الغدير في رحاب الكتاب والسنه

هوية الکتاب

سرشناسه : معارف ، مجيد، ‫1332 -

عنوان قراردادي : غدير در پرتو كتاب و سنت .عربي

عنوان و نام پديدآور : الغدير في رحاب الكتاب و السنة/ تاليف مجيد معارف؛ مترجم اسعد الكعبي.

مشخصات نشر : تهران: نشر مشعر ‫، 1434 ق. ‫ = 1392.

مشخصات ظاهري : ‫ [101] ص. ‫؛16/5×12س م.

شابك : ‫ 11000ريال ‫ : ‫ 978-964-540-431-2

وضعيت فهرست نويسي : فاپا

يادداشت : كتابنامه: ص. [101] ؛ همچنين به صورت زيرنويس.

موضوع : علي بن ابي طالب ‫ ‫(ع) ، امام اول، ‫23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت -- احاديث

موضوع : غدير خم -- احاديث

موضوع : غدير خم -- جنبه هاي قرآني

شناسه افزوده : كعبي، اسعد، ‫1349 - ، مترجم

رده بندي كنگره : ‫BP141/5 /غ4 ‫ م64043 1392

رده بندي ديويي : ‫ 297/218

شماره كتابشناسي ملي : 3092569

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

كلمة المعهد

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين الذين أكمل الله بهم دينه وأتمّ ببركاتهم نعمته.

كما نعلم فإنّ «غدير خُم» هي بركةٌ صغيرةٌ تقع في نواحي المدينة المنوّرة، إلا أنّها شهدت قبل قرونٍ حدَثاً عظيماً ظلّ راسخاً في ذاكرة التأريخ الإسلاميّ ولا زال حتّى اليوم بحراً هادراً فيّاضاً؛ وهذا الحدَث ليس سوى إعلان رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنّ عليّاً (عليه السلام) هو خليفته من بعده.

وبما أنّ واقعة يوم الغدير كانت على مرّ التأريخ مدار بحثٍ ونقاشٍ بين المذاهب الإسلاميّة، فقد دُوّنت حولها مؤلّفاتٌ قيّمةٌ، وكان لها تأثيرٌ بالغٌ على معتقدات المسلمين وأعمالهم. ومن

ص: 5

هذا المنطلق، فإنّ دراسة هذه الواقعة التأريخيّة العظيمة لها تأثيرٌ كبيرٌ على مصير كلّ مسلمٍ، كونها تتمحور حول قضيّة الخلافة الشرعيّة لنبيّنا الكريم (صلى الله عليه و آله) ، وممّا يزيد من أهميّتها في هذه الفترة الزمنيّة بالتحديد هو أنّها ترتبط بواقع النموذج الأمثل للحكومة الإسلاميّة في خضمّ عصر الصحوة الإسلاميّة. لذا، فقد تطرّق الدكتور مجيد معارف إلى دراستها وبيان تفاصيلها بشكلٍ مجملٍ في كتابه «الغدير في رحاب الكتاب والسنّة» .

نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفّق مؤلّف الكتاب ومترجمه لكلّ خيرٍ وصلاحٍ، ونرجو منه تعالى أن يجعله خطوةً نحو رصّ صفوف الأمّة الإسلاميّة ووحدتها.

إنّه وليّ التوفيق

معهد الحجّ والزيارة

فرع الكلام والمعارف

ص: 6

المقدّمة

واقعة غدير خم التي أشير إليها في القرآن الكريم وصرّحت بها الأحاديث هي من الشواهد القطعية على إمامة أميرالمؤمنين(عليه السلام) .

فلدينا آياتٌ في سورة المائدة لا يمكن ادّعاء دلالتها على شيءٍ سوى إثبات ولاية وإمامة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، بتأكيد قاطبة مفسّري الشيعة وعدد كبير من مفسّري المذهب السنّي، ناهيك عن وجود روايات في مصادر الحديث والتفسير للفريقين تناولت تفسير هذه الآيات، وصرّحت بوضوحٍ على خلافته (عليه السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) مباشرةً وقطعت بذلك، بنحوٍ لا يترك مجالاً للشكّ بأحقيّته بمنصب الخلافة دون غيره.

وهدفنا من تدوين هذا الكتاب هو إثبات إمامة ابن عمّ الرسول، وأوّل الناس إسلاماً، من خلال دراسة واقعة غدير

ص: 7

خُم بالاستناد إلى الآيات القرآنيّة والأحاديث الصحيحة.

ومن الجدير بالذكر أنّ هذا الكتاب قد طُبع سابقاً تحت عنوان (الغدير من منظار القرآن والروايات) باللغة الفارسيّة على هيئة كتيّبٍ صغيرٍ قامت (دار النبأ للنش-ر) بطباعته، حيثُ أُعيد طبعه عدّة مرّاتٍ نظراً للترحيب الواسع من قِبل القرّاء الكرام، كما أنّه تُرجم إلى اللغة الإنجليزيّة. أمّا اليوم فقد ارتدى حلّةً جديدةً بعد أن نُقّحت أبحاثه، من خلال غزارة الأدلّة والروايات المطروحة فيه، وأيضاً أُضيفت فيه فقراتٌ جديدةٌ للأبحاث السابقة، كما تمّ تغيير الهيكل العامّ لمواضيعه. وهذا بفضل الجهود المضنية التي تمّ بذلها من قِبل المتصدّين لقسم (معاونيّة التعليم والأبحاث لبعثة قائد الثورة الإسلاميّة) .

في الختام، أتقدّم بالشكر الجزيل وفائق الامتنان لكلّ من تحمّل عبء طباعة ونشر هذا النتاج المتواضع، راجياً من الله السميع أن يتقبّل هذه الحسنة منّا جميعاً، وأسأله أن يجعلنا من الموالين لأهل بيت خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

ومن الله التوفيق

جامعة طهران مجيد معارف

142٩ه. ق

ص: 8

الخلفيات التأريخية لحادثة الغدير

اشارة

في السنة العاشرة للهجرة النبويّة، وعند حلول شهر ذي القعدة، أعلن رسولنا الكريم (صلى الله عليه و آله) للنّاس بأنّه عازمٌ على شدّ الرحال إلى بيت الله الحرام قاصداً أداء فريضة الحجّ المباركة. فشاع هذا الخبر بسرعةٍ في المدينة المنوّرة وما حولها، حتّى وصل إلى أسماع كافّة المسلمين في سائر بقاع الجزيرة العربيّة، ممّا حدا بالآلاف منهم إلى شدّ رحالهم إلى مكّة أيضاً، مغتنمين فرصة وجوده صلوات الله عليه هناك.

في الخامس والعش-رين من نفس الشهر تحرّكت قافلة الرسول (صلى الله عليه و آله) نحو الدّيار المقدّسة برفقة عددٍ غفيرٍ من المسلمين، حيثُ ذكر المؤرّخون أنّ عددهم كان يُضاهي مائة

ص: 9

ألفِ حاجٍّ (1)، فالتحقوا في مكّة بآلاف الحجّاج من مختلف أصقاع الجزيرة العربيّة.

جاء في كتاب الإرشاد للشيخ المفيد:

ثُمّ تلا وفد نجران من القصص المنبئة عن فضل أميرالمؤمنين (عليه السلام) وتخصّصه من المناقب بما بانَ من كافّة العباد في حجّة الوداع وما جرى فيها من الأقاصيص، وكان لأميرالمؤمنين (عليه السلام) فيها من جليل المقامات. فمن ذلك أنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان قد أنفذه (عليه السلام) إلى اليمن ليخمّس كنوزها، ويقبض ما وافق عليه أهل نجران من الحِلل والعين وغير ذلك، فتوجّه لما ندبه إليه رسول الله (صلى الله عليه و آله) ، فأنجزه مُمتثلاً أمرَه فيه، مُسارعاً إلى طاعته، ولم يأتمن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أحداً غيرَه على ما ائتمنه عليه من

ص: 10


1- روى مسلم حديثاً عن جابر بن عبدالله الأنصاري بشأن حجّة رسول الله٩ في السنة العاشرة، جاء فيه: «إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) مكثَ تسعَ سنين لم يحجّ، ثمّ أُذّن في الناس في العاشرة أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) حاجٌّ، فقدم المدينة بشرٌ كثيرٌ كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله (صلّى الله عليه وسلم) ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه» . انظر: صحيح مسلم، ج2، ص٨٨6، باب حجّة النبيّ؛ سنن ابن ماجة، ج1، صص1٠22 - 1٠26؛ تاريخ الطبري، ج3، ص14٨.

ذلك، ولا رأى في القوم من يصلح للقيام به سواه، فأقامه (عليه السلام) مقام نفسه في ذلك واستنابه فيه، مطمئناً إليه ساكناً إلى نهوضه بأعباء ما كلّفه فيه. (1)

في هذه الأثناء أرسل صلوات الله عليه كتاباً إلى الإمام عليّ (عليه السلام) ، الذي كان على رأس سريّةٍ في اليمن، وطلب منه أن يأتي إلى مكّة، ولكنّه لم يذكر في هذا الكتاب شيئاً عن مناسك الحجّ أو ما سيفعله في هذه الحجّة.

على أيّ حالٍ، تحرّك رسول الله (صلى الله عليه و آله) في جمع من المسلمين نحو الديار المقدّسة، وانطلق الإمام عليّ (عليه السلام) مع جيشه من اليمن نحو مكّة أيضاً، وبعد أن اقترب من مشارفها، أوكل قيادة الجيش لنائبٍ له من أجل أن يتمكّن من اللحاق برسول الله (صلى الله عليه و آله) . وبالفعل، فقد التقى به قبل أن يدخل مكّة، وأخبره عمّا قام به مع جيشه، وما جلبه من حِللٍ وغنائم؛ إذ قال الشيخ المفيد عن هذا الحدَث:

وخرج أميرالمؤمنين (عليه السلام) بمن معه من العسكر الذي كان صحبه إلى اليمن، ومعه الحِلل [التي] كان أخذها من

ص: 11


1- الإرشاد للشيخ المفيد، ج1، ص1٧٠.

أهل نجران. فلمّا قارب رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى مكّة من طريق المدينة، قاربها أميرالمؤمنين (عليه السلام) من طريق اليمن، وتقدّم الجيش للقاء النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، وخلّف عليهم رجلاً منهم. فأدرك النبيّ (صلى الله عليه و آله) وقد أشرف على مكّة، فسلّم عليه وخبّره بما صنع وبقبض ما قبض، وأنّه سارع للقائه أمام الجيش، فسرّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) لذلك وابتهج بلقائه، وقال له: بمَ أهللتَ يا عليّ؟

فقال له: يا رسول الله، إنّك لم تكتب لي إهلالك ولا عرفته، فعقَدتُ نيّتي بنيّتك (1)، فقلت: اللّهم إهلالاً كإهلال نبيّك، وسقتُ معي من البُدن أربعاً وثلاثين بدنةً.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) : الله أكبر، قد سقتُ أنا ستّاً وستّين،

ص: 12


1- بالنسبة لمطابقة نيّة الإمام عليّ(عليه السلام) لنيّة الرسول٩ في حجّة الوداع؛ انظر: صحيح البخاري، ج2، ص65٠؛ الكافي، ج4، ص246؛ تأريخ الطبري، ج3، ص14٩. استناداً لبعض الروايات، فإنّ رسول الله٩ أخذ معه مائةً من الإبلِ، نوى 34 منها نيابةً عن الإمام عليّ(عليه السلام) و66 عن نفسه؛ اُنظر: مَن لا يحضره الفقيه، ج2، ص153؛ سنن النبيّ، ج٨، ص5٩؛ وسائل الشيعة، ج٨، ص164؛ تأريخ الطبري، ج3، ص14٩؛ سيرة ابن هشام، ج4، ص24٩.

وأنت شريكي في حجّي ومناسكي وهديي، فأقم على إحرامك وعُد إلى جيشك، [فارجع] بهم إليّ، حتى نجتمع بمكّة إن شاء الله تعالى.

وبعد أن وصل رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى مكّة، مكث فيها عدّة أيّامٍ لأداء مناسك الحجّ، وفي يوم عرَفة - وعلى روايةٍ في يوم عيد الأضحى - خطب بالمسلمين وطلب منهم أن يتّقوا الله تعالى ويقيموا حدوده ويؤدّوا حقوق الآخرين (1)، ثمّ ترك مكّة متوجّهاً نحو المدينة، فرافقته في عودته حشودٌ عظيمةٌ من المسلمين، وحينما وصلوا مشارف (الجُحفة) ، نزلوا في مكانٍ يُقال له: (غدير خُم) ، فأوحى الله تعالى لنبيّه الكريم (صلى الله عليه و آله) الآية المباركة: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ . (المائدة: 6٧) إثر ذلك أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) بأن تحطّ القافلة رحالها في هذا المكان، فعاد الذين سبقوا القافلة نحو المدينة أدراجهم واستقرّوا مع القوم، كما التحق بهم الذين كانوا متأخّرين عنهم، فاكتمل الجمع في ذلك المكان.

ص: 13


1- للاطّلاع على هذه الخطبة، انظر: صحيح مسلم، ج2، صص٨٨٩ - ٨٩٠؛ سنن ابن ماجة، ج2، صص1٠15 - 1٠16؛ تأريخ الطبري، ج3، صص15٠ - 152؛ السيرة النبويّة لابن هشام، ج4، ص25٠.

عندما حلّ الظّهر واقتربت الصلاة، طلب النبيّ (صلى الله عليه و آله) من النّاس أن يستعدّوا لسماع أمرٍ هامٍّ، في وقتٍ كان الجوّ فيه شديد الحرارة، لدرجة أنّ المرءُ كان يضع بعض ردائه على رأسه وبعضه الآخر تحت قدميه اتّقاءاً من الرّمضاء، فقد قال صاحب كتاب (إعلام الورى) بهذا الشأن:

وكان يوماً شديد الحرّ، فأمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) بدوحاتٍ هناك فقمّ ما تحتها، وأمر بجمع الرّحال في ذلك المكان ووضع بعضها على بعضٍ، ثمّ أمر مناديه فنادى بالناس: الصلاة جامعة، فاجتمعوا إليه، وإنّ أكثرهم ليلفُّ رداءه على قدميه من شدّة الرّمضاء، فصعد (صلى الله عليه و آله) على تلك الرحال حتّى صار في ذروتها، ودعا عليّاً (عليه السلام) فرقى معه حتّى قام عن يمينه، ثمّ خطب الناس. (1)

خطبة الرسول (صلى الله عليه و آله) في غدير خُم

نقل العلاّمة الأميني في كتابه (الغدير) خطبة رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوم الغدير، وما دار فيها من حديثٍ، اقتباساً من المصادر

ص: 14


1- إعلام الورى بأعلام الهدى، ج 1، ص 261؛ الإرشاد للشيخ المفيد، ج1، صص235 - 23٧؛ سيرة المصطفى، ص6٩3، باب غدير خم.

الإسلاميّة المعتبرة، كما يلي:

الحمد لله، ونستعينه ونؤمن به ونتوكّل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا؛ الذي لا هادي لمن ضلّ ولا مُضلّ لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً عبده ورسوله.

أمّا بعد، أيّها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يُعمّر نبيٌّ إلّا مثل نصف عمر الذي قبله، وإنّي أُوشك أن أُدعى [فأُجيب]، وإنّي مسؤولٌ وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟

قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً.

قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقٌّ وناره حقٌّ وأنّ الموت حقٌّ وأنّ الساعة آتيةٌ لا ريبَ فيها، وأنّ الله يبعث مَن في القبور.

قالوا: بلى، نشهد بذلك.

قال: اللّهم اشهد.

ثُمّ قال: أيّها الناس ألا تسمعون؟ !

قالوا: نعم.

قال: فإنّي فرطٌ على الحوض، وأنتم واردون عَلَيَّ الحوضَ، وإنّ عرضه ما بين صنعاء وبُصرى، فيه أقداحٌ عددَ

ص: 15

النجوم من فضّةٍ، فانظروا كيف تُخلفوني في الثِّقلين؟ !

فنادى منادٍ: وما الثِّقلان يا رسول الله؟

قال: الثِّقل الأكبر كتاب الله، طرفٌ بيد الله عزَّ وجلَّ وطرفٌ بأيديكم؛ فتمسّكوا به لا تضلّوا، والآخر الأصغر عترتي، وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عَلَيَّ الحوضَ، فسألتُ ذلك لهما ربّي، فلا تَقَدَّموهما فتهلكوا، ولا تُقَصِّروا عنهما فتهلكوا.

ثُمّ أخذ بيد عليٍّ فرفعها - حتّى رؤي بياض آباطهما، وعرفه القوم أجمعون - فقال: أيّها الناس، مَن أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟

قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: إنّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم؛ فمن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه - [قالها] ثلاث مرّاتٍ - وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرّاتٍ.

ثُمّ قال: اللّهم والِ من والاهُ، وعادِ من عاداهُ، وأحبَّ من أحبَّهُ وابغض من أبغضهُ وانصر من نصرهُ واخذُل من خذلهُ وأدِر الحقَّ معه حيثُ دارَ. ألا فليُبلّغ الشاهدُ الغائبَ.

ثُمّ لم يتفرّقوا حتّى نزل أمين وحي الله بقوله: الْيَوْمَ

ص: 16

أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، الآية.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورِضى الربّ برسالتي، والولاية لعليٍّ من بعدي.

