الخمس فريضه شرعيه

اشارة

سرشناسه : سبحاني، جعفر، 1308 -

عنوان و نام پديدآور : الخمس فريضة شرعية: دراسة تحليلة لحكم الخمس في الكتاب العزيز والسنة المطهرة/ تاليف جعفر سبحاني.

مشخصات نشر : تهران: مشعر، 1387.

مشخصات ظاهري : 140 ص.: جدول؛ 11×5/16س م.

شابك : 7000 ريال 978-964-540-158-8:

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس.

موضوع : خمس.

رده بندي كنگره : BP188/6/س2خ8 1387

رده بندي ديويي : 297/356

شماره كتابشناسي ملي : 1544871

ص:1

مقدّمة المؤلّف

قال اللَّه تعالى:

«وَ اعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَي ءْ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتَامَى وَ الْمَسَاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَ مَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَي الْجَمْعَانِ وَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَي ءْ قَدِيرٌ»

الانفال: 41.

«فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»

الروم: 38.

ص:2

ص:3

ص:4

ص:5

ص:6

ص: 7

الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

شكّل الدور التاريخي المؤثّر لعلماء الإسلام في حياة الأُمّة، تحدّياً سافراً للأعداء الطامعين بها، والمتربّصين بها الدوائر .. فلقد أثبتت الأحداثُ الجمّة التي مرّت على العالم الإسلاميّ، أنّ القيادة العلمائيّة، هي الأجدر بتحمّل مسؤولية الحفاظ على المبادئ والقيم التي آمنت بها الأُمّة، والدفاع عن كيانها، وصَوْن كرامتها وعزّتها.

إنّ ما قام به العلماء من دور فاعل في مقارعة الاستعمار الغربيّ بشتى وجوهه، وفي مواجهة قوى الإلحاد والطغيان والاستبداد، أمر لا يمكن أن يُنكره أحد يحترم الحقيقة، كيف؟

وهذه صفحات التاريخ المعاصر، قد سَطّرت بأحرفٍ من نور مواقفَهم الجريئة والحكيمة في التصدي للمشروع الاستعماري

ص: 8

البغيض، وقُدراتِهم الجبارة في تعبئة الجماهير باتجاه هذا الهدف المقدّس، وسعيَهم الدائبَ لفضح مؤامراتهم ومخطّطاتهم الشيطانية الرامية إلى خداع الأُمة عن دينها ومبادئها وتطلّعاتها وآمالها، وإلى تحطيم مقوّمات وحدتها وقوّتها ومنَعَتها.

ولم يكتفِ العلماء بذلك، بل قادوا جموعَ الثائرين، وانضمّوا إلى صفوف المقاتلين في ساحات الجهاد، للذَّود عن الدين والشرف والوطن، وتحرير البلاد وتطهيرها من دَنَسهم.

وبرز هذا الدور بشكل أكبر في أواخر القرن الهجري الماضي، ومطلع هذا القرن عندما هلَّ هلالُ الفتح والنصر على العالم الإسلاميّ، بتأسيس دولة إسلامية، تهدف إلى تحكيم القرآن المجيد والسنّة الشريفة، وإحلال الأحكام الشرعية محلّ القوانين الوضعية الغربية، وذلك بفضل ثورة، قادها علماء الإسلام ومراجع الدين، وبمساندة قطاعات الشعب المختلفة، التي التفّت حولهم، من أجل تطبيق الشريعة في كافة نواحي الحياة: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وغيرها.

وقد أوجد هذا الحدثُ الفذُّ هزَّةً عنيفةً في العالم، وأحدثَ زلزالًا كبيراً في المنطقة (على حدّ وصف رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك)، أرعب المستكبرين وصنائعَهم، من الكيان

ص: 9

الصهيوني، والأنظمة الجائرة الحاكمة في بعض البلدان الإسلامية، لِما تحملُه هذه الثورة من مشروع تغييريّ شامل، يحقِّق طموح الناس للعيش في أفياء حياة حرّة كريمة طيّبة، بعدما ذاقُوا مرارةَ الحرمان، وذُلَّ الهوان في ظلٍّ من يحموم الأنظمة التابعة للشرق أو للغرب.

ولمّا أحسّ الأعداءُ وأذنابُهم، بأنّ أَثَر هذه الثورة المباركة قد امتدّ إلى سائر الشعوب الإسلامية، بل إلى الشعوب المستضعَفة، وأن الصحوة الإسلامية أخذت تتوسّع، والوعيَ الدينيّ والسياسيّ بدأ ينمو في أوساط الأُمة، جنّ جنونُهم، وانهمكوا في وضع الخطط والبرامج لإيقاف هذا الزحف الميمون، أو للحدّ من تقدّمه، وذلك بإشعال نار الفتن الداخلية، والحصار الاقتصادي، والغزو الفكري والثقافي، ودفع بعض الحمقى وأعوانهم ممّن تتحكّم بهم العُقد الطائفية، والروح الفرعونية إلى معاداة الثورة ومحاربتها إعلامياً وسياسياً، وشنّ الحرب العسكرية ضدها.

ولمّا لم تأتِ هذه الأساليب أُكُلَها كما يشتهون ضمّوا إليها أسلوباً آخر، لعلّهم يتوصّلون به إلى تحقيق مآربهم الشريرة، وقد تمثّل هذا الأُسلوب في توجيه ضرباتٍ للمرجعية الدينية،

ص: 10

والكيان الحوزوي، باعتبارهما قمّة الهرم في التحرك الجماهيري الواعي والمتّزن، والعملِ على فكّ الارتباط والالتحام بين المرجعية الدينية وبين القاعدة الشعبية العريضة التي تؤمن بقيادتها، وتستجيب لتوجيهاتها وإرشاداتها.

وسعياً وراء تحقيق هذا الغرض، كرّس الأعداء، وأصحاب المطامع والأهواء، ومن خسرت صفقتهم في سوق العقل والدليل والبرهان، كرّسوا جهودهم لتشويه صورة المرجعية الرشيدة، وإثارة الشبهات حولها، وتوجيه سهام الانتقادات إليها، ومحاولة تجفيف منابعها المالية التي تستعين بها على إقامة أمر الدين، وتعزيز الوجود الإسلامي، وإنعاش حياة المسلمين المحرومين.

إنّ المرء لَيعجب من كثرة الكتابات التي تطرحها المطابع كل أسبوع، وبمختلف اللغات، وتُنشر على نطاق واسع، ولا غاية لها سوى تهميش وإلغاء دور المرجعية الدينية وكيانها المتمثل في العلماء المخلصين، وعزل الجماهير عنها، ليسهل لهم فيما بعدُ تمريرُ سياساتهم التي تضادّ مصالح الأُمّة، وتنفيذُ مآربهم في السيطرة على ثرواتها، والتحكّم بمقدّراتها.

ص: 11

ومن نماذج هذه الإصدارات كتاب نشر تحت عنوان:

«الخمس بين الفريضة الشرعية والضريبة المالية»، تأليف سليمان بن صالح الخراشي. وكان هذا الكتاب قد نُشر- من قَبل- على موقع (فيصل نور) الالكتروني، كما تم تلخيصه وطبعه باسم «الخمس جزية العصر»، وزُعم أن مؤلفه شخص يُدعى: السيد علاء عباس الموسوي.

والكتاب يدل على أن المؤلف ليس فقيها حتّى في مذهبه الحنبلي ولا عارفاً بالفقه الشيعي، والشاهد عليه وجود التناقض في عباراته، فتارة ينكر وجوب الخمس في غير الغنائم، وأُخرى يُقرّ به ولكن يُنكر وجود الدليل على دفعه إلى الفقهاء، وثالثة يُصرّ على أن أئمة أهل البيت عليهم السلام قد أحلّوه في زمان الغيبة، إلى غير ذلك من المشاغبات العديدة في كلامه.

وقد كشف المؤلف حسب زعمه في الفصل الأوّل عن ثمان حقائق، اعتبرها خطيرة ومفيدة، ويبدو أن أكثر ما أقلق المؤلف هو دفع الخمس إلى الفقهاء، وإلّا فلا نراه يُبالي فيما إذا دُفع الخمس إلى السادة وسائر المستحقين، مباشرة وهذا يشير إلى ان الهدف هو تضعيف المرجعيّة، التي هي سند النهضة

ص: 12

الإسلامية وعمادها الرصين.

وبما أنّ القارئ الكريم سيقف على زيف هذه الحقائق- التي هي أشبه بالاوهام- لذا نترك البحث فيها، وندخل في صلب الموضوع على النحو التالي:

1. الخمس في كتاب اللَّه وسنة النبي صلى الله عليه و آله و سلم وأحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام.

2. تفسير ما دلّ على حلّية الخمس في موارد أو فترة خاصّة.

3. جهاز الوكالة في عصر الحضور.

4. فريضة الخمس وتولّي الفقهاء.

5. تشريح الكتاب وما فيه من خزايا وخطايا.

6. خاتمة: الأسئلة التي طرحها الكاتب، واجوبتها.

نسأل اللَّه سبحانه أن يوفقنا لما فيه رضاه، وأن يجمع شمل المسلمين، ويقطع ألسنة المفرِّقين الذين لا همّ لهم سوى إثارة الفتن والأحقاد بين أبناء الجسد الإسلامي الواحد، لكي يُرضوا أسيادهم وأولياء نعمتهم.

ص: 13

الفصل الأوّل: الخمس في الكتاب والسنة

اشاره

سوف نتطرق في هذا الفصل إلى ما جاء في الكتاب والسنة، ممّا يدلّ على وجوب الخمس في كل ما يغنمه الإنسان ويفوز به.

الخمس في الكتاب العزيز

اشارة

الأصل في ضريبة الخمس هو قوله سبحانه: «واعلَموا أنَّما غَنِمتُمْ مِن شي ءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وللرَّسولِ ولِذي القُربى واليَتامى والمَساكينِ وابنِ السَّبيلِ إن كُنتُمْ آمَنتُمْ باللَّهِ وما أنْزَلْنا على عَبدِنا يَومَ الفُرقانِ يَومَ التَقَى الجَمْعانِ واللَّه على كُلِّ شي ءٍ قديرٌ» (1).

لا شك في أنّ الآية نزلت في مورد خاص، أعني يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان وهو غزوة «بدر» الكبرى، لكن الكلام في أنّ قوله «ما غَنِمْتُمْ» هل هو عام لكل ما يفوز به الانسان


1- الأنفال: 41.

ص: 14

في حياته، أو خاص بما يظفر به في الحرب من السلب والنهب؟

وعلى فرض كونه عامّاً، فهل المورد مخصّص أو لا؟

فيقع الكلام في مقامين:

الأوّل: الغنيمة مطلق ما يفوز به الانسان:

أمّا الأوّل فالظاهر من أئمّة اللغة أنّه في الأصل أعمّ ممّا يظفر به الانسان في ساحات الحرب، بل هو لغة لكلّ ما يفوز به الانسان وإليك بعض كلماتهم:

1- قال الأزهري: «قال الليث: الغنم: الفوز بالشي ء، والاغتنام انتهاز الغنم»(1) .

2- قال الراغب: الغنم معروف ... والغُنْم: إصابته والظفر به، ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العِدَى وغيرهم قال:

«واعلموا أنَّما غنمتم من شي ء» «فكلوا ممّا غنمتم حلالًا طيّباً» والمغنم: ما يُغنم وجمعه مغانم، قال: «فَعندَ اللَّهِ مغانمُ كثيرة» (2).

3- قال ابن فارس: «غنم» أصل صحيح واحد يدلّ على إفادة


1- الأزهري: تهذيب اللغة، مادة «غنم».
2- الراغب الاصفهاني: المفرادت، مادة «غنم». الخمس فريضة شرعية

ص: 15

شي ء لم يُملك من قبل، ثمّ يختص بما أُخذ من المشركين .(1)

4- قال ابن منظور: «الغُنْم» الفوز بالشي ء من غير مشقّة .(2)

5- قال ابن الأثير: في الحديث: «الرهن لمن رهنه، له غُنمه وعليه غُرمه، غنمه: زيادته ونماؤه وفاضل قيمته» (3).

6- قال الفيروز آبادي: «الغنم» الفوز بالشي ء لا بمشقّة، وأغنمه كذا تغنيماً نفله إيّاه، واغتنمه وتغنّمه، عدّه غنيمة.(4)

وهذه النصوص تعرب عن أنّ المادّة لم توضع لما يفوز به الانسان في الحروب، بل معناها أوسع من ذلك، وإن كانت لا تستعمل في العصور المتأخّرة عن نزول القرآن إلّافي ما يظفر به في ساحة الحرب.

ولأجل ذلك نجد أنّ المادة استعملت في مطلق ما يفوز به الانسان في الذكر الحكيم والسنّة النبويّة.

لقد استعمل القرآن لفظة «المغنم» فيما يفوز به الانسان، وإن لم يكن عن طريق القتال، بل كان عن طريق العمل العادي


1- ابن فارس: مقاييس اللغة مادة «غنم».
2- ابن منظور الأفريقي: لسان العرب نفس المادة.
3- نهاية اللغة، مادة «غنم»
4- قاموس اللغة، مادة «غنم».

ص: 16

الدنيوي، أو ما يناله من نعيم في الآخرة إذ يقول سبحانه:

«يا أيُّها الَّذين آمنُوا إذا ضَربتُمْ في سَبيلِ اللَّهِ فَتَبيَّنُوا ولا تَقُولُوا لِمَنْ ألقى إليكُمُ السَّلام لَستَ مُؤمِناً تَبتَغونَ عَرَضَ الحَياةِ الدُّنيا فَعِندَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثيرة» (1).

والمراد بالمغانم الكثيرة: هو أجر الآخرة، بدليل مقابلته لعرض الحياة الدنيا، فيدلّ على أنّ لفظ المغنم لا يختصّ بالأُمور والأشياء التي يحصل عليها الانسان في هذه الدنيا وفي ساحات الحرب فقط، بل هو عام لكلّ مكسب وفائدة.

ثمّ إنّه قد وردت هذه اللفظة في الأحاديث وأُريد بها مطلق الفائدة الحاصلة للمرء.

روى ابن ماجة في سننه: أنّه جاء عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم:

«اللّهمّ اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرما»(2) .

وفي مسند أحمد عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: «غنيمة مجالس الذكر الجنّة»(3) .


1- النساء: الآية 94.
2- ابن ماجة: السنن: كتاب الزكاة، باب ما يقال عند اخراج الزكاة، الحديث 1797.
3- أحمد: المسند: ج 2 ص 330 و 374 و 524. الخمس فريضة شرعية،

ص: 17

وفي وصف شهر رمضان عنه صلى الله عليه و آله و سلم: «غنم للمؤمن» (1).

وفي نهاية ابن الأثير: الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة، سمّاه غنيمة لما فيه من الأجر والثواب (2).

فقد بان ممّا نقلناه من كلمات أئمّة اللغة وموارد استعمال تلك المادة في الكتاب والسنّة، أنّ العرب تستعملها في كل مورد يفوز به الانسان، من جهة العدى وغيرهم، وإنّما صار حقيقة متشرعة في خصوص ما يفوز به الانسان في ساحة الحرب في الأعصار المتأخّرة، وبعد نزول الآية في أوّل حرب خاضها المسلمون تحت لواء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، ولم يكن الاستعمال إلّا تطبيقاً للمعنى الكلّي على مورد خاص.

الثاني: المورد لا يخصّص:

إذا كان مفهوم اللفظ عامّاً يشمل كافّة ما يفوز به الانسان، فلا يكون وروده في مورد خاص، مخصّصاً لمفهومه ومضيقاً لعمومه. وإذا وقفنا على أنّ التشريع الإسلامي فرض الخمس في الركاز والكنز والسيوب أوّلًا، وأرباح المكاسب ثانياً، فيكون


1- المصدر نفسه: ص 177.
2- النهاية، مادة «غنم».

ص: 18

ذلك التشريع مؤكّداً لإطلاق الآية، ولا يكون وروده في الغنائم الحربية رافعاً له.

استدلال الفقهاء بالآية في غير مورد الغنيمة

ما يدل على أن الغنيمة في الآية بمعنى مطلق ما يفوز به الإنسان وإن لم يكن عن طريق الحرب، هو استدلال الفقهاء على وجوب الخمس في المعادن.

قالت الحنفية والمالكية بوجوب الخمس على ما يُستخرج من المعادن.

قال الفقيه المعاصر وهبة الزحيلي: المعدن والرِّكاز أو الكنز بمعنى واحد وهو كل مال مدفون تحت الأرض، إلّاأن المعدن هو ما خلقه اللَّه تعالى في الأرض يوم خلق الأرض، والركاز أو الكنز هو المال المدفون بفعل الناس الكفار.

ثم ذكر أن المعادن ثلاثة أنواع، وذكر من النوع الأوّل ما هو جامد يذوب وينطبع بالنار كالنقدين والحديد والنحاس والرصاص ويلحق به الزئبق.

وقال: ولا يجب الخمس إلّافي هذا النوع سواء وجد في أرض خراجية أو عُشرية، ويصرف الخمس مصارف خمس

ص: 19

الغنيمة، ودليلهم الكتاب والسنة الصحيحة والقياس، أما الكتاب فقوله تعالى: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَي ءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ» (1)، ويُعدّ المعدن غنيمة.(2) وغير خفيّ على النابه أن عدّ المعدن غنيمة لا يصح إلّاإذا فُسّرت بكل ما يفوز به الإنسان، وإلّا فلو خُصّت بما يفوز به الإنسان عن طريق الحرب، فليس المعدن من أقسامه.

نعم لو كانت المعادن في أراضي الكفار واستولى المسلمون عليها عن طريق الحرب، ربّما يمكن عدّ المعادن من الغنائم، ولكن ليس كل معدن كذلك، فإن كثيراً منها في البلاد الإسلامية التي حكمها الإسلام منذ أربعة عشر قرناً، ولا يُعدُّ استخراجه بعد هذه الحقبة من الزمن استيلاءً على مال الكفار.

ونقل ابن الأثير عن مالك في وجه الخمس في الركاز: إنّه إنّما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية ما لم يُطلب بمال ولم يتكلف فيه نفقة، ولا كبير عمل ولا مؤونة، فأما ما طُلب بمال وتُكلف فيه عمل كبير، فأُصيب مرة وأُخطئ مرة فليس بركاز. (3)


1- الانفال: 41.
2- الفقه الإسلامي وأدلته: 2/ 776.
3- جامع الأُصول من أحاديث الرسول: 4/ 620.

ص: 20

وكأن ابن الأثير يُريد إدخال الركاز الّذي ورد فيه الخمس تحت عنوان الغنيمة إذا لم تتكلف فيه نفقة ولا كثير عمل ولا مؤونة، وهذا لا يصح إلّابتفسير الغنيمة بمطلق ما يفوز به الإنسان بسهولة.

ويؤيد ما ذكرنا ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام عن آبائه في وصية النبي صلى الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام قال: «إن عبدالمطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها اللَّه له في الإسلام .. إلى أن قال صلى الله عليه و آله و سلم:

«ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدق به، فأنزل اللَّه: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَي ءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ» (1).

ويؤيده عموم المعنى، التعبير عما يجب فيه الخمس بلفظة «من شي ء» التي هي كالصريحة في أن متعلقه كل شي ء.

ولعلّ ما ذكرنا حول الآية من القرائن والشواهد يكفي في الاستدلال به على وجوب الخمس في مطلق ما يفوز به الإنسان، فلنرجع إلى السنة الشريفة.

