وقفه مع الدکتور الشیخ البراک

اشارة

سرشناسه : آصفی، محمدمهدی، 1317 -

عنوان و نام پديدآور : وقفه مع الدکتور الشیخ البراک (استاذ جامعه ام القری بمکه المکرمه)/محمدمهدی الاصفی.

مشخصات نشر : تهران: مشعر، 1387.

مشخصات ظاهری : 120 ص.

شابک : 8000 ریال:978-964-540-146-5

وضعیت فهرست نویسی : فیپا

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع : براک، محمدبن سلیمان -- نقد و تفسیر.

موضوع : شیعه -- دفاعیه ها و ردیه ها.

رده بندی کنگره : BP212/5/آ6و7 1387

رده بندی دیویی : 297/417

شماره کتابشناسی ملی : 1319516

ص: 1

[پيش در آمد]

ص: 2

وقفة مع

الدكتور الشيخ البرّاك

(أستاذ جامعة امّ القرى بمكة المكرمة)

الشيخ محمّد مهدي الآصفي

(من علماء النجف الأشرف)

ص: 3

قال الله تعالى:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُم مِنْهَا كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (1)

)

وقال الإمام علي 7:) لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَ وَ اللَّهِ لأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلّا عَلَيَّ خَاصَّةً( (2)

)


1- آل عمران: 103
2- نهج البلاغة، الخطبة: 74

ص: 4

وقفة مع الدكتور الشيخ البرّاك

اشارة

على أعتاب المؤتمر العالمي للوحدة الإسلامية بطهران؛ أجرت صحيفة(المدينة) مقابلة مع الاستاذ الشيخ محمّد بن سليمان البراك أحد أساتذة جامعة(أُم القرى) في مكة المكرمة حول مشروع الوحدة الإسلامية، ...

فكان ممّا قال البراك: «إنّي أتحدّى الشيعة إذا أثبتوا أنهم قد أخذوا عن أحد من آل البيت [ع] شيئاً من عقائدهم التي يختلفون فيها عن الآخرين».

ص: 5

دعاة التفرقة والإختلاف:

قرأت المقالة التي نشرتها جريدة(المدينة) كلّها، فوجدت فيها مجموعة من الإتهامات للشيعة، مثل إتهامهم بمخالفة الكتاب والسنّة، ... الخ. مما تثير طائفة كبيرة من المسلمين، و تؤدي إلى بلبلة وتراشق في الصف الإسلامي، وذلك على أعتاب قيام مؤتمر الوحدة الإسلامية في طهران .. ووجدت أنّ هذه المقابلة تخدم المشروع الإستكباري(الأمريكي- الإسرائيلي) لإحداث فتنة طائفية، وشرخٍ في الصف الإسلامي، يسّهل مهمة الإستكبار الأمريكي في بسط نفوذه في العالم الإسلامي، من حيث يشعر الكاتب أو لايشعر ولايقصد.

واللغة التي يستخدمها كاتب المقال لغة استفزازية مثيرة للخلاف والفتنة بين المسلمين ...، الأمر الذي تسعى إليه أمريكا وإسرائيل والغرب عموماً، وتجد فيها بغيتها في إلهاء المسلمين بالتناحر والتراشق المتبادل فيما بينهم، لتستطيع هذه الأنظمة المناوئة للإسلام أن تمرّر من خلالها مشاريعها السياسية

ص: 6

والعسكرية والاقتصاديّة في العالم الإسلامي .. وإلى غير هذه اللغة والأسلوب دعانا الله تعالى.

لقد اختبر الغرب سياسة(الفتن والتناحر المذهبي فيما بين المسلمين) منذ أيام الاحتلال الإنكليزي لمناطق واسعة من العالم الإسلامي إلى اليوم. ووجد فيها فرصة ذهبيّة لبسط نفوذه في العالم الإسلامي، وورث الأمريكان من الإنكليز هذه السياسة وتمادوا في ذلك، وأمعنوا في استخدامها.

دعاة الاعتصام بالله واللقاء:

وقد عرف علماء عاملون صالحون ومصلحون من السنّة والشيعة هذا المنهج السياسي الذي سلكه الإنكليز أمس، ويسلكه الأمريكان اليوم، وعملوا على مكافحة هذه السياسة وإحباطها، وعَمِلوا على إزالة جدار الفصل الطائفي، وإشاعة ثقافة التقريب والوحدة بين المسلمين، ودعوا إلى اللقاء والتفاهم في المسائل الفقهية والعقائدية، وتوحيد الموقف السياسي مثل: السيد حسين البروجردي من إيران، والشيخ

ص: 7

محمود شلتوت من مصر، والسيّد عبد الحسين شرف الدين من لبنان، والإمام الخميني من إيران(القائد الراحل للثورة الإسلامية)، والشيخ حسن البنا من مصر مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ومرشد هذه الجماعة، والشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء من العراق، والسيد عليّ الخامنئي(قائد الثورة الإسلامية) من إيران، والسيد علي السيستاني من العراق، وآخرون من أعلام المسلمين المعاصرين، رحم الله الماضين منهم، وحفظ الباقين.

وكان من نتائج هذه الحركة المباركة قيام مشاريع ومؤسسات ثقافية وسياسية للدعوة إلى التقريب في القاهرة وإيران ولبنان والعراق وأفغانستان وباكستان والهند وغيرها من بلاد العالم الإسلامي، وأقاموا لهذه الغاية مؤتمرات ولقاءات ومشاريع سياسية وثقافية.

وقد أفلحت هذه الدعوة، وحققت أهدافها، وكلّلها قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، بقيادة الإمام الخميني/،

ص: 8

وانتصار حزب الله في لبنان على إسرائيل، مرتين خلال فترة قصيرة، وقد استقطب هذان الحدثان وغيرهما مشاعر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، والتقى المسلمون على إختلاف مذاهبهم في الإحتفاء بهذين الحدثين، وتعاطفوا معهما، كما تعاطف المسلمون جميعاً مع انتفاضة الحجارة والمقاومة الإسلامية المسلحة في فلسطين، ووجدوا فيهما النهج الإسلامي الصحيح لإزالة الاحتلال من فلسطين.

وكانت هذه اللقاءات والمشاريع تتكرّر، وتتلاقح في العالم الإسلامي، وتوحّد صفوف المسلمين ومواقفهم ومشاعرهم.

عودة المشاريع الاستكبارية في إثارة الفتنة بين المسلمين:

فأحسَّ بذلك الإستكبار الأمريكي وإسرائيل والأنظمة المناوئة للإسلام، من جانب، والأنظمة الحاكمة المرتبطة بعجلة الإستكبار في العالم الإسلامي، من جانب آخر، ووجدوا فيها خطراً كبيراً على مصالحهم، وعلموا أن هذه الأُمّة الكبيرة إذا

ص: 9

اتّحدت ووحّدت مواقفها السياسية، فسوف لا يبقى لهم موضع قدم في العالم الإسلامي.

فبدأت هذه الأنظمة بالتخطيط لإحباط المشروع التقريبي الوحدوي الإسلامي، وإحتضان مثيري الفتنة المذهبية بين المسلمين، وظهرت كتب، وصحف، وفضائيات، وخطابات، ومؤتمرات، ولقاءات، تروّج للفتنة والتراشق بين المذاهب الإسلامية، وتدعوا إليها، وتعمل على إشاعتها في كلّ مكان، وكانت هذه الأنظمة في الغرب وفي العالم الإسلامي تموّل هذه الدعوات والمشاريع الطائفية، وتحتضنها، وتوظف لها محطّاتها الإعلامية.

وفي كلّ بناء وهدم: البناء شاق عسير، والهدم سهل يسير.

وقد وجدت هذه الأنظمة في أعمال التخريب التي يقوم بها دعاة الفتنة والتقاطع والخلاف بين المسلمين، الأداة المفضّلة لها لإحباط المشاريع الوحدوية والتقريبية التي نهض بها دعاة الإصلاح في العالم الإسلامي من السنّة والشيعة، ووجدوا في

ص: 10

ذلك أُسلوباً سهلًا مريحاً لمصادرة جهود العاملين والمصلحين في العالم الإسلامي في التقريب والتوحيد.

وآخر ما قرأناه في هذا السياق، مقابلة أجرتها صحيفة(المدينة) مع الأستاذ الشيخ محمد بن سليمان البراك عضو هيئة التدريس بجامعة أُم القرى وكلية الدعوة وأُصول الدين، قسم الدعوة والثقافة الإسلامية، يوجه فيها طائفة من الاتهامات لشيعة أهل البيت: جزافاً، ومن دون استناد إلى دليل علمي، وفي طرح غير علمي لا يناسب المواقع العلمية التي يحتلها صاحب المقابلة.

وليس لنا أن نتهم كاتب المقال بنية الإثارة والفتنة والتخريب، ولكن المقال يقع في هذا السياق بالتأكيد، حتى لو لم يقصد صاحبه ذلك.

وفيما يلي نتوقف عند نقاط الإتّهام التي يذكرها الشيخ البراك في مقابلته، ونناقشها بإيجاز واختصار، إن شاء الله.

ص: 11

ضوابط التقريب

يقول البراك: «الكل ينادي بالتقريب بين المذاهب، خاصة مع الشيعة ونبذ الخلافات، فهل يترك الأمر على إطلاقه أم لابد من ضوابط ينبغي أن تراعى في هذا التقريب؟)

أقول: هذا كلام صحيح، لا يرتاب فيه أحد. ودعاة التقريب من الشيعة والسنة لا يدْعون إلى تقريب من دون ضوابط ولا أُصول.

ولكن ماهي هذه الأُسس والضوابط؟

ص: 12

يقول البراك: «وقد تقدم أن أساس الوحدة والتقارب هو القرآن والسنة ثم فهم الصحابة لهما، وكل هذه الأُسس يخالف فيها الشيعة بقية المسلمين».

ومعنى ذلك: أن أُسس التقريب ثلاثة، الكتاب والسنة، وفهم الصحابة للكتاب والسُنة ..

والشيعة يخالفون أهل السنة في الثلاثة جميعاً ...

أقول: أما افتراؤه على شيعة أهل البيت: بأنهم يخالفون أهل السنة في حجية الكتاب والسنة فحسابه مع الله، يحاسبه على هذا الافتراء العريض لأُمة من المسلمين، يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويعملون بالكتاب والسنة، ويتلون القرآن ويدعون إليه، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

وأما الأساس الثالث للتقريب والوحدة وهو: فهم الصحابة للكتاب والسُنّة.

فلابدّ أن نتوقف عنده بعض الوقت، ونسأله عن دليل

ص: 13

حجية فهم الصحابة للكتاب والسُنّة، كما يقول البراك، ولا أقول روايتهم، فإنّ روايتهم عن رسول الله(ص) عندنا مقبولة، ونأخذ بها إذا كان الصحابي عَدْلًا. ولم تثبت عندنا عدالة الصحابة جميعاً. ونحن نشترط في صحة الرواية عدالة الراوي.

ونحن نعتقد ونقول بحجية خبر الواحد، فلا نتوقف عند قبول رواية الصحابة، إذا ثبتت عدالتهم رحمهم الله ورضى عنهم.

وأما الذي نتوقف عنده ونتساءل عنه، فهو حجية رأيهم، في فهم الكتاب والسنة، وهو الأساس الثالث للوحدة والتقريب بين المسلمين في كلام البراك.

فأقول: إن رأي الصحابة في الكتاب والسنة لا يزيد على أن يكون اجتهاداً منهم في فهم الكتاب والسنة ... ولا نشك أنّ في الصحابة مجتهدين.

ولكن لماذا نحصر الاجتهاد في فهم الكتاب والسنة في الصحابة فقط؟

ص: 14

ولماذا نغلق أبواب الاجتهاد في فهم الكتاب والسنة على أنفسنا؟

وهل هناك من دليل من الكتاب والسنة في حظر الاجتهاد على الآخرين من دون الصحابة؟

ثم ماذا نفعل عند ما يختلف صحابيان في فهمهما للكتاب والسنة؟ فبأي رأي من الرأيين نعمل؟

لقد اختلف الصحابيان، أبوذر وعثمان بن عفان في منهج التصرف بأموال بيت المال، فكان يرى الخليفة أنّ من حقه أن يبرَّ بأموال بيت المال أهله وعشيرته من بني أمية أمثال مروان بن الحكم وآل الحكم وأبي سفيان والوليد وغيرهم، وكان أبوذر/ ينكر عليه ذلك ... وقد نفاه معاوية من الشام ونفاه عثمان من المدينة، ومات في المنفى رحمه الله فأيَّ رأي نأخذ؟

وإذا اختلف الصحابيان عبدالله بن مسعود والخليفة عثمان بن عفان، فألقى ابن مسعود مفاتيح المال، عندما طلب منه الوليد بن عقبة أن يطلق يديه في أموال بيت المال، فامتنع عليه

ص: 15

ابن مسعود، وغضب عليه الخليفة فاستدعاه إلى المدينة، وأمر بضربه في المسجد ضرباً مُبرّحاً، وأُخرج من المسجد، لأنه امتنع عن أن يدفع إلى الوليد بن عقبة ما يشاء من بيت المال.

