العمل الابقى في شرح العروة الوثقى

اشارة

نام كتاب: العمل الابقى في شرح العروة الوثقى موضوع: فقه استدلالى نويسنده: شبر، سيد على حسينى تاريخ وفات مؤلف: 1393 ه ق زبان: عربى قطع: وزيرى تعداد جلد: 2 ناشر: مطبعة النجف تاريخ نشر: 1383 ه ق نوبت چاپ: اول مكان چاپ: نجف اشرف- عراق

الجزء الأول

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

و الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على خير النبيين و سيد المرسلين و آله الغر الميامين الى قيام يوم الدين.

و بعد فيقول الفقير الجاني و الأسير الفاني الحقير الأحقر على بن محمد الحسيني الشبر انه لما كان الكتاب المسمى (بالعروة الوثقى) لآية اللّه العلامة السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي أعلى اللّه في الفردوس مقامه من أجل كتب الإمامية بيانا و أحسنها تبيانا و أجمعها للفروع الفقهية و أبينها للمسائل الشرعية و لكن حيث كان على نحو الرسائل المعمولة للفتوى و العمل و كان جل مسائله خالية عن الدليل أحببت بعد الاستخارة أن أشير في كل مسألة إلى دليلها و أوضح مدركها و سبيلها سالكا سبيل الإيجاز و الاختصار و سميته- بالعمل الأبقى- في شرح مسائل العروة الوثقى سائلا من اللّه تعالى الأمداد و المعونة فإنه خير المسؤلين و أجود المعطين.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 5

[التقليد]

[ (مسألة 1) يجب على كل مكلف في عباداته و معاملاته أن يكون مجتهدا أو مقلدا أو محتاطا]

(مسألة 1) يجب على كل مكلف (1) في عباداته و معاملاته أن يكون مجتهدا أو مقلدا أو محتاطا.

______________________________

قال قدس سره قوله (يجب على كل مكلف إلخ)

المراد به من وضع عليه القلم و هو البالغ العاقل فإنهما معتبران في جميع التكاليف للحديث النبوي المشهور بين الفريقين رواية و عملا: رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ و عن المجنون حتى يفيق و عن النائم حتى ينتبه، و يعلم بلوغه بأحد أمور ثلاثة أيها حصل أولا تحقق به البلوغ:

(أحدها) إنبات الشعر الخشن على العانة دون الخفيف المعبر عنه بالزغب النابت قبل الخشن ثم يزول، بل قيل عدم خلو المولود منه في جميع الأحيان حتى حين الولادة و الأقوى إلحاق اخضرار الشارب و

نبات اللحية بالعانة في الدلالة على البلوغ لذكره معها في أخبار متعددة و ذهب إليه جملة من فقهائنا، فيشكل ما ذكره في المسالك بعد ذكره سائر الشعور قال: لا عبرة بها عندنا إذ لم يثبت كون ذلك دليلا شرعا. إلخ و كذلك ما ذكره الشيخ في المبسوط في كتاب الحجر بقوله لا خلاف ان نبات اللحية لا يحكم بمجرده بالبلوغ الى آخر ما ذكره (قده) نعم لما كان الغالب تأخره عن البلوغ بكثير و مدارهم على ذكر العلامات النافعة عند الاشتباه لا حال معلومية البلوغ الحاصلة غالبا عند نباتها لم يتعرض له كثير منهم و هذا لا يقتضي عدم كونه علامة لو اتفق نادرا تقدمه على إنبات العانة بعد ما ذكر في عدة اخبار من أنه علامة و افتى به جملة من الأصحاب (و الدليل) على اعتبار هذه العلامة الأخبار المتلقاة بالقبول عند الأصحاب.

(منها) خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه (ع) في حديث بني قريظة ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عرضهم يومئذ على العانات فمن وجده أنبت قتله و من لم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 6

..........

______________________________

يجده أنبت ألحقه بالذراري.

و (منها) ما في خبر حمزة بن حمران عن ابى جعفر عليه السّلام من ان الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته، و غير ذلك من الأخبار المذكورة في مظانها.

(الثانية) من علامات البلوغ خروج المنى المعبر عنه في لسان الأخبار كما يأتي ذكرها بالاحتلام للقطع بعدم خصوصيته كما لا اعتبار في أن يكون منه الولد بل كفاية العلم بكونه منيا و

ان علم عدم تكون الولد منه و ذلك لإطلاق الأدلة، و ما وقع في بعض العبائر من التقييد به فإنما يراد به الكاشفية لا التقييدية و الاحترازية، و لذا عبر عنه بعضهم بالماء الذي يكون منه الولد و هي مفيدة لإخراج سائر المياه عدى المنى فالمراد به ما من شأنه ذلك و ان منع منه مانع، كما ان إطلاق الدليل لا يقتضي حصره في الخروج من الموضع المعتاد بعد العلم بأنه منى كما ذهب إليه ثاني الشهيدين في المسالك قال فيه: و انما اعتبار ذلك مع الإطلاق المذكور لوجوب حمل كلام الشارع على ما هو المتعارف المعهود خصوصا و في بعض الأدلة إذا بلغ النكاح و إنما يكون من المعتاد. إلخ و لا إشكال بالأخذ بإطلاق الدليل هذا مع العلم بان هذا الماء لا يتكون في غير البالغ فالمراد به الرمز الى بلوغه مبلغا يكون فيه هذا الاستعداد و تلك القابلية و لا دخل لخروج ذلك الماء من خرج مخصوص بل من أى موضع خرج فهو علامة للبلوغ. نعم حدثيته موقوفة على خروجه من الموضع المعتاد تعبدا بالنص و لا ملازمة بينهما، و الدليل على اعتبار هذه العلامة بعد الشهرة و الإجماع المدعى بل عدم الخلاف بين المسلمين الكتاب العزيز و السنة المتواترة المستفيضة فمن الأول قوله تعالى وَ إِذٰا بَلَغَ الْأَطْفٰالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 7

..........

______________________________

و قوله تعالى وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ و قوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّٰى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ* و الاحتلام هو خروج المنى بل بلوغ هذا الاستعداد الكاشف عنه خروج المنى كيف اتفق و من الثاني

(الصحيحان) لا تغطي المرأة شعرها عنه حتى يحتلم، و قوله (ع) انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام و هو أشده، و نحوه (المروي) عن الخصال متى يجوز أمر اليتيم؟ قال حتى يبلغ أشده قال و ما أشده؟ قال: احتلامه (و الخبر) عن الغلام متى يجب عليه الصوم و الصلاة؟ قال: إذا راهق الحلم (و منها) النبوي المتلقى بالقبول المتفق على روايته لدى المؤالف و المخالف رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم و عن المجنون حتى يفيق و عن النائم حتى ينتبه، الى غير ذلك من الأخبار التي يطول شرحها (و يشترك) في هاتين العلامتين الذكور و الإناث و ان لم يكن للعلامة الأولى فيهن ذكر في لسان الأخبار عموما و لا خصوصا و لكن حيث أن العادة قاضية بتأخر إنبات هذا الشعر عن العلامة الثالثة الآتية و هي بلوغ تسع سنين فيهن بكثير فلا فائدة مهمة بذكرها فيهن مع أنها أمارة طبيعية دالة على تحقق الإدراك و انما اعتبرها الشارع لذلك فلا يختلف من تحققت فيه ذكرا كان أو أنثى، هذا مع نقلهم الإجماع بل عدم الخلاف على الشركة و اما العلامة الثانية فقد نقل الإجماع على الاشتراك فيها أيضا مضافا الى عموم (و ابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح) المراد به تلك الشهوة و الاستعداد لخروج المنى بالقوة القريبة من الفعل و الى إطلاق قوله (ع) (لا يتم بعد احتلام).

(الثالثة) من علامات البلوغ السن و هو بلوغ خمس عشرة سنة للذكر و تسع للأنثى، و المراد ببلوغها إكمالها فيهما عملا بالاستصحاب و لان الداخل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 8

..........

______________________________

في السنة الأخيرة لا يسمى ابن خمس عشرة لغة و لا عرفا مع

ان ذلك هو المعروف بين الأصحاب عند من اعتبر الخمس عشرة، و الدليل على هذه العلامة بعد الشهرة و الإجماعات المحكية الأخبار الخاصة (منها) النبوي الآخران عبد اللّه بن عمر عرض عليه (ص) عام بدر و هو ابن ثلاث عشرة سنة فرده عليه، و عرض عليه (ص) عام أحد و هو ابن أربع عشرة سنة فرده و لم يره بالغا، و عرض عليه عام الخندق و هو ابن خمس عشرة سنة فأجازه في المقاتلة و هو مشهور رواه جماعة من أرباب المغازي و السير ممن يوثق بنقلهم (و منها) صحيح ابن محبوب قال سألت أبا جعفر عليه السّلام قلت له متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامة و تقام عليه و يؤخذ بها؟ فقال: إذا خرج عن اليتم و أدرك، قلت فلذلك حدّ يعرف؟ فقال: إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك الى ان قال قلت له فالجارية متى تجب عليها الحدود التامة تؤخذ بها و يؤخذ لها؟ قال: ان الجارية ليست مثل الغلام ان الجارية إذا تزوجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع إليها مالها الى أن قال عليه السّلام: و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك. انتهى، و هو صريح في المطلوب (و منها) حسن يزيد الكناسي أو صحيحه عن أبى جعفر عليه السّلام قال: الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم و زوجت و أقيم عليها الحدود التامة و لها، قال قلت الغلام إذا زوجه أبوه و دخل

بأهله و هو غير مدرك أ يقام عليه الحدود و هو على تلك الحال؟ قال فقال: اما الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا و لكن يجلد في الحدود كلها على مبلغ سنه فيؤخذ بذلك ما بينه و بين خمس عشرة سنة إلخ (و حسنه الآخر) أو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 9

..........

______________________________

صحيحه في حديث آخر قلت لأبي جعفر عليه السّلام أ يقام عليها الحدود و تؤخذ بها و هي في تلك الحال انما لها تسع سنين و لم تدرك مدرك النساء في الحيض؟

قال: نعم إذا دخلت على زوجها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع إليها مالها و أقيمت الحدود التامة عليها و لها، قلت و الغلام يجري في ذلك مجرى الجارية؟ فقال: يا أبا خالد ان الغلام إذا زوجه أبوه و لم يدرك كان الخيار له إذا أدرك و بلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك الى أن قال: فيؤخذ بذلك ما بينه و بين خمس عشرة سنة. الحديث، الى غير ذلك من الأحاديث، هذا و لا ينافي ما ذكرناه من الحد ما ورد من أن حدّ البلوغ الثلاث عشرة أو الأربع عشرة فإنهما محمولان على ما لو احتلم في أحد الحدين فإنه مظنة لذلك من العشر الى خمس عشرة أو على التضييق عليه في التمرين كما يشهد لذلك صراحة أخبار أخر (منها) المروي في المحكى عن الخصال بإسناده عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

يؤدب الصبي على الصوم فيما بين الخمس عشرة سنة الى ست عشرة سنة أي من ابتداء خمس عشرة سنة الى نهايتها و هو بلوغ ست عشرة سنة

الذي هو زمن البلوغ اعنى إكمال خمس عشرة كما تقدم تحقيقه، على انه لو لم يتم وجه للجمع بينها و لم يحمل بعضها على بعض و هي متنافية متضادة فلا ريب و لا شبهة ان أخبار الخمس عشرة منجبرة بالشهرة و الإجماعات المحكية فهي متعينة للأخذ بها، كما انه لا ينافيه ما ورد من ثبوت حكم البالغ لذي العشر في مواضع مخصوصة ورد بها النص و هو أعم من البلوغ، و العام لا يدل على الخاص بوجه، و أقصاه حمل أحكام خاصة بالبالغين على غيرهم فيعمل بها تعبدا ان تم دليلها، هذا و الاحتياط في العبادة عند بلوغ الثلاث عشرة أو الأربع عشرة لا ينبغي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 10

..........

______________________________

تركه لخبر أبي حمزة عن ابى جعفر عليه السّلام قلت له جعلت فداك كم تجري الأحكام على الصبيان؟ قال: في ثلاث عشرة أو أربع عشرة، قلت فإنه لم يحتلم فيها قال: و ان لم يحتلم فإن الأحكام تجري عليه. الحديث. و عموم أدلة التكليف و صحة توجه الخطاب الى المميزين عقلا لوجود شرطية العلم و القدرة خرج الأقل بالنص و الإجماع فيبقى ذو الثلاث عشرة أو الأربع عشرة مع أن نصوص الخمس عشرة محتملة لإرادة الأخذ فيها لا إكمالها، و أما اخبار الحمل و الحيض في الإناث فهي محمولة على كشفهما عن تحقيق البلوغ قبلهما لا تحققه بهما هذا حال الذكر و الأنثى.

(و اما الخنثى المشكل) فلما كان منحصرا في الذكورية أو الأنوثية و ليس بطبيعة ثالثة كما هو التحقيق و إنما اشتبه حكمه في الإلحاق بأحدهما من جهة اشتباه الموضوع فان نبت الشعر الخشن حول الفرجين أو خرج منيه منهما أو بلغ

سنه الخمس عشرة أو أمنى من فرج الذكر بعد مضى تسع سنين حكم ببلوغه على هذه التقادير بلا اشكال و لا خلاف في ذلك كله، و كذلك لو أمنى من فرج الذكر و حاض من فرج الأنثى مع العلم بأنه مني و حيض فإنه علامة للبلوغ و ان لم يعلم انه ذكر أو أنثى، و كذلك لو أمنى من أحد الفرجين بناءا على ما تقدم منا من عدم اعتبار المخرج المتعارف كما قربناه. (قال الشهيد قده) في المسالك: فمتى حصل له وصف من أوصاف البلوغ يتحقق فيهما اما لاشتراكه بينهما كالإنبات أو لإلحاق الآخر بطريق أولى كبلوغ خمس عشرة أو لكونه جامعا بين الوصفين على التقديرين كما لو امنى من الفرجين يحكم ببلوغه لأنه ان كان ذكرا فقد أمنى من فرجه المعتاد و ان كان أنثى فكذلك، و مثله ما لو امنى من فرج الذكر بعد مضى تسع سنين و ان كان الأمناء من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 11

..........

______________________________

الذكر لأنه ان كان أنثى فقد بلغ بالسن و ان كان ذكرا فقد أمنى في وقت إمكانه، أما لو أمنى من أحدهما خاصة فإنه لا يحكم ببلوغه لجواز كون ذلك الفرج زائدا فلا يكون معتادا، و مثله ما لو حاض من فرج النساء خاصة، هذا هو الذي اختاره أكثر العلماء، و لبعض العامة قول بان ذلك كاف في البلوغ لأن خروج المنى من فرج الذكر يحكم بكونه ذكرا كما يحكم به لو خرج البول منه خاصة، و كذلك القول في الحيض و المنى من فرج الأنثى، و لأن خروج منى الرجل من المرأة و الحيض و من الرجل مستحيل فكان دليلا على التعيين و

متى ثبت التعيين كان دليلا على البلوغ، و لأن خروجهما معا دليل على البلوغ فخروج أحدهما أولى لأن خروجهما يفضي الى معارضتهما و إسقاط دلالتهما إذ لا يتصور ان يجتمع حيض صحيح و منى رجل، و نفى في التذكرة البأس عن هذا القول و هو في محله، نعم لو صار ذلك معتادا قربت الدلالة، و أما حيضة من فرج الإناث و إمناؤه من فرج الذكر فدلالته على البلوغ واضحة لأنه اما ذكر فقد امنى و اما أنثى فقد حاضت، و للعامة قول بعدم ثبوت البلوغ بذلك لتعارض الخارجين و إسقاط كل واحد منهما الآخر، و لهذا لا يحكم و الحال هذه بالذكورة و لا بالأنوثية فيبطل دلالتهما كالبينتين إذا تعارضتا و هو وجه في المسألة، و في التذكرة الأقرب دلالتهما على البلوغ و هو كذلك. انتهى كلام المسالك.

قوله قده: (في عباداته و معاملاته) أراد بالثانية ما يعم الإيقاعات و الأحكام.

قوله قده: (ان يكون مجتهدا أو مقلدا أو محتاطا) و ذلك لبداهة انحصار طريق المكلف إلى معرفة أحكامه بأحد الثلاثة.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 12

[ (مسألة 2) الأقوى جواز العمل بالاحتياط]

(مسألة 2) الأقوى جواز العمل بالاحتياط مجتهدا كان أو لا (1). لكن يجب أن يكون عارفا بكيفية الاحتياط بالاجتهاد أو التقليد.

______________________________

قوله قده مسألة 2: (الأقوى جواز العمل بالاحتياط مجتهدا كان أولا. إلخ)

و ذلك لعدم اعتبار قصد الوجه من الوجوب و الندب و كفاية قصد القربة المطلقة فيما يعتبر فيه ذلك خلافا لبعضهم حيث اعتبرها فيما يمكن فيه ذلك اجتهادا أو تقليدا حتى حكى عن ابن إدريس (قده) انه أسقط وجوب الستر عند اشتباه الساتر الطاهر بالنجس و حكم بالصلاة عاريا محافظة على قصد الوجه الذي يفوت بالتكرار، و

الحق ما ذهب اليه المصنف (قده) لعدم مساعدة دليل على أكثر من إتيان الفعل للّه تعالى و هو المعبر عنه بالقربة المطلقة مثل قوله تعالى وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ و الإجماع على عدم سقوط الأمر العبادي إلا بإتيانه للّه تعالى لا أزيد من ذلك، هذا و الأحوط الاقتصار على طريقي الاجتهاد أو التقليد مع إمكانهما و عدم تخطيهما الى العمل بالاحتياط لما ذكره أستاذ اساتيذنا العلامة الأنصاري في رسائله في مبحث الاشتغال في خاتمة ما يعتبر في العمل بالأصل عند التكلم في اعتبار نية الوجه في العمل و عدمها الى أن قال (قده): إلا أن الأحوط عدم اكتفاء الجاهل عن الاجتهاد و التقليد بالاحتياط لشهرة القول بذلك بين الأصحاب، و نقل غير واحد اتفاق المتكلمين على وجوب إتيان الواجب و الندب لوجوبه أو ندبه أو لوجههما و المراد بوجه وجوبه و ندبه الإتيان به بقصد كون وجوبه أو استحبابه لطفا أو الإتيان به بقصد الشكر أو لأجل أمر الآمر أو المركب من جميعها أو من بعضها على اختلاف الآراء على ما ذكره في الروضة، و نقل السيد الرضى (قده) إجماع أصحابنا على بطلان صلاة من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 13

..........

______________________________

صلى صلاة لا يعلم أحكامها و تقرير أخيه الأجل علم الهدى (قده) له على ذلك في مسألة الجاهل بالقصر، بل يمكن أن يجعل هذان الاتفاقان المحكيان من أهل المنقول و المعقول المعتضدان بالشهرة العظيمة دليلا في المسألة فضلا عن كونهما منشأ للشك الملزم للاحتياط كما ذكرنا. انتهى. و أشار بقوله كما ذكرنا ما ذكره قبل ما نقلناه عنه بأسطر قليلة عند التكلم في اعتبارها نية الوجه في العمل

و عدمها قال (قده): نعم لو شك في اعتبارها و لم يقم دليل معتبر من شرع أو عرف حاكم بتحقق الإطاعة بدونها كان مقتضى الاحتياط اللازم الحكم بعدم الاكتفاء بعبادة الجاهل حتى على المختار من إجراء البراءة في الشك في الشرطية لأن هذا الشرط ليس على حد سائر الشروط المأخوذة في المأمور به الواقعة في حيز الأمر حتى إذا شك في تعلق الإلزام به من الشارع حكم العقل بقبح المؤاخذة المسببة عن تركه و النقل بكونه مرفوعا عن المكلف، بل هو على تقدير اعتباره شرط لتحقق الإطاعة و سقوط المأمور به و خروج المكلف عن العهدة، و من المعلوم ان مع الشك في ذلك لا بد من الاحتياط و إتيان المأمور به على وجه يقطع معه بالخروج عن العهدة، و بالجملة فحكم الشك في تحقق الإطاعة و الخروج عن العهدة بدون الشي ء غير حكم الشك في أن أمر المولى متعلق بنفس الفعل لا بشرط أو به بشرط كذا و المختار في الثاني البراءة و المتيقن في الأول الاحتياط الى آخر ما ذكره (قده) و إيضاح ما ذكره: هو الفرق بين شرائط المأمور به و شرائط امتثال الأمر و ان مجرى البراءة هو الأول دون الثاني، و أما الوجه في كون قصد الوجه من شرائط تحقق الإطاعة دون المأمور به، فان اتصاف المأمور به بالوجوب أو الاستحباب المستفاد من الأمر فرع استجماعه للأجزاء و الشرائط المعتبرة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 14

[ (مسألة 3) قد يكون الاحتياط في الفعل]

(مسألة 3) قد يكون الاحتياط في الفعل (1) كما إذا احتمل كون الفعل واجبا و كان قاطعاً بعدم حرمته، و قد يكون في الترك كما إذا احتمل حرمة فعل و كان قاطعاً

بعدم وجوبه، و قد يكون في الجمع بين أمرين مع التكرار كما إذا لم يعلم ان وظيفته القصر أو التمام.

[ (مسألة 4) الأقوى جواز الاحتياط]

(مسألة 4) الأقوى جواز الاحتياط (2) و لو كان مستلزما للتكرار و أمكن الاجتهاد أو التقليد.

______________________________

فيه، فاعتبار الأجزاء و الشرائط فيه مقدم على تعلق الأمر به، و قصد الوجه من الوجوب أو الاستحباب متأخر عن تعلق الأمر به كما هو واضح، فلو كان قصد الوجه من شرائط المأمور به لزم الدور الباطل، لأن اتصاف المأمور به بالوجوب أو الاستحباب المستفاد من الأمر متوقف على تقدم اعتبار جميع الأجزاء و الشرائط في المأمور به، و الفرض ان هذا الشرط متأخر في الوجود عن اتصافه بهما، فلو كان من شرائط المأمور به لزم تقدم الشي ء على نفسه و هو باطل.

قوله قده: (قد يكون الاحتياط في الفعل. إلخ)

الأمر كما ذكره من طرق الاحتياط إذ الظاهر انه لا يعتبر في العمل بالاحتياط أمر زائد على تحقق موضوعه و يكفي في موضوعه إحراز الواقع المشكوك فيه به و لو كان على خلافه دليل اجتهادي بالنسبة إليه.

قوله قده: (الأقوى جواز الاحتياط. إلخ)

و ذلك لتحقق الإطاعة فيما لو كرر قاصدا في ذلك وجه اللّه خلافا لبعضهم حيث إجازة إذا لم يستلزم التكرار كما في الأقل و الأكثر و منعه فيما إذا استلزم التكرار زعما منه انه يكون لاعبا بأمر المولى مع إمكان معرفة الواجب بعينه اجتهادا أو تقليدا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 15

[ (مسألة 5) في مسألة جواز الاحتياط يلزم أن يكون مجتهدا أو مقلدا]

(مسألة 5) في مسألة جواز الاحتياط (1) يلزم أن يكون مجتهدا أو مقلدا لأن المسألة خلافية.

______________________________

و مجمل القول فيه ان منشأ توهم ذلك البعض أحد أمرين، إما لتوقف صدق الإطاعة عقلا أو عرفا عليه، و اما لاحتمال دخله في غرض الشارع و حيث انه من القيود الطارئة على الأمر و الجائية من قبله لا يمكن أخذه

فيه، و كلما كان من هذا القبيل اى ما كان جائيا من قبل الأمر لا يمكن أخذه في متعلقة و هو المأمور به الأصل فيه الاحتياط، و فساد كلا الاحتمالين ظاهر: اما الأول فلوضوح انه لو اتى شخص بفعل من دون إعمال اى داع من الدواعي سوى أنه بداعي أنه مطلوب للمولى و محبوب لديه و موافق لغرضه و ان لم يعلم انه مطلوب بطلب حتمي أو ندبي يعد مطيعا لدى العقل و العقلاء و كذا لو أتى بفعلين مثلا بداعي أداء ما هو واجب في الواقع، و اما الثاني: فلعدم احتمال ذلك أولا: إذ لو كان كذلك لكان له أثر مع كثرة ابتلاء الناس بالعبادة و كيف يمكن أن يكون لهذا المعنى الذي لا يغفل عنه عامة المكلفين دخل في صحة عباداتهم و لا يوجد له أثر من سؤال أو جواب في كتاب أو سنة أصلا، و ثانيا: لا نجد فرقا بين القيود الممكن أخذها في المأمور به و بين غيرها في اعمال البراءة و الاحتياط فإن البراءة ان جرت في القيود و الشروط المشكوكة كما هو المختار تجري في كلا المقامين لان الميزان قبح العقاب بلا بيان و مستندا إلى أمر مجهول و إلا أي بان لا يكتفى في البيان بأصل الخطاب الموجود في البين فلا يختلف المقامان أيضا في لزوم الاحتياط و اللّه العالم هذا خلاصة ما ذكره بعض المحققين.

قوله قده: (في مسألة جواز الاحتياط. إلخ)

لما كانت هذه المسألة خلافية بين العلماء و لا يمكن فيها الاحتياط لدوران الأمر بين النقيضين فلا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 16

[ (مسألة 6) في الضروريات لا حاجة الى التقليد]

(مسألة 6) في الضروريات لا حاجة الى التقليد (1) كوجوب الصلاة و

الصوم و نحوهما و كذا في اليقينيات إذا حصل له اليقين و في غيرهما يجب التقليد ان لم يكن مجتهدا إذا لم يكن الاحتياط و ان أمكن تخير بينه و بين التقليد.

[ (مسألة 7) عمل العامي بلا تقليد]

(مسألة 7) عمل العامي بلا تقليد و لا احتياط باطل. (2)

[ (مسألة 8) التقليد هو الالتزام بالعمل بقول مجتهد معين]

(مسألة 8) التقليد هو الالتزام بالعمل (3) بقول مجتهد معين و ان لم يعمل بعد بل و لو لم يأخذ فتواه فإذا أخذ رسالته و التزم بالعمل بما فيها كفى في تحقق التقليد.

______________________________

مناص من التقليد فيها أو الاجتهاد، إلا أن يقال ان العمل بالاحتياط من الضروريات الحاكم بحسنه و كفايته عن الواقع العقل فلا يحتاج التقليد فيها و اللّه العالم.

قوله قده: (في الضروريات لا حاجة الى التقليد. إلخ)

و ذلك لانكشاف الحكم و تجلية لدى المكلف، و التقليد انما هو في المستور و المعمى و النسبة و الفارق بين الضروري و اليقيني هو العموم و الخصوص المطلق إذ كل ضروري يقيني و لا عكس.

قوله قده: (عمل العامي بلا تقليد و لا احتياط باطل)

في الإطلاق نظر بل ذلك فيما إذا لم يوافق الواقع أو كان عباديا و لم يتحقق منه قصد القربة.

قوله قده: (التقليد هو الالتزام بالعمل. إلخ)

لا يخفى ان التقليد عند علماء الأصول كالعضدي و صاحب المعالم و غيرهما و كذلك عند الفقهاء هو العمل بقول الغير من غير حجة، و المراد به تطبيق للعمل على قول الغير و رأيه من غير حجة فأخذوا في موضوعه العمل، حتى صرح بعضهم بعدم تحقق التقليد بأخذ الرسالة و الالتزام و عقد القلب على العمل بفتوى مجتهد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 17

[ (مسألة 9) الأقوى جواز البقاء على تقليد الميت]

(مسألة 9) الأقوى جواز البقاء (1) على تقليد الميت و لا يجوز تقليد الميت ابتداء.

______________________________

قبل العمل، فما ذهب اليه المصنف من تحقق التقليد بالأمور المذكورة و ان لم يعمل بعد خلاف المعروف عندهم كما يدلك عليه مراجعة كلماتهم، و لعله إنما ذهب إلى ذلك و اختاره لأنه يرى ان التقليد من الأمور الالتزامية القلبية

كالبيعة و نحوها لا من الأفعال الخارجية المتحققة بالعمل، أو ذلك للشبهة التي ذكرها صاحب الفصول (قده) بعد اختياره ان التقليد هو الالتزام، و هي ان العمل مسبوق بالعلم فلا يكون سابقا عليه، و لئلا يلزم الدور في العبادات من حيث ان وقوعها يتوقف على قصد القربة و هو يتوقف على العلم بكونها عبادة فلو توقف العلم بكونها عبادة على وقوعها كان دورا الى آخر ما ذكره، و لا يخفى ان دليل حجية الفتوى من عقل و نقل يقتضي كونها بمنزلة العلم و هي سابقة على العمل و كافية في الدخول فيه و حصول نية القربة معه فيندفع الإشكال بحذافيره و يتضح ان الالتزام المذكور مقدمة للتقليد لا انه عينه. و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 9: (الأقوى جواز البقاء. إلخ)

ذكر في هذه المسألة مسألتين (إحداهما) جواز البقاء على تقليد الميت. و (ثانيهما) عدم جواز تقليد الميت ابتداء و تنقيح الكلام في هذا المقام: هو ان المعروف من مذهب الأصحاب المنع فيهما معا، و حكى صاحب المعالم ان ظاهر الأصحاب الإطباق على عدم الجواز، و ذكر والده السعيد الشهيد أنه لا يعرف قائلًا بخلافه، و نسب بعضهم المنع إلى الأكثرين، و ذهب آخرون الى الجواز و منهم الفاضل التوني صاحب الوافية على تفصيل يأتي بيانه، و الفاضل الشارح

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 18

..........

______________________________

الصدر الشريف و المحدث الشريف نعمة اللّه الجزائري، ثم ان القائلين بالجواز منهم من أجاز ذلك مطلقا، و منهم المحقق الفريد القمي فإنه ممن ذهب في القوانين الى الجواز مطلقا، و منهم من فصل بين وجود الحي و عدمه فمنع في الأول مطلقا و أجاز في الثاني مطلقا و نسب ذلك

الى العلامة ركن الدين محمد بن على الجرجاني في شرح المبادئ مستدلا على ذلك بأنه أقوى الظنين فيتعين عليه الأخذ به، و منهم من فصل بين ما لو علم من حال المفتي انه لا يفتي في المسائل إلا بمنطوقات الأدلة و مدلولاتها الصريحة كابن بابويه و غيره من القدماء يجب تقليده حيا أو ميتا و لا تتفاوت حياته و موته في فتاويه، و أما من لا يعلم من حاله ذلك كمن يعمل باللوازم الغير البينة و الإفراد و الجزئيات الغير المبينة الاندراج فيشكل تقليده حيا كان أو ميتا و قد نسب هذا التفصيل الى الفاضل التوني صاحب الوافية، و منهم من فصل بين ما لو كان الأخذ حال الحياة فيجوز الاستمرار عليه بعد الممات و منع من التقليد الابتدائي للأموات و نسب ذلك الى علامة زمانه و نادرة أو انه الشيخ جعفر النجفي كاشف الغطاء و هو مختار المصنف (قده) و الظاهر ان حجته على ذلك في الأول الاستصحاب الموضوعي و الحكمي، و أما الحجة في الحكم الثاني و هو عدم جواز التقليد الابتدائي للأموات فهو إما لدعوى انصراف أدلة التقليد إلى الحي بناءا على ان رجوع العامي إلى المجتهد تعبدي بمقتضى النص و الدليل مثل قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ)* كما هو ظاهر السؤال. و مثل الخبر المروي في الاحتجاج عن تفسير العسكري عليه السّلام (من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه) و مثل قولهم (ع) لأبان بن تغلب (أفت) و مثل أمرهم (ع) بالرجوع إلى زرارة و يونس و أخذ معالم الدين

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 19

..........

______________________________

عنهم

و أمثال ذلك، و اما بناءا على كون رجوع العامي إلى المجتهد لا للتعبد في ذلك بل إما من باب الرجوع إلى أهل الخبرة المركوز ذلك في أذهان جميع العقلاء و يكون بعض ما ورد من الشارع في هذا الباب تقريرا لهم لا تأسيسا، فيقال: ان بناءهم انما هو على الرجوع الى الأحياء من أهل الخبرة لا مطلقا.

أحياء كانوا أم أمواتا، و اما ان بناءهم على ذلك الحكم العقل المستقل في وجوب الرجوع الى العالم لان باب العلم منسد على العامي فلا مناص له سوى العمل بالظن، و أقرب الظنون له في تحصيل الواقع قول المجتهد، فان قيل ان مقتضى هذا الدليل عدم الفرق عقلا بين الحي و الميت فما وجه الاختصاص بالأول؟

قلت: نعم و لكن يدعى قيام الإجماع على عدم جواز الرجوع الى الميت ابتداء.

هذه أقوال القوم و حججهم في هذه المسألة ذكرتها على سبيل الإجمال و الاختصار و في الكل نظر و اشكال تركناه خوف الإطالة و الخروج عما ألزمت به نفسي من التنبيه و الإشارة سوى القول الأخير الذي هو مختار المصنف (قده) فنتكلم فيه بحسب الإمكان فنقول: أما الانصراف المدعى الى الحي منهم بناءا على ان مأخذ التقليد هو التعبد للأدلة الخاصة فهو ممنوع إذ لا خصوصية للسؤال من حيث انه سؤال حتى يقال ان الظاهر منه الأحياء بل الغرض رجوع الجاهل الى العالم و أخذ معالم الدين منه، فلا فرق بين أن يكون المرجع حيا أو ميتا، و أما بناءا على أنه من التباني العقلائي في الرجوع إلى أهل الخبرة المركوز في أذهانهم فلا نسلم عدم تبانيهم في الرجوع الى الأموات منهم حتى فيما لو كان لهم مؤلفات و مصنفات

فيما يختصون به من علومهم كما عليه ديدن علمائنا (رضوان اللّه عليهم) من إيداع أقوالهم و آرائهم في كتبهم و لم تزل و لا تزال بأيدينا، و أما الإجماع المدعى بناءا على أن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 20

[ (مسألة 10) إذا عدل عن الميت إلى الحي]

(مسألة 10) إذا عدل عن الميت إلى الحي لا يجوز (1) له العود الى الميت.

[ (مسألة 11) لا يجوز العدول عن الحي إلى الحي]

(مسألة 11) لا يجوز العدول عن الحي إلى الحي (2) إلا إذا كان الثاني اعلم.

[ (مسألة 12) يجب تقليد الأعلم مع الإمكان]

(مسألة 12) يجب تقليد الأعلم (3) مع الإمكان على الأحوط و يجب الفحص عنه

______________________________

الرجوع الى العلماء من جهة انسداد باب العلم على العامي ففيه أولا: انه منقول، و ثانيا: أن المسألة أصولية و ليس الإجماع فيها حجة، و ثالثا: انها من المسائل المستحدثة و ليس في تحرير المتقدمين لها عين و لا أثر فلا معنى لدعوى الإجماع فيها، و رابعا: ان مدرك المجمعين معلوم مثل لا رأى للميت و ان ظنونه و إراءة ذهبت بموته و أنه كشف له الغطاء بعد الموت فجاز أن تتبدل ظنونه و أمثال ذلك، و مثل هذا الإجماع المعلوم المدرك ليس بحجة فالمسألة محل نظر و اشكال و اللّه العالم بحقيقة الحال.

قوله قده مسألة 10: (إذا عدل عن الميت إلى الحي لا يجوز. إلخ)

الوجه في ذلك هو ان عدوله عن الميت إذا كان بمجوز فقد أخذ بحجة و هو قول الحي و لا يجوز العدول عنها بلا مبرر، و الاستصحاب قد انقطع فان موضوعه الجاهل المتردد و المتحير و قد انقطع التحير و التردد بأخذه بالحجة المتأخرة.

قوله قده مسألة 11: (لا يجوز العدول عن الحي إلى الحي. إلخ)

اما عدم جواز العدول في غير الأعلم فلما تقدم من انه أخذ بحجة و لا يجوز العدول عنها و عدم جريان استصحاب التخيير الثابت قبل الأخذ بالحجة لجواز أن يكون ابتدائيا لا استمراريا، و على فرض التسليم فإنما هو مع حفظ الموضوع و قد تقدم ان الموضوع هو المتردد و المتحير و قد زال بعد التقليد، و اما جوازه إلى الأعلم فلما يأتي من وجوب تقليد الأعلم عنده

و انه الحجة الفعلية و ما سواه ليس بحجة.

قوله قده مسألة 12: (يجب تقليد الأعلم. إلخ)

لا يخفى ان مسألة تعين تقليد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 21

..........

______________________________

الأعلم للمقلد أم التخيير في تقليد من شاء منهما فيها قولان: (أحدهما) الجواز لاشتراك الجميع في الأهلية، و لاستقامة طريقة الصحابة على الفتيا مع اشتهارهم بالمفضولية من غير نكير فكان إجماعا، و لقصور العامي عن درجة التمييز بين الفاضل و المفضول فلو كلف بالرجوع الى الفاضل لكان تكليفا بما لا يطاق و لا أقل من الحرج. (و ثانيهما) و هو الأشهر المنع لان الظن بقول الأعلم أقوى منه بقول المفضول و اتباع الأقوى أولى، لأن أقوال المفتي بالنسبة إلى المقلد كالأدلة بالنسبة إلى المجتهد، فكما يجب العمل بالدليل الراجح بالنسبة إلى المجتهد يجب تقديم الأفضل بالنسبة إلى المقلد، و في القوى عن عمر بن حنظلة بعد أمره بالرجوع الى العالم بالأحكام (قلت فان كل واحد منهما اختار رجلا و كلاهما اختلفا قال: الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و أورعهما و لا يلتفت الى ما يحكم به الآخر) و لأصالة المنع من تقليد الغير فيقتصر فيه على المتيقن و هو الأفضل و لا نسلم كون المفضول مع وجود الفاضل أهلا لأن يستفتي و ان كان في نفسه أهلا لأن يفتي، و التعلق بفتيا الصحابة لا يجزى على أصولنا كما لا يخفى و العامي يمكنه معرفة الأفضل بالتسامع كما يمكنه معرفة المتأهل لأصل الفتوى من غيره، هذه أدلة الطرفين (و الحق) في المقام الجواز لأن الأصل قد انهدم بما ورد من النصب العام لمطلق الفقيه فإن الأخبار المذكورة موردها مطلق الفقيه المتصف بتلك

الأوصاف و الشرائط مفضولا كان أو فاضلا و قد أمروا (ع) بالرجوع اليه و الأخذ عنه و عدم جواز رد قوله، و لو وجب تقليد الأعلم لقالوا (ع) اعمدوا إلى أفقهكم و أعرفكم و أعلمكم بأحاديثنا و حلالنا و حرامنا و قد قالوا (ع) (الى رجل منكم قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا) و في الأخرى (ينظر الى من كان منكم من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 22

..........

______________________________

قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا) و الحكم فيها بتقديم الأفقه إنما جاء في مقام التعارض كل يحكم بخلاف الأخر فهي في مورد الحكم الفاصل للخصومة و لا تشمل الفتوى، و ليس فيها دلالة على انه لا يجوز التحاكم و لا الاستفتاء ابتداء إلا عند الأفضل، و أما ادعاء الإجماع على ذلك فهو سفسطة بل يمكن ادعاء الإجماع على خلافه لما علم من استمرار الطريقة من قديم الدهر الى يومنا هذا الى الرجوع الى المفضول مع وجود الفاضل، و قد كان في الكوفة في زمن الصادقين (ع) فقهاء و علماء و أصحاب كتب يرجع الناس الى كل منهم من غير نكير و قد أمروا (ع) بالرجوع الى كل منهم و أقروا شيعتهم على ذلك، و لم يرد عنهم (ع) انه مع إمكان الرجوع الى محمد بن مسلم أو زرارة لا يجوز لكم الرجوع الى غيرهما، و أما كون الظن في جانب الفاضل أقوى فيجب تحريه ففيه أولا: منع كونه أقوى مطلقا لان مدارك الظن لا تنضبط خصوصا في المسائل الشرعية فكثيرا ما يظهر رجحان ظن المفضول على ظن الفاضل في كثير من المسائل الاجتهادية، و ثانيا: ان

الحق عندنا ان وجوب الأخذ بقول الفقيه و الرجوع اليه انما هو تعبدي لورود الأمر منهم (ع) بذلك و نصبهم إياه لا لأجل حصول الظن من قوله كما في الشاهدين فلا يلتفت حينئذ إلى الظن الأقوى بل لو لم يحصل من قوله ظن وجب الرجوع اليه و الأخذ بقوله، و يؤيد ذلك سماحة الشريعة و تسهيل الأمر على المفتي و المستفتي لما في اجتماع الخلق كلهم على الأفضل من العسر و الحرج و الضيق، هذا كله مع إمكان الرجوع الى كل من الأفضل و المفضول، و أما إذا تعذر الوصول إلى الأفضل لمانع من الموانع سقط اعتباره، و استقرب الفاضلان في الشرائع و القواعد جواز الرجوع الى المفضول

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 23

[ (مسألة 13) إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخير بينهما]

(مسألة 13) إذا كان هناك مجتهدان متساويان (1) في الفضيلة يتخير بينهما إلا إذا كان أحدهما أورع فيختار الأورع.

[ (مسألة 14) إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة من المسائل]

(مسألة 14) إذا لم يكن للأعلم فتوى (2) في مسألة من المسائل يجوز في تلك المسألة الأخذ من غير الأعلم و ان أمكن الاحتياط.

[ (مسألة 15) إذا قلد مجتهدا كان يجوز البقاء على تقليد الميت فمات ذلك المجتهد]

(مسألة 15) إذا قلد مجتهدا كان يجوز البقاء (3) على تقليد الميت فمات ذلك المجتهد لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة بل يجب الرجوع الى الحي الأعلم في جواز البقاء و عدمه.

______________________________

في زمن الحضور دون الغيبة نظرا الى أن خطاءه في الحضور منجبر بنظر الامام (ع) لتمكنه من الرجوع اليه عند الاشتباه فلا يكاد يفتي إلا عن ثبت و يستوي الظن الحاصل من فتياه و فتياه الفاضل لأنهم في تلك الأيام لا يصدرون إلا عن النص و هذا بخلاف الغيبة، و فيه منع واضح و الأقوى ما ذكرناه، نعم لما كانت المسألة من مسائل دوران الأمر بين التعيين و التخيير فلا إشكال في أن الأعلم أحوط.

قوله قده مسألة 13: (إذا كان هناك مجتهدان متساويان. إلخ)

إذ مع التساوي لا ترجيح فالإلزام بأحدهما ترجيح بلا مرجح و هو باطل عقلا، نعم لو كان أحدهما أورع فهو مرجح له لزيادة الاطمئنان بقوله من قول صاحبه.

قوله قده مسألة 14: (إذا لم يكن للأعلم فتوى. إلخ)

إذ مع فرض عدم الفتوى للأعلم في المسألة يكون طريقها منسدا على الجاهل فلا بد له من تقليد غير الأعلم بها إذ هو أقرب الطرق له إليها، بل لا طريق له إليها سواه مع عدم الدليل على وجوب الاحتياط مع ما فيه من لزوم العسر و الحرج المنفيين آية و رواية.

قوله قده مسألة 15: (إذا قلد مجتهدا كان يجوز البقاء. إلخ)

و ذلك لأن أصل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 24

[ (مسألة 16) عمل الجاهل المقصر الملتفت باطل]

(مسألة 16) عمل الجاهل المقصر الملتفت باطل (1) و ان كان مطابقا للواقع، و أما الجاهل القاصر أو المقصر الذي كان غافلا حين العمل و حصل منه قصد القربة فإن كان

مطابقا لفتوى المجتهد الذي قلده بعد ذلك كان صحيحا و الأحوط مع ذلك مطابقته لفتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده حين العمل.

[ (مسألة 17) المراد من الأعلم]

(مسألة 17) المراد من الأعلم من يكون اعرف بالقواعد و المدارك للمسألة و أكثر اطلاعا لنظائرها و للأخبار و أجود فهما للأخبار، و الحاصل ان يكون أجود استنباطا و المرجع في تعيينه أهل الخبرة و الاستنباط.

______________________________

تقليد الميت من المسائل الخلافية فلا بد من تقليد الحي في هذه المسألة.

قوله قده مسألة 16: (عمل الجاهل المقصر الملتفت باطل. إلخ)

فيه اشكال بل الظاهر انه لو كان غير عبادة أو كان عبادة و تمشي منه قصد القربة و طابق الواقع فهو صحيح كأخواته من الجاهل القاصر أو المقصر الغافل الغير الملتفت (لا يقال) ان فيما ذكره (قده) من جعل مدار الصحة و البطلان في عمل الجاهل القاصر و المقصر مطابقته لفتوى المجتهد الذي قلده بعد ذلك و عدمه اشكالا بل الأولى جعل مدار الصحة و البطلان في عملهما مطابقته لفتوى المجتهد الذي كان يجب عليهما تقليده حين العمل إذ هو الطريق المنجز الذي يجب عليهما سلوكه و التمسك به لا فتوى المجتهد الذي قلداه بعد ذلك.

(لأنا نقول) ان غفلتهما عنه مانع من تنجزه عليهما، نعم لو فرض ان الجاهل المقصر كان ملتفتا و أمكن تحقق القربة منه في أفعاله العبادية لكان المدار في الصحة و البطلان على موافقته لفتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده حين العمل لا من قلده بعد ذلك هذا و طريق الاحتياط غير خفي.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 25

[ (مسألة 18) الأحوط عدم تقليد المفضول]

(مسألة 18) الأحوط عدم تقليد المفضول حتى في المسألة (1) التي توافق فتواه فتوى الأفضل.

[ (مسألة 19) لا يجوز تقليد غير المجتهد]

(مسألة 19) لا يجوز تقليد غير المجتهد (2) و ان كان من أهل العلم كما انه يجب على غير المجتهد التقليد و ان كان من أهل العلم.

[ (مسألة 20) يعرف اجتهاد المجتهد بالعلم الوجداني]

(مسألة 20) يعرف اجتهاد المجتهد بالعلم الوجداني كما إذا كان المقلد من أهل الخبرة و علم باجتهاد شخص، و كذا يعرف بشهادة عدلين من أهل الخبرة إذا لم تكن معارضة بشهادة آخرين من أهل الخبرة ينفيان عنه الاجتهاد، و كذا يعرف بالشياع المفيد للعلم، و كذا الأعلمية تعرف بالعلم و البينة الغير المعارضة أو الشياع المفيد للعلم.

[ (مسألة 21) إذا كان مجتهدان لا يمكن تحصيل العلم باعلمية أحدهما]

(مسألة 21) إذا كان مجتهدان لا يمكن (3) تحصيل العلم باعلمية أحدهما و لا البينة، فإن حصل الظن باعلمية أحدهما تعين تقليده، بل لو كان في أحدهما احتمال الأعلمية يقدم كما إذا علم أنهما إما متساويان أو هذا المعين أعلم و لا يحتمل اعلمية الآخر فالأحوط تقديم من يحتمل أعلميته.

______________________________

قوله قده مسألة 18: (الأحوط عدم تقليد المفضول حتى في المسألة. إلخ)

الأقوى الجواز إذ لا موضوعية للأعلم من حيث أنه أعلم بل لأنه أقرب الطرق الى الواقع و إذا وافق المفضول الأفضل فقد استقيا من قليب واحد فلا خصوصية لتقليد الأفضل في هذه المسألة.

قوله قده مسألة 19: (لا يجوز تقليد غير المجتهد. إلخ)

المراد به من ليس له قوة الاستنباط ورد الفرع إلى أصله و ان عد من أهل العلم كما انه يجب عليه نفسه التقليد و الرجوع الى المجتهد المستنبط كما ذكره (قدس سره).

قوله قده مسألة 21: (إذا كان هناك مجتهدان لا يمكن. إلخ)

لا دليل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 26

[ (مسألة 22) يشترط في المجتهد أمور]

(مسألة 22) يشترط في المجتهد أمور (1) البلوغ و العقل و الايمان و العدالة و الرجولية و الحرية على قول، و كونه مجتهدا مطلقا، فلا يجوز تقليد المتجزى (2)،

______________________________

على وجوب متابعة الظن أو الاحتمال ابتداء، بل الظاهر في هذه الصور هو الأخذ بأحوط القولين إلا ان يلزم منه العسر و الحرج المنفيان آية و رواية فيؤخذ حينئذ بالمظنون أو المحتمل منهما و ذلك لانسداد باب العلم باعلمية أحدهما و أقرب الطرق إلى إدراك الواقع هو الظن، و لأن المسألة من مسائل دوران الأمر بين التعيين و التخيير فالمظنون منهما مبرئ للذمة قطعا و اللّه العالم قوله قده مسألة 22: (يشترط في المجتهد أمور.

إلخ)

على اشكال في اعتبار الرجولية و الحرية بل و في ولد الزنا لو كان عدلا إذ لا يساعد على اعتبارها الدليل العقلي و هو وجوب رجوع الجاهل الى العالم، و لا النقلي و هو قوله عليه السّلام من كان من الفقهاء صائنا لنفسه. إلخ فإنه مطلق بالنسبة الى الرجل و المرأة و الحر و العبد و ولد الزنا و غيره، نعم يمكن أن يستأنس لاعتبار ما ذكر فيقال: ان مراجع التقليد لهم النيابة العامة و هم أهل الجمعة و الجماعة و المرأة ليست أهلا لذلك، و هم وراث من لا وارث له و العبد ليس أهلا لذلك، و منصبهم منصب نبوة و امامة و ولد الزنا ليس أهلا لذلك، و فيه ان غاية ما يلزم من الاستيناس المذكور هو التبعيض في الأحكام بمعنى عدم ترتيب ما للمجتهد المطلق الرجل الحر الطيب المولد من الأحكام على من فقدها أو فقد بعضها لا سلب أحكام المجتهد عنه عموما، فيصح تقليد من ذكر و أخذ الأحكام منهم عدى الجمعة و الجماعة و القضاء و ما شاكل هذه مما يلزم فيه مخالطة النساء للرجال في المرأة و عدم إرث من لا وارث له في العبد و عدم الزعامة العامة كالقضاء و ما شاكله في ولد الزنا. و اللّه العالم.

قوله قده: (فلا يجوز تقليد المتجزى)

فيه اشكال على إطلاقه بل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 27

و الحياة فلا يجوز تقليد الميت ابتداء، (1) نعم يجوز البقاء كما مر، و ان يكون أعلم (2) فلا يجوز على الأحوط تقليد المفضول مع التمكن من الأفضل، و ان لا يكون متولدا من الزنا، و ان لا يكون مقبلا على الدنيا و طالبا

لها مكبّا عليها مجدا في تحصيلها، ففي الخبر من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه.

[ (مسألة 23) العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرمات]

(مسألة 23) العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرمات و تعرف بحسن الظاهر الكاشف عنها علما أو ظنا، و تثبت بشهادة العدلين و بالشياع الفيد للعلم.

[ (مسألة 24) إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط]

(مسألة 24) إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط يجب على المقلد العدول الى غيره.

[ (مسألة 25) إذا قلد من لم يكن جامعا و مضى عليه برهة من الزمان]

(مسألة 25) إذا قلد من لم يكن جامعا و مضى عليه برهة من الزمان كان كمن لم يقلد أصلا فحاله حال الجاهل القاصر أو المقصر.

______________________________

الأقوى الجواز فيما لا يوجد المطلق أو مع وجوده و كان المتجزى أعلما فيما تجزى فيه من المطلق بناءا على وجوب تقليد الأعلم.

قوله قده: (و الحياة فلا يجوز تقليد الميت ابتداء)

قد مر الكلام في هذا مفصلا فراجع مسألة 9.

قوله قده: (و ان يكون أعلم)

قد تقدم ان هذا على إطلاقه محل اشكال. نعم ذلك فيما اختلفا في الرأي و قلنا بوجوب تقليد الأعلم و إلا فلا موضوعية لتقليد الأعلم فيما إذا لم يختلفا حتى يجب بل، ليس ذلك إلا طريقا للواقع و لا يختلف الحال لو اتفقا، و أيضا بناء هذه المسألة على فرض وجوب تقليد الأعلم و لنا فيه نظر تقدم بيانه عن قريب.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 28

[ (مسألة 26) إذا قلد من يحرّم البقاء على تقليد الميت فمات]

(مسألة 26) إذا قلد من يحرّم البقاء على تقليد الميت فمات و قلد من يجوّز البقاء له ان يبقى على تقليد الأول في جميع المسائل إلا مسألة حرمة البقاء.

[ (مسألة 27) يجب على المكلف العلم باجزاء العبادات]

(مسألة 27) يجب على المكلف العلم باجزاء العبادات (1) و شرائطها و موانعها و مقدماتها، و لو لم يعلمها لكن علم إجمالا ان عمله واجد لجميع الاجزاء و الشرائط و فاقد للموانع صح و ان لم يعلمها تفصيلا.

[ (مسألة 28) يجب تعلم مسائل الشك و السهو]

(مسألة 28) يجب تعلم مسائل الشك و السهو (2) بالمقدار الذي هو محل الابتلاء غالبا. نعم لو اطمئن من نفسه انه لا يبتلى بالشك و السهو صح عمله و ان لم يحصل العلم بأحكامها.

[ (مسألة 29) كما يجب التقليد في الواجبات و المحرمات يجب في المستحبات و المكروهات و المباحات]

(مسألة 29) كما يجب التقليد في الواجبات و المحرمات (3) يجب في المستحبات و المكروهات و المباحات، بل يجب تعلم حكم كل فعل يصدر منه سواء كان من العبادات أو المعاملات أو العاديات.

______________________________

قوله قده مسألة 27: (يجب على المكلف العلم باجزاء العبادات. إلخ)

لا يخفى ان المراد بهذا الوجوب هو الوجوب الغير المقدمي دون الذاتي النفسي و يدل عليه قوله (قده) فيما بعد (و لو لم يعلمها لكن علم إجمالا ان عمله واجد لجميع الاجزاء و الشرائط و فاقد للموانع صح و ان لم يعلمها تفصيلا)

قوله قده مسألة 28: (يجب تعلم مسائل الشك و السهو. إلخ)

لا يخفى أيضا ان المراد بهذا الوجوب هو الوجوب الغيري المقدمي كالمسألة السابقة كما يدل عليه آخر العبارة.

قوله قده مسألة 29: (كما يجب التقليد في الواجبات و المحرمات. إلخ)

و ذلك لئلا يلزم التشريع المحرم بدون التقليد.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 29

[ (مسألة 30) إذا علم ان الفعل الفلاني ليس حراما و لم يعلم انه واجب أو مستحب أو مكروه]

(مسألة 30) إذا علم ان الفعل الفلاني ليس حراما (1) و لم يعلم انه واجب أو مستحب أو مكروه يجوز له أن يأتي به لاحتمال كونه مطلوبا و برجاء الثواب، و إذا علم انه ليس بواجب و لم يعلم انه حرام أو مكروه أو مباح له ان يتركه لاحتمال كونه مبغوضا.

[ (مسألة 31) إذا تبدل رأي المجتهد]

(مسألة 31) إذا تبدل رأي المجتهد لا يجوز للمقلد البقاء على رأيه الأول (2)

[ (مسألة 32) إذا عدل المجتهد عن الفتوى الى التوقف و التردد]

(مسألة 32) إذا عدل المجتهد عن الفتوى الى التوقف و التردد يجب على المقلد (3) الاحتياط أو العدول إلى الأعلم بعد ذلك المجتهد.

______________________________

قوله قده مسألة 30: (إذا علم ان الفعل الفلاني ليس حراما)

الى قوله (يجوز له أن يأتي به لاحتمال كونه مطلوبا و برجاء الثواب. إلخ) و وجهه العلم بالموافقة على كل حال و كذلك صورة العكس و هو ما إذا علم انه ليس بواجب فله تركه للعلم بعدم المخالفة على كل حال.

قوله قده مسألة 31: (إذا تبدل رأى المجتهد لا يجوز للمقلد البقاء على رأيه الأول)

يمكن أن يستدل له بأن رأي المجتهد بالنسبة إلى المقلد كالدليل بالنسبة إلى المجتهد فكما انه يجب عليه متابعة الدليل الفعلي كذلك يجب على المقلد متابعة رأى المجتهد الفعلي، هذا ما يحضرني فعلا من التوجيه و فيه نظر لإمكان أن يقال بجريان استصحاب وجوب البقاء على الأحكام السابقة الموافقة للرأي الأول كما يقال في جواز البقاء على تقليد الميت حرفا بحرف، نعم يمكن أن يقال بالفرق بينهما بان المجتهد يصرح فيما نحن فيه ببطلان رأيه الأول بخلاف مسألة الموت فإنه مات عن رأى لم يدل دليل على بطلانه.

قوله قده مسألة 32: (إذا عدل المجتهد عن الفتوى الى التوقف و التردد يجب على المقلد. إلخ)

وجهه انه لو توقف المجتهد بقيت المسألة التي توقف

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 30

[ (مسألة 33) إذا كان هناك مجتهدان متساويان في العلم]

(مسألة 33) إذا كان هناك مجتهدان متساويان (1) في العلم كان للمقلد تقليدا بهما شاء و يجوز التبعيض في المسائل، و إذا كان أحدهما أرجح من الآخر في العدالة أو الورع أو نحو ذلك فالأولى بل الأحوط اختياره.

[ (مسألة 34) إذا قلد من يقول بحرمة العدول]

(مسألة 34) إذا قلد من يقول بحرمة العدول (2) حتى إلى الأعلم ثم وجد أعلم من ذلك المجتهد فالأحوط العدول الى ذلك الأعلم و ان قال الأول بعدم جوازه.

[ (مسألة 35) إذا قلد شخصا بتخيل انه زيد فبان عمرو]

(مسألة 35) إذا قلد شخصا بتخيل انه زيد (3) فبان عمرو، فان كانا

______________________________

فيها بلا حكم لها عنده فلا موضوع للتقليد فيها و يجب على كل مكلف معرفة أحكامه اجتهادا أو تقليدا أو احتياطا، و لهذا وجب على المقلد في الصورة المفروضة الرجوع الى غيره ممن له فتوى في المسألة أو الاحتياط لإدراك الواقع قوله قده مسألة 33: (إذا كان هناك مجتهدان متساويان. إلخ)

أما تخيير المقلد مع تساوى و هو منشأ التبعيض أيضا، نعم لو كان أحدهما أرجح في العدالة أو الورع أو نحو ذلك فهو الاولى للمرجح المذكور فيكون الترجيح بمرجح فلهذا جعله أولى بل أحوط، و انما لم يجزم بالأولوية بل جعلها من باب الاحتياط إذ ما مع الآخر من العدالة و الورع كاف في صحة تقليده و لا يعلم أن لزيادتهما دخل في لزوم تقليده دون صاحبه.

قوله قده مسألة 34 (إذا قلد من يقول بحرمة العدول. إلخ)

قد تقدم في مسألة 12 وجه الاحتياط في العدول إلى الأعلم من الاستيناس له بأخبار تعيين أفقه الحاكمين عند اختلافهما المذكورة في باب القضاء و من انه القدر المتيقن بعد ما ذكرنا من ان المسألة من مسائل دوران الأمر بين التعيين و التخيير.

قوله قده مسألة 35: (إذا قلد شخصا بتخيل انه زيد. إلخ)

ذكر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 31

متساويين في الفضيلة و لم يكن على وجه التقييد صح و إلا فمشكل.

[ (مسألة 36) فتوى المجتهد تعلم بأحد أمور]

(مسألة 36) فتوى المجتهد تعلم بأحد أمور (1) الأول: ان يسمع منه شفاها، الثاني: ان يخبر بها عدلان، الثالث: اخبار عدل واحد بل يكفي إخبار شخص موثق يوجب قوله الاطمئنان و ان لم يكن عادلا، الرابع: الوجدان في رسالته و لا بد ان تكون

مأمونة من الغلط.

[ (مسألة 37) إذا قلد من ليس له أهلية الفتوى]

(مسألة 37) إذا قلد من ليس له أهلية الفتوى (2) ثم التفت وجب عليه

______________________________

في هذه المسألة التي هي من باب الاشتباه في التطبيق صحة التقليد عند الاشتباه بشرطين التساوي في الفضيلة و ان لا يكون ذلك على وجه التقييد، اما التساوي في الفضيلة فبناء على ما ذكره من الاحتياط في تقليد الأعلم، و اما الشرط الثاني و هو أن لا يكون على وجه التقييد فإنه لو قلد زيدا بقيد انه زيد فيرجع الى عدم التقليد لغيره فينحل هذا القيد إلى إيجاب و هو تقليد زيد بخصوصه و سلب و هو عدم تقليد غيره، نعم لو لم يكن على وجه التقييد بل قلد زيدا لا لخصوصية فيه بل لأنه من فقهاء آل بيت محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليس إلا فلا يضر بتقليده لو بان أنه عمرو و لم يكن زيد أعلم من عمرو بل متساويين في الفضيلة.

قوله قده مسألة 36 (فتوى المجتهد تعلم بأحد أمور. إلخ)

قد ذكر للعلم بفتوى المجتهد أمورا أربعة على وجه منع الخلو، و لا يخفى ان الوجه الأول و هو السماع منه مشافهة و الوجه الرابع و هو الوجدان في رسالته المأمونة من الغلط ينتهيان الى العلم بفتواه، و اما الوجه الثاني: و هو ان يخبر بها عدلان. و الوجه الثالث: و هو أن يخبر بها عدل واحد بل ثقة فيدل عليهما حجية البينة و خبر الثقة المذكوران في بابهما.

قوله قده مسألة 37: (إذا قلد من ليس له أهلية الفتوى. إلخ)

ما ذكره

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 32

العدول، و حال الأعمال السابقة حال عمل الجاهل الغير المقلد، و كذا إذا قلد غير الأعلم

وجب على الأحوط العدول إلى الأعلم، و إذا قلد الأعلم ثم صار بعد ذلك غيره اعلم وجب العدول الى الثاني على الأحوط.

[ (مسألة 38) ان كان الأعلم منحصرا في شخصين]

(مسألة 38) ان كان الأعلم منحصرا في شخصين (1) و لم يمكن التعيين فإن أمكن الاحتياط بين القولين فهو الأحوط و إلا كان مخيرا بينهما.

[ (مسألة 39) إذا شك في موت المجتهد أو في تبدل رأيه]

(مسألة 39) إذا شك في موت المجتهد (2) أو في تبدل رأيه أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده يجوز له البقاء الى أن يتبين الحال.

[ (مسألة 40) إذا علم أنه كان في عباداته بلا تقليد مدة من الزمان]

(مسألة 40) إذا علم أنه كان في عباداته (3) بلا تقليد مدة من الزمان و لم يعلم

______________________________

في هذه المسألة من وجوب العدول ظاهر المدرك إذا المفروض ان مقلده ليس له أهلية الفتوى، و كذلك لا اشكال فيما ذكره من ان حال اعماله السابقة حال عمل الجاهل الغير المقلد و قد مر حكمه في المسألة السادسة عشر.

قوله قدس مسألة 38: (ان كان الأعلم منحصرا في شخصين. إلخ)

ما ذكره من الاحتياط بين القولين في صورة إمكانه قضاءا لحق العلم الإجمالي بناءا على وجوب موافقته القطعية، و أما في صورة عدم إمكانه فالتخيير من المستقلات العقلية و تكليف الشارع بغيره تكليف بغير المقدور.

قوله قده مسألة 39. (إذا شك في موت المجتهد. إلخ)

الوجه فيما ذكره (قده) من البقاء على التقليد مع الشك فيما يخل به من الجهات المذكورة هو استصحاب الحياة مع الشك في الموت و ببقاء الرأي السابق مع الشك في تبدله و عدم عروض ما يوجب عدم جواز تقليده مع الشك في عروضه.

قوله قده مسألة 40: (إذا علم أنه كان في عباداته. إلخ)

لا اشكال

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 33

مقداره فان علم بكيفيتها و موافقتها للواقع أو لفتوى المجتهد الذي يكون مكلفا بالرجوع اليه فهو و إلا فيقضي المقدار الذي يعلم معه بالبراءة على الأحوط، و ان كان لا يبعد جواز الاكتفاء بالقدر المتيقن.

______________________________

فيما ذكره (قده) من كفاية ما أتى به ان علم بكيفيتها و بموافقتها للواقع أو لفتوى المجتهد الذي يكون مكلفا بالرجوع اليه لما تقدم من ان

التقليد لا موضوعية له بل هو أقرب الطرق لإدراك الواقع، فاذا علم بموافقة اعماله للواقع أو للطريق الذي يجب الرجوع اليه فيعلم ببراءة ذمته، و اما إذا لم يعلم بأحد الأمرين فقيل بوجوب القضاء عليه حتى يعلم ببراءة ذمته لاستصحاب الاشتغال اليقيني حتى يعلم الفراغ يقينا كما هو مذهب جماعة، أو يجب عليه القضاء بمقدار ما يتيقن ان ذمته مشغولة به و ينفى الزائد بأصالة عدم اشتغال ذمته به و براءتها منه كما هو مذهب آخرين خصوصا في الأقل و الأكثر الغير الارتباطيين كمسألة الدين و أمثالها و لا اشكال ان الأول أحوط كما ذكره (قده) و هناك احتمال ثالث لم يذكر في المتن و قد تعرض له العلامة السيد الأصفهاني في حاشيته على المتن بقوله:

(بل لا يبعد عدم وجوب القضاء أصلا إذا كان حين العمل غافلا و حصل منه قصد القربة و لم يعلم الكيفية أو احتمل مصادفة جميعها للواقع) انتهى كلامه و منشأ هذا الاحتمال قاعدة الفراغ و جريانها في جميع الأعمال السابقة، و لا يخفى ان جريان هذا الاحتمال بناءا على عدم اختصاص قاعدة الفراغ بالوضوء و الصلاة و انها تجري في جميع أبواب الفقه من العبادات و المعاملات لا كما ذهب اليه بعضهم من اختصاصها بهما محتجين على ذلك باختصاص أكثر أخبار هذه القاعدة بهما. و بناءا أيضا على عموم هذه القاعدة للشك الساري كما لو علم كيفية غسل اليد و انه كان بالارتماس في الماء لكنه شك ان ما تحت

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 34

[ (مسألة 41) إذا علم أن أعماله السابقة كانت مع التقليد لكن لا يعلم انها كانت عن تقليد صحيح أم لا]

(مسألة 41) إذا علم أن أعماله السابقة (1) كانت مع التقليد لكن لا يعلم انها كانت عن تقليد صحيح أم لا بنى

على الصحة.

______________________________

خاتمه ينغسل بالارتماس أم لا أو لم يعلم كيفيته لكنه كان جاهلا بجزئيته و شرطيته، كما لا إشكال في شمولها للشك الطاري بسبب الغفلة عن صورة العمل مع العلم بجزئية ما شك فيه أو شرطيته، و أما بناءا على اختصاصها بالثاني و هو الشك الطاري كما ذهب اليه بعضهم لما في بعض اخبارها من الدلالة عليه كقوله عليه السّلام: (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك) فلا يتم ما ذكره (قده) من الاحتمال و ينحصر تكليف المقلد في الوجهين الذين ذكرهما المصنف (قده) في المتن على اختلاف المذهبين المذكورين من ان المورد من موارد استصحاب الشغل حتى يتيقن الفراغ أو من موارد البراءة، لأن الشك في أصل التكليف بالزائد فيقضى القدر المتيقن و ينفى الزائد بأصل براءة ذمته منه و عدم اشتغالها به فيقبح العقاب من المولى عليه. و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 41: (إذا علم ان أعماله السابقة. إلخ)

المدرك لهذا البناء هو قاعدة الفراغ الجارية في صحة الموجود من أي منشأ و اى سبب حصل الشك، و قاعدة الصحة بناءا على ما هو الحق الحقيق من أنها قاعدة مستقلة غير قاعدتي الفراغ و التجاوز كما يدل عليه (أولا) الإجماع المحصل القطعي بل الضروري فضلا عن كونه محكيا مستفيضا بل متواترا. (و ثانيا) السيرة المستمرة قديما و حديثا يدا عن يد و خلفا عن سلف بديهة استقرار سيرة المتشرعة على البناء على صحة كل عمل شك فيه منهم أو من غيرهم مركبا كان أو غيره، فرغ منه أو لم يفرغ، دخل في غيره أو لم يدخل، تجاوز محله أو لم يتجاوز، عباديا كان أو غيره، عقدا كان أو إيقاعا. (و ثالثا) بناء العقلاء كافة

العمل

الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 35

[ (مسألة 42) إذا قلد مجتهدا ثم شك في انه جامع للشرائط أم لا]

(مسألة 42) إذا قلد مجتهدا (1) ثم شك في انه جامع للشرائط أم لا وجب عليه الفحص.

______________________________

ضرورة انا نرى ان كل عاقل بحسب طبعه و ارتكازه و جبلته و فطرته يبنى على ذلك كذلك و ان لم يكن مسلما و لا مؤمنا، و عدم ردعهم عنه يكشف عن إمضائه و الرضا به كما لا يخفى. (و رابعا) انه لو لا ذلك لاختل نظام المعاش و المعاد و لم يقم للمسلمين سوق بل الاختلال اللازم من ترك العمل بهذا الأصل أزيد بأضعاف من الاختلال الحاصل من ترك العمل بيد المسلمين مع ان الامام عليه السّلام قال في خبر حفص بن غياث بعد الحكم بان اليد دليل على الملك و انه يجوز الشهادة بالملك بمجرد اليد معللا له بأنه (لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق) فيدل بالأولوية و بعموم العلة على حجية أصالة الصحة في كل ما شك في صحته و فساده مما تقدم و غيره. (و خامسا) أنه لو لا ذلك للزم العسر و الحرج المنفيان في الشريعة كتابا و سنة و إجماعا. (و سادسا) ظهور الحال يقتضي ذلك ضرورة أن الظاهر من حال الفاعل العاقل المختار المريد لإيجاد عمل لأجل فراغ ذمته و الخروج عن عهدته و التخلص من تبعته أو لأجل ترتيب الآثار العرفية العقلائية عليه ذلك ظهورا معتدا به عرفا و شرعا من جهة عموم التعليل السابق و غيره. (و سابعا) صحيح ابن مسلم: كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو، و أما قاعدة التجاوز فيشكل جريانها فيما نحن فيه إذ الظاهر من أدلتها هو الشك في أصل تحقق الشي ء و وجوده

لا في صحته و فساده بعد فرض تحققه و وجوده.

قوله قده مسألة 42: (إذا قلد مجتهدا. إلخ)

وجوب الفحص على الأصل و القاعدة في سائر الشروط من أنه يجب إحرازها بالوجدان أو بقاعدة شرعية مسلمة.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 36

[ (مسألة 43) من ليس أهلا للفتوى يحرم عليه الإفتاء]

(مسألة 43) من ليس أهلا للفتوى (1) يحرم عليه الإفتاء، و كذا من ليس أهلا للقضاء يحرم عليه القضاء بين الناس و حكمه ليس بنافذ و لا يجوز الترافع اليه و لا الشهادة عنده، و المال الذي يؤخذ بحكمه حرام و ان كان الأخذ محقا إلّا إذا انحصر استنقاذ حقه بالترافع عنده.

______________________________

قوله قده مسألة 43: (من ليس أهلا للفتوى. إلخ)

ذكر في هذه المسألة عدة فروع:

(الأول) ان من ليس أهلا للفتوى يحرم عليه الإفتاء و المراد به غير المجتهد و يدل على الحرمة عليه الأدلة الأربعة، أما من الكتاب فقوله تعالى:

قُلْ آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّٰهِ تَفْتَرُونَ و المفتي من غير دليل مفتر على اللّه، و اما من السنة فكثير و قد عقد لها في الوسائل بابا (منها) عن ابن رئاب عن أبي عبيدة قال قال أبو جعفر عليه السّلام: من افتى الناس بغير علم و لا هدى من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه و زر من عمل بفتياه (و منها) عن سيف بن عميرة عن مفضل بن يزيد قال قال أبو عبد اللّه عليه السلام: أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال، أنهاك أن تدين اللّه بالباطل و تفتي الناس بما لا تعلم، و رويا بطريق آخر (و منها) عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن ابن الحجاج قال قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: إيّاك و

خصلتين ففيهما هلك من هلك إياك أن تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم، و روى بطريق آخر (و منها) عن النوفلي عن السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يعذب اللّه اللسان بعذاب لا يعذب به شيئا من الجوارح فيقول أى رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئا؟ فيقال له خرجت عنك كلمة فبلغت مشارق الأرض و مغاربها فسفك بها الدم الحرام و انتهب بها المال الحرام و انتهك بها الفرج

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 37

..........

______________________________

الحرام و عزتي لأعذبنك بعذاب لا أعذب به شيئا من جوارحك.

(و منها) عن أبان الأحمر عن زياد بن ابى رجاء عن ابى جعفر عليه السّلام قال:

ما علمتم فقولوا و ما لم تعلموا فقولوا اللّه أعلم، ان الرجل لينتزع الآية فيجوز يخر فيها أبعد ما بين المساء. إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة (و أما الإجماع) فقد نقله الشيخ الأنصاري في رسائله في أوائل حجية الظن عند تأسيس الأصل في العمل بالظن عن الفريد البهبهاني في بعض رسائله و الإفتاء بغير علم عمل بالظن المنهي عنه. (و اما العقل) فتقبيح العقلاء من يتكلف من قبل مولاه بما لا يعلم بوروده عن المولى و يكفى فيما نحن فيه أدلة قبح الكذب و حرمته فان المفتي بغير علم كاذب على اللّه و على حججه (ع).

(الثاني) من الفروع المذكورة في هذه المسألة حرمة القضاء على من ليس أهلا له بان لم يجمع الصفات المعتبرة في القاضي المذكورة في باب القضاء في كتب علمائنا الإماميين (قده) و لا يخفى ان القضاء من المراتب العالية و المناصب السامية كالأمارة و

هو غصن من شجرة الرئاسة العامة للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خلفائه (ع) و هو من مناصب محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أهل بيته (ع) الذين هم ولاة الأمر فلا إشكال في حرمته على من ليس له أهلا للأدلة الأربعة، أما الكتاب و الإجماع و العقل فهو ما تقدم منها في حرمة الإفتاء على من ليس له أهلا، و أما السنة (فعن الكافي و التهذيب) مسندا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: القضاة أربعة ثلاثة في النار و واحد في الجنة، رجل قضى بجور و هو يعلم فهو في النار، و رجل قضى بجور و هو لا يعلم فهو في النار، و رجل قضى بالحق و هو لا يعلم فهو في النار، و رجل قضى بالحق و هو يعلم فهو في الجنة (و قال على عليه السّلام) الحكم حكمان حكم اللّه و حكم الجاهلية فمن أخطأ حكم اللّه حكم بحكم الجاهلية

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 38

..........

______________________________

(و في الكافي و التهذيب) مسندا عن إسحاق بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال قال أمير المؤمنين عليه السّلام لشريح: يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي (و في الحديث النبوي) القضاة ثلاثة واحد في الجنة و اثنان في النار فالذي في الجنة رجل عرف الحق و قضى به، و الذي في النار رجل عرف الحق فجار في الحكم و رجل قضى للناس على جهل (و روى) المشايخ الثلاثة عن سليمان بن خالد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: اتقوا الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في

المسلمين لنبي أو وصي نبي، الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

(الثالث) من الفروع المذكورة في هذه المسألة ان المال الذي يؤخذ بحكمه حرام و ان كان الأخذ محقا، و يمكن أن يستدل على ذلك بما في مقبولة ابن حنظلة سئل الصادق عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحا كما الى السلطان أو الى القضاة أ يحل ذلك؟ فقال عليه السّلام: من تحاكم الى طاغوت فحكم له فإنما يأخذ سحتا و ان كان حقه ثابتا لأنه أخذ بحكم الطاغوت و قد أمر اللّه أن يكفر به، و يستفاد منها عدم جواز أخذ شي ء بحكمهم و ان كان حقا له (قيل) و على هذا فيبقى ماله في ذمته على حاله و يبقى المأخوذ جورا على ملك مالكه الى أن يتصرف فيه و يستقر في ذمته فيقع التهاتر كما لو غصب منه أو سرق فإنه بعد التصرف و الاستقرار في الذمة يقع التهاتر و تبرأ الذمم و ان أثم في أصل السرقة و الغصب، و كيف كان فحرمة المأخوذ إن كان دينا واضحة، و أما إذا كان عينا و كان حقه فالقول بحرمتها مشكل، و لذا قيل بعدم تحريم العين إذا كانت حقه و أخذها بحكم الجائر و ان أثم في التحاكم إليه (فإن قيل) إذا لم تحرم العين فكذلك ما في الذمة كعشرة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 39

..........

______________________________

دراهم إذا لم يجبر على خصوص تلك العشرة فكيف يحرم التصرف فيها؟

(قيل) ان هذه العشرة التي دفعها و ان اختارها من بين دراهمه إلا ان أخذها لما كان قهرا لم يملكها و حرم التصرف فيها فيأثم في التحاكم إلى الجائر

و في التصرف بخلاف العين فإنه لا اثم في التصرف فيها، و لا يخفى أن ظاهر المقبولة من كون المأخوذ بحكم الطاغوت سحتا و ان كان حقه ثابتا مخالف للقواعد و الأصول المأخوذة منهم (ع) من ان للإنسان التوصل إلى أخذ حقه كيف اتفق، و ربما يستدل على ما نحن فيه أيضا كما قيل بما روى في التهذيب عن ابن فضال قال: قرأت في كتاب أبي الأسد الى أبى الحسن الثاني عليه السّلام و قرأته بخطه سأله ما تفسير قوله تعالى (وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَى الْحُكّٰامِ)؟ قال: فكتب اليه عليه السلام بخطه: الحكام القضاة، قال ثم كتب تحته: هو ان يعلم الرجل انه ظالم فيحكم له القاضي فهو غير معذور في أخذ ذلك الذي حكم له إذا كان قد علم انه ظالم. إلخ، و الإنصاف انه لا دلالة في هذه الرواية بل و لا اشعار على المدعى بل هي ظاهرة أن لم نقل انها صريحة في بيان حكم آخر لا مسيس له في ما نحن فيه و هي جارية على القواعد و الأصول المقررة، و بيان ذلك ان ظاهرها ان المدعى لو علم من نفسه انه ظالم بدعواه مبطل في مدعاه و ان ما يدعيه غير ثابت في متن الواقع فهو غير معذور في أخذ ذلك و ان حكم له به إذ قد علم من نفسه انه ظالم و ذلك لرفع توهم ان حكم الحاكم يقلب الواقع عما هو عليه، و ليس في الرواية ظهور أن القاضي من قضاة الجور فهي أجنبية عما نحن فيه بالكلية، و يمكن بمعونة ظاهر هذه الرواية أو صراحتها في جريها على القواعد و

الأصول الشرعية رفع اليد عن ظهور المقبولة و حملها على ما لا يخالف القواعد و ذلك بحمل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 40

[ (مسألة 44) يجب في المفتي و القاضي العدالة]

(مسألة 44) يجب في المفتي و القاضي العدالة (1) و تثبت العدالة بشهادة عدلين و بالمعاشرة المفيدة للعلم بالملكة أو الاطمئنان بها و بالشياع المفيد للعلم.

______________________________

قوله عليه السّلام فيها (فإنما يأخذ سحتا و ان كان حقه ثابتا) أى عند القاضي لا ثابتا في الواقع فتحمل أيضا على ما لو كانت دعواه باطلة فهي لبيان ان حكم القاضي لا يقلب الواقع و يصيّر المأخوذ به حلالا بعد علم المدعى من نفسه البطلان و يبقى ظهور قوله عليه السّلام (لأنه أخذه بحكم الطاغوت) انحصاره في العلية و مع هذا يمكن التصرف فيه و لو بمعونة ظهور رواية ابن فضال أو صراحتها بأنه علة ثانية للحرمة و لكونه سحتا (أحدهما) انه ليس حقه واقعا و (ثانيهما) أنه أخذه بحكم الطاغوت فعيله لا يكون المال المأخوذ بحكم الحاكم سحتا إذا كان حقه مطلقا سواء كان المأخوذ دينا أو عينا بحكم من له الأهلية أو ليس له الأهلية و اللّه أعلم بحقائق أحكامه، هذا كله إذا لم يتوقف حصول حقه عليه و إلا فيجوز كما يجوز الاستعانة على تحصيل الحق بغير القاضي لأدلة نفى الضرر و الضرار و العسر و الحرج في الشريعة السمحة السهلة مؤيدا بقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ).

قوله قده مسألة 44: (يجب في المفتي و القاضي العدالة. إلخ)

أما وجوبها فيهما بمعنى ان الرجوع إليهما و أخذ الأحكام منهما مشروط بالعدالة أي كل من رجع إليهما يلزمه إحراز عدالتهما بأحد الطرق المذكورة فمما لا اشكال فيه و

لا شبهة تعتريه، إذ لا وثوق بغير العدل في أقواله و أفعاله و يجوز أن يكون المرجع كاذبا على اللّه و رسوله مع عدم المؤمن لمن رجع إليهما بدون إحرازها بأحد الطرق الشرعية، و كذلك لا إشكال و لا ريب في انه ليس للقاضي بنفسه و حد ذاته أن يتولى المنصب و يؤهل نفسه له إذا لم يكن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 41

[ (مسألة 45) إذا مضت مدة من بلوغه و شك بعد ذلك]

(مسألة 45) إذا مضت مدة من بلوغه و شك بعد ذلك (1) في أن أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا يجوز له البناء على الصحة في أعماله السابقة، و في اللاحقة يجب عليه التصحيح فعلا.

[ (مسألة 46) يجب على العامي أن يقلد الأعلم في مسألة وجوب تقليد الأعلم]

(مسألة 46) يجب على العامي أن يقلد الأعلم (2) في مسألة وجوب تقليد الأعلم أو عدم وجوبه، و لا يجوز ان يقلد غير الأعلم إذا أفتى بعدم وجوب تقليد

______________________________

عدلا و ان تم ميزان عدالته عند من رجع إليه في القضاء، و ذلك لما تقدم من انه من المناصب السامية و المراتب العالية كالأمارة و هو غصن من شجرة الرئاسة العامة للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خلفائه و هو من مناصب محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أهل بيته (ع) الذين هم ولاة الأمر، فلا إشكال في حرمته على من ليس له أهلا و الفاسق بعيد عن اللّه و عن مناصب أوليائه، و أتما الإشكال في المفتي فهل يشترط في جواز الفتيا له و القيام بها و التصدي لها العدالة كما هو شرط في الرجوع إليه أم لا؟

الظاهر انه لا دليل على ذلك فيه نفسه إلا ان يقال ان للعدالة خصوصية و موضوعية في جواز الإفتاء فعليه لا يجوز لغير العادل إفتاء الغير بل ليس له العمل برأيه و ان كان أعلم العلماء و يجب عليه الرجوع الى غيره من العلماء العدول و ان كانوا دونه بمراتب و لا أظن أحدا يلتزم بذلك.

قوله قده مسألة 45: (إذا مضت مدة من بلوغه و شك بعد ذلك. إلخ)

ما ذكره (قده) في هذه المسألة من صحة الأعمال السابقة فهو لما تقدم عن قريب في نظير المسألة

من قاعدتي الفراغ و الصحة، و أما أعماله اللاحقة فيجب عليه تصحيحها بمصحح شرعي إذ لا مبرر له بدون ذلك.

قوله قده مسألة 46: (يجب على العامي أن يقلد الأعلم. إلخ)

لا يخفى ان أصل وجوب التقليد ليس من المسائل التقليدية بل هو من المستقلات

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 42

الأعلم، بل لو أفتى الأعلم بعدم وجوب تقليد الأعلم بشكل جواز الاعتماد عليه، (1) فالقدر المتيقن للعامي تقليد الأعلم في الفرعيات.

[ (مسألة 47) إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم]

(مسألة 47) إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم (2) في أحكام العبادات و الآخر

______________________________

العقلية و إلا للزم توقف الشي ء على نفسه، نعم يعقل ذلك في فروعه و شعبه كتقليد الأعلم و غير الأعلم و المتجزى و المطلق و غير ذلك من شعبه و فروعه، فمن ذلك ما ذكره (قده) من انه يجب على العامي أن يقلد الأعلم في مسألة وجوب تقليد الأعلم أو عدم وجوبه و لا يجوز أن يقلد غير الأعلم إذا أفتى بعدم وجوب تقليد الأعلم إذ لو جاز ذلك لدار، و بيانه ان جواز الرجوع الى غير الأعلم مبني على صحة تقليده و صحة تقليده مبني على جواز الرجوع اليه، و اما تقليد الأعلم فجائز و مجز على كل حال لأنه القدر المتيقن هذا إذا لم يوافق غير الأعلم الأعلم، و اما إذا وافقه في وجوب تقليد الأعلم فلا مانع من تقليده في هذه المسألة و في سائر المسائل التي وافقه فيها إذ ليس لتقليد الأعلم موضوعية و ما هو إلا لأنه أقرب الطرق الى الواقع فاذا توافق الطريقان انتفى المائز بينهما، نعم لو كان التقليد الأعلم موضوعية تعين وجوب الرجوع اليه و لم يجز الرجوع الى غير الأعلم حتى في صورة

الموافقة و لكن ذلك خلاف الحق و التحقيق.

قوله (قدس سره) في هذه المسألة: (بل لو أفتى الأعلم بعدم وجوب تقليد الأعلم يشكل جواز الاعتماد عليه. إلخ)

وجه الإشكال في عدم جواز الاعتماد عليه اما لان مسألة تقليد الأعلم كمسألة أصل التقليد من المستقلات العقلية و ليست من المسائل التقليدية و اما لان فتواه بعدم وجوب تقليد الأعلم تنحل الى قوله قلدني في عدم وجوب تقليدي كقوله صدقنى في عدم وجوب تصديق فيلزم من إثبات الشي ء نفيه.

فوله قده مسألة 47: (إذا كان مجتهدان أحدهما اعلم. إلخ)

هذا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 43

أعلم في المعاملات فالأحوط تبعيض التقليد، و كذا إذا كان أحدهما أعلم في بعض العبادات مثلا و الآخر في البعض الآخر.

[ (مسألة 48) إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ]

(مسألة 48) إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ يجب عليه أعلام من تعلم منه (1) و كذا إذا أخطأ المجتهد في بيان فتواه يجب عليه الإعلام.

[ (مسألة 49) إذا اتفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها]

(مسألة 49) إذا اتفق في أثناء الصلاة مسألة (2) لا يعلم حكمها يجوز له ان يبني على أحد الطرفين بقصد أن يسأل عن الحكم بعد الصلاة و انه إذا كان ما اتى به على خلاف الواقع يعيد صلاته، فلو فعل ذلك و كان ما فعله مطابقا للواقع لا يجب عليه الإعادة.

[ (مسألة 50) يجب على العامي في زمان الفحص عن المجتهد أو عن الأعلم أن يحتاط]

(مسألة 50) يجب على العامي في زمان الفحص عن المجتهد (3) أو عن الأعلم أن يحتاط في أعماله.

______________________________

الاحتياط مبني على القول بوجوب تقليد الأعلم فحينئذ يجب تقليد كل منهما فيما هو أعلم فيه من صاحبه.

قوله قده مسألة 48: (إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطاء يجب عليه أعلام من تعلم منه. إلخ)

مستند وجوب الأعلام عليهما في الموردين هو التسبيب منهما فإنهما و ان كانا حين الخطاء معذورين و لكن بعد العلم و عدم البيان غير معذورين في السكوت عن بيان الواقع إذ ما يقع من العمل الغير المطابق للواقع فإنه بسببهما فيلحقهما وزر من عمل بقولهما.

قوله قده مسألة 49: (إذا اتفق في أثناء الصلاة مسألة. إلخ)

انما يصح ما ذكره (قده) من البناء على أحد الطرفين حتى يفرغ من صلاته و يسأل إذا تمشي منه قصد القربة، و الأحوط إعادة الصلاة و أن تبين ما أتى به موافقا للواقع

قوله قده مسألة 50: (يجب على العامي في زمان الفحص عن المجتهد. إلخ)

و ذلك لأنه مكلف بالواقع و لا سبيل له اليه إلا الاحتياط أو العمل بأحوط

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 44

[ (مسألة 51) المأذون و الوكيل عن المجتهد في التصرف في الأوقاف أو في أموال القصر ينعزل بموت المجتهد]

(مسألة 51) المأذون و الوكيل عن المجتهد في التصرف في الأوقاف أو في أموال القصر ينعزل بموت المجتهد (1) بخلاف المنصوب من قبله كما إذا نصبه متوليا للوقف أو قيّما على القصر فإنه لا تبطل توليته و قيمومته على الأظهر.

______________________________

الأقوال ما لم يلزم منه عسر و حرج فيعمل بمظنون المطابقة منهما للواقع و إلا تخير أحد الأقوال.

قوله قده مسألة 51: (المأذون و الوكيل عن المجتهد في التصرف في الأوقاف أو في أموال القصر ينعزل بموت المجتهد. إلخ)

لا يخفى ان الفرق بين الأذن و الوكالة

هو العموم و الخصوص المطلق فإنه لا إشكال في كون الاذن المطلق أعم من الوكالة و يختلفان حكما فيصح تعليق الاذن على شرط أو صفة بخلاف الوكالة فإنه يشترط فيها التنجيز، فلو علقت على شرط متوقع كقدوم المسافر أو صفة مترقبة كطلوع الشمس لم يصح، و يشتركان في انعزالهما بموت الآذن و الموكل إذ تصرف المأذون تبعا للاذن و بالموت ينعدم الاذن لعدم بقاء موضوعه و كذلك تصرفات المأذون الوكيل انما هي بالنيابة عن الموكل و بالموت ينعدم المنوب عنه فلا معنى للنيابة عنه، هذا مع قيام الإجماع فيهما على الانعزال بالموت، و أما عدم الانعزال في المنصوب من قبل المجتهد متوليا للوقف أو قيما على أموال اليتامى فلان ذلك إعطاء منصب و احداث أهلية لتولية المقام المجعول له، هذا غاية ما يمكن أن يقال و المسألة بعد محل اشكال و نظر من جهتين: (الأولى) في أنه هل للحاكم الشرعي مثل هذا الجعل و النصب أم لا؟ (و الثانية) في عدم انعزاله بموت المجتهد أو بعزله إياه بعد فرض أن للحاكم مثل هذا الجعل و النصب.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 45

[ (مسألة 52) إذا بقي على تقليد الميت من دون ان يقلد الحي]

(مسألة 52) إذا بقي على تقليد الميت (1) من دون ان يقلد الحي في هذه المسألة كان كمن عمل من غير تقليد.

[ (مسألة 53) إذا قلد من يكتفي بالمرة مثلا في التسبيحات الأربع]

(مسألة 53) إذا قلد من يكتفي بالمرة مثلا (2) في التسبيحات الأربع و اكتفى بها أو قلد من يكتفي في التيمم بضربة واحدة ثم مات ذلك المجتهد فقلد من يقول بوجوب التعدد لا يجب عليه إعادة الأعمال السابقة، و كذا لو أوقع عقدا أو إيقاعا بتقليد مجتهد يحكم بالصحة ثم مات و قلد من يقول بالبطلان يجوز له البناء على الصحة، نعم فيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني، و اما إذا قلد من يقول بطهارة شي ء كالغسالة ثم مات و قلد من يقول بنجاسته فالصلوات و الأعمال السابقة محكومة بالصحة و ان كانت مع استعمال ذلك الشي ء و اما نفس ذلك الشي ء إذا كان باقيا فلا يحكم بعد ذلك بطهارته و كذا في الحلية و الحرمة، فإذا افتى المجتهد الأول بجواز الذبح بغير الحديد مثلا فذبح حيوانا كذلك فمات المجتهد و قلد من يقول بحرمته، فان باعه أو أكله حكم بصحة البيع و اباحة الأكل و أما إذا كان الحيوان المذبوح موجودا فلا يجوز بيعه و لا أكله و هكذا.

______________________________

قوله قده مسألة 52: (إذا بقي على تقليد الميت. إلخ)

قد مر حكمه في المسألة الأربعين.

قوله قده مسألة 53: (إذا قلد من يكتفي بالمرة مثلا. إلخ)

حاصله:

ان ما مضى من أعماله صحيح و لا يحتاج إلى الإعادة لأنه كان بحجة شرعية، و أما ما يستقبل من الأعمال أو بعد لم يرتب عليه الأثر كعدم بيع الذبيحة أو عدم أكلها فيجب عليه متابعة المقلد الفعلي و الأحوط له متابعة من قلده فعلا كيفما افتى.

العمل

الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 46

[ (مسألة 54) الوكيل في عمل عن الغير]

(مسألة 54) الوكيل في عمل عن الغير (1) كإجراء عقد أو إيقاع أو إعطاء خمس أو زكاة أو كفارة أو نحو ذلك يجب أن يعمل بمقتضى تقليد الموكل لا تقليد نفسه إذا كانا مختلفين، و كذلك الوصي في مثل ما لو كان وصيا في استيجار الصلاة عنه يجب أن يكون على وفق فتوى مجتهد الميت.

[ (مسألة 55) إذا كان البائع مقلدا لمن يقول بصحة المعاطاة]

(مسألة 55) إذا كان البائع مقلدا (2) لمن يقول بصحة المعاطاة مثلا أو العقد بالفارسي و المشتري مقلدا لمن يقول بالبطلان لا يصح البيع بالنسبة إلى البائع أيضا لأنه متقوم بطرفين فاللازم أن يكون صحيحا من الطرفين و كذا في كل عقد كان مذهب أحد الطرفين بطلانه و مذهب الآخر صحته.

______________________________

قوله قده مسألة 54: (الوكيل في عمل عن الغير. إلخ)

نعم الأمر كما ذكره (قدس سره) فيما ذكره من وجوب إيقاع الأعمال المذكورة على طبق تقليد الموكل إذ هو الواجب عليه ظاهرا حسب الحجة الشرعية اللازم عليه متابعتها و الوكيل نائب عنه في إيقاع ما وجب عليه، نعم يشكل الأمر في الوصي فإن الوصاية ليست وكالة له بل هي إعطاء منصب و احداث أهلية لتولية ما اوصى به بعد موته فعلى ذلك يجب عليه تحرى ما هو واجب عليه بحسب تقليده أو اجتهاده.

قوله قده مسألة 55: (إذا كان البائع مقلدا. إلخ)

أما بطلان العقد بالنسبة الى من يرى بطلان الفضولي أو الفارسي اجتهادا أو تقليدا فمما لا اشكال فيه، و اما بطلانه بالنسبة الى من يرى الصحة فيهما فمشكل، و الظاهر الصحة إذ لا مانع منها بحسب اجتهاده أو تقليده، و تقوّمه بطرفين لا يصلح للمانعية بعد ما يراه المجوز من صحة المعاملة و انتقال كل مال الى الآخر و يخطئ

العمل الأبقى

في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 47

[ (مسألة 56) في المرافعات اختيار تعيين الحاكم]

(مسألة 56) في المرافعات اختيار تعيين الحاكم بيد المدعي (1)

______________________________

طرفه في عدم الانتقال، نعم لو كانت المعاملة متقومة بالتكليفين لتم ما ذكره و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 56: (في المرافعات اختيار تعيين الحاكم بيد المدعى)

وجهه هو ان الحق في الدعوى له فكذلك اختيار التعيين اليه و هو محل نظر و إشكال لإطلاق دليله كما في (مقبولة) ابن حنظلة: انظروا الى من كان منكم قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فارضوا به حكما فانى قد جعلته عليكم حاكما (و ما رواه) في الوسائل بطريقه عن ابى خديجة سالم بن مكرم الجمال انظروا الى رجل منكم تعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فانى قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه، و أصرح منهما دلالة القوى المتقدم عن عمر بن حنظلة بعد امره عليه السّلام بالرجوع الى العالم بالأحكام قلت: فان كل واحد منهما اختار رجلا و كلاهما اختلفا قال: الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و أورعهما و لا يلتفت الى ما يحكم به الآخر.

و لم يقل عليه السّلام بعد قول السائل فإن كل واحد منهما اختار رجلا ان اختيار تعيين الحاكم بيد المدعى و ان المدعى عليه لا اختيار له بل أقر السائل على ذلك و أجاب عليه السّلام عن حكم المسألة (و ما يقال) من أن الأدلة المذكورة ليست في مقام البيان من هذه الجهة حتى يؤخذ بإطلاقها و انما هي في تشريع حكومة أهل العدل من فقهاء الإمامية (قلنا) ان انتفت دلالة هذه الأخبار على الإطلاق المزبور فيكفينا عدم الدليل على التقييد فالمرجع أصالة الإطلاق، مع ان ذيل

مقبولة ابن حنظلة صريحة في الإطلاق و ما ذكر من الوجه للتقييد فإنما هو مجرد استحسان لا يركن إليه في قبال الأصل المزبور.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 48

إلا إذا كان مختار المدعى عليه أعلم (1) بل مع وجود الأعلم و إمكان الترافع إليه الأحوط الرجوع اليه مطلقا.

[ (مسألة 57) حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه]

(مسألة 57) حكم الحاكم الجامع للشرائط (2) لا يجوز نقضه و لو لمجتهد آخر إلا إذا تبين خطؤه.

[ (مسألة 58) إذا نقل ناقل فتوى المجتهد لغيره ثم تبدل رأي المجتهد]

(مسألة 58) إذا نقل ناقل فتوى المجتهد (3) لغيره ثم تبدل رأي المجتهد في تلك المسألة لا يجب على الناقل أعلام من سمع منه الفتوى و ان كان أحوط بخلاف ما إذا تبين خطؤه في النقل فإنه يجب عليه الأعلام.

______________________________

قوله قده في هذه المسألة: (إلا إذا كان مختار المدعى عليه اعلم. إلخ)

تعبدا بذيل المقبولة المتقدمة.

قوله قده مسألة 57: (حكم الحاكم الجامع للشرائط. إلخ)

اما عدم جواز نقضه إذا لم يتبين خطؤه لمقبولة عمر بن حنظلة و فيها: فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم اللّه و علينا رد و الراد علينا الراد على اللّه و هو على حد الشرك باللّه. و أما رده إذا تبين خطأه فللإجماع و القطع بأنه خلاف حكم اللّه تعالى فإمضاؤه إدخال في الدين ما ليس منه و حكم بغير ما انزل اللّه فيدخل في نصوص من حكم بغير ما انزل اللّه أو لم يحكم بما أنزل اللّه و ما تواتر من نقض أمير المؤمنين عليه السّلام ما أخطأت به الظلمة في أحكامهم.

قوله قده مسألة 58: (إذا نقل ناقل فتوى المجتهد. إلخ)

وجه عدم وجوب الأعلام مع تبدل الرأي هو ان الناقل لم يقصر في النقل بل نقل حقا و ذكر صدقا و لم يقع المنقول إليه في خلاف الواقع بسببه بل بسبب تبدل رأى المجتهد بخلاف ما إذا تبين خطؤه في النقل فان وقوع المنقول إليه في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 49

[ (مسألة 59) إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى تساقطا]

(مسألة 59) إذا تعارض الناقلان (1) في نقل الفتوى تساقطا و كذا البينتان، و إذا تعارض النقل مع السماع عن المجتهد شفاها قدم السماع، و كذا إذا تعارض ما في الرسالة مع السماع، و في

تعارض النقل مع ما في الرسالة قدم ما في الرسالة مع الا من من الغلط.

______________________________

الخطأ بسببه فلهذا يجب أعلامه كما تقدم ذلك في مسألة 48 و اما وجه الاحتياط في الإعلام فيما نحن فيه فلعله من باب الإرشاد و المعاونة على البر و التقوى و هو واجب كفائي و إذا انحصر في فرد و لم يطلع عليه غيره كما في ما نحن فيه وجب عليه عينا.

قوله قده مسألة 59: (إذا تعارض الناقلان. إلخ)

ذكر في هذه المسألة جهات من التعارض و ذكر لكل حكما، فما ذكر من التساقط في حكم المعارضة الاولى و هي ما لو تعارض الناقلان في نقل الفتوى فيمكن أن يقال يجب أولا اعمال المرجحات المذكورة في الخبرين المتعارضين فيهما كما ذكره سيدنا الأستاذ الأصفهاني (قده) في حاشيته، فاذا تساويا من جميع الجهات تساقطا، لا التساقط ابتداء قبل اعمال المرجحات و هو وجه وجيه، إذ لا يفهم الخصوصية في مجي ء الخبرين عنهم (ع) بل ذلك حكم كل خبرين متعارضين، نعم الحكم بالتساقط في المعارضة الثانية و هي تعارض البينتين فكما ذكره (قدس سره) إذ الأخذ بأحدهما معينا ترجيح بلا مرجح و مخيرا يحتاج الى الدليل بعد لمكان الاحتياط، و كذا الحكم ما ذكره من تقديم السماع على النقل في المعارضة الثالثة و ذلك لبعد تطرق الاشتباه الى السماع من المجتهد بخلافه في النقل عنه، و يشكل ما ذكره من عطف المعارضة الرابعة و هي تعارض ما في الرسالة مع السماع من المجتهد على الثالثة و تسويتهما في الحكم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 50

[ (مسألة 60) إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها و لم يكن الأعلم حاضرا]

(مسألة 60) إذا عرضت مسألة (1) لا يعلم حكمها و لم يكن الأعلم حاضرا، فإن أمكن تأخير

الواقعة إلى السؤال يجب ذلك، و إلا فإن أمكن الاحتياط تعين و ان لم يمكن يجوز الرجوع الى مجتهد آخر الأعلم فالأعلم، و ان لم يكن هناك مجتهد آخر و لا رسالته يجوز العمل بقول المشهور بين العلماء إذا كان هناك من يقدر على تعيين قول المشهور، و إذا عمل بقول المشهور ثم تبين له بعد ذلك مخالفته لفتوى مجتهده فعليه الإعادة أو القضاء، و إذا لم يقدر على تعيين قول المشهور يرجع الى أوثق الأموات، و إن لم يمكن ذلك أيضا يعمل بظنه، و ان لم يكن له ظن بأحد الطرفين يبنى على أحدهما، و على التقادير بعد الاطلاع على فتوى المجتهد ان كان عمله مخالفا لفتواه فعليه الإعادة أو القضاء.

______________________________

من تقديم السماع من المجتهد على ما في الرسالة، و وجه الإشكال عدم تسليم أبعدية الاشتباه في السماع منه على ما في الرسالة إذا كانت مأمونة من الغلط مقروءة على المجتهد بل هما متعارضان حكمهما التساقط كالمعارضة الثانية، و اما المعارضة الخامسة و هي معارضة النقل عن المجتهد مع ما في الرسالة فالظاهر ان حكمها ما ذكره (قده) من تقديم ما في الرسالة مع الأمن من الغلط و ذلك لأقوائية حصول الظن منه و أبعديته عن الاشتباه مما في النقل و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 60: (إذا عرضت مسألة. إلخ)

يكفي في وجوب الإعادة أو القضاء في المراتب المذكورة من الأعمال لو تبين مخالفتها لفتوى مجتهده الذي يجب الرجوع إليه أدلة الواقع إذ هي أحكام عقلية وقتية عذرية مع عدم انكشاف الواقع أو الطريق الذي يتعين عليه سلوكه و هو فتوى الأعلم فإنه بمنزلة انكشاف الواقع تنزيلا، فاذا انكشفا و كان ما أتى به مخالفا

لهما وجب عليه ترتيب آثارهما من الإعادة ان كان في الوقت أو القضاء ان كان في خارجه كل ذلك لإطلاق أدلة الأحكام الواقعية.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 51

[ (مسألة 61) إذا قلد مجتهدا ثم مات فقلد غيره ثم مات فقلد من يقول بوجوب البقاء على تقليد الميت]

(مسألة 61) إذا قلد مجتهدا ثم مات فقلد غيره ثم مات (1) فقلد من يقول بوجوب البقاء على تقليد الميت أو جوازه فهل يبقى على تقليد المجتهد الأول أو الثاني؟ الأظهر الثاني و الأحوط مراعاة الاحتياط.

[ (مسألة 62) يكفي في تحقق التقليد أخذ الرسالة و الالتزام بالعمل]

(مسألة 62) يكفي في تحقق التقليد أخذ الرسالة و الالتزام بالعمل بما فيها (2) و ان لم يعلم ما فيها و لم يعمل، فلو مات مجتهده يجوز له البقاء و ان كان الأحوط مع عدم العلم بل مع عدم العمل و لو كان بعد العلم عدم البقاء و العدول إلى الحي بل الأحوط استحبابا على وجه عدم البقاء مطلقا و لو كان بعد العلم و العمل.

______________________________

قوله قده مسألة 61: (إذا قلد مجتهدا ثم مات فقلد غيره ثم مات. إلخ)

بل الأظهر ما استظهره سيدنا الأستاذ العلامة الأصفهاني (قده) في الحاشية من البقاء على تقليد الأول ان كان مذهب الثالث وجوب البقاء، و على تقليد الثاني ان كان مذهبه جوازه، و ذلك بتقريب أن الثالث ان كان مذهبه وجوب البقاء على تقليد الميت فلازمه ان الرجوع الى الثاني بعد موت الأول غير جائز و ليس بتقليد صحيح و لا حجة شرعية بالنسبة إلى المقلد و ليس طريقا مجعولا له، بل حجته و طريقه هو البقاء على تقليد الأول فيجب فعلا البقاء عليه، و أما ان كان مذهب الثالث جواز البقاء لا وجوبه فلازمه ان تقليده للثاني صحيح مجز و انقطع به تقليده للأول فرجوعه إلى الأول بعد موت الثاني يكون كتقليد الميت ابتداء و هو غير صحيح، فالذي يجوز له: البقاء على تقليد الثاني أو الرجوع الى تقليد الثالث الحي ليس إلا و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 62: (يكفي في تحقق

التقليد أخذ الرسالة و الالتزام بالعمل بما فيها. إلخ)

قد تقدم الكلام بما في هذه المسألة مفصلا في مسألة 8 فلا نعيده.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 52

[ (مسألة 63) في احتياطات الأعلم إذا لم يكن له فتوى يتخير]

(مسألة 63) في احتياطات الأعلم إذا لم يكن له فتوى (1) يتخير المقلد بين العمل بها و بين الرجوع الى غيره الأعلم فالأعلم.

[ (مسألة 64) الاحتياط المذكور في الرسالة اما استحبابي]

(مسألة 64) الاحتياط المذكور في الرسالة اما استحبابي (2) و هو ما إذا كان مسبوقا أو ملحوقا بالفتوى و اما وجوبي و هو ما لم يكن معه فتوى و يسمى بالاحتياط المطلق و فيه يتخير المقلد بين العمل به و الرجوع الى مجتهد آخر، و اما القسم الأول فلا يجب العمل به و لا يجوز الرجوع الى الغير بل يتخير بين العمل بمقتضى الفتوى و بين العمل به.

