الجمع بين العمره و الحج في اشهر الحج

اشارة

نام كتاب: الجمع بين العمرة و الحج في أشهر الحج

نويسنده: العلامة السيد مرتضى العسكري

موضوع: اعتقادات و پاسخ به شبهات

زبان: عربي

تعداد جلد: 1

ناشر: نشر مشعر

مكان چاپ: تهران

نوبت چاپ: 1

ص:1

المقدمة

ص:2

ص:3

ص:4

«لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً» (الأحزاب/ 21) «فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَام ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٌ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِري الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدَ الْعِقَابَ» (البقره: 196)

ص:5

الوحدة حول مائدة الكتاب والسنّة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه ربّ العالمين، والصَّلاة على محمّد وآله الطاهرين والسلام على أصحابه البررة الميامين.

وبعد: تنازعنا معاشر المسلمين على مسائل الخلاف في الداخل ففرّق أعداء الإسلام من الخارج كلمتنا من حيث لا نشعر وضعفنا عن الدفاع عن بلادنا وسيطر الأعداء علينا وقد قال سبحانه وتعالى: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحَكُمْ» (الأنفال/ 46) وينبغي لنا اليوم وفي كلّ يوم أن نرجع إلى الكتاب والسنّة في ما اختلفنا فيه ونوحّد كلمتنا حولهما كما قال تعالى: «وَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ» (النساء/ 59) وفي هذه السلسلة من البحوث نرجع إلى الكتاب والسنّة ونستنبط منها ما ينير لنا السبيل في مسائل الخلاف فتكون بإذنه تعالى وسيلة لتوحيد كلمتنا راجين من العلماء أن يشاركونا في هذا المجال ويبعثوا إلينا بوجهات نظرهم على عنوان:

بيروت-ص. ب 124/ 24 العسكري

ص:6

ص:7

ص:8

ص:9

الجمع بين الحج والعمرة

قال اللَّه سبحانه: «فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَام ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٌ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِري الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدَ الْعِقَابَ»

(البقرة/ 196)

في هذه الآية شرّع اللَّه سبحانه التمتّع بالعمرة الى الحجّ لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وأمن، وبيّن في الآية التي تليها بقوله تعالى: «الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ» أنّ الجمع بين العمرة والحجّ يجب أن يقع في أشهر الحجّ.

وبيان ذلك أنّ الحجّ ينقسم الى ثلاثة أنواع: 1- حج التمتع 2- حجّ الإفراد 3- حجّ القران.

ص:10

1- حجّ التمتع:

وهو فرض من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وصورته: أن يحرم بالعمرة الى الحجّ ويلبي بها من الميقات في أشهر الحج: شوّال وذي القعدة وذي الحجّة ثمّ يأتي مكّة ويطوف بالبيت سبعاً ويصلّي ركعتي الطواف ويسعى بين الصفا والمروة سبعاً ثمّ يقصّر فيحلّ له جميع ما حرم عليه بالإحرام ويقيم بمكّة محلًّا حتى ينشئ يوم التروية من تلك السنة إحراماً آخر للحجّ ثمّ يخرج الى عرفات ثمّ يفيض منها بعد غروب التاسع الى المشعر ومنها الى منى وهكذا حتى يتمّ مناسك الحجّ ويحلّ بالحلق أو التقصير من إحرامه، ويسمّى هذا الحجّ بحجّ التمتّع وعمرته بعمرة التمتّع لقوله تعالى: «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ» ولأنّ الحاجّ يتمتّع بالحلّ بين إحرامي العمرة والحجّ ومدّة الحلّ بين الإحرامين هي متعة الحجّ التي حرّمها الخليفة عمر ومن تبعه على ذلك ويأتي بها جلّ المسلمين في هذا اليوم.

أوّلًا: في فقه أهل البيت:

صورة الإفراد: أن يحرم للحجّ من الميقات أو منزله إن

ص:11

كان دون الميقات ثمّ يمضي الى عرفات ويقف بها يوم التاسع، ثمّ يأتي بباقي مناسك الحجّ حتى يتمّها جميعاً، ثمّ يحلّ من إحرامه وعليه عمرة مفردة يأتي بها من أدنى الحلّ أو من أحد المواقيت وتصحّ تمام السنة ويسمّيان بالإفراد والمفردة لأنّ الحاجّ يأتي بكلّ منهما مفرداً.

