كنت اميريا

اشارة

نام كتاب: كنت اميريا

نويسنده: محمد عبد المحسن آل الشيخ

موضوع: اعتقادات و پاسخ به شبهات

زبان: عربي

تعداد جلد: 1

ناشر: نشر مشعر

مكان چاپ: تهران

نوبت چاپ: 1

ص: 1

اشاره

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

مقدّمة الناشر

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين، المبعوث رحمةً للعالمين محمّد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه العاملين بهديه،

وبعد فهذا كتاب قيّم يحتوي قصّة رجل هداه الله، بعد ما عاش فترة مظلمةً من شبابه بعيداً عن الحقّ، سائراً في جهالات الدجّالين، يتبختر على الناس، مدّعياً العلم والالتزام بالقرآن، واتّباع السنّة، ومتشبّهاً في شكله وزيّه بمن يسمّيهم السلف، مستهيناً بالآخرين، مكفّراً لهم، زاعماً بُطلان عقائد المسلمين، وأعمال المؤمنين ...

ص: 6

ثمّ أنعم الله عليه بالهداية إلى الحقّ الواضح، بنور الإيمان؛ لأنّه تنبّه بما جرى له، وشاء وطلب من الله الهداية: وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم.

ثمّ كتب هذا الكتاب يحكي ما جرى له قبل وبعد، عسى أن يُنيرَ الدرب للآخرين من أمثاله المغرّرين بتلك الدعاوي الفارغة.

ولأنّ الحكاية شائقة مثيرة، وفيها موعظة بليغة لأبناء المسلمين الناشئين، ولغيرهم، ليزدادوا إيماناً بالحقّ الذي هم عليه، وليبتعدوا عن دعاوي الزيف، ويتركوا التزييف لعقائد الامّة الإسلامية باسم السلف الصالح الذي هو بري ءٌ من تلك الدعاوي.

أقدمنا على تقديمه، إبلاغاً للرسالة التي نحسّها على عاتقنا في دعوة المسلمين وإرشادهم، لكي يعرفوا الحقّ ويستنيروا بنوره فيتّبعوه، وليعرفوا طرق الغواية والزيغ والضلال فيتجنّبوها.

ص: 7

والله الهادي هو حسبنا ونعم الوكيل. وصلّى الله على سيّدنا رسول الله وعلى آله وصحبه المؤمنين أجمعين.

الناشر

ص: 8

[كنت أميريا]

قبل أن أبدأ الكتابة، استوقفني الأمر، خوفاً من أن أُتّهم بالدخول في عمل سياسيّ، وأنا لستُ إلّا طبيباً للأطفال، فتردّدت كثيراً، لكنّي عزمتُ على الكتابة، لأنّي أتوقّع أن يكون بعض الناس على نفس الخطّ الذي كنتُ أسير عليه، وفي نفس الحالة التي عشتها، ليقرأ ما جرى لي، ويعتبر، ويتجاوز المآزق والعقبات والخرافات والبدع، ويعبر من الظلمات إلى النور، ويتوقّى مزالق الإرهاب والشرور.

والذي يُريحني أنّي عملتُ بواجب فرضه الرسول عليَّ بقوله:

«كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته

».

ص: 9

ولقد كنتُ من أشدّ الملتزمين بتعظيم الامراء والحكّام للبلاد الإسلاميّة: معتبراً إيّاهم «الأئمّة (الذين أوجب الله ورسوله طاعتهم على الامّة وأنّهم ظلّ الله تعالى في الأرض على العباد، ووسيلة السعادة في المعاش والمعاد.

مقدّساً لكلّ حاكم تقديسي للرسول والخلفاء وللصحابة.

ذاكراً لهم بكلّ تعظيم وتكريم واحترام.

وباذلًا جهدي في نشر هذه الفكرة بين الشباب والأصحاب والأقارب وحتّى الأباعد.

كما إنّ موقفي من المخالفين كان شديداً جدّاً، فكنتُ أعتبر مَن يعترض على الولاة والحكّام زنديقاً خارجيّاً، يريد الكيد للإسلام والدين، والامّة وكيانها.

حتّى كانت الحادثة التالية في ليلة من ليالي الشتاء، حينما فزعت أنا وزوجتي، من النوم على أثر صوت

ص: 10

رهيب، كأنّه اصطدام سيّارة بباب البيت، ثمّ تلاه ضوضاء وصخب، خارج المنزل.

أزحت الستارة من الشبّاك فرأيتُ رجلين يترنّحان ويعربدان، والغريب جدّاً أنّهما كانا عاريين تماماً، فذُهلنا- أنا وزوجتي-، ولم نَرَ في الشارع أحداً غيرهما. ولم يخرج أحدٌ من داره إلّا رجلا واحداً، من الجيران، كنتُ أعرفه من خلال المدرسة زميلًا في الصفّ، لكنّي أكرهه وأبتعد منه، لكونه شيعياً، رافضيّاً!

وبالرغم من السنين الطوال التي كان يعيشها معنا في حارة واحدة، وشارع واحد، فإنّي لم أجد له في قلبي موضعاً، فهو يُخالفني في العقيدة والسيرة: أنا سلفيٌّ وهّابيٌّ، وهو شيعيٌّ رافضيّ، وأنا أميريٌّ متعصّبٌ، وهو شعوبيٌّ خارجيٌّ.

لم أرَ في الشارع، تلك الليلة خارجاً من الدار إلّا

ص: 11

ذلك الرجل الذي يحمل اسم عبد (ربّ) الحسين!

مع أنّ الجيران كلّهم قد أفاقوا على أصوات الاصطدام والعربدة والصياح.

وبعد مُدّةٍ: جاءت سيّارة النجدة، فخرج الناس، وخرجتُ أنا، إلى الشارع، فوجدتُ ذلك الرجل الوحيد الذي كان يتكلّم مع الشرطة، ويقول:

ما هذا الوضع المزري؟

هؤلاء الأجانب يسرحون ويمرحون في وطننا الإسلامي، وعلى أرضنا الطاهرة، وبهذا الشكل المزري المخجل: عراةً، سكارى، يزعجون الناس؟.

ونظرتُ، فإذا الشخصان العاريان هما من جنود الاحتلال الأمريكي.

ورأيتُ بامّ عيني قناني الخمر في سيّارتهما.

وهما كما قلتُ «عراة تماماً، وبكلّ وقاحة يحتضن أحدهما الآخر.

ص: 12

وخرج بعض الجيران إلى الشارع، وفوراً، أخذتهما الشرطة، وهدأ الشارع.

ولكن ذلك الشيعيّ- عبد (ربّ) الحسين- بقي المتكلّم الوحيد، يخطب في وسط ذلك الجوّ يقول:

إنّ هذا ا لذي حدث هو واحدٌ من مآسي الحكم الفاسد، الذي يتقلّده الامراء الفاسدون، الجهلة!.

يقولها بكلّ حماس، وبكلّ جدّ وجُرْأة، وأمام كلّ المجتمعين، وفي تلك الحالة الغريبة!.

أفزعني هجومه على الحكم والحاكم، وهو وليُّ الأمر!

وظلّت كلماته هذه في ذلك الجوّ الرهيب ترنّ في اذني وتثقل على قلبي كان يقول:

«إنّكم غافلون!

إنّ الحاكم إذا كان فاسداً سوف يجرّ المجتمع إلى الفساد، لأنّ الناس على دين ملوكهم.

ص: 13

إنّ الحاكم الفاسد، يمثّلكم في الدنيا، ويتولّى على رقابكم وأموالكم وأعراضكم.

