهِ وَتَولاّكَ في جَميع أُمُورِكَ بِصُنعِهِ ، فَهِمتُ كِتابَكَ يَرحَمُكَ اللّهُ ، وَنَحنُ بِحَمدِ اللّهِ وَنِعمَتِهِ أهلُ بَيتٍ ، نَرِقُّ عَلى أولِيائِنا وَنَسُرُّ بِتَتابُع إِحسانِ اللّهِ إِلَيهِم وفَضلِهِ لَدَيهِم ، وَنَعتَدُّ بِكُلِّ نِعمَةٍ يُنعِمُهَا اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى عَلَيهِم ، فَأَتَمَّ اللّهُ عَلَيكَ يا إِسحاقُ وَعَلى مَن كانَ مِثلَكَ _ مِمَّن قَد رَحِمَهُ اللّهُ وَبَصَّرَهُ بَصيرَتَكَ _ نِعمَتَهُ . وَقَدَّرَ تَمامَ نِعمَتِهِ دُخُولَ الجَنَّةِ ، وَلَيسَ مِن نِعمَةٍ وَإن جَلَّ أمرُها وَعَظُمَ خَطَرُها إِلَا وَ« الحَمدُ للّهِِ» تَقَدَّسَت أسماؤُهُ عَلَيها مُؤَدٍّ شُكرَها .

.


1- .. المائدة : 3 .
2- .. الشورى : 23 .
3- .. الأمالي للطوسي : ص 654 ح 1355 .

ص: 417

وَأَنَا أقولُ : اَلحَمدُ للّهِِ أَفضَلَ ما حَمِدَهُ حامِدُهُ إِلى أَبَدِ الأَبَدِ بِما مَنَّ اللّهُ عَلَيكَ مِن رَحمَتِهِ وَنَجّاكَ مِنَ الهَلَكَةِ وَسَهَّلَ سَبيلَكَ عَلَى العَقَبَةِ ، وَاَيمُ اللّه إِنَّها لَعَقَبَةٌ كَؤُودٌ ، شَدِيدٌ أَمرُها ، صَعبٌ مَسلَكُها ، عَظيمٌ بَلاؤُها ، قَدِيمٌ في الزُّبُرِ الاُولى ذِكرُها . وَلَقَد كانَت مِنكُم في أيّامِ الماضي عليه السلام إِلى أن مَضى لِسَبيلِهِ وَفي أَيّامي هذِهِ ، أُمُورٌ كُنتُم فيها عِندِي غَيرَ مَحمُودِي الرَّأيِ وَلا مُسَدَّدِي التَّوفيقِ . فَاعلَم يَقينا يا إِسحاقُ إنَّهُ مَن خَرَجَ مِن هذِهِ الدُّنيا أَعمى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعمى وَأَضَلُّ سَبيلاً ، يا إِسحاقُ لَيسَ تَعمَى الأَبصارُ ، وَلكِن تَعمَى القُلُوبُ الّتي فِي الصُّدُورِ ؛ وَذلِكَ قَولُ اللّهِ في مُحكَمِ كِتابِهِ حِكايَةً عَنِ الظّالِمِ إِذ يَقُولُ : « رَبِّ لِمَ حَشَرْتَني أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرا * قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ اليَوْمَ تُنْسى» (1) . وَأَيُّ آيَةٍ أعظَمُ مِن حُجَّةِ اللّهِ عَلى خَلقِهِ وَأَمينِهِ في بِلادِهِ وَشَهيدِهِ عَلى عِبادِهِ مِن بَعدِ مَن سَلَفَ مِن آبائِهِ الأَوَّلينَ النَّبِيِّينَ وَآبائِهِ الآخِرينَ الوَصِيِّينَ ، عَلَيهِم أجمَعينَ السَّلامُ وَرَحمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ . فَأَينَ يُتاهُ بِكُم وَأَينَ تَذهَبُونَ كَالْأنْعامِ عَلى وُجُوهِكُمْ ، عَنِ الحَقِّ تَصدِفُونَ وَبِالباطِلِ تُؤمِنُونَ وَبِنِعمَةِ اللّهِ تَكفُروُنَ ، أَو تَكُونُونَ مِمَّن يُؤمِنُ بِبَعضِ الكِتابِ وَيَكفُرُ بِبَعضٍ ، فَما جَزاءُ مَن يَفعَلُ ذلِكَ مِنكُم وَمِن غَيرِكُم إلّا خِزيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنيا وَطُولُ عَذابٍ في الآخِرَةِ الباقِيَةِ ، وَذلِكَ وَاللّهِ الخِزيُّ العَظيمُ .

وفي علل الشرائع و أُصول الإسلام :إنَّ اللّهَ بِمَنِّه وَرَحمَتِهِ لَمّا فَرَضَ عَلَيكُمُ الفَرائِضَ ، لَم يَفرِض ذلِكَ عَلَيكُم لِحاجَةٍ

.


1- .. طه : 125 _ 126 .

ص: 418

مِنهُ إِلَيكُم ، بَل بِرَحمَةٍ مِنهُ _ لا إِله إلّا هُوَ _ عَلَيكُم لِيَميزَ الخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَلِيَبتَليَ ما في صُدُورِكُم وَلِيُمَحِّصَ ما في قُلُوبِكُم ، لِتُسابِقُوا إِلى رَحمَةِ اللّهِ وِلِتَتَفاضَلَ مَنازِلُكُم في جَنَّتِهِ . فَفَرَضَ عَلَيكُمُ الحَجَّ وَالعُمرَةَ وَإقامَ الصّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَالصَّومَ وَالوِلايَة ، وَجَعَلَ لَكُم بابا تَستَفتِحُونَ بِهِ أبوابَ الفَرائِضِ وَمِفتاحا إِلى سَبيلِهِ ، لَولا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وَالأَوصِياءُ مِن وُلدِهِ لَكُنتُم حَيارى كَالبَهائِمِ لا تَعرِفُونَ فَرضا مِنَ الفَرائِضِ ، وَهَل تُدخَلُ مَدِينَةٌ إلّا مِن بابِها . فَلَمّا مَنَّ عَلَيكُم بِإقامَةِ الأَولِياءِ بَعدَ نَبِيِّكُم ؛ قالَ اللّهُ في كِتابِهِ : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلامَ دِيناً » (1) ، فَفَرَضَ عَليكُم لِأَولِيائِهِ حُقُوقا أَمَرَكُم بِأدائِها ، لِيَحِلَّ لَكُم ما وَراءَ ظُهُورِكُم مِن أَزواجِكُم وَأَموالِكُم وَمَآكِلِكم وَمَشارِبِكُم ، قالَ اللّهُ : « قُل لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى» (2) . وَاعلَمُوا إنَّ مَن يَبخَلُ فإِنَّما يَبخَلُ عَن نَفسِهِ وَاللّهُ الغَنِيُّ وَأَنتُمُ الفُقَراءُ ، لا إِلهَ إلّا هُوَ ، وَلَقَد طَالَتِ المُخاطَبَةُ فيما هُوَ لَكُم وَعَلَيكُم . وَلَولا ما يُحِبُّ اللّهُ مِن تَمامِ النِّعمَةِ مِنَ اللّهِ عَلَيكُم لَما رَأَيتُم لي خَطّا وَلا سَمِعتُم مِنِّى حَرفا مِن بَعدِ مُضِيِّ الماضِي عليه السلام وَأَنتُم في غَفلَةٍ مِمّا إِلَيهِ مَعادُكُم ، وَمِن بَعدِ إِقامَتي لَكُم إِبراهيمَ بنَ عَبدَةَ ، وَكِتابي الّذِي حَمَلَهُ إِلَيكُم مُحَمَّدُ بنُ مُوسَى النِّيسابُورِيُّ ، وَاللّهُ المُستَعانُ عَلى كُلِّ حالٍ . وَإِيّاكُم أَن تُفَرِّطُوا في جَنبِ اللّهِ فَتَكُونُوا مِنَ الخاسِرينَ ، فَبُعدا وَسُحقا لِمَن رَغِبَ

.


1- .. المائدة : 3 .
2- .. الشورى : 23 .

ص: 419

132 . كتابه عليه السلام إلى أبي الحسن عليّ بن الحسين بن بابَوَيه القمّي

عَن طاعَةِ اللّهِ وَلَم يَقبَل مَواعِظَ أَولِيائِهِ ، فَقَد أَمَرَكُمُ اللّهُ بِطاعَتِهِ وَطاعَةِ رَسُولِهِ وَطاعَةِ أُولِي الأمرِ ، رَحِمَ اللّهُ ضَعفَكُم وَغَفلَتَكُم وَصَبَّرَكُم عَلى أمرِكُم ، فَما أغَرَّ الإنسانَ بِرَبِّهِ الكَرِيمِ وَلَو فَهِمَتِ الصُّمُ الصّلَابُ بَعضَ ما هُوَ في هذَا الكِتابِ ، لَتَصَدَّعَت قَلِقا وَخَوفا مِن خَشيَةِ اللّهِ وَرُجُوعا إِلى طاعَةِ اللّهِ . اِعمَلُوا ما شِئتُم « فَسَيَرى اللّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ ، ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلُونَ » (1) ، وَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أجمَعينَ . (2)

132كتابه عليه السلام إلى أبي الحسن عليّ بن الحسين بن بابَوَيه القمّيوممّا كتب عليه السلام إلى عليّ بن الحسين بن بابَويه القمّي 3 :وَاعتَصَمتُ بِحَبلِ اللّهِ ، بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ ، وَالحَمدُ للّهِ رَبِّ العالَمِينَ ، وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ ، وَالجَنَّةُ لِلمُوَحِّدِينَ وَالنَّارُ لِلمُلحِدِينَ ، وَلا عُدوانَ إِلّا عَلَى الظّالِمِينَ ، وَلا إِلَهَ إِلّا اللّهُ أَحسَنُ الخَالِقِينَ ، وَالصَّلاةُ عَلَى خَيرِ خَلقِهِ مُحَمَّدٍ

.


1- .. اقتباس من الآية « 105 » من سورة التوبة .
2- .. تحف العقول : ص 484 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 374 ح 2 وراجع : علل الشرائع : ص 249 ح6 ، الأمالي للطوسي : ص 654 ح 1355 .

ص: 420

وَعِترَتِهِ الطَّاهِرِينَ . . . . وَعَلَيكَ بِالصَّبرِ وَانتِظَارِ الفَرَجِ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قال : أَفضَلُ أَعمَالِ أُمَّتِي انتِظَارُ الفَرَجِ ، وَلا تَزَالُ شِيعَتُنَا فِي حُزنٍ حَتَّى يَظهَرَ وَلَدِيَ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، يَملأُ الأَرضَ قِسطاً وَعَدلاً كَمَا مُلِئَت جَوراً وَظُلماً . فَاصبِر يَا شَيخِي يَا أَبَا الحَسَنِ عَليَّ ، وَأَمُر جَمِيعَ شِيعَتِي بِالصَّبرِ ، فإِنَّ الأَرضَ للّهِ يُورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ ، وَالسَّلامُ عَلَيكَ وَعَلَى جَمِيعِ شِيعَتِنَا وَرَحمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ . (1)

وفي خاتمة مستدرك الوسائل : الشيخ الأقدم والطود الأشمّ ، أبو الحسن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي ، العالم الفقيه المحدّث الجليل ، صاحب المقامات الباهرة ، والدرجات العالية الّتي تنبّئ عنها مكاتبة الإمام العسكري ، وتوقيعه الشريف إليه ، وصورته على ما رواه الشيخ الطبرسي في الاحتجاج 2 :بسم اللّه الرحمن الرحيم ، الحَمدُ للّهِ رَبِّ العَالَمَينَ ، وَالعَاقِبَةُ لِلمُوَحِّدِينَ ، وَالنَّارُ لِلمُلحِدِينَ ، وَلَا عُدوَانَ إِلَا عَلَى الظَّالِمِينَ ، وَلَا إِلَهَ إِلَا اللّهُ أَحسَنُ الخَالِقِينَ ، وَالصَّلَاةُ عَلَى خَيرِ خَلقِهِ مُحَمَّدٍ وَعِترَتِهِ الطَّاهِرِينَ . أَمَّا بَعدُ : أُوصِيكَ يَا شَيخِي وَمُعتَمَدِي وَفَقِيهِي أَبَا الحَسَنِ عَليَّ بنَ الحُسِينِ بنَ بَابَوَيهِ القُمِّيِّ _ وَفَّقَكَ اللّهُ لِمَرضَاتِهِ ، وَجَعَلَ من وُلدِكَ أَولَاداً صَالِحِينَ بِرَحمَتِهِ _ بِتَقَوَى اللّهِ ، وَإقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، فَإِنَّهُ لَا تُقبَلُ الصَّلَاةُ مِن مَانِعِي الزَّكَاةِ ،

.


1- .. المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 425 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 317 ح 14 نقلاً عنه .

ص: 421

وَأُوصِيكَ بِمَغفِرَةِ الذَّنبِ ، وَكَظمِ الغَيظِ ، وَصِلَةِ الرَّحمِ ، وَمؤَاسَاةِ الإِخوَانِ ، وَالسَّعِي فِي حَوَائِجِهِم فِي العُسرِ وَاليُسرِ ، وَالحِلمِ عِندَ الجَهلِ ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ، وَالتَّثَبُّتِ فِي الأُمورِ ، وَالتَّعَهُّدِ لِلقُرآنِ ، وَحُسنِ الخُلقِ ، وَالأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهِي عَنِ المُنكَرِ ، قَالَ اللّهُ عز و جل : « لا خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ )(1) ، وَاجتِنَابِ الفَوَاحِش كُلِّهَا . وَعَلَيكَ بِصَلَاة اللَّيلِ ، عَلَيكَ بِصَلاَة اللَّيلِ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله أَوصَى عَلِيّاً عليه السلام فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، عَلَيكَ بِصَلَاةِ اللَّيلِ ، عَلَيكَ بِصَلَاةِ اللَّيلِ ، عَلَيكَ بِصَلَاةِ اللَّيلِ . وَمَن استَخَفَّ بِصَلَاةِ اللَّيلِ فَلَيسَ مِنَّا . فَاعمَل بِوَصِيَّتِي ، وَآمُرُ جَمِيعَ شِيعَتِي بِهَا ، أَمَرتُكَ بِهِ حَتَّى يَعمَلُوا عَلَيهِ ، وَعَلَيكَ بِالصَّبرِ وَانتِظَارِ الفَرَجِ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قَالَ : أَفضَلُ أَعمَالِ أُمَّتِي انتِظَارُ الفَرَجِ ، وَلاَ تَزَالُ شِيعَتُنَا فِي حُزنٍ حَتَّى يَظهَرَ وَلَدِي الَّذِي بَشَّرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، حَيثُ قَالَ : إِنَّهُ يَملَأُ الأَرضَ قِسطاً وَعَدلاً ، كَمَا مُلِئَت ظُلماً وَجَوراً . فَاصبِر _ يَا شَيخِي وَمُعتَمَدِي أَبَا الحَسَنِ _ وَأَمُر جَمِيعَ شِيعَتِي بِالصَّبرِ ، فَ « إِنَّ الأَْرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » (2) . وَالسَّلَامُ عَلَيكَ ، وَعَلَى جَمِيعِ شِيعَتِنَا ، وَرَحمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، وَ « حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ » (3) ، « نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ » (4) .

ونقله القاضي في المجالس (5) وفي الرياض : ونقل الشهيد والقطب الكيدريّ أيضاً

.


1- .. النساء : 114 .
2- .. الأعراف : 128 .
3- .. آل عمران : 173 .
4- .. الأنفال : 40 ، الحج : 78 .
5- .. مجالس المؤمنين : ج 2 ص 453 .

ص: 422

133 . كتابه عليه السلام إلى أهل قمّ وآبَة

_ في كتاب الدرّة الباهرة من الأصداف الطاهرة _ هذا المكتوب من جملة كلام الحسن العسكري عليه السلام (1) . (2)

133كتابه عليه السلام إلى أهل قمّ وآبَةكتب أبو محمّد عليه السلام إلى أهل قمّ وآبَة (3) :إِنَّ اللّهَ تَعَالَى بِجُودِهِ وَرَأفَتِهِ قَد مَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ بَشِيراً وَنَذِيراً ، وَوَفَّقَكُم لِقَبُولِ دِينِهِ ، وَأَكرَمَكُم بِهِدَايَتِهِ ، وَغَرَسَ فِي قُلُوبِ أَسلافِكُمُ المَاضِينَ _ رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِم _ وَأَصلابِكُمُ البَاقِينَ _ تَوَلَّى كِفَايَتَهُم وَعَمَّرَهُم طَوِيلاً فِي طَاعَتِهِ _ حُبَّ العِترَةِ الهَادِيَةِ ، فَمَضَى مَن مَضَى عَلَى وَتِيرَةِ الصَّوَابِ وَمِنهَاجِ الصِّدقِ وَسَبِيلِ الرَّشَادِ ، فَوَرَدُوا مَوَارِدَ الفَائِزِينَ ، وَاجتَنَوا ثَمَرَاتِ مَا قَدَّمُوا ، وَوَجَدُوا غِبَّ مَا أَسلَفُوا . ومنها : فَلَم يَزَل نِيَّتُنَا مُستَحكَمَةً ، وَنُفُوسُنَا إِلَى طِيبِ آرَائِكُم سَاكِنَةٌ ، وَالقَرَابَةُ الوَاشِجَةُ بَينَنَا وَبَينَكُم قَوِيَّةً ، وَصِيَّةٌ أُوصيَ بِهَا أَسلافُ_نَا وَأَسلافُكُم ، وَعَهدٌ عُهِدَ إِلَى شُبَّانِنَا وَمَشَايِخِكُم ، فَلَم يَزَل عَلَى جُملَةٍ كَامِلَةٍ مِنَ الاعتِقَادِ لِمَا جَعَلَنَا اللّهُ عَلَيهِ مِنَ الحَالِ القَرِيبَةِ وَالرَّحِمِ المَاسَّةِ ، يَقُولُ العَالِمُ سَلامُ اللّهِ عَلَيهِ إِذ يَقُولُ : المُؤمِنُ أَخُو المُؤمِنِ لأُمَّهِ وَأَبِيهِ . (4)

.


1- .. رياض العلماء : ج 4 ص 7 .
2- .. خاتمة مستدرك الوسائل : ج 3 ص276 .
3- .. آبَة : بالباء الموحدة : قال أبو سعد : قال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه : آبة من قرى أصبهان ، وقال غيره : إنّ آبة قرية من قرى ساوة ، منها جرير بن عبد الحميد الآبي سكن الري . قلت أنا : أمّا آبة ، بليدة تقابل ساوة تُعرف بين العامّة بآوة ، فلا شكّ فيها ، وأهلها شيعة ، وأهل ساوه سنّية ، لا تزال الحروب بين البلدين قائمة على المذهب ( معجم البلدان : ج 1 ص 50 ) .
4- .. المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 425 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 317 ح 14 نقلاً عنه .

ص: 423

134 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن حَمدَوَيه البَيهَقِيّ

134كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن حَمدَوَيه البَيهَقِيّقال أبو الحسن عليّ بن محمّد بن قُتيبة : وممّا رقّع ( وقّع ) عبد اللّه بن حَمدَوَيه البَيهقيّ (1) وكتبته عن رقعته : إنّ أهل نَيسابور قد اختلفوا في دينهم وخالف بعضهم بعضاً ويُكفّر بعضهم بعضاً ، وبها قوم يقولون : إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله عرف جميع لغات أهل الأرض ولغات الطيور وجميع ما خلق اللّهُ ، وكذلك لابدّ أن يكون في كلّ زمان من يعرف ذلك ويعلم ما يُضمر الإنسان ، ويعلم ما يعمل أهل كلّ بلاد في بلادهم ومنازلهم ، وإذا لقيَ طفلين يعلم أيّهما مؤمنٌ وأيّهما يكون منافقاً ، وأنّه يعرف أسماء جميع من يتولّاه في الدنيا وأسماء آبائهم ، وإذا رأى أحدهم عرفه باسمه من قبل أن يكلّمه . ويزعمون _ جُعلت فداك _ أنّ الوحي لا ينقطع ، والنبيّ صلى الله عليه و آله لم يكن عنده كمال العلم ، ولا كان عند أحد من بعده ، وإذا حدث الشيء في أيّ زمان كان ولم يكن علم ذلك عند صاحب الزمان ، أوحى اللّهُ إليه وإليهم . فقال :كَذَبُوا لَعَنَهُمُ اللّهُ وَافتَرَوا إِثماً عَظِيماً .

وبها شيخ يقال له فضل بن شاذان ، يخالفهم في هذه الأشياء ويُنكر عليهم أكثرها ، وقوله : شَهادة أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه ، وأنّ اللّه عز و جل في السماء السابعة فوق العرش كما وصف نفسه عز و جل أنّه جسم ، فوصفه بخلاف المخلوقين في جميع المعاني ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وأنّ من قوله : إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد أتى بكمال الدين وقد بلّغ عن اللّه عز و جل ما أمره به وجاهد في سبيله وعبده حتّى أتاه اليقين ، وإنّه عليه السلام أقام رجلاً يقوم مقامه من بعده ، فعلّمه من العلم الّذي أوحى اللّه ، فعرف ذلك الرجل الّذي عنده من العلم الحلال والحرام وتأويل الكتاب وفصل الخطاب ، وكذلك في كلّ زمان لا بدّ من أن يكون واحد يعرف هذا ، وهو ميراث من

.


1- .. اُنظر ترجمته في الرقم 10 .

ص: 424

رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتوارثونه ، وليس يعلم أحد منهم شيئاً من أمر الدين إلّا بالعلم الّذي ورثوه عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، وهو يُنكر الوحي بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله . فقال :قَد صَدَقَ فِي بَعضٍ وَكَذَبَ فِي بَعضٍ . وفي آخر الوَرَقة : قَد فَهِمنَا رَحِمَكَ اللّهُ كُلَّ مَا ذَكَرتَ ، وَيَأبَى اللّهُ عز و جل أَن يُرشِدَ أَحَدَكُم وَأَن نَرضَى ( يَرضَى ) عَنكُم وَأَنتُم مُخَالِفُونَ مُعَطِّلُونَ الذِّينَ لا يَعرِفُونَ إِمَاماً وَلا يَتَوَلَّونَ وَلِيّاً ، كُلَّمَا تَلاقُوكُمُ اللّهُ عز و جل بِرَحمَتِهِ وَأَذِنَ لَنَا فِي دُعَائِكُم إِلَى الحَقِّ وَكَتَبنَا إِلَيكُم بِذَلِكَ وَأَرسَلنَا إِلَيكُم رَسُولاً ، لَم تُصَدِّقُوهُ ، فَاتَّقُوا اللّهَ عِبَادَ اللّهِ وَلا تَلِجُوا فِي الضَّلالَةِ مِن بَعدِ المَعرِفَةِ . وَاعلَمُوا إنَّ الحُجَّةَ قَد لَزِمَت أَعنَاقَكُم وَاقبَلُوا نِعمَتَهُ عَلَيكُم ، تَدُم لَكُم بِذَلِكَ السَّعَادَةُ فِي الدَّارَينِ عَنِ اللّهِ عز و جل إِن شَاءَ اللّهُ . وَهَذَا الفَضلُ بنُ شَاذَانَ مَا لَنَا وَلَهُ يُفسِدُ عَلَينَا مَوَالِيَنَا وَيُزَيِّنُ لَهُمُ الأَبَاطِيلَ ، وَكُلَّمَا كَتَبنَا إِلَيهِم كِتَاباً اعتَرَضَ عَلَينَا فِي ذَلِكَ ، وَأَنَا أَتَقَدَّمُ إِلَيهِ أَن يَكُفَّ عَنَّا وَإِلَا وَاللّهِ سَأَلتُ اللّهَ أَن يَرمِيَهُ بِمَرَضٍ لا يَندَمِلُ جُرحُهُ فِي الدُّنيَا وَلا فِي الآخِرَةِ . أَبلِغ مَوَالِيَنَا هَدَاهُمُ اللّهُ سَلامِي وَأَقرِئهُم هَذِهِ الرُّقعَةَ إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَى (1) . (2)

.


1- .. وذكر في البحار في ذيل هذه الرواية : بيان : قوله : « فقال كذبوا » ، أي : كتب عليه السلام تحت هذا الفصل في الكتاب كذبوا ،وقوله :« وبها شيخ » تتمّة الرقعة ، وقوله :« فقال قد صدق »أي كتب عليه السلام بعد هذا الفصل من كلام الفضل هذا القول ، قوله عليه السلام : « ولاتلجوا » إمّا مخفّف من الولوج أو مشدّد من اللجاج ( بحار الأنوار :ج25 ص161 ح30 ) .
2- .. رجال الكشّي : ج 2 ص 820 الرقم 1026 .

ص: 425

الفصل السابع : في الغلاة
اشاره

الفصل السابع: في الغلاة

.

ص: 426

. .

ص: 427

135 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن عيسى

135كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن عيسىمحمّد بن مسعود ، قال : حدّثني محمّد بن نصير ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى 1 ، كتب إليه في قوم يتكلّمون ويقرؤون أحاديث ينسبونها إليك وإلى آبائك فيها ما تشمئزّ فيها القلوب ، ولا يجوز لنا ردّها إذا كانوا يروون عن آبائك ، ولا قبولها لما فيها ، وينسبون الأرض إلى قوم يذكرون أنّهم من مواليك ، وهو رجل يقال له : عليّ بن حسكة 2 ، وآخر يقال له : القاسم اليقطينيّ .

.

ص: 428

136 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن شَيبَة

من أقاويلهم : إنّهم يقولون : إنّ قول اللّه تعالى : « إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِوَ الْمُنكَرِ» (1) معناها رجل ، لا سجود ولا ركوع ، وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد درهم ولا إخراج مال ، وأشياء من الفرائض والسنن والمعاصي تأوّلوها وصيّروها على هذا الحدّ الّذي ذكرت . فإن رأيت أن تبيّن لنا وأن تمنّ على مواليك بما فيه السلامة لمواليك ونجاتهم من هذه الأقاويل الّتي تخرجهم إلى الهلاك . فكتب عليه السلام :لَيسَ هَذا دِينَنَا فَاعتَزِلهُ . (2)

136كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن شَيبَةوجدت بخطّ جبريل بن أحمد الفاريابيّ : حدّثني موسى بن جعفر بن وهب ، عن إبراهيم بن شيبة (3) ، قال : كتبتُ إليه : جُعلت فداك ، إنّ عندنا قوماً يختلفون في معرفة فضلكم بأقاويل مختلفة تشمئزّ منها القلوب وتضيق لها الصدور ، ويروون في ذلك الأحاديث لا يجوز لنا الإقرار بها ؛ لما فيها من القول العظيم ، ولا يجوز ردّها ولا

.


1- .. العنكبوت : 45 .
2- .. رجال الكشّي : ج 2 ص 802 الرقم 994 ، بحار الأنوار : ج25 ص314 ح79 نقلاً عنه .
3- .. إبراهيم بن شَيبَة الأصبهانيّ مولى بني أسد ، وأصله من قاشان ، من أصحاب الجواد عليه السلام ( رجال الطوسي : ص373 الرقم5525 ) ، وذكره أيضاً من أصحاب الهادي عليه السلام في رجاله ( ص384 الرقم 5648 ) . وذكره البرقي أيضاً في أصحاب الجواد عليه السلام ، من غير توصيف له بالأصبهانيّ .

ص: 429

137 . كتابه عليه السلام في أحمد بن هلال العَبرَتائيّ

الجحود لها إذا نُسبت إلى آبائك ، فنحن وقوف عليها ، من ذلك أنّهم يقولون ويتأوّلون في معنى قول اللّه عز و جل : «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَ الْمُنكَرِ» (1) ، وقوله عز و جل : «وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ ءَاتُوا الزَّكَاةَ » (2) معناها رجل ، لا ركوع ولا سجود ، وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد دراهم ولا إخراج مال ، وأشياء تشبهها من الفرائض والسنن والمعاصي ، تأوّلوها وصيّروها على هذا الحدّ الّذي ذكرت لك ، فإن رأيت أن تمنّ على مواليك بما فيه سلامتهم ونجاتهم من الأقاويل الّتي تصيّرهم إلى العطب والهلاك ، والّذين ادّعوا هذه الأشياء ادّعوا أنّهم أولياء ، ودعوا إلى طاعتهم ، منهم عليّ بن حسكة والقاسم اليقطينيّ ، فما تقول في القبول منهم جميعا ؟ فكتب عليه السلام :لَيسَ هَذا دِينَنَا فَاعتَزِلهُ . (3)

137كتابه عليه السلام في أحمد بن هلال العَبرَتائيّعليّ بن محمّد بن قُتيبة قال : حدّثني أبو حامد أحمد بن إبراهيم المَراغيّ ، قال : ورد على القاسم بن العلاء 4 نسخة ما خرج من لعن ابن هلال ، وكان ابتداء ذلك أن كتَب عليه السلام إلى قُوّامه بالعراق :احذَرُوا الصُّوفِيَّ المُتَصَنِّعَ .

قال : وكان من شأن أحمد بن هلال أنّه قد كان حجّ أربعاً وخمسين حجّةً ، عشرون منها على قدميه ، قال : وكان رواة أصحابنا بالعراق لقوه وكتبوا منه فأنكروا

.


1- .. البقرة :43 و83 و110 ، النساء :77 ، الحجّ :78 ، النور :56 ، المجادلة :13 ،المزمّل :20 .
2- .. رجال الكشّي : ج 2 ص 803 الرقم 995 ، بحار الأنوار : ج25 ص315 ح80 نقلاً عنه .
3- .. القاسم بن العلاء : عدّه الشيخ فيمَن لم يروِ عن الأئمّة عليهم السلام قائلاً : [ وكان جليل القدر ] ، روى عنه الصفوانيّ ( رجال الطوسي : ص 436 الرقم 6243 ) من أهل آذربيجان ، ذكره ابن طاووس من وكلاء الناحية في ربيع الشيعة ( راجع : وسائل الشيعة : ج 3 ص 449 ) .

ص: 430

138 . كتابه عليه السلام في الدهقان

ما ورد في مذمّته ، فحملوا القاسم بن العلاء على أن يُراجع في أمره ، فخرج إليه :وَقَد كانَ أمرُنا نَفَذَ إلَيكَ في المُتَصَنِّعِ ابنِ هِلالٍ لا رَحِمَهُ اللّهُ بِمَا قَد عَلِمتَ ، لا غَفَرَ اللّهُ لَهُ ذَنبَهُ ، وَلا أَقَالَهُ عَثرَتَهُ ، دَخَلَ فِي أَمرِنَا بِلا إِذنٍ مِنَّا وَلا رِضىً ، يَستَبِدَّ بِرَأيِهِ ، فَيتحَامِىَ مِن دُيُونِنا ، لا يُمضِي مِن أَمرِنَا إِيَّاهُ إِلّا بِمَا يَهوَاهُ وَيُرِيدُ ، أَردَاهُ اللّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، فَصَبَرنَا عَلَيهِ حَتَّى بَتَرَ اللّهُ بِدَعوَتِنَا عُمُرَهُ ، وَكُنَّا قَد عَرَّفَنَا خَبَرَهُ قَوماً مِن مُوَالِينَا فِي أَيَّامَهُ لا رَحِمَهُ اللّهُ ، وَأَمَرنَاهُم بِإِلقَاءِ ذَلِكَ إِلَى الخَاصِّ مِن مَوَالِينَا ، وَنَحنُ نَبرَأُ إِلَى اللّهِ مِنِ ابنِ هِلالٍ لا رَحِمَهُ اللّهُ وَمِمَّن لا يَبرَأُ مِنه . وَأَعلِمِ الإِسحَاقِيَّ سَلَّمَهُ اللّهُ وَأَهلَ بَيتِهِ مِمَّا أَعلَمنَاكَ مِن حالِ هَذَا الفَاجِرِ ، وَجَمِيعَ مَن كَانَ سَأَلَكَ وَيَسأَل_ُكَ عَنهُ مِن أَهلِ بَلَدِهِ وَالخَارِجِينَ وَمَن كَانَ يَستَحِقُّ أَن يَطَّلِعَ عَلَى ذَلِكَ ، فإنّه لا عُذرَ لأَحَدٍ مِن مَوَالِينَا فِي التَّشكِيكِ فِيمَا يُؤَدِّيهِ عَنَّا ثِقَاتُنَا ، قَد عَرَفُوا بِأَنَّنَا نُفَاوِضُهُم سِرَّنَا وَنَحمِلُهُ إِيَّاهُ إِلَيهِم ، وَعَرَفنَا مَا يَكُونُ مِن ذَلِكَ إِن شَاءَ اللّهُ . (1)

138كتابه عليه السلام في الدهقانقال أبو حامد 2 : فثَبَت قومٌ على إنكار ما خرج فيه فعاودوه فيه ؟ فخرج :

.


1- .. رجال الكشّي : ج 2 ص 816 الرقم 1020 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 307 وص318 .

ص: 431

لا شَكَرَ اللّهُ قَدرَهُ ، لَم يَدَعِ المَرء رَبَّه بِأَلَا يُزِيغَ قَلبَهُ بَعدَ أَن هَدَاهُ ، وَأَن يَجعَلَ مَا مَنَّ بِهِ عَلَيهِ مُستَقَرّاً وَلا يَجعَلَهُ مُستَودَعاً ، وَقَد عَلِمتُم مَا كَانَ مِن أَمرِ الدِّهقَانِ (1) عَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ وَخِدمَتِهِ وَطُولِ صُحبَتِهِ ، فَأَبدَلَهُ اللّهُ بِالإِيمَانِ كُفراً حِينَ فَعَلَ مَا فَعَلَ ، فَعَاجَلَهُ اللّهُ بِالنَّقِمَةِ وَلَم يُمهِلهُ ، وَالحَمدُ للّهِ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلَى مُحمَّدٍ وَآلِه وَسَلَّم . (2) وآخر دعوانا : « سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ » (3) .

.


1- .. محمّد بن صالح بن محمّد الهمدانيّ ، والدهقان صفة له لا مضاف إليه ، عدّه الشيخ من أصحاب العسكري عليه السلام قائلاً : « إنّه وكيل » ( راجع : رجال الطوسي : ص 402 الرقم 5900 ، خلاصة الأقوال : ص 143 الرقم 29 ) .
2- .. رجال الكشّي : ج 2 ص 816 الرقم 1020 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 319 .
3- .الصافّات : 180 _ 182 .

ص: 432

. .

ص: 433

الفهرس التفصيلي

الفهرس التفصيلي

.

ص: 434

. .

ص: 435

. .

ص: 436

. .

ص: 437

. .

ص: 438

. .

ص: 439

. .

ص: 440

. .

ص: 441

. .

ص: 442

. .

ص: 443

. .

ص: 444

. .

ص: 445

. .

ص: 446

. .

ص: 447

. .

ص: 448

. .

ص: 449

. .

ص: 450

. .

ص: 451

. .

ص: 452

. .

ص: 453

. .

المجلد 7

اشاره

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

الفصل الأول : التوقيعاتُ الاعتقاديّة

اشاره

الفصل الأول: التوقيعاتُ الاعتقاديّة

.

ص: 8

. .

ص: 9

1 . كتابه عليه السلام إلى جماعة من الشيعة في ردّ قول المفوّضة

1كتابه عليه السلام إلى جماعة من الشيعةفي ردّ قول المفوّضةالحسين بن إبراهيم ، عن أبي العبّاس أحمد بن عليّ بن نوح ، عن أبي نصر هبة اللّه بن محمّد الكاتب ، قال : حدّثني أبو الحسن أحمد بن محمّد بن تربك الرهاويّ ، قال : حدّثني أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه ، أو قال أبو الحسن ( عليّ بن ) أحمد الدلّال القمّيّ ، قال : اختلاف جماعة من الشيعة في أنّ اللّه عز و جل فوّض إلى الأئمّة _ صلوات اللّه عليهم _ أن يخلقوا أو يرزقوا ، فقال قوم : هذا محال لا يجوز على اللّه تعالى ؛ لأنّ الأجسام لا يقدر على خلقها غير اللّه عز و جل ، وقال آخرون : بل اللّه تعالى أقدر الأئمّة على ذلك وفوّضه إليهم ، فخلقوا ورزقوا . وتنازعوا في ذلك تنازعا شديدا ، فقال قائل : ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان العمريّ فتسألونه عن ذلك فيوضّح لكم الحقّ فيه ، فإنّه الطريق إلى صاحب الأمر عجّل اللّه فرجه . فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلّمت وأجابت إلى قوله ، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه ، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته :إِنَّ اللّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَ الأَجسَامَ وَقَسَّمَ الأَرزَاقَ ؛ لِأَنَّهُ لَيسَ بِجِسمٍ وَلَا حَالِّ

.

ص: 10

2 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعريّ في تبيين منزلة الأئمّة و . . .

فِي جِسمٍ ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ، وَأَمَّا الأَئِمَّةُ عليهم السلام فَإِنَّهُم يَسأَلُونَ اللّهَ تَعَالَى فَيَخلُقُ ، وَيَسأَلُونَهُ فَيَرزُقُ ، إِيجَابا لِمَسأَلَتِهِم وَإِعظَاما لِحَقِّهِم . (1)

2كتابه عليه السلام إلى أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعريّفي تبيين منزلة الأئمّة وتكذيب عمّه جعفروبهذا الإسناد ( أي جماعة ) (2) ، عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسديّ رضى الله عنه ، عن سعد بن عبد اللّه الأشعريّ ، قال : حدّثنا الشيخ الصدوق أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعريّ رحمه الله 3 ، أنّه جاءه بعض أصحابنا يعلمه أنّ جعفر بن عليّ كتب إليه كتابا يعرّفه فيه نفسه ، ويعلمه أنّه القيّم بعد أخيه (3) ، وأنّ عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج

.


1- .الغيبة للطوسي : ص 293 ح 248 ، الاحتجاج : ج 2 ص 545 ح 345 ، بحار الأنوار : ج 25 ص 329 ح 4 .
2- .علي بن أحمد القمّي أو علي بن أحمد بن محمّد بن أبي حبيب المكّنى بأبي الحسن ، روى عن أبي جعفر محمّد بن عثمان رضى الله عنه ، وروى عنه ابن أبي جيد ، ذكره الشيخ في كتاب الغيبة : ( فصل في ذكر طرف من أخبار السفراء الذين كانوا في حال الغيبة ) . ولم نجد له ترجمة في كلمات أصحابنا الرجاليين .
3- .في بحار الأنوار : « بعد أبيه » .

ص: 11

إليه ، وغير ذلك من العلوم كلّها . قال أحمد بن إسحاق : فلمّا قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان عليه السلام ، وصيّرت كتاب جعفر في درجه ، فخرج الجواب إليّ في ذلك :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم أَتَانِي كِتَابُكَ أَبقَاكَ اللّهُ ، وَالِكتَابُ الَّذِي أَنفَذتَهُ دَرجَهُ ، وَأَحَاطَت مَعرِفَتِي بِجَمِيعِ مَا تَضَمَّنَهُ عَلَى اختِلَافِ أَلفَاظِهِ ، وَتَكَرُّرِ الخَطَأ فِيهِ ، وَلَو تَدَبَّرتَهُ لَوَقَفتَ عَلَى بَعضِ مَا وَقَفتُ عَلَيهِ مِنهُ ، وَالحَمدُ للّهِ رَبِّ العَالَمِينَ حَمدا لَا شَرِيكَ لَهُ عَلَى إِحسَانِهِ إِلَينَا ، وَفَضلِهِ عَلَينَا ، أَبَى اللّهُ عز و جل لِلحَقِّ إِلَا إِتمَاماً ، وَلِلبَاطِلِ إِلَا زُهُوقاً (1) ، وَهُوَ شَاهِدٌ عَلَيَّ بِمَا أَذكُرُهُ ، وَلِيٌّ عَلَيكُم بِمَا أَقُولُهُ إِذَا اجتَمَعنَا لِيَومٍ لَا رَيبَ فِيهِ ، وَيَسأَلُنَا عَمَّا نَحنُ فِيهِ مُختَلِفُونَ ، إِنَّهُ لَم يَجعَل لِصَاحِبِ الكِتَابِ عَلَى المَكتُوبِ إِلَيهِ وَلَا عَلَيكَ وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنَ الخَلقِ جَمِيعاً إِمَامَةً مُفتَرَضَةً ، وَلَا طَاعَةً وَلَا ذِمَّةً ، وَسَأُبَيِّنُ لَكُم جُملَةً تَكتَفُون بِهَا إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . يَا هَذَا يَرحَمُكَ اللّهُ ، إِنَّ اللّهَ تَعَالَى لَم يَخلُقِ الخَلقَ عَبَثاً ، وَلَا أَهمَلَهُم سُدَىً ، بَل خَلَقَهُم بِقُدرَتِهِ ، وَجَعَلَ لَهُم أَسمَاعا وَأَبصَارا وَقُلُوبا وَأَلبَاباً ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيهِم النَّبِيِّينَ عليهم السلام مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ، يَأمُرُونَهُم بِطَاعَتِهِ وَيَنهَونَهُم عَن مَعصِيَتِهِ ، وَيُعَرِّفُونَهُم مَا جَهِلُوهُ مِن أمرِ خَالِقِهِم وَدِينِهِم ، وَأَنزَلَ عَلَيهِمِ كِتَاباً ، وَبَعَثَ إِلَيهِم مَلَائِكَةً يَأتِينَ بَينَهُم وَبَيَنَ مَن بَعَثَهُم إِلَيهِم بِالفَضلِ الَّذي جَعَلَهُ لَهُم عَلَيهِم ، وَمَا آتَاهُم مِنَ الدَّلَائِلِ الظَّاهِرَةِ وَالبَرَاهِينِ البَاهِرَةِ ، وَالآياتِ الغَالِبَةِ . فَمِنهُم مَن جَعَلَ النَّارَ عَلَيهِ بَرداً وَسَلَاماً وَاتَّخَذَهُ خَلِيلَاً ، وَمِنهُم مَن كَلَّمَهُ تَكلِيماً

.


1- .زَهَقَ الباطِلُ : زالَ وَبَطَل ( المصباح المنير : ص 258 ) .

ص: 12

وَجَعَلَ عَصَاهُ ثُعبَاناً مُبِيناً ، وَمِنهُم مَن أَحيَا المَوتَى بِإِذنِ اللَّهِ ، وَأَبرَأَ الأَكمَهَ (1) وَالأَبرَصَ (2) بِإِذنِ اللَّهِ ، وَمِنهُم مَن عَلَّمَهُ مَنطِقَ الطَّيرِ وَأُوتِيَ مِن كُلِّ شَيءٍ ، ثُمَّ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله رَحمَةً لِلعَالَمِينَ ، وَتَمَّمَ بِهِ نِعمَتَهُ ، وَخَتَمَ بِهِ أَنبِيَاءَهُ ، وَأَرسَلَهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً ، وَأَظهَرَ مِن صِدقِهِ مَا أَظهَرَ ، وَبَيَّنَ مِن آيَاتِهِ وَعَلَامَاتِهِ مَا بَيَّنَ ، ثُمَّ قَبَضَهُ صلى الله عليه و آله حَمِيداً فَقِيداً سَعِيداً . وَجَعَلَ الأَمرَ ( مِن ) بَعدَهُ إِلَى أَخِيهِ وَابنِ عَمِّهِ وَوَصِيِّهِ وَوَارِثِهِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، ثُمَّ إِلَى الأَوصِيَاءِ مِن وُلدِهِ وَاحِداً وَاحِداً ، أَحيَا بِهِم دِينَهُ ، وَأَتَمَّ بِهِم نُورَهُ ، وَجَعَلَ بَينَهُم وَبَينَ إِخوَانِهِم وَبَنِي عَمِّهِم وَالأَدنَينَ فَالأَدنَينَ مِن ذَوِي أَر حَامِهِم ، فُرقَاناً بَيِّناً يُعرَفُ بِهِ الحُجَّةُ مِنَ المَحجُوجِ وَالإِمَامُ مِنَ المَأمُومِ؛ بِأَن عَصَمَهُم مِنَ الذُّنُوبِ ، وَبَرَّأَهُم مِنَ العُيُوبِ ، وَطَهَّرَهُم مِنَ الدَّنَسِ ، وَنَزَّهَهُم مِنَ اللَّبسِ ، وَجَعَلَهُم خُزَّانَ عِلمِهِ ، وَمُستَودَعَ حِكمَتِهِ ، وَمَوضِعَ سِرِّهِ ، وَأَيَّدَهُم بِالدَّلَائِلِ ، وَلَولَا ذَلِكَ لَكَانَ النَّاسُ عَلَى سَوَاءٍ ، وَلَادَّعَى أَمرَ اللَّهِ عز و جل كُلُّ أَحَدٍ ، وَلَمَا عُرِفَ الحَقُّ مِنَ البَاطِلِ ، وَلَا العَالِمُ مِنَ الجَاهِلِ . وَقَدِ ادَّعَى هَذَا المُبطِلُ المُفتَرِي عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ بِمَا ادَّعَاهُ ، فَلَا أَدرِي بِأَيَّةِ حَالَةٍ هِيَ لَهُ رَجَاءَ أَن يُتِمَّ دَعوَاهُ ، أَ بِفِقهٍ فِي دِينِ اللَّهِ ؟ فَوَاللَّهِ مَا يَعرِفُ حَلَالاً مِن حَرَامٍ ، وَلَا يَفرُقُ بَينَ خَطَأٍ وَصَوَابٍ ، أَم بِعِلمٍ ؟ فَمَا يَعلَمُ حَقّاً مِن بَاطِلٍ ، وَلَا مُحكَماً مِن

.


1- .كَمِهَ فهو أكمه : وهو العمى الذي يولد عليه الإنسان ، وربّما كان من مرض ( المصباح المنير : ص 541 ) .
2- .البَرَص : لون مختلط حُرَةً وبياضا ، ولا يَحصُل إلّا من فساد المزاج وخلل في الطبيعة ( مجمع البحرين : ج 1 ص 141 ) .

ص: 13

مُتَشَابِهٍ ، وَلَا يَعرِفُ حَدَّ الصَّلَاةِ وَوَقتَهَا ، أَم بِوَرَعٍ ؟ فَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى تَركِهِ الصَّلَاةَ الفَرضَ أَربَعِينَ يَوماً ، يَزعُمُ ذَلِكَ لِطَلَبِ الشَّعوَذَةِ (1) ، وَلَعَلَّ خَبَرَهُ قَد تَأَدَّى إِلَيكُم ، وَهَاتِيكَ ظُرُوفُ مُسكِرِهِ مَنصُوبَةٌ ، وَآثَارُ عِصيَانِهِ لِلَّهِ عز و جلمَشهُورَةٌ قَائِمَةٌ ، أَم بِآيَةٍ ؟ فَليَأتِ بِهَا ، أَم بِحُجَّةٍ ؟ فَليُقِمهَا ، أَم بِدَلَالَةٍ ؟ فَليَذكُرهَا . قَالَ اللَّهُ عز و جل فِي كِتَابِهِ : «بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَ_نِ الرَّحِيمِ * ح_م * تَنزِيلُ الكِتَ_بِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ * مَا خَلَقنَا السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا إِلَا بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّا أُنذِرُوا مُعرِضُونَ * قُل أَرَءَيتُم مَّا تَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى السَّمَ_وَ تِ ائْتُونِي بِكِتَ_بٍ مِّن قَبلِ هَ_ذَا أَو أَثَ_رَةٍ مِن عِلمٍ إِن كُنتُم صَ_دِقِينَ * وَ مَن أَضَلُّ مِمَّن يَدعُوا مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ القِيَ_مَةِ وَ هُم عَن دُعَائِهِم غَ_فِلُونَ * وَ إِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُم أَعدَاءً وَ كَانُوابِعِبَادَتِهِم كَ_فِرِينَ» (2) . فَالتَمِس _ تَوَلَّي اللَّهُ تَوفِيقَكَ _ مِن هَذَا الظَّالِمِ مَا ذَكَرتُ لَكَ ، وَامتَحِنهُ وَسَلهُ عَن آيَةٍ مِن كِتَابِ اللَّهِ يُفَسِّرهَا ، أَو صَلَاةِ فَرِيضَةٍ يُبَيِّن حُدُودَهَا وَمَا يَجِبُ فِيهَا ؛ لِتَعلَمَ حَالَهُ وَمِقدَارَهُ ، وَيَظهَرَ لَكَ عُوَارُهُ وَنُقصَانُهُ ، وَاللَّهُ حَسِيبُهُ . حَفِظَ اللَّهُ الحَقَّ عَلَى أَهلِهِ ، وَأَقَرَّهُ فِي مُستَقَرِّهِ ، وَقَد أَبَى اللَّهُ عز و جل أَن تَكُونَ الإِمَامَةُ فِي أَخَوَينِ بَعدَ الحَسَنِ وَالحُسَينِ عليهماالسلام ، وَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ لَنَا فِي القَولِ ظَهَرَ الحَقُّ ، وَاضمَحَلَّ البَاطِلُ وَانحَسَرَ عَنكُم ، وَإِلَى اللَّهِ أَرغَبُ فِي الكِفَايَةِ ، وَجَمِيلِ الصُّنعِ وَالوَلَايَةِ ، وَحَسبُنَا اللّهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ . (3)

.


1- .الشَّعوَذَةُ : خِفَّةٌ في اليد وأخذٌ كالسحر ، يُرى الشيء بغير ما عليه أصله رأي العين ( القاموس المحيط : ج1 ص355 ) .
2- .الأحقاف : 1 _ 6 .
3- .الغيبة للطوسي : ص 287 ح 246 ، الاحتجاج : ج 2 ص 538 ح 343 ، بحار الأنوار : ج 53 ص 193 ح 21 .

ص: 14

3 . كتابه عليه السلام إلى العمريّ وابنه

3كتابه عليه السلام إلى العمريّ وابنهرواه سعد بن عبد اللّه ، قال الشيخ أبو عبد اللّه جعفر رضى الله عنه 1 : وجدته مثبتا عنه رحمه الله :

.

ص: 15

وَفَّقَكُمَا اللَّهُ لِطَاعَتِهِ ، وَثَبَّتَكُمَا عَلَى دِينِهِ ، وَأَسعَدَكُمَا بِمَرضَاتِهِ ، انتَهَى إِلَينَا مَا ذَكَرتُمَا أَنَّ المِيثَمِيَّ أَخبَرَكُمَا عَنِ المُختَارِ وَمُنَاظَرَاتِهِ مَن لَقِيَ ، وَاحتِجَاجِهِ بِأَنَّهُ لَا خَلَفَ غَيرُ جَعفَرِ بنِ عَلِيٍّ وَتَصدِيقِهِ إِيَّاهُ ، وَفَهِمتُ جَمِيعَ مَا كَتَبتُمَا بِهِ مِمَّا قَالَ أَصحَابُكُمَا عَنهُ ، وَأَنَا أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ العَمَى بَعدَ الجِلَاءِ ، وَمِنَ الضَّلَالَةِ بَعدَ الهُدَى ، وَمِن مُوبِقَاتِ الأَعمَالِ وَمُردِيَاتِ الفِتَنِ ، فَإِنَّهُ عز و جل يَقُولُ : « الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَ هُم لَا يُفتَنُونَ » (1) . كَيفَ يَتَسَاقَطُونَ فِي الفِتنَةِ وَيَتَرَدَّدُونَ فِي الحَيرَةِ ، وَيَأخُذُونَ يَمِيناً وَشِمَالاً ، فَارَقُوا دِينَهُم أَمِ ارتَابُوا ؟ أَم عَانَدُوا الحَقَّ ؟ أَم جَهِلُوا مَا جَاءَت بِهِ الرِّوَايَاتُ الصَّادِقَةُ وَالأَخبَارُ الصَّحِيحَةُ ؟ أَو عَلِمُوا ذَلِكَ فَتَنَاسَوا مَا يَعلَمُونَ . إِنَّ الأَرضَ لَا تَخلُو مِن حُجَّةٍ إِمَّا ظَاهِراً وَإِمَّا مَغمُوراً ، أَوَ لَم يَعلَمُوا انتِظَامَ أَئِمَّتِهِم بَعدَ نَبِيِّهِم صلى الله عليه و آله ، وَاحِداً بَعدَ وَاحِدٍ إِلَى أَن أَفضَى الأَمرُ بِأَمرِ اللَّهِ عز و جل إِلَى المَاضِي _ يَعنِي

.


1- .العنكبوت : 1 و 2 .

ص: 16

4 . كتابه عليه السلام إلى جماعة من الشيعة واحتجاجه عليه السلام لإمامته لمَن ارتاب فيه

الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ عليهماالسلام _ فَقَامَ مَقَامَ آبَائِهِ عليهم السلام يَهدِي إِلَى الحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُستَقِيمٍ ، كَانَ نُوراً سَاطِعاً وَشَهَاباً لَامِعاً وَقَمَراً زَاهراً . ثُمَّ اختَارَ اللَّهُ عز و جل لَهُ مَا عِندَهُ ، فَمَضَى عَلَى مِنهَاجِ آبَائِهِ عليهم السلام حَذوَ النَّعلِ بِالنَّعلِ ، عَلَى عَهدٍ عَهِدَهُ ، وَوَصِيَّةٍ أَوصَى بِهَا إِلَى وَصِيٍّ سَتَرَهُ اللَّهُ عز و جل بِأَمرِهِ إِلَى غَايَةٍ ، وَأَخفَى مَكَانَهُ بِمَشِيئَتِهِ لِلقَضَاءِ السَّابِقِ وَالقَدَرِ النَّافِذِ ، وَفِينَا مَوضِعُهُ وَلَنَا فَضلُهُ ، وَلَو قَد أَذِنَ اللَّهُ عز و جل فِيمَا قَد مَنَعَهُ عَنهُ ، وَأَزَالَ عَنهُ مَا قَد جَرَى بِهِ مِن حُكمِهِ لَأَرَاهُمُ الحَقَّ ظَاهِراً بِأَحسَنِ حِليَةٍ ، وَأَبيَنِ دَلَالَةٍ ، وَأَوضَحِ عَلَامَةٍ ، وَلَأَبَانَ عَن نَفسِهِ وَقَامَ بِحُجَّتِهِ . وَلَكِنَّ أَقدَارَ اللَّهِ عز و جل لَا تُغَالَبُ ، وَإِرَادَتَهُ لَا تُرَدُّ ، وَتَوفِيقَهُ لَا يُسبَقُ ، فَليَدَعُوا عَنهُمُ اتِّبَاعَ الهَوَى ، وَليُقِيمُوا عَلَى أَصلِهِمُ الَّذِي كَانُوا عَلَيهِ ، وَلَا يَبحَثُوا عَمَّا سُتِرَ عَنهُم فَيَأثَمُوا ، وَلَا يَكشِفُوا سَترَ اللَّهِ عز و جل فَيَندَمُوا ، وَليَعلَمُوا أَنَّ الحَقَّ مَعَنَا وَفِينَا لَا يَقُولُ ذَلِكَ سِوَانَا إِلَا كَذَّابٌ مُفتَرٍ ، وَلَا يَدَّعِيهِ غَيرُنَا إِلَا ضَالٌّ غَوِيٌّ ، فَليَقتَصِرُوا مِنَّا عَلَى هَذِهِ الجُملَةِ دُونَ التَّفسِيرِ ، وَيَقنَعُوا مِن ذَلِكَ بِالتَّعرِيضِ دُونَ التَّصرِيحِ ، إِن شَاءَ اللَّهُ . (1)

4كتابه عليه السلام إلى جماعة من الشيعةاحتجاجه عليه السلام لإمامته لمَن ارتاب فيهأخبرني جماعة ، عن أبي محمّد التلّعُكبريّ ، عن أحمد بن عليّ الرازيّ ، عن

.


1- .كمال الدين : ص 510 ح 42 ، بحار الأنوار : ج 53 ص 190 ح 19 .

ص: 17

الحسين بن عليّ القمّيّ (1) ، قال : حدّثني محمّد بن عليّ بن بنان الطلحيّ الآبيّ ، عن عليّ بن محمّد بن عبدة النيسابوريّ ، قال : حدّثني عليّ بن إبراهيم الرازيّ ، قال : حدّثني الشيخ الموثوق به ( أبو عمرو العمريّ ) (2) بمدينة السلام ، قال : تشاجر ابن أبي غانم القزوينيّ (3) وجماعة من الشيعة في الخَلَف ، فذكر ابن أبي غانم : أنّ أبا محمّد عليه السلام مضى ولا خَلَف له ، ثمّ إنّهم كتبوا في ذلك كتاباً وأنفذوه إلى الناحية ، وأعلموه (4) بما تشاجروا فيه ، فورد جواب كتابهم بخطّه عليه وعلى آبائه السلام :بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيم عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكُم مِنَ الضَّلَالة وَالفِتَنِ ، وَوَهَبَ لَنَا وَلَكُم رُوحَ اليَقِينِ ، وَأَجَارَنَا وَإِيَّاكُم مِن سُوءِ المُنقَلَبِ ، إِنَّهُ أُنهِيَ إِلَيَّ ارتِيَابُ جَمَاعَةٍ مِنكُم فِي الدِّينِ ، وَمَا دَخَلَهُم مِنَ الشَّكِّ وَالحَيرَةِ فِي وُلَاةِ أُمُورِهِم ، فَغَمَّنَا ذَلِكَ لَكُم لَا لَنَا ، وَسَاءَنَا فِيكُم لَا فِينَا ؛ لأَنَّ اللَّهَ مَعَنَا وَلَا فَاقَةَ بِنَا إِلَى غَيرِهِ ، وَالحَقُّ مَعَنَا فَلَن يُوحِشَنَا مَن قَعَدَ عَنَّا ، وَنَحنُ صَنَائِعُ رَبِّنَا ، وَالخَلقُ بَعدَ صَنَائِعِنَا . يَا هَؤُلَاءِ ! مَا لَكُم فِي الرَّيبِ تَتَرَدَّدُونَ ؟ وَفِي الحَيرَةِ تَنعَكِسُونَ ؟ أَوَ مَا سَمِعتُمُ اللَّهَ عز و جل يَقُولُ : « يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنكُمْ » (5) ، أَوَ مَا عَلِمتُم مَا جَاءَت بِهِ الآثَارُ مِمَّا يَكُونُ وَيَحدُثُ فِي أَئِمَّتِكُم عَنِ

.


1- .في البحار : ونسخة « ف » : « الحسين بن محمّد القمّي » .
2- .ما بين القوسين زيادة في الاحتجاج .
3- .هو محمّد بن عبد اللّه بن أبي غانم القزويني المكنّى بأبي جعفر ، لم نجد له ترجمة في المصادر الرجالية ولا غيرها ، وهو غير أبو غانم بن أبي غانم بن علي الخوانة الّذي وثّقه الشيخ منتجب الدين في فهرسته .
4- .في البحار : « واعلموا » .
5- .النساء : 59 .

ص: 18

المَاضِينَ وَالبَاقِينَ مِنهُم عليهم السلام ؟ أَوَ مَا رَأَيتُم كَيفَ جَعَلَ اللَّهُ لَكُم مَعَاقِلَ تَأوُونَ إِلَيهَا ، وَأَعلَاماً تَهتَدُونَ بِهَا ، مِن لَدُن آدَمَ عليه السلام إِلَى أَن ظَهَرَ المَاضِي عليه السلام ؟ كُلَّمَا غَابَ عَلَمٌ بَدَا عَلَمٌ ، وَإِذَا أَفَلَ نَجمٌ طَلَعَ نَجمٌ ، فَلَمَّا قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيهِ ظَنَنتُم أَنَّ اللَّهَ أَبطَلَ دِينَهُ ، وَقَطَعَ السَّبَبَ بَينَهُ وَبَينَ خَلقِهِ ، كَلَا مَا كَانَ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، وَيَظهَرَ أَمرُ اللَّهِ وَهُم كَارِهُونَ . وَإِنَّ المَاضِيَ عليه السلام مَضَى سَعِيداً فَقِيداً عَلَى مِنهَاجِ آبَائِهِ عليهم السلام حَذوَ النَّعلِ بِالنَّعلِ ، وَفِينَا وَصِيَّتُهُ وَعِلمُهُ ، وَمَن هُوَ خَلَفُهُ ، وَمَن يَسُدُّ مَسَدَّهُ ، وَلَا يُنَازِعُنَا مَوضِعَهُ إِلَا ظَالِمٌ آثِمٌ ، وَلَا يَدَّعِيهِ دُونَنَا إِلَا جَاحِدٌ كَافِرٌ ، وَلَولَا أَنَّ أَمرَ اللَّهِ لَا يُغلَبُ ، وَسِرَّهُ لَا يَظهَرُ وَلَا يُعلَنُ ، لَظَهَرَ لَكُم مِن حَقِّنَا مَا تَبِينُ مِنهُ عُقُولُكُم ، وَيُزِيلُ شُكُوكَكُم ، لَكِنَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ ، وَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَسَلِّمُوا لَنَا ، وَرُدُّوا الأَمرَ إِلَينَا ، فَعَلَينَا الإِصدَارُ كَمَا كَانَ مِنَّا الإِيرَادُ ، وَلَا تُحَاوِلُوا كَشفَ مَا غُطِّيَ عَنكُم ، وَلَا تَمِيلُوا عَنِ اليَمِينِ وَتَعدِلُوا إِلَى الشِّمَالِ ، وَاجعَلُوا قَصدَكُم إِلَينَا بِالمَوَدَّةِ عَلَى السُنَّةِ الوَاضِحَةِ ، فَقَد نَصَحتُ لَكُم ، وَاللَّهُ شَاهِدٌ عَلَيَّ وَعَلَيكُم ، وَلَولَا مَا عِندَنَا مِن مَحَبَّةِ صَلَاحِكُم (1) وَرَحمَتِكُم ، وَالإِشفَاقِ عَلَيكُم ، لَكُنَّا عَن مُخَاطَبَتِكُم فِي شُغُلٍ مِمَّا قَدِ امتُحِنَّا بِهِ مِن مُنَازَعَةِ الظَّالِمِ العُتُلِّ (2) الضَّالِّ المُتَتَابِعِ فِي غَيِّهِ ، المُضَادِّ لِرَبِّهِ ، الدَّاعِي مَا لَيسَ لَهُ ، الجَاحِدِ حَقَّ مَنِ افتَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ ، الظَّالِمِ الغَاصِبِ .

.


1- .في الاحتجاج : «صاحبكم» بدل «صلاحكم» .
2- .العُتُلُّ : وهو الشديد الجافي ، والفَظّ الغليظ من الناس (النهاية : ج 3 ص 180) .

ص: 19

5 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيم بن مهزيار واحتجاجه عليه السلام لإمامته

وَفِي ابنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لِي أُسوَةٌ حَسَنَةٌ ، وَسَيُرَدَّى الجَاهِلُ رِدَاءَةَ عَمَلِهِ ، وَسَيَعلَمُ الكَافِرُ لِمَن عُقبَى الدّارِ . عَصَمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُم مِنَ المَهَالِكِ وَالأَسوَاءِ ، وَالآفَاتِ وَالعَاهَاتِ كُلِّهَا بِرَحمَتِهِ ، فَإِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالقَادِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ ، وَكَانَ لَنَا وَلَكُم وَلِيّاً وَحَافِظاً ، وَالسَّلَامُ عَلَى جَمِيعِ الأَوصِيَاءِ وَالأَولِيَاءِ وَالمُؤمِنِينَ وَرَحمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَسَلَّمَ تَسلِيما . (1)

5كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيم بن مهزيارواحتجاجه عليه السلام لإمامتهحدّثنا محمّد بن الحسن رضى الله عنه ، عن سعد بن عبد اللّه ، عن عليّ بن محمّد الرازيّ المعروف بعلّان الكلينيّ ، قال : حدّثني محمّد بن جبرئيل الأهوازيّ ، عن إبراهيم ومحمّد ابني الفرج ، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار 2 ، أنّه ورد العراق شاكّا

.


1- .الغيبة للطوسي : ص 285 ح 245 ، الاحتجاج : ج 2 ص 535 ح 342 ، الصراط المستقيم : ج 2 ص 235 نحوه ، بحار الأنوار : ج 53 ص 178 ح 9 .

ص: 20

مرتاداً (1) ، فخرج إليه :قُل لِلمَهزِيَارِيّ : قَد فَهِمنَا مَا حَكَيتَهُ عَن مَوَالِينَا بِنَاحِيَتِكُم ، فَقُل لَهُم : أَ مَا سَمِعتُمُ اللَّهَ عز و جل يَقُولُ : « يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» ، هَل أَمَرَ إِلَا بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ ؟ أَلَم تَرَوا أَنَّ اللَّهَ عز و جل جَعَلَ لَكُم مَعَاقِلَ تَأوُونَ إِلَيهَا ، وَأَعلَاماً تَهتَدُونَ بِهَا مِن لَدُن آدَمَ عليه السلام إِلَى أَن ظَهَرَ المَاضِي أَبُو مُحَمَّد عليه السلام ؟ كُلَّمَا غَابَ عَلَمٌ بَدَا عَلَمٌ ، وَإِذَا أَفَلَ نَجمٌ طَلَعَ نَجمٌ ، فَلَمَّا قَبَضَهُ اللَّهُ عز و جل إِلَيهِ ظَنَنتُم أَنَّ اللَّهَ قَد قَطَعَ السَّبَبَ بَينَهُ وَبَينَ خَلقِهِ ، كَلَا مَا كَانَ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَيَظهَرُ أَمرُ اللّهِ عز و جل وَهُم كارِهُونَ .

.


1- .في دلائل الإمامة والخرائج والجرائح : «مرتابا» بدل «مرتادا» .

ص: 21

يَا مُحَمَّدَ بنَ إِبرَاهِيمَ ، لَا يَدخُلُكَ الشَّكُّ فِيمَا قَدِمتَ لَهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخَلِّي الأَرضَ مِن حُجَّةٍ ، أَلَيسَ قَالَ لَكَ أَبُوكَ قَبلَ وَفَاتِهِ : أَحضِرِ السَّاعَةَ مَن يُعَيِّرُ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ الَّتِي عِندِي ، فَلَمَّا أُبطَأَ ذَلِكَ عَلَيهِ وَخَافَ الشَّيخُ عَلَى نَفسِهِ الوَحَا (1) قَالَ لَكَ : عَيِّرهَا عَلَى نَفسِهِ ، وَأَخرَجَ إِلَيكَ كِيساً كَبِيراً وَعِندَكَ بِالحَضرَةِ ثَلَاثَةُ أَكيَاسٍ وَصُرَّةٌ فِيهَا دَنَانِيرُ مُختَلِفَةُ النَّقدِ ، فَعَيَّرتَهَا وَخَتَمَ الشَّيخُ عَلَيهَا بِخَاتَمِهِ وَقَالَ لَكَ : اختِم مَعَ خَاتَمِي ، فَإِن أَعِش فَأَنَا أَحَقُّ بِهَا ، وَإِن أَمُت فَاتَّقِ اللَّهَ فِي نَفسِكَ أَوَّلاً ، ثُمَّ فِيَّ ، فَخَلِّصنِي وَكُن عِندَ ظَنِّي بِكَ . أَخرِج _ رَحِمَكَ اللَّهُ _ الدَّنَانِيرَ الَّتِي استَفضَلتَهَا مِن بَينِ النَّقدَينِ مِن حِسَابِنَا وَهِيَ بِضعَةَ عَشَرَ دِينَاراً ، وَاستَرِدَّ مِن قِبَلِكَ ، فَإِنَّ الزَّمَانَ أَصعَبُ مَا كَانَ ، وَحَسبُنَا اللّهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ . قال محمّد بن إبراهيم : وقدمت العسكر زائراً ، فقصدت الناحية ، فلقيتني امرأة وقالت : أنت محمّد بن إبراهيم ؟ فقلت : نعم ، فقالت لي : انصرف ، فإنّك لا تصل في هذا الوقت ، وارجع اللّيلة فإنّ الباب مفتوح لك ، فادخل الدار واقصد البيت الّذي فيه السراج . ففعلت وقصدت الباب فإذا هو مفتوح ، فدخلت الدار وقصدت البيت الّذي وصفته ، فبينا أنا بين القبرين أنتحب وأبكي ، إذ سمعت صوتا وهو يقول : يا مُحَمَّدُ ، اتَّقِ اللّهَ وَتُب مِن كُلِّ مَا أَنتَ عَلَيهِ ، فَقَد قَلَّدتَ أَمراً عَظِيماً . (2)

.