[ (مسألة 65) في صورة تساوي المجتهدين يتخير بين تقليد أيهما شاء]

(مسألة 65) في صورة تساوي المجتهدين (3) يتخير بين تقليد أيهما شاء كما يجوز له التبعيض حتى في أحكام العمل الواحد، حتى انه لو كان مثلا فتوى أحدهما وجوب جلسة الاستراحة و استحباب التثليث في التسبيحات الأربع و فتوى الآخر بالعكس يجوز ان يقلد الأول في استحباب التثليث و الثاني في استحباب الجلسة.

______________________________

قوله قده مسألة 63: (في احتياطات الأعلم إذا لم يكن له فتوى. إلخ)

انما يجب الأخذ بارائه و فتاويه فحيث لا رأى له في مسألة جاز الرجوع الى غيره ممن له رأى فيها الأعلم فالأعلم إذا لم يختر العمل بالاحتياط.

قوله قده مسألة 64: (الاحتياط المذكور في الرسالة اما استحبابي. إلخ)

الاحتياط الاستحبابي ما كان معه فتوى و رأى للمجتهد فلهذا لا يجوز الرجوع في تلك المسألة إلى غيره بخلاف الاحتياط الوجوبي كما تقدم في المسألة السابقة.

قوله قدس مسألة 65: (في صورة تساوى المجتهدين. إلخ)

إذ تعيين أحدهما و ترجيحه مع فرض تساويهما تعيين بلا معين و ترجيح بلا مرجح

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 53

[ (مسألة 66) لا يخفى ان تشخيص موارد الاحتياط عسر على العامي]

(مسألة 66) لا يخفى ان تشخيص (1) موارد الاحتياط عسر على العامي إذ لا بد فيه من الاطلاع التام، و مع ذلك قد يتعارض الاحتياطان فلا بد من الترجيح و قد لا يلتفت الى إشكال المسألة حتى يحتاط، و قد يكون الاحتياط في ترك الاحتياط، مثلا الأحوط ترك الوضوء بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر لكن إذا فرض انحصار الماء فيه الأحوط التوضي به بل يجب ذلك، بناءا على كون احتياط الترك استحبابيا و الأحوط الجمع بين التوضي به و التيمم، و أيضا الأحوط التثليث في التسبيحات الأربع لكن إذا كان في ضيق الوقت و يلزم من التثليث وقوع

بعض الصلاة خارج الوقت فالأحوط ترك هذا الاحتياط أو يلزم تركه، و كذا التيمم بالجص خلاف الاحتياط لكن إذا لم يكن معه إلا هذا فالأحوط التيمم به و ان كان عنده الطين مثلا فالأحوط الجمع و هكذا.

[ (مسألة 67) محل التقليد و مورده هو الأحكام الفرعية العملية]

(مسألة 67) محل التقليد و مورده (2) هو الأحكام الفرعية العملية فلا يجري في أصول الدين و في مسائل أصول الفقه و لا في مبادي الاستنباط من النحو و الصرف و نحوهما و لا في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية و لا في الموضوعات الصرفة، فلو شك المقلد في مائع انه خمر أو خل مثلا و قال المجتهد انه خمر لا يجوز له تقليده، نعم من حيث انه مخبر عادل يقبل قوله كما في اخبار العامي العادل

______________________________

قوله قده مسألة 66: (لا يخفى ان تشخيص. إلخ)

ملخص ما أراده (قدس سره) مما ذكره في هذه المسألة هو ان الأحوط للعامي بل المتعين عليه ترك العمل بالاحتياط مهما أمكن و الرجوع الى التقليد.

قوله قده مسألة 67: (محل التقليد و مورده. إلخ)

ما ذكره (قده) من ان محل التقليد و مورده هو الأحكام الفرعية العملية دون غيرها مما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 54

و هكذا، و اما الموضوعات المستنبطة الشرعية كالصلاة و الصوم، و نحوهما فيجري التقليد فيها كالأحكام العملية.

[ (مسألة 68) لا يعتبر الأعلمية فيما أمره راجع الى المجتهد]

(مسألة 68) لا يعتبر الأعلمية (1) فيما أمره راجع الى المجتهد إلا في التقليد، و أما الولاية على الأيتام و المجانين و الأوقاف التي لا متوالي لها و الوصايا التي لا وصي لها و نحو ذلك فلا يعتبر فيها الأعلمية، نعم الأحوط في القاضي أن يكون أعلم من في ذلك البلد أو في غيره مما لا حرج في الترافع اليه.

______________________________

ذكره و عدّده مبني على أن التقليد خلاف القاعدة الأولية و ليس لدليله عموم و لا إطلاق فيقتصر به على القدر المتيقن و هو الأحكام الفرعية العملية و إلا لو منعنا ذلك و قلنا ان لدليله عموما أو إطلاقا

لجرى فيما ذكر من الأحكام الفرعية العملية و في كل ما له مسيس بها، كالمسائل الأصولية كمسألة الضد مثلا و مسألة اجتماع الأمر و النهى و جريان الاستصحاب في الشك من حيث المقتضى و المانع و أمثال ذلك، و كذلك في الموضوعات المستنبطة العرفية كمسألة كفاية الاتصال في صدق الدفعة العرفية في إلقاء كر طاهر على كر نجس دفعة و غير ذلك، نعم لا يجرى التقليد في أصول الدين المطلوب فيها الاعتقاد عن دليل و برهان و ان كان في عدم كفاية التقليد فيها مجال للكلام تركناه خوف الإطالة و الخروج عما ألزمت به نفسي من الإشارة و الدلالة.

قوله قده مسألة 68 (لا يعتبر الأعلمية. إلخ)

و ذلك للأصل و لإطلاق دليلها مثل (التوقيع) المروي في إكمال الدين و غيبة الشيخ و احتجاج الطبرسي بأسانيدهم كلهم عن إسحاق بن يعقوب قال سألت محمد بن عثمان العمرى ان يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علىّ فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السّلام: اما ما سألت عنه أرشدك اللّه و ثبتك- الى ان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 55

[ (مسألة 69) إذا تبدل رأي المجتهد هل يجب عليه أعلام المقلدين أم لا]

(مسألة 69) إذا تبدل رأي المجتهد (1) هل يجب عليه أعلام المقلدين أم لا فيه تفصيل، فان كانت الفتوى السابقة موافقة للاحتياط فالظاهر عدم الوجوب و ان كانت مخالفة فالأحوط الأعلام بل لا يخلو من قوة.

[ (مسألة 70) لا يجوز للمقلد إجراء أصالة البراءة. أو الطهارة]

(مسألة 70) لا يجوز للمقلد إجراء أصالة البراءة. أو الطهارة أو الاستصحاب في الشبهات الحكمية (2)، و اما في الشبهات الموضوعية فيجوز بعد ان قلد مجتهده في حجيتها، مثلا إذا شك في أن عرق الجنب من الحرام نجس أم لا ليس له إجراء أصل الطهارة، لكن في ان هذا الماء أو غيره لاقته النجاسة أم لا، يجوز له إجراؤها بعد ان قلد المجتهد في جواز الاجراء.

______________________________

قال-: و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم و انا حجة اللّه، و أما محمد بن عثمان العمري فرضي اللّه عنه و عن أبيه من قبل فإنه ثقتي و كتابه كتابي. إلخ، و غير ذلك من الأخبار المطلقة في الولايات المذكورة، و امّا ما ذكره من الاحتياط في اعلمية القاضي فلما ورد من ترجيحه في مقبولة ابن حنظلة المتقدمة.

قوله قده مسألة 69: (إذا تبدل رأى المجتهد. إلخ)

وجه ما اختاره من الاحتياط في الأعلام و اقوائيته في صورة ما لو كانت الفتوى الأولى مخالفة للاحتياط هو ما تقدم في مسألة 48 من أن إبقاء المقلدين على غفلتهم و عدم إعلامهم بتبدل رأيه يعد عرفا تسبيبا منه في وقوعهم بخلاف الواقع و ان كان قبل تبدل الرأي معذورا مع جريان ما ذكر في مسألة 58 فيه من أنه إرشاد و معاونة على البر و التقوى و هو واجب كفائي و إذا انحصر في فرد وجب عليه عينا.

قوله قده مسألة 70: (لا

يجوز للمقلد إجراء أصالة البراءة أو الطهارة

أو الاستصحاب في الشبهات الحكمية. إلخ)

الفرق فيما ذكره (قده) من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 56

[ (مسألة 71) المجتهد الغير العادل أو مجهول الحال لا يجوز تقليده]

(مسألة 71) المجتهد الغير العادل أو مجهول الحال لا يجوز تقليده (1) و ان كان موثوقا به في فتواه لكن فتاواه معتبرة لعمل نفسه، و كذا لا ينفذ حكمه و لا تصرفاته في الأمور العامة و لا ولاية له في الأوقاف و الوصايا و أموال القصّر و الغيّب.

[ (مسألة 72) الظن بكون فتوى المجتهد كذا لا يكفي في جواز العمل]

(مسألة 72) الظن بكون فتوى المجتهد كذا لا يكفي في جواز العمل إلا إذا كان حاصلا من ظاهر لفظه (2) شفاها أو لفظ الناقل أو من ألفاظه في رسالته، و الحاصل ان الظن ليس حجة إلّا إذا كان حاصلا من ظواهر الألفاظ منه أو من الناقل.

______________________________

عدم جواز إجراء الأصول العملية في الشبهات الحكمية و جوازه في الشبهات الموضوعية: هو أن الأصول المذكورة في الشبهات الحكمية لا تصل النوبة إليها إلا بعد البحث عن الأدلة الاجتهادية و عدم الظفر بدليل منها سواها و ذلك وظيفة المجتهد بخلاف الشبهات الموضوعية فإنها لا تحتاج الى بحث و تنقيب إذ منشأ الشبهة فيها هو الأمور الخارجية و ذلك لا يختص بالمجتهد.

قوله قده مسألة 71: (المجتهد الغير العادل أو مجهول الحال لا يجوز تقليده. إلخ)

لما تقدم مرارا من اشتراط العدالة في المقلد و كذا نفوذ حكمه و تصرفاته في الأمور العامة، نعم اعتبار فتواه في عمل نفسه غير مشروط بالعدالة لأدلة تنجز الواقع و العمل بالطرق المجعولة على كل مكلف من دون اشتراطها بالعدالة بل عدم اشتراطها بالإسلام و انما هو شرط في الصحة ليس إلا قوله قده مسألة 72: (الظن بكون فتوى المجتهد كذا لا يكفي في جواز العمل إلا إذا كان حاصلا من ظاهر لفظه. إلخ)

و ذلك لما ذكره (قده) من عدم جواز العمل بالظن الذي لم يقم عليه دليل

خاص. و اما العمل بالظواهر فإنه حجة للسيرة القطعية على العمل بها.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 57

[فصل في المياه]

اشارة

فصل في المياه الماء اما مطلق أو مضاف (1) كالمعتصر من الأجسام أو الممتزج بغيره مما يخرجه عن صدق اسم الماء، و المطلق أقسام: الجاري و النابع غير الجاري و البئر و المطر و الكر و القليل. و كل واحد منها مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر مطهر من الحدث و الخبث.

______________________________

قوله قده: (فصل في المياه: الماء اما مطلق أو مضافا. إلخ)

قسم (قدس سره) الماء الى قسمين مطلق و مضاف، أما المضاف فيأتي حكمه، و أما المطلق فذكر له حكمين و هما: انه طاهر في نفسه بجميع أقسامه و مطهر لغيره، لا ريب في طهارة الماء بأصل الخلقة الإلهية و العصمة السبحانية سواء نزل من السماء أو نبع من الأرض أو أذيب من الثلج و البرد و ماء بحر كان أو غيره إجماعا من العلماء كافة كما في المعتبر و المنتهى و التذكرة و الغنية و غيرها و لقوله تعالى (وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً) و قوله عز و جل (وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) (و لما رواه) الشيخان في الكافي و التهذيب بطرق متعددة فيها الصحيح و المرسل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: الماء كله طاهر حتى تعلم انه قذر (و ما رواه) في الفقيه مرسلا عن الصادق عليه السّلام كل ماء طاهر إلا ما علمت انه قذر (و للخبر) المشهور عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه (و لما رواه) الشيخ

في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان قال سألته عن ماء البحر أ طهور هو؟ قال: نعم (و ما رواه) في الصحيح عن داود بن فرقد قال كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة من بول قرضوا لحومهم بالمقاريض و قد وسّع اللّه عليكم بأوسع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 58

..........

______________________________

ما بين السماء و الأرض و جعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون (و ما رواه) في الصحيح عن جميل بن دراج و محمد بن حمران فان اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا (و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) بعد السؤال عن ماء البحر هو الطهور ماؤه الحل ميته (و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب ان يغسل سبعا. الى غير ذلك من الأخبار التي ستأتي متفرقة في تضاعيف أبواب الطهارة مما لا يحصى كثرة. و وجه الدلالة في الآيتين مستفاد من قوله تعالى (طَهُوراً) (و لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) فإنهما كما ترى صريحتان في الدلالة على الطهارة كما لا يخفى، و ما قيل من انهما خاصتان بالماء النازل من السماء فلا يعمان المدعى مردود (أولا) بأن الماء كله نازل من السماء كما قال الصدوق في الفقيه لقوله تعالى وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّٰاهُ فِي الْأَرْضِ وَ إِنّٰا عَلىٰ ذَهٰابٍ بِهِ لَقٰادِرُونَ (فعن القمي) عند تفسيرها انه روى عن مولانا الباقر عليه السّلام انه قال: هو الأنهار و العيون و الآبار، و لقوله تعالى أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَسَلَكَهُ يَنٰابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوٰانُهُ و لقوله تعالى هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ

مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرٰابٌ الى غير ذلك من انها كما ترى صريحة الدلالة على طهارة المياه و إنزالها من السماء و انها خلقت لمصالح العباد و احياء البلاد، و قد وردت في معرض الإنعام و الامتنان و لا يتم ذلك إلا بطهارتها، كيف لا و النجس لا منة فيه أصلا و رأسا لحرمة استعماله كما لا يخفى، فتخصيص الآية بماء المطر تحكم ظاهر مع عدم القائل بالفصل بين جميع المياه ان لم نقل انها نازلة من السماء (و لقوله) في صحيح محمد بن حمران و جميل بن دراج و غيرهما ان اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا، فإنها كما ترى صريحة الدلالة كغيرها من الأخبار التي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 59

..........

______________________________

أسلفنا على طهارة الماء بأصل الخلقة كما لا يخفى، و بالجملة كون الماء طاهرا بأسره مما لا يكاد ينكر أبدا.

(و اما) طهوريته لغيره فيدل عليه بعد الإجماع المحكى في المعتبر و المنتهى و غيرهما الآيات و الأخبار التي سلفت ان (طهورا) فيها كما سمعت من صيغ المبالغة كأكول و ضروب، و ليس المراد به فيها إلا التكرار و الكثرة كما هو الشأن في صيغ المبالغة، و حيث امتنع في (طهور) ذلك إذ لا معنى لكثرة الطهارة و شدتها كما لا يخفى كان المراد به انه طاهر في نفسه مطهر لغيره، كيف لا و قد جاء في معرض الامتنان و الانعام كما سمعت و هو لا يتم إلا بكونه طاهرا مطهرا إذ لا منة بالنجس كما قدمنا، هذا مع ما صرح به أئمة اللغة و علماء التفسير و غيرهما من ان (طهورا) المراد به طهارته في نفسه و مطهريته

لغيره فراجع كلماتهم في ذلك فضلا عن الفقهاء و أصحاب الحديث و اللّه العالم بحقيقة أحكامه، و إذا ثبت ذلك فهو مزيل للحدث و الخبث إجماعا و سنة، و المراد بالحدث الأثر الحاصل للإنسان عند عروض أحد أسباب الوضوء أو الغسل المانع من الصلاة و غيرها المتوقف رفعه على النية. و بالخبث النجس- بفتح الجيم- كما نص عليه غير واحد منا مصدر نجس ينجس فهو نجس- بالكسر- و هو معنى قائم بالإنسان يجب اجتنابه في الصلاة لا يتوقف رفعه على نية، و ان الخبث مما يدرك بالحس بخلاف الحدث، و المراد بالإدراك أي ما من شأنه أن يدرك فلا يرد علينا مثل البول اليابس الذي عدمت رائحته مثلا ثم ان اختصاص الماء المطلق بإزالة الحدث و الخبث من دون سائر المائعات إما تعبدي أي لا لعلة معقولة فيجب الاقتصار عليه، أو لاختصاصه بمزيد رقة و طيب و سرعة اتصال و انفصال بخلاف غيره من المائعات فإنها لا تنفك

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 60

[ (مسألة 1) الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر]

(مسألة 1) الماء المضاف (1) مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر لكنه غير مطهر لا من الحدث و لا من الخبث و لو في حال الاضطرار و ان لاقى نجسا تنجس و ان كان كثيرا، بل و ان كان مقدار الف كر فإنه ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة و لو بمقدار رأس ابرة في أحد أطرافه فينجس كله، نعم إذا كان جاريا من العالي الى السافل و لاقى سافله النجاسة لا ينجس العالي منه كما إذا صب الجلاب من إبريق على يد كافر فلا ينجس ما في الإبريق و ان كان متصلا بما في يده.

______________________________

عن أضدادها حتى أن ماء الورد منها

على ما قيل لا ينفك عن لزوجة و بدوّ اجزاء تظهر عند طول مكثه و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 1: (الماء المضاف.)

قد ذكر (قده) في هذه المسألة أحكاما ثلاثة للماء المضاف (أحدها) طهارته بحد ذاته مع عدم ملاقاته للنجاسة (ثانيها) أنه غير مطهر لا من الحدث و لا من الخبث (ثالثها) أنه لو لاقى نجسا تنجس و إن كان كثيرا ما لم يكن جاريا من العالي الى السافل و لاقى سافله النجاسة لا ينجس العالي منه، و لنتكلم في دليل كل واحد من الأحكام الثلاثة بانفراده فنقول و باللّه المستعان: أما طهارته فبإجماع الناس كما ذكر ذلك المحقق في المعتبر و غيره في غيره، مضافا الى أن النجاسة حكم شرعي و لا بد من استفادتها من دليل و ليس فليس، بل الدليل على العدم لدخوله تحت قوله عليه السّلام: (كل شي ء لك نظيف حتى تعلم انه قذر) فضلا عن الأصل السالم عن المعارض، و أما كونه لا يرفع حدثا فهو المشهور كما في (الشرح) لسيد الرياض و (كشف اللثام) و غيرهما بل عليه الإجماع كما في (الغنية) و (المنتهى) و (التذكرة) و (التحرير) و (نهاية الأحكام) و (المختلف) و (الذكرى) و (الروض) و غيرهم. (و أصالة) بقاء الحدث على ما كان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 61

..........

______________________________

لاستصحابه الثابت شرعا و لم يعلم رفعه بالمضاف لان العبادات توقيفية، و قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا)* دل على وجوب التيمم عند فقدان الماء المطلق لأنه المتبادر عند الإطلاق فهو المراد شرعا كما لا يخفى، و ماء الورد و أمثاله ليست بماء قطعا فلا يرفع الحدث بها (و ما رواه) الشيخ في كتابي الأخبار عن أبى

بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون معه اللبن أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا انما هو الماء و الصعيد، فإنها كما ترى قد منع الوضوء فيها باللبن و حصره في الماء و الصعيد.

(فان قيل) انها ضعيفة السند (قلنا) ضعف سندها منجبر بعمل المسلمين و فتاوى العلماء الراشدين مؤيدة بغيرها من الروايات الحاصرة للطهور بالماء و الصعيد و نحوها من الأخبار الواردة عنهم (ع) في غسل النجاسات بالماء، إذ ليس هو إلا الماء المطلق لأنه الفرد المتبادر المألوف كما لا يخفى، هذا و لم يخالف فيما ذكرنا سوى الصدوق في الفقيه و الأمالي و الدراية فإنه أجاز الوضوء بماء الورد. محتجا بما رواه عن يونس عن ابى الحسن عليه السّلام قال قلت له الرجل يغتسل بماء الورد و يتوضأ به للصلاة؟ قال: لا بأس بذلك، و هي شاذة مطعون في سندها قد أعرض المشهور عن العمل بها فلا تعارض ما ذكرناه من الأدلة و الأصول، و لو سلم لاحتمل أن يكون أراد به الوضوء الذي هو التحسين للرائحة و كونه للصلاة أي لا يقصد به التلذذ حسب، و يحتمل أنه أراد بماء الورد الماء الذي وقع فيه ورد لا يسلبه الإطلاق كماء السدر و ماء الكافور لا المعتصر و المصعد و صح إطلاقه عليه للمجاورة، كما انه يحتمل على بعد كما ذكروه ان يكون المراد به ماء الورد- بكسر الواو- و نفس أعراض المشهور عنها كاف في توهينها، و أما عدم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 62

..........

______________________________

رفعه للخبث فهو المشهور و عليه أكثر علمائنا كما في المختلف و الفقيه و الخلاف و التذكرة، بل في الروض على ما حكى الإجماع

كما في السرائر و هو الصحيح من المذهب، مضافا الى ان النجاسة حكم شرعي كما ان الطهارة حكم شرعي فزوالها يتوقف على الدليل و لا دليل، بل الدليل العدم لان استصحاب النجاسة و أصل العدم يقتضي ذلك قطعا، خصوصا الشغل اليقيني المستدعى للفراغ اليقيني، مع أوامر غسل النجاسة بالماء نحو ما رواه بريد بن معاوية عن أبى جعفر عليه السّلام أنه قال يجزى من الغائط المسح بالأحجار و لا يجزى من البول إلا الماء، و بهذا المضمون جملة من الأخبار التي لا تحصى المتضمنة لغسل النجاسات بالماء، و قد سمعت ان الماء ليس هو إلا المطلق لأنه المتبادر عند الإطلاق يقينا، كيف لا و قد حصر الغسل بالماء و هو المعنى بقوله تعالى:

(وَ جَعَلْنٰا مِنَ الْمٰاءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ) فإن ماء الورد و الباقلاء و الزعفران ليست بذلك النفع و الأحياء قطعا، فان المطلق هو المخصوص بالطهارة كما لا يخفى، و لذا قال سبحانه و تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ. وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا و ان لم تجدوا ماء فَتَيَمَّمُوا فإنه كما ترى قد حصر الطهارة بالماء و التراب و ليس الماء إلا المطلق كما ذكرنا، و لو كان المضاف مطهرا لذكره و ليس فليس، و قال تعالى وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ فإن الطهارة كما هو معلوم شاملة للخبثية و الحدثية قطعا، فلو كان غيره مطهرا لذكره في معرض الامتنان كما هو غير خفي على من له أدنى خبرة باللسان، و بالجملة فكون الماء مطهرا و ان الطهارة من الخبث مختصة به إلا في موضع النجو كما انها من الحدث مختصة به و بالتراب

مما لا يكاد ينكر، لان البول و الغائط و الجناية مما تتكرر من الإنسان الواحد في اليوم الواحد مرات،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 63

..........

______________________________

و لو أمر الشارع بإزالتها بغير الماء لوصل ذلك إلينا و شاع و ملاء الدفاتر و الأسماع و ليس فليس، بل ليس الظاهر من سيرة المسلمين و المتلقى من عمل الأئمة المعصومين (ع) إلا الطهارة بالماء قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يعفر بالتراب ثلاثا ثم يغسل بالماء) و لم يخاف فيما ذكر إلا السيد المرتضى (قده) فجوّز ازالة الخبث و رفعه به و احتج بإجماع الفرقة و بإطلاقات الغسل مثل قوله تعالى (وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ) و قوله عليه السّلام (في المستيقظ من النوم لا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها) و غيرهما من المطلقات الكثيرة و بخبر غياث بن إبراهيم (لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق) و بحسنة حكم بن حكيم الصير في قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أبول فلا أصيب الماء و قد أصاب يدي شي ء من البول فأمسحه بالحائط و التراب ثم تعرق يدي فأمس وجهي أو بعض جسدي أو تصيب ثوبي قال: لا بأس، بدعوى انه ليس التطهير إلا إزالة النجاسة و لا شك انها تزول بالماء و غيره و أمر عليه السّلام بالغسل. و لا شك انه شامل لجميع ما يسمى غسلا سواء كان بماء أو بغيره، و من جملة ما يسمى غسلا ما يغسل بالمضاف لأنه غسل يقينا (و الجواب) عنها أما الإجماع فممنوع في محل النزاع، كيف لا و قد سمعت ان المخالف أكثر من المؤالف فإنه لم ينقل عن

أحد سوى المفيد فدعوى الإجماع استنباطية كما حكى عن الخلاف من انه قال إنما أضاف ذلك الى مذهب الأصحاب، لان من أصلنا العمل بدليل العقل ما لم يثبت الناقل و ليس في الأدلة النقلية ما يمنع من استعمال المائعات في الإزالة و لا ما يوجبها و نحن نعلم انه لا فرق بين الخل و الماء في الإزالة بل ربما كان غير الماء أبلغ فحكمنا بدليل العقل. انتهى، فكان هذا الإجماع مستنبطا لأنه فرع على هذه الدعوى، و اما الآية فليس المراد منها كما وردت به الأخبار إلا التطهير من الدنس و القذر و العصيان كما هو المناسب لشأنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 64

..........

______________________________

لأنه لو أراد التطهير الشرعي لما كان لخصوص الثياب مدخل ابدا فليس المراد به إلا الإنقاء أو التشمير عن السحب و الرفع كما يفعله المتجبرون، فقد ورد في الخبر ان معنى فطهر فشمر، و في آخر فقصر، و في تفسير القمي انه التشمير و عن الكاظم عليه السّلام انه قال (وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ) و كانت ثيابه طاهرة و انما أمره بالتشمير، إلى غير ذلك من التفاسير من أنه أراد تشميرها و رفعها خوف الوقوع على النجاسة فتنجس، و لو سلمنا انه أراد التطهير الشرعي فلا نسلم ان المراد مطلق زوال النجاسة كما هو المعنى اللغوي، كلا بل ليس المراد إلا غسله بالماء لأنه المتيقن شرعا و ان كانت الطهارة لغة ازالة القذارة، لأنه لو كفى ازالة القذارة كما هو المدعى لاكتفينا بزوالها بالأحجار و الأظفار و نحوها و لا قائل به قطعا، فلم يبق إلا الماء و ليس هو إلا المطلق لأنه المتبادر،

و أما الأوامر الواردة بالغسل مطلقا فإنها و ان كانت حقيقة لغة و عرفا بما يسمى غسلا سواء كان بماء مطلق أو مضاف إلا ان المتبادر منها هو الفرد المعروف المألوف عند الناس فضلا عن أن يكون شرعا، و ليس هو إلا الغسل بالماء المطلق كما لا يخفى كما جاء به النص من أئمة الهدى (ع) من نحو غسل البول و الثوب و الإناء بالماء، و ليس المراد به إلا المطلق فيجب المصير اليه كما هو الشأن في غيره من الأخبار من حمل المطلق على المقيد، و أما خبر غياث فمتروك كما قاله غير واحد من الأصحاب لأن غياثا بتري ضعيف فلا يعمل على ما تفرد به كما قاله في المختلف، و لان صحت و صرحت روايته فحملها على الاستعانة بالبصاق و الإزالة به ثم بالماء لاحتمال ان البصاق- و اللّه أعلم- أبلغ في إزالة الدم، و اما خبر حكم بن حكيم فهو مخالف للإجماع بل مصادم للضرورة، كيف لا و قد العمل الابقى- 8

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 65

..........

______________________________

علمت باتفاق منا و من الخصم ان البول لا يزول بالتراب عن الجسد و مع هذا فيعارضه قوله عليه السّلام: (لا يجزى في البول إلا الماء) مع احتمال رجوع نفى البأس إلى طهارة الممسوس لا إلى طهارة الماس بناءا على عدم العلم بملاقاة المحل النجس له و ان حصل الظن لان الظن لا يغني عن الحق شيئا (و اما) انه لو لاقى نجسا تنجس قليله و كثيره هذا قول الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا كما في (المعتبر) و هو قول علمائنا أجمع كما في (التذكرة) و لا خلاف فيه بيننا كما في (المنتهى)

و إجماعا كما في (الذكرى، و الروض، و الروضة، و كشف اللثام) و غيرها و هو الحجة، و ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال: إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فان كان جامدا فألقها و ما يليها و كل ما بقي، و ان كان ذائبا فلا نأكله و استصبح به و الزيت مثل ذلك، و ما رواه السكوني عن الصادق عليه السّلام ان أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن قدر طبخت فإذا في القدر فارة قال: يراق ماؤها و يغسل اللحم و يؤكل، و ما رواه زكريا بن آدم قال سألته عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير قال: يراق المرق أو يطعم أهل الذمة أو الكلب، و اللحم أغسله و كله، فإنها كما ترى قد ترك الاستفصال فيها عن القلة و الكثرة فيشملهما معا قطعا و لا يختص بحال القلة يقينا، كما انه لا فرق بين الدهن و غيره من المائعات لإناطة الحكم بالجمود و الذوبان، و الذوبان يشمل جميع المائعات لمقابلته بالجمود الذي هو غير المائع، و كونه الدهن لا غير تحكم لعطف الزيت عليه و هو من المائعات، فالمراد من الخبر ان المائع الذائب ينجس بملاقاة النجاسة سواء كان دهنا أو زيتا أو ماءا أو مرقا أو غير ذلك و ليس الخبر إلا من باب المثال كما لا يخفى، و مثله رواية السكوني و زكريا بن آدم و لا يضر ضعف

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 66

..........

______________________________

سندهما لأنه مجبور بعمل الأصحاب.

(ثم) هل الحكم بتنجس المضاف بمجرد ملاقاة النجاسة يعم جميع أنحاء الملاقاة أو يستثني منه

الجزء العالي المتصل بالوارد منه على النجاسة؟ قولان المعروف و المشهور انما هو الثاني و هو اختيار المصنف (قده) بدعوى ان ظاهرهم تنجس المضاف مطلقا على نحو تنجس المطلق القليل، و لا يقولون بتنجس الجزء العالي من القليل المتصل بالوارد منه على النجاسة، و إلا لما أمكن تطهير ما يحتاج من النجاسة إلى التعدد بماء قليل من إناء واحد أو إبريق واحد و هو خلاف المعروف المتداول الذي عليه العمل، و بعبارة أخرى كما ذكره بعض الأعلام و المحققين العظام هو: انه لا يستفاد من الأدلة المتقدمة إلا كون وصول النجس الى الماء كغيره من الأجسام الطاهرة سببا لنجاسة الماء في الجملة، أما كونه مقتضيا لنجاسة مجموع اجزائه أو بعضها أو خصوص الجزء الملاقي للنجس كما في الأجسام الجامدة فلا يكاد يستفاد من شي ء من هذه الأخبار بالنظر الى مدلولها اللفظي من حيث هو، إذ لا فرق من حيث اللفظ بين قولك الثوب يتنجس بالبول و الماء يتنجس بالبول إلا أن بينهما فرقا فيما يتفاهم منهما عرفا، حيث ان كل جزء من أجزاء الثوب لجموده موضوع مستقل للانفعال بنظر العرف، و اما الجسم المائع فمجموع اجزائه موضوع واحد عرفا فلا يلاحظ كل جزء بحياله معروضا للانفعال، و قد أشرنا فيما سبق ان كيفية الانفعال أمرها موكول الى ما هو المغروس في أذهان عرف المتشرعة، إذ ليس لنا في الأدلة الشرعية ما كان مسوقا لبيان كيفية التنجيس، فلا بد من أن يرجع في تشخيص الموضوع الى ما يفهمه العرف من الخطاب، إذا عرفت ذلك فنقول: ان أهل العرف لا يتعقلون سراية النجاسة إلى العالي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 67

..........

______________________________

و لا يفهمونها من الخطابات

الشرعية، فكما لو جرى الماء العالي على شي ء من القذارات الصورية التي ينفر طباعهم عن ملاقيها لا يستقذرون هذا الماء العالي فكذلك لا يحتملون سراية النجاسة اليه، و لعله لذا ذكر في محكي الروض ان سراية النجاسة إلى العالي غير معقولة، ضرورة ان ثبوتها تعبدا معقول إلا ان العرف لا يتعقلونها و لا يفهمون نجاسة العالي من حكم الشارع بان الماء ينجس بملاقاة النجس، فاتضح لك ان الحكم بنجاسة ما عدى الجزء الملاقي يتوقف على شهادة العرف بكونه معروضا للنجاسة أو قيام دليل تعبدي، و حيث انتفى الأمران كما فيما نحن فيه فالأصل طهارته، و ليس حكم العرف بنجاسة سائر اجزاء الماء دائرا مدار وحدة الماء عرفا، إذ ربما يلتزمون بوحدة الماء بحيث يتقوى بعضه ببعض كما في ماء النهر، و لكنهم لا يتعقلون سراية النجاسة إلى الجزء العالي بملاقاة السافل، فتقرر لك انه لا حاجة لنا في إثبات طهارة العالي إلى التشبث بالإجماع حتى يشكل الأمر في بعض مراتب العلو التي لا يعلم بدخولها في مراد المجمعين، فلا وجه لتردد بعض الأعلام في حكم الجزء العالي مما عدى الماء من المائعات لزعمه انحصار المدرك في الإجماع و عدم ثبوته فيما عدى الماء من المائعات، هذا مع ان الظاهر ان تردده في انعقاد الإجماع في غير محله، و يلحق بالعالي في الحكم المساوي بل السافل أيضا إذا كان لهما دفع و قوة كالقربة التي يخرج من ثقبها الماء بحدة و يتصل بالسطح النجس فان ما فيها يبقى على طهارته فلا اشكال لعين ما ذكر و اللّه العالم. انتهى كلامه رفع مقامه (و حكى) عن صاحب المناهل (ره) و جده أنهما صارا إلى الأول فحكما بأن

النجاسة تسرى من السافل الى العالي في المضاف و تبعهما غيرهما بتقريب انه لو لاقت النجاسة أول جزء من هذا الماء أو المرق أو الدهن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 68

[ (مسألة 2) الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن إطلاقه]

(مسألة 2) الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن إطلاقه (1)، نعم لو مزج معه غيره و صعّد كماء الورد يصير مضافا.

[ (مسألة 3) المضاف]

(مسألة 3) المضاف (2) المصعد مضاف.

[ (مسألة 4) المطلق أو المضاف النجس يطهر بالتصعيد]

(مسألة 4) المطلق أو المضاف النجس (3) يطهر بالتصعيد لاستحالته بخارا ثم ماءا

______________________________

المائع فلا شك في سراية النجاسة الى ما حول ذلك الجزء قطعا و هكذا إلى تمام الأجزاء بالغا ما بلغ في الكثرة ذلك المائع أو الماء كما هو صريح قوله عليه السّلام (ألقه و ما يليه، و ان كان ذائبا فلا تأكله) لأن النهي تعلق بأكله تماما، و ليس ذلك إلا لنجاسته قطعا، و لا شك ان النجاسة إنما لاقت أول أجزاء المائع قطعا فنجاسة الباقي إنما هي بالسراية يقينا كما هو الشأن في سائر المائعات من نحو الماء القليل و الكر الطاهر المتصل بالمنفعل حين الملاقاة قبل الممارجة و حينئذ فلا ريب في سراية النجاسة من السافل إلى العالي و من العالي الى السافل تساوت سطوحه أم اختلفت كما هو مقتضى قوله عليه السّلام (ألقه و ما يليه) فإنه شامل لسافله و عالية قطعا و اللّه العالم بحقيقة أحكامه.

قوله قده مسألة 2: (الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن إطلاقه. إلخ

و ذلك لصحة إطلاق اسم الماء عليه بقول مطلق بخلاف ما لو مزج معه غيره و صعد فإنه لا يصح إطلاق اسم الماء عليه بقول مطلق.

قوله قده مسألة 3: (المضاف. إلخ)

و ذلك لما ذكرنا من عدم صحة إطلاق الماء بقول مطلق عليه إلا مع الإضافة و يصح سلب المطلق عنه.

قوله قده مسألة 4 (المطلق أو المضاف النجس. إلخ)

ما ذكره (قده) من طهارة المطلق أو المضاف النجس بالتصعيد محل نظر بل منع، فانا و ان سلمنا في أن بخار النجس أو المتنجس طاهر و أغمضنا النظر عن المناقشة في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 69

[ (مسألة 5) إذا شك في مائع انه مضاف أو مطلق]

(مسألة 5) إذا شك في مائع انه

مضاف أو مطلق (1) فان علم حالته السابقة أحد بها و إلا فلا يحكم عليه بالإطلاق و لا بالإضافة، لكن لا يرفع الحدث و الخبث و ينجس بملاقاة النجاسة ان كان قليلا، و ان كان بقدر الكر لا ينجس لاحتمال و كونه مطلقا و الأصل الطهارة.

______________________________

ذلك، و ان ليس البخار إلا اجزاء صغارا متصاعدة من النجس أو المتنجس و هي هو و اعترفنا بتغايرهما عرفا، و لكن لا نسلم تغاير هما لو صار البخار ماءا فإن العرف لا يفرقون بينهما، بل يرون هذا الماء المتكون من البخار هو ذلك الماء المطلق أو المضاف المتنجسين، و هذا المائع المتكون من بخار البول هو ذلك البول بعينه. و لا تنافي بين طهارة البخار و ان اشتمل على تلك الأجزاء المائية و نجاسة تلك الأجزاء عند اجتماعها و صدق الماء أو البول عليها عرفا، و لا نسلم ان المستحيل إلى شي ء لو رجع الى المستحال منه لا يرجع حكم النجاسة، بل الموضوع عرفي و هو الحكم هنا إذ ليس للشارع تعبد خاص في تحديد الموضوع، فالأقوى هو نجاسة ذلك الماء المتكون من البخار النجس أو المتنجس و لا فرق بينهما.

قوله قده مسألة 5: (إذا شك في مائع انه مضاف أو مطلق. إلخ)

أما إذا علم حالته السابقة أخذ بها عملا بالاستصحاب و إلا فلا يحكم عليه بالإطلاق و لا بالإضافة لعدم قاعدة أو أصل يركن إليه في ذلك، و لا يرفع الحدث و لا الخبث لاستصحابهما و عدم إحراز المزيل لهما، و ينجس بملاقاة النجاسة ان كان قليلا إذ لا فرق بين المضاف و المطلق إذا كان قليلا في التنجس و الانفعال بملاقاة النجاسة، و أما عدم نجاسته إذا

كان بقدر الكر. فلاحتمال كونه مطلقا فلا يعلم بانفعاله و تأثره بالنجاسة فيجري فيه استصحاب الطهارة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 70

[ (مسألة 6) المضاف النجس يطهر بالتصعيد]

(مسألة 6) المضاف النجس يطهر بالتصعيد (1) كما مر و بالاستهلاك في الكر أو الجاري.

[ (مسألة 7) إذا ألقى المضاف النجس في الكر]

(مسألة 7) إذا ألقى المضاف النجس (2) في الكر فخرج عن الإطلاق إلى الإضافة تنجس ان صار مضافا قبل الاستهلاك، و ان حصل الاستهلاك و الإضافة دفعة لا يخلو الحكم بعدم تنجسه عن وجه.

______________________________

و قاعدتها، و لكن لا يرفع حدثا و لا يزيل خبثا لاستصحابهما و عدم إحراز المزيل لهما، و ذلك لعدم إحراز كون هذا الكر ماءا مطلقا، و نفس طهارته مع عدم إحراز إطلاقه غير كافية، فلما لم يجر الأصل في السبب لعدم حالة سابقة فيه و لا أصل محرز له من هذه الجهة لا مانع من جريانه في المسبب لعدم الحاكم عليه.

قوله قده مسألة 6: (المضاف النجس يطهر بالتصعيد. إلخ)

أما طهره بالتصعيد فقد مر الحكم فيه مفصلا و اخترنا عدم طهره بذلك فراجع، و أما طهره بالاستهلاك في الكر أو الجاري فهو مسلم لانعدام الموضوع فيه عرفا، إذ ليس الاستهلاك إلا ذلك فهو من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.

قوله قده مسألة 7: (إذا ألقى المضاف النجس. إلخ)

لا اشكال فيما ذكره في الصورة الأولى من نجاسة الكر المطلق الذي القى فيه مضاف نجس إذا خرج عن الإطلاق إلى الإضافة قبل استهلاك المضاف النجس فيه لصيرورة الكر كله ماءا مضافا لاقى متنجسا، فيشمله أدلة تنجس المضاف بمجرد ملاقاة النجاسة، و اما الصورة الثانية التي استشكل في حكمها و هي ما لو حصل الاستهلاك و الإضافة دفعة فلم أعرف لها معنى محصلا إذ ليس الاستهلاك كما تقدم إلا انعدام الموضوع، و مع حصول الإضافة لا انعدام بل هو اختلاط

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 71

..........

______________________________

مع غيره. و بعبارة أوضح

لا يتصور استهلاك المضاف النجس في الكر مع حصول الإضافة في الكر، إذ الإضافة يلزمها عدم الاستهلاك و الاستهلاك يلزمه عدم الإضافة، و يمكن إصلاح العبارة بوجهين و ان كانا مخالفين لظاهرها (أحدهما) بأن يراد بالإضافة الحاصلة للكر اضافة بسبب إلقاء المتنجس المضاف فيه و لكن تغيره بصفة مغايرة لصفات المضاف النجس، مثل أن يلقى في الكر المطلق ماء ورد متنجس فلم يكسبه رائحة الورد حتى يشكل بعدم تعقل الاستهلاك مع الإضافة بل انقلب صفاء الماء و بياضه الى الكدورة و السواد مثلا مع استهلاك رائحة الورد دفعة، إلا ان يقال أن الاستهلاك مأخوذ في مفهومه و عنوانه بقاء المستهلك فيه على ما كان عليه من سائر الوجوه و جميع الصفات و عدم تغيره بسبب من كل وجه و أي ناحية مع انعدام المستهلك (ثانيهما) ان يكون مراده (قده) من الحصول الدفعى حصول الإضافة من خارج لا من المستهلك مع الاستهلاك الدفعى كما لو ألقى في الكر المطلق صبغ أحمر مثلا مع ماء ورد نجس دفعة فاحمر الماء و أضيف و استهلك ماء الورد فيه دفعة، و لكن لا يخفى بعدهما عن ظاهر العبارة، و اما وجه طهارته التي أشار إليها بقوله (لا يخلو الحكم بعدم تنجسه عن وجه) فهو استصحاب الطهارة و قاعدتها الجاريان فيه (فان قيل) ان استصحاب الطهارة في الماء المقتضي لطهارة الجميع معارض باستصحاب النجاسة في المتنجس المقتضي لنجاسة الجميع إذ لا يختلف حكم الماء الواحد فيتساقطان فيبقى معنا قاعدة الطهارة و لا معارض لها، و اما وجه الإشكال فيه الذي أشار إليه بقوله (لكنه مشكل) فلعل وجهه ان مع الدفعة الذي هو مفروض المسألة يصدق انه ماء مضاف لاقى نجسا

فينجس، هذا ما أفاده (قده) و الحكم بالطهارة أقرب لما ذكرنا من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 72

[ (مسألة 8) إذا انحصر الماء في مضاف مخلوط بالطين]

(مسألة 8) إذا انحصر الماء في مضاف مخلوط بالطين (1) ففي سعة الوقت يجب عليه أن يصبر حتى يصفو و يصير الطين إلى الأسفل ثم يتوضأ على الأحوط، و في ضيق الوقت يتيمم لصدق الوجدان مع السعة دون الضيق.

[ (مسألة 9) الماء المطلق بأقسامه حتى الجاري منه ينجس إذا تغير بالنجاسة]

(مسألة 9) الماء المطلق بأقسامه (2) حتى الجاري منه ينجس إذا تغير بالنجاسة

______________________________

القاعدة و لا نحتاج في جريانها إلى كافة أزيد من الشك في الطهارة و النجاسة، و الاحتياط لا ينبغي تركه فإنه سبيل النجاة.

قوله قده مسألة 8: (إذا انحصر الماء في مضاف مخلوط بالطين. إلخ)

أي وجه إضافته هو اختلاطه بالطين و وجه وجوب الصبر عليه حتى يصفو مبني على ما هو المشهور بل نقل عليه الإجماع من عدم جواز البدار لذوي الأعذار قوله قده مسألة 9: (الماء المطلق بأقسامه. إلخ)

لا يخفى ان الماء ينقسم باعتبارات مختلفة إلى أقسام متعددة: (فمنها) تقسيمه باعتبار الإطلاق و الإضافة إلى قسمين مطلق و مضاف و قد تقدما (و منها) تقسيمه باعتبار وقوع النجاسة فيه فقد قسمه بعضهم إلى ثلاثة أقسام: (جار، و محقون، و ماء بئر) لاختلاف الحكم باختلافها، و حيث ان هذا المقسم لا يشترط الكرية في الحمام أدرجه في الجاري كإدراجه ماء الغيث، و بعضهم الى قسمين (جار و بئر) و بعضهم إلى خمسة أقسام: (جار، و محقون، و بئر، و حمام، و ماء غيث) و الأولى الاقتصار على الثلاثة لأن غيرها لا يتعداها، و على كل سواء ثنيت القسمة أو ثلثت أو ربعت أو خمست فكله ينجس إذا تغير بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة الطعم و الرائحة و اللون بشروط (ثلاثة) ان يكون بملاقاة النجاسة، و ان يكون التغيير بأوصاف النجاسة. و ان يكون التغيير حسيا،

العمل الابقى- 9

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 73

في أحد أوصافه الثلاثة من الطعم و الرائحة و اللون بشرط أن يكون بملاقاة النجاسة فلا يتنجس إذا كان بالمجاورة، كما إذا وقعت ميتة قريبا من الماء فصار جائفا، و ان يكون التغير بأوصاف النجاسة دون أوصاف المتنجس، فلو وقع فيه دبس نجس فصار أحمر أو أصفر لا ينجس إلا إذا صيره مضافا، نعم لا يعتبر أن يكون بوقوع عين النجس فيه، بل لو وقع فيه متنجس حامل لأوصاف النجس فغيره بوصف النجس تنجس أيضا. و ان يكون التغيير حسيا فالتقديري لا يضر فلو كان لون

______________________________

و الذي يدل على النجاسة باستيلائها على أحد أوصافه الثلاثة إجماع العلماء كافة كما في (المعتبر) بل بإجماع من يحفظ عنه العلم كما في (المنتهى) و مما لا خلاف فيه كما في (الحبل المتين) و يدل عليه بعد الذي سمعت النصوص المستفيضة (منها) الحديث النبوي المشهور المروي من الطرفين بعدة طرق: خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه (و في بعضها) المروي في التهذيب عن حريز في الصحيح عن الصادق عليه السّلام قال: كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب، فإذا تغير الماء و تغير الطعم فلا تتوضأ منه و لا تشرب (و في بعضها) المروي في الكافي عن عبد اللّه بن سنان قال سأل رجل الصادق عليه السّلام و انا حاضر عن غدير انوه و فيه جيفة فقال: إذا كان الماء قاهرا و لا يوجد فيه الريح فتوضأ- أى ريح الجيفة- (و المروي) في التهذيب عن العلامة قال سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الحياض يبال

فيها؟ قال: لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول (و منها) الحسن المروي في الكافي و التهذيب عن محمد بن ميسر أنه سأل الصادق عليه السّلام عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق و يريد ان يغتسل منه و ليس معه إناء يغرف به و يداه قذرتان قال: يضع يده و يتوضأ و يغتسل هذا مما قال اللّه عز و جل (مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (و عن) أبى بصير عن الصادق عليه السّلام انه سئل عن الماء النقيع تبول فيه الدواب فقال:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 74

الماء أحمر أو أصفر فوقع فيه مقدار من الدم كان بغيره لو لم يكن كذلك لم ينجس، و كذا إذا صب فيه بول كثير لا لون له بحيث لو كان له لون غيّره، و كذا لو كان جائفا فوقع فيه ميتة كانت تغيره لو لم يكن جائفا، و هكذا ففي هذه الصور ما لم يخرج عن صدق الإطلاق محكوم بالطهارة على الأقوى.

______________________________

ان تغير الماء فلا تتوضأ منه، و ان لم تغيره أبوالها فتوضأ منه، و كذلك الدم إذا سال في الماء و أشباهه. و بهذا المضمون أخبار أخر فإنها كما ترى صريحة الدلالة على المطلوب كما لا يخفى، و يفهم من هذه الأخبار سيما ما فيها من الحصر اعنى قوله (لا ينجسه شي ء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه) أن التغيير بسائر الصفات من نحو الحرارة و البرودة و الثقل و الخفة و الصفاء و الكدورة غير منجس قطعا مع مساعدة الأصل السالم عن المعارض المؤيد بها مع ادعاء الإجماع عليه، بل إجماع قطعا لعدم العثور على مخالف

(و أما اعتبار) ملاقاته لعين النجاسة لا حصول التغيير بالمجاورة و نحوها فبدعوى ان المستفاد من الأخبار كما سمعت اناطة التنجيس بعين النجاسة، فإن المتبادر المركوز في أذهان المتشرعة من قول القائل هذا ينجس الماء أو الثوب حصول ذلك بالملاقاة، و لذا لم يحتمل أحد في مفهوم (إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء) حصول الانفعال للقليل بمجاورة النجاسة و ان كان إطلاق بعض الأخبار كفاية مطلق التغير و لو بالمجاورة مثل صحيحة ابن بزيع (ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلا ان يتغير ريحه أو طعمه) و غيرها فالاحتياط لا ينبغي تركه لذلك، و كذا لا اعتبار بصفات المتنجس فلو تغير لون الماء بلون المتنجس كالنيل مثلا أو طعمه كالدبس أو ريحه كالمسك فإنه لا ينجس بذلك قطعا، لان المستفاد من قوله عليه السّلام: إذا غلب لون الماء لون البول، و قوله عليه السّلام: و ان لم تغيره أبوالها، و قوله عليه السّلام: إلا أن تكون فيه الجيفة و كلما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 75

..........

______________________________

غلب الماء على ريح الجيفة الى غير ذلك. اناطة الحكم على تغير الماء بعين النجاسة و قد صرح بذلك العلامة في المختلف، و التذكرة، و المنتهى، و القواعد و الشهيد في الذكرى، و الكركي في كنز الفوائد، و الشهيد الثاني في الروضة، و الروض، و المسالك، و السيد في المدارك، و الشيخ حسن في المعالم، و المحقق في الشرائع، و النافع، و الدروس، و البيان، و اللمعة، و الغنية، و السرائر فإن فيها و لا ينجس الماء إلا باستيلاء النجاسة عليه و هي كما ترى، فان الاستثناء من النفي المقتضى لحصر الحكم في المثبت يقتضي بتغيره

بعين النجاسة دون المتنجس، نعم لو وقع فيه متنجس يحمل عين النجس فغيره بأحد صفات النجس تنجس و فرق بينهما، فإن الأول تغير بصفات المتنجس كما مثلنا من لون النيل و طعم الدبس و ريح المسك و الثاني تغير بالصفة المكتسبة من النجاسة، و لا شك انه من صفات النجاسة فالمغير انما هو عين النجاسة كما لا يخفى، و لا يضر توسط المتنجس بينهما، و اما اعتبار التغير الحسي دون التقديري فلأن المراد بالتغيير الانقلاب من الحالة التي هو عليها الى صفات النجاسة و هي لا تدرك إلّا بالحس لمكان القهر و الغلبة المرادين من قوله عليه السّلام: ان كان النتن الغالب على الماء، و قوله عليه السّلام: إذا غلب لون الماء لون البول، و قوله عليه السّلام:

و ان لم تغيره أبوالها، و قوله عليه السّلام: ان كان الماء قاهرا على ريح الجيفة و قوله عليه السّلام: ان تغير الماء و تغير الطعم، فان حصول العلم بالتغيير و إدراكه لا يمكن إلا بالحس كما لا يخفى، فلو توافق الماء و النجاسة في الصفات كما يتفق في بعض الأبوال و الجيف التي تعدم اللون و الرائحة فهل يحكم بالطهارة أم النجاسة؟

قولان: ظاهر المعظم من الأصحاب الطهارة، بل ظاهر المذهب كما في الذكرى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 76

[ (مسألة 10) لو تغير الماء بما عدى الأوصاف المذكورة]

(مسألة 10) لو تغير الماء (1) بما عدى الأوصاف المذكورة من أوصاف النجاسة مثل الحرارة و البرودة و الرقة و الغلظة و الخفة و الثقل لم ينجس ما لم يصر مضافا.

[ (مسألة 11) لا يعتبر في تنجسه ان يكون التغير بوصف النجس]

(مسألة 11) لا يعتبر في تنجسه ان يكون التغير (2) بوصف النجس بعينه فلو حدث فيه طعم أو لون أو ريح غير ما بالنجس كما لو اصفر الماء مثلا بوقوع الدم تنجس، و كذا لو حدث فيه بوقوع البول أو العذرة رائحة أخرى غير رائحتهما فالمناط تغير أحد الأوصاف المذكورة بسبب النجاسة و ان كان من غير سنخ وصف النجس.

______________________________

و الروض خلافا للعلامة و ولده الفخر و المحقق الكركي و غيرهم فالنجاسة (حجة الأول) ان التغيير حقيقة في الحسي و الأصل في الاستعمال الحقيقة لأنه المتبادر منه عند الإطلاق قطعا و لصحة السلب بدونه يقينا مضافا الى الأصل المؤيد بعموم قوله عليه السّلام: كل ماء لك طاهر حتى تعلم أنه قذر (حجة الثاني) ما احتج به العلامة (قده) بان التغيير الذي هو مناط النجاسة دائر مع الأوصاف فإذا فقدت وجب تقديرها. انتهى، و على كل فالاحتياط لا ينبغي تركه.

قوله قده مسألة 10: (لو تغير الماء. إلخ)

قد تقدم حكم هذه المسألة في المسألة السابقة مفصلا فراجع.

قوله قده مسألة 11: (لا يعتبر في تنجسه أن يكون التغيير. إلخ)

لا يخفى ان ما ذكره في مسألة 9 من اشتراط كون التغيير بأوصاف النجاسة ينافي ما ذكره في هذه من عدم اشتراط ذلك، و الظاهر ان ما ذكره هناك قصور في العبارة، و الغرض منه أن يكون التغيير بسبب النجاسة مطلقا كما هنا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 77

[ (مسألة 12) لا فرق في زوال الوصف الأصلي للماء أو العارضي]

(مسألة 12) لا فرق في زوال الوصف (1) الأصلي للماء أو العارضي، فلو كان الماء أحمر أو أسود لعارض فوقع فيه البول حتى صار أبيض تنجس، و كذا إذا زال طعمه العرضي أو ريحه العرضي.

[ (مسألة 13) لو تغير طرف من الحوض مثلا تنجس]

(مسألة 13) لو تغير طرف من الحوض مثلا (2) تنجس، فان كان الباقي أقل من الكر تنجس الجميع، و ان كان بقدر الكر بقي على الطهارة، و إذا زال تغير ذلك البعض طهر الجميع و لو لم يحصل الامتزاج على الأقوى.

______________________________

لا بسبب المتنجس، و اما اعتبار الصفات الخاصة من النجاسة فلا دليل عليه لإطلاق أدلتها مثل النبوي (خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه) و غيره من المطلقات، و حكى عن المعتبر و تبعه بعض من تأخر اعتبار ذلك اقتصارا على المتيقن بل التبادر كما قيل و التبادر ممنوع، و بالعمومات و إطلاق التغيير يخرج عن الأصول و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 12: (لا فرق في زوال الوصف. إلخ)

و ذلك لإطلاق الطعم و اللون و الريح و عدم تقييدها بالأوصاف الأصلية له و ان كان في النفس منه شي ء بدعوى انصرافه الى صفاته الأصلية فلا يحتاج الى التقييد.

قوله قده مسألة 13: (لو تغير طرف من الحوض مثلا. إلخ)

اما الحكم بالنجاسة فيما لو تغير بعضه بها و كان الباقي الغير المتغير أقل من كر فلأنه ماء قليل لاقى نجسا فينجس الجميع مطلقا سواء تغير أو لم يتغير كما سيأتي التنبيه عليه مفصلا، و أما الحكم بالطهارة في الباقي إذا كان بقدر الكر فلان الكر لا ينجس بملاقاة النجاسة إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة كما سيأتي التنبيه عليه أيضا مفصلا، و اما الحكم

بطهارة البعض المتغير في هذه الصورة إذا زال تغيره فلملاقاته الكر الطاهر، و أما عدم اعتبار الامتزاج فلما سيأتي التنبيه عليه من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 78

[ (مسألة 14) إذا وقع النجس في الماء فلم يتغير ثم تغير بعد مدة]

(مسألة 14) إذا وقع النجس (1) في الماء فلم يتغير ثم تغير بعد مدة فإن علم استناده الى ذلك النجس تنجس و إلا فلا.

[ (مسألة 15) إذا وقعت الميتة خارج الماء]

(مسألة 15) إذا وقعت الميتة خارج (2) الماء و وقع جزء منها في الماء و تغير بسبب المجموع من الداخل و الخارج تنجس بخلاف ما إذا كان تمامها خارج الماء.

[ (مسألة 16) إذا شك في التغير و عدمه]

(مسألة 16) إذا شك في التغير و عدمه أو في كونه بالمجاورة (3) أو بالملاقاة أو كونه بالنجاسة أو بطاهر لم يحكم بالنجاسة.

______________________________

انه لا يعتبر في طهارة الماء النجس أكثر من ملاقاته للكر و ذهاب التغيير و لا يعتبر فيه الامتزاج معه.

قوله فيه الامتزاج معه.

قوله قده مسألة 14: (إذا وقع النجس. إلخ)

اما إذا علم استناده الى النجس فهو من جزئيات المسألة السابقة أعني مسألة 9 و دليلها دليلها حرفا بحرف فراجع و اما إذا لم يعلم استناد التغيير إليها فهو طاهر للاستصحاب و القاعدة.

قوله قده مسألة 15: (إذا وقعت الميتة خارج. إلخ)

اما تنجسه لو تغير بسبب الداخل و الخارج فلاستناد التغيير إلى ملاقاة النجاسة بخلاف ما لو تغير بمجاورتها بان كان تمامها خارج الماء فإنه لا ينجس، لما تقدم في مسألة 9 من ان المستفاد من الأخبار و المتبادر منها و المركوز في أذهان المتشرعة هو اعتبار تنجسه بملاقاته لعين النجاسة و مباشرته لها، لا حصول التغيير بأي وجه اتفق كالمجاورة و نحوها فراجع.

قوله قده مسألة 16: (إذا شك في التغير و عدمه أو في كونه بالمجاورة. إلخ)

بل يحكم بالطهارة في الصور الثلاث كما ذكره (قده) اما في الصورة الأولى و هي ما إذا شك في التغير و عدمه فلاستصحاب عدم تغيره من دون معارض لذلك،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 79

[ (مسألة 17) إذا وقع في الماء دم و شي ء، طاهر أحمر]

(مسألة 17) إذا وقع في الماء دم و شي ء، طاهر (1) أحمر فاحمر بالمجموع لم يحكم بنجاسته.

[ (مسألة 18) الماء المتغير إذا زال تغيره بنفسه]

(مسألة 18) الماء المتغير إذا زال تغيره بنفسه من (2) غير اتصاله بالكر أو الجاري لم يطهر، نعم الجاري و النابع إذا زال تغيره بنفسه طهر لاتصاله بالمادة، و كذا البعض من الحوض إذا كان الباقي بقدر الكر كما مر.

______________________________

و أما في الصورتين الأخيرتين أعني صورة تيقن التغير و الشك في كونه بالمجاورة أو بالملاقاة، و صورة الشك في انه بالنجاسة أو بطاهر، فلاستصحاب طهارة الماء مع قاعدة الطهارة فيه بعد عدم جريان أصل محرز لأحدهما بل الأصول متعارضة فيهما كما لا يخفى.

قوله قده مسألة 17: (إذا وقع في الماء دم و شي ء طاهر. إلخ)

و ذلك لان المتيقن من اخبار النجاسة بالتغيير غلبة النجاسة على الماء بحيث يظهر أثرها عليه بنفسها و حد ذاتها من دون معاونة أمر آخر لها في ذلك، و يرجع في غير هذه الصورة الى الأصل و العمومات، هذا و الاحتياط لا ينبغي تركه.

قوله قده مسألة 18: (الماء المتغير إذا زال تغيره بنفسه من. إلخ)

أما القليل منه فلأن علة التنجيس فيه الملاقاة دون التغير و هي لم تزل، و اما الكر فلاستصحاب النجاسة فيه بعد زوال التغيير حتى يثبت المزيل و ليس زوال تغيره بنفسه منه، هذا في المحقون الذي لم يتصل بالكر أو الجاري، و أما لو اتصل بأحدهما فالذي يدل على طهارته اتصاله بالمعتصم و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

(خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه) و قد عرفت معنى (الطهور) و انه الطاهر في نفسه المطهر لغيره، و لقوية السكوني

من أن الماء يطهّر و لا يطهّر- من ضبطه بالمعلوم فالمجهول- و معناه انه يطهّر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 80

..........

______________________________

كل شي ء و حتى نفسه و لا يطهر من شي ء إلا من نفسه للجمع بينه و بين ما ذكرنا من الكتاب و السنة و تحكيما لصدره على عجزه، و كيف لا و لولاه لم يطهر الماء بعد النجاسة أبدا و لا قائل به، بل الإجماع منعقد على خلافه و به يتم الوجه المذكور، و عليه فمطهريته للنجس بملاقاته إياه و اتصاله به من دون اشتراط أمر آخر من ورود أو امتزاج أو غيرهما لإطلاق الطهورية و المطهرية للماء فيؤخذ به و يعمل عليه حتى يثبت المقيد و ليس فليس، مع انه لو أريد بالامتزاج امتزاج الأجزاء بالمجموع لم يتحقق الحكم بالطهارة لعدم العلم بذلك، بل ربما علم عدمه، و ان أريد به البعض لم يكن المطهر للبعض الآخر إلا مجرد الاتصال قطعا، لخلوها عن الامتزاج فطهر الأجزاء التي تليها لاتصالها بالكثير و هكذا القول في تمام الأجزاء، و ان اتصال القليل بالنابع قبل النجاسة كاف في دفع النجاسة و عدم قبولها و ان لم يمتزج فكذا بعدها، لان عدم قبول النجاسة انما هو لصيرورة الماءين ماءا واحدا بالاتصال، و هو بعينه قائم في المتنازع فيه لاتحاد العلة، و العمدة إطلاقات الأدلة و عمومها كما قدمنا، هذا كله في المحقون.

(و اما الجاري و النابع) فيطهر بزوال تغيره بنفسه لان له مادة و يكفي في طهره اتصاله بها و لقوله عليه السّلام لابن ابى يعفور (ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا) و قوله عليه السّلام (ماء النهر يطهر بعضه بعض) و قوله في صحيح

ابن بزيع (ماء البئر واسع لا يفسده شي ء لأن له مادة) و هي دالة على عدم اشتراطه بشي ء وراء اتصاله بالمادة لأن ترك الاستفصال يفيد العموم في المقال إذ لو كان لعلو المطهر و وروده و امتزاجه مدخلية لذكره (ع) و ليس فليس هذا و قد مر في مسألة 13 ما لو تغير البعض من الحوض إذا كان الباقي بقدر الكر و أنه يطهر بزوال تغيره فراجع.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 81

[فصل الماء الجاري]

اشارة

فصل الماء الجاري (1) و هو النابع السائل على وجه الأرض فوقها أو تحتها كالقنوات لا ينجس بملاقاة النجس ما لم يتغير، سواء كان كرا أو أقل، و سواء كان بالفوران أو بنحو الرشح، و مثله كل نابع و ان كان واقفا.

______________________________

قوله قده: (فصل: الماء الجاري. إلخ)

________________________________________

شبر، سيد على حسينى، العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، 2 جلد، مطبعة النجف، نجف اشرف - عراق، اول، 1383 ه ق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 81

اعلم ان الجاري كما ذكره (قده) لا ينجس بمجرد الملاقاة قليلا كان أو كثيرا كرا كان أو دونه، خلافا للعلامة في جملة من كتبه فاعتبر الكرية فيه كالراكد، و جعله الشهيد في المسالك الأصح و مال إليه في الروضة و الروض، و نقله عن جملة من المتأخرين، و المعتمد الأول و يدل عليه بعد الشهرة المستفيضة بل الإجماع المحكى في الخلاف و الغنية و المعتبر و موضع من المنتهى كما عن ابن البراج و شرح الجمل و حواشي التحرير، و في الذكرى لم أقف على مخالف فيه. مضافا الى ما تقدم من الآيات و الأخبار، و أصالة الطهارة مع ضميمة أصالة براءة الذمة من

الاجتناب، و استصحاب الحالة السابقة المؤيدة بعموم الأخبار الدالة على عدم جواز نقض اليقين بالشك أبدا، و ما رواه في دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:

في الماء الجاري يمر بالجيف و العذرة و الدم يتوضأ منه و يشرب فليس ينجسه شي ء ما لم يتغير أوصافه، طعمه أو لونه أو ريحه، و ما عن نوادر الراوندي عن أمير المؤمنين عليه السّلام: الماء الجاري لا ينجسه شي ء، و ما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن سرحان عن الصادق عليه السّلام: أن ماء الحمام هو بمنزلة الجاري و ما رواه ابن أبى يعفور عن الصادق عليه السّلام: أن ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا، و ما في الفقه الرضوي: و اعلموا رحمكم اللّه ان كل ماء جار لا ينجسه شي ء، و ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السّلام:

ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلا ان يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى تذهب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 82

..........

______________________________

الريح لان له مادة، فالدلالة مستفادة من التعليل كأصل الحكم و هو عدم فساد الماء بدون التغيير و هي لا شك مطردة في غير مورد التعليل لحجية العلة المنصوصة، كما هو مقرر في محله، فجريانها في الجاري من أظهر الأفراد لما هو المعروف من انه النابع عن مادة كما لا يخفى، خصوصا بعد قوله فينزح حتى يذهب الريح فإنه يقضى بأن العلة في عدم فساد الماء وجود المادة إلا إذا تغير فيطهر بزوال التغير لوجود المادة، بل و لو قلنا ان العلة راجعة إلى ذهاب الريح لان زوال النجاسة بواسطة المادة يستلزم العصمة عن الانفعال و هو

لا شك أولى لأن الدفع أهون من الرفع كما لا يخفى، بل ليس المقصود من الخبر إلا بيان سعة الماء و عدم فساده بغير التغير و العلة مسوقة لبيان ذلك و هي المقتضية لعدم فساده لسعته بها فصرفها الى ما لا يقتضيه من ذهاب الريح و طيب الطعم بها بعيد عن الغرض المسوق في الحديث، كيف لا و التغير من الأمور المحسوسة الظاهرة التي لا تخفى حتى تحتاج إلى بيان الامام عليه السّلام، على ان ذلك ليس من وظيفته فحمل كلام الامام عليه السّلام عليه مما يخرجه عن الفائدة قطعا، فليس إلا ما بينا من أن خصوص المورد لا يخصص الوارد، فعليه لو لم تكن المادة علة في عدم التنجيس و يعتبر معها الكرية لكان ذكرها مستدركا، و مما يؤيد ما ذكرنا ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوب يصيبه البول قال عليه السّلام: اغسله في المركن مرتين و ان غسلته في الجاري فمرة واحدة، و الدلالة مستفادة من الأمر بالغسل مرة واحدة في الجاري و ليس ذلك إلا لعدم انفعاله فمن ثمّ أمره بغسله مرتين في المركن- أعنى الإجّانة- و ليس ذلك إلا لقلة الماء الذي هو فيها كما لا يخفى.

(و منها الروايات) المتضمنة لنفي البأس عن البول في الماء الجاري أو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 83

..........

______________________________

الجاري الذي يبال فيه كصحيح الفضيل عن الصادق عليه السّلام قال: لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري و كره أن يبول في الماء الراكد، و موثقة ابن بكير عنه عليه السّلام قال: لا بأس بالبول في الماء الجاري، و موثقة سماعة قال:

سألته

عن الماء الجاري يبال فيه؟ قال: لا بأس، و رواية عنبسة بن مصعب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يبول في الماء الجاري؟ قال: لا بأس به إذا كان الماء جاريا، فإن الدلالة في هذه الأخبار و أمثالها ظاهرة من نفى البأس عن البول المستلزم لعدم التنجيس قطعا، و يشهد لما قلنا من طهارة الجاري مطلقا قوله عليه السّلام بعدة طرق (الماء كله طاهر إلا ما علمت انه قذر) و قوله عليه السّلام (كل شي ء نظيف حتى تعلم انه قذر) و ما دل على طهارة البئر كما سيجي ء لاشتراك الماء بينهما كما لا يخفى، و اختصاص الجاري بعدم الاستقرار المانع من الانفعال فتأمل جيدا.

احتج العلامة: بعموم ما دل على اعتبار الكرية من نحو ما رواه الشيخان في الكافي و التهذيب بعدة طرق صحاح عن أبي أيوب الخزاز عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الماء تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب قال: إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء، و ما روياه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء، و ما روياه عن محمد بن مسلم في الصحيح عن الصادق عليه السّلام قال قلت له الغدير ماء مجتمع تبول فيه الدواب و تقع فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب قال: إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء، و ما روياه في صحيحتي إسماعيل بن جابر قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الماء الذي لا ينجسه شي ء فقال: كر، و قال في الأخرى ذراعان عمقه

في ذراع و شبر سعته، و ما رواه في الصحيح

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 84

..........

______________________________

عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن الدجاجة و الحمامة و أشباههما تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا إلا ان يكون الماء كثيرا قدر كر، مضافا الى الأخبار الدالة على انفعال الماء القليل مطلقا بملاقاة النجاسة كما ستأتي إن شاء اللّه تعالى، و الدلالة فيها مستفادة من لفظ الماء المعرّف سؤالا و جوابا فإنه شامل لجميع أفراد المياه جاريا كان أو راكدا كما هو الحق من أن الألف و اللام عند عدم قرينة العهد تفيد العموم و حجية المفهوم كما هو المعلوم.

(و الجواب) عن الرواية الأولى بعد تسليم العموم ان المعرفة المعادة في الجواب هي عين المعرفة في السؤال، و لا ريب أن المسؤل عنه كما يتبادر من قوله تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب ليس إلا الراكد القليل كما لا يخفى كما هو الظاهر من الرواية الأخيرة أعني رواية على بن جعفر فإنها تنادي بأعلى صوتها بان المراد منها القليل، كيف لا و الدجاجة و الحمامة إنما هي في الدور و المساكن و هي لا شك مشتملة على الأواني و الحياض دون النهران و الجداول و الغالب في الأواني و الحياض مما لا يسع الكر، و لو سلمنا اشتمالها على الجاري فما هو الا نهر أو جدول و هو لا شك فوق الأكرار فضلا عن الكر، كيف لا و ليس هو إلا من مكان خارج، لندرة أن تكون الدار مشتملة على عين ماء كما لا يخفى، لان الفرد الغالب الشائع في بلاد السائل و المسؤل عدم

وجود الماء فضلا عن العين و مثلها فتأمل جيدا (و اما) صحيحة محمد بن مسلم فإن السؤال فيها عن الغدير و ليس هو الجاري قطعا فالألف و اللام في الجواب للعهد كما لا يخفى (و اما) صحيحتي ابن جابر فإن السؤال فيها عن مقدار الماء الذي لا ينجسه شي ء فكان الجواب بالكر، و لا شك ان السؤال عن مقدار الماء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 85

[ (مسألة 1) الجاري على الأرض من غير مادة نابعة أو راشحة]

(مسألة 1) الجاري على الأرض (1) من غير مادة نابعة أو راشحة إذا لم يكن كرا ينجس بالملاقاة، نعم إذا كان جاريا من الأعلى إلى الأسفل لا ينجس أعلاه

______________________________

الذي لا ينجس غير السؤال عن الماء الذي لا ينجسه شي ء، فان الأول ظاهر في الراكد بخلاف الثاني فإنه يفيد العموم، و لو سلمنا العموم كما فهمه العلامة و المتبادر من بعض الروايات كصحيحة معاوية بن عمار و نحوها لاشتمالها على أن الماء إذا كان قدر كر لم ينجسه شي ء و هو شامل لجميع إفراد المياه كما قدمنا، فما هما إلا عمومان تعارضا من وجه فيجب تخصيص أحدهما بالآخر، و لا شك ان التخصيص من جانب المشهور لمطابقته للأصول و الإجماع و لعله الحجة، فضلا عن ان تكون أدلته مطابقة و لا شك انها أقوى من أدلة العلامة لأنها مفاهيم كما لا يخفى، خصوصا العموم المستفاد من العلة المنصوصة و صحيح ابن بزيع فان مفاده كما سمعت: ان كل ما له مادة جاريا كان أو بئرا لا ينفعل بدون التغير مطلقا. و ليس التعارض فيه مع عموم المفهوم إلا من وجه يقينا، و لا شك ان الترجيح من جانب المشهور لتأيده بما ذكرنا، و لو لم يكن إلا الإجماع

لكفى، كيف لا و قد ادعاه العلامة في المنتهى كما ذكرنا، فما يوجد في بعض نسخ المنتهى عند فروع المسألة من استقراب اشتراط الكرية غريب جدا، لما أسلفه من الفرق بين الجاري و الراكد و كفى بهذا الاضطراب وهنا، و قد حكى انه عثر على بعض نسخ المنتهى خالية عن هذا الاشتراط كما نبه عليه الشيخ حسن في المعالم فلعله كان ذلك منه رجوعا و إلا كيف ينقل الإجماع فيه (و اما الشهيد) فقد حكى ولده عنه في المعالم انه رجع في رسالته الموضوعة في البئر عن ذلك مستفيدا ذلك من صحيح ابن بزيع كما بينا و اللّه العالم بأحكامه

قوله قده مسألة 1: (الجاري على الأرض. إلخ)

و ذلك لان الجاري

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 86

بملاقاة الأسفل للنجاسة و ان كان قليلا.

[ (مسألة 2) إذا شك في ان له مادة أم لا]

(مسألة 2) إذا شك (1) في ان له مادة أم لا و كان قليلا ينجس بالملاقاة.

______________________________

في لسان الأخبار هو ما كان له مادة نابعة أو راشحة لا السائل على وجه الأرض بلا مادة، و ان أطلق عليه الجاري فمجاز، فعليه أن الماء السائل على وجه الأرض و لم يكن كرا و لا مادة له ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة، نعم إذا كان جاريا من الأعلى إلى الأسفل لا ينجس الأعلى بملاقاة أسفله للنجاسة و قد تقدم حكمه مفصلا في فصل المياه في مسألة (1) فراجع.

قوله قده مسألة 2: (إذا شك. إلخ)

يحتمل أن يكون مدركه (قده) في الحكم بالنجاسة في المسألة المفروضة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية كما وقع منه في تضاعيف الكتاب، و يحتمل أن يكون قاعدة المقتضى و المانع، بدعوى أن ملاقاة النجاسة مقتضية لانفعاله بها ما لم يمنع منها مانع

من كرية أو مادة و الملاقاة وجدانية و أصالة عدم المانع بمفاد ليس التامة جارية، و يحتمل أن يكون ركونا الى دعوى ان الشارع إذا حكم بانفعال الماء القليل الذي لا مادة له يكفي في الحكم بانفعاله عدم إحراز المادة له فلا يحتاج إلى إحراز عدمها، بدعوى أن ذلك هو المتفاهم عند العرف و أهل اللسان، و الخطابات الشرعية منزلة على وفق متفاهمهم كما صار الى هذه القاعدة بعض الأعاظم من أساتيذنا في خصوص ما لو كان الخارج من العام حكما ترخيصيا لا إلزاميا، قال في بيان هذه القاعدة في حاشيته على كتاب العروة الوثقى في كتاب النكاح في مسألة 50 عند قول المصنف: (لان الظاهر من آية وجوب الغض ان جواز النظر مشروط بأمر وجودي. إلخ) قال: و يدل نفس هذا التعليق على إناطة الرخصة و الجواز بإحراز ذلك الأمر و عدم جواز الاقتحام عند الشك فيه و يكون من المداليل الالتزامية العرفية، و هذا هو الوجه في تسالمهم على أصالة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 87

..........

______________________________

الحرمة في جميع ما كان من هذا القبيل و عليه يبتني انقلاب الأصل في النفوس و الأموال و الفروج في كل من الشبهات الموضوعية و الحكمية، و كذا أصالة انفعال الماء بملاقاة النجاسة عند الشك في العاصم و غير ذلك مما علق فيه حكم ترخيصي وضعي أو تكليفي على أمر وجودي، و ليس شي ء من ذلك مبتنيا على التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية و لا على قاعدة المقتضى و المانع، انتهى.

هذا ما يمكن حمل عبارة المصنف عليه. و في الاحتمالين الأولين نظر بل منع، اما التمسك بالعام في الشبهة المصداقية و الحكم على الفرد المشكوك بأنه

من إفراد العام و إجراء حكمه عليه دون حكم الخاص فهو ترجيح بلا مرجح يحتاج الى دليل و ليس فليس، و اما التمسك بقاعدة المقتضى و المانع فاضعف مما تقدمها بمراتب، و ليعلم أن مقتضى ما عليه العقلاء من عدم اعتدادهم بالشك في رفع اليد عن الأمر الثابت عدم جواز ترتيب أثر المقتضي- بالفتح- بمجرد إحراز مقتضيه مع الشك في وجود ما يمنعه من التأثير، كما لو علم أن زيدا شرب سما أو أصابه سهم قاتل و احتمل عدم تأثيره في مزاجه لبعض الموانع من التأثير فإنه لا يكفى ذلك في ترتيب آثار قتل زيد من القصاص و أخذ الدية و تقسيم تركته و غيرها، و كذا مقتضاه عدم جواز ترتيب الآثار المترتبة على موضوع جديد ملزوم لبقاء المستصحب في الواقع كطول لحيته على تقدير حياته، فإنه لا يعتد باحتمال وجود هذا الموضوع حتى يترتب عليه آثاره كاحتمال حصول المقتضى- بالفتح- في الفرض السابق، و كون الشك في حصول المقتضى و وجود هذا الموضوع الجديد مسببا عن الشك في وجود المانع و الرافع لا يجدي في إثبات الموضوع الذي أنيط به الحكم، إذ ليس معنى أصالة عدم المانع أو الرافع إلا ان العقلاء لا يعتنون باحتمال وجوده في رفع اليد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 88

..........

______________________________

عما كانوا عليه، لا انهم يلتفتون إليه و يبنون على عدمه في الواقع فيترتب عليه آثاره و لوازمه كثبوت المقتضى و وجود الملزوم، نعم لو كان المقتضى بنظرهم شديد الاقتضاء بحيث يكون مجرد إحرازه كإحراز نفس المقتضى بحيث لا يلتفت الذهن حال الشك إلا إلى احتمال وجود المانع لا عدم وجود المقتضى، أو كانت الواسطة التي يترتب عليها

الحكم الذي يراد ترتيبه بالاستصحاب من الواسط الخفية التي لا يلتفت العرف في مقام ترتيب الأثر إليها، بل يرون الأثر أثرا لنفس المستصحب فالظاهر اعتبار أصالة عدم المانع و الرافع في مثل هذه الموارد، بل ربما يساعد عليه الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك، فان المراد من اليقين فيها بحسب الظاهر هو اليقين التقديري الذي يعم مثل الفرض، نظير قول القائل رفعت اليد عن يقيني بقول فلان، و كيف كان فمفاد أخبار الاستصحاب ليس إلا امضاء لطريقة العقلاء، بل المتأمل في نفس تلك الأخبار لا يكاد يرتاب في ذلك، فلو لم يحصل له وثوق بما ادعيناه من استقرار طريقة العقلاء على عدم الاعتناء بالشك في الرافع فليجعل الإخبار كاشفة عن طريقتهم، هذا مع انا لا نسلم ان الملاقاة بقول مطلق مقتضية للنجاسة بل ملاقاة القليل و غير ذي المادة، مع أن نفى المانع باستصحاب عدمه بمفاد ليس التامة و السالبة بانتفاء الموضوع لم يتم عندنا دليل واضح على اعتبار الاستصحاب بهذا النحو، بل الظاهر من دليله الاعتبار بمفاد ليس الناقصة و العدم المحمولي و السالبة بانتفاء المحمول ليس إلا، و اما الاحتمال الثالث فلا يبعد أن متفاهم العرف عليه و هو كفاية عدم إحراز المادة في ترتيب آثار عدمها و لا يحتاج إلى إحراز عدمها، و لكن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 89

[ (مسألة 3) يعتبر في عدم تنجس الجاري اتصاله بالمادة]

(مسألة 3) يعتبر في عدم تنجس الجاري (1) اتصاله بالمادة فلو كانت المادة من فوق تترشح و تتقاطر فان كان دون الكر ينجس، نعم إذا لاقى محل الرشح النجاسة لا ينجس.

[ (مسألة 4) يعتبر في المادة الدوام]

(مسألة 4) يعتبر في المادة الدوام (2) فلو اجتمع الماء من المطر أو غيره تحت

______________________________

ذلك فيما لم يقم دليل على خلافه، و ما نحن فيه يمكن أن يقال: أن الأصل في كل ماء أن يكون له مادة لقوله تعالى (أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَسَلَكَهُ يَنٰابِيعَ فِي الْأَرْضِ) فهو المرجع عند الشك على انه سيأتي منه (قده) قريبا قوة الحكم بالطهارة في ملاقاة النجاسة للماء المشكوك كريته مع عدم العلم بحالته السابقة، مع ان المسألتين يرتضعان من ثدي واحد، فالأقوى الحكم بالطهارة في المسألة المفروضة لاستصحاب الطهارة قبل الملاقاة و لقاعدة الطهارة بل استصحاب المادة على ما يستفاد من الآية الشريفة من ان مفادها ان كل ماء بالأصل ذو مادة و عدمها من الطواري عليه و اللّه العالم بحقيقة أحكامه قوله قده مسألة 3: (يعتبر في عدم تنجس الجاري. إلخ)

ما ذكره (قدس سره) من اعتبار اتصاله بالمادة فمسلم، إذ هو المفهوم و المتبادر من قوله عليه الصلاة و السّلام (إذا كان له مادة) نعم ما جزم به من نجاسة القليل فيما لو كانت المادة من فوق تترشح و تتقاطر محل اشكال على إطلاقه، إذ ليس للاتصال حقيقة شرعية متبعة بل هو تابع لمصداقه العرفي، فلو كان الترشح و التقاطر بنحو الفتور و المهلة بحيث يصدق عرفا عدم الاتصال فهو كما ذكره (قده) و ان كان ترشحا و تقاطرا متصلا بلا مهلة و لا فتور بحيث يصدق معه الاتصال العرفي فالظاهر

عدم النجاسة.

قوله قده مسألة 4: (يعتبر في المادة الدوام. إلخ)

لا إشكال في ان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 90

الأرض و يترشح إذا حضرت لا يلحقه حكم الجاري.

[ (مسألة 5) لو انقطع الاتصال بالمادة]

(مسألة 5) لو انقطع الاتصال (1) بالمادة كما لو اجتمع الطين فمنع من النبع كان حكمه حكم الراكد، فإن أزيل الطين لحقه حكم الجاري، و ان لم يخرج من المادة شي ء فاللازم مجرد الاتصال.

[ (مسألة 6) الراكد المتصل بالجاري كالجاري]

(مسألة 6) الراكد المتصل (2) بالجاري كالجاري فالحوض المتصل بالنهر بساقية يلحقه حكمه و كذا أطراف النهر و ان كان ماؤها واقفا.

[ (مسألة 7) العيون التي تنبع في الشتاء مثلا و تنقطع في الصيف]

(مسألة 7) العيون (3) التي تنبع في الشتاء مثلا و تنقطع في الصيف يلحقها الحكم في زمان نبعها.

[ (مسألة 8) إذا تغير بعض الجاري دون بعضه الآخر]

(مسألة 8) إذا تغير بعض الجاري (4) دون بعضه الآخر فالطرف المتصل

______________________________

ماء المطر المجتمع تحت الأرض المسمى بالثمد ليس من الجاري إذ لا مادة له بعد انقطاع المطر عنه و لا يلحقه حكم الجاري كما ذهب اليه بعضهم، إذ بعد العلم بأنه ليس منه فإلحاق حكمه له يحتاج الى دليل و ليس فليس، فهو من المحقون فيجري عليه حكمه. فإن كان كرا لحقه حكم الكر، و ان كان قليلا تنجس بالملاقاة.

قوله قده مسألة 5: (لو انقطع الاتصال. إلخ)

و ذلك لما تقدم من اعتبار الاتصال بالمادة و دوامها فيدور الحكم مدارهما وجودا و عدما.

قوله قده مسألة 6: (الراكد المتصل. إلخ)

إذ لا إشكال في أنهما يعدان ماءا واحدا بسبب اتصالهما و لا يختلف حكم الماء الواحد فهو بمنزلته.

قوله قده مسألة 7: (العيون. إلخ)

و ذلك لما تقدم من ان الحكم يدور مدار موضوعه و هو المادة النابعة وجودا و عدما.

قوله قده مسألة 8: (إذا تغير بعض الجاري. إلخ)

حاصل ما تقتضيه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 91

بالمادة لا ينجس بالملاقاة و ان كان قليلا و الطرف الآخر حكمه حكم الراكد إن تغير تمام قطر ذلك البعض المتغير و إلا فالمتنجس هو المقدار المتغير فقط لاتصال ما عداه بالمادة.

[فصل الراكد بلا مادة]

اشارة

فصل الراكد (1) بلا مادة ان كان دون الكر ينجس بالملاقاة من غير فرق بين النجاسات حتى برأس ابرة من الدم الذي لا يدركه الطرف سواء كان مجتمعا أو متفرقا مع اتصالها بالسواقي، فلو كان حفر متعددة فيها الماء و اتصلت بالسواقى و لم يكن المجموع كرا إذا لاقى النجس واحدة منها تنجس الجميع و ان كان بقدر الكر لا ينجس، و ان كان متفرقا على الوجه المذكور فلو

كان ما في كل حفرة دون الكر و كان المجموع كرا و لاقى واحدة منها النجس لم تنجس لاتصالها بالبقية.

______________________________

القواعد الشرعية في المسألة المفروضة هو أنه: ان تغير بالنجاسة جميع قطر الماء المتصل بالمادة حتى ما اتصل بها منه فالجميع نجس حتى يذهب التغيير و يطيب الماء، و ان تغير البعض دون البعض الأخر فالمتنجس هو المتغير دون ما لم يتغير لان له مادة إلا أن يكون المتغير متصلا بالمادة و قاطعاً لعمود الماء بينها و بين البعض الآخر الغير المتغير و لم يكن معتصما بنفسه، بان كان دون الكر فإنه ينجس بالملاقاة و ان لم يكن متغيرا، إذ لا عاصم له من كرية أو اتصال بمادة لحيلولة المتغير بينها و بينه، و الظاهر ان حاصل ما أراده (قده) هو ما ذكرناه و اللّه العالم بحقيقة أحكامه.

قوله قده (فصل: الراكد. إلخ)

القسم الثاني من المياه المسمى بالراكد و المشهور بين الأصحاب نجاسة ما كان دون الكر منه بمجرد ملاقاته

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 92

..........

______________________________

للنجاسة، خلافا للشيخ الجليل الحسن بن ابى عقيل و وافقه على ذلك المحدث الكاشاني، و المعتمد المشهور للإجماعات المحكية في عبائر المعظم كالشيخ في مواضع من الخلاف و الإستبصار، و السيد المرتضى في الناصريات و الانتصار في مواضع منه، و السيد ابن زهرة في الغنية، و القاضي في شرح الجمل، و ابن البراج في الجواهر، و العلامة في المختلف و المنتهى، و الشهيد في الذكرى و الدروس، و الشهيد الثاني في الروضة، و المحقق الثاني في جامع المقاصد، و البهائي في اثنى عشريته، و السيد في المدارك و غيرهم ممن يطول شرحهم من المتقدمين و المتأخرين، و غير بعيد أن

يكون الإجماع هنا محصلا لما سمعت من نقل ذلك سلفا عن سلف و انقراض المخالف من بين هذه الأعصار و اندراسه حتى صار معلوما ذلك من مذهبنا بين أهل الخلاف كغيره من الواجبات و المحرمات كالمسح على القدمين دون الخفين و تحليل المتعتين و التختم باليمين، و اشتهر في ما بيننا عند الصغير و الكبير و الحر و المملوك و الرجل و المرأة و العلماء و العوام، فان من أمعن النظر في مباحث المياه من الجاري و الراكد و المطر و الحمام و الفصل بين البئر و البالوعة و الأسئار و النجاسات، و النظر في أخبارها و تواتر بعضها، و إجماع الأصحاب على العمل بمضمون جلها، و مباحث الغسل و الغسالة و الوضوء و التيمم و الأطعمة و الأشربة و غيرها من مباحث الفقه و الأصول استفاد ظنا متاخما للعلم ان لم نقل علما قاطعاً بان الماء القليل ينجس بالملاقاة، و لعله الحجة مضافا الى الأخبار التي لا تحصى كثرة المتواترة معنى كما في المعالم و المفاتيح و شرحها لأستاذ اساتذتنا الماهر الباقر، و الرياض و غيرها (منها) ما رواه الشيخ في التهذيب في باب الأحداث الموجبة للطهارة و في الاستبصار في باب المقدار الذي لا ينجس من الماء في الصحيح، و ثقة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 93

..........

______________________________

الإسلام في الكافي في باب الماء الذي لا ينجسه شي ء في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام و سئل عن الماء تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب قال: إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء (و منها) ما في التهذيب و الاستبصار أيضا، و

الكافي عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء (و منها) ما في التهذيب أيضا عن محمد بن مسلم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال قلت الغدير ماء مجتمع تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب قال: إذا كان قدر كر لم ينجسه شي ء و الكر ستمائة رطل. انتهى. و لا إشكال عند أهل اللسان في حجية مفهوم الشرط و هو قسمان مفهوم موافقة و مفهوم مخالفة، (فالأول) ما دل عليه اللفظ في غير محل النطق نفيا و إثباتا من نحو قوله تعالى فَلٰا تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ وَ لٰا تَنْهَرْهُمٰا و قوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ فإنهما كما ترى قد دلا على حرمة الضرب و المجازاة بما فوق الذرة بمنع التأفيف و الجزاء على الذرة فكيف بالضرب و ما فوقها و يسمى بفحوى الخطاب و لحن الخطاب، و مفادهما ان المفهوم من فحوى الخطاب هو ذلك المعنى كذلك لحن الخطاب بل هو أصرح من الفحوى، لأن المراد باللحن ما يشتمل عليه اللفظ بالإشارة و ذلك بالتنبيه بالأدنى و منه يفهم الأعلى كما مثلنا.

(و اما الثاني) و هو ما كان المسكوت عنه مخالفا للحكم نفيا و إثباتا و لذا يسمى بمفهوم المخالفة و دليل الخطاب و معناه معلوم من نحو قولك أعط زيدا درهما إن أكرمك، فإن المفهوم منها عدم الإعطاء عند عدم الإكرام كما لا يخفى، و لا يذهب عليك ان الإعطاء محرم عند عدم الإكرام، كلا بل المراد نفى الوجوب فقط إذ لا مانع من الإعطاء عند عدم

الإكرام كما لا يخفى، لما سمعت

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 94

..........

______________________________

من أن قضية الشرط و الخطاب ما دل بمفهومه عليه ليس إلا، و عليه فهل اللفظ دل عليه بنفسه فيكون قسما من أقسام الدلالة كما نص عليه العضدي و المحكى عن غيره أم هو لازم لمدلوله كما عليه الأكثر؟ قولان أظهرهما الثاني و إذا كان كذلك فهل هو عام قضية المنطوق أم لا؟ ظاهر الأكثر ذلك بل لم ينقل الخلاف إلا عن الغزالي، و لا إشكال في إفادة المنطوق العموم لما تقرر في محله من أن كل اسم دخله الألف و اللام و لم يصلح لان تكون للعهد بكلا قسميه فهي للاستغراق، و حيث كان المحلى باللام اسم جنس و ليس بمعهود ذهنا و لا خارجا و لا حكما فيكون المراد جنس الماء و طبيعته، و اما عموم الانفعال فإن قضية الخبر و منطوقه عدم تنجس الكر بشي ء من النجاسات لوقوع النكرة بعد النفي المفيد للعموم كما نص عليه الأصوليون و غيرهم و هو بخلافها في المفهوم لوقوعه بعد الإيجاب، و النكرة بعد الإيجاب غير مفيدة للعموم كما هو المعلوم، و عليه فلا فائدة في الخبر يقينا إلا ان يقال ان المفهوم نفى الحكم الثابت للمنطوق عن غير محل النطق حسبما ثبت للمنطوق أن عاما فعام و أن خاصا فخاص، بان يقال: ان مفهوم المخالفة إنما يخالف المنطوق في ثبوت الحكم و عدمه لا غير و فيما عداه تجب الموافقة من الموضوع و المحمول و جميع القيود الثابتة للمنطوق و لولاه لما كان مفهوما له قطعا، كيف لا و الشي ء إنما يكون مفهوما لشي ء آخر بعد اشتماله على جميع ما في المنطوق،

و قد علمت بالضرورة من الدين فضلا عن أخبار الأئمة المعصومين (ع) ان الكر ينفعل بالتغير كالجاري، فمنطوق الخبر في هذا المقام عدم انفعال الكر بالملاقاة فيثبت الانفعال فيما عداه و هو المطلوب (فان قلت) ان المراد من المفهوم في الخبر إثبات نقيض الثاني عند نقيض الأول فيكون المراد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 95

..........

______________________________

بشي ء في المفهوم شي ء ما من النجاسات فيكون منجسا بالتغيّر و الغلبة إذ هو فرد من إفراد النجاسة كما لا يخفى و به يتحقق المفهوم (قلت) لا شك ان هذا غير مجد نفعا لعدم الفائدة في المفهوم قطعا. كيف لا و قد سبق ان القهر و الغلبة و التغير منجس يقينا فارادة المفهوم له غير المتبادر من الخبر فتدبر، و ليس المفهوم من الخبر سؤالا و جوابا ذلك، لان السائل إنما سأل عن المياه التي يمر فيها الجنب و الكلب و الكافر و الخنزير و ليس السؤال كان مشتملا على نجاسته بالتغير كما لا يخفى، فكان مقتضى الجواب عدم التنجس بشي ء من الأشياء التي ذكرت و غيرها إذا كان كرا، و ان هذه الأشياء التي ذكرها السائل من باب المثال يقينا و لذا شرك فيها بين الطاهر و النجس من قبيل قولهم: يردها المؤمن و الكافر و غيرهما، فكان الجواب عاما قطعا، و إلا فلا ثمرة فيه كما تقضى به البداهة، و لذا جي ء بالظاهر مقام المضمر مع ان المقام مقام المضمر كما لا يخفى فهو قاضٍ بالأعمية كما تقضى به الفطرة السليمة و الطريقة المستقيمة، ثم هل المراد من النجاسة الواردة في الخبر هو المعنى الخاص المعروف عند المتشرعة أم المعنى اللغوي؟ الظاهر من السؤال و الجواب و

المقام انما هو المعنى الشرعي كما لا يخفى على العوام فضلا عن العلماء الأعلام، كيف لا و المياه التي يخالطها القيح و البصاق و الأرواث و ما شاكل ذلك مما لا يخفى على أحد استقذارها، و لا يليق بأحد السؤال عنها لاستغنائها عن السؤال و البيان بالمشاهدة و العيان، فليس السؤال في الخبر عن مثل هذه النجاسة و عدمها أصلا و رأسا (فإن قلت) ان هذا متوقف على ثبوت الحقيقة الشرعية و ليس بمعلوم ثبوتها (قلت) لا شك في ثبوت الحقيقة الشرعية في نحو الطهارة و النجاسة و الصلاة و الصوم و الحج و نحوها في صدر الشرع كما هو معلوم قطعا فضلا عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 96

..........

______________________________

زمن الصادقين (ع) كما يشهد به الوجدان بل لا ينكره إنسان، و انما صدر الخلاف في أصل الشرع كما هو مقرر في محله و المعظم على ثبوتها، على ان المعنى اللغوي ليس موكولا للإمام و لا شأن الرواة السؤال عنه فليس إلا المعنى الشرعي و ان كان مجازا، فان الحمل على أقرب المجازات هو الأولى إذ هو أقرب من الاستقذار و الكراهة بضميمة أصالة عدم التعدد، مع ما فيه من المنافاة للأمر بالتيمم و اهراق الماء و تجنب الإنائين المشتبهين و غيرها كما هو صريح الأخبار، و أيضا لو سلمنا ان المراد بها الاستقذار لكان الجواب غير موافق للسؤال لعدم الفرق فيه بين الكر و غيره كما لا يخفى، و منه يتعين المراد بالنجاسة المعنى المعهود شرعا، و المراد بالرطل في الرواية الثالثة ليس إلا رطل مكة زادها اللّه عزة و رفعة و شرفا و هو ضعف رطل العراق و هو أحد معانيه كما

ستأتي الإشارة اليه إن شاء اللّه تعالى.

(و منها) ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن الدجاجة و الحمامة و أشباهها تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا إلا ان يكون الماء كثيرا قدر كر من ماء (و منها) ما رواه الشيخ في التهذيب في باب الأحداث في الصحيح عن إسماعيل بن جابر عن ابى عبد اللّه عليه السّلام عن قدر الماء الذي لا ينجسه شي ء فقال: كر، قلت و كم الكر؟ قال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار. و (منها) ما رواه الشيخ في التهذيب في باب الأحداث في الصحيح عن إسماعيل بن جابر قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الماء الذي لا ينجسه شي ء؟ قال: ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته (و منها) ما رواه الشيخ في التهذيب، و ثقة الإسلام في الكافي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 97

..........

______________________________

عن صفوان الجمال قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحياض التي بين مكة و المدينة تردها السباع و تلغ فيها الكلاب و تشرب منها الخنازير و يغتسل فيه الجنب و يتوضأ منه للصلاة فقال عليه السّلام: و كم قدر الماء؟ قلت الى نصف الساق و إلى الركبة قال: توضأ منه، و الدلالة مستفادة من السؤال عن الحياض المحلاة بالألف و اللام المفيدة للعهد كما نص عليه العلماء الأعلام فضلا عن قرينة المقام و سؤال الإمام عن الماء المحلى بالألف و اللام أيضا القاضي بذلك بل صار فيه كالأعلام، و ليس ذلك إلا لإناطة تسويغ استعمال الماء المسؤول عنه بمقدار الكر كما لا يخفى، لان الحياض

المسؤول عنها مشاهدة محسوسة لدى المترددين فكيف تخفى على أهل البيت عليهم سلام رب العالمين، فمن ثمّ قال السائل في الجواب أنها إلى الركبة أو نصف الساق فأجاب الإمام عليه السّلام بالوضوء منها، و ما ذاك إلا لمعلومية المساحة و معرفتها عنده و أن الماء إذا بلغ الى هذا المقدار في هذه الحياض يكون كرا كما هو المتبادر الى الفهم و المعلوم منها، إذ لولاه لما كان للسؤال معنى من الامام و لا أطلق في الجواب كما هو الشأن في سائر الأجوبة و الخطابات و ليس فليس، فتعين ان المراد ليس السؤال إلا عن بيان مقدار الكر، و هو و ان لم يتضمن السؤال عن طول الكر و عرضه كما في بعض الروايات فليس ذلك إلا لمعلومية الطول و العرض عند الامام عليه السّلام كما أشرنا قطعا، و حيث كان العمق محلا للأخذ و الاستعمال و التلف و الزوال كان حريا بالسؤال فأجيب فأجاب و كان السؤال مطابقا للجواب، فما قيل من ان السؤال انما كان للتنزيه فبعيد غاية البعد. و قد أسلكها بعض الفضلاء، في أدلة الطهارة و لا يخفى بعدها فتأمل جدا و اللّه العالم.

(و منها) ما رواه الشيخ في التهذيب في باب المياه و في الاستبصار في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 98

..........

______________________________

باب الولوغ في الصحيح عن ابى العباس الفضل بن عبد الملك البقباق قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فضل الهرة و الشاة و البقر و الإبل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع فلم اترك شيئا إلا و سألته عنه فقال: لا بأس به حتى انتهيت الى الكلب فقال: رجس نجس لا يتوضأ

بفضله و أصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء (و منها) ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الكلب يشرب من الإناء قال: اغسل الإناء، و عن السنور قال: لا بأس أن تتوضأ من فضلها إنما هي من السباع، و الدلالة مستفادة من الأمر بغسل الإناء المقابل بنفي البأس عما عداه من السباع و ما ذاك إلا لفخم النجاسة و عظمها.

(و منها) ما رواه الشيخ في التهذيب في باب تطهير الثياب في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن خنزير يشرب من إناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرات، و الدلالة مستفادة من الأمر بالغسل سبعا، و ما ذاك إلا للانفعال الى غير ذلك من الأخبار التي أنهاها بعض العلماء العاملين الى خمس و ستين، الظاهرة كمال الظهور فيما نقوله. العارية عن القصور.

حجة الشيخ الجليل الحسن بن ابى عقيل و من نسج على منواله القائل بعدم الانفعال على ما ذكره هو و غيره (الأصول) أعني أصالة براءة الذمة عن وجوب الاجتناب، و أصالة الطهارة لكل شي ء لأنها مخلوقة لمنافع العباد و مصالحهم إلا ما نص عليه الشارع لقوله تعالى خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً أى لانتفاعكم و لا يتم النفع إلا مع طهارتها، لأنه لا يجوز الانتفاع بالنجس كما لا يخفى، المؤيد باستصحاب الحالة السابقة على الملاقاة و استصحاب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 99

..........

______________________________

طهارة الملاقي الطاهر، مضافا الى الآيات و الأخبار، و يرد على ما ذكر من الأصل أن الأصل حجة ما لم يقم دليل على خلافه، و

كفى بالإجماعات المنقولة و النصوص الصحيحة المقبولة حجة لمن تدبر و محجة لمن تبصر، و مع ذلك فهو معارض بالشغل اليقيني المستدعى للفراغ اليقيني، فان اشتغال الذمة بالعبادة لا يتحقق رفعه إلا مع وجود الرافع و هو لا يحصل إلا باجتناب الملاقي للنجاسة، إذا لا أقل من الشك في رافعيته، فضلا عن الظن لشهرة الفتوى في نجاسة الملاقي بين العلماء الأخيار، فضلا عما مر عليك من الأخبار، فالبراءة الأصلية إنما تجدي نفعا قبل التكليف أو فيما لم يدل على دليل شرعي، و اما عندهما فأصالة عدم حصول الامتثال بهذا الماء أشغل الذمة مقدم على أصالة البراءة قطعا لما قلناه من الشك في رافعيته أو الظن و كفى له و هنا، مضافا الى ما ذكرناه موافقة الاحتياط الذي هو مناط جل العبادات، و مما ذكرنا يعلم فساد استصحاب الحالة السابقة. (و أما) استصحاب طهارة الملاقي الطاهر فدفعه ظاهر، و ذلك لان استصحاب الحكم في المحل الطاهر الملاقي للقليل غير موجب لطهارة الماء قطعا، بل هو مجامع للشك في الطهارة لأن طهارة ما يلاقي الشي ء لا يستلزم طهارة ذلك الشي ء، كما ان ملاقاة محتمل النجاسة لا تستلزم النجاسة بل هو وظيفة معلوم النجاسة فكان أعم، و العام لا يدل على الخاص بشي ء من الدلالات الثلاث، فاستصحاب شغل الذمة محكّم عليه لعدم استلزام طهارة الملاقي طهارة ما لاقاه، مضافا الى ان الأصل و الاستصحاب على القول بهما انما يصح التمسك بهما بعد فقد الدليل، على ان الأصل غير جار في الملاقي- بالكسر- إذ الشك فيه مسبب عن الشك في طهارة الملاقي- بالفتح- و نجاسته و بعد قيام الأدلة السابقة على نجاسته يحكم بنجاسة ملاقيه إذ هو من

العمل الأبقى

في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 100

[ (مسألة 1) لا فرق في تنجس القليل بين أن يكون واردا]

(مسألة 1) لا فرق في تنجس القليل بين أن يكون واردا على النجاسة أو مورودا. (1)

______________________________

آثاره فلا يبقى محل للشك فيه حتى يستصحب. (و أما) أصل الطهارة المستفاد من الآية الشريفة فغاية ما فيه ان خلق هذه الأشياء ليس الغرض منها إلا وصول النفع منها للعباد، و لربما كان النفع في خلق النجس كما في خلق الكلب و الخنزير و هما من جملة المنافع (و اما) الآيات و الأخبار فغاية ما فيها انها عمومات أو مطلقات فنخصص و تقيد بما ذكرناه من الأدلة الصحيحة الصريحة في انفعال الماء القليل و اللّه الهادي إلى سواء السبيل.

قوله قده مسألة 1: (لا فرق في تنجس القليل بين أن يكون واردا على النجاسة أو مورودا. انتهى)

و ذلك هو المشهور بين علمائنا و لإطلاق معقد بعض الإجماعات بل جميعها كما قيل، و لعموم المفهوم في الأخبار المتقدمة المتواترة، و للقطع بعدم الفرق بين الأمرين واردا و مورودا، و لان المستفاد من أخبار النجاسات انها تنجس كل ملاق لها إلا ما كان كرا و نحوه، و لإطلاق جملة من أجوبة الأسئلة عن النجاسات التي لا يخصصها المورد مع الأخبار الخاصة المذكورة في مواطنها من الكتب المبسوطة، و ينسب الخلاف في ذلك الى السيد علم الهدى (ره) فإنه فرّق بينهما فحكم بالنجاسة مورودا دونها واردا، و وافقه على ذلك الحلي و تبعهما على ذلك جمع من المتأخرين على ما قيل، بل يحكى عن التذكرة ما يقضى بالميل اليه (و عمدة) ما ذكره السيد (قدس سره) في تقوية ما صار اليه من التفصيل بين الوارد و المورود هو انه لو حكمنا بنجاسة الماء القليل الوارد على

النجاسة لأدى ذلك الى ان الثوب لا يطهر من النجاسة إلا بإيراد كر من الماء عليه و ذلك يشق، فدل على ان الماء إذا ورد على النجاسة لا يعتبر فيه القلة و الكثرة كما يعتبر فيما يرد النجاسة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 101

[ (مسألة 2) الكر بحسب الوزن الف و مائتا رطل بالعراقي]

(مسألة 2) الكر (1) بحسب الوزن الف و مائتا رطل بالعراقي، و بالمساحة ثلاث و أربعون شبرا إلا ثمن شبر، فبالمن الشاهي و هو الف و مائتان و ثمانون مثقالا يصير أربعة و ستين منا إلا عشرين مثقالا.

