قرا ءه فی کتاب الاجوبه النجفیه فی الرد علی الفتاوی الوهابیه

اشارة

سرشناسه : هادی، محمد

عنوان قراردادی : الاجوبه النجفیه فی الرد علی الفتاوی الوهابیه. شرح.

عنوان و نام پديدآور : قرا ءه فی کتاب الاجوبه النجفیه فی الرد علی الفتاوی الوهابیه لایه الله الشیخ هادی آل کاشف الغطاء/محمد هادی.

مشخصات نشر : تهران: مشعر، 1387.

مشخصات ظاهری : [20] ص.؛9 × 19/5س م.

شابک : 35000 ریال:978-964-540-126-7

وضعیت فهرست نویسی : فیپا

يادداشت : عربی.

موضوع : آل کاشف الغطاء، هادی، 1872؟ - 1942م.الاجوبه النجفیه فی الرد علی الفتاوی الوهابیه -- نقدو تفسیر.

موضوع : وهابیه -- دفاعیه ها و ردیه ها.

موضوع : شیعه -- دفاعیه ها و ردیه ها.

شناسه افزوده : آل کاشف الغطاء، هادی، 1872؟ - 1942م.الاجوبه النجفیه فی الرد علی الفتاوی الوهابیه. شرح.

رده بندی کنگره : BP207/6/آ73الف3084 1387

رده بندی دیویی : 297/416

شماره کتابشناسی ملی : 1258013

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

المقدّمة

من الحقائق الثابتة في الواقع الإسلامي والتي لايعتريها الريب و الشك أنّ الأمة الإسلامية هي أمة واحدة، و أنّ المسلم أخو المسلم، وأنّ الاختلاف المذهبي لا يضعف من هذه الاخوة ولا يعكّر صفو الوحدة الدينية، فإنّ الاختلاف المذهبي ما هو إلّا نتيجة للاختلاف في الاجتهاد الشرعي، الذي هو عبارة عن السعي وراء الأدلّة المعتبرة من أجل الوصول إلى الموقف الشرعي المطلوب و المراد لله سبحانه و تعالى، ولم يكن للاختلاف الاجتهادي تأثير سلبي على حركة الفكر في الدائرة الاسلامية، بل كان له دور في دفع عجلة العلوم و المعارف الإسلامية و تطويرها.

بيد أنّ المشكلة التي برزت في الساحة الإسلامية الثقافية كانت بسبب أصحاب الفرق

ص: 6

المتطرّفة و الآراء المتعجرفة، سيما ما ابتليت به امتنا الإسلامية من ظهور التيار الوهابي والاتجاه الإرهابي، الذي نصبوا من أنفسهم مقياساً دينيّاً يصنّفون المسلمين على أساسه إلى مشركين وموحّدين، و رتّبوا على ذلك آثاراً عملية وخيمة، بدءاً من المجاهرة بتكفير النسبة الغالبة من أبناء الإسلام و نبزهم بأفضع النعوت و إباحة دمائهم و أعراضهم و أموالهم.

و تاريخهم الدموي أبرز دليل على ما نقول، و لا زالت ذاكرة التاريخ الحديث تحتفظ بمشاهد مريرة ممّا ارتكبوا من جنايات بحق المسلمين و بحق الحضارة الإسلامية والإنسانية، و عادوا اليوم من جديد يبثّون أفكارهم الهدّامة التي يرفضها المنطق السليم و الفطرة الاسلامية ليزرعوا الفتن و يمزّقوا جسد الأمة الموحّد دون تقوى من الله و وسيلتهم الشيطانية هو الإرهاب والعنف.

ومن هنا انطلق علماء الأمة الغيارى لتنبيه المسلمين وتحذيرهم من هذه الفتنة الخطيرة والبدعة الوهابية الخبيثة، وقى الله المؤمنين شرّها.

والكتيّب الذي بين يديك هو تعريف بأحد الكتب التي ألّفت لردّ شبهات الوهّابية الواهية.

مركز تحقيقات الحج

قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ

الحركة الوهابية و تكفير المسلمين

انطلقت حركة محمد بن عبد الوهاب الحنبلي من نجد في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري، معلنة الجهاد على المسلمين في الجزيرة العربية وأطرافها، بحجة أنهم كفار و مشركون، ارتدوا عن التوحيد و عبدوا الأولياء و الأنبياء و الصالحين، و استبدلوا المساجد بالأضرحة و المقابر و المزارات و مقامات الأئمة و العلماء.

قد اتخذت هذه الحركة ومنظِّروها من مظاهر بناء الأضرحة و القباب على القبور دليلًا على أنّ المسلمين قد رجعوا إلى الجاهلية الأولى، فعادوا إلى الشرك بعد الإسلام، لذلك فقد أصبح الجهاد ضدّ المسلمين بزعمهم مشروعاً، و الدعوة إلى الإسلام و عقيدة التوحيد مسؤولية عظيمة، قام بها الشيخ ابن عبد الوهاب النجدي بمساعدة أمير الدرعية آنذاك، ومن تبعهم

ص: 7

من أعراب نجد ممن انتحل دعوة الشيخ و آمن بعقيدته.

وهكذا انطلقت الفتوحات من جديد لجهاد الكفار و المشركين من المسلمين الذين يشهدون الشهادتين و يصلّون و يصومون و يحجّون، و يرفع الأذان بين ظهرانيهم خمس مرَّات في اليوم معلناً أن لا إله إلا الله و أنّ محمداً عبده و رسوله، و يتحاكمون للشريعة المنزلة، و يُقلِّدون المذاهب الفقهية و الأصولية الإسلامية المعروفة و المعتمدة.

