ائمة الوهابية

اشارة

نام كتاب: أئمة الوهابية

نويسنده: صالح الورداني

موضوع: اعتقادات و پاسخ به شبهات

زبان: عربي

تعداد جلد: 1

ناشر: نشر مشعر

مكان چاپ: تهران

نوبت چاپ: 1

ص:1

اشاره

ص:2

ص:3

ص:4

ص: 5

المقدمه

بسم الله الرحمن الرحيم

ليس هذا الكتاب مُوجَّه لأئمّة الوهابية بقدر ما هو مُوجَّه لأفكارهم وعقائدهم، وذلك هو مكمَن الخطر الذي يشكِّله هؤلاء على الإسلام والمسلمين.

ومكمَن الخطر في هذه الأفكار والمعتقدات، أنَّها تُمثِّل ذلك النهج المُتشدِّد واللاعقلاني، المُغالي في القشور والشَكليَّات، الذي يقوم على الإرهاب والتطرُّف في مواجهة المُخالفين، والذي رفع لواءه من قَبلُ الخوارج، ثُمَّ الحنابلة من بعدهم، وحاول إحياءه ابن تيمية، وقُدِّر لمحمّد بن عبد الوهاب أنْ يبعثه من جديد، بسيوف آل سعود ونفطهم.

وهو نهج أسهَمَ في زرع بذور الفرقة والشِقاق بين المسلمين، وأسهمَ في تخلُّف الأُمَّة وانحطاطها. وأئمَّة الوهابية المعاصرون إنَّما يُمثِّلون نسخة جديدة من الخوارج، وابن حنبل، وابن تيميّة، وابن عبد الوهاب، أولئك الذين سلَّطوا سيوفهم وألسنتهم على المسلمين، بدلًا من أنْ يُسلِّطوها على أعداء الإسلام.

ولقد كان الدافع الأكبر الذي دفعني للتصدِّي لهؤلاء، هو ذلك العُفْن والتطرُّف والتخلُّف الفكري الذي يسود واقع المسلمين، بسبب الطرح الوهابي الذي يتحدّثون بلسانه، ويدعون له ويباركونه، ذلك الطرح الذي تمكَّن من اختراق المؤسَّسات، واستقطاب الرموز الإسلاميّة ببركات النفط.

ص: 6

وما زاد الأمر سوءاً، بروز العديد من الفقهاء الصغار، حَمَلَة الأسفار، الذين تربُّوا في أحضان أئمَّة الوهابية ثُمَّ تمرَّدوا عليهم، ليُحدثوا البلبلة في صفوف المسلمين، ويُحدثوا شرخاً كبيراً في جدار الوهابية المعاصرة، ويُضيفوا أزمةً جديدة إلى أزماتها.

من هنا، فإنَّ كتابي هذا، ليس إلّا محاولة لدَقِّ ناقوس الخطر، من أجل تنبيه المسلمين إلى المؤامرة التي ينسج خيوطها من حولهم أعداء الإسلام، بواسطة آل سعود، تحت ستار التوحيد، مُستخدمين أئمّة الوهابية كأداة لتنفيذها.

والهدف من هذه المُؤامرة هو أنْ تصبّ الحركات والمؤسّسات والرموز الإسلاميّة في مَصبِّ القوى الكافرة المتربِّصة، التي تتزعّمها أمريكا وحلفاؤها، الذين يقفون من وراء آل سعود، قرن الشيطان في هذا الزمان.

الهدف من هذه المُؤامرة هو أنْ يتحوَّل الإسلام إلى هيكل فارغ، لا قُدرة له على التأثير والمقاومة، وهذه هي حقيقة الإسلام الوهابي السعودي الذي يدعو له أئمَّةالوهابية، ويسعون إلى تثبيتِه في واقع المسلمين.

اللَّهمّ هل بلّغت؟ .. اللَّهم فاشهد.

صالح الورداني

هذا دِينُهم

اشارة

ص7

هل حقّاً الوهابيّون يُمثِّلون الإسلام؟!

وهل الإسلام قد أوى إلى السعودية، ولم يعُد له وجود في البُقاع الأُخرى؟!

هذا ما يدعو إليه ويؤكِّده ابن باز وأتباعه إلّا أنَّ الحقيقة غير ذلك تماماً.

إنَّ الوهابيّين لا يُمثِّلون سوى أُطروحة شاذّة، برزت في التاريخ الإسلامي على يد الحنابلة، ثُمَّ ضُربت بعد سقوط الدولة العباسيّة، وقام بإحيائها- في عصر المماليك- ابن تيمية، ثُمَّ ضُرب، وضُرب من بعده تلامذته؛ ابن القيِّم، وابن كثير، وغيرهما، حتّى جاء محمد بن عبد الوهاب في العصر الحديث، فبعثَ هذه الأطروحة، ولولا مساندة ابن سعود وأبنائه من بعده، لكان مصيرها، ومصير محمّد بن عبد الوهاب، هو مصير الحنابلة وابن تيمية من قبله.

إنَّ المسألة في أساسها لُعبة من ألاعيب الحكّام، الذين لا مصلحة لهم سوى الحفاظ على عروشهم ونفوذهم وسلطانهم، وكما رأى العباسيُّون- من قبلُ- مصلحتهم في دعم التيّار الحنبلي، رأى آل سعود نفس الرأي اليوم.

وعلى هذا الأساس، يُمكن القول: إنَّ الأطروحة الحنبليّة، التي تسمَّت بأهل السُنّة فيما بعد، هي أطروحة حكوميّة، تلقّفها الحُكّام من بعد، وتحصَّنت هي بهم.

ص: 8

من هنا، وبدعم الحُكّام من آل سعود، ومَن سار في ركابهم، تحقَّق للوهابيِّين الحنابلة، ولأوَّل مرّة في التاريخ، انتشارٌ وشيوع لم يكونوا يحملون به، وذلك كلّه بفضل وبركات النفط، وليس لأيِّ سبب آخر.

وكان هذا الشيوع والانتشار هو الذي صوَّر للوهابيِّين أنَّهم مُمثِّلو الإسلام، والناطقون بلسانه، وهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، تماماً كما تبنّى هذا التصوّر، من قبل، أجدادهم من الحنابلة، الذين دعمهم المتوكّل العباسي وغيره من حكّام بني العبّاس، وأطلقوا على أنفسهم اسم «أهل السُنّة والجماعة»، كأنّ مَن خالفهم وسلك غير سبيلهم، لا صلة له بالسنّة والجماعة.

وحتّى تتّضح الحقيقة، لا بدَّ لنا من عرض نموذج الإسلام الذي يطرحه الوهابيّون اليوم، ويرفع رايته ابن باز وتلامذته:

القاعدة الاولى

القاعدة الأُولى التي يقوم عليها هذا الإسلام هي: احتكار الحقِّ وتكفير المُخالفين من الاتّجاهات الإسلاميّة الأُخرى، مثل: الشيعة، والصوفيّة، والإخوان المسلمين، والإباضيّة، والزيديّة، وغيرهم ..

فهذه الاتّجاهات، وما شابهها، تلتزم بالكتاب والسنّة، لكنْ في نظر الوهابيّين، هي تلتزم بكتاب آخر غير كتاب الله، وسنّة أُخرى غير سنّة رسول الله (ص)؛ ففي منظورهم الضيّق: أنَّه ما دام هؤلاء- أي الفِرق الأُخرى- لا يؤمنون بأنَّ الله في السماء، وأنَّ له يداً وقَدَماً وعيناً، ويفرح ويضحك، ويهبط إلى الدنيا ويصعد إلى السماء كل يوم، ويمكن للمرء أنْ يراه يوم القيامة ويُكلِّمه ..

ولا يؤمنون ببطلان القباب والأضرحة والزيارات للأئمّة والأولياء، والاحتفالات التي تُقام لتخليد ذكراهم ..

ص9

ولا يؤمنون بهذا الكَمِّ المتناقض من الروايات المنسوبة للرسول (ص)، والتي تتناقض مع القرآن والعقل، وتحطّ من قدرِ الرسول، وتُشكِّك في دعوته ..

ولا يؤمنون بتحريم ما حرَّموه، من التصوير والآثار، وحلق اللحية، وارتداء الأزياء الإفرنجية، وعمل المرأة، والأحزاب، والعمل السياسي، والعطور الإفرنجية، والتأمين، والتعامل مع البنوك، ونقل الدم وبيعه، وغير ذلك من صور التحريم التي ابتدعوها، على أساس رواية أو رأيٍ من آراء الحنابلة القدامى أو المعاصرين ..

ولا يؤمنون بتعظيم الصحابة، حابلهم على نابلهم، دون تمييز ودون انتقاء؛ باعتبار أنَّ الجميع عدول وعلى درجة واحدة، ويُقتَدى بهم جميعاً دون أدنى شكّ (1)

ما دام هؤلاء لا يؤمنون بمثل هذه الأمور، ويستخدمون عقولهم في رفضها أو إعادة النظر فيها، أو التردّد في قبولها؛ فهم ليسوا على الكتاب والسنّة، وليسوا مسلمين، بل مشركون كفّار زنادقة، حُكمهم حُكم المُرتدّ.

القاعدة الثانية

رفض العقل وزَندَقة أصحاب العقول؛ سيراً مع قول إمامهم أحمد بن حنبل: «لأنْ آخذ بالحديث الضعيف، خير لي من أنْ أقول برأيي». والتزاماً بأقوال مُجدِّد أطروحته، ابن تيمية: «إنَّ عُمدة كل زنديق ومنافق إبطال حديث الرسول والطعن فيه .. وإنَّ الطاعن في السلف، طاعن في الرسول .. وإنَّ المنطق لا يأمر بالتوحيد وعبادة الله، بل يأمر بالشركِ وعبادة الكواكب» (2)

من هنا، فيجب على المرء أنْ يُلغي عقله، ويعيش بعقل الماضي، الذي يُلزمه بتقديس السَلَف، والإيمان بصحّة رواياتهم التي نقلوها لنا عن الرسول (ص)، وعدم الارتياب فيهم، واعتقاد كونهم طبقة مثالية عالية لا نظير لها.


1- انظر: نماذج من فتاوى أئمّة الوهابية آخر الكتاب.
2- انظر: نقض المنطق، لابن تيمية.

ص10

وعلى أساس هذه القاعدة، تمَّ تجريم الرأي وزندقة صاحبه وإراقة دمه؛ باعتبار «أنَّ الذين يخوضون في مثل هذه الأمور، يخوضون في الإسلام، ويعملون على هدمه»، وكأنَّهم بهذا يؤكِّدون أنَّ الإسلام دين يقوم على الرجال، لا على النصوص.

القاعدة الثالثة

القشرية أو تضخيم الفروع على الأصول؛ فقضية (اللّحية/ وتقصير الجلباب/ ووجه المرأة/ والملابس الإفرنجية/ وعمل المرأة/ والأضرحة/ والمواليد/ والعطور الكحولية/ والتأمين/ والتعامل مع البنوك/ والدخان/ وأصحاب الديانات الأُخرى) هي شغلهم الشاغل، وهي أُمَّهات الدين عندهم.

فهم لا تشغلهم قضايا الأُمَّة، ولم يفكّروا يوماً في جهاد اليهود في فلسطين، أو الأمريكان الذين احتلّوا جزيرة العرب، أو حتّى إصدار الفتاوى التي تدفع بالمسلمين نحو جهاد هذا العدوّ، بل إنَّ شيخهم (ابن باز) أفتى بجواز الصُلح مع اليهود والاعتراف بهم، وبجواز الاستعانة بالأمريكان.

ولقد قاد الوهابيّون من قبل حملة الجهاد في أفغانستان، ليس لأنَّ الجهاد من اهتماماتهم؛ ولكنْ لأنَّ تلك كانت إرادة أسيادهم الأمريكان، الذين وجَّهوا حُكّام النفط نحو أفغانستان، والذين وجَّهوا بدورهم فقهاء النفط ليرفعوا راية الجهاد ضدّ الشيوعية هناك، وكانت أدواتهم في ذلك الجماعات الوهابية، التي استقطبوها واستغلّوها، ورسموا لها الطريق نحو الجنّة الموعودة، عن طريق بوّابة أفغانستان.

والحقيقة أنَّ ما كان يجري في أفغانستان لا صلة له بالإسلام، بل هو في حقيقته صراع بين الشيوعيّين والقبائل، انتهى بانتصار القبائل بالدعم الأمريكي، ثُمَّ تحوَّل في النهاية إلى صراع بين القبائل، بعضها مع البعض الآخر.

وقد أكّدت الإحصائيّات أنَّ عدد القتلى في المعارك الضارية بين القبائل، من أجل الفوز بالحكم، هو أكثر بكثير من عدد القتلى على أيدي الشيوعيين!

ص11

فأين الإسلام في هذا؟! وما هو رأي ابن باز في هذه النتيجة؟!

وشي ء آخر دفع بالوهابيِّين لنصرة أفغانستان؛ وهو أنَّ الذين رفعوا راية المواجهة مع الشيوعيين هناك، كانوا على شاكلتهم وعلى عقيدتهم، قد تشبَّعوا بالفكر الوهابي الفارغ المضمون، وأطلقوا اللحى وقصّروا الثياب، ونقَّبوا النساء وأدُّوا الصلوات، ثُمَّ صاحوا الله أكبر .. حيّ على الجهاد. وهم الآن يصيحون صيحة الجهاد في وجه الشيوخ والنساء والأطفال، الذين نُكبوا فيهم وفُجعوا بهم.

إنَّ القشرية والسطحيّة هي التي دفعت بهذه الجماعات المُضلِّلة نحو أفغانستان، ولو كان هؤلاء يفهمون، لتوجَّهوا بأسلحتهم وعتادهم نحو فلسطين، أو حتّى جنوب لبنان إلّا أنَّ هذا لا يصحّ، فالجهاد في فلسطين أو في جنوب لبنان، يحتاج إلى فتوى من ابن باز، وتأشيرة من آل سعود، وحتّى الآن لم تصدر مثل هذه الفتوى، ولن تصدر؛ فالشيخ الضرير أنهى المسألة بالاعتراف بإسرائيل.

القاعدة الرابعة

القاعدة الرابعة هي أنّ الإسلام جاء للرعيَّة لا للحُكّام أي: أنَّ قضيّة الحُكم والحُكّام لا تشغلهم ولا تعنيهم؛ فالإسلام جاء لتقويم الرعيّة والقصاص منها، أمّا الحكّام، فهم في مَعزَل عن التقويم والقصاص.

إنَّ الوهابية منذ أنْ وُجدت وهي تقتصّ من العباد، وتنتقم من المسلمين، وتسلّط سيوفها عليهم، لا على أعداء الله.

وابن باز، كبير فقهاء الوهابية، لم نسمع له من فتوى ضدّ أعداء الإسلام والمسلمين، أو ضدّ آل سعود، وقد تولّى القضاء مدّة أربعة عشر عاماً. فهل اقتصّ يوماً لمظلومٍ من آل سعود، أو أقام الحدّ على أمير من البيت الحاكم؟

لم يحدث شي ء من هذا، لا بالأمس ولا اليوم، الذي زادت فيه مُنكرات آل سعود وطغيانهم، وانحرافاتهم التي توجب تصدّي الشرع لهم.

ص12

لقد أنشأ الوهابيّون محاكم التمييز لإرهاب الناس في جزيرة العرب، وقطع رقبة كلّ مَن تُسوِّل له نفسه الخروج عن خط الوهابيين.

والعجيب أنَّ آل سعود، بعد أنْ استتبَّ لهم الأمر، واستثمروا الحركة الوهابية من أجل السيادة والسيطرة على الجزيرة العربية، وتسميتها باسم عائلتهم؛ ضربوا الوهابية عرض الحائط، ولم يعد لها أثر في مواقفهم وممارساتهم، حتّى أنَّهم أصبحوا صورة طبق الأصل عن سائر الحكّام العلمانيّين الذين يسيطرون على دول العالم!

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هو موقف ابن باز من هذا الانحراف؟

ولماذا لم يتصدَّى له؟

والإجابة ببساطة: إنَّ الإسلام الوهابي لم يأتِ للحكّام، إنّما جاء للرعيّة المُعوجَّة؛ من أجل تقويمها وتأديبها، وقطع يدها ورقبتها.

هذا هو دين حنابلة العصر الوهابيين، كما كان دين حنابلة الأمس السلفيّين، وهذه هي قواعده. وهو- على ما يبدو- دين لا يصلح لمواجهة العصروالاستقرار على واقعه.

ويمكن تلخيص ملامحه فيما يلي:

* التعصّب والانغلاق.

* القِشرية والسطحيّة.

* الغِلظة والعدوانية.

* الكهنوتية أي: (احتكار الدِّين).

* الطَبقية أي: (التمييز بين الحاكم والرعيّة، وإعلاء الحاكم فوق الرعيّة).

* ضرب العقل وتطويقه.

البِدعةُ والسَيف

اشاره

ص13

اشاره

«ألا وإنَّ الفتنة ها هنا، من حيث يطلع قَرن الشيطان»

رواه البخاري ومسلم (1)

إنَّ من السَذاجة تصوّر أنَّ نصرة آل سعود لمحمّد بن عبد الوهاب كانت لوجه الله، ومن أجل رفع راية الإسلام؛ فقد كانت دولة الخلافة العثمانية قائمة، ويتربَّص بها الأعداء من كل جانب، وكان من الأَوْلَى لابن سعود أنْ ينصر العثمانييّن على المشركين، من بني الفرِنْجَة الصليبيّين، لا أنْ ينصر ابن عبد الوهاب على المسلمين.

لقد كان من الأسهل لابن سعود أنْ يُحقّق حلمه، ويقيم دولته، على حساب محمد ابن عبد الوهاب، من أنْ يُقيمها على حساب العثمانيّين؛ فالأُولى يسيرة التكاليف، والثانيةباهظة التكاليف.

من هنا، يجب أنْ نُنحِّي الحسابات الدينية جانباً في تاريخ آل سعود، ومساندتهم للحركة الوهابية.

الدَمُ .. الدَم. والذَهَبُ .. الذهب


1- صحيح البخاري، ج 2، ص 23.

ص14

ولعلّ الرُؤية تتّضح أمامنا، حين نُلقي الضوء على أوّل لقاء تمَّ بين محمد بن عبدالوهاب، وبين محمد بن سعود، أمير الدرعيّة (1)

يُروى أنَّ ابن سعود دخل على ابن عبد الوهاب في دار ابن سويلم، الذي أجاره في بيته، بعد أنْ طُرد من بلدته بسبب أفكاره المتطرّفة، قائلًا:

أبشِر بالخير والعزّ والمنعة.

وكان جواب ابن عبد الوهاب ما يلي:

وأنت .. أبشِر باليُمن والغلَبَة على جميع بلاد نَجْد.

وتطرّق إلى البدع المُتفشّية في نجد، التي قرَّبتهم إلى الشِّرك بالله، وما عليه أهلها من الخلافات والجور والظّلم.

قال ابن سعود: أبشر بالنصر، لما أمرت به، والجهاد على مَن خالف التوحيد، ولكن اشترط عليك شرطين:

الأوّل: إذا نحن قمنا بنصرتك والجهاد في سبيل الله، وفتحَ الله لنا ولك البلاد؛ لاترحل عنّا، ولا تستبدلنا بغيرنا.

الثاني: إنّ لي على أهل الدرعيّة خراجاً، آخذه منهم في وقت اقتطاف الثمار؛ فلا تمنعني عن استيفائه منهم.

فقال ابن عبد الوهاب: أمّا الأُولى، فامدُد يدك أُبايعك.

فمدّها له، وقبض عليها الشيخ وقال: «الدم بالدم .. والهدم بالهدم».

وأمّا الثانية، فلعلّ الله يفتح لنا الفتوحات، فيُعوّضك من الغنائم ما هو خير منها.


1- الدرعية: قرية صغيرة في وادي حنيفة قرب الرياض، اتّخذها آل سعود مقرّاً لحكمهم، بعد أن وسّعوا نفوذهم وملكهم على حساب القبائل والقرى المجاورة، وقد اتّخذها ابن عبد الوهاب مقرّاً له.

ص15

فقال ابن سعود: لقد حلَلت أيّها الشيخ في بلد خير من بلدك، فلا تخشى أعداء الله، ولو انطبقت علينا نجد كلّها، ما أخرجناك عنّا (1)

ثُمَّ قام ابن سعود بنقل ابن عبد الوهاب إلى منزل خاص إلى جواره، وقاما سويّاً يخطّطان.

ابن عبد الوهاب لأفكاره.

وابن سعود لمُلكه.

ولنا على هذا الحوار، الذي دار بين ابن سعود وابن عبد الوهاب، عدّة ملاحظات، هي:

أوَّلًا: إنَّ ردّ محمد بن عبد الوهاب على ابن سعود، ردٌّ مثير للرَيبة، وبدا وكأنَّه ردّ جاهز في مواجهة إغراء ابن سعود له بالخير والعزّ والمِنعة. وما هكذا تكون ردود أصحاب الدعوات:

«أبشر باليُمن والغلبة على جميع بلاد نجد»! فإنَّ مثل هذا، يُشير بإصبع الاتّهام إلى محمد بن عبد الوهاب:

هل هو صاحب دنيا .. أمْ هو رجل يريد لدعوته أنْ تسود بأيِّ مُعين؟!

ونحن مع الاحتمال الثاني، وهو أنَّ ابن عبد الوهاب يريد استقطاب ابن سعود إلى صفّه، عن طريق إغرائه بالمُلك والسيطرة.

إلّا أنَّ السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو:

من أين لابن عبد الوهاب هذه النبوءة لابن سعود، بمُلك نجد؟!

وهل كان ابن عبد الوهاب مُتيقّناً من نجاح دعوته إلى هذا الحدّ، أم أنَّه يتمثّل خطى الرسول (ص) من بداية دعوته؟!

والجواب حاضر عند الوهابيّين، فهم يعتبرون أنَّ اتّفاق ابن عبد الوهاب وابن سعود بمثابة البيعة الكبرى. أي أنَّ ابن عبد الوهاب يُمثِّل الرسول، وابن سعود يُمثِّل


1- تاريخ الجزيرة العربية في عصر محمد بن عبد الوهاب، حسين خزعل، ص 161.

ص16

الأنصار حين قالوا للرسول (ص): إنَّ بيننا وبين الرجال حبالًا، وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أنْ ترجع إلى قومك وتدعنا. فابتسم النبي ثُمَّ قال: (بل الدم بالدم، والهدم بالهدم، أنا منكم وأنتم منّي) (1)

ومعنى هذا: أنَّ ابن عبد الوهاب، في نظر الوهابيّين،صاحب نبوءة ويقين، وهو كرسول الله، يسير في حِمى الله ورعايته. أليس هو رافع راية التوحيد التي رفعها الرسول؟ (2)

إلّا أنَّ الوهابيّين فاتهم أنَّ رسول الله (ص) لم يستقطب الأنصار بالمال والمُلك، ولم تكن وسائل الإغراء المادّي أسلوبه وطريقته. ثُمَّ إنْ كانت من أسلوبه وطريقته فهل يحقّ لابن عبد الوهاب أنْ يُقارن نفسه برسول الله (ص) ويقول مقالته: «بل الدم بالدم، والهدم بالهدم»؟!

وإذا ثبت أنَّ رسول الله قال هذه المقالة، فهو رسول ينطق بالوحي وبالغيب في مواجهة قوى مُشركة، أباح الله له مقاتلتها فهل ابن عبد الوهاب لديه ميثاق من الله بإباحة دماء المُخالفين له، من المسلمين الرافضين دعوته؟!

لو أنَّ هذه المقالة قالها ابن عبد الوهاب في مواجهة الإنكليز والفرنسيّين، الذين كانوا يتربّصون بالمسلمين في زمانه، وأنَّ سيف ابن سعود سوف يُسلَّط عليهم؛ لكان من الممكن أنْ تمرّ هذه المقالة دون اعتراض؛ حيث لا شُبهة شرعية في ذلك. لكنَّ المسألة تنحصر في كون ابن عبد الوهاب وضع نفسهمكان رسول الله 9، وجعل رايته هي رايته.


1- انظر: سيرة ابن هشام، ج 2، ص 291.
2- يقيس الوهابيّون محمّد بن عبد الوهاب برسول الله 9 دائماً، ويعتقدون أنّ ما حدث للرسول حدث له، وهم يقارنون بين محاولة اغتيال محمّد بن عبد الوهاب، وحادثة سراقة مع الرسول، وطرد ابن عبد الوهاب من حريملا، وطرد الرسول من مكة، وهجرة ابن عبد الوهاب إلى العيينة، وهجرة الرسول إلى المدينة. انظر كتاب: محمّد بن عبدالوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه، ط السعودية، يُهدى ولا يباع. والعلماء هنا هم علماء الحنابلة ومَن سار على درب الوهابية بالطبع.

ص17

ثانياً: ما هي مشروعيّة هذا الخراج الذي كان يحصّله ابن سعود من أهل الدرعيّة، وهل يحقّ لابن عبد الوهاب أنْ يبشِّر ابن سعود بغنائم تعوّضه عنها؟

وما مدى مشروعيّة هذه الغنائم؟

والإجابة عند ابن عبد الوهاب، الذي بشَّر ابن سعود بالفتوحات؛ والفتوحات لابدّ أنْ تعقبها غنائم، والغنائم لا تكون إلّا من المشركين، أعداء راية التوحيد التي يرفعها محمد بن عبد الوهاب!!

بعد ذلك .. سالت الدماء، وجُمعت الغنائم؛ بلسان ابن عبد الوهاب، وسيف آل سعود.

وبدأت غزوات الوهابيّين تتواتر، وغنائمهم تكثُر، ورايتهم تعلو في جزيرة العرب وقد اتَّخذوا من الدرعيّة عاصمة لهم، ثُمَّ امتدَّت غزواتهم إلى الشام والعراق وعمان.

ولم تكن جميع غزوات الوهابيّين ناجحة؛ فقد مُنوا بهزيمة مُنكَرة من صاحب نجران، وحوصرت عاصمتهم الدرعيّة، وكادت تسقط لولا أنْ عقدوا صلحاً، بهديّة كانت مائة وعشرين فرساً من جياد الخيل، وأموالٍ كثيرة دُفعت لصاحب نجران حتّى تخلّى عن عزمه بإسقاط عاصمتهم، وعاد إلى موطنه (1)

وقد قام ابن عبد الوهاب بواجبه تجاه هذا الحدث، وخطب في المهزومين مُخفّفاً عنهم مرارة الهزيمة، مُمنِّياً إيّاهم بالنصر في المعارك المقبلة، وتلا عليهم الآيات التالية:

(وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ الأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ) (2)


1- تاريخ الجزيرة العربية، ص 251، وصاحب نجران كان يتمذهب بالمذهب الزيدي
2- آل عمران: 139- 141

ص18

ثُمَّ ذكّرهم بما وقع للنبي (ص) في غزوة أُحد (1)

ويبدو- من خلال هذه النصوص التي استشهد بها محمد بن عبد الوهاب- موقفه بوضوح تجاه المُخالفين له، المناهضين لدعوته، أنَّهم في عِداد الكفّار المشركين، الذين سوف يمحقهم الله، وأنَّ ما حدث من هزيمة على يد النجرانيين المشركين، حدث من قبلُ للرسول في أُحد، على يد المشركين أيضاً!

مع الإنجليز لا مع المسلمين

لمّا زادت جرائم آل سعود والوهابيّين، وكثُرت مذابحهم وتخريبهم في جزيرة العرب، حرّكت دولة (الآستانة) العثمانية محمّد علي في مصر، لوضع حدّ لنشاط العصابات الوهابيّة وسفكها للدماء. واقتحمت القوّات المصريّة مناطق الوهابيّين، ودخلت في صدامات معهم، انتهت بهزيمتهم وسقوط عاصمتهم الدرعيّة، وفرار قادتهم من آل سعود (2)

وبذلك سقطت الدولة السعودية الأُولى، بعد مضيّ سبعين عاماً على المعاهدة التي أُبرمت بين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود.

وبعد انسحاب القوّات المصرية من جزيرة العرب، بدأ آل سعود في البروز من جديد على ساحة الأحداث، بقيادة فيصل بن تركي، وبمعونة الإنجليز، الذين بدأت طلائعهم في البروز بالمنطقة.

وتمكّن فيصل من إعادة بناء الدولة السعودية الأُولى من جديد، بمباركة الإنجليز، حتّى إذا ما تُوفّي، تشتّت البيت السعودي، ودخلت المنطقة في سلسلة من الحروب


1- المرجع السابق، ص 251، وانظر عنوان المجد في تاريخ نجد للمؤرخ النجدي الوهابي، عثمان بن البشير، حوادث عام 1178 ه، ج 1، ص 93 وما بعدها.
2- انظر: تاريخ الجزيرة العربية؛ وتاريخ الجبرتي؛ وخلاصة الكلام في تاريخ أُمراء البلد الحرام، لزيني دحلان. وكانت الحملات المصرية بقيادة طوسون بن محمد علي، ثمّ تولاها إبراهيم ولده من بعد طوسون، وقاد محمد علي إحدى الحملات بنفسه.

ص19

الأهليّة، حتّى ظهر عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل، وتمكَّن- بمعاونة قبائل الإخوان المُتعصّبة للوهابيّة- من فرض سيطرة آل سعود من جديد على جزيرة العرب، وقام بتوقيع معاهدة مع بريطانيا عام 1915، التي عُرفت بمعاهدة العقير، والتي أكّدت مركز آل سعود دولياً في تلك الفترة.

إلّا أنَّ عبد العزيز اصطدم فيما بعد بجماعات الإخوان الوهابية المتعصبة، التي وجدت في سياسته الداخليّة خروجاً على المبادئ الوهابيّة، وقرَّرت التخلّص منه، لكنَّه تمكّن- بمساعدة بريطانيا- من تصفيتها، ليستقرَّ حكمه، ويُعلن قيام الدولة السعودية الثانية، التي سُمِّيت باسمهم رسميّاً، بعد أنْ تحوَّلت إلى مملكة (1)

ومنذ ذلك الحين، دخل آل سعود مرحلة جديدة، كما دخل التيّار الوهابي مرحلة جديدة أيضاً.

كان آل سعود يسعون جاهدين إلى تثبيت ملكهم، وكسب التأييد الدولي، وقدّموا في سبيل ذلك الكثير من التنازلات الدينية. وكان على الوهابيّين أنْ يرضوا بسياسة الأمر الواقع.

وإذا كان آل سعود قد جعلوا السلطة الدينية في أيدي أبناء محمد بن عبد الوهاب، الذين يلقَّبون ب- (آل الشيخ)، إلّا أنَّ هذه السلطة كانت تنحصر في محيط الرعيّة فقط، أي لا صلة لها بالسياسة الخارجية أو الداخليّة، أو العائلة الحاكمة.

ومن هنا، دخل عبد العزيز في ارتباطات وتحالفات مع بريطانيا، دون اعتراض من أحد (2)

ومع دخول فترة الخمسينيات، بدأت المنطقة العربية تدخل في ارتباطات وتحالفات جديدة مع القوّة الجديدة التي بدأت ترث دور بريطانيا، بعد أنْ غربت عنها الشمس، وهي: الولايات المتَّحدة الأمريكية.

مع الأمريكا و اليهود


1- كان ميلاد الدولة الثانية عام 1932 م، وكانت العناصر الوهابية ترفض التحديث والآلات الحديثة، مثل التليفون والراديو. وقد استفزّ هذه العناصر إرسال عبد العزيز ولده سعود ليتلقى العلم في بلاد الشّرك مصر، وقد وصفوها بهذا الوصف؛ لكثرة الأضرحة والمقامات فيها.
2- انظر: السعوديون والحل الاسلامي لجلال كشك، ص 312.

ص20

ودخلت الدولة السعودية، بعد وفاة عبد العزيز، في علاقة خاصّة جدّاً بأمريكا، تولّدت من خلالها علاقة خاصّة باليهود والقوى الصهيونية.

وبظهور النفط، دخل آل سعود عالم المليارات، وأصبحوا من أثرياء العالم، يتحكَّمون في ثروة البلاد، ويوزّعون على الشعب الفتات.

ومن عصر عبد العزيز وحتّى اليوم، أصبحت الدولة السعودية قاعدة تآمريّة على العقل المسلم ..

ويكفي أنْ نعرف أنَّ النظام السعودي كان يدعم حزب الكتائب الماروني، أثناء الحرب الأهلية في لبنان.

ويكفي أنْ نعرف أنَّ النظام السعودي يموِّل الكثير من الأنشطة الدوليّة الخاصة بالمخابرات الأمريكية في العالم.

ويكفي أنْ نعرف أنَّ النظام السعودي هو الذي قاد المؤامرة لإجهاض الثورة الإيرانية، ودفع بدول الخليج لدعم صدام حسين، في حربه ضدّ إيران.

ويكفي أنْ نعرف أنَّ حجم الاستثمارات السعودية في دول أوروبا وأمريكا، تكفي لإنقاذ ملايين المسلمين من الجوع.

ويكفي أنْ نعرف أنَّ إسرائيل، منذ إنشائها وحتّى اليوم، تعتمد على النظام السعودي في احتياجاتها النفطيّة.

ويبدو أنَّ آل سعود ضاقوا بأبناء محمد بن عبد الوهاب في الفترة الأخيرة، فقرّروا التخلّص منهم. فقد أطاحوا بهم من وزارة المعارف، وهيئة كبار العلماء، وحتّى مناصب القضاء، وجاؤوا بابن باز ليقوم بدورهم في خدمة آل سعود، فأثبت جدارته وتفوّق في مهمَّته، حتّى أمسك بزمام جميع المناصب الدينية في الدولة، والنهضة

ص21

الفكرية والثقافية في المنطقة العربية والإسلاميّة، وهو الدور الذي يلعبه أئمَّة الوهابية ومؤسّساتهم التي يقبضون بزمامها.

وقد وقف آل سعود حيارى أمام عدّة نصوص نبويّة واردة في كتب السُنن، تذمّ أهل نجد، وتحذِّر المسلمين من شرّهم. ونَجْد، كما هو معروف، هي موطن ابن عبدالوهاب وآل سعود، ومثل هذه النصوص تُشكِّك المسلمين في آل سعود، وفي الدعوة الوهابية.

من هنا، دفع آل سعود بفقهاء الوهابية ليتصدّوا لهذه النصوص، ويعملوا على تأويلها عن ظاهرها؛ لتحصين أتباعهم، وسدّ الباب أمام خصومهم.

ومن هذه النصوص، قول الرسول (ص): (ألا إنَّ الفتنة ها هنا، من حيث يطلع قرن الشيطان). وقال (ص): (الفتنة من قِبَل المشرق، حيث يطلع قرن الشيطان) (1)

ولقد استثمر آل سعود الحرمين الشريفين في الدعاية لأنفسهم، واستغلال الحجيج ونقل الأفكار الوهابية في بقاع المسلمين، حتّى أنَّ آخر ملوكهم المعاصرين لَقَّب نفسه بخادم الحرمين؛ كي يتستر بهما أمام المسلمين.

إلّا أنَّ الإسلام لا يقرّ هذا كلّه ..

لا يُقِرّ الملكيّة.

ولا يُقرّ التحالف مع المشركين.

ولا يُقرّ إراقة الدماء.

ولا يُقرّ تبديد ثروات المسلمين.

ولا يُقرّ تكفير المُخالفين.

ولا يُقرّ الاستبداد وتصفية المعارضين.


1- انظر: البخاري، كتاب الفتن، باب قول النبي 9، الفتنة من قبل المشرق و مسلم، كتاب الفتن واشراط الساعة. وقد فسّر أئمّة الوهابية المقصود ب- مواضع الزلازل والفتن هي العراق.

ص22

وإذا كان آل سعود يعتبرون أنفسهم خلفاء للمسلمين، كما أوحى لهم أئمّة الوهابية، فإنَّ الخلافة لا تجوز في النجديّين، وإنّما تجوز في القُرَشيّين وحدهم، كما نصَّت على ذلك رواياتهم التي تذمّ نَجْد وأهلها، وتمدح قريش (1)

وكيف لحكمٍ إسلامي، يجعل رايته لا تعكس الصورة الحقّة للإسلام، وإنّما تعكس الإسلام الوهابي، الذي يشكّك في إسلام المسلمين، ويُخيّرهم (إمّا الالتزام به، وإمّا السيف)؟!

أئمَّة الوَهابيَّة او فقاعات نفطيه

كانت ولا زالت الوهابية، ومنذ ظهورها، تفرِّخ لنا العديد من رموز الضلالة والتعصّب، التي أسهمت في تفريق المسلمين، وزرع العداوة والبغضاء بينهم.

وقد أعطى ظهور النفط، وتوفّر الإمكانيّات في جزيرة العرب، دعماً لظاهرة الفقهاء الصغار، من حملة الأسفار، وانتشارهم في واقع المسلمين، وأولئك الصغار كانوا من نتاج أئمَّة الضلالة، من الوهابيّين المُتستِّرين بالسلَف وأهل السنّة، وإجماع الأُمّة.

ونتج عن هذا الأمر تشويه صورة الإسلام، وشيوع الإرهاب والتعصّب بين المسلمين، وفتح الأبواب على مصارعها لأعداء هذا الدِّين، لينالوا منه.

وفي دائرة هذا الباب، سوف نستعرض نماذج من الرموز الوهابية التي فرضت نفسها على واقع المسلمين، وقدَّمت نفسها كشخصيات فقهية تنوب عن السلف، وتتحدَّث بلسان أهل السنّة، الأمر الذي يعدّ أكذوبة من أكاذيب الوهابية، التي خدعوا بها المسلمين.

والحقيقة التي يجب أنْ يدركها المسلمون، أنَّ الوهابية برموزها وعقيدتها، ما كان لها أنْ تبرز ويكون لها وجود، لولا سيوف آل سعود ونفطهم؛ وهو ما يفسِّر لنا بروز


1- انظر: المراجع السابقة؛ ومسلم، كتاب الإمارة.

ص23

هؤلاء الرموز، ونموّهم وترعرعهم في أحضان آل سعود، وتحرّكهم تحت مظلّتهم، وتحالفهم الدائم معهم.

والدعوة التي تعتمد على الحُكَّام لا تدوم، وتسقط عندما يسقطون، وهو ما يكشف لنا أنَّ الوهابية لا صِلة لها بالدين، ورموزها مجرَّد فُقاعات نفطية.

ص24

ابن بَاز

ص25

هل ابن باز من صناعة الواقع أم من صناعة الحُكّام؟

إنَّ الإجابة على هذا السؤال تتبيّن لنا من خلال سرد وقائع حياته، وهي ما جاءت على لسانه كما يلي:

«أنا عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله، آل باز. وُلدت بمدينة الرياض، في ذي الحجّة سنة 1330 ه، وكنت بصيراً في أوَّل الدراسة، ثُمَّ أصابني مرض في عينيّ عام 1346 ه، فضعُف بصري بسبب ذلك، ثُمَّ ذهب به كلياً في مستهل محرّم من عام 1350 ه.

وقد بدأتُ الدراسة منذ الصغر، وحفظت القرآن الكريم قبل البلوغ، ثُمَّ بدأت في تلقّي العلوم الشرعيّة والعربية على أيدي كثير من علماء الرياض، من أعلامِهم:

الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسين بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب.

الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، (قاضي الرياض).

الشيخ سعد بن محمد بن عتيق، (قاضي الرياض).

الشيخ حمد بن فارس (وكيل بيت المال في الرياض).

ص26

الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ. وقد لازمت حلقاته نحواً من عشر سنوات، وتلقّيت عنه جميع العلوم الشرعية، ابتداءً من سنة 1347 ه، إلى سنة 1357 ه، حيث رُشِّحت للقضاء من قِبَل سماحته.

وقد تولّيت عدّة أعمال هي:

القضاء في منطقة الخرج، مدَّة طويلة استمرّت أربعة عشر عاماً وأشهراً، وامتدّت بين سنتي 1357 إلى عام 1371 ه. وقد كان التعيين في جمادى الآخرة من عام 1357 ه، وبقيت إلى نهاية عام 1371 ه.

التدريس في المعهد العلمي بالرياض سنة 1372 ه، وكليّة الشريعة بالرياض بعد إنشائها سنة 1373 ه، في علوم الفقه والتوحيد والحديث، واستمرّ عملي على ذلك تسع سنوات، انتهت في عام 1380 ه.

عُيِّنت في عام 1381 ه نائباً لرئيس الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة، وبقيت في هذا المنصب إلى عام 1390 ه.

تولّيت رئاسة الجامعة الإسلاميّة في سنة 1390 ه، بعد وفاة رئيسها الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وبقيت في هذا المنصب إلى سنة 1395 ه.

في 14/ 10/ 1395 ه صدر الأمر المَلَكي بتعييني في منصب الرئيس العام لإدارات البحوث العلميّة والإفتاء والدعوة والإرشاد، برُتبة (وزير)، ولا أزال في هذا العمل، وإلى جانب هذا العمل هناك عضوية في كثير من المجالس العلميّة والإسلامية، منها:

* عضويّة هيئة كبار العلماء.

* رئاسة اللّجنة الدائمة للبحوث العلميّة والإفتاء في الهيئة المذكورة.

* عضوية ورئاسة المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.

* رئاسة المجلس الأعلى للمساجد.

* رئاسة المَجمَع الفقهي الإسلامي بمكّة المكرَّمة، التابع لرابطة العالم الإسلامي.

ص27

* عضوية المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنوَّرة.

* عضوية الهيئة العُليا للدعوة الإسلامية في المملكة.

أمَّا مؤلَّفاتي فهي:

* الفوائد الجليّة في المباحث الفرضية.

* التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة (توضيح المناسك).

* التحذير من البِدَع. ويشتمل على أربع مقالات مفيدة:

1. حكم الاحتفال بالمولد النبوي.

2. ليلة الإسراء والمعراج.

3. ليلة النصف من شعبان.

4. وتكذيب الرؤية المزعومة من خادم الحُجرة النبوية،

5.المُسمَّى الشيخ أحمد.

* رسالتان موجزتان في الصلاة والصيام.

* العقيدة الصحيحة وما يُضادّها.

* وجوب العمل بسُنّة رسول الله (ص)، وكُفر مَن أنكرها.

* الدعوة إلى الله وأخلاق الدُعاة.

* وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه.

* حكم السفور والحجاب ونكاح الشغار.

* نقد القومية العربية.

* الشيخ محمد بن عبد الوهاب (دعوته وسيرته).

* ثلاث رسائل في الصلاة:

1. كيفية صلاة النبي.

2. وجوب أداء صلاة الجماعة.

3. أين يضع المصلّي يديه حين الرفع من الركوع.

* حكم الإسلام فيمَن طعن في القرآن أو في رسول الله (ص).

ص28

* حاشية مفيدة على فتح الباري (شرح البخاري)، وصلتُ فيها إلى كتاب الحجّ.

* رسالة الأدلّة النقليّة والحسِّية على جريان الشمس وسكون الأرض، وإمكان الصعود إلى الكواكب.

* إقامة البراهين على حكم مَن استغاث بغير الله أو صدَّق الكهنة والعرّافين.

* الجهاد في سبيل الله.

* الدروس المهمَّة لعامّة الأُمَّة.

*

ص: 34

فتاوى تتعلَّق بأحكام الحجِّ والعُمرة والزيارة.

* وجوب لزوم السُنَّة والحذر من البدعة.

* أهمِّية التزام الأقليّات المسلمة بالإسلام.

* ما هكذا تُعظَّم الآثار.

* وجوب عداوة اليهود والمشركين وغيرهم من الكفّار.

* الإسلام هو دين الحقِّ وما سواه من الأديان باطل.

* التعريف بالإسلام ومحاسنه.

* خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان العمل.

* نواقض الإسلام.

* الجواب المفيد في حكم التصوير» (1)

ويُلاحظ من خلال استعراض حياة ابن باز ومؤلَّفاته ما يلي:

أوَّلًا: إنَّه وُلد بمدينة الرياض، أحد معاقل النجديّين، وهو بهذا يُشارك آل سعود في المنشأ والموطن.

ثانياً: إنَّ حياته ليس فيها ما يُلفت النظر؛ من حوادث ذات شأن وأثر، أو نبوغ أو


1- أنظر: مقدّمة مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز، طبعة خاصّة لجمهورية مصر العربية. وتأمّل.

ص29

طفرة علمية، فهو قد حفظ القرآن على نظام الكتاتيب، ثُمَّ تتلمذ بعد ذلك على أيدي علماء الرياض، أي: أنَّ نشاطه العلمي لم يخرج عن دائرة نجد.

ومن جهةٍ أُخرى لم يخرج عن دائرة فقهاء الوهابيّة، وبهذا يكون قد رضع الفكر الوهابي منذ نعومة أظافره.

ثالثاً: الشيوخ الستَّة الذين ذكرهم، وغيرهم، لا يخرجون عن دائرة الخطِّ الوهابي، كما هو واضح، وبعضهم من أبناء محمد بن عبد الوهاب. وهؤلاء الشيوخ لا يمثِّلون مدرسة فقهيّة معتمَدة، وإنّما فرضوا أنفسهم على الواقع بعد تمكُّن الدعوة الوهابيّة بسيف آل سعود، وتصفية المدارس الأُخرى.

إذن، هو لم يتجوّل في بلدان المسلمين بحثاً عن العلم والعلماء، وطلباً للفقه وعلومه، كما هو حال فقهاء السَلَف الذين يتمسّح بهم.

رابعاً: يُلاحظ أنَّ المناصب التي أشار إليها، والتي يقبض على زمامها، لا تتلاءم مع قُدرات رجل ضرير، تجاوز السبعين من عمره؛ وهذا إنْ دلّ على شي ء فإنَّما يدلّ على أنَّ المسألة لا صلة لها بالدَّين، وإنَّما هي مسألة حكوميّة تتعلَّق بآل سعود، الذين وجدوا في ابن باز الإخلاص والولاء الذي افتقدوه في أبناء محمد بن عبد الوهاب (آل الشيخ)، والذين ساءت علاقتهم بآل سعود مؤخَّراً؛ ممَّا اضطرّهم إلى العمل على الإطاحة بهم من شتّى المراكز الدينيّة، خاصّة هيئة كبار العلماء، وحتّى الحكوميّة (1)

خامساً: إنَّ مؤلفاته ليست مؤلَّفات بالمعنى العلمي للتأليف، وإنَّما هي مجموعة خُطب وفتاوى، جمعها تلاميذه ونشروها في الآفاق، وتحت شعار: (يُهدَى ولا يُباع).

سادساً: إنَّ هذه الآراء والفتاوى لا تخرج عن دائرة الأمور السطحيّة والقشرية، فضلًا عن كونها لا تخرج عن دائرة الخطِّ الوهابي الحنبلي (2)


1- انظر كتاب: فقهاء النفط.
2- انظر نماذج من هذه الفتاوى في آخر الكتاب.

ص30

سابعاً: إنَّ هذه المناصب الكثيرة التي يتولّاها ابن باز، إنّما تدلّ دلالة واضحة على كونه فقيها حكومياً، لا يختلف عن غيره من فقهاء السلاطين.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف أصبح لابن باز هذا الشيوع والانتشار في بقاع العالم الإسلامي، حتّى أنَّه أصبح الفقيه المعتمَد لكثير من التيارات الإسلاميّة في مصر، وبقاع أُخرى؟

والجواب ببساطة يتلخّص في كلمتين: بركات النفط.

فعَن طريق النفط ارتفع رصيد آل سعود المادّي، وأصبحوا من أثرياء الأرض، وفتحوا الأبواب على مصارعها أمام الخطِّ الوهابي، مذهبهم وحصنهم الحصين، ليتَغَلغَل بين المسلمين في كل مكان، حتّى يُصبحوا أداةً طيّعة لهم، ويُدينوا لهم بالولاء؛ ليُصبحوا في النهاية خلفاء المسلمين في الأرض.

ولقد قالها ابن باز وتلامذته: إنَّ الإسلام الحقّ لا وجود له اليوم إلّا في حماية آل سعود، وفي دائرة بلادهم حصن التوحيد (1)

فعَن طريق الطبعات المجانيّة، ودعم دور النشر، واستقطاب التيّارات والرموز الإسلاميّة، وتوزيع الهبات والعطايا على المؤسّسات والمراكز الإسلاميّة في العالم؛ أصبح الخط الوهابي هو الإسلام، وأصبح ابن باز هو كبير الفقهاء.

والحمد لله أنَّ الخط الوهابي تمكَّن وانتشر بالدرهم والدينار، والحمد لله أنَّ ابن باز أصبح كبير الفقهاء عندما تحوَّل أهل الفقه وأرباب العلم إلى طلّاب دنيا، وفسحوا الطريق لأمثاله؛ إذ لو كان هناك سبب آخر غير هذا مكّن للوهابيّة وابن باز؛ لجزعنا وأنبنا وتُبنا إلى الله توبةً نصوح.

ابن عثيمين

اشاره


1- أنظر كتاب: حقيقة الدعوة إلى الله وما اختصّت به جزيرة العرب، ط السعودية يُهدى ولا يُباع؛ وانظر كتاب: فقهاء النفط.

ص31

اشاره

لا تختلف سيرة ابن عثيمين عن سيرة ابن باز كثيراً؛ فكلاهما نشأ في بيئةٍ واحدة، وتلقّى من مَعين واحد.

البيئةُ هي نجد.

والمَعين هو الوهابية.

إلّا أنَّ ابن عثيمين تتلمذ على يد ابن باز، ليُصبح صورة طبق الأصل منه.

سيرته:

وهذه هي سيرته كما رَوتها المصادر الوهابية:

ولد ابن عثيمين عام 1347 ه، وألحقَه والده ليتعلّم القرآن الكريم، ثُمَّ أقبل على طلب العلوم الشرعية، وكان الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي يُدرِّس العلوم الشرعية، فانضمَّ إلى حلقته حتّى أدرك من العلم في التوحيد، والفقه، والنحو، ما أدرك.

ويُعدّ الشيخ السعدي هو شيخه الأوّل؛ إذْ أخذ عنه العلم، معرفةً وطريقةً، أكثر ممّا أخذ عن غيره، وتأثَّر بمنهجه وتأصيله، وطريقة تدريسه.

ولمَّا فُتح المعهد العلمي في الرياض، التحق به في عامي 1372- 1373 ه. ولقد

ص32

انتفع- خلال السنتين اللّتين انضمَّ فيهما إلى معهد الرياض العلمي- بالعلماء الذين كانوا يدرِّسون فيه حينذاك، ومنهم:

- المُفسِّر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي.

- والشيخ عبد العزيز بن ناصر بن رشيد.

- والشيخ المُحدِّث عبد الرزاق الإفريقي.

وفي أثناء ذلك، اتَّصل بالشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، فقرأ عليه في المسجد من صحيح البخاري، ومن رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية، وانتفع به في علم الحديث والنظر في آراء فقهاء المذاهب. ويُعدُّ الشيخ ابن باز هو شيخه الثاني في التحصيل والتأثُّر. ثُمَّ نال الشهادة العالية، وعُيِّن مدرِّساً في المعهد العلمي بعنيزة عام 1374 ه ولمَّا توفّي شيخه السعدي، تولّى بعده إمامة الجامع الكبير، وإمامة العيدين والتدريس.

وكان يُدرِّس في المسجد الحرام والمسجد النبوي، في مواسم الحجِّ ورمضان والإجازات الصيفية، منذ عام 1402 ه وحتّى وفاته.

وظهرت جهوده خلال أكثر من خمسين عاماً من العطاء والبذل في نشر الوهابية، وإلقاء المحاضرات والدعوة لها، واهتمَّ بالتأليف وتحرير الفتاوى والأجوبة، وصدرت له العشرات من الكتب والرسائل، والمحاضرات والفتاوى، والخطب واللقاءات والمقالات، كما صدر له آلاف الساعات الصوتية، التي سجّلت محاضراته وخطبه ولقاءاته، وبرامجه الإذاعيّة ودروسه العلمية. هذا إلى جانب جهوده في مجالات التدريس والتأليف، والإمامة والخطابة والإفتاء.

وقد عُيِّن عضواً في هيئة كبار العلماء من عام 1407 ه إلى وفاته.

وعُضواً في المجلس العلمي بجامعة محمد بن سعود.

وعُضواً في مجلس كلية الشريعة وأُصول الدين، بفرع جامعة محمد بن سعود الإسلامية في القصيم، ورئيساً لقسم العقيدة فيها.

ص33

وعضواً في لجنة التوعية في موسم الحجّ، من عام 1392 ه إلى وفاته، حيث كان يلقي دروساً ومحاضرات في مكة والمشاعر، ويُفتي في المسائل والأحكام الشرعية.

وكان من علماء مملكة الوهابيّين الكبار، الذين يُجيبون على أسئلة المُستفسرين حول أحكام الدين وأُصوله، عقيدةً وشريعة، وذلك عبر البرامج الإذاعية، وأشهرها برنامج «نور على الدرب».

ومُنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، عام 1414 ه.

وتُوفّي في مدينة جدّة، عام 1421 ه (1)

ويتَّضح لنا، من خلال هذه السيرة، أنَّ ابن عثيمين تربّى وتعلّم وتلقّى في دائرة الوهابيّين، ولم يخرج عن هذه الدائرة، كما هو حال شيخه ابن باز.

ودائرة الوهابيّة ومدارسها غير معتمدة عند المسلمين، وهي مُعتمدة فقط عند آل سعود، فمن ثَمَّ يمكن القول: إنَّه لا يمثّل سوى مذهب الوهابية وعقيدتها، وهو ما يوجب عليه عدم التحدّث بلسان أهل السنَّة والسلَف.

إلّا أنَّ ابن عثيمين تجاوز حدود مذهبه ومملكته، ليجعل من نفسه ناطقاً بلسان الإسلام وأهل السنّة، كما هو حال شيخه ابن باز. فكيف حدث هذا؟!

والجواب هو أنَّه وشيخه قد حلَّت عليهما بركات النفط، التي لم تحلّ على سابقيهم من أئمَّة الوهابية، ممَّا منحهما القدرة على اختراق واقع المسلمين، وإغراقه بآلاف المطبوعات والخُطب والفتاوى، التي تصوِّرهما كأئمَّة مجتهدين ومصلحين، في حين تراجع أمامهما فقهاء أهل السنّة الآخرين، مُفسحين لهما الطريق، تحت ضغط الحكومات التي جذبها بريق ريالات آل سعود.

وابن عثيمين شأنه شأن ابن باز، ليست له إبداعات في عالم التصنيف.

وكيف تكون لهما إبداعات، وهما لا يملكان الأدوات، ولم يقلِّدا أو يتعلَّما على


1- انظر: فتاوى ورسائل ابن عثيمين؛ وانظر: موقع اللجنة العلمية في مؤسّسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية.

ص34

يد أحد من أهل العلم المعروفين، أو يدرسا في جامعة من الجامعات ذات الوزن والتاريخ؟!!

ومسألة التقليد والاتّباع وتلقّي العلم من الآخرين، يعدّها أئمّة الوهابية من البِدع والضلالات، وعندهم الباب مفتوح على مصارعيه للتلقِّي المباشر من الكتاب والسنّة، دون حرج، وهو ما دعم ظاهرة الفقهاء الصِغار وحملة الأسفار، المنتشرة في وسطهم.

من هنا، فإنَّ المتتبِّع لمقالات وفتاوى ابن عثيمين، يتبيَّن له مدى ما يتّصف به من سطحيةِ الفهم، لدلالات وأبعاد ومعاني النصوص، وانغلاق العقل على الماضي، وضحالة الوعي بالواقع، وهي تدور- كما هي سنَّة أئمة الوهابيّين- حول أفكار الحنابلة المتطرّفين القدامى، وابن تيمية، وابن عبد الوهاب، وتتميَّز بالنقل المُفرِط من كتبهم وأقوالهم، بالإضافة إلى السطوِ على أُمّهات كتب أهل السنّة، وتحريفها لتخدم أفكارهم ومعتقداتهم. وإذا ما تجاوزت هذه الدائرة؛ تلقي بسهامها وحرابها على المسلمين المُخالفين، تلك الحراب والسهام التي تطوَّرت اليوم على يد الوهابيّين المعاصرين، لتُصبح قنابل ومدافع (1)

نماذج من مؤلَّفاته

* أسماء الله وصفاته وموقف أهل السنَّة منها.

* حكم تارك الصلاة.

* المنهج لمَن يريد الحجَّ والعمرة.

* شرح العقيدة السفارينيّة.

* تقريب التَدمريَّة.

* شرح العقيدة الواسِطيَّة.

* تلخيص الحَمَوِية.


1- انظر كتاب: ثقافة الإرهاب في كتب الوهابية.

ص35

* عقيدة أهل السنَّة والجماعة.

* القول المُفيد على كتاب التوحيد.

* شرح الأُصول الثلاثة.

* شرح كشف الشُبهات.

* القواعد المُثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى.

* بحوث وفتاوى في المسح على الخفّين.

* رسالة في القضاء والقدر.

* شرح رياض الصالحين.

* شرح الأربعين النوويَّة.

* شرح لُمعة الاعتقاد.

ويبدو لنا أنَّ هذه الكتابات تتركَّز حول تثبيت فكرة التجسيم والتشبيه، التي تبنّاها بعض الحنابلة وابن تيمية في الماضي، وهو ما يتَّضح من خلال ما كتبه حول تقريب الرسالة التدمرية، والعقيدة الواسطية والسَفارينيّة، وتلخيص الفتوى الحَمَوية لابن تيمية، ولُمعة الاعتقاد لابن قدامة، وما كتبه في عقيدته التي نسبها لأهل السنَّة والجماعة.

ويبدو تطرّفه من خلال ما كتب حول حكم تارك الصلاة، وحول كتاب التوحيد وكشف الشبهات، وشرح الأصول الثلاثة لإمامه ابن عبد الوهاب، وحول المُخالفين لعقيدته، وهو ما سوف يبرز لنا بوضوح من خلال استعراض فُتياه.

وقد قام ابن عثيمين، كعادة أئمّة الوهابيّين، وسيراً على سُنّة شيخه ابن باز، بالسطو على كتب أهل السنّة وتحريفها، فتصدَّى لشرح رياض الصالحين للنووي، والأربعين النوويَّة.

ابن جبرين

اشاره

ص36

اشاره

يعدُّ ابن جبرين واحداً من أئمَّة الوهابية المعاصرين، الذين يتميَّزون بالتطرّف والعدوانية في مواجهة المُخالفين. وهو من جهة أُخرى، يعدُّ نسخة مكرَّرة من ابن باز وابن عثيمين، وينتمي لمنطقة نجد التي ينتمي إليها آل سعود وكبار أئمّته.

ويمكن تركيز سيرته فيما يلي:

وُلد عبد الله بن جبرين سنة 1352 ه، وحيث لم تكن هناك مدارس مستمرّة، تأخَّر في إكمال الدراسة، ولكنَّه حفظ القرآن وقرأ تفسير ابن جرير، وكذا تفسير ابن كثير، وقرأ كتاب (التوحيد الذي هو حقّ الله على العبيد)، وأتقن حفظ أحاديثه وأثاره وأدلّته، وقرأ بعض شروحه، وقرأ في الفقه الحنبلي.

ثُمَّ انتقل إلى الرياض وانتظم طالباً في معهد إمام الدعوة العلمي، فدرس ومُنح الشهادة الجامعية عام 1381 ه، وانضمَّ إلى معهد القضاء العالي ودرس فيه ثلاث سنوات، ومُنح شهادة الماجستير عام 1390 ه، وبعد عشر سنين، انخرط في كلية الشريعة بالرياض للدكتوراه، وحصل على الشهادة في عام 1407 ه.

وتعلَّم ابن جبرين عقيدة أهل السنَّة والجماعة والسلَف، فقرأ وحفظ ما تيسَّر من كتب العقائد، كالواسطية للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتلقَّى شرحها من مشايخه

ص38

الذين تعلَّم منهم العلوم الشرعية، فكانوا يفسّرون غريبها، ويوضّحون المعاني ويبيّنون الدلالات من النصوص.

وقد نهج منهج مشايخه في تدريس كتب العقيدة السلفية، فقرأ على يده الكثير من التلاميذ كتب العقائد المختصرة والمبسوطة، كشروح الواسطية للهراس، ولابن سلمان ولابن رشيد، وشرح الطحاوية، ولمعة الاعتقاد، وشروح كتاب التوحيد، وكذا الكتب المبسوطة لابن تيمية، وابن القيم وحافظ الحكمي، وغيرهم ممَّن كتبَ في العقيدة.

أمَّا المذهب في الفروع، فإنَّ مشايخه الذين درس عليهم الفقه، كانوا متخصّصين في مذهب أحمد بن حنبل، ولا يخرجون عنه غالباً، وقد اقتصر عليه، وأكثَر من قراءة كتب الحنابلة والتعليق عليها.

وفي التوحيد والعقيدة، قرأ كتاب التوحيد وشرحه (فتح المجيد)، وكتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية، ومتن العقيدة الحموية، والعقدية الواسطية له أيضاً، وشرح الطحاوية لابن أبي العز، وغيرها.

وقد استفاد أيضاً من مشايخ آخرين في دراسته غير الرسميَّة، وأشهرهم عبد العزيز ابن باز، الذي لازمه في أغلب الحلقات التي يقيمها في الجامع الكبير بالرياض.

وكان ابن جبرين قد بُعث مع دُعاة الوهابية إلى الحدود الشمالية في أوَّل عام 1380 ه-، بأمر الملك سعود وإشارة الشيخ محمد بن إبراهيم، ورئاسة الشيخ عبدالعزيز الشثري مع بعض المشايخ، ولمدّة أربعة أشهر، ابتداءً من حدود الكويت، على امتداد حدود العراق والأردن، وحدود المملكة شمالًا وغرباً، وكثير من مناطق المملكة، وقاموا بالدعوة والتعليم، وتوزيع النُسخ المفيدة في العقيدة وأركان الإسلام.

ثُمَّ عُيِّن مدرّساً في معهد إمام الدعوة في شعبان عام 1381 إلى عام 1395 ه، ثُمَّ انتقل إلى كلية الشريعة بالرياض، وتولّى تدريس التوحيد للسَنة الأُولى، وهو متن كتاب التَدْمُريَّة، وكتبَ عليه تعليقات، كفهرس للمواضيع وعنوان للبحوث، وكذا درَّس أوَّل شرح الطحاوية.

ص39

ثُمَّ في عام 1402 ه انتقل إلى رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، باسم عضو إفتاء، وتولّى الفتاوى الشفهية والهاتفية، والكتابة على بعض الفتاوى السريعة، وقِسم المسائل الفرضية، وبحث فتاوى اللجنة الدائمة.

ثُمَّ قام بتدريس التوحيد والأُصول الثلاثة، وكشْف الشُبهات، والعقيدة الواسطية، ونحوها الكثير .. ورغَّب إليه الشيخ ابن باز أنْ يقوم في غيبته بالصلاة في الجامع الكبير، كإمامٍ للصلوات الخمس، فقام بذلك، وكان يتولّى الصلاة بهم إماماً كل وقت، ماعدا خطبة الجمعة وصلاتها.

من أعماله

* أخبار الآحاد في الحديث النبوي.

* التدخين مادَّته وحكمه في الإسلام.

* الجواب الفائق في الردِّ على مبدّل الحقائق.

* الشهادتان- معناهما وما يستلزمه كلّ منهما.

* الإعلام بكفر مَن ابتغى غير الإسلام.

* محرّمات متمكّنة في الأسرة.

* السراج الوهّاج للمُعتمِر والحاج (1)


1- انظر: مؤلّفات ابن جبرين وموقعه على الإنترنت.

ص40

ابن فوزان

اشاره

ص41

اشاره

وُلد ابن فوزان عام 1363 ه، والتحق بالمدارس الحكومية فأكمل دراسته وعُيِّن معلّماً في الابتدائية، ثُمَّ التحق بالمعهد العلمي وتخرّج منه عام 1377 ه، وبكلّية الشريعة بالرياض، وتخرّج منها عام 1381 ه، ثُمَّ نال درجة الماجستير في الفقه، ثُمَّ درجة الدكتوراه من هذه الكلية، وفي اختصاص الفقه أيضاً.

وبعد تخرّجه من كلية الشريعة، عُيّن مدرّساً في المعهد العلمي في الرياض وكلّية الشريعة، ثُمَّ نُقل للتدريس في الدراسات العُليا بكلّية أصول الدين، وفي المعهد العالي للقضاء، ثُمَّ عُيِّن مديراً للمعهد العالي للقضاء، ثُمَّ عضواً في اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث العلمية، وعضواً في هيئة كبار العلماء، وعضواً في المجمَع الفقهي بمكَّة المكرَّمة، وعضواً في لَجنة الإشراف على الدُعاة في الحجّ.

هذا إلى جانب عمله كإمامٍ وخطيبٍ ومدرِّسٍ في جامع الأمير متعِب بن عبد العزيز آل سعود.

وقد تتلمذ على أيدي ابن باز، وعبد الله بن حميد، والشنقيطي، وعبد الرزاق العفيفي، ومحمد بن سبيل،

وغيرهم ..

من مؤلّفاته

* أحكام الأطعمة في الشريعة الإسلامية.

* الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد.

ص42

* شرح العقيدة الواسطية.

* البيان فيما أخطأ فيه بعض الكتّاب.

* مجموعة محاضرات في العقيدة والدعوة.

* مجموعة فتاوى في العقيدة والفقه.

* نقد كتاب الحلال والحرام في الإسلام.

* التعقيب على ما ذكره الخطيب في حقِّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

* بيان ما يفعله الحاجّ والمُعتمِر.

* الردُّ على الرفاعي.

* الردُّ على فيصل مراد.

* الولاء والبراءة.

* حقيقة التصوّف.

* حكم الاحتفال بالمولد النبوي.

* شرح كشف الشُبهات.

* شرح مسائل الجاهلية.

* شرح القواعد الأربع.

* إعانة المُستفيد- شرح كتاب التوحيد.

*دعوة التوحيد وسهام المُغرضين.

* عقيدة التوحيد.

* أهمِّية التوحيد.

* لمحةً عن الفِرق الضالّة (1)


1- انظر: مؤلّفات ابن فوزان؛ وموقع الإفتاء التابع للّجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

ص43

وكما هو شأن أئمّة الوهابية، تتركَّز معظم كتاباتهم حول إمامهم ابن عبد الوهاب، والعمل على إضفاء الشرعية على أفكاره ومعتقداته، وهو ما يبدو لنا من خلال كتابات فوزان، التي ركَّز فيها على كتاب التوحيد وكشف الشبهات، ومسائل الجاهلية، وشرح القواعد الأربع لابن عبد الوهاب، وحول أهمّية التوحيد وعقيدة التوحيد.

سهام ابن فوزان

ولم ينس ابن فوزان خصوم التوحيد من المسلمين، فوجَّه سهامه نحوهم من خلال كتابه (دعوة التوحيد) و (سِهام المُغرضين) و (لمحة عن الفرق الضالّة) و (حقيقة التصوّف).

والتوحيد الوهابي في حقيقته هو صورة من صُور التجسيم والتشبيه، والشرك والضلال؛ لكونه يعبِّر عن رؤية مُتطرّفي الحنابلة وابن تيمية في الماضي، ورؤية ابن عبدالوهاب التي هي امتداد لرؤيتهم في الحاضر، وهذه الرؤية منبوذة من قِبل أهل السنَّة والمسلمين.

والوهابية منذ قيامها ونشأتها، وهي في خدمة آل سعود وأعداء الإسلام، فأيّ توحيد ذاك الذي يدعون إليه؟!

أمّا التوحيد في مفهوم أهل السنّة، فهو يختلف، بل يتصادم مع النموذج الوهابي، وهو ما دفع بالوهابيّين إلى محاربته ومحاولة تشويهه؛ بهجومهم على الأشاعرة تارة، والماتريديَّة تارة أُخرى، أو مَن سمّوهم بالجهميّة، ثُمَّ على الصوفيَّة ودفع بهم أيضاً إلى التربُّص برموز أهل السنَّة وكتَّابها؛ حتّى إذا ما برز من بينهم كتاب يُبرِز صورة التوحيد الحقيقية، تصدّوا له على الفور، محاولين تشويهه والتعتيم عليه.

كذلك إذا ما برز كتاب يحاول توعية المسلمين بحقيقة ابن تيمية أو ابن عبدالوهاب، أو يدعو إلى الاهتمام بالقضايا الكُبرى التي تهمّ الإسلام والمسلمين؛ فسرعان ما

ص44

يتصدّون له ويردّون عليه، تماماً كما فعل ابن فوزان في مواجهة الشيخ محمد أبي زهرة، وعبد الكريم الخطيب، والبوطي (1)

وأئمّة الوهابية، وعلى رأسهم ابن باز وابن عثيمين وابن فوزان، يسعون دائماً لشغلِ المسلمين بالقشور والشَكليّات، وإبعادهم عن القضايا الكُبرى، وهو ما يبدو بوضوح من خلال كتاباتهم وفتاويهم التي تركِّز على صفات الله، والقبور، والاحتفالات، والصور والملابس، وغيرها من الأمور الشكليّة التي جعلوها من أُصول الدِّين وثوابته.

وهم، كمُقلّدين لابن عبد الوهاب، لابدَّ وأنْ تكون الشكليّات هي شغلهم الشاغل؛ لكون دعوته قد قامت في الأساس على هذه الشكليات، وكلّ مَن يحاول المساس بهذه الشكليات، أو التقليل من قيمتها، لا بدَّ من التصدّي له وبقوّة، واعتباره من المُبتدعين الضالّين.

من هنا أطلق ابن فوزان سهامه وحِرابه على الجميع، حتّى على الوهابيِّين الذين أبدوا بعض الآراء التي تميل نحو التأويل، أو الأشاعرة أو الخَلَف، كالصابوني صاحب كتاب (صفوة التفاسير).

وأطلق سهامه على الدكتور يوسف القرضاوي بسبب كتابه (الحلال والحرام في الإسلام).

وأطلق سهامه على المرأة.

وأطلق سهامه على الشيعة.

إنَّ ردود ابن فوزان تمثِّل لنا نهج أئمّة الوهابية الدائم في مواجهة المُخالفين لهم من أهل السنَّة، الذين لا يُعدّون في نظرهم من أهل السنّة.


1- أبدى الشيخ أبو زهرة بعض الرؤى النقدية في ابن تيمية، في كتابه تاريخ المذاهب الإسلامية، وكذلك أبدى الأستاذ عبد الكريم الخطيب نفس الرؤى في كتابه الدعوة الوهابية، ونفس الرؤى أبداها الدكتور محمد سعيد البوطي في كتابه السلفية مرحلة مباركة لا مذهب إسلامي.

ص45

والوهابيّون منذ بروزهم وهم يحاربون المسلمين من أهل السنَّة وغيرهم، ولايعتدّون بهم، ويعتبرون أنفسهم المُمثِّل الشرعي للإسلام، والفرقة الناجية من النار، ومَن سار على هَدْيهم فهو المسلم الحقّ، ومَن خالفهم فهو المُبتدع الضالّ.

من هنا، كانت حرابهم وسهامهم جاهزة على الدوام ليُرمى بها المسلمون.

وقد طوَّروا أسلحتهم اليوم بعد استعانتهم بالمشركين، وأصبحوا يُطلقون المدافع ويُلقون القنابل على المسلمين في كلِّ مكان، مُستندين على فتاوى أئمَّتهم.

وممّا لفت انتباه فوزان في كتاب (الخطيب) هو: تسميته لدعوة الشيخ بالدعوة الوهابية، وتسميته لأتباعها أيضاً بالوهابية يقول:

«ولعلّ الأستاذ فعل ذلك مجاراةً لخصوم الدعوة، الذين ينبزونها بهذا اللقب لمقصد خبيث لم يتنبّه له، فهذه التسمية خطأ من ناحية اللفظ، ومن ناحية المعنى.

أمّا الخطأ من ناحية اللفظ؛ فلأنَّ الدعوة لم تُنسب في هذا اللقب إلى مَن قام بها، وهو الشيخ محمد، وإنّما نُسبت إلى عبد الوهاب، الذي ليس له أيّ مجهود فيها، فهي نسبة على غير القياس العربي، إذ النسبة الصحيحة هي: (الدعوة المحمدية). لكنَّ الخصوم أدركوا أنَّ هذه النسبة نسبة حسنة غير مُنفرة، فاستبدلوها بتلك النسبة المزيَّفة.

وأمَّا الخطأ من ناحية المعنى؛ فلأنَّ هذه الدعوة لم تخرج عن منهج مذهب السلَف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم، فكان الواجب أنْ يُقال: الدعوة السلَفية؛ لأنَّ القائم بها لم يبتدع فيها ما نُسب إليه، كما ابتدع دُعاة النِحل الضالّة من الإسماعيلية والقرمطية، إذ هذه النِحل الضالّة لو سُمّيت سلفية لأبى الناس والتاريخ هذه التسمية؛ لأنَّها خارجة عن مذهب السلَف، وابتدعها مَن قام بها.

فالنسبة الصحيحة لفظاً ومعنى لدعوة الشيخ محمد عبد الوهاب أنْ يُقال (الدعوة المحمدية)، أو (الدعوة السلفية).

لكنْ لمّا كانت هذه النسبة تغيظ الأعداء، حرَّفوها، ولذلك لم تكن الوهابية معروفة

ص46

عند أتباع الشيخ، وإنّما ينبزهم بها خصومهم، بل ينبزون بها كلّ مَن دان بمذهب السلَف، حتّى ولو كان في الهند أو مصر وإفريقيا وغيرها.

والخصوم يريدون بهذا اللقب عزل الدعوة عن المنهج السليم، فقد أخرجوها من المذاهب الأربعة، وعدُّوها مذهباً خامساً؛ (حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) (1). (2)

وهذا الكلام هو ردّ يدلّ على سطحية ابن فوزان؛ إذ إنّ تسمية دعوة ابن عبدالوهاب بالمحمدية، يعني إضفاء المشروعية عليها بنسبتها للنبي (ص)، وهو ما يُضلّل المسلمين عن حقيقتها، كذلك نسبتها إلى السَلَفية.

ولو كان فقهاء المسلمين ورموزهم رأوا في دعوته الاستقامة في المعتقد، والالتزام بالسنّة المحمدية؛ لسمّوها بالمحمدية أو السلفية، إلّا أنّهم رأوا فيها النقيض من ذلك، وهو ما ترجمه ابن عبد الوهاب من خلال أفكاره ومواقفه، وقدَّم لنا البراهين الساطعة على أنَّ دعوته هي دعوة شاذّة، لا تمثِّل السلَف ولا أهل السنّة.

قدَّمها لنا من خلال بعثه لأفكار الحنابلة المتطرفين، وأفكار ابن تيمية الشاذّة، التي نبذها الفقهاء، وحاربوها على مستوى الماضي والحاضر.

وقدَّمها لنا من خلال إراقته لدماء المسلمين في جزيرة العرب، فقهاء وأشراف وعامّة، وفرض دعوته عليهم بسيوف آل سعود.

والدعوات التي تُنسب لأشخاصها، لا بدَّ وأنْ تكون دعوات شاذّة ومتصادمة مع ما هو سائد، وهو ما انطبق على كثير من الفرق التي ظهرت في واقع المسلمين (3)

والوهابيون يتبنّون تسمية الأشعرية والأشاعرة في مواجهة تيار أبي الحسن الأشعري، دون أنْ يسألوا أنفسهم: لماذا لم يُنسب هذا التيار إلى أبي الحسن، فيُسمّى بالحسنية مثلًا؟!


1- انظر: التعقيب على ما ذكره الخطيب.
2- البقره: 109
3- مثل تسمية الكرامية إلى محمد بن كرام، والسبئية نسبة لعبد الله بن سبأ.

ص47

وإنْ كانت تسمية الوهابية هي الشائعة، فإنَّ البعض من الفقهاء والباحثين يُطلقون عليها الفرقة النَجْدِيَّة، نسبة إلى منطقة نجد التي ينتمي إليها ابن عبد الوهاب و آل سعود.

وفي نظري تسمية النجدية أدقّ؛ لكونها تُعبِّر عن نجد قرن الشيطان، التي أشار إليها الرسول (ص) بخروج الفتنة منها.

فهل الأُمّة أخطأت بتسمية هذه الدعوة بالوهابية؟!

أم أنَّ ابن فوزان يُضلّل الأُمّة من أجل وهابيّته؟!

أقواله

قال عن كتاب (منهج أهل السنّة في نقد الرجال والكتب والطوائف) للمدخلي:

«فقد اطّلعت على ما كتبه فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، في ردِّه على الكتاب المسمَّى (محمد بن عبد الوهاب داعية إصلاحي وليس نبياً) للمدعوّ حسن بن فرحان المالكي، ذلك الكتاب الذي تطاول فيه على الإمام محمد بن عبد الوهاب، زاعماً الردّ على كتابه العظيم (كشف الشُبهات)، ولم يكتفِ هذا الكاتب المفتون بهذا العمل المُخزي، بل تمادى في غيِّه وضلاله، وتطاول على جبال الإسلام بإفْكِه وانتحاله، وحاول أنْ ينتقد ما كتبه أئمّة الإسلام وهداة الأنام، في بيان العقائد الصحيحة ودحض العقائد القبيحة، فوجدت ردَّ الشيخ ربيع وافياً في موضوعه، جيّداً في أسلوبه، مُفحماً للخصم، فجزاه الله خير الجزاء، وأثابه على ما قام به من نصرة الحقِّ وقمع الباطل وأهله» (1)

وقال عن الولاء والبراءة:

«فمن أُصول العقيدة الإسلامية: أنَّه يجب على كل مسلم يُدين بهذه العقيدة، أنْ


1- من مقدمته لكتاب المدخلي: دحر افتراءات أهل الزيغ والارتياب عن دعوة محمد بن عبدالوهاب.

ص48

يوالي أهلها، ويعادي أعداءها، فيحُبّ أهل التوحيد والإخلاص ويواليهم، ويُبغض أهل الإشراك

ويعاديهم، وذلك من ملّة إبراهيم والذين معه، الذين أُمرنا بالاقتداء بهم.