الخمس في السنة النبويّة

اشارة


1- الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3

ص: 21

تضافرت الروايات عن النبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم على وجوب الخمس في الركاز والكنز والسيوب. وإليك النصوص أوّلًا ثم تبيين ألفاظها ثانياً:

روى لفيف من الصحابة كابن عباس، وأبي هريرة، وجابر، وعُبادة بن الصامت، وأنس بن مالك، وجوب الخمس في الركاز والكنز والسيوب، وإليك قسماً ممّا روي في هذا المجال:

1- في مسند أحمد وسنن ابن ماجة واللفظ للأوّل: عن ابن عباس قال:

قضى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في الركاز، الخمس (1).

2- وفي صحيحي مسلم والبخاري واللفظ للأوّل: عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم:

«العجماء جُرْحُها جُبار (2)، والمعدن جبار، وفي الرِّكاز الخمس»، وفي بعض الروايات عند أحمد: البهيمة عقلها جبار(3) .

قال القاضي أبو يوسف: كان أهل الجاهلية إذا عطبَ الرجل


1- أحمد: المسند: 1/ 314، وسنن ابن ماجة 2/ 839 ط 1373 ه.
2- جُبار: هَدَر.
3- مسلم: الصحيح: 5/ 127 باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار، من كتاب الحدود، وصحيح البخاري 1/ 182 باب في الركازالخمس.

ص: 22

في قَليبٍ (1)جعلوا القليب عَقَله، وإذا قتلته دابة جعلوها عقله، وإذا قتله معدن جعلوه عقله، فسأل سائل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عن ذلك فقال: «العجماء جُبار، والمعدن جُبار، والبئر جُبار، وفي الركاز الخمس» فقيل له: ما الركاز يا رسول اللَّه؟ فقال: «الذهب والفضة الذي خلقه اللَّه في الأرض يوم خلقت» (2).

3- وفي مسند أحمد: عن الشعبي عن جابر بن عبد اللَّه قال:

قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: «السائمة جبار، والجُبّ جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس» قال الشعبي: الركاز: الكنز العادي (2).

4- وفيه أيضاً: عن عبادة بن الصامت، قال:

من قضاء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أنّ المعدن جبار، والبئر جبار، والعجماء جرحها جبار، والعجماء: البهيمة من الأنعام وغيرها، والجُبار هو الهَدَر الذي لا يُغرم، وقضى في الركاز الخمس (4).

5- وفيه: عن أنس بن مالك قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إلى خيبر فدخل صاحب لنا إلى خربةٍ يقضي حاجته، فتناول لبنة ليستطيب بها فانهارت عليه تبرا، فأخذها فأتى بها النبي صلى الله عليه و آله و سلم فأخبره بذلك، قال: «زنها» فوزنها فإذا مائتا درهم فقال


1- القَلِيب: البئر. 2. الخراج: 22.
2- أحمد: المسند: 3/ 335. 4. المصدر نفسه: 5/ 326.

ص: 23

النبي: «هذا ركاز وفيه الخمس» (1).

6- وفيه: أنّ رجلًا من مزينة سأل رسول اللَّه مسائل جاء فيها: فالكنز نجده في الخرب وفي الآرام؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم:

«فيه، وفي الركاز الخمس» (2).

7. وقال القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين الفرّاء الحنبليّ: فأما الرِّكاز، فهو كلّ مال وُجد مدفوناً من ضرب الجاهلية، وفي موات، أو طريق سابل، يكون لواجده وعليه الخُمُس. (2) 8- وفي نهاية اللغة ولسان العرب وتاج العروس في مادة «سَيْب» واللفظ للأوّل: وفي كتابه- أي كتاب رسول اللَّه- لوائل بن حجر: «وفي السُّيوب الخمس». السُّيوب: الركاز.

قالوا:

«السُّيوب: عروق من الذهب والفضة تَسيب في المعدن، أي تتكوّن فيه وتظهر» والسُّيوب: جمع سَيْب، يريد به- أي يريد النبي بالسيب- المال المدفون في الجاهلية، أو المعدن لأنّه من


1- المصدر نفسه: 3/ 128. 2. المصدر نفسه: 2/ 186.
2- الأحكام السلطانية: 143.

ص: 24

فضل اللَّه تعالى وعطائه لمن أصابه»(1) .

تفسير ألفاظ الأحاديث:

العجماء: الدابة المنفلتة من صاحبها، فما أصابت في انفلاتها فلا غرم على صاحبها، والمعدن جبار يعني: إذا احتفر الرجل معدناً فوقع فيه انسان فلا غُرم عليه، وكذلك البئر إذا احتفرها الرجل للسبيل فوقع فيها إنسان فلا غرم على صاحبها، وفي الركاز الخمس، والركاز: ما وُجد من دفن أهل الجاهلية، فمن وجد ركازاً أدّى منه الخمس إلى السلطان وما بقي له (2).

والآرام: الأعلام وهي حجارة تُجمع وتُنصب في المفازة يُهتدى بها، واحدها إرَم كعنب. وكان من عادة الجاهلية أنّهم إذا وجدوا شيئاً في طريقهم لا يمكنهم استصحابه، تركوا عليه حجارة يعرفونه بها حتى إذا عادوا أخذوه(3) .

وفي لسان العرب وغيره من معاجم اللغة،: ركَزَه يركُزُه رَكزاً: إذا دفنه.


1- ابن الأثير: النهاية، مادة «سيب».
2- الترمذي: السنن 6/ 145 باب ما جاء في العجماء.
3- النهاية، مادة «ارم».

ص: 25

والركاز: قطع ذهب وفضة تخرج من الأرض أو المعدن، واحده الركزة كأنّه ركز في الأرض.

وفي نهاية اللغة: والركزة: القطعة من جواهر الأرض المركوزة فيها وجمع الركزة الركاز.

إنّ هذه الروايات تعرب عن كون وجوب الخمس في الكنز والمعادن، ضريبة غير الزكاة، وقد استند إليها أُستاذ الفقهاء أبو يوسف في كتابه «الخراج». وإليك نصّه:

كلام أبي يوسف في المعدن والركاز:

قال أبو يوسف: في كل ما أُصيب من المعادن من قليل أو كثير، الخمس، ولو أنّ رجلًا أصاب في معدن أقل من وزن مائتي درهم فضّة أو أقل من وزن عشرين مثقالًا ذهباً فإنّ فيه الخمس، وليس هذا على موضع الزكاة إنّما هو على موضع الغنائم(1)، وليس في تراب ذلك شي ء إنّما الخمس في الذهب الخالص والفضة الخالصة والحديد والنحاس والرصاص، ولا يحسب لمن استخرج ذلك من نفقته عليه شي ء، وقد تكون النفقة


1- ترى أنّ أبا يوسف يعد الخمس الوارد في هذا الموضع من مصاديق الغنيمةالواردة في آية الخمس وهو شاهد على كونها عامة مفهوماً.

ص: 26

تستغرق ذلك كلّه فلا يجب إذاً فيه خمس عليه، وفيه الخمس حين يفرغ من تصفيته قليلًا كان أو كثيراً، ولا يحسب له من نفقته شي ء (1)من ذلك وما استخرج من المعادن سوى ذلك من الحجارة- مثل الياقوت والفيروزج والكحل والزئبق والكبريت والمغرّة- فلا خمس في شي ء من ذلك، إنّما ذلك كلّه بمنزلة الطين والتراب.

قال: ولو أنّ الذي أصاب شيئاً من الذهب أو الفضة أو الحديد أو الرصاص أو النحاس، كان عليه دَين فادح لم يُبطل ذلك الخمس عنه، ألا ترى لو أنّ جنداً من الأجناد أصابوا غنيمة من أهل الحرب خُمِّسَت ولم ينظر أعليهم دين أم لا، ولو كان عليهم دين لم يمنع ذلك من الخمس.

قال: وأمّا الركاز فهو الذهب والفضة الذي خلقه اللَّه عزّ وجلّ في الأرض يوم خلقت، فيه أيضاً الخمس، فمن أصاب كنزاً عاديّاً في غير ملك أحد- فيه ذهب أو فضة أو جوهر أو ثياب- فإنّ في ذلك الخمس وأربعة أخماسه للذي أصابه وهو بمنزلة الغنيمة يغنمها القوم فتخمَّس وما بقي فلهم.


1- هذا رأي أبي يوسف، وإطلاق الآية يخالفه مضافاً إلى مخالفته لروايات أئمّة أهل البيت، فإنّها تفرض الخمس في الجميع.

ص: 27

قال: ولو أنّ حربياً وجد في دار الإسلام ركازاً و كان قد دخل بأمان، نزع ذلك كلّه منه ولا يكون له منه شي ء، وإن كان ذمّياً أُخذ منه الخمس كما يؤخذ من المسلم، وسلِّم له أربعة أخماسه.

وكذلك المكاتب يجد ركازاً في دار الإسلام فهو له بعد الخمس ... (1)

خمس أرباح المكاسب في الحديث النبوي:

يظهر من غير واحد من الروايات أنّ النبيّ الأكرم أمر بإخراج الخمس من مطلق ما يغنمه الانسان من أرباح المكاسب وغيرها. وإليك بعض ما ورد في المقام:

1- لمّا وفد عبد القيس لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فقالوا: «إنّ بيننا وبينك المشركين وإنّا لا نصل إليك إلّافي الأشهر الحرم فمُرنا بجُمل الأمر، إن عَمِلنا به دخلنا الجنة وندعوا إليه مَن وراءنا» فقال صلى الله عليه و آله و سلم: «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان باللَّه، وهل تدرون ما الإيمان، شهادة أن لا إله إلّااللَّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتعطوا الخمس من المغنم» (2)


1- الخراج: 22.
2- البخاري: الصحيح: 4/ 250 باب «واللَّه خلقكم وما تعملون» من كتاب التوحيد، وج 1 ص 13 و 19، وج 3 ص 53، و مسلم: الصحيح 1/ 35- 36 باب الأمر بالإيمان، النسائي: السنن: 1/ .

ص: 28

ومن المعلوم أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم لم يطلب من بني عبد القيس أن يدفعوا غنائم الحرب، كيف؟ وهم لا يستطيعون الخروج من حيّهم في غير الأشهر الحرم، خوفاً من المشركين. فيكون قد قصد المغنم بمعناه الحقيقي في لغة العرب وهو ما يفوزون به فعليهم أن يعطوا خمس ما يربحون.

وهناك كتب ومواثيق، كتبها النبيّ وفرض فيها الخمس على أصحابها، وستتبيّن لك- بعد الفراغ من نقلها- دلالتُها على الخمس في الأرباح، وإن لم تكن غنيمة مأخوذة من الكفّار في الحرب، فانتظر.

2- كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن:

«بسم اللَّه الرحمن الرحيم ... هذا ... عهد من النبي رسول اللَّه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى اللَّه في أمره كلّه، وأن يأخذ من المغانم خمس اللَّه، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عُشر ما سقى البعل وسقت السماء، ونصف العُشر ممّا سقى الغرب» (1).


1- البلاذري: فتوح البلدان: 1/ 81 باب اليمن، وسيرة ابن هشام: 4/ 265. و تنوير الحوالك في شرح موطأ مالك: 1/ 157.

ص: 29

والبعل ما سُقِيَ بعروقه، والغرب: الدلو العظيمة.

3- كتب إلى شرحبيل بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال قيل (1) ذي رعين، ومعافر وهمدان:

«أمّا بعد، فقد رجع رسولكم وأُعطيتم من المغانم خمس اللَّه» (2).

4- كتب إلى سعد هُذيم من قضاعة، وإلى جذام كتاباً واحداً يعلّمهم فرائض الصدقة، ويأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه: أُبيّ وعنبسة أو من أرسلاه» (3).

5- كتب للفُجَيع ومن تبعه:

«من محمد النبيّ للفجيع، ومن تبعه ... وأسلمَ، وأقام الصلاةَ وآتى الزكاة، وأطاع اللَّه ورسوله، وأعطى من المغانم خمس اللَّه ...» (4).

6- كتب لجنادة الأزدي وقومه ومن تبعه:


1- قيل، جمعة اقبال، قال في لسان العرب: القيل، الملك من ملوك حمير ... ومنه الحديث إلى قيل ذي رُعين أي ملكها وهي قيلة من اليمن تنسب إلى ذي رعين.
2- الوثائق السياسية: 227 برقم 110. ط 4 بيروت.
3- ابن سعد: الطبقات الكبرى: 1/ 270.
4- المصدر نفسه: ص 304- 305.

ص: 30

«ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا اللَّه ورسوله وأعطوا من المغانم خمس اللَّه، وسهم النبي، وفارقوا المشركين، فإنّ لهم ذمّة اللَّه وذمّة محمد بن عبد اللَّه» (1).

7- كتب لجهينة بن زيد فيما كتب:

«إنّ لكم بطون الأرض وسهولها وتلاع الأودية وظهورها، على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءها، على أن تؤدّوا الخمس» (2).

8- كتب لملوك حمير فيما كتب:

«وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغانم: خمس اللَّه، وسهم النبي وصفيّه، وما كتب اللَّه على المؤمنين من الصدقة»(3) .

9- كتب لبني ثعلبة بن عامر:

«من أسلم منهم، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وأعطى خمس المغنم، وسهم النبي والصفي» (4).

10- كتب إلى بعض أفخاذ جهينة:

«من أسلم منهم، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وأطاع اللَّه


1- المصدر نفسه: ص 270.
2- الوثائق السياسية: ص 265 برقم 157.
3- فتوح البلدان: 1/ 82 وسيرة ابن هشام: 4/ 258.
4- الاصابة: 2/ 189 وأُسد الغابة: 3/ 34.

ص: 31

ورسوله، وأعطى من الغنائم الخمس» (1).

إيضاح الاستدلال بهذه المكاتيب:

يتبيّن- بجلاء- من هذه الرسائل أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم لم يكن يطلب منهم أن يدفعوا خمس غنائم الحرب التي اشتركوا فيها، بل كان يطلب ما استحقّ في أموالهم من خمس وصدقة.

ثم إنّه كان يطلب منهم الخمس دون أن يشترط- في ذلك- خوض الحرب واكتساب الغنائم.

هذا مضافاً إلى أنّ الحاكم الإسلامي أو نائبه، هما اللّذان يليان بعد الفتح قبض جميع غنائم الحرب وتقسيمها بعد استخراج الخمس منها، ولا يَملِك أحد من الغزاة شيئاً من ذلك سوى ما يسلبه من القتيل، وإلّا كان سارقاً مغلّاً.

فإذا كان إعلان الحرب وإخراج خمس الغنائم على عهد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم من شؤون النبي صلى الله عليه و آله و سلم فماذا يعني طلبه الخمس من الناس وتأكيده في كتاب بعد كتاب، وفي عهد بعد عهد؟

فيتبيّن أنّ ما كان يطلبه لم يكن مرتبطاً بغنائم الحرب. هذا


1- ابن سعد: الطبقات الكبرى: 1/ 271.

ص: 32

مضافاً إلى أنّه لا يمكن أن يقال: إنّ المراد بالغنيمة في هذه الرسائل هو ما كان يحصل الناس عليه في الجاهلية عن طريق النهب، كيف وقد نهى النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم عن النهب بشدّة، ففي كتاب الفتن باب النهي عن النُّهبة عنه صلى الله عليه و آله و سلم:

«من انتهب نهبة فليس منّا»(1) ، وقال: «إنّ النهبة لا تَحِلّ» (2)، وفي صحيح البخاري ومسند أحمد عن عبادة بن الصامت: بايعنا النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم على أن لا ننهب (3) .

وفي سنن أبي داود، باب النهي عن النهبى، عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول اللَّه، فأصاب الناسَ حاجة شديدة وجهدٌ، وأصابوا غنماً فانتهبوها، فإنّ قدورنا لتغلي، إذ جاء رسول اللَّه يمشي متّكئاً على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه، ثمّ جعل يُرمِّل اللحم بالتراب ثمّ قال: «إنّ النهبة ليست بأحلَّ من الميتة»(4) .

وعن عبد اللَّه بن زيد: نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن النهبى والمثلة (5).


1- ابن سعد: الطبقات الكبرى: 1/ 271.
2- ابن ماجة: السنن: كتاب الفتن ص 1298 برقم 3937 و 3938.
3- البخاري: الصحيح: 2/ 48 باب النهب بغير اذن صاحبه.
4- أبو داود: السنن: 2/ 12.
5- رواه البخاري في الصيد، راجع التاج: 4/ 334.

ص: 33

إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في كتاب الجهاد.

وقد كانت النهيبة والنهبى عند العرب تساوق الغنيمة والمغنم- في مصطلح يومنا هذا- الذي يستعمل في أخذ مال العدو.

فإذا لم يكن النهب مسموحاً به في الدين، وإذا لم تكن الحروب التي يقوم بها أحد بغير إذن النبي صلى الله عليه و آله و سلم جائزة، لم تكن الغنيمة في هذه الوثائق تعني دائماً ما يؤخذ في القتال، بل كان معنى الغنيمة الواردة فيها، هو ما يفوز به الناس من غير طريق القتال بل من طريق الكسب وما شابهه، ولا محيص حينئذ من أن يقال: إنّ المراد بالخمس الذي كان يطلبه النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم هو خمس أرباح الكسب والفوائد الحاصلة للإنسان من غير طريق القتال، أو النهب الممنوع في الدين.

وعلى الجملة: أنّ الغنائم المطلوب في هذه الرسائل النبويّة أداء خُمُسها، إمّا أن يراد بها ما يستولي عليه أحد عن طريق النهب والإغارة، أو ما يستولي عليه عن طريق محاربة بصورة الجهاد، أو ما يستولي عليه عن طريق الكسب والكد.

والأوّل ممنوع، بنصّ الأحاديث السابقة فلا معنى أن

ص: 34

يطلب النبي صلى الله عليه و آله و سلم خمس النهيبة.

والثاني يكون أمر الغنائم فيه بيد النبي صلى الله عليه و آله و سلم مباشرة، فهو الذي يأخذ كل الغنائم ويضرب لكلّ من الفارس والراجل ما له من الأسهم، بعد أن يستخرج الخمس بنفسه من تلك الغنائم، فلا معنى لأن يطلبه النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم من الغزاة، فيكون الثالث هو المتعيّن.

الخمس في روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام

اشارة

قد وردت في وجوب الخمس روايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في غير مورد الغنيمة المأخوذة من الكفار في الحرب نشير إلى عناوينها وشي ء من أدلتها:

1. المعادن

يجب الخمس في المعادن، روى محمد بن مسلم، عن أبي جعفر [الباقر] عليه السلام قال: سألته عن معادن الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص؟

فقال: «عليها الخمس جميعاً» (1).


1- الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

ص: 35

2. الكنز

وممّا يجب فيه الخمس الكنز الّذي يُعثر عليه، روى الحلبي أنّه سأل أبا عبداللَّه [الصادق] عليه السلام عن الكنز، كم فيه؟

فقال: «الخمس» ... (1)

3. ما يخرج من البحر بالغوص

وممايجب فيه الخمس ما يخرج من البحر بالغوص فيما لو كان ذا قيمة نفيسة، روى الحلبي قال: سألت أبا عبداللَّه [الصادق] عليه السلام عن العنبر وغوص اللؤلؤ؟ فقال: «عليه الخمس». (2)

4. أرض الذمي إذا اشتراها من مسلم

وممّا يجب فيه الخمس الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم، روى أبو عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا جعفر [الباقر] عليه السلام يقول: «أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً، فإن عليه الخمس»(3) .


1- الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
2- الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
3- الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

ص: 36

5. الحلال المختلط بالحرام

إذا اختلط الحلال بالحرام على وجه لا يُعرف مقدار الحرام كما لا يُعرف صاحبه، فلابد في تطهيره من دفع خُمُسه، روى الحسن بن زياد عن أبي عبداللَّه [الصادق] عليه السلام قال: «إن رجلًا أتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي أصبت مالًا لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له: أخرج الخمس من ذلك المال، فإن اللَّه عزّوجل قد رضي من المال بالخمس، واجتنب ما كان صاحبه يُعْلَم». (1)

6. أرباح التجارات والصناعات والزراعات

ممّا يجب فيه الخمس ما زاد من أرباح التجارات والصناعات والزراعات بعد إخراج مؤونة السنة منها، وهذا هو المسمّى بأرباح المكاسب، وقد وردت الإشارة إليه في تعاليم الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم التي أوصى بها الوافدين عليه من قبيلة عبد القيس.

وإليك ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في هذا الصدد:


1- الوسائل: 6، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

ص: 37

الخمس في كلام الإمام الصادق عليه السلام

1. روى أبو بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه السلام: «الخمس في ذلك»، وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنّما يبيع منه الشي ء بمائة درهم أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس؟ فكتب: «أمّا ما أكل فلا، وأما البيع فنعم، هوكسائر الضياع»(1) .

الخمس في كلام الإمام الكاظم عليه السلام

2. روى سماعة، قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس قال:

«في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير» (2).

3. روى حماد بن عيسى عن رجل (من بعض أصحابنا) عن العبد الصالح عليه السلام قال: الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم، والغوص، ومن الكنوز، ومن المعادن، ومن الملاحة.(3)


1- الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.
2- الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
3- الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

ص: 38

وما يعود إلى الإنسان من الملاحة فهو من أرباح المكاسب، ذكره الإمام بالخصوص لنكتة، هي كونه محلّ ابتلاء السائل أو شيئاً مغفولًا عنه عنده.

4. روى عمران بن موسى عن موسى بن جعفر عليه السلام قال:

قرأت عليه آية الخمس فقال: «ما كان للَّه فهو لرسوله، وما كان لرسوله فهو لنا»، ثم قال: «واللَّه لقد يسّر اللَّه على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربهم واحداً وأكلوا أربعة أحلاء، ثمّ قال: هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به ولا يصبر عليه إلّاممتحن قلبه للإيمان».(1) فإن قوله: «أرزاقهم» يشير إلى مطلق ما يفوز به الإنسان ويستفيده من عمله.

الخمس في كلام الإمام الرضا عليه السلام

5. روى الصدوق باسناده عن إبراهيم بن محمد الهمداني، أنّ في توقيعات الرضا عليه السلام إليه: «أن الخمس بعد المؤونة» (2).


1- الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
2- الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

ص: 39

والحديث ناظر إلى الأرباح التي يكسبها الإنسان من عمله، وأن الخمس يتعلق بما زاد على المؤونة أي مؤونة الكسب أو مؤونة الإنسان، ولا يمكن حمل الرواية على الغنائم الحربية لأنها من وظيفة الحاكم المسلم، والخطاب هنا لواحد من عامة الناس.

6. جاء في فقه الرضا قوله عليه السلام: كل ما أفاده الناس فهو غنيمة، لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص ومال الفي ء الّذي لم يختلف فيه وهو ما ادّعي فيه الرخصة، وهو ربح التجارة، وغلَّة الضيعة وسائر الفوائد من المكاسب والصناعات، والمواريث وغيرها، لأن الجميع غنيمة وفائدة ومن رزق اللَّه عزوجل، فإنّه روي أن الخمس على الخياط من ابرته، والصانع من صناعه، فعلى كل من غنم من الوجوه مالًا فعليه الخمس (1).

7. كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الإذن في الخمس فكتب إليه: «إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى أموالنا، وما نبذله ونشتري من أعرافنا ممن نخاف سطوته، فلا تَزوُوه عنا، ولا تُحْرِموا انفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه، فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم، وتمحيص


1- فقه الرضا عليه السلام: 40؛ مستدرك الوسائل: 7/ 284، باب وجوب الخمس فيما يفضل عن مؤونة السنة.

ص: 40

ذنوبكم، وماتمهدون لانفسكم ليوم فاقتكم».(1) 8. عن محمد بن زيد قال: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السلام فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس، فقال:

«ما أمحل هذا؟ تمحضونا المودّة، بألسنتكم وتزوون عنا حقّاًجعله اللَّه لنا وجعلنا له، لا نجعل لا نجعل لا نجعل لأحد منكم في حلّ» .(2)

الخمس في كلام الإمام الجواد عليه السلام

9. كتب محمد بن الحسن الأشعري إلى الإمام الجواد عليه السلام وسأله عن الخمس، وقال: أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع، وكيف ذلك؟ فكتب الإمام عليه السلام بخطه: «الخمس بعد المؤونة» (3).

ولعل القرائن كانت تشهد بأن السائل يسأل عن كيفية تعلق الخمس، فهل هو على جميع ما يستفيد أو عليه بعد إخراج المؤونة، فكتب الإمام عليه السلام: «الخمس بعد المؤونة».


1- الوسائل: 6 الباب 3 من أبواب الانفال، الحديث 2.
2- الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب الانفال، الحديث 3.
3- الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

ص: 41

وكانت إمامة الإمام الجواد عليه السلام من سنة 203- 220 ه، وهذا يدل على أن الحكم بلغ من الوضوح إلى درجة تعلق فيها السؤال بالكيفية لا بالأصل.

10. كتب الإمام الجواد عليه السلام في رسالة لعلي بن مهزيار عام 220 ه، قال: «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال اللَّه تعالى: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَي ءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتَامَى وَ الْمَسَاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَ مَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَي ءْ قَدِيرٌ» (1)، «والغنائم والفوائد يرحمك اللَّه فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الّذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن».(2)

الخمس في كلام الإمام الهادي عليه السلام

11. روى علي بن محمد بن شجاع النيسابوريّ، قال سألت أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من


1- الانفال: 41.
2- الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

ص: 42

الحنطة مائة كرّ ما يُزكّى، فأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً وبقي في يده ستون كرّاً (1)، ما الّذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟

فوقّع عليه السلام: «لي منه الخمس ممّا يفضل من مؤونته»(2) .

وكلام الإمام يرجع إلى عصر إمامته (من عام 221- 254 ه).

12. روى علي بن مهزيار، قال: قال لي أبوعلي بن راشد قلت له عليه السلام: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأيّ شي ء حقّه؟ فلم أدر ما اجيبه؟ فقال:

يجب عليهم الخمس، فقلت: ففي أي شي ء؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم، قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: إذا أمكنهم بعد مؤونتهم (3).

هذه اثنا عشر حديثاً اقتصرنا بها تيمُّنا بهذا العدد المبارك وهي تدل بوضوح على لزوم الخمس في الفوائد والأرباح وكل ما يستفيده الإنسان.


1- الكر يساوي 384 كيلو غرام.
2- الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
3- نفس المصدر والباب، الحديث 3.

ص: 43

ومن هنا يقف القارئ على كذب ما ذكره مؤلف الكتاب، حيث قال في الحقيقة الثالثة من حقائقه الثمان التي ادعى كشفها:

«إن هذه النصوص تجعل حكم أداء الخمس للإمام نفسه وفي حال حضوره، الاستحباب أو التخيير بين الأداء وتركه، وليس الوجوب» (1).

وكأن كاتب هذه الشبهات لم يقرأ هذه الأحاديث أو تجاهلها عمداً، أفيمكن تفسير قول الإمام الرضا عليه السلام بالاستحباب عندما سأله بعض الشيعة أن يجعلهم في حلّ من الخمس فأجابهم: ما أمحل هذا؟ تمحضونا المودة بألسنتكم، وتزوون عنا حقّاً جعله اللَّه لنا وجعلنا له: لا نجعل، لا نجعل لا نجعل لأحد منكم في حلّ» (2).

وأما ما تشبث به في عدم وجوب الخمس بما دلّ على تحليله للشيعة، فسيأتي تفسير هذه الروايات في الفصل التالي فانتظر.


1- الخمس جزية العصر: 9.
2- مرّ برقم 8.

ص: 44

ص: 45

الفصل الثاني: ما هو المقصود من تحليل الخمس في بعض الروايات

اشارة

قد مرّ أن دلّ عليها الكتاب والسنة النبوية والأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام. وهذا الحكم الشرعي، لم يُنسخ أبداً بل بقي على ما كان عليه في عصر الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، وليس لأحد بعد رحلته صلى الله عليه و آله و سلم نسخ حكم شرعي أتى به.

وإذا كان الأمر كذلك، فكيف تُفسَّر الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، والدالّة على تحليل الخمس لشيعتهم؟

والجواب: إن تحليله كان في ظرف خاص، ولمصلحة مؤقتة اقتضت تجميد العمل به، ولم يكن تصرّفاً في الحكم الشرعيّ؛ بل هو باقٍ على ما كان عليه، ولن يتغيّر أبداً.

وتكمن هذه المصلحة في دفع الأخطار الناجمة عن تطبيق

الخمس فريضة شرعية،

ص: 46

هذا الحكم الشرعيّ في بعض الأوقات، فلقد تعرّض الأئمة عليهم السلام وشيعتهم في بعض الفترات الزمنية لمضايقات جمّة، ولفنون الظلم والاضطهاد على أيدي حكّام الجور، الذين كانوا يبثّون العيون والجواسيس، لمراقبة تحركّاتهم واتصالاتهم ونشاطاتهم.

ولاشكّ في أن الحاكم المستبدّ، يجد في إيصال الأموال إلى الإمام المعصوم مصدر خطر كبير عليه وعلى نظامه، فبالإضافة إلى دور المال في تعزيز القاعدة الشعبية للإمام، فإنّه يرى فيه تعبيراً عن عدم الاعتراف بشرعيّة حكمه.

ومن هنا لم يجد الأئمة عليهم السلام بُدّاً من تقديم الأهمّ على المهمّ، فأجازوا لشيعتهم إبقاء الخُمس في أيديهم، لما يترتّب على دفعه إليهم عليهم السلام من مخاطر وأضرار تلحق بهم جميعاً.

هذا هو السبب المهمّ، وثَمّة أسباب أُخرى للتحليل، تتضح عند دراسة الروايات الدالة على التحليل.

ثم إنّ الروايات الحاكية عن التحليل على أقسام خمسة، هي:

ص: 47

القسم الأوّل: تحليل خمس الغنائم

كان المسلمون خلال حياة الأئمة عليهم السلام يخوضون حروباً لنشر الإسلام في كافة أرجاء العالم، وكانوا يرجعون بغنائم كثيرة (من إماء ومتاع وأموال)، وكانت تباع في الاسواق فتتداولها الأيدي بالبيع والشراء، وكان الشيعة- وهم جزء من هذا المجتمع- يشترون الأمتعة والإماء.

ومن المعلوم أن خمس الغنائم الّذي أوجبه اللَّه وجعله من حق اللَّه ورسوله كان لا يُخرج من هذه الغنائم، ولا يُدفع للإمام، والتكليف بالخمس لم يكن متوجهاً للشيعة أوّلًا وبالذات، بل يتعلّق بأموال وقعت في أيدي الشيعة، فأوجد هذا الأمر مشكلة لهم. ولأجل رفع هذه المشكلة، أحلّ الأئمةُ لهم خمسَ الغنائم التي تقع بأيديهم، وأكثر ما يدل على التحليل راجع إلى هذا القسم، وسنذكر بعض ما ورد فيه:

1. روى الفضلاء- أبو بصير وزُرارة ومحمد بن مسلم، كلهم- عن أبي جعفر [الباقر] عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: «هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم

ص: 48

يؤدّوا إلينا حقنا، ألا وإن شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ». (1) إن قوله عليه السلام: «فروجهم» راجع إلى الإماء فيكون قرينة على أن المراد من بطونهم هو ما يتملكوه من غنائم الحرب.

2. روى ضريس الكناسي، قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «أتدري من أين دخل على الناس الزنا»؟ فقلت: لا أدري، فقال: «من قبَل خمسنا أهل البيت عليهم السلام، إلّالشيعتنا الأطيبين فإنهم محلَّل لهم ولميلادهم». (2)إن العبارات التالية:

1. «دخل على الناس الزنا».

2. «لشيعتنا الأطيبين».

3. «ولميلادهم».

أفضل دليل على أن مورد التحليل هو الإماء التي يتداولها الناس بالبيع والشراء، وهي من الغنائم الحربية.

3. روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام [يعني الباقر أو الصادق] قال: إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب خمسي، وقد طيَّبنا ذلك لشيعتنا


1- الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب الانفال، الحديث 1.
2- الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب الانفال، الحديث 3.

ص: 49

لتطيب ولادتهم ولتزكوا أولادهم». (1)فإن قوله: «لتطيب ولادتهم» أصدق شاهد على أن التحليل يتعلق بالسراري التي يشتريها الشيعة، وهي من الغنائم الحربية.

فلنقتصر على هذا، ولنذكر شيئاً من الروايات التي تشير إلى تحليل هذا النوع:

ففي رواية الحارث بن المغيرة: «فلم أحللنا إذن لشيعتنا إلّا لتطيب ولادتهم» (2).

وفي حديث فضيل: «إنا أحللنا أُمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا» (3).

وفي رواية زرارة: «حللهم من الخمس لتطيب ولادتهم».(4) وفي رواية إسحاق بن يعقوب: «لتطيب ولادتهم ولا تخبث». (5)


1- الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب الانفال، الحديث 5.
2- الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب الانفال، الحديث 9.
3- نفس المصدر، الحديث 10.
4- المصدر نفسه، الحديث 15.
5- المصدر نفسه الحديث 16.

ص: 50

وفي رواية الإمام العسكري عليه السلام: «لتطيب مواليدهم ولا يكون أولادهم أولاد حرام». (1) فالناظر إلى هذه الروايات يذعن بأن مصب التحليل فيها راجع لما يقع في أيدي الناس من المناكح التي لم تُخمَّس، واشتراها الشيعة واستولدوها.

يقول الشهيد الثاني: المراد بالمناكح السَّراري المغنومة من أهل الحرب في حالة الغَيبة، فإنّه يباح لنا شراؤها ووطؤها وإنْ كانت بأجمعها للإمام على القول بأنها من الأنفال، إذ كل جهاد مع العدو لم يكن بأذن الإمام، فالغنائم كلها للإمام عليه السلام على ما مرّ، أو بعضها- الخمس- على القول الآخر. (2)

القسم الثاني: التحليل لمن ضاق عليه معاشه

يظهر من بعض الروايات أن التحليل كان لطائفة خاصة من الناس الذين ضاق عليهم العيش، ويدل على ذلك:

1. ما رواه الصدوق في الفقيه عن يونس بن يعقوب، قال:


1- نفس المصدر، الحديث 20.
2- المسالك: 1/ 575 أو 475.

ص: 51

كنت عند أبي عبداللَّه عليه السلام فدخل عليه رجل من القمّاطين فقال:

جُعلت فداك، يقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات تعلم أن حقك فيها ثابت وإنا عن ذلك مقصِّرون، فقال أبو عبداللَّه عليه السلام: «ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم»(1) .

فظاهر الحديث أن ملاك التحليل، هو عسر السائل وكثرة ورود الظلم على الشيعة من جانب المخالفين، فاقتضت المصلحة رد الخمس إليهم أو تحليله لهم، ويشهد على ذلك قوله: «ما أنصفناكم إن كلفناكم». ويمكن أن تكون الرواية ناظرة إلى القسم الثالث الآتي، إذ ربّما تقع الأموال غير المخمّسة في أيدي الشيعة عن طريق البيع والشراء، فتكليف الشيعة بإخراج خُمُسها كان إحراجاً لهم.

2. ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه السلام من رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله ومشربه من الخمس، فكتب بخطه: «من أعوزه شي ء من حقي فهوفي حِلّ». (2)


1- الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب الانفال، الحديث 6.
2- نفس المصدر والباب، الحديث 2.

ص: 52

القسم الثالث: تحليل ما ينتقل إلى الشيعة من غير المخمّس

يظهر من روايات أُخرى أن ملاك التحليل أن أكثر الناس كانوا غير معتقدين بوجوب التخميس في الأرباح والمكاسب، فربما تقع أموالهم عن طريق البيع والشراء بيد الشيعة، وفيها حقهم عليهم السلام، وهذا هو الّذي اباحه الأئمة للشيعة رفعاً للحرج والضرر، ويدل على ذلك ما رواه أبو سلمة سالم بن مُكرم- وهو أبو خديجة- عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قال رجل وأنا حاضر: حلّل لي الفروج؟ ففزع أبو عبداللَّه عليه السلام، فقال له الرجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق إنّما يسألك خادماً يشتريها، اوامرأة يتزوّجها، اوميراثاً يصيبه، أو تجارة أو شيئاً أعطيه، فقال: «هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم والغائب، الميّت منهم والحيّ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أما واللَّه لا يحل إلّالمن أحللنا له، ولا واللَّه ما أعطينا أحداً ذمّة، (وما عندنا لأحد عهد) ولا لأحد عندنا ميثاق».(1) فالرواية مشتملة على موضوعين:

1. ما يقع في أيدي الشيعة من الغنائم، وهو قوله: «إنّما


1- الوسائل: 6 الباب 4 من أبواب الانفال، الحديث 4.

ص: 53

يسألك خادماً يشتريها أو امرأة يتزوجها».

2. ما يقع في أيدي الشيعة من الأموال غير المخمسة وهو قوله: «أو ميراثاً يصيبه أو تجارة أو شيئاً أعطيه».

نعم يقع الكلام، هل التحليل يختص بأموال غير المعتقدين بالخمس، أو يعم الشيعة المعتقدين به ولكن يبيعون الأموال بلا تخميس؟

القدر المتيقن هو الأوّل وهو مصب الروايات، بقرينة التركيز على لفظ الشيعة.

القسم الرابع: التحليل لمرحلة زمنية خاصّة

تدل بعض الروايات على أن التحليل كان في فترة زمنية معيّنة، كان إيصال الأموال فيها إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام أمراً مشكلًا وحرجياً ربّما يستعقب ما لا تحمد عقباه.

ومن قرأ حياة أئمة أهل البيت عليهم السلام وتضييق الحكام الأمويين على الإمامين الباقر والصادق، وإحراج العباسيين للإمام الصادق والكاظم، يقف على أن التضييق قد بلغ ذروته في بعض الفترات. وكانت السياسة العامة للأمويين وفترة من حكم

ص: 54

العباسيين، هي إشخاص الإمام ومساءلته، أو إلقاء القبض عليه وإيداعه السجن، ثم استحدث المأمون سياسة جديدة (سار عليها الحكام من بعده)، تقوم على نقل الإمام إلى عاصمة المُلك، وإخضاعه للمراقبة الشديدة، وقد عانى من هذه السياسة: الإمام الرضا عليه السلام والجواد والهادي والعسكري عليهم السلام.

ولا شك في أن الاتصال بالإمام عليه السلام في مثل هذا الظرف القاسي، ونقل الأموال إليه يورث الحرج والخطر عليه وعلى شيعته.

ويدل على هذا الخطر المحدق بالشيعة ما رواه الشيخ الطوسي في فصلٍ عقده لذكر الممدوحين من وكلاء الأئمة عليهم السلام، قال: ومنهم المعلّى بن خُنيس، وكان من قوّام أبي عبداللَّه عليه السلام، وإنّما قتله داود بن علي بسببه وكان محموداً عنده (الإمام) ومضى على منهاجه، ولما قُتل عظمُ ذلك على أبي عبداللَّه عليه السلام واشتد عليه، وقال له: «يادواد على ما قتلت مولاي وقيّمي في مالي وعيالي؟ واللَّه إنّه لا وجه عند اللَّه منك». (1) ويدلّ عليه أيضاً، ما ورد في قصة محمد بن أبي عمير (وكان من خلص أصحاب الإمامين الكاظم والرضا عليهما السلام) فقد


1- الغيبة للطوسي: 347.

