الخمس مشروعيه و احكام في الشريعه الاسلاميه

اشارة

سرشناسه : نجف، محمد مهدي، 1325 -

عنوان قراردادي : الخمس مشروعيه و احكام في الشريعه الاسلاميه.عربي

عنوان و نام پديدآور : خمس فريضه اي الهي/تاليف محمدمهدي نجف.

مشخصات نشر : تهران: مشعر، 1386.

مشخصات ظاهري : 41 ص.؛.م س 19 × 9/5

شابك : 5000 ريال:978-964-540-078-9

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

موضوع : خمس.

شناسه افزوده : جلالي، عباس، 1334 - ، مترجم.

رده بندي كنگره : BP188/6/ن3خ8041 1386

رده بندي ديويي : 297/356

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على آلائه، والشكر على نعمائه، والصلاة والسلام على أفضل أنبيائه محمد المصطفى أمينه على وحيه، ونجيبه من خلقه، وصفيه من عباده، إمام الرحمة، وقائد الخير، ومفتاح البركة. وصلّ على أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين، ولاة أمره، وأمنائه في عباده وبلاده، وخزنة علمه.

وبعد، فانّ الخمس فريضة ماليّة عباديّة فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده، جعلها خالصة لنبيّه(ص) وذريته بدلًا عن الزكاة، إكراماً وتطهيراً لهم من أكل الصدقات.

كما هي من أهم الموارد المالية التي يمكن أن يستعين بها ولي الأمر في كفالة الفقراء والمساكين وأبناء السبيل من آل رسول الله(ص) دون غيرهم، حيث أمر الله تعالى عباده أن يُعطوها لهم، وقد ظنّ البعض ومن دون تحقيق أنّ هذه الفريضة من مفتعلات الشيعة الإمامية، جهلًا منهم بأنّ المسلمين قد أجمعوا على مشروعية الخمس، وإن اختلفوا في فروع ما يجب فيه، وكيفية تقسيمه.

قال الشوكاني: روى البخاري في آخر كتاب الخمس من حديث أسماء أنّ النبي(ص) أقطع الزبير أرضاً من أموال بني النضير (1).

وقال في موضع آخر: وكان أبو بكر يقسّم الخمس نحو قسم رسول الله(ص) غير انّه لم يكن يعطي قُربى رسول الله(ص)، وكان عمر يعطيهم منه (2).

وقال السيوطي: أخرج ابن المنذر، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) أنّه قال: إنّ الله حرّم الصدقة على رسوله(ص)، فعوّضه سهماً من الخمس عوضاً ممّا حرّم عليه،


1- نيل الأوطار 57: 6.
2- نيل الأوطار 229: 8.

ص: 6

وحرّمها على أهل بيته خاصة دون أُمّته، فضرب لهم مع رسول الله(ص) سهماً عوضاً ممّا حرّم عليهم (1).

وأخرج الطبري بسنده عن مجاهد أنّه قال: كان آل محمد(ص) لا تحلّ لهم الصدقة، فجعل لهم الخمس (2).

وروى الشيخ الصدوق بسنده عن عيسى بن عبد الله العلوي، عن أبيه، عن جده جعفر، عن أبيه محمد بن علي: قال: إن الله الذي لا إله إلّا هو لمّا حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، والخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال (3).

ولذا حرص أكثر الشيعة الإمامية الالتزام بهذه الفريضة إيماناً بالله سبحانه وتعالى وتلبية لما أمرهم بقوله: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وما أنزلنا ... (4).

وظاهر هذه الآية الكريمة أنّها نزلت في غنائم الحرب خاصة دون سواها، لكن الأحاديث والآثار النبوية الشريفة دلّت على أنّ المراد من الغنائم جميع الأصناف التي تنظم تحت هذه الكلمة. وقد أفرد جُلّ الفقهاء والمُحدّثين على اختلاف مذاهبهم باباً خاصاً تضمن أحكام الخمس في مؤلفاتهم الفقهية والحديثية وإن لم يلتزم البعض من المسلمين في الوقت الحاضر بهذه الفريضة.

وقد حاول ويحاول أعداء الإسلام في محاولة فاشلة إبطال مشروعية فريضة الخمس من خلال طرح الشبهات الواهية، والاعتماد على بعض الأخبار والأحاديث الضعيفة، وتحريض عوام الشيعة الإماميّة في الكفّ عن دفع الخمس إلى من يثقون به ويأتمنوه على دينهم من الفقهاء والمجتهدين، ظنّاً منهم بأنّ هذه المحاولات اليائسة والفاشلة سوف تُبعد الامّة عن فقهائها الأعاظم رحم الله


1- الدر المنثور 186: 3.
2- تفسير الطبري(جامع البيان) 8: 10 برقم 12500.
3- الخصال 139: 1.
4- سورة الانفال: 41.

ص: 7

من مضى منهم وحفظ من بقى، قال تعالى: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (1).

وسيتضح للقارئ الكريم من خلال هذا البحث المتواضع مشروعية الخمس عند فقهاء المسلمين، ووجوبه في الشريعة الإسلامية، والله الموفق والمعين.

الخمس في الكتاب

قال الله عزّوجل: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وما أنزلنا ... (2).

وقال عزّ من قائل: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (3).

وقال تعالى: وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ إلى قوله: مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ (4).

وقوله تعالى: وآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ والمسكين وابن السبيل ... (5).

وربما ينقدح في ذهن بعض من انخرط في سلك أهل العلم أنّ الآية الأُولى تدلّ على وجوب الخمس فقط دون ما تلاها، لظهور كلمة الخمس فيها، جهلًا منه بأنّ مفاد الآيات المذكورة الأُخرى


1- سورة الصف: 8.
2- سورة الانفال: 41.
3- المصدر السابق: 1.
4- سورة الحشر: 6- 7.
5- سورة الإسراء: 26.

ص: 8

تدلّ على الخمس أيضاً، لأنّ إعطاء حقّ ذوي القربى يتوقف على أن يكون من الصدقات أو الخمس، ولأنّ الله سبحانه وتعالى حرّم على رسوله وذوي قُرباه الصدقات، ومنَحَهُم الخمس إكراماً لهم وإعزازاً لشأنهم، دلّ ذلك على أن المراد هو الخمس.

الخمس في السنّة

قال البخاري: وقال مالك وابن ادريس: الركاز دفن الجاهلية، في قليله وكثيره الخمس، وليس المعدن بركاز، وقدقال النبي(ص) في المعدن:(جُبارٌ، وفي الركاز الخمس) (1).

وروى البخاري بسنده عن أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس يقول قدم وفد عبد القيس على النبي(ص)، فقالوا: يا رسول الله إنّا هذا الحي من ربيعة، وقد حالت بيننا وبينك كفّار مضر، فلسنا نخلص إليك إلّا في شهر حرام، فمرنا بأشياء نأخذ بها، وندعو إليها من وراءنا. قال: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلّا الله، وعقد واحدة وأقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وان تؤدوا لله خمس ما غنمتم. وأنهاكم عن: الدباء، والنقير، والحنتم، والمزفّت (2).

وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله(ص) فقال: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا الندامى، فقالوا: يا رسول الله إنّ بيننا وبينك المشركين من مضر، وإنّا لا نصل إليك إلّا في أشهر الحرم، حدثنا بجمل من الأمر إن عملنا به دخلنا الجنة، وندعو به من وراءنا. قال: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله، هل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلّاالله وأقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا من المغانم الخُمس. وأنهاكم عن أربع: ما انتبذ في الدباء، والنقير، والحنتم، والمزفت (3).

وروى البيهقي بسنده عن صهيب بن سنان قال: لما فتح رسول الله(ص) بنى النضير أنزل الله


1- الموطأ 249: 1، وصحيح البخاري 545: 2(65 باب في الركاز الخمس).
2- صحيح البخاري 116: 5.
3- المصدر السابق.

ص: 9

عزّوجل عليه: وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ (1) وكانت للنبي(ص) خاصة ... الحديث (2).

*** ولا اريد أن اثقل على القارئ الكريم بذكر الأحاديث والآثار النبوية الصحيحة، وأقوال الأئمة عليهم السلام، وفتاوى المجتهدين الذين يُعتدّ بهم ويُعوّل على كلامهم والتي تدلّ على مشروعية الخمس عند فقهاء المسلمين، لكن وقبل أن ندخل في الحديث عن الخمس، يحسن بنا أن نطّلع على معاني بعض مفردات ما تقدّم من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وهي:

الغنيمة، الأنفال، الفي ء، الركاز، وما المقصود من ذي القربى عند أهل اللغة والفقهاء، وما يستفاد من إطلاقها أو تقييدها.

معنى الغنيمة

اختلف علماء اللغة والفقهاء في معنى الغنيمة على أقوال:

قال اللغويون: الغُنم: الفوز بالشي ء من دون مشقة. وغَنَمَ الشي ء، فاز به. والاغتنام: انتهاز الفرصة. وغَنَمَ الشي ء غُنماً: فاز به بلا مشقة. وناله بلا بدل.

وعند الراغب الاصبهاني: أنّ الغُنم إصابة الشي ء والظفر به، ثم استعمل في كلّ مظفور به (3).

