اتباع اهل البیت علیهم السلام

اشارة

سرشناسه : آل محسن، علی

عنوان و نام پديدآور : اتباع اهل البیت علیهم السلام/تالیف علی آل محسن.

مشخصات نشر : تهران: مشعر، 1387.

مشخصات ظاهری : 51 ص.؛.م س 17 × 11

شابک : 25000 ریال:978-964-540-116-8

وضعیت فهرست نویسی : فیپا

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع : شیعه امامیه -- عقاید.

موضوع : خاندان نبوت.

موضوع : امامت.

رده بندی کنگره : BP211/5/آ73الف2 1387

رده بندی دیویی : 297/4172

شماره کتابشناسی ملی : 1229473

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

المقدّمة

اتّفقت هذه الامّة على صلاح أهل البيت عليهم السلام، ورفعة شأنهم، وعلوّ شرفهم، وعظيم حقوقهم اللّازمة لهم على الناس، فقد طهّرهم اللَّه من الرجس، وأذهب عنهم السوء والفحشاء، فقال عزّ من قائل: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»(1).

وحرّم عليهم الصدقة تنزيهاً لهم عنها، لأنّها من أوساخ الناس التي لايناسب شرفهم أخذها. فقد ورد في الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم أنّه قال: إنّ هذه الصدقات إنّما هي أوساخ الناس، وإنّها لا تحلّ لمحمّد


1- سورة الأحزاب: الآية 33

ص: 6

ولا لآل محمّد(1).

وأمر بالصلاة عليهم بقوله عزّ من قائل: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً»(2)

، فقد أخرج البخاري عن كعب بن عجرة، أنّه قال: سألنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فقلنا: يارسول اللَّه، كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإنّ اللَّه قد علّمنا كيف نسلِّم؟ قال: قولوا: اللّهُمَّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنّك حميدٌ مجيد...(3).


1- صحيح مسلم: 2/ 754 كتاب الزكاة، باب 51، حديث 168. وص 751، باب 50 وما بعده. راجع صحيح البخاري: 2/ 156 كتاب الزكاة، باب أخذ صدقة التمر رقم 57، وص 157، باب ما يذكر في صدقة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم رقم 60. وكذلك 3/ 71 كتاب البيوع، الباب الرابع، وكذلك 4/ 90 كتاب الجهاد، باب من تكلّم بالفارسية رقم 188، و 7/ 61 كتاب الطلاق، باب رقم 14. الموطأ ص 546، ح 1839. وسنن أبي داود: 2/ 123. وسنن الترمذي: 3/ 46. وسنن النسائي: 5/ 107. وسنن الدارمي: 1/ 386. ومسند أحمد بن حنبل: 1/ 200، 279، 444، 476، 3/ 490، 4/ 35، 5/ 354، 6/ 390
2- سورة الأحزاب: الآية 56
3- صحيح البخاري: 4/ 178 كتاب الأنبياء، باب يزفون النسلان في المشي. و 6/ 151 كتاب التفسير، تفسير سورة الأحزاب، و 8/ 95 كتاب الدعوات، باب الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم رقم 31، وباب 32. وراجع صحيح مسلم 1/ 305 كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم بعد التشهّد رقم 17. وسنن الترمذي: 5/ 359. وسنن أبي داود: 1/ 257. وسنن النسائي: 3/ 45. وسنن الدارمي: 1/ 390، والموطأ: ص 83. ومسند أحمد بن حنبل: 1/ 162، 3/ 27، 4/ 118، 241، 243، 244، 5/ 274، 374، 424

ص: 7

وأوجب لهم المودّة، فقال تعالى: «قُلْ لَاأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(1)

، وقال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: لا يدخل قلب امرى ءٍ مسلم إيمان حتّى يحبّكم للَّه ولقرابتي(2).

قال ابن تيميّة في عقيدة أهل السنّة في أهل البيت:

ويحبّون آل بيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ويتولّونهم ويحفظون فيهم وصيّة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم حيث قال يوم غدير خمّ: أُذكّركم اللَّه في أهل بيتي(3).


1- سورة الشورى، الآية: 23
2- سنن الترمذي: 5/ 652 كتاب المناقب، باب مناقب العبّاس بن عبد المطّلب رضى الله عنه. وقال: هذا حديث حسن صحيح. سنن ابن ماجة: 1/ 50 المقدّمة، باب (11). مسند أحمد بن حنبل: 1/ 207، 208، 4/ 165. المستدرك: 4/ 75. مجمع الزوائد: 1/ 88، 9/ 170. الفردوس بمأثور الخطاب: 4/ 361
3- شرح العقيدة الواسطية: ص 172. وحديث غدير خمّ هذا مروي في صحيح مسلم: 4/ 1873 كتاب الفضائل، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضى الله عنه. الجامع الصغير: 1/ 244 ورمز له بالصحّة، وصحّحه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 1/ 287 وتخريج شرح العقيدة الطحاوية، ص 490. كتاب السنّه، ص 629

ص: 8

وكذلك نهى عن بغضهم، وحذّر عن معاداتهم فقال:

والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت رجل إلّاأدخله اللَّه النار(1).

وهم أمان هذه الامّة، ومثَلهم فيها كمثل باب حطّة في بني إسرائيل، أو كمثَل سفينة نوح، مَنْ ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها هوى وغرق، وهم أحد الثقلين اللّذين لا يضلّ من تمسّك بهما، ولا يشقى من أخذ بهديهما.

إذا تقرّر ذلك فلا ريب في أنّ مَن اتّبع أئمّة أهل البيت عليهم السلام والصالحين من ذرّية النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم فهو مهتدٍ ناجٍ، لأنّ كلّ من اتّبع إماماً من أئمّة الحقّ، وأخذ بهديه، وسار على نهجه، فهو مثله مهتدٍ ناج بالضرورة.

هذا لا نزاع فيه، وإنّما النزاع في أنّ الشيعة الإماميّة هل هم أتباع أئمّة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم الآخذون بهديهم والسائرون على نهجهم، أو لا؟

هذا هو الذي ينبغي إقامة الدليل عليه وإثباته، فإنّ خصوم الشيعة لا يقرّون لهم باتّباع عليّ عليه السلام والأئمّة من ولده.


1- المستدرك: 3/ 150. وقال: حديث صحيح على شرط مسلم. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان: 9/ 62. سلسلة الأحاديث الصحيحة: 5/ 643

ص: 9

ولهذا ردَّ ابن تيمية على العلّامة الحلّي- أعلى اللَّه مقامه- الذي قال: إنّ الشيعة الإماميّة أخذوا مذهبهم من أئمّة أهل البيت عليهم السلام، بقوله: لا نسلّم أنّ الإماميّة أخذوا مذهبهم من أهل البيت، لا الإثنا عشريّة ولا غيرهم، بل هم مخالفون لعليّ رضى الله عنه وأئمّة أهل البيت في جميع اصولهم التي فارقوا فيها أهل السنّة والجماعة: توحيدهم وعدلهم وإمامتهم(1).

وقال الذهبي: لا نسلّم أنّكم أخذتم مذهبكم عن أهل البيت، فإنّكم تخالفون عليّاً وأئمّة أهل بيته في الاصول والفروع(2).

بل إنّ ابن حجر الهيتمي نفى أنّهم شيعة عليّ عليه السلام المعنيّون في قول النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: يا علي إنّك ستقدم على اللَّه وشيعتك راضين مرضيّين، ويقدم عليه عدوّك غضابى مقمحين(3). قال: وشيعته هم أهل السنّة الذين أحبّوه كما أمر اللَّه ورسوله، وأمّا غيرهم فأعداؤه في الحقيقة، لأنّ


1- منهاج السنّة النبويّة: 2/ 116
2- المنتقى من منهاج الاعتدال: ص 167
3- الصواعق المحرقة: ص 183. وقد أخرج السيوطي بعضه في الدرّ المنثور: 8/ 589 في الآية السابعة من سورة البيّنة. والشوكاني في فتح القدير: 5/ 477

ص: 10

المحبّة الخارجة عن الشرع، الحائدة عن سنن الهدي هي العداوة الكبرى، فلذا كانت سبباً لهلاكهم.