1- .الوَحا : بالمدّ والقصر : أي السرعة ( مجمع البحرين : ج 3 ص 1918 ) ، والمعنى أنّه خاف على نفسه سرعة الموت .
2- .كمال الدين : ص 486 ح 8 ، دلائل الإمامة : 526 ح 499 وفيه إلى قوله « بضعة عشر دينارا » ، الخرائج والجرائح : ج3 ص 1116 ح31 وص 1117 ح32 ، بحار الأنوار : ج 53 ص 185 ح 16 .

ص: 22

6 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن صالح الهمدانيّ

6كتابه عليه السلام إلى محمّد بن صالح الهمدانيّحدّثنا أبي ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد _ رضي اللّه عنهما _ ، قالا : حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميريّ ، قال : حدّثني محمّد بن صالح الهمدانيّ 1 ، قال : كتبتُ إلى صاحب الزمان عليه السلام : إنّ أهل بيتي يؤذونني ويقرعونني (1) بالحديث الّذي روي عن آبائك عليهم السلام أنّهم قالوا : قوّامنا وخدّامنا شرار خلق اللّه . فكتب عليه السلام :توَيحَكُم ، أَمَا (2) تَقرَؤُونَ مَا قَالَ عز و جل : « وَ جَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً» (3) ، وَنَحنُ وَاللّهِ القُرَى الَّتِي بَارَكَ اللّهُ فِيهَا ، وَأَنتُمُ القُرَى الظَّاهِرَةُ . قال عبد اللّه بن جعفر : وحدّثنا بهذا الحديث عليّ بن محمّد الكلينيّ ، عن محمّد بن صالح ، عن صاحب الزمان عليه السلام . (4)

.


1- .التَقريع : التعنيف (الصحاح : ج 3 ص 1264) .
2- .وفي الغيبة : « ما » بدل « أما » .
3- .سبأ : 18 .
4- .كمال الدين : ص 483 ح 2 ، الغيبة للطوسي : ص 345 ح 295 ، إعلام الورى : ج 2 ص 272 ، بحار الأنوار : ج53 ص 184 ح 15 .

ص: 23

7 . كتابه عليه السلام إلى رجل وأخباره عليه السلام عن المال الّذي مع المسترشد المصري

7كتابه عليه السلام إلى رجلوأخباره عليه السلام عن المال الّذي مع المسترشد المصريعليّ بن محمّد ، عن الحسن بن عيسى العُرَيضِيّ أبي محمّد ، قال : لمّا مضى أبو محمّد عليه السلام ورد رجل من أهل مصربمال إلى مكّة للناحية (1) ، فاختُلف عليه ، فقال بعض الناس : إنّ أبا محمّد عليه السلام مضى من غير خَلَف ، والخَلَف جعفر (2) ، وقال بعضهم : مضى أبو محمّد عن خَلَف ، فبعث رجل يُكنّى بأبي طالب ، فورد العسكر ومعه كتاب ، فصار إلى جعفر وسأله عن برهان ، فقال : لا يتهيّأ في هذا الوقت . فصار إلى الباب (3) ، وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا ، فخرج إليه :آجَرَكَ اللَّهُ فِي صَاحِبِكَ ، فَقَد مَاتَ وَأَوصَى بِالمَالِ الَّذي كَانَ مَعَهُ إِلَى ثِقَةٍ لِيَعمَلَ فِيهِ بِمَا يُحِبُّ .

وأُجيب عن كتابه . (4) وفي الإرشاد : ابن قولويه عن الكلينيّ ، عن عليّ بن محمّد ، عن الحسن بن عيسى العُرَيضِيّ (5) ، قال : لمّا مضى أبو محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام ، ورد رجلٌ من مصر بمالٍ إلى مكّة لصاحب الأمر ، فاختُلف عليه ، وقال بعض الناس : إنّ أبا محمّد قد مضى

.


1- .قال الصدوق قدس سره : « ممّن وقف على معجزات صاحب الزمان _ صلوات اللّه عليه _ ورآه من أهل مصر من غير الوكلاء ، صاحب المال بمكّة ، ولعلّه هذا الرجل » ( شرح اُصول الكافي للمازندراني : ج 7 ص 351 ) .
2- .وهو جعفر الكذّاب أخو أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام .
3- .لعلّ المراد بالباب باب القائم عليه السلام .
4- .الكافي : ج 1 ص 523 ح 19 ، الصراط المستقيم : ج 2 ص 247 ح 10 .
5- .الخبر مرسل ، والحسن بن عيسى مجهول لم يُذكر في المصادر الرجالية . العريضي نسبته إلى عريض كزبير : واد بالمدينة قرية على أربعة أميال من المدينة .

ص: 24

8 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد السَّمُريّ في علمهم

من غير خَلَف ، وقال آخرون : الخَلَف من بعده جعفر ، وقال آخرون : الخَلَف من بعده ولده ، فبعث رجلاً يُكنّى أبو طالب إلى العسكر ، يبحث عن الأمر وصحّته ، ومعه كتابٌ ، فصار الرجل إلى جعفر وسأله عن برهانٍ ، فقال له جعفرٌ : لا يتهيّأُ لي في هذا الوقت ، فصار الرجل إلى الباب وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا المَوسومين بالسفارة ، فخرج إليه : آجرَك اللَّهُ فِي صَاحِبِكَ ، فَقَد مَاتَ وَأَوصَى بِالمَالِ الَّذي كَانَ مَعَهُ إِلَى ثِقَةٍ يَعمَلُ فِيهِ بِمَا يُحِبُّ . وأُجيب عن كتابه ، وكان الأمرُ كما قيل له . (1)

8كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد السَّمُريّفي علمهمقال عليّ بن محمّد السمريّ 2 : كتبت إليه أسأله عمّا عندك من العلوم ، فوقّع عليه السلام :

.


1- .الإرشاد : ج 2 ص 364 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 455 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 299 ح 16 .

ص: 25

9 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن عاصم الكوفيّ في النهي عن التسمية

عِلمُنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوجُهٍ : مَاضٍ ، وَغَابرٍ (1) ، وَحَادِثٍ ، أَمَّا المَاضِي فَتَفسِيرٌ ، وَأَمَّا الغَابِرُ فَمَوقُوفٌ ، وَأَمَّا الحَادِثُ فَقَذفٌ فِي القُلُوبِ ، وَنَقرٌ فِي الأَسمَاعِ ، وَهُوَ أَفضَلُ عِلمِنَا ، وَلَا نَبِيَّ بَعدَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه و آله 2 . (2)

9كتابه عليه السلام إلى عليّ بن عاصم الكوفيّفي النهي عن التسميةحدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي رضى الله عنه ، قال : حدّثني جعفر بن محمّد بن مسعود وحيدر بن محمّد بن السمرقنديّ ، قالا : حدّثنا أبو النضر محمّد بن مسعود ،

.


1- .الغابِر : الباقي ( مجمع البحرين : ج 2 ص 1303) .
2- .دلائل الإمامة : ص 524 ح 495 ، مدينة المعاجز : ج 8 ص 105 الرقم 2720 .

ص: 26

قال : حدّثنا آدم بن محمّد البلخيّ ، قال : حدّثنا عليّ بن الحسن الدقّاق وإبراهيم بن محمّد ، قالا : سمعنا عليّ بن عاصم الكوفيّ 1 يقول : خرج في توقيعات صاحب الزمان :مَلعُونٌ مَلعُونٌ مَن سَمَّانِي فِي مَحفِلٍ مِنَ النَّاسِ . 2

.

ص: 27

10 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عثمان العَمْرِيّ

11 . كتابه عليه السلام إلى أبي عبد اللّه الصالحيّ

10كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عثمان العَمْرِيّحدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيّ رضى الله عنه ، قال : سمعت أبا عليّ محمّد بن همّام يقول : سمعت محمّد بن عثمان العمريّ (1) قدّس اللّه روحه يقول : خرج توقيع بخطٍّ أعرفه :مَن سَمَّانِي فِي مَجمَعٍ مِنَ النَّاسِ بِاسمِي فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ . (2)

11كتابه عليه السلام إلى أبي عبد اللّه الصالحيّعليّ بن محمّد ، عن أبي عبد اللّه الصالحيّ 3 ، قال : سألني أصحابنا بعد مضيّ أبي محمّد عليه السلام أن أسأل عن الاسم والمكان ، فخرج الجواب :إِن دَلَلتُهُم عَلَى الاِسمِ أَذَاعُوهُ ، وَإِن عَرَفُوا المَكَانَ دَلُّوا عَلَيهِ . (3)

.


1- .مرّ ذكره في الرقم 3 .
2- .كمال الدين : ص 483 ح 3 ، إعلام الورى : ج 2 ص 270 ، كتاب التمحيص : ص 17 ، كشف الغمّة : ج 3 ص339 ، بحار الأنوار : ج 53 ص 184 ح 14 .
3- .الكافي : ج 1 ص 333 ح 2 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 33 ح 8 ، وسائل الشيعة : ج 16 ص 240 ح 21459 .

ص: 28

12 . كتابه عليه السلام إلى أبو عليّ محمّد بن همّام

12كتابه عليه السلام إلى أبو عليّ محمّد بن هَمّامقال أبو عليّ محمّد بن همّام 1 : وكتبتُ أسأله عن الفَرَج متى يكون ؟ فخرج إليَّ :كَذَبَ الوَقَّاتُونَ . (1)

.


1- .كمال الدين : ص483 ح 3 ، إعلام الورى : ج2 ص 270 ، بحار الأنوار : ج53 ص 184 ح 14 .

ص: 29

الفصل الثاني : كراماته وغرائب شأنه عليه السلام

اشاره

الفصل الثّاني: كَرَامَاتُهُ وَغَرَائِبُ شَأنِهِ

.

ص: 30

. .

ص: 31

13 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن أبي روح

13كتابه عليه السلام إلى أحمد بن أبي روحعن أحمد بن أبي روح (1) ، قال : وُجِّهتُ إلى امرأةٍ من أهل دِينور ، فأتيتها فقالت : يابن أبي روح ، أنت أوثق مَن في ناحيتنا ديناً و ورعاً ، وإنّي أريد أن أودعك أمانة وأجعلها في رقبتك تؤدّيها وتقوم بها . فقلت : أفعل إن شاء اللّه . فقالت : هذه دراهم في هذا الكيس المختوم ، لا تحلّه ولا تنظر ما فيه حتّى تؤدّيه إلى من يخبرك بما فيه ، وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير ، وفيه ثلاث لؤلؤات تساوي عشرة دنانير ، ولي إلى صاحب الزمان عليه السلام حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها . فقلت : وما الحاجة ؟ قالت : عشرة دنانير استقرَضَتها أُمّي في عرسي ، ولا أدري ممّن استقرَضَتها ، ولا أدري إلى من أدفعها ، فإن أخبرك بها فادفعها إلى من يأمرك به . قال : وكنت أقول بجعفر بن عليّ ، فقلت : هذه المحنة بيني وبين جعفر . فحملت المال وخرجت حتّى دخلت بغداد ، فأتيت حاجز بن يزيد الوشّاء ، فسلّمت عليه وجلست ، فقال : ألك حاجة ؟ فقلت : هذا مال دُفع إليّ لأدفعه إليك ، أخبرني كم هو ومن دفعه إليّ ؟ فإن أخبرتني دفعته إليك . قال : لم أؤمر بأخذه ، وهذه رقعة جاءتني بأمرك . فإذا فيها :

.


1- .لم نجد له ترجمة في المصادر الرجالية غير هذا الخبر الذي يستظهر منه أنّه مورد عناية ولي العصر _ عجّل اللّه تعالى فرجه _ وأمينه ، أدّى الأمانة ، وخرج إليه هذا التوقيع المقدّس .

ص: 32

لَا تَقبَل مِن أَحمَدَ بنِ أَبِي رُوحٍ ، وَتَوَجَّه بِهِ إِلَينَا ، إِلَى سُرَّ مَن رَأَى . فقلت : لا إله إلّا اللّه ، هذا أجل شيء أردته ، فخرجت به ووافيت سُرّ مَن رَأى ، فقلت : أبدأ بجعفر ، ثمّ تفكّرت وقلت : أبدأ بهم ، فإن كانت المحنة من عندهم وإلّا مضيت إلى جعفر . فدنوت من باب دار أبي محمّد عليه السلام ، فخرج إليّ خادم فقال : أنت أحمد بن أبي روح ؟ قلت : نعم ، قال : هذه الرقعة اقرأها فقرأتها ، فإذا فيها : بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيم يَا ابنَ أَبِي رَوحٍ ، أَودَعَتكَ حَايلَ بِنتُ الدَّيرَانِيِّ كِيساً فِيهِ أَلفُ دِرهَمٍ بِزَعمِكَ ، وَهُوَ خِلَافُ مَا تَظُنُّ ، وَقَد أُدِّيَت فِيهِ الأَمَانَةُ ، وَلَم تَفتَحِ الكِيسَ وَلَم تَدرِ مَا فِيهِ ، وَإَنَّمَا فِيهِ أَلفُ دِرهَمٍ وَخَمسُونَ دِينَاراً صِحَاحاً ، وَمَعَكَ قُرطان زَعَمَتِ المَرأَةُ أَنَّهَا تُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ صُدِّقَت مَعَ الفَصَّينِ اللَّذَينِ فِيهمَا ، وَفِيهمَا ثَلَاثُ حَبَّاتِ لُؤلُؤٍ شِرَاؤُهَا بِعَشَرَةُ دَنَانِيرَ ، وَهِيَ تُسَاوِي أَكثَرَ ، فَادفَعهُمَا إِلَى جَارِيَتِنَا فُلَانَةَ ، فَإِنَّا قَد وَهَبنَاهُمَا لَهَا ، وَصِر إِلَى بَغدَادَوَادفَعِ المَالَ إِلَى حَاجِزٍ ، وَخُذ مِنهُ مَا يُعطِيكَ لِنَفَقَتِكَ إِلَى مَنزِلِكَ . فَأَمَّا العَشَرَةُ الدَّنَانِيرِ الَّتِي زَعَمَت أَنَّ أُمَّهَا استَقرَضَتهَا فِي عُرسِهَا وَهِيَ لَا تَدرِي مَن صَاحِبُهَا وَلَا تَعلَمُ لِمَن هِيَ ، هِيَ لِكُلثُومٍ بِنتِ أَحمَدَ ، وَهِيَ نَاصِبِيَّةٌ ، فَتَحَرَّجَت أَن تُعطِيَهَا ، فَإِن أَحَبَّت أَن تَقسِمَهَا فِي أَخَوَاتِهَا فَاستَأذَنَتنَا فِي ذَلِكَ ، فَلتُفَرِّقهَا فِي ضُعَفَاءِ أَخَوَاتِهَا . وَلَا تَعُودَنَّ يَا بنَ أَبِي رَوحٍ إِلَى القَولِ بِجَعفَرٍ وَالمِحنَةِ لَهُ ، وَارجِع إِلَى مَنزِلِكَ ، فَإِنَّ عَدُوِّكَ قَد مَاتَ وَقَد أَورَثَكَ اللَّهُ (1) أَهلَهُ وَمَالَه .

.


1- .وفي بحار الأنوار : «فإنّ عمّك قد مات ، وقد أورثك اللّه » بدل «فإنّ عدوّك قد مات ، وقد أورثك اللّه ».

ص: 33

14 . كتابه عليه السلام إلى أبي محمّد السَّروِيّ

فرجعت إلى بغداد ، وناولت الكيس حاجزاً ، فوزنه فإذا فيه ألف درهم صحاح وخمسون ديناراً ، فناولني ثلاثين ديناراً ، وقال : أمرنا بدفعها إليك لتنفقها . فأخذتها وانصرفت إلى الموضع الّذي نزلت فيه ، فإذا أنا بفيج (1) قد جاءني من المنزل يخبرني بأنّ حموي قد مات ، وأنّ أهلي أمروني بالانصراف إليهم ، فرجعت فإذا هو قد مات ، وورثت منه ثلاثة آلاف دينار ومئة ألف درهم . وفي ذلك أيضاً عدّة آيات . (2)

14كتابه عليه السلام إلى أبي محمّد السَّروِيّالعاصمي 3 قال : إنّ رجلاً تفكّر في رجلٍ يوصلُ إليه ما وجب للغريم 4 عليه السلام ، وضاق به

.


1- .الفيج : اشتقّ من الفارسية ، وهو رسول السلطان على رجله . والفائج من الأرض : ما اتّسع منها بين جبلين ، وجمعه فوائج ( كتاب العين : ج 6 ص 189 « فيج » ) .
2- .الثاقب في المناقب : ص594 ح 537 ، الخرائج والجرائح : ج 2 ص 701 ح 17 ، إثبات الهداة : ج 7 ص 349 ح 126 ، مدينة المعاجز : ج 8 ص 170 ، ح 2770 ، فرج المهموم : ص 257 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 295 .

ص: 34

15 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن الدِّينَوَريّ

صدره ، فسمع هاتفاً يهتف به : أوصل ما معك إلى حاجزٍ . قال : وخرج أبو محمّد السرويّ (1) إلى سُرّ مَن رَأى ومعه مال ، فخرج إليه ابتداءً :فَلَيسَ فِينَا شَكٌّ ، وَلَا فِيمَن يِقُومُ مَقَامَنَا شَكٌّ ، وَرُدَّ مَا مَعَكَ إِلَى حَاجِزٍ . (2)

15كتابه عليه السلام إلى أحمد بن الدِّينَوَريّحدّثني أبو المفضل محمّد بن عبد اللّه ، قال : أخبرنا أبو بكر محمّد بن جعفر بن محمّد المقرئ ، قال : حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن سابور ، قال : حدّثني الحسن بن محمّد بن حيوان السرّاج القاسم ، قال : حدّثني أحمد بن الدينوريّ السرّاج ، المُكنّى بأبي العبّاس ، الملقّب بأستاره ، قال : انصرفت من أردبيل إلى الدينور (3) أُريد الحجّ ،

.


1- .أبو محمّد السروي : « الرجل مجهول لم نجده في الرجال ، لعلّه حمزة بن محمّد السروي ، وله مكاتبة إلى مولانا أبي محمّد العسكري عليه السلام ، ومنها يُستفاد أنّه مورد عنايته ولطفه » . المناقب : ج 3 ص 530 ، بحار الأنوار : ج 5 ص284 .
2- .كمال الدين : ص 498 ح 23 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 334 .
3- .مدينة من أعمال الجبل قرب قرميسين ، يُنسب إليها خلق كثير ، وبين الدنيور وهمذان نيف وعشرون فرسخا ، ومن الدينور إلى شهرزور أربع مراحل ، والدينور بمقدار ثلثي همذان ، وهي كثيرة الثمار والزروع ، وله مياه ومستشرف ، وأهلها أجود طبعا من أهل همذان ، ويُنسب إلى الدينور جماعة كثيرة من أهل الأدب والحديث ( معجم البلدان : ج 2 ص 546 ) .

ص: 35

وذلك بعد مضي أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام بسنة أو سنتين ، وكان الناس في حيرة ، فاستبشروا أهل الدينور بموافاتي ، واجتمع الشيعة عندي ، فقالوا : قد اجتمع عندنا ستّة عشر ألف دينار من مال الموالي ، ونحتاج أن تحملها معك ، وتسلّمها بحيث يجب تسليمها . قال : فقلت : ياقوم ، هذه حيرة ، ولا نعرف الباب في هذا الوقت . قال : فقالوا : إنّما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك ، فاحمله على ألّا تخرجه من يديك إلّا بحجّة . قال : فحُمِل إليَّ ذلك المال في صُررٍ باسم رجلٍ رجلٍ ، فحملت ذلك المال وخرجت ، فلمّا وافيت قَرميسين (1) ، وكان أحمد بن الحسن مقيماً بها ، فصرت إليه مسلّماً ، فلمّا لقيني استبشر بي ، ثمّ أعطاني ألف دينار في كيسٍ ، وتُخوتَ ثيابٍ من ألوانٍ معتمة ، لم أعرف ما فيها ، ثمّ قال لي أحمد : احمل هذا معك ، ولا تخرجه عن يدك إلّا بحجّة . قال : فقبضت منه المال والتخوت بما فيها من الثياب . فلمّا وردت بغداد لم يكن لى همّة غير البحث عمّن أُشير إليه بالنيابة ، فقيل لي : إنّ هاهنا رجلاً يُعرف بالباقَطَانيّ يَدّعي بالنيابة ، وآخر يُعرف بإسحاق الأحمر يَدّعي بالنيابة ، وآخر يُعرف بأبي جعفر العمريّ يَدّعي بالنيابة . قال : فبدأت بالباقطانيّ ، فصرت إليه ، فوجدته شيخاً بهيّاً له مُروءة ظاهرة ، وفرسٌ عربي ، وغلمان كثير ، ويجتمع عنده الناس يتناظرون . قال : فدخلت إليه ، وسلّمت عليه ، فرحّب وقرّب وبرّ وسرّ . قال : فأطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس ، قال : فسألني عن حاجتي ، فعرّفته أنّي رجل من أهل الدينور ، ومعي شيء من المال ، أحتاج أن أُسلّمه . قال : فقال لي : احمله . قال : فقلت : أريد حجّة . قال : تعود إليّ في غد . قال : فعدت إليه من الغد فلم يأت بحجّة ، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأت بحجّة .

.


1- .بلد معروف قرب الدينور وبين همذان وحلوان على جادة العراق ( مراصد الاطّلاع ) . وهو تعريب كرمان ( معجم البلدان : ج 2 ص 546 ) .

ص: 36

قال : فصرت إلى إسحاق الأحمر ، فوجدته شابّاً نظيفاً ، منزله أكبر من منزل الباقَطَانيّ ، وفرسه ولباسه ومروءته أسرى ، وغلمانه أكثر من غلمانه ، ويجتمع عنده من الناس أكثر ممّا يجتمعون عند الباقطانيّ . قال : فدخلت وسلّمت ، فرحّب وقرّب ، قال : فصبرت إلى أن خفّ الناس ، قال : فسألني عن حاجتي ، فقلت له كما قلت للباقَطَانيّ ، وعدت إليه بعد ثلاثة أيّام ، فلم يأت بحجّة . قال : فصرت إلى أبي جعفر العمريّ ، فوجدته شيخاً متواضعاً ، عليه مُبَطّنة (1) بيضاء ، قاعد على لِبْدٍ (2) ، في بيتٍ صغير ، ليس له غلمان ، ولا له من المروءة والفرس ما وجدت لغيره . قال : فسلّمت ، فردّ جوابي وأدناني ، وبَسَطَ منّي (3) ، ثمّ سألني عن حالي ، فعرّفته أنّي وافيت من الجبل ، وحملت مالاً . قال : فقال : إن أحببت أن يصل هذا الشيء إلى من يجب أن يصل إليه ، يجب أن تخرج إلى سُرّ مَن رَأى ، وتسأل دار ابن الرضا ، وعن فلان بن فلان الوكيل _ وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها _ فإنّك تجد هناك ما تريد . قال : فخرجت من عنده ، ومضيت نحو سُرّ مَن رَأى ، وصرت إلى دار ابن الرضا ، وسألت عن الوكيل ، فذكر البواب أنّه مشتغل في الدار ، وأنّه يخرج آنفاً ، فقعدت على الباب أنتظر خروجه ، فخرج بعد ساعة ، فقمت وسلّمت عليه ، وأخذ بيدي إلى بيتٍ كان له ، وسألني عن حالي ، وعمّا وردت له ، فعرّفته أنّي حملت شيئاً من المال من ناحية الجبل ، وأحتاج أن أُسلّمه بحجّة . قال : فقال : نعم . ثمّ قدّم إليّ طعاماً ، وقال لي : تغدّى بهذا واسترح ، فإنّك تعب ، وأنّ بيننا وبين صلاة الأُولى ساعة ، فإنّي أحمل إليك ما تريد . قال : فأكلت ونمت ، فلمّا كان وقت الصلاة نهضت وصلّيت ، وذهبت إلى

.


1- .المبطنة : ما ينتطق به ، وهي إزار له حجزة .
2- .اللبد : ضرب من البسط .
3- .بسط فلان من فلان : أزال منه الاحتشام وعوامل الخجل .

ص: 37

المشرعة ، فاغتسلت وانصرفت إلى بيت الرجل ، ومكثت إلى أن مضى من الليل ربعة ، فجاءني ومعه دُرج فيه :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم وَافَى أَحمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ ، وَحَمَلَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلفَ دِينَار ، وَفي كَذَا وَكَذَا صُرَّةً ، فِيهَا صُرَّةُ فُلَانِ بنِ فُلانٍ كَذَا وَكَذَا دِينَاراً ، وَصُرَّةُ فُلَانِ بنِ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا دِينَاراً _ إِلَى أَن عَدَّ الصُّرَرَ كُلَّهَا _ وُصُرَّةُ فُلَانِ بنِ فُلَانِ الذَّرَّاعِ سِتَّةَ عَشَرَ دِينَاراً .

قال : فوسوس لي الشيطان أنّ سيّدي أعلم بهذا منّي ، فما زلت أقرأ ذكر صرّة صرّة وذكر صاحبها ، حتّى أتيت عليها عند آخرها ، ثمّ ذكر : قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن المادرائيّ أخي الصواف كيساً فيه ألف دينار وكذا وكذا تختاً ثياباً ، منها ثوب فلاني ، وثوب لونه كذا ، حتّى نسب الثياب إلى آخرها بأنسابها وألوانها . قال : فحمدت اللّه وشكرته على ما منّ به عليَّ من إزالة الشكّ عن قلبي ، وأمر بتسليم جميع ما حملته إلى حيث ما يأمرني أبو جعفر العمريّ ، قال : فانصرفت إلى بغداد وصرت إلى أبي جعفر العمريّ . قال : وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيّام . قال : فلمّا بصر بيَّ أبو جعفر العمريّ قال لي : لِمَ لم تخرج ؟ فقلت : يا سيّدي ، من سُرّ مَن رَأى انصرفت . قال : فأنا أحدّث أبا جعفر بهذا ، إذ وردت رقعة على أبي جعفر العمريّ من مولانا ( صلوات اللّه عليه ) ، ومعها دُرج مثل الدُرج الّذي كان معي ، فيه ذكر المال والثياب ، وأمر أن يُسلّم جميع ذلك إلى أبي جعفر محمّد بن أحمد بن جعفر القطّان القمّي ، فلبس أبو جعفر العمريّ ثيابه ، وقال لي : احمل ما معك إلى منزل محمّد بن أحمد بن جعفر القطّان القمّي . قال : فحملت المال والثياب إلى منزل محمّد بن أحمد بن جعفر القطّان ، وسلّمتها ، وخرجت إلى الحجّ . فلمّا انصرفت إلى الدينور

.

ص: 38

اجتمع عندي الناس ، فأخرجت الدرج الّذي أخرجه وكيل مولانا _ صلوات اللّه عليه _ إليَّ ، وقرأته على القوم ، فلمّا سمع ذكر الصرّة باسم الذرّاع سقط مغشيّاً عليه ، فما زلنا نعلّله حتّى أفاق ، فلمّا أفاق سجد شكرا للّه عز و جل ، وقال : الحمد للّه الّذي مَنَّ علينا بالهداية ، الآن علمت أنّ الأرض لا تخلو من حجّة ، هذه الصرّة دفعها _ واللّه _ إليَّ هذا الذرّاع ، ولم يقف على ذلك إلّا اللّه عز و جل . قال : فخرجت ولقيت بعد ذلك بدهر أبا الحسن المادرائيّ ، وعرّفته الخبر ، وقرأت عليه الدرج ، قال : يا سبحان اللّه ، ما شككت في شيء ، فلا تشكنَّ في أنّ اللّه عز و جل لا يخلي أرضه من حجّة . اعلم إنّه لمّا غزا إذكُوتَكِين يزيدَ بن عبد اللّه ب سهرورد (1) ، وظفر ببلاده واحتوى على خزانته ، صار إليّ رجل ، وذكر أنّ يزيد بن عبد اللّه جعل الفرس الفلاني والسيف الفلاني في باب مولانا عليه السلام ، قال : فجعلت أنقل خزائن يزيد بن عبد اللّه إلى إذكُوتَكِين أوّلاً فأوّلاً ، وكنت أُدافع بالفرس والسيف إلى أن لم يبقَ شيء غيرهما ، وكنت أرجو أن أخلص ذلك لمولانا عليه السلام . فلمّا اشتدّ مطالبة إذكوتكين إيّاي ولم يمكنني مدافعته ، جعلت في السيف والفرس في نفسي ألف دينار ، ووزنتها ودفعتها إلى الخازن ، وقلت له : ادفع هذه الدنانير في أوثق مكان ، ولا تخرجنّ إليَّ في حال من الأحوال ولو اشتدّت الحاجة إليها . وسلّمت الفرس والنصل . قال : فأنا قاعد في مجلسي بالري أبرم الأُمور وأوفي القصص وآمر وأنهي ، إذ دخل أبو الحسن الأسديّ ، وكان يتعاهدني الوقت بعد الوقت ، وكنت أقضي حوائجه ، فلمّا طال جلوسه وعليَّ بؤس كثير ، قلت له : ما حاجتك ؟ قال : أحتاج منك إلى خلوة . فأمرت الخازن أن يهيّئ لنا مكاناً من الخزانة ، فدخلنا الخزانة ، فأخرج إليَّ رقعة صغيرة من مولانا عليه السلام فيها :

.


1- .سهرورد : بلدة قريبة من زنجان بالجبال ( معجم البلدان : ج 3 ص 289 ) . وراجع القصّة في تاريخ الاُمم والملوك للطبرسي : ج 9 ص 549 وج 10 ص 16 .

ص: 39

16 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن النضر

يَا أَحمَدَ بنَ الحَسَنِ ، الأَلفُ دِينَارٍ الَّتِي لَنَا عِندَكَ ، ثَمَنُ النَّصلِ وَالفَرَسِ ، سَلِّمها إِلَى أَبِي الحَسَنِ الأَسَدِيِّ (1) . قال : فخررت للّه عز و جل ساجداً شاكراً لما منَّ به عليَّ ، وعرفت أنّه خليفة اللّه حقّاً ؛ لأنّه لم يقف على هذا أحد غيري ، فأضفت إلى ذلك المال ثلاثة آلاف دينار أُخرى سروراً بما منَّ اللّه عليَّ بهذا الأمر . (2)

16كتابه عليه السلام إلى الحسن بن النضرعليّ بن محمّد ، عن سعيد بن عبد اللّه ، قال : إنّ الحسن بن النضر 3 وأبا صِدَام (3) وجماعة تكلّموا بعد مضيّ أبي محمّد عليه السلام فيما في أيدي الوكلاء ، وأرادوا الفحص ، فجاء الحسن بن النضر إلى أبي الصِّدام فقال : إنّي أُريد الحجّ . فقال له أبو صِدام : أخّره هذه السنة . فقال له الحسن ( ابن النضر ) : إنّي أفزع في المنام ولا بدَّ من

.


1- .المراد به محمّد بن جعفر الرازي ، وكان أحد الأبواب . قال الشيخ الطوسي في الغيبة : « وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل ، منهم أبو الحسن محمّد بن جعفر الأسدي » ( الغيبة : ص 272 ) .
2- .دلائل الإمامة : 519 ح 493 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 303 ، مدينة المعاجز : ج 8 ص 98 الرقم 2718 ، فرج المهموم : 239 _ 244 ، وأخرج قطعة منه في إثبات الهداة : ج 3 ص 701 ح 139 عن دلائل الإمامة ، وقطعة أُخرى : ص 702 ح 144 عن فرج المهموم .
3- .لم نجد له ترجمة لا في الرجال ولا في التاريخ والسِيَر غير هذا التوقيع ، وهذا يدلّ على مكانته بين الشيعة .

ص: 40

الخروج . وأوصى إلى أحمد بن يعلى بن حمّاد وأوصى للناحية بمالٍ ، وأمره ألّا يخرج شيئاً إلّا من يده إلى يده بعد ظهور . قال : فقال الحسن : لمّا وافيت بغداد اكتريت داراً فنزلتها ، فجاءني بعض الوكلاء بثيابٍ ودنانير وخلّفها عندي ، فقلت له ما هذا ؟ قال : هو ما ترى (1) ، ثمّ جاءني آخر بمثلها وآخر حتّى كبسوا الدار (2) ، ثمّ جاءني أحمد بن إسحاق بجميع ما كان معه ، فتعجّبت وبقيت متفكّراً ، فوردت عليَّ رقعة الرجل عليه السلام :إِذَا مَضَى مِنَ النَّهَارِ كَذَا وَكَذَا فَاحمِل مَا مَعَكَ . فرحلت وحملت ما معي ، وفي الطريق صعلوك يقطع الطريق في ستّين رجلاً ، فاجتزت عليه وسلّمني اللّه منه ، فوافيت العسكر ، ونزلت ، فوردت عليَّ رقعة : أَن أحمِل مَا مَعَكَ . فعبّيته في صِنان الحمّالين ، فلمّا بلغت الدهليز إذا فيه أسود قائم ، فقال : أنت الحسن بن النضر ؟ قلت : نعم ، قال : ادخل . فدخلت الدار ودخلت بيتاً وفرغت صنان الحمّالين ، وإذا في زاوية البيت خبز كثير ، فأعطى كلّ واحد من الحمّالين رغيفين وأخرجوا ، وإذا بيت عليه ستر ، فنوديت منه : يَا حَسَنَ بنَ النَّضرِ ، اَحمِدِ اللّهَ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيكَ ، وَلَا تَشُكَّنَّ ، فَوَدَّ الشَّيطَانُ أَنَّكَ شَكَكتَ . وأخرج إليَّ ثوبين وقيل : خذها فستحتاج إليهما . فأخذتهما وخرجت . قال سعد : فانصرف الحسن بن النضر ، ومات في شهر رمضان ، وكفّن في الثوبين . (3)

.


1- .هو ماترى : أي تنظر فيه وتحفظه ، أو هو ماترى من مال الناحية ( شرح أُصول الكافي : ج 7 ص 341 ) .
2- .أي ملؤوها ، أو هجموا عليها وأحاطوا بها ( شرح الكافي : ج 7 ص 341 ) .
3- .الكافي : ج 1 ص 517 ح 4 ، بحار الأنوار : ج51 ص 308 ح 25 .

ص: 41

17 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن الفضل بن زيد اليمانيّ

17كتابه عليه السلام إلى الحسن بن الفضل بن زيد اليمانيّالحسن بن الفضل بن زيد اليماني 1 ، قال : كتب أبي بخطّه كتاباً فورد جوابه ، ثمّ كتبت بخطّي فورد جوابه ، ثمّ كتب بخطّه رجلٌ من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه ، فنظرنا فكانت العلّة أنّ الرجل تحوّل قرمطيّاً (1) . قال الحسن بن الفضل : فزرت العراق ووردت طوس ، وعزمت ألّا أخرج إلّا عن بيّنة من أمري ونجاح من حوائجي ولو احتجت أن أقيم بها حتّى أتصدّق ، قال في خلال ذلك : يضيق صدري بالمقام وأخاف أن يفوتني الحجّ ، قال : فجئت يوماً إلى محمّد بن أحمد أتقاضاه ، فقال لي : صر إلى مسجد كذا وكذا ، وأنّه يلقاك رجل . قال : فصرت إليه ، فدخل عليَّ رجل ، فلمّا نظر إليَّ ضحك وقال : لا تغتمّ ، فإنّك ستحجّ في هذه السنة وتنصرف إلى أهلك وولدك سالماً . قال : فاطمأننت وسكن

.


1- .القرامطة : طائفة يقولون بإمامة محمّد بن إسماعيل بن جعفر الصادق عليه السلام ظاهرا ، وبالإلحاد وإبطال الشريعة باطنا ؛ لأنّهم يحلّلون أكثر المحرّمات ، ويعدّون الصلاة عبارة عن طاعة الإمام ، والزكاة عبارة عن أداء الخمس إلى الإمام ، والصوم عبارة عن إخفاء الأسرار ، والزنا عبارة عن إفشائها ، وسبب تسميتهم بهذا الاسم أنّه كتب في بداية الحال واحد من رؤسائهم بخطٍّ مقرمط ، فنسبوه إلى القرمطي ، والقرامطة جمعه ( شرح الكافي : ج7 ص347 ) .

ص: 42

قلبي ، وأقول ذا مصداق ذلك والحمد للّه . قال : ثمّ وردت العسكر فخرجت إليَّ صرّة فيها دنانير وثوب ، فاغتممت وقلت في نفسي : جزائي عند القوم هذا ، استعملت الجهل فرددتها ، وكتبت رقعةً ولم يُشِر الّذي قبضها منّي عليَّ بشيء ، ولم يتكلّم فيها بحرف ، ثمّ ندمت بعد ذلك ندامةً شديدة ، وقلت في نفسي : كفرت بردّي على مولاي . وكتبت رقعةً أعتذر من فعلي وأبوء بالإثم وأستغفر من ذلك ، وأنفذتها ، وقمت أتمسّح ، فأنا في ذلك أفكّر في نفسي وأقول : إن رُدّت عليَّ الدنانير لم أحلُل صِرارها ولم أُحدِث فيها حتّى أحملها إلى أبي ، فإنّه أعلم منّي ؛ ليعمل فيها بما شاء . فخرج إلى الرسول الّذي حمل إليَّ الصُّرة أسأت إذ لم تُعِلم الرجلَ إنّا ربّما فعلنا ذلك بموالينا ، وربّما سألونا ذلك يتبرّكون به . وخرج إليّ :أخطَأتَ فِي رَدِّكَ بِرَّنَا ، فَإِذَا استَغفَرتَ اللّهَ فَاللّهُ يَغفِرُ لَكَ ، فَأمَّا إِذَا كَانَت عَزِيمَتُكَ وَعَقدُ نِيَّتِكَ ألّا تُحدِثَ فِيهَا حَدَثاً ولا تُنفِقَهَا فِي طَرِيقِكَ ، فَقَد صَرَفنَاهَا عَنكَ ، فَأمَّا الثَّوبُ فَلا بُدَّ مِنهُ لِتُحرِمَ فِيهِ .

قال : وكتبتُ في مَعنيين ، أردتُ أن أكتب في الثالث وامتنعت منه ؛ مخافة أن يكرَه ذلك ، فورد جوابُ المَعنيين والثالث الّذي طويتُ مُفَسَّراً ، والحمد للّه . قال : وكنت وافقتُ جعفر بن إبراهيم النيسابوريّ بنيسابور على أن أركب معه وأُزاملهُ ، فلمّا وافيت بغداد بدا لي فاستقلته وذهبتُ أطلب عديلاً ، فلقيني ابن الوجناء بعد أن كنت صرتُ إليه وسألته أن يكتري لي ، فوجدتُه كارهاً ، فقال لي : أنا في طلبك ، وقد قيل لي : إنّه يصحبك فأحسن معاشرته واطلُب له عديلاً واكترِ له . (1)

.


1- .الكافي : ج 1 ص 520 ح 13 ، وراجع : الإرشاد : ج 2 ص 359 ، كمال الدين : ص 491 ، كشف الغمّة : ج 2 ص452 ، الصراط المستقيم : ج 2 ص 246 ح 6 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 309 ح 28 .

ص: 43

18 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الحسين اليمانيّ

18كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الحسين اليمانيّعليّ ( بن محمّد ) ، عن عليّ بن الحسين اليمانيّ (1) ، قال : كنت ببغداد ، فتهيّأت قافلة لليمانيين فأردت الخروج معها ، فكتبتُ ألتمس الإذن في ذلك ، فخرج :لَا تَخرُج مَعَهُم ، فَلَيسَ لَكَ فِي الخُرُوجِ مَعَهُم خِيرَةٌ ، وَأَقِمِ بِالكُوفَةِ .

قال : وأقمت وخرجت القافلة ، فخرجت عليهم حنظلة (2) فاجتاحتهم (3) . وكتبتُ أستأذن في ركوب الماء ، فلم يأذن لي ، فسألت عن المراكب الّتي خرجت في تلك السنة في البحر فما سلم منها مركب ، خرج عليها قوم من الهند يقال لهم البوارح (4) ، فقطعوا عليها . قال : وزرت العسكر ، فأتيت الدرب مع المغيب ، ولم أُكلّم أحداً ولم أتعرّف إلى أحد ، وأنا أصلّي في المسجد بعد فراغي من الزيارة ، إذا بخادم قد جاءني فقال لي : قم ، فقلت له : إذَن إلى أين ؟ فقال لي : إلى المنزل ، قلت : ومَن أنا ؟ لعلّك أرسلت إلى غيري ؟ فقال : لا ، ما أرسلت إلّا إليك ، أنت عليّ بن الحسين رسول جعفر بن إبراهيم (5) . فمرّ بي حتّى أنزلني في بيت الحسين بن أحمد ، ثمّ سارّه ، فلم أدرِ ما قال له ، حتّى آتاني جميع ما أحتاج إليه . وجلست عنده ثلاثة أيّام ، واستأذنته في الزيارة

.


1- .علي بن الحسين اليماني أبو الحسن ، لم نجده في المصادر الرجالية ولا الروائية غير هذا ، إلّا أنّ الرواية بما أنّها من نفسه لا يمكن الاعتماد عليها . ورد في الهداية الكبرى : « أبو الحسن علي بن الحسن اليماني » مكبرا .
2- .قبيلة من بني تميم يُقال لهم : « حنظلة الأكرمون » ، وأبوهم حنظلة بن مالك بن عمرو بن تميم .
3- .الاجتياح _ بالجيم ثمّ الحاء _ : الإهلاك والاستئصال ( القاموس المحيط ، لسان العرب : ج 2 ص 432 ، تاج العروس : ج 4 ص 32 ) .
4- .البوارح _ بالموحّدة والمهملتين _ : يقال للشدائد والدواهي ، كأنّهم شبّهوا بها سمّوا بذاك ؛ لأنّهم كانوا يسكنون الجبال والبراري ( شرح الكافي : ج7 ص344 ) .
5- .. في كمال الدين : رسول جعفر بن إبراهيم اليماني .

ص: 44

19 . كتابه عليه السلام إلى رجل

من داخلٍ ، فأذن لي فزرت ليلاً . (1)

19كتابه عليه السلام إلى رجلحدّثنا أبي رضى الله عنه عن سعد بن عبد اللّه ، عن علّان الكلينيّ ، عن الأعلم المصريّ (2) ، عن أبي رجاء المصريّ (3) ، قال : خرجت في الطلب بعد مضي أبي محمّد عليه السلام بسنتين لم أقف فيهما على شيء ، فلمّا كان في الثالثة كنت بالمدينه في طلب وَلَدٍ لأبي محمّد عليه السلام بصُرياء ، وقد سألني أبو غانم أن أتعشّى عنده ، وأنا قاعد مفكّر في نفسي وأقول : لو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين ، فإذا هاتف أسمع صوته ولا أرى شخصه وهو يقول :يَا نَصرَ بنَ عَبدِ رَبِّهِ ، قُل لاِهلِ مِصرَ : آمَنتُم بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَيثُ رَأَيتُمُوهُ . قال نصر : ولم أكن أعرف اسم أبي ؛ وذلك أنّي ولدت بالمدائن فحملني النوفلي ، وقد مات أبي فنشأت بها ، فلمّا سمعت الصوت قمت مبادراً ولم أنصرف إلى أبي غانم ، وأخذت طريق مصر . قال : وكتب رجلان من أهل مصر في ولدين لهما ، فورد : أَمَّا أَنتَ يَا فُلانَ فَآجَرَكَ اللّهُ . ودعا للآخر ، فمات ابن المُعزّى . (4)

.


1- .الكافي : ج1 ص519 ح12 ، الإرشاد : ج2 ص358 ، كمال الدين : ص491 ح14 ، كشف الغمّة : ج2 ص452 ، الصراط المستقيم :ج2ص246ح4وح5 كلّها مع اختلافٍ يسير ،بحار الأنوار :ج51 ص297ح12 وص329 ح53 .
2- .في بعض النسخ « عن الأعلم البصري » بدل « المصري » ، كما ورد في تعليقة كمال الدين : ج2 ص 491 .
3- .في بعض النسخ « البصري » كما ورد في نسخة البحار .
4- .كمال الدين : ص 491 ح 15 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 330 ح 54.

ص: 45

20 . كتابه عليه السلام إلى بدر

20كتابه عليه السلام إلى بدرعليّ ( بن محمّد ) ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن الحسن (1) والعلاء بن رزق اللّه ، عن بدر 2 غلام أحمد بن الحسن 3 ، قال : وردت الجبل (2) وأنا لا أقول بالإمامة ، أُحبّهم جملةً ، إلى أن مات يزيد بن عبد اللّه ، فأوصى في علّته أن يُدفع الشِّهري (3) السَّمَندر وسيفه ومِنطَقته إلى مولاه ، فخفت إن أنا لم أدفع الشهري إلى إذكُوتَكِين (4) نالني منه استخفاف ، فقوّمت الدابّة والسيف والمِنطَقة بسبعمئة دينار في نفسي ولم أُطلع عليه أحداً ، فإذا الكتاب قد ورد عليّ من العراق :وَجِّه السَّبعَمِئَةِ دِينَارٍ الَّتِي لَنَا قِبَلَكَ مِن ثَمَنِ الشِّهِريِّ وَالسَّيف وَالمِنطَقَةِ . (5)

.


1- .في عيون المعجزات : « أحمد بن الحسين المادرانيّ » .
2- .الجَبَل بالتحريك : كورة بين بغداد وآذريبجان ( المحاسن : المقدّمة ) .
3- .قال الفيروزآبادي : الشهرية _ بالكسر _ : ضرب من البراذين ( القاموس ) . والسمند فرس له لون معروف . وفي مجمع البحرين : الشهوري والسمند اسم فرس .
4- .من اُمراء الترك من أتباع بني العبّاس ، وهو في التواريخ وبعض كتب الحديث بالذال ، وكذا في بعض نسخ الكتاب ( المحاسن : ج 1 ص 32 ) .
5- .الكافي : ج 1 ص 522 ح 16 ، الإرشاد : ج 2 ص 363 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 454 ، عيون المعجزات : 132 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 311 ح 34 ، الغيبة للطوسي : ص 282 ، وفيه : « . . . إلى أن مات يزيد بن عبد الملك » . إعلام الورى : ص 420 . أخرجه في مدينة المعاجز : ص 602 ح 36 عن محمّد بن يعقوب ، ورواه في الخرائج : ج1 ص 430 ح 9 ، تقريب المعارف : ص 195 . الصراط المستقيم : ج 2 ص 211 ، عيون المعجزات : ص 144 مفصّلاً باختلاف .

ص: 46

21 . كتابه عليه السلام إلى أبي عليّ المتيليّ

22 . كتابه عليه السلام إلى جعفر بن محمّد بن عمرو

21كتابه عليه السلام إلى أبي عليّ المتيليّحدّثنا أبي رضى الله عنه عن سعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثني أبو عليّ المتيليّ (1) ، قال : جاءني أبو جعفر فمضى بي إلى العبّاسيّة ، وأدخلني خربة وأخرج كتاباً فقرأه عليَّ ، فإذا فيه شرح جميع ما حدث على الدار ، وفيه :إِنَّ فُلَانَةَ _ يَعنِي أُمَّ عَبدِ اللّهِ _ تُؤخَذُ بِشَعرِهَا ، وَتُخرَجُ مِنَ الدَّارِ ، وَيُحدَرُ بِهَا إِلَى بَغدَادَ ، فَتَقعُدُ بَينَ يَدَي السُّلطَانِ . وَأَشيَاءَ مِمَّا يَحدُثُ . ثمّ قال لي : احفَظ . ثمّ مزّق الكتاب ، وذلك من قبل أن يحدث ما حدث بمدّة . (2)

22كتابه عليه السلام إلى جعفر بن محمّد بن عمروروى الشلمغانيّ في كتاب الأوصياء : أبو جعفر المروزيّ (3) قال : خرج جعفر بن محمّد بن

.


1- .في البحار : «النيليّ» بدل «المتيليّ» .
2- .كمال الدين : ص 498 ح 20 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 333 ح 58 .
3- .من مشايخ الصدوق . ذكره المحدّث النوري في المستدرك : ج 3 ص 100 ح 716 الفائدة الخامسة من الخاتمة الجدول المعدّ لذكر مشايخ الصدوق برمز ( ر ) أي ( 2000 ) . معجم رجال الحديث : ج 22 ص 100 الرقم 14069 . لعلّ العنوان كنية محمّد بن علي الشلمغاني المعروف بابن عزافر . وله أيضا كتاب الأوصياء ، رجال النجاشي : ص378 الرقم 1029 .

ص: 47

عمرو وجماعة إلى العسكر (1) ، ورأوا أيّامَ أبي محمّد عليه السلام في الحياة ، وفيهم عليّ بن أحمد بن طَنينٍ ، فكتب جعفر بن محمّد بن عمرو يستأذن في الدخول إلى القبر (2) ، فقال له عليّ بن أحمد : لا تكتب اسمي ، فإنّي لا أستأذن . فلم يكتب اسمه ، فخرج إلى جعفر :ادخُل أَنتَ وَمَن لَم يَستَأذِن . (3) وفي روايةٍ أُخرى : أبو جعفر المروزيّ ، عن جعفر بن عمرو 4 ، قال : خرجت إلى العسكر وأُمُّ أبي محمّد عليه السلام في الحياة ، ومعي جماعة ، فوافينا العسكر ، فكتب أصحابي يستأذنون في الزيارة من داخلٍ باسم رجلٍ رجلٍ ، فقلت : لا تُثبتوا اسمي ، فإنّي لا أستأذن ، فتركوا اسمي ، فخرج الإذن : ادخُلُوا وَمَن أَبىَ أَن يَستَأذِنَ . (4)

.


1- .العسكر : اسم قرية أو محلّة في سامراء للإمام علي النقي والحسن العسكري عليهماالسلام .
2- .المراد بالقبر : هي المقبرة المطهرة للإمامين العسكريين عليهماالسلام .
3- .الغيبة للطوسي : ص 343 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 293 ح 2 ، إثبات الهداة : ج 3 ص 676 ح 67 .
4- .كمال الدين : ص 498 ح 21 ، الخرائج والجرائح : ج 3 ص 1131 ح50 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 334 .

ص: 48

23 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن إسحاق

24 . كتابه عليه السلام إلى خفيف

23كتابه عليه السلام إلى أحمد بن إسحاقجعفر بن معروف الكشّي ، يذكر عن الحسين بن روح القمّي :إنّ أحمد بن إسحاق (1) كتب إليه يستأذنه في الحجّ ، فأذن له وبعث إليه بثوب ، فقال أحمد بن إسحاق : نَعَى إليَّ نفسي ، فانصرف من الحجّ فمات بحلوان . (2)

24كتابه عليه السلام إلى خَفيفالحسن بن خَفيف (3) ، عن أبيه قال :بعث بخدمٍ إلى مدينة الرسول صلى الله عليه و آله ومعهم خادمان ، وكتب إليَّ خَفيف أن يخرج معهم ، فخرج معهم ، فلمّا وصلوا إلى الكوفة شرب أحد الخادمين مسكراً ، فما خرجوا من الكوفة حتّى ورد كتاب من العسكر بردّ الخادم الّذي شرب المسكر ، وعُزل عن الخدمة . (4) وفي روايةٍ أُخرى : حُدّث عن الحسن بن حنيف ، عن أبيه ، قال : حملت حرماً من المدينة إلى الناحية ومعهم خادمان ، فلمّا وصلنا إلى الكوفة ، شرب أحد الخدم مسكراً في السرّ ولم نقف عليه ، فورد التوقيع بردّ الخادم الّذي شرب المسكر ، فرددناه من الكوفة ولم نستخدم به . (5)

.


1- .مرّ ذكره في الرقم 3 .
2- .رجال الكشّي : ج2 ص831 الرقم1052 ، بحار الأنوار : ج51 ص306 ح21 .
3- .الحسن بن حفيف وأبوه مجهولان لم نجد هذا العنوان في غير هذا الموضع من الكافي .
4- .الكافي : ج 1 ص 523 ح 21 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 310 ح 29 .
5- .عيون المعجزات : ص 135 .

ص: 49

25 . كتابه عليه السلام إلى أبي عبد اللّه بن صالح

26 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه

25كتابه عليه السلام إلى أبي عبد اللّه بن صالحعليّ بن محمّد ، عن أبي عبد اللّه بن صالح (1) ، قال :( كنت ) خرجت سنة من السنين ببغداد ، فاستأذنت في الخروج فلم يُؤذن لي ، فأقمت اثنين وعشرين يوماً وقد خرجت القافلة إلى النهروان ، فاُذن في الخروج لي يوم الأربعاء ، وقيل لي : اخرج فيه . فخرجت وأنا آيس من القافلة أن ألحقها ، فوافيت النهروان والقافلة مقيمة ، فما كان إلّا أن أعلفت جمالي شيئاً حتّى رحلت القافلة ، فرحلت وقد دعا لي بالسلامة ، فلم ألق سوءاً ، والحمد للّه . (2)

26كتابه عليه السلام إلى الحسين بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويهأخبرني جماعة ، عن أبي عبد اللّه الحسين بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه ، قال : حدّثني جماعة من أهل بلدنا المقيمين كانوا ببغداد ، في السنة الّتي خرجت القرامطة على الحاجّ ، وهي سنة ( تناثر ) الكواكب ، أنّ والدي رضى الله عنه كتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح 3 رضى الله عنه يستأذن في الخروج إلى الحجّ ، فخرج في الجواب :

.


1- .ورد هذا الخبر في الوسائل ، وفيه : « عبد اللّه بن صالح » بدل « أبي عبد اللّه بن صالح » ، الظاهر صحّة عنوان « أبي عبد اللّه بن صالح » ، كما ورد في غير موضعٍ من أسانيد الكافي وغيره ( راجع : الكافي : ج 1 ص 331 ح 7 وح 9 وص 507 ح 6 وج 2 ص 374 الرقم ح 1 ) . ومرّ سابقا بعنوان : « أبو عبد اللّه الصالحي » الرجل مجهول .
2- .الكافي : ج1 ص519 ح10 ، الإرشاد : ج2 ص357 ، كشف الغمّة : ج2 ص451 ، بحار الأنوار : ج51 ص297 .

ص: 50

27 . كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم ابن أبي حُلَيس

لَا تَخرُج فِي هَذِهِ السَّنَةِ . فأعاد فقال : هو نذر واجب ، أفيجوز لي القعود عنه ؟ فخرج الجواب : إِن كَانَ لَابُدَّ فَكُن فِي القَافِلَةِ الأَخِيرَةِ . فكان في القافلة الأخيرة ، فسلم بنفسه وقُتل من تقدّمه في القوافل الأُخر . (1)

27كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم ابن أبي حُلَيسعن سعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثني أبو القاسم بن أبي حُلَيس 2 ، قال : كنت أزور

.


1- .الغيبة للطوسي : ج 322 ص 270 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 293 ح 1 .

ص: 51

الحسين 1 عليه السلام في النصف من شعبان ، فلمّا كان سنة من السنين وردت العسكر قبل شعبان ، وهممت أن لا أزور في شعبان ، فلمّا دخل شعبان قلت : لا أدع زيارة كنت أزورها . فخرجت زائراً ، وكنت إذا وردت العسكر أعلمتهم برقعة أو برسالة ، فلمّا كان في هذه الدفعة قلت لأبي القاسم الحسن بن أحمد الوكيل : لا تعلمهم بقدومي ، فإنّي أُريد أن أجعلها زورة خالصة . قال : فجاءني أبو القاسم وهو يتبسّم وقال : بُعث إليَّ بهذين الدينارين ، وقيل لي : ادفعهما إلى الحُليسيّ ، وقل له :مَن كَانَ فِي حَاجَةِ اللّهِ عز و جل ، كَانَ اللّهُ فِي حَاجَتِهِت . قال : واعتللت بسُرّ مَن رَأى علّةً شديدةً أشفقت (1) منها ، فأطليت مستعدّاً للموت ، فبعث إليَّ بُستوقة فيها بنفسجين (2) ، وأُمرت بأخذه ، فما فرغت حتّى أفقت من علّتي ، والحمد للّه ربّ العالمين . قال : ومات لي غريم فكتبت أستأذن في الخروج إلى ورثته بواسطٍ ، وقلت : أصير إليهم حِدثان موته لعلّي أصل إلى حقّي ، فلم يُؤذن لي ، ثمّ كتبتُ ثانيةً فلم يُؤذن لي ، فلمّا كان بعد سنتين كتبَ إليَّ ابتداءً : صِر إِلَيهِم . فخرجتُ إليهم فوصل إليَّ حقّي . (3)

.


1- .في بعض النسخ : « أشفقت فيها » وأطلى فلان إطلاءً ، أي مات عنقه للموت ( كمال الدين : ج 2 ص 493 ) .
2- .بنفسجين : شيء يُعمل من البنفسج والأنجبين كالسكنجبين ( كمال الدين : ج 2 ص 494 ) .
3- .كمال الدين : ص 493 ح 18 ، الخرائج والجرائح : ج 1 ص 443 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 331 ح 56 .

ص: 52

28 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد الصيمريّ

29 . كتابه عليه السلام إلى رجل من أهل السواد

28كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد الصيمريّكتب عليّ بن محمّد الصيمريّ رضى الله عنه 1 يسأل كفناً ، فورد :إِنَّهُ يَحتَاجُ إِلَيهِ سَنَةَ ثَمَانِينَ أَو إِحدَى وَثَمَانِينَ (1) . فمات رحمه الله في الوقت الّذي حدّه ، وبعث إليه بالكفن قبل موته بشهر . (2)

29كتابه عليه السلام إلى رجلٍ من أهل السوادسعد بن عبد اللّه ، عن إسحاق بن يعقوب 4 ، قال : سمعت الشيخ العمريّ (3) رضى الله عنه يقول :

.


1- .يعني : إحدى وثمانين بعد المئتين .
2- .كمال الدين : ص 501 ح 26 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 335 ح 59 .
3- .. هو محمّد بن عثمان العمري الّذي مرّ ترجمته .

ص: 53

30 . كتابه عليه السلام إلى نصر بن الصباح البلخيّ

صحبت رجلاً من أهل السواد ومعه مال للغريم عليه السلام فأنفذه فردّ عليه ، وقيل له :أَخرِج حَقَّ وُلدِ عَمِّكَ مِنهُ ، وَهُوَ أَربَعمِئَةِ دِرهَمٍ . فبقي الرجل متحيّراً باهتاً متعجّباً ونظر في حساب المال وكانت في يده ضيعة لولد عمّه قد كان ردّ عليهم بعضها وزوى عنهم بعضها ، فإذا الّذي نضّ لهم من ذلك المال أربعمئة درهم كما قال عليه السلام ، فأخرجه وأنفذ الباقي فقُبل . (1)

30كتابه عليه السلام إلى نصر بن الصباح البلخيّحدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه ، عن سعد بن عبد اللّه ، عن عليّ بن محمّد الرازيّ ، عن نصر بن الصبّاح البَلخيّ 2 ، قال : كان بمَرو كاتب كان

.


1- .كمال الدين : ص 486 ح 6 ، دلائل الإمامة : ص 525 ح 498 ، الثاقب في المناقب : ص 597 ح 540 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 326 ح 45 ، وراجع : الكافي : ج 1 ص 519 ح 8 ، الإرشاد : ج 2 ص 356 ، الإمامة والتبصرة : ص140 ، إعلام الورى : ص 446 .

ص: 54

31 . كتابه عليه السلام إلى حاجز

للخوزستانيّ سمّاه ليّ نصر ، واجتمع عنده ألف دينار للناحية فاستشارني ، فقلت : ابعث بها إلى الحاجزيّ ، فقال : هو في عنقك إن سألني اللّه عز و جل عنه يوم القيامة . فقلت : نعم . قال نصر : ففارقته على ذلك ، ثمّ انصرفت إليه بعد سنتين ، فلقيته فسألته عن المال ، فذكر أنّه بعث من المال بمئتي دينار إلى الحاجزي ، فورد عليه وُصُولُها والدعاء له . وكتب إليه :كَانَ المَالُ أَلفَ دِينَارٍ ، فَبَعَثتَ بِمِئَتِي دِينَارٍ ، فَإِن أَحبَبتَ أَن تُعامِلَ أَحَداً فَعَامِلِ الأَسَدِيَّ بِالرَّيِّ . قال نصر : وورد عليَّ نعي حاجز ، فجزعت من ذلك جزعاً شديداً ، واغتممت له ، فقلت له : ولِمَ تغتمّ وتجزع وقد منَّ اللّه عليك بدلالتين ، قد أخبرك بمبلغ المال ، وقد نَعَى إليك حاجزاً مبتدئاً . (1)

31كتابه عليه السلام إلى حاجزعن سعد بن عبد اللّه ، قال . . . أبو القاسم ( بن أبي حُليس ) : وأوصل أبو رميس 2

.


1- .كمال الدين : ص 488 ح 9 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 326 ح 48 .

ص: 55

32 . كتابه عليه السلام إلى أبي جعفر

عشرة دنانير إلى حاجزٍ ، فنسيها حاجز أن يوصلها ، فكتب إليه :تَبعَث بِدَنَانِيرِ أَبُو رميس . ابتداءً . (1)

32كتابه عليه السلام إلى أبي جعفرقال : وحدّثني أبو جعفر 2 : ولد لي مولود فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع أو الثامن ، فلم يكتب شيئا ، فمات المولود يوم الثامن ، ثمّ كتبت أُخبر بموته ، فورد :سَيَخلُفُ عَلَيكَ غَيرُهُ وَغَيرُهُ ، فَسَمِّهِ أَحمَدَ وَمِن بَعدِ أَحمَدَ جَعفَرا . فجاء كما قال عليه السلام . قال : وتزوّجت بامرأة سرّا ، فلمّا وطأتها علقت وجاءت بابنة ، فاغتممت وضاق صدري ، فكتبت أشكو ذلك ، فورد : ستكفاها ، فعاشت أربع سنين ثمّ ماتت ، فورد : إِنَّ اللّهَ ذُو أَنَاةٍ وَأَنتُم تَستَعجِلُونَ . (2)

.


1- .كمال الدين : ص 493 ح 18 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 331 ح 56.
2- .كمال الدين : ص 489 ح 12 ، دلائل الإمامة : ص 527 ح 503 ، الثاقب في المناقب : ص 611 ح 557 بحار الأنوار : ج 51 ص 327 ح 51 .

ص: 56

وفي روايةٍ أُخرى : عليّ بن محمّد ، عمّن حدّثه (1) ، قال : ولد ليّ ولد فكتبت أستأذن في طهره يوم السابع ، فورد : لَا تَفعَل . فمات يوم السابع أو الثامن ، ثمّ كتبت بموته فورد : سَتُخلَفُ غَيرَهُ وَغَيرَهُ ، تُسَمِّيهِ أَحمَدَ مِن بَعدِ أَحمَدَ جَعفَراً . فجاء كما قال . قال : وتهيّأت للحجّ وودّعت الناس ، وكنت على الخروج فورد : نَحنُ لِذَلِكَ كَارِهُونَ ، وَالأَمرُ إِلَيكَ . قال : فضاق صدري واغتممت ، وكتبت : أنا مقيم على السمع والطاعة ، غير أنّي مغتمّ بتخلّفي عن الحجّ ، فوقّع : لَا يَضِيقَنَّ صَدرُكَ ، فَإِنَّكَ سَتَحُجُّ مِن قَابِلِ إِن شَاءَ اللّهُ . قال : ولمّا كان من قابل كتبت أستأذن ، فورد الإذن ، فكتبت أنّي عادلت محمّد بن العبّاس 2 وأنا واثق بديانته وصيانته ، فورد : الأَسَدِيُّ 3 نِعمَ العَدِيلُ ، فَإِن قَدِمَ فَلا تَختَر عَلَيهِ .

.


1- .في الإرشاد : «حدّثني بعض أصحابنا» بدل «عمّن حدّثه ».

ص: 57

33 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد بن الفرج الرُّخَّجيّ

34 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن محمّد الأشعريّ

فقدّم الأسدي وعادلته . (1)

33كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد بن الفرج الرُّخَّجيّأبو الحسن جعفر بن أحمد ، قال :كتب إبراهيم بن محمّد بن الفرج الرخجيّ 2 في أشياء ، وكتب في مولودٍ ولد له يسأل أن يُسمّى ، فخرج إليه الجواب فيما سأل ولم يكتب إليه في المولود شيء ، فمات الولد ، والحمد للّه ربّ العالمين . قال : وجرى بين قوم من أصحابنا مجتمعين على كلامٍ في مجلس ، فكتب إلى رجلٍ منهم شرح ما جرى في المجلس . (2)

34كتابه عليه السلام إلى الحسين بن محمّد الأشعريّالحسين (3) بن محمّد الأشعريّ (4) ، قال : كان يرد كتاب أبي محمّد عليه السلام في الإجراء على

.


1- .الكافي : ج 1 ص 522 ح 17 ، الإرشاد : ج 2 ص 363 ، كشف الغمّة : ج 3 ص 245 وفيهما اختلاف يسير ، بحار الأنوار : ج 51 ص 308 ح 24 ، وراجع : الغيبة للطوسي : ص 416 ح 393 .
2- .كمال الدين : ص 498 ح 22 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 334 .
3- .وفي الإرشاد : «الحسن» بدل «الحسين ».
4- .كان من أجلّاء مشايخ الكليني ، ثقة . ويبدو من المكاتبة أنّه كان وكيلاً للإمام العسكري عليه السلام ، أو أنّه كان مطلعا على ما يصدر إلى الوكلاء من الإمام العسكري عليه السلام ، كما أنّه متّحد مع « الحسين بن محمّد بن عامر الأشعري » ، ذكره الكليني بعنوان : « الحسين بن محمّد الأشعري » من اثنين وتسعين موردا .

ص: 58

35 . كتاب له عليه السلام

الجُنَيد قاتل فارس ( بن حاتم بن ماهويه ) وأبي الحسن وآخر (1) ، فلمّا مضى أبو محمّد عليه السلام ورد استئناف من الصاحب لإجراء أبي الحسن (2) وصاحبه ، ولم يرد في أمر الجُنَيد بشيء ، قال :فاغتممت لذلك ، فورد نعي الجُنَيد بعد ذلك . (3)

35كتاب له عليه السلامحدّثنا أبي رضى الله عنه عن سعد بن عبد اللّه ، عن أبي حامد المراغيّ ، عن محمّد بن شاذان بن نعيم 4 ، قال : بعث رجل من أهل بلخ بمالٍ ورقعةٍ ليس فيها كتابة ، قد خطّ

.


1- .وفي الإرشاد : «أخي» بدل «آخر ».
2- .وفي الإرشاد : « الصاحب عليه السلام بالإجراء لأبي الحسن » بدل « الصاحب لإجراء أبي الحسن » .
3- .الكافي : ج1 ص524 ح24 ، الإرشاد : ج2 ص365 ، كشف الغمّة : ج2 ص456 ، بحار الأنوار : ج51 ص299 ، المستجاد من الإرشاد : ص 251 .