وفي غفلة من سلطة الإمبراطورية العثمانية- المسيطرة آنذاك على الجزيرة العربية- التي أصابتها الشيخوخة و دبّ في أوصالها الضعف و الوهن، انطلقت الفتوحات الوهابية من قلب نجد باتجاه الحجاز وشمال الجزيرة وشرقها، حيث تمكَّن الجيش الوهابي من السيطرة على الحرمين الشريفين وعلى مساحات شاسعة في وسط الجزيرة و شمالها، وقتلوا في سبيل ذلك الآلاف من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال، وسفكوا الدم الحرام، ونهبوا الأموال وحرقوا الزرع، وقطعوا الأشجار والنخيل، وفي طريقهم هدموا و دمَّروا كلّ ما وجدوه من قباب وأضرحة و مقابر جماعية و أماكن للعبادة يوجد فيها قبر أو أيّ أثر إسلامي يتبرَّك به المسلمون أو يقصدونه للزيارة و الاعتبار.

وأهم هذه المزارات و الآثار قبور أئمة أهل البيت: و الصحابة التابعين و العلماء الصالحين، و قبور أمهات المؤمنين و الشهداء، خصوصاً مقبرة البقيع في المدينة المنورة التي هجموا عليها في الثامن من شهر شوال سنة 1344 ه-./ 1926 م، فهدموا قبابها و قبورها و تركوها قاعاً صفصفاً، أحجاره مبعثرة كأن زلزالًا قد ضرب المكان، لم يعرف قبر صحابي من قبر تابعي أو شهيد أو عالم.

و كانوا، قبل ذلك قد أغاروا على مدينة كربلاء المقدّسة جنوب العراق، و قصدوا ضريح الإمام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب:، فهدموا قبة الضريح و المنابر لأنهم كانوا يظنون أنها مبنية بالذهب و الفضة، بعدما قتلوا- كما يقول مؤرّخهم ابن بشر-: «غالب أهلها في الأسواق و البيوت» (أكثر من أربعة آلاف مسلم من الرجال و النساء و الشيوخ و الأطفال). ثم هربوا عائدين إلى صحاريهم في نجد يحملون معهم الغنائم و الأسلاب و ما سرقوه نهبوه ظلماً و عدواناً، و تركوا وراءهم الخراب و الدمار و اليتامى و الثكالى المسلمات يبكين قتلاهنّ.

وأمام توارد الأخبار عن فداحة حجم الخسائر في الأرواح و الممتلكات و الآثار و معالم الحضارة الإسلامية في جزيرة العرب، قامت الحكومة العثمانية- آنذاك- بحملات عسكرية

ص: 8

متتالية لاستئصال شأفة هذه الحركة وأتباعها، و قد حققت الجيوش التركية و المصرية انتصارات مهمة على الوهابيّين حيث وصلت إلى الدرعية عاصمتهم فدمَّرتها، وقُتل منهم من قُتل وفرّ آخرون ونفي أو أُسر آخرون، وكان ذلك- كما يقول الشيخ محمّدجواد مغنية- جزاء وفاقاً لما فعلوه من قبل بأمة محمد 9 من المظالم و المآثم (هذه هي الوهابية، ص 129).

وإلى جانب الحملات العسكرية، انطلقت من جهة أخرى الردود الفكرية للردّ على شبهات الوهابية ونقض ما استمسكت به من أدلّة نقلية لتكفير المسلمين و استباحة دمائهم و هدم قبور أئمتهم و علمائهم و أسلافهم، و الآثار التي تدلّ عليهم. والردّ على الادّعاء بأنّ ما يقوم به المسلمون من بناء القبور و زيارتها و التوسل بالأنبياء و الأئمة و الأولياء، هو من مظاهر الشرك الذي يخرج المسلم عن عقيدة التوحيد.

وقد جاءت هذه الردود متنوّعة، لم تقتصر على علماء المذهب الحنبلي (الذي يقلّده الشيخ ابن عبد الوهاب) و مقلّدي المذاهب السنية الأخرى: المالكية و الشافعية و الأحناف، بل تصدّى للرد على الوهابية كذلك عدد من علماء الشيعة الإمامية، وقد اتفقت كلمة الجميع على تبرئة المسلمين سُنة وشيعة و صوفية من تهمة الشرك، و على أنّ ما يقوم به العلماء و العوام من بناء القبور و الأضرحة و زيارتها و التوسل بأصحابها، كلّ ذلك له أصل في الإسلام، و لا يخالف عقيدة التوحيد، بل هو مظهر من مظاهر الإيمان بالله و رسله و اليوم الآخر، و تعظيم لشعائر الإسلام، وقد فعله المسلمون بمرأى و مسمع من الصحابة و التابعين و أئمة الدين و علماء السلف، ولم يُنكر عليهم أحد، ولم يدَّع أحد من السلف أنّ هذه الأفعال و الأعمال من قبيل الشرك، و لا طالبوا بهدم قبر أو قبة مبنية على قبر إمام أو صحابي أو شهيد، بل أُثر عنهم احترامها و توقيرها و التبرّك بمراقد أهل بيت النبي: و صحابته. وليس أدلّ على صحة ذلك و مشروعيته و عدم مخالفته لعقيدة التوحيد، من بقائها قائمة شاهدة، إلى أن أدركتها معاول الجهل و الجفاء النجدي الوهابي، فهدمتها و خرَّبت معالمها و جعلتها أثراً بعد عين.

هذا بالإضافة إلى أنّ آراء الشيخ ابن عبد الوهاب مخالفة لما هو عليه جمهور الحنابلة، وليست سوى صدى لما كتبه شيخه ابن تيمية الحراني أواخر القرن السابع الهجري، وقد ردَّ عليه مُعاصروه من فقهاء المذاهب السنية و من جاء بعدهم، و نسبوه إلى الابتداع و مخالفة الإجماع و عقيدة السلف الصالح، بل اتّهموه بالزندقة لنهيه عن زيارة قبر الرسول 9 و قوله إنّ النبي 9 لا يُستغاث به، و النفاق لدفاعه عن بني أمية وطعنه في الإمام علي 7 و عدد من

ص: 9

الصحابة.