وصورة حجّ القران: كالإفراد في جميع مناسكه ويتميّز عنه بأنّ القارن يسوق الهدي عند إحرامه، أي: يقرن بين التلبية والهدي فليزمه بسياقه، وليس على المفرد هدي أصلًا.

وأحدهما فرض حاضري المسجد الحرام على سبيل التخيير «(1)».

ثانياً: في فقه مدرسة الخلفاء:

القران: أن يقرن بين العمرة والحجّ أي يجمع بينهما بنيّة واحدة وتلبية واحدة فيقول: لبّيك بحجّة وعمرة، أو يهلّ بالعمرة في أشهر الحجّ ثمّ يردف ذلك بالحجّ قبل أن يحلّ من العمرة. ويلزم القارن من غير حاضري المسجد الحرام هدي


1- دليل الناسك للسيد محسن الحكيم ط الآداب، النجف سنة 1377 ه: ص 37-/ 45.

ص:12

2 و 3- حجّ الإفراد وحجّ القران:

المتمتّع

اشارة

«(1)».

والإفراد: أن لا يكون متمتّعاً ولا قارناً بل يهلّ بالحجّ فقط «(2)» ويقال: أفرد الحجّ، وفي بعض الروايات جرّد «(3)».

***

كانت تلكم أنواع الحجّ لدى المسلمين. أمّا المشركون في الجاهلية فكان عندهم ما رواه كلّ من البخاري ومسلم فيصح يحيهما، وأحمد في مسنده، والبيهقي في سننه الكبرى وغيرهم في غيرها، واللفظ للأوّل، عن ابن عباس أنّه أخبر عن المشركين في الجاهلية وقال:

«كانوا يرون العمرة في أشهر الححّ من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرّم صفر «(4)» ويقولون: إذا برأ الدبر وعفا الأثر وانسلخصفر حلّت العمرة لمن اعتمر» «(5)».


1- خلاف لبعض أصحاب مالك حسب نقل بداية المجتهد.
2- رجعنا لما أوردناه هنا الى بداية المجتهد 1: 348 فصل« القول بالقارن» والى مادة« القران» من نهاية اللغة لابن الأثير.
3- سنن البيهقي 5: 5 باب من احتار الإفراد
4- هكذا ورد مراعاة للسجع.
5- البخاري، كتاب الحج، باب التمتع والقران 1: 189؛ فتح الباري 4: 168-/ 169 وكتاب مناقب الأنصار منه؛ وصحيح مسلم، باب جواز العمرة في أشهر الحج، 2: 909 ح 198؛ ومسند أحمد 1: 249 و 252 و 332 و 339؛ وسنن أبي داود، كتاب المناسك، باب العمرة 2: 204؛ والنسائي، كتاب الحج 5: 181؛ وسنن البيهقي 4: 345؛ و؟؟؟؟ الحديث 2422؛ وراجع الطحاوي في مشكل الآثار 3: 155؛ وشرح معاني الآثار 1: 381 في مناسك الحج.

ص:13

شرح الرواية: روى النووي في شرح مسلم أنّ العلماء قالوا في شرح الرواية الآنفة:

«ويجعلون المحرّمصفر» المراد الإخبار عن النسي ء الذي كانوا يفعلونه، وكانوا يسمّون المحرّمصفراً ويحلّونه وينسئون المحرّم، أي: يؤخّرون تحريمه الى ما بعدصفر، لئلّا يتوالى بينهم ثلاثة أشهر محرّمة تضيق عليهم أمورهم من الغارة وغيرها.

و «إذا برأ الدبر» أي برأ ما كان يحصل بظهور الإبل من الحمل عليها ومشقّة السفر، فإنّه كان يبرأ بعد انصرافهم من الحجّ.

و «عفا الأثر» أي: اندرس أثر الإبل وغيره في سيرها.