وقال: ولا تتوهّم الرافضة قبّحهم اللَّه من الأحاديث أنّهم يحبّون أهل البيت؛ لأنّهم أفرطوا في محبّتهم حتّى جرّهم ذلك إلى تكفير الصحابة وتضليل الامّة.

وقال: وهؤلاء الضالّون الحمقى أفرطوا في عليّ وفي أهل بيته، فكانت محبّتهم عاراً عليهم وبواراً، «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ»(1).


1- الصواعق المحرقة: ص 183

ص: 11

الشيعة الإماميّة هم أتباع أهل البيت عليهم السلام

إنّ متابعة الشيعة الإماميّة لأئمّة أهل البيت عليهم السلام وموالاتهم لهم، وأخذهم بهديهم، وسيرهم على نهجهم، أشهر من أن يذكر، وأظهر من أن ينكر، وما جحده إلّا سفسطة ظاهرة، وإنكار بديهة واضحة.

وينبغي أن نلفت النظر إلى أنّه ليس كلّ إنكار يُلتفَت إليه، وإلّا فالملاحدة ينكرون الخالق جلّ وعلا، مع أنّ كلّ شي ء في الوجود يدلّ عليه ويرشد إليه، وكذلك أصحاب الملل ينكرون نبوّة نبيّنا محمّد صلى الله عليه و آله و سلم، مع قيام الأدلّة القطعيّة الدالّة على نبوّته وخاتميّة رسالته.

ويدلّك على أنّ إنكار متابعة الشيعة الإماميّة لأئمّة

ص: 12

أهل البيت عليهم السلام جارٍ هذا المجرى، أنّ المنكر لابدّ أن يكون عالماً بما عليه أهل البيت في الفروع والاصول حتّى يتّجه منه إنكار متابعة الإماميّة لهم. أمّا إذا كان لا يعلم من أقوال أهل البيت إلّاما ندر، فكيف يحصل له الجزم بأنّ أقوال أهل البيت التي نقلها الشيعة الإماميّة ليست أقوالهم؟

ولقد تصفّحنا كتب أهل السنّة في الفقه والحديث والتفسير والكلام وغيرها فلم نجد لأئمّة أهل البيت عليهم السلام إلّا أقوالًا نادرة وأحاديث قليلة متناثرة، لا تُسمن ولا تُغني من جوع؛ وذلك لأنّهم عُنوا بمعرفة أقوال غيرهم دون أقوالهم، بل إنّ ما عرفوه منها تركوه وأهملوه، وقدّموا غيره عليه.

ونزيد الأمر إيضاحاً بفرض مثل ذلك في اليهود والنصارى لو أنكروا متابعة كلّ فئات المسلمين لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله ومعرفتهم بما جاء به، فإنّ إنكارهم حينئذٍ لا يُلتفت إليه، ولا يُعتنى به، لأنّهم لا يعلمون شيئاً من دين الإسلام ومعارفه إلّاما تلقّفوه من المسلمين أو وجدوه في كتبهم.

ص: 13

أهل السنّة قاطعون بعدم اتباع الشيعة لأهل البيت عليهم السلام

قد يشكل بأنّ أهل السنّة جازمون بأنّ الشيعة الإماميّة لا يتّبعون أئمّة أهل البيت عليهم السلام في اصول الدِّين وفروعه، وذلك لأنّ ما عليه الشيعة مخالف لما رواه الثقات عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم. فإمّا أنّ الشيعة كذبوا على أئمّة أهل البيت عليهم السلام فيما زعموا أنّهم رووه عنهم، فلا يكونون أتباعهم.

أو أنّهم صادقون في النقل عنهم، وتابعون لهم فيما يُقطع ببطلانه ومخالفته لما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم في الاصول والفروع، الذي يلزم منه تضليل أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

وحينئذٍ لا مفرَّ من إنكار متابعة الشيعة لأئمّة أهل

ص: 14

البيت عليهم السلام؛ لأنّ الأمر دائر بين تخطئة الشيعة وبين تخطئة أئمّة أهل البيت، وتخطئة الشيعة هو المتعيّن بلا إشكال.

والجواب: أنّ مخالفة ما رواه الشيعة الإماميّة عن أهل البيت عليهم السلام لما رواه غيرهم عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لا يستلزم ما ذكروه من مخالفة الإماميّة أو أئمّة أهل البيت للنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم؛ لأنّ رواية الثقات عند أهل السنّة ذلك عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لا يستلزم بالضرورة صدوره عنه صلى الله عليه و آله و سلم، فإنّ الصادر عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم شي ء واحد، واختلاف الرواية عنه يدلّ على كذب إحدى الروايتين.

فالشيعة أخذوا بما رواه أئمّة أهل البيت عليهم السلام عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، وتمسَّك أهل السنّة بما رواه غيرهم، حتّى لو كانوا مرجئة أو خوارج أو قدرية أو غيرهم.

وما أحسن قول القائل:

إذا شئت أن تختر لنفسك مذهباً وتعلم أنّ الناس في نقل أخبارِ

فدَعْ عنك قول الشافعيّ ومالكٍ وأحمدَ والمروي عن كعب أحبار

ووالِ أُناساً قولهم وحديثهم روى جدّنا عن جبرئيل عن الباري

اتّهام رواة الشيعة بالكذب على أهل البيت عليهم السلام

وقد يُشكل أيضاً بأنّ رواة الشيعة هم الذين افتروا على أئمّة أهل البيت عليهم السلام الأحاديث، وأنّ علماء الشيعة نسبوا إلى أئمّة أهل البيت عليهم السلام الأقوال المكذوبة عليهم، لأنّا لم نجد خلافاً بين أهل السنّة وأهل البيت من مصدر معتمد.

والجواب: إنّ الاختلاف الواقع بين الشيعة وأهل السنّة إمّا في الاصول الاعتقادية، وإمّا في الفروع الفقهيّة.

أمّا الاصول الاعتقادية فالشيعة يكتفون في إثبات

ص: 15

ص: 16

صحّة مذهبهم بآيات الكتاب العزيز، والأحاديث المتّفق على صحّتها بين الفريقين، مضافاً إلى البراهين العقليّة القطعيّة، ولا تصل النوبة إلى الاحتجاج بأحاديث أئمّة أهل البيت عليهم السلام، حتّى يتطرّق احتمال الكذب عليهم، مع أنّهم لا يجوِّزون الاحتجاج في الاصول إلّابالأحاديث المتواترة عنهم، التي يمتنع تواطؤ رواتها على الكذب.

وأمّا الفروع الفقهيّة فأهل السنّة اختلفوا فيها إلى مذاهب عديدة، حتّى أنّهم تنازعوا في أكثر المسائل الفقهيّة كما لا يخفى على من تتبّع أقوالهم وفتاواهم(1)، فأيّ المذاهب منها هو الصحيح الذي يتّفق مع ما عليه أئمّة أهل البيت عليهم السلام؟!

هذا مع ما أوضحناه فيما سبق من أنّ أهل السنّة لم يتتبّعوا أقوال أهل البيت عليهم السلام ولم يحفظوها حتّى يعلموا ما صدر منهم وما نُحل عليهم. فزعمهم أنّهم مؤتلفون مع أئمّة أهل البيت عليهم السلام زعمٌ باطل لم يستند إلى حجّة مقبولة أو دليل معتبر.


1- للتحقّق من ذلك راجع كتاب المغني لابن قدامة، والمحلّى لابن حزم، وبداية المجتهد لابن رشد، والفقه على المذاهب الأربعة للجزيري، وغيرها

ص: 17

وبهذا يتّضح فساد ما قيل من أنّ الشيعة الإماميّة قد افتروا على أهل البيت عليهم السلام الأحاديث، ونسبوا إليهم ما لم يصدر عنهم، لأنّ كلّ منصف بحث في كتب الشيعة، ورأى مسلكهم في تمحيص الأحاديث، يعلم بما لا يدع مجالًا للريب أنّهم لا يحتجّون إلّابما يرويه الثقات الأثبات المعروفون بالضبط والحفظ والإتقان، الذين أقرَّ بوثاقة بعضهم علماء الجرح والتعديل من أهل السنّة، ورووا أحاديثهم في صحاحهم وسائر مصنّفاتهم كأبان بن تغلب، وثابت بن دينار (أبي حمزة الثمالي)، وجابر بن يزيد الجعفي، والحارث الهمداني، وحمّاد بن عيسى، ومحمّد بن مسلم، ومعروف بن خربوذ، وسلمة بن كهيل، وغيرهم ممّن هو على شاكلتهم(1).