فبرأي مَن نأخذ، برأي ابن مسعود أم برأي الخليفة، وهما صحابيان، لا نشك في ذلك؟

وقد اختلف عمار بن ياسر والخليفة في بعض تصرفاته ببيت المال، فأمر الخليفة بضربه حتى أغمى عليه، فبرأي مَن نأخذ؟

بل لا نشك أن فهم الشيخين أبي بكر وعمر كان يختلف عن فهم الخليفة عثمان بن عفان للكتاب والسنة بخصوص بيت المال، وحق ولي الأمر في التصرف فيه؛ فبأي رأي نأخذ، رأي عثمان أم رأي الشيخين قبله؟

وإذا تقاتل الصحابة، فكان علي(ع) وجمع كبير من أصحاب رسول الله(ص) في جانب، وطلحة والزبير وأُم المؤمنين عائشة وجمع من الصحابة في جانب آخر، فبأي هدى نأخذ؟

ص: 16

وتقاتل عليّ(ع) أميرالمؤمنين، ومعه جمع كبير من أصحاب رسول الله(ص) ... و معاوية وعمرو بن العاص، وهما كانا من أصحاب رسول الله 9، ومعهم عبدالله بن عمرو بن العاص تقاتلوا طويلًا، وذهب جمع غفير من المسلمين من أصحاب القبلة شهداء وقتلى في هذا القتال.

فبرأي أيهم نأخذ؟

وعرض عبدالرحمان بن عوف الخلافة على علي أمير المؤمنين(ع) يوم الشورى، فقال: «أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر».

فقال علي 7: «بل على كتاب الله وسنة رسوله واجتهاد رأيي».

فعدل عبدالرحمان بن عوف عنه إلى عثمان فقبل عثمان بالشرط.

إذن لعليّ(ع) رأي في الكتاب والسنة يختلف عن رأي الشيخين، ويرفض الإمام(ع) الخلافة بعرضها العريض، ولا

ص: 17

يستجيب لهذا الشرط الذي شرطه عليه عبدالرحمان بن عوف.

وقد أمر معاوية بقتل عمرو بن الحمق الخزاعي، الذي أبلته العبادة صبراً، وكان رأسه أول رأس حُمل في الإسلام، وأمر بقتل حجر بن عدي الكندي صبراً، وكانا من فضلاء الصحابة رحمهما الله، قتلهما معاوية وقتل أصحابهما لأنهما لم يسبا عليّاً 7.

فبهدى من نقتدي، بهدى القاتل أم بهدى المقتول!!؟

إنّ هذه الأسئلة بحاجة إلى الإجابة، ولا نطالب البراك بالجواب، ولا نريد أن نخوض معه في هذا الأمر.

ولكنّا نقول له رأينا في ذلك، وله أن يقبل، وله أن لا يقبل.

وهو أن رسول الله(ص) عيّن من بعده أهل بيته: مرجعاً للأمة لفهم الكتاب والسنة، ولشرح المجمل منهما، وتوضيح ما كان يحتاج منهما إلى توضيح وشرح وتفسير.

فقد روى أصحاب الصحاح والمسانيد عن رسول الله(ص) أنه قال، واللفظ للترمذي في صحيحه: «إنّي تركت فيكم، ما إن

ص: 18

تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما».

أخرجه(الترمذي) في الصحيح و(النسائي) و(الأمام أحمد في مسنده) و(الطبراني) و(الحاكم) و(مسلم في الصحيح) و(ابن سعد) ورواه(السيوطي) والمتقي في(الكنز) وابن حجر في(الصواعق) وغيرهم من الحفاظ والمحدثين وحملة الحديث النبوي، ولا طاقة لنا بإحصائهم في هذه العجالة .. وجملة من طرقه صحيحة، وناهيك أن(مسلم) و(الترمذي) ممّن أخرج هذا الحديث عن رسول الله(ص)، في صحيحيهما.

كما صحَّ عن أهل البيت:: أن ما يذكرونه في تفسير الكتاب والسنة وتوضيحها وشرح ما كان مجملًا منهما، وما يذكرونه من حكم إنما هو من حديث رسول الله 9، وليس شأنهم في ذلك شأن المجتهدين الذين يجتهدون في الكتاب والسنة.

ص: 19

والأحاديث عنهم: متواترة في هذا المعنى، وطرقها صحيحة و لا مجال للتشكيك في هذا ولا ذاك.

نحن لا ندعو البراك إلى قبول هذه الحقيقة التي صح فيها الحديث عن رسول الله 9، ولا نجعلها أساساً للوحدة، ولا نرفض الوحدة مع مَن يخالفنا في ذلك.

ولكنني أتساءل هل يجوز أن نجعل الرجوع إلى رأي الصحابة واجتهادهم أساساً للتقريب، ونرفض التقريب مع الذين يأخذون بحديث أهل البيت: في فهم الكتاب والسنة؟ ولماذا؟

ص: 20

إتباع الكتاب والسنّة

اشارة

يقول(البراك) في مقابلته، ويكرّر أكثر من مرّة،: أن الشيعة يخالفون الكتاب وسنّة رسول الله(ص) ويقول البراك: «إن الرافضة من أبعد الناس عن الحقّ وأكثرهم مخالفة للكتاب والسنة».

ولا أُريد أن أسهب في هذا الموضوع في هذا المقال، فلم أكتب المقال ليكون بحثاً علميّاً، وإنّما كتبته للتنبيه على مواضع الخطر في الثقافة والإعلام، والصحافة المعاصرة في العالم الإسلامي.

ص: 21

وفقهاء الشيعة- من دون استثناء- منذ أصحاب أمير المؤمنين عليّ(ع) إلى اليوم يصرحون بأن مصادر الفقه هي الكتاب وسُنّة رسول الله(ص)(وحديث أهل البيت من حديث رسول الله(ص) وفي امتداده) والإجماع (1).

وأما العقل فقد اختلفت فيه كلمات فقهاء الشيعة بين المدرستين الأُصولية والأَخبارية.

ولا خلاف بين فقهاء الشيعة في ما عدا ذلك.

وليس معنى حجية الكتاب إلغاء القواعد التي يذكرها المفسّرون والفقهاء وعلماء الأُصول في تفسير كتاب الله، و إلغاء المنهج العلمي لفهم آيات القرآن الكريم.

وليس معنى حجية السنّة تصديق كل رواية من أي راوٍ في أي كتاب، وإنّما يؤصّل العلماء لقبول الرواية أُصولًا معروفة في إسناد الرواية إلى رسول الله(ص) وأُصولًا معروفة في دلالة الرواية.


1- تختلف المدرسة الأَخبارية عن المدرسة الأُصولية عند الشيعة في حجيّة الإجماع اختلافاً يسيراً، لا تمسّ جوهر المسألة التي نشير إليها.

ص: 22

فإذا صحت الرواية من حيث الإسناد، وتمّت من حيث الدلالة، فلا يتردد فقيه شيعي أو سنّي في التمسك بالرواية.

وليس معنى هذا الكلام أن يتفق فقهاء الشيعة وعلماؤهم مع غيرهم من الفقهاء والعلماء في قواعد الجرح والتعديل، في إسناد الرواية، أو القواعد الأُصولية المعروفة في دلالة الرواية ... فإنّ بين علماء الجرح والتعديل وعلماء الأُصول من أهل السنة أنفسهم، من الاختلافات في ذلك أكثر ممّا هو قائم بين فقهاء الشيعة والسنّة، أو مثله على الأقل.

وإذا تمّت هذه الحقائق، وهي تامّة، فأنا أتحدّى(البراك) أن يذكر لي فقيهاً من فقهاء الشيعة أو عالماً من علمائهم، يعترفون به، قد خالف آية من القرآن الكريم ورفض أن يأخذ بها، أو خالف حديثاً واحداً من أحاديث رسول الله(ص) صح صدوره عن رسول الله(ص) وتمت دلالته.

وأتحدّاه أن يذكر لنا أمراً واحداً أجمع عليه فقهاء المسلمين جميعاً أو علماؤهم، وخالفه فقيه من فقهاء الشيعة.

ص: 23

الموقف من أُمّ المؤمنين عائشة:

يقول البراك: «ويكفرون عامة الصحابة، وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، ويرمونها بما برأها الله منها».

أقول: لا أعرف كلاماً أسوأ من هذا الكلام في الاستهانة بحرمات المسلمين، واستسهال الافتراء عليهم، ورميهم بما يتبرءون منه.

إنّ إتهام الشيعة بأنهم يرمون أُم المؤمنين عائشة، لا يقل إثماً وإفكاً وشناعة عن الذين نسبوا الإفك إلى أُم المؤمنين عائشة من المنافقين يومذاك.

وها هو ذا بين يدي الباحثين والعلماء اليوم ما يقرب من مأة تفسير لعلماء الشيعة مطبوع رائج في الأسواق، ويسهل اليوم الاطلاع على الكثير منها بواسطة أجهزة الحاسوب بأيسر جهد ... فهل تجدون في تفسير واحد من التفاسير الكثيرة التي كتبها علماء الشيعة المعتمدون في تفسير الآيات

ص: 24

1(ره)- 9(ره) من سورة النور، شيئاً مما يقوله البراك في نسبة هذا الإفك إلى شيعة أهل البيت:؟

نعم، نحن لا نتساهل في أمر خروجها على أمير المؤمنين(ع) في حرب الجمل، ولا نصححه، ولا نقول: إنها اجتهدت فأخطأت، كما يقول بعضهم.

الموقف من أصحاب رسول الله (ص):

قرأنا للبراك في النص المتقدم أن الشيعة: «يكفّرون عامة الصحابة وفي مقدمتهم أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة رضي الله عنهم».

أقول: إنّ الشيعة بُرَءاء من هذا الإتهام والإفتراء، وليس من رأينا، ولا رأي أحد من المتقدمين من علماء الشيعة المتقدمين منهم والمتأخرين منهم تكفير أحد من الصحابة، فضلًا عن عامّتهم، كما يقول البراك. ولا ننفي هذه النسبة عن بعض الغلاة من فرق الشيعة، غير أننا لا نقول بقولهم، ولا نقرّهم على ذلك، ولسنا منهم في شي ء.

ص: 25

ولكننا لا نقول بعدالة الصحابة جميعاً، كما يقول البعض، وفي أصحاب رسول الله(ص) من لا نتردّد في نفي العدالة عنه، مثل معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، ولا نأخذ بروايتهم ولا درايتهم.

وأما حديث الارتداد بعد رسول الله 9، فقد ورد في صحاح أهل السنة ومسانيدهم أكثر مما ورد في كتبنا ورواياتنا، ونحن نشير إلى بعض مواضع هذه الروايات في الصحاح الثلاثة المعتمدة عند أهل السنة(صحيح البخاري وصحيح مسلم وصحيح الترمذي) ومستدرك الحاكم على الصحيحين ولك أن تتأكد من صحة هذه العناوين بأيسر جهد.

1- صحيح البخاري، كتاب الفتن باب 1- ح 7049 لتسلسل العام، ط دار الفكر.

2- صحيح البخاري، نفس الباب ح 7050 و 7051 التسلسل العام ط دار الفكر.

3- صحيح البخاري، التسلسل العام 3349، دار الفكر.

ص: 26

4- صحيح البخاري ح 3447 من التسلسل العام.

5- صحيح البخاري رقم 6576 من التسلسل العام.

6- صحيح البخاري باب كيف الحشر، رقم 6526 من التسلسل العام.

7- صحيح البخاري ح رقم 6582 و 6583 من التسلسل العام.

8- صحيح مسلم 57(ره): 8، كتاب الجنة وصفة نعيمها، دار الفكر.

9- المستدرك على الصحيحين 2: 447 ط دار المعرفة، بيروت.

10- صحيح الترمذي 322: 5 ح رقم 3167(التسلسل العام) ط مصطفى البابي الحلبي.

ونصوص أُخرى كثيرة بهذا المعنى وردت في صحاح أهل السنّة، كما ورد في كتب الشيعة، فما فسّرتم به تلك النصوص ففسّروا به النصوص التي وردت في كتب الشيعة ... أما نحن

ص: 27

فنتبرّأ من القول بتكفير أصحاب رسول الله(ص) وزوجاته أُمّهات المؤمنين، كما يقول البراك ...

وفيما يلي أذكر شطراً من دعاء الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع) لأصحاب رسول الله(ص) وهو الإمام الرابع من أئمة أهل البيت:، الذين يتّبعهم شيعة أهل البيت: ويوالونهم.

يقول 7، كما في الصحيفة السجادية(الدعاء الرابع):

«اللهم وأصحاب محمّد [ص] خاصة، الذين أحسنوا الصحابة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه، وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له. حيث أسمعهم حجّة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوّته، وانتصروا به، ومن كانوا منطوين على محبّته، يرجون تجارةً لن تبور في مودّته، والذين هجرتهم العشائر، إذ تعلّقوا بعروته ... فلا تنسَ لهم اللهم ما تركوا لك وفيك، وارضِهم من رضوانك ... واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، وخروجهم من سعة

ص: 28

المعاش إلى ضيقه.

اللهمّ وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِاخْوَانِن ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ... (1)، خير جزائك ....