وقد جهل كثير من الناس هذا الأصل العظيم، حتّى لقد سمعت بعض المُنتسبين إلى العلم والدعوة، في إذاعة عربية، يقول عن النصارى: إنَّهم إخواننا. ويا لها من كلمة خطيرة.

وللولاء والبراءة مظاهر تدلّ عليهما:

من مظاهر موالاة الكفّار

1. التشبّه بهم في الملبس والكلام وغيرهما؛ لأنّ التشبّه بهم في الملبس والكلام وغيرهما، يدلّ على محبّة المُتشبّه به، ولهذا قال النبي (ص): «مَن تشبّه بقومٍ فهو منهم». فيحرم التشبّه بالكفار فيما هو من خصائصهم، من عاداتهم وعباداتهم، سِمتهم وأخلاقهم، كحلق اللِّحى وإطالة الشوارب، والرطانة بلغتهم إلا عند الحاجة، وفي هيئة اللباس والأكل والشرب، وغير ذلك ..

2. الإقامة في بلادهم، وعدم الانتقال منها إلى بلاد المسلمين، لأجل الفرار بالدين.

3. السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس. والسفر إلى بلاد الكفار مُحرَّم إلا عند الضرورة- كالعلاج والتجارة والتعليم في الاختصاصات النافعة، التي لا يمكن الحصول عليها إلّا بالسفر إليهم- فيجوز بقدر الحاجة، وإذا انتهت الحاجة وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين. ويُشترَط كذلك لجواز هذا السفر، أنْ يكون مُظهِرًا لدينه، معتزّاً بإسلامه، مبتعدًا عن مواطن الشرِّ، حذراً من دسائس الأعداء ومكائدهم، وكذلك يجوز السفر أو يجب إلى بلادهم، إذا كان لأجل الدعوة إلى الله ونشر الإسلام.

4.إعانتهم ومناصرتهم على المسلمين، ومدحهم والذبّ عنهم. وهذا من نواقض الإسلام، وأسباب الردّة، نعوذ بالله من ذلك.

ص49

5.الاستعانة بهم، والثقة بهم، وتَوليتهم المناصب التي فيها أسرار المسلمين، واتّخاذهم بِطانة ومُستشارين، ومن هذا ما وقع في هذا الزمان من استقدام الكفّار إلى بلاد المسلمين- بلاد الحرمين الشريفين- وجعلهم عمّالًا وسائقين ومُستخدَمين، ومُربّين في البيوت، وخلطهم مع العوائل، أو خلطهم مع المسلمين في بلادهم.

6. التأريخُ بتاريخهم، خصوصاً التاريخ الذي يُعبِّر عن طقوسهم وأعيادهم، كالتاريخ الميلادي، والذي هو عبارة عن ذكرى مولد المسيح 7 والذي ابتدعوه من أنفسهم، وليس هو من دين المسيح 7، فاستعمال هذا التاريخ فيه مشاركة في إحياء شعائرهم وعيدهم. ولتجنُّب هذا، لمّا أراد الصحابة وضع تاريخ للمسلمين في عهد الخليفة عمر، عدلوا عن تواريخ الكفّار، وأرّخوا بهجرة الرسول (ص)، ممّا يدلّ على وجوب مُخالفة الكفّار في هذا وفي غيره، ممّا هو من خصائصهم.

7.مشاركتهم في أعيادهم، أو مساعدتهم في إقامتهم لها، أو تهنئتهم بمناسبتها، أو حضور إقامتها. وقد فُسِّر قوله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) (1) أي ومن صفات عباد الرحمن أنّهم لا يحضرون أعيان الكفار.

8. مدحهم، والإشادة بما هم عليه من المدنيّة والحضارة، والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم، دون النظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد.

9.التسمية بأسمائهم؛ بحيث يسمّي بعض المسلمين أبناءهم وبناتهم بأسماء أجنبية، ويتركون أسماء آبائهم وأمّهاتهم وأجدادهم وجدّاتهم، والأسماء المعروفة في مجتمعهم

10.الاستغفار لهم والترحّم عليهم (2)

ومسألة الولاء والبراءة ممّا يشدّد عليها الوهابيّون، ولكن في محيط الشكليّات وتوافه الأمور فقط، كما يبدو ذلك من خلال كلام ابن فوزان، الذي يركّز على مجرّد


1- الفرقان: 72.
2- انظر لكتابه: الولأ والبراء فى الاسلام.

ص50

التشبّه بغير المسلمين، ومشاركتهم أعيادهم، والاستعانة بهم في العمل، والتسمية بأسمائهم.

أمّا التبرّؤ من أعداء الدِّين ومولاة المشركين، فهو مجرّد شعار يرفعونه لدفع الشبهات عنهم؛ إذ إنّ الوهابية تمّ القضاء عليها على يد قوات محمد علي، التي غزت جزيرة العرب بطلبٍ من الخليفة العثماني، من أجل تأديب البدو الوهابيّين،

ودُمّرت عاصمة آل سعود (الدرعية) وشتَّتَهم في الصحراء لكنَّهم عادوا للظهور مرَّة أخرى بمساعدة الإنجليز، الذين برزوا في المنطقة مع بداية أُفول الدولة العثمانية، ودعموا آل سعود وساعدوهم على إقامة مملكتهم، وتسمية جزيرة العرب باسمهم، ثُمَّ دعمِ الأمريكان لهم، من بعد الإنجليز، وجعلِ جزيرة العرب قاعدة لهم، ينطلقون منها لضرب المسلمين في كلّ مكان.

وأئمّة الوهابيّة، لا يجرَؤ أحد منهم على فتح سيرة آل سعود أو المساس بهم؛ فهم أُولو الأمر ومصدر الدعم والعون.

ولا تعنيهم طمس تسمية جزيرة العرب أو الحجاز، أو أرض الرسول (ص)، وتسميتها باسم آل سعود، ما يعنيهم- فقط- هو تسميتهم بالوهابية.

ولا يعنيهم- أيضاً- قوات المشركين الرابضة فوق أرض الرسول، والتي استعان بها آل سعود من أجل حماية عرشهم المهتزّ. بل أفتوا، بالإضافة إلى ذلك، بجواز الاستعانة بالمشركين، لمّا استجار بهم آل سعود بعد غزو صدام للكويت.

وبعد هذا .. هل يمكن القول إنَّ الوهابيّين هم من أهل التولّي والتبرّي؟!!

العبّاد

اشاره

ص51

اشاره

يعدُّ عبد المحسن العبّاد من أئمّة الوهابية المُستبسلين في الدفاع عنها، المقدّسين لرموزها والمتربّصين بخصومها، وقد كان نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة، التي تمثِّل قلعة الوهابيّين وحصنهم الذي يكْمنون فيه، والذي تنطلق منه أفراخهم لتُفسد دين المسلمين، وتنشر العداوة والبغضاء بينهم.

وتظهر لنا من خلال مؤلّفاته لُغته الحادّة، وعداواته الشديدة للمُخالفين، وغلوّه في مشايخه وأئمّة الوهابية.

من مؤلّفاته

* الانتصار لأهل السنَّة والحديث في ردِّ أباطيل حسن المالكي.

* الانتصار للصحابة الأخيار في ردِّ أباطيل حسن المالكي.

* التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة.

* الحثُّ على اتِّباع السنَّة والتحذير من البِدع وبيان خطرها.

* الدفاع عن الصحابي أبي بكرة ومرويَّاته.

*الردُّ على الرفاعي والبوطي في كذبهما على أهل السنَّة.

* ابن باز نموذج من الرعيل الأوَّل.

* ابن عثيمين من العلماء الربانيّين.

ص52

* عقيدة أهل السنَّة والأثر في الصحابة.

* منهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في التأليف.

* رئيس الجامعة الإسلامية محمد بن إبراهيم.

* الشيخ عمر بن محمد وكيف عرفته.

* فضل آل البيت وعلوِّ مكانتهم.

* أغلوٌّ في بعض القرابة وجفاءٌ في الأنبياء والصحابة؟!

* بأيِّ عقل ودين يكون التفجير والتدمير جهاداً.

أقوال العبَّاد

قال في كتابه (الانتصار لأهل السنَّة):

«أمَّا بعد، فقد نبتَ في هذا الزمان، في أقصى جنوب هذه البلاد، نابتةٌ، تسلَّق أسوارَ العلم، وأتى بيوتَه من غير أبوابه، فقَفَا ما ليس له به علم، وخَبَط في العلم خَبْطَ عَشواء، وحَمَلَ على أهل السُنَّة والحديث، منذ عهد الصحابة وحتّى زماننا، حَمْلةً شعواء. وهذا النابتةُ هو حسن بن فرحان المالكي، نسبةً إلى بني مالك في أقصى جنوب المملكة.

وإنَّما قلتُ: «نسبة إلى بني مالك»؛ لئلّا يظنَّ ظانٌّ نسبتَه إلى مذهب الإمام مالك، أحد أئمَّة أهل السُّنَّة، فإنَّه ليس من أهل السنَّة، بل هو من المُوغلين في البِدع، المحاربين لأهل السنَّة.

وقد كَرَع هذا النابتةُ في مستنقعات أهل البِدع، وعَبَّ منها ما شاء الله أنْ يَعُبّ، واطَّلع على ما أمكنه الاطِّلاعُ عليه من كتب أهل السُّنَّة، لالتقاط الأخطاء وتصيّد المثالب، ثُمَّ تقيَّأ ذلك كلَّه في أوراقٍ سَمَّاها بحوثاً.

ومن أقبح ما تقيّأه بحثَه المزعوم، الذي سَمَّاه (قراءة في كتب العقائد- المذهب الحنبلي نموذجاً)، وقد شحنه بالهذيان والأباطيل في ذمِّ أهل السُنَّة، والثناء على المبتدعة، وسأشير هنا إلى جملة من تلك الأباطيل.

ص53

فمِن ذلك زعمه أنَّ مصطلحَ العقيدة مُبتدَع، وقدحه في كتب أهل السنَّة في العقيدة، وزعمه الاكتفاء بإسلامٍ لا يُتعرَّض فيه لجزئيّات العقيدة؛ لأنَّ ذلك- بزعمه- يُفرِّق المسلمين، وثناؤه على أهل البدع، وقدحه في أهل السُّنَّة، وقدحه في أفضليَّة أبي بكر وأحقيَّته بالخلافة، وقدحه في خلافة عمر وعثمان، وقدحه في أحاديث صحيحة، وزعمه أنَّ المُعوَّل عليه في النصوص ما كان قطعيَّ الثبوت وقطعيَّ الدلالة فقط، وزعمه أنَّ أهل السُنَّة مُجسِّمَة ومُشبِّهة، وثناؤه على المأمون، الذي نصر المُبتدعة وآذى أهلَ السنَّة، وذمُّه للمتوكِّل الذي نصر السنَّة وأنهى المحنة، وتشكيكه في ثبوت السُنَّة والإجماع، وزعمه أنَّ أهل السُنَّة يُزَهِّدون في التحاكم إلى القرآن، مع المبالغة في الأخذ بأقوال الرِّجال، وزعمه أنَّ أهل السنَّة يُزهِّدون في كبائر الذنوب والمُوبقات، وزعمه أنَ

أهل السنَّة يتساهلون مع اليهود والنصارى مع التشدُّد مع المسلمين، وزعمه أنَّ قاعدةَ (اتِّباع الكتاب والسنَّة بفَهمِ سلَف الأُمَّة) باطلةٌ، وأنَّها بدعة، وزعمه أنَّ تقسيم التوحيد إلى ربوبيَّة وإلوهيَّة تقسيمٌ مبتدَع، وتشنيعه على الإمام أحمد في مسألة التكفير، ورميه أهل السُّنَّة بالنَّصب، وزعمه أنَّ ابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن كثير نواصب» (1).

وقال في كتابه (الانتصار للصحابة):

«ألقيتُ محاضرةً في قاعة المحاضرات في الجامعة الإسلامية، في عام 1405 ه تقريباً، عن معاوية بن أبي سفيان، وكان عنوانها في أوَّل الأمر (معاوية بن أبي سفيان بين المُنصفين والمُتعسِّفين)، لكنِّي- عند إلقائها- اقتصرتُ على كلام أهل الإنصاف، دون ذكر شي ءٍ من كلام أهل الاعتساف، ثُمَّ طُبعت بعنوان: (من أقوال المُنصفين في الصحابيِّ الخليفةِ معاوية).

وفي الآونة الأخيرة وقفتُ على رسالتين لأحد المُتعسِّفين الجُدُد، وهو حسن بن


1- انظر المقدمه لكتابه الانتصار للصحابة الاخيار فى رد اباطيل حسن المالكي.

ص54

فرحان المالكي، إحداهما بعنوان: (الصحابةُ بين الصُحبة اللُّغوية والصُحبة الشَرعية)، والثانية بعنوان: (قراءةٌ في كتب العقائد)، اشتملتَا على تَخبُّطٍ وتَخليطٍ في مسائل الاعتقاد، ولا سيّما في الصحابة، وعلى النَّيل من عددٍ كبيرٍ من علماء أهل السنَّة المتقدِّمين والمتأخِّرين، وإشادةٍ بأهل البدع.

ومن هذه الأباطيل: تقسيمُه الصحبةَ إلى صحبةٍ شرعيَّة وصحبةٍ لُغويَّةٍ.

ويريدُ بالصُّحبة الشرعيَّة صحبة المهاجرين والأنصار، من أوَّل الهجرة إلى صُلح الحُديبية، وأنَّ ما ورد من فضائل لأصحاب رسول الله (ص) إنَّما هي لهؤلاء وحدهم، ومَن كان بعد الحُديبية، فصحبتُه لُغويَّة، كصُحبة المنافقين والكفّار.

فأخرج بذلك الألوفَ الكثيرةَ من أصحاب رسول الله (ص)، الذين أسلموا وهاجروا إلى رسول الله (ص) بعد الحُديبيّة، وكذلك الذين أسلموا عامَ الفتح، والوفودَ الذين وَفَدوا على رسول الله (ص) وغيرَهم.

ومِن الذين زعم أنَّهم لَم يظفروا بشرف الصُحبة لرسول الله (ص)، وأنَّ صُحبَتَهم إيَّاه كصُحبة الكفَّار والمنافقين؛ عمُّه العباس بن عبد المطّلب، وابنُه عبد الله، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومعاوية.

ومن هذه الأباطيل: تشكيكُه في أفضليَّة أبي بكر على غيره، وفي أَوْلَوِيَّته بالخلافة بعد رسول الله (ص)، وغير ذلك» (1)

وقال في (الردِّ على الرفاعي):

«اطَّلعتُ على أوراقٍ للكاتب الأستاذ يوسف هاشم الرِّفاعي، سوَّدها بِما زعمَ أنَّه (نصيحةٌ لعلماء نَجد)، أَفرَغ فيها ما في جُعبتِه وجُعَبِ الذين تعاونوا معه على الإثمِ والعدوان، من تهجُّمٍ على مَن زعم نُصحَهم، وكذبٍ عليهم، ودعوةٍ إلى البِدعِ والضلال، وكأنَّه لَم يَجد في بلدِه الكويت مَن يَشُدُّ أَزرَه على وِزرِه، فيَمَّمَ نحوَ الشام


1- انظر المقدمه لكتابه الانتصار للصحابة الاخيار.

ص55

وجهه، ليجِد في الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي بُغيتَه المطلوبة، وضالَّتَه المنشودة، فيُقدِّمَ لأوراقِه، ويتَّفِقَ معه في الوقيعة بالمتمسِّكين بالكتاب والسُنَّة، وما كان عليه سَلَف الأُمَّة.

1. جعل الكاتبُ ما زعمه نصيحةً موجَّهةً لعلماء نجد، وهو في الحقيقةِ موجَّهٌ لكلِّ ملتزمٍ بالكتاب والسُنَّة، وما كان عليه سلَفُ الأُمَّة.

2. أَورَدَ الكاتبُ أموراً عابَها على مَن زعم نصحَهم، وهي من الحقِّ الذي لَم يُوفَّق للهدايةِ إليه. هداه الله وأصلح حالَه.

3. أورَدَ أموراً هي من البدعِ ومُحدَثات الأمور، عاب على مَن زعم نصحَهم عدمَ الأخذِ بها، ودعوتَهم إلى تركِها والابتعادِ عنها.

4. عابَ على مَن زعم نصحَهم أموراً لا حقيقةَ لها، وهم بُراء منها.

5. أورَد أموراً لاحَظَها على فردٍ أو أفرادٍ، وأسندها إلى مَن زعم نُصحَهم؛ ليُكثِّر بذلك خصومَه يوم القيامة» (1)

وفي كتابه (فضلُ آل البيت وعُلوِّ مكانتهم)، وضع مقارنة بين أهل البيت في منظور السنَّة، ومكانتهم في منظور الشيعة، فقال:

«عقيدةَ أهل السُّنَّة والجماعة في آل بيت النَّبِيِّ (ص) وَسَطٌ بين الإفراط والتفريط، والغُلُوِّ والجفاء، وأنَّهم يُحبُّونَهم جميعاً، ويتوَلَّونَهم، ولا يَجْفُون أحداً منهم، ولا يَغلُون في أحدٍ. كما أنَّهم يُحبُّون الصحابةَ جميعاً ويتوَلَّونَهم، فيجمعون بين مَحبَّة الصحابةِ والقرابة، وهذا بخلاف غيرِهم من أهل الأهواءِ، الذين يَغلون في بعض أهل البيت، ويَجفُون في الكثير منهم وفي الصحابة.

ومِن أمثلة غُلُوِّهم في الأئمَّة الاثني عشر من أهل البيت، وهم عليٌّ والحسن والحُسين، وتسعة من أولاد الحُسين: ما اشتمل عليه كتاب الأصول من الكافي ... الخ» (2)


1- انظر المقدمه لكتابه الرد على الرفاعي والبوطي
2- انظر فضل آل البيت وعُلوّ مكانتهم.

ص56

وقال في كتابه الدفاع عن الصحابي أبي بكرة و مروياته:

«فُوجئت بما لم يكن يخطر لي ببال، ولا يقع في خيال، عندما سمعت أنَّ محمد بن سليمان الأشقر قدح في الصحابي أبي بكرة، وفي مرويّاته التي انفرد بها عن غيره من الصحابة، في البخاري وغيره، وفي مقدّمتها حديثه عن النبي (ص): (لن يفلح قوم ولُّوا أمرهم امرأة)، فاستبعدتُ صدور ذلك منه، ولم أصدِّق بذلك.

ثُمَّ وصلت إليَّ صورة من مقال له، نُشر في صحيفة الوطن الكويتية بتاريخ 29/ 5/ 2004 م، بعنوان: (نظرة في الأدلّة الشرعية حول مشاركة المرأة في الوظائف الرئاسية والمجالس النيابية ونحوها)، وأكَّد صحّة نسبة هذا المقال إليه بمكالمة هاتفية أجرتها الصحيفة معه، نشرتها بتاريخ31/ 5/ 2004 م.

فاتَّصلت به هاتفياً، أعتب عليه هذه الجرأة، والإقدام على شي ءٍ لم يسبقه إليه أحد طيلة القرون الماضية، ورجوت منه بإلحاحٍ، أنْ يرجع عن هذا الذي انفرد به عن علماء المسلمين، سلَفاً وخلَفاً.

وسبب قدحه في أبي بكرة، ثُمَّ في مرويّاته التي انفرد بها؛ أنَّ عمر جلده واثنين معه، لشهادتهم على المغيرة بن شعبة بالزنا، وكونه لم يتُب.

وذكرتُ له ما بيَّنه العلماء، من أنَّ أبا بكرة شاهد ولم يكن قاذفاً، وفَرقٌ بين الشاهد والقاذف، وقد اتَّفق العلماء سلَفاً وخلَفاً على قبول مرويّاته، ولم يُنقل الطعن فيها عن أحد قبله.

ثُمَّ إنِّي بعثتُ إليه كتاباً، أكّدت عليه فيه إلحاحي برجاء الرجوع عمّا صدر منه، وأرفقت معه أوراقاً مشتملة على شي ءٍ من كلام العلماء في فضل أبي بكرة والثناء عليه، وفي قبول مرويّاته وعدم ردّ شي ء منها، ولا زلت آمل رجوعه إلى الحقّ.

وحاصل ما اشتمل عليه المقال، رميه أبا بكرة بالكذب، وزعمه أنَّ صحيح البخاري مُشتمل على ما هو موضوع مكذوب على رسول الله (ص).

ص57

وهذا القدح الخطير في أبي بكرة، وفي صحيح البخاري، كلّه من أجل تسويغ وتجويز أنْ تتولّى المرأة الولاية العامّة، وهي وسيلة سيّئة إلى غاية سيّئة.

فأبو بكرة بري ء ممّا رماه به من الكذب، وصحيح البخاري خالٍ ممّا زعم وجوده فيه، من الموضوع المكذوب على النبي (ص)، والغاية التي قصدها باطلة بالكتاب والسّنّة والإجماع، وقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح (4/ 364)، عن رجل من الحَنَفيّة قدح في حديث المصراة- بأنَّه من رواية أبي هريرة، وأنَّه لم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة، فلا يؤخذ بما رواه مُخالفاً للقياس الجَلي- قال: (وهو كلام آذى قائله به نفسه، وفي حكايته غنى عن تكلّف الردِّ عليه). وكلام هذا الحنفي في أبي هريرة، أسهل بكثير من كلام الشيخ محمد الأشقر في أبي بكرة، والشيخ محمد الأشقر من أهل العلم والفضل، عرفته قبل أربعين سنة، حين كان مدرِّساً بالجامعة الإسلامية بالمدينة، وهذا الذي حصل منه في أبي بكرة ومرويّاته سَقطَة شنيعة، لا يجوز أنْ يُتابَع عليها، ولا أنْ يُغترَّ بها، ويجب الحذر منها».

وقال في ابن باز:

«أيُّها الإخوةُ، إنَّ حديثي معكم في شخصٍ عرفهُ الخاصُّ والعامُّ، عرفتهُ الدُّنيا، مسلمُها وكافرُها، رجلٌ- فيما أحسبُ- أكبرُ شخصيّةٍ علميّةٍ في هذا العصر، يُذكّرنا بما كان عليه سلفُ هذه الأُمّة، من العلماء العاملين والهداة المصلحين، بغزارة علم، وكرم أخلاق، وسعة اطّلاع، وعموم نفع ونصح للإسلام والمسلمين، وهو بحقّ نموذج من الرّعيل الأوّل، وهو ابن باز» (1)

وقال في ابن عثيمين:

«إنِّي أتحدَّث إليكم أيُّها الإخوة عن شيخٍ فاضلٍ من شيوخ المملكة العربيَّة السعودية، وعَلَمٍ من أعلامها، بل عن عَلَمٍ من أعلام العالَم الإسلامي، له جهودٌ كبيرةٌ


1- انظر ابن باز نموذج من الرعيل الأول نشر دار ابن القيم الدمام عام 1421 ه-.

ص58

في العنايةِ بالعلمِ ونشرِه وبذلِه، وإفادةِ طلبة العلم، ألا وهو الشيخ العلَّامة محمد بن صالِح بن عُثيمين.

فأقول: إنَّ أعظمَ مصيبةِ موتٍ حصلت في الإسلام، المصيبةُ بوفاة نبيِّنا محمد (ص)، والمصائبُ العظمى بعد تلك المصيبة إنَّما هي بموت ورثتِه (ص)، وقد قال (ص): (إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياء، وإنَّ الأنبياءَ لَم يُورِّثوا ديناراً ولا درهماً، وإنَّما ورَّثوا العلمَ، فمَن أخذ به، أخذ بحظٍّ وافر)، رواه أبو داود وغيرُه، وسَنَده حسن» (1)

وقال في ابن عبد الوهاب:

«إنَّ من الحاقدين على دعوة محمد بن عبد الوهاب، مَن يحمل بعض الأحاديث الواردة في الفتن، التي فيها أنَّ نجداً فيها الزلازل والفِتن، وأنَّ منها يطلع قرنُ الشيطان؛ من الحاقدين مَن يحملها على اليمامة، التي اشتهرت في الأزمان المتأخّرة باسم نجد؛ لصدِّ الناس عن الاستفادة من هذه الدعوة، وما يزعمونه من ذلك الحمل باطل؛ لأنَّه قد جاء في بعض الأحاديث، وفي كلام أهل العلم، ما يُبيّن أنَّ المراد بها العراق، وقد ذكر محمد ناصر الدِّين الألباني في تخريجه، أحاديث فضائل الشام ودمشق للرَّبَعي، وفي السلسلة الصحيحة (2246) طُرقاً لحديث عبد الله بن عمر في ذلك، وفي بعضها ما يُبيِّن المراد، وهو العراق، وقال في السلسلة الصحيحة:

(وإنَّما أفضتُ في تخريج هذا الحديث الصحيح، وذكر طرُقه وبعض ألفاظه؛ لأنَّ بعض المبتدعة المحاربين للسنَّة، والمنحرفين عن التوحيد، يطعنون في محمد بن عبدالوهاب، مُجدِّد دعوة التوحيد في الجزيرة العربية، ويحملون الحديث عليه؛ باعتباره من بلاد نجد، المعروفة اليوم بهذا الاسم، وجهلوا، أو تجاهلوا، أنَّها ليست هي المقصودة بهذا الحديث، وإنَّما هي العراق، كما دلَّ عليه أكثرُ طرق الحديث، وبذلك قال العلماء قديماً، كالخطابي وابن حجر العسقلاني وغيرهم، وجهلوا أيضاً أنَّ كون الرجل


1- انظر ابن عثيمين من العلماء الربانيين، ط الرياض، عام 1422 ه-.

ص59

من بعض البلاد المذمومة، لا يستلزم أنَّه هو مذموم أيضاً، إذا كان صالحاً في نفسه، والعكس بالعكس. فكم في مكّة والمدينة والشام من فاسق وفاجر، وفي العراق من عالِم وصالح)» (1)

وفي كتابه (التحذير من تعظيم الآثار)، قال:

«اطَّلعتُ على المقال المنشور في صحيفة (المدينة- ملحق الرسالة)، الصادرة يوم الجمعة، 18 المحرم 1424 ه-، للدكتور

عمر كامل، بعنوان: (لا خوف على بلاد الحرمين من الشرك والوثنية. وهل في إحياء آثار النبوّة ومواطئ الرسالة ما يدعو إلى التخوّف من الشرك؟! وهل الاهتمام بتلك الآثار يؤدِّي بالضرورة إلى عبادتها من دون الله؟!)

وتعقيباً على هذا المقال أقول:

اشتمل مقالُه على تقرير أنَّ الشركَ لا يعود إلى مهد الإسلام، وأنَّ الإسلامَ يأرز إلى المدينة والحجاز، وتتبّعِ ابن عمر لآثار الرسول (ص)، وذِكرِ آثار فيها إباحة التبرّك بقبر النَّبيِّ (ص) وِمنبره ..

أمَّا ما قرَّره من أنَّ الشركَ لا يعود إلى مهد الإسلام، فقد قال: بعد أنْ انتشر الدينُ الإسلامي في أرجاء المعمورة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، تكفَّل الله بحفظ مهد رسالة الإسلام، من عودة الكفر والوثنية والشرك إليها، وبشَّرنا بذلك على لسان مُبلِّغ الرسالة، سيّدنا محمد (ص)، عن جابر، قال: سمعت النَّبيَّ (ص) يقول: (إنَّ الشيطان قد أيِسَ من أنْ يعبده المصلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم) (2)

ثُمَّ ذكر حديثاً عند الترمذي (2159)، في خطبة النَّبيِّ (ص) يوم الحج الأكبر، وفيه: (ألا وإنَّ الشيطانَ قد أيس من أنْ يُعبَد في بلادكم هذه أبداً، ولكنْ ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم، فسيرضى به)، ثمَّ قال بعد ذلك: «ومع ذلك .. فبين الفينة


1- انظر منهج محمد بن عبدالوهاب في التأليف، عام 1425 ه-.
2- صحيح مسلم، ج 8، ص 138.

ص60

والأُخرى يخرج علينا خارجٌ يدَّعي الغيرة على دين الله، والخوف على بلاد الحرمين من عودة الشرك إليها، ولعلَّ أمثال هؤلاء قد غفلوا عن حديث رسول الله (ص)، الذي أوضح لنا مصدر الخوف الذي كان يخافه على أُمّته.

عن عبادة بن نسي، قال: (دخلت على شدَّاد بن أوس في مصلّاه وهو يبكي، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، ما الذي أبكاك؟ قال: حديثٌ سمعته من رسول الله 9 فقلت: وما هو؟ قال: بينما أنا عند رسول الله 9، إذْ رأيت بوجهه أمراً ساءني، فقلتُ: بأبي وأُمِّي يا رسول الله، ما الذي أرى بوجهك؟

قال: أمرٌ أتخوَّفه على أُمّتي من بعدي.

قلت: وما هو؟

قال: الشرك، وشهوة خفيّة.

قلتُ: يا رسول الله، أتُشرك أُمَّتُك من بعدك؟!

قال: يا شدَّاد، أما إنَّهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً، ولا وثناً ولا حجراً، ولكنْ يُراؤون الناسَ بأعمالهم.

قلت: يا رسول الله، الرياء شرك هو؟

قال: نعم.

قلت: فما الشهوة الخفيّة؟

قال: يُصبح أحدُكم صائماً، فتعرض له شهوة من شهوات الدنيا فيفطر) (1). هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه.

فهل هناك أوضح من هذا البيان؟ فقد نفى رسول الله (ص) وقوع الشرك وعبادة الأوثان والأحجار من بعده، وكلُّ ما خاف منه هو الرياء، فهل نصدِّق رسول الله، أم نركن إلى أرجاف المُرجفين، وأوهام المُتنطّعين؟!».


1- المستدرَك على الصحيحين، ج 4، ص 330.

ص61

وكعادة أئمّة الوهابية، نقض العبّاد الحديث، واعتبره غير صحيح، ثُمَّ قال:

«وأمَّا حديث جابر، الذي أخرجه مسلم في صحيحه، في إياسِ الشيطان من أنْ يُعبَد في جزيرة العرب، فليس فيه دليل على عدم عودة الكفر والشرك إلى الجزيرة؛ وذلك لثبوت الأحاديث عن رسول الله (ص) في ذلك، ومنها: حديث أبي هريرة في مسلم (2906)، قال: قال رسول الله (ص): (لا تقوم الساعة حتّى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة)، وكانت صنَماً تعبدُها دوسٌ في الجاهلية بتبالة.

ومنها: حديث عائشة في مسلم (2907)، قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: (لا يذهبُ الليل والنهار، حتّى تُعبَّد اللّات والعزّى)».

وقال في كتابه (رِفقاً أهل السُنَّة بأهل السُنَّة):

«فإنَّ أهل السنَّة ينتسبون إلى السنَّة، وغيرهم ينتسبون إلى نِحلهم الباطلة، كالجبرية، والقَدرية، والمُرجئة، والإمامية الاثني عشرية. أو إلى أسماء أشخاص مُعيَّنين، كالجهمية، والزيدية، والأشعرية، والإباضية. ولا يُقال: إنَّ من هذا القبيل (الوهابية)، نسبةً إلى محمد بن عبد الوهاب؛ فإنَّ أهلَ السنَّة في زمن محمد وبعده لا ينتسبون هذه النسبة؛ لأنَّه لم يأتِ بشي ءٍ جديد فيُنتسَب إليه، بل هو مُتَّبعٌ لِما كان عليه السلف الصالح، ومُظهرٌ للسنَّة وناشرٌ لها وداع إليها، وإنَّما يُطلِق هذه النِّسبةَ الحاقدون على دعوة محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية؛ للتشويش على الناس، وصرفهم عن اتِّباع الحقِّ والهدى، وأنْ يبقوا على ما هم عليه من البِدع المُحدَثة، المخالفة لِما كان عليه أهل السنّة والجماعة».

وقال في كتابه (الحثُّ على اتّباع السنَّة والتحذير من البِدعة):

«التحذير من فتنة التجريح والتبديع من بعض أهل السنَّة في هذا العصر.

وقريبٌ من بدعة امتحان الناس بالأشخاص ما حصل في هذا الزمان، من افتتان فئة قليلة من أهل السنَّة بتجريح بعض إخوانهم من أهل السنَّة وتبديعهم، وما ترتَّب على ذلك من هجر وتقاطع بينهم، وقطع لطريق الإفادة منهم.

ص62

وذلك التجريح والتبديع منه ما يكون مَبنيّاً على ظنِّ ما ليس ببدعة بدعة، ومن أمثلة ذلك: أنَّ الشيخين، عبد العزيز بن باز وابن عثيمين، قد أفتيا جماعة بدخولها في أمر، رأيَا المصلحة في ذلك الدخول، ومِمَّن لم يُعجبهم ذلك المفتَى به، تلك الفئة القليلة، فعابت تلك الجماعة بذلك، ولَم يقف الأمر عند هذا الحدِّ، بل انتقل العيب إلى مَن يتعاون معها بإلقاء المحاضرات، ووصفه بأنَّه مُميِّع لمنهج السَلَف، مع أنَّ هذين الشيخين كانا يُلقيان المحاضرات على تلك الجماعة عن طريق الهاتف.

ومن ذلك أيضاً حصول التحذير من حضور دروس شخص؛ لأنَّه لا يتكلَّم في فلان الفلاني، أو الجماعة الفلانية، وقد تولَّى كبر ذلك شخص من تلاميذي بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية، وهو غير معروف بالاشتغال بالعلم، ولا أعرف له دروساً علميَّة مسجَّلة، ولا مؤلَّفاً في العلم صغيراً ولا كبيراً، وجلُّ بضاعته التجريح والتبديع، والتحذير من كثيرين من أهل السنَّة، لا يبلغ هذا الجارحُ كعبَ بعض مَن جرَحهم؛ لكثرة نفعهم في دروسهم، ومحاضراتهم ومؤلّفاتهم.

ولا ينتهي العجب إذا سمع عاقل شريطاً له، يحوي تسجيلًا لمكالمة هاتفية طويلة بين المدينة والجزائر، أكل فيها المسؤول لحومَ كثير من أهل السنَّة، وأضاع فيها السائل مالَه بغير حقٍّ، وقد زاد عدد المسؤول عنهم في هذا الشريط على ثلاثين شخصاً، فيهم الوزير والكبير والصغير، وفيهم فئة قليلة غير مأسوف عليهم وقد نجا مِن هذا الشريط مَن لم يُسأل عنه فيه، وبعض الذين نجوا منه لم ينجوا من أشرطة أُخرى له، حوتها شبكة المعلومات (الإنترنت).

والواجب عليه الإمساك عن أكل لحوم العلماء وطلبة العلم، والواجب على الشباب وطلّاب العلم ألّا يلتفتوا إلى تلك التجريحات والتبديعات، التي تضرُّ ولا تنفع، وأنْ يشتغلوا بالعلم النافع، الذي يعود عليهم بالخير والعاقبة الحميدة، في الدنيا والآخرة.

ص63

وقد أوردتُ في رسالتي- رفقاً أهل السنَّة بأهل السنَّة- جملة كبيرة من الآيات والأحاديث والآثار، في حفظ اللسان من الوقيعة في أهل السنَّة، ولا سيما أهل العلم منهم، ومع ذلك لَم تُعجب هذا الجارح، ووصفها بأنَّها غير مُؤهَّلة للنشر، وحذَّر منها ومن نشرها، ولا شكَّ أنَّ مَن يقف على هذا الجرح، ويطَّلع على الرسالة، يجد أنَّ هذا الحكم في وادٍ والرسالة في وادٍ آخر.

وللشيخ عبد الرحمن السديس، إمام وخطيب المسجد الحرام، خطبة ألقاها من منبر المسجد الحرام، حذَّر فيها من وقيعة أهل السنَّة بعضهم في بعض، نلفتُ الأنظارَ إليها».

ص: 64

المَدخلي

اشاره

ص65

اشاره

شكَّل ربيع بن هادي عمير المدخلي، المدرِّس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة سابقاً، أزمة كبيرة لأئمَّة الوهابيّين؛ عندما وجَّه مدافعه نحو أقرانه، متّهماً إيّاهم بالانحراف عن منهج السلف، والوقوع في البدع، ليُضيف عورة جديدة إلى عورات الوهابية.

وطالت أحكام التكفير والمروق، والزندقة والتبديع، أئمَّة الوهابية. تلك الأحكام التي كانوا يطلقونها على خصومهم، لينطبق عليهم قوله تعالى: (وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ). (1)

ولم يقتصر هجومه على أئمّة الوهابية، بل امتدَّ ليشمل الاتّجاهات والمذاهب الأُخرى المُخالفة للوهابية، ورموزها السابقين والمعاصرين؛ وهو ما أدّى بأئمّة الوهابية المعاصرة إلى الاستجارة بالله، والإكثار من الدعاء، كي يُريحهم منه، إلّا أنَّ الله- على ما يبدو- لم يستجب لهم، ليستفحل أمره وتُصبح له فرقة أحدثت بلبلة، وشكَّلت أزمة في أوساط الوهابيّين (2)

ويُعدّ المدخلي نسخة عصرية من ابن تيمية، فهو شخصية عصبية انفعالية سليطة


1- فاطر: 43.
2- أطلق الوهابيّون على فرقة المدخلي اسم: الخلوف، أو المداخلة.

ص66

اللسان، ولسانه لم يرحم أحداً من الوهابيّين أو غيرهم، وهو ما دفع بأحد الوهابيّين إلى إصدار كتاب ضدّ تيار المدخلي، الذي اعتبره تياراً تكفيرياً جديداً، واتّهمه فيه بسوء الفهم وعدم الاتّزان، وأنَّه من الفتن العظيمة في هذا الزمان (1)

وتبدو لنا الأزمة التي يعيشها الوهابيّون اليوم بسبب المدخلي، من خلال كَمِّ الردود الصادرة في مواجهته، المهاجمة له، من قِبل الوهابيّين؛ حتّى أنَّهم جعلوا موقعاً خاصّاً على (الانترنت) لنشر الردود الموجَّهة له، ولأتباعه الغلاة، تحت اسم: (البديع في الردِّ على المدخلي ربيع).

ومن نماذج هذه الردود:

* قول الفوزان عنه: (كفر جديد).

* فتاوى وبيانات اللجنة الدائمة للإفتاء فيه وفي فرقته.

* أيّهم أشرّ: الشياطين، أم ربيع المدخلي؟

* قاموس شتائم ربيع المدخلي وزمرته.

* البيّنات النجدية في دحض الجهالات الربيعية.

* ربيع المدخلي يطعن بهيئة العلماء.

* الشيخ ربيع يقول: (عقلي خرف).

* مَن يؤلّف الكتب لربيع المدخلي؟!

* ردُّ علماء المدينة على ربيع المدخلي.

* غلوّ المدخلي في أحكامه على مخالفيه، وأثر ذلك على أتباعه ومقلّديه.

من مؤلّفاته

* تحقيق كتاب التوسّل والوسيلة للإمام ابن تيمية.

* دحر افتراءات أهل الزيغ والارتياب عن دعوة محمد بن عبد الوهاب.