[ (مسألة 3) الكر حقتا الاسلامبول]

(مسألة 3) الكر حقتا الاسلامبول و هي مائتان و ثمانون مثقالا مائتا حقة حقة و اثنتان و تسعون حقة و نصف حقة.

______________________________

عليه. انتهى. (و قد أجيب) عن ذلك بأجوبة أسدها عندي ما أورده في الحدائق و نبّه عليه غير واحد من متأخري المتأخرين من عدم المنافاة بين حصول الطهارة بالماء القليل و نجاسته بتلك الملاقاة، إذ غاية ما يستفاد من الدليل المانع من التطهير بالنجس هو ما كان نجسا قبل التطهير لا ما صار نجسا بذلك التطهير، و لا يختص ذلك بالماء بل يجري في غيره أيضا، و لهذا قالوا انه يشترط طهارة أحجار الاستنجاء مع انها تتنجس بالاستعمال، و التزموا بحصول طهارة محل النجو باستعمالها.

قوله قده مسألة 2: (الكر. إلخ)

الكر الذي لا ينجس بالملاقاة اتفاقا له تقديران وزن و مساحة، (أما قدره بالوزن): الف و مائتا رطل للنص الصحيح المروي مرسلا في التهذيب عن ابن أبى عمير عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السّلام قال: الكر من الماء الذي لا ينجسه شي ء ألف و مائتا رطل، و الإجماع كما عن الانتصار و الناصريات و الغنية و ما في غيره من الأخبار من نحو حبي هذا، و قلتين، و أكثر من رواية يرجع اليه، و فسره الأكثر بالعراقي الذي وزنه مائة و ثلاثون درهما شرعيا و الدرهم عبارة عن ثمان و أربعين شعيرة من أوسط حب الشعير، و هو ثلثا الرطل المدني، و الدرهم نصف مثقال شرعي

و خمسه، فكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية، و المثقال الشرعي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 102

..........

______________________________

ثلاثة أرباع الصيرفي فهو مثقال و ثلث شرعي، و يستفاد من الأخبار أن الرطل العراقي كان متعارفا لأهل المدينة، و لا ينافيه ان لهم عيارا مخصوصا متعارفا فيما بينهم و هو الرطل المدني الذي هو رطل و نصف بالعراقي، و الذي يدل على ذلك إطلاقه عليه في حديث الكلبي النسابة لما سأله عن الشن الذي ينبذ فيه التمر للشرب و الوضوء و كم كان يسع من الماء؟ قال: ما بين الأربعين إلى الثمانين الى فوق ذلك، قلت بأي الأرطال؟ قال: بأرطال مكيال العراقي، لظهور الحال في اعتماد الامام عليه السّلام على الإطلاق لو لم يسأل الراوي عنه، مع ان مراده العراقي فيستفاد من ذلك ان إطلاقه عليه كان شائعا بحيث يستعمل فيه بلا قرينة، كما أنه يستفاد ذلك من استفهام السائل أيضا حيث قال بأي الأرطال؟ كما ان حمل الرطل على العراقي هو الذي يقتضيه الجمع بين المرسلة المذكورة و بين ما رواه الشيخ في التهذيب في باب الزيادات في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام قال قلت له الغدير ماء مجتمع تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب قال: إذا كان قدر كر لم ينجسه شي ء و الكر ستمائة رطل، فإنه يتعين حمل الرطل فيها على الأرطال المكية الذي هو ضعف العراقي كما يشهد بذلك جمعهم بين الروايتين بحمل الصحيح على المكي و المرسل على العراقي، خصوصا على ما قيل ان الواسطة بين ابن أبى عمير و الامام عليه السّلام محمد بن مسلم كما ورد التصريح به في رواية

التهذيب، و إلا لكان الراوي الواحد يروي تارة أنه ألف و مائتا رطل و اخرى ستمائة رطل فما هذا الاختلاف؟ فليس لنا من طرق الجمع إلا ما قلناه، و يؤيد هذا الحمل كون محمد بن مسلم على ما قيل من أهل الطائف و هو من توابع مكة كما ان المرسل عراقيا لقوة احتمال سماعه من مشايخه الذين هم من أهل العراق، هذا مع أن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 103

..........

______________________________

حمل الرطل في الصحيح على المكي متعين، لان حمله على المدني أو العراقي يستلزم طرحه لمخالفته للإجماع على ما صرح به غير واحد، و لمعارضته برواية على بن جعفر الواردة في انفعال الف رطل من الماء وقع فيه أوقية من البول، بل و كذا حمله في المرسل على العراقي متعين، إذ لو حمل على المكي أو المدني يستلزم أن لا يكون الماء البالغ ثلاثا و أربعين شبرا كرا، فينافيه الأخبار الآتية فهي قرينة معينة لإرادة الرطل العراقي و على ما ذكرنا فيكون الامام عليه السّلام أجاب كل إنسان بلغته، فإن ابن أبى عمير كما سمعت عراقي فأجابه بلسانه و أما ابن مسلم فهو طائفي و الطائف من توابع مكة كما لا يخفى فأجابه بمقتضى لسانه، و لولاه لكان خلفا، و لان عرف السائل في الكلام مقدم على عرف المتكلم قال سبحانه و تعالى وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلّٰا بِلِسٰانِ قَوْمِهِ و لو لا ذلك لأدى إلى الألغاز و التعمية و هو باطل، و يؤيد ذلك ما ذكرناه عن سماعة ابن مهران عن الكلبي النسابة، بل قيل ان الكر في الأصل كان مكيالا لأهل العراق كما نص عليه في القاموس و التقدير انما صدر

منهم (ع) بالكر لان مخاطبهم كان عراقيا، و يؤيده ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال: إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شي ء تفسخ فيه أو لم يتفسخ، و ما رواه عن عبد اللّه بن المغيرة عن بعض أصحابه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شي ء و القلتان جرتان، و ما رواه عن عبد اللّه بن المغيرة عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

الكر من الماء نحو حبي هذا- و أشار إلى حبّ من تلك الحباب- فان الراوية و القلتان و الحب مما تسع الكر كما لا يخفى جمعا بين الأخبار و هو أولى من الطرح. فتأمل جيدا.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 104

..........

______________________________

(و أما تقديره بالمساحة) فما بلغ كل من طوله و عرضه و عمقه ثلاثة أشبار و نصفا على المشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه للخبر المروي في الاستبصار عن الحسن بن صالح الثوري عن الصادق عليه السّلام قال: إذا كان الماء في الركي كرا لم ينجسه شي ء، قلت و كم الكر؟ قال: ثلاثة أشبار و نصف طولها في ثلاثة أشبار و نصف عمقها في ثلاثة أشبار و نصف عرضها. و المروي في الكافي عن ابى بصير قال سألت الصادق عليه السّلام عن الكر من الماء كم يكون قدره؟ قال: إذا كان الماء ثلاثة أشبار و نصف في مثله ثلاثة أشبار و نصف في عمقه من الأرض فذلك الكر من الماء، لان قوله عليه السّلام في مثله أي في مثل ذلك المقدار فالعرض غير مسكوت عنه مع شيوع مثل هذا الإطلاق

و ارادة الضرب في الأبعاد الثلاثة.

و أسقط القميون النصف من الأبعاد الثلاثة و اختاره العلامة في المختلف، و الشهيد الثاني في الروضة و الروض، و المولى المقدس الأردبيلي للصحيح المروي في التهذيب عن إسماعيل بن جابر قال سألت الصادق عليه السّلام عن الماء الذي لا ينجسه شي ء قال: كر، قلت و ما الكر؟ قال ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار، يعنى أيا من الأبعاد الثلاثة اعتبر مضروبا أو مضروبا فيه لا بد أن يكون ثلاثة أشبار، و خصوصية كل منها ملغاة في ذلك فلا إخلال في البعد الثالث مع دلالة سوق الكلام عليه، و مثله في المحاورات كثير، و نحوه روى الصدوق في المجالس قال: روى ان الكر هو ما يكون ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا، و يبلغ مكسرة على هذا سبعة و عشرين شبرا.

(و قيل) ما بلغ ابعاده إلى عشرة أشبار و نصف من دون اعتبار

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 105

..........

______________________________

التكسير و نسب الى القطب الراوندي، و أوّل بما يرجع الى المشهور لحمله على ما إذا تساوت الأبعاد فكأنه (ره) عمل برواية أبي بصير لكنه لم يحمل لفظة (في) فيها على معنى الضرب بل على ما يفيد معنى المعية و الجمع أى ما إذا ضمت أبعاده الثلاثة بعضها الى بعض حصل عشرة أشبار و نصف لا مطلقا فليس مخالفا للمشهور، و إلا لكفى في بطلانه انه لم تجد له مستندا يمكن الاستدلال به مضافا الى شذوذه و شدة اختلاف مصاديقه، فان الماء الذي مجموع أبعاده الثلاثة عشرة أشبار و نصفا كما قد تكون مساحته مساوية بمساحة الكر على القول المشهور، اعنى ما يكون تكسيره اثنين و

أربعين شبرا و سبعة أثمان، فقد تكون ناقصة عنها بكثير، كما لو فرض طوله تسعة أشبار و عرضه شبرا واحدا و عمقه نصف شبر فان مساحته حينئذ عشرة أشبار و نصف، و قد يكون غير ذلك، و لعل مراده (ره) ان الكر هو الذي لو تساوت أبعاده الثلاثة لكان مجموعها عشرة أشبار و نصفا فينطبق كلامه على المشهور (و قيل) العمل بكل ما روى و نسب الى السيد جمال الدين ابن طاوس جمعا بين الأخبار و أخذا بالمتيقن، و يرجع الى قول القميين من كون كل من أبعاده ثلاثة أشبار فالزائد مندوب عنده، و لعل اختلاف الأخبار محمولة على اختلاف المياه خفة و ثقلا و الأشبار عظما و صغرا، و قال بعض المحققين في رده: و ليس هذا عملا بكل ما روي بل هو طرح لكل ما روي و وجهه ظاهر، (و قيل) ما بلغ مكسرة مائة شبر و حكى ذلك عن ابى على الإسكافي، و لم يظهر مستنده، (و قيل) انه ما لا يتحرك جنباه بطرح حجر وسطه و حكى ذلك عن الشلمغاني و هو خلاف الإجماع، على ان طرح الحجر يختلف خفة و شدة، و الحجر يختلف كبرا و صغرا، قال السيد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 106

..........

______________________________

في المدارك. و أوضح ما وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار متنا و سندا ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الماء الذي لا ينجسه شي ء قال: ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته، إذ معنى اعتبار الذراع و الشبر في السعة اعتبار هما في كل من البعدين، و يظهر من المحقق (ره) في

المعتبر الميل الى العمل بهذه الرواية و هو متجه. انتهى.

(قال بعضهم) و هو غير بعيد عن المشهور بكثير فان المراد بالذراع ذراع اليد و هو شبر ان تقريبا، و المراد بكون سعته ذراعا و شبرا كون كل من طوله و عرضه ذلك المقدار فيبلغ مكسرة على هذا التقدير ستة و ثلاثين شبرا، و قيل انما عبر عن البعدين بالسعة لتدوير حياض أهل الكوفة غالبا (و في) محكي المنتهى انه لم يقل أحد بهذا المقدار، قال بعض المحققين في مصباحه:

و الذي يقوى في نفسي عدم التنافي بين هذه الصحيحة و بين ما عليه المشهور، بل هي في الحقيقة راجعة إليه لأن الذراع أطول من شبرين بمقدار يسير، كما ان القدمين أيضا كذلك، و هذا ظاهر بالعيان فلا يحتاج الى البرهان، فيبلغ مجموع مساحتها ما يقرب من المساحة المشهورة جدا، بحيث لا يبقى بينهما فرق إلا بالمقدار الذي يحصل التفاوت به في الأشبار المتعارفة، لأن المتعارفة منها أيضا في غاية الاختلاف، إذ قال ما يوجد شبران لا يكون بينهما اختلاف في مجموع مكسرهما، فكلما نلتزمه في دفع الإشكال هناك نلتزمه هنا، فعلى هذا تصير هذه الصحيحة أيضا من أدلة المختار الى آخر كلامه رفع مقامه.

هذه أقوال الأصحاب (قده) حول هذا الموضوع و العمدة منها القولان الأولان، إذ بقية الأقوال إما راجعة إليهما أو لا دليل عليها كما تقدم، و المعتمد منهما هو الأول، و في المنتهى، و الذكرى، و الروض، و الروضة، و كشف اللثام،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 107

..........

______________________________

و المفاتيح، و الشرح للسيد، و الدلائل، و الذخيرة، و الحدائق انه المشهور كما في بعضها و الأشهر كما في أخرى، و في مجمع البحرين

أن عليه جمهور متأخري الأصحاب، و في الخلاف انه مذهب جميع القميين و أصحاب الحديث، بل في الغنية الإجماع عليه، و قد تقدم ما يدل عليه من خبري الحسن بن صالح الثوري و ابى بصير، و ما أورد عليهما من ضعف السند و قصور الدلالة فمدفوعان كما يتضح ذلك بمراجعة الكتب المفصلة في هذا الباب، فالقول المشهور هو المنصور، و ربما يؤيد مضافا الى ما ذكرنا باصح الأحاديث الواردة في هذا الباب كما قاله غير واحد من الأصحاب و تقدم نقله عن سيد المدارك عن إسماعيل ابن جابر قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الماء الذي لا ينجسه شي ء قال: ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته، فراجع ما تقدم من وجه إمكان إرجاعه إلى القول المشهور.

(حجة القول الثاني) الاحتياط و أصالة الطهارة و القرب الى الروايات الأخر من نحو راوية، و حبي هذا، و قلتين، و أكثر من راوية و نحوها، و رواية الوزن على القول بالعراقي، و ما تقدم من رواية الكليني في الكافي و الشيخ في التهذيب و الاستبصار في الصحيح عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن البرقي عن ابن سنان كما في الكافي و عبد اللّه بن سنان كما في التهذيب عن إسماعيل ابن جابر قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الماء الذي لا ينجسه شي ء قال: كر.

قلت و ما الكر؟ قال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار، و ما رواه الصدوق كما في المجالس قال: روى ان الكر هو ما يكون ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا، (و في الكل) نظر أما أولا: فلأن الاحتياط معارض بمثله، و لأنه ليس

بدليل شرعي بل الاحتياط يتصور في المشهور لتوقف العبادة على الطهور الشرعي و هو لا يتم إلا بالمتيقن، و الأصل مقطوع بالرواية

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 108

..........

______________________________

و معارض بالأخبار الدالة على انفعال القليل القاضية بانفعال هذا الماء الى ان يثبت المزيل، مضافا الى أن الأصل عدم تحقق شرط عدم الانفعال، و أما المقاربة للارطال العراقية فهي غير مطردة لاختلاف الماء خفة و ثقلا و عنده يختلف الوزن، و كذلك الحب و القلة و الراوية، فإن المراد منها ما يسع الكر و أيضا فإنها مقولة بالتشكيك لصدقها على الكبير و الصغير، و اما الرواية فغير نقية السند كما يتضح ذلك بمراجعة الكتب المبسوطة، و أما الحديث و هو العمدة في الباب فإنه و ان كان صحيحا كما عن مشرق الشمسين للبهائي من أنه أطبق علماؤنا من زمن العلامة إلى زماننا هذا على صحتها. انتهى. إلا ان البعد الثالث قد أهمل فيها و لا جابر لها من شهرة و نحوها حتى يصح التعويل عليها سوى ما يحكى من نسبة هذا القول الى القميين و عملهم بها، و عليه فيكون هذا القول قويا لأنهم و ان كانوا أقل عددا مما مضى إلا ان ضبطهم للأحاديث أشهر من أن يذكر، بل قد اشتهر عنهم انهم كانوا يخرجون من يعتمد المراسيل و يروى عن الضعفاء. و هذا ليس بقليل، كيف لا و هو أعظم من المشهور كما لا يخفى فضلا عن ان يقابله، إلا ان النسبة غير متحققة بل متعارضة، لما تقدم نقله عن الخلاف من نسبة القول المشهور الى جميع القميين و أصحاب الحديث فراجع، نعم لم ينسب هذا القول إلا الى الصدوقين فقط.

(قال) السيد المهدى

الطباطبائي على ما في مصابيحه و لسنا نعرف هذا القول لأحد من القميين سوى الصدوقين و اما غيرهما فليس له كتاب يعرف و لا مصنف يرجع إليه في الفقه، و كان النقل عن الشيخ و غيره باعتبار إيرادهم الأخبار الواردة في ذلك، و الأصل في نقل القول بالثلاثة عن القميين هو ابن إدريس و تبعه على ذلك غيره، و بالجملة ففي النفس من هذا القول

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 109

[ (مسألة 4) إذا كان الماء أقل من الكر]

(مسألة 4) إذا كان الماء أقل (1) من الكر و لو بنصف مثقال يجرى عليه حكم القليل.

______________________________

شي ء انتهى. و اما رواية الصدوق فهي كما ترى مرسلة و لا يعلم إرسالها عن إمام أو غيره كما لا يخفى.

(و ما أيده) من صحيح إسماعيل بن جابر فالأقرب أن تكون مؤيدة للقول المشهور كما تقدم بيانه، و بالجملة فالمشهور هو الأقوى و ان كانت هذه الرواية أصح سندا من رواية المشهور إلا أنك كما سمعت يكفي في تلك الشهرة العمل (و لذا) قال شهيد في الذكرى: و ترجيح الأولى بالشهرة و الاحتياط.

(و قال) الثاني في روض الجنان: فيبقى مع هذه صحة السند و مع تلك شهرة العمل بمضمونها و كفى في العمل بها مستندا، و اللّه العالم بحقيقة أحكامه

قوله قده مسألة 4: (إذا كان الماء أقل. إلخ)

إذ الأصل في المقادير الشرعية انها تحقيقية لا تقريبية، و معناه انه إذا جعل الشارع حدا لشي ء لا يجوز الزيادة عليه و لا النقص منه بعد تعيينه و تحديده، قال بعض المحققين في مصباحه في هذا المورد: بقي في المقام اشكال و هو ان الوزن على ما اعتبروه لا يبلغ المساحة المذكورة غالبا، خصوصا بالنظر الى أشبار السابقين التي

يغلب على الظن أطوليتها نوعا بالنسبة إلى أشبار أهل هذه الأعصار فكيف التوفيق بين التحديدين؟ مع ان التحديد بالأقل و الأكثر في موضوع واحد غير معقول، هذا مع ان الأشبار في حد ذاتها لا انضباط لها حتى في المتعارف منها فكيف يمكن أن تجعل حدا لموضوع واقعي؟ و حل الإشكال يتوقف على رسم مقدمة و هي: انه لا إشكال في جعل كل من الوزن و المساحة حدا لمعرفة شي ء واحد لو كانا متساويين في الصدق، و كذا لا إشكال في جعل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 110

..........

______________________________

مجموعهما حدا لو كان بينهما عموم من وجه فيكون المدار على اجتماع الأمرين.

كما انه لا إشكال في جعل كل منهما في هذه الصورة منفردا فيكون التحديد بكل منهما مشروطا بعدم الآخر، فيؤول الأمر إلى كفاية كل من الوزن و المساحة في إحراز ذلك الشي ء، هذا إذا أمكن التخلف و إلا بان كان أحدهما أخص مطلقا من الآخر فلا يعقل التحديد بهما بوجه من الوجوه، بل لا بد من أن يكون الحد الحقيقي هو الأعم لا غير، نعم يعقل أن يجعل ما هو الأخص طريقا للعلم بوجود الأعم، فلو دل دليل على كون كل منهما حدا فلا بد إما من طرح أحدهما أو جعل الأخص طريقا للعلم بوجود المحدود بعد مساعدة القرينة، لما عرفت من عدم إمكان العمل بظاهرهما و لو بتقييد كل منهما بعدم الآخر كما في الصورة السابقة، إذا عرفت ذلك فنقول: نفس الأشبار في حد ذاتها مع قطع النظر عن كونها أخص مطلقا كما قيل لا تصلح ان تكون حدا حقيقيا لمعرفة الكر الذي هو موضوع واقعي لا يختلف باختلاف الأشخاص، و ليس مثل الوجه

في مسألة الوضوء الدائر مدار دوران الأصابع بالنسبة الى كل مكلف، لان الموضوع بالنسبة الى كل مكلف هو وجهه المختص به فلا امتناع في جعل أصابعه كاشفة عن حد وجهه، و هذا بخلاف الكر الذي هو موضوع واقعي و له حد واقعي يخرج عنه بنقصان قطرة، فكيف يمكن أن ينطبق عليه أشبار كل من هو مستوى الخلقة من دون زيادة قطرة و نقصانها، فكل ما ورد من التحديد لمثل هذه الأمور بمثل الأشبار و القلتين و الحب فإنما هي كواشف عن تحقق الموضوع الواقعي عند حصول هذه الأشياء، لا أنها حد حقيقي للموضوع النفس الأمري بحيث لا يزيد عليه أصلا في شي ء من مصاديقه، و هذا المعنى و ان كان خلاف ظاهر الحد إلا أن نفس جعل هذه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 111

..........

______________________________

الأمور حدا قرينة قطعية على ذلك، إذ من المعلوم الذي لا يعتريه شك انه لو كان مصداق من الماء يبلغ المساحة المعتبرة بشبر من هو من مستوى الخلقة و ينقص عنها بمقدار رطل بشبر آخر ممن هو أيضا من مستوى الخلقة مع فرض اتحاد حكمهما في هذا الموضوع، لا يعقل أن يجعل الشارع شبر كل منهما حدا لهذا الموضوع، هذا في الأشبار و أشباهها.

و اما الأرطال فالظاهر كونها تحديدا حقيقيا.

(أما أولا) فلعدم الداعي على صرف أدلتها عن ظواهرها لكونها عيارا مضبوطا في حد ذاتها لا يقبل الزيادة و النقصان.

(و ثانيا) فلأن في نفس التحديد بالأرطال إشارة إلى كونها بيانا للموضوع الواقعي لعسر معرفتها بالاختبار فلا يناسب أن تجعل طريقا ظاهريا لمعرفة ما هو الموضوع النفس الأمري، و حيث ان الأرطال التي هي حد واقعي للكر من الماء لا يمكن معرفتها

لغالب الناس بل لجميعهم في أغلب موارد حوائجهم كالبراري و الصحارى يجب على الشارع الحكيم ان يرشدهم إلى ما يعرّفهم مقدار الكر بحيث يسهل عليهم معرفته. فتارة أرشدهم الى حبه، و اخرى إلى غيره من التقريبات التي يسهل تناولها في مقام الحاجة، و لا بد من ان يراعى الشارع الحكيم حال إرشادهم إلى طريق من هذه الطرق بعلمه المحيط بجميع شتات المصاديق، و يدلهم على معرّف يكون حاويا للكر في تمام المصاديق المتعارفة سواء كان الماء خفيفا أو ثقيلا و الشبر قصيرا أو طويلا، فما وجدوه بالاعتبار من كون الأرطال أقل من أربعين شبرا فليس منافيا للتحديد بثلاثة أشبار و نصف، لما عرفت من وجوب مراعاة أخف الإفراد من المياه و أقصر الأشبار من الأشخاص المتعارفة في نصبه طريقا إلى معرفة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 112

[ (مسألة 5) إذا لم يتساو سطوح القليل ينجس العالي بملاقاة السافل كالعكس]

(مسألة 5) إذا لم يتساو سطوح (1) القليل ينجس العالي بملاقاة السافل كالعكس نعم لو كان جاريا من الأعلى إلى الأسفل لا ينجس العالي بملاقاة السافل من غير فرق بين العلو التسنيمي و التسريحي.

[ (مسألة 6) إذا جمد بعض ماء الحوض و الباقي لا يبلغ كرا]

(مسألة 6) إذا جمد بعض ماء الحوض (2) و الباقي لا يبلغ كرا ينجس بالملاقاة

______________________________

الكر و إلا لتخلف في كثير من الموارد، و الحاصل: ان تخلف الأرطال عن الأشبار بأن تكون الأرطال أعم وجودا غير ضائر، بعد ما عرفت من ان الأشبار طريق تقريبي، بل الإنصاف أنه مؤكد الموثوق بهذه الرواية، بحيث لو كان لها معارض مكافى ء من جميع الجهات مطابق لما وجدوه من الأرطال لكان العمل بهذه الرواية عندي أرجح، لما ذكرت من امتناع تحديد الكر حقيقة بالأشبار بحيث يدور مدارها وجودا و عدما فلا بد من كونها كاشفة عن وجود الكر، فيجب حينئذ مراعاة أخف مصاديق الماء و أقصر الأشبار المتعارفة، و اجتماع كلا الوصفين في مورد اختبارهم مظنون العدم. و اللّه العالم انتهى نقل عبارته بعينها طيب اللّه رمسه.

قوله قده مسألة 5: (إذا لم يتساو سطوح. إلخ)

غرضه (قده) ان الماء القليل الذي هو دون الكر لا يتفاوت الحال في الحكم بنجاسته بين ان تتساوى سطوحه أو تختلف ارتفاعا و انخفاضا تسريحيا أو تسنيميا إذا كان ماءا واحدا، و ذلك لإطلاق دليل تنجس القليل فإنه شامل لسائله و عالية قطعا، نعم لو كان جاريا من العالي الى السافل بتدافع لا ينجس العالي بالسافل بل لو كان متدافعا من السافل الى العالي كالفوارة لا ينجس السافل بملاقاة العالي للنجاسة كما تقدم بيانه.

قوله قده مسألة 6: (إذا جمد بعض ماء الحوض. إلخ)

كما هو مقتضى العمل الابقى- 14

العمل الأبقى في شرح العروة

الوثقى، ج 1، ص: 113

و لا بعصمة ما جمد، بل إذا ذاب شيئا فشيئا ينجس أيضا، و كذا إذا كان هناك ثلج كثير فذاب منه أقل من الكر فإنه ينجس بالملاقاة و لا يعصم بما بقي من الثلج

[ (مسألة 7) الماء المشكوك كريته مع عدم العلم بحالته السابقة]

(مسألة 7) الماء المشكوك كريته (1) مع عدم العلم بحالته السابقة في حكم القليل على الأحوط و ان كان الأقوى عدم تنجسه بالملاقاة، نعم لا يجري عليه حكم الكر فلا يطهر ما يحتاج تطهيره إلى إلقاء الكر عليه و لا يحكم بطهارة متنجس غسل فيه، و ان علم حالته السابقة يجري عليه حكم تلك الحالة.

______________________________

أدلة الانفعال و لعدم تقويه بالجامد إذ هو ليس بماء عرفا، و كذلك إذا ذاب الجمد شيئا فشيئا فإن كل مقدار ذاب منه يلاقي ماءا متنجسا فينجس بملاقاته.

و هكذا و ان بلغ آلافا من الأكرار، و كذا الحال فيما ذكره (قده) من انه إذا كان هناك ثلج كثير فذاب منه أقل من كر فإنه ينجس بالملاقاة للنجس و لا يعتصم بما بقي من الثلج إذ ليس العاصم لبعض الماء عن النجاسة إلا البعض الآخر منه و ليس الثلج منه.

قوله قده مسألة 7: (الماء المشكوك كريته. إلخ)

لا يخفى ان الماء المشكوك في كونه بقدر الكر أو أقل منه على قسمين: (أحدهما) أن تكون حالته السابقة معلومة متيقنة و الحكم حينئذ هو الاعتبار بها و العمل عليها، فان كانت عدم الكرية فحكمه التنجس ان لاقته نجاسة، و ان كانت الكرية فحكمه الطهارة و عدم الانفعال عند ملاقاة النجاسة له عملا بالاستصحاب فيهما، و هذا مما لا إشكال فيه كما ذكره (قده) في آخر المسألة بقوله: و ان علم حالته السابقة يجرى عليه حكم تلك الحالة. (ثانيهما)

أن تكون حالته السابقة غير معلومة، أعم من أن لا تكون له حالة سابقة كالماء المخلوق في وقته. و مثله ما لو نشأ الشك من الاختلاف في مقدار الكر أو اعتبار اجتماعه أو تساوى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 114

..........

______________________________

سطوح اجزائه و لم يكن هناك إطلاق في لفظ الكر و نحوه يرجع إليه، أو كانت له حالة سابقة موجودة في نفسها و لكن لا يعلمها و فيه وجهان:

(أحدهما) النجاسة بمعنى انفعاله بملاقاة النجس و هو المشار إليه بقول المصنف (قدس سره): انه في حكم القليل على الأحوط. (و ثانيهما) الطهارة بمعنى عدم انفعاله بملاقاة النجاسة و هو المشار اليه بقوله (قده): و ان كان الأقوى عدم تنجسه بالملاقاة.

(و وجه الأول) دعوى ان كل ماء مقتض لانفعاله بالنجاسة و الكرية مانعة لاستفادة ذلك من النص الصحيح المشهور: إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء فان الظاهر منه ان الكرية علة لعدم التنجس، و لا نعني بالمانع إلا ما يلزم من وجوده العدم، و على هذا فالملاقاة وجدانية و أصالة عدم المانع بمفاد ليس التامة جارية، مع ان الاحتياط مقتض للتجنب عنه.

(و وجه الثاني) دعوى أن كل ماء طاهر و القلة شرط في النجاسة كما يستفاد ذلك من قوله عليه السّلام (خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه) و قوله عليه السّلام في صحيحة حريز (كلما غلب الماء ريح الجيفة فتوضأ و أشرب) و نحو ذلك فان الظاهر منها كون القلة شرطا في النجاسة بناءا على ان القليل هو المخرج عن عمومه فلا بد من إحرازها في الحكم، فاذا شك في كون ماء خاص قليلا أو

كثيرا وجب الرجوع الى تلك العمومات أعني طهورية الماء و عدم تنجسه بمجرد الملاقاة، نعم لا يثبت كريته فلا يجرى عليه الأحكام التي موضوعها الكر بخصوصه، و لهذا قال (ره): نعم لا يجرى عليه حكم الكر فلا يطهّر ما يحتاج تطهيره إلى إلقاء كر عليه و لا يحكم بطهارة متنجس غسل فيه. إلخ، فإنه و ان لم يحكم بنجاسة الماء الوارد عليه المتنجس

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 115

..........

______________________________

أخذا بالعمومات و لكن لا يحكم بطهارة المتنجس المغسول فيه، إذ شرط طهارته في صورة وروده على الماء كرية المورود عليه و لم تحرز فتستصحب نجاسة المغسول الى ان يثبت المزيل، و في كلا الوجهين نظر، إذ الوجه الأول مبني على قاعدة المقتضى و المانع فنقول ان قاعدة اعمال المقتضى مع الشك في المانع الذي لم يعلم سبق انتفائه مما يتجه عليه المنع، ضرورة انها ليست مما دل عليه دليل شرعي و لا مما استقل به العقل، فينحصر طريق إثباتها في الرجوع الى بناء العقلاء، و نحن نعلم قطعا انهم حيث عثروا على وجود المقتضى و شكوا في تحقق المانع الغير المسبوق بحالة سابقة لم يجروا على المقتضى حكم العلة التامة و لم يحكموا قطعا بأنه قد تحقق مقتضاه، و غاية ما هناك انهم يتوقفون فلا يتأتى لنا الحكم بالنجاسة فيما لو رأينا نجاسة في ماء مشكوك الكرية استنادا إلى القاعدة المزبورة، على انا لا نسلم ان الملاقاة بقول مطلق مقتضية للنجاسة بل ملاقاة القليل، مع أن نفى المانع بأصالة عدمه بمفاد ليس التامة و السالبة بانتفاء الموضوع لم يتم عندنا الدليل على اعتبار الاستصحاب بهذا النحو، بل الظاهر من دليله الاعتبار بمفاد ليس الناقصة

و العدم المحمولي و السالبة بانتفاء المحمول ليس إلا، و مجمل القول فيه: ان المخصص إذا لم يؤخذ العلم جزء موضوع فيه بل دار مدار واقعة فهو منوّع للعام لا محالة، فإذا ورد عنهم (ع) إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش، فقد تنوعت المرأة نوعين قرشية و غير قرشية و لكل حكمها، فكما يقال أصالة عدم ارتباط هذه المرأة بقريش بمفاد ليس التامة و السالبة بانتفاء الموضوع، كذلك يقال أصالة عدم ارتباطها بغير قريش بذلك المعنى فيتعارض الاستصحابان و يتساقطان، ثم ان ما يدعى هو عدم الارتباط لعدم ما يرتبط

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 116

..........

______________________________

به بمفاد السالبة بانتفاء الموضوع، و الذي يراد إثباته بعد وجود المرأة هو العدم النعتي أي ربط العدم بها لوجود موضوعه و هو من المثبت إذ لا حالة سابقة له و هو ليس بحجة عند من لا يقول به. (و اما ما ذكره) من موافقة هذا الوجه للاحتياط فهو معارض باحتياط استعماله إذا لم يوجد سواه.

(و اما الوجه الثاني) فيدفعه ان التخصيص يوجب تنويع العام و تقسيمه الى قسمين كما إذا قيل أكرم العلماء و قيل لا تكرم فساق العلماء، فإن انضمام الكلام الثاني إلى الأول يجعل العلماء على قسمين فاسق يحرم إكرامه و غير فاسق يجب إكرامه، فإذا شك في شخص خارجي عالم انه عادل أو فاسق دار الأمر بين ثبوت حكم القسم المخرج له و بين ثبوت حكم ما بقي تحت العام بعد خروج ما خرج، و لا مجال حينئذ للتمسك بأصالة عدم ثبوت حكم الخاص له لكونها معارضة بأصالة عدم ثبوت حكم ما بقي بعد التخصيص تحت

العام له، نعم يمكن المصير الى الوجه الثاني أعني طهارة الماء المشكوك ركونا إلى قاعدة الطهارة و هو المحكى عن صاحب الجواهر (قده) قال: انه متى شك في شمول إطلاقات الكر لفرد من الأفراد و شك في شمول إطلاقات القليل فلم يعلم دخوله في أي القاعدتين فالظاهر ان الأصل يقضي بالطهارة و عدم تنجسه بالملاقاة، نعم لا يرفع الخبث به بان يوضع المتنجس فيه كما يوضع في الجاري و الكثير و ان كان لا يحكم عليه بالنجاسة بمثل ذلك بل يحكم عليه بالطهارة فيؤخذ منه ماء و يرفع به الخبث على نحو ما يرفع بالقليل، و لا مانع من رفع الحدث به لكونه ماءا طاهرا، و كل ما كان كذلك يجرى عليه الحكم، و كان السبب في ذلك ان احتمال الكرية فيه كافية في حفظ طهارته و عدم نجاسته بملاقاة النجاسة، و لكن لا يكفى ذلك في الأحكام المتعلقة بالكر المعلوم انه كر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 117

[ (مسألة 8) الكر المسبوق بالقلة إذا علم ملاقاته للنجاسة]

(مسألة 8) الكر المسبوق بالقلة إذا (1) علم ملاقاته للنجاسة و لم يعلم السابق من الملاقاة و الكرية. إن جهل تاريخهما أو علم تاريخ الكرية حكم بطهارته، و ان كان الأحوط التجنب، و ان علم تاريخ الملاقاة حكم بنجاسته، و اما القليل المسبوق بالكرية الملاقي لها فان جهل التأريخان أو علم تاريخ الملاقاة حكم فيه بالطهارة مع الاحتياط المذكور، و ان علم تاريخ القلة حكم بنجاسته.

______________________________

كالتطهير به من الأخباث بوضع المتنجس في وسطه و نحو ذلك، فليست أحكام الكر موافقة للأصل من جميع الوجوه. انتهى كلامه، و هذا هو الذي ينبغي أن يقال و الحق الذي إليه يصار، و هو الذي قواه المصنف (قده)

و مال اليه كما هو صريح عبارته، و ان كنا لا نعلم مستنده في الحكم المزبور هل هو الوجه الثاني المزيف و هو الأخذ بعمومات الطهارة على حسب ما تقدم تقريره من دعوى أن القلة فشرط في النجاسة، أو العمل بأصالة الطهارة على حسب ما اخترناه أخيرا و نقلناه عن صاحب الجواهر (قده) و اللّه العالم بحقيقة أحكامه.

قوله قده مسألة 8: (الكر المسبوق بالقلة إذا. إلخ)

لا يخفى ان المسألة المفروضة ذات جهتين (إحداهما) الماء المسبوق بالقلة و طرأ عليه الكرية و الملاقاة للنجاسة و لا يعلم السابق منهما (الثانية) الماء المسبوق بالكرية و طرأ عليه القلة و الملاقاة للنجاسة و لا يعلم السابق منهما، و في كل من الجهتين منشأ الشك إما الجهل بتاريخ الحادثين، و اما الجهل بتأريخ أحدهما مع العلم بتاريخ الآخر فيتحصل تحت كل من الجهتين ثلاث صور من الشك، فحكم بالطهارة في صورتين من كل من الجهتين، و بالنجاسة في صورة واحدة من كل من الجهتين أيضا على حسب ما ذكره (قده) اما الجهة الأولى و هي الماء المسبوق بالقلة و طرأ عليه الكرية و الملاقاة للنجاسة و لا يعلم السابق منهما فحكم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 118

..........

______________________________

بطهارته في صورة الجهل بتاريخى الحادثين، و في صورة العلم بتاريخ الكرية مع الجهل بتاريخ الملاقاة لجريان استصحاب الطهارة مع قاعدة الطهارة في الصورة الأولى بعد تعارض الأصلين و هما أصالة عدم الكرية إلى زمن الملاقاة المقتضى لنجاسته، المعارض بأصالة عدم الملاقاة إلى زمن الكرية المقتضى لطهارته فيتساقطان و يرجع الى أصالة الطهارة، هذا بناءا على جريان الأصل في مجهولي التأريخ و تساقطهما، و إلا فالمرجع أصالة الطهارة ابتداء إذ هو

ماء مشكوك الطهارة و النجاسة فعلا فهو محكوم بالطهارة بلا معارض استصحابا و قاعدة، هذا وجه الحكم بالطهارة في صورة الجهل بالتاريخين، و اما الحكم بالطهارة في صورة الجهل بتاريخ الملاقاة مع العلم بتاريخ الكرية فهو لاستصحاب طهارة الماء القليل الى زمان العلم بكريته، مثلا لو علمنا أن هذا الماء القليل الطاهر صار كرا أول الزوال مع العلم بملاقاته للنجاسة الغير المعلوم زمنها فيستصحب طهارته الى الزوال، إذ احتمال تقدم الملاقاة عليه مشكوك فهو منفي بحكم الأصل المذكور و ببركته، و تأخرها عنه لا أثر لها للعلم بكريته فلا تؤثر الملاقاة شيئا، و لا يعارض ذلك باستصحاب عدم الكرية إلى زمن الملاقاة، إذ زمن الكرية بالفرض معلوم و زمن الملاقاة غير معلوم فجاز أن يكون بعد الزوال كما جاز أن يكون قبله و لا يصح استصحاب عدم الكرية إلى زمن الملاقاة الذي أحد فرضية بعد الزوال مع فرض العلم بالكرية أول الزوال فهذا خلف.

(و أما الوجه) في الحكم بالنجاسة في الصورة الثالثة و هي صورة العلم بتاريخ الملاقاة مع الجهل بتاريخ الكرية فهو أيضا لاستصحاب القلة إلى زمن الملاقاة المعلوم الذي لا يجوز نقضه بالشك، فيثبت موضوع النجاسة و هو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 119

..........

______________________________

ملاقاة القليل بحكم الاستصحاب و ببركته للنجاسة، مثلا لو علمنا أن هذا الماء القليل الطاهر قد لاقى النجاسة أول الزوال مع العلم بكريته الغير المعلوم زمنها فتستصحب قلته الى الزوال الذي هو وقت الملاقاة. إذ احتمال تقدم الكرية عليه مشكوك فهو منفي بحكم الأصل المذكور و تأخرها عنه لا أثر لها للعلم بنجاسته للملاقاة فلا تؤثر الكرية شيئا، و لا يعارض ذلك باستصحاب عدم الملاقاة إلى زمن الكرية

إذ زمن الملاقاة بالفرض معلوم و زمن الكرية غير معلوم، فجاز أن يكون بعد الزوال كما جاز أن يكون قبله، و لا يصح استصحاب عدم الملاقاة، إلى زمن الكرية الذي أحد فرضيه بعد الزوال مع فرض العلم بالملاقاة أول الزوال فهذا خلف، هذا حكم الجهة الأولى بصورها الثلاث.

(و اما الجهة الثانية) و هي الماء المسبوق بالكرية و طرأ عليه القلة و الملاقاة للنجاسة و لا يعلم السابق منهما فحكم بطهارته في صورة الجهل بالتاريخين و في صورة العلم بتاريخ الملاقاة مع الجهل بتاريخ القلة، و بالنجاسة في صورة العلم بتاريخ القلة مع الجهل بتاريخ الملاقاة، و وجه الحكم بالطهارة في الصورتين الأولتين هو استصحاب طهارة الماء في مجهولي التأريخ لا كريته، للعلم بانتقاض الكرية بالقلة و عدم العلم بانتقاض الطهارة بالنجاسة، و استصحاب الكرية في صورة العلم بتاريخ الملاقاة إلى زمن العلم بالملاقاة فيثبت ملاقاة النجاسة لماء مستصحب الكرية، و لا يعارض ذلك باستصحاب عدم الملاقاة إلى زمان القلة، لما تقدم في نظيره من ان زمن الملاقاة بالفرض معلوم و زمن القلة غير معلوم، فجاز أن يكون بعده كما جاز أن يكون قبله، و لا يصح استصحاب عدم الملاقاة إلى زمن القلة الذي أحد فرضيه جواز وقوعه بعده مع فرض العلم بزمان الملاقاة فهذا خلف، نعم يبقى الإشكال في الصورة الثالثة من هذه الجهة و هي: ما لو علم تاريخ القلة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 120

[ (مسألة 9) إذا وجد نجاسة في الكر و لم يعلم انها وقعت فيه قبل الكرية أو بعدها]

(مسألة 9) إذا وجد نجاسة في الكر و لم يعلم انها وقعت (1) فيه قبل الكرية أو بعدها يحكم بطهارته إلا إذا علم تاريخ الوقوع.

[ (مسألة 10) إذا حدثت الكرية و الملاقاة في آن واحد حكم بطهارته]

(مسألة 10) إذا حدثت الكرية و الملاقاة في آن واحد (2) حكم بطهارته و ان كان الأحوط الاجتناب.

______________________________

بان كان أول الزوال مثلا و جهل تاريخ الملاقاة فإنه حكم فيها بالنجاسة، و المحتمل من وجه حكمه (قده) بذلك انه بناه على أصالة تأخر الحادث في مجهول التأريخ، و في ذلك نظر بل منع، إذ وصف التأخر كالتقدم أمر حادث مسبوق بالعدم فلا يمكن إثباته بالأصل، نعم ما هو المطابق للأصل عدم وجود ما جهل تاريخه إلى زمان حصول الآخر و لكنه لا يجدي في إثبات كونه متأخرا عنه لما عرفت فيما سبق من عدم الاعتداد بالأصول المثبتة عندهم، فالظاهر على ما ذكرنا من عدم تمامية ما احتملناه من وجه حكمه (قده) هو ان يقال: كما انا لا نعلم بحسب الفرض تأخر ملاقاة النجاسة عن القلة المقتضى لانفعاله أو تقدمها عليها المقتضى لعدم انفعاله و لا أصل في البين محرز لأحدهما لتعارض الأصول فيهما، فهو لا يخرج عن كونه ماء مشكوك الطهارة و النجاسة فالمرجع فيه قاعدة الطهارة لا ما أفاده (قدس سره) من الحكم بالنجاسة و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 9: (إذا وجد نجاسة في الكر و لم يعلم انها وقعت. إلخ)

لا يخفى ان هذه المسألة عين المسألة التي قبلها موضوعا و حكما فراجع ما تقدم.

قوله قده مسألة 10: (إذا حدثت الكرية و الملاقاة في آن واحد. إلخ)

اما الحكم بطهارته فللاستصحاب و لقاعدة الطهارة بلا معارض لهما و لا حاكم العمل الابقى- 15

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 121

[ (مسألة 11) إذا كان هناك ماءان أحدهما كر و الآخر قليل]

(مسألة 11) إذا كان هناك ماءان أحدهما كر و الآخر (1) قليل و لم يعلم ان أيهما كر فوقعت نجاسة في أحدهما معينا أو غير

معين لم يحكم بالنجاسة و ان كان الأحوط في صورة التعين الاجتناب.

[ (مسألة 12) إذا كان ماءان أحدهما المعين نجس فوقعت نجاسة]

(مسألة 12) إذا كان ماءان أحدهما المعين نجس (2) فوقعت نجاسة لم يعلم بوقوعها في النجس أو الطاهر لم يحكم بنجاسة الطاهر.

______________________________

عليهما، نعم الأصل حاكم على القاعدة المذكورة، و اما الاحتياط في الاجتناب فلعل وجهه إمكان دعوى ان الذي يظهر من الخبر الشريف: إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شي ء و ما شاكله، هو أن كل ماء ينفعل بالملاقاة إلا أن يكون كرا أو معتصما، بدعوى ان كل حكم من الأحكام المترتبة على أمر وجودي ترخيصي لا بد من إحراز ذلك الأمر أولا في ترتب حكمه عليه، و أن المتفاهم لدى العرف ذلك، و ان الخطابات الشرعية منزلة على المتفاهم العرفي، فعليه لا بد من إحراز الكرية في الحكم بعدم الانفعال و فيه نظر و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 11: (إذا كان هناك ماء ان أحدهما كر و الآخر. إلخ)

لا يخفى أنه يشترط في تنجز العلم الإجمالي ان يكون مستتبعا لتكليف إلزامي لا يجوز مخالفته، و لما كانت النجاسة المعلوم وقوعها في مفروض المسألة لا يعلم باستتباعها لتكليف، لجواز وقوعها في الكر، فلهذا حكم (قده) بعدم النجاسة في الصور اجمع حتى لو وقعت في المعين لجواز كونه هو الكر الواقعي المجهول لدينا، و اما الاحتياط في الاجتناب في المعين فلعل وجهه ما تقدم نقله في المسألة السابعة من دعوى ان كل ماء مقتض لانفعاله بالنجاسة و الكرية مانعة خصوصا لو كانا مستصحبي القلة.

قوله قده مسألة 12: (إذا كان ماءان أحدهما المعين نجس. إلخ)

وجه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 122

[ (مسألة 13) إذا كان كر لم يعلم انه مطلق أو مضاف فوقعت فيه نجاسة لم يحكم بنجاسته]

(مسألة 13) إذا كان كر لم يعلم (1) انه مطلق أو مضاف فوقعت فيه نجاسة لم يحكم بنجاسته، و إذا كان كر ان

أحدهما مطلق و الآخر مضاف و علم وقوع النجاسة في أحدهما و لم يعلم على التعيين بحكم بطهارتهما.

[ (مسألة 14) القليل النجس المتمم كرا بطاهر أو نجس نجس]

(مسألة 14) القليل النجس (2) المتمم كرا بطاهر أو نجس نجس على الأقوى.

______________________________

الحكم بعدم نجاسته ما تقدم في المسألة السابقة من عدم العلم باستتباع هذا العلم الإجمالي لتكليف زائد غير التكليف باجتناب النجس المعين الذي كان لازما قبل هذا العلم الإجمالي، و ذلك لجواز وقوعها في النجس المعلوم فلا أثر لها.

قوله قده مسألة 13: (إذا كان كر لم يعلم. إلخ)

تضمنت هذه المسألة فرعين: (أحدهما) لو كان كر واحد لم يعلم انه مطلق أو مضاف فوقعت فيه نجاسة. (ثانيهما) لو كان كران أحدهما مطلق و الآخر مضاف فوقعت نجاسة في أحدهما و لم يعلم على التعيين لم يحكم بالنجاسة في كلا الفرعين، بل يحكم بالطهارة فيهما لعدم العلم بإضافة الملاقي في الصورة الأولى و عدم العلم بملاقاة المضاف في الصورة الثانية، لجواز كونه مطلقا في الصورة الأولى، أو الملاقاة للمطلق في الثانية، فاستصحاب الطهارة و قاعدتها جاريان بلا معارض في المقامين، إلا انه لا مجال لجريان القاعدة مع الاستصحاب لحكومته عليها.

قوله قده مسألة 14: (القليل النجس. إلخ)

حكم (قده) بالنجاسة وفاقا للشيخ في الخلاف كما عن ابن الجنيد، و المحقق في المعتبر، و العلامة في القواعد و التذكرة و النهاية و التحرير و الإيضاح، و الشهيد في الذكرى و الدروس و البيان، و السيد في المدارك، و الشيخ حسن في المعالم، و الفاضل الأصبهاني في كشف اللثام، و الفاضل الخوانساري في شرح الدروس، و الخراساني في الذخيرة، و خلافا للسيد المرتضى كما عن الرسيات، و لابن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 123

..........

______________________________

إدريس في السرائر، و لسلار كما

عن المراسم، و عن المهذب، و الجواهر لابن البراج، و عن ابن حمزة في الوسيلة، و عن الإصباح، و الكركي في جامع المقاصد و حاشية المختلف و غيرهم. من دون فرق في ذلك بين أن يكون المتمم طاهرا أو نجسا، بل صرح ابن إدريس في السرائر بما لو كان نجسا.

و فصل آخرون بأن لو كان المتمم طاهرا فهو طاهر و ان كان نجسا فنجس، و يعزى الى ابن حمزة كما صرح به الفاضل الأصبهاني. و احتمله السيد في المدارك.

و المعتمد الأول، و يدل عليه بعد الاستصحاب القاضي بنجاسته الى ان يثبت المزيل حرمة الاستعمال له شرعا المستفادة من الأخبار القاضية بنجاسة القليل المستفاد منها الدوام الى ان يثبت المزيل و ليس فليس، و كون هذا التتميم من المطهرات محل شك و ريبة و به الكفاية، لا سيما بعد ورود النهى عن استعمال غسالة ماء الحمام المشتملة على أكرار عديدة فضلا عن الكر و هي لا تنفك عن طاهر جزما فليس إلا لنجاستها، مضافا الى أن الأخبار المشار إليها القائلة بانفعال الماء القليل قائلة بنجاسة هذا المتمم سواء كان طاهرا أو نجسا، اما الطاهر فلملاقاته النجس فيكون نجسا لعدم عصمته كما لا يخفى، لأن الأوامر و النواهي الواردة في إهراق الماء و أكفاء الإناء و التيمم مثلا و عدم التوضي و الشرب منه قاضية بالاستمرار الى ان يثبت المزيل، و ليس هو إلا الكر الملقى دفعة فيبقى الباقي على ما هو عليه من الانفعال يقينا، لا سيما في النجس فإنه لا يزداد إلا نجاسة لأنه بعد الحكم عليه بالنجاسة و وصفه بها نفس الاجتماع لا يكون مطهرا له قطعا، كيف لا و كلاهما نجسان يقينا، و

لو صح لما اشترطوا إلقاء الكر الطاهر دفعة، و لذا لم يستدلوا بأصل الطهارة كما لا يخفى فما هو إلا لنجاسة الماء الناقص عن الكر فتستصحب الى ان يثبت

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 124

..........

______________________________

المزيل و ليس فليس، لان هذا التتميم غير مزيل قطعا، و عمدة ما في الباب مستندا لمثبتى الطهارة كما احتج به ابن إدريس قوله (ص): إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا، محتجا بعمومه فان الماء متناول للطاهر و النجس، و الخبث نكرة في سياق النفي فتعم، و معنى لم يحمل خبثا لم يظهر فيه كما صرح به جماعة من أهل اللغة و قال: ان هذه الرواية مجمع عليها عند المخالف و المؤالف. انتهى.

و هو مردود من جهات شتى أما (أولا) فلأن المتبادر من الحمل الدفع كما ذكره جماعة و هو غير الرفع كما لا يخفى، فمعنى لم يحمل خبثا أى يدفعه عن نفسه و منه قولهم فلان لا يحمل الضيم إذا كان يأباه و يدفعه عن نفسه، فيكون المتبادر من معنى الحديث أن الكر بعد البلوغ لا يحمل خبثا أى يدفعه عن نفسه كما هو قضية الشرط و ليس بينه و بين قوله عليه السّلام: إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء فرق قطعا لأن المراد منهما واحد كما هو المفهوم و المتبادر منهما، و لو لا ذلك للزم تخصيص تلك الأخبار الصحيحة الصريحة في نجاسة القليل بالملاقاة، و تقييد كلام الأصحاب ما عدا ابن أبى عقيل بهذا الخبر الذي لم يسلم سنده بل لم تثبت روايته من الخاصة إلا مرسلا، و من ثمّ قال المحقق في المعتبر: انا لم نروه مسندا، و الذي رواه مرسلا المرتضى

و الشيخ و آحاد ممن جاء بعده، و الخبر المرسل لا يعمل به، و كتب الحديث عن الأئمة (ع) خالية عنه أصلا، و اما المخالفون فلم اعرف به عاملا سوى ما يحكى عن ابن حي و هو زيدي منقطع المذهب، و ما رأيت أعجب ممن يدعى إجماع المخالف و المؤالف فيما لا يوجد إلا نادرا، فإن الرواية ساقطة، و اما أصحابنا فرووا عن الأئمة (ع) إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء، و هو صريح في أن بلوغه كرا هو المانع لتأثره بالنجاسة، و لا يلزم من كونه لا ينجسه شي ء بعد البلوغ دفع ما كان ثابتا فيه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 125

[فصل ماء المطر]

اشارة

فصل ماء المطر (1) حال تقاطره من السماء كالجاري فلا ينجس ما لم يتغير و ان كان قليلا سواء جرى من الميزاب أو على وجه الأرض أم لا، بل و ان كان قطرات

______________________________

و محققا قبله، و الشيخ (ره) قال لقولهم (ع): و نحن قد طالعنا كتب الأخبار المنسوبة إليهم فلم نر هذا اللفظ، و انما رأينا ما ذكرناه و هو قول الصادق عليه السّلام:

إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء، و لعل غلط من غلط في هذه المسألة لتوهمه أن معنى اللفظين واحد. انتهى. و هو حسن جدا (و ثانيا) فانا و ان كنا لا ننكر وروده في كتب بعض الأصحاب مرسلا، فليس المراد منه إلا ما قلناه من انه بعد البلوغ لا يحمل خبثا ليوافق الأخبار الصحيحة كما قدمنا، و لو لم يكن ظاهرا من لفظه هذا لوجب الحمل عليه قطعا، كيف لا و اجتماع الخبث مع الخبث لا يزداد إلا خبثا فمن أين صار لا

يحمل خبثا (و ثالثا) فانا لا نمنع العموم فيه فان الماء عند الإطلاق انما ينصرف الى الطاهر قطعا (و رابعا) فانا نمنع الإجماع الذي ادعى لما سمعت من الخلاف، و ما ادعاه الشيخ على الكركي من أن الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة معارض بكلام المحقق، و كفى بشهادة الاطلاع و التتبع دليلا، فليس معنى الرواية إلا ما بينا بإضافة غيره من الأخبار إليه لقوله عليه السّلام: ان أخبارنا يفسر بعضها بعضا، مضافا الى انه يكفى في ردها إعراض مثل هؤلاء الفحول عنها فلتخصص بما قدمنا إذ هي أكثر عددا و أصح سندا.

قوله قده (فصل: ماء المطر. إلخ)

البحث في ماء الغيث يقع من جهتين في انفعاله بملاقاة النجاسة مع عدم تغيره، و في تطهيره للمتنجسات (اما الجهة الأولى) فالمشهور كما هو مختاره (قده) عدم انفعاله حال نزوله مع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 126

بشرط صدق المطر عليه، و إذا اجتمع في مكان و غسل فيه النجس طهر و ان كان قليلا لكن ما دام يتقاطر عليه من السماء.

______________________________

صدق اسم المطر عليه عرفا سواء جرى من ميزاب أو غيره أو لم يجر فحكمه حكم الجاري، خلافا للشيخ (ره) في التهذيب حيث قال: ان ماء المطر إذا جرى من الميزاب فحكمه حكم الجاري لا ينجسه شي ء إلا ما غير لونه أو طعمه، و الحجة للأول (صحيح) هشام بن سالم أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام في السطح يبال عليه فيصيبه السماء فكيف فيصيب الثوب، فقال عليه السّلام: لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه، قال بعض المحققين: و ما يظهر من هذه الصحيحة من إناطة طهارة السطح بأكثرية الماء ليس منافيا لإطلاق مرسلة

الكاهلي الآتية، لأن قابلية المحل للطهارة شرط عقلي في طهارة ما يراه المطر، و لذا لا يفهم أحد من المرسلة طهارة عين النجس بإصابة المطر فكذلك المتنجس ما دامت العين باقية، فاستهلاك القذر و إزالته مما لا بد منه، و لا يتحقق الاستهلاك في شي ء من المتنجسات المشتملة على العين حتى البول الذي هو ماء إلا على تقدير أكثرية الماء و قاهريته، و مقتضى اناطة الحكم بالأكثرية كفاية مطلق الإصابة في تطهير المتنجسات الخالية من العين كما يدل عليه المرسلة. انتهى. (و صحيح) على بن جعفر عليه السّلام انه سأل أخاه موسى بن جعفر (ع) عن الرجل يمر في ماء المطر و قد صب فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلى فيه قبل أن يغسله؟ فقال: لا يغسل ثوبه و لا رجله و يصلى فيه و لا بأس، فإنه صريح في اعتصام ماء المطر المجتمع في الأرض و عدم انفعاله بالخمر المنصب فيه (و مرسلة) الكاهلي عن رجل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال قلت: أمرّ في الطريق فيسيل علىّ الميزاب في أوقات اعلم ان الناس يتوضؤن قال قال:

لا بأس لا تسأل عنه قلت و يسيل علىّ من ماء المطر أرى فيه التغيّر و أرى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 127

..........

______________________________

فيه آثار القذر فتقطر القطرات علىّ و ينتضح علىّ منه و البيت يتوضأ على سطحه فيكف على ثيابنا؟ قال: ما بذا بأس لا تغسله، كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر، قال بعض المحققين: و المراد من التغير بحسب الظاهر هو التغير الناشئ من جريان الماء على الأرض المشتملة على القذر لا تغيره بخصوص لون القذر أو طعمه أو ريحه المانع من قبوله

للتطهير نصا و إجماعا، إذ ليس القذر مسبوقا بالذكر في السؤال، فقوله و ارى فيه آثار القذر من قبيل عطف الخاص على العام أريد بها العلائم الكاشفة عن ملاقاة النجس، فالمقصود بالفقرتين على الظاهر هو السؤال عن الماء الذي استكشف بالأمارات كونه بعينه هو الماء الملاقي للنجس، و لو فرض ظهورهما في إرادة ما يعم التغيير بأوصاف عين النجس لوجب صرفهما عن ذلك بقرينة ما عرفت، و كيف كان فما في ذيل الرواية شاهد على المدعى بعمومه. انتهى. و يدل عليه في الجملة (رواية) أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكنيف يكون خارجا فتمطر السماء فتقطر على القطرة قال: ليس به بأس (و مرسلة) محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابنا عن ابى الحسن عليه السّلام في طين المطر انه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام إلا أن يعلم انه قد نجّسه شي ء بعد المطر، فإن أصابه بعد ثلاثة أيام فاغسله و ان كان الطريق نظيفا لم تغسله (و صحيحة) هشام ابن الحكم عن الصادق عليه السّلام في ميزابين سالا أحدهما بول و الآخر ماء المطر فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضره، و الظاهر ان إطلاق الجواب جار مجرى الغالب من أكثرية الماء الموجبة لاستهلاك البول و كون جريان الماء حال نزول المطر لا بعد انقطاعه (و رواية) على بن جعفر المروية في كتابه عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 128

..........

______________________________

الثوب أ يصلى فيه قبل أن يغسل؟ قال: إذا جرى فيه المطر فلا بأس، قال بعض المحققين: و الظاهر أن الغرض من الاشتراط الاحتراز

عما لو أصاب الثوب بعد انقطاع المطر فان حاله بعد وقوف المطر حال سائر المياه القليلة الملاقية للعذرة بلا خلاف فيه، بل عن بعض دعوى الإجماع عليه، فالمراد بجريان المطر المعلق عليه نفى البأس أما تقاطره من السماء في مقابل وقوعه أو جريانه الفعلي الذي هو ملزوم غالبي لكونه في حال التقاطر، و كيف كان فهذه الرواية أيضا كادت تكون صريحة في المدعى، أي في كون ماء المطر الجاري على الأرض بمنزلة الماء الجاري في الاعتصام و كون بعضه مطهرا للبعض. انتهى (و ما رواه) في الوسائل عن محمد بن على بن الحسين قال سئل يعني الصادق عليه السّلام عن طين المطر يصيب الثوب فيه البول و العذرة و الدم فقال: طين المطر لا ينجس: قال صاحب الوسائل. أقول: هذا مخصوص بوقت نزول المطر أو بزوال النجاسة.

(حجة الثاني) حسنة هشام بن سالم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لو أن ميزابين سالا أحدهما بول و الآخر ماء المطر فاختلطا ثم أصابك ما كان به بأس (و صحيح) على بن جعفر انه سأل أخاه أبا الحسن موسى بن جعفر (ع) عن البيت يبال على ظهره أو يغتسل من الجنابة ثم يصيبه المطر أ يؤخذ من مائه و يتوضأ به للصلاة؟ فقال: إذا جرى فلا بأس، و فيه ان من المحتمل ان يراد بالجريان معنى كنائيا عن بقائه معتصما بالقطرات المتتابعة النازلة من السماء، إذ متى انقطع التقاطر انقطع الجريان، لا أنه يعتبر في مطهرية ماء المطر الجريان مطلقا أو من خصوص الميزاب، فان لم يكن هذا المعنى ظاهرا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 129

[ (مسألة 1) الثوب أو الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر]

(مسألة 1) الثوب أو الفراش النجس إذا تقاطر عليه

المطر و نفذ في جميعه طهر و لا يحتاج الى العصر (1) أو التعدد، و إذا وصل الى بعضه دون بعض طهر ما وصل اليه هذا إذا لم يكن فيه عين النجاسة، و إلا فلا يطهر إلا إذا تقاطر عليه بعد زوال عينها.

[ (مسألة 2) الإناء المتروس بماء نجس]

(مسألة 2) الإناء المتروس بماء نجس كالحب و الشربة و نحوهما إذا تقاطر

______________________________

فلا أقل من كونه محتملا، و إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال، هذا و لا يخفى عليك أخصية هذه الأدلة الواردة في ماء المطر من الأدلة المتقدمة الواردة في الماء القليل ان لم نقل بانصراف تلك عما نحن فيه، بل عدم شمول ما دل على انفعال القليل لما نحن فيه ان لم يكن ظاهرا في غيره، كما أنها أخص من مفهوم (إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شي ء) الذي استدل به على نجاسة الماء القليل هذا كله من الجهة الأولى، و هي عدم انفعاله بملاقاته للنجاسة بشرط بقاء التقاطر و عدم تغيره من ناحية أوصافه الثلاثة.

و اما الجهة الثانية و هي مطهريته لغيره فنبه عليه بقوله (قده) و إذا اجتمع في مكان و غسل فيه النجس طهر. إلخ، و ذلك لما تقدم من تنزيله في لسان الأخبار منزلة الجاري من عدم انفعاله بملاقاة النجاسة، و مرسلة الكاهلي المتقدمة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر.

قوله قده مسألة 1: (الثوب أو الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر و نفذ في جميعه طهر و لا يحتاج الى العصر. إلخ)

عدم احتياجه الى العصر لإطلاق مرسلة الكاهلي المتقدمة كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر، هذا ما لم يكن فيه عين النجاسة لما تقدم من اشتراط قابلية المحل

لقبول الطهارة.

قوله قده مسألة 2: (الإناء المتروس بماء نجس كالحب و الشربة و نحوهما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 130

عليه (1) طهر ماؤه و اناؤه بالمقدار الذي فيه ماء، و كذا ظهره و أطرافه ان وصل اليه المطر حال التقاطر، و لا يعتبر فيه الامتزاج، بل و لا وصوله الى تمام سطحه الظاهر و ان كان الأحوط ذلك.

[ (مسألة 3) الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها]

(مسألة 3) الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها بشرط أن يكون (2) من السماء و لو بإعانة الريح، و اما لو وصل إليها بعد الوقوع على محل آخر كما إذا ترشح بعد الوقوع على مكان فوصل مكانا آخر لا يطهر، نعم لو جرى على وجه الأرض فوصل الى مكان مسقف بالجريان اليه طهر.

______________________________

إذا تقاطر عليه. إلخ)

اما طهر مائه فلعموم مرسلة الكاهلي (كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر) و اما إنائه فاما للصدق العرفي في انه رآه كما رأى ماءه، و اما للملازمة بين طهارته و طهارة مائه إذ لا يعقل طهارة مائة مع بقاء إنائه على نجاسته كإناء الخمر إذا انقلب خلا، و إلا فلا يطهر ماؤه المنافي لعموم:

كل شي ء يراه ماء المطر فقط طهر، و لا يعتبر فيه الامتزاج، بل و لا وصوله الى تمام سطحه الظاهر كما ذكره (قده) كل ذلك لأصالة الإطلاق في المرسلة المتقدمة.

قوله قده مسألة 3: (الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها بشرط أن يكون. إلخ)

و ذلك لصدق رؤية ماء المطر له و لو بإعانة الريح حتى لو وصل إليها بعد وقوعه على محل آخر، كما إذا ترشح بعد الوقوع على مكان فوصل الى مكان آخر بعد الصدق العرفي انه رآه ماء المطر حال نزوله، فحاله حال ما لو

جرى على وجه الأرض فوصل الى مكان مسقف بالجريان اليه من دون فرق بينهما و منشأ الكل الصدق العرفي.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 131

[ (مسألة 4) الحوض النجس تحت السماء يطهر بالمطر]

(مسألة 4) الحوض النجس تحت السماء يطهر بالمطر (1)، و كذا إذا كان تحت السقف و كان هناك ثقبة ينزل منها على الحوض، بل و كذا لو أطارته الريح حال تقاطره فوقع في الحوض، و كذا إذا جرى من ميزاب فوقع فيه.

[ (مسألة 5) إذا تقاطر من السقف لا يكون مطهرا]

(مسألة 5) إذا تقاطر من السقف لا يكون مطهرا (2) بل و كذا إذا وقع على ورق الشجر ثم وقع على الأرض، نعم لو لاقى في الهواء شيئا كورق الشجر أو نحوه حال نزوله لا يضر إذا لم يقع عليه ثم منه على الأرض فمجرد المرور على الشي ء لا يضر.

[ (مسألة 6) إذا تقاطر على عين النجس فترشح منها على شي ء آخر]

(مسألة 6) إذا تقاطر على عين النجس (3) فترشح منها على شي ء آخر لم ينجس إذا لم يكن معه عين النجاسة و لم يكن متغيرا.

______________________________

قوله قده مسألة 4: (الحوض النجس تحت السماء يطهر بالمطر. إلخ)

و ذلك لصدق رؤية ماء المطر له في الفروض المذكورة كلها.

قوله قده مسألة 5: (إذا تقاطر من السقف لا يكون مطهرا. إلخ)

و ذلك لعدم صدق رؤية ماء المطر له حال نزوله بل رأى السقف حال نزوله و منه اليه، نعم يشكل ما ذكره (قدس سره) من الإطلاق في بعض الفروض، كما لو كان السقف من خشب و كان التقاطر بشدة و كثرة للصدق العرفي برؤية ماء المطر له في الصورة المفروضة، فعلى كل الحكم تابع للصدق العرفي.

قوله قده مسألة 6: (إذا تقاطر على عين النجس. إلخ)

و ذلك لما تقدم من أن حكم ماء المطر حكم ماء الجاري و نازل منزلته، فكما ان الماء الجاري لو لاقى عين النجاسة و ترشح منه على شي ء آخر لم ينجس إذا لم يكن معه عين النجاسة و لم يكن متغيرا بها فكذا ماء المطر حرفا بحرف، لما استفيد من أدلته انه بحكم الجاري.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 132

[ (مسألة 7) إذا كان السطح نجسا فوقع عليه المطر و نفذ]

(مسألة 7) إذا كان السطح نجسا (1) فوقع عليه المطر و نفذ و تقاطر من السقف لا تكون تلك القطرات نجسة و ان كان عين النجاسة موجودة على السطح و وقع عليها، لكن بشرط أن يكون ذلك حال تقاطره من السماء، و اما إذا انقطع ثم تقاطر من السقف مع فرض مروره على عين النجس فيكون نجسا، و كذا الحال إذا جرى من الميزاب بعد وقوعه على السطح النجس.

[ (مسألة 8) إذا تقاطر من السقف النجس يكون طاهرا]

(مسألة 8) إذا تقاطر من السقف النجس يكون طاهرا (2) إذا كان التقاطر حال نزوله من السماء سواء كان السطح أيضا نجسا أم طاهرا.

[ (مسألة 9) التراب النجس يطهر بنزول المطر عليه]

(مسألة 9) التراب النجس يطهر بنزول المطر عليه إذا وصل الى أعماقه حتى صار طينا. (3)

[ (مسألة 10) الحصير النجس يطهر بالمطر]

(مسألة 10) الحصير النجس يطهر بالمطر، و كذا الفراش (4) المفروش على

______________________________

قوله قده مسألة 7: (إذا كان السطح نجسا. إلخ)

و ذلك لما تقدم من ان حال تقاطره من السماء بحكم الجاري فلا ينجس بالملاقاة لينجّس ما تقاطر عليه منه، و لا ينافي الحكم بطهارته و عدم تنجيسه لغيره الحكم بعدم تطهيره للنجس كما تقدم، و ذلك لاعتبار رؤية النجس له حال نزوله من السماء و ملاقاته له بلا واسطة.

قوله قده مسألة 8: (إذا تقاطر من السقف النجس يكون طاهرا. إلخ)

لما مر عليك من انه إذا كان حال تقاطره في حال نزوله من السماء فهو بحكم الجاري معتصم بالمادة فلا ينجس، سواء كان السطح نجسا أم طاهرا.

قوله قده مسألة 9: (التراب النجس يطهر بنزول المطر عليه إذا وصل الى أعماقه حتى صار طينا)

و ذلك لعموم مرسلة الكاهلي المتقدمة فراجع.

قوله قده مسألة 10: (الحصير النجس يطهر بالمطر و كذا الفراش. إلخ)

كل ذلك لعموم مرسلة الكاهلي المتقدمة فراجع.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 133

الأرض، و إذا كانت الأرض التي تحتها أيضا نجسة تطهر إذا وصل إليها، نعم إذا كان الحصير منفصلا عن الأرض بشكل طهارتها بنزول المطر عليه إذا تقاطر منه عليها، نظير ما مر من الاشكال فيما وقع على ورق الشجر و تقاطر منه على الأرض

[ (مسألة 11) الإناء النجس يطهر إذا أصاب المطر جميع مواضع النجس منه]

(مسألة 11) الإناء النجس (1) يطهر إذا أصاب المطر جميع مواضع النجس منه، نعم إذا كان نجسا بولوغ الكلب يشكل طهارته بدون التعفير، لكن بعده إذا نزل عليه يطهر من غير حاجة الى التعدد.

[فصل ماء الحمام]

فصل ماء الحمام (2) بمنزلة الجاري بشرط اتصاله بالخزانة، فالحياض الصغار فيه إذا اتصلت بالخزانة لا تنجس بالملاقاة إذا كان ما في الخزانة وحده أو مع ما في

______________________________

قوله قده مسألة 11: (الإناء النجس. إلخ)

أما طهارته إذا أصاب المطر جميع مواضع النجس منه فلعموم مرسلة الكاهلي، و اما الإشكال في طهارة ما كان نجسا بولوغ الكلب بدون التعفير فلأن غاية ما استفدناه من أدلة ماء المطر تنزيله منزلة الجاري، و لا إشكال في ان تطهيره به لا يكفى عن التعفير فكذا ما نزل منزلته، هذا مع انصراف إطلاقات أدلة ماء المطر إلى تطهير ما يطهر بالماء وحده لا الى ما يحتاج في تطهيره الى مطهر آخر منضم مع الماء.

قوله قده (فصل: ماء الحمام. إلخ)

اما موضوع الحمام فالظاهر من بعض الأصحاب كما هو صريح آخرين ان المراد به الحياض الصغار و هو المتبادر المعروف من الأخبار من نحو رواية بكر بن حبيب عن ابى جعفر عليه السّلام قال:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 134

الحياض بقدر الكر من غير فرق بين تساوي سطحها مع الخزانة أو عدمه، و إذا تنجس ما فيها يطهر بالاتصال بالخزانة بشرط كونها كرا و ان كانت أعلى و كان الاتصال بمثل المزملة، و يجري هذا الحكم في غير الحمام أيضا، فإذا كان في المنبع الأعلى مقدار الكر أو أزيد و كان تحته حوض صغير نجس و اتصل بالمنبع بمثل المزملة يطهر، و كذا لو غسل فيه شي ء

نجس فإنه يطهر مع الاتصال المذكور.

______________________________

ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة، و غيرها فإنه لو كان المراد بها الحياض الكبار أو هي مع الصغار لما كان لذكر المادة وجه، كيف لا و قد علمت ان الجاري و الكثير لا ينجسان بالملاقاة بل بالتغيير، و ليس ذلك إلا من جهة المادة في الأول و الكثرة في الثاني كما نبهنا على ذلك فيما تقدم، فان الكر على ما سبق معصوم بنفسه، و لو كان الحمام كرا فما زاد فلا خلاف في عصمته، فليس المراد به إلا الحياض الصغار التي لم تبلغ الكر، إذ هي على ما قبل المتداولة المعروفة في الحجاز و الحرمين المشرفين بل لم يعهد غيرها، و الحياض الكبار انما حدثت في زمن السلاطين الصفوية في بلاد العجم و العراقين، و اما تلك فهي على حالها الى الآن، و إلا كيف يخفى على الرواة عليهم رضوان اللّه حكم الكثير الراكد فما هو إلا من جهة الصغر و اتصاله بالمادة، ورد السؤال منهم لهم (ع) فكان الجواب انه لا بأس به إذا كانت له مادة كما لا يخفى فتأمل جيدا.

(و اما حكمه) فقد أطلق الأصحاب انه في حكم الجاري حين اتصاله بالمادة بل عليه الاتفاق ظاهرا كما في كشف اللثام، و يدل عليه بعد الأصل و العمومات من الآيات و الأخبار الدالة على طهارة الماء و طهوريته و الاتفاق الذي سمعت (ما رواه) الشيخ في الصحيح عن داود بن سرحان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما تقول في ماء الحمام؟ قال: هو بمنزلة الجاري، و الدلالة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 135

..........

______________________________

مستفادة من عموم المنزلة إذ الجاري كما عرفت

لا ينجس ما لم يتغير فالحمام بحكمه و الإضافة هنا للعهد كما لا يخفى و هي تفيد العموم كما هو معلوم. و منه يعلم ان المراد منه ما نقص عن الكر المتصل بالمادة، كيف لا و حكم الكر معلوم لا يخفى على الناس فضلا عن الرواة الذين هم الواسطة بيننا و بين أئمتنا (ع) فليس السؤال عن ماء الحمام إلا من جهة اتصاله بالمادة و كونه دون الكر. فما قيل من أن الاستدلال بها موقوف على معرفة الحمام فمدفوع بما ذكرنا (و ما رواه) الشيخ عن بكر بن حبيب عن الباقر عليه السّلام قال: ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة، و الدلالة مستفادة من ذكر المادة إذ هي له عاصمة كمادة الجاري كما لا يخفى (و ما رواه) الشيخ عن ابن ابى يعفور عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا، و هي كالأول في الدلالة كما لا يخفى (و ما رواه) في التهذيب و الكافي عن حنان بن سدير قال سمعت رجلا يقول لأبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام انى أدخل الحمام في السحر و فيه الجنب و غير ذلك فأقوم و اغتسل فينضح على بعد ما افرغ من مائهم قال عليه السّلام: أ ليس هو جار؟

قلت بلى. قال عليه السّلام: لا بأس به، و الاستفهام فيها بحسب الظاهر إنكاري و ما ذاك إلا ان للمادة في رفع النجاسة تأثيرا كالجاري كما لا يخفى (و ما رواه) عن قرب الاسناد عن إسماعيل بن جابر عن ابى الحسن الأول عليه السّلام قال ابتدأني فقال: ماء الحمام لا ينجسه شي ء (و ما عن) مكارم الأخلاق عن الباقر

عليه السّلام قال: ماء الحمام لا بأس به إذا كان له مادة (و في فقه الرضوي) و ماء الحمام سبيله سبيل الجاري إذا كان له مادة، و الدلالة في هذه الأخبار ظاهرة فان حكمه عليه السّلام بعدم نجاسته بشي ء في الأول ليس إلا انه كالجاري، و ما ذاك إلا للمادة المتصلة به كما ينبى ء عنه ما تقدم و الثاني و الثالث، و يفصح عن ذلك

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 136

..........

______________________________

(ما رواه) الشيخ في التهذيب عن أبى الحسن الهاشمي قال سألته عن الرجال يقومون على الحوض في الحمام و لا أعرف اليهودي من النصراني و لا الجنب من غير الجنب قال: يغتسل منه و لا يغتسل من ماء آخر فإنه طهور، فان الظاهر منها ان ماء الحوض دون الكر، كيف لا و الكر طاهر مطهر كما دلت عليه الأخبار و الإجماع و هو معلوم و لا يسئل عنه، فمن ثمّ قال لا أعرف اليهودي من النصراني إذ ليس المراد به إلا كثرة تردد الناس يهودا و غيرهم.

فان الكفر ملة واحدة، و لذا قال و لا الجنب من غير الجنب و قد أمر بالغسل منه و أنه طهور، و ما ذاك إلا من جهة المادة المتصلة به المفسرة بما مر من الأخبار، لما علمت من أن اخبار أهل البيت يفسر بعضها بعضا فتأمل جدا.

(و ما رواه) عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الحمام يغتسل فيه الجنب و غيره اغتسل من مائه؟ قال: نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب و لقد اغتسلت فيه ثمّ جئت فغسلت رجلي و ما غسلتهما إلا مما لزق بهما من التراب، و الدلالة مستفادة

من نفى البأس عن غسل الجنب و ما ذاك إلا لطهارته و طهوريته و ما هي إلا من أجل المادة لنجاسة القليل بالانفعال كما تقدم. فهذه الاخبار بجملتها تنادي بأعلى صوت ان ماء الحمام من حيث المادة حكمه حكم الجاري، و إلا فالأخبار القائلة بنجاسة القليل تحكم بنجاسته قطعا فليست الطهارة فيه و الطهورية إلا من جهة المادة كما صرح به بعضها.

(و عليه) فهل يشترط في المادة أن تكون كرا؟ أم يكفي بلوغ المجموع من المادة و الحوض كرا اختلفت سطوحهما أو تساوت؟ أو يكفي ذلك مع تساوى السطوح دون الاختلاف؟ فيشترط الكرية في المادة وحدها، العمل الابقى- 17

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 137

..........

______________________________

أو يشترط الزيادة على الكر فيها؟ لتبقى حال الاتصال كرا فصاعدا اقتصارا فيما خالف القاعدة على المتيقن. و لأن المادة الناقصة عن الكر لا تعصم نفسها فكيف تعصم غيرها؟ أقوال اختار كلا طائفة، و كيف كان فالمتبع ظاهر الدليل فنقول: قد يستدل بإطلاق قوله عليه السّلام: ماء الحمام كماء النهر و انه بمنزلة الجاري و انه لا بأس به إذا كان له مادة، على اعتصامه مطلقا و عدم اشتراطه بالكرية لا في الدفع و لا في الرفع إلا ان يثبت الإجماع على اعتبارها في الرفع أو على بلوغ المجموع كرا في الدفع أيضا، و ممن ذهب الى هذا القول من المتأخرين الشيخ في الجواهر قده (و فيه) ان الإطلاق انما يعول عليه و يؤخذ به و يكون حجة قاطعاً للعذر حيث لا جهة خاصة ينصرف إليها ذلك الإطلاق، و لا يخفى ان الإطلاقات فيما نحن فيه منصرفة الى ما هو المتعارف من اشتمال مادة الحمامات المتعارفة بحسب العادة على

أكرار متعددة تبلغ العشرين بل تزيد على ذلك فضلا عن كر واحد، بحيث لو لا الإجماع على عدم اعتبار ما زاد عن الكر في عاصميته لا شكل الاكتفاء به، لما ذكرناه من المتعارف الذي هو منصرف الإطلاقات، فعلى ما تقرر يشترط في عدم الانفعال بلوغ المادة لا أقل كرا واحدا، أو هي مع ما في الحياض الصغار إذا عد في العرف مجموع المائين ماءا واحدا، و ذلك لعموم قوله عليه السّلام: إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شي ء، مع أدلة نجاسة ما دون الكر، فحال ماء الحمام حال سائر المياه قلة و كثرة و حكمه حكمها و لا خصوصية للحمام، لبعد تنزيل هذه الأخبار الواردة في الحمام على بيان حكم تعبدي في خصوص الحمام. (قال) بعض المحققين في مصباحه:

فان الظاهر ان هذه الفقرات في هذه الروايات اعنى تنزيله منزلة الجاري و تشبيهه بماء النهر و تعليقه بالمادة و غيرها من المبالغات الواردة في طهارة ماء الحمام انما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 138

[فصل ماء البئر النابع بمنزلة الجاري]

اشارة

فصل ماء البئر (1) النابع بمنزلة الجاري لا ينجس إلا بالتغير سواء كان بقدر الكر أو أقل و إذا تغير ثم زال تغيره من قبل نفسه طهر لان له مادة، و نزح المقدرات في صورة عدم التغير مستحب، و اما إذا لم يكن له مادة نابغة فيعتبر في عدم تنجسه الكرية و ان سمي بئرا كالآبار التي يجتمع فيها ماء المطر و لا نبع لها.

______________________________

سيقت لرفع استبعاد السائلين حيث كثرت الريبة في قلوبهم لأجل ماء الحمام، لكونه ماءا قليلا يتوارد عليه النجاسات باغتسال اليهودي و النصراني و المجوسي و الجنب، فمن المستبعد جدا ان يكون مقصود الامام عليه السّلام

حين تشبيهه بماء النهر و الجاري مجرد بيان عدم انفعاله تعبدا، بل الظاهر أن مراده عليه السّلام حين سألوه عن أن ماء الحمام يتوارد عليه هذه النجاسات بيان وجه الاعتصام تقريبا لأذهانهم، فكأنه عليه السّلام قال في جوابهم: كما ان ماء النهر و الجاري لا يفسده توارد مثل هذه الأمور لاتصاله بماء طاهر قاهر فكذا ماء الحمام، فهذه التقريبات انما تؤثر في رفع ما اختلج في أذهانهم من الريبة في خصوص الحمام لا أنه يستفاد منها ان لماء الحمام من حيث كونه في الحمام حكما خاصا تعبديا، الى آخر ما ذكره (قده) و نعم ما قال و اللّه العالم بحقيقة الحال.

قوله قده (فصل: ماء البئر. إلخ)

البئر من المفاهيم المبينة لدى العرف فيحمل اللفظ الوارد من الشرع عليه، لان الظاهر من إطلاق لفظ البئر ليس هو إلا العرف العام، و به تثبت الحقيقة اللغوية إذا لم يعلم بمغايرتها له، لما تقرر في الأصول من ان الواجب حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية حيث تثبت، و إلا فعلى عرف زمانه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خاصة ان علم، و إلا فعلى الحقيقة اللغوية ان وجدت، و حيث تعذر الحمل على هذه لعدم ثبوتها وجب الحمل على العرف

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 139

..........

______________________________

العام، لأن الأصل عدم النقل و عدم تقدم وضع سابق و بها يستكشف عرفه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مضافا الى انا لا نعلم أن للبئر في زمانه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم معنى غير ما عندنا لا عرفا خاصا و لا عاما، فايكال معرفتها الى العرف أسلم من التحديد ببعض ما ذكروه مما لا يسلم عن الخدشة.

(ثم)

ان البئر تتنجس بتغير أحد أوصافها الثلاثة إجماعا من العلماء في النهاية، و التذكرة، و المختلف، و الروض، و الذخيرة، بل علماء الإسلام كما في المدارك، بل لا يبعد أن يكون الإجماع محصلا، مضافا الى ما مر من الأخبار في نجاسة الجاري بالتغيير فهنا بطريق أولى فضلا عن وجود العلة، لأن الراكد غير الجاري قطعا إلا على مذهب العلامة فهما متساويان لاشتراطه الكرية في الجاري و قد علم بطلانه. (ثم) ان استولت النجاسة على البئر بان تغيرت كلها فنجسة كلها، و إلا فالمتغير خاصة ان لم يقطع التغير عمود الماء، و بالجملة ما مر في تغير الجاري و الراكد من الصور يتصور هنا حسبما ذكرنا فتأمل جيدا. (و هل) تنجس بالملاقاة من دون أن يتغير أحد أوصافها كالقليل الراكد؟ فيه تردد الأظهر لدى جل متقدمي أصحابنا التنجس، بل كاد أن يكون إجماعا، بل في الانتصار انه مما انفردت به الإمامية كما في الغنية، و عن شرح الجمل ان عليه إجماع الطائفة، بل في السرائر و اما مياه الآبار فإنها تنجس بما وقع فيها من سائر النجاسات قليلا كان الماء أو كثيرا، غيّرت النجاسة الواقعة فيه أحد أوصاف الماء أو لم تغيره من غير خلاف بين أصحابنا. انتهى.

(و قيل) بالطهارة مطلقا سواء كان قليلا أو كثيرا حكاه المحقق عن قوم من القدماء، و تلميذه الآبي عن جماعة من معاصريه (و ذهب) الصدوق في الهداية و المقنع و النهاية إلى الطهارة و وجوب النزح. (و حكى) الشهيد في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 140

..........

______________________________

غاية المراد قولا بالتفصيل بين الكر و غيره عن الشيخ أبى الحسن محمد بن محمد البصروي. (و قال) الشهيد في الذكرى: و

قال الجعفي يعتبر فيها ذراعان في الأبعاد الثلاثة فلا ينجس، ثم حكم بالنزح. انتهى.

فتلخص من جميع ما ذكرناه و نقلناه خمسة أقوال: النجاسة مطلقا، و الطهارة مطلقا، و الطهارة مع وجوب النزح، و القول بالتفصيل، و قول الجعفي، و على كل حال (فالمعتمد) الطهارة و استحباب النزح وفاقا لمن ذكرنا و للعلامة فيما عدى التلخيص و المنتهى، حيث اختار في الأول النجاسة و في الثاني وجوب النزح، و ولده في الإيضاح، و الكركي في جامع المقاصد.

و حواشي المختلف و التحرير و النافع و الجعفرية، و تلميذه في شرحها الطالبية، و الفاضل الشيخ حسن في المعالم، و السيد في المدارك. و المقدس الأردبيلي، و السيد الماجد البحراني، و الشيخ البهائي، و المحقق السبزواري في الذخيرة و الكفاية، و الخوانساري في شرح الدروس، و الفاضل الكاشاني في المفاتيح و الوافي، و الحر العاملي في البداية، و الشيخ فخر الدين و ولده صفي الدين، و اليه صار الشهيد الثاني كما نقله ولده عنه في المعالم، بل في المدارك: ان عليه عامة المتأخرين، و السيد الأيد المهدى الطباطبائي في مصابيحه على ما حكى عنه أنه قال: أطبق أصحابنا على الطهارة و استحباب النزح بعد الخلاف فان فقهاء نا الحين- و هو عام مائة و تسعة و تسعين بعد الألف- يفتون بذلك و لا يختلفون فيه و قد استقر مذهبهم عليه منذ مائتي سنة أو أكثر، و قد تبين في محله ان إجماع كل عصر حجة، و ان الحق لا يخرج عن الفرقة الناجية في شي ء من الأعصار. انتهى (و يدل) عليه أمور: منها الأصل المقرر بوجوه (منها) أصالة الطهارة في الأشياء عموما و في الماء خصوصا (و منها) استصحاب

الطهارة في الماء و ما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 141

..........

______________________________

يلاقيه من الأعيان مع استصحاب طهارة البئر الملاقية للنجاسة و طهارة الملاقي لها من الأعيان الطاهرة. (و منها) أصالة براءة الذمة عن وجوب اجتناب البئر و التكليف بتطهيرها و تطهير ما يلاقيها خرج منها المغير بالإجماع عليه من الفقهاء و الأخبار عن السادة النجباء (ع) و بقي ما عداه على حكم الأصل قطعا. (الثاني) ان التنجيس للبئر مستلزم للعسر و الحرج المنفيين آية و رواية بقوله تعالى يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ و قوله تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: (تيسروا و لا تعسروا) (و بعثت بالحنفية السهلة) و غير ذلك من الآيات و الأخبار التي لا تحصى، و لا شك أن النجاسة للبئر مستلزمة لذلك. (الثالث) ان القول بالنجاسة مستلزم لأمور بعيدة عن العقل و الشرع (منها) الحكم بنجاسة البئر و ان اشتملت على أكرار متعددة و الحكم بطهارة الكر الواقف فما هذا إلا خلف لوجود المادة فيها دون الكر. (و منها) ان الكر المنفصل عنها الى خارجها طاهر معصوم و المتصل بها مع غيره من الأكرار نجس محروم و هذا خلف أيضا (و منها) ان الكر إذا القى فيه نجاسة و تميزت عنه و لم تغيره يكون طاهرا و إذا القى في البئر و تميز عنها يكون نجسا و هو خلف أيضا (و منها) ان الماء النجس يطهر بإلقاء كر عليه دفعة أو مع زوال التغير إذا كان متغيرا و البئر تطهر بإخراج شي ء منها فما هو إلا خلف أيضا (و منها) التزام العفو عن نجاسة

الدلاء و ما تساقط من الماء و الحافة و طهارة ثياب الماتح و بدنه بطهرها. و إيجاب النزح بإصابة جسم طاهر كبدن المجنب مثلا فما هو إلا خلف، و ان وجد له نظير في الشرع و ان الشرع مبني على جمع المتشتتات و تفريق المجتمعات إلا انه لا يرفع الاستبعاد (و منها) ان البئر إذا خرجت عن البئرية بان سطحت فساوت

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 142

..........

______________________________

الأرض أو حفرت الأرض فساوتها و قطعت مادتها فإنها تخرج عن تسميتها بئرا قطعا و لا تنجس إلا بالتغير يقينا، و لو عادت لما كانت لعادت تنجس بملاقاة اليسير من النجاسة فما هو الا خلف، و ليت شعري كيف تكون الأكرار ذو المادة فضلا عن الكر أضعف من الكر المجرد عن المادة بل من الكف؟! أ ترى أن البئر تنجس بموت العقرب و الوزغة و الكف لا تنجس إلا بالدم و البول و ميتة ذي النفس السائلة؟! ان ذا لغريب.

(الرابع) المعلوم و المستفاد من السيرة النبوية و الطريقة المحمدية طهارة البئر و عدم وجوب النزح لعدم نقل ذلك عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوما و استعماله فيها دائما في غزواته و أسفاره و حضره كما لا يخفى، كيف لا و مياه الحجاز كلها آبار و جلهم مشركون ان لم نقل كلهم و كان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ينزل عليها و يشرب مع أصحابه منها و يتوضأ و يغتسل و يغسل ثيابه و ثيابهم، و هذا بئر زمزم في الحرم و جلهم مشركون و لم نسمع انه اجتنبها يوما أو أمر باجتنابها مضافا الى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

لما نزل على بئر بضاعة (خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه) بعد قول أصحابه له انها بأرض الحما و ما ذاك إلا لطهارتها.

(الخامس) قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً* فإنه سبحانه قد علق التيمم على فقدان الماء، و لا شك انه ممتنع عند وجوده كما هو قضية الشرط و محل النزاع منه قطعا لوجود الماء، فيجب الوضوء و الغسل به عملا بالإطلاق كما لا يخفى، و حينئذ فتكون البئر طاهرة لأن النجس لا يطهّر نصا و فتوى، (و منها) قوله تعالى وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً و قوله جل اسمه وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ بناءا على ان الماء كله نازل من السماء كما قاله الصدوق و غيره من العلماء لقوله تعالى:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 143

..........

______________________________

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَسَلَكَهُ يَنٰابِيعَ فِي الْأَرْضِ و قوله تعالى وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّٰاهُ فِي الْأَرْضِ وَ إِنّٰا عَلىٰ ذَهٰابٍ بِهِ لَقٰادِرُونَ و في الحديث عن الباقر عليه السّلام في تفسير هذه الآية قال: هي الأنهار و الآبار و العيون. (و منها) عموم الأخبار الدالة على طهارة الماء و طهوريته بعمومها أو إطلاقها و انه لا ينجس إلا بالتغيير كما هو المفهوم من قوله عليه السّلام: إذا تغير الماء و تغير الطعم فلا تتوضأ و لا تشرب. فإنه دال على ان الماء لا ينجس إلا بالتغير كما ذكرناه سابقا. و نحوه أمثاله خرج منها القليل المنفعل بالملاقاة و يبقى الباقي مندرجا تحت العموم.

(السادس) الأخبار (الأول): الخبر المشهور بين الفريقين المروي عن النبي

صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد سئل عن بئر بضاعة: خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه، و قد رواه أهل السير من الجمهور مسندا و من أصحابنا جمّ غفير بل ادعى العماني تواتر مضمونه (الثاني) ما رواه الشيخ في التهذيب في باب الزيادات و في الاستبصار في أبواب البئر في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السّلام قال: ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلا ان يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب الطعم لان له مادة، و رواه الكليني في الكافي عن عدة عن ابن عيسى عن ابن بزيع عن الرضا عليه السّلام قال: ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلا ان يتغير ريحه أو طعمه. الحديث. (الثالث) ما رواه الشيخ في التهذيب و الاستبصار في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سمعته يقول: لا يغسل الثوب و لا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلا أن ينتن، فإن أنتن غسل الثوب و أعاد الصلاة و نزحت البئر، و الدلالة مستفادة من النهى عن غسل الثوب و اعادة الصلاة إلا بعد الإنتان، و ليس ذلك إلا لطهارتها

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 144

..........

______________________________

عند ملاقاة النجاسة (الرابع) ما رواه الشيخ فيهما في الصحيح عن معاوية ابن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الفأرة تقع في البئر فيتوضأ الرجل منها و يصلى و هو لا يعلم أ يعيد الصلاة و يغسل ثوبه؟ فقال: لا يعيد الصلاة و لا يغسل ثوبه، و الدلالة مستفادة من النهى عن غسل

الثوب و اعادة الصلاة القاضي بالطهارة قطعا كما لا يخفى. (الخامس) ما رواه الشيخ فيهما في الصحيح عن ابان بن عثمان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن الفارة تقع في البئر لا يعلم بها إلا بعد ما يتوضأ منها إيعاد الوضوء؟ قال: لا، و الدلالة مستفادة من النهى عن اعادة الوضوء. (السادس) ما رواه الشيخ فيهما في الصحيح عن أبي أسامة و ابى يوسف يعقوب بن عثيم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا وقع في البئر الطير و الدجاجة و الفارة فانزح منها سبع دلاء، قلنا فما تقول في صلواتنا و وضوئنا و ما أصاب ثيابنا؟ فقال: لا بأس به، و الدلالة واضحة جدا، و من هذه الرواية يستفاد استحباب النزح و عدم وجوبه قطعا. (السابع) ما رواه الشيخ فيهما عن جعفر بن بشير عن أبي عيينة قال سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الفارة تقع في البئر فلا يعلم بها أحد إلا بعد ما يتوضأ منها أ يعيد وضوءه و صلاته و يغسل ما أصابه؟ فقال: لا قد استقى أهل الدار منها و رشوا، و الدلالة واضحة مما مر. (الثامن) ما رواه الصدوق و الكليني و الشيخ في الفقيه و الكافي و التهذيب و الاستبصار عن أبى بصير قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام بئر يستقى منها و يتوضأ به و غسل منه الثياب و عجن به ثم علم أنه كان فيها ميت قال:

لا بأس و لا يغسل الثوب و لا تعاد الصلاة، و التقريب واضح الدلالة في طهارة البئر لما علمت من وجوب اعادة الوضوء، بناءا على نجاستها على الجاهل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1،

ص: 145

..........

______________________________

و العالم إجماعا و الصلاة على العالم إجماعا، و على الأشهر الأظهر في الجاهل.

(التاسع) ما رواه الشيخ في الصحيح و الكليني في الحسن عن أبي أسامة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في الفارة و السنور و الدجاجة و الطير و الكلب قال: ما لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء يكفيك خمس دلاء، فان تغير فخذ منه حتى يذهب الريح. (العاشر) ما رواه الكليني في الكافي في القوى عن أبى بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عما يقع في الآبار فقال: أما الفارة و أشباهها فينزح منها سبع دلاء إلا ان يتغير الماء فينزح حتى تطيب. (الحادي عشر) ما رواه الشيخ في التهذيب و الاستبصار في الموثق عن سماعة قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفارة تقع في البئر قال: ان أدركته قبل أن ينتن نزحت منها سبع دلاء. و ان أنتن حتى يوجد ريح النتن في الماء نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء.

(الثاني عشر) ما رواه الشيخ فيهما عن حريز عن زرارة قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام بئر قطر فيها قطرة دم أو خمر قال: الدم و الخمر و الميت و لحم الخنزير في ذلك كله واحد ينزح منها عشرون دلوا فان غلبت الريح نزحت حتى تطيب.

و الدلالة في هذه الأخبار مستفادة من الأمر بالنزح حالة التغير حتى تطيب و تطهر حينئذ، و يفهم منها انها لو طابت من قبل نفسها لكان ذلك كافيا و ليس حالة الملاقاة كذلك بل لا بد من النزح، و هذا خلف قطعا فليس النزح فيهما إلا للاستحباب كما هو المفهوم من قرينة الخطاب فتأمل جيدا.

(الثالث عشر) ما رواه الشيخان في

الصحيح عن زرارة و الصدوق مرسلا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر فهل يتوضأ من ذلك الماء؟ فقال: لا بأس. و الدلالة مستفادة من نفى البأس عن الوضوء بالماء المستقي من حبل الخنزير، لعدم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 146

..........

______________________________

انفكاكه عن البئر قطعا، إذ لا شك في ملاقاته إياها يقينا، و ليس ذلك إلا لطهارتها كما لا يخفى. (الرابع عشر) ما رواه الكليني في الكافي في الموثق عن الحسين بن زرارة قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام عن شعر الخنزير يعمل حبلا و يستقى به من البئر التي يشرب منها أ يتوضأ منها؟ قال: لا بأس، و الدلالة مستفادة من نفى البأس عن الوضوء بالماء المستقي بشعر الخنزير، و ما ذاك إلا لطهارة البئر، إذ لا شك في نجاسة شعر الخنزير قطعا، و احتمال انتفاء العلم بوصول الحبل الى الماء منفي بالعادة فضلا عن ترك الاستفصال فتأمل جدا.

(الخامس عشر) ما رواه الشيخ في الكتابين في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة أو زنبيل من سرقين أ يصلح الوضوء منها؟ قال: لا بأس، و الدلالة مستفادة من نفى البأس عن الوضوء مما وقع فيه الأشياء النجسة.

(السادس عشر) ما رواه الشيخ فيهما عن على بن حديد عن بعض أصحابنا قال كنت مع أبى عبد اللّه عليه السّلام في طريق مكة فصرنا إلى بئر فاستقى غلام ابى عبد اللّه عليه السّلام دلوا فخرج فيه فأرتان فقال عليه السّلام: أرقه فاستقى آخر فخرجت فيه فارة فقال

أبو عبد اللّه عليه السّلام: أرقه، قال فاستقى الثالث فلم يخرج شي ء فقال: صبه في الإناء فصبه في الإناء و الدلالة واضحة جدا، لأنه لو نجس البئر بالملاقاة لما أمر بصب الماء في الإناء.

(السابع عشر) ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا عن الصادق عليه السّلام قال: كان في المدينة بئر في وسط مزبلة فكانت الريح تهب فتلقى فيها العذرة و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يتوضأ منها، و الدلالة مستفادة من وقوع العذرة الظاهرة في النجس.

(الثامن عشر) ما رواه الشيخان في الكافي و التهذيب و الاستبصار عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 147

..........

______________________________

محمد بن القاسم و الصدوق في النهاية مرسلا عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام في البئر يكون بينها و بين الكنيف خمسة أذرع أو أقل أو أكثر يتوضأ منها؟ قال:

ليس يكره من قرب و لا بعد يتوضأ منها و يغتسل ما لم يتغير الماء، و التقريب مستفاد من نفى الكراهة الظاهر في الحرمة هنا بقرينة استثناء التغير كما لا يخفى.

(التاسع عشر) ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن البئر تقع فيها الميتة فقال: ان كان لها ريح نزح منها عشرون دلوا، و الدلالة مستفادة من الشرط المعلق على وجود الريح المنتفى بانتفائه فتكون البئر طاهرة بملاقاة النجاسة.

(العشرون) ما رواه في بصائر الدرجات في الصحيح عن شهاب بن عبد ربه قال أتيت أبا عبد اللّه عليه السّلام فابتدأني فقال: ان شئت فسل يا شهاب و ان شئت ابتدأناك بما جئت له- الى أن قال- جئت تسأل عن الماء الراكد من البئر فما لم يكن فيه تغير فتوضأ

منه قلت فما التغير؟ قال: الصفرة، و كلما كثر الماء فهو طاهر، و الدلالة واضحة لتعليق عدم الوضوء على وجود التغير و الوضوء على عدمه، و ما ذاك إلا لطهارة البئر بملاقاة النجاسة كما لا يخفى.

فدلت هذه الأخبار بجملتها كما هو صريح جلها أن البئر لا تنجس إلا بالتغير، و أما عند مجرد الملاقاة فطاهرة و هو المطلوب و اللّه العالم.

(احتج) القائل بالنجاسة بعد الإجماع المنقول على لسان جملة من المتقدمين و طائفة من الفضلاء المتأخرين في المقام، و لذا قال الشهيد في غاية المراد: و لعله الحجة بالإجماعات المنقولة في مقادير النزح و أخبارها، و الأخبار (منها) ما رواه الكليني في الكافي و الشيخ في التهذيب و الاستبصار في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال كتبت الى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 148

..........

______________________________

الرضا عليه السّلام عن البئر تكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها من عذرة كالبعرة و نحوها ما الذي يطهرها حتى يحل منها الوضوء للصلاة؟ فوقع عليه السّلام بخطه: ينزح منها دلاء، و الدلالة مستفادة من الأمر بالنزح، لما علمت من ان الجملة الإنشائية تكون أمرية، و ما ذاك إلا لتطهيرها إذ هي قبل النزح نجسة كما يقضى به الخبر (و فيه) ان دلاء المنكّر يتحقق بتحقق الامتثال به و هو نزح ثلاث دلاء مثلا لأنه أقل الجمع، و القائلون بالنجاسة غير قائلين به للأخبار المقدرة لنزح الدم و البول و العذرة، فإن لكل واحد منها حكم على حده، فدل على ان النزح مستحب هنا، و ليس هو إلا لازالة النفرة و نحوها و تطيّب

الماء، و يؤيد ما قلناه ان الراوي لطهارتها و هذه الرواية ابن بزيع عن الرضا عليه السّلام فيهما و لا نقل عنه ناقل انه توقف في البئر يوما. (الثاني) ما نقله و رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن على ابن يقطين عن ابى الحسن موسى بن جعفر (ع) قال سألته عن البئر يقع فيها الحمامة و الدجاجة و الفأرة أو الكلب أو الهرة فقال: يجزيك ان تنزح منها دلاء فان ذلك يطهرها ان شاء اللّه تعالى، و الدلالة مستفادة من التعليل القاضي بالنجاسة كما لا يخفى (و فيها) مثل ما تقدم إذ هو ساوي في النزح بين الحمامة و الدجاجة و الفارة و الكلب و الهرة، و لا يخفى الفرق بينها و بين مقدراتها، و ما هو إلا للمسامحة في نزحها و هو يقضى بطهارتها قطعا كما لا يخفى و استحباب النزح للفرق الظاهر بين الطاهر و النجس المعين فتأمل جدا. (الثالث) ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن أبى يعفور و عنبسة بن مصعب عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا أتيت إلى البئر و أنت جنب و لم تجد دلوا و لا شيئا تغترف به فتيمم بالصعيد فان رب الماء و رب الصعيد واحد و لا تقع في البئر و لا تفسد على القوم ماءهم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 149

..........

______________________________

و الدلالة مستفادة من النهى عن الإفساد الظاهر في النجاسة، لأنه من أنواعه كما مر و الأمر بالتيمم و هو لا يصح إلا مع فقدان الماء الطاهر (و فيه) ان الإفساد هنا غير ظاهر في النجاسة كما في صحيح ابن بزيع، بل فرق بينهما لوجود القرائن في

الصحيح المتقدم من نحو الشي ء المنكر الواقع في سياق النفي و الاستثناء، و لا شك أن القرائن منتفية هنا، إذ لعل المراد بالإفساد تغير الماء باثارة الطين و الأوساخ، لا سيما في كون البئر في الطريق و هي معدة للانتفاع غالبا بين المترددين فهو حق مشترك بينه و بين غيره، و إذا أثار الطين و الأوساخ لم يمكن الانتفاع بها حينئذ تلك الساعة، و لربما كان الشرب منها و الوضوء ادعى من الغسل في بعض الأوقات و لذا أمر بالتيمم، فان الامتناع بسبب ما أحدثه فيها من أعظم المفاسد، فضلا عن أن الأمر بالتيمم قد يكون لصعوبة النزول و المشقة، و الشريعة أسهل من ذلك فان الوضوء قد يترك لخوف و نحوه و يرشد الى ذلك (صحيح) الحسين بن أبى العلاء قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يمر بالركية و ليس معه دلو قال: ليس عليه أن ينزل الركية أن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم. و أيضا فإن بدن الجنب طاهر قطعا ما لم يتلوث بالنجاسة فلو اغتسل في ماء قليل فهو طاهر إجماعا، و كونه متلوثا الأصل عدمه كما لا يخفى، و حينئذ فلا دلالة للخبر على نجاسة البئر أصلا فتأمل جدا. (الرابع) ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة و محمد بن مسلم و أبى بصير قالوا قلنا بئر يتوضأ منها يجرى البول قريبا منها أ ينجسها؟ قالوا فقال: إذا كانت البئر في أعلى الوادي و الوادي يجري فيه البول من تحتها و كان أقل ما بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع لم ينجس ذلك شي ء، و ان كان أقل من ذلك نجسها، و ان كانت البئر في

أسفل الوادي و يمر عليها الماء، و كان بين البئر و بينه تسعة أذرع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 150

..........

