الفوائد المدنیه

اشارة

نام كتاب: الفوائد المدنیة

نويسنده: سیدحسین الشیخ الاسلامی التویسرکانی

موضوع: اعتقادات و پاسخ به شبهات

زبان: عربي

تعداد جلد: 1

ناشر: نشر مشعر

مكان چاپ: تهران

وضعیت فهرست نویسی : فاپا

يادداشت : عربی.

يادداشت : عنوان دیگر: الفوائدالمدنیة.

یادداشت : کتابنامه: ص. 210؛ همچنین به صورت زیرنویس.

عنوان دیگر : الفوائدالمدنیة.

موضوع : شیعه -- دفاعیه ها و ردیه ها

موضوع : اهل سنت -- احتجاجات

موضوع : شیعه -- دفاعیه ها و ردیه ها

موضوع : اهل سنت -- دفاعیه ها و ردیه ها

شناسه افزوده : The World Center for Shite Studies

رده بندی کنگره : BP228/ش95ف9 1391

رده بندی دیویی : 297/479

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

المقدِّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطاهرين، واللَّعن الدائم على أعدائهم ومخالفيهم، من الأوّلين والآخرين، أبد الآبدين ودهر الداهرين.

وبعد .. لقد منَّ الله تبارك وتعالى عليَّ بأنْ وفّقني لزيارة محمّد وآله،(صلوات الله عليهم أجمعين)، في المدينة المنوَّرة، زاد الله تعالى في عظمتها وشرفها، وشرفِ زوّارها بالمعرفة الكاملة، وتقبَّل الله زيارتهم.

وقد صادفني أنْ وُفِّقت للمناظرة مع علماء أهل السُنّة والجماعة، مع خمسةٍ منهم وفي خمسةِ أيّام، في كلّ يوم ساعتين، فبحثنا مسائل مختلفة في بيوتهم- والتي كانت قُرب البقيع الغرقد- بأخلاقٍ حَسنة واحترامٍ كامل، ومن دونِ شدَّةٍ وتعصُّب.

ثُمَّ قلتُ لهم- من باب النصيحة-: أيّها الإخوان، قال الله تبارك وتعالى:(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ

ص: 4

بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (1)، واللازم عليكم العمل بهذه الآية المباركة، والحذر من الخشونة والإهانة للزائرين؛ لأنّهم زوّار بيت الله الحرام، ونبيّ الرحمة، وعترته، صلوات الله عليهم أجمعين، وكذا لقبور المسلمين والمسلمات الذين دُفنوا في هذا المكان، والَّذين أمر النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) بزيارتهم؛ ولأنَّهم مسلمين، من أهل السُنّة والشيعة، وكلُّهم إخوانكم، وليسوا بكُفّار.

قال الله تبارك وتعالى:(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (2)، وقال عزَّ وجلّ:(وَلا تَنابَزُوا بِالأْلْقابِ) (3).

والحذر عن القول، بأنّهم كالحيوانات في أصواتهم وبكائهم، والتعبير عنهم ب-(الوزغ) وغير ذلك؛ إذ لا يُناسب ذلك مقام مَن كان حارساً ومأموراً في هذا المكان، وأنتم إخواننا وجميعنا من المسلمين، واللازم علينا الرحمة بيننا، والشدّة مع الكفّار، كما قال عزّ وجلّ:(... أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) (4).

السيد حسين الشيخ الإسلامي التويسركاني

ربيع الثاني/ 1430 ه-. ق.


1- النحل: 125
2- النحل: 125
3- الحجرات: 11
4- الفتح: 29.

ص: 5

ص: 6

1- أنتم تعبدون الأموات

منهم مَن قال: أنتم تعبدون الأموات. ما الفرق بينكم وبين مَن يعبد الأصنام؟

قلتُ: الفرق بيننا وبينهم كثير، لا يُقاس بنا أحد منهم؛ نحن نقول بأنَّ الله تعالى هو القاضي، مُجيب الدعوات.

قال: إنَّ العابدين للأصنام يقولون: إنَّ الله سبحانه يكون مجيب المضطرّ، وتكون الأصنام واسطة بينهم وبين الله تبارك وتعالى.

قلتُ: ليس كذلك. هؤلاء الذين يعبدون الأصنام هم كما قال الله سبحانه في سورة الفرقان:(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأِنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً) (1).

وكما قال الله تبارك وتعالى:(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ* إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (2).

وقال عزَّ وجلّ:(أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا


1- الفرقان: 3
2- فاطر: 14.

ص: 7

يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (1).

وقال في قصّة إبراهيم(عليه السلام):(فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ* ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ) (2).

ثُمَّ قال:(قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ* وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (3).

وأمَّا نحن الشيعة الإماميّة، فلا نعبد إلَّا الله تبارك وتعالى، وإنّا نعتقد بأنَّه لا إله إلّا الله العظيم الحليم، لا إله إلّا الله ربّ العرش الكريم، وأنَّه أسمع السامعين، وأبصر الناظرين، وأسرع الحاسبين، وأكرم الأكرمين، عظيم العفو، حسن التجاوز، باسط اليدين بالرحمة، صاحب كلّ حاجة، مُفرِّج كلّ كُربة، وأنَّه ربُّنا، وسيّدنا ومولانا، وغاية رغبتنا، ولا إله إلّا هو، لا شريك له، وهو الذي يولج الليل في النهار، ويولج النّهار في الليل، بيده الخير وهو على كلّ شي ءٍ قدير.

وقال علي(عليه السلام)- كما في نهج البلاغة-: «لا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ، وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً» (4)

.

فنكون عبيد الله تعالى فقط.


1- الأنبياء: 66
2- الصافات: 93- 91
3- الصافات: 95- 94
4- نهج البلاغة، وصيته لابنه الحسن(عليه السلام)، خطبة 37.

ص: 8

2- أنتم تطلبون الحوائج من الأموات وتتوسَّلون بهم.

منهم مَن قال: أنتم تطلبون الحوائج من الأموات، وأشار إلى قبور أئمَّة البقيع(رزقنا الله زيارتهم تكراراً).

قلتُ: نحن نزورهم، ونجعلهم وسيلة لإجابة دعائنا، وقضاء حوائجنا من الله سبحانه كما قلت،(إنّه صاحب كلّ حاجة، مفرّج كلّ كربة. وإنَّهم ليسوا بأموات، بل أحياء عند ربّهم يرزقون).

قال بعضٌ آخر: ما الدليل على ذلك؟

قلتُ: الدليل على ذلك الآية المباركة:(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (1).

فعلى ذلك .. ليسوا بأموات.

وأمَّا التوسُّل بهم وطلب الشفاعة منهم، فكان بأمر رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، كما ورد عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «تَوَسَّلُوا بِمَحَبَّتِنا إلَى اللهِ تَعالى وَاستَشفَعُوا بِنا تُكرَمُون ...» (2)

.

منهم مَن قال: إنَّ الأموات لا يسمعون ولا يُدركون شيئاً. أو لم


1- آل عمران: 169
2- ينابيع المودّة، القندوزي الحنفي، ج 2، الباب السادس والخمسون،(المودّة الثانية: في فضائل أهل البيت(عليهم السلام)).

ص: 9

تقرأ القرآن، قال سبحانه:(إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) (1)، وقال في آية أُخرى:(وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور) (2)؟!

قلتُ: نعم قرأت الآيتين. واللازم علينا وعليكم الدِقَّة والتدبُّر في القرآن؛ ليس معناهما أنَّ الأموات لا يسمعون ولا يدركون، بل كانتا في مقام بيان العقائد والموعظة والنصيحة. أي: مَن ختم الله على قلبه، وقلبه مريض، لا يصلح للدعوة والموعظة؛ فهذا ميِّت لا يسمع ولا يُدرك؛ ولذا قال بعد ذلك:(وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) (3). وكذا في سورة الروم:(إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) (4). والزخرف:(أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (5). فليُلاحظ مضمون الآيات.

وأمَّا الأموات، فكلّهم يسمعون ويدركون؛ ولذا تكتبون على الخشب أوائل المقابر:

«السلام على أهل الديار المُوحشة، السلام عليكم دار قوم مؤمنين. وأتاكُم ما توعدون غداً مؤجّلون، وإنّا إنْ شاء الله بكم


1- النمل: 80
2- فاطر: 22
3- النمل: 81
4- الروم: 52
5- الزخرف: 40.

ص: 10

لاحقون، اللّهم اغفر لأهل بقيع الغرقد» (1).

وعن أبي هريرة: «أنَّ النبيّ(صلي اللّه عليه و آله وسلم) أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون» (2).

قال الشوكاني: رواه أحمد ومسلم والنسائي، وفي حديث عائشة مثله، وزاد: «اللَّهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنّا بعدهم» (3).

وفي رواية بريدة: «أسأل الله لنا ولكم العافية» (4).

ورواه أحمد ومسلم وابن ماجة (5).

وقال الشوكاني: وذهب ابن حزم إلى أنَّ زيارة القبور واجبة ولو مرّة واحدة في العمر؛ لورود الأمر بها. وروى عن الترمذي، قال ابن عباس، قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) مخاطباً الأموات:

«السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر» (6).

فهل عمل رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)- نعوذ بالله-


1- صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور، ح 2215.(بغير «السلام على أهل الديار الموحشة»)
2- عمل اليوم والليلة، ابن سني، ج 3، ص 137
3- تسلية أهل المصائب، ج 1، ص 123
4- التذكرة، القرطبي، ج 1، ص 17
5- نيل الأوطار، ج 4، ص 166
6- بيان ما تشرع زيارته وما لا تشرع، ص 29.

ص: 11

كان لغواً وعبثاً؟!

أم فيه فوائد كثيرة؟! ولذا قال(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «فزوروا القبور؛ فإنَّها تذكّركم الموت» (1)

،(رواه جماعة).

وهل خطابه(صلي اللّه عليه و آله وسلم) كان مع الأحجار أو مع التراب، أو كان الخطاب مع الأموات الذين يسمعون ويدركون؟!

منهم مَن قال: ما فائدتها؟

قلتُ: الفوائد بزيارة القبور كثيرة لمَن كانت له عبرة. كما روى ابن ماجة عن ابن مسعود، «إنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنَّها تزهّد في الدنيا، وتذكّر الآخرة» (2).

وفي الحقيقة فإنّها تنبِّه الإنسان.

ولا فرق في الزائر بين أنْ يكون رجلًا أو امرأة، كما تشاهدون في رواية هارون بن سعيد في صحيح مسلم وسنن النسائي (3)،(باب ما يقال عند دخول المقابر)، قالت عائشة: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: «قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين ...» (4) فكتابتكم مداخل المقابر أنَّ «دخول النساء حرام»، غير صحيح.

وكذلك في نيل الأوطار (5)، ونقل الشوكاني (6): ورواه الحاكم: «إنَ


1- تفسير ابن كثير، ج 4، باب 113، ص 222
2- التذكرة، القرطبي، ج 1، ص 12
3- سنن النسائي، ج 3،(باب ما يقال عند دخول المقابر)، ص 76
4- صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور، ح 2216
5- نيل الأوطار، ج 4، ص 164
6- الشوكاني، ج 4، ص 166.

ص: 12

فاطمةبنت رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) تزور قبر عمّها حمزة كلّ جمعة، فتصلِّي وتبكي عنده».

وأخرجه البخاري: «إنَّ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) مرَّ بامرأة تبكى عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري، قالت: إليك عنِّي» (1). ولم يُنكر عليها الزيارة، وقال: ذهب الأكثر إلى الجواز، إذا أمنت الفتنة.

بزيارة القبور ورؤيتها يتنبَّه الإنسان إلى أنّه يأتي يوم يصير ويكون من أهلها، كما قال عزّ وجلّ:(فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) (2)؛ فلهذا يستعدّ لسفره، ويحصِّل زاده قبل حلول أجله، كما قال الحسن بن علي(عليه السلام)- المدفون في البقيع- لجنادة: «يا جنادة، استعدّ لسفرك، وحصِّل زادك قبل حلول أجلِك» (3).

ويجب على الزائر أن يفتح عين قلبه على أنَّ أموال الدنيا وأهلها، وأولاده وإخوانه، لا ينفعون حاله، كما قال سبحانه:(يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم) (4)

. وبذلك يصير من الزاهدين والمحسنين، والقانتين والصالحين والمخلصين، وعباده المؤمنين حقَّاً.

وقد رأيتم في غزوة بدر أنّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)


1- صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب(ما ذكر أنّ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) لم يكن له بوّاب)، ح 7154
2- النحل: 80
3- بحار الأنوار، ج 44، ص 140، ح 6
4- الشعراء: 88.

ص: 13

كان يخاطب الكفار- في قليب البدر- قائلًا: «هل وجدتم ما وعد ربّكم؟!

قال بعض الأصحاب: إنَّهم يسمعون ويدركون كلامكم؟!

قال(صلي اللّه عليه و آله وسلم): إنَّهم أسمع منكم» (1)

.

وفي صحيح مسلم كذلك: «إنَّهم ليَسمعون ما أقول، وقد وهلَ، انّما قال: إنَّهم ليَعلمون أنَّ ما كنت أقول لهم حقّ، ثُمَّ قرأت(عائشة)(إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى)،(وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ). يقول: حين تبوَّؤوا مقاعدهم من النار» (2).

وفي باب(البكاء على الميّت)، رُوي أنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قام على القليب يوم بدر، وفيه قتلى من المشركين، فقال لهم: «إنَّهم ليَسمعون ما أقول، إنَّهم ليعلمون أنَّ ما كنت أقول لهم حقّ» (3).


1- البخاري، باب القبر وعذابه ونعيمه
2- صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب الميّت يعذَّب ببكاء أهله عليه
3- تفسير الآلوسي، باب 53، ج 15، ص 392.

ص: 14

3- أنتم تُسلِّمون على الأموات

منهم مَن قال: إنَّهم- وأشار إلى قبور الأئمة- لا يسمعون ولا يدركون، وأنتم تقومون تضعون أيديكم على صدوركم وتسلِّمون عليهم، وهذه بدعة.

قلتُ: هذا عناد وتعصّب. بعد أن ثبت أنَّ المشركين يسمعون قول النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وكذلك سائر الأموات من المؤمنين، طبقاً لمخاطبة النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) إيّاهم؛ فكيف أنَّ الأئمّة الراشدين، عترة الرسول، معادن كلمات الله، وأوصياء نبي الله، المعصومين المكرَّمين المُنتجَبين، لا يفهمون ولا يعلمون؟!

ليس هذا إلّا عناداً للعترة الطاهرة.

ألا ترى كتاب(التحقيق والإيضاح على ضوء الكتاب والسُنّة) للعلّامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز، حيث يقول في كتابه: «زُر رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) وقبر أصحابه أبي بكر وعمر. قم مؤدَّباً مقابل قبره وسلِّم عليه خفية:

«السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا سيّد المرسلين، وإمام المتَّقين، أشهد أنَّك قد بلَّغت الرسالة، وأدَّيت الأمانة، ونصحت الأُمّة، وجاهدت في الله حقّ

ص: 15

جهاده» (1).

ثُمَّ قال: لا إشكال فيه، لأنَّه كان واجداً لهذه الصفات. ثُمَّ صلِّي عليه وادع؛ لأنَّه ثبت في الشريعة؛ قال الله تعالى:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (2)!

قال: نحن أيضاً نصلِّي عليه.

قلتُ: كيف تصلُّون؟! تصلُّون خلاف قول النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، كما هو مكتوب على جدار مسجد النبي وبكثرة «صلَّى الله عليه وسلَّم»؟! وهذا صحيح البخاري عندكم ينقل كيفية الصلاة في(باب الصلاة على النبي)، عن كعب بن عجرة، وهو من الثقاة. فقال: ألا أُهدي لك هدية أنَّ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) خرج علينا فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلِّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟

قال: قولوا:

«اللّهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم، إنّك حميد مجيد، اللّهم بارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على آل إبراهيم، انّك حميد مجيد» (3).

وفي سُنن ابن ماجة أربعة أحاديث مثل ذلك، عن أبي سعيد الخدري، وأبي حميد الساعدي، وكعب بن عجرة، وعبد الله بن


1- التحقيق والإيضاح على ضوء الكتاب والسنّة، ص 5
2- الأحزاب: 56
3- صحيح البخاري، باب الصلاة على النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم).

ص: 16

مسعود. في باب(الصلاة على النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)/ كتاب الصلاة).

وهكذا في صحيح مسلم (1)، قال(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «قولوا: اللّهم صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلَّيت على آل إبراهيم».

والسلام كما علمتم. وقد بيّن كيفية السلام في قعود الصلاة؛ فليقل: «السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته».

ومع الأسف، قد يُسمع من إمام الجماعة(السلام عليك ورحمة الله) فقط، خلافاً لقول رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) (2).

ونُقلت هذه الرواية، وروايات متعدِّدة أُخر، في تفسير(الدُر المنثور) (3) للسيوطي، ذيل الآية المباركة.

ومع الأسف، قد يُسمع في المواعظ والخُطب، وفي عبارات العلماء من أهل السنّة، الصلاة البتراء، خلافاً لرسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وعناداً لأهل بيته.

منهم مَن قال: إنَ رسول الله يعلم سلامنا خفية.

قلتُ: لا فرق في علمه(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وهو(صلي اللّه عليه و آله وسلم) أيضاً بيَّن أنَّ السلام يكون جهرة أو خفية، ولذا نسلِّم في التشهّد الأخير للصلاة ونقول:(السلام عليك أيَّها النبيُ


1- صحيح مسلم، ج 3، ص 44
2- صحيح مسلم، ج 2، باب الصلاة على النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)
3- الدرّ المنثور، ج 5، ص 215.

ص: 17

ورحمة الله وبركاته) خفية وجهرة.

وقد رأيت جديداً في كتاب حسين العوايشة، ص 61، عن أبي داود وابن ماجة وصحيح الجامع(42208)، أنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قال في حديث: «فاكثروا الصلاة عليَّ(يوم الجمعة)؛ لأنَّ صلاتكم معروضة عليَّ، إنَّ الله حرّم على الأرض أنْ تأكل أجساد الأنبياء». وكذلك في كتاب(القبر- عذابه ونعيمه، 2208)، عن أبي داود وابن ماجة، وكذا نقل عن رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلُّون» (1).

و كذا نقل رواية الإسراء، ص 63، وأنّه(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قد رأى موسى وإبراهيم أحياء، مع أنَّهما قد ماتا!

وفي كتاب(القبر- عذابه ونعيمه)، نقل عن صحيح الجامع، عن رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، أنّه قال: «اكثروا الصلاة عليّ؛ إنَ الله وكَّل بي ملكاً عند قبري، فإذا صلَّى عليَّ رجل من أُمّتي، قال لي ذلك الملك: يا محمّد، إنَّ فلان بن فلان صلَّى عليك السّاعة».

وقال في رواية أُخرى: «اكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة؛ فإنّه ليس يصلِّي عليَّ أحد يوم الجمعة، إلّا عُرضت عليَّ صلاته».(1219 و 1218).

وفي كتاب(الإيضاح على ضوء الكتاب والسنّة): «زُر رسول الله ... وسلِّم عليه خفية». ورُوي عنه(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في


1- صحيح الجامع، ص 62، 2787.

ص: 18

كتاب(الأحاديث المختارة) (1)، أنّه قال: «لا تتَّخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلُّوا عليَّ، فإنّ تسليمكم يبلغني أينما كنتم».

يُستفاد من جميع ذلك أنَّ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) يعلم الصلاة والسلام من الأُمّة، من أيِّ مكان، قريب أو بعيد.


1- للحافظ محمد بن عبد الواحد المقدسي.

ص: 19

4- ما فائدةالزيارة؟

قال بعضهم: ما الفائدة في زيارة النبي وزيارة المدفونين في البقيع؟

قلتُ: الفوائد كثيرة، انظروا كتاب(شفاء السقام في زيارة خير الأنام. لتقيِّ الدِّين السبكي) (1).

1- نفهم ونعلم بأنَّ الله تعالى وحده حيّ لا يموت، وقال عزّ وجلّ مخاطباً رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم):(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (2). ونحن سنصبح يوماً ميّتين، واللازم علينا أنْ نستعدّ للموت، فتكون زيارتهم موعظة لنا، وعِبرة وتنبيه.

2- بزيارتهم ثبتت الشفاعة، كما ذكر الدارقطني وغيره: «مَن زار قبري وجبت له شفاعتي» (3).

3- العمل بالآية الشريفة:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (4)

، وقد مرَّ البحث عن ذلك في كيفية الصلاة على النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في البخاري ومسلم، وغيرهما من أكابركم. والعمل بما في كُتبكم، كما مرَّ في كتاب(التحقيق والإيضاح): «زُر


1- شفاء السقام، ص 85- 86، ط مصر
2- الزمر: 30
3- سنن الدارقطني، ج 2، ص 78، باب المواقيت
4- الأحزاب: 56.

ص: 20

رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) وقبر أصحابه أبي بكر وعمر».

4- التدبُّر في زيارته، وكيفيّته: بأنَّه كان رسول الله ونبيّه، وكان خيرة الله من خلقه، وليس بشراً عاديّاً كما زعمتم، بل كان سيّد المرسلين، وإمام المتّقين، مبعوثاً على الخلق أجمعين، وأنّه قد بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأُمّة، وجاهد في الله حقّ جهاده. وفي جميعها لنا موعظة وتنبيه. وأنّه يلزم علينا إطاعته، ويجب علينا متابعته، ونجعله لأنفسنا أُسوة، كما قال سبحانه وتعالى:(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (1)

. نُدين بما دان به رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، ونختار صراطه، وهو الصّراط الذي نسأل الله تعالى إيّاه في صلواتنا، ليلًا ونهاراً، بقولنا:(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ* غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (2).

فقالوا:(آمين).

ثُمَّ قلتُ: وهذا صراط النبيِّين، والصدّيقين والشهداء والصالحين، كما قال الله تعالى:(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (3).

ومنهم مَن قال: قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «لا تشدّوا الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا،


1- الأحزاب: 21
2- الحمد: 6- 7
3- النساء: 69.

ص: 21

والمسجد الأقصى»، فلا يجوز السفر لزيارة قبر النبي وساير القبور. نعم، مَن كان مسافراً لمسجد النبي، يجوز، أو يستحب له، أن يزور النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وإلَّا فالسفر لخصوص الزيارة مخالفة لقول النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم).

قلتُ: هذه الرواية موضوعة، انظروا صحيح البخاري، إذ ينقل عن عُمر:(إنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قال: «الأعمال بالنيّة، ولكلِّ امرئٍ ما نوى، فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومَن كانت هجرته لدُنيا يصيبها، أو امرأة يتزوّجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» (1). فمع ذلك، فمَن شدَّ الرحال لزيارة النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، كانت هجرته إلى النبيِّ(صلي اللّه عليه و آله وسلم).

قال: هذه الرواية التي نقلتُها هي في صحيح مسلم (2)، من أصحِّ الكتب، وفي صحيح البخاري (3).

قلتُ: هذه الرواية منقولة عن أبي هريرة، وهو فاسد العقيدة.

قال: كان من أصحاب رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم).

قلتُ: نعم، كان من الوضَّاعين، وقد أسلَم في أواخر عُمر رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وقال في حديثٍ آخر أنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قال:(إنّما يُسافر إلى ثلاثة مساجد: مسجد


1- صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب(ما جاء أنّ الأعمال بالنيّة ...)، ح 54
2- صحيح مسلم، كتاب الحج، باب(لا تشدّ الرحال ...)، ح 3364
3- صحيح البخاري، كتاب(فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة)، ح 1189.

ص: 22

الكعبة، ومسجدي، ومسجد إيلياء). وهذه الرواية منقولة عنه في هذا الباب!

وهو فاسق؛ لأنَّه قد رُوي عن علي(عليه السلام) أنّه قال: إنَّ أكذب الناس- أو قال: أكذب الأحياء- على رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) أبو هريرة الدّوسيّ.

قال: هذا القول في أيِّ كتاب؟

قلتُ: انظروا شرح ابن أبي الحديد (1)، وأنّه جعله معاوية أمير المدينة؛ إكراماً لوضع الحديث.

وفيه روى أبو يوسف قال: «والصحابة كلُّهم عدول، ما عدا رجالًا، ثُمَّ عدَّ منهم أبا هريرة، وأنس بن مالك». وفي هذا الكتاب قد نقل: وروت الرواة أنَّ أبا هريرة كان يؤاكل الصبيان في الطريق، ويلعب معهم، وكان يخطب، وهو أمير المدينة، فيقول: الحمد لله الذي جعل الدِّين قواماً، وأبا هريرة إماماً، يُضحك النّاس بذلك .. ثُمّ يقول: قلتُ: قد ذكر ابن قتيبة هذا كلّه في كتاب المعارف (2)، في ترجمة أبي هريرة، وقوله فيه حجَّة؛ لأنّه غير متَّهم فيه.

وانظر أيضاً كتاب(أبي هريرة. لمحمود أبو ريّة المصري)، حتّى تعرف بأنّه كان من الوضّاعين، وأنّه نقل الصدق والكذب كثيراً، فعلى ذلك لا اعتبار بقوله: «لا تشدّوا الرحال إلّا إلى ثلاث


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 2، الجزء 4، ذيل(ومن كلام له(عليه السلام) لأصحابه)،(فصل: في ذكر الأحاديث الموضوعة في ذم علي)
2- المعارف، ص 121.

ص: 23

مساجد ...».

فعلى قوله، لا يجوز شدّ الرحال إلى مسجد قبا وزيارته، والحال أنَّ البخاري فتح باباً مخصوصاً لاستحباب زيارة مسجد قبا والصلاة فيه، وذكر أحاديث متعدِّدة، وأنّه(صلي اللّه عليه و آله وسلم) يأتي قباءً راكباً وماشياً! وفي روايةٍ أنَّ ابن عمر كان يأتي قباءً كلّ سبت، وكان يقول: «رأيت النبيّ(صلي اللّه عليه و آله وسلم) يأتيه كلّ سبت» (1)، وُروي عن سهل بن حنيف: قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «مَن تطهَّر في بيته ثُمَّ أتى مسجد قبا، فيصلّي فيه صلاة، كان له كأجر عمرة» (2).

وعلى قوله، لا يجوز شدّ الرحال لتحصيل العلوم، قال الله تبارك وتعالى:(فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) (3). فهي تدلّ على أنَّ النفير وشدّ الرحال لازم للتفقُّه في الدِّين، ثُمَّ للإنذار، فلمَ لا يجوز شدّ الرحال إلّا في ثلاث، مع أنَّ الترغيب إليه في الروايات كثير، وإنْ كان العلم في البلاد البعيدة كالصين وغيرها؟!

وكذلك تُستحب أو تجب صلة الأرحام، وإنْ كانت مستلزمة لشدِّ الرحال، وتُستحب زيارة القبور، لا سيّما زيارة قبر الأُمّ أو الأب. لاحظوا صحيح مسلم، الجزء الثالث، باب استئذان النبيّ(


1- صحيح البخاري، ج 4، ص 127
2- بيان ما تشرع زيارته وما لا تشرع،(باللغة الفارسية)، ص 28
3- التوبة: 122.

ص: 24

صلي اللّه عليه و آله وسلم)، عن أبي هريرة: «زار النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قبر أُمّه، فبكى وأبكى مَن حوله، فقال: استأذنت ربّي في أنْ استغفر لها، فلم يُؤذَن لي، واستأذنته في أنْ أزور قبرها، فأذن لي، فزوروا القبور؛ فإنّها تذكّر الموت».

وهذه الرواية علامة كذبه في عدم جواز شدّ الرحال إلّا لثلاثة مساجد.

ومع فرض صحّتها، فإن النهي كان للسفر إلى سائر المساجد، لا مُطلَق السفر، حتى إلى تحصيل العلم، وصلة الأرحام وزيارة الإخوان والأصدقاء، وزيارة الأموات، لا سيّما العلماء والصلحاء، والأنبياء والأوصياء، وكذلك السفر لتحصيل الرزق، والسفر للحجِّ والعمرة والجهاد، وغير ذلك ..

تدبرّوا في القرآن، في سورة آل عمران- الأنعام- النحل- العنكبوت- الروم ..:(قُلْ سِيرُوا فِي الأْرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) (1)

؛ فشدُّ الرحال مأمور به للعبرة والتنبيه والعِظة.

ولاحظوا كتاب(إحياء العلوم. للغزالي، ج 1، كتاب أسرار الحجّ، باب فضيلة المدينة الشريفة على ساير البلاد؛ وج 2، آداب السفر)، قال: فيا ليت أعلم أنَّ القائل بحُرمة السفر إلى المشاهد المشرَّفة، هو قائل بأنَ السفر لزيارة قبور الأنبياء، كإبراهيم وموسى ويحيى و ...، حرام! وهذه الفتوى لا شكّ في عدم صحّتها ... بل السفر لزيارة قبور


1- الروم: 42.

ص: 25

الأولياء والصلحاء جايز قطعاً.

قال: ذهابكم إلى المساجد السبعة بدعة، للرواية المذكورة.

قلتُ: هذه الرواية- كما مرّ- رواية موضوعة من أبي هريرة، وقد ثبت، بحمد الله والمنّة، أنّه كان غير ثقة، وكان وضّاعاً. ومع أنّه قد أسلم في أواخر عمر النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، فإنَّ أحاديثه أكثر من أحاديث سائر الصّحابة، وهو دليل على جعله الحديث.

وروايته تكون مخالفة لذهاب النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) لمسجد القبلتين، حيث كان يصلّي نحو بيت المقدس وقالت اليهود إنَّ خاتم الأنبياء يصلِّي نحو قبلتنا، فسأل الله تبارك وتعالى أنْ يجعل له قبلة غيرها، فنزلت آية(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (1)

انظر:(صحيح مسلم، الجزء الثاني، باب تحويل القبلة).

منهم مَن قال: هذه الآية نزلت في المسجد الحرام، وقد أمر أنْ يستقبل الكعبة.

قلتُ: تدبَّر في الآية المباركة، قال الله تبارك وتعالى:(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)، وهي تدلّ على أنَّه(صلي اللّه عليه و آله وسلم) كان في مسجدٍ آخر، وهو مسجد القبلتين المشهور المعروف، والذي تقولون إنَّ الذهاب نحوه بدعة. فإنْ كان في المسجد الحرام، فلا معنى لقوله سبحانه:(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)!


1- البقرة: 144.

ص: 26

5- زيارة فاطمة (عليه السلام) بنت رسول الله (صلي اللّه عليه و آله وسلم)

قال بعضهم: ما معنى زيارة فاطمة في مسجد النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وما فائدتها وقبرها في البقيع؟!

قلتُ: قبرها(صلوات الله عليها) لا يُعلَم أين، وهذا من المصيبات التي لا يمكن الجواب عنها. فلمَ أُخفي قبرها، مع أنَّها كانت بنت رسول الله، وكانت محبوبة ربّ العالمين، وقرّة عين الرسول، صاحبة المناقب والمفاخر؟!

لماذا دفنها بعلُها علي بن أبي طالب(عليه السلام) ليلًا، وغسَّلها وكفّنها ليلًا، بمقتضى وصيّتها، وهو محلّ السؤال منكم؟

لماذا أخفت قبرها، وهي بنت أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين؟! لمَ دُفنت ليلًا ولم تشيَّع بنت رسول الله؟!

بنتٌ كانت مهجة قلب الرسول، بنتٌ هي سيدة نساء العالمين، بنتٌ هي من أهل الجنَّة، بنتٌ هي روح النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) وشُجْنَةمنه، وبضعة للرسول، بنتٌ هي التي قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في حقّها، وهو منقبة لبعلها، وفضيلة لابنيها:

ص: 27

«فاطمة مُهجة قلبي، وبعلها نور بصري، وأبناؤها ثمرة فؤادي، والأئمّة من ولدها أُمناء ربّي، وحبله الممدود بينه وبين خلقه، مَن تمسَّك(اعتصم) بهم نجى، ومَن تخلّف عنهم هلك(هوى)»، كما رواه الزمخشري.

وقد كُتبت هذه الرواية على حجر من قبرها الرَمزي في المسجد النبوي، شاهدته قبل أربعين سنة، لا أعلم أنّكم ترونه أم لا؟!