وقال ابن حجر في تعليل هذا الأمر: وجه تعلّق جواز الاعتمار بانسلاخصفر مع كونه ليس من أشهر الحجّ، وكذلك المحرّم أنّهم لمّا جعلوا المحرّمصفراً ولا يبر دبر إبلهم

ص:14

عند انسلاخه، ألحقوه بأشهر الحجّ على طريق التبعية، وجعلوا أوّل أشهر الاعتمار شهر المحرّم الذي هو في الأصلصفر، والعمرة عندهم في غير أشهر الحجّ «(1)».

كان هذا دأب قريش وسنّتهم في العمرة وقد خالفهم الرسول في ذلك كالآتي بيانه:

أولًا: سنّة الرسول صلى الله عليه و آله في العمرة

قال ابن القيم: اعتمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بعد الهجرة أربع عُمَر كلّهن في ذي القعدة، وأيّد ذلك بما رواه عن أنس وابن عباس وعائشة وفي لفظ الأخيرين: «لم يعتمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلّافي ذي القعدة» «(2)».

قال ابن القيم: «والمقصود أنّ عمرةً كلّها كانت في أشهر الحجّ مخالفة لهدي المشركين، فإنّهم كانوا يكرهون العمرة


1- راجع شرح الحديث بشرح النووي على مسلم وشرح ابن حجر بفتح الباري.
2- زاد المعاد 1: 209 فصل في هديه عليه السلام في حجّه وعمرِه. وتفصيل الروايات بصحيح البخاري 1: 212 باب كم اعتمر النبي؛ وبصحيح مسلم: 916-/ 917 ح 217-/ 220 باب بيان عمر النبي صلى الله عليه و آله وزمانهنّ من كتاب الحج؛ والبيهقي بسننه الكبرى 4: 357 باب من استحبّ الإحرام بالعمرة من الجعرانة، وفي 5: 10-/ 12 منه؛ وابن كثير 5: 109.

ص:15

في أشهر الحجّ، ويقولون هي من أفجر الفجور. وهذا دليل على أنّ الاعتمار في أشهر الحجّ أفضل منه في رجب بلا شكّ».

وقال:

«لم يكن اللَّه ليختار لنبيّه صلى الله عليه و آله في عمرةٍ إلّاأولى الأوقات وأحقّها بها ..» «(1)»

ثانياً: سنّة الرسول في حجّ التمتع

نصّت الآيتان بكلّ جلاء ووضوح على هذا الحكم، والى هذا أشار الصحابيّ عمران بن الحصين حسب رواية البخاري فيصحيحه عنه، حيث قال:

أُنزلت آية المتعة في كتاب اللَّه ففعلناها مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولم ينزل القرآن يحرّمه «(2)» ولم ينه عنها حتى مات ... الحديث «(3)».


1- زاد المعاد 1: 211 وراجع: 233 منه؛ وسنن البيهقي 4: 345 باب العمرة في أشهر الحج.
2- بهذا اللفظ ورد النصّ في البخاري، والأولى أن يقول: يحرمها لعودة الضمير على المتعة وهي مؤنثة لفظاً.
3- تفسير الآية بصحيح البخاري 3: 71؛ وسنن البيهقي 5: 19.

ص:16

ولفظ مسلم قال: نزلت آية المتعة في كتاب اللَّه (يعني متعة الحجّ) وأمرنا بها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ثمّ لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحجّ، ولم ينه عنها رسول اللَّه حتى مات ... الحديث «(1)».

وخلاصة ما جاء في الروايات عن سنّة الرسول صلى الله عليه و آله فيها ما يأتي:


1- صحيح مسلم: 900 ح 172 باب جواز التمتع؛ وتفسير القرطبي 2: 338؛ وزاد المعاد لابن القيّم 1: 252؛ وطبقات ابن سعد 2: 28 ط اوربا 4/ ق.