اللهمّ وصلّ على التابعين من يومنا هذا إلى يوم الدين، وعلى أزواجهم وذرياتهم، وعلى من أطاعك منهم، صلاة تعصمهم بها من معصيتك، وتفسح لهم في رياض جنتك، وتمنعهم بها من كيد الشيطان، وتعينهم بما استعانوكَ عليه من بر ...». إلى آخر الدعاء.

وهذا الذي يقوله الإمام زين العابدين(ع) هو رأينا ودعاؤنا لأصحاب رسول الله(ص) الذين أحسنوا الصحبة والإتباع، وللتابعين لهم بإحسان، ولا نختلف في رأينا ومواقفنا عن رأي أهل البيت: وموقفهم.


1- الحشر: 10.

ص: 29

السبّ:

وأما مسألة(السبّ) فليس من ثقافتنا، وقد سمع أميرالمؤمنين(ع) قوماً من أصحابه يسبّون أهل الشام، قُبيل حربهم بصفّين، فقال: «إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إياهم: أللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به». (1) ولكنّ معاوية بن أبي سفيان وضع في الإسلام أساس هذه(البدعة) وأمر الناس بسبّ عليّ(ع) في العراق والشام، كما يقول أبو عثمان الجاحظ، وخطب الخطباء بذلك على منابر الإسلام، وصار ذلك سنة في أيام بني أمية إلى أن قام عمر بن عبدالعزيز، فأزال ذلك.


1- نهج البلاغة، الخطبة: 206

ص: 30

وقال الجاحظ: إن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: أللهمّ إن أبا تراب ألحد في دينك، وصدّ عن سبيلك فالعنه لعناً وبيلًا، وعذّبه عذاباً أليماً، وكتب بذلك إلى الآفاق، فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر إلى خلافة عمر بن عبدالعزيز (1).

وروى الطبري في حوادث سنة 51 ه-(6: 108 بن الأثير في الكامل(3: 202): أن معاوية استعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة 41 ه-، فلما أمّره عليها دعاه، وقال: «قد أردت ايصاءك بأشياء كثيرة، أنا تاركها اعتماداً على بصرك، ولست تاركاً ايصاءك بخصلة: لا تترك شتم عليّ وذمه، والترحّم على عثمان والاستغفار له، والعيب لأصحاب علي(ع) والاقصاء لهم».

وأمر معاوية سعد بن أبي وقاص بسبّ علي 7، فقال، كما


1- شرح الخطبة السابعة والخمسين من خطب نهج البلاغة في شرح ابن أبي الحديد.

ص: 31

يرويه(مسلم) و(الترمذي) في الصحيح ويرويه(النسائي) في الخصائص العلوية في فضائل علي 7 ... فقال: «ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله(ص) فلن أسبّه؛ ولئنْ تكون لي واحدة منهن أحبّ لي من حمر النعم».

فكان لهذه السياسية الاموية المشؤومة آثار سيئة في تاريخ الإسلام، ولا يزال هذا الجرح الذي أحدثه معاوية في خلافته ينزف دماً إلى يومنا هذا.

نعم، يبقى أن نقول إننا نتبرأ من أعداء آل محمد::، وهو أمر واضح في ثقافتنا، ولا نخفيه. فهل يعيب علينا أحد البراءة من النواصب الذين ينصبون العداء لأهل البيت:، ويعلنون ذلك.

وقد قال رسول الله(ص) يوم جلّل عليّاً وفاطمة والحسن والحسين بالكساء: «أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم وعدوٌ لمن عاداكم».

ص: 32

ذكره ابن حجر في(الصواعق).

وأخرج ابن حنبل في المسند من حديث أبي هريرة: أنَّ رسول الله(ص) نظر إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين، فقال:

«إنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم».

وقال رسول الله(ص): «حرب عليٌ حربي و سلمه سلمي».

ولا حاجة إلى استخراج مصادر هذه الأحاديث فهي معروفة ومشهورة، ولا يسع أحداً يحترم علمه أن ينكرها أو يشكك فيها.

ونحن نتبرأ من الذين ينصبون العداء لأهل البيت:، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً وأمرنا الله بمودّتهم في محكم كتابه.

تنزيه القرآن من التحريف:

يقول البراك بأن الشيعة يقولون بتحريف القرآن، يقول: «علماء الشيعة يقررون أن القرآن محرف».

ص: 33

أقول: قد كثر الكلام في هذه المقولة وفي هذه النسبة الظالمة للشيعة، وقد أعلن الشيعة رأيهم الصريح في تنزيه القرآن من التحريف.

وصرّح بذلك أعلامهم من المتقدّمين والمتأخرين، صرح بذلك:

(ره)- الشيخ الصدوق من متقدّمي محدّثي الإمامية، توفي عام(381 ه-) في(الاعتقادات) ص 59.

2- الشيخ المفيد من متقدّمي الكلاميين والأُصوليين من علماء الإمامية توفي عام(413 ه-) راجع(المسائل السروية) من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد: 7: 84- 82.

3- السيّد المرتضى من متقدّمي فقهاء الإمامية، راجع مقدّمة مجمع البيان في تفسير القرآن.

4- الشيخ الطوسي من كبار فقهاء الإمامية المتقدّمين، ومن كبار المفسرين والمحدّثين منهم، توفي عام(460 ه-)، راجع تفسير التبيان 270: 1- 269.

ص: 34

5- العلّامة الحلّي من فقهاء الإمامية والكلاميين منهم راجع(أجوبة المسائل المهنائية: 121).

6- المحقّق الكركي من كبار فقهاء الإمامية المتأخرين(940 ه-) راجع(التحقيق في نفي التحريف: 16 والبيان: 234).

7- الحر العاملي من المحدّثين الكبار المتأخرين، توفي سنة(1104 ه-) راجع كتاب(الفصول المهمة): 68(ره) له.

8- الشهيد القاضي نور الله التستري/ من كبار الكلاميين المتأخرين للإماميّة استشهد عام(1019) أنظر كلامه في(آلاء الرحمان في تفسير القرآن: 25- 26).

أما المعاصرون فقد كتبوا فصولًا مطوّلة في تنزيه القرآن من التحريف، وأفردوا كتباً ورسائل خاصة، أذكر من ذلك الإمام الخوئي في كتابه «البيان»، أفرد بحثاً بعنوان نفي التحريف عن القرآن، والمحقق البلاغي والعلّامة الطباطبائي في تفسيريهما، والإمام الخميني في أبحاثه الأُصولية، والعلّامة العسكري في

ص: 35

أبحاثه القرآنية، أفرد لهذه المسألة دراسة موسّعة، والعلّامة محمد هادي معرفة خصّ هذا البحث بدراسة موسّعة، والعلّامة الشيخ جوادي الآملي أفرد له كتاباً بعنوان «فصل الخطاب في نفي التحريف عن كتاب رب الأرباب» وغيرهم من علماء الشيعة، عدد كبير لا طاقة لي بإحصائهم في هذه العجالة.

فإذا وجدنا هنا وهناك من علماء الشيعة من يقول بتحريف القرآن، فهو رأي شاذ ينسب إلى صاحبه ...، ولا ينسب إلى الطائفة برمّتها، كما يفعل البراك، ولعلّك إذا راجعت الاتقان للسيوطي(النوع السابع والأربعون) في الناسخ والمنسوخ، والمدونات الحديثية من قبيل صحيحي البخاري ومسلم، ومسند احمد بن حنبل، وسنن النسائي وغير ذلك من المدونات الحديثية عند أهل السنة، تجد بأنهم يقولون بوجود آيات عديدة وكثيرة من القرآن لم يرد لها ذكر في المصحف الموجود مع بقاء حكمها، وأسموها ب- «نسخ التلاوة».

وفي رأينا أن هذه الروايات كلها من الشواذ والروايات

ص: 36

الضعيفة، سواءً وردت في مدوناتنا الحديثية أم مدونات أهل السنة، ويبقى كتاب الله بمنأى من أي زيادة أو نقصان.

ولا أحبّ أن اسهب في هذا البحث أكثر من هذا، فلا يوجد اليوم في مشارق الأرض ومغاربها، وفي القارات الخمسة مصحف غير هذا الذي يتداوله المسلمون اليوم وأمس، عند الشيعة والسنّة، والذي يقول غير ذلك يتحمّل إثم هذا الإفتراء بين يدي الله تعالى والمسلمين.

ولشيعة أهل البيت: ما يقرب من مأة كتاب في تفسير القرآن، فهل وجدتم لعلماء شيعة أهل البيت: تفسيراً لغير هذا المصحف الذي يتلوه المسلمون، شيعة وسنة، ليلًا ونهاراً، ولو كان للشيعة كتاب آخر لبان في هذه التفاسير.

عصمة أهل البيت (عليهم السلام)

اشارة

يقول البراك: «يعتقدون في الأئمة أنّهم يعلمون الغيب ويدبرون الكون، وأنّهم معصومون عن مجرد الخطأ».

أقول: أما علم الغيب ... فإنّ الله تعالى وحده هو عالم الغيب والشهادة، والأئمة: لا يعرفون إلا ما يعلّمهم الله من الغيب والشهود ... ومن دون أن يعلّمهم الله لا يعلمون شيئاً.

وهل يستنكر أحد أن يعلّم الله تعالى بعض أوليائه الصالحين الصدّيقين من أنبيائه وأوصيائهم عليهم السلام،

ص: 37

وعباده الصالحين، ممّا لا يعرفه الآخرون.

وأمّا علمهم بالشريعة وحدودها وأحكامها فعن رسول الله 9، ولم يكونوا من أهل الرأي والاجتهاد، وإنّما يحدّثون الناس بما انتقل إليهم من علم رسول الله كابراً بعد كابر.

آية التطهير:

وأما عصمة أهل البيت: فقد نزلت فيهم آية محكمة من كتاب الله صريحة في عصمتهم وهي الآية 33 من سورة الأحزاب: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِ يُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

وأهل البيت الذين أنزل الله تعالى فيهم يومئذ آية التطهير هم رسول الله(ص) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين:.

وعلى نحو الإجمال اشير في هذه النقطة من الحديث إلى أمرين:

(ره)- إنّ آية الأحزاب واضحة الدلالة على(العصمة).

ص: 38

2- إنّ المقصودين بالتطهير في هذه الآية هم رسول الله(ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين:، الذي جلّلهم رسول الله بالكساء عند نزول الآية الكريمة، وسوف يكون حديثي في هذين الأمرين على نحو الإشارة والإجمال ... فلم يكن قصدي في هذا المقال أن أدخل بحثاً في النقاط التي أثارها الشيخ البراك في مقابلته لصحيفة المدينة وإليك هذين الأمرين:

الأمر الأول: دلالة آية الأحزاب على عصمة أهل البيت:

ودلالة الآية الكريمة تتضح من خلال كلمتين وردتا في آية التطهير:

(ره)- الإرادة الإلهية لتطهير أهل البيت:: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا.

وحصر هذه الإرادة في أهل البيت دون غيرهم إِنَّمَا يُرِيدُ.

ومعنى الآية الكريمة هنا: دلالة هاتين الكلمتين على أنّ الله تعالى يريد التطهير وإذهاب الرجس عن أهل البيت، حصراً،

ص: 39

دون غيرهم.

وهذا هو معنى الحصر، و كلمة «إنّما» من أقوى أدوات الحصر في اللغة العربية.

2- والإرادة في الآية الكريمة تكوينية وليست تشريعية ... إذ لا معنى لحصر إرادة الله تعالى في الشريعة بتطهير أهل البيت: فقط، فإن الله تعالى يريد «بالإرادة التشريعية» تطهير عامّة عباده؛ يقول تعالى:(مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِنْ حَرَج وَلكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (1).

إذن فلا تكون هذه الإرادة الإلهية بتطهير أهل البيت عليهم السلام حصراً، إلا إرادة تكوينية لا غير، فإن الله تعالى يريد بتشريع الدين تطهير عامة الناس، ولا يمكن أن يخصّص أهل البيت به دون غيرهم. لأنّ تشريع الدين، الذي هو تطهير الناس، لعموم الناس وليس لفئة خاصة من الناس.


1- المائدة: 6.

ص: 40

3- وإذا أراد الله تعالى شيئاً بالإرادة التكوينية، فلا يمكن أن يتخلّف مراده تعالى عن إرادته. يقول تعالى:

إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (1).

فلا يمكن أن يتخلّف ما يريده الله تعالى عن إرادته، بخلاف الإرادة التشريعية، فإنّ الله يريد للناس جميعاً الإيمان، والتقوى والصدق، والأمانة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وكثير من الناس يتخلفون عمّا يريده الله تعالى لهم من الإيمان والتقوى والصلاح.

4- وعليه فلابدّ من أن يتحقق الطُهر ويَذْهبُ الرجسُ من أهل البيت:، ولا يمكن أن يصدر عن أهل البيت: ما ينافي هذا الطُهر الذي أراده الله تعالى لهم، ولا يمكن أن يصدر منهم رجس(مطلقاً) في الأفعال والأقوال ونيّات القلوب بعد أن أذهبه الله تعالى عنهم: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.


1- يس: 82.

