مرجعيه اهل البيت عليهم السلام

اشارة

نام كتاب: مرجعيه اهل البيت عليهم السلام

نويسنده: ابراهيم الاميني

موضوع: اعتقادات و پاسخ به شبهات

زبان: عربي

تعداد جلد: 1

ناشر: نشر مشعر

مكان چاپ: تهران

مشخصات ظاهري : 32 ص.

شابك : 964-8686-22-X

يادداشت : فيپا

موضوع : رهبري (اسلام).

موضوع : مرجعيت -- تاريخ.

شناسه افزوده : مجمع جهاني اهل بيت(ع).

رده بندي كنگره : BP223/8/آ74م4 1385

رده بندي ديويي : 297/45

ص: 1

المرجعية العلمية لأهل البيت عليهم السلام:

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

اشارة

لم يقتصر دور نبي الإسلام صلى الله عليه و آله و سلم على ولاية المسلمين وقيادتهم في المسائل السياسية والإجتماعية، بل كان له دور المرجعية العلمية والفكرية والثقافية، فكان صلى الله عليه و آله و سلم يسدّ حاجات المسلمين العقائدية والفقهية والأخلاقية، وكان المرجع لهم في كافة المسائل العلميّة التي يواجهونها، فيتلقّون منه الجواب وبنصّ الوحي قرآناً يتلوه عليهم أو أحاديث يبلغها للمسلمين، كما جاء في القرآن الكريم:

«وَما يَنْطِقُ عَن الهَوى* إنْ هُوَ إلّاوَحيٌ يُوحى* عَلّمَهُ شَديدُ القُوى» (1)

ولقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلم على علم بأنّ حاجة المسلمين العلميّة حاجة دائمة لا تنقطع، وأنهم بحاجة بعده إلى مثل هذه


1- النجم: 3- 5.

ص: 6

المرجعيّة الموثوقة عند جميع المسلمين، وأن النبتة الجديدة للإسلام بدون مثل هذه القاعدة العلميّة الفتيّة يستحيل بقاؤها ثابتة وشامخة، ولا يمكن لها أن تمدّ فروعَها إلى جميع أنحاء العالم.

ولهذه النقطة الحسّاسة انتخب الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أهل بيته وزكّاهم عند المسلمين بصفتهم المرجَع العلمي الغني والموثوق به، والذي يبقى ما دام الكتاب السماوي باقياً، لكي يسدّ حاجة المسلمين.

وقد أكّد الرّسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلم على هذا الأمر بالوصيّة إلى المسلمين مرّاتٍ متعدّدة، كما هو مُثبّت في كتب الشيعة وأهل السنّة، ومن أهمها الحديث المعروف بحديث الثقلين الذي هو واحد من الأحاديث المشهورة والمتواترة عند المسلمين، وقد ورد بعبارات متعدّدة وبطرق مختلفة نشير إلى بعضها:

روى مسلم في صحيحه عن زيد بن الأرقم قوله:

قام رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم يوماً فينا خطيباً بماء يُدعى خمّاً بين مكةَ والمدينةِ، فحمد اللَّه وأثنى عليه ووعظ وذكَّر ثم قال:

«أمّا بعد، ألا يا أيّها الناس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأُجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب اللَّه فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب اللَّه واستمسكوا به- فحثَّ على كتاب اللَّه ورغبَّ فيه- ثم قال: وأهل بيتي أذكّركم اللَّه في أهل بيتي، أذكّركم اللَّه في أهل بيتي، أذكّركم اللَّه في أهل بيتي» (1).


1- صحيح مسلم 4: 1873.

ص: 7

كما روى الحاكم النيسابوري عن زيد بن الأرقم قوله:

لما رجع رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم من حجّة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن، فقال:

«كأني قد دعيت فأجبت، إنّي قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب اللَّه تعالى، وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»

ثمّ قال:

«إن اللَّه عزّ وجلّ مولاي وأنا مولى كلّ مؤمن»

ثم أخذ بيد عليٍّ رضى الله عنه فقال: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهم والِ من والاهُ وَعادِ من عاداهُ» (1).

وروى لنا أحمد بن يحيى البلاذري عن زيد بن الأرقم قوله:

كنّا مع النبّي صلى الله عليه و سلم في حجّة الوداع، فلمّا كنّا بغدير خم أمر بدوحات فقممن ثمّ قام فقال:

«كأنّي قد دُعيت فأجبت، وإنّ اللَّه مولاي وأنا مولى كلّ مؤمن، وأنا تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض»

ثمّ أخذ بيد عليٍّ فقال:

«منْ كنتُ وليَّه فهذا وليُّه، اللّهم والِ منْ والاهُ وعادِ من عاداهُ»

قال أبو الطفيل: قلت لزيد: أأنت سمعت هذا من رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم؟ قال ما كان في الدوحات أحدٌ إلّاوقد رأى بعينه وسمع باذنه ذلك (2).


1- المستدرك على الصحيحين 3: 109.
2- أنساب الأشراف 2: 110.

ص: 8

وينقل ابن الأثير عن زيد بن الأرقم قوله:

قال رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم:

«إني تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب اللَّه حبلٌ ممدودٌ من السّماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» (1).