1- هو كتاب أُنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، ط القاهرة.

ص67

* منهج أهل السنَّة في نقد الرجال والكتب والطوائف.

* تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف- بين واقع المُحدّثين ومغالطات المتعصّبين.

* ردٌّ على عبد الفتاح أبو غدة ومحمّد عوامه.

* كشف موقف الغزالي من السنَّة وأهلها.

* صدُّ عدوان الملحدين وحكم الاستعانة بغير المسلمين.

* أهل الحديث هم الطائفة المنصورة الناجية- حوار مع سلمان العودة.

* التنكيل بما في لجاج أبي الحسن من الأباطيل.

* أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره.

* مطاعن سيّد قطب في أصحاب رسول الله (ص).

* العواصم ممّا في كُتب سيد قطب من القواصم.

* الحدُّ الفاصل بين الحق والباطل- حوار مع بكر أبو زيد.

* مجازفات الحداد.

* المَحجّة البيضاء في حماية السنّة الغرّاء من زلّات أهل الأخطاء وزيغ أهل الأهواء.

* أقوال علماء السنَّة في جماعة التبليغ.

* جماعة واحدة لا جماعات. وصراط واحد لا عشرات- حوار مع عبد الرحمن عبد الخالق.

* النصر العزيز على الردِّ الوجيز.

* التعصّب الذميم وآثاره.

* بيان فساد المعيار- حوار مع حزبي مُتستّر.

* التنكيل بما في توضيح المليباري من الأباطيل.

ص68

* دحض أباطيل موسى الدويش.

* إزهاق أباطيل عبد اللطيف باشميل.

* انقضاض الشهب السلفية على أوكار عدنان الخلفية.

* كشف زيف التصوّف وبيان حقيقته وحال حملته.

* براءة الصحابة الأخيار من التبرُّك بالأماكن والآثار.

أقواله

قال في سيّد قطب:

«لكنْ مع الأسف الشديد، تصدّى لدعوة الشباب وتوجيههم وتربيتهم كثير وكثير، ممَّن لا يعرف منهج السلف في العقيدة وغيرها، ولا يميِّز بين السنّة والبدعة، وكتبوا الكثير والكثير في شتّى الميادين، وكان لِما طرحوه وكتبوه للتوجيه دعايات ضخمة، ونشاطات قويّة، احتوت كثيراً من شباب الأُمّة، وألقت في روعهم التهوين من شأن البِدع والشرك، والتهوين من شأن التوحيد والسنَّة ومنهج السلَف الصالح، فكان لذلك آثاره الخطيرة حتّى في نفوس مَن ينتسب إلى مدرسة السلف والمنهج السلفي، إلّا مَن رحم الله.

واستفحل هذا الأمر واشتدَّ، ورافقه غلوّ وتقديس للأشخاص، مهما غلظت بِدعهم وعظمت أخطاؤهم؛ ممَّا ينذر بشرٍّ خطير، وينذر بعودة الأُمّة إلى الدوامة التي تطَّلعت وتحفّزت للخروج منها.

فرأيت أنَّ لهؤلاء الشباب، الذين لا يشكّ عاقل أنَّهم يريدون للإسلام وللأُمّة الخير والعزّة والكرامة، حقَّاً عظيماً، وواجباً كبيراً على حملة العلم أنْ يبيّنوا لهم الحق، ويفصلوا لهم بين الهدى والضلال، والحقّ والباطل، ويميّزوا بين دُعاة الحقّ والهدى، وبين غيرهم ممَّن حذَّر منهم رسول الله، حتّى يُنزلوا الناس منازلهم؛ فتصدَّيتُ لبيان بعض ما وقفت عليه في كتب سيّد قطب، من مخالفات خطيرة لما جاء به رسول الله،

ص69

وما كان عليه أصحابه وخيار الأُمَّة، في العقائد وغيرها، وتفنيد ذلك بالحُجَّة والبرهان، ما استطعت إلى ذلك سبيلًا؛ كلُّ ذلك نصحاً للأُمّة» (1)

وقال في الشيخ محمد الغزالي:

«يُؤسفنا أنَّ الشيخ محمد الغزالي قد حشر نفسه- في هذه الظروف العصيبة التي تمرّ بها السنّة وأهلها- في خصوم السنّة، بل صار حامل لواء الحرب عليها، وأصبحت كتبه وأقواله تُمثِّل مدرسة، ينهل منها كل حاقد على الإسلام والسنّة النبوية المطهّرة.

إنَّ الغزالي، في كثير من كتبه وتصريحاته، يتململ من السنَّة، ولا سيما أخبار الآحاد، وعلى حدِّ زعمه تململ السليم.

ولقد ضمَّن مؤلّفاته الأخيرة حملات شعواء وقذائف خطيرة، على كثير من أحاديث رسول الله (ص) الصحيحة، وحملات شديدة على مَن يريد التمسّك بها» (2)

وقال في وهابي مُتمرِّد:

«أمّا بعد، فإنَّ أبا الحسن المصري المأربي أعجوبة من أعاجيب هذا الزمان، لا أجد له نظيراً في القدرة على الثَرثَرَة وكثرة الكلام، ويتمتّع بقدرة هائلة على تقليب الأمور وجعل الحق باطلًا والباطل حقّاً، والظالم مظلوماً والمظلوم البري ء ظالماً، وإلباس نفسه لباس التقوى والورع، وإلباس الأبرياء لباس الفُجّار الهدّامين المُفسدين الظالمين، كما فعل ذلك في عدد من أشرطته؛ ممَّا يدل على خبرة طويلة راسخة، ومهارة نادرة في هذه الميادين، إلى درجة لا يلحق فيها ولا يُبلغ فيها شأنه.

استمع إلى أشرطته، واقرأ شيئاً من كتاباته، فأيّ إنسان عنده مسكة من عقل، ولمعة من الذكاء، يُدرك هذه الصفات، وُيدرك مدى رسوخها فيه.

إنَّ هذا الرجل صاحب فتنة عظيمة، قد أعدَّ لها العدّة، لعلَّه منذ وطأت قدماه اليمن، أو من قبل ذلك.


1- انظر العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم.
2- انظر كشف موقف الغزالي من السنة وأهلها.

ص70

ومن أهمِّ الأمور: أنَّ من ورائه ووراء فتنته رجالًا وأموالًا، تدفع هذه الفتنة إلى الأمام، وتغذّيها وتؤجّجها، وهذه أمور ظاهرة ملموسة، وكلّ يوم تزداد ظهوراً.

ولقد بدأ أبو الحسن يمهِّد لإعلان حربه وفتنته، باللَهج بالأُصول والتأصيل، مُوهماً الرُعاع أنَّ الدعوة السلفية غير مُؤصَّلة، كأنّه هو المنقذ لهذه الدعوة من الفوضى والضياع اللذَين نزلا بها. ثُمَّ شرع يقذف بهذه الأُصول، التي تهدف إلى تقويض جانب مهمّ من أُصول الدعوة السلَفية، التي قامت عليها منذ بعث الله محمداً، تضمَّنتها نصوص القرآن والسنّة، وحفّتها حماية الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمّة الهدى، ودُوّنت في كتب العقائد والأُصول، وعلوم الحديث وكتب الجرح والتعديل، العام والخاص.

لقد عنيَ أبو الحسن- إمعاناً في الكيد وتمهيداً للفتنة- بدراسة الجرح والتعديل؛ ليُكسب مكره وكيده صبغة علمية سلفية، يتمكَّن بها من الخداع والتضليل، ويتمكَّن من ضرب الدعوة السلفية باسم التأصيل، وباسم السلفية التي تلفّع بها.

وفِعلًا .. انخدع به السلفيّون، وبما يتظاهر به من السلفية؛ لأنَّ علماءهم لا يسمعون هذا الدمار في أشرطته، ولأنَّهم يعاملونه، وغيره، بناءً على الظاهر، ومن باب (مَن خدعنا بالله انخدعنا له).

هكذا أصبحت الأُصول السلفية المُنبثقة من الكتاب والسنّة أُصولًا فاسدة، في نظر أبي الحسن وحزبه الضالّ؛ لأنَّها تنتقد سيّد قطب وضلالاته، والإخوان وضلالاتهم، وجماعة التبليغ وضلالاتهم، وتذود عن المنهج السلفي وحياضه.

هكذا يعتبر نقد أهل البِدع وبيان ضلالهم بالحُجج والبراهين إفراطاً، ولقد وصف مَن يُدين سيّد قطب، بالحلول ووحدة الوجود، بأنَّهم غُلاة، وعلى رأس هؤلاء الشيخ الألباني، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ الفوزان، والشيخ الدويش، والشيخ ربيع، ونزّل عليهم أحاديث الخوارج.

ص71

إذن، فليس ربيع وحده هو الذي يمثِّل جانب الإفراط، بل كلّ مَن خالف أبا الحسن فهو مُفرط غالٍ، مهما كانت منزلته. ولو اجتمع علماء السلفيّين، ومعهم الأدلّة والبراهين، على مُخالفة أبي الحسن، لرماهم بالجهل والظلم والغُلو. وواقعه الآن، وموقفه من علماء السنّة، أكبر برهان وشاهد على ما نقول» (1)

وقال في حسن بن فرحان المالكي:

«هذا الرجل موتور، قتله الحقد على المنهج السلفي وأهله، ومع ذلك، يلصق نفسه، كذباً وزوراً، بالسلفية والحنبلية. وقد تفجَّرت ينابيع هذا الحقد في كتابه (قراءة في كتب العقائد)، ملأه بالطعون التي لم يُسبَق إليها.

فلا يتولَّى محمد بن عبد الوهاب إلّا مَن سار على نهج رسول الله (ص)، ونهج الخلفاء الراشدين والأئمّة المهديّين، من الصحابة وخيار التابعين، ومَن سار على نهجهم من أعلام السنَّة والدِّين.

لقد تصدَّى هذا الظلوم لمناصري الإمام، يكيل لهم التُهم القبيحة، التي هم منها بُراء، من التعصّب والغُلوّ، والقبائح التي ألصقها بهم ظلماً وزوراً، وهو وأمثاله أحقّ بها، وهم أولى بها وأهلها.

لقد دفعه حقده على محمَّدٍ ودعوته إلى رميه بتكفير الأُمّة، وإلصاق دُعاة التكفير به، وبدعوته وكُتبه وكُتب تلاميذه وأحفاده، فقال بعد دعاوى يرفع فيها نفسه فوق منزلته بكثير: (ومن هذا المنطلق، فإنِّي وجدت الشيخ محمد بن عبد الوهاب، على فضله وأثره الدَعوِي الذي لا يُنكره منصف، قد وقع في أخطاء أصبحت سُنَّة مُتَّبعة عند بعض طلبة العلم، الذين أصبحوا يُطلقون التكفير في حقِّ علماء ودول وطلاب علم؛ بناءً على ما قرَّره الشيخ محمد في بعض كتبه ورسائله، وأصبح الواحد من هؤلاء يحتجّ بأنَّ الشيخ كان يرى كفر هؤلاء العلماء، وهؤلاء الحُكّام، وكُفر مَن هذه صفته ... الخ)،


1- التنكيل بما في لجاج أبي الحسن من الأباطيل.

ص72

وقال: (فهذه الفوضى التكفيرية هي نتيجة طبيعيَّة وحتمية من نتائج منهج الشيخ محمد ابن عبد الوهاب، الذي توسَّع في التكفير، حتّى وجدت كلّ طائفة من كلامه ما يؤيِّد وجهة نظرها، بل حركة الحرم، وأصحاب التفجير في العليا، ما هم إلّا نتيجة لمنهج الشيخ في التكفير) (1) وله تُهَم أُخرى من هذا النوع.

ويدفع تُهمة التكفير عن سيّد قطب، بعد إلحاحه على إلصاق فِتن التكفير السابقة والمعاصرة بالشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته، فيقول: (والشيخ محمد لو لم يقاتل المسلمين، واكتفى بمراسلة العلماء، يحثّهم على الدعوة إلى الله، ربَّما لو فعل هذا؛ لتجنَّبنا مآسي التكفير، من ذلك الزمن إلى عصرنا هذا، الذي يعتمد فيه المُكفّرون على فتاوى الشيخ وعلماء الدعوة، في تكفير المسلمين.

وإنْ كان سيّد قطب قد بالغنا في نقده، لأنَّنا وجدنا في (متشابه) كلامه ما يوحي بالتكفير، فإنَّ الشيخ محمد قد وجدنا التكفير في (صريح) كلامه لا متشابهه! فجعلنا سيّد قطب كبش فداء؛ لأنَّه ليس له أنصار عندنا وللشيخ أنصار، وهذا ليس من أخلاق طالب العلم، الذي يقول الحقّ ولو على نفسه، ولا يحمِّل المسؤولية الأبرياء).

وفي هذا الكلام من الدعاوى الباطلة والظلم، ما لا يصدر إلّا عن مثل هذا الرجل، وفيه من تنزيه أهل الباطل عن باطلهم، وتحميل الأبرياء ذنوب غيرهم، ما لا يقدِم عليه إلّا مَن لا يستحي، ولا يخاف عقاب الله لمَن يقتحم مثل هذه المُوبِقات. وللرجل مجازفات لا تصدر إلَّا ممَّن أكل الحقد قلبه، وسيطر الهوى على عقله ومشاعره وعواطفه (2)

وقال في مقدّمة كتابه (منهج أهل السنَّة):

«شعَّ نور التوحيد والإيمان في العالم، ليُبدِّد ظلمات الشرك والبِدع هنا وهناك، وينشر كتب السلَف الصالح، من حديث وتفسير وتوحيد، وبالأخص كتب ابن تيمية


1- قراءة في كتب العقائد، حسن المالكي، ص 21.
2- انظر دحض افتراءات أهل الزيغ والارتياب عن دعوة محمد بن عبدالوهاب

ص73

وابن القيم، وبتأسيس المدارس على مختلف المراحل، بدءاً من الابتدائيّات، ومروراً بالجامعات والدراسات العُليا المُتخصّصة، إضافة إلى مراكز الدعوة، التي انتشرت في الداخل والخارج لحمل رسالة التوحيد والسنّة، ممّا أقضَّ مضاجع كل خصوم الحق والتوحيد، من علمانيّين ويهود ونصارى وشيوعيّين، وأهل البدع الضالّين، من خرافيّين وحزبيّين وحركيّين.

وكان أنكاهم وأشدّهم تأثيراً، أهل البِدع الحاقدين، إذْ استطاعوا بمكرهم وكيدهم، وتلفُّعِهم بلباس السنَّة، أنْ يقتحموا كلّ مَعقل، ويتسلّلوا إلى كلّ منفذ، من المدارس والجامعات والمساجد وغيرها، فاستطاعوا أنْ يكوّنوا جيلًا يحمل فكرهم، كلّا أو جزءاً، عن قصد وعن غير قصد.

فتحرّك هذا الجيل الذي درَّبوه وصنعوه تحت أعينهم، يدعو إلى فكرهم، ويدافع عنه بنشاط، هنا وهناك، في الجامعات والمدارس وغيرها، في هذه الظروف العصيبة، التي تحتاج فيها دعوة الله إلى رجال غيورين، يرفعون رايتها بقوّة وعزم، فيهاجمون جحافل الباطل والكيد والمكر، فيردّونهم على أعقابهم خاسئين.

وإذا بأصواتٍ ترتفع باسم السلَفية، وباسم العدالة والإنصاف لمَن يتصوّرونهم مظلومين من أهل البدع، الذين غزوا أهل السنَّة والتوحيد في عقر دارهم، وأفسدوا عقول وعقائد الكثير من أبنائهم، وشوَّهوا صورة المنهج السلفي وأهله في أعين أبنائهم. فشرع البارزون من هذا الجيل، يدعون إلى منهج جديد في نقد المناهج والدعوات، والكتب والأشخاص، ويدَّعون أنَّه منهج وسط، فظنَّ كثير من الشباب، وكثير ممَّن يكتب لهم، أنَّه كذلك، بل يدَّعي أنَّه منهج أهل السنّة والجماعة، وشاع وذاع في كتابات بعض المُنتسبين إلى السلَف، وتأثَّر به وقَبِله، وتعلَّق به كثير من الشباب، ظانّين أنَّه الحق والعدل، وبدأ يترسّخ في نفوسهم مع الأسف، وما علموا أنَّه مذهب غريب على الإسلام والمسلمين، تسرَّب إليهم من أعدائهم، كما تسرَّب غيره من الأفكار إلى المجتمعات الإسلامية.

ص74

ولقد برزت آثار هذا المنهج واضحة في محاورات ومناقشات وكتابات ومواقف كثيرة من الشباب والأساتذة، وبدأ هذا المنهج يترسَّخ في النفوس، فكان من نتائجه أنْ أضعف مبدأ الولاء والبراءة لله وفي الله ولمنهج الله وأهله، الذين يجب حبّهم وولاؤهم في الله. وبدا واضحاً الولاء والحبّ والتقدير لدعاة وكتب وأفكار ومناهج كلّها بعيدة عن المنهج السلفي، وأهلها غير أهله، بل هي جادَّة في مخاصمة المنهج السلفي، وتحاول بجدٍّ أنْ تزيحه عن مواقعه، وتحطّ رحالها في منازله، بعد أنْ يتم ترحيله.

لقد أثَّر هذا المنهج على كتّاب نحسبهم من خيار السلفيّين، ومن الطاقات والنوعيات والشخصيات الجيدة، التي نسأل الله أنْ يوفقها لأنْ تسلك مسلك ومنهج سلفهم الصالح، في الدعوة إلى المنهج السلفي الواضح، والتربية الجادّة للشباب عليه، وغرس حبِّه وحبّ أهله، أحياءً وأمواتاً، والسير في ركابهم، والاعتزاز بالانتماء إليهم.

لقد أثَّر هذا المنهج، الذي يُدَّعى له الوسطية والعدل، على شبابٍ، كُنّا ولا نزال، نأمل فيهم أنْ يأخذوا المنهج السلفي بجدٍّ، ويحملوا رايته بقوّة، ويدعوا إليه باعتزاز، ويضحّوا من أجله بكلِّ غالٍ ورخيص، من مالٍ، وجاهٍ، ونشاطٍ، وعمل. ولكنْ، مع الأسف، فإنّ الواقع غير هذا.

ولذلك، فإنَّ القلوب لترتجف، خوفاً عليهم أنْ تختلط عليهم المناهج وتتشابه، وتختلط عليهم الرايات وتتشابه، وليس بعد الحقّ إلا الضلال، فيتراءى لهم أنَّ الجميع حقّ، أو أنَّها إخوة لِعِلّات. ويمكن أنْ يُتَّخذ بعضها بديلًا للمنهج السلفي، وإيثار رايته على رايته؛ لأنَّه كثير البريق والضجيج والتلميع، وإنْ كان أجوف، خالٍ من أصل من أُصول الإسلام، وأعمى في باب الاعتصام بالكتاب والسنّة.

ولهذا المنهج المُشار إليه، آثار أُخرى، لا أرى ذكرها الآن.

وقال في جماعة التبليغ:

«فقد وصلتْ إليّ أوراق تتضمَّن كلاماً للعلّامتين السلفيَّين، الشيخ ابن باز وابن

ص75

عثيمين، يقوم بعض جماعة التبليغ بنشره وترويجه بين الجُهال، ومَن لا يعرف حقيقة منهجهم الباطل وعقائدهم الفاسدة.

والواقع أنَّ في كلام الشيخين ما يُدينهم؛ فكلام الشيخ ابن باز مبنيّ على تقريرٍ من رجل تبليغي أو متعاطف معهم، حكى للشيخ ابن باز خلاف ما هم عليه، وصوَّرهم له على غير صورتهم الحقيقية. يؤكِّد ما نقوله، قول ابن باز: (ولا شكَّ أنَّ الناس في حاجة شديدة إلى مثل هذه اللقاءات الطيبة، المجموعة على التذكير بالله والدعوة إلى التمسّك بالإسلام وتطبيق تعاليمه، وتجريد التوحيد من البدع والخرافات ..) (1)

فهذا يوحي أنَّ صاحب التقرير قد ذكر في تقريره أنَّ هذه الجماعة تدعو إلى التمسّك بالإسلام، وتطبيق تعاليمه، وتجريد التوحيد له من البِدع والخرافات؛ فبسبب ذلك مدحهم الشيخ.

ولو قال فيهم صاحب التقرير كلمة الحقّ، وصوّرهم على حقيقتهم، وبيَّن حقيقة منهجهم الفاسد؛ لما رأينا من الإمام ابن باز السلفي الموحِّد إلّا الطعن فيهم، والتحذير منهم ومن بدعهم، كما فعل ذلك في آخر فتاواه فيهم، المرفقة بهذا البحث.

وفي كلام ابن عثيمين ما يدينهم أيضاً، انظر إلى قوله الآتي:

(ملاحظة: إذا كان الاختلاف في مسائل العقائد، فيجب أنْ تصحّح، وما كان على خلاف مذهب السلف، فإنّه يجب إنكاره والتحذير ممَّن يسلك ما يخالف مذهب السلف في هذا الباب) (2)

ولا شكَّ أنَّ الاختلاف بين السلفيين، أهل السنَّة والتوحيد، وبين جماعة التبليغ، اختلاف شديد وعميق في العقيدة والمنهج؛ فهُم ماتريدية مُعطّلة لصفات الله، وصوفية في العبادة والسلوك، يُبايعون على أربع طرق صوفية مُغرقة في الضلال.


1- انظر: فتواه ذات الرقم 1007 بتأريخ 17/ 8/ 1407 ه، والتي يقوم بنشرها الآن جماعة التبليغ.
2- انظر: فتاوى ابن عثيمين 2/ 939- 944، كما في الأوراق التي تنشرها جماعة التبليغ الآن.

ص76

ومن ذلك أنَّ هذه الطرق تقوم على الحلول ووحدة الوجود، والشرك بالقبور، وغير ذلك من الضلالات. وهذا قطعاً لا يعرفه عنهم ابن عثيمين، ولو عرف ذلك عنهم، لأدانهم بالضلال، ولحذَّر منهم أشدّ التحذير، ولسلك معهم المسلك السلَفي، كما فعل شيخاه، محمد بن إبراهيم وابن باز.

وكما فعل الشيخ الألباني، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ الفوزان، والشيخ حمود التويجري، والشيخ تقي الدين الهلالي، والشيخ سعد الحصين، والشيخ سيف الرحمن، والشيخ محمد أسلم.

ولهؤلاء مؤلَّفات عظيمة تبيّن ضلال جماعة التبليغ، وخطورة ما هم عليه من العقائد والمنهج الضالّ، فليرجع طالب الحق إليها.

وقد رجع عبد الرحمن عبد الخالق المصري عمّا كتبه في الثناء على جماعة التبليغ، واعترف بخطئه عندي.

وأمّا يوسف الملاحي، فهو ممَّن عاشرهم سنين طويلة، ثُمَّ كتب فيهم كتاباً يبيّن فيه ضلالهم وفساد عقائدهم، ثُمَّ- مع الأسف الشديد- تراجع عن الحقِّ والحقيقة، وكتب فيهم كتابه الأخير، وكتابه الأوَّل يُدينه.

وما كتبه فيهم علماء المنهج، يدحض باطله، والقاعدة العظيمة: (الجرح مُقدَّم على التعديل)، تُبطل كل مدح من أيِّ قائل، لو كان التبليغيّون يلتزمون القواعد الإسلامية الصحيحة، ويسلكون مسالك أهل العلم، والنصح للإسلام والمسلمين (1)

وقال عن الصوفية:

فإنَّ من أعظم ما نُكب به المسلمون البِدع والضلالات، التي انتشرت فيهم من قرون، فلم يسلم منها إلّا مَن وسلّمه، ممَّن اعتصم بكتاب ربّه، وسنّة نبيِّه (ص)، وما كان عليه السلف الصالح ومَن تبعهم بإحسان.

ومن شرِّ أنواع البدع والضلال، التي استفحل شرّها وامتدّ ضررها، وجثمت على


1- أنظر أقوال علماء أهل السنة في جماعة التبليغ.

ص77

صدر الأُمّة، وعلى عقول كثرة ساحقة منها؛ بدع الصوفية والتصوّف، وما حوته من خرافات، وانتشرت بسببها عبادة القبور والغُلو في الأولياء، والاستغاثة والاستنجاد بهم، واعتقاد أنَّهم يعلمون الغيب، ويتصرّفون في الكون، وضلالات كُبرى لا تحصى.

فكان لهذه الطوام الصوفية الآثار المدمِّرة في حياة الأُمّة، ممَّا جعل الكثير منها غثاء كغثاء السيل، سهل لأُمم الكفر التداعي عليها، كما تداعى الأكلة على قصعتها.

ومع كل هذا التدمير الذي جلبه على الأُمّة التصوّف والصوفية، بالإضافة إلى الرفض وغيره من البدع؛ تجد مَن يدافع عن التصوّف والصوفية، والرفض والروافض، وسائر البدع وأهلها.

وممّن انبرى للدفاع عن الصوفية والتصوّف، فادَّعى أنَّ التصوّف الصحيح عين التوحيد، وأنَّ الصوفية من أهل السنَّة والجماعة؛ الدكتور عبد العزيز القارئ، المُدرّس سابقاً، ومع الأسف في قلعة التوحيد والسنّة، الجامعة الإسلامية، فارتكب من المغالطات بهذا الصدد مالا يجوز السكوت عليه، بل يجب كشف هذه المغالطات، وبيان حقيقة الصوفية والتصوّف.

وتابع القاري في مغالطاته بعض الصوفية، فلم يحرّك ساكناً تجاه أباطيلهم، بل ذهب يؤكِّد باطله وباطلهم.

فقمت تجاه هذا الباطل بجهد المُقَل، نُصرة لدين الله الحقِّ وذبّاً عنه، في عدد من المقالات، وبيَّنت أنَّ التصوّف الصحيح، إنَّما هو وساوس وخطرات وجهالات، وتعذيب للنفس وتجويع لها، وصيام غير مشروع، على طريقة رهبان النصارى، فكيف يكون هذا هو عين التوحيد؟!

ثُمَّ عَنَّ لي جمع هذه المقالات في كتاب واحد، ثُمَّ نشرها؛ ليُسهم في دحض الباطل، وفي التمييز بين الحق والباطل، والضلال والهدى، وسمّيته (كشف زيف التصوّف وبيان حقيقته وحال حملته- حوار مع الدكتور القاري وأنصاره)» (1)


1- أنظر كشف زيف التصوف وبيان حقيقته وحال حملته.

ص78

وممَّا سبق، يتبيَّن لنا أنَّ شخصية المدخلي لا تختلف كثيراً عن شخصية أئمّة الوهابية الآخرين، والفارق بينه وبينهم، هو أنّه أكثر تطرّفاً وأكثر وضوحاً في كشف حقيقة الوهابية، وكونها تُفرّق لا توحِّد، وكون أصحابها في شقاق بعيد.

آل الشيخ

اشاره

ص79

اشاره

كان اتّفاق محمد بن عبد الوهاب مع ابن سعود قد قَسّم السلطة والنفوذ بينهما، وجعل شؤون الدِّين والدعوة في يد محمد بن عبد الوهاب وأبنائه من بعده، الذين لُقّبوا بآل الشيخ.

واستمر آل الشيخ محتكرين هذا الدور حتّى فترة قريبة، بعد أنْ برز العديد من الرموز الوهابية الأُخرى من خارج دائرتهم، والتي أخذت تنافسهم في هذا الدور.

وكان أنْ قام فيصل بن عبد العزيز، في فترة السبعينيات، بتشكيل هيئة كبار العلماء، من خارج دائرة آل الشيخ، ووضع على رأسها ابن باز. وكان ذلك هو بداية أُفول آل الشيخ، وانحسار دورهم في محيط الوهابية، وبداية ظهور الرموز الأُخرى، التي تسلَّمت إمامة الوهابية والتحدّث بلسانها.

إلا أنَّ هذا لا ينفي وجود بقايا لآل الشيخ في ساحة الوهابيّين، وعلى رأسهم مُفتي الوهابية الحالي، عبد العزيز آل الشيخ، الذي برز ليسدّ الفراغ الكبير الذي حدث في مملكة الوهابيّين، بعد وفاة ابن باز، وابن عثيمين، وابن جبرين، وغيرهم من أئمّة الوهابية، الذين كانت ترتكز عليهم حكومة آل سعود.

وفي دائرة هذا الباب، سوف نستعرض بعض رموز آل الشيخ، الذين لعبوا دوراً بارزاً في محيط الوهابية.

ص80

عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ويعدُّ في مقدّمة العناصر التي برزت في محيط الوهابية، بعد مؤسّسها ابن عبد الوهاب، فهو وُلد في الدرعية، عاصمة الوهابيين وقلعتهم، عام 1193 ه، وعاش في كفالة جدّه ابن عبد الوهاب، بعد مقتل والده في حروب الوهابيّين.

وقد قرأ على يد العديد من فقهاء الوهابية في زمانه، وعلى رأسهم عمّه عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب.

وتمَّ أسره من قِبل الجيوش المصرية، التي غزت جزيرة العرب لتأديب الوهابيّين، بقيادة محمد علي، بعد سقوط عاصمتهم الدرعية، وأُخذ أسيراً إلى مصر، وظلَّ فيها حتّى عام 1241 ه، ثُمَّ عاد إلى نجد، ليحتلَّ مكان جدّه في حكومة تركي بن عبدالعزيز، التي قامت بعد خروج الأتراك من جزيرة العرب، ليُصبح مستشاراً له، بالإضافة إلى دوره في محيط التبشير بالوهابية، ونشرها وتدريسها.

وعاصر ابن حسن ثلاثة من حكّام آل سعود، من الدولة السعودية الأُولى، التي سقطت على يد محمد علي، وهم:

* عبد العزيز بن محمد آل سعود.

* سعود بن عبد العزيز.

* عبد الله بن سعود.

وثلاثة من الدولة السعودية الثانية، وهم:

* تركي بن عبد الله آل سعود.

* فيصل بن تركي.

* عبد الله بن فيصل.

وقرأ على يده عامَّة فقهاء الوهابية في نجد، وتوفّي في عام 1285 ه.

من آثاره

ص81

* فتح المجيد- شرح كتاب التوحيد، احمد بن عبدالوهاب.

* قرَّة عين المُوحّدين.

* الردّ على عثمان منصور.

* الردّ على داود بن جريس.

* مجموعة من الرسائل والمسائل والفتاوى.

محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ

مُفتي مملكة الوهابيّين، ورئيس القضاة السابق.

وُلد في الرياض عام 1311 ه، وتلقّى علم العقائد على يد عمّه عبد الله بن عبداللطيف، ودرس كتاب التوحيد، وكتاب حكم موالاة أهل الشرك لجدِّه محمد بن عبدالوهاب، وكتاب العقيدة الواسطية، والفتوى الحَمَوية لابن تيمية.

تولَّى التدريس بعد نبوغه في العقائد والفقه الوهابي، فكان يدرِّس العقيدة الواسطية والحموية والتدمرية لابن تيمية، وكتاب التوحيد، وكشف الشبهات، وثلاثة الأُصول، ومسائل الجاهلية، وأُصول الإيمان، لابن عبد الوهاب، ولُمعة الاعتقاد لابن قدامة الحنبلي.

ولم يكن يحرص على ذكر آراء المُخالفين، من أهل البِدع والإشراك، إلّا للضرورة؛ كي يتكلَّم فيهم ويردّ عليهم.

تولّى الإفتاء والقضاء والتدريس في دولة الوهابيّين، كما تولّى رئاسة رابطة العالم الإسلامي منذ إنشائها عام 1379 ه. وقام بتشكيل هيئة من فقهاء الوهابية، لنشر الدعوة ومُحاربة المخالفين.

ويعدُّ محمد بن إبراهيم من أبرز عناصر آل الشيخ، الذين لعبوا دوراً بارزاً في دائرة الوهابية.

ص82

ومن تلاميذه: عبد العزيز بن باز، وعبد الرحمن بن قاسم، وعبد الله بن حميد، وابن جبرين، وغيرهم ..

تكفير المسلمين

وكان محمد بن إبراهيم قد اطَّلع على ما كدر خاطره، حسب تعبيره، وهو أنَّه اكتشف عبارة تداولتها إدارة الامتحانات بمديرية المعارف، في امتحان الشهادة الابتدائية، تقول: «انتشار مذهب محمد بن عبد الوهاب في المملكة». وهو ما يعني أنَّ ابن عبد الوهاب صاحب مذهب، وليس ديناً، فقال معترضاً:

«وهذا بعينه ما عليه القبوريّون في هذه الأزمان، وأعداء التجديد، والدعوة التي مَنَّ الله بها على أهل نجد والحجاز على يد الشيخ، فلا بدَّ من إيضاح هذه المسألة، والرجوع عن هذه الكلمة الخاطئة (1)

وسُئل عن جزَّار ينتسب إلى الإسلام، يُقال له فاضل الدِّين، هل تحلّ ذبيحته؟ فقال: «يُشترط في القصّاب فاضل الدِّين أنْ يكون مسلماً صحيح المُعتقَد، يُنكر الخرافات، كعبادة القبور وغيرها ممَّا يعبَد من دون الله، ويُنكر جميع المعتقدات والبِدع الكُفريَّة، كمعتقد القاديانية والرافضة الوثنيّة وغيرها، ولا يكتفي في حلِّ ذبيحته بمجرَّد الإسلام والنطق بالشهادتين، وفعل الصلاة وغيرها من أركان الإسلام التي ذكرناها، فإنَّ كثيراً من الناس ينتسبون إلى الإسلام، وينطقون بالشهادتين، ويُؤدّون أركانه الظاهرة، ولا يُكتَفى بذلك في الحكم بإسلامهم، ولا تحلّ ذكاتهم؛ لشركهم بالله


1- انظر: كتاب فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم، جمع وترتيب وتحقيق محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، طبع المطبعة الحكومية بمكة عام 1399 هالقسم الثاني من الجزء الأول. وقد نقل إضافة للشيخ عبد الرحمن بن حسن من كتابه الدُرر السنيّة، تقول: إنَّ الله ألبس هذه الطائفة أفخر لباس، واشتهر بين الخاصة والعامة من الناس، فلا يسمّيهم أحد إلّا بالمسلمين، قال جلَّ ذكره: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ. فهذا الاسم ألحقه الله بأصحاب رسوله، وألحقه بهذه الطائفة. وكان عبد الرحمن بن حسن قد شبَّه الوقائع التي جرت على الوهابية وإمامها ابن عبد الوهاب، ضدّ عدوهم، بما جري للنبي 9 من عدوِّه، ونصر الله له، وانظر هامش ص 71.

ص83

في العبادة، بإعاط الأنبياء والصالحين والاستغاثة بهم، وغير ذلك من أسباب الردَّة عن الإسلام» (1)

وقال: «في هذه الأزمان، وقبلها بأزمان، يجهل العلم ضِخام العمائم، الذين يدَّعون حفظ الدِّين للأُمَّة، وأنَّهم وأنَّهم ..، وإنَّ أبا جهل ليس بأضلِّ منهم؛ فإنَّه يعلم معنى لا إله إلا الله، وهم لا يعرفون، والجهل درجات؛ فبه تعرف قَدر مَن كان أبو جهل أعلم منهم.

وما دخلت الخرافات إلّا بالتسامح في معرفة التوحيد، وبالغلوِّ في الصالحين، وأنَّه يكفي التسمّى بالإسلام، وبذلك وقع الشرك.

والدعوة إلى التوحيد قبل الدعوة إلى الفروع، كالحجِّ، والصيام، والزكاة، والنهي عن بعض المحرَّمات. وكما تجب الدعوة إلى التوحيد، يجب النهي عن ضدِّه، ممَّا ابتلى به كثير من عُبَّاد القبور، بالتوسّل بالأولياء والصالحين» (2)

ومن الطريف أنَّ ثلاثة من الوهابيّين ادَّعوا رؤية الرسول (ص) في المنام، يطلب منهم إبلاغ الملك بأنْ يمنع الأذى والروائح الكريهة عن حجرته ومسجده، وعبَّر ابن إبراهيم عن هذه الرؤية بقوله: «ولا شكَّ أنَّ هذه الرُؤى الثلاث إنْ صحَّت، فإنَّ هذا الأذى وهذه الروائح الكريهة، هي روائح الشرك وأذاه» (3).

والسؤال هنا هو: لِمَ لا تكون هذه الروائح روائح الوهابية وآل سعود؟

وقد أرسل ابن إبراهيم رسالة إلى وليِّ الأمر، بخصوص الشيخ عبد الله الخنيزي، الذي قُدِّم للمحاكمة بسبب كتابه (أبو طالب مؤمن قريش)، يُطالب فيها بوجوب قتله تعزيراً؛ لأنَّ ما أبداه رأس فتنة، إنْ قُطع خمدت، وإنْ تُسوهل في شأنه، عادت بأفظع


1- كتاب فتاوى و رسائل الشيخ محمد بن ابراهيم، ص 77.
2- السابق، صص 84، 85 و 89.
3- السابق، ص 137.

ص84

من هذا الكتاب. وقتل مثل هذا تعزير، إذا رآه الإمام رَدْعاً للمفسدين، وحسماً لمادَّة البدعة، وسدّاً لهذا الباب (1)

وبارك ما قام به رئيس هيئة الأمر بالمعروف بشأن إزالة البناء الذي أُقيم على قبر أُمّ المؤمنين خديجة، وبعض القبور المجاورة له، مُثنياً على هذا العمل الطيِّب، الذي فيه ردع لكلِّ مَن تُسوّل له نفسه الإخلال بالشرع، وعدم الوقوف عند نواهيه، حسب تعبيره (2)

صالح بن عبد العزيز آل الشيخ

وُلد عام 1378 ه بالرياض، وتلقَّى الدين على يد ابن باز، ووالده، والشنقيطي، وتخرَّج من جامعة محمد بن سعود، ثُمَّ تخصَّص في فتاوى جدّه محمد بن إبراهيم. وعُيِّن في عام 1420 ه وزيراً للشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وليس له كتابات تُذكر، سوى عدد كبير من الفتاوى والخطب والرسائل (3)

محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ

وُلد في عام 1330 ه-، وجدّه الأعلى هو عبد الرحمن بن حسن بن عبد الوهاب، فقيه الوهابية في زمانه.

درس العقيدة الطحاوية والواسطية والبخاري، ولازم محمد بن إبراهيم قرابة الرُبع قرن، ونال منه الإجازة العامَّة، ويُعدّ ابن باز من زملائه.


1- حكم بتعزير الخنيزي وسجنه لمدّة عام، وضربه كلّ شهرين عشرين جلدة في السوق، مدّة السنة، بحضور مندوب من هيئة الأمر بالمعروف، مع مصادرة نُسخ الكتاب وإحراقها، ثُمَّ استتابته، وفصله من عمله، ولا يُطلَق سراحه إلّا بعد إعلان توبته ورجوعه عمّا ذكر في كتابه. انظر: المرجع السابق، باب حكم المرتدّ، ج 12، باب حكم المرتد، ص 187، 190.
2- المرجع السابق، جزء 1، القسم الثاني، ص 136.
3- انظر فتاويه وخطبه ورسائله في: موقعه على الانترنيت.

