ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

صفوف المسلمين، و طعن الأمة الإسلامية من خلف، و بالتالي ضرب الأمة الإسلامية، و سحقها بأيادي و شعارات إسلامية؛ و جدير أن يلقّبَ هذا التيار بالحزب الذي أسسّ على التفرقة بين المسلمين.

ص: 7

ص: 8

ص: 9

ص: 10

ص: 11

فأجاب بما هو نص في التجسيم- و سيوافيك في الأبحاث الآتية- فأحدث ضجة كبرى، و عُرف بالشذوذ و الانحراف. و كان ذلك عام 698.

يقول ابن كثير: قام عليه جماعة من الفقهاء، و أرادوا إحضاره إلى مجلس القاضي جلال الدين الحنفي، فلم يحضر فنودي في البلد في العقيدة التي كان قد سأله عنها أهل حماة، المسماة بالحموية ... (1)

و في عام 705 ه جرى حوار بينه و بين شريحة من القضاة، و بالتالي صدر القرار بنفيه إلى مصر ... ثم عام 706 ه أحضر الأمير سيف الدين سلار نائب مصر، القضاة الثلاثة: الشافعي والمالكي والحنبلي؛ والفقهاء: الباجي و

ص: 12

الجزري و النمواري، و تكلموا بإِخراجه من الحبس والمنفى، على أن يرجع عن بعض عقائده. وبالتالي أفرج عنه، و اختار هو الإقامة بمصر، و لكن عام 707 ه، ادعى ابن عطاء عليه أشياء، رأى القاضي بدرالدين بن الجماعة، أن في آراءه قلة أدب بساحة النبي(ص)، فتمّ الأمر بحبسه إلى عام 708 ه، ثم توجّه منفياً إلى الاسكندرية.

ثم صدر منه بعد ذلك فتاوى شاذة ... فحبس .... و جعل في قلعة دمشق ... ثم منع من الكتابة و المطالعة؛ و أخرجوا ما كان عنده من الكتب، و لم يتركوا عنده دواة و لا قلماً ولا ورقاً. (1) و مات عام 728 ه.

و قد يتضح مما تلوناه عليك:

1. إنه لم يكن رجلًا موضوعياً يهمّه ما كان يعاني منه المسلمون في تلك الظروف العصيبة التي كانت الدعوة إلى الوحدة فيها أحوج ما يحتاج إليه الناس، فكان يبث بذور

ص: 13

الفتنة و الخلاف، بين فترة و فترة، و يشغل الحكومات و القضاة عن القيام بالواجب، إلى نقل الشيخ من مكان، إلى مكان.

2. إن آراءه كانت مخالفة لما هو المشهور، المجمع عليه بين العلماء، و أن جماهير القضاة و الفقهاء كانوا مخالفين لما يبرزها من الآراء.

3. إن الرجل كان معروفاً بالقول بالتجسيم، و التشبيه، و الجهة ...

4. إنه كان يعارض فكرة الاستغاثة بالرسول الأكرم(ص)، و كان يفتي بحرمة ذلك، و يروّج حرمة زيارة قبور الأنبياء و الصالحين.

ص: 14

في مجلس حوار بينهما، و كان هذا الهندي قوياً في التقرير، إذا شرع في وجه يقرره لا يدع شيئاً إلا أشار إليه في التقرير، فلما شرع يقرر أخذ ابن تيمية يعجّل عليه على عادته، و يخرج من شي ء إلى شي ء، فقال له الهندي:

ما أراك يابن تيمية إلّا كالعصفور، حيث أردت أن أقبضه من مكان، فرّ إلى مكان آخر.

و حبس بعد ذلك، ونودي عليه و على أصحابه، فعزلوا عن وظائفهم. (1) 2. شهاب الدين الحلبي(733)

فإنّه الّف كتاباً في نفي الجهة ردّاً على ابن تيمية، و قال في المقدمة:

أما بعد، فالذي دعا إلى تصدير هذه النبذة، ما وقع في هذه المدّة، مما علقه بعضهم في إثبات الجهة، و اغترّ بها من لم يرسخ له في التعليم قدم، و لم يتعلق بأذيال المعرفة،

ص: 15

ولااستبصر بنور الحكمة، فأحببت أن أذكر عقيدة أهل السنة و أهل الجماعة، ثم أُبيّن فساد ما ذكره، مع أنه لم يدّع دعوى إلّا نقضها، و لا أطّد قاعدة إلّا هدمها ... (1) 3. قاضي القضاة كمال الدين الزملكاني(733) و هو الإمام العلامة المناظر كما عن السبكي- صنف في الرد على ابن تيمية في مسألتي الطلاق و الزيارة. (2)

4. الحافظ شمس الدين الذهبي(748) و قد نصحه برسالة منه: «إلى كم ترى القذاة في عين أخيك و تنسى الجذع في عينيك؟ الى كم تمدح نفسك و شقاشقك و عباراتك، و تذم العلماء و تتبع عورات الناس؟ مع علمك بنهي الرسول: «لا تذكروا موتاكم إلّا بخير، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدّموا»- بل أعرف أنك تقول لي لتنصر نفسك: إنّما الوقيعة في هؤلاء الذين ما شمّوا رائحة ...

ص: 16

الإسلام، و لا عرفوا ما جاء به محمد(ص) و هو جهاد، بلى و الله عرفوا خيراً كثيراً مما إذا عمل به العبد فقد فاز، و جهلوا شيئاً كثيراً مما لا يعنيهم؛ و من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه، يا رجل! بالله عليك، كفّ عنّا، فإنّك محجاج عليم اللسان لا تقرُّ و لاتنام، و إياكم و الغلوطات في الدين، كره نبيك المسائل و عابها، و نهى عن كثرة السؤال، و قال: «إنَّ اخوف ما اخاف على امتي كل منافق عليم اللسان». و كثرة الكلام بغير زلل تقسي القلب، إذا كان في الحلال و الحرام، فكيف إذا كان في عبارات اليونسية الفلاسفة، و تلك الكفريات التي تعمي القلوب، و الله قد صرنا ضحكة في الوجود، فإلى كم تنبش دقائق الكفريات الفلسفية، لنردَّ عليها بعقولنا؟

يا رجل! قد بلعت سموم الفلاسفة و تصنيفاتهم مرّات، و كثرة إستعمال السموم يدمن عليه الجسم، و تكمن والله في البدن، واشوقاه إلى مجلس فيه تلاوة بتدبر، و

ص: 17

خشية بتذكر، و صمت بتفكّر، واهاً لمجلس يذكر فيه الأبرار، فعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة، بل عند ذكرالصالحين يذكرون بالازدراء و اللعنة، كان سيف الحجاج و لسان ابن حزم شقيقين فواخيتهما.

.... يا خيبة! من اتبعك فإنه معرَّض للزندقة و الانحلال، لا سيما إذا كان قليل العلم و الدين، باطوليّاً شهوانياً، لكنّه ينفعك، و يجاهد عنك بيده و لسانه، و في الباطن عدّو لك بحاله و قلبه.

فهل معظم أتباعك إلّا قعيد مربوط خفيف العقل؟ أو عامي كذاب بليد الذهن، أو غريب واجم قويّ المكر، أو ناشف صالح عديم الفهم، فإن لم تصدّقني ففتّشهم، و زنهم بالعدل.

يا مسلم! أقدم حمار شهوتك لمدح نفسك، إلى كم تصادقها و تعادي الاخيار؟ إلى كم تصادقها و تزدري الابرار؟ إلى كم تعظّمها و تصغّر العباد؟ إلى كم تخاللها و

ص: 18

تمقت الزهاد؟ إلى متى تمدح كلامك بكيفية لا تمدح و الله بها أحاديث الصحيحين؟

يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك، بل في كل وقت تغير عليها بالتضعيف و الاهدار، أو بالتأويل و الانكار؛ أما آن لك أن ترعوي؟ أما آن لك أن تتوب و تنيب؟ أما أنت في عشر السبعين و قد قرب الرحيل؟ بلى والله ما أذكر أنك تذكر الموت، بل تزدري بمن يذكر الموت، فما أظنك تقبل على قولي و لاتصغي إلى وعظي، بل لك همة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات، و تقطع لي أذناب الكلام، و لا تزال تنتصر حتى أقول: البتة سكتُّ.

فاذا كان هذا حالك عندي، و أنا الشفوق المحب الوادّ، فكيف حالك عند أعدائك؟ و أعداؤك فيهم صلحاء و عقلاء و فضلاء، كما أن أولياءك فيهم فجرة، و كذبة، و جهلة، و بطلة، و عور و بقر؛ قد رضيت منك بأن

ص: 19

تسبّني علانية، و تنتفع بمقالتي سراً؛ فرحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي .... (1) 5. الحافظ عبد الكافي السبكي(756) و هو أحد من رد على ابن تيمية، و ألّف كتاباً أسماه «شفاء السقام في زيارة خير الأنام» و ربما سمّي ب- «شن الغارة على من أنكر السفر للزيارة».

قال عبدالكافي في شأن الوالد: قام حين خلط على ابن تيمية الأمر و سوّل له قرينه الخوض في ضحضاح ذلك الجمر، حين سدّ باب الوسيلة، و أنكر شدّ الرحال لمجرد الزيارة، و ما برح يولج و يسير، حتى نصر صاحب ذلك الحمى الذي لا ينهك، و قد كادت تذود عنه قسراً صدور الركائب، و تجّر قهراً عنه القلوب بتلك الشبهة التي كادت

ص: 20

شرارتها تعلق بحداد الأوهام، كيف يزار المسجد و يخفى صاحبه أو يخفيه الابهام؟ و لولاه(ع) لما عرف تفضيل ذلك المسجد، و لو لاه لما قدّس الوادي، و لا أسس على التقوى مسجد في ذلك النادي.

و قال أيضاً في خطبة كتابه- الدرة المضيئة في الرد على ابن تيمية-: أما بعد، فإنّه بعد ما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد، و نقض من دعائم الإسلام الأركان و المعاقد، بعد أن كان مستتراً بتبعية الكتاب و السنة، مظهراً أنّه داع إلى الحق، هادٍ إلى الجنة، فخرج عن الاتّباع إلى الإبتداع، و شذَّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الاجماع، و قال بما يقتضي الجسمية و التركيب في الذات المقدسة، و إن الافتقار إلى الجزء ليس بمحال، و قال: بحلول الحوادث بذات الله تعالى ....

و قال السبكي أيضاً: إعلم أنّ هذه الرفقة- أي المزي و الذهبي و البرزالي- و كثيراً من أتباعهم أضرَّ بهم

ص: 21

أبوالعباس ابن تيمية إضراراً بينّاً، وحملّهم من عظائم الأمور أمراً ليس هيّناً، و جرّهم إلى ما كان التباعد عنه أولى بهم و أوقفهم في دكادك من نار .... (1) 6. اليافعي:

قال في مرآة الجنان في ترجمة ابن تيمية: ... وله مسائل غريبة، مباينة لمذهب أهل السنة، و من أقبحها نهيه عن زيارة النبي(ص). (2)

7. أبوبكر الحصني الدمشقي، المتوفى عام(829) يقول: فاعلم أني نظرت في كلام هذا الخبيث الذي في قلبه مرض الزيغ، المتتبع ما تشابه من الكتاب و السنة ابتغاء الفتنة، و تبعه على ذلك خلق من العوام و غيرهم ممن أراد الله عزوجل إهلاكه، فوجدت فيه ما لا أقدر على النطق به، و لا لي أنامل تطاوعني على

ص: 22

رسمه، و تسطيره لما فيه من تكذيب ربِّ العالمين، في تنزيهه لنفسه في كتابه المبين، و كذا الازدراء بأصفيائه المنتجبين، و خلفائهم الراشدين، و أتباعهم الموفّقين، فعدلت عن ذلك إلى ذكر ما ذكره الأئمة المتقون، و ما اتفقوا عليه من تبعيده، و إخراجه ببغضه من الدين. (1) 8. شهاب الدين ابن حجر الهيثمي، المتوفى عام(973) قال في ترجمة ابن تيمية: ابن تيمية عبد خذله الله و أضله، و أعماه، و أصمه، و أذلّه، بذلك صرّح الأئمة الّذين بيّنوا فساد أحواله، و كذب أقواله ... والحاصل أنّه لايقام لكلامه وزن، بل يرمى في كل وعر و حزن، و يعتقد فيه أنه مبتدع، ضال، غال، عامله الله بعدله، و أجارنا من مثل طريقته، و عقيدته، و فعله. (2) و قال: فإن قلت: كيف تحكي الاجماع السابق على

ص: 23

مشروعية الزيارة، والسفر إليها، و ابن تيمية من متأخري الحنابلة، منكر لمشروعية ذلك كله، و أطال ابن تيمية في الاستدلال بذلك بما تمجّه الأسماع، و تنفر منه الطباع ...