ص:17

خلاصة الروايات في سنّة الرسول في عمرة التمتّع وحجّ التمتّع

مكث الرسولصلى الله عليه و آله تسع سنين بعد الهجرة لم يحجّ وأجمع الخروج الى الحجّ في ذي القعدة سنة عشر من الهجرة وقد أسلمت جزيرة العرب ومن شاء اللَّه من أهل اليمن، فأذّن بالحجّ فقدم المدينة بشر كثير يريدون أن يأتمّوا برسول اللَّه ويعملوا بعمله، وسار من المدينة ومعه أزواجه وأهل بيته وعامّة المهاجرين والأنصار ومن شاء اللَّه من قبائل العرب وأفناء الناس «(1)»، وكان معه جموع لا يحصيهم إلّا


1- صحيح البخاري 1: 186 والرواية الثانية في باب ما ذكر النبي وحض على اتفاق أهل العلم من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة 4: 177؛ وسنن أبي داود 2: 159 المناسك؛ وابن ماجة: 991 ح 297 باب التمتع بالعمرة الى الحج؛ وسنن البيهقي 5: 13؛ وفتح الباري 4: 135؛ وتاريخ ابن كثير 5: 117 و 128 و 136. والعقيق في معجم البلدان: مهلّ أهل العراق ببطن ذي الحليفة من ذات عرق وفي شرح الحديث في فتح الباري بينه وبين المدينة أربعة أميال.

ص:18

خالقهم ورازقهم، ووافاهم في الطريق خلائق لا يحصون، فكانوا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله مدّ البصر.

قال جابر: ورسول اللَّه بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شي ء عملنا به.

ولمّا انتهى الى وادي العقيق قال لعمر بن الخطّاب: أتاني آت من ربّي- وفي رواية أتاني جبرئيل عليه السلام- وقال: قل: «عمرة في حجّة فقد دخلت العمرة في الحجّ الى يوم القيامة» وفي عسفان، قال له سراقة: إقض لنا قضاء قوم كأنّما ولدوا اليوم، فقال: «إنّ اللَّه تعالى قد أدخل عليكم في حجّكم هذا عمرة، فإذا قدمتم فمن تطوّف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حلّ إلّا من كان معه هدي «(1)». وفي سرف بلّغ ذلك عامة أصحابه


1- سنن أبي داود 2: 159 باب في الإقران، الحديث 1801 من المناسك؛ والمنتقى لابن تيمية، باب ما جاء في فسخ الحجّ الى العمرة، ح 2427. وسراقة بن مالك بن جُعْشُم أبو سفيان الكناني المدلجي. كان يسكن قديداً بالقرب من مكّة، وهو الذي تبع الرسول حين هاجر الى المدينة ليرده الى قريش فيأخذ الجعالة مائة ناقة فساخت قوائم فرسه، أسلم عام الفتح مات سنة أربع وعشرين روى عنه غير مسلم من أصحاب الصحاح تسعة عشر حديثاً. تقريب التهذيب 1: 284؛ وجوامع السيرة: 283؛ وسيرة ابن هشام 2: 103 و 250 و 309.

ص:19

فقال: من لم يكن معه هدي فأحبّ أن يجعلها عمرة فليفعل.

قالت عائشة: فالآخذ بها والتارك لها من أصحابه «(1)»، وكرّر التبليغ بها في بطحاء مكّة وقال: «من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها».

يظهر ممّا سبق أنّ النبيّ تدرّج في تبليغهم حكم عمرة المتّع فإنّه أخبر في العقيق عمر خاصّة بنزول الوحي عليه يأمره أن يجمع هو بنفسهصلى الله عليه و آله بين الحجّ والعمرة، وفي عسفان بلّغ سراقة أنّ اللَّه أدخل عليهم في حجّهم الذي هم فيه عمرة وأنّ من تطوّف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حلّ إلّامن كان معه الهدي، وفي سرف بلّغ عامّة أصحابه بالحكم فالآخذ بها والتارك لها من أصحابه، ويظهر أنّ التارك لها من أصحابه كانوا من مهاجرة قريش الذين كانوا يرونها في الجاهلية من


1- صحيح البخاري 1: 189 باب قوله تعالى:« الحجّ أشهر معلومات»؛ وصحيح مسلم: 875 ح 123 و 121 بإيجاز؛ وكذلك بسنن البيهقي 4: 356 باب المفرد أو القارن يريد العمرة ...؛ ومصنف ابن أبي شيبة 4: 102.

ص:20

أفجر الفجور من أجل ذلك تدرّج الرسول في تبليغهم حكم التمتّع بالعمرة.