ثُمّ طفق القوم يُهنّؤون أميرالمؤمنين صلوات الله عليه، وممّن هنّأه في مقدّم الصحابة، الشيخان أبو بكر وعمر، كلٌّ يقول: بخٍّ بخٍّ لك يا بن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ.

وقال ابن عبّاس: وجبت والله في أعناق القوم.

فقال حسّان: ائذن لي يا رسول الله أن أقول في عليٍّ أبياتاً تسمعهن.

فقال: قُل على بركة الله.

فقام حسّان فقال: يا معشر مشيخة قريش، أتبعها قولي بشهادةٍ من رسول الله في الولاية ماضية، ثُمّ قال:

ينادِيهم يوم الغدير نبيّهم

بخمٍّ وأسْمِعْ بالرسول مناديا

يقول فمَن مولاكم ووليّكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولم ترَ منّا في الولايةِ عاصيا

فقال له قُم يا عليّ فإنّني

رضيتُكَ من بعدي إِماماً هاديا

فمَن كنتُ مولاهُ فهذا وليّه

فكونوا لهُ أتباعَ صدقٍ مواليا

ص: 17

هناك دعا اللّهم والِ وليّه

وكُن للذي عادى علياً معاديا

بعد أن أتمّ حسّان شعره، قال له رسول الله (صلى الله عليه و آله) : لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا. (1)وبعد انتهاء تنصيب الخليفة في غدير خُم، تفرّق المسلمون، وذهبت كلّ جماعةٍ منهم نحو وجهتها، كما سلك رسول الله (صلى الله عليه و آله) برفقة عددٍ كبيرٍ من أهالي المدينة المنوّرة الذين رافقوه للحجّ، طريق المدينة، حيثُ دخلوها قبل نهاية السنة العاشرة للهجرة. ولم تمضِ مدّةٌ طويلةٌ حتّى أصبح نبيّنا الكريم (صلى الله عليه و آله) طريح الفراش، فكان هذا المرض الذي ألمّ به هو الخاتمة لمسيرته الحافلة بالخير والصلاح، ولكنّ الله تعالى كان قد وفّقه لأن يُتمّ إبلاغ رسالته، ويُكمل دين ربّه عندما عيّن خليفته على الخلق من بعده.

ص: 18


1- للاطّلاع أكثر على قصّة يوم الغدير في التأريخ الإسلاميّ، ومن أجل معرفة خطبة رسول الله٩ بتفصيلٍ أكثر، انظر: مسند أحمد بن حنبل، الأحاديث: 641، ٩5٠، ٩61، ٩64، 1٩4٩4، 1٨6٧1؛ خصائص النسائي، صص26 و 11٧، الأحاديث: ٩ و ٧٩؛ مستدرك الحاكم، ج3، ص323؛ تأريخ اليعقوبي، ج2، ص1٠1؛ أُسد الغابة لابن أثير الجزري، ج3، ص6٠5؛ تفسير القمّي، ج1، صص1٧4 - ٧5؛ الإرشاد للشيخ المفيد، ج1، صص235 -242؛ سيرة المصطفى، ص6٩3 نقلاً عن مصادر أهل السنّة؛ تفسير الصّافي، ج2، صص44٧ - 466 نقلاً عن الاحتجاج والغدير، ج1، صص31 - 34.

بحوثٌ حولَ واقعة الغدير

أوّلاً: مكانة واقعة الغدير في المصادر الإسلاميّة

إنّ أجلى دليلٍ يؤكّد مكانة واقعة الغدير وأهمّيتها، هو اختصاصها بنزول آيتين بشأنها، فهي حَدثٌ عظيم في تأريخ المسلمين، والآيتان هما:

أ) الآية 6٧ من سورة المائدة، المعروفة ب-

(آية التبليغ) .

ب) الآية 3 من نفس هذه السورة، المعروفة ب-

(آية إكمال الدّين) .

ونظراً لوجود هاتين الآيتين، فقد دخل بحث الغدير في نطاق علم تفسير القرآن الكريم أيضاً، ليُدلي علماء الفريقين -شيعةً وسنّةً- بآرائهم، ويدوّنوا تفاسيرهم بهذا الشأن، فضلاً عن اجتياح هذه الحادثة مصادر الحديث والتأريخ والكلام،

ص: 19

وحتّى المصادر الأدبيّة؛ كونها مادةً دسمةً، حيث جعل لها المؤلّفون في هذه العلوم فصولاً وأبواباً خاصّةً.

وبعد بحثٍ دقيقٍ وعناءٍ مضنٍ، أثبت العلاّمة الأميني -صاحب كتاب الغدير - أنّ الذين روَوا هذه الواقعة التأريخيّة بلغ عددهم 11٠ من طبقة الصحابة (1)، و84 من طبقة التابعين -تلامذة الصحابة -. (2)كما أنّ هناك 26٠ عالماً من علماء المسلمين قد تناولوا هذه الحادثة التأريخيّة في مؤلّفاتهم بشكلٍ مفصّلٍ أو مختصرٍ خلال عدّة قرونٍ من الزمن. (3)وكذلك فإنّ الشعراء والأُدباء، على مرّ العصور، قد استهوتهم هذه الحادثة المصيريّة، إذ أنشد الشّعراء أجمل أشعارهم ودوّن الأُدباء أروع كتاباتهم الأدبيّة مستلهمين أفكارهم من الغدير وما جرى فيه، ليُقدّموا هذه النتاجات ذُخراً لمكتبة التأريخ؛ حيث نقل العلاّمة الأميني نماذج من هذه النتاجات الأدبيّة في كتابه (الغدير) بالترتيب حسب الحِقَب الزمنيّة.

ص: 20


1- الأميني، الغدير، ج1، صص4٠ - 112.
2- المصدر السابق، ج1، صص113 - 12٨.
3- المصدر السابق، ج1، صص12٩ - 24٠.

وكما نعلم، فهناك حوادث تأريخيّة نادرة لاقت اهتماماً واسعاً من قَبل كافّة الطبقات الاجتماعيّة وعلى شتّى الأصعدة، ويمكننا أن نقول دونما أيّ ترديدٍ: إنّ الغدير يُعتبر من ضمن هذه الحوادث النّادرة التي نالت اهتماماً بالغاً، سواء من المتخصّصين بالعلوم والمعارف الدينيّة، كالمحدّثين والمفسّرين والمتكلّمين والفلاسفة، أم من سائر المثقّفين على مُختلَف تخصّصاتهم، كالخطباء والشعراء والمؤرّخين وكُتّاب السِيَر.

وكما أسلفنا، فإنّ أحد أهمّ أسباب خلود هذا الحدَث العظيم الذي تمخّض عنه كلامٌ صدع به النبيّ (صلى الله عليه و آله) في ذلك اليوم، هو نزول آيتين من القرآن الكريم بشأنه؛ وبما أنّ القرآن خالدٌ أزليٌّ، فإنّ هذا الحدَث سيبقى خالداً على مرّ العصور ولا يستطيع أحدٌ أن يمحوه من الوجود. (1)

ومن الأسباب الأُخرى التي أدّت إلى رسوخ هذا الحدث المصيريّ في التأريخ، احتفاء المسلمين بذكراه كونه عيداً من أعيادهم الدينيّة، فالكثير من العلماء المسلمين، مثل: ابن خلّكان في كتابه (وفيات الأعيان) وأبي ريحان البيروني في كتابه (الآثار

ص: 21


1- مقتطفات من تأريخ الإسلام، ص514.

الباقية) قد ذكروا أنّ (يوم الغدير) يعتبر من الأعياد، حيث يحتفي به جميع المسلمين ويُحيون ذكراه. (1)

إضافةً للعلماء المسلمين الذين تطرّقوا لحادثة الغدير في فصول وعناوين كتبهم التي ألّفوها في كافّة المجالات، فقد قام 26 عالماً إسلاميّاً بتأليف كتبٍ مستقلّةٍ بهذا الشأن، حيث أحصاهم العلاّمة الأميني في الجزء الأوّل من كتابه (الغدير) وبيّن خصائص مؤلّفاتهم. (2)أوّل كتابٍ من بين هذه المؤلّفات، هو (الولاية في طريق حديث الغدير) الذي دوّنه أبو جعفر محمّد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري الآملي، المتوفّى سنة 31٠ ه، حيث نقل حديث الغدير في هذا الكتاب من نيّفٍ وسبعينَ طريقاً. (3)

ولكنّ أهمّ وأشمل مؤلَّفٍ دُوّن بشأنِ ما حدث يوم الغدير، هو كتاب (الغدير) للباحث الكبير آية الله عبدالحسين الأميني رحمة الله؛ إذ إنّ قراءة هذا الكتاب والتدقيق في مواضيعه المختلفة، سوف

ص: 22


1- مقتطفات من تأريخ الإسلام، ص515.
2- العلامة الأميني، الغدير، صص141 - 14٨
3- المصدر السابق، ج1، ص141؛ وانظر: تهذيب التهذيب، ج٧، ص2٩٧.

يجعل كلّ قارئٍ مُنصفٍ مؤمناً بولاية وخلافة الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، ولا يبقى لديه أدنى ريبٌ في صحّة ذلك.

ثانياً: تأثير واقعة الغدير على تفاسير القرآن

١- تفاسير الشيعة

اشارة

لقد اعتبر مفسّرو الشيعة أنّ آيتي (التبليغ) و (إكمال الدين) قد نزلتا بشأن إمامة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، حيث تناولوا في تفسير هاتين الآيتين بحوثاً على شتّى الأصعدة. وهذه البحوث شملت الأحاديث التي رواها الفريقان عن النبيّ (صلى الله عليه و آله) وعن أهل البيت (عليه السلام) ، وتناولت أيضاً استدلالاتٍ كلاميّةً (عقائديّة) لإثبات دلالة هاتين الآيتين على ولايته (عليه السلام) ، على سبيل المثال: ذُكر في تفسير العيّاشي -الذي يُعتبر من أقدم التفاسير الشيعيّة، والذي تطغى عليه صبغةٌ روائيّةٌ - عدّةَ رواياتٍ تُشير إلى دلالة آيتي التبليغ وإكمال الدين على ولاية وخلافة الإمام عليّ (عليه السلام) ، ومن ضمن هذه الروايات، نقل روايةً عن ابن عبّاس وجابر بن عبد الله الأنصاري، جاء فيها:

أمر الله تعالى نبيّه محمّداً (صلى الله عليه و آله) أنْ يُنَصِّب عليّاً (عليه السلام) عَلَماً

ص: 23

للنّاس ليخبرهم بولايته، فتخوّف رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنْ يقولوا: حامى ابنَ عمِّه، وأن يطغَوا في ذلك عليه، فأوحى الله إليه: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، فقامَ رسولُ الله (صلى الله عليه و آله) بولايته يوم غدير خم. (1)

كما ذكر هذه الرواية المفسّر الكبير الطبرسي في تفسيره (مجمع البيان) ، وقال عنها:

وهذا الخبر بعينهِ قد حدّثناه السيّد أبو الحمد، عن الحاكم أبي القاسم الحسكاني، بإسناده عن ابن أبي عُمير في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفضيل والتأويل. . . وقد أورد هذا الخبرَ بعينهِ أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثّعلبي في تفسيره، بإسناده مرفوعاً إلى ابن عبّاس، قال: نزلت هذه الآية في عليّ (عليه السلام) . (2)

ويُضيف الطبرسي رحمة الله:

وقد اشتهرت الرّوايات عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) ،

ص: 24


1- تفسير العيّاشي، ج1، ص36٠.
2- مجمع البيان، ج3، ص344؛ وانظر: شواهد التنزيل، ج1، صص1٨٧ - 1٩3 في عدّة رواياتٍ.

أنّ الله أوحى إلى نبيّه (صلى الله عليه و آله) أنْ يستخلفَ عليّاً (عليه السلام) ، فكان يخافُ أنْ يشُقّ ذلك على جماعةٍ من أصحابه، فأنزل الله تعالى هذه الآية تشجيعاً له على القيام بما أمره الله بأدائه. والمعنى: إنْ تركتَ تبليغ ما أُنزل إليك وكتمتَه، كنتَ كأنَّك لم تُبلّغ شيئاً من رسالاتِ ربِّك. . . . (1)

وبعد أن أتمّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) رسالته عندما عيّن خليفته بأمرٍ من الله تعالى، وهو الإمام عليّ (عليه السلام) ، نزلت الآية الكريمة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً (المائدة: 3) . وقد ذكر العيّاشي روايةً لزرارة عن الإمام الباقر (عليه السلام) بشأن هذه الآية، إذ قال:

إنّ الفريضة كانت تنزل ثمّ تنزل الفريضة الأُخرى، فكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : يقول الله: «لا أُنزِلُ عليكم بعد هذه الفريضة فريضةً» . (2)

كما ذكر المرحوم الطبرسي هذا الحديث من مصادر

ص: 25


1- المصدر السابق، ج3، ص344.
2- تفسير العيّاشي، ج1، ص321.

أهل السنّة، نقلاً عن أبي سعيد الخدري، وأضاف إليه أنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال:

«الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي وولاية عليّ بن أبي طالب من بعدي» . (1)

ملاحظات هامّة بشأن تفسير آية التبليغ

يعتقد مفسّرو الشيعة (2)بوجود مضامين في آية التبليغ تجعل من دلالتها على خلافة الإمام عليّ (عليه السلام) أمراً قطعيّاً لا يقبل الشكّ مطلقاً، ومن هذه المضامين ما يلي:

1 - أشارت هذه الآية إلى أنّ الرسول (صلى الله عليه و آله) إنْ لم يبلّغ النّاس الأمر الذي طُلب منه، فما بلّغ رسالة ربّه (3)، وبعبارة أخرى: إنّ الأمر هنا يعادل أصل نبوّة ورسالة النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، وعدم إبلاغه

ص: 26


1- مجمع البيان، ج3، ص246.
2- للاطّلاع بشكلٍ أوسع على هذه المضامين، انظر: مجمع البيان، ج3، ص344؛ جوامع الجامع، ج1، ص35٠؛ تفسير الميزان، ج6، صص42 - 52؛ التفسير الكاشف، ج3، صص6٩ - ٩٩؛ نداء القرآن، ج٩، ص1٩٠؛ تفسير الهداية، ج2، صص36٧ - 36٩؛ دراسة شخصيّات أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن، ص131.
3- التفسير الكاشف، ج1، ص٩6.

للنّاس يعني نقصان الرسالة وعدم إتمامها (1)؛ لأنّه تعالى قال: وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ .

2 - إنّ هذا الأمر في طبيعته لم يكن كسائر العبادات، مثل الصلاة والصيام والحجّ، أو كسائر العقائد، مثل التوحيد والمعاد وغيرها؛ وذلك لأنّ آية التبليغ تعتبر جزءاً من سورة (المائدة) التي هي من ضمن آخر السوّر القرآنيّة المُنزلة على النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، بل إنّ بعض الأحاديث المرويّة في تفاسير الشيعة والسنّة تُشير إلى أنّها آخر سورةٍ أوحاها الله تعالى إلى نبيّنا الكريم (صلى الله عليه و آله) (2)، وكما نعلم فإنّ الأحكام العباديّة والعقائديّة كانت قد شُرّعت للنّاس قبل هذا التأريخ، ويؤيّده قول عائشة لمسروق:

ثلاثٌ من حدّثك بهنّ فقد كذبَ، مَن حدّثك أنّ محمّداً كتم شيئاً ممّا أُنزل عليه فقد كذَب، والله يقول: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ. . . . . . الحديث. (3)

ص: 27


1- التفسير الكاشف، ج1، ص٩٧؛ جوامع الجامع، ج1، ص35٠.
2- انظر: تفسير البيان للشيخ الطوسي، ج1، ص413؛ تفسير القرآن العظيم، ج2، ص٨1.
3- تفسير القرآن العظيم، ج2، ص٨٠.

3 - إنّ هذا الأمر كان في غاية الأهمّية، لدرجة أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) كان متخوّفاً من إبلاغه للنّاس، حيث انتابه قلقٌ شديدٌ وراودته حساباتٌ أرّقت هاجسه، لذلك خاطبه ربّ العزّة قائلاً: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ؛ ليُعلمه بالمدد الغيبي الذي سيحفظه ممّا يخشى وليؤكّد له أنّ إبلاغ هذا الأمر لا مناصّ منه.

4 - لم تكُن خشية النبيّ (صلى الله عليه و آله) ناشئة من احتمال مخالفة أو تمرّد مشركي قريشٍ، لأنّه كان قد سيطر على الجزيرة العربيّة في هذه الفترة بشكلٍ تامٍّ واستطاع أن يقضي على نفوذهم ويكسر شوكتهم عندما اجتثّ عبادة الأوثان من المجتمع في السنة الثّامنة للهجرة. وكذلك فإنّ أهل الكتاب لم يكونوا هم السبب لخشيته، إذ إنّ قدرتهم كانت قد انحسرت وفقدوا جُلّ ما كانوا يتمتّعون به من نفوذٍ في أواخر حياته المباركة، خاصّةً وأنّ اليهود قد تشرذموا بعد الحروب العديدة التي خاضوها مع المسلمين ولم يبق لهم أيّ دَورٍ في الجزيرة العربيّة. (1)

لذلك، فمن الواضح أنّ كلمة (النّاس) الواردة في الآية

ص: 28


1- سوف نتناول هذا الموضوع بتفصيل أكثر في الأبحاث اللاحقة.