ص: 59

36 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد بن إسحاق الأشعريّ

فيها بإصبعه ، كما تدور من غير كتابة ، وقال للرسول : احمل هذا المال ، فمن أخبرك بقصّته وأجاب عن الرقعة ، فأوصل إليه المال . فصار الرجل إلى العسكر وقد قصد جعفراًوأخبره الخبر ، فقال له جعفر : تقرّ بالبداء ؟ قال الرجل : نعم ، قال له : فإنّ صاحبك قد بدا له وأمرك أن تعطيني المال ، فقال له الرسول : لا يقنعني هذا الجواب . فخرج من عنده وجعل يدور على أصحابنا ، فخرجت إليه رقعة ، قال : هذا مال قد كان غرر ( غدر ) به ، وكان فوق صندوق ، فدخل اللصوص البيت وأخذوا ما في الصندوق وسلم المال . وردت عليه الرقعة وقد كُتب فيها :كَمَا تَدُورُ وَسَألتَ الدُّعَاءَ فَعَلَ اللّهُ بِكَ وَفَعَلَ . (1)

36كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد بن إسحاق الأشعريّسعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثني عليّ بن محمّد بن إسحاق الأشعريّ (2) ، قال : كانت لي زوجة من الموالي قد كنت هجرتها دهراً ، فجاءتني فقالت : إن كنت قد طلّقتني فأعلمني ، فقلت لها : لم أُطلّقك ، ونلت منها في هذا اليوم ، فكتبت إليَّ بعد أشهر تدّعي أنّها حامل ، فكتبت في أمرها وفي دارٍ كان صهري أوصى بها للغريم عليه السلام (3) ، أسأل أن يباع منّي وأن يُنجّم عليَّ ثمنها . فورد الجواب في الدار :قَد أُعطِيتَ مَا سَأَلتَ ، وَكِفَّ عَن ذِكرِ المَرأَةِ والحَملِ .

.


1- .كمال الدين : ص488 ح11 ، دلائل الإمامة : ص527 ح501 ، الثاقب في المناقب : ص599 ح544 ، الخرائج والجرائح : 3 ص 1129 ح 47 ، الإمامة والتبصرة : ص141 ، بحار الأنوار : ج51 ص327 ح50 .
2- .علي بن محمّد بن إسحاق الأشعري : لم يُذكر في التراجم ولا في الرجال ، عدّه الصدوق ممّن وقف على معجزة صاحب الزمان عليه السلام ورآه ( كمال الدين : ص443 ) .
3- .الغَرِيم : يعني صاحب الأمر عليه السلام ، قال الشيخ المفيد : وهذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديما بينها ويكون خطابهاعليه للتّقيّة (الإرشاد : ج 2 ص 362) .

ص: 60

37 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن شاذان النيسابوريّ

فكتبت إليَّ المرأة بعد ذلك تعلمني أنّها كتبت بباطل ، وأنّ الحمل لا أصل له ، والحمد للّه ربّ العالمين . (1)

37كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن شاذان النيسابوريّعليّ بن محمّد ، عن محمّد بن عليّ بن شاذان النيسابوريّ 2 ، قال : اجتمع عندي خمسمئة درهم تنقص عشرين درهماً ، فأنفت أن أبعث بخمسمئة تنقص عشرين درهما ، فوزنت من عندي عشرين درهماً وبعثتها إلى الأسديّ ، ولم أكتب ما لي ، فيها ، فورد :وَصَلَت خَمسُمِئَةِ دِرهَمٍ ، لَكَ مِنهَا عِشرُونَ دِرهَما . (2) وفي كمال الدين : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه ، عن سعد بن

.


1- .كمال الدين : ص 497 ح 19 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 333 ح 57 .
2- .الكافي : ج 1 ص 523 ح 23 ، الإرشاد : ج 2 ص 365 ، الغيبة للطوسي : ص 416 ح 394 ، الصراط المستقيم : ج2 ص 247 ح 11 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 363 ، المستجاد من الإرشاد : ص 250 ، وفيه : « علي بن محمّد بن شاذان النيسابوري » بدل من « محمّد بن علي بن شاذان » ، إعلام الورى : ص 420 ، الخرائج والجرائح : ج2 ص697 ح14 ، كشف الغمّة : ج2 ص456 نقلاً عن الإرشاد .

ص: 61

38 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن هارون بن عمران الهمدانيّ

عبد اللّه ، عن عليّ بن محمّد الرازيّ المعروف بعلّان الكليني ، قال : حدّثني محمّد بن شاذان بن نعيم النيسابوريّ ، قال : اجتمع عندي مال للغريم عليه السلام خمسمئة درهم ينقص منها عشرون درهما ، فأنِفت أن أبعث بها ناقصة هذا المقدار ، فأتممتها من عندي وبعثت بها إلى محمّد بن جعفر ، ولم أكتب ما لي فيها ، فأنفذ إليَّ محمّد بن جعفر القبض ، وفيه : وَصَلَتَ خَمسُمِئَةِ دِرهَمٍ ، لَكَ مِنهَا عُشرُونَ دِرهَما . (1) وفي روايةٍ أُخرى : أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضى الله عنه ، قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا محمّد بن شاذان بن نعيم الشاذاني ، قال : اجتمعت عندي خمسمئة درهم ينقص عشرين درهماً ، فوزنت من عندي عشرين درهما ودفعتهما إلى أبي الحسين الأسدي رضى الله عنه ، ولم أُعرّفه أمر العشرين ، فورد الجواب : قَد وَصَلَت الخَمسُمِئَةِ دِرهَمٍ الَّتِي لَكَ فِيهَا عُشرُون دِرهَماً . قال محمّد بن شاذان : أنفذت بعد ذلك مالاً ولم أفسّر لمن هو ، فورد الجواب : وَصَلَ كَذَا وَكَذَا ، مِنهُ لِفُلانٍ كَذَا ، وَلِفُلَانٍ كَذَا . (2)

38كتابه عليه السلام إلى محمّد بن هارون بن عمران الهمدانيّعليّ بن محمّد ، عن محمّد بن هارون بن عمران الهمدانيّ 3 ، قال : كان

.


1- .كمال الدين : ص 485 ح 5 ، دلائل الإمامة : ص 525 ح 497 ، الثاقب في المناقب : ص 604 ح 552 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 325 ح 44 .
2- .كمال الدين : ص 509 ح 38 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 339 ح 65 ، وراجع : المحاسن : ج 1 ص 40 ، الخرائج والجرائح : ج 2 ص 697 ح 14 ، الثاقب في المناقب : ص 599 ح 545 ، كشف الغمّة : ج 3 ص 254 .

ص: 62

للناحية (1) عليَّ خمسمئة دينار ، فضقت بها ذرعا (2) ، ثمّ قلت في نفسي : لي حوانيت اشتريتها بخمسمئة وثلاثين دينارا قد جعلتها للناحية بخمسمئة دينار ، ولم أنطق بها ، فكتب إلى محمّد بن جعفر :اقبِضِ الحَوَانِيتَ مِن مُحَمَّدِ بنِ هَارُونَ بِالخَمسُمِئَةِ دِينَارٍ الَّتي لَنَا عَلَيهِ . (3) وفي كمال الدين : حدّثنا أبي رضى الله عنه ، عن سعد بن عبد اللّه ، عن محمّد بن هارون ، قال : كانت للغريم عليه السلام عليَّ خمسمئة دينار ، فأنا ليلةً ببغداد وبها ريح وظلمة ، وقد فزعت فزعاً شديدا ، وفكّرت فيما عليَّ ولي ، وقلت في نفسي : حوانيت اشتريتها بخمسمئة وثلاثين دينارا وقد جعلتها للغريم عليه السلام بخمسمئة دينار . قال : فجاءني من يتسلّم منّي الحوانيت ، وما كتبت إليه في شيء من ذلك من قبل أن أطلق به لساني ، ولا أخبرت به أحداً . (4)

.


1- .الناحية : كناية عن صاحب الأمر عليه السلام ، كما يقال : الجهة الفلانية والجانب الفلاني .
2- .. أي ضاق ذرعي به وضعفت طاقتي وقوّتي عنه ولم أجد منه مخلصا ، وأصل الذرع إنّما هو بسط اليد .
3- .الكافي : ج 1 ص 524 ح 28 ، الإرشاد : ج2 ص366 ، الخرائج والجرائح : ج1 ص472 ح16 ، الصراط المستقيم : ج2 ص 248 ح 13 ، بحار الأنوار : ج51 ص294 ح4 ، كشف الغمّة : ج2 ص456 و ج3 ص254 ، المستجاد من الإرشاد : ص 251 ، إعلام الورى : ج 2 ص 266 .
4- .كمال الدين : ص492 ح17 ، الثاقب في المناقب : ص598 ح541 نحوه ، بحار الأنوار : ج51 ص331 ح55 .

ص: 63

39 . كتابه عليه السلام إلى ابن العجميّ

40 . كتابه عليه السلام إلى أبي العبّاس الكوفيّ

39كتابه عليه السلام إلى ابن العجميّعليّ بن محمّد ، قال : كان ابن العجميّ (1) جعل ثلثه للناحية ، وكتب بذلك ، وقد كان قبل إخراجه الثلث دفع مالاً لابنه أبي المقدام ، لم يطّلع عليه أحد ، فكتب إليه :فَأَينَ المَالُ الَّذِي عَزَلتَهُ لِأَبِي المِقدَامِ . (2)

40كتابه عليه السلام إلى أبي العبّاس الكوفيّأبو العبّاس الكوفيّ 3 ، قال : حمل رجل مالاً ليوصله ، وأحبّ أن يقف على الدلالة . فوقّع عليه السلام :إِن استَرشَدتَ أُرشِدتَ ، وَإِن طَلَبتَ وَجَدتَ ، يَقُولُ لَكَ مَولَاكَ : احمِل مَا مَعَكَ . قال الرجل : فأخرجت ممّا معي ستّة دنانير بلا وزن وحملت الباقي ، فخرج التوقيع : يَا فُلَانُ رُدَّ السِّتَّةَ دَنَانِيرَ الَّتِي أَخرَجتَهَا بِلَا وَزنٍ ، وَوَزنُها سِتَّةُ دَنَانِيرَ وَخَمسَةُ دَوَانِيقَ وَحَبَّةٌ وَنِصفٌ . قال الرجل : فوزنت الدنانير فإذا هي كما قال عليه السلام . (3)

.


1- .لم نجد له أثرا ولا ترجمة له ولا لابنه أبي المقدام .
2- .الكافي : ج 1 ص 524 ح 26 .
3- .كمال الدين :ص509 ح38 ، بحار الأنوار : ج51 ص339 ح65 ، وراجع : الثاقب في المناقب : ص599 ح546 .

ص: 64

41 . كتابه عليه السلام إلى مِرداس بن عليّ

42 . كتابه عليه السلام إلى رجل من أهل آبَه

41كتابه عليه السلام إلى مِرداس بن عليّالحسن بن عليّ العلويّ 1 ، قال : أودع المجروحُ مرداسَ بن عليّ مالاً للناحية ، وكان عند مرداس مال لتميم بن حنظلة . فورد على مِرداس :أَنفِذ مَالَ تَمِيمٍ مَعَ مَا أَودَعَكَ الشِّيرَازِيُّ (1) . (2)

42كتابه عليه السلام إلى رجل من أهل آبَهعليّ بن محمّد 4 ، قال : حمل رجل من أهل آبَة 5 شيئاً يوصله ونسي سيفا بآبة ، فأنفذ

.


1- .عدّ الصدوق المجروح الشيرازي ، ومرداس بن علي القزويني ممّن وقف على معجزات صاحب الزمان _ صلوات اللّه عليه _ ورآه من غير الوكلاء ( كمال الدين : ج2 ص443 ) .
2- .الكافي : ج 1 ص 523 ح 18 .

ص: 65

43 . كتابه عليه السلام إلى يزيد بن عبد اللّه

ما كان معه ، فكتب إليه :مَا خَبَرُ السَّيفِ الَّذِي نَسِيتَهُ ؟ (1) وفي الإرشاد بهذا الإسناد ( أي أبو القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن يعقوب ) عن عليّ بن محمّد ، قال : حمل رجل من أهل آبَة شيئاً يوصله ونسي سيفاً كان أراد حمله ، فلمّا وصل الشيء كتب إليه بوصوله ، وقيل في الكتاب : مَا خَبَرُ السَّيفِ الَّذِي أَنسَيتَهُ ؟ (2)

43كتابه عليه السلام إلى يزيد بن عبد اللّهعليّ بن محمّد ، عن ( أحمد بن ) أبي عليّ بن غياث ، عن أحمد بن الحسن ، قال : أوصى يزيد بن عبد اللّه بدابّة وسيف ومال ، وأنفذ ثمن الدابّة وغير ذلك ولم يبعث السيف ، فورد :كَانَ مَعَ مَا بَعَثتُم سَيفٌ فَلَم يَصِل _ أو كما قال _ . (3)

.


1- .الكافي : ج 1 ص 523 ح 20 .
2- .الإرشاد : ج 2 ص 365 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 455 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 299 ح 17 .
3- .الكافي : ج 1 ص 523 ح 22 .

ص: 66

44 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن زياد الصيمريّ

45 . كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم ابن أبي حُلَيس

44كتابه عليه السلام إلى عليّ بن زياد الصيمريّعليّ بن محمّد ، عن أبي عقيل عيسى بن نصر ، قال : كتب عليّ بن زياد الصيمريّ يسأل كفنا ، فكتب إليه :إِنَّكَ تَحتَاجُ إِلَيهِ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ . فمات في سنة ثمانين ، وبعث إليه بالكفن قبل موته بأيّام . (1) وفي الغيبة : أخبرنا جماعة ، عن أبي محمّد الحسن بن حمزة بن عليّ بن عبد اللّه بن محمّد بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد الكليني ، قال : كتب محمّد بن زياد الصيمريّ يسأل صاحب الزمان (ع) _ عجّل اللّه فرجه _ كفنا يتيمّن بما يكون من عنده ، فورد : إِنَّكَ تَحتَاجُ إِلَيهِ سَنَةَ إِحدَى وَثَمَانِينَ . فمات رحمه الله في ( هذا ) الوقت الّذي حدّه ، وبعث إليه بالكفن قبل موته بشهر . (2)

45كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم ابن أبي حُلَيسعن سعد بن عبد اللّه . . . قال ( أي أبو القاسم ابن أبي حُلَيس) :وأنفذت أيضاً

.


1- .الكافي : ج1 ص524 ح27 ، الإرشاد : ج2 ص366 ، الغيبة للطوسي : ص283 ح243 ، الثاقب في المناقب : ص590 ح535 ، وليس فيهما : « بأيّام » ، الصراط المستقيم : ج2 ص247 ح12 نحوه ، بحار الأنوار : ج51 ص312 ح35 .
2- .الغيبة للطوسي : ص 297 ح 253 ، كمال الدين : ص 501 ح 26 وفيه : « كتب عليّ بن محمّد رضى الله عنه يسأل كفنا » ، دلائل الإمامة : ص 524 ح 494 ، فرج المهموم : ص244 ، وفيهما : « كتب عليّ بن محمّد السمريّ » ، بحار الأنوار : ج 51 ص 317 ح 39 .

ص: 67

46 . كتابه عليه السلام إلى هارون

47 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عبد الحميد

دنانير لقومٍ مؤمنين ، فأعطاني رجل يقال له : محمّد بن سعيد دنانير ، فأنفذتها باسم أبيه متعمّدا ، ولم يكن من دين اللّه على شيء ، فخرج الوصول من عنوان اسمه محمّد . (1)

46كتابه عليه السلام إلى هارونعن سعد بن عبد اللّه ، قال (2) :وكتب هارون بن موسى بن الفرات (3) في أشياء ، وخطّ بالقلم بغير مداد يسأل الدعاء لابني أخيه وكانا محبوسين ، فورد عليه جواب كتابه ، وفيه دعاء للمحبوسين باسمهما . (4)

47كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عبد الحميدعليّ بن محمّد ، عن الحسن بن عبد الحميد (5) ، قال : شككت في أمر حاجز (6) ، فجمعت شيئاً ثمّ صرت إلى العسكر ، فخرج إليّ :

.


1- .كمال الدين : ص 494 ح 18 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 332 ح 56 .
2- .يعني : « قال سعيد أو علّان الكليني » ، وهو الصواب .
3- .لم يذكر في المصادر الرجالية ولا الروائية غير هذا الخبر ، فعلى هذا الرجل مجهول .
4- .كمال الدين : ص 493 ح 18 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 331 ح 56 .
5- .قد ادّعى دلالة الرواية هذه على وثاقة كلّ من كان وكيلاً للناحية ، ولكنّ الرواية لا تدلّ على اعتبار كلّ من كان وكيلاً من قبلهم عليهم السلام في أمر من الأُمور ، وإنّما تدلّ على جلالة من قام مقامهم بأمرهم ، فيخصّص ذلك بالنوّاب والسفراء من قبلهم عليهم السلام ( معجم رجال الحديث : ج 1 ص 72 ) .
6- .هذه الرواية تدلّ على أنّه من وكلائه ، كما دلّ عليه ما ذكره الصدوق في كتاب كمال الدين ممّن وقف على معجزاته عليهم السلام ( كمال الدين : ج2 ص443 ح16 ) .

ص: 68

لَيسَ فِينَا شَكٌّ وَلَا فِيمَن يِقُومُ مَقَامَنَا بِأَمرِنَا ، رُدَّ (1) مَا مَعَكَ إلَى حَاجِزِ بنِ يَزِيدَ . (2)

.


1- .وفي الإرشاد : « تردّ » بدل « ردّ » .
2- .الكافي : ج 1 ص 521 ح 14 ، الإرشاد : ج 2 ص 361 ، إعلام الورى : ج 2 ص 264 ، كشف الغمّة : ج 3 ص243 ، الصراط المستقيم : ج 2 ص 247 ح 8 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 334 .

ص: 69

الفصل الثالث : في الوكلاء والموكَّلين ومن دعا له

اشاره

الفصل الثالث : فِي الوُكلَاءِ وَالمُوَكَّلِينَ وَمَن دَعَا لَهُ

.

ص: 70

. .

ص: 71

48 . كتابه عليه السلام إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العَمرِيّ

48كتابه عليه السلام إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العَمرِيّعن محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه ، عن أحمد بن هارون الفاميّ ، قال : حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميريّ ، عن أبيه عبد اللّه بن جعفر الحميريّ ، قال : خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفرمحمّد بن عثمان بن سعيد العمريّ (1) _ قدّس اللّه روحه _ في التعزية بأبيه رضي اللّه تعالى عنه . وفي فصلٍ آخر من الكتاب :إِنَّا للّهِِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ ، تَسلِيما لِأَمرِهِ وَرَضَىً بِقَضَائِهِ ، عَاشَ أَبُوكَ سَعِيداً وَمَاتَ حَميداً ، فَرِحِمَهُ اللّهُ وَأَلحَقَهُ بِأَولِيائِهِ وَمَوَالِيهِ عليهم السلام ، فَلَم يَزَلُ مُجتَهِداً فِي أَمرِهِم ، سَاعِيا فِيمَا يُقَرِّبُهُ إِلَى اللّهِ عز و جل وَإِلَيهِم ، نَضَّرَ اللّهُ وَجَهَهُ ، وَأَقَالَهُ عَثرَتَهُ . وفي فصلٍ آخر : أَجزَلَ اللّهُ لَكَ الثَّوَابَ وَأَحسَنَ لَكَ العَزَاءَ ، رُزِئتَ (2) وَرُزِئنا ، وَأَوحَشَكَ فِرَاقُهُ وَأَوحَشنَا ، فَسَّرَّهُ اللّهُ فِي مُنقَلَبِهِ ، و كَانَ مِن كَمَالِ سَعَادَتِهِ أَن رَزَقَهُ اللّهُ تَعَالَى وَلَدا مِثلَكَ يَخلُفُهُ مِن بَعدِهِ ، وَيَقُومُ مَقَامَهُ بِأَمرِهِ ، وَيَتَرَحَّمُ عَلَيهِ ، وَأَقُولُ : الحَمدُ للّهِ ، فَإِنَّ

.


1- .مرّ ذكره في الرقم 3 .
2- .الرُّزرءُ : المصيبة بفقد الأعزّة ( النهاية : ج 2 ص 218 ) .

ص: 72

49 . كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم الحسين بن روح

50 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازيّ

الأَنفُسَ طَيِّبَةٌ بِمَكَانِكَ ، وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ عز و جلفِيكَ وَعِندَكَ ، أَعَانَكَ اللّهُ وَقَوَّاكَ ، وَعَضَدَكَ وَوَفَّقَكَ ، وَكَانَ لَكَ وَلِيّا وَحَافِظا ، وَرَاعِيا وَكَافِياً . (1)

49كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم الحسين بن روحأخبرني جماعة ، عن أبي العبّاس بن نوح ، قال : وجدت بخطّ محمّد بن نفيس (2) فيما كتبه بالأهواز ، أوّل كتاب ورد من أبي القاسم [ الحسين بن روح ] رضى الله عنه :نَعرِفُهُ عَرَّفَهُ اللّهُ الخَيرَ كُلَّهُ وَرِضوَانَهُ ، وَأَسعَدَهُ بِالتَّوفِيقِ ، وَقَفنَا عَلَى كِتَابِهِ ، وَثِقَتُنَا بِمَا هُوَ عَلَيهِ ، وَأَنَّهُ عِندَنَا بِالمَنزِلَةِ وَالمَحَلِّ اللَّذَينِ يَسُرَّانِهِ ، زَادَ اللّهُ فِي إِحسَانِهِ إِلَيهِ ، إِنَّهُ وَلِيٌّ قَدِيرٌ ، وَالحَمدُ للّهِ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسلِيماً كَثِيراً . وردت هذه الرقعة يوم الأحد ، لستّ ليال خلون من شوّال ، سنة خمس وثلاثمئة . (3)

50كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازيّبهذا الإسناد ( أي قوله : وأخبرني جماعة ، عن هارون بن موسى ) ، عن محمّد بن

.


1- .الغيبة للطوسي : ص 361 ح 323 ، كمال الدين : ص 510 ح 41 ، الاحتجاج : ج 2 ص 562 ، بحار الأنوار : ج51 ص 348 .
2- .لم يُذكر في المصادر الرجالية والتراجم ، الرجل مجهول ، ولعلّه محمّد بن المظفّر بن نفيس المصري أبو الفرج .
3- .الغيبة للطوسي : ص 372 ح 344 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 356 .

ص: 73

51 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الكاتب المروزيّ

همام ، قال : حدّثني محمّد بن حَمّوَيه بن عبد العزيز الرازيّ في سنة ثمانين ومئتين ، قال : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي ، أنّه خرج إليه بعد وفاة أبي عمرو :وَالاِبنُ _ وَقَاهُ اللّهُ _ لَم يَزَل ثَقِتَنَا فِي حَيَاةِ الأَبِ رضى الله عنه ، وَأَرضَاهُ وَنَضَّرَ وَجهَهُ ، يَجرِي عِندَنَا مَجرَاهُ ، وَيَسُدُّ مَسَدَّهُ ، وَعَن أَمرِنَا يَأمُرُ الاِبنُ وَبِهِ يَعمَلُ ، تَوَلَاهُ اللّهُ ، فَانتَهِ إِلَى قَولِهِ : وَعَرِّف مُعَامَلَتَنَا ذَلِكَ . (1)

51كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الكاتب المروزيّروى محمّد بن يعقوب الكلينيّ ، عن أحمد بن يوسف الشاشيّ ، قال : قال لي محمّد بن الحسن الكاتب المروزيّ (2) :وجّهت إلى حاجز الوشّاء مئتي دينار ، وكتبت إلى الغريم بذلك ، فخرج الوصول ، وذكر : إنّه كان ( له ) قِبَلي ألف دينار ، وأنّي وجّهت إليه مئتي دينار ، وقال : إن أردت أن تعامل أحدا فعليك بأبي الحسين الأسديّبالريّ . فورد الخبر بوفاة حاجز رضى الله عنه بعد يومين أو ثلاثة ، فأعلمته بموته ، فاغتمّ ، فقلت ( له ) : لا تغتمّ فإنّ لك في التوقيع إليك دلالتين ، إحداهما إعلامه إيّاك أنّ المال ألف دينار ، والثانية أمره إيّاك بمعاملة أبي الحسين الأسديّ لعلمه بموت حاجز . (3)

.


1- .الغيبة للطوسي : ص 362 ح 325 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 349 ح 3 .
2- .الرجل مجهول ، لم نجد له ترجمة لا في الرجال ولا في التراجم .
3- .الغيبة للطوسي : ص 415 ح 392 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 363 .

ص: 74

52 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد السَّمُريّ

52كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد السَّمُريّحدّثنا أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتّب 1 ، قال : كنت بمدينة السلام في السنة الّتي توفّي فيها الشيخ عليّ بن محمّد السمريّ _ قدّس اللّه روحه _ فحضرته قبل وفاته بأيّام ، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم يَا عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ السَّمُريَّ ، أَعظَمَ اللّهُ أَجرَ إِخوَانِكَ فِيكَ ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَينَكَ وَبَينَ سِتَّةِ أَيَّامٍ ، فَأَجمِع أَمرَكَ وَلَا تُوصِ إِلَى أَحَدٍ يَقُومَ مَقَامَكَ بَعدَ وَفَاتِكَ ، فَقَد وَقَعَت الغَيبَةُ الثَّانِيَةُ فَلَا ظُهُورَ إِلَا بَعدَ إِذنِ اللّهِ عز و جل ، وَذَلِكَ بعَدَ طُولِ الأَمَدِ وَقَسوَةِ القُلُوبِ ، وَاِمتِلَاءِ الأَرضِ جَوراً ، وَسَيَأتِي شِيعَتِي مَن يَدَّعِي المُشَاهَدَةَ ، أَلَا فَمَن ادَّعَى المُشَاهَدَةَ قَبلَ خُرُوجِ السُّفيَانِيِّ وَالصَّيحَةِ فَهُوَ كَاذِبٌ مُفتَرٍ ، وَلَا حَولَ وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ . قال : فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده ، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له : من وصيّك من بعدك ؟ فقال : للّه أمر هو بالغه . ومضى رضى الله عنه ، فهذا آخر كلام سمع منه . (1)

.


1- .كمال الدين : ص516 ح44 ، الغيبة للطوسي : ص395 ح365 ، الاحتجاج : ج2 ص554 ، الثاقب فيالمناقب : ص603 ح551 ، إعلام الورى : ج2 ص260 ، الخرائج والجرائح : ج3 ص1128 ح46 ،الصراط المستقيم : ج2 ص236 وليس فيهما ذيله : « فقيل له : من وصيّك . . . » ، بحار الأنوار : ج51 ص360 ح7 وص362 ح9 .

ص: 75

53 . كتابه عليه السلام إلى القاسم بن العلاء

53كتابه عليه السلام إلى القاسم بن العلاءأخبرني محمّد بن محمّد بن النعمان والحسين بن عبيد اللّه ، عن محمّد بن أحمد الصفواني رحمه الله ، قال : رأيت القاسم بن العلاء 1 وقد عُمّر مئة سنة وسبع عشرة سنة ، منها ثمانون سنة صحيح العينين ، لقي مولانا أبا الحسن وأبا محمّد العسكريين عليهماالسلام . وحُجب (1) بعد الثمانين ، وردّت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيّام . وذلك أنّي كنت مقيماً عنده بمدينة الران من أرض آذربيجان ، وكان لا تنقطع توقيعات مولانا صاحب الزمان عليه السلام على يد أبي جعفر محمّد بن عثمان العمريّ ، وبعده على ( يد ) أبي القاسم ( الحسين ) بن روح _ قدس اللّه روحهما_ ، فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين ، فقلق رحمه الله لذلك . فبينا نحن عنده نأكل إذ دخل البواب مستبشراً ، فقال له : فيج (2) العراق _ لا يسمّى بغيره (3) _ فاستبشر القاسم وحوّل وجهه إلى القبلة فسجد ، ودخل كهل قصير يرى أثر الفيوج عليه ، وعليه جبّة مصريّة ، وفي رجله نعل محامليّ ، وعلى كتفه مخلاة .

.


1- .أي : عمي ( البحار ) .
2- .الفيج : بالفتح ، معرّب « پيك » ( البحار ) .
3- .أي كان هذا الرسول لا يُسمّى إلّا بفيج العراق ، أو أنّه لم يسمّه المبشر ، بل هكذا عبّر عنه .

ص: 76

فقام القاسم فعانقه ووضع المخلاة عن عنقه ، ودعا بطشت وماء فغسل يده وأجلسه إلى جانبه ، فأكلنا وغسلنا أيدينا ، فقام الرجل فأخرج كتاباً أفضل من النصف المدرج ، فناوله القاسم ، فأخذه وقبّله ودفعه إلى كاتبٍ له يقال له ابن أبي سلمة ، فأخذه أبو عبد اللّه ففضّه وقرأه حتّى أحسّ القاسم بنكاية (1) . فقال : يا أبا عبد اللّه خير ؟ فقال : خير . فقال : ويحك خرج فيَّ شيء ؟ فقال أبو عبد اللّه : ما تكره فلا . قال القاسم : فما هو ؟ قال : نعي الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوماً ، وقد حُمل إليه سبعة أثواب . فقال القاسم : في سلامة من ديني ؟ فقال : في سلامة من دينك ، فضحك رحمه الله فقال : ما أؤمّل بعد هذا العمر ؟ فقال الرجل (2) الوارد : فأخرج من مخلاته ثلاثة أُزُر وحِبرة يمانيّة حمراء وعمامة وثوبين ومنديلاً ، فأخذه القاسم ، وكان عنده قميص خلعه عليه مولانا الرضا أبو الحسن عليه السلام ، وكان له صديق يقال له عبد الرحمن بن محمّد البدريّ (3) ، وكان شديد النصب ، وكان بينه وبين القاسم _ نضّر اللّه وجهه _ مودّة في أُمور الدنيا شديدة ، وكان القاسم يودُّه ، و( قد ) كان عبد الرحمن وافى إلى الدار لإصلاح بين أبي جعفر بن حمدون الهمدانيّ وبين ختنة ابن القاسم . فقال القاسم لشيخين من مشايخنا المقيمين معه ، أحدهما يقال له أبو حامد عمران بن المفلس ، والآخر أبو عليّ بن جحدر : أن أقرئا هذا الكتاب عبد الرحمن بن محمّد ، فإنّي أُحبّ هدايته وأرجو ( أن ) يهديه اللّه بقراءة هذا الكتاب ، فقالا له : اللّه اللّه اللّه ، فإنّ هذا الكتاب لا يَحتمل ما فيه خَلقٌ من الشيعة ، فكيف عبد الرحمن بن محمّد . فقال : أنا أعلم أنّي مفشٍ لسرٍّ لا يجوز لي إعلانه ، لكن من محبّتي

.


1- .قال المجلسي : « قال الجزري : يقال نكيت في العدوّ ، أنكى نكايةً ؛ إذا أكثرت فيهم الجراح والقتل ، فوهنوا لذلك . ويقال : نكأت القرحة أنكؤها ؛ إذا قشرتها » ( بحار الأنوار : ج51 ص316 ) .
2- .أي بيده : يقال : قال بيده ، أي أهوى بهما وأخذ ما يريد .
3- .في البحار : « السنيزي » وفي نسختي « أ ، ف » : « السينيزي » بدل « البدري » .

ص: 77

لعبد الرحمن بن محمّد وشهوتي أن يهديه اللّه عز و جل لهذا الأمر هو ذا أُقرئه الكتاب . فلمّا مرّ فيَّ ذلك اليوم _ وكان يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من رجب _ دخل عبد الرحمن بن محمّد وسلّم عليه ، فأخرج القاسم الكتاب فقال له : اقرأ هذا الكتاب وانظر لنفسك . فقرأ عبد الرحمن الكتاب ، فلمّا بلغ إلى موضع النعي رمى الكتاب عن يده ، وقال للقاسم : يا أبا محمّد ، اتّق اللّه ، فإنّك رجل فاضل في دينك ، متمكّن من عقلك ، واللّه عز و جل يقول : «وَ مَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَ مَا تَدْرِى نَفْسُ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ» (1) . وقال : «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا » (2) . فضحك القاسم ، وقال له : أتمّ الآية « إِلَا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ » (3) ، ومولاي عليه السلام هو الرضا (4) من الرسول . وقال : قد علمت أنّك تقول هذا ، ولكن أرِّخ اليوم ، فإن أنا عشت بعد هذا اليوم المؤرّخ في هذا الكتاب ، فاعلم أنّي لست على شيء ، وإن أنا متّ فانظر لنفسك . فورّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا . وحُمّ القاسم يوم السابع من ورود الكتاب ، واشتدّت به في ذلك اليوم العلّة ، واستند في فراشه إلى الحائط ، وكان ابنه الحسن بن القاسم مدمناً على شرب الخمر ، وكان متزوّجاً إلى أبي عبد اللّه بن حمدون الهمدانيّ ، وكان جالساً ورداؤه مستور على وجهه في ناحيةٍ من الدار ، وأبو حامد في ناحية ، وأبو عليّ بن جحدر وأنا وجماعة من أهل البلد نبكي ، إذ اتّكى القاسم على يديه إلى خلف وجعل يقول : يا محمّد ، يا عليّ ، يا حسن يا حسين ، يا مواليّ كونوا شفعائي إلى اللّه عز و جل . وقالها الثانية ، وقالها الثالثة .

.


1- .لقمان :34 .
2- .الجن : 26 .
3- .الجن :27 .
4- .وفي البحار : « المرتضى » بدل « الرضا » .

ص: 78

فلمّا بلغ في الثالثة : يا موسى يا عليّ ، تفرقعت أجفان عينيه ، كما يفرقع الصبيان شقائق النعمان ، وانتفخت حدقته ، وجعل يمسح بكمّه عينيه ، وخرج من عينيه شبيه بماء اللحم مدّ طرفه إلى ابنه ، فقال : يا حسن إليّ ، يا أبا حامد ( إليّ ) ، يا أبا عليّ ( إليّ ) ، فاجتمعنا حوله ونظرنا إلى الحدقتين صحيحتين ، فقال له أبو حامد : تراني ؟ وجعل يده على كلّ واحد منّا ، وشاع الخبر في الناس والعامّة ، وانتابه الناس من العوام ينظرون إليه . وركب القاضي إليه وهو أبو السائب عتبة بن عبيد اللّه المسعوديّ وهو قاضي القضاة ببغداد ، فدخل عليه ، فقال له : يا أبا محمّد ، ما هذا الّذي بيدي ؟ وأراه خاتماً فصّه فيروزج ، فقرّبه منه فقال : عليه ثلاثة أسطر ، فتناوله القاسم رحمه الله فلم يمكنه قراءته وخرج الناس متعجّبين يتحدّثون بخبره ، والتفت القاسم إلى ابنه الحسن ، فقال له :إنّ اللّه منزِّلك منزلة ومرتّبك (1) مرتبة فاقبلها بشكر ، فقال له الحسن : يا أبة قد قبلتها ، قال القاسم : على ماذا ؟ قال : على ما تأمرني به يا أبة ، قال : على أن ترجع عمّا أنت عليه من شرب الخمر . قال الحسن : يا أبة وحقّ من أنت في ذكره لأرجعنّ عن شرب الخمر ، ومع الخمر أشياء لا تعرفها ، فرفع القاسم يده إلى السماء ، وقال : اللّهمّ ألهم الحسن طاعتك ، وجنّبه معصيتك ، ثلاث مرّات ، ثمّ دعا بدُرج ، فكتب وصيّته بيده رحمه الله ، وكانت الضياع الّتي في يده لمولانا وقف وقفه ( أبوه ) . وكان فيما أوصى الحسن أن قال : يا بنيَّ ، إن أُهّلت لهذا الأمر يعني الوكالة لمولانا ، فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرجيذه ، وسائرها ملك لمولاي ، وإن لم تؤهّل له فاطلب خيرك من حيث يتقبّل اللّه . وقبل الحسن وصيّته على ذلك . فلمّا كان في يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القاسم رحمه الله ، فوافاه عبد الرحمن

.


1- .وفي البحار : « مرتبتك » بدل « مرتّبك » .

ص: 79

54 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جعفر الحميريّ

يعدو في الأسواق حافياً حاسراً وهو يصيح : واسيّداه ، فاستعظم الناس ذلك منه وجعل الناس يقولون : ما الّذي تفعل بنفسك (1) ، فقال : اسكنوا فقد رأيت ما لم تروه ، وتشيّع ورجع عمّا كان عليه ، ووقف الكثير من ضياعه . وتولّى أبو عليّ بن جَحدَر غسل القاسم وأبو حامد يصبّ عليه الماء ، وكُفّن في ثمانية أثواب ، على بدنه قميص مولاه أبي الحسن وما يليه السبعة الأثواب الّتي جاءته من العراق ، فلمّا كان بعد مدّة يسيرة ورد كتاب تعزية على الحسن من مولانا عليه السلام في آخره دعاء : أَلهَمَكَ اللّهُ طَاعَتَهُ وَجَنَّبَكَ مَعصِيَتَهُ . وهو الدعاء الّذي كان دعا به أبوه ، وكان آخره : قَد جَعَلنَا أَبَاكَ إِمَاماً لَكَ وَفَعَالَهُ لَكَ مِثَالاً . (2)

54كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جعفر الحميريّهارون بن موسى ، عن محمّد بن همام قال :قال لي عبد اللّه بن جعفر الحميريّ : لمّا مضى أبو عمرو _ رضي اللّه تعالى عنه _ أتتنا الكتب بالخطّ الّذي كنّا نكاتب به بإقامة

.


1- .وفي البحار : «بذلك» بدل «بنفسك ».
2- .الغيبة للطوسي : ص310 ح 263 ، فرج المهموم : ص248 وفيه : « من الكتاب المذكور ما رويناه عن الشيخ المفيد ، ونقلناه عن نسخة عتيقة جدّا من أُصول أصحابنا قد كُتبت في زمان الوكلاء ، فقال فيها ما هذا لفظه : قال الصفواني رحمه الله : رأيت القاسم ابن العلاء . . . » ، وفي آخره : « وروينا هذا الحديث الّذي ذكرناه أيضاً عن أبي جعفر الطوسي رضوان اللّه عليه» ، الثاقب في المناقب : 590 ص536 ح2 وفيه : « عن أبي عبد اللّه الصفوانيّ ، قال : رأيت القاسم بن العلاء . . . » ، الخرائج والجرائح : ج1 ص467 ح14 ، بحار الأنوار : ج51 ص313 ح37 .

ص: 80

55 . كتابه عليه السلام في الوكلاء

أبي جعفر رضى الله عنه مقامه . (1)

55كتابه عليه السلام في الوكلاءالحسين بن الحسن العلويّ ، قال :كان رجل من ندماء روز حسني 2 وآخر معه ، فقال له : هو ذا يجبي الأموال وله وكلاء ، وسمَّوا جميع الوكلاء في النواحي ، وأنهى ذلك إلى عبيد اللّه بن سليمان الوزير ، فهمَّ الوزير بالقبض عليهم ، فقال السلطان : اطلبوا أين هذا الرجل ؟ فإنّ هذا أمر غليظ . فقال عبيد اللّه بن سليمان : نقبض على الوكلاء ، فقال السلطان : لا ، ولكن دسّوا لهم قوماً لا يعرفون بالأموال ، فمن قَبض منهم شيئاً قُبض عليه . قال : فخرج بأن يتقدّم إلى جميع الوكلاء ألّا يأخذوا من أحدٍ شيئاً وأن يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا الأمر ، فاندسّ لمحمّد بن أحمد رجل لا يعرفه وخلا به ، فقال : معي مال أُريد أن أوصله . فقال له محمّد : غلطت ، أنا لا أعرف من هذا شيئاً ، فلم يزل يتلطّفه ومحمّد يتجاهل عليه ، وبثّوا الجواسيس ، وامتنع الوكلاء كلّهم ؛ لما كان تقدّم إليهم . (2)

.


1- .الغيبة للطوسي : ص 362 ح 324 ،بحار الأنوار : ج 51 ص 349 ح 2 .
2- .الكافي : ج 1 ص 525 ح 30 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 310 ح 30.

ص: 81

56 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفضل الموصليّ

56كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفضل الموصليّبهذا الإسناد ( أي محمّد بن محمّد بن النعمان والحسين بن عبيد اللّه ) ، عن الصفوانيّ ، قال :وافى الحسن بن عليّ الوجناء النصيبيّ 1 سنة سبع وثلاثمئة ومعه محمّد بن الفضل الموصليّ ، وكان رجلاً شيعيّاً ، غير أنّه ينكر وكالة أبي القاسم بن روح رضى الله عنه ، ويقول : إنّ هذه الأموال تخرج في غير حقوقها . فقال الحسن بن عليّ الوجناء لمحمّد بن الفضل : يا ذا الرجل اتّق اللّه ، فإنّ صحّة وكالة أبي القاسم كصحّة وكالة أبي جعفر محمّد بن عثمان العمريّ ، وقد كانا نزلا ببغداد على الزاهر ، وكنّا حضرنا للسلام عليهما ، وكان قد حضر هناك شيخ لنا يقال له أبو الحسن بن ظفر وأبو القاسم بن الأزهر ، فطال الخطاب بين محمّد بن الفضل وبين الحسن ( بن عليّ ، فقال محمّد بن الفضل للحسن ) : مَن لي بصحّة ما تقول وتثبت وكالة الحسين بن روح . فقال الحسن بن عليّ الوجناء : أُبيّن لك ذلك بدليل يثبت في نفسك ، وكان مع محمّد بن الفضل دفتر كبير فيه ورق طلحي مجلّد بأسود فيه حسباناته ، فتناول الدفتر الحسن وقطع منه نصف ورقة كان فيه بياض ، وقال لمحمّد بن الفضل : أبروا لي قلما ، فبرى قلما واتّفقا على شيء بينهما لم أقف أنا عليه ، واطّلع عليه أبا الحسن بن ظفر ، وتناول الحسن بن عليّ الوجناء القلم ، وجعل يكتب ما اتّفقا عليه في تلك الورقة بذلك القلم المبريّ بلا مداد ، ولا يؤثّر فيه حتّى ملأ الورقة .

.

ص: 82

57 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيم بن مهزيار

ثمّ ختمه وأعطاه لشيخ كان مع محمّد بن الفضل أسود يخدمه ، وأنفذ بها إلى أبي القاسم الحسين بن روح ومعنا ابن الوجناء لم يبرح ، وحضرت صلاة الظهر فصلّينا هناك ، ورجع الرسول فقال : قال لي : امض فإنّ الجواب يجيء . وقُدّمت المائدة ، فنحن في الأكل إذ ورد الجواب في تلك الورقة مكتوب بمداد عن فصل فصل ، فلطم محمّد بن الفضل وجهه ولم يتهنّأ بطعامه ، وقال لابن الوجناء : قم معي . فقام معه حتّى دخل على أبي القاسم بن روح رضى الله عنه ، وبقي يبكي ويقول : ياسيّدي ، أقلني أقالك اللّه ، فقال أبو القاسم : يغفر اللّه لنا ولك إن شاء اللّه . (1)

57كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيم بن مهزيارعليّ بن محمّد ، عن محمّد بن حَمّويه السويداويّ ، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار ، قال : شككت عند مضيّ أبي محمّد عليه السلام ، واجتمع عند أبي مال جليل ، فحمله وركب السفينة وخرجت معه مشيّعاً ، فوعك وعكاً شديداً ، فقال : يا بنيّ ردّني ، فهو الموت ، وقال لي : اتّق اللّه في هذا المال ، وأوصى إليَّ فمات (2) ، فقلت في نفسي : لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح ، أحمل هذا المال إلى العراق وأكتري دارا على الشطّ ولا أُخبر أحداً بشيء ، وإن وضح لي شيء كوضوحه ( في ) أيّام أبي محمّد عليه السلام أنفذته وإلّا قصفت به (3) ، فقدمت العراق واكتريت داراً على الشطّ وبقيت أيّاماً ، فإذا أنا برقعة مع رسولٍ ، فيها :يا محمّد ، معك كذا وكذا في جوف كذا وكذا ، حتّى قصّ عليّ جميع ما معي ممّا (4)

.


1- .الغيبة للطوسي : ص 315 ح 264 ، وراجع : إثبات الهداة : ج 3 ص 692 ح 107 .
2- .وفي الإرشاد : «فمات بعد ثلاثة أيّام» بدل «فمات ».
3- .وفي الإرشاد : « وإلّا أنفقته في ملاذي وشهواتي » بدل « وإلّا قصفت به » .
4- .في الإرشاد : « وذكر في جملته شيئاً » بدل « ممّا » .

ص: 83

58 . كتابه عليه السلام إلى المفيد

لم أحطّ به علماً ، فسلّمته إلى الرسول وبقيت أيّاماً لا يرفع لي رأس واغتممت ، فخرج إليّ : قَد أَقَمناكَ مَكَانَ (1) أَبِيكَ فَاحمَدِ اللّهَ . (2)

58كتابه عليه السلام إلى المفيدذكر كتاب ورد من الناحية المقدّسة _ حرسها اللّه ورعاها _ في أيّام بقيت من صفر ، سنة عشر وأربعمئة على الشيخ المفيد ، أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان 3

.


1- .وفي الإرشاد : «مقام» بدل «مكان ».
2- .الكافي :ج1 ص518 ح5 ،الإرشاد :ج2 ص355 ،كشف الغمّة :ج2 ص450 ، بحارالأنوار :ج51 ص310 ح31 .

ص: 84

قدّس اللّه روحه ونوّر ضريحه _ ذكر موصله أنّه يحمله من ناحية متّصلة بالحجاز ، نسخته :لِلأَخِ السَّدِيدِ ، وَالوَلِيِّ الرَّشِيدِ ، الشَّيخِ المُفِيدِ أَبِي عَبدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ النُّعمَانِ أَدَامَ اللَّهُ إِعزَازَهُ ، مِن مُستَودَعِ العَهدِ المَأخُوذِ عَلَى العِبَادِ . بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم أَمَّا بَعدُ : سَلَامٌ عَلَيكَ أَيُّهَا الولَى المُخلِصُ فِي الدِّينِ ، المَخصُوصُ فِينَا بِاليَقِينِ ، فَإِنَّا نَحمَدُ إِلَيكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ ، وَنَسأَلُهُ الصَّلَاةَ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَولَانَا نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ ، وَنُعلِمُكَ _ أَدَامَ اللَّهُ تَوفِيقَكَ لِنُصرَةِ الحَقِّ وَأَجزَلَ مَثُوبَتَكَ عَلَى نُطقِكَ عَنَّا بِالصِّدقِ _ أَنَّهُ قَد أُذِنَ لَنَا فِي تَشرِيفِكَ بِالمُكَاتَبَةِ ، وَتَكلِيفِكَ مَا تُؤَدِّيهِ عَنَّا إِلَى مَوَالِينَا قِبَلَكَ ، أَعَزَّهُمُ اللَّهُ بِطَاعَتِهِ ، وَكَفَاهُمُ المُهِمَّ بِرِعَايَتِهِ لَهُم وَحِرَاسَتِهِ ، فَقِف أَيَّدَّكَ اللَّهُ بِعَونِهِ عَلَى أَعدَائِهِ المَارِقِينَ عَن دِينِهِ عَلَى مَا نَذكُرُهُ ، وَاعمَل فِي تَأدِيَتِهِ إِلَى مَن تَسكُنُ إِلَيهِ بِمَا نَرسِمُهُ إِن شَاءَ اللَّهُ تعالى . نَحنُ وَإِن كُنَّا ثَاوِينَ (1) بِمَكَانِنَا النَّائِي عَن مَسَاكِنِ الظَّالِمِينَ ، حَسَبَ الَّذِي أَرَانَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا مِنَ الصَّلَاحِ ، وَلِشِيعَتِنَا المُؤمِنِينَ فِي ذَلِكَ مَا دَامَت دَولَةُ الدُّنيَا لِلفَاسِقِينَ ،

.


1- .ثوى بالمكان : إذا أقام فيه (النهاية : ج 1 ص 230) .

ص: 85

فَإِنَّا نُحِيطُ عِلمُنَا بِأَنبَائِكُم ، وَلَا يَعزُبُ (1) عَنَّا شَيءٌ مِن أَخبَارِكُم ، وَمَعرِفَتُنَا بِالإِذلَالِ الَّذِي أَصَابَكُم مُذ جَنَحَ كَثِيرٌ مِنكُم إِلَى مَا كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ عَنهُ شَاسِعاً ، وَنَبَذُوا العَهدَ المَأخُوذَ مِنهُم وَراءَ ظُهُورِهِم كَأَنَّهُم لَا يَعلَمُونَ . إِنَّا غَيرُ مُهمِلِينَ لِمُرَاعَاتِكُم ، وَلَا نَاسِينَ لِذِكرِكُم ، وَلَولَا ذَلِكَ لَنَزَلَ بِكُمُ اللَأوَاءُ (2) وَاصطَلَمَكُمُ (3) الأَعدَاءُ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ ، وَظَاهِرُونَا عَلَى انتِيَاشِكُم (4) مِن فِتنَةٍ قَد أَنَافَت عَلَيكُم ، يَهلِكُ فِيهَا مَن حُمَّ (5) أَجَلُهُ وَيُحمَى عَنهَا مَن أَدرَكَ أَمَلَهُ ، وَهِيَ أَمَارَةٌ لأُزُوفِ (6) حَرَكَتِنَا ، وَمُبَاثَّتِكُم بِأَمرِنَا وَنَهيِنَا ، وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ . اعتَصِمُوا بِالتَّقِيَّةِ مِن شَبِّ نَارِ الجَاهِلِيَّةِ ، يَحشُشهَا عَصَبٌ أُمَوِيَّةٌ ، يَهُولُ بِهَا فِرقَةً مَهدِيَّةً ، أَنَا زَعِيمٌ بِنَجَاةِ مَن لَم يَرُم مِنكُم المَوَاطِنَ الخَفِيَّةَ ، وَسَلَكَ فِي الظَّعنِ مِنهَا السُّبُلَ المرَّضِيَّةَ إِذَا حَلَّ جُمَادَى الأُولَى مِن سَنَتِكُم هَذِهِ ، فَاعتَبِرُوا بِمَا يَحدُثُ فِيهِ ، وَاستَيقِظُوا مِن رَقدَتِكُم لِمَا يَكُونُ مِنَ الَّذِي يَلِيهِ . سَتَظهَرُ لَكُم مِنَ السَّمَاءِ آيَةٌ جَلِيَّةٌ ، وَمِنَ الأَرضِ مِثلُهَا بِالسَّوِيَّةِ ، وَيَحدُثُ فِي أَرضِ المَشرِقِ مَا يَحزُنُ وَيُقلِقُ ، وَيَغلِبُ مِن بَعدُ عَلَى العِرَاقِ طَوَائِفُ عَنِ الإِسلَامِ مُرَّاقٌ ، تَضِيقُ بِسُوءِ فِعَالِهِم عَلَى أَهلِهِ الأَرزَاقُ ، ثُمَّ تَنفَرِجُ الغُمَّةُ مِن بَعدِ بِبَوَارِ طَاغُوتٍ مِنَ الأَشرَارِ ، ثُمَّ يُسَرُّ بِهَلَاكِهِ المُتَّقُونَ الأَخيَارُ ، وَيَتَّفِقُ لِمُرِيدِي الحَجِّ مِنَ

.


1- .عَزَب يَعزُب : إذا أبعَد (النهاية : ج 3 ص 227) .
2- .اللَأواء : الشدّة وضيق المعيشة ( النهاية : ج 4 ص 221 ) .
3- .الاصطلام : افتعال من الصلم : القطع ( النهاية : ج 3 ص 49 ) .
4- .التناوش : التناول ، والانتياش مثله (الصحاح : ج 3 ص 1024) .
5- .حَمَّ : قَرُب ودنا ( المصباح المنير : ص 152) .
6- .أزِف : دنا وقَرُب ( المصباح المنير : ص 12) .

ص: 86

59 . كتابه عليه السلام إلى المفيد

الآفَاقِ مَا يَأمُلُونَهُ مِنهُ عَلَى تَوفِيرِ عَلَيهِ مِنهُم وَاتِّفَاقٍ ، وَلَنَا فِي تَيسِيرِ حَجِّهِم عَلَى الاختِيَارِ مِنهُم وَالوِفَاقِ شَأنٌ يَظهَرُ عَلَى نِظَامٍ وَاتِّسَاقٍ . فَليَعمَلُ كُلُّ امرِئٍ مِنكُم بِمَا يَقرُبُ بِهِ مِن مَحَبَّتِنَا ، وَلِيَتَجَنَّبَ مَا يُدنِيهِ مِن كَرَاهَتِنَا وَسَخَطِنَا ، فَإِنَّ أمرَنَا بَغتَةٌ فَجأَةٌ حِينَ لَا تَنفَعُهُ تَوبَةٌ وَلَا يُنَجِّيهِ مِن عِقَابِنَا نَدَمٌ عَلَى حَوبَةٍ (1) . وَاللَّهُ يُلهِمُكَ الرُّشدَ ، وَيَلطُفُ لَكُم بِالتَّو فِيقِ بِرَحمَتِهِ . نسخة التوقيع باليد العُليا على صاحبها السلام : هَذَا كِتَابُنَا إِلَيكَ أَيُّهَا الأَخُ الوَلِيُّ ، وَالمُخلِصُ فِي وُدِّنَا الصَّفِيُّ ، وَالنَّاصِرُ لَنَا الوَفِيُّ ، حَرَسَكَ اللَّهُ بِعَينِهِ الَّتِي لَا تَنَامُ ، فَاحتَفِظ بِهِ وَلَا تُظهِر عَلَى خَطِّنَا الَّذِي سَطَرنَاهُ بِمَا لَهُ ضَمِنَّاهُ أَحَداً ، وَأَدِّ مَا فِيهِ إِلَى مَن تَسكُنُ إِلَيهِ ، وَأَوصِ جَمَاعَتَهُم بِالعَمَلِ عَلَيهِ إِن شَاءَ اللَّهُ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ . (2)

59كتابه عليه السلام إلى المفيدورد عليه ( أي : على الشيخ المفيد رحمه الله ) كتاب آخر من قبله صلوات اللّه عليه ، يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجّة ، سنة اثنتي عشرة وأربعمئة . نسخته :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم سَلَامٌ اللّهِ عَلَيكَ أَيُّهَا النَّاصِرُ لِلحَقِّ ، الدَّاعِي إِلَيهِ بِكَلِمَةِ الصِّدقِ ، فَإِنَّا نَحمَدُ اللَّهَ

.


1- .الحَوبَة : الخطيئة ( المصباح المنير : ص 155 ) .
2- .الاحتجاج : ج 2 ص 596 ح 359 ، بحار الأنوار : ج 53 ص 174 ح 7 .

ص: 87

إِلَيكَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ ، إِلَهَنَا وَإِلَهَ آبَائِنَا الأَوَّلِينَ ، وَنَسأَلُهُ الصَّلَاةَ عَلَى نَبِيِّنَا وَسَيِّدِنَا وَمَولَانَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ ، وَعَلَى أَهلِ بَيتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ . وَبَعدُ : فَقَد كُنَّا نَظَرنَا مُنَاجَاتَكَ عَصَمَكَ اللَّهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي وَهَبَهُ لَكَ مِن أَولِيَائِهِ ، وَحَرَسَكَ بِهِ مِن كَيدِ أَعدَائِهِ ، وَشَفَّعَنَا ذَلِكَ الآنَ مِن مُستَقَرٍّ لَنَا يُنصَبُ فِي شِمرَاخٍ (1) ، مِن بَهمَاءَ صِرنَا إِلَيهِ آنِفاً مِن غَمَالِيلَ (2) أَلجَأنَا إِلَيهِ السَّبَارِيتُ (3) مِنَ الإِيمَانِ ، وَيُوشِكُ أَن يَكُونَ هُبُوطُنَا إِلَى صَحصَحٍ (4) مِن غَيرِ بُعدٍ مِنَ الدَّهرِ وَلَا تَطَاوُلٍ مِنَ الزَّمَانِ ، وَيَأتِيكَ نَبَأٌ مِنَّا بِمَا يَتَجَدَّدُ لَنَا مِن حَالٍ ، فَتَعرِفُ بِذَلِكَ مَا نَعتَمِدُهُ مِنَ الزُّلفَةِ إِلَينَا بِالأَعمَالِ ، وَاللَّهُ مُوَفِّقُكَ لِذَلِكَ بِرَحمَتِهِ . فَلتَكُن حَرَسَكَ اللَّهُ بِعَينِهِ الَّتِي لَا تَنَامُ ، أَن تُقَابِلَ لِذَلِكَ فِتنَة تُبسَلُ (5) نُفُوسُ قَومٍ حَرَثَت بَاطِلاً لاِستِرهَابِ المُبطِلِينَ ، وَيَبتَهِجُ لِدَمَارِهَا المُؤمِنُونَ ، وَيَحزَنُ لِذَلِكَ المُجرِمُونَ ، وَآيَةُ حَرَكَتِنَا مِن هَذِهِ اللُّوثَةِ حَادِثَةٌ بِالحَرَمِ المُعَظَّمِ مِن رِجسِ مُنَافِقٍ مُذَمَّمٍ ، مُستَحِلٍّ لِلدَّمِ المُحَرَّمِ ، يَعمِدُ بِكَيدِهِ أَهلَ الإِيمَانِ وَلَا يَبلُغُ بِذَلِكَ غَرَضَهُ مِنَ الظُّلمِ لَهُم وَالعُدوَانِ؛ لأَنَّنَا مِن وَرَاءِ حِفظِهِم بِالدُّعَاءِ الَّذِي لَا يُحجَبُ عَن مَلِكِ الأَرضِ وَالسَّمَاءِ ، فَليَطمَئِنَّ بِذَلِكَ مِن أَولِيَائِنَا القُلُوبُ ، وَلِيَثِقُوا بِالكِفَايَةِ مِنهُ ، وَإِن رَاعَتهُم بِهِمُ الخُطُوبُ ، وَالعَاقِبَةُ بِجَمِيلِ صُنعِ اللَّهِ سُبحَانَهُ تَكُونُ حَمِيدَةً لَهُم مَا

.


1- .الشِّمراخ : رأس الجبل (مجمع البحرين : ج 2 ص 976) .
2- .الغُملول : الوادي ذو الشجر ، وكلّ مجتمع أظلم وتراكم من شجر أو غمام أو ظلمة ( القاموس المحيط : ج4 ص26 ) .
3- .السبروت : القفر لا نبات فيه ، والشيء القليل ( القاموس المحيط : ج 1 ص 148 ) .
4- .الصحصح : ما استوى من الأرض (القاموس المحيط : ج 1 ص 33 ) .
5- .أبسَلَه : أسلمه للهلكة ( القاموس المحيط : ج 3 ص 335 ) .

ص: 88

اجتَنَبُوا المَنهِيَّ عَنهُ مِنَ الذُّنُوبِ . وَنَحنُ نَعهَدُ إِلَيكَ أَيُّهَا الوَلِيُّ المُخلِصُ المُجَاهِدُ فِينَا الظَّالِمِينَ ، أَيَّدَكَ اللَّهُ بِنَصرِهِ الَّذِي أَيَّدَ بِهِ السَّلَفَ مِن أَو لِيَائِنَا الصَّالِحِينَ ، أَنَّهُ مَنِ اتَّقَى رَبَّهُ مِن إِخوَانِكَ فِي الدِّينِ ، وَأَخرَجَ مِمَّا عَلَيهِ إِلَى مُستَحِقِّيهُ ، كَانَ آمِناً مِنَ الفِتنَةِ المُطِلَّةِ ، وَمِحَنِهَا المُظلِمَةِ المُضِلَّةِ ، وَمَن بَخِلَ مِنهُم بِمَا أَعَارَهُ اللَّهُ مِن نِعمَتِهِ عَلَى مَن أَمَرَهُ بِصِلَتِهِ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ خَاسِراً بِذَلِكَ لِلأُولَاهُ وَآخِرَتِهِ ، وَلَو أَنَّ أَشيَاعَنَا _ وَفَّقَهُمُ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ _ عَلَى اجتِمَاعٍ مِنَ القُلُوبِ فِي الوَفَاءِ بِالعَهدِ عَلَيهِم ، لَمَا تَأَخَّرَ عَنهُمُ اليُمنُ بِلِقَائِنَا ، وَلَتَعَجَّلَت لَهُمُ السَّعَادَةُ بِمُشَاهَدَتِنَا عَلَى حَقِّ المَعرِفَةِ وَصِدقِهَا مِنهُم بِنَا ، فَمَا يَحبِسُنَا عَنهُم إِلَا مَا يَتَّصِلُ بِنَا مِمَّا نَكرَهُهُ وَلَا نُؤثِرُهُ مِنهُم ، وَاللّهُ المُستَعانُ وَهُوَ حَسبُنَا وَنِعمَ الوَكِيلُ ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا البَشِيرِ النَّذِيرِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ وَسَلَّمَ . وَكَتَبَ فِي غُرَّةِ شَوَّالٍ مِن سَنَةِ اثنَتَي عَشرَةَ وَأَربَعمِئَةٍ . نسخة التوقيع باليد العليا صلوات اللّه على صاحبها : هَذَا كِتَابُنَا إِلَيكَ أَيُّهَا الوَلِيُّ المُلهَمُ لِلحَقِّ العَلِيُّ ، بِإِملَائِنَا وَخَطِّ ثِقَتِنَا ، فَأَخفِهِ عَن كُلِّ أَحَدٍ وَاطوِهِ ، وَاجعَل لَهُ نُسخَةً تَطَّلِعُ عَلَيهَا مَن تَسكُنُ إِلَى أَمَانَتِهِ مِن أَولِيَائِنَا ، شَمِلَهُمُ اللَّهُ بِبَرَكَتِنَا وَدُعَائِنَا إِن شَاءَ اللَّهُ ، وَالحَمدُ لِلَّهِ ، وَالصَّلَاةُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ . (1)

.


1- .الاحتجاج : ج 2 ص 600 ح 360 ، بحار الأنوار : ج 53 ص 176 ح 8 ، المزار للمفيد : ص 8 ، الخرائج والجرائح : ج 2 ص 903 ، إلزام الناصب : ج 1 ص 464 ، العوالم : ج 26 ص 124 ح 16 و 17 .

ص: 89

60 . كتابه عليه السلام إلى صالح بن أبي صالح

61 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن صالح

60كتابه عليه السلام إلى صالح بن أبي صالحأبو الحسين بن أبي جيّد القميّ ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن صالح بن أبي صالح 1 ، قال : سألني بعض الناس في سنة تسعين ومئتين قبض شيء ، فامتنعت من ذلك ، وكتبت أستطلع الرأي ، فأتاني الجواب :بِالرَّيِّ مُحَمَّدُ بنُ جَعفَرٍ العَرَبِيّ ، فَليُدفَعِ إِلَيهِ فَإِنَّهُ مِن ثِقَاتِنَا . (1)

61كتابه عليه السلام إلى محمّد بن صالحعليّ بن محمّد ، عن محمّد بن صالح ، قال : لمّا مات أبي وصار الأمر لي (2) ، كان لأبي على الناس سفاتج (3) من مال الغريم _ يعني صاحب الأمر عليه السلام (4) _ ، فكتبت إليه أُعلمه ،

.


1- .الغيبة للطوسي : ص 415 ح 391 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 362 ح 10.
2- .وفي الإرشاد : «إليّ» بدل «لي ».
3- .السُّفتَجَة : بضمّ السين وقيل بفتحها ، فارسي معرّب : هي كتاب صاحب المال لوكيله أن يدفع مالاً قرضا ، يأمن به خطر الطريق ، والجمع سفاتج ( المصباح المنير : ص 278) .
4- .قال الشيخ المفيد : « هذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديماً بينها ، ويكون خطابها عليه السلام للتقيّة » راجع : كمال الدين : ص486 ح 5 وح 6 ، الغيبة للطوسي : ص415 ح392 ، دلائل الإمامة : ص525 ح497 وح498 ، الخرائج والجرائح : ج2 ص703 ح19 وص695 ح10 ، الثاقب في المناقب : ص 604 ح552 ، رجال الكشّي : ج2 ص814 الرقم 1017 .

ص: 90

فكتب ( إليّ ) :طَالِبهُم وَاستَقضِ عَلَيهِم . فقضّاني الناس إلّا رجل واحدٌ كانت عليه سَفتَجَةٌ بأربعمئَة دينار ، فجِئت إليه أُطالبُه فماطَلَني واستخفَّ بي ابنُه وسفِه عليَّ ، فشكوت إلى أبيه ، فقال : وكان ماذا ؟ فقبضت علَى لحيَته وأخذت برجله وسحَبتُه إلى وسط الدار ، وركلتُه رَكلاً كثيراً ، فخرج ابنه يستغيث بأهل بغداد ويقول : قمّيّ رافضيّ قد قتل والدي . فاجتمع عليَّ منهم الخلق ، فركبت دابّتي وقلت : أحسنتم يا أهل بغداد ! تميلون مع الظالم على الغريب المظلوم ؟ أنا رجلٌ من أهل همدان من أهل السنّة ، وهذا ينسبني إلى أهل قمّ والرفض ليذهب بحقّي ومالي . قال : فمالوا عليه وأرادوا أن يدخلوا على حانوته حتّى سكّنتهم ، وطلب إليَّ صاحب السفتجة وحلف بالطلاق أن يوفّيني مالي ، حتّى أخرجتهم عنه . (1)

.


1- .الكافي : ج1 ص521 ح15 ، الإرشاد : ج2 ص362 ، كشف الغمّة : ج3 ص244 ، الصراط المستقيم : ج2 ص247 ح9 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 297 ح 15 .

ص: 91

الفصل الرابع : مكاتيبه عليه السلام الفقهيّة

اشاره

الفصل الرابع: مَكَاتِيبُهُ الفِقهِيَّة

.

ص: 92

. .

ص: 93

62 . جوابه عليه السلام إلى هارون بن مسلم في المولود

62جوابه عليه السلام إلى هارون بن مسلمفي المولودعن هارون بن مسلم 1 ، قال : كتبت إلى صاحب الدار عليه السلام (1) : ولد لي مولود وحلقت رأسه ، ووزنت شعره بالدراهم وتصدّقت به ، قال :لَا يَجُوزُ وَزنُهُ إِلَا بِالذَّهَبِ أَو الفِضَّةِ ، وَكَذَا جَرَتِ السُّنَّةُ . (2)

.


1- .المراد به صاحب الأمر عليه السلام ظاهرا ، ويحتمل كونه أبا محمّد وأبا الحسن صلوات اللّه عليهما ، باعتبار كونهما محبوسين ب_« العسكر » في دار سر من رأى الّتي هي مزارهما صلوات اللّه عليهما .
2- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 3 ص 489 ح 4727 .

ص: 94

63 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد اللّه الحميريّ في الزيارة

63كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد اللّه الحميريّفي الزيارةروى محمّد بن أحمد بن داوود عن أبيه (1) ، قال : حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الحميريّ 2 ، قال : كتبت إلى الفقيه عليه السلام أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمّة عليهم السلام ، هل يجوز له أن يسجد على القبر أم لا ؟ وهل يجوز لمن صلّى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدّم القبر ويصلّي ويجعله خلفه ، أم لا ؟ فأجاب عليه السلام وقرأت التوقيع ومنه نسخت :أَمَّا السُّجُودُ عَلَى القَبرِ فَلَا يَجُوزُ فِي نَافِلَةٍ وَلَا فَرِيضَةٍ وَلَا زِيَارَةٍ ، بَل يَضَعُ خَدَّهُ الأَيمنَ عَلَى القَبرِ ، وَأَمَّا الصَّلاةُ فَإِنَّهَا خَلفَهُ ، يَجعَلُهُ الإِمَامَ ، وَلَا يَجُوزُ أَن يُصَلِّيَ بَينَ يَدَيهِ ؛ لِأَنَّ الإِمامَ لَا يَتَقَدَّمُ وَيُصَلِّي عَن يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ . (2)

.