وقد كفَّره عدد من علماء السُنّة لذلك ولكونه أحدث في أصول العقائد و قال بالجسمية و التركيب و جواز حلول الحوادث في الذات الإلهية- تعالى الله سبحانه عّما يقول الجاهلون- لذلك فقد نودي في دمشق: من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله و دمه.

(لمعرفة آراء علماء أهل السنة في ابن تيمية، يراجع كتاب: السلفية بين أهل السنة و الإمامية، للسيد محمد الكثيري، بيروت، الغدير، ط 1، 1997 م. ص 235 و ما بعدها).

هذا ما جعل هذه الرُّدود تتجاوز ما كتبه ابن عبد الوهاب و فتاوى أتباعه لترد على أستاذه ابن تيمية؛ لأنّه لم يكن سوى ناقل و مقلِّد له و لتلميذه ابن قيِّم الجوزية.

من بين الردود الشيعية الإمامية، ما كتبه سماحة آية الله العظمى هادي كاشف الغطاء (قدس سره) (1290 ه-- 1361 م.) و هو من الأسر العلمية النجفية المعروفة و المشهورة. والتي أخذت على عاتقها مواجهة التضليل الوهَّابي، إذ كتب عدد من أعلامها ردوداً مهمة مثل:" منهج الرشاد لمن أراد السداد" للشيخ جعفر كاشف الغطاء، و رسالة" نقض فتاوى الوهَّابية" للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، و قد كتبه سنة 1345 ه- رداً على مجموعة من الفتاوى الوهَّابية اطَّلع عليها آنذاك، فرأى تهافتها و بُعدها عن الحق، وقد بقيت هذه الردود مخطوطة إلى أنّ انبرى لتحقيقها الشيخ أسعد كاشف الغطاء، و تولّى مركز الغدير في بيروت طباعتها، باعتبارها أصبحت وثيقة تاريخية مهمة، لأنّ المؤلّف- كما يقول المحقق- كان شاهد عيان على ما اقترفته الوهّابية من فظائع بحق المقدّسات الإسلامية، و خصوصاً هدم المشاهد و المساجد و قبور الأئمة و الصحابة و الشهداء في المدينة المنوّرة.

وقد جاء الكتاب عبارة عن ردود على بعض الاستفتاءات المنشورة لعلماء الوهّابية، تناول فيها المسائل المختلف فيها بين الوهّابية وباقي المسلمين، وهي أربع إجابات.

تحدّث في الإجابة الأولى عن مسائل التوحيد و ما يتفرّع عنها، و على وجه الخصوص المسائل التي يكفّر بسببها الوهّابية أهل السنة و الشيعة الإمامية و الصوفية، مثل بناء القبور و زيارتها و الصلاة و الدعاء عندها، و التوسل بأصحابها، و الموارد التي لا يجوز فيها تكفير المسلمين و ما المقصود بالفرقة الناجية.

الإجابة الثانية، طالب فيها المؤلّف علماء الوهّابية بتقديم الأدلّة الشرعية على صحة ما ينفردون به من آراء في التوحيد و مسائل الاجتهاد والتقليد والبدعة وغيرها من القضايا المختلف فيها.

ص: 10

أمّا في الإجابتين الثالثة و الرابعة، فناقش المؤلّف مجموعة من المسائل و القضايا التي كانت مثار جدل آنذاك مثل موقف الوهّابيين من بعض المخترعات التي وقفوا منها مواقف غربية كالبرق و التلغراف، و مسألة القوانين و الأنظمة، و موقفهم من الشيعة في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية، و محاولة إكراههم على اعتناق المذهب الحنبلي الوهابي.

فيما يأتي مراجعة سريعة- لا تغني عن قراءة الكتاب- لأهم ما جاء فيه من مناقشات لقضايا لا تزال إلى يومنا هذا مثار جدل و خلاف مستمر بين الوهابية (السلفية) ومخالفيها من أهل السنة و الشيعة الإمامية وأهل العرفان وأتباع الطرق الصوفية.

هل البناء على القبور و زيارتها والتوسل بأصحابها شرك؟

لا يرتاب مسلم في أنّ التوحيد هو أساس دين الإسلام و عماده، ولكن الكلام- يقول المؤلف-: في معرفة حقيقة التوحيد الذي أمر به الله تعالى و جعل اعتقاده محتماً و معتقده مسلّماً، وفي معرفة ما ينفيه أو ينافيه من الأقوال و الأعمال، وفي معرفة العقائد التي توجب البقاء على الشرك أو الدخول فيه، والمعتمد في كشف الحقيقة هو الرجوع إلى الكتاب والسنة و أخبار أهل البيت العصمة (ص 24).

وقد أفتى الوهابية بحرمة البناء على القبور و زيارتها و التمسح بها و الصلاة عندها، و كذلك التوسل بالأنبياء و الأئمة و الصحابة و الشهداء، ظناً منهم أنّ ذلك ينافي عقيدة التوحيد، وهو موجب للشرك بالله؟!

وهذه الأفعال كلها في نظر علماء أهل السنة والشيعة الإمامية جائزة بالكتاب والسنة و الإجماع و العقل والقياس والاستحسان، بل إنّها من مسلَّمات عقائد المذاهب الإسلامية الأصولية، باستثناء من شذّ من الحنابلة، مثل ابن تيمية و تلامذته.

وقد تعرّض علماء المذاهب للأحاديث والروايات التي يستند إليها هؤلاء الشرذمة المخالفون بالشرح والتحليل، وقدموا فهماً وشرحاً يختلفان كثيراً عما فهمه منها ابن تيمية وأتباعه من الوهابية، مؤكدين على ضرورة فهم تلك الأحاديث في إطار سياقها التاريخي عند بداية

ص: 11

الدعوة الإسلامية، فالأمر بالهدم مثلًا كان المقصود به قبور المشركين التي كان بعض منها يُعبد أو تُقام عليه أو بجانبه بعض الشعائر الشركية، ومنها من كان قد نُصب عليه بعض الأصنام من الحجارة، فتحولت إلى آلهة تُعبد من دون الله، لذلك طلب رسول الإسلام 9 بهدمها وانهالت الشواهد والعلامات القائمة عليها.