ص85

تقلَّد العديد من المناصب في حكومة آل سعود، كان آخرها وكيل وزارة الشؤون الإسلامية.

عبد العزيز آل الشيخ

وهو عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، وُلد في الرياض عام 1362 ه، وتخرَّج من كلية الشريعة عام 1383 ه، وعمل بالتدريس حتّى عام 1412 ه، ثُمَّ عُيِّن عضواً في اللجنة الدائمة للإفتاء عام 1416 ه، وعضو هيئة كبار العلماء عام 1407 ه، ثُمَّ نائباً للمُفتي ابن باز. وهو مُفتي مملكة الوهابيّين الحالي، ورئيس هيئة العلماء، وقد تسلَّم هذين المنصبين من آل سعود، بعد وفاة ابن باز.

يُعدُّ عبد العزيز صورة جديدة من ابن باز، ونسخة مكرَّرة منه، فقد سار على سنَّته في إعلان الولاء لآل سعود، ومناصرة الفِرق الوهابية الإرهابية، التي أراقت الدماء، وشوَّهت صورة الإسلام في العالم.

رفض عبد العزيز إصدار فتوى تُدين قتل المسلمين في العراق، وأفتى بتكفير الحوثيِّين في اليمن، وجواز قتلهم وقتالهم.

وفي خطبته الأخيرة بموسم الحجّ الماضي، هاجم إيران، وتغافل- كعادة أئمّة الوهابية- عن ذكر قضايا المسلمين، وما يجري في فلسطين والعراق، وباكستان وأفغانستان.

وأئمة الوهابيين، التزاماً منهم بالمعاهدة التي وقَّعها إمامهم محمد بن عبد الوهاب مع آل سعود؛ لا يتدخَّلون في السياسة، إلّا فيما يخدم مملكتهم، ويوفِّر الحماية لهم، حتّى لو أدَّى ذلك إلى استعانتهم بالمشركين ضدّ المسلمين.

ص: 86

الاستقطاب

اشاره

ص87

اشاره

تمكَّن الوهابيّون من استقطاب العديد من رجال الأزهر، الذين وفدوا لجزيرة العرب، واستخدامهم كمعلِّمين لهم، يدرِّسونهم اللغة والتفسير والحديث.

ومن هؤلاء مَن أقام وسطهم، إقامة دائمة، حتّى وصل إلى درجة عالية بينهم، ليُصبح من هيئة كبار العلماء، وأعضاء لجنة الفتوى.

وما دعمَ الوهابيّين أكثر من ضربِ جماعة الإخوان المسلمين في مصر، من قِبل عبدالناصر، في منتصف الخمسيّنيات؛ وهو ما دفع بالعديد من رموز الإخوان إلى اللجوء لجزيرة العرب، من أجل الاستيطان وطلب الأمان.

وحدث تعاون بين عناصر الإخوان والوهابيّين، ليتحوَّل العديد منهم إلى الوهابية، ومَن لم يدخل في الوهابية، أمكن استثماره لصالحها.

واستقطبت الوهابية العديد من الشاميّين والمغاربة، واليمنيّين والأفارقة، وجنسيّات أخرى، ليُصبح بعضهم من

رموزها في جزيرة العرب، ودُعاتها في بلادهم.

* ومن هؤلاء المصريّين:

* محمد عبد الرازق عفيفي.

* محمد عبد الوهاب البحيري.

* محمد الجندي.

ص88

* طه الدسوقي العربي.

* محمد خليل هراس.

* محمد حامد الفقي.

* منّاع خليل القطّان.

* عبد الرحمن عبد الخالق.

وهؤلاء من رجال الأزهر، عدا منّاع القطّان، فهو من عناصر جماعة الإخوان، وعبد الرحمن عبد الخالق، فهو من نبتِ الجامعة الإسلامية.

ومن اليمنيِّين: مقبل بن هادي الوادعي.

ومن الشاميّين:

* محمد رشيد رضا (1)

* مُحبُّ الدين الخطيب.

* علي الطنطاوي.

* ومحمد ناصر الألباني.

* ومحمد جميل زينو.

ومن المغاربة:

* محمد الأمين الشنقيطي.

* أبو بكر جابر الجزائري.


1- كان محمد رشيد رضا من الشاميّين الذين فرّوا إلى مصر من وجه الأتراك العثمانيين، مع محب الدين الخطيب، وهو ممَّن تتلمذ على يد الشيخ محمد عبده، إلّا أنّه جنحَ نحو الوهابيّين، وزكّى ابن تيمية وابن القيم، وهاجم الأزهر؛ ممّا أدّى بأئمّة الوهابية إلى العمل على استقطابه، لكنّهم لم يعتمدوه كما اعتمدوا محبّ الدين الخطيب؛ لكونه كان يحمل بعض الرواسب العقلية من مدرسة محمد عبده، فكان يُبدي بعض الآراء النقدية في الأحاديث التي يعدّها الوهابيّون صحيحة، مثل: حديث السِحر؛ ممّا دفع البعض منهم إلى مهاجمته. أنظر: اعتماد محمد بن إبراهيم للعديد من آرائه في كتاب فتاوى ورسائل. وقد هاجمه الوادعي في رسالة ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر، أي: قصّة سِحر رسول الله ص.

ص89

وغير هؤلاء كثير. إلَّا أنَّنا سوف ننتقي في هذا الباب بعض نماذج منهم، ممَّن برزوا من بين الوهابيّين، وكان لهم أثر كبير في ساحتهم.

وتجدر الإشارة هنا، إلى أنَّ من بين هؤلاء مَن أنعم عليهم الوهابيّون بنعمة المشاركة في هيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، بالإضافة إلى نعمهم الأُخرى.

عبد الرازق عفيفي

ويعدّه الوهابيّون من بقية السلَف، وشيخ علماء مملكتهم، وهو من المتخصّصين في الفقه وأصوله، وُلد بمصر عام 1905 م، وعمل بالتدريس في مدارس الأزهر. ونظراً لميوله الوهابية، ومواقفه من الصوفية؛ أصبح نائباً لأكبر مؤسّسة وهابية في مصر، وهي جماعة أنصار السنَّة المحمدية، في فترة الثلاثينيّات، ثُمَّ تسلَّم رئاستها بعد وفاة رئيسها محمدحامد الفقي (1)

وكان أنْ التفت إليه الوهابيّون وقرَّروا استقطابه، ليُطلب بالاسم من قِبل مُفتي الوهابية آنذاك، محمد بن إبراهيم، ليُصبح مستشاراً لهم، وتُفتح له الأبواب على مصارعها، ليقوم بتطوير مناهج التعليم في مدارس الوهابيّين، وتأسيس المعاهد، والخطبة في المساجد، حتّى وصل إلى قصور آل سعود.

وكانت له بصمته البارزة في مناهج الجامعة الإسلامية بالمدينة، بالإضافة إلى دوره في قيام اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والإرشاد، ليُنعم عليه بعضويّتها وعضويّة هيئة كبار العلماء، ثُمَّ رئاسة اللجنة الدائمة، بعد وفاة رئيسها ابن باز.

وقد تتلمذ على يديه العديد من أئمَّة الوهابية المعاصرين، وتوفّي في عام 1415 ه- ودفن في مكة، مع مَن سبقه من أئمّة الوهابية.


1- تأسّست جماعة أنصار السنّة في عام 1926 م بالقاهرة، ثُمَّ انتشرت بعد ذلك في بعض محافظات مصر، بدعم الوهابيّين، ومحمد حامد الفقي كان من رجال الأزهر، وعلى مذهب الحنابلة.

ص90

وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبه عبد الرازق عفيفي، في تعليم الوهابيّين، إلا أنّه لم يكتب شيئاً فيهم، أو عن ابن عبد الوهاب، ولم يترك شيئاً يُذكَر من المؤلّفات، فقد كان يتبنَّى رؤيةً تقول: «إنَّ السابقين لم يتركوا للّاحقين شيئاً».

الشنقيطي

هو محمد الأمين الشنقيطي، ينتمي إلى مورتانيا، درس التاريخ والسيرة والأدب، وعلوم العربية ومبادئ الفقه، ثُمَّ رحل إلى طلب العلم على يد كبار مشايخ بلاده، وعلى المُتَّبع في بلاده. ثُمَّ قدِم إلى مملكة الوهابيّين عام 1367 ه- لأداء فريضة الحجّ، واعتزم الإقامة، وبدأ التدريس في المسجد النبوي، ولمَّا افتُتحت المعاهد والكلّيات، درّس فيها، وانتقل بعد ذلك إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوَّرة.

وقد تخرَّج على يديه الآلاف من الطلّاب، خاصّة في التفسير والعقائد والأُصول.

وكان- إلى جانب تدريسه بالجامعة- عضواً في مجلس الجامعة، وعضو هيئة كبار العلماء، وعضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.

توفّي عام 1393 ه-، ودُفن في مقبرة أئمَّة الوهابية.

مؤلّفاته

* منع جواز المجاز في المنزل للتعبّد والإعجاز.

* دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب.

* مذكَّرة في أصول الفقه المقرّرة في الجامعة الإسلامية.

* آداب البحث والمناظرة- مقرَّر في الجامعة الإسلامية.

وله العديد من المذكَّرات الدراسية والمحاضرات، في التفسير وأصوله، وأصول الفقه، والمنطق، والنحو والصرف.

والشنقيطي له بصمة واضحة في دائرة الوهابية، وقد تتلمذ على يديه العديد من أئمّة الوهابية المعاصرين، وله العديد من الآثار التي تولّاها الوهابيون بالرعاية، منها:

ص91

* الأسماء والصفات نقلًا وعقلًا.

* منهج التشريع الإسلامي وحكمته.

* المصالح المُرسَلة.

وكان الشنقيطي قد كتب كتاباً، يدافع فيه عن معاوية، بعنوان: (الأحاديث النبوية في فضائل معاوية)، نقض فيه الشبهة القائلة بأنَّ المُحدّثين الأوائل ضعَّفوا الأحاديث الواردة في حقِّه.

ص: 92

مُحبُّ الدِّين الخطيب

ص93

جاء الخطيب من الشام إلى مصر، فارّاً من وجه الأتراك؛ لاتّهامه بالتعاون مع جماعة تركيا الفتاة، المناهضة للعثمانيّين آنذاك.

وفي مصر، افتتح المطبعة السلَفية ومكتبتها، في فترة العشرينيات من القرن الماضي، وقام بنشر العديد من الكتب.

وكان الخطيب على صِلة بابن باز، وأصدر العديد من الكتب التي تخدم الوهابيّة بالتنسيق معه.

ويعدُّ أوَّل مَن نشر كتب الوهابية، والكتب التي تُهاجم الشيعة، في مصر في تلك الفترة، ومن بين هذه الكتب:

* الخطوط العريضة في مذهب الشيعة. وهي رسالة صغيرة ألحق بها سورةً تُسمّى الولاية، ونسبها لقرآن الشيعة بزعمه، وقام الوهابيّون بنشر هذه الرسالة، وترجمتها إلى العديد من اللُغات، ومستمرّون في نشرها والاحتفاء بها حتّى اليوم.

* رسالة مؤتمر النجف. التي ادَّعى فيها أنَّ فقهاء الشيعة

* أقرّوا بإمامة أبي بكر وعمر.

* منهاج الاعتدال في نقض أهل الرفض والاعتزال. الذي لخَّص فيه الذهبي كتاب منهاج السنَّة لابن تيمية.

ص94

* مختصر التحفة الاثني عشريّة. حيث علّقَ عليه.

وقد قام محبّ الدين بتحقيق كتاب العواصم من القواصم، لأبي بكر بن العربي، وبعثه إلى النور، بعد حذف الجزء الأوّل منه، الذي لا يخدم أغراض الوهابيّة، والإبقاء على الجزء الثاني، الذي يُبرِّر فيه المؤلّف مواقف الصحابة ويدافع عنهم. وتلقَّف الوهابيّون منه هذا الكتاب، وقاموا بإضافة تعليقاتهم عليه، ونشره في كل مكان، وبلغاتٍ عدَّة، من باب النكاية في الشيعة (1)

أبو بكر جابر الجزائري

اشاره


1- انظر كتابنا: أكاذيب الوهابية.

ص95

اشاره

من مواليد جنوب الجزائر عام 1921 م، بدأ دراسته بالزاوية العثمانية، فحفظ القرآن الكريم، ثُمَّ هاجر إلى المدينة النبوية، حيث أتمَّ دراسته في حلقات أئمّة الوهابية، بمسجد الرسول (ص)، من أمثال الشيخ عبد الرحمن الإفريقي. وسرعان ما لمع نجمه في عالم الوهابية؛ لهذا التقطه الوهابيّون وعيَّنوه أُستاذاً بقسم الدراسات العُليا، بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة، كما خُصِّص له كرسي للتدريس بالمسجد النبوي، للوعظ والإرشاد، وبثِّ الوهابية في نفوس المسلمين، من الحُجّاج والمُعتمرين، وظلَّ على ذلك ما يقارب نصف قرن.

من مؤلّفاته

* رسائل الجزائري. وهي (23) رسالة، تبحث في الإسلام والدعوة.

* منهاج المسلم. كتاب عقائد وآداب وأخلاق وعبادات ومعاملات.

* عقيدة المؤمن. يشتمل على أُصول عقيدة المؤمن، جامع لفروعها.

* أيسر التفاسير للقرآن الكريم. 4 أجزاء.

* المرأة المسلمة.

* نصيحتي لكلِّ شيعي.

* كمال الأُمَّة في صلاح عقيدتها.

ص96

وكان على الجزائري أنْ يشمِّر عن ساعديه دفاعاً عن الوهابية وأئمّتها، بإعلان النفير للحرب على الجماهير المُخالفة للوهابية، المُحتفلة بذكرى خير البريَّة؛ فقام بالتصدّي لإذاعة لندن، حين ذكرت أنَّ ابن باز يكفِّر المحتفلين بالمولد النبوي، ودافع عن إمامه، مُنزلًا لعناته على الرافضة والصوفية، المبتدعين في الدين، المُخالفين لسنَّة رسول ربِّ العالمين.

الألباني

اشاره

ص97

اشاره

وُلد محمد ناصر الدين الساعاتي في ألبانيا، ثُمَّ هاجر مع أُسرته إلى الشام، واستقرَّ فيها. وسعَى والده لتلقينه المذهب الحنفي، إلَّا أنَّه تمرَّد عليه، واتَّجه لدراسة الحديث.

ورث عن أبيه مهنة إصلاح الساعات، وكان كثير الاعتكاف بالمكتبة الظاهرية بدمشق، من أجل البحث والتنقيب في كتب الحديث والرجال، ثُمَّ برز بأفكار الوهابية في محيط الشام، وأصدر أوَّل كتبه، وهو: (تحذير الساجد من اتّخاذ القبور مساجد)، فاصطدم به فقهاؤها واعتبروه من الضالّين، وحذَّروا الناس منه.

قام الوهابيّون باستقطابه، فعُيِّن عضواً في المجلس الأعلى لجامعة الوهابيّين في المدينة المنوّرة، ومدرِّساً فيها.

ونظراً لكون الرواية تلعب دوراً كبيراً في واقع التيار الوهابي؛ حظي الألباني باهتمام كبير من قِبل أئمَّة الوهابية، الذين عدُّوه من المجدِّدين في عالم الحديث والأثر.

وزادت شهرته بإصداره سلسلة الأحاديث الصحيحة والضعيفة، التي صحَّح من خلالها أحاديث كانت ضعيفة، وضعَّف أحاديث كانت صحيحة.

والسؤال هنا هو: ما ذنب الذين تعبَّدوا بالأحاديث التي ظنّوا أنَّها صحيحة في الماضي، ثُمَّ تبيَّن أنَّها ضعيفة على يد الألباني في الحاضر؟!

ص98

ومَن المسؤول عن تضعيف هذه الأحاديث، التي قام بتصحيحها الألباني؟

والجواب يكشف لنا المتاهة التي وقعت فيها الأُمّة، بسبب كثرة الأحاديث المنسوبة للنبي (ص)، والتي قامت على أساسها مُعتقدات وأحكام، تسبَّبت في تضليل الأُمَّة وتفريق المسلمين، وزرع العداوة والبغضاء فيما بينهم.

وسبب هذه المتاهة يعود إلى كون الفقهاء لم يرجعوا بهذه الأحاديث إلى كتاب الله ويضبطوها به، وإنَّما أعادوها إلى ما سمَّوه بعلم الرجال، الذي يركِّز على سَنَد الحديث، لا على متنه.

وعلماء الرجال اختلفوا كثيراً في أمر رواة الأحاديث، فمنهم مَن عدَّلوه وقبلوا حديثه، ومنهم مَن جرحوه ورفضوا حديثه، وهذا التعديل والتجريح لم يقم على أُسس عادلة وموضوعية، وإنّما قام على أُسس مذهبية عقيدية، فمَن خالف مذاهب الفقهاء وعقائدهم، نُبِذ وتُرك، ومَن وافق مذاهبهم ومعتقداتهم، قُبِل وعُدّل.

والبخاري- كمثال- جرح الإمام جعفر الصادق 7، ولم يقبل أحاديثه، وسار على نهجه العديد من المُحدّثين، بينما قبل أحاديث عمران بن حطان، شاعر الخوارج، الذي مدح قاتل الإمام علي 7، وقبل أحاديث عمر بن سعد، قائد الجيش الذي قتل الحسين في كربلاء!!

والألباني عندما تصدَّى لتخريج الأحاديث، وقع في هذه المتاهة، فلم ينظر لمتنِ الرواية، وإنَّما نظر إلى سندها، وفق قواعد علماء الرجال ومصادرهم، وكانت النتيجة هي: تصحيحه لأحاديث تتصادم متونها مع القرآن والعقل، مثل الأحاديث التي تحرِّم لحم البقر، ولبس الذهب للنساء، حتّى أنَّه صحَّح أحاديث تذمّ الصحابة، وهو ما أدَّى إلى الثورة عليه، من قِبل الفقهاء الصغار من الوهابيّين، وصدور العديد من الردود عليه، ونشوب المعارك بينه وبينهم (1)


1- انظر: ردع الجاني المتعدّي على الشيخ الألباني. وهو كتاب يدافع عنه ضدّ خصومه؛ وانظر: الألباني- شذوذه وأخطاؤه، لأرشد السلفي، ط. عمان- الأردن.

ص99

وهذا هو حال الوهابيّين دائماً، خلافات وصراعات، وفرقة وتناحر وتكفير، عجز أئمّة الوهابية عن وضع حدٍّ لها، وذلك كلّه يعود إلى كونهم لا يحترمون أحداً من أهل العلم، ولا يرون جواز التقليد؛ ممَّا فتح الباب على مصارعه لكلّ وهابي، ليخوض في الكتاب والسنَّة، ويجعل من نفسه إماماً، يُشهر حرابه في وجه المُخالفين.

وقد دفع هذا الوضع بالألباني إلى إصدار كتابه (فتنة التكفير)، الذي يعدّ واحداً من كتبٍ كثيرة كتبها أئمّة الوهابية

لصدِّ موجه التكفير، التي شاعت في وسطهم على يد صغارهم، وكبارهم أيضاً.

ومن صور غُلوِّ الألباني، التي جذبت نحوه أئمَّة الوهابية، هو اعتباره الحديث كافٍ وحده، وحجَّة بنفسه، في العقائد والأحكام.

وسيراً مع سنَّة أئمّة الوهابية، كان ولا بدّ على الألباني أنْ يقوم بشدِّ الرحال إلى ابن تيمية وابن عبد الوهاب، من أجل التماس البركة ونيل الرضا، والثبات على معتقد الوهابية؛ فقام بتحقيق كتاب (الإيمان) لابن تيمية، وأصدر كتابه في التوسُّل والوسيلة، وتحذير الساجد من اتّخاذ القبور مساجد.

وللألباني العديد من الفتاوى العجيبة، والأقوال الشاذّة والغريبة، التي أثارت اللغط والخلاف من حوله، ومن ذلك فتواه في حركة حماس، التي يقول فيها:

«الحركة القائمة اليوم في الضفة، هذه الحركة ليست إسلامية، شئتم أو أبيتم؛ لأنَّهم لو أرادوا الخروج، لأعدّوا له عدَّته، أين العدَّة؟!

يجب أنْ يحتفظ هؤلاء الشباب بدمائهم ليوم الساعة، وليس الآن»!!

وكان الألباني قد طالب بخروج الفلسطينيّين من فلسطين وتركها لليهود، كحلٍّ للمشكلة.

وصرَّح بأنَّ أُمّهات المؤمنين، وزوجات الأنبياء، يجوز عليهنّ

الزنا (1)


1- انظر: نوال المنى في عصمة أمّهات المؤمنين وأزواج الأنبياء من الزنا، محمد الرفاعي. وكان من أصحاب الألباني وفارقه؛ وانظر: البشارة والإتحاف بما بين ابن تيمية والألباني من الخلاف في العقيدة، ط. عمان- الأردن.

ص100

وسُئل صالح اللّحيدان: نجد أُناساً يطعنون في الألباني، ويرمونه بالإرجاء، أرجو التوجيه وتحذير الشباب من مثل هذه المسائل. في الطعن في علمائهم؟

وكان جوابه: الرجل لا شكَّ أنّه من العلماء النافعين في الحديث، لكنّه ليس بمعصوم، ولكنَّه خير مَن خدم هذا الفنّ خلال السنوات الماضية. أمّا وصفه بالإرجاء، فلا أعرف عنه هذا الشي ء.

واشتهر الألباني بتسليط لسانه على خصومه ومخالفيه، والتهجّم عليهم، كما هي سنَّة أئمّة الوهابية.

وهو، كما وصفوه، كثير الميل نحو التهجّم على العلماء العاملين، كثير الشَغَف بالحطِّ من كرامتهم، بصفته أحد أدعياء العلم. وهو لم يأخذ العلم من أفواه العلماء، ولم يجثُ على ركبتيه أمام عالم خبير مُطّلع من علماء المسلمين (1)

من أعماله

* سلسلة الأحاديث الصحيحة.

* سلسلة الأحاديث الضعيفة.

* الحديث حجَّة بنفسه في العقائد والأحكام.

* تحقيق كتاب الإيمان لابن تيمية.

* حجاب المرأة المسلمة ولباسها في الصلاة.

* صفة صلاة النبي.

* التوسُّل أنواعه وأحكامه.

* تحريم آلات الطرب.

* ظلال الجنّة في تخريج السنَّة.


1- انظر: مقدّمة كتاب الألباني. شذوذه وأخطاؤه، لأرشد السلفي، ط. عمّان- الأردن؛ وانظر: قاموس شتائم الألباني، لحسن السقاف، ط. عمّان- الأردن.

ص101

* تحذير الساجد من اتّخاذ القبور مساجد.

* آداب الزفاف في الإسلام.

* فتنة التكفير.

مُقبل الوادعي

كان مقبل بن هادي الوادعي من زيدية اليمن، ثُمَّ انقلب عليهم واتَّجه نحو الوهابية، ورحل إلى مكة للدراسة، ومنها تحوَّل إلى جامعة الوهابيّين بالمدينة، من أجل إكمال دراسته، ليتخصّص في الحديث ورجاله.

وعندما عاد إلى اليمن، أسَّس لنفسه مدرسة خاصّة به، نافس بها المدارس الأُخرى السائدة وسط الوهابيّين في اليمن.

ونظراً لشخصيّته الحادّة، فقد أطلق سهامه على الجميع، من السنَّة والشيعة والزيدية، وحتّى الوهابيّين المُخالفين له، ويبدو ذلك بوضوح من خلال استعراض كتاباته، التي تُعدّ ردوداً- في معظمها- على المخالفين.

ومن نماذج هذه الكتابات:

* رياض الجنّة في الردِّ على أعداء السنَّة. وهو يحوي فصلًا بعنوان: (الطليعة في الردِّ على غُلاة الشيعة)، وفصلًا حول (القبَّة المبنيّة فوق قبر الرسول). وقد استعرض فيه تأريخ بناء هذه القبَّة، وحُكمها وحُكم القباب المشيَّدة فوق القبور عموماً. وقد طالب من خلاله بضرورة هدم قبّة مسجد الرسول (ص).

* إرشاد ذوي الفطن لإبعاد غُلاة الرافضة من اليمن.

* الإلحاد الخميني في الحرم. وكتبه ضدّ الشيعة وإيران، بعد حادثة تظاهر الحجّاج الإيرانيّين في موسم الحج عام 1987 م، وإطلاق النار عليهم من قِبل الوهابيّين.

* قمع المُعاند وزجر الحاقد الحاسد. وهو يحوي فتاوى وردود على أهل البِدع.

* ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السِحر. وفيه يردّ على محمد رشيد رضا وأصحاب المدرسة العقلية، الذين رفضوا الحديث الذي يقول: سُحِر رسول الله (ص).

ص102

* غارة الأشرطة على أهل الجهل والسفسطة. وهو ردود على أهل البدع.

* إيضاح المقال في أسباب الزلزال والردّ على الملاحدة الضّلال. وهو يردّ فيه على مَن يقول إنَّ الزلازل ظواهر طبيعية، إنّما هي في منظوره نقم إلهيّة.

* إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبد الله القرضاوي.

* صعقة الزلزال لنسف أباطيل أهل الرفض والاعتزال. وهو

* ردٌّ على الشيعة والزيدية والمعتزلة في اليمن.

* حكم تصوير ذوات الأرواح.

* فتوى في وحدة المسلمين مع الكفّار.

* فضائح ونصائح. وهو يحوي فتاوى تفضح بعض المُتستِّرين بالإسلام.

* شرعية الصلاة بالنعال.

* تحريم الخضاب بالسواد.

* المصارعة. وهو مجموعة من الفتاوى في حكم الأحزاب وجماعة الإخوان المسلمين، وحكم الانتخابات والتعدّدية السياسية.

* تُحفة المُجيب على أسئلة الحاضر والغريب. وهو فتاوى وردود على مخالفيه من الوهابيّين اليمنيّين، مثل الزنداني.

وسُئل الوادعي: ما رأيكم في حركة حماس في فلسطين؟

وكان جوابه: أمّا جماعة حماس، فهي جماعة حزبية، لا تأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر، وتُنكر على أهل السنَّة. ولو حصل لهم نصر، لفعلوا كما فُعل في أفغانستان؛ يوجِّه بعضهم إلى بعض المدفع والرشّاش؛ لأنَّهم ليسوا على قلب رجل واحد.

ويُذكَر أنَّ الوادعي هاجم فهد بن عبد العزيز، وطالبه بالتوبة، حين كان في زيارة لبريطانيا وألبسته مارجريت تاتشر، رئيسة وزرائها، وساماً على هيئة صليب؛ تقديراً لخدماته. مُعتبراً، أنَّ هذا الفعل يعدّ ردَّة عن الإسلام.

عبد الرحمن عبد الخالق اليوسفي

ص103

انجذب عبد الرحمن، المصري المولد، نحو الوهابية في منتصف الستينيات، حين ترك الدراسة بمصر، والتحق بالجامعة الإسلامية بالمدينة، وتخرَّج منها ليعمل بعد ذلك مدرّساً في الكويت لفترة طويلة.

واستطاع من خلال خُطبه ومؤلّفاته، أنْ يُثبت وجوده وسط الوهابيّين بالخليج، واستمرَّ مُقيماً بينهم حتّى الساعة.

ومن مُؤلّفاته:

* الحدُّ الفاصل بين الإيمان والكفر.

* الأُصول العلمية للدعوة السلفية.

* حقِّية الاحتفال بالمولد النبوي.

* الردُّ على مَن أنكر توحيد الأسماء والصفات.

* منهج جديد لدراسة التوحيد.

* لمحات من حياة ابن تيمية.

* فضائح الصوفي.

* حكم تولِّي المرأة النيابات العامّة.

* أحكام التصوير.

*موقف أهل السنَّة من البدع والمُبتدعة.

ص104

* مشروعيّة الدخول إلى المجالس التشريعية.

وكان لا بدّ لعبد الرحمن من أنْ يقع فيما وقع فيه الوهابيّون، من خلاف وتصادم، فلحقت به سنَّتهم، وسُلِّطت عليه سهامهم، كما سلّطها هو على مُخالفي الوهابية، فوهج من المدخلي وغيره، ممَّا دفع به إلى كتابة الردود عليهم، لتشتعل المعارك بينه وبين خصومه، كما هو حال الفرق الوهابية المعاصرة.

وكان المدخلي قد ردَّ عليه بكتاب (جماعة واحدة لا جماعات)، وردَّ هو عليه بما أسماه (الردُّ الوجيز على ربيع المدخلي).

وكان المدخلي قد اتَّهم عبد الرحمن بالدفاع عن أهل البِدع، مثل الإخوان وجماعة التبليغ، والطعن في علماء الوهابية، والدعوة إلى ضرورة تجديد الخطّ السلفي، وتوجيهه تلاميذه لقراءة كتب الجاسوسية، وبرتوكولات حُكماء صِهيون.

وهاجمه آخر على صفحات جريدة (المسلمون)، تحت عنوان: (كلمة حقٍّ يُراد بها باطل)، بقوله: «نشر عبد الرحمن عبد الخالق كتاباً أسماه: (الصراط)، وسَمَه بأنَّه المنهج المقترَح لأهل السنَّة. والكتاب يحمل في طيّاته انحرافاً منهجياً عن منهاج أهل السنّة، في قضايا الحكم والجهاد، والموقف من الفِرق؛ فرأيت التعليق عليه، خاصّة في مسألة الحاكمية؛ لخطورة ما يترتَّب عليها.

وقال: «الخوارج القدامى ردَّدوا كلمة حقٍّ أُريد بها باطل، وهي: (إنْ الحُكم إلَّا لله)؛ ليتوصَّلوا إلى استحلال الخروج على الخليفة المسلم، وحمل السلاح على الصحابة، وخوارج العصر- عبد الرحمن وأتباعه- يُنادون بنفس الكلمة؛ ليتوصَّلوا إلى تكفير حُكّامهم، ثُمَّ استحلال دمائهم والخروج عليهم». واتَّهم الكاتبُ عبد الرحمن بمُخالفة منهج السلف في التكفير.

والملفت أنّ عبد الرحمن قد أفتى بضرورة المقاطعة الاقتصادية لأعداء الإسلام، وعدم شراء بضائعهم، مُخالفاً بذلك فتوى أئمَّته، التي لا تُجيز هذه المقاطعة (1)!

نماذج من فتاوى أئمَّة الوَهابيَّة

اشاره


1- انظر نماذج من فتاوى أئمّة الوهابية في الباب القادم.

ص105

اشاره

شكَّلت الفتاوى الصادرة عن أئمّة الوهابيّين خطراً كبيراً على الإسلام والمسلمين؛ فهي قد شوَّهت صورة الإسلام من جهة، ومن جهة أُخرى زرعت بذور الشِقاق والعداوة والبغضاء بين المسلمين.

وقد سعى أئمّة الوهابية، من خلال هذه الفتاوى، إلى الحجْرِ على العقل المسلم وتكبيله بأغلال الماضي، وهذه الفتاوى قد شملت الدماء، كما شملت الأعراض والمذاهب والرموز الإسلامية، بالإضافة إلى كُتب المخالفين.

ووطّنت فوق ذلك للتخلُّف الفكري، والقشور والشكليّات، في واقع المسلمين، وعتَّمَت على القضايا الكُبرى والمصيرية، وبرَّرت الظلم والفساد؛ وهو ما أسهم في شيوع الجهل والتطرّف والإرهاب، وأضفى عليه المشروعية، وأدَّى بالتالي إلى استباحة دم المسلم، المعصوم بنصِّ الشرع، ودماء الآمنين من غير المسلمين.

وسوف نعرض هنا نماذج من هذه الفتاوى- التي تكفِّر المسلمين وتفرّقهم، وتوطِّن للعداوة والبغضاء فيما بينهم، وتُفرِغ عقولهم، وتشغلهم بالشكليّات- من إصدار اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، التي كان يرأسها ابن باز ونائبه عبد الرازق عفيفي، وكذلك فتاوى ابن عثيمين، وابن جبرين، وابن فوزان، وغيرهم ..

فتاوى في السياسة

ص106

* سُئل ابن باز: هل تجوز الهدنة والسلام مع الصهاينة؟ وكان الجواب: تجوز الهدنة مع الأعداء، مُطلقة ومؤقَّتة، إذا رأى وليُّ الأمر المصلحة في ذلك.

* وسُئل عن التغيير بالقوَّة والثورة على الحُكّام؟ فأجاب: هذا مذهب لا تقرّه الشريعة؛ لِما فيه من المخالفة للنصوص الآمرة بالسمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف، ولِما فيه من الفساد العظيم، والفوضى، والإخلال بالأمن.

* وسُئل: هل تجوز زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه؟ فأجاب: زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه سنَّة، إذا تيسَّر ذلك.

* وسُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: تتردَّدت الآن دعوات لمقاطعة المُنتجات الأمريكية، فهل نستجيب لهذه الدعوات؟ وكان الجواب: يجوز شراء البضائع المباحة، أيَّاً كان مصدرها، ما لم يأمر وليُّ الأمر بمقاطعة شي منها، لمصلحة الإسلام والمسلمين؛ لأنَّ الأصل في البيع والشراء الحلّ (وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ)، والنبي اشترى من اليهود.

وحول المنشورات المعادية لآل سعود، أفتى ابن باز: الواجب الحذر من نشراتهم والقضاء عليها وإتلافها، وعدم التعاون معهم في أيِّ شي ء يدعو إلى الفساد والشرِّ، والباطل والفِتن.

وأفتى ابن عثيمين ب-: أنَّ هذه المنشورات فيها سبُّ ولاة الأمور، والقدح فيهم، وليس فيها ذكر أيِّ خصلة من خصال الخير التي يقومون بها، وهذا- بلا شكّ- غِيبة، وإذا كان من الغيبة، فإنَّ قراءتها حرام، وكذلك تداولها حرام، وعلى مَن رآها أنْ يمزِّقها أو يحرقها؛ لأنَّ هذه تسبّب الفتن والفوضى والشرّ.

فتاوى اللُجنة الدائمة

ص107

* هل يجوز الزواج من أتباع الطُرق، كالتيجانية، والقادرية؟ وهل يشملهم قوله تعالى: (وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) (1)؟ الجواب: الشرك المذكور في الآية يشمل مَن يستغيث بغير الله، من الجنِّ والأموات والغائبين عنه، كما يشمل مَن لهم عادات وثنيّة، كعادات أهل الجاهلية الأولى، من التقرّب إلِى غير الله، بالنذر لهم، وتقديم الذبائح وسائر القرابين لهم، والتضرّع لهم، والتمسّح بهم، والطواف حول قبورهم، رجاء نفع أو كشف ضُرّ. فمَن فعل ذلك، فهو داخل في عموم المشركين والمشركات في الآية، ولا يحلّ أنْ تُنكحهم المؤمنات حتّى يؤمنوا، إيماناً خالصاً، ويتوبوا ممَّا ذُكر من البِدع الشركية وأمثالها، من نواقض الإيمان. ولا يجوز للمؤمن أنْ يتزوَّج نساءهم المُبتدعات البدع الشركية، حتّى يَتبنَ منها، ويقلعنَ عنها.

* أعمل في التصوير منذ ثمانية عشر عاماً وحتّى الآن، ودَخلي من التصوير؟ الجواب: أوّلًا: تصوير ذوات الأرواح، من إنسان أو حيوان، حرام. وثانياً: طُرق الكسب الحلال كثيرة، فعلى المسلم أنْ يسلك سبيلها، بعيداً عمَّا حرَّم الله.

* ما حُكم الصور الموجودة في المجلّات؟ الجواب: لا يجوز اقتناء الصور التذكارية، بل يجب إتلافها، ولكن ما وُجد من الصور في كتاب أو مجلّة أو جريدة، وأنت محتاج إلى اقتنائه، فاطمس الصور ولو وَجهها، وابقه عندك للحاجة.

* هل يجوز تكفير مَن يصلِّي في الضريح من أجل التبرّك؟ الجواب: تحرم الصلاة في مكان به قبر، فإنْ قصد بصلاته التقرّب لذلك الوليّ، فهذا شرك أكبر.


1- البقرة: 221.

ص108

* هل هناك فرق بين المسلمين الذين عندهم نوع من الشرك، وبين المشركين الذين لم يعترفوا بالإسلام؟ الجواب: لا فرق بين مَن يَرْتكِس في بِدع شركية، تُخرج مَن ينتسب إلى الإسلام منه، وبين مَن لم يدخل في الإسلام مطلقاً، في تحريم المناكحة، ومنع التوارث بينهم وبين المسلمين. ولكن بينهم تفاوت في درجة الكفر والعقوبة عليهم في الدنيا والآخرة، حسب درجة طغيانهم.

* ما هو موقف الإسلام من إقامة التماثيل لشتَّى الأغراض؟ الجواب: إقامة التماثيل لأيِّ غرض من الأغراض محرَّم، سواء كان ذلك لتخليد ذكرى الملوك والقادة والمصلحين، أم كان رمزاً للعقل والشجاعة، أم لغير ذلك من الأغراض.

* هل يجب على مَن تعلَّم العلوم الشرعية البدء بمَذهب مُعيَّن في الفقه؟ الجواب: الواجب أنْ يتعلَّم الشخص من العلوم ما يحتاج إليه، ولا يلزمه أنْ يبدأ بشي ءٍ من كتب وأُصول الفقه لمذهب مُعيّن.

* بأيِّ كتب نبدأ في تعلّم الدين؟ الجواب: عليك بكتاب الله وسنَّة رسوله (ص)، وزاد المعاد لابن القيم، والعقيدة الواسطية لابن تيمية، والتوحيد، وكشف الشُبهات، وثلاثة الأصول، والقواعد الأربع، لمحمد بن عبد الوهاب.

* ما هو حكم مَن يطلب العلم عند الشيعة؟ الجواب: عليك بالدراسة عند العلماء المعروفين بعلمهم وسلامة اعتقادهم، والبُعد عن المبتدعة والمُخالفين لأهل السنَّة، ومنهم الشيعة الإمامية. لا تدرس عندهم، ولا تجالسهم، ولا تراسلهم، ولا تنظر في كتبهم؛ لئلّا يضلّوك عن سبيل الله.

* هل يجوز التعامل مع التاجر الرافضي وشراء بضائعه؟ الجواب: هذا محلُّ نظر، الشراء من الكفرة جائز، لكنْ يُبيّن لهم عقيدتهم، حتّى لا

ص109

يتّخذهم أصحاب ولا رفقاء، وأمّا كونه يشتري منهم شيئاً، إذا دعت الحاجة لشرائه، فالأمر سهل، ولا يواليهم ويأكل من طعامهم ولا ذبائحهم، وذبيحتهم محرَّمة.