وهو سوف يقدمكم يوم القيامة، ويمثّلكم هناك، كما يمثّلكم في الدنيا في المجتمعات والمواقف!.

وكما يجرّ عليكم هنا الويلات، فإنّه هناك في الآخرة يسوق بكم إلى النار، كما قال الله تعالى: ... فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيد* يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ* وَأُتْبِعُوا فِى هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَمَةِ بِئْسَ الرّفْدُ الْمَرْفُودُ (هود: 11/ 97- 99).

رجعتُ إلى البيت، وسألتني الزوجة: ماذا كان الحادث؟.

فأجبتها: ناس أجانب!.

قالت: أمريكان!.

قلت- وأنا مَلآنُ غضباً-: نعم!.

ص: 14

عرفت الزوجة في وجهي ونبرات صوتي، الانزعاج، ولكنّي حاولت أن أخفي عنها، فلم احدّثها بكلّ ما رأيتُ وسمعتُ.

ولكنّها سألت: ومن كان ذلك المتكلّم؟ وماذا كان يقول؟.

علمتُ أنّها كانت ترى من الشبّاك ما كان في الشارع، ولكنّها هل سمعت كلّ ما كان هناك من حديث وخطاب؟!

لم أرد أن اخبرها بخطاب ذلك الجار، لأنّه يحتوي على ما أعتقده «كفراً و خروجاً عن الإسلام، ولا اريد أن اشوّه عقيدتها.

وبتُّ تلك الليلة قلقاً، ولم أطق النوم، كانَ شي ءٌ ثقيلٌ يجثم فوق صدري، يهيّج أحاسيسي ومشاعري، حاولتُ- من غير جدوى- الخروج من تحت ثقله، والتفلّت من قيوده، لم أتمكّن.

ص: 15

هل ما قاله هذا الرجل صحيح ومعقول؟

فأنا- إذَن- وجماعتي السلفيّة الأميريّون، في ضلالة طوال هذه الأعوام من أعمارنا؟!

أم إنّ هذا الجار الشيعيّ، هو فعلًا خارجيّ يريدُ إثارة الناس، ودعوتهم للفتنة!

فأنا أعتقد: أنّ الحاكم هو «وليُّ الأمر الذي أمر الله بطاعته، في قوله: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْامْرِ مِنْكُمْ.

فلا يمكن أن نخرج من طاعة الأمير، لمجرّد سهو، أو غفلة منه، أو من أجل عمل يقوم به الأمريكان في البلاد.

ثمّ إنّ دعوة الرجل الجار الشيعيّ تجعلني في مواجهة المشايخ كلّهم، وفي مواجهة المباحث والاستخبارات والدخول في السياسة، التي لاتعنيني إطلاقاً، ولا اريد أن أدخل هذا المأزق الحرج المتعب، ولا اريد أن اواجه

ص: 16

وليّ الأمر، فأكون بالتالي خارجاً من جماعة المسلمين، وشاذّاً «ومن شذّ فهو في النار» كما في حديث صحيح يحتوي على هذا النصّ.

ولقد كان، يشعل فؤادي لهباً، أن أجدني على شفا النار، تبعاً للحاكم، إذا كان ما يقوله هذا الرجل حقّاً، فنحن على باطل.

وقلتُ: إنّ أقوى وسيلة هو الهجوم.

واستعددت لقراءة ما كتبه مشايخنا عن طاعة الولاة والامراء والحكّام، وحفظتُ- عن ظهر قلب- الآيات والأحاديث وكلمات العلماء، ونصوص العقيدة الواسطيّة، والصحيحة،

واطّلعتُ على قصص الخوارج والمآسي التي جرّتها قضايا الخروج على الحكّام في طول التاريخ، بعد فشلها.

***

ص: 17

وفي صباح يوم عيد الأضحى المبارك خرجتُ من الدار فإذا بجار لي من أهل السنّة يدعى أبا خالد، عانقته وباركت له العيد، ودعوت له بالقبول والبركة والسلامة، ولعياله، بالرغم من أنّه غير ملتزم، حليق اللحية، وبناته وزوجته غير محجّبات.

لكنّي احاول أن اعاملهم بالخُلُق الحسن، لأنّ السنّة تأمرنا بمداراة الجار، ولا يزال النبي (صلى الله عليه وسلم) يوصي بالجار.

وفجأة ظهر ذلك الرجل الشيعيّ عبد (ربّ) الحسين، واتّجه إلينا، وعانق صاحبي بحرارة، وهنّأه بالعيد وتبادلا التهاني والمعايدة.

ثمّ مدّ إليّ يده، فمددتها إليه قصيرةً، وبكلّ برود، ولكنّه تلقّفها بقوّة وحرارة، وحاول أن يعانقني، فسحبت نفسي إلى الوراء، وكلّ ذلك وهو يبارك لي العيد، ويُهنّئُني، ويدعو لي.

ص: 18

لكنّي لم أردّ عليه ولا بكلمة واحدة!

والرجل لم يترك دعاءه، ولم ترتفع البسمة من شفتيه، حتّى ودّع، ومضى لشأنه.

وهنا لاحظتُ العجب على وجه صاحبي (أبي خالد) السنّي، فإذا هو يقول لي:

ما هذه المعاملة الخشنة مع هذا الرجل الجار؟

لماذا لم تسمح له أن يعانقك؟

لماذا لم تهنّئه بالعيد، وهو قد هنّأك؟

لماذا لم تردّ عليه السلام، وهو قد سلّم عليك؟

قلت له- وأنا منفعل-: إنّه رجلٌ شيعيٌّ من أهل البدعة، يجب أن نحذر منه، ونبتعد عنه ولا نخالطه! لئلّا نفتتن به وبفتنته.

فقال لي: أبهذا أمرك الإسلام؟

أليس القرآن يقول: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّة فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا؟

ص: 19

وهل هذه طريقة الدعوة إلى الله؟

وهل هذه الموعظة الحسنة التي أمر الله بها؟

وهل هذه الحكمة في مواجهة الناس ومعاملتهم؟ حتّى غير المسلمين.

فضلًا عن هذا، فهو يُعلن الإسلام ويصلّي ويصوم مثلنا؟

ثمّ إنّا نعيش معه، ولم نَرَ منه إلّا الحَسَنَ الجميل في المنطق والفعل، والتعامل.

فما هي البدعة التي رأيتها منه؟

قلتُ: هل نسيتَ كلامه تلك الليلة ضدّ الحكومة وضدّ الأمير؟ إنّه يريد إثارة الفتنة! إنّه خارجيّ!

فقال لي- وهو يضحك-: مهلًا، لا تحكم على الناس بهذه الأحكام القاسية!

مَن خوّلك صلاحيّة الحكم على الناس هكذا؟

وهل أنت على يقين من صحّة عقائدك وأقوالك

ص: 20

وسيرتك؟!

مَن أعطاك هذه الولاية على الناس حتّى تحكم على الرجل بأنّه خارجيّ؟

إنّ الرجل يعيش بيننا منذ الطفولة فلم نَرَ منه غير الأدب الجمّ، والأخلاق الحسنة، والإنصاف، والخدمة، والمروءة، والالتزام بالأعراف الطيّبة. وهو وطنيّ متحمّس، وكريم، وقد رأيتَ اليوم أدبه وحسن خُلُقه.