أمّا قبور المسلمين فليس هناك أيّ دليل على وجوب هدمها، بل تواترت الأخبار على زيارة الرسول 9 و أمهات المؤمنين و الصحابة و الأئمة قبور الشهداء والموتى في أحد والبقيع، وكانوا يترحّمون على أصحابها و يقرأون عندها القرآن ويهدون ثوابه إلى أهل القبور، وكانوا يعرفون كلّ قبر وصاحبه، وهذا معناه أنّ القبور كان لها شواهد و علامات، وهي واضحة للعيان، ولم يخطر ببال أحدهم أنّ فعلهم هذا محرم أو منهي عنه، ناهيك عن أن يكون طريقاً للشرك بالله سبحانه و تعالى!

وقد ظهر ذلك جلياً في إجماع المسلمين، صحابة وتابعين، علماء ومقلّدين، وإلى يوم الناس هذا، كما هو مشاهد للعيان وثابت للوجدان، فقبل فتنة الوهابية وسيطرتهم على الحجاز و الأماكن المقدسة كان أغلب قبور الأئمة و الصحابة و العلماء مبنياً وعليها أضرحة وقباب يزورها المسلمون من كل بقاع العالم، و الآن أغلب المناطق الإسلامية في مصر و العراق وبلاد الشام والمغرب وتركيا وإيران وبلاد الهند تبنى فيها القبور والأضرحة والمراقد، أو تُبنى بجانبها مساجد أو زوايا تقام فيها الصلاة ويقرأ فيها القرآن، ولم يقل أحد: إنّ ذلك شرك أو كفر.

وكيف يكون ذلك كفراً؟! وأنت لو سألت أيّ شخص من عوام المسلمين من زوار تلك المراقد، فسيقول لك: هذا قبر فلان الإمام أو الصحابي أو العالم، وأنه يزوره ليترحم عليه ويدعو له أو عنده، ولن تجد من يدَّعي أنه إله أو شريك لله في صفة من صفاته، أو أنه يعبدُه ليقربه إلى الله زلفى. وبجانب هذه المقامات تقام الصلوات الشرعية، ويرفع الأذان بالتوحيد، فكيف يكفر أو يُشرك بالله من يُوحِّده ويتلو كتابه آناء الليل والنهار؟!

إنّ الفهم الوهابي (السَّلفي) للتوحيد، هو فهم ساذج بسيط ففي الوقت الذي يستدلّ الوهابيون فيه بأحاديث يدّعون صحتها ويوهم ظاهرها بموافقة فتاويهم، فإنهم يغضّون الطرف عن عشرات الأحاديث الأخرى والأخبار و الآثار وأقوال الأئمة التي تخالف آراءهم واختياراتهم، والبحث العلمي الموضوعي والاجتهاد الشرعي الصحيح كلّ ذلك يقتضي عرض جميع الأدلّة و مناقشتها و تحليلها، ثم الركون بعد ذلك إلى أحسن القول.

وقد تبيّن للمحققين من أهل السنة والشيعة الإمامية أنّ ادّعاء الوهابية الإجماع على

ص: 12

تحريم البناء على القبور- مثلًا- هو كذب محض، وعلى خلاف ادّعائهم فالإجماع منعقد على الجواز وليس على المنع، ولن يظهر هذا الإجماع من شذّ عنه مثل ابن تيمية وتلامذته وأتباعه.

وقد أشار المؤلّف إلى مسألة مهمة جداً في هذا السياق، وهي أنّ اجتهاد كلّ مذهب هو حجة على أصحابه ومقلّديه، لذلك فجملة من الأدلّة التي يستند إليها الوهابية لا تنهض حجة على الإمامية أو غيرهم من المذاهب الأخرى، وقد أشار بهذا الشأن إلى بعض الأمثلة التي اختلفت فيها الآراء، نظير ما يتبنّاه الإمامية من عدم حجية أخبار الآحاد إلّا إذا جمعت شرائط خاصة، وكذلك لا حجية للإجماع إلَّا إذا كان كاشفاً عن رأي الرسول 9 أو الإمام المعصوم.

وهذه القاعدة- أي حجيّة الاجتهاد لدى أصحابه- من القواعد المعترف بها لدى جميع المذاهب، وإلا أنكرنا الاجتهاد في جميع الأبواب، فالحديث قد يثبت عند مالك ولايثبت عند أبي حنيفة أو الشافعي، فيختلف الاجتهاد والاستنباط، ولم يكفّر المالكية الأحناف لأنهم لم يعملوا بالحديث الذي صحَّحه إمامهم وعمل به. وفي المذهب الحنبلي هناك عشرات المسائل يروى فيها عن ابن حنبل روايتان أو ثلاثة، فأيهما رأي المذهب؟ وهل من أفتى بمضمون رواية منهما وخالف غيره يكون كافراً؟

إضافة إلى الاختلاف في فهم الحديث وفقهه، فعلماء أهل السنة والإمامية فهموا من النهي الوارد في بعض الأحاديث و الروايات الكراهة وليس التحريم، ناهيك عن القول بالكفر أو الشرك. كما خصَّ الإمامية كراهة البناء في غير قبور الأنبياء والأولياء والعلماء (ص 28).