ص: 55

حُبس في أيّام الرشيد ليدلّ على مواضع الشيعة وأصحاب موسى بن جعفر عليه السلام.

وروي بأنّه: ضُرب أسواطاً بلغت منه، فكاد أن يُقرّ لعظيم الألم، فسمع محمد بن يونس بن عبدالرحمن، وهو يقول: اتق اللَّه يا محمد بن أبي عمير، فصبر، ففرج اللَّه. (1) ويشهد على ما ذكرنا ما رواه حكيم مؤذن بني عبس عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قلت له: «واعلَموا أنَّما غَنِمتُمْ مِن شي ءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وللرَّسولِ»(2) قال: هي واللَّه الإفادة يوماً بيوم إلّاأنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكوا. (3) فإن قوله عليه السلام: «إلّا أن أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ»، يدل على أن الحلّ كان راجعاً إلى فترة خاصة، وأما الإمام الصادق عليه السلام نفسه فقد سكت عن ذلك مشعراً بأن الحكم باق على فعليته، ولعله كان راجعاً إلى الفترة التي حصل فيها بعض الانفراج السياسي، بسبب سقوط الدولة الأموية على ايدي العباسيين وما نشب خلال ذلك من صراع بينهما.


1- رجال النجاشي: 2/ 204، برقم 888.
2- الانفال: 41.
3- الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب الانفال، الحديث 8.

ص: 56

والنماذج التي حوتها كتب التاريخ كثيرة.

وبما أن الظروف المختلفة التي أدت إلى تحليل الخمس للشيعة تارة، وأخذه تارة أُخرى، صارت سبباً للإبهام، قام الإمام الجواد عليه السلام برفع الشبهة، وذلك ببيان قاطع، إذ كتب إلى بعض أصحابه، قائلًا: «إن الّذي أوجبتُ في سنتي هذه، وهذه سنة عشرين ومائتين، فقط لمعنى من المعاني، أكره تفسير المعنى كلّه خوفاً من الانتشار، وسأفسّر لك بعضه إن شاءللَّه، إنّ مواليّ- أسأل اللَّه صلاحهم- أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك فأحببت أن أطهِّرهم وأُزكيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس»، إلى أن قال: «فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام قال اللَّه تعالى: «واعلَموا أنَّما غَنِمتُمْ ...» والغنائم والفوائد- يرحمك اللَّه- فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان إلى الإنسان التي لها خطر، والميراث الّذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ...»، إلى آخر ما ذكره. (1)وهذه الروايات التي يفسر بعضها بعضاً، تدلّ على أن


1- الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

ص: 57

مسألة الخمس صارت تثير المشاكل في حين دون حين، ولذلك رخّص الأئمة عليهم السلام في تركه، ولما كثر السؤال عنه في عصر الإمام الجواد عليه السلام كتب هذه الرسالة وأعلن وجوب دفع الخمس في الموارد التي ذكرها.

القسم الخامس: تحليل الأنفال

إن الغنائم الحربية هي من نصيب المجاهدين، بعد إعطاء خمسها لأصحابه، وأما الأنفال اعني كل أرض ملكت بغير قتال، وكل موات، ورؤوس الجبال، وبطون الاودية، والآجام والغابات، وميراث من لا وارث له، وكافة ما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام، وكافة المياه العامة والأحراش الطبيعية والمراتع التي ليست حريماً لأحد، وقطائع الملوك وصفاياهم غير المغصوبة، فالكل للَّه ورسوله وبعده للإمام، وقد مرّ معنى كون الأنفال للرسول والإمام فلا يجوز التصرف فيها إلّاباذن.

هذا من جانب ومن جانب آخر، فإن بعض هذه الأُمور تقع في متناول الشيعة، وهذا ما أحلّه الأئمة عليهم السلام لهم خصوصاً ما يرجع إلى الأرض، ويدل عليه ما رواه أبو سيّار مِسْمَع بن عبدالملك، قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: إنّي كنت وليت الغوص

الخمس فريضة شرعية،

ص: 58

فأصبت أربعمائة ألف درهم، وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم، وكرهت أن أحبسها عنك وأعرض لها، وهي حقك الّذي جعل اللَّه تعالى لك في أموالنا، فقال: «ومالنا من الأرض وما أخرج اللَّه منها إلّاالخمس؟ يا أبا سيّار، الأرض كلها لنا، فما أخرج اللَّه منها من شي ء فهو لنا» قال: قلت له: أنا أحمل إليك المال كلّه؟

فقال لي: يا أبا سيّار، قد طيبناه لك وحللناك منه، فضمّ إليك مالك، وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون، ومحلل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق لما كان في أيدي سواهم، فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا، فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة». (1) لقد ظهر من هذا البحث الضافي ان روايات التحليل- التي قد وقعت ذريعة بأيدي بعض المناوئين لأئمة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، لاسيّما المرجعية الدينية التي تتولى قيادةالشيعة في حياتهم الفردية والاجتماعية- لا صلة لها بما يرتأيه البعض من تحليل الخمس في عامةالموارد وفي جميع الأزمنة، بل هي تدور حول الموضوعات التالية:


1- الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 12.

ص: 59

1. خمس الغنائم في الحروب التي خاضتها الدولتان (الأموية والعباسية).

2. خمس مال من ضاق عليه معاشه.

3. خمس الأموال غير المخمسة المنتقلة إلى الشيعة.

4. تحليل الخمس في فترة خاصة، كان إيصاله إلى الأئمة عليهم السلام يشكّل خطراً عليهم.

5. تحليل الأنفال التي ترجع إلى اللَّه ورسوله والإمام من بعده فأذنوا فيها للشيعة، خصوصاً ما يتعلّق بالأراضي الموات منها.

الخمس بدل الزكاة لبني هاشم

لقد حرّم اللَّه سبحانه الزكاة على فقراء بني هاشم وجعل مكانها الخمس على ذلك اتفقت كلمة الفقهاء، من غير فرق بين الشيعة والسنة.

قال الإمام الكاظم عليه السلام: «إنّما جعل اللَّه هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضاً لهم من صدقات الناس، تنزيهاً من اللَّه لهم لقرابتهم برسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، وكرامة من

ص: 60

اللَّه لهم عن أوساخ الناس، فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل والمسكنة، ولا بأس بصدقات بعضهم على بعض، وهؤلاء الذين جعل اللَّه لهم الخمس هم قرابة النبي صلى الله عليه و آله و سلم الذين ذكرهم اللَّه فقال: «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ» (1) وهم بنو عبدالمطلب أنفسهم الذكر منهم والأُنثى» (2).

فإذا كانت حياة فقرائهم معتمدة على الخمس، فكيف يمكن لأئمة أهل البيت عليهم السلام تحليله في عامة الازمنة إلى قيام القائم، إذ أن لازم ذلك إما أن يموتوا جوعاً أو أن يعتمدوا على الزكاة المحرَّمة عليهم.

إذا عرفت ذلك فهلم معي نسأل مؤلف كتاب «الخمس جزية العصر» حيث يقول في الحقيقة الثانية التي يدعي اكتشافها- وكأنّه اكتشف كنزاً-: إن كثيراً من النصوص الواردة عن الأئمة تسقط الخمس عن الشيعة وتبيحه لهم خصوصاً في زمن الغيبة إلى حين ظهور المهدي المنتظر عليه السلام.

يلاحظ عليه أوّلًا: أنّه لو صحّ ما زعم من دلالة النصوص،


1- الشعراء: 214.
2- الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

ص: 61

فهي ناظرة إلى عصر الظهور لا إلى عصر الغيبة لأنها مرويةعن الإمام الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام فكيف تكون ناظرة إلى عصر الغيبة.

ثانياً: قد عرفت أن مفاد النصوص لا يمت إلى ما يرتأيه بعضم بصلة، فأين الروايات التي تُدّعى دلالتها على تحليل الخمس بأنواعه (الغنائم، الكنز، الغوص، المعادن، الحلال المختلط بالحرام، الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم، خمس الارباح والفوائد)، مطلقاً في جميع الأزمنة والفترات إلى يومنا هذا، فمن ادّعى ذلك ونسبه إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام، فهو إما جاهل أو متجاهل.

ص:62

ص: 63

الفصل الثالث: جهاز الوكالة في عصر الحضور

اشارة

انتهجت السلطتان: الأموية والعباسية في معظم فترات حكمهما، سياسة القمع والبطش، ومصادرة الحريات، لاسيما تجاه أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، الذين كان يصعب عليهم الاتصال بأئمتهم عليهم السلام، لِما يسبّبه لهم من مشاكل ومخاطر في حياتهم، قد تُفضي بهم أحياناً إلى الهلاك.

ولأجل التخفيف من وطأة هذه المخاطر، وتيسير حاجات الشيعة، تمّ إنشاء جهاز الوكالة، الّذي يضمّ مجموعة من الوكلاء، يتمّ توزيعهم على مختلف المناطق، ليقوموا بمهمة تعليم الأحكام، وتسلّم أموال الفرائض المالية، وغير ذلك من الأعمال.

وكان الأصل المهم في الوكالة، كون الرجل ثقة عادلًا تسكن إليه النفوس، وقد حفل تاريخ الأئمة عليهم السلام بذكر وكلائهم في أعصارهم، حتّى أن بعض هؤلاء الوكلاء قد استشهدوا بسبب

ص: 64

وكالتهم للأئمة عليهم السلام. وها نحن نذكر أسماء عدد ممن كانوا مرجعاً لتعليم الاحكام، وأخذ الفرائض المالية:

1. المُعَلّى بن خُنَيس

كان المعلّى بن خنيس أحد وكلاء الإمام الصادق عليه السلام في أخذ الحقوق الشرعية، ولما وقف على ذلك داود بن علي (والي المدينة من قبل العباسيين)، أمر بقتله. روى الكشِّي عن ابن أبي نجران عن حماد الناب عن المسمعي، قال: لما أخذ داود بن علي المعلى بن خنيس حبسه وأراد قتله، فقال له المعلى بن خنيس:

أخرجني إلى الناس فإن لي دَيناً كثيراً ومالًا حتّى أشهد بذلك، فأخرجه إلى السوق، فلما اجتمع الناس، قال: يا أيها الناس أنا معلى بن خنيس فمن عرفني فقد عرفني، اشهدوا أن ما تركت من مال من عين أو دين أو أمة أو عبد أو دار أو قليل أو كثير، فهو لجعفر بن محمد عليه السلام. قال: فشدَّ عليه صاحب شرطة داود فقتله.

قال: فلما بلغ ذلك أبا عبداللَّه عليه السلام خرج يجرّ ذيله حتّى دخل على داود بن علي، وإسماعيل ابنه خلفه، فقال: يا داود قتلت مولائي وأخذت مالي. فقال: ما أنا قتلته ولا أخذت مالك. فقال: واللَّه لأدعونّ اللَّه على من قتل مولائي وأخذ مالي. (1)


1- رجال الكشي: 323 برقم 241.

ص: 65

وروى المجلسي: لما ولي داود المدينة من قابل أحضر المعلى وسأله عن الشيعة، فقال: ما أعرفُهم. فقال: اكتبهم لي، وإلّا ضربت عنقك. فقال: أبالقتل تهددّني، واللَّه لو كانت تحت أقدامي ما رفعتها عنهم. فأمر بضرب عنقه وصلبه. فلما دخل عليه الصادق عليه السلام قال: ياداود قتلت مولاي ووكيلي وما كفاك القتل حتّى صلبته. (1)

2. حُمران بن أعيَن

ينتمي حمران (أخو زرارة بن أعين) إلى بيت عريق في العلم، والموالاة لأهل البيت عليهم السلام، وكان من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام.

جاء في رسالة أبي غالب الزراري التي ألّفها في أحوال آل أعين: أن حمران بن أعين لقي سيدنا سيد العابدين علي بن الحسين عليهما السلام، وكان من أكبر مشايخ الشيعة المفضلين الذين لا يُشكّ فيهم، وكان أحد حملة القرآن، ومَن يُعدّ ويذكر اسمه في القراءات، وروي أنّه قرأ على أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام. (2)


1- بحار الانوار: 47/ 181؛ الغيبة للشيخ الطوسى: 437، برقم 300.
2- رسالة أبي غالب الزراري: 129- 130. وانظر: غاية النهاية في طبقات القراء: 1/ 261 برقم 1189.

ص: 66

وكان مع ذلك عالماً بالنحو واللغة، وقد ذكر الكشي في رجاله روايات عديدة في مدحه. (1) وعدّه الشيخ الطوسيّ من وكلاء الأئمة المحمودين. (2) وهذا يدل على أن جهاز الوكالة كان موجوداً في عصر الباقر عليه السلام أيضاً، بل ربّما يستفاد من بعض الروايات وجوده في حياة الإمام الحسن السِّبط عليه السلام.

روى الإربلي في كشف الغمة: أن رجلًا جاء إلى الحسن عليه السلام وسأله حاجة ... إلى أن قال: فدعا الحسن عليه السلام بوكيله وجعل يحاسبه على نفقاته حتّى استقصاها، قال: هات الفاضل من الثلاثمائة ألف درهم. (3)

3. نصر بن قابوس اللخمي

ذكره الشيخ الطوسي في وكلاء الإمام الصادق عليه السلام وقال:

روي أنّه كان وكيلًا لأبي عبداللَّه عليه السلام عشرين سنة ولم يُعلَم أنّه وكيل، وكان خيّراً فاضلًا. (3)


1- رجال الطوسي: 181 في الهامش.
2- الغيبة للطوسي: 346. 3. بحار الأنوار: 43/ 347.
3- الغيبة للطوسي: 347 برقم 302؛ بحار الأنوار: 47/ 343.

ص: 67

4. عبدالرحمن بن الحجّاج

قال الشيخ الطوسي: هو أحد الفقهاء في عصر الإمام الصادق عليه السلام أخذ عنه الفقه، وكان وكيلًا له ومات في عصر الإمام الرضا عليه السلام. (1)

5. المُفضَّل بن عمر الجُعفي

كان المفضل بن عمر من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام وقد أملى عليه الإمام رسالة التوحيد في مجالس. روى الشيخ الطوسي عن هشام بن الأحمر قال: حملت إلى أبي إبراهيم عليه السلام إلى المدينة أموالًا، فقال: رُدّها فادفعها إلى المفضّل بن عمر، فرددتها إلى الجعفي فحططتها على باب المفضل. (2)

وروى أيضاً عن موسى بن بكر قال: كنت في خدمة أبي الحسن عليه السلام فلم أكن أرى شيئاً يصل إليه إلّامن ناحية المفضّل، ولربّما رأيت الرجل يجي ء بالشي ء فلا يقبله منه ويقول: أوصله إلى المفضل. (3)


1- الغيبة للطوسي: 347 برقم 302؛ بحار الأنوار: 47/ 343.
2- الغيبة للطوسي: 347 برقم 398.
3- الغيبة للطوسي: 347 برقم 299؛ بحار الأنوار: 47/ 342 برقم 30.

ص: 68

6. عبداللَّه بن جندب البجلي

قال الشيخ الطوسي: ومنهم (يعني الوكلاء) عبداللَّه بن جندب البجلي، وكان وكيلًا لأبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليهما السلام وكان عابداً رفيع المنزلة لديهما على ما روي في الأخبار. (1)

7. محمد بن سنان

ذكره الشيخ الطوسي ضمن وكلاء الأئمة عليهم السلام وقال: روي عن علي بن الحسين بن داود، قال: سمعت أبا جعفر الثاني عليه السلام يذكر محمد بن سنان بخير ويقول: «رضي اللَّه عنه برضائي عنه فما خالفني وما خالف أبي قط». (2)

8. علي بن مهزيار

كان علي بن مهزيار من وكلاء الإمام الجواد عليه السلام ويدل على مكانته ومنزلته ما مرّ من الروايات حيث كاتب الإمام وكاتبه هو.

ذكره الشيخ الطوسي ضمن وكلاء الإمام أبي جعفر الثاني. (3)


1- الغيبة للطوسي: 348، برقم 302؛ بحار الأنوار: 49/ 274.
2- الغيبة للطوسي: 348 برقم 304؛ بحار الأنوار: 49/ 275.
3- الغيبة للطوسي: 349 برقم 308؛ بحار الأنوار: 50/ 150.

ص: 69

9. أيوب بن نوح بن درّاج

روى الشيخ في غَيبته عن عمرو بن سعيد المدائني، قال:

كنت عند أبي الحسن العسكري عليه السلام إذ دخل عليه أيوب بن نوح ووقف قُدّامه، فأمره بشي ء ثم انصرف. (1)

10. علي بن جعفر الهُماني

قال الشيخ الطوسي في الفصل الّذي عقده لبيان وكلاء الأئمة عليهم السلام: كان فاضلًا مرضياً من وكلاء أبي الحسن وأبي محمد عليهما السلام. ثم نقل أنّه حج أبو طاهر من بلال فنظر إلى علي بن جعفر وهو ينفق النفقات العظيمة، فلما انصرف كتب بذلك إلى أبي محمد عليه السلام فوقّع في رقعته:

قد كنا أمرنا بمائة ألف دينار، ثمّ أمرنا له بمثلها فأبى قبوله (قبولها) إبقاءً علينا، ما للناس والدخول في أمرنا فيما لم ندخلهم فيه، قال: ودخل على أبي الحسن العسكري عليه السلام فأمر له بثلاثين ألف دينار. (2)


1- غيبة للطوسي:.
2- الغيبة للطوسي: 350 برقم 308؛ بحار الأنوار: 50/ 220.

ص: 70

11. أبو علي الحسن بن راشد

ذكره الشيخ الطوسي ضمن وكلاء الأئمة، وروى عن محمد بن عيسى أن الإمام العسكري عليه السلام كتب إلى الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها: قد أقمت أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه ومَن قبله من وكلائي، وقد أوجبت في طاعته طاعتي، وفي عصيانه الخروج إلى عصياني. (1) روي عن أبي عليّ بن راشد أنّه قال: قلت لأبي الحسن الثالث عليه السلام: إنّما نؤتى بالشي ء فيقال: هذا كان لأبي جعفر عليه السلام عندنا فكيف نصنع؟ فقال: ما كان لأبي عليه السلام بسبب الإمامة فهو لي، وماكان غير ذلك فهو ميراث على كتاب اللَّه وسنة نبيه. (2)

12. صالح بن محمد بن سهل الهمداني

روى الشيخ الطوسي عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد ابن سهل الهمداني- وكان يتولى له- فقال له: جعلت فداك


1- الغيبة للطوسي: 350 برقم 309؛ بحار الأنوار: 50/ 220.
2- الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب الانفال، الحديث 6.

ص: 71

اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ فإنّي أنفقتها، فقال له أبو جعفر عليه السلام: أنت في حِلّ. (1)

13. علي بن أبي حمزة البطائني

14. زياد بن مروان القندي

15. عثمان بن عيسى الرواسي

نقل الشيخ الطوسي عن محمد بن إسماعيل وعلي بن محمد الحسنيين: كلهم كانوا وكلاء لأبي الحسن موسى عليه السلام وكان عندهم أموال جزيلة، فلما مضى أبوالحسن موسى عليه السلام وقفوا طمعاً في الأموال، ودفعوا إمامة الرضا عليه السلام وجحدوه. (2)

16. عثمان بن سعيد العمري

روى الشيخ الطوسي بسنده عن محمد بن إسماعيل وعلي بن عبداللَّه الحسنيين قالا: دخلنا على أبي محمد الحسن عليه السلام بسر من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتّى دخل عليه بدر خادمه، فقال: يا مولاي بالباب قوم شعثٌ غُبْر، فقال لهم:


1- الغيبة للطوسي: 351 برقم 311.
2- الغيبة للطوسي: 352.