وأمّا ما تقول عنه في تلك الليلة: فقد رأيتَ شجاعته وجُرْأته، في مقابل ما فعله الأمريكان، وأمام الشرطة، حيث كان المتكلّم الوحيد، وقد كَمَّ الجُبْن أفواهنا جميعاً.

وأراكَ اليوم تتكلّم بطلاقة، ولكنّك تلك الليلة كنت «أخرس»!

لماذا لم تقل هناك شيئاً ولم تنهَ عن المنكر الذي رأيتَه: أمريكان، سكارى، عراة، ألم ترهم؟

ص: 21

لماذا لم تتكلّم عليهم؟

وأنت تتهجَّمَ هُنا اليومَ على هذا الرجل المسكين الذي يحيّينا بتحيّة الإسلام، ويبارك لنا عيد المسلمين!.

وقفت أنظر إلى صاحبي، وأسمعه، مذهولًا، وكانت كلماته كافيةً لأنْ اغيّر نظرتي تجاه ذلك الرجل الشيعيّ، أو على الأقل أندمُ من مواجهتي الصلفة، ومعاملتي الخشنة معه.

ولكنّ غروري منعني من الاستسلام للواقع المرّ، و «الحقّ مرٌّ» كما يقولون.

والتعصّب للمذهب والولاء للآباء وأنا من بيت الشيخ، صدّني عن اتّباع العقل والتراجع عن التزمّت والمكابرة.

كيف أتنازل عن ثقافة تربّيت عليها في البيت والمدرسة والمسجد، ولا أزال في بيئة سلفيّة تركّزها في نفسي وعقلي ودمي.

ص: 22

بينما هي قد تكون مغلوطة خاطئةً باطلةً، ولكنّي التزمتها وفهمتها على أنّها حقيقة، وكلّ ما سواها باطل فاسد!.

تركني صاحبي وحدي، وقفتُ لدقائق، ثمّ بدأتُ أمشي.

***

وغداً ذهبتُ إلى العمل لكنّي لم أبق هناك كالمعتاد، بل رجعتُ مبكّراً بساعتين، ولمّا دخلتُ المنزل ارتميتُ على الفراش، وجاءتني الزوجة سائلة: ما بك؟ لماذا جئت مبكّراً؟.

قلتُ لها: إنّي متعبٌ، منهك.

قالت: لماذا؟ ماذا عملت؟ ما حدث؟.

لم أكن مرهقاً جسميّاً، لكنّي كنتُ مرتبكاً نفسيّاً وعقلياً ووجداناً وعاطفة!.

لماذا لم يكن لي موقفٌ تجاه ما رأيتُ من الأمريكان

ص: 23

تلك الليلة؟ وأنا أدّعي أني من أهل السنّة؟

وهل السنّة والسلفيّة تدعوني إلى السكوت في مثل ذلك الموقف؟

وهل ما قاله الجار الشيعي تلك الليلة له نصيبٌ من الصحّة؟.

وهل معاملتي له يوم العيد كان صحيحاً إسلاميّاً؟.

وهل كلام الجار السنّي حقّ؟. وأنا قد قصّرتُ في حقّ شرعيّ أنسانيّ؟

وهل لي الحقّ في الحكم على الناس بهذه القسوة؟.

أسئلة تبقى في ذهني بلا جواب، وتجول ولا تستقرّ، ولا تدعني أن أستقرّ وأهدأ.

والزوجة إلى جانبي تلحّ عليّ: ما بك؟ قل لي، لعلّي أتمكّن من عمل شي ء؟

فلم أجد بُدّاً من مصارحتها، فقلتُ لها:

إنّ مشكلتي ليست جسميّة، إنّها ثقافيّة عقليّة فكريّة.

ص: 24

قالت: ما هي؟

قلتُ: بدأت المشكلةُ من تلك الليلة التي فعل الأمريكان فيها ما تعرفين، ومن خطاب ذلك الرجل الجار الشيعي.

وتحدّثت لها بما جرى يوم العيد مع الجار الشيعيّ، وبحضور السنّي أبو خالد، وكلامه حول الشيعي، وعتبه عليّ ما فعلت.

قلتُ لها: إنّ جميع ذلك يؤرّقني ويقلقني، فماذا أفعل؟ وما هو موقفي؟ و واجبي؟.

قالت بابتسامة: إنّي سألتُك تلك الليلة عمّا قال الرجل؟ فلم تجبني، وأنا عارفة لماذا لم تجبني؟ لأنّك لاتريد أن تعيد كلامه، الذي تعتبره باطلًا مخالفاً لعقيدة السلفيّة في تكريم الملوك و تقديس الامراء، و وجوب طاعتهم.

لكنّي أنا كنتُ واقفةً عند الشباك، وقد سمعت جميع ما دار هناك، وما قاله الرجل.

ص: 25

أنا- كما تعلم- مثقّفة وملتزمة- بحمد الله- ولكنّ ما قاله الرجل لا يبعدُ عن الحق والحقيقة.

وأنا بحكم الجوار متّصلة بزوجته وهي سنّية ملتزمة، وأنا أتحدّث معها حول سيرة زوجها الشيعيّ في البيت وعمله، فلم تنقل عنه ما يظهر منه الاتّهام بالرفض والخارجيّة والفساد.

بل تقول زوجته: هو ملتزم بقراءة القرآن وأحكام الدين وأعمال الخير والأخلاق الحسنة والدعاء للمسلمين والدعوة للإسلام، طبعاً في إطار مذهبه الشيعي المنتسب إلى أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

وليس من الصحيح أن نعامل الجار- مهما كان دينه ومذهبه- بالقسوة والفظاظة والتهجّم!

فله حقّ المواطنة، وحقّ الجوار، وحقّ الدين، وحقّ الإنسانيّة.

ص: 26

فماذ يضرّك، وأنت مثقّف، متديّن، وعارف بالسلفيّة، أن تلتقي به، لأمرين:

الأوّل: أن تستميح منه العفو على ما صدر منك تجاهه من تقصير يؤنّب ضميرك.

والثاني: أن تسمع ما يقول وتشرح له ما تعتقد أنت، لعلّه هو يهتدي إلى الحقّ بكلامك، وفي هذا إتمام للحجّة.

كان كلامها كأنّه مرهمٌ على جرحي، وبلسم لدائي، وسكينة على نفسي.

ارتاح ضميري لهذا الكلام، وهدأت أعصابي ونشطت، ولم أحسّ بقلق.

وفي هذه الأثناء فوجئت بطارق يدقّ جرس الباب، فإذا هو جاري السنّي أبوخالد، جاء ليزورني، ولمّا جلس، قال: إنّي فكّرتُ في ما جرى بينك وبين عبدالحسين.

ص: 27

فقاطعتُه: عبد (ربّ) الحسين.

واستمرّ أبوخالد في الحديث: فرأيتُ من الأفضل أن أتدخّل بينكما وأجمعكما لكي ترتفع الضغينة، وترجع المياه إلى مجاريها، فإنّ البغضاء تورث الحقد والنقمة، بينما الالفة تجلب الرحمة والبركة.

ثمّ إنّ اللقاء بين الأحبّة يؤدّي إلى التفاهم والمعرفة التامّة بحقائق الامور.

ولسنا- بحمد الله- أعداء، فإذا لم نكن على رأي واحد، فلنكن عارفين بآراء الآخرين، لعلّنا نزداد به علماً ومعرفة بامور اخرى، أو نزداد بصيرة بما عندنا من الحقّ.

وإنّ من الإنصاف أن يعتقدَ المرءُ أن رأيه صوابٌ يحتمل الخطأ ورأي خصمه خطأ يحتمل الصواب.