هذا مع أنّ علماء الإماميّة يطرحون كثيراً من الأحاديث المرويّة في كتبهم المعتبرة كالكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه إذا لم تستجمع شرائط الصحّة والاعتبار.


1- راجع ما كتبه السيّد عبد الحسين شرف الدِّين الموسوي رضوان اللَّه عليه في كتاب المراجعات، المراجعة 14- 16، فإنّه أجاد وأبدع، جزاه اللَّه خير جزاء العلماء العاملين

ص: 18

الأدلّة على متابعة الشيعة لأهل البيت عليهم السلام

وتتلخّص في ما يلي:

أوّلًا: أنّ الشيعة الإماميّة قصروا الإمامة في أهل البيت عليهم السلام، وحصروا التقليد فيهم، فلا حجّة إلّالقولهم، ولا حقّ إلّاما صدر منهم.

ولهذا تتابع الشيعة خلفاً عن سلف في تدوين علومهم، وكتابة أحاديثهم في اصول الدِّين وفروعه حتّى جمعوا الشي ء الكثير.

وعليه، فالداعي إلى متابعتهم والأخذ بهديهم والسير على نهجهم- وهو اعتقاد إمامتهم دون سواهم- موجود، والمانع من متابعتهم مفقود، فلابدّ من حصول الاتِّباع وتحقّق الموالاة.

وثانياً: اعتراف جمع من أرباب التحقيق من أهل السنّة بمتابعة الشيعة لأهل البيت عليهم السلام ومشايعتهم لهم.

1- قال الشهرستاني: الشيعة هم الذين شايعوا عليّاً رضى الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصيّة، إمّا جليّاً وإمّا خفيّاً، واعتقدوا أنّ الإمامة لا تخرج من أولاده(1).


1- الملل والنحل: 1/ 146

ص: 19

وقال أيضاً في ترجمة الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام: وهو ذو علمٍ غزير في الدِّين، وأدب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدُّنيا، وورع تامّ عن الشهوات...

وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم(1).

2- وقال ابن منظور في لسان العرب، والفيروزآبادي في القاموس المحيط، والزبيدي في تاج العروس: وقد غلب هذا الاسم [أي الشيعة] على من يتوالى عليّاً وأهل بيته رضوان اللَّه عليهم أجمعين، حتّى صار لهم اسماً خاصّاً، فإذا قيل: فلان من الشيعة، عُرف أنّه منهم(2).

3- وقال الزهري: والشيعة قوم يهوون هوى عترة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ويوالونهم(3).

4- وقال ابن خلدون: اعلم أنّ الشيعة لغةً: الصَّحْب والأَتْباع، ويطلق في عرف الفقهاء والمتكلِّمين من الخلف


1- نفس المصدر: 1/ 166
2- لسان العرب: 8/ 189. القاموس المحيط: 3/ 49. تاج العروس: 21/ 303
3- لسان العرب: 8/ 189. تاج العروس: 21/ 303

ص: 20

والسلف على أتباع عليّ وبنيه رضي اللَّه عنهم(1).

وثالثاً: سلوك الشيعة الكاشف عن ولائهم لأهل البيت عليهم السلام ومتابعتهم لهم، فقد دأبوا على تدوين معارفهم وعلومهم، ورواية أحاديثهم، وأخذ أقوالهم، والتسليم لهم، ونشر فضائلهم، وكتابة سِيَرهم، وإقامة مآتمهم، والحزن على مصائبهم وما جرى عليهم، حتّى أنّهم حكموا بضعف كلّ من انحرف عنهم، وبنجاسة كلّ من تجاهر بمعاداتهم، ووالوا أولياءهم، وتبرّأوا من أعدائهم.

وعلى كلّ حال، فإنّا لو لم نقُل بأنّ الشيعة الإماميّة هم أتباع أئمّة أهل البيت عليهم السلام مع تحقّق هذه الامور، لحقَّ لنا إنكار متابعة كلّ فرقة لمن تنتسب إليه، ولأمكننا أن نشكّك في متابعة أهل السنّة لأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ابن حنبل وغيرهم.


1- مقدّمة ابن خلدون: ص 196

ص: 21

أهل السنّة ليسوا شيعة لعلي عليه السلام

لا ينقضي العجب من جرأة ابن حجر الهيتمي وابن تيميّة والذهبي وغيرهم في زعمهم أنّ أهل السنّة هم شيعة عليّ عليه السلام، والحال أنّ أهل السنّة لايظهر منهم ولاء لأهل البيت عامّة، ولا لعليّ عليه السلام خاصّة، بل ما يظهر منهم خلاف ذلك.

ويتجلّى ذلك في امور:

أوّلًا: انصراف أهل السنّه عن أخذ علوم أهل البيت عليهم السلام واكتساب معارفهم وتدوين فتاواهم، فإنّا لا نكاد نجد في كتب الفقه المهمّة، كالمغني لابن قدامة، والمحلّى لابن حزم وغيرهما، أو في كتب علم الكلام المشهور كالمواقف

ص: 22

للإيجي، والملل والنحل للشهرستاني، والفصل لابن حزم وغيرها، أو في كتب التفسير المعروفة كالتفسير الكبير للفخر الرازي، وجامع البيان للطبري، وتفسير ابن كثير وغيرها، لا نكاد نجد قولًا يُنقل عن إمام من أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

كما أنّا لا نجد في كتب الحديث المعتمدة المشهورة من الأحاديث المرويّة عن أهل البيت عليهم السلام إلّاالقليل النادر الذي لا يكاد يُذكر، الدال على أنّ غيرهم مقدَّم عندهم في هذا الشأن. حتّى أنّ البخاري الذي روى في كتابه الصحيح عن بعض الخوارج(1)، وبعض النواصب(2)، والمرجئة(3)،


1- قيل ذلك في عكرمة مولى ابن عبّاس، والوليد بن كثير بن يحيى المدني، وعمران بن حطّان الذي مدح ابن ملجم قاتل أمير المؤمنين عليه السلام بقوله:
2- رُمي بذلك: إسحاق بن سويد العدوي، وبهز بن أسد، وحريز بن عثمان الحمصي، وحصين بن غير، وعبداللَّه بن سالم الأشعري، وقيس بن أبي حازم. وكلّهم من رجال البخاري
3- رُمي بذلك من رجال الصحيح: أيّوب بن عائد الطافي، وإبراهيم بن طهمان، وذر بن عبداللَّه المرهبي، وشبابة بن سوار، وعبد الحميد بن عبد الرحمن، وعثمان بن غياث، وعمر بن ذر، وعمرو بن مرّة، وغيرهم

ص: 23

والقدريّة(1)، والجهميّة(2) لم يرو عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام حديثاً واحداً، بل لم يرو عن الحسن بن عليّ عليه السلام حديثاً قطّ، مع أنّه روى عن أبي سفيان، وابنه معاوية، وعن عمرو بن العاص، ومروان بن الحكم، والمغيرة بن شعبة، وسمرة بن جندب وغيرهم.

وثانياً: ردّ أهل السنّة أقوال أئمّة أهل البيت عليهم السلام إذا خالفت قول غيرهم.

وخُذ على ذلك مثالين:

1- أنّ عليّاً عليه السلام كان يجهر بالبسملة في صلاته في القراءة الإخفاتيّة والجهريّة.

وأمّا مالك فمنع من قراءتها في الصلاة المكتوبة جهراً كانت أو سرّاً، في الفاتحة وفي غيرها. وقال أبو حنيفة وأحمد والثوري بوجوب قراءتها مع الفاتحة في كلّ ركعة سرّاً. وأوجب الشافعي قراءتها جهراً في الجهرية، وإخفاتاً في الإخفاتيّة(3).