1- .قال الشيخ : « وما ذكرته عن أحمد بن داوود القمّي فقد أخبرنى به الشيخ أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان ، والحسين بن عبيد اللّه ، عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن داوود ، عن أبيه » ( تهذيب الأحكام : ج 10 المشيخة ص 78 ) .
2- .تهذيب الأحكام : ج2 ص228 ح898 ، وسائل الشيعة : ج5 ص160 ح6221 ، بحار الأنوار : ج83 ص315 .

ص: 95

64 . كتابه عليه السلام إلى أصحابه في زيارة المقابر

65 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد اللّه الحميريّ في تربة قبر الحسين عليه السلام

64كتابه عليه السلام إلى أصحابهفي زيارة المقابرعليّ بن محمّد 1 ، قال :خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحَير (1) ، فلمّا كان بعد أشهر دعا الوزير الباقَطَائيّ ، فقال له : القِ بني الفرات والبُرسيّين وقل لهم : لا يزوروا مقابر قريش ، فقد أمر الخليفة أن يتفقّد كلّ من زار فيقُبض ( عليه ) . (2)

65كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد اللّه الحميريّفي تربة قبر الحسين عليه السلامعنه ( أي محمّد بن أحمد بن داوود) ، عن أبيه ، عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميريّ ، قال : كتبت إلى الفقيه عليه السلام أسأله : هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين قبر الحسين عليه السلام ؟ وهل فيه فضل ؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت :

.


1- .وفي الإرشاد : « الحائر على ساكنيهما السلام » بدل « الحير » .
2- .الكافي : ج 1 ص 525 ح 31 ، الإرشاد : 2 ص 367 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 456 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 312 ح36.

ص: 96

66 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد اللّه الحميريّ في الميّت

67 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميريّ في الوصيّة

يُسَبِّحُ بِهِ ، فَمَا فِي شَيءٍ مِنَ التَّسبِيحِ أَفضَلُ مِنهُ ، وَمِن فَضلِهِ أَنَّ المُسَبِّحَ يَنسَى التَّسبِيحَ وَيُدِيرُ السُّبحَةَ فَيُكتَبُ لَهُ ذَلِكَ التَّسبِيحُ . (1)

66كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد اللّه الحميريّفي الميّتعنه ( أي محمّد بن أحمد بن داوود ) ، عن أبيه ، عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميريّ ، قال : كتبت إلى الفقيه عليه السلام أسأله عن طين القبر يوضع مع الميّت في قبره ، هل يجوز ذلك أم لا ؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت :يُوضَعُ مَعَ المَيِّتِ فِي قَبرِهِ ، وَيُخلَطُ بِحُنُوطِهِ (2) إِن شَاءَ اللّهُ . (3)

67كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميريّفي الوصيّةعن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميريّ أنّه كتب إلى العالم عليه السلام عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من البرِّ والصلاة والخير أثلاثاً : ثلثاً له وثلثين لأبويه ، أو يفردهما من أعماله بشيء ممّا يتطوّع به وإن كان أحدهما حيّاً والآخر ميّتاً ؟ فكتب إليَّ :

.


1- .تهذيب الأحكام : ج 6 ص 75 ح 148 ، بحار الأنوار : ج 101 ص 132 ح 62 .
2- .الحُنوطُ : وهو ما يُخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصّة (النهاية : ج 1 ص 450) .
3- .تهذيب الأحكام : ج6 ص76 ح149 ، الاحتجاج : ج2 ص489 عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر ، عن أبيه ، عن صاحب الزمان عليه السلام ، وسائل الشيعة : ج3 ص29 ح2946 ، بحار الأنوار : ج53 ص165 ، ج91 ص313 ح8 .

ص: 97

68 . كتابه عليه السلام إلى أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسديّ

أَمَّا المَيِّتُ فَحَسَنٌ جَائِزٌ ، وَأَمَّا الحَيُّ فَلَا إِلَا البِرُّ وَالصِّلَةُ . (1)

في مسائلٍ شتّى68كتابه عليه السلام إلى أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسديّ رضى الله عنهأبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي رضى الله عنه 2 ، قال : (2) إنّه ورد عليه فيما ورد من جواب مسائله من محمّد بن عثمان العمري _ قدّس اللّه روحه _ :وَأَمَّا مَا سَأَلَتَ عَنهُ مِن الصَّلَاةِ عِندَ طُلُوعِ الشَّمسِ وَعِندَ غُرُوبِهَا ، فَلَئِن كَانَ كَمَا

.


1- .وسائل الشيعة : ج 8 ص 280 ح 1066 ، بحار الأنوار : ج 88 ص 313.
2- .وما كان فيه عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي رضى الله عنه فقد رويته عن عليّ بن أحمد بن أحمد بن موسى ومحمّد بن أحمد السناني والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدّب رضي الله عنهم ، عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي محمّد بن جعفر الأسدي الكوفي ( كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 476 ) .

ص: 98

69 . كتابه عليه السلام إلى أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسديّ

يَقُولُ النَّاسُ إِنَّ الشَّمسَ تَطلَعُ بَينَ قَرنَي شَيطَانٍ ، وَتَغرُبُ بَينَ قَرنَي شَيطَانٍ ، فَمَا أُرغِمَ أَنفُ الشَّيطَانِ بِشَيءٍ أَفضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ ، فَصَلِّهَا وَأَرغِم أَنفَ الشَّيطَانِ . (1) وأخرجه الشيخ في الغيبة : أخبرني جماعة عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين ، قال : أخبرنا عليّ بن أحمد بن موسى الدقّاق ومحمّد بن أحمد السنانيّ والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدّب ، عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسديّ الكوفيّ رضى الله عنه ، أنّه ورد عليه فيما ورد من جواب مسائله عن محمّد بن عثمان العمري قدس سره : وَأَمَّا مَا سَأَلتَ عَنهُ مِنَ الصَّلَاةِ عِندَ طُلُوعِ الشَّمسِ . . . بعد نقل الحديث قال أبو جعفر بن بابويه في الخبر الّذي روي فيمن أفطر يوماً في شهر رمضان متعمّداً ، أنّ عليه ثلاث كفّارات ، فإنّي أُفتي به فيمن أفطر بجماعٍ محرّمٍ عليه أو بطعامٍ محرّمٍ عليه ؛ لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسديّ فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر بن عثمان العمريّ رضى الله عنه . (2)

69كتابه عليه السلام إلى أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسديّمحمّد بن أحمد الشيبانيّ وعليّ بن أحمد بن محمّد الدقّاق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدّب وعليّ بن عبد اللّه الورّاق رضي الله عنهم ، قالوا : حدّثنا أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسديّ رضى الله عنه ، قال : كان فيما ورد عليَّ من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان _ قدّس اللّه روحه _ في جواب مسائلي إلى صاحب الزمان عليه السلام :

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 1 ص 498 ح 1427 ، تهذيب الأحكام : ج 2 ص 175 ح 697 ، الاستبصار : ج1 ص291 ح 1067 ، الغيبة للطوسي : ص 296 ح250 ، وسائل الشيعة : ج 4 ص 236 ح 5023 .
2- .الغيبة للطوسي : ص 296 و297 .

ص: 99

أَمَّا مَا سَأَلتَ عَنهُ مِنَ الصَّلَاةِ عِندَ طُلُوعِ الشَّمسِ وَعِندَ غُرُوبِهَا ، فَلَئِن كَانَ كَمَا يَقُولُونَ : إِنَّ الشَّمسَ تَطلُعُ مِن بَينِ قَرنَي شَيطَانٍ وَتَغرُبُ بَينَ قَرنَي شَيطَانٍ ، فَمَا أُرغِمَ أَنفُ الشَّيطَانِ أَفضَل مِنَ الصَّلَاةِ ، فَصَلِّهَا وَأَرغِم أَنفَ الشَّيطَانِ . (1) وَأَمَّا مَا سَأَلتَ عَنهُ مِن أَمرِ الوَقفِ عَلَى نَاحِيَتِنَا وَمَا يُجعَلُ لَنَا ثُمَّ يَحتَاجُ إِلَيهِ صَاحِبُهُ ، فَكُلُّ مَا لَم يُسَلِّم فَصَاحِبُهُ فِيهِ بِالخِيَارِ ، وَكُلُّ مَا سَلَّمَ فَلَا خِيَارَ فِيهِ لِصَاحِبِهِ ، احتَاجَ إِلَيهِ صَاحِبُهُ أَو لَم يَحتَج ، افتَقَرَ إِلَيهِ أَو استَغنَى عَنهُ . وَأَمَّا مَا سَأَلتَ عَنهُ مِن أَمرِ مَن يَستَحِلُّ مَا فِي يَدِهِ ، مِن أَموَالِنَا ، وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ مِن غَيرِ أَمرِنَا ، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مَلعُونٌ وَنَحنُ خُصَمَاؤُهُ يَومَ القِيَامَةِ ، فَقَد قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : المُستَحِلُّ مِن عِترَتِي مَا حَرَّمَ اللَّهُ ، مَلعُونٌ عَلَى لِسَانِي وَلِسَانِ كُلِّ نَبِيٍّ ، فَمَن ظَلَمَنَا كَانَ مِن جُملَةِ الظَّالِمِينَ ، وَكَانَ لَعنَةُ اللَّهِ عَلَيهِ ؛ لِقَولِهِ تعالى : « أَلَا لَعنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ » (2) . وَأَمَّا مَا سَأَلتَ عَنهُ مِن أَمرِ المَولُودِ الَّذِي تَنبُت غُلفَتُهُ بَعدَمَا يُختَنُ ، هَل يُختَنُ مَرَّةً أُخرَى ؟ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَن يُقطَعَ غُلفَتُهُ ، فَإِنَّ الأَرضَ تَضِجُّ إِلَى اللَّهِ عز و جل مِن بَولِ الأَغلَفِ أَربَعِينَ صَبَاحاً . وَأَمَّا مَا سَأَلتَ عَنهُ مِن أَمرِ المُصَلِّي وَالنَّارُ وَالصُّورَةُ وَالسِّرَاجُ بَينَ يَدَيهِ ، هَل تَجُوزُ صَلَاتُهُ ؟ فَإِنَّ النَّاسَ اختَلَفُوا فِي ذَلِكَ قَبلَكَ ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِمَن لَم يَكُن مِن أَولَادِ عَبَدَةِ الأَصنَامِ أَو عَبَدَةِ النِّيرَانِ أَن يُصَلِّي وَالسِّرَاجُ بَينَ يَدَيهِ ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَن كَانَ

.


1- .ذكره الشيخ تقطيعا : ص 296 .
2- .هود : 18 .

ص: 100

70 . كتابه عليه السلام إلى الحميريّ

مِن أَولَادِ عَبَدَةِ الأَصنَامِ وَالنِّيرَانِ . وَأَمَّا مَا سَأَلتَ عَنهُ مِن أَمرِ الضِّيَاعِ الَّتِي لِنَاحِيَتِنَا ، هَل يَجُوزُ القِيَامُ بِعِمَارَتِهَا ، وَأَدَاءِ الخَرَاجِ مِنهَا ، وَصَرفِ مَا يَفضُلُ مِن دَخلِهَا إِلَى النَّاحِيَةِ احتِسَاباً لِلأَجرِ ، وَتَقَرُّباً إِلَينَا ؟ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَن يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ غَيرِهِ بِغَيرِ إِذنِهِ ، فَكَيفَ يَحِلُّ ذَلِكَ فِي مَالِنَا ؟ مَن فَعَلَ شَيئاً مِن ذَلِكَ مِن غَيرِ أَمرِنَا ، فَقَدِ استَحَلَّ مِنَّا مَا حَرَّمَ عَلَيهِ ، وَمَن أَكَلَ مِن أَموَالِنَا شَيئاً ، فَإِنَّمَا يَأكُلُ فِي بَطنِهِ نَاراً وَسَيَصلَى سَعِيراً . وَأَمَّا مَا سَأَلتَ عَنهُ مِن أَمرِ الرَّجُلِ الَّذِي يَجعَلُ لِنَاحِيَتِنَا ضَيعَةً وَيُسَلِّمُهَا مِن قَيِّمٍ يَقُومُ بِهَا ، وَيَعمُرُهَا وَيُؤَدِّي مِن دَخلِهَا خَرَاجَهَا وَمَؤُونَتَهَا ، وَيَجعَلُ مَا يَبقَى مِنَ الدَّخلِ لِنَاحِيَتِنَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِمَن جَعَلَهُ صَاحِبُ الضَّيعَةِ قَيِّماً عَلَيهَا ، إِنَّمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيرِهِ . وَأَمَّا مَا سَأَلتَ عَنهُ مِنَ أَمِر الثِّمَارِ مِن أَموَالِنَا ، يَمُرُّ بِهَا المَارُّ فَيَتَنَاوَلُ مِنهُ وَيَأكُلُهُ ، هَل يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ ؟ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَكلُهُ وَيَحرُمُ عَلَيهِ حَملُه . (1)

70كتابه عليه السلام إلى الحميريّفرأيك _ أدام اللّه عزّك _ في تأمّل رقعتي ، والتفضّل بما يسهل لأضيفه إلى سائر أياديك عليَّ ، واحتجت _ أدام اللّه عزّك _ أن تسأل لي بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهّد الأوّل للركعة الثالثة ، هل يجب عليه أن يكبّر ؟ فإنّ بعض أصحابنا

.


1- .كمال الدين : ص 520 ح 49 ، الاحتجاج : ج 2 ص 558 ح 351 ، بحار الأنوار : ج 53 ص 182 ح 11 .

ص: 101

قال : لا يجب عليه التكبير ، ويجزيه أن يقول : بحول اللّه وقوّته أقوم وأقعد . الجواب : قال :إِنَّ فِيهِ حَدِيثَينِ ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَإِنَّه إِذَا انتَقَلَ مِن حَالَةٍ إِلَى حَالَةٍ أُخرَى فَعَلَيهِ تَكبِيرٌ ، وَأَمّا الآخَرُ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ إِذَا رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ السِّجدَةِ الثَّانِيةِ فَكَبَّرَ ، ثُمَّ جَلَسَ ، ثُمَّ قَامَ فَلَيسَ عَلَيهِ لِلقِيَامِ بَعدَ القُعُودِ تَكبِيرٌ ، وَكَذَلِكَ التَّشَهُّدُ الأَوَّلُ ، يَجرِي هَذَا المَجرَى ، وَبِأَيِّهِمَا أَخَذتَ مِن جِهَةِ التَّسلِيمِ كَانَ صَوَابا . وعن الفصّ الخُماهَنِ (1) ، هل تجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه ؟ الجواب : فِيهِ كَرَاهَةُ أَن يُصَلَّى فِيهِ ، وَفِيهِ إِطلَاقٌ ، وَالعَمَلُ عَلَى الكَرَاهِيَّةِ . وعن رجلٍ اشترى هديا لرجل غائب عنه ، وسأله أن ينحر عنه هديا بمنى ، فلمّا أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل ، ونحر الهدي ، ثمّ ذكره بعد ذلك ، أيجزي عن الرجل أم لا ؟ الجواب : لَا بَأسَ بِذَلِكَ وَقَد أَجزَأَ عَن صَاحِبهِ . وعندنا حاكة مجوس يأكلون الميتة ولا يغتسلون من الجنابة ، وينسجون لنا ثياباً ، فهل تجوز الصلاة فيها ( من ) قبل أن تغسل ؟ الجواب : لَا بَأسَ بِالصَّلاةِ فِيهَا . وعن المصلّي يكون في صلاة اللّيل في ظلمة ، فإذا سجد يغلط بالسجّادة ويضع جبهته على مسح أو نطع ، فإذا رفع رأسه وجد السجّادة ، هل يعتد بهذه السجدة ، أم لا يعتد بها ؟ الجواب : مَا لَم يَستَوِ جَالِسا فَلَا شَيءَ عَلَيهِ فِي رَفعِ رَأسِهِ لِطَلَبِ الخُمرَةِ (2) .

.


1- .الخُماهَن : كلمة فارسيّة ، قالوا : حجر أسود يميل إلى الحُمرة ، فالظاهر أنّه الحديد الصينيّ ، وقيل : سواد وبياض ( غريب الحديث : ج1 ص444 ) .
2- .الحُمرة : سجّادة صغيرة تُعمل من سعف النخل وتزمّل بالخيوط ( مجمع البحرين : ج 1 ص 553 ) .

ص: 102

وعن المُحرم يرفع الظلال ، هل يرفع خشب العمّارية أو الكنيسة ويرفع الجناحين ، أم لا ؟ الجواب : لَا شَيءَ عَلَيهِ فِي تَركِهِ وَجَمِيعِ الخَشَبِ . وعن المحرم يستظلّ من المطر بنطعٍ أو غيره ؛ حذراً على ثيابه وما في محمله أن يبتلّ ، فهل يجوز ذلك؟ الجواب : إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي المَحمِلِ فِي طَرِيقِهِ فَعَلَيهِ دَمٌ . والرجل يحجّ عن أُجرة ، هل يحتاج أن يذكر الّذي حجّ عنه عند عقد إحرامه ، أم لا ؟ وهل يجب أن يذبح عمّن حجّ عنه وعن نفسه ، أم يجزيه هدي واحد ؟ الجواب : يَذكُرُهُ ، وَإِنَ لَم يَفعَل فَلَا بَأسَ . وهل يجوز للرجل أن يحرم في كساء خزٍّ (1) ، أم لا ؟ الجواب : لَا بَأسَ بِذَلِكَ ، وَقَد فَعَلَهُ قَومٌ صَالِحُونَ . وهل يجوز للرجل أن يصلّي وفي رجليه بَطيط (2) لا يغطّي الكعبين ، أم لا يجوز ؟ الجواب : جَائِزٌ . ويصلّي الرجل ومعه في كمّه أو سراويله سكّين أو مفتاح حديد ، هل يجوز ذلك؟ الجواب : جَائِزٌ . و( عن ) الرجل يكون مع بعض هؤلاء ومتّصلاً بهم ، يحجّ ويأخذ على الجادّة ، ولا يحرمون هؤلاء من المسلخ ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخّر إحرامه إلى ذات

.


1- .الخَزُّ : ثياب تُنسَجُ من صوف وإبريسم (النهاية : ج 2 ص 28) .
2- .بَطيط : رأس الخُفّ ، يُلبس ، وعند العامّة : خُفّ مقطوع ، قدم بلا ساق ( لسان العرب : ج 10 ص 198 ) .

ص: 103

عِرق ، فيُحرم معهم ؛ لما يخاف الشهرة ، أم لا يجوز أن يحرم إلّا من المسلخ ؟ الجواب : يُحرِمُ مِن مِيقَاتِهِ ثُمَّ يَلبَسُ ( الثِّيابَ ) وَيُلَبِّي فِي نَفسِهِ ، فَإِذَا بَلَغَ إِلَى مِيقَاتِهِم أَظهَرَ . وعن لبس النعل المَعطون (1) ، فإنّ بعض أصحابنا يذكر أنّ لبسه كريه ؟ الجواب : جَائِزٌ ذَلِكَ ، وَلَا بَأسَ بِهِ . وعن الرجل من وكلاء الوقف يكون مستحلّاً لما في يده ، لا يرع (2) عن أخذ ماله ، ربّما نزلت في قرية وهو فيها ، أو أدخل منزله وقد حضر طعامه فيدعوني إليه ، فإن لم آكل من طعامه عاداني عليه ، وقال : فلان لا يستحلّ أن يأكل من طعامنا ، فهل يجوز لي أن آكل من طعامه وأتصدّق بصدقة ؟ وكم مقدار الصدقة ؟ وإن أهدى هذا الوكيل هديّة إلى رجل آخر ، فأحضر فيدعوني أن أنال منها ، وأنا أعلم أنّ الوكيل لا يرع عن أخذ ما في يده ، فهل ( عليّ ) فيه شيء إن أنا نلت منها ؟ الجواب : إِن كَانَ لِهَذَا الرَّجُلِ مَالٌ أَو مَعَاشٌ غَيرُ مَا فِي يَدِهِ ، فَكُل طَعَامَهُ وَاقبَلِ بِرَّهُ ، وَإِلَا فَلَا . وعن الرجل ( ممّن ) يقول بالحقّ ويرى المتعة ويقول بالرجعة ، إلّا أنّ له أهلاً موافقة له في جميع أمره ، وقد عاهدها ألّا يتزوّج عليها ( ولا يتمتّع ) ولا يتسرّى (3) . وقد فعل هذا منذ بضع عشرة سنة ووفى بقوله ، فربّما غاب عن منزله الأشهر ، فلا يتمتّع ولا تتحرّك نفسه أيضا لذلك ، ويرى أنّ وقوف من معه من أخٍ وولدٍ وغلامٍ ووكيلٍ وحاشيةٍ ممّا يقلّله في أعينهم ، ويحبّ المقام على ما هو عليه محبّةً لأهله وميلاً إليها وصيانةً لها ولنفسه ، لا يحرّم المتعة بل يدين اللّه بها ، فهل عليه في تركه ذلك مأثم أم لا ؟

.


1- .المَعطُونُ : المُفتِنُ ( النهاية : ج 3 ص 258 ) .
2- .الوَرِعُ : الرجلُ التقيُّ ، وقد وَرِعَ يرِعُ _ بالكسر فيهما _ ( الصحاح : ج 3 ص 1296 ) .
3- .السُرِّيَةُ : الأَمَةُ منسوبة إلى السرّ وهو الجُماع والإخفاء (مجمع البحرين : ج 2 ص 837 ) .

ص: 104

71 . كتابه عليه السلام إلى القمّيّين

الجواب : فِي ذَلِكَ يُستَحَبُّ لَهُ أَن يُطِيعَ اللّهَ تَعَالَى بِالمُتعَةِ لِيَزُولَ عَنهُ الحَلفُ عَلَى المَعرِفَةِ وَلَو مَرَّةً وَاحِدَةً . فإن رأيت _ أدام اللّه عزّك _ أن تسأل لي عن ذلك وتشرحه لي ، وتجيب في كلّ مسألة بما العمل به ، وتقلّدني المنّة في ذلك ، جعلك اللّه السبب في كلّ خير وأجراه على يدك ، فعلت مثابا إن شاء اللّه . أطال اللّه بقاءك وأدام عزّك وتأييدك وسعادتك وسلامتك وكرامتك ، وأتمّ نعمته عليك ، وزاد في إحسانه إليك ، وجعلني من السوء فداك ، وقدّمني عنك وقبلك ، الحمد للّه ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على محمّد النبيّ وآله وسلّم كثيراً . قال ابن نوح : نسخت هذه النسخة من المدرجين القديمين اللذين فيهما الخطّ والتوقيعات . وكان أبو القاسم رحمه الله من أعقل الناس عند المخالف والموافق ويستعمل التقيّة . (1)

71كتابه عليه السلام إلى القمّيّينعن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن داوود القمّيّ 2 ، قال : وجدت بخطّ أحمد بن

.


1- .الغيبة للطوسي : ص 378 ح 346 ، الاحتجاج : ج 2 ص 568 ح 355 ، وليس فيه : «فإن رأيت أدام اللّه عزّك . . .» ، بحار الأنوار : ج 53 ص 154 ح 2 .

ص: 105

إبراهيم النوبختيّ (1) وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح رضى الله عنهعلى ظهر كتابٍ فيه جوابات ومسائل أُنفذت من قمّ يُسأل عنها ، هل هي جوابات الفقيه عليه السلام ، أو جوابات محمّد بن عليّ الشلمغانيّ ؟ لأنّه حكي عنه أنّه قال : هذه المسائل أنا أجبت عنها . فكتب إليهم على ظهر كتابهم :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم قَدَ وَقفَنَا عَلَى هَذِهِ الرُّقعَةِ وَمَا تَضَمَّنَتهُ ، فَجَمِيعُهُ جَوَابُنَا عَنِ المَسَائِلِ ، وَلَا مَدخَلَ لِلمَخذُولِ الضَّالِّ المُضِلِّ المَعرُوفِ بِالعَزَاقِرِيِّ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ فِي حَرفٍ مِنهُ ، وَقَد كَانت أَشيَاءٌ خَرَجَت إِلَيكُم عَلَى يَدَي أَحمَدَ بنَ بِلاَل وَغَيرِهِ مِن نُظرَائِهِ ، وَكَانَ مِن ارتِدَادِهِم عَنِ الإِسلَامِ مِثلُ مَا كَانَ مِن هَذَا ، عَلَيهِم لَعنَةُ اللّهِ وَغَضَبِهِ . فاستثبتّ قديماً في ذلك ، فخرج الجواب : أَلَا مَنِ استَثبَتَ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي خُرُوجِ مَا خَرَجَ عَلَى أَيدِيهِم ، وَأَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ . وروي قديماً عن بعض العلماء عليهم السلام والصلاة والرحمة أنّه سُئل عن مثل هذا بعينه في بعض من غضب اللّه عليه ، وقال عليه السلام : العِلمُ عِلمُنَا ، وَلَا شَيءَ عَلَيكُم مِن كُفرِ منَ كَفَرَ ، فَمَا صَحَّ لَكُم مِمَّا خَرَجَ عَلَى يَدِهِ بِرِوَايَةِ غَيرِهِ لَهُ مِنَ الثِّقَاتِ رَحِمَهُمُ اللّهُ ، فَاحمَدُوا اللّهَ وَاقبَلُوهُ ، وَمَا شَكَكتُم فِيهِ أَو لَم يَخرُجِ إِليكُم فِي ذَلِكَ إِلَا عَلَى يَدِهِ ، فَرُدُّوهُ إِلَينَا لِنُصَحِّحَهُ أَو نُبطِلَهُ ، وَاللّهُ تَقَدَّسَت أَسمَاؤُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ وَلِيُّ تَوفِيقِكُم وَحسبِنَا فِي أُمورِنَا كُلِّها وَنِعمَ الوَكِيلُ .

.


1- .الرجل مجهول ، لم نجد له ترجمة لا في الرجال ولا في التراجم .

ص: 106

وقال ابن نوح : أوّل من حدّثنا بهذا التوقيع أبو الحسين محمّد بن عليّ بن تمام ، ( و ) ذكر أنّه كتبه من ظهر الدُرج الذي عند أبي الحسن بن داوود ، فلمّا قدم أبو الحسن بن داوود وقرأته عليه ، ذكر أنّ هذا الدُرج بعينه كتب به أهل قمّ إلى الشيخ أبي القاسم وفيه مسائل ، فأجابهم على ظهره بخطّ أحمد بن إبراهيم النوبختيّ ، وحصل الدُرج عند أبي الحسن بن داوود . نسخة الدُرج 1 : مسائل محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميريّ : بسم اللّه الرحمن الرحيم أطال اللّه بقاءك ، وأدام عزّك وتأييدك وسعادتك وسلامتك ، وأتمّ نعمته ( عليك ) وزاد في إحسانه إليك ، وجميل مواهبه لديك ، وفضله عندك ، وجعلني من السوء فداك ، وقدّمني قبلك ، الناس يتنافسون في الدرجات ، فمن قبلتموه كان مقبولاً ، ومن دفعتموه كان وضيعاً ، والخامل من وضعتموه ، ونعوذ باللّه من ذلك . وببلدنا أيّدك اللّه جماعة من الوجوه ، يتساوون ويتنافسون في المنزلة ، وورد أيّدك اللّه كتابك إلى جماعة منهم في أمر أمرتهم به من معاونة « ص » (1) ، وأخرج عليّ بن محمّد بن الحسين بن مالك ( المعروف ) بادوكة وهو ختن (2) « ص » رحمهم اللّه من بينهم ، فاغتمّ بذلك وسألني أيّدك اللّه أن أعلمك ما ناله من ذلك ، فإن كان من ذنبٍ استغفر اللّه منه ، وإن يكن غير ذلك عرّفته ما يسكن نفسه إليه إن شاء اللّه . التوقيع : لَم نُكَاتِب إِلَا مَن كَاتَبَنَا .

.


1- .قال في البحار : عبّر عن المعان برمز « ص » للمصلحة، وحاصل جوابه عليه السلام : إنّ هؤلاء كاتبوني وسألونيفأجبتهم، وهو لم يكاتبني من بينهم، فلذا لم أدخله فيهم ، وليس ذلك من تقصير وذنب .
2- .خَتنُ الرجل : أي زوّج ابنته ( النهاية : ج 2 ص 10 ) .

ص: 107

وقد عوّدتني _ أدام اللّه عزّك _ من تفضّلك ما أنت أهل أن تجريني على العادة ، وقبِلك _ أعزّك اللّه _ فقهاء ، أنا محتاج إلى أشياء تسأل لي عنها . فروي لنا عن العالم عليه السلام أنّه سُئل عن إمام قومٍ صلّى بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة ، كيف يعمل من خلفه ؟ فقال : يُؤَخَّرُ وَيُقَدَّمُ بَعضُهُم ، وَيُتِمُّ صَلَاتَهُم ، وَيَغتَسِلُ مَن مَسَّهُ . التوقيع : ليس على من نحّاه إِلَا غَسلُ اليَدِ ، وَإِذَا لَم تَحدثُ حَادِثَةُ تَقطَعُ الصَّلَاةَ تَمَّمَ صَلَاتَهُ مَعَ القَومِ . وروي عن العالم عليه السلام : إِنَّ مَن مَسَّ مَيِّتا بِحَرارَتِهِ غَسَلَ يَدَيهِ ، وَمَن مَسَّهُ وَقَد بَرَدَ فَعَلَيهِ الغُسلُ . وهذا الإمام في هذه الحالة لا يكون مسّه إلّا بحرارته ، والعمل من ذلك على ما هو ، ولعلّه ينحّيه بثيابه ولا يمسّه ، فكيف يجب عليه الغسل ؟ التوقيع : إِذَا مَسَّهُ عَلَى هَذِهِ الحَالَةِ ، لَم يَكُن عَلَيهِ إِلَا غَسلُ يَدِهِ . وعن صلاة جعفر : إذا سها في التسبيح في قيامٍ أو قعودٍ أو ركوعٍ أو سجودٍ ، وذكره في حالة أُخرى قد صار فيها من هذه الصلاة ، هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة الّتي ذكرها ، أم يتجاوز في صلاته ؟ التوقيع : إِذَا سَهَا فِي حَالَةٍ مِن ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ فِي حَالَةٍ أُخرَى ، قَضَى مَا فَاتَهُ فِي الحَالَةِ الَّتِي ذَكَرَ . وعن المرأة يموت زوجها ، هل يجوز أن تخرج في جنازته أم لا ؟ التوقيع : تَخرُجُ فِي جَنَازَتِهِ . وهل يجوز لها وهي في عدّتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟ التوقيع : تَزُورُ قَبرَ زَوجِهَا ، وَلَا تَبِيتُ عَن بَيتِهَا . وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حقٍّ يلزمها ، أم لا تبرح من بيتها وهي في عدّتها ؟ التوقيع : إِذَا كَانَ حَقٌّ خَرَجَت وَقَضَتهُ ، وَإِذَا كَانَت لَهَا حَاجَةٌ لَم يَكُن لَهَا مَن يَنظُرُ فِيهَا

.

ص: 108

خَرَجَت لَهَا حَتَّى تَقِضيَ ، وَلَا تَبِيتُ عَن مَنزِلِهَا . وروي في ثواب القرآن في الفرائض وغيرها : أنّ العالم عليه السلام قال : عَجَباً لِمَن لَم يَقرَأ فِي صَلَاتِهِ : « إِنَّ_آ أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ » كَيفَ تُقبَلُ صَلَاتُهُ ؟ وروي : مَا زَكَت صَلاَةٌ لَم يُقرَأ فِيهَا بِ_ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » . وروي : إنَّ مَن قَرَأَ فِي فَرَائِضِهِ ( الهُمَزَة ) أُعطِيَ مِنَ الدُّنيَا ، فهل يجوز أن يقرأ ( الهُمَزَة ) ويدع هذه السور الّتي ذكرناها ، مع ما قد روي أنّه لا تُقبل صلاة ولا تزكو إلّا بهما ؟ التوقيع : الثَّوَابُ فِي السُّورِ عَلَى مَا قَد رُوِيَ ، وَإِذَا تَرَكَ سُورَةً مِمَّا فِيهَا الثَّوَابُ وَقَرَأ : « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » و « إِنَّ_آ أَنزَلْنَاه » لِفَضِلِهمَا ، أُعطِيَ ثَوَابَ مَا قَرَأَ وَثَوَابَ السُّورَةِ الَّتِي تَرَكَ ، وَيَجُوزُ أَن يَقرَأَ غَيرَ هَاتَينِ السُّورَتَينِ وَتَكُونُ صَلَاتُهُ تَامَّةٌ ، وَلَكِن يَكُونُ قَد تَرَكَ اليفَضلَ . وعن وداع شهر رمضان متى يكون ؟ فقد اختلف فيه ( أصحابنا ) ، فبعضهم يقول : يقرأ في آخر ليلة منه ، وبعضهم يقول : هو في آخر يوم منه إذا رأى هلال شوال . التوقيع : العَمَلُ فِي شَهرِ رَمَضَانَ فِي لَيَالِيهِ ، وَالوَدَاعُ يَقَعُ فِي آخِرِ لَيلَةٍ مِنهُ ، فَإِن خَافَ أَن يَنقُصَ جَعَلَهُ فِي لَيلَتَينِ . وعن قول اللّه عز و جل : «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ» أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله المعني به «ذِى قُوَّةٍ عِندَ ذِى الْعَرْشِ مَكِينٍ » ، ما هذه القوّة ؟ « مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » ، ما هذه الطاعة وأين هي ؟ فرأيك أدام اللّه عزّك بالتفضّل عليَّ بمسألة من تثق به من الفقهاء عن هذه المسائل ، وإجابتي عنها مُنعِما ، مع ما تشرحه لي من أمر [عليّ بن] (1) محمّد بن الحسين بن

.


1- .ما بين المعقوفين من الاحتجاج .

ص: 109

72 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد اللّه الحِميَريّ

مالك المقدّم ذكره بما يسكن إليه ، ويعتدّ بنعمة اللّه عنده ، وتفضّل عليَّ بدعاء جامع لي ولإخواني للدنيا والآخرة ، فعلت مثابا إن شاء اللّه تعالى . التوقيع : جَمَعَ اللّهُ لَكَ وَلِاءخوَانِكَ خَيرَ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ . أطال اللّه بقاءك ، وأدام عزّك وتأييدك ، وكرامتك وسعادتك وسلامتك ، وأتمّ نعمته عليك ، وزاد في إحسانه إليك ، وجميل مواهبه لديك ، وفضله عندك ، وجعلني من كلّ سوء ومكروه فداك ، وقدّمني قبلك ، الحمد للّه ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على محمّد وآله أجمعين . (1)

72كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد اللّه الحِميَريّوفي كتابٍ آخر لمحمّد بن عبد اللّه الحميريّ إلى صاحب الزمان عليه السلام ، من جواب مسائله الّتي سأله عنها في سنة سبع وثلاثمئة . سأل عن المُحرِم : يجوز أن يشدّ المئزر من خلفه على عقبه بالطول ، ويرفع طرفيه إلى حقويه (2) ويجمعهما في خاصرته ويعقدهما ، ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه ويرفعهما إلى خاصرته ، ويشدّ طرفيه إلى وركيه ، فيكون مثل السراويل يستر ما هناك ، فإنّ المئزر الأوّل كنّا نتّزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك ، وهذا ستر ؟ فأجاب عليه السلام :جَازَ أَن يَتَّزِرَ الإِنسَانُ كَيفَ شَاءَ ، إِذَا لَم يُحدِث فِي المِئزَر حَدَثا بِمِقرَاضٍ وَلَا إِبرَةٍ

.


1- .الغيبة للطوسي : ص 373 ح 345 ، بحار الأنوار : ج 53 ص 150 ح 1 وراجع : الاحتجاج : ج 2 ص 563 ح354 .
2- .الحَقُو : موضع شدّ الإزار وهو الخاصرة ( المصباح المنير : ص 145) .

ص: 110

يُخرِجُهُ بِهِ عَن حَدِّ المِئزَرِ ، وَغَرَزَهُ غَرزا وَلَم يَعقِدهُ ، وَلَم يَشُدَّ بَعضَهُ بِبَعضٍ ، وَإِذَا غَطَّى سُرَّتَهُ وَرُكبَتَيهِ كِلَاهُمَا ، فَإِنَّ السُّنَّةَ المُجمَعَ عَلَيهَا بِغَيرِ خِلَافٍ تَغطِيَةُ السُّرَةِ وَالرُّكبَتَينِ ، وَالأَحَبُّ إِلَينَا وَالأَفضَلُ لِكُلِّ أَحَدٍ شَدُّهُ عَلَى السَّبِيلِ المَألُوفَةِ المَعرُوفَةِ لِلِنَّاسِ جَمِيعا إِن شَاءَ اللّهُ . وسأل : هل يجوز أن يشدّ عليه مكان العقد تِكّة (1) ؟ فأجاب : لَا يَجُوزُ شَدُّ المِئزَرِ بِشَيءٍ سِوَاهُ مِن تِكَّةٍ وَلَا غَيرِهَا . وسأل عن التوجّه للصّلاة أن يقول : على ملّة إبراهيم ودين محمّد صلى الله عليه و آله ؟ فإنّ بعض أصحابنا ذكر إنّه إذا قال : على دين محمّد ، فقد أبدع ؛ لأنّا لم نجده في شيء من كتب الصلاة ، خلا حديثا واحدا في كتاب القاسم بن محمّد ، عن جدّه ، عن الحسن بن راشد : إنّ الصادق عليه السلام قال للحسن : كَيفَ تَتَوَجَّهُ ؟ فقال : أقول : لبّيك وسعديك . فقال له الصادق عليه السلام : لَيسَ عَن هَذَا أَسأَلُكَ ، كَيفَ تَقُولُ : وَجَّهتُ وَجهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ حَنِيفا (2) مُسلِما ؟ قال الحسن : أقوله ، فقال الصادق عليه السلام : إِذَا قُلتَ ذَلِكَ فَقُل : عَلَى مِلَّةِ إِبرَاهِيمَ وَدِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَمِنهَاجِ عَليِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، وَالاِئتِمَامِ بِآلِ مُحَمَّدٍ ، حَنِيفا مُسلِما وَمَا أَنَا مِنَ المُشرِكِينَ . فأجاب عليه السلام : التَّوجُّهُ كُلُّهُ لَيسَ بِفَرِيضَةٍ ، وَالسُّنَّةُ المُؤَكَّدَةُ فِيهِ الَّتِي هِيَ كَالإِجمَاعِ الَّذِي لَا خِلَافَ فِيهِ : وَجَّهتُ وَجهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ حَنِيفاً مُسلِماً ، عَلَى مِلَّةِ إِبرَاهِيمَ وَدِينِ مُحَمَّدٍ وَهُدَى أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ، وَمَا أَنَا مِنَ المُشرِكِينَ ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي (3) وَمَحيَايَ وَمَمَاتِي للّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرتُ وَأَنَا مِنَ

.


1- .التِكّة : رباط السراويل ( تاج العروس : ج 13 ) .
2- .الحَنيف : وهو المائل إلى الإسلام ، الثابت عليه (النهاية : ج 1 ص 451) .
3- .النُّسْك : الطاعة والعبادة وكلّ مُقُرِّب به إلى اللّه تعالى ( النهاية : ج 5 ص 48 ) .

ص: 111

المُسلِمِينَ . اللَّهُمَّ اجعَلنِي مِنَ المُسلِمِينَ ، أَعُوذُ بِاللّهِ السَّميعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ ، بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ . ثُمَّ تَقرَأُ الحَمدَ . قَالَ الفَقِيهُ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِي عِلمِهِ : إِنَّ الدِّينَ لِمُحَمَّدٍ وَالهِدَايَةَ لِعَلِيٍّ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ؛ لِأَنَّهَا لَهُ صلى الله عليه و آله وَفِي عَقِبِهِ بَاقِيَةٌ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ ، فَمَن كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مِنَ المُهتَدِينَ ، وَمَن شَكَّ فَلَا دِينَ لَهُ ، وَنَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الضَّلَالَةِ بَعدَ الهُدَى . وسأله عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه ، (يجوز) أن يردّ يديه على وجهه وصدره ، للحديث الّذي روي : إنَّ اللّهَ عز و جل أَجَلَّ مِن أَن يَرُدَّ يَدَي عَبدِهِ صِفرا ، بَل يَمَلؤُهَا مِن رَحمَتِهِت ، أم لا يجوز ، فإنّ بعض أصحابنا ذكر أنّه عمل في الصلاة ؟ فأجاب عليه السلام : رَدُّ اليَدَينِ مِنَ القُنُوتِ عَلَى الرَّأسِ وَالوَجهِ غَيرُ جَائِزٍ فِي الفَرَائِضِ ، وَالَّذِي عَلَيهِ العَمَل فِيهِ ، إِذَا رَفَعَ يَدَهُ فِي قُنُوتِ الفَرِيضَةِ وَفَرَغَ مِنَ الدُّعَاءِ ، أَن يَرُدَّ بَطنَ رَاحَتَيهِ مَعَ صَدرِهِ تِلقَاءَ رُكبَتَيهِ عَلَى تَمَهُّلٍ ، وُيُكَبِّرُ وَيَركَعُ ، وَالخَبَر صَحِيحٌ وَهُوَ فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ وَاللَّيلِ دُونَ الفَرَائِضِ ، وَالعَمَلُ بِهِ فِيهَا أَفضَلُ . وسأل عن سجدة الشكر بعد الفريضة : فإنّ بعض أصحابنا ذكر أنّها بدعةٌ ، فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة ، وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب عليه السلام : سَجدَةُ الشُّكرِ مِن أَلزَمِ السُّنَنِ وَأَوجَبِهَا ، وَلَم يَقُلِ إِنَّ هَذِهِ السَّجدَةَ بِدعَةٌ إِلَا مَن أَرَادَ أَن يُحدِّثَ فِي دِينِ اللّهِ بِدعَةً . فَأَمَّا الخَبَرُ المَروِيُّ فِيهَا بَعَد صَلاَةِ المَغرِبِ ، وَالاخِتِلَافُ فِي أَنَّهَا بَعدَ الثَّلَاثِ أَو بَعدَ الأَربَعِ ، فَإِنَّ فَضلَ الدُّعَاءِ وَالتَّسبِيحِ بَعدَ الفَرَائِضِ عَلَى الدُّعَاءِ بِعَقِيبِ النَّوَافِلِ ، كَفَضلِ الفَرَائِضِ عَلَى النَّوَافِلِ ، وَالسَّجدَةُ دُعَاءٌ وَتَسبِيحٌ ، فَالأَفضَلُ أَن يَكُونَ بَعدَ الفَرضِ ، فَإِن جُعِلَت بَعدَ النَّوَافِلِ أَيضاً جَازَ . (1)

.


1- .ذكره الشيخ الحرّ تقطيعا ( وسائل الشيعة : ج 2 ص 490 ح 8041 ) .

ص: 112

وسأل : إنَّ لبعض إخواننا ممّن نعرفه ضيعةً (1) جديدةً بجنب ضيعةٍ خرابٍ ، للسلطان فيها حصّة ، وأُكَرَتُهُ ربّما زرعوا حدودها ، وتؤذيهم عمّال السلطان ويتعرّضون في الكلّ من غلّات ضيعته ، وليس لها قيمة لخرابها ، وإنّما هيبائرة منذ عشرين سنة ، وهو يتحرّج من شرائها ؛ لأنّه يقال : إنّ هذه الحصّة من هذه الضيعة كانت قبضت عن الوقف قديما للسلطان ، فإن جاز شراؤها من السلطان وكان ذلك صوابا ، كان ذلك صونا وعمارةً لضيعته ، وإنّه يزرع هذه الحصّة من القرية البائرة بفضل ماء ضيعته العامرة ، وينحسم عنه طمع أولياء السلطان ، وإن لم يجز ذلك عمل بما تأمره به إن شاء اللّه تعالى ؟ فأجاب عليه السلام : الضَّيعَةُ لَا يَجُوزُ ابتِياعُهَا إِلَا مِن مَالِكِهَا أَو بِأَمرِهِ أَو رِضاءٍ مِنهُ . وسأل عن رجل استحلّ بامرأة خارجة من حجابها ، وكان يحترز من أن يقع ( له ) ولد ، فجاءت بابن ، فتحرّج الرجل ألّا يقبله ، فقبله وهو شاكّ فيه ، وجعل يجري النفقة على أُمّه وعليه حتّى ماتت الأُمّ ، وهو ذا يجري عليه ، غير أنّه شاكّ فيه ليس يخلطه بنفسه ، فإن كان ممّن يجب أن يخلطه بنفسه ويجعله كسائر ولده فعل ذلك ، وإن جاز أن يجعل له شيئا من ماله دون حقّه فعل ؟ فأجاب عليه السلام : الاِستِحلَالُ بِالمَرأَةِ يَقَعُ عَلَى وُجُوهٍ ، وَالجَوَابُ يَختَلِفُ فِيهَا ، فَليَذكُرِ الوَجهَ الَّذِي وَقَعَ الاستِحلَالُ بِهِ مَشرُوحا ، لِيَعرِفَ الجَوَابَ فِيمَا يَسأَلُ عَنهُ مِن أَمرِ الوَلَدِ إِن شَاءَ اللّهَ . وسأله الدعاء له ، فخرج الجواب : جَادَ اللّهُ عَلَيهِ بِمَا هُوَ جَلَّ وَتَعَالَى أَهلُهُ ، إِيجَابَنَا لِحَقِّهِ ، وَرِعَايَتَنَا لِأَبِيهِ رحمه الله وَقُربِهِ مِنَّا ، وَقَد رَضينَا بِمَا عَلِمنَاهُ مِن جَمِيلِ نِيَّتِهِ ، وَوَقَفنَا عَلَيهِ مِن مُخَاطَبَتِهِ المُقَرَّبَةِ لَهُ مِنَ اللّهِ ،

.


1- .الضَيعَة : العقار ، والضَيعَة : الأرض المُغِلَّة ( تاج العروس : ج 1 ص 315 ) .

ص: 113

73 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد اللّه الحميريّ

الَّتي تُرضِي اللّهَ عز و جل وَرَسُولَهُ وَأَولِياءَهُ عليهم السلام ، والرَّحمَةِ بِمَا بَدَأنَا ، نَسأَلُ اللّهَ بِمَسأَلَتِهِ مَا أَمَّلَهُ مِن كُلِّ خَيرٍ عَاجِلٍ وَآجِلٍ ، وَأَن يُصلِحَ لَهُ مِن أَمرِ دِينِهِ وَدُنيَاهُ مَا يُحِبُّ صَلَاحَهُ ، إِنَّهُ وَلِيٌّ قَدِيرٌ . (1)

73كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد اللّه الحِميَريّكتب إليه [ أي محمّد بن عبد اللّه الحميريّ ] صلوات اللّه عليه أيضاً في سنة ثمان وثلاثمئة كتاباً سأله فيه عن مسائلٍ أُخرى . كتب فيه :بسم اللّه الرحمن الرحيم أطال اللّه بقاءك ، وأدام عزّك وكرامتك ، وسعادتك وسلامتك ، وأتمّ نعمته عليك ، وزاد في إحسانه إليك ، وجميل مواهبه لديك ، وفضله عليك ، وجزيل قسمه لك ، وجعلني من السوء كلّه فداك ، وقدّمني قِبلك ، إنّ قِبَلَنا مشايخ وعجائز يصومون رجبا منذ ثلاثين سنة وأكثر ، ويصلّون بشعبان وشهر رمضان . وروى لهم بعض أصحابنا : إنّ صومه معصية ؟ فأجاب عليه السلام : قَالَ الفَقِيهُ : يَصُومُ مِنهُ أَيَّاماً إِلَى خَمسَةَ عَشَرَ يَوماً ثُمَّ يَقطَعُهُ ، إِلَا أَن يَصُومَهُ عَنِ الثَّلَاثَةِ الأَيَّامِ الفَائِتَةِ ، لِلحَدِيثِ : « إِنَّ نِعمَ شَهرُ القَضَاءِ رَجَبٌ » . وسأل : عن رجلٍ يكون في محمله والثلج كثير بقامة رجل ، فيتخوّف إن نزل الغوص فيه ، وربّما يسقط الثلج وهو على تلك الحال ، ولا يستوي له أن يلبّد (2) شيئا منه لكثرته وتهافته ، هل يجوز أن يصلّي في المحمل الفريضة ، فقد فعلنا ذلك أيّاما ، فهل علينا في ذلك إعادة أم لا ؟ فأجاب عليه السلام :

.


1- .الاحتجاج : ج 2 ص 573 ، بحار الأنوار : ج 53 ص 159 ح 3 .
2- .اللُّبّادة قُباء ، وما يلبس منها للمطر ( لسان العرب : ج 3 ص 386 ) .

ص: 114

لَا بَأسَ بِهِ عِندَ الضَّرُورَةِ وَالشِّدَّةِ . وسأل عن الرجل يلحق الإمام وهو راكع فيركع معه ، ويحتسب تلك الركعة . فإنّ بعض أصحابنا قال : إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتدّ بتلك الركعة ؟ فأجاب عليه السلام : إِذَا لَحِقَ مَعَ الإِمَامِ مِن تَسبِيحِ الرُّكُوعِ تَسبِيحَةً وَاحِدَةً ، اعتَدَّ بِتِلكَ الرَّكعَةِ ، وَإِن لَم يَسمَع تَكِبيرَةَ الرُّكُوعِ . وسأل عن رجلٍ صلّى الظهر ودخل في صلاة العصر ، فلمّا أن صلّى من صلاة العصر ركعتين ، استيقن أنّه صلّى الظهر ركعتين ، كيف يصنع؟ فأجاب عليه السلام : إِن كَانَ أَحدَثَ بَينَ الصَّلَاتَينِ حَادِثَةٌ يَقطَعُ بِهَا الصَّلاةَ أَعَادَ الصَّلاتَينِ ، وَإِن لَم يَكُن أَحدَثَ حَادِثَةً جَعَلَ الرَّكعَتَينِ الآخِرَتَينِ تَتِمَّةً لِصَلَاةِ الظُّهرِ ، وَصَلَّى العَصرَ بَعدَ ذَلِكَ . وسأل عن أهل الجنّة هل يتوالدون إذا دخلوها أم لا ؟ فأجاب عليه السلام : إِنَّ الجَنَّةَ لَا حَملَ فِيهَا لِلنِّساءِ وَلَا وَلَادَةَ ، وَلَا طَمثَ (1) وَلَا نِفَاسَ ، وَلَا شَقَاءَ بِالطُّفُولِيَّةِ ، « وَ فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ » (2) ، كَمَا قَالَ سُبحَانَهُ ، فَإِذَا اشتَهَى المُؤمِنُ وَلَداً ، خَلَقَهُ اللّهُ عز و جلبِغَيرِ حَملٍ وَلَا وِلَادَةٍ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي يُرِيدُ ، كَمَا خَلَقَ آدَمَ عِبرَةً . وسأل عن رجلٍ تزوّج امرأةً بشيءٍ معلوم إلى وقتٍ معلوم ، وبقي له عليها وقت ، فجعلها في حلٍّ ممّا بقي له عليها ، وقد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حلّ من

.


1- .طَمَثَت المرأة : إذا حاضت ( المصباح المنير : ص 377) .
2- .الزخرف : 71 .

ص: 115

أيّامها بثلاثة أيّام ، أيجوز أن يتزوّجها رجل آخر بشيءٍ معلوم إلى وقتٍ معلوم عند طهرها من هذه الحيضة ، أو يستقبل بها حيضة أُخرى ؟ فأجاب عليه السلام : يَستَقبِلُ حَيضَةً غَيرَ تِلكَ الحَيضَةِ ؛ لاِنَّ أَقَلَّ تِلكَ العِدَّةِ حَيضَةٌ وَطُهرَةٌ تَامَّةٌ . وسأل عن الأبرص والمجذوم وصاحب الفالج ، هل يجوز شهادتهم ، فقد روي لنا أنّهم لا يؤمّون الأصحّاء ؟ فأجاب عليه السلام : إِن كَانَ مَا بِهِمّ حَادِثا جَازَت شَهَادَتُهُم ، وَإِن كَانَ وِلَادَةً لَم يَجزُ . وسأل : هل يجوز للرجل أن يتزوّج ابنة امرأته ؟ فأجاب عليه السلام : إِن كَانَت رُبِّيَت فِي حِجرِهِ فَلَا يَجُوزُ ، وَإِن لَم تَكُن رُبِّيَتِ فِي حِجرِهِ وَكَانَت أُمُّهَا فِي غَيرِ حِبَالِهِ فَقَد رُوِيَ أَنَّهُ جَائِزٌ . وسأل : هل يجوز أن يتزوّج بنت ابنة امرأةٍ ، ثمّ يتزوّج جدّتها بعد ذلك ؛ أم لا يجوز ؟ فأجاب عليه السلام : قَد نُهِيَ عَن ذَلِكَ . وسأل عن رجلٍ ادّعى على رجلٍ ألف درهم وأقام به البيّنة العادلة ، وادّعى عليه أيضاً خمسمئة درهم في صكٍّ آخر ، وله بذلك كلّه بيّنة عادلة ، وادّعى عليه أيضا ثلاثمئة درهم في صكٍّ آخر ، ومئتي درهم في صكٍّ آخر ، وله بذلك كلّه بيّنة عادلة ، ويزعم المُدّعى عليه أنّ هذه الصكاك كلّها قد دخلت في الصكّ الّذي بألف درهم ، والمدّعي منكر أن يكون كما زعم ، فهل يجب عليه الألف الدرهم مرّةً واحدةً ، أو يجب عليه ، كما يقيم البيّنة به وليس في الصكاك استثناء ، إنّما هي صكاك على وجهها ؟ فأجاب عليه السلام : يُؤخَذُ مِنَ المُدَّعَى عَلَيهِ أَلفُ دِرهَمٍ مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَهِيَ الَّتِي لَا شُبهَةَ فِيهَا ، وَيُرَدُّ اليَمِينُ فِي الأَلفِ البَاقِي عَلَى المُدَّعِي ، فَإِن نَكَلَ فَلَا حَقَّ لَهُ . وسأل عن طين القبر يوضع مع الميّت في قبره ، هل يجوز ذلك أم لا ؟

.

ص: 116

فأجاب عليه السلام : يُوضَعُ مَعَ المَيِّتِ فِي قَبرِهِ ، وَيُخلَطُ بِحَنُوطِهِ إِن شَاءَ اللّهُ . وسأل فقال : روي لنا عن الصادق عليه السلام أنّه كتب على إزار إسماعيل ابنه : إِسمَاعِيلُ يَشهَدُ أَن لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ . فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره ؟ فأجاب عليه السلام : يَجُوزُ ذَلِكَ . وسأل : هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر ، وهل فيه فضل ؟ فأجاب عليه السلام : يُسَبِّح بِهِ ، فَمَا مِن شَيءٍ مِنَ التَّسبِيحِ أَفضَلَ مِنهُ ، وَمِن فَضلِهِ أَنَّ الرَّجُلَ يَنسَى التَّسبِيحَ وَيُدِيرُ السُّبحَةَ فَيُكتَبُ لَهُ التَّسبِيحُ . وسأل عن السجدة على لوحٍ من طين القبر ، وهل فيه فضل؟ فأجاب عليه السلام : يَجُوزُ ذَلِكَ وَفِيهِ الفَضلُ . وسأل عن الرجل يزور قبور الأئمّة عليهم السلام ، هل يجوز أن يسجد على القبر ، أم لا ؟ وهل يجوز لمن صلّى عند بعض قبورهم عليهم السلام أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ، أم يقوم عند رأسه أو رجليه ؟ وهل يجوز أن يتقدّم القبر ويصلّي ويجعل القبر خلفه ، أم لا ؟ فأجاب عليه السلام : أَمَّا السُّجُودُ عَلَى القَبرِ ، فَلَا يَجُوزُ فِي نَافِلِةِ وَلَا فَرِيضَةٍ وَلَا زِيَارَةٍ ، وَالَّذِي عَلَيهِ العَمَلُ أَن يَضَعَ خَدَّهُ الأَيمَنَ عَلَى القَبرِ . وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَإِنَّهَا خَلفَهُ ، وَيَجعَلُ القَبرَ أَمَامَهُ ، وَلَا يَجُوزُ أَن يُصَلِّيَ بَينَ يَدَيهِ وَلَا عَن يَمِينِهِ وَلَا عَن يِسَارِهِ ؛ لِأَنَّ الإِمَامَ عليه السلام لَا يُتَقَدَّمُ وَلَا يُسَاوَى .

.

ص: 117

وسأل فقال : يجوز للرجل إذا صلّى الفريضة أو النافلة وبيده السبحة أن يديرها وهو في الصلاة ؟ فأجاب عليه السلام : يَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا خَافَ السَّهوَ وَالغَلَطَ . وسأل :هل يجوز أن يدير السبحة بيده اليسار إذا سبّح ، أو لا يجوز ؟ فأجاب عليه السلام : يَجُوزُ ذَلِكَ ، وَالحَمدُ للّهِ رَبِّ العَالَمِينَ . وسأل فقال : روي عن الفقيه عليه السلام في بيع الوقوف خبر مأثور : إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم ، فاجتمع أهل الوقف على بيعه وكان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه ، وهل يجوز أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم على البيع ، أم لا يجوز إلّا أن يجتمعوا كلّهم على ذلك ؟ وعن الوقف الّذي لا يجوز بيعه ؟ فأجاب عليه السلام : إِذَا كَانَ الوَقفُ عَلى إِمَامِ المُسلِمَينَ فَلَا يَجُوزُ بَيعُهُ ، وَإِن كَانَ عَلَى قَومٍ مِنَ المُسلِمِينَ فَليَبِع كُلُّ قَومٍ مَا يَقدِرُونَ عَلَى بَيعِهِ مُجتَمِعِينَ وَمُتَفَرِّقِينَ إِن شَاءَ اللّهُ . وسأل : هل يجوز للمُحرِم أن يصير على إبطه المَرتَكَ (1) أو التُّوتيا (2) لريح العَرَق ، أم لا يجوز ؟ فأجاب عليه السلام : يَجُوزُ ذَلِكَ وَبِاللّهِ التَّوفِيقُ . وسأل عن الضرير إذا أُشهد في حال صحّته على شهادة ، ثمّ كفّ بصره ولا يرى خطّه فيعرفه ، هل تجوز شهادته ، أم لا ؟ وإن ذكر هذا الضرير الشهادة ، هل يجوز أن يشهد على شهادته ، أم لا يجوز ؟ فأجاب عليه السلام : إِذَا حَفِظَ الشَّهَادَةَ وَحَفِظَ الوَقَتَ ، جَازَت شَهَادَتُهُ . وسأل عن الرجل يوقف ضيعة أو دابّة ويشهد على نفسه باسم بعض وكلاء

.


1- .المَرتَك : ما يعالج به الصُّنَانُ وهو معرّب ( المصباح المنير : ص 567) .
2- .التُّوتياء _ بالمدِّ _ : كُحل ، وهو معرّب ( المصباح المنير : ص 78 ) .

ص: 118

الوقف ، ثمّ يموت هذا الوكيل أو يتغيّر أمره ويتولّى غيره ، هل يجوز أن يشهد الشاهد لهذا الّذي أُقيم مقامه إذا كان أصل الوقف لرجلٍ واحد ، أم لا يجوز ذلك ؟ فأجاب عليه السلام : لَا يَجُوزُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الشَّهادَةَ لَم تَقُم لِلوَكِيلِ ، وَإِنَّما قَامَتِ لِلمَالِكِ ، وَقَد قَالَ اللّهُ تَعَالَى : « وَ أَقِيمُواْ الشَّهَ_دَةَ لِلَّهِ » (1) . وسأل عن الركعتين الأخيرتين قد كثرت فيهما الروايات ، فبعض يروي أنّ قراءة الحمد وحدها أفضل ، وبعض يروي أنّ التسبيح فيهما أفضل ، فالفضل لأيّهما لنستعمله ؟ فأجاب عليه السلام : قَد نَسَخَت قِرَاءَةُ أُمِّ الكِتَابِ فِي هَاتَينِ الرَّكعَتَينِ التَّسبِيحَ ، وَالَّذِي نَسخَ التَّسبِيحَ قَولُ العَالِمِ عليه السلام : كُلُّ صَلَاةٍ لَا قِرَاءَةَ فِيهَا فَهِيَ خِدَاجٌ (2) إِلَا لِلعَلِيلِ ، أَو [ مَن ] يَكثُرُ عَلَيهِ السَّهوُ فَيَتَخَوَّفُ بُطَلانَ الصَّلَاةِ عَلَيهِ . وسأل فقال : يتّخذ عندنا رُبّ (3) الجوز لوجع الحلق والبحبحة ، يؤخذ الجوز الرطب من قبل أن ينعقد ويُدقّ دقّا ناعماً ، ويُعصر ماؤه ويُصفّى ويُطبخ على النصف ويُترك يوماً وليلة ثمّ يُنصَب على النار ، ويُلقى على كلّ ستّة أرطالٍ منه رطل عسل ويُغلى ويُنزع رغوته ، ويُسحق من النوشادر (4) والشبّ اليماني من كلّ واحدة نصف مثقال ويُداف (5) بذلك الماء ، ويُلقى فيه درهم زعفران مسحوق ، ويُغلى ويُؤخذ رغوته ، ويُطبخ حتّى يصير مثل العسل ثخيناً ، ثمّ يُنزل عن النار ويَبرد ويُشرب منه ، فهل يجوز شربه ، أم لا ؟ فأجاب عليه السلام :

.


1- .الطلاق : 2 .
2- .خَدَجَ الصلاة : إذا نقصها ، ومعناه أتى بها غير كاملة ( المصباح المنير : ص 164 ) .
3- .الرُّبّ : دِبس الرطب إذا طُبخ ، ومنه رُبّ التوت ورُبّ التفّاح . . . ( مجمع البحرين : ج2 ص644 ) .
4- .النُوشادر : مادّةٌ قلوية ذات طعم حادّ ( المنجد : ص 808 ) .
5- .دافَه يَدوفُه : إذا خلطه ( لسان العرب : ج 9 ص 108 ) .

ص: 119

إِذَا كَانَ كَثِيرُهُ يُسكِرُ أَو يُغَيِّرُ ، فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ ، وَإِن كَانَ لَا يُسكِرُ فَهُوَ حَلَالٌ . وسأل عن الرجل يعرض له الحاجة ممّا لا يدري أن يفعلها أم لا ، فيأخذ خاتمين فيكتب في أحدهما : ( نعم أفعل ) وفي الآخر : ( لا تفعل ) فيستخير اللّه مرارا ، ثمّ يرى فيهما ، فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج ، فهل يجوز ذلك ، أم لا ؟ والعامل به والتارك له أهو مثل الاستخارة ؟ أم هو سوى ذلك ؟ فأجاب عليه السلام : الَّذِي سَنَّهُ العَالِمُ عليه السلام فِي هَذِهِ الاِستِخَارَةِ بِالرِّقَاعِ وَالصَّلَاةِ . وسأل عن صلاة جعفر بن أبي طالب عليه السلام ، في أيّ أوقاتها أفضل أن تُصلّى فيه ؟ وهل فيها قنوت ؟ وإن كان ففي أيّ ركعة منها ؟ فأجاب عليه السلام : أَفضَلُ أَوقَاتِهَا صَدرُ النَّهَارِ مِن يَومِ الجُمُعَةِ ، ثُمَّ فِي أَيِّ الأَيَّامِ شِئتَ ، وَأَيِّ وَقتٍ صَلَّيَتَها مِن لَيلٍ أَو نَهارٍ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَالقُنُوتُ فِيهَا مَرَّتَانِ : فِي الثَّانِيَةِ قَبلَ الرُّكُوعِ ، وَفِي الرَّابِعَةِ . وسأل عن الرجل ينوي إخراج شيء من ماله وأن يدفعه إلى رجلٍ من إخوانه ، ثمّ يجد في أقربائه محتاجاً ، أيصرف ذلك عمّن نواه له إلى قرابته ؟ فأجاب عليه السلام : يَصرِفُهُ إِلَى أَدنَاهُمَا وَأَقرَبِهِمَا مِن مَذهَبِهِ ، فَإِن ذَهَبَ إِلَى قَولِ العَالِمِ عليه السلام : « لَا يَقبَلُ اللّهُ الصَّدَقَةَ وَذُو رَحِمٍ مُحتَاجٌ » فَلَيقسِم بَينَ القَرَابَةِ وَبَينَ الَّذِي نَوَى حَتَّى يَكُون قَد أَخَذَ بِالفَضلِ كُلِّهِ . وسأل فقال : اختلف أصحابنا في مهر المرأة . فقال بعضهم : إذا دخل بها سقط عنه المهر ولا شيء عليه . وقال بعضهم : هو لازم في الدنيا والآخرة ، فكيف ذلك وما الّذي يجب فيه ؟ فأجاب عليه السلام : إِن كَانَ عَلَيهِ بِالمَهرِ كِتَابٌ فِيهِ ذِكرُ دَينٍ ، فَهُوَ لَازِمٌ لَهُ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، وَإِن كَانَ عَلَيهِ كِتَابٌ فِيهِ ذِكرُ الصِّدَاقِ ، سَقَطَ إِذَا دَخَلَ بِهَا ، وَإِن لَم يَكُن عَلَيهِ كِتَابٌ ، فَإِذَا دَخَلَ بِهَا سَقَطَ بَاقِي الصِّدَاقِ .

.

ص: 120

وسأل فقال : روي لنا عن صاحب العسكر عليه السلام أنّه سُئل عن الصلاة في الخزّ الّذي يُغشّ بوبر الأرانب ؟ فوقّع : يَجُوزُ . وروي عنه أيضاً أنّه لا يجوز . فأيُّ الخبرين نعمل به؟ فأجاب عليه السلام : إِنَّمَا حَرَّمَ فِي هَذِهِ الأَوبَارِ وَالجُلُودِ ، فَأَمَّا الأَوبَارُ وَحَدَهَا فَكُلٌّ حَلَالٌ . وَقَد سَأَلَ بَعضُ العُلَمَاءِ عَن مَعنَى قَولِ الصَّادقِ عليه السلام : لَا يُصَلَّى فِي الثَّعلَبِ وَلَا فِي الأَرنَبِ ، وَلَا فِي الثَّوبِ الَّذِي يَلِيهِ ، فَقَالَ عليه السلام : إِنَّمَا عَنَى الجُلُودَ دُونَ غَيرِهَا . وسأل فقال يُتّخذ بإصفهان ثياب عُنّابيّة على عمل الوَشي من قَزٍّ وإبريسمٍ ، هل تجوز الصلاة فيها ، أم لا ؟ فأجاب عليه السلام : لَا تَجُوزُ الصَّلاَةُ إِلَا فِي ثَوبٍ سَدَاهُ أَو لَحمَتُهُ قُطنٌ أَو كَتَّانٌ . وسأل عن المسح على الرجلين وبأيّهما يبدأ ؟ باليمين أو يمسح عليهما جميعا معا ؟ فأجاب عليه السلام : يَمسَحُ عَلَيهِمَا جَمِيعا مَعا ، فَإِن بَدَأَ بِإِحدَاهُمَا قَبلَ الأُخرَى ، فَلَا يَبتَدِئُ إِلَا بِاليَمِينِ . وسأل عن صلاة جعفر في السفر ، هل يجوز أن تُصلّى أم لا ؟ فأجاب عليه السلام : يَجُوزُ ذَلِكَ . وسأل عن تسبيح فاطمة عليهاالسلام : من سها فجاز التكبير أكثر من أربع وثلاثين هل يرجع إلى أربع وثلاثين أو يستأنف ؟ وإذا سبّح تمام سبعة وستّين هل يرجع إلى ستّة وستّين أو يستأنف ؟ وما الّذي يجب في ذلك ؟ فأجاب عليه السلام : إِذَا سَهَا فِي التَّكبِيرِ حَتَّى تَجَاوَزَ أَربَعا وَثَلَاثِينَ ، عَادَ إِلَى ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَيَبنِي عَلَيهَا ، وَإِذَا سَهَا فِي التَّسبِيحِ فَتَجَاوَزَ سَبعا وَسِتَّينَ تَسبِيحَةً عَادَ إِلَى سِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَبَنَى عَلَيهَا ، فَإِذَا جَاوَزَ التَّحمِيدَ مِئَةً فَلَا شَيءَ عَلَيهِ . (1)

.