وينقل علي بن أبي بكر الهيثمي عن زيد بن ثابت قوله:

قال رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم:

«إنّي تاركٌ فيكم خليفتين: كتاب اللَّه عزّ وجلّ حبل ممدودٌ ما بين السّماء والأرض-(أو) ما بين السّماء إلى الأرض-، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض» (2).

كما أن الهيثمي ينقل هذا المعنى بعبارات أُخرى عن أبي هريرة، وعلي بن أبي طالب، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن الأرقم، وحذيفة بن أُسيد الغفاري.

وينقل أحمد بن علي الخطيب البغدادي عن حذيفة بن أُسيد قوله:

قال رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم:

«يا أيّها الناس إنّي(فرط) لكم وأنتم واردون عليّ الحوض، وإنّي سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب اللَّه سبب طرفه بيد اللَّه وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تضلّوا ولا تبدّلوا» (3).


1- أُسد الغابة 2: 12.
2- مجمع الزوائد 9: 162.
3- تاريخ بغداد 8: 442.

ص: 9

ويروي الامام أحمد بن حنبل عن أبي سعيد قوله:

قال رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم:

«إنّي قد تركت فيكم ما إنْ أخذتم به لنْ تضلّوا بعدي: الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب اللَّه حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض» (1).

ومجمل القول أنّ حديث الثقلين قد روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بعبارات متعدّدة وطرق مختلفة بواسطة عدد من الصحابة الكبار، منهم: زيد بن الأرقم، أبوذر الغفاري، أبوسعيد الخدري، علي بن أبي طالب، زيد بن ثابت، حذيفة بن اليمان، ابن عباس، سلمان الفارسي، أبو هريرة، جابر بن عبد اللَّه، حذيفة بن أُسَيد الغفاري، جبير بن مُطعِم، الحسن بن علي، فاطمة الزهراء، أُم هانئ بنت أبي طالب، أم سلمة، أبو رافع مولى رسول اللَّه، وغيرهم.

وثمّة حديث مشهورجاء فيه: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قام فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال

«أُنشد اللَّه من شهد يوم غدير خم إلّاقام، ولايقوم رجل يقول: نُبّئتُ أو بلغني، إلّارجل سمعتْ أُذناه ووعاه قلبه»

فقام سبعة عشر رجلًا، منهم: خزيمة بن ثابت، وسهل بن سعد، وعدي ابن حاتم، وعقبة بن عامر، وأبو أيوب الأنصاري،


1- مسند أحمد 3: 59.

ص: 10

وأبو سعيد الخدري، وأبو شريح الخزاعي، وأبو قدامة الأنصاري، وأبو يعلى الأنصاري، وأبو هيثم بن التيهان (1).

ويذكر أحمدبن حجر الهيثمي: بأن أكثر من عشرين من صحابة رسول اللَّه قد رووا حديث الثقلين (2).

وقد نقل السيد هاشم البحراني في كتابه(غاية المرام) تسعة وثلاثين رواية من كتب السنّة واثنين وثمانين رواية من كتب أهل الشيعة في حديث الثقلين (3).

وبالامكان قراءة حديث الثقلين في مصادر الشيعة، وفي كتب أهل السنّة، ونشير إلى بعضها، مثل:

صحيح مسلم ج 4 ص 1874؛ ومسند الامام أحمد ج 3 ص 17، 26، 59، وج 4 ص 366، 371 وج 5 ص 181، 189؛ ومستدرك الحاكم ج 3 ص 109، 110، 126، 148؛ وأُسد الغابة ج 2 ص 12؛ ومجمع الزوائد ج 9 ص 162؛ وتاريخ بغداد ج 8 ص 442؛ والسيرة النبوية لأبي الفداء ج 4 ص 416؛ وأنساب الأشراف ج 2 ص 110؛ والتفسير الكبير ج 8 ص 163؛ والفصول المهمة لابن الصبّاغ ص 22؛ ومناقب الخوارزمي ص 93؛ وينابيع المودة ص 31، 32، 33، 34، 35، 39، 40، 42، 44، 45؛ وإسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار ص 110؛ وتذكرة


1- ينابيع المودة: 41.
2- الصواعق المحرقة: 150.
3- غاية المرام: 211- 234.

ص: 11

الخواص ص 322؛ وذخائر العقبى ص 16؛ ونظم درر السمطين ص 231- 233؛ والسيرة الحليبة ج 3 ص 308؛ ومنتخب كنز العمّال المطبوع بهامش مسند أحمد ج 1 ص 96، 101، وج 2 ص 390 وج 5 ص 95؛ ونسيم الرياض ج 3 ص 410؛ وشرح الشفا المطبوع بهامش نسيم الرياض ج 3 ص 410؛ وغيرها.

وبهذا نستطيع أن نستخلص ثلاثة مواضيع مهمّة جداً، وهي:

الموضوع الأول:

أنّ أهل البيت عليهم السلام لهم المرجعية العلمية والدينيّة كالقرآن، وقد عُرّفوا باعتبارهم مرجعاً علميّاً رئيساً وحجّةً شرعيّةً لازمة الاتّباع، إلى درجة أن أقوالهم وأفعالهم صحيحة بلاشك وريب، وكلّ من يتبع أقوالهم وأفعالهم لن يضلّ أبداً.