ص: 41

وهذا هو معنى العصمة: امتناع صدور الرجس والذنب عن المعصوم (1).

الأمر الثاني: مَن هم أهل البيت؟

من هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً؟

إختلفت كلمة الأعلام في تحديد أهل البيت:.

فقيل: هم زوجات رسول الله(ص) حصراً، دون الذين جمعهم رسول الله(ص) تحت الكساء، وهو قول لعكرمة وكان ينادي به في الأسواق.

وقيل: زوجات رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن


1- ولا يسعنا المقام أن نجيب على الاعتراض الذي يمكن أن يخطر على بال الإنسان، وهو أن تقوى المعصومين وصلاحهم وعدالتهم على هذا التفسير يكون بإرادة من الله تعالى وليس بإرادتهم، لأنّ الله تعالى أراد لهم ذلك، فلا يستحقون الثواب، كما يستحق غيرهم الثواب على صلاحهم وتقواهم وعدالتهم، لأن التقوى لم يتم بإرادتهم وإنّما بإرادة الله.أقول: لا يسعني الجواب على هذا السؤال فعلًا، وقد فصّلت الجواب عنه في كتاب(آية التطهير) بصورة مفصّلة، كما أجاب عنه آخرون من أعلام الإمامية الذين فسّروا هذه الآية المباركة.

ص: 42

والحسين:.

وأضاف إليهم بعضهم بني العبّاس وبني جعفر.

ولكن الذي نفهمه نحن من الروايات الصحيحة العديدة هو أن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس هم رسول الله 9، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين،:.

وهم الذين أدخلهم رسول الله تحت الكساء، وقال: «أللهمّ هؤلاء أهل بيتي»، كما نقرأ ذلك فيما انتقيناه من الروايات في هذا الباب، باتفاق أهل القبلة، كما يقول المحقق السيّد عبدالحسين شرف الدين: وهم الذين خرج بهم رسول الله(ص) لمباهلة نصارى نجران، باتفاق المحدّثين والمفسرين وأرباب السِيَر.

وفيما يلي نستعرض نماذج من هذه الروايات الحاصرة لأهل البيت: في الخمسة الذين أشرنا إليهم، عليهم الصلاة والسلام، وهم المعروفون ب-(أهل الكساء) إشارة إلى الكساء الذي جلّلهم رسول الله(ص) به.

ومن أراد التفصيل في الروايات الحاصرة لأهل البيت:

ص: 43

فعليه بمراجعة تفسير «الدر المنثور» لأبي بكر عبدالرحمن بن محمّد، جلال الدين السيوطي(ت 11(ص) ه-) في تفسير آية التطهير، في الجزء الخامس من تفسيره، و «جامع البيان» في تفسير القرآن لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري(ت 310 ه-) في تفسير آية التطهير في الجزء 22 من تفسيره، والمراجع الأخرى في تفسير هذه الآية الكريمة.

وإليك النماذج التي اخترناها لك:

روى الحاكم في كتابه «المستدرك على الصحيحين» عن عبدالله بن جعفر ابن أبي طالب أنّه قال: «لما نظر رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى الرحمة هابطة قال: «أدعوا لي، ادعوا لي»، فقالت صفيّة: مَن يارسول الله؟ قال: «أهل بيتي عليّاً وفاطمة والحسن والحسين»، فجي ء بهم فألقى عليهم النبي صلّى الله عليه وآله كساءه ثمّ رفع يديه ثمّ قال: «أللّهمّ هؤلاء آلي فصلّ على محمّد وآل محمّد» وأنزل الله عزّ وجلّ: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ

ص: 44

وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

قال الحاكم «هذا حديث صحيح الإسناد» (1).

وروى كلّ من الطبري وابن كثير في تفسيريهما والترمذي في صحيحه والطحاوي في(مشكل الآثار) واللفظ للأوّل: عن عمر بن أبي سلمة، قال:

«نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله في بيت أُمّ سلمة إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ ... فدعا حسناً وحسيناً وفاطمة فأجلسهم بين يديه، ودعا عليّاً فأجلسه خلفه، فتجلّل هو وهم بالكساءِ ثمّ قال: «هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» (2)

).

وفي رواية ابن عساكر بعده: «قالت أُمّ سلمة: إجعلني معهم، قال رسول الله 9: «أنتِ بمكانك، أنتِ على خير».


1- مستدرك الحاكم على الصحيحين 147: 3- 148.
2- صحيح الترمذي في تفسير آية التطهير من سورة الأحزاب، وتفسير ابن كثير 485: 3 في تفسير آية الأحزاب وتفسير الطبري 6: 22.

ص: 45

وفي حديث واثلة بن الأسقع وأُمّ سلمة.

«أجلس عليّاً وفاطمة بين يديه، والحسن والحسين، كلّ واحد منهما، على فخذه أو في حجره»، كما رواه عن واثلة، الحاكم في مستدركه وقال: «صحيح على شرط الشيخين»، والهيثميّ في «مجمع الزوائد».

وفي تفسير الآية في «الدرّ المنثور» للسيوطي عن أبي سعيد قال:

كان يوم أُمّ سلمة أُمّ المؤمنين فنزل جبريل(ع) بهذه الآية: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ... قال: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله بحسن وحسين وفاطمة وعليّ فضمّهم ونشر عليهم الثوب، والحجاب على أُمّ سلمة مضروب، ثم قال: «أللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، أللهمّ اذهب عنهم الرجس، أهل البيت، وطهّرهم تطهيراً» قالت أُمّ سلمة: فأنا معهم يا نبيّ الله؟ قال: «أنتِ على مكانك وأنتِ على خير» (1).


1- تفسير آية التطهير بتفسير الدرّ المنثور للسيوطي 198: 5.

ص: 46

وفي تفسير الطبري- أيضاً- عن أُمّ سلمه، قالت:

فاجتمعوا حول النبيّ(ص) على بساط، فجلّلهم النبيّ بكساء كان عليه ثم قال: «هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً»، فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط، قالت: فقلت: يا رسول الله! وأنا؛ فوالله ما أنعم، وقال: «إنّكِ إلى خير» (1).

وفي تفسير الطبري وذخائر العقبى للمحبّ الطبري، واللفظ للأوّل عن أبي سعيد الخُدري قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «نزلت هذه الآية في خمسة، فيَّ وفي عليّ وحسن وحسين وفاطمة» إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (2) (3).


1- تفسير آية التطهير من تفسير الطبري(ع): 22.
2- الأحزاب: 33.
3- تفسير الطبري تفسير آية التطهير 5: 22 وذخائر العقبى للمحبّ الطبري: 24 والدّر المنثور 98(ره): 5.

ص: 47

وفي «مجمع الزوائد» للهيثمي عن أبي سعيد الخُدري:

«أهل البيت الّذين أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فعدّهم في يده، فقال: خمسة: رسول الله(ص) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين:» (1).

ملاحظات على الروايات الشارحة لآية التطهير

1- يبدو أنّ رسول الله(ص) كان حريصاً على تحديد وتشخيص عنوان «أهل البيت» الذي نزل فيه قرآن من الله تعالى، والمنع عن استعمال هذه الكلمة في غير أهله، ومن إدخال مَن ليس منهم فيهم.

فكان(ص) يشخصّهم بأسمائهم كما في رواية عبدالله بن جعفر:

«فيقول(ص) ادعوا لي ادعوا لي، فتقول صفية: من؟ فيقول 9: «أهل بيتي عليّاً وفاطمة والحسن والحسين»، ثم يؤكّد(ص) هذا الحصر والتشخيص بقوله: «أللّهمّ هؤلاء آلي، فصلّ على محمّد


1- مجمع الزوائد للهيثمي 65(ره): 5- 67(ره) باب فضائل أهل البيت.

ص: 48

وآل محمّد»، فينزل الله فيهم قرآناً محكماً: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ، أَهْلَ الْبَيْتِ، وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا (1).

ولا يخفى ما في هذه الكلمة: «أللّهمّ هؤلاء آلي» من الدلالة على حصر أهل البيت: فيهم، ونفيه عن غيرهم، لكلّ من عرف أساليب العرب في الكلام.

2- وإمعاناً في تشخيصهم وتحديدهم يحصرهم(ص) تحت كساء، كما في رواية أُمّ سلمة رحمها الله:

«دعا رسول الله حسناً وحسيناً وفاطمة، فأجلسهم بين يديه، ودعا عليّاً فأجلسه خلفه، فتجلّل هو وهم بالكساء، ثم قال: هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً» (2).

وهذا أبلغ ما يكون في الحصر، فكأنّما أراد رسول الله(ص) أن


1- برواية الحاكم في مستدرك الصحيحين كما يأتي.
2- برواية الطبري، وابن كثير، في تفسيرهما، والترمذي في صحيحه، والطحاوي في مشكل الآثار.

ص: 49

يقطع على كل أحد عذر الالتباس، فيتجاوز دلالة الكلام بحصرهم تحت كساء واحد، ليكون أبلغ في الحصر، وأقوى في الدلالة.

3- وتتمنى أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة(رحمها الله) التي نزلت الآية الكريمة في بيتها، أن تكون هي من أهل البيت، بعد أن جمع رسول الله(ص) عليّاً وفاطمة والحسن والحسين، واجتمع بهم تحت الكساء وقال:

«أللهمّ هؤلاء أهل بيتي، أذهِبْ عنهم الرجس، أهل البيت، وطهّرهم تطهيراً».

فتقول أُمّ سلمة لرسول الله 9:

«فأنا معهم يا نبيّ الله؟».

فيقول(ص) لها:

ص: 50

«أنتِ على مكانِكِ، وأنتِ على خير» (1).

فلا ينفي(ص) أنّها رحمها الله على خير، ولكن ينفي أن تكون من «أهل البيت» وهي زوجته ومن أُمّهات المؤمنين.

ولا يبقى بعد ذلك- والرواية صحيحة- مجال في إدخال أُمّهات المؤمنين في عداد المقصودين بأهل البيت:، في هذه الآية الكريمة، بعد النفي الصريح القاطع من رسول الله(ص) لدخول أُمّ سلمة رحمها الله، وهي من زوجات رسول الله(ص) ومن أُمّهات المؤمنين فيهم.

4- ثم يصرّح رسول الله(ص) في ذلك تصريحاً لا يترك لأحد شكّاً بعده، فيقول(ص):

«نزلت هذه الآية في خمسة: فيَّ، وفي عليّ، وحسن وحسين وفاطمة» (2).

فهل يبقى لأحد شكّ، بعد هذا البلاغ النبوي الصادع في


1- رواها السيوطي في الدرّ المنثور، عن أبي سعيد.
2- رواها الطبري في التفسير، والمحب الطبري في ذخائر العقبى، عن أبي سعيد رحمه الله، ورواها ابن كثير في التفسير 485: 3.

ص: 51

المقصود من «أهل البيت» في عصر نزول الآية الكريمة.

وهل يشكّ أحد بعد كلّ هذا الايضاح أنّ الآية الكريمة لم تشمل حين نزولها غير أُولئك الخمسة الطاهره: رسول الله 9، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين(:).

يقول الإمام شرف الدين/:

«وقد إجتمعت كلمة أهل القبلة من أهل المذاهب الإسلامية كلّها على أنه(ص) لمّا نزل الوحي بها- بآية التطهير- عليه، ضمّ سبطيه وأباهما وأُمّهما إليه، ثم غشّاهم ونفسه بذلك الكساء، تمييزاً لهم عن سائر الأبناء والأنفس والنساء، فلمّا انفردوا تحته عن أُسرته كافّة، واحتجبوا به عن بقية أُمّته بلّغهم الآية، وهم على تلك الحال، حرصاً على أن لا يطمع بمشاركتهم فيها أحد من الصحابة والآل، فقال مخاطبهم، وهم في معزل عن الناس كافّة: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

فأزاح(ص) بحجبهم في كسائه حينئذ حجب الريب، وهتك

ص: 52

سدف الشبهات، فبرح الخفاء بحكمته البالغة، وسطعت أشعة الظهور ببلاغه المبين، والحمدلله رب العالمين» (1).

5- وإمعاناً في تحديد «أهل البيت» في الخمسة الذين نزلت فيهم الآية الكريمة، ونفي غيرهم، وإعلاماً للأُمة بما لا يقبل الشكّ والتأويل بأهل البيت وعددهم في عصر نزول الآية الكريمة، أخذ رسول الله(ص) يتلو هذه الآية الكريمة كل يوم على باب بيت الزهراء 3، حيث يجمع عليّاً والزهراء والحسنين:، بمرأى ومسمع من المسلمين.

عن أبي برزة، قال:

«صلّيت مع رسول الله(ص) سبعة عشر شهراً، فإذا خرج من بيته أتى باب فاطمة عليها السلام فقال: الصلاة عليكم إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ، أَهْلَ الْبَيْتِ، وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (2).


1- الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء، للإمام شرف الدين، المطبوع في كتاب(الفصول المهمة): 204- 205.
2- رواها في مجمع الزوائد.