______________________________

لم ينجسها، و ما كان أقل من ذلك لم يتوضأ منه، قال زرارة قلت له: فان كان مجرى البول بلصقها و كان لا يلبث على الأرض فقال: ما لم يكن له قرار فليس به بأس، و ان استقر منه قليل فإنه يثقب الأرض و لا قعر له حتى يبلغ البئر، و ليس على البئر منه بأس فتوضأ منه، انما ذلك إذا استنقع كله.

(و أجيب) عنها أولا: بقصورها عن معارضة الأخبار المتقدمة المعتضدة بالأصل و مطابقة الكتاب و السنة و مخالفة جمهور العامة، فيتعين تأويلها بحمل النجاسة على مجرد الاستقذار و النهى عن التوضي على الكراهة، أو حملها على ما إذا أثر تكاثر و رود النجاسة على البئر في تغيرها، كما يؤيده ما في ذيلها (انما ذلك إذا استنقع كله) و يؤيده أيضا رواية محمد بن القاسم عن أبى الحسن عليه السّلام في البئر يكون بينها و بين الكنيف خمسة أذرع أو أقل أو أكثر يتوضأ منها؟ قال: ليس يكره من قرب و لا بعد يتوضأ منها و يغتسل ما لم يتغير الماء.

و ثانيا: بمخالفة ظاهرها للإجماع، لأن القائلين بالنجاسة أيضا لا يقولون بحصول التنجيس بمجرد التقارب بين البئر و البالوعة فلا بد من تأويلها بحمل النجاسة على غير معناها الشرعي، الى غير ذلك من الأخبار الواردة في وجوب النزح من نحو (ما رواه) الكليني في الكافي في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن رجل ذبح شاة فاضطربت فوقعت في بئر و أوداجها تشخب دما هل يتوضأ من

تلك البئر؟ قال: ينزح ما بين الثلاثين إلى الأربعين دلوا ثم يتوضأ و لا بأس به، و سألته عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقعت في بئر هل يصلح أن يتوضأ منها؟ قال: ينزح منها دلاء يسيرة ثم يتوضأ منها، و سألته: عن رجل يستقى من بئر فرعف فيها هل يتوضأ منها؟ قال: ينزح

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 151

..........

______________________________

منها دلاء يسيرة، و الدلالة فيها واضحة من الأمر بالنزح القاضي بالوجوب كما قدمنا، و نحوها أخبار كثيرة مستفيضة جدا، بل قيل انها متواترة و بعضها مجبور بشهرة العمل بين المتقدمين، بل الإجماع منهم كما قدمنا، إلا ان الاختلاف في مقادير النزح منها مما يوهنها و يوجب المصير إلى الطهارة، لاعتضادها بالأصل و شهرة العمل بين المتأخرين، بل الإجماع فضلا عن الاخبار، مضافا الى ان الإجماع المدعى هناك غير تام لوجود المخالف من نحو ابن ابى عقيل و ابن الغضائري كما أشرنا، و أخبار الطهارة أكثر عددا و أوضح سندا و دلالة لدلالتها بالمنطوق و المفهوم كما سمعت و بيناه، و لا شك انها بخلاف أخبار النجاسة فإنها لا تدل على المدعى إلا بالمفهوم و فرق بينهما، و ان كان كل منهما يصح التمسك به شرعا إلا ان المنطوق مع المفهوم أقوى من المفهوم وحده قطعا كما لا يخفى، فليس لنا إلا القول بالطهارة و استحباب النزح لما سمعت من الأمر بنزح دلاء تارة و دلاء يسيرة أخرى، و التخيير في النزح، و في السنور ينزح عشرون دلوا أو ثلاثون دلوا أو أربعون دلوا، و العذرة أربعون أو خمسون، و لدم الشاة ما بين الثلاثين إلى الأربعين، و للفأرة و السنور و الدجاجة و

الطير و الكلب تارة خمس دلاء و اخرى سبع دلاء و تارة دلاء، و في الدجاجة خاصة دلوان و ثلاثة، و إذا كانت شاة و شبهها تارة تسعة أو عشرة، و تارة ثلاثة دلاء للفأرة، و اخرى أربعون دلوا ان لم ينتن و ان أنتن و تفسخت فكله، و لبول الصبي تارة دلو واحدة و اخرى سبع دلاء و اخرى الماء كله، و للخنزير تارة عشرون دلوا و اخرى الماء كله الى غير ذلك من الاختلافات فإنها لا شك قاضية بالاستحباب إذ الوجوب لا يقبل الدرجات، و بهذا يجمع بينها و بين الأخبار المصرحة بعدم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 152

..........

______________________________

إعادة الوضوء و الصلاة و غسل البدن و الثياب فإنه أولى من الطرح، و لما قلنا من المسامحة في أدلة السنن كما قدمنا مضافا الى إزالة النفرة و تطيب الماء و رفع مظنة التغير فان ذلك مطلوب شرعا، و لا شك أن ازالة مثل ذلك من الماء المستعمل وضوءا و شربا أو غسلا مندوب قطعا، فالقول بالاستحباب هو الأقوى و الأولى، و بهذا الجمع يندفع ما قيل: من أن النزح يجب تعبدا لما سمعت ان الوجوب لا يتجزى، و لما أجاب عنه المحقق الشيخ حسن (ره) فيما حكى عنه في المعالم بان تلك الأخبار- يعني أخبار النزح- و ان كانت كثيرة إلا ان الغالب عليها الاختلاف و الإجمال و ضعف السند، و ذلك امارة الاستحباب إذ التساهل في الواجب بمثل هذا القدر غير معهود، و بان الاكتفاء بمزيل التغيير في خبر محمد بن إسماعيل بن بزيع كما يدل على عدم تأثير الملاقاة دل على عدم وجوب النزح، و إلا فلا معنى لوجوب نزح

المقدر مع عدم التغير و عدمه معه، و أما القائلون بالانفعال بالملاقاة فجعلوا النزح طريقا للتطهير مع الطرق المذكورة سابقا في الواقف على خلاف يأتي. انتهى. و وافقه على مقالته صاحب المدارك حيث قال: بعد ذكر حجة الدعوى الثانية ما لفظه:

و جوابه المعارضة بصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع الدالة على الإكتفاء في الطهارة بنزح ما يزيل التغير خاصة، مع أن الأخبار الواردة بالنزح يشكل الجمع بينها و التوفيق بين متنافياتها و أكثرها ضعيف السند مجمل، و عندي أن ذلك كله قرينة الاستحباب و ان النزح انما هو لطيبة الماء و زوال النفرة الحاصلة من وقوع تلك الأعيان المستخبثة فيها خاصة. انتهى. على ان الأصحاب بين قائل بالنجاسة و موجب للنزح، و بين قائل بالطهارة و استحباب النزح، العمل الابقى- 19

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 153

..........

______________________________

فوجوب النزح مع القول بالطهارة منفي بالإجماع المركب و قوله عليه السّلام: (لا يفسده شي ء. لأن له مادة) و لذا قال العلامة في المنتهى، و أما ثالثا فإن الأخبار اضطربت في تقدير النزح فتارة دلت على التضيق في التقديرات المختلفة، و تارة دلت على ذلك بالإطلاق، و ذلك مما لا يمكن أن يجعله الشارع طريقا الى التطهير. انتهى. فإنه كما ترى قاضٍ بان النزح مستحب.

(ثم) على القول بالوجوب التعبدي فهل هو واجب في الذمة و ليس شرطا في الاستعمال عبادة كان أو غيرها؟ أو ان الاستعمال مشروط بالنزح سواء كان عبادة أو غيرها؟ أو فرق بين العبادة و غيرها من الاستعمالات؟ فان كان عبادة لا يصح قبل النزح للنهى القاضي بفساد العبادة قطعا، و اما إذا لم يكن عبادة كغسل الثوب و ازالة النجاسة عن البدن فإنها

ترتفع و ان فعل حراما باستعماله، كما لو شربه لكنه ليس كشرب الماء النجس بل له حرمة اخرى، احتمالات: و يظهر من المنتهى الثاني فإنه قال في جواب مكاتبة ابن بزيع: و ليس فيها دلالة على التنجيس فانا نقول بموجبه حيث أو جبنا النزح و لم نسوغ الاستعمال قبله. و قال أيضا في الجواب عنها: و خامسا بحمل المطهر هنا على ما اذن في استعماله. و ذلك إنما يكون بعد النزح لمشاركته النجس في المنع جمعا بين الأدلة. انتهى. و هو كما ترى قد أطلق عدم تسويغ الاستعمال قبل النزح فيشمل العبادة و غيرها.

(قال) صاحب الجواهر (قده) في منزوجات البئر في هذا المقام بعد ذكر الاحتمالات الثلاثة: و قد يقال: ان الذي يناسب الجمع بين الروايات. (الثالث) لتضمن كثير منها عدم اعادة غسل الثياب و الوضوء و الصلاة مع حصول النجاسة قبل العلم، و هو انما يتم به لعدم النهى دون الثاني. إلخ. أراد بالثالث المبتني عليه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 154

..........

______________________________

الفرق بين العبادة و غيرها هو الاحتمال التعبدي لا الشرطي، كما ان الظاهر انه بنى المسألة المفروضة على مسألة الضد ليتم له الاستشهاد بالروايات المتضمنة عدم اعادة غسل الثياب و الوضوء و الصلاة مع حصول النجاسة قبل العلم، إذ بناءا على الوجوب التعبدي لو علم بالنجاسة الواقعة في البئر فهو مأمور تعبدا بالنزح و منهي عن ضده و هو الاستعمال قبل النزح، فلو توضأ أو صلى مع علمه بهذا النهى فوضوؤه و صلاته فاسدة لأن النهي في العبادة موجب لفسادها، و أما مع عدم العلم بالنجاسة فلا فساد في العبادة لعدم النهى، و أما في غيرها كالغسل للثياب فلعدم اقتضاء النهى

مع العلم به للفساد، ففي عدم العلم بطريق أولى، و هذا لا يتم على الوجه الثاني بناءا على الشرطية فيهما، فان عدم العلم بالنجاسة لا يرفع الشرطية، فلو استعمل و لم يعلم ثم علم بالنجاسة فقد علم فقدان المستعمل لشرط الاستعمال و هو النزح، هذا ما وصل إليه فهمي في حل عبارته (قده).

(أقول): و لا يأبى الجمع بين الروايات بحملها على الاحتمال الثاني و هو الوجوب الشرطي و ان النزح شرط في العبادة و غيرها و لكنه شرط على لا شرط واقعي، و يدل عليه الرواية المزبورة من تضمنها عدم اعادة غسل الثياب و الوضوء و الصلاة إذا لم يعلم بالنجاسة، فعليه لا يتعين الجمع بين الروايات بما ذكره (قدس سره) من الحمل على الاحتمال الثالث و اللّه العالم.

(و اما) على احتمال الوجوب في الذمة فلا ينفك الاستعمال عن وجوبه في الذمة، كيف لا و لا معنى للقول بوجوبه في نفسه كما لا يخفى، و لذا قال العلامة: لم نسوغ الاستعمال قبله و كونه واجبا كفائيا- إذ لو فعله غير المكلف لكفى- في غاية الضعف و ان حصل به النزح و الطهارة إلا ان المكلف مأمور

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 155

..........

______________________________

بهذا فتأمل جدا، و مثله في الضعف القول بالوجوب مطلقا و الظاهر أنه ليس إلا الاستحباب، و اللّه العالم بحقيقة أحكامه.

احتج البصروي بالعمومات الدالة على اشتراط الكر في الماء (و رواية) الحسن بن صالح الثوري عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كان الماء في الركي كرا لم ينجسه شي ء، و بما عن (الفقه الرضوي) كل بئر عمق مائها ثلاثة أشبار و نصف في مثلها فسبيلها سبيل الجاري إلا أن يتغير

لونها أو طعمها أو رائحتها. (و بما رواه) أبو بصير عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة قال: لا بأس إذا كان فيها ماء كثير، فان في مجمع البحرين: الركية بالفتح و تشديد الياء البئر و الجمع ركايا كعطايا، و في الصحاح. جمعها ركى و ركايا و منه الحديث إذا كان الماء في الركي قدر كر لم ينجسه شي ء. انتهى. و فيه بعد تسليم العموم لذي المادة أن بينها و بين أدلة المقام عموما من وجه، و الترجيح لهذه من وجوه كثيرة فضلا عن تواتر أخبار الطرفين، أي أخبار نجاسة البئر و اخبار طهارتها و إمكان دعوى الإجماع المركب، و ان الكثرة الواردة في الأخبار دلت على العصمة بنفسها عن الانفعال، و المادة غير مؤثرة معها شيئا فحمل البئر على ذي المادة مثل (صحيح) ابن بزيع: ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب الطعم، لأن له مادة، لا معنى له قطعا بعد ما عرفت ان الكثير معصوم بنفسه عن الانفعال لكثرته و المادة غير مؤثرة معها شيئا، فتختص أخبار المادة بالقليل فتكون أخص مطلقا من أخبار انفعال القليل المدلول عليه بالمفهوم، إذ هو أعم مما كان له مادة أو لا فيختص بغير ذي المادة، و عليه فتختص النجاسة بالمحقون الذي لا مادة له، فيكون شرط الطهارة أما الكثرة في الراكد أو النبع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 156

[ (مسألة 1) ماء البئر المتصل بالمادة إذا تنجس بالتغير]

(مسألة 1) ماء البئر (1) المتصل بالمادة إذا تنجس بالتغير فطهره بزواله.

من قبل نفسه فضلا عن نزول المطر عليه أو نزحه حتى يزول، و لا يعتبر خروج ماء من المادة في ذلك.

______________________________

في

الجاري، و منه يعلم سقوط المفهوم فيما تضمن الكثرة في البئر، مضافا الى ان رواية الحسن بن صالح الثوري مع ما فيها من الضعف غير ظاهرة في البئر فلربما كان المراد بالركي المصنع الذي ليس له مادة بالنبع كما قاله الشيخ في الإستبصار، و لو سلمناها فحملها على التقية أولى، لأن العامة العمياء قائلون بنجاسة البئر كما قيل، و حينئذ فيكون الخبر موافقا لهم، و هكذا ما في الفقه الرضوي، و اما رواية أبي بصير فلعل اشتراط الكثرة فيها انما هو خوفا من التغيير و هو قريب جدا، لاستفادته من ورود نزح الكر في جملة من المقادير و ليس ذلك إلا في الكثير كما لا يخفى.

و اما الجعفي فلم نقف للأصحاب على دليل له، و لعله وقف على تحديد الكر بذلك فعبر عنه بذلك، و من ثمّ قال الشهيد في الذكرى: و قول الجعفي و روى الزيادة على الكر راجع الى الخلاف في تقديره. انتهى. و هو بعد إعراض الأصحاب عنه بل اطباقهم على خلافه سهل ان شاء اللّه. و اللّه العالم قوله قده مسألة 1: (ماء البئر. إلخ)

و ذلك لما تقدم مفصلا في كل ماء له مادة لا ينجس إلا بالتغيير، فلو زال التغير كفى في طهارته اتصاله بالمادة و ان زال التغير من قبل نفسه فضلا عن نزول المطر عليه و ذهب تغيره به فيطهر لأدلة ماء المطر، و كذلك نزحه حتى يزول التغير فإنه مطهر؟؟

على كل حال حتى على القول بنجاسته بالملاقاة، و أما عدم اعتبار خروج؟؟؟

من المادة في ذلك فلإطلاق المادة و أصالة عدم التقييد.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 157

[ (مسألة 2) الماء الكر لنجس كرا كان أو قليلا يطهر بالاتصال بكر طاهر]

(مسألة 2) الماء الكر لنجس (1) كرا كان

أو قليلا يطهر بالاتصال بكر طاهر أو بالجاري أو النابع الغير الجاري و ان لم يحصل الامتزاج على الأقوى، هكذا بنزول المطر.

[ (مسألة 3) لا فرق بين أنحاء الاتصال في حصول التطهير]

(مسألة 3) لا فرق بين أنحاء الاتصال (2) في حصول التطهير فيطهر بمجرده سواء كان الكر المطهر مثلا أعلى و النجس أسفل، و على هذا فإذا ألقى الكر؟ فيلزم نزول جميعه، فلو اتصل و انقطع كفى، نعم إذا كان الكر الطاهر أسفل النجس يجري عليه من فوق لا يطهر الفوقاني بهذا الاتصال.

______________________________

قوله قده مسألة 2: (الماء الراكد النجس. إلخ)

انما كانت المذكورات الكر الطاهر و الجاري و مع الغير الجاري مطهرة للراكد النجس باتصاله حدها لما تقدم مفصلا، من؟؟ مياه معصومة عن التنجس بملاقاة النجاسة، فإذا اتصل بأحدها ما يعد معا ماءا واحدا طهر بطهارتها لعدم اختلاف حكام الماء الواحد، و كما يصر بما ذكر يطهر أيضا بنزول المطر عليه لما ذكر عن قريب من دليله، و اما على؟؟ اعتبار الامتزاج فلأصالة عدمه بعد ما صار الماءان ماءا واحدا.

قوله قده مسألة 3: (لا فرق بين أنحاء الاتصال. إلخ)

انما لم يفرق قدس سره) بين أنحاء الاتصال لما ذكرناه من ان المدار على اتحاد المائين فلا تفاوت أنحاء الاتصال، نعم تشكل الطهارة فيما إذا كان النجس أعلى و الطاهر سفلا متدافعا من الأعلى إلى الأسفل، نعم لو كان واقفا بحيث يعدان عرفا ماءا واحدا أو كان الأسفل متدافعا إلى الأعلى كالفوارة فالأقرب الطهارة و اللّه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 158

[ (مسألة 4) الكوز المملوء من الماء النجس إذا غمس في الحوض]

(مسألة 4) الكوز المملوء من الماء النجس إذا غمس في الحوض يطهر (1) و لا يلزم صب مائه و غسله.

[ (مسألة 5) الماء المتغير إذا القى عليه الكر فزال تغيره به]

(مسألة 5) الماء المتغير إذا القى عليه الكر (2) فزال تغيره به يطهر و لا حاجة الى إلقاء كر آخر بعد زواله لكن بشرط أن يبقى الكر الملقى على حاله من اتصال اجزائه و عدم تغيره، فلو تغير بعضه قبل زوال تغير النجس أو تفرق بحيث لم يبق مقدار الكر متصلا باقيا على حاله تنجس و لم يكف في التطهير، و الأولى إزالة التغيير أولا ثم إلقاء الكر أو وصله به.

[ (مسألة 6) تثبت نجاسة الماء كغيره بالعلم و بالبينة]

(مسألة 6) تثبت نجاسة الماء كغيره بالعلم و بالبينة (3) و بالعدل الواحد على اشكال لا يترك فيه الاحتياط و بقول ذي اليد و ان لم يكن عادلا و لا تثبت بالظن المطلق على الأقوى.

______________________________

قوله قده مسألة 4: (الكوز المملوء من الماء النجس إذا غمس في الحوض يطهر. إلخ)

و ذلك لاتحاد ما في الكوز و الحوض بعد غمسه فيه و صيرورة المائين ماءا واحدا فيطهر ما في الكوز، و يلزمه طهر الكوز أيضا لعدم اعتبار التعدد في الغسل في الماء الكثير و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 5: (الماء المتغير إذا ألقى عليه الكر. إلخ)

و ذلك لأنه لاقى ماءا معصوما و لهذا اشترط بقاء الكر الملقى على حاله من اتصال اجزائه و عدم تغيره، إذ لو تفرقت أجزاؤه أو تغير كلا أو بعضا انتفت عصمته فينجس هو أيضا، و لهذا قال (قده) الأولى ازالة التغيير أولا ثم إلقاء الكر أو وصله به. انتهى. إذ الغالب تغير بعض الكر عند إلقائه على الماء المتغير فلم يبق الكر بأجمعه على حاله من عدم التغير.

قوله قده مسألة 6: (تثبت نجاسة الماء كغيره بالعلم و البينة. إلخ

أما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 159

..........

______________________________

ثبوت النجاسة بالعلم و البينة

فكما أطلقه (قده) مما لا إشكال فيه و لا شبهة تعتريه (و اما إشكاله) في ثبوتها بالعدل الواحد فللخلاف في ذلك بين العلماء الأعلام و تحرير المسألة كما هو حقها على وجه يرتفع به الإشكال و يتضح به محل النزاع و الجدال: هو انه اتفق العلماء إلا من شذ و ندر كالسيد المرتضى (قدس سره) و من تابعة لشبهة عرضت له على حجية خبر الواحد في الأحكام المروية بطرقهم عن الأئمة الأعلام عليهم صلوات اللّه الملك العلام، و هي المسألة التي عقد لها مبحث خبر الواحد و أقيمت الأدلة على حجيته من الكتاب و السنة المتواترة و الإجماع و العقل، كما انهم اتفقوا على عدم حجيته في الدعاوي و المنازعات ما لم ينضم إليه شي ء آخر من عدل آخر أو امرأتين أو يمين، و انما الإشكال و الخلاف في أنه هل تثبت النجاسة و أمثالها من الموضوعات في غير الدعاوي و المنازعات بأخبار عدل واحد أم لا؟ قولان:

حكى عن المشهور العدم مدعين عليه عدم الدليل على الحجية زاعمين أن ما استدل به على الحجية كما سيأتي ان شاء اللّه غير تام سندا أو دلالة، بل ادعوا انه لم يدل دليل على حجية البينات في غير الخصومات و المنازعات، و ذهب آخرون الى القول بالثبوت بل الى القول بكفاية كونه ثقة مأمونا متحرزا عن الكذب و ان لم يكن عدلا و هو الأقرب، مستدلين على ذلك مضافا الى السيرة القطعية لدى العقلاء على الاعتماد على اخبار الثقات في الحسيات التي لا يتطرق فيها احتمال الخطأ احتمالا يعتد به لديهم مما يتعلق بمعاشهم و معادهم، و ان عملهم بخبر الثقة و حجيته كحجية الظواهر عندهم (بآية النبإ)

فإنها دالة بمفهومها على جواز قبول قول العدل في الموضوعات كما هو سبب نزولها فلاحظ، و الأخبار الواردة في الأبواب المتفرقة يقف عليها المتتبع مثل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 160

..........

______________________________

ما (رواه) هشام بن سالم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال فيه: ان الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا، و الوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافهه بالعزل عن الوكالة. (و خبر) إسحاق بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام الدال على ثبوت الوصية بخبر الثقة قال سألته عن رجل كانت له عندي دنانير و كان مريضا فقال لي ان حدث بي حدث فأعط فلانا عشرين دينارا و أعط أخي بقية الدنانير، فمات و لم أشهد موته فأتاني رجل مسلم صادق فقال إنه أمرني أن أقول لك انظر الدنانير التي أمرتك أن تدفعها الى أخي فتصدق منها بعشرة دنانير اقسمها في المسلمين و لم يعلم أخوه ان عندي شيئا فقال: أرى لك ان تصدق منها بعشرة دنانير (و عن حفص) بن البختري عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول انى لم أطأها فقال: ان وثق به فلا بأس بأن يأتيها. الحديث (و عن عبد اللّه) بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشتري الجارية و لم تحض قال: يعتزلها شهرا أن كانت قد مست قال أ فرأيت إن ابتاعها و هي طاهر و زعم صاحبها انه لم يطأها منذ طهرت؟ قال: ان كان عندك أمينا فمسها، و كذلك ما ورد في الاعتماد على أذان الثقة (و في بصائر الدرجات) عن عمر

بن يزيد قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أ رأيت من لم يقر بأنكم في ليلة القدر كما ذكرت و لم يجحده فقال: اما إذا قامت عليه الحجة ممن يثق به في علمنا فلم يثق به فهو كافر، و اما من لم يسمع فهو في عذر حتى يسمع ثم قال: يؤمن باللّه و يؤمن للمؤمنين، و لا يخفى ما فيه من الحث و التأكيد على الأخذ، و التهديد و الوعيد على عدم القبول و الأخذ. (و في المحاسن) عن ابى بصير- يعني المرادي- قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام العمل الابقى- 20

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 161

..........

______________________________

أ رأيت الراد عليّ هذا الأمر كالراد عليكم؟ فقال: يا أبا محمد من رد عليك هذا الأمر فهو كالراد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و على اللّه عز و جل.

(و عن على بن يقطين) قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عمن بلى صدقة العشر عمن لا بأس به قال: أن كان ثقة فمره أن يضعها في مواضعها، و إلا يكن ثقة فخذها منه و ضعها في مواضعها (و عن عبد اللّه) بن زرارة قال: بعث زرارة عبيدا ابنه يسأل عن خبر ابى الحسن عليه السّلام فجاءه الموت قبل رجوع عبيد ابنه إليه فأخذ المصحف فاعلاه فوق رأسه و قال: ان الامام بعد جعفر ابن محمد اسمه بين الدفتين في جملة القرآن منصوص عليه من الذين أوجب اللّه طاعتهم على عبيدة انا مؤمن به، قال فأخبر بذلك أبو الحسن عليه السّلام فقال:

كان زرارة مهاجرا الى اللّه و رسوله (قال المحدث الحر العاملي) فيه و في أمثاله دلالة على افادة خبر

الثقة العلم، و إلا فكيف يجوز الاعتماد عليه في الإمامة و تعيين الامام، و قد قرر أبو الحسن عليه السّلام فعل زرارة و استصوبه و اثنى عليه، و الوجدان شاهد بعدم احتمال النقيض، و كذلك كانت الأئمة (ع) ينصون على الامام عند ثقة أو ثقتين ثم يحكمون بوجوب القبول على كل من بلغه ذلك، و من تأمل اخبار النصوص تيقن ذلك (و عن محمد بن أبى عمير) عن جميل بن دراج و غيره قال وجّه زرارة عبيدا ابنه إلى المدينة يستخبر له خبر ابى الحسن عليه السّلام و عبد اللّه بن أبى عبد اللّه عليه السّلام فمات قبل أن يرجع اليه، قال ابن أبى عمير حدثني محمد بن حكيم قال قلت لأبي الحسن عليه السّلام و ذكرت له زرارة و توجيهه ابنه عبيدا إلى المدينة فقال عليه السّلام: انى أرجو أن يكون زرارة ممن قال اللّه تعالى (وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهٰاجِراً إِلَى اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّٰهِ) و (عنه) قال: المؤمن وحده حجة و المؤمن وحده جماعة.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 162

..........

______________________________

(و عن عيسى بن أبى منصور) قال كنت عند أبى عبد اللّه عليه السّلام في اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان فقال يا غلام انظر، أ صام السلطان أم لا؟

فذهب ثم عاد فقال: لا فدعى بالغداء فتغدينا معه (و عن الحسين بن روح) عن أبى محمد الحسن بن على عليه السّلام انه سئل عن كتب بنى فضال فقال: خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا (و عن سماعة) قال سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها فحدثه رجل ثقة أو غير

ثقة فقال: ان هذه امرأتي و ليست لي بينة فقال: ان كان ثقة فلا يقربها و ان كان غير ثقة فلا يقبل منه، الى غير ذلك مما يجده المتتبع، و ان نوقش في بعضها سندا أو دلالة فبانضمام بعضها الى بعض مع غض النظر عن تواترها مما يشرف الفقيه الى ان العمل بقول الثقة في الموضوعات الخارجية من الطهارة و النجاسة و أمثالهما من المسلمات في الشريعة، هذا كله ما عدا الشهادة بالأهلة فإنه لا تقبل شهادة العدل الواحد لخصوص المعتبرة المستفيضة (كصحيح) الحلبي عن أبى عبد اللّه (ع) ان عليا عليه السّلام كان يقول:

لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين (و صحيح) منصور بن حازم عنه (ع) أيضا انه قال: صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته، فإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه (و صحيح) عبد اللّه الحلبي عنه عليه السّلام أيضا قال على عليه السّلام: لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين (و صحيح) الشحام عنه أيضا انه سأله عن الأهلة فقال: هي أهلة الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم و إذا رأيته فأفطر، فقلت أ رأيت ان كان الشهر تسعة و عشرين يوما اقضى ذلك اليوم؟ قال: لا إلا أن تشهد لك بينة عدول، فان شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم، الى غير ذلك من النصوص المعتضدة بغيرها.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 163

[ (مسألة 7) إذا أخبر ذو اليد بنجاسته و قامت البينة على الطهارة]

(مسألة 7) إذا أخبر ذو اليد (1) بنجاسته و قامت البينة على الطهارة قدمت البينة، و إذا تعارض البينتان تساقطتا إذا كانت بينة الطهارة مستندة الى العلم، و ان كانت مستندة الى الأصل تقدم بينة النجاسة.

______________________________

و تثبت

النجاسة أيضا بأخبار ذي اليد على المشهور بينهم، بل ادعى عدم الخلاف فيه كما تثبت الملكية بها و جواز الشهادة بالملكية مستندا إليها كما دل على ذلك (رواية) حفص بن غياث المروية في الكتب الثلاثة، و عمدة المستند في اعتبار قول ذي اليد في الطهارة و النجاسة و أمثالهما السيرة القطعية و استقرار طريقة العقلاء على استكشاف حال الأشياء و تمييز موضوعاتها بالرجوع الى من كان مستوليا عليها متصرفا فيها، و قد ذكر بعض المحققين: انه لا يبعد أن يكون هذا مدركا للقاعدة المعروفة التي ادعى عليها الإجماع من أن من ملك شيئا ملك الإقرار به، إذ الظاهر أن المراد بهذه القاعدة أن من كان مستوليا على شي ء و متصرفا فيه قوله نافذ بالنسبة إليه. انتهى. و إذ قد عرفت ان عمدة مدرك اليد السيرة فيقتصر على القدر المتيقن من مفادها إذ لا عموم و لا إطلاق لدليلها حتى يؤخذ به، و القدر المتيقن منها هو قبول قول ذي اليد فيما تحت يده حالة كونه تحت يده، فيشكل سماع قوله بنجاستها و طهارتها و أمثالهما قبلا و بعدا، كأن يقول هذه العين التي تحت يدي فعلا كانت نجسة قبل أن تصير تحت يدي أو يخبر بعد خروجها بأنها حين كانت تحت يدي هي نجسة، و الظاهر انه لا يفرق في ثبوت ما ذكر بقول ذي اليد، و ان لم يكن عادلا كما ذكره (قدس سره) أيضا للسيرة المذكورة، و لا تثبت النجاسة بالظن المطلق الذي لم يقم على اعتباره دليل كما ذكره (قده) و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 7: (إذا أخبر ذو اليد. إلخ)

لا يخفى أن تقديم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 164

..........

______________________________

البينة

على اليد في صورة معارضتها لها مما لا إشكال فيه و لا شبهة تعتريه، و إلا لما سمعت دعوى المدعى على ذي اليد مع أنه لا شبهة في سماعها مع ما سيتلى عليك من اعتبارها في مورد اليد، قال السيد (قده) في البلغة في مبحث قاعدة اليد (الثاني) في معارضتها مع البينة التي هي من الإمارات الكاشفة عن الواقع و تقديمها على اليد مما لا كلام فيه سواء قلنا بكونها أصلا أو أمارة، اما على (الأول) فواضح لحكومة الامارة على الأصل، و أما على (الثاني) فهو و ان كان من تعارض الأمارتين إلا ان الواجب فيه تقديم أقواهما و هو البينة لأن اعتبارها في مورد اليد دليل على تقدمها عليها، كما ان اعتبار اليد في مورد الاستصحاب دليل على تقدمها عليه، و لأنه يلزم من عدم تقدمها على اليد عدم سماع دعوى المدعى على ذي اليد، إذ التكليف بالبينة و طالبتها منه لغو مع فرض عدم تقدمها على اليد، و لا شي ء أقوى من البينة حتى يكلف المدعي إقامته، مع حصر ميزان القضاء بالبينات و الأيمان كون الأولى على المدعي و الثانية على المنكر، هذا مضافا الى أن اعتبار امارة اليد من باب الغلبة المنكشف بها حال المشكوك من حيث كونه مشكوكا إلحاقا له بالغالب، فالحيثية المزبورة مأخوذة في موضوعها، و البينة و ان كانت أمارة كاشفة عن الواقع عند الجهل به إلا ان الجهل لم يؤخذ موضوعا في اعتبارها، فالجهل مورد للحاجة إليها غالبا لا انه مأخوذ في موضوع اعتبارها، و بعبارة أخرى البينة معتبرة في مورد الجهل بالواقع، لكن لا من حيثية الجهل به كالدليل الاجتهادي المعتبر طريقا في معرفة الأحكام المفيد للظن

الحاصل من الغلبة، فحصول الظن بها انما هو بعد ملاحظة الغلبة في أكثر الأفراد و الشك في فرد خاص، فيحصل الظن باللحوق كالاستصحاب المأخوذ فيه الشك بناءا على اعتباره من باب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 165

..........

______________________________

الظن النوعي و بناء العقلاء المستفاد إمضاؤه من الأخبار، و لا كذلك البينة إذ لا يتوقف حصول الظن بها على ملاحظة الجهل في موردها، فالامارات كما تحكم على الأصول كذلك يحكم بعضها على بعض، فما كان ملاحظة الشك مأخوذة في موضوعه كان محكوما لما لم تكن مأخوذة فيه لكونه رافعا لموضوعه، غير انه لما كان ظنيا كان حاكما و لو كان علميا لكان واردا عليه. انتهى كلامه رفع مقامه، هذا و في نفس الأخبار الواردة في تقديم البينة على اليد في صورة تعارضهما كفاية. (منها) ما رواه في الوسائل صحيحا و في الاحتجاج مرسلا كما قيل عن مولانا الصادق عليه السّلام في حديث فدك ان مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام قال: لأبي بكر تحكم فينا بخلاف حكم اللّه تعالى في المسلمين!؟ قال: لا قال عليه السّلام فان كان في يد المسلمين شي ء يملكونه ادعيت انا فيه من تسأل البينة؟ قال:

إياك كنت أسأل البينة على ما تدعيه، قال: فاذا كان في يدي شي ء فادعى فيه المسلمون تسألني البينة على ما في يدي و قد ملكته في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و بعده و لم تسأل المسلمين على ما ادعوه كما سألتني البينة على ما ادعيت عليهم؟! (و منها) رواية مسعدة بن صدقة: كل شي ء هو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل ثوب يكون عليك قد

اشتريته و هو سرقة، و المملوك عندك لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر، أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك، و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة.

(و منها) رواية حمزة بن حمران: ادخل السوق فأريد ان اشترى جارية تقول إني حرة فقال: اشترها إلا أن يكون لها بينة.

(و منها) صحيحة العيص عن مملوك ادعى انه حر و لم يأت ببينة على

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 166

[ (مسألة 8) إذا شهد اثنان بأحد الأمرين و شهد أربعة بالآخر]

(مسألة 8) إذا شهد اثنان (1) بأحد الأمرين و شهد أربعة بالآخر يمكن بل لا يبعد تساقط الاثنين بالاثنين و بقاء الآخرين.

______________________________

ذلك أشتريه؟ قال: نعم، و غير ذلك مما يجده المتتبع، بل في بعض الأخبار تصريح بتقديم البينة على اليد و طرح اليد و عدم العمل بها في قبال البينة مثل ما رواه في (الوسائل) في كتاب القضاء في باب تعارض البينتين و ما ترجح به إحداهما و ما يحكم به عند فقد الترجيح عن الكافي عن أبى بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي القوم يدعى دارا في أيديهم و يقيم البينة و يقيم الذي في يده الدار البينة أنه ورثها عن أبيه و لا يدرى كيف كان أمرها؟ قال: أكثرهم بينة يستحلف و تدفع اليه، و ذكر ان عليا عليه السّلام أتاه قوم يختصمون في بغلة فقامت البينة لهؤلاء أنهم أنتجوها على مذودهم و لم يبيعوا و لم يهبوا، و قامت البينة لهؤلاء بمثل ذلك فقضى بها لأكثرهم بينة و استحلفهم، قال فسألته عليه السّلام فقلت أ رأيت ان كان الذي ادعى الدار قال ان أبا هذا الذي

هو فيها أخذها بغير ثمن و لم يقم الذي هو فيها بينة إلا انه ورثها عن أبيه قال: إذا كان الأمر هكذا فهي للذي ادعاها و أقام البينة عليها، و لا يخفى صراحتها في تقديم البينة على اليد، هذا كله فيما إذا استندت البينة إلى العلم، و اما لو استندت الى الاستصحاب لم تقدح في اعتبار اليد و كانت اليد مقدمة عليها كما كانت مقدمة على الاستصحاب نفسه لما عرفته من حكومة اليد عليه، كما انه لو تعارض البنتان تساقطتا كما ذكره (قده) إذا كانت بينة الطهارة مستندة الى العلم إذ الأخذ بإحداهما دون الأخرى ترجيح بلا مرجح و تبقى أمارية اليد بلا مزاحم، و ان كانت مستندة الى الأصل قدمت بينة النجاسة الموافقة لليد، كما تقدم اليد نفسها لو لم تكن بينة على وفقها على البينة المستندة الى الأصل كما تقدم قريبا بيانه.

قوله قده مسألة 8: (إذا شهد اثنان. إلخ)

ما ذكره بعيد جدا إذ

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 167

..........

______________________________

لفظ البينة من المتواطى الذي يصدق على الاثنين فما فوق، فالأربعة بينة واحدة لا بينتان حتى تسقط واحدة بواحدة و تبقى واحدة، و إلا فلا معنى للترجيح بالأكثرية. إذ معنى الترجيح اعتبار كل منهما لو لا المزية لأحدهما لا السقوط بالمقابلة و بقاء أحد الطرفين بلا حجة، و انحصار الحجية في الطرف الآخر كقيام البينة ابتداء على أحد الطرفين دون الآخر، و قد دلت أخبار متعددة على الترجيح بالأكثرية (منها) خبر أبى بصير سئل الصادق عليه السّلام عن رجل يأتي القوم فيدعى دارا في أيديهم و يقيم الذي في يده الدار البينة أنه ورثها من أبيه و لا يدرى كيف كان أمرها؟ فقال

عليه السّلام: أكثرهم بينة يستحلف و تدفع اليه، و ذكر ان عليا عليه السّلام أتاه قوم يختصمون في بغلة فقامت البينة لهؤلاء أنهم أنتجوها على مذودهم لم يبيعوا و لم يهبوا و أقام هؤلاء البينة أنهم أنتجوها على مذودهم لم يبيعوا و لم يهبوا فقضى عليه السّلام لأكثرهم بينة و استحلفهم.

(و منها) الرضوي فان لم يكن الملك في يد أحد و ادعى الخصمان فيه جميعا فكل من أقام عليه شاهدين فهو أحق به، فإن أقام كل منهما شاهدين فإن أحق المدعيين من عدّل شاهداه، فان استوى الشهود في العدالة فأكثرهم شهودا يحلف باللّه و يدفع إليه الشي ء، و كل ما لا يتهيأ فيه الاشهاد عليه فان الحق فيه ان يستعمل فيه القرعة.

(و منها) رواية داود العطار في رجل كانت له امرأة فجاء رجل بشهود شهدوا ان هذه المرأة امرأة فلان و جاء آخران فشهدوا انها امرأة فلان فاعتدل الشهود و عدّلوا قال عليه السّلام: يقرع بين الشهود فمن خرج اسمه فهو المحق و هو أولى بها. إلخ، و يفهم من قوله عليه السّلام: اعتدلوا أى تساووا عددا فيعلم ان الترجيح بالأكثرية كان مفروغا عنه عند السائل، و لهذا قيده بقوله فاعتدل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 168

[ (مسألة 9) الكرية تثبت بالعلم و البينة]

(مسألة 9) الكرية تثبت (1) بالعلم و البينة و في ثبوتها بقول صاحب اليد وجه و ان كان لا يخلو عن اشكال، كما ان في إخبار العدل الواحد أيضا اشكالا.

[ (مسألة 10) يحرم شرب الماء النجس إلا في الضرورة]

(مسألة 10) يحرم شرب الماء النجس (2) إلا في الضرورة و يجوز سقيه للحيوانات بل و للأطفال أيضا و يجوز بيعه مع الأعلام.

______________________________

الشهود فعلى ما ذكرنا تكون الأكثرية مرجحا للأخذ بها لا طرح اثنين باثنين و بقاء الآخرين. و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 9: (الكرية تثبت. إلخ)

أما ثبوتها بالعلم و البينة فمما لا إشكال فيه، و أما ثبوتها بقول ذي اليد فمشكل، إذ أدلة أمارية اليد لا تدل على أزيد من كونها امارة على الملك، و اما أماريتها في الطهارة و النجاسة فعمدة أدلته السيرة القطعية و استقرار طريقة العقلاء كما تقدم، و اما في غير ذلك كالكرية و أمثالها فلا دليل على أماريتها فيها إلا ان يدعى ثبوت السيرة أيضا عليه و عهدته على مدعيه، و لعله هو الوجه الذي أشار إليه (قده) بقوله: (و في ثبوتها بقول صاحب اليد وجه) و أما ثبوتها بأخبار العدل الواحد فقد تقدم مفصلا و دللنا على حجيته فيها و في غيرها من الموضوعات الخارجية في غير الدعاوي و المنازعات. و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 10: (يحرم شرب الماء النجس. إلخ)

تضمنت هذه المسألة مسائل ثلاث: (الأولى) حرمة شرب الماء النجس إلا في الضرورة:

أما حرمة شربه فلما رواه في (الوسائل) عن حريز بن عبد اللّه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء و أشرب، فإذا تغير الماء و تغير الطعم فلا توضأ منه و لا تشرب. (و فيه) أيضا

عن أبى خالد العمل الابقى- 21

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 169

..........

______________________________

القماط أنه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: في الماء يمر به الرجل و هو نقيع فيه الميتة و الجيفة فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ان كان الماء قد تغير ريحه أو طعمه فلا تشرب و لا تتوضأ منه، و أن لم يتغير ريحه و طعمه فاشرب و توضأ (و فيه) أيضا عن سماعة عن ابى بصير قال سألته عن كر من ماء مررت به و أنا في سفر قد بال فيه حمار أو بغل أو إنسان قال: لا توضأ منه و لا تشرب منه (و فيه) أيضا بالإسناد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يمر بالماء و فيه دابة ميتة قد أنتنت قال: إذا كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ و لا تشرب (و فيه) أيضا عن العلاء بن الفضيل قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحياض يبال فيها؟ قال:

لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول (و فيه) أيضا عن زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال قلت له راوية من ماء سقطت فيها فأرة أو جرذ أو صعوة ميتة قال:

إذا تفسخ فيها فلا تشرب من مائها و لا تتوضأ فصبها، و إذا كان غير متفسخ فاشرب و توضأ و اطرح الميتة إذا أخرجتها طرية، و كذلك الجرة و حب الماء و القربة و أشباه ذلك من أوعية الماء. إلخ.

(و اما) إباحة شربه و اكله كعجن الدقيق به و غير ذلك في حالة الاضطرار فلقوله تعالى إِلّٰا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ و لما ورد في السنة مستفيضا من رفع الحرج و الضرر

كحديث الرفع و غيره، و فيه ما اضطررتم اليه، و المراد برفعه رفع آثاره، و أظهرها في الارتفاع الحرمة و المنع، و لما علم من تقدم أدلة الضرر و الحرج على سائر أدلة الأحكام، هذا مع أن حفظ النفوس المحترمة عن التلف واجب و لا يتم في صورة الاضطرار إلا برفع حرمة ما اضطر اليه، و ما لا يتم الواجب إلا به واجب.

(الثانية) جواز سقيه للحيوانات بل و للأطفال أيضا، و هو الذي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 170

[فصل الماء المستعمل في الوضوء]

اشارة

فصل الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهر من الحدث و الخبث و كذا المستعمل (1) في الأغسال المندوبة، و أما المستعمل في الحدث الأكبر فمع طهارة البدن لا إشكال في طهارته و رفعه للخبث، و الأقوى جواز استعماله في رفع الحدث أيضا و ان كان الأحوط مع وجود غيره التجنب عنه، و اما المستعمل في الاستنجاء و لو من البول فمع الشروط الآتية طاهر و يرفع الخبث أيضا لكن لا يجوز استعماله في رفع

______________________________

تقتضيه أصالة الإباحة و الجواز و الاستصحاب، نعم استشكل بعض الأعلام في جواز سقيه للأطفال، و لعل وجهه بتقريب منا ان فيه مفسدة ذاتية و آثارا وضعية التي هي منشأ التكاليف الشرعية لما علم من تبعيتها للمصالح و المفاسد كما عليه مذهب العدلية، فعليه يشكل التسبب في إلقاء الأطفال في تلك المفاسد الذاتية و الآثار الوضعية الكامنة في ذات النجس و المتنجس.

(الثالثة) في جواز بيعه مع الإعلام. اما جواز بيعه فهو الذي تقتضيه أصالة الإباحة و الجواز مع استصحاب الحكم قبل التنجيس و هي القاعدة المستفادة من قوله عليه السّلام في رواية تحف العقول (ان كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح

من جهة من الجهات فذلك كله حلال انتهى) و لا دليل على المنع فيه بخصوصه نعم نقل الإجماع على عدم جواز بيع نجس العين إلا ما استثنى (و اما) وجوب الأعلام فلما تقدم من عدم جواز التسبب لإيقاع الغير في الحرام الواقعي و المفسدة النفس الأمرية و اللّه العالم.

قوله قده (فصل: الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهر من الحدث و الخبث و كذا المستعمل. إلخ)

لا يخفى اشتمال هذا الفصل على مسائل متعددة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 171

الحدث و لا في الوضوء و الغسل المندوبين، و اما المستعمل في رفع الخبث غير الاستنجاء فلا يجوز استعماله في الوضوء و الغسل، و في طهارته و نجاسته خلاف و الأقوى ان ماء الغسلة المزيلة للعين نجس، و في الغسلة الغير المزيلة الأحوط الاجتناب.

______________________________

(الأولى) في الماء المستعمل في الوضوء و هو طاهر مطهر من الحدث و الخبث إجماعا كما عن أصحاب الناصريات، و التذكرة، و المنتهى، و التحرير. و الذكرى، و الروض، و المدارك، و غيرهم، و في الغنية: لا خلاف، و في المعتبر:

مذهب فقهائنا لم أعلم فيه خلافا، و في الذخيرة: و لا نعلم فيه خلافا بين الأصحاب، و في جامع المقاصد: لا خلاف عندنا في أن ماء الوضوء على حكمه قبل الاستعمال من انه طاهر مطهر، مضافا الى الأصل السالم عن المعارض و الاستصحاب، و الآية الشريفة و الأخبار الدالين على جواز استعمال الماء المطلق في رفع الأحداث و ازالة الأخباث بقول مطلق و هذا منها كما لا يخفى، لان الاستعمال لا يخرجه عن إطلاق اسم الماء عليه و خصوص قوله عليه السّلام في رواية عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه

السّلام قال: لا بأس أن يتوضأ بالماء المستعمل و قال: الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز ان يتوضأ به و أشباهه، و أما الماء الذي يتوضأ به الرجل فيغسل به وجهه و يديه في شي ء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضأ به (و ما رواه) عن زرارة عن أحدهما (ع) قال: كان النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذا توضأ أخذ ما يسقط من وضوئه فيتوضأ به (و روى) عن على عليه السّلام أ يتوضأ من فضل وضوء جماعة من المسلمين أحب إليك أو يتوضأ من ركو أبيض مخمر؟ فقال: لا بل من فضل وضوء جماعة من المسلمين فإن أحب دينكم الى اللّه الحنيفية السمحة السهلة، و هو كما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 172

..........

______________________________

ترى فان فيه من الحث على الاستحباب ما لا يخفى، خلافا لأبي حنيفة إذ حكم بنجاسته، بل قال: ان نجاسته مغلظة و ان الرجل إذا أصابه من وضوئه أكثر من درهم منع من الصلاة.

(الثانية) في الماء المستعمل في الأغسال المندوبة بل و في غسل الثياب الطاهرة و الأواني الطاهرة و نحوها، و هو مثل ما تقدم طاهر مطهر من الحدث و الخبث إجماعا كما في القواعد، و التذكرة، بل لا خلاف فيه كما في الخلاف و الغنية: مضافا الى ما مر من الأصل السالم عن المعارض، و استصحاب الحكم الثابت له قبل الاستعمال، و الآية و الأخبار الدالين على جواز استعمال الماء المطلق في رفع الأحداث و ازالة الأخباث بقول مطلق و هذا منها كما لا يخفى، لان الاستعمال لا يخرجه عن إطلاق اسم الماء عليه قطعا، و

هل مستعمل الصبي المميز كذلك أم لا؟ قال الشهيد في الذكرى: و في مستعمل الصبي وجه لعدم المنع بناءا على عدم ارتفاع حدثه و لهذا يجب عليه الغسل إذا بلغ، و هل مستعمل الكافر كذلك؟ الظاهر العدم، فإنه و ان كان مخاطبا بالفروع إلا ان غسله لا يصح لشرطية الإسلام، بل لأنه لا زال متلوثا بالنجاسة فهو نجس قطعا و لذا قال العلامة في المنتهى: إذا اغتسلت الذمية عن الحيض لإباحة وطء الزوج كان الماء نجسا عندنا لان الكافر نجس، و في الذكرى فماؤه نجس لنجاستها و ليس من المستعمل في شي ء. انتهى. و هو حسن بل ليس سواء كما لا يخفى و اللّه العالم.

(الثالثة) في الماء المستعمل في الحدث الأكبر طاهر إجماعا كما في المعتبر، و القواعد، و نهاية الأحكام، و المنتهى، و المختلف، و الإيضاح، و الذكرى، و الروض، و كشف اللثام، و ظاهر السرائر و غيرها، و يدل عليه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 173

..........

______________________________

بعد الأصول الأولية و العمومات الكلية، الأخبار. (منها) ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل بن يسار قال سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الجنب يغتسل فينضح من الأرض في الإناء فقال: لا بأس هذا مما قال اللّه تعالى (مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

(و منها) ما رواه عن عمار بن موسى الساباطي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يغتسل من الجنابة و ثوبه قريب منه فيصيب الثوب من الماء الذي يغتسل منه قال: نعم لا بأس به.

(و ما رواه) عن محمد بن النعمان الأحول عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال قلت له استنجى ثم يقع ثوبي و أنا جنب

قال: لا بأس به.

(و ما رواه) عن بريد بن معاوية قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام اغتسل من الجنابة فيقع الماء على الصفا فينزو فيقع على الثوب فقال: لا بأس.

(و ما رواه) عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام اغتسل في مغتسل يبال فيه و يغتسل من الجنابة فيقع في الإناء ما ينزو من الأرض فقال: لا بأس.

(و ما رواه) عن شهاب بن عبد ربه عن أبى عبد اللّه عليه السلام انه قال في الجنب يغتسل فيقطر الماء من جسده في الإناء و ينضح الماء من الأرض فيصير في الإناء انه لا بأس بهذا كله، فإنها كما ترى صريحة بالطهارة، ثم ان الظاهر من المحقق في الشرائع و النافع و المعتبر، و العلامة في بعض كتبه ان الحكم يعم جميع الأغسال الواجبة كما صرح به ابن زهرة في الغنية، و العلامة في التذكرة و غيرهما في غيرها، بل في المختلف التصريح بذلك، و به حكم المحقق الكركي في جامع المقاصد حيث قال: و يستفاد من قول المصنف أما ماء الغسل من الحدث الأكبر ان الخلاف غير مختص بالغسل من الجنابة، و قال في حاشية المختلف

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 174

..........

______________________________

عند قوله الماء المستعمل في الطهارة: لم يذكر غسل المس مع بقية الأغسال، و الظاهر عدم الفرق عند القائل به. انتهى. و حينئذ فيكون قول العلامة في (المنتهى) و الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر كالجنابة من باب المثال، و يرشد اليه قوله في الفرع الثاني من فروع المسألة: و متى كان على يدي الجنب أو المستعمل من حيض و شبهه نجاسة عينية فالمستعمل نجس إجماعا، و مثله

قال في النهاية أيضا و هما كما ترى صريحان بعموم الأغسال الواجبة لأن شبه الحيض الاستحاضة و النفاس يقينا لكنه لا بد فيها جميعا من خلو بدن المغتسل عن النجاسة العينية أصلا و رأسا إذا كان الماء قليلا لانفعاله بالملاقاة كما قدمنا، و صرح بذلك العلامة في المختلف، بل كل من قال بالعموم لما ذكرنا، و ربما يستظهر من الصدوق في الفقيه تخصيصه بغسل الجنابة حيث قال: فاما الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة أو يزال به النجاسة فلا يتوضأ به، و هي كما ترى ظاهرة في خصوص الجنابة كما لا يخفى، و لا شك ان التعميم أولى لاشتراك الحائض و أخويها في جل من أحكام الجنب، و فهم الأصحاب المثال من ذكر خصوص غسل الجنابة مع ضميمة الإجماع على عدم القول بالفصل و به يتم ما ذكرنا، بل ربما يستفاد ذلك من رواية عبد اللّه بن سنان السالفة حيث قال فيها: الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه و أشباهه، و اما الماء الذي يتوضأ به الرجل فيغسل وجهه و يده في شي ء نظيف فلا بأس أن يتوضأ به، فان عدم التعرض فيها عن غسل الحيض و أخويه و الكشف عن بيان الماء الذي يتوضأ به دليل على إدراجه تحت حكم الجنابة كما لا يخفى، مضافا الى ما يحتمل من عطف و أشباهه على الضمير المجرور بمن لأنه أقرب، و حينئذ يكون المعنى لا يجوز التوضي من هذا الماء و أشباهه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 175

..........

______________________________

فيشمل جميع الأغسال الواجبة، لكنه مخالف لما اشتهر بين النحويين من وجوب اعادة

الخافض عند العطف على ضمير الخفض، فيحتمل حينئذ عطفه على فاعل يجوز و يكون المعنى لا يجوز الوضوء و أشباه الوضوء، و يجوز عطفه على الجنابة و كأنه المتبادر منه و يكون المراد الماء الذي يغتسل به الرجل من الجنابة و أشباهه لا يجوز التوضؤ به و اللّه العالم.

(و عليه) فهل يعم الحكم الماء الذي تتوضأ به الحائض و الماس للميت أم لا؟ صرح المحقق الثاني على ما نقل عنه في حاشية المختلف بدخول الماس كما قدمنا فيبقى دخول وضوء الحائض إلا أن تكون غير مأمونة، و بالجملة فإن كان لهما حكم في رفع الحدث دخلا في حكمه، و إلا فحكمهما حكم الغاسل يده للطعام و نحوه كما هو الظاهر و اللّه العالم بحقائق أحكامه.

(الرابعة) يجوز استعماله في إزالة الخبث بلا اشكال فيه للأصل و العمومات فقد صرح به ابن إدريس في السرائر، و المحقق في المعتبر، و العلامة في التذكرة و المختلف و المنتهى، و المقدس الأردبيلي في مجمع البرهان، و السيد في المدارك، و الشيخ حسن في المعالم، بل في المنتهى و الإيضاح الإجماع عليه، قال في المنتهى: و يجوز إزالة النجاسة به إجماعا منا لإطلاقه. إلخ، و قال في التذكرة: يجوز إزالة النجاسة به خلافا للشافعي في أحد القولين لقوله عليه السّلام:

اغسله بالماء و هو يصدق عليه. انتهى. و يفهم منه دعوى الإجماع حيث نسب الخلاف إلى الشافعي، فإنه لو كان أحد من الخاصة مخالفا لذكره فكان الخلاف مختصا بأهل الخلاف.

(الخامسة) هل يرفع به الحدث ثانيا أم لا؟ قولان: المنع، و اختاره المحقق في النافع و المعتبر وفاقا للشيخين و الصدوقين و ابني البراج و حمزة، و في

العمل الأبقى في شرح العروة

الوثقى، ج 1، ص: 176

..........

______________________________

الخلاف انه مذهب أكثر أصحابنا، و يشعر بالشهرة بين المتقدمين كما عن كشف الرموز: انه المشهور بين قدماء الأصحاب، و في حاشية المدارك: انه المشهور (و قيل) بالجواز و اختاره المرتضى و ابن زهرة و ابن إدريس و العلامة في جميع كتبه و ولده الفخر و الصيمري و الكركي و الشهيدان و السيد في المدارك، و هو المشهور كما في الروض، و الأشهر الأظهر بين المتأخرين كما في الرياض، و هو المعتمد للعمومات الأولية من نحو قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا)* و قوله تعالى (وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً) و استصحاب الحكم السابق فإنه لا شك في إطلاق اسم الماء عليه لغة و عرفا و شرعا و الاستعمال لم يخرجه عن مسماه كما اعترف به الخصم، و حينئذ فالمقتضي موجود و المانع مفقود فيرتفع به الحدث قطعا لعدم المانع أصلا و رأسا، قيل و بإجراء صيغة المبالغة اعنى (طهور) عليه و صفا كان طاهرا مطهرا لأنه بمعنى ما يتكرر منه التطهير، و فيه ما فيه كما في (صحيحتي) الفضيل بن يسار عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: في الرجل الجنب يغتسل فينضح الماء في إنائه؟ قال: لا بأس مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، و مثله (صحيح) ابن معاوية قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام اغتسل من الجنابة فيقع على الصفا فينزو فيقع على الثوب فقال: لا بأس و غيرهما مثلهما، فان فيهما ان دلالتهما فرع وجود الانتضاح و هو لا يتم إلّا في أثناء الغسل في نفس الإناء الذي منه يغتسل حتى يكون تمام الغسل بما فيه غسالة الجنب، و ليس في الروايتين الأولتين ما يدل

على ذلك لأنه ليس فيهما، إلا ان ماء الغسل ينضح في إنائه، و احتمال انه يغتسل من ذلك الماء الواقع في الإناء حتى يكون تمام الغسل من ذلك الماء معارض باحتمال انه لعله إناء شربه أو غيره العمل الابقى- 22

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 177

..........

______________________________

و اما رواية الساباطي و الأحول فإنهما واردان في أصابتهما للثوب و هو دليل طهارته كما قدمنا و الكلام الآن في طهوريته، و اما الاستدلال برواية على بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع أ يغتسل منه للجنابة أو يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره؟ و الماء لا يبلغ صاعا للجنابة و لا مدا للوضوء و هو متفرق فكيف يصنع و هو يتخوف أن تكون السباع قد شربت منه؟ فقال: إذا كانت يده نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة فلينضحه خلفه و كفا امامه و كفا عن يمينه و كفا عن شماله فإن خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات ثم مسح جلده بيده فان ذلك يجزيه، و ان كان الوضوء غسل وجهه و مسح يده على ذراعيه و رأسه و رجليه، و ان كان الماء متفرقا فقدر أن يجمعه و إلا اغتسل من هذا و هذا، فان كان في مكان واحد و هو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه ان يغتسل و يرجع الماء فيه فان ذلك يجزيه. فوجه الدلالة فيها بعد الإغماض عن أشياء كثيرة في متنها أن الامام عليه السّلام نفى أن يكون عليه شي ء أن اغتسل من ذلك القليل و رجع الماء فيه، و هو و ان أشعر أن ذلك لا

يجوز إلا وقت الاضطرار فإنه لا ينافي حالة الاختيار قطعا لما ذكرناه، و يجي ء أن شاء اللّه انه إذا تعذر الغسل أو الوضوء لعدم وجود الماء أو التمكن انتقل الى التيمم. و لأن الاضطرار لا يصيّر النجس طاهرا فما ذاك إلّا من جهة ان هذا الماء طاهر مطهر يقينا فتأمل جدا، و مثله ( (ما روى) في الصحيح قال سألته عن الحمام يغتسل به الجنب و غيره أغتسل من مائه؟ قال: نعم. لا بأس أن يغتسل به الجنب.

(و ما روى) عن أبى الحسن الهاشمي قال سئل عن الرجال يقومون على الحوض في الحمام لا أعرف اليهودي من النصراني و لا الجنب من غير

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 178

..........

______________________________

الجنب قال: يغتسل منه و لا يغتسل من ماء آخر فإنه طهور، فإنها كما ترى واردة في ماء الحمام، و فرق بينها و بين هذا الماء جزما لاعتصامه بالمادة كما قدمنا من أن ماءه كماء النهر يطهر بعضه بعضا، و ترك الاستفصال مع احتمال أن تكون المادة غير موجودة لا يصلح دليلا على حصول الاغتسال في نفس الحوض. لأنه ان أراد السؤال عن الحياض فلا معنى لحملها على الحياض الكبار قطعا، لما سمعت من أن ماءها كثير و هو لا ينفعل بمجرد ملاقاة النجاسة فضلا عن غسل المجنب و نحوه، فلا شك انه غير محل البحث، بل ليس هو إلا الحياض الصغار كما هو ظاهر طائفة و صريح آخرين، و المتعارف الان المتداول الأخذ منها بالأواني الصغار و الاغتسال، و حينئذ فلا دلالة في شي ء من هذه الأخبار على المطلوب أصلا و رأسا، و ليس إلا العمومات و الأصول الأولية و استصحاب الحالة السابقة و

آية التيمم و بها الكفاية فتأمل جدا.

(احتج المانعون) بأمور: (منها) ان الإنسان مكلف بان لا يتوضأ إلا بما علمت طهارته يقينا حتى يقطع على استباحة الصلاة باستعماله و لا أقل من الشك هنا فيجب التفصي عنه حذر الوقوع في المحذور (و منها) ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من جنابة لا يجوز التوضؤ به و أشباهه.

(و ما روي) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) عن ماء الحمام قال: ادخله بإزار و لا تغتسل من ماء آخر إلا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله فلا تدري فيه جنب أم لا.

(و ما رواه) حمزة بن أحمد عن ابى الحسن عليه السّلام و لا تغتسل من ماء البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام فإنه يسيل منها ما يغتسل به الجنب و ولد الزنى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 179

..........

______________________________

و الناصب لنا أهل البيت و هو شرهم، و في الكل نظر.

(و أما الأول) فلأن يقين الطهارة و ان كان شرطا في صحة الوضوء بذلك الماء فهو موجود هنا لقوله عليه السّلام: (كل ماء لك طاهر حتى تعلم انه قذر) و لا علم لنا بالقذارة جزما، و متى لم نعلم بقذارته فهو طاهر يقينا، و احتمال سلب طهارته لاستعماله في رفع الحدث غير ملتفت إليه أصلا لإطلاق اسم الماء عليه و أصل طهارته، و الشك لا يقابل اليقين و لا يجب التفصي، بل قد يجب التوضؤ منه و الاغتسال حيث لا يوجد سواه، و حينئذ فلا يصلح ما ذكر دليلا.

(و اما الثاني) و هي رواية ابن سنان فمع

ما فيها من قصور السند بأحمد بن هلال فقد قيل في حقه انه غال مرة و غير صالح الرواية أخرى، مضافا الى ما ورد في حقه عن سيدنا العسكري عليه السلام من الرموز لا تخلو من تدافع في المتن، فإنه بعد أن قال: لا بأس أن يتوضأ بالماء المستعمل نهى عن الوضوء و أشباهه بالماء المستعمل في غسل الثوب و الجنابة، و نص الرواية على ما رواها في الوسائل في باب حكم الماء المستعمل في الغسل من الجنابة قال: و بالإسناد عن سعد عن الحسن بن على عن أحمد بن هلال عن الحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل، فقال: الماء الذي يغسل به الثوب و يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه و أشباهه و أما الذي يتوضأ الرجل به يغسل به وجهه و يده في شي ء نظيف فلا بأس ان يأخذه غيره و يتوضأ به. انتهى. و هل هذا إلا التدافع كما لا يخفى لأن المستعمل بقول مطلق شامل لجميع أنواع الاستعمالات فإخراج هذين الاستعمالين من بينها خلف، و حينئذ فلا بد من حملها على غسل الثوب و الجنابة المصاحبين للنجاسة الخبثية فلا دلالة فيها على المطلوب، لان الغالب في الجنب عدم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 180

..........

______________________________

انفكاكه عن التلوث بالنجاسة من نحو المنى كما يرشد إليه الأخبار الواردة في كيفية غسل الجنب، من نحو رواية أبي بصير عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن غسل الجنابة قال: تصب على يديك الماء فتغسل كفيك ثم تدخل يدك فتغسل فرجك ثم تمضمض و

استنشق و تصب الماء على رأسك ثلاث مرات و تغسل وجهك و تفيض على جسدك الماء.

(و ما رواه) البزنطي قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن غسل الجنابة فقال تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك و تبول ان قدرت على البول ثم تدخل يدك الإناء ثم اغسل ما أصابك منه، ثم أفض على رأسك و جسدك و لا وضوء فيه، و قوله عليه السلام بعد السؤال عن الرجل يدخل يده في الإناء و هي قذرة قال: يكفى الإناء و في غيرها يهراق الماء كله كما في غيرها فأهرق الماء أو أصبب ذلك الماء و نحوها فإنها كما ترى صريحة بغسل ما أصاب الإنسان من المنى و النجاسة أولا ثم الغسل و هي تقضى بتأثير النجاسة كما هو صريحها، و صريح أخبار الإهراق إذا أصاب الإناء و هي قذرة، و قوله عليه السلام: لا تقع في البئر و لا تفسد على القوم ماءهم كما بيناه سابقا، من أن المنع انما هو لتلوثه بالنجاسة و لولاه لما وجب النزح قطعا فتأمل جدا.

(و أما الثالث) و هو صحيح محمد بن مسلم فهو و ان صرح بعدم جواز الاغتسال من ماء الحمام إذا كان فيهم جنب فلا شك أنه معارض بقوله عليه السّلام: ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا. (و بصحيحة) محمد بن مسلم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له ماء الحمام يغتسل فيه الجنب و غيره اغتسل من مائه؟ قال: نعم لا بأس ان يغتسل فيه الجنب.

(و بما رواه) أبو الحسن الهاشمي قال سألته عن الرجال يقومون على

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 181

..........

______________________________

الحوض في الحمام لا أعرف اليهودي من النصراني

و لا الجنب من غير الجنب قال: يغتسل منه و لا يغتسل من ماء آخر فإنه طهور.

(و بما رواه) داود بن سرحان قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الحمام يغتسل فيه الجنب و غيره اغتسل من مائه؟ قال: نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب و لقد اغتسلت فيه ثم جئت فغسلت رجلي، ما غسلتهما إلا مما لزق بهما من التراب و غيرها. فإنها كما ترى صريحة بنفي البأس عن الاغتسال في الحمام، فلا بد من حمل النهى فيها على الكراهة جزما، و التعويل في المنع في مقابلة الطهارة بالأصل مخالف للقواعد الشرعية فتعين الكراهة قطعا فتأمل جدا.

(و أما الرابع) فقد تضمن النهى عن غسالة ماء الحمام المجتمع في مخزن المياه القذرة و ليست محل البحث، بل لها حكما يخصها كما سيأتي التنبيه عليها ان شاء اللّه، و غاية ما فيها انه عدّ ما يجتمع فيها غسالة الجنب و هي بما قلناه آنفا من كونه متلوثا في النجاسة أظهر لما مر، و حينئذ فالأخبار التي ذكرت للمنع في حيز المنع فلا تصلح دليلا فضلا عن معارضتها للاستصحاب و العمومات الآمرة باستعمال الماء الناهية عن التيمم متى وجد الماء و تمكن من استعماله، و محض الاستعمال لا يخرجه عن الإطلاق و يصيره مضافا ممنوعا به الطهورية، كلا بل هو طاهر مطهر و الاحتياط باستعماله حيث لم يوجد غيره، لا الأحوط تركه كما ذكره بعضهم.

(السادسة) في ماء الاستنجاء فإنه لا بأس به و تمام البحث في المقام يتم بأمور: (الأول) في بيان معنى الاستنجاء و لا شك انه استفعال من النجو و المراد به الخارج من السبيلين قبلا أو دبرا غائطا أو بولا فقط، فلو خرج

منهما دم أو قيح أو دود أو طعام غير منهضم مثلا وحده فقط أو مصاحبا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 182

..........

______________________________

لغائط أو بول لكنه لا يصدق عليه اسمهما فلا يقال له ماء الاستنجاء، و به صرح المحقق في المعتبر، و الكركي في جامع المقاصد، و الشهيدان في الذكرى و الروض و المسالك، و السيد في المدارك، و الشيخ حسن في المعالم و غيرهم، من دون فرق في ذلك منهم بين المتعدى و غيره إلّا أن يتفاحش، و لا بين الطبيعي و غيره إذا كان معتادا كما صرح به الشهيدان و المحقق الثاني و صاحب المعالم و الذخيرة و المقدس الأردبيلي و السيد في المدارك و غيرهم، و ذلك لعدم فهم الخصوصية للموضع المعتاد بل لأنه طبيعي، فإذا انسد و صار غيره طبيعيا جرى عليه حكمه بلا إشكال، بل في المدارك و الذخيرة: ان عدم الفرق ظاهر إطلاق النص و فتاوى الأصحاب و هو حسن جدا لما في (الحسن) عن الأحول قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام اخرج من الخلاء فاستنجى بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به قال: لا بأس به.

(و في الصحيح) عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أ ينجس ذلك الثوب؟

قال: لا. (و في الحسن) عن محمد بن النعمان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له استنجى ثم يقع ثوبي فيه و انا جنب فقال: لا بأس به (و في الفقيه) بزيادة:

ليس عليك شي ء (و في العلل) أو تدري لما صار لا بأس به؟ قلت: لا و اللّه جعلت فداك

فقال: ان الماء أكثر من القذر، فإنها كما ترى صريحة بأسرها بنفي البأس عن ماء الاستنجاء، بل في الثاني نفى النجاسة عنه أصلا و رأسا، و ماء الاستنجاء عام للبول و الغائط يقينا سواء خرجا من المعتاد المألوف أو صار معتادا تعديا المحل أم لا، نعم لو كان التعدي فاحشا بحيث لم يصدق عليه اسم الاستنجاء فهو خارج قطعا كما صرح به بعض الفضلاء.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 183

..........

______________________________

و لا يخص ذلك الغسلة الأولى و لا الثانية و لا الثالثة، بل لا فرق بينها جميعا كما هو الظاهر من الأخبار التي سمعت، و قوله في رواية العيص بن القاسم ان كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه فإنه لم يفرق في الواقع في الطشت هل هو من الغسلة الأولى أو الثانية كما بينا، و بذلك صرح ابن إدريس في السرائر، و العلامة في التذكرة، و الفاضل في كشف اللثام، بل في السرائر الإجماع عليه، خلافا للشيخ فحصة بالغسلة الثانية و هو عجيب لما سمعت من ظاهر الأدلة فتأمل جدا.

(الثاني) في بيان حكم ماء الاستنجاء اختار (قده) الطهارة وفاقا للمحقق في الشرائع و النافع و المعتبر، و للشيخ في الخلاف، و للعلامة في التذكرة و الإرشاد و التهذيب، و للشهيد في الدروس، و للكركي في جامع المقاصد، و للبهائي في الحبل المتين، و للمقدس الأردبيلي فقال: بأنه معفو عنه، و تبعه الشهيد في البائن، و في الدروس نسبه الى القيل، و جعله في الذكرى الأقرب، و احتمله الشيخ في النهاية و المبسوط كما حكى عن مصباح السيد حيث قال فيه:

و لا بأس بما ينضح من ماء الاستنجاء على الثوب و البدن. انتهى.

فإنها محتملة للطهارة و العفو كما قاله الفاضل الأصبهاني في كشف اللثام و غيره من العلماء الأعلام (و المختار) هو الطهارة لأنها المتبادرة من الأخبار التي قدمنا ذكرها بل هو صريح قوله أ ينجس ذلك ثوبه؟ قال: لا، و قوله في خبر العلل ان الماء أكثر من القذر و هي و أن اشتملت على عدم تنجس الثوب تارة و نفى البأس عنه أخرى فلا يخص الثوب بها، لأن خصوصية المورد لا تخصص الوارد فلا محيص عن تعدية الحكم الى كل ما لاقاه ماء الاستنجاء، إذ لا أقل من تنقيح المناط كما هو الشأن في غيره من الأحكام، و لولا ذلك لقصرنا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 184

..........

______________________________

الحكم بالرجل دون المرأة لوروده به و هو خلاف ما عليه الأصحاب، و مضافا الى لزوم العسر و الحرج المنفيين آية و رواية، و حينئذ فيعم الحكم لكل ما لاقاه ماء الاستنجاء كما لا يخفى، و بهذه الأخبار و الإجماع المدعى تخصص اخبار انفعال القليل و الإجماعات التي سلفت سابقا، و إذا كان كذلك فيجوز به رفع الحدث كما أدعاه المقدس الأردبيلي، و الظاهر من المحقق الكركي في جامع المقاصد، لأنه طاهر فعموم ما دل على الماء الطاهر و جواز استعماله يجرى هنا بخلافه في العفو فإنه لا يصح استعماله قطعا إذ هو نجس معفو عنه، و هذه ثمرة النزاع بينهم، فمن ثمّ قال الشهيد في الذكرى: أن الفائدة تظهر باستعماله فإنه على الطهارة مطهر من الحدث و الخبث، لعموم ما دل على ذلك في الماء الطاهر من غير معارض، بخلافه في العفو و نحوه، قال في المهذب البارع:

و هو كذلك لأن المراد بالعفو عنه كما فسرناه

به انه نجس، إلا ان الشارع دفعا للمشقة و العسر حكم بالعفو عنه، و لا شك أنه خلاف الظاهر من الأخبار كما قدمنا، بل هو طاهر مطهر لقوله عليه السّلام أ ينجس ذلك ثوبه؟ قال: لا، فينبغي ان يرفع به الحدث و يزال به الخبث كما هو قضية الماء الطاهر، لكن المحقق في المعتبر، و العلامة في المنتهى قد ادعيا الإجماع على عدم جواز رفع الحدث فيما يزال به النجاسة، و إذا تم ذلك كما هو المعلوم، فتنحصر ثمرة الخلاف في جواز ازالة الخبث به، و لا شك أنه يجوز، و نحوه الشرب و باقي الاستعمالات ما عدا رفع الحدث، للأخبار الدالة على جواز استعمال الماء الطاهر و جواز ازالة رفع الأخباث بها و شربها و استعمالها فإنها شاملة لهذا الماء.

(فان قلت) أن عدم التنجيس للثوب ليس دليلا على الطهارة بل قد يكون للعفو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 185

..........

______________________________

عنه للمشقة.

(قلت) العفو بظاهر إطلاقه لا يدل على عدم التنجيس، لأن غاية ما يدل عليه انه معفو عنه في تلك الساعة مثلا، و لا بد من الغسل و الطهارة بعدها كما هو الشأن في سائر المعفو عنها من نحو الدم و غيره مضافا الى قوله عليه السّلام أ ينجس ذلك ثوبه؟ فقال: لا، فإنها كما سمعت صريحة بالطهارة، و قوله عليه السّلام في الخبرين الآخرين (لا بأس به) غير ظاهر في إرادة العفو يقينا، بل هو على الطهارة أدل كما لا يخفى، و عليه فلا فرق في ذلك بين سبق اليد الماء أو سبق الماء عليها أو مقارنتها له، لأنها تنجس بمباشرتها للنجاسة قطعا، و حينئذ فلا ثمرة لتقديم الماء عليها أو تقدمها عليه،

نعم لو تنجست بنجاسة سابقة على ذلك ثم حصل الاستنجاء بها فلا تلحق به لنجاستها سابقا و نجاسته بها فتأمل جدا.

(الثالث) يشترط في طهارته أمور: (أحدها و ثانيها) أن لا يتغير بالنجاسة و ان لا تلاقيه نجاسة خارجية كما سيأتي منه (قده) وفاقا للمحقق في الشرائع، و للشيخين، و ابن إدريس، و العلامة، و الشهيدين، و المحقق الثاني و السيد في المدارك، و صاحبي المعالم و الذخيرة، و البهائي في الحبل المتين، و الفاضل البحراني في الحدائق، و غيرهم في غيرها، خلافا للمقدس الأردبيلي فقال: و أما عدم التغير و عدم وجود الاجزاء معه فغير ظاهر. انتهى.

________________________________________

شبر، سيد على حسينى، العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، 2 جلد، مطبعة النجف، نجف اشرف - عراق، اول، 1383 ه ق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 185

(و المعتمد) المشهور بل عن بعضهم الإجماع عليه كما في كشف اللثام و كأنه لا خلاف في الشرطين. انتهى. مضافا الى الأخبار السالفة في نجاسة الماء المتغير بأحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة الشاملة لهذا الفرد، لعدم الفرق بين إفراد المياه، و لا من أحد من الأصحاب كما قدمنا، و لقوله عليه السّلام في رواية العلل أو تدري لما صار لا بأس به!؟ قلت لا و اللّه جعلت فداك فقال: إن الماء أكثر من القذر، إذ هي كقوله عليه السّلام: إذا كان الماء قاهرا و لا يوجد فيه ريح

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 186

..........

______________________________

الجيفة فتوضأ و أشرب، و قوله عليه السّلام: إذا غلب لون الماء لون البول فتوضأ و أشرب و نحوها، فان الماء متى كان كثيرا و القذر قليلا فلا شك في عدم تغير الماء بالقذارة كما

لا يخفى (فان قلت) ان الأخبار الدالة على نجاسة الماء بالتغير عامة و الأخبار الدالة على طهارة ماء الاستنجاء خاصة، و قد خرجت من قاعدة الانفعال بهذه الأخبار فلا تشملها أخبار التغير (قلت) و ان خرجت عن قاعدة الانفعال بهذه الأخبار لكنها لم تخرج عن أخبار التغير لدخولها تحت إفراد المياه قطعا، فمتى تغيرت بالنجاسة صارت نجسة يقينا لقوله عليه السّلام إذا كان الماء قاهرا و لا يوجد فيه ريح الجيفة فتوضأ و اشرب، و قوله عليه السّلام: لان الماء أكثر من القذر. فان مفهومها صريح بالنجاسة إذا كان الماء أقل من القذر و كانت النجاسة قاهرة للماء، لان هذه الاخبار أكثر عددا و أوضح سندا و أوفق بالاحتياط، و ما عليه جل من الأصحاب فتأمل جدا.

(و أما شرط) عدم ملاقاته لنجاسة خارجية فللأخبار الدالة على طهارة ماء الاستنجاء خاصة من حيث إنه ماء استنجاء كما لا يخفى و الأخبار الدالة على انفعال الماء القليل بملاقاته للنجاسة و هذا يشملها قطعا.

(ثالثها) ان لا يصاحبه دم أو طعام غير منهضم كما صرح به الشهيدان في الذكرى و الروض، و المحقق الشيخ على في جامع المقاصد، و الفاضل في كشف اللثام، بل في الشرح للسيد صاحب المدارك نسبته إلى جماعة من الأصحاب كما في الذخيرة و الحدائق و هو جيد، و ان كان إطلاق النص لا يقتضيه لاحتمال صدق اسم الاستنجاء عليه، و لذا قال المقدس الأردبيلي: و أما الشرائط التي ذكرها الأصحاب فلا نعرف وجهها. انتهى. إلّا أن الظاهر من اسم الاستنجاء انما هو الغائط و البول الخالصين، و في إطلاق ذلك على المخلوط

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 187

..........

______________________________

بدم و نحوه اشكال، فيقتصر

فيما خالف الأصل على المتيقن و هو غير المخلوط منهما، و يرجع الى التمسك بأصالة عدم العفو في المخلوط منهما، و أما بالنسبة إلى الطعام الغير المنهضم كما بينا فالماء الذي يصيبها لا يصدق عليه اسم الاستنجاء يقينا، فمتى أصابها نجس قطعا لنجاستها شرعا لمباشرتها للبول و الغائط يقينا و خروجهما من الجوف القاضيين بالنجاسة كما لا يخفى. (و ما قيل) من أن الغالب عدم انفكاك الغائط من مصاحبة شي ء آخر من نحو الدود و الدم و الدواء و الطعام الغير المنهضم مثلا و لا أقل من الشك (فغير مسلم) لأن محل البحث ما يتخلف عن الخلقة، و لا شك أن الأصل العدم، بل غير بعيد إنكار ذلك بالكلية لا سيما بالنسبة إلى أصحاء البدن الذين هم محل البحث، و أما المريض فلا عبرة به إلّا أن يكون من نشأ على ذلك و صارت عادته كذلك كما يتفق في بعض الخلق من مصاحبة غائطهم للدود و بولهم الحصاة و نحو ذلك، فلا شك في صدق اسم الاستنجاء هنالك كما لا يخفى فتأمل جدا.

(و رابعها) أن لا ينفصل مع الماء أجزاء ممتازة كما صرح به الشهيد في الروض و المسالك، و المحقق الكركي في جامع المقاصد، و الفاضل الأصبهاني في كشف اللثام، و غيرهم في غيرها، و في المدارك كما في الذخيرة و الحدائق انه الأحوط، و هو و ان كان إطلاق النص لا يقتضيه إلا أن للتوقف فيه مجالا كما في المعالم، و من ثمّ استبعده الشيخ حسن في المعالم، و المقدس الأردبيلي في مجمع البرهان على ما حكى عنهما، لعدم انفكاك الماء عن الأجزاء غالبا و هو الأقرب لإطلاق النص و ان كان الأول

أحوط، و عليه فلو شك و الحال هذه في مصاحبة الخليط من الدم و الحصاة و نحوها و الأجزاء الممتازة فالمرجع الاحتياط و التوقف، إذ لا أصل يرجع إليه في مورد الشك بعد ما ذكرنا من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 188

..........

______________________________

أن الغالب عدم انفكاك الغائط عن مصاحبة شي ء آخر من نحو الدود و الدم و الدواء و الطعام الغير المنهضم، و لقاعدة الانفعال فإن غاية ما خرج منها ماء الاستنجاء السالم عن المصاحبة يقينا و ما كان مشكوكا فهو على القاعدة المعروفة.

(السابعة) في الماء المستعمل في غسل الأخباث فإنه نجس سواء تغير بالنجاسة أو لم يتغير، أما نجاسة الماء المستعمل بالتغير بالنجاسة في أحد أوصافه فإجماعي بين المسلمين فضلا عن الأخبار من الأئمة المعصومين (ع)، و أما نجاسته بمجرد الملاقاة فذهب اليه الشيخ في موضعين من المبسوط.

و موضع من الخلاف، و اختاره المحقق في الشرائع و النافع و المعتبر، و العلامة في التذكرة و المنتهى و التحرير و الإرشاد و المختلف، و الشهيدان في الدروس و اللمعة و الروض و الألفية و المقاصد العلية، و الكركي في جامع المقاصد كما عن مجمع الفوائد و كشف الرموز و المقتصر، و ظاهر المسالك و مجمع البرهان و غيرها، و هو المشهور بين الأصحاب كما عن تعليق النافع، و بين فقهائنا كما في شرح المفاتيح للأستاذ الماهر محمد باقر، و الأشهر بين متأخري الأصحاب كما في جامع المقاصد، و أشهر الأقوال كما في الروض خصوصا بين المتأخرين، بل في المنتهى كما عن التحرير انه إذا كان على بدن الجنب أو الحائض نجاسة كان المستعمل نجسا إجماعا خلافا للشيخ كما عن موضع من المبسوط و الخلاف،

و لابن حمزة في الوسيلة و المقنع و ظاهر الذكرى و شرح الإرشاد، و يعزى الى البصروي و جماعة من متقدمي الأصحاب، و ينسب إلى الكركي في بعض فوائده كما في جامع المقاصد انه الأشهر بين متقدمي الأصحاب، و عن كشف الالتباس ان عليه فتوى شيوخ المذهب كالسيد و الشيخ و ابني إدريس و حمزة و ابن أبى عقيل، و هو الظاهر من صاحب الذخيرة (و قيل) بالتفصيل بين الغسلة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 189

..........

______________________________

الأولى و الثانية و حكاه في الدروس عن بعض. (و قيل) بالفرق بين ورود الماء على النجاسة و ورودها عليه فإنه ينفعل في الثاني دون الأول، و ينسب الى المرتضى في الناصريات، و في السرائر انه صحيح مستمر على أصل المذهب و فتاوى الأصحاب و اختاره في الكفاية الخراساني (و قيل) بالنجاسة مطلقا و ان حكم بطهارة المحل.

(و المعتمد) النجاسة مطلقا سواء كان من الغسلة الأولى أو الثانية أو الثالثة كما هو مقتضى إطلاق القائلين بالنجاسة و صريح آخرين، و يدل عليه انه ماء قليل لاقى نجاسة فيجب أن نحكم عليه بالنجاسة، لعموم ما دل على انفعال القليل من قوله عليه السّلام: إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء، و قوله عليه السّلام: بعد السؤال عن الرجل يدخل يده في الإناء و هي قذرة يكفى الإناء، أو يهرق الماء كله كما في أخرى، أو فأهرق الماء، أو فاصبب ذلك الماء و نحوها من الأخبار التي وردت، فإنها لا تحصى كثرة كما قدمنا فإنها شاملة للمقام بعمومها أو خصوصها و نحوها الإجماعات التي قدمنا لأنه ماء قليل قطعا و قد لاقى نجاسة فينجس يقينا مضافا الى ما رواه

العيص بن القاسم قال سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء فقال: ان كان الوضوء من بول أو قذر فيغسل ما أصابه، و ان كان من وضوئه للصلاة فلا يضره، المؤيد بما ورد في وجوب تعدد الغسل فيما يجب له من نحو البول، و إهراق الغسلة الأولى و الثانية بالكلية فيما يجب له ثلاث من الظروف و الأواني، و وجوب العصر في الثياب و نحوها فيما يجب عصره، و عدم تطهير ما لا يخرج عنه الماء و نحوها، فإنها شاملة لنجاسة الغسالة كما لا يخفى، لأن الأخبار الآمرة بغسل الثوب من البول مرتين و غسل الأواني ثلاثا قد دلت بصريحها على نجاسة الغسلة الأولى قطعا فالثانية مثلها

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 190

..........

______________________________

يقينا، لعدم القائل بالفصل كما هو المستفاد من إزالتها عن الظروف و الثياب بالإهراق و العصر، فان ذلك ليس إلا دليل النجاسة لما سمعت آنفا من ان الإهراق كناية عن تفخيم النجاسة و عظمها، فمن ثم قال العلامة في المنتهى:

و إذا كان على بدن الجنب أو الحائض نجاسة عينية فالمستعمل إذا نقص عن كر نجس إجماعا و فيه الكفاية، مضافا الى ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضأ به و أشباهه، فإنها كما ترى صريحة في المنع من الوضوء و أشباهه من الماء المستعمل في غسل الثياب و الجنابة، و ما ذاك إلا لنجاستها و لا يضر عطف غسل الجنابة فإنه لعله لعدم انفكاك الجنب عن النجاسة كما هو الغالب و إلا فهو طاهر كما تقدم (قيل) و في الكل نظر

أما أولا: فإنا نمنع كلية الكبرى بل هي مصادرة لأنها عين الدعوى، و ثانيا: نمنع العموم في الاخبار على طهارة الكر و نجاسة ما عداه، و بضعف سند خبر العيص و إضماره، بل و قصور دلالته ثالثا، و يدفع الأول و الثاني: ما حققناه في بيان عموم الأخبار الدالة بمفهوم الشرط على نجاسة القليل بالملاقاة فلاحظه ترشد، و العجب من فحول الأصحاب القائلين بنجاسة القليل بالملاقاة كيف يمكنهم الاعتراض هنا عن المنع من كلية الكبرى و ليس مأخذها إلا مفهوم الاخبار المستدلين بها على انفعال القليل و عمومها، و أعجب منه ما عن صاحب المعالم حيث قال: و انما عممناه في القليل بضميمة الإجماع على عدم الفصل و لا إجماع هنا فلا عموم. انتهى. و هو كما ترى، كيف لا و قد سمعت فيما سبق انه لو لا ارادة العموم في قوله: إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء، لا نتفت فائدة المفهوم مطلقا و هو باطل قطعا لمنافاته حكمة البيان يقينا، لان الجواب كما هو معلوم يقتضي افادة السائل على جميع تقادير

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 191

..........

______________________________

السؤال و هو لا يتم إلا بعد العلم بحكمي المنطوق و المفهوم معا، و لا شك ان المنطوق عام فالمفهوم مثله، بل هو هنا أقوى كما ذكرناه سابقا فتأمل.

(و يدفع الثالث) ان الرواية ليس فيها إلا عدم ذكرها في كتب الحديث و قطعها و هما لا يضران، لان الشيخ قد ذكرها في الخلاف و هو لا شك قد أخذها من أصل العيص، و العيص على ما ذكره علماء الرجال ثقة و طريق الشيخ الى كتابه على ما قيل حسن بإبراهيم بن هاشم، و هو

عند طائفة من متأخري المتأخرين صحيح فان لم يكن فحسن كالصحيح، و قد ذكر الشيخ غير مرة انه إذا ترك اسناد بعض الأحاديث يذكر في أول السند اسم الرجل الذي أخذ من كتابه، فلعل نقله الرواية في الخلاف جرى فيها على قاعدة التهذيبين و على كل حال فرواية الخلاف لا تقصر عن رواية التهذيبين، و اما الإضمار فغير مضر عندنا كما قاله غير واحد منا، و اما الدلالة فليس إلا انها جملة خبرية و قد قيل انها لا تدل على الوجوب، و ليس كذلك فان قوله عليه السّلام: إن كان الوضوء من بول أو قذر يغسل ما أصابه و ان كان وضؤه للصلاة فلا يضره ليس مراده به إلا الإنشاء و هو بمعنى الأمر فيكون مفيدا للوجوب كما لا يخفى، و حينئذ فالرواية مع ما ورد في نجاسة القليل هي العمدة في نجاسة هذا المستعمل.

نعم ربما يناقش في رواية عبد اللّه بن سنان المؤيدة لهذا القول لأنها لم تفد سوى النهى عن الوضوء، و لعل ذلك لسلب طهوريته لا طهارته، بل لعله المراد منها لعطف غسل الجنابة على غسل الثوب فيها، و هو كما تقدم طاهر قطعا فتأمل جدا (احتج القائلون) بالطهارة مطلقا بأمور: (منها) أصالة الطهارة و قولهم (ع) كل ماء طاهر حتى تعلم انه قذر (و عدم) عموم الأدلة لمثل هذه الصورة (و ما تقدم) في طهارة ماء الاستنجاء، و انه لو انفعل لزم ان لا يطهر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 192

..........

______________________________

المحل بالماء القليل أبدا و اللازم باطل قطعا فالملزوم مثله يقينا.

(و فيه) أن أصالة الطهارة مقطوع بما دل على نجاسة القليل بالملاقاة كما سلف بما لا مزيد عليه، و

أما قولهم (ع): كل ماء طاهر حتى تعلم انه قذر إن لم يكن دليلا لنا فلا يكون علينا، كيف لا و وروده على القذارة معلوم قطعا، و حيث يكون قليلا ينجس بالملاقاة يقينا لقوله عليه السّلام إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء، فإنه شامل لمثل هذه الصورة كما لا يخفى، إذ هو ماء قليل و قد لاقته نجاسة فيكون نجسا، و أما دعوى الضرورة و البداهة بطهارة المحل فمسلم و لا يلزمنا من تسليمه تسليم الملزوم، كيف لا و مثله موجود في الشرع من نحو حجر الاستجمار، و الماء المستعمل في الطهارة الكبرى، و اشتراط بكارة الأحجار، و عدم الوضوء من الماء المستعمل في الطهارة الكبرى لا يجعلهما نجسين يقينا، بل لم يصرح أحد بنجاستهما، و لا مانع من أن يكونا طاهرين غير مطهرين لعدم المانع عرفا و شرعا من أن يطهر المحل و يكون الماء منفعلا، لأن الطهارة و النجاسة حكمان شرعيان، و حيث أمر الشارع بغسل الثوب و البدن بالماء القليل مثلا و الجاري و الكثير فلا غرو أن نحكم بطهارة المحل و نجاسة الماء لملاقاته النجاسة المؤثرة فيه نجاسة كما دل الدليل عليها، فانا لا نقول بنجاسة الماء بعد الانفصال حتى يرد علينا ما قيل انه غير ملاق للنجاسة، كلا بل نحكم بطهارة المحل للدليل و نجاسة الماء أيضا قبل الانفصال بمقتضى الأدلة و لا ضرر علينا، إذ لولاه للزم الحرج و العسر و هما منفيان آية و رواية، لأن غاية ما يستفاد من الأخبار طهارة الماء قبل وروده على النجاسة و غسل النجاسة و أما بعد الغسل به و طهارة المحل فلا دليل على طهارته، بل المستفاد من

العمل الأبقى

في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 193

..........

______________________________

الأدلة نجاسته لملاقاة النجاسة فيكون مطهرا للثوب و البدن متحملا للنجاسة نحو حجر الاستجمار و الماء المستعمل في الكبرى حسبما ذكرنا، و ليس في ذلك خروج عن قاعدة المنفعل القليل بالملاقاة، لأنا قد حكمنا بطهارة المحل و نجاسة الماء بالأدلة الدالة على غسل الثوب و البدن من النجاسة، و هي لا شك تقضى بذلك قطعا، لأنه لا مناص عنه يقينا و ليس ذلك إلا أن نحكم بطهارة هذا و نجاسة ذاك بمقتضى الأدلة التي وردت من الجانبين.

و الملازمة التي ادعاها صاحب القول بالطهارة من أنه لو حكمنا بانفعال الماء حين الملاقاة لزم أن لا يطهر المحل أصلا مخصصة لهذا العموم، و مباشرة الثوب و الإناء مثلا في حال بقية البلل غير منجس و لا ضائر جزما، لأن حكمه حكم العصير العنبي بعد ذهاب ثلثيه مثلا و طهارة النازح و ثيابه و آلاته، بعد النزح و هكذا، لأنها أحكام شرعية متلقاة من الشارع و لا يسوغ لنا إلا العمل بها، مضافا الى لزوم العسر و الحرج المنفيين لو عمل بتركها، و حينئذ فلا يلتفت الى أصل الطهارة الذي ادعاه القائل بعد ما قررناه من انفعال القليل فتأمل جدا.

و مما يؤيد هذا القول (صحيح) هشام بن سالم عنه عليه السّلام في السطح الذي يبال عليه فتصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب قال: لا بأس ما أصابه من الماء أكثر، و الدلالة مستفادة من نفى البأس لما أصابه من كثرة الماء، و بضميمة تنقيح المناط نسرّي الحكم الى غير الصورة المفروضة، و فيه ما لا يخفى من الفرق بين ماء السماء و القليل، و إن ذاك ما دام ينزل فهو طاهر و انه

بمنزلة الجاري و فرق بينه و بين القليل، و نحوه.

(ما رواه) الشيخ عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: في الرجل الجنب يغتسل فينضح من الماء في الإناء فقال: لا بأس ما جعل عليكم في الدين

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 194

..........

______________________________

من حرج. (و ما رواه) عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام اغتسل في مغتسل يبال فيه و يغتسل من الجنابة فيقع في الماء ما ينزو من الأرض فقال:

لا بأس (و ما رواه) عن شهاب بن عبد ربه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام انه قال:

في الجنب يغتسل فيقطر الماء من جسده في الإناء و ينضح الماء في الأرض فيصير في الإناء أنه لا بأس بهذا كله.

و وجه الدلالة مستفاد من نفى البأس فيها، مع تضمن السؤال في الثاني عن المكان الذي يبال فيه فإنه يعطى بظاهره النجاسة و مع ذلك فقد نفى البأس فيه و ما ذاك إلا لطهارته. و يعارض ظاهر قوله عليه السّلام لأبي بصير إذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس إلا أن يكون قد أصابها قذر بول أو جنابة. فإن أدخلت يدك في الإناء و فيها شي ء من ذلك فأهرق الماء.

(و قول) أبى عبد اللّه عليه السّلام لأبي بصير أيضا قال سألته عن الجنب يحمل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه قال: إن كانت يده قذرة فليهرقه (و قوله عليه السّلام) لسماعة و أن كان أصاب يده شي ء من المني فأدخل يده في الماء قبل ان يفرغ على كفيه فليهرق الماء كله، إلى غير ذلك من الأخبار و هي كما ترى، فإن الإهراق ليس إلا لتفخيم

النجاسة و تعظيمها كما أشرنا إليه سابقا و لذا قال (العلامة) في المنتهى: و إذا كان على بدن الجنب أو الحائض نجاسة كان المستعمل نجسا إجماعا، و حينئذ فالخبر الذي تضمن عدم الغسل في مكان البول، اما ان يحمل على مكان تشرق فيه الشمس و تجفف الشمس البول، أو أنه مخصص بالأخبار التي ذكرت و الإجماع، و كلا منهما حسن كما لا يخفى لأنهما أوفق بقاعدة الانفعال كما قدمنا.

احتج القائل بالتفصيل بين الغسلة الأولى و الثانية. (قال الشيخ) في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 195

..........

______________________________

الخلاف إذا أصاب الثوب نجاسة فغسل بالماء فانفصل الماء عن المحل و أصاب الثوب أو البدن فإنه ان كان من الغسلة الأولى فإنه نجس و يجب غسله و الموضع الذي يصيبه، و ان كان من الغسلة الثانية لا يجب غسله إلا أن يكون متغيرا بالنجاسة فيعلم بذلك أنه نجس- الى أن قال- دليلنا على القسم الأول أنه ماء قليل و معلوم حصول النجاسة فيه فوجب أن نحكم بنجاسته. (و قد روى) العيص بن القاسم قال سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء فقال: ان كان الوضوء من بول أو قذر فيغسل ما أصابه، و إن كان وضوءه للصلاة فلا يضره، و الذي يدل على القسم الثاني أصل الطهارة و نجاسته تحتاج الى دليل. انتهى.

(و قال) في المبسوط بعد أن حكم بطهارته: و ان قلنا انه يغسل من الغسلة الأولى كان أحوط. انتهى.

(و استدل) لهذا القول أيضا بالأخبار الدالة على طهارة ماء الاستنجاء و طهارة المحل بعد انفصال الغسلة الأخيرة، و لا ريب في تخلف بعض اجزائها في البدن و الثوب و الإناء، و قد علمت أن الماء

القليل لا تختلف أجزاؤه طهارة و نجاسة قطعا، بل متى حكم بطهارته حكم فيه جميعا و هكذا النجاسة كما لا يخفى فما ذاك إلا لطهارته.

(قلت) و فيه نظر: أما الأصل فمعارض بقوله في الاستدلال على الشق الأول أنه ماء قليل و قد لاقى نجاسة فينجس فضلا عن الإجماع على نجاسة القليل بمجرد الملاقاة، (و قوله عليه السّلام) كل ماء طاهر حتى تعلم انه قذر، و لا شك أن القذارة هنا معلومة فمن ثمّ قال في المبسوط و الخلاف بعد ما ذكر هذا التفصيل في المسألة، مسألة: إذا أصاب الثوب نجاسة فصب عليها الماء و ترك

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 196

..........

______________________________

تحته إجانة حتى يجتمع فيه ذلك الماء فإنه نجس، و قال الشافعي: الثوب طاهر و الماء نجس، و قال ابن سريج: الماء طاهر و الثوب قد طهر، دليلنا هو أنه ماء قليل و قد حصل فيه أجزاء من النجاسة وجب أن ينجس، لان الماء إذا كان أقل من كر ينجس بما يحصل فيه من النجاسة بإجماع الفرقة. انتهى. و هو عين ما قلناه كما لا يخفى، و قال في المبسوط: الماء الذي تزال به النجاسة نجس لأنه ماء قليل خالطه نجاسة و في الناس من قال ليس بنجس إذا لم يغلب على أحد أوصافه بدلالة أن ما بقي في الثوب جزء منه و هو طاهر بالإجماع فما انفصل عنه فهو مثله و هذا أقرب و الأول أحوط، و الأولى أن يقال انه عفى عنه للمشقة. انتهى. فكان ما استدل به أولا: هو القاطع للأصل يقينا لأن المحل لم يطهر بالغسلة الأولى قطعا و إلا لم يحتج إلى الثانية أبدا و ما ذاك إلا

لنجاسته كما لا يخفى، و حيث حكمنا بنجاسته فلا ريب في نجاسة ما يلاقيه لعين ما ادعاه، و قياس طهارة المنفصل على المتخلف قياس مع الفارق، كيف لا و حكمه ليس إلا حكم طهارة العصير بعد ذهاب ثلثيه و النازح و ثيابه بعد تمام النزح و طهارة الآخر كلا، بل نهاية العصر فيما يعصر و انتهاء التقاطر فيما يتقاطر هو النجس و ما عداه هو الطاهر للدليل الوارد من الشارع، فضلا عن لزوم العسر و الحرج، و حينئذ فالمتخلف غير المعتصر و المتقاطر فلا ينبغي أن يقاس بأحدهما الآخر بل لكل حكمه فتدبر.

احتج المفصل بين الوردين اما على الانفعال فبعين ما استدللنا به على المختار، و على العكس مع العكس بانا لو حكمنا بنجاسة القليل الوارد على النجاسة لأدى ذلك الى أن الثوب لا يطهر من النجاسة إلا بإيراد كر من الماء عليه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 197

..........

______________________________

و ذلك يشق، فدل على أن الماء إذا ورد على النجاسة لا يعتبر فيه القلة و لا الكثرة كما يعتبر فيما ترد النجاسة عليه.

(و قال) ابن إدريس في السرائر: و ما قوى في نفس السيد صحيح مستمر على أصل المذهب و فتاوى الأصحاب. انتهى و هو مؤذن بدعوى الإجماع كما لا يخفى.

و فيه ان الخلاف بين الفقهاء في هذه المسألة مما لا يكاد ينكر، و مع ذلك فالسيد لم يقل به صريحا، كيف لا و قد قال: و هذه المسألة لا أعرف فيها نصا لأصحابنا و لا قولا صريحا. و الشافعي فرّق، و الذي يقوى عندي عاجلا الى أن يقع التأمل صحة قول الشافعي. انتهى. فإنه لم يحكم صريحا بالفرق كما ترى، و القوة ليست

بفتوى جازمة كما لا يخفى لتعليقها على التأمل، و ما ذاك إلا لعدم ارتضائها جزما، فدعوى الإجماع غير مسلمة يقينا بل هو قائل بها، لأنه قال متصلا بهذه العبارة قبلها: الماء الذي يقع فيه الكلب و الخنزير إذا أصاب الثوب وجب غسله لأنه نجس، و أن أصابه من الماء الذي يغسل به الإناء، فإن كان من الغسلة الأولى يجب غسله، و ان كان من الثانية أو الثالثة لا يجب غسله، و قال بعض أصحابنا: لا يجب غسله سواء كان من الغسلة الثانية أو الأولة و ما اخترناه المذهب، ثم نقل عبارة المرتضى، و لا شك ان هذه العبارة تمنع دعوى الإجماع فتأمل جدا، بل ربما يظهر منها دعوى الإجماع على نجاسة الغسلة الأولى سواء و ردت على النجاسة أو وردت النجاسة عليها كما قال حيث قال: و ما اخترناه المذهب. انتهى. و هو كذلك قطعا لأنه الاستفاء من إطلاق القائلين بنجاسة القليل بالملاقاة و استثنائهم منه ماء الاستنجاء و المطر حال النزول، و لا شك انه يقضى بعدم الفرق بين الورودين

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 198

..........

______________________________

بل قد صرح بعضهم بعدم الفرق هناك ردا على السيد مضافا إلى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا، و قولهم (ع): إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء، فان الماء بعمومه شامل للورودين، و كما ان العموم مراد في المنطوق فهو مراد في المفهوم، و وقوع شي ء في مفهوم النكرة في سياق الإثبات لا يقدح فيه، لان انفعال الوارد بشي ء من النجاسات يقتضي انفعاله كالمورود عليه لعدم القائل بالفصل، مضافا الى (ما رواه) عمار عن الصادق عليه السّلام

انه سأله عن الرجل يجد في إنائه فارة و قد توضأ من ذلك الإناء مرارا و اغتسل منه أو غسل ثيابه و قد كانت الفأرة متسلخة فقال عليه السّلام: ان كان رآها في الإناء قبل ان يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه و يغسل كلما أصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلاة، و ان كان إنما رآها بعد ما فرغ من ذلك و فعله فلا يمس من الماء شيئا و ليس عليه شي ء، لأنه لا يعلم متى سقطت فيه، ثم قال: لعلها سقطت تلك الساعة، و الدلالة مستفادة من الحكم بالنجاسة مطلقا من غير استفصال و احتمال وقوع الفأرة في الإناء بعد حصول الماء فيه أو قبله، و نحوه (ما روى) في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال: لما كانت الليلة التي وعدها على بن الحسين عليه السّلام قال لمحمد عليه السّلام يا بني أبغي وضوءا قال: فقمت و جئته بوضوء قال: لا أبغي هذا فإن فيه شيئا إ قال: فخرجت و جئت بالمصباح فاذا فيه فأرة ميتة فجئته بوضوء غيره و الدلالة مستفادة من احتمال وقوع الفارة قبل ورود الماء أو بعده (و روى) أيضا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام قال: لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سايلة. و الدلالة مستفادة من الاستثناء القاضي بفساد الماء سواء كان واردا أو مورودا، فإنه قد ترك فيها الاستفصال و هو يفيد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 199

..........