* أنا من قبيلة تسكن في الحدود الشمالية، ومختلطين نحن وقبائل من العراق ومذهبهم شيعي، وَثَنيَّة، يعبدون قُبباً ويسمُّونها بالحسن والحسين وعلي، وإذا قام أحدهم قال: «يا علي يا حسين»، وقد خالطهم البعض من قبائلنا في النكاح، وفي كلِّ الأحوال، وقد وعظتهم ولم يسمعوا، وهم في (القرايا

والمناصيب)، وأنا ما عندي لأعظهم بعلم، ولكنِّي أكره ذلك، ولا أخالطهم، وقد سمعت أنَّ ذبحهم لا يُؤكَل، وهؤلاء يأكلون ذبحهم، ولم يتقيَّدوا. نطلب من سماحتكم توضيح الواجب نحو ما ذكرنا؟

الجواب: إذا كان الواقع كما ذكرت، من دعائهم عليّاً والحسين والحسن ونحوهم، فهم مشركون شركاً أكبر، يُخرج من ملَّة الإسلام، فلا يحلّ لنا أنْ نزوِّجهم المسلمات، ولا يحلّ لنا أن نتزوَّج من نسائهم، ولا يحلّ لنا أنْ نأكل من ذبائحهم، قال الله تعالى: (وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَ لأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَ يُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(1)

* ما حكم عوام الروافض الإمامية الإثني عشرية؟ وهل هناك فرق بين علماء أيّ فرقة من الفرق الخارجة عن الملَّة، وبين أتباعها، من حيث التكفير أو التفسيق؟ الجواب: مَن شايع من العوام إماماً من أئمّة الكفر والضلال، وانتصر لسادتهم وكبرائهم، بغياً وعدواناً، حُكم عليه بحكمهم، كُفراً وفسقاً، قال تعالى: (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ) إلى أنْ قال: (وَ قالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا* رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَ الْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً)، (2)


1- البقرة: 221
2- الاحزاب: 67 و 68

ص110

وأقرأ الآية رقم: 165، 166، 167 من سورة البقرة، والآية رقم: 37، 38، 39 من سورة الأعراف، والآية رقم:

21، 22 من سور سبأ، والآيات رقم: 20- 36 من سورة الصافّات، والآيات: 47- 50 من سورة غافر، وغير ذلك في الكتاب والسنَّة كثير. ولأنّ النبي (ص) قاتل رُؤساء المشركين وأتباعهم، وكذلك فعل أصحابه، ولم يفرّقوا بين السادة والأتباع.

* هل طريقة الشيعة الإمامية من الإسلام؟ ومَن الذي اخترعها؟ لأنَّهم- أي: الشيعة- ينسبون مذهبهم لسيّدنا علي كرّم الله وجهه. وأيضاً إذا لم يكن مذهب الشيعة من الإسلام، فما الخلاف بينه وبين الإسلام؟ وأرجو من فضيلتكم وإحسانكم بياناً واضحاً شافياً، بالأدلّة الصحيحة، خصوصاً مذهب الشيعة وعقائدهم، وبيان بعض الطُرق المخترعة في الإسلام. الجواب: مذهب الشيعة الإمامية مذهب مُبتدع في الإسلام، أُصوله وفروعه، ونوصيك بمراجعة كتاب (الخطوط العريضة) و (مختصر التحفة الاثني عشرية) و (منهاج السنَّة) لشيخ الإسلام ابن تيمية، وفيها بيان الكثير من بدعهم.

* إنَّ بعض الناس يرى أنَّه يجب على المسلم، كي تقع عباداته ومعاملاته على الوجه صحيح، أنْ يقلِّد أحد المذاهب الأربعة المعروفة، وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية، ولا الشيعة الزيدية، فهل توافقون فضيلتكم على هذا الرأي على إطلاقه، فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية، الاثني عشرية مثلًا؟ الجواب: على المسلم أنْ يتَّبع ما جاء عن الله ورسوله، إذاكان يستطيع أخذ الأحكام بنفسه، وإذا كان لا يستطيع ذلك، سأل أهل العلم فيما أشكل عليه من أمر دينه، ويتحرَّى أعلم مَن يتحصّل عليه من أهل العلم، ليسأله مشافهةً أو كتابة.

ولا يجوز للمسلم أنْ يقلِّد مذهب الشيعة الإمامية، ولا الشيعة الزيدية، ولا أشباههم من أهل البِدع، كالخوارج والمعتزلة والجهمية وغيرهم.

وأمَّا انتسابه إلى بعض المذاهب الأربعة المشهورة، فلا حرج فيه، إذا لم يتعصَّب للمذهب الذي انتسب إليه، ولم يخالف الدليل من أجله.

ص111

* من خلال معرفة سماحتكم بتاريخ الرافضة، ما هو موقفكم من مبدأ التقريب بين أهل السنَّة وبينهم؟ الجواب: التقريب بين الرافضة وبين أهل السنَّة غير ممكن؛ لأنَّ العقيدة مختلفة، فعقيدة أهل السنَّة والجماعة توحيد الله وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى، وأنَّه لا يُدعَى معه أحد، لا ملك مقرَّب ولا نبي مُرسَل، وأنَّ الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الغيب، ومن عقيدة أهل السنَّة محبة الصحابة، والترضّي عنهم، والإيمان بأنَّهم أفضل خلق الله بعد الأنبياء، وأنَّ أفضلهم أبو بكر الصدّيق، ثُمَّ عمر، ثُمَّ عثمان، ثُمَّ علي. والرافضة خلاف ذلك؛ فلا يمكن الجمع بينهما، كما أنّه لا يمكن الجمع بين اليهود والنصارى، والوثنيّين وأهل السنّة، فكذلك لا يمكن التقريب بين الرافضة وبين أهل السنّة؛ لاختلاف العقيدة التي أوضحناها. (1)

اللُجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز

نائب رئيس اللجنة: عبد الرزاق عفيفي

عضو: عبد الله بن غديان

عضو: عبد الله بن قعود


1- مجموعة فتاوى ومقالات لابن باز: ج 5، ص 156.

ص112

فتاوى محمد بن إبراهيم

ص113

* ما حكم التبرُّك بأستار الكعبة، وتقبيل جدرانها، وتقبيل سور إبراهيم؟ الجواب: لا ريب أنَّه من وسائل الشرك، أو من الشرك؛ لِما يقصدونه من أخذها من التماس البركة من غير الله.

* يعتقد بعض المشركين بأنَّ النبي كلَّم موسى في معراجه، وقالوا: هذا حيّ يكلِّم ميّتاً؟ الجواب: موسى مع محمد كالحيِّ مع الحي، كما أنَّ محمداً مع جبريل كذلك، فمَن كان مع جبريل كمحمد، أو محمد مع موسى، فلا بأس.

* ما هو حكم إقامة الاحتفالات عند أضرحة الأولياء والشهداء، وجمع النذور والصدقات لها، والتوسُّل والاستغاثة بأصحابها، والطواف بها؟ الجواب: السؤال يتضمَّن الاستفسار عن عدَّة أمور:

* ما حكم رفع القبور وتشييدها والبناء عليها؟ فالحكم في

* هذه الأمور أنّها لا تجوز.

* وأمّا زيارة القبور في يوم معيَّن، وعمل الاحتفالات عندها، والإقامة عندها، فهذه أمور ليست من دين الإسلام، بل من دين الأوثان.

ص114

* وأمَّا الطواف بالقبر، وطلب البركة منه، فهو لا يشكّ عاقل في تحريمه، وأنَّه من الشرك.

* وأمَّا النذر للقبر. فلا يجوز؛ فإنَّ النذر عبادة، وصرفه لغير الله شرك أكبر.

* وأمَّا جمع الصدقات وأنواع التبرّعات، ونحو ذلك، لإقامة هذه المحافل، فلا شكَّ في تحريم ذلك، وقد صرَّح العلماء بتحريم الذبح في المقبرة؛ لِما فيه من مشابهة المشركين.

* وأمّا الاستغاثة بأصحاب القبور، فهذا شرك أكبر. وبالجملة، فجميع ما تضمَّنه هذا السؤال من المُنكرات في الدِّين، ممَّا يُغضب ربّ العالمين.

* هل يجوز للمسلم أنْ يضع الزهور على قبر الكافر؟ الجواب: لأيِّ شي ء يزور، ولأيِّ شي ء يزور معهم؟! وإذا زار اعتباراً، فلا يزور مع أهل البدعة والشرك، لا سيما وهو يزور جبراً لخواطرهم، أيزور الزيارة البدعية الشركية؟!

ثُمَّ وضْع الزهور للذي لا يدري فعل ما لا يجوز، والذي يدري، فقد يكون منه تعظيم القبور، وقد يكون من التقرّب للمقبور، فإنَّه محتمل أنْ يكون في حالةٍ يصلُ إلى القربانِ للميِّت، فيكون شركاً.

* وسُئل عن الاستهزاء بأهل الدين؟ الجواب: إنَّ الذين من شأنهم الاستهزاء بأهل الدين، قد يصلون إلى الكفر، فهذا لا يكاد يصدّر إلّا من منافق. وقد أشار الوالد في حاشيته على التوحيد، أنَّه يخشى عليه أنْ يكون بذلك مرتدّاً.

* وعن إجازة البعض التصوير الشمسي؟ الجواب: تصوير ماله روح لا يجوز، سواء ما كان له ظلّ، وما لا ظلَّ له، وسواء كان

ص115

التصوير في الثياب، والحيطان، والفرش، والأوراق وغيرها. والمُجيزون لهذه الصور جمعوا بين مُخالفة أحاديث رسول الله، ونَفْث سموم الفتنة بين العباد بتصوير النساء الحسان، والعاريات الفتان، في عدَّة أشكال وألوان.

* إدخال الصحف التي فيها صور النساء البيوت هل يجوز؟ الجواب: لا يجوز إدخال البيوت الصحف المذكورة، وفاعل ذلك مرتكب جريمة.

ص116

فتاوى ابن عثيمين

ص117

* سُئل ابن عثيمين عمَّن يعبد القبور بالطواف حولها، ودعاء أصحابها والنذر لهم، إلى غير ذلك من أنواع العبادة؟ فأجاب بقوله: هذا السؤال سؤال عظيم، وجوابه يحتاج إلى بسط، بعون الله عزوجلَّ، فنقول: إنَّ أصحاب القبور ينقسمون إلى قسمين:

القسم الأوَّل: قسم تُوفّي على الإسلام، ويُثني الناس عليه خيراً؛ فهذا يُرجى له الخير، ولكنَّه مفتقر إلى إخوانه المسلمين؛ يدعون الله له بالمغفرة والرحمة، وهو داخل في عموم قوله تعالى: (وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (1). وهو بنفسه لا ينفع أحداً؛ إذ انَّه ميّت جثَّة، لا يستطيع أنْ يدفع عن نفسه الضرّ ولا عن غيره، ولا أنْ يجلب لنفسه النفع ولا لغيره، فهو محتاج إلى نفع إخوانه، غير نافع لهم.

القسم الثاني من أصحاب القبور: مَن أفعاله تؤدِّي إلى فسقه، الفسق المُخرِج من الملّة، كأُولئك الذين يدَّعون أنَّهم أولياء، ويعلمون الغيب، ويشفون من المرض، ويجلبون الخير والنفع، بأسباب غير معلومة حسّاً ولا شرعاً؛ فهؤلاء الذين ماتوا على


1- الحشر: 10.

ص118

الكفر، لا يجوز الدعاء لهم، ولا الترحّم عليهم؛ لقول الله تعالى: (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ* وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (1) وهم لا ينفعون أحداً ولا يضرّونه، ولا يجوز لأحد أنْ يتعلَّق بهم، وإنْ قُدِّر أنَّ أحداً رأى كرامات لهم، مثل أنْ يتراءى له أنَّ في قبورهم نوراً، أو أنَّه تخرج منها رائحة طيّبة، أو ما شابه ذلك، وهم معروفون بأنَّهم ماتوا على الكفر؛ فإنَّ هذا من خداع إبليس وغروره، ليفتن هؤلاء بأصحاب هذه القبور.

* وسُئل عن حكم النذر والتبرّك بالقبور والأضرحة؟ فأجاب بقوله: النذر عبادة ولا تجوز إلّا لله عزَّ وجل، وكلّ مَن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله، فهو مشرك كافر، قد حرَّم الله عليه الجنّة، ومأواه النار، قال الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَ مَأْواهُ النَّارُ وَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (2)

وأمَّا التبرّك بها، فإنْ كان يعتقد أنَّها تنفع من دون الله عزّوجل، فهذا شرك في الربوبية، مُخرِج عن الملَّة، وإنْ كانيعتقد أنَّها سبب وليست تنفع من دون الله، فهو ضالّ غير مُصيب، وما أعتقده من الشرك الأصغر.

فعلى مَن ابتُلي بمثل هذه المسائل، أنْ يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأنْ يُقلع عن ذلك قبل أنْ يفاجئه الموت، فينتقل من الدنيا على أسوأ حال، وليعلم أنَّ الذي يملك الضرّ والنفع هو الله سبحانه وتعالى، وأنَّه هو ملجأ كلّ أحد، كما قال الله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ) (3). وبدلًا من أنْ يُتعب نفسه في الالتجاء إلى قبر فلان وفلان، ممَّن


1- التوبة: 113 و 114.
2- المائدة: 72.
3- النمل: 62.

ص119

يعتقدونهم أولياء، ليَلتفت إلى ربِّه عزّ وجل، وليسأله جلب النفع ودفع الضرّ، فإنَّ الله سبحانه وتعالى هو الذي يملك هذا.

* وسُئل: كيف نجيب عبّاد القبور الذين يحتجّون بدفن النبي (ص) في المسجد النبوي؟ فأجاب بقوله: الجواب عن ذلك من وجوه:

الوجه الأوَّل: إنّ المسجد لم يُبن على القبر، بل بني في حياة النبي (ص).

الوجه الثاني: إنَّ النبي (ص) لم يدفن في المسجد، حتّى يُقال: إنَّ هذا من دفن الصالحين في المسجد، بل دُفن (ص) في بيته.

الوجه الثالث: إنَّ إدخال بيوت الرسول (ص)- ومنها بيت عائشة- مع المسجد، ليس باتّفاق الصحابة، بل بعد أنْ انقرض أكثرهم، وذلك في عام أربعة وتسعين هجرية تقريباً؛ فليس ممَّا أجازه الصحابة، بل إنَّ بعضهم خالف في ذلك، وممَّن خالف أيضاً سعيد بن المسيّب.

الوجه الرابع: إنَّ القبر ليس في المسجد، حتّى بعد إدخاله؛ لأنَّه في حجرة مستقلّة عن المسجد، فليس المسجد مبنيّاً عليه؛ ولهذا جُعل هذا المكان محفوظاً ومحوْطاً بثلاثة جدران، وجُعل الجدار في زاوية منحرفة عن القبلة، أي: أنَّه مثلَّث، والركن في الزاوية الشمالية؛ حيث لا يستقبله الإنسان إذا صلّى. لأنّه منحرف، وبهذا يبطل احتجاج أهل القبور بهذه الشبهة.

* وسُئل عن رجل بنى مسجداً وأوصى أنْ يُدفن فيه فدُفن، فما العمل الآن؟ فأجاب بقوله: هذه الوصية، أعني الوصية أنْ يدفَن في المسجد، غير صحيحة؛ لأنَّ المساجد ليست مقابر، ولا يجوز الدفن في المسجد، وتنفيذ هذه الوصية محرَّم، والواجب الآن نبش هذا القبر، وإخراجه إلى مقابر المسلمين.

* وسُئل: عن حكم البناء على القبور؟

ص120

فأجاب بقوله: البناء على القبور محرَّم، وقد نهى عنه النبي (ص)؛ لِما فيه من تعظيم أهل القبور، وكونه وسيلة وذريعة إلى أنْ تعبَد هذه القبور وتُتَّخذ آلهة مع الله، كما هو الشأن في كثير من الأبنية التي بُنيت على القبور، فأصبح الناس يشركون بأصحاب هذه القبور، ويدعونها مع الله تعالى، ودعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم لكشف الكربات شرك أكبر، وردَّة عن الإسلام. والله المُستعان.

* وسُئل: عن حكم دفن الموتى في المساجد؟ فأجاب قائلًا: الدفن في المساجد نهى عنه النبي (ص)، ونهى عن إقامة المساجد على القبور، ولعن مَن اتَّخذ ذلك، وهو في سياق الموت يحذِّر أُمّته ويذكِّر (ص) أنَّ هذا من فعل اليهود والنصارى، وأنَّ هذا شرك بالله عز وجل؛ لأنَّ إقامة المساجد على القبور، ودفن الموتى فيها، وسيلة إلى الشرك بالله عز وجل في أصحاب هذه القبور، فيعتقد الناس أنَّ أصحاب هذه القبور، المدفونين في المساجد، ينفعون أو يضرّون، أو أنَّ لهم خاصيّة تستوجب أنْ يُتقرَّب إليهم بالطاعات من دون الله سبحانه وتعالى.

فيجب على المسلمين أنْ يحذروا من هذه الظاهرة الخطيرة، وأن تكون المساجد خالية من القبور، مؤسَّسة على التوحيد والعقيدة الصحيحة، قال الله تعالى: (وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) «(1)؛ فيجب أنْ تكون المساجد لله سبحانه وتعالى، خالية من مظاهر الشرك، تؤدَّى فيها عبادة الله وحده لا شريك له، هذا هو واجب المسلمين، والله الموفّق.

* وسُئل: عن حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر؟

*فأجاب بقوله: إذا كان هذا المسجد مبنيّاً على القبر، فإنَّ الصلاة فيه محرّمة ويجب هدمه؛ لأنَّ النبي (ص) لعن اليهود والنصارى، حيث اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد، تحذيراً ممّا صنعوا.


1- الجن: 18.

ص121

وأمّا إذا كان المسجد سابقاً على القبر، فإنّه يجب إخراج القبر من المسجد، ويُدفَن أينما يدفن المسلمون، ولا حرج علينا في هذه الحال إذا نبشنا هذا القبر؛ لأنَّه دُفن في مكان لا يحلّ أنْ يدفن فيه، فإنَّ المساجد لا يحلّ دفن الموتى فيها.

* وسُئل: عن حكم السفر لزيارة قبر النبي (ص)؟ فأجاب بقوله: شدُّ الرحال إلى زيارة القبور، أيّاً كانت هذه القبور، لا يجوز؛ لأنَّ النبي (ص) يقول: (لا تُشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)، والمقصود بهذا أنّه لا تشدّ الرحال إلى أيّ مكان في الأرض لقصد العبادة بهذا الشدّ؛ لأنَّ الأمكنة التي تُخصَّص بشدّ الرحال، هي المساجد الثلاثة فقط، وما عداها من الأمكنة لا تُشدّ إليها الرحال؛ فقبر النبي (ص) لا تشدّ الرحال إليه، وإنّما تشدّ الرحال إلى مسجده. فإذا وصل المسجد، فإنّ الرجال يسنّ لهم زيارة قبر النبي (ص)، وأمّا النساء، فلا يسنّ لهن زيارة قبر النبي. والله الموفق.

* وسُئل: عن حكم التبرّك بالقبور والطواف حولها، بقصد قضاء حاجة أو تقرّب، وعن حكم الحِلف بغير الله؟ فأجاب بقوله: التبرّك بالقبور حرام ونوع من الشرك؛ وذلك لأنّه إثبات تأثير شي ء لم ينزل الله به سلطاناً، ولم يكن من

عادة السلف الصالح أنْ يفعلوا مثل هذا التبرّك، فيكون من هذه الناحية بدعة أيضاً، وإذا اعتقد المتبرِّك أنَّ لصاحب القبر تأثيراً أو قدرة على دفع الضرر أو جلب النفع، كان ذلك شركاً أكبر، إذا دعاه لجلب المنفعة أو دفع المضرّة، وكذلك يكون من الشرك الأكبر إذا تعبَّد لصاحب القبر، بركوع أو سجود أو ذبح، تقرّباً له، وتعظيماً له. قال الله تعالى: (وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) (1)، وقال تعالى: (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً). (2)


1- المؤمنون: 117.
2- الكهف: 110.

ص122

والمُشرك شركاً أكبر كافر مخلَّد في النار، والجنّة عليه حرام؛ لقوله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَ مَأْواهُ النَّارُ وَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ). (1)

* وسئل: عن حكم التوسُّل؟ فأجاب: أنْ يتوسّل الإنسان إلى الله تعالى بما ليس بوسيلة، أي بما لم يثبت في الشرع أنّه وسيلة، فإنَّ التوسّل بمثل ذلك من اللغو، والباطل المُخالف للمعقول والمنقول، ومن ذلك أنْ يتوسّل الإنسان إلى الله تعالى بدعاء ميّت، يطلب من هذا الميّت أنْ يدعو الله له؛ لأنَّ هذا ليس وسيلة شرعية صحيحة، بل من سَفه الإنسان أن يطلب من الميت أنْ يدعو الله له؛ لأنَّ الميت إذا مات انقطع عمله، ولا يمكن

لأحد أنْ يدعو لأحد بعد موته، حتّى النبي (ص) لا يمكن أنْ يدعو لأحد بعد موته؛ ولهذا لم يتوسّل الصحابة إلى الله بطلب الدعاء من رسوله (ص) بعد موته، فإنَّ الناس لمَّا أصابهم الجدب في عهد عمر، قالوا:- (اللّهم إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا)، فقام العباس فدعا الله تعالى. ولو كان طلب الدعاء من الميِّت سائغاً، ووسيلة صحيحة؛ لكان عمر ومَن معه من الصحابة يطلبون ذلك من رسول الله (ص)؛ لأنّ إجابة دعائه (ص) أقرب من إجابة دعاء العباس. فالمُهمّ أنَّ التوسّل إلى الله تعالى بطلب الدعاء من ميِّتٍ، توسّل باطل لا يحلّ ولا يجوز.

ومن التوسّل الذي ليس بصحيح، أنْ يتوسّل الإنسان بجاه النبي (ص)؛ وذلك أنَّ جاه الرسول (ص) ليس مفيداً بالنسبة إلى الداعي؛ لأنّه لا يفيد إلّا الرسول (ص)، أمّا بالنسبة للداعي، فليس بمفيد حتّى يتوسّل إلى الله به. وقد تقدّم أنّ التوسّل اتّخاذ الوسيلة الصالحة التي تُثمر، فما فائدتك أنت من كون الرسول (ص) له جاه عند الله؟!

وإذا أردت أنْ تتوسّل إلى الله على وجه صحيح، فقل: اللّهم بإيماني بك وبرسولك، أو بمحبَّتي لرسولك وما أشبه ذلك، فإنّ هذا الوسيلة الصحيحة النافعة.


1- المائدة: 72.

ص123

* وسُئل ابن عثيمين: عن حكم التصوير، وحكم اقتناء الصور، وحكم الصور التي تمثّل الوجه وأعلى الجسم؟ فأجاب بقوله: التصوير نوعان:

أحدهما: تصوير باليد.

والثاني: تصوير بالآلة.

فأمَّا التصوير باليد، فحرام، بل هو كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأنَّ النبي (ص) لعن فاعله، ولا فرق بين أنْ يكون للصورة ظلّ أو تكون مجرّد رسم، على القول الراجح؛ لعموم الحديث. وإذا كان التصوير هذا من الكبائر، فتمكين الإنسان غيره أنْ يصوّر نفسه، إعانة على الإثم والعدوان، فلا يحلّ.

وأمَّا التصوير بالآلة، وهي: (الكاميرا)، التي تنطبع الصورة بواسطتها من غير أنْ يكون للمُصوّر فيها أثر بتخطيط الصورة وملامحها، فهذه موضع خلاف بين المتأخّرين؛ فمنهم مَن منعها، ومنهم مَن أجازها؛ فمَن نظر إلى لفظ الحديث منعَ؛ لأنَّ التقاط الصورة بالآلة داخل في التصوير، ولولا عمل الإنسان بالآلة، بالتحريك والترتيب، وتحميض الصورة، لم تُلتقَط الصورة. ومَن نظر إلى المعنى والعلّة أجازها؛ لأنَّ العلّة هي مضاهاة خلق الله، والتقاط الصورة بالآلة ليس مضاهاة لخلق الله، بل هو نقل للصورة التي خلقها الله تعالى نفسها، فهو ناقل لخلق الله لا مُضاه له.

وأمّا اقتناء الصور، فعلى نوعين:

النوع الأوَّل: أنْ تكون الصورة مجسّمة، أي: ذات جسم، فاقتناؤها حرام.

وإنَّ المُؤسف أنَّ بعض قومنا الآن صاروا يقتنون هذه الصور، ويضعونها في مجالسهم أو مداخل بيوتهم، ونزلوا بأنفسهم إلى رتبة الصبيان، مع اكتساب الإثم والعصيان. نسأل الله لنا ولهم الهداية.

النوع الثاني: أنْ تكون الصورة غير مجسّمة، بأنْ تكون رقماً على شي ء، فهذه أقسام:

القسم الأوّل: أنْ تكون معلّقة على سبيل التعظيم والإجلال.

ص124

القسم الثاني: أنْ تكون معلّقة على سبيل الذكرى، مثل مَن يعلّقون صور أصحابهم وأصدقائهم في غرفهم الخاصّة، فهذه محرّمة.

القسم الثالث: أنْ تكون معلّقة على سبيل التجميل والزينة، فهذه محرّمة أيضاً.

القسم الرابع: أنْ تكون مُمتهنَة، كالصورة التي تكون في البساط والوسادة، وعلى الأواني وسماط الطعام ونحوها، فنقل النووي عن جمهور العلماء من الصحابة والتابعين جوازها.

القسم الخامس: أنْ تكون ممَّا تعمّ به البلوى ويشقّ التحرّز منه، كالذي يوجد في المجلّات والصحف وبعض الكتب، ولم تكن مقصودة لمقتنيها بوجه من الوجوه، بل هي ممّا يكرهه ويبغضه، ولكن لا بدّ له منها، والتخلّص منها فيه عسر ومشقّة. وكذلك ما في النقود من صور الملوك والرؤساء والأمراء، ممّا ابتُليت به الأُمَّة الإسلامية.

فالذي يظهر لي: أنَّ هذا لا حرج فيه، على مَن وقع في يده بغير قصد منه إلى اتّخاذه من أجل صوره، بل هو يكرهه أشدّ الكراهة ويبغضه، ويشقّ عليه التحرّز منه؛ فإنّ الله تعالى لم يجعل على عباده في دينهم من حرج، ولا يكلّفهم شيئاً لا يستطيعونه إلّا بمشقّة عظيمة أو فساد مال، ولا يصدق على مثل هذا أنَّه متَّخذ للصورة، ومُقتَن لها.

وأمَّا سؤالكم عن الصورة التي تمثّل الوجه وأعلى الجسم، فإنَّ حديث أبي هريرة- الذي أشرنا إليه- يدلّ على أنّه لا بدّ من قطع الرأس، وفصله فصلًا تامّاً عن بقية الجسم، فأمّا إذا جمع إلى الصدر، فما هو إلّا رجل جالس، بخلاف ما إذا أُبين الرأس إبانة كاملة عن الجسم؛ ولهذا قال الإمام أحمد: «الصورة الرأس». وكان إذا أراد طمس الصورة حكَّ رأسها. وروي عن ابن عباس أنَّه قال: «الصورة الرأس. فإذا قُطع الرأس فليس هو صورة».

* وسُئل: عن حكم إظهار الفرح والسرور بعيد الفطر وعيد الأضحى؟ وبليلة السابعة والعشرين من رجب، وليلة النصف من شعبان؟ ويوم عاشوراء؟

ص125

فأجاب فضيلته بقوله: أمّا إظهار الفرح والسرور في أيّام العيد، عيد الفطر أو عيد الأضحى، فإنَّه لا بأس به، إذا كان في الحدود الشرعية، ومن ذلك أنْ يأتي الناس بالأكل والشرب وما أشبه هذا، وقد ثبت عن النبي (ص) أنّه قال: (أيّام التشريق أيّام أكل وشرب وذكر لله عز وجل)، يعني بذلك الثلاثة الأيّام التي بعد عيد الأضحى المبارك. وكذلك في العيد، فالناس يُضحون ويأكلون من ضحاياهم، ويتمتَّعون بنِعم الله عليهم، وكذلك في عيد الفطر، لا بأس بإظهار الفرح والسرور، ما لم يتجاوز الحدّ الشرعي.

أمَّا إظهار الفرح في ليلة السابع والعشرين من رجب، أو ليلة النصف من شعبان، أو في يوم عاشوراء، فإنَّه لا أصل له، ويُنهى عنه، ولا يحضر الإنسان إذا دُعي إليه؛ لقول النبي (ص): (إيَّاكم ومُحدَثات الأمور؛ فإنّ كلّ بِدعة ضلالة).

* وسُئل عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي؟ فأجاب قائلًا:

أوّلًا: ليلة مولد الرسول (ص) ليست معلومة على الوجه القطعي، بل إنَّ بعض العصريّين حقَّق في أنّها ليلة التاسع من ربيع الأوّل، وليست ليلة الثاني عشر منه؛ وحينئذٍ، فجعل الاحتفال ليلة الثاني عشر منه، لا أصل له من الناحية التاريخية.

ثانياً: من الناحية الشرعية فالاحتفال لا أصل له أيضاً؛ لأنَّه لو كان من شرع الله لفعله النبي (ص)، أو بلَّغه لأمّته، ولو فعله أو بلّغه لوجب أنْ يكون محفوظاً؛ لأنَّ الله تعالى يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ). (1)

وهذه البدعة- أعني بدعة المولد- حصلت بعد مضي القرون الثلاثة المُفضّلة، وحصل فيها ما يصحبها من هذه

الأمور المُنكرة، التي تخلّ بأصل الدين، فضلًا عمّا يحصل فيها من الاختلاط بين الرجال والنساء، وغير ذلك من المنكرات.


1- الحجر: 9.

ص126

* وسُئل: عن حكم إقامة حفل توديع للكافر عند انتهاء عمله، وحكم تعزية الكافر، وحكم حضور أعياد الكفّار؟ فأجاب بقوله: هذا السؤال تضمّن مسائل:

الأُولى: إقامة حفل توديع لهؤلاء الكفّار. لا شكَّ أنّه من باب الإكرام أو إظهار الأسف على فراقهم، وكلّ هذا حرام في حقّ المسلم؛ قال النبي (ص): (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطرّوهم إلى أضيقه).

الثانية: تعزية الكافر، إذا مات له مَن يعزَّى به، من قريب أو صديق، في هذا خلاف بين العلماء؛ فمن العلماء مَن قال: إنَّ تعزيتهم حرام. ومنهم مَن قال: إنَّها جائزة. ومنهم مَن فصّل في ذلك، فقال: إنْ كان في ذلك مصلحة، كرجاء إسلامهم، وكفّ شرّهم الذي لا يمكن إلّا بتعزيتهم، فهو جائز، وإلّا كان حراماً.

والراجح أنَّه إنْ كان يُفهم من تعزيتهم إعزازهم وإكرامهم، كانت حراماً، وإلّا فيُنظر في المصلحة.

الثالثة: حضور أعيادهم ومشاركتهم أفراحهم. فإنْ كانت أعياداً دينية، كعيد الميلاد، فحضورها حرام بلا ريب.

* وسُئل: عن حكم استئجار قارئ ليقرأ القرآن الكريم على روح الميّت؟ فأجاب بقوله: هذا من البدع، وليس فيه أجر، لا للقارئ ولا للميّت؛ ذلك لأنَّ القارئ إنّما قرأ للدنيا والمال فقط، وكلّ عمل صالح يُقصَد به الدنيا فإنّه لا يقرّب إلى الله، ولا يكون فيه ثواب عند الله. وعلى هذا، فيكون هذا العمل- يعني استئجار شخص ليقرأ القرآن الكريم على روح الميّت- ضائعاً، ليس فيه سوى إتلاف المال على الورثة، فليُحذَر منه، فإنّه بدعة ومنكَر.

* وسُئل عن حكم المآتم؟ فأجاب قائلًا: المآتم كلّها بدعة، سواء كانت ثلاثة أيّام، أو أسبوع، أو على أربعين يوماً؛ لأنّها لم ترد من فعل السلف الصالح، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، ولأنَّها إضاعة

ص127

للمال، وإتلاف للوقت، وربّما يحصل فيها شي ء من المنكرات، من الندب والنياحة، ما يدخل في اللَعن؛ فإنَّ النبي (ص) لَعن النائحة والمُستمعَة.

* وسُئل: هل يجوز التبرّك بثوب الكعبة والتمسّح به، فبعض الناس يقول: إنَّ ابن تيمية أجاز ذلك؟ فأجاب بقوله: التبرّك بثوب الكعبة والتمسّح به من البدع؛ لأنَّ ذلك لم يرد عن النبي (ص)، ولمّا طاف معاوية بن أبي سفيان بالكعبة، وجعل يمسح جميع أركان البيت، ويمسح الحجر الأسود، ويمسح الركن العراقي، والركن الشامي، والركن اليماني؛ أنكر عليه عبد الله بن عباس، فأجاب معاوية: ليس شي ء من البيت مهجوراً، فأجابه ابن عباس: « (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ..) «(1)، وقد رأيت النبي (ص) يمسح الركنين». يعني الحجر الأسود واليماني.

وهذا دليل على أنَّه يجب علينا أن نتوقّف في مسح الكعبة وأركانها على ما جاءت به السنّة؛ لأنَّ هذه هي الأسوة الحسنة في رسول الله (ص). وأمّا الملتزم الذي بين الحجر الأسود والباب، فإنّ هذا قد ورد عن الصحابة أنّهم قاموا به، فالتزموا ذلك، والله أعلم.

أمَّا ما قاله السائل: إنَّ هذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية. فنحن نعلم أنَّه من أشدّ الناس محاربة للبدع، وإذا قُدِّر أنَّه ثبت عنه، فليس قوله حجّة على غيره؛ لأنَّ ابن تيمية كغيره من أهل العلم، يُخطئ ويصيب. وإذا كان معاوية، وهو من الصحابة، أخطأ فيما أخطأ فيه، من مسح الأركان الأربعة، حتّى نبَّهه عبد الله بن عباس في هذا؛ فإنَّ من دون معاوية يجوز عليه الخطأ.

فنحن أوّلًا نطالب هذا الرجل بإثبات ذلك عن ابن تيمية، وإذا ثبت عنه، فإنَّه ليس بحجّة؛ لأنَّ أقوال أهل العلم يحتَجّ لها، ولا يحتج بها. وهذه قاعدة ينبغي أنْ نعرفها


1- الاحزاب: 21.

ص128

(كلّ أهل العلم أقوالهم يُحتَجّ لها، ولا يحتجّ بها إلّا إذا حصل إجماع المسلمين)؛ فإنّ الإجماع لايمكن الخروج عنه، بل لا يمكن الخروج عليه.

* وسُئل عن حُكمِ السلام على غير المسلمين؟ فأجاب بقوله: البدء بالسلام على غير المسلمين محرَّم ولا

يجوز؛ لأنَّ النبي (ص) قال: (لاتبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريقٍ فاضطرّوهم إلى أضيقِه)، ولكنّهم إذا سلّموا، وجب علينا أنْ نردّ عليهم؛ لعموم قوله تعالى: (وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها). (1)

ولا يجوز كذلك أن يُبدؤوا بالتحية، ك- (أهلًا وسهلًا) وما أشبهها؛ لأنَّ في ذلك إكراماً وتعظيماً لهم. ولكن إذا قالوا لنا مثل هذا، فإنّنا نقول لهم مثل ما يقولون؛ لأنَّ الإسلام جاء بالعدل وإعطاء كل ذي حقٍّ حقّه، ومن المعلوم أنَّ المسلمين أعلى مكانة ومرتبة عند الله عز وجل، فلا ينبغي أنْ يذلّوا أنفسهم لغير المسلمين فيبدؤوهم بالسلام.

* سُئل عن: حكم تهنئة الكفّار بعيد الكريسمس، وكيف نردّ عليهم إذا هنَّؤونا به؟ وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهذه المناسبة، وهل يأثم الإنسان إذا فعل شيئاً ممّا ذكر بغير قصد، وإنّما فعله إمّا مجاملة أو حياءً أو إحراجاً أو غير ذلك من الأسباب؟ وهل يجوز التشبّه بهم في ذلك؟ فأجاب بقوله: تهنئة الكفّار بعيد الكريسمس، أو غيره من أعيادهم الدينية، حرام بالاتّفاق، كما نقل ذلك ابن القيم في كتابه (أحكام أهل الذمة)، حيث قال: «وأمَّا التهنئة بشعائر الكفر المختصّة به، فحرام بالاتّفاق، مثل أنْ يهنّئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنَّأ بهذا العيد ونحوه،فهذا إنْ سَلمَ قائله من الكفر، فهو من المحرّمات، وهو بمنزلة أنْ تُهنِّئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند


1- النساء: 86

ص129

الله، وأشدّ مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممَّن لاقَدْر للدِّين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قُبح ما فعل. فمَن هنَّأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر، فقد تعرَّض لمَقت الله وسخطه».

وإنَّما كانت تهنئة الكفّار بأعيادهم الدينية حراماً، وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم؛ لأنَّ فيها إقراراً لِما هم عليه من شعائر الكفر، ورضاً به لهم، وإنْ كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكنْ يحرم على المسلم أنْ يرضى بشعائر الكفر أو يهنِّئ بها غيره؛ لأنَّ الله تعالى لا يرضى بذلك، كما قال الله تعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَ لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَ إِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ). (1)

وإذا هنَّؤونا بأعيادهم، فإنّنا لا نُجيبهم على ذلك؛ لأنّها ليست بأعيادٍ لنا، ولأنّها أعياد لا يرضاها الله تعالى، وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام؛ لأنّ هذا أعظم من تهنئتهم بها، لما في ذلك من مشاركتهم فيها.

وكذلك يحرم على المسلمين التشبّه بالكفّار، بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا، أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال، ونحو ذلك؛ لقول النبي (ص):

(مَن تشبَّه بقوم فهو منهم).

قال ابن تيمية في كتابه: (اقتضاء الصراط المستقيم مُخالفة أصحاب الجحيم): «مُشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربّما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص، واستذلال الضعفاء».

ومن فعل شيئاً من ذلك، فهو آثم، سواء فعله مجاملة، أم تودّداً، أم حياءً، أم لغير ذلك من الأسباب.

* وسُئل: هل يُعتبَر الشيعة في حكم الكُفَّار؟ وهل ندعو الله تعالى أنْ ينصر الكفّار عليهم؟


1- الزمر: 7.

ص130

فأجاب بقوله: الكفر حكم شرعي مردّه إلى الله ورسوله، فما دلَّ الكتاب والسنّة على أنّه كفر، فهو كفر، وما دلَّ الكتاب والسنّة على أنّه ليس بكفر، فليس بكفر، فليس على أحد، بل ولا له، أنْ يكفِّر أحداً، حتّى يقوم الدليل من الكتاب والسنّة على كُفرِه.

وإذا كان من المعلوم أنَّه لا يملك أحد أنْ يحلِّل ما حرّم الله، أو يحرِّم ما أحلَّ الله، أو يُوجب ما لم يوجبه الله تعالى إمّا في الكتاب أو السنّة؛ فلا يملك أحد أنْ يكفِّر مَن لم يكفِّره الله، إمّا في الكتاب وإمّا في السنَّة.

فالواجب الحذر من إطلاق الكفر على طائفة أو شخص معيَّن، حتّى يُعلَم تحّقق شروط التكفير في حقِّه، وانتفاء موانعه.