الموضوع الثاني:

أنّ أهل البيت عليهم السلام سيَظَلّون باقين، كما أنّ القرآن باقٍ بين الناس حتّى يوم القيامة.

الموضوع الثالث:

أن القرآن وأهل البيت عليهم السلام لن يفترقا ولن يبتعد أحدهما عن الآخر أبداً، ولا يستطيع أي مسلم أن يتغاضى عن أهل البيت

ص: 12

ويقول: حسبنا كتاب اللَّه! وكذلك لا يستطيع أي مسلم أن يقول: بأن وجود أهل البيت يكفيني ولا حاجة لي بالقرآن!

يقول أحمد بن حجر الهيثمي:

لقد سمّى رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم القرآن والعترة- الأهل والأقارب- بالثقلين، لأن كلمة الثَقَل تطلق على الشي ء الثمين الذي تتمّ المحافظة عليه جيداً، وإن القرآن والعترة هما كذلك، لأنّ هذين الاثنين هما منجم العلوم الذاتيّة والأسرار والحِكم السامية والأحكام الشرعيّة، ولهذا السبب فقد حثّ الرسول الكريم الناس على الاقتداء والتمسّك بهما (1).

وعلينا إذاً أن نرى مَن هم أهل البيت والعترة؟

إن لفظة أهل البيت تطلق على الأشخاص الّذين يقيمون في بيت واحد ويكونون تحت كفالة كبير العائلة.

فهل نستطيع أن نقول بالنسبة لأهل بيت النبي صلى الله عليه و آله و سلم أن المراد بهم: الأشخاص الّذين يقيمون في بيته وتحت كفالته؟

ونظراً إلى وجوب التناسب بين الحُكم والموضوع، فإنّ مثل هذا الإحتمال مستبعد، لأنّ ذكر أهل البيت جاء في هذه الأحاديث بصفتهم المرجع العلمي والدينيّ الذي لا يُزاحَم، والّذين لا خطأ ولا ضلالة في اتّباعهم.

ولهذا يجب أوّلًا أن يكونوا عارفين بأحكام الدين، وثانياً أن


1- الصواعق المحرقة: 151.

ص: 13

تكون لديهم الحَصانة ضدّ أيّ خطأ ومعصية.

وهذه الصفة لم تكن موجودة في أفراد عائلة النبيّ كافة، لهذا يجب أن يكون المقصود بأهل البيت أفراداً معيّنين.

ولهذا السبب فقد جاء في نهاية حديث الثقلين المذكور عن زيد ابن الأرقم ما يلي:

سُئِلَ زيد بن الأرقم: من هم أهل البيت؟ هل المقصود نساء النبي؟ أجاب زيد قائلًا: لا واللَّه، لأنّ الزوجة تستطيع أن تعيش مع الرجل لفترة وبعدها تتطلّق منه وتعود لبيت أبيها أو أقاربها، فكيف تكون من أهل البيت؟ بل أهل بيت النبيّ هم أولاده الّذين تحرم عليهم الصدقة (1).

وفي هذا يكتب أحمد بن حجر أيضاً:

إنّ الّذين جاءت التوصية باتّباعهم يجب أن يكونوا عالمين بكتاب اللَّه وسنّة نبيّه، لأنّ مثل هؤلاء الأشخاص لا ينفصلون عن كتاب اللَّه، ولهذا لهم الأفضليّة على كافّة العلماء، لأنّ اللَّه طهّرهم من الّرجس وخباثة الذنوب (2).

ولهذا السّبب جاء في حاشية بعض أحاديث الثقلين ما يلي:

«فلا تقدّموهما فَتَهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم


1- صحيح مسلم 4: 1874.
2- الصواعق المحرقة: 151.

ص: 14

أعلم منكم» (1).

كما أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قد زكّى أهل البيت عليهم السلام أيضاً.

ومن الأمثلة على ذلك:

عن أُم سلمة قالت: في بيتي نزلت «إنّما يُريدُ اللَّه ليُذْهب عَنْكُم الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ»، قالت: فأرسل رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال:

«هؤلاء أهلُ بيتي» (2).

عن عمر بن أبي سلمة، ربيب النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: نزلت هذه الآية على النبي: «إنّما يُريدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُم الّرجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهّرَكُم تَطهيراً» في بيت أُم سلمة، فدعا النبي صلى الله عليه و سلم فاطمة وحسناً وحسيناً فجلّلهم بكساء وعلي خلف ظهره، ثمّ قال:

«هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً»،

قالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول اللَّه؟ قال:

«أنتِ على مكانك إلى خير» (3).

عامر بن سعد عن أبيه قال: لما نزلت هذه الآية: «تَعالَوا نَدْعُ أبْناءَنا وَأبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأنْفُسَكُمْ» دعا رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً رضي اللَّه عنهم فقال:

«اللهم هؤلاء أهل بيتي» (4).


1- المستدرك 3: 146.
2- المستدرك 3: 146.
3- أُسد الغابة 2: 12.
4- المستدرك 3: 150.

ص: 15

عن عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه و سلم غداةً وعليه مرط مرحَّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمّ جاء الحسين فدخل معه، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثمّ جاء علي فأدخله، ثمّ قال: «إنّما يُريدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُم الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطهيراً» (1).