______________________________

العموم في الجميع كما هو معلوم، و نحوه (قوله عليه السّلام) في النبيذ ينجس حبا من ماء، (و

قوله عليه السّلام) لعمر بن حنظلة بعد السؤال عن قدح مسكر يصب عليه الماء حتى تذهب عاديته: لا و اللّه و لا قطرة منه قطرت في حب إلا أهريق ذلك الماء، و هكذا الواردة في غسل الأواني و الثياب من نحو (قوله عليه السّلام) في الكلب انه رجس نجس لا تتوضأ بفضله و أصيب ذلك الماء، خصوصا (قوله عليه السّلام) اغسله في المركن مرتين و في الجاري مرة واحدة (و قول) ابى الحسن عليه السّلام بعد السؤال عن البيت يبال على ظهره و يغتسل فيه من الجنابة ثم يصيبه المطر أ يؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟ فقال: إذا جرى فلا بأس. فإنها صريحة بطهارة المغسول و الإناء واردا كان أو مورودا، بل هي و هاتين الروايتين كما لا يخفى واردة مرة على الماء و أخرى واردا عليها و منهما يعلم عدم الفرق بينهما قطعا، إذ لو لم يكن الوارد كغيره في الانفعال للغى الشرط في الثانية يقينا و ليس فليس (فعلم) أن الاستدلال به للمرتضى و من سلك مسلكه من انا لو حكمنا بنجاسة القليل الوارد على النجاسة لأدى ذلك الى أن الثوب لا يطهر من النجاسة إلا بإيراد كر من الماء و ذلك يشق انتهى. (فاسد) جدا لا سيما بعد ورود قوله عليه السّلام بعد السؤال عن كيفية غسل الإناء صب فيه الماء ثم أهرقه ثلاثا، فاذا فعلت ذلك فقد طهر إن شاء اللّه تعالى فإنها قد دلت على طهارة الإناء واردا كان أو مورودا، و لا شك ان الماء يرد على هذه الأشياء كما لا يخفى فالملازمة التي ادعاها مدفوعة يقينا بهذه الأخبار و نحوها، و حينئذ فلا يلتفت إليها لا سيما

على قول من لم يشترط الورود في التطهير كما هو قضية المركن، و كيف كان فالنجاسة و الطهارة حكمان شرعيان فيقتصر فيهما على مورد الدليل و ليس إلا ما ذكرنا، و قد علمت انها غير قاضية بطهارة الغسالة خصوصا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 200

[ (مسألة 1) لا إشكال في القطرات التي تقع في الإناء عند الغسل]

(مسألة 1) لا إشكال في القطرات (1) التي تقع في الإناء عند الغسل و لو قلنا بعدم جواز استعمال غسالة الحدث الأكبر.

[ (مسألة 2) يشترط في طهارة ماء الاستنجاء أمور]

(مسألة 2) يشترط في طهارة ماء الاستنجاء (2) أمور: (الأول) عدم تغيره في أحد الأوصاف الثلاثة (الثاني) عدم وصول نجاسة إليه من خارج (الثالث) عدم التعدي الفاحش على وجه لا يصدق معه الاستنجاء (الرابع) ان لا يخرج مع البول أو الغائط نجاسة أخرى مثل الدم نعم الدم الذي يعد جزءا من البول أو الغائط لا بأس به (الخامس) ان لا يكون فيه الأجزاء من الغائط بحيث بتميز اما إذا كان معه دود أو جزء غير منهضم من الغذاء أو شي ء آخر لا يصدق عليه الغائط فلا بأس به.

[ (مسألة 3) لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد]

(مسألة 3) لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد و ان كان أحوط (3)

______________________________

بعد ورود الأخبار في انفعال القليل، فإن إخراجها من بين أفراد القليل من غير دليل تحكم، و ما ادعاه من الدليل فغير واضح البرهان لمنع الملازمة بين تطهير المحل و طهارة المنفصل كما لا يخفى.

قوله قده مسألة 1: (لا إشكال في القطرات. إلخ)

وجه عدم الإشكال هو عدم عد تلك القطرات الواقعة في الإناء ماء غسالة عرفا لاستهلاكها بما في الإناء.

قوله قده مسألة 2: (يشترط في طهارة ماء الاستنجاء. إلخ)

قد تقدم بيان تلك الأمور مفصلا في الفصل المتقدم عن قريب المتضمن للبحث عن طهارة ماء الاستنجاء فلا نعيده.

قوله قده مسألة 3: (لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد و ان كان أحوط)

قد تقدم أيضا البحث

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 201

[ (مسألة 4) إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء ثم اعرض ثم عاد]

(مسألة 4) إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء (1) ثم اعرض ثم عاد لا بأس إلا إذا عاد بعد مدة ينتفي معها صدق التنجس بالاستنجاء فينتفى حينئذ حكمه.

[ (مسألة 5) لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة الأولى و الثانية]

(مسألة 5) لا فرق في ماء الاستنجاء (2) بين الغسلة الأولى و الثانية في البول الذي يعتبر فيه التعدد.

[ (مسألة 6) إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي]

(مسألة 6) إذا خرج الغائط من غير المخرج (3) الطبيعي فمع الاعتياد كالطبيعي، و مع عدمه حكمه حكم سائر النجاسات في وجوب الاحتياط من غسالته.

[ (مسألة 7) إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء]

(مسألة 7) إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء أو غسالة سائر النجاسات

______________________________

في ذلك مفصلا في الفصل المزبور فلا نعيده.

قوله قده مسألة 4: (إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء. إلخ)

لا يخفى انه لو عاد بعد مدة قصيرة لا يضر معها صدق التشاغل بالاستنجاء عرفا فهو غير مضر و لا تخرج يده المتنجسة عن كونها متنجسة بالاستنجاء، و إن طالت المدة حتى خرجت يده عن كونها متنجسة بالاستنجاء عرفا، كانت بمنزلة ما لو أصابتها نجاسة خارجية فهي غير معفو عنها فينتفى حينئذ حكمه.

قوله قده مسألة 5: (لا فرق في ماء الاستنجاء. إلخ)

و ذلك لإطلاق أدلة العفو فراجع.

قوله قده مسألة 6: (إذا خرج الغائط من غير المخرج. إلخ)

لا فرق بين البول و الغائط لو خرجا من غير الطبيعي فإن الميزان في العفو و عدمه صيرورته طبيعيا فالأول و عدمه فالثاني لصدق كونه ماء استنجاء إذا صار طبيعيا، و عدمه إذا كان اتفاقيا كما تقدم ذلك في الفصل المتقدم مفصلا فلا نعيده فراجع.

قوله قده مسألة 7 (إذا شك في ماء. إلخ)

أما الحكم بطهارته فلقاعدة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 202

يحكم عليه بالطهارة و ان كان الأحوط الاجتناب.

[ (مسألة 8) إذ اغتسل في كر كخزانة الحمام]

(مسألة 8) إذ اغتسل في كر (1) كخزانة الحمام أو استنجى فيه لا يصدق عليه غسالة الحدث الأكبر أو غسالة الاستنجاء أو الخبث.

[ (مسألة 9) إذا شك في وصول نجاسة من الخارج أو مع الغائط]

(مسألة 9) إذا شك في وصول نجاسة من الخارج (2) أو مع الغائط يبنى على العدم.

[ (مسألة 10) سلب الطهارة أو الطهورية عن الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر أو الخبث استنجاء أو غيره]

(مسألة 10) سلب الطهارة (3) أو الطهورية عن الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر أو الخبث استنجاء أو غيره انما يجرى في الماء القليل دون الكر فما زاد كخزانة الحمام و نحوها.

______________________________

الطهارة الجارية في كل مشكوك الطهارة و النجاسة، و أما الاحتياط في الاجتناب عنه فأخذا بعمومات انفعال الماء القليل تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية، إذ لا يعلم أن هذا الفرد الخاص من الماء هل هو من مصاديق الخارج أو من مصاديق الباقي.

قوله قده مسألة 8: (إذا اغتسل في كر. إلخ)

و ذلك لانصراف الأدلة الشرعية عن مثل ما ذكره من الماء الكثير مع عدم الصدق العرفي في انه غسالة.

قوله قده مسألة 9: (إذا شك في وصول نجاسة من الخارج. إلخ)

اما في الأول فأصالة عدم الوصول، و أما في الثاني فأصالة عدم الخروج فان خروج الغائط متيقن و خروج غيره معه مشكوك فيبني على عدمه عملا بالاستصحاب في الموضعين.

قوله قده مسألة 10: (سلب الطهارة. إلخ)

و ذلك لانصراف الأدلة الشرعية عن مثل هذا الماء الكثير مع عدم الصدق العرفي في أنه غسالة كما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 203

[ (مسألة 11) المتخلف في الثوب بعد العصر من الماء طاهر]

(مسألة 11) المتخلف في الثوب (1) بعد العصر من الماء طاهر فلو اخرج بعد ذلك لا يلحقه حكم الغسالة و كذا ما يبقى في الإناء بعد اهراق ماء غسالته.

[ (مسألة 12) تطهر اليد تبعا بعد التطهير]

(مسألة 12) تطهر اليد (2) تبعا بعد التطهير فلا حاجة الى غسلها و كذا الظرف الذي يغسل فيه الثوب و نحوه.

[ (مسألة 13) لو اجري الماء على المحل النجس زائدا على مقدار يكفي في طهارته]

(مسألة 13) لو اجري الماء (3) على المحل النجس زائدا على مقدار يكفي في طهارته فالمقدار الزائد بعد حصول الطهارة طاهر و ان عد تمامه غسلة واحدة و لو كان بمقدار ساعة و لكن مراعاة الاحتياط أولى.

______________________________

قدمناه عن قريب.

قوله قده مسألة 11: (المتخلف في الثوب. إلخ)

و ذلك لما تقدم في الفصل السابق من ان نهاية الغسل عصر ما يعصر و تقاطر ما يتقاطر.

قوله قده مسألة 12: (تطهر اليد. إلخ)

فإنه لو لم يكن ذلك كذلك لما أمكن تطهير ما يحتاج الى العصر بالماء القليل، هذا مع عدم التعرض لحكم اليد في الأخبار سؤالا و جوابا، مع انه لو احتاجت الى ذلك للزم تأخير البيان عن وقت الخطاب بل عن وقت الحاجة و ذلك لا يجوز قطعا.

قوله قده مسألة 13: (لو اجرى الماء. إلخ)

اما الحكم بطهارة المقدار الزائد من الماء المصبوب بعد حصول طهارة المغسول فان الغسل و الغسالة منصرفهما المتعارف المعتاد فما زاد عليه طاهر لعدم كونه ماء غسالة عرفا، و اما مراعاة الاحتياط فلشبهة انها مع هذا كله لا تخرج عن انها غسلة واحدة بالوجدان و أن طالت مدتها على المقدار المتعارف، فيصح إطلاق الغسالة على مائها أجمع و ان كان إطلاقا بعيدا إذ الاحتياط سبيل النجاة.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 204

[ (مسألة 14) غسالة ما يحتاج الى تعدد الغسل]

(مسألة 14) غسالة ما يحتاج (1) الى تعدد الغسل كالبول مثلا إذا لاقت شيئا لا يعتبر فيها التعدد و ان كان أحوط.

[ (مسألة 15) غسالة الغسلة الاحتياطية استحبابا]

(مسألة 15) غسالة الغسلة (2) الاحتياطية استحبابا يستحب الاجتناب عنها.

[فصل الماء المشكوك نجاسته]

اشارة

فصل الماء المشكوك (3) نجاسته طاهر إلا مع العلم بنجاسته سابقا و المشكوك إطلاقه لا يجري عليه حكم المطلق إلا مع سبق إطلاقه و المشكوك إباحته محكوم بالإباحة إلا مع سبق ملكية الغبر أو كونه في يد الغير المحتمل كونه له.

______________________________

قوله قده مسألة 14: (غسالة ما يحتاج. إلخ)

لا يخفى بناءا على المختار من القول بنجاسة الغسالة فهل حكم ما أصابته الغسالة حكم المغسول قبلها؟ أو حكم المغسول قبل الغسل؟ أو حكم المحل بعدها؟ أو يكفي المرة الواحدة؟

أو مرتين مطلقا؟ أقوال: ذهب الى كل فريق و لا نطيل الكلام بذكر حججهم و انما نذكر ما نعتمده و هو ما اختاره الماتن (قده) من كفاية المرة الواحدة، و لا يعتبر التعدد للأوامر المطلقة في غسل النجاسات، و خصوص رواية العيص بن القاسم المتقدمة، فإنه أطلق الغسل فيها و يقتضى الواحدة لمكان الإطلاق و أصالة عدم التعدد و لا قائل بالفصل.

قوله قده مسألة 15: (غسالة الغسلة.)

و ذلك موافقة لأصلها إذا لا يزيد الفرع على أصله.

قوله قده (فصل): الماء المشكوك. إلخ)

ذكر (قده) في هذا الفصل مسائل ثلاث:

(الأولى) الماء المشكوك طهارته و نجاسته، و هو محكوم بالطهارة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 205

[ (مسألة 1) إذا اشتبه نجس أو مغصوب في محصور]

(مسألة 1) إذا اشتبه نجس (1) أو مغصوب في محصور كإناء في عشرة يجب الاجتناب عن الجميع، و ان اشتبه في غير المحصور كواحد في ألف مثلا لا يجب الاجتناب عن شي ء منه.

______________________________

لقاعدة الطهارة الجارية في كل مشكوك الطهارة و النجاسة إلا مع العلم بنجاسته سابقا فيحكم بنجاسته للاستصحاب.

(الثانية) الماء المشكوك إطلاقه و إضافته لا يجرى عليه حكم المطلق و لا المضاف لعدم أصل أو قاعدة محرز لأحدهما إلا مع سبق أحدى الحالتين له فتستصحب.

(الثالثة)

الماء المشكوك إباحته و يحكم عليه بها لاستصحاب إباحته الأصلية و لقاعدة الحلية الجارية في المشكوك الحلية و الحرمة، هذا إذا لم يكن مسبوقا بملكية الغير له، و إلا جرى استصحاب الملكية أو كونه في يد الغير فيحكم له بها لقاعدة اليد.

قوله قده مسألة 1: (إذا اشتبه نجس. إلخ)

انما يتم ما ذكره بناءا على منجزية العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة و اقتضائه وجوب الموافقة القطعية و حرمة المخالفة القطعية كما هو المختار، و اما بناءا على ما ذهب اليه بعضهم من عدم اقتضائه لذلك إذ لا يعلم الحرام منه بعينه مع اشتراطه فيه عنده تمسكا برواية مسعدة بن صدقة: كل شي ء لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك الى آخرها، و قوله عليه السّلام: كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه. فلا يتم ما ذكره و لا يجب الاجتناب عنهما و إن كانا محصورين فلتراجع المسألة مفصلا لمن أرادها في رسائل شيخنا المرتضى (ره) في مبحث أصل البراءة في الشبهة الموضوعية عند قوله (قدس سره) الموضع الثاني في الشك في المكلف به مع العلم بنوع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 206

[ (مسألة 2) لو اشتبه مضاف في محصور]

(مسألة 2) لو اشتبه مضاف (1) في محصور يجوز أن يكرر الوضوء أو الغسل الى عدد يعلم استعمال مطلق في ضمنه، فاذا كانا اثنين يتوضأ بهما و ان كانت ثلاثة أو أزيد يكفي التوضي باثنين إذا كان المضاف واحدا، و ان كان المضاف اثنين في الثلاثة يجب استعمال الكل، و ان كان اثنين في أربعة تكفي الثلاثة، و المعيار ان يزاد على عدد المضاف المعلوم بواحد، و ان اشتبه في غير

المحصور جاز استعمال كل منها، كما إذا كان المضاف واحدا في ألف، و المعيار ان لا يعد العلم الإجمالي علما و يجعل المضاف المشتبه بحكم العدم فلا يجري عليه حكم الشبهة البدوية أيضا و لكن الاحتياط أولى.

______________________________

التكليف. إلخ. هذا كله إذا كان محصورا، و اما إذا لم يكن محصورا كما مثل له (قده) بقوله كواحد في ألف مثلا فالذي يستقل به العقل و يقتضيه النظر عاجلا هو التفكيك بين آثاره فلا تجب موافقته القطعية باجتناب الجميع للعسر و الحرج الشديدين المنفيين آية و رواية، أو لعدم عد أهل العرف هذا العلم علما من هذه الجهة، و أما مخالفته القطعية بارتكاب الجميع فلا تجوز لعدم العسر و الحرج بذلك أو لاعتبار العلم من هذه الجهة عند أهل العرف فما حكم به (قده) من أنه لا يجب الاجتناب عن شي ء منه محل اشكال، بل اللازم عدم ارتكاب الجميع و لو بإبقاء واحد منه لئلا يقطع بالمخالفة المعلوم قبحها من غير موجب يقتضيها و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 2: (لو اشتبه مضاف. إلخ)

لا يخفى أن العملية المذكورة انما تكون جائزة بالمعنى الأخص المقابل للوجوب في صورة وجدانه لماء مطلق متميز غير مشتبه بغيره فيجوز له تركه الى الماء المشتبه بغيره مع العملية المذكورة و الاكتفاء بها، للقطع معها بأنه خرج عن العهدة و توضأ بماء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 207

[ (مسألة 3) إذا لم يكن عنده إلا ماء مشكوك إطلاقه]

(مسألة 3) إذا لم يكن عنده (1) إلا ماء مشكوك إطلاقه و إضافته و لم يتيقن انه كان في السابق مطلقا يتيمم للصلاة و نحوها و الأولى الجمع بين التيمم و الوضوء به.

[ (مسألة 4) إذا علم إجمالا ان هذا الماء اما نجس أو مضاف]

(مسألة 4) إذا علم إجمالا (2) ان هذا الماء اما نجس أو مضاف، يجوز شربه و لكن لا يجوز التوضي به، و كذا إذا علم انه اما مضاف أو مغصوب، و إذا علم

______________________________

مطلق كما لا يخفى، و أما لو انحصر ماؤه في المشتبه المذكور من غير تمييز و لم يوجد عنده سواه فيجب عليه العملية المذكورة لأنه واجد للماء و متمكن من استعماله، فالجواز في هذا الفرض بالمعنى الأعم الشامل للوجوب، هذا كله إذا اشتبه في محصور و اما لو اشتبه في غير محصور فهو كما لو اشتبه في محصور لا يجوز التوضي بأحدها من دون العملية المذكورة فحاله حال المحصور، و ما ذكره (قدس سره) من جواز التوضي بأحدها في غير المحصور من دون العملية المذكورة لعدم عد العلم علما مشكل جدا، فان كل طرف من أطراف غير المحصور مشكوك في إطلاقه و إضافته بالوجدان الذي هو أعظم برهان، و قد تقدم منه (قده) ان ما كان مشكوك كذلك و لا أصل في البين لا يصح التوضي به فالعلم الإجمالي بالمضاف بينها إن لم يفده قوة في الاحتياط و التجنب عنه فلا يكسوه ضعفا بان ينقصه عن مرتبة المشتبه ابتداء الغير المقرون بالعلم الإجمالي.

قوله قده مسألة 3: (إذا لم يكن عنده. إلخ)

إنما حكم بوجوب التيمم لاشتراط الإطلاق في ماء الوضوء، و لما كان هذا الماء مشكوكا فيه من هذه الجهة و لا حالة سابقة له فلا يجزى الوضوء به إذ الشغل

اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، نعم لما كان محتملا إطلاقه فالأولى الجمع بينه و بين التيمم.

قوله قده مسألة 4: (إذا علم إجمالا. إلخ)

تضمنت هذه المسألة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 208

انه اما نجس أو مغصوب فلا يجوز شربه أيضا كما لا يجوز التوضي به، و القول بأنه يجوز التوضي به ضعيف جدا.

______________________________

مسائل ثلاث: (الأولى) لو علم إجمالا أن هذا الماء أما نجس أو مضاف فحكم (قدس سره) بجواز شربه و عدم جواز التوضي به، اما جواز شربه فلعدم منجزية العلم الإجمالي بالنسبة إليه من هذه الجهة، إذ يشترط في منجزية العلم الإجمالي أن يكون ذا أثر على كل تقدير، و ما نحن فيه ليس كذلك فإنه على تقدير كونه مضافا لا يحرم شربه، و كونه نجسا غير معلوم لجواز ان يكون مضافا فلا يحرم شربه، و اما عدم جواز التوضي به فلمنجزيته و انه ذو أثر بالنسبة اليه على كل تقدير إذ لا يصح التوضي بالمضاف كما لا يصح التوضي بالنجس، و الأصول متعارضة فيه إذ أصالة الطهارة فيه معارضة بأصالة الإطلاق إن كانت حالته السابقة كذلك و العلم بانقلابه اما الى النجاسة أو الإضافة فيتساقطان فلا مصحح للوضوء به لاشتراط الطهارة و الإطلاق في مائه.

(الثانية) إذا علم انه اما مضاف أو مغصوب و الحكم فيه ما ذكر في الصورة الأولى من جواز شربه لعدم كونه ذا أثر على كل تقدير من هذه الجهة فليس بمنجز، و اما عدم جواز التوضي به لكونه ذا أثر من هذه الجهة على كل تقدير لما تقدم في سابقتها حذو النعل بالنعل.

(الثالثة) إذا علم انه أما نجس أو مغصوب فلا يجوز شربه كما لا يجوز التوضي به و

ذلك للعلم بعدم كفاية الوضوء بهذا الماء في الدخول بالصلاة لوجود المانع من الصحة فيه على كل تقدير لتردده بين النجاسة و الغصبية، و كل منهما مانع مع العلم بان الواقع لا يخلو من أحدهما و الأصول متعارضة في أطرافه و هو الميزان في منجزيته إذ لا ورود و لا حكومة فيتساقطان.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 209

..........

______________________________

و بيانه: أن أصالة الطهارة في الماء يعارضها أصالة الإباحة فيه مع العلم بكذب أحدهما فيتساقطان فلا محرز لطهارته مجوز لشربه أو التوضي به هذا وجه ما جزم به (قده) من منع استعماله و ضوءا و شربا، و أما ما نقله (قده) من القول بجواز التوضي به فلعل وجهه أن الغصبية إنما تؤثر في الحرمة التكليفية، و هي انما تمنع من التوضي به عند تنجزها لا بوجودها الواقعي، فإنه لم يؤخذ إباحة الماء شرطا في الوضوء كما أخذت طهارته شرطا فيه، نعم لو تنجزت الحرمة بأن كان الغصب معلوما بعينه فلا يصح الوضوء به لا لشرطية الإباحة في مائه، إذ لم يؤخذ ذلك في لسان دليله، بل لامتناع التقرب فيما هو منهي عنه، فما نحن فيه حيث لم يتنجز النهى لعدم العلم بالغصبية بعينها تكون النجاسة مشكوكة لجواز أن يكون غصبا واقعا غير منجز ظاهرا فتجري قاعدة الطهارة فيه بلا معارض فيصح الوضوء به، و لا يخفى ان هذا انما يتم بناءا على أن العلم الإجمالي علة تامة لوجوب الموافقة القطعية كما انه كذلك في حرمة المخالفة القطعية فحيث ما نحن فيه لا علم بالحرمة فلا منجزية و اما بناءا على انه مقتض لا علة، و انما المانع في مورده تعارض الأصول فيه فلا يتم ما

ذكره لما ذكرنا من تعارضها و تساقطها لتكاذبها، فلم يك هناك محرز لطهارة الماء ليصح الوضوء به، و بما ذكرنا في تقريب الوجه المذكور لصحة التوضي به تعرف النظر فيما ذكره بعض الأعلام (قده) في تقريبه، و لننقل عبارته بعينها ليتضح ما فيها و نعقبه بما لنا فيه من النظر، قال (قده) بعد ذكر قول المصنف و القول بأنه يجوز التوضي به ضعيف جدا.

(أقول) و وجهه ان النجاسة انما تؤثر في الجهة الوضعية و هي بطلان الوضوء به، و الغصبية انما تؤثر في الحرمة التكليفية فلا مانع من جريان أصالة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 210

..........

______________________________

الطهارة فيه، و لذا لا نحكم بنجاسة ما لاقاه و لا من جريان أصالة الإباحة فيه، و لذا يجوز استعماله في غير الوضوء كالتبرد، بل و ازالة النجاسة، و الحرمة التكليفية إنما تمنع من الوضوء به عند تنجزها لا بوجودها الواقعي، و حينئذ فلا مانع من الوضوء به و ان منعنا من شربه، لان كلا من النجاسة و الغصبية مؤثر في الحرمة التكليفية بالنسبة إلى الشرب، و منه يعلم حكم الفرض السابق و هو ما لو علم بأنه إما مضاف أو مغصوب و كانت حالته السابقة الإطلاق فإنه يجوز شربه و يجوز الوضوء به، و هذا و ان كان وجيها بمقتضى القواعد لكنه بعد لا يخلو من تأمل فلا ينبغي ترك الاحتياط فيه. انتهى كلامه.

و لنا فيه مواقع للنظر فان قوله (ره) (لا مانع من جريان قاعدة الطهارة فيه) فنقول المانع هو معارضتها بقاعدة الحل المعبر عنها بأصالة الإباحة لو قلنا بأن الأصل في شبهات الأموال هو الإباحة، نعم لو قلنا بأن الأصل في الأموال أيضا هو الاحتياط

لكانت قاعدة الطهارة جارية فيه كما سيأتي بيانه. (قوله) ره (و لذا لا نحكم بنجاسة ما لاقاه) فنقول: ليس منشأ عدم الحكم بنجاسة ملاقيه هو جريان قاعدة الطهارة في الملاقي- بالفتح- بل المنشأ فيه هو ان عدم إحراز نجاسة ذلك الملاقي- بالفتح- كاف في الحكم بطهارة الملاقي- بالكسر- استنادا إلى قاعدة الطهارة فيه و ان لم تجر في الملاقي- بالفتح- (قوله ره): (و لا من جريان أصالة الإباحة فيه) فنقول: قد عرفت المانع و هو المعارضة بين القاعدتين. (قوله ره): (و لذا يجوز استعماله في غير الوضوء كالتبرد بل و ازالة النجاسة) فنقول: ان قلنا بانقلاب الأصل في الأموال و لزوم الاحتياط فيها بالاجتناب جرت فيه أصالة الطهارة مع لزوم الاجتناب عن التصرف فيه لعدم المنافاة بينهما فلا يجوز استعماله في كل من التبريد و ازالة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 211

..........

______________________________

النجاسة و ان حصلت الطهارة من الخبث باستعماله في ذلك كما تحصل بالغسل في الطاهر المعلوم الغصبية، و ان لم نقل بالانقلاب المذكور و قلنا بأصالة الإباحة في شبهات الأموال جاز استعماله في التبرد استنادا إلى أصالة الإباحة لعدم معارض لها في هذا الأثر و هو التبرد بأصالة الطهارة لجواز التبرد بالنجس المعلوم النجاسة، و هذا بخلاف استعماله في إزالة النجاسة لمعارضتها فيه بأصالة الطهارة إذ ما لم يحرز طهارته لا يكون الغسل فيه رافعا لنجاسة المغسول، و حينئذ فيتعارض الأصلان فلا يبقى لنا ما يسوغ التصرف فيه بالغسل (قوله ره): (و منه يعلم حكم الفرض السابق و هو ما لو علم بأنه إما مضاف أو مغصوب و كانت حالته السابقة هي الإطلاق فإنه يجوز شربه و يجوز التوضي به. إلخ) فنقول:

لا يخفى انه لو كان الماء مسبوقا بالإطلاق و الإباحة و طرأت عليه حالة مرددة بين الانقلاب إلى الإضافة أو الانقلاب إلى الغصبية كان استصحاب إطلاقه معارضا باستصحاب إباحته فيتساقطان، و حينئذ فيجوز شربه لعدم إحراز غصبيته بناءا على عدم لزوم الاحتياط في شبهات الأموال و لكن لا يصح التوضي به لعدم إحراز إطلاقه و لو كان المسبوق به هو الإطلاق فقط دون الملكية و الإباحة بأن تردد هذا الماء المسبوق بالإطلاق بين طرو الإضافة عليه و كونه مملوكا لمن لم يأذن فيه فيكون مغصوبا من الآن أو من أول الأمر، بمعنى أن هذا الماء الذي كان مطلقا هو فعلا مردد بين طرو الإضافة عليه، أو كونه مغصوبا من أول الأمر لم يصح الوضوء به لعدم إحراز إطلاقه لسقوط استصحاب الإطلاق فيه بالمعارضة مع أصالة الإباحة فيه، هذا ان قلنا بأصالة الإباحة في موارد الشبهة في الأموال و كذا لو قلنا بأصالة الاحتياط فيها. فإنه و ان جرى فيه استصحاب الإطلاق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 212

..........

______________________________

إلا أن أصالة الاحتياط بالأموال حينئذ قاضية بلزوم الاجتناب عنه و عدم جواز استعماله في وضوء أو شرب، و ينبغي أن يعلم أنه لو اقتصر في توجيه هذا القول على مجرد ان النجاسة انما تؤثر في الجهة الوضعية و هي بطلان الوضوء، و الغصبية إنّما تؤثر في الحرمة التكليفية و هي انما تمنع من الوضوء به عند تنجزها لا بوجودها الواقعي، و المفروض انها في المقام غير منجزة لعدم العلم بها تفصيلا و هو واضح، و اما العلم الإجمالي المردد بينها و بين النجاسة فلا ينجزها لأنه ليس بعلم بتكليف على كل حال، بل هو علم مردد

بين التكليف و الوضع و هذا المقدار لا أثر له في التنجز و حينئذ يصح له الوضوء، و الصلاة في ذلك الوضوء لعدم علمه ببطلان وضوئه على كل حال، هذا مع الغض عن تعارض الأصول و تساقطها و إلا فأصالة الطهارة معارضة فيه بأصالة الإباحة فلا يمكن الوضوء منه لعدم إحراز شرطه و هو طهارة الماء، اللهم إلا أن يقال ان هذين الأصلين لا تعارض بينهما، لأن التعارض بين الأصول الغير الاحرازية الموجب لتساقطها منحصر بما أدى الجمع بينها إلى المخالفة القطعية لتكليف معلوم في البين، و ليس هذا المورد من ذلك، لأن الاعتماد على هذين الأصلين و الإقدام على الوضوء بذلك الماء لا يوجب القطع بمخالفة تكليف موجود في البين، غايته انه بعد الفراغ يعلم إجمالا إما ببطلان وضوئه أو ارتكاب التصرف بالمغصوب، و هذا العلم الإجمالي لا أثر له إلا إذا كان لتصرفه فيه أثر فعلى كضمان قيمته لصاحبه، فإنه حينئذ يعلم بأنه تكلف بأحد الأمرين من اعادة الوضوء أو دفع ثمن ذلك الماء لصاحبه، هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه هذا القول، و لكن لا يخفى ان الجمع بين هذين الأصلين و ان لم ينتهيا إلى المخالفة القطعية لتكليف معلوم في البين بالنسبة إلى خصوص هذا الأثر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 213

[ (مسألة 5) لو أريق أحد الإنائين المشتبهين من حيث النجاسة و الغصبية]

(مسألة 5) لو أريق أحد الإنائين (1) المشتبهين من حيث النجاسة و الغصبية لا يجوز التوضي بالآخر و ان زال العلم الإجمالي، و لو اربق أحد المشتبهين من حيث الإضافة لا يكفي الوضوء بالآخر بل الأحوط الجمع بينه و بين التيمم.

______________________________

أعنى الوضوء إلا أنهما ينتهيان الى ذلك بالنسبة إلى الآثار الأخر كالشرب مثلا و ذلك

كاف في تعارضهما و سقوطهما، إذ لا يعقل التفكيك بالقياس الى الآثار بحيث يكون الأصلان متعارضين متساقطين في بعضها و جاريين في البعض الآخر الذي يلزم منه المخالفة القطعية كما حقق ذلك في محله. و إلا كان اللازم عدم تعارض الأصول في مسألة الشبهة المحصورة بالنجاسة بين الإنائين بالنسبة إلى الوضوء و جاز للمكلف أن يتوضأ من أحدهما أو كل منهما مخالفة قطعية لتكليف معلوم في البين بالقياس الى هذا الأثر أعني الوضوء، إذ ليس في ذلك إلا الحكم الوضعي أعني البطلان، و لا دافع لذلك إلا ما عرفت من انهما و ان لم ينتهيا إلى المخالفة القطعية بالنسبة إلى الوضوء إلا أنهما ينتهيان إليها بالنسبة إلى الشرب، هذا و يبقى إشكال آخر على القول المذكور أعنى جواز الوضوء به و صحته، و هو انا و ان لم نحرز النهى و لكن نعلم بان هذا الماء اما فيه ملاك المبغوضية بناءا على انه غصب واقعا أو فاقدا لشرط التوضي به بناءا على نجاسته واقعا فالأولى بناءا عليه أن يضم التيمم الى الوضوء به إن لم يجد ماءا غيره مقدما للتيمم على الوضوء لاحتمال نجاسته و نجاسة الأعضاء باستعماله أولا و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 5: (لو أريق أحد الإنائين. إلخ)

وجه عدم جواز التوضي بالآخر و ان زال العلم الإجمالي في صورة ما لو كان أحدهما نجسا أو مغصوبا هو ما حرر في محله في الأصول من أن خروج أحد المشتبهين عن محل الابتلاء بعد تنجز العلم الإجمالي لا ينفع، إذ يحسن من المولى عقابه على

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 214

[ (مسألة 6) ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة]

(مسألة 6) ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة (1) لكن الأحوط

الاجتناب.

______________________________

فرض مصادفة بقاء ذلك الممنوع عنه و استعماله، هذا وجه عدم الجواز في المشتبهين من حيث النجاسة و الغصبية، و اما وجه عدم الجواز في المشتبهين من حيث الإضافة فأيضا للوجه الذي ذكرناه من أن الخروج عن محل الابتلاء غير مجد بعد التنجز مع ان الباقي يكون مشكوك الإطلاق و الإضافة، و قد تقدم ان ما كان كذلك لا يجوز التوضي به في الشبهة البدوية فضلا عما كان مقرونا بالعلم الإجمالي و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 6: (ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة. إلخ)

ظاهر إطلاقه (قده) طهارة الملاقي لأطراف الشبهة عدم الفرق بين صورها و هو محل إشكال فينبغي ذكر صور المسألة مع ما يقتضيه النظر في كل منها:

(الأولى) ما لو حدثت الملاقاة بعد العلم الإجمالي بنجاسة أحد الأطراف و كان الملاقي- بالفتح- موجودا في محل الابتلاء، و لا ريب و لا شبهة هنا في الحكم بطهارة الملاقي- بالكسر- لان الشك في طهارته و نجاسته مسبب عن الشك في طهارة الملاقي- بالفتح- و الأصل في الشك السببي مقدم على الأصل المسببي لأنه حاكم أو وارد، و المفروض أن الأصل في الحاكم أو الوارد ساقط بالمعارضة لجريانه في الطرف الآخر الذي هو طرفه و عدله لأنهما في عرض واحد و مرتبة واحدة، و حيث كان الحاكم أو الوارد ساقطا بالمعارضة كان الأصل في المحكوم أو المورود جاريا جزما و هو سليم عن المعارض.

(الثانية) ما لو حدث العلم الإجمالي بعد الملاقاة و كان الملاقي- بالفتح- موجودا في محل الابتلاء و فيه وجهان: (الأول) وجوب الاجتناب عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 215

..........

______________________________

الأطراف الثلاثة الملاقي و الملاقي و عدله و هو الذي اختاره أستاذ اساتيذنا

في كفايته بدعوى أنه يعلم إجمالا، إما بنجاسة الملاقي و الملاقي معا فقط، و اما بنجاسة عدله و طرفه فيتنجز التكليف بوجوب الاجتناب عن النجس الواقعي المعلوم في البين و هو الواحد أو الاثنان، و هما في عرض واحد و مرتبة واحدة فيسقط الأصل فيهما معا. و يجب الاجتناب عن كل منهما عقلا إرشادا مقدمة علمية، و دفعا للضرر المحتمل، و دفعا لاحتمال الانطباق على كل منهما في نفسه. (الثاني) من الوجهين وجوب الاجتناب عن الملاقي- بالفتح- و صاحبه و طرفه و عدله خاصة و الحكم بطهارة الملاقي- بالكسر- و هذا هو الأقرب بالنظر الدقيق بداهة أن الملاقي و الملاقي معا و ان كانا في عرض الطرف الآخر و في مرتبته إلا أن الشك في نجاسة الملاقي و طهارته مسبب عن الشك في نجاسة الملاقي- بالفتح- و طهارته إذ أن نجاسته من نجاسته و ناشئة عنه و متولدة منه، و الأصل فيه مقدم على الأصل فيه، و الأصل السببي معارض بالمثل لجريانه في صاحبه و طرفه و عدله فيتساقطان، و بعد سقوط الأصل السببي الوارد يبقى الأصل المسببي المورود جاريا سليما عن المعارض و هو استصحاب طهارة الملاقي- بالكسر- (أولا). و ان الأصل السببي مقدم على الأصل المسببي سواء كان وحده أم معه طرف آخر أجنبي عنه، لما عرفت من وحدة المناط و الملاك، ضرورة ان دليل الأصل إذا لم يمكن تناوله بعمومه للشك السببي و المسببي معا في عرض واحد و مرتبة واحدة لأنه ناشى ء عنه و جاء من ناحيته و مسبب عنه فهو متأخر عنه طبعا و مرتبة، ففي مرتبة حدوثه و تحققه الأصول متعارضة في أطرافه فرضا، و بعد تساقطها بالمعارضة يبقى

الأصل في الملاقي- بالكسر- جاريا بلا معارض لأنه لم يكن جاريا في ظرف

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 216

..........

______________________________

جريانه في الوارد عليه لما عرفت من تأخره عنه رتبة و طبعا. (ثانيا) و هذا في غاية البداهة و الوضوح.

(الثالثة) على نوعين (أحدهما) ما لو لاقى الطاهر كاليد أحد المشتبهين قبل العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما ثم تلف الملاقي- بالفتح- أو خرج عن محل الابتلاء بحيث لم يكن أثر شرعي فعلى لنجاسته لو كان هو النجس الواقعي المعلوم بالإجمال ثم حصل العلم الإجمالي بنجاسة المشتبه الباقي و المفقود بعد الملاقاة و الفقد، و الظاهر هنا وجوب الاجتناب عن المشتبه الباقي و عن الملاقي- بالكسر- ضرورة ان جميع الأصول المتصور جريانها في نفسها في الملاقي- بالكسر معارضة بالمثل لجريانها في المشتبه الباقي، لأنهما في عرض واحد و رتبة واحدة لعدم جريانها في المفقود حتى تعارض بالمثل في طرفه و عدله و هو الباقي كي تبقى في الملاقي- بالكسر- سليمة عن المعارض، و بعبارة اخرى أنه لا مؤمن من ارتكابه شرعا و عقلا، اما الأول: فلما عرفت من سقوط الأصول المؤمنة فيه بالمعارضة لأنها في عرض واحد و رتبة واحدة لعدم ورود أو حكومة، و اما الثاني: فليس سوى أصالة البراءة العقلية و هي كذلك على انها لا تنفع فيما يعتبر فيه الطهارة أو عدم النجاسة (ثانيهما) العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي- بالكسر- أو المشتبه الآخر الباقي و هذا العلم لا وجه لئلا يكون مؤثرا في تنجز وجوب الاجتناب عن النجس الواقعي المعلوم بينهما إجمالا. ضرورة وجود مناطه و ملاكه عقلا، و إذا وجب الاجتناب عنه شرعا و تنجز التكليف به عقلا لزم الاجتناب عن كل محتملاته و أطرافه

عقلا لوجوب المقدمة العلمية. أولا: و وجوب دفع الضرر المحتمل فان ارتكاب كل من الأطراف محتمل لذلك ثانيا، و لاحتمال انطباق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 217

..........

______________________________

المعلوم بالإجمال على كل واحد منها ثالثا، و لا مؤمن في البين لتعارض الأصول في الطرفين لما عرفت من كونها في عرض واحد و مرتبة واحدة بداهة عدم الورود و الحكومة لأحدهما على الآخر.

(الرابعة) ما لو حدثت الملاقاة بعد العلم الإجمالي بنجاسة أحد الطرفين لكن كان الملاقي- بالفتح- تالفا أو خارجا عن محل الابتلاء بعدهما بحيث لم يكن له أثر شرعي فعلى مصحح لجريان الأصل فيه و التعبد بطهارته، و الظاهر الحكم بطهارة الملاقي- بالكسر- و وجوب الاجتناب عن المشتبه الآخر الباقي فقط، و وجهه سلامة الأصول الجارية في الملاقي- بالكسر- عن المعارض، لان المفروض سبق العلم الإجمالي المنجز على الملاقاة و فقد الملاقي- بالفتح- أو تلفه، و حيث كان الأمر كذلك فالأصول المتصورة جارية في كل من التالف و الباقي و هي متعارضة لأنهما في عرض واحد و مرتبة واحدة فرضا، و بعد تعارضهما و تساقطهما تكون الأصول المزبورة جارية في الملاقي- بالكسر- بلا معارض، ضرورة جريان الأصل في المحكوم و المورود بعد سقوط الحاكم و الوارد، كما انه بعد الملاقاة و فقد الملاقي- الفتح- يبقى الأصل في المشتبه الباقي ساقطا على ما كان عليه قبلهما، لان الساقط لا يعود و لا يرجع فلا تكون معارضة لما في الملاقي- بالكسر- منها، و هذا هو مختار شيخ مشايخنا في رسائله (قده) و أستاذ اساتيذنا في حاشيته و كفايته (قده) و غير واحد من فضلاء عصرنا.

(الخامسة) ما لو لاقى الطاهر كاليد أحد المشتبهين المسبوقين بالنجاسة بعد أن طهر

أحدهما الغير المعين قبل الملاقاة، و الأقوى نجاسته لاستصحاب النجاسة في الملاقي- بالفتح- لأنه جار في نفسه لوجود أركانه و من آثاره

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 218

..........

______________________________

انفعال ملاقيه شرعا و هو سليم عن المعارض، فان جريانه في الطرف الآخر غير مناف له، ضرورة ان تعارض الأصول و تنافيها انما هو إذا لزم التكاذب و التنافي في نفس مؤداها و في الحكم الظاهري الذي يجي ء من قبلها و ينشأ من ناحيتها، و ما نحن فيه ليس كذلك بالضرورة، نعم هنا تعارض و تناف بين الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال و هو طهارة أحد الإنائين و بين الحكم الظاهري و هو نجاسة كل منهما ظاهرا و هو مدفوع في محله.

(السادسة) لو لاقى الطاهر كاليد أحد المشتبهين ثم لاقى الآخر بعد تطهيره فلا يبعد الحكم بنجاسة الملاقي لاستصحاب وجود النجس الكلى المردد بين معلوم البقاء و معلوم الارتفاع بعد تطهير أحدهما، كالحدث المردد بين الأصغر و الأكبر بعد الوضوء فإنه من القسم الثاني الذي هو حجة على الأصح (و دعوى) انه من جريان الأصل في الفرد المردد و هو فاسد عند أولى النظر (مدفوعة) بأنه ان أريد من الفرد المردد الشخص المردد فهو حسن، لكن نمنع كون ما نحن فيه منه كما لا يخفى، و ان أريد منه ما ليس بمعين عندنا و إن كان معينا مشخصا مميزا في الواقع و نفس الأمر نمنع عدم جريانه فيه لعدم الدليل عليه مع اقتضاء عموم الأدلة له أولا، و لانتقاضه باستصحاب الكلى ثانيا، و أثره نجاسة ملاقية مثلا، و من الواضح ان هذا الأثر مرتب على ما هو الأعم من الواقع و الظاهر، بداهة ان كل واحد من

النجس الواقعي و الظاهري ينجس ملاقيه شرعا، و من المعلوم أن مستصحب النجاسة ليس بثالث و إنما هو أحدهما، كما أن من الواضح ان الملاقي لهما معا ملاق لأحدهما الذي هو المستصحب و لا يلزم معرفته و تشخصه كما لا يخفى، و بالجملة نحن نعلم بعد جريان استصحاب كلي النجس ان الطاهر كاليد لاقى مستصحب النجاسة المعلوم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 219

..........

______________________________

بالإجمال بالضرورة لأنه ليس بثالث جزما و فرضا، و الملاقي لهما ملاق لأحدهما عقلا فينجس شرعا، و لا نريد ان نثبت كونه ملاقيا لغير ما علم تطهيره حتى يقال انه مثبت ليس بحجة فتأمل تعرف، هذا غاية ما يمكن أن يقال لوجوب الاجتناب عنه في هذه الصورة و ان كان بعد لا يخلو من اشكال فينبغي التأمل التام فيه، إذ ملاقاة أحدهما بدون ملاقاة الآخر الذي طهر بالفرض لم يكن موجبا لاجتناب الملاقي- بالكسر- و لا لنجاسته الظاهرية كما تقدم دليله مفصلا، فيبعد على هذا ان لو ضم إليه ملاقاة ما طهر منهما يكون موجبا للحكم بنجاسته.

(السابعة) لو علم بنجاسة يده أو الإناء الصغير مثلا ثم علم أن النجس الواقعي أما ذلك الإناء الصغير و اما إناء آخر كبير و ان يده على تقدير نجاستها فهي مسببة عن ملاقاة الإناء الآخر الكبير ليس إلا و كانت الكل في محل الابتلاء أو ذات أثر شرعي فعلى و فيه وجوه (أحدها) وجوب الاجتناب عن الأطراف الثلاثة عملا بكل من العلمين (الثاني) وجوب الاجتناب عن الطرفين الذين علم أولا بنجاسة أحدهما إجمالا و هما اليد و الإناء الصغير و الحكم بطهارة الإناء الكبير (الثالث) وجوب الاجتناب عن الطرفين في العلم الإجمالي الثاني فقط و

هما الإناء أن الصغير و الكبير و الحكم بطهارة الملاقي- بالكسر- و هو اليد في المثال، لتبين ان علمه الأول كان جهلا مركبا و حدوث أصل وارد على الحكم بنجاسة الملاقي- بالكسر- اعنى به استصحاب الطهارة في الملاقي- بالفتح- و هو الإناء الكبير لجريانه فيه حينئذ، و هو معارض بالمثل لجريانه في الإناء الآخر الصغير بعد حدوث هذا العلم الثاني لأنه صاحبه و طرفه فيه إذ هو شي ء مشكوك في بقاء طهارته و ارتفاعها، و هما في عرض

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 220

[ (مسألة 7) إذا انحصر الماء في المشتبهين تعين التيمم]

(مسألة 7) إذا انحصر الماء في المشتبهين تعين التيمم (1)، و هل يجب إراقتهما أولا؟ الأحوط ذلك، و ان كان الأقوى العدم.

______________________________

واحد و رتبة واحدة فيتساقطان و يبقى الأصل المسببي المورود و هو استصحاب الطهارة في الملاقي- بالكسر- جاريا سليما عن المعارض بعد سقوط الوارد بالمعارضة، هذا ما أمكن بيانه من فروع هذه المسألة على وجه السرعة و العجلة و اللّه العالم بحقيقة أحكامه.

قوله قده مسألة 7: (إذا انحصر الماء في المشتبهين تعين التيمم. إلخ)

تمام البحث في المقام يتم برسم مسائل:

المسألة الأولى: في وجوب الامتناع عن الإنائين المشتبهين، و يدل عليه بعد استقلال العقل بلزوم الموافقة القطعية للأوامر الشرعية كحرمة المخالفة القطعية، و الإجماع المحكى في الخلاف، و الغنية، و المعتبر، و التذكرة، و نهاية الأحكام، و المختلف، و كشف اللثام، و المدارك، و ظاهر السرائر:

(ما رواه) الشيخ في التهذيب عن عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدرى أيهما هو و ليس يقدر على ماء غيره؟ قال: يهرقهما جميعا و يتيمم، (و

ما رواه) عن سماعة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدرى أيهما هو و ليس يقدر على ماء غيره، قال يهريقهما و يتيمم (و في الفقه) المنسوب الى الرضا عليه السّلام و إن كان إناءان وقع في أحدهما ما ينجس الماء و لم يعلم في أيهما وقع فليهرقهما جميعا و يتيمم، فإنها كما ترى صريحة في المنع، و ضعف سند الروايتين مجبور بالعمل و بالإجماع الذي سمعت.

المسألة الثانية: في وجوب الإراقة و هو كما سمعت ظاهر النص بل صريحه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 221

..........

______________________________

لأن الأمر للوجوب، و حكى ذلك عن الصدوقين و الشيخين في المقنعة و النهاية و جزم المحقق (ره) في الشرائع و المعتبر، و ابن إدريس في السرائر، و العلامة في المختلف و المنتهى و القواعد و التحرير، و الشهيدان في الذكرى و الروض، و صاحب المعالم و كشف اللثام و غيرهم في غيرها بالعدم و هو مذهب أكثر المتأخرين كما عن الدلائل و هو المعتمد، و ليس الأمر في الخبرين إلا تفخيما بحكم النجاسة و تعظيما لها نظير (ما روى) عن أبي الحسن عليه السّلام عن الرجل يدخل يده في الإناء و هي قذرة قال: يكفى الإناء. (و ما ورد) عن الصادق عليه السّلام قال: سألته عن الجنب يحمل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه، قال:

ان كانت يده قذرة فليهرقه، (و ما رواه) سماعة عنهم (ع) و إن كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفيه فليهرق الماء كله، و نحوها فإن الأمر في هذه و أمثالها ليس إلا تفخيما للنجاسة و تعظيما

لها، و انه لا يصح الانتفاع بها من شرب و وضوء و نحوها، فلتحمل الإراقة في الخبرين و كلام الصدوقين و الشيخين على هذا. فمن ثمّ قال الفاضل في كشف اللثام فلتحمل الإراقة في الخبر على الامتناع من الاستعمال أو الاحتياط بالإراقة لئلا يسهو أو يغفل فيستعمل انتهى و هو حسن جدا، و قال في المعتبر: و قيل وجوب الإراقة ليصح التيمم لأنه مشروط بعدم الماء، و هو تأويل ضعيف. لأن وجود الماء الممنوع من استعماله لا يمنع التيمم كالمغصوب، و ما يمنع من استعماله مرض أو عدو و منع الشارع أقوى الموانع انتهى، و هو حسن جيد، فمن ثمّ تحرم الإراقة لو خاف العطش كما صرح به ابن إدريس في السرائر و المحقق و العلامة في المعتبر و المنتهى، و في الذكرى و البيان و لا يتحرى إلا في الشرب الضروري.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 222

[ (مسألة 8) إذا كان إناءان أحدهما المعين نجس و الآخر طاهر]

(مسألة 8) إذا كان إناءان أحدهما المعين نجس و الآخر طاهر فاريق أحدهما و لم يعلم أنه أيّهما فالباقي محكوم بالطهارة، و هذا بخلاف ما لو كانا مشتبهين (1) و أريق أحدهما فإنه يجب الاجتناب عن الباقي، و الفرق ان الشبهة في هذه الصورة بالنسبة إلى الباقي بدوية بخلاف الصورة الثانية فإن الماء الباقي كان طرفا للشبهة من الأول و قد حكم عليه بوجوب الاجتناب.

______________________________

المسألة الثالثة: مقتضى إطلاق النص و معاقد الإجماعات و كلمات الأصحاب وجوب التيمم إذا لم يتمكن من ماء معلوم الطهارة للأمر بالتيمم في الخبرين كما سمعت، سواء قلنا بجرمة الطهارة بالنجس حرمة ذاتية الذي لا تأمل معه في وجوب التيمم مطلقا، أم قلنا بأن حرمتها تشريعية لا ذاتية كما هو الظاهر

الذي مقتضاه وجوب الطهارة بهما مع الإمكان كالمشتبه بالمضاف، فيجب عليه الاحتياط بأن يتوضأ بأحدهما و يصلى عقيبه، ثم يتوضأ بالماء الآخر بعد غسله ما أصابه الماء الأول بالثاني فيصلي صلاة أخرى احتياطا، فيقطع بذلك بصدور صلاة مقترنة بالطهارة الواقعية عن الحدث و الخبث، كل ذلك يدفعه إطلاق النص، فتخصيصه بما إذا لم يمكن العملية المذكورة بأن يتوضأ بأحدهما و يصلى عقيبه الى آخر ما ذكر بلا مخصص، و لا يخفى حسن الاحتياط الذي هو سبيل النجاة.

قوله قده مسألة 8: (إذا كان إناء ان أحدهما المعين نجس و الآخر طاهر فاريق أحدهما و لم يعلم أنه أيهما، فالباقي محكوم بالطهارة، و هذا بخلاف ما لو كانا مشتبهين. إلخ)

نعم الحكم على ما ذكره (قده) في المسألتين لما ذكره من الوجه فيهما، إذ لو كانا متميزين الطاهر من النجس و أريق أحدهما و لم يعلم أنه أيهما فيكون الباقي مشكوكا ابتداء، انه هو الطاهر أو النجس فتجري فيه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 223

[ (مسألة 9) إذا كان هناك إناء لا يعلم أنه لزيد أو لعمرو]

(مسألة 9) إذا كان هناك إناء لا يعلم أنه لزيد أو لعمرو و المفروض أنه مأذون من قبل زيد فقط (1) في التصرف في ماله لا يجوز له استعماله، و كذا إذا علم أنه لزيد مثلا لكن لا يعلم انه مأذون من قبله أو من قبل عمرو.

______________________________

قاعدة الطهارة بلا معارض.

و اما لو كانا مشتبهين قبل الإراقة و تنجز في حقه اجتناب النجس منهما، فلا بد من ترك جميع المحتملات، تحصيلا للقطع بالفراغ عن عهدة التكليف، و مجرد إراقة بعض الأطراف و خروجه عن مورد الابتلاء لا ينفع في رفع اليد عن التكليف المنجز، لا لاستصحاب وجوب الاجتناب كما توهم، بل لحكومة

العقل بوجوب الاجتناب بعد الإراقة كحكمه به قبلها، ضرورة أن المناط في حكم العقل بوجوب الاجتناب عن كل من الأطراف بعد العلم بأصل الخطاب، إنما هو احتمال كون كل طرف على سبيل البدل هو النجس المعلوم، و هذا المناط موجود بعد الإراقة أيضا بالنسبة إلى الطرف الباقي، و انما المرتفع هو نفس العلم، لا أثره. و كيف لا، و إلا لجاز ارتكاب أطراف الشبهة بإراقة مقدار الحرام اختيارا، مع أن من المعلوم بديهة عدم مدخلية اراقة البعض في جواز ارتكاب الباقي، و عدم الفرق بين الإراقة، أو العزم على ترك الارتكاب، و قد تبين في محله عدم جواز الارتكاب في الصورة الثانية فكذا الأولى.

قوله قده مسألة 9: (إذا كان هناك إناء لا يعلم أنه لزيد أو لعمرو، و المفروض أنه مأذون من قبل زيد فقط. إلخ)

حاصل ما ذكره (قده) في هذه المسألة: هو أن التصرف في مال الغير موقوف على أمرين و هما:

الاذن من مالكه، و تمييز المال المأذون فيه عن غيره، و فيما نحن فيه من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 224

[ (مسألة 10) في المائين المشتهبين إذا توضأ بأحدهما أو اغتسل و غسل بدنه من الآخر]

(مسألة 10) في المائين المشتهبين إذا توضأ بأحدهما أو اغتسل و غسل بدنه من الآخر ثم توضأ به أو اغتسل (1) صح وضوؤه أو غسله على الأقوى لكن الأحوط ترك هذا النحو مع وجدان ماء معلوم الطهارة و مع الانحصار الأحوط ضم التيمم أيضا.

______________________________

الصورتين المفروضتين قد فقد المأذون في كل واحدة من الصورتين أحد الشرطين.

أما الصورة الأولى التي أحرز الإذن فيها من المالك، و هو أحد الشرطين و لكنه فقد الشرط الآخر و هو تمييز مال زيد عن مال عمرو.

و أما الصورة الثانية: التي ميز فيها مال زيد عن مال

عمرو، و لكنه لم يعلم الآذن انه هو زيد أو عمرو، فلهذا لم يجز التصرف في المال في كلتى الصورتين.

قوله قده مسألة 10: (في المائين المشتبهين إذا توضأ من أحدهما، أو اغتسل و غسل بدنه من الآخر ثم توضأ به، أو اغتسل. إلخ)

لا يخفى عدم الفرق بين هذه المسألة و المسألة السابعة من الفصل الذي نحن فيه، و انهما يستقيان من قليب واحد، سوى فرض تلك فيما لو انحصر الماء في المشتبهين، و فرض هذه في الأعم منه و من وجود ماء معلوم الطهارة، و قد تقدم بعض صور المسألة السابقة عند تحريرها، و هو ما لو صلى بعد كل واحدة من الطهارتين صلاة، و ذكرنا ما عندنا من الوجه فيه.

و أما ما ذكره المصنف (قده) هنا من اقوائية صحة الصلاة الواحدة الواقعة بعد الوضوئين أو الغسلين بالمائين المشتبهين، فمحل إشكال، فإنه و ان قطع بصحة وضوئه أو غسله مع العملية المذكورة، إلا انه صلى بنجاسة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 225

..........

______________________________

مستصحبة، لأن بدنه الطاهر تنجس بأحد المائين قطعا، و لا يعلم زوال تلك النجاسة إلا على فرض أن المستعمل أخيرا هو الطاهر، و ذلك غير محرز فالاستصحاب قاضٍ ببقاء النجاسة الحادثة المعلومة، و لا دليل على ان الصلاة مع النجاسة الخبثية المستصحبة بإجراء العملية المذكورة مقدم على الصلاة مع النجاسة الحدثية التي لها بدل و هو التيمم مع ما يلزمه من إلغاء قوله عليه السّلام:

اهرقهما و تيمم، مع احتمال كون الطهارة بالنجس حراما ذاتيا لا تشريعيا، و هذه الوجوه هي منشأ الاحتياط المذكور من ضم التيمم في قبال ما قواه (قده) من اجزاء العملية المذكورة.

و فيه أولا: بعد ما عرفت من عدم

الفرق بين هذه المسألة و المسألة السابعة: قد اختلف حكمه (قده) فيهما على ما بينهما من قرب المسافة، إذ قد اختار في المسألة السابعة و هي ما إذا انحصر الماء في المشتبهين، تعين التيمم، و اختار هنا صحة الصلاة مع العملية المذكورة، و قواها خصوصا مع الانحصار الذي هو عين المسألة السابقة لقوله: لكن الأحوط ترك هذا النحو مع وجدان ماء معلوم الطهارة، فيدل على عدم الريب في صحة وضوئه و غسله بإجراء العملية المذكورة مع النحصار، فيباين هذا ما ذكره في المسألة السابقة من تعين التيمم في مسألة النحصار تباينا كليا.

و ثانيا: انى لا أعرف معنى محصلا لقوله (قده): و مع الانحصار الأحوط ضم التيمم أيضا. و ذلك أن الأمر لا يخلو من ضمه، اما إيقاعه قبل العملية المذكورة أو بعدها، فان ضم إليها بأن أوقع قبلها فينا في ما تقدم منه في المسألة السابقة: من أن الأحوط إراقتهما قبل التيمم. كما يساعد على ذلك ظاهر الأخبار المتقدمة، هذا مع أنه مخالفة لما تقدم نقله عن المعتبر عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 226

[ (مسألة 11) إذا كان هناك ماءان توضأ بأحدهما أو اغتسل]

(مسألة 11) إذا كان هناك ماءان توضأ بأحدهما أو اغتسل و بعد الفراغ حصل له العلم بأن أحدهما كان نجسا و لا يدري أنه هو الذي توضأ به أو غيره ففي صحة وضوئه أو غسله إشكال إذ جريان قاعدة الفراغ هنا محل إشكال، و اما إذا علم بنجاسة أحدهما المعين و طهارة الآخر فتوضأ و بعد الفراغ شك في أنه توضأ من الطاهر أو من النجس فالظاهر صحة وضوئه (1) لقاعدة الفراغ، نعم لو علم أنه كان حين التوضي غافلا عن نجاسة أحدهما يشكل جريانها.

______________________________

بعضهم من أن وجوب

الإراقة ليصح التيمم لأنه مشروط بعدم الماء، مع انه يرد عليه جميع ما أوردناه على العملية المذكورة من لزوم إيقاع الصلاة بنجاسة مستصحبة، مع احتمال أن تكون الطهارة بالنجس حراما ذاتيا لا تشريعيا.

و إن ضم إليها بأن أوقع بعدها فيرد عليه أيضا جميع ما أوردناه على ما تقدم مع زيادة تنجيس أعضاء تيممه بنجاسة مستصحبة.

قوله قده مسألة 11: (إذا كان هناك ماءان توضأ بأحدهما، أو اغتسل، و بعد الفراغ حصل له العلم بأن أحدهما كان نجسا، و لا يدرى انه هو الذي توضأ به أو غيره، ففي صحة وضوئه أو غسله إشكال، إذ جريان قاعدة الفراغ هنا محل اشكال، و اما إذا علم بنجاسة أحدهما المعين و طهارة الآخر، فتوضأ و بعد الفراغ شك في انه توضأ من الطاهر أو من النجس، فالظاهر صحة وضوئه. إلخ)

وجه الإشكال في جريان قاعدة الفراغ فيما ذكره من الفرض هو عدم جريان التعليل المذكور في الرواية و هو كونه اذكر فيه، لفرض حصول العلم له بنجاسة أحدهما بعد الفراغ، و بعبارة أخرى يشترط في إلغاء الشك في قاعدة الفراغ و عدم الاعتناء به أن لا يكون الشك ساريا الى حين العمل، بحيث لو كان ملتفتا حينه لكان شاكا أيضا، بل يعتبر أن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 227

[ (مسألة 12) إذا استعمل أحد المشتبهين بالغصبية]

(مسألة 12) إذا استعمل أحد المشتبهين بالغصبية لا يحكم عليه بالضمان إلا بعد تبين أن المستعمل هو المغصوب. (1)

[فصل سؤر نجس العين]

فصل سؤر نجس العين كالكلب و الخنزير و الكافر نجس (2)، و سؤر طاهر العين

______________________________

يكون الشك طارئا بعده.

هذا بخلاف الفرع الآخر المذكور في نفس المسألة و هو ما إذا علم بنجاسة أحدهما المعين و طهارة الآخر، فتوضأ و بعد الفراغ شك في انه توضأ من الطاهر أو من النجس؟ ففي هذه هذه الصورة يجري التعليل المذكور في انه حال وضوئه أذكر منه حين يشك، إذ الظاهر من حال الفاعل المريد لتفريغ ذمته، العالم بطهارة أحد الإنائين و نجاسة الآخر، مع جريان أصالة عدم الغفلة فيه أن لا يتوضأ من النجس، نعم لو علم انه كان حين التوضي غافلا عن نجاسة أحدهما كان الشك ساريا الى وقت العمل، فيكون حاله الفرض الأول في عدم جريان قاعدة الفراغ فيه أيضا.

قوله قده مسألة 12: (إذا استعمل أحد المشتبهين بالغصبية، لا يحكم عليه بالضمان إلا بعد تبين أن المستعمل هو المغصوب ا ه)

و ذلك للشك في اشتغال ذمته بالضمان بعد ما كانت خلية و بريئة، لعدم العلم بان المستعمل هو المغصوب، مع استصحاب الفراغ.

قوله قده: (فصل: سؤر نجس العين كالكلب و الخنزير و الكافر نجس. إلخ)

استيفاء البحث في هذا الفصل يتم برسم مقدمة و مسائل.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 228

طاهر و إن كان حرام اللحم أو كان من المسوخ أو كان جلالا، نعم يكره سؤر حرام اللحم ما عدا المؤمن بل و الهرة على قول، و كذا يكره سؤر مكروه اللحم كالخيل و البغال و الحمير و كذا سؤر الحائض المتهمة بل مطلق المتهم.

______________________________

أما المقدمة: فالسؤر لغة:

البقية، و الفضلة كما في القاموس، و في الصحاح: ما يبقى بعد الشرب. و قال بعضهم السؤر: ما فضل من شرب الحيوان. و قال آخرون: هو البقية من كل شي ء. و على كل حال فالقلة مفهومة أيضا، فلا يقال لما يبقى في النهر أو الحياض الكبار إذا شرب منها.

و أما الفقهاء فعرّفوه بتعاريف منها: ما عرفه به الشهيدان في (الذكرى، و الروض، و المسالك، و الروضة) بأنه ماء قليل باشره جسم حيوان، و في (السرائر) ما شرب منه الحيوان، و بمعناه رواية، و لعله اصطلاح. انتهى.

و هو الظاهر من بعض الأخبار (منها) ما رواه العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن سؤر الحائض فقال: لا تتوضأ منه و توضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة، ثم تغسل يديها قبل أن تدخلهما الإناء، و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يغتسل هو و عائشة من إناء واحد، يغتسلان جميعا.

(و ما رواه) عن ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أ يتوضأ الرجل من فضل المرأة؟ قال: إذا كانت تعرف الوضوء، و لا تتوضأ من سؤر الحائض.

و هما كما ترى صريحتان بإرادة المباشرة مطلقا كما لا يخفى. (بل) لا يبعد إطلاقه على فضلة الجوامد (للصحيح) عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: في كتاب على عليه السّلام: ان الهرة سبع، و لا بأس بسؤره، و انى لاستحى من اللّه أن أدع طعاما لأن الهر أكل منه. الحديث، و هو كما ترى صريح بإطلاق السؤر على مباشرة الطعام، و الغالب فيه أن يكون جامدا، بل ليس إلا الجامد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 229

..........

______________________________

لأن الظاهر

من الطعام الخبز و نحوه، و ان قلنا بأنه يصدق على كل ما يسمى طعاما فلا شك أن من أفراده الجامد، و كفى.

و أما المسائل: (فالأولى) في نجاسة سؤر نجس العين و هو الكلب و الخنزير و الكافر، و طهارة ما عداه. وفاقا للشيخ في الخلاف، و المرتضى كما عن المصباح، و العلامة، و الشهيدين، و المحقق الثاني، و المقدس الأردبيلي، و الفاضل الأصبهاني، و الخراساني. و هو الأشهر كما في (التذكرة) و المشهور كما في (المنتهى) و عليه عامة المتأخرين كما في (المدارك) و جمهورهم كما في (الذخيرة) بل في (الغنية) الإجماع عليه، خلافا للشيخ في (المبسوط) كما عن (المهذب) فمنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه من حيوان الحضر غير الآدمي و الطيور إلا ما يمكن التحرز عنه كالهرة و الفارة و الحية، و في (التهذيب) لم يفرق بين حضر الحيوان و برّه، مستثنيا من ذلك الطيور و السنور كما في الاستبصار إلا انه أبدل السنور بالفارة، و قال فيه بعد إيراد رواية أبي جعفر عليه السّلام القائلة: لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن تشرب منه و تتوضأ منه، الوجه فيه: أنه مخصوص من بين ما لا يؤكل لحمه من حيث لا يمكن التحرز عن الفارة. و يشق ذلك على الإنسان، فعفى لأجل ذلك عن سؤره. انتهى و قال ابن إدريس: و غير مأكول اللحم من الحيوان الحضري مما أمكن التحرز عنه فسؤره نجس، و ما لا يمكن التحرز عنه فسؤره طاهر.

(و المعتمد) الأول، لما سمعت من الشهرة بل الإجماع (و لما رواه) في الصحيح عن البقباق قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فضل الهرة و الشاة و

الإبل و البقر و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع، فلم أترك شيئا إلا سألته عنه فقال: لا بأس به حتى انتهيت الى الكلب فقال: رجس نجس،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 230

..........

______________________________

لا تتوضأ بفضله و أصبب ذلك الماء، و اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء.

(و ما رواه) معاوية بن شريح قال: سأل عذافر أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا عنده عن سؤر السنور و الشاة و البقر و البعير و الحمار و الفرس و البغال و السباع يشرب منه؟ أو يتوضأ منه؟ فقال: نعم أشرب منه و توضأ، قال قلت له: الكلب؟

قال: لا، قلت: أ ليس هو سبع!؟ قال: لا و اللّه انه نجس، لا و اللّه انه نجس.

(و ما رواه) معاوية بن ميسرة مثله، (و موثقة) أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ليس بسؤر السنور بأس أن يتوضأ منه و يشرب، و لا تشرب سؤر الكلب. (و موثقة) معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الهرة انها من أهل البيت و توضأ من سؤرها. (و صحيح) (أبى الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام كان على عليه السّلام: لا يدع فضل السنور أن يتوضأ منه، إنما هي سبع. (و موثقة) سماعة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أن عليا عليه السّلام قال: انما هي من أهل البيت، و يتوضأ من سؤرها. (و صحيح) زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: في كتاب على عليه السّلام:

إن الهرة سبع، و لا بأس بسؤره، و انى لأستحي من اللّه ان أدع طعاما لان الهر أكل منه. (و ما رواه) أبو بصير عن أبى

عبد اللّه عليه السّلام قال: فضل الحمامة و الدجاج لا بأس به و الطير. (و ما رواه) عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عما تشرب منه الحمامة؟ قال: ما أكل لحمه فتوضأ من سؤره و أشرب. و عن ماء يشرب منه باز أو صقر أو عقاب؟ فقال: كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه، إلا أن ترى في منقاره دما، فإن رأيت في منقاره دما، فلا تتوضأ منه و لا تشرب. (فإنها) كما ترى ما بين مصرح بطهارة جميع الأسئار كما صرحت به الرواية الأولى، و ما بين مصرح بالبعض كما دلت عليه أخرى، الشاملة لما يؤكل لحمه و ما لم يؤكل قطعا فتأمل جدا.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 231

..........

______________________________

(احتج) الشيخ للمنع من استعمال سؤر ما لا يؤكل لحمه (بما رواه) عمار ابن موسى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عما تشرب منه الحمامة؟ فقال:

كلما أكل لحمه توضأ من سؤره و أشرب. فإن مفهومها يدل على ان ما لا يؤكل لحمه لا يجوز التوضي من سؤره و لا الشرب قطعا. إلا انها معارضة بما هو أقوى منها، و أصح سندا من نحو صحيحة البقباق المؤيدة بأصل إباحة الطهارة عموما و خصوصا، مضافا الى ان الخبر إنما اشتمل على السؤال عن الحمام فقط فيكون الجواب عن الحمام فقط، إلا انه قد سبق ان العبرة بعموم الجواب، و حينئذ فليس لنا إلا معارضته بالأخبار السابقة القائلة لا بأس بسؤر الطير الشاملة للكل كما قدمناه، و أيضا فالخبر قد دل على المنع من سؤر كل ما لا يؤكل لحمه، فتخصيصه له بالحضري دون البري من دون دليل،

لا معنى له أصلا و رأسا، و لئن سلمنا التخصيص فلعله أراد بيان حكم القسم المحرم من نحو الكلب و الخنزير، لصدق رفع الإيجاب الكلي مع السلب الجزئي، و حينئذ فيكون المراد به أن بعض ما لا يؤكل لحمه ليس بطاهر، و هو الكلب و الخنزير و به يتم المطلوب فتأمل جدا. مضافا الى أن مفهوم الوصف لا يخلو من مناقشة عند الأصوليين، و انما استثنى في الاستبصار الفارة و الباز و الصقر لخصوص الروايات التي سمعت. (و لما رواه) إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أن أبا جعفر عليه السّلام كان يقول: لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن يشرب منه و يتوضأ.

و مما ذكرنا يعلم الحكم في نجاسة الكلب، و اما الخنزير فلما (رواه) الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه (ع) قال: و سألته عن خنزير شرب من الإناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرات. مضافا الى الإجماع.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 232

..........

______________________________

و أما الكافر: فلا خلاف في نجاسته عدا اليهودي و النصراني الذي سيجي ء بيانه و الحكم فيه إن شاء اللّه.

ثم ان الظاهر من نفى البأس عن سؤر السنور و السباع الحكم بطهارته بمجرد زوال النجاسة إذ هي غالبا لا تنفك عن أكل النجاسات من نحو الفارة و نحوها، فنفى البأس عن سؤرها مطلقا شامل لهذا قطعا، فتقيده بما إذا لم يكن آكلا لفارة و نحوها نادر جدا، و منه يلزم صرف اللفظ الى الأفراد النادرة، أو تأخير البيان عن وقت الحاجة، و كلاهما ممتنعان عقلا، فطهارته بمجرد زوال العين هو الأولى بل لا يبعد استفادة ذلك من الأخبار كما

لا يخفى و به صرح المحقق في المعتبر، و العلامة في التذكرة و المنتهى، قائلين ان الهرة إذا أكلت ميتا ثم شربت من الماء القليل لم ينجس سواء غاب أم لا.

(و المعتمد) الطهارة وفاقا للمشهور للأصل المقرر بوجوه (منها) أصالة الطهارة، و أصالة البراءة، مع أصالة الإباحة، و أصالة عدم التكليف، و العمومات القاضية بالطهارة عموما و خصوصا من نحو قوله عليه السّلام: انى لأستحي من اللّه تعالى أن ادع طعاما لأن الهر أكل منه. و قوله عليه السّلام: لا تدع فضل السنور أن تتوضأ منه، إنما هو سبع. فإنها كما ترى شاملة لما كان آكلا لفارة أم لا، لترك الاستفصال، و النهى عن ترك فضلها، و هو لا شك يقضى باستعماله مطلقا، مضافا الى قوله عليه السّلام بعد السؤال عن دجاجة شربت من ماء إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه، و إن كان لم يعلم أن في منقارها قذر يتوضأ و يشرب. و نحوه حديث الباز و الصقر، و هما قاضيان بالعموم أيضا.

(احتج) القائل بالنجاسة بالاستصحاب، و قد علمت انه مقطوع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 233

..........

______________________________

بالأخبار التي ذكرنا، و أما توقفه على الغيبة فمنفي بلزوم العسر و الحرج و عدم الدليل على ذلك، فليس إلا أصل الطهارة و كفى.

(و الحق) بعض المتأخرين بالهر كل حيوان عدا الآدمي، بشرط زوال العين و هو حسن لما قاله السيد في المدرك من الأصل و عدم ثبوت التعبد بالغسل و حينئذ فلا يعتبر الغيبة كما قدمنا و اللّه العالم.

و اما الآدمي: فهل يحكم بطهارته بمجرد غيبته زمانا يمكن فيه زوال النجاسة؟ أو لا بد من تلبسه بما هو مشروط بالطهارة عنده؟ أو الى

أن يعلم زوال النجاسة؟ أقوال أقواها: التفصيل بين ما لو كان عالما بالنجاسة، فالثاني لقولهم (ع) ضع أمر أخيك على أحسنه، و بين ما لم يكن عالما فالثالث استصحابا للنجاسة الثابتة حتى يعلم المزيل و اللّه العالم.

(المسألة الثانية) في كراهة سؤر حرام اللحم ما عدا المؤمن فهو الذي يقتضيه الجمع بين الروايات السابقة الصريحة في طهارة سؤر كل حيوان أكل لحمه أو لم يؤكل ما عدا الكلب و الخنزير و الكافر. مثل (صحيح) البقباق المتقدم (و ما رواه) معاوية بن شريح (و ما رواه) معاوية بن ميسرة (و موثقة) معاوية بن عمار (و موثقة أبي بصير) و (صحيح) ابى الصباح و (موثقة) سماعة و (صحيح) زرارة و (رواية) أبي بصير و (رواية) عمار بن موسى المتقدمة النقل جميعا، و بين أخبار النجاسة منها: (صحيحة) على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت على الماء تمشي على الثياب أ يصلى فيها؟ قال: أغسل ما رأيت من أثرها، و ما لم تره فانضحه بالماء، و (بصحيحته) الأخرى أيضا عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن الفارة و الكلب إذا أكلا من الخبز أو شماه أ يؤكل؟ قال: يترك ما شماه و يؤكل ما بقي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 234

..........

______________________________

(و عن) قرب الإسناد بإسناده عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال:

سألته عن الفارة و الكلب إذا أكلا من الخبز و شبهه أ يحل أكله؟ قال: يطرح منه ما أكل و يؤكل الباقي، و (مرسلة) يونس عن بعض أصحابه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته هل يجوز أن يمس الثعلب و الأرنب أو

شيئا من السباع حيا أو ميتا؟ قال: لا يضره، و لكن يغسل يده، و (خبر) عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: سئل عن الكلب و الفأرة إذا أكلا من الخبز و شبهه قال: يطرح منه و يؤكل الباقي، و عن العظاية تقع في للبن قال: يحرم اللبن، و قال: ان فيها السم، و (صحيحة) معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفارة و الوزغة تقع في البئر قال: ينزح منها ثلاث دلاء. و عن (الفقه الرضوي) قال: ان وقع في الماء وزغ أهريق ذلك الماء، و إن وقع فيه فأرة أو حية أهريق الماء، و إن دخلت فيه حية و خرجت منه صب من ذلك الماء ثلاث أكف، و استعمل الباقي، و قليله و كثيره بمنزلة واحدة.

فالذي يقتضيه الجمع بين هذه الأخبار و تلك حمل هذه على الاستحباب إذ غايتها أنها ظاهرة في نجاسة المذكورات، و تلك صريحة بنفي البأس، فيرفع اليد عن هذا الظهور، لصراحة تلك مع شهرة العمل بها.

(المسألة الثالثة): في كراهة سؤر مكروه اللحم كالخيل و البغال و الحمير:

فالذي يدل عليه ما عن الوشاء عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه كان يكره سؤر كل شي ء لا يؤكل لحمه، و مفهوم رواية سماعة قال: سألته هل يشرب سؤر شي ء من الدواب؟ و يتوضأ منه؟ قال: أما الإبل و البقر و الغنم فلا بأس.

(المسألة الرابعة): في كراهة سؤر الحائض المتهمة بل مطلق المتهم: فالذي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 235

[فصل النجاسات اثني عشرة]

اشارة

فصل النجاسات اثني عشرة

[ (الأول و الثاني) البول و الغائط]

اشارة

(الأول و الثاني) البول و الغائط من الحيوان الذي لا يؤكل لحمه (1) إنسانا أو غيره بريا أو بحريا صغيرا أو كبيرا بشرط أن يكون له دم سائل حين الذبح، نعم في الطيور المحرمة الأقوى عدم النجاسة لكن الأحوط فيها أيضا الاجتناب خصوصا

______________________________

يدل عليه ما عن عنبسة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أشرب من سؤر الحائض و لا تتوضأ منه. و عن الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض يشرب من سؤرها؟ قال: نعم و لا تتوضأ. و عن ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أ يتوضأ الرجل من فضل المرأة؟ قال: إذا كانت تعرف الوضوء، و لا يتوضأ من سؤر الحائض. و عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن الحائض قال: تشرب من سؤرها و لا تتوضأ منه و عن على بن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام في الرجل يتوضأ بفضل الحائض؟

قال: إذا كانت مأمونة فلا بأس. و عن عنبسة بن مصعب قال: سؤر الحائض تشرب منه و لا تتوضأ. و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته هل يتوضأ من فضل وضوء الحائض؟ قال: لا. و عن أبي هلال قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: المرأة الطامث أشرب من فضل شرابها، و لا أحب أن أتوضأ منه، و عن رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إن سؤر الحائض لا بأس به أن تتوضأ منه إذا كانت تغسل يديها، و قد عرفت وجه الجمع أيضا بين هذه الأخبار و الأخبار السابقة المجوزة للاستعمال مطلقا.

قوله قده

(فصل: النجاسات اثني عشرة، الأول و الثاني: البول و الغائط من الحيوان الذي لا يؤكل لحمه. إلخ)

الكلام في هذا الفصل يتم برسم مسائل.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 236

الخفاش و خصوصا بوله، و لا فرق في غير المأكول بين أن يكون أصليا كالسباع و نحوها أو عارضيا كالجلال و موطوء الإنسان و الغنم الذي شرب لبن خنزيرة، و اما البول و الغائط من حلال اللحم فطاهر حتى الحمار و البغل و الخيل و كذا من حرام اللحم الذي ليس له دم سائل كالسمك المحرم و نحوه.

______________________________

(المسألة الأولى): لا إشكال و لا خلاف في نجاسة البول و الغائط من كل حيوان لا يؤكل لحمه ذي نفس سائلة عدا ما سيأتي الكلام فيه، للإجماعات المحصلة و المنقولة و الأخبار المتواترة الآتي نقلها، سواء كان ذلك من الإنسان أو غيره، بريا أو بحريا إذا كان له نفس سائلة، و المراد بها على ما نسب لأهل اللغة و صرح بها علماؤنا الأعلام: الدم الذي يجتمع في العروق و يخرج عند قطعها بقوة و دفق و شخب. و لا نطيل الكلام هنا بذكر الأخبار الدالة على نجاسة الخرء و البول مما له نفس سائلة، و إنما الإشكال في خرء و بول الطائر الغير المأكول اللحم، فقد نسب الى المشهور القول بنجاستهما، و ادعى بعضهم الإجماع على ذلك، و حكى عن آخرين القول بطهارتهما إلا أنه استثنى منه الخشاف، و حكى ذلك أيضا عن العلامة في المنتهى و شارح الدروس و كاشف الأسرار و الفخرية و شرحها و شرح الفقيه للمجلسي و حديقته و المفاتيح و كشف اللثام و المدارك و الحدائق و المستند، و حكى عن البحار و

الذخيرة القول بطهارة الذرق مع التردد في البول.

حجة القول الأول: أعني القول بالنجاسة أمور: (الأول) إطلاق دعوى المعتبر و المنتهى: إجماع علماء الإسلام على نجاسة البول و الغائط مما لا يؤكل لحمه مثل ما في الغنية من قوله: و النجاسات هي بول و خرء ما لا يؤكل لحمه بلا خلاف، و ما يؤكل لحمه إذا كان جلالا بدليل الإجماع. انتهى.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 237

..........

______________________________

(الثاني) الإجماعات المنقولة على نجاسة رجيع ما لا يؤكل من الطيور و بوله كما حكى عن الجامعية في شرح الألفية: أنه أجمع الكل على نجاسة البول و الغائط من كل حيوان محرم أكله إنسانا كان أو طيرا أو غيرهما من الحيوانات و عن ابن إدريس (ره) في السرائر في باب البئر: قد اتفقنا على نجاسة ذرق غير المأكول من سائر الطيور، و قد رويت رواية شاذة لا يعول عليها ان ذرق الطائر طاهر سواء كان مأكول اللحم أو غير مأكوله، و المعول عند محققي أصحابنا و المحصلين منهم خلاف هذه الرواية، لأنه هو الذي يقتضيه أخبارهم المجمع عليها. و عن التذكرة: انه بعد دعوى الإجماع على نجاسة البول و الغائط قال: و قول الشيخ (ره) بطهارة ذرق ما لا يؤكل لحمه من الطيور لرواية أبي بصير ضعيف لأنه لم يعمل بها أحد. انتهى.

(الثالث) الأخبار المعتبرة العامة الشاملة للطائر و غيره مثل: حسنة ابن سنان أو صحيحته عن الصادق عليه السّلام قال: اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه. و خبره الآخر عنه عليه السّلام اغسل ثوبك من بول ما لا يؤكل لحمه. و مفهوم موثق عمار عنه عليه السّلام كلما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه.

و صحيح زرارة عنهما (ع) قالا: لا تغسل ثوبك من شي ء يؤكل لحمه. و ما عن قرب الاسناد عن جعفر عليه السّلام عن أبيه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لا بأس ببول ما أكل لحمه.

و موثق عبد الرحمن عن الصادق عليه السّلام عن رجل يمسه بعض أبوال البهائم أ يغسله أم لا؟ قال عليه السّلام: يغسل بول الحمار و الفرس و البغل، فأما الشاة و كل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله. و نحوه خبره الآخر عنه عليه السّلام، و موثق سماعة عنه (ع) قال: إذا أصاب الثوب شي ء من بول السنور فلا يصلح الصلاة فيه حتى يغسله. و موثق عمار عنه (ع) عن الدقيق يصاب فيه خرء الفارة هل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 238

..........

______________________________

يجوز أكله؟ قال (ع) إذا بقي منه شي ء فلا بأس يؤخذ أعلاه. و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: ما أكل لحمه فلا بأس ببوله و سلحه. و مرسل الدعائم عن الصادق (ع) عن خرء الفار يكون في الدقيق قال: إن علم به أخرج منه، و إن لم يعلم فلا بأس به.

و ما عن قرب الإسناد و كتاب المسائل مسندا الى على عن أخيه (ع) عن الدقيق يقع فيه خرء الفارة هل يصح أكله إذا عجن مع الدقيق؟ قال (ع) إذا لم تعرفه فلا بأس، و إن عرفته فلتطرحه من الدقيق. و عن الرضوي:

و يروى أن بول ما لا يجوز أكله في النجاسات ذلك حكمه، و بول ما يؤكل فلا بأس به. الى غير ذلك من النصوص المستفيضة أو المتواترة المتضمنة لغسل البول و العذرة إن لم يدع انصرافها

لما كان من الإنسان، بل العذرة ظاهرة إن لم تكن نصا في ذلك. و قد يقال بأن المراد بهما الأعم بقرينة النصوص السابقة التي لا يصغي الى المناقشة فيها سندا أو دلالة بعد اعتضادها بالإجماعات المستفيضة أو المتواترة و غيرها فتدبر. و في موثق زرارة عنه (ص) الصلاة في بول كل شي ء حرام أكله و روثه و كل شي ء منه فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلى في غيره الحديث. و نحوه ما دل على إعادة الصلاة لأجل عذرة السنور و الكلب الكائنة في الثوب مع العلم، إلا أن يقال بان ذلك أعم من النجاسة، و لذا منع من الصلاة في الوبر و الشعر و سائر الفضلات منه، و الأمر سهل بعد الإجماعات المتواترة على العموم المزبور، و ان قيل إن غاية ما يمكن استفادته من الأخبار المتقدمة نجاسة بول غير المأكول، و اما نجاسة خرئه مطلقا فربما يستدل لها بالإجماع المركب و بالأخبار الدالة على نجاسة العذرة مطلقا مثل: مرسل موسى بن أكيل عن بعض أصحابه عن أبي جعفر (ع)

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 239

..........

______________________________

في شاة شربت بولا ثم ذبحت فقال: يغسل ما في جوفها ثم لا بأس به، و كذلك إذا اعتلفت بالعذرة ما لم تكن جلالة، و عمدة المستند للتعميم هو الإجماع و عدم القول بالفصل، المعتضد ببعض المؤيدات المورثة للوثوق بعدم الفرق بينها و بين البول من كل حيوان من حيث النجاسة و الطهارة.

(حجة القول الثاني) و هو القول بالطهارة مطلقا وجوه (الأول) أصالة البراءة من وجوب الاجتناب. (الثاني) قاعدة الطهارة المدلول عليها بقوله (ع) كل شي ء طاهر حتى تعلم انه قذر، و بالعسر و الحرج الشديدين في

مثل ذرق الخشاف الذي لا تكاد تسلم منه المساجد و المشاهد و نحوها. و خصوص موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع) قال: كل شي ء يطير فلا بأس بخرئه و بوله، و خبر وهب عنه عن أبيه (ع) قال: لا بأس بخرء الدجاج و الحمام يصيب الثوب، و خبر غياث عنه (ع) عن أبيه (ع) قال: لا بأس بدم البراغيث و البق و بول الخشاشيف، و عن الراوندي مسندا الى أبي الحسن عن آبائه (ع) عن على (ع) عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخفافيش و دماء البراغيث فقال: لا بأس، و عن خط الجبعي عن جامع البزنطي عن أبي بصير عن الصادق (ع) قال: خرء كل شي ء يطير و بوله لا بأس به، و استدل له في المدارك بصحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى (ع) أنه سئل عن الرجل يرى في ثوبه خرء الطائر و غيره هل يحكه و هو في صلاته؟ قال: لا بأس.

فإن ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال يفيد العموم، و قد نوقش في هذه بان الجواب مسوق لنفي البأس عن الحك الذي استفهم السائل عنه في الصلاة و احتمل كونه منافيا للصلاة، لا عن خرء الطائر و غيره الذي جرى ذكرهما في السؤال من باب المثال، فالعمدة في الاستدلال على الطهارة الموثقة كما ان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 240

..........

______________________________

العمدة في مستند النجاسة حسنة ابن سنان المتقدمة، إذ الإجماع لا اعتداد به بعد تحقق الخلاف قديما و حديثا و تصريح غير واحد من ناقلية بذلك، و لا يخفى عليك عدم معارضة الحسنة للموثقة، إذ ليست دلالتها على النجاسة بالنسبة إلى الطائر إلا بالظهور و دلالة الموثقة

بالصراحة، مع ما يدعى من انصراف الحسنة عن الشمول للطائر لعدم معهودية البول للطير أو ندرته إلا في الخشاف مع وقوع التصريح بنفي البأس عنه في الموثقة، و لا يرد علينا من أن التصريح بنفي البأس عنه فيها دال على عدم تمامية ما ادعى من الانصراف عنه في الحسنة من عدم معهودية البول للطير، لكون الموثقة مسوقة لبيان إعطاء الضابط فلا ينافيه ندرته بل عدم وجوده بالفعل، بل يكفى فيه مجرد الفرض الغير المستحيل في العادة، و هذا بخلاف الحسنة التي ورد الأمر فيها بغسل الثوب من أبواب ما لا يؤكل لحمه فإن المتبادر منه ارادة الحيوانات التي يتعارف لها البول و يتعارف وصول بولها الى الثوب دون الفرضيات، هذا مع إمكان أن يدعى انصراف إطلاق مأكول اللحم و غير مأكوله عن مثل الخشاف و نحوه مما لا اعتداد بلحمه عرفا، بل قد ادعى بعضهم ذبحه فكان مما لا نفس له فيكون على هذه الدعوى خارجا موضوعا، بل لو كان مورد التجاذب و التعارض و التزاحم و هو الطائر الغير المأكول اللحم داخلا في الحسنة و من مطاديقها المرادة الدخول فيها و تخصيص الموثقة بالطائر المأكول اللحم ليس إلا لما كان للتوصيف بالطيران في الموثقة معنى، لأن تقييد الموضوع بوصف الطيران من غير أن يكون له مدخلية في الحكم و لا في إحراز موضوعه، و كون المناط هو حلية الأكل من غير فرق بين الطائر و غيره في حد ذاته مستهجن عرفا،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 241

..........

______________________________

و على كل حال لو سلم قبول الموثقة للتخصيص فلا شبهة في أن التصرف في الحسنة أهون، و لو سلم المكافئة الموجبة لإجمال الروايتين في مورد

الاجتماع فالمرجع على الأظهر عموم كل شي ء نظيف حتى تعلم أنه قذر، لا المرجحات السندية كما في المتعارضين المتباينين، و لو سلم الرجوع الى المرجحات السندية أيضا لا يبعد كما قيل أرجحية الموثقة لأوثقية رجالها، و لا أقل من مكافئتها للحسنة.

(و توهم) كون الحسنة مشهورة بين الأصحاب فترجح بذلك على الموثقة (مدفوع) بان المسلم فتوى المشهور بمضمون الحسنة و لم يثبت بل لم يظن باستنادهم إليها في فتواهم حتى يرجح بذلك سندها، قال بعض المحققين: بل المظنون كون الموثقة من الروايات المشهورة التي عرفها كل الأصحاب و عمل بها بعضهم و طرحها الآخرون، و هذا لا يوجب و هنا في سندها، و لو سلم أرجحية الحسنة بواسطة الشهرة بل سقوط الموثقة عن الحجية لإعراض المشهور فغاية ما يفهم منها نجاسة بول الطير الغير المأكول، و لم يعرف لغير الخشاف من الطيور بول حتى يتم به الاستدلال لمذهب المشهور لعدم القول بالفرق، بل المعروف اختصاص الخشاف بالبول، و القول بالتفصيل بينه و بنى غيره من الطيور محقق كما سمعته من الشيخ، و منه ظهر لك وجه آخر لعدم إمكان تخصيص الموثقة بالحسنة. حيث إن الظاهر عدم البول لما يؤكل لحمه من الطيور فتكون الموثقة بمنزلة الخاص المطلق فيخصص بها إطلاق الحسنة، و كيف كان فلا شبهة في عدم صلاحية الحسنة لمعارضة الموثقة بوجه، و قد اعترف بذلك شيخ مشايخنا المرتضى (ره) لكنه رجح مقالة المشهور بمفهوم موثقة عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: خرء الخطاف لا بأس به هو مما يؤكل لحمه و لكنه كره أكله لأنه استجار بك و آوى الى منزلك، و كل طير يستجير بك فاجره.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى،

ج 1، ص: 242

..........

______________________________

حيث علل الطهارة بأكل اللحم لا بالطيران (و فيه) ان غايته الإشعار بالعلية و لا يلزم أن يكون علة منحصرة، بل يجوز أن يكون الطيران أيضا سببا في الطهارة على وجه لا يعارض ظهور الموثقة التي عرفت عدم قبولها للصرف، بل لو سلم صراحتها في السببية المنحصرة لتعين حمل البأس المفهوم منها على ما يعم الكراهة بالنسبة إلى الطائر كما في رواية عبد الرحمن المتقدمة جمعا بينها و بين الموثقة (فظهر) مما ذكرنا عدم صلاحية شي ء من المذكورات لإثبات مذهب المشهور، فلا مناص عن القول بالطهارة، بل لو لم يكن لنا النص الخاص لكفانا الأصل و عموم كل شي ء نظيف (قال بعض المحققين) بعد اختياره للطهارة: لكن الذي أوقعنا في الريبة من هذا القول وضوح ضعف مستند المشهور و عدم صلاحيته لمعارضة الأصل، فضلا عن النص الخاص فيظن بذلك أن استدلالهم بمثل هذه الأدلة لم يكن إلا من باب تطبيق الدليل على المدعى، لا استفادة المدعى من الدليل، فالذي يغلب على الظن معهودية الكلية أعني نجاسة البول و الخرء من كل ما لا يؤكل لحمه لديهم و وصولها إليهم يدا بيد على سبيل الإجمال كجملة من أحكام النجاسات، فلما أرادوا إثباتها بالبرهان تشبثوا بمثل هذه الأدلة القاصرة. و من خالفهم نظر الى قصور الأدلة لا إلى معهودية المدعي التي ألجأتهم إلى الاستدلال بها، فالإنصاف ان مخالفة المشهور في مثل هذا الفرع في غاية الإشكال، لكن موافقتهم بطرح النص الخاص و رفع اليد عن الأصول المعتبرة ما لم يحصل القطع بتحقق الكلية في الشريعة على وجه لا تقبل التخصيص أشكل، فالمسألة موقع تردد، و الاحتياط مما لا ينبغي تركه هذا كله في غير الخشاف.

(المسألة

الثانية) في بول الخشاف و خرئه: فقد يقال بان المتعين

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 243

..........

______________________________

نجاسة بوله لرواية داود الرقى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن بول الخشاشيف تصيب ثوبي فأطلبه فلا أجده قال: اغسل ثوبك، و هذه الرواية مستند للشيخ في استثنائه الخشاف في المبسوط على ما حكى عنه (و فيه) انها معارضة بما رواه غياث عن جعفر عن أبيه عليه السّلام قال: لا بأس بدم البراغيث و البق و بول الخشاشيف. (و في المدارك) بعد نقله عن الشيخ (ره) احتجاجه بالرواية السابقة و الجواب عنه بمعارضتها بخبر غياث قال: و هذه الرواية أوضح سندا و أظهر دلالة من السابقة و أجاب عنها في التهذيب بالشذوذ أو الحمل على التقية و هو مشكل. انتهى.

(و اعترضه) في الحدائق بقوله: و أنت خبير بما فيه فانى لا اعرف لهذه الأوضحية سندا أو الأظهرية دلالة وجها، بل الروايتان متساوقتان سندا و متنا كما لا يخفى، و يمكن ترجيح الرواية الثانية بما رواه شيخنا المجلسي عطر اللّه مرقده عن الراوندي في كتاب النوادر أنه روى بسنده فيه عن موسى بن جعفر (ع) عن آبائه عليهم السلام قال سئل على بن ابى طالب عليه السّلام عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخشاشيف قال: لا بأس. انتهى.

(أقول) و أنت خبير بما في منع الأظهرية من المجازفة، بل الرواية الثانية بمنزلة النص و الرواية الأولى غايتها الظهور، بل الرواية الثالثة المحكية عن النوادر أظهر فمقتضى الجمع بين الروايات حمل الأمر بالغسل على الاستحباب (نعم) يمكن أن يقال: ان ضعف الروايتين و عدم انجبارهما بعمل الأصحاب يمنع من الاعتماد عليهما (لكنك) خبير بأن رواية داود لا تقصر

عنهما في الضعف، و توهم انجبارها بالشهرة مدفوع بأنه لم يعرف عامل بها عدا الشيخ (ره) في المبسوط، فان المشهور و إن قالوا بمضمونها لكن مستندهم على الظاهر ليس إلا الكلية المقررة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 244

..........

______________________________

عندهم لا هذه الرواية، هذا مع ما أشرنا إليه سابقا من عدم معروفية البول لشي ء من الطيور عدا الخشاف فيكون على هذا التقدير موثقة أبي بصير المصرحة بنفي البأس عن بول الطير بمنزلة النص فيه و لا أقل من قوة ظهورها في إرادته، فيشكل رفع اليد عنه بمجرد الأمر بغسل الثوب الممكن حمله على الاستحباب أو غيره من المحامل، فالروايتان لو سلم قصورهما عن الحجية فلا أقل من تأييدهما لمضمون الموثقة و تأثيرهما في عدم الاعتماد على رواية داود التي لا تقصر عنهما في الضعف، فالقول بالتفصيل في غاية الإشكال.

(و الأشبه) بالقواعد هو القول بالطهارة مطلقا لكن الجزم في غاية الإشكال، نعم لا ينبغي الإشكال في طهارة خرء الخطاف و لو على القول بحرمة لحمه كما يدل عليه مضافا الى ما عرفت موثقة عمار المتقدمة. انتهى كلامه رفع مقامه و هو حسن جيد متين.

(المسألة الثالثة) في عدم الفرق في غير المأكول بين أن يكون أصليا أو عرضيا المشار إليها بقوله (قده) في هذا الفصل: (و لا فرق في غير المأكول بين أن يكون أصليا كالسباع و نحوها أو عارضيا كالجلال و موطوء الإنسان و الغنم الذي شرب لبن خنزيرة) لا يخفى أن إطلاق النص و معقد الإجماعات يقتضي عموم الحكم للمحرم بالعارض كالجلال و موطوء الإنسان كما صرح به كثير منهم كما في التذكرة نفى الخلاف في إلحاقهما بغير المأكول، بل في الغنية و غيرها: الإجماع

عليه في الجلال، بل عن المفاتيح و غيرها الإجماع عليه فيهما، بل عنها: و في كل ما حرم بالعارض فيندرج فيها المتغذي بلبن الخنزيرة و نحوه لو حرم، و لا إشكال في ذلك بناءا على نجاسة الجلال، بل و على نجاسة عرقه خاصة للفحوى و الأولوية كما قيل، و حينئذ لا يبقى مجال لتوهم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 245

..........

______________________________

معارضة العمومات بإطلاق ما دل على طهارة بول البعير و الشاة و نحوهما مما هو شامل للجلال و غيره مع الشك في شمول ما دل على نجاسته من غير المأكول لذلك، بل لعل المنساق منه هو الذاتي خاصة، و لو سلم شموله له فالتعارض بينهما بالعموم من وجه فيتساقطان، إلا انه في غير محله بعد الإجماعات المعتضدة بعدم معروفية الخلاف فيه. و اللّه العالم.

(المسألة الرابعة) في البول و الخرء مما لا نفس له المشار إليها بقوله (قدس سره): (و اما البول و الغائط من حلال اللحم فطاهر حتى الحمار و البغل و الخيل و كذا من حرام اللحم الذي ليس له دم سائل كالسمك المحرم و نحوه) اه (أما) طهارة البول و الغائط من حلال اللحم فقد عرفته من الأخبار السابقة المتواترة.

(و اما) طهارتهما من حرام اللحم الذي ليس له نفس سائلة المعبر عنه بما ليس له دم سائل كالسمك المحرم و الحية و الوزغة و نحوهما مما له لحم معتد به فقد يستدل عليها: بان ميتته و دمه و لعابه طاهرة فصارت فضلاته كعصارة النبات، و بالفحوى و الأولوية من الميتة، و بعسر التحرز عنه بل تعذره فلا يكون نجسا، و بإطلاق ما دل على نفى البأس عن موته أو وقوعه في الماء

و نحوه و بقوله عليه السّلام: كل شي ء نظيف حتى تعلم انه قذر، و بالسيرة القاطعة.

(و في الكل) نظر و مقتضى قاعدة الاشتغال لزوم التحفظ عنه في الصلاة و نحوها حيث لا عسر و لا حرج و ان لم يحكم بتجنبه في الأكل و الشرب و غيرهما عملا بالأصل، بل ربما قيل باندراج ذي اللحم منه بالنصوص السابقة و لذا مال بعضهم إلى النجاسة فيه خاصة ان لم يكن إجماع على الطهارة مطلقا كما قد يشعر بنفيه ان لم يكن ظاهرا فيه، أن كثيرا منهم أطلقوا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 246

[ (مسألة 1) font-family:NoorLotus;color:6C3A00'> الباطن لا يوجب النجاسة]

(مسألة 1) ملاقاة الغائط في الباطن لا يوجب النجاسة كالنوى الخارج من الإنسان (1) أو الدود الخارج منه إذا لم يكن معها شي ء من الغائط و إن كان ملاقيا له في الباطن، نعم لو أدخل من الخارج شيئا فلاقى الغائط في الباطن كشيشة الاحتقان إن علم ملاقاتها له فالأحوط الاجتناب عنه، و اما إذا شك في ملاقاته فلا يحكم عليه بالنجاسة فلو خرج ماء الاحتقان و لم يعلم خلطه بالغائط و لا ملاقاته له لا يحكم بنجاسته.

______________________________

نجاسة ذلك مما لا يؤكل لحمه، بل هو معقد جملة من الإجماعات، فعلى كل للتردد فيه مجال و إن قيد النجس في كلام كثير منهم، بل المشهور على الظاهر بما كان من ذي النفس السائلة، بل قد يفهم من التقييد به الواقع في معاقد الإجماعات الإجماع على طهارة غيره، و مع هذا فلا يخلو عن نظر و تأمل و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 1: (ملاقاة الغائط في الباطن لا توجب النجاسة كالنوى الخارج من الإنسان. إلخ)

لا يخفى ما في العبارة من إجمال و إيهام إذ

الكلام يقع (تارة) في تأثر البواطن و ما تكوّن بها كالدود و نحوه بالنجاسة الكائنة فيها و تأثيرها بها و عدمه (و أخرى) في تأثر ما يدخل من الخارج إليها بالنجاسة الكائنة فيها المتكونة بها، و قوله (قده) ملاقاة الغائط في الباطن لا توجب النجاسة يعم الصورتين، و نحن و ان سلمنا في الصورة الأولى عدم تنجس البواطن و ما تكوّن بها كالدود و نحوه بالنجاسة الكائنة فيها المتكونة بها، و ذلك لدعوى ظهور انصراف دليل تأثر ملاقي النجس بالنجس الى غير البواطن لو كان هناك إطلاق لفظي، أو للإجماع المنقول على ذلك كما عن (الحدائق) (الظاهر) أنه لا خلاف بين الأصحاب في الاكتفاء في طهر البواطن بزوال العين (و عن البحار) لا نعلم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 247

..........

______________________________

في ذلك خلافا، (و عن شرح المفاتيح للمحقق البهبهاني) لا نعرف خلافا من أحد منهم (و قال في الجواهر) في مقام إلحاق الحيوان بما نحن فيه بعد احتمال عدم تنجس الحيوان بملاقاة عين النجاسة: بل قيل انه من ضروريات الدين ا ه.

و استدلوا على ذلك بجملة من الأخبار (منها) ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي قال سئل الصادق عليه السّلام عن رجل يسيل من أنفه الدم هل عليه أن يغسل باطنه؟ فقال عليه السّلام: انما عليه أن يغسل ما ظهر منه (و ما رواه) في الكافي في الصحيح عن إبراهيم بن ابى محمود قال سمعت الرضا عليه السّلام يقول:

في الاستنجاء يغسل ما ظهر منه على الشرج و لا يدخل الأنملة (و عن محمد بن مسلم) عن أحدهما (ع) في الرجل يمس أنفه في الصلاة فيرى ما كيف يصنع أ ينصرف؟ قال عليه

السّلام: إن كان يابسا فليرم به و لا بأس به (و بالإسناد) المتقدم في الحديث الأول عن عمار عن الصادق عليه السّلام في حديث قال: إنما عليه أن يغسل ما ظهر منها- يعني المقعدة- و ليس عليه أن يغسل باطنها (و منها) ما رواه الشيخ (ره) عن عبد الحميد بن أبي الديلم قال قلت للصادق عليه السّلام رجل شرب الخمر فبصق فأصاب ثوبي من بصاقه فقال: ليس بشي ء (و منها) ما ذكره في الحدائق في مقام التأييد و هو ما عن زرارة عن الباقر عليه السّلام في حديث قال:

انما عليك أن تغسل ما ظهر، و فيما حكى عن شرح المفاتيح للمحقق البهبهاني (ره) تأييدا للمطلوب بوجه آخر، و هو طهارة ما خرج من ممر البول و الغائط و المنى و الدم من الرطوبات و القيح و المذي و غير ذلك، إلا ان يقال ان المذكورة يعني البول و الغائط و المنى و الدم لا تصير نجسة إلا بعد الخروج. ا ه.

(و قال في الجواهر) و مرادهم على الظاهر عدم النجاسة لا الطهارة بالزوال، و ان كان ربما يوهمه بعض العبارات بل الموثق- يعنى موثق عمار المتقدم-

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 248

[ (مسألة 2) لا مانع من بيع البول و الغائط من مأكول اللحم]

(مسألة 2) لا مانع من بيع البول و الغائط من مأكول اللحم، و أما بيعهما من غير المأكول فلا يجوز، نعم يجوز الانتفاع بهما في التسمية و نحوه (1).

______________________________

ظاهر فيما قلناه من عدم نجاستها بملاقاة عين النجاسة كما هو قضية الأصل و العمومات إذ ليس في أدلة النجاسة عموم مثلا يشمل نجاسة البواطن. ا ه.

(نعم) يبقى الإشكال فيما يدخل من الخارج الى الباطن و يلاقي النجاسة فيها و يخرج غير متلوث

بها فمقتضى قاعدة الملاقاة و إطلاق نجاسة البول و الغائط و الدم و المنى مما له نفس سائلة هو تأثره بالنجاسة المتكونة في البواطن، و خصوصا الداخلة إليها من خارج فينجس الطعام في الفم و النواة المبتلعة و إن خرجت غير ملوثة مع العلم بملاقاتها للنجاسة في الباطن، إذ النجاسة أمر واقعي فلا يفرق بين أن تكون داخلا أو خارجا و لا في محل دون محل، مع انه لا نعلم فرقا بين النواة المبتلعة التي حكم (قده) بطهارتها و بين شيشة الحقنة التي استشكل فيها، مع ان كليهما من الخارج الملاقيان للنجاسة في الباطن، فالأولى الاجتناب في هذه الصورة، هذا كله إذا علم ملاقاته للنجاسة.