قلت: من هو ابن تيمية حتى ينظر إليه؟ أو يعوّل في شي ء من أمور الدين عليه؟ و هل هو إلّا كما قال جماعة من الأئمة الذين تعقبوا كلماته الفاسدة، و حججه الكاسدة، حتى أظهروا عوار سقطاته، و قبايح أوهامه و غلطاته، كالعز بن جماعة؛ عبد أذلّه الله و أغواه، و ألبسه رداء الخزي و بوّأه من قوة الافتراء و الكذب، ما أعقبه الهوان و أوجب له الحرمان .. (1) 9- ملا علي القاري الحنفي المتوفى عام(1016-) قال في شرح الشفا: و قد أفرط ابن تيمية من الحنابلة، حيث حرّم السفر لزيارة النبي(ص)، كما أفرط غيره حيث قال: كون الزيارة قربة معلوم من الدين بالضرورة، و

ص: 24

جاحده محكوم عليه بالكفر، و لعل الثاني أقرب، إلى الصواب، لأن تحريم ما أجمع العلماء فيه على الاستحباب يكون كفراً، لأنه فوق تحريم المباح المتفق عليه في هذا الباب. (1) 10. النبهاني، قال في شواهد الحق: فقد ثبت و تحقق و ظهر ظهور الشمس في رابعة النهار، أنّ علماء المذاهب الأربعة قد اتفقوا على ردّ بدع ابن تيمية، و منهم من طعنوا بصحة نقله كما طعنوا بكمال عقله، فضلًا عن شدّة تشنيعهم عليه في خطئه الفاحش في تلك المسائل التي شذّ بها في الدين، و خالف بها إجماع المسلمين، و لا سيما فيما يتعلق بسيد المرسلين. (2)

11. و قال ابن بطوطه: و كان في عقله شي ء. (3)

ص: 25

12. قال الحافظ ابوالفضل الغماري: و ابن تيمية ... يسميه بعضهم شيخ الإسلام و هو ناصبي عدو لعلي- كرم الله وجهه- و اتهم فاطمة 3 بأن فيها شعبة من النفاق، و كان مع ذلك مشبهاً إلى بِدَع أخرى كانت فيه، و من ثم عاقبه الله تعالى ... فكانت المبتدعة بعد عصره تلامذة كتبه، و نتائج أفكاره، و ثمار غرسه. (1) 14. و قال ابن حجر العسقلاني: افترق الناس فيه- ابن تيمية- شيعاً، فمنهم من نسبه إلى التجسيم لقوله: إن اليد، و القدم، و الساق، و الوجه، صفات حقيقية لله، و أنّه مستوٍ على العرش ذاته.

و منهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله: النبي لايستغاث به؛ و إن في ذلك تنقيصاً، و منعاً من تعظيم النبي(ص).

و منهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علي 2 ما تقدم، أخطا في سبعة عشر شيئاً، ثم خالف فيها نص

ص: 26

الكتاب ... و لقوله: إنما قاتل للرئاسة، لا للديانة ... فإنه شنّع في ذلك، فألزموه بالنفاق، لقوله(ص): «ولايبغضك إلّا منافق.» (1) وقال أيضاً في تجاسره على علي(ع) و تحامله عليه: كم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي- أي العلامة الحلي في منهاج الكرامة- أدّته إحياناً إلى تنقيص علي رضي الله عنه. (2) هذا إجمال ما يتعلق بابن تيمية، و أما تلميذه الذي كان السبب الوحيد لرواج افكاره، و مزاعمه، فلابد من الإشارة إلى ترجمته ...

ص: 27

ص: 28

قالوا فيه:

1. قال الذهبي: عني بالحديث بمتونه، و بعض رجاله، و كان يشتغل في الفقه، و قد حبس مدة، لإنكاره على شدّ الرحال لزيارة قبر الخليل(إبراهيم) ... (1) 2. و قال ابن حجر في الدرر الكامنة: غلب عليه حب ابن تيمية، حتى كان لا يخرج عن شي ء من أقواله، بل ينتصر له في جميع ذلك، و هو الذي هذّب كتبه، و نشر علمه ... و اعتقل مع ابن تيمية، بعد أن أُهين، و طيف به على جمل مضروباً بالدرة، فلما مات أفرج عنه، وامتحن مرة أخرى بسبب فتاوى ابن تيمية، و كان ينال من علماء عصره، و ينالون منه. (2) 3. قال ابن كثير: كان يُقصد للإفتاء بمسألة الطلاق، حتى جرت له بسببها امور يطول بسطها مع السبكي و

ص: 29

غيره و كان جمّاعاً للكتب، فحصّل منها ما لايُحصر، حتى كان أولاده يبيعون منها بعد موته دهراً طويلًا، سوى ما اصطفوه منها لأنفسهم، و كان معظمها من كلام شيخه .... (1) و لايزال يدندن حول مفرداته، و ينصرها، و يحتج لها.

4. قال ابن الحصني: ... و كان على هذا الاعتقاد- حرمة شدّ الرحال للزيارة- تلميذه ابن قيّم الجوزية الزرعي، و اسماعيل بن كثير الشركويني، فاتفق أنّ ابن قيّم الجوزية سافر إلى القدس الشريف، و رقى على منبر في الحرم ... و قال: ... و ها أنا راجع، و لا أزور الخليل.

وجاء إلى نابلس، و عمل له مجلس وعظ، و ذكر المسألة بعينها حتى قال: فلايزور قبر النبي(ص)، فقام إليه الناس، و أرادوا قتله، فحماه منهم والي نابلس، و كتب أهل القدس و أهل نابلس إلى دمشق، يعرّفون صورة ما

ص: 30

وقع منه، فطلبه القاضي المالكي، فتردد و صعد إلى الصالحية، إلى القاضي شمس الدين الحنبلي، و أسلم على يديه، فقبل توبته، و حكم بإسلامه، و حقن دمه، و لم يعزّره لأجل ابن تيمية ... ثمّ أحضر ابن قيّم، و ادّعي عليه بما قاله في القدس الشريف، و في نابلس فأنكر؛ فقامت عليه البيّنة بما قاله، فأدّب و حمل على جمل، ثمّ أعيد إلى السجن، ثم أحضر إلى مجلس شمس الدين المالكي، و أرادوا ضرب عنقه، فما كان جوابه إلّا أن قال: إنّ القاضي الحنبلي حكم بحقن دمي و بإسلامي، و قبول توبتي، فأعيد إلى الحبس إلى أن احضر الحنبلي، فأخبر بما قاله: فاحضر، و عزّر، و ضرب بالدرّة، و أركب حماراً، و طيف به في البلد، و ردّوه إلى الحبس، و جرّسوا ابن القيّم و ابن كثير، و طيف بهما في البلد، و على باب الجوزية، لفتواهم في مسألة الطلاق. (1)

ص: 31

ص: 32

4.(وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ). (1) 5.(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَ لا تَحْوِيلًا). (2) 6.(أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) (3) 7.(وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ). (4) 8.(وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ). (5) ترى الوهابيين و بكل وقاحة يطبّقون هذه الآيات

ص: 33

على المسلمين الموحدين، الذين لايعتقدون في حق الأنبياء و الصالحين سوى كونهم عباداً مقربين، تستجاب دعوتهم إذا دعوا، و يقومون بحاجة المستنجد، بإذنه سبحانه.

فنقول في الجواب:

1. إنّ هذه الآيات تختص بالمشركين الذين كانوا يزعمون في أصنامهم أنّهم آلهة يملكون كشف الضر و التحويل، و ينصرون بلا استئذان منه سبحانه، لأنهم يملكون هذا الجانب من الأفعال الإلهيه، و أين هذا من عقيدة المسلم الموّحد في حق الأنبياء الصالحين، من أنهم عباد مكرمون، لايعصون الله ما أمرهم، و هم بأمره يعملون.

2. المراد بالدعاء في هذه الآيات ليس الدعوة المجردة، وبمعنى النداء، بل المراد هو الدعاء الخاص المرادف للعبادة، فقد جمع الله تعالى بين الدعوة و العبادة في آية واحدة:

ص: 34

(وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ). (1) يقول الإمام زين العابدين(ع): فسمّيتَ دعائك عبادة، وتركه استكباراً، و توعدّت على تركه دخول جهنم داخرين. (2) و ما ورد في الحديث: الدعاء مخ العبادة (3)،

فالمراد هو هذا القسم من الدعاء، أي الدعاء المقرون بألوهية المدعو بنحو من الأنحاء.

3. إنّ المراد من المنهي عنه في الآيات، هو جعل المدعوّ في رتبة الله الخالق، كما يعرب عنه قوله:(وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً). (4) و كان هذا هو أساس عبادة المشركين.

ص: 35

قال سبحانه:(وَ جَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) (1)

(إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (2).

النموذج الثاني: مصلحة التفرقة بين المسلمين

يرى ابن تيمية تبعاً لما يدعي وجودهم من الفقهاء أن مصلحة التفرقة بين مذاهب الأمة الاسلامية ترجح على مصلحة فعل المستحب، فلو دارالأمر بين فعل ما هو ثابت استحبابه، و بين أن لا يتميز الشيعي من السني ولو بترك هذا المستحب، فترك المستحب أولى!!! كما قال:

و من هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعاراً لهم- أي للشيعة- فإنه و إن لم يكن الترك واجباً لذلك، و لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم فلا يتميز السني من الرافضي، و مصلحة التميز عنهم لأجل

ص: 36

هجرانهم و مخالفتهم، أعظم من مصلحة هذا المستحب. (1) إقرا العبارة مرة ثانية ثم فكّر: من هو التابع للسنة النبوية و من العامل بها؟ هل ابن تيمية الذي يرى ترك السنّة الثابتة، أم أتباع مدرسة أهل البيت(ع)، الذين يعملون بالسنة، و يجعلون العمل بها شعاراً لهم، كما يقوله ابن تيمية؟!

النموذج الثالث:

يرى ابن تيمية حرمة الاستغاثة بقبر النبيِّ(ص)، أو أي صالح، و يعتبره شركاً، و يستحل بذلك دم المستغيث!

قال: من يأتي إلى قبر نبي، أو صالح، و يسأله حاجته و يستنجده، مثل أن يسأله أن يزيل مرضه أو يقضي دينه أو نحو ذلك، ممّا لايقدر عليه إلّا الله، فهذا شرك صريح يجب أن يستتاب صاحبه، فإن تاب و إلّا قتل. (2)

ص: 37

كأن الرجل لم يطّلع على سيرة المسلمين منذ توفي الرسول الأكرم(ص) إلى يومنا هذا، حيث أنهم كانوا يستغيثون بالقبر الشريف، أو أنه كان مطّلعاً على سيرة المسلمين، و لكن آراءه خارجة، و شاذة عن طريقة المسلمين و سيرتهم.

1- هذا عثمان بن حنيف الصحابي يأمر رجلًا بالتوسل و الاستغاثة بقبر النبي(ص). (1) 2- هذه عائشة تأمر اهل المدينة بالاستغاثة بقبر النبي لأجل الاستسقاء. (2) 3- ها هم أهل المدينة عام 53 ه، لاذوا بقبر النبي(ص) ثلاثة أيام، صغيرهم و كبيرهم مستغيثين به لدفع شرّ زياد بن أبيه. (3) فمات بعد هذه التوسلات والاستغاثة بالقبر الشريف.

ص: 38

4- و قد استغاث رجل في عهد الخليفة الثاني بقبر رسول الله(ص) (1)، بمرأى ومسمع من الصحابة، بمن فيهم علي بن ابيطالب(ع).

5- و قد استغاث شيخ الحنابلة أبوعلي الخلال، بقبر الإمام الكاظم(ع) ببغداد. (2) 6- و قد استغاث الشافعي محمد بن إدريس- بقبر أبي حنيفة. (3) 7- و قد استغاث أهل سمرقند بقبر البخاري، عام 460 ه-، و بكى الناس عند القبر، و تشفّعوا بصاحبه. (4) 8- وهذا كتاب مصباح الظلام في المستغيثين بسيد الأنام، للبلنسي المتوفى عام 634، طافح بأسماء و

ص: 39

قصص ممن استغاث بقبر النبي(ص)، من أكابر الصحابة، و التابعين، و الفقهاء، و المحدثين من السنة، أمثال المنكدر الصحابي، و الد محمد بن المنكدر، و ابن المنكدر نفسه، (1) و الطبراني مؤلف المعجم الكبير، (2) و محب الدين الطبري، كما استغاث السمهودي نفسه أيضاً بالقبر الشريف، فقضيت حاجته.

