قدسيه الحرم و امنه

اشارة

نام كتاب: قدسية الحرم و أمنه

نويسنده: آية الله جوادي آملي

موضوع: اسرار و معارف

زبان: عربي

تعداد جلد: 1

ناشر: نشر مشعر

ص: 1

المقدمه

بسم الله لرحمن الرحيم واياه نستعين الحمد الله الذي هدانا لهذا و ماكنا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وصلي الله على جميع الانبياء و المرسلين و الأئمة المهديين، سيما خاتم الانبياء و خاتم الاوصياء عليهما آلاف التحية و الثناء. بهم نتولى، و من اعدائهم نتبرأ الى الله.

معرفة الانسان

1- ليس الانسان كالملائكة في تجرد الوجود ... و من هنا فهولايستغني عن التنسيق مع ابناء نوعه، ولايستطيع ان يعيش بشعار: «ما منا الا له مقام معلوم».

ثم ان الانسان على الصعيد المادي ليس كالحيوان الذي لايحتاج الى التعاون و تبادل الفكر مع أبناء جنسه، والكائن البشري لايستطيع أن يعيش بشعار: «قد افلح اليوم من استعلى» المنطلق من حناجر الوحوش البشرية، كآل فرعون

ص:2

ص:3

ص:4

ص:5

ص:6

ص:7

ص: 8

و من جهة اخرى، لايستطيع الفرد- دون مستند تكويني- أن يتخلص من التشتت و التمزق، و أن يتوصل الى سر الاتحاد مع أبناء نوعه، و أن يحقّق الوحدة بسلوك مناسب، و أن يتحرر من كل نقص و عيب بشعار «قد أفلح من تزكى» و يصل الى الكمال الانساني.

«الوحدة» و «الكثرة» في تركيب الانسان

2- الانسان يتكون من عامل كثرة يسمى «الطبيعة»، و عامل وحدة يدعى «الروح» و «ماوراء الطبيعة».

فلوكرس جانبه الطبيعي و أثراه لم ينل سوى الاختلاف و النزاع. ولو سعى لتزكية جانبه الروحي لسلم من آفات النزاع، وارتوى من شهد المسالمة و الصفاء.

الله سبحانه نسب خلق جسم الانسان الى التراب و الطين و الصلصال و الحمأ المسنون المعبرة عن الكثرة، الباعثة دائما على التزاحم و النزاع:

«اني خالق بشرا من طين ...» (ص/ 71).

و نسب- سبحانه- خلقه الروح الانسانية الى نفسه ... و هي عين الوحدة .. و سبب الاتحاد و الرأفة و الالتحام: «نفخت في من روحي». (الحجر- 29).

«ثم سواه و نفخ فيه من روحه» (السجدة/ 9).

السرّ في «كثرة» عنصر الطبيعة و المادة يكمن في ضيق وجوده، اذ كل موجود مادي له ظروفه الخاصة به. ليس له حضور في غيره، و لا يتقبل غيره. و هكذا سرّ الوحدة في ماوراء

ص: 9

الطبيعة يعود الى سعته الوجودية، اذ كل موجود مجرّد ليس محجوباً عن غيره، و ليس محروما عن شهود غيره. لذلك تخلو الجنة من كل حقد و نزاع: «ونزعنا ما في صدور هم من غل» (الاعراف/ 43)، و تخلو قلوب المؤمنين المعتقدين بما وراء الطبيعة و الملتزمين بمدرسة الوحي الالهي، من كل معاداة و تباغض فيما بينهم: «ربنا اغفر لنا ولا خواننا الذين سبقونا بالايمان و لاتجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم» (الحشر/ 10).

الهجرة و عاملها

3- الانسان الالهي يهاجرمن الكثرة مستهدفا الوحدة مقتديا بمعمار الكعبة و مؤسس بيت التوحيد ابراهيم الخليل: «اني ذاهب الى ريي سيهدين» (الصافات/ 99).

و من اجل تحقيق هذا الهدف السامي يجتاز ذلك الانسان الموانع التي يجمعها الارتباط بعالم الطبيعة، و يتعرّف على الظروف و الملابسات التي يجمعها الارتباط بعالم ماوراء الطبيعة، و عن هذا الطريق يتوصل الى الهدف المنشود.

و الموانع الطبيعية لا تنحصر في أشياء معينة، و لاتقف في وجه افراد معينين، ولا تتحدد بمكان او زمان خاصّين، بل كل ما يبعث على غفلة الانسان عن ذكرالله فهو من تلك الموانع، و تواجه كل انسان في أي سنّ كان أو في أي مقام ولاينجو منها الّا المخلصون (نفتح اللام) «.. لأغوينّهم أجمعين الّا عبادك منهم المخلصين» (الحجر-).

ص: 10

موانع السلوك الي الله

4- الانسان يواجه على طريق سيره نحو الله قطاع طريق و أخطار و كلما كان الانسان اقوى كان قطاع طريقه امهر، و كانت عملية التغلب على الاخطار أصعب. ولكن المسير سيتيسّر بتوفر شروط السير نحو الحق سبحانه:

«فامّا من أعطى و آتقى و صدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى». (الليل/ 7). و عند عدم توفر هذه الشروط و الابتلاء بموانع المسير نحو الله سبحانه ستتوفر عوامل الانحراف و السقوط: «واما من بخل واستغنى و كذب بالحسنى فسنيسره للعسرى» (الليل/ 10).

و لما كان عالم الحركة و التحوّل مختبرا للامتحان الالهي، فان الله سبحانه يمد البشرية جمعاء بالامكانات الطبيعية، كي يؤدّوا امتحانهم و هم مجهزون بالوسائل الماديّة لذلك يصرح القرآن الكريم بأن الامداد الالهي يشمل طلاب الدنيا و طلاب الآخرة: «كلًانمدُّهؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظورا» (الاسراء/ 19)

الكثرة معبر للوحدة، و هذا المعبر يمثل المانع المهم و العقبة الكؤود، ولابد من اجتيازه .. لذلك لابدّ لسالك ديار الحق سبحانه أن يرسّخ التوحيد باعتباره أهّم عامل للوحدة، و أفضل وسيلة للتغلب على الكثرة.

التولّي و التبرّي

5- الانسان الالهي يستطيع أن يهاجر كسيدنا ابراهيم (ع) من الشهادة الى الغيب عندما يتولى الله سبحانه توليا كاملا،

ص: 11

و يبرأ من الباطل نهائيا، و عندما يكون في حبّه و بغضه و اعماله و تروكه تابعا لدين ابيه ابراهيم: «ملة ابيكم ابراهيم» (الحج- 78). و يتحققق بلوغ هذه المكانة السامية في ضوء هدى القرآن الكريم.

محور وحدة البشرية تكويني لا اعتباري

6- لابد للانسان من أن يتحد مع أبناء جنسه لأنه لايستغني عن المجتمع و لا ترتسم الخطوط الاصلية لسعادة دون الانسجام مع الآخرين.