ص: 53

وعن ابن عبّاس، قال:

«شهدت رسول الله(ص) تسعة أشهر يأتي كل يوم باب عليّ بن أبي طالب عند وقت كلّ صلاة، فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهل البيت إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً كل يوم خمس مرات» (1).

وعن بن أنس بن مالك:

«صلّيت مع رسول لله(ص) سبعة عشر شهراً، فإذا خرج من بيته أتى باب فاطمة 3 فقال: الصلاة عليكم إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً كلّ يوم خمس مرّات» (2) وهي خطّة إعلامية عجيبة عمل بها رسول الله(ص) لإزالة


1- رواها السيوطي في الدر المنثور.
2- رواها الترمذي في الصحيح، وأحمد في المسند والطيالسي في المسند، والحاكم في مستدرك الصحيحين، وابن الأثير في أُسد الغابة، والطبري وابن كثير والسيوطي في تفاسيرهم.

ص: 54

الالتباس عن «أهل البيت» في الآية الكريمة، وتحديده وحصره، بشكل لايدع مجالًا لأحد في التلبيس أو الالتباس، وإدخال من ليس منهم فيهم، وإخراج من كان منهم عنهم.

ولأمر ما يكرّر رسول الله(ص) هذه الحقيقة بأساليب مختلفة من البيان، مقرونة بأساليب مختلفه من العمل.

فيسمّي أهل البيت حيناً بأسمائهم، ويحصرهم حيناً آخر حصراً، فيقول: «أللهمّ هؤلاء آلي»، ويجمعهم تارة تحت كساء واحد يجلّلهم جميعاً، ليس تحته أحد غيرهم. فتتمنى أُمّ سلمة- زوجته- أن تدخل معه، فيردّها ردّاً رقيقاً.

ويعدّدهم- تارة أُخرى- بأسمائهم واحداً بعد واحد، ثمّ يأخذ بإعلام الأُمّة بهذا البيت الطاهر ومن فيه، بذلك الأُسلوب العجيب الذي ذكرناه، لمدة طويلة تختلف الروايات في تحديدها.

ويبقى أن نقول: حتى لو كان سياق الآيات من سورة الأحزاب سياق الخطاب لزوجات النبي 9، فلا يضرّ ذلك بما

ص: 55

ذكرناه من حصر الآية الكريمة في الخمسة المطهّرة، دون غيرهم؛ وذلك لأن دلالة السياق لو تمّت فلا تزيد على أن تكون من الاجتهاد، والاجتهاد لا يقاوم النص، وقد قرأنا النصوص الصريحة بأنّ الخمسة الذين أذهب الله عنهم الرجس هم: رسول الله 9، وعلي، وفاطمة، والحسن والحسين:.

ص: 56

تشريع الخمس

يقول البراك: «أما موقف الإمام علي(2) من التشيع فهو بري ء مما ينسب إليه من عقائد تخالف ما يعتقده بقية الصحابة كالقول بعصمة آل البيت وأخذ خمس أموال الرعية».

أقول: تشريع الخمس في القرآن الكريم في سورة الأنفال، وإن كان في مورد الحرب، ونزلت آية الغنيمة بعد معركة بدر، إلا أن دلالة الآية الكريمة أوسع من غنائم الحرب ... وعلماء الأصول يقولون أن المورد لا يخصص الوارد.

ص: 57

يقول العلامة العسكري/: ولو كانت الآية الكريمة تقصد وجوب الخمس مما غنموا في الحرب خاصة، لكان ينبغي أن يقول عزّ اسمه: واعلموا أنّ ما غنتم في الحرب، أو أن ما غنتم من العدى، لا أن يقول: أنَّ ما غَنِمْتُم مِن شيْ ءٍ (1)، ثم ذكر رحمه الله طائفة من الروايات الواردة في تعميم الخمس لأَوسع من الحرب، فقال:

وفي مسند أحمد وسنن ابن ماجة، واللفظ للأول عن ابن عباس: «قضى رسول الله في الركاز الخمس».

وفي صحيحي مسلم والبخاري وسنن ابي داود والترمذي وابن ماجة وموطأ مالك ومسند أحمد «وفي الركاز الخمس»(راجع معالم المدرستين 15(ره): 2).

و «الركاز» كما في «لسان العرب» وغيره من المعاجم: قطع ذهب وفضة تُخرج من الأرض أو المعدن.

وعليه فإن الركاز يشمل الكنز والمعدن، وقد فرض رسول


1- الأنفال: 41.

ص: 58

الله(ص) فيه الخمس.. والروايات وردت في الأعم من الحرب والسلم، وهي صريحة في وجوب الخمس في الكنز.

بين الشيعة والرافضة:

يفرّق البراك بين الشيعة والرافضة ...، ويرى أن الرافضة هم الذين يرفضون الشيخين وكثيراً من الصحابة ...

أقول: ونحن لا نعرف مصداقاً للرافضة ... وانما الشيعة هم الذين يشايعون علياً(ع) وأهل بيته في السلم والحرب، والحبّ والبغض.

وهذا الاتباع في الحب والبغض والسلم والحرب لعليّ(ع) وأهل بيته ... مما أمر به رسول الله(ص) وصحّ عنه(ص) أنه قال لعليّ وفاطمة والحسن والحسين: «أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم».

وقد روى هذه الرواية المحقق «محمّد الآمدي» من «مسند ابن شيبة» و «سنن ابن ماجة»، و «الجامع الكبير»، و «صحيح

ص: 59

ابن حبان»، و «المعجم الأوسط»، و «تهذيب الكمال»، و «المستدرك»، و «الإصابة في تمييز الصحابة»، وغيرها من المصادر، وصحح الحديث (1).

وانطلاقاً من ذلك فان شيعة علي هم الذين يتبعونه في الحب والبغض والسلم والحرب.

فاذا كان البراك يقصد بالرافضة الغلاة فلسنا منهم، وإن كان يقصد معنى آخر، فلا نعرف له مصداقاً ...


1- عليّ(ع) ميزان الحق للآمدي ص 171- 174.

ص: 60

تكفير المسلمين

يقول البراك: «وبغضّ النظر عن مواقفهم في تكفير بقية المسلمين ممن لا يؤمنون بمبادئهم».

أقول: قال الإمام الصادق عليه السلام في خبر سفيان بن السمط: «الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمّداً رسول الله 9، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان».

وعن الصادق(ع) في خبر سماعة: «الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، والتصديق برسول الله 9، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المناكح والمواريث، وعلى ظاهره جماعة

ص: 61

الناس» (1).

وعن الإمام الباقر(ع) في صحيح حمران ابن أعين: «والإسلام ما ظهر من قول وفعل، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث، وجاز النكاح، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج، فخرجوا بذلك من الكفر» (2).

هذه طائفة من الأحاديث ذكرناها شاهداً على تعريف(الإسلام) في مدرسة أهل البيت عليهم السلام عن الإمامين الباقر والصادق 8 من أئمة أهل البيت:.

وعلى هذا المعنى من الإسلام الذي يجمع الفرق الإسلامية كلها تجري المواريث والمناكح، ويخرج الناس عن الكفر، وتحقن الدماء.

وقال الصدوق/ من متقدمي محدثي الشيعة وأركانهم:


1- اصول الكافي 25: 2.
2- المصدر نفسه 26: 2 ح 5.

ص: 62

«الإسلام هو الإقرار بالشهادتين، وهو الذي يحقن به الدماء والأموال، ومن قال لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فقد حقن ماله ودمه، إلا بحقهما، وعلى الله حسابهما» (1).

وكلمات فقهاء الشيعة على هذا المنوال من الصدر الأول إلى اليوم، ولا أعرف في كلمات فقهاء الشيعة مَن يقول بتكفير المسلمين من أهل القبلة، ممن لا يقول بما يقول به الإمامية من ولاية أهل البيت:، ويبيح دماءهم وأموالهم.

وكل ما نجده في أحاديث أئمة أهل البيت: وكلمات فقهاء هذه المدرسة هو أن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله(ص) يحصن الدماء والأموال إلا بحقهما، وتجري عليهما المناكح والمواريث.

وقد ورد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام تأكيد على حقّ المسلم على المسلم(بشكل عام، وبغضّ النظر عن إنتمائه إلى مذهب أهل البيت:).


1- الهداية: 10، باب الإسلام والإيمان.

ص: 63

يقول المعلى بن خنيس: سألت أبا عبد الله الصادق(ع) عن حقّ المسلم على المسلم، فقلت له: ما حق المسلم على المسلم؟

قال أبوعبدالله: له سبع حقوق واجبات، ما منهن حقّ إلا وهو عليه واجب، إن ضيّع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن لله فيه نصيب.

قلت له: جعلت فداك، وماهي:

قال: أيسر حقّ منها أن تُحبَّ له كما تُحبَّ لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك.

ثم يبسّط الإمام(ع) الكلام في حقّ المسلم على المسلم (1).

يقول الشيخ المظفر في(عقائد الإمامية) في التعليق على هذا الحديث: وقد يتوهم المتوهّم أن المقصود بالأخوّة في أحاديث أهل البيت: خصوص الأخوّة بين المسلمين الذين من أتباعهم خاصة(شيعتهم خاصة)، ولكن الرجوع إلى رواياتهم كلّها يطرد هذا الوهم، ويكفي أن نقرأ حديث معاوية


1- الكافي 135: 2، ح 2 وسائل الشيعة 205: 12، الخصال 350: 2.

ص: 64

بن وهب قال:

قلت له- أي الصادق(ع)-: كيف ينبغي أن نصنع فيما بيننا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا على أمرنا؟

فقال: تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم، فتصنعون ما يصنعون، فوالله إنّهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم ويقيمون الشهادة لهم وعليهم، ويؤدون الأمانة إليهم (1)


1- الكافي 264: 2 ح 4، وسائل الشيعة 12: ط 2 ح 15497.

ص: 65

التحدي

اشارة

وفي نهاية المقال يقول الشيخ البراك أنه قد تحدّى الشيعة أن يثبتوا بدليل صريح متصل السند أنهم قد أخذوا عن آل البيت: شيئاً من عقائدهم التي يختلفون فيها مع أهل السنة.

يقول البراك: «كتبت عدة موضوعات طالبت فيها الشيعة أن يثبتوا بدليل صحيح صريح متصل السند على أحد من آل البيت، يثبت أنهم قد أخذوا عنهم شيئاً من العقائد التي يخالفون فيها المسلمين، وانتشرت هذه المقالات، ولكن لم يتقدم من شيوخهم ويقبل التحدي، رغم أني عرضت في بعضها

ص: 66

جائزة قدرها مأة ألف دولار لمن يستطيع أن يأتي بدليل واحد صحيح يثبت ادعاءهم متابعة أهل البيت».

أقول: لعلّ السبب في عدم استجابة أحد من فضلاء الشيعة للتحدي ما يتضمنه التحدي من حيث الشكل والمضمون من إساءة الأدب استخدمها البراك في هذا التحدي.

أما من حيث الشكل فهو يقول: «شيئاً من العقائد التي يخالفون فيها المسلمين» ... وهذا الكلام بمعنى أن الشيعة خارجون عن الإسلام، وبحكم تكفير الشيعة على وجه الأرض (1)، ولاشك أنه كلام سيّى ء يترفع عن مناقشته فضلاء