1- .الاحتجاج : ج 2 ص 579 ، بحار الأنوار : ج 53 ص 162 ح 4 .

ص: 121

74 . كتابه عليه السلام إلى جعفر بن حمدان

74كتابه عليه السلام إلى جعفر بن حمدانقال ( سعد بن عبد اللّه ) : وكتب جعفر بن حمدان (1) ، فخرجت إليه هذه المسائل :استحللتُ بجارية وشرطت عليها ألّا أطلب ولدها ولا أُلزمها منزلي ، فلمّا أتى لذلك مدّة قالت لي : قد حبلت ، فقلت لها : كيف ولا أعلم أنّي طلبت منك الولد ؟ ثمّ غبت وانصرفت ، وقد أتت بولد ذكر فلم أنكره ولا قطعت عنها الإجراء والنفقة . ولي ضيعة قد كنت قبل أن تصير إليّ هذه المرأة ، سبّلتها على وصاياي وعلى سائر ولدي ، على أنّ الأمر في الزيادة والنقصان منه إليَّ أيّام حياتي ، وقد أتت هذه بهذا الولد فلم ألحقه في الوقف المتقدّم المؤبّد ، وأوصيت إن حدث بي حدث الموت أن يجري عليه ما دام صغيرا ، فإذا كبر أُعطي من هذه الضيعة جملة مئتي دينار غير مؤبّد ، ولا يكون له ولا لعقبه بعد إعطائه ذلك في الوقف شيء ، فرأيك أعزّك اللّه في إرشادي فيما عملته ، وفي هذا الولد بما أمتثله ، والدعاء لي بالعافية وخير الدنيا والآخرة . جوابها : وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي استَحَلَّ بِالجَارِيَةِ وَشَرَطَ عَلَيهَا أَلّا يَطلُبَ وَلَدَهَا ، فَسُبحَانَ مَن لَا شَرِيكَ لَهُ فِي قُدرَتِهِ ، شَرطُهُ عَلَى الجَارِيَةِ شَرطٌ عَلَى اللّهِ عز و جل ، هَذَا مَا لَا يُؤمَنُ أَن يَكُونَ ، وَحَيثُ عَرَفَ فِي هَذَا الشَّكِّ وَلَيسَ يَعرِفُ الوَقتَ الَّذِي أَتَاهَا فِيهِ ، فَلَيسَ ذَلِكَ بِمُوجِبٍ البَرَاءَةَ فِي وَلَدِهِ ، وَأَمَّا إِعطَاءُ المِئَتَي دِينَارٍ وَإِخرَاجُهُ إِيَّاهُ وَعَقبهُ مِنَ الوَقفِ ، فَالمَالُ مَالُهُ فَعَلَ فِيهِ مَا أَرَادَ .

.


1- .ذكره الصدوق من غير الوكلاء أنّه ممّن رأى الصاحب عليه السلام ووقف على معجزته من أهل همدان ( كمال الدين : ج2 ص 443 ح 16 ) .

ص: 122

75 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن أبي روح

قال أبو الحسين : حُسِب الحساب قبل المولود فجاء الولد مستويا ، وقال : وجدت في نسخة أبي الحسن الهمدانيّ : أتاني أبقاك اللّه كتابك والكتاب الّذي أنفذته ، وروى هذا التوقيع الحسن بن عليّ بن إبراهيم عن السيّاريّ . (1)

75كتابه عليه السلام إلى أحمد بن أبي روحروي عن أحمد بن أبي روح (2) ، قال : خرجت إلى بغداد في مالٍ لأبي الحسن الخضر بن محمّد لأُوصله ، وأمرني أن أدفعه إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان العمريّ ، فأمرني ألّا أدفعه إلى غيره ، وأمرني أن أسأله الدعاء للعلّة الّتي هو فيها ، وأسأله عن الوبر (3) يحلّ لبسه ؟ فدخلت بغداد وصرت إلى العمريّ ، فأبى أن يأخذ المال وقال : صر إلى أبي جعفر محمّد بن أحمد وادفع إليه ، فإنّه أمره بأخذه ، وقد خرج الّذي طلبت . فجئت إلى أبي جعفر فأوصلته إليه ، فأخرج إليَّ رقعة فإذا فيها :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم سَأَلتَ الدُّعَاءَ مِنَ العِلَّةِ الَّتِي تَجِدُهَا ، وَهَبَ اللّهُ لَكَ العَافِيَةَ ، وَدَفَعَ عَنكَ الآفَاتَ ، وَصَرَفَ عَنكَ بَعضَ مَا تَجِدُهُ مِنَ الحَرَارَةِ ، وَعَافَاكَ وَصَحَّ جِسمُكَ .

.


1- .كمال الدين : ص 500 ح 25 ، بحار الأنوار : ج 53 ص 186 ح 17 ، وسائل الشيعة : ج 19 ص 184 ح24402 ، وج 14 ص 19 ح 24402 و ج 21 ص385 ح 27368 .
2- .لم يذكر في الرجال والتراجم ، ويستظهر من هذا التوقيع انّه مورد عناية ولي العصر عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف .
3- .حيوان من ذوات الحوافر في حجم الأرنب ، أطحل اللّون _ أي بين الغبرة والسواد _ قصير الذنب ، يحرّك فكّه السفلى كأنّه يجتر ، ويكثر في لبنان ( المعجم الوسيط : ج 2 ص 1008 ) .

ص: 123

76 . كتابه عليه السلام إلى إسحاق بن يعقوب

وَسَأَلتَ مَا يَحِلُّ أَن يُصَلَّى فِيهِ مِنَ الوَبَرِ وَالسَّمُّورِ (1) وَالسَّنجَابِ (2) وَالفَنَكِ (3) وَالدَّلَقِ (4) وَالحَواصِلِ (5) ، فَأَمَّا السَّمُّورُ وَالثَّعَالِبُ فَحَرَامٌ عَلَيكَ وَعَلَى غَيرِكَ الصَّلَاةُ فِيهِ ، وَيَحلِّ لَكَ جُلُودُ المَأكُولِ مِنَ اللَّحمِ إِذَا لَم يَكُن ( لَكَ ) غَيرُهُ ، وَإِن لَم يَكُن لَكَ بَدٌّ فَصَلِّ فِيهِ ، وَالحَوَاصِلُ جَائِزٌ لَكَ أَن تُصَلِّيَ فِيهِ ، وَالفِرَاءُ مَتَاعُ الغَنَمِ ، مَا لَم تُذبَح بِإِرمِينيَةَ ، تَذبَحُهُ النَّصَارَى عَلَى الصَّلِيبِ ، فَجَائِزٌ لَكَ أَن تَلبَسَهُ إِذَا ذَبَحَهُ أَخٌ لَكَ أَو مُخَالِفٌ تَثِقُ بِهِ . (6)

76كتابه عليه السلام إلى إسحاق بن يعقوبحدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام الكليني رضى الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني ، عن إسحاق بن يعقوب 7 ، قال : سألت محمّد بن عثمان العمريّ رضى الله عنه أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ ، فورد[ت في] التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان عليه السلام :

.


1- .السَّمور : دابّة معروفة يتَّخذ من جلدها فراء مثمنة (مجمع البحرين : ج 2 ص 878) .
2- .السنجاب : حيوان على حدّ اليربوع ، أكبر من الفأرة ، شعره في غاية النعومة ، يتّخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعّمون (مجمع البحرين : ج 2 ص 889) .
3- .الفَنَك : نوع من جِراء الثعلب التركي ( المصباح المنير : ص 481 ) .
4- .الدَّلَق : دُويبَةٌ نحو الهرّة ، طويلة الظّهر ، يعمل منها الفرو ، تشبه النّمر (مجمع البحرين : ج 1 ص 606 ) .
5- .الحَوَاصِل : جمع حوصل ، وهو طير كبير يتَّخَذُ منه الفرو ( مجمع البحرين : ج 1 ص 416 ) .
6- .الخرائج والجرائح : ج 2 ص 702 ح 18 ، بحار الأنوار : ج 53 ص 197 ح 23 .

ص: 124

أَمَّا مَا سَأَلتَ عَنهُ _ أَرشَدَكَ اللَّهُ وَثَبَّتَكَ _ مِن أَمرِ المُنكِرِينَ لِي مِن أَهلِ بَيتِنَا وَبَنِي عَمِّنَا ، فَاعلَم أَنَّهُ لَيسَ بَينَ اللَّهِ عز و جل وَبَينَ أَحَدٍ قَرَابَةٌ ، مَن أَنكَرَنِي فَلَيسَ مِنِّي ، وَسَبِيلُهُ سَبِيلُ ابنِ نُوحٍ عليه السلام . وَأَمَّا سَبِيلُ عَمِّي جَعفَرٍ وَوُلدِهِ ، فَسَبِيلُ إِخوَةِ يُوسُفَ عليه السلام . وَأَمَّا الفُقَّاعُ (1) ، فَشُربُهُ حَرَامٌ وَلَا بَأسَ بِالشَّلَمَابِ (2) . وَأَمَّا أَموَالُكُم فَمَا نَقبَلُهَا إِلَا لِتَطَهَّرُوا ، فَمَن شَاءَ فَليَصِل وَمَن شَاءَ فَليَقطَع ، فَمَا آتَانِي اللَّهُ خَيرٌ مِمَّا آتَاكُم . وَأَمَّا ظُهُورُ الفَرَجِ ، فَإِنَّهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ذَكرُهُ ، وَكَذَبَ الوَقَّاتُونَ . وَأَمَّا قَولُ مَن زَعَمَ أَنَّ الحُسَينَ عليه السلام لَم يُقتَل ، فَكُفرٌ وَتَكذِيبٌ وَضَلَالٌ . وَأَمَّا الحَوَادِثُ الوَاقِعَةُ فَارجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا ، فَإِنَّهُم حُجَّتِي عَلَيكُم وَأَنَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَيهِم . وَأَمَّا مُحَمَّدُ بنُ عُثمَانَ العَمرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ وَعَن أَبِيهِ مِن قَبلُ ، فَإِنَّهُ ثِقَتِي وَكِتَابُهُ كِتَابِي . وَأَمَّا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مَهزِيَارَ الأَهوَازِيُّ ، فَسَيُصلِحُ اللَّهُ قَلبَهُ وَيُزِيلُ عَنهُ شَكَّهُ . وَأَمَّا مَا وَصَلتَنَا بِهِ ، فَلَا قَبُولَ عِندَنَا إِلَا لِمَا طَابَ وَطَهُرَ . وَثَمَنُ المُغَنِّيَةِ حَرَامٌ . وَأَمَّا مُحَمَّدُ بنُ شَاذَانَ بنِ نُعَيمٍ ، فَهُوَ رَجُلٌ مِن شِيعَتِنَا أَهلَ البَيتِ . وَأَمَّا أَبُو الخَطَّابِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي زَينَبَ الأَجدَعُ ، فَمَلعُونٌ ، وَأَصحَابُهُ مَلعُونُونَ ، فَلَا تُجَالِس أَهلَ مَقَالَتِهِم ، فَإِنِّي مِنهُم بَرِيءٌ وَآبَائِي عليهم السلام مِنهُم بِرَاءٌ .

.


1- .الفُقّاعُ : شيء يُشرب يُتّخذ من ماء الشعير فقط ، ورد النهي عنه ( مجمع البحرين : ج 3 ص 1409 ) .
2- .الشلَمَاب : شراب يُتّخذ من الشيلم ، وهو حبٌّ شبيه الشعير ، وفيه تخدير ( غريب الحديث : ج 2 ص 315 ) .

ص: 125

وَأَمَّا المُتَلَبِّسُونَ بِأَموَالِنَا ، فَمَنِ استَحَلَّ مِنهَا شَيئاً فَأَكَلَهُ فَإِنَّمَا يَأكُلُ النِّيرَانَ . وَأَمَّا الخُمُسُ فَقَد أُبِيحَ لِشِيعَتِنَا ، وَجُعِلُوا مِنهُ فِي حِلٍّ إِلَى وَقتِ ظُهُورِ أَمرِنَا ، لِتَطِيبَ وِلَادَتُهُم وَلَا تَخبُثَ . وَأَمَّا نَدَامَةُ قَومٍ شَكُّوا فِي دِينِ اللَّهِ عز و جل عَلَى مَا وَصَلُونَا بِهِ ، فَقَد أَقَلنَا مَنِ استَقَالَ وَلَا حَاجَةَ فِي صِلَةِ الشَّاكِّينَ . وَأَمَّا عِلَّةُ مَا وَقَعَ مِنَ الغَيبَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عز و جل يَقُولُ : « يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَسئَلُوا عَن أَشيَاءَ إِن تُبدَ لَكُم تَسُؤكُم» (1) ، إِنَّهُ لَم يَكُن لِأَحَدٍ مِن آبَائِي عليهم السلام إِلَا وَقَد وَقَعَت فِي عُنُقِهِ بَيعَةٌ لِطَاغِيَةِ زَمَانِهِ ، وَإِنِّي أَخرُجُ حِينَ أَخرُجُ وَلَا بَيعَةَ لِأَحَدٍ مِنَ الطَّوَاغِيتِ فِي عُنُقِي . وَأَمَّا وَجهُ الِانتِفَاعِ بِي فِي غَيبَتِي ، فَكَالِانتِفَاعِ بِالشَّمسِ إِذَا غَيَّبَهَا عَنِ الأَبصَارِ السَّحَابُ ، وَإِنِّي لَأَمَانٌ لِأَهلِ الأَرضِ كَمَا أَنَّ النُّجُومَ أَمَانٌ لِأَهلِ السَّمَاءِ ، فَأَغلِقُوا أَبوَابَ السُّؤَالِ عَمَّا لَا يَعنِيكُم ، وَلَا تَتَكَلَّفُوا عِلمَ مَا قَد كُفِيتُم ، وَأَكثِرُوا الدُّعَاءَ بِتَعجِيلِ الفَرَجِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ فَرَجُكُم ، وَالسَّلَامُ عَلَيكَ يَا إِسحَاقَ بنَ يَعقُوبَ وَعَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى . (2)

.


1- .المائدة : 101 .
2- .كمال الدين : ص 483 ح 4 ، الغيبة للطوسي : ص 290 ح 247 ، الاحتجاج : ج 2 ص 542 ، إعلام الورى : ج2 ص 270 ، الخرائج والجرائح : ج 3 ص 1113 ح 30 ، كشف الغمّة : ج 3 ص 321 ، بحار الأنوار : ج 53 ص 180 ح 10 ، وسائل الشيعة : ج 25 ص 364 ح 32135 .

ص: 126

. .

ص: 127

الفصل الخامس : في أُمورٍ شتّى

اشاره

الفصل الخامس: فِي أُمُورٍ شَتَّى

.

ص: 128

. .

ص: 129

77 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عثمان العمري

77كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عثمان العمريبهذا الإسناد ( أي جماعة ) عن محمّد بن عليّ ، عن أبيه ، قال : حدّثنا عليّ بن سليمان الزراريّ ، عن عليّ بن صدقة القمّيّ رحمه الله 1 ، قال : خرج إلى محمّد بن عثمان العمري رضى الله عنه (1) ابتداءً من غير مسألة :لِيُخبِرَ الَّذِينَ يَسأَلُونَ عَنِ الاسمِ : إِمَّا السُّكُوتَ وَالجَنَّةَ ، وَإِمَّا الكَلَامَ وَالنَّارَ ، فَإِنَّهُم إِن وَقَفُوا عَلَى الاسمِ أَذَاعُوهُ ، وَإِن وَقَفُوا عَلَى المَكَانِ دَلُّوا عَلَيهِ . (2)

.


1- .مرّ ذكره في الرقم 3 .
2- .الغيبة للطوسي : ص 364 ح 331 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 351 .

ص: 130

78 . كتابه عليه السلام إلى رجلٍ من أهل بلخ الاُمور الماليّة

79 . كتاب له عليه السلام

80 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن أحمد بن الصلت القمّيّ

78كتابه عليه السلام إلى رجلٍ من أهل بلخالاُمور الماليّةحدّثنا أبي رضى الله عنه ، قال :حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، عن عليّ بن محمّد الرازيّ ، قال : حدّثني نصر بن الصبّاح ، قال : أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلى حاجز (1) ، وكتب رقعة وغيّر فيها اسمه ، فخرج إليه الوصول باسمه ونسبه والدعاء له . (2)

79كتابٌ له عليه السلامآدم بن محمّد ، قال : سمعت محمّد بن شاذان بن نعيم يقول : جُمع عندي مال للغريم فأنفذت به إليه ، وألقيت فيه شيئا من صُلب مالي ، قال : فورد من الجواب :قَد وَصَلَ إِلَيَّ مَا أَنفَذتَ مِن خَاصَّةِ مَالِكَ فَيَها كَذَا وَكَذَا ، فَقَبَلَ اللّهُ مِنكَ . (3)

80كتابه عليه السلام إلى محمّد بن أحمد بن الصلت القمّيّمحمّد بن عليّ بن القاسم القمّيّ ، قال : حدّثني أحمد بن الحسين القمّيّ الآبي أبو

.


1- .في دلائل الإمامة : «الصاحب» بدل «حاجز» .
2- .كمال الدين : ص 488 ح 10 ، دلائل الإمامة : ص 527 ح 500 ، الثاقب في المناقب : ص 599 ح 543 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 327 ح 49 .
3- .رجال الكشّي : ج 2 ص 814 الرقم 1017 .

ص: 131

81 . كتابه عليه السلام إلى الأسديّ في آكلي أموال الإمام عليه السلام

عليّ ، قال : كتب محمّد بن أحمد بن الصلت القمّيّ (1) الآبي أبو عليّ إلى [ صاحب ]الدار كتابا ذكر فيه قصّة أحمد بن إسحاق القمّيّوصحبته ، وأنّه يريد الحجّ واحتاج إلى ألف دينار ، فإن رأى سيّدي أن يأمر بإقراضه إيّاه ويسترجع منه في البلد إذا انصرفنا فأفعل . فوقّع عليه السلام :هِيَ لَهُ مِنَّا صِلَةٌ ، وَإِذَا رَجَعَ فَلَهُ عِندَنَا سِوَاهَا . وكان أحمد لضعفه لا يطمع نفسه في أن يبلغ الكوفة ، وفي هذه من الدلالة . (2)

81كتابه عليه السلام إلى الأسديّفي آكلي أموال الإمام عليه السلامأبو جعفر محمّد بن محمّد الخزاعيّ رضى الله عنه ، قال : حدّثنا أبو عليّ ابن أبي الحسين الأسديّ (3) ، عن أبيه رضى الله عنه ، قال : ورد عليّ توقيع من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمريّ (4) _ قدّس اللّه روحه _ ابتداءً لم يتقدّمه سؤال :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرّحِيم لَعنَةُ اللّهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ عَلَى مَن استَحَلَّ مِن مَالِنَا دِرهَماً . قال أبو الحسين الأسدي رضى الله عنه : فوقع في نفسي أنّ ذلك فيمن استحلّ من مال

.


1- .هذا متّحد مع محمّد بن أحمد بن علي بن الصلت ، ذكره الصدوق في أوّل كتاب إكمال الدين ، قائلاً : « وكان أبي يروي عنه قدّس اللّه روحه ، ويصف علمه وعمله وزهده وفضله وعبادته » وهو الّذي يروي عنه كثيرا والد الصدوق » ( إكمال الدين : ج 1 ص 3 ) .
2- .رجال الكشّي : ج 2 ص 831 الرقم 1051 .
3- .هو أبو الحسين محمّد بن جعفر بن عون الأسدي الكوفي . مرّ ترجمته .
4- .مرّ ذكره في الرقم 3 .

ص: 132

82 . كتابه عليه السلام إلى أبي العبّاس أحمد بن الحسن بن أبي صالح الخُجَنديّ

الناحية درهما دون من أكل منه غير مستحلٍّ له ، وقلت في نفسي : إنّ ذلك في جميع من استحلّ محرّماً ، فأيّ فضل في ذلك للحجّة عليه السلام على غيره ؟ قال : فو الّذي بعث محمّدا بالحقّ بشيرا ، لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما وقع في نفسي : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم لَعنَةُ اللّهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ عَلَى مَن أَكَلَ مِن مَالِنَا دِرهَماً حَرَاماً . قال أبو جعفر محمّد بن محمّد الخزاعيّ : أخرج إلينا أبو عليّ بن أبي الحسين الأسديّ هذا التوقيع حتّى نظرنا إليه وقرأناه . (1)

82كتابه عليه السلام إلى أبي العبّاس أحمد بن الحسن بن أبي صالح الخُجَنديّعن محمّد بن عليّ بن الحسين ، قال : حدّثنا أبو محمّد عمّار بن الحسين بن إسحاق الأسروشنيّ ، قال : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن الحسن بن أبي صالح الخُجَنديّ (2) ، وكان قد ألحّ في الفحص والطلب ، وسار في البلاد ، وكتب على يد الشيخ أبي القاسم بن روح رضى الله عنه إلى الصاحب عليه السلام يشكو تعلّق قلبه ، واشتغاله بالفحص والطلب ، ويسأل الجواب بما تسكن إليه نفسه ، ويكشف له عمّا يعمل عليه ، قال : فخرج إليّ توقيع نسخته :مَن بَحَثَ فَقَد طَلَبَ ، وَمَن طَلَبَ فَقَد ذُلَّ (3) ، وَمَن ذُلَّ فَقَد أَشَاطَ (4) ، وَمَن أَشَاطَ

.


1- .كمال الدين : ص 522 ح 51 ، الاحتجاج : ج 2 ص 560 ح 352 ، الخرائج والجرائح : ج 3 ص 1118 ح 33 ، بحار الأنوار : ج 53 ص 183 ح 12 .
2- .لم نجد له ترجمة ولا رواية غير هذا التوقيع ، فعلى هذا فالرجل مجهول .
3- .وفي كمال الدين والبحار : «دلّ» بدل «ذلّ ».
4- .أشاط بدمه : أي عرّضه للقتل ( الصحاح : ج 3 ص 1139 ) .

ص: 133

فَقَد أَشرَكَ . قال : فكففت عن الطلب وسكنت نفسي ، وعدت إلى وطني مسروراً والحمد للّه . (1)

.


1- .الغيبة للطوسي : ص 323 ح 271 ، كمال الدين : ص 509 ح 39 وفيه : « أبو العبّاس أحمد بن الخضر بن أبي صالح » ، بحار الأنوار : ج 53 ص 196 ح 22 .

ص: 134

. .

ص: 135

الفصل السادس : الدعاء والاستدعاء في قضاء الحوائج

اشاره

الفصل السادس : الدُّعَاءُ وَالِاستِدعَاءُ فِي قَضَاءِ الحَوَائِجِ

.

ص: 136

. .

ص: 137

83 . كتابه عليه السلام إلى ابن بابويه

83كتابه عليه السلام إلى ابن بابويهقال ابن نوح : وحدّثني أبو عبد اللّه الحسين بن محمّد بن سورة القمّي رحمه الله حين قدم علينا حاجّا ، قال : حدّثني عليّ بن الحسن بن يوسف الصائغ القمّيّ ومحمّد بن أحمد بن محمّد الصيرفيّ المعروف بابن الدلّال وغيرهما من مشايخ أهل قمّ : إنّ عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه 1 كانت تحته بنت عمّه محمّد بن موسى بن بابويه ، فلم يرزق منها ولداً ، فكتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله أن يسأل الحضرة أن يدعو اللّه أن يرزقه أولادا فقهاءً ، فجاء الجواب :إِنَّكَ لَا تُرزَقُ مِن هَذِهِ ، وَسَتَملِكُ جَارِيَةً دَيلَمِيَّةً (1) وَتُرزَقُ مِنَها وَلَدَينِ فَقِيهَينِ .

.


1- .الدَّيلَم : هم الترك ، وقيل : هم بنو الديلم بن باسل بن ضبّة بن مضر ، وقيل : إنّ الديلم من بني يافث بن نوح ( تاج العروس : ج16 ص 245 ) .

ص: 138

قال : وقال لي أبو عبد اللّه بن سورة حفظه اللّه : ولأبي الحسن بن بابويه رحمه الله ثلاثة أولاد ، محمّد والحسين فقيهان ماهران في الحفظ ، ويحفظان ما لا يحفظ غيرهما من أهل قمّ ، ولهما أخ اسمه الحسن _ وهو الأوسط _ مشتغل بالعبادة والزهد ، لا يختلط بالناس ولا فقه له . قال ابن سورة : كلّما روى أبو جعفر ، وأبو عبد اللّه ابنا عليّ بن الحسين شيئا يتعجّب الناس من حفظهما ويقولون لهما : هذا الشأن خصوصية لكما بدعوة الإمام لكما ، وهذا أمر مستفيض في أهل قمّ . ( قال ) : وسمعت أبا عبد اللّه بن سورة القمّيّ يقول : سمعت سرورا _ وكان رجلاً عابدا مجتهدا لقيته بالأهوازغير أنّي نسيت نسبه _ يقول : كنت أخرس لا أتكلّم ، فحملني أبي وعمّي في صباي _ وسنّي إذ ذاك ثلاثة عشر أو أربعة عشر _ إلى الشيخ أبي القاسم بن روح رحمه الله ، فسألاه أن يسأل الحضرة أن يفتح اللّه لساني ، فذكر الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح : إنّكم أُمرتم بالخروج إلى الحائر (1) . قال سرور : فخرجنا أنا وأبي وعمّي إلى الحائر ، فاغتسلنا وزرنا ، قال : فصاح بي أبي وعمّي : يا سرور ، فقلت بلسان فصيح : لبّيك ، فقال لي : ويحك تكلّمت ! فقلت : نعم . قال أبو عبد اللّه بن سورة : ( و ) كان سرور هذا ( رجلاً ) ليس بجهوري الصوت . (2) وفي رواية أُخرى : عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي أبو الحسن ، شيخ القمّيّين في عصره ومتقدّمهم وفقيههم وثقتهم ، كان قدم العراق واجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله وسأله مسائل ، ثمّ كاتبه بعد ذلك على يد عليّ بن جعفر بن الأسود ، يسأله أن يوصل له رقعة إلى الصاحب عليه السلام ، ويسأله فيها الولد . فكتب إليه : قَد دَعَونَا اللّهَ لَكَ بِذَلِكَ ، وَسَتُرزَقُ وَلَدَينِ ذَكَرَينِ خَيِّرَينِ .

.


1- .الحائِرُ : قبر الحسين بن عليّ عليه السلام ( معجم البلدان : ج 2 ص 208 ) .
2- .الغيبة للطوسي : ص 308 ح 261 وح 262 ، فرج المهموم : ص 130 نحوه ، بحار الأنوار : ج 51 ص 324 .

ص: 139

84 . كتابه عليه السلام إلى القاسم بن العلاء

85 . كتابه عليه السلام إلى القاسم بن العلاء

فولد له أبو جعفر وأبو عبد اللّه من أُمّ ولد ،وكان أبو عبد اللّه الحسين بن عبيد اللّه ، يقول : سمعت أبا جعفريقول : أنا ولدت بدعوة صاحب الأمر عليه السلام ، ويفتخر بذلك . (1)

84كتابه عليه السلام إلى القاسم بن العلاءالقاسم بن العلاء (2) قال : ولد لي عدّة بنين ، فكنت أكتب وأسأل الدعاء ، فلا يكتب إليَّ لهم بشيء ، فماتوا كلّهم ، فلمّا ولد لي الحسن (3) ابني ، كتبت أسأل الدعاء فأُجبت :يَبقَى (4) وَالحَمدُ للّهِ . (5)

85كتابه عليه السلام إلى القاسم بن العلاءأخبرني أبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه ، قال : أخبرني محمّد بن يعقوب ، قال : قال القاسم بن العلاء : كتبت إلى صاحب الزمان عليه السلام ثلاثة كتب في حوائج لي ، وأعلمته أنّني رجل قد كبر سنّي ، وأنّه لا ولد لي ، فأجابني عن الحوائج ، ولم يجبني عن الولد بشيء . فكتبت إليه في الرابعة كتاباً وسألته أن يدعو اللّه لي أن يرزقني ولداً . فأجابني وكتب بحوائجي ، فكتب :

.


1- .رجال النجاشي : ج 2 ص 89 الرقم 682 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 306 ح 22 .
2- .مرّ ترجمته .
3- .في الإرشاد : «الحسين» بدل «الحسن ».
4- .في الإرشاد وكشف الغمّة : «بقى» بدل «يبقى ».
5- .الكافي : ج 1 ص 519 ح 9 ، الإرشاد : ج 2 ص 356 ،كشف الغمّة : ج 3 ص 249 ، إعلام الورى : ج 2 ص263 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 309 ح 27 .

ص: 140

86 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن كِشمَرد

87 . كتابه عليه السلام إلى العمريّ في دعاء طلب المعرفة من اللّه عليه السلام

اللَّهُمَّ ارزُقهُ وَلَداً ذَكَراً ، تَقِرُّ بِهِ عَينَيهِ ، وَاجعَل هَذَا الحَملَ الَّذِي لَهُ وَارِثاً . فورد الكتاب وأنا لا أعلم أنّ لي حملاً ، فدخلت إلى جاريتي فسألتها عن ذلك ، فأخبرتني أنّ علّتها قد ارتفعت ، فولدت غلاماً . (1)

86كتابه عليه السلام إلى محمّد بن كِشمَردعن سعد بن عبد اللّه . . . قال : وكتب محمّد بن كشمرد (2) يسأل الدعاء أن يجعل ابنه أحمد من أُمّ ولده في حلٍّ ، فخرج :وَالصَّقرِيُّ أَحَلَّ اللّهُ لَهُ ذَلِكَ . فأعلَمَ عليه السلام أنّ كنيته أبو الصقر . (3)

87كتابه عليه السلام إلى العُمَريّفي دعاء طلب المعرفة من اللّه عز و جلأبو محمّد الحسين بن أحمد المكتب ، قال : حدّثنا أبو عليّ بن همّام 4 بهذا الدعاء ،

.


1- .دلائل الإمامة : ص 524 ح 496 ، فرج المهموم : ص 244 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 303 .
2- .محمّد بن كشمرد ( الصقري أبو الصقر ) : عدّه الصدوق من غير الوكلاء من همذان ، وإنّه من الواقفين على معجزة صاحب الزمان عليه السلام ورآه ( كمال الدين : ج 2 ص 442 ح 16 ) .
3- .كمال الدين : ص 495 ح 18 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 332 ح 56 .

ص: 141

وذكر أنّ الشيخ العمريّ (1) _ قدّس اللّه روحه _ أملاه عليه ، وأمره أن يدعو به ، وهو الدعاء في غيبة القائم عليه السلام :اللَّهُمَّ عَرِّفنِي نَفسَكَ ، فَإِنَّكَ إِن لَم تُعَرِّفنِي نَفسَكَ لَم أَعرِف نَبِيَّكَ . اللَّهُمَّ عَرِّفنِي نَبِيَّكَ ، فَإِنَّكَ إِن لَم تُعَرِّفنِي نَبِيَّكَ لَم أَعرِف حُجَّتَكَ . اللَّهُمَّ عَرِّفنِي حُجَّتَكَ ، فَإِنَّكَ إِن لَم تُعَرِّفنِي حُجَّتَكَ ضَلَلتُ عَن دِينِي . اللَّهُمَّ لَا تُمِتنِي مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ، وَلَا تُزِغ قَلبِي بَعدَ إِذ هَدَيتَنِي . اللَّهُمَّ فَكَمَا هَدَيتَنِي بِوَلَايَةِ مَن فَرَضتَ طَاعَتَهُ عَلَيَّ مِن وُلَاةِ أَمرِكَ بَعدَ رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيهِ وَآلِهِ ، حَتَّى وَالَيتُ وُلَاةَ أَمرِكَ : أَمِيرَ المُؤمِنِينَ وَالحَسَنَ وَالحُسَينَ وَعَلِيّاً وَمُحَمَّداً وَجَعفَراً وَمُوسَى وَعَلِيّاً وَمُحَمَّداً وَعَلِيّاًوَالحَسَنَ وَالحُجَّةَ القَائِمَ المَهدِيَّ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِم أَجمَعِينَ . اللَّهُمَّ فَثَبِّتنِي عَلَى دِينِكَ ، وَاستَعمِلنِي بِطَاعَتِكَ ، وَلَيِّن قَلبِي لِوَلِيِّ أَمرِكَ ، وَعَافِنِي مِمَّا امتَحَنتَ بِهِ خَلقَكَ ، وَثَبِّتنِي عَلَى طَاعَةِ وَلِيِّ أَمرِكَ الَّذِي سَتَرتَهُ عَن خَلقِكَ ، فَبِإِذنِكَ غَابَ عَن بَرِيَّتِكَ ، وَأَمرَكَ يَنتَظِرُ ، وَأَنتَ العَالِمُ غَيرُ مُعَلَّمٍ بِالوَقتِ الَّذِي فِيهِ

.


1- .مرّ ذكره في الرقم 3 .

ص: 142

صَلَاحُ أَمرِ وَلِيِّكَ ، فِي الإِذنِ لَهُ بِإِظهَارِ أَمرِهِ ، وَكَشفِ سِترِهِ. فَصَبِّرنِي عَلَى ذَلِكَ حَتَّى لَا أُحِبَّ تَعجِيلَ مَا أَخَّرتَ ، وَلَا تَأخِيرَ مَا عَجَّلتَ ، وَلَا أَكشِفَ عَمَّا سَتَرتَهُ ، وَلَا أَبحَثَ عَمَّا كَتَمتَهُ ، وَلَا أُنَازِعَكَ فِي تَدبِيرِكَ ، وَلَا أَقُولَ لِمَ وَكَيفَ ؟ وَمَا بَالُ وَلِيِّ الأَمرِ لَا يَظهَرُ وَقَدِ امتَلأَتِ الأَرضُ مِنَ الجَورِ ؟ وَأُفَوِّضُ أُمُورِي كُلَّهَا إِلَيكَ . اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ أَن تُرِيَنِي وَلِيَّ أَمرِكَ ظَاهِراً نَافِذاً لِأَمرِكَ ، مَعَ عِلمِي بِأَنَّ لَكَ السُّلطَانَ وَالقُدرَةَ ، وَالبُرهَانَ وَالحُجَّةَ ، وَالمَشِيَّةَ وَالإِرَادَةَ ، وَالحَولَ وَالقُوَّةَ ، فَافعَل ذَلِكَ بِي وَبِجَمِيعِ المُؤمِنِينَ حَتَّى نَنظُرَ إِلَى وَلِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيهِ ظَاهِرَ المَقَالَةِ ، وَاضِحَ الدَّلَالَةِ ، هَادِياً مِنَ الضَّلَالَةِ ، شَافِياً مِنَ الجَهَالَةِ . أَبرِز يَا رَبِّ مَشَاهِدَهُ ، وَثَبِّت قَوَاعِدَهُ ، وَاجعَلنَا مِمَّن تَقَرُّ عَينُنُا بِرُؤيَتِهِ ، وَأَقِمنَا بِخِدمَتِهِ ، وَتَوَفَّنَا عَلَى مِلَّتِهِ ، وَاحشُرنَا فِي زُمرَتِهِ . اللَّهُمَّ أَعِذهُ مِن شَرِّ جَمِيعِ مَا خَلَقتَ وَبَرَأتَ وَذَرَأتَ وَأَنشَأتَ وَصَوَّرتَ ، وَاحفَظهُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ ، وَعَن يَمِينِهِ وَعَن شِمَالِهِ ، وَمِن فَوقِهِ وَمِن تَحتِهِ ، بِحِفظِكَ الَّذِي لَا يَضِيعُ مَن حَفِظتَهُ بِهِ ، وَاحفَظ فِيهِ رَسُولَكَ وَوَصِيَّ رَسُولِكَ . اللَّهُمَّ وَمُدَّ فِي عُمُرِهِ ، وَزِد فِي أَجَلِهِ ، وَأَعِنهُ عَلَى مَا أَولَيتَهُ وَاستَرعَيتَهُ ، وَزِد فِي كَرَامَتِكَ لَهُ؛ فَإِنَّهُ الهَادِي وَالمُهتَدِيُّ ، وَالقَائِمُ المَهدِيُّ ، الطَّاهِرُ التَّقِيُّ ، النَّقِيُّ الزَّكِيُّ ، الرَّضِيُّ المَرضِيُّ ، الصَّابِرُ المُجتَهِدُ الشَّكُورُ . اللَّهُمَّ وَلَا تَسلُبنَا اليَقِينَ لِطُولِ الأَمَدِ فِي غَيبَتِهِ وَانقِطَاعِ خَبَرِهِ عَنَّا ، وَلَا تُنسِنَا ذِكرَهُ وَانتِظَارَهُ ، وَالإِيمَانَ وَقُوَّةَ اليَقِينِ فِي ظُهُورِهِ ، وَالدُّعَاءَ لَهُ وَالصَّلَاةَ عَلَيهِ ، حَتَّى لَا

.

ص: 143

يُقَنِّطَنَا طُولُ غَيبَتِهِ مِن ظُهُورِهِ وَقِيَامِهِ ، وَيَكُونَ يَقِينُنَا فِي ذَلِكَ كَيَقِينِنَا فِي قِيَامِ رَسُولِك صَلَوَاتُكَ عَلَيهِ وَآلِهِ ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِن وَحيِكَ وَتَنزِيلِكَ . قَوِّ قُلُوبَنَا عَلَى الإِيمَانِ بِهِ حَتَّى تَسلُكَ بِنَا عَلَى يَدِهِ مِنهَاجَ الهُدَى ، وَالمَحَجَّةَ العُظمَى ، وَالطَّرِيقَةَ الوُسطَى ، وَقَوِّنَا عَلَى طَاعَتِهِ ، وَثَبِّتنَا عَلَى مُشَايَعَتِهِ ، وَاجعَلنَا فِي حِزبِهِ وَأَعوَانِهِ وَأَنصَارِهِ ، وَالرَّاضِينَ بِفِعلِهِ ، وَلَا تَسلُبنَا ذَلِكَ فِي حَيَاتِنَا وَلَا عِندَ وَفَاتِنَا ، حَتَّى تَتَوَفَّانَا وَنَحنُ عَلَى ذَلِكَ غَيرُ شَاكِّينَ وَلَا نَاكِثِينَ ، وَلَا مُرتَابِينَ وَلَا مُكَذِّبِينَ . اللَّهُمَّ عَجِّل فَرَجَهُ ، وَأَيِّد هُ بِالنَّصرِ ، وَانصُر نَاصِرِيهِ ، وَاخذُل خَاذِلِيهِ ، وَدَمُّر عَلَى مَن نَصَبَ لَهُ وَكَذَّبَ بِهِ ، وَأَظهِر بِهِ الحَقَّ ، وَأَمِت بِهِ البَاطِلَ ، وَاستَنقِذ بِهِ عِبَادَكَ المُؤمِنِينَ مِنَ الذُّلِّ ، وَانعَش بِهِ البِلَادَ ، وَاقتُل بِهِ جَبَابِرَةَ الكُفرِ ، وَاقصِم بِهِ رُؤُوسَ الضَّلَالَةِ ، وَذَلِّل بِهِ الجَبَّارِينَ وَالكَافِرِينَ ، وَأَبِر (1) بِهِ المُنَافِقِينَ وَالنَّاكِثِينَ وَجَمِيعَ المُخَالِفِينَ وَالمُلحِدِينَ ، فِي مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا وَبَرِّهَا وَبَحرِهَا ، وَسَهلِهَا وَجَبَلِهَا ، حَتَّى لَا تَدَعَ مِنهُم دَيَّاراً (2) وَلَا تُبقِيَ لَهُم آثَاراً ، وَتُطَهِّرَ مِنهُم بِلَادَكَ ، وَاشفِ مِنهُم صُدُورَ عِبَادِكَ ، وَجَدِّد بِهِ مَا امتَحَى مِن دِينِكَ ، وَأَصلِح بِهِ مَا بُدِّلَ مِن حُكمِكَ ، وَغُيِّرَ مِن سُنَّتِكَ ، حَتَّى يَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَعَلَى يَدِهِ غَضّاً جَدِيداً صَحِيحاً ، لَا عِوَجَ فِيهِ وَلَا بِدعَةَ مَعَهُ ، حَتَّى تُطفِئَ بِعَدلِهِ نِيرَانَ الكَافِرِينَ ، فَإِنَّهُ عَبدُكَ الَّذِي استَخلَصتَهُ لِنَفسِكَ ، وَارتَضَيتَهُ لِنُصرَةِ نَبِيِّكَ ، وَاصطَفَيتَهُ بِعِلمِكَ ، وَعَصَمتَهُ مِنَ الذُّنُوبِ ، وَبَرَّأتَهُ

.


1- .أبَرَ القَوم : أهلَكَهُم ( القاموس المحيط : ج 1 ص 361 ) .
2- .دَيّار : أي ساكِن ( مفردات ألفاظ القرآن : ص 321 ) .

ص: 144

مِنَ العُيُوبِ ، وَأَطلَعتَهُ عَلَى الغُيُوبِ ، وَأَنعَمتَ عَلَيهِ ، وَطَهَّرتَهُ مِنَ الرِّجسِ ، وَنَقَّيتَهُ مِنَ الدَّنَسِ . اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَيهِ وَعَلَى آبَائِهِ الأَئِمَّةِ الطَّاهِرِينَ ، وَعَلَى شِيعَتِهِمُ المُنتَجَبِينَ ، وَبَلِّغهُم مِن آمَالِهِم أَفضَلَ مَا يَأمُلُونَ ، وَاجعَل ذَلِكَ مِنَّا خَالِصاً مِن كُلِّ شَكٍّ وَشُبهَةٍ وَرِيَاءٍ وَسُمعَةٍ ، حَتَّى لَا نُرِيدَ بِهِ غَيرَكَ ، وَلَا نَطلُبَ بِهِ إِلَا وَجهَكَ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَشكُو إِلَيكَ فَقدَ نَبِيِّنَا ، وَغَيبَةَ وَلِيِّنَا ، وَشِدَّةَ الزَّمَانِ عَلَينَا ، وَوُقُوعَ الفِتَنِ بِنَا ، وَتَظَاهُرَ الأَعدَاءِ عَلَينَا ، وَكَثرَةَ عَدُوِّنَا ، وَقِلَّةَ عَدَدِنَا . اللَّهُمَّ فَافرُج ذَلِكَ بِفَتحٍ مِنكَ تُعَجِّلُهُ ، وَنَصرٍ مِنكَ تُعِزُّهُ ، وَإِمَامٍ عَدلٍ تُظهِرُهُ ، إِلَهَ الحَقِّ رَبَّ العَالَمِينَ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ أَن تَأذَنَ لِوَلِيِّكَ فِي إِظهَارِ عَدلِكَ فِي عِبَادِكَ ، وَقَتلِ أَعدَائِكَ فِي بِلَادِكَ ، حَتَّى لَا تَدَعَ لِلجَورِ يَارَبِّ دِعَامَةً إِلَا قَصَمتَهَا ، وَلَا بَنِيَّةً إِلَا أَفنَيتَهَا ، وَلَا قُوَّةً إِلَا أَوهَنتَهَا ، وَلَا رُكناً إِلَا هَدَدتَهُ ، وَلَا حَدّاً إِلَا فَلَلتَهُ ، وَلَا سِلَاحاً إِلَا كَلَلتَهُ ، وَلَا رَايَةً إِلَا نَكَّستَهَا ، وَلَا شُجَاعاً إِلَا قَتَلتَهُ ، وَلَا جَيشاً إِلَا خَذَلتَهُ ، وَارمِهِم يَا رَبِّ بِحَجَرِكَ الدَّامِغِ ، وَاضرِبهُم بِسَيفِكَ القَاطِعِ ، وَبِبَأسِكَ الَّذِي لَا تَرُدُّهُ عَنِ القَومِ المُجرِمِينَ ، وَعَذِّب أَعدَاءَكَ وَأَعدَاءَ دِينِكَ وَأَعدَاءَ رَسُولِكَ بِيَدِ وَلِيِّكَ وَأَيدِي عِبَادِكَ المُؤمِنِينَ . اللَّهُمَّ اكفِ وَلِيَّكَ وَحُجَّتَكَ فِي أَرضِكَ هَولَ عَدُوِّهِ ، وَكِد مَن كَادَهُ ، وَامكُر مَن مَكَرَ بِهِ ، وَاجعَل دَائِرَةَ السَّوءِ عَلَى مَن أَرَادَ بِهِ سُوءاً ، وَاقطَع عَنهُ مَادَّتَهُم ، وَأَرعِب لَهُ قُلُوبَهُم ، وَزَلزِل لَهُ أَقدَامَهُم ، وَخُذهُم جَهرَةً وَبَغتَةً ، وَشَدِّد عَلَيهِم عِقَابَكَ ، وَأَخزِهِم

.

ص: 145

فِي عِبَادِكَ ، وَالعَنهُم فِي بِلَادِكَ ، وَأَسكِنهُم أَسفَلَ نَارِكَ ، وَأَحِط بِهِم أَشَدَّ عَذَابِكَ ، وَأَصلِهِم نَاراً ، وَاحشُ قُبُورَ مَوتَاهُم نَاراً ، وَأَصلِهِم حَرَّ نَارِكَ ، فَإِنَّهُم أَضاعُوا الصَّلَاةَ ، وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ ، وَأَذِلُّوا عِبَادَكَ . اللَّهُمَّ وَأَحيِ بِوَلِيِّكَ القُرآنَ ، وَأَرِنَا نُورَهُ سَرمَداً (1) لَا ظُلمَةَ فِيهِ ، وَأَحيِ بِهِ القُلُوبَ المَيِّتَةَ ، وَاشفِ بِهِ الصُّدُورَ الوَغِرَةَ (2) ، وَاجمَع بِهِ الأَهوَاءَ المُختَلِفَةَ عَلَى الحَقِّ ، وَأَقِم بِهِ الحُدُودَ المُعَطَّلَةَ وَالأَحكَامَ المُهمَلَةَ ، حَتَّى لَا يَبقَى حَقٌّ إِلَا ظَهَرَ ، وَلَا عَدلٌ إِلَا زَهَرَ ، وَاجعَلنَا يَا رَبِّ مِن أَعوَانِهِ وَمُقَوِّي سُلطَانِهُ ، وَالمُؤتَمِرِينَ لِأَمرِهِ ، وَالرَّاضِينَ بِفِعلِهِ ، وَالمُسَلِّمِينَ لِأَحكَامِهِ ، وَمِمَّن لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِ إِلَى التَّقِيَّةِ مِن خَلقِكَ ، أَنتَ يَا رَبِّ الَّذِي تَكشِفُ السُّوءَ وَتُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاكَ ، وَتُنَجِّي مِنَ الكَربِ العَظِيمِ ، فَاكشِفِ الضُّرَّ يَا رَبَّ الضُّرِّ عَن وَلِيِّكَ ، وَاجعَلهُ خَلِيفَتَكَ فِي أَرضِكَ كَمَا ضَمِنتَ لَهُ . اللَّهُمَّ وَلَا تَجعَلنِي مِن خُصَمَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَلَا تَجعَلنِي مِن أَعدَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَلَا تَجعَلنِي مِن أَهلِ الحَنَقِ وَالغَيظِ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، فَإِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن ذَلِكَ فَأَعِذنِي ، وَأَستَجِيرُ بِكَ فَأَجِرنِي . اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاجعَلنِي بِهِم فَائِزاً عِندَكَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ . (3)

.


1- .السَّرمَد : الدائم (مفردات ألفاظ القرآن : ص 408) .
2- .الوَغَر : الحِقد والضغن والعداوة والتوقّد من الغيض (مجمع البحرين : ج 3 ص 1953) .
3- .كمال الدين : ص 512 ح 43 ، مصباح المتهجّد : ص 411 ح 536 وفيه : « قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي محمّد هارون بن موسى التلّعُكبَري أنّ أبا عليّ محمّد بن همّام أخبره بهذا الدعاء ، وذكر أنّ الشيخ أبا عمرو العمريّ _ قدّس اللّه روحه _ أملاه عليه ، وأمره أن يدعو به ، وهو الدعاء في غيبة القائم » ؛ جمال الاُسبوع : ص315 وفيه : « أخبرني الجماعة الّذين قدمت الإشارة إليهم بإسنادهم إلى جدّي أبي جعفر الطوسي _ رضوان اللّه جلّ جلاله عليه _ قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي محمّد هارون بن موسى التلّعُكبَريّ . . . » ؛ مصباح الزائر : ص 425 ، البلد الأمين : ص 306 ، بحار الأنوار : ج 53 ص 187 ح 18 .

ص: 146

88 . كتاب له عليه السلام في الصلوات

88كتاب له عليه السلام في الصلواتعنه ( أي أحمد بن عليّ الرازيّ ) ، عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسديّ ، قال : حدّثني الحسين بن محمّد بن عامر الأشعريّ القمّيّ ، قال : حدّثني يعقوب بن يوسف الضرّاب الغَسّانيّ ، في منصرفه من إصفهان ، قال : حججت في سنة إحدى وثمانين ومئتين ، وكنت مع قوم مخالفين من أهل بلدنا ، فلمّا قدمنا مكّة تقدّم بعضهم فاكترى لنا داراً في زُقاق بين سُوق اللّيل ، وهي دار خديجة عليهاالسلام تسمّى دار الرضا عليه السلام ، وفيها عجوز سمراء ، فسألتها _ لمّا وقفت على أنّها دار الرضا عليه السلام : ما تكونين من أصحاب هذه الدار ، ولِمَ سُمّيت دار الرضا ؟ فقالت : أنا من مواليهم ، وهذه دار الرضا عليّ بن موسى عليهماالسلام ، أسكنيها الحسن بن عليّ عليهماالسلام فإنّي كنت من خدمه . فلمّا سمعت ذلك منها آنست بها وأسررت الأمر عن رفقائي المخالفين ، فكنت إذا انصرفت من الطواف باللّيل أنام معهم في رواقٍ في الدار ، ونغلق الباب ونلقي خلف الباب حجراً كبيراً كنّا نُدير خلف الباب . فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الّذي كنّا فيه شبيهاً بضوء المشعل ، ورأيت الباب قد انفتح ولا أرى أحداً فتحه من أهل الدار ، ورأيت رجلاً ربعة أسمر إلى الصفرة ما هو قليل اللحم ، في وجهه سجّادةٌ ، عليه قميصان وإزار رقيق قد تقنّع به ، وفي رجله نَعلٌ طاقٌ ، فصعد إلى الغرفة في الدار حيث كانت العجوز تسكن ، وكانت تقول لنا : إنّ في الغرفة ابنته لا تدع أحداً يصعد إليها .

.

ص: 147

فكنت أرى الضوء الّذي رأيته يضيء في الرواق على الدرجة عند صعود الرجل إلى الغرفة الّتي يصعدها ، ثمّ أراه في الغرفة من غير أن أرى السراج بعينه ، وكان الّذين معي يرون مثل ما أرى ، فتوهّموا أن يكون هذا الرجل يختلف إلى ابنة العجوز ، وأن يكون قد تمتّع بها ، فقالوا : هؤلاء العلويّة يرون المتعة ، وهذا حرام لا يحلّ فيما زعموا ، وكنّا نراه يدخل ويخرج ونجيء إلى الباب ، وإذا الحجر على حاله الّذي تركناه ، وكنّا نغلق هذا الباب خوفاً على متاعنا ، وكنّا لا نرى أحداً يفتحه ولا يغلقه ، والرجل يدخل ويخرج والحجر خلف الباب إلى وقتٍ ننحّيه إذا خرجنا . فلمّا رأيت هذه الأسباب ضرب على قلبي ووقعت في قلبي فتنة ، فتلطّفتُ العجوزَ وأحببت أن أقف على خبر الرجل ، فقلت لها : يا فلانة ، إنّي أُحبّ أن أسألك وأفاوضك من غير حضور من معي ، فلا أقدر عليه ، فأنا أُحبّ إذا رأيتني في الدار وحدي أن تنزلي إليَّ لأسألك عن أمرٍ . فقالت لي مُسرِعةً : وأنا أُريد أن أُسرّ إليك شيئاً فلم يتهيّأ ليّ ذلك من أجل من معك . فقلت : ما أردت أن تقولي ؟ فقالت : يقول لك _ ولم تَذكُر أحداً _ : لا تُخاشِن أصحابك وشركاءك ولا تُلاحِهِم ، فإنّهم أعداؤُك ، ودارهم . فقلت لها : مَن يقول ؟ فقالت : أنا أقول . فلم أجسُر _ لما دخل قلبي من الهيبة _ أن أُراجعها . فقلت : أيّ أصحابي تَعنِين ؟ فظننت أنّها تَعنِي رُفقائي الّذين كانوا حجّاجاً معي . قالت : شركاؤك الّذين في بلدك وفي الدار معك ، وكان جرى بيني وبين الّذين معي في الدار عَنَتٌ في الدين ، فسعوا بي حتّى هربت واستترت بذلك السبب ، فوقفت على أنّها عَنَت أُولئك ، فقلت لها : ماتكونين أنتِ من الرضا ؟ فقالت : كنت خادمة للحسن بن عليّ عليهماالسلام . فلمّا استيقنت ذلك قلت لأسألنّها عن الغائب عليه السلام ، فقلت : باللّه عليك رأيته بعينك ؟ فقالت : يا أخي لم أرَه بعيني ، فإنّي خرجت وأُختي حُبلى وبشّرني الحسن بن عليّ عليهماالسلام بأنّي سوف أراه في آخر عمري ، وقال لي : تكونين له كما كنت لي ، وأنا اليوم منذ كذا بمصر ، وإنّما قدمت الآن بكتابةٍ

.

ص: 148

ونفقةٍ وجّه بها إليّ على يدي رجل من أهل خراسان لا يفصح بالعربيّة ، وهي ثلاثون ديناراً ، وأمرني أن أحجّ سنتي هذه ، فخرجت رغبةً منّي في أن أراه . فوقع في قلبي أنّ الرجل الّذي كنت أراه يدخل ويخرج هو هو ، فأخذت عشرة دراهم صحاحاً ، فيها ستّة رضويّة من ضرب الرضا عليه السلام قد كنت خبأتها لألقيها في مقام إبراهيم عليه السلام ، وكنت نذرت ونويت ذلك ، فدفعتها إليها وقلت في نفسي : أدفعها إلى قومٍ من ولد فاطمة عليهاالسلام أفضل ممّا ألقيها في المقام ، وأعظم ثواباً ، فقلت لها : ادفعي هذه الدراهم إلى من يستحقّها من ولد فاطمة عليهاالسلام . وكان في نيّتي أنّ الّذي رأيته هو الرجل ، وإنّما تدفعها إليه . فأخَذَت الدراهم وصَعَدت وبقيت ساعة ، ثمّ نزلت ، فقالت : يقول لك : ليس لنا فيها حقّ ، اجعلها في الموضع الّذي نويت ، ولكن هذه الرضويّة خذ منّا بدلها وألقها في الموضع الّذي نويت . ففعلت وقلت في نفسي : الّذي أُمرت به عن الرجل . ثمّ كان معي نسخة توقيع خرج إلى القاسم بن العلاء بآذربيجان ، فقلت لها : تعرضين هذه النسخة على إنسان قد رأى توقيعات الغائب ، فقالت: ناولني فإنّي أعرفها . فأريتها النسخة وظننت أنّ المرأة تُحسن أن تقرأ ، فقالت : لا يمكنني أن أقرأ في هذا المكان ، فصَعِدت الغرفة ، ثمّ أنزلته ، فقالت : صحيح . وفي التوقيع :أُبَشِّرُكُم بِبُشرَى مَا بَشَّرتُهُ بِهِ [ إِيَّاهُ ] وَ غَيرَهُ . ثمّ قالت : يقول لك : إذا صلّيت على نبيّك صلى الله عليه و آله كيف تصلّي ( عليه ) ؟ فقلت : أقول : اللّهمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد ، وبارك على محمّد وآل محمّد ، كأفضل ما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنّك حميد مجيدٌ . فقالت : لا ، إذا صلّيت عليهم فصلِّ عليهم كلّهم وسَمّهِم . فقلت : نَعَم . فلمّا كانت من الغد نزلت ومعها دفترٌ صغير ، فقالت : يقول لك : إذا صلّيت على النّبيّ فصلِّ عليه وعلى أوصيائه علَى هذه النسخة . فأخذتُها وكنت أعملُ بها ،

.

ص: 149

ورأيت عدّة ليالٍ قد نزل من الغُرفة وضوء السِّراج قائمٌ ، وكنت أفتحُ الباب وأخرجُ على أثر الضوء وأنا أراه _ أعني الضوء _ ولا أرى أحداً ، حتّى يدخل المسجد وأرى جماعةً من الرجال من بلدان شتّى يأتون باب هذه الدّار ، فبعضهم يدفعون إلى العجوز رقاعاً معهم ، ورأيت العجوز قد دفعت إليهم كذلك الرقاع ، فيكلّمونها وتكلّمهم ، ولا أفهم عنهم ، ورأيت منهم في منصرفنا جماعةً في طريقي إلى أن قدمت بغداد . نسخة الدفتر الّذي خرج : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرسَلِينَ ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ ، وَحُجَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ ، المُنتَجَبِ فِي المِيثَاقِ ، المُصطَفَى فِي الظِّلالِ ، المُطَهَّرِ مِن كُلِّ آفَةٍ ، البَرِيءِ مِن كُلِّ عَيبٍ ، المُؤَمَّلِ لِلنَّجَاةِ ، المُرتَجَى لِلشَّفَاعَةِ ، المُفَوَّضِ إِلَيهِ دِينُ اللّهِ . اللَّهُمَّ شَرِّف بُنيَانَهُ ، وَعَظِّم بُرهَانَهُ وَأَفلِج (1) حُجَّتَهُ ، وَارفَع دَرَجَتَهُ ، وَأَضِئ نُورَهُ ، وَبَيِّض وَجهَهُ ، وَأَعطِهِ الفَضلَ وَالفَضِيلَةَ ، وَالدَّرَجَةَ وَالوَسِيلَةَ الرَّفِيعَةَ ، وَابعَثهُ مَقَاماً مَحمُوداً ، يَغبِطُهُ بِهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ . وَصَلِّ عَلَى أَمِيرِ المُؤمِنِينَ وَوَارِثِ المُرسَلِينَ ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ (2) ، وَسَيِّدِ الوَصِيِّينَ وَحُجَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ . وَصَلِّ عَلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ إِمَامِ المُؤمِنِينَ ، وَوَارِثِ المُرسَلِينَ ، وَحُجَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ .

.


1- .وفي البحار : « أَفلِح » .
2- .الغُرِّ المحجّلين : الغُرَّةُ بياض في الوجه ، يريد بياض وجوههم بنور الوضوء ( مجمع البحرين : ج 2 ص1313 ) .

ص: 150

وَصَلِّ عَلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ إِمَامِ المُؤمِنِينَ ، وَوَارِثِ المُرسَلِينَ ، وَحُجَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ . وَصَلِّ عَلَى عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ إِمَامِ المُؤمِنِينَ ، وَوَارِثِ المُرسَلِينَ ، وَحُجَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ . وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ إِمَامِ المُؤمِنِينَ ، وَوَارِثِ المُرسَلِينَ ، وَحُجَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ . وَصَلِّ عَلَى جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ إِمَامِ المُؤمِنِينَ ، وَوَارِثِ المُرسَلِينَ ، وَحُجَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ . وَصَلِّ عَلَى مُوسَى بنِ جَعفَرٍ إِمَامِ المُؤمِنِينَ ، وَوَارِثِ المُرسَلِينَ ، وَحُجَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ . وَصَلِّ عَلَى عَلِيِّ بنِ مُوسَى إِمَامِ المُؤمِنِينَ ، وَوَارِثِ المُرسَلِينَ وَحُجَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ . وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ إِمَامِ المُؤمِنِينَ ، وَوَارِثِ المُرسَلِينَ ، وَحُجَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ . وَصَلِّ عَلَى عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ إِمَامِ المُؤمِنِينَ ، وَوَارِثِ المُرسَلِينَ ، وَحُجَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ . وَصَلِّ عَلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ إِمَامِ المُؤمِنِينَ ، وَوَارِثِ المُرسَلِينَ ، وَحُجَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ . وَصَلِّ عَلَى الخَلَفِ الصَّالِحِ الهَادِي المَهدِيِّ إِمَامِ المُؤمِنِينَ ، وَوَارِثِ المُرسَلِينَ ، وَحُجَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ .

.

ص: 151

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَهلِ بَيتِهِ الأَئِمَّةِ الهَادِينَ المَهدِيِّينَ العُلَمَاءِ الصَّادِقِينَ ، الأَبرَارِ المُتَّقِينَ ، دَعَائِمِ دِينِكَ ، وَأَركَانِ تَوحِيدِكَ ، وَتَرَاجِمَةِ وَحيِكَ ، وَحُجَجِكَ عَلَى خَلقِكَ ، وَخُلَفَائِكَ فِي أَرضِكَ ، الَّذِينَ اختَرتَهُم لِنَفسِكَ وَاصطَفَيتَهُم عَلَى عِبَادِكَ ، وَارتَضَيتَهُم لِدِينِكَ ، وَخَصَصتَهُم بِمَعرِفَتِكَ وَجَلَّلتَهُم بِكَرَامَتِكَ وَغَشَّيتَهُم بِرَحمَتِكَ وَرَبَّيتَهُم بِنِعمَتِكَ وَغَذَّيتَهُم بِحِكمَتِكَ ، وَأَلبَستَهُم ( مِن ) نُورِكَ ، وَرَفَعتَهُم فِيمَلَكُوتِكَ ، وَحَفَفتَهُم بِمَلائِكَتِكَ ، وَشَرَّفتَهُم بِنَبِيِّكَ . اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَيهِم صَلاةً كَثِيرَةً دَائِمَةً طَيِّبَةً ، لا يُحِيطُ بِهَا إِلّا أَنتَ ، وَلايَسَعُهَا إِلّا عِلمُك ،َ وَلا يُحصِيهَا أَحَدٌ غَيرُكَ . اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى وَلِيِّكَ المُحيِي سُنَّتَكَ ، القَائِمِ بِأَمرِكَ ، الدَّاعِي إِلَيكَ ، الدَّلِيلِ عَلَيكَ ، وَحُجَّتِكَ عَلَى خَلقِكَ ، وَخَلِيفَتِكَ فِي أَرضِكَ ، وَشَاهِدِكَ عَلَى عِبَادِكَ . اللَّهُمَّ أَعِزَّ نَصرَهُ ، وَمُدَّ فِي عُمُرِهِ ، وَزَيِّنِ الأَرضَ بِطُولِ بَقَائِهِ . اللَّهُمَّ اكفِهِ بَغيَ الحَاسِدِينَ وَأَعِذهُ مِن شَرِّ الكَائِدِينَ ، وَادحُر (1) عَنهُ إِرَادَةَ الظَّالِمِينَ ، وَتُخَلِّصهُ (2) مِن أَيدِي الجَبَّارِينَ . اللَّهُمَّ أَعطِهِ فِي نَفسِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَشِيعَتِهِ وَرَعِيَّتِهِ وَخَاصَّتِهِ وَعَامَّتِهِ وَعَدُوِّهِ وَجَمِيعِ أَهلِ الدُّنيَا مَا تُقِرُّ بِهِ عَينَهُ ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفسَهُ ، وَبَلِّغهُ أَفضَلَ أَمَلِهِ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ . اللَّهُمَّ جَدِّد بِهِ مَا مُحِيَ مِن دِينِكَ ، وَأَحيِ بِهِ مَا بُدِّلَ مِن كِتَابِكَ ، وَأَظهِر بِهِ مَا غُيِّرَ مِن حُكمِكَ ، حَتَّى يَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَعَلَى يَدَيهِ غَضّاً جَدِيداً خَالِصاً مُخلَصاً لا شَكَّ

.


1- .في البحار : « ازجُر » بدل « ادحر » ، كلاهما بمعنى الطرد .
2- .في البحار : « خَلِّصهُ » .

ص: 152

فِيهِ وَلا شُبهَةَ مَعَهُ ، وَلا بَاطِلَ عِندَهُ ، وَلا بِدعَةَ لَدَيهِ . اللَّهُمَّ نَوِّر بِنُورِهِ كُلَّ ظُلمَةٍ ، وَهُدَّ بِرُكنِهِ كُلَّ بِدعَةٍ ، وَاهدِم بِعِزَّتِهِ كُلَّ ضَلالَةٍ ، وَاقصِم بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ ، وَأَخمِد بِسَيفِهِ كُلَّ نَارٍ ، وَأَهلِك بِعَدلِهِ كُلَّ جَبّارٍ (1) ، وَأَجرِ حُكمَهُ عَلَى كُلِّ حُكمٍ ، وَأَذِلَّ لِسُلطَانِهِ كُلَّ سُلطَانٍ . اللَّهُمَّ أَذِلَّ كُلَّ مَن نَاوَاهُ ، وَأَهلِك كُلَّ مَن عَادَاهُ ، وَامكُر بِمَن كَادَهُ ، وَاستَأصِل مَن جَحَدَ حَقَّهُ ، وَاستَهَانَ بِأَمرِهِ ، وَسَعَى فِي إِطفَاءِ نُورِهِ ، وَأَرَادَ إِخمَادَ ذِكرِهِ . اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ المُصطَفَى ، وَعَلِيٍّ المُرتَضَى ، وَفَاطِمَةَ الزَّهرَاءِ ، [ وَ ]الحَسَنِ الرِّضَا ، وَالحُسَينِ المُصطَفَى ، وَجَمِيعِ الأَوصِيَاءِ ، وَمَصَابِيحِ الدُّجَى ، وَأَعلامِ الهُدَى ، وَمَنَارِ التُّقَى ، وَالعُروَةِ الوُثقَى ، وَالحَبلِ المَتِينِ ، وَالصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ، وَصَلِّ عَلَى وَلِيِّكَ ، وَوُلاةِ عَهدِهِ ، وَالأَئِمَّةِ مِن وُلدِهِ ، وَمُدَّ فِي أَعمَارِهِم ، وَأزِد فِي آجَالِهِم ، وَبَلِّغهُم أَقصَى آمَالِهِم [ دِيناً ] وَدُنيَاً وَآخِرَةً إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ . (2)

.


1- .في البحار : « جَائِر » .
2- .الغيبة للطوسي : ص 273 ح 238 ، جمال الأُسبوع : ص 301 وفي صدره : « أخبرني الجماعة الّذين قدّمت ذكرهم في عدّة مواضع ، بإسنادهم إلى جدّي أبي جعفر الطوسي _ رضوان اللّه عليه _ ، قال : أخبرني الحسين بن عبيد اللّه عن محمّد بن أحمد بن داوود وهارون بن موسى التلعكبريّ ، قالا : أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن عليّ الرازيّ الخضيب الأياديّ ، فيما رواه في كتابه كتاب الشفاء والجلاء ، عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسديّ رضى الله عنه ، قال : حدّثني الحسين بن محمّد بن عامر الأشعريّ القمّيّ . . . » ، دلائل الإمامة : ص 545 وفيه : « نقلت هذا الخبر من أصلٍ بخطّ شيخنا أبي عبد اللّه الحسين الغضائريّ رحمه الله ، قال : حدّثني أبو الحسن عليّ بن عبد اللّه القاسانيّ ، قال : حدّثنا الحسين بن محمّد سنة ثمان وثمانين ومئتين بقاسان بعد منصرفه من أصبهان ، قال : حدّثني يعقوب بن يوسف بأصبهان ، قال : حججت . . . » ، مصباح المتهجّد : ص406 ح 534 ، المزار الكبير : ص 666 ، بحار الأنوار : ج 52 ص 17 ح 14 وج 94 ص 78 ح 2 .