و اما إذا شك في الملاقاة لها فلا يحكم عليه بالنجاسة لقاعدة الطهارة و استصحاب عدم ملاقاته لها مع استصحاب طهارته و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 2: (لا مانع من بيع البول و الغائط من مأكول اللحم، و اما بيعهما من غير المأكول فلا يجوز، نعم يجوز الانتفاع بهما في التسميد و نحوه أ ه)

أما جواز بيع البول و الغائط من مأكول اللحم فلا مانع منه إذ هو عين طاهرة ينتفع بها منفعة مقصودة فيشملها أدلة (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) و (تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و لا دليل على المنع يعتمد عليه و إن حرم شربه لخباثته فإنه لا تلازم بينهما.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 249

..........

______________________________

(و اما المروي) من النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أن اللّه إذا حرم أكل شي ء حرم ثمنه.

فالجواب عنه ضعفه و عدم الجابر له سندا و دلالة لقصورها بلزوم تخصيص الأكثر، و لما رواه الكليني (ره) عن محمد بن مضارب

في الباب الجامع لما يحل بيعه و ما لا يحل عن الصادق عليه السّلام، لا بأس ببيع العذرة، المحمول على عذرة مأكول اللحم جمعا بين الأدلة خصوصا بعد صحيح صفوان- المجمع على تصحيح ما يصح عنه- عن مسمع بن ابى مسمع- الثقة- عن سماعة قال سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا حاضر فقال إنى رجل أبيع العذرة فما تقول؟

قال: حرام بيعها و ثمنها. و قال: لا بأس ببيع العذرة. الذي هو صريح في أن العذرة منها ما يجوز بيعها و منها ما لا يجوز، و إلا لزم التناقض بين جزئي الحديث، فتعين الحمل على ما ذكرناه من ان المراد مما لا بأس ببيعه عذرة ما يؤكل لحمه، هذا مع عمومات وجوب الوفاء بالعقود، و حل البيع، و تجارة عن تراض مما تقدم و غيرها.

(و أما عدم جوازه) مما لا يؤكل لحمه فهو المشهور بين الأصحاب، بل في التذكرة و الخلاف الإجماع على تحريم بيع السرجين النجس، و عن التذكرة يشترط في المعقود عليه الطهارة الأصلية، فلو باع نجس العين كالخمر و الميتة و الخنزير لم يصح إجماعا، و عن النهاية الإجماع على تحريم بيع الخمر و العذرة و الدم، هذا مع ثبوت تحريمه بالنصوص المعتبرة مثل (النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) الذي أورده في الخلاف و السرائر و التذكرة و غوالي اللئالي عن ابن عباس: إن اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه (و في) خبر يعقوب بن شعيب: ثمن العذرة من السحت (و مرسل) الدعائم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن على (عليهم السلام) ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى عن

بيع العذرة (و رواية) تحف العقول و فيها: أو شي ء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 250

[ (مسألة 3) إذا لم يعلم كون حيوان معين أنه مأكول اللحم أو لا]

(مسألة 3) إذا لم يعلم كون حيوان معين أنه مأكول اللحم أو لا، لا يحكم بنجاسة بوله و روثه و ان كان لا يجوز أكل لحمه بمقتضى الأصل (1)

______________________________

من وجوه النجس فهذا كله حرام محرم لأن ذلك كله منهي عن أكله و شربه و لبسه. إلخ.

و أما جواز التسميد به و نحوه فباق على أصل الإباحة و الجواز ما لم يثبت المانع.

قوله قده مسألة 3: (إذا لم يعلم كون حيوان معين انه مأكول اللحم أولا لا يحكم بنجاسة بوله و روثه و ان كان لا يجوز أكل لحمه بمقتضى الأصل. إلخ)

اما عدم الحكم بنجاسة بول و روث الحيوان المفروض المعين الذي لم يعلم انه مأكول اللحم أولا فلقاعدة الطهارة المدلول عليها بجملة من الأخبار سواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية (اما في الموضوعية) فموضع وفاق (و اما الحكمية) فلجريان أدلة البراءة فيها أجمع من الآيات و الأخبار و غيرها كحديث الرفع و غيره من الأحاديث المذكورة في بابها.

و قد خالف فيها من علمائنا جل الأخباريين منهم بناءا على أصلهم من أن المرجع في الشبهة الحكمية التحريمية الاحتياط، بادعاء أن الأخبار الواردة فيه مفادها لزومه، و من أراد الاطلاع مبسوطا فليراجع رسائل شيخنا المرتضى (ره) في مبحث أصل البراءة في الشبهة التحريمية.

(و أما) عدم جواز أكل لحمه فله صور باعتبار منشأ الشك.

(فتارة) يشك في جواز أكل لحمه مع العلم بأنه مما يحل لحمه بالتذكية كلحم الغنم مثلا، فإنه يشك في حليته و حرمته للشك في أنه مذكى أم ميتة، و بعبارة أخرى كانت الشبهة موضوعية و لا إشكال

في حرمته في مثل هذه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 251

..........

______________________________

الصورة لجريان استصحاب عدم التذكية فيه بلا معارض، فان الموت أمر عدمي، فإن كل حيوان لم يذك على الوجه المعتبر شرعا فهو ميت، و التذكية مسبوقة بالعدم فيستصحب، بخلاف التذكية فإنها أمر وجودي سواء جعلناها عبارة عن نفس الأفعال المخصوصة الواردة على المحل القابل، أم قلنا بأنها أمر بسيط يتحصل من تلك الأفعال، و الظاهر أن المصنف (قده) لم يرد هذه الصورة.

(و تارة) يشك في حلية لحمه و عدمها لا من هذه الجهة بل للشك في كونه مأكول اللحم أم لا و ان علم بتذكيته، و الظاهر ان هذه الصورة هي المرادة له (قده) و أيضا في هذه الصورة (تارة) تكون الشبهة موضوعية كأن يكون منشأ الشك الأمور الخارجية كعدم تمييز الحيوان أنه شاة أم كلب لظلمة و نحوها (و اخرى) في حكمه مع معرفة الحيوان بعينه، و في كلتا الصورتين سواء كانت الشبهة موضوعية أو حكمية فالوجه جواز أكله، للأخبار الكثيرة الدالة على الجواز مثل قوله عليه السّلام: كل شي ء لك حلال حتى تعلم أنه حرام، و كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال، و رواية مسعدة بن صدقة: كل شي ء لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و لا إشكال في شمول هذه الأخبار للشبهة من الجهة المفروضة سواء كانت موضوعية أو حكمية (و اما) ما يحتمل استناده اليه (قده) من الحكم بالحرمة فهو أحد وجوه (أولها) الأصل الموضوعي القاضي بالحرمة و هو استصحاب عدم قابلية المحل للتذكية بمفاد ليس التامة و السالبة بانتفاء الموضوع، و استصحاب عدم الربط بين الحيوان الخاص و القابلية المزبورة

و لو حين لم يكن حيوان في العالم، لا ربط العدم فإنه يحتاج لتحقق الموضوع، و كل هذا بعد دعوى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 252

..........

______________________________

أن قابلية المحل من شروط التذكية و اجزائها.

(و فيه أولا) أن التذكية موضوع عرفي ليس للشارع تصرف فيه و ليست التذكية عندهم إلا قطع الأوداج الأربعة، و ليست القابلية المزبورة و الاستقبال و التسمية من اجزائها عرفا حتى يكون الشك فيها شك في التذكية.

(و ثانيا) انا لا نعرف لهذا الاستصحاب بهذا المعنى أما و لا أبا، بل ليس الاستصحاب كما هو الظاهر من أدلته، و الذي عليه بناء العقلاء بل سائر الحيوانات المغروس العمل به في طباعها و جبلتها إلا ما هو بمفاد كان الناقصة و السالبة بانتفاء المحمول، كما تقدم إنكاره منا سابقا بالمعنى الأول و نفينا ثبوت حجيته بذلك المعنى.

(و ثالثا) بناءا على جريان الاستصحاب بالمعنى الذي أراده- أعني استصحاب عدم الربط الأزلي- فينبغي الحكم بنجاسة بول و روث ذلك الحيوان المستصحب عدم تذكيته، إذ لا يفرق في جريان هذا الاستصحاب بين حياة الحيوان و عدمها مع الشك في قبوله للتذكية بهذا المعنى، سوى انه لو كان حيا و شك في طهارة بوله و روثه يكون من شك السببي و المسببي، إذ الشك في طهارة بوله و روثه من جهة الشك في قابلية الحيوان للتذكية و عدمها، فإذا جرى الأصل في السبب و هو الحيوان، و تنقح ببركته عدم قبوله للتذكية لم يبق شك في المسبب و هو نجاسة بوله و روثه، فلا معنى للتفكيك بينهما و الحكم بطهارة بوله و روثه و بحرمة لحمه، هذا كله بناءا على ان التذكية هي نفس الأفعال الخارجية الواقعة

على الحيوان.

(ثانيها) يحتمل انه (قده) أراد بالأصل المقتضي للحرمة أصالة عدم التذكية بدعوى أن التذكية ليست هي الأفعال الخارجية، بل هي عبارة عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 253

و كذا إذا لم يعلم ان له دما سائلا (1) أم لا، كما أنه إذا شك في شي ء أنه من فضلة حلال اللحم أو حرامه أو شك في أنه من الحيوان الفلاني حتى يكون نجسا أو من الفلاني حتى يكون طاهرا كما إذا رأى شيئا لا يدري أنه بعرة فار أو بعرة خنفساء ففي جميع هذه الصور يبني على طهارته.

______________________________

حالة بسيطة تتحصل من الأفعال المخصوصة، فإنها و ان كانت بهذا المعنى بمفاد كان الناقصة الذي لا شبهة في حجية الأصل فيه. فيقال: ان الحيوان المخصوص حينما كان حيا لم تكن هذه الحالة البسيطة حاصلة فيه قطعا، و بعد حصول نفس الأفعال الخارجية يشك في حصول تلك الحالة البسيطة فيه، و لو للشك في قبوله للتذكية من حيث الشك في حكمه فيستصحب عدمها.

(إلا أن فيه) انا لا نعرف للتذكية معنى غير نفس الأفعال الخارجية إذ هي من الموضوعات العرفية، و اما كونها حالة بسيطة متحصلة من الأفعال الخارجية يستلزم أن يكون للشارع تصرف فيه، أما بالنقل من معناه العرفي الى هذا المعنى الجديد، أو استعماله مجازا فيه لمناسبة بين المعنيين، و الأصل العدم فيهما ما لم يدل عليه دليل و ليس فليس، فتحصل مما ذكرناه و حررناه:

ان القول بحلية اللحم المشكوك من الجهة المزبورة كما دلت عليه الأخبار المتقدمة هو المتعين و اللّه العالم.

قوله قده في هذه المسألة: (و كذا إذا لم يعلم أن له دما سائلا إلى آخر ما عطفه عليه)

أى و كذا يحكم بطهارة

ما شك في أن له دما سائلا أم لا، كما يحكم بطهارة الفضلة المشكوكة في انها فضلة حلال اللحم أو حرامه، أو شك انها من الحيوان الفلاني حتى تكون نجسة أو من الحيوان الفلاني حتى تكون طاهرة، كما مثل لذلك بالبعرة المشكوك انها بعرة فار أو بعرة خنفساء، ففي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 254

[ (مسألة 4) لا يحكم بنجاسة فضلة الحية]

(مسألة 4) لا يحكم بنجاسة فضلة الحية لعدم العلم بان دمها سائل (1)، نعم حكى عن بعض السادة ان دمها سائل و يمكن اختلاف الحياة في ذلك، و كذا لا يحكم بنجاسة فضلة التمساح للشك المذكور و إن حكى عن الشهيد (ره) أن جميع الحيوانات البحرية ليس لها دم سائل إلا التمساح لكنه غير معلوم و الكلية المذكورة أيضا غير معلومة.

[ (الثالث) المني من كل حيوان له دم سائل]

(الثالث) المني من كل حيوان له دم سائل حراما كان أو حلالا بريا أو بحريا (2) و اما المذي و الوذي و الودي فطاهر من كل حيوان إلا نجس العين و كذا رطوبات الفرج و الدبر ما عدا البول و الغائط.

______________________________

جميع هذه الصور يبنى على الطهارة لقاعدة الطهارة.

قوله قده مسألة 4: (لا يحكم بنجاسة فضلة الحية لعدم العلم بان دمها سائل. إلخ)

ما ذكره من طهارة فضلة الحية و التمساح ذلك لقاعدة الطهارة للشك في ان لهما دما سائلا و هو كاف في الحكم بالطهارة.

قوله قده: ( «الثالث» المنى من كل حيوان له دم سائل حراما كان أو حلالا بريا أو بحريا. إلخ)

لا يخفى أن عمدة ما يستدل به على نجاسة المني مما له دم سائل الإجماعات المنقولة، بل الناظر في فتاويهم ربما يستظهر منهم الجزم بالحكم و ان المسألة من المسلمات لديهم، و هو العمدة في تعميم الحكم لكل ما له نفس، و إلا لو خلينا نحن و الأخبار فليس فيها دلالة على أكثر من نجاسة مني الإنسان فقط، إذ هي بين ما يختص بذلك أو مطلقات منصرفة الى ما هناك مثل (النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم):

إنّما يغسل الثوب من خمس البول و الغائط و الدم و القي ء و المنى (و

عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 255

..........

______________________________

سبعة يغسل منها الثوب، منها المنى (و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) إنما يغسل الثوب من البول أو الغائط أو المنى (و عن الصادق عليه السّلام) قال: إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه شي ء فليغسل الذي أصابه، و أن ظن أنه أصابه شي ء و لم يستيقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء، و ان استيقن انه قد أصابه شي ء و لم ير مكانه فليغسل ثوبه كله فإنه أحسن، و نحو هذه الأخبار على كثرتها فإنها ظاهرة في منى الإنسان، خصوصا بالنسبة الى ما حل أكل لحمه، لا سيما مع عموم قوله عليه السّلام في موثقة عمار: و كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه، (و قوله عليه السّلام) في موثقة ابن بكير الواردة في لباس المصلى: و ان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في و بره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز. إلخ.

و أوضح ما يستدل به للعموم من الأخبار على كثرتها (صحيحة) محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ذكر المنى و شدده و جعله أشد من البول ثم قال: أن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، و ان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك و كذا البول (و صحيحته) الأخرى عن أحدهما عليه السّلام قال: سألته عن المذي يصيب الثوب فقال: ينضحه بالماء ان شاء، و قال في المني يصيب الثوب قال:

ان عرفت مكانه فاغسله. و إن خفي عليك

فاغسله كله، (و رواية) عنبسة بن مصعب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المنى يصيب الثوب فلا يدرى أين مكانه؟

يغسله كله، الى غير ذلك من الروايات، و لا يخفى أن المتعارف أصابه مني الإنسان ثوبه و عدم تعارف غيره يصرف إطلاق لفظ المنى اليه.

و حيث عرفت أن مستند الحكم في نجاسة منى ما له نفس هو الإجماع لا غير، فلا ينبغي التردد في عدم نجاسته مما لا نفس له، لأصالة عدم وجوب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 256

[ (الرابع) الميتة من كل ما له دم سائل]

اشارة

(الرابع) الميتة من كل ما له دم سائل حلالا كان أو حراما و كذا اجزاءها المبانة منها و إن كانت صغارا عدا ما لا تحله الحياة منها (1) كالصوف و الشعر و الوبر

______________________________

الاجتناب عنه، مع عموم كل شي ء مطلق حتى يرد فيه نهى، و قاعدة الطهارة مع طهارة ميتته و دمه و جميع فضلاته.

(و اما) المذي و الوذي و الودي و القيح و سائر الرطوبات الخارجة من القبل و الدبر فطاهرة حتى المذي الخارج عقيب الشهوة، لعدم دليل على النجاسة مع جريان قاعدة الطهارة و أصالة البراءة من وجوب الاجتناب فيها، و للشهرة بل الإجماع بقسميه عليها حتى في المذي، و للمستفيضة مع السيرة القطيعة (كخبر) ابى بصير عن الصادق عليه السّلام عن المذي يصيب الثوب قال عليه السّلام: ليس به بأس (و عن) محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: سألته عن المذي يصيب الثوب قال: ينضحه بالماء ان شاء (و عن) الحسين بن أبي العلاء قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المذي يصيب الثوب قال: لا بأس به، فلما رددنا عليه قال: ينضحه بالماء (و عن) على بن الحكم

مثله.

(و اما ما ورد) في غسله كما (عن) الحسين بن أبي العلاء قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المذي يصيب الثوب قال: أن عرفت مكانه فاغسله، و إن خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كله، و نحوها فمحمولة على الاستحباب جمعا، فتحصل مما ذكرنا الحكم بطهارة كل ما يخرج من السبيلين عدا البول و الغائط و المنى و الدم مما له نفس و اللّه العالم.

قوله قده: ( «الرابع» الميتة من كل ما له دم سائل حلالا كان أو حراما، و كذا اجزاؤها المبانة منها و ان كانت صغارا عدا ما لا تحله الحياة منها. إلخ)

لا يخفى تضمن هذه المسألة جهات من البحث.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 257

و العظم و القرن و المنقار و الظفر و المخلب و الريش و الظلف و السن و البيضة إذا اكتست القشر الأعلى سواء كانت من الحيوان الحلال أو الحرام و سواء أخذ ذلك بجز أو نتف أو غيرهما، نعم يجب غسل المنتوف من رطوبات الميتة، و يلحق بالمذكورات الانفحة و كذا اللبن في الضرع و لا ينجس بملاقات الضرع النجس، لكن الأحوط في اللبن الاجتناب خصوصا إذا كان من غير مأكول اللحم، و لا بد من غسل ظاهر الانفحة الملاقي للميتة، هذا في ميتة غير نجس العين و اما فيها فلا يستثني شي ء.

______________________________

(الجهة الأولى) نجاسة الميتة من ذي النفس فلا خلاف فيها بين الناس كما في الغنية، و عن المعتبر و المنتهى إجماعهم عليها، و قد يستدل عليها بأوامر النزح المتواترة معنى في موت أكثر الحيوانات أو جميعها في البئر، سواء قلنا بنجاستها أو بطهارتها، لأن الطهارة انما هي لمكان المادة لا لعدم نجاسة الأعيان

الواقعة فيها، و لذا لو تغيرت بها تنجست بلا خلاف، بل هو مجمع عليه بين المسلمين، و بالأوامر الواردة بإلقاء ما مات فيه الفارة و نحوها من المرق و نحوه، و بالاستصباح خاصة بالسمن و نحوه، و بالنهي عن أكل ذلك، و أن أكل ما مات فيه الفارة استخفاف بالدين، و ان اللّه تعالى حرم الميتة من كل شي ء، و التحريم كناية عن النجاسة نحو ما ورد في أليات الغنم المقطوعة من الحي و انها حرام (و بالنواهي) عن الأكل في أواني أهل الذمة إذا كانوا يأكلون فيها الميتة، و عن الصلاة في جلد الميتة، و عن مطلق الانتفاع بها، و عن استعمال الماء الذي تموت فيه الفارة و غيرها في الوضوء و الشرب و غيرهما، بل في (موثق) عمار الأمر بغسل الثياب و غسل كل ما أصابه الماء و اعادة الوضوء و الصلاة، و بما في (صحيح) حريز: و كل شي ء ينفصل من الدابة فهو ذكي، و ان أخذته منه بعد الموت فاغسله وصل فيه فان الذكي هو الطاهر، فمفهومه أن ما عداه نجس و الأمر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 258

..........

______________________________

بالغسل انما هو للنجاسة كسائر الأوامر به في أكثر النجاسات، و بما في المنتهى من أن تحريم ما ليس بمحرم و لا فيه ضرر كالسم يدل على نجاسته، و بما قيل من أن المانع من مطلق الانتفاعات في الجلد فضلا عن غيره و ليس إلا النجاسة إجماعا بقسميه ان لم يكن ضرورة، كما ان النصوص بها متواترة كما عن التذكرة و الذكرى، و لعل منها ما دل على عدم الانتفاع بالميتة أصلا لا بإهاب و لا عصب مثل (مكاتبة) الجرجاني عن

أبي الحسن عليه السّلام قال: كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها إن ذكي فكتب: لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب، لا سيما على ما قيل من أنه لا معنى للطهارة الشرعية سوى جواز الصلاة و الأكل و الشرب و نحوها بالنسبة اليه و الى ملاقيه، و لا للنجاسة الشرعية سوى عدم جواز ذلك (و منها) ما دل على اتخاذ ثوب للصلاة عند مباشرة جلود الحمر الميتة في أغماد السيوف مثل (خبر) القاسم الصيقل قال:

كتبت الى الرضا عليه السّلام انى اعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فيصيب ثيابي أ فأصلى فيها؟ فكتب الىّ: اتخذ ثوبا لصلاتك، فكتبت الى أبي جعفر الثاني عليه السّلام كنت كتبت الىّ أبيك بكذا و كذا فصعب علىّ ذلك فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية فكتب الىّ: كل اعمال البر بالصبر يرحمك اللّه فان كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس (و منها) ما دل على طرح الفراء و طرح الثوب الملاقي له مثل (رواية) أبي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حديث عن على بن الحسين عليه السّلام كان يبعث الى العراق فيؤتى مما قبلهم بالفرو فيلبسه، فاذا حضرت الصلاة ألقاه و القى القميص الذي يليه، فكان يسئل عن ذلك فقال: أن أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة و يزعمون ان دباغه ذكاته (و منها) صحيحة محمد بن مسلم قال سألته عن جلد الميتة أ يلبس في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 259

..........

______________________________

الصلاة إذا دبغ؟ قال لا و ان دبغ سبعين مرة (و منها) موثقة سماعة قال سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: إذا رميت و سميت فانتفع بجلده

و اما الميتة فلا (و منها) خبر عبد الرحمن بن الحجاج قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أنى أدخل سوق المسلمين- أعنى هذا الخلق الذي يدعون الإسلام- فاشترى منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها أ ليس هي ذكية؟ فيقول: بلى فهل يصلح لي أن أبيعها على انها ذكية؟ فقال: لا و لكن لا بأس ان تبيعها و تقول قد شرط لي الذي اشتريتها منه انها ذكية، قلت و ما أفسد ذلك؟ قال: استحلال أهل العراق للميتة و زعموا ان دباغ جلد الميتة ذكاته، ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك إلا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (و منها) ما عن الدعائم عن أمير المؤمنين عليه السّلام عن الدواب تقع في السمن و العسل و اللبن و الزيت فتموت فيه قال عليه السّلام:

أن كان ذائبا أريق اللبن و العسل و استسرج بالزيت و السمن، و قال عليه السّلام: في الخنفساء و العقرب و الصرار و كل شي ء لا دم له يموت في الطعام و لا يفسده، و عنهم (ع) إذا خرجت الدابة حية و لم تمت في الإدام لم ينجس و يؤكل، و إذا وقعت فيه فماتت لم يؤكل و لم يبع و لم يشتر (و عن الصادق عليه السّلام) عن آبائه (ع) عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الميتة نجس و ان دبغت، الى غير ذلك مما يقضى بالنجاسة مع ضميمة الإجماعات البسيطة و المركبة فلا ينبغي الإشكال في نجاسة الميتة مطلقا آدميا كان أو غيره لإطلاق أدلة نجاسة الميتة مما له نفس و خصوص ما ورد في الآدمي مضافا الى الإجماع عليه بخصوصه (صحيحة) الحلبي أو

حسنته عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت قال: يغسل ما أصاب الثوب (و رواية) إبراهيم بن ميمون قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميت قال: ان كان غسل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 260

..........

______________________________

الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، و إن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه (قال في الوسائل): يعني إذا برد الميت انتهى.

(و التراقيع) الخارج من الناحية المقدسة في أجوبة محمد بن عبد اللّه الحميري المروي عن احتجاج الطبرسي و كتاب الغيبة للشيخ حيث كتب اليه:

روى لنا عن العالم عليه السّلام انه سئل عن امام قوم صلى بهم بعض صلاته و حدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟ قال: يؤخر و يتقدم بعضهم و يتم صلاتهم و يغتسل من مسه (التوقيع): ليس على من نحاه إلا غسل اليد (و عنه) أيضا انه كتب اليه: روى عن العالم عليه السّلام أن من مس ميتا بحرارته غسل يده، و من مسه و قد برد فعليه الغسل، و هذا الميت في هذه الحالة لا يكون إلا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو؟ و لعله ينحيه بثيابه و لا يمسه فكيف يجب عليه الغسل؟ (التوقيع): إذا مسه على هذه الحالة لم يكن عليه إلا غسل يده (و عن) الفقه الرضوي: و إن مس ثوبك ميت فاغسل ما أصاب.

الى غير ذلك من الروايات.

ثم الظاهر مما نقلناه انه ينجس بمجرد الموت و لو قبل البرد لصريح ما مر عن الناحية المقدسة، و إطلاق خبر إبراهيم بن ميمون و إن فسره صاحب الوسائل بقوله: يعني إذا برد الميت إذ

فهمه لا حجة فيه علينا فلا يخصص الخبر به، كما لا ينبغي الإشكال في نجاسة جلدها و ان دبغ، كما دلت عليه الأخبار المتقدمة الذكر، و ما ورد فيها من طهارة جلدها لو دبغ الذي أوقع بعضهم في الاشتباه فهو محمول على التقية أو محامل أخر و اللّه العالم.

(الجهة الثانية) كلما ينجس بالموت فما قطع من جسده نجس حيا كان أو ميتا و هو المشار إليه بقوله (قده): (و كذا اجزاءها المبانة منها و أن كانت

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 261

..........

______________________________

صغارا. إلخ) لم نعرف خلافا في ذلك، بل نفى بعضهم الخلاف فيه و ادعى الإجماع عليه، (و في المدارك): أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، و نقل بعضهم: اتفاق الفقهاء على ذلك و عليه عمل الشيعة في الأعصار و الأمصار، (و عن التذكرة) كلما أبين من حي مما تحله الحياة فهو ميت، الى غير ذلك من هذه العبارات و نحوها القاضية بالإجماع عليه و هو الحجة، مضافا الى الاستصحاب في المقطوع من الميت لإطلاق أدلته الشامل للمتصل و المنفصل و انسباق المجموع من تلك الأدلة بدوي لغلبة وجوده و كثرة موارده فلا يستفاد شرطية الاجتماع في النجاسة، مع ان العلة في النجاسة هي الموت الذي هو زوال الروح المشتركة بين جميع الأجزاء، مع القطع بعدم مدخلية الاجتماع في الحكم المزبور، مع أنه لا يبعد شيوع إطلاق الميتة في عرف المتشرعة، بل الشارع أيضا على كل لحم لم يذك حيوانه في مقابل المذكى.

كما انه استدل غير واحد للأصل المدعى بالأخبار الدالة على طهارة ما لا روح له من الميتة الظاهرة في العلية الدالة بمفهومها على نجاسة كلما حل فيه الروح عند زهاقه كما

في (صحيحة) الحلبي: لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، أن الصوف ليس له روح، فالتعليل دال على نجاسة الأجزاء التي فيها الروح (و في المروي) في العلل و العيون: الريش و الصوف و الشعر و الوبر كله ذكي لا يموت (و من تعليق) الحكم على الميت و الموت و الميتة في سائر أبواب المياه و الصيد و الذباحة و غيرها فإنه مشعر بالعلية ان لم نقل بظهوره فيها.

و من هذه العلة يظهر نجاسة المقطوع من الحي، بل ربما قيل بان ذلك من تنقيح المناط القطعي، و يعضده ما ورد في القطعة من الإنسان و انها ميتة، و في الأليات المقطوعة من الغنم الأحياء و انها حرام أو ميتة، مثل (رواية)

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 262

..........

______________________________

أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: في أليات الضأن تقطع و هي أحياء انها ميتة (و رواية) الكاهلي قال سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا عنده عن قطع أليات الغنم فقال: لا بأس بقطعها إذا كانت تصلح بها مالك، ثم قال ان في كتاب على عليه السّلام ان ما قطع منها ميت لا ينتفع به (و رواية) الحسن بن على الوشاء قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام فقلت جعلت فداك أن أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها فقال: حرام و هي ميتة فقلت جعلت فداك فيستصبح بها؟ فقال: أما علمت انه يصيب اليه و الثوب و هو حرام (و منها) مرسلة أيوب بن نوح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة فإذا مسها إنسان فكلما كان فيه عظم فقد وجب على

من مسه الغسل، فان لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه.

(و ما ورد) في الصيد من أن ما قطع بحبالته فذره لأنه ميتة و ما أدرك من سائر جسده حيا فذكه و كله، (مثل ما رواه) في الفقيه في الصحيح عن أبان عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام ما أخذت الحبالة و قطعت منه فهو ميتة، و ما أدركته من سائر جسده حيا فذكه و كل منه (و ما رواه) في الكافي و التهذيب في الحسن بإبراهيم ابن هاشم عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذره فإنه ميتة و كلوا ما أدركتم حيا و ذكرتم اسم اللّه عليه (و ما رواه) أيضا عن الوشاء عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت، و ما أدركته من سائر جسده حيا فذكه ثم كل منه، و ليس في التهذيب ثم كل منه (و ما رواه) في الكافي عن عبد اللّه بن سليمان عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 263

..........

______________________________

أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: ما أخذت الحبالة و انقطع منه شي ء أو مات فهو ميتة، (و ما رواه) عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت، و ما أدركت من سائر جسده فذكه ثم كل منه، كل ذلك بضميمة عدم القول بالفصل بين مواردها و بين غيرها (و عموم قوله عليه السّلام):

ما أبين من حي فهو ميت،

الى غير ذلك مما يقضى بالنجاسة في الجميع.

فلا ينبغي الارتياب و التوقف في ذلك بدعوى نجاسة جسد الميت و هو لا يصدق على الأجزاء قطعا، مع منع حجية الاستصحاب بالنسبة إليها و ضعفه ظاهر، بل قد يورد عليه بأنه لو تم للزم طهارة كل عضو مما يقطع حيا حتى العضو المقارن للموت لعدم صدق اسم الكل عليه بل و لزم طهارة الميتة بعد تقطيعها، و الكل لا سيما الثاني معلوم الفساد و اللّه العالم.

(الجهة الثالثة) استثنى (قده) من الحكم بالنجاسة المذكور الميتة اجزاءها التي لا تحلها الحياة منها- أى الحس- فحكم بطهارتها كالصوف و الشعر و الوبر و العظم و القرن و المنقار و الظفر و المخلب و الريش و الظلف و السن و البيضة إذا اكتست القشر الأعلى، سواء كانت من الحيوان الحلال أو الحرام و سواء أخذ ذلك بجز أو نتف أو غيرهما، نعم يجب غسل المنتوف من رطوبات الميتة.

و قد وقع دعوى الإجماع عليها متفرقة في كلام جماعة فادعاء كل منهم على جملة منها بعبارات مختلفة مثل: و الظاهر عدم الخلاف في طهارتها كما عن (المدارك): و اتفاقا كما في (كشف اللثام) و اتفق الأصحاب من غير خلاف يعرف على طهارة ما لا تحله الحياة كما في (الحدائق). و حكى نفى الخلاف عن الذخيرة) و (شرح المفاتيح) للمحقق البهبهاني، و استدل على ذلك

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 264

..........

______________________________

بعد الاتفاق المذكور بالنصوص (منها) صحيحة حريز قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لزرارة و محمد بن مسلم اللبن و اللباء و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كل شي ء ينفصل من الشاة و الدابة

فهو ذكي، و أن أخذته منه بعد ان يموت فاغسله وصل فيه، و ظاهر الأمر بالغسل فيها نجاسة موضع الاتصال بالميتة (و منها) صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ان الصوف ليس فيه روح (و رواية) قتيبة بن محمد المروية عن مكارم الأخلاق قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أنا نلبس هذا الخز و سداه إبريسم قال: و ما بأس بإبريسم إذا كان معه غيره، قد أصيب الحسين عليه السّلام و عليه جبة خز سداه إبريسم، قلت انا نلبس الطيالسة البربرية و صوفها ميت قال: ليس في الصوف روح ألا ترى انه يجز و يباع و هي حي (و صحيحة) زرارة المروية في الفقيه و التهذيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الانفحة تخرج من بطن الجدي الميت قال: لا بأس به، قلت اللبن يكون في ضرع الشاة و قد ماتت قال: لا بأس به، قلت و الصوف و الشعر و عظام الفيل و الجلد و البيض يخرج من الدجاجة قال: كل هذا لا بأس به، (قال في الحدائق):

و الجلد في الخبر ليس في الفقيه و هو الأصح و الظاهر انه سهو قلم الشيخ. انتهى (و رواية) الحسين بن زرارة قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و أبى يسأله عن السن من الميتة و اللبن من الميتة و البيضة من الميتة و إنفحة الميتة فقال:

كل هذا ذكي (و عن الكافي) انه قال: و زاد فيه على بن عقبة و على بن الحسن ابن رباط قال: و الشعر و الصوف كله ذكي.

(و قال) في الكافي أيضا: و في رواية

صفوان عن الحسين بن زرارة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 265

..........

______________________________

عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: الشعر و الصوف و الوبر و الريش و كل نابت لا يكون ميتا، قال و سألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة قال: تأكلها (و رواية) يونس عنهم (ع) قال: خمسة أشياء ذكية مما فيها منافع الخلق:

الانفحة و البيض و الصوف و الشعر و الوبر (و عن الصدوق) في الفقيه مرسلا قال قال الصادق عليه السّلام عشرة أشياء من الميتة ذكية القرن و الحافر و العظم و السن و الانفحة و اللبن و الشعر و الصوف و الريش و البيض، و غيرها من الأخبار.

فلا ريب و لا إشكال في أصل الحكم و ان وقع الكلام في ان وجوب الغسل للصوف و الشعر و الريش و نحوها تعبدي، سواء أخذت جزءا أو قلعا كما توهمه بعضهم لإطلاق الحسنة وجوب غسلها، أو يختص بما لو أخذت قلعا لنجاستها العرضية المانعة من الصلاة فيها لا فيما أخذت جزءا فإنها طاهرة، كما هو مذهب المشهور و هو المنصور (و أخرى) في أن الطاهر منها ما أخذت جزءا، و اما ما أخذت قلعا فنجس كما حكى ذلك عن الشيخ في نهايته معللا ذلك بان أصولها المتصلة باللحم من جملة اجزائها، و انما يستكمل استحالتها الى أحد المذكورات بعد تجاوزها عنه، و اعترضه بعض بإطلاق الأخبار المتقدمة.

(هذا و الحق) بالمذكورات المحكوم بطهارتها من الميتة الانفحة، فإنه مما لا إشكال في طهارتها كما دلت عليه الأخبار السابقة، و اتفقت عليه كلمات الأصحاب، و لكن وقع الاختلاف من الفقهاء و كذلك من اللغويين في تفسيرها ففي بعضها: أنها كرش الحمل و الجدي ما

دام لم يأكل فإذا أكل فهي كرش، و في كلام آخرين: أنه شي ء أصفر يستحيل اليه اللبن الذي يشربه الرضيع، و عادة الناس التجبين به لا الكرش الذي هو وعاء لذلك الشي ء، و يحتمل أن يكون

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 266

..........

______________________________

اسما لمجموع الظرف و المظروف بان يكون ذلك الشي ء الذي هو من الحيوان بمنزلة المعدة للإنسان مع ما فيه مسمى بالانفحة، و الذي يدل عليه انه ليس لوعائه اسم آخر و لا يسمى بالكرش إلا بعد أن يأكل فيقال: حينئذ استكرش أى صارت انفحته كرشا، و على كل حال فلا إشكال في طهارة الأصفر الذي في الوعاء، أما لأنه بعض المفهوم بناءا على وضعه للمجموع، أو لأنه متفق على إرادته وضعا أو التزاما، أو هو تمام الموضوع بناءا على وضعه له لما سمعت من اتفاق النصوص و الفتاوى على طهارتها، فبذلك يخصص ما دل على نجاسة أجزاء الميتة و ما يلاقيها، هذا مع أن ذلك الشي ء لا يعد عرفا من أجزاء الحيوان فلا تكون الأدلة إلا مخصصة لقاعدة الانفعال، أو لا مقتضى لنجاسة المظروف بعد طهارة ظرفه المانع من السراية.

(و ذكر بعض المحققين): أن المقصود بالروايات على الظاهر ليس إلا بيان طهارة ذلك الشي ء الأصفر فإنه هو الذي فيه منافع الخلق و يجعل في الجبن، بل في بعض الأخبار إشارة إلى إرادته مثل (ما رواه) أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث طويل قال فيه: قال قتادة: فأخبرني عن الجبن؟ فتبسم أبو جعفر عليه السّلام ثم قال رجعت مسألتك الى هذا؟! قال: ضلت عنى فقال:

لا بأس به فقال: أنه ربما جعلت فيه إنفحة الميت قال: ليس بأس ان الإنفحة

ليس فيها دم و لا عرق و لا بها عظم، انما تخرج من بين فرث و دم ثم قال: ان الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة خرجت منها بيضة فهل تأكل البيضة؟

فقال: لا و لا آمر بأكلها فقال أبو جعفر عليه السّلام و لم؟ فقال: لأنها من الميتة، فقال له: فان حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أ تأكلها؟ قال: نعم قال: فما حرّم عليك البيضة و حلل لك الدجاجة؟! ثم قال: فكذلك الأنفحة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 267

..........

______________________________

مثل البيضة فاشتر الجبن في أسواق المسلمين من أيدي المسلمين و لا تسأل عنه إلا أن يأتيك من يخبرك عنه، فإن قوله عليه السّلام انما تخرج من بين فرث و دم بحسب الظاهر إشارة إلى كونه لبنا مستحيلا غير معدود من اجزاء الحيوان، و كيف كان فلا شبهة في طهارة هذا الشي ء و عدم انفعاله بملاقاة وعائه و ان قلنا بنجاسة الوعاء. الى آخر ما ذكره (قده).

و مما يقرب ان الإنفحة هي الشي ء الأصفر الذي في الوعاء و ان الوعاء من اجزاء الميتة محكوم عليها بحكمها (رواية) أبي الجارود المروية عن محاسن البرقي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجبن فقلت أخبرني من رأى انه يجعل فيه الميتة فقال: أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الأرض، فما علمت أن فيه الميتة فلا تأكله و ما لم تعلم فاشتر و كل و بع، الخبر، فلعل الوعاء هو المعنى بالميتة في الرواية إذ من المحتمل انهم كانوا يتركون الجلد حتى يبس بما فيه فيسحق و يجعل في الجبن، و حملها على استحباب التجنب عن الجبن الموضوع فيه الإنفحة المتخذة من الميتة

بعيد عن لسانها و خلاف ظاهر لفظ الحرمة فيها، نعم يحتمل حملها على التقية إذ هو مذهب العامة.

(بيان) ذهب جماعة من فقهائنا الى عدم اختصاص الحكم بطهارة الأنفحة بما إذا كانت من مأكول اللحم بل تعم إنفحة غير المأكول أيضا لإطلاق النصوص و الفتاوى، بل ربما يستظهر من إطلاق الفتاوى عدم الخلاف فيه، لكن التأمل و الإنصاف يشهدان بانصراف الإطلاقات إلى الأنفحة المعهودة التي تجعل في الجبن، بل ربما يدل عليه ما سمعته من بعض اللغويين من تفسيرها بكرش الحمل و الجدي الاختصاص به، لكن مقتضى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 268

..........

______________________________

تعليل طهارتها في رواية أبي حمزة بكونها كالبيضة و عدم كونها من الأجزاء التي حل فيها الحياة طهارتها من غير المأكول، و لو لم تسم باسم الأنفحة، لكن بناءا على تفسيرها باللبن المستحال يشكل استفادة عدم انفعاله بالعرض من مثل هذه الرواية، بعد انصراف الأنفحة التي أريد إثبات طهارتها بالفعل الى غيره.

(و مما الحق) بالمذكورات من الحكم بالطهارة البيض من الميتة إذا اكتسى القشر الأعلى، و هو مما لا إشكال و لا خلاف في طهارته مطلقا لما ورد في الأخبار المستفيضة التصريح بطهارته مع موافقتها لأصالة الطهارة فيه، إذ البيضة لا تعد جزءا من اجزاء الميتة حتى تعمها نجاستها، نعم حكى عن العلامة (ره) في (النهاية، و المنتهى) الحكم بنجاسته من غير مأكول اللحم، و لكن قد صرح كثير ممن تأخر عنه بعدم الموافق له، مع أنه يدفعه إطلاق جملة من النصوص و معاقد الإجماعات، فالوجه طهارة الجميع للأصل مع ما يفهم من رواية أبي حمزة، و يساعده العرف العام من أنها شي ء مستقل لا تعد من اجزاء الميتة، مع انه على

تقدير كونها من اجزائها تبعا يدل على طهارتها من غير المأكول ما دل على طهارة ما لا تحله الحياة من اجزاء الميتة.

ثم مقتضى الأصل و إطلاقات الأدلة طهارتها مطلقا ما لم تنفعل بملاقاة الميتة بأن كانت مكتسية جلدا يمنعها من التأثر و أن لم يكن غليظا بان كان رقيقا بان كانت في مبادي نشوها، و لكن كلمات الأصحاب تأبى ذلك فاعتبروا اكتساءها القشر الغليظ، و إن كانت عباراتهم عنه مختلفة و لكن المراد واحد و يدل على اعتباره بخصوصه (موثقة) غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة فقال (ع): ان كان قد اكتست الجلد الغليظ فلا بأس بها. ا ه. و بها يقيد إطلاقات الأدلة.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 269

..........

______________________________

(و ما يقال) من أنها طاهرة و لا مقتضى لنجاستها إلا ملاقاتها للميتة و ما نشاهده من القشر الرقيق صالح للمانعية من السراية (فهو) اجتهاد في مقابلة النص مع قوة احتمال عدم مانعية هذا القشر الرقيق من السراية ما دامت البيضة في الباطن، مع إمكان أن يدعى مضافا الى ذلك كونها معدودة من أجزاء الميتة تبعا قبل استكمال خلقتها، فاذا استكملت خلقتها باكتسائها القشر الغليظ عدت شيئا آخر أجنبيا عنها، و على كل حال فلا داعي لطرح النص أو تأويله مع صراحته و عمل الأصحاب به و سلامته مما يعارضه سوى مطلقات قابلة للتقييد و اللّه العالم (و مما الحق) بالمذكورات في الطهارة اللبن من الميتة، و قد وقع التشاجر بينهم في حكمه، فذهب جل القدماء كالكليني و الصدوق و الشيخين و بنى حمزة و سعيد و زهرة و البراج و غيرهم الى طهارته،

بل نسب الى أكثر القدماء و الى أجلائهم بل إلى الأكثر من غير قيد، بل الى المشهور، و عن الخلاف و الغنية:

الإجماع عليه.

(و العمدة) في الاستدلال على الطهارة الأخبار المستفيضة المتقدمة المتلوة عليك قريبا. (و عن) الكاتب- ابن الجنيد- و سلار: نجاسته، كما هو خيرة الحلي و الفاضلين و الكركي و المقداد كما حكى عنهم و عن كثير ممن تأخر، بل نسب الى أكثر المتأخرين بل إليهم بل الى المشهور.

(و عمدة) مستند القول بالنجاسة قاعدة التنجس بالملاقاة، و ربما يستدل لهم أيضا (بخبر) وهب بن وهب عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) ان عليا (ع) سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن فقال (ع): ذلك الحرام محضا (و فيه) أن القاعدة لا تصلح معارضة للأخبار المعتبرة المعمول بها فإنها ليست من القواعد العقلية الغير القابلة للتخصيص، و قد خصصت في ماء الاستنجاء، بل في مطلق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 270

..........

______________________________

الغسالة على قول، بل في الأنفحة بناءا على تفسيرها بما في الجلدة من الشي ء الأصفر (و اما) رواية وهب فهي ضعيفة السند جدا، و قيل انه من أكذب البرية، حتى قيل بان له أحاديث عن الصادق (ع) كلها لا يوافق عليها، و كان هذا منها شاذ كما في الاستبصار و كشف اللثام و غيرهما، و موافق لمالك و الشافعي و أصح الروايتين عن أحمد كما في المنتهى، بل قال الشيخ: بأنه موافق للعامة إذ أنهم يحرمون كل شي ء من الميتة، فلا يصغي الى المناقشة في دلالة النصوص المشهورة الدالة على الطهارة أو التزام تأويلها بالمشرف على الموت، فالقول بالنجاسة ضعيف، لكن ينبغي الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على لبن المأكول، لكونه القدر المتيقن

الذي لا يبعد دعوى انصراف إطلاق النصوص و الفتاوى إليه، و ان كان القول بالطهارة مطلقا تبعا لإطلاق النصوص لا يخلو من قوة و اللّه العالم.

(الجهة الرابعة) إن هذا كله فيما لا تحله الحياة مما هو طاهر العين، و اما ما هو نجس العين كالكلب و الخنزير و الكافر فلا يستثني منه شي ء سواء كان مما تحله الحياة أو ما لا تحله كما نبه على ذلك (قده) بقوله: (هذا في ميتة غير نجس العين، و اما فيها فلا يستثني شي ء. أ ه) و ذلك لما هو المعروف بين فقهائنا بل هو المشهور بينهم شهرة كادت تكون إجماعا، بل هي إجماع إذ لم ينقل الخلاف في ذلك إلا عن السيد المرتضى (ره) في الناصرية المحكى فيها طهارة ما لا تحله الحياة من الكلب و الخنزير مدعيا عليه الإجماع، مع الاستدلال بقوله تعالى:

مِنْ أَصْوٰافِهٰا وَ أَوْبٰارِهٰا وَ أَشْعٰارِهٰا أَثٰاثاً وَ مَتٰاعاً إِلىٰ حِينٍ فامتن علينا بان جعل لنا في ذلك منافع و لم يفرق بين الذكية و الميتة، و لا يجوز الامتنان بما هو نجس لا يجوز الانتفاع به، و بالأصل، و العمومات، و استصحاب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 271

..........

______________________________

طهارة الملاقي، و مشاركته لما كان من الميتة في أن كلا منهما لا تحله الحياة (و صحيح) زرارة عن الصادق (ع) عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر أ يتوضأ من ذلك الماء؟ قال: لا بأس (و الموثق) عن الحسين بن زرارة قال قلت فشعر الخنزير يعمل حبلا يستقى به الماء من البئر التي يشرب و يتوضأ منها؟ قال: لا بأس به (و صحيح) على بن جعفر عن أخيه (ع) عن

الرجل وقع ثوبه على كلب ميت قال: ينضحه بالماء و يصلى فيه و لا بأس.

(و في) الكل نظر بل منع (اما الإجماع) فلانفراده به كما اعترف به كثير منهم و انه لم يقل به أحد من الإمامية سواه (و اما الآية الشريفة) فما ذكره من الاستدلال بها مخالف لما هو المعلوم لغة و عرفا و شرعا من صدق الاسم على جميع ما تركب منه ذلك الحيوان و كان من جملته سواء كان مما تحله الحياة أم لا، و هذا بخلاف اسم الميتة المأخوذ فيه وصف الموت الغير الساري الى ما لا تحله الحياة، و اما الحال على ما وصفناه لغة و عرفا فظاهر، و أما شرعا فلأن الأخبار الناطقة بتعدي النجاسة بالملاقاة لأحد هذه الثلاثة الشاملة لجميع أجزائها حتى ما لا تحله الحياة منها بل الغالب في الملاقاة و الإصابة حصولها بالشعر كما هو ظاهر، و إنكار الجزئية لا سيما في العظم مكابرة.

(و أما الأصل و العمومات) فمنقطعة بالدليل المذكور على نجاستها بجميع اجزائها (و اما النصوص) المذكورة فهي قاصرة عن مقاومة ما دل على النجاسة، لإعراض الأصحاب عنها، مع إمكان حملها على محامل بعيدة (و اما موثق) الحسين بن زرارة فقد تضمن السؤال عن حال البئر دون الماء الذي في الدلو، فيكون دليلا على عدم تنجس البئر بملاقاة النجاسة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 272

[ (مسألة 1) الأجزاء المبانة من الحي مما تحله الحياة]

(مسألة 1) الأجزاء المبانة من الحي مما تحله الحياة كالمبانة من الميتة إلا الأجزاء الصغار كالثالول و البثور (1) و كالجلدة التي تنفصل من الشفة أو من بدن الأجرب عند الحك و نحو ذلك.

______________________________

(و اما صحيح) على بن جعفر فلا دلالة فيه بأن ملاقاة الثوب للكلب كان

برطوبة مسرية التي هي شرط في التنجيس، بل هو أعم من ذلك، و العام لا يدل على الخاص بوجه، فيجوز أن تكون الملاقاة بدون رطوبة مسرية و الأمر بالنضح للتنزه و رفع النفرة استحبابا. و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 1: (الأجزاء المبانة من الحي مما تحله الحياة كالمبانة من الميتة إلا الأجزاء الصغار كالثالول و الثور. إلخ).

لا يتوهم شمول ما ذكرناه من الحكم بالنجاسة للاجزاء المبانة لمثل البثور و الثؤلول و ما يعلو الجراحات و الدماميل و غيرها عند البرء، و ما يحصل في الأظفار و يتطاير من القشور عند الحك، و ما يعلو على الشفة و نحو ذلك من الأجزاء الصغار المبانة من الحي، كما صرح به المقدس الأردبيلي و كثير ممن تأخر، بل ربما استظهر بعضهم نفى الخلاف فيه، لمنع صدق القطعة على مثل ذلك عرفا، إذ غاية ما يمكن إثباته بالنصوص المتقدمة و فتاوى الأصحاب انما هو نجاسة الجزء المعتد به الذي ينفصل عن جسد الحي دون مثل المذكورات، و للأصل و الاستصحاب و للعسر و الحرج المنفيين آية و رواية (و لصحيح) على ابن جعفر عن أخيه (ع) عن الرجل يكون به الثؤلول أو الجرح هل يصلح له أن يقطع الثؤلول و هو في صلاته أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه؟

قال (ع): أن لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس، و إن تخوف أن يسيل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 273

[ (مسألة 2) فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة على الأقوى]

(مسألة 2) فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة على الأقوى (1)، و إن كان

______________________________

فلا يفعله، و عن الرجل يتحرك بعض أسنانه و هو في الصلاة هل ينزعه؟

قال (ع): ان كان لا يدميه فلينزعه، و ان

كان يدميه فلينصرف (فعن البحار) بعد حكايتهما عن قرب الاسناد، ان الأول: يدل على عدم نجاسة الأجزاء الصغار المنفصلة عن الإنسان، لإطلاق نفى البأس عن مسها، الشامل لكونه برطوبة مع كون المقام مقام تفصيل، و ان الثاني: يعطى بإطلاقه عدم نجاسة القطعة التي تنفصل غالبا مع السن، و انه لا يصدق عليها القطعة ذات العظم، إما لعدم صدق القطعة عليهما عرفا، أو عدم كون السن عظما. انتهى.

(و قد يستدل) على ذلك أيضا بمثل ما دل على جواز الصلاة في الثوب الذي أخذ عليه الشارب و الظفر. مع عدم نفضه، و عدم غسل اليد و طهارة السكين، لأن الغالب ان يقطع مع الظفر من البدن شي ء، و لو لم يكن لازما فلا شك انه قد يكون معه ذلك فترك التفصيل يدل على المطلوب (و يشهد) للطهارة سيرة المتشرعة إذ لم يعهد عنهم التجنب عن مثل هذه الأمور، (نعم) لو كانت تلك الأجزاء منفصلة من ميت فالوجه نجاستها (للاستصحاب) و ثبوت حكم الجملة لجميع الأجزاء (و لصحيح) حريز المتقدم في المسألة السابقة فإنه كالصريح في الفرق بين الصوف و نحوه المأخوذ من الحي و أنه ذكي، و بين المأخوذ من الميت المأمور بغسله لإزالة الأجزاء المتصلة به، و لا يقدح كونه في الشاة، إذ الظاهر عدم الفرق بين الإنسان و غيره كما حكى التصريح به عن المقدس الأردبيلي و غيره. و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 2: (فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة على الأقوى. إلخ).

يقع الكلام في هذه المسألة من جهتين: (الأولى) في فارة المسك

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 274

الأحوط الاجتناب عنها، نعم لا إشكال في طهارة ما فيها من المسك، و اما المبانة

من الميت ففيها اشكال و كذا في مسكها، نعم إذا أخذت من يد المسلم يحكم بطهارتها و لو لم يعلم أنها مبانة من الحي أو الميت.

______________________________

و (الثانية) في المسك نفسه.

(اما من الجهة الأولى) فقد فصل (قده) بين فارة المسك المبانة من الحي، فقوى طهارتها و بين المبانة من الميت، فاستشكل في طهارتها.

(و اما الجهة الثانية) ففي المسك نفسه مع غض النظر عن فاره، فجزم بطهارة المأخوذ من الحي، و استشكل في المأخوذ من الميت.

(أقول) اما الكلام في فارة المسك و هي الجلدة التي هي و عاء المسك، (فذهب) قوم الى نجاستها مطلقا لتصريحهم بنجاسة ما ينفصل من الحي من الأجزاء التي تحلها الحياة، و بها صرح كاشف اللثام سواء انفصلت من حي أو ميت إلا إذا كان ذكيا، لعموم ما دل على نجاسة المنفصل و لو من حي، (و ذهب قوم) الى طهارتها مطلقا، كما حكى ذلك عن العلامة (ره) في التذكرة و النهاية، و الشهيد في الذكرى و غيرهما، فإنهم صرحوا باستثنائها من القطعة المبانة التي حكم بنجاستها، سواء انفصلت من الظبي في حياته أو بعد موته فلا تنجس، بل عن العلامة في التذكرة و الشهيد في الذكرى الإجماع عليه للأصل، و الاستصحاب، بعد الشك في اندراجها فيما دل على نجاسة القطعة المبانة من الحي، و بعد الشك في اندراجها في اجزاء الميتة المحكوم بنجاستها، لما هو المعروف و المشهور: انها جراب صغير يخرج من سرة الظبية فتبقى متصلة بها حتى تبلغ فتورثها الحكة فتسقط بها، و أن اللّه تعالى جعل ذلك ثمرة الظباء في كل سنة كالشجرة، و حكى عن الطبري انها مودعة في جوفها فاذا بلغت ألقتها

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى،

ج 1، ص: 275

..........

______________________________

كما تلقى الولد و كما يلقى الطير البيضة (و فحوى) ما دل على طهارة المسك (و صحيحة) على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام عن فارة المسك تكون مع الرجل يصلى و هي معه في جيبه و ثيابه؟ فقال عليه السّلام: لا بأس بذلك أ ه. فإن إطلاقها شامل للمبانة من الحي و للمبانة من الميت.

و في الكل نظر (أما الأصل) فمقطوع بأنها عرفا قطعة مبانة من الظبي، و كذلك الاستدلال بالفحوى لعدم الملازمة بين طهارة المسك و طهارة وعائه، لجواز كونه كالإنفحة و اللبن في الضرع الميت، و اما الصحيحة فمع ابتناء الاستدلال بها على عدم جواز حمل النجس في الصلاة الذي هو محل الكلام، يتوجه عليه جريها مجرى الغالب من كونها مأخوذة من يد المسلم التي هي أمارة الطهارة، مع ما سمعت من غلبة انفصالها عن الحي، فلا تدل على طهارتها مطلقا، بل ربما يقال بوجوب تقييدها بصحيحة عبد اللّه بن جعفر قال كتبت إليه- يعني أبا محمد عليه السّلام- هل يجوز للرجل أن يصلى و معه فارة مسك؟ قال: لا بأس بذلك إذا كان ذكيا.

(و ذهب آخرون) الى التفصيل بين ما أخذت من حي أو مذكى فطاهرة، و ان أخذت من ميتة فنجسة، و حكى ذلك عن (المنتهى، و كشف الالتباس) و وجهه: قصور ما دل على نجاسة القطعة المبانة من الحي عن مثل هذه الجلدة التي هي و عاء المسك التي تعد في العرف من فضول البدن كسائر الأشياء التي لا يعتد بها عند انفصالها عن الحي، و اما الميتة فينجس منها جميع أجزائها التي حل فيها الحياة مطلقا، هذه أقوال القوم مع أدلتهم (و الأقرب) نجاستها مطلقا سواء

انفصلت من حي أو ميت، إلا إذا كان ذكيا، لعدم الوقوف على دليل واف بطهارتها يركن اليه و تطمئن النفس

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 276

..........

______________________________

به، و قد عرفت بما ذكرنا انه لا وجه للتفصيل بين المبانة من حي أو من ميت، بعد عد تلك الجلدة عرفا من اجزاء الظبي، نعم لو أخذت من مسلم حكم بطهارتها و ذكاتها بعد ما علم ان يده أمارة عليهما.

(و اما الكلام من الجهة الثانية) أي من جهة المسك نفسه، مع غض النظر عن وعائه، فلا شبهة بل لا خلاف في طهارته في الجملة، بل عن التذكرة و المنتهى الإجماع على طهارته (و يدل عليه) سيرة المسلمين قديما و حديثا على استعماله، بل (روى) ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يحبه (و عن) عبد اللّه ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مسكة إذا هو توضأ أخذها بيده و هي رطبة، فكان إذا خرج عرفوا انه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم برائحته، بل لا يبعد طهارة مطلق المسك بجميع أقسامه التركي و الهندي و غيرهما لإطلاق دليله كالأخبار الواردة في كتابة الأدعية و العوذ به مثل جنة الأسماء المروية عن أمير المؤمنين عليه السّلام و غيرها من الإحراز المأثورة عن أئمة الهدى (عليهم السّلام) مع اشتمالها على أسماء اللّه العظام، و لم تقيد كتابتها بقسم خاص أو نوع مخصوص منه، و كذلك ما سمعته من دعوى الإجماع على طهارته، و لم يخصص المجمعون موضوع حكمهم بخصوص قسم خاص منه و قد سمعت من التذكرة و المنتهى دعوى

الإجماع على طهارته مطلقا، فبناء على نجاسة فاره كما اخترناه يكون حال ما فيها حال الأنفحة و اللبن في الضرع، بل ما نحن فيه أقل إشكالا منهما، لميعان ما في الإنفحة و الضرع فينجس عند موت الحيوان بالعرض، لملاقاته للميتة بناءا على أن الإنفحة هو الماء الأصفر المظروف دون ظرفه- أعنى الجلدة- (فيتسائل) حينئذ ما معنى الحكم بطهارته مع انه لا ينفك عن النجاسة العرضية أو يلتزم بتخصيص أدلة النجاسة في موردهما فلا ينجس ما في الأنفحة بملاقاتها- أعنى الجلدة-

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 277

..........

______________________________

و لا ما في الضرع بملاقاته، و هذا لا يدل عليه الدليل الدال على طهارة الإنفحة و اللبن في الضرع إلا بالملازمة العقلية لئلا يخلو دليل طهارتهما عن الفائدة بخلاف المسك في فأره، فإنه إذا كان جامدا حال انفصاله من الحي أو قبل موت الحيوان فلا يلزم محذور كان يلزم فيما تقدم من الحكم بما لا فائدة فيه، أو تخصيص شي ء من الأدلة العامة أو الخاصة، مع أن الظاهر من تعريفهم له كما تقدم نقله من أن المعروف و المشهور: من أنها جراب صغير يخرج من سرة الظبية فتبقى متصلة بها حتى تبلغ فتورثها الحكة فتسقط بها، و أن اللّه تعالى جعل ذلك ثمرة الظباء في كل سنة كالشجرة، هو جمود ما فيها قبل الحكة و السقوط، و هو المراد ببلوغها فلا تعرضها النجاسة، إذ لا ميعان و لا سراية موجبان للنجاسة لسقوطها جامدة، هذا في الحي منها، و كذلك في الميت على فرض موته بعد جمود ما في الجلدة فليس النجس في الموضعين إلا الجلدة نفسها، و كذا الحكم بالطهارة مع الشك في التأريخين- أى تاريخي الموت

و الجمود- لقاعدة الطهارة، و كذا مع العلم بتاريخ الانجماد و الشك بتاريخ الموت لاستصحاب مجهول التأريخ الى حين الانجماد.

و ذكر بعض الأعلام في حاشيته ان الحكم كذلك لو علم بتاريخ الموت و شك في تاريخ الانجماد، و أظن أنه بزعم ان الأصل مثبت فيه و هو عندي عاجلا محل نظر و إشكال في الحكم بالطهارة في هذه الصورة، (نعم) يبقى اشكال فيما ذكره (قده) من قوله: (نعم إذا أخذت من يد المسلم يحكم بطهارتها و لو لم يعلم أنها مبانة من الحي أو الميت) ا ه. بل لا إشكال في طهارتها في الصورة المذكورة و لو أخذت من يد الكافر، إذ لا خصوصية لجريان قاعدة الطهارة بالمأخوذ من يد المسلم، بل الفارة المشكوك انفصالها من الحي و الميت يحكم بطهارتها و لو لم تؤخذ من يد المسلم، و لا أثر للأخذ من يده في المقام

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 278

[ (مسألة 3) ميتة ما لا نفس له طاهرة كالوزغ و العقرب و الخنفساء]

(مسألة 3) ميتة ما لا نفس له طاهرة كالوزغ و العقرب و الخنفساء (1) و السمك و كذا الحية و التمساح و ان قيل بكونهما ذا نفس لعدم معلومية ذلك، مع انه إذا كان بعض الحيات كذلك لا يلزم الاجتناب عن المشكوك كونه كذلك.

______________________________

أصلا، و اللّه العالم بأحكامه.

قوله قده مسألة 3: (ميتة ما لا نفس له، طاهرة كالوزغ و العقرب و الخنفساء. إلخ)

عدم نجاسة ميتة غير ذي النفس، فالذي يدل عليه الإجماع، كما اعترف به كثير منهم، و الأصل المقرر بوجوه و النصوص المستفيضة (منها) ما عن عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عليه السّلام عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك،

يموت في البئر و السمن و الزيت و شبهه، قال:

كل ما ليس له دم فلا بأس. (و منها) ما عن حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه (ع) قال: لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة.

(و منها) ما عن ابن مسكان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام كل شي ء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب و الخنافس و أشباه ذلك فلا بأس. (و منها) ما عن سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن جرة رجل فيها خنفساء قد مات قال:

ألقه و توضأ منه، و ان كان عقربا فأرق الماء و توضأ من ماء غيره. الحديث (و منها) ما عن محمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة. (و منها) ما عن قرب الإسناد عن على بن جعفر أنه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السّلام عن العقرب و الخنفساء و أشباههما يموت في الجرة أو الدّن يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا بأس.

و أما إلحاق الحية و التمساح بحكم ما لا نفس له و ان قيل بكونهما ذا نفس

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 279

[ (مسألة 4) إذا شك في شي ء أنه من أجزاء الحيوان أم لا]

(مسألة 4) إذا شك في شي ء أنه من أجزاء الحيوان أم لا فهو محكوم بالطهارة و كذا إذا علم أنه من الحيوان لكن شك في أنه مما له دم سائل أم لا (1)

[ (مسألة 5) المراد من الميتة أعم مما مات حتف أنفه]

(مسألة 5) المراد من الميتة أعم مما مات حتف أنفه أو قتل أو ذبح على غير الوجه الشرعي (2).

[ (مسألة 6) ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة]

(مسألة 6) ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة و إن لم يعلم تذكيته (3)، و كذا ما يوجد في أرض المسلمين مطروحا إذا كان

______________________________

لما ذكره (قدس سره) من عدم معلومية ما ذكروه من كونهما ذا نفس و الشبهة موضوعية لا يجب البحث عنها قطعا كالرطوبة المترددة بين البول و الماء. مع استصحاب طهارة الملاقي لهما.

قوله قده مسألة 4: (إذا شك في شي ء انه من أجزاء الحيوان أم لا فهو محكوم بالطهارة، و كذا إذا علم أنه من الحيوان لكن شك في أنه مما له دم سائل أم لا. أ ه).

________________________________________

شبر، سيد على حسينى، العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، 2 جلد، مطبعة النجف، نجف اشرف - عراق، اول، 1383 ه ق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 279

وجه ما ذكره قدس سره من الحكم بالطهارة في الفرعين المزبورين:

هو أنهما من الشبهة في الموضوع التي لا يجب البحث عنها، مع جريان قاعدة الطهارة فيهما، و استصحاب طهارة الملاقي لهما.

قوله قده مسألة 5: (المراد من الميتة أعم مما مات حتف أنفه، أو قتل، أو ذبح على غير الوجه الشرعي. ا ه)

الموت لغة: ضد الحياة، فيشمل حتى المذكى، و شرعا: ما لم يذك على الوجه الشرعي، فلا يختص لفظ الميت بما مات حتف أنفه، فيشمله و كل ما لم تقع عليه الذكاة الشرعية.

قوله قده مسألة 6: (ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة و ان لم يعلم تذكيته. إلخ)

لا إشكال في أن الأصل الأولى

في اللحوم و الشحوم و الجلود من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 280

عليه أثر الاستعمال لكن الأحوط الاجتناب.

______________________________

ذي الأنفس: النجاسة، و عدم جواز استعمالها في الأكل و الشرب و غيرهما من الأشياء المشروطة بالطهارة، للحكم بأنها ميتة باستصحاب عدم التذكية، و لا يعارض ذلك باستصحاب عدم الموت حتف الأنف، إذ نفى أحد الضدين لا يثبت الضد الآخر، إلا على القول بالأصل المثبت، مع ان حرمة الحيوان و نجاسته لا يختصان بما مات حتف أنفه، بل هما من آثار زهاق الروح بغير الوجه الذي اعتبره الشارع سببا لحليته و طهارته، سواء مات حتف أنفه، أو فقد شرطا من شرائط التذكية كعدم قطع الأوداج، أو عدم الاستقبال أو عدم التسمية، أو لم يكن الذابح مسلما، أو كان الذبح بغير الحديد. بناءا على اعتباره، و كل من هذه أمر وجودي منفي عند الشك فيه بأصالة عدمه، فلا بد في الخروج عن هذا الأصل و الحكم بالطهارة، و اباحة الأكل، و جواز الاستعمال، من إحراز التذكية، إذ هي الموضوع لهذه الأحكام في لسان الأدلة، و ذلك اما بالعلم الوجداني، أو بأمارة معتبرة شرعا كالبينة، و اخبار ذي اليد، و يد المسلم، و سوقه.

و مما يدل على أمارية اليد و السوق اللذين هما محل الكلام في مسألتنا، إذ أدلة ما سواهما موكولة إلى محلها، مضافا الى استقرار السيرة عليه، و عدم الخلاف فيه بحسب الظاهر: جملة من الأخبار. (منها) خبر إسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه السّلام: لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام، قلت: فاذا كان فيها غير أهل الإسلام، قال: إذا كان الغالب عليها

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1،

ص: 281

[ (مسألة 7) ما يؤخذ من يد الكافر أو يوجد في أرضهم محكوم بالنجاسة]

(مسألة 7) ما يؤخذ من يد الكافر أو يوجد في أرضهم محكوم بالنجاسة إلا إذا علم سبق يد المسلم عليه.

______________________________

المسلمون فلا بأس (و خبر) إسماعيل بن موسى عن أبيه سألت أبا الحسن (ع) عن جلود الفراء أ يسئل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير محارف؟ قال:

عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك. (و منها) ما عن الكليني بإسناده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشترى جبة فراء فلا يدرى أذكيه هي أم غير ذكية، أ يصلى فيها؟ قال:

نعم ليس عليكم المسألة، ان أبا جعفر عليه السّلام كان يقول: ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، ان الدين أوسع من ذلك (و عن الصدوق) بإسناده عن سليمان بن جعفر الجعفري عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليه السّلام مثله.

(و عن) أحمد بن محمد بن أبى نصر عن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشترى الخف لا يدرى أ ذكي هو أم لا؟ ما تقول في الصلاة فيه؟

و هو لا يدرى أ يصلى فيه؟ قال: نعم، أنا أشترى الخف من السوق، و يصنع لي، و أصلي فيه، و ليس عليكم المسألة، (و رواية) الحسن بن الجهم قال:

قلت لأبي الحسن عليه السّلام: اعترض السوق فاشترى خفا لا أدرى اذكى هو أم لا؟

قال: صل فيه قلت: فالنعل؟ قال: مثل ذلك فلت: إني أضيق من هذا، قال: أ ترغب عما كان أبو الحسن عليه السّلام يفعله!؟ الى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المضمار و في الجبن و نحوه.

و ينبغي التنبيه على مسائل مهمة متعلقة بما نحن فيه (الأولى) بعد ما عرفت أن يد المسلم

امارة على التذكية فهل يد الكافر أمارة على العدم أم لا؟

و إنما حكم بأنه ميتة مع يد الكافر لأصالة عدم التذكية السالمة عما يحكم عليها من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 282

..........

______________________________

يد مسلم أو سوقه أو أرضه، قولان: نقل أولهما عن شيخ مشايخنا في الجواهر تبعا لأستاذه كاشف الغطاء، مستدلا على ذلك باستفادته من خبر إسحاق بن عمار المتقدم ذكره عن العبد الصالح عليه السّلام: لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام قلت: فان كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال:

إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس. الدال بمفهومه على ثبوت البأس مع عدم الغلبة في المجهول فضلا عما علم كفره، و خبر إسماعيل بن موسى عن أبيه سألت أبا الحسن عليه السّلام عن جلود الفراء أ يسئل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير محارف؟ قال: عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك.

بناءا على ان الأمر بالسؤال من جهة الميتية، و من تقديم يد الكافر على أرض المسلمين و سوقهم في الحكم بكون المأخوذ منه ميتة، إذ لو لم تكن يد الكافر أمارة لم يكن مجرى للأصل المحكوم لامارة السوق، و ليس إلا لكون اليد امارة، فتكون من تعارض الأمارتين، و أقوائية امارة اليد من السوق. و فيهما نظر اما خبر إسحاق فلأعميته مما ذكره لكفاية الأصل الموجب للاجتناب في ثبوت البأس، و اما خبر إسماعيل فلظهور الإلزام بالسؤال في عدم أمارية يد الكافر، و إلا لوجب الاجتناب عنه من دون فحص. و اما تقديم يد الكافر على سوق المسلمين فإنما هو لقصور السوق عن كونه امارة فيما كان في يد الكافر فعلا المعلوم كفره، بل

الظاهر أن اعتبار السوق ليس لكونه بنفسه كاليد حجة معتبرة، بل لكونه أمارة يستكشف بها كون البائع مسلما، فالعبرة أولا و بالذات انما هي بيد المسلم، و السوق انما اعتبر لكونه طريقا للحجة لا لكونه بنفسه حجة، فلا عبرة به لو علم كون البائع مشركا، و ان احتمل تلقيه المبيع من مسلم، فيجب في مثل الفرض الفحص عن حال المبيع و إحراز

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 283

..........

______________________________

كونه مذكى، و لو باستكشاف كونه متلقيا من مسلم، كما يشهد لذلك الخبر المزبور، فالتقديم فيه ليس إلا للأصل السالم عما يحكم عليه من أدلة السوق الدالة على حكم مجهول الحال دون معلوم الكفر و بما ذكرنا ظهر لك: ان يد الكافر ليست امارة على الميتية حتى تعارض يد المسلم التي هي امارة على التذكية تعارض الأمارتين الموجب للترجيح بينهما بل هو من باب تقابل الامارة و عدم الامارة، لا امارة العدم حتى يلتمس الترجيح، و حيث اتضح لك ما ذكرنا ظهر لك: انه لا شك في الحكم بتذكية الذبيحة المشتركة بين المسلم و الكافر الموجودة في يديهما معا لقيام الامارة عليها من يد المسلم الحاكمة على أصالة عدم التذكية و ان كانت في يد الكافر أيضا، لما عرفت من عدم كون يده امارة على العدم، فهي بحكم العدم في قبال يد المسلم فلم يبق الأصل المحكوم لها، و مع عدم يد لمسلم: فالمرجع الأصل لا أمارية يد الكافر، فاتضح بما ذكرنا انه لا تعارض بينهما ليطلب الترجيح كما ذكره شيخ الجواهر قدس سره.

(الثانية) انه يظهر من رواية إسحاق بن عمار عدم اختصاص الحكم بما يشترى من السوق بل يطرد فيما صنع في أرض الإسلام، بل

في أرض يكون غالب أهلها المسلمون، كما يشهد لذلك خبر السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ان أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة يكثر لحمها و خبزها و جبنها و بيضها، و فيها سكين، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: يقوم ما فيها ثم يؤكل، لأنه يفسد و ليس له بقاء، فاذا جاء طالبها غرموا له الثمن، قيل له يا أمير المؤمنين: لا يدرى سفرة مسلم أم سفرة مجوسي!؟ فقال: هم في سعة حتى يعلموا. و كيف كان فالذي يظهر من الأدلة و يقوى في النظر: أن أصالة عدم التذكية جارية في كل ما شك في ذكاته ما لم يعلم بجريان يد مسلم عليه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 284

..........

______________________________

و تصرفه فيه تصرفا مشروطا بالتذكية، كما قد وجدنا جلدا مطروحا في الأرض و علمنا بأنه كان يصلى فيه مسلم، عومل معه معاملة المذكى، و إن علم بكونه مسبوقا بيد كافر، أو ملحوقا بها، فضلا عما لم يعلم شي ء منهما، من غير فرق بين كونه في أرض المسلمين أو غيرها، فان يد المسلم حجة قاطعة لأصالة عدم التذكية، و كذا ما كان في سوق أو أرض غالب أهلها المسلمون، فيحكم بتذكيته، ما لم يعلم بكون من كان متصرفا فيه كافرا و إن كان في يد مجهول الحال، أو مطروحا على الأرض و كان عليه أثر الاستعمال، بأن كان جلدا مذبوحا، أو لحما مطبوخا، أو مقطوعا بسكين و نحوه بحيث تميز عن فعل السباع و نحوها: بنى على كون من تصرف فيه مسلما و كون عمله محمولا على الصحيح و أما ان تلقاه من كافر أو من مجهول الحال في

أرض يكون غالب أهلها الكفار، أو كان مطروحا على أرض كذلك أو على ارض المسلمين و لم يكن عليه أثر الاستعمال، و احتمل كونه من أفعال السباع و نحوها: عومل معه معاملة غير المذكى، لأصالة عدم التذكية.

(الثالثة): يشكل الأمر بناءا على القول الآخر الذي اختاره شيخنا في الجواهر: من أن يد الكافر امارة الميتية. و عدم التذكية فيما لو كان السابق من اليدين أو السوقين ما هو أمارة الميتية، لعدم المانع منها بعد انفرادها عما يعارضها من أمارة التذكية، فلا يجدي لحوق امارة التذكية، إذ لا يتعقل لحوق التذكية بعد الموت، ضرورة كون الأمارة كاشفة عن تحقق الموضوع الذي هو مؤداها، و كان كشفا ظنيا، إذ الشارع اعتبرها في مرحلة الكاشفية، و ليست الامارة كالأصل الذي هو وظيفة عملية، لا نظر فيه للواقع، فعليه:

لا مناص عن الحكم بأنه ميتة و إن تعقبه يد المسلم و سوقه.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 285

[ (مسألة 8) جلد الميتة لا يطهر بالدبغ]

(مسألة 8) جلد الميتة لا يطهر بالدبغ و لا يقبل الطهارة شي ء من الميتات سوى ميت المسلم فإنه يطهر بالغسل. (1)

______________________________

(الرابعة): حيث حكم على الجلد و نحوه بعدم التذكية الراجع إلى الميتة سواء كان للأصل المجرد عن كل يد أو كان عليه يد كافر أو سوقه بناءا على ما اخترناه من عدم كونهما امارة على الميتية، ثم قامت احدى أمارات التذكية من يد المسلم و نحوها. فهل هي على نحو الكشف بمعنى جريان حكم المذكى عليه مثلا فيما مضى من الأفعال فيحكم بطهارة جميع الاستعمالات السابقة و صحة جميع الصلوات الواقعة فيها غفلة؟ أو من حين قيام الامارة على نحو النقل فيحكم بنجاسة ما لاقاه قبل ذلك الى حين قيام أمارة

التذكية؟ وجهان: أقواهما و أقربهما: الأول، لما تقدم قريبا من أن الامارة مؤداها الكشف عن الواقع، و ثبوت مؤداها في الواقع و ان كان في مرحلة الظاهر لكون الكشف ظنيا لا علميا كما عرفت. و اللّه العالم بحقيقة أحكامه.

قوله قده مسألة 8: (جلد الميتة لا يطهر بالدبغ، و لا يقبل الطهارة شي ء من الميتات سوى ميت المسلم فإنه يطهر بالغسل. أ ه.).

لا يخفى أنه يكفى أولا في عدم طهارة شي ء من الميتات حتى الجلد منها و ان دبغ: الأصل فإن نجاسة كل ذي نفس بالموت مما لا شك فيه و لا شبهة تعتريه، و الإجماع منقولا و محصلا قائم عليه. فتستصحب تلك النجاسة حتى يثبت المزيل و الرافع لها، و ليس فليس. و ثانيا: أن كل ما يقبل الطهارة مع بقاء عينه هو ما كانت نجاسته عرضية لا ما كانت نجاسته ذاتية، فإنه لا يقبلها ما عدا ميت الإنسان للدليل الآتي فيه. و ثالثا: الأخبار الخاصة في عدم طهارة جلد الميتة و أن دبغ، و ليس ذلك لخصوصية فيه، بل لأنه ميتة. فتكون الأخبار الواردة في الجلد دليلا على عدم طهارة الميتة مطلقا، جلدا كانت أو غيره، لأنه يكون من منصوص العلة. فيدور الحكم مدارها سعة و ضيقا،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 286

..........

______________________________

و قد تقدمت تلك الأخبار مفصلة في مبحث نجاسة الميتة من ذي النفس، و لا بأس بإعادة بعضها تتميما للفائدة في مسألتنا. (منها) رواية أبي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حديث عن على بن الحسين عليه السّلام كان يبعث الى العراق فيؤتى من قبلهم بالفرو، فيلبسه فاذا حضرت الصلاة ألقاه و ألقى القميص الذي يليه، فكان يسئل

عن ذلك فقال: إن أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة و يزعمون أن دباغه ذكاته. (و منها) صحيحة محمد بن مسلم قال: سألته عن جلد الميتة أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال: لا و أن دبغ سبعين مرة.

(و منها) موثقة سماعة قال: سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: إذا رميت و سميت فانتفع بجلده، و اما الميتة فلا. (و منها) خبر عبد الرحمن بن الحجاج قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أنى أدخل سوق المسلمين أعنى هذا الخلق الذي يدعون الإسلام فاشترى منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها: أ ليس هي ذكية؟

فيقول: بلى. فهل يصلح لي أن أبيعها على انها ذكية؟ فقال: لا و لكن لا بأس أن تبيعها و تقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنها ذكية، قلت: و ما أفسد ذلك؟ قال: استحلال أهل العراق للميتة، و زعموا أن دباغ جلد الميتة ذكاته ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. (و عن الصادق عليه السّلام عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الميتة نجس و أن دبغت. الى غير ذلك من الأخبار التي ظاهرها بل صريحها أن لا طريق لتطهير الميتة جلدا كانت أو غيره، و أن ما زعموه من أن تطهير جلدها و ذكاته بدبغه، فهو كذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لو كان لتطهيرها طريق سوى ما زعموه لذكره عليه السّلام.

و أما طهارة الميت المسلم بالغسل فللإجماع من الفريقين منقولا و محصلا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 287

[ (مسألة 9) السقط قبل ولوج الروح نجس]

(مسألة 9) السقط قبل ولوج الروح

نجس و كذا الفرخ في البيض. (1)

______________________________

و للأخبار الخاصة. (منها) ما رواه الكليني عن إبراهيم بن ميمون قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميت قال: ان كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، و أن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه. و غيره من الأخبار بهذا المضمون و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 9: (السقط قبل ولوج الروح نجس، و كذا الفرخ في البيض. ا ه).

لا يخفى أن السقط بعد ولوج الروح فيه ميتة كغيره، يجب الغسل بمسه لصدق الميت عليه، و اما قبل الولوج بان كان دون الأربعة أشهر فمحل اشكال و خلاف، قال شيخ الجواهر (قده): و السقط بعد ولوج الروح كغيره يجب بمسه الغسل قطعا. لتناول الأدلة، و ولوجها بعد تمام أربعة أشهر.

أما قبل الولوج بان كان دون الأربعة، فعن المفيد أنه لا يجب الغسل بمسه. و قواه في المنتهى قال فيه: لأنه لا يسمى ميتا، إذ الموت انما يكون من حياة سابقة، و هو انما يتجه بأربعة أشهر. نعم يجب غسل اليد، انتهى.

قلت: و هو جيد، لكن قد يشكل بان المتجه حينئذ الحكم بطهارته، و ان نفى الخلاف في نجاسته النار باقي في لوامعه لعدم تناول اسم الميتة فلا يجب غسل اليد منه. اللهم إلا أن يقال: ان نجاسته حينئذ لا لصدق الميتة بل لأنه قطعة أبينت من حي- و فيه: مع بعده في نفسه، و عدم انصراف دليل القطعة إلى مثله، و كونه على هذا التقدير من اجزاء الحي التي لا تحلها الحياة إلا على اعتبار الشأنية: أنه لا وجه لإطلاق القول بعدم وجوب الغسل بمسه بناءا على ذلك بل المتجه

حينئذ التفصيل بين المشتمل على العظم منه و عدمه كالقطعة المبانة من حي، و القول بعدم اشتماله على عظم أصلا قبل ولوج الروح

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 288

[ (مسألة 10) ملاقاة الميتة بلا رطوبة مسرية لا توجب النجاسة على الأقوى]

(مسألة 10) ملاقاة الميتة بلا رطوبة مسرية لا توجب النجاسة على الأقوى و إن كان الأحوط غسل الملاقي خصوصا في ميتة الإنسان قبل الغسل. (1)

______________________________

حتى الرأس غير ثابت، بل لعل الثابت مما دل على تمام خلقته قبل ولوج الروح خلافه، و اللّه أعلم. انتهى عبارة الجواهر و لقد أجاد فيما أفاد، و ذكر كل ما يمكن أن يقال، و على كل حال. فلا دليل على وجوب الغسل و لا على النجاسة بمس السقط قبل ولوج الروح، بل الدليل من البراءة الشرعية و العقلية و استصحاب عدم التكليف في الأول، و طهارة الملاقي في الثاني: على عدم الوجوب، هذا و الاحتياط لا يخفى حسنه و انه سبيل النجاة و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 10: (ملاقاة الميتة بلا رطوبة مسرية لا توجب النجاسة على الأقوى، و ان كان الأحوط غسل الملاقي خصوصا في ميتة الإنسان قبل الغسل. ا ه)

المشهور بين أصحابنا بل كاد أن يكون إجماعا أن كلما حكم بنجاسته شرعا لا يؤثر في نجاسة ما يلاقيه بلا رطوبة مسرية، و أن كانت الملاقاة للميتة، بل و أن كانت ميتة الإنسان. و الذي يدل عليه أولا: الأصل فإنه يشك في التأثير و التأثر بلا رطوبة مسرية فيستصحب عدمهما. و ثانيا: ما ورد في موثقة ابن بكير: كل يابس ذكي. و ثالثا: الأخبار الخاصة الدالة على تعدى النجاسة مع الملاقاة و الرطوبة، لا مع اليبوسة التي عقد لها في الوسائل بابا بهذا العنوان الذي ذكرناه. نعم: يستحب

نضح الثوب بالماء إذا لاقى الميتة أو الخنزير أو الكلب بغير رطوبة لما سيتلى عليك. (منها) ما عن العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر، و قد عرق ذكره و فخذه قال: قال: يغسل ذكره و فخذه.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 289

..........

______________________________

فمفهوم القيد انه لو لم يعرق ذكره و فخذه لا يغسلهما، و هو صريح الدلالة على المدعى. (و منها) عن حماد عن حريز عن الفضل أبي العباس قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله، و إن مسه جافا فاصبب عليه الماء (و منها) عن حماد عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا مس ثوبك كلب فان كان جافا فانضحه، و أن كان رطبا فاغسله.

(و منها) عن القاسم عن على عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الكلب يصيب الثوب؟ قال: أنضحه، و ان كان رطبا فاغسله. (و منها) عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل يصلح له الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال: ليس عليه غسله و يصلى فيه و لا بأس. (و منها) عن موسى بن القاسم عن على بن محمد (ع) قال: سألته عن خنزير أصاب ثوبا و هو جاف هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال: نعم ينضحه بالماء ثم يصلى فيه. (و منها) عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: سألته عن الرجل وقع ثوبه على كلب ميت؟ قال: ينضحه بالماء و

يصلى فيه و لا بأس (و منها) عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر، و ذكر الحديث الذي قبله و زاد: و سألته عن الرجل يمشي في العذرة و هي يابسة فتصيب ثوبه و رجليه هل يصلح له أن يدخل المسجد فيصلي و لا يغسل ما أصابه؟ قال: ان كان يابسا فلا بأس (و منها) عن على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال: سألته عن الفراش يصيبه الاحتلام كيف يصنع به؟

قال: اغسله و ان لم تفعله فلا تنام عليه حتى ييبس، فان تمت عليه و أنت رطب الجسد فاغسل ما أصابك من جسدك، فان جعلت بينك و بينه ثوبا فلا بأس.

(و منها) عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن ثياب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 290

..........

______________________________

اليهودي و النصراني ينام عليه؟ قال: لا بأس. (و منها) عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن المكان يغتسل فيه من الجنابة أو ينام فيه أ يصلح أن يفرش؟ قال: نعم إذا كان جافا قال: رسالته عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتلقى عليه من العذرة، فيصيب ثوبه و رأسه يصلى فيه قبل أن يغسله؟ قال: نعم ينفضه و يصلى فلا بأس. (و منها) عن الحكم بن حكيم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام انى أغدو إلى السوق فاحتاج الى البول و ليس عندي ماء ثم أتمسح و أتنشف بيدي ثم أمسحها بالحائط و بالأرض ثمّ أحك جسدي بعد ذلك؟ قال: لا بأس (و منها) عن محمد بن مسلم في حديث أن أبا جعفر عليه السّلام وطئ على عذرة يابسة فأصاب

ثوبه، فلما أخبرته قال: أ ليس هي يابسة؟! فقلت: بلى فقال: لا بأس. (و منها) عن ابن مسكان عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يطأ في العذرة أو البول أ يعيد الوضوء؟ قال: لا و لكن يغسل ما أصابه قال الكليني و في رواية أخرى:

إذا كان جافا فلا يغسله. و هناك أخبار أخر يطول شرحها، و فيما ذكرناه كفاية، هذا و قد ذهب بعضهم الى ان الميتة مطلقا تؤثر في تنجيس ملاقيها و ان لم تكن رطوبة مسرية، و خص بعضهم ذلك بميت الإنسان و مستندهم:

إطلاق بعض الأخبار، و هي مستند احتياط المصنف قدس سره. و لا يخفى أن المنساق من مطلقاتها: غسله إذا تأثر به و لا تأثر بدون رطوبة لما هو المركوز في الأذهان من عدم الاستقذار بمجرد ملاقاة القذارة ما لم يكن في البين رطوبة. مع أن ما ذكرنا من التفصيل بين الرطب و الجاف مقيد لمطلقاتها، و لا يخفى حسن الاحتياط و اللّه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 291

[ (مسألة 11) يشترط في نجاسة الميتة خروج الروح من جميع جسده]

(مسألة 11) يشترط في نجاسة الميتة خروج الروح من جميع جسده فلو مات بعض الجسد و لم تخرج الروح من تمامه لم ينجس. (1)

[ (مسألة 12) مجرد خروج الروح يوجب النجاسة]

(مسألة 12) مجرد خروج الروح يوجب النجاسة و أن كان قبل البرد من غير فرق بين الإنسان و غيره، نعم وجوب غسل المس للميت الإنساني مخصوص بما بعد برده (2).

______________________________

قوله قده مسألة 11: (يشترط في نجاسة الميتة خروج الروح من جميع جسده، فلو مات بعض الجسد و لم تخرج الروح من تمامه لم ينجس. ا ه).

و ذلك لعدم صدق الميت عليه ما دامت الروح لم تخرج من تمام بدنه، بل يصدق الحي عليه حينئذ، و يكفينا في عدم ترتيب آثار الميتة و أحكامها عليه الاستصحاب الموضوعي و الحكمي الجاريان في المقام بلا معارض.

قوله قده مسألة 12: (مجرد خروج الروح يوجب النجاسة، و أن كان قبل البرد، من غير فرق بين الإنسان و غيره. نعم وجوب غسل المس للميت الإنساني مخصوص بما بعد برده. ا ه).

لا يخفى انه لا تلازم بين الحكمين المرتبين على ميت الإنسان، و هما النجاسة، و وجوب الغسل على من مسه، اما الحكم الأول و هو النجاسة:

فيثبت له بمجرد الموت، فلو لاقاه شي ء برطوبة نجس مطلقا، سواء برد أو لم يبرد، فحاله من هذه الجهة كحال سائر الميتات من ذوات الأنفس. و ذلك لعمومات أدلة نجاسة الميتة، بخلاف وجوب الغسل، فإنه لا يجب إلا بعد برده، و الفارق بين الحكمين مضافا الى استفاضته بين علمائنا، بل استفاضة نقل الإجماع عليه: الأخبار الخاصة الفارقة بين الحكمين، فالذي يدل على الحكم الأول (صحيحة) الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1،

ص: 292

..........

______________________________

يصيب ثوبه جسد الميت فقال: يغسل ما أصاب الثوب. (و رواية) إبراهيم ابن ميمون قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميت قال: ان كان غسّل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، و أن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه. و هما مطلقان من حيث البرد و عدمه، و غيرهما من الأخبار الكثيرة الواردة في ميتة ذي النفس، و وجوب الاجتناب عنها، و غسل ما ماسها من بدن أو ثوب، الشاملة بعمومها ميت الإنسان. و الذي يدل على الحكم الثاني: التوقيع الخارج من الناحية المقدسة في أجوبة مسائل محمد بن عبد اللّه الحميري المروي عن احتجاج الطبرسي و كتاب الغيبة للشيخ.

حيث كتب اليه: روى لنا عن العالم عليه السّلام انه سئل عن أمام قوم صلى بهم بعض صلاته و حدث عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟ قال: يؤخر و يتقدم بعضهم و يتم صلاتهم، و يغتسل من مسه. (التوقيع) ليس على من نحاه إلا غسل اليد (و عنه) أيضا انه كتب اليه، و روى عن العالم عليه السّلام أن من مس ميتا بحرارته غسل يده، و من مسه و قد برد فعليه الغسل، و هذا الميت في هذه الحالة لا يكون إلا بحرارته. فالعمل في ذلك على ما هو؟ و لعله ينحيه بثيابه و لا يمسه، كيف يجب عليه الغسل!؟ (التوقيع) إذا مسه على هذه الحالة لم يكن عليه إلا غسل يده. (و منها) ما عن الوسائل عن محمد بن الحسن عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: قلت الرجل يغمض الميت أ عليه غسل؟ قال: إذا مسه بحرارته فلا. و لكن إذا مسه

بعد ما برد فليغتسل، قلت: فالذي يغسله يغتسل؟ قال نعم. إلخ (و رواه) الكليني أيضا بطريق آخر (و عن) إسماعيل بن جابر قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام حين مات ابنه إسماعيل الأكبر فجعل يقبله و هو ميت فقلت: جعلت فداك أ ليس لا ينبغي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 293

..........

______________________________

ان يمس الميت بعد ما يموت و من مسه فعليه الغسل!؟ فقال: أما بحرارته فلا بأس، إنما ذلك إذا برد. (و عن) عاصم بن حميد قال سألته عن الميت إذا مسه الإنسان ا فيه غسل؟ قال: فقال إذا مسست جسده حين برد فاغتسل.

(و عن) منصور بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الذي يغسل الميت أ عليه غسل؟ قال: نعم قلت فاذا مسه و هو سخن؟ قال: لا غسل عليه فاذا برد فعليه الغسل، قلت: و البهائم و الطير إذا مسها عليه غسل؟ قال: لا ليس هذا كالإنسان (و عن) محمد بن الحسن الصفار قال كتبت اليه: رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميت الذي يلي جلده قبل أن يغسل هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟

فوقّع عليه السّلام إذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل، (و عن) ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من غسل ميتا و كفنه اغتسل غسل الجنابة (و عن) الحسن بن عبيد قال: كتبت الى الصادق عليه السّلام هل اغتسل أمير المؤمنين عليه السّلام حين غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند موته؟ فأجابه:

النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم طاهر مطهر، و لكن فعل أمير المؤمنين عليه السّلام و جرت

به السنة.

(و عن) حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من غسّل ميتا فليغتسل و أن مسه ما دام حارا فلا غسل عليه، و إذا برد ثم مسه فليغتسل. إلخ (و عن) عبد اللّه ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال يغتسل الذي غسل الميت، و أن قبّل الميت إنسان بعد موته و هو حار ليس عليه غسل، و لكن إذا مسه و قبله و قد برد فعليه الغسل. إلخ (و عن) على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن رجل مس ميتا عليه الغسل؟ قال فقال: إن كان الميت لم يبرد فلا غسل عليه، و أن كان قد برد فعليه الغسل إذا مسه. ا ه. هذا و يجد المتتبع أكثر مما نقلناه و اللّه العالم بأحكامه.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 294

[ (مسألة 13) المضغة نجسة]

(مسألة 13) المضغة نجسة و كذا المشيمة و قطعة اللحم التي تخرج حين الوضع مع الطفل. (1)

[ (مسألة 14) إذا قطع عضو من الحي و بقي معلقا متصلا به طاهر]

(مسألة 14) إذا قطع عضو من الحي و بقي معلقا متصلا به طاهر (2) ما دام الاتصال و ينجس بعد الانفصال، نعم لو قطعت يده مثلا و كانت معلقة بجلدة رقيقة فالأحوط الاجتناب.

______________________________

قوله قده مسألة 13 (المضغة نجسة، و كذا المشيمة، و قطعة اللحم التي تخرج حين الوضع مع الطفل) ا ه.

الوجه في نجاسة المذكورات اما بدعوى انها ميتة، و أن التقابل بين الحي و الميت تقابل العدم و الملكة، بمعنى أن كل ما لم يكن حيا فهو ميت أو بدعوى أنها أجزاء مبانة من حي، و قد تقدم أن حكمها النجاسة. و فيهما معا نظر، بل منع. اما الدعوى الأولى فالظاهر أن التقابل بينهما تقابل الإيجاب و السلب، لا تقابل العدم و الملكة، و اما الدعوى الثانية فالظاهر ان هذه الأشياء الثلاثة ليست أجزاء من حي، و ليست لها عصب أو عروق متصلة به، بل هي أشياء متكونة فيه تنمي بنموه، كالبيضة في جوف الدجاجة خصوصا المضغة، فعليه لا دليل على النجاسة، و لا مانع من جريان قاعدة الطهارة فيها أجمع، نعم الاحتياط حسن و انه طريق النجاة.

قوله قده مسألة 14: (إذا قطع عضو من الحي و بقي معلقا متصلا به طاهر. إلخ).

لا يخفى أن القطع يكون على نحوين أحدهما: ما يبقى معه اتصال للمقطوع قوى بالبدن بحيث لا يتسرب اليه التلاشى و الفساد و إن بقي ما بقي من الزمن، و هذا لا إشكال في طهارته و إن صدق عليه الميتة أو الميت، إذ غاية ما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 295

[ (مسألة 15) الجند المعروف كونه خصية كلب الماء]

(مسألة 15) الجند المعروف كونه خصية كلب الماء إن لم يعلم ذلك (1) و احتمل عدم كونه من اجزاء

الحيوان فطاهر و حلال، و أن علم كونه كذلك فلا إشكال في حرمته لكنه محكوم بالطهارة لعدم العلم بأن ذلك الحيوان مما له نفس.

______________________________

استفدناه من أدلة نجاسة الميتة هو ما لم يكن جزء الحي، و انصراف تلك الأدلة عن مثله، و مع الشك فلا مانع من جريان الاستصحاب و قاعدة الطهارة فيه و أن كانت محكومة للاستصحاب، بل و لا أظن بأحد أنه يلتزم بنجاسة أول جزء سرى فيه الموت، مع بقاء حياة البعض الآخر من الأجزاء. هذا مع قطع النظر عن أدلة العسر و الحرج، إذ في معاملة الإنسان مع عضوه المتصل ببدنه معاملة نجس العين من الحرج ما لا يخفى، فالعضو ما دام اتصاله بالبدن باقيا و يعد من توابعه طاهر ما دام حياة الحيوان، و لا ينجس إلا بموته أجمع (ثانيهما) ما لا يبقى له بعد القطع اتصال قوى بالبدن بل يبقى معلقا بجلدة رقيقة بحيث يتسرب اليه الفساد و الانتفاخ و التلاشى. و هذا القسم من الاتصال محل اشكال و أن جرى فيه استصحاب الطهارة أيضا، مع الشك فيه، و كذا أدلة العسر و الحرج المذكورين، و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه في مسه، و أما العضو المفلوج فإنه و أن سقط عن الحركة و الانتفاع به و لكن مادة الحياة باقية فيه غير منقطعة عنه. و لهذا يبقى سنينا على هذا النحو و لا يحدث فيه أى فساد من لوازم الموت و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 15: (الجند المعروف كونه خصية كلب الماء إن لم يعلم ذلك. إلخ)

مدرك الحكم بالطهارة و الحلية في صورة عدم العلم بأن الجند خصية كلب الماء هو قاعدتي الطهارة و الحلية الجاريتين في موارد الشك

و في الشبهات

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 296

[ (مسألة 16) إذا قلع سنة أو قص ظفره فانقطع معه شي ء من اللحم]

(مسألة 16) إذا قلع سنة أو قص ظفره فانقطع معه شي ء من اللحم فان كان قليلا جدا فهو طاهر و إلا فنجس. (1).

[ (مسألة 17) إذا وجد عظما مجردا و شك في أنه من نجس العين أو من غيره]

(مسألة 17) إذا وجد عظما مجردا و شك في أنه من نجس العين أو من غيره (2) يحكم عليه بالطهارة حتى لو علم أنه من الإنسان و لم يعلم أنه من كافر أو مسلم.

______________________________

الموضوعية مع عدم أصل حاكم عليهما. و اما صورة العلم بأنه هو خصية كلب الماء فلا إشكال في حرمته كما ذكره قدس سره إذ ما ليس على صورة السمك من أنواع حيوان الماء فلا خلاف بين أصحابنا في تحريمه و ليس بنجس، فإنه و أن جرى استصحاب عدم التذكية في حيوانه إلا انه لا يعلم أن له نفس حتى تنجس ميتته، بل ادعى أن جميع حيوانات البحر مما لا نفس لها.

قوله قده مسألة 16: (إذا قلع سنة أو قص ظفره فانقطع معه شي ء من اللحم فان كان قليلا جدا فهو طاهر، و إلا فنجس. ا ه).

أما عدم نجاسة القليل فلعدم صدق القطعة المبانة عليه، بل حاله حال الثؤلول و البثور و الجلدة المنفصلة من الشفة، بخلاف ما لو كانت كبيرة يصدق عليها قطعة لحم مبانة من حي فإنها نجسة كما تقدم الحكم فيهما عن قريب في مسألة (1).

قوله قده مسألة 17: (إذا وجد عظما مجردا و شك في أنه من نجس العين أو من غيره. إلخ)

الحكم بالطهارة عليه لقاعدتها و كذا لو علم أنه من إنسان و شك في انه من كافر أو مسلم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 297

[ (مسألة 18) الجلد المطروح إن لم يعلم أنه من الحيوان الذي له نفس أو من غيره]

(مسألة 18) الجلد المطروح إن لم يعلم أنه من الحيوان الذي له نفس أو من غيره كالسمك مثلا محكوم بالطهارة. (1)

[ (مسألة 19) يحرم بيع الميتة لكن الأقوى جواز الانتفاع بها]

(مسألة 19) يحرم بيع الميتة لكن الأقوى جواز الانتفاع بها فيما لا يشترط فيه الطهارة. (2)

______________________________

قوله قده مسألة 18 (الجلد المطروح أن لم يعلم انه من الحيوان الذي له نفس أو من غيره كالسمك مثلا محكوم بالطهارة. ا ه).

الحكم بالطهارة في الصورة المفروضة لقاعدة الطهارة الجارية بلا معارض، بخلاف ما لو علم أنه من الحيوان الذي له نفس، فالحكم عليه بالنجاسة لاستصحاب عدم التذكية.

قوله قده مسألة 19: (يحرم بيع الميتة، لكن الأقوى جواز الانتفاع بها فيما لا يشترط فيه الطهارة. ا ه).

أما حرمة بيع الميتة فهو المعروف من مذهب الإمامية، و حكى عن التذكرة و المنتهى و التنقيح الإجماع عليه و حكى عن الشيخ في الخلاف في كتاب الرهن الإجماع على عدم ملكيتها، مضافا الى رواية تحف العقول و انه لا يجوز سائر التقلبات في النجس، و منه بيع الميتة، و خصوص رواية السكوني و عدّ ثمن الميتة فيها من السحت مع اشتراط المنفعة المباحة في البيع لئلا يدخل في عموم النهى عن أكل المال بالباطل (و لا يعارض) ما ذكرنا بعض ما يظهر منه الجواز مثل رواية الصيقل قال كتبوا الى الرجل: جعلنا اللّه فداك إنا نعمل السيوف و ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها، نحن مضطرون إليها، و إنما غلافها من جلود الميتة من البغال و الحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها، يحل لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسها بأيدينا و ثيابنا و نحن نصلي في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 298

[ (الخامس) الدم]

اشارة

(الخامس) الدم من كل ما له نفس سائلة إنسانا أو غيره (1) كبيرا أو صغيرا قليلا كان الدم أو كثيرا، و أما دم ما لا

نفس له فطاهر كبيرا كان أو صغيرا كالسمك و البق و البرغوث و كذا ما كان من غير الحيوان كالموجود تحت الأحجار عند قتل سيد الشهداء أرواحنا فداه، و يستثني من دم الحيوان المتخلف في الذبيحة بعد خروج المتعارف سواء كان في العروق أو في اللحم أو في القلب أو الكبد فإنه طاهر، نعم إذا رجع دم المذبح الى الجوف لرد النفس أو لكون رأس

______________________________

ثيابنا و نحن محتاجون الى جوابك في المسألة يا سيدنا لضرورتنا إليها؟ فكتب عليه السّلام: اجعلوا ثوبا للصلاة. فإنه يمكن أن يقال فيها: أن مورد السؤال عمل السيوف و بيعها و شراؤها لا خصوص الغلاف مستقلا، و لا في ضمن السيف، و لا ينافي عدم جواز معاوضته بالمال مع أن الجواب لا ظهور فيه في جواز البيع، بل مسكوت عنه من هذه الجهة، مع أنها مكاتبة و محتملة للتقية، هذا في بيع الميتة، و اما جواز الانتفاع بها فيما لا يشترط بالطهارة، فلم يدل دليل عند المصنف (قده) على المنع عنه، و الظاهر منه أن صرف ما يدل على المنع عنه إلى ما يشترط فيه الطهارة، و فيما استفاده (قده) من الجواز إشكال، إذ رواية تحف العقول ظاهرة في المنع عن جميع التقلبات في النجس، و لا موجب لصرفها عن ظاهرها إلا فيما قام عليه دليل خاص أو سيرة قطعية على الجواز و اللّه العالم.

قوله قده: (الخامس: الدم من كل ما له نفس سائلة إنسانا كان أو غيره. إلخ).

لا يخفى نجاسة الدم من ذي النفس السائلة، و المراد به ما له عرق يشخب منه الدم مطلقا، حل أكله أو حرم، لا ما لا نفس له مطلقا حل أكله أو

العمل الأبقى في

شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 299

الذبيحة في علو كان نجسا، و يشترط في طهارة المتخلف أن يكون مما يؤكل لحمه على الأحوط فالمتخلف من غير المأكول نجس على الأحوط.

______________________________

حرم، و الذي يدل على النجاسة في الأول عدا ما استثنى منها: الإجماع كما في محكي المختلف و المنتهى و المعتبر بل في محكي المنتهى و الغنية و التذكرة و كشف اللثام: اتفاق المسلمين عليه، و يدل عليه مضافا الى الإجماع الآية الشريفة (قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) بناءا على أن المراد بالرجس النجس، و رجوع الضمير الى كل واحد من المذكورات لا إلى الأخير منها فقط، و إلا فلا يتم الاستدلال بها على نجاسته، (و صحيح) زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من منى فعلمت أثره الى أن أصيب الماء فأصبت و حضرت الصلاة، و نسيت أن بثوبي شيئا و صليت بعد ذلك، قال: تعيد الصلاة و تغسله. (و صحيح) عبد اللّه بن أبى يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله، فيصلي ثم يذكر بعد ما يصلى أ يعيد صلاته؟ قال: يغسله و لا يعيد صلاته، إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة.

(و النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) يغسل الثوب من المنى و الدم و البول. (و موثقة) عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه، إلا

أن ترى في منقاره دما، فإن رأيت في منقاره دما فلا تشرب و لا تتوضأ (و ما ورد) في الدماء الخاصة كدم الرعاف و الدماء الثلاثة و دم القروح و الجروح و دم الأسنان و دم حكة الجلد الى غير ذلك مما يعلم منه أن نجاسة الدم لا تختص بالمسفوح كما يوهمه اختصاص عنوان كلام بعض الأصحاب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 300

..........

______________________________

كمعقد بعض الإجماعات به، بل ربما يشعر بذلك استدلال غير واحد منهم على طهارة بعض الدماء بأنه ليس بمسفوح، إذ المعلوم من المذهب أعمية الموضوع إذ لا شبهة في نجاسة ما ذكرنا من الدماء، كما دل عليها الأخبار الواردة فيها بالخصوص، فالمراد بالمسفوح بقرينة مشاركة الدماء المذكورة له في الحكم إجماعا هو الخارج من البدن، سواء انصب من عرق أم لا، فليس المراد به إلا بمعنى كونه دم ما له الدم المسفوح، فيساوق ما له النفس السائلة.