والأهم: لعلّ الله يهديه على يدك فتكون ممَن قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): «لئن يهدي الله بك

ص: 28

رجلا خيرٌ لك من حمر النَعَم».

كانت هذه الكلمات التي جاءت بلا موعد، إلى جانب كلمات زوجتي، مخرجةً لي من ذلك الاضطراب والقلق.

فوَدّع أبو خالد وخرج.

***

عُدت إلى فراشي لأنام مطمئناً تلك الليلة، وكنت افكّر: لماذا جرت لي كلّ هذه الامور:

هل يريد الله أن يمتحن إيماني وقلبي، فيجدني مؤمناً صابراً، أنجح في الامتحان؟.

أو هل كنت على خطأ فضيع في عقيدتي والتزاماتي السابقة، يريد الله أن يهديني، فهيّأ لي هذه الأجواء؟.

وما دامت الامور قد تهيّأت إلى هذا القدر، فلماذا لا أدخل بشجاعة وأستفيد: إمّا أن أهدي ذلك الرجل.

أو أن أهتدي من ضلالة كنتُ عليها طول العمر؟

ص: 29

والأمر لا يحتاج إلى أكثر من لقاء وحديث.

فصمّمت على أن ألتقي بالرجل.

فذهبت مع زوجتي التي كانت تحثّني على ذلك، إلى بيت أبي خالد، وأخذناه معنا إلى بيت الرجل الشيعي.

***

لمّا عَلِمَ الرجل الشيعي بِمجيئنا إليه، أسرع إلينا بالعناق، وخصّني دون صاحبي بالاستقبال الحارّ، وأخذ بيدي إلى الداخل.

فتعجّبت من خُلُقه السامي، ومن حلمه وكرمه.

إنّه لم يظهر منه ما يُوحي إساءتي له يوم العيد، وكأنّي لستُ ذلك الذي لم أردّ عليه التحية، والذي واجهته بكلّ برود، ولم أتكلّم معه بكلمة واحدة.

وهاهو اليوم كان أكثر حديثه معي، وكان أكثر نظره إليّ، ولم يترك يدي منذ صافحته إلى أن أجلسني في بيته.

ص: 30

وهكذا كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا صافح أحداً لم يفكّ يده، حتّى يكون الآخر هو الذي يتركه. وكان (صلى الله عليه وسلم) إذا كلّم أحداً أقبل عليه بوجهه.

هذه أخلاق نبويّة كريمة، أجدها عند هذا الرجل الشيعيّ، وقد فقدتُها أنا الذي أدّعي أنّي سنّيٌّ سلفيٌّ!.

ودار الحديث شجوناً، حتّى بدأ أبو خالد جاري السنّي القول:

ياأخ عبدالحسين!.

فقاطعته: عبد (ربّ) الحسين.

فضحك صاحب الدار ضحكةً عاليةً! وقال:

- دكتور محمّد، كلّنا عباد الربّ سبحانه وتعالى، والجميع عباد الرحمن، وعباد الله. ونشكر الله على معرفته، وعلى توفيقنا لعبادته.

ولكنّ الأسماء على ما وضعتْ، وقد وضعها آباؤنا

ص: 31

المسلمون الموحّدون لله، ولا يقصدون من كلمة (عبد) معنى العبادة الخاصة بالله تعالى، وإنّما (العبدُ) هنا بمعنى الخادم والرقّ، ولمّا تضاف إلى الأشخاص الذين نحترمهم تعني نوعاً من إظهار الحبّ والولاء لهم.

و (الحسين) هو سبط رسول الله ابن بنته، ونحن نعبّر عن حبّنا له بهذه الكلمة، حيث نعتبر أنفسنا خدماً صغاراً له ولأهدافه. وحاشا أحداً من المسلمين أن يتصوّر أو يفكّر أن يعبد أحداً غيرالله.

فهناك فرق بين العبادة والعبوديّة مثل الفرق بين كلمة «عابد» وكلمة «عبد/ خادم». وهذا المعنى في القرآن، قال الله سبحانه: والصالحين من عبادكم وإمائكم.

ثمّ إنّ الأعمال والكلمات والجمل بالنيّات والمقاصد، ونحن نسمّي (عبدالحسين) بمعنى خادم الحسين.

ص: 32

ولسنا نتصوّر ما هو على بالك من قصد العبادة لغير الله.

وليس لك أن تحاسبنا على ما في نيّتك أنت.

تكلّم كلّ هذا بهدوء، وبابتسامة لطيفة، يتخلّل كلامه تقديم الحلويات والفواكه. ممّا أضفى على الجوّ روعةً وصفاءً خاصّاً.

ولمّا انتهى من كلامه، أشار إلى الجار السنّي أبي خالد أن يستمرّ في حديثه، فقال أبوخالد:

- أخ عبدالحسين، إنّ الدكتور محمّداً، يحبّك ويحترمك، لأنّك جارنا منذ القديم.

قاطعنا عبدالحسين: وأنا احبّكم جميعاً لذلك، واحبّ الدكتور، لأنّه زميلي في الدراسة، ولأنّه دكتور فاضل، يقوم بخدمة الشعب، وبخدمة أهل الحارة، نفتخر به حفظه الله ورعاه.

واستمرّ أبو خالد: ولكنّه يحبّ أن يعرف منك ما

ص: 33

قلتَه تلك الليلة العجيبة حول الحكومة، ولماذا تهجّمت على الحاكم والامراء؟ مع أنّ فعل الأمريكان لم يرتبط بالأمير، ولا يرضى به؟.

قال عبدالحسين: الحمد لله، إنّكم تعرفوني، أنّي لستُ سياسيّاً، ولا اريد التدخّل في امور الدولة، وإنّي احبّ الوطن وسلامته وسلامة المواطنين.

ولكن القضية في تلك الليلة كما تعلمون وشاهدتم ورأيتم، أمرٌ مخزٍ وخطير، ناسٌ أجانب، كفّار، يخرجون في بلادنا بهذا الشكل (عراة) وسكارى يعربدون ويزعجون الناس، وليس هناك ما يمنعهم أو من يردعهم!

لو أنّ مواطناً مسلماً قام بهذا العمل، لحاسبته الدولة وعاقبته، وحقّ لها ذلك.

لكنّ هؤلاء لايحاسَبون! لماذا؟

أليس لأنّ الدولة هي التي وافقت على حضورهم هنا؟.

ص: 34

وحتى لو كان حضورهم لمصلحة الوطن، لكنّ هذه الأعمال التي يقوم بها هؤلاء، هي أعمال ضدّ الكرامة الوطنيّة، وضدّ أعراف البلد وأهله، وضدّ ديننا وشريعتنا.

وأنا ما قمت بما فعلت تلك الليلة وما قلت، إلّا حسب أوامر الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا فرق في هذا الواجب بين حاكم ورعية.

انتهى عبدالحسين من الكلام، وسكت.

وهنا، تذكّرتُ ما امتلأت به ذاكرتي من نصوص آيات وأحاديث طاعة الامراء، فقلت: أخ عبد الحسين.

- فضحك الجميع، وضحكتُ أنا معهم، لأنّ هذه أوّل مرّة تجري على لساني (عبدالحسين) بعد ما عرفت صحّة معنى هذا الإسم!.

قلتُ: إنّنا كمسلمين يجب علينا اتّباع أوامر الله تعالى

ص: 35

وأوامر الرسول (صلى الله عليه وسلم) وسيرة السلف الصالح.