1- رُمي بذلك من رجاله: ثور بن زيد الدملي، وثور بن يزيد الحمصي، وحسّان بن عطيّة، والحسن بن ذكوان، وداود بن الحصين، وغيرهم
2- رُمي به من رجاله: بشر بن السري
3- بداية المجتهد: 1/ 124

ص: 24

قال الفخر الرازي: أمّا أنّ عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر(1).

2- أنّهم اختلفوا في رمي الجمار في أيّام التشريق، فذهب الجمهور إلى أنّه لا يجوز رميها قبل الزوال، ومَن رماها قبل الزوال أعاده بعده.

وثبت عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام أنّه قال:

رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها(2).

فمع ثبوت قول عليّ عليه السلام في الجهر بالبسملة مطلقاً، وثبوت قول الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام في جواز الرمي قبل الزوال، إلّاأنّ جمهور أهل السنّة خالفوا العترة النبويّة في هاتين المسألتين كما فعلوا في غيرهما من المسائل الكثيرة التي لا تخفى على المتتبِّع البصير.

وثالثاً: حكمهم بأنّ التشيّع لأهل البيت منقصة قادحة في وثاقة الراوي، فيضعِّفون الرجل لموالاته لأهل البيت عليهم السلام، ويطرحون رواياته وإن كان صدوقاً ثبتاً، وينبزونه بالرفض، ويصمونه بما لا يحسن من قبيح الصفات(3). فصار


1- التفسير الكبير: 1/ 205
2- بداية المجتهد: 1/ 353
3- من الأوصاف الغريبة التي قالوها في شيعة أهل البيت عليهم السلام ما نقله الذهبي في ميزان الاعتدال: 3/ 242 في ترجمة عمران بن مسلم الفزاري عن أبي أحمد الزبيري الذي وصف المترجم بأنّه رافضي كأنّه جرو كلب. إلّاأنّ الذهبي لم يقنع بذلك، فقال معقّباً: قلت: خراء الكلاب كالرافضي

ص: 25

كلّ من يحبّهم ويروي فضائلهم، أو ينقل مآثرهم وينوّه بذكرهم، أو يفضّلهم على غيرهم، شيعيّاً(1) أو رافضيّاً مذموماً، لا حرمة له ولا كرامة، ولا تُقبل روايته(2)، ولا تُسمع شهادته، ولا تحلّ ذبيحته، ولا تجوز مناكحته.

وهذا الإمام الشافعي الذي هو عَلمٌ من أعلام أهل السنّة، وإمام من أئمّتهم، قد رُمي بالتشيّع لمّا تجاهر بحبّ أهل البيت عليهم السلام، حتّى قيل له: إنّ أُناساً لا يصبرون على


1- من شواهد ذلك ما ذكره الذهبي في ترجمة الحاكم الحسكاني، عبيداللَّه بن عبداللَّه بن أحمد القرشي العامري النيسابوري، في تذكرة الحفّاظ: 3/ 1200، إذ قال: ووجدتُ له مجلساً يدلّ على تشيّعه وخبرته بالحديث، وهو تصحيح خبر ردّ الشمس لعليّ رضى الله عنه وترغيم النواصب الشُمْس.
2- قال ابن قتيبة في كتابه الاختلاف في اللفظ، ص 41: تحامى كثير من المحدّثين أن يحدّثوا بفضائله- يعني عليّاً- كرّم اللَّه وجهه، أو يُظهروا له ما يجب له... إلى أن قال: وأهملوا مَن ذكره، أو روى حديثاً من فضائله، حتّى تحامى كثير من المحدّثين أن يتحدّثوا بها، وعُنوا بجمع فضائل عمرو بن العاص ومعاوية، كأنّهم لا يريدونهما بذلك وإنّما يريدونه

ص: 26

سماع منقبة أو فضيلة لأهل البيت، فإذا رأوا أحداً يذكر شيئاً من ذلك قالوا: تجاوزوا عن هذا، فهو رافضي.

فأنشأ يقول:

إذا في مجلس نذكر عليّاً وإبنيه وفاطمة الزكيّهْ

يُقال: تجاوزوا يا قوم هذا فهذا من حديث الرافضيّه

برئتُ إلى المهيمن من اناسٍ يرون الرفض حبّ الفاطميّه

(1) وقيل له: إنّ فيك بعض التشيّع! قال: وكيف؟ قالوا:

ذلك لأنّك تظهر حبّ آل محمّد. فقال: يا قوم! ألم يقل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: «لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من والده وولده والناس أجمعين»، وقال: «إنّي أوليائي من عترتي المتّقون»، فإذا كان واجباً عليَّ أن أحبّ قرابتي وذوي رحمي إذا كانوا من المتّقين، أليس من الدِّين أن أحبّ قرابة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا كانوا من المتّقين، لأنّه كان يحبّ قرابته، وأنشد:


1- نور الأبصار: ص 200، والأبيات في الديوان: ص 90

ص: 27

يا راكباً قف بالمحصب من منى واهتف بساكن خيفها والناهضِ

سحَراً إذا فاض الحجيج إلى منى فيضاً كملتطم الفرات الفائضِ

إن كان رفضاً حبّ آل محمّدٍ فليشهد الثقلان أنّي رافضي

(1) ولمّا سمع أنّ بعضهم رماه بالتشيّع أنشأ يقول:

إذا نحن فضّلنا عليّاً فإنّنا روافض بالتفضيل عند ذوي الجهلِ

وفضل أبي بكرٍ إذا ما ذكرته رُميت بنصب عند ذكري للفضل

فلا زلت ذا رفض ونصبٍ كليهما أدين به حتّى أُوسَّد في الرّمل

(2) ولهذا تحامى كثير من الحفّاظ عن رواية فضائل أهل البيت عليهم السلام عموماً، وأمير المؤمنين عليه السلام خصوصاً تحاشياً للتهمة، وخوفاً من العامّة، وحذراً من بطش الخلفاء والولاة.

قال الذهبي في ترجمة الحافظ ابن السقاء، وهو عبداللَّه ابن محمّد بن عثمان الواسطي: إنّه أملى حديث الطير في واسط، فلم تحتمله نفوسهم، فوثبوا عليه وأقاموه وغسلوا موضعه(3).

وقال ابن حجر في ترجمة نصر بن علي بن نصر بن علي بن صهبان الجهضمي: إنّه لمّا حدَّث بحديث عليّ بن أبي طالب أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أخذ بيد حسن وحسين، فقال:

«مَن أحبّني وأحبَّ هذين وأباهما وامّهما كان في درجتي يوم القيامة» أمر المتوكّل بضربه ألف سوط، فكلّمه فيه جعفر ابن عبد الواحد، وجعل يقول له: هذا من أهل السنّة. فلم يزل به حتّى تركه(4).

رابعاً: حكمهم بأنّ سبّ عليّ عليه السلام ولعنه وبغضه غير


1- تذكرة الحفّاظ: 3/ 966
2- تهذيب التهذيب: 10/ 384
3- تذكرة الحفّاظ: 3/ 966
4- تهذيب التهذيب: 10/ 384

ص: 28

ص: 29

قادح في وثاقة الراوي، دون سَبّ مَنْ تقدّمه من الخلفاء، فحكموا بوثاقة جمع عُرفوا ببغض عليّ عليه السلام، واشتهر عنهم التجاهر بلعنه وسبّه وعداوته.