و أن أبيت إلا أن المراد به في الآية الشريفة: المنصب من عرق، كما ذكر أهل اللغة في تفسيره، مع أصالة عدم النقل. فنقول: لا مفهوم للقيد، لأنه قيد غالب، فهو مثل قوله تعالى (وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ) لا مفهوم له، للإجماع على تحريم الربيبة مطلقا و أن لم تكن في الحجر، و في قباله ما لم يخرج إلى خارج البدن، بل بقي في العروق و اللحم فقط، لا ما يبقى في الجوف بعد خروج ما يخرج بالذبح، فإنه من المسفوح بعد خروجه، إذ لا سيرة تدل على استثنائه و ملخص ما ذكرناه و أردناه: هو دعوى ظهور الأخبار المذكورة بمساعدة القرائن على نجاسة هذه الطبيعة لدى الشارع و المتشرعة، و عدم خصوصيات الموارد

المذكورة في الأحكام المترتبة على الدم من حيث النجاسة، بل الموضوع للحكم صرف الطبيعة من حيث هي و بعبارة اخرى: أنا ندعى صحة التمسك بهذه الأخبار لتأسيس أصل يرجع اليه عند الشك و هو نجاسة كل دم من كل ما له نفس سائلة مطلقا، لا كما ادعاه بعض الأساطين «1» من عدم أصل يرجع اليه عند الشك بدعوى أن الأدلة لا تساعد إلا على نجاسة الدم في الجملة، لا نجاسة كل دم مما له نفس سائلة هذا كله عدا ما ثبت طهارته اعنى: الدم

______________________________

(1) هو الآخوند (قده) في شرحه على التبصرة.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 301

..........

______________________________

المتخلف في اللحم و العروق، للسيرة القطعية على حليته و طهارته، و إلا لما جاز أكل اللحم من ذي النفس. نعم ما لم يكن من ذي النفس كالمخلوق آية، و ما وجد تحت الأحجار و الأشجار عند قتل الحسين عليه السّلام فهو طاهر، لانصراف الأدلة عن مثله و اختصاصها بدم الحيوان ذي النفس فضلا عن الشك في أنه مصداق للدم. و أيضا على ما ذكرنا من عموم نجاسة دم ذي النفس لا ينبغي الشك في نجاسة دم العلقة فإنه من دم ذي النفس، و لا يلتفت الى ما ادعاه بعضهم من انصراف دم ذي النفس الى غيره مما يعد من أجزائه الأصلية، فإن ما نحن فيه يعد عرفا من دم ذي النفس كدم الحيض و النفاس المعدودين من دم ذي النفس، هذا مع ما عن الخلاف من دعوى الإجماع عليه. نعم يبقى الإشكال في دم البيضة فإنه لا عموم لنا في نجاسة كل دم و ان لم يكن من غير ذي نفس حتى يرجع إليه في الحكم

بنجاسته، فالأقرب فيه الطهارة للأصل ما لم يعلم أنه علقة مستحيلة من منى الفحل و إلا حكم بنجاسته، و أن كان الأحوط في غير الصورة المفروضة الاجتناب عنه لمغروسيته في أذهان المتشرعة و اللّه العالم.

و اما ما يدل على الطهارة في الثاني و هو دم ما لا نفس له و هو ما يكون خروج دمه رشحا بأن لم يكن له عرق يشخب منه الدم كدم السمك و أمثاله فالإجماع عليه من جماعة كالسيد، و الشيخ، و ابن زهرة، و ابن إدريس، و المحقق، و العلامة، و الشهيدين و غيرهم، بل نقل عدم الخلاف فيه، و أن نقل عن المبسوط، و الجمل، و المراسم، و الوسيلة ما يوهم نجاسة و العفو عنه، و قد ضعفه الشيخ المرتضى في طهارته و هو المرتضى، و على كل فيدل على الطهارة مضافا الى الإجماعات المنقولة بل و نقل عدم الخلاف: عموم كل شي ء نظيف

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 302

..........

______________________________

حتى تعلم أنه قذر. و لا نعلم القذارة في الدماء سوى دم ما له نفس فيبقى غيره من الدماء على أصل الطهارة، و يشهد له طهارة مثل دم البرغوث و البق و نحوهما مما لا نفس له، مع استقرار سيرة المتشرعة على عدم الاجتناب عنه.

و مكاتبة ابن الريان: المروية في الوسائل قال كتبت الى الرجل عليه السّلام: هل يجرى دم البق مجرى دم البراغيث فيصلي فيه؟ و أن يقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقع عليه السّلام يجوز الصلاة، و الطهر منه أفضل. و صحيحة ابن أبي يعفور:

قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في دم البراغيث؟ قال: ليس به بأس.

قلت: انه يكثر و يتفاحش؟ قال:

و أن كثر. و صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة؟

قال: لا. و رواية غياث عن جعفر عن أبيه عليه السّلام قال: لا بأس بدم البراغيث و البق و بول الخشاشيف. و يدل عليه في دم السمك و أنه لا حرج في التجنب عنه.

رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ان عليا عليه السّلام كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذك يكون في الثوب فيصلي فيه الرجل يعنى دم السمك. بناءا على ان التفسير مقولا للصادق عليه السّلام و فيه تأمل.

و أستدل المحقق (قده) في المعتبر على طهارة دم السمك بأنه لو كان نجسا لتوقف إباحة أكله على سفحه كالحيوان البري. انتهى فيتم القول فيما عدا موارد النصوص بعدم القول بالفصل. و استدل العلامة (قده) على طهارة دم ما لا نفس له بان دمه ليس بأعظم من ميتته، و ميتته طاهرة. انتهى.

و نوقش فيه بأنه قياس. قال بعض المحققين في مصباحه: و يمكن توجيهه بأن الميتة من اجزائها الدم فلو لم يكن الموت سببا لاشتداد نجاسته لا يكون موجبا لطهارته، فطهارة ميتته تدل على طهارة دمه كلحمة و عظمه و سائر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 303

[ (مسألة 1) العلقة المستحيلة من المني نجسة]

(مسألة 1) العلقة المستحيلة من المني نجسة من إنسان كان أو من غيره حتى العلقة في البيض (1) و الأحوط الاجتناب عن النقطة من الدم الذي يوجد في

______________________________

أجزائه. و بهذا ظهر لك إمكان الاستشهاد له بما دل على طهارة الميتة من غير ذي النفس، فإنها تدل على طهارة دمه بالتضمن خصوصا مثل قوله عليه السّلام في موثقة حفص بن غياث:

لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة، و في موثقة عمار: التي وقع فيها السؤال عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك يموت في البئر و الزيت و السمن: كلما ليس له دم فلا بأس. إذ الغالب عدم انفكاك ما يموت في الماء و نحوه خصوصا عند تفسخه عن اصابة دمه للماء، و ربما يستأنس للتفصيل بين دم ذي النفس و غيره من إناطة نجاسة الميتة و البول و الخرء بكونها من ذي النفس، و هذا و أن كان مجرد اعتبار لا يلتفت الى مثله في الأحكام الشرعية، إلا أنه منشأ لعدم الجزم بإلغاء الخصوصية، و استفادة نجاسة دم ما لا نفس له من أخبار الباب، بل ربما يوجب صرف إطلاق مثل النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يغسل الثوب من المنى و الدم و البول، و كيف كان فلا إشكال في الحكم و اللّه العالم. انتهى كلامه رفع في الفردوس مقامه.

هذا و يمكن الاستدلال بصدر رواية السكوني المتقدمة و هو قوله عليه السّلام ان عليا عليه السّلام كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذك يكون في الثوب فيصلي فيه الرجل مع غض النظر عن قول: يعنى دم السمك. المشكوك كونه مقولا للصادق عليه السّلام أو للسائل فإن نفس قوله عليه السّلام: لا يرى بأسا بدم ما لم يذك صريح في حكم دم ما لا نفس له، و انه لا بأس به فيدل على طهارته. و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 1: (العلقة المستحيلة من المني نجسة من إنسان كان أو من غيره حتى العلقة في البيض. إلخ).

يكفي في الحكم بنجاسة العلقة و هي: القطعة الجامدة

من الدم بعد أن كان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 304

البيض لكن إذا كانت في الصفار و عليه جلدة رقيقة لا ينجس معه البياض إلا إذا تمزقت الجلدة.

[ (مسألة 2) المتخلف في الذبيحة]

(مسألة 2) المتخلف في الذبيحة و إن كان طاهرا لكنه حرام إلا ما كان في اللحم مما يعد جزءا منه (1).

[ (مسألة 3) الدم الأبيض إذا فرض العلم بكونه دما نجس]

(مسألة 3) الدم الأبيض إذا فرض العلم بكونه دما نجس (2) كما في خبر فصد العسكري صلوات اللّه عليه و كذا إذا صب عليه دواء غير لونه الى البياض.

______________________________

منيا مما له نفس سائلة من إنسان أو من غيره الحكم بنجاسة دمه كما تقدم الحكم بذلك عن قريب، نعم يشكل الحكم بنجاستها من البيض إذا لم يعلم بأنها مستحيلة من منى و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 2: (المتخلف في الذبيحة و أن كان طاهرا لكنه حرام إلا ما كان في اللحم مما يعد جزءا منه. ا ه)

نبه (قده) بأنه لا تلازم بين طهارة الدم المتخلف و جواز اكله، بل المتخلف في الذبيحة طاهر على ما اختاره و حرام أكله لخباثته كما هو الغالب في الخبائث كالصديد و البصاق و الفرث و الشعر و القرن و الظلف و سائر الحشرات و ما شابه ذلك. نعم ما كان من الدم في اللحم و العروق مما يعد جزءا منه فهو حلال كما تقدم منا من أن المتخلف المستثنى هو هذا لا غيره للسيرة المستمرة على أكله المتصلة بالأئمة عليه السّلام و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

قوله قده مسألة 3: (الدم الأبيض إذا فرض العلم بكونه دما نجس. إلخ.)

و ذلك لنجاسة هذه الطبيعة بأي لو كانت فيشمله إطلاق نجاسة الدم من ذي النفس كما لا إشكال في نجاسة ما لو صب عليه دواء غير لونه، و اما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 305

[ (مسألة 4) الدم الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب نجس]

(مسألة 4) الدم الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب نجس و منجس للبن (1)

[ (مسألة 5) الجنين الذي يخرج من بطن المذبوح]

(مسألة 5) الجنين الذي يخرج من بطن المذبوح و يكون ذكاته بذكاة أمه تمام دمه طاهر و لكنه لا يخلو عن إشكال (2).

[ (مسألة 6) الصيد الذي ذكاته بآلة الصيد]

(مسألة 6) الصيد الذي ذكاته بآلة الصيد في طهارة ما تخلف فيه بعد خروج روحه اشكال (3) و ان كان لا يخلو عن وجه، و اما ما خرج منه فلا إشكال في نجاسته.

______________________________

خبر فصد العسكري عليه السّلام و ان دمه طاهر أو نجس؟ فيرد علمه إليهم (عليهم السلام).

قوله قده مسألة 4: (الدم الذي يوجد في اللبن عند الحلب نجس و ينجس اللبن. ا ه.)

لا أعرف وجها لخصوصية ذكر هذا الفرد من الدم و امتيازه بمسألة خاصة، و ليس هو الا فرد من أفراد طبيعة الدم فيشمله حكم الطبيعة، إذ ليس ذلك إلا من جرح أو قرح في داخل الضرع أو خارجه. نعم لو احتمل انقلاب الحليب دما ففي الحكم بنجاسته اشكال لما تقدم منا من عدم دليل عام يرجع إليه في نجاسة كل دم سوى دم ذي النفس فيكون حكم هذا الدم حكم دم البيضة و قد قربنا فيه الطهارة.

قوله قده مسألة 5: (الجنين الذي يخرج من بطن المذبوح، و يكون ذكاته بذكاة أمه، تمام دمه طاهر، و لكنه لا يخلو عن إشكال. ا ه).

بل لا إشكال في نجاسة دمه. إذ هو دم ذي نفس فيشمله حكمه، عدا ما استثنى مما كان في اللحم و العروق فإنه طاهر حلال.

قوله قده مسألة 6: (الصيد الذي ذكاته بآلة الصيد، في طهارة ما تخلف فيه بعد خروج روحه إشكال. إلخ)

المتخلف فيما كان ذكاته بآلة الصيد حكم المتخلف في الذبيحة بعد خروج

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 306

[ (مسألة 7) الدم المشكوك في كونه من الحيوان أو لا]

(مسألة 7) الدم المشكوك في كونه من الحيوان أو لا محكوم بالطهارة (1)، كما ان الشي ء الأحمر الذي يشك في انه دم أم لا كذلك، و كذا إذا علم

انه من الحيوان الفلاني و لكن لا يعلم أنه مما له نفس أم لا كدم الحية و التمساح، و كذا إذا لم يعلم انه دم شاة أو سمك، فإذا رأى في ثوبه دما لا يدري أنه منه أو من البق أو البرغوث يحكم بالطهارة، و اما الدم المتخلف في الذبيحة إذا شك في أنه من القسم الطاهر أو النجس فالظاهر الحكم بنجاسته عملا بالاستصحاب و أن كان لا يخلو عن اشكال، و يحتمل التفصيل بين ما إذا كان الشك من جهة احتمال رد النفس فيحكم بالطهارة لأصالة عدم الرد و بين ما كان لأجل احتمال كون رأسه على علو فيحكم بالنجاسة عملا بأصالة عدم خروج المقدار المتعارف.

______________________________

المتعارف، و قد تقدم منا الحكم بنجاسته عدا ما تخلف في اللحم و العروق.

قوله قده مسألة 7: (الدم المشكوك في كونه من الحيوان أو لا محكوم بالطهارة. إلخ)

لا إشكال في الحكم بالطهارة في الفروض الأربعة المذكورة (الأول):

ما لو علم أنه دم و شك في أنه دم حيوان أو غيره كالمخلوق آية مثلا، (الثاني): ما لو شك في أنه دم أو شي ء احمر غيره. (الثالث): ما لو علم أنه دم من حيوان مخصوص و لكن لا يعلم أن ذلك الحيوان مما له نفس أم لا كدم الحية و التمساح (الرابع): ما لو علم أنه دم حيوان و لكن لا يعلم أنه من ذي النفس السائلة أو غيره، كما لو شك في الدم انه دم شاة أو سمك، أو رأى في ثوبه دما و لا يعلم انه منه أو من البق. ففي كل هذه الفروض يحكم بالطهارة و ذلك لقاعدتها فيها أجمع، و لأصالة البراءة من وجوب الاجتناب عنه، و لاستصحاب

طهارة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 307

..........

______________________________

الملاقي له. و اما الدم المتخلف في الذبيحة الذي استظهر (قدس سره) الحكم بنجاسة عملا بالاستصحاب و عقبه بقوله: لا يخلو عن إشكال، فمنشأ الشك فيه يتصور على صور (أحدها): أن يكون منشأ الشك في طهارته و نجاسته: من جهة الشك في رد النفس بعد العلم بخروج الدم المتعارف و بقاء المتخلف الطاهر، و فيه يحكم بالطهارة لما ذكره (قدس سره) من أصالة عدم الرد.

(ثانيها): أن يكون منشأ الشك في طهارته و نجاسته من جهة الشك في خروج تمام الدم المتعارف لأجل احتمال كون رأسه على علو. و فيه يحكم بالنجاسة لما ذكره (قدس سره) من أصالة عدم خروج المقدار المتعارف الذي هو سبب لطهارة المتخلف. (ثالثها): أن يكون منشا الشك العلم برد النفس بعد العلم بخروج تمام الدم المتعارف خروجه و بقاء المتخلف الطاهر، فيشك في الدم الشخصي انه من الراجع برد النفس المعلوم له أو من الطاهر المتخلف بعد قذف تمام المتعارف قذفه، فالظاهر انه (قدس سره) في هذه الصورة استظهر النجاسة عملا بالاستصحاب و بيانه: أن جميع ما في الذبيحة من دم بعد الذبح و قبل خروج المتعارف خروجه نجس، و خروج المتعارف مطهر للمتخلف منه كذهاب الثلثين في العصير فهو المطهر للثلث الباقي بعد ما كان نجسا فاذا عرفت ذلك فيقال في تقريب الاستصحاب: ان هذا الدم الشخصي في الداخل المشكوك في انه من الراجع برد النفس أو من المتخلف بعد العلم بخروج جميع المتعارف خروجه، كان نجسا قطعا قبل قذف المتعارف فهو نجس فعلا عملا بالاستصحاب. و لا يخفى أن هذا مبني على أن العلم الإجمالي ليس علة تامة كالعلم التفصيلي في

سقوط الأصول عن الاعتبار، و إلا فلا معنى لجريان الاستصحاب بعد العلم إجمالا بانتقاضه في بعض الأطراف، و أن قسما من الدم طهر قطعا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 308

..........

______________________________

نعم يتم هذا بناءا على جريان الأصول و ان علم بالانتقاض في بعض الأطراف لجريان دليلها فيه، و ليس المانع من جريانها إلا التكاذب، فاذا كانت على وفق الاحتياط بان لم يكن في إعمالها مخالفة عملية لخطاب معلوم حادث سوى العلم بان الواقع ليس على طبقها فلا مانع من جريانها و ان علم مخالفتها للواقع بالانتقاض في بعض الأطراف. و ما نحن فيه كذلك إذ ليس في جريان أصالة نجاسة الدم الشخصي مخالفة عملية لخطاب معلوم، و أن علم انتقاض هذا العلم بطهارة قسم من الدم، و هو المتخلف، بل جريان الاستصحاب و الحكم بالنجاسة موافق للاحتياط، و مثله كما لو علمنا إجمالا بطهارة أحد إناءين نجسين فإنه لا مانع من جريان استصحاب نجاستهما، فعليه يجرى استصحاب النجاسة فيما نحن فيه من الدم و ان علمنا إجمالا بطهارة المتخلف منه، مثل جريانه في الإناءين النجسين بعد العلم بطهارة أحدهما حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة.

هذا وجه جريان الاستصحاب في هذه الصورة. و اما وجه الإشكال الذي أشار إليه (قدس سره) بقوله: لا يخلو عن اشكال. فيحتمل أن يريد به ان الاستصحاب معيب من جهة عدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين الذي هو عند بعضهم من شرائط جريان الاستصحاب، و ذلك للعلم بطهارة المتخلف.

هذا ما خطر بفكرى القاصر في حل العبارة.

(و المعتمد) هو الحكم بالطهارة لقاعدتها إذ لا يخرج هذا الدم عن كونه دم مشكوك الطهارة و النجاسة مع عدم جريان استصحاب النجاسة للعلم بانتقاضها

في بعض الأطراف المانع من جريانه لما تقدم من اشتراط اتصال زمان الشك بزمان اليقين. هذا كله بناءا على طهارة مثل هذا الدم المتخلف في الجوف، و قد تقدم منا ترجيح عدم طهارته و أن السيرة لا تدل على أزيد من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 309

[ (مسألة 8) إذا خرج من الجرح أو الدمل شي ء أصفر]

(مسألة 8) إذا خرج من الجرح أو الدمل شي ء أصفر (1) يشك في انه دم أم لا محكوم بالطهارة، و كذا إذا شك من جهة الظلمة أنه دم أم قيح و لا يجب عليه عليه الاستعلام.

[ (مسألة 9) إذا حك جسده فخرجت رطوبة يشك في أنها دم أو ماء أصفر]

(مسألة 9) إذا حك جسده فخرجت رطوبة (2) يشك في أنها دم أو ماء أصفر يحكم عليها بالطهارة.

[ (مسألة 10) الماء الأصفر الذي ينجمد على الجرح عند البرء طاهر]

(مسألة 10) الماء الأصفر الذي ينجمد على الجرح (3) عند البرء طاهر إلا إذا علم كونه دما أو مخلوطا به فإنه نجس إلا إذا استحال جلدا.

______________________________

طهارة ما هو متخلف في اللحم و العروق من دم ذي النفس.

(تنبيه) قد يتوهم متوهم أن حكم المصنف (قده) بنجاسة الدم المتخلف في الفرض المذكور مدركه: التمسك بالعام في الشبهة المصداقية بتقريب أن كل دم من ذي نفس نجس، خرج منه المتخلف، و يشك في الدم الشخصي انه من مصاديق الخارج فيجري عليه حكم العام، و لكنه توهم محض و غير مراد له (قده) لأنه استدل على النجاسة بالاستصحاب لا بالقاعدة المذكورة و اللّه العالم بحقيقة أحكامه.

قوله قده مسألة 8: (إذا خرج من الجرح أو الدمل شي ء اصفر. إلخ)

الحكم بالطهارة في الفرضين المذكورين لقاعدة الطهارة. و أما عدم وجوب الاستعلام فلأنها شبهة موضوعية، و لا يجب فيها الاستعلام قاعدة كلية لأدلة السوق و غيرها المذكورة في محلها.

قوله قده مسألة 9: (إذا حك جسده فخرجت رطوبة. إلخ)

الحكم بالطهارة هنا أيضا لقاعدتها.

قوله قده مسألة 10: (الماء الأصفر الذي ينجمد على الجرح. إلخ)

الحكم بطهارته أيضا لقاعدتها ما لم يعلم بكونه دما أو مخالطا له فيحكم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 310

[ (مسألة 11) الدم المراق في الأمراق حال غليانها نجس]

(مسألة 11) الدم المراق في الأمراق حال غليانها نجس منجس (1) و أن كان قليلا مستهلكا، و القول بطهارته بالنار لرواية ضعيفة ضعيف.

[ (مسألة 12) إذا غرز إبرة أو أدخل سكينا في بدنه]

(مسألة 12) إذا غرز إبرة أو أدخل سكينا في بدنه (2) أو بدن حيوان فان

______________________________

بنجاسته إلا إذا استحال جلدا فالمطهر له الاستحالة كما في سائر مواردها.

قوله قده مسألة 11: (الدم المراق في الأمراق حال غليانها نجس منجس. إلخ)

أما نجاسته و منجسيته: فلعمومات نجاسة الدم من كل ذي نفس عدا ما استثنى، و اما الرواية التي هي مستند القائل بطهارته التي ضعفها (قدس سره) فهي: خبر زكريا بن آدم قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير قال: يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلب و اللحم اغسله و كله، قلت: فإنه قطر فيه الدم؟ قال:

الدم تأكله النار أن شاء اللّه قلت: فخمر أو نبيذ قطرت في عجين أو دم؟ قال:

فقال: فسد قلت: أبيعه من اليهودي و النصراني و أبين لهم؟ قال: نعم فإنهم يستحلون شربه. الحديث، و لا يخفى أن هذا الحديث بعد إعراض الأصحاب عنه و معارضته بغيره من الأدلة: مما يجب رد علمه إلى أهله، خصوصا بعد ما اشتمل عليه الحديث من التفصيل بين الدم و بين غيره من النجاسات و الفرق بين وقوع الدم في المرق أو في العجين، و شي ء منها لا ينطبق على القواعد الشرعية المتلقاة منهم عليهم السلام.

قوله قده مسألة 12: (إذا غرز إبرة أو أدخل سكينا في بدنه. إلخ)

أما طهارته إذا لم يعلم بملاقاته للدم في الباطن: فلاستصحاب الطهارة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 311

لم يعلم ملاقاته للدم في

الباطن فطاهر و إن علم ملاقاته لكنه خرج نظيفا فالأحوط الاجتناب عنه.

[ (مسألة 13) إذا استهلك الدم الخارج من بين الأسنان في ماء الفم فالظاهر طهارته]

(مسألة 13) إذا استهلك الدم الخارج من بين الأسنان في ماء الفم فالظاهر طهارته (1) بل جواز بلعه، نعم لو دخل من الخارج دم في الفم فاستهلك فالأحوط الاجتناب عنه و الأولى غسل الفم بالمضمضة أو نحوها.

______________________________

و قاعدتها، و أما الاحتياط و الإشكال في صورة العلم بملاقاته للدم في الباطن فهو مبني على الخلاف في أن الدم في الباطن هل هو نجس أم لا؟ و على فرض نجاسته فهل هو منجس أم لا؟ و قد تقدم اختيار أنه نجس منجس للعمومات الدالة على نجاسته.

قوله قده مسألة 13: (إذا استهلك الدم الخارج من بين الأسنان في ماء الفم فالظاهر طهارته. إلخ)

ان أراد طهارة الفم فهو كما ذكره إذ لا دليل على تنجس البواطن و الفم منها، لانصراف إطلاقات النجاسة و التنجس و الانفعال و وجوب الغسل الى الظواهر من اجزاء البدن، و فيما عداه شك في أصل التكليف و هو مجرى البراءة شرعية و عقلية، و أن أراد طهارة ماء الفم المستهلك فيه الدم: فهو أول الكلام و محل اشكال، بل الظاهر نجاسته إذ لا مانع من شمول أدلة نجاسة الدم لمثل ذلك، و منه ينشأ الإشكال فيما ذكره من جواز بلعه، بل الظاهر حرمة بلعه لأدلة حرمة أكل النجس و شربه، فحاله حال ما لو أدخل من الخارج. و لا نجد فرقا بينهما. نعم لا يجب غسل الفم بالمضمضة و نحوها حتى في هذا الفرض لما تقدم من عدم الدليل على نجاسة البواطن خصوصا بعد زوال عين النجاسة عنها و اللّه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 312

[ (مسألة 14) الدم المنجمد تحت الأظفار أو تحت الجلد من البدن]

(مسألة 14) الدم المنجمد تحت الأظفار أو تحت الجلد من البدن (1) ان لم يستحل

و صدق عليه الدم نجس فلو انخرق الجلد و وصل الماء اليه تنجس و يشكل معه الوضوء أو الغسل فيجب إخراجه ان لم يكن حرج و معه يجب أن يجعل عليه شيئا مثل الجبيرة فيتوضأ أو يغتسل هذا إذا علم أنه دم منجمد، و ان احتمل كونه لحما صار كالدم من جهة الرض كما يكون كذلك غالبا فهو طاهر.

[ (السادس و السابع) الكلب و الخنزير]

(السادس و السابع) الكلب و الخنزير البريان دون البحري منهما (2) و كذا

______________________________

قوله قده مسألة 14: (الدم المنجمد تحت الأظفار أو تحت الجلد من البدن. إلخ).

لا إشكال فيما ذكره من نجاسة الدم المفروض كما لا اشكال فيما يتفرع عليه من أنه لو أ نخرق الجلد و وصل الماء اليه تنجس، فأشكل معه الوضوء أو الغسل، إذ يمنع ذلك من غسل العضو بأجمعه مع استلزامه لتنجس الماء المغسول به، و اعتبار طهارة العضو المغسول و لهذا وجب إخراجه مع عدم الحرج مقدمة للواجب، و إلا فيجري عليه أحكام الجبيرة.

قوله قده (السادس و السابع: الكلب و الخنزير البريان دون البحري منهما. إلخ).

و الذي يدل على نجاستهما بجميع أجزائهما و ان كانت مما لا تحله الحياة و كذا رطوباتهما: الإجماع كما ادعاه غير واحد، و النصوص المستفيضة (كصحيحة) محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل قال: يغسل المكان الذي أصابه. (و عنه) أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الكلب يشرب من الإناء؟ قال: اغسل الإناء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 313

رطوباتهما و اجزائهما و إن كانت مما لا تحله الحياة كالشعر و العظم و نحوهما، و لو اجتمع أحدهما مع الآخر أو مع

آخر فتولد منهما ولد فان صدق عليه اسم أحدهما تبعه و إن صدق عليه اسم أحد الحيوانات الأخر أو كان مما ليس له مثل في الخارج كان طاهرا و إن كان الأحوط الاجتناب عن المتولد منهما إذا لم يصدق عليه اسم أحد الحيوانات الطاهرة، بل الأحوط الاجتناب عن المتولد من أحدهما مع طاهر إذا لم يصدق عليه اسم ذلك الطاهر، فلو نزى كلب على شاة أو خروف على كلبة و لم يصدق على المتولد منهما اسم الشاة فالأحوط الاجتناب عنه و أن لم يصدق عليه اسم الكلب.

______________________________

(و صحيحة) الفضل أبي العباس قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله. و أن مسه جافا فصب عليه الماء. (و عنه) أيضا في حديث انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكلب فقال: رجس نجس لا يتوضأ بفضله، و اصبب ذلك الماء، و اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء. (و مرسلة) حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا ولغ الكلب في الإناء فصبه. (و رواية) شريح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: انه سئل عن سؤر الكلب يشرب منه؟

أو يتوضأ؟ قال: لا قلت: أ ليس هو سبع!؟ قال: لا و اللّه انه نجس لا و اللّه أنه نجس. (و رواية) أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال:

لا يشرب سؤر الكلب، إلا أن يكون حوضا كبيرا يستقى منه. الى غير ذلك من الروايات، و مما يدل على نجاسة الخنزير: (صحيحة) على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فيذكر و هو في صلاته كيف يصنع

به؟ قال: أن كان دخل في صلاته فليمض، و ان لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه، إلا أن يكون فيه أثر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 314

..........

______________________________

فيغسله، قال: و سألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرات. (و رواية) سليمان الإسكاف قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شعر الخنزير يخرز به؟ قال: لا بأس به، لكن يغسل يده إذا أراد أن يصلى.

(و عن خير ان الخادم) قال: كتبت إلى الرجل عليه السّلام أسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير أ يصلى فيه أم لا؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه فقال بعضهم:

صلّ فيه فان اللّه إنما حرم شربها، و قال بعضهم لا تصلّ فيه. فكتب عليه السّلام:

لا تصلّ فيه فإنه رجس. و غير ذلك من الأخبار، و ما في بعض الأخبار مما ظاهره المنافاة للحكم المذكور فالمتعين تأويله أو رد علمه إلى أهله (و اما تخصيص) الحكم بالبري منهما دون البحري: لانصراف الأدلة عنه بل ربما يدعى: ان إطلاق اسم الكلب و الخنزير على البحريين منهما على سبيل المجاز، نظرا الى كون البحري طبيعة أخرى مغايرة للماهية المعهودة المسماة باسم الكلب و الخنزير مشابهة لها في الصورة، كالإنسان البحري، و يدل عليه الأخبار الدالة على طهارة الخز و جواز الصلاة فيه بناءا على ما هو المعروف من كونه جلد كلب الماء. و يشهد له (صحيحة) ابن الحجاج المروية عن الكافي في آخر كتاب الأطعمة في باب لبس الخنز قال: سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام رجل و انا عنده عن جلود الخز فقال: ليس بها بأس، فقال الرجل:

جعلت فداك انها في بلادي

و إنما هي كلاب تخرج من الماء!! فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل: لا. فقال لا بأس. و في التعليل إشعار بطهارة الخنزير البحري أيضا و اللّه العالم.

و أما الحكم بطهارة المتولد منهما أو المتولد من أحدهما و آخر إذا لم يتبعهما في الاسم سواء صدق عليه اسم حيوان محلل أو لا بان لا يكون له مثل بان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 315

..........

______________________________

لم يكن مصداقا لشي ء من العناوين المعروفة: فلتعليق الأحكام على العناوين، و لجريان قاعدة الطهارة فيه. (و اما الاحتياط) منه قدس سره بعد الحكم بالطهارة في المتولد منهما، أو المتولد من أحدهما و طاهر، إذا لم يصدق عليه اسم أحد الحيوانات الطاهرة: فلما قيل من أنه كان محكوما بنجاسته في زمان كونه جنينا في بطن امه قبل ولوج الروح فيه تبعا للدم، و ولوج الروح فيه لا يوجب ارتفاع الموضوع عرفا، فيستصحب نجاسته.

و قد حكى عن (الشهيدين) في الذكرى و الروض: الحكم بنجاسة المتولد من النجسين و إن باينهما في الاسم. (و عن المحقق الثاني) انه قال: و إطلاقهما يشمل ما لو فرض صدق اسم حيوان طاهر عليه و هو مشكل. انتهى.

و قد عرفت الإشكال فيه مطلقا بعد فرض المباينة، و ان لم يصدق عليه اسم حيوان طاهر، لعدم الدليل على نجاسته، فمقتضى الأصل طهارته، و كونه جزءا منهما في زمان لا يسوّغ استصحاب نجاسته بعد الاستحالة و انقلاب الموضوع.

(و الدعوى) المزبورة من بقاء الموضوع عرفا لكونه محكوما بنجاسته ما دام كونه جنينا في بطن امه قبل ولوج الروح فيه تبعا للدم و ولوج الروح فيه لا يوجب ارتفاع الموضوع

عرفا.

(مدفوعة) بأن تبعيته للدم في النجاسة لو سلمت فهي ما دام كون الجنين كغيره مما في أحشاء الام معدودا من اجزائها عرفا دون ما إذا ولج فيه الروح و استقل بالاسم، و خرج من اتصافه بصفة الجزئية التي كانت سببا للحكم بنجاسته، هذا مع أن تبعية الجنين للدم في نجاسته غير مسلمة و كونه معدودا من اجزائها بحيث يفهم نجاسته من نجاستها: في حيز المنع و لربما تقدمت الإشارة إليه في مبحث الميتة، بل هو و لو قبل ولوج روحه شي ء أجنبي عن الام مخلوق في جوفها

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 316

[ (الثامن) الكافر بأقسامه]

اشارة

(الثامن) الكافر بأقسامه حتى المرتد بقسميه و اليهود و النصارى و المجوس (1) و كذا رطوباته و أجزائه سواء كانت مما تحله الحياة أو لا، و المراد بالكافر من كان منكرا للالوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضروريا من ضروريات الدين مع الالتفات الى كونه ضروريا بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة، و الأحوط الاجتناب عن منكر الضروري مطلقا و أن لم يكن ملتفتا الى كونه ضروريا، و ولد الكافر يتبعه في

______________________________

كدودة مخلوقة من العذرة يتبعها حكمها و لا يلحقها أحكام العذرة، و اما الحكم بنجاسة ولد الكلب أو الخنزير حال كونه جنينا في بطن أمه فليس لأجل التبعية للأم بل لفهم نجاسته من حكم الشارع بنجاسة الحيوانين، حيث يفهم منه أن معروض النجاسة هي جثة الحيوانين التي لا يتفاوت الحال فيها قبل ولوج الروح أو بعده أو بعد الموت، فيفهم نجاستها في جميع هذه الحالات من ذلك الدليل، و لذا لو نزى كلب على غنم فأولدها و علم أهل العرف بان ولدها كلب يحكمون بنجاسته من أول الأمر، و

أن أبيت عن ذلك فلا دليل على نجاسة الجنين و ان كان كليا متولدا من كلبين أو خنزيرا متولدا من خنزيرين فمقتضى الأصل طهارته الى أن يلج فيه الروح و يندرج في مسمى الكلب و الخنزير و ان وجدت من نفسك القطع بنجاسة أولاد الكلب و الخنزير من مبادئ نشوئهما في بطن أمهما فليس منشأه إلا القطع بإناطة الحكم بالموضوع المتحقق في جميع الأحوال كما ادعينا استفادته من الأدلة، لا التبعية للأم التي لا مستند لها عدا دعوى الجزئية القابلة للمنع و اللّه العالم.

قوله قده: (الثامن: الكافر بأقسامه حتى المرتد بقسميه و اليهودي و النصراني و المجوسي. إلخ).

لا إشكال في نجاسة من عدا اليهود و النصارى من الكفار بأي سبب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 317

النجاسة إلا إذا أسلم بعد البلوغ أو قبله مع فرض كونه عاقلا مميزا و كان إسلامه عن بصيرة على الأقوى، و لا فرق في نجاسته بين كونه من حلال أو من الزنى و لو في مذهبه، و لو كان أحد الأبوين مسلما فالولد تابع له إذا لم يكن عن زنى بل مطلقا على وجه مطابق لأصل الطهارة

______________________________

من أسبابه. و قد نقل المحقق في المعتبر كغيره: اتفاق الأصحاب على نجاسته، كما نقل الإجماع على ذلك عن السيدين، و الشيخ، و العلامة، و الشهيد، و كاشف اللثام و غيرهم، و انما الكلام و الإشكال في اليهود و النصارى فان المعروف المشهور نجاستهم، بل ادعى عليها علم الهدى و ابن إدريس الإجماع، و ربما نسب الخلاف الى المفيد في رسالته الغروية إذ قد عبر بالكراهة، و الى العماني: إذ لم ينجس أسئارهم، و الإسكافي: إذ جعل التجنب من أكل ما صنعه

أهل الكتاب ما لم يتيقن طهارة أوانيهم و أيديهم أحوط، بل الى الشيخ في أطعمة النهاية إذ قال: يكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفار الى طعامه، فان دعاه فليأمره بغسل يده ثم يأكل معه.

حجة القائلين بالنجاسة أمور:

(الأول) قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ.) و المحكى في تقريب الاستدلال به عن المعتبر: ان الإضمار خلاف الأصل، و الإخبار عن الذات بالمصادر شائع كما يقال: رجل عدل.

(الثاني) قوله تعالى (كَذٰلِكَ يَجْعَلُ اللّٰهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ.)

حكى عن المحقق في المعتبر: انه تمسك به، ثم قال: لا يقال الرجس العذاب رجوعا الى أهل التفسير، لأنا نقول: حقيقة اللفظ تعطى ما ذكرناه، فلا يستند الى مفسر برأيه، و لان اسم الرجس لما يكره فهو يقع على موارده بالتواطي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 318

..........

______________________________

فيحمل على الجميع عملا بالإطلاق. انتهى.

(الثالث) الإجماعات المنقولة.

(الرابع) الأخبار الدالة على ذلك مضافا الى الإجماعات المدعاة المعتضدة بالشهرة المحققة، بل بمعروفية الحكم بالنجاسة لدى الخاصة على وجه صار شعارا لهم يعرفه منهم علماء العامة و عوامهم و نساؤهم و صبيانهم بل و أهل الكتاب فضلا عن الخاصة (منها) موثقة سعيد الأعرج أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن سؤر اليهودي و النصراني أ يؤكل أو يشرب؟ قال: لا.

(و صحيحة) محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: سألته عن رجل صافح مجوسيا قال: يغسل يده و لا يتوضأ (و رواية) أبي بصير عن أبى جعفر عليه السّلام في مصافحة المسلم لليهودي و النصراني قال: من وراء الثياب، فان صافحك بيده فاغسل يدك (و صحيحة) على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام؟ فقال: إذا

علم انه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام، إلا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل، و سألته عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا إلا ان يضطر اليه. (و صحيحته) الأخرى عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن فراش اليهودي و النصراني ينام عليه؟ قال: لا بأس و لا يصلى في ثيابهما، و قال: لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة و لا يقعده في فراشه و لا مسجده و لا يصافحه قال: و سألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق للبس و لا يدرى لمن كان هو هل يصلح الصلاة فيه؟ قال:

ان اشتراه من مسلم فليصل فيه، و أن اشتراه من نصراني فلا يصلى فيه حتى يغسله. (و روايته) الأخرى أيضا عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 319

..........

______________________________

مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة و أرقد معه على فراش واحد و أصافحه؟

قال: لا. (و رواية) هارون بن خارجة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: انى أخالط المجوس فآكل من طعامهم؟ فقال: لا. (و مفهوم) رواية سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن طعام أهل الكتاب ما يحل منه؟ قال: الحبوب (و صحيحة) محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن آنية أهل الذمة و المجوس فقال: لا تأكل من طعامهم الذي يطبخون و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر. هذا ما ذكر في الاستدلال على النجاسة. و يتوجه على الاستدلال بآية (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) بعد الغض عن الإشكال في شمول المشرك لمثل اليهودي و النصراني (أولا) ما يقال من أن النجس

مصدر فلا يصح وصف الجثة به إلا مع تقدير كلمة (ذو) و نحوها فلا يدل على المدعى لجواز أن يكون نسبتهم الى النجس عدم انفكاك ظاهر جسدهم من النجاسات العرضية لأنهم لا يتطهرون و لا يغتسلون. (و ثانيا) منع كون النجس في زمان صدور الآية حقيقة في المعنى المصطلح بل المتبادر من حمل النجس على المشركين كحمل الرجس على الميسر و الأنصاب و الأزلام في قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ معناه اللغوي الذي هو أعم من المعنى المصطلح الشرعي، و قد نقل بعض المحققين عن صاحب الحدائق بعد التعجب منه حيث حاول إثبات إرادة المعنى الأخص من الآية قال في الحدائق بكون النجس في عرف الأئمة (ع) حقيقة في المعنى الأخص كما لا يخفى على المتتبع، و دفع احتمال تأخر ثبوت الحقيقة العرفية الخاصة بقوله: إن عرفهم في الأحكام الشرعية و فتاويهم و أمرهم و نهيهم في ذلك راجع في الحقيقة إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فإنهم نقلة عنه و حفظة لشريعته و تراجمة لوحيه كما استفاضت به اخبارهم. انتهى.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 320

..........

______________________________

فقال رحمه اللّه في الجواب عما نقله في الحدائق: و فيه ما لا يخفى من عدم ارتباط كونهم حفظة للشريعة و تراجمة للوحى بالمدعى.

نعم ربما يظن من صيرورة اللفظ حقيقة لدى المتشرعة في معنى كون هذا المعنى هو المراد بهذه الكملة في استعمالات الشارع. و ان صيرورتها حقيقة فيه نشأ من ذلك، لكن لا يعتنى بمثل هذه الظنون ما لم تتحقق. و قد يجاب عن المناقشة. (أولا) بتسليم كون النجس مستعملا في معناه العرفي و هو القذارة لكن القذارة

التي يراها الشارع قذارة هي القذارات التي أمرنا بالتجنب عنها أى النجاسات دون الأجسام الطاهرة شرعا. (و ثانيا) بأن تفريع حرمة قربهم من المسجد الحرام قرينة على إرادة القذارة الخاصة الموجبة لحرمة الدخول في المسجد و هي النجاسة الشرعية، إذ لا يجب تنجب المساجد عن غير النجس الشرعي إجماعا. و فيه: ان غاية ما يمكن ادعاؤه كون كل ما أوجب الشارع التجنب عنه قذرا عنده لا كل قذر لديه أوجب التجنب عنه، كيف و بعض الأشياء يستحب التنزه عنه فهو قذر لدى الشارع لكن لا يوجب الاجتناب عنه و عن ملاقيه اما لقصور المقتضى عن سببيته للإيجاب أو لوجود المانع.

و اما ما ذكره من ان التفريع قرينة على إرادة النجس الشرعي للإجماع على عدم وجوب تجنب المساجد عن غير النجس الشرعي. ففيه أولا: النقض بالقذارات المعنوية الحاصلة بالجنابة و الحيض و نحوهما فإن إطلاق النجس عليها كإطلاق القذر و الرجس بلحاظ معناه اللغوي غير مستنكر بل شائع فلا مانع من أن يكون المراد بالنجس في الآية الخباثة الباطنية و القذارات المعنوية الحاصلة بالشرك الذي هو أشد قذارة من الأحداث المانعة من دخول المساجد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 321

..........

______________________________

و ثانيا: ان ما ادعوه من الإجماع مرجعه الى دعوى الإجماع على انحصار سبب منع المشركين من دخول المسجد الحرام في نجاستهم الظاهرية و هي ممنوعة على مدعيها أشد المنع، بل المشركين يحرم دخولهم في المسجد الحرام و ان لم نقل بنجاستهم بنص الكتاب و إجماع المسلمين، بل الضرورة من الدين المكتشفة من استقرار سيرة العامة و الخاصة على منعهم من دخول المسجد الحرام. بل و كذا غيره من المساجد و المناسك المخصوصة بالمسلمين من

المشاهد المشرفة و ما يتعلق بها لا لأجل نجاستهم من حيث هي، بل لكفرهم الذي هو قذارة باطنية و نجاسة معنوية موجبة لهتك حرمة المسجد و نحوه، كيف و لو كان المانع منحصرا في نجاستهم الظاهرية من حيث هي لاتجه اختصاص المنع بما إذا كانت مسرية لما ستعرف من أن الأظهر جواز إدخال النجاسة الغير المتعدية، مع أنه لا يظن بأحد أن يلتزم بذلك فليتأمل.

ثم لو سلمنا دلالة الآية على النجاسة المصطلحة فهي أخص من المدعى لعدم شمول المشركين لأغلب أصناف الكفار من أهل الكتاب و المرتدين و المنتحلين للإسلام، و ما قيل من إطلاق المشرك على كل كافر ففيه انه مبني على التجوز، و اما نسبة الإشراك الى أهل الكتاب ببعض الاعتبارات كما في الكتاب العزيز، فلا تصحح إرادتهم من إطلاق المشرك الذي لا يتبادر منه إلا إرادة الثنوى و الوثني و نحوهم لا مطلق من صح توصيفه بالاشراك ببعض الاعتبارات. و إلا فصدق المشرك على المرائي أوضح من صدقه على اليهود بواسطة قولهم عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ. و قد أطلق عليه المشرك في جملة من الأخبار مع انه لا يعمه الإطلاق قطعا، هذا مع أن المتبادر من الآية بشهادة سياقها ارادة مشركي أهل مكة التي أنزلت البراءة من اللّه و رسوله منهم و منعوا من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 322

..........

______________________________

قرب المسجد الحرام فلا يجوز التعدي عنهم إلا بتنقيح المناط و عدم القول بالفصل، و لا يتم شي ء منهما بالنسبة الى أهل الكتاب، انتهى كلامه رفع مقامه و يتوجه على الاستدلال بالآية الثانية و هي قوله تعالى كَذٰلِكَ يَجْعَلُ اللّٰهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ ما اعترضه في المسالك. بان الرجس لغة

يجبى لمعان منها: القذر، و العمل المؤدي إلى العذاب، و الشك، و العقاب و الغضب.

و الظاهر أن إطلاقه عليها على سبيل الاشتراك اللفظي فيكون مجملا محتاجا في تعيين المعنى المراد إلى القرينة. على أن المتبادر من سوق الآية إرادة الغضب و العذاب كما ذكره أكثر المفسرين. و قوله: ان الرجس اسم لما يكره، فهو يقع على موارده بالتواطي فيحمل على الجميع عملا بالإطلاق غير جيد.

أما أولا: فلان إطلاق اسم الرجس على ما يكره لم يذكره أحد ممن وصل إلينا كلامه من أهل اللغة، و لا نقله ناقل من أهل التفسير فلا يمكن التعلق به.

و اما ثانيا: فلأن إطلاقه على ما يكره لا يقتضي وجوب حمله على جميع موارده التي يقع عليها اللفظ بطريق التواطى ء لانتفاء ما يدل على العموم.

انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

و أما الإجماعات: فهي لا تنفع إلا عند من يقول بحجية المنقول أو يتحقق عنده الإجماع و انى له تحقيقه!! بعد احتمال أن يكون مدرك المجمعين الأخبار الآتية التي ستعلم حالها.

و اما الأخبار: و هي العمدة في الباب فأظهرها (موثق) سعيد الأعرج (و صحيح) محمد بن مسلم (و موثق) أبى بصير، المتقدمة الذكر، و لا يخفى أن النهى فيها عن الأكل و الشرب، و المؤاكلة و المصافحة، و أن كان من أجل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 323

..........

______________________________

النجاسة إلا انه لا دلالة لها على نجاستهم عينا أو عرضا، إذ عادة لا يكاد يمكن انفكاكهم و انفكاك أوانيهم عن الملاقاة مع النجس بلا لحوق التطهير له: بل الإنصاف انه لا إشعار في أغلب هذه الأخبار بالنجاسة فضلا عن الدلالة عليها، اما صحيحة محمد بن مسلم الأخيرة: فهي على خلاف المطلوب أدل

لأن ظاهرها انحصار المنع بالأكل في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر دون ما يشربون فيها الماء و نحوه من الأشياء المحللة، و أما المنع من طعامهم الذي يطبخون، فيحتمل قويا أن يكون لأجل عدم تجنبهم عن الأشياء المحرمة من الميتة و لحم الخنزير و غير ذلك مما لا يتحرزون عنه، و لا أقل من كون أوانيهم المعدة للطبخ متنجسة بمثل هذه الأمور، فلا تدل على ان المنع منه ليس إلا لأجل مباشرتهم له برطوبة مسرية حتى يستفاد منه نجاستهم، و لو كان هذا هو العلة للمنع لكان الأنسب المنع من أكل ما باشروه برطوبة مسرية لا خصوص طعامهم الذي يطبخونه، و بهذا ظهر لك قصور سائر الأخبار الناهية عن أكل طعامهم عن إثبات المدعى، و لعل ما أشرنا إليه هو الوجه، لما في الأخبار المستفيضة الواردة في تفسير قوله تعالى (وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ) من تخصيصه بالحبوب، بل في بعض تلك الأخبار إشعار بذلك و اما صحيحة على بن جعفر الأولى: فمفادها جواز الوضوء بالماء الذي يدخل اليهودي و النصراني يده فيه لدى الضرورة و هو ينافي نجاسته كما أشرنا اليه. و ما عن الشيخ من حمل الاضطرار على التقية بعيد فان ظاهرها الاضطرار الى الوضوء منه بانحصار الماء فيه، لا الاضطرار الى أن يتوضأ بالماء النجس لصلاته تقية و ما في صدر هذه الصحيحة من حكم الاغتسال في الحمام الذي اغتسل فيه النصراني فلا يخلو وجهه من إجمال لا يكاد يستفاد منها

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 324

..........

______________________________

نجاسة النصراني من حيث هو كما لا يخفى على المتأمل. و اما صحيحته الثانية المشتملة على المنع من الصلاة في ثيابهما و

الأكل مع المجوسي في قصعة واحدة و تمكينه من الجلوس في فراشه و مسجده و المصافحة معه، و النهى عن الصلاة في الثوب الذي اشتراه من النصراني إلا أن يغسله: فإن المنع عن المؤاكلة و سائر ما ذكر لا لأجل ما ذكر فيها لعدم العلم بمباشرته لها برطوبة مسرية فلا بد من تأويلها أو حملها على الاستحباب، لعدم إمكان العمل بظاهرها على الإطلاق، نعم يمكن ذلك في خصوص المؤاكلة في قصعة واحدة نظرا الى غلبة ما يوضع في الجفنة من الأطعمة الرطبة، و كذا المنع من الصلاة في ثيابهما على تقدير نجاستهما نظرا الى غلبة ملاقاتهما لثيابهما مع الرطوبة المسرية فيكون إطلاق المنع منزلا على الغالب، فعلى هذا يتم الاستشهاد بهاتين الفقرتين للمدعي، لكن لقائل أن يقول: كما أن الغالب ملاقاتهما لثيابهما برطوبة مسرية كذلك الغالب عدم خلو ثوبهما و جسدهما الملاقي للثوب مع الرطوبة عن النجاسة العرضية فلا ينحصر وجه المنع بكون الثوب ملاقيا لجسدهما من حيث هو حتى يتم به الاستدلال، و اما روايته الثالثة: فلا يبعد أن يكون ما فيها من المنع من الأشياء المذكورة في السؤال بلحاظ كونها نحوا من الموادة المنهي عنها، و إلا فمجرد نجاستهم لا تقتضي إلا المنع من بعض تلك الأشياء في الجملة لا مطلقا، و الحاصل انه لا يمكن استفادة نجاسة أهل الكتاب من الأحكام المذكورة في هذه الروايات لعدم الملازمة بينها و بين النجاسة لا عقلا و لا عرفا و لا شرعا.

نعم يمكن استفادتها من موثق سعيد الأعرج و صحيح محمد بن مسلم و موثق أبي بصير المتقدمة، و قد تقدم انه لا يستفاد منها أن ذلك لنجاستهم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص:

325

..........

______________________________

الذاتية العينية، بل يجوز أن يكون لنجاستهم العرضية كما تقدم مفصلا. على انه بإزاء هذه الأخبار أخبار دالة على عدم البأس بالأكل معهم في آنيتهم إذا كانوا لا يأكلون لحم الخنزير كما في (رواية) زكريا بن آدم، قال: كنت نصرانيا و أسلمت فقلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أن أهل بيتي على دين النصرانية فأكون معهم في بيت واحد و آكل من آنيتهم فقال: يأكلون لحم الخنزير.؟

قلت لا. قال: لا بأس. أو بأن النهي عن المؤاكلة في آنيتهم فيما إذا كانوا يأكلون فيها الميتة و الدم و لحم الخنزير كما في (مصححة) ابن مسلم: لا تأكلوا في آنيتهم إذا أكلوا فيها الميتة و الدم و لحم الخنزير. كما أطلق في بعضها التوضؤ و الشرب من الإناء الذي يشرب منه اليهودي من ذلك الماء الذي شرب منه كما في (موثقة) عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل هل يتوضأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب على انه يهودي؟ قال: نعم قلت: فمن ذلك الماء الذي يشرب منه؟ قال: نعم، و في بعضها عدم البأس بالصلاة في الثياب التي يعملها النصارى و المجوس و اليهود كما في (مصححة) ابن خنيس. و من الأخبار الدالة على طهارتهم (صحيحة) إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال: لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال: لا تأكله ثم سكت هنيئة، ثم قال: لا تأكله و لا تتركه تقول إنه حرام، و لكن تتركه تنزها عنه، إن في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير و هذه الرواية مع صراحتها في عدم الحرمة تصلح قرينة بمدلولها اللفظي على صرف

الأخبار الظاهرة في الحرمة أو النجاسة عن ظاهرها كصحيحة على بن جعفر المتقدمة الدالة على جواز الوضوء للصلاة بالماء الذي باشره اليهودي أو النصراني لدى الضرورة. (و منها صحيحة) العيص ابن القاسم انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن مؤاكلة اليهودي و النصراني؟ فقال:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 326

..........

______________________________

لا بأس إذا كان من طعامك، و سألته عن مؤاكلة المجوسي؟ فقال: إذا توضأ فلا بأس. (و منها) صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا عليه السّلام الجارية النصرانية تخدمك و أنت تعلم أنها نصرانية لا تتوضأ و لا تغتسل من جنابة؟! قال لا بأس، تغسل يديها. و هذه الصحيحة تدل على الطهارة قولا و تقريرا. و نحوها (صحيحته) الأخرى قال: قلت للرضا عليه السّلام: الخياط أو القصار يكون يهوديا أو نصرانيا و أنت تعلم أنه يبول و لا يتوضأ ما تقول في عمله؟ قال: لا بأس. (و منها) رواية أبي جميلة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه سأله عن ثوب المجوسي ألبسه و أصلي فيه؟ قال: نعم قلت: يشربون الخمر!؟ قال: نعم نحن نشتري الثياب السابورية فنلبسها و لا نغسلها. (و منها) رواية الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري انه كتب الى صاحب الزمان عجل اللّه فرجه:

عندنا حاكمة مجوس يأكلون الميتة و لا يغتسلون من الجنابة و ينسجون لنا ثيابا فهل تجوز الصلاة فيها من قبل أن تغسل؟ فكتب عليه السّلام إليه في الجواب:

لا بأس بالصلاة فيها. (و منها) رواية أبي على البزاز عن أبيه قال: سألت جعفر بن محمد عليه السّلام عن الثوب يعمله أهل الكتاب أصلي فيه قبل أن يغسل؟

قال: لا بأس، و أن يغسل

أحب إليّ. (و عن) معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثياب السابورية يعملها المجوس و هم أخباث و هم يشربون الخمر، و نساؤهم على تلك الحال، ألبسها و لا أغسلها و أصلي فيها؟ قال: نعم قال معاوية: فقطعت له قميصا و خطته و فتلت له أزرارا و رداء من السابوري ثم بعثت بها إليه في يوم الجمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج بها الى الجمعة. (و منها) رواية زكريا بن إبراهيم قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت: أنى رجل من أهل الكتاب و أنى أسلمت و بقي أهلي كلهم على

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 327

..........

______________________________

النصرانية و أنا معهم في بيت واحد لم أفارقهم فآكل من طعامهم؟ فقال:

يأكلون لحم الخنزير؟ قلت: لا و لكنهم يشربون الخمر فقال لي: كل معهم و أشرب. الى غير ذلك من الأخبار الدالة على جواز استعمال الثياب التي يعملها أهل الكتاب، و حملها على إرادة الثياب التي لم يعلم ملاقاتهم لها برطوبة مسرية أسوء من طرحها، و يؤيده بل يدل عليه أيضا: الأخبار الكثيرة الدالة على جواز مخالطة الكتابي مثل: ما دل على جواز تزويج الكتابية، و اتخاذها ظئرا، و جواز اعارة الثوب للكتابي و لبسه بعد استرداده من غير أن يغسله، و تغسيل الكتابي للميت المسلم عند فقد المماثل و المحرم. و نحو ذلك من غير إشعار في شي ء منها بالتجنب عما يلاقيه برطوبة مسرية، مع قضاء العادة بعدم التحفظ عنه ما لم يكن متعمدا في ذلك، بل في بعض تلك الأخبار تقرير للسائل فيما زعمه من طهارة الكتابي، كصحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سأل

أبي أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا حاضر: أنى أعير الذمي ثوبا و انا اعلم انه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير ثم يرده علىّ فاغسله قبل أن أصلي فيه؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: صلّ فيه و لا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه و هو طاهر، و لم تستيقن أنه نجسه فلا بأس. الى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع، و يدل عليه أيضا مخالطة الأئمة (عليهم السّلام) و خواصهم مع عامة الناس من الخاصة و العامة الذين لا يتحرزون عن مساورة أهل الكتاب، مع قضاء العادة باستحالة بقاء ما في أيديهم من المأكول و المشروب و الملبوس و ما يتعلق بهم من أثاث بيتهم على طهارته على تقدير نجاسة اليهود و النصارى هذا مع ما يدل عليه من أصالة الطهارة (فالمتعين) الأخذ بهذه الأخبار، و حمل الأخبار الناهية على الكراهة، إذ هو الجمع العرفي المعمول به لدى الفقهاء في مثل هذا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 328

..........

______________________________

المورد. و يؤيده (مرسلة) الوشاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: انه كره سؤر ولد الزنى و سؤر اليهودي و النصراني و المشرك و كل ما خالف الإسلام، و كان أشد ذلك عنده سؤر الناصب. كما لا دلالة في رواية الكاهلي على النجاسة التي استدل بها القائلون بها و هي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوم مسلمين يأكلون فحضرهم رجل مجوسي أ يدعونه الى الطعام؟ فقال: أما أنا فلا أواكل المجوسي، و اكره أن أحرم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم. فان الظاهر من الرواية أن في مؤاكلته عليه السّلام للمجوسي نوع موادة له فلهذا لا يفعله

عليه السّلام و إلّا فلا معنى لعدم تحريمه عليه السّلام إذا كان ذلك حراما من اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فالإنصاف انه ليس في شي ء من أخبار الطهارة ما يشعر بصدورها تقية فضلا عن أن يدل على ذلك دلالة معتبرة مصححة لطرح هذه الأخبار الكثيرة، فلا يجوز رفع اليد عن مثل هذه الروايات إلا بدليل معتبر، و الذي يقتضيه الجمع بينها و بين أخبار النجاسة انما هو ارتكاب التأويل في تلك الأخبار، فإن أخبار الطهارة لو لم تكن نصا فلا أقل من كونها أظهر دلالة من تلك الروايات مع أن جملة من هذه الروايات تصلح أن تكون بمدلولها اللفظي قرينة لصرف تلك الروايات عن ظاهرها، خصوصا مع ما عرفت من وهن دلالة تلك الأخبار على النجاسة بل إمكان منع ظهورها فيها، مع عدم التنافي بينهما و إمكان الجمع عرفا مع وجود الشاهد عليه كما تقدم، و بالجملة قضية التوفيق العرفي بين الأخبار حمل تلك الأخبار على الكراهة. و من الواضح أن الجمع العرفي مقدم على الترجيح سندا أو جهة، و الرجوع الى المرجحات للصدور أو المرجحات لجهة إنما يكون بعد عدم إمكان الجمع عرفا فلا تكون موافقة الأخبار المصرحة بالطهارة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 329

..........

______________________________

للعامة مانعة عن حمل تلك الأخبار على ما لا ينافيها كما جعله شيخ مشايخنا العلامة المرتضى أعلا اللّه مقامه أحد الأمرين المانعين عن حمل تلك الأخبار.

و ثانيهما موافقة تلك الأخبار للإجماعات المستفيضة قال: أ ترى أن هؤلاء لم يطلعوا على هذه الروايات و هل وصلت إلينا إلا بواسطتهم؟! قلت: لا ريب في أنهم اطلعوا عليها لكنه من المحتمل أن يكون عدم عملهم بها

لتوهم كون موافقتها للعامة مانعا عنه. و لا بعد فيه بعد توهم مثل جنابه (قده) كونها مانعا من حمل تلك الأخبار، مع أن الجمع العرفي عنده على ما حققه في التعادل و التراجيح مقدم على الترجيح سندا المقدم على الترجيح جهة، أو للظفر بما قطعوا منه بالحكم بالنجاسة، و لذا ادعوا الإجماع عليه و لكنه لا يكاد ينفع الغير إلا أن يقول بحجية الإجماع المنقول أو يحققه و لا دليل على حجيته و أنى له تحقيقه!؟ بعد احتمال أن يكون مدرك الفتاوى تلك الأخبار المعلوم حالها، و منشأ دعوى الإجماع: الوهم في القطع و مع ذلك فالفتوى على خلافهم جسارة و جرأة فالأحتياط طريق النجاة و اللّه العالم بحقيقة أحكامه.

و أما أولاد الكفار: فيتبعون آبائهم في الحكم بالنجاسة و جواز الأسر و التملك على ما صرح به غير واحد، و ظاهرهم كونه من المسلمات عندهم و ادعى بعضهم الإجماع عليه، و يشهد لذلك السيرة المستمرة على ترتيب آثار الكفر عليهم من النجاسة و الأسر و التملك و هو العمدة في المقام و أن استدل له أيضا (بصحيحة) ابن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث؟ قال. كفار، و اللّه أعلم بما كانوا عاملين، يدخلون مداخل آبائهم، (و خبر) وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عليه السّلام قال: أولاد المشركين مع آبائهم في النار، و أولاد المسلمين مع آبائهم في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 330

..........

______________________________

الجنة. و في (حديث آخر) فاما أطفال المؤمنين فإنهم يلحقون بآبائهم، و أولاد المشركين يلحقون بآبائهم و هو قول اللّه عز و جل (وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ

بِإِيمٰانٍ أَلْحَقْنٰا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ). و في دلالة هذه الأخبار على نجاستهم تأمل بل منع.

و استدل لنجاستهم أيضا باستصحاب نجاسته حال كونه جنينا في بطن امه.

(و فيه) ما لا يخفى لتبدل الموضوع، إذ لما كان جنينا كان يعد من أجزائها، بخلافه بعد الولادة.

نعم لا بأس بما استدل عليه بعضهم: بتنقيح المناط عند أهل الشرع حيث انهم يتعدون من نجاسة الأبوين ذاتا الى المتولد منهما، فهو شي ء مركوز في أذهانهم و أن لم نعلم وجهه، فكم لهم من هذا القبيل.

و حيث أن عمدة دليل الحكم بالتبعية هو الإجماع، و السيرة، فليقتصر على القدر المتيقن من موردهما كما ذكره بعضهم: و هو ثبوت الحكم مع بقاء تبعيته لهما عرفا و لو بنحو من المسامحة العرفية بكونه معدودا في عداد الكفار تبعا لدارهم، فلو استقل الولد و انفرد و لحق بدار الإسلام و خالط المسلمين خرج من حد التبعية العرفية، فلا ينبغي الإشكال في طهارته، اللهم إلا ان ينعقد الإجماع على بقاء أثر التبعية ما لم يبلغ و أن خرج من حدها عرفا و هو بعيد. انتهى. و لو كان أحد الأبوين مسلما فالولد تابع له في الحكم لا للكافر و الظاهر أن ذلك من المسلمات عندهم و قد استدلوا على ذلك أيضا بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

الإسلام يعلو و لا يعلى عليه، و من آثار علوه لحوق الولد بالمسلم لا بالكافر.

هذا و لا يتفاوت الحال في إلحاق الولد بابويه من هذه الجهة أي من جهة أحكام الكفر و الإسلام بين أن يكون النكاح صحيحا و لو بمذهبهم أو باطلا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 331

[ (مسألة 1) الأقوى طهارة ولد الزنا من المسلمين]

(مسألة 1) الأقوى طهارة ولد الزنا من المسلمين

(1) سواء كان من طرف أو طرفين بل و إن كان أحد الأبوين مسلما كما مر.

______________________________

كذلك، و انما الإشكال في الولد المتكون من المختلفين إسلاما و كفرا و صحة و فسادا، بأن كان من أحدهما صحيحا كما لو كان لشبهة أو غيرها و كان من الآخر زنا و كان الزاني هو المسلم، فهل يلحق الولد به؟ لأن المعتبر في الإلحاق في هذه الأحكام هو الولد لغة، و هو المتكون من مائه بدليل:

الإسلام يعلو و لا يعلى عليه و كما أجمعوا على حرمة نكاح البنت المتكونة من زنا على أبيها الزاني لأنها بنته لغة؟ أو لما كان منفيا عن الزاني في كثير من الأحكام شرعا كالمواريث و غيرها، و ملحقا بمن كان النكاح صحيحا من قبله فهو في هذه الأحكام أيضا ملحق به تابع له؟ محل توقف و اشكال يحتاج إلى تأمل آخر، و أن كان الشك فيه كاف في إجراء أحكام الطاهر عليه لقاعدة الطهارة كما ذكره (قده) و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 1: (الأقوى طهارة ولد الزنا من المسلمين. إلخ)

و ذلك للشهرة المحققة بين علمائنا رضوان اللّه عليهم على إسلامه و طهارته كما صرح بذلك شيخ مشايخنا المرتضى في طهارته (قده) و غيره، و لأصالة الطهارة، و أصالة الإسلام، لحديث الفطرة السالم عن دليل حاكم عليه، إلا ما يتخيل من الأخبار الآتي ذكرها، و لما دل من الأخبار الكثيرة على صيرورة المكلف بإقراره بالشهادتين و تدينه بهما مسلما على وجه لا يبقى اشكال للتشكيك في اطراده، و للسيرة المحققة بين المتشرعة على مباشرته و عدم التجنب عنه.

(و حكى) عن الصدوق و السيد و الحلي القول بكفر ولد الزنا و نجاسته بل المحكى عن الحلي

نفى الخلاف في ذلك، لكن العبارة المحكية عن الصدوق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 332

..........

______________________________

لا تدل إلا على نجاسته، فإنه منع من الوضوء بسؤره و هو أعم من الكفر.

و على كل حال فقد استدل لهم (بمرسلة) الوشاء عمن ذكره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أنه كره سؤر ولد الزنا و اليهودي و النصراني و المشرك و كل من خالف الإسلام، و كان أشد ذلك عنده سؤر الناصب (و رواية) ابن ابى يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام، فان فيها غسالة ولد الزنا و هو لا يطهر إلى سبعة آباء و فيها غسالة الناصب الحديث (و رواية) حمزة بن أحمد عن أبي الحسن الأول عليه السّلام في حديث قال فيه:

و لا يغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب و ولد الزنا و الناصب لنا أهل البيت و هو شرهم (و مرفوعة) سليمان الديلمي إلى الصادق عليه السّلام قال: يقول ولد الزنا يا رب فما ذنبي فما كان لي من أمرى صنع؟! فيناديه مناد و يقول له أنت شر الثلاثة أذنب والداك فنشأت عليهما و أنت رجس و لن يدخل الجنة إلا طاهر.

(و يؤكده) ما ورد من أن نوحا- على نبينا و آله و عليه السلام- لم يحمل في السفينة ولد الزنا و قد كان حمل الكلب و الخنزير (و ما ورد) من أن حب على عليه السّلام علامة طيب الولادة و بغضه علامة خبثها (و ما ورد) من أن ديته كدية اليهودي ثمانمائة درهم (و موثقة) زرارة عن الباقر عليه السّلام: لا خير في

ولد الزنا و لا في بشره و لا في شعره و لا في لحمه و لا في دمه و لا في شي ء منه (و حسنة) ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لبن اليهودية و النصرانية و المجوسية أحب الىّ من ولد الزنا، الى غير ذلك مما ورد في مذمته و انه لا يدخل الجنة و لا تقبل شهادته و لا تجوز إمامته.

(و في) الجميع نظر (اما) حال المؤيدات فواضح إذ لا دلالة لها على

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 333

..........

______________________________

كفره و لا على نجاسته، نعم هي دالة على خباثته المعنوية، و كذلك لا دلالة في الأخبار المتقدمة (أما المرسلة) فلا يفهم منها أزيد من كراهة سؤره، فانا و إن لم نقل بأن الكراهة في الأخبار ظاهرة في الكراهة المصطلحة لكنها ليست ظاهرة في خصوص الحرمة، بل الظاهر منها الكراهة بالمعنى الأعم، و ليس عطف الأنجاس على ولد الزنا قرينة على نجاسته، فلعل سؤره قريب من أسئارهم في القذارة المعنوية، و منه يظهر ضعف دلالة أخبار الغسالة لا سيما رواية ابن أبي يعفور المشتملة على قوله عليه السّلام فإنه لا يطهر إلى سبعة آباء، فإنه ظاهر في إرادة القذارة المعنوية، لأن النجاسة الظاهرية على القول بها غير متعدية منه الى أعقابه إجماعا، مع أن النهى عن استعمال سؤره لا يدل على نجاسته بل هو أعم من ذلك (و اما الرجس) في المرفوعة فالظاهر انه لا يراد به إلا القذارة المعنوية.

قال شيخ مشايخنا المرتضى (قده) في طهارته: ثم أن الأخبار المذكورة لا دلالة فيها على الكفر إلا بناءا على نفى الواسطة بين الكفر و الإسلام، مضافا الى عموم طهارة كل مسلم، و قد

منع صاحب الحدائق عن المقدمة الأولى فاختار أنه نجس و له حالة غير حالتي الإيمان و الكفر، و المحكى عن عبارة الصدوق (ره) أيضا عدم جواز التوضى ء بسؤره فلم يبق مع الحلي رواية تدل على كفره و لا فتوى توافقه إلا علم الهدى فكيف ينفى الخلاف، ثم ان الأخبار في مجازاة ولد الزنا مختلفة، و الذي يحصل من الجمع بين مجموعها أنه لا يدخل الجنة و لا يعذب في النار أن لم يعمل عملا موجبا له. ا. ه و كيف كان فالأقوى في المسألة ما هو المشهور من طهارة ولد الزنا و إسلامه. و لا يستفاد من الأخبار إلا خباثته المعنوية و مرجوحية استعمال

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 334

[ (مسألة 2) لا إشكال في نجاسة الغلاة و الخوارج و النواصب]

(مسألة 2) لا إشكال في نجاسة الغلاة و الخوارج و النواصب و اما المجسمة و المجبرة و القائلون بوحدة الوجود من الصوفية إذا التزموا بأحكام الإسلام فالأقوى عدم نجاستهم إلا مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من المفاسد. (1)

______________________________

سؤره، و على تقدير تسليم ظهورها في النجاسة فلا يستفاد منها كفره إلا بدعوى الملازمة بينها و بين الكفر بناءا على أن المسلم لا ينجس، و انه لا واسطة بين الكفر و الإسلام و في كلتا مقدميته نظر و قد تقدم عن الحدائق منع المقدمة الثانية فاختار انه نجس و له حالة غير حالتي الإيمان و الكفر و استشهد لمدعاه بجملة من الأخبار التي لا تخلو دلالتها عليه من تأمل و اللّه العالم بحقيقة أحكامه.

قوله قده مسألة 2: (لا إشكال في نجاسة الغلاة و الخوارج و النواصب، و اما المجسمة و المجبرة و القائلون بوحدة الوجود من الصوفية إذا التزموا بأحكام الإسلام فالأقوى عدم نجاستهم إلا

مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من المفاسد. ا ه).

(الكلام) في نجاسة المذكورين يحتاج الى البسط في كل واحد برأسه فلنشرع على التربيب المذكور في عبارته (قده) فنقول:

(أما الغلاة) فلا شبهة في كفرهم أن أريد بهم من يعتقد ربوبية أمير المؤمنين عليه السّلام أو غيره من الخلق، إذ لو اعتقد أن الشخص الخارجي بعوارضه المشخصة هو الرب القديم الواجب وجوده الممتنع زواله، و أنكر وجود صانع غيره فهو كافر باللّه تعالى، و أن اعترف بصانع مثله واجب الوجود فهو مشرك، و ان زعم حدوث عوارضه المشخصة و لكنه اعتقد حلول اللّه جلت عظمته فيه و اتحاده معه و تصوره بهذه الصورة كما قد يتصور

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 335

..........

______________________________

الملائكة و الجن بصور البشر فهو منكر لما قد ثبت بالضرورة من الشرع و العقل من ان اللّه تبارك و تعالى أجل و أعظم من أن يصير بشرا يأكل و ينام و يمشي في الأسواق.

(و اما) ان يريد بالغالى ما تجاوز الحد في الأنبياء أو الأئمة (ع)، كما حكى عن القميين من الطعن في الرجال برميهم بالغلو بمجرد ذلك، حتى انه حكى عن الصدوق عن شيخه ابن الوليد انه قال: ان أول درجة في الغلو نفى السهو عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فليس هذا بكافر قطعا، فلا وجه لتكفير من يقول بأن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة مظاهر أوصاف الباري جلت عظمته على سبيل الإطلاق و ان أزمة أمر الخلائق تكوينا و تشريعا بأيديهم، غاية الأمر ان مثل هذه الدعاوي أن لم تثبت نقلا تكون كذبا، كما لو ادعى ثبوت شي ء من هذه الأوصاف لزيد المعلوم

بالضرورة عدم اتصافه به، فضلا عما لو ادعاها في حق النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو الإمام عليه السّلام الذي قد يساعده على مدعاه بعض الشواهد النقلية، بل بعض الشواهد العقلية أيضا، بعد البناء على كونهم أشرف الموجودات، كما لعله المتسالم عليه لدى الشيعة خصوصا بالنسبة إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فإنه لا يبعد أن يكون بالنسبة إليه من ضروريات المذهب، و كيف كان فلا يوجب إثبات شي ء من أوصاف الرب جلت عظمته لشي ء من مخلوقاته الخروج من حد الإسلام بعد الاعتراف بكون الموصوف بتلك الصفة من مخلوقاته تعالى، نعم لو سلبها عن الرب مع كونها ضرورية الثبوت له كالخالقية و الرازقية و نحوهما كفر لذلك. أي لإنكاره ضروري من ضروريات الإسلام، ما لم يكن ذلك عن شبهة أو مطلقا، على الخلاف في ان إنكار الضروري بنفسه سبب تام في الكفر، أو إذا علم بأنه ضروري و انه من دين الإسلام ليرجع إنكاره

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 336

..........

______________________________

إلى إنكار الرسالة و اللّه العالم.

(و أما الخوارج) و هم فرقة من فرق الإسلام سموا خوارج لخروجهم على أمير المؤمنين عليه السّلام فالذي يدل على نجاستهم تسالم الفقهاء على كفرهم متمسكين لذلك بانكارهم للضروري، و فيه ان ذلك انما يتم بناءا على سببية الإنكار من حيث هو للكفر، و اما بناءا على سببيته إذا رجع الى إنكار النبوة المستلزم ذلك للعلم بضروريته في دين الإسلام و وروده على لسان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلا يتم ذلك إلا في علمائهم المستبدين بارائهم المنكرين لفضائل أمير المؤمنين عليه السّلام و الحسنين عليهما السّلام المتواترة لفظا و

معنى على لسان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في وجوب مودتهم، كما يدل على ذلك أخبار متواترة نذكر بعضها تيمنا و تبركا و تشريفا لكتابنا.

ففي (رواية) أبي حمزة قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: ان عليا عليه السّلام باب فتحه اللّه من دخله كان آمنا و من خرج منه كان كافرا.

(و رواية) أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم طاعة على ذلك و معصيته كفر باللّه، قيل يا رسول اللّه كيف كان طاعة على ذلا و معصيته كفرا؟ قال: على يحملكم على الحق فإن أطعتموه ذللتم و ان عصيتموه كفرتم باللّه عز و جل.

(و في رواية) إبراهيم بن أبي بكر قال سمعت أبا الحسن موسى عليه السّلام يقول: ان عليا باب من أبواب الهدي فمن دخل في باب على عليه السّلام كان مؤمنا، و من خرج منه كان كافرا، و من لم يدخل فيه و لم يخرج منه كان في طبقة الذين للّه فيهم المشية.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 337

..........

______________________________

(و رواية) الفضيل بن يسار قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: ان اللّه نصب عليا علما للّه بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا، و من أنكره كان كافرا، و من جهله كان ضالا، و من نصب معه شيئا كان مشركا، و من جاء بولايته دخل الجنة، و من جاء بعداوته دخل النار.

(و في رواية) إبراهيم بن أبي بكر عن أبي إبراهيم عليه السّلام أن عليا باب من أبواب الجنة فمن دخل بابه كان مؤمنا، و من خرج من بابه كان كافرا، و من لم يدخل فيه

و لم يخرج كان في الطبقة الذين للّه فيهم المشية.

(و عن الكافي) بسنده الى الباقر عليه السّلام قال: ان اللّه نصب عليا علما بينه و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا، و من أنكره كان كافرا، و من جهله كان ضالا، (و عن الصادق عليه السّلام) من عرفنا كان مؤمنا، و من أنكرنا كان كافرا.

(و عن كمال الدين) عن الصادق عليه السّلام الامام علم بين اللّه عز و جل و بين خلقه من عرفه كان مؤمنا، و من أنكره كان كافرا.

(و عن المحاسن) بسنده إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انه قال لحذيفة: يا حذيفة ان حجة اللّه بعدي عليك على بن أبي طالب عليه السّلام الكفر به كفر باللّه، و الشرك به شرك باللّه. و الشك فيه شك في اللّه، و الإلحاد فيه إلحاد في اللّه، و الإنكار له إنكار اللّه. و الإيمان به ايمان باللّه، لأنه أخو رسول اللّه و وصيه و امام أمنه و مولاهم و هو حبل اللّه المتين و عروته الوثقى لا انفصام لها. الحديث، الى غير ذلك مما لا يعد و لا يحصى.

و نعم ما قاله شيخ مشايخنا المرتضى (ره) في طهارته بعد نقل ما نقلناه عنه و انتهائه إلى قوله، مما لا يطيق مثلي الإحاطة بعشر معاشرة بل و لا بقطرة من بحاره. ا. ه. هذا حال علمائهم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 338

..........

______________________________

(و اما) عوامهم وجها لهم خصوصا القاصرين منهم من نسائهم و صبيانهم الذين لم يبلغهم فضائل أهل البيت و يتقربون الى اللّه و رسوله بعداوتهم و يرونه من أفضل قربهم الى اللّه تعالى، هذا مع إقرارهم بالشهادتين و التزامهم بما

عدا ولاء آل البيت من ضروريات الدين كالصلاة و الصيام و الحج و الزكاة و أمثالها فيشكل الحكم بكفرهم إذ هو من أوضح موارد الشبهة، إذ لا يرجع إنكارهم لموادة أهل البيت إلى إنكار النبوة. بل يرون بغضهم من دين النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

(فتلخص) من جميع ما ذكرنا انه لا دليل على سببية الإنكار من حيث هو للكفر، نعم قد استفيض نقل الإجماع، على كفرهم و نجاستهم و استدل لهما أيضا مضافا الى الإجماع و ما عرفته من إنكارهم للضروري المستلزم للكفر الموجب للنجاسة بالأخبار المستفيضة التي بعضها يدل على الكفر فيدل على النجاسة أيضا بضميمة الإجماع، و جملة منها تدل على نجاستهم فيستفاد منها كفرهم بالالتزام.

(فمما) يدل على كفرهم ما أرسل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انه قال في وصفهم:

انهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرامي (و رواية) الفضل قال دخل على أبي جعفر عليه السّلام رجل محصور عظيم البطن فجلس معه على سريره فحياه و رحب به، فلما قام قال: هذا من الخوارج كما هو، قال قلت مشرك؟ فقال:

مشرك و اللّه مشرك (و في الزيارة الجامعة) و من حاربكم مشرك. و اللّه العالم بحقيقة أحكامه.

(و أما النواصب) و هم الذين أظهروا عداوة أهل البيت الذين أوجب اللّه مودتهم و ولايتهم و أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا مع علمهم بعظمة شأنهم في الإسلام و وجوب الصلاة عليهم في كل صلاة و اهتمام النبي (ص)

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 339

..........

______________________________

في الأمر بولايتهم و مودتهم و اخباره بأنهم سادات أهل الجنة، و أن عليا مع الحق و الحق مع على، و غير

ذلك من الأخبار في فضلهم و شرفهم البالغة حد التواتر، بل يقصر العاد لها عن الإحاطة بها. التي لا يجتمع الإذعان بصدقها مع النصب و استحلال القتل و الاستخفافات بهم التي أظهروها قولا و فعلا، فعلى هذا لم يكونوا مذعنين بصدق النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيما أوصاهم بهم في أهل بيته.

(و ليعلم) ان إنكار الضروري أو غيره من الأحكام المعلومة الصدور من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ليس ضروري التنافي للتصديق الإجمالي، بل قد يجتمعان بواسطة بعض الشكوك و الشبهات الطارئة في النفس، فليس الإنكار في مثل الفرض منافيا للإيمان باللّه و رسوله فلا يكون موجبا للكفر، إلا أن نقول بكونه من حيث هو كالكفر باللّه و رسوله سببا مستقلا له كما هو صريح بعض و ظاهر آخرين، بل ربما ادعى استظهار ذلك من المشهور حيث جعلوه قسيما للأولين، و فيه تأمل نظرا الى ما صرح به غير واحد، بل قد يقال: انه هو المشهور عندهم من استثناء صورة الشبهة و هو لا يناسب سببيته المستقلة فملخصه: ان إنكار الضروري يوجب الكفر أن كان منافيا للاعتراف الإجمالي أو كان موجبا لإنكار الرسالة في الجملة و إلا فلا.

(و مما يمكن) ان يستدل به للسببية أمور:

(منها) ان الإسلام عرفا و شرعا عبارة عن التدين بهذا الدين الخاص الذي يراد منه مجموع حدود شرعية منجزة على العباد، فمن خرج من ذلك و لم يتدين به كان كافرا غير مسلم سواء لم يتدين به أصلا أو تدين ببعضه دون بعض أى بعض كان.

(و فيه) على ما ذكره بعض المحققين من ان المعتبر في الإسلام انما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص:

340

..........

______________________________

هو التدين بجميع ما جاء به النبي (ص) إجمالا بمعنى الاعتراف بصحتها و صدق النبي (ص) في جميع ما جاء به على سبيل الإجمال، و اما التدين به تفصيلا فلا يعتبر في الإسلام قطعا، فالإنكار التفصيلي ما لم يكن منافيا للتصديق الإجمالي بأن كان المنكر معترفا بخطائه على تقدير مخالفة قوله لما جاء به النبي (ص) لا يوجب الخروج مما يعتبر في الإسلام. أ ه.

(و منها) الأخبار الدالة على سببية إنكار حكم من أحكام الشريعة للكفر مثل (صحيحة) أبي الصباح الكناني عن أبي جعفر عليه السّلام قال قيل لأمير المؤمنين عليه السّلام من شهد أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه كان مؤمنا؟

قال: فأين فرائض اللّه؟ قال و سمعته يقول: لو كان الايمان كلاما لم ينزل فيه صوم و لا صلاة و لا حلال و لا حرام. قال و قلت لأبي جعفر عليه السّلام ان عندنا قوما يقولون إذا شهد ان لا إله إلا اللّه و ان محمدا رسول اللّه فهو مؤمن قال: فلم يضربون الحد؟ و لم تقطع أيديهم؟ و ما خلق اللّه عز و جل خلقا أكرم على اللّه عز و جل من المؤمنين لأن الملائكة خدام المؤمنين و أن جوائز اللّه للمؤمنين و أن الحور العين للمؤمنين، ثم قال: فحال من جحد الفرائض كان كافرا.

(و في مكاتبة) عبد الرحيم القصير مع عبد الملك الى أبى عبد اللّه عليه السّلام: فاذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى اللّه عز و جل عنها كان خارجا من الايمان ساقطا عنه اسم الايمان ثابتا عليه اسم الإسلام فإن تاب و استغفر عاد الى دار الايمان و

لا يخرجه الى الكفر إلا الجحود و الاستحلال بأن يقول للحلال هذا حرام و للحرام هذا حلال و دان بذلك فعندها يكون خارجا من الإسلام و الايمان داخلا في الكفر.

(و في صحيحة) عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 341

..........

______________________________

يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت هل يخرجه ذلك من الإسلام؟ و ان عذب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدة و انقطاع؟ فقال: من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم انها حلال أخرجه ذلك من الإسلام و عذب أشد العذاب، و أن كان معترفا انه أذنب و مات عليه أخرجه من الايمان و لم يخرجه من الإسلام و كان عذابه أهون من عذاب الأول (و صحيحة) بريد العجلي عن أبى جعفر عليه السّلام قال سألته عن ادنى ما يكون به العبد مشركا؟ قال: من قال للنواة حصاة و للحصاة انها نواة و دان به (و في رواية) سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السّلام أدنى ما يكون به العبد كافرا من زعم أن شيئا نهى اللّه عنه ان اللّه أمر به و نصبه دينا يتولى عليه و يعبد الذي أمره و انما يعبد الشيطان، الى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه (مثل) قوله: من شرب النبيذ على انه حلال خلد في النار، و من شرب على انه حرام عذب في النار (و مثل) ما دل على وجوب قتل من أفطر شهر رمضان أو شرب الخمر أو ترك الصلاة إذا نفوا الإثم عن أنفسهم.

(قال بعض المحققين): و يتوجه على الاستدلال بمثل الروايات بعد الغض عما في بعضها من الخدشة من حيث الدلالة أن استحلال

الحرام أو عكسه موجب للكفر من غير فرق بين كونه ضروريا أو غيره، بل في بعضها كالصريح في الإطلاق، و حيث لا يمكن الالتزام بإطلاقها يتعين حملها على إرادة ما إذا كان عالما بكون ما استحله حراما في الشريعة، فيكون نفى الإثم عن نفسه و استحلاله منافيا للتدين بهذا الدين و مناقضا للتصديق بما جاء به سيد المرسلين فيكون كافرا، سواء كان الحكم في حد ذاته ضروريا أم لم يكن، (و أما) ما في ذيل صحيحة الكناني من إطلاق قوله عليه السّلام: فما بال من جحد الفرائض كان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 342

..........

______________________________

كافرا، فلا يمكن الاستدلال به لإثبات سببية إنكار الفرائض التي هي من الضروريات على الإطلاق للكفر، لجريه مجرى العادة من عدم اختفاء شرعيتها على أحد من المسلمين، بل يعرفها كل من قارب المسلمين فضلا عمن تدين بهذا الدين، ففرض كون إنكار الصلاة التي هي عمود الدين ناشئا من شبهة مجامعة للاعتراف بحقية الشريعة و صدق النبي (ص) في جميع ما جاء به مجرد فرض لا يكاد يتحقق له مصداق في الخارج.

(و الحاصل) انه لا يفهم من مثل هذه الأخبار اعتبار عدم إنكار شي ء من الأحكام الضرورية من حيث هو و إن لم يكن منافيا لتصديق النبي (ص) في جميع ما جاء به إجمالا في مفهوم الإسلام المقابل للكفر حتى يتقيد به الأخبار الواردة في تفسير الإسلام الخالية عن ذكر هذا الشرط مثل ما رواه في (الكافي) عن سماعة قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أخبرني عن الإسلام و الايمان أ هما مختلفان؟ فقال: ان الايمان يشارك الإسلام و الإسلام لا يشارك الايمان. فقلت فصفهما لي؟ فقال: الإسلام شهادة أن

لا إله إلا اللّه و التصديق برسول اللّه (ص) به حقنت الدماء و جرت المناكح و المواريث و على ظاهره جماعة الناس، و الإيمان: الهدى و ما يثبت في القلوب من صفة الإسلام، الحديث الى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه. انتهى كلامه رفع مقامه.

(و لا بأس) بذكر بعض الأخبار التي ظاهرها اعتبار التعبد ببعض الفروع الضرورية في حقيقة الإسلام تيمنا و تبركا بذكرها مثل ما في (رواية) سفيان بن السمط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الفرق بين الإسلام و الايمان، الإسلام: هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه (ص) و اقام الصلاة و إيتاء الزكاة و حج البيت و صيام شهر رمضان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 343

..........

______________________________

فهذا الإسلام، قال: الايمان معرفة هذا الأمر مع هذا فإن أقر بها و لم يعرف هذا الأمر كان مسلما و كان ضالا (و في) الأخبار المستفيضة بني الإسلام على خمس الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية (و في) خبر العرزمي عن الصادق عليه السّلام أثافي الإسلام ثلاثة: الصلاة و الزكاة و الولاية، و لا تصح واحدة منهن إلا بصاحبتها.

لكنك خبير بان المراد بهذه الأخبار المستفيضة و أمثالها هو التعبد بنفس هذه الفروع أى فعلها لا مجرد الاعتراف بوجوبها فالإسلام الذي أريد بهذه الروايات مساوق للايمان و أخص من الإسلام الذي به حقنت الدماء و جرت عليه المناكح و المواريث (و أما رواية) سفيان فلا يبعد أن يكون المراد بها الاعتراف بوجوبها بقرينة قوله في ذيلها فإن أقربها و لم يعرف هذا الأمر. إلخ، إلا انك عرفت أن الاعتراف بمثل هذه الأمور

الضرورية من لوازم التصديق بالرسالة، فلا يستفاد من مثل هذه الرواية اعتبار الاعتراف بها من حيث هي كالإقرار بالتوحيد و الرسالة في حقيقة الإسلام، و إلا لا يقتضى كفر من لم يقربها و أن لم يجحدها، هذا مع انها كما قيل أخص من المدعى لعدم انحصار ضروريات الدين فيما في هذه الرواية، و على كل حال فلا يمكن إثبات منكر الضروري من حيث هو بمثل هذه الروايات.

(و منها) أى مما يدل على السببية التامة بإنكار الضروري، تسالمهم على كفر النواصب متمسكين لذلك بانكارهم للضروري، فلو لا سببية الإنكار من حيث هو للكفر لم يكن لإطلاق حكمهم بكفرهم وجه، ضرورة أن أغلبهم خصوصا المتأخرين منهم المقلدين لأسلافهم الذين نشأوا على عداوة أهل البيت، ربما يتقربون بها الى اللّه تعالى و رسوله إذ بناؤهم على ارتداد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 344

..........

______________________________

أهل البيت، لجهالتهم بما انزل اللّه في حقهم على لسان رسوله مما ينافي ذلك، فلا يكون إنكارهم منافيا للتصديق الإجمالي بالرسالة (و فيه) انه ان أريد بما ذكر من التسالم استكشاف الإجماع على السببية التامة حتى يتم به الاستدلال فيتوجه عليه بعد الغض عن عدم ثبوت الإجماع لتصريح غير واحد من المتأخرين بالخلاف، ان إطلاق القول بكفرهم و ان ناسب القول بالسببية التامة، لكنه مناف لما اشتهر بينهم من استثناء صورة الشبهة، فإن جهالهم القاصرين من نسائهم و صبيانهم الذين لم يبلغهم فضائل أهل البيت (عليهم السّلام) و يتقربون الى اللّه و رسوله بعداوتهم من أوضح موارد الشبهة، فهذا يكشف عن فساد استدلالهم بالإنكار لكفرهم على الإطلاق أو إرادتهم في غير مثل الفرض، أو اختصاص استدلالهم به بمن يراه سببا على الإطلاق دون من

استثنى منه صورة الشبهة، أو أن اعتمادهم في كفرهم على الإجماع أو الأخبار الآتية الدالة عليه، فيكون استدلالهم بالإنكار اما من باب التأييد، أو لكونه دليلا عليه في الجملة، أو لبنائهم على منافاة ما صدر من النصاب و لو من جهالهم، للتصديق الإجمالي بجميع ما جاء به الرسول (ص) من مودة ذي القربى و وجوب اطرائهم و حرمة الاستخفاف بهم و استحلال قتلهم، فكأنهم أرادوا بصورة الشبهة التي استثنوها بعض الصور التي لا تنافي التصديق الإجمالي الملازمة لإذعان المنكر بخطائه على تقدير مخالفة قوله لما جاء به النبي (ص) بان كان قريب العهد بالإسلام أو ساكنا في بلاد الكفار، و ما صدر منهم بحسب الظاهر لم يكن من هذا القبيل بل كان عكس ذلك، و هذا النحو من الإنكار كفر محض.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 345

..........

______________________________

و على كل فقد تلخص من جميع ما ذكرنا انه لا دليل على سببية الإنكار من حيث هو للكفر.

(و استدل) له أيضا مضافا الى الإجماع و ما عرفته من إنكارهم للضروري المستلزم للكفر الموجب للنجاسة بدليل الإجماع الذي تقدمت الإشارة إليه، الأخبار المستفيضة التي بعضها يدل على الكفر فيدل على النجاسة بضميمة الإجماع، و جملة منها تدل على نجاستهم فيستفاد منها كفرهم بالالتزام فمما يدل على نجاستهم ما عن (الكافي) بسنده عن ابن أبي يعفور عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام فان فيها غسالة ولد الزنا و هو لا يطهر إلى سبعة آباء و فيها غسالة الناصب و هو شرهما، ان اللّه لم يخلق خلقا شرا من الكلب و ان الناصب أهون على اللّه من الكلب.

(و رواية)

القلانسي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ألقى الذمي فيصافحني.

قال: امسحها بالتراب أو بالحائط، قلت: فالناصب قال: اغسلها (و مرسلة) الوشاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه كره سؤر ولد الزنا و اليهودي و النصراني و المشرك و كل من خالف الإسلام، و كان أشد ذلك عنده سؤر الناصب.

(و رواية) على بن الحكم عن رجل عن أبي الحسن عليه السّلام في حديث انه قال:

لا تغتسل من غسالة ماء الحمام فإنه يغتسل فيه من الزنا و يغتسل فيه ولد الزنا و الناصب لنا أهل البيت و هو شرهم (و موثقة) عبد اللّه بن أبي يعفور عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: و إياك أن تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهل البيت و هو شرهم، فان اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب و ان الناصب لناصب أهل البيت لأنجس منه.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 346

..........

______________________________

(و يؤيده) المنع من أكل ذبيحة الناصب في جملة من الأخبار، هذا و للمناقشة في دلالة هذه الأخبار على النجاسة المصطلحة مجال، و الذي يقرب الى الذهن عاجلا أن المراد بها النجاسة المعنوية كما يدل على ذلك شواهد منها مثل اشتمال أكثر الأخبار على ولد الزنا و الجنب من حيث هو جنب و غير ذلك مما يطول شرحه.

(بقي الكلام) في معنى الناصب. قال شيخ مشايخنا المرتضى (قده):

فالذي يظهر من بعض الأخبار أن الناصب لا يختص ببغض أهل البيت (ع) بل هو مطلق من قدم الجبت و الطاغوت، و اختاره في الحدائق و ذكر فيها روايتين (إحداهما) قول الصادق عليه السّلام لمعلى

بن خنيس: ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد أحدا يقول انى أبغض محمدا و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم انكم تتولونا و تتبرأون من أعدائنا (و الثانية) ما رواه عن مستطرفات السرائر عن محمد بن على بن عيسى قال:

كتبت إليه- يعني الهادي عليه السّلام- اسأله عن الناصب هل احتاج في امتحانه الى أكثر من تقديمه الجبت و الطاغوت و اعتقاده بإمامتهما؟ فرجع الجواب:

من كان على هذا فهو الناصب.

أقول: و يؤيده بل يدل عليه ما تقدم في حكم غير الأثنى عشرية من فرق الشيعة من رواية عبد اللّه بن المغيرة المحكية عن الروضة قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام انى ابتليت برجلين أحدهما ناصب و الآخر زيدي و لا بد من معاشرتهما فمن أعاشر؟ فقال: هما سيان من كذّب بآية من آيات اللّه تعالى فقد نبذ الإسلام وراء ظهره و هو المكذب لجميع القرآن و الأنبياء و المرسلين ثم قال: هذا نصب لك و هذا الزيدي نصب لنا.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 347

..........

______________________________

(و فيه) انه بعد ما دل الدليل على طهارة منكر الولاية من حيث الإنكار لا ينفع إطلاق الناصب عليه، إذ الدليل على نجاسته اما الإجماع و اما مثل الأخبار السابقة و اختصاص كل منهما بالقسم الأول واضح، هذا مع أن صدق هذا العنوان على القسم الثاني ممنوع جدا، قال الصدوق في باب النكاح من الفقيه: أن الجهال يتوهمون أن كل مخالف ناصب و ليس كذلك. اه.

و في المعتبر و المنتهى في باب الاسئار: انهم الذين يقدحون في على عليه السّلام، و عن تذكرة المصنف:

انه الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت. و عن السيد المحدث المتقدم: انه من نصب العداوة لأهل البيت و تظاهر ببغضهم، و نسب ذلك الى أكثر الأصحاب. و عن القاموس: ان النواصب هم المتدينون ببغض على عليه السّلام لأنهم نصبوا له أى عادوه. و عن الصحاح: النصب العداوة و عن شرح المقداد: ان الناصب يطلق على خمسة أوجه: (الأول) القادح في على عليه السّلام (الثاني) من ينسب إلى أحدهم ما يسقط العدالة (الثالث) من ينكر فضيلتهم لو سمعها (الرابع) من يعتقد فضيلة غير على عليه السّلام (الخامس) من أنكر النص على على عليه السّلام بعد سماعه و دخوله اليه بوجه يصدقه. و لا يخفى ان الظاهر من الأخبار هو من يبغض أهل البيت عليهم السلام، و لما كان المنشأ في ذلك غالبا بغض سيدهم أمير المؤمنين عليه السّلام اقتصر في المعتبر و المنتهى على ذلك، و كذا صاحب القاموس، و ينطبق عليه ما حكاه السيد المحدث عن أكثر الأصحاب. و كيف كان فلا يخفى ضعف تعميم الناصب للمخالف الى آخر ما ذكره (قده).

(و اما المجسمة) فقد حكى عن الشيخ و جماعة ممن تأخر عنه الحكم بكفرهم مطلقا، و عن بعضهم التفصيل بين المجسمة حقيقة و بين القائل بأنه جسم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 348

..........

______________________________

لا كالأجسام فيسلب عنه كل ما هو من لوازم الجسمية من الحاجة و الحدوث.

(و استدل) لكفرهم بإنكار الضروري لأن من لوازم الجسمية الحدوث (و نوقش) فيه بعدم التزام القائل بهذا اللازم و المدار في التكفير على التزامه به لا على الملازمة الواقعية. و قد يقال: بأن إثبات وصف الجسمية للّه تعالى في حد ذاته مخالف للضرورة (و فيه) منع ظاهر

خصوصا مع مساعدة بعض ظواهر الكتاب و السنة عليه مثل قوله تعالى (الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ) و قوله تعالى (فَكٰانَ قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ) و غيرهما مما يظهر منه إمكان التقرب اليه تعالى و تعلق الرؤية به مما لا يحصى.

(و قد يستدل) لكفرهم بما روى عن الرضا عليه السّلام من قال بالتشبيه و الجبر فهو كافر. بناءا على أن المجسمة من المشبهة لأنهم على ما عن فوائد العقائد و شرحه: الذين يقولون أن اللّه تبارك و تعالى في جهة الفوق و يمكن أن يرى كما ترى الأجسام، فالتجسم غير خارج من التشبيه، و لا يبعد أن يكون المراد بالتشبيه مطلق تنظيره بالأجسام في تحديده بمكان أو زمان فيكون مساوقا للتجسيم فعلى هذا أظهر في المدعى، لكن يتوجه عليه عدم صلاحية مثل هذه الرواية الضعيفة التي لم يستند إليها الأصحاب في فتواهم لتقييد الأخبار الكثيرة الواردة في تحديد الإسلام و الإيمان الخالية عن اعتبار نفى التجسيم.

(و ربما) توجه الرواية بحملها على ما إذا كان القائل عالما بالملازمة بين الجسمية و الحدوث و فيه بعد.

(و الأولى) حملها على بعض مراتب الكفر الذي لا ينافي الإسلام الظاهري بل الإيمان الناقص، كيف و كثير من العوام بل أكثرهم لا يمكنهم تنزيه الرب عن العلائق الجسمانية، حيث لا يتعقلون بواسطة قصورهم مؤثرا في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 349

..........

______________________________

العالم لا يكون جسما، ألا ترى انك إذا أردت أن تعرّف الأطفال في مبادي بلوغهم أو قبلها أن اللّه تعالى منزه عن تلك العلائق مهما سلبت عنه تعالى شيئا منها يتصورون ضدها، فاذا قلت انه تعالى ليس له لسان يتخيلون انه يتكلم بالإشارة، و إذا قلت انه ليس له بصر

يتصورون في أذهانهم شخصا أعمى و هكذا فاذا قلت أنه يسمع بلا سمع و يبصر بلا بصر و يتكلم بلا لسان يرونه متناقضا، و الأقوى ان شيئا من مثل هذه العقائد ما لم يكن منافيا للشهادتين و تصديق النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إجمالا في جميع ما اتى به لا يوجب الكفر خصوصا إذا كان منشأه القصور و اللّه العالم (و أما المجبرة) و هم القائلون بأن اللّه يجبر عباده على المعاصي، و في عرف أهل الكلام يسمون المجبرة و المرجئة لأنهم يؤخرون أمر اللّه و يرتكبون الكبائر، و المفهوم من كلام الأئمة (عليهم السلام) أن المراد من المجبرة الأشاعرة و من القدرية المعتزلة لأنهم شهروا أنفسهم بإنكار ركن عظيم من الدين و هو كون الحوادث بقدرة اللّه تعالى و قضائه، و زعموا أن العبد قبل أن يقع منه الفعل مستطيع تام يعنى لا يتوقف فعله على تجدد فعل من أفعاله تعالى، و هذا معنى التفويض يعنى أن اللّه تعالى فوض إليهم أعمالهم (و قال على بن إبراهيم):

المجبرة الذين قالوا ليس لنا صنع و نحن مجبورون يحدث اللّه لنا الفعل عند الفعل و انما الأفعال منسوبة إلى الناس على المجاز لا على الحقيقة، و تأولوا في ذلك بآيات من كتاب اللّه لم يعرفوا معناها، و حكى عن المبسوط القول بنجاستهم و قواه كاشف اللثام، و استدلوا له بالرواية المتقدمة عن الرضا (ع) و هو قوله (ع): من قال بالتشبيه و الجبر فهو كافر، و بانكارهم لجملة من الضروريات و استلزام مذهبهم إبطال النبوات و التكاليف كما نص عليه كاشف اللثام في مقام تقوية قول الشيخ (ره) و ذكر أن تنجيس المجبرة أولى

من تنجيس

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 350

..........

______________________________

المجسمة و المشبهة بل أكثر الكفار.

(و ربما) يستدل لكفرهم بقوله تعالى (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شٰاءَ اللّٰهُ مٰا أَشْرَكْنٰا وَ لٰا آبٰاؤُنٰا وَ لٰا حَرَّمْنٰا مِنْ شَيْ ءٍ كَذٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (و فيه) ما عرفت آنفا من عدم إمكان تقييد الأخبار الكثيرة بمثل هذه الرواية و عدم التزام المنكر باللوازم.

(و استدل) له أيضا بما روى عن الصادق (ع) ان الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل يزعم ان اللّه تعالى أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم في حكمه فهو كافر، و رجل يزعم أن الأمر مفوض إليهم فلهذا قد أوهن اللّه في سلطانه فهو كافر، (و فيه) أيضا ما في الرواية السابقة من عدم صلاحيتها لإثبات مثل هذا الحكم خصوصا مع مخالفتها للمشهور، بل عن بعض أنه قال: لم أجد موافقا صريحا للشيخ فلا يبعد أن يكون المراد بالرواية استلزام قولهم للكفر ببعض مراتبه و كونهم كفارا في المآل لا انهم محكومون بذلك في الظاهر، و يحتمل أن يكون المراد بكونه كافرا ما إذا علم بالملازمة و اعترف بها و عليه تحمل الآية الشريفة.

(و كيف) كان فالأظهر هو القول بطهارتهم كما يؤيده مضافا الى إطلاق الأخبار الواردة في تحديد الإسلام أن أكثر المخالفين من المجبرة، بل قيل ان غيرهم قد انقرض في بعض الأزمنة لميل السلاطين الى هذا المذهب و أعراضهم عن مذهب المعتزلة و اللّه العالم.

(و أما القائلون بوحدة الوجود) فإن أرادوا به الحلول كما هو أحد معانيه عندهم كما قال الحلاج ليس في جبتي إلا اللّه و أراد به نفسه. فهذا بهذا المعنى كفر و يلزمه النجاسة، و ان أريد به غير

هذا كما لو أريد به أنه تعالى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 351

[ (مسألة 3) غير الأثنى عشرية من فرق الشيعة]

(مسألة 3) غير الأثنى عشرية من فرق الشيعة إذا لم يكونوا ناصبين و معادين (1) لسائر الأئمة و لا سابين لهم طاهرون، و اما مع النصب أو السب للأئمة الذين لا يعتقدون بإمامتهم فهم مثل سائر النواصب.

[ (مسألة 4) من شك في إسلامه و كفره طاهر]

(مسألة 4) من شك في إسلامه و كفره طاهر و ان لم يجر عليه سائر أحكام الإسلام. (2)

______________________________

لا يخلو منه مكان كما لا يحويه مكان و ان الخلق أشعة ذلك النور و أن لا وجود حقيقيا غيره و ان غيره كالظل إلى ذي الظل، فقد يقال: ان هذا محض الايمان و على كل فمع إقرارهم بالشهادتين ظاهرا لا يجوز رفع اليد عن إطلاق الأخبار الواردة في تحديد الإسلام بمجرد قولهم بوحدة الوجود و الحكم بكفرهم و هي على ما عرفت من اختلاف معانيها و اللّه العالم بحقيقة أحكامه.

قوله قده مسألة 3: (غير الأثنى عشرية من فرق الشيعة إذا لم يكونوا ناصبين و معادين. إلخ).

الذي يدل على طهارتهم مع القيود المأخوذة في عبارته (قده) هو الأصل مع أصالة البراءة من وجوب اجتنابهم و أدلة طهارة المسلمين من النص و الإجماع بعد ملاحظة ما دل على إسلامهم في الظاهر، بناءا على تحديد الإسلام المقابل للايمان الذي هو مناط الطهارة دون المرادف له بما عليه الناس من الشهادتين و التزام الصلاة و الصيام و الحج و الزكاة كما لا يخفى على المتتبع باب الفرق بين الايمان و الإسلام من أصول الكافي و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 4: (من شك في إسلامه و كفره طاهر و أن لم يجر عليه سائر أحكام الإسلام. أ ه).