9- و هذه فتاوى علماء الإسلام في استحباب الاستغاثة بقبر النبي(ص)، كالقيرواني المالكي المتوفى 737، (3) و القسطلاني المتوفى 923، (4) و المراغي المتوفى 816، (5) و الشيخ سلامة العزامي، (6) و العشرات من نظائرهم، و كأن ابن تيمية لم يطّلع على آرائهم، أو إنه

ص: 40

اطّلع على آرائهم، و لكنه قد حكم عليهم بالارتداد و الشرك، و أصدر فيهم حكم الاعدام!! و لأجل المزيد من التوضيح يراجع كتاب: روافد الإيمان إلى عقائد الإسلام ص 64- 91.

ص: 41

ص: 42

أربع سنين، ثم في بغداد خمس سنين، ثم سنة واحدة في كردستان، ثم سنتين في همدان، ثم اصفهان، ثم خرج إلى الناس بدعوته الجديدة.

قال علي(ع): ما أضمر أحد شيئاً إلّا ظهر في فلتات لسانه، و صفحات وجهه. (1) و قد تفرس فيه العلماء إضلاله، و أن والده كان يتفرس فيه الإلحاد، و يحذّر الناس منه، و كذلك أخوه الشيخ سليمان، حيث ألّف كتاباً في الرد على ما أحدثه من البدع، و العقائد الزائغة، و أسماه «الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية» و كان ابن عبدالوهاب مولعاً بمطالعة أخبار من ادعى النبوة كاذباً، كمسيلمة الكذاب و سجاح و الأسود العنسي، و طليحة (2) الأسدي و أضرابهم،

ص: 43

كما صرح بذلك ميرزا أبو طالب الإصفهاني من معاصريه. (1)

ص: 44

أنَّ لي معرفة، و أنا ذلك الوقت لا أعرف معنى لا إله إلّا الله ... و لا أعرف دين الاسلام! قبل هذا الخبر الذي منَّ الله به، و كذلك مشايخي ما منهم رجل عرف ذلك. (1)

ص: 45

أولئك الملاحدة الأنذال، و وضعهم في السلاسل و الأغلال، فقبض منهم جماعة، و سجنهم، و فرّ الباقون. (1) 6. و في عام 1184 ه- أمارة الشريف أحمد: أرسل أمير الدرعية جماعة من علمائهم، فأمر العلماء أن يختبروهم، فوجدوهم لايتدينون إلّا بدين الزنادقة، فأبى أن يأذن لهم في الحج. (2)

ص: 46

رأسه، فتعاهد هو و أميرها(عثمان بن معمر) على أن يشدّ كلٌ أزر الآخر، فيترك الأمير للشيخ الحرية في إظهار الدعوة، و العمل على نشرها، و شرط أن يقوم محمد بن عبدالوهاب بشتّى الوسائل، لسيطرة الأمير على نجد بكاملها؛ و كانت نجد آنذاك موزعّة إلى ست أو سبع إمارات، منها إمارة العيينة، ثم لأجل تقوية العلاقات وتوثيقها، زوّج الأمير أخته «جوهرة» من ابن عبدالوهاب، و بهذا فقد سخّر الدين لأجل الدنيا، و تسليط الأمير وسيطرته على المنطقة. (1)

ص: 47

بن عبدالوهاب جرّاء ذلك، فأمر سليمان الحميدي- صاحب الإحساء و القطيف- عثمان بن معمر بقتل الشيخ.

يقول صاحب تاريخ نجد: قرر عثمان أن يتخلص من ضيفه فطلب منه أن يختار المكان الذي يريد الذهاب إليه، فاختار الدرعية، فأرسل عثمان معه رجلًا اسمه فريد، و كلّفه أن يقتل ابن عبدالوهاب في الطريق، و لكن فريداً خذلته إرادته، و ترك الشيخ، و قفل راجعاً دون أن يمسه بسوء. (1) وعن السيد محمود شكري: إنّه خرج إلى الدرعية سنة 1160 ه و هي بلاد مسيلمة الكذاب. (2)

ص: 48

ص: 49

لكن أريد أن أشترط عليك شرطين: أولّا إذا قمنا بنصرتك و فتح الله لنا و لك، أخشى أن ترحل عنّا، و تستبدل بنا غيرنا، فعاهده الشيخ، أن لا يفعل.

ثانياً: إنّي أتقاضى من أهل الدرعية مالًا وقت الثمار، و أخاف أن تمنع ذلك، فقال الشيخ: لعل الله يفتح الفتوحات، فيعوضّك الله من الغنائم ما هو أعظم منها. (1) قوة التحالف

فقد زوج محمد سعود ابنه عبدالعزيز من إحدى بنات ابن عبد الوهاب، فقوي الترابط بينهما، ولايزال هذا العهد و التعاهد مستمراً بين عائلة آل الشيخ و عائلة آل سعود. (2)

ص: 50

ص: 51

يقول عبدالله فيلبي في تاريخ نجد: «و قد أدخل ابن عبدالوهاب في عقول طلّابه مبادي فريضة الجهاد المقدس! فوجد الكثير منهم في الجهاد أقدس تعاليمه، إذ أنه يتفق مع ما اعتاده عليه العرب! يريد أن العرب قد اعتادوا على السلب و النهب.

كما خصص الشيخ خُمس الأسلاب، و الأموال والسرقات، و النهب، لخزينته المركزية التي كان الأمير و الإمام يتقاضيان منها ما يقوم بأودها، و هكذا كان سلطان الشيخ في تصرف شوؤن البلاد، بعد مرور سنة أو سنتين.

ص: 52

حياة البؤس والفقر، و لم يكن بن سعود متمكناً حتى من تأمين الأغذية، لأعزَّ تلاميذ ابن عبدالوهاب (1)؛ و بعد أولى الغزوات على الجيران من المسلمين، وزعت الغنائم بالعدل طبقاً لأحكام الوهابية: الخمس لابن سعود، و الباقي للجند، ثلث للمشاة، و ثلثان للخيّالة، و كان المتمسك بالوهابية يكافأ مادياً، فقد تحول الغزو إلى انتزاع أموال المشركين(بزعم ابن عبد الوهاب)!! و دفعه إلى المسلمين الوهابيين!!

ص: 53

فقد جاء في كتاب أصدره الوهابيون تحت عنوان: «تاريخ نجد» وقد نقل فيه عن رسائل بن عبدالوهاب: إن عثمان بن معمر مشرك كافر، فلما تحقق أهل الإسلام من ذلك تعاهدوا على قتله، بعد انتهائه من صلاة الجمعة، و قتلوه و هو في مصلّاه في المسجد في رجب 1163 ه.

و في اليوم الثالث من قتله، جاء محمد بن عبدالوهاب إلى العيينة، و عيّن عليهم مشاري بن معمر، و هو من أتباع محمد بن عبد الوهاب.

ص: 54

بطون الحوامل من النساء، و قطعوا أيدي الأطفال، و أحرقوهم بالنار، و سرقوا المواشي، و كل ما في البيوت، وقتلوا الرجال عن بكرة أبيهم، وهذه عيينه ما زالت ركاماً و حطاماً منذ عام 1163 حتى يومنا هذا.

و الوهابية يبررون أعمالهم بما قاله بن عبدالوهاب: إنّ الله سبحانه و تعالى قد صبّ غضبه على العيينة و أهلها، وأفناهم تطهيراً لذنوبهم، و غضباً على ما قاله حاكم العيينة؛ عثمان بن معمر، فقد قيل لحاكمها بأن الجراد أتت إلى بلادنا و نخشى أن يأكل الجراد زراعتنا، فأجاب الحاكم ساخراً من الجراد: سنُخرج، إلى الجراد دجاجاً فتأكله، و بهذا غضب الله سبحانه لسخريّة الحاكم بالجراد، و هو آية من آيات الله لا يجوز السخريّة منها!! و لهذا أرسل الله الجراد على بلدة العيينة، فأهلكها عن آخرها ... (1)

ص: 55

حكم السيف:

لقد قوّى إنتصار القبيلة السعودية على حاكم العيينة، عزيمتهم على توسيع نطاق حكومتهم، مغبة أمر محمد بن عبد الوهاب بالجهاد، و حث أتباعه عليه؛ و أوّل جيش تمّ تأليفه له من سبع ركائب، و معلوم أن هذه الجيوش و الركائب لم تغزو بلاد الكفار و المشركين، و لا الرومان، و أنما غزت بلاد المؤمنين، القائلين ب- «لا إله إلّا الله محمد رسول الله»، و لما أحسّ بن عبدالوهاب بسلطة و سطوة، كتب إلى أهل نجد- و هم المسلمون- على الدخول في مذهب التوحيد، فاطاع بعضهم، بينما امتنع آخرون، فأمر أهل الدرعية بالقتال، فأجابوه، و قاتلوا معه أهل نجد، و الاحساء مراراً؛ حتى دخل بعضهم في طاعته طوعاً أو كرهاً، و صارت جميع امارة نجد لآل سعود، بالقهر و الغلبة. (1)

ص: 56

ص: 57

إلى التوحيد، رحّب بالفكرة، داعماً لها بأبيات، فأنشأ:

سلام على نجد و من ح-- لّ في نجد

وإن كان تسليمي على البعد لايجدي

لكنه بعد التحقيق وجد أن الأمر على عكس ما وصل إليه فأنشأ:

رجعت عن القول الذي قلت في نجد

فقد صح لي عنه خلاف ا لذي عندي

فقد حكي عنه، أنه قال في شرح القصيدة المذكورة المسماة ب-: «محو الحوبة في شرح أبيات التوبة» لما بلغت قصيدتي الأولى نجداً، التي مدحت فيها الحركة الوهابية جاء إلينا بعد أعوام، رجل كان يعرِّف نفسه بالشيخ مربد بن أحمد التميمي، و ذلك في صفر 1170 ه، و حمل بعض كتب ابن تيمية، و ابن القيم بخّطه، ثم عاد إلى وطنه في

ص: 58

شوال تلك السنة، و كان هذا من تلاميذ ابن عبدالوهاب الذي وجهنا إليه القصيدة، و قد قدم إلينا قبله الشيخ الفاضل عبدالرحمن النجدي، و وصف لنا من حال ابن عبدالوهاب أشياء أنكرناها عليه، من سفك الدماء، و نهب الأموال، و التجرّي على قتل النفوس، و لو بالاغتيال، و تكفيره الأمة المحمدية، في جميع الأقطار، فبقي فينا تردّد فيما نقله ذلك الشيخ، حتى قدم إلينا الشيخ مربد، وله نباهة، ومعه بعض رسائل إبن عبد الوهاب، التي جمعها في وجه تكفير أهل الإيمان، و قتلهم، ونهبهم، وحقق لنا أحواله، فعرفنا أحوال رجل عرف في الشريعة شطرأً، و لم يمعن النظر، و لا قرأ على من يهديه نهج الهداية، و يدلّه على العلوم النافعة و يفقهه، بل طالع بعض مؤلفات ابن تيمية، و تلميذه ابن القيم، و قلّدهما من غير إتقان، مع أنهما يحرّمان التقليد. (1)

ص: 59

يقول السيد الأمين العاملي: و هذا يدلّ على أنّه- السيد الصنعاني- رجع عن مغالاتة في التوّهب، لعل رجوعه كان بعد تأليفه رسالة «تطهير الاعتقاد عن أردان الإلحاد» فإنّ تلك الرسالة لا تقصر عن كتب ابن عبدالوهاب في المغالاة. (1)

ص: 60

ومع هذا فراج كلامه على كثير من الجهّال، فإنّا لله وانّا إليه راجعون؛ الأمة تصيح بلسان واحد، و مع هذا لا يرد لهم في كلمة، بل كلّهم كفار وجهال!! اللهم اهدِ هذا الضال، ورُدّه إلى الحق. (1) ويقول أيضاً: إنّ هذه الأمور التي يكفّر بها محمد بن عبدالوهاب، حدثت من قبل زمان الإمام أحمد في زمن أئمة الإسلام، حتى ملأت بلاد الإسلام كلها، ولم يُرَو عن أحد من أئمة المسلمين أنهم كفّروا بذلك، ولا قالوا هؤلاء مرتدون؛ و لا أمروا بجهادهم، ولا سمّوا بلاد المسلمين بلاد الشرك و الحرب، كما قلتم أنتم، بل كفّرتم من لم يكفر بهذه الأفاعيل، و إن لم يفعلها، و تمضي قرون على الأئمة من ثمانمئة عام، و مع هذا لم يرو عن عالم من علماء المسلمين أنّه كفّر، بل ما يظن هذا عاقل، بل و الله لازم قولكم إن جميع الأمة بعد زمان أحمد، علماؤها و أمراؤها، و عامتها

ص: 61

كلّهم كفار مرتدون، فإنا لله وإنّا إليه راجعون، واغوثاه إلى الله، ثم واغوثاه، أن تقولوا كما يقول بعض عامتكم: إنّ الحجة ما قامت إلّا بكم، و إلّا فمن كان قبلكم لم يعرف دين الإسلام.