وهم كثير يعرفهم المتتبِّع في كتب الحديث والرجال، ونحن سنذكر عشرة منهم ممّن رُوي لهم في أحد الصحيحين، ووثّقهم غير واحد من رجال الجرح والتعديل. منهم عبداللَّه ابن شقيق العقيلي(1)، وحريز بن عثمان الرحبي الحمصي(2)، وإسماعيل بن سميع الكوفي الحنفي(3)، والحصين بن نمير


1- روى له البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة، ووثّقه يحيى ابن معين وأبو حاتم وابن خراش وابن حبّان وأبو زرعة والعجلي وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: ثقة وكان يحمل على عليّ. وقال ابن سعد: كان ابن شقيق عثمانيّاً وكان ثقة في الحديث (تهذيب التهذيب: 5/ 223)
2- روى له البخاري والأربعة، سُئِل أحمد بن حنبل عنه فقال: ثقة ثقة، وقال: ليس بالشام أثبت من حريز، وثّقه ابن معين ودحيم وأحمد بن أبي يحيى والمفضل بن غسّان والعجلي وأبو حاتم وابن عدي والقطّان. قال ابن المديني: لم يزل من أدركناه من أصحابنا يوثّقونه. كان يلعن أميرالمؤمنين عليه السلام وينتقصه وينال منه. قال ابن حبّان: كان يلعن عليّاً بالغداة سبعين مرّة وبالعشي سبعين مرّة (تهذيب التهذيب: 2/ 207)
3- روى له مسلم وأبو داود والنسائي، وثّقه أحمد وابن معين والقطّان وأبو حاتم والنسائي وابن عدي والأزدي وابن نمير والعجلي وأبو داود وابن حبّان وابن سعد والبخاري، وكان خارجيّاً ممّن يبغض عليّاً عليه السلام (تهذيب التهذيب: 1/ 266)

ص: 30

الواسطي(1)، وزياد بن جبير بن حيّة الثقفي البصري(2)، وزياد بن علاقة بن مالك الثعلبي(3)، وعبيداللَّه بن زيد أبي قلابة الجرمي(4)، ومحمّد بن زياد الألهاني(5)، ونعيم بن أبي هند الأشجعي(6)، وخالد بن سلمة بن العاص


1- روى له البخاري وأبو داود والنسائي والترمذي، ووثّقه ابن معين والعجلي وأبو زرعة وأبو حاتم وابن حبّان، كان يحمل على عليّ عليه السلام (تهذيب التهذيب: 2/ 337)
2- روى له الستّة: البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجة. وثّقه أحمد وابن معين وأبو زرعة والنسائي والعجلي، سُئل عنه أبو داود فقال: هذا زياد الجهبذ. كان يقع في الحسن والحسين عليهما السلام (تهذيب التهذيب: 3/ 308)
3- روى له الستّة. ووثّقه ابن معين والنسائي وأبو حاتم وابن حبّان والعجلي ويعقوب بن سفيان. قال الأزدي: سيّي ء المذهب، كان منحرفاً عن أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم (تهذيب التهذيب: 3/ 327)
4- روى له الستّة، وثّقه ابن سعد وابن خراش وغيرهما. قال العجلي في كتاب الثقات، ص 257: تابعي ثقة، وكان يحمل على عليّ، ولم يروِ عنه شيئاً قطّ (تهذيب التهذيب: 5/ 198)
5- روى له البخاري والأربعة، وثّقه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن معين وابن حبّان. قال الحاكم: اشتهر عنه النصب كحريز بن يزيد (تهذيب التهذيب: 9/ 150)
6- روى له البخاري في التعاليق، ومسلم وأبو داود في المراسيل والترمذي والنسائي وابن ماجة، وثّقه النسائي وابن حبّان وابن سعد والعجلي، وقال أبو حاتم: صالح الحديث صدوق، وقال سفيان الثوري: كان يتناول عليّاً رضى الله عنه (تهذيب التهذيب: 10/ 417)

ص: 31

المعروف بالفأفأ(1).

إلى غير هؤلاء ممّن نصّوا على نصبه وسوء حاله.

والعجب كيف تجرّأوا في توثيق هؤلاء وغيرهم ممّن هو على شاكلتهم، وتصحيح رواياتهم وروايتها في صحاحهم وغيرها، مع ما ثبت من قول النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لعليّ عليه السلام:

«لا يحبّك إلّامؤمن ولا يبغضك إلّامنافق»(2)، وقوله: «مَنْ


1- روى له مسلم والبخاري في الأدب المفرد وابن ماجة وأبو داود والترمذي والنسائي، وثّقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وابن المديني وابن عمّار ويعقوب بن أبي شيبة والنسائي وابن حبّان. قال محمّد بن حميد عن جرير: كان الفأفأ رأساً في المرجئة، وكان يبغض عليّاً. (تهذيب التهذيب: 3/ 83)
2- مسند أحمد بن حنبل: 6/ 262، 1/ 84، 95. صحيح مسلم: 1/ 86 كتاب الإيمان، باب 33، سنن الترمذي: 5/ 635، 643. سنن ابن ماجة: 1/ 42 المقدّمة باب 11. خصائص أمير المؤمنين عليه السلام للنسائي، ص 187، 191، 192، مشكاة المصابيح: 3/ 1719، 1722. حلية الأولياء: 4/ 185. تاريخ بغداد: 2/ 255، 8/ 417، 14/ 426. صفة الصفوة: 1/ 312. جامع الاصول: 9/ 473. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان: 9/ 40. كنز العمّال: 11/ 622. مجمع الزوائد: 9/ 133. كتاب السنّة، ص 584. شرح السنّة: 14/ 113، 114. سلسلة الأحاديث الصحيحة: 4/ 298. مجمع الزوائد: 9/ 133 ووثّق رجاله. صحيح سنن ابن ماجة: 1/ 25. صحيح سنن النسائي: 3/ 1033. فضائل الصحابة: 2/ 564، 570، 619، 622، 648، 650

ص: 32

أحبَّ عليّاً فقد أحبّني، ومَن أبغض عليّاً فقد أبغضني»(1)، وقوله: «مَنْ سبَّ عليّاً فقد سبّني، ومَن سبّني فقد سبَّ اللَّه تعالى»(2)، وغيرها من الأحاديث الصحيحة الثابتة في حبّ عليّ عليه السلام والتحذير من سبّه وبغضه وحربه ومعاداته.

والذي يظهر أنّهم عدّوا هؤلاء مجتهدين متأوّلين، لهم أجر واحد في سبّ عليّ عليه السلام ولعنه، لأنّهم إذا حكموا بأنّ من حاربوا عليّاً عليه السلام مجتهدون مأجورون، ومن قتله متأوّل، فمن سبّه ولعنه أولى بهذا العذر ممّن قاتله أو شرك في دمه.

ولكن الغريب في الأمر هو أنّهم لم يروا لمن سبّ أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم عذراً يُعذر به أو محملًا صحيحاً يحمل عليه، مِن تأوُّلٍ أو شبهة أو غيرهما ممّا يمنع من التهجّم عليه والوقيعة فيه.


1- المستدرك على الصحيحين: 3/ 130 وصحّحه ووافقه الذهبي. كنز العمّال: 11/ 601، 622. الجامع الصغير: 2/ 554 ورمز له بالصحّة. صحيح الجامع الصغير: 2/ 1034. سلسلة الأحاديث الصحيحة: 3/ 287. مجمع الزوائد: 9/ 132. وقال: إسناده حسن
2- المستدرك على الصحيحين: 3/ 121 وصحّحه ووافقه الذهبي. مسند أحمد بن حنبل: 6/ 323. مجمع الزوائد: 9/ 130. كنز العمّال: 11/ 602. مشكاة المصابيح: 3/ 1722. خصائص أمير المؤمنين عليه السلام: ص 17. مجمع الزوائد: 9/ 130 ووثّق رجاله

ص: 33

بل إنّ مجرّد سبّ واحد ممّن تقدّم عليّاً عليه السلام من الخلفاء كاف في سقوط العدالة واختلال الوثاقة، بل منهم من حكم بلزوم قتله حدّاً(1).

ولهذا ردّوا روايات الروافض الذين يقعون في أبي بكر وعمر، دون النواصب الذين يقعون في عليّ وأهل بيته عليهم السلام.

قال شمس الدِّين الذهبي: إنّ البدعة على ضربين:

فبدعة صغرى كغلوّ التشيّع، أو كالتشيّع بلا غلو ولا تحرّف...

إلى أن قال: ثمّ بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلوّ فيه، والحطّ على أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، والدّعاء إلى ذلك. فهذا النوع لا يحتجّ بهم ولا كرامة...