و الانسان موجود تكويني لا اعتباري، لذلك فان سعادته- مثل وجوده- حقيقة عينية، و ليست أمرا ذهنيا و توافقيا. و من هنا أيضا يجب أن يكون ارتباط الفرد بالآخرين قائما على محاور عينية و تكوينية، لامحاور توافقية اعتبارية مثل العقود التجارية و الصناعية و الزراعية التي تبرم تحت عناوين البيع و الايجار و الصلح و المضاربة و امثالها، مما تنفسخ بتغير الاوضاع و تحل محلها عقود جديدة بشروط جديدة.

محور وحدة البشرية خالد

7- انطلاقا من ضرورة ارتباط الفرد بأبناء نوعه، فان هذا الارتباط يجب ان يكون- اضافة الى صفته العينية و التكوينية لا الذهنية و الاعتبارية- ذا جانب من الخلود و الأبدية، بحيث يمكن اقامته في كل زمان و مكان و جيل، بمعزل عن التغيرات الجغرافية و التطورات التاريخية. و دون أن يمسه

ص: 12

تطاول الحوادث، أو يغيره تحوّل الايام، و دون أن يكون- هذا الارتباط- ذا جانب جسماني و مادي من البشر، لأن جسم الكائن البشري من تراب معين و خاضع لظروف زمانية خاصة، و الارتباط المنطلق من الجانب الجسمي المادي لابد أن يحمل خصائص هذه الظروف و أن يكون مقرونا بالثقافة المنطلقة من هذه الخواص المادية. من هنا تنطلق الاختلافات القومية و العنصرية و اللغوية، و هكذا الاختلافات القومية و العنصرية و اللغوية، و هكذا الاختلافات في العادات و التقاليد و الآداب، وهذه الاختلافات- رغم فائدتها- تفتقد الأصالة، ولا تحوز على مساحة مهمة من جوهر البشرية الخالد. اذ في كل ارض و بين كل مجموعة بشرية فرد صالح أ طالح. لذلك لا يعير القرآن الكريم أهتماما لمثل هذه الأمور المنطقة من جانب مادي و الاعثة على الكثرة. والله سبحانه إذ يقرّر وجود هذا التعدّد يشير الى عدم تأثيره في تكامل البشرية: «يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثي و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم». (الحجرات/ 13).

أي ان تعدد القوميات له فائدة في تعارف الشعوب على بعضها على بعض، باعتباره هوية طبيعية، و الا فلا أثر له في نظام القيم الاسلامية، و هذه الكثرة المادية تستطيع بدورها أن تكون- مثل سائر الاختلافات- دلالة على قدرة الله سبحانه، دون أن تشكل امتيازا في التقييم: «ومن آياته خلق السماوات و الارض و اختلاف السنتكم و الوانكم ان في ذلك لآيات للعالمين» (الروم/ 22).

مما سبق نستنتج:

ص: 13

1- تكامل الانسان يتطلب بالضرورة ارتباط المجتمعات البشرية.

2- ارتباط أبناء البشر أمر عيني و تكويني، لا توافقي و اعتباري.

3- الارتباط المنطلق من المادة و الطبيعة- رغم كونه عينيا و تكوينيا- لايحظي بالبقاء و الثبات، ولا وزن له في معايير تقويم الانسان من وجهة نظر القرآن.

من هنا ان لوائح الأمم المتحدة- على فرض سدادها و صلاحها- لا تعدو أن تكون توافقية غير قادرة على تحقيق سعادة المجتمعات البشرية، و هكذا تعجز الأنظمة العنصرية و القومية و الوطنية عن تحقيق هذا الهدف، لأن حقيقة الانسان التكوينية اسمي من العقود الاعتبارية، و ابديته أرفع من الأمور المادية المتغيرة.

الانسان ينطوي على مقومات الوحدة

8- الانسان- في المنظور القرآني- يحمل في أعماقه مقومات السعادة الشاملة و الوحدة الواسعة مع جميع المجتمعات البشرية كأمل ثابت و موحّد و شامل و دائم لا يفتقده أي فرد في كل عصر و مصر. و هذه المقومات اللازمة للتكامل التكويني تتمثل في الفطرة التوحيدية القادرة على توحيد البشرية دون أي عقد و اتفاق، و بمعزل عن كال مصادقة و اعتبار: «فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لايعلمون» (الروم- 3).

ص: 14

و يعود ثابت الفطرة التوحيدية الشاملة الى ان الله شاء أن يكون الكائن الانساني «في احسن تقويم» و لا يعتري الفطرة التوحيدية أي نقص أو عيب، لذلك فان المشيئه تقتضي بقاء هذه الفطرة و ثباتها. كما لايملك غيرالله سبحانه قدرة على التأثير في نظام خلقه الانسان، لذلك قال سبحانه بلغة الرفض المطلق: «لا تبديل لخلق الله ..».

من هنا فان سبيل وحدة البشرية و اتحاد المجتمعات الانسانية ينحصر في محور الفطرة التوحيدية، لانها امر عيني و تكويني لاتوافقي، و عنصر خالد و ثابت لا تنطلق من خصائص اقليمية، لتتغير بتغير هذه الخصائص، و لا تنحصر بزمان خاص لتزول بزوال ذلك الزمان، و لا تقع عرضة للاحداث لتبلى، بل هي باستمرار تطل على الزمان و المكان، و تتعالى على كل الأعراف و التقاليد و السنن القومية والاقليمية: ذلك لأن روح الانسان مجرّدة، وفطرته التوحيدية الممتزجة بوجوده منزّهة من المادة و مبرّأة من القوانين الحاكمة على الطبيعة و التاريخ. من هنا فان هذه الفطرة لاتتبع في جوانب السلب و الايجاب و الرفض و القبول القوانين و القواعد و الاصول المادية. لانها ليست من سنخ المادة (أولا) و هي اكمل منا (ثانيا). لذلك فانها خارجة عن اطار المادة و عن تأثيرها المباشر و الأصيل. لذلك قال سبحانه:

«وألف بين قلوبهم، لوانفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم أنه عزيز حكيم». (الانفال/ 63).

و يلاحظ في الآية الكريمة اسمان من أسماء الله الحسنى

ص: 15

و هما: العزيز و الحكيم. إشارة الى ائتلاف قلوب الأعزة و الحكماء. أمّا قلوب الأذلة الجهلة فهي متباعدة متنافرة متباغضة متخاصمة متصارعة، انها قلوب متحاسدة لدي النعمة، متشامتة لدى المصيبة، محكومة بسنة كونية يقررها الله سبحانه في قوله: «وألقينا بينهم العداوة و البغضاء الى يوم القيامة». (المائدة- 91).

«فاغرينا بينهم العداوة و البغضاء الى يوم القيامة». (المائدة- 18).

و الشيطان الذي مثله كمثل الكب المعلَّم و له سهم محدود من التجرد الخيالي والوهمي، يسعى عن طريق وسوسته الخفية التي تعتبر امراً تكوينياً، الى التغلغل في تلك القلوب التي اغوتها الدنيا وفصلها عن بعضها البعض و اخضاعها لو لايته التامة ...

«انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة و البغضاء ...» (المائدة/ 91).

و حين قرر الشارع دفع جزء من مال الزكاة «للمؤلفة قلوبهم» فذلك لتوفير ارضية التأليف المعنوي بهذا الاحسان المادي. و لا يعدو أن يكون تأثيره المباشر هو الاسكات لا الاطمئنان، اذ لايطمئن القلب الّا بذكر الله. «ألا بذكر الله تطمئن القلوب» (الرعد/ 28).

وليس بعد الاعراض عن ذكر رب العالمين سوي ضنك العيش، وضيق الصدر «ومن أعرض عن ذكره فان له معيشة ضنكا» (طه- 124).

الاسلام محور الاتحاد

9- الانسان- من منظار الوحي- يستطيع أن يبلغ

ص: 16

كماله النهائي بالاسلام وحده ... بالدين العالي الشامل الذي يدعو الناس جميعا الى التألف والوحدة و الانسجام و التعاون و التعاضد.

ذكرنا من قبل، أن الوحدة العالمية لا تتحقق الّا بارتباط تكويني و عالمي، و كل ارتباط لايتطابق مع الخصلة التوحيدية لأفراد البشر، امّا ان يكون اعتباريا لا عينيا و تكوينيا، و امّا أن يكون فانيا لا باقيا. لذلك فان القانون القادر على هداية المجتمعات البشرية يجب ان ينطبق مع فطرتهم الالهية، و ان يحوز على تلكما الخاصيتين (الخاصية التكوينية لا الاعتبارية، و الخاصية الأبدية لا الموسمية و العارضة). و المبدأ الوحيد القادر على طرح مثل هذه القوانين، و المحيط بكل الاصول المذكورة هو ذات الباري تعالى وحده دون سواه.

لذلك عرّف الاسلام بأنه دين عالمي، و دعا الناس جميعا اليه، و قرر ان خطوطه الاصيلة عامة و خالدة و شاملة، و نهي عن الابتعاد عنه، و بيّن اخطار الاعراض عنه و الاعتراض عليه آو معارضته فقال سبحانه: «واعتصموا بجل الله جميعا و لا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا و كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعكم تهتدون» (آل عمران/ 103).

اي ان الانسان فضلًا عن كونه مكلفاً بالتمسك بالاسلام باعتباره افضل حبل لبني الانسان، فان عليه ان يتحد مع الآخرين و يعتصموا معاً بجل الله الذي يتبلور بالقرآن الكريم و سنة المعصومين. و ان هذا التآلف الذي يدعونا اليه الدين هو ذاته النعمة الاهلية الخاصة التي يجب ان لانغفل عنها. كما لابد ان لانغفل عن خطر شيوع العداء

ص: 17

و الاختلاف فيما بيننا الذي يعتبر بمثابة التحوك على شفا حفرة من النار.

وقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين» (البقرة- 208) .. و أبرز مظاهر عداوة الشيطان اشعال نار الفتنة و النزاع و الاختلاف و التفرقة.

والناس في كل مجتمع يقتدون بعلمائهم و مفكريهم. فان كان هؤلاء متآلفين متوحدين فلا يطرأ على المجتمع شرخ أو انشقاق. و ان كانوا- و العياذ بالله- متباغضين مشتتين فلا امل في اصلاح مجتمعا تهم، و لا وحدة يمكن أن تظهر في هذه المجتمعات. لذلك يركز القرآن تحذيره للعلماء من اليوم الذي فيه: «تبض وجوه و تسودّ وجوه». (آل عمران/ 105- 106).

اختلاف الرأي باعتباره مقدمة للوصول الى هدف مشترك كاختلاف كفتي ميزان يسعى للموازنة بين الوزن و الموزون، و هو اختلاف لازم و مفيد. غير أن القرآن الكريم يؤكد على أضرار الاختلاف بعد العلم واتضاح الحقائق. و هو الختلاف تقع مسؤوليته على العلماء والمفكرين، و لامنشأ له سوى الأهواء النفسية الهابطة التي يعبر عنها القرآن بالبغي:

«وما اختلف فيه الّا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم» (البقرة/ 213). «وما اختلف الذين أوتوا الكتاب الّا من بعد ما جاء هم العلم بغيا بينهم» (آل عمران/ 19). «وما تفرقوا الّا من بعد ما جاء هم العلم بغيا بينهم» (الشورى/ 14)، «فما اختلفوا الّا من بعد ما جاء هم العلم بغيا بينهم» (الجاثية/ 17).

و البغي لا يمكن ان يكون اطلاقا وسيلة لبلوغ الكمال على

ص: 18

خط المسيرة البشرية في منظار السنن الالهية. بل انه سيعود بالوبال على الباغين و المعتدين: «ولايحيق المكرالسيّئ الّا بأهله» (فاطر- 43).

المحاور الرئيسة لوحدة البشرية في الاسلام

10- ذكرنا أن الانسان ذوفطرة توحيدية يشترك فيها مع أبناء جنسه، و هو مدعوّ للالتزام بالدين العالمي الشامل.

و هذا الانسان يمكن ان تتفتح فطرته المشتركة و لكنه لايقدر على مزايا الدين العالمي المشترك الّا اذا كانت له المحاور الاصيلة الثابتة القادرة على جمع الشتات البشري و توحيد خطى الانسانية. من هنا قدم الله سبحانه القرآن الكريم كتابا للبشرية جمعاء، و محورا فكريا و عمليا للعالمين، و بعث خاتم النبين (ص) لتحقيق احكام القرآن باعتباره اسوة و رحمة لبني البشر، و قرر ان الكعبة المقدسة محورا لتجمع المسلمين في جميع اقطار العالم و مطافا لكل الناس.

و بهذه المحاور الاساسية الجامعة الموحّدة يستطيع المسلمون في كل أرجاء الارض ان يتعارفوا و يتعاضدوا.

و نحن في هذا المقال سنلقي الضوء على عالمية هذه المحاور، و خاصة ما يرتبط منها بالكعبة المشرفة- زادها الله شرفا- وقدسيتها العالمية، وامنها العالمي كي تتضح مسؤولية المسلمين عامة و العلماء خاصة تجاه صيانة قدسية الكعبة و امنها.

عالمية القرآن الكريم

11- شاء الله سبحانه ان يكون رسوله الخاتم أكمل البشر

ص: 19

و مظهر اسم الله الأعظم، و من هنا كان الكتاب عليه أكمل الكتاب، و مستوعبا لساحة الزمان و المكان على مرّ التاريخ. و هذه الصفة العالمية قررها الله تعالى في مطاوي الكتاب الكريم اذ قال سبحانه:

«شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس» (البقرة- 185)

«انا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق ..» (الزمر- 41)

فهو- اذن- كتاب للناس عامة لايختص بعصر ولا بمصر ... و هو يخاطب الفطرة، و يذكر البشرية جمعاء بعهد فطرتهم التي فطرهم الله عليها:

«قال لا اسألكم عليه أجرا ان هو الّا ذكرى للعالمين» (الانعام- 90)

«ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلّهم يتذكرون» (الزمر- 27).