ص: 62

اتبعك عشر ما ذكرت؛ فمن هؤلاء المسلمون الذين يعتقهم الله تعالى، و قد حصرت المسلمين فيك، و في من اتبعك؟ فبهت الذي كفر. (1) 3- يقول جميل صدقي: كان محمد بن عبدالوهاب يسمي جماعته من أهل بلده بالأنصار، و كان يسمي متابعيه من الخارج بالمهاجرين، و كان يأمر من حجَّ حجةالإسلام قبل اتبّاعه أن يحج ثانياً قائلًا: إِنَّ حجّتك الاولى غيرُ مقبولة، لأنّك حججتها و أنت مشرك، و يقول لمن أراد أن يدخل في دينه: اشهد على نفسك أنك كنت كافراً، و اشهد على والديك أنهما ماتا كافرين، و اشهد على فلان و فلان، «و يسمي جماعة من أكابر العلماء الماضين» أنّهم كانوا كفاراً، فإن شهد بذلك قَبلَه، و كان يصرح بتكفير الأمة منذ ستمائة سنة، و يكفّر كل من لايتبعه، و إن كان من اتقي المسلمين، و يسميهم مشركين،

ص: 63

و يستحل دماءهم و اموالهم، و يثبت الإيمان لمن اتّبعه.

4- و كان يكره الصلاة على النبي(ص) بعد الأذان، و ينهى عن ذكرها ليلة الجمعة، و عن الجهر بها على المنابر، ويعاقب من يفعل ذلك عقاباً شديداً، حتى أنّه قتل رجلًا أعمى مؤذّناً، لم ينته عن الصلاة على النبي(ص) بعد الأذان و يلبّس على أتباعه أنَّ ذلك كلّه محافظة على التوحيد، و قد أحرق كثيراً من كتب الصلاة على النبي(ص) مثل: دلائل الخيرات و غيرها، و كذلك أحرق كثيراً من كتب الفقه، و التفسير، والحديث، مما هو مخالف لأباطيله. (1) 5- قال زيني دحلان: إن الوهابيين أرسلوا في دولة الشريف مسعود بن سعيد ت 1165 ثلاثين نفراً من علمائهم، فأمر الشريف أن يناظرهم علماءُ الحرمين، فناظروهم، فوجدوا عقائدهم فاسدة، و كتب قاضي

ص: 64

الشرع حجة بكفرهم، فأمر بسجنهم، فسجن بعضهم، و فَّر الباقون.

6- ثم في دولة الشريف أحمد المتوفى عام 1195 أرسل أمير الدرعية بعض علمائه، فناظرهم علماء مكة و أثبتوا كفرهم، فلم يأذن لهم بالحج. (1) 7- لما منع الناس من زيارة النبي(ص) خرج ناس من الأحساء، وزاروا النبي(ص)، و بلغه خبرهم، فلما رجعوا مروا عليه بالدرعية، فأمر بحلق لحاهم، ثم أركبهم مقلوبين من الدرعية إلى الأحساء. (2) 8- و بلغه مرّة أن جماعة قصدوا الزيارة و الحج، و عبروا أعلى الدرعيّة، فسمعه بعضهم يقول لتابعيه: خلّوا المشركين يسيرون طريق المدينة، و المسلمون- أي أتباع الوهابية- يخلفون معنا.

ص: 65

ص: 66

إليهم إلّا لطلب القرب و الشفاعة:(الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى). (1) 3- إنّه(ص) ظهر على قوم متفرقين في عبادتهم، فبعضهم يعبد الملائكة، و بعضهم الأنبياء والصالحين، و بعضهم الأشجار و الأحجار، و بعضهم الشمس و القمر، فقاتلهم و لم يفرق بينهم.

4- إنّ مشركي زماننا أغلظ شركاً من الأولين، لأنّ أولئك يشركون في الرخاء، و يخلصون في الشدة، و هؤلاء شركهم في الحالتين لقوله تعالى:

(فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ). (2)

ص: 67

ويقصد بذلك المسلمين عامة، لأنّهم يتوسلون بالنبي في شدتهم و رخائهم، و لذلك صاروا عنده أغلظ من مشركي عهد الرسالة.

و يرد عليه: فرق بين المسلمين و عبدة الأوثان، فانّ المسلمين يعبدون الله وحده، و لايتوجّهون إلى النبي(ص) إلّا بقصد أن يدعو لهم عند الله، و يشفع لهم عنده، و أين هذا من عبدة الطاغوت، الذين كانوا يعبدون الأصنام، ولايعبدون الله، و هذه المغالطة تكررت في كلماته، و رسائله أيضاً، حيث قال: أرسله الله إلى أناس يتعبدون، و يتصدقون، و يذكرون الله كثيراً، و لكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم و بين الله، يقولون نريد منهم التقرب إلى الله، و نريد شفاعتهم عنده، مثل الملائكة و عيسى بن مريم، و أناس غيرهم من الصالحين. (1) أقول: إنّ المغالطة واضحة، فقد ركز ابن عبدالوهاب

ص: 68

على التوسيط، مع انهم عبدوهم أوّلًا، و اتخذوهم وسائط ثانياً، فالممنوع هو عبادة الغير، لا توسيطه، فالشيخ يركز على مجرد الوساطة التي ليست ملاكاً لشركهم، و يترك ما هو الملاك لكفرهم، يعني عبادتهم، و عمل المسلمين على اتخاذ الوسيلة، لا على عبادتها.

ص: 69

السعوديين يقول بعد التطرق لسعود بن عبدالعزيز: «إنه قاد الجيوش و أذعنت له صناديد العرب و رؤساؤهم؛ بيد أنّه منع الناس عن الحج، و خرج على السلطان و غالى في تكفير من خالفهم، و شدّد في بعض الاحكام. و حمل أكثر الأمور على ظواهرها، كما غالى الناس في قدحه والانصاف الطريق الوسطى، لا التشديد الذي ذهب إليه علماء نجد من تسمية غاراتهم على المسلمين بالجهاد في سبيل الله، و منعهم الحج، و لا التساهل الذي عليه عامة أهل العراق و الشامات و غيرهما.

أقول: نعم، لكنهم في الفترة الأخيرة تراجعوا عن تكفير المسلمين علانية، و لا ترى هذه التهمة في صفحات إعلامهم ومنشوراتهم، إلّا بالنسبة إلى أتباع مذهب أهل البيت من المسلمين الشيعة، ثم أين الانصاف الذي يدعو اليه الآلوسي؟ كانّه نسي المجازر و المذابح في كربلاء، و

ص: 70

ضواحي النجف الأشرف ...، و سيأتي الاشارة إلى تلك الفضائح.

ص: 71

البداوة و كانوا أعراباً، إضافة إلى مناصرة آل سعود، و دعمهم الفاعل.

يقول جميل صدقي: لما رأى ابن عبد الوهاب، أن قاطبة بلاد نجد بعيدون عن عالم الحضارة، و لم يزالوا على البساطة، و السذاجة في الفطرة، و قد ساد عليهم الجهل، حتى لم تبق للعلوم العقلية عندهم مكان و لا رواج، وجد هنالك من قلوبهم ما هو صالح لأن تزرع فيه بذور الفساد؛ مما كانت نفسه تنزع إليه، و تمنيّه به من قديم الزمان، و هو الحصول على رئاسة عظيمة، ينالها باسم الدين، فلم يجد للحصول على امنيّته طريقاً بين أولئك، إلّا أن يدّعى أنّه مجدّد في الدين، مجتهد في أحكامه، فحمله هذا الأمر على تكفير جميع طوائف المسلمين، و جعلهم مشركين، بل أسوأ حالًا، و أشد كفراً و ضلالًا. (1) فعمد إلى

ص: 72

الآيات القرآنية النازلة في المشركين، فجعلها عامة شاملة لجميع المسلمين، الذين يزورون قبر نبيهم(ص)، و يستشفعون إلى ربهم. (1)

ص: 73

3- «الصواعق و الرعود»، عفيف الدين عبدالله الحنبلي

قال العلامة علوي بن أحمد الحداد، كتبتْ عليه تقاريظ أئمة من علماء البصرة، و بغداد، و حلب، و الاحساء و غيرهم، و لخّصه محمد بن بشير، قاضي رأس الخيمة بعجمان.

4- «تهكّم المقلدين بمن ادعى تجديد الدين» محمد بن عبد الرحمن ابن عفالق الحنبلي، و قد ترصّد فيه لكل مسألة من المسائل التي ابتدعها، وردَّ عليها بأبلغ رد ...

5- رسالة اأمد بن علي القباني، فإنه عقد فصولها كافة للرد على معتقداته، و تزييف أباطيله.

6- الصارم الهندي في عنق النجدي، للشيخ عطاء المكي.

7- رسالة شيخ عبدالله بن عيسى المويسي.

8- رسالة للشيخ أحمد المصري الاحسائي.

ص: 74

9- السيوف الصقال في أعناق من أنكر على الأولياء بعد الانتقال، لأحد علماء بيت المقدس.

10- السيف الباتر، لعنق المنكر على الأكابر، للسيد علوي بن أحمد.

11- تحريض الأغبياء على الاستغاثة بالأنبياء و الأولياء، عبد الله بن إبراهيم مير غني.

12- الانتصار للأولياء الأبرار، للعلامة طاهر سنبل الحنفي.

13- مصباح الأنام و جلاء الظلام، في ردِّ شبه البدعي النجدي التي أضلَّ بها العوام، السيد علوي بن الحداد.

14- قصيدة للشيخ غليون الليبي:

سلامي على أهل الاصابة و الرشد

و ليس على نجد و من حلَّ في نجد

15- الدرر السنية في الردّ على الوهابية، لمفتي مكه

ص: 75

أحمد زيني دحلان.

16- شواهد الحق في التوسل بسيد الخلق، للشيخ يوسف النبهاني.

17- إظهار العقوق ممن منع التوسل بالنبي و الولي الصدوق، للشيخ المشرفي المالكي

18- رسالة في جواز التوسل، للشيخ مهدي الوازناني مفتي فاس.

19- جلال الحق في كشف أحوال أشرار الخلق، للشيخ إبراهيم القادري

20- النقول الشرعيّة في الرد على الوهابية، للشيخ حسن الحنبلي.

21- المقالات الوفية في الرد على الوهابية، للشيخ حسن قزبك

22- الأقوال المرضية في الرد على الوهابية، للشيخ عطاء الكسم الدمشقي.

ص: 76

و هي أربعون كتاباً تقريباً ... و كلها من أهل السنة، و نكتفي بهذا العدد من الردود.

أمّا من الإمامية:

1- منهج الرشاد لمن أراد السداد، للشيخ جعفر كاشف الغطاء (1) 2- الآيات البينات في قمع البدع و الضلالات، محمدحسين كاشف الغطاء، المتوفى عام 1373 ه- ق.

3- الآيات الجلية في رد شبهات الوهابية، للشيخ مرتضى كاشف الغطاء المتوفى 1349 ه-

4- إزاحة الوسوسة عن تقبيل الاعتاب المقدسة، للشيخ عبدالله المامقاني ت 1351 ه-.

5- البراهين الجلية في دفع شبه الوهابية، للسيد محمدحسن القزويني.

ص: 77

6- دعوى الهدى إلى الورع في الأفعال و الفتوى. للشيخ جواد البلاغي

7- الرد على الوهابية، محمد علي الغروي الأردوبادي.