وقال: فالشيعي الغالي في زمان السلف وعُرْفهم هو من تكلّم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممّن حارب عليّاً رضى الله عنه، وتعرَّض لسبّهم. والغالي في زماننا هو الذي يكفِّر هؤلاء السادة، ويتبرّأ من الشيخين أيضاً، فهذا ضالّ معثر(2).

وقال ابن حجر العسقلاني: التشيّع في عرف المتقدّمين


1- مثل التقي السبكي. راجع خاتمة الصواعق المحرقة، ص 288
2- ميزان الاعتدال: 1/ 5- 6

ص: 34

هو اعتقاد تفضيل عليّ على عثمان، وأنّ عليّاً كان مصيباً في حروبه، وأنّ مخالفه مخطى ء، مع تقديم الشيخين وتفضيلهما، وربمااعتقد بعضهم أنّ عليّاً أفضل الخلق بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم.

إلى أن قال: وأمّا التشيّع في عرف المتأخّرين فهو الرفض المحض، فلا تقبل رواية الرافضي الغالي ولا كرامة(1).

وللخروج من هذه المفارقة كفّروا الروافض وأخرجوهم من دائرة المسلمين وحوزة المؤمنين، فلا يصحّ حينئذٍ حمل أي فعل لهم على شبهة أو تأويل أو اجتهاد أو غير ذلك.

قال ابن حجر بعد أن ساق قوله تعالى: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ» إلى قوله:

«لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ» الآية(2): ومن هذه الآية أخذ الإمام مالك في رواية عنه بكفر الروافض الذين يبغضون الصحابة، قال: لأنّ الصحابة يغيظونهم، ومن غاظه الصحابة فهو كافر.

قال ابن حجر: وهو مأخذ حسن يشهد له ظاهر الآية، ومن ثمّ وافقه الشافعي رضى الله عنه في قوله بكفرهم، ووافقه


1- تهذيب التهذيب: 1/ 81- 82
2- سورة الفتح، الآية: 29

ص: 35

جماعة من الأئمّة(1).

وقال القرطبي: لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله، فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد ردّ على اللَّه ربّ العالمين، وأبطل شرائع الإسلام(2).

وقال الفريابي: مَنْ شتم أبا بكر فهو كافر لا أُصلّي عليه(3).

أقول: عندما تتأمّل كلماتهم وتدقّق في عباراتهم تجد أنّهم يثبتون هذا الحكم- وهو كفر من ينتقص واحداً من صحابة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أو فسقه- في حقّ من ينتقص غير عليّ عليه السلام، بل إنّهم حكموا بذلك لإيجاد ذريعة لتكفير شيعة أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم، فهم المرادون به دون غيرهم.

ومن غرائب الأقوال وعجائبها ما قاله ابن تيميّة في هذا الشأن، فإنّه قال: إنّ القادحين في علي حتّى بالكفر والفسوق والعصيان طوائف معروفة، وهم أعلم من الرافضة وأدين، والرافضة عاجزون معهم علماً وديناً، فلا يمكن الرافضة أن تقيم عليهم حجّة تقطعهم بها،


1- الصواعق المحرقة: ص 243، وراجع تفسير القرآن العظيم: 4/ 204
2- الجامع لأحكام القرآن: 16/ 296
3- المغني: 2/ 419

ص: 36

ولا كانوا معهم في القتال منصورين عليهم.

إلى أن قال: بخلاف من يكفّر عليّاً ويلعنه من الخوارج وممّن قاتله ولعنه من أصحاب معاوية وبني مروان وغيرهم، فإنّ هؤلاء كانوا مقرِّين بالإسلام وشرائعه، يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويصومون رمضان، ويحجّون البيت العتيق، ويحرّمون ما حرّم اللَّه ورسوله، وليس فيهم كفر ظاهر، بل شعائر الإسلام وشرائعه ظاهرة فيهم معظَّمة عندهم، وهذا أمر يعرفه كلّ من عرف أحوال الإسلام.

وقال أيضاً: إذا اعتُبر الذين كانوا يبغضونه- يعني عليّاً عليه السلام- ويوالون عثمان، والذين يبغضون عثمان ويحبّون عليّاً، وُجد هؤلاء خيراً من اولئك من وجوه متعدّدة، فالمنزّهون لعثمان القادحون في علي أعظم وأدين وأفضل من المنزّهين لعلي القادحين في عثمان كالزيديّة مثلًا، فمعلوم أنّ الذين قاتلوه ولعنوه وذمّوه من الصحابة والتابعين وغيرهم هم أعلم وأدين من الذين يتولّونه ويلعنون عثمان.

وقال أيضاً: القادحون في عليّ طوائف متعدّدة، وهم أفضل من القادحين في أبي بكر وعمر وعثمان، والقادحون فيه أفضل من الغلاة فيه، فإنّ الخوارج متّفقون على كفره،

ص: 37

وهم عند المسلمين كلّهم خيرٌ من الغلاة الذين يعتقدون إلهيّته أو نبوّته، بل هم والذين قاتلوه من الصحابة والتابعين خيرٌ عند جماهير المسلمين من الرافضة الإثني عشرية الذين اعتقدوه إماماً معصوماً(1).

أقول: قوله: «إنّ من يكفِّر عليّاً ويلعنه من الخوارج وغيرهم مقرِّين بالإسلام وشرائعه..»، وقوله: «وليس فيهم كفر ظاهر» يردّه قول النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدِّين كما يمرق السهم من الرمية»(2).

وقوله: «ويحرّمون ما حرَّم اللَّه» يردّه أنّهم عادوا عليّاً عليه السلام وحاربوه ولعنوه، وهذه من الموبقات العظيمة التي حرَّمها اللَّه سبحانه، وحذّر منها النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم في الأحاديث المتواترة التي بلغتهم وأقرّوا بها هم فضلًا


1- منهاج السنّة: 3/ 3
2- أخرجه البخاري في صحيحه: 8/ 47، 9/ 21، 4/ 244. ومسلم في صحيحه: 2/ 740- 750. وأبو داود في سننه: 4/ 243. والنسائي في سننه: 5/ 87، 7/ 117. وابن ماجة في سننه: 1/ 59- 62. والترمذي في سننه: 4/ 481. ومالك في الموطأ: ص 101. وأحمد في مسنده: 1/ 88، 92، 131، 147، 151، 156، 160، 256، 404، و 3/ 5، 15، 33، 52، 56، 60، 64، 65، 68، 73، 159، 183، 189، 224، 353، 354، 355، 486، و 4/ 145، 422، 425، و 5/ 42، 176. ونص الكتاني على تواتره، راجع نظم المتناثر: ص 59

ص: 38

عن غيرهم.

وقوله: إذا اعتبر الذين كانوا يبغضونه... إلى آخر كلامه يردّه ما صحّ عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم أنّ عليّاً عليه السلام لا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّامنافق. فشتّان ما بين المؤمنين الذين يحبّونه، والمنافقين الذين يبغضونه. وحبّ مبغضيه لغيره لا يخرجهم عن النفاق، كما أنّ بغض محبّيه لغيره ممّن لم يُنصّ على وجوب محبّته لا يخرجهم عن الإيمان، لأنّ ذلك إن كان معصية فهو من المعاصي التي تقع من المؤمنين، ولا تنافي إيمانهم، ويمكن غفرانها لهم.

وقوله: «بل هم- يعني الخوارج- والذين قاتلوه...