ص: 153

89 . كتاب له عليه السلام في دعاء الفرج

89كتاب له عليه السلامفي دعاء الفرجوممّا خرج عن صاحب الزمان عليه السلام زيادة في هذا الدعاء إلى محمّد بن الصلت القمّيّ (1) ، المعروف بدعاء الحريق (2) :اللَّهُمَّ ، رَبَّ النُّورِ العَظِيمِ ، وَرَبَّ الكُرسِيِّ الرَّفِيعِ ، وَرَبَّ البَحرِ المَسجُورِ ، وَمُنزِلَ التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالزَّبُورِ ، وَرَبَّ الظِّلِّ وَالحَرُورِ ، وَمُنزِلَ الزَّبُورِ وَالقُرآنِ العَظِيمِ ، وَرَبَّ المَلَائِكَةِ المُقَرَّبِينَ وَالأَنبِيَاءِ المُرسَلِينَ ، أَنتَ إِلَهُ مَن فِي السَّمَاءِ وَإِلَهُ مَن فِي الأَرضِ ، لَا إِلَهَ فِيهِمَا غَيرُكَ ، وَأَنتَ جَبَّارُ مَن فِي السَّمَاءِ وَجَبَّارُ مَن فِي الأَرضِ ، وَلَا جَبَّارَ فِيهِمَا غَيرُك ، وَأَنتَ خَالِقُ مَن فِي السَّمَاءِ وَخَالِقُ مَن فِي الأَرضِ ، لَا خَالِقَ فِيهِمَا غَيرُكَ ، وَأَنتَ حَكَمُ مَن فِي السَّمَاءِ وَحَكَمُ مَن فِي الأَرضِ ، لَا حَكَمَ فِيهَا غَيرُكَ . اللَّهُمَّ ، إِنِّي أَسأَلُكَ بِوَجهِكَ الكَرِيمِ ، وَبِنُورِ وَجهِكَ المُشرِقِ ، وَمُلكِكَ القَدِيمِ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، أَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذِي أَشرَقَت بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرَضُونَ ، وَبِاسمِكَ الَّذِي يَصلُحُ عَلَيهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ ، يَا حَيّاً قَبلَ كُلِّ حَيٍّ ، وَيَا حَيّاً بَعدَ كُلِّ حَيٍّ ، وَيَا حَيّاً حِينَ لَا حَيَّ ، يَا مُحيِيَ المَوتَى ، وَيَا حَيُّ يَا لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، أَسأَلُكَ أَن تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَارزُقنِي مِن حَيثُ أَحتَسِبُ وَمِن حَيثُ لَا أَحتَسِبُ ، رِزقاً وَاسِعاً حَلَالاً طَيِّباً ، وَأَن تُفَرِّجَ عَنِّي كُلَّ غَمٍّ وَهَمٍّ ، وَأَن تُعطِيَنِي مَا

.


1- .الظاهر هو محمّد بن أحمد بن علي بن الصلت الّذي مرّ ترجمته .
2- .نقل الشيخ الطوسي في الأدعية الّتي يُدعى بها في تعقيبات صلاة الفجر

ص: 154

90 . كتاب له عليه السلام

أَرجُوهُ وَآمُلُهُ ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ . (1) قد ذُكر دعاء الحريق في مكاتيب الرسول صلى الله عليه و آله بخطّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام وإملائه صلى الله عليه و آله .

90كتاب له عليه السلام أبو القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن طاووس ، قال : رأيت في كتاب كنوز النجاح ، تأليف الفقيه أبي عليّالفضل بن الحسن الطبرسي رحمه الله عن مولانا الحجّة عليه السلام ما هذا لفظه : روى أحمد بن الدربي ، عن خزامة ، عن أبي عبد اللّه الحسين بن محمّد البَزَوفَريّ 2 ، قال : خرج عن الناحية المقدّسة : مَن كَانَ لَهُ إِلَى اللَّهِ حَاجَةٌ ، فَليَغسِل لَيلَةَ الجُمُعَةِ بَعدَ نِصفِ اللَّيلِ ، وَيَأتِي مُصَلَاهُ

.


1- .مصباح المتهجّد : ص 227 ح 336 ؛ البلد الأمين : ص 59 ، بحار الأنوار : ج 86 ص 171 .

ص: 155

وَيُصَلِّي رَكعَتَينِ ، يَقرَأُ فِي الرَّكعَةِ الأُولَى «الحَمدَ »، فَإِذَا بَلَغَ « إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ » يُكَرِّرُهَا مِئَةَ مَرَّةٍ ، وَيُتِمِّم فِي المِئَةِ إِلَى آخِرِهَا ، وَيَقرَأُ سُورَةَ « التَّوحِيدِ » مَرَّةً وَاحِدَةً ، ثُمَّ يَركَعُ وَيَسجُدُ وَيُسَبِّحُ فِيهَا سَبعَةً سَبعَةً ، وَيُصَلِّي الرَّكعَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى هَيئَتِهِ ، وَيَدعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقضِي حَاجَتَهُ البَتَّةَ كَائِناً مَا كَانَ ، إِلَا أَن يَكُونَ فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ ، وَالدُّعَاءُ : اللَّهُمَّ إِن أَطَعتُكَ فَالمَحمَدَةُ لَكَ ، وَإِن عَصَيتُكَ فَالحُجَّةُ لَكَ ، مِنكَ الرَّوحُ وَمِنكَ الفَرَجُ ، سُبحَانَ مَن أَنعَمَ وَشَكَرَ ، سُبحَانَ مَن قَدَرَ وَغَفَرَ ، اللَّهُمَّ إِن كُنتُ قَد عَصَيتُكَ فَإِنِّي قَد أَطَعتُكَ فِي أَحَبِّ الأَشيَاءِ إِلَيكَ وَهُوَ الإِيمَانُ ،بِكَ لَم أَتَّخِذ لَكَ وَلَداً ،وَلَم أَدعُ لَكَ شَرِيكاً ، مَنّاً مِنكَ بِهِ عَلَيَّ لَا مَنّاً مِنِّي بِهِ عَلَيكَ ، وَقَد عَصَيتُكَ يَا إِلَهِي عَلَى غَيرِ وَجهِ المُكَابَرَةِ ، وَلَا الخُرُوجِ عَن عُبُودِيَّتِكَ ، وَلَا الجُحُودِ لِرُبُوبِيَّتِكَ ، وَلَكِن أَطَعتُ هَوَايَ وَأَزَلَّنِي الشَّيطَانُ ، فَلَكَ الحُجَّةُ عَلَيَّ وَالبَيَانُ ، فَإِن تُعَذِّبنِي فَبِذُنُوبِي غَيرِ ظَالِمٍ ، وَإِن تَغفِر لِي وَتَرحَمنِي فَإِنَّكَ جَوَادٌ كَرِيمٌ ، يَا كَرِيمُ ، حَتَّى يَنقَطِعَ النَّفَسُ ، ثُمَّ يَقُولُ : يَا آمِناً مِن كُلِّ شَيءٍ ، وَكُلُّ شَيءٍ مِنكَ خَائِفٌ حَذِرٌ ، أَسأَلُكَ بِأَمنِكَ مِن كُلِّ شَيءٍ وَخَوفِ كُلِّ شَيءٍ مِنكَ ، أَن تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَن تُعطِيَنِي أَمَاناً لِنَفسِي وَأَهلِي وَوُلدِي وَسَائِرِ مَا أَنعَمتَ بِهِ عَلَيَّ ، حَتَّى لَا أَخَافَ أَحَداً وَلَا أَحذَرَ مِن شَيءٍ أَبَداً ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، وَحَسبُنَا اللَّهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ . يَا كَافِيَ إِبرَاهِيمَ نُمرُودَ ، وَيَا كَافِيَ مُوسَى فِرعَونَ ، أَسأَلُكَ أَن تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَن تَكفِيَنِي شَرَّ فُلَانِ بنِ فُلَانٍ ، فَيَستَكفِي شَرَّ مَن يَخَافُ شَرَّهُ إِن شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . (1)

.


1- .وليس في المصباح : « فيستكفي شرّ من يخاف شرّ . . . ) .

ص: 156

91 . كتاب له عليه السلام في دعاء كلّ يوم من أيّام رجب

ثُمَّ يَسجُدُ وَيَسأَلُ حَاجَتَهُ ، وَيَتَضَرَّعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّهُ مَا مِن مُؤمِنٍ وَلَا مُؤمِنَةٍ صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ وَدَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ خَالِصاً ، إِلَا فُتِحَت لَهُ أَبوَابُ السَّمَاءِ لِلإِجَابَةِ ، وَيُجَابُ فِي وَقتِهِ وَلَيلَتِهِ كَائِناً مَا كَانَ ، وَذَلِكَ مِن فَضلِ اللَّهِ عَلَينَا وَعَلَى النَّاسِ . (1)

91كتابٌ له عليه السلامفي دعاء كلّ يوم من أيّام رجبأخبرني جماعة عن ابن عيّاش 2 ، قال : ممّا خرج على يد الشيخ الكبير أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد رضى الله عنهمن الناحية المقدّسة ، ما حدّثني به جبير (2) بن عبد اللّه ، قال : كتبته من التوقيع الخارج إليه :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم ادعُ فِي كُلِّ يَومٍ مِن أَيَّامٍ مِن رَجَبٍ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِمَعَانِي جَمِيعِ مَا يَدعُوكَ بِهِ وُلَاةُ أَمرِكَ ، المَأمُونُونَ عَلَى سِرِّكَ ، المُستبشِرونَ بِأَمرِكَ ، الوَاصِفُونَ لِقُدرَتِكَ ،

.


1- .مهج الدعوات : ص 351 ؛ مكارم الأخلاق : ج 2 ص 135 ح 2346 ؛ المصباح للكفعمي : ص 522 ؛ بحار الأنوار : ج 89 ص 323 ح 30 .
2- .في الإقبال والبلد الأمين وبحار الأنوار : « خير » بدل « جبير » .

ص: 157

المُعلِنُونَ لِعَظَمَتِكَ ، أَسأَلُكَ بِمَا نَطَقَ فِيهِم مِن مَشِيئتِكَ ، فَجَعَلتَهُم مَعَادِنَ لِكَلِمَاتِكَ ، وَأَركَاناً لِتَوحِيدِكَ وَآيَاتِكَ وَمَقَامَاتِكَ ، الَّتِي لَا تَعطِيلَ لَهَا فِي كُلِّ مَكَانٍ ، يَعرِفُكَ بِهَا مَن عَرَفَكَ ، لَا فَرقَ بَينَكَ وَبَينَهَا إِلَا أَنَّهُم عِبَادُكَ وَخَلقُكَ ، فَتقُهَا وَرَتقُهَا بِيَدِكَ ، بَدؤُهَا مِنكَ وَعَودُهَا إِلَيكَ ، أَعضَادٌ (1) وَأَشهَادٌ ، وَمُنَاةٌ وَأَذوَادٌ (2) ، وَحَفَظَةٌ وَرُوَّادٌ ، فَبِهِم مَلَأتَ سَمَاءَكَ وَأَرضَكَ حَتَّى ظَهَرَ أَن لَا إِلَهَ إِلَا أَنتَ . فَبِذَلِكَ أَسأَلُكَ ، وَبِمَوَاقِعِ العِزِّ مِن رَحمَتِكَ وَبِمَقَامَاتِكَ وَعَلَامَاتِكَ ، أَن تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَأَن تَزِيدَنِي إِيمَاناً وَتَثبِيتاً ، يَا بَاطِناً فِي ظُهُورِهِ ، وَظَاهِراً فِي بُطُونِهِ وَمَكنُونِهِ ، يَا مُفَرِّقاً بَينَ النُّورِ وَالدَّيجُورِ ، يَا مَوصُوفاً بِغَيرِ كُنهٍ ، وَمَعرُوفاً بِغَيرِ شِبهٍ ، حَادَّ كُلِّ مَحدُودٍ ، وَشَاهِدَ كُلِّ مَشهُودٍ ، وَمُوجِدَ كُلِّ مَوجُودٍ ، وَمُحصِيَ كُلِّ مَعدُودٍ ، وَفَاقِدَ كُلِّ مَفقُودٍ ، لَيسَ دُونَكَ مِن مَعبُودٍ ، أَهلَ الكِبرِيَاءِ وَالجُودِ . يَا مَن لَا يُكَيَّفُ بِكَيفٍ ، وَلَا يُؤَيَّنُ بِأَينٍ ، يَا مُحتَجِباً عَن كُلِّ عَينٍ ، يَا دَيمُومُ يَا قَيُّومُ وَعَالِمَ كُلِّ مَعلُومٍ ، صَلِّ عَلَى عِبَادِكَ المُنتَجَبِينَ ، وَبَشَرِكَ المُحتَجِبِينَ ، وَمَلَائِكَتِكَ المُقَرَّبِينَ ، وَبُهمِ ج بُهَمِ ج الصَّافِّينَ الحَافِّينَ ، وَبَارِك لَنَا فِي شَهرِنَا هَذَا المرَجَّبِ المُكَرَّمِ ، وَمَا بَعدَهُ مِن أَشهُرِ الحُرُمِ ، وَأَسبِغ عَلَينَا فِيهِ النِّعَمَ ، وَأَجزِل لَنَا فِيهِ القِسَمَ ، وَأَبرِر لَنَا فِيهِ القَسَمَ . بِاسمِكَ الأَعظَمِ الأَعظَمِ الأَجَلِّ الأَكرَمِ ، الَّذِي وَضَعتَهُ عَلَى النَّهَارِ فَأَضَاءَ ، وَعَلَى اللَّيلِ فَأَظلَمَ ، وَاغفِر لَنَا مَا تَعلَمُ مِنَّا وَلَا نَعلَمُ ، وَاعصِمنَا مِنَ الذُّنُوبِ خَيرَ العِصَمِ ،

.


1- .عضد الرجل : أنصاره وأعوانه ، والعضُد : المُعين ، والجمع : أعضاد ( لسان العرب : ج 3 ص 293 ) .
2- .ذائد : هو الحامي الدافع ( لسان العرب : ج 3 ص 168 ) .

ص: 158

92 . كتابه عليه السلام إلى ابن عيّاش في دعاء التوسّل بالمولودين في رجب

وَاكفِنَا كَوَافِيَ قَدَرِكَ ، وَامنُن عَلَينَا بِحُسنِ نَظَرِكَ ، وَلَا تَكِلنَا إِلَى غَيرِكَ ، وَلَا تَمنَعنَا مِن خَيرِكَ ، وَبَارِك لَنَا فِيمَا كَتَبتَهُ لَنَا مِن أَعمَارِنَا ، وَأَصلِح لَنَا خَبِيئَةَ أَسرَارِنَا ، وَأَعطِنَا مِنكَ الأَمَانَ ، وَاستَعمِلنَا بِحُسنِ الإِيمَانِ ، وَبَلِّغنَا شَهرَ الصِّيَامِ وَمَا بَعدَهُ مِنَ الأَيَّامِ وَالأَعوَامِ ، يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكرَامِ . (1)

92كتابه عليه السلام إلى ابن عيّاشفي دعاء التوسّل بالمولودين في رجبقال ابن عيّاش : وخرج إلى أهلي على يد الشيخ الكبير أبي القاسم رضى الله عنه في مقامه عندهم هذا الدعاء في أيّام رجب :اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِالمَولُودِينَ فِي رَجَبٍ ، مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الثَّانِي وَابنِهِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ المُنتَجَبِ ، وَأَتَقَرَّبُ بِهِمَا إِلَيكَ خَيرَ القُرَبِ ، يَا مَنِ إِلَيهِ المَعرُوفُ طُلِبَ ، وَفِيمَا لَدَيهِ رُغِبَ ، أَسأَلُكَ سُؤَالَ مُقتَرِفٍ مُذنِبٍ قَد أَوبَقَتهُ ذُنُوبُهُ ، وَأَوثَقَتهُ عُيُوبُهُ ، فَطَالَ عَلَى الخَطَايَا دُؤُوبُهُ ، وَمِنَ الرَّزَايَا خُطُوبُهُ ، يَسأَلُكَ التَّوبَةَ وَحُسنَ الأَوبَةِ وَالنُّزُوعَ عَنِ الحَوبَةِ ، وَمِنَ النَّارِ فَكَاكَ رَقَبَتِهِ ، وَالعَفوَ عَمَّا فِي رَبقتِهِ (2) ، فَأَنتَ مَولَايَ أَعظَمُ أَمَلِهِ وَثِقَتِهِ . اللَّهُمَّ وَأَسأَلُكَ بِمَسَائِلِكَ الشَّرِيفَةِ وَوَسَائِلِكَ المُنِيفَةِ ، أَن تَتَغَمَّدَنِي فِي هَذَا الشَّهرِ

.


1- .مصباح المتهجّد : ص 803 ح 866 ، الإقبال : ج 3 ص 214 ، المصباح للكفعمي : ص 701 ، البلد الأمين : ص179 ، بحار الأنوار : ج 98 ص 392 .
2- .الرَّبق : الحبل والحلقة تشدّ بها الغنم الصغار لئلّا ترضع ، وشبّه ما قلوته أعناقها من الأوزار ( لسان العرب : ج 10 ص 112 ) .

ص: 159

93 . كتاب له عليه السلام في دعاء اليوم السابع والعشرين من رجب

بِرَحمَةٍ مِنكَ وَاسِعَةٍ ، وَنِعمَةٍ وَازِعَةٍ ، وَنَفسٍ بِمَا رَزَقتَهَا قَانِعَةٍ ، إِلَى نُزُولِ الحَافِرَةِ وَمَحَلِّ الآخِرَةِ ، وَمَا هِيَ إِلَيهِ صَائِرَةٌ . (1)

93كتاب له عليه السلامفي دعاء اليوم السابع والعشرين من رجب270.عنه صلى الله عليه و آله :في أعمال يوم 27 رجب ، رواية أبي القاسم الحسين بن روح رحمة اللّه عليه ، قال : تصلّي في هذا اليوم اثنتي عشرة ركعة ، تقرأ في كلّ ركعة : فاتحة الكتاب وما تيسّر من السور ، وتتشهّد وتسلّم وتجلس ، وتقول بين كلّ ركعتين : (2)الحَمدُ للّهِ الَّذِي لَم يَتَّخِذ وَلَدا ، وَلَم يَكُن لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ ، وَلَم يَكُن لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ، وَكَبِّرهُ تَكبِيراً ، يَا عُدَّتِي فِي مُدَّتِي ، يَا صَاحِبي فَي شِدَّتِي ، يَا وَلِيِّي فِي نِعمَتِي ، يَا غِيَاثِي فِي رَغبَتِي ، يَا نَجَاحِي فِي حَاجَتِي ، يَا حَافِظِي فِي غَيبَتِي ، يَاكَافِئِي فِي وَحدَتِي ، يَا أُنسِي فِي وَحشَتِي .

أَنتَ السَّاتِرُ عَورَتِي فَلَكَ الحَمدُ ، وَأَنتَ المُقِيلُ عَثرَتِي فَلَكَ الحَمدُ ، وَأَنتَ المُنعِشُ صَرعَتِي (3) فَلَكَ الحَمدُ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاسترُ عَورَتِي ، وَآمِن

.


1- .مصباح المتهجّد : ص 804 ح 867 ، الإقبال : ج 3 ص 215 ، المصباح للكفعمي : ص 703 ، البلد الأمين : ص180 ، بحار الأنوار : ج 98 ص 393 .
2- .وفي الإقبال : « أبو العبّاس أحمد بن عليّ بن نوح رضى الله عنه ، قال : حدّثني أبو أحمد المحسن بن عبد الحكم الشجريّ ، وكتبته من أصل كتابه ، قال : نسخت من كتاب أبي نصر جعفر بن محمّد بن الحسن بن الهيثم ، وذكر أنّه خرج من جهة أبي القاسم الحسين بن روح رضى الله عنه : إنّ الصلاة يوم سبعة وعشرين من رجب اثنتا عشرة ركعة ، يقرأ في كلّ ركعة ما تيسّر من السور ، ويجلس ويسلّم ، ويقول بين كلّ ركعتين : الحمد للّه . . . » .
3- .وفي الإقبال : «وأنت المنفّس صرعتي» بدل « وأنت المنعش صرعتي » .

ص: 160

94 . كتاب له عليه السلام في الاستخارة بالدعاء

270.عنه صلى الله عليه و آله :رَوعَتِي ، وَأَقِلنِي (1) عَثرَتِي ، وَاصفَح عَن جُرمِي ، وَتَجَاوَز عَن سَيِّئَاتِي فِي أَصحَابِ الجَنَّةِ ، وَعدَ الصِّدقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ .

فَإِذَا فَرَغتَ مِنَ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ قَرَأتَ : الحَمدَ ، وَالإِخلَاصَ ، وَالمَعُوِّذَتِينِ ، وَقُل يَاأَيُّها الكَافِرُونَ ، وَإِنَّا أَنزَلنَاهُ ، وَآيَةَ الكُرسِيِّ ، سَبعَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ تَقُولُ :

لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ وَاللّهُ أَكبَرُ ، وَسُبحَانَ اللّهِ ، وَلَا حَولَ وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ ، سَبعَ مَرَّاتٍ . ثُمَّ تَقُولُ سَبعَ مَرَّاتٍ : اللّهُ اللّهُ رَبِّي لَا أُشرِكَ بِهِ شَيئا . وَتَدعُو بِمَا أَحبَبتَ (2) . (3)94كتابٌ له عليه السلامفي الاستخارة بالدعاء261.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :روى محمّد بن عليّ بن محمّد _ في كتابٍ جامع له _ ما هذا لفظه : استخارة الأسماء الّتي عليها العمل ، ويدعو بها في صلاة الحاجة وغيرها ، ذكر أبو دلف محمّد بن المظفّر 4 _ رحمة اللّه عليه _ : إنّها آخر ما خرج :

.


1- .أقالَ اللّه ُ فلانا عثرتَه : بمعنى الصفح عنه ( لسان العرب : ج 11 ص 580) .
2- .وفي الإقبال : «فإذا فرغت من الصلاة والدعاء قرأت الحمد ، وقل هو اللّه أحد ، وقل يا أيّها الكافرون ، والمعوّذتين ، وإنّا أنزلناه في ليلة القدر ، وآية الكرسي _ سبعاً سبعاً _ ثمّ تقول : اللّهمّ اللّه ربّي لا أشرك به شيئاً _ سبع مرّات _ ثمّ ادع بما أحببت » بدل « فإذا فرغت من الصلاة والدعاء قرأت : الحمد . . . » .
3- .مصباح المتهجّد : ص 816 ح 878 ، المزار الكبير : ص 199 ، الإقبال : ج 3 ص 273 .

ص: 161

261.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذِي عَزَمتَ بِهِ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ ، فَقُلتَ لَهُمَا : ائتِيَا طَوعا أَو كَرها ، قَالَتَا : أَتَينَا طَائِعَينِ ، وَبِاسمِكَ الَّذِي عَزَمَت بِهِ عَلَى عَصَا مُوسَى فَإِذَا هِي تَلقَفُ مَا يَأفِكُونَ (1) .

وَأسأَلُكَ باسمِكَ الَّذِي صَرَفتَ بِهِ قُلُوبَ السَّحَرَةِ إِلَيكَ حَتَّى قَالُوا : آَمَنَّا بِرَبِّ العَالَمِينَ ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُوَن ، أَنتَ اللّهُ رَبُّ العَالَمِينَ .

وَأَسأَلُكَ بِالقُدرَةِ الَّتِي تُبلِي بِهَا كُلَّ جَدِيدٍ ، وَتُجَدِّدُ بِهَا كُلَّ بَالٍ . .


1- .الإفك : صَرفٌ من الحقّ إلى الباطل ، فاستُعمل ذلك في الكذب ( مفردات ألفاظ القرآن : ص 79 ) .

ص: 162

95 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن يوسف الشاشيّ

261.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :وَأَسأَلُكَ بِحَقِّ كُلِّ حَقِّ هُوَ لَكَ ، وَبِكُلِّ حَقٍّ جَعَلَتَهُ عَلَيكَ _ إِن كَانَ هَذَا الأَمرُ خَيرا لِي فِي دِينِي وَدُنَيايَ وَآخِرَتِي _ أَن تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَتُسَلِّمَ عَلَيهِم تَسلِيماً ، وَتهيِّئَهُ لِي ، وَتُسَهِّلَهُ عَلَيَّ ، وَتَلطُّفَ لِي فِيهِ ، بِرَحمَتِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ .

وَإِن كَانَ شَرّا لِي فِي دِينِي وَدُنيَايَ وَآخِرَتِي ، أَن تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَتُسَلِّمَ عَلَيهِم تَسلِيماً ، وَأَن تَصرِفَهُ عَنِّي بِمَا شِئتَ ، وَكَيفَ شِئتَ ، وَحَيثُ شِئتَ ، وَتُرضِينِي بِقَضَائِكَ ، وَتُبَارِكَ لِي فِي قَدَرِكَ ، حَتَّى لَا أُحِبُّ تَعجِيلَ شَيءٍ أَخَّرتَهُ ، وَلَا تَأخِيرَ شَيءٍ عَجَّلتَهُ ، فَإِنَّهُ لَا حَولَ وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِكَ ، يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ ، يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكرَامِ . (1)95كتابه عليه السلام إلى محمّد بن يوسف الشاشيّ242.الإمام الصادق عليه السلام :عليّ ( بن محمّد ) ، عن النضر بن صبّاح البجلي (2) ، عن محمّد بن يوسف الشاشيّ 3 قال : خرج بي ناصور (3) على مقعدتي ، فأريته الأطبّاء وأنفقت عليه مالاً ، فقالوا : لا نعرف له دواء (4) ، فكتبت رقعة أسأل الدعاء فوقّع عليه السلام إليَّ :

.


1- .فتح الأبواب : ص205 ، المصباح للكفعمي : ص521 ، ويعبر فيه : « مروي عن القائم _ عج _ » البلد الأمين : ص163 ، بحار الأنوار : ج91 ص275 ح25 .
2- .في الإرشاد : «عليّ بن محمّد ، عن نصر بن الصباح البلخيّ» بدل «عليّ ، عن النضر بن صباح البجليّ ».
3- .في الإرشاد : «ناسور» بدل «ناصور» وفي الخرائج والجرائح : «باسور» بدل «ناصور» ، والناسور : العِرقُ الّذي لا ينقطع ، عِلّة في حوالي المقعد ( القاموس المحيط : ج 2 ص 141 ) ، والناصور قرحة غائرة قلّما تندمل ، وقيل : قد يحدث فيها دود فيقتل صاحبها . . . » شرح أُصول الكافي : ج7 ص 353 .
4- .في الإرشاد : «فلم يصنع الدواء فيه شيئاً» بدل « فقالوا : لا نعرف له دواء » .

ص: 163

96 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الصالح

97 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الصالح

242.الإمام الصادق عليه السلام :أَلبسَكَ اللّهُ العَافِيَةَ وَجَعَلَكَ مَعَنَا فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ .

قال : فما أتت عليَّ جمعة حتّى عوفيت وصار مثل راحتي ، فدعوت طبيبا من أصحابنا وأريته إيّاه ، فقال : ما عرفنا لهذا دواء . (1)96كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الصالح233.عنه صلى الله عليه و آله :حدّثنا أبي رضى الله عنه ، عن سعد بن عبد اللّه ، عن محمّد بن الصالح ، قال : كتبت أسأله الدعاء لباداشاله ( باداشاكه ) وقد حبسه ابن عبد العزيز ، وأستأذن في جارية لي أستولدها ، فخرج :استَولِدهَا وَيَفعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ ، وَالمَحبُوسُ يُخَلِّصهُ اللّهُ .

فاستولدت الجارية فولدت فماتت ،وخُلّي عن المحبوس يوم خرج إليَّ التوقيع . (2)97كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الصالح236.الإمام الرضا عليه السلام :عليّ بن محمّد ، عن محمّد بن صالح ، قال : كانت لي جارية كنت معجباً بها ، فكتبت أستأمر في استيلادها ، فورد :استَولِدهَا ، وَيَفعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ .

فوطئتها فحبلت ، ثمّ أسقطت فماتت . (3)

.


1- .الكافي : ج 1 ص 519 ح 11 ، الإرشاد : ج 2 ص 357 ، الصراط المستقيم : ج 2 ص 246 ح 3 ، وفي آخرها « وماجاءتك العافية إلّا من قبل اللّه بغير احتساب »، بحار الأنوار : ج 51 ص 297 ح 14 ، وراجع : الخرائج والجرائح : ج 2 ص 695 ح 9 .
2- .كمال الدين : ص 489 ح 12 ، دلائل الإمامة : ص 527 ح 502 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 327 ح 51 .
3- .الكافي : ج 1 ص 524 ح 25 .

ص: 164

98 . كتابه عليه السلام إلى رجل

99 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن محمّد البصريّ

100 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن يزداذ

98كتابه عليه السلام إلى رجل239.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :حدّثني أبي رضى الله عنه عن سعد بن عبد اللّه ، قال :حدّثني أبو القاسم ابن أبي حُلَيس ، قال : . . . وكتب رجل من رَبَضِ حُمَيدٍ يسأل الدعاء في حملٍ له ، فورد عليه الدعاء في الحمل قبل الأربعة أشهر ، وستلد أُنثى ، فجاء كما قال عليه السلام . (1)99كتابه عليه السلام إلى محمّد بن محمّد البصريّحدّثني أبي رضى الله عنه عن سعد بن عبد اللّه ، قال :حدّثني أبو القاسم ابن أبي حُلَيس ، قال : . . . وكتب محمّد بن محمّد البصريّ (2) يسأل الدعاء في أن يُكفى أمر بناته ، وأن يُرزق الحجّ ويُردّ عليه ماله ، فورد عليه الجواب بما سأل ، فحجَّ من سنته ، ومات من بناته أربع وكان له ستّ ، ورُدّ عليه ماله . (3)

100كتابه عليه السلام إلى محمّد بن يزداذ245.عنه عليه السلام :حدّثني أبي رضى الله عنه عن سعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثني أبو القاسم ابن أبي حُلَيس ، قال : . . . وكتب محمّد بن يزداذ 4 يسأل الدعاء لوالديه ، فورد :

.


1- .كمال الدين : ص 494 ح 18 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 331 ح 56 .
2- .لم يذكر في مصادر الرجال ولا الأخبار غير هذه المكاتبة ، فالرجل مجهول .
3- .كمال الدين : ص 493 ح 18 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 331 ح 56 .

ص: 165

101 . كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم ابن أبي حُلَيس

102 . كتابه عليه السلام إلى أبي غالب أحمد بن محمّد بن سليمان الزُّرَاريّ

245.عنه عليه السلام :غَفرَ اللّهُ لَكَ وَلِوَالِدَيكَ وَلِأُختِكَ المُتَوَفَّاةُ المُلَقَّبَةُ كلكى .

وكانت هذه امرأة صالحة متزوّجة بجوّار (1) . (2)101كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم ابن أبي حُلَيس248.الإمام الهادي عليه السلام _ فِي الزِّيارَةِ الجحدّثني أبي رضى الله عنه عن سعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثني أبو القاسم ابن أبي حُلَيس ، قال : . . . وكتبت في إنفاذ خمسين دينارا لقومٍ مؤمنين ، منها عشرة دنانير لابنة عمٍّ ليّ لم تكن من الإيمان على شيء ، فجعلت اسمها آخر الرقعة والفصول ؛ ألتمس بذلك الدلالة في ترك الدعاء ، فخرج في فصول المؤمنين :تَقَبَّلَ اللّهُ مِنهُم وَأَحسَنَ إِلَيهِم وَأَثَابَكَ .

ولم يدع لابنة عمّي بشيء . (3)102كتابه عليه السلام إلى أبي غالب أحمد بن محمّد بن سليمان الزُّرَاريّ251.الإمام عليّ عليه السلام :أخبرني بهذه الحكاية جماعة ، عن أبي غالب أحمد بن محمّد بن سليمان الزراريّ 4 رحمه الله إجازةً ، وكتب عنه ببغدادأبو الفرج محمّد بن المظفّر في منزله بسويقة

.


1- .الجَوّار : الأكّار ، والجوّار : الّذي يعمل لك في كرم أو بستان أكّارا ( لسان العرب : ج 4 ص 156 ) .
2- .كمال الدين : ص 494 ح 18 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 331 ح 56 .
3- .كمال الدين : ص 494 ح 18 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 332 ح 56 .

ص: 166

251.الإمام عليّ عليه السلام :غالب ، في يوم الأحد لخمسٍ خلون من ذي القعدة سنة ستّ وخمسين وثلاثمئة ، قال :كنت تزوّجت باُمّ ولدي ، وهي أوّل امرأة تزوّجتها ، وأنا حينئذٍ حدث السنّ ، وسنّي إذ ذاك دون العشرين سنة ، فدخلت بها في منزل أبيها ، فأقامت في منزل أبيها سنين وأنا أجتهد بهم في أن يحوّلوها إلى منزلي وهم لا يجيبوني إلى ذلك ، فحملت منّي في هذه المدّة وولدت بنتا فعاشت مدّة ثمّ ماتت ، ولم أحضر فيولادتها ولا في موتها ولم أرها منذ ولدت إلى أن توفّيت ، للشرور الّتي كانت بيني وبينهم ، ثمّ اصطلحنا على أنّهم يحملونها إلى منزلي ، فدخلت إليهم في منزلهم ودافعوني في نقل المرأة إليّ ، وقدّر أن حملت المرأة مع هذه الحال ، ثمّ طالبتهم بنقلها إلى منزلي على ما اتّفقنا عليه ، فامتنعوا من ذلك ، فعاد الشرّ بيننا وانتقلت عنهم ، وولدت وأنا غائب عنها بنتا ، وبقينا على حال الشرّ والمضارمة (1) سنين لا آخذها .

ثمّ دخلت بغداد ، وكان الصاحب بالكوفة في ذلك الوقت أبو جعفر محمّد بن .


1- .الضِرامُ : اشتعال النار ، وضرمت النار : إذا التهبت ، واستعيرت لشدّة الخلاف ( الصحاح : ج 5 ص 1971 ) .

ص: 167

251.الإمام عليّ عليه السلام :أحمد الزجوزجيّ رحمه الله ، وكان لي كالعمّ أو الوالد ، فنزلت عنده ببغداد وشكوت إليه ما أنا فيه من الشرور الواقعة بيني وبين الزوجة وبين الأحمَاء ، فقال لي : تكتب رقعة وتسأل الدعاء فيها . فكتبت رقعة ( و ) ذكرت فيها حالي وما أنا فيه من خصومة القوم لي وامتناعهم من حمل المرأة إلى منزلي ، ومضيت بها أنا وأبو جعفر رحمه اللهإلى محمّد بن عليّ ، وكان في ذلك الواسطة بيننا وبين الحسين بن روح رحمه الله ، وهو إذ ذاك الوكيل ، فدفعناها إليه وسألناه إنفاذها ، فأخذها منّي وتأخّر الجواب عنّي أيّاما ، فلقيته فقلت له : قد ساءني تأخّر الجواب عنّي . فقال ( لي ) : لا يسوؤك ( هذا ) ؛ فإنّه أحبّ ( ليّ ولك ، وأومأ ) إليَّ أنّ الجواب إن قرب كان من جهة الحسين بن روح رحمه الله ، وإن تأخّر كان من جهة الصاحب عليه السلام ، فانصرفت .

فلمّا كان بعد ذلك _ ولا أحفظ المدّة إلّا أنّها كانت قريبة _ فوجّه إليّ أبو جعفر الزجوزجيّ رحمه الله يوما من الأيّام ، فصرت إليه ، فأخرج لي فصلاً من رقعة ، وقال لي : هذا جواب رقعتك ، فإن شئت أن تنسخه فانسخه وردّه ، فقرأته فإذا فيه :

وَالزَّوجُ وَالزَّوجَةُ فَأَصلَحَ اللّهُ ذَاتَ بَينِهِمَا .

ونسخت اللفظ ورددت عليه الفصل ، ودخلنا الكوفة فسهّل اللّه لي نقل المرأة بأيسر كلفة ، وأقامت معي سنين كثيرة ورُزقت منّي أولاداً ، وأسأت إليها إساءات ، واستعملت معها كلّ ما لا تصبر النساء عليه ، فما وقعت بيني وبينها لفظة شرّ ولا بين أحدٍ من أهلها ، إلى أن فرّق الزمان بيننا .

قالوا : قال أبو غالب رحمه الله : وكنت قديما قبل هذه الحال قد كتبت رقعة أسأل فيها أن يقبل ضيعتي (1) ، ولم يكن اعتقادي في ذلك الوقت التقرّب إلى اللّه عز و جل بهذه الحال ، وإنّما كان شهوةً منّي للاختلاط بالنوبختيّين والدخول معهم فيما كانوا ( فيه ) من الدنيا ، فلم أُجَب إلى ذلك ، وألححت في ذلك ، فكتب إليَّ :

أَن اختَر مَن تَثِقُ بِهِ فَاكتُبِ الضَّيعَةَ بِاسمِهِ فَإِنَّكَ تَحتَاجُ إِلَيهَا . .


1- .الضَيعَةُ : العقار ، والضيعة : الأرض المُغَلُّة ( تاج العروس : ج 11 ص 315 ) .

ص: 168

251.الإمام عليّ عليه السلام :فكتبتها باسم أبي القاسم موسى بن الحسن الزجوزجيّ ابن أخي أبي جعفر رحمه الله ، لثقتي به وموضعه من الديانة والنعمة .

فلم تمض الأيّام حتّى أسروني الأعراب ونهبوا الضيعة الّتي كنت أملكها ، وذهب منّي فيها من غلّاتي ودوابّي والتي نحو من ألف دينار ، وأقمت في أسرهم مدّة إلى أن اشتريت نفسي بمئة دينار وألف وخمسمئة درهم ، ( و ) لزمني في أُجرة الرسل نحو من خمسمئة درهم ، فخرجت واحتجت إلى الضيعة فبعتها . (1)

وفي رواية أُخرى : أخبرني جماعة ، عن أبي غالب أحمد بن محمّد الزراريّ ، قال : جرى بيني وبين والدة أبي العبّاس _ يعني ابنه _ من الخصومة والشرّ أمر عظيم ما لا يكاد أن يتّفق ، وتتابع ذلك وكثر إلى أن ضجرت به ، وكتبت على يد أبي جعفر أسأل الدعاء ، فأبطأ عنّي الجواب مدّة ، ثمّ لقيني أبو جعفر فقال : قد ورد جواب مسألتك ، فجئته فأخرج إليَّ مدرجا (2) ، فلم يزل يدرجه إلى أن أراني فصلاً منه فيه :

وَأَمَّا الزَّوجُ وَالزَّوجَةُ فَأَصلَحَ اللّهُ بَينِهِمَا .

فلم تزل على حال الاستقامة ولم يجر بيننا بعد ذلك شيء ممّا كان يجري ، وقد كنت أتعمّد ما يسخطها فلا يجري (فيه) منها شيء . هذا معنى لفظ أبي غالب رحمه الله أو قريب منه .

قال ابن نوح : وكان عندي أنّه كتب على يد أبي جعفر بن أبي العَزاقِر _ قبل تغيّره وخروج لعنه _ على ما حكاه ابن عيّاش ، إلى أن حدّثني بعض مَن ( سمع ذلك معي ) أنّه إنّما عنى أبا جعفر الزجوزجي رحمه الله ، وأنّ الكتاب إنّما كان من الكوفة ، وذلك أنّ أبا غالب قال لنا : كنّا نلقي أبا القاسم الحسين بن روح رحمه الله ، قبل أن يفضي ( يقضي ) الأمر إليه صرنا نلقي أبا جعفر بن الشلمغانيّ ولا نلقاه . .


1- .الغيبة للطوسي : ص 304 ح 257 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 322 ، وراجع : الخرائج والجرائح : ج 1 ص 479 .
2- .الدَّرجُ : الّذي يُكتبُ فيه ، يقال : أنقذته في دَرجِ الكِتاب أي في طيّه ( تاج العروس : ج 3 ص 363 ) .

ص: 169

251.الإمام عليّ عليه السلام :وحدّثنا بهاتين الحكايتين مذاكرةً لم أقيّدهما ( بالكتابة ) ، وقيّدهما غيري ، إلّا أنّه كان يكثر ذكرهما والحديث بهما ، حتّى سمعتهما منه ما لا أُحصي ، والحمد للّه شكرا دائماً ، وصلّى اللّه على محمّد وآله وسلّم . (1)

وفي روايةٍ أُخرى : أخبرني جماعة ، عن أبي عبد اللّه أحمد بن محمّد بن عيّاش ، عن أبي غالب الزراريّ قال : قدمت من الكوفة وأنا شابّ إحدى قدماتي ، ومعي رجل من إخواننا قد ذهب على أبي عبد اللّه اسمه ، وذلك في أيّام الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله واستتاره ونصبه أبا جعفر محمّد بن عليّ المعروف بالشلمغانيّ ، وكان مستقيماً لم يظهر منه ما ظهر ( منه ) من الكفر والإلحاد ، وكان الناس يقصدونه ويلقونه ؛ لأنّه كان صاحب الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح سفيراً بينهم وبينه في حوائجهم ومهمّاتهم .

فقال لي صاحبي : هل لك أن تلقى أبا جعفر وتُحدّث به عهداً ، فإنّه المنصوب اليوم لهذه الطائفة ، فإنّي أُريد أن أسأله شيئاً من الدعاء يكتب به إلى الناحية ؟ قال : فقلت ( له ) : نعم . فدخلنا إليه ، فرأينا عنده جماعة من أصحابنا ، فسلّمنا عليه وجلسنا ، فأقبل على صاحبي ، فقال : من هذا الفتى معك ؟ فقال له : رجل من آل زرارة بن أعين ، فأقبل عليَّ فقال : من أيّ زرارة أنت ؟ فقلت : يا سيدي أنا من ولد بكير بن أعين أخي زرارة ، فقال : أهل بيتٍ جليل عظيم القدر في هذا الأمر . فأقبل عليه صاحبي فقال له : يا سيّدنا أُريد المكاتبة في شيء من الدعاء ، فقال : نعم .

قال : فلمّا سمعت هذا اعتقدت أن أسأل أنا أيضاً مثل ذلك ، وكنت اعتقدت في نفسي ما لم أبده لأحد من خلق اللّه حال والدة أبي العبّاس ابني ، وكانت كثيرة الخلاف والغضب عليَّ ، وكانت منّي بمنزلة ، فقلت في نفسي أسأل الدعاء لي في أمرٍ قد أهمّني ولا أُسمّيه . فقلت : أطال اللّه بقاء سيّدنا وأنا أسأل حاجة . قال : وما هي ؟ قلت : الدعاء لي بالفرج من أمرٍ قد أهمّني ، قال : فأخذ درجا بين يديه كان أثبت فيه .


1- .الغيبة للطوسي : ص 323 ح 272 .

ص: 170

251.الإمام عليّ عليه السلام :حاجة الرجل فكتب : ( و ) الزراري يسأل الدعاء له في أمرٍ قد أهمّه . قال : ثمّ طواه ، فقمنا وانصرفنا . فلمّا كان بعد أيّام قال لي صاحبي : ألا نعود إلى أبي جعفر فنسأله عن حوائجنا الّتي كنّا سألناه ؟ فمضيت معه ودخلنا عليه ، فحين جلسنا عنده أخرج الدرج ، وفيه مسائل كثيرة قد أُجيب في تضاعيفها ، فأقبل على صاحبي فقرأ عليه جواب ما سأل ، ثمّ أقبل عليَّ وهو يقرأ ( فقال : )

وَأَمَّا الزُّرَارِيُّ وَحَالُ الزَّوجِ وَالزَّوجَةِ فَأَصلَحَ اللّهُ ذَاتَ بَينِهِمَا .

قال فورد عليَّ أمر عظيم ، وقمنا فانصرفت ، فقال لي : قد ورد عليك هذا الأمر ، فقلت : أعجب منه ، قال : مثل أيّ شيء ؟ فقلت : لأنّه سر لم يعلمه إلّا اللّه تعالى وغيري ، فقد أخبرني به ، فقال : أتشكّ في أمر الناحية ؟ أخبرني الآن ما هو ؟ فأخبرته فعجب منه . ثمّ قضى أن عدنا إلى الكوفة ، فدخلت داري وكانت أُمّ أبي العبّاس مغاضبة ليّ في منزل أهلها ، فجاءت إليَّ فاسترضتني واعتذرت ، ووافقتني ولم تخالفني حتّى فرّق الموت بيننا . (1) .


1- .الغيبة للطوسي : ص302 ح 256 ، تاريخ آل زرارة : ج 1 ص 220 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 320 ح 42.

ص: 171

الفصل السابع : في الزيارة

اشاره

الفصل السابع : فِي الزِّيَارَةِ

.

ص: 172

. .

ص: 173

103 . كتابه عليه السلام إلى الحميريّ

103كتابه عليه السلام إلى الحميريّ255.الإمام عليّ عليه السلام :عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميريّ أنّه قال : خرج التوقيع من الناحية المقدّسة _ حرسها اللّه _ بعد المسائل :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم

لَا لِأَمرِ اللَّهِ تَعقِلُونَ ، وَلَا مِن أَولِيَائِهِ تَقبَلُونَ ، حِكمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغنِ النُّذُرُ عَن قَومٍ لَا يُؤمِنُونَ ، السَّلَامُ عَلَينَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ .

إِذَا أَرَدتُمُ التَّوَجُّهَ بِنَا إِلَى اللَّهِ وَإِلَينَا ، فَقُولُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : « سَلَامٌ عَلَى آلِ يَاسِينَ » (1) ، السَّلَامُ عَلَيكَ يَا دَاعِيَ اللَّهِ وَرَبَّانِيَّ (2) آيَاتِهِ ، السَّلَامُ عَلَيكَ يَا بَابَ اللَّهِ وَدَيَّانَ (3) دِينِهِ ، السَّلَامُ عَلَيكَ يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ وَنَاصِرَ حَقِّهِ ، السَّلَامُ عَلَيكَ يَا حُجَّةَ اللَّهِ وَدَلِيلَ إِرَادَتِهِ ، السَّلَامُ عَلَيكَ يَا تَالِيَ كِتَابِ اللَّهِ وَتَرجُمَانَهُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ فِي آنَاءِ لَيلِكَ وَأَطرَافِ نَهَارِكَ ، يَا بَقِيَّةَ اللَّهِ فِي أَرضِهِ ، السَّلَامُ عَلَيكَ يَا مِيثَاقَ اللَّهِ الَّذِي أَخَذَهُ

.


1- .الصافّات : 130 .
2- .الربّانِيّ : المتألِّه العارف باللّه تعالى ( مجمع البحرين : ج 2 ص 662 ) .
3- .الدَّيّان : هو الحاكم والقاضي ( النهاية : ج 2 ص 148 ) .

ص: 174

255.الإمام عليّ عليه السلام :وَوَكَّدَهُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ يَا وَعدَ اللَّهِ الَّذِي ضَمِنَهُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ أَيُّهَا العَلَمُ المَنصُوبُ ، وَالعِلمُ المَصبُوبُ ، وَالغَوثُ وَالرَّحمَةُ الوَاسِعَةُ ، وَعدٌ غَيرُ مَكذُوبٍ.

السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تَقُومُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تَقعُدُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تَقرَأُ وَتُبَيِّنُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تُصَلِّي وَتَقنُتُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تَركَعُ وَتَسجُدُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تَحمَدُ وَتَستَغفِرُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تُصبِحُ وَتُمسِي ، السَّلَامُ عَلَيكَ فِي اللَّيلِ إِذا يَغشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلّى ، السَّلَامُ عَلَيكَ أَيُّهَا الإِمَامُ المَأمُونُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ أَيُّهَا المُقَدَّمُ المَأمُولُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ بِجَوَامِعِ السَّلَامِ .

أُشهِدُكَ يَا مَولَايَ أَنِّي أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَا اللَّهُ ، وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ ، لَا حَبِيبَ إِلَا هُوَ وَأَهلُهُ ، وَأَشهَدُ أَنَّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ حُجَّتُهُ ، وَالحَسَنَ حُجَّتُهُ ، وَالحُسَينَ حُجَّتُهُ ، وَعَلِيَّ بنَ الحُسَينِ حُجَّتُهُ ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ حُجَّتُهُ ، وَجَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ ، وَمُوسَى بنَ جَعفَرٍ حُجَّتُهُ ، وَعَلِيَّ بنَ مُوسَى حُجَّتُهُ ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ حُجَّتُهُ ، وَعَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ ، وَالحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ حُجَّتُهُ ، وَأَشهَدُ أَنَّكَ حُجَّةُ اللَّهِ .

أَنتُمُ الأَوَّلُ وَالآخِرُ ، وَأَنَّ رَجعَتَكُم حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهَا ، يَومَ لَا يَنفَعُ نَفساً إِيمانُها لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ أَو كَسَبَت فِي إِيمانِها خَيراً ، وَأَنَّ المَوتَ حَقٌّ ، وَأَنَّ نَاكِراً وَنَكِيراً حَقٌّ ، وَأَشهَدُ أَنَّ النَّشرَ (1) وَالبَعثَ حَقٌّ ، وَأَنَّ الصِّرَاطَ وَالمِرصَادَ (2) حَقٌّ ، وَالمِيزَانَ وَالحِسَابَ حَقٌّ ، وَالجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ ، وَالوَعدَ وَالوَعِيدَ بِهِمَا حَقٌّ . .


1- .نشر الميّت : أي عاش بعد الموت ( مجمع البيان : ج 3 ص 1784 ) .
2- .المِرصاد : عن الصادق عليه السلام : هي قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة ( مجمع البحرين : ج 2 ص 704 ) .

ص: 175

255.الإمام عليّ عليه السلام :يَا مَولَايَ ، شَقِيَ مَن خَالَفَكُم ، وَسَعِدَ مَن أَطَاعَكُم ، فَاشهَد عَلَى مَا أَشهَدتُكَ عَلَيهِ ، وَأَنَا وَلِيٌّ لَكَ ، بَرِيءٌ مِن عَدُوِّكَ ، فَالحَقُّ مَا رَضِيتُمُوهُ ، وَالبَاطِلُ مَا سَخِطتُمُوهُ ، وَالمَعرُوفُ مَا أَمَرتُم بِهِ ، وَالمُنكَرُ مَا نَهَيتُم عَنهُ ، فَنَفسِي مُؤمِنَةٌ بِاللَّهِ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَبِرَسُولِهِ ، وَبِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ ، وَبِأَئَمَّةِ المُؤمِنِينَ ، وَبِكُم يَا مَولَايَ ، أَوَّلِكُم وَآخِرِكُم ، وَنُصرَتِي مُعَدَّةٌ لَكُم ، وَمَوَدَّتِي خَالِصَةٌ لَكُم ، آمِينَ آمِينَ.

الدُّعَاءُ عَقِيبَ هَذَا القَولِ :

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ أَن تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيِّ رَحمَتِكَ ، وَكَلِمَةِ نُورِكَ ، وَأَن تَملأَ قَلبِي نُورَ اليَقِينِ ، وَصَدرِي نُورَ الإِيمَانِ ، وَفِكرِي نُورَ الثَّبَاتِ ، وَعَزمِي نُورَ العِلمِ ، وَقُوَّتِي نُورَ العَمَلِ ، وَلِسَانِي نُورَ الصِّدقِ ، وَدِينِي نُورَ البَصَائِرِ مِن عِندِكَ ، وَبَصَرِي نُورَ الضِّيَاءِ ، وَسَمعِي نُورَ الحِكمَةِ ، وَمَوَدَّتِي نُورَ المُوَالَاةِ لِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ عليهم السلام ، حَتَّى أَلقَاكَ وَقَد وَفَيتُ بِعَهدِكَ وَمِيثَاقِكَ ، فَتَسُعَنِي رَحمَتُكَ يَا وَلِيُّ يَا حَمِيدُ .

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى حُجَّتِكَ فِي أَرضِكَ ، وَخَلِيفَتِكَ فِي بِلَادِكَ ، وَالدَّاعِي إِلَى سَبِيلِكَ ، وَالقَائِمِ بِقِسطِكَ ، وَالثَّائِرِ بِأَمرِكَ ، وَلِيِّ المُؤمِنِينَ ، وَبَوَارِ (1) الكَافِرِينَ ، وَمُجَلِّي الظُلمَةِ ، وَمُنِيرِ الحَقِّ ، وَالسَّاطِعِ بِالحِكمَةِ وَالصِّدقِ ، وَكَلِمَتِكَ التَّامَّةِ فِي أَرضِكَ ، المُرتَقِبِ الخَائِفِ ، وَالوَلِيِّ النَّاصِحِ ، سَفِينَةِ النَّجَاةِ ، وَعَلَمِ الهُدَى ، وَنُورِ أَبصَارِ الوَرَى ، وَخَيرِ مَن تَقَمَّصَ وَارتَدَى ، وَمُجَلِّي العَمَى ، الَّذِي يَملَأُ الأَرضَ عَدلاً وَقِسطاً كَمَا مُلِئَت ظُلماً وَجَوراً ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ . .


1- .البَوار : الهلاك (النهاية : ج 1 ص 161) .

ص: 176

255.الإمام عليّ عليه السلام :اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى وَلِيِّكَ وَابنِ أَولِيَائِكَ الَّذِينَ فَرَضتَ طَاعَتَهُم ، وَأَوجَبتَ حَقَّهُم ، وَأَذهَبتَ عَنهُمُ الرِّجسَ وَطَهَّرتَهُم تَطهِيراً .

اللَّهُمَّ انصُرهُ وَانتَصِر بِهِ أَولِيَاءَكَ وَأَولِيَاءَهُ ، وَشِيعَتَهُ وَأَنصَارَهُ ، وَاجعَلنَا مِنهُم .

اللَّهُمَّ أَعِذهُ مِن شَرِّ كُلِّ بَاغٍ وَطَاغٍ ، وَمِن شَرِّ جَمِيعِ خَلقِكَ ، وَاحفَظهُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ ، وَعَن يَمِينِهِ وَعَن شِمَالِهِ ، وَاحرُسهُ وَامنَعهُ مِن أَن يُوصَلَ إِلَيهِ بِسُوءٍ ، وَاحفَظ فِيهِ رَسُولَكَ وَآلَ رَسُولِكَ ، وَأَظهِر بِهِ العَدلَ ، وَأَيِّدهُ بِالنَّصرِ ، وَانصُر نَاصِرِيهِ ، وَاخذُل خَاذِلِيهِ ، وَاقصِم بِهِ جَبَابِرَةَ الكَفَرَةِ ، وَاقتُل بِهِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ ، وَجَمِيعَ المُلحِدِينَ ، حَيثُ كَانُوا فِي مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا ، بَرِّهَا وَبَحرِهَا ، وَاملَأ بِهِ الأَرضَ عَدلاً ، وَأَظهِر بِهِ دِينَ نَبِيِّكَ .

وَاجعَلنِي اللَّهُمَّ مِن أَنصَارِهِ وَأَعوَانِهِ ، وَأَتبَاعِهِ وَشِيعَتِهِ ، وَأَرِنِي فِي آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام مَا يَأمَلُونَ ، وَفِي عَدُوِّهِم مَا يَحذَرُونَ ، إِلَهَ الحَقِّ آمِينَ ، يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكرَامِ ، يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِين . (1)

وزيارة آل يس بروايةٍ أُخرى

حدّثنا الشيخ الأجلّ الفقيه (2) العالم أبو محمّد عربيّ بن مسافر العباديّ رضى الله عنه ، قراءةً عليه بداره بالحلّة (3) السيفيّة في شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وسبعين وخمسمئة ، وحدّثني الشيخ العفيف أبو البقاء هبة اللّه بن نماء بن عليّ بن حمدون رحمه الله قراءةً عليه .


1- .الاحتجاج : ج 2 ص 591 ح 358 ؛ بحار الأنوار : ج 53 ص 171 ح 5 .
2- .وفي البحار : « وجدت بخطّ الشيخ محمّد بن عليّ الجبعيّ نقلاً عن خطّ الشيخ الأجل عليّ بن السكون : حدّثنا الشيخ الأجلّ الفقيه سديد الدين أبو محمّد عربيّ . . . » .
3- .الحِلَّة : مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد ، وصارت أفخر بلاد العراق وأحسنها مدّة حياة سيف الدولة صدقة بن منصور الأسديّ ( معجم البلدان : ج 2 ص 294 ) .

ص: 177

255.الإمام عليّ عليه السلام :أيضاً بالحلّة السيفيّة ، قالا جميعاً : حدّثنا الشيخ الأمين أبو عبد اللّه الحسين بن أحمد بن محمّد بن عليّ بن طحّال المقداديّ رحمه الله ، بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه في الطرز الكبير الّذي عند رأس الإمام عليه السلام ، في العشر الأواخر من ذي الحجّة سنة تسع وثلاثين وخمسمئة ، قال : حدّثنا الشيخ الأجلّ السيّد المفيد أبو عليّ الحسن بن محمّد الطوسي رضى الله عنه بالمشهد المذكور ، في العشر الأواخر من ذي القعدة ، سنة تسع وخمسمئة ، قال : حدّثنا السيّد السعيد الوالد أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي رضى الله عنه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن محمّد بن أشناس البزّاز ، قال : أخبرنا أبو الحسين محمّد بن أحمد بن يحيى القمّي ، قال : حدّثنا محمّد بن عليّ بن زنجويه القمّي ، قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميريّ ، قال : قال أبو عليّالحسن بن أشناس :

أخبرنا أبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه الشيبانيّ ، أنّ أبا جعفر محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميريّ أخبره وأجاز له جميع ما رواه ، أنّه خرج إليه من الناحية (1) _ حرسها اللّه _ بعد المسائل والصلاة والتوجّه ، أوّله : (2) .


1- .وفي مصباح الزائر _ صدره _ : «زيارة ثانية لمولانا صاحب الزمان صلوات اللّه عليه ، وهي المعروفة بالندبة ، خرجت من الناحية المحفوفة بالقدس إلى أبي جعفر محمّد بن عبد اللّه الحميريّ رحمه الله ، وأمر أن تُتلى في السرداب المقدّس ، وهي : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، لا لأمر اللّه تعقلون . . . » .
2- .وفي المزار الكبير _ صدره _ : « باب التوجّه إلى الحجّة صاحب الزمان صلوات اللّه عليه بعد صلاة اثنتي عشرة ركعة ، تقرأ فيها « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » ركعتين ركعتين ، وتصلّي على محمّد وآله عليهم السلام كثيراً . قال أبو عليّ الحسن بن أشناس : وأخبرنا أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد الدعلجيّ ، قال : أخبرنا أبو الحسين حمزة بن محمّد بن الحسن بن شبيب ، قال : عرّفنا أبو عبد اللّه أحمد بن إبراهيم ، قال : شكوت إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان شوقيّ إلى رؤية مولانا عليه السلام ، فقال لي : مع الشوق تشتهي أن تراه ؟ فقلت له : نعم ، فقال لي : شكر اللّه لك شوقك وأراك وجهك في يسرٍ وعافية ، لا تلتمس يا أبا عبد اللّه أن تراه ، فإنّ أيّام الغيبة تشتاق إليه ، ولا تسأل الاجتماع معه ، إنّها عزائم اللّه والتسليم لها أولى ، ولكن توجّه إليه بالزيارة . فأمّا كيف يعمل وما أملاه عند محمّد بن عليّ فانسخوه من عنده ، وهو التوجّه إلى الصاحب بالزيارة بعد صلاة اثنتي عشرة ركعة ، تقرأ « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » في جميعها ركعتين ركعتين ، ثمّ تصلّي على محمّد وآله ، وتقول قول اللّه جلّ اسمه : « سَلَ_مٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ » ، ذلك هو الفضل المبين من عند اللّه واللّه ذو الفضل العظيم ، إمامه من يهديه صراطه المستقيم ، وقد آتاكم اللّه خلافته يا آل ياسين ، وذكرنا في الزيارة ، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين »(المزار الكبير: ص585 ) .

ص: 178

255.الإمام عليّ عليه السلام :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم

لَا لِأَمرِ اللّهِ تَعقِلُونُ ، وَلَا مِن أَولِيَائِهِ تَقبَلُونَ ، حِكمَةٌ بَالِغَةٌ (1) عَن قَومٍ لَا يُؤمِنُونَ ، وَالسَّلَامُ عَلَينَا وَعَلَى عِبَادِ اللّهِ الصَّالِحِينَ .

فَإِذَا أَردَتُم التَّوَجُّهَ بِنَا إِلَى اللّهِ تَعَالَى وَإِلَينَا ، فَقُولُوا كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَى : (2) « سَلَ_مٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ » (3) ، ذَلِكَ هُوَ الفَضلُ المُبِينُ ، وَاللّهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ ، لِمَن يَهدِيهِ صِرَاطَهُ المُستَقِيمَ .

التوجّه : قَد آتَاكُمُ اللَّهُ يَا آلَ يَاسِينَ خِلَافَتَهُ ، وَعِلمَ مَجَارِي أَمرِهِ فِيمَا قَضَاهُ وَدَبَّرَهُ ، وَأَرَادَهُ فِي مَلَكُوتِهِ (4) فَكَشَفَ لَكُمُ الغِطَاءَ ، وَأَنتُم خَزَنَتُهُ وَشُهَدَاؤُهُ ، وَعُلَمَاؤُهُ وَأُمَنَاؤُهُ ، وَسَاسَةُ العِبَادِ ، وَأَركَانُ البِلَادِ ، وَقُضَاةُ الأَحكَامِ ، وَأَبوَابُ الإِيمَانِ (5) .

وَمِن تَقدِيرِهِ مَنَائِحَ العَطَاءِ بِكُم إِنفَاذُهُ مَحتُوماً مَقرُوناً ، فَمَا شَيءٌ مِنهُ إِلَا وَأَنتُم لَهُ السَّبَبُ وَإِلَيهِ السَّبِيلُ ، خِيَارُهُ لِوَلِيِّكُم نِعمَةٌ ، وَانتِقَامُهُ مِن عَدُوِّكُم سَخطَةٌ ، فَلَا نَجَاةَ وَلَا مَفزَعَ إِلَا أَنتُم ، وَلَا مَذهَبَ عَنكُم ، يَا أَعيُنَ اللَّهِ النَّاظِرَةَ ، وَحَمَلَةَ مَعرِفَتِهِ ، وَمَسَاكِنَ تَوحِيدِهِ فِي أَرضِهِ وَسَمَائِهِ ، وَأَنتَ يَا حُجَّةَ اللَّهِ وَبَقِيَّتَهُ ، كَمَالَ نِعمَتِهِ ، وَوَارِثَ أَنبِيَائِهِ .


1- .زاد في البحار : « فما تغني الآيات والنذر » .
2- .وليس في مصباح الزائر : « فإذا أردتم التوجّه بنا إلى اللّه تعالى وإلينا ، فقولوا كما قال اللّه تعالى » ، وكذا ليس في البحار : « فقولوا كما قال اللّه تعالى » .
3- .الصافات : 130 .
4- .المَلكوت : مختصٌّ بملك اللّه تعالى ( مفردات ألفاظ القرآن : ص 775 ) .
5- .وزاد في المصباح « وسلالة النبيّين ، وصفّوة المرسلين ، وعترة خيرة ربّ العالمين » .

ص: 179

255.الإمام عليّ عليه السلام :وَخُلَفَائِهِ مَا بَلَغنَاهُ مِن دَهرِنَا ، وَصَاحِبُ الرَّجعَةِ لِوَعدِ رَبِّنَا الَّتِي فِيهَا دَولَةُ الحَقِّ وَفَرَجُنَا ، وَنَصرُ اللَّهِ لَنَا وَعِزُّنَا .

السَّلَامُ عَلَيكَ أَيُّهَا العَلَمُ المَنصُوبُ ، وَالعِلمُ المَصبُوبُ ، وَالغَوثُ وَالرَّحمَةُ الوَاسِعَةُ ، وَعداً غَيرَ مَكذُوبٍ .

السَّلَامُ عَلَيكَ يَا صَاحِبَ المَرأَى وَالمَسمَعِ الَّذِي بِعَينِ اللَّهِ مَوَاثِيقُهُ ، وَبِيَدِ اللَّهِ عُهُودُهُ ، وَبِقُدرَةِ اللَّهِ سُلطَانُهُ . أَنتَ الحَكِيمُ الَّذِي لَا تُعَجِّلُهُ العَصَبِيَّةُ (1)

، وَالكَرِيمُ الَّذِي لَا تُبَخِّلُهُ الحَفِيظَةُ ، وَالعَالِمُ الَّذِي لَا تُجَهِّلُهُ الحَمِيَّةُ ، مُجَاهَدَتُكَ فِي اللَّهِ ذَاتُ مَشِيَّةِ اللَّهِ ، وَمُقَارَعَتُكَ فِي اللَّهِ ذَاتُ انتِقَامِ اللَّهِ ، وَصَبرُكَ فِي اللَّهِ ذُو أَنَاةِ اللَّهِ ، وَشُكرُكَ لِلَّهِ ذُو مَزِيدِ اللَّهِ وَرَحمَتِهِ .

السَّلَامُ عَلَيكَ يَا مَحفُوظاً بِاللَّهِ ، اللَّهُ نُورُ أَمَامِهِ وَوَرَائِهِ ، وَيَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ، وَفَوقِهِ وَتَحتِهِ .

السَّلَامُ عَلَيكَ يَا مَخزُوناً (2) فِي قُدرَةِ اللَّهِ ، اللَّهُ نُورُ سَمعِهِ وَبَصَرِهِ .

السَّلَامُ عَلَيكَ يَا وَعدَ اللَّهِ الَّذِي ضَمِنَهُ ، وَيَا مِيثَاقَ اللَّهِ الَّذِي أَخَذَهُ وَوَكَّدَهُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ يَا دَاعِيَ اللَّهِ وَرَبَّانِي آياتِهِ ، السَّلَام عَلَيكَ يَا بَابَ اللَّه وَديَّانَ دِينِهِ .

السَّلَامُ عَلَيكَ يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ وَنَاصِرَ حَقِّهِ ، السَّلَامُ عَلَيكَ يَا حُجَّةَ اللَّهِ وَدَلِيلَ إِرَادَتِهِ ، السَّلَامُ عَلَيكَ يَا تَالِيَ كِتَابِ اللَّهِ وَتَرجُمَانَهُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ فِي آنَاءِ لَيلِكَ وَنَهَارِكَ ، السَّلَامُ عَلَيكَ يَا بَقِيَّةَ اللَّهِ فِي أَرضِهِ . .


1- .في المصباح : «المعصية» بدل «العصبية ».
2- .في البحار : «محروزاً» بدل «مخزوناً » .

ص: 180

255.الإمام عليّ عليه السلام :السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تَقُومُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تَقعُدُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تَقرَأُ وَتُبَيِّنُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تُصَلِّي وَتَقنُتُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تَركَعُ وَتَسجُدُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تَعَوَّذُ وَتُسَبِّحُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تَحمَدُ وَتَستَغفِرُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تُمَجِّدُ وَتَمدَحُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ حِينَ تُمسِي وَتُصبِحُ ، السَّلَامُ عَلَيكَ فِي اللَّيلِ إِذا يَغشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلّى ، السَّلَامُ عَلَيكَ فِي الآخِرَةِ وَالأُولَى .