وقال ابن قتيبة: والغُنم في اللغة: الربح والفضل، ومنه قيل في الرهن: له غُنمه وعليه غُرمه، أي: فضله للراهن، ونقصانه عليه (4).


1- سورة الحشر: 6.
2- السنن الكبرى، البيهقي، ج 6، ص 296.
3- انظر: لسان العرب، وأقرب الموارد، ومفردات الراغب، والقاموس، ونهاية ابن الأثير، ومعجم مقاييس اللغة مادة(غ ن م)، وغيرها من كتب اللغة.
4- غريب الحديث 46: 1.

ص: 10

ويرى فقهاء الإماميّة تبعاً لأئمتهم عليهم السلام: أنّ الغنيمة- كما فسّرها اللغويون- هي مطلق المال المأخوذ بلا بدل.

وذهب البعض من فقهاء المسلمين إلى أنّ الغنيمة: هي المال المأخوذ من الكفّار في ميدان الحرب والقتال دون غيرها.

وإذا راجعنا استعمالات كلمة «غُنم» في الأحاديث النبوية، والخطب، سنجد أنّها تُستعمل في مطلق الحصول على الشي ء، وحسبك شاهداً على ذلك:

قال الله تعالى في محكم كتابه: عِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ (1).

وجاء عن النبي(ص) في الدعاء عند إعطاء الزكاة: اللهم اجعلها مغنماً، ولا تجعلها مغرماً (2).

وعنه(ص): غنيمة مجالس الذكر الجنة» (3).

وعنه(ص) في وصف الصوم: «هو غُنم المؤمن» (4).

وقال الإمام أمير المؤمنين علي(ع) في خطبة له: ألا وإنّ شرائع الدين واحدة، وسبله قاصدة، من أخذ بها لحق وغَنُم (5).

وقوله(ع): يرى الغُنمَ مغرماً، والغُرمَ مغنماً (6).

وقوله(ع): إغتَنَمَ من استقرضك في حال غناك (7).

وقوله(ع): إنّ الله سبحانه جعل الطاعة غنيمة الأكياس عند تفريط العجزة (8).


1- النساء: 94.
2- سنن ابن ماجة(كتاب الزكاة) الحديث رقم 1797.
3- مسند أحمد ج 2 ص 177.
4- راجع: مقدمة مرآة العقول ج 1 ص 84 و 85.
5- نهج البلاغة: 233، الخطبة رقم 120.
6- المصدر السابق الحكمة رقم 150.
7- المصدر السابق الكتاب رقم 31.
8- المصدر السابق، الحكمة رقم 331.

ص: 11

وفي الحديث: الرهن لمن رهنه، له غنمه وعليه غرمه (1).

وفي حديث آخر: الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة (2). إلى كثير ممّا لا يمكن حصره واستقصاؤه.

وعليه فالغُنم في اللغة: هو مطلق الحصول على الشي ء. وأمّا قيد «بلا مشقة» الذي أضافه البعض فهو يخالف موارد الاستعمال السابقة وغيرها.

أمّا قول الله عزّوجل: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وما أنزلنا ... (3) قد أطلقت على كلّ ما يُغنم، ومن جملته ما يحصل في الحرب بعد مشقة.

وأمّا ما ذكره البعض من أن هذه الكلمة كانت في الأصل لمطلق الغنيمة، ثم اختصت بغنائم الحرب فلا يصحّ أيضاً، لأنّنا نجد أنّ استعمالات هذه الكلمة في الحديث الشريف لا تختص في ذلك، بل هي في غيره أكثر، وعليه أدل. ومع فرض الشك فلابُدّ من الحمل على المعنى اللغوي.

إذن فالآية الشريفة تدلّ على وجوب الخمس في مطلق ما يحصل عليه الإنسان، ويظفر به ولو لم يكن من ميدان الحرب مع الكفّار.

وقد اعترف القرطبي: بأن اللغة لا تقتضي تخصيص الآية بغنائم الحرب، ولكنه قال: إنّ العلماء قد اتفقوا على هذا التخصيص (4) ومعنى كلامه: أنّهم قد اتفقوا على خلاف ظاهر الآية، وخلاف المتبادر منها.


1- نهاية ابن الأثير مادة" غنم".
2- المصدر السابق.
3- سورة الأنفال: 41.
4- تفسير القرطبي ج 8 ص 1.

ص: 12

الفرق بين الغنيمة والفي ء

قال أبو هلال العسكري في الفرق بين الغنيمة والفي ء: الغنيمة ما اخذ من أموال أهل الحرب والكفّار بقتال، وهي للمسلمين هبة من الله عزّوجل لهم.

والفي ء: ما اخذ بغير قتال، وهو خاص للنبي صلّى الله عليه ومن بعده للإمام (1).

وقال الثعلبي: الفي ء وهو ما رجع إلى النبي(ص) من أموال الكافرين عفواً صفواً من غير قتال ولا إيجاف خيل وركاب، مثل مال الصلح والجزية والخراج والعشور التي تؤخذ من تجار الكفار إذا دخلوا دار الإسلام، ومثل أن يهرب المشركون ويتركوا أموالهم، أو يموت منهم في دار الإسلام أحد ولا يكون له وارث (2).

ثمّ قال: اختلف العلماء في معنى الغنيمة والفي ء، ففرق قوم بينهما:

قال الحسن بن صالح: سألت عطاء بن السائب عن الفي ء والغنيمة فقال: إذا ظهر المسلمون على المشركين على أرضهم فأخذوه عنوة فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو غنيمة. وأما الأرض فهو في سواد هذا الفي ء.

وقال سفيان الثوري: الغنيمة ما أصاب المسلمون عنوة بقتال، والفي ء ما كان من صلح بغير قتال.

وقال قتادة: هما بمعنى واحد، ومصرفهما واحد، وهو قوله تعالى: فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ الآية (3).

وقال العظيم آبادي الحنفي: إختلف العلماء هل الغنيمة والفي ء إسمان لمُسمّى واحد أم يختلفان في التسمية؟.

فقال عطاء بن السائب: الغنيمة ما ظهر المسلمون عليه من أموال المشركين فأخذوه عنوة،


1- الفروق اللغوية: 29 برقم 1568.
2- تفسير الثعلبي 274: 9.
3- تفسير الثعلبي 357: 4.

ص: 13

وأما الأرض فهي في ء.

وقال سفيان الثوري: الغنيمة ما أصاب المسلمون من مال الكفار عنوة بقتال وفيه الخمس، وأربعة أخماسه لمن شهد الوقعة. والفي ء ما صولحوا عليه بغير قتال، وليس فيه خمس، فهو لمن سمى الله.

وقيل: الغنيمة ما أُخذ من أموال الكفّار عنوة عن قهر وغلبة. والفي ء ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب كالعشور، والجزية، وأموال الصلح والمهادنة.

وقيل إن الفي ء والغنيمة معناهما واحد وهما اسمان لشي ء واحد.

والصحيح أنهما يختلفان، فالفي ء هو ما أخذ من أموال الكفار بغير إيجاف خيل ولا ركاب، والغنيمة ما أخذ من أموالهم على سبيل القهر والغلبة بإيجاف خيل عليه وركاب (1).

وقال الخليل: الفي ء: الغنيمة، والفعل منه أفاء، قال عزّوجل: مَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ... (2).

معنى النفل

أما معنى النفل، فقال ابن قتيبة: النفل هو ما نفله الإمام قاتِل المُشرِك من سلبه وفرسه، وخصّ به السرايا بعد أن تُخمّس الغنيمة ممّا جاءت، وأشباه ذلك ممّا يرى الإمام أن يخصّ به من جملة الغنيمة ومن الخمس إذا صار في يده (3).

وقال الجوهري: النَفلُ بالتحريك الغنيمة، والجمع الأنفال (4).


1- عون المعبود 157: 8.
2- العين 407: 8.
3- غريب الحديث 46: 1.
4- الصحاح 1833: 5.

ص: 14

معنى الركاز

وأمّا الركاز: فقد روي عن رسول الله(ص) أنّه قال: في الركاز الخمس. قيل: وما الركاز يا رسول الله؟ قال: الذهب والفضة الذي خلقه الله في الأرض يوم خُلِقت (1).

قال مالك: الأمر الذي لا خلاف فيه عندنا، والذي سمعت أهل العلم يقولون: إنّ الركاز إنّما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية ما لم يطلب بمال ولم يتكلّف فيه نفقة، ولا كبير عمل، ولا مؤونة (2).

وقال البخاري: وقال مالك وابن ادريس: الركاز دفن الجاهلية، في قليله وكثيره الخمس.

وقال ابن قدامة: الركاز الذي فيه الخمس كلّ ما كان مالًا على اختلاف أنواعه من الذهب، والفضة، والحديد، والرصاص، والصفر، والآنية وغير ذلك. وهو قول إسحاق، وأبي عبيد، وابن المنذر، وأصحاب الرأي، والشافعي في قول، واحد الروايتين عن مالك (3).

من هم ذوي القربى

أمّا ذوي القربى الذي أشارت لهم الآيات الكريمة: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ (4).