وفاطمة من مصاديق آية التطهير، كما ورد في باب فضائل أهل بيت النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في(صحيح مسلم، الجزء السابع). قالت عائشة:(خرج النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) غداة، وعليه مرط مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثُمَّ جاء الحسين فدخل معه، ثُمَّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثُمَّ جاء عليٌّ فأدخله، ثُمَّ قال:(إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (1).

فاطمة التي هي من أصحاب المباهلة مع كبار النصارى، ونزلت في حقِّهم:(فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (2).

هذه فاطمة .. ومع الأسف قبرها مجهول، فلا بدّ لنا أنْ نفكَّر في ذلك، لمَ موضع قبرها مجهول؟! ولمَ تُدفَن ليلًا؟! (3) ولمَ أمرت عليَّاً أنْ


1- الأحزاب: 33
2- آل عمران: 61
3- أسد الغابة، ج 7، ص 226.

ص: 28

لا يكشفها إذا توفّيت، وأنْ يدرجها في ثيابها كما هي؟! ونقل كل ذلك عن الطبقات الكبرى.

منهم مَن قال: قبرها في البقيع معلوم وليس بمجهول، ومَن شيّعها يعلم مدفنها وقد غُسّلت وكُفّنت ودُفنت ليلًا.

قلتُ: هو قبر فاطمة بنت أسد الهاشمية، أُمّ مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام).

ص: 29

6- مَن هو أمير المؤمنين؟

قال: أبو بكر وعمر كانا أميري المؤمنين.

قلتُ: هل نسيتم يوم الدوح (1)، يوم غدير خمّ، ما قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) «ألستُ أولى منكم بأنفسكم»، أي: ألستُ عليكم أميراً وزعيماً وسلطاناً، فأقرَّ مَن كان في الغدير بأنَّه «بلى يا رسول الله»، ومنهم الخلفاء، ثُمَّ قال: «مَن كنت مولاه(أي: أميره وزعيمه وسلطانه)، فعليٌّ مولاه»؟! وهذا الحديث متَّفق عليه بين العامّة والخاصّة. فكان علي(عليه السلام) أمير المؤمنين عند مَن آمن بالله ورسوله. ويدلُّ على ذلك حديث المنزلة، وحديث الراية، وحديث الثقلين، وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة ..

ويدلّ عليه آيات كثيرة، كآية التطهير، وآية(أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ) (2)، وآية(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (3)

، وآية التبليغ، وآية(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (4)، وآية(لا يَنالُ عَهْدِي


1- بحار الأنوار، ج 28، ص 247
2- النساء: 59
3- المائدة: 55
4- المائدة: 3.

ص: 30

الظَّالِمِينَ) (1)

، وآية(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (2)

، وآيات أُخرى يُستدلّ بها في بحث الإمامة. وكذلك يستدلّ على عظمة أمير المؤمنين بسورة(هل أتى)، وسورة النبأ، وسور أُخرى ..


1- البقرة: 124
2- القدر: 5 4.

ص: 31

7- روايات عن فاطمة (عليه السلام) وفي فضلها

منهم مَن قال: الكليني لم ينقل عن فاطمة رواية. ما كان نظره في حقّها؟

قلتُ: لم تُنقل كلّ الروايات في الكافي، يجب عليكم النظر في جميع كتبنا وكتبكم، فالروايات عنها كثيرة. انظروا إلى مسند فاطمة الزهراء للسيوطي، ترون روايات متعدّدة عنها(عليه السلام).

منها هذه الرواية عن فاطمة رضي الله عنها: أنَّها دخلت على رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) فقالت: «يا رسول الله، هذه الملائكة طعامها التهليل والتسبيح والتحميد، فما طعامنا؟

قال: والذي بعثني بالحق، ما اقتبس في آل محمد نار منذ ثلاثين يوماً، فإنْ شئتُ أمرت لك بخمسة أعنز، وإنْ شئت علّمتك خمس كلمات علَّمنيهنَّ جبرئيل.

فقالت: بل علِّمني الخمس كلمات الّتي علَّمكهُنَّ جبرئيل.

فقال: يا فاطمة، قولي: يا أوَّل الأوّلين، ويا آخر الآخرين، ويا ذا القوّة المتين، ويا راحم المساكين، ويا أرحم الراحمين».

ومنها هذا الدعاء: «يا حيُّ يا قيّوم، برحمتك أستغيث، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كلّه». وقد نقله الهيثمي في

ص: 32

مجمع الزوائد، ج 10 ص 117، عن أنس، ورواه البزار، ورجاله رجال الصحيح.

وأمَّا في الكافي، فعنها روايات كثيرة لم تلاحظوها.

وألّفت كتاباً سُمّي ب-(مرآة الحكمة الصافية) فيما ورد ونُقل عن الصديقة الطاهرة، المشهور ب-(بمسند فاطمة الزهراء(عليها السلام))، يشتمل على حدود خمسمائة حديث، ونقلت من الكافي روايات كثيرة في: كتاب الصلاة، ورواية أنَّ تسبيحها يعدل ألف ركعة من الثواب، ورُوي ذلك عن جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)- المدفون في البقيع، وأُستاذ أئمَّة مذاهبكم الأربعة- ورواية فدك، ونزول آية(وآتِ ذا القربى ..)، وفي كتاب صلاة الحائض، وباب الحجِّ، وفي آداب السفر، وباب دخول النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) وسلامه عليها، وغير ذلك ..

فكيف تقول لم ينقل الكليني رواية عنها؟!

وعلى فرض ذلك، انظروا الكتب القيِّمة عند السنُّة والشيعة، وانظروا مقامها ومنزلتها عند الله وعند الرسول(صلي اللّه عليه و آله وسلم).

فانظروا كتاب(أُسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 7، ص 220، من كتاب النساء)، قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في حقّها: «فوالله لقد أنكحتك أكثرهم علماً، وأفضلهم حلماً، وأوَّلهم سلماً».

ونقل أيضاً عن الميسور بن مخرمة، عنه(صلي اللّه عليه و آله وسلم)،

ص: 33

قال: «فإنَّها بضعة منّي، يُريبني ما رابها، ويُؤذيني ما آذاها»(ص 222). وفي هامشه نقل عن(تُحفة الأحوذي)، أبواب المناقب، باب ما جاء في فضل فاطمة(رضي الله عنها)، الحديث 10: 3959/ 369، 370. وقال الترمذي «هذا حديث صحيح».

ونقل عن أُمّ سلَمة، قالت: في بيتي نزلت(إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) (1)، قالت: فأرسل رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) إلى فاطمة، وعلي، والحسن والحسين، فقال: «هؤلاء أهلي». قالت: فقلت: يا رسول الله، أفما أنا من أهل البيت؟ قال: «بلى، إنْ شاء الله عزّ وجلّ» (2).

ورُوي أيضاً عن أنس بن مالك(ص 223): أنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، كان يمرّ ببيت فاطمة ستّة أشهر، إذا خرج لصلاة الفجر، يقول: «الصلاة يا أهل بيت محمّد(إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (3)

».

ونقل في مناقبه(ص 48، حديث 91) هذه الرواية: «إذا كان يوم القيامة، ينادي مُناد من بطنان العرش: أيّها النّاس، غُضّوا أبصاركم حتّى تجوز فاطمة إلى الجنّة».(رواها أبو بكر في الغلانيات عن أبي أيوب).


1- البقرة: 144
2- أسد الغابة، 7، 222
3- البقرة: 144.

ص: 34

وقد أخبرها في مرضه أنَّها سيدة نساء أهل الجنّة (1).


1- الكامل، ابن الأثير، ج 2، ص 323.

ص: 35

8- فضائل فاطمة (عليه السلام)

منهم مَن قال: فاطمة خليفة؟!

قلتُ: ليست خليفة؛ لأنّ الله تبارك وتعالى لم يبعث من النساء امرأة، لا في الأنبياء ولا في الأصفياء والأسباط، ولكنّ فضائلها ومناقبها ليست بأقلّ من فضائل ومناقب نبيّ، بل الأنبياء كلّهم، إلّا أباها، محتاجون إلى شفاعتها يوم القيامة.

إنَّ الخطاب المذكور في الرواية شامل للأنبياء والمرسلين أيضاً؛ لأنَّهم لا يقدرون على النظر إليها، وهي كالشمس التي لا يمكن النظر إليها، ولذا أُمروا جميعاً بأنَّه «غضُّوا أبصاركم حتّى تجوز فاطمة إلى الجنّة» (1). وزيد فيها «ونكِّسوا رؤوسكم لتجوز فاطمة بنت محمد على الصراط».

قال: هذا كان لأنَّها أجنبية، وليس لها منزلة ومنقبة.

قلتُ: لا تكليف في القيامة، التكاليف الإلهية مخصوصة بالدنيا، كما قال مولانا علي(عليه السلام): «وغداً حساب ولا عمل، اليوم عمل ولا حساب» (2).


1- تذكرة الخواص، ص 279
2- نهج البلاغة، خطبة 42.

ص: 36

فالنهي عن النظر ليس من جهة أنَّها كانت أجنبيّة، بل كان من جهة المقام والمنزلة وأنَّها كانت «سيدة نساء أهل الجنّة»، كما في أكثر الكتب من الفريقين.

وعلى أنَّه(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) (1) و(يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) (2).

فالأمر بالغضِّ ليس من هذه الجهة، أنَّها أجنبية، إذ كل الناس في خوف وتحيّر وفرار من الآخر.

وقد ذكر السيوطي في مسنده، في أحاديث متعدّدة(حديث: 187- 190- 192- 194)، أنَّ فاطمة سيّدة نساء العالمين وفي أُسد الغابة،(المجلد السابع، ص 223). وفي صحيح مسلم(الجزء السابع، ص 143) عن رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): قال: «فقال: يا فاطمة، أما ترضين أنْ تكوني سيّدة نساء المؤمنين(أو سيدة نساء هذه الأُمّة)، قالت: فضحكت ضحكي الذي رأيت».

فاطمة ممَّن نزلت لها سورة(هَلْ أَتى عَلَى الإْنْسانِ):(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (3).


1- عبس: 34- 36
2- البقرة: 144
3- الإنسان: 7-.

ص: 37

9- مَن الخليفة بعد رسول الله (صلي اللّه عليه و آله وسلم)؟

منهم مَن قال: مَن الخليفة بعد رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)؟(وكانوا يصلّون على رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) كما نصلِّي عليه).

قلتُ: لا شكَّ في أنَ الخليفة بعد رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) كان عليّاً(عليه السلام).

قال: فأبو بكر؟

قلتُ: أبو بكر من الناس، ولم يكن خليفة للمسلمين. أنسيتم قضيّة الغدير؟! ما قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في هذا اليوم؟! ألم يقُل: معاشر الناس «ألستُ أولى منكم بأنفسكم»؟! ونبَّه بهذا القول إلى الآية المباركة(النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (1).

فقالوا: «بلى يا رسول الله».

ثُمَّ قال: «مَن كنت مولاه، فهذا عليٌّ مولاه».

وأخذ بيد علي بن أبي طالب، وعرّفه بالأولويَّة على المؤمنين من أنفسهم، ولم يُعرِّف أحداً من هذا الجمع. لم يُعرِّف أبا بكر، ولم يقل مَن كنت مولاه فأبو بكر مولاه. ودعا لعلي(عليه السلام) وقال:


1- الأحزاب: 6.

ص: 38

«اللَّهم والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه»، وهذا تصريح كامل على خلافة أمير المؤمنين(عليه السلام).

ومسألة غدير خم معروفة ومشهورة بين الفريقين، ولا ريب ولا شك فيها. هذا غير ما هو صريح من أقواله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) ولمرَّات عدّة في حقّه. قال لعلي: «أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، غير أنّه لا نبيّ بعدي؟!» (1)، وفي رواية أُخرى في هذا الباب: «إلّا أنّه لا نبوَّة بعدي».

فهذا لا يكون صريحاً للخلافة والرئاسة التامّة؟!

لم لا تتفكَّروا في هذه الأحاديث الصحيحة المعتبرة؟! هذه الأحاديث، مع أحاديث أُخر، لا تكفيكم لإثبات الخلافة لعليّ(عليه السلام)؟!

ما تقولون في جواب هذه الأحاديث المرويّة عن الثقاة، المشهورة بين الفريقين؟

فما جوابكم في حلِّ هذه الآية المباركة في سورة محمّد:(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) (2)؟

كيف أنكروا وصيَّة رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في الغدير؟! ألم يبيِّن لهم الهدى؟! ألم يسمعوا كلامه(صلي اللّه عليه و آله


1- صحيح البخاري، باب مناقب علي بن أبي طالب، الجزء الخامس، ص 22؛ وكذلك في صحيح مسلم، الجزء السابع، ص 120، باب فضائل علي بن أبي طالب
2- محمد: 25.

ص: 39

وسلم) «مَن كنت مولاه فهذا علي مولاه»؟!

منهم مَن قال: جوابنا إجماع المسلمين على انتخاب أبي بكر للرئاسة والإمامة.

قلتُ: قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم:(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (1). فمع هذه الآية الكريمة ليس لأحد حقّ أنْ ينتخب للخلافة أحداً، بعد أنْ عيَّن الله تبارك وتعالى ورسوله عليَّاً للولاية والخلافة كما مرّ، وهذا مخالف لصريح القرآن المجيد، والمخالفون لقضاء الله مطرودون من عند الله سبحانه؛ لأنَّ هذا العمل كان كعمل الشيطان، حيث إنَّه أُمر الملائكة بالسجود لآدم(عليه السلام)، ولم يسجد إبليس، أبى واستكبر وصار من الكافرين المطرودين.

مع أنَّ الإجماع لم يتحقَّق؛ فالإجماع يتحقَّق في زمان يجتمع فيه جميع المسلمين للبيعة ولتعيين الخليفة.

ولا يحقّ لإنسانٍ بعد تعيين الله سبحانه الخليفة، وكذا بعد نصب رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) عليّاً يوم الغدير خليفةً وإماماً، وتعريفه بأنَّه خليفة له، وقبول الجمع الذين حضروا الغدير خلافته(عليه السلام) بقولهم «بلى»؛ لا يحقّ لهم تعيين الخليفة بعد كل ذلك.

وعلى فرض صحّته، فكون أنَّ هناك أفراداً صالحين لم يحضروا السقيفة يمنع تحقّق الإجماع، فكيف يتحقَّق الإجماع؟! وإن كان تحقّق


1- الأحزاب: 36.

ص: 40

الإجماع- الذي لم يتحقَّق-، فيكون باطلًا ومخالفاً لله سبحانه ولرسوله.

منهم مَن قال: مثل مَن؟ ومَن هُم؟

قلتُ: لم يُبايع من أهل بيت النبوَّة أحد، مع أنّهّم الأصل في البيعة، وكذلك الأكابر من الصحابة وغيرهم، كالفضل بن عباس، وسعد بن عبادة، وحذيفة، والزبير، وعمار، ومالك بن نويرة، وبلال، وأبي ذر، والمقداد، والعبّاس بن عبد المطّلب، وغيرهم من المسلمين المعروفين المحترمين بين الناس، المشهورين بالزهد والتقوى، المطيعون لله ورسوله.

ومنهم فاطمة بنت الرسول، سيّدة نساء العالمين، واحدة كألوفٍ لم تحضر، ولم تبايع، وهي علامة بطلان قضية السقيفة.

وكذلك علي بن أبي طالب(عليه السلام)، أوّل مَن آمن وأسلم، أعلم الناس، أشجع الناس، أسخاهم، الذي يُنادى في غزوته: «لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتى إلّا علي»، والذي قال النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) له: «يا علي، أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ..»، والذي قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) عنه: «لأُعطينّ الراية رجلًا يُحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله» (1)، وقال له: «أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى» (2)، وعبَّر(صلي اللّه عليه و آله وسلم) عنه بقوله يوم خيبر: «لأُعطينّ الراية رجلًا يفتح الله


1- البخاري، باب فضائل علي بن أبي طالب، الجزء السابع، ص 120.
2- المصدر السابق، ص 120- 121.

ص: 41

على يديه، يحبّ الله ورسوله» (1)

، وقوله مخاطباً له: «فوالله لأنْ يهدي الله بك رجلًا واحداً خير لك من أنْ يكون لك حُمر النِّعم» (2)، وهو الذي سمَّاه رسول الله بأبي تراب، إذ رآه في المسجد ووجد رداءه قد سقط عن ظهره، وخلص التراب إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول: «اجلس يا أبا تراب، مرَّتين» (3). ونُقل عن سهل بن سعد، قال: «ما سمَّاه إلّا النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وما كان له اسم أحبّ إليه منه» (4)، وغير ذلك من الروايات ..

فانظروا إلى خصائص مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، حتى تعرفوه، هذا غير ما نُقل في كتب أكابركم من المناقب والفضائل.

قال بعضهم: إنَّ علي بن أبي طالب كان شابّاً، لم يصلح للخلافة، وأمّا أبو بكر، فكان أكبر سنّاً، يقبله العامّة.

قلتُ: ليس من شرائط الخلافة كبر السنّ، وعليّ، وانْ كان أصغر سنّاً، ولكنّه كان أعلم الناس وأشجع الناس، وأقضاهم، وأسخاهم، وهو منتجَب الله سبحانه ورسوله. الله أعلم حيث يجعل رسالته، أم الناس؟! أما ترون أنّه قال(عزّ وجلّ) في كتابه:(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا


1- المصدر السابق، ص 121؛ والبخاري، الجزء الخامس، ص 22، باب مناقب علي بن أبي طالب.
2- المصدر السابق، الجزء الخامس، ص 23
3- المصدر السابق، ص 23
4- المصدر السابق، ص 23.

ص: 42

مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (1)؟! ألم تعلموا أنّ الله تبارك وتعالى أرسل جبرائيل يوم الغدير لبيان حكم الخلافة، ونصب رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) علياً علماً؟! وقال ما فيه مصلحة العامّة، ولم يقل كان علياً شابّاً. فإجماع عدّة من المسلمين كان خلاف قول الله عزّ وجلّ، وكان مخالفة لقول النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم).

إنَّ خلافة أبي بكر للمسلمين كانت من تصميمات عمر، كما قال أبو بكر مخاطباً الناس: «أيّها النّاس، إنّي وُلِّيت أمركم ولستُ بخيركم، فإذا أحسنتُ فأعينوني، وإنْ أسأت فقوّموني، إنَّ لي شيطاناً يعتريني، فإيّاكم وإيّاي إذا غضبت ... فإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم. قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله» (2).

وفي سائر الكتب عن أكابركم:(كيف تصحّ إمامة مَن يستعين بالرعيّة على تقويمه؟!).

وقال ابن عباس: فلمّا قدمناها(المدينة)، هجرت يوم الجمعة لحديث عبد الرحمن، فلمّا جلس عمر على المنبر، حمد الله وأثنى عليه، ثُمّ قال بعد أن ذكر الرّجم وحدّ الزنا، أنّه: «بلغني أنَّ قائلًا منكم يقول: لو مات أمير المؤمنين بايعت فلاناً، فلا يغرنّ امرءً أنْ يقول إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة، فلقد


1- الأحزاب: 36
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 5، ص 20.

ص: 43

كانت كذلك، ولكنّ الله وقى شرّها ... الخ» (1). ومثل ذلك عبارة الطبري، كما في هامش الشرح.

ومع تشكيل السقيفة، فإنَ هناك اختلاف بين المسلمين، والاختلاف باق إلى آخر الدهر، وهذا القول من عمر ومن أبي بكر دليل على عدم صحّة خلافة غير علي بن أبي طالب(عليه السلام)، واتّخاذ سواه صراط غير مستقيم، تزلّ عليه إقدام المسلمين.

وكان عمر، هو الذي شدّ بيعة لأبي بكر، ووَقم المخالفين فيها، فكسر سيف الزبير لمّا جرَّده، ودفع على صدر المقداد، ووطئ في السقيفة سعد بن عبادة، وقال: اقتلوا سعداً، قتل الله سعداً، وحطّم أنف الحباب بن منذر، الذي قال يوم السقيفة: «أنا جُذَيلُها المحكّك وعُذيَقها المرجّب»، وتوعَّد مَن لجأ إلى دار فاطمة(عليه السلام) من الهاشميين، وأخرجهم منها، ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر، ولا قامت له قائمة (2). ومع ذلك وقع إجماع على بيعة أبي بكر .. ماذا تقولون؟!!

لاحظوا الخطبة المعروفة بالشَقشَقيّة والمقمّصة، قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحا، ينحدر عنّي السّيل، ولا يرقى إليّ الطّير، فسدلت دونها ثوباً، وطويت عنها كشحاً» إلى قوله: «فصبرتُ وفي العين قذى، وفي الحلق شجاً، أرى تراثي نهباً ...» (3).


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 2، ص 23، 26، 30
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1، ص 161،(طرف من أخبار عمر بن الخطاب)
3- نهج البلاغة: خطبة 3.

ص: 44

منهم مَن قال: ليست هذه الخطبة لعلي، بل من الرّضي جامع أقواله.

قلتُ: راجعوا شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، فقد ذكر بأنّ كثيراً من النّاس يقولون: إنّها من كلام الرّضي ... فقال: أنّى للرضيِّ ولغيره هذا النفس وهذا الأسلوب؟! ثُمَّ قال إنَّ هذه الخطبة كثيرٌ منها في تصانيف شيخنا البلخي، ومات قبل أن يكون الرضي موجوداً (1).

منهم مَن قال: قد بايع عليٌّ أبا بكر.

قلتُ: لم يبايعه حتّى ماتت بنت رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، كما في شرح نهج البلاغة. قال: «وانصرف عليٌّ إلى منزله ولم يبايع، ولزم بيته حتّى ماتت فاطمة، فبايع» (2). وقال: «قلت: هذا الحديث يدلّ على بطلان ما يدَّعى من النصّ على أمير المؤمنين وغيره؛ لأنّه لو كان هناك نصّ صريح، لاحتجّ به، ولم يجر للنصّ ذكر ...».

قال ابن أثير في كامله: «والصحيح أنَّ أمير المؤمنين ما بايع إلّا بعد ستة أشهر» (3).

إن كانت البيعة جائزة شرعاً، لمَ لم يبايع عليٌّ في زمان السقيفة؟!


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1، ص 184، ذيل الخطبة الشقشقية
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 3، الجزء 6، ذيل(ومن كلام له(عليه السلام) في معنى الأنصار)
3- الكامل، ابن أثير، ج 3، ص 325.

ص: 45

فلابدّ أن يقال إنَّ البيعة ليست باختياره، بل كانت بإجبارٍ وإكراه، خوف الفتنة وللمصلحة العامّة.

وإنّي أتعجّب من عُمر كيف بايع أبا بكر، وهو القائل: إنّ رسول الله لم يمُت، ولكنّه غاب عنّا، كما غاب موسى عن قومه، وليُرجمنّ، وليُقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنّه مات! فجعل لا يمرّ بأحد يقول إنّه مات، إلّا ويخبطه ويتوعّده، حتّى جاء أبو بكر فقال: أيّها النّاس، مَن كان يعبد محمّداً، فإنّ محمّداً قد مات، ومَن كان يعبد ربّ محمد، فإنّه حيّ لم يمت. ثُمّ تلا قوله تعالى:(أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) (1). قالوا: فوالله لكأنَّ الناس ما سمعوا هذه الآية حتّى تلاها أبو بكر. وقال عمر: لما سمعته يتلوها هويت إلى الأرض، وعلمت أنّ رسول الله قد مات (2).

وقال: إنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قال: «إنَّ النبوّة والإمامة لا يجتمعان في بيت» (3).

فكأنَّما لم يقرأ في القرآن الآيات التي جعل الله تبارك وتعالى النبوّة والإمارة في بيت واحد، مثل ما قال سبحانه في سورة يوسف:(وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأْحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) (4).


1- آل عمران: 144
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1، ص 165؛ الكامل، ابن أثير، ج 3، ص 324؛ مع اختلاف يسير، الطبقات الكبرى، ج 1، ص 533- 534
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1، ص 173
4- يوسف: 6.

ص: 46

وقد نسى قول الله تبارك وتعالى:(وَقالَ مُوسى لأِخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (1)، وقوله عزّ وجلّ:(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (2).

وهذا القول كذب محض على النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، بعد واقعة الغدير، وبعد روايات كثيرة صدرت عنه(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في حقّ علي أمير المؤمنين، وبعد التدبّر في حالات موسى وأخيه هارون وإبراهيم وآله، حيث جعل الله سبحانه النبوّة والإمامة في بيت واحد، هدانا الله تعالى إلى صراطه.


1- الأعراف: 142
2- النساء: 57.

ص: 47

10- علي وفاطمة (عليه السلام) لم يكونا راضيَين عنهما

منهم مَن قال: إنَّ علياً وفاطمة لم يكونا راضيين عنهما؟

قلتُ: كيف يرضيان عنهما وقد اختلفا في ليلة احتضار رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)؟! لاحظوا صحيح البخاري (1)، ثُمَّ راجعوا الجزء السادس من شرح نهج البلاغة. قال ابن أبي الحديد: «هذا الحديث قد خرّجه الشيخان، محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجّاج القشيري، في صحيحهما، واتَّفق المحدّثون كافّة على روايته (2)

.

عن ابن عباس قال: لمّا اشتدّ بالنبيّ وجعه، قال: ائتوني بكتاب، أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، قال عمر: إنَّ النبي غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللَّغَطُ، فقال: قوموا عنّي، ولا ينبغي عندي التنازع. فخرج ابن عباس يقول: إنَ الرزيّة كلّ الرزيّة، ما حال بين رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) وبين كتابه».

في هذه الرزيّة أشياء لا يمكن حمل الصحّة عليها.

أحدها: مخالفة الرسول(صلي اللّه عليه و آله وسلم) وعدم إطاعته


1- صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم، ح 114
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 3، ص 234، ذيل(ومن كلام له في معنى الأنصار).

ص: 48

وأذيّته. قال الله سبحانه في كتابه:(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالآْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (1).

فكّروا من غير تعصّب وتقليد لآبائكم، ماذا أراد النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) أنْ يكتب من كتاب لا يضلّ المسلمون بعده؟ فهل مراده غير تعيين الوصي، وغير هداية المسلمين؟!

لماذا منعوه عن الكتابة، ولماذا خالفوه؟!

ألم يعلموا أنّه(وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (2)؟!

أ لم يقرؤوا آية(ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (3)؟!

ألم يعلموا أنَّ الله تبارك وتعالى قال:(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً) (4)؟!

الضلال المُبين، هو الذي يُشاهَد بعد رحلة النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، كما هو في قوله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «أكتب لكم كتاباً لاتضلّوا بعده»، فكلّ الجرائم، وتمام الضلال، كان سببه الخليفتان اللّذان ادَّعيا مقام الخلافة، واتّهما نبيّهما بأنّه(قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله)، وأنّه(لَيَهجر) كما في البخاري (5)، ونبذا عهده في خليفته، وطرقا طريق الغدر عليه،


1- الأحزاب: 57
2- النجم: 3
3- الحشر: 7
4- الأحزاب: 36
5- البخاري، ج 6، ص 12.

ص: 49

والخلاف لأمره، ومنعا خليفته من سدِّ الثلم وتقويم العوج، وكفرا نعمته.

منهم مَن قال: كان هذا عند احتضاره، ولم يُخالفا في حال حياته.

قلتُ: رسول الله هو محمّد رسول الله إلى آخر عمره، ولا فرق بين حال احتضاره وغيره، ولا فرق في مخالفتهما في الحالتين، مع أنَّهما قد خالفا الغدير، الذي كان في حياته وقدرته.

وماذا فعلا وارتكبا بعد وفاته، بحيث إنَّ فاطمة بنت رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)(هجرَتْهما فلم تكلِّمهما) حيث جاءا لعيادتها (1)؟!

لماذا هجرتهما، ولماذا لم تتكلَّم معهما؟

لأنّها أُوذيت من أفعالهما. ورسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قال: «إنّ الله يغضب لغضب فاطمة، ويرضا لرضاها». وفي تذكرة الخواص ص 278، وفي أُسد الغابة ج 6 ص 224 قال: «إنَّ الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك».

وقد روى محمد بن سعد في طبقاته،(الجزء الثاني ص 169، في ذكر بيعة أبي بكر) عن عبيد الله- أظنّه- عن أبيه، قال: لما وُلِّي أبو بكر، خطب بالناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثُمَّ قال: أمّا بعد .. أيّها النّاس، قد ولّيت أمركم ولستُ بخيركم ...- إلى قوله:- فإنْ أحسنت فأعينوني، وإنْ زِغت فقوّموني.


1- البخاري، ج 5، ص 177.

ص: 50

ونقل السيوطي في مسنده،(ص 28، حديث 40) عن عائشة: «أنَّ فاطمة رضي الله عنها، بنت رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) أن يُقسِّم لها ميراثها، ممّا ترك رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) ممّا أفاء الله(عليه). فقال لها أبو بكر: إنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قال: لا نورّث، ما تركنا صدقة.

فغضبت فاطمة، فهجرت أبا بكر، فلم تزل هاجرة له حتى توفّيت ...»

وقال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) لعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين: «أنا حرب لمَن حاربتم، سِلم لمَن سالمتم» (1)، وقال الله تبارك وتعالى في سورة المائدة:(إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأْرْضِ فَساداً ... لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الآْخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (2).

قال بعضهم: قال الله سبحانه بعدها:(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (3).

قلتُ: هذه الآية شاملة لمَن تاب توبةً نصوحة، لا مَن حارب بعد التوبة ولم يثبت في توبته، بل العداوة والحرب دامت بعد رحلة النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم).


1- أسد الغابة، ج 6، ص 225
2- المائدة: 33
3- المائدة: 34.

ص: 51

فمع هذه الأدلّة لا يبقى ملاك لصحّة خلافة أبي بكر، والقاضي بيننا بالحقّ العقلاء والمتفكّرون والله تبارك وتعالى ورسوله(صلي اللّه عليه و آله وسلم).

وماذا تقولون في تخلّفهما عن جيش أسامة؟

ألم يسمعا قول رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «إنْ تطعنوا في إمارته، فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل، وإنّه لخليق للإمارة، وكان أبوه خليقاً لها، وأوعَب مع أسامة المهاجرون الأوّلون، منهم: أبي بكر وعمر. فبينما النّاس على ذلك، ابتدأ برسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) مرضه» (1).

وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: «فجعل يقول: أنفذوا بعث أسامة، لعن الله مَن تخلّف عنه» وتكرّر ذلك ... ومعه أبي بكر وعمر، وأكثر المهاجرين ومن الأنصار ... قال: فما كان أبو بكر وعمر يخاطبان أسامة إلى أن ماتا إلّا بالأمير (2).


1- الكامل لابن أثير، ج 2، ص 317، ط بيروت
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 3، الجزء 6، ص 234، ذيل(من كلام له(عليه السلام) في معنى الأنصار).

ص: 52

11- طلبُ إرثها (عليه السلام) من أبي بكر

ماذا تقولون في طلب إرثها(عليه السلام) من أبي بكر؟

منهم مَن قال: إنَ فدك كانت نحلة ولم يكن إرثاً.

قلتُ: نعم، كانت نحلة لفاطمة، بدليل آية(فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (1)،(وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (2).

قال القندوزي الحنفي في كتابه (3): أخرج الثعلبي في تفسيره، قال علي بن الحسين- رضي الله عنهما- لرجل من أهل الشام: «أنا ذو القرابة التي أمر الله أن يُؤتَى حقّه».

وفي مجمع الفوائد عن أبي سعيد قال: لما نزلت(وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ)، دعا النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) فاطمة، فأعطاها فدك (4). وكذلك السيوطي ذيل الآية المباركة، وغير ذلك من تفاسير الفريقين.

فعلى ذلك، لماذا منعها عمر وأبو بكر عن فاطمة(عليه السلام)؟

قال: قد ادَّعت فاطمة بأنَّها كانت إرثاً، ورسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث، ما تركناه صدقة».


1- الروم: 38
2- الإسراء: 26
3- ينابيع المودَّة، ج 1، باب 39
4- المصدر السابق.