السَّلَامُ عَلَيكُم يَا حُجَجَ اللَّهِ وَرُعَاتَنَا (1) ، وَقَادَتَنَا وَأَئِمَّتَنَا ، وَسَادَتَنَا وَمَوَالِيَنَا ، السَّلَامُ عَلَيكُم أَنتُم نُورُنَا ، وَأَنتُم جَاهُنَا أَوقَاتَ صَلَوَاتِنَا ، وَعِصمَتُنَا بِكُم لِدُعَائِنَا وَصَلَاتِنَا ، وَصِيَامِنَا وَاستِغفَارِنَا ، وَسَائِرِ أَعمَالِنَا .

السَّلَامُ عَلَيكَ أَيُّهَا الإِمَامُ المَأمُولُ (2) ، السَّلَامُ عَلَيكَ بِجَوَامِعِ السَّلَامِ ، أُشهِدُ كَ يَا مَولَايَ أَنِّي أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَا اللَّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ ، لَا حَبِيبَ إِلَا هُوَ وَأَهلُهُ ، وَأَنَّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ حُجَّتُهُ ، وَأَنَّ الحَسَنَ حُجَّتُهُ ، وَأَنَّ الحُسَينَ ، حُجَّتُهُ وَأَنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ ، حُجَّتُهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ حُجَّتُهُ ، وَأَنَّ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ ، وَأَنَّ مُوسَى بنَ جَعفَرٍ حُجَّتُهُ ، وَأَنَّ عَلِيَّ بنَ مُوسَى حُجَّتُهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ حُجَّتُهُ ، وَأَنَّ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ ، وَأَنَّ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ حُجَّتُهُ ، وَأَنتَ حُجَّتُهُ ، وَأَنَّ الأَنبِيَاءَ دُعَاةٌ وَهُدَاةُ رُشدِكُم . .


1- .وفي المصباح والبحار : « ورعاتنا وهداتنا ودعاتنا» بدل « ورعاتنا» .
2- .في البحار : « السلام عليك أيّها الإمام المأمون ، السلام عليك أيّها الإمام المقدّم المأمول » بدل « السلام عليك أيّها الإمام المأمول » .

ص: 181

255.الإمام عليّ عليه السلام :أَنتُمُ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَخَاتِمَتُهُ ، وَأَنَّ رَجعَتَكُم حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهَا ، يَوم (1) لَا يَنفَعُ نَفساً إِيمانُها لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ أَو كَسَبَت فِي إِيمانِها خَيراً ، وَأَنَّ المَوتَ حَقٌّ ، وَأَنَّ مُنكَراً وَنَكِيراً حَقٌّ ، وَأَنَّ النَّشرَ حَقٌّ ، وَالبَعثَ حَقٌّ ، وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ ، وَالمِرصَادَ حَقٌّ ، وَأَنَّ المِيزَانَ حَقٌّ ، وَالحِسَابَ حَقٌّ ، وَأَنَّ الجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ ، وَالجَزَاءَ بِهِمَا لِلوَعدِ وَالوَعِيدِ حَقٌّ ، وَأَنَّكُم لِلشَّفَاعَةِ حَقٌّ ، لَا تُرَدُّونَ وَلَا تُسبَقُونَ ، بِمَشِيَّةِ اللَّهِ وَبِأَمرِهِ تَعمَلُونَ ، وَلِلَّهِ الرَّحمَةُ وَالكَلِمَةُ العُليَا ، وَبِيَدِهِ الحُسنَى وَحُجَّةُ اللَّهِ النُّعمَى ، خَلَقَ الجِنَّ وَالإِنسَ لِعِبَادَتِهِ ، أَرَادَ مِن عِبَادِهِ عِبَادَتَهُ ، فَشَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ، قَد شَقِيَ مَن خَالَفَكُم ، وَسَعِدَ مَن أَطَاعَكُم .

وَأَنتَ يَا مَولَايَ فَاشهَد بِمَا أَشهَدتُكَ عَلَيهِ ، تَخزُنُهُ وَتَحفَظُهُ لِي عِندَكَ ، أَمُوتُ عَلَيهِ وَأُنشَرُ عَلَيهِ ، وَأَقِفُ بِهِ وَلِيّاً لَكَ ، بَرِيئاً مِن عَدُوِّكَ ، مَاقِتاً لِمَن أَبغَضَكُم ، وَادّاً لِمَن أَحبَبكُم ، فَالحَقُّ مَا رَضِيتُمُوهُ ، وَالبَاطِلُ مَا أَسخَطتُمُوهُ ، وَالمَعرُوفُ مَا أَمَرتُم بِهِ ، وَالمُنكَرُ مَا نَهَيتُم عَنهُ ، وَالقَضَاءُ المُثبَتُ مَا استَأثَرَت بِهِ مَشِيئَتُكُم ، وَالمَمحُوُّ مَا لَا استَأثَرَت بِهِ سُنَّتُكُم .

فَلَا إِلَهَ إِلَا اللَّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَمُحَمَّدٌ عَبدُهُ وَرَسُولُهُ ، عَلِيٌّ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ حُجَّتُهُ ، الحَسَنُ حُجَّتُهُ ، الحُسَينُ حُجَّتُهُ ، عَلِيٌّ حُجَّتُهُ ، مُحَمَّدٌ حُجَّتُهُ ، جَعفَرٌ حُجَّتُهُ ، مُوسَى حُجَّتُهُ ، عَلِيٌّ حُجَّتُهُ ، مُحَمَّدٌ حُجَّتُهُ ، عَلِيٌّحُجَّتُهُ ، الحَسَنُ حُجَّتُهُ ، وَأَنتَ حُجَّتُهُ ، وَأَنتُم حُجَجُهُ وَبَرَاهِينُهُ .

أَنَا يَا مَولَايَ مُستَبشِرٌ بِالبَيعَةِ الَّتِي أَخَذَ اللَّهُ عَلَيَّ شَرطَهُ ، قِتَالاً فِي سَبِيلِهِ ، اشتَرَى بِهِ .


1- .وليس في المصباح : «يوم» .

ص: 182

255.الإمام عليّ عليه السلام :أَنفُسَ المُؤمِنِينَ ، فَنَفسِي مُؤمِنَةٌ بِاللَّهِ (1) وَبِكُم يَا مَولَاي ، أَوَّلِكُم وَآخِرِكُم ، وَنُصرَتِي لَكُم مُعَدَّةٌ ، وَمَوَدَّتِي خَالِصَةٌ لَكُم ، وَبَرَاءَتِي مِن أَعدَائِكُم _ أَهلِ الحَردَةِ (2) وَالجِدَالِ _ ثَابِتَةٌ لِثَارِكُم ، أَنَا وَلِيٌّ وَحِيدٌ ، وَاللَّهُ إِلَهُ الحَقِّ يَجعَلَنِي كَذَلِكَ ، آمِينَ آمِينَ .

مَن لِي إِلَا أَنتَ فِيمَا دِنتُ وَاعتَصَمتُ بِكَ فِيهِ ، تَحرُسُنِي فِيمَا تَقَرَّبتُ بِهِ إِلَيكَ ، يَا وِقَايَةَ اللَّهِ وَسِترَهُ وَبَرَكَتَهُ ، أَغِثنِي (3) ، أَدرِكنِي ، صِلنِي بِكَ وَلَا تَقطَعنِي .

اللَّهُمَّ إِلَيكَ بِهِم تَوَسُّلِي وَتَقَرُّبِي ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِه ، وَصِلنِي بِهِم وَلَا تَقطَعنِي ، اللَّهُمَّ بِحُجَّتِكَ اعصِمنِي ، وَسَلَامُكَ عَلَى آلِ يَاسِينَ ، مَولَايَ أَنتَ الجَاهُ عِندَ اللَّهِ رَبِّكَ وَرَبِّي (4) .

الدعاء بعقب القول : (5)

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذِي خَلَقتَهُ مِن كَلَّكَ (6) فَاستَقَرَّ فِيكَ فَلَا يَخرُجُ مِنكَ إِلَى شَيءٍ أَبَداً ، أَيَا كَينُونُ أَيَا مُكَوِّنُ (7) ، أَيَا مُتَعَالِ أَيَا مُتَقَدِّسُ ، أَيَا مُتَرَحِّمُ أَيَا مُتَرَئِّفُ ، أَيَا مُتَحَنِّنُ ، أَسأَلُكَ كَمَا خَلَقتَهُ غَضّاً أَن تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيِّ رَحمَتِكَ ، وَكَلِمَةِ نُورِكَ ، وَوَالِدِ هُدَاةِ رَحمَتِكَ ، وَاملَأ قَلبِي نُورَ اليَقِينِ ، وَصَدرِي نُورَ الإِيمَانِ ، وَفِكرِي نُورَ الثَّبَاتِ ، وَعَزمِي نُورَ التَّوفِيقِ ، وَذَكَائِي نُورَ العِلمِ ، وَقُوَّتِي نُورَ العَمَلِ ، وَلِسَانِي نُورَ .


1- .وفي المصباح والبحار : « فنفسي مؤمنة باللّه وحده لا شريك له ، وبرسوله وبأمير المؤمنين » بدل « فنفسي مؤمنة باللّه » .
2- .حَرد : غَضَب وحِقد (مجمع البحرين : ج 1 ص 383) .
3- .وفى المصباح : « أغثني أدنني أعنّي » بدل « أغثني » .
4- .وفي المصباح : «ربّك وربّي إنّه حميد مجيد» بدل «ربّك وربّي» .
5- .وليس في المصباح : « الدعاء بعقب القول ».
6- .في المصباح : «ذلك» بدل «كلك ».
7- .وفي البحار : « أيا مكنون» بدل «أيا مكوّن» .

ص: 183

104 . كتابٌ له عليه السلام في زيارة الناحية المقدّسة

255.الإمام عليّ عليه السلام :الصِّدقِ ، وَدِينِي نُورَ البَصَائِرِ مِن عِندِكَ ، وَبَصَرِي نُورَ الضِّيَاءِ ، وَسَمعِي نُورَ وَعيِ الحِكمَةِ ، وَمَوَدَّتِي نُورَ المُوَالَاةِ لِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ عليهم السلام ، وَنَفسِي نُورَ قُوَّةِ البَرَاءَةِ (1) مِن أَعدَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ ، حَتَّى أَلقَاكَ وَقَد وَفَيتُ بِعَهدِكَ وَمِيثَاقِكَ ، فَلتَسَعنِي رَحمَتُكَ يَا وَلِيُّ يَا حَمِيدُ ، بِمَرآكَ وَمَسمَعِكَ يَا حُجَّةَ اللَّهِ دُعَائِي ، فَوَفِّنِي مُنجِزَاتِ إِجَابَتِي ، أَعتَصِمُ بِكَ ، مَعَكَ مَعَكَ سَمعِي وَرِضَايَ (2) . (3)104كتابٌ له عليه السلامفي زيارة الناحية المقدّسة259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :قال مؤلّف المزار الكبير : زيارة أُخرى في يوم عاشوراء لأبي عبد اللّه الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليه ، وممّا خرج من الناحية عليه السلام إلى أحد الأبواب ، قال : تقف عليه وتقول :السَّلَامُ عَلَى آدَمَ صَفوَةِ اللّهِ مِن خَلِيقَتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى شَيثٍ وَلِيِّ اللّهِ وَخِيرَتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى إِدرِيسَ القَائِمِ للّهِ بِحُجَّتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى نُوحٍ المُجَابِ فِي دَعوَتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى هُودٍ المَمدُودِ مِنَ اللّهِ بِمَعُونَتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى صَالحٍ الَّذِي تَوَجَّهَ اللّهُ بِكَرَامَتِهِ .

.


1- .في المصباح : «ولقّني» بدل «ونفعي » . وفي البحار : « ويقيني قوّة البراءة» بدل « ونفسي نور قوّة البراءة» .
2- .وفي المصباح والبحار : « ورضاي يا كريم» بدل «ورضاي » .
3- .المزار الكبير : ص 566 ، مصباح الزائر : ص 430 ، بحار الأنوار : ج 94 ص 36 ح 23 .

ص: 184

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :السَّلَامُ عَلَى إِبرَاهِيمَ الَّذِي حَبَاهُ اللّهُ بِخِلَّتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى إِسمَاعِيلَ الَّذِي فَدَاهُ اللّهُ بِذبِحٍ عَظِيمٍ مِن جَنَّتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى إِسحَاقَ الَّذِي جَعَلَ اللّهُ النُّبُوَّةَ فِي ذُرِّيَّتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى يَعقَوبَ الَّذِي رَدَّ اللّهُ عَلَيهِ بَصَرَهُ بِرَحمَتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى يُوسُفَ الَّذي نَجَّاهُ اللّهُ مِنَ الجُبِّ (1) بِعَظَمتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى مُوسَى الَّذِي فَلَقَ (2) اللّهُ البَحرَ لَهُ بِقُدرَتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى هَارُونَ الَّذِي خَصَّهُ اللّهُ بِنُبُوَّتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى شُعَيبٍ الَّذِي نَصَرَهُ اللّهُ عَلَى أُمَّتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى دَاوُودَ الَّذِي تَابَ اللّهُ عَلَيهِ مِن خَطِيئَتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى سُلَيمَانَ الَّذِي ذَلَّتَ لَهُ الجِنُّ بِعِزَّتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى أَيُّوبَ الَّذِي شفَاهُ اللّهُ مِن عِلَّتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى يُونُسَ الَّذِي أَنجَزَ اللّهُ لَهُ مَضمُونَ عِدَّتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى عُزَيرٍ الّذِي أَحيَاهُ اللّهُ بَعدَ مِيتَتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى زَكَرِيَّا الصَّابِرِ فِي مِحنَتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى يَحيَى الَّذِي أَزلَفَهُ (3) اللّهُ بِشَهَادَتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى عِيسَى رُوحِ اللّهِ وَكَلِمَتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللّهِ وَصَفوَتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ المَخصُوصِ بِأُخُوَّتِهِ . .


1- .الجُبّ : أي بئر لم تُطَو ( مفردات ألفاظ القرآن : ص 182 ) .
2- .الفَلق : شَقّ الشيء وإبانة بعضه عن بعض ( مفردات ألفاظ القرآن : ص 645 ) .
3- .أزلَفَها : قدّمها ، والأصل فيه القُرب والتقدّم ( النهاية : ج 2 ص 309 ) .

ص: 185

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :السَّلَامُ عَلَى فَاطِمَةَ الزَّهَراءِ اِبنَتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ وَصِيِّ أَبِيهِ وَخَلِيفَتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى الحُسَينِ الَّذِي سَمَحَت نَفسُهُ بِمُهَجتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى مَن أَطَاعَ اللّهَ فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى مَن جُعِلَ الشِّفَاءُ فِي تُربَتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى مَنِ الإِجَابَةُ تَحتَ قُبَّتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى مَنِ الأَئِمَّةُ مِن ذُرِّيَّتِهِ .

السَّلَامُ عَلَى ابنِ خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ .

السَّلَامُ عَلَى ابنِ سَيِّدِ الأَوصِيَاءِ .

السَّلَامُ عَلَى ابنِ فَاطِمَةَ الزَّهرَاءِ .

السَّلَامُ عَلَى ابنِ خَدِيجَةَ الكُبرَى .

السَّلَامُ عَلَى ابنِ سِدرَةِ المُنتَهَى (1) .

السَّلَامُ عَلَى ابنِ جَنَّةِ المَأوَى .

السَّلَامُ عَلَى ابنِ زَمزَمَ وَالصَّفَا .

السَّلَامُ عَلَى المُرَمَّلِ (2) بِالدِّمَاءِ .

السَّلَامُ عَلَى مَهتُوكِ الخِبَاءِ (3) .

السَّلَامُ عَلَى خَامِسِ أَصحَابِ أَهلِ الكِسَاءِ . .


1- .سِدرَةُ المُنتهى : شجرة في أقصى الجنّة إليها ينتهي علم الأوّلين والآخرين ( النهاية : ج 2 ص 353 ) .
2- .رَمَّله بالدماء فترمّل : أي تَلَطَّخَ ( الصحاح : ج 4 ص 1713 ) .
3- .الخِباء : أحد بيوت العرب من وبر وصوف ، ولا يكون من شعر ، ويكون على عمودين أو ثلاثة ، والجمع أخبية ( النهاية : ج 2 ص 9 ) .

ص: 186

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :السَّلَامُ عَلَى غَرِيبِ الغُرَبَاءِ .

السَّلَامُ عَلَى شَهِيدِ الشُّهَدَاءِ .

السَّلَامُ عَلَى قَتِيلِ الأَدعِيَاءِ .

السَّلَامُ عَلَى سَاكِنِ كَربَلَاءَ .

السَّلَامُ عَلَى مَن بَكَتهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ .

السَّلَامُ عَلَى مَن ذُرِّيَّتُهُ الأَزكِيَاءُ .

السَّلَامُ عَلَى يَعسُوبِ (1) الدِّينِ .

السَّلَامُ عَلَى مَنَازِلِ البَرَاهِينِ .

السَّلَامُ عَلَى الأَئِمَّةِ السَّادَاتِ .

السَّلَامُ عَلَى الجُيُوبِ (2) المُضَرَّجَاتِ (3) .

السَّلَامُ عَلَى الشِّفَاهِ الذَّابِلَاتِ (4) .

السَّلَامُ عَلَى النُّفُوسِ المُصطَلَمَاتِ (5) .

السَّلَامُ عَلَى الأَروَاحِ المُختَلَسَاتِ .

السَّلَامُ عَلَى الأَجسَادِ العَارِيَاتِ .

السَّلَامُ عَلَى الجُسُومِ الشَّاحِبَاتِ (6) .

السَّلَامُ عَلَى الدِّمَاءِ السَّائِلَاتِ . .


1- .اليعسوب : السيّد والرئيس والمقدّم ، وأصله : فحل النحل ( النهاية : ج 3 ص 234 ) .
2- .الجَيب : القميص ما ينفتح على النحر ، والجمع : أجياب وجيوب ( المصباح المنير : ص 115) .
3- .ضرّجه : أي شقّه ، وعين مضروجة : أي واسع الشقّ ، والانضراج : الانشقاق ( الصحاح : ج 1 ص 326 ) .
4- .ذبل النبات : قلّ ماؤها وذهبت نضارته (راجع : النهاية : ج 2 ص 155 ).
5- .الاصطلام : افتعال من الصَّلم : القطع (النهاية : ج 3 ص 49 ) .
6- .الشاحب : المتغيّر اللّون والجسم لعارض من سفر أو مرض ونحوها ( النهاية : ج 2 ص 448 ) .

ص: 187

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :السَّلَامُ عَلَى الأَعضَاءِ المُقَطَّعَاتِ .

السَّلَامُ عَلَى الرُّؤُوسِ المُشَالَاتِ .

السَّلَامُ عَلَى النِّسوَةِ البَارِزَاتِ .

السَّلَامُ عَلَى حُجَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ .

السَّلَامُ عَلَيكَ وَعَلَى آبَائِكَ الطَّاهِرِينَ .

السَّلَامُ عَلَيك وَعَلَى أَبنَائِكَ المُستَشهَدِينَ .

السَّلَامُ عَلَيكَ وَعَلَى ذُرِّيَّتِكَ النَّاصِرِينَ .

السَّلَامُ عَلَيكَ وَعَلَى المَلَائِكَةِ المُضَاجِعِينَ .

السَّلَامُ عَلَى القَتِيلِ المُظلُومِ .

السَّلَامُ عَلَى أَخِيهِ المُسمُومِ .

السَّلَامُ عَلَى عَلِيِّ الكَبِيرِ .

السَّلَامُ عَلَى الرَّضِيعِ الصَّغِيرِ .

السَّلَامُ عَلَى الأَبدَانِ السَّلِيبَةِ .

السَّلَامُ عَلَى العِترَةِ القَرِيبَةِ .

السَّلَامُ عَلَى المُجَدَّلِينَ (1) فِي الفَلَوَاتِ .

السَّلَامُ عَلَى النَّازِحِينَ عَنِ الأَوطَانِ .

السَّلَامُ عَلَى المَدفُونِينَ بِلَا أَكفَانٍ .

السَّلَامُ عَلَى الرُّؤُوسِ المُفَرَّقَةِ عَنِ الأَبدَانِ .

السَّلَامُ عَلَى المُحتَسِبِ الصَّابِرِ .

السَّلَامُ عَلَى المَظلُومِ بِلَا نَاصِرٍ . .


1- .مُجَدَّلاً : أي مَرمِيّا ملقىً على الأرض قتيلاً ( النهاية : ج 1 ص 248 ) .

ص: 188

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :السَّلَامُ عَلَى سَاكِنِ التُّربَةِ الزَّاكِيَةِ .

السَّلَامُ عَلَى صَاحِبِ القُبَّةِ السَّامِيَةِ .

السَّلَامُ عَلَى مَن طَهَّرَهُ الجَلِيلُ .

السَّلَامُ عَلَى مَن افتَخَرَ بِهِ جَبرَئِيلُ .

السَّلَامُ عَلَى مَن نَاغَاهُ (1) فِي المَهدِ مِيكَائِيلُ .

السَّلَامُ عَلَى مَن نُكِثَت ذِمَّتُهُ .

السَّلَامُ عَلَى مَن هُتِكَت حُرمَتُهُ .

السَّلَامُ عَلَى مَن أُرِيقَ بِالظُّلمِ دَمُهُ .

السَّلَامُ عَلَى المُغَسَّلِ بِدَمِ الجِرَاحِ .

السَّلَامُ عَلَى المُجَرَّعِ بِكَاسَاتِ الرِّمَاحِ .

السَّلَامُ عَلَى المُضَامِ المُسَتَباحِ .

السَّلَامُ عَلَى المَهجُورِ فِي الوَرَى .

السَّلَامُ عَلَى مَن تَوَلَّى دَفنَهُ أَهلُ القُرَى .

السَّلَامُ عَلَى المَقطُوعِ الوَتِينِ (2) .

السَّلَامُ عَلَى المُحَامِي بِلَا مُعِينِ .

السَّلَامُ عَلَى الشَّيبِ الخَضِيبِ .

السَّلَامُ عَلَى الخّدِّ التَّرِيبِ .

السَّلَامُ عَلَى البَدَنِ السَّلِيبِ . .


1- .نَاغَتِ الاُمّ صبّيها : لاطفته وشاغلته بالمحادثة والملاعبة ( النهاية : ج 5 ص 88 ) .
2- .الوَتِين : عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه (النهاية : ج 5 ص 150) .

ص: 189

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :السَّلَامُ عَلَى الثِّغرِ المَقرُوعِ بِالقَضِيبِ .

السَّلَامُ عَلَى الوَدَجِ (1) المَقطُوعِ .

السَّلَامُ عَلَى الرَّأسِ المَرفُوعِ .

السَّلَامُ عَلَى الأَجسَامِ العَارِيَةِ فِي الفَلَوَاتِ ، تَنهَشُهَا الذِّئَابُ العَادِيَاتِ ، وَتَختَلِفُ إِلَيهَا السَّبَاعُ الضَّارِيَاتِ .

السَّلَامُ عَلَيك يَا مَولَايَ ، وَعَلَى المَلَائِكَةِ المُرفُوفِينَ حَولَ قُبَّتِكَ ، الحَافِّينَ بِتُربَتِكَ ، الطَّائِفِينَ بِعَرصَتِكَ ، الوَارِدِينَ لِزِيَارَتِكَ .

السَّلَامُ عَلَيكَ فَإِنِّي قَصَدتُ إِلَيكَ وَرَجَوتُ الفَوزَ لَدَيكَ .

السَّلَامُ عَلَيكَ ، سَلَامَ العَارِفِ بِحُرمَتِكَ ، المُخلِصِ فِي وَلَايَتِكَ ، المُتَقَرِّبِ إِلَى اللَّهِ بِمَحَبَّتِكَ ، البَرِيءِ مِن أَعدَائِكَ ، سَلَامَ مَن قَلبُهُ بِمُصَابِكَ مَقرُوحٌ ، وَدَمعُهُ عِندَ ذِكرِكَ مَسفُوحٌ ، سَلَامَ المَفجُوعِ المَحزُونِ الوَالِهِ (2) المُستَكِينِ ، سَلَامَ مَن لَو كَانَ مَعَكَ بِالطُّفُوفِ لَوَقَاكَ بِنَفسِهِ حَدَّ السُّيُوفِ ، وَبَذَلَ حُشَاشَتَهُ (3) دُونَكَ لِلحُتُوفِ (4) ، وَجَاهَدَ بَينَ يَدَيكَ ، وَنَصَرَكَ عَلَى مَن بَغَى عَلَيكَ ، وَفَدَاكَ بِرُوحِهِ وَجَسَدِهِ ، وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ ، وَرُوحُهُ لِرُوحِكَ فِدَاءٌ ، وَأَهلُهُ لِأَهلِكَ وِقَاءٌ .

فَلَئِن أَخَّرَتنِي الدُّهُورُ ، وَعَاقَنِي عَن نَصرِكَ المَقدُورُ ، وَلَم أَكُن لِمَن حَارَبَكَ مُحَارِباً ، وَلِمَن نَصَبَ لَكَ العَدَاوَةَ مُنَاصِباً ، فَلَأَندُبَنَّكَ صَبَاحاً وَمَسَاءً ، وَلَأَبكِيَنَّ لَكَ .


1- .الأوداج : هي ما أحاط بالعنق من العروق (النهاية : ج 5 ص 165) .
2- .وَالِه : إذا ذهب عقلُه من فرحٍ أو حزنٍ ( المصباح المنير : ص 672 ) .
3- .بِحُشَاشَة نَفسِها : أي برمق بقيّة الحياة والروح ( النهاية : ج 1 ص 391 ) .
4- .الحَتف : الهلاك (النهاية : ج 1 ص 337) .

ص: 190

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :بَدَلَ الدُّمُوعِ دَماً ؛ حَسرَةً عَلَيكَ وَتَأَسُّفاً عَلَى مَا دَهَاكَ وَتَلَهُّفاً ، حَتَّى أَمُوتَ بِلَوعَةِ المُصَابِ وَغُصَّةِ الِاكتِئَابِ .

أَشهَدُ أَنَّكَ قَدأَقَمتَ الصَّلَاةَ ، وَآتَيتَ الزَّكَاةَ ، وَأَمَرتَ بِالمَعرُوفِ ، وَنَهَيتَ عَنِ المُنكَرِ وَالعُدوَانِ ، وَأَطَعتَ اللَّهَ وَمَا عَصَيتَهُ ، وَتَمَسَّكتَ بِهِ وَبِحَبلِهِ فَأَرضَيتَهُ وَخَشِيتَهُ ، وَرَاقَبتَهُ وَاستَجَبتَهُ ، وَسَنَنتَ السُّنَنَ ، وَأَطفَأتَ الفِتَنَ ، وَدَعَوتَ إِلَى الرَّشَادِ ، وَأَوضَحتَ سُبُلَ السَّدَادِ ، وَجَاهَدتَ فِي اللَّهِ حَقَّ الجِهَادِ .

وَكُنتَ لِلَّهِ طَائِعاً ، وَلِجَدِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله تَابِعاً وَلِقَولِ أَبِيكَ سَامِعاً ، وَإِلَى وَصِيَّةِ أَخِيكَ مُسَارِعاً ، وَلِعِمَادِ الدِّينِ رَافِعاً ، وَلِلطُّغيَانِ قَامِعاً ، وَلِلطُّغَاةِ مُقَارِعاً ، وَلِلأُمَّةِ نَاصِحاً ، وَفِي غَمَرَاتِ المَوتِ سَابِحاً ، وَلِلفُسَّاقِ مُكَافِحاً ، وَبِحُجَجِ اللَّهِ قَائِماً ، وَلِلإِسلَامِ وَالمُسلِمِينَ رَاحِماً ، وَلِلحَقِّ نَاصِراً ، وَعِندَ البَلَاءِ صَابِراً ، وَلِلدِّينِ كَالِئاً (1) ، وَعَن حَوزَتِهِ مُرَامِياً ، وَعَن شَرِيعَتِهِ مُحَامِياً .

تَحُوطُ الهُدَى وَتَنصُرُهُ ، وَتَبسُطُ العَدلَ وَتَنشُرُهُ ، وَتَنصُرُ الدِّينَ وَتُظهِرُهُ ، وَتَكُفُّ العَابِثَ وَتَزجُرُهُ ، وَتَأخُذُ لِلدَّنِيِّ مِنَ الشَّرِيفِ ، وَتُسَاوِي فِي الحُكمِ بَينَ القَوِيِّ وَالضَّعِيفِ .

كُنتَ رَبِيعَ الأَيتَامِ ، وَعِصمَةَ الأَنَامِ ، وَعِزَّ الإِسلَامِ ، وَمَعدِنَ الأَحكَامِ ، وَحَلِيفَ الإِنعَامِ ، سَالِكاً طَرَائِقَ جَدِّكَ وَأَبِيكَ ، مُشَبَّهاً فِي الوَصِيَّةِ لِأَخِيكَ ، وَفِيَّ الذِّمَمِ (2) رَضِيَّ الشِّيَمِ (3) ، ظَاهِرَ الكَرَمِ ، مُتَهَجِّداً فِي الظُّلَمِ ، قَوِيمَ الطَّرَائِقِ ، كَرِيمَ الخَلَائِقِ ، عَظِيمَ .


1- .كَلَأه : أي حفظه وحرسه ( الصحاح : ج 1 ص 69 ) .
2- .الذِّمّة والذِّمام : وهما بمعنى العهد والأمان والضمان والحرمة والحقّ (النهاية : ج 2 ص 168) .
3- .الشِّيمَة : الخُلق ( الصحاح : ج 5 ص 1964 ) .

ص: 191

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :السَّوَابِقِ ، شَرِيفَ النَّسَبِ ، مُنِيفَ الحَسَبِ ، رَفِيعَ الرُّتَبِ ، كَثِيرَ المَنَاقِبِ ، مَحمُودَ الضَّرَائِبِ ، جَزِيلَ المَوَاهِبِ ، حَلِيمٌ رَشِيدٌ مُنِيبٌ ، جَوَادٌ عَلِيمٌ شَدِيدٌ ، إِمَامٌ شَهِيدٌ أَوَّاهٌ (1) مُنِيبٌ ، حَبِيبٌ مَهِيبٌ .

كُنتَ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه و آله وَلَداً ، وَلِلقُرآنِ مُنقِداً ، وَلِلأُمَّةِ عَضُداً ، وَفِي الطَّاعَةِ مُجتَهِداً ، حَافِظاً لِلعَهدِ وَالمِيثَاقِ ، نَاكِباً (2) عَنِ سُبُلِ الفُسَّاقِ ، وَبَاذِلاً لِلمَجهُودِ ، طَوِيلَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.

زَاهِداً فِي الدُّنيَا زُهدَ الرَّاحِلِ عَنهَا ، نَاظِراً إِلَيهَا بِعَينِ المُستَوحِشِينَ مِنهَا ، آمَالُكَ عَنهَا مَكفُوفَةٌ ، وَهِمَّتُكَ عَن زِينَتِهَا مَصرُوفَةٌ ، وَإِلحَاظُكَ عَن بَهجَتِهَا مَطرُوفَةٌ (3) ، وَرَغبَتُكَ فِي الآخِرَةِ مَعرُوفَةٌ ، حَتَّى إِذَا الجَورُ مَدَّ بَاعَهُ ، وَأَسفَرَ الظُّلمُ قِنَاعَهُ ، وَدَعَا الغَيُّ أَتبَاعَهُ ، وَأَنتَ فِي حَرَمِ جَدِّكَ قَاطِنٌ ، وَلِلظَّالِمِينَ مُبَايِنٌ ، جَلِيسُ البَيتِ وَالمِحرَابِ ، مُعتَزِلٌ عَنِ اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ ، تُنكِرُ المُنكَرَ بِقَلبِكَ وَلِسَانِكَ عَلَى قَدَرِ طَاقَتِكَ وَإِمكَانِكَ ، ثُمَّ اقتَضَاكَ العِلمُ لِلإِنكَارِ ، وَلَزِمَكَ أَن تُجَاهِدَ الفُجَّارَ ، فَسِرتَ فِي أَولَادِكَ وَأَهَالِيكَ ، وَشِيعَتِكَ وَمَوَالِيكَ ، وَصَدَعتَ بِالحَقِّ وَالبَيِّنَةِ ، وَدَعَوتَ إِلَى اللَّهِ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ، وَأَمَرتَ بِإِقَامَةِ الحُدُودِ ، وَالطَّاعَةِ لِلمَعبُودِ ، وَنَهَيتَ عَنِ الخَبَائِثِ وَالطُّغيَانِ ، وَوَاجَهُوكَ بِالظُّلمِ وَالعُدوَانِ .

فَجَاهَدتَهُم بَعدَ الإِيعَاظِ لَهُم ، وَتَأ كِيدِ الحُجَّةِ عَلَيهِم ، فَنَكَثُوا (4) ذِمَامَكَ وَبَيعَتَكَ ، .


1- .الأوَّاه : المتأوّه المُتضَرِّع ، وقيل : الكثير الدعاء (النهاية : ج 1 ص 82) .
2- .نَكَب عنه : أي عَدَل عنه واعتزله ( الصحاح : ج 1 ص 228 ) .
3- .طَرَفَه عنه : أي صرفه وردّه ( الصحاح : ج 4 ص 1395 ) .
4- .النَّكث : نقض العهد (النهاية : ج 5 ص 114) .

ص: 192

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :وَأَسخَطُوا رَبَّكَ وَجَدَّكَ ، وَبَدَءُوكَ بِالحَربِ ، فَثَبَتَّ لِلطَّعنِ وَالضَّربِ ، وَطَحَنتَ جُنُودَ الفُجَّارِ ، وَاقتَحَمتَ قَسطَلَ الغُبَارِ ، مُجَالِداً بِذِي الفَقَارِ ، كَأَنَّكَ عَلِيٌّ المُختَارُ .

فَلَمَّا رَأَوكَ ثَابِتَ الجَأشِ ، غَيرَ خَائِفٍ وَلَا خَاشٍ ، نَصَبُوا لَكَ غَوَائِلَ (1) مَكرِهِم ، وَقَاتَلُوكَ بِكَيدِهِم وَشَرِّهِم ، وَأَمَرَ اللَّعِينُ جُنُودَهُ فَمَنَعُوكَ المَاءَ وَوُرُودَهُ ، وَنَاجَزُوكَ القِتَالَ ، وَعَاجَلُوكَ النِّزَالَ ، وَرَشَقُوكَ بِالسِّهَامِ وَالنِّبَالِ ، وَبَسَطُوا إِلَيكَ أَكُفَّ الِاصطِلَامِ ، وَلَم يَرعَوا لَكَ ذِمَاماً ، وَلَا رَاقَبُوا فِيكَ أَثَاماً فِي قَتلِهِم أَولِيَاءَكَ وَنَهبِهِم رِحَالَكَ ، وَأَنتَ مُقَدَّمٌ فِي الهَبَوَاتِ (2) ، وَمُحتَمِلٌ لِلأَذِيَّاتِ ، وَقَد عَجِبَت مِن صَبرِكَ مَلَائِكَةُ السَّمَاوَاتِ .

وَأَحدَقُوا بِكَ مِن كُلِّ الجِهَاتِ ، وَأَثخَنُوكَ بِالجِرَاحِ ، وَحَالُوا بَينَكَ وَبَينَ الرَّوَاحِ ، وَلَم يَبقَ لَكَ نَاصِرٌ ، وَأَنتَ مُحتَسِبٌ صَابِرٌ ، تَذُبُّ عَن نِسوَتِكَ وَأَولَادِكَ ، حَتَّى نَكَسُوكَ عَن جَوَادِكَ ، فَهَوَيتَ إِلَى الأَرضِ جَرِيحاً ، تَطَؤُوكَ الخُيُولُ بِحَوَافِرِهَا ، وَتَعلُوكَ الطُّغَاةُ بِبَوَاتِرِهَا (3) .

قَد رَشَحَ لِلمَوتِ جَبِينُكَ ، وَاختَلَفَت بِالِانقِبَاضِ وَالِانبِسَاطِ شِمَالُكَ وَيَمِينُكَ ، تُدِيرُ طَرفاً خَفِيّاً إِلَى رَحلِكَ وَبَيتِكَ ، وَقَد شُغِلتَ بِنَفسِكَ عَن وُلدِكَ وَأَهَلِكَ ، وَأَسرَعَ فَرَسُكَ شَارِداً ، وَإِلَى خِيَامِكَ قَاصِداً ، مُحَمحِماً بَاكِياً .

فَلَمَّا رَأَينَ النِّسَاءُ جَوَادَكَ مَخزِيّاً (4) ، وَنَظَرنَ سَرجَكَ عَلَيهِ مَلوِيّاً ، بَرَزنَ مِنَ الخُدُورِ نَاشِرَاتِ الشُّعُورِ ، عَلَى الخُدُودِ لَاطِمَاتٍ ، الوُجُوهِ سَافِراتٍ ، وَبِالعَوِيلِ دَاعِيَاتٍ ، .


1- .الغَوَائِل : أي المهالك (النهاية : ج 3 ص 397) .
2- .الهَبوة : الغَبَرة ، ويقال لدقاق التراب إذا ارتفع : هبا يهبو ( النهاية : ج 5 ص 241 ) .
3- .الباتِر : السيف القاطع (الصحاح : ج 2 ص 584) .
4- .خَزِي خِزيا : ذلّ وهان ( المصباح المنير : ص 168) .

ص: 193

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :وَبَعدَ العِزِّ مُذَلَّلَاتٍ ، وَإِلَى مَصرَعِكَ مِبَادِرَاتٍ .

وَالشِّمرُ جَالِسٌ عَلَى صَدرِكَ ، وَمُولِغٌ (1) سَيفَهُ عَلَى نَحرِكَ ، قَابِضٌ عَلَى شَيبَتِكَ بِيَدِهِ ، ذَابِحٌ لَكَ بِمُهَنَّدِهِ (2) ، قَد سَكَنَت حَوَاسُّكَ ، وَخَفِيَت أَنفَاسُكَ ، وَرُفِعَ عَلَى القَنَا رَأسُكَ ، وَسُبِيَ أَهلُكَ كاَلعَبِيدِ ، وَصُفِّدُوا (3) فِي الحَدِيدِ ، فَوقَ أَقتَابِ المَطِيَّاتِ ، تَلفَحُ وُجُوهَهُم حَرُّ الهَاجِرَاتِ ، يُسَاقُونَ فِي البَرَارِي وَالفَلَوَاتِ ، أَيدِيهِم مَغلُولَةٌ إِلَى الأَعنَاقِ ، يُطَافُ بِهِم فِي الأَسوَاقِ .

فَالوَيلُ لِلعُصَاةِ الفُسَّاقِ ، لَقَد قَتَلُوا بِقَتلِكَ الإِسلَامَ ، وَعَطَّلُوا الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ ، وَنَقَضُوا السُّنَنَ وَالأَحكَامَ ، وَهَدَمُوا قَوَاعِدَ الإِيمَانِ ، وَحَرَّفُوا آيَاتِ القُرآنِ ، وَهَملَجُوا (4) فِي البَغيِ وَالعُدوَانِ .

لَقَد أَصبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مَوتُوراً ، وَعَادَ كِتَابُ اللَّهِ عز و جلمَهجُوراً ، وَغُودِرَ الحَقُّ إِذ قُهِرتَ مَقهُوراً ، وَفُقِدَ بِفَقدِكَ التَّكبِيرُ وَالتَّهلِيلُ ، وَالتَّحرِيمُ وَالتَّحلِيلُ ، وَالتَّنزِيلُ وَالتَّأوِيلُ ، وَظَهَرَ بَعدَكَ التَّغيِيرُ وَالتَّبدِيلُ ، وَالإِلحَادُ وَالتَّعطِيلُ ، وَالأَهوَاءُ وَالأَضَالِيلُ ، وَالفِتَنُ وَالأَبَاطِيلُ .

فَقَامَ نَاعِيكَ عِندَ قَبرِ جَدِّكَ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله ، فَنَعَاكَ إِلَيهِ بِالدَّمعِ الهَطُولِ قَائِلاً : يَا رَسُولَ اللَّهِ قُتِلَ سِبطُكَ وَفَتَاكَ ، وَاستُبِيحَ أَهلُكَ وَحَمَاكَ ، وَسُبِيَت بَعدَكَ ذَرَارِيكَ ، وَوَقَعَ المَحذُورُ بِعِترَتِكَ وَذَوِيكَ ، فَانزَعَجَ الرَّسُولُ وَبَكَى قَلبُهُ المَهُولُ ، وَعَزَّاهُ بِكَ المَلَائِكَةُ وَالأَنبِيَاءُ ، وَفُجِعَت بِكَ أُمُّكَ الزَّهرَاءُ . .


1- .وَلَغ : شَرِب ماءً أو دما ( لسان العرب : ج 8 ص 460 ) .
2- .المُهَنَّد : السيف المطبوع من حديد الهند ( الصحاح : ج 2 ص 557 ) .
3- .صَفَدَه : أي شدّه وأوثقه ( الصحاح : ج 2 ص 498 ) .
4- .الهملجة : حسن سير الدابّة في سرعة ، وأمر مهملَج : أي مذلّل منقاد ( تاج العروس : ج 3 ص 520 ) .

ص: 194

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :وَاختَلَفَت جُنُودُ المَلَائِكَةِ المُقَرَّبِينَ ، تُعَزِّي أَبَاكَ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ ، وَأُقِيمَت لَكَ المَأتَمُ فِي أَعلَى عِلِّيِّينَ ، وَلَطَمَت عَلَيكَ الحُورُ العِينُ ، وَبَكَتِ السَّمَاءُ وَسُكَّانُهَا ، وَالجِنَانُ وَخُزَّانُهَا ، وَالهِضَابُ وَأَقطَارُهَا ، وَالأَرضُ وَأَقطَارُهَا ، وَالبِحَارُ وَحِيتَانُهَا ، ومَكَّةُ وَبُنيَانُهَا ، وَالجِنَانُ وَوِلدَانُهَا ، وَالبَيتُ وَالمَقَامُ ، وَالمَشعَرُ الحَرَامُ ، وَالحِلُّ وَالإِحرَامُ .

اللَّهُمَّ فَبِحُرمَةِ هَذَا المَكَانِ المُنِيفِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاحشُرنِي فِي زُمرَتِهِم ، وَأَدخِلنِي الجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِم .

اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَتَوَسَّلُ إِلَيكَ يَا أَسرَعَ الحَاسِبِينَ ، وَيَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ ، وَيَا أَحكَمَ الحَاكِمِينَ ، بِمُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ ، رَسُولِكَ إِلَى العَالَمِينَ أَجمَعِينَ ، وَبِأَخِيهِ وَابنِ عَمِّهِ الأَنزَعِ (1) البَطِينِ ، العَالِمِ المَكِينِ عَلِيٍّ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ، وَبِفَاطِمَهَ سَيِّدَةِ نِسَاءِ العَالَمِينَ ، وَبِالحَسَنِ الزَّكِيِّ عِصمَةِ المُتَّقِينَ ، وَبِأَبِي عَبدِ اللَّهِ الحُسَينِ أَكرَمِ المُستَشهَدِينَ ، وَبِأَولَادِهِ المَقتُولِينَ ، وَبِعِترَتِهِ المَظلُومِينَ ، وَبِعَلِيِّ بنِ الحُسَينِ زَينِ العَابِدِينَ ، وَبِمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ قِبلَةِ الأَوَّابِينَ (2) ، وَجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ أَصدَقِ الصَّادِقِينَ ، وَمُوسَى بنِ جَعفَرٍ مُظهِرِ البَرَاهِينِ ، وَعَلِيِّ بنِ مُوسَى نَاصِرِ الدِّينِ ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ قُدوَةِ المُهتَدِينَ ، وَعَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ أَزهَدِ الزَّاهِدِينَ ، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ وَارِثِ المُستَخلَفِينَ ، وَالحُجَّةِ عَلَى الخَلقِ أَجمَعِينَ ، أَن تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِينَ الأَبَرِّينَ ، آلِ طَهَ وَيس ، وَأَن تَجعَلَنِي فِي القِيَامَةِ مِنَ الآمِنِينَ المُطمَئِنِّينَ ، الفَائِزِينَ الفَرِحِينَ .


1- .رجل أنزع : وهو الّذي انحسر الشعر عن جانبي جبهته ( الصحاح : ج 3 ص 1289 ) .
2- .الأوّابين : جمع أوّاب ؛ وهو الكثير الرجوع إلى اللّه تعالى بالتوبة . وقيل : هو المطيع ، وقيل : المسبّح ( النهاية : ج 1 ص 79 ) .

ص: 195

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :المُستَبشِرِينَ .

اللَّهُمَّ اكتُبنِي فِي المُسَلِّمِينَ ، وَأَلحِقنِي بِالصّالِحِينَ ، وَاجعَل لِي لِسانَ صِدقٍ فِي الآخِرِينَ ، وَانصُرنِي عَلَى البَاغِينَ ، وَاكفِنِي كَيدَ الحَاسِدِينَ ، وَاصرِف عَنِّي مَكرَ المَاكِرِينَ ، وَاقبِض عَنِّي أَيدِيَ الظَّالِمِينَ ، وَاجمَع بَينِي وَبَينَ السَّادَةِ المَيَامِينِ (1) فِي أَعلَا عِلِّيِّينَ ، مَعَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ ، بِرَحمَتِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ .

اللَّهُمَّ إِنِّي أُقسِمُ عَلَيكَ بِنَبِيِّكَ المَعصُومِ ، وَبِحُكمِكَ المَحتُومِ ، وَنَهيِكَ المَكتُومِ ، وَبِهَذَا القَبرِ المَلمُومِ (2) ، المُوَسَّدِ فِي كَنَفِهِ الإِمَامُ المَعصُومُ ، المَقتُولُ المَظلُومُ ، أَن تَكشِفَ مَا بِي مِنَ الغُمُومِ ، وَتَصرِفَ عَنِّي شَرَّ القَدَرِ المَحتُومِ ، وَتُجِيرَنِي مِنَ النَّارِ ذَاتِ السَّمُومِ .

اللَّهُمَّ جَلِّلنِي بِنِعمَتِكَ ، وَرَضِّنِي بِقِسمِكَ ، وَتَغَمَّدنِي بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ ، وَبَاعِدنِي مِن مَكرِكَ وَنَقِمَتِكَ ، اللَّهُمَّ اعصِمنِي مِنَ الزَّلَلِ ، وَسَدِّدنِي فِي القَولِ وَالعَمَلِ ، وَافسَح لِي فِي مُدَّةِ الأَجَلِ ، وَأَعفِنِي مِنَ الأَوجَاعِ وَالعِلَلِ ، وَبَلِّغنِي بِمَوَالِيَّ وَبِفَضلِكَ أَفضَلَ الأَمَلِ .

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاقبَل تَوبَتِي ، وَارحَم عَبرَتِي ، وَأَقِلنِي عَثرَتِي ، وَنَفِّس كُربَتِي ، وَاغفِر لِي خَطِيئَتِي ، وَأَصلِح لِي فِي ذُرِّيَّتِي .

اللَّهُمَّ لَا تَدَع لِي فِي هَذَا المَشهَدِ المُعَظَّمِ وَالمَحَلِّ المُكَرَّمِ ، ذَنباً إِلَا غَفَرتَهُ ، وَلَا .


1- .اليُمن : البَرَكة ، يقال : يُمِنَ فهو ميمون ، والجمع : ميامين ( لسان العرب : ج 13 ص 458 ) .
2- .الإلمَام : النزول ، وقد ألّم به : أي نزل به ( الصحاح : ج 5 ص 2032 ) .

ص: 196

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :عَيباً إِلَا سَتَرتَهُ ، وَلَا غَمّاً إِلَا كَشَفتَهُ ، وَلَا رِزقاً إِلَا بَسَطتَهُ ، وَلَا جَاهاً إِلَا عَمَرتَهُ ، وَلَا فَسَاداً إِلَا أَصلَحتَهُ ، وَلَا أَمَلاً إِلَا بَلَّغتَهُ ، وَلَا دُعَاءً إِلَا أَجَبتَهُ ، وَلَا مُضَيَّقاً إِلَا فَرَّجتَهُ ، وَلَا شَملاً (1) إِلَا جَمَعتَهُ ، وَلَا أَمراً إِلَا أَتمَمتَهُ ، وَلَا مَالاً إِلَا كَثَّرتَهُ ، وَلَا خُلُقاً إِلَا حَسَّنتَهُ ، وَلَا إِنفَاقاً إِلَا أَخلَفتَهُ ، وَلَا حَالاً إِلَا عَمَّرتَهُ ، وَلَا حَسُوداً إِلَا قَمَعتَهُ ، وَلَا عَدُوّاً إِلَا أَردَيتَهُ ، وَلَا شَرّاً إِلَا كَفَيتَهُ ، وَلَا مَرَضاً إِلَا شَفَيتَهُ ، وَلَا بَعِيداً إِلَا أَدنَيتَهُ ، وَلَا شَعِثاً (2) إِلَا لَمَمتَهُ ، وَلَا سُؤَالاً إِلَا أَعطَيتَهُ .

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ خَيرَ العَاجِلَةِ وَثَوَابَ الآجِلَةِ . اللَّهُمَّ أَغنِنِي بِحَلَالِكَ عَنِ الحَرَامِ ، وَبِفَضلِكَ عَن جَمِيعِ الأَنَامِ . اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ عِلماً نَافِعاً وَقَلباً خَاشِعاً ، وَيَقِيناً شَافِياً وَعَمَلاً زَاكِياً ، وَصَبراً جَمِيلاً وَأَجراً جَزِيلاً .

اللَّهُمَّ ارزُقنِي شُكرَ نِعمَتِكَ عَلَيَّ ، وَزِد فِي إِحسَانِكَ وَكَرَمِكَ إِلَيَّ ، وَاجعَل قَولِي فِي النَّاسِ مَسمُوعاً ، وَعَمَلِي عِندَكَ مَرفُوعاً ، وَأَثَرِي فِي الخَيرَاتِ مَتبُوعاً ، وَعَدُوِّي مَقمُوعاً (3) .

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الأَخيَارِ ، فِي آنَاءِ اللَّيلِ وَأَطرَافِ النَّهَارِ ، وَاكفِنِي شَرَّ الأَشرَارِ ، وَطَهِّرنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالأَوزَارِ (4) ، وَأَجِرنِي مِنَ النَّارِ ، وَأَدخلنِي دَارَ القَرَارِ ، وَاغفِر لِي وَلِجَمِيعِ إِخوَانِي فِيكَ ، وَأَخَوَاتِيَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ ، بِرَحمَتِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ . .


1- .جمع اللّه شملَه : أي ما تَشَتَّتَ من أمره ( مجمع البحرين : ج 2 ص 978 ) .
2- .تَلُمّ بها شَعَثي : أي تجمع بها ما تفرّق من أمري (النهاية : ج 2 ص 478) .
3- .قَمَعتُه قَمعا : أذلَلتُه ( المصباح المنير : ص 516 ) .
4- .الوِزر : الإثم والثِّقل ( الصحاح : ج 2 ص 845 ) .

ص: 197

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :ثُمَّ تَوَجَّه إِلَى القِبلَةِ وَصَلِّ رَكعَتَينِ ، وَاقرَأ فِي الأُولَى سُورَةَ الأَنبِيَاءِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ الحَشرَ ، وَتَقنُتُ فَتَقُولُ :

لَا إِلَهَ إِلَا اللَّهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَا اللَّهُ العَلِيُّ العَظِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبعِ وَالأَرَضِينَ السَّبعِ ، وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَينَهُنَّ ، خِلَافاً لِأَعدَائِهِ ، وَتَكذِيباً لِمَن عَدَلَ بِهِ ، وَإِقرَاراً لِرُبُوبِيَّتِهِ ، وَخُشُوعاً لِعِزَّتِهِ ، الأَوَّلُ بِغَيرِ أَوَّلٍ ، وَالآخِرُ بِغَيرِ آخِرٍ ، الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ بِقُدرَتِهِ ، البَاطِنُ دُونَ كُلِّ شَيءٍ بِعِلمِهِ وَلُطفِهِ ، لَا تَقِفُ العُقُولُ عَلَى كُنهِ عَظَمَتِهِ ، وَلَا تُدرِكُ الأَوهَامُ حَقِيقَةَ مَاهِيَّتِهِ ، وَلَا تَتَصَوَّرُ الأَنفُسُ مَعَانِيَ كَيفِيَّتِهِ ، مُطَّلِعاً عَلَى الضَّمَائِرِ ، عَارِفاً بِالسَّرَائِرِ ، يَعلَمُ خَائِنَةَ الأَعيُنِ وَمَا تُخفِي الصُّدُورُ .

اللَّهُمَّ إِنِّي أُشهِدُكَ عَلَى تَصدِيقِي رَسُولَكَ صلى الله عليه و آله ، وَإِيمَانِي بِهِ ، وَعِلمِي بِمَنزِلَتِهِ ، وَإِنِّي أَشهَدُ أَنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي نَطَقَتِ الحِكمَةُ بِفَضلِهِ ، وَبَشَّرَتِ الأَنبِيَاءُ بِهِ ، وَدَعَت إِلَى الإِقرَارِ بِمَا جَاءَ بِهِ ، وَحَثَّت عَلَى تَصدِيقِهِ بِقَولِهِ تَعَالَى : « الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكتُوباً عِندَهُم فِي التَّوراةِ وَالإِنجِيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعرُوفِ وَيَنهاهُم عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَالأَغلالَ الَّتِي كانَت عَلَيهِم» (1) .

فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِكَ إِلَى الثَّقَلَينِ ، وَسَيِّدِ الأَنبِيَاءِ المُصطَفَينَ ، وَعَلَى أَخِيهِ وَابنِ عَمِّهِ الَّذِينَ لَم يُشرِكَا بِكَ طَرفَةَ عَينٍ أَبَداً ، وَعَلَى فَاطِمَةَ الزَّهرَاءِ سَيِّدَةِ نِسَاءِ العَالَمِينَ ، وَعَلَى سَيِّدَي شَبَابِ أَهلِ الجَنَّةِ الحَسَنِ وَالحُسَينِ ، صَلَاةً خَالِدَةَ الدَّوَامِ ، عَدَدَ قَطرِ الرِّهَامِ (2) ، وَزِنَةَ الجِبَالِ وَالآكَامِ ، مَا أَورَقَ السَّلَامُ (3) ، وَاختَلَف الضِّيَاءُ .


1- .الأعراف : 157 .
2- .الرَّهمَة : المَطرة الضعيفة الدائمة ، والجمع : رهام ( الصحاح : ج 5 ص 1939 ) .
3- .السَّلام والسِّلام : شجر ( الصحاح : ج 5 ص 1951 ) .

ص: 198

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :وَالظَّلَامُ ، وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ الأَئِمَّةِ المُهتَدِينَ ، الذَّائِدِينَ عَنِ الدِّينِ : عَلِيٍّ وَمُحَمَّدٍ ، وَجَعفَرٍ وَمُوسَى ، وَعَلِيٍّ وَمُحَمَّدٍ ، وَعَلِيٍّ وَالحَسَنِ ، وَالحُجَّةِ القُوَّامِ بِالقِسطِ ، وَسُلَالَةِ السِّبطِ .

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِحَقِّ هَذَا الإِمَامِ فَرَجاً قَرِيباً ، وَصَبراً جَمِيلاً ، وَنَصراً عَزِيزاً ، وَغِنًى عَنِ الخَلقِ ، وَثَبَاتاً فِي الهُدَى ، وَالتَّوفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى ، وَرِزقاً وَاسِعاً حَلَالاً طَيِّباً مَرِيئاً دَاراً ، سَائِغاً فَاضِلاً مُفضِلاً ، صَبّاً صَبّاً ، مِن غَيرِ كَدٍّ وَلَا نَكَدٍ ، وَلَا مِنَّةٍ مِن أَحَدٍ ، وَعَافِيَةً مِن كُلِّ بَلَاءٍ وَسُقمٍ وَمَرَضٍ ، وَالشُّكرَ عَلَى العَافِيَةِ وَالنَّعمَاءِ ، وَإِذَا جَاءَ المَوتُ فَاقبِضنَا عَلَى أَحسَنِ مَا يَكُونُ لَكَ طَاعَةً ، عَلَى مَا أَمَرتَنَا مُحَافِظِينَ ، حَتَّى تُؤَدِّيَنَا إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، بِرَحمَتِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ .

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد ، وَأَوحِشنِي مِنَ الدُّنيَا ، وَآنِسنِي بِالآخِرَةِ ، فَإِنَّهُ لَا يُوحِشُ مِنَ الدُّنيَا إِلَا خَوفُكَ ، وَلَا يُؤنِسُ بِالآخِرَةِ إِلَا رَجَاؤُكَ .

اللَّهُمَّ لَكَ الحُجَّةُ لَا عَلَيكَ ، وَإِلَيكَ المُشتَكَى لَا مِنكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَأَعِنِّي عَلَى نَفسِيَ الظَّالِمَةِ العَاصِيَةِ ، وَشَهوَتِيَ الغَالِبَةِ ، وَاختِم لِي بِالعَفوِ وَِالعَافِيَةِ .

اللَّهُمَّ إِنَّ استِغفَارِي إِيَّاكَ وَأَنَا مُصِرٌّ عَلَى مَا نُهِيتُ قِلَّةُ حَيَاءٍ ، وَتَركِيَ الِاستِغفَارَ مَعَ عِلمِي بِسَعَةِ حِلمِكَ تَضيِيعٌ لِحَقِّ الرَّجَاءِ .

اللَّهُمَّ إِنَّ ذُنُوبِي تُؤيِسُنِي أَن أَرجُوَكَ ، وَإِنَّ عِلمِي بِسَعَةِ رَحمَتِكَ يَمنَعُنِي أَن أَخشَاكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَصَدِّق رَجَائِي لَكَ ، وَكَذِّب خَوفِي مِنكَ ، وَكُن لِي عِندَ أَحسَنِ ظَنِّي بِكَ ، يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ . .

ص: 199

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَيِّدنِي بِالعِصمَةِ ، وَأَنطِق لِسَانِي بِالحِكمَةِ ، وَاجعَلنِي مِمَّن يَندَمُ عَلَى مَا ضَيَّعَهُ فِي أَمسِهِ ، وَلَا يَغبَنُ (1) حَظَّهُ فِي يَومِهِ ، وَلَا يَهُمُّ لِرِزقِ غَدِهِ .

اللَّهُمَّ إِنَّ الغَنِيَّ مَنِ استَغنَى بِكَ وَافتَقَرَ إِلَيكَ ، وَالفَقِيرُ مَنِ استَغنَى بِخَلقِكَ عَنكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَغنِنِي عَن خَلقِكَ بِكَ ، وَاجعَلنِي مِمَّن لَا يَبسُطُ كَفّاً إِلَا إِلَيكَ .

اللَّهُمَّ إِنَّ الشَّقِيَّ مَن قَنَطَ ، وَأَمَامَهُ التَّوبَةُ وَوَرَاءَهُ الرَّحمَةُ ، وَإِن كُنتُ ضَعِيفَ العَمَلِ فَإِنِّي فِي رَحمَتِكَ قَوِيُّ الأَمَلِ ، فَهَب لِي ضَعفَ عَمَلِي لِقُوَّةِ أَمَلِي .

اللَّهُمَّ إِن كُنتَ تَعلَمُ أَنَّ مَا فِي عِبَادِكَ مَن هُوَ أَقسَى قَلباً مِنِّي وَأَعظَمُ مِنِّي ذَنباً ، فَإِنِّي أَعلَمُ أَنَّهُ لَا مَولَى أَعظَمُ مِنكَ طَولاً ، وَأَوسَعُ رَحمَةً وَعَفواً ، فَيَا مَن هُوَ أَوحَدُ فِي رَحمَتِهِ ، اغفِر لِمَن لَيسَ بِأَوحَدَ فِي خَطِيئَتِهِ .

اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرتَنَا فَعَصَينَا ، وَنَهَيتَ فَمَا انتَهَينَا ، وَذَكَرتَ فَتَنَاسَينَا ، وَبَصَّرتَ فَتَعَامَينَا ، وَحَدَّدتَ فَتَعَدَّينَا ، وَمَا كَانَ ذَلِكَ جَزَاءَ إِحسَانِكَ إِلَينَا ، وَأَنتَ أَعلَمُ بِمَا أَعلَنَّا وَأَخفَينَا ، وَأَخبَرُ بِمَا نَأتِي وَمَا أَتَينَا ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَلَا تُؤَاخِذنَا بِمَا أَخطَأنَا وَنَسِينَا ، وَهَب لَنَا حُقُوقَكَ لَدَينَا ، وَأَتِمَّ إِحسَانَكَ إِلَينَا ، وَأَسبِل (2) رَحمَتَكَ عَلَينَا .

اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِهَذَا الصِّدِّيقِ الإِمَامِ ، وَنَسأَلُكَ بِالحَقِّ الَّذِي جَعَلتَهُ لَهُ وَلِجَدِّهِ رَسُولِكَ ، وَلِأَبَوَيهِ عَلِيٍّوَفَاطِمَةَ أَهلِ بَيتِ الرَّحمَةِ ، إِدرَارَ الرِّزقِ الَّذِي بِهِ قِوَامُ .


1- .غَبِنَ رأيه : إذا نقصه ( الصحاح : ج 6 ص 2172 ) .
2- .أسبل المطر والدمع : إذا هطلا ( النهاية : ج 2 ص 340 ) .

ص: 200

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :حَيَاتِنَا ، وَصَلَاحُ أَحوَالِ عِيَالِنَا ، فَأَنتَ الكَرِيمُ الَّذِي تُعطِي مِن سَعَةٍ ، وَتَمنَعُ مِن قُدرَةٍ ، وَنَحنُ نَسأَلُكَ مِنَ الرِّزقِ مَا يَكُونُ صَلَاحاً لِلدُّنيَا وَبَلَاغاً لِلآخِرَةِ .

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاغفِر لَنَا وَلِوَالِدَينَا ، وَلِجَمِيعِ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ وَالمُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ ، وَآتِنا فِي الدُّنيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ .

ثُمَّ تَركَعُ وَتَسجُدُ وَتَجلِسُ وَتَتَشَهَّدُ وَتُسَلِّمُ ، فَإِذَا سَبَّحتَ فَعَفِّر (1) خَدَّيكَ وَقُل :

سُبحَانَ اللَّهِ وَالحَمدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكبَرُ ، أَربَعِينَ مَرَّةً . وَاسأَلِ اللَّهَ العِصمَةَ وَالنَّجَاةَ ، وَالمَغفِرَةَ وَالتَّوفِيقَ لِحُسنِ العَمَلِ ، وَالقَبُولَ لِمَا تَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيهِ وَتَبتَغِي بِهِ وَجهَهُ ، وَقِف عِندَ الرَّأسِ ثُمَّ صَلِّ رَكعَتَينِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ .

ثُمَّ انكَبَّ عَلَى القَبرِ وَقَبِّلهُ وَقُل :

زَادَ اللَّهُ فِي شَرَفِكُم ، وَالسَّلَامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ .

وَادعُ لِنَفسِكَ وَلِوَالِدَيكَ وَلِمَن أَرَدتَ ، وَانصَرِف إِن شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى 2 . (2) .


1- .العَفَرَ التراب ، وعفّره : أي مرّغَه ( الصحاح : ج 2 ص 751 ) .
2- .المزار الكبير : ص 496 ح 9 ، بحار الأنوار : ج 101 ص 317 ح 8 .

ص: 201

259.عنه عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :أقول : وردت زيارة أُخرى تُسمّى بزيارة الشهداء ، وقد ذكرناها في مكاتبة مولانا الهادي عليه السلام إلى أبي منصور بن عبد المنعم بن النعمان البغداديّ في كتاب مكاتيب الأئمّة عليهم السلام ( مكاتب الإمام علىّ بن محمّد الهادي عليه السلام في الرقم 230 ) ، إن شئت فراجع . .

ص: 202

. .

ص: 203

الفصل الثامن : في الغلاة ومن دعا عليهم

اشاره

الفصل الثامن : فِي الغُلَاةِ وَمَن دَعَا عَلَيهِم

.

ص: 204

. .

ص: 205

105 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن هلال الكرخيّ

105كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عليّ بن هلال الكرخيّ263.الإمام عليّ عليه السلام :ممّا خرج عن صاحب الزمان _ صلوات اللّه عليه _ ردّا على الغلاة من التوقيع ، جواباً لكتابٍ كُتب إليه على يد محمّد بن عليّ بن هلال الكرخيّ (1) :يَا مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ ، تَعَالَى اللَّهُ عز و جل عَمَّا يَصِفُونَ ، سُبحَانَهُ وَبِحَمدِهِ ، لَيسَ نَحنُ شُرَكَاءَهُ فِي عِلمِهِ وَلَا فِي قُدرَتِهِ ، بَل لَا يَعلَمُ الغَيبَ غَيرُهُ ، كَمَا قَالَ فِي مُحكَمِ كِتَابِهِ تَبَارَكَت أَسمَاؤُهُ : « قُل لَا يَعلَمُ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ الغَيبَ إِلَا اللّهُ» (2) ، وَأَنَا وَجَمِيعُ آبَائِي مِنَ الأَوَّلِينَ : آدَمُ وَنُوحٌ وَإِبرَاهِيمُ وَمُوسَى ، وَغَيرُهُم مِنَ النَّبِيِّينَ ، وَمِنَ الآخِرِينَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَغَيرُهُمَا مِمَّن مَضَى مِنَ الأَئِمَّةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِم أَجمَعِينَ ، إِلَى مَبلَغِ أَيَّامِي وَمُنتَهَى عَصرِي ، عَبِيدُ اللَّهِ عز و جل ، يَقُولُ اللَّهُ عز و جل : « وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى * قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرتَنِي أَعمى وَقَد كُنتُ بَصِيراً * قالَ كَذلِكَ أَتَتكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ اليَومَ تُنسى» (3) .

.


1- .لم يُذكر في المصادر الرجالية ولا الروائية غير هذه المكاتبة في الاحتجاج ، ولا يعوّل على الخبر من جهة السند ؛ فالرجل مجهول .
2- .النمل : 65 .
3- .طه : 124 _ 126 .

ص: 206

106 . كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم الحسين بن روح في لعن مدّعي البابيّة

263.الإمام عليّ عليه السلام :يَا مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ ، قَد آذَانَا جُهَلَاءُ الشِّيعَةِ وَحُمَقَاؤُهُم ، وَمَن دِينُهُ جَنَاحُ البَعُوضَةِ أَرجَحُ مِنهُ ، فَأُشهِدُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ وَكَفَى بِهِ شَهِيداً ، وَمُحَمَّداً رَسُولَهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله وَمَلَائِكَتَهُ وَأَنبِيَاءَهُ وَأَولِيَاءَهُ عليهم السلام ، وَأُشهِدُكَ ، وَأُشهِدُ كُلَّ مَن سَمِعَ كِتَابِي هَذَا ، أَنِّي بَرِيءٌ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِمَّن يَقُولُ : إِنَّا نَعلَمُ الغَيبَ ، أَو نُشَارِكُ اللَّهَ فِي مُلكِهِ ، أَو يُحِلُّنَا مَحَلّاً سِوَى المَحَلِّ الَّذِي رَضِيهُ اللَّهُ لَنَا وَخَلَقَنَا لَهُ ، أَو يَتَعَدَّى بِنَا عَمَّا قَد فَسَّرتُهُ لَكَ وَبَيَّنتُهُ فِي صَدرِ كِتَابِي .