المباركة: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ لا تعني إلّا المنافقين الذين تغلغلوا في هيكل المجتمع الإسلامي واخترقوه بشكلٍ مشهودٍ، إذ كانوا يُتابعون التطوّرات الاجتماعيّة عن كثبٍ وبحذرٍ شديدٍ، ويترقّبون معرفة الشخص الذي سيتولّى قيادة الأُمّة بعد النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، لذلك فإنّ ما كان يُقلقه صلوات الله عليه عندما أراد أن يُعلن خلافة عليّ (عليه السلام) ليس سوى هؤلاء الأشرار، كما سيأتي ذكره لاحقاً.

5 - استناداً لما ذكرنا، يتبيّن أنّ المسألة الهامّة الوحيدة التي لم يتمّ إبلاغها على الملأ العامّ وبشكلٍ علنيٍّ حتّى ذلك الوقت، هي مسألة الخلافة وقيادة الأُمّة الإسلاميّة بعد رحيل النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، حيث إنّ الإعلان عن الخليفة كان يُعتبر من أكثر القضايا أهمّية في تلك الظروف. وبما أنّ إمامة الأُمّة وقيادتها تُعتبران من الأُصول المكمّلة للنبوّة والرسالة، فقد أنذر الله تعالى نبيَّه (صلى الله عليه و آله) من عدم تبليغهما للنّاس، إذ قال: وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، لذا بادر النبيّ (صلى الله عليه و آله) بتبليغ ما أمره الله تعالى في حديث الغدير، بعد أن ذكر مقدّماتٍ هيّأ فيها أذهان المخاطبين لسماع ما سيصدع به من أمرٍ مصيريٍّ، فقال:

«أيّها

ص: 29

النّاس، مَن أولى النّاس بالمؤمنين من أنفسِهم؟» (1)

6 - بعد نزول آية التبليغ: وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ، وإعلان رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنّ زعامة المسلمين من بعده ستكون لعليٍّ (عليه السلام) ، نزلت آية إكمال الدين وإتمام النعمة، التي تشير إلى أنّ إبلاغ الرسول عن خليفته لقيادة المسلمين قد كان آخر فريضةٍ أقرّها الله تعالى للمسلمين، حيث قال جلّ شأنه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ، فتحقّق ما بُعث محمّد (صلى الله عليه و آله) لأجله. (2)

٢- تفاسير أهل السنّة

اشارة

لقد ذهب مفسّرو السنّة إلى رأيَين مختلفين بالنسبة للمكان

ص: 30


1- لمطالعة النصوص العديدة التي تواتر نقلها عن هذا الحديث، انظر: مسند أحمد بن حنبل، الأرقام: 641 و٩5 و٩64 وغيرها؛ مستدرك الحاكم، ج3، ص323؛ خصائص النسائي، الأرقام: ٩ و٧٩؛ أُسد الغابة، ج3، ص6٠5؛ ومصادر أُخرى.
2- قال الإمام الباقر(عليه السلام): «وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأُخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض. فأنزل الله عزّ وجلّ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي. . . ثمّ قال(عليه السلام): يقول الله عزّ وجلّ: لا أُنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض» .

الذي نزلت فيه آية التبليغ وبالنسبة لدلالتها، وهما:

أ - نزلت آية التبليغ في بداية الدعوة الإسلاميّة عندما كان النبيّ (صلى الله عليه و آله) في مكّة، إذ كان الهدف منها ترغيبه صلوات الله عليه بإبلاغ القرآن وأحكام الدين للمشركين؛ وبما أنّ المشركين والكفّار كانوا يسيطرون على مكّة، فقد وعد الله تعالى نبيّه بأنْ يحفظه من شرّهم.

ب - نزلت آية التبليغ في المدينة وبموجبها كُلّف النبيّ (صلى الله عليه و آله) بتبليغ حقائق الدين الإسلاميّ لأهل الكتاب دون وَجلٍ أو تردّدٍ، ووعده الله تعالى بأنْ يحفظه من شرّ اليهود والنصارى.

وإضافةً لهذين الرأيَين، هناك آراء أُخرى ذُكرت في تفاسير أهل السنّة يُشير معظمها إلى نزول آية التبليغ في المدينة (1)، فعلى سبيل المثال ذكر الفخر الرازي في تفسير هذه الآية عشرة احتمالاتٍ، جاء في العاشر منها ما يلي:

العاشر: نزلت الآية في فضل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، ولمّا نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، فلقيَه عمر،

ص: 31


1- تفسير معالم التنزيل، ج2، صص51 - 52.

فقال: هنيئاً لك يا بن أبي طالب، أصبحتَ مولاي ومولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ.

وأضاف الرازي قائلاً: وهو قول ابن عبّاس والبراء بن عازب ومحمّد بن عليّ (1)، و (محمّد بن عليّ) هو الإمامَ الباقر (عليه السلام) . بعد ذلك، بيّن الرازي وجهة نظره كما يلي:

واعلم أنّ هذه الروايات وإنْ كثُرت، إلّا أنّ الأَوْلى حملها على أنّه تعالى آمنه من مكر اليهود والنصارى، وأمره بإظهار التبليغ من غير مبالاة منه بهم؛ وذلك لأنّ ما قبل هذه الآية بكثير وما بعدها بكثير لمّا كان كلاماً مع اليهود والنصارى امتنع إلقاء هذه الآية الواحدة في البين على وجه تكون أجنبية عمّا قبلها وما بعدها. (2)

ومن مفسّريهم الذين تحدّثوا عن آية التبليغ، الشيخ محمد عبده في تفسيره (المنار) . فرأيه على خلاف رأي الفخر الرازي، إذ يعتقد أنّ آية التبليغ قد نزلت في مكّة بهدف إبلاغ أحكام الله تعالى للمشركين، فهو يقول:

إنّ المتبادر إلى الذهن من ظاهر هذه الآية أنّ رسول الله

ص: 32


1- تفسير مفاتيح الغيب، ج12، ص5٠.
2- المصدر السابق.

قد كُلّف في بداية دعوته بأن يُبلّغ الإسلام لعموم النّاس، كما ذكره المفسّرون، لا سيّما التفاسير الروائيّة. وإذا كان هذا الفرض ليس صحيحاً، يُحتَمل أن يكون المراد من الآية إبلاغ حقائق الإسلام لأهل الكتاب الذين تسوق الآيات التالية ذكرَهم؛ فكأنّما الله تعالى يقول: بلّغ ما أُنزِلَ إِليك في شأنِ أهلِ الكتابِ. (1)

ومن المُلفت للنظر أنّ الكثير من مفسّري أهل السنّة، كالفخر الرازي، قد تناولوا حادثة الغدير في تفسيرهم لآية التبليغ، حيث اعتبروها حدَثاً تأريخيّاً هامّاً، إلّا أنّهم في الوقت ذاته حاولوا أن ينفوا الصلة بينها وبين حديث الغدير، وكذلك أوَّلُوا تفسير كلمة (مولى) في قول الرسول (صلى الله عليه و آله) : «مَن كنتُ مَولاه فهذا عليٌّ مَولاه» إلى المحبوب والناصر. (2)وكما نعلم، فإنّ هذا التحكّم بنصّ الغدير قد أصبح ذريعةً لأغلب علماء أهل السنّة لأنْ يقوموا من خلاله بتحريف هذا الحديث، فهم لا يستطيعون نفي حادثة الغدير التأريخيّة ومحوها عن الوجود؛ لذلك حاولوا تحريف كلام

ص: 33


1- تفسير المنار، ج6، ص46٧.
2- انظر: تفسير المنار، ج6، ص465؛ روح المعاني، ج6، صص1٩4 - 1٩5.

رسول الله (صلى الله عليه و آله) وإنكار دلالته على إمامة وخلافة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، وادّعوا أنّه يقتصر على الوصيّة بحبّ عليٍّ (عليه السلام) !

نقد وتحليل آراء مفسّري أهل السنّة حول نزول آية التبليغ

أوّلاً: دراسة الفرضيّة الأُولى (نزول الآية في مكّة)

يعتقد بعض مفسّري أهل السنّة أنّ آية التبليغ نزلت في مكّة بغية إخبار الرسول (صلى الله عليه و آله) بضرورة تبليغ أحكام الدين للمشركين، فهم يعتقدون أنّه قد واجه ظروفاً صعبةً في مكّة، وكان موقفه ضعيفاً حينها؛ لذلك كان من الضروري أن يُطمئِنه تعالى على أنّه سيحفظه من كلّ سوءٍ عند تبليغ حقائق الدين للمشركين الذين كانوا يتربّصون به الحيَل.

وقد اعتمد هؤلاء المفسّرون في رأيهم هذا على رواياتٍ لاتدلّ على مدّعاهم، بل إنّها في الحقيقة تدلّ على قيام أبي طالب بحراسة النبي (صلى الله عليه و آله) وحمايته من كيد المشركين عندما كان في مكّة، فقد جاء في إحدى هذه الروايات:

كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا خرج بعث معه أبو طالب من يكلؤه، حتّى نزلت: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ،

ص: 34

فذهب ليبعثَ معه، فقال: «يا عمّ، إنّ الله قد عصمني، لاحاجة لي إلى من تبعث» . (1)

وجاء في روايةٍ أُخرى أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) قال:

« إنّ الله قد عصمني من الجنّ والإنس

» . (2)إذن، يتّضح لنا أنّ نبيّنا الكريم (صلى الله عليه و آله) كان يؤدّي رسالته في مكّة دون خوفٍ أو وَجلٍ، ولكنّ ادّعاء نزول آية التبليغ في مكّة لأنّ النّاس كانوا يقومون بحراسة النبيّ (صلى الله عليه و آله) فيها وادّعاء أنّ هذه الحراسة قد انتفت بسبب نزول قوله تعالى: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، هو ادّعاءٌ باطلٌ للأسباب التالية:

1 - كما ذكرنا، فإنّ المفسّرين متّفقون على أنّ سورة المائدة نزلت في المدينة (3)، بل إنّها آخر سورة من القرآن الكريم نزلت على رسول الله (صلى الله عليه و آله) . (4)لذا، فكيف يمكن الادّعاء بأنّها نزلت في مكّة؟ !

ص: 35


1- تفسير القرآن العظيم، ج2، ص٨1؛ تفسير المراغي، ج2، ص16٠.
2- تفسير القرآن العظيم، ج2، ص٨1.
3- ذكر الثعالبي والقرطبي والشوكاني في تفاسيرهم أنّ: «هذه السورة مدنيّة بالإجماع» ، انظر: الجواهر الحسان، ج1، ص4٠4؛ الجامع لأحكام القرآن، ج6، ص3٠؛ فتح القدير، ج2، ص3.
4- تفسير التبيان، ج1، ص433.

وقد أجاب بعض المفسّرين على هذا السؤال بالقول:

«إنّ سورة المائدة مدنيّة، ماعدا آيات منها نزلت في مكّة» (1)، حيث يقصدون آية التبليغ أو آية إكمال الدين.

وهذا الجواب ينتقض بفقدان الدليل عليه، إذ لا يوجد لدينا دليلٌ روائيٌّ قطعيٌّ عليه ولا دليلٌ عقليٌّ كذلك.

ولو فُرض أنّ آية التبليغ قد نزلت في مكّة، وأنّها قد أُضيفت إلى سورة المائدة في أواخر عمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) ، فلابدّ من الجواب على هذا السؤال الذي يطرح نفسه: طوال هذه السنوات المديدة التي مرّت على رسول الله (صلى الله عليه و آله) وهو في المدينة، في أيّ سورةٍ كانت الآية؟ ! وكيف كانت تُقرأ؟ ! فهل أنّه صلوات الله عليه كان قد احتفظ بها في ذاكرته حتّى نزلت الآيات الأُخرى من سورة المائدة ثمّ حشرها بين تلك الآيات؟ !

من الواضح أنّه لا يوجد لهذا السؤال جواب صحيحٌ ومُقنعٌ، لذلك نلاحظ أنّ ابن كُثير الدمشقي بعد أن نقل حديث (حراسة النبيّ) الذي ادُّعي فيه نزول قوله تعالى: وَاللهُ يَعْصِمُكَ

ص: 36


1- اُنظر: تفسير البحر المحيط، ج4، ص323؛ تفسير معالم التنزيل، ج2، ص5؛ تفسير المراغي، ج2، ص16٠.

مِنَ النَّاسِ في مكّة، قال:

وهذا حديثٌ غريبٌ وفيه نكارة، فإنّ هذه الآية مدنيّة، وهذا الحديث يقتضي أنّها مكّية! (1)

وينتقد ابن كُثير حديث (حراسة النبيّ) الثّاني أيضاً قائلاً: وهذا أيضاً غريبٌ، والصحيح أنّ هذه الآية مدنيّة، بل هي من أواخر ما نزل بها. والله أعلم. (2)

2 - إنّ ادّعاء نزول آية التبليغ في مكّة، وكونها تدلّ أوّلاً: أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) قد كُلّف على إثرها بإبلاغ أحكام الدين للمشركين، وثانياً: أنّ الله تعالى قد وعده بأن يحفظه من كيدهم، هو أمرٌ لايمكن قبوله بوجهٍ؛ لأنّه باطلٌ بدلالة آياتٍ أُخرى، فقد أمر الله تعالى نبيّه الكريم بإبلاغ أحكام الدين للمشركين، ووعده بحفظه من كيدهم ودسائسهم في آياتٍ عديدةٍ، لا سيّما في السُّوَر المكّية، ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في سورتي (العلَق) و (الحجر) اللتين تعتبران من أقدم السُّوَر القرآنيّة المكّية.

فقد قال تعالى في سورة الحجر: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ

ص: 37


1- تفسير القرآن العظيم، ج 1، ص ٨1
2- المصدر السابق.

إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ . (الحجر:٩4 - ٩6)

يقول ابن كُثير في تفسير هذه الآية نقلاً عن عبدالله بن مسعود:

ما زال النبيّ (صلى الله عليه و آله) مستخفياً، حتّى نزلت: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ، فخرج هو وأصحابه.

وقوله: وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ، أي: بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك، ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدّوك عن آيات الله. . . ولا تخَفْهم؛ فإنّ الله كافيك إيّاهم، وحافظك منهم. (1)

ويقول الثّعالبي نقلاً عن ابن العربيّ:

وقد كان (صلى الله عليه و آله) أُوتِي بعض هذه العصمة بمكَّة في قوله تعالى: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (الحجر:٩5) ، ثُمّ كمُلَتْ له العصْمَةُ بالمدينةِ، فعُصِمَ من النَّاس كلِّهم. (2)

إذن، استناداً لهذه الأدلّة التي أعلن فيها الله تعالى بأنّه سيحفظ نبيّه في مكّة، لا يمكننا تصوّر أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) كان قد قصّر

ص: 38


1- تفسير القرآن العظيم، صص5٧٩ - 5٨٠.
2- الجواهر الحسان في تفسير القرآن، ج1، ص43٩.

في أداء واجبه المقدّس، أو أنّه لم يكن مطمئنّاً من حفظ الله له من كيد أعدائه، لدرجة أنّ آية التبليغ نزلت في مكّة تأمره بإبلاغ أحكام الله تعالى مرّةً أُخرى وتؤكّد له عدم تمكّن هؤلاء من المساس به، فهذا كلامٌ غير مقبولٍ جملةً وتفصيلاً.

ثانياً: دراسة الفرضيّة الثّانية (نزول الآية في المدينة) لتبليغ أهل الكتاب يعتقد بعض مفسّري أهل السنّة أنّ آية التبليغ نزلت لتأمر النبيّ (صلى الله عليه و آله) بإبلاغ حقائق الدين وأحكامه لأهل الكتاب، وقد استند هؤلاء المفسّرون في استدلالهم على السّياق الذي وردت فيه، إذ جاءت في سياق آياتٍ تحدّثت عن قضايا تخصّ أهل الكتاب، وهو الرأي الذي اختاره الفخر الرازي في تفسيره للآية. (1)

وقال أبو حيّان التوحيدي في تفسيره للآية:

هو أمرٌ بتبليغٍ خاصٍّ، أي: ما أُنزل إليك من الرّجم والقصاص الذي غيّره اليهود في التوراة والنصارى في الإنجيل.

ويُضيف بعد ذلك قائلاً:

والذي يظهرُ أنّه تعالى آمنه من مكر اليهود والنصارى،

ص: 39


1- تفسير مفاتيح الغيب، ج12، ص5٠.

وأمره بتبليغ ما أُنزل إليه في أمرهم وغيره من غير مبالاة بأحدٍ؛ لأنّ الكلام قبل هذه الآية وبعدها هو معهم، فيبعد أن تكون هذه الآية أجنبية عمّا قبلها وعمّا بعدها. (1)

ولكنّ هذا الاعتقاد خاطئٌ للأسباب التالية:

أ - لقد صرّح جُلّ مفسّري أهل السنّة وقاطبة مفسّري الشيعة بأنّ آية التبليغ قد نزلت في أواخر عُمر النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، وبالتحديد في حجّة الوداع (2)، حيث لم يكن أهل الكتاب حينها يتمتّعون بقُدرةٍ تجعل منه صلوات الله عليه وجِلاً ومتردّداً في تبليغ أحكام الدين.