وقد أمرنا الله بوجوب طاعة اولي الأمر، كما أمرنا بطاعة نفسه، وبطاعة رسوله، فقال: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْامْرِ مِنْكُمْ وهناك أحاديث نبويّة صحيحة، وأقوال السلف الصالح في وجوب طاعة الحكّام والامراء في الحكومات الإسلاميّة المتعاقبة، وهذه الحجج هي المعتمدة لدى المسلمين، من خالفها خرج عن جماعتهم وشذّ، ومن شذّ فهو في النار.

فاعتدل عبدالحسين جالساً، وقال:

إسمع أيّها الدكتور الفاضل، هداك الله إلى الحقّ، إنّي لستُ عالماً ولاحافظاً للحديث، ولااريد أن أتطفّل على شي ء، لكنّي أفهم من الآية التي قرأتها: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْامْرِ مِنْكُمْ أنّ الآية تفيد أن يكون اولو الأمر واجبي الطاعة هم من أصحابه وأهله،

ص: 36

كما جاء في الأحاديث الصحيحة الكثيرة: «لاتنازعوا الأمر أهله» فأهل الأمر هم الذين يستحقّونه ويملكونه عن أهليّة وجدارة.

وكلّ عاقل يعلم أنّ الأهليّة لإمرة المسلمين وحكمهم لايكون للجاهل بأحكام الإسلام، ولا الذي لايُبالي بمصالحهم، ولا الذي يوالي أعداء الدين والإسلام في سبيل بقائه على الكرسي والحكم.

ثمّ الآية تقول: أُوْلِي الْامْرِ مِنْكُمْ والخطاب للذين آمنوا، ومن المعلوم أنّ الوالي إذا والى أعداء الله فهو ليس من المؤمنين، وقد قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): «من غشّنا فليس منّا» والغشّ في الحكم والحكومة والدولة لهو من أكبر الغشّ وأعظمه، لأنّ الحكم لايقابل بثمن ولايقدّر بمال وعوض.

فكيف يكون «منكم» أيّها المسلمون المؤمنون من يسلّم البلاد إلى الأجانب يسرحون فيه ويمرحون، وعلى

ص: 37

العباد والثروات يعتدون!

عفواً يادكتور، ومع أنّي- كما قلت لك- لا أملك من العلم ما أتمكّن من الدخول في البحث معك- ولكنّ القدر قد هيّأ لك كتاباً في الموضوع كتبه أحد الباحثين من علماءنا بعنوان «الأميريون!؟» قد استقصى فيه جميع الأدلّة والحجج التي تعتمدها دليلًا على «وجوب طاعة الامراء» فاعتبره هديةً منّي إليك عسى أن تجد فيه ما يفيدك.

وقام إلى المنضدة، وجاء بظرف فيه الكتاب، وعلى غلاف الظرف تاريخ البريد الموافق لتاريخ هذا اليوم الذي زرناه، ممّا يدلّ على صدقه تماماً.

وأضاف عبدالحسين: إنّني لم اطالعه كلّه، ولكنّي اوثرك به على نفسي، وساطالعه بعدُ.

***

كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة ليلًا، أخذتُ

ص: 38

الكتاب، وخرجنا، وأنا مغمورٌ بالإعجاب بالرجل الذي يدّعي أنّه لايعرف من العلم شيئاً، ولكنّه يستفيد من القرآن تلك الفائدة العلمية العميقة.

بينما نحن السلفية نفهم الآية على ظاهرها من دون تعمّق في مدلولها وأهدافها، وحتّى مفاد قيودها وألفاظها.

فكلّ من حكم هو عندنا من «اولي الأمر» حتّى لو لم يكن له أدنى أهليّة بالإدارة، أو معرفة بالدين،

وهؤلاء حكّامنا إمّا متغلّب بثورة عسكرية، أو مستخلف بوراثة عشائرية.

ومَن منهم درس الدين وعرفه؟

بل لم نجد فيهم من يتمكّن من اللغة العربية بجودة، ولا يقدر على إلقاء خطاب صحيح بالعربية.

فمن أين أصبح أمثال هؤلاء أصحاب الأمر، حتّى تجب طاعتهم؟

ص: 39

إنّ هذا المعنى لم يخطر على بالي، قَطُّ قبل أن أسمعه من هذا الرجل.

وذهبتُ إلى سرير النوم، لكنّ عيني لم تطاوعني، وبقيت في الفراش، أضرب الأخماس في الأسداس:

هل هذا من وساوس الشيطان الخنّاس؟ الذي يريدني أن أترك ما عليه السلف الصالح من الدين الذي وجدنا آباءنا عليه؟

هل يمكن أن تكون الجماعة على خطأ عظيم؛ كهذا، وتكون الامّة طوال القرون على خطأ وضلال؟

وقد قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): «لا تجتمع امّتي على ضلالة»؟

ولكن ماذا عمّا جرى ويجري حولنا، ونَراه بامّ أعيننا في شرق البلاد الإسلاميّة وغربها، وفي عقر دارنا؟ من بطش الحكّام وخيانتهم، وعمالتهم، وتعاونهم مع الكفّار، وتقاعسهم عن صدّ عدوان اليهود، وفسحهم

ص: 40

المجال للنصارى للدخول إلى الأرض المقدّسة وتدنيسها؟.

وما تلك الحادثة، تلك الليلة، إلّا جزء صغير من الفضائح التي تجري في البلاد ليل نهار على أيدي الأمريكان الكفّار.

وأمّا المظالم التي يجريها الحكّام على المؤمنين من القتل والسجن والتعذيب والمطاردة ومصادرة الأموال، فلا يمكن إخفاءه حتّى عن العميان!

فكيف عمّن له عينٌ تبصر، واذن تسمع، وفؤاد يدرك؟!.

وهكذا كانت الأفكار والأسئلة والاحتمالات، تتوالى على صفحة ذهني، حتّى فوجئت بأنّ الصبح قد انبثق، فخرجت إلى العمل وأنا منهكٌ، متوتّر الأعصاب.

وذكرت وأنا راجع إلى البيت كتاب «الأميريون!؟»

ص: 41

فهرعتُ إليه قبل كلّ شي ء وبدأتُ أتصفّحه.

فوجدت مؤلّفه قد استوعب المشكلة من جذورها، وتتبّع أدلّة من يقول بطاعة الامراء، وتفسيرات علماء السلفيّة، حرفاً بحرف، وكلمة بكلمة، وجملة بجملة.

تأخّرتُ عن الغداء، ولم أذق غير الشاي، الذي كانت تسعفني به زوجتي، وانهمكتُ في المطالعة.

فالكتابُ يخاطبني ويغذّيني بما تحتاجه نفسي وما يريده عقلي، بكلّ هدوء، وقد جاءَ موثّقاً بالمصادر الإسلاميّة القيّمة وأهمّها الصحاح عندنا أهل السنّة، يُقارن بينها ويضع النتائج الواضحة أمامي.

أخرجني ما فيه من عالم الوهم والظلمات والجدل العقيم، إلى عالم الحقائق الناصعة، والآفاق البعيدة، والمعاني الدقيقة، وبدأ بالعناوين التالية:

إنّ الرسول الأمين (صلى الله عليه وسلم) لم يقصّر في تعريف الامّة بالحق الذي يرتبط بالخلفاء والحكّام

ص: 42

والامراء الذين سيأتون من بعده.

وأنذر الرسول المنذر (صلى الله عليه وسلم) امّته عن سيطرة «الأحداث» وإمارتهم، وأخبر عن هلاك امّته على أيديهم.