1- شيعة أهل البيت طائفة واسعة من المسلمين، يتبعون الكتاب والسنة ويلتزمون بما جاء به رسول الله(ص) من عند الله، ويعتقدون أن حديث أهل البيت: في امتداد حديث رسول الله. وقد ورد في طائفة واسعة من الروايات عن رسول الله 9: أنهم مصداق قوله تعالى: إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أُولئك هم خير البرية. راجع تفسير جامع البيان للطبري 171: 30 دار المعرفة بيروت في تفسير سورة البينة، وتفسير الدر المنثور في تفسير هذه الآية من سورة البينة والتفاسير الأثرية الأخرى في تفسير هذه الآية الكريمة من سورة البينة، ونذكر هنا نماذج من هذه الروايات: روى السيوطي في الدر المنثور في تفسير قوله تعالى: إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أُولئك هم خير البرية من سورة البينة: 7. قال:) أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: كنّا عند النبي(ص)، فأقبل: علي* فقال النبي(ص): والذي نفسي بيده: إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة. ونزلت إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أُولئك هم خير البرية. ورواها العلامة عبدالرؤوف المناوي في(كنوز الحقائق: 82) ولفظها:) شيعة علي هم الفائزون(قال: وأخرجه الديلمي. وروي الهيثمي في مجمع الزوائد كتاب المناقب، مناقب علي بن أبي طالب 31(ره): 7. عن علي* قال:) إن خليلي(ص) قال: يا علي إنّك ستقدم على الله وشيعتك راضيين مرضيين، ويقدم عليه عدوّك غضاباً مقمحين(... رواه الطبراني في الأوسط. وروى ابن حجر الهيثمي في الصواعق ص 96. قال وأخرج الديلمي قال النبي(ص): يا علي إن الله قد غفر لك ولذريتك وولدك ولأهلك وشيعتك ولمحبّي شيعتك فأبشر.(فضائل الخمسة من الصحاح الستة 117: 2- 118) وعن أيوب السجستاني عن أبي قلابة قال: قالت أُمّ سلمة سمعت رسول الله(ص) يقول: شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة.(بشارة المصطفى: 197) علي وشيعته خير البرية: روى ابن جرير الطبري في تفسيره بسنده عن أبي الجارود عن محمد بن علي في تفسير قوله تعالى: أُولئك هم خير البرية قال النبي(ص): أنت يا علي وشيعتك.(تفسير الطبري 171: 30 تفسير سورة البينة). وأخرجه السيوطي في الدر المنثور عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال أيضاً أخرجه ابن عدي وابن عساكر مرفوعاً:) علي خير البرية(. وقال أيضاً أخرج ابن عدي عن ابن عباس، قال لما نزلت إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أُولئك هم خير البرية قال رسول الله(ص) لعلي أنت وشيعتك يوم القيامة راضيين مرضيين.(الدر المنثور للسيوطي تفسير سورة البينة) وقال أيضاً أخرج ابن مردويه عن علي* قال: قال لي رسول الله 9: ألم تسمع قول الله عز وجل: إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أُولئك هم خير البرية؟ أنت وشيعتك، وموعدي وموعدك الحوض. إذا جاءت الأمم للحساب، تدعون عزاً وتجلسون. وقال ابن حجر في(الصواعق المحرقة): ) الآية الحادية عشرة قوله تعالى: إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أُولئك هم خير البرية قال: أخرج جمال الدين الزرندي عن ابن عباس: إنّ هذه الآية لما نزلت قال(ص) لعليّ*: هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضيين مرضيين ويأتي عدوّك غضاباً مقمحين.(الصواعق المحرقة: 96) وذكره الشبلنجي في(نور الأبصار 70: 7 و 110 نقلنا الروايات عن(فضائل الخمسة في الصحاح الستة للفيروزآبادي 328: 1- 329 ط المجمع العالمي لأهل البيت:). وقد أفرد الشيخ زكريا بركات درويش من فضلاء اليمن رسالة بهذا الموضوع جمع فيها الروايات الواردة بهذا المضمون عن رسول الله(ص) في تفسير هذه الآية من سورة البينة جزاه الله خير الجزاء.

ص: 67

ص: 68

الشيعة ومثقفوهم.. وكان أولى به أن يقول(العقائد التي يخالفون فيها غيرهم من المسلمين).. وهذا هو الذي علمنا الله تعالى من الجدال بالتي هي أحسن.

ومن حيث المضمون يتحدى البراك المسلمين من شيعة

ص: 69

أهل البيت:، وهم يتجاوزون ال- 000/ 000/ 300 نسمة على وجه الأرض، وفيهم المفكرون والعلماء والمثقفون أن يعرضوا عليه دليلًا علمياً واحداً فقط على اتباعهم لأهل البيت:.

ومعنى هذا السؤال أن هذه الأمة من المسلمين لا تملك دليلًا علمياً واحداً على استقامة مذهبهم، وإنما تلقوا التشيع واتبعوا أهل البيت: عن تقليد غير علمي للآباء ... وهذه إهانة واضحة وإساءة أدب، لاشكّ في ذلك، لا يستخدمها العلماء، ولا يستجيبون لها، وكنا نحبّ أن يترفّع عنها فضيلة الشيخ البراك، فإن في شيعة أهل البيت: علماء ومفكرون ومتخصصون في حقول المعرفة، وقد أغنوا المكتبة الإسلامية في حقل الكلام والإمامة بعشرات الآلاف من الكتب. مثل كتاب «عبقات الأنوار» للمحقق السيد ميرحامد حسين اللكهنوي، الذي يربو على ثمانين مجلداً في إثبات إمامة أهل البيت:، ومنه كتاب «الغدير» للعلامة المحقق الشيخ الأميني في أحد

ص: 70

عشر مجلداً في نصب رسول الله(ص) لعليّ(ع) إماماً ووليّاً على المسلمين في موقع الغدير، يبحث الموضوع من حيث السند والدلالة والأدب في أحد عشر مجلداً، ومنه مؤلفات السيد عبد الحسين شرف الدين، ومنه «إحقاق الحق» للقاضي نور الله التستري في عشرين مجلداً، وموسوعة «دلائل الصدق» للشيخ محمد حسن المظفر في سبعة أجزاء، ومنه «موسوعة الإمامة الكبرى» للسيد القزويني ... ومنه «معالم المدرستين» للعلامة العسكري وما لا أستطيع إحصاءه من المؤلفات العلمية والموسوعات في هذا المجال، وهي مطبوعة وموفورة في المكتبات.

وليست المسألة بالسذاجة التي يتصورها البراك، فيتحدى الشيعة أن يأتوا بدليل واحد على صحة مذهبهم ... من حديث أهل البيت: ..

وطرح البراك بعد ذلك غير واضح، ... فإن البراك يقول: «أن يثبتوا بدليل صحيح صريح» ...

ص: 71

ونتساءل الصحيح عند مَن؟

.. فإن كان يريد دليلًا صحيحاً مقنعاً له، فهو طلب لأمر غير ممكن في أغلب الظن ... ولا يختص بهذا الموضع، فإذا سأله ملحد لا يؤمن بالله، أن يأتيه الشيخ بدليل صحيح يقنع الملحدين، على إثبات وجود الله تعالى، لا بحسب القواعد الموضوعية للجدل والمنطق، فهل يستطيع أن يأتي بدليل صحيح يقنعهم؟

وإذا كان قادراً على ذلك فلماذا لا يكون سبباً لإيمان الملايين من الملحدين على وجه الأرض؟

وإذا سأله مسيحي أو بوذي أن يأتيهم بدليل صحيح مقنع للمسيحيين أو البوذيين على استقامة الإسلام وصحته وحقانيته، فهل يستطيع البراك أن يأتي بدليل صحيح يقنعهم؟

وإذا كان قادراً على ذلك فلماذا لا يكون سبباً لإسلام مئات الملايين من المسيحيين والبوذيين والهندوس وغيرهم؟

وأنا أفترض أن البراك يقصد بالدليل الصحيح: الدليل

ص: 72

العلمي الموضوعي الذي ينسجم مع قواعد الجدل والبرهان، طبقاً للأصول المعروفة في المنطق العلمي، اقتنع به البراك أو لم يقتنع.

وفيما يلي أقتصر على التنبيه بالاختصار، على نقطتين من مواقف أهل البيت: وأحاديثهم من الأمور التي ينفرد بها شيعتهم دون غيرهم من الفرق الإسلامية.

النقطة الأولى: موقف أهل البيت: من الخلافة والإمامة بعد رسول الله 9.

النقطة الثانية: موقف أهل البيت: وحديثهم عن مرجعية أهل البيت: للمسلمين بعد وفاة رسول الله(ص) وسوف أستعرض هاتين المسألتين على نحو الاختصار والإيجاز:

(ره)- الخلافة والإمامة

لقد تواترت الأخبار أن عليّاً(ع) لم يبايع أبا بكر، وتخلّف عن بيعته معترضاً، وكان يرى أن الخلافة بعد رسول الله(ص) من حقه دون أبي بكر.

ص: 73

وهاتان القضيتان مما تواترت به الروايات وتواتر ذكره في المدونات الروائية، وفي كتب السيرة والتاريخ.

وهذا القدر يكفي للإجابة على تحدّي البراك. وشيعة علي(ع) لا يزيدون في أمر الإمامة بعد رسول الله(ص) على ذلك.

فهم يعتقدون أن الإمامة بعد رسول الله(ص) كانت لعلي عليه السلام دون أبي بكر ...

وهو مما انفرد به شيعة أهل البيت: دون غيرهم من الفرق الإسلامية.

*** ولابدّ لهذا الاجمال من تفصيل؛ وإليك هذا التفصيل بقدر ما يسمح به صدر هذا المقال:

إمتناع علي (ع) من البيعة واعتراضه

روى البخاري في الصحيح بسنده إلى الخليفة الثاني عمر

ص: 74

بن الخطاب في حديث طويل، روى عن عمر: إنه قد كان من خبرنا حين توفّى الله نبيّه 9، أن الأنصار خالفونا، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنّا عليّ والزبير ومن معهما ... (1) ورواه الإمام أحمد في المسند في(مسند عمر بن الخطاب) (2).

ورواه أبو جعفر الطبري في تاريخه (3).

ورواه ابن هشام في السيرة (4).

وروى الطبري عن الزهري أن عليّاً(ع) لم يبايع أبا بكر، ولم يبايعه أحد من بني هاشم حتى بايعه علي 7 (5).

وقال ابن الأثير في الكامل:


1- صحيح البخاري، باب رجم الحبلى من الزنى إذا أحصنت(31/ 17) ح(ره) بالتسلسل العام ح 6830.
2- مسند أحمد بن حنبل 1: 55.
3- تاريخ الطبري 1822: 4.
4- سيرة ابن هشام 338: 4.
5- تاريخ الطبري 825(ره): 4.

ص: 75

والصحيح أن أمير المؤمنين ما بايع إلا بعد ستة أشهر (1).

وراجع تاريخ الخميس 88(ره):(ره) وتاريخ أبي الفداء 56(ره):(ره) والرياض النضرة 67(ره): 1.

ويقول البلاذري: بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي(رضي الله عنهم) حين قعد عن بيعته، وقال إئتني به بأعنف العنف، فلما أتاه جرى بينهما كلام، فقال(أي علي لعمر): إحلب حلباً لك شطره (2).

ويقول البلاذري وأبو الفداء وابن عبد ربّه:

بعث أبو بكر عمر بن الخطاب مع جماعة إلى عليّ ليخرجهم من بيت فاطمة، وقال: إن أبوا عليك فقاتلهم.

وقد أمر الخليفة أبو بكر عمر بن الخطاب بكشف بيت فاطمة، لإحضار عليّ إلى البيعة بالعنف، وكان أبو بكر يأسف لذلك في مرضه الذي مات فيه.


1- الكامل لابن الأثير حوادث(سنة 11) 325: 2، دار صادر بيروت.
2- أنساب الأشراف 587: 1.

ص: 76

روى الذهبي في(ميزان الاعتدال) عن العقيلي حديثاً أقرّ الذهبي بصحته عن عبدالرحمان بن عوف، قال: دخلت على أبي بكر أعوده، فاستوى جالساً، فقال(من جملة كلامه): «إنّي لا آسى على شي ء إلّا على ثلاث، وددت إنّي لم اكشف بيت فاطمة وتركته، وأن أغلق على الحرب» (1).

ورواه الحافظ ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان (2).

ورواه الطبري في التاريخ (3) والمسعودي في مروج الذهب (4) والذهبي في التاريخ (5).

والروايات في ذلك كثيرة في كتب الحديث والتاريخ والسيرة، ونكتفي بهذا المقدار.

وكانت الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول


1- ميزان الاعتدال 109: 3 في ترجمة علوان بن داود البجلي، دار المعرفة- بيروت.
2- لسان الميزان 189: 4.
3- تاريخ الطبري 619: 2.
4- مروج الذهب 414: 1.
5- تاريخ الإسلام للذهبي 1: 388.

ص: 77

الله(ص) مع علي(ع) في كلّ هذه المواقع، ولا نريد أن ندخل في تفاصيل هذا الحديث.

روى شمس الدين أبو الخير الجزري الدمشقي الشافعي في كتابه(أسنى المطالب) بسنده المتصل إلى فاطمة 3 بنت رسول الله(ص) قالت: «أنسيتم قول رسول الله(ص) يوم غدير خمّ: من كنت مولاه فهذا عليّ(ع) مولاه».

وقوله 9: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى».

هكذا أخرجه الحافظ الكبير أبو موسى المديني في كتابه المسلسل بالأسماء (1).

وقد ماتت فاطمة وهي غاضبة وأوصت أن تدفن سراً، ولا يحضرون جنازتها ولا الصلاة عليها، احتجاجاً (2).

ولكن الإمام(ع) عندما وجد أن موقفه من الخلافة يضعف


1- الغدير 96(ره): 1، وسمّي هذا الحديث بالحديث المسلسل بالفواطم لوقوع ست من الفواطم في سنده.
2- راجع صحيح البخاري كتاب المغازي وصحيح مسلم 5 كتاب الجهاد، وسنن البيهقي 3000: 6 و الطحاوي في مشكل الآثار 47: 1.

ص: 78

الصف الإسلامي آثرَ أن يبايع أبا بكر على الخلافة.

يقول(ع) في كتاب له لأهل مصر مع مالك الأشتر لمّا ولاه مصر: «فوالله ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده(ص) عن أهل بيته، فماراعني إلا إنثيال الناس على فلان، يبايعونه فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد 9، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم» (1).

وقال 7: «لقد علمتم أنّي أحقّ بها من غيري، ووالله لأُسلِمَنّ ما سَلِمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة» (2).

ونكتفي بهذا المقدار في استعراض الروايات التي تكشف عن عدم رضا الإمام علي(ع) وسخطه بما جرى من انتصاب


1- نهج البلاغة الكتاب 62.
2- نهج البلاغة الخطبة 74.

ص: 79

الخليفة الأول، ومن بعده الخليفة الثاني والثالث أئمة للمسلمين من بعد رسول الله 9.