ومن الجدير بالذكر أنّ اليهود والنصارى سواء أَكانوا في مكّة أم في المدينة، لم يتمتّعوا بقدرةٍ أو نفوذٍ يُهدّد كيان الدين الإسلاميّ، ولم يكُن باستطاعتهم أن يقفوا بوجه تيّاره العارِم في أيّ مكانٍ كان. فعندما بُعث نبيّنا الكريم (صلى الله عليه و آله) ، كان يقطن المدينة عدّة طوائف يهوديّة، لكنّهم كانوا ضُعفاء ولا سلطة

ص: 40


1- تفسير البحر المحيط، ج4، ص321. كذلك انظر: معالم التنزيل، ج2، ص51؛ تفسير الخازن (باب التأويل) ، ج2، ص62
2- انظر: مجمع البيان، ج3، ص344؛ غرائب القرآن للنيسابوري، ج2، ص616؛ فتح القدير، ج2، ص6٠.

لهم؛ لأنّهم كانوا ينتظرون النبيّ الذي سيظهر في آخر الزمان ليتمكّنوا بمساعدته من القضاء على الكافرين من (الأوس والخزرج) . (1)

وبعد أن هاجر رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى المدينة، عقد معاهدة بين المهاجرين والأنصار والقبائل المستقرة في المدينة ضمن فيها حقوق طوائف اليهود. (2)ولكن لم تمضِ مدّةٌ طويلةٌ حتّى قام اليهود بتحرّكاتٍ مُريبةٍ من أجل خلق الفِتن والدسائس ضدّ المسلمين، لدرجة أنّهم تواطؤوا مع أعدائهم السابقين في هذا الأمر، أي: مشركي قريشٍ ومنافقي المدينة، لذلك احتدمت عدّة حروبٍ بين المسلمين واليهود، أهمّها غزوتَي بني قُريظة وخيبر؛ حيث لم يجنوا من هذه الغزوات والحروب سوى الهزيمة والتشرذُم، وبالتالي خسروا كلّ ما كانوا يتمتّعون به من سيطرةٍ محدودةٍ في الجزيرة العربيّة.

يُذكر أنّ غزوتي بني قُريظة وخيبر اللتين وقعتا في السنة

ص: 41


1- جاء في الآية ٨٩ من سورة البقرة: وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكَافِرِينَ
2- سيرة ابن هشام، صص14٧ - 15٠.

السابعة للهجرة، قد أُشير إليهما في سورتي الأحزاب والحشر. (1)

أمّا بالنسبة للنصارى، فلم يكونوا قاطنين في الجزيرة العربيّة أساساً، وخاصّةً في المدينة، حيث دخلت مجموعةٌ من نصارى نجران المدينة في السنة التّاسعة للهجرة واطّلعوا على دعوة نبي الإسلام (صلى الله عليه و آله) . وكما هو معروف حصل بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه و آله) اتّفاق على المباهلة، فأحضر أهل بيته (عليهم السلام) ، إلّا أنّهم انسحبوا في اليوم الموعود خوفاً من حلول عذاب الله عليهم ببركة حضور أطهر خلقه على وجه البسيطة، ولم يجدوا بُدّاً غير دفع الجزية بذلّةٍ وخنوع. (2)

لذا، عند الأخذ بنظر الاعتبار هذه الأدلّة التأريخيّة، كيف يمكن لأحدٍ تصوّر أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) قد كُلّف بإبلاغ حقائق الدين لأهل الكتاب بعد نزول آية التبليغ؟ ! خاصّةً في الوقت الذي

ص: 42


1- اُنظر: سورة الأحزاب، الآيتان 26 و2٧؛ سورة الحشر، الآية 2؛ وكذلك: سيرة ابن هشام، ج3، صص244 و342؛ تأريخ الطبري، ج3، صص٩ - 21؛ سيرة المصطفى، صص 513 و54٧.
2- سورة آل عمران، الآية 61، إذ تُعرف هذه الآية باسم (آية المباهلة) . اُنظر تفسير الآية في: تفسير القرآن العظيم، ج1، ص3٧5؛ مجمع البيان، ج2، ص٧62؛ شواهد التنزيل، صص12٠ - 12٩.

كان فيه هؤلاء مهزومين أمامه صلوات الله عليه، ولا سيّما عند نزول سورة المائدة في المدينة! (1)

أضف إلى ذلك، هناك آيات أكّدت على ذلّتهم وخنوعهم للمسلمين (2)، وبعضها الآخر دحض معتقداتهم ونقضها، كما جاء في سورة المائدة نفسها (3)، بل وأكثر من ذلك، حيث صرّحت آياتٌ أُخرى بوجوب قتالهم إلى أن يدفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون. (4)

ب - ليس من الصحيح ادّعاء أنّ آية التبليغ تختصّ بإبلاغ الدين لأهل الكتاب، كونها تقع ضمن سياق الآيات التي تتحدّث عن أهل الكتاب، وذلك لأنّنا نعلم بأنّ نزول الآيات واكتمال السُّوَر القرآنيّة كان أمراً تدريجيّاً، سيّما الكبيرة منها.

وأيضاً فإنّ ترتيب الآيات في السُّوَر القرآنيّة ليس حسب التسلسل الزماني لنزولها، وكذلك ليس حسب تسلسل وتدرّج

ص: 43


1- تفسير الميزان، ج6، ص43.
2- من هذه الآيات: الآية 61 من سورة البقرة التي جاء فيها: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ؛ كذلك انظر: الآية 112 من سورة آل عمران.
3- اُنظر: الآيات 153 إلى 161 من سورة النساء؛ الآيات؛ والآيات التي تلي الآية 63 من سورة المائدة؛ والآيات 3٠ و31 من سورة التوبة.
4- سورة التوبة، الآية 2٩.

الأحداث التي وردت فيها؛ بل الترتيب إنّما تمّ وفق إرادة النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، فهو أمرٌ توقيفيٌّ لا تبديل له. (1)ففي بعض الأحيان نلاحظ أنّ الآيات في السورة الواحدة مترابطةٌ بشكلٍ جليٍّ، وأحياناً نراها لا تمتّ لبعضها بصلةٍ. والخوض في قضيّة ارتباط آية التبليغ وعدمه بما سبقها وما تلاها من آياتٍ، سوف يتمّ في الأبحاث التالية بإذن الله تعالى.

٣- بحثٌ في سبب نزول آية التبليغ

ذكر المفسّرون - شيعةً وسنّةً - أنّ نزول آية التبليغ كان في حجّة الوداع، وهذا هو الرأي الصائب. أمّا بالنسبة لسبب نزولها، فقد اتّفق مفسّرو الشيعة على أنّها نزلت بشأن واقعة غدير خم التأريخيّة (2)، بينما ادّعى بعض مفسّري أهل السنّة أنّها

ص: 44


1- القرآن الكريم وروايات المدرستين، ج1، ص213؛ تأريخ القرآن للدكتور راميار، ص5٧4.
2- اُنظر: مجمع البيان، ج3، ص344؛ تفسير نور الثقلين، ج1، صص651 - 65٨؛ استناداً على رواياتٍ عديدةٍ. ومن تفاسير أهل السنّة اُنظر: فتح القدير، ج1، ص6٠؛ تفسير غرائب القرآن، ج2، ص616؛ شواهد التنزيل، ج1، صص1٨٧ - 1٩3.

نزلت بشأن بعض الأحداث أو الغزوات التي وقعت في المدينة، كما سيأتي بيانه لاحقاً. (1)

وقد أثبت العلاّمة الأميني في كتابه (الغدير) دلالة آية التبليغ على واقعة غدير خُم، معتمداً على المصادر المعتبرة عند أهل السنّة، كما أثبت كون هذه الدلالة رأياً معتبراً عند علماء السنّة. (2)وهذا يعني أنّ هذا الأمر لم يكن حكراً على علماء الشيعة فحسب، بل إنّ بعض علماء السنّة كذلك أكّدوا على الصلة بين نزول آية التبليغ وواقعة الغدير في مؤلّفاتهم، ومنهم النيسابوري في تفسيره (غرائب القرآن) ، إذ ذكر ذلك بعنوانه أوّل احتمالٍ، فقال:

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ عن أبي سعيد الخدري: أنّ هذه الآية نزلت في فضل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وكرّم الله وجهه يوم غدير خُم، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله) بيده وقال: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهم والِ من

ص: 45


1- اُنظر: تفسير معالم التنزيل، ج2، ص32.
2- الغدير، ج2، صص٨٨ - 114، حيث اعتمد على ثلاثين مصدراً في إثبات كلامه.

والاه، وعادِ من عاداه» ، فلقيه عمر وقال: هنيئاً لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ. وهو قول ابن عبّاس والبراء بن عازب ومحمّد بن عليّ. (1)

ومن ناحيةٍ أُخرى، فقد حاول بعض مفسّري أهل السنّة أن يُنكروا صلة نزول آية التبليغ بواقعة غدير خُم، حيث ذكر هؤلاء آراءً حول سبب نزول الآية المباركة بشكلٍ لا يمكن قبوله بوجهٍ، وقد دوّن الفخر الرازي في تفسيره بعض هذه الاحتمالات، كما يلي:

الأوّل: أنّها نزلت في قصّة الرّجم والقصاص على ما تقدّم في قصّة اليهود.

الثّاني: نزلت في عيب اليهود واستهزائهم بالدين، والنبيّ سكت عنهم، فنزلت هذه الآية.

الثّالث: لما نزلت آية التخيير، وهو قوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ (الاحزاب: 2٨) ، فلم يعرضها عليهنّ خوفاً من

ص: 46


1- تفسير غرائب القرآن، ج2، ص616. وانظر كذلك: تفسير الدرّ المنثور، ج2، ص2٩٨؛ فتح القدير، ج2، ص6٠؛ روح المعاني، ج6، ص1٩4؛ مفاتيح الغيب، ج12، ص5٠.

اختيارهن الدنيا، فنزلت. (1)

الرّابع: نزلت في أمر زيدٍ وزينب بنت جحش. (2)

نقول في نقد هذه الاحتمالات: ليس هناك حكمٌ أو أمرٌ واحدٌ ممّا ذُكر فيها يدلّ على ما يلي:

أوّلاً: عدم إبلاغه بمعنى عدم إبلاغ رسالة الربّ للعباد.

ثانياً: رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان خائفاً ووجِلاً من إعلانه وأنّه يحتاج إلى وعدٍ من الله تعالى كي يحرسه: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ .

ناهيك عن أنّ العلّامة الأميني قد أثبت عدم استناد هذه الاحتمالات قاطبةً إلى حديثٍ صحيحٍ أو روايةٍ معتبرةٍ، ولاتتعدّى كونها احتمالاً وظنّاً. (3)

وكذلك فإنّ احتمال نزول الآية المباركة في (يوم عرفة)

ص: 47


1- المقصود من حكم التخيير هو ما جاء في الآيات التي تلت الآية 2٧ من سورة الأحزاب، حيث خيّر فيها النبيّ٩ زوجاتِه بين أن يخترن الحياة الدنيا فيطلّقهنّ، وبين أن يخترن القناعة فلا يطلّقهنّ.
2- تفسير مفاتيح الغيب، ج12، ص4٩؛ تفسير معالم التنزيل، ج2، ص52.
3- الغدير، ج2، صص1٠٩ - 113.

مُنتقضٌ، لأنّ خطبة النبيّ (صلى الله عليه و آله) في ذلك اليوم مدوّنة في معظم كتب الحديث والتأريخ (1)، حيث أكّد صلوات الله عليه في هذه الخطبة على أهمّ القِيَم الاجتماعيّة والأخلاقيّة، فخطبته هذه تُعتبر رؤيةً إسلاميّةً شموليّةً في شتّى المجالات، منها: العلاقات الاجتماعيّة في الإسلام ومراعاة المسلمين لحقوق بعضهم البعض والعمل بالتقوى والأحكام الدينيّة واحترام شخصيّة المرأة، وما إلى ذلك من قضايا حسّاسة. ومن الواضح أنّ التأكيد على هذه القضايا في ذلك اليوم لم يكن جديداً من نوعه لكي ينتاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) الخوف والوَجل من عدم إبلاغه مرّةً أُخرى، ولم يكن بغايةٍ من الخطورة لدرجة أنّه يحتاج إلى وعدٍ من الله تعالى حتّى يصونه من شرّ أعدائه ومعارضيه.

أضف إلى ذلك، نحن نعلم أنّه صلوات الله عليه بعد أن نفّذ ما أُمر به في آية التبليغ، نزلت عليه آية إكمال الدين:

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ،

ص: 48


1- اُنظر: الكافي، ج1، ص4٠3؛ صحيح مسلم، ج2، صص٨٨٩ - ٨٩٠؛ سنن ابن ماجة، ج2، ص1٠15؛ سنن الترمذي، ج5، ص34؛ سنن الدارمي، ج1، ص٧4؛ سيرة ابن هشام، ج4، ص25٠؛ تأريخ الطبري، ج3، صص15٠ - 152.

والبحوث المنصفة وغير المُنحازة تُثبت نزول هذه الآية بعد واقعة غدير خُم. (1)

ثالثاً: بحوثٌ حول آية التبليغ

١- دواعي واقعة الغدير

إنّ أهمّ سؤالٍ يطرح نفسه بالنسبة لآية التبليغ، يدور حول معرفة أسباب ودواعي ما حصل في يوم غدير خُم، أي: سبب ذلك، وبما أنّ هذه الواقعة التأريخيّة تُعتبر من الحقائق المتواترة القطعيّة التي لا يمكن إنكارها على أيّ نحوٍ من الأنحاء، إذن، فلا بدّ من أن يُجاب بجواب شافٍ عن السؤال الذي يقول: لماذا جمع رسول الله (صلى الله عليه و آله) عشرات الآلاف من المسلمين بعد نزول آية التبليغ في منطقةٍ صحراويّةٍ، وخاطبهم بصريح العبارة قائلاً:

«مَن كنتُ مَولاه فهذا عليٌّ مَولاه» ؟ ! حيث أخبرهم أنّ ولايته هي ولاية عليّ بن أبي طالبٍ (عليه السلام) .

بالطبع فإنّ جزءً من الجواب على هذا السؤال له صلة بمعنى

ص: 49


1- الكافي، ج1، ص2٨٩؛ تفسير القمّي، ج1، ص162؛ مجمع البيان، ج3، ص246؛ شواهد التنزيل، ج1، صص156 - 16٠؛ الغدير، ج 2، صص115 -13٧.

كلمة (مولى) ، إذ سنشير إليه في موضعه. ولكن بشكلٍ عامٍّ فقد اعتبر علماء أهل السنّة أنّ معنى هذه الكلمة غالباً ما يدلّ على (المحبّة) و (النصرة) ، إذ إنّ السبب الذي دفع رسول الله (صلى الله عليه و آله) في غدير خُم لأن يخبر المسلمين بولاية الإمام عليّ (عليه السلام) هو تصفية الأجواء وإزالة الكدورة التي حصلت بينه وبين عددٍ من المسلمين، حيث ربطوا بين هذه الواقعة التأريخيّة الحسّاسة وبين قصّة الجيش الذي كان تحت إمرة الإمام في اليمن عندما اشتكاه بعضهم إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) ، فعلى سبيل المثال يقول صاحب تفسير المنار:

إنّ البعض أوعز سبب خطبة النبيّ (صلى الله عليه و آله) يوم غدير خُم إلى تبرئة عليّ من الأقاويل التي ذكرها بعض مُرافقيه في الجيش الذي كان في اليمن، فخطب رسول الله (صلى الله عليه و آله) تلك الخطبة يوم الغدير من أجل مواساته وإعلان رضاه عنه وأكّد على ولايته للمؤمنين. (1)

ولكنّنا أشرنا في بداية الكتاب إلى أنّ قصّة جيش اليمن المذكورة في كتب التأريخ حدثت في السنة العاشرة للهجرة،

ص: 50


1- تفسير المنار، ج6، ص465.

عندما أرسل النبيّ (صلى الله عليه و آله) عليّاً (عليه السلام) على رأس جيشٍ إلى تلك المنطقة.

وللاطّلاع على ما حدث في تلك القصّة، إليك بعض الأخبار:

نقل أحمد بن حنبل في مسنده عن عبدالله بن بريدة الأسلمي عن أبيه روايةً بهذا الخصوص، جاء فيها:

بعثَ رسول الله (صلى الله عليه و آله) بعثَين إلى اليمن، على أحدهما عليّ بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد.

فقال: إذا التقيتم، فعليٌّ على الناس، وإنْ افترقتما فكلّ واحدٍ منكما على جنده.

قال: فلقينا بني زيد من أهل اليمن، فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرّية، فاصطفى عليّ امرأةً من السبي لنفسه.

قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) يخبره بذلك. فلمّا أتيت النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، دفعت الكتاب فقُرِئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله (صلى الله عليه و آله) ، فقلت: يا رسول الله، هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجلٍ وأمرتني أنْ أُطيعه، ففعلت ما أرسلت به.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) : «لا تقعْ في عليٍّ، فإنّه منّي وأنا منه،

ص: 51

وهو وليّكم بعدي، وإنّه منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي» . (1)

كما نقل الترمذي خبر بعثة الجيش إلى اليمن عن البراء بن عازب الذي قال:

إنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) بعثَ جيشينِ، وأمَّرَ على أحدِهما عليَّ بن أبي طالبٍ، وعلى الآخرِ خالدَ بن الوليدِ، وقالَ: إذا كانَ القتالُ، فعليٌّ.

قال: فافتتحَ عليٌّ حصناً، فأخذَ منهُ جارِيَةً، فكتبَ معي خالدُ ابنُ الوليدِ إلى النبيِّ (صلى الله عليه و آله) يَشِيْ به، فقدِمْتُ عَلَى النبيِّ (صلى الله عليه و آله) ، فقرأَ الكِتَابَ، فتغيَّرَ لونُهُ، ثُمَّ قَالَ: «ما ترى في رجُلٍ يُحِبُّ اللهَ ورسُولَهُ، ويُحِبُّهُ اللهُ ورسُولُهُ!»