وقوله تعالى: مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ.

وقوله: لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودة في القربى فقد وقع الخلاف فيهم على أقوال:

قال فقهاء الإماميّة: هم أقرباء رسول الله(ص).

وقال يحيى بن الحسين من فقهاء الزيدية: هم أربعة بطون: وهم آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل العباس، ويقسم بينهم ذلك قسماً سواءاً الذكر فيه والأنثى (5).


1- السنن الكبرى 152: 4.
2- الموطأ 250: 1.
3- الشرح الكبير 585: 2.
4- سورة الأنفال: 41.
5- الأحكام 487: 2.

ص: 15

وقال الشافعي: وقال الله: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ (1) فلما أعطى رسول الله بني هاشم وبني المطلب سهم ذي القربى دلّت سُنّة رسول الله أنّ ذا القربى الذين جعل الله لهم سهماً من الخمس بنو هاشم، وبنو المطلب دون غيرهم (2).

وقال الشوكاني: وفي هذا الحديث دليل للشافعي ومن وافقه أنّ سهم ذوي القربى لبني هاشم والمطلب خاصة دون بقية قرابة النبي(ص) من قريش، وعن عمر بن عبد العزيز: هم بني هاشم خاصة، وبه قال زيد بن أرقم وطائفة من الكوفيين، واليه ذهب جميع أهل البيت (3).

وقال السيوطي: وأخرج ابن مردويه، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: آل محمد(ص) الذين أُعطوا الخمس آل علي، وآل عباس، وآل جعفر، وآل عقيل (4).

وقال الثعلبي: وأما قوله: وَلِذِي الْقُرْبَى فهم قربى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لا يحلّ لهم الصدقة، فجعل لهم خُمس الخُمس مكان الصدقة.

ثمّ قال: واختلفوا فيهم، فقال مجاهد وعلي بن الحسين وعبد الله بن الحسن: هم بنو هاشم.

وقال الشافعي: هم بنو هاشم وبنو عبد المطلب خاصة. واحتج في ذلك بما روى الزهري عن سعيد بن جبير بن مطعم قال: لمّا قسّم رسول الله(ص) سهم لذوي القربى من خيبر على بني هاشم والمطلب، مشيت أنا وعثمان ابن عفان فقلنا: يا رسول الله هؤلاء إخوانك بنو هاشم لا تنكر فضلهم مكانك الذي حملك الله منهم، أرأيت إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وإنّما نحن وهم بمنزلة واحدة، فقال(ص): إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام. إنما بنو هاشم وبنو المطلب


1- سورة الأنفال: 41.
2- الرسالة: 68 67، معرفة السنن والآثار 150: 5.
3- نيل الأوطار 229: 8.
4- الدر المنثور 186: 3.

ص: 16

شي ء واحد، ثم أمسك رسول الله(ص) إحدى يديه بالأخرى (1).

*** بعد أن اطّلعنا على بعض ما ورد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وما ذكره علماء اللغة في ما تقدّم من معاني المفردات، ظهر لنا إجماع فقهاء المسلمين على وجوب الخمس، وإن اختلفوا في ما يجب فيه الخمس.

وجوب الخمس وما يجب فيه

والذي عليه فقهاء الإمامية إنّ الخمس يجب في كلّ فائدة يحصلها الانسان، حيث إنّهم لم يخصصوا الغنيمة بما يحصل عليه المحارب المسلم من اموال الكفّار والمشركين بايجاف الخيل والركاب، فذهبوا بوجوب الخمس في الامور التالية:

الأول: الغنائم

وهي الغنائم المأخوذة من الكفّار من أهل الحرب قهراً بالمقاتلة معهم، بشرط أن يكون القتال بإذن الإمام(ع)، من غير فرق بين ما حواه العسكر وما لم يحوه، والمنقول وغيره، كالأراضي والأشجار ونحوها، بعد إخراج المؤن التي أنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها بحفظ، وحمل، ورعي، ونحوها منها، وبعد إخراج ما جعله الإمام(ع) من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح، وبعد استثناء صفايا الغنيمة كالجارية الوَرِقَة، والمركب الفاره، والسيف القاطع، والدرع فإنها للإمام(ع). وكذا قطائع الملوك فإنها أيضاً له(ع).

أمّا إذا كان الغزو بغير إذن الإمام(ع)، فإن كان في زمان حضور الإمام، وإمكان الاستئذان منه، فالغنيمة للإمام(ع)، وإن كان في زمن الغيبة، فالأحوط إخراج خمسها من حيث الغنيمة. خصوصاً


1- تفسير الثعلبي 358: 4.

ص: 17

إذا كان للدعاء إلى الإسلام، فما يأخذه السلاطين في هذه الأزمنة من الكفار بالمقاتلة معهم من المنقول وغيره يجب فيه الخمس على الأحوط، وإن كان قصدهم زيادة الملك لا الدعاء إلى الإسلام.

ومن الغنائم التي يجب فيها الخمس: الفداء الذي يؤخذ من أهل الحرب بل الجزية المبذولة لتلك السرية بخلاف سائر أفراد الجزية منها أيضاً: ما صولحوا عليه، وكذا ما يؤخذ منهم عند الدفاع معهم إذا هجموا على المسلمين في أمكنتهم، ولو في زمن الغيبة، فيجب إخراج الخمس من جميع ذلك، قليلًا كان أو كثيراً. من غير ملاحظة خروج مؤنة السنة.

وقال الجصاص الحنفي: واختلفوا في الرجل يدخل دار الحرب وحده مغيراً بغير إذن الإمام، فقال أصحابنا: ما غنمه فهو له خاصة ولا خمس فيه حتى تكون لهم منعة، ولم يحدّ محمد في المنعة شيئاً.

وقال أبو يوسف: إذا كانوا تسعة ففيه الخمس.

وقال الثوري والشافعي: يخمّس ما أخذه والباقي له.

وقال الأوزاعي: إن شاء الإمام عاقبه وحرمه وإن شاء خمّس ما أصاب والباقي له (1).

الثاني: المعادن

والمعادن كلّها مثل: الذهب، والفضة، والرصاص والصفر، والحديد، والياقوت، والزبرجد، والفيروزج، والعقيق، والزيبق، والكبريت، والنفط، والقير، والسبخ، والزاج، والزرنيخ، والكحل، والملح. بل والجص، والنورة وطين الغسل، وحجر الرحى.

أحكام خمس المعادن

اختلف الفقهاء في المعادن على مذاهب:


1- أحكام القرآن 73: 3.

ص: 18

المذهب الأول: فقد اوجب فيها الخمس.

المذهب الثاني: فقد أوجب فيها الزكاة.

المذهب الثالث: فقد فصّل فيها.

فقال الشيخ الطوسي: المعادن كلّها يجب فيها الخمس من الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص، ونحوها ممّا ينطبع وممّا لا ينطبع كالياقوت والزبرجد، والفيروزج ونحوها، وكذلك القير، والموميا، والملح، والزجاج وغيره (1).

وممّا يُستدل به ما رواه الشيخ الكليني بسنده عن محمد بن مسلم، عن الامام أبي جعفر محمد بن علي الباقر(ع) أنّه سُئل عن معادن الذهب والفضة والحديد والرصاص والصفر؟ فقال: عليها الخمس (2).

وقال أبو حنيفة: كلما ينطبع مثل الحديد والرصاص والذهب والفضة ففيه الخمس، وما لا ينطبع فليس فيه شي ء مثل الياقوت والزمرد والفيروزج فلا زكاة فيه لأنه حجارة (3).

وقال أبو حنيفة ومحمد: في الزيبق الخمس (4).

وقال أبو يوسف لا شي ء فيه، ورواه عن أبي حنيفة (5).

وقال الشافعي: لا يجب في المعادن شي ء إلّا الذهب والفضة فان فيها الزكاة، وما عداها ليس فيه شي ء انطبع أو لم ينطبع (6).

وقال الشيخ الطوسي أيضا: كلّما يخرج من لؤلؤ أو مرجان، أو زبرجد، أو در، أو عنبر، أو ذهب، أو


1- الخلاف 116: 2.
2- الكافي 544: 1، وتهذيب الاحكام 121: 4.
3- المبسوط 212: 2، وشرح فتح القدير 537: 1 و 541، الخلاف 116: 2.
4- المبسوط 213: 2، وشرح فتح القدير 541: 1، الخلاف 116: 2.
5- المبسوط 213: 2، الخلاف 116: 2.
6- الأُم 42: 2، ومختصر المزني: 53، وكفاية الأخيار 117: 1، ومغني المحتاج 394: 1، والمبسوط للسرخسي 211: 2.

ص: 19

فضة فيه الخمس إلّا السمك وما يجري مجراه. وكذلك الحكم في الفيروزج والياقوت والعقيق وغيره من الأحجار والمعادن. وبه قال عبيد الله بن الحسن العنبري البصري وأبو يوسف (1).

وممّا استدلوا به ما رواه الشيخ الكليني بسنده عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن العنبر وغوص اللؤلؤ؟ فقال: عليه الخمس (2).