8- الرد على الوهابية، للسيد حسن الصدر.

9- كشف الارتياب في اتباع محمد بن عبد الوهاب، للسيد محسن الأمين العاملي

10- المواسم و المراسم، للسيد جعفر مرتضي العاملي

11- هذه هي الوهابية، للشيخ محمدجواد مغنية

12- التبرك، للشيخ علي الأحمدي الميانجي

13- مع الوهابيين في خططهم و عقائدهم، للشيخ جعفر السبحاني

14- الوهابية في الميزان، للشيخ جعفر السبحاني

15- روافد الإيمان إلى عقائد الإسلام، للطبسي

ص: 78

ص: 79

ص: 80

ص: 81

«ابن عبدالوهاب» في الشرق عام 1143 ق، و اشتهر أمره بعد الخمسين و ألف و مئة بنجد، و قراها، فتبعه و قام بنصرته أمير الدرعية محمد بن سعود، و جعل ذلك وسيلة إلى اتساع ملكه، و نفاذ أمره، فحمل أهل الدرعية على متابعة محمد بن عبد الوهاب فيما يقول؛ فتبعه أهل الدرعيةو ما حولها، و ما زال يطيعه على ذلك كثير من أحياء العرب، حي بعد حي، و قبيلة بعد قبيلة، حتى قوي أمرُه فخافته البادية، فكان يقول لهم: إنما أدعوكم إلى التوحيد، و ترك الشرك بالله، و يزيّن لهم القول: و هم بوادٍ في غاية الجهل، لايعرفون شيئاً من امُور الدين، فاستحسنوا ما جاء هم به، و كان يقول لهم: إني أدعوكم إلى الدين، و جميع من هو تحت السبع الطباق مشرك على الاطلاق!!، و من قتل مشركاً فله الجنة فتابعوه، و صارت نفوسهم بهذا القول مطمئنة، و

ص: 82

كان محمد بن عبد الوهاب بينهم كالنبي- نعوذ بالله- في أمته، لايتركون شيئاً مما يقول، و إذا قتلوا إنسانا أخذوا ماله و اعطوا الأمير محمد بن سعود الخُمس و اقتسموا الباقي، و كانوا يمشون معه حيثما مشى، و يأتمرون له بما شاء، و الأمير محمد بن سعود ينَفّذ كل ما يقول، حتى اتسع له المُلك.

ص: 83

ص: 84

السعودي، و اختفى ابن سعود و كاد أن ينتهي دور التيار الوهابي على يد أبطال نجران، و لكن ابن عبدالوهاب إلتجأ إلى المكرو الخداع، و رفع راية الصلح بشرط أن يقف أهالي نجران عند حدّهم، و يمتنعوا من دخول «الدرعية»، وأن يسلّموا الأسرى و يتعهد ابن عبد الوهاب و ابن سعود، بدفع عشرة آلاف جنيه ذهب كتعويض لأهالي نجران عن رحلتهم، هذه خسارة الحرب، و أن لايتعدى التيار الوهابي حدود الدرعية.

و لما وصلت قوات الخالدي، المسلّحه بالمدافع، و معهم الكثيرون من أهالي نجد، فوجئوا بهذا الصلح، فاحترموه ثم بعد هذا الصلح مرض ابن سعود، من جرّاء الغم و الهم، و مات عام 1179 ه.

2- عبد العزيز بن محمد بن سعود 1179- 1218 ه-

انتخب عبدالعزيز بإشارة من ابن عبدالوهاب، و كان

ص: 85

صهره، و كانت سيرته كسيرة أبيه مليئة بالجرائم، من الدمار، و القتل، و سفك الدم.

ص: 86

ما في بطونهم، لهول الموقف، فاحتلها، ثم نزل سعود بن عبدالعزيز، فأمرهم بالخروج إليه، فخرج فأقام هناك مدّة أشهر، يقتل من أراد قتله، و يجلي من أراد إجلاءه، و يحبس من أراد حبسه، و يأخذ من الأموال، و يهدم من المحال، و يبني ثغوراً، و يهدم دوراً، و ضرب عليهم الُوفاً من الدراهم، و قبضها منهم، و ذلك لما تكرر منهم من نقض العهد، و منابذة المسلمين الوهابية!!!، و أكثر فيها القتل والفساد، و عاث في البلاد، فلما أراد ابن سعود الرحيل من الأحساء، أمسك عدة رجال من رؤساء أهلها، فاستقدمهم إلى الدرعية، و أسكنهم فيها، و استعمل في الأحساء أميراً يسّمى(ناجم) و هو رجل منهم. (1)

ص: 87

أعراب نجد، و كعادتهم من النهب والسلب، فحاصر كربلاء و سفك الدماء، و اعنف، و لم ينج منه إلّا الفار، فهدم القبر الشريف، و اقتلع الشباك، و نهب ما في الخزانة.

يقول آية الله السيد محمدجواد العاملي: مع تشتت الأحوال، و اشتغال البال، بما نابنا من الخارجي الملعون، في أرض نجد، فإنه اخترع ما اخترع في الدين، و أباح دماء المسلمين، و تخريب قبور الأئمة المعصومين، عليهم صلوات رب العالمين، فأغار سعود بن عبد العزيز سنة 1216 على مشهد الحسين(ع)، و قتل الرجال، و الأطفال، و أخذ الأموال، و عاث بالحضرة المقدسة، و خرّب بنيانها، و هدم أركانها، ثم إنه بعد ذلك استولى على مكة المكرمة، و المدينة المنورة، و فعل بالبقيع ما فعل، لكنه لم يهدم قبةالنبي(ص). (1)

ص: 88

ص: 89

ص: 90

يروى أن الوهابيين قتلوا في هذا الحادث خمسة آلاف إنسان، و جرحوا عشرة آلاف.

وتقول الرواية: حتى إذا جاءت سنة 1216، جهز الأمير سعود الوهابي جيشاً عرمرماً يتألف من عشرين ألف مقاتل، و ارتكب في كربلا من الفظائع ما لايوصف حتى قيل إنه قتل في ليلة واحدة عشرين ألف نسمة. (1) و جاء في دائرة المعارف: في نيسان 1802، هاجم كربلا- حينما كان معظم سكانها قد ذهبوا إلى الزيارة في النجف- اثنا عشر ألف وهابي برئاسة الأمير سعود، فذبحوا فيها ما يزيد على ثلاثة آلاف من السكّان، و نهبوا البيوت و الأسواق و نفائس الضريح المقدس، و قد أخذوا على الأخص صفائح الذهب، بعد أن اقتلعوها من مكانها، ثم هدموا الضريح المطهر. (2)

ص: 91

و قال لونكريت: إن مرزا أباطالب صاحب الرحلة المشهورة، يلوم في هذا الحادث عمر آغا، الذي لم يعمل شيئاً لحماية البلدة، و قد قتله سليمان باشا في الأخير، لكن الملاحظ أن عمر آغا هرب إلى قرية قريبة من كربلا، أول ما علم بالخطر، فلم يدافع قط، مع أن الناس كانوا يتهمونه بمخابرة الوهابيين، و التواطؤ معهم. (1)

ص: 92

يقول زيني دحلان: فدخلوا البلد عنوة، في ذي القعدة(من الأشهر الحرم) سنة 1217، فقتلوا الناس قتلًا عاماً حتى الأطفال، و كانوا يذبحون الطفل الرضيع على صدر امه، و كان جماعة من أهل الطائف خرجوا قبل ذلك هاربين، فأدركتهم الخيل، و قتلت أكثرهم، و فتّشوا على من توارى في البيوت، و قتلوه ... و قتلوا من في المساجد ... و صارت الأعراب تدخل كل يوم إلى الطائف، و تنقل المنهوبات إلى الخارج، حتى صارت كأمثال الجبال، فأعطوا خُمسها!! للأمير، و اقتسموا الباقي، و نشروا المصاحف، وكتب الحديث و الفقه، و النحو في الأزقة، و اخبِروا أن الأموال مدفونة في المخابي، فحفروا في موضع فوجدوا فيه مالًا، وعندها حفروا جميع بيوت البلدحتى بيوت الخلاء و البالوعات!!

نعم، هذا هو التوحيد!! الذي يدعو إليه الوهابية.

ص: 93

ص: 94

و فرض على علمائها تلقي أفكار ابن عبدالوهاب، و مدارسة كتبه، كما منع المسلمين من أداء فريضة الحج والعمرة، فانقطع عن أهل مكة و المدينة ما كان يصل، إليهم من الصدقات، أو أسباب التجارة، التي كانوا يتعيّشون منها. (1)

ص: 95

ص: 96

في ذات يوم ألقى بنفسه على عبدالعزيز، و هو يصلي، و طعنه في ظهره بسكين اخترقت به إلى بطنه، و عجلّت به إلى مقرّه الأخير، و تكاثر الناس على القاتل و قتلوه. (1) و قال ابن بشر: كان مقتل أمير الدرعية عبدالعزيز، ضربة جديدة للوهابيين، ففي الخريف عام 1803 م، قتل في مسجد الطريف بالعاصمة، على يد درويش غير معروف يدعى عثمان، و هو كردي من إحدى قرى الموصل، و كان هذا الدرويش قد حلّ ضيفاً على البلد، و عندما سجد عبدالعزيز هجم هذا الدرويش الذي كان في الصف الثالث أثناء الصلاة على الأمير، و قتله بطعنة من خنجر، ثم جرح أخاه عبدالله، و تفيد بعض المعلومات أن قاتل عبدالعزيز شيعي، هلك كل أفراد عائلته أثناء غزو كربلا ... (2)

ص: 97

و قد غزى الشريف غالب، عبدالعزيز والحركة الوهابية، أكثر من خمسين غزوة، في أكثر من خمسة عشر عاماً، و حاربه، و انتهت صفحته السوداء بالاغتيال، فأغلق ملفّه، و أراح البلاد من جرائمه و قسوة تصرفاته.

3- سعود بن عبد العزيز 1218- 1229

و قد استولى على الحكم السعودي الوهابي، سعود بن عبد العزيز، و أول غزوة قام بها، هجومه على البصرة، و الزبير، و إعمال القتل و السلب و النهب، و هدم قبر طلحة و الزبير، ثم بعده غزوات و غارات، لم يكن لها مثيل على عهد السلطة الوهابية، و فيما يلي بعضها:

ص: 98

مكة، لعلمه بعدم استيلائهم على جدة، و بالفعل لم يحصل الوهابيون من هذا الحصار على شي ء سوى جثثهم العفنة التي كانت تساقط واحدة تلو الأخرى، نتيجة للمدافع النارية من أبطال جدّة، و قد امتلئت الحُفر و القنوات من جيفهم، فارتحلوا خائبين، وقتلوا في طريقهم طوائف من الأعراب، و أخذوا إبلًا للشريف غالب.

ص: 99

ص: 100

التي كان القتال فيه ممنوعاً حتى على عهد الجاهلية.

و قال الكاتب جبران شامية: إن سعود بن عبد العزيز حاصر المدينة المنورة، و فعل بها ما فعله بالطائف و مكة.

و الملاحظ أن هجومهم على البلاد الإسلامية، كان مصادفاً لهجوم النصارى، و البلاد الغربية على الحكومة العثمانية، و هذا ما يذكّرنا بالفتنة التي أوجدها ابن تيمية أيام هجوم التتار على البلاد الإسلامية، مما يوحي إلى التكاتف، و التعاضد، و التحالف معهم ضد المسلمين، و دورهم الخياني، و أثره في هزائم الأمة الإسلامية.