وهذا الذي ذكرناه من حقائق التاريخ والسيرة والحديث، لا يمكن تجاهله، ولا رفضه، ولا التشكيك فيه، ولم نكن بحاجة إلى هذا التفصيل لولا التثبت من النتائج التي سوف نصل إليها إن شاء الله في التحليل الذي يرد بعد هذا العنوان.

أربعة نقاط قبل التحليل:

ولكي يستكمل البحث أدواته العلمية الضرورية للتحليل نقدم فيما يلي أربعة نقاط لهذه الغاية:

النقطة الأولى والثانية:

إن الروايات المتواترة في امتناع الإمام علي(ع) عن بيعة الخليفة الأول واعتراضه عليها، والتي استعرضنا نماذج منها تدل على نقطتين اثنتين:

النقطة الأولى: عدم رضا الإمام 7، بل غضبه وسخطه على

ص: 80

ما جرى في السقيفة من بيعة الخليفة الأول، وكذلك عدم رضا وغضب الصديقة الزهراء فاطمة بنت رسول الله 9.

النقطة الثانية: إنّ الإمام(ع) كان يرى ويعتقد أن الإمامة بعد رسول الله(ص) حقه الذي لا يجوز لأحد أن يزعجه عنه.

وهذا وذاك مما لا يمكن إنكاره أو التشكيك فيه، والتشكيك فيه بحكم التشكيك في بديهيات التاريخ والسيرة.

وهذا الحد يكفي في الإجابة على تحدي الشيخ البراك ... فهذا عليٌّ سيد أهل البيت: بعد رسول الله 9، وهذه فاطمة بنت رسول الله(ص) سيدة أهل البيت، يرفضان بيعة الخليفة الأول ويعتقدان أن الإمامة من بعد رسول الله(ص) لعلي(ع) حصراً.

النقطة الثالثة: تنزيه الإمام(ع) والصديقة فاطمة الزهراء 3

لقد صحّ عن رسول الله(ص) انه قال عن علي 7: «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ حيث كان». «وعليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض».

ص: 81

أخرجه جمع غفير من الحفاظ، منهم البزار في مختصر زوائد مسند البزار 173: 2- 174 وأبو يعلى في مسنده 318: 2 وابن عساكر في تاريخ دمشق 449: 42. والهيثمي في مجمع الزوائد 234: 7- 235 وابن المغازلي في المناقب: 244 ح 291 والحاكم في المستدرك 124: 3- 125 وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب 62: 10- 63 وجمع آخرون من حفاظ الحديث النبوي (1).

وعليٌ(ع) سيّد أهل البيت: بعد رسول الله(ص) وفاطمة الزهراء بنت رسول الله(ص) سيّدة أهل البيت، وفيهم نزلت آية التطهير التي تنزّههم عن الرجس، وتعلن بأنّ الله تعالى قد طهّرهم تطهيراً، وقد تحدثنا عن ذلك.

وأعلن رسول الله(ص) أنهم الثقل الأصغر بعد كتاب الله، وعلى المسلمين أن يرجعوا إليهم في حدود الله وشريعته وأحكامه.


1- راجع: عليّ* ميزان الحق للمحقق الآمدي: 317- 338.

ص: 82

فلا يمكن أن يتصور أحدٌ أن مواقف الإمام(ع) والزهراء فاطمة 3 مواقف صادرة من الإنفعال النفسي والمنافسة على الزعامة وحطام الدنيا.

ولابدّ أن يكون لهذا الإمتناع والاعتراض أساس شرعي، ولابد أن يكون لموافقتهم ومخالفتهم وإعراضهم واستجابتهم ورفضهم أساس شرعي واضح.

النقطة الرابعة: انعقاد البيعة بالإمامة في الفقه

فإن البيعة للإمام تنعقد بعدد يعتدّ به من أصحاب الحلّ والعقد، وبعدد يعتد به من المسلمين ولا يجب حضورهم جميعاً للبيعة، فإذا بايع عدد يعتد به من المسلمين وفيهم عدد من أصحاب الحلّ والعقد، واستجاب الإمام للبيعة ... انعقدت البيعة له، ولزم الآخرين ووجب عليهم متابعة المبايعين له، ومبايعة الإمام وطاعته، ولا يجوز التخلّف عنه.

ص: 83

وقد انعقد على ذلك إجماع الفقهاء (1).

النتائج الأربعة

طبقاً للشرح المتقدم نتوصل إلى أربع نتائج بصورة طبيعية، وفيما يلي استعراض لهذه النتائج على نحو الاختصار:

(ره)- لايمكن ردّ التحليل المتقدم بأن غضب الإمام وسخطه وعدم رضاه لما جرى في السقيفة، وكذلك غضب الصديقة فاطمة 3 كان بسبب عدم استشارة الإمام(ع) في أمر البيعة، وإنما الصحيح أن نقول أن سخطه وغضبه(ع) كان بسبب أنه عليه السلام كان يرى أن الإمامة بعد رسول الله(ص) حقه هو دون


1- راجع: تفسير القرطبي 185: 1- 186 في تفسير الآية 30 من سورة البقرة ومنهاج السنة النبوية لابن تيمية 141: 1، والأحكام السلطانية للماوردي: 6-(ع) والمغني للقاضي عبدالجبار الجزء العشرين، القسم الأول: 303 ط 1966، والإيجي في المواقف: 399- 400 والفصل في الملل والنحل لابن حزم 167: 4 وشرح جلال الدين المحلى على منهاج النووي 773: 4 ط محمد علي صبيح وأصول الدين للبغدادي: 280- 281 والنووي والرملي في منهاج الطالبين وشرحه 390: 7 والإرشاد الى قواطع الأدلة في الاعتقاد: 424 مطبعة السعادة بمصر وأصول الدين للبزدوي: 189 والروضة للنووي: 267 وغير ذلك من المصادر.

ص: 84

غيره.

2- لو كان مبدأ الاختيار في الإمامة بعد رسول الله(ص) صحيحاً، لم يكن للإمام(ع) بعد انثيال الناس على الخليفة، كما يقول الإمام(ع) في رسالته إلى أهل مصر، أن يعترض ويمتنع عن البيعة، لأنّ البيعة تمت بصورة شرعية بحضورالناس وبيعتهم لأبي بكر، ولم يرشح الإمام(ع) نفسه للبيعة، بسبب اشتغاله بتجهيز رسول الله(ص) وسبقه إليه أبو بكر، وبايعه الناس.

فلماذا الامتناع والاعتراض ... وقد قرأنا قبل قليل إجماع الفقهاء على وجوب البيعة للإمام على عامة الناس، لو تمت له بصورة شرعية.

وإذا كان مبدأ الاختيار هو المبدأ الشرعي للبيعة، فإنّ البيعة تنعقد بصورة شرعية، بأقّل من هذا العدد الذي بايع أبا بكر من المهاجرين والأنصار. ولم يبق للإمام(ع) حق إلا العتاب، دون الإمتناع والاعتراض، وكان عليه أن يستجيب

ص: 85

للبيعة، ثم يحتفظ لنفسه بحق العتاب، وهو أمر آخر، ولا يتطلب الإمتناع والاعتراض ... لولا أن الإمام(ع) كان يعتقد أن الإمامة بعد رسول الله(ص) حق شرعي له، ولا يصح لأحد أن يبايع الخليفة الأول مع حياته وحضوره.

يضاف إلى ذلك الروايات الكثيرة التي يرويها أصحاب السير والمحدثون من تصريح الإمام(ع) مرات كثيرة بأنّ الإمامة كانت من حقه بعد رسول الله(ص) وأنه لم يكن يتوقع أن يزعج عنه أحد هذا الحق.

وإذا عرفنا أن مواقف الإمام(ع) وحديثه حجة على الآخرين، لقول رسول الله(ص) فيه «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ»، ولأنه كان من النفر الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ... فلابد أن يكون لموقف الإمام في الإمتناع والاعتراض سبب شرعي.

وهذا السبب لا يكون إلا، لأن الإمامة بعد رسول الله(ص) لا يكون بالاختيار والانتخاب، وإذا ألغينا مبدأ الاختيار في

ص: 86

انتخاب الإمام فلا يبقى إلا مبدأ النص، وهو الذي كان يراه الإمام، ويرى أن رسول الله(ص) قد خصه به يوم الغدير وغيره على مرأى ومسمع من الناس؛ وليس هناك من أمر آخر على كل الآراء والمباني الفقهية المعروفة، فإنّ آراء المسلمين في الإمامة لا تزيد على ثلاث:

(ره). مبدأ الاختيار.

2. مبدأ الغلبة العسكرية.

3. مبدأ النص.

وإذا ألغينا شرعية مبدأ الاختيار، فلابد أن نلغي شرعية مبدأ الغلبة العسكرية على نحو أولى، فلا يبقى إلّا مبدأ النص ... والإمام يرى أن رسول الله(ص) قد خصّه بالنص في حياته، وكلماته في ذلك واضحة.. ولذلك كان الاعتراض والإمتناع حتى لو لم نقل بعصمة الإمام.. فإنّ آية التطهير وحديث الثقلين وحديث «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ» وعشرات الأحاديث الأخرى التي صحّت عن رسول الله(ص) في

ص: 87

الإمام(ع) تلزمنا أن نأخذ برأي الإمام وموقفه عند تقاطع الآراء والمواقف.

3- لقد اضطرّ الإمام(ع) إلى البيعة، يوم عرف أن امتناعه عن البيعة يؤدي إلى خلل في المجتمع الإسلامي الناشي ء يومذاك، فتكون مصيبته بالخلل في الإسلام والأمة الإسلامية أعظم من مصيبته في عزله عن حقه الذي خصّه به رسول الله(ص) فأقدم على البيعة.

يقول 7: «فأمسكت بيدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمّد(ص) فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً فتكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم» (1).

فأقبل على مبايعة الخليفة، للمحافظة على كيان الإسلام والأمة الإسلامية.

وهو كان سبب بيعة الإمام(ع) لا ما يذكره المؤرخون أن


1- نهج البلاغة، الكتاب رقم 62.

ص: 88

وجوه الناس قد تحوّلت عنه بعد وفاة بنت رسول الله(ص) فأقدم على بيعة الخليفة.

وبناءً على ذلك فلا تغيّر بيعة الإمام(ع)- عن اضطرار- موازين الحكم الشرعي في الإمامة.

فإنّ الإمام(ع) يعتقد ويؤمن بأنّ الإمامة بعد رسول الله(ص) لا تكون بالاختيار والبيعة، وإنما تتحقق بالنص، فإذا اضطرّ هو إلى البيعة، لئلا يحدث الخلل في الإسلام، وفي الأمّة الإسلامية، لن تكون بيعته سبباً لتغيير المباني الشرعية للإمامة والولاية بعد رسول الله 9.

4- وإذا واجهنا اختلافاً في الرأي بين الشيخين وأصحابهم من جانب والإمام(ع) من جانب آخر في مباني الإمامة والولاية بعد رسول الله(ص) فإنّنا لا نتردد في إتباع الإمام علي(ع) في رأيه وعقيدته، إنطلاقاً من «آية التطهير» و «حديث الثقلين» و حديث «عليّ مع الحقّ» و سائر الأحاديث التي صحّت عن رسول الله(ص) في اتّباع الإمام(ع) بعد رسول الله 9.

ص: 89

2- مرجعية أهل البيت: الدينية للمسلمين

وهذه هي النقطة الثانية التي نذكرها في الجواب على تحدّي الشيخ البراك لشيعة أهل البيت، وهي مرجعية أهل البيت: على امتداد العصور للمسلمين في أمور الدين وأحكام الشريعة، وتبيين حدود الله تعالى في الحلال والحرام.

وهي ثابتة برواية أهل البيت: عن رسول الله 9، وهي كذلك مما ينفرد به شيعة أهل البيت: دون غيرهم.

فهم يعتقدون بمرجعية أهل البيت: للمسلمين على امتداد التاريخ، في كل العصور في الفقه والعقائد والثقافة، وعرفوا لذلك فيما بين المسلمين، بأتباع أهل البيت وشيعتهم.

وأما الدليل على ذلك في حديث رسول الله(ص) ورواية أهل البيت: فهو أحاديث ونصوص كثيرة متضافرة عن رسول الله(ص) نقتصر منها على حديث الثقلين الذي تواترت روايته عند الفريقين، وإليك متن الحديث وسنده ودلالته:

ص: 90

متن حديث الثقلين:

ورد هذا الحديث في روايات كثيرة، ويبدو أن رسول الله(ص) تحدّث به في أكثر من موضع ورواه أئمة الحديث والتفسير والتاريخ بألفاظ مختلفة، ونحن ننقل الحديث ببعض ألفاظه الواردة في كتب الحديث:

«أيها الناس إنّما بشر أوشك أن أدعى فأُجيب، وأني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما(أو ما إن اعتصمتم بهما) لن تضلّوا أبداً- وهما: كتاب الله وعترتي أهل بيتي- أحدهما أثقل من الآخر، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فاتقوا الله وانظروا كيف تخلفوني(أو كيف تحفظوني) فيهما(أو أن اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يلقياني) فلا تسبقوهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم،

ص: 91

وتوشكون أن تردوا عليَّ الحوض وأسألكم حين تردون عليَّ عن الثقلين كيف خلفتموني فيهما، فمن استقبل قبلتي وأجاب دعوتي فليستوصِ بهما خيراً».