نصاب المعادن

قال فقهاء الإماميّة: ما يراعى فيه مقدار النصاب شيئان:

أحدهما: يراعى فيه بلوغ النصاب الذي تجب الزكاة فيه جميع الكنوز.

والثاني: يراعى في بلوغه مقدار دينار فصاعداً فهو الغوص.

وليس يراعى مقدار في شي ء يجب الخمس فيه إلّا في هذين الجنسين، وما خالفهما فلا يراعى فيه ذلك على وجه من الوجوه (3).

وقال الشيخ الطوسي: إن المعادن فيها الخمس، ولا يراعى فيها النصاب. وبه قال الزهري وأبو حنيفة كالركاز سواء، إلّا أنّ الكنوز لا يجب فيها الخمس إلّا إذا بلغت الحدّ الذي تجب فيه الزكاة (4).

وقال الشافعي في القديم والأُم والجديد والاملاء: إنّ الواجب رُبع العشر وبه قال أحمد واسحاق (5).

وأومأ الشافعي في الزكاة إلى اعتبار النصاب مائتي درهم (6). وذهب غيرهم إلى أنّ المعادن الركاز، وفيها الخمس (7).


1- الخلاف 92 91: 2، الخراج: 70، النتف في الفتاوى 178: 1، المبسوط للسرخسي 213 212: 2، تبين الحقائق 291: 1، المحلى 117: 6.
2- الكافي 548: 1.
3- المهذب لابن البراج 178: 1.
4- الخلاف 119: 2، والمبسوط للسرخسي 211: 2، والمغني لابن قدامة 618: 2، والمجموع 83: 6 و 90، وبداية المجتهد 250: 1.
5- الوجيز 96: 1، والمجموع 90: 6، وكفاية الأخيار 118: 1، والمبسوط للسرخسي 211: 2، ومغني المحتاج 394: 1، وبداية المجتهد 250: 1، الخلاف 119: 2.
6- الأُم 43: 2، ومختصر المزني: 53، والمجموع 2: 6، وكفاية الأخيار 113: 1، والمغني لابن قدامة 618: 2، الخلاف 119: 2.
7- الأُم 43: 2، ومختصر المزني: 53، الخلاف 120: 2.

ص: 20

وقال الشافعي: وإن كان ما وجد منه أقل مما تجب فيه الزكاة أو كان ما وجد منه من غير الذهب والورق فقد قيل فيه الخمس، ولو كان فيه فخرا أو قيمة درهم أو أقل منه ولا يتبين لي أن أوجبه على رجل ولا أجبره عليه ولو كنت الواجد له لخمسته من أي شئ كان وبالغا ثمنه ما بلغ.

وقال عمر بن عبد العزيز، ومالك، والاوزاعي: ما وجد بدرة مجتمعة أو كان في أثر سيل في بطحاء وغيرها ففيه الخمس، وأومأ إليه في الام (1).

وقال يحيى بن الحسين من فقهاء الزيدية: كلّما أُخذ من المعادن من الذهب والفضة مثقال أو ألف مثقال فهي غنيمة غنمها الله إياها وأوجدها، وفيه ما حكم الله به في الغنيمة وهو الخمس، وذلك قوله تبارك وتعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ (2).

وقال أيضاً فيما يجب في العنبر والدر واللؤلؤ والمسك وما غنم من ذلك في بر أو بحر: معنى ذلك كلّه ما غنم منه في برّ أو بحر قليلًا كان ذلك أو كثيراً كمعنى المعدن يجب فيه الخمس، يصرف حيث يصرف خمس المعدن.

فيجب على صاحبه عند وقت وجوده إيّاه إن كان يعلم إماماً ما يصلح له أن يدفعه إليه، لم يجز له إلّا دفعه إليه، وتصييره في يديه، وإن لم يعلم موضعه فرّقه هو فيمن جعله الله لهم، وكان أحق الناس بذلك آل رسول الله(ص) ليتاماهم ومساكينهم وابن سبيلهم، لأنّ غيرهم يأخذ من الصدقات وهم لا يأخذون، ويأكل منها وهم لا يأكلون.

فإذا أخرج الخمس من ذلك الذي أصابه في المعدن، لم يجب عليه من بعد ذلك فيه شي ء حتى يحول عليه الحول، فيجب عليه فيه ما يجب عليه في سائر أمواله ربع عشره إذا حال الحول عليه، وهو عشرون


1- الأُم 43: 2، والمدونة الكبرى 288 287: 1، الخلاف 120: 2.
2- سورة الانفال: 41.

ص: 21

مثقالًا، أو مائتا درهم فصاعداً (1).

متى يجب الخمس في المعادن

قال الشيخ الطوسي: وقت وجوب الخمس في المعادن حين الأخذ، ووقت الإخراج حين التصفية والفراغ منه، وتكون المؤنة وما يلزم عليه من أصله والخمس فيما يبقى. وبه قال أبو حنيفة والاوزاعي (2).

وللشافعي فيه قولان: أحدهما: يراعى فيه حلول الحول، وهو اختيار المزني لأنه لا تجب الزكاة إلّا في الذهب والفضة، وهما يراعى فيهما حلول الحول.

والآخر وعليه أصحابه: إنّه يجب حين التناول، وعليه إخراجه حين التصفية والفراغ، فان أخرجه قبل التصفية لم يُجزِه (3).

حقّ خمس المعادن

قال الشيخ الطوسي: حقّ الخمس يملك مستحقه مع الذي يخرج من المعدن شيئا، وبه قال أبو حنيفة (4).

وقال الشافعي: المخرج يملكه، ويجب عليه للمساكين حقّ (5).


1- الاحكام 190: 1.
2- الخلاف 118: 2، المجموع 81: 6، المغني لابن قدامة 619: 2، فتح العزيز 91: 6.
3- مختصر المزني: 53، والمجموع 81: 6، وفتح العزيز 91: 6، ومغني المحتاج 395 394: 1، والمغني لابن قدامة 619: 2، والمبسوط 211: 2.
4- الخلاف 121: 2، تبيين الحقائق 289: 1، وحاشية تبيين الحقائق 389: 1، والمجموع 102: 6، والمغني لابن قدامة 614: 2.
5- المغني لابن قدامة 614: 2، والمجموع 102: 6.

ص: 22

مصرف خمس المعادن والركاز

قال الشيخ الطوسي: مصرف الخمس من الركاز والمعادن مصرف الفي ء. وبه قال أبو حنيفة (1).

وقال الشافعي وأكثر أصحابه: مصرفها الزكاة، وبه قال مالك والليث بن سعد (2).

وقال المزني وابن الوكيل من أصحاب الشافعي: مصرف الواجب في المعدن مصرف الصدقات، وأمّا مصرف حق الركاز فمصرف الفي ء (3).

وقال ابن حزم الظاهري: يقسم خمس الركاز وخمس الغنيمة على خمسة أسهم فسهم يضعه الإمام حيث يرى من كل ما فيه صلاح وبر للمسلمين.

وسهم ثاني لبني هاشم: والمطلب بنى عبد مناف غنيهم وفقيرهم، وذكرهم وأنثاهم، وصغيرهم وكبيرهم، وصالحهم وطالحهم فيه سواء، ولاحظ فيه لمواليهم ولا لحلفائهم ولا لبنى بناتهم من غيرهم ولا لاحد من خلق الله تعالى سواهم ولا لكافر منهم.

وسهم ثالث لليتامى من المسلمين كذلك أيضا.

وسهم رابع للمساكين من المسلمين.

وسهم خامس لابن السبيل من المسلمين (4).

الثالث: الكنز

الكنز: هو المال المذخور في الأرض، أو الجبل، أو الجدار، أو الشجر، والمدار الصدق العرفي سواء كان من الذهب أو الفضة المسكوكين أو غير المسكوكين أو غيرهما من الجواهر. وسواء كان في بلاد الكفار الحربيين أو غيرهم أو في بلاد الاسلام، في الأرض الموات أو الأرض الخربة التي لم يكن لها مالك، أو في أرض مملوكة له بالاحياء أو بالابتياع، مع العلم بعدم كونه ملكا للبايعين، وسواء كان عليه أثر الاسلام أم لا.


1- الخلاف 124: 2، والمجموع 102: 6.
2- المجموع 102 101: 6، وفتح العزيز 103: 6.
3- المصدر السابق.
4- المحلّى 327: 7.

ص: 23

الرابع: الغوص

وهو إخراج الجواهر من البحر مثل: اللؤلؤ والمرجان وغيرهما، معدنيا كان أو نباتيا.

الخامس: المال المختلط بالحرام

المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتمييز، مع الجهل بصاحبه وبمقداره ففيه الخمس.

ومن ورث من المال ما يعلم أن صاحبه جمعه من وجوه محرّمة مثل: الربا، والمغصوب وغير ذلك ولم يتحقّق مقداره فليخرج منه الخمس ويتصرف في الباقي، فإن غلب في ظنّه أو علم أن الأكثر حرام احتاط في إخراجه قليلًا كان أو كثيراً، أو ردّه إلى من هو له إن تميّز له ذلك، فإن لم يتميّز ذلك له، تصدّق به عنهم (1).