ويستخلص من مثل هذه الأحاديث- وما أكثَرها- أنّ أهل البيت أفراد معيّنون، هم: علي بن أبي طالب، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام الّذين حدّدهم الرسول الكريم بهذا العنوان.

وقد ذكر هؤلاء الأفراد بدورهم أفراداً آخرين مصاديق لأهل البيت، بصفتهم أئمة المسلمين والمراجع العلميّة، وذكرتهم كتب الحديث عند الشيعة، إضافة إلى ذلك فإن الرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلم قد بيّن في حياته عددهم وبعض خصوصياتهم وحتى أسماءهم، كما هو مذكور في كتب الحديث عند الشيعة، مثلًا:

قال علي عليه السلام:

أُنشدكم باللَّه أتعلمون أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قام خطيباً لم يخطِب بعد ذلك فقال: «يا أيها الناس إنّي تاركٌ فيكم كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي، فتمسّكوا بهما لن تضلّوا، فإن اللطيف الخيبر أخبرني وعهد إليّ أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»،


1- صحيح مسلم 4: 1883.

ص: 16

فقام عمر بن الخطّاب شبه المُغضب فقال: يا رسول اللَّه أكلّ أهل بيتك؟ فقال: «لا، ولكن أوصيائي منهم، أوّلهم أخي ووزيري وخليفتي في أمّتي ووليّ كلّ مؤمن بعدي هو أوّلهم، ثمّ ابني الحسن، ثمّ ابني الحسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين واحدٌ بعد واحد حتّى يردواعليَ الحوض، شهداءاللَّه في أرضه، وحججه على خلقه، وخزّان علمه، ومعادن حكمته، من أطاعهم فقد أطاع اللَّه، ومن عصاهم فقد عصى اللَّه» فقال كلّهم: نشهد أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال ذلك (1).

وينقل إبراهيم بن محمد الجويني عن عبد اللَّه بن عباس قوله:

سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم يقول:

«أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون» (2).

إنّ بحثَنا يدور إلى الآن حول محور حديث الثقلين، ولدينا أحاديث تشبه حديث الثقلين من حيث المضمون، ونشير هنا إلى بعض منها، كحديث السفينة:

عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم:

«مَثَلُ أهل بيتي مثل سفينة نوح: من ركب فيها نجا، ومن تخلّف عنها غرق» (3).

وروي هذا الحديث أيضاً بأسانيد أُخرى عن أبي سعيد الخدري، وعبد اللَّه بن الزبير، وأبي ذر الغفاري عن النبي (4).


1- جامع أحاديث الشيعة 1: 49.
2- فرائد السمطين 2: 133.
3- مجمع الزوائد 9: 68.
4- مناقب الخوارزمي: 199.

ص: 17

ويزكّي نبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله و سلم في هذا الحديث أيضاً أهل البيت بصفتهم مرجعاً علميّاً، مؤيّداً أقوالهم وأفعالهم بصفتها حجّة للمسلمين.

ويستفاد من الحديث أنّ على المسلمين أن يتبعوا أهل البيت عليهم السلام، وأن يعملوا بتعاليمهم، كي لايضلّوا ولايضيعوا، وأنّهم إذا ابتعدوا عنهم فسوف يقعون لا محالة في الضلالة والضّياع.

وهذا موضوع يختلف عن إمامة أهل البيت وولايتهم، وبموجب هذه الأحاديث فإنّ على المسلمين أن يرجعوا إلى أهل البيت في تعلّمهم الأحكام والتعاليم الدينية حتّى ولو لم يعترفوا بإمامتهم.

علي بن أبي طالب عليه السلام يتلقّى العلوم الرساليّة:

لم يتّخذ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم هذا القرار فجأة وبدون إعداد المقدمات له، بل كان يشعر بضرورة مثل هذا العمل، لذا فقد أعدّ له المقدمات تدريجياً.

كان صلى الله عليه و آله يعلم جيّداً أنّ بقاء وانتشار الإسلام يحتاج إلى مرجع علمي قوي يقوم يتسجيل وحفظ كافّة أحكام وقوانين ومعارف الدّين، ويصونها من أيّ خطأ أو التباس، حتّى يكون بإمكان المسلمين الرجوع إلى هذا المرجع عند الحاجة.

ص: 18

كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يعلم بأنّ المسلمين في تلك الظروفِ الصعبةِ والمتأزمةِ في صدر الإسلام ليس لهم الاستعداد الكافي لكي يتعلّموا مجموعة القوانين والأحكامِ والمعارفِ الدينية بصورة كاملة، أو يسعوا للحفاظ عليها، وأنّ الأحكام الإلهيّة يجب أن تُحفظ في مكان أمين وموثوق به، ولهذا فقد انتخب الرسول صلى الله عليه و آله و سلم علي بن أبي طالب عليه السلام لهذا الغرض، ووضع تحت تصرّفه العلوم الدينيّة تدريجيّاً، وهذا الأمر كان تكليفاً من عند اللَّه تعالى.

فعن علي بن أبي طالب قال:

«ضمّني رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وقال لي: إنّ اللَّه أمرني أن أُدنيك ولاأُقصيك وأن تسمع وتعيَ وحقّاً على اللَّه أن تسمع وتعيَ، فنزلت هذه الآية «

وَتَعيها أُذُنٌ واعِية»» (1).