أمّا بخصوص هدم ما بُني من القبور أو هدم القباب المبنية عليها والأضرحة، فقد أكَّد المؤلّف عدم مشروعيته فضلًا عن وجوبه، وحرمة هدمها كحرمة نبشها؛ لما روي عن الرسول 9: «حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حياً». ولم يُنقل لنا في عصر من العصور السالفة صدوره من ولاة أمور المسلمين، ولو كان الهدم من الواجبات التعبدية لشاع وذاع و سُطِّر ونُشر قبل زمن هؤلاء الذين لن يرون لمؤمن ميت حرمة ولا يبالون بهتكه وتحقيره وإهانته (ص 42).

والسؤال الكبير الذي طرحه المسلمون ولايزالون هو: لم يُصرّ الوهابيون على محو آثار المسلمين ومعالم تاريخهم؟ فعندما تدخل مقبرة البقيع بالمدينة المنورة اليوم تسأل: لمن هذه القبور التي لم يبق منها إلا بعض الأحجار الناتئة هنا وهناك؟ فيجيبك أحد زبانية المقبرة بخشونة وغلظة: «لا أحد يعرف». ونحن نسأل: مايضر الوهابية لو عرف الحجاج والزوار أنّ هذا

ص: 13

القبر هو للصحابي فلان أو لأحد الأئمة أو العلماء؟!

ما يضرهم لو رُقِّمت تلك القبور و بُنيت وعُرف أصحابها؟! أليس في ذلك أبلغ العبرة للمسلمين اليوم عندما يقفون أما قبر إمام أو صحابي قرأوا عنه وعلموا فضله و جهاده في سبيل الإسلام؟! لم كلّ هذا العداء للقبور وللآثار الإسلامية؟! وها هي المقابر والأضرحة منتشرة في طول العالم الإسلامي وعرضه، ولم نسمع أنّ أحداً من المسلمين قد اتخذها قبلة أو جعل أصحابها آلهة يعبدهم من دون الله؟! نعم هناك بعض الأفعال و الأقوال تثير بعض الإشكالات، وقد تكون مطية أو مدخلًا للشرك، مثل الصيغ غير الشرعية للنذر والتوسل والأدعية، والذين يخطئون فيها هم عادة من العوام الذين لا يعلمون الصيغ الشرعية للنذر والتوسل، ويقومون بذلك بقلب سليم من الشرك، والواجب تعليمهم و إرشادهم، وليس رميهم بالشرك أو تكفيرهم أو قتلهم!!

ومن المسائل التي ناقشها المؤلف كذلك مسألة الصلاة عند القبور، وقد خلُص إلى أنّ الصلاة إلى القبور أو بينها، و إن قلنا: إنّها محرّمة وباطلة لا توجب إلا الإثم والفساد، ولا توجب كفر فاعلها ولا تستلزم شركه، فلو صلَّى بحضرة قبر أو قبور، لم يفعل ما يخرج به عن الإسلام والتوحيد، ولم يصدرمنه ما يوجب إباحة دمه وعرضه (ص 49). نعم، كره بعض العلماء أن يستقبل المصلي القبر في صلاته، لكن لو صلَّى وعن يمينه أو شماله قبر، فلا يستلزم كون القبر مسجداً، حتى لو كان في قبلة المصلي؛ لأنّ المنهي عنه جعله قبلة يُسجد إليه ... (ص 63).

كذلك أفتى الوهابيون بحرمة مسح الضرائح الشريفة، وخصوصاً حجرة النبي الأكرم 9، أو الطواف بهاوتقبيلها والتمسُّح بها، وقد ردَّ المؤلّف على هذا التحريم مؤكداً أنّ مقتضى الأصل في الجميع هو الحلّ و الإباحة حتى يقوم الدليل على المنع والتحريم، ولا دليل للمانعين هنا- حسب المؤلف- إلَّا خيالات باطلة وأوهام عاطلة و وساوس شيطانية وتسويلات إبليسية يلهمها بسطاء الأمة وسذج الرعاع ليغويهم بها فيحرمهم من البركات والخيرات ونيل القربان (ص 81).

وقد ثبت أنّ فاطمه 3 جاءت إلى قبر أبيها، فأخذت قبضة من التراب فوضعته على عينيها وبكت. وروى ابن عساكر أنّ بلالًا جاء قبر النبي 9 فجعل يبكي و يمرّغ وجهه على القبر، كان ذلك بمحضر من الصحابة، فلم ينكر عليه منهم أحد، وقد كان جُلّ الصحابة وأئمة المذاهب يتمسّحون بمنبره الشريف تبركاً و يقبِّلونه، وما ذاك إلا لأنه محل جلوسه وموضع حلوله،

ص: 14

والضريح المقدَّس الذي ضمَّ بدنه الشريف وصار مستقر روحانيته ومهبط جسده القدسي أولى بذلك وأجدر (ص 83).

والتمسح والتقبيل هو من مظاهر الحب والإجلال لصاحب القبر، لقربه من الله سبحانه و تعالى، ولا علاقة له بالشرك أو الكفر، بل هو مظهر من مظاهر الإيمان.

كذلك الأمر النسبة للذبائح التي يذبحها المسلمون عند الضرائح والمقامات، فالموجب للشّرك هو الذبح لغير الله ذبح عبادة و تقرُّب، كما كان يذبح أهل الأوثان لأوثانهم مع الإهلال ورفع الصوت باسم ذلك المذبوح له، بأن يقول: اذبح باسم الولي فلان، مثلًا، سواء كان ذلك باعتقاد إلهيته واستحقاقه للعبادة أو لأنه يقربه زلفى عند الله.

أما الذبح للصدقة أو الفداء أو لليمين و التبرُّك ودفع الشر، مع مشروعية ذلك وذكر اسم الله عليه، فلا عبادة فيه أصلًا للمتصدق عنه، ولا للمفدى به، ولا محذور فيه، إلا أن يكون مما أبطله الشارع كما في حديث «نهي عن ذبائح الجن» كانوا إذا اشتروا داراً أو بنوا بنياناً ذبحوا ذبيحة مخافة أن تصيبهم الجن، فأبطله النبي 9. فإذا ثبت ذلك كان فعله محرماً لا غير (ص 86).