ص: 101

يأخذون البلد، فظهرت لأميرالمؤمنين المعجزات الظاهرة، والكرامات الباهرة، فقتل من جيشه كثير، و رجع خائباً و له الحمد. (1) و قال أيضاً: جاء سعود بن عبد العزيز عام 1223 ه في شهر جمادى الآخرة من نجد، بما يقرب من عشرين ألف مقاتل، أو أزيد، فجائتنا النُذُر بانّه يريد أن يدهمنا في النجف الأشرف غفلة، فتحذرنا منه، و خرجنا جميعاً إلى سور البلد، فأتانا ليلًا فرآنا على حذر قد أحطنا بالسور بالبنادق و الأطواب، فمضى إلى الحلة فرآهم كذلك، ثم مضى إلى مشهد الحسين(ع)، على حين غفلة نهاراً، فحاصرهم حصاراً شديداً، فثبتوا له خلف السور، و قتل منهم و قتلوا منه، و رجع خائباً، ثم عاث في العراق، فقتل من قتل، وبقينا مدّة تاركين البحث و النظر على خوف و وجل، و لا حول ولا قوة إلّا بالله .. و قد استولى على مكة

ص: 102

و المدينة المنورة، و تعطل الحج سنين، و ما ندري ما ذا يكون. (1) أقول: يظهر من التاريخ أنَّ الحج انقطع من العراق أربع سنين، و من الشام ثلاث سنين، و من مصر سنتين، و لايعلم هل انقطع بعد ذلك أم لا؟

ص: 103

الوهابيون العراق من عدة جهات، من جملتها النجف، و كان سكان البلدان من الزبير إلى السماوة مع حلفائهم من القبائل، يصدّون هجماتهم بسهولة، و قد أوشكوا أن ينجحوا في غارتهم المفاجئة على النجف الأشرف، لولا أن عاجلهم النجفيون من السور، فكسروهم شرّ كسرة. (1)

استعداد النجف

إنّ هزيمة الوهابيين، و الهجمات الوهابية المتكررة على النجف هذه، و استدامة الخطر الناجم عنها، كلّ ذلك كان سبباً مهمّاً من الأسباب التي أدّت إلى انتظام سكانها في جماعات و أحزاب، تستهدف تنظيم الدفاع عن البلدة، و العمل على صدّ الخطر الوهابي عنها؛ (2) و بالفعل وقفوا موقف رجل واحد، و هزموا جيش الأعراب الوهابية، ولقّنوهم درساً لن ينسوه أبداً.

ص: 104

ص: 105

و منها قفل عائداً إلى بلده، و معه غنائم كثيرة!! من أموال المسلمين.

ص: 106

حصار، و الأعراب إلى الآن ما انصرفوا، و هم من الكوفة إلى مشهدالحسين بفرسخين أو أكثر. (1)

ص: 107

الأولى، و لكنه تغلّب عليهم في الثانية، و استولى على مكة و المدينة، و حاول فتح نجد فلم يستطع.

يقول ابن بشر: وصلت النجدات المصرية عام 1227 ه-، فزحف طوسون على المدينة، و انضم إليه كثير من عرب جهينة و حرب، فحاصرها و قطع عنها المياه، و كان فيها سبعة آلاف من أهل نجد، فدخل المصريون البلد، و قتل من النجديين نحو أربعة آلاف. (1) ثم تابع طوسون زحفه و عملياته، حتى دخل مكة و الطائف بمساعدة الشريف غالب من دون قتال، عام 1229 ه.

ص: 108

الصلاة تحضّ الناس على أدائها، و ما زالت هذه الطريقة متبعة إلى اليوم عند السعوديين، و أصبحت تحمل العصا، و تجول في الشوارع تنهال ضرباً بها على حليق الذقن أو من يلمس قبر الرسول، أو قبر إمام من أئمة البقيع، و غير ذلك مما يخالف العقيدة الوهابية، بل كانوا إلى الأمس القريب يضربون المدخنين علناً، و إن كانوا غُرباء عن الديار. (1)

ص: 109

4- عبد الله بن سعود:

تولى الحكم بعده عبدالله عام 1229 إلى 1234، و قد نازعه عبد الله بن محمد، و انشغل الظالمون بالظالمين.

ص: 110

ص: 111

ثم زحف على الدرعية، فملك جانباً منها، و حاصر الوهابيين و أحاط بهم. (1) قال جبران شامية: استمر الحصار خمسة أشهر، فكانت تتوالى على إبراهيم باشا الذخيرة و النجدات من مصر، و الأرزاق و المواشي من البصرة و المدينة، و بقيت قبائل البدو التي انضمت إليه تناصره مادامت عطاياه مستمرّة، و في نهاية الشهر الخامس من الحصار عام 1234 ه- استسلم عبدالله بن سعود لإبراهيم باشا، فأرسله أسيراً إلى القاهرة، ثم للآستانة، حيث طوّفوه في الأسواق ثم أعدموه، و قتل في الدرعيّة عدد كبير من آل سعود، و آل الشيخ، و نفي قسم منهم إلى مصر، و بذلك انتهت الدولة السعودية الأولى. (2)

ص: 112

ص: 113

ابتهاجه و تقديره لدحر الوهابيين. (1) يقول المغنية: و طغى إبراهيم باشا، و بقي في البلاد، و أكثر فيها الفساد، و صادر أموال آل سعود، و آل محمد بن عبدالوهاب، و أجلى الكثير من رجالهم، و نسائهم، و أطفالهم من الديار، و نفى الكثير منهم إلى مصر، و كان هذا جزاء، وفاقاً لما فعلوه من قبل بأمّة محمد(ص)، من المظالم و المآثم، و ما ارتكبوه من الخيانة لله و كتابه، و للنّبي(ص) و سنته، و هكذا كل ظالم لا بد أن يتبلي بأظلم و أغشم. (2)

ص: 114

عمر بن عبدالعزيز، و تركي بن أخي عبد العزيز، و مشاري بن سعود، فعمدوا إلى الدرعية، و عمروها، و رجع كثير من أهلها، و خاف المصريون من إعادة سيطرة الوهابيين، فجهزوا جيشاً بقيادة حسين بك، فألقوا القبض على مشاري الذي انتخبوه رئيساً للدرعية، فنفي إلى مصر فمات في الطريق، و فرَّ الباقون إلى قلعة رياض، فحاصرهم حسين بك ثلاثاً، فطلبوا الأمان فأمنهم، فخرجوا فقيدهم، و أرسلهم إلى مصر، لكن تركي بن أخي عبدالعزيز هرب من القلعة ليلًا.

5- تركي بن أخي عبد العزيز 1239- 1250 ه-

فإنه بعد فراره من الأسر عاش مختفياً في مناطق الجنوب مدة مديدة، و كان يتجول في صحراء نجد، و يدعو الأعراب إلى الوهابية و تزوج بأمرئة من عشيرة تدمر، و ولدت له ذكراً أسماه جلوي، و اجتمع حوله ثلاثون رجلًا و انضم إليه القبائل، كما أنه اغتنم الفرصة

ص: 115

التي حصلت جرّاء الانتفاضة في القصيم ضد المصريين، بحيث التجأوا إلى ترك الحجاز، و تركوا حاميتين في الرياض و منفوخة. (1) فوسع نطاق حكومته، و بعد سقوط الرياض بيد تركي، و بعد أن تم جلاء المصريين من نجد، كما أعلنت بعض مناطق القصيم عن اعترافها بحكم تركي، فهو الأمير الأول الوهابي السعودي من الفترة الثانية، و به انتقلت الامارة من سلالة عبدالعزيز بن سعود بن محمد بن سعود إلى سلالة أخيه عبدالله بن محمد بن سعود.

لكن شبَّ نار الخلاف القبلي، فتمرد مشاري بن عبدالرحمن بن مشاري بن سعود، مع بعض أفخاذ قبيلة قحطان على الأمير، فكبر على نسل عبدالعزيز أن تخرج الامارة منهم، فدّبر مشاري أمر اغتيال تركي، و تم له ذلك، و صار هو الأمير.

نعم، هذا هو التوحيد و ترك الشرك، الذي دعا إليه ابن

ص: 116

عبدالوهاب، والذي راح ضحيته آلاف من أمة محمد(ص)، وهتكت الأعراض، و دمّر البلاد!!

6- مشاري بن عبد الرحمن 1250 ه-

قال شامية: إنتهت ولاية الأمير الخامس، تركي بن عبدالله اغتيالًا على يد ابن عمّه مشاري بن عبدالرحمن، الذي استولى على السلطة، و أصبح الأمير السادس، و دام حكم مشاري أربعين يوماً إذ زحف فصيل بن تركي من الهفوف إلى الرياض بمساعدة عبدالله، و عبيدالله من آل الرشيد شيوخ حائل، واستولى على المدينة، و أعدم مشاري، و أصبح فيصل الأمير السابع في العائلة السعودية.

7- فيصل بن تركي 1253 1250 ه.

ثم تولى فيصل بن تركي الحكم بعد أبيه، و لكن لم يمهلهُ محمدعلي باشا طويلًا فأرسل جيشاً إلى نجد، و معهم خالد بن سعود الذي كان ضمن المبعدين إلى مصر، و قد دخل ضمن جيش محمدعلي باشا، و استولى على العاصمة، و فرّ

ص: 117

منها فيصل، ثم أسر و نفي إلى مصر، و أقام المصريون فيها خالد بن سعود مكانه؛ وبهذا رجعت السلطة الوهابية إلى أولاد سعود.

8- خالد بن سعود 1252- 1255 ه.

و قد تربّى خالد في القاهرة على يد محمدعلي باشا الذي أعدّه لتولي الحكم في الجزيرة العربية نيابة عنه، و كان لخالد أنصار و موالون و هم الذين لم يرضوا بانتقال الحكم عن أولاد سعود الكبير، إلى أولاد عبدالله بن محمد، و قد تجاوب معه الكثير من قبائل الرياض، فعاد الحكم إلى فرع سعود الكبير، و أصبح هو الأمير الثامن، و قد استمر حكمه سنتين.

9- عبدالله بن ثنيان 1255- 1258 ه.

ثم ثار عليه عبدالله بن ثنيان مع النجديين، فهرب إلى مكة، فمات بها.

ما إن بلغ فيصل المحبوس بمصر، تسلط عبدالله، و فرار

ص: 118

خالد إلّا وهرب من القلعة، و دخل القصيم، و أيّده جمع كثير، و بدعم من أهالي عنيزة، استطاع أن يقاتل ابن ثنيان في الرياض، و ألقوا عليه القبض، و حبسوه، فخنقوه فيه، عام 1258 ه.

10- فيصل بن تركي: 1258- 1278 ه.

تسلّم فيصل بعده الامارة مدة عشرين سنة، و لكن عام 1262 صدر القرار من الحكومة العثمانية بمحاربة فيصل أمير الرياض، فتوجه الجيش بإشراف الشريف محمد بن عون أمير مكة، فوصل القصيم، فأطاعه أهله، فخاف فيصل، فأرسل لأهل القصيم أن يتوسطوا في الصلح على تأدية عشرة آلاف ريال في كل سنة، فتم الصلح، و رجع الشريف بالعساكر، و استمرّ فيصل يدفع ذلك حتى مات سنة 1282 ه، بعد ما ابتلي بالشلل والعمى، فسلّم الأمور لابنه عبدالله من بين اولاده الأربعة، فنشب نار الخلاف بينهم، و عّم الفوضى البلاد.

ص: 119

11- عبدالله بن فيصل التركي 1278- 1284 ه

و بعد تولي عبدالله للامارة من طرف أبيه، ثار عليه أخوه سعود، و استمرت الحروب الأهلية بين الطرفين خمسة و عشرين عاماً، و قد أدى إلى ضعف الامارة الوهابية، و استقلال المقاطعات فاستولى الأتراك على الاحساء و القطيف، ثم استمر الصراع داخل أسرة آل سعود، و ظهر عبدالله في الأراضي المحتلة من قبل الأتراك، و طرد سعود من الرياض، و عاد عبدالله عام 1282 ه إلى الرياض في مجاعة شديدة، و كان الناس يأكلون جيف الحمير، و يحرقون جلود الماعز و يدقونها، بل كانوا يدقون العظام، و ياكلون مسحوقها، و مع هذا فمن لم يمت بالسيف مات جوعاً. (1) 12- سعود بن فيصل تركي 1284 إلى 1291 ه

ص: 120

استمرت المعارك بين الأخوين عبدالله و سعود، و اقترنت بالنهب و القتل، كما هي عادة الوهابيين وديدنهم، و كان عبدالله يدعمه الأتراك، و سعود يدعمه الانجليز، و قد أرسلوا له المواد الغذائية و بعد التحولات والأحداث، استتب الأمر لسعود، و دخل الرياض عام 1290 من الهجرة، و توفي عام 1291 ه و لكن عبدالله و أخوه محمد تركا الرياض، و رحلا إلى قرب الكويت، و استقر في بادية قحطان، و لم يخوضوا في معركة جديدة.