ثم ان هذا الكتاب الكريم ينذر البشرية جمعاء ممّا يتهددها من خطر الزيغ والانحراف:

«وأوحي اليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ...» (الانعام- 19).

«تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا» (الفرقان- 1).

كما ان آيات تحدي الجن و الانس على أن يأتوا بآية أو سورة

ص: 20

من مثله، هي ايضا دلالة على عالمية القرآن، اذلو كان محليّا لاتجه في تحديه ادعاء اعجازه الى منطقة نفوذه حسب. لكنه خاطب في تحديه البشرية في كل مكان و زمان.

طبعا يجب التنبيه هنا الى أن معجزة كل نبي- وان كانت رسالته محدودة- باقية في قوة اعجازها الى الأبد، ولا يستطيع أن يأتي بمثلها سوى الأنبياء و اولياء الله. (انتبه بدقة) كل دليل على عالمية القرآن الكريم هو- في الواقع- دليل أيضا على عالمية رسالة النبي الخاتم (ص). و العكس صحيح أيضا، لأنهما متلازمان و دعوة النبي متبلورة في القرآن الكريم.

عالمية رسالة النبي الأعظم (ص)

12- بعث الله محمدا (ص) نبيّا، ولم يبعث معه في زمانه نبيا آخر. و لم ولن يبعث بعده نبيا آخر، لأن رسالته تستوعب الساحة البشرية في عصره و في جميع العصور حتى يرث الله الارض و من عليها. وكل دليل على خاتمية النبوة بنبينا الأعظم (ص) هو أيضا دلالة على عالمية الرسالة كقوله سبحانه:

«ما كان محمد أبا احد من رجالكم ولكن رسول الله و خاتم النبيين و كان الله بكل شي ء عليما». (الاحزاب- 40).

اضف الى ذلك أن ثمة آيات اخرى تقرّر عالمية الرسالة المحمدية كقوله سبحانه:

«وما ارسلناك الّا رحمة للعالمين» (الانبياء- 107).

«وما ارسلناك الّا كافة للناس بشيرا و نذيرا و لكن أكثر النا س

ص: 21

لايعلمون». (سبأ- 28).

«يا ايها الناس قد جاء كم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم و ان تكفروا فان لله ما في السماوات و الارض و كان الله عليما حكيما». (النساء- 170).

«قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا» (الاعراف- 158).

فالرسالة لكافة الناس لاتختص بقوم و لابزمان. و كما ان هداية القرآن عامة للناس، فكذلك قيادة الرسول الاعظم (ص) عامة للناس .. و كلمة (الناس) تشمل البشرية جمعاء مالم تكن هناك قرينة تخصصها.

النبي الاعظم (ص) أسوة للبشرية جمعاء

13- الانسان «السالك» الى الله يحتاج دائما الى الاسوة و القدوة، ليجعله معيارا يقيس عليه معتقداته و أخلاقه و سلوكه. و الرسول الخاتم (ص) سيّد السالكين الى الله سبحانه، ولذلك فهو اسوة للجميع، و اطار الاقتداء به، مثل رسالته، عالمي.

ربّ العالمين أدّب رسوله بآداب الهية خاصة، ثم جعله قدوة للناس جميعا، و أمر المجتمعات البشرية ان تقتدي به.

كل ما صدر الى الرسول الاعظم (ص) من أوامر علمية و عملية سواء كنات في المعراج أو غير المعراج، أو بشكل قرآني أو الهام وحديث قدسي؛ انما كانت باعتبارها تعليما للكتاب والحكمة، و تأديبا بالآداب الالهية، و الرسول (ص) كان «تام

ص: 22

القابلية» لتلقي المواهب الغيبية، فاستلهم كل ماصدر اليه من فيض من مبدأ «تام الفاعلية»، كقوله سبحانه:

«خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض من الجاهلين» (الاعراف- 199).

«ومن الليل فتهجّد به ناقلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا» (الاسراء- 79).

و امثالهما من الآيات التي امرت الرسول (ص) بانشراح الصدر وتلقي القرآن و الاستقامة أمام الحوادث الجسيمة، و الهجرة و الجهاد، والاجتهاد و القيام بالقسط و العدل، و بآلاف الصفات الكمالية الأخرى.

هذه الآيات، والى جانبها شواهد أخرى، تشير جميعا الى مرتبة الكمال الانساني للنبي الأعظم (ص). حينئذ يخاطبه الله سبحانه بقوله: «وانك لعلى خلق عظيم» (القلم- 4). هذا الخطاب- و ان سبق في نزوله كثيرا من الآيات التي تصف الاخلاق السامية للرسول- يقتضي حسب اصول التدرج انه قد اتصف بصفات الكمال، أولا، ثم جاءت الآية لتقرر ذلك.

ومهمايكن من أمر، فان اتصاف الرسول (ص) بالخلق العظيم يقتضي أن تكون سنته و سيرته و جميع شؤون حياته أسوة لجميع السالكين، الّا اذا دلت قرينه على اختصاص ذلك بالنبي (ص).

«لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيرا» (الاحزاب- 21).

ص: 23

«.. ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله أن الله شديد العقاب». (الحشر- 7).

والاية الكريمة التالية تبين سبب ضرورة امتثال أوامر النبي (ص):

«الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الانجيل يأمرهم بالمعروف و ينها هم عن المنكر و يحلّ لهم الطيبات و يحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم، فالذين آمنوا به و عزّروه و نصروه و اتبعوا النور الذي أنزل معه اولئك هم المفلحون». (الاعراف- 157).

أي ان كل تعليمات النبي تقوم على أساس المصالح و الحكم الالهية الضامنة لكمال جميع أفراد البشر في الأبعاد العلمية و العملية.

واجب البشرية تجاه الرسالة الخاتمة

14- المجموعة البشرية التي اتخذت من الرسول (ص) قائدا لها في حياتها الفكرية و العملية تتحمل مسؤولية الاجتهاد من أجل فهم الرسالة و العمل بها، و مسؤولية الجهاد في سبيل صيانتها، كي تتضح المعارف الالهية بجلاء، و تبتعد عن تطاول أيدي المتطاولين عليها.

أهمية الحفاظ على شخصية الرسول الحقيقية و الحقوقية تفوق أهمية الحفاظ على النفس و النفيس. القرآن الكريم يقرّر هذه الحقيقة بالا ثبات تارة إذ يقول:

ص: 24

«النبي أولي بالمؤمنين من انفسهم» (الاحزاب- 6).

و يقررها تارة أخري بالنفي و النهي اذ يقول:

«ما كان لأهل المدينة و من حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله و لا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه» (التوبة- 120).

من هذين التقريرين نفهم أن حفظ الرسول الاعظم (ص) من أهم الواجبات، ولايجوز لأحد ان يغفل عن حراسة هذه الشخصية.

والحفاظ على شخصية الرسول (ص) لايقتصر على شخصيته الحقيقة و وجوده الشخصي الجسمي، بل يشمل أيضا شخصيته الحقوقية المتبلورة في القرآن و السنّة. لذلك فان مسؤولية الحفاظ على شخصية الرسول (ص) عامّة و دائمة.