النَّذر للضرائح و الأموات والتوسل بهم

أما النذور للضرائح والقبور و الأولياء الصالحين، فهي في أغلبها تكون بمعنى جعل الجزاء له كأن يقول: إن رزقني الله ولداً أو فرَّج ما بي، فللّه عليّ أن أقرأ على قبر فلان كذا سورة من القرآن، أو أسرج على قبره، أو أذبح شاة وأطعمها زواره أو سدنته، وغيرها من الطاعات التي تشرع فيها النيابة عن الأموات. و هذه النذور لا محذور فيها ولا شائبة شرك تعتريها، وقد أشار المؤلف إلى بعض الصيغ الخاطئة مع القصد السليم للزائر يقول: وقد اتفق لنا مراراً أن أعلمنا من لا يعلم منهم أن النذر لا ينعقد بقول: هذا نذر للولي الفلاني، ولايجب الوفاء به شرعاً (ص 88).

والخلاصة: فكلّ استعانة أو استفادة أو استنصار ونحو ذلك- سواء كانت بالأموات أم

ص: 15

بالأحياء- إذا كانت على نحو طلب استعانة المربوب من الرب و المخلوق من الخالق كانت شركاً و كفراً. أما الحكم بأن مطلق الاستغاثة بغير الله كفر و إشراك بديهي البطلان، لا يحكم به إنسان إلا إذا لم يكن ذا وجدان (ص 92).

وبخصوص التوسل، فقد أكد المؤلف أنه يجوز التوسل إليه تعالى بكلّ محبوب له و كلّ مقرَّب لديه، وكذلك التوسل إلى إجابة الدعاء باختيار الأماكن الشريفة مثل المساجد و مراقد الأئمة، و كذلك اختيار الأوقات التي دلّت الروايات أنها أوقات يُرجى فيها قبول الدعاء. وقد توسل الصحابه بالرسول، وثبت أنّ عمر بن الخطاب توسل بالعباس عم النبي 9، ولم ينكر ذلك سوى أتباع ابن تيمية وابن عبدالوهاب.

كذلك ناقش المؤلف مسألة الشفاعة، فأكد أنّ ثبوتها للنبي 9 مما اتفقت عليه الأمة سلفاً وخلفاً لجوازها عقلًا ونقلًا. وقد ميّزوا فيها بين شفاعة الشريك في الألوهية، وشفاعة العبد المأمور الذي لايفعل شيئاً إلا بأمر مولاه، ولو دققت النظر- كما يقول المؤلف- في كلام هؤلاء- أي الوهابية- في الشفاعة، لوجدتهم يؤمنون بلفظها ويكفرون بمعناها، فيثبتونها وهم لها نافون، ويعترفون بها وهم في الحقيقة لها منكرون (ص 104).

وقد ختم المؤلف أجوبته الأربعة الأولى بفائدتين:

الفائدة الأولى: تحدّث فيها عن بيان المسلم الذي لايجوز تكفيره أو غيبته أو انتهاك حرمته ويجب احترام دمه وعرضه وماله، المسلم الذي قتاله كفر وسبابه فسق، وهو المعتصم بالشهادتين و يؤدِّي الفرائض الخمس التي بني عليها الإسلام، و جميع المسلمين الذين يكفّرهم الوهابية ويُبيحون دمائهم هم معتصمون بالشهادتين ويقيمون الصلاة ويؤدّون الزكاة ويصومون رمضان ويحجّون ويفعلون الطاعات الكثيرة، فكيف يُحكم بكفرهم؟!

الفائدة الثانية: ناقش فيها المؤلف فكرة الفرقة الناجية، فتعرّض للأحاديث المروية عن الفرقة الناجية، وذكر أنّ كلّ فرقة من الفرق الإسلامية أدّعت أنها الفرقة الناجية وأنّ غيرها في النار، وهذا ما تفعله الآن الوهابية عندما تكفِّر الأشاعرة من أهل السنة والصوفية والشيعة الإمامية، وبعد مناقشة ما يتشبّث به الوهابية من أدلّة، خلُص المؤلف إلى أنّ الفرقة الناجية هي من اتبع الرسول 9 و أهل بيته، فهم أهل السنة و أتباع القرآن لأنّهم عملوا بالأمر الوارد في أحاديث الرسول 9 التي تحثّ على موالاة أئمة أهل البيت: و أتباعهم واتخاذهم قدوة في الدين والدنيا، مصداقاً لقوله 9 في الحديث الذي رواه أصحاب السنن وفي مسند أحمد بن حنبل، قال رسول الله 9: «إني تارك فيكم خليفتين، كتاب الله و أهل بيتي، و

ص: 16

إنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض جميعاً». وقد ورد هذا الحديث في كتب الأحاديث بطرق مختلفة (1)

قل هاتوا برهانكم

في القسم الثاني من الكتاب، طالب المؤلف أهل الإفتاء من الوهابية بتقديم الأدلّة على صحة إفتائهم بهدم القبور و المشاهد والمراقد في مكة والمدينة، هذه الفتاوى التي لم يقُم عليها عند عموم المسلمين دليل يعتمد على ظهوره و يقطع بدلالته وصدوره، والإستناد إلى أدلّة غير واضحة في الدلالة، ولا صريحة في المطلوب، ولا قوية في الإسناد، لم يعمل بها نقاد الأحاديث و محقِّقو الأخبار. (ص 132).