ص: 53

قلتُ: هذا أيضاً كذب وافتراء على النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وهذا أذيّة أُخرى لبنت رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، ويكون من مصاديق الآية المباركة(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالآْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (1)، وهذا مخالف لقول الله تبارك وتعالى:(وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) (2)، ومخالف لقوله سبحانه في قصّة زكريا:(فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) (3).

منهم مَن قال: ليس هذا من الإرث المعروف بين النّاس في المال، بل يكون من العلم والنبوّة والإمامة.

قلتُ: ليس كذلك؛ لأنّ فاطمة كانت من العترة، والعترة كانوا أعلم النّاس في معرفة الأحكام الشرعية، ولذا استدلَّت فاطمة(عليه السلام) بالآيات المذكورة وقالت:(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأْنْثَيَيْن) (4)

. وغير ذلك من الآيات. وأبى أبو بكر وروى رواية موضوعة وقال: إنّي سمعت رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) يقول: «لا نورِّث، ما تركناه صدقة» إلى أنْ قال: «فهجرته فاطمة فلم تكلّمه حتّى ماتت» (5).

ونقل أيضاً أنَّها قالت: يا أبا بكر، أترثُك بناتك ولا ترث رسول


1- الأحزاب: 57
2- النحل: 16
3- مريم: 5
4- النساء: 11
5- شرح نهج البلاغة، ج 8، الجزء 16، ص 382، ذيل «ومن كتاب له(عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري».

ص: 54

الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) بناته؟! فقال: هو ذاك.

وفي رواية «أتته فاطمة فقالت: إنَّ رسول الله أعطاني فدك.

فقال لها: هل على ذلك بيّنة؟

فجاءت بعليّ(عليه السلام) فشهد لها، ثُمَّ جاءت أُمّ أيمن فقالت: ألستما تشهدان أنِّي من أهل الجنّة؟ قالا: بلى،- قال أبو زيد:(يعني أنّها قالت لأبي بكر وعمر)- قالت: فأنا أشهد أنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) أعطاها فدك.

فقال أبو بكر: فرجل آخر أو امرأة أُخرى لتستحقِّي بها القضيّة». (1) ما تقولون جواب هذه القضيّة؟!

ما قال أبو بكر لفاطمة؟ قال لها: هل على ذلك بيّنة؟ فهل هي محتاجة إلى بيّنة؟! فهل يمكن أن تكذب سيّدة نساء أهل الجنّة؟! وهل يصحّ أو يتصوّر أنْ تكون كاذبة مَن كانت مهجة قلب النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، ومَن كانت من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً؟! وكذا ممَّن يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها، ومَن قبّلها رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) إذ قدم من


1- شرح نهج البلاغة، ج 16، ص 383.

ص: 55

سفره وقال: فاطمة أحبّ إليّ منك، مخاطباً علي، وأنت أعزّ عليّ منها، وقال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: أنا حرب لمَن حاربتم، سلم لمَن سالمتم، وقيل في حقّها يوم القيامة: نادى منادٍ من وراء الحجاب: يا أهل الجمع، غضّوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمد حتّى تمرّ، وغير ذلك من فضائلها .. (1) أفلا ترون في كتبكم أنّه(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قال: فإنّها بضعة منّي، يريبني ما رابها، ويُؤذيني ما أذاها (2). قال الترمذي: «هذا حديث صحيح».

ولم يقبل أبو بكر شهادة مَن هو نفس الرسول، طبق آية(أَنْفُسَنا)، ومَن قال النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في حقّه: «يا علي، أنت في الجنّة» قالها ثلاثاً.

وقال له: «أنت سيّد في الدنيا وسيّد في الآخرة».

وقال له: «مَن آذى عليّاً فقد آذاني».

وفي حديث الطير المشوي قال: «اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطائر، فجاء علي(عليه السلام) فأكل معه».

وقال: «علي منّي وأنا منه».

وقال: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه»، أو «مَن كنت مولاه أو وليّه فعليّ وليّه».

وحديث «لأُعطينّ الراية غداً رجلًا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله»، يوم خيبر.


1- انظروا: أسد الغابة، ج 7، ص 220
2- تحفة الأحوذي، أبواب المناقب، باب ما جاء في فضل فاطمة(ع)، ح 3959، 1، 369.

ص: 56

ورواية «يا علي، أنت أخي وأنا أخوك».

ومَن نزلت في حقِّه آية المباهلة (1) وآية التطهير (2)، وسورة هل أتى وسورة النبأ، وآية التبليغ (3) وآية(أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ) (4)، وآيات أُخر.

انظروا تذكرة الخواص، و تاريخ ابن عساكر، وسائر الكتب، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، وفضائل الصحابة، وصحيح مسلم والبخاري، وغير ذلك.

فمع هذه الأدلّة، لم يكن أبو بكر محكوماً في العالم، ولم يكن مؤذياً لعلي وفاطمة، وأمّ أيمن، وغيرهم من الصحابة، فالحاكم هو الله تبارك وتعالى، والعقلاء والمتفكّرون، وأولو الألباب في العالم، كما قالت فاطمة لأبي بكر: «فنِعم الحكم الله، والزعيم محمّد(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المُبطلون ...» (5).

منهم مَن قال: في الكافي باب «أنَّ النّساء لا يرثن من العقار ولا من الأرض»، وكذلك في التهذيب «النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً»، فلا حقّ لفاطمة أنْ تطالب بميراثها.


1- فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) آل عمران: 61
2- إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) الأحزاب: 33
3- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) المائدة: 67
4- النساء: 59
5- بحار الأنوار، ج 29، ص 226.

ص: 57

قلتُ: إنْ كان كذلك، فكيف ترث عائشة؟!

وكيف جاءتا- عائشة وحفصة- ودخلتا على عثمان، أيّام خلافته، وطلبتا منه أنْ يقسم لهما إرثهما من رسول الله (1)؟!

ولمَ خاطبها ابن عباس بقوله:

تجمَّلتِ تبغّلتِ ولو عشتِ تفيّلتِ

لك التِسع من الثُمن وبالكلِّ تصرَّفتِ

وهذه الأبيات مشهورة بين الفريقين.


1- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج 16، ص 220.

ص: 58

12- دليلُ خلافة أبي بكر

ومنهم مَن قال: إنْ كان النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) متأذيّاً من أبي بكر ولم يقبله للخلافة والإمامة، فكيف أمر أبا بكر أنْ يصلّي بالنّاس في مرضه،(كما في البخاري باب الصلاة)؟!

قلتُ: مع هذه الأدلّة على أذيّته الرسول(صلي اللّه عليه و آله وسلم) حال حياته وبعد مماته، فلا مجال للبحث في ذلك، مع أنّ إرساله للصلاة ليس دليلًا على خلافته وإمامته. وإنْ كان لائقاً للولاية والخلافة، فلا بدّ أنْ يعرّفه للناس في الغدير وغيره من المواضع.

ونقل البخاري أنّه(صلي اللّه عليه و آله وسلم) وجد في نفسه خفَّة فخرج، فإذا أبو بكر يؤمّ النّاس، فلمّا رآه أبو بكر استأخر، فأشار إليه أنْ كما أنت، فجلس رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) حذاء أبي بكر، إلى جنبه، فكان أبو بكر يصلّي بصلاة رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، والنّاس يصلّون بصلاة أبي بكر. (1)


1- المصدر السابق، ج 1، ص 174.

ص: 59

13- خلافة عمر

قال بعضهم: ما نظركم في خلافة عمر؟

قلتُ: إنَّ عمر وأبا بكر شريكان في هذا الموضوع، وإنْ أجبتم على إشكالاتي في حقّ أبي بكر، فتقدرون على إجابتي في حقّ عمر. وعمر كان ممَّن أهان رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) تكراراً، وهو مَن قال في مرض النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، حين أمر النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) بإتيان الكتاب حتّى يكتب ما هو مصلحة للمسلمين، وقال: «أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده»، واتَّفق المسلمون على نقله، وأيّ شي ءٍ أراد(صلي اللّه عليه و آله وسلم) أنْ يكتب؛ قال عمر- كما في البخاري (1)-: قد غلبه الوجع، وأنّه ليهجر. وفي تذكرة الخواص: «فقال عمر: دعوا الرجل فانّه ليهجر».

منهم مَن قال: روى جابر عن النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قال: «دخلت الجنّة فرأيت فيها داراً(أو قصراً)، فقلت: لمَن هذا؟ فقالوا: لعمر بن الخطّاب، فأردت أنْ أدخل فذكرت غيرتك، فبكى عمر وقال: أي رسول الله، أوعليك يُغار؟!» (2).


1- صحيح البخاري، الجزء السادس، ص 12
2- صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عمر، ح 6274.

ص: 60

وعن علىّ قال: قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوَّلين والآخرين، إلّا النبيين والمرسلين. لا تخبرهما يا علي ماداما حييَّن» (1).

قلتُ: والعجب من مسلم كيف نقل هذه الرواية المزوَّرة في مقابل الأدلّة الماضية! فهل يمكن أنْ يكون مَن آذى رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) من جهات متعدّدة، في أوقات كثيرة، ونسب إليه نسبة الهَذَيان، ومنعه من الكتابة التي كانت مصلّحة للعامّة، وخالف أمر رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) فيها، وفي سَريَّة أُسامة، وصار ملعوناً كما ذكره أهل الحديث، وغصبَ فدكاً التي كانت لفاطمة، وردَّ شهادة علي(عليه السلام) وأمّ أيمن، والتي قال أبو بكر بعد وفاة رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) له: انطلق بنا إلى أمّ أيمن نزورها، كما كان رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) يزورها (2)، ونقل ابن الأثير في حقّها: «كان رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) يقول: أمّ أيمن أُمّي بعد أمّي، وكان يزورها في بيتها» (3)؛ مَن كان هكذا هل يمكن أن يكون سيد كهول أهل الجنة؟!!

وكان عمر ممَّن اعترض على رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في أمكنة مختلفة، فكأنّه لم يعرف أنّه رسول الله، و(ما يَنْطِقُ عَنِ


1- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 36
2- المصدر السابق، ص 144
3- أسد الغابة، ج 7، ص 303.

ص: 61

الْهَوى) (1)، ولم يفعل ما هو مبغوض لله تعالى.

وابن ماجة هو مَن نقل الرواية عن علي(عليه السلام)، ولم تُنقَل في كتاب آخر، وهذا كذب وافتراء؛ لأنَّ الكهولة لا تكون في الجنّة؛ إذ كلّ النّاس شباب. ولمَ قال النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)(لا تخبرهما ماداما حييّن)؟! فإنْ كانت هذه المنقبة صحيحة، فيلزم أنْ تُقال في زمن الحياة، حيث لا فائدة فيها بعد الحياة، وهذا علامة ضعفه وكذبه.


1- النجم: 3.

ص: 62

14- اعتراض عمر على رسول الله (صلي اللّه عليه و آله وسلم)

قال بعضهم: ما كان اعتراضه على النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)؟

قلتُ: تفكَّروا لله سبحانه في هذه القضيّة. روى مسلم عن ابن عمر، قال: «لما توفّي عبد الله بن أُبيّ بن سلول، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، فسأله أنْ يعطيه قميصه، أنْ يكفّن فيه أباه، فأعطاه، ثُمَّ سأله أنْ يصلّي عليه، فقام رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) يصلّي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، فقال: يا رسول الله، أتصلّي عليه، وقد نهاك الله أنْ تصلّي عليه؟!

فقال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): إنّما خيّرني الله، فقال: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، إنْ تستغفر لهم سبعين مرَّة، وسأزيد على ذلك، قال: إنّه منافق. فصلّى عليه رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وأنزل الله عزّ وجلّ: ولا تصلّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره» (1).


1- صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر، ح 6285.

ص: 63

وكذلك في تفسير السيوطي، ذيل الآية المباركة (1)، قال: أخرجه ابن ماجة والبزار وابن مردويه عن أنس: «فأخذ جبرائيل بثوبه وقال: لا تصلّ على أحد منهم مات أبداً، ولا تُقم على قبره». وأخرجه ابن منذر عن عمر بن الخطاب.

يستفاد من ذلك أنَ عمر كان أعلم وأتقى، وأعمل بالوظيفة الإلهيّة من رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وأنّه(صلي اللّه عليه و آله وسلم) لم يعرف وظيفته، وعمر يُنبّهه، وصلَّى النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) على عبد الله بن أبيّ بن سلول فنزلت الآية المباركة!

والرواية موضوعة قطعاً؛ لأنَ عمر ما كان لائقاً للاعتراض على النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وكان من أُمّته وما يعلم أنّ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) كان قوله وفعله عن الوحي!


1- ج 3، ص 266.

ص: 64

15- كيفية انتخاب عمر للخلافة

قلتُ لهم: عن أيِّ طريق انتُخب عمر للخلافة؟

قالوا: كان بانتخاب أبي بكر؛ حيث أوصى بأنّه يكون خليفته من بعده.

قلتُ: أبو بكر كان أعلم من رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)؛ لأنّه(صلي اللّه عليه و آله وسلم) لم يوصِ ولم يعيِّن أحداً للخلافة؟!

قالوا: لا.

قلتُ: فلمَ لم يوصِ النبي بالخلافة لأحدٍ، وأبو بكر قد أوصى بالخلافة، وكان مُنتخباً من جانب عدَّة معدودة؟!

لمّا أراد النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) أنْ يوصى بالخلافة منعوه، ومنهم عمر بن الخطّاب، وقال: إنَّ الرجل لَيهجر، أو(قد غلبه الوجع)، ولكنّه لم يهجر، ولم يغلبه الوجع حين الوصيّة، وكُتبت وصيّته بيد عثمان، في زمان غُشي عليه تارة، وأفاق مرّة أُخرى (1)! ولمّا فرغ من الكتابة، دخل عليه قوم من الصحابة، منهم طلحة، فقال له: ما أنت قائل لربِّك غداً، وقد ولّيتَ علينا فظّاً غليظاً، تفرَّق منه


1- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج 1، ص 165.

ص: 65

النفوس وتنفضّ عنه القلوب ... (1).


1- المصدر السابق، ص 164.

ص: 66

16- خلافة عثمان

ومنهم مَن قال: ما نظركم في خلافة عثمان؟

في سُنن ابن ماجة، عن أبي هريرة، إنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قال: «لكلّ نبي رفيق في الجنّة، ورفيقي فيها عثمان بن عفّان» (1).

قلتُ: كان عثمان أسوأ حالًا منهما، صار خليفةً بوصيّة عمر بتشكيل الشورى، وقال: إنَّ رسول الله مات وهو راضٍ عن هذه الستّة من قريش: علي، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وقد رأيت أنْ اجعلها شورى بينهم، ليختاروا لأنفسهم (2).

ونقل قضيّة الشورى أكثر المؤرِّخون.

منهم مَن قال: هل رأيت حديث أبي موسى الأشعري في صحيح


1- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 40
2- شرح النهج البلاغة، ج 1، ص 185.

ص: 67

مسلم، من أنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) بشَّره بالجنّة، كما أنّه بشَّر أبا بكر وعمر بالجنّة (1)؟

قلتُ: نعم رأيته، ولكنّه حديث موضوع، كما أنّه رواية ابن ماجة عن أبي هريرة الكذّاب الوضّاع، وكثيراً ما ينقل مسلم في كتابه أمثال ذلك، ولأنَّه مع الأدلّة السابقة لا مجال لهذه الروايات الموضوعة، فيكفي لبطلانها قضية الغدير، وروايات كثيرة وردت بفضائل علي بن أبي طالب(عليه السلام) في كتب الفريقين.

فهل عثمان كان من العترة؟! وهل كان باب مدينة علم الرسول(صلي اللّه عليه و آله وسلم)؟! وهل كان أعلم النّاس، وأشجع الناس، وأتقى الناس، وأزهد الناس؟! وهل كان مصداق آية التطهير، وآية المباهلة، وآية الولاية، وآية التبليغ، وغير ذلك ..؟!

فلأيِّ سبب يكون من أهل الجنّة؟! من جهة غصب الخلافة، أو من جهة كثرة الأموال وتقسيم بيت المال على عشيرته، أمثال وليد الشارب للخمر، الفاسق الفاجر؟!

قِيسوا تبذيره وانحرافه بالحسن بن علي(عليه السلام)،- المدفون في البقيع- قال ابن أبي الحديد في شرحه، وروى محمد بن حبيب في أماليه: أنَّ الحسن(عليه السلام) حجَّ خمس عشرة حجّة ماشياً ... وخرج من ماله مرّتين، وقاسم الله عزّ وجلّ ثلاث مرّات ماله، حتّى أنّه كان يعطي نعلًا ويمسك نعلًا، ويعطي خفّاً ويمسك خفّاً (2).


1- صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عثمان، ح 6290
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 8، الجزء 16، ص 230.

ص: 68

وفي قصّة الشورى قال عمر: ادعوا إليّ أبا طلحة الأنصاري، فدعوه له، فقال: انظر يا أبا طلحة، إذا عدتم من حفرتي، فكُن في خمسين رجلًا من الأنصار، حاملين سيوفكم، فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله، وأجمعهم في بيت، وقف بأصحابك على باب البيت؛ ليتشاوروا ويختاروا واحداً منهم، فإنْ اتّفق خمسة وأبى واحد، فاضرب عنقه، وإنْ اتَّفق أربعة وأبى اثنان، فاضرب أعناقهما، وإنْ اتّفق ثلاثة وخالف ثلاثة، فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن، فارجع إلى ما قد اتَّفقت عليه، فإنْ أصرَّت الثلاثة الأُخرى على خلافها، فاضرب أعناقها، وإنْ مضتْ ثلاثة أيّام ولم يتّفقوا على أمر، فاضرب أعناق الستّة، ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم. (1) فيا إخواني .. تفكّروا في هذه الوصيّة، والأحاديث المروية في صحيح مسلم، وشهادة عمر بأنَّه قال: إنّ رسول الله مات وهو راض عن هذه الستّة، وقال في قصّة الشورى بضرب أعناقهم. كيف التوافق بينهما؟! فهل يجوز أنْ تُضرب عُنق من رضي عنه رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)؟!!

هل هذا لائق للخلافة؟! ومثل هذا يستحقّ زعامة المسلمين وإمامتهم؟!

فاللازم عليكم ترك أمثالهم، والتمسّك بالعترة الطاهرة، الذين قال(صلي اللّه عليه و آله وسلم) عنهم: «أيّها النّاس، إنّي تارك فيكم


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1، قصّة الشورى.

ص: 69

الثقلين، كتاب الله وعترتي»، والتمسك بمَن قال(صلي اللّه عليه و آله وسلم) فيه: «مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه»، والروايات الموجودة في كتب الفريقين.

وإنْ كان المسلمون، من صدر الإسلام إلى زماننا هذا، من أتباعهم وفي طاعتهم، فلا يتصوَّر النفاق والتفرقة بينهم، فبالسقيفة والشورى حصلت التفرقة الشديدة.

فليتعوّذ بالله سبحانه منه، ويُستعان به تبارك. قال الله تعالى في سورة النساء:(وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) (1).

وقال عزّ وجلّ قبلها:(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأْنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (2).

وهنا محلّ السؤال: إنَّهم أطاعوا الله ورسوله، أو تعدّوا حدود الله ورسوله؟

فمع هذه الأحوال في الروايات والتواريخ، من ظلمهم العترة وآل محمد(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وأفعالهم الأخرى، كيف يمكن أنْ يُبشِّرهم النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) بالجنّة؟!

للجنّة حدود، فلا سبيل لأحد من ورودها، إلّا مَن كان مطيعاً لله ورسوله.


1- النساء: 14
2- النساء: 13.

ص: 70

17- ما وظيفتنا؟

منهم مَن قال: فما هو التكليف في زماننا هذا؟

قلتُ: التكليف واضح: التدبّر في القرآن العظيم، والعمل بالروايات المُعتبَرة الصحيحة عند العامّة والخاصّة، وترك الأحاديث الموضوعة الضعيفة، والعمل بما فيه رضا الله تبارك وتعالى ورسوله.

قال: ما العمل، وكيف نصل لوظيفتنا، حتى يرضى الله سبحانه ورسوله عنّا؟

قلتُ: وإنْ تفكِّروا فقط في كُتبكم، كالصحاح والسُنن، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ومناقب ابن المغازلي، والخوارزمي، وأُسد الغابة، وتواريخ الطبري وابن أثير، وتاريخ دمشق لابن عساكر، وينابيع المودَّة للقندوزي، وتاريخ الخلفاء، ومروج الذهب، وإثبات الوصيّة، وتذكرة الخواص لابن الجوزي، والمُستدرَك للحاكم، وأسنى المطالب للجزري، وفرائد السمطين للحمويني، ومُسند أحمد بن حنبل، والتفاسير من أكابركم، الطبري، والثعالبي، والنيسابوري، والفخر الرازي، وأبي حيّان، وغير ذلك ..؛ تصلون إلى آمالكم، وتأخذون مقاصدكم، وتفهمون التناقض في الروايات التي نُقلت في الصحاح والسُنن، بحيث لا يُمكن الجمع بينها، والغثّ والسمين

ص: 71

فيها.

فكيف التوفيق بين «مَن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللّهم والِ مَن والاه، وعاد مَن عاداه»، في أكثر الكتب، وبين رواية ابن سلمه، قال: «سمعتُ عليّاً يقول: خير الناس بعد رسول الله أبو بكر، وخير الناس بعد أبي بكر عمر» (1)، و بين رواية(زرّ بن حبيش) عن علي، قال: «عهد إليَّ النبيّ الأُمي أنّه لا يحبّني إلّا مؤمن، ولا يبغضني إلّا منافق»، ورواية الشورى(بالأمر على قتل مَن كان مخالفاً للبيعة ولو كان من أهل الجنّة)، وبين قول رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في السُنن والصحاح، وسُنن ابن ماجة (2): «ألا ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ..». وهذا الحديث إشارة إلى قوله تبارك وتعالى في سورة مريم:(وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) (3)، وفي سورة طه:(وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي) (4)، وغير ذلك من الآيات.

فكيف يمكن الجمع بين كل ما تقدم وبين ما رأيتم من عمر من أنَّ(النبوّة والإمامة لا تجتمعان في بيت)؟! وعن البراء بن العازب قال:(أقبلنا مع رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في حجّته التي حجّ، فنزل في بعض الطريق، فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد عليّ


1- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 39
2- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 43
3- مريم: 53
4- طه: 30.

ص: 72

فقال: «ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟

قالوا: بلى.

قال: ألستُ أولى بكلِّ مؤمن من نفسه؟

قالوا: بلى.

قال: فهذا وليّ من أنا مولاه، اللَّهم والِ مَن والاه، اللَّهم عادِ مَن عاداه» (1).

وغير ذلك من الأحاديث المعتبرة الصحيحة ..

فكيف التوافق بين أن يكون(أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة)- كما مرّ- وبين «أنت سيّد في الدّنيا وسيّد في الآخرة» كما نقله ابن عساكر؟!!


1- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 43.

ص: 73

18- الاعتقاد بولاية علي (عليه السلام)

قال بعضهم: فلا بدّ لنا أنْ نعتقد بولاية عليّ؟

قلتُ: نعم، مَن كان مطيعاً لله ولرسوله، فلا بدّ له أنْ يعتقد بذلك؛ للأدلة التي قد مرّت في الأيّام الماضية، وأنْ يتبرّأ من غيره. ولمّا لا مجال لنا لذكر جميع الأدلّة التي نُقلت في كُتب الفريقين، فلا أقلّ يلزم عليكم أنْ تطالعوا بتأمّلٍ وعمق، وتدبُّر كامل، تاريخ مدينة دمشق للإمام الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن، بن هبة الله، الشافعي، المعروف بابن عساكر، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)،(المطبوع في بيروت- لبنان)، لتحصلوا على مبتغاكم. وفيه إجمالًا:

«إنَ لكلّ نبيّ وصيّاً ووارثاً، وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي».

قال علي(عليه السلام): «سلوني قبل أنْ تفقدوني».

«عليٌّ أقضى الأُمّة».

-

مراجعات عُمر بن الخطاب إلى عليٍّ. عليّ أعلم النّاس بالسُنّة.

قول أبي بكر: «مَن أراد أنْ ينظر إلى أعظم الناس منزلة وغناء،

ص: 74

فلينظر إلى علي».

«إنْ ولّيتم عليّاً، يسلك بكم الطريق المستقيم».

«عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ».

«عليّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ».

«أزهد النّاس في الدنيا عليّ بن أبي طالب».

«مَن آذى عليّاً، فقد آذى النبيَّ في قبره».

-

حديث الغدير.-

مناشداته بحديث الغدير من طُرق مختلفة.-

لزوم محبَّة علي. حديث الطير بروايات مختلفة.

«مَن سبَّ عليّاً فقد سبّ الله ورسوله».

«لا يبغضك مؤمن، ولا يحبّك منافق».

«امتحنوا أولادكم بحُبِ عليّ».

إنّه سيّد المسلمين وإمام المتَّقين.

«أُمرنا أنْ نسلّم على علي بإمرةِالمؤمنين».

«أنا وعلي حجّة الله على خلقه».

«مَن أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، ونوح في فهمه، وإبراهيم في خلقه(أو في حلمه)، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب».

ص: 75

حديث ردّ الشمس بطُرق مختلفة.

«مكتوب على ساقِ العرش لا إله إلّا الله، محمد رسول الله، أيَّدته بعليّ».

حروبه مع الجانّ.

«علي منّي بمنزلة رأسي من بدني».

حديث البراءة من المشركين في مكّة.

«إنَ عليّاً هو الهادي».

«ما أنزل الله(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلَّا وعليّ سيّدها وأميرها».

حديث الكساء.

«أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها».

«أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها».

«علّم عليَّاً ألف باب من العلم، يُفتح من كلّ باب ألف باب».

«ما أُنزلت على رسول الله آية، إلّا وعلّم عليّاً تفسيرها وتأويلها، ودعا الله أنْ لا ينسى شيئاً علَّمه، وأنبأه الله أنّه استجاب دعاءه فيه».

«يا علي، أنت تُبيِّن لأُمتي ما اختلفوا فيه، وتُسمعهم صوتي».

«جعلتك عَلماً فيما بيني وبين أُمّتي، فمَن لم يتّبعك فقد كفر».

هذه- إجمالًا- روايات منقولة في هذا الكتاب القيِّم، وبهذه الأدلّة والآيات تثبت ولاية علي بن أبي طالب وإمامته، وأنّه كان مولى كلّ مؤمن ومؤمنة، حتّى أبي بكر وعمر وعثمان، إنْ كانوا من المؤمنين.

منهم مَن قال: لم يكونوا مسلمين؟!

ص: 76

قلتُ: كانوا من المسلمين، لأنّهم قد شهدوا ظاهراً بأنَّه لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله. وفي الإسلام هذه الشهادة كافية؛ ولذا كان النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) يتعامل معهم بتعامل الإسلام، وقد نكح عائشة وحفصة، وعاشرهم.

إنّما الكلام في آخر عمر رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) كيف كانوا يفعلون؟!

وبالتدبّر في الأدلّة يُعرف ما يُضمرون، وأفعالهم بين المسلمين ..

ص: 77

19- ليس لاسم علي ذكر في القرآن!

قال بعضهم: أفي القرآن ذكر اسم عليّ؟

قلتُ: لا يلزم أن يكون اسمه بالصراحة في القرآن، ولكنّ منزلته وعظمته ومقامه تُستفاد من آيات متعددّة، كما مرَّ في بحثنا مكرّراً، كآية التبليغ (1)، وآية الولاية (2)، وآية الإطاعة (3)، وآية المباهلة (4)، وآية التطهير (5)، وآية إكمال الدِّين وإتمام النعمة (6)، وآية إطعام الطعام للمسكين واليتيم والأسير (7)، وآيات أُخر.


1- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) المائدة: 67
2- إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) المائدة: 55
3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأْمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء: 59
4- فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) آل عمران: 61
5- إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) الأحزاب: 33
6- الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإْسْلامَ دِيناً) المائدة: 3
7- وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) الإنسان: 8.

ص: 78

20- علمُ الغَيب

منهم مَن قال: عليٌّ يعلم الغيب؟

قلتُ: لماذا؟

قال: أنتم تقولون: يا محمّد يا علي، انصراني، فإنّكما ناصراي.

قلتُ: نعم نقول، لا إشكال في ذلك.

قال: لا إشكال فيه؟! إنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) وعليّاً يعلمان الغيب كما يعلم الله تبارك وتعالى؟!

قلتُ: ليس كذلك. علم الله تبارك وتعالى ذاتيّ، هو عالم الغيب والشهادة ذاتاً، ويعلم ما في السماوات والأرض بالذات، ولكنّهما يعلمان الغيب من لَدُنه، وعلمهما كَسْبي، من الله تبارك وتعالى، وهو على كلّ شي ءٍ قدير.

قال: قال الله سبحانه في سورة الأنعام، وفتحَ القرآن وأشار إلى هذه الآية:(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) (1)، وقال أيضاً في هذه السورة:(وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) (2)، وقال في


1- الأنعام: 59
2- الأنعام: 50.

ص: 79

سورة الأعراف:(وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) (1)، وقال في سورة يونس:(قُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) (2)، وقال في سورة النمل:(قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأْرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) (3)، وقال في سورة النحل:(لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالأْرْض) (4).

قلتُ: الآيات التي تدلّ على ذلك كثيرة، ولكنّ اللازم عليكم مراجعة الآيات التي تدلّ على أنّه جلّ وعلا يختصّ برحمته مَن يشاء، كما قال سبحانه وتعالى:(يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم) (5).

وقال في سورة الجنّ:(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (6).

وقال في سورة آل عمران:(وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) (7).

وقال في سورة يوسف:(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) (8)

.

وقال في هذه السورة:(نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ


1- الأعراف: 188
2- يونس: 10
3- النمل: 65
4- النحل: 77
5- آل عمران: 74
6- الجنّ: 26
7- آل عمران: 179
8- يوسف: 13.

ص: 80

عَلِيمٌ) (1).

منهم مَن قال: هل يُشاهد رسول أنّه أظهر علم غيبه للناس؟

قلتُ: نعم .. بكثرة، فانظروا إخواني إلى قصص أنبياء الله ورُسله، ما قال عيسى بن مريم:(أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) (2)

. فهل يكون علم الغيب إلّا ذلك؟! أخبرهم بما يأكلون من الأغذية والفواكه والبقولات، وأنواع المأكولات، من الثوم، والقثاء، والأشربة، والخبز، واللحم، ومن أيّ حيوان، من الطيور، أو الوحوش، أو غير ذلك، وينبّئُهم عمّا يدّخرون في بيوتهم من المأكولات، والمشروبات، والملبوسات، والزينة، والأموال، والذخائر.

هذا علم الغيب الذي أظهره لرسوله، وهذا علمه الذي قال سبحانه للملائكة بعد أنْ خلق آدم وقال لهم اسجدوا لآدم، قال:(أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالأْرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (3).

قال: هو الله سبحانه؟

قلتُ: إنّه كان عبد الله كما قال:(إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) (4)

، وهذا العلم من الغيب من لوازم الرسالة والنبوة، علّمه إيّاه الله تبارك وتعالى، وكذا سائر الأنبياء كنبيّنا(صلي اللّه عليه و


1- يوسف: 76
2- آل عمران: 49
3- البقرة: 33
4- مريم: 30.

ص: 81

آله وسلم).

وقال في مهده- كما في سورة مريم-:(قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)، يعني: النبيّ الذي يعلم الغيب بإذن الله تبارك وتعالى، ويُختصّ برحمته.

ثُمَّ قلتُ: من أيّ طريق يعلم يعقوب بأنَّ إخوان يوسف يكيدوا له كيداً، فيلقوه في البئر، وقال لأبنائه، كما قال الله تبارك وتعالى في سورة يوسف:(قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (1)

؟!

ومن أين علم يوسف تعبير وتفسير رؤيا أهل السجن، وكيف أخبر قوم أبيه بأنَّه سيأتي من بعد ذلك سبع شداد، يأكلنَ ما قدّموا لهنّ، وقال لهم:(تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) (2)؟!