و على امتداد الزمان و المكان في حياة البشرية تدخل شخصية الرسول الحقوقية في الساحة حينما تشهد هذه الساحة مسألة من المسائل الاجتماعية الاسلامية. و لايجوز للمؤمنين أن يتركوا هذه الساحة، لأن الله سبحانه يقول:

«انّما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله و اذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ان الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله و رسوله فاذا أستأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم و استغفر لهم الله ان الله غفور رحيم» (النور- 62).

فالمؤمنون لايتركون الرسول اذا كانوا معه على امر جامع كأمر الجهاد و الدفاع عن حرمات الاسلام، و هذا الحكم الالهي قائم حتى تقوم الساعة.

ص: 25

الكعبة المعظمة محور خالد

15- المجموعة الشرية المؤمنة بدين عالمي، و بكتاب عالمي، و بني عالمي دائم تحتاج الى محور عالمي تتجه اليه في حياتها الاجتماعية و الفردية.

على الصعيد الاجتماعي تحتاج الى مكان يجتمع فيه القاصي والداني لتعالج قضاياها و تدرس مايواجهها من تحديات، و ما تعانيه من مشاكل في حياتها السياسية و الاجتماعية على صعيد علاقاتها الداخلية أو الخارجية، و تعمل على توثيق عرى التلاحم الفكري و الثقافي بينها .. و كل هذه الفوائد يمكن أن نفهمها من اطلاق كلمة «المنافع» في الآية الكريمة:

«ليشهدوا منافع لهم و يذكروا اسم الله في ايام معلومات». (الحج- 28).

و من جهة اخرى كانت الكعبة محورا يرتبط به المسلمون، و هم في أصقاع شتّى من العالم خلال حياتهم اليومية على سبيل الوجب أو الندب في صلواتهم و أذ كارهم و أدعيتهم و نحرهم و ذجهم و في نزعهم بل و حتي في دفنهم. و لكروية الارض فان اتجاه مجاميع المسلمين نحو الكعبة مستمر لاينقطع في كل لحظات الزمان، و من كل الجهات، لان اوقات الصلاة غير متفقة لأهل المعمورة.

و كما أن الملائكة مرتبطة دائما بالعرش، كذلك المسلمون في جميع أرجاء العالم، مرتبطون على مرّ الزمان و في كل مكان

ص: 26

بالكعبة الكائنة بمحاذاة العرش.

و مع اننا نستطيع أن نشاهد وجه الله في كل جهة: «ولله المشرق و المغرب فأينما تولوا فثم وجه الله». فأن الأمر الالهي يقضي بالاتجاه نحو المسجد الحرام في الصلاة: «قد نرى تقلب وجهك في السماء، فلنولينك قبلة ترضاها، فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره». (البقرة- 144).

قدسية الكعبة و أمن الحرم

16- ذكرنا أن الجماعة المسلمة منشدّة في حياتها الفردية والاجتماعية الى الكعبة، تتعبّد في اتجاهها، و تتخذ منها محورا لتجمّعها، و من المؤكد أنّ المسلمين في فهم خصائص هذا المعبد المقدّس يزيدهم عمقا في الاتصال بالمعبود، و نقاءً في توحيده بالعبادة، و من هنا ركز القرآن على تبيين خصائص الكعبة و المسجد الحرام و الحرم المكي.

فالكعبة أولى واقدم معبد وضع للبشرية:

«إنّ اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ..» (آل عمران- 96).

و هي قوام البشرية التواقة الى عبادة الله الواحد الأحد و الرافضة لكل الآلهة المزيفة الباطلة:

«جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس». (المائدة- 97).

و الكعبة مرجع الناس و ملاذهم الذي يأمنون في كنفه:

«واذ جعلنا البيت مثابة للناس و أمنا». (البقرة- 125).

ص: 27

و مكان البيت عيّنه ربّ العالمين، و وجه اليه ابراهيم لبنائه:

«وإذ بوّأنا لابراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا». (الحج- 26).

و بناء الكعبة قام على يد اثنين من أعظم أنبياء الله و من اكثرهم تضحية و فداءً:

«وإذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت و اسماعيل» (البقرة- 127).

والكعبة وصفت بأنها البيت العتيق دلالة على عراقتها و نفاستها، و دلالة على انعتاقها من أية سيطرة و ملكية بشرية، و من أي تطاول طاغوتي على مرّ التاريخ، و دلالة على تحررها من أي اختصاص بقبيلة أو بقوم أو بحكومة:

«.. وليطوّفوا بالبيت العتيق» (الحج- 29).

«.. ثم محلها الى البيت العتيق». (الحج- 33).

قرّر القرآن أن الكعبة بيت «الله»، و هو سبحانه منزّه عن الحلول في المكان و الحصر في الزمان، و قرّر انها مستقرّ ضيوف الرحمن .. و أنها مطهرة من الشرك على يدخليل الله و ذبيح الله:

«وعهدنا الى ابراهيم و اسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين و الركع السجود» (البقرة- 125).

و زيارة الكعبة عبادة مهمّة ركّز عليها القرآن بعبارة «ولله على الناس ..» و هي العبادة الوحيدة التي ركز عليها القرآن بهذه الصيغة، اذلم ترد في الكتاب الكريم عبارة ولله على الناس الصلاة أو الصوم أو الزكاة .. ولكن بشأن الحج قال سبحانه:

«ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا». (آل عمران- 97).

ص: 28

الكعبة بيت يحظي زوّاره باحترام خاص، و ينالون سهما من حرمته المعنوية وهتك حرمتهم بمثابة احلال سائر الحرمات:

«يا أيّها الذين آمنوا لا تحلّوا شعائر الله و لا الهدي ولا القلائد و لا آمّين البيت الحرام». (المائدة- 2)

المسجد الحرام- و فيه الكعبة- مكان آمن للقاصي والدانيع والبدوي و الحضري يتساوون فيه، وليس لأحد امتياز فيه على آخر:

«ان الذين كفروا و يصدّون عن سبيل الله و المسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه و الباد ..». (الحج- 25).

المسجد الحرام- وفيه الكعبة- مركز حرمة وقدسية وعد الله كل ظالم ملحد فيه بعذاب أليم.

«.. ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب اليم». (الحج- 25).

البيت الحرام تحدث عنه القرآن باعتباره أول ملجأ و مسكن لأبناء خليل الرحمن:

«رنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ..» (ابراهيم- 37).

الارض المحيطة بالعكبة واد غير ذي زرع، أي ليس فيه زرع بالفعل و لا بالقوة، و الخليل (ع) سأل الله سبحانه لهذه الارض أمرين:

ص: 29

الاول: أن تكون عامرة.

الثاني: أن تكون آمنة.