وروي أنّ ابن عباس قال: لمّا نزلت «وَتَعيها اذُنٌ واعِية» قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم:

«سألت ربّي عزّ وجلّ أن يجعلها أُذن علي»

، قال علي عليه السلام:

«ما سمعت من رسول اللَّه شيئاً إلّاوحفظته ووعيته ولم أنسَه مَدى الدهر» (2).

عن ابن عباس أنّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم:

«لما صرت بين يدي ربّي كلّمني وناجاني، فما علمت شيئاً إلّاعلّمته عليّاً فهو باب علمي» (3).

وقال علي عليه السلام:

«وقد علمتم موضعي من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم


1- مناقب الخوارزمي: 199.
2- مناقب الخوارزمي: 199.
3- ينابيع المودة: 79.

ص: 19

بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، وَيمسّني جسَده وَيشمّني عَرْفه، وكان يمضغ الشي ء ثمّ يلقمنيه وما وجد لي كذبةً في قولٍ ولاخطلةً في فعل، ولقد قرن اللَّه به صلى الله عليه و آله و سلم من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن الأخلاق ليله ونهاره، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل إثر أُمّه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه عَلَماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يَجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غيرَ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نورَ الوحي والرّسالة وأشمّ ريح النبوّة، ولقد سمعت رَنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه فقلت: يا رسول اللَّه ما هذه الرنّة؟

فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلّاأنّك لستَ بنبيّ لكنّك وزير وإنّك لعلى خير» (1).

قيل لعلي عليه السلام: ما لك أكثر أصحاب رسول اللَّه حديثاً؟ قال:

«إنّي كنت إذا سألته انبأني وإذا سكتُّ ابتدأني» (2).

وقال علي عليه السلام(في حديث):

«وقد كنت أدخل على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كلّ يوم دخلةً فيخلّيني فيها أدور معه حيث دار، وقد علم أصحاب محمّد أنّه لم يصنع ذلك بأحدٍ من الناس غيري، فربّما كان


1- نهج البلاغة: الخطبة 187.
2- طبقات ابن سعد 2: 338، أنساب الأشراف 2: 98.

ص: 20

في بيتي يأتيني رسول اللَّه أكثر ذلك في بيتي، وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عنّي نساءه فلا يبقى عنده غيري، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة ولا أحد من بنيّ، وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكتّ عنه وفنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت على رسول اللَّه آية من القرآن إلّاأقرأنيها وأملاها عليَّ فكتبتها بخطي، وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصّها وعامّها، ودعا اللَّه أن يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت آيةً من كتاب اللَّه وعلماً أملاه عليَّ وكتبته منذ دعا اللَّه لي بما دعا، وما ترك شيئاً علّمه اللَّه من حلالٍ وحرامٍ ولا أمرٍ ولا نهيٍ كائنٍ أو يكونُ ولا كتابٍ منزّلٍ على أحدٍ قبله من طاعةٍ أو معصيةٍ إلّاعلَّمنيه وحفظته فلم أنس حرفاً واحداً، ثمّ وضع يده على صدري ودعا اللَّه لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً، فقلت: يا نبيّ اللَّه بأبي أنت وأمي منذ دعوت اللَّه لي بما دعوت لم أنس شيئاً ولم يفتني شي ء لم أكتبه، أفتخاف عليَّ النسيان فيما بعد؟ فقال: لا، لست أتخوّف عليك النسيان والجهل» (1).

وقال علي عليه السلام:

«واللَّه ما نزلت آية إلّاوقد علمت فيما نزلت وعلى من نزلت. إنّ ربي وهب لي قلباً عقولًا ولساناً ناطقاً» (2).


1- الكافي 1: 64.
2- الطبقات الكبرى 2: 348.

ص: 21

نستخلص من هذه الأحاديث أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بذل عناية خاصّة في تعليم وتربية علي بن أبي طالب عليه السلام، ولهذا السبب فقد قرّبه إليه، وكلّ ما كان يتلقاه من اللَّه بواسطة الوحي كان يضعه تحت تصرّفه، وكان قد طلب من اللَّه عزّ وجلّ أن يجعل عليّاً حافظاً لكلّ العلوم بأن لا ينسى منها شيئاً، وقد لبّى اللَّه له طلبه، ولهذا لم ينسَ الإمام علي عليه السلام شيئاً.

علي عليه السلام مدينة العلم كما أكّد النبي الكريم:

ونتيجة للموهبة الذاتية للإمام علي عليه السلام ورعاية رسول اللَّه والتوفيقات الإلهية، فقد غدا مدينةً للعلوم الإلهيّة، وهو موضوع أكّده رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في مناسبات عديدة، ومن أمثلة ذلك: قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم:

«ليهنئك العلم أبا الحسن، لقد شربت العلم شرباً ونهلته نهلًا» (1).

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم:

«أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب» (2).

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم:

«يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها، كذب من زعم أنّه يصل إلى المدينة إلّامن قبل الباب» (3).


1- ذخائر العقبى: 78.
2- مناقب الخوارزمي: 40، و مستدرك الحاكم 3: 127.
3- ينابيع المودة: 82.