كما تساءل عن فحوى ادّعائهم بأنّ مرجعهم القرآن والسنة، فهذا قول يجهر به كلّ مسلم و يعتمده كلّ موحّد، لذلك لابدّ من بيان الوجه في الاعتماد على ما ينفردون بالاعتماد عليه، في تعريفهم لتوحيد، وما هي العبادة التي لا تكون إلا لله تعالى، ولو أتى بها لغيره كان الآتي بها مشركاً خارجاً عن الإسلام؟ وما الفرق بين الإطاعة والعبادة؟ وما هي البدعة المحرَّمة في الدين؟ وما الدليل على هدم القبور وتسويتها بالأرض؟ ولماذا يمنعون النساء من زيارة القبور؟ وتحريمهم لعدد من الأفعال المرتبطة بالتطور الحضاري. وقد أعاد المؤلف استعراض بعض الأدلة مما كان قد أورده في القسم الأول وأحال عليه.

كما أكد خطورة الإفتاء من دون علم مُشيراً إلى التناقض الذي وقع فيه الوهابيون، فهم في الوقت الذي يتحرّجون فيه من الإفتاء في قضايا بسيطة بحجة أنهم لم يجدوا لها ذكراً في كلام القدماء، يسارعون إلى تكفير المسلمين والإعتداء على آثارهم وهدمها، ويخاطبون الموحّدين المسلمين بالآيات الواردة في حق المشركين و الكفار الجاهليين؟!


1- الشيخ هادي آل كاشف الغطاء، الأجوبة النجفية في الردّ على الفتاوى الوهابية. بيروت/ لبنان: الغدير للدراسات والنشر، 2004 م، 1425 ه-، ط 1.

ص: 17

الإكراه المذهبي

من القضايا المهمَّة كذلك التي ناقشها المؤلف قضية الإكراه المذهبي، لأنّ الجزيرة العربية فيها أتباع مختلفون من السنّة والشيعة، و لمّا استولى الوهابيون على الحجاز و الأماكن المقدسة حاربوا كلّ من لا يقلّدهم في العقائد والفقه، وقتلوا عدداً من علماء أهل السنة، ولم يعترفوا بأيّ مذهب، إلّا مذهبهم الخاص، وهو مذهب ابن تيمية، ولم يسمحوا لمخالف بإبداء رأيه.

و قد تعرّض الشيعة الإمامية في مناطق الأحساء والقطيف في المنطقة الشرقية من الجزيرة- وهي منطقة أغلب أهلها شيعة إمامية- إلى اضطهاد مذهبي ولايزالون يعانون منه إلى الآن، حيث حاول الوهابيون إكراههم على اعتناق الوهابية بالقوة، وطلبوا من أميرهم إلزامهم بالبيعة للوهابية، و منعوهم من بناء المساجد و الصلاة فيها وفق مذهبهم، بل ألزموهم بالصلاة جماعة وراء أئمة من الوهابية، كما منعوهم من إقامة شعائرهم مثل الاحتفالات بمناسبة مولد الرسول 9 وأئمة أهل البيت: ووفياتهم.

وقد دافع المؤلف عن قناعة الإمامية بعقائدهم، وخصوصاً ارتباطهم بأئمة أهل البيت: مؤكداً أنه لا يجوز إكراه أيّ مسلم على اعتناق مذهب معيّن أو اتباع مجتهد بعينه، لعدم وجود دليل على ذلك، فلكلّ مذهب أدلّة وبراهين من الكتاب والسنَّة، والشيعة الإمامية رغم اقتناعهم بصحة اعتقادهم بأنّ الإمامة من أصول الدين، فإنّهم لايرون أنّ مخالفيهم كفار، بل يحكمون ويُفتون بصحة أعمالهم وفقاً للمذاهب التي يقلّدونها، ولا وجه ولادليل لتكفير من يعمل وفق ما يقتضيه مذهبه، لأنه يتديّن بما يراه حجة في مذهبه. أجل إلا إذا كان ذلك مما يلزم به أهل المذهبين معاً.

ص: 18

ويستمر الهدم والتخريب

إنّ أهم ما يميّز هذا الكتاب هو منهجه في معالجة القضايا المختلفة، فليس هناك سب أو تحقير أو تكفير أو شتم للمخالف، كما هي عادة الوهابية، و إنما هناك عرض للأدلّة بلغة عالم مجتهد يُتقن أصول الحوار و المناظرة، همُّه عرض الدليل والردّ على الخصم بلغة علمية بُرهانية، ثم يترك للقارئ حرية الاختيار و التأمل في قوة الأدلّه أو ضعفها.

وقد تبين لنا من خلال هذه القراءة السريعة للكتاب أنّ أهل السنة من الأشاعرة والشيعة الإمامية متقاربون كثيراً في القضايا المختلف فيها مع أتباع ابن تيمية وتلميذه ابن عبدالوهاب. لذلك على المسلمين أن ينتبهوا لهذه الملاحظة، فما يروِّج له الوهابية أو ما يُطلق عليهم اليوم السلفية من عقائد وآراء، إنما هو اجتهاد لفقيه حنبلي له آراء كثيرة شذَّ فيها عن مذهبه وعن مذاهب المسلمين الأخرى سنة و شيعة، و أنّ هناك اجتهادات أخرى لعلماء آخرين هي من القوة والقرب من الحقيقة الإسلامية لدرجة أنّ أيّ مسلم أو باحث بمجرد ما يطلع عليها ينظر إلى الآراء الوهابية أو السلفية نظرة احتقار، ويتّهم أصحابها بالسذاجة والبُعد عن العقلانية وعظمة الإسلام وبُعد نظره وعمق قيمه ومبادئه.