السادس: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم

الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم سواء كانت أرض مزرعة، أو مسكن، أو دكان أو غيرها ففيها الخمس.

فإذا اشترى الذمي أرضا عشرية قال فقهاء الإمامية: وجب عليه فيها الخمس، وبه قال أبو يوسف، فإنّه قال: عليه فيها عشران (2).

وقال محمد: عليه عشر واحد (3).

وقال أبو حنيفة: تنقلب خراجية (4).

وقال الشافعي: لا عشر عليه ولا خراج (5).


1- المهذب لابن البراج 178: 1- 179.
2- الخلاف 73: 2، شرائع الإسلام 135: 1، والمبسوط للسرخسي 171: 14، والنتف 185: 1، والهداية 111: 1، وشرح فتح القدير 12: 2، والمجموع 560: 5، وتبيين الحقائق 294: 1.
3- النتف 185: 1، والهداية 111: 1، وشرح فتح القدير 12: 2، والمجموع 560: 5- 561، وتبين الحقائق 294: 1.
4- النتف 185: 1، والهداية 111: 1، وشرح فتح القدير 12: 2، والمجموع 560: 5، وتبيين الحقائق 294: 1، والمغني لابن قدامة 590: 2.
5- المجموع 560: 5.

ص: 24

واستدل الإماميّة بما رواه أبو عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر(ع) يقول: أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس (1).

السابع: ما يفضل عن المؤنة السنوية

ما فضل عن مؤنة سنته ومؤنة عياله، وكذا كل ما فضل من أرباح التجارات، ومن سائر التكسبات من الصناعات، والزراعات، والإجارات ففيه الخمس (2).

قال الشيخ الطوسي: يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات والغلات والثمار على اختلاف أجناسها بعد اخراج حقوقها ومؤنها، واخراج مؤنة الرجل لنفسه ومؤنة عياله سنة، ولم يوافق على ذلك أحد من الفقهاء (3).

خمس الأنفال

أمّا الأنفال، فعند فقهاء الإماميّة: هي كلّ أرض فتحت من غير أن يوجف عليها بخيل ولا ركاب، والأرضون الموات، وتركات من لا وارث له من الأهل والقرابات، والآجام، والبحار، والمفاوز، والمعادن، وقطايع الملوك فكانت في حياة الرسول(ص) له خالصة، كما قال الله عزّوجل: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (4) وما كان للرسول(ص) من ذلك فهو لخليفته القائم في الأمة مقامه من بعده (5).

وممّا استدلوا به على ذلك، ما روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: نحن قوم فرض الله تعالى طاعتنا في القرآن، لنا الأنفال، ولنا صفو الأموال (6).


1- من لا يحضره الفقيه 22: 2 حديث 81، والتهذيب 139: 4 حديث 393.
2- الانتصار: 225، المقنعة: 276، المهذب لابن البراج 177: 1- 178،.
3- الخلاف 118: 2.
4- سورة الانفال: 1.
5- المقنعة: 278، المهذب لابن البراج 186: 1.
6- المقنعة: 278.

ص: 25

أما فقهاء الزيديّة، فقال الإمام أحمد المرتضى: يجب إخراج الخمس على كلّ غانم، سواء كان الغانم ذكراً أم أنثى، مسلماً أم كافراً، مكلفاً أم غير مكلّف، لكنّ الوجوب في حقّ غير المكلّف على الولي في التحقيق. ولا يعتبر النصاب فيما وجب فيه الخمس، ولا الحول عندنا، وإنمّا يجب خمس الغنائم فقط، والغنائم ثلاثة أصناف:

الأول: صيد البر والبحر- كالظباء، والطير، والسمك، ونحو ذلك ممّا يصطاده الناس- وما استخرج منهما، أو أخذ من ظاهرهما.

ثمّ قال: وقد ذكرنا من ذلك تسعة أشياء، فقلنا: كمعدن فإنه يجب فيه الخمس ولو مغرة، وملح، ونفط، وقير، وزئبق وغير ذلك.

وكنزٍ إذا كان ذلك الكنز ليس هو لقطة فإنّه يجب فيه الخمس.

وقال: والكنز يتميّز من اللقطة والغنيمة بأن نقول: إذا وُجِد منبوذاً على وجه الأرض فإن وجد في دار الإسلام فلقطة ولو كان من ضربة الكفّار، وإن وجد في دار الحرب فغنيمة ولو كانت من ضربة الإسلام، وإن وجد دفيناً فإن كان لا ضربة له أو قد انطمست فحكمه حكم الدار، وإن كان فيه ضربة بيّنة فإن كانت ضربة الإسلام في دار الإسلام فلقطة، وإن كانت ضربة الكفر في دار الكفر فغنيمة، وإن كان ضربة الإسلام في دار الكفر فلقطة إن كان المسلمون قد ملكوا تلك الدار من قبل وإلّا فغنيمة، وإن كانت ضربة الكفر في دار الإسلام فغنيمة إن كان قد ملكها كفار من قبل، وإلّا فلقطة.

وأمّا الذي يُستخرَج من البحر فهو نحو درة، وعنبرة، فإنّ فيهما الخمس.

ويجب الخمس في عسل مباح نحو ما يؤخذ من شواهق الجبال وبطون الأودية والأشجار، فإنّه للواجد، وفيه الخمس عندنا.

الصنف الثاني من الغنائم التي يجب فيها الخمس هو: ما يغنم في الحرب من الكفار والبغاة ولو كان غير منقول كالأراضي والدور والخيول ونحو ذلك، فإنّه يجب فيه الخمس.

ص: 26

الصنف الثالث من الأموال التي تجب فيها الخمس هو: ثلاثة أشياء وهي: مال الخراج، ومال المعاملة، والثالث ما يؤخذ من أهل الذمة (1).

وقال الشافعي: الغنيمة والفي ء يجتمعان في أن فيهما معاً الخمس من جميعهما، لمن سماه الله تعالى له في الآيتين معاً سواء، ثم تفترق الأحكام في الأربعة الأخماس بما بيّن الله تبارك وتعالى على لسان رسوله(ص) وفي فعله، فإنّه قسّم أربعة أخماس الغنيمة على ما وصفت من قسم الغنيمة وهي الموجف عليها بالخيل والركاب، لمن حضر من غنى وفقير (2).

ثمّ قال: والفي ء هو ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت سنة رسول الله(ص) في قرى عربية أفاءها الله عليه أربعة أخماسها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاصة دون المسلمين يضعه حيث أراه الله تعالى (3).

وقال الشافعي أيضاً: أصل ما يقوم به الولاة من جعل المال ثلاثة وجوه:

أحدها: ما أخذ من مال مسلم تطهيراً له فذلك لأهل الصدقات، لا لأهل الفي ء.

والوجهان الآخران: ما أخذ من مال مشرك. كلاهما مبيّن في كتاب الله تعالى وسُنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وفعله.

فأحدهما: الغنيمة، قال تبارك وتعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ الآية.

والوجه الثاني: هو الفي ء، قال الله تعالى: مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الآية (4).


1- شرح الازهار 571 562: 1.
2- مختصر المزني: 147.
3- مختصر المزني: 148، معرفة السنن والآثار 112: 5.
4- مختصر المزني: 147.

ص: 27

الأصناف المستحقة للخمس

قال فقهاء الإماميّة: الذي يستحقّ الخمس ستة أصناف وهم: الله سبحان وتعالى، ورسوله(ص)، وذوو القربى وهو الإمام(ع)، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل ممن ينتهي إلى أمير المؤمنين(ع) علي بن أبي طالب(ع) بالولادة، وجعفر، وعقيل والعباس بن عبد المطلب: (1).

قال علي بن إبراهيم القمي في تفسير قوله تعالى:(واعلموا أنما غنمتم من شي ء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى وهو الإمام، واليتامى والمساكين وابن السبيل، فهم أيتام آل محمد خاصة ومساكينهم، وأبناء سبيلهم خاصة، فمن الغنيمة يخرج الخمس ويقسّم على ستة أسهم سهم لله، وسهم لرسول الله، وسهم للإمام، فسهم الله وسهم الرسول يرثه الإمام، فيكون للإمام ثلاثة أسهم من ستة، والثلاثة الأسهم لأيتام آل الرسول ومساكينهم وأبناء سبيلهم (2).

وقال في تفسير قوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ والمسكين وابن السبيل ... (3) يعني قرابة رسول الله(ص)، ونزلت في فاطمة عليها السلام فجعل لها فدك «والمسكين» من ولد فاطمة «وابن السبيل» من آل محمد وولد فاطمة (4).

وقال السيد المرتضى: فإن قيل: هذا المذهب يخالف ظاهر الكتاب، لأن الله تعالى قال: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى (5) وعموم الكلام يقتضي أن لا يكون ذو القربى واحدا وعموم قوله تعالى: وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ يقتضي تناوله لكل من كان بهذه الصفات ولا يختص ببني هاشم.


1- المصدر السابق.
2- تفسير القمي: 254، ورواه الشيخ الصدوق في أماليه: 317.
3- سورة الإسراء: 26.
4- تفسير القمي: 38.
5- سورة الانفال: 41.