وأظهر تخوّفه (صلى الله عليه وسلم) من الأئمّة المضلّين!.

وبالرغم من أنّه أمر بالسمع والطاعة للحكّام، لأنّ ذلك أمرلا بدّ منه لسير الحياة الاجتماعية، إلّا أنّه لم يوجب ذلك بإطلاقه بل قيّده فقال (صلى الله عليه وسلم):

«لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنّما الطاعة في المعروف».

وقال (صلى الله عليه وسلم):

«على المرء المسلم السمع والطاعة إلّا أن يؤمر بمعصية، فإذا امر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة».

وسأل معاذ بن جبل رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

ص: 43

أرأيت إن كان علينا الامراء لا يستنّون بسنّتك ولا يأخذون بأمرك، فما تأمرني أن أفعل؟

فقال (صلى الله عليه وسلم):

«لا طاعة لمن لم يطع الله».

وقال (صلى الله عليه وسلم):)

ألا من ولّي عليكم فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فلينكر ما يأتي به من معصية الله، ولا ينزعنّ يداً من طاعة الله عزّوجلّ»

. وهكذا سرد أحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم) وأقواله وتوجيهاته ونصائحه للُامّة.

ومع هذه الرأفة والحنان والرعاية التامّة التي كانت عند الرسول (صلى الله عليه وسلم) تجاه الامّة، فهل من المعقول أو من المتصوّر، أو من المتوقّع أن يهمل أمراً مهمّاً مثل شؤون الامراء والخلفاء من بعده؟

ولا يوضّح لُامّته كيف يكون الامراء؟

وكيف يجب على الامّة أن يتعاملوا معهم؟

ص: 44

وما هي حقوق الراعي والرعيّة؟.

كلّا، وألف كلّا؟

بل إنّ الرسول الأمين الصادق المنذر الهادي، قد حدّد كلّ ذلك، وأرشد الامّة في نصوص صريحة صحيحة واضحة:

أنّ طاعة الامراء ليست مطلقة؛ بل هي محدودة بحدّ طاعة الله تعالى، ولو عصى الأمير أوامر الله، فلا طاعة للأمير في معصية الله.

فهل بعد رأي الرسول (صلى الله عليه وسلم) وحكمه هناك رأيٌ مقبولٌ لأحد من الناس؟.

ثمّ أورد في الكتاب مواقف الصحابة الكرام من الامراء:

مثل موقف عبادة بن الصامت من معاوية، في الشام، وكيف كان يمزّق قِرَبَ الخمر المحمول لمعاوية.

فشكاه معاوية إلى أبي هريرة، فقال أبو هريرة

ص: 45

لعبادة: ياعبادة، ما لك ولمعاوية، ذرْهُ؟ وما حمل!.

فقال عبادة: لم تكن معنا إذ بايعنا على السمع والطاعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألّا تأخذنا في الله لومة لائم؟!

فسكت أبو هريرة.

وشكا معاوية إلى عثمان: إنّ عبادة بن الصامت قد أفسد عليَّ الشام وأهله.

فرحّله إلى المدينة، فقال له: ما لنا؟ ولك؟

فقام عبادة بين ظهرانيّ الناس، فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: سيلي اموركم بعدي رجال يعرّفونكم ما تنكرون؟ وينكرون عليكم ما تعرفون؟

فلا طاعة لمن عصى، ولا تضارّوا ربّكم.

هكذا أمر رسول الله أصحابه وأمته، وهكذا أرشدهم.

ص: 46

وهكذا عمل الصحابة امتثالا لأوامر الرسول (صلى الله عليه وسلم) وإرشاداته.

وهل أحدٌ أهدى من الصحابة الكرام، وأعرف بمراد الرسول (صلى الله عليه وسلم) من الذين خاطبهم؟

ثمّ مواقف أهل البيت (رضي الله عنهم) الذين تعلّموا الدين من النبيّ (صلى الله عليه وسلم) مباشرة وفي بيته،

فهذا الحسين سبط الرسول (صلى الله عليه وسلم) روى عن جدّه أنه قال: «من رأى سلطاناً جائراً، مستحلًا لمحارم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسوله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا بقول، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله».

وهكذا، وبهذه الصراحة، نقل أهل البيت (رضي الله عنهم) الموقف الصحيح تجاه الولاة الظلمة.

ص: 47

وهذا هو الذي فهمه التابعون من الدين،

فلمّا قال ابن الخليفة عبدالملك بن مروان، لأبي حازم: ألستم أمرتم بطاعتنا بقوله: أُوْلِي الْامْرِ مِنْكُمْ؟.

فأجابه أبو حازم: أليس قد نزعت الطاعة عنكم إذا خالفتم الحقّ بقوله: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْ ء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ.

وإذا كانت إرشادات الرسول هكذا تحدّد الموقف من الامراء، وترفع الطاعة عند عصيانهم لله، فهي أولى بالاتّباع، لأنّ خير الهدى هدي محمّد.

وهكذا فهم الصحابة الكرام وأهل البيت الأعلام، والتابعون لهم بإحسان.

فلماذا؟ وما الحاجة؟ إلى أن نتّبع رأي غيرهم ممّن جاءوا بعده وسمّوا أنفسهم «الفقهاء».

وقد أجمع المسلمون أنّه لا رأي لأحد، بعد قول

ص: 48

الرسول (صلى الله عليه وسلم).

ووقفتُ هنا، لأتأمّل وضعي وموقفي وحالتي فقلتُ- وأنا احدّث نفسي-:

إذا كنتُ من أهل السنّة، فلابدّ أن يكون اتّباعي للرسول وأوامره ونواهيه، وتفسير الصحابة لكلام الرسول، وكذلك أهل البيت.

إذن فما هي قيمة آراء الآخرين المعارضة والمتنافية مع نصوص أحاديث النبيّ (صلى الله عليه وسلم).

أحدث هذا الذي قرأته في الكتاب زلزالًا في نفسي، ورحتُ أتساءلُ:

لماذا لم يقرء المشايخ- أبي وغيره- هذه الأحاديث؟.

ولماذا لم أرها أنا في ما تلوتُ وقرأتُ وطالعتُ من كتب؟.

وهل أنا قد قرأتُها، ولكنّي لم أفهمها؟ لأنّ عقلي كان محجوزاً ومملوءاً بآراء الآخرين؟

ص: 49

أو أنّ النظارات التي وضعها الآخرون على عيني وعقلي، وصبغوها بصبغة غير صبغة الله؟ هي التي جعلتني أرى شيئاً آخر؟.

وماذا عن الأحاديث التي حفظتُها على خاطري عن السمع والطاعة المطلقة للحكّام والأمراء؟ وهي التي يستدلّ بها السلفيّة في محافلهم وكتبهم؟

هل تركها هذا الكاتب، كما تركنا نحن تلك الروايات النبويّة الصريحة في عدم الطاعة إذا عصى الحاكم؟!.

كنت افكّر في أجوبة لهذه الأسئلة؟

وعُدت إلى الكتاب: لأجد أمامي جميع ما حفظتُ من الأحاديث، مفسّرةً مشروحةً، معروضةً عرضاً جميلًا، مع شواهد واضحة على دلالاتها أو ما يفيد القارئ منها.

ولم يفلت من الكاتب ما قاله علماء السلفيّة في

ص: 50

الموضوع، وما احتجّ به كبارهم على عقيدتهم: مثل ابن تيمية، وابن القيّم، وابن حزم، والشوكاني.