وَأُشهِدُكُم أَنَّ كُلَّ مَن نَبرأُ مِنهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبرَأُ مِنهُ وَمَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ وَأَولِيَاءَهُ ، وَجَعَلتُ هَذَا التَّوقِيعَ الَّذِي فِي هَذَا الكِتَابِ أَمَانَةً فِي عُنُقِكَ وَعُنُقِ مَن سَمِعَهُ أَن لَا يَكتُمَهُ مِن أَحَدٍ مِن مَوَالِيَّ وَشِيعَتِي ، حَتَّى يَظهَرَ عَلَى هَذَا التَّوقِيعِ الكُلُّ مِنَ المَوَالِي ، لَعَلَّ اللَّهَ عز و جليَتَلَافَاهُم فَيَرجِعُونَ إِلَى دِينِ اللَّهِ الحَقِّ ، وَيَنتَهُونَ عَمَّا لَا يَعلَمُونَ مُنتَهَى أَمرِهِ ، وَلَا يَبلُغُ مُنتَهَاهُ ، فَكُلُّ مَن فَهِمَ كِتَابِي وَلَم يَرجِع إِلَى مَا قَدأَمَرتُهُ وَنَهَيتُهُ ، فَلَقَد حَلَّت عَلَيهِ اللَّعنَةُ مِنَ اللَّهِ وَمِمَّن ذَكَرتُ مِن عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ . (1)106كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم الحسين بن روحفي لعن مدّعي البابيّةروى أصحابنا : إنّ أبا محمّد الحسن الشريعيّ (2) كان من أصحاب أبي الحسن عليّ بن

.


1- .الاحتجاج : ج 2 ص 549 ح 347 ، بحار الأنوار : ج 25 ص 266 ح 9 .
2- .الشريعي نسبته إلى الحسن الشريعي وهو مؤسّس فرقة الشريعية الّذي ادّعى السفارة عن الحجّة _ عجّل اللّه تعالى فرجه _ كذبا ، وادّعى مقاما ليس له بأهل ، ولعنته الشيعة ، وخرج التوقيع الشريف بلعنه ، ذكره الشيخ في عداد المذمومين الذين ادّعوا البابية لعنهم اللّه ( الغيبة : ص 244 و 398 ) .

ص: 207

محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ عليهم السلام ، وهو أوّل من ادّعى مقاما لم يجعله اللّه فيه من قبل صاحب الزمان عليه السلام ، وكذب على اللّه وعلى حججه عليهم السلام ، ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء ، ثمّ ظهر منه القول بالكفر والإلحاد . وكذلك كان محمّد بن نصير النميريّ 1 من أصحاب أبي محمّد الحسن عليه السلام ، فلمّا توفّي ادّعى النيابة لصاحب الزمان ، ففضحه اللّه تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والغلوّ والقول بالتناسخ ، وكان أيضا يدّعي أنّه رسول نبيّ أرسله عليّ بن محمّد عليه السلام ، ويقول فيه بالربوبيّة ، ويقول بالإباحة للمحارم . وكان أيضاً من جملة الغلاة : أحمد بن هلال الكرخيّ 2 ، وقد كان من قبل في

.

ص: 208

عداد أصحاب أبي محمّد عليه السلام ، ثمّ تغيّر عمّا كان عليه وأنكر نيابة أبي جعفر محمّد بن عثمان ، فخرج التوقيع بلعنه من قبل صاحب الأمروبالبراءة منه ، في جملة من لعن وتبرّأ منه . وكذلك كان أبو طاهر محمّد بن عليّ بن بلال ، والحسين بن منصور الحلّاج ، ومحمّد بن عليّ الشلمغانيّالمعروف بابن أبي العزاقر ، لعنهم اللّه ، فخرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعاً على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله ، ونسخته :عَرِّف أَطَالَ اللَّهُ بَقَاكَ وَعَرَّفَكَ الخَيرَ كُلَّهُ وَخَتَمَ بِهِ عَمَلَكَ ، مَن تَثِقُ بِدِينِهِ وَتَسكُنُ إِلَى نِيَّتِهِ مِن إِخوَانِنَا أَدَامَ اللَّهُ سَعَادَتَهُم ، بِأَنَّ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ المَعرُوفَ بِالشَّلمَغَانِيِّ ، عَجَّلَ اللَّهُ لَهُ النَّقِمَةَ وَلَا أَمهَلَهُ ، قَدِ ارتَدَّ عَنِ الإِسلَامِ وَفَارَقَهُ ، وَأَلحَدَ فِي دِينِ اللَّهِ ، وَادَّعَى مَا كَفَرَ مَعَهُ بِالخَالِقِ جَلَّ وَتَعَالَى ، وَافتَرَى كَذِباً وَزُوراً ، وَقَالَ بُهتَاناً وَإِثماً عَظِيماً ، كَذَبَ العَادِلُونَ بِاللَّهِ وَضَلُّوا ضَلَالاً بَعِيداً ، وَخَسِرُوا خُسراناً مُبِيناً . وَإِنَّا بَرِئنَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَسَلَامُهُ وَرَحمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ مِنهُ ، وَلَعَنَّاهُ عَلَيهِ لَعَائِنُ اللَّهِ تَترَى ، فِي الظَّاهِرِ مِنَّا وَالبَاطِنِ ، فِي السِّرِّ وَالجَهرِ ، وَفِي كُلِّ وَقتٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَعَلَى مَن شَايَعَهُ وَبَلَغَهُ هَذَا القَولُ مِنَّا فَأَقَامَ عَلَى تَوَلاَّه (1) بَعدَهُ . أَعلِمهُم تَوَلَاكُمُ اللَّهُ ، إِنَّنَا فِي التَّوَقِّي وَالمُحَاذَرَةِ مِنهُ عَلَى مِثلِ مَا كُنَّا عَلَيهِ مِمَّن تَقَدَّمَهُ مِن نُظَرَائِهِ ، مِنَ : الشَّرِيعِيِّ ، وَالنُّمَيرِيِّ ، وَالهِلَالِيِّ ، وَالبِلَالِيِّ وَغَيرِهِم ، وَعَادَةُ

.


1- .في البحار : « تولّيه» بدل «تولّاه» .

ص: 209

107 . كتابه عليه السلام في ابن هلال

اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَعَ ذَلِكَ قَبلَهُ وَبَعدَهُ عِندَنَا جَمِيلَةٌ ، وَبِهِ نَثِقُ وَإِيَّاهُ نَستَعِينُ ، وَهُوَ حَسبُنَا فِي كُلِّ أُمُورِنَا وَنِعمَ الوَكِيل . (1)

107كتابه عليه السلام في ابن هلالعليّ بن محمّد بن قتيبة ، قال : حدّثني أبو حامد أحمد بن إبراهيم المراغيّ 2 ، قال : ورد على القاسم بن العلاءنسخة ما خرج من لعن ابن هلال ، وكان ابتداء ذلك ، أن كتب عليه السلام إلى قوّامه بالعراق :احذَرُوا الصُّوفِيَ المُتَصَنِّعَ . قال : وكان من شأن أحمد بن هلال أنّه قد كان حجّ أربعا وخمسين حجّة ، عشرون منها على قدميه . قال : وكان رواة أصحابنا بالعراق لقوه وكتبوا منه ، وأنكروا ما ورد في مذمّته ، فحملوا القاسم بن العلاء على أن يراجع في أمره . فخرج إليه : قَد كَانَ أَمرُنَا نَفَذَ إِلَيكَ فِي المُتَصَنِّعِ ابنِ هِلَالٍ لَا رَحِمَهُ اللَّهُ ، بِمَا قَد عَلِمتَ لَم يَزَل ، لَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذَنبَهُ ، وَلَا أَقَالَهُ عَثرَتَهُ ، يُدَاخِلُ فِي أَمرِنَا بِلَا إِذنٍ مِنَّا وَلَا رِضًى ، يَستَبِدُّ بِرَأيِهِ ، فَيَتَحَامَى مِن دُيُونِنَا ، لَا يَمضِي مِن أَمرِنَا إِيَّاهُ إِلَا بِمَا يَهوَاهُ وَيُرِيدُ ، أَرَادَهُ (2) اللَّهُ بِذَلِكَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، فَصَبَرنَا عَلَيهِ حَتَّى تَبَرَ (3) اللَّهُ بِدَعوَتِنَا عُمُرَهُ . وَكُنَّا قَد عَرَّفنَا خَبَرَهُ قَوماً مِن مَوَالِينَا فِي أَيَّامِهِ لَا رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَأَمَرنَاهُم بِإِلقَاءِ ذَلِكَ

.


1- .الاحتجاج : ج 2 ص 552 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 380 ح 2 .
2- .وفي بحار الأنوار : « أرداه » بدل « أراده » والتصويب من البحار .
3- .وفي بحار الأنوار : « بتر » بدل « تبر » والتصويب من البحار .

ص: 210

108 . كتابه عليه السلام إلى أبي جعفر

إِلَى الخَاصِّ مِن مَوَالِينَا ، وَنَحنُ نَبرَأُ إِلَى اللَّهِ مِنِ ابنِ هِلَالٍ لَا رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَمِمَّن لَا يَبرَأُ مِنهُ . وَأَعلِمِ الإِسحَاقِيَّ سَلَّمَهُ اللَّهُ وَأَهلَ بَيتِهِ مِمَّا أَعلَمنَاكَ مِن حَالِ هَذَا الفَاجِرِ ، وَجَمِيعَ مَن كَانَ سَأَلَكَ وَيَسأَلُكَ عَنهُ مِن أَهلِ بَلَدِهِ وَالخَارِجِينَ ، وَمَن كَانَ يَستَحِقُّ أَن يَطَّلِعَ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ لَا عُذرَ لِأَحَدٍ مِن مَوَالِينَا فِي التَّشكِيكِ فِيمَا يُؤَدِّيهِ عَنَّا ثِقَاتُنَا ، قَد عَرَفُوا بِأَنَّنَا نُفَاوِضُهُم سِرَّنَا ، وَنَحمِلُهُ إِيَّاهُ إِلَيهِم ، وَعَرَفنَا مَا يَكُونُ مِن ذَلِكَ إِن شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وقال أبو حامد : فثبت قوم على إنكار ما خرج فيه ، فعاودوه فيه ، فخرج : لَا شَكَرَ اللَّهُ قَدرَهُ ، لَم يَدَعِ المَرء رَبَّةَ بِألَا يُزِيغَ قَلبَهُ بَعدَ أَن هَدَاهُ ، وَأَن يَجعَلَ مَا مَنَّ بِهِ عَلَيهِ مُستَقَرّاً وَلَا يَجعَلَهُ مُستَودَعاً ، وَقَد عَلِمتُم مَا كَانَ مِن أَمرِ الدِّهقَانِ عَلَيهِ لَعنَةُ اللَّهِ وَخِدمَتِهِ وَطُولِ صُحبَتِهِ ، فَأَبدَلَهُ اللَّهُ بِالإِيمَانِ كُفراً حِينَ فَعَلَ مَا فَعَلَ ، فَعَاجَلَهُ اللَّهُ بِالنَّقِمَةِ وَلَا يُمهِلهُ ، وَالحَمدُ لِلَّهِ لَا شَرَيكَ لَهُ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّم . (1)

108كتابه عليه السلام إلى أبي جعفر273.الإمام عليّ عليه السلام :قال : ولمّا ورد نعي ابن هلال _ لعنه اللّه _ ، جاءني الشيخ فقال لي : أخرج الكيّس الّذي عندك ، فأخرجته إليه ، فأخرج إليَّ رقعة فيها :

.


1- .رجال الكشّي : ج 2 ص 816 الرقم 1020 ، بحار الأنوار : ج 50 ص 318 ح 15 .

ص: 211

109 . كتابه له عليه السلام في ابن العزاقر

273.الإمام عليّ عليه السلام :وَأَمَّا مَا ذَكَرتَ مِن أَمرِ الصُّوفِيِّ المُتَصَنِّعِ _ يعني الهلالي _ فَبَتَرَ اللّهُ عُمُرَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ مِن بَعدِ مَوتِهِ : فَقَد قَصَدنَا فَصَبَرنَا عَلَيهِ ، فَبَتَرَ اللّهُ تَعَالَى عُمُرَهُ بِدَعوَتِنَا . (1)109كتابه له عليه السلام في ابن العزاقرقال ابن نوح : وأخبرني جدّي محمّد بن أحمد بن العبّاس بن نوح رضى الله عنه ، قال : أخبرنا أبو محمّد الحسن بن جعفر بن إسماعيل بن صالح الصيمريّ (2) ، قال : لما أنفذ الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح رضى الله عنه التوقيع في لعن ابن أبي العزاقر 3 ، أنفذه من محبسه في دار المقتدر إلى شيخنا أبي عليّ بن همام رحمه الله في ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة وثلاثمئة ، وأملاه أبو عليّ رحمه الله عليَّ ، وعرّفني أنّ أبا القاسم رضى الله عنه راجع في ترك إظهاره ، فإنّه في يد القوم و ( في ) حبسهم ، فأمر بإظهاره وألّا يخشى ويأمن ، فتخلّص فخرج من الحبس بعد ذلك بمدّة يسيرة والحمد للّه . (3)

.


1- .كمال الدين : ص 489 ح 13 .
2- .لم نجد له ترجمة ، وقع من طريق الشيخ في هذه المكاتبة وفيها ما يفيد حسنه .
3- .الغيبة للطوسي : ص 307 ح 259 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 324 .

ص: 212

وفي روايةٍ أُخرى : عن أبي محمّد هارون بن موسى ، قال : حدّثنا محمّد بن همّام ، قال : خرج على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضى الله عنه في ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة وثلاثمئة في ( لعن ) ابن أبي العزاقروالمداد رطب لم يجفّ . وأخبرنا جماعة عن ابن داوود ، قال : خرج التوقيع من الحسين بن روح في الشلمغانيّ ، وأنفذ نسخته إلى أبي عليّ بن همّام في ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة وثلاثمئة . قال ابن نوح : وحدّثنا أبو الفتح أحمد بن ذكا _ مولى عليّ بن محمّد بن الفرات رحمه الله _ ، قال : أخبرنا أبو عليّ بن همّام بن سهيل بتوقيعٍ خرج في ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة وثلاثمئة . قال محمّد بن الحسن بن جعفر بن ( إسماعيل بن ) صالح الصيمريّ : أنفذ الشيخ الحسين بن روح رضى الله عنه من محبسه في دار المقتدر إلى شيخنا أبي عليّ بن همّام في ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة وثلاثمئة ، وأملاه أبو عليّ ( عليَّ ) وعرّفني أنّ أبا القاسم رضى الله عنه راجع في ترك إظهاره ، فإنّه في يد القوم وحبسهم ، فأمر بإظهاره وألّا يخشى ويأمن ، فتخلّص وخرج من الحبس بعد ذلك بمدّة يسيرة والحمد للّه . التوقيع :عَرِّف _ قال الصيمريّ : عرّفك اللّه الخير _ أَطَالَ اللّهُ بَقاءَكَ وَعَرَّفَكَ الخَيرَ كُلَّهُ وَخَتَمَ بِهِ عَمَلَكَ _ مَن تَثِقُ بِدِينِهِ وَتَسكُنُ إِلَى نِيَّتِهِ مِن إِخوَانِنَا أَسعَدَكُمُ اللّهُ _ وقال ابن داوود : أدام اللّه سعادتكم من تسكن إلى دينه وتثق بنيّته _ جَمِيعاً بِأَنَّ مُحَمَّدَ بَنَ عَلِيّ المَعرُوفَ بِالشَّلمَغَانِيِّ _ زاد ابن داوود : وهو ممّن عجّل اللّه له النقمة ولا أمهله _ قَدِ ارتَدَّ عَنِ الإِسلَامِ وَفَارَقَهُ _ اتّفقوا _ وَأَلحَدَ فِي دِينِ اللّهِ ، وَادَّعَى مَاكَفَرَ مَعَهُ بِالخَالِقِ _ قال هارون : فيه بالخالق _ جَلَّ وَتَعَالَى ، وَافتَرَى كَذِبا وَزُوراً ، وَقَالَ بُهتَاناً وَإِثما عَظِيماً _ قال هارون : وأمرا عظيماً _ كذب العادلون باللّه وضلّوا ضلالاً بعيداً ، وخسروا خسراناً مبيناً .

.

ص: 213

وِإِنَّنا قَد بَرِئنَا إِلَى اللّهِ تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ وَآلِهِ صَلَوَاتُ اللّهُ وَسَلامُهُ وَرَحمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيهِم بِمَنِّهِ ، وَلَعَنَّاهُ عَلَيهِ لَعَائِنُ اللّهِ _ اتّفقوا زاد ابن داوود تترى _ فِي الظَّاهِرِ مِنَّا وَالبَاطِنِ ، فِي السِّرِّ وَالجَهرِ ، وَفِي كُلِّ وَقتٍ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَعَلَى مَن شَايَعَهُ وَتَابَعَهُ أَو بَلَغَهُ هَذَا القُولُ مِنَّا وَأَقَامَ عَلَى تَوَلِّيه بَعدَهُ . وَأَعلِمهُم _ قال الصيمريّ : تولّاكم اللّه . قال ابن ذكا : أعزّكم اللّه _ أَنَّا مِن التَّوقِّي _ وقال ابن داوود : اعلم إنّنا من التوقّي له . قال هارون : وأعلمهم أنّنا في التوقّي _ وَالمُحَاذَرَةِ مِنهُ _ قال ابن داوود وهارون : على مثل ( ما كان ) من تقدّمنا لنظرائه ، قال الصيمريّ : على ما كنّا عليه ممّن تقدّمه من نظرائه . وقال ابن ذكا : على ما كان عليه من تقدّمنا لنظرائه . اتّفقوا _ مِنَ الشَّرِيعِيِّ وَالنُّمَيرِيِّ وَالهِلَالِيِّ وَالبِلَالِيِّ وَغَيرِهِم ، وَعَادَةُ اللّهِ _ قال ابن داوود وهارون : جلّ ثناؤه . واتّفقوا _ مَعَ ذَلِكَ قَبَلهُ وَبَعدَهُ عِندَنَا جَمِيلَةٌ ، وَبِهِ نَثِقُ ، وَإِيَّاهُ نَستَعِينُ ، وَهُوَ حَسُبَنا فِي كُلِّ أُمورِنَا وَنِعمَ الوَكِيلِ . قال هارون : وأخذ أبو عليّ هذا التوقيع ولم يدع أحدا من الشيوخ إلّا وأقرأه إيّاه ، وكوتب من بعد منهم بنسخته في سائر الأمصار ، فاشتهر ذلك في الطائفة ، فاجتمعت على لعنه والبراءة منه . وقُتل محمّد بن عليّ الشلمغانيّ في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمئة . (1) وآخر دعوانا : « سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ » (2) .

.


1- .الغيبة للطوسي : ص 409 ح 384 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 376 .
2- .الصافّات : 180 _ 182 .

ص: 214

فهرس المنابع والمآخذ

فهرس المنابع والمآخذ1 . أبو ذرّ الغفاري ، محمد جواد آل الفقيه (م 1405 ه )، بيروت: مؤسّسة الأعلمي . 2 . إثبات الهداة ، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (م 1104 ه ) ، قم : المطبعة العلميّة . 3 . أحاديث أُم المؤمنين عائشة ، مرتضى العسكري، معاصر، التوحيد للنشر. 4 . الاحتجاج على أهل اللجاج ، أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي (م 620 ه ) ، تحقيق : إبراهيم البهادري _ محمّد هادي بهْ ، طهران : دار الاُسوة ، 1413 ه ، الاُولى. 5 . إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل (مع تعليقات آية اللّه العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي) ، نور اللّه بن السيّد شريف الشوشتري (الشهيد القاضي)، (م 1019 ه ) ، قم: مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي ، 1411 ه ، الاُولى . 6 . الأحكام السلطانيّة ، أبو يعلى محمّد بن الحسين الفرّاء الحنبلي (م 458 ه ) ، طهران: مكتب الإعلام الإسلامي ، 1406 ه ، الثانية . 7 . الأخبار الطوال، أبو حنيفة أحمد بن داوود الدينوري (م 282 ه )، تحقيق: عبدالمنعم عامر، قم: انتشارات الشريف الرضي ، 1409 ه ، الاُولى. 8 . أخبار القضاة، أبو بكر محمّد بن خلف بن حبّان الضبي (وكيع) (م 306 ه ) ، بيروت: عالم الكتب. 9 . الأخبار الموفّقيّات ، أبو عبد اللّه الزبير بن بكّار القرشي (م 256 ه ) ، تحقيق : سامي مكّي العاني ، قم: منشورات الشريف الرضي ، 1416 ه ، الاُولى . 10 . الاختصاص ، المنسوب إلى أبي عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 413 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1414 ه ، الرابعة. 11 . اختيار مصباح السالكين ، ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، مشهد : مجمع البحوث الإسلامية .

.

ص: 215

12 . اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) ، أبو جعفر محمّد بن الحسن (الشيخ الطوسي) ( م 460 ه ) تحقيق: مهدي الرجائي، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، 1404 ه ، الاُولى . 13 . الأربعون حديثا عن أربعين شيخا من أربعين صحابيّا ، منتجب الدين الرازي (م 585 ه ) ، تحقيق ونشر : مدرسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم ، 1408 ه ، الاُولى . 14 . الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد ، أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 613 ق) ، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، 1413 ه . 15 . إرشاد القلوب، أبو محمّد الحسن بن أبي الحسن الديلمي (م 711 ه) ، مؤسّسة الأعلمي ، بيروت ، 1398 ه ، الرابعة . 16 . الإستبصار فيما اختلف من الأخبار، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه) ، تحقيق : حسن الموسوي الخرسان ، طهران : دار الكتب الإسلاميّة . 17 . الاستيعاب في أسماء الأصحاب ، أبو عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد البرّ القرطبي المالكي (م 363 ه ) ، تحقيق : عليّ محمّد معوّض و عادل أحمد عبد الموجود ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1415 ه ، الاُولى . 18 . اُسد الغابة في معرفة الصحابة ، أبو الحسن عزّالدين عليّ بن أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبد الكريم الشيباني (ابن الأثير الجزري) (م 630 ه ) ، تحقيق : عليّ محمّد معوّض وعادل أحمد عبد الموجود ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1415 ه ، الاُولى . 19 . الإصابة في تمييز الصحابة ، أبو الفضل أحمد بن عليّ بن محمّد بن محمّد بن عليّ الكناني (ابن حجر العسقلاني) (م 852 ه ) ، تحقيق : ولي عارف ، مصر : مطبعة السعادة ، 1323 ه ، و بيروت : 1415 ه . 20 . أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والرواة عنه ، محمّد هادي الأميني ، بيروت: دار الكتاب الإسلامي ، 1412 ه ، الاُولى . 21 . الاُصول الستّة عشر ، عدّة من الرواة ، دار الشبستري ، قم ، 1405 ه ، الثانية . 22 . أعلام الدين في صفات المؤمنين، أبو محمّد الحسن بن أبي الحسن الديلمي (م 711 ه) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، 1414 ه، الثانية . 23 . إعلام الورى بأعلام الهدى، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (م 548 ه)، تحقيق: علي أكبر الغفّاري ، بيروت: دارالمعرفة ، 1399 ه ، الاُولى . 24 . أعيان الشيعة ، محسن بن عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي الشقرائي (م 1371 ه ) ، إعداد : حسن الأمين ،

.

ص: 216

بيروت: دار التعارف ، 1403 ه ، الخامسة . 25 . الأغاني ، أبو الفرج عليّ بن الحسين الإصفهاني (م 356 ه ) ، تحقيق : خليل محي الدين ، بيروت: دار الكتب المصرية ، 1358 ه ، الأُولى . 26 . الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة ، أبو القاسم عليّ بن موسى الحلّي (ابن طاووس) (م 664 ه ) ، تحقيق : جواد القيّومي ، قم: مكتب الإعلام الإسلامي ، 1414 ه ، الاُولى . 27 . الإكتفاء بما تضمّنه من مغازي رسول اللّه والثلاثة الخلفاء ، أبو الربيع سليمان بن موسى الكلاعي الأندلسي ، بيروت : عالم الكتب . 28 . أمالي الشيخ الطوسي ، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة) (م 460 ه) ، قم : مكتبة الداوري . 29 . أمالي الصدوق ، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، بيروت: مؤسّسة الأعلمي ، 1400 ه ، الخامسة . 30 . أمالي المرتضى ، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (السيّد المرتضى) (م 426 ه ) ، قم: الأُولى . 31 . أمالي المفيد ، أبو عبد اللّه محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 413 ه ) ، تحقيق : حسين اُستاد ولي و علي أكبر الغفّاري ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ه ، الثانية . 32 . الإمامة والسياسة (تاريخ الخلفاء) ، أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (م 276 ه ) ، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى بابي الحلبي ، 1388 ه . 33 . إنباه الرواة على إنباء النحاة ، علي بن يوسف القفطي (م 646 ه) ، القاهرة: مطبعة دار الكتب العربية، 1371 ه . 34 . أنساب الأشراف ، أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (م 279 ه ) ، إعداد : محمّد باقر المحمودي ، بيروت : دار المعارف ، الثالثة . 35 . إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون (السيرة الحلبيّة) ، علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي (القرن 11 ه ) ، بيروت: دار الفكر العربي، 1400 ه . 36 . بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (م 1110ه) ، تحقيق ونشر: دار إحياء التراث ، بيروت ، 1412ه ، الثانية . 37 . البحر الزخّار (مسند سعد بن أبي وقّاص) ، أبو بكر أحمد بن عمرو العتكي البزّار (م 292 ه ) ، القاهرة: مكتبة ابن تيميّة ، 1413 ه .

.

ص: 217

38 . البداية والنهاية ، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (م 774 ه ) ، تحقيق ونشر : مكتبة المعارف ، بيروت . 39 . البرصان و العرجان و العميان و الحولان ، أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني (الجاحظ) (م 255 ه ) ، تحقيق : عبد السلام محمّد هارون ، العراق: دار الرشيد ، 1982 م . 40 . بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ، أبو جعفر محمّد بن محمّد بن عليّ الطبري (م 525 ه ) ، المطبعة الحيدريّة ، النجف الأشرف ، 1383 ه ، الثانية . 41 . بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمّد، أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فَرّوخ الصفّار القمّي ( م 290 ه ) ، تصحيح وتعليق : ميرزا محسن كوچه باغي التبريزي ، قم: مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي ، 1404 ه ، الاُولى . 42 . بلاغات النساء ، أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر (ابن طيفور) (م 280 ه ) ، قم: منشورات الشريف الرضي . 43 . بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة ، محمّد تقي بن محمّد كاظم التستري (م 1415 ه ) ، تحقيق : مؤسّسة نهج البلاغة ، طهران: أمير كبير ، 1418 ه ، الاُولى . 44 . بهجة المجالس وأُنس المجالس ، أبو عمر يوسف بن عبداللّه النمري القرطبي (ابن عبد البر) ، بيروت: دار الكتب العلمية ، 1981 م . 45 . البيان والتبيين ، أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني الليثي (الجاحظ) (م 255 ه ) ، شرح : حسن السندوبي ، دار الجاحظ ، 1409 ه ، والقاهرة : مطبعة الاستقامة ، 1366 ه . 46 . تاج العروس من جواهر القاموس ، محمّد بن محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي (م 1205 ه ) ، تحقيق : علي شيري ، بيروت: دار الفكر ، 1414 ه ، الاُولى . 47 . تاريخ ابن خلدون ، عبد الرحمن بن محمّد بن خلدون الحضرمي (م 808 ه ) ، بيروت : دار إحياء التراث العربي . 48 . تاريخ الإسلام و وفيات المشاهير و الأعلام ، أبو عبداللّه محمّد بن أحمد بن عثمان (الذهبي) (م 748 ه ) ، تحقيق : عمر عبدالسلام تدمري ، القاهرة: دار الرائد العربي ، 1405 ه ، و بيروت : دار الكتاب العربي ، 1411 ه ، و حيدر آباد الدكن ، 1354 ه . 49 . تاريخ إصبهان ، أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن إسحاق الأصبهاني (م 430 ه ) ، تحقيق : سيّد كسروي حسن ، بيروت : دار الكتب العلميّة ، 1410 ه _ 1990 م، الاُولى .

.

ص: 218

50 . تاريخ الاُمم والملوك (تاريخ الطبري) ، أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (م 310 ه ) ، تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم ، مصر : دار المعارف . 51 . تاريخ بغداد أو مدينة السلام ، أبو بكر أحمد بن عليّ الخطيب البغدادي (م 463 ه ) ، المدينة المنوّرة : المكتبة السلفيّة . 52 . تاريخ الخلفاء ، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (م 911 ه ) ، تحقيق : محمّد محيي الدين عبد الحميد ، بيروت : دار الجيل ، 1408 ه ، الاُولى. 53 . تاريخ خليفة بن خيّاط ، أبو عمرو خليفة بن خيّاط العصفري (م 240 ه ) ، تحقيق : سهيل زكّار ، بيروت : دار الفكر ، 1414 ه . 54 . تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس ، حسين بن محمّد بن الحسن الدياربكري المالكي (م 966 ه ) ، تحقيق : علي زغلول ، بيروت : دار الفكر ، 1406 ه . 55 . التاريخ الصغير ، أبو عبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاري (م 256 ه ) ، تحقيق : محمود إبراهيم زائد ، بيروت: دار المعرفة ، 1406 ه ، الاُولى . . تاريخ الطبري = تاريخ الاُمم والملوك 56 . التاريخ الكبير ، أبو عبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاري (م 256 ه ) ، بيروت: دار الفكر . 57 . تاريخ مدينة دمشق ، أبو القاسم عليّ بن الحسن بن هبة اللّه المعروف بابن عساكر الدمشقي (م 571 ه ) ، تحقيق : علي شيري ، بيروت : دار الفكر، 1415 ه ، الاُولى . 58 . تاريخ اليعقوبي ، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح (اليعقوبي) (م 284 ه ) ، بيروت: دار صادر . 59 . تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة ، شرف الدين علي الغروي الحسيني الإسترآبادي النجفي (م ح 933 ه ) ، تحقيق: حسين استاد ولي، قم : مؤسّسة النشر الإسلامي، 1409 ه ، الاُولى . 60 . تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه و آله ، أبو محمّد الحسن بن عليّ الحرّاني (ابن شعبة) (م 381 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ، الثانية . 61 . تدوين السنّة الشريفة ، محمّد رضا الحسيني الجلالي (معاصر) ، قم: مكتب الإعلام الإسلامي ، 1413 ه ، الاُولى .

.

ص: 219

62 . تذكرة الحفّاظ ، أبو عبد اللّه شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (م 748 ه ) ، بيروت : دار إحياء التراث العربي . 63 . تذكرة الخواصّ ، يوسف بن فُرغلي بن عبد اللّه (سبط ابن الجوزي) (م 654 ه ) ، تقديم : محمّد صادق بحر العلوم ، طهران: مكتبة نينوى الحديثة . . تذكرة خواصّ الاُمّة في خصائص الأئمّة عليهم السلام = تذكرة الخواصّ . التراتيب الإدارية = نظام الحكومة النبوية . تراجم مصنّفي الكتب العربية = معجم المؤلّفين . تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن . تفسير الطبري = جامع البيان في تفسير القرآن 64 . تفسير العيّاشي ، أبو النضر محمّد بن مسعود السلمي السمرقندي (العيّاشي) (م 320 ه ) ، تحقيق : السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي ، طهران: المكتبة العلميّة ، 1380 ه ، الاُولى . . تفسير الفخر الرازي = التفسير الكبير ومفاتيح الغيب 65 . تفسير فرات الكوفي ، أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي (القرن الرابع الهجري) ، إعداد : محمّد الكاظم ، طهران: وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، 1410 ه ، الاُولى . 66 . تفسير القمّي ، أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي (م 307 ه ) ، إعداد : الطيّب الموسوي الجزائري ، مطبعة النجف الأشرف . 67 . التفسير الكبير ومفاتيح الغيب ، أبو عبد اللّه محمّد بن عمر (الفخر الرازي) (م 604 ه ) ، بيروت: دار الكتب العلمية ، 1408 ه ، والبهية: دار الطباعة العامرة . 68 . تفسير نورالثقلين ، عبد عليّ بن جمعة العروسي الحويزي (م 1112 ه ) ، تحقيق : هاشم الرسولي المحلّاتي ، قم: المطبعة العلمية ، 1412 ه ، الرابعة . 69 . تقريب التهذيب، أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني ، بيروت : دار الكتاب العلمية . 70 . تلخيص الشافي ، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه ) ، بيروت: دار العلم للملايين ، 1402 ه . 71 . تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ، أبو الحسين ورّام بن أبي فراس (م 605 ه ) ، بيروت: دار التعارف ودار صعب . 72 . تنزيه الأنبياء ، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (السيّد المرتضى) (م 436 ه ) ، بيروت: دار الأضواء .

.

ص: 220

73 . تنقيح المقال في علم الرجال ، عبد اللّه بن محمّد حسن المامقاني (م 1351 ه ) ، بيروت: دار الكتاب العربي ، 1402 ه . 74 . تهذيب الأحكام في شرح المقنعة ، أبو جعفر محمّد بن الحسن (الشيخ الطوسي) (م 460 ه ) ، بيروت: دار التعارف ، 1401 ه ، الاُولى . 75 . تهذيب تاريخ دمشق الكبير ، أبو القاسم عليّ بن الحسين بن هبة اللّه (ابن عساكر الدمشقي) (م 571 ه) ، تحقيق : عبدالقادر بدران ، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1407 ه ، الثالثة. 76 . تهذيب التهذيب ، أبو الفضل أحمد بن علي بن أحمد (ابن حجر العسقلاني) (م 852 ه ) ، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، بيروت: دار الكتب العلميّة، 1415 ه ، الاُولى . 77 . تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، يونس بن عبد الرحمن المزّي (م 742 ه ) ، تحقيق : بشّار عوّاد معروف ، بيروت: مؤسّسة الرسالة ، 1409 ه ، الاُولى . 78 . تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال ، محمّد علي الموحّد الأبطحي (معاصر) ، قم ، 1417 ه ، الثانية . 79 . الثقات ، محمّد بن حبّان البُستي (م 354 ه ) ، حيدرآباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، 1404 ه ، الاُولى . 80 . ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ، أبو جعفر محمّد بن عليّ القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، طهران: مكتبة الصدوق . 81 . جامع البيان في تفسير القرآن ، أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (م 310 ه ) ، بيروت: دار الفكر . 82 . جامع الرواة ، محمّد بن علي الأردبيلي الغروي الحائري (م 1101 ه ) ، بيروت : دار الأضواء ، 1403 ه . 83 . جامع السعادات ، محمّد مهدي بن أبي ذر النراقي (م 1209 ه ) ، تحقيق: محمّد كلانتر ، قم: مؤسّسة إسماعيليان للطباعة . 84 . الجامع الصحيح ، أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (م 297 ه ) ، تحقيق : أحمد محمّد شاكر ، بيروت: دار إحياء التراث . 85 . الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير ، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (م 911 ه ) ، القاهرة ، 1306 ه ، الاُولى . 86 . جمع الجوامع ، جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (م 911 ه ) ، مصر: الهيئة المصرية العامّة ، الاُولى .

.

ص: 221

87 . الجمل والنصرة لسيّد العترة في حرب البصرة ، أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 413 ه ) ، تحقيق : السيّد عليّ مير شريفي ، قم: المؤتمر العالمي لألفيّة الشيخ المفيد ، 1413 ه ، الاُولى . 88 . جمهرة خطب العرب ، أحمد زكي صفوت ، بيروت: المكتبة العلميّة . 89 . جمهرة رسائل العرب ، أحمد زكي صفوت ، مصر: مطبعة مصطفى البابي وأولاده، 1391 ه . 90 . الجواهر الحسان في تفسير القرآن ، عبدالرحمن بن محمّد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي (م 875 ه ) ، تحقيق: علي محمّد معوّض _ عادل أحمد عبدالموجود ، بيروت: دار إحياء التراث العربي . 91 . جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ، محمّد حسن بن محمّد باقر النجفي (ت 1266 _ 1412 ه ) ، بيروت: مؤسّسة المرتضى العالمية ، 1412 ه ، الاُولى . 92 . جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، أبو البركات محمّد بن أحمد الباعوني الدمشقي (م 871 ه ) ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي ، قم: مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة ، 1415 ه ، الاُولى . 93 . الحكمة الخالدة ، أبو علي أحمد بن محمّد مسكويه (م 1358ه ) ، طهران: جامعة طهران. 94 . حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الإصبهاني (م 430 ه ) ، بيروت: دار الكتاب العربي ، 1387 ه ، الثانية . 95 . خاتمة مستدرك الوسائل ، ميرزا حسين بن الميرزا محمّد تقي بن علي النوري الطبرسي (م 1320 ه ) ، قم: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، 9 ج . 96 . الخرائج والجرائح ، أبو الحسين سعيد بن عبد اللّه الراوندي (قطب الدين الراوندي) (م 573 ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة الإمام المهدي (عج) ، قم ، 1409 ه ، الاُولى . 97 . خصائص الأئمّة عليهم السلام ، أبو الحسن محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي ( الشريف الرضي ) (م 406 ه ) ، تحقيق : محمّد هادي الأميني ، مشهد : مجمع البحوث الإسلاميّة التابع للحضرة الرضويّة المقدّسة ، 1406 ه . . خصائص أمير المؤمنين عليه السلام = خصائص الأئمّة عليهم السلام 98 . خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (م 303 ه ) ، إعداد : محمّد باقر المحمودي ، 1403 ه ، الاُولى. 99 . الخصال، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، بيروت: مؤسّسة

.

ص: 222

الأعلمي ، 1410 ه ، الاُولى . 100 . خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ، جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهَّر الحلّي (م 726 ه ) ، تصحيح : محمّد صادق بحر العلوم ، قم: انتشارات الرضي ، الاُولى . 101 . الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ، صدر الدين عليّ بن أحمد المدني الشيرازي (السيّد علي خان) (م 1120 ه ) ، قم: مكتبة بصيرتي ، 1397 ه ، الثانية . 102 . الدرّ المنثور في التفسير المأثور ، عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (م 911 ه ) ، بيروت : دار الفكر ، 1403 ه ، الاُولى . 103 . دستور معالم الحكم ومأثور مكارم الشيم ، أبو عبد اللّه بن محمّد بن سلامة القضاعي (م 454 ه ) ، قم : مكتبة المفيد . 104 . دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام ، أبو حنيفة النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363 ه ) ، تحقيق : آصف بن عليّ أصغر فيضي ، مصر: دار المعارف ، 1389 ه ، الثالثة . 105 . دلائل النبوّة ، أحمد بن الحسين البيهقي (م 458 ه )، تحقيق: صقر ، بيروت: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية . 106 . دلائل النبوّة ، أبو نعيم أحمد بن عبداللّه الإصفهاني (م 430 ه )، بيروت : دار الفكر . 107 . الديوان المنسوب إلى الإمام علي ، الإمام علي عليه السلام ، قم: انتشارات پيام اسلام . 108 . ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ، أبو العبّاس أحمد بن عبد اللّه الطبري (م 693 ه ) ، بيروت: دار المعرفة . 109 . ربيع الأبرار ونصوص الأخبار ، أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (م 538 ه ) ، تحقيق : سليم النعيمي ، قم: منشورات الرضي ، 1410 ه ، الاُولى. 110 . رجال ابن داوود ، أبو منصور الحسن بن عليّ بن داوود الحلّي (م 737 ه ) ، تحقيق: محمّد صادق آل بحر العلوم ، قم: انتشارات الشريف الرضي ، 1392 ه . 111 . رجال البرقي ، أحمد بن محمّد بن خالد البرقي الكوفي (م 274 ه ) ، طهران: جامعة طهران ، 1342 ه ، الاُولى . 112 . رجال الطوسي ، أبو جعفر محمّد بن الحسن (الشيخ الطوسي) (م 460 ه ) ، تحقيق : جواد القيّومي ، قم: مؤسّسة

.

ص: 223

النشر الإسلامي ، 1415 ه ، الاُولى . . رجال العلّامة الحلّي = خلاصة الأقوال في معرفة الرجال . رجال الكشّي = اختيار معرفة الرجال . رجال النجاشي = تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال . رجال النجاشي = فهرس أسماء مصنّفي الشيعة 113 . روضة الواعظين ، محمّد بن حسن بن عليّ بن أحمد الفتّال النيشابوري (م 508 ه ) ، تحقيق: غلامحسين المجيدي و مجتبى الفرجي، قم: منشورات دليل ما . 114 . رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين ، علي صدر الدين ابن معصوم (السيّد علي خان المدني) (م 1120 ه ) ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1409 _ 1413 ه . 115 . الرياض النضرة في فضائل العشرة ، محبّ الدين الطبري الشافعي (م 694 ه) ، بيروت، 1403 ه . 116 . السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي ، أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (م 598 ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، 1410 ه ، الثانية . 117 . سفينة البحار و مدينة الحِكَم و الآثار ، عباس بن محمّد رضا القمّي (م 1359 ه ) ، طهران: دار الاُسوة ، 1414 ه ، الاُولى . 118 . سنن ابن ماجة ، أبو عبد اللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (م 275 ه ) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي ، بيروت: دار إحياء التراث العربي ، 1395 ه ، الاُولى. 119 . سنن أبي داوود ، أبو داوود سليمان بن أشعث السجستاني الأزدي (م 275 ه ) ، تحقيق : محمّد محيي الدين عبد الحميد ، بيروت: دار إحياء السنّة النبوية . . سنن الترمذي = الجامع الصحيح 120 . السنن الكبرى ، أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي (م 458 ه ) ، تحقيق : محمّد عبد القادر عطا ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1414 ه ، الاُولى . 121 . سنن النسائي (بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي) ، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (م 303 ه ) ، بيروت: دار المعرفة ، 1414 ه . 122 . سير أعلام النبلاء ، أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد الذهبي (م 748 ه ) ، تحقيق : شُعيب الأرنؤوط ، بيروت : مؤسّسة الرسالة ، 1414 ، العاشرة .

.

ص: 224

. سيرة ابن هشام = السيرة النبوية . السيرة الحلبيّة = إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون 123 . السيرة النبويّة ، أبو محمّد عبد الملك بن هشام بن أيّوب الحميري (م 218 ه ) ، تحقيق : مصطفى السقّا _ إبراهيم الأبياري ، قم: مكتبة المصطفى ، 1355 ه ، الاُولى . 124 . الشافي في الإمامة ، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (السيّد المرتضى) (م 436 ه ) ، تحقيق: عبد الزهراء الحسيني الخطيب ، طهران: مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام ، 1410 ه ، الثانية . 125 . شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار ، أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد المصري (م 363 ه ) ، تحقيق : محمّد الحسيني الجلالي ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 ه ، الاُولى . . شرح صحيح البخاري = عُمدة القاري 126 . شرح نهج البلاغة ، عزّ الدين عبد الحميد بن محمّد بن أبي الحديد المعتزلي (ابن أبي الحديد) (م 656 ه ) ، تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم ، بيروت: دار إحياء التراث ، 1387 ه ، الثانية . . شرح نهج البلاغة الوسيط = اختيار مصباح السالكين 127 . شرف النبي المصطفى ، أحمد بن عبدالملك بن أبي عثمان بن محمّد بن إبراهيم الخركوشي النيشابوري الواعظ (م 407 ه) ، الاُولى . 128 . شُعب الإيمان ، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (م 458 ه ) ، تحقيق : محمّد السعيد بسيوني زغلول ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1410 ه ، الاُولى . 129 . شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ، أبو القاسم عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أحمد (الحاكم الحسكاني الحذّاء الحنفي النيسابوري) (القرن الخامس الهجري) ، تحقيق وتعليق : محمّد باقر المحمودي ، طهران: مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، 1411 ه ، الاُولى . 130 . الشيعة وفنون الإسلام ، حسن بن هادي الصدر (م 1331 ه ) ، صيدا : مطبعة العرفان . 131 . صبح الأعشى في صناعة الإنشاء ، أحمد بن عبد اللّه القلقشندي (م 821 ه ) ، مصر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي . 132 . الصحاح تاج اللغة وصحاح العربيّة ، أبو نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 398 ه ) ، بيروت: دار العلم

.

ص: 225

للملايين . 133 . صحيح البخاري ، أبو عبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاري (م 256 ه ) ، تحقيق : مصطفى ديب البغا ، بيروت: دار ابن كثير ، 1410 ه ، الرابعة. 134 . صحيح مسلم ، أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (م 261 ه ) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي ، القاهرة: دار الحديث ، 1412 ه ، الاُولى . 135 . الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة ، أحمد بن حجر الهيثمي المكي (م 974 ه ) ، تخريج وتعليق وتقديم: عبدالوهاب عبداللطيف، مصر : مكتبة القاهرة ، 1385 ه _ 1965م، الثانية . 136 . الطبقات ، أبو عمرو خليفة بن خيّاط العصفري (م 204 ه ) ، تحقيق : سهيل زكّار ، بيروت: دار الفكر ، 1414 ه . 137 . الطبقات الكبرى ، محمّد بن سعد كاتب الواقدي (م 230 ه ) ، بيروت: دار صادر . 138 . الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ، أبو القاسم عليّ بن موسى الحلّي (م 664 ه ) ، قم: مطبعة الخيّام ، 1400 ه ، الاُولى . 139 . العدد القويّة لدفع المخاوف اليوميّة ، جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن عليّ المطهّر (العلّامة الحلّي) (م 726 ه ) ، تحقيق : مهدي الرجائي ، قم: مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي ، 1408 ه ، الاُولى . 140 . العقد الفريد ، أبو عمر أحمد بن محمّد بن عبد ربّه الأندلسي (م 328 ه ) ، تحقيق : أحمد الزين و إبراهيم الأبياري ، بيروت : دار الأندلس ، 1408 ه ، الاُولى . 141 . علل الشرائع ، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، بيروت : دار إحياء التراث ، 1408 ه ، الاُولى. 142 . عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ، أحمد بن عليّ الحسني (ابن عنبة) (م 828 ه ) ، تحقيق: آل الطالقاني ، قم: انتشارات الشريف الرضي ، الثانية ، 1362 ش . . العمدة = عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار 143 . عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار ، يحيى بن الحسن الأسدي الحلّي (ابن بطريق) (م 600 ه ) ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ه ، الاُولى .

.

ص: 226

144 . عُمدة القاري ، أبو محمّد محمود بن أحمد العيني (م 855 ه ) ، بيروت : دار إحياء التراث العربي . 145 . عوالي اللآلي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة ، محمّد بن عليّ بن إبراهيم الإحسائي (ابن أبي جمهور) (م 940 ه ) ، تحقيق : مجتبى العراقي ، قم: مطبعة سيّد الشهداء ، 1403 ه ، الاُولى . 146 . عيون الأخبار ، أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (م 276 ه ) ، قم: منشورات الشريف الرضي ، 1343 ه ، الاُولى . 147 . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، تحقيق : مهدي الحسيني اللاجوردي ، طهران: منشورات جهان . 148 . عيون الحكم والمواعظ ، أبو الحسن عليّ بن محمّد الليثي الواسطي (قرن 6 ه ) ، تحقيق : حسين الحسني البيرجندي ، قم: دار الحديث ، 1376 ش ، الاُولى . 149 . الغارات ، أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن سعيد (ابن هلال الثقفي) (م 283 ه ) ، تحقيق : جلال الدين المحدّث الأُرموي ، طهران: منشورات أنجمن آثار ملّي ، 1395 ه ، الاُولى. 150 . الغدير في الكتاب والسنّة والأدب ، عبد الحسين أحمد الأميني (م 1390 ه ) ، بيروت: دار الكتاب العربي ، 1387 ه ، الثالثة. 151 . غرر الخصائص الواضحة ، إبراهيم بن يحيى الكتبي (الوطواط)، أُخذ بالواسطة . 152 . الغيبة ، أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي (م 460 ه ) ، تحقيق : عباد اللّه الطهراني وعلي أحمد ناصح ، قم: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة ، 1411 ه ، الاُولى . 153 . فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عليّ بن محمّد العسقلاني (ابن حجر) (م 852 ه ) ، بيروت : دار إحياء التراث العربي . 154 . الفتوح ، أبو محمّد أحمد بن أعثم الكوفي (م 314 ه ) ، تحقيق : علي شيري ، بيروت: دار الأضواء ، 1411 ه ، الاُولى . 155 . فتوح البلدان ، أبو الحسن أحمد بن يحيى البلاذري (م 279 ه ) ، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية . 156 . الفخري في أنساب الطالبيين ، إسماعيل بن الحسين المروزي . 157 . فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والأئمّة من ذريّتهم عليهم السلام ، إبراهيم بن محمّد بن المؤيد بن عبد اللّه الجويني الخراساني (م 730 ه ) ، إعداد : محمّد باقر المحمودي ، بيروت : مؤسّسة المحمودي للطباعة والنشر ، 1398 ه _ 1978 م ، الاُولى . 158 . فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، غياث الدين عبد الكريم بن أحمد الطاووسي العلوي

.

ص: 227

(م 693 ه ) ، مركز الغدير للدراسات الإسلامية . 159 . الفردوس بمأثور الخطاب ، أبو شجاع شيرويه بن شهردار الديلمي الهمداني (م 509 ه ) ، تحقيق : السعيد ابن بسيوني زغلول ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1406 ه ، الاُولى . 160 . الفصول المختارة من العيون والمحاسن ، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (الشريف المرتضى وعلم الهدى) (م 436 ه ) ، قم: المؤتمر العالمي بمناسبة ذكرى ألفيّة الشيخ المفيد ، 1413 ه ، الاُولى. 161 . فضائل الصحابة ، أبو عبد اللّه أحمد بن حنبل الشيباني (م 241 ه ) ، مراجعة : وصي اللّه محمّد عبّاس ، دار العلم : مكّة المكرّمة ، 1403 ، الاُولى . . الفقيه = كتاب من لا يحضره الفقيه 162 . فهرس أسماء مصنّفي الشيعة ، أبو العبّاس أحمد بن عليّ النجاشي (م 450 ه ) ، بيروت: دار الأضواء ، 1408 ه ، الاُولى. 163 . الفهرست ، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه ) ، تحقيق : جواد القيّومي ، قم : مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ه ، الاُولى . 164 . القاموس المحيط و القابوس الوسيط ، محمّد بن يعقوب الشيرازي الفيروزآبادي الشافعي (م 817 ه ) ، القاهرة: مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1952 م ، الثانية . 165 . قرب الإسناد ، أبو العبّاس عبداللّه بن جعفر الحِمْيري القمّي (م بعد 304 ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، 1413 ه ، الاُولى. 166 . القواعد والفوائد ، أبو عبداللّه محمّد بن جمال الدين المكّي العاملي (الشهيد الأوّل) (م 786 ه ) ، قم: منشورات مكتبة المفيد . 167 . القواعد والفوائد الحديثية من منهاج السنّة النبوية ، أبو العبّاس أحمد بن عبدالحليم الحرَّاني ، مكّة المكرّمة: دار عالم الفوائد ، 1417 ه . 168 . الكافي ، أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (ثقة الإسلام) (م 329 ه )، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، دار الكتب الإسلاميّة ، 1388 ه. 169 . الكامل ، أبو العبّاس محمّد بن يزيد الأزدي (المبرّد) (م 285 ه ) ، تحقيق: محمّد أحمد الدالي ، بيروت: مؤسّسة الرسالة ، 1413 ه ، الثانية . 170 . الكامل في التاريخ ، أبو الحسن عليّ بن محمّد الشيباني الموصلي (ابن الأثير) (م 630 ه ) ، تحقيق : علي

.

ص: 228

شيري ، بيروت: دار إحياء التراث العربي ، 1408 ه ، الاُولى . 171 . كتاب سليم بن قيس ، سليم بن قيس الهلالي العامري (م حوالي 90 ه ) ، تحقيق : محمّد باقر الأنصاري ، قم: نشر الهادي ، 1415 ه ، الاُولى . 172 . كتاب العين ، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (م 175 ه ) ، تحقيق : مهديالمخزومي ، قم: دار الهجرة ، 1409 ه ، الاُولى . 173 . كتاب من لا يحضره الفقيه ، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، طهران : دار الكتب الإسلاميّة ، 1390 ه . 174 . كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ، عليّ بن عيسى الإربلي (م 687 ه ) ، تصحيح : هاشم الرسولي المحلّاتي ، بيروت: دار الكتاب الإسلامي ، 1401 ه ، الاُولى . 175 . كشف المحجّة لثمرة المُهْجة ، أبو القاسم عليّ بن موسى بن طاووس الحلّي (م 664 ه ) ، تحقيق : محمّد الحسّون ، قم: مكتب الإعلام الإسلامي ، 1412 ه ، الاُولى . 176 . كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ، جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر (العلّامة الحلّي) (م 726 ه ) ، تحقيق : حسين درگاهي ، إحياء التراث العربي . 177 . كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الإثني عشر ، أبو القاسم عليّ بن محمّد بن عليّ الخزّاز القمّي (القرن الرابع الهجري) ، تحقيق : عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري ، قم: انتشارات بيدار ، 1401 ه ، الأُولى . . كنز جامع الفوائد = تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة 178 . كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال ، علاء الدين عليّ المتّقي بن حسام الدين الهندي (م 975 ه ) ، تصحيح : صفوة السقّا ، بيروت: مكتبة التراث الإسلامي ، 1397 ه ، الاُولى . 179 . كنز الفوائد ، أبو الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكي الطرابلسي (م 449 ه ) ، إعداد : عبد اللّه نعمة ، قم: دار الذخائر ، 1410 ه ، الاُولى . 180 . الكنى والألقاب ، عبّاس بن محمّد رضا القمّي (م 1359 ه ) ، طهران: مكتبة الصدر ، 1368 ه ، الخامسة . 181 . اللباب في تهذيب الأنساب ، عزّ الدين المبارك بن محمّد بن محمّد بن الأثير الشيباني الشافعي (م 606 ه ) ، مكّة المكرّمة: المكتبة الفيصلية ج بيتاج . 182 . اللباب في تهذيب الأنساب ، أبو الحسن علي بن محمّد الشيباني الموصلي ، بيروت: دار الكتب العلمية ، 1420 ه . 183 . لسان العرب ، أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (م 711 ه ) ، بيروت : دار صادر ،

.

ص: 229

1410 ه 1990 م ، الاُولى . 184 . لسان الميزان ، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (م 852 ه ) ، تحقيق: عادل أحمد عبدالموجود وعليّ محمّد معوّض، بيروت: دار الكتب العلمية، 1416 ه ، الاُولى . 185 . لغة نامه دهخدا ، علي أكبر دهخدا (م 1956 م) ، طهران : جامعة طهران _ كلية الآداب ، مطبعة سيروس ، 1968 م . 186 . مجمع الأمثال ، أبو الفضل أحمد بن محمّد الميداني النيسابوري (م 518 ه ) ، بيروت: دار الجيل، 1416 ه . 187 . مجمع البحرين ، فخر الدين الطريحي (م 1085 ه ) ، تحقيق : أحمد الحسيني ، طهران: مكتبة نشر الثقافة الإسلاميّة ، 1408 ه ، الثانية . 188 . مجمع البيان في تفسير القرآن ، أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي (م 548 ه ) ، تحقيق : هاشم الرسولي المحلّاتي و فضل اللّه اليزدي الطباطبائي ، بيروت: دار المعرفة ، 1408 ه ، الثانية . 189 . مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، نور الدين عليّ بن أبي بكر الهيثمي (م 807 ه ) ، تحقيق : عبد اللّه محمّد درويش ، بيروت: دار الفكر ، 1412 ه ، الاُولى . 190 . مجموعة الوثائق السياسية ، محمّد حميد اللّه الحيدرآبادي، بيروت: دار النفائس، 1405 ه . . مجموعة ورّام = تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 191 . المحاسن ، أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 280 ه ) ، تحقيق : مهدي الرجائي ، قم: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام ، 1413 ه ، الاُولى . 192 . المحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء ، محمّد بن المرتضى (المولى محسن الكاشاني) (م 1091 ه ) ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ه ، الثالثة . 193 . مختصر تاريخ دمشق ، محمّد بن مكرم الأنصاري (ابن منظور) (م 711 ه ) ، تحقيق: راتب حمّوش ، دمشق: دار الفكر . 194 . مراصد الاطّلاع ، أبو الفضائل عبدالمؤمن بن عبدالحقّ البغدادي ، بيروت : دار المعرفة ، 1373 ه . 195 . مروج الذهب ومعادن الجوهر ، أبو الحسن عليّ بن الحسين المسعودي (م 346 ه ) ، تحقيق : محمّد محيي الدين عبد الحميد ، مصر: مطبعة السعادة ، 1384 ه ، الرابعة . 196 . المستدرك على الصحيحين ، أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الحاكم النيسابوري (م 405 ه ) ، تحقيق : مصطفى

.

ص: 230

عبد القادر عطا ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1411 ه ، الاُولى . 197 . مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل ، ميرزا حسين النوري الطبرسي (م 1320 ه ) ، قم: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ه ، الاُولى . 198 . المسترشد في إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (م 310 ه ) ، تحقيق: أحمد المحمودي ، طهران: مؤسّسة الثقافة الإسلاميّة لكوشانبور ، 1415 ه ، الاُولى . 199 . مسند أبي يعلى الموصلي ، أبو يعلى أحمد بن عليّ بن المثنّى التميمي الموصلي (م307ه )، تحقيق وتعليق: إرشاد الحق الأثري، جدّة: دار القبلة للثقافة ، 1408 ه ، الاُولى . 200 . مسند أحمد بن حنبل، أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني (م 241ه )، تحقيق: عبداللّه محمّد الدرويش، بيروت: دار الفكر ، 1414 ه ، الثانية . 201 . مسند الإمام زيد (مسند زيد) ، المنسوب إلى زيد بن عليّ بن الحسين عليهماالسلام(م 122 ه ) ، بيروت: منشورات دار مكتبة الحياة ، 1966 م ، الاُولى . . مسند البزّار = البحر الزخّار 202 . مشكاة الأنوار في غرر الأخبار ، أبو الفضل عليّ الطبرسي (القرن السابع الهجري) ، تحقيق : مهدي هوشمند ، قم: دار الحديث ، 1418 ه ، الاُولى . 203 . مصباح المتهجّد ، أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي (م 460 ه ) ، تحقيق : علي أصغر مرواريد ، بيروت: مؤسّسة فقه الشيعة ، 1411 ه ، الاُولى . 204 . المصنّف ، أبو بكر عبد الرزّاق بن همّام الصنعاني (م 211 ه ) ، تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي ، بيروت: المجلس العلمي . 205 . المصنّف في الأحاديث والآثار ، أبو بكر عبد اللّه بن محمّد بن أبي شيبة العبسي الكوفي (م 235 ه ) ، تحقيق : سعيد محمّد اللحّام ، بيروت: دار الفكر ، 1409 ، الاُولى . 206 . معادن الحكمة في مكاتيب الأئمّة ، محمّد بن الحسن بن المرتضى الفيض الكاشاني (عَلَمُ الهُدى) (م 1115 ه ) ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ه . 207 . المعارف ، أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة (م 213 ه ) ، حقّقه وقدّم له : ثروت عكاشة ، مصر : دار المعارف ، الثانية . 208 . معاني الأخبار ، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، تحقيق :

.

ص: 231

علي أكبر الغفّاري ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1361 ش ، الاُولى . 209 . معجم البلدان ، أبو عبد اللّه شهاب الدين ياقوت بن عبد اللّه الحموي الرومي(م 626 ه ) ، بيروت: دار إحياء التراث العربي ، 1399 ه ، الاُولى . 210 . معجم رجال الحديث ، أبو القاسم بن علي أكبر الخوئي (م 1413 ه ) ، بيروت: دار إحياء التراث ، 1403 ه . 211 . المعجم الصغير ، أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الشامي الطبراني (م 360 ه ) ، تحقيق : محمّد عثمان ، بيروت: دار الفكر ، 1401 ه ، الثانية . 212 . معجم قبائل العرب ، عمر رضا كحّالة ، بيروت: مؤسّسة الرسالة ، 1414 ه ، السابعة . 213 . المعجم الكبير ، أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني (م 360 ه ) ، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي ، بيروت: دار إحياءالتراث العربي ، 1404 ه ، الثانية. 214 . معجم المؤلّفين ، عمر رضا كحّالة ، بغداد: مكتبة المثنى و بيروت: دار إحياء التراث العربي ، 1409 ه . 215 . المعيار والموازنة ، أبو جعفر محمّد بن عبد اللّه الإسكافي (م 240 ه ) ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي . 216 . مفردات ألفاظ القرآن ، أبو القاسم الحسين بن محمّد الراغب الأصفهاني (م 502 ه ) ، تحقيق : صفوان عدنان داوودي ، دمشق: بيروت: دار القلم ، 1412 ه ، الاُولى . 217 . المفصّل ، محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري (م 538 ه) . 218 . المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام ، جواد علي ، بغداد: جامعة بغداد ، 1413 ه . 219 . مقاتل الطالبيّين ، أبو الفرج عليّ بن الحسين بن محمّد الإصبهاني (م 356 ه ) ، تحقيق : أحمد صقر ، قم: منشورات الشريف الرضي ، 1405 ه ، الاُولى . 220 . مقتل الحسين ، أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي الكوفي (م 157 ه )، قم: المطبعة العلمية ، 1364 ش ، الثانية . 221 . مقتل الحسين ، موفّق بن أحمد بن محمّد المكّي الخوارزمي (م 568 ه ) ، تحقيق: محمّد السماوي، قم : مكتبة المفيد . 222 . مقدّمة ابن خلدون ، عبدالرحمن بن محمّد بن خلدون (م 808 ه ) ، بيروت: دار إحياء التراث العربي . 223 . المقنعة ، أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 413 ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، 1410 ه ، الثانية . 224 . ملحقات إحقاق الحقّ ، شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي ، قم : مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي ، 1408 ه . 225 . الملهوف على قتلى الطفوف ، أبو القاسم عليّ بن موسى الحلّي (ابن طاووس) (م 664 ه ) ، تحقيق : فارس

.

ص: 232

تبريزيان ، طهران: دار الاُسوة ، 1414 ه ، الاُولى . 226 . مناقب آل أبي طالب ، أبو جعفر رشيد الدين محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (م 588 ه ) ، قم: المطبعة العلمية . . مناقب ابن شهرآشوب = مناقب آل أبي طالب 227 . مناقب الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، محمّد بن سليمان الكوفي القاضي (م 300 ه ) ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي ، قم: مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة ، 1412 ه ، الاُولى . 228 . مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، أبو الحسن علي بن محمّد بن محمّد الواسطي الشافعي (ابن المغازلي) (م 483 ه ) ، إعداد : محمّد باقر البهبودي ، طهران: المكتبة الإسلاميّة ، 1402 ه ، الثانية . . المناقب لابن الدمشقي = جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام . المناقب لابن المغازلي = مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام 229 . المنتخب من كتاب ذيل المذيّل ، الطبري، بيروت: مؤسّسة الأعلمي . 230 . منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ، حبيب اللّه بن محمّد العلوي الخوئي (م 1324 ه ) ، بيروت: مؤسّسة الوفاء ، 1403 ه . 231 . مواقف الشيعة ، الأحمدي الميانجي ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي . 232 . مهج الدعوات ومنهج العبادات ، أبو القاسم بن موسى الحلّي (ابن طاووس) (م 664 ه ) ، قم: دار الذخائر ، 1411 ه ، الاُولى . 233 . ميزان الإعتدال في نقد الرجال، أبو عبداللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (م 748 ه )، تحقيق: علي محمّد البجاوي، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر ، 1963 م . 234 . ميزان الحكمة ، محمّد المحمّدي الريشهري ، قم: دار الحديث ، 1416 ه ، الاُولى . 235 . نثر الدرّ ، أبو سعيد منصور بن الحسين الآبي (م 421 ه ) ، تحقيق : محمّد علي قرنة ، مصر: الهيئة المصريّة العامّة ، 1981 م ، الاُولى . 236 . نزهة الألبّاء في طبقات الأُدباء ، عبدالرحمن بن محمّد الأنباري . 237 . نظام الحكومة النبوية (التراتيب الإداريّة) ، عبدالحي الكتاني الإدريسي الحسني الفاسي، بيروت: دار الكتاب العربي . 238 . نفس المهموم ، عبّاس بن محمّد رضا القمّي ، قم: انتشارات ذوي القربى ، 1412 ه . 239 . النوادر ، أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمّي (القرن الثالث الهجري) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة

.

ص: 233

الإمام المهدي (عج) _ قم ، 1408 ، الاُولى . 240 . نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ، أحمد بن عبداللّه القلقشندي (م 821 ه) ، بيروت: إدارة البحوث العلمية ، 1402 ه . 241 . النهاية في غريب الحديث والأثر ، أبو السعادات مبارك بن مبارك الجزري (ابن الأثير) (م 606 ه ) ، تحقيق : طاهر أحمد الزاوي ، قم: مؤسّسة إسماعيليان ، 1367 ش ، الرابعة . 242 . نهج البلاغة ، ما اختاره أبو الحسن محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي (الشريف الرضي) (م 406 ه ) من كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، تحقيق: كاظم المحمّدي و محمّد الدشتي ، قم: انتشارات الإمام علي عليه السلام ، 1369 ش ، الثانية . 243 . نهج الحقّ و كشف الصدق ، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (العلّامة الحلّي) (م 726 ه ) ، تحقيق: عين اللّه الحسني الإرموي ، قم: دار الهجرة ، 1407 ه ، الاُولى . 244 . نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ، محمّد باقر المحمودي (معاصر) ، بيروت: مؤسّسة الأعلمي . 245 . الوافي، المولى محسن بن مرتضى (الفيض الكاشاني) (م 1091 ه ) ، تحقيق : ضياء الدين الحسيني الإصفهاني ، شرح: رفيع الدين نائيني ، إصفهان: مكتبة أميرالمؤمنين علي عليه السلام العامة ، 1406 ه ، الاُولى ، 17 ج . 246 . الوافي بالوفيات ، صفيّ الدين خليل بن أيبك الصَّفَدي (م 749 ه ) ، قيسبادان (ألمانيا): فرانزشتاينر ، 1381 ه ، الثانية . 247 . وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (م 1104 ه ) ، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث قم ، 1409 ه ، الاُولى . 248 . وفاء الوفاء بأخبار المصطفى ، أبو الحسن عليّ بن عبد اللّه السمهودي ، القاهرة: مطبعة الآداب والمؤيد ، 1326 م . 249 . وفيات الأعيان و أنباء أبناء الزمان ممّا ثبت بالنقل أو السماع أو أثبته العيان ، شمس الدين أبو العبّاس أحمد بن محمّد البرمكي (ابن خلّكان) (م 681 ه ) ، تحقيق : إحسان عبّاس ، بيروت: دار صادر ، 1398 ه . 250 . وقعة صفّين ، نصر بن مزاحم المنقري (م 212 ه ) ، تحقيق و شرح : عبد السلام محمّد هارون ، قم: مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي ، 1382 ه ، الثانية . 251 . ينابيع المودّة لذوي القربى ، سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (م 1294 ه ) ، تحقيق : عليّ جمال أشرف الحسيني ، طهران: دار الاُسوة للطباعة والنشر ، 1416 ه ، الاُولى .

.

ص: 234

الفهرس التفصيلي .

ص: 235

. .

ص: 236

. .

ص: 237

. .

ص: 238

. .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.