ص: 72

هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن (في حديث طويل يسوقانه) إلى أن ينتهي إلى أن قال الحسن عليه السلام لبدر: فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمريّ فما لبثنا إلّايسيراً حتّى دخل عثمان، فقال له سيّدنا أبو محمد عليه السلام: امض يا عثمان، فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال اللَّه، واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال.

ثم ساق الحديث إلى أن قالا: ثم قلنا بأجمعنا: ياسيّدنا، واللَّه إنّ عثمان لمن خيار شيعتك، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك، وإنّه وكيلك وثقتك على مال اللَّه تعالى. قال: نعم، واشهدوا أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي، وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهدّيكم.(1)

17. أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري

روى الشيخ الطوسي عن أبي نصر هبة اللَّه قال: وجدت بخط أبي غالب الزراري (رحمه اللَّه وغفر له) ان أبا جعفر محمد بن عثمان العمري رحمه الله مات في آخر جمادي الأُولى سنة خمس وثلاثمائة ... إلى أن قال: إنّه كان يتولى هذا الأمر نحواً من خمسين سنة، يحمل الناس إليه أموالهم ويُخرج لهم التوقيعات بالخط


1- الغيبة للطوسي: 355- 356 برقم 317؛ بحار الأنوار: 51/ 345.

ص: 73

الّذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام إليهم بالمهمات في أمر الدين والدنيا. (1)

18. الحسين بن روح النوبختي

روى الشيخ الطوسي بسنده عن أبي عبداللَّه جعفر بن محمد المدائني المعروف بابن قزدا، قال: كان من رسمي إذا حملت المال الّذي في يدي إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس سره أن أقول له ما لم يكن أحد يستقبله بمثله:

هذا المال ومبلغه كذا وكذا للإمام عليه السلام، فيقول لي: نعم دعه فأراجعه، فأقول له: تقول لي: إنّه للإمام؟ فيقول: نعم للإمام عليه السلام فيقبضه.

فصرت إليه آخر عهدي به قدس سره ومعي أربعمائة دينار، فقلت له على رسمي، فقال لي: امض بها إلى الحسين بن روح، فتوقفت فقلت: تقبضها أنت مني على الرّسم؟ فردّ علي كالمنكر لقولي وقال: قم عافاك اللَّه فادفعها إلى الحسين بن روح. إلى أن قال:

فعدت إلى أبي القاسم بن روح وهو في دار ضيّقة فعرّفته ما جرى فسرّ به وشكر اللَّه عزوجل ودفعت إليه الدنانير، وما زلت أحمل


1- الغيبة للطوسي: 366 برقم 334.

ص: 74

إليه ما يحصل في يدي بعد ذلك (من الدنانير). (1) إن هؤلاء كانوا وكلاء أئمة أهل البيت عليهم السلام وقد حفظ التاريخ أسماء وأحوال قليل منهم، فإن طبيعة الحال تقتضي أن يكون جهاز الوكالة أوسع من ذلك، وقد عرفت وجوده من عصر الإمام الحسن المجتبى إلى نهاية الغيبة الصغرى، فهل يجتمع ذلك مع تحليل الفريضة المالية المسماة ب «الخمس» في عامة الظروف والاحوال؟


1- الغيبة للطوسي: 367- 368 برقم 335؛ بحار الأنوار: 51/ 352.

ص: 75

الفصل الرابع: فريضة الخمس وتولّي الفقيه

اشارة

قد تبين من الفصل السابق وجوب الخمس في الأنواع السبعة، وأن شيعة أهل البيت عليهم السلام كانوا يدفعون تلك الفريضة إلى أئمتهم أو إلى وكلائهم عبر قرون، إنّما الكلام في وجوب دفعه إلى المرجع الديني في عصر الغيبة، وهذا هوالّذي أقلق الكاتب، وجعله محور البحث في كتيِّبه. ومن المعلوم أن وراء تلك الكلمة سياسة مُغرضة، ترمي إلى تضعيف المرجعية ومن ثم تضعيف الشيعة، لأن القائم بأُمور الدين والدنيا في عصر الغيبة هم الفقهاء الذين هم أُمناء الأمة وزعماء الدين، والزعامة تتوقف على إمكانات مالية تُيسِّر إنجاز مسؤولياتها حيال الفرد والمجتمع.

وبما ان هذا الأمر صار هو الهدف الأصلي للكاتب وأسياده، فهو يركّز عليه أكثر من كل شي ء، ويثير الشكوك حوله، ويقول بانّه لا دليل على وجوب إعطاء الخمس للفقيه، وليس

ص: 76

المهم عنده إخراج الخمس أو عدم اخراجه، بل ما يهمّه هو عدم وجوب إعطائه للفقيه.

وبما أن المؤلف بعيد عن دراسة الفقه الإمامي، فلذا زعم أن المسألة تفقد الدليل. وإليك- عزيزي القارئ- البيان:

يقسم الخمس إلى ستة أسهم:

سهم للَّه سبحانه، وسهم للنبي صلى الله عليه و آله و سلم، وسهم للإمام عليه السلام، فما كان للَّه وللرسول فهو للإمام الحيّ.

وثلاثة أسهم أُخرى هي للأيتام والمساكين وأبناء السبيل، من الهاشميين.

وقد اختلفت كلمات الفقهاء في النصف الأخير أعني ما يصرف في مورد الأيتام والمساكين وابن السبيل، بعد اتفاقهم على وجوب صرف سهامهم عليهم في عصر الغيبة، فقال بعضهم بأنّه يجوز للمالك دفعها إليهم بنفسه.

غير أن قسماً من الفقهاء قالوا بأن الأحوط فيه أيضاً الدفع إلى المجتهد أو بإذنه، لأنّه أعرف بمواقعه والمرجِّحات التي ينبغي ملاحظتها. وسيوافيك أنّ مقتضى الأدلّة تولّي نائب الإمام ذلك، فانتظر.

ص: 77

هذا كله في النصف الثاني، وأما النصف الأوّل فالمشهور هو دفعه إلى المرجع الديني، وهذا هو الّذي أثار حفيظة الكاتب، وأصر مؤكِدّاً أنّه لا دليل على دفعه إلى الفقيه.

وأكثر ما عنده من الدليل أن الشيخ المفيد وتلميذه الشيخ الطوسي لم يذكرا ذلك، ولو كان دفعُ هذه الأسهم الثلاثة إلى الفقيه أمراً لازماً لنبّها عليه.

يلاحظ عليه: أوّلًا: بأنّه كيف جعل قول الشيخين دليلًا على المدّعى ولم يعتد بفتوى الآخرين الذين جاءوا بعدهما وأقاموا صرح الفقه وأكملوه. وما هذا إلّالأن ما استنتجه من قول العلمين موافق لرأيه وفكره، ولذلك اهتم برأيهما ولم يعتد بالآخرين.

ثانياً: ان استنتاجه من كلام العلمين غير صحيح جدّاً، حيث مرّ على كلامهما مروراً عابراً، أو اعتمد في ذلك على نقل الآخرين.

فأما الشيخ المفيد، فقد اختار في نصيب الإمام الإيصاء إلى من يثق به إلى أن يظهر الإمام، ولم يقل بصرفه في مورد. وإليك نص عبارته: وبعضهم يرى عزله لصاحب الأمر عليه السلام، فإن خشي إدراك المنيّة قبل ظهوره، وصّى به إلى من يثق به في عقله وديانته،

ص: 78

ليسلِّمه إلى الإمام عليه السلام إن أدرك قيامه، وإلّا وصّى به إلى من يقوم مقامه في الثقة والديانة. ثم على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان عليه السلام.

و قال: هذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم. إلى أن قال: فوجب حفظه عليه إلى وقت إيابه، أو التمكن من إيصاله إليه. (1)ترى أن الشيخ المفيد أفتى بالحفظ لا بالصرف، ومع هذا لا يبقى موضوع للدفع إلى الفقيه أو إلى غيره، حتّى يتخذ عدم ذكره دليلًا على عدم لزومه. أفيصحّ بعد هذا عدّ الشيخ المفيد ممن لا يعتبر لزوم الإعطاء للفقيه؟

وبعبارة أُخرى: إن كلامنا على القول بعدم سقوط سهم الإمام ولزوم صرفه، فعلى هذا الأصل يقع الكلام في لزوم الدفع إلى الفقيه وعدمه، وأما إذا كان القائل قد اختار لزوم الحفظ فلا يبقى موضوع للبحث والاستناد إلى كلامه.

ومنه يظهر مقصود الشيخ الطوسي حيث إنّه اختار أحد الأمرين، الدفع أو الوصاية حيث قال: ولو أن إنساناً استعمل


1- المقنعة: 286.

ص: 79

الاحتياط، وعمل على أحد الأقوال المتقدم ذكرها من الدفن أو الوصاة، لم يكن مأثوماً.(1) ترى أن الشيخ اختار مذهب أُستاذه بوجه أوسع، حيث ضمّ الدفن إلى الوصاية، ومعه لا يبقى موضوع للبحث عن وجوب دفعه إلى الفقيه، أو تولي صاحب المال تقسيمه بنفسه.

وأنت ترى التمويه وإسدال الستر على الحقائق لإثبات مطلبه، حيث استدل بكلام العلَمين على ضد المشهور عند الإمامية، مع أن كلامهما خارج عن موضوع البحث.

إذا عرفت ذلك، نقول: إن فطاحل الشيعة وفقهاءهم الذين يرون صرف الخمس في محاله من غير فرق بين سهم السادة وسهم الإمام، يُصرّون على وجوب دفعه إلى الفقيه، خصوصاً فيما يرجع إلى سهم الإمام، وإن كان الأمر في سهم السادة أسهل في نظر بعضهم، وها نحن نذكر بعض مَنْ وقفنا عليه فإن الاستقصاء يورث الملل:

1. قال أبو الصلاح (374- 447 ه) يجب حمل الزكاة والخمس إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبله تعالى أو إلى من


1- النهاية: 201.

ص: 80

ينصبه لقبض ذلك من شيعته ليضعه في مواضعه فإنْ تعذّر الأمران فإلى الفقيه المأمون .(1)

2. يقول ابن حمزة (حوالي 550 ه): الرابع: أن يكون إلى الإمام ان كان حاضراً، وإلى من وجب عليه الخمس إن كان الإمام غائباً وعرف صاحبه المستحق وأحسن القسمة (فبها) وإن دفع إلى بعض الفقهاء الديانين ليتولى القسمة كان أفضل، وإن لم يحسن القسمة وجب عليه أن يدفع إلى من يحسن القسمة من أهل العلم بالفقه.(2) ولعل كلامه ظاهر في مجموع السهام لا في خصوص نصيب الإمام.

3. وقال المحقّق الحلّي (602- 676 ه) في الشرائع: يجب أن يتولى صرف حصة الإمام- في الأصناف الموجودين- مَنْ إليه الحكم بحق النيابة، كما يتولّى أداء ما يجب على الغائب .(3)

4. وقال العلّامة الحلّي (648- 726 ه) في القواعد: ومع حضوره عليه السلام يجب دفع الخمس إليه، ومع الغيبة يتخيّر المكلّف


1- الكافي: 172. ونقله الشهيد عنه في البيان: 200.
2- الوسيلة: 137.
3- شرائع الإسلام: 1/ 138.

ص: 81

بين الحفظ بالوصية إلى أن يسلّم إليه، وبين صرف النصف إلى أربابه وحفظ الباقي، وبين قسمة حقّه على الأصناف، وإنّما يتولّى قسمة حقه عليه السلام الحاكم. (1)5. وقال في التحرير: الثامن: يجب أن يتولى صرف حصة الإمام في الأصناف الموجودين مَن إليه الحكم بحق النيابة، كما يتولّى أداء ما يجب على الغائب. (2)

فالمحقّق والعلّامة قائلان بوجوب صرف سهم السادة في أنفسهم، وصرف سهم الإمام في تلك الأصناف أيضاً، إلّاأن المتولّي في الصرف هو من إليه الحكم» وفسر «من له الحكم» في المختلف بالفقيه المأمون الجامع لشرائط الفتوى والحكم، فإنْ تولّى ذلك غيره كان ضامناً. (2) 6. وقال الشهيد الأوّل، محمد بن مكّي العامليّ (734- 786 ه) في الدروس: والأقرب صرف نصيب الأصناف عليهم والتخيير في نصيب الإمام بين الدفن والايصاء، وصلة الأصناف مع الإعواز بإذن نائب الغيبة، وهو الفقيه العدل الإمامي الجامع لشرائط الفتوى. (4)


1- قواعد الاحكام: 1/ 365. 2. تحرير الاحكام: 1/ 445.
2- المختلف: 3/ 354- 355. 4. الدروس: 1/ 206.

ص: 82

إن الشهيد وسّع الأمر في نصيب الإمام، وضمّ إلى الدفن والإيصاء، الصرف في الأصناف الثلاثة مع إعوازهم، وجعل المتولي هو الفقيه.

7. وقال ابن فهد الحليّ (المتوفّى 841 ه): وفي حال الغيبة يصرف النصف إلى مستحقه ويصرف مستحقه عليه السلام إلى الأصناف مع قصور كفايتهم ويتولّى ذلك الفقيه. (1)8. وقال المحقّق الثاني، عبدالعالي الكركيّ (المتوفّى 940 ه) «وإنّما يتولّى قسمة حقّه عليه السلام الحاكم. (2)

9. وقال الشهيد الثاني، زين الدين بن علي العاملي (المتوفّى 966 ه): وليس له- صاحب المال- أن يتولّى إخراجه بنفسه إلى الاصناف مطلقاً، ولا لغير الحاكم الشرعي، فإن تولاه غيره ضمن. (2) 10. وقال العلّامة المجلسي (المتوفّى 1110 ه) في زاد المعاد: وأكثر العلماء قد صرّحوا بأنّ صاحب الخمس لو تولّى دفع حصّة الإمام عليه السلام لم تبرأ ذمّته، بل يجب عليه دفعها إلى


1- الرسائل العشر: 184. 2. جامع المقاصد: 3/ 56.
2- الروضة البهية: 2/ 79.

ص: 83

العالم المحدث العادل، وظنيّ أنّ هذا الحكم جار في جميع الخمس. (1)11. وقال المحقّق أحمد النراقي (المتوفّى 1245 ه): لا تشترط مباشرة النائب العام- وهو الفقيه العدل- ولا إذنه في تقسيم نصف الأصناف على الحق للأصل خلافاً لبعضهم فاشترط ونسبه بعض الأجلة إلى المشهور.

وهل تشترط مباشرته (الفقيه) في تقسيم نصيب الإمام كما هو صريح جماعة، أم لا؟ والحق هو الأوّل، إذ قد عرفت أن المناط في الحكم بالتقسيم هو الإذن المعلوم بشاهد الحال، وثبوته عند من يجوّز التقسيم، إجماعيّ ولغيره غير معلوم، لاسيّما مع اشتهار عدم جواز توليّ الغير، بل الإجماع على عدم جواز تولية التصرف في المال الغائب، الّذي هذا أيضاً منه، خصوصاً مع وجود النائب العام، الّذي هو أعرف بأحكام التقسيم وأبصر بمواقعه. 12(2). وقال السيد محمد كاظم الطباطبائي (المتوفّى 1337 ه) في العروة: الأحوط الدفع إلى المجتهد أو بإذنه لأنّه


1- الحدائق: 12/ 468؛ الجواهر: 16/ 178.
2- مستند الشيعة: 10/ 136.

ص: 84

اعرف بمواقعه والمرجِّحات التي ينبغي ملاحظتها.(1) إلى غير ذلك من الكلمات الدالة على لزوم دفع نصيب الإمام، أو كله إلى الحاكم، والمهم هو بيان الدليل عليه.

بيان ما يدل على تولّي الفقيه

1. إن الخمس في عامة الأنواع ليس ملكاً شخصياً للرسول أو الإمام، وإنّما هو ملك للمنصب الّذي يتقلده الرسول صلى الله عليه و آله و سلم والإمام عليه السلام من بعده، وبعبارة أُخرى هو ملك لمقام الإمامة والزعامة، التي يتقلدها الأئمة واحداً بعد الآخر، ويدل على ذلك صحيح أبي علي بن راشد، قال: قلت لأبي الحسن الثالث عليه السلام: إنا نؤتى بالشي ء فيقال هذا كان لأبي جعفر عليه السلام عندنا فكيف نصنع؟

فقال: «ما كان لأبي عليه السلام بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب اللَّه وسنّة نبيّه» .(2)

فإذا كان الخمس راجعاً لمقام الإمامة، وهو أمر غير قابل للتعطيل، فإن من يقوم مقام الإمامة ويشغل هذا المنصب- يكون نائباً عنه في شؤون الإمامة كافة، ومنها ما يتعلق بالخمس. وليس


1- العروة الوثقى: الفصل الثاني من كتاب الخمسن المسألة 7.
2- الوسائل: 6، الباب 2، من أبواب الأنفال، الحديث 6.

ص: 85

إلّا الفقيه العارف بالكتاب والسنة.

انّ تعطيل ما يرجع إلى شؤون الإمامة يؤدي إلى محق الدين وذهاب الشريعة، فإنّ الإمام وإن غاب لكن وظائف الإمامة ليست منقطعة عن الأُمّة، ففرض التعليم، ونشر الدين، ومكافحة البدع، وإرشاد الناشئة إلى الحق المبين، وصيانتهم من تأثير التيارات الإلحادية والفلسفات المادية، كلّ ذلك من وظائف الإمامة المستمرة والّتي قوامها بذل المال في سبيل تحقق هذه الأهداف.

إن الأموال في عصر الحضور كانت تجلب إلى الأئمة عليهم السلام، بما أنّهم كانوا هم القائمين بوظائف الإمامة في عصرهم، فمقتضى نيابة الفقهاء كونه كذلك في غيبتهم، واحتمال اختصاص ذلك بعصر الحضور ينافي القول باستمرار وظائف الإمامة وإن انقطعت.

2. إن تولّي أرباب الأموال تقسيم الخمس بأنفسهم يستلزم الهرج، من دون أن يصرف المال في مواقعه الصحيحة والتي تصب في صالح وظائف الإمامة.

ص85

إن الإمام الصادق عليه السلام جعل الفقيه العارف بأحكام اللَّه

ص: 86

الناظر في الحلال والحرام حاكماً على الشيعة، وقال: «من روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم اللَّه وعلينا ردّ، والرادّ علينا رادّ على اللَّه، وهو على حدّ الشرك». (1)لقد نصب الإمام الصادق عليه السلام، الفقيه حاكماً، نظير الحكام المنصوبين من جانب الخلفاء، ومن الواضح أن الفرائض المالية كالزكاة والخمس والخراج كانت بيد حكامهم، فكل شي ء كان أمره بيد الحاكم في الخلافة العباسية، فهو بيد الفقيه لتنزيله منزلة الحاكم عندهم، فيدل الحديث بمقتضى عموم التنزيل ان الفرائض المالية بيد الفقهاء الأمناء على الدين والدنيا.