خيرٌ من الرافضة...» يردّه ما صحّ عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم أنّه قال:

«عليٌّ وشيعته هم الفائزون» حتّى زعمت أكثر الطوائف أنّها شيعته(1). وما صحّ عنه صلى الله عليه و آله و سلم في الخوارج أنّهم يمرقون من


1- أمّا أهل السنّة فقد نصَّ جمع من علمائهم بأنّهم هم شيعة علي عليه السلام دون غيرهم كما مرّ. وأمّا المعتزلة فزعموا ذلك أيضاً. قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 4/ 522: لم تكن لفظة الشيعة تُعرف في ذلك العصر إلّالمن قال بتفضيله- يعني عليّاً عليه السلام-... فكان القائلون بالتفضيل هم المسمّون الشيعة. وجميع ما ورد من الآثار والأخبار في فضل الشيعة وأنّهم موعودون بالجنّة فهؤلاء هم المعنيّون به دون غيرهم، ولذلك قال أصحابنا المعتزلة في كتبهم وتصانيفهم: نحن الشيعة حقّاً. فهذا القول هو أقرب إلى السلامة وأشبه بالحقّ من القولين المقتسمين طرفي الإفراط والتفريط

ص: 39

الدِّين، وأنّهم شرّ الخلق والخليقة، وأنّه صلى الله عليه و آله و سلم لو أدركهم لقتلهم قتل عاد. فكيف يجرؤ ابن تيميّة على مخالفة النصوص الصحيحة الصريحة، فيمدح من ذمَّه النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، ويذمّ من مدَحه؟! وهل هذا إلّامصداق قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً»(1)

.

خامساً: أنّهم حكموا باجتهاد من حاربه.

قال ابن حزم: إنّ معاوية رضى الله عنه ومَنْ معه مخطئون مجتهدون مأجورون أجراً واحداً(2).

وقال ابن حجر الهيتمي: وأعداؤه- يعني عليّاً عليه السلام- الخوارج ونحوهم من أهل الشام، لا معاوية ونحوه من الصحابة، لأنّهم متأوّلون فلهم أجر(3).


1- سورة النساء، الآيات: 51- 52
2- الفصل في الملل والأهواء والنحل: 4/ 161
3- الصواعق المحرقة: ص 184

ص: 40

وقال: [إنّ معاوية] لم يقدم على شي ء ممّا صحّ عنه إلّا بتأوّل يمنعه من الإثم، بل ووجب له حظّ من الثواب.

وقال: فكلّ من قاتله من هؤلاء بُغاة عليه، لكن مَنْ عدا الخوارج- وإن كانوا مخطئين- هم مثابون؛ لأنّهم أئمّة فقهاء مجتهدون مؤولون تأويلًا محتملًا، بخلاف الخوارج، لأنّ تأويلهم قطعي البطلان(1).

وقال أيضاً: إنّ معاوية وأتباعه مثابون غير مأثومين بما فعلوه من قتال عليّ(2).

سادساً: أنّهم حكموا باجتهاد من قتله دون من قتل غيره.

قال ابن حزم: لا خلاف بين أحد من الأئمّة في أنّ ابن ملجم قتل عليّاً متأوّلًا مجتهداً مقدِّراً أنّه على صواب(3).

وقال الشافعي: وابن ملجم المرادي قتل عليّاً متأوّلًا(4).


1- تطهير الجنان و اللسان ص 302
2- المصدر السابق ص 319
3- تلخيص الحبير 4/ 46
4- المصدر السابق: 4/ 45

ص: 41

وقال محمّد بن جرير الطبري في التهذيب: لا خلاف بين أحد من الامّة أنّ ابن ملجم قتل عليّاً متأوّلًا مجتهداً مقدّراً أنّه على صواب(1).

وأمّا قتلة مَن تقدَّمه من الخلفاء فلا حقّ لهم في تأول ولا اجتهاد، فهم كفرة هالكون.

أمّا قاتل عمر فقالوا: إنّه غلام مجوسي، وأمّا قتلة عثمان فقد وصفهم ابن كثير بأنّهم أجلاف أخلاط من الناس(2)، مفسدون في الأرض(3)، جهلة بغاة متعنّتون خونة ظلمة مفترون(4).

وقال ابن تيميّة: وأمّا الساعون في قتله فكلّهم مخطئون بل ظالمون باغون معتدون(5).

وقال ابن حزم: وعمّار رضى الله عنه قتله أبو الغادية يسار بن سبع السلمي...

إلى أن قال: فأبو الغادية رضى الله عنه متأوّل مجتهد مخطى ء فيه باغ عليه، مأجور أجراً واحداً، وليس هذا كقتلة عثمان رضى الله عنه، لأنّهم لا مجال للاجتهاد في قتله، لأنّه لم يقتل أحداً


1- السنن الكبرى: 8/ 58
2- البداية والنهاية: 7/ 184
3- المصدر السابق: 7/ 194
4- المصدر السابق: 7/ 195
5- منهاج السنّة: 3/ 206

ص: 42

ولا حارب ولا قاتل ولا دافع، ولا زنا بعد إحصان، ولا ارتدّ، فيسوِّغ المحاربة تأويل، بل هم فسّاق محاربون سافكون دماً حراماً عمداً بلا تأويل على سبيل الظلم والعدوان، فهم فسّاق ملعونون(1).

وأقول: إذا فتحنا باب التأوّل والاجتهاد، فإنّه لا يضيق بقتلة عثمان ولا بقتلة غيره، إذ لقائل أن يقول: إنّ عثمان لمّا ولّى على الناس من لا يصلح للولاية، حتّى كثر ظلم هؤلاء الولاة الذين ضجّ الناس منهم، وأبى عثمان أن يعزلهم أو يتنحّى عن الأمر ليقوم به من تكون خلافته فرجاً للعباد والبلاد، لمّا رأى هؤلاء كلّ ذلك عمدوا إلى قتله دفعاً للظلم الذي لا يندفع إلّابه.

سابعاً: إنكارهم جملة كبيرة من فضائل عليّ عليه السلام.

ويتّضح ذلك ببيان امور:

1- أنّ عليّاً عليه السلام هو أكثر صحابة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فضائل ومناقب بلا ريب ولا شبهة.

قال أحمد بن حنبل: ما جاء لأحدٍ من الصحابة من الفضائل ما جاء لعليّ(2).


1- الفصل في الملل والأهواء والنحل: 4/ 161
2- المستدرك على الصحيحين: 3/ 107، الصواعق المحرقة: ص 148

ص: 43

وقال إسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري:

لم يرد في حقّ أحدٍ من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر ممّا جاء في عليّ(1).

ولكن يشقّ على بعضهم أن يمتاز عليّ عليه السلام على صحابة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بكثرة الفضائل، ولذا حاولوا جهدهم أن يؤوّلوها بما يخرجها عن أن تكون فضيلة له.

قال السمهودي في جواهر العقدين وغيره: السبب في ذلك أنّ اللَّه تعالى أطلع نبيّه صلى الله عليه و آله و سلم على ما يكون بعده ممّا ابتُلي به عليّ رضى الله عنه وما وقع من الاختلاف لمّا آل إليه أمر الخلافة، فاقتضى ذلك نصح الامّة باشتهاره لتلك الفضائل، لتحصل النجاة لمن تمسّك به ممّن بلغته...

إلى أن قال: ثمّ أيضاً لمّا اشتدّ الخطب واشتغلت طائفة من بني اميّة بتنقيصه وسبّه على المنابر، ووافقهم الخوارج، بل قالوا بكفره، اشتغل جهابذة الحفّاظ من أهل السنّة ببثّ الفضائل حتّى كثرت، نصحاً للُامّة ونصرة للحقّ(2).


1- عن الصواعق المحرقة: ص 148، نور الأبصار: ص 142
2- عن نور الأبصار: ص 142، وراجع الصواعق المحرقة: ص 148

ص: 44

وهذا يعني أنّ غير عليّ عليه السلام ربما كان في نفس الأمر أكثر منه فضائل، إلّاأنّ الأمويّين لمّا اشتغلوا بسبّه وتنقيصه وانبرى الحفّاظ إلى نشر فضائله، ولم يعتنوا هذه العناية بنشر فضائل غيره، صار عليّ عليه السلام أكثر صحابة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم فضائل في الظاهر، إلّاأنّ ذلك غير معلوم في الواقع.