وهذا الذي رويناه مزيج من بعض ألفاظ الحديث، ومن يريد الوقوف على كل ألفاظ الحديث، فليراجع الرسالة القيّمة التي أصدرتها «مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة» في هذا الحديث (1).

سند الحديث:

وقد ورد هذا الحديث ببعض ألفاظه في صحيح مسلم(122: 7)، وسنن الترمذي(307: 2)، وسنن الدارمي(432: 2)، ومسند أحمد بن حنبل(14: 3 و 217)، و: 26 و 59، و(366: 4 و: 371)، وأيضاً في(182: 5 و 189،


1- حديث الثقلين، إصدارمجمع التقريب: 6- 9.

ص: 92

وخصائص النسائي:(30)، ومستدرك الحاكم(109: 3 و 148 و 533)، والحافظ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب في الباب الأول:(11) في بيان صحة خطبته بماء يدعى خماً، قال بعد نقل الحديث: «أخرجه مسلم في صحيحه، ورواه أبو داود وابن ماجة القزويني في كتابيهما»، وأيضاً في الباب الحادي والستين:(130)، والطبقات لمحمد بن سعد الزهري البصري في الرابع:(8)، والحلية لأبي نعيم الاصبهاني(355: 1)، وأُسد الغابة لابن الأثير الجزري في(12: 2)، وفي(147): 3)، والعقد الفريد لابن عبد ربه القرطبي في الجزء الثاني في خطبة النبي(ص) في حجّة الوداع:(346 و: 158)، وتذكرة الخواص في الباب الثاني عشر:(332) لابن الجوزي، قال بعد نقل قول جدّه: «وقد أخرجه أبو داود في سننه والترمذي أيضاً وذكره رزين في الجمع بين الصحاح»، والعجب كيف خفي عن جدّي ما روى مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم ... الخ، وانسان العيون لنور الدين الحلبي الشافعي(308: 3)،

ص: 93

وذخائر العقبى لأحمد بن عبدالله الطبري:(16)، والسراج المنير للعزيزي الشافعي في شرح الجامع الصغير للسيوطي(321: 1)، وفي هامشه أيضاً للشيخ محمد الحنفي، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي:(2)، ونسيم الرياض لشهاب الدين الخفاجي(410: 3)، وفي هامشه المسند للإمام أحمد بن حنبل(96: 1 و 101)، و(390: 2)، و(95: 5)، والكشف والبيان للثعلبي في تفسير آية الاعتصام(18: 3)، وتفسير النظام للنيسابوري في تفسير آية الاعتصام(257: 1)، و(ج 4) في تفسير آية المودة: 94، وأيضاً في تفسير آية سنفرغ لكم أيها الثقلان:(212)، وابن كثير الدمشقي في تفسير آية المودة(113: 4)، وفي آية التطهير(485: 3)، وأيضاً في تاريخه في(ج 5) أو(ج 6) ضمن حديث الغدير، والمواهب العلية لحسين الكاشفي في تفسير آية سنفرغ لكم أيها الثقلان، والنهاية لابن الأثير الجزري في(ج 1)، وأيضاً في الدرّ المنثور للسيوطي:(155)، ولسان العرب لجمال الدين الأفريقي

ص: 94

المصري في(ج 6) في لغة العترة، وفي(ج 13) في لغة الثقل والحبل والقاموس لمجد الدين الشيرازي في لغة ثقل، ومنتهى

الأرب لعبدالرحيم الصفي في لغة الثقل، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي في(ج 6) في معنى العترة:(130)، ومدارج النبوة لعبدالحق الدهلوي:(520) والمناقب المرتضوية لمحمد صالح الترمذي الكشفي:(96 و 100 و 472)، ومفتاح كنوز السنة:(2 و: 448)، ومصابيح السنة للإمام البغوي الشافعي(205: 2- 206)، وابن حجر في الصواعق:(75 و: 87 و: 0(ص) و: 99 و: 136)، وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار للشبلنجي:(110)، وينابيع المودّة لسليمان بن إبراهيم البلخي الحنفي:(18 و: 25 و: 30 و: 32 و: 24 و: 115 و: 126 و: 199 و: 230 و: 238 و: 301)، والسيد مير حامد حسين الهندي، رواه عن جماعة تقرب من المأتين من أكابر علماء المذاهب من المأة الثانية إلى المأة الثالثة عشرة، وعن الصحابة والصحابيات، أكثر من ثلاثين رجلًا وامرأة كلّهم

ص: 95

رووا هذا الحديث الشريف عن النبي 9 (1).

دلالة الحديث:

(ره)- يبيّن رسول الله(ص) في هذا الحديث أن أهل البيت: هم صنو القرآن، ولا يتخالفان، ولا يفترقان، ولا يزالان كذلك إلى يوم القيامة.

وهو ظاهر في أنّ الله تعالى يعصمهم من الخطأ ومخالفة القرآن «وأنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض».

2- ويوصي رسول الله(ص) المسلمين بالتمسّك والاعتصام بهما من بعده إلى قيام الساعة في شؤون دينهم.

3- ويعلن رسول الله(ص) للمسلمين يومئذٍ أنهما يعصمان المسلمين من الضلال والزيغ، فمن اعتصم بهما عَصَمَهُ الله تعالى من الضلال: «ما إن تمسكتم بهما- اعتصمتم بهما- لن تضلوا بعدي».


1- نقلنا أكثر هذه المصادر عن كتاب الغدير، للعلّامة الأميني ورسالة حديث الثقلين، إصدار مجمع التقريب.

ص: 96

4- وتبقى وتستمر هذه العصمة لهذه المرجعية، إلى أن يردا على رسول الله(ص) الحوض، «وأنّهما لن ي فترقا حتى يردا عليَّ الحوض»، ويبقى كتاب الله وأهل بيت رسول الله(ص) مرجعاً أميناً للمسلمين، في أمور دينهم إلى يوم يلقون رسول الله(ص) على الحوض.

5- ويوصيهم رسول الله(ص) أن يتعلّموا منهما، ولا يعلّموهما ويتّبعونهما، ولا يسبقوهما في قول أو فعل..

وعلى أساس هذا الحديث وقبله(آية التطهير) نحن نرجع إلى أهل البيت: في فقهنا دون غيرهم.

ويبقى أن نشير إلى أن هذا الحديث لا ينافي حديث التمسك بكتاب الله وسنّة رسول الله(ص)، فإنّ أهل البيت: إمتداد لسنة رسول الله(ص) وليسوا بديلًا عنها، وهم ليسوا من أهل الرأي والاجتهاد، وإنّما هم يروون لنا سنّة رسول الله(ص) في كل ما يقولون ويأمرون به، لا يزيدون عليه ولاينقصون، كما وصلنا ذلك من تصريح أهل البيت: في مختلف العصور في

ص: 97

أحاديثهم الكثيرة، أنهم لن يزيدوا فيما يتحدثون به عن حديث رسول الله(ص) وكلما يتحدثون به فهو حديث رسول الله 9، ورثوه كابراً عن كابر، وأما كيف خفي على سائر الصحابة هذه الأحاديث التي ورثها أهل البيت:. فقد تحدث عنها علماء أهل البيت كثيراً، وتحدثت عنه في كتاب(آية التطهير) ومن أراد فله أن يراجع هذا الكتاب

ونقول دون أن ندخل في هذا النقاش، ونقطع الطريق عليه عاجلًا: إنّ في آية التطهير وحديث الثقلين الجواب على ذلك، فإنّ الله أخبرنا بتطهيرهم وصدقهم، فإذا أخبرونا بحديث عن رسول الله(ص) فليس لنا أن نشكك في صحة الرواية عنهم، ورسول الله(ص) قد أمرنا بأن نرجع إليهم في أمور ديننا من فقه وعقيدة وأصول وفروع بعد القرآن الكريم، فإذا حددوا لنا حدود الفقه، وأصلوا لنا الأصول والفروع في إطار الكتاب الكريم، فليس لنا أن نشكك في حديثهم، وإذا قالوا ذلك عن حديث رسول الله(ص) فليس لنا أن نشكك في روايتهم.

ص: 98

أما بعد فقد أطلنا الوقوف مع(البراك)، وما كان ينبغي أن نقف معه هذا الموقف الطويل، لولا الحرص على وحدة كلمة المسلمين وإنسجامهم، وتفاهمهم، وإئتلافهم، وتحاببهم في الله، وقطع الطريق على من يعمل لتفريق كلمة المسلمين وإثارة الفتنة بينهم، وإضعاف موقفهم وكلمتهم، عن قصد أو غير قصد.

فإنّ من الطبيعي أن هذه الموجة من الاتهامات تقابلها أمواج معاكسة، ومن الطبيعي أن يتصاعد هذا التراشق المتبادل بين المسلمين، ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى شرخ في الصف الإسلامي، وانشطار في الموقف، وإضعاف للأُمّة وثلمة في كلمة المسلمين ....

وعندئذٍ تقف أمريكا وإسرائيل والأنظمة الغربية المناوئة للإسلام، تتفرّج على محنة المسلمين وصراعاتهم الداخلية.

ولست أتّهم الشيخ البراك أنه يقصد الإثارة والفتنة بين المسلمين، ويريد تفتيت الصف الإسلامي، ويريد أن يمكّن

ص: 99

الاستعمار العالمي الأمريكي، وإسرائيل من بلاد المسلمين ... لست أقول شيئاً من ذلك، ولكنّي أقول أن التناول غير العلمي، والتشهيري، لهذه المسائل الحسّاسة، وفي أجواء غير علمية، بهذه اللغة الاستفزازية، يؤدّي إلى هذه النتيجة، أراد الشيخ، أم لم يرد.

فليس يصح علميّاً وأخلاقياً أن تنسب هذه التهم جزافاً إلى طائفة واسعة من المسلمين، لها حضور واسع في كلّ الأوساط الإسلامية في العالم تقريباً، بمثل هذه الصورة غير العلمية، من غير دليل.

ولا يصحّ طرح هذه المسائل، وهي إتهامات قديمة، أكل الزمان عليها وشرب، وتكرّر حتى ملّ المتهمون من الإتّهام، وتكرّر الجواب عليها حتى ملّ المدافعون من الجواب ....

أقول: لاينبغي أن تطرح أمثال هذه المسائل بهذه الصورة المثيرة للفتنة، وغير العلمية، وغير الموضوعية، في ظروف سياسية كالظروف السياسيّة العسيرة القائمة اليوم، التي يحتاج

ص: 100

المسلمون فيها إلى التفاهم والإنسجام أكثر من أي شي ء آخر، بعد الإتّكال على الله تعالى.

فها هي أمريكا، تحتلّ بلدين إسلاميين: العراق وافغانستان، وتمارس أبشع أنواع الاضطهاد والتعذيب بحقّ المسلمين في سجون أبو غريب وغوانتناما وغيرهما.

وها هي إسرائيل، تمارس أبشع أنواع القتل والحصار الاقتصادي والاختطاف، ومداهمة البيوت والأُسر والتجويع بالمسلمين الفلسطينيين في غزة، ولا يستجيب لصراخهم واستغاثتهم حكّام العرب والمسلمين، غير استجابة محدودة لا تغني ولا تسمن.

ثم نجد أحد أُمراء العرب والمسلمين في تلك الأيام بالذات يستقبل بصورة رسمية وزيرة خارجية إسرائيل، قاتلة الفلسطينيين في غزة، يرحب بها، ويصافحها، ويظهر على شاشات الفضائيات العالمية، ويده بيدها، وجراح المسلمين في غزة تنزف دماً عبيطاً كلّ يوم، وفي سجونها الآلاف من

ص: 101

إخواننا وأبنائنا من فلسطين.

وتمارس أمريكا القصف الوحشي على البيوت والمستشفيات والمساجد في مدينة الصدر ببغداد بالقنابل الإنشطارية، تستهدف بها النساء والأطفال والرجال الأبرياء، من غير رادع، كما قصفت إسرائيل لبنان في حرب تموز، وهدمت البيوت على رؤوس أصحابها، وحولت بيوت الناس ومحلاتهم التجارية ومساجدهم إلى أنقاض.

وسط هذه المصائب والمحن نجد هناك من ينكأ الجرح، ويعمل على إثارة الفتن في صفوف المسلمين، ويسعى بالبغضاء والإتهام فيما بين المسلمين، ويدعوهم إلى التراشق والتناحر وتبادل الإتهامات عن قصد أو غير قصد.

نحن ندعو الشيخ البراك إلى أن يعود إلى صفوف المسلمين جميعهم بلا استثناء، يحمل إليهم المحبّة والتفاهم والإنسجام والتقريب والتواصل، كما يريد الله تعالى ذلك للمسلمين، وإذا كانت لدية شُبه وأسئلة وملاحظات وشكوك، فيطرحها في

ص: 102

أجواء علمية، وبصورة موضوعية، وبلغة علمية هادئة.

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُم مِنْهَا كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. آل عمران: 103.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.