4. نفترض أنّه ليس هناك دليل على دفع الخمس أو نصفه إلى الفقيه القائم بأُمور المجتمع، وعلى ذلك فيدور الأمر بين صرف كل شخص سهم الإمام وسهم السادة في مصارفهما، وبين دفعه إلى المجتهد القائم بأُمور المجتمع ليصرفه في مظانه.

فأيهما أقرب إلى الصواب؟


1- أُصول الكافي: 1/ باب اختلاف الحديث، الحديث 10.

ص: 87

5. ان صرف الفرائض المالية يُتصوّر على وجوه ثلاثة:

أ. دفعها إلى الملوك والأمراء ليصرفوها كما شاءوا.

ب. صرفها من قبل المكلّف نفسه في الموارد المذكورة.

ج. دفعها إلى الفقيه التقي، الّذي تقلد زعامة الأُمّة وتدبير أُمورها.

فأي هذه الوجوه يقبله العقل الحصيف.

يقول المحقّق أحمد النراقي: لاشكّ أن مع وجود أمين الشخص وخليفته وحجّته والحاكم من جانبه ووارثه، الأعلم بمصالح أمواله، والأبصر بمواقع صرفه، الأبعد عن الأغراض، الأعدل في التقسيم ولو ظناً، لا يعلم الإذن- إذن الإمام الغائب- في تصرف الغيرومباشرته، فلا يكون جائزاً.

نعم لو تعذر الوصول إلى الفقيه جاز تولي المالك، كما استظهره بعض المتأخرين، وزاد: أو تعسّر. (1) 6. ان كل من يقول بجواز صرف الفريضة المالية في مظانها مباشرة، من دون أن يكون هناك جهاز عام ينجز هذا الأمر، قد نظر إلى الإسلام نظرة قاصرة، فإن الإسلام دين عالمي، وما


1- مستند الشيعة: 10/ 136.

ص: 88

هوكذلك فلابد أن يكون متكامل الأركان، ومن أركانه المهمة وجود القدرة المالية لدى الحاكم، ليستطيع من خلالها القيام بمسؤولياته الهامة تجاه المجتمع الإسلامي، وليس هو عند الشيعة سوى الفقيه.

إن المسؤولية ليست منحصرة في دفع عيلة الفقير والمسكين وابن السبيل من الهاشميين، حتّى يقوم كل بواجبه بل المسؤولية الكبرى هي الالتفات إلى كافة الجوانب المتعلقة بتقدم المجتمع ورفاهه، فالمجتمعات تحتاج إلى جامعات ومدارس ومراكز أبحاث ومستشفيات ومصانع ومؤسّسات إدارية وخَدَمية، وغير ذلك، وتحقيق هذه الأُمور رهن توفر إمكانات مادية كبيرة، ومنها نصيب الخمس الراجع إلى منصب الإمامة.

7. الأمر دائر بين التعيين والتخيير، فإما أن يكون الدفع إلى الفقيه أمراً متعيِّناً أو يكون صاحب المال مخيّراً بين دفعه إليه وبين صرفه بنفسه في الموارد المذكورة، وفي مثله يحكم العقل بالأول، لأن فيه الامتثال القطعي بخلاف الثاني فالامتثال فيه محتمل، فإذا دار الأمر بين الامتثالين، فالقطعي هو المتعيّن.

وبذلك تظهر ضآلة ما ذكره مؤلف الكتيب إذ يقول: إن دفع

ص: 89

الخمس إلى الإمام أمر مستحب، فكيف ارتقت درجة أدائه إلى الفقيه فصار الدفع إلى الفقيه أمراً واجباً، فكيف تغير الحكم وارتفع من درجة الاستحباب إلى الوجوب؟ (1) أقول: ان دفع الخمس إلى الإمام كان أمراً واجباً وبقي على وجوبه إلى زماننا هذا ولم يتبدل إلى الاستحباب، وأما كون الدفع إلى الفقيه واجباً فإنّماهو مقتضى كونه نائباً عنه، فمقتضى المنطق ان يكون حكم الدفع إليهما على نحو سواء، فلو كان الدفع إلى الفقيه أمراً مستحباً لانتقض المنطق.

بانت الحقيقة بأجلى صورها

لقد ظهر ممّا ذكرنا أن الخمس فريضة مالية يتولاها الإمام في حياته، ونائبه في غيبته، وقد ثبتت نيابة الفقيه عن الإمام في غيبته في ما يرجع إلى وظائف الإمامة، فإن الإمامة وإن انقطعت ولكن الوظائف بعده مستمرة، فالقائم بها هو الفقيه.

فكما أنهم عليهم السلام يتولَّونه في حال حضورهم، فإن نوّابهم من الفقهاء يتولّونه عند الغيبة.

وأما ما نقل عن القدماء من الدفن أو الايصاء إلى من يثق به،


1- الخمس جزية العصر: 10.

ص: 90

فإن كل ذلك كان مبنياً على أن الإمام الغائب عليه السلام سيظهر قريباً، فلذلك أفتوا بهذين الأمرين، ولو كانوا واقفين على أنّه ستطول غيبته لما أفتوا بذلك.

وبذلك يُعلم أن فتوى كل من المفيد والطوسي بالوصاية أو الدفن كانت مبنية على تلك الفكرة، ولذلك توقفا عن صرف نصيب الإمام، ولو كانا شاهدين لما نشاهد، لما أفتيا بذلك.

وأما إفتاء كثير من العلماء بتولّي صاحب المال تقسيم نصيب السادة عليهم، فذلك مبنيّ على زعم أنّه فريضة فردية، وليس راجعاً إلى منصب الإمامة، وأمّا على ما ذكرنا فلا فرق بين نصيب السادة ونصيب الإمام حسب رواية أبي علي بن راشد (1)في أن المتولي هو الإمام أو من يقوم مقامه.

وإذا كان المؤلف يعتمد على قول الشيخ الطوسي، فلينظر إلى قوله فيمن يقول بالتحليل، حيث قال قدس سره: وأما التصرف فيه على ما تضمنه القول الأوّل (الترخيص لشيعتهم التصرف في حقوقهم ممّا تعلق بالأخماس وغيرها) فهو ضدّ الاحتياط، والأولى اجتنابه حسب ما قدمناه. (2)


1- مرّ ذكر الرواية في الصفحة.
2- النهاية: 201.

ص: 91

الفصل الخامس: دراسة نقدية للكتاب

اشارة

إن كتاب «الخمس جزية العصر»، قد نُشر لغايات سياسية لا علمية، إذ لم يكن الكاتب مؤهّلًا للخوض في هذه المسائل، وإنّما جمعه من كتابين لشخصين خرجا عن المنهج السليم في البحث العلمي:

أحدهما: «الشيعة والتصحيح» لموسى الموسوي .(1)

الثاني: «تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه» لأحمد الكاتب.

وقد اعتمد على ذينك الكتابين في تأليف هذه الرسالة اعتماداً كاملًا، كما اعتمد على قضائهما في مورد الخمس ومصارفه وأدلته.


1- ولا ندري من اين استعار لقب الدكتوراه للمؤلف ووصفه به عند ذكر المصادر.

ص: 92

ولعلّ المؤلف لا يعرف بُعد هذين الكاتبين عن الموضوعية والحياد في البحث العلميّ، ولايعرف نَزَعاتهما، ولا منزلتهما عند الشيعة.

وسنخصّص هذا الفصل لتشريح الكتاب وبيان خصوصياته، حتّى تقف عزيزي القارئ- على أخطائه وأوهامه، ومواطن ضعفه، وتهافُت أفكاره، بعون اللَّه تعالى، ويقع ذلك ضمن أُمور:

الأوّل: افتراؤه على السيد محمد الصدر

ذكر المؤلف ان السيد الشهيد محمد الصدر قدس سره قد ذكر صدر الحديثين ولم يذكر ذيلهما، وقد اتهمه بانّه بتر الحديثين لأجل أن الصدر ينفعه دون الذيل.

أقول: ما ذكره سوء ظن بعالم كبير، وقف نفسه لإصلاح الأُمّة حتّى استشهد في سبيل ذلك، لأن تقطيع الحديث امر رائج بين الفقهاء حيث أنّه يأتي بما له صلة بمقصوده.

ثم انّه اتهمه بتهمة أشنع، وهي اختراع روايتين وليس منهما أثر في المصادر الروائية القديمة الأربعة.(1)


1- الخمس جزية العصر: 41.

ص: 93

أقول: فمن جانب يتهم السيد الشهيد باختراع الحديث ومن جانب يقول: «لم أجد ...»، كأن عدم وجدانه دليل على العدم!! ثم إنّ المصادر غير منحصرة بالقديمة فقط. وإليك نص الروايتين مع الإشارة إلى مصادرهما:

1. «من أكل من مالنا شيئاً فإنّما يأكل في بطنه ناراً وسيصلى سعيراً» (1).

2. «لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين على كل من أكل من مالنا درهماً حراماً». (2)«ما هكذا تورد ياسعد الابل».

الثاني: تحريفه لكلام الشيخ الطوسي

ربّما يظنّ القارئ أن ما نسبه إلى الشهيد الصدر كان هفوة أو زلّة قلم، ولم يكن عن قصد وعنادٍ، ولكنه عندما يصل إلى ما


1- الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب الأنفال، الحديث 7. وراجع كمال الدين للصدوق: 522؛ والاحتجاج للطبرسي: 479.
2- الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب الأنفال، الحديث 8. وراجع: كمال الدين: 522 برقم 51؛ الاحتجاج: 480.

ص: 94

نسبه إلى الشيخ الطوسي من الرأي الساقط ثمّ يقارنه بفتوى السيد الخوئي ويحكم بأن بين الرأيين بوناً شاسعاً واختلافاً غير قابل للجمع، ولكنه عندما يصل إلى ذلك يذعن بأن الأول كالثاني نابع عن الجهل بالواقع أو سوء الفهم. وإليك البيان.

لقد نسب إلى الشيخ الطوسي الرأي التالي:

يقسِّم الطوسي الخمس قسمين:

قسم مصدره مكاسب وأرباح التجارات والمساكن والمناكح، يختار هو إباحته وإسقاطه.

والقسم الآخر هو الّذي يرد ممّا تبقّى من أنواع المال والكنوز وغيرها كما يعبّر الطوسي، وهذا يرجّح قسمته أيضاً نصفين، والنصف الّذي هو حق الإمام لا يجيز التصرف به لأيّ كان، بل إما يدفن أو يوصى به والنصف الآخر هو لبني هاشم:

أيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، مرجعه إلى المالك مع ترجيح قسمته عليهم من قبله».

أقول: إنّه ارتكب في كلامه خطأين:

الأوّل: إن الشيخ أفتى بحلِّيّة التصرف في المناكح والمتاجر والمساكن فقط، ومراده من المناكح الإماء والسراري التي يغنمها

الخمس فريضة شرعية،

ص: 95

الغزاة، كما أن مراده من المتاجر الأموال والأمتعة التي يستولي عليها المجاهدون ثم تتداول في أيدي الناس ومنهم الشيعة، ولا يريد بها أرباح المكاسب. ومراده من المساكن الأنفال، كالمملوكة بغير قتال وغيرها.

والّذي يدلّ على ذلك أنّه ذكر إباحة الخمس في الأُمور الثلاثة في ذيل القتال والجهاد، وقال: فإذا قاتل قوم أهل حرب من غير أمر الإمام فغنموا كانت غنيمتهم للإمام خاصّة دون غيره، وليس لأحد أن يتصرّف في ما يستحقّه الإمام من الأنفال والأخماس إلّابإذنه، فمن تصرَّف في شي ء من ذلك، كان عاصياً ... إلى أن قال: هذا في حال ظهور الإمام، وأما في حال الغيبة فقد رخّصوا لشيعتم التصرُّف في حقوقهم ممّا يتعلق بالأخماس وغيرها فيما لابد لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن، فأمّا ما عدا ذلك فلا يجوز له التصرف فيه على حالٍ. (1)فنلفت نظر القارئ إلى الأُمور التالية:

1. إن مصبّ البحث في كلامه الغنائم الحربية، فلو كان هناك استثناء وإباحة فإنما يرجع إليها أو إلى ما يناسبها كالأنفال في المساكن.


1- النهاية: 200.

ص: 96

2. إن الشيخ الطوسي وصف المستثنى من الخمس- أعني المناكح والمتاجر والمساكن- بقوله: «ممّا لابد لهم منه»، وهو أقوى قرينة على ما ذكرنا، حيث إن الشيعة كان يعيشون مع إخوانهم السنة جنباً إلى جنب، فلم يكن لهم بدّ من شراء الإماء أو الأمتعة المغنومة، غير المخمّسة، فأين هذا من إباحة أرباح المكاسب والمتاجر التي يمارسها الشيعة أنفسهم؟

وبما أن الكاتب كان جاهلًا بالمصطلح، وضع مكان «المتاجر» في عبارة الشيخ لفظة «مكاسب وأرباح التجارات».

وقد فسر غير واحد من فقهاء الشيعة المصطلحات الثلاثة في كتبهم:

يقول المحقّق الحلّي: ثبتت إباحة المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة.

ويقول الشهيد الثاني: المراد بالمناكح السراري المغنومة من أهل الحرب في حال الغيبة، فإنّه يباح لنا شراؤها وإن كانت بأجمعها للإمام، أو بعضها على القول الآخر.

والمراد بالمساكن، ما يتخذه منه في الاراضي المختصة به عليه السلام كالمملوكة بغير قتال ورؤوس الجبال.

ص: 97

والمراد ب «المتاجر» ما يشترى من الغنائم المأخوذة في الحرب حالة الغيبة أو ما يشترى ممن لا يعتقد الخمس.(1) وممّا يدل على ذلك هو أن الشيخ بعد مافرغ من حليّة الموضوعات الثلاثة بدأ الكلام في غيرها، وقال: «وما يستحقونه من الأخماس، في الكنوز وغيرها في حال الغيبة، فقد اختلف قول أصحابنا فيه».

ومراده «من غيرها» هو ما ذكره في أوّل الفصل الّذي عقده باسم «باب الخمس والغنائم» وقال: الخمس واجب في جميع ما يغنمه الإنسان، ثم عدّ منها:

1. الغنائم أي كل ما يؤخذ بالسيف من أهل الحرب.

2. أرباح التجارات والزراعات.

3. الكنوز المُدَّخرة.

4. الذميّ إذا اشترى من المسلم أرضاً.

إلى غير ذلك ممّا ورد في كلامه. (2) الثاني: ما قاله من أنّه لم يورد ذكر الفقيه في كل تفاصيل


1- المسالك: 1/ 475- 476.
2- النهاية: 196- 198.

ص: 98

الفتوى أبداً، بل صرح الشيخ الطوسي ان المتولّي لذلك ليس بظاهر.

يلاحظ عليه: أوّلًا: أن قول الشيخ الطوسي: «إن المتولي لذلك ليس بظاهر» راجع إلى النصف الآخر الّذي هو لبني هاشم فقط، ويشهد على ذلك قوله: «لأن هذه الثلاثة أقسام مستحقها ظاهر، وإن كان المتولّي لتفريق ذلك فيهم ليس بظاهر». فتوسيع كلامه إلى مطلق النصفين خطأ ظاهر.

وثانياً: أنّه لم يذكر الفقيه في النصف الأوّل، لأجل انّه اختار فيه الدفن أو الإيداع، ومعه لايبقى موضوع لذكر الفقيه، فإن تولّي الفقيه مبني على القول بصرفه في مظانه، وأما على القول بعدم الصرف، فلايكون وجه لذكر الفقيه وعدمه.

وبذلك يظهر أن ما صوّره من الجدول وقارن فيه بين فتوى الشيخ الطوسي وبين فتوى السيد الخوئي، مستنتجاً مخالفتهما، مبنيٌّ على استنتاجاته الخاطئة من كلام الطوسي، وبذلك ذهبت جهوده في الجدول سدىً، ولا حاجة للتفصيل.

وأمّا قوله في آخر الجدول: «لاحظ أنّ فتوى الخوئي

الخمس فريضة شرعية،

ص: 99

مخالفة جملة وتفصيلًا لفتوى الشيخ الطوسي» فليس بشي ء، والمخالفة الجزئية بين الفقهاء أمر رائج.

الثالث: «حقائق ثمانية» أو انطباعات خاطئة؟!

اشارة

قدّم الكاتب في ديباجة كتابه أُموراً ثمانية زعم أنّه اكتشفها بعد ما كانت خافية عن أنظار العالمين، وكأنّه يتبجّح بذلك، وها نحن نذكر خلاصة تلك الحقائق!!! حتّى يثمنها القارئ:

1. إن اداء خمس المكاسب إلى الفقيه لا يستند إلى أي دليل ولا أصل له بتاتاً في أي مصدر من المصادر الحديثية الشيعية المعتمدة.

2. إن كثيراً من النصوص الواردة عن الأئمة تُسقط الخمس عن الشيعة وتبيحه لهم، خصوصاً في زمن الغيبة.

3. إن هذه النصوص تجعل حكم أداء الخمس للإمام نفسه في حال حضوره الاستحباب أو التخيير بين الأداء وتركه، وليس الوجوب.

4. إن أحداً من علماء المذهب الأقدمين لم يذكر قط مسألة إعطاء الخمس للفقهاء.

ص: 100

5. إن حكم أداء الخمس إلى الإمام في كثير من الروايات المعتبرة الاستحباب، وصار أداؤه إلى الفقيه واجباً.

6. إن الخمس في أصل تكوينه يقسم إلى قسمين: النصف الأوّل حق اللَّه تعالى ورسوله وذي القربى، وامّا النصف الآخر، فهو لليتامى والمساكين وابن السبيل، إلّاأن الواقع المشاهد أن الفقيه يأخذ الخمس كلّه.

7. ان نصف الخمس لفقراء بني هاشم لا للأغنياء، فما يفعله هؤلاء (الأغنياء) من أخذ الأموال باسم الخمس باطل.

8. إن اخراج الخمس وإعطاؤه للفقهاء لا يستند إلى أي نص.

فلندرس تلك الحقائق الهامة التي أخذ الكاتب يركز عليها ويناور بها وهي في الحقيقة أمّا ادعاءات متكررة أو متناقضة أو انطباعات خاطئة.

أمّا الأوّل: أعني التكرار، فالحقيقة الأُولى، والثامنة، وهكذا الرابعة، كلّها في الواقع ادعاء واحد، وهو عدم الدليل على إعطاء الخمس للفقيه، غاية الأمر يدّعي في الأُولى والثامنة عدم الدليل في الكتاب والسنة، وفي الرابعة عدم الفتوى

الخمس فريضة شرعية،

ص: 101

بين الأقدمين، ومرجع الجميع واحد.

أمّا الثاني: أعني التناقض فيدّعي في الحقيقة الثانية سقوط الخمس عن الشيعة، ولكنه في الحقيقة السادسة يسلّم بوجوب الخمس، وأنه يقسم قسمين: الصنف الأوّل ورسوله وذي القربى، والنصف الآخر لبني هاشم: أيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، ولكنه يعترض على أداءه للفقيه، الّذي يأخذ- في زعمه- الكل دون مراعاة هذه القسمة. وهذا هو نفس التناقض.

وأمّا الثالث: أعني انطباعاته الخاطئة، فنذكرها واحداً بعد الآخر:

1. عدم الدليل على إعطاء الخمس للفقيه

إن الرسالة تهدف إلى التشكيك في صلاحية الفقيه لأخذ الخمس، وهو قلِق من هذا الموضوع، ونحن نلفت نظره إلى الفصل الثاني، حيث ذكرنا دلائل وجوب إعطائه للفقيه تحت عنوان «بيان ما يدلّ على تولّي الفقيه».