2- أنّ جمعاً من علماء أهل السنّة أنكروا أكثر فضائله، حتّى قال ابن حزم الأندلسي: والذي صحَّ من فضائل علي فهو قول النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّاأنّه لا نبيّ بعدي»، وقوله عليه السلام: «لأعطينَّ الراية غداً رجلًا يحبّ اللَّه ورسوله، ويحبّه اللَّه ورسوله»، وهذه صفة واجبة لكلّ مؤمن وفاضل. وعهده عليه السلام أنّ عليّاً لا يحبّه إلّا مؤمن، ولا يبغضه إلّامنافق. وقد صحَّ مثل هذه في الأنصار رضي اللَّه عنهم أنّه لا يبغضهم من يؤمن باللَّه واليوم الآخر. وأمّا «من كنت مولاه فعليٌ مولاه» فلا يصحّ من طريق الثقات أصلًا(1)، وأمّا سائر الأحاديث التي تتعلّق بها


1- هذا من عظيم جرأته، فقد جزم بتواتر هذا الحديث جمع من الحفّاظ كما تقدّم في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، وصحّحه كثير من الأعلام، كالترمذي في سننه: 5/ 633، والحاكم في المستدرك: 3/ 109، 110، والذهبي في تلخيصه، وفي تاريخ الإسلام: 2/ 629، والقاري في مرقاة المفاتيح: 10/ 464، وابن حجر في الصواعق المحرقة: ص 149، قال: إنّ كثيراً من طرقه صحيح أو حسن. وابن عبد البرّ في الاستيعاب: 3/ 36، والهيثمي في مجمع الزوائد: 9/ 104- 108، والألباني في صحيح الجامع الصغير: 2/ 1112، وسلسلة الأحاديث الصحيحة: 4/ 343

ص: 45

الرافضة فموضوعة، يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلها(1).

وأقول: انظر أيّها القارئ المنصف كيف عمدوا في سبيل الردّ على حجج الشيعة في إثبات إمامة عليّ عليه السلام إلى إنكار فضائله وجحد مآثره، فكذّبوا الأحاديث الصحيحة الواردة فيه، ثمّ لم يكتفوا فرموه بسهامهم الخائبة كيداً لشيعته، وميلًا عن متابعته ومشايعته، فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلّاباللَّه العليّ العظيم.

3- تضعيف كثير من الأحاديث الصحيحة الواردة فيه، وقد وقع في هذه الطامّة كلّ من كتب في نقض عقائد الشيعة أو الردّ عليها.

ولا بأس أن نأخذ ابن تيميّة مثالًا لإيضاح هذا المسلك الذي نهجه كثير من أعلام أهل السنّة، فإنّ ابن تيميّة عمد إلى كثير من الأحاديث الصحيحة الواردة في فضل عليّ عليه السلام فردّها بلا مستند صحيح.

ويشهد بصحّة ما قلناه ما أورده ابن حجر العسقلاني


1- الفصل في الملل والأهواء والنحل: 4/ 147

ص: 46

في ترجمة ابن المطهّر الحلّي، إذ قال: صَنَّف- أي ابن المطهر- كتاباً في فضائل عليّ رضى الله عنه، نقضه الشيخ تقي الدِّين ابن تيميّة في كتاب كبير...

إلى أن قال: لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحاديث التي يوردها ابن المطهر، وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات، لكنّه ردَّ في ردِّه كثيراً من الأحاديث الجياد ... وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي- يعني ابن المطهر- قادته أحياناً إلى تنقيص عليّ رضى الله عنه(1).

أقول: من الأحاديث التي ضعّفها ابن تيميّة مع صحّتها، قول النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: ما تريدون من عليّ؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي(2).

قال الألباني بعد أن صحّح هذا الحديث وذكر بعض


1- لسان الميزان: 6/ 319
2- أخرجه الترمذي في سننه: 5/ 632، والنسائي في خصائص أمير المؤمنين: ص 164، وابن حبان في صحيحه (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان: 9/ 42)، والحاكم في المستدرك: 3/ 110 وصحّحه ووافقه الذهبي، وأخرجه أحمد في المسند: 4/ 437- 438، 5/ 356، والألباني في سلسلته الصحيحة: 5/ 261. وقوله صلى الله عليه و آله و سلم لعليّ: «أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي» أخرجه أحمد في المسند: 1/ 330- 331، والحاكم في المستدرك: 3/ 132- 133 وصحّحه ووافقه الذهبي، والألباني في سلسلته الصحيحة: 5/ 263

ص: 47

طرقه: فمن العجيب حقّاً أن يتجرّأ شيخ الإسلام ابن تيميّة على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في منهاج السنّة 4/ 104 كما فعل بالحديث المتقدّم هناك...

إلى أن قال: فلا أدري بعد ذلك وجه تكذيبه للحديث، إلّاالتسرّع والمبالغة في الردّ على الشيعة(1).

وقال أيضاً بعد أن صحّح حديث «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه» ونصّ على تواتره وخرّج طرقه: كان الدافع لتحرير الكلام على هذا الحديث وبيان صحّته أنّني رأيت شيخ الإسلام ابن تيميّة قد ضعّف الشطر الأوّل من الحديث(2)، وأمّا الشطر الثاني فزعم أنّه كذب. وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقِّق النظر فيها، واللَّه المستعان(3).

4- تأويل الأحاديث الواردة في فضل عليّ عليه السلام بما يخرجها عن أن تكون فضيلة له، وقد تقدّم شي ء من هذه


1- سلسلة الأحاديث الصحيحة: 5/ 263- 264
2- الشطر الأوّل هو: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه» والشطر الثاني هو: «اللّهمَّ والِ من والاه وعادِ من عاداه»
3- المصدر السابق: 4/ 334

ص: 48

التأويلات في كلام ابن حزم.

ومن هنا نلاحظ أنّه مع كثرة الأحاديث الصحيحة الدالّة دلالة واضحة على خلافة عليّ عليه السلام وأفضليّته على غيره، إلّاأنّ يد التأويل استطاعت أن تمحو هذه الأفضليّة، وترفع تلك الدلالة، فصارت أحاديث جوفاء لا معنى مهمّاً لها.

فمع أنّ قول النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لعليّ عليه السلام: «يا عليّ أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي» يدلّ دلالة واضحة على ثبوت الولاية لعليّ عليه السلام، إلّاأنّ القوم صرفوه عن معناه الدال على أولويّة علي بالخلافة إلى معنى آخر غير ذي شأن، إذ زعموا أنّ الولي هنا بمعنى الناصر أو المحبّ. وعليه فلست أدري ما معنى ثبوت نصرة عليّ عليه السلام أو محبّته للمؤمنين بعد حياة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم مع أنّهما ثابتتان في حياته.

وقول النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لعليّ عليه السلام أيضاً: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّاأنّه لا نبيّ بعدي» مع أنّه يدلّ دلالة واضحة على خلافته عليه السلام، إلّاأنّ القوم صرفوه أيضاً إلى معنى آخر غير مهمّ، إذ زعموا أنّه عليه السلام بمنزلة هارون في أنّ موسى عليه السلام استخلفه على قومه لمّا ذهب إلى الميقات من غير أن يكون خليفته من بعده، مع أنّ كتاب اللَّه العزيز أوضح هذه المنزلة، إذ قال عزَّ من قائل حكايةً عن

ص: 49

موسى: «وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ا 29 هَارُونَ أَخِي ا 30 اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ا 31 وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي»(1).

وقال سبحانه: «وَقَالَ مُوسَى لِاخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ»(2).

ومن غرائب التأويلات قول بعضهم: إنّ المراد ب «علي» في قول النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» هو عالٍ، فيصير معنى الحديث: أنا مدينة العلم وبابها عالٍ أي مرتفع. وما عشت أراك الدهر عجباً.


1- سورة طه، الآيات: 29- 32
2- سورة الأعراف، الآية: 142

ص: 50

خاتمة

ممّا تقدّم يتّضح أنّ شيعة عليّ عليه السلام وأتباع أهل البيت عليهم السلام هم الشيعة الإماميّة الذين استحقّوا هذه التسمية بحقّ، مدحتهم الأحاديث المتّفق على صحّتها، التي نصّت على فوزهم ونجاتهم دون غيرهم من سائر الفرق.

وأمّا الدعاوى الفارغة التي لا تعتمد على دليل ولا تستند إلى حجّة، فلا يُلتفت إليها ولا يُعبأ بها، فإنّها كثيرة لا تنقطع ولا تقف عند حدّ.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.