فاستجاب له ربّ العالمين و صارت تلك الارض عامرة، و نلمس التحوّل في الاختلاف بين دعاءي ابراهيم (ع). في الاول يقول: «ربّ اجعل هذا بلدا آمنا ..» (البقرة- 126). بتنكير البلد لعدم عمرانه. و في الثاني يقول: «ربّ اجعل هذا البلد آمنا ..» (ابراهيم- 35). بتعريف البلد ليدلّ على تحوّله و عمرانه.

و استجاب الله سبحانه لابراهيم طلبته الثانية، فصدر الحكم التشريعي بأمن هذا البلد. و ذكر سبحانه بأنه البلد الأمين:

«والتين والزيتون و طور سينين و هذا البلد الأمين» (التين 1- 3).

و حفظ- سبحانه- أهله من كل خطر اقتصادي أو أمني:

«فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع و آمنهم من خوف» (قريش- 3).

«ومن دخله كان آمنا». (آل عمران- 97).

«أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبي اليه ثمرات كل شي ء» (القصص- 57).

«أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا و يتخطف الناس من حولهم» (العنكبوت- 67).

التأكيد القرآني المركز على أمن الحرم- و ان كان الأمن

ص: 30

بذاته نعمة كبرى- يثير انتباه كل نبيه الى ان تلك المنطقة يجب أن تشهد ما يتطلب الاحساس بالسكينة و الأمن. ولو أن عمل الحاج كان مقتصرا على الدعاء و التضرّع و الزيارة و الطواف و لم يتضمن أية براءة من الطغاة و المعتدين و إدانتهم، لما هدّد هؤلاء المجرمون أمن الحرم .. و هذا ما سنوضحه أكثر فيما بعد.

الكعبة محور البراءة من المشركين

17- الجماعة المؤمنة الملتزمة تسعى حثيثا للوصول الى الهدف السامي الكبير الذي خلقت البشرية من أجله .. الى الكمال الانساني.

و الكعبة و المسجد الحرام يشكلان معلما مهما من معالم هذه الحركة التكاملية، وينطويان على مفاهيم عميقة تسمو على التصورات الساذجة التي يحملها البعض تجاه هذه الاماكن المقدسة.

ولما كان التوحيد الخالص يشكل الذروة في تكامل الانسان .. كما ان هذا التوحيد لايتحقق الّا بالتحرر من كل شرك، لذلك كانت الكعبة، التي تستقطب المسلمين من كل أنحاء العالم، بيت التوحيد و محور التبرّي من كل طغيان و طاغوت.

بعد ان تمت المقدمات ببناء البيت العتيق، و تقررت حرمة الحرم و أمنه لروّاده، صدر الأمر الالهي الى نبيه ابراهيم (ع) ليدعو الناس الى حج البيت:

«وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالًا و على كل ضامر يأتين

ص: 31

من كل فج عميق ..» (الحج- 27).

و حينما استجابت الجماعة المؤمنة لنداء ابراهيم و تجمعت حول البيت قادمة من كل حدب وصوب لتشهد «منافع» لها، حان دور الأذان المحمدي:

«وأذان من الله و رسوله الى الناس يوم الحج الأكبر أنّ الله برئ من المشركين و رسوله». (التوبة- 2).

أي ان الاعلان الاول لم يكن يتضمن الهدف النهائي من بناء الكعبة في اطارها الالهي الكامل، بل انه و فّر الارضية للاعلان الثاني الذي ينطوي على الهدف النهائي للكعبة .. اعلان البراءة .. براءة الله و رسوله .. من كل مشرك و ملحد. ولكي يكون هذا الاعلان عالميا على رؤوس الاشهاد، تركز الآية على رفعه «يوم الحج الاكبر» أي عند تجمّع كل الحجّاج في الايام الجامعة .. يوم عرفة .. يوم عيد الأضخي و .. كما ان الحج نفسه مقابل العمرة هو «أكبر».

من هنا فالهدف النهائي من بناء البيت الوصول الى التوحيد الخالص من الشرك. و لايمكن تحقيق هذا الهدف دون البراءة التامة من كل شرك و الحاد، و رفض كل مشرك و ملحد، و هذا الهدف النهائي تبلور في اعلان براءة الله و رسوله من المشركين.

و مادام الناس يعيشون على ظهر الارض فهم مكلفون بأداء فريضة الحج. و مادام الشرك يدنس أرض المعمورة فان اعلان البراءة منه جزء من أهم واجبات الحج.

ص: 32

و اليوم، فان المسلمين لا يملكون مكانا أفضل من مكة لاعلان البراءه من طواغيت الأرض .. من روسيا التي تدنّس أرض افغانستان و تذبّح أبناءها و تستبيح حرماتها، و تنتهك مقدساتها .. و من اسرائيل المحتلة الغاصبة الجاثمة على أرض فلسطين الاسلامية .. و في اولى القبلتين و ثالث الحرمين، و من البطش الصهيوني بأبناء فلسطين و قتلهم في مجازر و حشية رهيبة شملت الأطفال و النساء و الشيوخ القابعين في مخيمات التشريد .. و من امريكا .. راس الاجرام العالمي المعاصر .. المتلاعبة بمقدرات شعوب العالم الثالث .. و الطامعة في كل ثروات العالم الاسلامي .. و المستهينة بكل كرامة و سيادة الشعوب.

ولعل جاهلا أو متجاهلا يقول: أن ارض الحجاز الحالية خالية من المشركين .. ولذلك فلا داعي لاعلان البراءة منهم. وفات هؤلاء أن الشرك لا يتمثل في الشخص المشرك بجسمه المادي فحسب، بل إنه يشمل كل مظاهر التفكير المشرك و الحضارة المشركة و الاستعمار الظالم و التجبّر الطاغوتي و الاستثمار الفرعوني والاستحمار السامري و الاستضعاف الماكر المستفحلة في عالمنا الاسلامي، بما في ذلك أرض الحجاز.

ولا يخفي على كل انسان واع ما تشهده أرض الحجاز اليوم من مأساة تتمثل في تحويل أعظم المقدسات الاسلامية الى «اقطاعية» من اقطاعيات «عائلة» آل سعود و تحويل أرض الحجاز الى جزء من مملكة تحمل اسم هذه العائلة السيئة الصيت. كفى الحرم المكي العتيق مأساة ان يقع في أغلال العائلة

ص: 33

السعودية بينما عظمه الله و أجلّه و رفعه في مواضع عديدة من كتابه الكريم كقوله سبحانه:

«انما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شئ و امرت أن اكون من المسلمين». (النمل- 91).

عمارة الكعبة و المسجد الحرام

18- المؤمنون المرتبطون بالكعبة في كل شؤون حياتهم بل وحتى بعد مماتهم يتحملون مسؤولية تجاه هذا البيت المقدس ..

و الله سبحانه او كل مسؤولية عمارة المساجد عامة و المسجد الحرام خاصة الى المؤمنين الخلّص الائقين لهذه المهمة. فالمساجد عامة، و المسجد الحرام، خاصة، لها حرمتها الخاصة، و بشأن عامة المساجد يقول سبحانه:

«وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا». (الجن- 18).