ص: 28

قلنا: ليس يمتنع تخصيص ما ظاهره العموم بالأدلة على أنه لا خلاف بين الأمة في تخصيص هذه الظواهر، لأن ذا القربى عام وقد خصوه بقربى النبي(ص) دون غيره، ولفظ اليتامى والمساكين وابن السبيل عام في المشرك والذمي، والغني والفقير، وقد خصّه الجماعة ببعض من له هذه الصفة. على أن من ذهب من أصحابنا إلى أن ذا القربى هو الإمام القائم مقام الرسول(ع) خاصة، وسمي بذلك لقربه منه نسبا وتخصصا، الظاهر معه لأن قوله تعالى: ذِي الْقُرْبَى لفظ وحدة ولو أراد تعالى الجمع لقال: ولذوي القربى فمن حمل ذلك على الجماعة فهو مخالف للظاهر.

فإن قيل: فمن حمل ذا القربى في الآية على جميع ذوي القرابات من بني هاشم يلزمه أن يكون ما عطف على ذلك من اليتامى والمساكين وابن السبيل هم غير الأقارب لأن الشئ لا يعطف على نفسه.

قلنا: لايلزم ذلك لأن الشئ وإن لم يعطف على نفسه فقد يعطف صفة على أخرى والموصوف واحد، لأنهم يقولون جاءني زيد العاقل والظريف والشجاع، والموصوف واحد، والصفات كلها لموصوف واحد وكلام العرب مملوء في نظائر ذلك (1).

وقال الشافعي: وأما سهم ذوي القربى فإنه باقٍ ويصرف إلى أولاد بني هاشم من أولاد سيدتنا فاطمة رضي الله عنها وغيرها يستوى فيه فقيرهم وغنيهم (2).

وقال أبو بكر الكاشاني الحنفي: اختلف المشايخ فيه أنه كيف كان، والصحيح أنه كان لفقراء القرابة دون أغنيائهم، يعطون لفقرهم وحاجتهم لا لقرابتهم، وقد بقي كذلك بعد وفاته، فيجوز أن يعطى فقراء قرابته عليه الصلاة والسلام كفايتهم دون أغنيائهم، ويقدّمون على غيرهم من الفقراء، ويجاوز لهم من الخمس أيضا لما لاحظ لهم من الصدقات لكن يجوز أن يعطى غيرهم من


1- الانتصار: 27 26، وانظر الجامع للشواهد 182: 1، اللباب 160: 1، الهداية 1: 117، بدائع الصنائع 73: 2، المنهل العذب 223: 9، فتح العزيز 195: 6، مجمع الأنهر 229: 1.
2- بدائع الصنائع 125: 7.

ص: 29

فقراء المسلمين دونهم (1).

وقال يحيى بن الحسين من فقهاء الزيديه: وإنّما قلنا إن يتامى آل رسول الله(ص) ومساكينهم وأبناء سبيلهم أولى بما جعل الله لليتامى والمساكين وابن السبيل في الخمس من غيرهم لأنّ يتامى غيرهم ومساكينهم وابن سبيلهم يأخذون ما يجبى من الأعشار والصدقات وهم لا يأخذون وينالون من ذلك ما لا ينالون، فلذلك جعلناهم بسهام الخمس أولى من غيرهم ما كانوا إليه محتاجين وكان فيهم من ذكر الله من اليتامى والمساكين وابن السبيل، وفي ذلك ما بلغنا عن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام أنه كأن يقول في قول الله تبارك وتعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ (2) هم يتامانا ومساكيننا وابن سبيلنا.

قال الثعلبي: قال المنهال بن عمرو: سألت عبد الله بن محمد بن علي وعلي بن الحسين عن الخمس فقالا: هو لنا، فقلت لعلي رضي الله عنه: إن الله تعالى يقول:(وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فقال: يتامانا ومساكيننا (3).

كيفية قسمة الخمس

قال الله سبحانه وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ... (4). فعلى هذا يقسّم الخمس عند فقهاء الإماميّة إلى ستة أسهم، ثلاثة منها وهي: سهم الله تعالى، وسهم رسوله(ص)، وسهم ذي القربى للإمام القائم مقام الرسول(ص).


1- المصدر السابق.
2- سورة الانفال: 41.
3- تفسير الثعلبي 361: 4.
4- سورة الانفال: 41.

ص: 30

أمّا سهم الله تعالى فللرسول(ص)، وإنّما أضافها الله تعالى إلى نفسه تفخيماً لشأن الرسول وتعظيماً، كإضافة طاعة الرسول(ص) إليه تعالى في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ (1) وكما أضاف رضاه(ع) وأذاه إليه جلّت عظمته بقوله لبعضته فاطمة الزهراء عليها السلام:(فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله) (2).

والسهم الثاني المذكور المضاف إلى الرسول بصريح الكلام، وهذان السهمان معا للرسول(ص) في حياته، ولخليفته القائم مقامه من بعده.

أمّا السهم الثالث المضاف إلى ذي القربى، فإنّما عني به ولي الأمر من بعده، لأنّه القريب إليه بالتخصيص.

والأسهم الثلاثة الباقية يفرّقها الإمام(ع) على يتامى آل محمد(ص) ومساكينهم وأبناء سبيلهم، لكلّ صنف منهم سهم (3).

وليس لغيرهم في الخمس حقّ، لأن الله تعالى نزّه نبيّه(ص) عن الصدقة، إذ كانت أوساخ الناس، ونزّه ذريته وأهل بيته عليهم السلام عنها كما نزهه، فجعل لهم الخمس خاصة من سائر الغنائم، عوضاً عمّا نزههم عنه من الصدقات، وأغناهم به عن الحاجة إلى غيرهم في الزكاة (4).

وممّا استدلوا به من الأخبار المستفيضة منها:

ما رواه أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت أمير المؤمنين(ع) يقول: نحن والله الذين عنى الله تعالى بذي القربى الذين قرنهم بنفسه ونبيه(ص) فقال: مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، ولم يجعل لنا سهماً في الصدقة، أكرم الله تعالى نبيّه(ص)، وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس (5).


1- المصدر السابق: 20.
2- المقنعة: 276- 278.
3- الانتصار: 225.
4- المقنعة: 277.
5- الوسائل 356: 6 الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، ح 2 و 4.

ص: 31

وموثوقة ابن بُكير، عن أحدهما عليهما السلام في قوله تعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى قال: خمس الله للإمام، وخمس الرسول للإمام، وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول(ص) والإمام(ع)، واليتامى: يتامى آل محمد(ص)، والمساكين: مساكينهم وأبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم، إلى غيرهم (1).

وما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن زكريا بن مالك الجعفي، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق(ع) أنّه سأله عن قول الله عزوجل: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ (2) قال: أما خمس الله عزّوجل فللرسول يضعه حيث يشاء، وأمّا خمس الرسول فلأقاربه، وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه، واليتامى يتامى أهل بيته، فجعل هذه الأربعة الأسهم فيهم، وأما المساكين وأبناء السبيل فقد علمت أنّا لا نأكل الصدقة، ولا تحلّ لنا، فهي للمساكين وأبناء السبيل (3).

وقال يحيى بن الحسين من فقهاء الزيدية: وكلّ ما يختص من الخمس بالمساكين، أو المناكح، أو المتاجر فإنه يجوز التصرف فيه في زمان غيبه الإمام(ع)، لأن الرخصة قد وردت في ذلك (4).

وقال يحيى بن الحسين ايضاً: يؤمر بالخمس فيقسم على ستة أجزاء، فجزء لله تعالى، وجزء لرسوله، وجزء لقربي رسوله، وجزء لليتامى، وجزء لابن السبيل، وجزء للمساكين، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ... فأما السهم الذي لله فيصرفه الإمام في أمور الله وما يقرب إليه مما يصلح عباده من اصلاح طرقهم وحفر بيارهم ومؤونة قبلتهم وما خرب من مساجدهم وإحياء ما مات من مصالحهم وغير ذلك مما يجتهد فيه برأيه مما يوفقه الله فيه لما لا يوفق له غيره.


1- المصدر السابق، 359 الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، ح 9.
2- سورة الانفال: 41.
3- الخصال: 325 324 الحديث 12.
4- الاحكام 487: 2.

ص: 32

وأما السهم الذي لرسول الله(ص)، فهو لإمام الحق ينفق منه على عياله وعلى خيله وعلى غلمانه ويصرفه فيما ينفع المسلمين ويوفر أموالهم.

وأما سهم قربى آل رسول الله(ص)، فهو لمن جعله الله فيهم، وهم الذين حرّم الله عليهم الصدقات، وعوضهم إياه بدلًا منها، وهم أربعة بطون: وهم آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل العباس، ويقسّم بينهم ذلك قسماً سواء الذكر فيه والأنثى، لا يزول عنهم أبداً، لأنّ الله سبحانه إنّما أعطاهم ذلك لقرباهم من رسول الله(ص) ومجاهدتهم معه واجتهادهم له، ولا يزول عنهم حتى تزول القرابة، والقرابة فلا تزول عنهم أبداً، ولا تخرج إلى غيرهم منهم (1).