إذا تبيَّن ذلك، فإنَّ الشيعة فرق شتّى. ذكر السفاريني في شرح عقيدته: «أنَّهم اثنتان وعشرون فرقة».

وعلى هذا يختلف الحكم فيهم بحسب بُعدهم من السنَّة، فكلّ مَن كان عن السنّة أبعد، كان إلى الضلال أقرب.

ومن فرقِهم الرافضة، الذين تشيَّعوا لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رابع الخلفاء الراشدين؛ تشيّعاً مُفرطاً في الغلوِّ، لا يرضاه علي بن أبي طالب ولا غيره من أئمّة الهدى، كما جَفَوا غيره من الخلفاء، جفاءً مُفرطاً، ولا سيما الخليفتان أبو بكر وعمر، فقد قالوا فيهما شيئاً لم يقله فيهما أحد من فِرق الأُمَّة.

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (3/ 356):

«وأصل قول الرافضة: إنَّ النبي (ص) نصَّ على عليِّ- يعني في الخلافة-، نصّاً قاطعاً للعذر، وإنّه إمام معصوم، ومَن خالفه كفر، وإنَّ المهاجرين والأنصار كتموا النصّ، وكفروا بالإمام المعصوم، واتَّبعوا أهواءهم، وبدَّلوا الدين، وغيَّروا الشريعة، وظلموا واعتدوا، بل كفرواً، إلّا نفراً قليلًا، إمّا بضعة عشرة، أو أكثر. ثُمَّ يقولون إنَّ أبا بكر وعمر ونحوهما مازالوا منافقين، وقد يقولون: بل آمنوا ثُمَّ كفروا. وأكثرهم يكفِّر مَن

ص131

خالف قولهم، ويسمُّون أنفسهم المؤمنين، ومَن خالفهم كفّاراً .. ومنهم ظهرت أُمّهات الزندقة والنفاق، كزندقة القرامطة والباطنية وأمثالهم».

وانظر قوله فيهم أيضاً في المجموع المذكور (4/ 428- 429).

وقال في كتابه: (اقتضاء الصراط المستقيم مُخالفة أصحاب الجحيم):

«والشرك وسائر البدع مبناها على الكذب والافتراء، ولهذا كلّ مَن كان عن التوحيد والسنّة أبعد، كان إلى الشرك والابتداع والافتراء أقرب، كالرافضة الذين هم أكذب طوائف أهل الأهواء، وأعظمهم شركاً، فلا يوجد في أهل الأهواء أكذب منهم، ولا أبعد عن التوحيد منهم، حتّى أنَّهم يخرّبون مساجد الله التي يذكر فيها اسمه، فيعطّلونها من الجماعات والجُمعات، ويعمِّرون المشاهد التي على القبور، التي نهى الله ورسوله عن اتخاذها» (1)

وانظر ما كتبه محبّ الدين الخطيب في رسالته (الخطوط العريضة)، فقد نقل عن كتاب (مفاتيح الجنان) من دعائهم ما نصّه:

«اللّهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، والعَن صنَمَي قريش وجبتيهما، وطاغوتيهما وابنتيهما». قال: «ويعنون بهما، وبالجبت والطاغوت، أبا بكر وعمر، ويريدون بابنتيهما أمّ المؤمنين عائشة، وأمّ المؤمنين حفصة».

ومن قرأ التاريخ، علمَ أنَّ للرافضة يداً في سقوط بغداد وانتهاء الخلافة الإسلامية فيها؛ حيث سهَّلوا للتتار دخولها، وقتل التتار من العامّة والعلماء أُمماً كثيرة، فقد ذكر ابن تيمية في كتاب (منهاج السنَّة) أنّهم هم الذين سعوا في مجي ء التتر إلى بغداد، دار الخلافة، حتّى قتلَ الكفّار- يعني التتر- من المسلمين مالا يحصيه إلّا الله تعالى، من بني هاشم وغيرهم، وقتلوا بجهات بغداد ألف ألف وثمانمائة ألف ونيفاً وسبعين ألفاً، وقتلوا الخليفة العباسي، وسبوا النساء الهاشميّات وصبيان الهاشميين (2)


1- اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، تحقيق الدكتور ناصر العقل، ص 951.
2- منهاج السنّة، تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم، 592.

ص132

ومن عقيدة الرافضة (التقيَّة)، وهي أنْ يظهر خلاف ما يبطن. ولا شك أنَّ هذا نوع من النفاق، يغترّ به مَن يغترّ من الناس.

والمنافقون أضرّ على الإسلام من ذوي الكفر الصريح؛ ولهذا أنزل الله تعالى فيهم سورة كاملة، كان من هدي النبي (ص) أنْ يقرأها في صلاة الجمعة؛ لإعلان أحوال المنافقين والتحذير منهم، في أكبر جمع أسبوعي وأكثره، وقِيل فيها عن المنافقين: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) (1)

وأمّا قول السائل: هل يدعو المسلم الله أنْ ينصر الكفّار عليهم؟

فجوابه: إنَّ الأولى والأجدر بالمؤمن أنْ يدعو الله تعالى أنْ يخذل الكافرين وينصر المؤمنين الصادقين، الذين يقولون بقلوبهم وألسنتهم ما ذكر الله عنه في قوله: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (2)، ويتولّون أصحاب رسول الله (ص)، معترفين لكلِّ واحدبفضله، منزّلين كل واحد منزلته، من غير إفراط ولا تفريط. نسأل الله تعالى أنْ يجمع كلمة المؤمنين على الحقّ، وأنْ ينصرهم على مَن سواهم.

* وسُئل: يكره بعض الناس اسم «علي» و «الحسين» ونحوه، وينفر منها؛ وذلك لتعظيم الرافضة لتلك الأسماء، فما جوابكم؟ فأجاب بقوله: جوابي على هذا أنَّ البدعة لا تقابل ببدعة، فإذا كان طائفة من أهل البدع يغلون في مثل هذه الأسماء، ويتبرّكون بها، فلا يجوز أنْ نقابلهم ببدعة، فننفر من هذه الأسماء ونكرهها، بل نقول: إنَّ الأسماء لا تغيّر شيئاً عمّا كان عليه الإنسان، فكم من إنسان يسمّى باسم طيّب حسن، وهو- أعني المُسمَّى به- من أسوأ الناس. كم من إنسان يسمَّى عبد الله، وهو من أشدِّ الناس استكباراً، وكم من إنسان يسمَّى محمّداً، وهو من أعظم الناس ذمّاً، وكم من إنسان يسمَّى عليّاً، وهو نازل سافل. فالمهم أنَّ الاسم لا يغيّر شيئاً.


1- منافقون: 4.
2- الحشر: 10.

ص133

لكن، لا شكّ أنَّ تحسين الاسم من الأمور المطلوبة، كما قال النبي: (أحبُّ الأسماء إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن، وأصدقها حارث، وهمام).

* وسُئل: نسمع ونقرأ كلمة (حريّة الفكر)، وهي دعوة إلى حريّة الاعتقاد، فما تعليقكم على ذلك؟ فأجاب بقوله: تعليقنا على ذلك: أنّ الذي يُجيز أنْ يكون الإنسان حرَّ الاعتقاد، يعتقد ما شاء من الأديان، فإنَّه كافر؛ لأنَ

كلّ مَن اعتقد أنّ أحداً يسوغ له أنْ يتديّن بغير دين محمد (ص)، فإنّه كافر بالله عزّوجل، يُستَتاب، فإنْ تاب .. وإلَّا وجب قتله.

والأديان ليست أفكاراً، ولكنّها وحي من الله عزّوجل، ينزله على رُسله، ليسير عباده عليه. وهذه الكلمة- أعني كلمة فكر، التي يُقصَد بها الدِّين- يجب أنْ تُحذف من قواميس الكتب الإسلامية؛ لأنَّها تؤدّي إلى هذا المعنى الفاسد، وهو أنْ يُقال عن الإسلام (فكر)، والنصرانية- أعني بالنصرانية التي يسمّيها أهلها بالمسيحية- (فكر)، واليهودية (فكر)؛ فيؤدّي إلى أنْ تكون هذه الشرائع مجرّد أفكار أرضية، يعتنقها مَن شاء من الناس، والواقع أنَّ الأديان السماوية هي أديان سماوية، من عند الله عزَّ وجل، يعتقد بها الإنسان على أنَّها وحي من الله، تعبَّد بها عباده، ولا يجوز أنْ يُطلَق عليها (فكر).

ص134

فتاوى ابن جبرين

ص135

* ما حُكم الاحتفال بالمولد النبوي؟ الجواب: لم يثبت عن النبي (ص) الاحتفال بيوم ميلاده، ولا ثبت عن خلفائه الراشدين، ولا عن صحابته الكرام، وهم الذين يفدونه بأنفسهم، ويحبونه من كلّ قلوبهم، ولو كان مشروعاً ما خفي عليهم.

وأمَّا صوم يوم الاثنين، فقد قال (ص): إنّه هو ويوم الخميس (تُرفع فيهما الأعمال، فأحبُّ أن يُرفع عملي وأنا صائم). لكنْ سُئل عن صومه فقال: (ذلك يوم ولدتُ فيه)، ولم يأمر بالاحتفال به. ومعلوم أنَّ المحتفلين يحتفلون يوماً في السَنَة، وقد لا يوافق يوم الاثنين. وأنَّ يوم نزول الوحي أفضل من يوم الميلاد، وكذا يوم بدر، ويوم حُنين، ويوم الفتح، ويوم حجّة الوداع ونحوها، فهي أولى بالاحتفال بها.

وإذا كان المحتفل يحبّ النبي (ص)، فعليه أنْ يتّبع سنَّته ويعمل بشريعته، ويُكثر من الدعاء له والصلاة عليه، ويقتدي بسنّته. أمّا الاجتماع ليلة الميلاد، وإلقاء الخُطب، وحصول الاختلاط، أو صنع الطعام والسهر تلك الليلة، مع العقائد السيّئة بأنَّه يحضرهم ويشاركهم في الفرح؛ فكلّ ذلك لا أصل له.

كما لا يجوز الاحتفال بموالد المشايخ والأولاد ونحوهم. والله أعلم.

* ما حُكم تخصيص بعضهم علياً بقوله: (عليه السلام) أو: (كرّم الله وجهه)؟

ص136

الجواب: لا أصل لهذا التخصيص، وأنَّ الأصل في الصحابة الترضّي عنهم جميعاً، كما قال تعالى: (وَ السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ) (1)، وقال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) (2)؛ لذلك اصطلح أهل السنّة الترضّي عن كلّ صحابي يجري ذكره، أو يروى عنه حديث، فيُقال مثلًا عن عمر: (رضي الله عنه)، أو عن ابن عباس (رضي الله عنهما).

ولم يُستعمَل السلام- فيما أعلم- عند ذكر أحد منهم، مع أنَّ السلام تحية المسلمين فيما بينهم، كما قال تعالى: (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً) (3)

وعلى هذا، فالترضّي أفضل من السلام؛ قال تعالى: (وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ) (4)، وأخبر النبي (ص) أنَّ الله تعالى يقول لأهل الجنّة: (أحَلَّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم أبداً).

لكن العلماء اتّفقوا على أنَّ مصطلح (السلام) يختصّ بالأنبياء؛ لقوله تعالى: (وسَلامٌ على المُرْسَلِيْن) (5)، ولقوله: (وسَلامٌ عليه يَوْمَ وُلِدَ) (6)

ولمّا ورد في حقِّ عليٍّ قول النبي (ص): (أنت منِّي بمنزلة هارون من موسى)، أخذه الغُلاة فيه، كالرافضة ومَن قاربهم، فاستعملوا في حقِّه قولهم (عليه السلام)، أو (كرَّم الله وجهه)، ولا شك أنَّه أهل لذلك، لكنْ يشركه في هذا جميع الصحابة، ومَن تَبَعهم بإحسان.


1- التوبة: 100.
2- الفتح: 18.
3- النور: 61.
4- التوبه: 72.
5- الصافات: 181.
6- مريم: 15.

ص137

وعلى كلّ حال، نقول: إنَّ هذا الاصطلاح إنّما حدث من الغُلاة في أهل البيت، كالرافضة والزيدية، ثُمَّ وُجد ذلك في كتب أهل السنّة، ولعلّه حدث من بعض النسّاخ، الذين قلَّدوهم في ذلك عن حُسن ظنّ، فليُعلم ذلك.

* ما حكم شدّ الرحال إلى قبر الرسول 9؟ الجواب: لا يجوز. وإنَّما تشدّ الرحال إلى المسجد النبوي، ثُمَّ يُزار القبر من قريب، بعد وصوله إلى المدينة، يقول (ص): (لا تُشدّ الرِحال إلّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)، والله أعلم.

* لديّ أمر طالما أشغلني، حيث إنّني أحد موظفي أرامكو، وحديث عهد بهذه الوظيفة، ولكن ما شغلني هو أنّني أعمل مع رافضة في نفس القِسم، وجرت العادة على الاشتراك في وجبات الطعام خلال وقت الدوام، ويكون الأكل جماعياً، وما قد يتخلَّل ذلك من الضحك والمزاح؛ ممّا قد يُضعِف عند المسلم قضية الولاء والبراءة، والغيرة على هذا الدِّين، مع العلم أنَّني أحدث واحد فيهم، ورئيسي المباشر منهم، ممّا قد يضطرّهم إلى مضايقتي في العمل، إذا أحسّوا منّي بُغضهم.

أفيدونا رعاكم الله، فإنَّني في حيرة من أمري، لما قد يترتّب على ذلك إنْ أنا قاطعتهم، وجعلت علاقتي معهم مجرّدة فيما يتعلّق بالعمل. ولكن قد يضايقوني كما أسلفت؟

الجواب: عليك أنْ تحاول الانتقال إلى جهة أُخرى لا يوجدون بها، أو لا يكون لهم سلطة فيها، فإنْ لم تجد قريباً، فعليك أنْ تُظهر لهم المَقت والاحتقار، والسخريّة منهم، وأنْ لا يكون لك انبساط معهم ولا انشراح صدر، وإذا رأيت منهم مضايقة خاصّة، فسجّل كلماتهم واكتب بها إلى المسؤولين في الشركة، حتّى يلقَوا جزاءهم. كما أنَّ عليك محاولة إقناعهم ببطلان معتقدهم، وصحّة ما أنت عليه، فإنْ رجع أحد منهم، وإلَّا قامت عليهم الحجّة، والله أعلم.

ص138

* كثيراً ما يسألني بعض الأخوة الوافدين عن مذهبي: هل أنا حنبلي أم شافعي .. الخ. وأنا في الحقيقة أجهل ذلك الأمر تماماً؛ فقط يكفيني أنَّني مسلم، وإذا أشكل عليَّ شي ء من أمر ديني، أسأل العلماء. فما هو توجيهكم؟

الجواب: يكفيك أنَّك مسلم، متّبع للشريعة. فأمّا المذهب الحنبلي أو الشافعي، فلا يلزم التقيّد به، لكن أُولئك العلماء كان لهم مكانة مرفوعة مشهورة في الأُمّة، ودُوّنت أقوالهم، فاتَّبعها أصحابهم وأتباعهم، فأصبحت مذاهب مُعترفاً بها، مع أنَّهم متَّفقون في باب المُعتقد والتوحيد، وكذا متقاربون في الفروع، لكنَّ بعضهم قد يخفى عليه الدليل أو وَجه الدلالة؛ فيجتهد ويُفتي بحسب اجتهاده، ولا يلزم غيره بما قال به، ولكنَّ أولئك الأتباع تعصّب أكثرهم، وتقيَّد بأقوال أولئك الأئمّة، وإنْ كانت مُخالفة للدليل، وتكلَّفوا في ردِّ النصوص، حتّى توافق ما ذهبوا إليه.

فعلى هذا، ننصح العامّة بأنْ ينتموا إلى الإسلام، وأنْ يرجعوا فيما أشكل عليهم إلى العلماء المُعتبرين، وإلى مؤلّفات أهل العلم، الذين عُرف عنهم النصح للإسلام والمسلمين، والله أعلم.

* ما حكم الذبح والاعتكاف عند القبور وما يُفعل في المولد؟ الجواب: لا يجوز الذبح عند القبور، فهو تعظيم للميّت؛ لقول النبي (ص): (لعنَ الله مَن ذبح لغير الله)، ولقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ) (1)، أي: اجعل صلاتك ونحرك لله وحده.

فمَن ذبح للأموات فقد أشركهم مع الله. وهكذا العكوف عند هذه القبور والإقامة عندها، وإحضار القهوة والشاي، فإنَّ الاعتكاف عبادة لله، لا تصلح إلّا في المساجد؛ لقوله تعالى (وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) (2)، فصرفها لغير الله شرك، ولو


1- الكوثر: 2.
2- البقره: 187.

ص139

كانوا مشايخ أو أولياء أو صالحين، فإنَّهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً، ولا يشفعون إلّا لمَن ارتضى.

وهكذا تجري قراءة الفاتحة عند القبور، أو إهداؤها في ذلك المكان. ولا يجوز عمل الوليمة عند القبر، وإحضار الأكل، وكذا قولهم: شرّفونا بالفاتحة؛ لأنَّ كلّ ذلك بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، ولم يفعله الصحابة، ولا الأئمّة المُقتدى بهم.

وهكذا ما يفعَل في يوم المولد، من الاجتماع والضرب بالطبول طوال الليل، حيث لم يفعله النبي (ص)، ولا أمر به، بل نهى عنه بقوله: (مَن عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو ردّ)، أي: مردود عليه.

وهكذا لا يجوز الدعاء الجماعي، والذكر الجماعي بعد كلّ صلاة، بل كلّ أحد يذكر الله لنفسه، ولا يُتابع غيره؛ حيث لم يُنقَل هذا عن الصحابة والتابعين.

وهكذا ما يُفعَل بالمريض، من كتابة بعض المشايخ في أوراق كلمات غير مفهومة، ثمّ يشربونها، وإنَّما السنّة القراءة على المريض، كما كان النبي (ص) يقرأ على نفسه الآيات، ويَنفث في كفَّيه، ويمسح ما أقبل من جسده.

فأمّا التعاليق، فإنّها لا تجوز، وقد قال النبي 9: (مَن تعلَّق شيئاً، وُكل إليه)، وأخبر: (إنَّ الرقى والتمائم والتولَة شرك). فالتمائم هي التعاليق التي تُربَط على العُنق أو العضد.

وكذا النساء اللاتي يخطّطن ويقلن: «هذا .. هكذا». وهو من التكهّن، وفي الحديث: (ليس منّا مَن تكَهَّن أو تُكُهّن له).

وهكذا ذبح الإبل من الحول إلى الحول، والتلطّخ بالدم، هو من أمر الجاهلية.

وهكذا ترك الاغتسال من الجنابة، فإنّه يُبطل الصلاة، لقوله تعالى: (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (1). فعليكم نصحهم وقراءة الآيات والأحاديث عليهم، ومحاولة ترك هذه البدع والشركيات.


1- المائدة: 6.

ص140

* ما حُكم الدمية المصوَّرة على هيئة إنسان، والمعروفة لدى الناس ب- (عرائس الأطفال)، وقد انتشرت بكثرة عجيبة في الأسواق، وأقبل عليها الناس لشرائها، ويقال إنّها في حكم الصور المُمتهنة. نأمل من فضيلتكم الإجابة عن حُكم بيعها وحكم اقتنائها؟ الجواب: هذه الألعاب محرَّمة؛ لأنّها صور مجسّمة تامّة، لها ظلّ ولها رأس، ووجه وعينان، وشفتان وأنف، وسائر أعضاء البدن. فالوعيد للمُصوّرين ينال أهلها، فيُقال لهم: أحيوا ما خلقتم، ويكلّفون بنفخ الروح فيها. ولا تدخل الملائكة بيتاً هي فيه.

وليست مُمتهنة، بل هي محترمة رفيعة الثَمن، ولو كانت لعبة للأطفال، فإنّها صورة مضاهية لخلق الله تعالى.

وليست كلُعب عائشة، فإنّها كانت تعملها بيدها بدون وجه، وبدون تفاصيل جسم، وإنّما هي عبارة عن أعواد تربطها، وتلفّ فوقها خُرقاً تتسلَّى بها، فإذا كانت اللُعب ممّا يصنعها الأطفال بأيديهم، فلا مانع من استعمالها، ليتلهّى بها الطفل، وأمّا هذه التي تُصنع في مصانع، ويُبذل فيها ثمن، فإنّها محرّمة كما ذكرنا.

* توجد بعض الكتب فيها صور، فما حكم إدخالها المسجد؟ علماً بأنّ الصور في الداخل وليست على الغلاف، وهي كُتب دراسية. وهل صحيح أنَّ الملائكة لا تدخل المكان الذي فيه صورة؟ وما حكم إدخال البطاقات التي تحمل صوراً إلى المسجد؟ الجواب: الأفضل أنْ يُتحاشى إدخالها في المسجد، حيث إنَّ فيها هذه الصور، ولكنْ إذا كان مُضطرّاً إليها؛ لكونها دراسية، ومضطرّاً إلى دخول المسجد، فالأولى أنْ يطمس على وجه الصورة، بمُزيل أو نحوه، وإذا لم يتمكّن، أو كان له في بقائها مصلحة، فالأولى إذا دخل بها، ألَّا يكشف على محلِّ الصورة، بل يتركها في وسط الكتاب غير مكشوفة، ويقرأ من الكتاب في أماكن أُخرى ليس فيها صورة.

وذُكر أنَّ الصور تمنع دخول الملائكة إذا كانت منصوبة أو ظاهرة، أمّا إذا كانت مُمتهنة أو خفيّة، فالصحيح أنّها لا تمنع، إنْ شاء الله. وكذلك أيضاً البطاقات والأوراق النقدية وما أشبهها؛ تُستعمَل للحاجة.

ص141

* ما حكم اصطحاب الصور التي في النقود أو في البطاقات

الشخصية أثناء الصلاة؟

الجواب: حيث إنَّ هذه الصور في النقود والبطاقات الشخصية أصبحت من الضروريات، التي لا يُستغنَى عن استصحابها في أغلب الأحوال، فإنَّه يجوز اصطحابها، ولو في الصلاة؛ أوَّلًا: للحاجة الماسَّة لذلك. ثانياً: وجود الخلاف في حكمها، من حيث العمل والاصطحاب والحمل. ثالثاً: كونها ناقصة، حيث لا يوجد سوى الوجه ونحوه.

ثُمَّ على المصطحِب لها أنْ يحرص على إخفائها وتغييبها في جيبه ومخبئه، ولا يبرزها، ليكون أخفّ للحكم، والله أعلم.

* ما رأيكم في كتاب (صفوة التفاسير) للأستاذ محمد علي الصابوني. حيث إنَّنا نقوم بتوزيع الكتب الإسلامية على الشباب المسلم في الخارج عن طريق المراسلة؟ الجواب: هذا الكتاب قد اجتهد فيه مؤلّفه، وجمعه من عدّة تفاسير، واطّلع على أقوال العلماء المتقدّمين والمتأخرين، لكنَّ المؤلّف على معتقد الأشاعرة في الأسماء والصفات، وقد ظهر أثر عقيدته في الكثير من الآيات التي تعرَّض لتأويلها وصرف دلالتها، ولو على وجهِ الرمز والاختفاء، وهي معلومة لكلِّ مسلم صحيح المعتقَد. وأمّا بقية التفسير، فلا مانع من قراءته، وهو أقلّ أخطاء من كتب الأشاعرة، كالرازي، وأبي السعود، والبيضاوي ونحوهم.

* ما حكم لبس ما يُسمَّى بالبنطلون، وهل تصحّ الصلاة فيه. علماً بأنَّه غالباً ما يحدّد العورة المُغلظة ويجسّمها؟

الجواب: لا تجوز الصلاة فيه إذا كان ضيّقاً يحدِّد العورة المُغلظة، كالإلية والأنثيَين. ويُكرَه لبسه على هذه الصفة في غير الصلاة؛ لأنَّه تشبّه بالكفّار، وهو في هذه الحال يُلفِت الأنظار، ويُثير الغرائز، فالأصل أنَّه مكروه، وقد يكون حراماً، إذا كان القصد هو التشبّه بالمشركين، وتعظيم مقامهم، وإحياء ذكراهم، ويُمكن أنْ يرخَّص فيه وقت

ص142

العمل الذي يستدعي التخفيف، بشرط أنْ يكون فضفاضاً واسعاً، أو سِمَةً وعلامة، كلباس العسكريّين.

* ما حكم دفع زكاة أموال أهل السنّة لفقراء الرافضة (الشيعة)، وهل تبرأ ذمَّة المسلم الموكَّل بتفريق الزكاة، إذا دفعها للرافضي الفقير، أم لا؟ الجواب: لقد ذكر العلماء في مؤلّفاتهم، في باب أهل الزكاة، أنَّها لا تُدفع لكافرٍ ولا لمُبتدِع، فالرافضة بلا شكّ كفّار؛ لأربعة أدلّة:

الأوّل: طعنهم في القرآن، وادّعاؤهم أنّه قد حُذف منه أكثر من ثلثيه، كما في كتابهم الذي ألَّفه النوري وسمّاه (فصلُ الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربِّ الأرباب)، وكما في كتاب الكافي وغيره من كتبهم. ومَن طعن في القرآن، فهو كافر مكذِّب لقوله تعالى: (وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (1)

الثاني: طعنهم في السنَّة وأحاديث الصحيحين، فلا يعملون بها؛ لأنَّها من رواية الصحابة، الذين هم كفّار في اعتقادهم،حيث يعتقدون أنَّ الصحابة كفروا بعد موت النبي (ص)، إلّا علياً وذريّته، وسلمان وعمار، ونفر قليل. أمَّا الخلفاء الثلاثة، وجماهير الصحابة الذين بايعوهم، فقد ارتدّوا وهم كفّار، فلا يقبلون أحاديثهم، كما في كتاب الكافي وغيره من كتبهم.

والثالث: تكفيرهم لأهل السنَّة، فهم لا يصلّون معكم، ومَن صلَّى خلف السنّي أعاد صلاته، بل يعتقدون نجاسة الواحد منّا، فمتى صافحناهم غسلوا أيديهم بعدنا.

ومَن كفَّر المسلمين، فهو أولى بالكفر، فنحن نكفِّرهم كما كفَّرونا وأَولَى.

الرابع: شِركهم الصريح؛ بالغُلوّ في عليّ وذريّته، ودعائهم مع الله، وذلك صريح في كتبهم، وهكذا غُلوّهم ووصفهم له بصفات لا تليق إلّا بربّ العالمين، وقد سمعنا ذلك في أشرطتهم.


1- الحجر: 9

ص143

ثُمَّ إنّهم لا يشتركون في جمعيّات أهل السنّة، ولا يتصدّقون على فقراء أهل السنّة، ولو فعلوا، فمع البُغض الدفين، ويفعلون ذلك من باب التقيّة.

فعلى هذا، مَن دفع إليهم الزكاة، فليُخرج بدلها؛ حيث أعطاها مَن يستعين بها على الكفر وحرب السنَّة، ومَن وُكّل في تفريق الزكاة، حرم عليه أنْ يُعطي منها رافضياً، فإنْ فعل، لم تبرأ ذمَّته، وعليه أنْ يغرم بدلها؛ حيث لم يُؤدِّ الأمانة إلى أهلها. ومن شكّ في ذلك، فليقرأ كتب الردّ عليهم، ككتاب القفاري في تفنيد مذهبهم، وكتاب (الخطوط العريضة) للخطيب، وكتب إحسان إلهي ظهير، وغيرها. والله الموفّق.

ص144

فتاوى ابن فوزان

ص145

* ما هو القول فيمَن نصب الأصنام والأضرحة والقبور، وبنى عليها المساجد والمشاهد، وأوقف عليها الرجال والأموال، وجعل لها هيئات تُشرف عليها، ومكَّن الناس من عبادتها، والطواف حولها، ودعائها والذبح لها؟ الجواب: هذا حكمه أنَّه يكفَّر بهذا العمل؛ لأنَّ فعله هذا دعوة للكفر؛ إذ إنَّ إقامته للأضرحة، وبناءه لها، ودعوة الناس إلى عبادتها، وتنصيب السَدَنة لها؛ يدلّ على رضاه بهذا الأمر، وعلى أنّه يدعو إلى الكفر ويدعوا إلى الضلال، والعياذ بالله.

* هل تصحّ الصلاة خلف إمام يستغيث بالأموات ويطلب المَدَد منهم أم لا؟ وماذا عن رجل يكذّب ويتعمّد الكذب، ويُؤذي الصالحين ويؤمّ الناس. هل يقدَّم في الصلاة، إذا عُرف عنه الكذب والفسوق؟ الجواب: لا تصحّ الصلاة خلف المُشرك الذي شِركه شرك أكبر يُخرِج من الملَّة، ودعاء الأموات والاستغاثة بهم شركٌ أكبر، يُخرِج من الملّة.

فهذا ليس بمسلم، ولا تصحّ صلاته في نفسه، ولا تصحّ صلاة مَن خلفه، إنّما يُشترط للإمام أنْ يكون مؤمناً بالله وبرسوله، ويكون عاملًا بدين الإسلام، ظاهراً وباطناً.

ص146

* هل تكفير السلَف للجهميّة تكفير أكبر، مُخرج من الملّة، أم هو كفر دون الكفر، والمراد منه الزجر والتغليظ فقط؟ الجواب: تكفير السلف للجهمية تكفير بالكفر الأكبر؛ لأنَّهم جحدوا كلام الله عزَّوجلّ، قالوا: «كلام الله مخلوق، وجحدوا أسماء الله وصفاته، فهم مُعطّلة.

وهم مكذِّبون لما في القرآن وما في السنّة من إثبات أسماء الله وصفاته.

وأيضاً يعتقدون بالحلول، وأنَّ الله تعالى حالٌ في كلّ مكان، تعالى الله عمّا يقولون.

فمقالاتهم تقتضي الكفر الأكبر، وتكفير السلَف لهم هو من التكفير بالكُفر الأكبر، إلّا مَن كان جاهلًا مقلّداً، اتّبعهم وهو يظنّ أنَّهم على حقّ، ولم يعرف مذهبهم ولم يعرف حقيقة قولهم؛ فهذا قد يُعذَر بالجهل.

* هل إطلاقات السلَف في تكفير أعيان الجهميّة كتكفير الشافعي لحفص الفرد، حين قال بخلق القرآن، فقال له الشافعي: كفرتَ بالله العظيم، كما نقل ذلك اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة، وكتكفير الجهم بن صفوان، وبشر المريسي، والنظَّام، وأبي الهذيل العلّاف؛ كما ذكر ذلك ابن بطّة في الإبانة الصغرى، فهل يُراد منه تكفير أعيان هؤلاء، أم تكفير ألفاظهم لا أعيانهم؟

الجواب: مَن نطق بالكفر، أو فعل الكفر، فإنَّه يكفَّر بعينه. فمَن فعل الكفر أو نطق به، وهو ليس ممَّن يُعذَر بالجهل، فإنَّه يكفّر بعينه، ونحكم عليه بالكفر.

* ما معنى قول محمد بن عبد الوهاب في الناقض الثالث من نواقض الإسلام: «مَن لم يكفِّر المشركين، أو شكَّ في كفرهم، أو صحَّح مذهبهم، فهو مثلهم»؟ الجواب: أي نعم، هو كذلك؛ لأنَّه رضيَ بما هم عليه، ووافقهم على ما هم عليه، فمَن لم يكفّرهم، أو رضي بما هم عليه، أو دافع دونهم، فإنّه يكون كافراً مثلهم؛ لأنّه رضيَ بالكفر وأقرَّه ولم يُنكِره.

* ما حكم موالاة الكفَّار والمشركين، ومتى تكون هذه الموالاة كفراً أكبر مُخرجاً عن الملّة، ومتى تكون ذنباً وكبيرة من كبائر الذنوب؟

ص147

الجواب: يقول الله جلّ وعلا: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (1)، ويقول سبحانه وتعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الآْخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ

عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) (2)

فتجب مُعاداة الكفّار وبُغضهم، وعدم مناصرتهم على المسلمين، وقطع الصلة معهم، من ناحية المودَّة والمحبّة، وبُغض ما هم عليه من الكفر. كلّ هذا يجب على المسلم أنْ يقاطعهم فيه، وأنْ يبتعد عنهم، ولا يحبّهم ولا يناصرهم على المسلمين، ولا يدافع عنهم، ولا يصحّح مذهبهم، بل يصرِّح وينادي بكُفرهم وضلالهم، ويُحذِّر منهم.

* ما هو رأيكم في الطُرق الصوفية؟ وكان جوابه: الطُرق الصوفية طُرق مُحدَثة وفاسدة، وطرق ضالّة، ومن ذلك الطريقة التيجانيّة، فإنَّها من أضلّ الطرق وأفسدها، وعقائدها كفرية.


1- المائده: 51.
2- المجادلة: 22.

ص148

فتاوى المدخلي

ص149

* هل يجوز لزوجتي أنْ تكشف وجهها أمام والدي، علماً بأنَّه كافر؟ الجواب: الكافر قد يكون أميناً، وقد يكون داعراً، فإذا كان داعراً فاسداً مُفسداً ويزني، فهذا تحتجب عنه، وإذا كان شريفاً عفيفاً وكان كافراً، فالظاهر أنَّها لا تحتجب عنه؛ فالقرآن أباح للمرأة أنْ ترى زوجها وأباها وأبا زوجها، وإخوانها وبني إخوانها، وبني أخواتها. فأبو زوجها مَحرم لها، فإنْ كان لا يُعتبَر زانياً، فلا يحول بينه وبينها، ويراها.

ولا أذكر نصّاً أو قولًا للعلماء بأنّه إنْ كان كافراً لا يجوز أنْ يراها، يُقال في هذا مثلًا: إذا كان ولد الزوج لا يؤمَن على زوجة أبيه، كونه فاسداً وكذا، فتحتجب منه. وإذا كان قريباً- من محارمها- وهو فاسد، فتحتجب عنه؛ لأنَّ هذا لا يُفرِّق بين الحلال والحرام، أمَّا إذا كان مأموناً فلا.

* ما رأيكم فيمَن يقول: إنّ الخوارج هم الذين يخرجون على الحاكم العادل فقط، أمّا مَن يخرج على الحاكم الظالم، فليس من الخوارج؟

الجواب: عبد الملك بن مروان كان حاكماً ظالماً، وقتل عبد الله ابن الزبير، وأميره هدم الكعبة، وعبد الله بن عمر يُبايعه بعد هذا كلّه، والصحابة الموجودون يبايعونه.

واللهِ ظالم، الله يرحمَه، عنده خيرات، وله حسنات، وله فتوحات، وله جهاد، ولكنْ- والله- ظالم جائر، والرسول (ص) علَّمَ وعلَّم وعلَّم ..

ص150

هذه نصوصٌ في الصحيحين وغيرهما: (أطيعوهم ما أقاموا فيكم الصلاة) و (تعرفون و تنكرون).

قال: (- أطيعوهم ما أقاموا فيكم الصلاة.

- ألا نُنابذهم بسيوفنا؟

- قال: لا، ما صلّوا).

حُكّام جور، ومع هذا الرسول (ص) يأمر بالصبر عليهم، ولا يُجيز الخروج عليهم، والذي يشقّ عصاهم شَقَّ عصا المسلمين، يجب قتله، ولو كان حاكماً جائراً!

هذا فقه الخوارج يقول: ما يكون خارجيّ إلّا إذا خرج على الحاكم العدل، فهم يرون عليّاً ليس بعادل، وعثمان ليس بعادل.

والذين يقدِّسون سيّد قُطب، يرون عثمان ليس بعادل، ولو تستّروا، وإلّا كيف يُقدّسون سيّد قطب الذي يطعن في عدالة عثمان، ويُسقط خلافته، وهو لا يسقّط إلّا بالكفر؟!

لأنّه تكفيري؛ رئيس التكفيريّين.

فمَن يستطيع أنْ يجهر بتكفير عثمان غيره والروافض؟!

وهو جمع بين فكر الخوارج والروافض، وحمل راية الخوارج وراية الروافض، ورايات أُخرى جمعها، فيجعل عثمان جائراً نخرج عليه، وعليّ جائراً نخرج عليه، وهكذا ..

ورأيتم ذا الخويصرة كيف طعن في عدالة الرسول (ص)!

فتكون المسألة ليس لها ميزان؛ عادل عندك، ليس بعادل عند الذي يخرج عليه!

إذن، الحلّ أنَّ الحاكم مادام في دائرة الإسلام، والأمر ضبطه الرسول (ص)، ولو كان هذا الحاكم فاجراً ظالماً، فمادام في دائرة الإسلام، ومادام يقيم الصلاة، فلا يجوز الخروج عليه.

ص151

عرفتم هذا؟ هذا حكم الله وحكم رسوله عليه الصلاة والسلام، وليس حكم السفهاء.

* يستدلّ كثير من النّاس، خاصّة في بعض بلدان شمال إفريقيا، على بدعة المولد، بقول النبي (ص): (مَن سنَّ في الإسلام سُنَّة حسنة ..). فكيف يُردّ عليهم؟ الجواب: الردُّ عليهم أنْ يُقال لهم: لا بدَّ أنْ يعرفوا سبب ورود هذا الحديث؛ وهو أنَّ قوماً من مُضَر جاؤوا إلى النبي (ص) لفقرهم وشدّة فاقتهم، فلمّا رآهم النبي (صلى الله عليه وسلم)، رقَّ لحالهم، فأمر بلالًا فأذَّن، فأُقيمت الصلاة وصلَّى، ثُمَّ قام خطيباً وحثّ الناس على الصدقة وقال: (تصدَّق رجل بدرهمه، وتصدَّق رجل بديناره، وتصدَّق رجل ببرّ شعيره ..)، فتأخَّروا قليلًا فجاء رجل من الأنصار بكيس كبير من المال، فتسارع الناس وتسابقوا، حتّى جمعوا كوماً كبيراً من الصدقة، فقال النبي (ص) عند ذلك: (مَن سَنَّ سنَّة حسنة، فإنَّ له أجرها وأجر مَن عمل بها، من غير أنْ ينقص من أجورهم شي ء. ومَن سَنَّ سنَّة سيّئة، كان عليه وزرها ومثل وِزر مَن عمل بها، من غير أنْ ينقص من أوزارهم شي ء).

فالنبيّ (ص) حثَّ على الصدقة، والصدقة مشروعة، وهذا الرجل سنَّ لهم السَبق في هذه اللحظة الحرجة.

فأنت إذا سبقت إلى عمل قد غفل عنه الناس، تكون قد سَنَنت لهم سُنّة حسنة. أمّا أنْ تخترع في دين الله شيئاً لا يوجَد، فهذا هو الضلال، وهذه هي البِدع التي قال فيها النبي (ص): (مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو ردّ)، وقال الله عزّ وجلّ في ذلك: (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (1).

فلو كان هذا خيراً، لسَبَقنا إليه رسول الله (ص) والصحابة، ولا يفوتهم ذلك، فقد عرفوا الرسول (ص) وأحبّوه أكثر منّا، ونحن- للأسف- لا يعرفه الكثير منّا إلّا في هذا


1- الشورى: 21.