فكلمة المساجد- و ان كانت تطلق أيضا على مواضع السجود- ظاهرة في الاماكن الخاصة بعبادة المسلمين، و هي المراد منها في قوله تعالى:

«ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع و بيع وصلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا» (الحج- 40).

«واقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين» (الاعراف- 29).

ص: 34

«يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد» (الاعراف- 31).

«ومن أظلم ممّن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه» (البقرة- 114).

«ولا تباشروهن و انتم عاكفون في المساجد» (البقرة- 187).

و بيَّن سبحانه في مواضع عديدة من الكتاب الكريم مكانة المسجد الحرام، و احكامه و ما يرتبط بشؤونه المختلفة فقال تعالى:

«ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام» (البقرة- 150).

«ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فان قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين» (البقرة- 191).

فكما ان موسم الحج و زمان زيارة الحرم من الاشهر الحرم، كذلك مكان اداء مناسك الحج محترم لايجوز فيه القتال الابتدائي. غير أن القصاص لا يختص بنفس أو طرف، بل يشمل أيضا نقض الحرمة و هتك الاحترام، ففي هذا النقض قصاص كذلك يقول سبحانه:

«الشهر الحرام بالشهر الحرام و الحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ..» (البقرة- 194).

و يقول سبحانه:

«وما لهم الّا يعذبهم الله وهم يصدّون عند المسجد الحرام» (الانفال- 34).

«فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا» (التوبة- 28).

ص: 35

و بشأن المسجد الحرام أيضا جاء في كتاب الله العزيز:

«سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا». (الأسراء- 1).

بعد هذا الاستعراض لما جاء في القرآن الكريم بشأن أهمية المساجد عامة و مكانة المسجد الحرام بشكل خاص، نتعرض الى من يتحمل مسؤولية عمارة المسجد الحرام.

يقول سبحانه- و هو صاحب المساجد جميعا و المسجد الحرام خاصة-:

«وما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على انفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم و في النار هم خالدون انما يعمر مساجد الله من آمن بالله و اليوم الآخر و أقام الصلاة و أتي الزكاة و لم يخش الّا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين» (التوبة: 17- 18).

فشروط من يقوم بعمارة المسجد الحرام:

اولا: الايمان بالله تعالى.

ثانيا: الايمان باليوم الآخر.

ثالثا: اقامة الصلاة.

رابعا: ايتاء الزكاة.

خامسا: أن لا يخشى الّا الله. أي أن يكون موحّدا في الخشية. فمن لايخشى الله ملحد، و متوحش بطاش مفترس.

ومن يشارك الله في الخشية، أي يخشى الله و يخشى أحداً آخر، فهو ليس بموحّد في الخشية.

و سرّ هذا الشرط الخامس يكمن في نظرة الاسلام الى

ص: 36

المساجد. فالمسجد ليس بالمكان المقتصر على الصلاة و الدعاء و التعليم و التدريس و الوعظ، بل هو أيضا مركز للتعبئة العسكرية من أجل مواجهة الأخطار، و الدفاع عن الاسلام، انه محور تطبيق قوله سبحانه:

«وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة» (الانفال- 60).

و من هنا فان عمارة مثل هذا المكان لابد أن ينهض بها من: «لايخافون في الله لومة لائم».

و كما أن مسؤولية النهوض بالرسالة ملقاة على عاتق الرجال الموحدين الشجعان كذلك مسؤولية عمارة المسجد يتحملها الموحّدون الصامدون: «الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحدا الّا الله و كفي بالله حسيبا». (الاحزاب- 39).

و من باب تناسب الحكم و الموضوع نستطيع أن نفهم أهمية شرط الشجاعة في تبليغ الرسالة و في عمارة بيوت الله .. من هنا كان لابد لأمناء المساجد و اوليائها و القائمين على أمورها من التحلي بالشجاعة اللازمة التي هي التوحيد في الخشية .. الى جانب الشروط الاخرى.

مما تقدم نفهم أن الاسلام سلب المشركين و المنافقين و الكفار حق عمارة المسجد الحرام .. كما سلبه ايضا ضعاف الايمان و المهزوزين و المتخوفين من الأعداء و المشركين. لان عملية عمارة المسجد الحرام و توليه- ان لم تكن مقرونة بالتوحيد في الخشية- فقد تحدث مشاكل و موانع في طريق التعبئة العسكرية. و استعمال أدوات الحصر «انما» و «الّا»

ص: 37

يدل بوضوح على أهمية الشروط المذكورة لمن يعمر مساجد الله.

فأساس تكامل الانسان يتمثل في الأوصاف النفسية كالايمان، لذلك يقول سبحانه:

«اجعلتم سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله و اليوم الآخر و جاهد في سبيل الله لا يستوون عندالله و الله لايهدي القوم الظالمين». (التوبة- 19).

ولان الهدف النهائي من تعاليم الدين خلق الأفراد المتصفين بالأوصاف الكمالية لا الا كتفاء بتعليم الأوصاف الكمالية، لذلك لم تقل الآية ... كالايمان بالله و اليوم الآخر ... وان كان السياق يقتضي ذلك، بل قالت «كمن آمن بالله و اليوم الآخر».

و خلاصة ما مرّ أن الذي يخشى الله و يخشى احدا غير الله، لا يصلح لعمارة المسجد الحرام، ذلك لانه حين تحين ضرورة الدفاع سيملاه الخوف من الحضور في ساحة مواجهة الباطل:

«فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله» (النساء- 77).

أما المؤمنون فهم موحدون في الخشية ايضا، ولا يخشون أحدا الا الله حتى ولو تجمعت جحافل الكفر في مواجهتهم:

«الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل» (آل عمران- 173).

و هؤلاء المتصفون بهذه الأوصاف هم المؤهلون لعمارة

ص: 38

المساجد.

ولاية حرم الأمن الالهي

19- المؤمنون المنضوون تحت ولاية الله و الرافضون لغير ولاية الله لايسمحون لأولياء الشيطان أن يتقلدوا المناصب الحسّاسة، لأن التعاليم الالهية تقضي بأن لايتقد المراكز الدينية المهمة الّا المتقون الشجعان الواعون. و لأهمية الكعبة و المسجد الحرام صرّح القرآن بشروط تولية هذه البقاع المقدسة كي تودع هذه الأمانة الالهية عند أهلها.

و بشأن ولاية المسجد الحرام يقول سبحانه:

«وما لهم الّا يعذبهم الله و هم يصدون عن المسجد الحرام و ما كانوا اولياءه أن اولياءه الّا المتقون ولكن اكثرهم لايعلمون» (الانفال- 34).

في هذه الآية الكريمة اشارة الى عزل بل انعزال الفاسدين عن تولية المسجد الحرام و الى تعيين المتقين لهذه السمة لأن الفاسدين منصرفون عن المسجد الحرام و صارفون عنه، وناؤون عنه و ناهون عنه. لكن المتقين متعبدون في المسجد الحرام وداعون اليه. وهذه التولية من حق الله لا من حق الناس، اذ ليست هذه المساجد مثل الأوقاف الخاصة التي يحق للناس أن يولوا من يشاءون فيها. لان المساجد ليست ملكا لأحد، و الوقف فيها يشبه تحرير الرقبة وفك الملك لا مثل تحبيس الاصل و تسبيل الثمرة. والله سبحانه قرر أن تكون التولية للمتقين.