وقال العيني: قد اختلف أيضا في الذي كان يناله النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس ماذا يصنع به من بعده؟ فقالت طائفة: يكون لمن يلي الأمر من بعده، روي ذلك عن أبي بكر وعلي وقتادة وجماعة.

وقال آخرون: يصرف في مصالح المسلمين.

وقال آخرون: بل هو مردود على بقية الأصناف ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، واختاره ابن جرير.

وقيل: إن الخمس جميعه لذوي القربى، وقال الأعمش عن إبراهيم، قال: كان أبو بكر وعمر يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح (2).

وقال ابن قدامة الحنبلي: إن الخمس يقسّم على خمسة أسهم، وبهذا قال عطاء، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، وقتادة، وابن جريج، والشافعي.

وقيل يقسم على ستة: سهم لله وسهم لرسوله لظاهر قوله تعالى:(وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ...) فعدّ ستة، وجعل


1- الاحكام 487: 2.
2- عمدة القاري 37: 15 كتاب الخمس.

ص: 33

الله تعالى لنفسه سهماً سادساً، وهو مردود على عباد الله أهل الحاجة.

وقال أبو العالية: سهم الله عزّوجل هو أنّه إذا عزل الخمس ضرب بيده، فما قبض عليه من شي ء جعله للكعبة، فهو الذي سمّي لله لا تجعلوا له نصيباً فإن لله الدنيا والآخرة، ثم يقسم بقية السهم الذي عزله على خمسة أسهم.

وروي عن الحسن وقتادة في سهم ذي القربى: كانت طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، فلما توفي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله.

وروى ابن عباس ان أبا بكر وعمر قسّما الخمس على ثلاثة أسهم، ونحوه حكي عن الحسن بن محمد بن الحنيفة، وهو قول أصحاب الرأي، قالوا: يقسّم الخمس على ثلاثة: اليتامى والمساكين وابن السبيل، وأسقطوا سهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بموته وسهم قرابته أيضاً.

وقال مالك: الفي ء والخمس واحد يجعلان في بيت المال. قال ابن القاسم وبلغني عمّن أثق به أنّ مالكاً قال: يعطي الإمام أقرباء رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ما يرى.

وقال الثوري والحسن يضعه الإمام حيث أراه الله عزوجل (1).

ثم قال ابن قدامة: وقد روي عن ابن عمر وابن عباس قالا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الخمس على خمسة، وما ذكره أبو العالية فشي ء لا يدل عليه رأي، ولا يقتضيه قياس، ولا يصار إليه إلّا بنص صحيح يجب التسليم له، ولا نعلم في ذلك أثرا صحيحا سوى قوله، فلا يترك ظاهر النص وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله من أجل قول أبي العالية. وما قاله أبو حنيفة فمخالف لظاهر الآية فإن الله تعالى سمى لرسوله وقرابته شيئا وجعل لهما في الخمس حقا كما سمى للثلاثة الأصناف الباقية فمن خالف ذلك فقد خالف نص الكتاب.

وأما حمل أبي بكر وعمر على سهم ذي القربى في سبيل الله فقد ذكر لأحمد فسكت، وحرك


1- المغني 301: 7.

ص: 34

رأسه، ولم يذهب إليه، ورأى أن قول ابن عباس ومن وافقه أولى لموافقته كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ابن عباس لما سئل عن سهم ذي القربى فقال: إنا كنا نزعم انه لنا فأبى ذلك علينا قومنا، ولعله أراد بقوله أبى ذلك علينا قومنا فعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في حملهما عليه في سبيل الله ومن تبعهما على ذلك، ومتى اختلف الصحابة وكان قول بعضهم يوافق الكتاب والسنة كان أولى وقول ابن عباس موافق للكتاب والسنة (1).

وقال أبو بكر الكاشاني الحنفي: لا خلاف في أن خمس الغنيمة في حال حياة النبي عليه الصلاة والسلام كان يقسم على خمسة أسهم: سهم للنبي عليه الصلاة والسلام وسهم لذوي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل قال الله تبارك وتعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ... وإضافة الخمس إلى الله تعالى يحتمل أن يكون لكونه مصروفا إلى وجوه القرب التي هي لله تبارك وتعالى وهي قوله سبحانه وتعالى وللرسول ولذي القربى الآية على ما تضاف المساجد والكعبة إلى الله سبحانه وتعالى لكونها مواضع إقامة العبادات والقرب التي هي لله تعالى (2).

وقال ابن حزم الظاهري: من وجد كنزا من دفن كافر غير ذمي جاهليا كان الدافن، أو غير جاهلي، فأربعة أخماسه له حلال، ويقسم الخمس حيث يقسم خمس الغنيمة، ولا يعطى للسلطان من كل ذلك شيئا الا إن كان إمام عدل فيعطيه الخمس فقط وسواء وجده في فلاة في أرض العرب، أو في أرض خراج، أو أرض عنوة، أو أرض صلح، أو في داره، أو في دار مسلم، أو في دار ذمي، أو حيث ما وجده حكمه سواء كما ذكرنا، وسواء وجده حر، أو عبد، أو امرأة قال الله عز وجل: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ... الآية، وقال تعالى:(فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا)،


1- المغني 301: 7- 302.
2- بدائع الصنائع 124: 7- 125.

ص: 35

ومال الكافر غير الذمي غنيمة لمن وجده (1).

وقال ابن رشد المالكي: اتفق المسلمون على أن الغنيمة التي تؤخذ قسراً من أيدي الروم ما عدا الأرضين أنّ خمسها للإمام، وأربعة أخماسها للذين غنموها، لقوله تعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ... الآية.

واختلفوا في الخمس على أربعة مذاهب مشهورة:

أحدها: أن الخمس يقسم على خمسة أقسام على نص الآية، وبه قال الشافعي.

والقول الثاني: أنه يقسم على أربعة أخماس، وأن قوله تعالى:(فأن لله خمسه) هو افتتاح كلام وليس هو قسماً خامساً.

والقول الثالث: أنّه يقسّم اليوم ثلاثة أقسام، وأن سهم النبي وذي القربى سقطا بموت النبي(ص).

والقول الرابع: أن الخمس بمنزلة الفي ء، يعطى منه الغني والفقير، وهو قول مالك وعامة الفقهاء.

والذين قالوا يقسم أربعة أخماس أو خمسة اختلفوا فيما يفعل بسهم رسول الله(ص) وسهم القرابة بعد موته. فقال قوم: يُردّ على سائر الأصناف الذين لهم الخمس.

وقال قوم: بل يُردّ على باقي الجيش.

وقال قوم: بل سهم رسول الله(ص) للإمام، وسهم ذوي القربى لقرابة الإمام.

وقال قوم: بل يجعلان في السلاح والعدة.

واختلفوا في القرابة من هم؟ فقال قوم: بنو هاشم. وقال قوم: بنو عبد المطلب، وبنو هاشم.

وثمرة الاختلاف تتضح في: هل الخمس يقصر على الأصناف المذكورين أم يتعدّى لغيرهم، وهل ذكر تلك الأصناف في الآية المقصود منها تعيين الخمس لهم أم قصد التنبيه بهم على غيرهم،


1- المحلى 324: 7.

ص: 36

فيكون ذلك من باب الخاص أريد به العام؟ فمن رأى أنّه من باب الخاص أريد به الخاص قال: لا يتعدّى بالخمس تلك الأصناف المنصوص عليها وهو الذي عليه الجمهور، ومن رأى أنه من باب الخاص أريد به العام قال يجوز للإمام أن يصرفها فيما يراه صلاحاً للمسلمين.

واحتجّ من رأى أن سهم النبي(ص) للإمام بعده بما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنّه قال: إذا أطعم الله نبياً طعمة فهو للخليفة بعده.

وأما من صرفه على الأصناف الباقين، أو على الغانمين، فتشبيها بالصنف المحبس عليهم.

وأما من قال: القرابة هم بنو هاشم وبنو المطلب فإنه احتج بحديث جبير بن مطعم قال: قسم رسول الله(ص) سهم ذوي القربى لبني هاشم وبني المطلب من الخمس قال: وإنما بنو هاشم وبنو المطلب صنف واحد.

ومن قال بنو هاشم صنف فلأنهم الذين لا يحلّ لهم الصدقة.

واختلف العلماء في سهم النبي(ص) من الخمس، فقال قوم: الخمس فقط، ولا خلاف عندهم في وجوب الخمس له غاب عن القسمة أو حضرها (1).

وقال الشافعي: أصل ما يقوم به الولاة من جعل المال ثلاثة وجوه:

أحدها: ما أخذ من مال مسلم تطهيرا له فذلك لأهل الصدقات لا لأهل الفي ء.

والوجهان الآخران ما أخذ من مال مشرك كلاهما مبين في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفعله:

فأحدهما: الغنيمة قال تبارك وتعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ... الآية.

والوجه الثاني: هو الفي ء قال الله تعالى: مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ... الآية.


1- بداية المجتهد 313: 1- 314.