ص152

(المَولِد). أمّا الصحابة، فيعرفونه في كلّ لحظة، ويبذلون مُهجهم وأموالهم لنصرة دين الله عزّ وجلّ، وإعلاء كلمة الله، وبرهنوا على حُبِّهم لرسول الله (ص) بإيمانهم به، وحُبّه واتّباعه، وبذلهم مُهجهم وأموالهم في نصرة دينه.

أمّا الآن، فهؤلاء يأكلون باسم الدين، ويقولون نُحبّ رسول الله (ص) ويقيمون هذه الموالد؛ لأنّ فيها أكلًا لأموال الناس بالباطل، ويرتكبون فيها الشّرك والخرافات والضلالات، فهل هذا من دين الله؟! وهل يحمَد مَن سنَّها؟!

علماً بأنَّ الذي سنَّها هم الباطنيّون، أعداء الله ورسوله، وأعداء دين الإسلام. بل عداوتهم أشدّ من عداوة اليهود والنصارى للإسلام، جاؤوا بهذه البدعة الخبيثة التي يُنافح عنها أناس يزعمون أنَّهم من أهل السنَّة، وهم من أهل الضلال، ومن أذناب هؤلاء الباطنية! .. مع الأسف الشديد.

* ما حكم الصعود إلى جبل ثور وإلى جبل حراء (النور) لمُجرَّد المشاهدة، ومعرفة الأماكن التي أتاها النبي 9؟ الجواب: إذا كان ذلك أيّام زيارات الجهّال وأهل الخرافة وأهل البدع، فلا يجوز لطالب العلم أنْ يشاركهم في هذا الشرّ؛ لأنَّهم يظنّون أنَّه معهم، اللَّهم إلّا إذا كان يذهب لقصد أنْ ينصحهم ويُبيّن لهم أنَّ الزيارة هذه ليست من دين الله، وليست أمراً مشروعاً.

والرسول عليه الصلاة والسلام وُلد في هذه البطاح الطاهرة، وهي بلده، وكان يذهب إلى غار حراء يتعبّد قبل البعثة، حتّى أنزل الله عليه الوحي وهو فيه، فانصرف عنه ولم يرجع إليه أبداً، إلى أنْ هاجر، ولمَّا رجع عليه الصلاة والسلام إلى مكة، ودخلها في عُمرة القضاء، لم يذهب إليها. ودخل

في عام الفتح ولم يذهب إليها. وجاء بحجّة الوداع ولم يذهب إليها. لا هو، ولا أصحابه، كلّهم لم يأتوا إلى هذه الأماكن.

وغار ثور نزل فيه مُضطراً، ثُمَّ غادره ولم يأته أبداً. فلماذا هذا التعلّق؟!

ص153

هناك دعايات .. هناك إعلام شرّير من أهل الباطل، ينسج فضائل وأشياء وأشياء لمثل هذه الأماكن، فإنْ كان طالب العلم يذهب لينصح، فلا بأس، وأمَّا أنْ يذهب ويُكثر سواد الناس؛ سواد أهل الجهل والضلال، ولا ينصح، فهذا يُؤثَم.

وإذا كان لا بدَّ أنْ يعرف، فيدرس أوَّلًا، وإذا كان لا بدَّ أنْ يعرف، ففي خلوة.

إنّ العناية بالآثار مصيبة ورثناها من الغرب، ومكيدة للمسلمين .. الاهتمام بالآثار ونبش الآثار والبحث عنها وعن الحفريات.

أخرجوا لنا جثَّة فرعون! وأخرجوا لنا جُثث البابليين .. يريدون أنْ يعيدونا إلى الجاهلية الفرعونية، والجاهلية البابلية وغيرها. هذا هو هدف اليهود والنصارى، ثُمَّ تمتدّ إلى مثل غار حراء وغار ثور وكذا .. ويجيئون، ويُمكن أنْ يتمسّحوا ويتبرّكوا، ويعتقدون عقائد في هذه الأماكن.

فطالب العلم لا يجوز له أنْ يذهب في مثل هذه المناسبات، وإذا كان لا بدَّ أنْ يذهب، ففي خلوة، بحيث لا يراه أهل السَفه وأهل الجهل والضلال؛ حتّى لا يُظَنّ أنَّ هذه الأماكن مشروع زيارتها.

* بعض الشاب في شكٍّ من أمرهم؛ لا يعرفون كيف

يصنعون؟! ومَن يتَّبعون؟! ولا يعرفون شرَّ الفِرق والأحزاب، فما نصيحتكم؟

الجواب: لا يُميِّز لهم بين الحق والباطل إلّا العلم. أوّلًا يخلص لله، ويُوطِّن نفسه على حبّ الحق، ويبحث عن الحق، ولا يتعصّب لأحد أبداً، كائناً مَن كان، لا أبوه، ولا أخوه، ولا أحد.

إذا عرف الحقّ بأدلّته، ووجد عليه أئمّة الإسلام والسلَف؛ أخذ به وعضَّ عليه بالنَواجِذ. وإذا عرف أنَّ هذا باطل تركه، ولو كان عليه آباؤه وأجداده، وأساتذته وشيوخه، ويترك هذا الباطل ويحذِّر منه.

كما أرسل الله جميع الرُسل (عليهم الصلاة والسلام) وأنزل معهم الكتب؛ للتحذير من الشرور والبدع، شرّ الأمور مُحدثاتها، فإذا وجد أنَّ هذا الأمر شرّ، وأنَّ هذا الأمر بدعة، فعليه أنْ يتركه لله ربّ العالمين.

ص154

ويكون ولاؤه لله، وحبّه في الله وبغضه في الله، يُخلص لله في طلب العلم، ويطلب العلم من مصادره الصافية، وما عرفت فيه من حق فعضَّ عليه بالنواجذ، وما كان فيه من باطل تَجنَّبه، وفرّ منه فرارك من الأسد، وحذِّرْ غيرك منه.

* هل تجوز مخاطبة الجنّ المسلم؟ الجواب: لا تجوز. ما الذي يدريك أنّه مسلم؟ قد يكون منافقاً ويقول أنا مسلم. أو يكون كافراً ويقول أنا مسلم، جنّي ما تعرفه وأنت لا تعلم الغيب. فلا يجوز، بارك الله فيك.

لو كان إنسان أمامك ويدَّعي الإسلام، قد تأخذ بظاهره، تراه أمامك يُصلِّي و ... ثُمَّ أنت لا تعرفه، لكن جنّ دخل في إنسان ويقول لك: أنا مسلم، وقد يكون فاجراً! فليس هناك داعٍ للتكلّف، فما الذي كلَّفك- يا أخي-؟! هناك مستشفيات مفتوحة، وإذا صبر المريض يُثيبه الله عزَّ وجل.

النبي (ص) يأتيه الأعمى ويطلب منه أنْ يدعو له بالشفاء، فيقول له: (إنْ شئتَ، دعوتُ لك، وإنْ شئتَ، صبرتَ)، وتأتيه الجارية تقول: يا رسول الله، إنِّي أُصرَع، فادْعُ الله لي، فيقول لها: (إن شئتِ، دعوتُ لكِ، وإن شئتِ، صبرتِ، ولكِ الجنّة). فليس هناك هذا التكلّف.

أأنت أرحم مِن رسول الله (ص)؟!

الله يبتلي العباد بالأمراض، يبتليهم ف- (ما مِن شي ء يصيب المؤمنَ، مِن نَصَبٍ، ولا حزنٍ، ولا وَصَبٍ، حتّى الهمّ يَهمُّه؛ إلّا يكفِّرُ الله به عنه سيّئاته).

فالمؤمن مُعرَّض للأمراض، ويُثاب إنْ صبَر: (وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) [مثل هذه الأمراض] (قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (1)

والرسول (عليه الصلاة والسلام) يقول في السبعين الذين يدخلون الجنّة:


1- البقرة: 156 155.

ص155

(لايَسترقون ولا يكتَوون، وعلى ربِّهم يتوكّلون)، لا يطلب الرقية مِن أحد، وهذا الذي ذهب يطلب الرقية وكذا؛ نقص في إيمانه، ونقص توكّله على الله عزّوجل.

علِّمه وقل له: اصبر، لا تطلب الرقية، والجأ إلى الله، وادْعُ الله عز وجل؛ لأنَّ الرقية من نوع السؤال، لهذا فهي تؤثِّر على موضوع التوكّل على الله عزَّ وجل، ولهذا قال (ص): (لا يَسترقون)، يعني: لا يطلبون الرقية؛ لأنَّ الرقية سؤال ينقص من إيمانه وينقص من توكّله.

فالمؤمن يُبتلى في هذه الحياة بالأمراض والنكبات والمصائب؛ ليرفع الله درجاته إنْ صبر: (إنَّ اللهَ إذا أحَبَّ قومًا ابتلاهم، فمَن صبر، فله الصبرُ ومَن جزع، فله الجزع).

فالمؤمن- أولًا-: عليه أنْ يصبر على قضاء الله، وإذا ارتفع أكثر إلى درجة الرضا بقضاء الله عز وجل؛ فهذا أعلى المراتب في الإيمان- إن شاء الله- فالصبر واجب والجزع حرام، فلا يُجزَع على أقدار الله سبحانه وتعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا) (1). وإذا أراد الله أنْ لا تُشفى؛ لا تنفعك رقية ولا غيرها؛ إذ كلّ شي ء بإرادة الله ومشيئته سبحانه وتعالى، فالمؤمن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى، وعليه أنْ يُؤمن بقضاء الله وقدره، ويصبر على ذلك- بارك الله فيك- وإذا أنْ يرتقي إلى درجة الرضا، فهذا أمر مطلوب.

وإذا أحبَّ- مثلًا- أنْ يتداوى؛ يتداوى، وإذا استرقى، فلا نقول إنَّ ذلك حرام، لكنَّه مكروه ويُنقص من درجته.

وأمَّا الذي يتصدّى للرقية، ويعمل لنفسه شهرة، بل بعضهم ينشرون في الصحف، وبعضهم يُنشؤون مكاتب! هؤلاء نصّابون والله، ويُتَّهم مَن ينصب نفسه للرقية في دينه، فما الذي يحمله على هذا؟!


1- التوبة: 51.

ص156

أنتَ- يا أخي- واحد من سائر المسلمين، فما هي الخصوصية التي عندك؟! فيهم أتقى منك وأفضل منك وأعلم منك .. فمن أين جاءتك هذه الخصوصية؟!

ثُمَّ لا تكتفي بالرقية الشرعية، وتذهب إلى أشياء تخترعها!!

* هل يكون الخروج على وُلاة الأمر بالكلام، أو لا بدّ من الخروج عليهم بالسيف؟ الجواب: بداية الخروج بالكلام؛ الكلام في تهييج الناس وتثويرهم وشحنهم، وإلقاء البغضاء بين الناس؛ وهذه فتنة قد تكون أشدّ من السيف، ما يكون السيف إلَّا تعبيراً عمّا في النفوس.

ولهذا يُعدّ عبد الله بن إباض- رئيس الإباضية من القعدة- من الخوارج، يعني يحرّك الناس بالكلام، وفرقة سمّوها: (القعدية)، وهم من الخوارج؛ إذ يحرّكون الناس بالكلام.

هو بَيّن، قال: (رحمة لهم)، حتّى لو كان رحمة، فالرحمة لا تمنع من أنْ تُعطي الظالم حقّه. هو كان يريد أنْ يخرجوا من الإسلام، وما كان يريد أنْ يقتلو، وما يريد أنْ يكون هذا مصيره. أدركته الرحمة، لكن قال فيهم كلمة الحقِّ التي يستحقّونها؛ يعني ما بكى بُكاء التماسيح سياسةً، ولا مثل بكاء الروافض، بل بكى بكاء رجل صادق مخلص، رحمهم فعلًا. لكن هذه الرحمة وهذه العاطفة لا تمنعه من أنْ يقول الحقّ.

* ذكرُ محاسن أهل البِدع لا دليل عليه، نرجو توضيح ذلك؟ الجواب: ليس هناك دليل على ذكر محاسن أهل البدع، نحن بيَّنّا ذلك في أشرطة (الردّ المنصور)، وسقنا آيات كثيرة من سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة المائدة، ومن سورة النساء؛ على بيان منهج القرآن في نقد أهل الباطل، وأنّه يذكر مساوئهم فقط.

أهل منهج الموازنات يحتجّون بآيات نزلت في الكفار، وحديث جاء في الشيطان، ويستدلّون به على منهج الموازنات، فاليهود والنصارى والمجوس والوثنيّون، كلّهم

ص157

يدخلون دخولًا أوّلياً على مذهبهم، إنّا إذا ذكّرنا أحداً منهم، فلا نقتصر على ذكر مساوئه، بل يجب أنْ نبحث عن محاسنه.

تكلَّم عن (كلنتُن) وتكلّم عن رئيس اليهود- ما أدري اسمه-، لا يجوز إلّا أنْ تبحث وتفتّش في ملفاته وتأريخه، وتجمع حسناته وسيّئاته، وتضع ميزانك وتزن!

و (ماركس) و (لِينِين) وأمثالهم من الضلال كالخميني وأمثاله، لا يجوز أنْ تتكلّم أبداً إلّا بعد أنْ تبحث عن محاسنه وتزن؛ حتّى تعتدل الكفّتان.

يعني منهج الموازنات باطل؛ لأنّه لا يعرف الحسنات والسيّئات إلّا الله عزّ وجلّ، إذ يُمكن أنْ يظهر قدّامك بحسنات، وفي الباطن يفعل أشياء كثيرة من القبائح. فأنت ليس لك إلّا الظاهر، فلو رأيته ينشر شرّاً؛ بيِّن هذا الشرّ حتّى يحذره الناس، فإنْ تراه يسرق، قل والله سرق، لا تقل: والله إمام مصلي و .. إلى آخره، وتذكر حسناته، وبعد ذلك تقول له: والله سرق؛ تُريد أنْ تُسقط الحدّ عنه، لا (وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (1). انظر، المسلم سمّاه الله بالسارق رأساً. ما قال: (المسلم السارق)، قال: (وَ السَّارِقُ) فقط، وما ذكرَ الإسلام. (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما). وهذا هو حكمه. و (الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما ...) (2) وهم مسلمون، فلو كانوا كفاراً نقتلهم ما نجلدهم: (الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ).

المبتدع الضالّ بيَّن بدعته، ولا تأخذك به رحمة إنْ كنت من المؤمنين. عرفتم؟!

انظر هذا الذي بكى رحمة بهم، وقال فيهم: (كلاب النار .. كلاب النار)، وساق فيهم هذا الكلام، وما أخذته الرأفة.

هذا الموازن ما فهم القرآن، مثل الخوارج تماماً، الآن كتبنا ثلاثة/ أربعة كتب في بيان منهج النقد، وتدمير منهج الموازنات، ولا يزالون مُتشبِّثون به!


1- المائدة: 38.
2- النور: 2.

ص158

يا أخي، ندعو الآن النصارى يدخلون الإسلام بسهولة، والباطنية أيضاً من الروافض، والله في ... يقول: الآن مُقبلين على السنَّة بسهولة، وهؤلاء تكتب مجلّدات في بيان أباطيلهم، وما يرجعون؛ هوى .. هوى جامح.

* مَن هم العلماء الباقون بعد موت العلماء؟ ابن باز، والألباني، وابن عثيمين؟ الجواب: الباقون كثير والحمد لله. مات رسول الله (ص) وبقي بعده أصحابه الكرام، ومات أحمد بن حنبل وبقي بعده أصحابه، ومات ابن تيمية وبقي أصحابه، و مات ابن عبد الوهاب وبقي أصحابه، ومات هؤلاء و بقي- إنْ شاء الله- تلاميذهم وإخوانهم، والحقّ لا يضيع. فعمر لمّا طُعن أوصى وقال: «إنّ الله لا يضيّع، أستخلف، قال: إنّ الله لايضيّع دينه».

فالله لا يضيّع هذا الدين أبداً. عليكم أنْ تشمِّروا عن ساعد الجدّ، ورفع راية السنّة وراية الحقّ: (ولا تزال طائفة على الحقِّ ظاهرين لا يضرّهم مَن خذلهم ولا مَن خالفهم، حتّى يأتي وعد الله).

والله ما مات العلم، وما مات العلماء؛ الحمد لله، هيئة كبار العلماء فيهم الخير وفيهم البركة، وإخواننا في الشام، وإخواننا في اليمن، والدنيا مليئة بطلّاب العلم الكبار، الذين يسدّون هذه الثغرة والحمد لله. فلا يستبشر أهل الباطل ولا يفرحون.

وأنا قرأت عنوان (إلى الجحيم يا ابن عثيمين)! هؤلاء لا يبعد أنْ يكونوا زنادقة ينتمون إلى الإسلام. أابن عثيمين إلى الجحيم؟! وتجزم أنَّه إلى الجحيم؟! ما شاء الله .. الذي يسبّ أصحاب محمد (ص) شهيد؟! الذي يسبّ أصحاب محمد (ص) ويسبّ الأنبياء، ويعبث بالقرآن، وإمام في الضلالات .. شهيد عندك؟! وابن عثيمين إلى الجحيم؟! أيّ ضلال، وأيّ ضياع فيه هؤلاء؟!

هو والذين وراءه، كلّهم إلى الجحيم، ومَن قال (الناس هَلَكوا)، فهو أهلكهم، وهو أشدّهم هلاكاً، سواء قال «أهلَكَهم» فهو مأثوم بهذا الإهلاك، أو «أهلَكُهم» بصيغة التفضيل، هو أشدّهم هلاكاً.

ص159

هؤلاء عميان، أعمى الله بصائرهم والعياذ بالله، فنعوذ بالله من العَمى.

* ما حكم تعزية الكفّار؟ وهل نقول: إنّنا نحن المسلمون نحترم كافّة البشر والنفس البشرية، بدليل أنّ النبي (ص) لمّا مرّت به جنازة، قام لها احتراماً، فقيل: إنّه يهودي يا رسول الله، فقال: (أليست نفساً؟). فهل صحّ هذا الحديث؟ وكيف نفهمه؟ الجواب: الحديث صحيح، لكنّه منسوخ، كما روى عليّ أنَّ رسول الله (عليه الصلاة والسلام) قام للجنازة وجلس، فالذي يتعلّق بهذا الحديث تعلّق بمنسوخ، ولا يجوز التعلّق بالمنسوخات.

والتعزية للكفّار أظنّ- والله أعلم- أنّ بعض الفقهاء يُجيزها، ويحتاج إلى دراسة؛ على أيّ أساس يجيزون تعزية الكفار، وهل الرسول (عليه الصلاة والسلام) كان يعزّي اليهود إذا مات منهم ميّت؟

وقد كان غلام يهودي يخدم النبي (ص) فمرض، فأتاه النبي (ص) يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلِم. فنظر إلى أبيه، وهو عنده، فقال: أطِعْ أبا القاسم، فأسلم. فخرج النبي (ص) وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه من النار) رواه البخاري.

وأذكر في دراستي القديمة أنَّ بعض الفقهاء يُجيز هذا، ولا أدري أين، فراجعوا بارك الله فيكم. فيُمكن أن يكون في المسألة خلاف أو ترجيحات وكذا، فتحتاج إلى دراسة.

والناس الآن في وقت دعايات، يعني أنَّ كثيراً من المسلمين عندهم استجابة لمطالب الغرب، وخضوع لِما يُمليه الغرب على المسلمين؛ فإنّ هناك دعوة قوية الآن إلى وحدة الأديان، والوسيلة إليها ما يسمّونه حوار الأديان. حاوره، فإن أقنعك بدينه فامشِ معه، وأنت لا تحرص على قناعته ليدخل في دين الإسلام!

ويترأس المؤسّسات في الغرب مؤسّسات في أمريكا وغيرها، ودُعاة ومبشّرين، يكيدون للإسلام، ويضحكون على المسلمين بالحوار بين الأديان.

وترى بعض الماكرين منهم يمدح الإسلام، ويُبرِّئ أهله من الإرهاب، ويدافع عن

ص160

الإسلام بطريقة ماكرة، وفي نفس الوقت يدعو إلى وحدة الأديان، ويفضِّل النصرانية على الإسلام، ومنهم هذا البابا، الذي يبكي عليه العالم، من أمكر الناس؛ هذا سياسي داعية، يمشي مع اليهود ومع النصارى والمسلمين، ويضحك على الناس.

انظروا كيف ضجَّت الدنيا من أجله! نعوذ بالله. هذا يدلّ على تخلّف المسلمين وانحطاطهم في هذا العهد، بسبب هؤلاء الكتاب العلمانيّين والليبراليين، ودُعاة الفتن، والعياذ بالله.

يموت ابن باز، ويموت أئمّة الإسلام، ولا يحصل عشر معشار ما حصل لهذا الكافر الضالّ اللعّاب، الذي يلعب على عقول المسلمين.

ثُمَّ راجعت المسألة في المقنع (1/ 290) في المذهب الحنبلي، فوجدت فيه القول بتعزية الكافر وذكر صيغتها؛ قال: «وفي تعزيته (أي: الكافر) عن كافر: (خلف الله عليك، ولا نقص عددك)»، ولم يذكر دليلًا على ذلك، وسكت عنه المُحشّي. وراجعنا البيان في المذهب الشافعي، فذكر تعزية الكافر للكافر، ولم يذكر دليلًا يخصّ الكافر!

* جماعة الإخوان المسلمين والتبليغ، من أيِّ أصول البدع الأربع التي افترقت عن جماعة المسلمين؟ الجواب: جماعة التبليغ والإخوان يدخلون في كثير من الفرق، يدخلون في التجهّم، ويدخلون في بعض الاعتزاليات والعقلانيات، ويدخلون في فرق الصوفية، التي فيها حلول وفيها وحدة الوجود، وفيها قبورية؛ فتراهم يقمّشون ويجمّعون من كلّ النحل والعياذ بالله، وهم يجمعون ولا يردّون أحداً؛ يأتيهم رافضي، صوفي غال، أيّ شكل من الأشكال .. فيقبلونه؛ لأنّها دعوات سياسية، وإنْ أخذت التبليغ وطابع الدروشة والمسكنة، فإنّها دعوة سياسية. وأمّا الإخوان، فيصرّحون بأنّ دعوتهم سياسية.

* ما حكم قول: (عليٌّ كرَّم الله وجهه)؟ الجواب: كرّم الله وجهه لا ينبغي أنْ يقولها السنّي؛ إذ لا يُخصّ عليّاً بدعاءٍ يختلف عن الدعاء للصحابة، فيُقال في عليٍّ كما يقال في أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم:

ص161

(رضي الله عنهم)، لا نميّزه عن غيره بأيّ صيغة من الصيغ.

ولعلّ هذا من دسّ الروافض والشيعة، ويُخدَع به أهل السنَّة.

كذلك قول: (عليّ عليه السلام)، فهذا من الأخطاء.

لماذا نميّزه؟ أبو بكر وعمر أفضل منه، ولو كان هناك تمييز؛ لميَّزنا هؤلاء. لكن نجعل الصيغة للصحابة جميعاً (رضي الله عنهم)، وهذا الذي درج عليه أهل السنّة.

* ما حُكم عوامّ الروافض، وكيف نتعامل معهم؟ الجواب: أظنُّ أنَّ السائل يفرِّق بين العوام وبين غير العوام، وهذه خطوة جيّدة.

العوام الذين لا يطعنون في زوجات رسول الله (ص)، ولا يكفِّرون الصحابة، ولايعتقدون في القرآن أنَّه محرَّف، وعندهم شي ء من الرفض وشي ء من البُغض للصحابة، دون تكفيرهم وما شاكل ذلك؛ فهؤلاء ضالّون مبتدعون، لا نُكفِّرهم.

ومَن كان يشارك ملاحدتهم في تكفير أصحاب محمد (عليه الصلاة والسلام)، وفي الطعن في زوجات رسول الله (ص)، وفي العقيدة الخبيثة في أنَّ القرآن مُحرَّف، وزِيد فيه ونَقُص؛ فهذا كافر، مثل كفّار اليهود وكفّار النصارى والكفّار غيرهم، لا فرق بين عوامّهم وعلمائهم.

والتعامل معهم، إنْ كان في أمور الدنيا، مثل التجارة وما شاكل ذلك؛ فيجوز التعامل مع اليهودي والنصراني والرافضي. أمّا التعاون في أمور الدِّين، فلا، أبداً؛ لأنَّه تعاون على الإثمِ والعدوان.

ص: 162

فتاوى عن الكتب أسئلة وجهت إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

ص163

* ما هو أفضل كتاب يبحث في التوحيد والعقائد الإسلامية؟ الجواب: أعظم كتاب وأفضل كتاب يوضّح العقيدة الصحيحة هو كتاب الله عزّوجل، ثُم أحاديث رسول الله (ص). ومن أحسن الكتب في ذلك: كتاب (فتح المجيد)، وكتاب (العقيدة الواسطية)، وكتاب (العُلوّ للعليّ الغفّار)، وكتاب (التوسّل والوسيلة)، وكتاب (مختصر الصواعق المُرسلة)، وكتاب (تطهير الاعتقاد وشرح الطحاوية).

* وجدت في كتاب (شفاء السقام في زيارة خير الأنام) لتقي الدين السبكي الشافعي، في باب التوسّل والاستغاثة والتشفّع بالنبي؛ خلافاً وأحاديث تدعو إلى الاستفهام. أفيدونا عن هذا الكتاب، وبالأخص باب التوسّل؟

الجواب: الشيخ تقي الدين السبكي ممَّن غلَو في ذلك، وقد ردَّ عليه الشيخ محمد بن عبد الهادي في كتابه (الصارم المنكي في الردّ على السبكي)، وابن تيمية في كتابه (التوسل والوسيلة)؛ ففيه قوّة في إثبات الحقّ، وقوّة في الردّ على الباطل، مع الأدلّة ووضوح العبارة.

ص164

* هل يجوز لنا أنْ ندرس كتب العلوم الدينية التي تصدر في إيران؟ الجواب: ما ذكرت من قراءة الكتب الدينية الإيرانية، فإنّنا ننصحك بتركها؛ لما فيها غالباً من البدع والشرك، وننصحك بقراءة كُتب التوحيد، مثل: كتاب (فتح المجيد)، وكتب ابن تيمية، ومن أنفعها: (العقيدة الواسطية)، وكتب تلميذه ابن القيم، ونحذّرك من كتب أهل البدع، كالشيعة وغيرهم.

* هل يُعذر بالجهل مَن عنده المَقدرة على التعلّم ولم يتعلَّم؟ الجواب: لا يُعذَر بالجهل مَن عنده المقدرة على تعلّم ما هو واجب عليه من ضروريات الدين، ولم يتعلّم.

* ما رأيكم في كتابَي (منهاج السنّة) و (شرح حديث النزول) لابن تيمية؟ الجواب: هذان الكتابان من خير الكتب، علماً واستدلالًا وحُسن بيان، وقوّة في ردِّ الباطل ونُصرة الحقّ، وسلامة في العقيدة. ولا يوجد كتاب في الردِّ على الرافضة- فيما نعلم- مثل (منهاج السنّة)، ولا كتاب في شرح حديث النزول أكمل من كتابه.

* هل كتاب (صفوة التفاسير) للصابوني يعتبَر مرجعاً مهمَّاً في تفسير القرآن؟ الجواب: لا يصلح مرجعاً؛ لما فيه من المآخذ، التي بيّنها مَن نقده من العلماء.

* ما حكم القراءة في كتاب (دلائل الخيرات) لمحمد بن سليمان الجزولي، والمشتمل على أوراد وأحزاب يومية تتضمَّن التوسّل بالنبي (ص) وطلب الشفاعة منه؟ الجواب: إذا كان الواقع ما ذكرت، من اشتمال أوراد وأحزاب هذا الكتاب على التوسّل بالنبي، والاستشفاع به إلى الله تعالى في قضاء حاجته؛ فلا تجوز القراءة فيه؛ لما يشتمل عليه من الأمور المبتدعة والشركية.

* ما هي الكتب التي يجب على المرأة أنْ تطالعها؟ الجواب: الكتاب والسنَّة، ثُمَّ كتب العقيدة، مثل: (ثلاثة أُصول) و (القواعد الأربع) و (التوحيد) و (كشف الشبهات)، وهي لمحمد بن عبد الوهاب، و (فتح المجيد) لحفيده عبد الرحمن بن حسن، والكتب التي تختصّ بأحكام النساء.

ص165

* وسُئل ابن عثيمين: ما هي الكتب التي تنصح بها المبتدئ؟ الجواب: من أحسن ما يكون في العقيدة: كتاب (العقيدة الواسطية)، وكتاب (عقيدة السفاريني)، وهي منظومة وفيها بعض الإطلاقات التي تُخالف بظاهرها مذهب السلَف، كقوله:

وليس ربّنا بجوهر ولا عرض ولا جسم تعالى في العلى وسُئل الفوزان: ما هي أفضل الكتب وأسهلها التي أُلِّفت في العقيدة؟

الجواب: الكتب التي أُلِّفت في بيان العقيدة الصحيحة كثيرة، منها المختصر ومنها المطوّل؛ ومن أخصرها وأسهلها رسالة (ثلاثة أصول) ورسالة (كشف الشبهات) وكتاب (التوحيد)، وكلّها لمحمد بن عبد الوهاب، وشروح كتاب التوحيد.

ومن الكتب السهلة المختصرة: (العقيدة الواسطية) و (شرح الطحاوية) و (مجموع رسائل وفتاوى علماء نجد)، المُسمّى ب- (الدُرر السنيّة) وكتاب (إغاثة اللهفان) لابن القيم، و (المنظومة النونية) و (الصواعق المُرسلة على الجهمية والمعطلة) له أيضاً.

* وسُئل ما هو رأيك في تفسير الجلالين؟ الجواب: هو تفسير مختصر جدّاً، لكن من المعلوم أنَّ كلا المفسّرَين على عقيدة الأشاعرة، وهما يؤوّلان آيات الصفات كما هو مذهب الأشاعرة، ومن هذه الناحية، يجب الحذر في الاعتماد على تفسيرهما في آيات الصفات.

* وسُئل ما هو التفسير الذي تنصح بقراءته؟ الجواب: الذي أنصح به إخواني هو: تفسير ابن كثير؛ فإنَّه من أعظم التفاسير وأحسنها.

* وسُئل ابن جبرين: ما الكتب التي تنصحون بها مَن سلك طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

وكان الجواب: (الأحكام السلطانية) للقاضي أبي يعلي، و (السياسة الشرعية والحسبة) لابن تيمية.

ص166

* وسُئل: ما هو حكم الدين في كتاب (فدك) لمحمد باقر الصدر؟ وكان الجواب: يعتقد الرافضة أنَّ النبي يورِّث كغيره من البشر، وأنَّ أبا بكر ظلم فاطمة ومنعها من إرثها، وتبعه عمر على ذلك، وأنَّ الملك المسمَّى ب- (فدك)، قرب المدينة، كان ملكها فتصرَّفا فيه. فصاحب هذا الكتاب رافضي، خبيث المعتقد، يجب الحذر منه ومن كذبه وبُهتانه.

فتوى النجمي في سيّد قطب والمالكي

ص167

قرأت كتاب: (دحر افتراءات أهل الزيغ والارتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب)، فألفيته كتاباً عظيماً؛ لعظمة موضوعه، وهو الدفاع عن التوحيد وأهل التوحيد، ودُعاة التوحيد وحماة التوحيد، والوقوف في وجوه أعداء الدين ومُروّجي الضلالة، الحاقدين على التوحيد وأهله، من صنائع الرفض والتصوّف، ودُعاة الزيغ والضلال، الذين يريدون أنْ يظهروا أعظم دُعاة التوحيد الذي أحيا الله به أُمَماً لايحصون، فعادت بلاد نجد إلى الدين الحق، كأنَّها في عصر الخلفاء الراشدين.

فأراد هذا- المالكي- الماكر الخبيث أنْ يلصق به النحلة الخارجية التكفيرية، التي انتشرت في هذا العصر بواسطة كتب سيّد قطب، واقتنع بهذه الفكرة أقوام لا يحصون، من إخوانيّة وسرورية، وقطبية، وجهاد، وغيرهم، ثُمَّ نشروها زاعمين أنَّها هي الحق، فجاء هذا المالكي ليلصقها بالشيخ محمد بن عبد الوهاب، ظلماً وعدواناً، وزوراً وبهتاناً، فتصدَّى له الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، الذي مارس هذه المَعامع من زمن طويل، جهاداً في سبيل الله، ودحراً لأعداء الله، وبياناً لما انطوى عليه هؤلاء المبتدعة من ضلال زعموه هدىً، وغواية زعموها رشداً، فهنيئاً له ما قام به من جهاد لصالح

ص168

الإسلام، دافع به عن السنَّة المطهّرة، فجزاه الله خيراً وبارك فيه، وأسأل الله أنْ يثبّتنا وإيّاه على الحقّ.

فلقد بيَّن ضلالات سيّد قطب، وانحرافات عبد الرحمن بن عبد الخالق، وغُلو الحدادية، ووقف للخوارج الجُدد، أصحاب النِحلة التكفيرية؛ موقف الناقد الخبير، والموجّه البصير؛ فبيَّن ما هم عليه من غواية وضلال، ثُمَّ تصدّى لأبي الحسن المصري، ثُمَّ المأربي، فبيَّن شطحاته وتلبيساته، وأخيراً بيَّن تمويهات المالكي ومكره، ودجله وخداعه، الذي خدم به أهل الرفض الحاقدين، وأهل التصوّف المارقين.

ولقد أغرق المالكي في الكذب والافتراء على شيخ الإسلام، محمد بن عبدالوهاب، الذي أحيا الله عزّ وجل به وبدعوته أُمماً لا يحصون؛ واتَّهمه بأنَّه تكفيري، وزعم بأنَّ التكفيريّين المعاصرين، الذين أخذوا النِحلة التكفيرية من كتب سيّد قطب- وإليك نموذجاً من تلك النماذج التي ذكرها في كُتبه- تدلّ صراحةً أنَّ أُمّة محمد (ص) ارتدَّت عن الإسلام كلّها! فمن ذلك ما قاله في مقدّمة تفسير سورة الحجر، في المجلد الرابع من الظلال، (ص: 2122)، قال: «إنَّه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة، ولا مجتمع مسلم، قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي».

ولهذا النموذج نظائر كثيرة في كتبه، أخذ منها أصحاب المناهج المنحرفة عقيدتهم التكفيرية، ومع ذلك يقول هذا الظالم المُفتري: إنَّ أصحاب المناهج التكفيرية في عصرنا الحاضر، إنّما أخذوا نِحلتهم التكفيرية من الشيخ محمّد بن عبد الوهاب!

يا لها من فِرية ما أعظمها.

ولقد تصدَّى له الشيخ ربيع، فبيَّن تلبيساته الساقطة، وافتراءاته الماكرة. علماً بأنَّ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب إنّما كفَّر المشركين الذين بقوا على الشرك الأكبر بعد إقامة الحجّة عليهم، وأنَّ هذا المُلبس يتبيَّن أنَّ في قلبه حقد على التوحيد وأهله ودُعاته، لا سيما هذا الإمام العظيم، الذي جاهد جهاداً مريراً لنشر التوحيد، وألَّف

ص169

الكتب في ذلك. فجزى الله الشيخ ربيع خير الجزاء، وبارك فيه وفي دعوته وجهاده، وجعلنا وإيّاه من الذابّين عن الشريعة الغراء، كلٌ بقدر استطاعته، وعلى حسب حاله، وصلَّى الله على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه.

كتبه: أحمد بن يحي النجمي

4/ 8/ 1423 ه-.

ص170

مراجع الكتاب

ص171

1. أضواء إسلامية على عقيدة سيّد قطب، ربيع هادي المدخلي، طبعة الرياض.

2. أقوال أهل العلم في جماعة التبليغ، ربيع هادي المدخلي، طبعة الرياض.

3. الألباني شذوذه وأخطاؤه، أرشد السلفي، نشر دار الفقه والحديث، عمان- الأردن، الطبعة الثانية، 1984 م.

4. الانتصار للصحابة الأخيار، عبد المحسن العبّاد، طبعة الرياض.

5. البشارة والإتحاف بما بين ابن تيمية والألباني في العقيدة من الخلاف، حسن السقاف، نشر دار النووي، عمان- الأردن، الطبعة الأُولى 1992 م.

6. تاريخ آل سعود، ناصر السعيد، طبعة بيروت.

7. تاريخ الجزيرة العربية، حسين خزعل، طبعة بيروت.

8. التحذير من تعظيم الآثار، عبد المحسن العبّاد، طبعة الرياض.

9. الحثُّ على اتّباع السنّة والتحذير من البدعة، عبد المحسن العبّاد، طبعة الرياض.

10. حقيقة الدعوة إلى الله وما اختصّت به جزيرة العرب، طبعة الرياض (يُهدى ولا يُباع).

11. الدفاع عن الصحابي أبي بكرة، عبد المحسن العبّاد، طبعة الرياض.

12. الردُّ على الرفاعي والبوطي، عبد المحسن العبّاد، طبعة الرياض.

ص172

13. صالح بن عثيمين، عبد المحسن العبّاد، طبعة الرياض.

14. عبد العزيز بن باز، عبد المحسن العبّاد، طبعة الرياض.

15. عجائب الآثار (المسمَّى: تاريخ الجبرتي)، طبعة القاهرة.

16. العواصم ممَّا في كتب سيّد قطب من القواصم، ربيع هادي المدخلي، طبعة الرياض.

17. فتاوى اللجنة الدائمة، الجزء الأول والثاني، طبعة الرياض.

18. فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم، جمع وترتيب وتحقيق: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، طبعة الرياض.

19. فتح المجيد- شرح كتاب التوحيد، عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، طبعة الرياض.

20. فضل آل البيت وعُلوِّ مكانتهم، عبد المحسن العبّاد، طبعة الرياض.

21. كشف زيف التصوّف وبيان حقيقته، ربيع هادي المدخلي،

22. طبعة الرياض.

23. كشف موقف الشيخ الغزالي من السنَّة وأهلها، ربيع هادي المدخلي، طبعة الرياض.

24. مجموع فتاوى ابن عثيمين، طبعة الرياض.

25. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ابن باز، مكتبة ابن تيمية- القاهرة.

26. المحجَّة البيضاء في حماية السنَّة الغراء، ربيع هادي المدخلي، طبعة الرياض.

27. محمد بن عبد الوهاب- عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه، ابن باز، طبعة الرياض (يُهدى ولا يباع).

28. منهج أهل السنّة في نقد الرجال والكتب والطوائف، ربيع بن هادي المدخلي، طبعة القاهرة 2005 م.

ص173

29. منهج محمد بن عبد الوهاب في التأليف، عبد المحسن العبّاد، طبعة الرياض.

30. موقع ابن جبرين.

31. موقع اللجنة العلمية الدائمة للبحوث والإفتاء.

32. موقع صالح بن عبد العزيز آل الشيخ.

33. موقع عبد العزيز آل الشيخ.

34. نقض المنطق، ابن تيمية، طبعة الرياض.

ص174

ص175

ص176

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.