مما تقدم فان تولية الحرم لايمكن أن تكون في احتكار الخونة

ص: 39

المسيطرين حاليا على الحجاز، بل يتحمل كل المتقين في جميع أنحاء العالم الاسلامي مسؤولية الاستجابة لأمر الله و انقاذ الحرم من الحرامي، و المسجد الحرام من الأجنبي.

والمقصود من التقوى التي هي شرط أساس لتولية الحرم ليس هي التقوى العبادية و الدعائية و نظائرها فقط، بل التقوى الجامعة. والسبب في التركيز على التقوى بشأن تولية الحرم هو أن حرم الأمن الالهي ليس مثل الآثار التاريخية. ليس مثل سور الصين .. ليس أثراتاريخيا ماديا يتملكه أهل تلك الأرض. ليس مثل أهرام مصر التي يتولاها المصريون وحدهم. بل الكعبة في جميع ابعادها المادية و المعنوية منزّهة و مبّرأة من الارتباط بأحد غيرالله.

من هذا المنطلق فان الكعبة لاترتبط ارتباطا خاصا بفرد او مجموعة، و لا تخضع لقوانين بشرية وضعية. بل الكعبة- مثل القرآن الكريم و الرسول الاعظم- لاتستند الى أحد غيرالله.

و كما ان القرآن الكريم ليس افرازا فكريا بشريا، وليس لأحد قدرة على أن يأتي بمثله، ولذلك كان كتاب الله و كلام الله، لايختص بأحد ..

و كما أن النبي (ص) لم يأخذ العلم من مدرسة أحد، و ليس لأحد عليه حق التعليم و التزكية و التهذيب، لذلك كان عبدالله و رسول الله ..

كذلك الكعبة .. لانها لم تشيد في ملك أحد، و لم يضع تصميمها مهندس بشري وليست موادها الانشائية ملكا لأحد، وليس معمارها و مساعد معمارها من الأفراد العاديين. بل

ص: 40

الكعبة- في كل هذه الأبعاد كما اشرنا- ترتبط بالله سبحانه و تعالى.

هذه الخصائص التي تحيط بالكعبة هي التي صيّرت منها محورا لوحدة المسلمين في جميع أرجاء المعمورة، و تبلوا لعالميّة الاسلام.

و كما ان الله سبحانه صان الحقيقة القرآنية من تطاول الطواغيت اللئام، و من كل تحريف، بحيث لم يزد عليه حرف و لم ينقض منه حرف ..

و كما أن رسالة النبي الأكرم (ص) قد ثبّتت بألوان المعجزات خاصة المعجزة الخالدة (أي القرآن الكريم).

كذلك الكعبة التي هي محور وحدة المسلمين قد صانها الله من أبرهة الماضي و الحاضر و المستقبل.

و كما أن المسلمين يتحملون مسؤولية صيانة القرآن، و صيانة الشخصية الحقوقية للرسول الاكرم (ص) و رسالته، فانهم يتحملون أيضا مسؤولية الجهاد من أجل تأمين حرمة الحرم و قدسيته، كي لايتلوث بأدران آل سعود.

و كما أن لغة القرآن العربية أو نزوله في الحجاز لايجعلانه مختصا بالعرب ..

و كما ان بعثة النبي الأكرم (ص) في الحجاز، و دعوته فيها، و وفاته في ارضها، لا تجعل النبي مختصا بأرض الحجاز .. (ذلك لأن القرآن و هكذا النبي (ص) من حيث المعنى و القلب لا كلام مثل القرآن و لا شخص كرسول الله (ص)).

كذلك وجود الكعبة في الحجاز و بناؤها من المواد الانشائية

ص: 41

لتلك الارض لايجعلانها مختصة بالعرب أو الحجازيين أو الحكام المتسلطين على تلك الارض .. ذلك لأن الكعبة- و ان كانت مشيدة من أحجار كسائر الأحجار لا تضر و لا تنفع- فهي محاذية لعرش الله، و جدرانها الاربعة مشيدة على أساس التسبيحات الأربع: (سبحان الله، و الحمدالله، ولا اله الّا الله، والله اكبر) و عتيقة من كل سيطرة متجبرة و لذلك لم يكن لها نظير. ولو أن كتابا أو كلاما أو شخصا أوبناء ارتبط بغير الله، فليس له اطلاقا أن يكون بلورة للاسلام العالمي الشامل.

ضيوف الرحمن

ضيوف الحرم الشريف هم الذين تتوفر فيهم شروط استحقاق هذه الضيافة الكريمة. و القرآن الكريم بيّن أوصافهم على نحوعام، كما بيّن مصاديق هذه الاوصاف بشكل خاص.

اما الشروط العامة فقد ذكرتها الآية مخاطبة ابراهيم و اسماعيل (ع):

«أن طهرا بيتي للطائفين و العاكفين و الركع السجود». (البقرة- 125).

و أمّا المصداق فقد ذكرته الآية 29 من سورة الفتح:

«محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجّدا يبتغون فضلا من الله و رضوانا ..»

فهؤلاء الطائفون و العاكفون و الركع السجود الذين أعد البيت لاستضافتهم هم أمة رسول الله (ص) الذين يتحلون- الى جانب ركوعهم و سجودهم- بصلابة ابراهيم في وجه أتباع

ص: 42

الروسي، و ليست فلسطين وحدها ترزح تحت وطأة الاحتلال الصهيوني، وليست لبنان و ايران وحدهما يتعرضان للعدوان الأمريكي .. بل ان ارض الحجاز ترزح أيضا تحت وطأة احتلال سعودي امريكي بغيض.

يا رجال الاسلام .. هبّوا لتحرير القبلتين من الاحتلال الأمريكي.

أيها المجاهدون في سبيل الله!

آل سعود من الذين قال الله في حقهم:

«اذا قيل له اتق الله أخذته العزّة بالاثم»

فهم لايرعوون بالموعظة ولا يرتدعون بالنصيحة.

لاسبيل لوحدة المسلمين و رمز وحدة المسلمين في أيدي المفرقين السعوديين الذين يزهقون أرواح المنادين بالوحدة و بشعار: يا أيها المسلمون: اتحدوا .. اتحدوا.

يا ابناء الاسلام!

رب العالمين يحذركم من أعدائه فيقول:

«لايزالون يقاتلونكم حتى يردّوكم عن دينكم ان استطاعوا» (البقرة- 217).

«ولا تزال تطلع على خائنة منهم الّا قليلا منهم» (المائدة- 23).

فعلينا جميعا أن نعمل متحدين لتخليص الحرمين الشريفين من أدران هؤلاء الأعداء.

على امل انتصار الاسلام على الكفر العالمي

7/ جمادي الاولى/ 1408 ه. ق

عبدالله جوادي آملي

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.