ص: 37

شروط ما يجب فيه الخمس

اشترط فقهاء الإمامية في المغتنم أن لا يكون غصباً من مسلم، أو ذمي، أو معاهد أو نحوهم ممّن هو محترم المال، وإلّا فيجب رده إلى مالكه. نعم لو كان مغصوباً من غيرهم من أهل الحرب، لا بأس بأخذه وإعطاء خمسه وإن لم يكن الحرب فعلًا مع المغصوب منهم.

وكذا إذا كان عند المقاتلين مال غيرهم من أهل الحرب بعنوان الأمانة، من وديعة، أو إجارة، أو عارية، أو نحوها.

ولم يعتبرُ في وجوب الخمس في الغنائم بلوغ النصاب عشرين ديناراً، وأوجبوا إخراج خمسه قليلًا كان أو كثيراً.

أمّاالسلب من الغنيمة، فأوجبوا إخراج خمسه على السالب.

أمّا المعدن: فقالوا: المدار على صدق كونه معدناً عرفاً، ولا فرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين أن يكون في أرض مباحة أو مملوكة وبين أن يكون تحت الأرض أو على ظهرها، ولا بين أن يكون المخرج مسلماً أو كافراً ذمياً بل ولو حربياً ولا بين أن يكون بالغاً أو صبياً، وعاقلًا أو مجنوناً، فيجب على وليهما إخراج الخمس.

ويشترط في وجوب الخمس في المعدن: بلوغ ما أخرجه عشرين ديناراً بعد استثناء مؤنة الإخراج والتصفيّة ونحوهما، فلا يجب إذا كان المخرج أقل منه.

ولا يعتبر في الإخراج أن يكون دفعة واحدة، فلو أخرج دفعات، وكان المجموع نصاباً، وجب إخراج خمس المجموع.

وإذا اشترك جماعة في الإخراج، ولم يبلغ حصة كلّ واحد منهم النصاب ولكن بلغ المجموع نصاباً، فالظاهر وجوب خمسه، وكذا لا يعتبر اتحاد جنس المخرج، فلو اشتمل المعدن على جنسين أو

ص: 38

أزيد، وبلغ قيمة المجموع نصاباً، وجب إخراجه.

نعم لو كان هناك معادن متعددة اعتبر في الخارج من كلّ منهما بلوغ النصاب دون المجموع.

واشترطوا في وجوب الخمس في الغوص أن يبلغ قيمته ديناراً فصاعداً، ولا فرق بين اتحاد النوع وعدمه، فلو بلغ قيمة المجموع ديناراً وجب الخمس. ولا بين الدفعة والدفعات فيضم بعضها إلى البعض. كما أن المدار على ما أخرج مطلقاً وإن اشترك فيه جماعة لا يبلغ نصيب كلّ منهم النصاب. ويعتبر فيه بلوغ النصاب بعد إخراج المؤن.

كما اشترطوا الخمس في المال المختلط بالحرام على وجه لا يتميز، ومع الجهل بصاحبه وبمقداره، فقالوا: يحلّ بإخراج خمسه.

أمّا الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم سواء كانت أرض مزرعة، أو مسكن، أو دكان، أو خان، أو غيرها فقالوا: يجب فيها الخمس.

واشترطوا في ثبوت الخمس في ما فَضُلَ عن مؤنة سنته ومؤنة عياله، وكذا في أرباح التجارات، وسائر التكسبات من الصناعات، والزراعات، والإجارات حتى الخياطة والكتابة، والتجارة، والصيد، وحيازة المباحات، وأجرة العبادات الاستئجارية من الحج والصوم والصلاة، والزيارات وتعليم الأطفال وغير ذلك من الأعمال التي لها أجرة. بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة وإن لم تحصل بالاكتساب كالهبة، والهدية، والجائزة، والمال الموصى به ونحوها.

وأوضحوا المراد بالمؤنة مضافاً إلى ما يصرف في تحصيل الربح: هو ما يحتاج إليه لنفسه وعياله في معاشه بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة من المأكل والملبس والمسكن، وما يحتاج إليه لصدقاته وزياراته وهداياه وجوائزه وأضيافه، والحقوق اللازمة له بنذر، أو كفارة، أو أداء دين، أو أرش جناية، أو غرامة ما أتلفه عمدا أو خطأ. وكذا ما يحتاج إليه، من دابة، أو جارية، أو عبد، أو أسباب أو ظرف. أو فرش، أو كتب. بل ما يحتاج إليه لتزويج أولاده أو ختانهم ونحو ذلك، مثل ما يحتاج إليه في المرض، وفي موت أولاده أو عياله، إلى غير ذلك مما يحتاج إليه في معاشه.

ص: 39

وقالوا: لا فرق في المؤنة بين ما يصرف عينه فتتلف، مثل المأكول والمشروب ونحوهما، وبين ما ينتفع به مع بقاء عينه مثل الظروف والفرش ونحوها. فإذا احتاج إليها في سنة الربح يجوز شراؤها من ربحها وإن بقيت للسنين الآتية أيضا.

ما يشترط عند إخراج الخمس

اشترط فقهاء الزيديّة عند إخراج الخمس ..

أولًا: النيّة.

ثانياً: إخراجه من العين، أي من عين المال الذي يجب فيه الخمس، فلا تجزى القيمة إلّا لمانع من الإخراج من العين، نحو أن يكون لا ينقسم أو تضرّه القسمة كالسيف، فإنّ القيمة تجزى حينئذ، وكذلك لو استهلك العين (1).

ولم يعتبر فقهاء الإماميّة النية عند اخراج الخمس أو دفعه، وقالوا: إنّ الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين، ويتخير المالك بين دفع خمس العين أو دفع قيمته من مال آخر نقداً أو جنساً (2).

خمس الركاز

قال الشيخ الطوسي: الركاز هو الكنز المدفون يجب فيه الخمس بلا خلاف، ويراعى عندنا فيه أن يبلغ نصابا يجب في مثله الزكاة.

قال الشافعي في الجديد: لا أشك إذا وجد الرجل ركاز ذهباً أو ورقاً وبلغ ما يجد منه ما تجب فيه


1- شرح الازهار 570: 1.
2- مستمسك العروة الوثقى 554: 9- 555.

ص: 40

الزكاة أن زكاته الخمس (1).

وقال في القديم: وإن كان ما وجد منه أقل مما تجب فيه الزكاة أو كان ما وجد منه من غير الذهب والورق فقد قيل: فيه الخمس، ولو كان فيه فخرا أو قيمة درهم أو أقل منه، ولا يتبين لي أن أوجبه على رجل، ولا أجبره عليه، ولو كنت الواجد له لخمّسته من أي شئ كان، وبالغاً ثمنه ما بلغ (2). وبه قال مالك وأبو حنيفة (3).

وقال النووي الشافعي: مذاهب العلماء في مسائل من الركاز، ذكرنا أن الصحيح في مذهبنا اشتراط النصاب، وقال أبو حنيفة وأحمد: لا يشترط وهو أصح الروايتين عن مالك، وحكاه ابن المنذر عن مالك وأحمد واسحق وأبي عبيد وأصحاب الرأي. قال: وبه قال جل أهل العلم، قال: وهو أولى بظاهر الحديث والمشهور من مذهبنا أنّه لا يجب حق الركاز في غير ذهب وفضة.

وقال أبو حنيفة: يجب في كل موجود ركاز وهو أصح الروايتين عن مالك واحمد ونقله ابن المنذر عن مالك واحمد واسحق وأبو عبيد وأصحاب الرأي وجماهير العلماء قال وبه أقول (4).

فإذا وجد دراهم مضروبة في الجاهلية فهو ركاز، ويجب فيه الخمس، سواء كان ذلك في دار الإسلام أو دار الحرب، وبه قال الشافعي (5).

وقال أبو حنيفة: يجب فيه الخمس إن كان في دار الإسلام، وإن كان في دار الحرب لا شي ء عليه (6).

وكذا إذا وجد كنزا عليه أثر الإسلام بأن تكون الدراهم أو الدنانير مضروبة في دار الإسلام وليس


1- الخلاف 121: 2، والأُم 45: 2 و 48، ومختصر المزني: 53، والمجموع 99: 6 و 102.
2- المصادر السابقة.
3- المجموع 99: 6 و 102، والمدونة الكبرى 291: 1، والمبسوط 211: 2، وتبيين الحقائق 288: 1.
4- المجموع 101: 6- 102.
5- الخلاف 122: 2، المجموع 97: 6، والوجيز 97: 1.
6- الفتاوى الهندية 185: 1، والنتف 181: 1، والمجموع 102: 6.

ص: 41

عليه أثر ملك يؤخذ منه الخمس (1).

وقال الشافعي: هو بمنزلة اللقطة إذا كان عليها أثر الإسلام (2)، وان كانت مبهمة لا سكة فيها ولا أواني فعلى قولين: احدهما بمنزلة اللقطة. والثاني أنه ركاز وغلب عليه المكان، فإن كان في دار الحرب خمس، وإن كان في دار الإسلام فهي لقطة (3).

*** تمّ بحمد الله


1- الخلاف 122: 2.
2- المجموع 98: 6، وفتح العزيز 105: 6.
3- الوجيز 97: 1، والمجموع 98: 6، وفتح العزيز 104: 6- 105.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.