13- عبد الرحمن بن فيصل

و قد تولى الحكم عبد الرحمن الذي كان يميل إلى أخيه سعود، ثم شب الحرب بينه و بين أخيه محمد الذي كان موالياً لعبد الله، و توافق الاثنان على أن يتولى الأمر أخوهم الكبير عبدالله، فعاد من البادية عام 1293 ه واستلم الحكم إلى عام 1305 هو لكن أبناء سعود لم يرضوا بتولي عمهم الكبير عبد الله الحكم، فخرجوا من

ص: 121

الرياض احتجاجاً على ذلك، و استقروافي «الخرج»، و حينئذ قرر الأخوة: محمد، عبدالله، عبدالرحمن، تشكيل جبهة واحدة بزعامة عبدالله ضد أولاد سعود، الذين تمكنوا من السيطرة على الرياض في بضعة أسابيع، ثم فرّ أولاده، و دخل عبدالله الرياض من جديد، و بقي فيها إلى أن مات عام 1305 ه-.

ص: 122

محمد بن الصباح راتباً شهرياً، ثم خصصت له الدولة العثمانية ستين ليرة عثمانية في الشهر (1) ثم إن دولة الكويت قطعت عنه الراتب، فعاش في ضنك و شدة، و به انتهت الامارة السعودية في الفترة الثانية.

يقول بعض المؤرخين: إن الوهابية فقدت صيتها و بريقها، لما توسعت فوق طاقتها، فانهزمت، و هكذا خسروا الأرض، و الحركة الوهابية في مركز ثقل الوهابية و معقلهم.

ص: 123

أولاده و كان من أولاده عبد العزيز، و عمره آنذلك عشر سنوات، و كان عبدالرحمن لفترة سبع سنوات، متعاوناً مع الشيخ مبارك، أمير الكويت، كما تربّى هذا الولد- عبدالعزيز- على يد الكويتيين.

فجاء يوماً آلى الشيخ مبارك، و قال: أريد أن أنقذ نجداً من ابن الرشيد، فهل تساعدني بالمال و العتاد؟ فأعطاه الشيخ مئتي ريالًا، و ثلاثين بندقية، و أربعين جملًا و بعض الزاد، فأخذها، و مضى هو و أرحامه و أصحابه، و رافق عبد العزيز أخوه محمد، و ابن محمد، و ابن عمه عبد الله بن جلوه، و بعض أتباعهم نحو أربعين رجلًا.

ثم سارت الجماعة مختفية حتى وصلت نواحي الرياض، و غافلت حراسها، و ذلك في ثلاث شوال 1319 ه-، و دخلت المدينة غفلة، و قتلت قائد الحامية،

ص: 124

فاستسلم رجاله، و خضعت الواحة لآل سعود، فأرسل عبدالعزيز، ناصر بن سعود إلى الشيخ مبارك، يبشره بالانتصار، و طلب منه المساعدة، ثم بنى سوراً حول الرياض، و استمرت مساعدات الكويت، فصار هذا حاكم الرياض، و هو ابن 22 سنة، و ظل أبوه مستشاراً و حاكماً على المسلمين.

ص: 125

ص: 126

و جاء في المعاهدة: إن ابن سعود يتعهد أن يمتنع عن كل مخابرة أو اتفاق، أو معاهدة مع أية حكومة أو دولة أجنبية، و إن أمير نجد لا يمكن أن يتنازل عن أي جزء منها، و لا أن يوجرها، أو يرهنها، أو يتصرف بها بأي شكل، و لا أن يقدمها على سبيل الإمتياز إلى أيّة دولة أجنبية، أو إلى أحد من رعايا دولة أجنبية، بدون موافقة الحكومة البريطانية.

مضمون المادة السادسة:

إن ابن سعود يتعهد كما تعهد والده من قبل، بأن يمتنع عن كل تجاوز و تدخل في أرض الكويت، و البحرين، و أراضي مشايخ قطر، و عمان، و سواحلها، و كل المشايخ الموجودين تحت حماية الانكليز، و الذين لهم معاهدات معها، و لم يرد في المعاهدة شي ء عن الحدود الغربية لنجد، و هكذا فرضت هذه المعاهدة- المعاهدة البريطانية- على

ص: 127

نجد و توابعها، و صارت هذه المعاهدة جزءاً من شبكة النفوذ البريطاني التي أرادت بريطانيا فرضه على القسم الأكبر من الشرق الأوسط، و على أية حال على الجزيرة العربية كلها، بعد الحرب العالمية الأولى.

ص: 128

ص: 129

الوهابيون في سفح الجبل، و اليمانيون تحتهم، فعطفوا عليهم، و أطلقوا عليهم الرصاص، حتى قتلوهم عن بكرة أبيهم و كانوا ألف حاج، و لم يسلم منهم غير إثنين هرباً و أخبرا بالحال. (1) عبدالعزيز يمدح بريطانيا في صلاة الجمعة:

قال عام 1362 ه في خطبة ألقاها بمكة: و لايفوتني في هذا الموقف، أن اتمثل بأنّ «من لم يشكر الناس لم يشكر الله» فأثني على الجهود التي قدمتها الحكومة البريطانية، بتقديم بواخر للحجاج، و تسهيل سفرهم، كما أثني على مساعدتها و مساعدة الحلفاء القيّمة، و متابعتهم تمويل البلاد بما يحتاجه الأهالي من أسباب المعيشة و غيرها، و كذلك لابد من الإشارة إلى أنّ سيرة البريطانيين معناطيّبة من أوّل الزمن إلى آخره.

يقول العلامة مغنية: و يعلم الصغير و الكبير أن

ص: 130

الانجليز و الحلفاء، و أية دولة إستعمارية، يستحيل أن تفعل شيئاً بقصد الخير و الإنسانية و إذا فعلت مع بلد أو بلدان ما يبدو كذلك، فإنما تتخذ منه وسيلة إلى التسرب إلى أسواقه، و السيطرة على مقدّراته؛ إن الاستعمار يوافق و يتصنع ليمتص دماء الشعوب. (1) و غريب أن تخفى هذه الحقيقة على الملك عبدالعزيز- و أن يقول- و هو الوهابي الذي يصلي أول الوقت- من لم يشكر الناس(أي الانجليز) لم يشكر الله، و هذا مع العلم بأنّ الوهابية تقول بفساد الصلاة عند قبر نبي أو ولي، لأنّها تكون مشوبة بعبادة صاحب القبر، إذن كيف ربط الملك عبدالعزيز شكر الله بشكر الانجليز، بحيث لايقبل الأول بدون الثاني، و بعد أن ضعف الانجليز حلّ محله الأمريكيون. (2)

ص: 131

ص: 132

مكة، و قول النبي(ص): أللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد. (1)

ص: 133

نهبوا، و ما لبثوا أن انسحبوا مدحورين و مفضوحين، و أن الدبابات و الطائرات الانجليزية، اشتركت في قتالهم، و تراجعوا بعد مقتل ثلاثمائة منهم، بأمر من حلفائهم الذين جعل الأمير عبدالعزيز شكرهم في صلاته شكراً لله تعالى، أعني الانجليز!!

ص: 134

خارجية بريطانيا، و فيها: إن صاحب الجلالة يناشد بريطانيا طبقاً لروح المعاهدة التي هي تحت المفاوضة، أن تتدخل لوضع حد للأعتداء الوحشي الذي يقوم به الوهابيون ضد الأماكن المقدسة، و إخراجهم من الطائف.

فأتاه الجواب: ... إن بريطانيا لا تريد أن تتورط في النزاع القائم بين أمراء عرب مستقلين، حول امتلاك الأماكن المقدسة في الإسلام.

ثم إن" ناجي" ردَّ على الجواب بقوله: إنَّ ما قام به شعب الحجاز من مخاطرة كبرى في تأييد بريطانيا في الحرب العامة، يستدعي بريطانيا مساعدتها له في إنقاذ مكة من ويلات الحرب، و أن العالم الاسلامي لا يرضى أن تقع الأماكن المقدسة و لو لفترة قصيرة جداً في أيدي طائفة كالوهابية. (1)

ص: 135

خلع الأسرة الهاشمية لصالح الوهابية

إنَّ بريطانيا استعملت شتى الوسائل للضغط على الملك حسين و الأسرة الهاشمية، لتحل الوهابية محلها، و من تلك الوسائل قطع المساعدات المالية، بحيث عجزت الأسرة عن دفع رواتب الضباط و الجنود. (1) فأصبح وضع الملك حسين بحيث يزرى به، فاجتمع كبار الحجاز، و منهم أشراف مكة، و علماء الدين، و كبار التجار في جدة، و قرروا خلع الحسين لترضية ابن سعود، و بعد أخذ وردّ، رضي الملك حسين على التنازل عن العرش لولده 1343 ه الذي عيّن ملكاً على الحجاز، و بعد ثلاثة أيام ارسل الحسين مع أمتعته إلى جدة، لكن بريطانيا تضايقت من وجوده هناك، فأرسلت إليه إنذاراً بمغادرة جدة، تلبية لطلب عبدالعزيز، و أبلغته بأن عليه أن

ص: 136

يسافر إلى قبرس، فغادر جدة إلى قبرس، و كان بها حتى مات هناك عام 1931 م، و نقلت جنازته إلى الأردن، فدفن في المسجد الأقصى. (1) دخول الوهابيين مكة المكرمة

دخل الوهابيون مكة بغير قتال، بعد خروج ملك حسين و ولده إلى جدة، فنهبوا داره و استولوا على جميع ممتلكاته، ثم بعد ذلك قامت الحرب بينهم و بين الملك علي المتحصن في جدة، و انقطع الحج في ذلك العام، و عين خالد بن لوي حاكماً على مكة، ثم أجبروا أهالي مكة على حضور الجماعة خمس مرات في اليوم، كما منعوا التدخين و قراءة المولد النبوي، و زيارة القبور، و كانوا يضربون من يشاهدونه يفعل ذلك، و ربما يحبسونه و يغرّمونه.

ص: 137

مكر الوهابية

دخل عبدالعزيز مكة، و استعرض الجيش، واجتمع مع العلماء، و أجبرهم على قبول فكر التيار الوهابي، الذي جاء به ابن عبدالوهاب، و كان يقول حين محاربته الملك علي: إنه ما جاء إلى الحجاز، إلّا لينقذه من ظلم الأشراف، و لايريد تملكه، و إنما يجعل مصيره إلى رأي عموم المسلمين!!، و هذا هو اسلوب جميع الدهاة إذا احتلّوا و تغلبوا على بلد من البلاد، و حتى أنّ إسرائيل حين الاستيلاء عام 1967 م، كانت تقول بهذا المقال.

اكتساح البقيع و هدم مقابر المسلمين

عمد ابن عبد العزيز إلى تخريب المعالم الاسلامية في مكة، وجّدة، و المدينة، فخربوا في مكة قباب عبدالمطلب، و ابي طالب 8، و خديجة، أمّ المومنين 3، و مولد النبي(ص)، و الزهراء 3 و لما دخلوا جدة، هدموا قبر

ص: 138

حواء 3 و خربوا قبرها، بل خربوا في هذه البلاد كل القباب، و المزارات، و الأمكنة التي يُتبرك بها، و لما حاصروا المدينة هدموا مسجد حمزة و مزاره، لوقوعها خارج المدينة. (1) يقول علي الوردي: كان البقيع مقبرة المدينة في عهد النبي(ص) و ما بعده، دفن فيه العباس و الخليفة عثمان و زوجات النبي(ص) و الكثير من الصحابة و التابعين كما دفن فيه أربعة من أئمة أهل البيت(ع)، و هم الحسن، و علي بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد(ع)، و قد صنع الشيعة لقبور هؤلاء الأربعة ضريحاً باهراً يشبه الأضرحة المعروفة في العراق، و إيران و ... (2) ظلت هذه القبور سليمة أكثر من دون أن يمسّها أحد بسوء، و لكن اتِّهم ابن سعود في تنفيذ مبدأ الوهابية،

ص: 139

لإبقائه عليها، فاضطر ابن سعود في شهر رمضان 1322، إلى إرسال كبير علماء نجد، عبدالله بن بليهد، من مكة إلى المدينة للعمل على هدم القبور، و عندما وصل ابن بليهد إلى المدينة اجتمع بعلمائها، و وجّه إليهم الاستفتاء التالي: «ما قول علماء المدينة في البناء على القبور و اتخاذها مساجد، هل هو جائز أم لا؟ و إذا كان غير جائز بل ممنوع منهي عنه نهياً شديداً، فهل يجب هدمهاً و منع الصلاة عندها أم لا؟ و إذا كان البناء في مسبلة كالبقيع، و هو مانع من الانتفاع بالمقدار المبني عليها، فهل هو غصب يجب دفعه لما فيه من ظلم المستحقين، و منعهم استحقاقهم أم لا؟ و ما يفعله الجهال عند هذه الضرائح من التمسح بها و دعائها مع الله، و التقرب بالذبح و النذر لها، و إيقاد السراج عليها، هل هو جائز أم لا؟ و ما يفعل عند حجرة النبي(ص) من التوجه إليها عند الدعاء و غيره، و الطواف