ص: 102

2. خلوّ القرآن والسنة عن ذكر الخمس

يذكر هو في الحقيقة الثانية سقوط الخمس عن الشيعة، ولكن في ثنايا الكتاب ينكر وجوب الخمس في الشريعة الإسلامية المقدسة ويقول: لقد خلا القرآن الكريم وخلت سنة النبي صلى الله عليه و آله و سلم وسيرته وكذلك سيرة الخلفاء الراشدين وغيرهم من حكام المسلمين من ذكر «الخمس» ولم نجد في تاريخ الإسلام ولا غيره ضريبة كانت تفرض على أموال الناس وتجاراتهم بهذا القدر. (1) كبرت كلمة تخرج من افواههم، وكأنه لم يقرع سمعه قوله سبحانه: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَي ءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتَامَى وَ الْمَسَاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ ...» (2).

أو لم يقرأ شيئاً من أحاديث الرسول حيث قضى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في الركاز الخمس. (2) وقوله صلى الله عليه و آله و سلم (لما وفد إليه عبدالقيس وقالوا: إن بيننا وبينك المشركين وإنا لا نصل إليك إلّافي الأشهر الحرم فمرنا بجمل


1- الخمس جزية العصر: 81. 2. الانفال: 41.
2- مسند أحمد: 1/ 314؛ سنن ابن ماجة: 20/ 839، طبعة 1373 ه.

ص: 103

الأمر): آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع. ثم ذكر الأربع بقوله:

شهادة أن لا إله إلّااللَّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتعطوا الخمس من المغنم. وقلنا في محله إن المراد مطلق ما يفوز به الإنسان.

أليس من الصلافة، قوله: لقد خلا القرآن الكريم وخلت سنة النبي وسيرته وكذلك سيرة الخلفاء الراشدين وغيرهم من حكّام المسلمين من ذكر الخمس. (1)

3. ارتقاء الحكم من الاستحباب إلى الوجوب

يذكر في الحقيقة الخامسة أن أداء الخمس في كثير من الروايات المعتبرة إلى الإمام نفسه مستحب، ولكنه ارتقت درجة أدائه إلى الفقيه فصار واجباً!!

يلاحظ عليه: بأن ما ذكره كلام شعري يستحسنه ذوقه وشعوره، فإن حكم الخمس لم يزل واجباً ولم يتبدل حكمه إلى الآن وبقي اداؤه إلى الفقيه على الحكم السابق، وأمّا الترخيص للشيعة فقد عرفت أنّه بين ما لا يمتّ إلى الخمس المصطلح (ارباح المكاسب) بصلة، أو ما يرجع إليه ولكنه أُحلّ لهم بسبب الظروف القاسية، التي كان إيصاله فيها إلى الإمام ينجم عنه


1- الخمس جزية العصر: 81.

ص: 104

مخاطر ومشاكل كبيرة للشيعة وللأئمة أنفسهم.

4. أخذ الفقيه الخمس كلّه

يقول: إن الخمس يقسم إلى: نصفين نصف للإمام ونصف للسادة، إلّاان الفقيه يأخذ الخمس كله من دون مراعاة هذه القسمة .(1)

لا ادري أين شاهد ذلك مع أن عامة الرسائل العملية والكتب الاستدلالية تصرح بأن الخمس يقسم إلى نصفين على النحو المذكور حتّى أن كثيراً من الفقهاء، قالوا بوجوب صرف نصيب الإمام في حاجات بني هاشم: أيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، وقد عرفت أن المحقّق الحلّي وغيره، تبنّوا هذا. ولو أخذه الفقيه كله، فإنّما يأخذه ليصرفه في مصارفه كالإمام المعصوم نفسه، لكونه زعيم الشيعة.

5. أخذ اغنياء بني هاشم الخمس

ادّعى في الحقيقة السابقة أن الاغنياء من بني هاشم يأخذون الأموال باسم الخمس بحجة النسب. وهو يدعي أن


1- الخمس جزيرة العصر: 11.

ص: 105

هذه الحقيقة مجهولة من قبل عامة من يقول بدفع الخمس، إذ يدفعون الخمس لكل من يدّعي النسبة. (1)أقول: إن أهل البيت أدرى بما فيه، وفي المثل السائر «أهل مكّة أدرى بشعابها» فإن المؤمنين يمسكون عن دفع المال إلّابعد إحراز الفقر والحاجة، ولو أقدم بعضهم على دفع الخمس بلا تحقيق، فلا يكون ذلك دليلًا على العموم، على أن ذلك اجنبي عن البحث العلمي، ولعلّ الكاتب لا يعرف منهج البحث العلمي.

6. لم يذكر أحد المتقدمين تولّي الفقيه

قال في الحقيقة الرابعة: ان أحداً من علماء المذهب الأقدمين، لم يذكر قط مسألة إعطاء الخمس للفقهاء بل لم يخطر لهم على بال.

كيف يقول ذلك مع ان الشيخ أبا الصلاح الحلبي (374- 447 ه) يقول في الكافي: يجب على من تعيّن عليه فرض زكاة أو فطرة أو خمس أو أنفال ان يُخرج ما وجب عليه من ذلك إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبله سبحانه (الإمام المنصوب) أو إلى من يُنصِّبه لقبض ذلك من شيعته ليضعه مواضعه (النواب


1- نفس المصدر: 11.

ص: 106

الخاصة)، فإنْ تندر الأمران فإلى الفقيه المأمون، فإن تعذّر تولّى ذلك نفسه. (1)والشيخ الحلبي أقدم من الطوسي ولادة ووفاة، وقد ذكره الطوسي في رجاله فلاحظ.

الرابع: مصدر شرعية الخمس

يستمد الخمس شرعيته من الكتاب والسنة حسب ما عرفته في الفصل الأوّل، وأن جميع الفقهاء يستدلون على وجوب الخمس بما ورد في الكتاب والسنة النبوية وأحاديث العترة الطاهرة، غير أن الكاتب نسب إلى بعض علماء الشيعة أنّه يدافع عن أخذ الخمس بأنها تصرف على المدارس الدينية والحوزات العلمية والشؤون المذهبية الأُخرى» .(2)

أقول: إن المؤلف كالغريق يتشبث بكل طحلب، ولم يجد مصدراً صالحاً سوى ما أشار إليه في الهامش، ومؤلِّفٍ لم يُعتمد عليه، وهو معروف لدى الأوساط التي يعيش فيها بأنّه لا يتمتع بمؤهّلات كريمة تجعله صالحاً لأن يكون مصدراً في القضايا


1- الكافي: 173.
2- الخمس جزية العصر: 42، نقله عن كتاب الشيعةوالصتحيح لموسى الموسوي.

ص: 107

العلمية الإسلامية، والعاقل تكفيه الإشارة.

وياليته اشار إلى فقيه اعتمد في ايجاب الخمس على شرعية المصرف، ومن ذكرها فإنّما ذكرها كمصرفٍ للخمس، دون أن تكون شرعية المصرف دليلًا على وجوب الخمس. ثم إن الخمس راجع إلى مقام الإمامة، ومن شؤون الإمامة قيادة المجتمع روحياً ودينياً، وهي رهن إعداد الدعاة والمبلغين لنشر الإسلام في العالم، وبذلك يظهر أن إطنابه في هذا الموضوع فضول من الكلام، لا يليق أن يُنقض ويردّ.

الخامس: مهمّات الشرع رهن الدليل القاطع

عقد الكاتب فصلًا لغاية إثبات أن مهمّات الشرع رهن أدلّة واضحة قطعية الدلالة، غير قابلة للردّ أو التأويل كالصلاة والزكاة وبرّ الوالدين وحرمة الربا وحرمة الزنا حتّى يكون الطريق مسدوداً أمام الراغبين في التفلّت من التكاليف الشرعيّة، ولكن خمس المكاسب لم تثبت بمثل هذه الأدلّة أي النصوص القرآنية، والأدلّة القاطعة، ثمّ بدأ بتفسير آية الخمس وأن موردها الغنائم المأخوذة من الكفّار المحاربين.

الخمس فريضة شرعية،

ص: 108

أقول: إن الكاتب يُركِّز على خمس المكاسب دون سائر أنواع الخمس كالمعدن والكنز والغوص والمال الحلال المختلط بالحرام والأرض التي اشتراها الذمي من المسلم إلى غير ذلك، لأن موارده قليلة لا تنتفع به المرجعية الدينية في أداء وظائفها الملقاة على عاتقها، وإنّما تنتفع بأرباح المكاسب، فلذلك يصرّ على عدم الدليل على لزوم الخمس فيها.

ولكنه نسي أنّه قد سلّم في بعض الحقائق الثمانية بلزوم الخمس، وإنّما انكر وجوب دفعه إلى الفقيه، وعلى كل تقدير، فمن قرأ الآية برأي مسبق، يخصّها بالغنائم المأخوذة من الكفار، وأما من قرأها مجرَّداً عن ذلك، ومن دون أن يتأثر بالمناقشات المذهبية، فسيجد دلالتها على لزوم الخمس في كل ما يفوز به الإنسان أمراً واضحاً بشهادة أنّه سبحانه يقول: «واعلَموا أنَّما غَنِمتُمْ مِن شي ءٍ ...» فلفظة الشي ء نكرة تشمل كل ما يغنم، وقد أثبت العلماء في محلّه أن المورد لا يخصّص إذا كانت القاعدة كلية، ولذلك اعتمد على الآية فقهاء الأحناف في ثبوت الخمس في المعادن. (1) نظراً لعزوف عن سائر المصادر، فإنّه لم يقف على مصادر


1- وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلّته: 2/ 776.

ص: 109

الخمس في السنة النبوية، وقد ذكرنا شيئاً من ذلك في الفصل الأوّل، كما أنّه أسدل الستار على أحاديث العترة الطاهرة الذين هم أعدال الكتاب وقرناؤه وأحد الثقلين الذين بهما تناط سعادة الإنسان في الدارين، وقد ذكرنا اثني عشر حديثاً تدلّ بوضوح على وجوب الخمس في الأرباح والمكاسب.

«فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ» (1)

السادس: تكرّر ذكر الزكاة دون الخمس

اعتمد الكاتب على نفي وجوب الخمس إلى تكرّر ذكر الزكاة في عشرات الآيات، بينما لم يرد لخمس المكاسب ذكر في القرآن الكريم.

أقول: جاءت كلمة الزكاة (32) مرّة في القرآن الكريم، (11) مرة منها في السور المكية، والباقي في السور المدنية، والجميع يدعو إلى تزكيةالمال وليس جميع هذه الآيات تشير إلى الزكاة المصطلحة في الكتب الفقهية، وذلك لأن الزكاة بالمعنى الخاص فرضت في المدينة في السنة الثانية للهجرة


1- الاعراف: 185.

ص: 110

الشريفة، فلايمكن أن يكون الجميع ناظراً لما لم يُشرَّع ولم تُبيّن كيفيّته، بل وجبت صدقة الفطرة قبل وجوب الزكاة بالمعنى الخاص.

يقول ابن حجر: وثبت عند أحمد وابن خزيمة أيضاً والنسائي وابن ماجة والحاكم في حديث قيس بن سعد بن عبادة.

قال: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ثم نزلت فريضة الزكاة فلم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله. وقال:

اسناده صحيح رجاله رجال الصحيح. ثم قال: وهودالّ على أن فرض صدقة الفطر، كان قبل فرض الزكاة، فيقتضي وقوعها بعد فرض رمضان. (1)وعلى هذا فقد وجب صوم شهر رمضان فوجبت صدقة الفطر ثم وجبت الزكاة بالمعنى الخاصّ، كل ذلك يلزمنا بأن كثيراً من موارد استعمال الزكاة القرآن المجيد يراد بها تزكية المال، وهو بالمعنى الجامع يشمل فريضة الخمس، وصدقة الفطر، والزكاة، بل يشمل سائر ما يجب على المسلم من الفرائض المالية حتّى الكفّارات. نعم الآيات تدلّ على التزكية بالمعنى


1- فتح الباري: 3/ 266، ط. دار المعرفة.

ص: 111

الجامع، وأمّا الخصوصيات فإنّما وردت في السنة النبوية شيئاً فشيئاً.

وممّا يدلّ على أن الزكاة في الذكر الحكيم يراد بها مطلق تطهير المال، لا الزكاة بالمعنى الخاص ورود وجوبها في الشرائع السابقة، كما ينقل سبحانه عن لسان عيسى أنّه قال: «وَأَوْصَاني بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا» (1).

كما ينقل عن لسان إسماعيل قوله: «وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا» (2).

ونحن نسأل الكاتب هل الآيات الواردة في السور المكية وقبل وجوب فريضة الزكاة تهدف إلى المعنى العام، فيدخل الخمس في ضمنه؟ أو أنها تهدف إلى الزكاة بالمعنى الخاص قبل إيجابها، وهو ممّا لا يتفوّه به فقيه.

على أن دراسة الآيات التالية تدلّ على أن الشريعة المقدّسة تأمر بإنفاق ما زاد، قال تعالى: «وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ» (2)، وقال سبحانه: «خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ ...» (4).


1- مريم: 31. 2. مريم: 55.
2- البقرة: 219. 4. الاعراف: 199.

ص: 112

نقل الطبري في تفسير قوله: «خُذِ الْعَفْوَ» أي خذ العفو من أموال الناس وهو الفضل، وأمر بذلك قبل نزول الزكاة. (1)

سُئل عبداللَّه بن عمر عن تفسير قوله تعالى: «فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَ الَمحْرُومِ» (2): أهي الزكاة؟ فقال: إن عليك حقوقاً سوى ذلك، ونقل عن الشعبي أنّه قال: إن في المال حقّاً سوى الزكاة، وعن الأعمش عن إبراهيم قال: في المال حق سوى الزكاة. (3) وعلى ضوء ما ذكرنا، فلفظة الخمس وإن لم ترد في القرآن الكريم إلّامرة واحدة إلّاأن المضمون بشكل عام قد ورد في غير واحدة من الآيات المكية وحتّى المدنية.

وأخيراً نقول إن من يدرس الموضوع على ضوء عقائده المسبقة لا يستطيع أن ينظر بواقعية وموضوعية للأدلّة التي ذكرناها.

وأما من يدرس الموضوع بعيداً عن العصبية المذهبية


1- الطبري: جامع الباين: 6/ 191، طبع دار ابن حزم، عمان، 1423 ه.
2- المعارج: 24- 25.
3- الطبري، جامع البيان: 29/ 50- 51، طبع دار المعرفة.

ص: 113

والطائفية، فيكفيه قليل ممّا ذكرنا من الأدلّة على وجوب الخمس في الأرباح.

السابع: المقارنة بين الزكاة وخمس المكاسب

يقول: إن اللَّه عزّوجلّ يفرض على اغنيائنا ربع العشر من اموالهم أي من كل اربعين واحداً (140) ومن كل مأة، اثنين ونصف (5100، 2) إذا بلغت النصاب وهو ما يعادل عشرين مثقالًا من الذهب مرّة واحدة في العام ... وفي الوقت نفسه يوجب على عباده في الأرباح والفوائد الخمس (15) وهو يزيد على فريضة الزكاة بكثير .. فلو بلغ رأس ماله عشرين ديناراً يجب عليه دفع أربعة دنانير لأجل الخمس ونصف دينار لأجل الزكاة، فكيف فرض الأقل (الزكاة) بالأدلّة القاطعة ولم يفرض الأكثر (الخمس) بهذه الطريقة بل ولا يذكره ولو مرة واحدة مع أنّه اضخم منها واكبر اضعافاً مضاعفة؟!» (1).

يلاحظ عليه: أنّه وإن ذكر الأقل- حسب فرضه- غير مرّة، ولكنه ذُكر الأكثر أيضاً بمثله، لما عرفت من انّ الآيات الدالة على


1- الخمس جزية العصر: 54.

ص: 114

تزكية الأموال آيات عامّة تشمل كل فريضة مالية ولا تختص بالزكاة بالمعنى الخاص على أن السنة النبوية وأحاديث العترة الطاهرة فرضت ذلك بالأدلة القاطعة.

هلمّ معي نستعرض الخلط الّذي وقع فيه، حيث تصور أن فريضة الزكاة في الدينار أقل من فريضة الخمس، لأن الفريضة هناك 140 وهنا 15 ولكنه غفل عن أمرين:

الأوّل: أن زكاة النقدين تُخرج قبل إخراج المؤونة السنويّة، بخلاف الخمس الّذي يتعلّق بما فضل عن المؤونة، وقد تضافر عنهم قولهم: الخمس بعد المؤونة.

فإخراج الأقل حسب فرضه واجب على من ملك النصاب سواء كان فقيراً أو غنياً. دائناً أو غير دائن، مالكاً لمؤونة سنته أو لا، بخلاف الخمس فإنّه يُخرج إذا لم يكن فقيراً، مالكاً لمؤونة سنة، غير دائن.

الثاني: ان الزكاة تتعلّق بالنقدين في كل عام مالم ينزل عن النصاب فلو ملك أربعين ديناراً فيجب عليه في كلّ سنة اعطاء 140 من باب الزكاة حتّى ينزل عن النصاب ويصير 19 ديناراً، بخلاف الخمس فلو دفع ثمانية دنانير مرّة واحدة في

ص: 115

العمر صار المال مُخمَّساً والمُخمَّس لا يُخمّس، فعندئذ تنعكس الأقلية والأكثرية، وترتفع فريضة الزكاة على فريضة الخمس. كل ذلك بشرط أن يكون المال جامعاً لشرائط وجوب الخمس بأن زاد على مؤونة سنة ولم يكن دائنا في نفس السنة إلى غير ذلك من الشروط.

تمثيل باطل للمقارنة!!

إن الكاتب حاول أن يكبّر فريضة الخمس ويصغر فريضة الزكاة في الكمية في الفقه الشيعي، فافترض مثالًا، وقال:

لو افترضنا أن رجلًا يمتلك بيتاً وبستاناً وسيارة ومالًا على شكل نقد، فما مقدار الزكاة الواجبة عليه، وما مورد الخمس؟

ثم قال: الزكاة

البيت: لا زكاة عليه.

السيارة: كذلك لا زكاة عليها.

البستان: لا زكاة إلّاعلى ثماره عند جنيها إذا بلغت النصاب.

النقود: إذا لم تكن بالغة النصاب فلا زكاة عليها، والنصاب

ص: 116

ما يعادل عشرين مثقال ذهب.

فلو أن رجلًا ملك هذه الأموال وبلغت نقوده مليون دينار، وحال عليه الحول، فيجب عليه خمسة وعشرون الف دينار هذا هو حال الزكاة في فقه الإمامية.

أمّا الخمس، لو فرضنا أن قيمة كل من البيت والبستان والسيارة ثلاثة ملايين وكان عند هذا الرجل قيمة النصاب مليون دينار، فيكون المجموع عشرة ملايين دينار. خمسها في الفقه الشيعي يساوي مليونين أي ما يعادل الزكاة الواجبة عليه ثمانين مرّة. هذا كلامه.

ونقول: طوبى لك يا فقيه الأُمة وفقيه الإسلام وفقيه المذاهب الإسلامية! ما هذه العبقرية في الحساب؟! وما انت وفقه الإمامية؟ عجباً إنّه ينقض ويبرم، وهو لا يعرف أبجدية فقه الطائفة!!

وذلك: ان البيت لا خمس عليه، لأنّه من المؤونة.

والسيارة: كذلك لا خمس عليها لأنها من المؤونة أيضاً.

أما البستان، فلا خمس على رقبته إذا كان من محاويج الرجل ولا على ثماره إذا كانت كذلك، إلّاإذا فضلت عن مؤونة سنته ومؤونة عياله.

ص: 117

فلم يبق إلّانقوده التي فرضها مليون دينار.