وكيف يعلم بأنَ عين أبيه تبصر بإلقاء القميص عليها؟! هذه قصص القرآن العظيم.

ومن أين يعلم نوح النبيّ عن الغرق، فيصنع السّفينة، بحيث(صار) محل استهزاء قومه، واعتقدوا أنّه مجنون بسبب صنعه للسّفينة؟!

ومن أين يعلم .. ومن أين يعلم .. حتّى نصل إلى مَن كان خاتمهم، وهو رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، الذي كان معلّمهم، ولوجوده خُلقت الأفلاك والسماوات، والجنّ والإنس، ويعلم ما لا يعلم أحد من الأنبياء.


1- يوسف: 96
2- يوسف: 47.

ص: 82

قال بعضهم: اذكر بعض ما علم، وأنّه كان أعلم من الأنبياء.

قلتُ: نعم، نذكر ما شاء الله كثيراً. تدبّروا في منزلته عند الله تبارك وتعالى في سورة النجم:

(وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى* ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى* وَهُوَ بِالأْفُقِ الأْعْلى* ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى* فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (1).

وقال:(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ) (2)

، ومنهم يعرف منطق الطير، منهم مَن يحيي الموتى بإذن الله، كعيسى بن مريم وإبراهيم، ومنهم يعرج إلى الله تبارك وتعالى، ويأخذ من ربِّه تعالى ما شاء، وهو النبي المختار، أشرف النبيّين وخير المُرسلين وإمام المتّقين. قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «أنا أولى النّاس بعيسى بن مريم في الأُولى والآخرة» (3).

تدبّروا في القرآن، ففيه قصص الأنبياء وأقوامهم، فكيف علم النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) حالاتهم إنْ لم ينزل القرآن المجيد عليه، وكيف أخبرنا عن وجودهم وقصصهم؟ فهل يكون ذلك إلّا من الغيب؟! هذا غير ما قد مرَّ من الآيات التي تدلّ على الاطلاع على


1- النجم: 3- 10
2- البقرة: 253
3- صحيح البخاري، باب فضائل عيسى، الجزء السابع، ص 96.

ص: 83

الغيب:(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) (1)

، وفي سورة التكوير:(وَلَقَدْ رَآهُ بِالأْفُقِ الْمُبِينِ* وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ* وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ* فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) (2).

وفي كُتبكم روايات تدلّ على ذلك، منها:

ما ورد في الصلاة عليه، قال(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «وصلُّوا عليّ، فإنّ تسليمكم يبلغني أينما كنتم». حتّى إذا كان الإنسان في كوكب المرِّيخ في السّماء، أو كان التسليم من البلاد البعيدة.

وعن يوم الجمعة قال: «أكثروا الصلاة عليّ، فإنّه ليس يصلّي عليّ أحد يوم الجمعة، إلّا عُرضت عليّ صلاته». وقد مرّ بحث ذلك.

وهذا صحيح البخاري عندكم، في كتاب العلم وفي باب الغضب، قال: قال النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «سَلوني عمَّا شئتم.

قال رجل: مَن أبي؟

قال: أبوك حذافة.

فقام آخر فقال: مَن أبي؟

قال: أبوك سالم، مولى شيبة.

فلمّا رأى عمر ما في وجهه من الغضب، قال: يا رسول الله، إنّا نتوب إلى الله عزّ وجلّ».

والأحاديث مثل ذلك كثيرةٌ.


1- سورة الجن: 26- 27
2- التكوير: 23- 26.

ص: 84

وفي روايةٍ قال عمر: «رضينا بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد(صلي اللّه عليه و آله وسلم) نبيّاً، فسكت» (1).

ومثل ذلك سلامه(صلي اللّه عليه و آله وسلم) على أهل الديار في زيارة القبور، وقد أخبر بأنَّهم أسمع منكم، وأنتم كنتم تعتقدون بأنَّهم لا يعلمون، ولا يدركون، ولا يسمعون.

وفي هذه المسألة هناك آية مباركة مفادها بأنَ الأرض أيضاً تعلم الغيب، وتُدرك وتفهم، وتسمع وتبصر وتتحدّث.

كلُّهم قالوا: أيُّ آية؟

هل التراب يسمع ويُبصر ويُدرك؟!!

قلتُ: اقرؤوا سورة الزلزلة:(إِذا زُلْزِلَتِ الأْرْضُ زِلْزالَها* وَأَخْرَجَتِ الأْرْضُ أَثْقالَها* وَقالَ الإْنْسانُ ما لَها* يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها* بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) (2).

كيف تُحدِّث الأرض أخبارها إنْ لم تعلم الغيب، ولم تسمع، وتُدرك، وتُبصر؟!

كيف تتكلَّم وتُحدِّث أخبارها، فتكون يوم القيامة من الشاهدين على أعمالنا وأفعالنا؟!

كما تسمع وتُبصر وتُدرك كلّ أعضائنا. قال الله تبارك وتعالى:(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا


1- صحيح البخاري، ج 1، ص 32
2- الزلزلة: 1- 5.

ص: 85

يَكْسِبُونَ) (1).

ويشهد وينطق كلُّ شي ءٍ، كما في سورة فُصِّلت، حيث قال الله عزّ وجلّ:(وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ) (2).

ونحن في غفلة وجهالة، لا نفهم ما في العالم، ولا نعلم كيف يمضي العُمر، وكيف نعيش هذه الحياة، ونظنّ أنَ العالم الأكبر ساكت، لا يصدر من أجزائه عمل، ولا حياة لها. يقول الشاعر الفارسي:

«اشياء همه عالمند وگويا لكن بزبان بى زبانى»

كلّ الأشياء تسمع وتُبصر، وتُدرك، وتُسبِّح وتتكلَّم، كما قال الله سبحانه وتعالى:(وَإِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (3).

ويستفاد من الآيات- أيضاً- أنّ الشيطان، عدوّ الله سبحانه، عالم بالغيب أيضاً، مع أنّه ليس محبوباً عند الله تبارك وتعالى، بل من أعدائه.

منهم مَن قال: الشيطان كان من الجنّ، والجنّ لا يعلم الغيب، كما في سورة السبأ:(فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما


1- يس: 65
2- فصّلت: 21
3- الإسراء: 44.

ص: 86

لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِين) (1).

قلتُ: الشيطان بين الجنّ كالنبيِّ بين البشر، فكما أنَ البشر لا يعلم الغيب والنبيّ يعلمه، فكذلك الشيطان بالنسبة إلى الجنّ، وإلّا فكيف يُضلّ النّاس شرقاً وغرباً، وجنوباً وشمالًا، أرضاً وسماءً، في كلّ مكان وزمان، وفي كلّ حال؟!

وقلتُ: الآيات المربوطة بالسجدة لله تعالى كثيرة، وإباء الشيطان من أنْ يسجد، وطرده من قِبل الله، وتنازعه مع الله تبارك وتعالى، وتحديده بأنْ يأتي خلقه من جميع الجوانب، يُضلّهم ويغويهم، كما قال سبحانه في سورة الأعراف:(قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) (2).

وقد أخبر عن ذلك إلى حين اليوم المعلوم. ولا يمكن الإغواء إلّا مع علمه ما في الصدور من الأفكار، ولذا يوسوس في صدورهم.

فعلى ذلك، كيف لا يعلم رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) علم الغيب، وكان إمام الإنس والجن، والشيطان كان من أُمّته، فهل يُعقَل أنْ يكون من الأُمّة أحدٌ كان أعلم من النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)؟!


1- السبأ: 14
2- الأعراف: 17.

ص: 87

21- طلب الحوائج والشفاعة عند قبر النبي (صلي اللّه عليه و آله وسلم)

قال بعضهم: أنتم تطلبون الحوائج عند قبره، وتطلبون الشفاعة منه.

قلتُ: نحن لا نطلب الحوائج منه، إلّا من باب الوسيلة، حيث إنّه(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، كان أشرف الأنبياء، وأفضل المرسلين، نطلب منه الحوائج حتّى يسأل الله تعالى قضاءها، ونسأله أنْ يستغفر لنا، كما تدلّ عليه الآية المباركة في سورة المنافقين:(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) (1).

وفي سورة النساء:(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (2).

وانظروا إلى قصّة أولاد يقعوب وتدبّروا فيها:(قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) (3).

وتدبّروا في خطاب الله تعالى للنبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في


1- المنافقون: 5
2- النساء: 64
3- يوسف: 97.

ص: 88

هذه الآية:(فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (1).

ومع ذلك، فلا إشكال في طلب الحوائج منه، وهو قادر على كلّ شي ءٍ بإذن الله تبارك وتعالى، كما كان عيسي بن مريم قادر على شفاء الأبرص والأكمَه، وكان قادراً على أنْ يخلق من الطين كهيئة الطير، كذلك رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، الذي كان أعظم وأحبّ عند الله، وأخذ في معراجه إلى السماء- كما مرّ- ما كان لازماً، ومنه شفاء المرضى، وإحياء الموتى، وقضاء الحوائج. أفلا ترون في باب التماس الوضوء: قالت عائشة: حضرت الصبح، فألتمس الماء فلم يوجد، فأنزل التيمم. وعن أنس بن مالك أنّه قال: «رأيت رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) وحانت صلاة العصر، فالتمس النّاس الوَضوءَ فلم يجدوه، فأتى رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) بوَضوء فوضع رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في ذلك الإناء يده، وأمر النّاس أنْ يتوضَّؤوا منه. قال: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، حتّى توضَّؤوا من عند آخرهم» (2).

منهم مَن قال: هذا كان حال حياته.

قلتُ: قد ثبت أنَّ الأنبياء أحياء بالآيات والروايات، فلا فرق بين زمان حياته ومماته. وغير ذلك من الأدلّة ..

أنتم تظنّون أنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) كان أضعف


1- النور: 62
2- صحيح البخاري، الجزء الأول، باب التماس الوضوء.

ص: 89

من يوسف وقميصه، ومن عيسى وإبرائه الأكمه والأبرص، ومن موسى وذبح البقرة وضَربِ بعضها بجسد الميّت وإحيائه.

ألا ترون الشفاء من ماء وضوئه، في(باب صبِّ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) وضوءه على المُغمى عليه فعقل) (1)، وحديث الراية ناطق بأنْ بصقَ النبيّ(صلي اللّه عليه و آله وسلم) على كلا عيني علي(عليه السلام) فبرأ من هذه الساعة، وهو منقول في أغلب الكتب، كتذكرة ابن جوزي (2) وغيرها. ونسيتم ما رواه الزمخشري- كما مرّ- في منقبة فاطمة(عليه السلام)، أنّه كان حبلًا ممدوداً بين الله سبحانه وخلقه؟!

والأمر في علم الغيب سهل، وأمّا العلم بالغيب كلّه فلا، إذ يختصّ بمَن ارتضى من رُسله، أو مَن كان مثلهم في المقام والمنزلة؛ فأنتم في المدينة المنوّرة، وتعلمون ماذا يحصل في أمريكا، وتعرفون عن أفراد لهم قلوب وأيدي وأرجل وصوت، أنَّهم يأكلون الطعام ويشربون ويتكلّمون، مع أنَّهم في غيبة منكم، تعلمون أنَ عدَّة منهم رجال، وعدّة أُخرى منهم نساء، يدرسون، ويتعلَّمون و ..

كيف تدركون ذلك، وأنتم غير قادرين على مشاهدتهم؟!

منهم مَن قال: بسبب العقل والعلم نفهم ذلك.

قلتُ: إنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، كان أصل العقل والعلم، والعقل كلّه في وجوده، وبالوحي والاطّلاع من الله تبارك


1- البخاري، ج 1، ص 60
2- تذكرةابن الجوزي، ص 32.

ص: 90

وتعالى يُدرك ويعلم كل الأمور، ويحيط بكلّ شي ءٍ بإذن الله تبارك وتعالى.

والعقل والمعرفة متفاوتان بحسب الأفراد، فبعضهم لا يعلم شيئاً وإنْ كان جزئيّاً، كابن آدم(عليه السلام)، حيث قتل أخاه ولا يعرف كيف يواري سوأته،(فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الأْرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي) (1).

وبعضٌ آخر، وإنْ كان نبيّاً، لا يعلم الخبر، كقضيّة الطير في حادثة سليمان، إذ تفقّد الطير، فقال سليمان:

(ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ* لأَعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ* فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) (2).

وكذلك قضيّة موسى والخضر؛ «حيث نسى موسى ويوشع غداءهما فارتدّا على آثارهما، فوجدا عبداً من عباد الله، الذي قال الله تبارك وتعالى في حقّه:(فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً* قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ


1- المائدة: 31
2- النمل: 22.

ص: 91

مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً* قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) (1).

ومَثَل آخر ذو القرنين، قال الله تعالى في سورة الكهف:

(... قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً* إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأْرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً* فَأَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْس ..) (2)

.

تدبّروا أيّها الإخوان فيما مكّنه ربُّه، كيف مكّنه؟! وما نعلم أثراً عن سدِّه، مع بقائه إلى يوم القيامة.

وبعضٌ كآصف بن برخيا، الذي يعلم الاسم الأعظم، بإذن الله سبحانه، ويقدر- مع ذلك- أنْ يأتي بالعرش من قبلِ أنْ يرتدّ لسليمان طرفه، وأتى به.

وتدبّروا في حالات النبي صالح، كيف كان قادراً على إخراج الناقة من الجبل.

ورسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) كان أقدر وأعلم من جميعهم؛ فلا إشكال في أنّه يعلم ما في ضمائرنا، ويقدر على قضاء حوائجنا كلّها، بإذن الله تبارك وتعالى. وهذه الأمور قد تُشاهد في موسى(عليه السلام) من حين ولادته إلى آخر عمره، من إلقائه في البحر، ونجاته من فرعون، وعصاه، ويده البيضاء، وانفلاق الحجر والبحر عند ضربه إيّاه بعصاه، وغير ذلك ..، وأمّا الشفاعة، فهي


1- الكهف: 66
2- الكهف: 84.

ص: 92

قِسم من الحوائج، كطلب الاستغفار منه.

قالوا: الشفاعة تكون في الآخرة، ولا تتصوَّر في الدّنيا.

قلتُ: كيف لا تتصوّر في الدنيا، بعد أنْ ثبت أنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) حيّ، كما في كتبكم، وأنّ الأنبياء أحياء في قبورهم، كما مرّ في بحث زيارة القبور «بأنّ الأنبياء أحياء في قبورهم، يصلّون» (1)؟! فبعد ذكر الآية المباركة في سورة النساء/ 64، والتي قد ذُكرت آنفاً، وآيات الاستغفار، وغير ذلك، لا مجال لهذا السؤال.


1- صحيح الجامع، ص 62، ح 2787.

ص: 93

22- أنتم تسلّمون على المدفونين في البقيع

وقال بعضهم: هذا صار واضحاً بالنسّبة إلى النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وأمّا طلب الحاجة، والشفاعة، والسّلام على المدفونين في البقيع فما قولكم فيه؟!

قلتُ: السلام عليهم مستحب، ومشروع في الدين، كما كان السلام على أهل الديار مستحبّ، وعليه اتّفاق المسلمين؛ فلا إشكال ولا مانع فيه إنْ كانوا من الأموات. ولكنّهم كانوا شهداء، عند الله يرزقون، قال الله تبارك وتعالى:(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (1).

قالوا: لم يُقتلوا في سبيل الله. في أيِّ مكان، وفي أيِّ غزوة قتلوا؟!

قلتُ: لا فرق في القتل، القتل في الحرب بمواجهة الأعداء، أو القتل بالسّمّ؛ لأنَّ قتلهم بالسم أيضاً كان في سبيل الله تعالى.

وهنا محل السؤال منكم: لمَ قُتلوا بالسّمّ؟! ما جُرمهم؟! ألم يكونوا من العترة الطاهرة؟! ألم يكونوا من أهل البيت؟! ألم يكونوا ممَّن وصَّى رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) بهم بالمودَّة وقال:(لا


1- آل عمران: 169.

ص: 94

أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (1)؟!

ألم يكونوا ممَّن قال(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «إنّي تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي»؟! والحديث متَّفق على نقله بين الفريقين. أولم يكونوا من آله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، الذين قال الله تعالى في حقّهم:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (2)، وقال النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)- كما مرّفي بحث الصلاة عليه-: «قولوا، اللّهم صلّ على محمد وآل محمّد، كما صلّيت على آل إبراهيم»؟! نقله البخاري في صحيحه، ومسلم، و ابن ماجة في سننه، والسيوطي في تفسيره، وغير هؤلاء.

الصلاة على آل محمّد(صلي اللّه عليه و آله وسلم) إنَّما هي من الله وملائكته، وتكون إلى يوم القيامة؛ لأنَ القرآن ليس مختصّاً بوقت وزمان، بل يكون العمل به واجباً إلى يوم القيامة، ومن أحكامه الصلاة على النبي وآله.

هل العمل بوصية الله تبارك، وتعالى ونبيّه(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، هو قتلهم بالسمّ؟!

قال ابن أبي الحديد في شرحه، «وروى أبو الحسن المدائني، قال: سُقي الحسن(عليه السلام) السُمَّ أربع مرّات» (3).


1- الشورى: 23
2- الأحزاب: 56
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 8، الجزء 16، ص 230، ذيل(من وصيته(عليه السلام) للحسن(ع)).

ص: 95

منهم مَن قال: عملهم هذا كان من جهة الإمارة والحكومة، ولم يكن بعنوان مخالفة النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم).

قلتُ: قتلهم لم يكن مخالفة لرسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)؟! نعم، كان عملهم من أجل الحفاظ المناصب والزعامة، وأنَّ الظالمين لهم(عليه السلام) كانوا مخالفين لأمر الله ووصيّة نبيّه؛ لأنَّهم كانوا مُنتجبين من الله للرئاسة والزّعامة. فكأنّكم نسيتم قول النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في حديث الثقلين: «فقال ثلاثاً، أُذكركم الله في عترتي» (1)، وهذه نتيجة وصية النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)؟!

ولمّا جرَّنا البحث إلى ذلك، فلابدّ لنا أن نبحث في أصل الإمامة؛ لتتَّضح لنا مخالفة أهل الحل والعقد من المخالفين له(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، ونُبرهن بشكلٍ كامل ظلمهم وغصبهم حقّ العترة، ومخالفتهم للعترة وأهل البيت.


1- البخاري، ج 7، ص 123.

ص: 96

23- إنَّ النبي (صلي اللّه عليه و آله وسلم) لم يُوصِ لأحدٍ بالخلافة

قال بعضهم: إنَّ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) مات بلا وصيّة، ولم يُوص لأحدٍ بالخلافة، ولم يُعيِّن شخصاً معلوماً.

قلتُ: إنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) لم يعمل بالقرآن؟! قال الله تبارك وتعالى:(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (1).

وقال:(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لأِزْواجِهِمْ) (2).

وقد أوجب الله تبارك وتعالى الوصيّة في الأموال. وأمَّا الوصيّة في الدّين، الذي هو من أهم الأمور ومن أعظم الفرائض، فلا! الوصية كانت جارية من آدم إلى الخاتم، فكيف لم يوصِ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) بوصيّة؟!


1- البقرة: 180
2- البقرة: 240.

ص: 97

قال بعضهم: نُقل في صحيح البخاري بأنّه(صلي اللّه عليه و آله وسلم) أوصى. قال الرّاوي: فقلت: كيف كُتب على النّاس الوصيّة، أو أُمروا بالوصيّة؟! قال: أوصى بكتاب الله. (1) قلتُ: رأيت البخاري، ففيه من الغثّ والسمين، لا يُعتنى به، وهو كتاب ضالّ. وفي هذا الباب هذه الرواية أيضاً موجودة، قال عبد الله بن عمر: إنَ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قال: «ما حقّ امرئ مسلم له شي ء يوصي فيه يبيت ليلتين؛ إلّا ووصيّته مكتوبة عنده» (2).

أكان النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) مسلماً أم لا؟! فإنْ كان مسلماً، لمَ لم يوص؟

وأمّا الرواية التي أنتم تروُون(أوصى بكتاب الله)، في أيِّ كتاب كانت؟ ففي هذا الصحيح(صحيح مسلم) عندكم، في الجزء السابع، باب فضائل أهل البيت، عن زيد بن أرقم، قال: قام رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) يوماً فينا خطيباً، بما يُدعى خمّاً، بين مكَّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكَّر، ثُمّ قال: «أمّا بعد أيّها النّاس، فإنّما أنا بشر يوشك أنْ يأتي رسول ربّي فأُجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين: أوّلهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به. فحثَّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثُمّ قال: وأهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي».


1- صحيح البخاري، كتاب الوصايا، ج 4، ص 3
2- صحيح البخاري، كتاب الوصايا، ج 4، ص 3.

ص: 98

فكيف التوافق مع هذه الرواية المُعتبرة الصحيحة عند العامّة والخاصّة؟!

ما تقولون في هذه المسألة، وأنتم نسيتم بأنّه(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قد طلب عند احتضاره كتفاً ودواة؛ ليكتب لأُمّته كتاباً لا تضلّ بعده أبداً، ومنعه عمر من ذلك، وقال ما قال؟!

وهل يتصوَّر أنْ يأمر النّاس بالوصيّة ولم يوصِ لنفسه؟!

ألم يكن مشمولًا بالآية:(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) (1)، والآية:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) (2)

؟

مع أنّه كان عالماً بالغيب، وقد علم ما يحدث بعده، وما يقع في أُمّته من حيرة وضلال، وأخبر بذلك. فكيف لم يكن مُوصياً؟!

وقد ثبت بحمد الله والمنّة، في المباحث الماضية، أنَّ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) كان قد صرّح تكراراً، وبعبارات مختلفة، بأنَّه لا يليق من النّاس أحد للخلافة إلّا عليّ(عليه السلام). وأنّه(عليه السلام) قد غسّله، وكفّنه، وصلَّى عليه، ودفنه، ولم يكن للخلفاء فيه نصيب، ولم يكونوا حاضرين في تجهيزه، وكان هذا من مختصّات علي(عليه السلام).

منهم مَن قال: ما حدث بعده، وكيف جعل الله الأُمّة في حيرة وضلالة؟


1- البقرة: 44
2- الصف: 3- 2.

ص: 99

قلتُ: الحيرة والضلالة، والحوادث والوقائع بعده، ليست أكبر من قضية السقيفة، وحادثة غصب الخلافة، وأنّ الأُمّة افترقت بعده إلى فِرق مختلفة، فرقة على الحق، وأُخرى على الباطل، وفرقة في ضلال، مُذبذبين بين ذلك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.

وقد نقل السيوطي في تفسيره (1) ذيل الآية المباركة(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (2)

وأخرج ابن ماجة كذلك (3)، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن أنس قال: قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «افترق بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، وإنّ أُمّتي ستفترق على اثنين وسبعين فرقة، كلّهم في النّار إلّا واحدة، قالوا: يا رسول الله، ومَن هذه الواحدة؟ قال: الجماعة، ثُمَّ قال:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)» (4)

. ومثلها روايات أُخر ذيلها بهذا المضمون. ثُمَّ نقل عن الحاكم عن ابن عمر، أنّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قال: «مَن خرج عن الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتّى يراجعه، ومَن مات وليس عليه إمام جماعة، فإنّ موتته ميتة جاهليّة».

وفي صحيح البخاري، كتاب الفتن (5): «مَن خرج من السلطان شبراً، مات ميتة الجاهلية».


1- تفسير الدر المنثور، ج 2، ص 60
2- آل عمران: 130
3- السُنن، ابن ماجة، ح 3992
4- آل عمران: 103
5- صحيح البخاري، كتاب الفتن، ج 9، ص 59.

ص: 100

إنَّ مراد النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قطعاً السلطان العادل، والوالي المنتخَب من الله تعالى، لا كل مَن كان أميراً ولو كان شارباً للخمر، فاسقاً ظالماً، كما يُشاهَد في الأمراء والسلاطين غير العترة.

وروى الطيالسي عن ابن عمر، وكذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (1)، قال: «وأصحابنا كافّة قائلون بصحّة هذه القضية؛ وهي أنّه لا يدخل الجنّة إلّا مَن عرف الأئمّة». ونقلها بهجت أفندي (2)، قال: وهذا متَّفق عليه بين علماء المسلمين،(إلى قوله) وهي اثني عشر، بمقتضى الحديث المُعتبر.

وكذلك نقل هذه الرواية عدّة أُخر من كباركم، في تفاسيرهم وكتب أحاديثهم، مثل ابن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس، في الباب الأوّل من كتابه، وأبو الفداء، وغيرهما بنقل آخر.


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 5، الجزء 9، ص 116، ذيل خطبة 152(في تمجيد الله وتعظيمه)
2- تاريخ آل محمد، ص 198.

ص: 101

24- الإمامية مذهب الحقِ

منهم مَن قال: مَن الواحدة التي ليست من أهل النّار؟

قلتُ: لا شكَّ ولا شُبهة أنَ الواحدة هي الإماميّة؛ لأنّ مذهبهم مذهب الحقّ، وخالص من الشوائب؛ لأنّهم اعتقدوا أنَ الله تعالى خالق كلّ شي ء، بيده الخير، وهو على كلّ شي ءٍ قدير، وكان من الأزل، وما سواه مُحدَث، وليس بجسم، ولا في مكان، كما زعم ذلك أكثر أهل السنّة.

وقد رأيتُ في مسجد النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) مفسّراً له تلامذة كُثر، وقد اعتقد بأنّ الله تعالى يمكن أنْ يُرى، وكان يستدلّ بآيات وروايات من الصّحاح ليست بمُعتبرة.

قال بعضهم: إنّه ذهب طريقاً صحيحاً، نعم، الدليل عليه آيات وروايات، كآية:(الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (1)، وآية:(وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (2)، وفي هذا ورد في كتاب مسلم: عن عبد الله بن قيس عن أبيه، عن النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، قال: «جنّتان من فضّة آنيتهما وما فيهما، وجنّتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين


1- طه: 5
2- الفجر: 22.

ص: 102

القوم وبين أن ينظروا إلى ربِّهم إلّا رداء الكبرياء على وجهه، في جنّة عدن» (1)، وروايات أُخرى في هذا الباب ..

قلتُ: قد رأيت الآيات والروايات الموضوعة في مسلم،(باب إثبات رؤية المؤمنين ربّهم في الآخرة)، والبخاري(باب فضل السجود، الجزء الأوّل): «إنّ النّاس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟

قال: هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟

قالوا: لا، يا رسول الله.

قال: فهل تضارّون في الشمس ليس دونها سحاب؟

قالوا: لا.

قال: فإنّكم ترونه كذلك، يجمع الله النّاس يوم القيامة ...» (2).

ولكنَّ الجواب كما مرّ، إنَ أبا هريرة من الوضّاعين، ولا اعتبار لقوله، وإنّه خبيث كذّاب، يقول في حديث في هذا الباب: «... أتاهم ربّ العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها ...


1- صحيح مسلم، ج 1، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربّهم
2- صحيح مسلم، ج 1، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية.

ص: 103

فيكشف عن ساق ...» (1).

وكذا في مسند أحمد حنبل (2): «إنَّ النّار تزفر وتتغيّظ شديداً، فلا تسكن حتّى يضع الربّ قدمه فيها، فتقول: قطّ قطّ، حسبي حسبي» وهو عن أبي هريرة الوضّاع.

منهم مَن قال: لا إشكال فيه.

قلتُ: هذا كفر محض. تدبّروا في آية سورة الأنعام:

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ* بَدِيعُ السَّماواتِ وَالأْرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ* ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ وَكِيلٌ* لا تُدْرِكُهُ الأْبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأْبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (3)

.

وانظروا سورة البقرة:(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (4).

ومثل ذلك في سورة النساء:(فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) (5).


1- صحيح مسلم، ج 1، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، ح 373
2- مسند أحمد بن حنبل، ج 2، ص 275
3- الأنعام: 99- 103
4- البقرة: 55
5- النساء: 153.

ص: 104

وقال الله تبارك وتعالى لموسى(عليه السلام):(لَنْ تَرانِي)، بعد أنْ سأله(رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (1)، قال الله تبارك وتعالى:(لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (2).

قالوا: قال في سورة القيامة:(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (3)

، وهي تدلّ على أنّه يمكن أنْ يُرى، وأنّه جسم، وهو قابل للرُؤية.

قلتُ: الآيات منقسمة إلى المتشابهة، والمحكمة، والتنزيل، والتأويل، وهذه الآيات من المتشابهات، لا بدّ لنا أن نؤوّلها، ومعناها كذلك: أي إلى رحمة ربّها ناظرة، وكذلك الآيات التي ذكرتم آنفاً:(الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (4)

، أي: الرحمن مستولٍ على العالم، وهو قادر على كلّ شي ء، و(وجاء ربّك)، أي: رحمة ربِّك؛ لأنَّه لا يمكن تصوّر الجسمية في خالق السموات والأرض، كما قال الله تعالى:(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (5)

. والآيات من هذا القبيل متعدّدة، كقوله سبحانه:(قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ) (6)، قال سبحانه ذلك


1- الأعراف: 143
2- الأعراف: 143
3- القيامة: 23
4- طه: 5
5- البقرة: 267
6- يونس: 68.

ص: 105

مقابل اليهود والنصارى:(قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ) (1)، وقالوا:(يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) (2)

،(وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) (3). وإنْ كان جسماً يكون محتاجاً إلى أجزاء، ويصير محتاجاً إلى خالق غيره، حتّى يخلق له يداً ورجلًا، وعيناً وأذناً، وفهماً وعلماً، وقدرة، وغير ذلك. وهو غني عن ذلك، والجسم ملازم للمكان والزمان، سبحانه وتعالى عمّا يصفون. قال عزّ وجلّ:(فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) (4)، يعني: الله تبارك وتعالى ليس في مكان محدود، بل في السموات والأرض، وفي جميع العالم، ومحيط به، واللازم في الرؤية الفاصلة بين الرائي والمرئي، ففي أيّ مكان يكون حتّى يرى الأمكنة الأُخرى؟!

ولا يمكن للإنسان أنْ يدلّ على ذاته تعالى ويعرِّفه. نعم يجب على الإنسان أنْ يعرفه إجمالًا، كما يجب عليه أنْ يعرف بعده الأنبياء والرُسل، وأن يعرف بعده إمام زمانه، كما في كتب الفريقين، مع تعبيرات مختلفة. والمعرفة لازمة، بحيث إنْ لم يعرف مسلمٌ إمامَ زمانه، يموت ميتةً جاهليّة. ونقل القندوزي الحنفي عن رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «مَن مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتةً جاهليّة» (5). وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (6): وجاء في الخبر


1- التوبة: 30
2- المائدة: 64
3- التوبة: 30
4- البقرة: 125
5- ينابيع المودّة، ج 3، باب 91، في تفسير قوله تعالى:(يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ...)
6- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 5، الجزء 9، ص 116، ذيل خطبة 152،(في تمجيد الله وتعظيمه).

ص: 106

المرفوع: «مَن مات بغير إمام، مات ميتة جاهلية»، وقال: وأصحابنا كافّة قائلون بصحّة هذه القضية، وهي أنّه «لا يدخل الجنّة إلّا مَن عرف الأئمّة». وهذه الرواية متّفق عليها بين الأصحاب، ويشهد عليها رواية نعثل اليهودي (1).


1- ينابيع المودّة، الباب السادس والسبعون،(بيان الأئمة الاثني عشر بأسمائهم).

ص: 107

25- مَن هو إمامنا في زماننا هذا؟

منهم مَن قال: مَن هو إمامنا في زماننا هذا، بحيث إنْ لم نعرفه نموت ميتة جاهلية؟

قلتُ: لنعرف إمامنا يجب أنْ نعرف أصل الإمامة، من أنّه لابدّ في كلّ زمان من إمام موجود، يحتجّ به الله عزّ وجلّ على المكلّفين من عباده، ويكون عارفاً بتمام مصالح المسلمين، في أمور دنياهم وآخرتهم، كما قال الله تبارك وتعالى في كتابه العظيم مخاطباً رسوله(صلي اللّه عليه و آله وسلم):(إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (1)، ولا شك في أنّ الهادي يجب أنْ يكون أميناً، عالماً، حافظاً، عارفاً بالقرآن وآياته، تقيّاً، عادلًا، زاهداً، معصوماً، وأنْ يكون من سلالة النبيّين، وصفوة المرسلين، ووارث الأنبياء، وخازن علم الله، وحُجّته على أهل الدنيا والآخرة، ومنصوباً من قِبل الله عزّ وجلّ؛ لأنَّه عارف بالضمائر، وهو العالم بمصالح العباد، وأنّ الدين دينه، حتى لا يكون لعبة بيد للبشر، ويدعّي كلّ واحد منهم الرئاسة والزعامة، وإنْ كان فاسقاً وعاصياً.