وأخيراً أورد الكاتب نماذج من أقوالهم التي خالفوا بها نصوص الكتاب والسنّة، أو أساءوا فهمها، أو حرّفوها وفسّروها بما يغاير مراد الرسول (صلى الله عليه وسلم) ذلك الذي فهمه أهل البيت الكرام والصحابة رضوان الله عليهم، أورد الجميع بكلّ موضوعيّة وهدوء.

وأهمّ ما في الكتاب تلك النماذج الموحشة من الامراء والسلاطين الذين تولّوا حكم البلاد الإسلاميّة في أدوار عصيبة من تاريخ الإسلام، فعاثوا في الأرض فساداً، وقتلوا الأبرياء والصلحاء، وأهلكوا الحرث والنسل، وفعلوا المنكرات وأمروا بها، ونهوا عن المعروف، ومنعوا العلم وهو الحديث الشريف وأحرقوا كتبه وحبسوا رواته:

ص: 51

كمروان بن الحكم،

والوليد بن عقبة،

والحجّاج الثقفي،

وأمثالهم ممّن سوّدوا وجه التاريخ الإسلامي، وألحقوا به خسارة لا تعوّض.

وإلى عصرنا الحاضر الذي جرّت فيه فكرة الأميرية على الامّة الويلات والمصائب، التي أخيرها- وليس آخرها- إدخال الكفّار الأمريكان إلى الأرض الإسلاميّة المقدّسة، وتدنيس بلادنا الطاهرة بأرجلهم.

وما رأينا تلك الليلة ليس إلّا قصّةً من قصصهم، ودوراً من أدوار مسرحيتهم الطويلة العريضة.

ومضيتُ أقرأ:

ومع كلّ فقرة وصفحة أشعر أنّي أنزعُ من بدني ثوباً من الوهم، وأزيحُ عن جسمي ثقلًا من الخيال الباطل، وأقلعُ من عقلي وقلبي شبهةً سوداء.

ص: 52

ولمّا انتهيتُ من الكتاب، وجدتُ نفسي خفيفاً حرّاً طليقاً، كأنّما أطير بجناحين من نور ومعرفة، وأجد في نفسي نور الحقّ قد داخلني، وأزاح عنّي كلّ الظلمات المتراكمة عليّ طوال السنين.

لقد استطاع عبدالحسين أنْ ينتصر لمّا تخلّى عن مناقشتي، وتركني مع الكتاب الحاوي لأطيب الخطاب، كلام الرسول الصادق الأمين، حبيب القلوب وطبيب النفوس، سيّدنا محمّد (صلى الله عليه وسلم).

وتركني مع معلّمي الخير والهدى: الصحابة الكرام وأهل البيت رضي الله عنهم، يعلّموني معنى ما قاله الرسول (صلى الله عليه وسلم) بكلّ دقّة، ويوضحون تطبيق كلامه حرفيّاً.

انكشفت لي الحقيقة جليّةً نيّرةً:

فقمتُ لصلاة الصبح وشكرتُ الله على هذا الفتح الذي فتح قلبي عليه، فأخرجني من ظلمات الأميريّة

ص: 53

العمياء إلى أنوار الحقّ واليقين، ببركة سيّد المرسلين وصحابته وآله الكرام.

ووا أسفي على السنينَ العجاف التي قضيتها في تلك الظلمات.

ووا حزني على أهلي وأقربائي وأصدقائي الذين لا يزالون يخبطون خبط عشواء في تلك الظلمات.

لماذا نقفل على أنفسنا أبواب النور، وننوح على الظلمة؟

ولماذا لانقرأ، ولا نتّصل ولا نتحاور مع الآخرين كي نجد نوافذ النور والحقّ واليقين.

لماذا نعتقد أنّ ما نقوله هو الحقّ الذي لا محيص عنه، ونحن لم نطّلع على ما يقوله الآخرون؟ فندور في حلقات مفرغة،

ولا نسمح لآذاننا أن تسمع،

ولا لأعيننا أن ترى،

ص: 54

ولا لقلوبنا أن تفقه!.

كانت زوجتي قريبةً منّي، لكنّها لا تتدخّل في أمري، ولا تسألني شيئاً عن مطالعتي وقراءتي، لكنّها تراقبُ تصرّفاتي وانفعالي، وما ينعكسُ على أسارير وجهي من فرح ونشاط وسرور.

ولمّا جلسنا صباحاً على مائدة الفطور، خاطبتها:

هل تعلمين أنّي وجدتُ أمس كنزاً طالما أخفاهُ عنّي جميعُ من حولي من الأقارب والمشايخ، ولم يُطلعوني عليه؟.

قالت: خيراً، إن شاء الله، ما هو؟ هل رأيت حُلُماً طيّباً؟.

قلتُ لها: كلّا، بل في اليقظة طوال الليل، وجدتُ ذلك الكنز في هذا الكتاب، الذي أهدانيه عبدالحسين جارنا الشيعيّ!.

قالت متعجّبة: كيف؟ وأين؟.

ص: 55

قلتُ: إنّه يحتوي على الحقيقة الواضحة، المكشوفة، من لسان أطيب الخلق وأهداهم وأعلمهم، رسول ربّ العالمين سيّدنا محمّد الأمين (صلى الله عليه وسلم).

الحقيقة التي أعلنها الرسول والصحابة الأبطال وأهل البيت االكرام،

وقد كُنّا في غفلة عن هذا! لأنّنا كنّا نقلّد الآباء والذين وجدناهم على امّة ودين ونحن على آثارهم نهرعُ ولدينهم نتبعُ، فقط لأنّهم الأوّلون، لأنّهم من خير القرون، لأنّهم سلف.

وتركنا ما جاء من الهدى والنور واليقين على لسان سيّد المرسلين وأصحابه وأهل بيته الكرام؟!

كم يكون أسفنا كبيراً على تلك الخسارة التي أصابتنا في سالف عمرنا مع ذلك السلف.

ولكن نحمد الله على هذه النعمة التي جاءتنا على يد هذا العبد الصالح عبدالحسين، فلابدّ أن نزوره ونشكره.

ص: 56

قالت: نعم، والحمد لله كثيراً على هدايته لدينه والتوفيق لهذه المعرفة المحمّدية.

وأضافت: فإذا عزمتَ الذهاب إليه، فلابدّ أن نأخذ له هديّةً، فإنّك قد عاملته طوال عمرك بقساوة، ولكنّه أهدى إليك هذا الكنز، أفلا يستحقّ أن تقدّم له هديّةً مناسبةً؟!

وافقتُ على فكرة الهديّة، لكن لنفكّر أنا وزوجتي ما هو الشي ء اللائق لنأخذه إليه.

وخرجتُ إلى العمل، ولمّا رجعتُ، استقبلتني زوجتي بفرح شديد.

قالت: لقد وجدتُ أفضل هديّة لجارنا عبد الحسين.

قلتُ: ما هي؟.

قالت: إمارة السفهاء؟.

قلتُ: وما إمارة السفهاء؟.

ص: 57

قالت: عجيب، أما قرأتَ الكتاب ليلةَ أمس؟.

قلتُ: نعم، قد قرأتُه!.

قالت: فكيف؟ أما رأيتَ فيه حديث إمارة السفهاء؟.

قلتُ: لا أذكر، هات الكتاب لأرى.

فجاءت بالكتاب، وبدأت تقرأ: عن جابر بن عبدالله:

أنّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) قال لكعب بن عجرة: «أعاذك الله- ياكعبُ بن عجرة- من إمارة السفهاء؟».