ص: 22

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم:

«أنا دار الحكمة وعلي بابها» (1).

وروى سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم انّه قال:

«أعْلَمُ أُمّتي من بعدي علي بن أبي طالب» (2).

وعن عبد اللَّه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه و آله و سلم فَسُئِل عن علي عليه السلام فقال:

«قُسّمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً» (3).

وعن أنس بن مالك قال: إنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال لعلي:

«أنت تبيّن لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي» (4).

وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم:

«إنّ أقضى أُمتي علي بن أبي طالب» (5).

تدوين العلوم من قبل الإمام علي عليه السلام:

اشارة

كان علي بن أبي طالب عليه السلام معصوماً من أيّ خطأ أو نسيان، وعند حفظ الأحاديث لم يكن يحتاج إلى كتابتها، ولكنّه كان مكلّفاً من قبل رسول اللَّه أن يدوّن كل مايسمعه في كتاب معيّن، حتّى يبقى


1- المصدر: 81.
2- فرائد السمطين 1: 94.
3- نفس المصدر.
4- المستدرك 3: 122.
5- مناقب الخوارزمي: 309.

ص: 23

للآخرين من بعده.

قال علي عليه السلام:

«قال رسول اللَّه عليه السلام: يا علي أكتب ما أملي عليك، قلت: يا رسول اللَّه أتخاف عليَّ النسيان؟ قال: لا، وقد دعوت اللَّه عزّ وجلّ أن يجعلك حافظاً، ولكن اكتب لشركائك الأئمة من ولدك» (1).

كما أن علي بن أبي طالب عليه السلام وبتكليف من رسول اللَّه كان يدوّن العلوم أيضاً في كتاب معيّن، وهذه هي نفس الكتب الّتي بقيت لكلّ الأئمة، وكانوا ينقلون عنها، وفي بعض الأحيان كانوا يشيرون إليها بقولهم: في كتاب علي، أو في الصحيفة أو الجامعة ذُكِر كذا أو قرأت في كتاب علي، وعلى سبيل المثال:

عن محمد بن الحكم عن أبي الحسن عليه السلام قال:

«إنّما هلك من كان قبلكم بالقياس، إن اللَّه تبارك وتعالى لم يقبض نبيّه حتّى أكمل له جميع دينه في حلاله وحرامه، فجاءكم بما تحتاجون إليه في حياته وتستغيثون به وبأهل بيته بعد موته، وإنّه مُصحفٌ عند أهل بيته» (2).

عذافير الصيرفي قال: كنت مع الحكم بن عُيَيْنَةَ عند أبي جعفر عليه السلام فجعل يسأل وكان أبو جعفر عليه السلام له مكرماً، فاختلفا في شي ء فقال أبو جعفر:

«يا بنيّ قم فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً»

ففتحه وجعل ينظر حتّى أخرج المسألة فقال أبو جعفر:

هذا خط علي وإملاء رسول اللَّه عليه السلام

، وأقبل على الحكم وقال:

«يا أبا محمّد


1- ينابيع المودة: 22.
2- بصائر الدرجات: 147.

ص: 24

إذهب أنت وسَلَمة وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالًا، فواللَّه لاتجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل» (1).

سأل زرارة أبا عبداللَّه عليه السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب من الوبر، فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم:

«إنّ الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شي ء منه فاسد لا تقبل منه تلك الصلاة» (2).

بكر بن كرب الصيرفي قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول:

«إنّه عندنا ما لا نحتاج إلى النّاس ليحتاجون إلينا، وإنّ عندنا كتاباً إملاءُ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وخطُّ علي، صحيفةً فيها كل حلال وحرام» (3).

ومثل هذه الأحاديث كثيرة في كتب الشيعة، ونكتفي بهذا القدر منها.

وكما لاحظتم فإن بإمكاننا أن نستنتج من الأحاديث المذكورة أن أهل البيت وأبناء النبي كانت لديهم كتب وصحائف من إملاء رسول اللَّه وبخطّ علي عليه السلام، وكانت كافّة المُتطلّبات العلميّة والدينيّة للناس مسجّلة في هذه الكتب، وكان أهل البيت يستفيدون منها ويستشهدون بما فيها عند الضرورة.


1- جامع أحاديث الشيعة 1: 9.
2- جامع أحاديث الشيعة 1: 9.
3- نفس المصدر.

ص: 25

وكان الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم والأئمة عليهم السلام يُبذلون عناية كاملة لإعداد وتسجيل هذه الكتب بموجب التكليف الإلهي والخطّة المعدّة من قبل، وكانوا يحقّقون بهذا هدفين كبيرين هما:

الهدف الأوّل:

الحفاظ على علوم الدين وإبقاؤها بعيدة عن متناول الحوادث، لكي تبقى دائماً محفوظة للمسلمين عند أئمة أهل البيت على شكل كتب مدوّنة بصفتها المصدر الإسلامي المهم الّذي أملاه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وكتبه علي عليه السلام حتى يرجعوا إليه عند الحاجة.