وليُعلَم أنّ الإمامة استمرار للنبوّة، فكما أنَّ النبي يجب أن يكون معصوماً، وأميناً، وعالماً بالأحكام كلّها، وأنْ يكون تقيّاً زاهداً عادلًا،


1- الرعد: 7.

ص: 108

عارفاً بالشريعة، عالماً بالغيب، كما مرّ في الأيّام الماضية من حديث عن هذا الموضوع. ومن صفاته أنْ يكون بشيراً ونذيراً، يتلو على النّاس آيات الله مبيّنات ويُزكّيهم، ويعلِّمهم الكتاب والحكمة؛ فكذلك مَن يكون وصيّه ووزيره.

وإنْ لم يُتصوَّر الوصي والوزير بعده، فمَن يكون مُبيِّناً لآيات الله، ومَن يكون معلّمها؟ فهل يمكن أنْ يستفاد من الكتاب الجامع للعقائد والفرائض والسُنن بدون معلّم؟! هذا محال، كما قال الله عزّ وجلّ في سورة الجمعة:(رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (1)، وفي سورة الطلاق:(يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) (2).

قالوا: مَن هو في هذا العصر وفي زماننا هذا؟

قلتُ: الإمام في زماننا هذا هو الإمام الثاني عشر، بقيّة الله الحجّة بن الحسن المهدي(عليه السلام).

منهم مَن قال: ما الدليل على ذلك؟

قلتُ: الدليل على ذلك الآيات والأحاديث الكثيرة، والكتب الكثيرة من الفريقين التي تتحدَّث عنه، مثل كتاب(البيان في معرفة صاحب الزمان) للگنجي الشافعي، و(مناقب المهدي) لأبي نعيم، و(عقد الدرر في أخبار المنتظر) للشافعي السلمي، و(فرائد فوائد


1- الجمعة: 2
2- الطلاق: 11.

ص: 109

الفكر في الإمام المهدي) لابن يوسف الحنبلي. وعند الشيعة كتب كثيرة، ك(الملاحم)، و(منتخب الأثر)، و(بحار الأنوار)، وغير ذلك ..

قال بعضهم: أيّ آية تدلّ عليه؟

قلتُ: من الآيات الآية المذكورة آنفاً ما في سورة الرعد:(إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (1)

، ونحن قوم هذا الزمان، ويلزم لهدايتنا هادٍ، ويكون متّصفاً بصفات الإمامة. ولا يكون هذا الوصف منطبقاً إلا على وجودٍ كان وجود الأرض والسماء بوجوده، وكان من أهل الذكر، كما قال الله سبحانه:(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (2). وكان ممَّن أوصى رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) بإطاعته، كما قال الله تبارك وتعالى:(أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأْمْرِ مِنْكُمْ) (3).

وكان(عليه السلام) من العترة الذين قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) عنهم تكراراً: «أيّها النّاس،- مخاطباً النّاس إلى يوم القيامة- إنّي تارك فيكم الثقلين،- بعبارات مختلفة- كتاب الله عزّ وجلّ، وعترتي أهل بيتي، ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلّوا أبداً، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» (4). فالاعتقاد بوجوده(عليه السلام) اعتقاد بالله وبرسوله، ومُنكره منكرهما.


1- الرعد: 7
2- الأنبياء: 7؛ النحل: 43
3- النساء: 59
4- ينابيع المودّة، للقندوزي الحنفي، ج 1، الباب الرابع.

ص: 110

ومن الآيات، الآية المباركة:(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (1).

منهم مَن قال: لا تُستفاد إمامته من هذه الآية.

قلتُ: فما المراد من المؤمنين إذن، أنت أم أنا؟ أنرى في عالم الوجود أعمال العباد، أنقدر على ذلك، كما يرى الله ورسوله؟! هل تعلم ما عملت في الأيّام والليالي، وأنت مؤمن، وكذلك إخواننا الذين كنت الآن في محضرهم، هل يرون أعمال العباد في حال الخفاء، في الليالي والأيام، ذاهباً وإياباً؟!

فلابدّ لنا أنْ نرجع إلى أهل البيت(عليه السلام) لتفسيرها، وبعد الرجوع نفهم المراد من الآية من أنَّ المقصود هم الأئمة(عليه السلام)، وفي زماننا هذا فإنّ الإمام الثاني عشر يرى أعمالنا، وأفعالنا.

ومنها، الآية المباركة:(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (2).

ومنها، هذه الآية في سورة الأنبياء:(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (3).

ومنها، الآية المباركة في سورة النور:(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ


1- التوبة: 105
2- القصص: 5
3- الأنبياء: 105.

ص: 111

أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (1).

هذا الوعد لم يتحقَّق ويكون تحقّقه بظهور الحجّة الثاني عشر، إنْ شاء الله.

ومنها الآية المباركة:(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) (2).

ولا شكّ في أنّه(عليه السلام) حيّ ولم يمُت، وينزل يوماً من السماء إلى الأرض، كما في صحيح البخاري وسُنن ابن ماجة والمستدَرك، وغيرها، ويقتدي بالإمام الثاني عشر(عليه السلام).

ومنها، الآية المباركة في سورة هود:(بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ) (3).

والآيات من هذا القبيل كثيرة، مثل الآية المباركة في سورة آل عمران:(وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (4)، والمراد بحبل الله هو العترة، كما رواه الزمخشري، فيما مرّ من رواية مناقب فاطمة وعلي والأئمة(عليه السلام). والروايات في إثباته كثيرة من الفريقين، وبطرق مختلفة وعبارات شتّى.

منهم مَن قال: أيّ رواية؟

قلتُ: منها روايةالثقلين، ومنها روايات أُخرى أخرجها ابن ماجة


1- النور: 55
2- النساء: 159
3- هود: 37
4- آل عمران: 103.

ص: 112

في سننه:(باب خروج المهدي)، 4082 و 4083 و 4084، وفي آخرها قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «فإذا رأيتموه فبايعوه، ولو حبوَاً على الثلج؛ فإنّه خليفة الله المهديّ». وقال بعد ذلك في الزوائد: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقاة، ورواه الحاكم في المستدرَك.

ومنها رواية أخرجها الشيخ الحمويني في فرائد السمطين، بسَنده عن سليمان الأعمش ابن مهران، عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين(عليه السلام)، قال: «نحن أئمّة المسلمين، وحُجج الله على العالمين، وسادات المؤمنين، وقادة الغرّ المحجَّلين، وموالي المسلمين، ونحن أمان لأهل الأرض، كما أنّ النجوم أمان لأهل السّماء، وبنا يمسك الله السّماء أنْ تقع على الأرض إلّا بإذنه، وبنا ينزل الغيث وتُنشر الرحمة، وتخرج بركات الأرض، ولولا ما على الأرض منّا، لساخت بأهلها، ثُمَّ قال: ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم(عليه السلام) من حجَّة الله فيها، إمّا ظاهرٌ مشهور، أو غائبٌ مستور، ولا تخلو الأرض إلى أنْ تقوم الساعة من حجَّة فيها، ولولا ذلك لم يُعبَد الله» (1).

وروى ابن ماجة عن علقمة، عن عبد الله، قال: بينما نحن عند رسول الله، إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلمّا رآهم النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، اغرورقت عيناه وتغيّر لونه، قال، فقلت: ما زال نرى في


1- ينابيع المودّة، ص 478.

ص: 113

وجهك شيئاً نكرهه، فقال: إنّا أهل بيتٍ أختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشديداً وتطريداً، حتى يأتي قوم من قِبل المشرق معهم رايات سود ... حتّى يدفعوها(الراية) إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها قسطاً، كما ملؤوها جوراً.

ص: 114

26- ما الفائدة في وجوده (عليه السلام)؟

قال بعضهم: ما الفائدة في وجوده، إذا كان لا يُرى، ولا يمكن لنا ملاقاته والسؤال منه؟

قلتُ: في الرواية المذكورة كان نفس السؤال، قال سليمان: فقلت للصادق جعفر(عليه السلام): كيف ينتفع الناس بالحجَّة الغائب المستور؟

قال: «كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب» (1).

التشبيه جميل، يعني: كما أنَّ الشمس، وإنْ كانت مستورة بالسحاب، فإنّها تُضي ء ويستفاد من نورها، ومن حرارتها، وفوائدها الكثيرة، كإنبات النبات والأشجار، وإنضاج الثمرات، وفي البرّ والبحر، وغيرها من الفوائد؛ فإنّ الإمام الحجَّة، وإنْ كان غائباً مستوراً، لكنّ في وجوده فوائد كثيرة؛ فبوجوده ثبتت الأرض والسماء، وبيُمنه رُزق الورى.

وكذلك جعل العلماء العاملين، والفقهاء المُتّصفين ب- «صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه» حجّة على النّاس؛ لئلا يُعطَّل الدِّين، ويكون الناس حائرين في مسائلهم


1- بين الشيعة وأهل السنّة، ج 1، ص 181.

ص: 115

وأحكامهم.

قالوا: لماذا لم يظهر، ولماذا غاب غيبة كُبرى؟ ألم يكن عاصياً في غيبته، حيث إنّه يُعطِّل أحكام الشريعة؟

قلتُ: هذا ما أراد الله تبارك وتعالى، كما كانت غيبة أنبياء السلف، ويريد- إنْ شاء الله- أنْ يظهره يوماً، فيملأ به الأرض قسطاً وعدلًا، بعد إنْ مُلئت ظلماً وجوراً، وهذا سرٌّ من أسرار الله تبارك وتعالى، كغيبة الأنبياء، وكعدم استطاعة موسى كليم الله من صحبة الخضر، حيث إنّه لم يظهر له الأمر إلّا بعد السفر، وأمثال ذلك ..

إنَّ البشر لا يقدر على فهم كلّ سرّ، ولم يكن قادراً على أنْ يعلم كلّ موضوع، إلّا بالوحي والإلهام من الله تبارك وتعالى.

وظهور الحجّة ليس بيده(عليه السلام)، حتّى تكون غيبته معصية، ولا يكون- بحسب الظاهر- ذابّاً عن دين الله، ويكون قد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيأتي إن شاء الله قريباً.

منهم مَن قال: يمكن أنْ يظهر بين النّاس- كما نشاهد في كتبكم- أيّام المناسك، وهو يرى النّاس والنّاس لا يعرفوه؟

قلتُ: كيف لا يمكن، وقد ظهر يوسف لإخوانه ولم يعرفوه، وبعد أيّام ولقاءات عديدة:(قالُوا أَإِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي) (1).


1- يوسف: 90.

ص: 116

منهم مَن قال: ليس في صحاحنا عنه أثر، مع أنّها تحوي فضائل أهل البيت.

قلتُ: فبعد كل هذه الأدلّة من الآيات والروايات، لا يبقى شكّ وشبهة في وجوده(عليه السلام)، مع أنّ إثبات وجوده(عليه السلام) مُستفاد من رواية مسلم الماضية، في حديث الثقلين (1)، قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «إنّي تارك فيكم الثقلين: أوّلهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به ..»، فحثّ على كتاب الله، ورغّب فيه، ثُمّ قال: «وأهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي»، وفي روايات أُخرى قال: «فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»، ثمّ قال: «الله مولاي- طبقاً لآيات تدلّ أنّ الله تبارك وتعالى وليّكم ومولاكم، انظروا سورة التحريم:(وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (2)، وسورة الحج:(وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (3)، وسورة الأنفال:(أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (4)، وآل عمران:(اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) (5)

، وسورة المائدة:(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ


1- صحيح مسلم، باب فضائل علي بن أبي طالب(ع)، الجزء السابع، ص 122
2- التحريم: 2
3- الحج: 78
4- الأنفال: 40
5- آل عمران: 150.

ص: 117

راكِعُونَ) (1)

- وأنا وليّ كلّ مؤمن، ثُمّ أخذ بيد علي(عليه السلام) فقال: مَن كنت وليّه فهذا وليّه» (2).


1- المائدة: 55
2- خصائص النسائي، ص 25.

ص: 118

27- ما الدليل على إثبات الحُجَّة الثاني عشر؟

منهم مَن قال: هذا دليل على خلافة عليّ وولايته، ولا يرتبط بإثبات الحجّة الثاني عشر.

قلتُ: فبعد إثبات خلافة علي(عليه السلام) ووزارته، لا خلاف في أنّه(عليه السلام) كان الإمام، ووارثه، وحجّة الله على الخلق أجمعين؛ لأنَّ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قد أخبر عن أوصيائه إلى يوم القيامة، تارة بنحو الإجمال، كما يستفاد ذلك من حديث الثقلين، بأنَّ القرآن والعترة يكونا تركة رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) ومَن يخلفه، ولن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض، فكما أنَ القرآن حاكم على الإنسان، ويكون من تركته إلى يوم القيامة، فكذلك العترة وأهل بيته، يكونون أولياء، وحاكمين عليهم إلى يوم القيامة.

وعبّر(عليه وعلى آله الصلاة والسلام) تارة أُخرى بأنَّ «الخلفاء بعدي اثنا عشر»، وقال- كما في بعض الروايات-: «كُلّهم من قريش»، وذكرَ في بعض الروايات أساميهم، كما نقلها القندوزي الحنفي في كتابه (1).

وفي فرائد السمطين، بسنده عن مجاهد عن ابن عباس- رضي


1- ينابيع المودّة، باب 76 و 77، في بيان الأئمة الاثني عشر ..

ص: 119

الله عنهما-، قال: قدم يهودي، يُقال له نعثل، فقال: «يا محمد، أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فإنْ أجبتني عنها أسلمتُ على يديك.

قال(صلي اللّه عليه و آله وسلم): سَل، يا أبا عمارة.

فقال: يا محمد، صف لي ربّك.

فقال(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، لا يوصَف إلّا بما وصف به نفسه، وكيف يُوصَف الخالق الذي تعجز العقول أنْ تدركه، والأوهام أنْ تناله، والخطرات أنْ تحدّه، والأبصار أنْ تحيط به، جلّ وعلا عمَّا يصفه الواصفون، ناء في قُربه، وقريب في نائه، هو كيف الكيف، وأين الأين، فلا يُقال له أين هو، وهو مُنزَّه عن الكيفيّة والأينونيّة، فهو الأحد الصّمد، كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، لم يلد ولم يُولَد، ولم يكن له كفواً أحد.

قال: صدقت. يا محمّد، فأخبرني عن قولك إنّه واحد لا شبيه له، أليس الله واحد، والإنسان واحد؟

فقال(صلي اللّه عليه و آله وسلم): الله عزّ وعلا واحد حقيقي، أحديّ المعنى، أي: لا جزء ولا تركّب له، والإنسان واحد ثنائيّ المعنى، مرَّكب من روح وبدن.

قال: صدقت. فأخبرني عن وصيّك، مَن هو؟ فما من نبيٍّ إلّا وله وصيّ، وإنَ نبيّنا موسى بن عمران أوصى يوشع بن نون.

فقال(صلي اللّه عليه و آله وسلم): إنّ وصيّي علي بن أبي طالب،

ص: 120

وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعة أئمّة من صُلب الحسين.

قال: يا محمّد، فسمِّهم لي.

قال: إذا مضى الحسين، فابنه علي، فإذا مضى علي، فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد، فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر، فابنه موسى، فإذا مضى موسى، فابنه علي، فإذا مضى علي، فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد، فابنه علي، فإذا مضى علي، فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن، فابنه الحجّة محمّد المهدي، فهؤلاء اثنا عشر.

قال: أخبرني عن كيفية موت علي والحسن والحسين.

قال(صلي اللّه عليه و آله وسلم): يُقتَل عليٌّ بضربةٍ على قُرنه، والحسن يُقتَل بالسمِّ، والحسين بالذَبح.

قال: فأين مكانهم؟

قال: في الجنّة، في درجتي.

قال: أشهد أنْ لا إله إلّا الله، وأنّك رسول الله، وأشهد أنَّهم الأوصياء بعدك. ولقد وجدت في كتب الأنبياء المتقدّمة، وفيما عهد إلينا موسى بن عمران(عليه السلام)، أنّه إذا كان آخر الزمان، يخرج نبيٌّ يُقال له أحمد، ومحمّد، وهو خاتم الأنبياء، لا نبيَّ بعده، ويكون أوصياؤه بعده اثني عشر، أوّلهم ابن عمّه وختنه، والثاني والثالث يكونا أخوين من ولده، وتقتل أُمّةُ النبيّ الأوّلَ بالسّيف، والثاني بالسُمّ، والثالث مع جماعة من أهل بيته بالسيف، وبالعطش في

ص: 121

موضع الغربة، فهو كولد الغنم يُذبح، ويصبر على القتل لرفع درجاته ودرجات أهل بيته وذريّته، ولإخراج محبِّيه وأتباعه من النّار، والأوصياء التسعة منهم من أولاد الثالث، فهؤلاء الاثنا عشر عدد الأسباط.

قال(صلي اللّه عليه و آله وسلم): أتعرف الأسباط؟

قال: نعم، إنَّهم كانوا اثني عشر، أوّلهم لاوي بن برخيا، وهو الذي غاب عن بني إسرائيل غيبة ثُمّ عاد، فأظهر الله به شريعته بعد اندراسها، وقاتل قرسطيا الملك حتّى قتلَ الملك.

قال(صلي اللّه عليه و آله وسلم): كأنَّ في أُمّتي ما كان في بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة، وأنَّ الثاني عشر من ولدي يغيب حتّى لا يُرى، ويأتي على أُمّتي زمان لا يبقى من الإسلام إلّا اسمه، ولا يبقى من القرآن إلّا رسمه، فحينئذٍ يأذن الله تبارك وتعالى له بالخروج، فيُظهر الله الإسلام به، ويجدِّده. طوبى لمَن أحبَّهم وتبعهم، والويل لمَن أبغضهم وخالفهم، وطوبى لمَن تمسّك بهداهم.

فأنشأ نعثل شعراً:

صلَّى الإله ذو العُلى عليكَ يا خيرَ البَشر

أنتَ النبيّ المصطفى والهاشميُّ المُفتخَر

بكم هدانا ربُّنا وفيك نرجو ما أمَر

ومعشر سمَّيتهم أئمّة اثنا عشر

حباهمُ ربُّ العلى ثُمَّ اصطفاهم من كَدَر

ص: 122

قد فازَ مَن والاهم وخابَ مَن عادَ الزَهر

آخرهم يُسقي الظمأ وهو الإمام المُنتظَر

عترتك الأخيار لي والتابعين ما أمَر

مَن كان عنهم مُعرِضاً فسوف تصلاه سَقَر»

(1)

منهم مَن قال: لا توجد في صحاحنا مثل هذه الأخبار!

قلتُ: لا .. بل فيها، ولكن لم يُصرّح بذلك؛ عن ابن جريح قال: أخبرني أبو الزبير، أنّه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) يقول: «لا تزال طائفة من أُمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة. قال: فينزل عيسى بن مريم(عليه السلام)، فيقول أُميرهم: تعال، صلِّ لنا، فيقول: لا، إنَّ بعضكم على بعض أُمراء، تكرمة الله هذه الأُمّة» (2).

قال بعضهم: وما فيه اسمه.

قلتُ: مَن المراد من الأمير؟ الأميرُ الحجّة بن الحسن(عليه السلام)، يقول لعيسى صلِّ لنا فلم يقبل، فيصلِّي(عليه السلام) وعيسى يقتدي به.

وفي سُنن ابن ماجة، باب خروج المهدي، حديث(4082)، عن علقمة عن عبد الله، قال: بينما نحن عند رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلمّا رآهم النبي(صلي اللّه عليه


1- فرائد السمطين، ج 2، ص 132، ح 431؛ ينابيع المودّة، ج 3، باب 76
2- صحيح مسلم، ج 1، باب نزول عيسى بن مريم.

ص: 123

و آله وسلم)، اغرورقت عيناه، وتغيَّر لونه، قال، فقلت: ما زال نرى في وجهك شيئاً نكرهه، فقال: «إنّا أهل بيت أختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً، حتّى يأتي قوم من قِبل المشرق، معهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه، فيُقاتلون فيُنصرون، فيُعطون ما سألوه، فلا يقبلونه حتّى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطاً كما ملؤوها جوراً، فمَن ادرك ذلك منكم فليأتهم، ولو حَبوَاً على الثَلج». ثُمّ قال: فقد رواه الحاكم في المستدَرك عن طريق عمر بن قيس، عن الحكم عن إبراهيم.

وفي حديث آخر عن أبي سعيد الخدري: أنَ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قال: «يكون في أُمتي المهدي» (1)، وفي رواية أُخرى عن محمد بن الحنفيّة عن عليّ، قال: قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «المهدي منّا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة» (2). قال بعد ذلك: ذكره ابن حبّان في الثقاة، واحتجّ به مسلم في صحيحه، وباقيهم ثقاة.

قال البخاري- والذي كتابه يحوي الكثير من الروايات الضعاف عن أبي هريرة وعكرمة-: هذا في إسناده ضعف. ولا اعتبار بقول البخاري؛ لأنّه غير ثقة عندنا، مُنحرف عن أهل البيت، ولذا لم ينقل عنهم رواية.

ونُقل عن سعيد بن المسيّب، قال: كنّا عند أمّ سلَمة، فتذاكرنا


1- المصدر السابق، ح 4085
2- المصدر السابق، ح 4085.

ص: 124

المهدي، فقالت: سمعت رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) يقول: «المهديٌّ من ولدِ فاطمة» (1).

ونقل القندوزي في ينابيعه، قال: «ومن أئمّة أهل البيت أبي محمد الحسن العسكري(عليه السلام) ... ولم يخلِّف ولداً غير أبي القاسم محمد المنتظر، المسمَّى بالقائم والحجّة، والمهدي وصاحب الزمان، وخاتم الأئمّة الاثني عشر عند الإمامية، وكان مولده ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين» (2).

وتكتفون بالصحاح فقط؟! فانظروا إلى أكابركم أنهم قد ألّفوا كُتباً مستقلة في إثبات المهدي(عليه السلام)، ككتاب(البيان في إثبات صاحب الزمان)، وغير ذلك ..


1- المصدر السابق، ح 4086
2- ينابيع المودّة، ج 3، باب الخامس والستون.

ص: 125

28- طول عمره (عليه السلام)

منهم مَن قال: أيمكن أن يعيش البشر أكثر من ألف سنة؟

قلتُ: تدبّروا في القرآن الكريم، قال الله تبارك وتعالى في سورة الصافّات:(فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (1)

، وقال في سورة الكهف:(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) (2)

بلا طعام وشراب، وقال في سورة البقرة:(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ) (3).

نعم، الله تبارك وتعالى على كلّ شي ء قدير.

فانظروا إلى قصص الأنبياء، مثل نوح، والخضر، وإلياس، وغيرهم من الصلحاء، كسلمان وغيره مَّمن كان عمره مائة سنة


1- الصافات: 144
2- الكهف: 25
3- البقرة: 256.

ص: 126

وأكثر.

ص: 127

29- قتل أوصياء رسول الله إلقاء بالنفس إلى التهلكة!

منهم مَن قال: في قصة اليهودي، في رواية فرائد السمطين، أنّ بعض أوصياء رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) يُقتل بالسيف، وبعضهم بالسّمّ، والحسين يُذبح، إلى آخر الحديث .. أفلا يكون ذلك إلّا إلقاءً بالنفس إلى التهلكة؟! التي قال الله عزّ وجلّ عنها في كتابه:(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (1).

قلتُ: الموت إنْ لم يكن مشروعاً، كمَن قتل نفسه بالسّكين، أو بالسُمّ، أو غير ذلك، فهو إلقاء بالنفس إلى التهلكة، ويكون مشمولًا بالآية المباركة. وأمّا إنْ كان مشروعاً، كالقتال في سبيل الله، بإذن الله تبارك وتعالى، وأمر رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، فهو عبادة، ولا يكون من مصاديق الآية المباركة. ما قولكم في غزوات النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وفي قتال الناكثين، والمارقين، وأمثال ذلك؟

فهل شهادة الشهداء الذين قال الله سبحانه وتعالى في حقّهم:(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ) (2)، وقوله تعالى:(وَلا تَحْسَبَنَ


1- البقرة: 195
2- البقرة: 154.

ص: 128

الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (1)، إلقاء بالنفس إلى التهلكة؟!

قالوا: كان ذلك بإذن الله سبحانه.

قلتُ: ذبح الحسين(عليه السلام)، وقتل علي(عليه السلام) بالسيف، وقتل سائر الأئمة بالسمّ، كان مأموراً به، فإنْ كان القتل بأمر الله تبارك وتعالى، وكان من برنامج مَن قُتل ذلك، فليس بتهلكة، حتّى تشمله الآية المباركة.

وكلّ ذلك كان لإثبات عدم صحّة خلافة غيرهم، وأنّهم ظُلموا وغُصب حقّهم، وبطلان ادّعاء غاصبي حقوقهم، وإثبات ظلم مَن قلَّل من شأنهم، وعدم صحّة إظهار دينٍ غير دين الإسلام، وتعطيل حدود القرآن، وتبديل سُنّة نبيّهم، وقلب الدين، وحلّ العقد في أوصيائهم، وإثبات مُخالفة المتعدّين لله تبارك وتعالى ولرسوله، وغير ذلك.

ولمّا كان قتلهم بأمر الله تعالى، كانوا مأجورين، ويكون حشرهم مع رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، كما قال الله سبحانه في سورة الطور:(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (2).

روى الحسين(عليه السلام) عن جدّه(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، قال: «مَن رأى سلطاناً جائراً، مُستحلًّا لحَرَم الله، ناكثاً لعهد الله، مُخالفاً


1- آل عمران: 169
2- الطور: 21.

ص: 129

لسُنّة رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يُغيِّر ما عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على الله أنْ يُدخله مَدخله. ألا وإنَّ هؤلاء(يزيد وعوامله) قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعةالرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود ... الخ» (1).

نقل ابن أثير، والطبري، وغيرهما من المؤرّخين، كالمسعودي، وابن الجوزي، والخوارزمي في مقتله: «أنّ يزيد كان سلطاناً جائراً فاسقاً، شارباً للخمر، غاصباً لحقوق أهل البيت، وغيّر أحكام الله، وأرهج الحرب، وادّعى مقام الخلافة للمسلمين، وكان كافراً ظالماً، ومن المُفسدين. والحسين أقدم على نُصرة الإسلام، وإحياء القرآن، ولأنّه يستنقذ النّاس من الجهالة وحيرة الضّلالة، وإحياء الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ..».


1- الكامل، ابن أثير، ج 4، ص 68؛ الطبري في تاريخه، ج 6، ص 229.

ص: 130

30- السجود على تُربة الحسين (عليه السلام)

منهم مَن قال: أنتم تسجدون على تربة الحسين ولا تسجدون على الفراش، وهذا بدعة.

قلتُ: السجدة على الفراش بدعة، وهي موجبة لبطلان الصلاة؛ راجعوا شرح صحيح البخاري عندكم، باب السجود،(باب السجود على سبعة أعظم): عن البراء بن عازب قال: «كنّا نُصلّي خلف النبيّ(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، فإذا قال: سمع الله لمَن حمده، لم يحنِ أحد منّا ظهره، حتّى يضع النبي جبهته على الأرض» (1).

وافتتح البخاري باباً هو:(باب السجود على الأنف، والسجود على الطين)، وباباً آخر،(باب الصلاة على الخُمْرة)، وفيه عن عبد الله بن شدّاد، عن ميمونة، قالت: «كان النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) يُصلّي على الخُمْرة»، وسجد رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في حال المطر على الطين والماء، وقال(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «وجُعلَت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وخُتم بي النبيّون» (2).


1- عمدة القاري، شرح صحيح البخاري، باب السجود على سبعة أعظم، ح 9، ص 322
2- صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، ص 64.

ص: 131

وفي سُنن البيهقي (1) عن جابر: «كنتُ أصلِّي مع النبي الظهر، فآخذ قبضة من الحصى، فاجعلها في كفِّي ثُمّ أحوّلها إلى الكفّ الأُخرى، حتّى تبرد، ثُمَّ أضعها في حبيبي حتّى أسجد عليها، من شدَّة الحرِّ».

قال البيهقي: «ولو جاز السجود على ثوب متّصل به، لكان ذلك أسهل من تبريد الحصى بالكفِّ ووضعها للسجود».

وعن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «أُعطيت خمساً لم يُعطهنّ أحد من الأنبياء قبلي: نُصرتُ بالرُعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأيّما رجل من أُمّتي أدركته الصلاة فليُصلِّ، وأُحلّت لي الغنائم، وكان النبي يُبعَث إلى قومه خاصّة، وبُعثت إلى النّاس كافّة، وأُعطيت الشفاعة» (2).

قال بعضهم: هل سجد النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) على التربة الحسينيّة؟ وما فضيلتها؟

قلتُ: لم يُقتل الحسين بن علي(عليه السلام) في زمان رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) حتّى يسجد النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) على تُربته. نعم، لو كان في زمانه، فإنّه قد يسجد عليها؛ لأنَّ لها فوائد كثيرة؛ منها محبوبيَّة الحسين(عليه السلام) عند الله تبارك وتعالى


1- ج 2، ص 105
2- الجزء الأول من صحيح البخاري، باب قول النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم): جُعلت لي الأرض مسجداً.

ص: 132

ورسوله. انظروا مقتل الحسين(عليه السلام) للخوارزمي (1). قال النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «وإنّ الحسين باب من أبواب الجنّة، مَن عانده حرَّم الله عليه رائحة الجنّة»، وقال في حقّه: «إنّك سيّد، أبو سادَة، إنّك إمام ابن إمام، إنّك حجَّة ابن حجّة أبو حُجَج تسعة من صُلبك، تاسعهم قائمهم» (2). وقال في حقّه: «حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً، حسين سِبطٌ من الأسباط» (3). وقال في حقّه: «مَن سرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة، فلينظر إلى هذا» (4).

وهو أحد أفراد المباهلة، وأحد أهل البيت، الذين نزلت فيهم آية التطهير، وسورة هل أتى، وغير ذلك ..

نحن نسجد على ترابه لأنَ السجود على التراب واجب، والسجود على الفراش بدعة، وموجب لبُطلان الصلاة؛ ولأنّه ذكرى لصفاته الجميلة، من الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، والدفاع عن الدِّين، والجهاد في سبيل الله والشجاعة، ويكون تذكاراً للشهادة ومقام الشهيد.

وبالسجود على التراب يحصل الفراغ اليقيني من أداء التكليف، ولكنَّ السجود على الفراش، إنْ لم يكن سبباً لبطلانها، فهو مشكوك


1- مقتل الحسين(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، للخوارزمي، ج 1، ص 212
2- المصدر السابق، ص 212
3- المصدر السابق، ص 213
4- المصدر السابق، ص 214.

ص: 133

فيه، وفي التكليف يجب تحصيل الفراغ منه.

منهم مَن قال: فعلى ذلك، يلزم أنْ تكون كلّ مواضع السجود على التراب؟

قلتُ: معنى السجدة وضع الجبهة على الأرض، وأمّا المواضع الستّة، فلا يجب أنْ تكون على الأرض، بل يصحّ على الفراش وغيره، إنّما البحث في حقيقة السجدة، بأنّه يلزم أنْ تكون على الأرض وما ينبت عليها، غير المأكول والملبوس، إلّا لاضطرار.

وإشكالكم مذكور في كتاب(أسئلة قادَت الشيعة إلى الحقِّ)، وصاحبه لم يفهم ويُدرك عظمة معنى السجدة على التربة الحسينيّة، وقال: لم يكن في زمان رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) تربة الحسين حتّى يسجد النبي الأعظم عليها!

واللازم عليه أن يُمسي كتابه بهذا الاسم:(أسئلة قادت الشيعة إلى الباطل).