قَالَ: قُلْتُ: أعُوذُ باللهِ من غَضَبِ اللهِ وغَضَبِ رسُولِهِ، وإنَّما أنا رسُولٌ.

فَسَكَتَ. (2)

ونقل حديثاً آخر بشأن هذا الموضوع، جاء فيه:

ص: 52


1- مسند أحمد بن حنبل، ج5، ص355، الحديث رقم: 234٠٠. كذلك انظر: الجزء الخامس من نفس المصدر، صص35٠ - 351.
2- سنن الترمذي، ج5، ص5٩٧.

بعثَ رسولُ الله (صلى الله عليه و آله) جيشاً واستعمل عليهم عليَّ بن أبي طالب، فمضى في السريّة فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعةٌ من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) ، فقالوا: إذا لقينا رسول الله (صلى الله عليه و آله) أخبرناه بما صنع عليٌّ.

وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدؤوا برسول الله، فسلّموا عليه، ثُمّ انصرفوا إلى رحالهم. فلمّا قدِمت السريّة، سلّموا على النبيّ، فقام أحد الأربعة، فقال: يا رسول الله، أَلم ترَ إلى عليّ بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ !

فأعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه و آله) ، ثُمّ قام الثّاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثُمّ قام الثّالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثُمّ قام الرّابع فقال مثل ما قالوا.

فأقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله) والغضب يُعرف في وجهه، فقال: «ما تُريدون من عليّ؟ ! ما تُريدون من عليّ؟ ! إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليُّ كلِّ مؤمنٍ بعدي» . (1)

وفي حديثٍ آخر أنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) أيّد ما قام به الإمام عليّ (عليه السلام) في تقسيم الغنائم، وأنّه لا تأخذه في الله لومةَ لائمٍ، حيث

ص: 53


1- سنن الترمذي، ج5، ص5٩1؛ مستدرك الحاكم، ج3، ص324؛ أُسد الغابة، ج3، ص6٠4.

قال:

«ارفعُوا ألسنتَكم عن عليّ بن أبي طالب، فإنّه خشنٌ في ذاتِ الله عزّ وجلّ، غير مُداهنٍ في دينِهِ» . (1)

وقد نقل ابن عبّاس عن بريدة قوله:

غزَوْتُ معَ عليٍّ اليمنَ، فرأيتُ منهُ جَفْوَةً، فلمَّا قدِمْتُ على رسولِ اللهِ (صلى الله عليه و آله) ، ذكرْتُ عليّاً فتَنَقَّصْتُهُ، فرأيتُ وجهَ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه و آله) يتغيَّرُ، فقالَ: «يا بُرَيدَةُ، ألَسْتُ أولَى بالمؤْمنينَ من أنفُسِهِم؟ !» قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: «من كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاهُ» . (2)

وأخيراً، نذكر حديثاً عن عبد الله بن بريدة الأسلمي الذي نقله عن أبيه، فقال:

بعثَ رسولُ اللهِ عليّاً إلى خالدِ بن الوليدِ ليُقَسِّمَ الخمُسَ.

وقالَ: «رَوْحٌ مرَّةً ليَقْبِضَ الخُمُسَ» . (3)

قالَ: فأصْبَحَ عليٌّ ورأسُهُ يقطُرُ.

قالَ: فقالَ خالِدٌ لبُرَيْدَةَ: أَلا ترَى إلى ما يصنعُ هذا؟ ! لِمَا

صنعَ عليٌّ.

ص: 54


1- مستدرك الحاكم، ج3، ص346.
2- مسند أحمد بن حنبل، ج5، ص34٨؛ مستدرك الحاكم، ج3، ص324؛ الخصائص، ص15.
3- أي: اذهب وخُذ الخمس.

قالَ: وكنتُ أُبْغِضُ عَلِيّاً.

قالَ: فقالَ: (1)يا بُرَيْدَةُ، أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟ !

قالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ.

قالَ: فلا تُبْغِضْهُ - قالَ رَوْحٌ مرَّةً فأَحِبَّهُ (2)- فإنَّ لهُ فِي الخمُسِ أكثرَ من ذلكَ. (3)

لو دقّقنا في الروايات التي ذكرناها بشأن المهمّة التي من أجلها أُرسل الجيش إلى اليمن، فسوف نستنتج منها أُموراً عديدةً، منها: أنّ هذه الحادثة لا صلة لها بواقعة غدير خُم؛ استناداً لما يلي:

أ - لم يأتِ في أيٍّ من هذه الروايات ذكر واقعة غدير خُم أو اجتماع النّاس في ذلك المكان تصريحاً أو تلميحاً، وعلى الرّغم من ذكر ولاية الإمام عليّ (عليه السلام) بعد النبيّ (صلى الله عليه و آله) في بعضها، لكن لم يُشَر فيها إلى غدير خُم. كما نلاحظ في سياق هذه الروايات أنّ شكوة بعض الصحابة من الإمام عليّ (عليه السلام) قد حدثت في مكّة خلال حجّة الوداع أو في المدينة بعد عودة النبيّ (صلى الله عليه و آله) من السفر.

ص: 55


1- قال رسول الله٩. . .
2- يعني: أحِبّه بعد الآن يا بريدة. . .
3- مسند أحمد بن حنبل، ج5، ص36٠.

ب - فحوى هذه الروايات يُشير إلى أنّ الذين اشتكوا إلى النبيّ (صلى الله عليه و آله) من أُسلوب الإمام عليّ (عليه السلام) في القيادة، هم أشخاصٌ معدودون، من أمثال: خالد بن الوليد وبريدة الأسلمي، وعلى أكثر تقديرٍ لا يتجاوز عددهم الأربعة؛ إذ لم يُرافقه في هذه المهمّة جمعٌ غفيرٌ من الجُند، بل كان العدد قليلاً جدّاً؛ لذلك مهما كان عدد المعترضين، فهو قليلٌ بالتأكيد.

ج - عند التأمّل في هذه الروايات نستنتج أنّ المعترضين قد اجتمعوا مع النبيّ (صلى الله عليه و آله) على انفرادٍ واشتكَوا من الإمام عليّ (عليه السلام) عنده، أو أنّهم أرسلوا له كتاباً ليخبروه بما حدث، لذلك فإنّ شكوى هؤلاءِ من الإمام تعتبر مسألةً اجتماعيّةً محدودةً بعدّة أشخاصٍ من المسلمين، ولا تعتبر قضيّةً عامّةً تقتضي جمع كافّة النّاس في حرّ الرمضاء كما حصل في واقعة الغدير التأريخيّة؛ وقول النبيّ (صلى الله عليه و آله) :

«إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليُّ كلِّ مؤمنٍ بعدي» عدّة مرّاتٍ وفي مواطن شتّى، ومن ضمنها حادثة جيش اليمن، ليس سوى تأكيدٍ على لياقته وأحقّيته بولاية المؤمنين بعد النبيّ٩. وبكلامٍ آخر: فإنّ ما حصل في قصّة جيش اليمن كان فرصةً لأن يؤكّد صلوات الله عليه على أنّ الأنسب هو عليّ(عليه السلام).

ص: 56

د - لو تنزّلنا جدلاً وقبلنا أنّ أساس ما حدث في يوم الغدير كان من أجل تصفية الأجواء ورفع الكدورة بين الصحابة والإمام عليّ (عليه السلام) ، وكذلك التأكيد على محبّته (عليه السلام) ، فيا تُرى:

أوّلاً: هل يُعقل أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) صبر أكثر من عشرين يوماً وسكت، ثُمّ أقدَم على ذلك؟ ! حيث إنّ اعتراض أُولئك على الإمام عليّ (عليه السلام) كان قبل شهر ذي الحجّة.

ثانياً: ما هو ذلك الخطر الشديد الذي يُهدّد النبيّ (صلى الله عليه و آله) من إعلانه ضرورة حبّ ومودّة عليٍّ للنّاس، لدرجة أنّ الله تعالى يُهدّئ من روعه ويعِده: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ؟ !

إذن، بعد التدقيق فيما ذُكر، يتّضح لنا أنّ ما حصل في غدير خُم لا يمتُّ بصلةٍ بما حصل في قضيّة جيش اليمن، وأنّ السبب الذي دفع النبيّ (صلى الله عليه و آله) لأن يخطب بالنّاس يوم الغدير تلك الخطبة التأريخيّة وفي تلك الظروف الخاصّة، لابدّ أن يكون في غاية الأهميّة، ولايمكن أن يكون من أجل خلافٍ بسيطٍ نشب بين نفرٍ من الصحابة والإمام عليّ (عليه السلام) ؛ فلا ريب في أنّ الداعي من وراء خطبة الغدير ليس سوى تنصيب خليفة النبيّ (صلى الله عليه و آله) لقيادة الأُمّة بعده.

ص: 57

٢- صلة آية التبليغ بالآيات السّابقة والتّالية لها

إنّ أكثر آيات سورة المائدة في الحقيقة نزلت بشأن أهل الكتاب، وآية التبليغ تتوسّط هذه الآيات تقريباً؛ لذلك ادّعى بعض مفسّري أهل السنّة أنّ فحوى هذه الآية ذو صلةٍ بأهل الكتاب أيضاً، وإلّا فإنّ السياق المفهومي للكلام فيما سبقها وما لحقها من آياتٍ سوف يفقد نسَقَه وانسيابيّته، الأمر الذي يخالف جمال القرآن وتناسقه.

نقول: حتّى وإن فرضنا أنّ آية التبليغ لا صلة لها بما سبقها وما لحقها من آياتٍ، فلا يمكننا أن ننفي صلتها بواقعة الغدير؛ لأنّ التناسب الموجود بين آية التبليغ والآيات الأُخرى هو تناسب استطراديّ، وهذا النوع من التناسب يعتبر من الصّور القرآنيّة الثّابتة، حسب رأي المتخصّصين في علوم القرآن الكريم. (1)ولكنّ

ص: 58


1- التناسب الاستطراديّ في القرآن الكريم يتمّ عندما تقتضي الضرورة أن يتطرّق تعالى لموضوعٍ جديدٍ في طيّات الموضوع الأساسي الذي هو مدار الكلام، فيُلقيه في ذهن المخاطب، ثمّ يعود لسياق الكلام السابق؛ وهذا لايعني انقطاع الصلة تماماً بين السّياق وبين الكلام الاستطرادي. على سبيل المثال: فإنّ الزمخشري يعتقد أنّ قوله تعالى في الآية الكريمة: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً (الأعراف: 26) جاء على سبيل الاستطراد، إذ قال: «وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدو السوآت وخصف الورق عليهما -آدم وحوّاء - إظهاراً للمنّة فيما خلق من اللباس» (تفسير الكشّاف، ج2، ص٩٧) . ومثله الآية الكريمة: لنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للهِ (النساء: 1٧2) التي جائت بين الآيات التي تُخطّئ النصارى المُغالين في عقيدتهم بالمسيح عيسى بن مريم٨. راجع: الإتقان، ج3، ص3٧3؛ البرهان، ج1، ص41.

أغلب الباحثين يعتقدون أنّه رغم نزول آية التبليغ بشأن واقعة الغدير، لكنّها في نفس الوقت ذات صلةٍ بما سبقها وما تلاها من آياتٍ نزلت بشأن أهل الكتاب، ومتناسقةٍ معها.

يقول العلّامة محمّد تقي المدرّسي:

بعد أنْ أمر القرآنُ الحكيم المسلمينَ بقبول الولاية التّامّة في المجتمع الإسلاميّ، ونهاهُم بشدّةٍ عن قبول ولاية الكفّار والمشركين - اليهود والنصارى - ففي نفس الوقت ألزم الرّسول - وكافّة حمَلة الرسالات السماويّة كالأحبار والربّانيّين - أن لا تأخذهم في الله لومة لائمٍ، وأن لايُجاملوا أحداً على حساب تبليغ رسالة الله. والواضح أنّ المراد من هذا السّياق هو الحديث عن قضيّة الولاية والقيادة، حيث إنّ هاجس

النبيّ (صلى الله عليه و آله) في تبليغ هذا الأمر هو خشية ارتداد النّاس. (1)

ص: 59


1- تفسير الهداية، ج2، ص36٧، عنوان البحث: الولاية هي قمّة الإيمان الرفيعة.

ولعرض بيانٍ أكثر عن الصلة بين آية التبليغ والآيات الأُخرى، نقول:

إنّ الله تعالى أمرَ المؤمنين بضرورة اجتناب ولاية اليهود والنصارى في الآية 51 من سورة المائدة، وفي الآيتين 52 و 53 وبّخ الذين يقبلون ولايتهم بشدّةٍ.

وفي الآية 55 من نفس السورة والمعروفة ب- (آية الولاية) ، ذكر قصّةً تأريخيّةً خالدةً لإثبات الولاية للرسول وللمؤمنين الذين يُقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، إذ قال تعالى في هذه الآية الكريمة: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (المائدة: 55) ، حيث تظافرت الروايات في أنّ سبب نزول هذه الآية هو تصدّق الإمام عليّ (عليه السلام) راكعاً يُصلّي، ولا دلالة أُخرى لها مطلقاً. (1)

وفي الآية 5٧ يأمر تعالى المؤمنين مرّةً أُخرى أن لا يقبلوا

ص: 60


1- يُعتبر هذا الموضوع تقريباً مُتّفقاً عليه بين المفسّرين وقد تظافرت فيه الروايات ممّا لا يسمح للشكّ في صحّة دلالتها على الإمام عليّ(عليه السلام). اُنظر: تفسير الكشّاف، ج1، ص64٩؛ معالم التنزيل، ج2، ص4٩؛ تفسير القرآن العظيم، ج2، ص٧4؛ مدارك التنزيل، ج1، ص41٨؛ التبيان في تفسير القرآن، ج3، ص55٩؛ بحار الأنوار، ج35، صص1٨3 - 2٠6.

بولاية المُستهزئين بالدّين والمُستخفّين به، سواء أكانوا كفّاراً أم من أهل الكتاب، ويستمر سياق الكلام في الآيات التالية بهذا النَسَق إلى أن يصل إلى الآية 6٧، فيُخاطب النبيّ الكريم (صلى الله عليه و آله) قائلاً: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، وبما أنّ فحوى الكلام السّابق يتضمّن حديثاً عن موضوع الولاية، فيكون فحوى آية التبليغ هو إعلان ولاية وخلافة الإمام عليّ (عليه السلام) لكافّة النّاس، كما أثبتنا سابقاً، وهذا لايُخالف نَسَق الكلام وانسيابيّته.

أمّا في الآية 6٨ يعود تعالى لخطاب أهل الكتاب قائلاً: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِنْ رَبِّكُمْ ، أي أنّ عقائدكم خاطئة ما لم تُنفّذوا ما أُمرتم به في التوراة والإنجيل، وما أنزله الله تعالى على خاتم الأنبياء (صلى الله عليه و آله) في القرآن الكريم هدايةً لكافّة النّاس. دون شكٍّ فإنّ فحوى هذه الآية إنْ دلّ على شيءٍ إنّما يدلّ على صدق رسالة

النبيّ (صلى الله عليه و آله) وولاية الإمام عليّ (عليه السلام) ؛ لأنّ القرآن أخبرنا بوجود أخبارٍ على بعثة نبيّنا الكريم في التوراة والإنجيل، وأنّ أهل الكتاب يعلمون بهذه الحقيقة بكلّ تأكيدٍ، لكنّ عنادهم

ص: 61

وحسدهم حال دون الإيمان برسول الله (صلى الله عليه و آله) واتّباع ما يوحى إليه، بل إنّهم قاموا بإخفاء ما عندهم من أنباءٍ عنه (1)، فهُم في الواقع كانوا حريصين على عدم فقدان سلطتهم وولايتهم وخافوا من زوال نفوذهم.

استناداً لما ذُكر، وبتأييد بعض المفسّرين، فإنّ فحوى آية التبليغ عبارة عن أمرٍ طلب فيه الله تعالى من رسوله الكريم أن يُعلِن للنّاس استقلال المسلمين وتولّيهم أمر الولاية والخلافة بدلاً عن اليهود، وكذلك طلب تعالى في هذه الآية من الرسول أن يُبلّغ هذا الأمر للنّاس بصراحةٍ ودونما أيّ تردّدٍ، وأن لايسمح للوجَل من الأعداء أن يدبّ في نفسه لأنّه محروسٌ من قِبَل الله تعالى.

لذلك، فإنّ المقصود من كلمة (النّاس) في الآية الكريمة هو اليهود والكفّار والمنافقين الذين تقمّصوا الإسلام، فهم كانوا يظنّون أنّه بوفاة النبيّ (صلى الله عليه و آله) سوف ينتهي كلّ شيءٍ، وسيعودون

ص: 62


1- اُنظر: سورة الأعراف، الآية 15٧: يَجِدونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ؛ وسورة البقرة، الآية 146 وسورة الأنعام، الآية 2٠: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ.