الهدف الثاني:

توجيه أنظار المسلمين إلى أهل البيت الّذين هم أحسن قادة الدين والمحافظون على علوم النبوة، لأنّ لديهم كتباً جامعة ومهمّة لا توجد عند غيرهم، فيتعلّم المسلمون منهم أحكام الشريعة وقوانينها ومعارف الدين وعلومه، ويستفيدوا من علومهم لكونها موثوقة لا شبهة فيها، وبهذه الوسيلة مهَّد الرسول الكريم الطريق لتثبيت المرجعيّةِ العلميّةِ لأهل البيت عليهم السلام.

نقل الحديث عن طريق الآباء:

كان أئمة أهل البيت أي علي بن أبي طالب عليه السلام وأحدَ عشر إماماً

ص: 26

من نسله، ينقلون أحاديثهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم، أي أن كل هذه الأحاديث الّتي علّمها رسولُ اللَّه عليَّ بن أبي طالب عليه السلام، علّمها الإمامُ علي الإمامَ الحسن، وهو بدوره علّمها الإمامَ الحسين عليهما السلام، وبهذه الطريقة كانت تحت تصرف الأئمة واحداً واحداً، وكان كلّ إمام يروي أحاديثه عن آبائه حتّى تصل إلى الرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلم، وقد صرّح أئمة أهل البيت أنفسهم بذلك، مثلًا:

عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«يا جابر إنّا لو كنّا نحدّثكم برأينا لكنّا من الهالكين، ولكنّا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم» (1).

وعن داوود بن أبي يزيد الأحول عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال:

سمعته يقول:

«إنّا لو كنّا نفتي النّاس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين، لكنّها آثار من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، أصل علم نتوارثها كابراً عن كابر، نكنزها كما يكنز النّاس ذهبهم وفضّتهم» (2).

وعن هشام بن سالم، وحمّاد بن عثمان، وغيرهما قالوا: سمعنا أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول:

«حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين


1- جامع أحاديث الشيعة 1: 14.
2- جامع أحاديث الشيعة 1: 14.

ص: 27

حديث رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، وحديث رسول اللَّه قول اللَّه عزّ وجلّ» (1).

عن جابر قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إذا حدّثتني بحديث فأسنده لي، فقال عليه السلام:

«حدَّثني أبي عن جدي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عن جبرئيل عن اللَّه عزّ وجلّ، وكلّ ما أحدّثك بهذا الإسناد»

، ثم قال:

«يا جابر لَحديثٌ واحد تأخذه عن صادق خير من الدّنيا وما فيها» (2).

خلاصة الكلام:

نستخلص من مجموع الأحاديث السابقة ما يلي:

1- عَلَّم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم علي بن أبي طالب عليه السلام جميع العلوم والمعارف والأحكام والقوانين الدينيّة تدريجيّاً طوال فترة نبوّته، وذلك وفق برنامج دقيق ومدروس. وقد بذل أقصى جهده في تعليمه وتربيته، وبهذه الوسيلة وفّر كافة الإحتياجات العلميّة للمسلمين، وحفظ هذه العلوم والمعارف الدينيّة كافّة في مكان موثوق به.

2- وكذلك فإنّ الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ونتيجة لموهبته وكفاءته ودعاء رسول اللَّه وسعيه وجدّيته، تعلّم كافّة العلوم


1- جامع أحاديث الشيعة 1: 12.
2- نفس المصدر: 13.

ص: 28

والمعارف الدينيّة من الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وحفظها، ولم ينس شيئاً منها، ولهذا أصبح خزانة لعلوم النبوّة.

3- كان علي بن أبي طالب عليه السلام يحفظ علوم النبوة بطريقتين:

أ- يحفظها شفهيّاً.

ب- يدوّنها بتكليف من الرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلم في كتاب أو كتب تبقى لأهل البيت عليهم السلام كافّة، أي الأئمة من بعده.

4- وهكذا فإنّ الإمام عليّاً عليه السلام وضع علومه بكلتا الطريقتين تحت تصرّف الإمام الذي يليه أي الإمام الحسن، أي أنه علَّم الإمام الحسن أحاديث الرسول الأكرم شفويّاً، ووضع الكتب تحت تصرّفه، وأوصاه بأن يضع هذه العلوم بنفس الطريقة تحت تصرّف الإمام الذي يليه.

5- عندما قام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بتسجيل وتنفيذ هذه الخُطّة كان هدفه أن يسجّل ويحفظ العلوم والمعارف الصحيحة للإسلام في مكان أمين، بعيداً عن متناول الأحداث.

6- ومع إبلاغ أحاديث الثقلين، والسفينة، والمودّة في القربى، وعلي مع القرآن والقرآن مع علي، وآية التّطهير، وأحاديث أُخرى، أعدّت الأرضية لكي يقوم الرسول الكريم بتزكية أهل البيت للناس بصفتهم المرجع العلمي المهم والموثوق به أعلى درجات الوثوق، وقد أوصى عليه الصلاة والسلام في مناسبات مختلفة وعبارات متنوّعة الناس أن يأخذوا العلوم والمعارف التي

ص: 29

يحتاجونها عن هذا الطريق.

فلو أنّ المسلمين كانوا قد اعترفوا بالمرجعية العلميّة للإمام علي عليه السلام وأهل البيت بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله و سلم، أو أنهم كانوا على الأقل رجعوا إلى هذه العترة للحصول على العلوم، لأصبحت الحقائق والمعارف الصحيحة والحيوية للإسلام بين أيديهم، ولبقوا مصونين من اختلاف وتشتّت المذاهب، ولكانوا باستخدامهم لهذه العلوم أضاءوا الدنيا ولفتوا انتباه العالم نحوهم، ولأصبح الوضع في العالم غير الذي نراه الآن.