ص: 140

بها، و تقبيلها، و التمسح بها، و كذلك ما يفعل في المسجد من الترحيم، و التذكير بين الأذان، و الاقامة، و قبل الفجر و يوم الجمعة هل هو مشروع أم لا؟ أفتونا مأجورين، و بينوا لنا الأدلة المستند إليها لازلتم علماً للمستفيدين.» (1) و قد أجاب المفتون إلزاماً و جبراً، بما يلائم نوايا الوهابية، و إثْر صدور هذه الفتوى المفبركة، هدمت القبور فأحدثت هذه الجرمية ضجة مدوية، و صدى في أقطار العالم الإسلامي، خصوصاً لدى الشيعة، فأعلنت الحداد، و عطلت الدروس، و المدارس، و شاركت في اجتماعات جماهيرية وإحتجاجية، وتليت فيها برقيات تندد بتصرفات الوهابية، وآل سعود. كما أبرقوا برقيات إلى الملوك، و علماء العالم الإسلامي. (2)

ص: 141

ص: 142

المؤلمة، و الأدوار المخزية التي يمثلها ذلك الطاغية في البلاد المقدسة.» (1)

ص: 143

أم-- ا من مسلم لله يرعى حقوق نبيّه الهادي الشفيع (1)

و قد اتفقت هذه الفاجعة في 8 شوال عام 1343 ه-

ص: 144

اللاسلكي، و الهاتف كلّها بدع، لأنها من صنع الفرنج، و أنه يجب محاربة الدول المجاورة، كالعراق و الأردن، و احتلالها لنشر الفكر الوهابي بين سكانها، و أحرقوا أول شاحنة ظهرت في مدينة «الحول»، و كاد سائقها يلقي المصير ذاته. (1) يقول صاحب تاريخ نجد: إن الإخوان أورثوا عبدالعزيز مشكلًا آخر، فقد طغى الإخوان، و تجبّروا، فضّج الناس، و راح الإخوان يحاربون من لم يتبعهم من البدو، و يكّفرون، و ينهبون و يقتلون، و يقولون أنت يا بدوي مشرك، حلال الدم، و المال، و قد انتشرت من جراء ذلك، الفوضى في البلاد، و كاد يقطع حبل الأمن و السلام. (2) يقول صاحب تاريخ المملكة العربية السعودية: كان

ص: 145

الإخوان كارهين للعلم، و التقدم، فاعتبروا أي نوع من أنواع التكنولوجيا الحديثه شراً و كفراً، كالهاتف، و التلغراف، و السيارات، و الساعات، والكهرباء، و قالوا إنها سحر من عمل الشيطان، فقاوموا استخدامها، و نشرها، و أخَّروا تقدم البلاد. (1)

ص: 146

5- فرض رسوم جمركيه على مسلمى نجد، و كان هذا في الواقع احتجاجاً على تشديد استغلال السكان، عن طريق الضرائب.

6- منع قبائل الأردن و العراق، حق الرعي في أراضي المسلمين.

7- حظر المتاجرة مع الكويت، لأنهم كفار لم يأخذوا بمبادى ء الوهابية.

7- التسامح مع الخوارج الشيعة!! في الأحساء و القطيف، إذ يجب عليه أن يهديهم، إلى الإسلام أو يقتلهم. (1) فعقد عبدالعزيز موتمراً لحل هذه المشاكل، و حضرها كل أعضاء المعارضة، إلا سلطان بن بجاد، و هو القائد الذي استولى على الحجاز، و برّر عدم حضوره بقوله؛ إنه لم يثق بعبد العزيز، وأقواله، و خاصة بعد أن اتخذنا قراراتنا بتجريمه و تكفيره و عزله، وادعى عبدالعزيز في هذا

ص: 147

الاجتماع لنفسه أنه خادم الشريعة، و لايزال ساهراً على مصالح العرب والمسلمين!!

ص: 148

إنّ هذا القصف جعل ابن سعود بين خيارين، فاختار التفاوض مع البريطانيين، ثم اجتمع مع المعارضة، و حاول أن يقنعهم بأن الجهاد يحتاج إلى طاقة، و أن هذه التكنولوجيا ليست من السحر، و عمل الشيطان، كما يزعم الوهابية.

ص: 149

أن يتنازل لهم عن تلك الثمرة، فينشب النزاع بينهم، وربما ينتهي إلى القضاء على اولئك المساعدين، و قد صدق من قال: السياسة لا أب لها، و يبدو أن هزيمة الإخوان كانت بسبب تواجد العلماء مع عبد العزيز، مما أدّى إلى الوهن في عزيمة الإخوان، و تقليص حماسهم الديني، فقلّل من حماسهم الديني. (1)

ص: 150

السينما، و الأنوار الكشافة، و الطائرات، و ذلك لأن ركاب الطائرات يتحدّون ربّهم!!!(الأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ) (1)(قالَتِ الأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (2) كما أنّهم عارضوا دخول الامريكان، الذين ينقبون ظهران لتحصيل البترول.

قصة طريفة: حلّ وقت صلاة الظهر في قصر الملك، في حين تواجد بعض البريطانيين، فبدأ الإمام يقرأ الاية:(وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) (3).

فزحف ابن عبدالعزيز إلى إمام الجماعة، و اتبعه ضرباً قائلًا له: مالك بالسياسة يا خبيث؟! ألا توجد آية أخرى؟!

ص: 151

ص: 152

ص: 153

ص: 154

15- سعود بن عبد العزيز 1384 1373 ولد عام 1320 ه، و هو الابن الثاني لعبدالعزيز، و ولد فيصل عام 1324 ه، من الزوجة الثانية لعبد العزيز، و جرى بينهما تنافس، إلى قبل موت عبدالعزيز، و قد دعا هما أبوهما إلى غرفة نومه التي أمضى فيها آخر شهور حياته، و قال لهما: أمسكا بأيديكما، و اقسما لتعملا معاً حينما أموت. و أن لا تتجادلا، و لكن مع ذلك- بعد موت أبيهما- بدأت الخلافات، و المناحرات، أكثر مما كان يتوقع.

ص: 155

و في عام 1382 ه، قصد سعود زيارة أروبا للعلاج، فأخذ فيصل يعمل بنشاط واسع، للسيطرة على السلطة، فعيّن أخاه قائداً للحرس الوطني، و الآخر حاكماً للرياض، فلما عاد سعود، و فوجى ء بهذه التغييرات الأخيرة، ولكنه اضطر إلى الرضوخ لما أملاه عليه أخوه، من الظهور بمظهر الملك، دون صلاحية للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.

ص: 156

يقول جبران شامية: ما من رجل استطاع أن يبذل هذه الأموال في مثل هذا الوقت القصير، و بمثل هذه النتائج الضئيلة كسعود.

16- فيصل بن عبد العزيز 1384 ه- 1395 ه

لقد تسلم، فيصل للعرش بعد خلع أخيه، و قد عرف أن الضمان الوحيد للبقاء على السلطة و العرش، هو إظهار الولاء للامريكان، فاتصل بسفير أمريكا، و رؤساء شركة آرامكو مراراً، ليقنعهم بأنه أجدى لهم، و أبقى لمصالحهم من سعود.

و سافر عام 1385 ه إلى أمريكا، و اتصل بالرئيس، و الخارجية الامريكية، أيزنهاور، و فوستر دالاس، شاكياً لهما سوء تصرفات سعود، وقال لهما: إنني أقول لكم بصراحة، إن هناك من الأمريكان المسؤلين عند ما يكتب لكم ضدي، و يزعم أن سعوداً أكثر إخلاصاً لأمريكا مني، لكنهم على خطاء، فإنني أصدق صديق لأمريكا!!

ص: 157

ص: 158

ثم عام 1395 ه، قتل بيد ابن أخيه فيصل بن مساعد بن عبدالعزيز، حين دخل مكتبه مع الوفد النفطي الكويتي، الذي قدم للقاء فيصل، و حين انحنى لتقبيل كفه، أخرج مسدساً، و أطلق عليه ثلاث رصاصات، فقتله، و قد كثرت التعاليق آنذاك، بأن القاتل كان مجنوناً؛ و مع ذلك أجري عليه القصاص، فأعدم.

17- خالد بن عبد العزيز: 1395 ه- 1402 ه

اجتمعت العائلة بعد ذلك، و عينت خالداً ملكاً، و فهداً ولي العهد، و لكن مع ذلك كانت الأنظار متّجهة نحو فهد، فكان يحكم، و لا يملك بعكس خالد، الذي كان يملك، و لايحكم، كما كان هو مورد رغبة الامريكان، فهو الذي كان يلقي بيانات الملك خالد، و هو الذي تفرد بالزيارات الرسمية لإيران، و العراق، و الكويت، و فرنسا، و لندن، و سوريا، و اردن.

ص: 159

ص: 160

الظلم، و الفساد، و الرشوة، و ندد جهيمان بالأمراء الذين يستولون على الأراضي، و يبذّرون أموال الدولة، و وصفهم ب- «السكيرين»، الذين يعيشون حياة الفسق، و الفجور، في البيوت، و القصور الفخمة.

القمع:

عاد فهد من تونس و أصرّ على قمع الانتفاضة بقوة، و قد استخدمت القنابل المسيّلة للدموع، و المدافع، و الطائرات، كما ردّ المنتفضون بإِطلاق النار من السطوح، و المنائر، و استمرت المناوشات أسبوعين و قد قتل المئات، و منهم الزعيم الروحي؛ و اما السياسي، فقد أعدم مع 62 شخصاً.

ص: 161

حلّ الأزمة، فأفتوا: أنّ الواجب دعوتهم إلى الاستسلام، و وضع السلاح فإن فعلوا قُبل منهم، و سجنوا حتى ينظر في أمرهم شرعاً و إن امتنعوا، وجب اتخاذ كافة الوسائل للقبض عليهم، و لو أدّى إلى قتالهم، و قتل من لم يحصل القبض عليه منهم، و لايستسلم إلا بذلك، و بعد ذلك ألقي عليهم القبض، و قطع رؤوسهم و ...

18- حكومه فهد:

بعد القضاء عليهم، عمّ العائلة السعودية الفرح، و السرور؛ و لم يبرح خالد يملك، و لايحكم، إلى أن مات، فعينوا فهداً، و بايعوه، و يكفي في مساوئه استقدامه لقوى الكفر و الشرك، إلى أرض مكة و مدينة، و الاستعانة بهم، بحجة الدفاع عن الحجاز.

و هو في الحقيقه دفاع عن مطامع الظالمين- أمريكا و الصهاينة- و قد نهى الله عزوجل و الرسول(ص) عن الركون إليهم، كما أفتى فقهاؤهم كالنووي في المنهاج، و

ص: 162

قال: يُمنع كل كافر من استيطان الحجاز، و هو مكة، و المدينة، و اليمامة، و قراها.

ناهيك عن الجمعة السوداء، يوم ستة ذي الحجة عام 1407 ه، والتي أمر فيها بقتل الآلاف من حجاج بيت الله الحرام، و جرحهم، و لا ذنب لهم إلا أنهم اجتمعوا على إعلان البراءة من المشركين، و دعوة المسلمين إلى توحيد الكلمة، داعين الله، و رافعين أصواتهم في البلد الامن، و يهتفون: الموت لأمريكا، و الموت لإسرائيل، يا أيها المسلمون اتّحدوا اتّحدوا.

نعم، هذا هو الثمن الباهظ الذي دفعه المسلمون في ذلك اليوم، من أجل اعلان البراءة من الشيطان الأكبر أمريكا، و اللقيطة إسرائيل.

فتصدى عملاء أمريكا و إسرائيل بالنيابة عنهما فواجهوا المسلمين في البلد الحرام، بأقسى ما يتصور من وسائل القمع، والقتل، و الدمار.

ص: 163

فانهالوا عليهم بالرصاص من كل جانب، و رشقوهم بالحجار، و رموا عليهم الأنقاذ، و قطع الزجاج، من فوق سطوح البنايات، في شارع المسجدالحرام، و رشّوهم بالماء الساخن الذي لاتقل حرارتها عن مائة و عشرين درجة، و عبر سيارات الاطفاء ... فإنا لله وإنا إليه راجعون.