على أيّ حال، فقد صادف وأنْ طُرح هذا البحث للنقاش في المسجد النبوي، مع أحد علماء اليمن، وقد اعترض عليَّ بأنّه لمَ لا تسجد على الفراش، أو على السجّادة، التي هي مثل الفراش؟

فقلت له: لأنَّ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) سجد على الأرض، وعلى الطين، وعلى الخُمرة، والفراش ليس منهما، بل هو إمّا من صوف الحيوانات، أو من النّفط.

قال: النفط من الأرض.

ص: 134

قلتُ له: نعم، ينبع من الأرض، ولكنّه لا يصدق عليه أنّه من الأرض، وهو معدن لا أرضاً.

ثُمّ قلتُ: اشتغال الذمّة بالصلاة يقيني، والصلاة على التراب والحجر صحيحة قطعاً، والفراغ من التكليف حاصل، ولكنَّ السجود على الفراش، أو على ما كان مثله، لا يحصل الفراغ اليقيني منه، فنشكّ في صحّة صلاتنا. فجمعَ السجادة وسجد على الحجر الذي كان في المسجد.

وقال آخر في المسجد: إنَ السجدة بعد الصّلاة بدعة؛ لأنَّه تُستحبّ عند تجدّد نعمة، أو اندفاع نقمة، كما قيل في الفقة على المذاهب الأربعة (1).

فقلت له: قد قرأتُ فتاوى المالكيّة والحنفية فيها، وإنّ المالكية قالوا: سجدة الشكر مكروهة، وإنّما المُستحَب عند حدوث نعمة، أو اندفاع نقمة، صلاة ركعتين.

والحنفية قالوا: سجدة الشكر مُستحبّة، ويُكرَه الإتيان بها عقب الصلاة؛ لئلّا يتوهَّم العامّة أنّها سُنّة أو واجبة.

ثُمّ قلتُ: إنّي أسألكم أيّها الإخوان، من أيّ طريق وصلت الأحكام لأيديهم، وعن أيّ شخص أخذوها؟

قالوا: من الثُقاة.

قلتُ: وأيّ ثُقاة أوثق من أهل بيت النبوة؟! وأيّ ثقاة كانوا


1- الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1، ص 470.

ص: 135

بالتصالقٍ مع النبوّة؟! وأيّ ثقاة كانوا أعلم وأفضل من العترة، الذين قد أوصى النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) باتّباعهم والعمل بأوامرهم؟!

تدبَّروا جيداً بقوله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) ولثلاث مرّات: «أذكّركم الله في أهل بيتي» كما مرّ.

لا يجوز لأئمّة المذاهب أنْ يُفتوا على خلاف قول النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) وعترته، وفتاواهم وصلت لأيديهم من أفراد غير ثقاة، ومن غير طريق العترة، لذا فهي ليست بحُجَّة أبداً، واللازم على أهل السنّة أنْ يتدبّروا في عقائدهم وأحكامهم، من أين تصل إليهم.

ثُمّ قلتُ له: هل تعرف تجدّد النعمة واندفاع النقمة؟

في كلّ لحظة تُجدّد النعمة، ونحن في غفلة وجهل؛ نعمة الوجود، نعمة الحياة، نعمة السمع والبصر والفؤاد، نعمة الصحّة والعافية، نعمة الأمن والإيمان، وغير ذلك تتجدَّد في كلّ لحظة، ويريد الله تبارك وتعالى أنْ تستمر لعباده في كل لحظة، ويدفع في كلّ لحظة البلايا والمحن والنقم، والسقم، ويحفظنا من الشرِّ والفتن، للعرب والعجم، والجنِّ والإنس، ويُنجينا من شرِّ السّلاطين الظالمين الفاسقين.

فالسجدة ليست بمكروهة، كما قالت المالكية والحنفيّة، الجَهلة غير العاملين بوظائفهم. ومع علمهم أنَّ استحباب السجدة كانت عن طريق العترة، وكانوا هم من تلامذة جعفر بن محمد الصادق(

ص: 136

عليه السلام)- المدفون في البقيع الغرقد-، فإنَّ أكثر فتاواهم كانت مخالفة لدين الإسلام، وسُنّة رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) وعترته، وغيَّروا أحكام الشريعة، وبدّلوا سنَّة رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وقلبوا دينه وسنَّته رأساً على عقب، وخالفوا أمره. لاحظوا كيف أنَّ فتاواهم دائماً تكون خلاف نظر أهل البيت(عليه السلام).

أنتم تأخذون أحكامكم من البخاري، المولود في الثالث عشر من شوال سنة 194 ه-، والمتوفّى سنة 256 ه، ومن مُسلم المتوفَّى سنة 261 ه، وبعدهما من الأشعري المولود سنة 270 ه، ومن أحمد بن حنبل المولود سنة 164 ه، ومن الشافعي المولود سنة 150 ه، ومن مالك المولود سنة 95 ه، ومن أبي حنيفة المولود سنة 80 ه؛ ولم يكونوا في زمن رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، حتّى يأخذوا الأحكام من رسول الله، وبعده لم يأخذوا عقائدهم وأحكامهم من أهل البيت، الذين قال(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في حقّهم: «أُذكّركم الله في أهل بيتي» ثلاث مرّات. ما معناه: أنَّه يجب عليكم أنْ تأخذوا الإسلام من كتاب الله ومن العترة لا غير.

وأمّا الشيعة الإماميّة، فإنّهم يأخذون أحكامهم الشرعيّة من علي(عليه السلام)، ومن بعده أوصيائه الذين أُشرتُ إليهم في البحوث السابقة، يداً بيد، وبلا فاصلة.

ويذّكرنا هذا محور البحث هذا بقصّة(السلطان الجايتو محمد

ص: 137

المغوليّ)، المُلقَّب ب-(شاه خدا بنده)، حيث إنّه غضب على إحدى زوجاته فقال على لها: أنتِ طالق، ثلاثاً، ثُمّ ندم، فسأل الفقهاء فقالوا: حرمت عليك، وللرجوع إليها تحتاج إلى مُحلِّل. فسأل هل هذه الحُكم مُجمَع عليه؟

قالوا: نعم.

فقال أحد وزرائه: في الحلِّة عالم يُفتي ببطلان الطلاق.

فسأل العلماء، قالوا: إنَ مذهبه باطل.

قال الملك: تمهَّلوا حتّى يحضر ونرى كلامه.

قالوا: لا يليق بالملك أنْ يبعث إلى مثله.

فبعث الملك أليه، فأُحضِر العلّامة الحلّي(رحمه الله)، فلمّا حضر، جمع الملك العلماء كافّة، فلمّا دخل على الملك، أخذ نعله بيده، ودخل وسلَّم وجلس جنب الملك.

فقالوا: ألم نقل أنّه لا يليق بالملك أنْ يبعث إلى مثله؟! إنّه ضعيف العقل.

فقال الملك: اسألوه عن فعله.

فقالوا: لمَ لم تخضع للملك وتركع؟

قال: لأنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) لم يكن يركع له أحد، ويُسلَّم عليه فقط، قال الله تعالى:(فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً) (1)

. ولا يجوز الركوع والسجود إلّا


1- النور: 61.

ص: 138

لله تبارك وتعالى.

قالوا: لمَ جلست قُرب الملك؟

قال: لأنَّه لم يكن مكان خالٍ غيره.

قالوا: فلمَ أخذت نعليك بيدك، وهذا منافٍ للأدب؟

قال: خفتُ أنْ يسرقه أحد من أهل المذاهب، كما سرق أئمّتهم نعل رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم).

فقالوا: إنَ أئمّة المذاهب لم يكونوا في عهد رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، بل وُلدوا بعد مائة عام بعد وفاته فما فوق.

كل هذا الحديث والمترجم يترجم للملك كلّ ما يقوله العلّامة.

فقال للملك: قد سمعت اعترافهم هذا. فمن أين حصروا الاجتهاد فيهم، ولم يُجوِّزوا الأخذ عن غيرهم، وإنْ كان أعلم؟

فقال الملك: ألم يكن أحد من أصحاب المذاهب هذه في زمن النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) ولا الصحابة؟

قالوا: لا.

قال العلّامة: أما نحن فنأخذ مذهبنا عن عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، نفس رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وأخيه وابن عمّه، ووصيّه، وعن أولاده من بعده.

فسأله عن الطلاق، فقال: الطلاق باطل؛ لعدم وجود الشهود العدول، وجرى النقاش بينه وبين بقية علماء المذاهب، حتّى ألزمهم جميعاً.

ص: 139

فتشيَّع الملك، وأخذ يذكر أسماء الأئمّة الاثني عشر في خطبه، وبعث إلى البلاد والأقاليم ليذكروا الأئمّة الاثني عشر في الخُطب. وأمر بضرب المسكوكات بأسمائهم، وأمر بكتابتها على المساجد والمشاهد (1). وما في الجامع القديم في أصفهان- إذْ كُتبت أسماؤهم في ثلاث مواضع منه- شاهد على ذلك. والحمد لله ربّ العالمين على هذه النعمة، حيث إنَّ أصفهان كانت من أبعد البلدان عن التشيّع، وصارت بحيث لا يوجد في البلدة ولا في قراها أحد مخالف للمذهب الحق، حتّى أنّه لا يُتَّهم بالتَسنُّن أحد، وهو محض اتِّهام.

ونحمد الله تبارك وتعالى بأنّا- أيضاً- نُشاهد أسماءهم في المشهد النبوي ومسجده، ونشكر الله على ذلك.


1- روضة المتقين، ج 9، ص 30.

ص: 140

31- أيٌّ من أقسام من الشيعة هو الصحيح؟

قال بعضهم: الشيعة على أقسام، أيّ قسم منهم على الحقِّ، ولن يدخل النّار وهو من أهل الجنّة؟

قلتُ: مَن كان يُؤمن بالله تبارك وتعالى، وبرسوله، وبالأئمّة الاثني عشر،- كما ذُكرت أسماؤهم في رواية فرائد السمطين، والتي رواها القندوزي في كتابه (1)، وهي رواية نعثل اليهودي- فهو من أهل الجنّة، وما سواه فمأواه النّار؛ لأنَّه خالف وصايا النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، ولم يُؤمن بالحُجَّة الثاني عشر(عليه السلام) وسائر الأئمّة(عليه السلام). كالناووسيّة، والزيديّة، والإسماعيلية، والواقفيّة، وغير ذلك ..

قالوا: فنكون جميعاً من أهل النّار؟!

قلتُ: أنتم، إنْ شاء الله، من أهل الجنّة، إنْ عملتم بالكتاب والسُنَّة. والسُنّة لا تتحقّق إلّا عن طريق العترة ووصايا أهل البيت(


1- ينابيع المودّة، ج 3، الباب السادس والسبعون.

ص: 141

عليه السلام). أنْ تتبرَّؤون من غيرهم؛ لأنَّهم في ضلالة، كما رُوي عن الإمام الحسن العسكري، الإمام الحادي عشر(عليه السلام): «لولا محمّد والأوصياء من ولده، لكنتم حيارى كالبهائم» (1).

وقد روى الكليني والطوسي، وغيرهما من أكابر علماء الشيعة، دعاءً جامعاً في زمان الغيبة- هذا الزّمان-: «اللَّهم عرّفني نفسك، فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسك، لم أعرف نبيّك، اللَّهم عرّفني رسولك، فإنّك إنْ لم تعرّفني رسولك، لم أعرف حُجّتك، اللّهم عرّفني حجّتك، فإنّك إنْ لم تعرّفني حجّتك، ضَللتُ عن ديني» (2).

نعم، دين الإسلام الواحد هو دين محمّد وأوصيائه، وما سواه هو دين مصنوع ومخترع من البشر، وليس دين الله سبحانه وتعالى.


1- تحف العقول
2- الكافي، ج 1، ص 337/ 342.

ص: 142

32- من أين يُؤخذ العمل الصحيح؟

منهم مَن قال: من أين نأخذ العمل الصحيح بالكتاب والسنّة؟

قلتُ: لابدّ لكم أنْ تراجعوا كتب الإماميّة الاثني عشريّة. فارجوا في عقائدكم إلى كتاب(الألفين في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام))، للشيخ الإمام جمال الدين ابن المطهّر الأسدي، المولود عام 648 ه-، والمتوفّى عام 726 ه، وكذا(منهاج الكرامة) له، وكتاب(الغدير) للعلّامة الأميني. ومن كُتبكم(تاريخ دمشق لابن عساكر)، و(خصائص النسائي)، و(حقّ اليقين) لشُبَّر، وللعلّامة المجلسي، و(مناقب الخوارزمي)،(وابن المغازلي)، و(بصائر الدرجات)، وكذلك إلى تواريخكم وتواريخنا، والقضاء بالعدل والإنصاف في كلِّ ذلك. وكذلك يجب أنْ ترجعوا إلى(كشف المراد)، و(شرح الباب حادي عشر).

وأمّا الأحكام، فتجب مراجعة الكتب الأربعة:(الكافي للكُليني، والاستبصار للشيخ الطوسي، وتهذيب الأحكام له(رحمه الله)، ومَن لا يحضره الفقيه للصدوق).

وفي الفقه، ف-(جواهر الكلام)، و(المختلف)، و(الخلاف)، و(النهاية للشيخ الطوسي)، والجوامع الفقهية للقدماء من الإماميّة،

ص: 143

و(العروة الوثقى)، و(الوسيلة)، و(المنهاج)، وغير ذلك ..

ولتهذيب للأخلاق يجب أنْ تُراجعوا(جامع السعادات)، و(كشف المحجّة)، وكتاب(الجهاد)، و(المعيشة من الوسائل)، و(جامع أحاديث الشيعة)، و(المحجَّة البيضاء).

وحينئذٍ، ستتعرَّفون على دين الإسلام، والشريعة السمحاء الصّحيحة.

قال بعضهم: إنّا نعمل بالكتاب والسُنّة.

قلتُ: لا يمكن لنا معرفة القرآن والسنّة، إلّا من قِبل أهل البيت.

قال: نعرف ما نفهم القرآن؛ قال الله تبارك وتعالى:(هُدىً للنّاس) (1)، وقال سبحانه في سورة آل عمران:(هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (2)

، وقال في سورة الأعراف:(هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (3).

قلت: يصحّ للأستاذ في المدارس أنْ يشير إلى كتب تلامذته الدراسية ويقول: هذه كتبكم لهذه السنة، بواسطتها تصبحون من العلماء، وفيها هدايتكم، وبها تصلون إلى المراتب العلمية العالية. فهل تحصل هذه الفوائد بدون تعليم الأستاذ وبيان المعلِّم؟

قال الله تبارك وتعالى:(هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، وقال:(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأْمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ


1- البقرة: 185
2- آل عمران: 138
3- الأعراف: 203.

ص: 144

آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (1).

فالكتاب، وإنْ كان هدىً وبصائر وموعظة، ولكنّ فهمه يحتاج إلى معلّم، وإلى مَن هو عِدل القرآن، ويُدرك ويعلم في أيِّ مكان نزل، وفي أيِّ شي ء، ويعلم ما في السماوات والأرض، ويعلم طُرقها، ووزنها، وكيفيّتها، ومخلوقاتها، بإذن الله تبارك وتعالى.

قال: ألا نفهم معنى(قُلْ هُوَ اللهُ احَد) و(الْحَمْدُ للهِ رَبَّ الْعَالَمِينَ) وأمثال ذلك؟!

قلتُ: نفهم معناهم إجمالًا، وأمّا مفصّلًا، فلا نعرف معناهما قطعاً. فهل تعرف معنى «العالمين» الواقعي؟ وماذا أراد الله تبارك وتعالى؟ وما المراد من العالمين؟ وكم كان تعداد العالمين؟ يحتاج بيان كل ذلك إلى مَن خوطب به.

وهل تعرف معنى هذه الآية المباركة في سورة الرعد:(اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْش) (2)

؟

هل تعلمون ما هي(غير العمد التي ترونها)؟ وهل تعرفون العرش والكرسي؟ وهل تعلمون الاسم الأعظم في القرآن؟

وقال الله تبارك وتعالى في سورة النحل:(وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) (3).


1- الجمعة: 2
2- الرعد: 2
3- النحل: 89.

ص: 145

فهل تُحصون كلّ شي ء من الموجودات، وهل تعرفون منطق الطيور، وهل تعرفون زِنة العرش والكرسي، وزِنة الشمس والقمر، وزنة البحار وتعداد الأشجار؟

فجميع ذلك يحتاج إلى المُبيِّن القوي؛ ولذا اختلف المفسّرون في بعض مفاهيم القرآن، وأمّا في فهم ما ذكرنا لكم، فهم ساكتون، عاجزون، جاهلون.

قال: مَن هو؟

قلتُ: المُبيِّن هو النبيّ الأعظم، وبعده خلفاؤه، وأوصياؤه المنتجبون من الله تبارك وتعالى.

قال الله تبارك وتعالى في سورة النحل:(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (1)

، وقال تبارك وتعالى في هذه السورة:(وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) (2).

ولا شكَّ أنَّ الأفكار مُختلَف فيها، فبعض يفسّر القرآن برأيه، وآخر يفسّره بوجهة نظر أخرى، ولئلّا يكون المسلمين في اختلاف في العقائد والأحكام، كما يُشاهَد كثيراً؛ بعث الله سبحانه وتعالى رسوله، وعيَّن(صلي اللّه عليه و آله وسلم) أوصياء ونقباء بعده، لبيان أحكام الله، وإظهار دينه، وإقامة حدود القرآن، وتفسير كتابه، وجعلَهم خُزّان علمه، وقادَة الأُمم، وورثة الأنبياء، وأهل الذكر. قال


1- النحل: 44
2- النحل: 64.

ص: 146

الله تعالى:(فَاسْألُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) (1) وحملة كتاب الله، ومحالَّ معرفته، المعصومين، المتّقين، الصادقين، الذين قال الله تعالى في حقّهم:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (2).


1- النحل: 43
2- التوبة: 119.

ص: 147

33- الصادقون هم أهل البيت (عليه السلام)

منهم مَن قال: ما الدليل على أنّ المراد من الصادقين هم أهل البيت؟

قلتُ: هذا واضح؛ لأنَّ الخطاب كان للمؤمنين، والخطاب كذلك صحيح إنْ كان الصادقون غيرهم، وإلّا لم تصحّ إنْ كان منهم، فلا بدّ أنْ يكونوا غيرهم، وهم أهل البيت(عليه السلام).

راجعوا كتاب القندوزي الحنفي، قال: أخرجَ موفّق بن أحمد الخوارزمي، عن أبي صالح، عن ابن عباس- رضي الله عنهما-، قال: «الصادقون في هذه الآية محمد(صلي اللّه عليه و آله وسلم) وأهل بيته» (1).

وقال- أيضاً-: أخرجه أبو نعيم الحافظ، والحمويني، عن ابن عباس، بلفظه.

وقال: أخرجه أبو نعيم عن الصادق(عليه السلام).

وقال- أيضاً-: أخرجه أبو نعيم، وصاحب المناقب، عن الباقر والرّضا، رضي الله عنهما، قالا: «الصادقون هم الأئمَّة من أهل البيت».


1- ينابيع المودّة، ج 1، الباب التاسع والثلاثون،(في تفسير قوله تعالى ..)

ص: 148

وكذلك ابن عساكر في تاريخه، الجزء الثاني، ص 422، عن جابر، عن أبي جعفر، عند قوله تعالى:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (1).

ثُمَّ قلتُ: و معلوم بأنَّ المراد من الصادقين، في الآية المباركة، هم أهل البيت.

وعلى أيّ حال، فإنَّ بحثنا كان أنّه لا نعرف القرآن مفصّلًا، بل مختصراً، إنّما يعرف القرآن مَن خُوطب به، وهو رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) وأهل بيته، كما قال(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها» (2)

، وقال: «أنا دار الحكمة وعلي بابها» (3)

، وقال علي(عليه السلام): «علّمني رسول الله في مَرضه ألف باب، يفتح كلّ باب ألف باب» (4)

.

وقال القندوزي في ينابيعه، وفي شرح المواقف:(قوله تعالى في سورة الحاقّة:(وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (5)، أي حافظة، وأكثر المفسّرين على أنّه عليّ. وقول علي كرّم الله وجهه: «لو كُسرت لي الوسادة ثُمّ جلستُ عليها، لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل القرآن، بقرآنهم»، وقوله: «والله ما من آية نزلت في بَرٍّ أو سهل أو جبل، في ليلٍ أو نهار، إلّا وأنا أعلم فيمَن نزلت،


1- التوبة: 119
2- تاريخ دمشق، ج 2، ص 464
3- المصدر السابق، ص 454
4- المصدر السابق، ص 458
5- الحاقة: 12.

ص: 149

وفي أيّ شي ء نزلت» ..) (1).

فهل نفهم، أيّها الإخوان، تفسير القرآن كعلي؟

فلا طريق لفهم الكتاب إلّا عن طريق العترة، الذين اعترف أسقف النصارى بأنّه رأى وجوهاً لو سألوا الله تعالى أنْ يُزيل جبلًا من مكانه لأزاله.

قالوا: في أيِّ زمان وفي أيِّ مكان هذا؟!

قلتُ: هذه القضيّة منقولة في ذيل الآية المباركة في سورة آل عمران:(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (2).

فلمّا نزلت هذه الآية في وفد نجران، العاقب والسيّد ومَن معهما، أرسل إليهم رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) للمباهلة، فاستنظروه إلى صبيحة غد من يومهم ذلك، فلمّا رجعوا إلى رجالهم، نصحهم العاقب، عالمهم وأكبرهم في المشاورة، وقال لهم: انظروا محمّداً في غد، فإنْ غدا بولده وأهله، فاحذروا مباهلته، وإنْ غدا بأصحابه، فباهلوه؛ فإنّه على غير شي ء. فلمّا كان الغد، جاء آخذاً بيد علي بن أبي طالب، والحسن والحسين بين يديه يمشيان، وفاطمة تمشي خلفه، وخرج النصارى، يتقدّمهم أسقفهم، فلمّا رأى النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قد أقبل بمَن معه، سأل عنهم، فقيل له: هذا


1- ينابيع المودّة، ج 1، باب التاسع والثلاثون،(في تفسير قوله تعالى ...)
2- آل عمران: 61.

ص: 150

ابن عمّه، وزوج ابنته، وأحبّ الخلق إليه، وهذان ابنا بنته من عليّ، وهذه الجارية بنته فاطمة الزهراء، أعزّ النّاس عليه، وأقربهم إلى قلبه.

وتقدّم رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) فجثا على رُكبتيه. قال أبو حارثة الأسقف: جثا والله كما جثا الأنبياء للمباهلة. فكعَّ فلم يتقدّم إلى المباهلة، فقال له السيّد: أدنُ يا أبا حارثة للمباهلة، فقال: لا، وُروي أنّه قال: إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أنْ يزيل جبلًا من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا، فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.

وقال النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم): والذي نفسي بيده، لو لاعنوني لمُسخوا قردة وخنازير، ولأُضطرم الوادي عليهم ناراً.

فلمّا رجع وفد نجران، لم يلبث السيد والعاقب إلّا يسيراً، حتّى رجعا إلى النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وأهدى العاقب له حُلّة وعصا، وقدحاً ونعلين، وأسلما.

قالوا: في أيّ كتاب نُقلت هذه القضيّة؟

قلتُ: نُقلت في أكثر التفاسير، لاحظوا تفسير أنوار التنزيل: ج 1، ص 164، والجلالين رواية عن أبي نعيم كما في الجلالين،، ومجمع البيان للطبرسي، ومنهج الصادقين، وروض الجنان، وسائر التفاسير عند الشيعة والسُنّة، وكُتب الأحاديث والتواريخ.

ص: 151

34- أنتم تسجدون لأضرحة أهل البيت وتقبِّلوها

منهم مَن قال: أنتم تسجدون لأهل البيت، وتقبّلون أضرحتهم.

قلتُ: سبحان الله، نحن لا نسجد إلّا الله تبارك وتعالى، وهو فقط أهل للعبادة.

قال: كثيراً ما يُشاهَد ذلك عند الشيعة.

قلتُ: الزوّار من الشيعة يسجدون لله سبحانه وتعالى؛ لأنّه عزّ وجلّ وفَّقهم لزيارة مواليهم، وإنْ سُئل منهم: لمَن تسجدون؟ لقالوا: للتوفيق بزيارة أحبّائنا وموالينا، وزيارة مسجد النبي والمسجد الحرام، شكراً لله على هذه النّعمة. ومع فرض كون السجدة للنبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) ولعترته، فإنّها تكون أيضاً لله تبارك وتعالى، تعظيماً لهم، كما أُمر الملائكة أنْ يسجدوا لآدم، كما في سورة البقرة:(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) (1)، والأعراف:(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) (2)، وفي سورة الإسراء:(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ


1- البقرة: 34
2- الأعراف: 11.

ص: 152

فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) (1)، وكذلك ليوسف:(وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) (2)، وغير ذلك من الآيات.

فلا إشكال إنْ كانت السجدة لله، ويسجدون لعظمتهم ومنزلتهم عند الله؛ لأنَّهم كانوا خلفاء الله في أرضه وسمائه.

وأمّا تقبيل الأضرحة، فلمحبَّتهم لهم، كما أنتم تقبّلون أولادكم، وتقبلون أيديهم ووجوههم، وتقبلون ...

ونقل ابن ماجة عن ابن عمر، قال:(قبّلنا يد النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)) (3)، ونقل عن صفوان بن عسّال: أنَّ قوماً من اليهود قبّلوا يد النبي ورجليه، ولم ينهاهم.

فهل التقبيل للمحبّة شرك أو بدعة؟!

وهذا صحيح البخاري عندكم، فارجعوا إلى كتاب الحج: «عن عابس بن ربيعة عن عمر(رض)، أنّه جاء إلى الحجر الأسود فقبَّله، فقال: إنّي أعلم أنّك حجر، لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أنّي رأيت النبي، رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، يقبّلك ما قبّلتك» (4).

وفيه أيضاً، باب استلام الحجر: إنّ عمر بن الخطاب(رض) قال للرُكن: أما والله، إنّي لأعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أنّي رأيت النبي(رسول الله) استلمك، ما استلمتك، فاستلمه، ثُمَّ قال: ما


1- الإسراء: 61
2- يوسف: 100
3- سُنن ابن ماجة، ح 3704
4- صحيح البخاري، كتاب الحج.

ص: 153

لنا وللرّمل، إنّما كنّا راءينا به المشركين، وقد أهلكهم الله، ثُمّ قال: شي ءٌ صنعه النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) فلا نحبّ أنْ نتركه.

وفي هذا الموضوع روايات أُخر (1)، عن زيد بن أسلم عن أبيه، وعن ابن عمر في الاستلام والتقبيل. وكان المسلمون من العامّة والخاصّة يتدافعون لاستلام وتقبيل الحجر؛ وهذا دليل على جواز تقبيل أضرحة أهل البيت لمحبّتهم، وليس بشركٍ ولا بدعة. وروى السيوطي في الجامع الصغير، أنّ الحجر يكون من الشاهدين يوم القيامة للزائر بالموافاة.

تدبّروا أيّها الإخوان في بيان عمر بن الخطاب، كأنّه اعتراض على رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)؛ فقال:(ما لنا وللرّمل)، وقال:(شي ء صنعه النبي)، يعني: لا معنى لذلك، شي ء لا يضر ولا ينفع، ولا معنى لاستلامه وتقبيله، ولكنْ لمَّا استلمه النبي وقبّله، نستلمه ونُقبّله. وهذا دليل على عدم إدراكه بأنّه ليس كالرمال الأُخرى، وهو محبوب عند الله، وله عظمة واحترام، وفي استلامه وتقبيله سعادة وثواب، ويشهد يوم القيامة بالموافاة للزائر، كما في كتب الفريقين.

فعلى ذلك، لا إشكال في تقبيل الأعتاب والجدار والأضرحة المنسوبة إلى أهل البيت(عليه السلام)؛ للأمر بلزوم المحبّة لهم، كما قال النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «يا علي، طوبى لمَن أحبّك وصدق فيك. يا علي، مَن أحبّك فقد أحبّني، ومَن أبغضك فقد أبغضني» (2)

،


1- المصدر السابق
2- تاريخ ابن عساكر، الجزء الثاني، 211 و 214.

ص: 154

وقال: «أنا وعلي حجَّة الله على خلقه» (1).


1- المصدر السابق، ص 272.

ص: 155

35- البناء على القبور

قال بعضهم: ما نظركم في البناء على القبور؟

قلتُ: لا إشكال فيه، لا سيّما إنْ كان المدفون من الأعاظم ومن الصّلحاء، أو من أولياء الله، كالأنبياء وَمن كان في حدِّ منزلتهم، كالأصفياء والأسباط والأئمة(عليه السلام)؛ وهذه سيرة المتشرّعة من قبلُ تُشاهد في البلدان المختلفة، وقد اهتمّوا اهتماماً خاصاً بالبناء على القبور، وبه يفتخرون على العالم.

ألا ترون قضيّة أصحاب الكهف، فمن النّاس مَن قال:(ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) (1)

، وآخر قال:(لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) (2).

والبناء عليهم إمّا لراحة للزائرين، ووقاية لهم من الحرّ والبرد، وإمّا للشعائر الدينيّة، و(مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (3).

ولا شكّ أنّ تعظيم قبورهم، وحفظها عن أنْ تُهدم، ونظافتها؛ سيرة مستمرّة بين الناس، حتّى اليهود والنصارى، كما يُشاهد ذلك


1- الكهف: 21
2- الكهف: 21
3- الحج: 32.

ص: 156

في قبور أنبيائهم وزائريهم.

قال: هذا صحيح البخاري، وفيه: «إنَّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) نهى عن تجصيص القبور والبناء عليها».

قلتُ: البخاري ليس وجيهاً عندنا ولا ثقة، وكان مُغرضاً، ومبغضاً للعترة، ولم يعتن بأهل البيت؛ ولذا لم ينقل عنهم رواية، مع أنّهم كانوا معادن كلمات رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وخزّان علمه، ومُبيّني أحكامه بلا واسطة، وكانوا روح رسول الله ونَفْسه، كما تدلّ عليه آية:(... أَنْفُسَنا وأنفسكم) في آية المباهلة.

أكان الأئمّة الاثنا عشر، وأهل بيت النبيّ(عليه السلام)، أقلّ مرتبة من أبي هريرة الكذّاب؟! ومن عائشة التي حاربت إمام زمانها في معركة الجمل، وكانت من الناكثات والمارقات؟!

إنَّ صحيح البخاري مملوء بخُرافاتهم، كبول النبي قائماً، وجسمانيّة الربِّ، وإثبات رؤيته في القيامة كالقمر. وكذلك صحيح مسلم، فيه خرافات لا يليق لمَن كان له عقل وفهم نقلها في كتابه.

فأيّ إشكال في البناء؟! هل قصرُ الملك مساوٍ لبيوتكم؟! لماذا بُني قصر الملك كذلك؟! هل يجوز أو يصحّ أنْ يخرّبه أحد؟ فكذلك البناء على قبور الأنبياء والعظماء المُنتجبين من الله تبارك وتعالى. ولماذا إذن تُخالفون ذلك في قبر رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، إمام المتَّقين، وصفوة المرسلين، وسيد النبيّين، ولم تخرّبوا بناءه؟

منهم مَن قال: سيأتي تخريبه.

ص: 157

قلتُ، بغضبٍ وشدَّة: لا تقدرون على ذلك، ولنْ توفَّقوا لتخريبه؛ لأنّه محبوبٌ عند الله، ويرتبط بكلِّ المسلمين، وسيُقاتلونكم بحيث لن يبقَ منكم أثر في عالم الوجود، ويكون مصيركم النّار، وتصبحون من الكفّار، ويكون حينئذٍ على المسلمين قتالكم. الحذر الحذر، من هذا التفكير ومن هذا العمل، هذا عمل قوم لا يعقلون ولا يشعرون، وخلافه يكون مصداقاً لتعظيم الشعائر في الإسلام، قال الله جلَّ وعلا:(وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (1).


1- الحج: 32.

ص: 158

36- افتراء على الشيعة

قال بعضهم: أنتم توجبون قتلنا، وتقولون إنّ في قتلنا الثواب والجنّة، وإنّنا كفّار.