ولكن لم يحصل هذا، لذلك ابتعد المسلمون عن مرجعيّة أهل البيت تدريجيّاً، ولم يستفيدوا جيّداً من هذا المنبع الغني والموثوق به في تعلّمهم الأحكام والعلوم الدينيّة، ولأجل توفير احتياجاتهم العلميّة تشتّتوا هنا وهناك، وفي بعض الأحيان سقطوا في حبائل خونة الدين ومزوّري الأحاديث.

هذه من أكثر الضربات المؤلمة الّتي أُصيب بها الإسلام الفتيّ، ولكن هذه المؤامرة بالطبع لم تقع دفعة واحدة بل حدثت تدريجيّاً؛ ففي بداية الإسلام وبعد وفاة الرسول الكريم كان المسلمون يرجعون إلى الإمام علي عليه السلام لتأمين احتياجاتهم العلميّة، وكانوا يستفيدون من آرائه في الفتوى والقضاء، وكان عمر ابن الخطاب يرجع باستمرار إلى الإمام علي عليه السلام في حل المعضلات الدينيّة، وكان يستفيد من آرائه، وعلى سبيل المثال:

ص: 30

قال ابن عباس: إذا حدّثنا ثقة عن علي بفتياً لا نعدوها (1).

عن أبي هريرة قال: قال عمر بن الخطّاب: علي أقضانا (2).

عن سعيد بن المسيّب قال: كان عمر يتعوّذ باللَّه من معضلة ليس فيها أبو الحسن (3).

عن أُذينة العبدي قال: أتيت عمراً فسألته من أين أعتمر؟ فقال إئتِ علياً فاسأله (4).

وعن عائشة وقد سُئلت عن المسح على الخفّين فقالت: إئتِ عليّاً فاسأله (5).

وعن أبي سعيد الخدري أنّه سمع عمر يقول لعلي وقد سأله عن شي ء فأجابه: أعوذ باللَّه أن أعيش في يوم لستَ فيه يا أبا الحسن (6).

وخلال خلافة الخلفاء كان الاهتمام أوفر بالمرجعيّة العلميّة لعلي بن أبي طالب عليه السلام، وكان صحابة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أبوبكر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وسلمان الفارسي، وأبوذر الغفاري يستفيدون من آراء الإمام علي عليه السلام في المسائل الفقهية


1- طبقات ابن سعد 2: 338.
2- نفس المصدر: 349.
3- نفس المصدر.
4- ذخائر العقبى: 79.
5- نفس المصدر.
6- نفس المصدر: 82.

ص: 31

والموضوعات القضائيّة، وكانوا يدركون مكانته العلميّة ولا يأبون الرجوع إليه، وفي تلك المرحلة التي لم تكن فيها الخلافة الإسلامية قد تبدّلت إلى حكومة ملكيّة، كان هناك عدد كبير من صحابة رسول اللَّه يعلمون المكانة العلميّة والفضائل والمعارف الذاتيّة لعلي بن أبي طالب، وكانوا يتذكّرون ما سمعوه من رسول اللَّه مرّات متعدّدة وهو يوصي أتباعه بالاستفادة من علومه، وبالتالي فإن الجو السّائد لم يكن يسمح بإنكار جميع الفضائل والمعارف الذاتيّة والمكانة العلميّة لعلي بن أبي طالب، وإهمال كلّ توصيات رسول اللَّه وإخراج الإمام علي من الواجهة السياسيّة والإجتماعية والمرجعيّة دفعةً واحدة، ولهذه الأسباب كانت مرجعيّته إلى حدٍ ما تؤخذ بنظر الاعتبار، رغم إبعاده عن الواجهة السياسيّة، وكان الصحابة يستفيدون من علومه بنحوٍ ما.

وبلغ المُصاب الأليم في ابتعاد المسلمين عن علوم أهل البيت ذِروته في الفترة التي تبدّلت فيها الخلافة الإسلامية إلى حكومة ملكيّة، ولهذا فإنّ مسألة الوحي ومراعاة القوانين والأصول الإسلامية وضرورة الرجوع إلى مصادر العلوم الإسلاميّة ومعرفتها لم تكن مهمّة لأمثال هؤلاء وليست واردة عندهم.

وابتداءً من هذه المرحلة انزوى أهل البيت تدريجيّاً وعُرِّضت مرجعيّتهم العلميّة للنسيان، ومن المحتمل أن تكون هذه المرحلة قد بدأت من الشام وامتدت تدريجيّاً إلى كافّة البلاد.

ص: 32

وكما قلت من قبل أنّه لو كان قد حدث الاهتمام بمرجعية أهل البيت بصورة عامّة لتغيّر وجه العالم الإسلامي، ولأصبح غير هذه العالم الّذي نحن فيه.

ونحن على أمل أن يرجع العالم الإسلامي إلى نفسه، وأن يرجع إلى الطريق الذي حدّده له رسول اللَّه، ويلتزم بالمرجعية العلميّة والفقهية لأهل البيت، ويتخلّص من التفرقة والاختلاف.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.