فالخمس وإن كان يزيد على الزكاة في الظاهر، لكنه لا يزيد عليها في الواقع، إنْ لم يكن الأمر على العكس لما عرفت من أن الخمس يجب مرة واحدة في العمر، والزكاة في كل سنة حتّى ينزل المال عن النصاب.

فالخمس في مليون دينار يكون مئتي الف دينار بشروطه، ولكن الزكاة- لأجل أنّه يجب عليه كل سنة إعطاء 140 من النقد الموجود حتّى لا يبقى منه إلّا 19 ديناراً- تبلغ إلى 000، 981 دينار على مرّ السنين، وعند ذلك تنعكس القضية.

أضف إلى ذلك أن ما ذكره إطاحة بالوحي فإن المسلم من يسلّم الأمر إلى اللَّه سبحانه، ولرسوله. يقول عزّ اسمه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إلّا وان الإسلام هو التسليم»، فأنّى لعقولنا ادراك الملاكات الشرعية والمصالح والمفاسد، حتّى نمشي على ضوئها، ويصبح الخمس فريضة باهظة والزكاة


1- الحجرات: 1.

ص: 118

فريضة عادلة في مقياسنا نحن؟!

قد تعرفت على مواقع خطئه في المقارنة بين الزكاة والخمس ومع ذلك، ولأجل المقارنة بين الزكاة والخمس في الفقه الشيعي رسم الكاتب جدولًا على حسب الاخطاء الماضية وها نحن نأتي بجدوله الخاطئ ثم نردفه بالجدول الصحيح حتّى تتميز مواضع خطئه. وإليك جدول الكاتب:

ص: 119

مقارنة خاطئة بين الزكاة والخمس

في الفقه الشيعي

الزكاةالخمس 1. نسبتها بالارقام 140 أو 5100، 2 أو 251000. 2. لابد فيها من بلوغ النصاب. 3. يشترط لها دوران الحول. 4. في اصناف محدودة من المال. 5. على الاغنياء فقط. 6. يصرف لثمانية اصناف. 7. شرعت لسد حاجة الأُمّة جميعاً. 8. لا حق فيها إلّالمحتاج. 9. ورد ذكرها في عشرات الآيات. 10 مهملة لا يهتم بها مع أن اللَّه أكد عليها كل هذا التأكيد. 1. نسبة بالارقام 15 أو 20100 أو 2001000. 2. لا يشترط ذلك. 3. لا يشترط ذلك. 4. في جميع الاصناف حتّى الهدايا والمسكن والاثاث. 5. على مكاسب الاغنياء والفقراء. 6. يعطى لصنف واحد، هم الفقهاء أو السادة. 7. جعل لطبقة واحدة هي طبقة الفقهاء أو السادة. 8. يعطى للفقيه أو السيد بغض النظر عن كونه محتاجاً أم لا. 9. لم يرد ذكره أبداً في القرآن الكريم اللهم إلّاخمس الغنائم. 10. يؤكد عليه تأكيداً بالغاً مع أنّه أهمله ولم يذكره. وإليك مواضع الخطأ في الجدول المذكور، الّذي لا يعكس

الخمس فريضة شرعية،

ص: 120

الرأي الشيعي في بابي الزكاة والخمس.

أخطاؤه حول «الزكاة» في الفقه الشيعي

1. يشترط لها حوَلان الحول.

ما ذكره صحيح في زكاة الأنعام والنقدين، وأما المستخرج من الأرض كالمعادن والكنز والغلات، فلا يشترط فيها حولان الحول.

3. قال: على الاغنياء فقط.

أقول: على الاغنياء والفقراء. فمن تعلقت به الزكاة خصوصاً فيما لا يشترط فيه حَوَلان الحول يجب عليه اخراجها، وإن كان فقيراً في آخر السنة، ويعيش- عند الفقر- على حساب بيت المال.

4. قال: لاحق فيها إلّالمحتاج.

أقول: لا حق فيها لمحتاج إلّافي المؤلفة قلوبهم فلا يشترط فيهم الفقر، لأن الغاية من إعطائهم، هي تأليف قلوبه، ودَرْء شرّهم عن المسلمين.

5. قال: مهملة لا يهتمّ بها، مع أن اللَّه أكد عليها كل هذا التأكيد.

ص: 121

أقول: مهتمٌّ بها عبر الأعصار، ومانسبه إلى الإمامية افتراء عليهم، فإن الفقهاء يذكرون الزكاة إلى جانب الخمس، ولا تجد كتاباً فقهياً يُذكر فيه الخمس دون الزكاة.

وأما العناية الخارجية، فإن الناس يُسلِّمون أطيب أموالهم إلى الفقهاء من دون أن يكون هناك جهاز إدراي أو ضغط خارجي يجبر الناس على دفع الفرائض المالية.

ونحن لا ننسى أنّه كان في بعض البلاد جهاز خاص لجمع الزكوات وإيصالها إلى أهلها، وفي هذا الإطار قام الشيخ علي أكبر الاردبيلي (1) (الحاكم الإسلامي في تلك المحافظة) بتأسيس جهاز لجمع الزكوات، تأديةً لواجبه الشرعي.

أخطاؤه حول «الخمس» في الفقه الشيعي

1. قال: لا نصاب إلّافي الكنز والمعدن.

أقول: هذا غير صحيح لوجود النصاب في الغوص أيضاً.

2. قال: في جميع الأصناف حتّى الهدايا والمسكن والأثاث..


1- توفي قدس سره عام 1346 ه، اقرأ ترجمته في طبقات الفقهاء في القسم الأوّل من القرن الرابع عشر: 462.

ص: 122

هذا غير صحيح لعدم تعلق الخمس بالمسكن والاثاث لأن الجميع من المؤونة، والخمس بعد المؤونة. وأما الهدايا فإنّما يجب فيها الخمس عند البعض إذا كانت خطرة.

3. قال: على مكاسب الأغنياء والفقراء.

أقول: هذا من زلأته إذ لم يقل أحد بتعلق الخمس بالفقير، وإنّما يجب الخمس على من يملك مؤونة سنته.

4. قال: يعطى لصنف واحد وهم الفقراء أو السادة.

أقول: هذا خطأ واضح لأن الخمس يصنف إلى صنفين، والفقيه يؤمِّن عَيلة السادات، وربّما يصل إليهم أكثر ممّا يصل إلى الصنف الآخر.

5. قال: يعطى للفقيه أو السيد بغض النظر عن كونه محتاجاً أو لا.

أقول: هذه زلة واضحة، فأما الفقيه فيعطى له بما أنّه زعيم الشيعة وإليه يرجع المحتاجون من عامة الناس، وأما السيد فإنّما يعطى له إذا كان محتاجاً.

6. قال: لم يرد ذكره ابداً في القرآن الكريم، اللهم إلّاخمس الغنائم.

ص: 123

أقول: هذا خطأ، لِما قلنا من عدم اقتصار الخُمس الوارد في الآية الكريمة على الغنائم، ولوروده بمحتواه لا بلفظه في الآيات الدالة على لزوم تزكية الأموال.

7. قال: يؤكد عليه تأكيداً بالغاً مع ان اللَّه أهمله ولم يذكره.

أقول: الصحيح أن يقول: مع أن اللَّه تعالى قد ذكره في كتابه وأكدت عليه أحاديث الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام.

هذه هي أخطاؤه في الجدول الّذي رسمه لبيان موقف الفقه الشيعي من الزكاة والخمس، وقد عرفت أنّه أخطأ في كلا الموردين.

ولإيقاف القارئ على ما هو الصحيح عند الشيعة فلينظر إلى الجدول التالي:

ص: 124

المقارنة الصحيحة بين الزكاة

والخمس في الفقه الشيعي

الزكاة

الخمس

1. نسبتها بالأرقام 140 في كل سنة حتّى ينزل عن النصاب. 2. لابد فيها من بلوغ المال النصاب. 3. يشترط لها حوَلان الحول. 4. في أصناف تسعة من المال ويستحب في غيرها. 5. على الأغنياء والفقراء. 6. يصرف للأصناف الثمانية المذكورة في القرآن. 7. يشترط الفقر في الأصناف الثمانية إلّاالمؤلفة قلوبهم. 1. نسبته بالأرقام 15 مرة واحدة في العمر. 2. لا نصاب في الخمس إلّافي الكنز والمعدن والغوص. 3. لا يشترط إلّافي أرباح المكاسب، بمعنى إخراج مؤونة السنة ثم التخميس. 4. في كل ما يفوز به الإنسان إلّاإذا كان مؤونة له، فلا خمس في المسكن والأثاث والسيارة والهدايا الحقيرة. 5. على مكاسب الأغنياء فقط. 6. يصرف يصفُه في الأصناف الثلاثة: الأيتام والمساكين وأبناء السبيل، والنصف الآخر في حاجات الأُمة حسب تشخيص الإمام، أو نائبه الفقيه. 7. يُعطى للمحتاج من الأصناف الثلاثة، ويصرف النصف الآخر في مهام الأُمور.

ص: 125

8. شُرِّعت لسدّ حاجات الاصناف الثمانية. 9. ورد ذكرها في القرآن كثيراً. 10. مهتمٌّ بها عبر العصور. 8. شُرِّع لرفع حاجات الأصناف الثلاثة، وحاجات الأُمّة. 9. ورد في القرآن بلفظ الخمس مرة واحدة وأُكد مضمونه في عشرات الآيات. 10. مهتمٌّ به، ومؤكَّد في أحاديث الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام. وأنت أيها القارئ الكريم إذا قارنت هذا الجدول الّذي عليه فقه الشيعة مع ما رسمه الكاتب ترى فرقاً شاسعاً بينهما، وبذلك يتبين ان أكثر انطباعاته عن الروايات وأقوال العلماء، مبنيٌّ على رأي مسبق يحفزه إلى تفسير الآيات والروايات بما يعتقده ويهتمّ به.

الأمر السابع: الخمس سياسة يوسفية لا فرعونية!

إن آخر ما كان في كنانة الكاتب من السهام المسمومة، تشبيه الخمس بالسياسة الفرعونية، قال: جاء في الكتاب المقدس، فاشترى يوسف جميع أراضي المصرييّن لفرعون، لأن المصريين باعوا كل واحد منهم حقله لأن المجاعة اشتدت

ص: 126

عليهم فصارت الأرض لفرعون. وأما الشعب فاستعبده من أقصى حدود مصر إلى أقصاها.

وقال يوسف للشعب: إني اشتريتكم اليوم أنتم وأراضيكم لفرعون فخذوا لكم بذراً تزرعونه في الأرض، فإذا خرجت الغلال تعطون منها الخمس لفرعون والأربعة أخماس تكون لكم بذراً للحقول، وطعاماً لكم، ولأهل منازلكم، وطعاماً لعيالكم.

قالوا: قد أحييتنا، فلْتَنَل حُظَوة في عيني سيدنا ونكون عبيداً لفرعون، فجعل يوسف ذلك فريضة على أرض مصر إلى هذا اليوم.(1) هذا نص التوراة في سفر التكوين ثم إن المؤلف بعد ذكر هذا النص- مع وجود الاختلاف بين الموجود في التوراة وما نقله- رتّب عليه قوله: إن فرعون على طاغوتيته- واستكباره- لم يستحل أخذ الخمس من مكاسب شعبه إلّابعد أن اشتراهم واشترى أراضيهم فصاروا عبيداً له وصارت أراضيهم ملكاً له، فحينما أخذ الخمس عاملهم معاملة السيد مع عبيده. وكأن


1- الكتاب المقدس، نور التكوين الفصل 47، الآيات 20- 26.

ص: 127

الخمس في شريعة فرعون لا يؤديه إلّاالعبد المملوك تجاه السيد المالك.

فهل شريعة فرعون أرحم وأرقى نظرة إلى الإنسان من شريعة محمد صلى الله عليه و آله و سلم السماوية التي حرّرت البشرية من قيود العبودية. (1) أقول: أوّلًا: لو صحّ ما جاء في التوراة وصحّ الاستناد إليه في القضاء، فإنّ الإشكال يعود على فقهاء السنَّة، لإيجابهم الخمس في المعدن والكنز.

روى أبو هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: «وفي الركاز الخمس» (2) والركاز يشمل الكنز والمعدن- على قول- فهل تعاملت الشريعة المحمدية مع أصحاب المعادن والكنوز معاملة السيد والعبد، مع ان تلك الشريعة قد حررت البشرية من الظلم وقيود العبودية؟

ثانياً: إن السياسة التي ذكرتها التوراة تنسبها إلى يوسف لا إلى فرعون، وإن القائم بذلك هو يوسف النبي المعصوم عليه السلام الّذي


1- الخمس جزية العصر: 83.
2- أخرجه البخاري، فتح الباري: 3/ 364. ط. السلفية.

ص: 128

اشترى رضا اللَّه تبارك وتعالى بالزَّجّ في السجن بضع سنين، فهل يعمل النبي- في نظر الكاتب- لصالح الطاغية أو لصالح الشعب؟

والكاتب لم يمعن النظر في هذه السياسة اليوسفية التي تحدّثت عنها التوراة، فإنّه عليه السلام لم يتمكّن من توزيع ما عنده من الغلات على الناس مجاناً وبلا مقابل، ولذا قام بتوزيعها مقابل النقود، وبعد أن نفدت النقود التجأ إلى توزيعها مقابل أراضيهم، ثم بعد ان نفدت قام ببيعها عليهم مقابل استعبادهم.

لقد اتبع عليه السلام هذه السياسة حتّى ينجي الشعب من المجاعة التي عمّت أراضي مصر، وقد استطاع بهذه السياسة إرجاع أراضيهم إليهم وتمليكها لهم مع الاحتفاظ بأربعة أخماس غلّاتها، في مقابل إعطاء الخمس لخزانة فرعون، وكانت هذه سياسة إلهية لكي يصبحوا مالكين لأراضيهم وتعود سيادتهم عليها.

وبهذا يظهر أن أداء الخمس ليس علامة لكون المعطي عبداً والآخذ سيداً، وإنّما وضعت هذه الضريبة في هذه الظروف القاسية، إذ لم يمكن هناك حَلٌّ للمشكلة إلّاباتباع هذه الطريقة التي ابتكرها يوسف عليه السلام.

ص: 129

فالكاتب بدل أن ينسب هذه السياسة إلى يوسف، قد نسبها إلى فرعون حتّى يصوِّر في ذهن القارئ أن الخمس ضريبة فرعونية ظالمة.

ص: 130

الخاتمة

أسئلة وأجوبة

عقد المؤلف فصلًا خاصاً أسماه: «خمس المكاسب بين النظرية والتطبيق» وطرح فيه أسئلة. وإليك دراسة ما يستحق منها الذكر:

1. قال: إن الاعتقاد بأن الخمس من حق ذرية أهل البيت عليهم السلام وأقارب النبي صلى الله عليه و آله و سلم يوجب على من يستلم هذه الأموال أن يقوم بعمل إحصائية في كل حي من الأحياء ممن يسكنه ممن ينتسب إلى أهل البيت عليهم السلام، لا سيما الفقراء منهم من أجل تقسيم الخمس عليهم، وليس ذلك بمستحيل .(1)

أقول: ما اقترحه من القيام بعمل إحصائي كان أمراً رائجاً في القرون الإسلامية الأُولى، وكان للطالبيين نقابة خاصة، وقد تولّى الشريف الرضي (359- 406 ه) مثلًا النقابة لمدة تزيد على


1- الخمس جزية العصر: 86.

ص: 131

العشرين سنة، ثم تولّاها أخوه المرتضى (355- 436 ه) واستمرت النقابة إلى عصر السيد ابن طاووس (المتوفّى 664 ه)، ولما سقطت الخلافة العباسية على يد هولاكو، وجاء دور الملوك انخفض دور النقابة بشكل واضح، وعلى الرغم من ذلك ففي كل بلد من بلدان الشيعة يوجد علماء يرجع إليهم السادة الفقراء في أخذ حقوقهم ونصيبهم من الخمس.

والعجب ان الكاتب يصف الخمس بأنّه سياسة فرعونية ثم يأتي هنا بوضع برنامج لتوزيعه على مستحقيه، فهل هناك أكثر شناعة من هذا التناقض.

2. قال: الواقع المشاهد أن كل مجتهد يحق له استلام الخمس دون النظر إلى كونه ينتمي إلى بيت النبي صلى الله عليه و آله و سلم أم لا، بل دون النظر حتّى في كونه عربياً أم اعجمياً، مع أن نص الآية يذكر قيد «ذي القربى» لا «ذي الفتوى» فبأي حق يكون له نصيب فيه؟

أقول: ما ذكره يعرب عن عدم إلمامه بالفقه الشيعي، لما ذكرنا من أن الخمس يقسم إلى قسمين: الأوّل منه يُصرف في فقراء آل البيت ومساكينهم وأبناء سبيلهم.

والقسم الثاني- الّذي هو للَّه وللرسول صلى الله عليه و آله و سلم ولذوي

الخمس فريضة شرعية،

ص: 132

القربى- يُسلَّم إلى الإمام في عصر الحضور، وإلى نائبه في عصر الغيبة، وبذلك يظهر لك ضعف منطقه- حيث يقول:

من دون النظر في كونه عربياً أم أعجمياً، وكأن العربية شرط للنيابة، والأعجمية مانعة عنها.

وافحش من ذلك قوله: أن نص الآية يذكر قيد ذي القربى لا ذي الفتوى.

نعم انّه سبحانه يقول الأوّل دون الثاني ولكن غيبة ذي القربى سببت لان يقوم مقامه ذو الفتوى وهو المجتهد الجامع للشرائط.

3. قال: هل كان الفقهاء في زمان الخليفة الراشد علي عليه السلام في المناطق البعيدة كالحجاز ومصر وخراسان يأخذون خمس مكاسب الناس في تلك الامصار باعتبارهم نواباً للإمام.

أقول: قد عرفت أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قد ركز على دفع الخمس من المغنم والغنيمة، وقد تبيّن أن المراد ليس الغنائم المأخوذة من الكفار.

وأما عدم أخذ الخمس في عصر الخليفة الراشد عليه السلام إذا صحّ، وأيّده الدليل التاريخي- مع أن الكاتب لم يذكر دليله- فلعل

ص: 133

ذلك لأجل أن الخلفاء قبله قد أسقطوا سهم اللَّه ورسوله وسهم ذي القربى من خمس الغنائم، وبذلك خالفوا الكتاب العزيز، أفيمكن بعد ذلك إلزام الناس بدفع الخمس من أرباح المكاسب وغيرها؟

ولكنك عرفت وجود جهاز مالي لأئمة أهل البيت عليهم السلام يستلمون الخمس من الناس.

4. قال: ولنا سؤال آخر: إذا كان المقلد يعطي (خمسه) إلى الفقيه، فلمن يعطي الفقيه (خمسه)، إذا لم يكن من ذرية (أهل البيت)؟ أو كان أعجمياً ليس بعربي؟!

أقول: يجب علينا أن نمر على هذا السؤال وعلى ما يتبعه من أسئلة تنبع عن حقده على العلماء، وبالأخص إذا كانوا غير عرب.

فما ذكره عصبية جاهلية لا تمتّ للإسلام بصلة، وأنا أضمنّ بوقتي وبأوراقي من أن أقوم بالاجابة على هذه الأسئلة، الّتي منها افتراءات على الفقهاء والعلماء، واللَّه سبحانه يؤاخذه بها ويحاسبه عليها.

وها نحن نجعجع بالقلم عن الإفاضة في مناقشة هذا الكتاب.

الخمس فريضة شرعية،

ص: 134

والحمد للَّه ربّ العالمين وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

جعفر السبحاني

قم/ مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام

20 شهر رمضان المبارك 1429 ه

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.