لنفوذهم السّابق وسلطتهم؛ لأنّه لا ولد له يرث منصبه، ولانائب له يحلّ محله. لهذا نجد من الطبيعيّ أنّ الآيات السّابقة لآية التبليغ والتي حثّت على ترك ولاية اليهود والنصارى وأكّدت على التمسّك بولاية النبيّ (صلى الله عليه و آله) والإمام عليّ (عليه السلام) ، كانت سبباً لامتعاض الأعداء، ممّا حدا بهم لأن يمكُروا ويدبّروا الدّسائس؛ إذ إنّ الإبلاغ بهذه الأُمور هو في الحقيقة بمنزلة سلب الحكومة من اليهود والنصارى وانتقالها للمسلمين إلى الأبد، حتّى بعد رحيله صلوات الله عليه. (1)

فضلاً عن أنّه يمكن اعتبار آية التبليغ معياراً لمقارنة ما ستؤول إليه أوضاع المسلمين مستقبلاً بالمصير الذي واجهه اليهود والنصارى، حيث يمكننا أن نستوحي منها المعنى التّالي: أيّها النبيّ، إنّ أُمّتك الإسلاميّة حالها حال اليهود والنصارى، فهي تحتاج إلى وليٍّ وقائدٍ بعدك لكي لا تُبتلى بالضّلال

والاختلاف كما ابتُلي أُولئك؛ فإذا أصبحت أُمتُّك من بعدك بلا وليٍّ وقائدٍ يتولّى شؤونها، سوف يكون مصيرها أسوأ من مصير اليهود والنصارى؛ لذلك فإنّ ربَّك يدعوك في هذه الآية - آية

ص: 63


1- تفسير الكاشف، ج3، ص152.

التبليغ - أنْ تُعلن لأُمّتك مَن هو الوليّ والخليفة الذي سوف يقودهم من بعدك مباشرةً، وأخبرهم بأنّه هو الذي تصدّق راكعاً يُصلّي: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (المائدة: 55) ، فإنّ الله تعالى قد أخبرك به في هذه الآية سابقاً. (1)

إذن، نستوحي من الارتباط والتناسق الموجود بين آية التبليغ والآيات السّابقة واللاحقة لها، أنّ هذه الآية في الحقيقة ذات صلةٍ باليهود أيضاً؛ لأنّها تؤكّد على أهمّ قضيّةٍ نزل فيها وحيٌ على النبيّ (صلى الله عليه و آله) وأُمر بإبلاغه للنّاس، وهو إعلان نهاية زمن خلافة وولاية اليهود وبداية ولاية الله ومحمّد وبعده عليّ. (2)

٣- سبب عدم ذكر اسم الإمام عليّ(عليه السلام) في آية التبليغ

عند الخوض في موضوع الإمامة الذي يُعتبر من المواضيع

الهامّة جدّاً من الناحية العقائديّة، يتساءل البعض قائلين: ما سبب عدم ذكر اسم الإمام عليّ (عليه السلام) في القرآن الكريم؟ لا سيّما في آية التبليغ، حيث اكتفى تعالى بعبارةٍ مُجملةٍ، وهي: مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ .

ص: 64


1- معاني القرآن، ج1، ص11٨. كذلك اُنظر: بحثٌ في نظم القرآن، ص1٠٩
2- تفسير الكاشف، ج3، ص15٨.

بياناً لهذا التّساؤل، نقول: إنّ استفساراً أو اعتراضاً كهذا في الحقيقة ناشئٌ عن عدم اطّلاعٍ كافٍ وإلمامٍ بأُسلوب القرآن الكريم في طرح مُختلَف البحوث على شتّى الأصعدة العقائديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة والتأريخيّة، ناهيك عن أنّ البعض يُفسّرون القرآن دون الأخذ بنظر الاعتبار الظروف الحاكمة في عصر النزول، أو أسباب النزول وبعيداً عن كافّة ما له صلة مباشرة أو غير مباشرة في التفسير؛ لذلك ينتهي بهم المطاف لهذا التساؤل أو حتّى الاعتراض.

إلّا أنّهم إنْ أخذوا الأُسلوب القرآنيّ في بيان الكثير من القضايا بنظر الاعتبار، ولو على نحو الإجمال، أو أنّهم أدركوا الطريقة التي يتّبعها القرآن في بيان القضايا المُجملة، لاتّضح لهم الأمر ولم يقَعوا في شبَك الإبهام والغموض؛ لأنّ القرآن قد وضّح الحقائق التي ذكرها بشكلٍ لا يشوبه الشكّ والإبهام، وبعبارة أُخرى: علينا أنْ نعلم أنّ القرآن الكريم قد اعتمد أمرين

في خطابه للنّاس، وهما:

الأمر الأوّل: تحدّث القرآن الكريم عن الكثير من القضايا بشكلٍ عامٍّ ومُجملٍ دون أن يُفصّل كافّة ما يشوبها من أُمورٍ،

ص: 65

كالقضايا العقائديّة والاجتماعيّة والتأريخيّة، وحتّى القضايا المتعلّقة بالأحكام العباديّة.

الأمر الثّاني: صرّح القرآن الكريم في الآية 44 من سورة النحل، وكذلك في الآيتين 164 من سورة آل عمران و2 من سورة الجمعة بأنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) مسؤولٌ عن بيان الحقائق وتفصيلها للنّاس. (1)وهذا ما حدث بالفعل، فقد امتثل صلوات الله عليه لأمر ربّ العزّة والجلالة، وقام ببيان جميع الآيات، حيث تشير بعض الروايات إلى أنّه كان يُعلّم آيات القرآن للنّاس عشرة عشرة. (2)

وبالتّالي يحين دورنا لأن نستفسر أيضاً، فنقول: إذا كان قول النبيّ (صلى الله عليه و آله) وفعله حجّة في بيان المراد من هاتين الآيتين: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ (البقرة: 43) ، و وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ (البقرة: 1٩6) ، ومن ثمّ انقاد المسلمون لبيانه هذا وآمنوا بأنّ إقامة الصّلاة وإيتاء الزكاة وأداء مناسك الحجّ والعمرة هي

ص: 66


1- جاء في الآية 44 من سورة النحل: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ، وجاء في الآيتين 164 من سورة آل عمران و2 من سورة الجمعة: يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
2- تفسير القرآن العظيم، ج1، ص4.

واجباتٌ لامناصّ من الالتزام بها، فلماذا لا يعتبر البعض أنّ قوله حجّة أيضاً في تعيينه لأهل بيته حقّاً في آية التطهير؟ ! (1)أو لايحترمون بيانه صلوات الله عليه لقوله تعالى: مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ في آية التبليغ ولايلتزمون به؟ ! فهل من الصحيح ادّعاء حجّية قول وفعل رسول الله (صلى الله عليه و آله) في بعض الآيات دون الأُخرى؟ ! أو هل أنّ الأحاديث الواردة بشأن موقف الرسول (صلى الله عليه و آله) تجاه آيات التبليغ وأُولي الأمر والتطهير وغيرها، تُعتبر أحاديث غير مشهورةٍ؟ ! بالتّأكيد فإنّ الواقع ليس كذلك، ولا يُمكن لأيّ عاقلٍ مُنصفٍ أن يقبل بهذا الانتقاء الذي لا تبرير منطقيّ له.

وما ذكرناه قد جاء في روايةٍ نُقلت عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، كما يلي:

عن أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله

عزّوجلّ: أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ؟

فقال: «نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام)» .

فقلت له: إنّ الناس يقولون: فما له لم يُسمِّ علياً وأهل بيته (عليهم السلام) في كتاب الله عزّ وجلّ؟ !

ص: 67


1- سورة الأحزاب، الآية 33.

قال: «قولوا لهم: إنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) نزلت عليه الصّلاة ولم يُسمّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتّى كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) هو الذي فسّر ذلك لهم. ونزلت عليه الزكاة ولم يُسمّ لهم من كلّ أربعين درهماً، درهماً، حتّى كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) هو الذي فسّر ذلك لهم. ونزل الحجّ فلم يقُل لهم: طوفوا أُسبوعاً، حتّى كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) هو الذي فسّر ذلك لهم. ونزلت: أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ - ونزلت في عليّ والحسن والحسين - فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) في عليّ: «من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه» ، وقال (صلى الله عليه و آله) : «أُوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي، فإنّي سألتُ الله عزّ وجلّ أنْ لا يُفرّق بينهما حتّى يوردهما عليَّ الحوض، فأعطاني ذلك، وقال: لا تعلّموهم فهم أعلم منكم، وقال: إنّهم لن يُخرجوكم من باب هدىً ولن يُدخلوكم في باب ضلالة. فلو سكت رسول الله (صلى الله عليه و آله) فلم يُبيّن مَن أهل بيته؛ لادّعاها

آل فلان وآل فلان، لكنّ الله عزّ وجلّ أنزله في كتابه تصديقاً لنبيّه (صلى الله عليه و آله) : إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً . (1)

ص: 68


1- الكافي، ج1، ص2٨٧.

طبعاً، إضافةً لما ذُكر من تعليلاتٍ، هناك مصالح كانت تقتضي عدم ذكر أسماء الأئمة في القرآن الكريم، منها: أنّ الآيات القرآنيّة ذكرت الأخبار والحوادث في عصر الرسول (صلى الله عليه و آله) ولمّحت إلى بعض الأشخاص وأشارت إلى بعض الأفكار والمعتقدات بإطارٍ فريدٍ من نوعه، بحيث لا يمكن من خلاله للمتربّصين بالإسلام الحيَل أن يُحرّفوا أو يُخفوا كلام الله تعالى، وهو أيضاً من أسباب عدم التّصريح بأسماء الصّالحين كالأئمة أو المذمومين كالمنافقين.

ومنها: أنّ الأُسلوب القرآنيّ المعهود في بيان القضايا الاجتماعيّة يُركّز على ذكر أوصاف وخصائص المعتقدات أو الأحداث أو الأشخاص خلال أبحاثه، ولا يُركّز على ذكر أسمائهم بالتّصريح، فمن خلال هذا الأُسلوب، يتسنّى للمخاطب أن يتّخذ الإجراءات اللازمة للتّحلّي بهذه الخصائص إنْ كانت حميدة، أو التّخلّي عنها إنْ كانت ذميمة، على سبيل المثال فإنّ التفاسير

المُعتبرة تؤكّد على أنّ الإطراء الذي جاء في سورة الدهر - سورة الإنسان - هو لعليّ وفاطمة (عليهما السلام) (1)، فمن خلال بيان خِصال وأفعال

ص: 69


1- الكشّاف، ج4، ص6٧٠؛ مفاتيح الغيب، ج3٠، ص244؛ أنوار التنزيل، ج2، ص552؛ مجمع البيان، ج1٠، ص611.

الأبرار والصّالحين سوف يتسنّى لنا التّأسّي بأخلاقهم وتطبيق أفعالهم، وتدريجاً سوف نتمكّن من أنْ نلتحق بركبهم.

يقول الزمخشري في تفسير الآية المباركة: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (المائدة: 55) ، ما يلي:

هو حال من يُؤتون الزكاة، بمعنى يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة، وأنّها نزلت في عليٍّ كرّم الله وجهَه حين سأله سائلٌ وهو راكعٌ في صلاته، فطرح له خاتمه كأنّه كان مرجاً في خنصره، فلم يتكلّف لخلعه كثيرٌ عمّا تفسد بمثله صلاته.

فإن قلتَ: كيف صحَّ أن يكون لعليٍّ (رضي الله عنه) واللفظ لفظ جماعة؟

قلت: جيءَ به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً؛ ليُرغِّب النّاسَ في مثل فعلِه فينالوا مثلَ ثوابِه، وليُنَبِّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه

الغاية من الحرص على البرِّ والإحسان وتفقّد الفقراءَ، حتّى إنْ لزمهم أمرٌ لا يقبل التأخير وهم في الصّلاة، لم يُؤخّروهُ إلى الفِراغِ منها. (1)

ص: 70


1- الكشّاف، ج1، ص64٩. كذلك انظر: مدارك التنزيل وحقائق التأويل، ج1، ص41٨.

دون شكٍّ فإنّ كلام الزمخشري هذا في غاية الرّصانة والرّوعة، إلاّ أنّه لم يذكر لنا التأريخ أنّ شخصاً تصدّق وهو راكعٌ يُصلّي وقد نزلت فيه آية سوى الإمام عليّ (عليه السلام) .

4- أسباب قلق النبيّ (صلى الله عليه و آله) من إعلان ولاية الإمام عليّ(عليه السلام)

بالرّغم من تأكيد رسول الله (صلى الله عليه و آله) مراراً وتكراراً على أفضليّة الإمام عليّ (عليه السلام) من بين سائر الصحابة ولياقته لتولّي زمام الأُمور، إلّا أنّ البعض كانوا يُخالفون تولّيه منصب القيادة بعد الرسول للأسباب التّالية:

أ - إنّ الإمام عليّ (عليه السلام) يتمتّع بفضائل ومناقب اختصّت به ولم يشاركه فيها أحدٌ، سواء من الصحابة أم من غيرهم، فهو بنفسه قد ذكر هذه الفضائل وأحصاها في سبعين فضيلةً (1)، ومن

ضمن هذه الفضائل تجدر الإشارة إلى نزول سورة الدهر وآياتٍ قرآنيّةٍ عديدةٍ بشأنه، مثل:

ص: 71


1- البرهان في تفسير القرآن، ج4، ص3٠٩، في تفسير آخر جزء من آية النجوى. وللتعرّف على هذه الفضائل، انظر: البيان الجلي في أفضليّة المولى أميرالمؤمنين، ص23٠، في باب: الفضائل السبعين التي تفرّد بها عليّ وليس لأحدٍ فيها نصيب.

1 - آية ليلة المبيت.

2 - آية الولاية.

3 - آية المباهلة.

4 - آية التطهير.

5 - آية أُولي الأمر.

6 - آية التبليغ.

٧ - آية سقاية الحاجّ.

٨ - آية المودّة.

٩ - آية النجوى.

1٠ - آية خير البريّة. وغيرها من آياتٍ.

ومن مناقبه أيضاً التي نُشير إليها باختصار:

1- تفانيه في الدّفاع عن دين الله تعالى وعن نبيّه الكريم (صلى الله عليه و آله) ،

وتسطيره أروع الملاحم في حرب بدر وأُحد والأحزاب وفتح مكّة، وكافّة الحروب التي شارك فيها.

2 - تنفيذه لمهامّ كانت مصيريّةً بالنسبة لدين الله، كإبلاغ الآيات الأُولى من سورة البراءة من المشركين.

3 - تنفيذه المهمّة التي بُعث فيها إلى اليمن على أحسن وجه.

ص: 72

4 - حراسته المدينة في حرب تبوك.

5 - اختيار رسول الله (صلى الله عليه و آله) له عندما أراد أن يُباهل النصارى.

فهذا ليس سوى غيضٍ من فيضٍ، وهذه الفضائل أو غيرها ممّا لم نذكره، قد اختصّت به ولم يذكر لنا التأريخ أنّ أحداً قد فعل معشار ما فعله ابن عمّ النبيّ وصهره.

وقد ذكر مسلم في صحيحه كلاماً دار بين سعد بن أبي وقّاص ومعاوية بن أبي سفيان، نقله عامر بن سعد بن أبي وقاّص، حيث قال:

أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أنْ تسُبّ أباتراب؟

فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهُنّ له رسول الله (صلى الله عليه و آله) ، فلن أسبّه، لأنْ تكون لي واحدةٌ منهُنّ أحبُّ إليَّ من حُمُر النعم،

سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول وقد خلّفه في بعض مغازيه -عندما قال له عليّ: يا رسول الله، خلّفتني مع النساء والصبيان؟ ! - فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله) : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ ! إلّا أنّه لا نبوّة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر: لأُعطيَن الراية رجلاً يُحبّ اللهَ ورسولَه، ويُحبُّه اللهُ ورسولُه، قال: فتطاولنا لها، فقال:

ص: 73

ادعوا لي عليّاً، فأُتيَ به أرمد، فبصق في عينه، ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولمّا نزلت هذه الآية: فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ دعا رسول الله (صلى الله عليه و آله) عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي. (1)

ومن الطبيعيّ أنْ تكون هكذا فضائل في شخصيّة الإمام عليّ (عليه السلام) مدعاةً للحسد والتنافس غير الشريف للتفوّق عليه من قِبل البعض، الأمر الذي حدا بأعدائه لأنْ يتقوّلوا عليه الأقاويل ويبخسوه حقّه الذي فرضه الله تعالى له؛ لذلك قد حدَثَ ما حدَثَ بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، حيث ذكر التأريخ لنا ما حصل

بالنسبة لوصيّته صلوات الله عليه لعليّ بقيادة الأُمّة.

ب - كما يعلم الجميع، فإنّ عليّاً (عليه السلام) قد قضى على أبطال قريش وقادة الشرك والكفر، ومرّغ أُنوفَهم بالتّراب، ومعارك بدر وأُحد والأحزاب وحنين وغيرها، تشهد له بذلك.

وبعد فتح مكّة ودخول أهلها في الإسلام، ظلّت الضغينة والبغضاء تتقلقل في قلوب البعض منهم؛ لأنّ إيمان هؤلاء

ص: 74


1- صحيح مسلم، ج4، ص1٨٧1.

لم يكن قويّاً لدرجة أنّهم يتخلَّون عن طباعٍ جاهليّةٍ بسرعةٍ فائقةٍ، وينسَوْن ما حلّ بآبائهم وإخوانهم وأبناء عمومتهم الكفرة عندما تناوشهم أسدالله بسيفه ذي الفقار، فهؤلاء كانوا يعتبرون صلة الدّم والقبيلة أقوى من صلة الإسلام؛ لذلك نلاحظ أنّه حتّى بعد استئصال عبادة الأوثان من مكّة ودخول رؤوس قومها في الإسلام حقّاً أو ظاهراً، مثل أبي سفيان، بقيَ الحقد على النبيّ (صلى الله عليه و آله) وعلى الإمام عليّ (عليه السلام) يعتمل في نفوسهم، لا سيّما بنو أُميّة الذين تظاهروا بالإسلام وراحوا يترصّدون الحيَل بدين محمّد بن عبدالله (صلى الله عليه و آله) ويكيدون المكائد لأهل بيته (عليهم السلام) من أجل تصفية حساباتهم والاقتصاص منهم انتقاماً للمشركين والكفّار من قومهم الذين حاربوا دين الله تعالى وقُتلوا بأمرٍ منه.