قلتُ: هذا افتراء على الشيعة؛ راجعوا كتب فقهائنا من أوّل الإسلام إلى زماننا هذا، فلن تجدوا مثل هذه الفتوى، بل تجدون أنَّ مَن شهد(أنْ لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، وأنَّ محمّداً(صلي اللّه عليه و آله وسلم) رسول الله)، فدَمه حرام، وماله مُحتَرم. وعرضه مُصان؛ ولذا تلاحظون أنّا نتزوّج منكم، ونأكل من طعامكم، ولحوم سوقكم، ومِن خبزكم، وغير ذلك .. ولذا تزوَّج رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) عائشة وحفصة.

ص: 159

37- إنّ أبا بكر وعمر كانا كافرين؟!!

منهم مَن قال: هل إنّ عمر وأبا بكر كانا كافرين؟!

قلتُ: قد مرَّ بحث ذلك، وأنّهما كانا مسلمَين إلى زمان احتضار النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)؛ ولذا قد تزوَّج النبي ابنتيهما، وكانت بينه وبينهما مصاهرة.

وأمّا بعد احتضار النبي، فيمكن أنْ يقال إنّهما صارا كافرين، مع ابنتيهما؛ لأنّهم قد خالفوا أمر الله تبارك وتعالى ورسوله في مواضع مختلفة، والله العالم. وكما قال الله سبحانه في سورة آل عمران:(أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) (1).

نعم، في لا شكَّ في إسلامهما في عهد رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وأمّا بعده، فلننظر كيف كانت أعمالهما، ولنقرأ التاريخ.


1- آل عمران: 144.

ص: 160

38- تَسمية الأولاد

منهم مَن قال: لماذا تسمّون أولادكم ب-(عبد علي)، و(عبد الحسين)، و(عبد الزهراء)، أليس هذا شرك؟

قلتُ: ليس المراد من التّسمية أنّهم عباد لهم، ولذا إنْ سألتموهم هل إنّكم عباد لهم، فسيقولون: نحن عباد الله، فالله مولانا وربّنا، ولكن هذه أسماء دارجة بيننا، كما أنَّ مثل:(ابن زهرة)، و(أبي يعفور)، و(عبد شمس)، جدّ مروان الحمار، و(ابن الجوزي)، و(ابن عصفور)، متعارف عليها بينكم.

قال: إنْ كان اسم أبي بكر وعمر وعائشة قبيحاً ومبغوضاً، فكيف أنَّ أهل بيت النبيِّ سمّوا أولادهم بأسمائهم؟

قلتُ: إنّ هذه الأسماء كانت رائجة بين النّاس، ولا تختصّ بقوم دون قوم، وبشخص دون شخص، إنّما اسم يحيى فقط لم يكن دارجاً بين النّاس، ولذا قال الله سبحانه مخاطباً زكريّا:(يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) (1). وأمّا غير يحيى، فجميع أسمائهم كانت رائجة. وكان اسم عُمر، وعثمان، وعبد الله بن عثمان،(أبوبكر) رائج بين الكثير من الناس، وإنْ سمّى أهل البيت


1- مريم: 7.

ص: 161

أسماء أولادهم، أو كنَّوهم بأسماءٍ مثل عمر، وعثمان، وأبي بكر؛ فليس من جهة تسمية أولادهم بأسماء الأعداء، بل من جهة أنّها كانت متداولة بين العرب، وليس كما زعم أبو معاذ في كتابه (1).


1- الأسماء والمصاهرات بين أهل البيت والصحابة، ص 30.

ص: 162

39- كيفية ولادة الأئمّة (عليه السلام)

منهم مَن قال: إنّ الشيعة يعتقدون بأنَّ زوجات الأئمّة يَلدْنَ من الفخذ الأيمن.

قلتُ: إنّ الشيعة الإماميّة لا يعتقدون ذلك، ومع ذلك، فإنْ كان الأمر بيد الله تبارك وتعالى، فلا فرق بين يولدوا من الفخذ أو من الرحم، فالاستبعاد ليس في محلّه، بعد أنْ أخرج النبي صالح النّاقةَ من الجبل بأمر الله، وحملت مريم دون أنْ يمسّها بشر، وجرى الماء من يد رسول الله للوضوء، وتسبيح الرمل في يده، وغير ذلك من المعجزات الإلهيّة ..، وفي هذا الزمان يُولد الأطفال من البطن لا من الرحم بعمليةٍ جراحية.

ص: 163

40- إمكانية إمامة الإمام في حال الصبا

منهم مَن قال: إنَّ الشيعة يعتقدون أنَّ بإمامة الأئمّة وهم صبيان، وكيف يمكن أنْ يأخذ الصبيّ زمام أمور المسلمين بيده، ويكون إمام أهل السماوات والأرضين؟! هذا غير معقول.

قلتُ: لمَ لا تتدبّرون القرآن الذي تقرؤوه بكثرة، وتُسمع تلاوته عند الطواف بالبيت العتيق على الدوام؟! ألم تلاحظوا قضيّة عيسى بن مريم وهو في المهد:(قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) (1)، وقوله تعالى:(يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا* وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا) (2).

قال في تفسير الدر المنثور (3): سُئل عن قوله:(وَكانَ تَقِيًّا).

قال: لم يعصه، ولم يهمّ بها.

وفي رواية، قال الحسن: قال النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «ما أذنب يحيى بن زكريا قطّ، ولا همّ بامرأة».

وقال:(وَكانَ تَقِيًّا) طاهراً، فلم يُذنب.


1- مريم: 30
2- مريم: 12
3- الدرّ المنثور، ج 4، ص 471.

ص: 164

فيمكن أنْ يكون النبيّ صبيّاً، ويأخذ بزمام أمور العباد بيده، وكذلك الأئمّة الذين هم أشرف من الأنبياء؛ لأنّهم من شجرة النبوّة، كما قال النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «عليّ منّي بمنزلة رأسي من بدني» (1)

.

وهذا التعبير مهمّ، واللازم علينا التفكير التدبّر فيه؛ في أنّ منزلته منه كمنزلة الرأس من البدن، أو «بمنزلة رأسي من يدي»، أو «مثل رأسي من بدني»، كما في تاريخ بغداد (2)، ومناقب ابن المغازلي (3)، ومناقب الخوارزمي (4)، وينابيع المودَّة (5).

ونفس هذا الإشكال، طُرح في زمان السقيفة، إذ إنّ بعض الجاهلين، المُبعدين من الله ورسوله، قالوا: إنَّ عليّاً شابّ لا يقدر على إمامة المسلمين، وليس بلائقٍ للإمامة وأخذ زمام أمور المسلمين، فاللازم علينا- خلافاً لقول الله تبارك وتعالى ورسوله- أنْ ننتخب للرئاسة أكبرهم سنّاً. مع أنَ أباه كان أسنّ منه!

فانتخبوا أبا بكر، الذي قال عمر في حقّه: «كانت بيعته فلتة وقى الله المسلمين شرّها» (6)، كما مرَّ سابقاً.

منهم مَن قال: فلا إشكال في أنَّ الإمام كان صغيراً، وكان في


1- تاريخ ابن عساكر، حديث 870
2- تاريخ بغداد، ج 7، ص 12
3- المناقب، ابن المغازلي، ص 92
4- المناقب، الخوارزمي، ص 86-
5- ينابيع المودّة، ج 2، الباب السادس والخمسون، والباب التاسع والخمسون
6- شرح نهج البلاغة، ج 1، الجزء 2، ذيل خطبة 26،(حديث السقيفة).

ص: 165

حداثة سنّه.

قلتُ: لا فرق بين أنْ يكون الإمام ابن سبع سنين أو أقل، وبين أنْ يكون ابن سبعين سنة، بعد أنْ كان مُنتخباً من الله تبارك وتعالى؛ لأنّه يعلم ويتكلّم بالوحي في صغر سنّه، كما في عيسى بن مريم، ويحيى، ولا يلزم أنْ يكون بالغاً؛ لبلوغه حُجّته، ولو كان ابن ثلاث سنين.

كما رُوي عن علي بن موسى الرضا(عليه السلام)، المدفون في إيران(رزقكم الله زيارته): «إنَّ الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء. إنّ الإمامة خلافة الله عزّ وجلّ، وخلافة الرّسول، ومقام أمير المؤمنين، وميراث الحسن والحسين(عليه السلام). إنَّ الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعزّ المؤمنين. إنَّ الإمامة أُسّ الإسلام النامي، وفرعه السّامي. بالإمام تُقام الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وتوفير الفي ء، والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف.

الإمام يُحلّ حلال الله، ويحرِّم حرام الله، ويُقيم حدود الله، ويذبّ عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجّة البالغة. الإمام كالشمس الطالعة للعالم، وهي بالأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار ...

الإمام أمين الله في أرضه، وحجَّته على عباده، وخليفته في بلاده، الداعي إلى الله، والذابّ عن حرم الله. الإمام المُطهِّر من الذّنوب، المُبرّأ من العيوب،

ص: 166

مخصوص بالعلم، مرسوم بالحلم، نظام الدِّين، وعزّ المسلمين، وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين.

الإمام واحد دهره، لا يُدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظير، ... فمَن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام، ويمكنه اختياره؟! هيهات، هيهات، ضلّت العقول، وناهت الحلوم، وحارت الألباب، وحسرت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيّرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألبّاء، وكلَّت الشعراء، وعجزت الأُدباء، وعييَت البُلغاء عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من فضائله ..» (1).

منهم مَن قال: هذه المنزلة وهذه الشرائط ليست لأحدٍ غير النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم).

قلتُ: هو كذلك، لا تجتمع هذه المقامات في أحد غير الأنبياء، ولكنْ إذا تدبّرتم في الآيات والروايات الصادرة عن رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في عترته، لاسيّما في علي(عليه السلام)، لفهمتم أنّ الإمامة والخلافة موجودة في أهل بيته فقط، وأنَّ غيرهم ليس بلائقٍ للزعامة، والرئاسة؛ لأنَّ الخلافة هي من جانب الله تبارك وتعالى، كما يُستفاد ذلك من الآيات. تدبّروا في هذه الآية:(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ


1- عيون أخبار الرضا، ج 1، ص 218 و 219.

ص: 167

ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (1)، وتفكّروا في جعل الله وجوابه سبحانه. وكان قول الله هذا ما خالفه عمر بقوله: «إنّ النبوّة والإمامة لا يجتمعان في بيت»، كما مرَّ سابقاً في شرح نهج البلاغة (2).

و(قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأْسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (3).

وانظروا كيف جمع الله تبارك وتعالى النبوّة والإمامة في بيت واحد والأئمّة من الأسباط، وتدبّروا في الآية المباركة من سورة الأنعام:(وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ) (4).

وفي سورة الأعراف:(وَقالَ مُوسى لأِخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (5).

وفي سورة طه:(وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي) (6).

وفي سورة مريم:(وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) (7).

وبالتفكّر والتدبّر في هذه الآيات، نفهم أنَ النبوّة والإمامة تجتمعان


1- البقرة: 124
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1، ذيل الخطبةالشقشقيّة،(قصّة الشورى)
3- البقرة: 136
4- الأنعام: 84
5- الأعراف: 142
6- طه: 30
7- مريم: 53.

ص: 168

في بيت واحد، وأنَّ عليّاً(عليه السلام)، كما يُستفاد من الأحاديث الكثيرة، لاسيّما حديث المنزلة في الصحاح وسائر الكتب عند الفريقين؛ كان خليفة ووزيراً لرسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، واجتمعت النبوّة والإمامة في بيت واحد، وأنّ حديث عمر كان موضوعاً ومخالفاً للقرآن والسُنّة.

ص: 169

41- ما تكليفنا؟

منهم مَن قال: فما هو التكليف؟

قلتُ: قد مرّ البحث عن ذلك، وبأنّ التّكليف هو الأخذ بعقائد الإماميّة، الشيعة الاثني عشريّة، وأنَّ الله تبارك وتعالى انتخب عليّاً للإمامة.

إنَّ مثل أهل السنّة كمثل قوم طالوت:(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (1).

قال الله تبارك وتعالى:(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (2)، ولا يمكن لأحدٍ من البشر أنْ ينتخب شخصاً للإمامة؛ لأنّه جاهل بما في ضمير المُنتخَب، والله تعالى عالم بما في صدور العالَمين.


1- البقرة: 47
2- الأنعام: 124.

ص: 170

42- وما هو السبيل لإمامة الحسن والحسين وأولاده (عليه السلام)؟

قال بعضهم: هذا واضح في إمامة علي، أمّا ما هو السبيل لإمامة الحسن والحسين وأولاده؟

قلتُ: إمامتهم ثابتة في القرآن المجيد، ووصاية النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، ووصاية نفس الأئمّة(عليه السلام)؛ لاحظوا كتاب(إثبات الوصيّة. لعليّ بن الحسين المسعودي)، في إثبات الوصيّة لأمير المؤمنين، وأولاده، واتّصال الأوصياء من لَدُن آدم إلى سيد الأنبياء وأشرف المرسلين. وهو من أفضل الكتب في هذا الموضوع، ومؤلّفه صاحب مروج الذهب، الكتاب القيِّم الجامع. وكذلك هناك كتب قيّمة فيها روايات تهمّنا، ك-:(الأئمّة بعدي اثنا عشر)، و(عدد نقباء بني إسرائيل)، و(كلّهم من قريش)، و(عدّة أصحاب موسى). راجعوا:(ينابيع المَودّة، المجلَّد الثاني، الباب الثالث والستّون)، وكذلك ما أورده صاحب كتاب الصواعق في فضائل أئمّة الهدى من أهل البيت الطيّبين(عليه السلام). وفي نفس المجلَّد، وفي الباب الثامن والسبعين، وعند إيراد ما في كتاب فرائد السمطين وغيره؛ نقل صاحب ينابيع المودَّة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «إنّ خلفائي وأوصيائي، وحُجج الله على الخلق

ص: 171

بعدي، الاثنا عشر؛ أوّلهم عليّ، وآخرهم ولدي المهديّ. فينزل روح الله عيسى بن مريم، فيصلّي خلف المهدي، وتُشرق الأرض بنور ربّها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب».

وكذلك نقل تفسير الدرّ المنثور (1) روايات متعدّدة من هذا القبيل، في ذيل الآية المباركة:(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) (2).

وفيه، بسَنده عن عباية بن ربعي، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «أنا سيّد النبيّين، وعلي سيّد الوصيّين، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي وآخرهم المهدي». وفيه عن صاحب الأربعين، أخرج عن حذيفة بن اليمان، قال: سمعت رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) يقول: «ويح هذه الأُمّة من ملوك جبابرة، كيف يقتلون ويطردون المسلمين، إلّا مَن أظهر طاعتهم. فالمؤمن التقيّ يُصانعهم بلسانه، ويفرّ منهم بقلبه، فإذا أراد الله تبارك وتعالى أنْ يعيد الإسلام عزيزاً، قصم كلّ جبّار عنيد، وهو القادر على ما يشاء، وأصلح الأُمّة بعد فسادها.

يا حذيفة، لو لم يبقَ من الدّنيا إلّا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يملك رجل من أهل بيتي، يُظهر الإسلام، والله لا يخلف وعده، وهو على وعده قدير» (3).

كثيرة هي الروايات من هذا القبيل في كتب الفريقين، فلا بدّ لكم


1- الدر المنثور، ج 2، ص 242
2- النساء: 159
3- ينابيع المودَّة، الباب الثامن والسبعون.

ص: 172

من أنْ تراجعوها، فتتعرَّفون على تكليفكم، واللازم عليكم أيضاً مراجعة كتب التأريخ، كمروج الذهب، والكامل لابن أثير، والطبري، وغير ذلك، فلاحظوا كيف كان تعامل الجبابرة، من الخلفاء الذين خوَّنوا رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، واتّهموا النبي الأعظم، وباينوه، ونبذوا عهده في خلفائه، وادّعوا مقامهم، وغيروا طريقتهم المُثلى، وبدّلوا سنَّتهم، وصغَّروا قدرهم، وظلموهم، وقتلوهم، وسمّوهم، وقتلوا أصحابهم، أصحاب الجنّة، وابعدوا مَن لم يكن على الأرض مثله من غير المعصومين، كأبي ذرّ، وأمثاله.

ثُمَّ انظروا روايات المنزلة، والسّفينة، والروايات التي فيها مناقب علي وفاطمة(عليه السلام)، كما مرّ، ومناقب الحسن والحسين، والأخبار التي تُصرِّح بالمهدي(عليه السلام)، والروايات التي تدلّ على أنَّ الخلفاء من بعد رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) اثنا عشر، كلّهم من قريش، بعدد نقباء بني إسرائيل، وغير ذلك من الروايات في كتب الفريقين ..

لاحظوا رواية مسلم، عن جابر بن سمرة، قال: دخلت مع أبي على النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، فسمعته يقول: «إنَ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة». قال: ثُمّ تكلَّم بكلام خفي عليَّ، قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريّش» (1). والروايات


1- صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب(الناس تبع لقريش)، ح 4732.

ص: 173

من هذا القبيل متعدّدة.

ثُمّ اقرؤوا الدُرّ المنثور، ج 2، ذيل الآية المباركة في سورة المائدة التي ذكرتُ آنفاً (1):

وأخرج أحمد والحاكم عن ابن مسعود: أنّه سأل كم يملك هذه الأُمّة من خليفة؟ فقال: سألْنا عنها رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، فقال: «اثنا عشر، كعدّة بني إسرائيل».

وفي رواية أُخرى: قال كعب: اثنا عشر، وتصديق ذلك في المائدة:(وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) (2).

وتدبّروا في الآيات التي قد مرّ ذكر بعضها في البحوث الماضية، كالآية المباركة:(فَاسْألُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (3)، وآية سورة المائدة:(وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) (4).

حيث يُستفاد من أمثال هذه الآيات، أنّ النقباء في كلّ أُمّة اثنا عشر، ومنها أُمّة محمد(صلي اللّه عليه و آله وسلم).

وتدبّروا أيضاً في آية سورة النساء:(أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأْمْرِ مِنْكُمْ) (5)، وآية آل عمران:(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي


1- المائدة: 12(وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً)
2- الدر المنثور، ج 2، ص 473
3- الأنبياء: 6
4- المائدة: 11
5- النساء: 59.

ص: 174

قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الأْلْبابِ) (1)، وغير ذلك من والآيات، كما مرّ سابقاً.


1- آل عمران: 7.

ص: 175

43- مَن كان المقصود بأُولي الأمر؟

منهم مَن قال: مَن الراسخون في العلم، ومَن كان المقصود بأُولي الأمر في الآيات المباركة؟

قلتُ: قد مرّ بحث ذلك، وأنّ المراد في الآية المباركة،(أُولِي الأْمْرِ مِنْكُمْ)، أوصياء النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وهم أهل الصفوة، والقوام في البَرِيَّة، وأهل التقوى، كما ذُكرت هذه الصفات في السلام على أئمّة البقيع.

المراد من(أُولى الأمر)، شجرة النبوّة، ومُختلف الملائكة، والفلك الجارية في اللُجَج الغامرة، يأمن مَن ركبها، ويغرق مَن تركها، المُتقدِّم لهم مارق، والمُتأخّر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق، وهم النور الأكبر، الذين فرض الله طاعتهم علينا، وأوجب علينا ولايتهم.

منهم مَن قال: إنَّ المراد من(أُولي الأمر) في الرواية، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود.

قلتُ: في أيّ كتاب؟! إنْ كان المراد منها علي(عليه السلام) فصحيح، وأمّا غيره، فليس هو المراد قطعاً.

قال: رواه سعيد بن منصور، عن عكرمة، في قوله:(أُولِي الأْمْرِ

ص: 176

مِنْكُمْ)، قال: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود (1).

قلتُ: الرواية غير منقولة عن رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، بل عن عكرمة المجهول الحال، والوضّاع الكذّاب، هي مردودة؛ لأنّه قد ثبت في المباحث الماضية، أنَّهم غصبوا حقّ آل محمّد(عليه السلام)، ولم يُطيعوا الله ورسوله، باستثناءعليّ، فإنّه كان محبوباً عند الله تعالى ورسوله، وكان مُنتخباً من الله تبارك وتعالى، كما ثبت ذلك من خلال الآيات والروايات المُعتبرة عند الشيعة والسُنّة، وأمّا غيره، فهم غاصبون، وظالمون لأهل البيت(عليه السلام)، وأصحابهم، كأبي ذر المنفيّ وأمثاله(رض)، وقد قاتلوا العترة، الذين كانوا عِدل القرآن، ومكانتهما بالنسبة إلى الإسلام، كأجنحة الطائر إليه، فإنّه لا يقدر على الطيران إلّا بهما، وحين تركوا عدل القرآن، يعني العترة وأهل بيت النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، كانوا في ضلال مبين، كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب:(وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً) (2).

وقد نقل السيوطي في ذيل هذه الآية المباركة، عن رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «لا طاعة لمَن لمْ يُطع الله»، وقال(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «مَن أمركم بمعصية فلا تطيعوه»، وقال: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». فهل التخلّف عن جيش أُسامة كان من أمر الله ورسوله، أو كان منهيّ عنه من قِبل رسول الله(صلي اللّه عليه و


1- الدرُّ المنثور، ج 2، ص 177
2- الأحزاب: 36.

ص: 177

آله وسلم)؟! وهل مَنعُ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) من الكتابة والوصية في مرضه، كان من طاعة الله ورسوله، أو أذيّة لله تبارك وتعالى ولرسوله؟! وهل تشكيل السقيفة كان بإذن الله ورسوله، أو مخالفة لله ورسوله؟!

وغير ذلك من القضايا، التي كانت كلها معصية لله تبارك وتعالى.

فلماذا قال عكرمة: إطاعة أبي بكر وعمر وعثمان واجبة، خلافاً لقول الله تبارك وتعالى ورسوله؟! فهل لقوله سبيل، وقد قال الله تبارك وتعالى:(فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (1)؟!

فهل هم قادرون على فصل الخصام، وإدارة أمور العباد، ويعلمون بحالهم؟! فإن كانوا كذلك، فلمَ قال عمر بن الخطاب: «لا بقيت في قوم لست فيهم بأحسن» (2)، أو قال: «لا عشت في قوم لست فيهم بأحسن» (3)؟!

وعن سعيد بن المسيّب، قال: سمعتُ عمر يقول: «اللّهم لا تُبقني لمُعضلة ليس لها ابن أبي طالب حيّاً»، وكان عمر يقول لعلي بن أبي طالب- فيما كان يسأله فيُفرِّج عنه-: «لا أبقاني الله بعدك يا علي» (4)، أو قال: «أعوذ بالله من مُعضلة ليس لها أبو حسن» (5).


1- النساء: 52
2- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 3، ص 40
3- المصدر السابق
4- المصدر السابق، ص 41
5- تذكرة الخواص، 134.

ص: 178

والروايات من هذا القبيل كثيرة، فراجعوا مناقب الخوارزمي (1) وجميع ما في تاريخ ابن عساكر، في جهلِ عمر وإقراره بلزوم وجود علي(عليه السلام)، ففيه- وفي صفحات متعدِّدة منه، في باب رَجم الحُبلي، وغيره- أمثلة كثيرة على ذلك، كقول عمر: «عجزت النساء أنْ تلدن مثل علي بن أبي طالب»، و «لولا علي لهلك عمر».

وروى الخوارزمي، بإسناده عن الحرث الأعور، صاحب راية علي، قال: «بلغنا أنَّ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) كان في جمعٍ من أصحابه فقال: أُريكم آدم في علمه، و نوحاً في فهمه، وإبراهيم في حكمته؟ فلم يكن بأسرع من أنْ طلع علي. فقال أبو بكر: يا رسول الله، أقستَ رجلًا بثلاثة من الرجال؟! بخ بخ لهذا الرجل. مَن هو يا رسول الله؟

قال النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم): ألا تعرفه يا أبا بكر؟

قال: الله ورسوله أعلم.

قال: أبو الحسن علي بن أبي طالب.

فقال أبو بكر: بخٍ بخٍ لك يا أبا الحسن، وأين مثلك يا أبا الحسن». (2)


1- مناقب الخوارزمي، باب أنّه أقضى الأصحاب، ص 80
2- المصدر السابق، ص 89.

ص: 179

وعلى هذا، فكيف يمكن أنْ يأمر العليم الحكيم، ربّ السماوات والأرَضين، بأنْ يُطيع المسلمون الجاهل بالحكم، غير العالم بالأسئلة؟!

قال الله سبحانه:(أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (1).

وقال:(... وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)(آل عمران: 7).

قال: مَن الراسخون في الآية؟

قلتُ: المراد من الرّاسخين: مَن هم من أهل الفضل والمرتبة العلميّة، ولا يكون هذا إلّا أهل البيت(عليه السلام)، فهم أعرف وأعلم بمفاهيم القرآن. وكما مرّ من أنَّ عليّاً(عليه السلام) قال: «والله ما من آية نزلت في برٍّ أو سهل أو جبل، في ليل أو نهار، إلّا وأنا أعلم فيمَن نزلتْ، وفي أيّ شي ءٍ نزلت» (2).

ورواية عبد الله بن عياش، عن سعيد بن عمرو بن سعيد، عن عبد الله بن عباس المخزومي، قال: «قلتُ لابن عم [فلان]: أخبرني عن صوع الناس- صوع الناس: أي الميل- مع علي، وإنّما هو غلام، ولأبي بكر من السابقة والشرف ما قد علمنا. قال: إنّ عليّاً كان له ما شئت من ضرس قاطع، البَسطة في العشيرة، والقِدم في الإسلام، والصهر لرسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، والعلم بالقرآن، والفقه في السنّة، والنَجدة في الحرب، والجودَة في الماعون، إنّه


1- يونس: 35
2- ينابيع المودّة، ج 1، الباب الرابع عشر.

ص: 180

كان له ما شئت من ضرس قاطع» (1).

وبعضهم قال:(الواو) في الآية استئنافية، وليست(واو) عطف، وعلى هذا فلا ترتبط بالعلم، حتّى يُقال: ولا يعلم تأويله إلّا الله، والراسخون في العلم.

قلتُ:(الواو) في الآية المباركة(واو) عطف؛ ولذا قد يُشاهد في الروايات عن جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام): «نحن الراسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله» (2)

.

وفي رواية أُخرى: «عن أحدهما(-: الباقر والصادق) في قول الله عزّ وجلّ(وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (3)

: فر سول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) أفضل الراسخين في العلم، قد علَّمه الله عزّ وجلّ جميع ما أُنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يعلِّمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه، والذين لا يعلمون، إذا قال العالم فيهم بعلم، فأجابهم الله بقوله:(يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (4). والقرآن خاصّ وعام، ومُحكَم ومُتشابه، وناسخ ومنسوخ، فالراسخون في العلم يعلمونه» (5).

وفي رواية عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: «الراسخون في


1- ابن عساكر، ج 3، ص 60
2- تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 263، ذيل الآية المباركة
3- آل عمران: 7
4- المصدر السابق
5- تفسير النور الثقلين، ج 1، ص 364.

ص: 181

العلم، أمير المؤمنين والأئمّة بعده» (1).

قال: هذا التفسير غير صحيح؛ لأنّ كلمة(الراسخين) في القرآن جاءت في آيتين؛ أحدهما:(لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) (2).

فهل المراد منهم رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) والأوصياء بعده، أو أنَّ الآية نزلت في الأحبار من اليهود، والعلماء منهم؟ ف-(الواو) في الآية استئنافية لا عاطفة.

قلتُ: قد أجبت على سؤالكم(مَن الراسخون في الآية)، من أنَّ المراد بهم أهل الفضل والكمال، ومَن كان في مراتبة علميّة. والأحبار من اليهود لمّا كانوا من أهل الفضل والعلم، فيمكن أنْ يُعبَّر عنهم ب-(الرّاسخين). وأمّا في هذه الآية، في زمان الرسول(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، فلمّا كان الكتاب المجيد، كما في الحديث، مُشتملًا على المُحكَمات والمُتشابهات، والتنزيل والتأويل، والعباد لا يعلمون تأويله؛ قال الله سبحانه وتعالى:(وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (3)

. ولا شك بأنّ أكبر مصاديقهم النبي الأعظم(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وعلي والأوصياء من بعده(عليه السلام)؛ لأنّهم معادن العلم، وأهل بيت الوحي، وهم أهل الفضل والكمال،


1- المصدر السابق
2- النساء: 162
3- آل عمران: 7.

ص: 182

ومُعلّمي القرآن، كما ورد بأنّ «عليّاً مع القرآن والقرآن معه» (1)، وعن أُمِّ سلَمة، قالت: والذي نفسي بيده، لقد سمعت رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) يقول: «عليٌّ مع الحقِّ والقرآن، والحقّ والقرآن مع علي، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

منهم مَن قال: ال-(واو) استئنافية، لا عاطفة.

قلتُ: لا إشكال في ذلك، فمعناها يكون كذلك، كما كان في أحبار اليهود:(وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (2)

. أفغير رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) وعلي والأوصياء، آمنوا بالقرآن، بمُحكمه ومتشابهه، بتنزيله وتأويله، وبما أنزل الله تبارك وتعالى على رسوله، إيماناً كاملًا، قلباً ولساناً، قولًا وعملًا؟

قال: جميع المسلمين آمنوا بالقرآن.

قلتُ: هل يعلمونه، وهل عملوا به؟ هؤلاء المسلمون كيف آمنوا؟ وكيف يعملون بالقرآن؟ وهل يعرفون مفاهيم القرآن حتّى يعملوا به؟ وإنْ كانوا يعلمونه، فكيف يختلفون في مفاهيمه؟! لاحظوا كيفية الوضوء كمثال على ذلك:

قال أبو حنيفة إنّه نوع من الغسل والمسح، ومالك بأنّه نوع آخر، والحنفيّة بنحوٍ آخر، والشافعية بطريقة أُخرى، وكذلك الإماميّة، وهم أهل الحقّ؛ لأنّهم أخذوا أحكامهم من العترة الذين قد تركهم رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) في أُمّته، التي أعرضت عنهم.


1- هامش تاريخ ابن عساكر، ص 125
2- آل عمران: 7.

ص: 183

أفلا يعلمون الكتاب، ولا يتدبّرون القرآن، ولا يرجعون إلى أقوال أهل البيت وطريقتهم؟! فكيف آمن بالكتاب جميع المسلمين؟! ولو كانت(الواو)- على قولكم- استئنافية، فالآية مع ذلك شاملة لأهل البيت، لا للنّاس جميعاً.

ص: 184

44- كيفيّة الوضوء

قال: وضوءكم باطل؛ لأنّ الله سبحانه قال:(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) (1)

، وأنتم تغسلون أيديكم من المرافق، وكلمة(إلى) كانت للانتهاء، فيجب الغسل من أصول الأصابع إلى المرافق.

قلتُ: هذا خلاف طبيعة البشر، فإنْ قال والدٌ لولده: اذهب إلى المُغتسل، فاغسل وجهك ويديك، فكيف يفعل؟

قال: يغسلهما.

قلتُ: كيف يغسل؟ من الأعلى إلى الأسفل، أو من الأسفل إلى الأعلى؟

قال: مضمون الآية أنّه يجب الغسل من الأصابع إلى المرافق.

قلتُ: ليس في الآية كلمة(من)، حتّى تستدلّوا بها على وجوب الغسل من الأصابع، أمّا لفظ(إلى)، فيعني أنّ اللازم عليكم الغسل حتى المرافق، من الأعلى إلى الأسفل، أو من الأسفل إلى الأعلى، وهو مسكوت عنه. فلا بدّ أنْ نقول: إنّ الآية كانت في مقام بيان حدّ الغسل، لا بيان كيفيته، والكيفيّة تُستفاد من طبيعة البشر، والإنسان عادتاً يغسل وجهه ويديه من الأعلى إلى الأسفل، حتّى الصبيان


1- المائدة: 6.

ص: 185

منهم، فطبيعته تهديه إلى الغسل من الأعلى.