قال: وما إمارة السفهاء؟.

قال (صلى الله عليه وسلم): «امراءٌ يكونون بعدي، لا يهدون بهَدْيي، ولا يستنّون بسُنّتي، فمن صدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فاولئك ليسوا منّي ولستُ منهم، ولايردون عليَّ حوضي.

ص: 58

ومَن لم يصدّقهم على كذبهم، ولم يُعنهم على ظلمهم، فاولئك منّي وأنا منهم، وسيردون عليَّ حوضي.

يا كعب، إنّه لايدخل الجنّة لحمٌ نَبَتَ من سُحْت أبداً، النارُ أولى به»

قلت لزوجتي: وأيّ شي ء في هذا الحديث يخصّصه لأن يكون هديّةً غاليةً لعبدالحسين، مع أنّ الكتاب كلّه يحتوي على أحاديث أصرح من هذا وأقوى من هذا.

قالت: ألم تنتبه، إنّ الحديث يحتوي على قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن الامراء: «فاولئك ليسوا منّي ولستُ منهم»؟.

قلت: ثُمَّ ماذا؟.

قالت: أوه، ألم تذكر أنّ عبد الحسين، في تلك الليلة التي زرناه فيها، أجاب عن استدلالك بآية أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْامْرِ مِنْكُم فقال

ص: 59

: إنّ كلمة «منكم» تدلّ على أنّ الأمير والوالي يجب أن يكون من المؤمنين أنفسهم، وإذا خان وفسد، فليس منهم، فلا يدخل في أُوْلِي الْامْرِ مِنْكُمْ الذين يجب طاعتهم، وتمسّك بحديث: «من غشّنا فليس منّا»؟.

قلتُ: نعم، صحيح.

قالت: وهذا الحديث صريح في أنّ الامراء الفاسدين ليسوا من الرسول، وإذا لم يكونوا من الرسول فليسوا من المؤمنين، لأنّ الرسول سيّد المؤمنين.

قلت: نعم، لكن الحديث يقول: «فمن صدّقهم ... وأعانهم، فاولئك ليسوا منّي».

قالت: نعم، لكن إذا كان المصدّقون والمعينون ليسوا من الرسول، فاولئك الامراء ليسوا منه بالأولى والأقوى والأوضح.

وإذا لم يكونوا من الرسول ولا الرسول منهم، فهم ليسوا من المؤمنين ولا المسلمين.

ص: 60

قلتُ: بارك الله فيك، فلنذهب بهذه الهديّة إلى عبد الحسين، فإنّها تحفةٌ ثمينة.

وذهبنا- وأخذنا معنا أبا خالد- إلى بيت عبد الحسين، ودخلنا عليه بوجوه مستبشرة. وعَرّفناه ما توصّلنا إليه، فخرّ ساجداً لله.

وبدأنا الحديث وقلنا له: جئناك بهديّة سنيّة وشرحنا له الأمر.

فاستبشر، لكنّه أضاف: إنّ هديّتي قد أخذتُها من الله ورسوله؟.

فتعجّبنا لكلامه، فاستمرّ شارحاً:

إنّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) لرأفته بالأمّة التي تحمّل في سبيل هدايتها ما تحمّل، قد قال: «لأن يهدي الله بك رجلا خيرٌ لك من حمر النعم» أو «خيرٌ لك ممّا طلعت عليه الشمس وغربت».

إنّ هذاالخير الموعودمن الرسول (صلى الله عليه وسلم)

ص: 61

هو أفضل هديّة، لأنّها ذخيرة لآخرتي يَوْمَ لَايَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْب سَلِيم (الشعراء: 26/ 88- 89).

وفرحي وسروري بخروجكم من ظلمات الوهم الذي يخبط فيه السلفيّة، إلى ساحات النور والحبور والسرور، عظيم جدّاً.

والله، إنّي ليعزّ عليّ أن أرى جيراني الطيّبين في محنة، ولا أتمكّن من عونهم.

وأيّة محنة أكبر من محنة الضلال؟

وأيّة محنة أهمّ علينا ممّا ابتلينا به اليوم من الاحتلال، احتلال بلادنا الإسلاميّة بأيدي الغزاة الجناة اليهود الإسرائيليّين والنصارى الأمريكان!.

ومن كلامه هذا تذكّرت ما قاله كاتب الكتاب عن هذه المأساة، حيث قال:

وهكذا جرت السلفيّة على تلك السيرة الباطلة،

ص: 62

طيلة القرون حتّى عصرنا الحاضر:

فسوّدوا وجه التاريخ الإسلاميّ بتسليطهم على العباد والبلاد للجهلة من الامراء والخلفاء والسلاطين، الفارغين عن كلّ علم بالدين والإدارة والعدل والنظام، والمنهمكين بالمفاسد والملاهي وسفك الدماء وقتل الأبرياء وتبذير الأموال.

على السواء في ذلك الدول المتوالية باسم الخلافة آل اميّة وبنو العبّاس، والعثمانيّون.

وسواء في ذلك من مَلَكَ أو من صار رئيساً، أو أميراً، من العرب والأتراك والفرس والأقباط.

سوى قلّة ممّن حكم في أدوار قصيرة ومتقطّعة، وفي أصقاع وإمارات، ومع ذلك فقد اثيرت في وجوه هذه القلّة البلايا والفتن.

وأمّا الطغاة والظلمة فلم تواجههم السلفيّة إلّا بالسمع والطاعة.

ص: 63

وقد أدّى كلّ ذلك إلى اسوداد وجه التاريخ الإسلامي بالمظالم الشنيعة، وبالتخلّف والفساد والجهل، حتّى عصرنا الحاضر الذي يتحكّم في بلاد المسلمين ثلّةٌ من الحكّام البعيدين عن كلّ معاني الخير، فلا معرفة بالدين، ولا أصالة في حسب ونسب، ولا تدبير في الامور، ولا إخلاص في العمل للوطن والشعب.

بل لا نجد فيهم من يخلو عن خيانة وجناية إلى حدّ الخضوع للأجانب والانصياع لأوامرهم والسير على أهوائهم؛ حفاظاً على الكراسي.

مع اقتران ذلك بالضغط على الشعوب المسلمة بالسجن والقتل والإبادة والتشريد والطرد والتهجير،

كلّ هذا، والسلفيَّة «لايَنْبِسُون بِبِنْتِ شفة» عملًا بما التزموه من السمع والطاعة للسلطان.

ومن المعلوم أنّ الاستمرار على هذه السيرة المشؤومة، أدّى بالمسلمين- و حتّى غيرهم!- إلى اليأس

ص: 64

من الإسلام، وما يرتجون منه من عدل وسلام وأمان، وما يؤمّلونه في ظلّ الحكومات باسم الإسلام من حياة حرّة كريمة.

ويكفي هذا أن يكون أدلّ دليل على بطلان ما يلتزمه السلفِيَّة من الأميريّة الممقوتة والباطلة.

كفى الله الإسلام والمسلمين شرّهم وردّ كيدهم إلى نحورهم.

ولا ينقشع هذا الجوّ الأسود إلّا بإقلاع روح الأميريّة من نفوس المسلمين وعقولهم.

وهو واجبٌ إسلاميّ وطنيّ وعقليّ اجتماعي، على الوالدين ودوائر التربية والتعليم والمثقّفين الذين يحبّون شعوبهم وأوطانهم ويريدون السلام و الاستقلال والحريّة.

والحمد لله الذي بنعمتهِ تتمّ الصالحات

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.