ونستوحي ممّا حدث بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه و آله) أنّ قريشاً لعبت أبرز دورٍ في التغييرات التي طرأت على المجتمع الإسلاميّ وساهمت في تغيير ما خطّط له رسول الله (صلى الله عليه و آله) ، حيث لم يحرموا أهل بيت النبيّ من حقوقهم فحسب، بل إنّ أذاهم طال الأنصار من أهل المدينة كذلك، فسلبوهم حقوقهم. فهم كانوا يعرفون حقّ المعرفة أنّ قيادة عليٍّ للأُمّة تعني استمرار طريق رسول الله (صلى الله عليه و آله)

ص: 75

والسير على نهجه دونما أيّ انحرافٍ، وهذا الأمر بحدّ ذاته كان يؤرّقهم ولايطيقونه البتّة. وبما أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) قد كان بين هؤلاء القوم، فهو يعرف ما يدور في خلدهم حقّ المعرفة، فقبل نزول آية التبليغ انتابه القلق والأسى من مخالفتهم العلنيّة عندما يصدع بأمر الله تعالى ويُخبرهم بأنّ الخليفة والقائد من بعده هو عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) .

ج - لقد كان الإمام عليّ (عليه السلام) مؤمناً بصدق ويقينٍ منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) ولم يُداهن في الحقّ طرفة عينٍ ولم تأخذه في الله لومة لائمٍ، فهو الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه و آله) :

«اللّهمّ أدِرْ الحقَّ معَه أينما دارَ» . (1)

فعليٌّ هو قدوة الإيمان ومحور الحقّ، ولم يتوانى يوماً عن نصرة دين الله تعالى ومؤازرة نبيّه (صلى الله عليه و آله) ، وشخصيّةٌ كهذه أينما حلّت ومتى ما عاشت، لا بدّ أن تُلاقي الضّيم وتتعرّض للبُهتان والحسد من قِبل مرضى النفوس وجند الشيطان من المنافقين الذين يزرعهم في كلّ زمانٍ ومكانٍ لمحاربة أولياء الله تعالى. فعليٌّ كان أولى من غيره لأن يكون هدفاً لهؤلاء الذين لا يُطيقون كلمة

ص: 76


1- سنن الترمذي، ج5، ص522.

الحقّ أبداً، ولكنّ أبا ترابٍ ورغم مساعي أعداء الله، كان هو المعيار الذي يتمايز فيه المؤمنون عن المنافقين، كما قال أبو سعيد الخدريّ:

«إنَّا كُنَّا لَنَعرِفُ المُنافقينَ نحنُ معشَرَ الأنصارِ بِبُغضهِمْ عليَّ بن أبي طالبٍ» . (1)

فيتّضح لنا أنّ سبب قلق رسول الله (صلى الله عليه و آله) هو علمه بأنّ إبلاغ النّاس بتولّي شخصيّةٍ كهذه لمنصب القيادة وإدارة شؤونهم من بعده، لا يخلو من صعوبةٍ ومشاكل يختلقها أعداؤه؛ لا سيّما أنّ هؤلاء المرضى كانوا يمتلكون ذريعةً مناسبةً لمعارضته، ألا وهي كونه ابن عمّه وصهره (2)، ناهيك عن أنّنا نستوحي من كلام

بعض هؤلاء المعارضين والمُتعطّشين للقيادة أنّهم اتّخذوا سنّ الإمام عليّ (عليه السلام) - كونه شابّاً - حجّةً لإبعاده عن التصدّي لأُمور المسلمين. (3)

ومن الجدير بالذكر أيضاً أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) ومن أجل ترسيخ القِيَم الإسلاميّة ومكافحة الطباع الجاهليّة الذميمة، كان يُنصّب

ص: 77


1- سنن الترمذي، ج5، ص5٩3.
2- التفسير الكاشف، ج3، ص٩٧.
3- اُنظر: الغدير، ج2، صص3٧٠ - 3٧1، نقلاً عن ابن أبي الحديد.

الشباب اللائقين من القوم للمناصب الحسّاسة، حيث كان صلوات الله عليه في كثيرٍ من الأحيان يواجه ردودَ أفعالٍ معارضةً له. فعلى سبيل المثال أمر المسلمين في آخر أيّام حياته بأن يلتحقوا بجيش أُسامة بن زيد ويسيروا نحو تبوك، ولكن تخلّف عددٌ كبيرٌ منهم عن الالتحاق بهذا الرّكب، ولم يمتثلوا لأمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) بذريعة أنّه صلوات الله عليه قد أمّر شاباً - أُسامة - على أبرز شخصيّات المهاجرين والأنصار. وقد لعن رسول الله (صلى الله عليه و آله) مَن تخلّف عن هذا الأمر، حيث كان مريضاً تشقّ عليه الحركة، ولكن لأهميّة الأمر قصد المسجد، وبعد حمد الله والثناء عليه، قال مُخاطباً النّاس:

إنْ تطعنوا في إمرتِه، فقد كُنتم تطعنون في إمرةِ أبيهِ من قبل، وأيْمُ الله، إنْ كان لَخليقاً للإمارة، وإنْ كان لمِن أحبّ النّاس إليّ، وإنّ هذا لمَِن أحبّ النّاس إلى بعده. (1)

وفي غزوة تبوك، أمّر النبيّ (صلى الله عليه و آله) عليّاً (عليه السلام) نائباً عنه في المدينة، وتحرّك هو على رأس الجيش نحو تبوك، وبقاء عليّ (عليه السلام) في المدينة

ص: 78


1- السيرة النبويّة، ج4، ص3٠٠؛ تأريخ اليعقوبي، ج2، ص113؛ سيرة المصطفى، صص٧٠5 - ٧1٠ تحت عنوان: جيش أُسامة.

كان هدفاً لمرضى النفوس من المنافقين ليُصوّبوا عليه سهام حقدهم؛ لأنّ وجوده هناك سوف يحول دون قيامهم ببثّ سمومهم وتنفيذ خططهم الخبيثة، لذلك أشاعوا بين النّاس أنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد جعله مع النّساء والأطفال ولم يصطحبه معه. يذكر المؤرّخون أنّ هؤلاء المنافقين أرجفوا به (عليه السلام) ، وقالوا: لَم يستخلفه رسول الله إكراماً له ولا إجلالاً ومودةً، وإنّما استخلفه استثقالاً له، فلمّا بلَغ أميرالمؤمنين (عليه السلام) إرجاف المنافقين به، أراد تكذيبهم وفضيحتهم، فلحق بالنبيّ (صلى الله عليه و آله) :

«فقال: يا رسول الله، تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أنْ تكون

منّي بمنزلة هارون من موسى؟ ! غير أنّه لا نبيّ بعدي» . (1)

إذن، نلاحظ أنّ مرضى النفوس كانوا يُعارضون خلافة الإمام عليّ (عليه السلام) المؤقّتة بشتّى الوسائل عندما كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يُنصّبه نيابةً عنه في حياته، لذلك فإنّه من الطبيعي كانوا سيُعارضون خلافته الدائمة بعد رحيل النبيّ (صلى الله عليه و آله) بصرامةٍ أشدّ. وهذه هي الحقيقة التي كانت تؤرّق رسول الله (صلى الله عليه و آله) وتُقلقه،

ص: 79


1- صحيح مسلم، ج4، ص1٨٧1؛ السيرة النبويّة، ج4، ص163؛ تأريخ الطبري، ج3، ص1٠4؛ الإرشاد للشيخ المفيد، ج1، ص2٠6.

وجعلته يتردّد في تبليغ أمر الله بشكلٍ علنيٍّ، إلى أن أخبره ربّ العزّة والجلالة: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، فكلّفه بوجوب تبليغ هذا الأمر دونما أيّ تردّدٍ، وإلّا سوف لا تكون رسالته تامّةً.

5- معنى كلمة (مولى) في حديث الغدير

من أهمّ المواضيع التي كانت مداراً للبحث والنّقاش بين علماء الشيعة والسّنة، هو معنى كلمة (مولى) .

يعتقد علماء الشيعة أنّ معنى كلمة (مولى) في قول

رسول الله (صلى الله عليه و آله) :

«مَن كنتُ مَولاه فهذا عليٌّ مَولاه» هو الأولويّة بتولّي الأمر والقيادة، أي: ولاية أمر المسلمين، بينما فسّر بعض علماء السّنة هذه الكلمة بمعنى الناصر والمُعين.

يقول صاحب تفسير المنار في هذا الشأن:

إنّ علماء السّنة يرَونَ أنّ معنى الولاية في حديث غدير خُم لا يدلّ على ولاية السلطة والحكم المتجليّة بالإمامة والخلافة، لأنّ هذا اللفظ لم يرد في القرآن الكريم بهذا المعنى، بل إنّ المراد بالولاية هنا النصرة والمودّة التي عبّر الله تعالى عنها في القرآن الكريم: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ

ص: 80

(المائدة: 51) ؛ للدلالة على الصلة بين المؤمنين أنفسهم والكافرين أنفسهم، لذلك يكون معنى الحديث: كلّ مَن كنتُ أودّه وأنصره، فعليٌّ أيضاً يودّه وينصره، أو: كلّ مَن يُحبّني وينصرني، عليه أن يودّ عليّاً وينصره. (1)

للردّ على هذا الرأي نقول: إنّ كلمة (مولى) في اللغة العربيّة تُستعمل في معانيَ مختلفة، منها: الحبيب والناصر والسيّد والمالك وصاحب العهد والمسؤول والمُطاع والأولى بالتصرّف وتولّي

الأمر. ومن البديهيّ أنّنا نستوحي المعنى المراد من الكلمة متعدّدة الدلالات، بالاعتماد على القرائن المتّصلة والمنفصلة، وكذلك الأدلّة ذات الصلة بالكلام، وهذا ما يحكم به العرف الأدبيّ للكلام. وأمّا القرائن والأدلّة التي نعتمد عليها لفهم معنى كلمة (مولى) في حديث الغدير، والتي هي موجودة في نفس الحديث، ونلمسها أيضاً فيما اكتنفه من أحداثٍ وما أحاطت به من ظروف، فهي تُثبت لنا أنّ هذه الكلمة تدلّ على معنى المسؤول والقائد، وهذه الأدلّة والقرائن كثيرة جدّاً، إذ أحصاها العلاّمة الأميني في كتابه الغدير ضمن عشرين مورداً من شتّى الموارد (2)،

ص: 81


1- تفسير المنار، ج6، ص465.
2- الغدير، ج2، صص33٩ - 364، تحت عنوان: القرائن المعيّنة.

نكتفي هنا بذكر عددٍ منها:

أ - خلافاً لرأي صاحب تفسير المنار، فإنّ كلمة (مولى) لاتعني (الأَولى) من الناحية اللغوية فحسب، بل إنّها استُخدمت في القرآن الكريم في هذا المعنى أيضاً، كما جاء في الآية 15 من سورة الحديد: فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ .

فالمُلاحظ من فحوى الآية المباركة أنّ معنى كلمة (مولى)

لاينصرف إلى الحبيب والنّاصر، بل ينصرف إلى الأَولى والأجدر، يقول الزمخشري في تفسير هذه الآية:

هِيَ مَوْلَاكُمْ ، قيل: هي أولى بكم، وأنشد قول لبيد:

فَغَدَتْ كِلاَ الْفَرَجَيْنِ تَحْسِبُ أَنَّهُ مَولَى المَخَافَةَ خَلْفَهَا وَأَمَامَهَا (1)

كما فسّر الطبرسي قوله تعالى: هِيَ مَوْلَاكُمْ كما يلي: «هي أَولى بكُم لِما أسلفتُم من الذّنوبِ» . (2)

واستمرّ العلّامة الأميني بالتفصيل وسَرْد أقوال المفسّرين التي تُشير إلى معنى (أولى) في الآية المذكورة، ومَن أراد المزيد

ص: 82


1- الكشّاف، ج4، ص4٧6.
2- مجمع البيان، ج٩، ص355.

فليراجع كتابه الغدير. (1)

ب - كما مرّ علينا في بحث (دواعي واقعة الغدير) ، فإنّ موضوع حبّ عليٍّ (عليه السلام) للمؤمنين وحبّ المؤمنين لعليٍّ (عليه السلام) لايحتاج إلى كلّ هذا التأكيد من قِبَل رسول الله (صلى الله عليه و آله) واتّخاذ كلّ هذه الاجراءات العظيمة، إذ يقول الله تعالى في كتابه المجيد: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ (التوبة:٧1) ، بل

وأكثر من ذلك: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات: 1٠) .

إذن، فما فائدة أن يجمع رسول الله (صلى الله عليه و آله) عشرات الآلاف من النّاس في حرّ الرمضاء ليُبلغهم أمر الله تعالى، الذي وجب عليه أن لا يُخفيه عن أحدٍ، فيخطب بهم خطبةً طويلةً لا يروم منها سوى دعوتهم لحبّ عليٍّ (عليه السلام) ؟ !

ج - قبل أن يُعلن النبيّ (صلى الله عليه و آله) للنّاس أنّ عليّاً هو مولى المؤمنين، خاطبهم قائلاً:

«أَلَسْتُ أولى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ؟ !» ، فلمّا أقرّوا بذلك وقالوا: نَعم، يا رسولَ اللهِ، خاطبهم قائلاً:

«مَنْ كُنتُ مَولاهُ فَهذا عليٌّ مَولاهُ» .

ويقول العلّامة الأميني: إنّ قاطبة الذين روَوا حديث الغدير

ص: 83


1- اُنظر: الغدير، ج2، صص2٩٧ - 3٠1، تحت عنوان: مَفْعَل بمعنى أَفْعَل.

تقريباً، قد ذكروا أنّه بدأ بسؤال رسول الله (صلى الله عليه و آله) ، أي:

«أَلَسْتُ أولى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ؟ !» .

إذن، عندما نأخذ هذا السؤال بنظر الاعتبار يتبيّن لنا أنّ كلمة (مولى) لاتعني سوى (الأولى بالتصرّف) ، لأنّ كلام النبيّ (صلى الله عليه و آله) ناظرٌ إلى السلطة التي منحها إيّاه الله جلّ وعلا في قوله تعالى: اَلنَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ (الأحزاب: 6) .

ومن الطبيعي أَنّ سؤال النبيّ (صلى الله عليه و آله) : «أَلَسْتُ أولى بِكُمْ مِنْ

أَنْفُسِكُمْ؟ !» والذي يُعتبر من العبارات المؤكّدة في خطبة الغدير، هو أفضل دليلٍ نستوحي منه أنّ المقصود من كلمة (مولى) هو (الأولى بالتصرّف) أو (المسؤول) . وهذا الاستنتاج قد أعاره علماء الشيعة أهميّةً خاصّةً، كالشيخ الصدوق في كتابه (معاني الأخبار) . (1)

ويُشير العلّامة الأميني في أحد استدلالاته إلى أنّ:

مقدّمة الحديث وهي قوله (صلى الله عليه و آله) : «أَلَسْتُ أولى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ؟ !» أو ما يؤدّي مؤدّاه من ألفاظٍ متقاربةٍ، ثُمّ فرّع على ذلك قوله: «فمَنْ كُنتُ مَولاهُ فَهذا عليٌّ مَولاهُ» . وقد رواها الكثيرون من علماء الفريقين. . . فلو كان (صلى الله عليه و آله) يريد

ص: 84


1- معاني الأخبار، ص65، معنى قول النبيّ ٩: «مَن كنتُ مَولاه فعليٌّ مَولاه» .

في كلامه غير المعنى الذي صرّح به في المقدّمة، لعاد لفظُه -ونجلّه عن كلّ سقطةٍ - محلُول العُرَى، مختَزَلاً بعضُه عن بعضٍ، وكان في مَعزَلٍ عن البلاغة، وهو أفصحُ البلغاء، وأبلغُ مَن نَطَق بالضّاد، فلا مَساغَ في الإذعانِ بارتباطِ أجزاءِ كلامِهِ، وهو الحقّ في كلّ قولٍ يلفظُهُ عن وحيٍ يُوحى، إلّا أن نقول باتّحاد المعنى في المقدّمة وذيها. (1)

د - دون شكٍّ، فالتّهاني التي قدّمها النّاس لعليٍّ (عليه السلام) في هذه

الواقعة التأريخيّة الخالدة، لا سيّما تهانيَ الخليفتين أبي بكرٍ وعمر، تُعتبر أجلى دليلٍ على أنّ ما حدث لم يكُن يعني سوى تنصيب عليٍّ (عليه السلام) للخلافة؛ لأنّ إعلان محبّة عليٍّ (عليه السلام) للنّاس لا يستوجب كلّ هذه التّهاني من قِبل المسلمين، فقد قال عمر بن الخطّاب له بعد انتهاء الخطبة: هَنيئاً لكَ يا بن أبي طالب، أصبحتَ مَولايَ ومَولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ (2)، كما نقل المؤرّخون نظير هذه الجملة لأبي بكرٍ أيضاً.