حتى اذا كان بين الصفا والمروة وحان وقت الأداء نزل عليه القضاء فأمر أصحابه- وهو في آخر طوافه على المروة- من كان منهم أهلّ بالحجّ ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولكنّي لبّدت رأسي وسقت هديي ولا يحلّ منّي حرام حتى يبلغ الهدي محلّه. فقام اليه سراقة وقال: اقض لنا قضاء قوم كأنّما ولدوا اليوم؛ أعمرتنا لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: «لا، بل للأبد» مرّتين وشبّك أصابعه واحدة في الأُخرى وقال:

«دخلت العمرة في الحجّ الى يوم القيامة» مرّتين.

هاهنا قامت قيامة من كان يرى العمرة محرّمة في أشهر الحجّ من أصحابه وتعاظم ذلك عندهم وضاقت بهصدورهم، فقالوا: يا رسول اللَّه! أيّ الحلّ؟ قال: «الحلّ كلّه» «هذه عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن عنده الهدي فليحلّ الحلّ كلّه فإنّ العمرة قد دخلت في الحجّ الى يوم القيامة» وقال: «أقيموا حلالًا حتى اذا كان يوم التروية فأهلّوا بالحجّ

ص:21

واجعلوا التي قدمتم متعة» قالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمّينا الحجّ؟! قال: «افعلوا ما آمركم به فإنّي لولا أنّي سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به» وقال: «أحلّوا وأصيبوا النساء» ففشت في ذلك القالة وبلغه أنّهم يقولون لمّا لم يكن بيننا وبين عرفة إلّاخمس أمرنا أن نحلّ الى نسائنا فنأتي الى عرفة تقطر مذاكيرنا، هكذا ردّوا عليه القول، فغضب فانطلق حتى دخل على عائشة غضبان فرأت الغضب في وجهه فقالت: من أغضبك أغضبه اللَّه- وفي رواية قالت- أدخله اللَّه النار، قال:

«ما لي لا أغضب وأنا آمر أمراً فلا أُتّبع» «(1)».

ثمّ قام خطيباً فقال: «بلغني أنّ أقواماً يقولون كذا وكذا واللَّه لأنا أبرّ وأتقى للَّه منهم- وفي رواية قال:- قد علمتم أنّي أتقاكم للَّه وأصدقكم وأبرّكم ولولا هديي لحللت» قالوا: يا رسول اللَّه أيروح أحدنا الى منى وذكره يقطر منيّاً؟ قال: «نعم» فأحلّوا ومسّوا الطيب ووطأوا النساء وفعلوا ما يفعل الحلال،


1- سنن ابن ماجة: 993 باب فسخ الحج؛ ومسند أحمد 4: 286؛ ومجمع الزوائد 3: 233 باب فسخ الحج الى العمرة؛ وزاد المعاد 1: 247؛ والمنتقى، باب ما جاء في فسخ الحج الى العمرة، ح 2428.

ص:22

فلمّا كان يوم التروية أهلّوا بالحجّ «(1)».

هكذا أطاعوا اللَّه ورسوله بكلّ صعوبة واعتمروا في أشهر الحجّ عدا أُمّ المؤمنين عائشة التي حرمت منها لأنّها حاضت فأمرها النبيّ أن تحجّ، فلمّا طهرت وأتمّت الحجّ أمر أخاها عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم كي لا ترجع بحجّ مفرد «(2)»، وتوفّي الرسول واستخلف أبو بكر فأفرد الحجّ، واستخلف عمر فأفرد «(3)»، ورأى بعرفة رجلًا مرجلًا شعره فاستفهمه فقال: قدمت متمتّعاً وإنّما أُحرمت اليوم فقال عند ذاك: لا تتمتّعوا في هذه الأيّام فإنّي لو رخّصت في المتعة لهم لعرسوا بهنّ تحت الأراك ثمّ راحوا بهنّ حجّاجاً «(4)».