لقد كُتب الكثير في الرد على الوهابية، ولو جُمع ما كتبه علماء أهل السنة و علماء الشيعة الإمامية، لوجدنا تراثاً ضخماً لو اطلع عليه المسلمون لما وُجد من يقلدّ أو يتبع الآراء والعقائد الوهابية، لكن مع الأسف إنّ الكتابات السلفية تُغرق الأسواق وتوزع مجاناً وخصوصاً في موسم الحج، وعلماء باقي المذاهب ركنوا إلى الصمت خوفاً أو طمعاً، والحرب السلفية على الرأي الآخر مستمرة، فأيّ مخالف من أهل السنة يكفّرونه ويحاربونه في وسائل الإعلام حتى تضيق به الأرض بما رحبت. أما الشيعة فهم كفار سلفاً بحسب زعم الوهابية، والخاسر الأكبر في هذه المعركة المذهبية هي الحقيقة الإسلامية والآثار الإسلامية في الجزيرة العربية والحرمين، فرغم النداءات الكثيرة والردود المتنوعة لم يُعر الوهابيون آذانهم لأيّ أحد، واستمروا في الهدم والتخريب بحيث لن يتركوا أثراً يدلّ على الأجداد وسلف هذه الأمة مع أنهم دعاة السلف.

إنّ الحجاز، وخصوصاً المدينتين المقدستين من أكثر البقاع زخراً بالآثار الإسلامية، مقابر ومساجد ومواقع مرتبطة بأحداث مهمة في تاريخ الإسلام والمسلمين، ولكن الوهابية يعادون كلّ ما يمت بصلة إلى هذه الآثار، بحجه الخوف من الشرك و الكفر.

لا أعرف كيف تُهدَّم المساجد التاريخية خوفاً من الشرك، وفي الوقت الذي يُنقِّب العالم

ص: 19

فيه باطن الأرض بحثاً عن حجر أو قطعة قُماش أو حديد أو أيّ شي ء يكشف عن حياة القدماء و تاريخهم، و تُصرف على ذلك الملايين!؟ لم يهدم الوهابيون آثار العرب و المسلمين التي حافظت عليها الأجيال السابقة؟ إنه تساؤل لا يمكن أن أجيب عنه أو أجد له تفسيراً منطقياً، فهل هدم هذه الآثار هو للدفاع عن عقيدة التوحيد خوفاً من عدو لا يعرفه أحد يسميه الوهابية" شرك"؟! أو إنّ هدم هذه الآثار والمعالم الإسلامية يُخفي وراءه مؤامرة يُمثّل فيها هؤلاء الأعراب النجديون دور المعول والفأس الصماء التي لا إرادة لها و إنما هي مفعول به؟!

لا أستطيع الجزم لأنّ الحيرة تتملكني كما تتملك غيري، وهو ينظر إلى الآثار الإسلامية تخرّب بأيدي المسلمين في الوقت الذي يصرف فيه الصهاينة ملايين الدولارات للبحث في باطن الأرض الفلسطينية عن قطعة حجر تدلّ على أنّ أجدادهم المزعومين قد مروا من هنا، ولو وجدوها لطلعوا على العالم وعرضوها بوصفها أدلّة تسوِّغ استعمارهم لفلسطين وتجعل وجودهم شرعياً.

إنّ نكبة الآثار في جزيرة العرب وهدم البقيع ومقابر المسلمين في مكة وغيرها من مدن الحجاز لا تماثلها فظاعة سوى نكبة بغداد على يد المغول، والتراث العلمي الذي ضاع في دجلة والفرات؟!!

إنّ الهدم والتدمير لا يزال مستمراً، فقد أفنى الوهابيون آثار النبي 9 والصحابة والأئمة في المدينة المنورة ومكة، حتى كاد- كما يقول يوسف بن السيد هاشم الرفاعي وهو من أهل السنة في الكويت- لا يبقى منها إلا المسجد النبوي الشريف وحده، في حين أنّ الأمم تعتزّ و تحتفظ بآثارها ذكرى وعبرة ودليلًا على ماضيها التليد. بل إنّ الوهابيين ينتهزون كلّ عام فرصة صيانة وصباغة وترميم المسجد النبوي لإزالة الكثير من المعالم الإسلامية الموجودة في خلوة المسجد الشريف من الآثار والمدائح، مثل محاولتهم طمس أبيات البُرْدَة النبوية المكتوبة على الشباك لولا تدخّل السلطة التي منعتهم من ذلك.

والآن، إنهم يتربَّصون بالقبة الخضراء، قبة القبر النبوي الشريف، فقد طالب ناصر الألباني بإخراج قبر المصطفى 9 من المسجد النبوي وزعم أنّ إبقاء القبر النبوي في المسجد من بدع المدينة المنورة، كما اعتبر مُقبل بن هادي الوادعي كذلك- وهو من عتاة السلفية وأشدهم سبّاً وشتماً لمن خالفهم- وجود القبر والقبة الشريفة بدعة كبيرة وطالب بإزالتها وهدمها و إخراج القبر الشريف من المسجد، فليحذر المسلمون، إنّ الوهابية يتربّصون بالقبر النبوي

ص: 20

الشريف ليهدموه ويهدموا القبة الخضراء المبنية فوقه، ولو لا خوف ساستهم من العواقب لأصبحت الآن أثراً بعد عين، لكنهم ينتظرون الفرصة فقط؟!

لذلك نجدِّد نداءنا للمسلمين في كافة بقاع العالم، ونطالب بإرسال رسائل تحذيرية للسلطات السياسية هناك من عواقب الانجرار وراء الفتاوى الوهابية و السلفية المتطرّفة الداعية إلى هدم ما تبقّى من الآثار الإسلامية، وخصوصاً قبة قبر الرسول 9، و نذكِّر من يقرأ الفكر الوهابي المعادي لبناء القبور و القباب والأضرحة، بأنّ الصحابة و التابعين هم من دفن الرسول 9 حيث هو الآن، وقد وسَّعوا مسجده، ولم نسمع عن أحد منهم أنّه طالب بإخراج قبره 9 من المسجد أو طالب بهدم قبره أو هدم القبة المبنية عليه، وهم من بنى القبور والقباب وحافظ عليها، وهؤلاء هم سلف هذه الأمة، فأين الاتباع للسلف يا أدعياء السلفية؟!

إنه ابتداع محض، واعتداء صارخ على الإسلام ومعالم حضارته ومقوّماتها، فهل من مذَّكِّر!؟

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.