يقول الشيخ المفيد:

ثُمّ نزل (عليه السلام) - أي: رسول الله - وكان وقت الظّهيرة، فصلّى ركعتين، ثُمّ زالتْ الشّمسُ، فأذّن مؤذّنُه لصلوة الفرضِ،

ص: 85


1- الغدير، ج 1، ص 651.
2- تفسير مفاتيح الغيب، ج12، ص5٠.

فصلّى بهم الظّهر، وجلس (عليه السلام) في خيمته، وأمر عليّاً (عليه السلام) أن يجلس في خيمةٍ له بإزائه، ثُمّ أمرَ المسلمين أن يَدخُلوا عليه فوجاً فوجاً فيُهنّؤوه بالمقام، ويُسلّموا عليه بإمرةِ المؤمنين، ففعل النّاسُ ذلك كلُّهم، ثُمّ أمر أزواجَه و سائر نساء المؤمنين معه أن يدخُلنَ عليه، ويُسلّمن عليه بإمرة المؤمنين، ففعلن. وكان فيمَن أطنَب في تهنئته بالمقام عمر بن الخطّاب، وأظهرَ له من المسرّة به، وقال فيما قال:

بَخٍّ بَخٍّ لك يا عليّ، أصبحتَ مَولايَ ومَولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ. (1)

ه - الأشعار التي أنشدها فطاحل الشّعراء بهذه المناسبة هي الأُخرى دليلٌ صريحٌ على أنّ أرباب النظم الذين هم متخصّصون بالأدب العربي وعلم المعاني والبيان، صوّروا معنى (مولى) في شعرهم بالإمام والقائد، حيث يقول حسّان بن ثابت:

فَقالَ لهُ يا عليُّ فإنَّني رَضيتُك مِن بَعدي إماماً وهادياً (2)

فضلاً عن ذلك، فقد جاء في بعض الأحاديث المرويّة عن صحابة رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما يُؤيّد هذا المعنى، أي بعد أن نزلت آية

ص: 86


1- الإرشاد للشيخ المفيد، ج1، ص23٨.
2- إعلام الورى، ج1، ص263؛ الإرشاد للشيخ المفيد، ج1، ص24٠.

التبليغ وما حدث في غدير خُم، عُرف عليٌّ (عليه السلام) بأنّه (وليّ) و (قائد) المسلمين، حيث روى السيوطي عن ابن مسعود:

كنّا نقرأ على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ أنّ عليّاً مولى المؤمنين وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ واللهُ يّعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ . (1)فقول ابن مسعود: (إنّ عليّاً

مولى المؤمنين) ، يريد منه معنى: (ما أُنزلَ إليكَ) في الآية المباركة، ولا يعني أنّه كان جزءاً من الآية ثمّ حُذِف منها. (2)

و - بعد واقعة غدير خُم، نزلت الآية المباركة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، وهي بذاتها دليلٌ بارزٌ يُشير إلى أنّ كلمة (مولى) تعني القائد والمسؤول عن الرعيّة.

بعبارةٍ أُخرى فإنّ بعض الروايات قد أكّدت على كون (الولاية) فرضاً من الله تعالى حالها حال سائر الفرائض الدينيّة، مثل الصّلاة والزّكاة والحجّ والصّيام، بل أفضل منها، فقد رُوي عن الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) قوله:

«بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ: على

ص: 87


1- الاتقان في علوم القرآن، ج2، ص2٩٨؛ كذلك اُنظر: فتح القدير، ج1، ص6٠.
2- الدرّ المنثور، ج2، ص2٩٨؛ كذلك اُنظر: القرآن الكريم وروايات المدرستين، ج2، ص1٩1.

الصّلاةِ والزّكاةِ والصّومِ والحجِّ والولايةِ، ولم يُنادَ بشيءٍ كما نُوديَ بالولايةِ» . (1)وفي حديثٍ آخر أضاف (عليه السلام) قائلاً:

« الولايةُ أفضلُ؛ لأنّها مِفتاحهنّ، والوالي هو الدليلُ عليهنّ

» . (2)

بينما كلمة (مولى) التي تعني (الحبيب) ، وكلمة (ولاية) التي تعني (المحبّة) ، قد ورد معنَياهُما في آياتٍ عديدةٍ قبل آية التبليغ،

والتأكيد على هذين المعنيين في تلك الآيات بالطبع لا صلة له بآية إكمال الدين، إذ إنّ إكمال الدين يختلف عن ذلك لأنّه مرهونٌ في تعيين القائد للأُمّة بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه و آله) ، وهذا ما حصل في واقعة الغدير. وبالتأكيد فإنّ إعلان المودّة لعليّ (عليه السلام) مع كونه أمراً ضروريّاً لا مناصّ منه، لكنّه لا يمتُّ بصلةٍ لإكمال دين الله تعالى؛ لذلك نلاحظ أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) قال بعد نزول آية إكمال الدين:

«اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ على إكمال الدّينِ، وإتمامِ النّعمةِ، ورضا الربّ برسالتي، والولايةِ لعليٍّ مِن بعدي» (3)، وهذه الجملة التي صدع بها خاتم أنبياء الله بين الحشود الغفيرة من المسلمين، قد رسّخت

ص: 88


1- الكافي، ج2، ص1٨.
2- المصدر السابق، ص2٨٩.
3- إعلام الورى، ج1، ص263؛ مجمع البيان، ج3، ص264.

حقيقة الولاية لعليّ بن أبي طالبٍ في أذهان البشر على مرّ العصور، حيث اعتبرها في مصافّ ولايته صلوات الله عليه ومكمّلةً لها، وهذا بحدّ ذاته تأكيدٌ لا يقبل الشكّ على كون المراد من الولاية في حديث الغدير هو قيادة الأُمّة وتولّي زمام أُمورها.

ص: 89

ص: 90

المصادر

1 - القرآن الكريم.

2 - الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، محمّد بن محمّد (الشيخ المفيد) ، مكتب نشر الثّقافة الإسلاميّة، 13٨٠ه. ش.

3 - إعلام الورى بأعلام الهدى، الفضل بن الحسن الطبرسي، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) ، 141٧ه. ق.

4 - الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي، منشورات رضي، بيدار، عزيزي، قم، 1363ه. ش.

5 - أسد الغابة في معرفة الصحابة، عزّالدين بن الأثير، دار الفكر، بيروت، 14٠٩ه. ق.

6 - أنوار التنزيل وأسرار التأويل، عبدالله بن عمر البيضاوي، دار الكتب العلميّة، بيروت، 14٠٨ه. ق.

ص: 91

٧ - البرهان في تفسير القرآن، السيّد هاشم البحراني، مؤسّسة إسماعيليان، قم، 13٧٠ه. ش.

٨ - البرهان في علوم القرآن، محمّد بن عبدالله الزركشي، دار المعرفة، بيروت، 13٩1ه. ق.

٩ - دراسة شخصيّة أهل البيت(عليهم السلام) في القرآن بأُسلوبٍ قرآنيٍّ، ولي الله نقي بور، مركز تعليم الإدارة الحكوميّة، 13٧٧ه. ش.

1٠ - بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمة الأطهار، محمّد باقر المجلسي، دار الوفاء، بيروت، 14٠3ه. ق.

11 - البحر المُحيط في التفسير، محمّد بن يوسف (أبو حيّان التوحيدي) ، دار الفكر، بيروت، 1412ه. ق.

12 - البيان الجليّ في أفضيلة المولى أميرالمؤمنين، ابن رويش، تحقيق: السيّد مهدي رجائي، دارالثقلين، بيروت، 1415ه. ق.

13 - نفحات القرآن (بيام قرآن) ، آية الله مكارم الشيرازي وآخرون، منشورات نسل جوان، قم، 13٧4ه. ش.

14 - بحثٌ في نظم القرآن، عبد الهادي فقيهي زاده، منشورات جهاد دانشكاهي، 13٧4ه. ش.

15 - تأريخ القرآن، محمود راميار، منشورات أمير كبير، 1362ه. ش.

ص: 92

16 - تفسير القمّي، عليّ بن إبراهيم القمّي، مؤسّسة دار الكتاب، قم، 136٧ه. ش.

1٧ - تفسير العيّاشي، محمّد بن مسعود العيّاشي، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1411ه. ق.

1٨ - تفسير المراغي، أحمد مصطفى المراغي، دارالفكر، بيروت، بدون تأريخ النشر.

1٩ - تفسير الهداية، السيّد محمّد تقي المدرّسي، مؤسّسة البحوث الإسلاميّة، مشهد، 13٧٧ه. ش.

2٠ - التبيان الجامع لعلوم القرآن، محمّد بن حسن الطوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون تأريخ النشر.

21 - تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) ، الشّيخ محمّد عبده والسيّد محمّد رشيد رضا، دارالفكر، بيروت، بدون تأريخ النشر.

22 - التفسير الكاشف، السيّد محمّد باقر الحجّتي وعبدالكريم بي آزار الشيرازي، مكتب نشر الثقافة الإسلاميّة، 1366ه. ش.

23 - التفسير الكاشف، محمّد جواد مغنية، دارالعلم للملايين، بيروت، الطبعة الثّالثة، 1٩٨٠م.

24 - تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن كُثير الدّمشقي، دارالمعرفة، بيروت، 14٠٩ه. ق.

ص: 93

25 - تأريخ اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، دار صادر، بيروت، بدون تأريخ النشر.

26 - تأريخ الطبري، محمّد بن جرير الطبري، دار التّراث العربي، بيروت، 13٧٨ه. ق.

2٧ - تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، محمّد بن الحسن (الحرّ العامليّ) ، مكتبة إسلاميّة، طهران، 136٧ه. ش.

2٨ - تهذيب التهذيب، أحمد بن عليّ العسقلاني، دار الفكر، بيروت، 14٠4ه. ق.

2٩ - الجامع لأحكام القرآن، محمّد بن أحمد الأنصاري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 14٠5ه. ق.

3٠ - جوامع الجامع، الفضل بن الحسن الطبرسي، دار الأضواء، بيروت، 1412ه. ق.

31 - الجواهر الحسان في تفسير القرآن، عبد الرحمن الثّعالبي، المكتبة العصريّة، بيروت، 141٧ه. ق.

32 - خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (خصائص النّسائي) ، أحمد بن شُعيب النّسائي، تحقيق: السيّد جعفر الحسيني، دار الثقلين، قم، 141٩ه. ق.

33 - الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدّين السّيوطي، منشورات مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 14٠4ه. ق.

ص: 94

34 - روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني، محمود الآلوسي البغدادي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 14٠5ه. ق.

35 - السّيرة النبويّة (سيرة ابن هشام) ، محمّد بن هشام، دار القلم، بيروت، بدون تأريخ نشر.

36 - سُنَن الترمذي (الجامع الصحيح) ، محمّد بن عيسى الترمذي، دار الكتب العلميّة، بيروت، بدون تأريخ النشر.

3٧ - سُنَن الدّارمي، عبدالله بن عبدالرحمن، منشورات إسطنبول، 14٠1ه. ق.

3٨ - سُنَن ابن ماجة، محمّد بن يزيد القزويني، دارالكتب العلميّة، بيروت، بدون تأريخ النشر.

3٩ - سُنَن النبيّ، بإشراف كاظم مدير شانه جي، منشورات مؤسّسة البحوث الإسلاميّة، بدون تأريخ النشر.

4٠ - سيرة المصطفى، هاشم معروف الحسني، منشورات الرضيّ، قم، 1413ه. ق.

41 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت(عليهم السلام) ، عبيدالله بن عبدالله (الحاكم الحسكاني) ، تحقيق محمّد باقر المحمودي، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 13٩3ه. ق.

42 - صحيح البخاري، محمّد بن إسماعيل البخاري، دار القلم، بيروت، 14٠٧ه. ق.

ص: 95

43 - صحيح مسلم، مسلم بن الحجّاج، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 13٧6ه.

44 - الصّافي في تفسير القرآن، محمّد بن مرتضى (الفيض الكاشاني) ، دار الكتب الإسلاميّة، 13٧٧ه. ش.

45 - الغدير في الكتاب والسنّة والأدب، عبدالحسين الأميني، مكتبة الكتب الإسلاميّة الكبرى، بدون تأريخ النشر.

46 - غرائب القرآن ورغائب الفرقان، نظام الدين النيسابوري، دارالكتب العلميّة، بيروت، 1416ه. ق.

4٧ - فتح القدير الجامع بين فنَّيْ الدّراية والرّواية، محمّد عليّ الشوكانيّ، دار المعرفة، بيروت، بدون تأريخ النشر.

4٨ - شذرات من التأريخ الإسلاميّ، جعفر السبحاني، منشورات مشعر، 13٧5ه. ش.

4٩ - القرآن الكريم وروايات المدرستين، السيّد مرتضى العسكري، المجمع العلمي الإسلاميّ، طهران، 1415ه. ق.

5٠ - الكافي، محمّد بن يعقوب الكليني، دارالكتب الإسلاميّة، طهران، 1363ه. ش.

51 - الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، جار الله محمود الزّمخشري، دارالكتاب العربي، بيروت، 14٠٧ه. ق.

ص: 96

52 - لباب التأويل في معاني التنزيل (تفسير الخازن) ، علاءالدين عليّ ابن محمّد (الخازن) ، دارالكتب العلميّة، بيروت، 1415ه. ق.

53 - مجمع البيان لعلوم القرآن، الفضل بن الحسن الطبرسي، دارالمعرفة، بيروت، 14٠٨ه. ق.

54 - الميزان في تفسير القرآن، السيّد محمّد حسين الطباطبائي، مؤسّسة الأعلمي، بيروت، 13٩3ه. ق.

55 - معاني القرآن، محمّد باقر بهبودي، المطبعة الإسلاميّة، الطبعة الثّانية، 13٧2ه. ش.

56 - مفاتيح الغيب، محمّد بن عمر (الفخر الرّازي) ، مكتبة الاعلام الإسلاميّ، قم، 1413ه. ق.

5٧ - مدارك التنزيل وحقائق التأويل (تفسير النّسفي) ، عبدالله بن أحمد النّسفي، دار النّفائس، بيروت، 1416ه. ق.

5٨ - معالم التنزيل (تفسير البغوي) ، حسين بن مسعود (الفرّاء البغوي) ، دارالمعرفة، بيروت، 1415ه. ق.

5٩ - مَن لا يحضره الفقيه، أبو جعفر محمّد بن عليّ (الشيخ الصدوق) ، دارالأضواء، بيروت، 14٠5ه. ق.

6٠ - معاني الأخبار، أبو جعفر محمّد بن عليّ، دارالمعرفة، بيروت، 13٩٩ه. ق.

ص: 97

61 - مُسند أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل، بيت الأفكار الدولية، الأُردن، 2٠٠5م.

62 - المُستدرَك على الصحيحين، محمّد بن عبدالله (الحاكم النيسابوري) ، دارالفكر، بيروت، 1422ه. ق.

63 - المعجم الأوسط، سليمان بن أحمد الطّبراني، مكتبة المعارف، الرّياض، 14٠5ه. ق.

64 - نور الثّقلين، عبد عليّ بن جمعة، تصحيح وتعليق: السيّد هاشم الرسولي المحلاتي، مطبعة الحكمة، قم، 13٨2ه. ش.

ص: 98

الفهرس

كلمة المعهد 5

المقدّمة ٧

الخلفيّات التأريخيّة لحادثة الغدير ٩

خطبة الرسول٩ في غدير خُم 14

بحوثٌ حولَ واقعة الغدير 1٩

أوّلاً: مكانة واقعة الغدير في المصادر الإسلاميّة 1٩

ثانياً: تأثير واقعة الغدير على تفاسير القرآن 23

1- تفاسير الشيعة 23

ملاحظات هامّة بشأن تفسير آية التبليغ 26

2 - تفاسير أهل السنّة 3٠

نقد وتحليل آراء مفسّري أهل السنّة حول نزول آية التبليغ 34

3 - بحثٌ في سبب نزول آية التبليغ 44

ص: 99

ثالثاً: بحوثٌ حول آية التبليغ 4٩

1 - دواعي واقعة الغدير 4٩

2 - صلة آية التبليغ بالآيات السّابقة والتّالية لها 5٨

3 - سبب عدم ذكر اسم الإمام عليّ٧ في آية التبليغ 64

4 - أسباب قلق النبيّ٩ من إعلان ولاية الإمام عليّ٧1 ٧

5 - معنى كلمة (مولى) في حديث الغدير ٨٠

المصادر ٩1

ص: 100

فهرس منشورات معهد الحج والزيارة في موضوع الغدير

1. حديث الغدير و شبهه شكوي جيش اليمن: دراسة علمية تحليلية، سيد محمد حسيني قزويني.

2. عيد الغدير في الإسلام و التتويج والقُرُبات يوم الغدير، عبدالحسين الأميني.

3. دراسة واعية لقضية الغدير (في ضوء المنهج الاجتماعي التاريخي) ، محمد مهدي شمس الدين.

4. غديريات، عبدالحسين اميني.

5. للحقيقة اقول، محمد عيدالله الناصر.

6. مفاد حديث الغدير، عبدالحسين الاميني، تحقيق: نعمان النصري.

٧. حديث غدير منشور جاودان ولايت، محمد تقي رهبر.

٨. حقيقت كجاست؟ نقد كتاب راهي ديگر براي كشف حقيقت، سيد محمدحسن علوي.

٩. غدير در پرتو كتاب و سنت، مجيد معارف.

ص: 101

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.