1- صحيح مسلم: 884 باب بيان وجوه الإحرام ح 142؛ وقريب منه لفظ زاد المعاد 1: 246 و 248 فصل في إهلاله صلى الله عليه و آله بالحج؛ وسنن البيهقي 4: 356 و 5: 4؛ ومجمع الزوائد 3: 233؛ صحيح مسلم: 882 ح 138؛ والمنتقى: ح 2400 و 2415 و 2426 باب إدخال الحجّ على العمرة.
2- « سرف»، بين مكّة والمدينة وعلى أميال من مكّة. والحديث 119 بباب« بيان وجوه الإحرام» من صحيح مسلم: 873؛ وفي سنن أبي داود 2: 154 مع اختلاف يسير؛ وكذلك في ابن ماجة، ح 2963.
3- سنن البيهقي 5: 5 باب من اختار الإفراد ورآه أفضل؛ وتاريخ ابن كثير 5: 123.
4- زاد المعاد 1: 258-/ 259 فصل في ما جاء في المتعة من الخلاف.

ص:23

وقال: إفصلوا بين حجّكم وعمرتكم، إجعلوا الحجّ في أشهر الحجّ واجعلوا العمرة في غير أشهر الحجّ، أتمّ لحجّكم وعمرتكم «(1)». واستشهد علىصحّة فتواه لمّا سأله أبو موسى ما هذا الذي أحدثت بشأن النسك وقال: إن تأخذ بكتاب اللَّه فإنّ اللَّه قال: «فَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ» وإن تأخذ بسنّة نبيّناصلى الله عليه و آله فإنّه لم يحلّ حتى نحر الهدي، ذكر عمر في هذه الأحاديث وغيرها أنّ تمامهما في الفصل بينهما، وجعل العمرة في غير أشهر الحج، وقال: إنّ النبي لم يحلّ حتى نحر الهدي «(2)»، ولم


1- صحيح مسلم: 885 باب في المتعة بالحجّ والعمرة ح 145؛ ومسند الطيالسي: 247 ح 1729؛ وسنن البيهقي 5: 21 و 7: 206 باب نكاح المتعة وفي لفظه:« هذا القرآن هذا القرآن» تحريف.
2- صحيح مسلم: 895-/ 896 باب في فسخ التحلل ح 156 و 155؛ والبخاري 1: 188-/ 189؛ وسنن النسائي 2: 15 باب التمتع؛ وباب الحجّ بغير نيّة يقصد المحرم: 18؛ ومسند أحمد 4: 393 و 395 و 410؛ وسنن البيهقي 4: 88؛ وكنز العمال 5: 86 باب التمتع من كتاب الحجّ؛ والبخاري 1: 214 أورد الحديث بإيجاز. وموطأ مالك 1: 319 كتاب الحجّ، باب جامع ما جاء في العمرة؛ وسنن البيهقي 5: 5 باب من اختار الإفراد ورآه أفضل. تفسير السيوطي 1: 218 بتفسير« الحجّ أشهر معلومات» عن ابن أبي شيبة؛ وحلية الأولياء لأبي نعيم 5: 205؛ وشرح معاني الآثار: 375 مناسك الحجّ.

ص:24

يجرؤ أبو موسى ولا غيره أن يقول له: إنّ الرسولصرّح غير مرّة بأنّه لم يحلّ لأنّه ساق الهدي ولا يحلّ حتى ينحر وأنّ التمتّع بالعمرة في كتاب اللَّه، عدا ما كان من أمر الإمام عليّ فإنّه قال له: «من تمتّع فقد أخذ بكتاب اللَّه وسنّة نبيّه» ولعلّ عمر اضطرّ بعد هذا الاعتراض الى أن يجابههم بالواقع ويقول في خطبته: متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه وأنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما ... «(1)».

ويقول: واللَّه إنّي لأنهاكم عن المتعة وإنّها لفي كتاب اللَّه ولقد فعلتها مع رسول اللَّه «(2)».

لعلّ الخليفةصرّح بهذه الأقوال ليمنع سائر الصحابة من متابعة الإمام والرواية عن رسول اللَّه بما يضعف موقفه، ونرى أنّه قد كشف عن سبب نهيه في قوله: كرهت أن يظلّوا معرّسين بهنّ تحت الأراك ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رؤوسهم، وفي قوله:

إنّ أهل البيت- يعني أهل مكّة- ليس لهم ضرع ولا زرع


1- سنن البيهقي 5: 20 و 21 و 4: 338 باب الرحل يحرم بالحج تطوّعاً؛ ومنحة المعبود ح 1502.
2- أحكام القرآن للجصّاص 1: 279؛ والمحلى لابن حزم 7: 107.