ولمّا كان الإنسان دائماً على اختلافٍ في الآراء، فيحتاج إلى هادٍ من ربّه، حتّى يُبيّن المراد من الآيات، ومن المتشابهات، والتأويل والتنزيل، والمسائل من هذا القبيل كثيرة، وفي كلّها اختلاف يحتاج رفعه إلى هادٍ مُنذر.

ص: 186

45- مصحف فاطمة (عليه السلام)

منهم مَن قال: في الكافي، والبحار، وسائر كتبكم، أحاديث عن العترة: عندنا مصحف فاطمة، والجفر، والجامعة، فيها كلّ حلال وحرام، وكلّ شي ء يحتاج النّاس إليه، حتّى الأرض في الخدش (1). وفيه مصحف فاطمة، فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، وإنْ كان صحيحاً يكون مجلداته أكثر من ألف مجلّد.

قلتُ: نعم، فيها روايات متعدّدة من هذا القبيل، ولا يُستبعد ذلك، فال-(الحاسوب) وال-(الأقراص الليزرية/

( DC

أثبت إمكانية كل ذلك، فيمكن أنْ يخزن ال-(سي دي) ألف مجلد من الكتب وأكثر، وهذا من صنع البشر، والوحي والإلهام من الله تبارك وتعالى أقوى وأكبر من ذلك كلّه، فلا مجال لاستبعاد ذلك.

قال: وكيف تجمع بينه وبين القرآن؛ لأنّ فيه تبيان كلّ شي ء، وهو غني عن المُصحف، والجفر، والجامعة؟

قلتُ: القرآن- كما مرّ بحثه- مشتمل على المتشابهات والمحكمات، والتزيل والتأويل، وهو مُجمَل يحتاج إلى المُبيِّن، وكما


1- الكافي، ج 1، ص 239.

ص: 187

مرّ، فإنّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) كان يُبيّنه للنّاس، ويتلو عليهم آياته، ويعلّمهم الكتاب والحكمة، ثُمَّ بعد رحيله فإنَّ تلاوة الكتاب وتعليمه وتبيينه كانت بعُهدة الأوصياء. ويمكن أنْ يُقال إنَّ تفسير الكتاب وتوضيحه كان في هذه الصحائف، مع أنّ فيها ما يحدث بالليل والنّهار، الأمر من بعد الأمر، والشي ء بعد الشي ء، إلى يوم القيامة، وفيها علم ما يكون، كما لاحظتم من قبل في كتاب الكافي (1).

ويمكن أنْ يقال إنَّ فيها من الأخبار ما هو إلى يوم القيامة، من النفع والضرر، والموت والحياة وجميع الحوادث، أمَّا ما في القرآن، فأحكام الإسلام والشرائع، لا الحوادث والمنافع والمضارّ وغير ذلك.

قال: جبرائيل يأتيها؟

قلتُ: نعم، إنَّ فاطمة(عليه السلام) مكثت بعد رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) خمسة وسبعين يوماً، وقد دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرائيل يأتيها، فيُحسن عزاءها على أبيها، ويُطيِّب نفسها، ويُخبرها عن أبيها ومكانه، ويُخبرها بما يكون بعدها في ذرّيّتها، وكان علي(عليه السلام) يكتب ذلك (2).

ثُمّ قلتُ: ما تقولون في ليلة القدر في شهر رمضان؟ هل كانت في زمان رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) فقط، أم إلى يوم القيامة؟


1- الكافي، ج 1، ص 239، باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة(ع)
2- المصدر السابق، ص 241.

ص: 188

46- ليلةُ القدر

منهم مَن قال: نعم، كانت في زمانه(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، ولمّا مات مضت معه.

قلتُ: جميع أحكام القرآن جارية إلى يوم القيامة، وقال الله تبارك وتعالى:(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (1)، وقال سبحانه في سورة القدر:(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (2).

وقال عزّ وجلّ في سورة الفرقان:(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (3).

قالوا: يُنزَّل القران في كلّ ليلة القدر؟!

قلتُ: إنّ نزول القرآن جملة واحدة كان فقط على رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)؛ ليكون للعالمين نذيراً، كما قال الله سبحانه وتعالى، ولكنَّ ليلة القدر التي هي(خيرٌ من ألف شهر)، فباقية إلى


1- الدخان: 3
2- القدر: 1- 5
3- الفرقان: 1.

ص: 189

يوم القيامة، وفيها تنزَّل الملائكة والروح بإذن ربِّهم من كلّ أمر، ولم تكن على عهد رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) ثُمَّ رُفعت كما تزعمون، بل هي في كلّ سنة، وقيام الليلة بالذكر والعبادة، وقراءة القرآن، والصلاة إلى الفجر؛ خير من عبادة ألف شهر من غير ليلة القدر، أو كما في الرواية: «أنّ رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقة في سبيل الله تعالى ألف شهر، فعجب من ذلك رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) عجباً شديداً، وتمنّى أنْ يكون ذلك في أُمّته، فقال: يا ربّ، جعلت أُمتي أقصر النّاس أعماراً، وأقلّها أعمالًا، فأعطاه الله ليلة القدر، وقال:(ليلة القدر خير من ألف شهر) الذي حمل فيه اليهودي سلاحه في سبيل الله، لك ولأُمّتك من بعدك، إلى يوم القيامة، في كلّ رمضان» (1).

وفي تفسير الدر المنثور، في ذيل الآية المباركة، قال: «وأخرج البيهقي عن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، قال: أنا والله حرَّضت عمر على القيام في شهر رمضان. قيل: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟-(تدبّروا في تعبير أمير المؤمنين)- قال: أخبرته أنَّ في السّماء السابعة حظيرة يُقال لها حظيرة القُدس، فيها ملائكة يقال لهم الروح،(وفي لفظٍ آخر الروحانيون)، فإذا كانت ليلة القدر، استأذنوا ربّهم في النزول إلى الدّنيا، فيأذن لهم، فلا يمرّون على مسجد يُصلَّى فيه، ولا يستقبلون أحداً في طريق، إلّادعوا له، فأصابه منهم بركة.


1- مجمع البيان، ج 10، ذيل سورة القدر.

ص: 190

فقال عمر: يا أبا الحسن، فنحرِّض النّاس على الصلاة، حتّى تصيبهم البركة، فأمر النّاس بالقيام» (1).

وقد أشار السيوطي في تفسيره إلى شأن نزول هذه السورة، عن الخطيب عن ابن المسيّب، قال: قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «أُريت بني أُميّة يصعدون منبري [وفي رواية الصحيفة السّجادية المعتبرة عند الفريقين:(نزو القِردة، يردّون الناس على أعقابهم القهقهرى.)]، فشقّ ذلك عليَّ، فأنزل الله(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)».

وقد رُوي أيضاً عن يوسف بن مازن الرواسي، قال: «قام رجل إلى الحسن بن عليّ، بعد ما بايع معاوية، فقال: سوَّدت وجوه المؤمنين.

فقال(عليه السلام): لا تؤنِّبني، رحمك الله، فإنّ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) رأى بني أُميّة يخطبون على منبره، فساءه ذلك، فنزلت:(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) يا محمد،- يعني نهراً في الجنّة- ونزلت:(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) يملكها بعدك بنو أُميّة يا محمّد. قال القاسم: فعددنا، فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً!» (2).

أمثال هذه الروايات تدلّ على ظُلم بني أُميّة للعترة الطاهرة، وغصب حقوقهم، وأنَّهم كانوا مخالفين لكتاب الله العزيز، إذ


1- الدر المنثور، ج 6، ذيل سورة القدر
2- الدر المنثور، ج 6، ذيل سورة القدر.

ص: 191

فُرضت طاعة أهل البيت ومحبّتهم فيه، حيث كانت محبّتهم أجراً لجهود النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)؛ لأنّه قال تكراراً، كما في القرآن الحكيم:(قُلْ لا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (1).


1- الشورى: 23.

ص: 192

47- ما المراد بالكوثر؟

منهم مَن قال: إنَّ الكوثر، في سورة الكوثر، نهر في الجنّة، وأنتم تقولون إنَّ المراد منه فاطمة.

قلتُ: الكوثر، كما في التفاسير، له معان كثيرة: كثرة العلم والعمل/ وشرف الدارين/ والخير الكثير/ ونهر في الجنّة/ والشفاعة/ وعلماء أُمّته/ أو القرآن العظيم. ولكنْ إذا لوحظت المناسبة مع آخر السورة، فيُفهم أنَّ المراد منه ذرّيّة محمد(صلي اللّه عليه و آله وسلم) من فاطمة؛ لأنّه بعد أنْ مات أكبر ولد رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، القاسم على رواية، وإبراهيم على رواية أُخرى، قيل إنّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) دخل من باب الصفا، وخرج من باب المروة، فاستقبله العاص بن وائل السهمي، فرجع العاص إلى قريش، فقالت له قريش: مَن استقبلك يا أبا عمرو آنفاً؟

قال: ذلك الأبتر، يُريد به النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، حتّى أنزل الله هذه السورة:(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الأْبْتَرُ)، يعني عدوّك العاص بن وائل هو الأبتر من الخير. لا أُذكر في مكان، إلّا ذُكرت معي يا محمّد، فمَن ذكرني ولم يذكرك، ليس له في الجنّة نصيب.

ص: 193

قال: وهل تعرف العرب ذلك؟

قال: نعم، أما سمعت حسّان بن ثابت يقول: «وحباه الإله بالكوثر الأكبر، فيه النعيم والخيرات (1)

.

وقال البيضاوي في تفسيره: وقيل أولاده، وأتباعه، أو علماء أُمّته.

وهذا القول يؤيِّد أنَّ المراد منه فاطمة وأولادها؛ لأنّه بسببها لم يكن رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) أبتر، بل صار شانئه هو الأبتر، ولم يبقَ له اسم ولا أثر.

وهذا دليل على حقّانية مذهب الإماميّة، حيث أُعطي نبيّه فاطمة، وجعلَ من نسلها الحسن والحسين، والتّسعة من ذريّة الحسين(عليه السلام)، وجعل آخر الأوصياء، الحجّة ابن الحسن المهدي(عليه السلام) يملأ به الأرض قسطاً وعدلًا، بعد ما مُلئت ظلماً وجوراً، أو كما مُلئت ظلما وجوراً، والعلماء في زمان غيبته نوّابه، يهدون النّاس بأحاديثهم وأحكامهم، إلى أنْ يكشف الله الغمّة عن الأُمّة بظهوره وفرجه، وعيسى بن مريم- كما مرّ سابقاً- في خدمته، ويأتمّ بإمامته، ويدعوا اليهود والنّصارى بدينه ودعوته.

وسيأتي، إنْ شاء الله، مَن لا يظهر شي ء من الباطل إلّامزَّقة، ويحقّ الله ويحقّقه، وهو ناصر لمَن لا يجد ناصراً غيره، ومُجدِّد لِما عُطّل من أحكام كتاب الله، ومُشيِّد لما ورد من أعلام دينه، وسُنن نبيّه(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، ويكون مَفزعاً للمظلومين، ومَن حصَّنه الله من


1- الدرّ المنثور، ج 6، ذيل سورة الكوثر.

ص: 194

بأس المعتدين. جعلنا الله من أنصاره وأعوانه، والذابِّين عنه، والمُمتَثلين لأوامره ونواهيه، والمُحامين عنه، والمُستشهدين بين يديه.

ص: 195

48- إنَّ صلاتكم باطلة

قال بعضهم في غير هذه الجلسة: إنَّ صلاتكم باطلة.

قلت: لماذا باطلة؟

قال: قراءتكم ليست بصحيحة.

قلتُ: أأقرأ لكم؟ فلمّا شرعت في قراءة سورة الحمد بلحن الحذيفي، لاحظتهم مسرورين، فلمّا قرأت:(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، كلّهم قالوا: آمين.

ثُمَّ قال بعضهم: أنت عراقي؟

قلت: لا.

قال: قرأتَ بلكنةٍ عربية!

قلتُ: توجد في إيران حوزة علميّة، وفيها أكثر من ألف طالب، في مدينة قم.

منهم مَن قال: أنتم تصلّون صلاة الظهر والعصر معاً، والمغرب والعشاء كذلك، ولا يجوز ذلك؛ لأنّ صلاة الظهر خاصّة بوقت الظهر، وصلاة العصر خاصّة بوقت العصر، وكذا المغرب والعشاء، ويجب أنْ تُؤدَّى في وقتها، إلّا في عرفات والمزدلفة، أو للاضطرار، كحال السفر أو في المطر، أو الخوف.

ص: 196

قلتُ: الفصل بين الصلاتين ليست واجبة، بل مستحبَّة، ونحن نقرأ في الصحاح أنَ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قد جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وفي صحيح البخاري، في باب تأخير الظهر إلى العصر، بإسناده إلى جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: «إنَّ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فقال: لعلّه في ليلةٍ مطيرة، قال: عسى» (1).

وذكر البخاري روايةً أُخرى، عن ابن عمر، وأبي أيوب، وابن عباس، في باب ذكر العشاء، قال: «صلّى النبيّ المغرب والعشاء» (2)، ال-(واو) فيها بمعنى(مع)، أي: صلّاهما جمعاً، ولم يكن المقصود أنَّ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) كان يصلّي المغرب والعشاء، كما كان يصلّي الصبح والظهر والعصر.

وفي صحيح مسلم، في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، روى عن ابن عباس، قال: «صلّى رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً، في غير خوف ولا سَفر» (3).

وبعد أنْ ثبت أنَّ جميع المذاهب غير صحيحة، إلّا مذهب الإماميّة، مذهب أهل البيت؛ فلا معنى للإشكالات من أمثال ذلك،


1- صحيح البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب تأخير الظهر إلى العصر
2- صحيح البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب ذكر العشاء
3- صحيح مسلم، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.

ص: 197

فلا بدّ لنا ولكم الإعراض عن سائر المذاهب، من فِرق الشيعة والسُنّة؛ لأنّ أحكامهم وشريعتهم باطلة وغير صحيحة، ونحن نحكم بصحّة مذهب الإمامية فقط، وبصحّة عقائدهم، وأحكامهم، وسُنّتهم، وشريعتهم، لأنّه يُأخذ عن أهل البيت(عليه السلام)، الذين فرض الله طاعتهم وولايتهم، وأنَّ إطاعتهم إطاعة الله تبارك وتعالى، كما ثبت في سابقاً.

ونقلتُ عن الشافعي هذين البيتين:

يا أهلَ بيت رسول الله حُبُّكم فرضٌ من اللهِ في القرآنِ أنزلَه

كَفاكمُ من عظيمِ القَدرِ أنَّكم مَن لم يصلِّ عليكم لا صلاة له

(1)

وأتى ببالي أنْ أذكر رواية مُعتبَرة جامعة، لا تخلو عن فائدة، نقلها الكليني(رحمه الله) في الكافي عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: ثلاث تناسخها الأنبياء(أي: ورثوها. من التناسخ في الميراث، ورثة بعد ورثة) من آدم، حتّى وصلنَ إلى رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): كان إذا أصبح يقول:

«اللّهم إنّي أسألك إيماناً تباشر به قلبي، ويقيناً حتّى أعلم أنّه لا يصيبني إلّا ما كتبت لي، ورضّني بما قسمت لي، حتّى لا أُحبّ تعجيل ما أخّرت، ولا تأخير ما عجّلت. يا حيّ يا قيّوم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كلّه، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً، وصلّى الله


1- الصواعق المحرقة، ص 88.

ص: 198

على محمّد وآله» (1).

يُستفاد من ذلك أنَّ الصلاة على النبي وآله مأمورٌ بها من عهد آدم إلى عهد خاتم الأنبياء(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وأنّهم لنا أُسوة، كما قال الله تبارك وتعالى:(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (2).


1- الكافي، ج 2، ص 524
2- الأحزاب: 21.

ص: 199

49- ما رأيكم في المُتعة؟

قال بعضهم: ما رأيكم في المتعة، جائزة أم لا؟

قلتُ: لماذا ليست جائزة، بعد أنْ كان النكاح من الشريعة، وكان من سُنن النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)؟!

والنكاح على قسمين: دائم، ومؤقّت.

والأدلّة على سُنَّة النكاح، من الآيات والرّوايات، كثيرة.

منهم مَن قال: قد نهى عنها الخليفة الثاني(رض).

قلتُ: بعد أن ثبت أنّه لا محلّ له في الخلافة، كما مرّ سابقاً، وأنّ الخلافة من مُختَصَّات أهل البيت- فلا معنى لنهيه عن المتعة.

قال: نهى رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) عنها أيضاً، وفيه روايات ذكرها السيوطي في(الدرِّ المنثور)، ذيل الآية المباركة 24 من سورة النساء.

قلتُ: نعم، نقل السيوطي روايات ضعاف، خلافاً للقرآن، وحكم الله تبارك وتعالى؛ إذ قال الله تبارك وتعالى:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (1).


1- المائدة: 87.

ص: 200

وذكر السيوطي ذيل الآية المباركة في سورة النساء:(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (1)، وأخرج عبد الرزاق، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير: أنّه سأل عن هذه الآية، أمنسوخةٌ هي؟

قال: لا. (2) وقال علي(عليه السلام): «لولا أنَّ عمر نهى عن المتعة، ما زنى إلّا شقيّ» (3).

وأخرج ابن أبي شيبه، عن سعيد بن المُسيّب، قال: «نهى عمر عن مُتعتين: مُتعة النساء، ومتعة الحجِّ» (4).

وروى مسلم في الجزء الرابع، باب نكاح المتعة، بإسناده إلى عمرو بن دينار، قال: سمعت الحسن بن محمّد يُحدِّث عن جابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع، قالا: خرج علينا منادي رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، فقال: «إنّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قد أَذن لكم أنْ تستمتعوا، يعني: متعة النساء» (5). وأُخرى: ب- «أنّ رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) أتانا فأذن لنا في المتعة» (6).

الروايات من هذا القبيل متعدّدة، وكثيراً ما نُقل أنَّ عمر قال: «متعتان كانتا على عهد رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، [وعلى


1- النساء: 24
2- الدرّ المنثور، ج 2، ذيل سورة النساء
3- تفسير البحر المحيط، ج 4، باب 15، ص 92
4- المصدر السابق، ص 141
5- صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة، ح 3394
6- صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة، ح 3395.

ص: 201

عهد أبي بكر]، وأنا أنهى عنهما» (1). فراجعوا كتب الشيعة والسنّة؛

فيقال له: يا عمر، أنت فرد من أفراد أُمّة رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، ولم تكن خليفة، حتّى تُميِّز صلاح الأُمّة في هذا التحريم، فبأيِّ دليل تكون مُشرّعاً تارة، وتكون مُبدعاً لصلاة التراويح تارةً أخرى؛ إذ إنَّها لم تكن في عهد رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) فأبدعتها، وقلت: «نعمَتْ البِدعة هذه» (2)! وتارة أُخرى في المتعة قلت: «وأبتّو نكاح هذه النساء، فلنْ أُوتي برجل نكح امرأة إلى أجل، إلّا رجمته بالحجارة» (3).

ومن المناسب كذلك أنْ تُطالعوا كتاباً يسمَّى ب-(الاستغاثة في بدع الثلاثة)، وهو كتاب معتبر، ومصدرٌ للكثير من مؤلّفات الأصحاب.

قال: لمَن هذا الكتاب؟

قلتُ: للعالم الورع الثِقة، أبي القاسم علي بن أحمد الكوفي العلوي، المتوفّى سنة 352 ه.

وبعد ذلك يمكنكم الرجوع إلى كتاب(الغدير)، لا سيّما المجلَّد السادس منه، كي تطّلعون على بدع عمر، واجتهاداته في الآيات وأحكام الشريعة، بكلامٍ يُضحك الثكلى؛ إذ إنّه لم يكن لائقاً لهذه الأعمال، ولم يكن من أُولي الألباب، بل كان جاهلًا بالشريعة، كما


1- تفسير القرطبي، ج 2، ص 392، بدون(على عهد أبي بكر)
2- صحيح البخاري، كتاب صلاة التراويح
3- صحيح مسلم، باب المتعة بالحج.

ص: 202

قال ذلك تكراراً: «لا بقيت في قوم لستَ فيهم يا أبا الحسن» (1)- كما مرّ عن ابن عساكر وابن الجوزي-؛ مُخالفاً لله تبارك وتعالى ولرسوله، ولعترة رسوله.

ومن أعماله هذه، يظهر عدم إيمانه بالله سبحانه، وبنبيِّه وأهل بيت نبيّه. نعم، بحسب الظاهر، قد شهد بأنَّه لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله، فيُحفظ دمه وماله، وأنّه من أصحاب رسول الله(ظاهراً)، ولكنْ قد ظهرت، في آخر عمر رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) وبعد مماته، كيفيّةُ ظاهر إسلامه في مواقع كثيرة، ومخالفته لله سبحانه، ولرسوله، ولعترته.


1- تاريخ مدينة دمشق، ج 42، ص 407.

ص: 203

50- تدبَّروا في هذا الحديث

أيّها الإخوان، أيّها الأعزّة، تفكّروا في هذا الحديث الذي نقله ابن عساكر: «مَن سرّه أنْ يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدن التي غرسها ربّى، فليُوال عليّاً من بعدي، وليُوال وليّه، وليقتدِ بالأئمَّة من بعدي؛ فإنّهم عترتي، خُلقوا من طينتي، ورُزقوا فهماً وعلماً، ويلٌ للمكذّبين بفضلهم من أُمّتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي» (1).

منهم مَن قال: في إسناده يحيى بن يعلى المحاربي، وهو غير ثقة.

قلتُ: الحديث، كما نقله ابن عساكر، كان عن ابن عباس، ويحيى ليس موجوداً في سنده، وعلى فرض أنّه كان، فالبخاري قد نقل عنه في صحيحه،(في كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية، صلاةالجمعة، ح 4168)، وإنْ كان غير ثقة، فلمَ يُسمَّى هذا الكتاب بالصحيح؟! وكذا مسلم في صحيحه، فإنَّه قد روى عنه في(باب مَن اعترف على نفسه بالزنا)، وعرَّفه بأنَّه(ابن الحارث المحاربي)، فهو عندهما ثقة. وإنْ كان واضعاً للحديث، كأبي هُريرة وعكرمه، وأمثال هؤلاء، فالكتابان غير معتبرين عندكم أيضاً، كما لا اعتبار ولا اعتماد لنا على


1- تاريخ مدينة دمشق، ج 42، ص 240.

ص: 204

الصّحاح؛ لأنَّه كما قيل سابقاً، إنَّ فيها خرافات ومطالب غير حقّة، ومؤلِّفَيهما غير معتمدين. فلا بدّ لكم من تركها، والتمسّك بكُتبٍ تروي أحاديثها عن العترة الطاهرة، وأخذِ وظائفكم منها؛ كي تُفلحوا.

ولا يخفى أنَّ مضمون الرواية المذكورة قد يُشاهَد في روايات مُعتبرة عند الفريقين، مع اختصارٍ واختلاف.

تدبّروا في هذا الحديث- أيضاً- الذي رواه الخوارزمي في مناقبه (1)، ورُوي في فرائد السمطين (2)، وفي تذكرة الخواص عن أبي سعيد البحتري، قال: «رأيتُ عليّا(عليه السلام) متقلّداً بسيف رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، مُتعمّماً بعمامة رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، وفي إصبعه خاتم رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، فقعد على المنبر، وكشف عن بطنه، فقال: سلوني من قبل أنْ تفقدوني؛ فإنّما بين الجوانح منّي علم جَمّ. هذا سقط العلم، هذا لعاب رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، هذا ما زقّني رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) زقّاً، من غير وحيٍ أوحي إليّ».

ويجب التدبّر في رواية «لو ثُنيت لي وسادة فجلست عليها، لأفتيت لأهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، حتّى ينطّق الله التوراة والإنجيل، فيقولا: صدق عليٌّ، قد أفتاكم بما أُنزل فيَّ، وأنتم تتلون الكتاب، أفلا تعقلون؟!».


1- المناقب، الخوارزمي، ص 91
2- فرائد السمطين، ج 1، ص 340.

ص: 205

فهل يوجد غير علي بن أبي طالب مَن يحكم بذلك؟! والذي قال عمر في حقِّه- كما رواه ابن عساكر في تاريخه-: سمعت رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم) يقول: «إنّما عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» (1).

ونقل الخوارزمي في مناقبه آيات وأحاديث كثيرة، لمَن يدَّعي «سلوني من قبل أن تفقدوني»! وهل تعلمون ما قال عليّ(عليه السلام)؟!

إنْ سُئل، عن زِنةِ العرش، وزِنة السماوات والأرض، والبحار والأشجار وقطر المطر، وتعداد البشر، من أوّل الدهر إلى آخره، وعن ذخائر الأرض، وعن جميع العلوم، ومنطق الطيور والحيوانات، وعن عدد الجِنّ والهوام والسباع، وكيفية معيشتهم، وعن الصنايع الماضية والآتية، والحوادث كلّها، من أوَّل الدنيا إلى آخرها، ومن الآخرة إلى بقائها؛ فيلزم عليه أنْ يُجيب، وإلّا- نعوذ بالله- كان كاذباً في ادّعائه.

ولا يقول هذا أحد بعد علي إلّا كذاب، كما أنَّ مَن ادّعى أنّه أمير المؤمنين، يكون كذاباً غاصباً. وفيه روايات من أنّ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) قال: «سلِّموا عليه بأُمرةِ المؤمنين».

فلا يجوز لأحدٍ تقلُّد الإمرة غيره، حتّى الأئمّة من ولده وأوصيائه. راجعوا كتاب:(اليقين في إمرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب).

منهم مَن قال: قال ابن عساكر: هذا الحديث مُنكر وفيه مجاهيل.


1- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 42، ص 166.

ص: 206

قلتُ: قد مرَّ البحث عن ذلك، وأنَّه يلزم عليكم أنْ تكونوا من الإمامية الاثني عشرية، وتتَّبعوا أهل البيت وما ورد منهم، وتتركوا كتبكم؛ لأنّ فيها ضلال كثير، وإنْ كانت قد تحوي روايات تدلّ على حقّانية الإماميّة الاثني عشريّة، لا الشيعة بالمعنى العام؛ لأنَّه لا طريق للنجاة من الفرق الكثيرة، إلّا التمسّك بحبلِ العترة، وأهل بيت النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم)، الأئمّة الاثني عشر.

ومع ذلك، يُجاب على ابن عساكر بأنَّ مضمون هذه الرواية موجود في أكثر أحاديثكم التي نُقلت في فضائل أهل البيت(عليه السلام)، كرواية السفينة، التي هي في كتب الفريقين. انظروا ينابيع المودَّة: «عن أبي ذرّ(رض) أنّه قال، وهو آخذ بباب الكعبة: سمعتُ النبي(صلي اللّه عليه و آله وسلم) يقول: إنَّ مَثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تخلَّف عنها هلك» (1). وفي هذا الباب روايات مُتعدِّدة بهذا المضمون.

تدبَّروا في هذه الرواية وقوله:(فيكم). حيث إنّه خطاب للنّاس إلى يوم القيامة، وهو دليل واضح بأنَّه يجب اتّباع أهل البيت كالقرآن، وإلى يوم القيامة.

وفي فرائد السمطين، بسَنده عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس(رضي الله عنهما)، قال: قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): «يا علي، أنا مدينة العلم وأنت بابها، ولن تُؤتى المدينة إلّا من قِبل


1- ينابيع المودّة، ج 1، الباب الرابع.

ص: 207

الباب، وكذب مَن زعم أنّه يُحبّني ويبغضك؛ لأنّك منّي وأنا منك، ولحمك لحمي، ودمك دمي، وروحك روحي، وسَريرتك من سَريرتي، وعلانيّتك من علانيتي. سَعدَ مَن أطاعك، وشَقِي مَن عصاك، وربح مَن تولَّاك، وخسر مَن عاداك، وفاز مَن لزِمك، وهلكَ مَن فارق. مَثَلُك ومَثل الأئمّة من ولدك بعدي، مَثلُ سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق، ومثلكم كمَثل النجوم، كلّما غاب نجم طلع نجم، إلى يوم القيامة» (1).

وكما رُوي عن الزَمخشري ما كُتب على قبر فاطمة(عليه السلام) الرمزي: «والأئمّة من ولدها أُمناء ربّي، وحبله الممدود بينه وبين خلقه، مَن تمسّك(أو مَن اعتصم) بهم نجى، ومَن تخلَّف عنهم هلك(أو هوى)» (2).

فالتكليف واضح؛ مَن اعتقد بإمامتهم، وأنَّهم خلفاء رسول الله، وأهل بيته وعترته الذين قد تركهم فينا، وعمل بوصاياهم وسُنَنهم وشريعتهم، وأعرض عن غيرهم؛ فهو من أهل النّجاة، وإلّا، فهو هالك ومن أهل النّار، وفي حيرةٍ وضّلالة، ولن يكون عبداً مُطيعاً لله ولرسوله مهما فعل، ولا عالماً ولا عابداً ناسكاً، ومن أولياء الشيطان.

ولنختم بحثنا بحديثٍ رواه الخورازمي في مناقبه عن ابن عباس(رض)، قال: «قال رسول الله(صلي اللّه عليه و آله وسلم): لو أنَّ الفياض أقلام، والبحر مداد، والجنّ حُسّاب، والإنس كُتّاب، ما أحصوا فضائل


1- ينابيع المودّة، ج 1، الباب الرابع
2- ينابيع المودّة، ج 1، ص 242؛ فرائد السمطين، ج 2، ص 66.

ص: 208

علي بن أبي طالب(عليه السلام)» (1). ونُقل ذلك، أيضاً، عن فرائد السمطين (2)، وعن كتاب(مائة منقبة، لابن شاذان) (3).

وبروايةٍ رواها المجلسي(رح) عن ابن عباس، قال: رأيت أبا ذر الغفاري متعلّقاً بحلقةِ بيت الله الحرام، وهو يقول: «أيّها النّاس، مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني أنبأته باسمي، أنا جندب الربذي، أبو ذر الغفاري. إنّي رأيتُ رسول الله في العام الماضي، وهو آخذ بهذه الحلقة وهو يقول: أيّها الناس، لو صُمتم حتّى تكونوا كالأوتار، وصلّيتم حتّى تكونوا كالحنايا، ودعوتم حتّى تُقطّعوا إرباً إرباً، ثُمَّ أبغضتم علي بن أبي طالب؛ أكبَّكم الله في النار» (4).


1- المناقب، الخوارزمي، ص 32
2- فرائد السمطين، ج 1، ص 16
3- ص 175، ح 99
4- بحار الأنوار، ج 32، ص 310.

ص: 209

آخر الكلام

هذا آخر الكلام وتمّت المُناظرة. ومع الأسفِ لم يحضروا في اليوم السادس من فروردين، 1388 شمسي، فذهبت إلى بيوتهم ولم يكونوا فيها، وسلَّمت من الباب ثلاث مرّات، وقلت: «السلام عليكم إخواني ..»، فلم يُجبني أحد، وتأسَّفت لذلك كثيراً.

ثُمَّ تشرَّفت بزيارة الحرم النبوي، رزقنا الله زيارته. وبعد الظهر من هذا اليوم، سُقنا إلى مسجد الشّجرة للإحرام، فأعددتُ مسائل مختلفة للبحث والمناظرة، ولم نوفَّق بعدُ للِّقاء.

والحمد لله على هذه الموفقيّة والنعمة، وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.

ص: 210

تنبيه:

ما نُقل في هذه المجموعة عن البخاري، كان عن نسخةِ(مطابع الشعب- 1378 ه).

وما عن مسلم، فكان من:(مطبوعات محمد علي صبيح- ساحة الأزهر/ مصر- هاتف: 48580).

ابن ماجة:(دار إحياء التراث العربي- 1395 ه- 1975 م).

الفقه علي المذاهب الأربعة(المكتبة التجارية الكبرى- مصر- ص ب 578).

خصائص النسائي:(مطبعة القاهرة).

أُسد الغابة، تحقيق: محمد إبراهيم البناء.

تاريخ دمشق، ابن عساكر، محمود عبد الوهاب/ فائز محمد أحمد عاشور.(ط. بيروت- الطبعة الأُولى 1395 ه-).

شرح ابن أبي الحديد:(طبعة دار إحياء الكتب العربية/ عيسى البابي الحلبي وشركائه- 1378 ه-.).

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.