ص:25

وإنّما ربيهم في من يطرأ عليهم «(1)».

وفي ما يأتي بعض النصوص المصرّحة بقول الخليفة الثاني وموقفه من عمرة التمتّع وحجّ التمتّع:

في مسند أحمد وغيره واللفظ له عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري قال: «تمتّعنا على عهد النبيّ الحجّ والنساء فلمّا كان عمر نهانا عنهما فانتهينا» «(2)».

وفي تفسير السيوطي وكنز العمال عن سعيد بن المسيّب قال: «نهى عمر عن المتعتين متعة النساء ومتعة الحجّ» «(3)».

وفي بداية المجتهد وزاد المعاد وشرح نهج البلاغة والمغني لابن قدامة والمحلّى لابن حزم واللفظ للأوّل: روي عن عمر- وفي زاد المعاد: ثبت عن عمر- أنّه قال: «متعتان


1- في شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 61 و 3: 167-/ 168 في جواب الطعن الثامن.
2- مسند أحمد 3: 363؛ ونظيره في ص 356 منه، وفي ص 325 منه بإيجاز.
3- تفسير السيوطي 2: 141؛ وكنز العمال 8: 293 ط الاولى؛ وراجع مشكل الآثار للطحاوي: 375؛ وسعيد بن المسيّب قرشي مخزومي من كبار التابعين. أخرج حديثه أصحاب الصحاح، مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين؛ تقريب التهذيب 1: 306.

ص:26

كانتا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما:

متعة الحجّ ومتعة النساء» «(1)».

وفي رواية الجصّاص وابن حزم واللفظ للأوّل: «متعتان كانتا على عهد رسول اللَّهصلى الله عليه و آله أنا أنهى عنهما وأضرب عليها:

متعة النساء ومتعة الحج» «(2)».

وحقّ القول في هذه الواقعة أنّ الخليفة تأوّل وطلب الخير لقريش سكان مكّة حين نهى عن عمرة التمتّع، وأراد تمام الحجّ والعمرة حين أمر بفصل الحجّ عن العمرة وإتيان العمرة في غير أشهر الحجّ.

وانقسم المسلمون بعد نهي الخليفة عمر الى من يعمل بسنة الرسولصلى الله عليه و آله ويأتي بعمرة التمتع وحجّ التمتع في أشهر


1- بداية المجتهد 1: 346 باب القول في التمتع؛ وزاد المعاد لابن القيّم 2: 205 فصل إباحة متعة النساء ولفظة« أنا أُعاقب عليهما» تحريف؛ وشرح النهج 3: 167؛ والمغني لابن قدامة 7: 527؛ والمحلى لابن حزم 7: 107؛ وتفسير القرطبي والرازي 2: 167 و 3: 102 و 202؛ وكنز العمال 8: 293 و 294؛ والبيان والتبيين للجاحظ 2: 223؛ وراجع الطحاوي في كتابه شرح معاني الآثار: 374 مناسك الحجّ، عن ابن عمر.
2- أحكام القرآن للجصّاص 1: 279؛ والمحلى لابن حزم 7: 107 ولعلّ منشأ الاختلاف في اللفظ أنّ الخليفة قالها مرّتين، مرّة قال: أضرب عليهما وأُخرى أُعاقب.

ص:27

الحج وهم أئمة أهل البيت وأتباعهم وأبو عبد اللَّه أحمد بن حنبل وأتباعه من السلفية وغيرهم الى عصرنا الحاضر ومنهم من يعمل باجتهاد الخليفة عمر.

ومع الرفاه الذي يعيشه أهل مكة اليوم لم يبق مبرر لبعض المسلمين في عملهم هذا باجتهاد الخليفة بل ينبغي أن يعملوا بسنّة الرسولصلى الله عليه و آله وصدق اللَّه العظيم حيث يقول:

«مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا».

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.