اما طهارته فلقاعدة الطهارة، و اما عدم جريان سائر أحكام الإسلام

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص:

352

[ (التاسع) الخمر بل كل مسكر مائع بالأصالة]

اشارة

(التاسع) الخمر بل كل مسكر مائع بالأصالة و ان صار جامدا بالعرض لا الجامد كالبنج و إن صار مائعا بالعرض. (1)

______________________________

عليه فلأن ما كان منها إلزاميا كأحكام التجهيز و أمثالها فلاستصحاب عدم وجوبها مع أصالة البراءة من وجوبها، و امّا في غيرها كأحكام المناكحة و أمثالها فلعدم إحراز الموضوع فيها و اللّه العالم.

قوله قده: (التاسع: الخمر بل كل مسكر مائع بالأصالة و ان صار جامدا بالعرض لا الجامد كالبنج و أن صار مائعا بالعرض. ا ه).

لا يخفى أن هنا جهات من الكلام (الجهة الأولى) في حكم الخمر من حيث النجاسة و قد اختلفت كلمات الفقهاء في نجاستها و منشأه اختلاف الأخبار في ذلك، بل الاختلاف واقع من أصحاب الأئمة (ع) في زمن الأئمة (ع) كما يدل عليه صحيحة على بن مهزيار الآتية، هذا كله بعد الاتفاق من المسلمين على حرمتها فعن الصدوق في الفقيه و والده في الرسالة، و ابن أبي عقيل و الجعفي نفى النجاسة و إثبات القول بالطهارة و قد مال الى ذلك من المتأخرين المقدس الأردبيلي (ره) و السيد في المدارك و السبزواري في الذخيرة و المحقق الخوانساري في المشارق، و عن المحقق في المعتبر التردد فيه خلافا لما هو المشهور قديما و حديثا من القول بالنجاسة، و قد بلغ نقل الإجماع على نجاسة الخمر أعلى مراتب الاستفاضة بل قيل ببلوغه حد التواتر و أن اختلف كيفية النقل من حيث كون تحققه بين الخاصة أو بين المسلمين و من اشتماله على استثناء من لا يعتد بقوله و عدم استثنائه في كلام آخرين، و أحسن ما قيل في هذا المقام هو الذي ذكره البهائي (ره) في المحكي عنه في الحبل المتين بقوله:

أطبق علماء الخاصة و العامة على نجاسة الخمر إلا شرذمة منا و منهم لم يعتد الفريقان بمخالفتهم. انتهى.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 353

..........

______________________________

(احتج) القائلون بالنجاسة (بالإجماعات) المنقولة المعتضدة بالشهرة المحققة، و بقوله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ) بناءا على أن الرجس هو النجس على ما ذكره بعض أهل اللغة، و الاجتناب عبارة عن عدم المباشرة مطلقا و لا معنى للتنجس إلا ذلك (و بالأخبار) الكثيرة منها (مرسلة) يونس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله أن عرفت موضعه، و أن لم تعرف موضعه فاغسله كله و أن صليت فيه فأعد صلاتك (و رواية) زكريا بن آدم قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير قال: يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلب، و اللحم اغسله و كله، قلت: فإنه قطرت فيه الدم قال: الدم تأكله النار أن شاء اللّه، قلت:

فخمر أو نبيذ قطرت في عجين أو دم قال فقال: فسد. قلت: أبيعه من اليهودي و النصراني و أبين لهم؟ قال: نعم فإنهم يستحلون شربه، قلت و الفقاع هو بتلك المنزلة إذا قطرت في شي ء من ذلك؟ فقال: أكره أن آكله إذا قطرت في شي ء من طعامي (و موثقة) عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خل أو ماء أو كامخ أو زيتون؟ قال: إذا غسل فلا بأس، و عن الإبريق و غيره يكون فيه خمر أ يصلح

أن يكون فيه ماء؟ قال: إذا غسل فلا بأس، و قال: في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر قال: تغسله ثلاث مرات، و سئل أ يجزيه أن يصب فيه الماء؟ قال:

لا يجزيه حتى يدلكه و يغسله ثلاث مرات (و خبر) أبى جميل البصري عن يونس بن عبد الرحمن عن هشام بن الحكم انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفقاع فقال: لا تشربه فإنه خمر مجهول فإذا أصاب ثوبك فاغسله (و موثقة) عمار

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 354

..........

______________________________

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الإناء يشرب فيه النبيذ فقال: تغسله سبع مرات (و موثقته) الأخرى أيضا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تصل في ثوب أصابه خمر أو مسكر و أغسله أن عرفت موضعه، فان لم تعرف موضعه فاغسل الثوب كله، فان صليت فيه فأعد صلاتك (و صحيحة) الحلبي عن دواء يعجن بالخمر فقال: لا و اللّه ما أحب أن أنظر اليه فكيف أتداوى به، انه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير (و في) بعض الروايات بمنزلة الميتة (و في) رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في النبيذ قال: ما يبل الميل ينجس حبا من ماء يقولها ثلاثا (و صحيحة) محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن آنية أهل الذمة و المجوس و قال: لا تأكلوا في آنيتهم و لا من طعامهم الذي يطبخون و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر (و عن) عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى يذهب عاديته و يذهب سكره فقال: لا و اللّه

و لا قطرة تقطر منه في حب إلا أهريق ذلك الحب (و عن) هارون بن حمزة الغنوي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في رجل اشتكى عينه فبعث له كحل يعجن بالخمر فقال: خبيث بمنزلة الميتة فإن كان مضطرا فليكتحل به.

(و يدل عليه) أيضا الأخبار الواردة في نزح البئر من صب الخمر فيه الى غير ذلك من الأخبار التي سيأتي بعضها أن شاء اللّه تعالى، و هذه الأخبار و أن كان جملة منها مخصوصة بالخمر أو فيها و في النبيذ، أو في خصوص النبيذ لكن يمكن الاستشهاد لعموم المدعى بالجميع لعدم القول بالفصل كما ادعاه بعض (و قد نوقش) في الجميع أما في الإجماعات المنقولة فبعدم الحجية خصوصا مع معروفية الخلاف من عظماء الأصحاب، و اما الآية الشريفة فبمنع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 355

..........

______________________________

الدلالة فإن المشهور بين أهل اللغة كما صرح به في المدارك أن الرجس هو المأثم و يؤيد إرادته في خصوص المقام جعله من عمل الشيطان فلا يناسب حمله على أعيان المذكورات، فالمراد بها استعمالها الذي هو من عمل الشيطان، و لو سلم انه بمعنى النجس فالنجس يطلق لغة على كل مستقذر و ان لم يكن نجسا بالمعنى الشرعي و لم يثبت كونه لدى الشارع حين نزول الآية حقيقة في خصوص هذا المعنى، و على تقدير تسليم كونه حقيقة فيه يشكل إرادته في المقام لأنه يقتضي نجاسة الميسر و ما بعده لوقوعه خبرا عن الجميع و لا قائل به، و دعوى كونه خبرا عن خصوص الخمر و كون المقدر لغيرها غيره مجازفة لشهادة السياق باتحاد الجميع من حيث الحكم، فالمراد بالاجتناب عن المذكورات ترك استعمالها بحسب ما هو المتعارف فيها.

اما الأخبار) فهي معارضة بأخبار كثيرة نافية للبأس عنه التي احتج بها القائل بالطهارة بعد الأصل (منها) صحيحة ابن أبي سارة قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ان أصاب ثوبي شي ء من الخمر أصلي فيه قبل أن اغسله؟

قال: لا بأس أن الثوب لا يسكر (و موثقة) ابن بكير قال سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا عنده عن المسكر و النبيذ يصيب الثوب قال: لا بأس (و صحيحة) على بن رئاب المروية عن قرب الأسناد قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخمر و النبيذ المسكر يصيب ثوبي أغسله أو أصلي فيه؟ قال: صل فيه إلا أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر أن اللّه تبارك و تعالى انما حرم شربها (و رواية) الحسين بن موسى الحناط قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشرب الخمر ثم يمجه من فيه فيصيب ثوبي قال: لا بأس (و رواية) أبي بكر الحضرمي قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أصاب ثوبي نبيذ أصلي فيه؟ قال: نعم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 356

..........

______________________________

قلت قطرة من نبيذ قطرت في حب أشرب منه؟ قال: نعم أن أصل النبيذ حلال و أصل الخمر حرام، و لا يبعد أن يكون المراد بالنبيذ في هذه الرواية النبيذ الغير المسكر فتكون هذه الرواية على خلاف المطلوب أدل (و رواية) الحسن ابن أبي سارة قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أنا نخالط اليهود و النصارى و المجوس و ندخل عليهم و هم يأكلون و يشربون فيمر ساقيهم و يصيب على ثيابي الخمر فقال: لا بأس به إلا أن تشتهي أن تغسله لأثره (و رواية) حفص الأعور قال

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الدن يكون فيه الخمر ثم يجفف و يجعل فيه الخل؟

قال: نعم (و مرسلة) الصدوق قال سئل أبو جعفر عليه السّلام و أبو عبد اللّه عليه السّلام فقيل لهما أنا نشتري ثيابا يصيبها الخمر و ودك الخنزير عند حاكتها أ فنصلي فيها قبل أن نغسلها؟ فقالا: نعم لا بأس أن اللّه انما حرم أكله و شربه و لم يحرم لبسه و لمسه و الصلاة فيه (و رواه) في علل الشرائع بطريق صحيح عن بكير عن أبى جعفر عليه السّلام و عن أبي الصلاح و أبي سعيد و الحسن النبال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (و صحيحة) على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام انه سئل عن الرجل يمر في ماء المطر و قد صب فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلى فيه قبل أن يغسل ثوبه؟ قال:

لا يغسل ثوبه و لا رجله و يصلى فيه و لا بأس (و رواية) على الواسطي قال دخلت الجويرية و كانت تحت موسى بن عيسى على أبي عبد اللّه عليه السّلام و كانت صالحة فقالت إني أتطيب لزوجي فنجعل في المشطة التي أتمشط بها الخمر و أجعله في رأسي قال:

لا بأس (و عن الفقه الرضوي) و لا بأس أن تصلى في ثوب أصابه خمر لأن اللّه حرم شربها و لم يحرم الصلاة في ثوب أصابته. الى غير ذلك و حمل هذه الأخبار على التقية ليس بأولى من حمل أخبار النجاسة على الاستحباب، مع ما في الحمل على التقية من الإشكال حيث أن المشهور بين العامة على ما حكى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 357

..........

______________________________

عنهم هو النجاسة فيحتمل صدور أخبار النجاسة من

باب التقية.

(و ما يقال) من احتمال صدور أخبار الطهارة من باب التقية رعاية لميل سلطان الجور أو لموافقتها لفتوى ربيعة الرأي الذي كان معاصرا للصادق (عليه السلام).

(ففيه) انه احتمال كاحتمال صدور أخبار النجاسة تقية، فحمل أخبار الطهارة على التقية مع موافقة أخبار النجاسة لأكثر العامة تحكم بلا دليل، و على كل فحمل أخبار النجاسة على الاستحباب مشكل لإباء بعضها عن ذلك، فإن جملة منها كادت أن تكون صريحة بل هي صريحة في عدم جواز الانتفاع بما وقع فيه الخمر حتى بالاكتحال منه في غير الضرورة و ان استهلكت فيه بان كانت قطرة في حب من ماء و غير ذلك من التشديد في شأنها، و أشكل منه حمل أخبار الطهارة على التقية أيضا لبعد صدور مثل هذه الأخبار الكثيرة رعاية لميل سلطان الوقت أو فتوى بعض فقهائهم، فالإنصاف انها من المشكل الذي يرد علمه إلى أهله فهي على ما ذكرنا من المتعارض التي تأبى عن الجمع العرفي فالأولى الرجوع فيها الى المرجحات الخارجية المنصوصة في مقام التعارض، فان جعلنا شهرة العمل بالرواية من المرجحات أو قلنا بأن إعراض المشهور عن أخبار الطهارة موهنا لها كان الترجيح لأخبار النجاسة، لكن الإنصاف أن إعراضهم عنها ليس على وجه يوهنها فإنها أخبار مستفيضة مشهورة عمل بها جملة من علمائنا الأعلام فلا يجوز طرحها و الاعراض عنها إلا بمعارض قوى، و ليس المعارض لها إلا بعض أخبار النجاسة الذي لا يقبل الحمل على الاستحباب، و هذا البعض من حيث هو لا يكافئ أخبار الطهارة إلا أن يدعى انجباره بعمل الأصحاب و فيه تأمل.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 358

..........

______________________________

نعم الأظهر مع هذا كله الأخذ بأخبار النجاسة و الحكم

بها لما ورد من معالجة هذه من طريقهم (ع) و هي (صحيحة) على بن مهزيار قال قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمد الى أبي الحسن عليه السّلام جعلت فداك روى زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليه السّلام في الخمر يصيب ثوب الرجل انهما قالا:

لا بأس أن يصلى فيه إنما حرم شربها، و روى غير زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعنى المسكر فاغسله أن عرفت موضعه، و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله فان صليت فيه فأعد صلاتك، فأعلمني ما آخذ به؟ فوقّع بخطه (ع) و قرأت: خذ بقول أبي عبد اللّه (ع)، فان ظاهرها تعين الأخذ بقول أبي عبد اللّه عليه السّلام المنفرد عن قول أبي جعفر (ع) الذي مضمونه التنجس فهو المتبع فان لسان هذه الرواية لسان حكومة على أخبار الطهارة فإنها بمنزلة الإخبار العلاجية الواردة في حكم المتعارضين الآمرة بالأخذ بما وافق الكتاب أو خالف العامة أو غير ذلك. و لا تعد في عرض المتعارضين، نعم لو كان الأخذ بقول أبي عبد اللّه (ع) منافيا لما في الأخبار العلاجية بان كان قول أبى عبد اللّه (ع) مثلا موافقا للعامة لتحققت المعارضة بين الصحيحة و بين تلك الأخبار الآمرة بالأخذ بالخبر المخالف للعامة، فالصحيحة سليمة عن المعارض يجب الأخذ بها فلا يصغي لما ذكره في المدارك من حملها على الاستحباب جمعا بينها و بين أخبار الطهارة إذ هو في غير محله.

(و نظيرها) في الحكومة على سائر الأخبار خبر خير أن الخادم قال:

كتبت الى الرجل اسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير أ يصلى فيه فان أصحابنا قد

اختلفوا فيه فقال بعضهم صل فيه فان اللّه حرم شربها. و قال بعضهم لا تصل فيه فوقع (ع): لا تصل فيه فإنه رجس. الحديث فان الظاهر من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 359

..........

______________________________

اختلاف الأصحاب فيه هو اختلاف أخبارهم (عليهم السلام) و هو منشأ لتحير السائل و رجوعه الى الامام (ع) فما صدر عنه لبيان حكم ذلك الموضوع الذي تحير فيه السائل و اختلف فيه الأخبار فهو لا يعد في عرض تلك الأخبار الموجبة للتحير بل هو حاكم عليها و مبين لمجملها و اللّه العالم.

(الجهة الثانية) في موضوعها المحمول عليه أحكامها من الحرمة و النجاسة و هو لا يختص بالمأخوذ من العنب لوجوه:

(الأول) الإجماع المنقول عن الخلاف و عن الغنية و عن شرح الرسالة للشهيد الثاني (ره) المؤيد بما عن المحقق في المعتبر من أن الأنبذة المسكرة عندنا في التنجيس كالخمر، و ما عن التحرير من أن على ذلك عمل الأصحاب و ما عن المعالم من عدم معروفية الخلاف، و ما عن المدارك من انه قطع به الأصحاب، بل عن علم الهدى (ره) انه لم يعتد بالخلاف فقال: الشراب الذي يسكر كثيرة كل من قال انه محرم الشرب ذهب الى انه نجس كالخمر، و انما يذهب الى طهارته من يذهب إلى إباحة شربه، و قد دلت الأدلة الواضحة على تحريم كل شراب مسكر كثيره فيجب أن يكون نجسا لأنه لا خلاف في أن نجاسته تابعة لتحريم شربه. انتهى.

(الثاني) الأدلة الدالة على نجاسة الخمر بضميمة عدم القول بالفصل بينها و بين غيرها من المسكرات المائعة.

(الثالث) الأدلة الدالة على نجاسة الخمر بأنفسها نظرا الى أن بعض الفقهاء و جماعة من أهل اللغة فسروا الخمر بالمسكر مطلقا

الشامل لجميع الأقسام فيكون لفظ الخمر حقيقة في ذلك المعنى العام الشامل لها و يجب حمل اللفظ عليها في الأدلة المذكورة و ذلك لأن ظاهر المحقق (ره) في المعتبر أن الخمر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 360

..........

______________________________

اسم لما يخمر العقل فيشمل جميعها (و عن الغريبين) للهروي في تفسير الآية أن الخمر ما خامر العقل اى خالطه و خمر العقل ستره و هو المسكر من الشراب (و عن القاموس) الخمر ما أسكر من عصير العنب أو عام كالخمرة و قد يذكر، و العموم أصح لأنها حرمت و ما بالمدينة خمر عنب و ما كان مشروبهم إلا البسر و التمر، ثم ذكر وجه التسمية بالخمر (و عن المصباح المنير) الخمر يقال هي اسم لكل ما خامر العقل و غطاه (و عن مجمع البحرين) الخمر معروف (و عن ابن الأعرابي) انما سمى خمرا لأنها تركت و اختمرت و اختمارها تغيير رائحتها الى أن قال: و الخمر فيما اشتهر بينهم كل شراب مسكر و لا يختص بعصير العنب الى آخر ما قال.

(الرابع) الأخبار التي يستفاد منها ما دل على تفسير الخمر بالمسكر فمنها ما دل على تقسيم الخمر على أقسام هي عصير العنب و غيره (كصحيحة) ابن الحجاج عن الصادق عليه السّلام الخمر من خمسة أشياء: العصير من الكرم و النقيع من الزبيب و البتع من العسل و المرز من الشعير و النبيذ من التمر (و رواية) على ابن إسحاق الهاشمي (و رواية) النعمان بن بشير المحكية عن الأمالي (و مرسلة) الحضرمي المروية عن الكافي (و رواية) ابن السمط المنقولة عن تفسير العياشي (و منها) ما نطق بحمل الخمر على كل مسكر مثل رواية عطا بن سيارة

عن الباقر عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كل مسكر خمر (و قوله) في خبر ابى الجارود المروي عن تفسير على بن إبراهيم و هو طويل: اما الخمر فكل مسكر من الشراب فهو خمر (بل فيه) انه لما نزل تحريمها إنما كان الخمر بالمدينة فضيح التمر و البسر فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و دعا بالأواني فكفأها و قال:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 361

..........

______________________________

هذه كلها خمر لا أعلم أنه كفا يومئذ من خمر العنب شيئا إلا إناء واحدا كان فيه زبيب و تمر جميعا، و اما عصيره فلم يكن يومئذ بالمدينة شي ء منه. الى غير ذلك من الأخبار المستفاد منها أن المراد بالخمر المحكوم بحرمتها أو نجاستها في الخطابات الشرعية هو مطلق المسكر من أى قسم كان، و من قبيل تلك الأخبار المذكورة ما دل على أن اللّه عز و جل لم يحرم الخمر لاسمها و لكن لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر.

(الخامس) الأخبار التي وقع فيها التصريح بترتب شي ء من أحكام النجس على المسكر (منها) موثقة عمار: لا تصل في ثوب قد أصابه خمر و لا مسكر حتى تغسله.

(الجهة الثالثة) في اعتبار ميعانه بالأصالة و أن الحكم بالنجاسة مختص به و لازم ذلك طهارة الجامد بالأصالة و ذلك هو المعروف بين فقهائنا، بل عن (الدلائل) دعوى الإجماع عليه (و عن الذخيرة) ان الحكم بنجاسة المسكرات مخصوص عند الأصحاب بالمائع منها بالأصالة (و عن المدارك) أنه مقطوع به بين الأصحاب (و في الحدائق) اتفاقهم كلهم عليه (و عن شرح الدروس) عدم ظهور الخلاف في ذلك، و بعد وجود هذه الإجماعات يكون مقتضى

الأصل في غير المائع بالأصالة هو الطهارة (و ربما) يدعى انصراف الأخبار الدالة على نجاستها إلى المائع بالأصالة و هو ممنوع فان ثم الإجماع فهو الدليل على الحكم المذكور، و إلا فلو فرض و قرع الشك فيه كان المتعين هو الأخذ بالإطلاق للشك في انصرافه الى المدعى و هو المائع بالأصالة و ما ذكرناه من الشك في الانصراف إنما هو في (موثقة) عمار: لا تصل في ثوب قد أصابه خمر و لا مسكر حتى تغسله (و رواية) عمر بن حنظلة قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 362

..........

______________________________

ما تقول في قدح من المسكر يصب عليه الماء حتى تذهب عاديته و يذهب سكره؟

فقال: لا و اللّه و لا قطرة تقطر منه في حب إلا أهريق ذلك الماء (و اما) مثل رواية عطاء بن سيارة كل مسكر خمر، فلا مجال لدعوى الانصراف فيها لكونها من قبيل العمومات دون المطلقات، نعم وقع في رواية أبي الجارود: كل مسكر من الشراب فهو خمر، لكنه إذا لوحظت هذه الرواية و رواية عطاء بن سيارة كانتا من قبيل العام و الخاص المتوافقي الظاهر، و الخاص لا ينفى ثبوت الحكم في غير مورده فلا يحمل العام على الخاص كما لا يخفى على من تدبر.

(و اما ما كان) جامدا بالأصالة و مائع بالعرض فعلى ما ذكرناه من نجاسة خصوص المائع بالأصل للإجماعات المنقولة أو الانصراف المدعى فمجرد الشك في تبدل حكم الجامد أعنى الطهارة بحكم المائع و هي النجاسة كافيا في جريان أصالة الطهارة و استصحابها (و اما المائع الأصلي) لو طرأه الجمود فهل يبقى على النجاسة أو ينقلب حكمه الى الطهارة؟ ففي الجواهر و عن

المنتهى و التذكرة و الذكرى هو الأول و ربما استظهر من التقييد بالمائع و نحوه في بعض العبارات الثاني.

(احتج) في الجواهر للأول بالأصل مع عدم ظهور الأدلة في اشتراط استدامة نجاسته بميعانه و أن اشترط بالابتداء و عدم معروفية كون الجمود من المطهرات. إلخ ما ذكره، و الذي يترجح عاجلا هو ما اختاره الجواهر من البقاء على النجاسة للاستصحاب، و كذا الحكم فيما زال عنه وصف الإسكار مع بقاء الاسم ما لم ينقلب خلا.

(فرع) إذا كان شراب مسكرا في بلدة دون أخرى أو في إقليم دون آخر ففيه وجهان: (أحدهما) عموم النجاسة. (و ثانيهما) اختصاصها بالمكان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 363

[ (مسألة 1) الحق المشهور بالخمر العصير العنبي إذا غلى]

(مسألة 1) الحق المشهور بالخمر العصير العنبي إذا غلى (1) قبل إن يذهب ثلثاه و هو الأحوط و إن كان الأقوى طهارته، نعم لا إشكال في حرمته سواء على بالنار أو بالشمس أو بنفسه، و إذا ذهب ثلثاه صار حلالا سواء كان بالنار أو بالشمس أو بالهواء، بل الأقوى حرمته بمجرد النشيش و أن لم يصل الى حد الغليان و لا فرق بين العصير و نفس العنب فاذا على نفس العنب من غير أن يعصر كان حراما، و اما التمر و الزبيب و عصيرهما فالأقوى عدم حرمتهما أيضا بالغليان و ان كان الأحوط الاجتناب عنهما أكلا بل من حيث النجاسة أيضا.

______________________________

الذي تحقق فيه الوصف، و منشأ الوجهين تحقق الصدق و دوران الحكم مدار الوصف، لكن قيل انه يبعد الثاني انتفاء نظير ذلك شرعا في النجاسات.

(الجهة الرابعة) في حقيقة السكر الذي هو مناط الحرمة و عروض النجاسة و الفارق بينها و بين الإغماء فقيل: السكر هو ما يحصل معه اختلال الكلام المنظوم

و ظهور السر المكتوم، و قيل: هو ما يغير العقل و يحصل معه نشو النفس و قيل: في الفرق بينه و بين الإغماء ان السكر حالة توجب ضعف العقل و قوة القلب، و الإغماء حالة توجب ضعفهما معا. و قيل: ان السكر يشبه الجنون و الإغماء يشبه النوم، و الإيكال إلى العرف أولى و أن كان الظاهر مساعدته على ما قيل و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 1: (الحق المشهور بالخمر العصير العنبي إذا غلى. إلخ)

لا يخفى أن هذه المسألة فيها جهات من الكلام:

(الجهة الأولى) في إلحاق العصير العنبي بالخمر حرمة و نجاسة بعد غليانه قبل أن يذهب ثلثاه، و ليعلم أولا انه لا اشكال و لا كلام لأحد في حرمته بعد غليانه قبل ذهاب ثلثيه كما دلت عليه الأخبار الكثيرة المتواترة، قال في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 364

..........

______________________________

الحدائق: لا ريب أن التحريم إنما يترتب على مجرد الغليان بلا خلاف نصا و فتوى. ا ه. كما لا إشكال و لا خلاف في حليته و طهارته على القول بالنجاسة بعد ذهاب ثلثيه كما دلت عليه الأخبار المتواترة المتظافرة، و انما الكلام في نجاسته مع ذلك بذلك و عدمها و المسألة من هذه الجهة ذات قولين (أحدهما) النجاسة و هو مذهب جماعة كثيرة و نسبه الشهيد الثاني (ره) في كتاب الأطعمة و الأشربة من المسالك الى أكثر المتأخرين، بل صرح جماعة بشهرته (و تانيهما) القول بالطهارة و هو المحكى عن الحسن بن أبى عقيل (ره) و الشهيد في الدروس بل في الذكرى و هو خيرة الأردبيلي و صاحب المعالم و صاحب المدارك و كاشف اللثام و الشيخ جواد بن سعد الكاظمي فيما حكى عنه في

الفوائد العلية شرح الجعفرية و المحدث الكاشاني في المفاتيح و صاحب الحدائق و صاحب الرياض، و في المدارك انه مال إليه جدي في حواشي القواعد. انتهى. و هو ظاهر الشيخ حسين بن عبد الصمد حيث قال على ما حكى عنه في شرح الألفية بعد نسبة القول بالنجاسة إلى الشهرة: و ليس في نجاسته نص. انتهى. و قد نسب القول بالطهارة الى غير من ذكرنا.

و على كل فقد استدل للنجاسة بأمور (منها) الإجماع الذي ادعاه السيوري في كنز العرفان قال على ما حكى عنه: العصير من العنب قبل غليانه طاهر حلال و بعد غليانه و اشتداده نجس حرام و ذلك إجماع من فقهائنا، أما بعد غليانه و قبل اشتداده فحرام إجماعا منا، و أما النجاسة فعند بعضنا انه نجس و عند آخرين أنه طاهر انتهى.

(و أجيب) بعدم الحجية خصوصا مع معروفية الخلاف.

(و منها) دعوى صدق اسم الخمر عليه حقيقة فيعمه حكمها لا طلاق أدلته

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 365

..........

______________________________

(و فيه) منع صدق الاسم عليه حقيقة بل يصح سلبه عنه عرفا و لغة لأن الخمر اما اسم للطبيعة المعهودة المتخذة من العصير المعروفة عند أهلها فلا يندرج العصير تحت تلك الطبيعة بمجرد الغليان ما لم يطرأ عليه الفساد و الاختمار، و اما اسم لمطلق الشراب المسكر، و العصير ليس بمسكر ما لم يطرأ عليه التغير و النشيش، و إلا لم يجعلوه قسيما للمسكر المائع.

(و منها) الأخبار التي يستشهد بها للمدعي فعمدتها موثقة معاوية بن عمار التي هي أقوى مستند القائلين بالنجاسة المروية عن التهذيب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج و يقول: قد طبخ على الثلث

و انا أعلم أنه يشربه على النصف ا فأشربه بقوله، و هو يشربه على النصف؟ فقال: هو خمر لا تشربه، قلت فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث فلا يستحله على النصف يخبرنا أن عنده بختجا قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه نشربه منه؟ قال: نعم، و تقريب الدلالة و الاستشهاد بها أن إبقاء الحمل على حقيقته يقتضي الالتزام بكون العصير قبل ذهاب ثلثيه مسكرا لما عرفت من اعتبار و صف الإسكار في مفهوم الخمر عرفا و لغة، و حيث لم يعلم انتفاؤه في الفرض وجب التعبد بثبوته ابقاء للرواية على ظاهرها (و فيه) بعد الغض عما عرفت من منع صدق الاسم عليه حقيقة بل يصح سلبه عنه عرفا و لغة و اما مجازا بعلاقة المشابهة أو تنزيلا تعبدا لا يقتضي إلا المشاركة في حكمه الظاهر و أثره الواضح و هو الحرمة كما رتبها عليه بقوله لا تشربه، خصوصا كون النجاسة في زمان صدور الرواية من الأوصاف الخفية التي كانت الروايات و رواتها فيها مختلفة فلا ينسبق الى الذهن من التشبيه غير الحرمة، و معه لا دلالة أصلا على أن التشبيه و التنزيل بحسب ما يعم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 366

..........

______________________________

غيرها كما لا يخفى أن الدليل أخص من المدعى، فان غاية ما يفهم من الرواية كون العصير المطبوخ على النصف خمرا فلعل وصف الإسكار يحدث له بعد صيرورته كذلك فلا مقتضى للالتزام بكونه بمجرد الغليان كذلك حتى يثبت به المدعى، ثم أن البختج بحسب الظاهر قسم خاص من العصير المطبوخ و قد حكى عن النهاية الأثيرية أنه فارسي معرب و أصله بالفارسية مى بخته. و هي عبارة عن

الخمر المطبوخة و من البعيد إطلاق هذا الاسم على الدبس فان للعصير المطبوخ أنحاء مختلفة، و يحتمل أن يكون بعض أقسامه مسبوقا بالمسكرية دون بعض و لم يثبت أن البختج اسم لمطلقه حتى يكون الاستشهاد بالرواية بواسطة ترك الاستفصال لإثبات العموم، و ما عن بعض من تفسيره بالعصير المطبوخ بحسب الظاهر تفسير بالأعم هذا كله مع أن الرواية لم تثبت بهذا المتن فإن الكليني روى هذا الحديث مقتصرا في الجواب على قول: لا تشربه من غير ذكر: هو خمر، و الكافي أوثق في ضبط الروايات من التهذيب.

(و استدل) أيضا للقول بالنجاسة بمرسلة ابن الهيثم عن الصادق عليه السّلام بعد أن سئل عن العصير يطبخ في النار حتى يغلي من ساعته فيشربه صاحبه إذا تغير عن حاله و غلى فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه و قوله عليه السّلام في خبر أبى بصير و قد سئل عن الطلا ان طبخ حتى يذهب اثنان و يبقى واحد فهو حلال و ما كان دون ذلك فليس فيه خير، بتقريب انه لو كان طاهرا لكان فيه خير و لو على تقدير حرمته (و فيه) ما لا يخفى إذ ليس الخير المتوقع من العصير بل الطين و سقي الأشجار.

(و استدل) للطهارة بالأصل و الاستصحاب، و يؤيدهما خلو الأخبار الكثيرة الواردة في العصير عن الأمر بغسل ملاقيه و الاجتناب عنه مع عموم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 367

..........

______________________________

الابتلاء به، و يؤيده عدم التعرض في شي ء من الأخبار لبيان حكم الآلات التي يزاولها العامل عند طبخ العصير، مع أنه ربما يفارقها عند ذهاب الثلثين، و كذا ثياب العامل و يده التي يصل إليها العصير غالبا قبل أن يذهب ثلثاه، و

يؤكده عدم تعرض السائلين للسؤال عنها. فلم يكن ذلك إلا لخلو ذهن السامعين و عدم معهودية نجاسته عندهم، لا معهوديتها لديهم، و استفادتهم طهارة مثل هذه الأشياء بالتبع من إطلاق ما دل على حلية العصير و طهارته بعد ذهاب ثلثيه بدلالة التزامية عرفية، كما التزم به القائلون بالنجاسة، فإن دعوى كون تلك المطلقات كاشفة عن عدم تنجس الآلات بملاقاة العصير المستلزم لطهارته أولى من دعوى استفادة تبعيتها له في الطهارة مع بعدها عن الذهن، فإنه لا يكاد يتصور أحد فرقا بين ما لو لاقى جسم خارجي ثوب العامل الذي أصابه العصير قبل أن يذهب ثلثا ما يطبخه من العصير أو بعده، حتى يفهمه من إطلاق طهارة العصير و حليته بعد ذهاب ثلثي العصير من غير تقييده بعدم ملاقاته بشي ء مما أصابه قبل الحلية، فاستفادة استتباع جسم لجسم آخر منفصل عنه في الطهارة و النجاسة لبعده عن الذهن مما لا يمكن أن يتحقق إلا بنص صريح، فكل شي ء يستدل به القائل بالنجاسة لتبعية الآلات و نحوها للعصير في الطهارة من إطلاق أو إجماع أو سيرة يمكن أن يستشهد به لعدم انفعاله من أصله، و لا أقل من أن يجعل مؤيدا لذلك، و من أقوى المؤيدات لهذا القول عدم تعرض القدماء للعصير أن ثبت ذلك كما ادعاه في المستند، و على كل فالقول بالطهارة هو المتعين وفاقا للمصنف لعدم وفاء ما ذكر للحكم بالنجاسة نعم لا بأس بالاحتياط فإنه سبيل النجاسة و اللّه العالم.

(الجهة الثانية) هل يختص الغليان المعتبر في التحريم أو النجاسة على

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 368

..........

______________________________

القول بها أن يكون بالنار؟ كما هو ظاهر السؤال في رواية ابن الهيثم عن طبخ العصير

بالنار، و قوله في صحيحة عبد اللّه بن سنان: كل عصير اصابته النار فهو حرام و ما شاكلهما، أو لا يفرق فيه بين ما لو تحقق بالنار أو بالشمس أو بنفسه أو غير ذلك؟ كما هو ظاهر مطلقاتها (كحسنة) حماد بن عثمان عنه عليه السّلام قال: لا يحرم العصير حتى يغلي (و روايته) الأخرى عنه عليه السّلام قال سألته عن شرب العصير فقال: تشرب ما لم يغل فاذا غلى فلا تشربه قلت جعلت فداك أي شي ء الغليان؟ قال: القلب (و موثقة) ذريح قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا نش العصير أو غلى حرم، و ما شابه ذلك من المطلقات، فالذي تقتضيه قواعد الجمع بينهما هو حمل مطلقاتها على مقيداتها و عامها على خاصها فلا يحرم من العصير و لا ينجس على القول بها إلا ما غلى بالنار، و لكن الأصحاب ذهبوا الى الإطلاق، بل لم أر مصرحا فيما أعلم ذهب الى التخصيص و التقييد، و لعله لما كان الغليان بالنار هو الغالب المتعارف لم يستفيدوا من التقييد به الخصوصية و كان الغليان عندهم هو العلة التامة في الأحكام المذكورة بل صرح كاشف اللثام بعدم الخلاف في ذلك، و على كل فلا نجرأ على مخالفة الأصحاب في تقييد الحرمة أو النجاسة معها بان يكونا بالنار، على أن ما ذهبوا اليه من الإطلاق أوفق بالاحتياط.

(و قد) يستأنس للحكم بالإطلاق برواية زيد النرسي الواردة في عصير الزبيب عن الصادق عليه السّلام في الزبيب يدق و يلقى في القدر: و يصب عليه الماء فقال: حرام حتى يذهب ثلثاه، قلت الزبيب كما هو يلقى في القدر قال: هو كذلك سواء إذا أدت الحلاوة إلى الماء فقد فسد،

كلما غلى بنفسه أو بالنار

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 369

..........

______________________________

فقد حرم حتى يذهب ثلثاه، فان صريح الرواية في أن غليان الماء المتغير به بنفسه أو بالنار موجبا لحرمته الى أن يذهب ثلثاه، كما انهم أطلقوا طهره بذهاب ثلثيه سواء كان بالنار أو بالشمس أو بنفسه و ذلك لإطلاق دليله.

قال في اللمعة: و ذهاب ثلثي العصير مطهر للثلث الآخر على القول بنجاسته و الآلات و المزاول. انتهى. و نحو هذه العبارة تعبيرات غيره من الأصحاب (الجهة الثالثة) في نفس العنب إذا غلى من غير أن يعصر فان لم يعلم غليان ما في جوفه بان صب عليه ماء في قدر و غلى فيه فلا إشكال في طهارته و عدم حرمته، إذ ما ورد من الدليل انما هو في العصير، و في مثل الفرض لا يسمى عصيرا، نعم إنما الإشكال فيما إذا علم بغليان ما في جوفه فهل يلحقه حكم العصير من الحرمة و النجاسة على القول بها أم لا؟ وجهان، فقد يقال:

بالأول بدعوى أن التعبير بالعصير قد خرج مخرج الغالب فلا يتقيد بالمستخرج و أن المدار على نفس المائية الموجودة في العنب، و لا يشترط كونه معصورا، و إلا لزم عدم ترتب الحكم فيما لو خرج بغير عصر بأن سال من قبل نفسه أو استخرج بتغلية الماء و إلقائه فيه و هو مقطوع البطلان، و هذه الدعوى ممنوعة لأن الأحكام تدور مدار العنوانات و مجرد ادعاء الخروج مخرج الأغلب لا يكفي إلا بعد اقامة الدليل عليه، و قد علمنا أن العصر لا مدخل له في تنجس الماء الخارج من العنب، و لا يلزم من ذلك كون الماء الساري في اجزاء العنب حكمه التنجس لو

فرض غليانه في خلال العنب، لان العصير الموجود في الأدلة بعد القطع بعدم مدخلية العصر في حكمه لا يراد منه إلا ماء العنب المنفصل من جرمه، فلا يندرج الماء الساري في اجزاء العنب في العناوين الموجودة في الأدلة، و قد ذهب إلى ذلك المحقق الأردبيلي (قده) على ما حكى عنه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 370

..........

______________________________

في شرح الإرشاد حيث قال: و ظاهر النصوص اشتراط كونه معصورا، فلو غلى ماء العنب في حبه لم يصدق عليه انه عصير غلى ففي تحريمه تأمل. و لكن صرحوا به فتأمل. و الأصل و العمومات و حصر المحرمات دليل الحل حتى يعلم الناقل. انتهى. و الأقوى ما ذهب اليه (قده) من عدم الحرمة بغليانه بنفسه و عدم النجاسة فيه على القول بها في العصير و اللّه العالم.

(الجهة الرابعة) في العصير الزبيبي و الظاهر طهارته و أن غلى و لم يذهب ثلثاه حتى على القول بنجاسة العصير العنبي قال في الحدائق: أما عصير الزبيب فالظاهر انه لا خلاف في طهارته و عدم نجاسته فانى لم أقف على قائل بالنجاسة و بذلك صرح في الذخيرة أيضا فقال بعد الكلام في نجاسة العصير العنبي:

و هل يلحق به عصير الزبيب إذا غلى في النجاسة لا أعلم بذلك قائلًا، أما التحريم فالأكثر على عدمه. انتهى. و حكى شيخ مشايخنا المرتضى (ره) عن شرح الرسائل لبعض معاصري صاحب الحدائق (ره) ان الإجماع منعقد على عدم نجاسة عصير غير العنب، نعم يلوح من كلام الشهيد الثاني (ره) في المقاصد العلية: وجود المخالف في ذلك و إلحاقه بالعصير العنبي حرمة و نجاسة كما حكاه عنه صاحب الحدائق، و مال الى الإلحاق في كشف اللثام، و اختاره

صريحا المحقق البهبهاني (ره) فيما حكى عنه في شرح المفاتيح، و على كل فالأصل يكفينا في الحكم بالطهارة بعد عدم قيام دليل معتبر على النجاسة.

فينبغي صرف الكلام إلى الحرمة و قد اختلفوا فيها على قولين (أحدهما) الحرمة. (و ثانيهما) الحلية و هو المشهور كما في مجمع الفائدة و الحدائق و الجواهر و قد استدل على الأول بوجوه: أهمها (الأخبار الخاصة) المدعى دلالتها على المطلوب.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 371

..........

______________________________

(منها) رواية زيد النرسي عن الصادق عليه السّلام في الزبيب يدق و يلقى في القدر و يصب عليه الماء فقال: حرام حتى يذهب ثلثاه، قلت الزبيب كما هو يلقى في القدر قال: هو كذلك سواء، إذا أدت الحلاوة إلى الماء فقد فسد، كلما غلى بنفسه أو بالنار فقد حرم حتى يذهب ثلثاه. و هي صريحة في كون غليان نقيع الزبيب موجبا لحرمته.

(و منها) رواية على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن الزبيب هل يصلح أن يطبخ حتى يخرج طعمه ثم يؤخذ الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه ثم يرفع فيشرب منه السنة؟ فقال: لا بأس به.

(و منها) موثقة عمار الساباطي قال وصف لي أبو عبد اللّه عليه السّلام المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا؟ فقال: تأخذ ربعا من زبيب، و تنقيه ثم تصب عليه اثنى عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة، فاذا كان أيام الصيف و خشيت ان ينش جعلته في تنور سخن قليلا حتى لا ينش ثم تنزع الماء منه كله إذا أصبحت ثم تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره ثم تغليه حتى تذهب حلاوته ثم تنزع ماءه الآخر فتصبه على الماء الأول ثم تكيله

كله فتنظر كم الماء ثم تكيل ثلثه فتطرحه في الإناء الذي تريد أن تغليه و تقدره و تجعل قدره قصبة أو عودا فتحدها على قدر منتهى الماء ثم تغلي «1» الثلث الآخر حتى يذهب الماء الباقي ثم تغليه بالنار فلا تزال تغليه حتى يذهب الثلثان و يبقى الثلث ثم تأخذ لكل ربع رطلا من عسل فتغليه حتى تذهب رغوة العسل و تذهب قساوة العسل في المطبوخ ثم تضربه بعود ضربا شديدا حتى يختلط و أن شئت أن تطيبه بشي ء من زعفران أو شي ء من زنجبيل فافعل ثم اشربه فإن أحببت أن يطول مكثه عندك فروقه «2».

______________________________

(1) ثم تصب الثلث الآخر حتى يذهب (خ ل).

________________________________________

شبر، سيد على حسينى، العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، 2 جلد، مطبعة النجف، نجف اشرف - عراق، اول، 1383 ه ق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 371

(2) أي صفة. مجمع.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 372

..........

______________________________

(و منها) موثقته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أيضا قال سئل عن الزبيب كيف يحل طبخه حتى يشرب حلالا قال تأخذ ربعا من زبيب فتنقيه ثم تطرح عليه اثنى عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فاذا كان من غد نزعت سلافته ثم تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره ثم تغليه بالنار غلية ثم تنزع ماءه فتصبه على الأول ثم تطرحه في إناء واحد ثم توقد تحته النار حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه و تحته النار، ثم تأخذ رطل عسل فتغليه بالنار غلية و تنزع رغوته ثم تطرحه على المطبوخ ثم أضربه حتى يختلط به و أطرح فيه أن شئت زعفرانا و طيبه إن شئت بزنجبيل قليل

قال فإن أردت أن تقسمه أثلاثا لتطبخه فكله بشي ء واحد حتى تعلم كم هو ثم اطرح عليه الأول في الإناء الذي تغليه فيه ثم تضع فيه مقدارا وحده حيث يبلغ الماء ثم اطرح الثلث الآخر وحده حيث يبلغ الماء ثم توقد تحته بنار لينة حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه.

(و منها) رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال شكوت الى ابى عبد اللّه عليه السّلام قراقر تصيبني في معدتي و قلة استمرائي الطعام فقال لي: لم لا تتخذ نبيذا نشربه نحن و هو يمرئ الطعام و يذهب بالقراقر و الرياح من البطن قال قلت صفه لي جعلت فداك قال: تأخذ صاعا من زبيب فتنقيه من حبه و ما فيه ثم تغسله بالماء غسلا جيدا ثم تنقعه في مثله من الماء أو ماء يغمره ثم تتركه في الشتاء ثلاثة أيام بلياليها و في الصيف يوما و ليلة فاذا اتى عليه ذلك القدر صفيته و أخذت صفوته و جعلته في إناء و أخذت مقداره بعود ثم طبخته طبخا رقيقا حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه ثم تجعل عليه نصف رطل عسل و تأخذ مقدار العسل ثم تطبخه حتى تذهب الزيادة ثم تأخذ زنجبيلا و صولجان و دار صينى و زعفران و قرنفل و مصطكى و تدقه و تجعله في خرقة رقيقة و تطرحه فيه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 373

..........

______________________________

و تغليه معه غلية ثم تنزله فاذا برد صفيت و أخذت منه على غذائك و عشائك قال ففعلت فذهب عنى ما كنت أجده و هو شراب طيب لا يتغير إذا بقي ان شاء اللّه تعالى.

(و أجيب) عنها (أما) عن رواية زيد النرسي فهو مما اختلف فيه (فعن)

الصدوق و شيخه ابن الوليد ان كتابه موضوع (و عن) ابن الغضائري ان ذلك من تخليط الصدوق و أن الكتاب المذكور رواه ابن أبي عمير (و عن) الشيخ (ره) أيضا أنه روى عنه ابن أبي عمير (و اما) عن رواية على بن جعفر فبعدم دلالتها على التحريم قولا و لا تقريرا (و أما) عن الموثقتين فبعدم دلالتهما على التحريم إلا بالتقرير مع احتمال أن يكون السؤال عن كيفية طبخ الزبيب حتى يبقى على الحلية و لا يصير خمرا بواسطة اختماره بالأجزاء المائية الكائنة فيه و كأن هذا المقدار من الطبخ كان شائعا لخاصية نضج الأشربة، بل حكى أن مياه الثمار الحلوة جميعا بعد غليانها و عدم ذهاب ثلثيها يعتريها الإسكار بسبب تطاول الزمان و كذا قبل الغليان إذا تطاول الزمان، و يؤيد ذلك قوله عليه السّلام: في ذيل موثقة عمار الثانية و ان أحببت أن يطول مكثه فروقه و قوله عليه السّلام في رواية الهاشمي ثم تجعل عليه نصف رطل عسل و تأخذ مقدار العسل ثم تطبخه حتى تذهب تلك الزيادة، و قوله عليه السّلام: في ذيلها و هو شراب طيب لا يتغير ان بقي ان شاء اللّه تعالى، و بهذا ظهر عدم جواز الاستشهاد للمدعي بما في هذه الروايات من اعتبار ذهاب الثلثين لجواز كونه للحفظ عن الفساد و صيرورته مسكرا مع أن الروايات التي استدل بها في هذا المقام منها ما هو ضعيف الدلالة و منها ما هو ضعيف السند و منها ما هو جامع للوصفين و ليس هناك به شهرة على الحرمة حتى يجبر ضعف أسانيدها و قد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 374

..........

______________________________

صرح بعضهم بأنه لا يمكن إثبات الحرمة

بمثل هذه الإشعارات.

(حجة القول الثاني) أصالة الحل و عموماته بعد عدم الدليل على الحرمة و على كل فإن أدلة الحرمة و ان لم يسلم كل واحد منها عن الخدشة و لكن ملاحظة المجموع خصوصا التقرير في الموثقتين ربما يحصل منه الظن بمشاركته للعصير العنبي من حيث الحكم بالحرمة فالاحتياط طريق النجاة و اللّه العالم.

(الجهة الرابعة) في العصير التمري و المعروف أيضا طهارته و حليته ما لم يسكر و ان غلى و لم يذهب ثلثاه، قال في الحدائق: المشهور بل كاد يكون إجماعا بل هو إجماع هو القول بحليته فانا لم نقف على قائل بالتحريم ممن تقدمنا من الأصحاب. انتهى. و يشهد له أمور:

(الأول) الأصل (و الثاني) الآيات الدالة على ذلك بعمومها كقوله سبحانه (خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) و قوله تعالى قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً و قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ و أمثال ذلك من الآيات خرج ما خرج فيبقى الباقي تحت العموم.

(الثالث) الأخبار مثل قول الصادق عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم:

ليس الحرام إلا ما حرم اللّه تعالى في كتابه، ثم قال أقرأ هذه الآية (قُلْ لٰا أَجِدُ) الآية و مثله اخبار أخر بهذا المعنى و خصوص (رواية) محمد بن جعفر عن أبيه عليه السّلام قال قدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قوم من اليمن فسألوه عن معالم دينهم فأجابهم فخرج القوم بأجمعهم فلما ساروا مرحلة قال بعضهم لبعض نسينا أن نسأل رسول اللّه عما هو أهم لنا فنزل القول و بعثوا وفدا لهم، فانى الوفد رسول

اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال يا رسول اللّه ان القوم قد بعثوا بنا إليك يسألونك

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 375

..........

______________________________

عن النبيذ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و ما النبيذ صفوه لي؟ فقالوا يؤخذ من التمر فينبذ في الإناء ثم يصب عليه الماء حتى يمتلى ء ثم يوقد تحته حتى ينطبخ فاذا انطبخ أخرجوه و القوة في إناء آخر ثم صبوا عليه ماءا آخر ثم يمرس ثم صفوه بثوب ثم يلقى في إناء ثم يصب عليه من عكر ما كان قبله ثم يهدر و يغلي ثم يسكر على عكرة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يا هذا قد أكثرت أ فيسكر؟

قال نعم قال: كل مسكر حرام. الحديث. و فيه دلالة صريحة على عدم الحرمة ما لم يسكر (و رواية) الفضيل بن يسار عن مولانا أبي جعفر عليه السّلام قال سألته عن النبيذ فقال: حرم اللّه الخمر بعينها و حرم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الأشربة كل مسكر لم يفرق بين أن يغلي النبيذ بالنار و لم يذهب ثلثاه و بين أن لا يغلي، الى غير ذلك من الأخبار الدالة على أن مناط التحريم هو الإسكار دون الغليان، فما حكى عن بعض من القول بإلحاقه بالعصير العنبي ضعيف.

و قد استدلوا له (أولا) بعموم ما دل على حرمة كل عصير، غلى و لم يذهب ثلثاه.

(و قد أجيب) عنه بان المعهود من العصير إنما هو عصير العنب و أن لم يكن حقيقة فيه بخصوصه شرعا، و كلمة (كل) انما هي لإفادة العموم بالنسبة الى ما تحت ذلك المعنى المعهود من

الأفراد و هذه المعهودية كافية في حمل اللفظ عليه، مضافا الى انه لو لم يحمل على المعهود لزم حمله على العموم الشامل لكل معصور من كل فاكهة فيلزم الحكم بحرمة جميع ذلك و هو مخالف لضرورة الإسلام.

(الثاني) ما ورد من الأمر باغلاء ماء التمر عند صنع النضوح و هو (موثقة) عمار بن موسى انه سئل عن النضوح العتيق كيف يصنع حتى يحل؟

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 376

..........

______________________________

قال: خذ التمر فأغله حتى يذهب ثلثا ماء التمر (و موثقته) الأخرى قال سألته عن النضوح قال: يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه ثم يتمشطن.

(و فيه) ان الظاهر ان الأمر باغلائه حتى يذهب ثلثاه انما هو للتحرز عن صيرورته نجسا بالنشيش و الاختمار مع الأدوية الممزوجة به لأن من المعلوم أن ماء التمر و الزبيب إذا لم يذهب ثلثاه ينش و يختمر و يصير مسكرا فليس ذلك الأمر للنجاسة الحاصلة بالغليان مضافا الى ان الموثقتين المذكورتين مخالفتان للشهرة الموهنة لهما و الإجماعات المنقولة المعتضدة بعدم ظهور الخلاف إلا من بعضهم و هو ليس قادحا في الإجماع.

(الثالث) ما روى من أن الصادق عليه السّلام كان عنده نساؤه فشم رائحة النضوح فقال ما هذا؟ فقالوا نجعل فيه الضياح فأمر به فأهريق بالبالوعة.

(و فيه أولا) أن الضياح مما اختلف في معناه فقيل: انه اللبن الخاثر، و عن القاموس ان الضياح ككتان عطر أو عسل، و عن بعض: انه الخمر الممزوج بالماء و على هذا الاختلاف يسرى احتمال أن لا يكون أمره عليه السّلام بإراقة النضوح من جهة نفسه بل من جهة ما يراد مزجه به و هو الخمر.

(و ثانيا) أن مضمون الرواية ليس إلا من قبيل حكاية

الحال فيحتمل أن يكون النضوح الذي أمر عليه السّلام بإراقته مما لم يذهب ثلثا ماء تمره فبقي و اختمر و صار نجسا.

(و ثالثا) أن الرواية المذكورة لا تقاوم الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة بل عدم وجدان الخلاف كما سمعت نقله عن الحدائق. فالطهارة و الحلية في عصير المتمر و أن غلى و لم يذهب ثلثاه ما لم يسكر هو القول الفصل و اللّه العالم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 377

[ (مسألة 2) إذا صار العصير دبسا بعد الغليان]

(مسألة 2) إذا صار العصير دبسا بعد الغليان قبل أن يذهب ثلثاه (1) فالأحوط حرمته و إن كان لحليته وجه و على هذا فاذا استلزم ذهاب ثلثيه احتراقه فالأولى أن يصب عليه مقدار من الماء فاذا ذهب ثلثاه حل بلا إشكال.

______________________________

قوله قده مسألة 2: (إذا صار العصير دبسا بعد الغليان قبل أن يذهب ثلثاه. إلخ).

لا يخفى أن ما ذكره (قده) في المسألة المفروضة من ان الأحوط حرمته لا بل هو الأقوى عملا بإطلاقات ذهاب الثلثين مع استصحاب الحرمة الثابتة قبل صيرورته دبسا لما بعده (و اما) وجه الحلية الذي أشار إليه فلعل وجهه دعوى ان الحكم بالحرمة من أحكام العصير لا الدبس فلا يشمله حكم العصير إذ الأحكام تابعة للعناوين أو استفادة ذلك من (صحيحة) عمر بن يزيد المروية في الوسائل في باب الأطعمة و الأشربة الواردة في البختج و هو العصير المطبوخ إذا كان يخضب الإناء فاشربه فيستفاد منها أن المحلل أحد أمرين صيرورته دبسا أو ذهاب الثلثين.

(و فيه) ان هذه الصحيحة يجب تقييدها بذهاب الثلثين بحكم الأخبار الظاهرة في حصر المحلل بذهاب الثلثين مثل ما دل من النهى عن شربه حتى يذهب ثلثاه كما ان (صحيحة) ابن وهب دالة بالصراحة على ما

ذكرناه من التقييد قال سألته عن البختج فقال: إذا كان حلوا يخضب الإناء و قال صاحبه قد ذهب ثلثاه و بقي الثلث فاشربه.

(و أما) ما قيل من أن الأحكام تدور مدار الموضوعات المذكورة إلا فيما علم من الخارج كون الموضوع الواقعي أعم من ذلك أو أخص و الموضوع فيما نحن فيه العصير، و الدبس موضوع آخر فنقول: أن الدبس ليس حقيقة مغايرة لحقيقة العصير، غاية ما هناك انه اكتسب بالغليان غلظة و إلا لزم القول

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 378

[ (مسألة 3) يجوز أكل الزبيب و الكشمش و التمر]

(مسألة 3) يجوز أكل الزبيب و الكشمش و التمر (1) في الأمراق و الطبيخ و إن غلت فيجوز أكلها بأي كيفية كانت على الأقوى.

[ (العاشر) الفقاع]

اشارة

(العاشر) الفقاع (2) و هو شراب متخذ من الشعير على وجه مخصوص و يقال إن فيه سكرا خفيا و إذا كان متخذا من غير الشعير فلا حرمة و لا نجاسة إلا إذا كان مسكرا.

______________________________

بطهارة كل متنجس مائع إذا طبخ و غلى حتى اكتسب الغلظة بالغليان نظرا الى تبدل الحقيقة المدعاة، و كذا لو غلى شي ء من الأعيان النجسة المائعة كالبول و الدم حتى صار غليظا أو جمد فالمختار على ما ذكرناه أن صيرورة العصير دبسا لا ينفع في زوال الحرمة ما لم يذهب ثلثاه و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 3: (يجوز أكل الزبيب و الكشمش و التمر. إلخ)

قد تقدم الكلام في ذلك مفصلا عن قريب و انه لا أثر لغليانها بنفسها في الماء و لا لغليان مائها فيها على فرض العلم به لعدم تسمية ذلك عصيرا في الصورتين الذي هو موضوع الحكم حرمة و نجاسة.

قوله قده (العاشر: الفقاع. إلخ).

و ليعلم أن هنا جهتان من الكلام:

(الجهة الأولى) في حكمه، و قد حكى عن المرتضى في الانتصار و عن الشيخ في الخلاف و عن السيد في الغنية الإجماع على نجاسته مضافا الى استفاضة الأخبار بكونه خمرا مثل ما رواه (الكليني) بسنده عن الوشاء قال كتبت إليه- يعني الرضا عليه السّلام- أسأله عن الفقاع قال: فكتب حرام و هو خمر. الحديث.

(و ما رواه) عن ابن فضال قال كتبت الى أبي الحسن عليه السّلام اساله عن الفقاع فقال: هو الخمر و فيه حد شارب الخمر (و عن) عمار بن موسى قال سألت أبا عبد اللّه

عليه السّلام عن الفقاع فقال: هو خمر (و عن) حسين القلانى قال

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 379

..........

______________________________

كتبت الى أبي الحسن الماضي عليه السّلام أسأله عن الفقاع فقال: لا تقربه فإنه من الخمر (و عن) محمد بن سنان عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام نحوه (و عنه) أيضا قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الفقاع فقال: هي الخمر بعينها (و عن) الحسن بن جهم و ابن فضال جميعا قالا سألنا أبا الحسن عليه السّلام عن الفقاع فقال:

هو خمر مجهول و فيه حد شارب الخمر الى غير ذلك من الأخبار التي في (بعضها) هي خمر استصغرها الناس (و في بعضها) هو خمر مجهول (و في بعضها) إطلاق لفظ الخميرة عليه. و الذي يظهر من هذه الأخبار كونه فردا حقيقيا للخمر و لكنه من إفرادها الخفية التي لم يكن يغرفها الناس فيثبت له أحكام الخمر من الحرمة و النجاسة، و أن أريد بها الحمل المجازي فظاهرها أيضا التشبيه التام و ثبوت أحكامها الشرعية أجمع له، كما انه لو أريد التنزيل الموضوعي بادراجه في موضوع الخمر تعبدا فأيضا يراد به بلحاظ أحكامها أجمع و أن ناقش فيه بعض المحققين «1» بقوله: و أنت خبير أن الموضوع حقيقة غير ثابت و عموم المنزلة لا وجه له بعد كون الحرمة حكما شائعا ظاهرا و لم تكن النجاسة في ذلك الزمان من أحكامها الشائعة الظاهرة لو سلم كونها من أحكامها كما لا يخفى. انتهى.

و يشهد لما ذكرناه من إثبات أحكامها أجمع له (خبر) أبي جميلة البصري قال كنت مع يونس ببغداد و أنا أمشي في السوق ففتح صاحب الفقاع فقاعه فقفز فأصاب ثوب يونس فرأيته قد اغتم

لذلك حتى زالت الشمس فقلت له يا أبا محمد إلا تصلي؟ فقال: ليس أريد أن أصلي حتى أرجع الى البيت فاغسل هذا الخمر من ثوبي، فقلت هذا رأي رأيته أو شي ء ترويه؟ فقال أخبرني

______________________________

(1) هو الآخوند ملا كاظم الخراساني (قده)

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 380

[ (مسألة 1) ماء الشعير الذي يستعمله الأطباء في معالجاتهم]

(مسألة 1) ماء الشعير الذي يستعمله الأطباء في معالجاتهم ليس من الفقاع فهو طاهر حلال. (1)

______________________________

هشام بن الحكم انه سأل الصادق عليه السّلام عن الفقاع فقال لا تشربه فإنه خمر مجهول فإذا أصاب ثوبك فاغسله. و ضعف سنده مجبور بما سمعت من الشهرة و الإجماعات المنقولة، و على كل فلا إشكال في الحكم بناءا على نجاسة الخمر.

(الجهة الثانية) في تشخيص موضوعه فقد اختلفت كلمات الأصحاب فيه بعد ما لم يرد نص من أهل بيت العصمة (ع) في تفسيره و بيان المراد منه فربما يظهر من بعضهم كونه اسما لشراب كان يتخذ من ماء الشعير فقط، و يظهر من بعض آخر عدم الاختصاص بكونه من الشعير، و غير ذلك من الأقوال، و لكن الذي يظهر من الجميع أو الأغلب أن المتخذ من ماء الشعير فقاع، فعلى هذا يقتصر في الأحكام على ما يتخذ من ماء الشعير و إجراء أصالة الطهارة و الحلية في غيره إلا أن تثبت التسمية لغيره أيضا على وجه تتصل بعصر الأئمة الطاهرين (ع).

قوله قده مسألة 1: (ماء الشعير الذي يستعمله الأطباء في معالجاتهم ليس من الفقاع فهو طاهر حلال. ا ه).

إذ من المعلوم لدى مزاولى الخمور من ذوي الفسق و الفجور أن ماء الشعير المتخذ لنشوهم و ارتياحهم الدائر في مجالس أنسهم و طربهم هو شي ء خاص و شراب مخصوص و ذاك الذي يستعمله

الملوك و أرباب الترف من شراب ماء الشعير المشار إليه في الأخبار من أنه خمر خفي و انه خمر استصغره الناس، و ليس هو ما يستعمله الأطباء في معالجاتهم بل بينهما بون كلي و تباين حقيقي و اللّه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 381

[ (الحادي عشر) عرق الجنب من الحرام]

اشارة

(الحادي عشر) عرق الجنب من الحرام (1) سواء خرج حين الجماع أو بعده من الرجل أو المرأة سواء كان من زنا أو غيره كوطء البهيمة أو الاستمناء أو نحوهما مما حرمته ذاتية بل الأقوى ذلك في وطء الحائض و الجماع في يوم الصوم الواجب المعين أو في الظهار قبل التكفير

______________________________

قوله قده (الحادي عشر: عرق الجنب من الحرام. إلخ).

لا يخفى أن الأصحاب اختلفوا في عرق الجنب من حرام على قولين:

(أحدهما) النجاسة كما حكى ذلك عن الشيخ (ره) في النهاية و الخلاف و حكاه العلامة في المختلف عن ابن البراج و حكى عن ابن الجنيد أيضا و عن على بن بابويه في رسالته و ولده في الفقيه، و نقل عن ظاهر البهبهاني (ره) في شرح المفاتيح و عن صريح النراقي في اللوامع و هو خيرة المحدث البحراني و كاشف الغطاء و صاحب الرياض و زاد فيه انه الأشهر بين قد ماء الطائفة.

(ثانيهما) القول بالطهارة و هو المحكى عن ظاهر الصدوق (ره) في المقنع و ابن إدريس (ره) مدعيا الإجماع على طهارته و أن من قال بنجاسته في كتاب رجع عنه في كتاب آخر، كما حكاه في المدارك عنهما و عن عامة المتأخرين و اختاره، و حكاه في الذخيرة عنهما و عن الفاضلين و عامة المتأخرين، و قال السبزواري في كفايته الأقرب الأشهر طهارته و اختاره العلامة في المختلف.

احتج للقول الأول

بوجهين (الأول) الإجماع المنقول على النجاسة (و الجواب) انه بعد دعوى الشهرة بل الإجماع على الطهارة كما تقدم نقله عن ابن إدريس مما لا مسرح له فدعواه مردودة على قائلها.

(الثاني) الأخبار، و منها ما عن الشهيد في الذكرى قال روى محمد بن همام بإسناده إلى إدريس بن زياد الكفرتوثي انه كان يقول بالوقف فدخل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 382

..........

______________________________

سر من رأى في عهد أبي الحسن عليه السّلام و أراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أ يصلى فيه فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره إذ حركه أبو الحسن عليه السّلام بمقرعة فقال: أن كان من حلال فصل فيه و إن كان من حرام فلا تصل فيه (و منها) ما عن البحار نقلا عن كتاب المناقب لابن شهر آشوب نقلا من كتاب المعتمد في الأصول قال قال على بن مهزيار وردت العسكر و انا شاك في الإمامة فرأيت السلطان قد خرج الى الصيد في يوم من الربيع إلا انه صائف و الناس عليهم ثياب الصيف و على ابى الحسن عليه السّلام لبابيد و على فرسه تجفاف لبود و قد عقد ذنب فرسه و الناس يتعجبون منه و يقولون ألا ترون الى هذا المدني و ما قد فعل بنفسه فقلت في نفسي لو كان اماما ما فعل هذا، فلما خرج الناس الى الصحراء لم يلبثوا إذ ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلا ابتل حتى غرق بالمطر و عاد عليه السّلام و هو سالم من جميعه فقلت في نفسي يوشك أن يكون هو الامام، ثم قلت أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب و قلت في نفسي ان

كشف وجهه فهو الامام فلما قرب منى كشف وجهه ثم قال: ان كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، و ان كانت جنابته من حلال فلا بأس به فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة (و منها) ما عن الفقه الرضوي إن عرقت في ثوبك و أنت جنب و كانت الجنابة من حلال فتجوز الصلاة فيه و أن كانت حراما فلا تجوز الصلاة فيه حتى يغسل (و يؤيده) قول أبي الحسن عليه السّلام في مرسلة على بن الحكم قال:

لا تغتسل من غسالة ماء الحمام فإنه يغتسل فيه من الزنا و يغتسل فيه ولد الزنا و الناصب لنا أهل البيت و هو شرهم. و ضعف سند الروايات مجبور بما عرفت من شهرة الفتوى بمضمونها بين القدماء و نقل إجماعهم عليه، هذا غاية ما استدل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 383

..........

______________________________

به على النجاسة.

و لا يخفى ان غاية ما تدل عليه الروايات هو عدم جواز الصلاة فيه و هو أعم من النجاسة لجواز أن يكون له مرتبة من القذارة مانعة من الصلاة دون النجاسة، كما ان جملة من القدماء كالصدوقين في الرسالة و الفقيه و الأمالي و غيرهم لم يعبروا في فتاويهم إلا بمضمون الروايات من حرمة الصلاة فيه كما ان الرواية الأخيرة التي جعلناها من المؤيدات لا تدل على أزيد من تأثيره في مرجوحية استعمال غسالته و أما النجاسة فلا دلالة فيها عليها، فالذي تقتضيه القواعد هو الطهارة و عدم جواز الصلاة فيه إلا أن يقال: ان هذا قول بالفصل و لا قائل به، فان من عمل بالروايات حملها على النجاسة و من لم يعمل بها قائل بجواز الصلاة

فيه، فالالتزام بحرمة الصلاة فيه دون النجاسة إحداث قول ثالث.

(و فيه) ان هذا محل نظر و تأمل فإن من ذكرناه ممن عبر بمضمون الروايات و لم يصرح بالنجاسة يجوز أن يكون مراده التفصيل الذي ذكرناه و إلا فتحمل الأخبار المذكورة على الكراهة، إذ يكفي في الروايتين الواردتين في مقام الإعجاز هذا الفرق و هو أهون من تحكيمهما على قاعدة الطهارة التي هي من القواعد المسلمة عندهم لا يجوز الخروج عنها إلا بمخرج قوى، هذا مع إطلاق الأخبار بعدم البأس في عرق الجنب من غير تفصيل بين الجنابة من حرام أو من حلال مع قوة ظهورها في الإطلاق كما ادعاه بعضهم من المحققين «1» (كرواية) على بن حمزة قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام و أنا حاضر عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه فقال: ما أرى به بأسا و قال: انه يعرق حتى لو شاء أن يعصره عصره فقطب أبو عبد اللّه عليه السّلام في وجه الرجل و قال: ان أبيتم فشي ء

______________________________

(1) هو الآقا رضا الهمداني رحمه اللّه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 384

..........

______________________________

من ماء فانضحه، و لا يخفى لو كان عرقه على تقدير كون جنابته من حرام نجسا لكان على الامام بيانه مع إطلاق سؤاله (و رواية) حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يجنب الثوب الرجل و لا يجنب الرجل الثوب (و رواية) عمر بن خالد عن زيد بن على عن أبيه عن جده عن على عليه السّلام قال سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الجنب و الحائض يعرقان في الثوب حتى يلصق عليهما فقال: ان الحيض و الجنابة حيث جعلهما

اللّه عز و جل ليس في العرق (و رواية) أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القميص يعرق فيه الرجل و هو جنب حتى يبتل القميص قال: لا بأس و ان أحب أن يرشه الماء فليفعل.

(و يدل) على الكراهة أيضا خبر محمد بن على بن جعفر عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام في حديث قال: من اغتسل من الماء الذي اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومن إلا نفسه فقلت لأبي الحسن عليه السّلام أن أهل المدينة يقولون ان فيه شفاء من العين فقال: كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شرهما و كل من خلق اللّه ثم يكون فيه شفاء من العين؟! فإنه يدل على كراهة سؤره مطلقا و ان كان ماءا كثيرا يغتسل فيه فضلا عن عرقه الذي يخرج من جوفه، فالقول بالكراهة كما هو المشهور بين المتأخرين لا يخلو من قوة.

(و مما يؤيد) الكراهة استبعاد نجاسته الموجبة لنجاسة ملاقيه و اختفائها الى زمان الهادي عليه السّلام مع عموم الابتلاء به خصوصا مع شمول الجنابة من الحرام لوطء الحائض و الاستمناء و نحوهما مع تظافر الأخبار الواردة لبيان أحكام

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 385

[ (مسألة 1) العرق الخارج منه حال الاغتسال]

(مسألة 1) العرق الخارج منه حال الاغتسال (1) قبل تمامه نجس و على هذا فليغتسل في الماء البارد، و إن لم يتمكن فليرتمس في الماء الحار و ينوي الغسل حال الخروج أو يحرك بدنه تحت الماء بقصد الغسل.

______________________________

الجنب من الحلال و الحرام و خلو الجميع عما يشعر بهذا الحكم حتى الأخبار المروية عن الهادي عليه السّلام حيث لم يتعرض فيها أيضا إلا للمنع من الصلاة الذي هو أعم من

النجاسة، و مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه من التجنب عنه خصوصا في الصلاة و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 1: (العرق الخارج منه حال الاغتسال. إلخ)

لا يخفى أن هذه الفروع كلها ساقطة بناءا على ما اخترناه من الطهارة، نعم هي آتية على ما اختاره المصنف من النجاسة فلا اشكال على ما اختاره من نجاسة عرقه الخارج منه قبل تمام غسله و ان بقي أقل قليل من بدنه لأنه بعد جنب ما لم يتم غسله، هذا في الغسل الترتيبي.

و اما ما ذكره (قده) في الارتماس بالماء الحار في الارتماسي فينبغي تقييده بان يكون الماء معتصما كالكر و الجاري و ما بحكمه كالعيون و الآبار و إلا فينجس بعرقه أيضا هذا و إنما قيد الغسل بحالة الخروج محافظة لما هو المشهور من اشتراط طهارة الأعضاء قبل غسلها و فيه تأمل فيما لو كان الاغتسال بالماء الكثير العاصم كالكر و الجاري فإنه يكفي لو نواه بغسله واحدة يتحقق بها إزالة النجاسة إذ لا دليل على لزوم تقدم طهارة العضو في مثل هذه الصورة (و اما) ما دل عليه من الأخبار المستفيضة الواردة في كيفية الغسل الآمرة بغسل الفرج و اليدين قبل الغسل كما في صحيحة حكم بن حكيم قال عليه السّلام:

ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى ثم اغسل فرجك و اقض على سائر جسدك فاغتسل، الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة فإن ذلك في الماء القليل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 386

..........

______________________________

تحفظا على طهارته لانصراف أدلة الغسل إلى إرادة الغسل بماء طاهر، بل الإجماع بأن النجس لا يكون مطهرا و باستعماله في إزالة الخبث ينجس لأنه غسالة، و قد تقدم منا اختيار نجاستها و

يمتنع إزالة الحدث بماء نجس و هذه اللوازم كلها غير آتية في الماء الكثير العاصم، و مع هذا فالاحتياط في تطهير العضو أو لا قبل الغسل من الحدث لا ينبغي تركه و اللّه العالم.

(و اما) قوله (قده) و ينوي الغسل حال الخروج أو يحرك بدنه. إلخ فهي عبارة مغلقة لا يفهم المراد منها، فهل أراد بالخروج الخروج عن سطح الماء الأعلى و معه فلا يصح الغسل قطعا بداهة انه خروج لا ارتماس، و ان أراد به الارتفاع إلى جهة العلو و الصعود من قعر الماء الى فوق و ان كان البدن بعد مغمورا بالماء مغطى به ففي كفاية نية الغسل في هذه الحالة إشكال، إذ القدر المتيقن إرادته من الأخبار بحيث لا يعتريه شبهة إنما هو احداث الارتماس بان كان خارج الماء فأحدث هذا الفعل، و لذا خص بعضهم كفايته بمثل الفرض لا إذا نوى الغسل و هو في الماء، و استشكل آخرون في صحة الغسل لو نواه و هو في الماء، و بعضهم اكتفى به على تقدير خروج معظم أعضائه من الماء، و الظاهر انه أراد من الخروج المعنى الثاني كما هو مختاره (قده) فيما يأتي من صحة نية الغسل و أن كان تمام بدنه تحت الماء و لا يلزم أن يكون تمام بدنه أو معظمه خارج الماء (و يحتمل) انه أراد المعنى الأول من الخروج كما هو ظاهر لفظ الخروج و لكنه أراد من الغسل الغسل الترتيبي و عليه كان يلزمه بيان إلحاق غسل الشقين أن نوى بخروجه غسل الرأس فقط، و اما ان نوى غسل الرأس بخروج الرأس وحده و غسل الشق الأيمن بخروج تمام بدنه من الماء فيلزمه بيان غسل الشق

الأيسر. هذا و لا يخفى أن حمل عبارته (قده)

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 387

[ (مسألة 2) إذا أجنب من حرام ثم من حلال]

(مسألة 2) إذا أجنب من حرام ثم من حلال (1) أو من حلال ثم من حرام فالظاهر نجاسة عرقه أيضا خصوصا في الصورة الأولى.

[ (مسألة 3) المجنب من حرام إذا تيمم لعدم التمكن من الغسل]

(مسألة 3) المجنب من حرام إذا تيمم (2) لعدم التمكن من الغسل فالظاهر عدم نجاسة عرقه و ان كان الأحوط الاجتناب عنه ما لم يغتسل، و إذا وجد الماء و لم يغتسل بعد فعرقه نجس لبطلان تيممه بالوجدان.

______________________________

على ارادة الغسل الترتيبي خلاف ظاهرها و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 2: (إذا أجنب من حرام ثم من حلال. إلخ).

وجه استظهار النجاسة في المسألة المفروضة سواء تقدمت الجنابة من حرام أو تأخرت الصدق العرفي انه جنب من حرام، و وجه الخصوصية في الصورة الأولى هو أن الجنابة على الجنابة لا أثر لها و انما الأثر للأولى و الفرض ان الأولى هي الحرام، و هذا وجه حسن و لكنه انما يتم و يسلم في المتساويين أثرا، و اما لو امتازت الثانية بأثر على الأولى فغير معلوم عدم ترتب أثرها التي امتازت به فعليه تنتفي الخصوصية في الصورة الأولى و تكون الصورتان سواء فعليه لو أجنب أو لا من حلال ثم من حرام ففيما يشتركان فيه من الآثار كوجوب الغسل و حرمة المكث في المساجد و غير ذلك لا أثر للثانية، و اما عرقه فنجس لاختصاص الثانية بهذا الأثر دون الأولى و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 3: (المجنب من حرام إذا تيمم. إلخ).

الظاهر ابتناء طهارة عرقه و نجاسته على القولين في ان التيمم رافع ما دام لم يجد الماء أو مبيح الدخول بما هو مشروط بالطهارة ليس إلا فعلى الأول فعرقه طاهر و على الثاني فنجس، نعم إذا وجد الماء و لم يغتسل فعرقه نجس لبطلان

تيممه على القولين.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 388

[ (مسألة 4) الصبي الغير البالغ إذا أجنب من حرام]

(مسألة 4) الصبي الغير البالغ إذا أجنب من حرام (1) ففي نجاسة عرقه اشكال و الأحوط أمره بالغسل إذ يصح منه قبل البلوغ على الأقوى.

[ (الثاني عشر) عرق الإبل الجلالة]

اشارة

(الثاني عشر) عرق الإبل الجلالة (2) بل مطلق الحيوان الجلال على الأحوط

[ (مسألة 1) الأحوط الاجتناب عن الثعلب و الأرنب و الوزغ]

(مسألة 1) الأحوط الاجتناب عن الثعلب (3) و الأرنب و الوزغ و العقرب و الفأر بل مطلق المسوخات و ان كان الأقوى طهارة الجميع.

______________________________

قوله قده مسألة 4: (الصبي الغير البالغ إذا أجنب من حرام. إلخ)

الظاهر طهارة عرقه إذ لا تتصف أفعاله بالوجوب و الحرمة لحديث رفع القلم عنه حتى يبلغ، نعم لا بأس بالاحتياط الذي ذكره (قده) من أمره بالغسل بناءا على أن عباداته شرعية.

قوله قده (الثاني عشر: عرق الإبل الجلالة. إلخ).

و الذي يدل على نجاسته (حسنة) حفص البختري بل مصححته عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تشربن من ألبان الإبل الجلالة و أن أصابك شي ء من عرقها فاغسله. (و مرسلة) الفقيه نهى عن ركوب الإبل الجلالات و شرب ألبانها و أن أصابك من عرقها فاغسله (و صحيحة) هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لا تأكلوا لحوم الجلالة و أن أصابك من عرقها فاغسله، و اما إلحاق سائر الجلالات بالإبل فلعموم مرسلة الفقيه و صحيحة هشام بن سالم و اللّه العالم.

قوله: قده مسألة 1: (الأحوط الاجتناب عن الثعلب. إلخ).

لا يخفى انه اختلفت كلمات الفقهاء في صنوف من الحيوان كالثعلب و الأرنب و الفارة و الوزغة بل و سائر المسوخ، و منشأه اختلاف الأخبار فيها، فعن السيد و الشيخ في المبسوط و الحلي و عامة المتأخرين القول بطهارتها و عن الشيخ في النهاية أنه قال: و إذا أصاب ثوب الإنسان كلب أو خنزير أو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 389

..........

______________________________

ثعلب أو أرنب أو فأرة أو وزغة وجب غسل الموضع الذي أصابه مع الرطوبة. انتهى. لكنه في باب

المياه من الكتاب المذكور نفى البأس عما وقعت فيه الفارة من الماء الذي في الآنية إذا خرجت منه و كذا إذا شربت منه و جعل ترك استعماله على كل حال أفضل، و عن المفيد في المقنعة و كذلك الحكم في الفارة و الوزعة يرش الموضع الذي مساه من الثوب أن لم يؤثرا فيه، و أن رطباه و أثرا فيه غسل بالماء، و عن أبي الصلاح أنه أفتى بنجاسة الثعلب و الأرنب و حكى هذا القول أيضا عن السيد أبي المكارم ابن زهرة و عن ظاهر الصدوق القول بنجاسة الوزغ، و عن ابن البراج أنه أوجب غسل ما أصابه الثعلب و الأرنب و الوزغة و كره الفأرة و عن سلار الحكم بنجاسة الفارة و الوزغة و عن صريح اطعمة الخلاف و ظاهر بيعه القول بنجاسة المسوخ كلها، و عن موضع من التهذيب القول بنجاسة كل ما لا يؤكل لحمه.

(و اما الأخبار) فمما يدل على طهارتها (صحيحة) الفضل أبي العباس قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الإبل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع فلم أترك شيئا إلا سألته عنه فقال لا بأس حتى انتهيت الى الكلب فقال: رجس نجس لا يتوضأ بفضله و أصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء (و صحيحة) على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال و سألته عن العظاية و الحية و الوزغ يقع في الماء فلا يموت فيه أ يتوضأ منه للصلاة فقال: لا بأس به، و سألته عن فارة وقعت في حب دهن فأخرجت قبل أن تموت أبيعه من مسلم؟ قال: نعم و

يتدهن منه (و في الصحيح) عن سعيد الأعرج قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفارة تقع في السمن و الزيت ثم تخرج منه حيا فقال: لا بأس بأكله (و في الصحيح) عن إسحاق بن عمار عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 390

..........

______________________________

أبي عبد اللّه عليه السّلام أن أبا جعفر عليه السّلام كان يقول: لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن يشرب منه أو يتوضأ (و المروي) عن قرب الأسناد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عليه السّلام عن أبيه عن على (ع) قال: لا بأس بسؤر الفأرة أن يشرب منه أو يتوضأ. (و رواية) هارون بن حمزة الغنوي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الفأرة و العقرب و أشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء و يتوضأ؟ قال: يسكب منه ثلاث مرات و قليله و كثيره بمنزلة واحدة ثم يشرب منه و يتوضأ منه غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع فيه، الحديث، و هذه الرواية مما يستظهر منها نجاسة الوزغة.

(و أما أخبار النجاسة) فمنها (صحيحة) على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء تمشي على الثياب يصلى فيها؟ قال: اغسل ما رأيت من أثرها و ما لم تره فانضحه بالماء (و صحيحته) الأخرى أيضا عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن الفارة و الكلب إذا أكلا من الخبز أو شماه أ يؤكل؟ قال: يترك ما شماه و يؤكل ما بقي (و عن قرب الأسناد) بإسناده عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن الفارة و

الكلب إذا كلا من الخبز و شبهه أ يحل أكله؟ قال: يطرح منه ما أكل و يؤكل الباقي (و مرسلة) يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته هل يجوز أن يمس الثعلب و الأرنب أو شيئا من السباع حيا أو ميتا قال: لا يضره و لكن يغسل يده (و خبر) عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: سئل عن الكلب و الفأرة إذا أكلا من الخبز و شبهه قال:

يطرح منه و يؤكل الباقي، و عن العظاية تقع في اللبن قال: يحرم اللبن و قال:

أن فيها السم (و صحيحة) معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفارة و الوزغة تقع في البئر قال: ينزح منها ثلاث دلاء (و عن الفقه الرضوي)

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 391

[ (مسألة 2) كل مشكوك طاهر]

(مسألة 2) كل مشكوك طاهر سواء كانت الشبهة (1) لاحتمال كونه من

______________________________

قال: ان وقع في الماء وزغ أهريق ذلك الماء، و ان وقع فيه فأرة أو حية أهريق الماء، و ان دخل فيه حية و خرجت منه صب من ذلك الماء ثلاث أكف و استعمل الباقي و قليله و كثيره بمنزلة واحدة.

و لا يخفى ان الذي يقتضيه الجمع العرفي بين الروايات حمل هذه الطائفة على الاستحباب لأن غايتها الظهور في نجاسة المذكورات فيرفع اليد عنه بالأخبار المتقدمة المصرحة بنفي البأس عنها مع تأييدها بشهرة العمل بها و شذوذ العمل بأخبار النجاسة، نعم يبقى الإشكال في خصوص الثعلب و الأرنب حيث ان استفادة حكمها من أخبار الطهارة بأصالة العموم إذ لم ينص على طهارتهما بالخصوص فلا يعارض مرسلة يونس التي وقع فيها التصريح بغسل اليد

الماسة لهما فإنه قد يقال: ان ارتكاب التخصيص أهون من سائر المحامل، و لكن يمكن دفعه بان المعارضة بين المرسلة و بين صحيحة الفضل بالمباينة لا بالعموم و الخصوص، فان المرسلة و ان كانت دلالتها على حكم الحيوانين بالنصوصية لكنهما جعلا مشاركين مع السباع في الحكم بغسل اليد من مسها و قد دلت الصحيحة بالصوصية على نفى البأس عن فضل السباع فوجب أن يكون غسل اليد الثابت بمس السباع و كل ما يشاركها في هذا الحكم لا لأجل النجاسة، هذا كله مع ضعف المرسلة و شذوذها بل مخالفتها للإجماع في حكم السباع أن أريد بها وجوب غسل اليد فلا ينبغي الارتياب في أن الأظهر فيهما كغيرهما من المذكورات هو الطهارة كما هو المشهور بل المجمع عليه في هذه الأعصار فيما عدا الكلب و الخنزير، و ما ذكرناه من اختلاف الأخبار و فتاوى العلماء هو منشأ احتياط المصنف (قده) و أن قوى أخيرا طهارة المذكورات و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 2: (كل مشكوك طاهر سواء كانت الشبهة. إلخ).

لا يخفى أن هنا جهتين من الكلام:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 392

الأعيان النجسة أو لاحتمال تنجسه مع كونه من الأعيان الطاهرة و القول بان الدم المشكوك كونه من القسم الطاهر أو النجس محكوم بالنجاسة ضعيف، نعم يستثني مما ذكرنا الرطوبة الخارجة بعد البول قبل الاستبراء بالخرطات أو بعد خروج المنى قبل الاستبراء بالبول فإنها مع الشك محكومة بالنجاسة

______________________________

(الجهة الأولى) الحكم بطهارة كل مشكوك طهارته و نجاسته و هو المعبر عنه بقاعدة الطهارة سواء كان منشأ الشك احتمال كونه من الأعيان النجسة كما لو تردد المائع بين كونه ماءا أو بولا أو تردد الحيوان بين كونه كلبا

أو شاة، أو كان منشأه احتمال تنجسه مع العلم بأنه من الأعيان الطاهرة كما لو علم بأنه ماء و لكنه شاك في طهارته و نجاسته، و الذي يدل على الحكم المذكور (ما رواه) في الوسائل في باب النجاسات من كتاب الطهارة عن الشيخ عن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: كل شي ء نظيف حتى تعلم انه قذر فاذا علمت فقد قذر، و ما لم تعلم فليس عليك. الحديث، و لا يخفى أن الرواية متلقاة بالقبول مجمع على العمل بها (و في الكتاب المذكور) في الباب المزبور عن الشيخ أيضا عن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام قال:

ما أبالي أ بول أصابني أو ماء إذا لم أعلم. و بمضمونهما عدة من الروايات الصحيحة المعتبرة.

(الجهة الثانية) فيما استثنى من هذه القاعدة فقد ذهب المشهور و منهم المصنف الى استثناء الرطوبة الخارجة بعد البول قبل الاستبراء بالخرطات، و كذلك الرطوبة الخارجة بعد الإنزال قبل الاستبراء بالبول فإنها مع الشك

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 393

..........

______________________________

محكومة بالنجاسة و ذلك للأخبار الخاصة الواردة في الموضعين فمما يدل على الحكم في الموضع الأول (ما رواه) في الوسائل في أبواب نواقض الوضوء عن عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يبول ثم يستنجى ثم يجد بعد ذلك بللا قال: إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاث مرات و غمز ما بينهما ثم استنجى فان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي (و في الكتاب المذكور) أيضا في أبواب آداب الخلوة عن الكليني في الكافي عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام رجل

بال و لم يكن معه ماء قال: يعصر أصل ذكره الى طرفه ثلاث مرات و ينتر طرفه فان خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول و لكنه من الحبائل.

(و مما يدل) على الحكم في الموضع الثاني (ما رواه) في الكتاب المذكور في أبواب غسل الجنابة في باب حكم البلل المشتبه بعد الغسل (منها) صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي ء قال: يعيد الغسل قلت فالمرأة يخرج منها شي ء بعد الغسل قال: لا تعيد قلت فما الفرق بينهما؟! قال: لان ما يخرج من المرأة إنما هو من ماء الرجل.

(و منها) صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شي ء قال: يغتسل و يعيد الصلاة إلا أن يكون بال قبل أن يغتسل فإنه لا يعيد غسله، قال محمد قال أبو جعفر عليه السّلام: من اغتسل و هو جنب قبل أن يبول ثم وجد بللا فقد انتقض غسله، و ان كان قد بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فليس ينقض غسله و لكن عليه الوضوء لأن البول لم يدع شيئا (و منها) صحيحة الحلبي قال سئل عن الرجل يغتسل ثم يجد بعد ذلك بللا و قد كان بال قبل أن يغتسل قال: ليتوضأ و ان لم يكن بال قبل الغسل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 394

..........

______________________________

فليعد الغسل (و منها) موثقة سماعة قال سألته عن الرجل يجنب ثم يغتسل قبل أن يبول فيجد بللا بعد ما يغتسل قال: يعيد الغسل فان كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله و لكن

يتوضأ و يستنجى (و منها) رواية معاوية بن ميسرة قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في رجل رأى بعد الغسل شيئا قال:

أن كان بال بعد جماعة قبل الغسل فليتوضأ و أن لم يبل حتى اغتسل ثم وجد البلل فليعد الغسل، و لا يخفى أن إطلاق الأمر بالوضوء عند خروج البلل بعد البول مقيد بما إذا لم يستبرئ و إلا فليس عليه شي ء و أن بلغ الساق، للأخبار المستفيضة التي تقدم نقلها عن قريب الدالة على اختصاص ناقضية البلل بما إذا كان قبل الاستبراء فتلك الأخبار حاكمة على إطلاق هذه الروايات خصوصا مع اعتضادها بالأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك، هذا و لا يخفى عدم معارضة هذه الأخبار بأخبار أخر مذكورة في بابها متضمنة لعدم وجوب شي ء عليه و ان ذلك الخارج من الحبائل و لازمها طهارة البلل المشتبه لقصورها عن مكافئة ما ذكرنا من الأخبار الصحيحة المعمول بها عند جميع الأصحاب و شذوذ ما ذكر من المعارض مع ما فيها من ضعف السند، بل لم ينقل العامل بها إلا الصدوق حيث جمع بينها و بين الأخبار السابقة بحمل الإعادة على الاستحباب و سيجي ء ذكرها و ذكر ما فيها بعون اللّه تعالى في مسائل الاستبراء من البول و الجنابة، فعلى ما ذكرنا علم أن قاعدة الطهارة قاعدة كلية مسلمة معمول بها في كل مشكوك الطهارة و النجاسة ما لم يكن أصل حاكم عليها سوى ما ذكرناه في البلل المشتبه فإنه غير معمول بها فيه للأخبار الخاصة، و من هنا تبين ضعف ما ادعاه بعضهم من القول بان الدم المشكوك كونه من القسم الطاهر أو النجس محكوم بالنجاسة بدعوى أن الأصل في الدم مطلقا النجاسة

إلا أن يثبت خلافه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 395

[ (مسألة 3) الأقوى طهارة غسالة الحمام]

(مسألة 3) الأقوى طهارة غسالة الحمام (1) و إن ظن نجاستها لكن الأحوط الاجتناب عنها.

______________________________

فالدم المخلوق آية و نحوه و أن لم يكن دم حيوان محكوم بنجاسته (و استدل) لذلك بإطلاق بعض معاقد الإجماعات المحكية على نجاسة الدم مطلقا عدا دم ما لا نفس له و المتخلف في الذبيحة (و بإطلاق) النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يغسل الثوب من المنى و الدم و البول (و موثقة) عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال:

كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب، و لكن لا يخفى انصراف الإطلاق عن مثل الدم المخلوق آية فلا مانع من شمول قاعدة الطهارة له عند الشك فيه و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 3: (الأقوى طهارة غسالة الحمام. إلخ).

و ذلك لقاعدة الطهارة و خصوص مرسلة الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن عليه السّلام انه سئل عن مجمع الماء في الحمام من غسالة الناس قال: لا بأس به.

(و اما أخبار) النهي عنها مثل (ما رواه) في الوسائل عن على بن الحكم عن رجل عن أبي الحسن عليه السّلام في حديث أنه قال: لا تغتسل من غسالة ماء الحمام فإنه يغتسل فيه من الزنا و يغتسل فيه ولد الزنا و الناصب لنا أهل البيت و هو شرهم (و عن ابن أبي يعفور) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام فان فيها غسالة ولد الزنا و هو لا يطهر إلى

سبعة آباء و فيها غسالة الناصب و هو شرهما أن اللّه لم يخلق خلقا شرا من الكلب و أن الناصب أهون على اللّه من الكلب (و عن) ابن أبي يعفور أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: و إياك ان تغتسل من غسالة الحمام ففيها

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 396

[ (مسألة 4) يستحب رش الماء إذا أراد أن يصلى في معابد اليهود]

(مسألة 4) يستحب رش الماء إذا أراد أن يصلى في معابد اليهود (1) و النصارى مع الشك في نجاستها و إن كانت محكومة بالطهارة.

______________________________

يجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهل البيت و هو شرهم فان اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب و أن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه، و أمثالها.

(فمحمولة) على الكراهة جمعا بينها و بين مرسلة الواسطي على أنه قد فرض في هذه الأخبار العلم بحصول النجاسة فيرتفع الإشكال، و هذه الأخبار هي منشأ احتياط المصنف (قده) في الاجتناب عنها و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 4: (يستحب رش الماء إذا أراد أن يصلى في معابد اليهود. إلخ)

و ذلك للأمر به في عدة روايات حملت على الاستحباب جمعا بينها و بين قاعدة الطهارة الجارية في كل ما لم يعلم نجاسته.

و اما الروايات (فمنها) ما عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الصلاة في البيع و الكنائس و بيوت المجوس فقال: رش و صل (و منها) بطريق آخر عن عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في البيع و الكنائس فقال: رش و صل: قال و سألته عن بيوت المجوس قال: رشها و صل (و منها) ما عن

الحلبي قال سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في بيوت المجوس و هي ترش بالماء فقال: لا بأس به (و منها) ما عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الصلاة في بيوت المجوس فقال: رش و صل (و منها) ما عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في بيوت المجوس فقال: رش و صل. الحديث، و أقل مراتب الأمر الاستحباب.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 397

[ (مسألة 5) في الشك في الطهارة و النجاسة لا يجب الفحص]

(مسألة 5) في الشك في الطهارة و النجاسة لا يجب الفحص (1) بل يبنى على الطهارة إذا لم يكن مسبوقا بالنجاسة و لو أمكن حصول العلم بالحال في الحال.

______________________________

قوله قده مسألة 5: (في الشك في الطهارة و النجاسة لا يجب الفحص. إلخ)

لا يخفى على من راجع الأدلة في استفادته منها عدم وجوب الفحص في سائر الشبهات الموضوعية سواء كانت الشبهة تحريمية أو وجوبية و بالأخص لو كانت الشبهة من حيث الطهارة و النجاسة لما علم من التوسعة فيها (مثل) قوله كل شي ء نظيف حتى تعلم انه قذر فاذا علمت فقد قذر و ما لم تعلم فليس عليك (و مثل) قوله عليه السّلام ما أبالي أبول أصابني أو ماء إذا لم أعلم، و إطلاقهما يقتضي عدم وجوب السؤال و الفحص و أن كان قادرا عليه (و قد) ادعى شيخ مشايخنا المرتضى (قده) في رسائله عدم الخلاف في أن مقتضى الأصل الإباحة في الشبهات التحريمية و كذلك في الشبهات الوجوبية فعليه لا خلاف في جريان البراءة في الشبهات الموضوعية مطلقا.

(نعم) استثنى بعضهم من الكلية المذكورة بعض الموارد فأوجب الفحص فيها و هي في غير ما

نحن فيه من الشك في الطهارة و النجاسة فلا يهمنا البحث فيها بل لها مقام آخر.

(و ليعلم) ان الحكم بالطهارة في المشكوك فيما لم يكن هناك استصحاب النجاسة و إلا حكم بها لوروده على الأصول العقلية و حكومته على الأصول الشرعية لأنه من الأصول المحرزة المتكفلة للتنزيل و لذا تقوم مقام القطع الطريقي فيكون الاستصحاب رافعا لموضوع الأصول العقلية حقيقة بالورود و لموضوع الأصول الشرعية بالحكومة و اللّه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 398

[فصل طريق ثبوت النجاسة]

اشارة

فصل طريق ثبوت النجاسة (1) أو التنجس العلم الوجداني أو البينة العادلة، و في كفاية العدل الواحد اشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط، و تثبت أيضا بقول صاحب اليد بملك أو إجارة أو إعارة أو أمانة بل أو غصب، و لا اعتبار بمطلق الظن و ان كان قويا، فالدهن و اللبن و الجبن المأخوذ من أهل البوادي محكوم بالطهارة و إن حصل الظن بنجاستها، بل قد يقال بعدم رجحان الاحتياط بالاجتناب عنها، بل قد يكره أو يحرم إذا كان في معرض حصول الوسواس.

______________________________

قوله قده (فصل: طريق ثبوت النجاسة. إلخ).

حيث علم أن الأشياء على الطهارة و لا يحتاج إثباتها إلى مثبت بل مجرد الشك فيها كاف في إثباتها لقاعدة الطهارة المنصوص عليها في الأخبار التي تقدم بيانها مفصلا، نعم الحكم بالنجاسة و إثباتها يحتاج الى مثبت و قد ذكر (قدس سره) لإثباتها طرقا (منها) العلم الوجداني الذي هو طريق منجعل بنفسه و لا يحتاج الى جعل جاعل مع ما دل من الأوامر الإرشادية عليه مثل قوله عليه السّلام و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير هذا، و أمثالها (و منها) البينة العادلة فإنها حجة مطلقا فان دليل اعتبارها

لا يختص في مورد الخصومات كما ادعاه بعضهم، فان المتتبع فيما دل على اعتبار البينة إذا أمعن النظر لا يكاد يرتاب في عدم مدخلية خصوصيات الموارد التي ثبت اعتبار البينة فيها في ذلك بل هي طريق شرعي تعبدي لم يلغها الشارع في شي ء من مواردها بل سوق أدلتها شاهد بكون طريقية البينة لإثبات الموضوعات الخارجية من الأمور المسلمة في الشريعة (و مما) يدل على ذلك ما رواه الكليني و الشيخ (قده)

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 399

[ (مسألة 1) لا اعتبار بعلم الوسواسي]

(مسألة 1) لا اعتبار بعلم الوسواسي في الطهارة و النجاسة. (1)

______________________________

في الكافي و التهذيب بسنديهما عن الصادق عليه السّلام في الجبن قال: كل شي ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه الميتة، فالرواية صريحة الدلالة في ثبوت النجاسة بشهادة الشاهدين (و منها) ما رواه الكليني و الشيخ (قده) أيضا في الكتابين المذكورين بسنديهما عن الصادق عليه السّلام قال: كل شي ء لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة و العبد يكون عندك و لعله حر قد باع نفسه أو قهر فبيع أو خدع فبيع، أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك، و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البينة و أمثالهما من الروايات.

(و أما ثبوت) النجاسة و غيرها من الموضوعات بخبر الواحد العدل فقد استشكل (قده) في ثبوتها به و منشأ أشكاله الخلاف في ذلك بين علمائنا الأعلام و قد تقدم تحرير المسألة مفصلا في أواخر مبحث المياه في المسألة 6 و اخترنا هناك حجيته فلا نعيد البحث.

(و منها) اليد و قد ذكرنا ما

عندنا من القول فيها في المسألة المتقدمة الذكر بعد ذكر حجية قول العدل الواحد و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 1: (لا اعتبار بعلم الوسواسى في الطهارة و النجاسة. ا ه)

أما عدم اعتباره بالنسبة إلى نفسه فلا معنى له إذ العلم لا تناله يد الجعل وضعا و لا رفعا، نعم عدم اعتباره بالنسبة إلى غيره فله وجه إذ أدلة حجية قول العادل منصرفة إلى المتعارف من الناس لا الشاذ النادر الجاري على خلاف طريقتهم العرفية التي يحصل لهم منها العلم فان الوسواسى قد يقطع بالنجاسة و يحكم بها بأسباب لا تفيد ظنا لغيره فضلا عن العلم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 400

[ (مسألة 2) العلم الإجمالي كالتفصيلي]

(مسألة 2) العلم الإجمالي كالتفصيلي (1) فاذا علم بنجاسة أحد الشيئين يجب الاجتناب عنهما، إلا إذا لم يكن أحدهما محلا لابتلائه فلا يجب الاجتناب عما هو محل الابتلاء أيضا.

______________________________

قوله قده مسألة 2: (العلم الإجمالي كالتفصيلي. إلخ)

هذا هو المشهور المعروف بينهم في أن العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي تجب موافقته القطعية كما تحرم مخالفته القطعية، و ذلك مع تنجز التكليف بالحرام الواقعي على كل تقدير بان يكون كل منهما بحيث لو فرض القطع بكونه الحرام كان التكليف منجزا بالاجتناب، فلو لم يكن كذلك بان كان التكليف في أحدهما معلوما لكن لا على وجه التنجيز بل معلقا على تمكن المكلف منه، فإن ما لا يتمكن المكلف من ارتكابه لا يكلف منجزا بالاجتناب عنه، كما لو علم وقوع النجاسة في أحد شيئين لا يتمكن المكلف من ارتكاب واحد معين منهما فلا يجب الاجتناب عن الآخر، لان الشك في مثله يرجع الى أصل تنجز التكليف و مجراه البراءة لا في المكلف به تكليفا منجزا، و كذا لو

كان ارتكاب الواحد المعين ممكنا عقلا لكن المكلف أجنبي عنه و غير مبتلى به بحسب حاله كما إذا تردد النجس بين إنائه و إناء آخر لا دخل للمكلف فيه أصلا، فإن التكليف بالاجتناب عن هذا الإناء الآخر المتمكن عقلا منه غير منجز عرفا، و لهذا لا يحسن التكليف المنجز بالاجتناب عن الطعام أو الثوب الذي ليس من شأن المكلف الابتلاء به، نعم يحسن الأمر بالاجتناب عنه بقوله: إذا اتفق لك الابتلاء بذلك بعارية أو بملك أو إباحة فاجتنب عنه، و الحاصل: أن النواهي المطلوب فيها حمل المكلف على الترك مختصة بحكم العقل و العرف بمن يعد مبتلى بالواقعة المنهي عنها و لذا يعد خطاب غيره بالترك

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 401

[ (مسألة 3) لا يعتبر في البينة حصول الظن بصدقها]

(مسألة 3) لا يعتبر في البينة حصول الظن بصدقها (1) نعم يعتبر عدم معارضتها بمثلها.

[ (مسألة 4) لا يعتبر في البينة ذكر مستند الشهادة]

(مسألة 4) لا يعتبر في البينة ذكر مستند الشهادة، (2) نعم لو ذكرا مستندها و علم عدم صحته لم يحكم بالنجاسة.

[ (مسألة 5) إذا لم يشهدا بالنجاسة بل بموجبها]

(مسألة 5) إذا لم يشهدا بالنجاسة بل بموجبها كفى (3) و ان لم يكن موجبا

______________________________

مستهجنا إلا على وجه التقييد بصورة الابتلاء، و لعل السر في ذلك أن غير المبتلى تارك للنهى عنه بنفس عدم الابتلاء فلا حاجة الى نهيه فعند الاشتباه لا يعلم المكلف بتنجز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي، و هذا باب واسع يحل به الإشكال عما علم من عدم وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة في مواقع.

قوله قده مسألة 3: (لا يعتبر في البينة حصول الظن بصدقها. إلخ)

وجه عدم الاعتبار المزبور إطلاق دليل اعتبارها فتقييده بإفادتها للظن يحتاج الى دليل و ليس فليس نعم يعتبر عدم معارضتها بمثلها إذ دليل الاعتبار حينئذ يشملهما معا بعرض واحد فترجيحها على مثلها ترجيح بلا مرجح فيرجع في مثل المقام الى قواعد أخر.

قوله قده مسألة 4: (لا يعتبر في البينة ذكر مستند الشهادة. إلخ)

وجه عدم الاعتبار ما تقدم من إطلاق دليل اعتبارها فتقييدها بما ذكر يحتاج الى دليل و ليس فليس. نعم لو ذكرا مستندها و علم عدم صحته اجتهادا أو تقليدا أو وجدانا للاشتباه في الموضوع مثلا لم يحكم بالنجاسة و لا أثر للبينة لأن طريقيتها بل سائر الطرق و الأمارات مقيدة عقلا بصورة عدم العلم بالخلاف.

قوله قده مسألة 5: (إذا لم يشهدا بالنجاسة بل بموجبها كفى. إلخ)

وجه كفايته هو أن ذلك روح الشهادة و حقيقتها و لا مدخلية للشهادة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 402

عندهما أو عند أحدهما، فلو قالا أن هذا الثوب لاقى عرق المجنب من حرام أو ماء الغسالة كفى عند

من يقول بنجاستهما و أن لم يكن مذهبهما النجاسة.

[ (مسألة 6) إذا شهدا بالنجاسة و اختلف مستندهما]

(مسألة 6) إذا شهدا بالنجاسة و اختلف مستندهما كفى (1) في ثبوتها و أن لم تثبت الخصوصية كما إذا قال أحدهما إن هذا الشي ء لاقى البول و قال الآخر انه لاقى الدم فيحكم بنجاسته لكن لا تثبت النجاسة البولية و لا الدمية بل القدر المشترك بينهما لكن هذا إذا لم ينف كل منهما قول الآخر بأن اتفقا على أصل النجاسة، و اما إذا نفاه كما إذا قال أحدهما انه لاقى البول و قال الآخر لا بل لاقى الدم ففي الحكم بالنجاسة إشكال.

______________________________

بالنجاسة إلا لكشفها عن وقوف الشاهدين و اطلاعهما على موجبها فاذا شهدا بالموجب للنجاسة كان لكل من الحاكي و المحكى له حكمه الشرعي اجتهادا أو تقليدا بل يكفى كون المشهود به موجبا للنجاسة لدى المحكى له و أن لم يكن موجبا لها عند الحاكي.

قوله قده مسألة 6: (إذا شهدا بالنجاسة و اختلف مستند هما كفى. إلخ)

أما وجه الإكتفاء بشهادة العدلين المختلفى المستند في الحكم بثبوت النجاسة فيتوقف بيانه على مقدمات.

(الأولى) أن البينة من الإمارات العرفية و الشرعية الحاكية عن الواقع الدالة عليه بجميع مداليلها الثلاثة غاية الأمر بالنسبة إلى المدلول المطابقي و التضمني تكون دلالتها عليهما في عرض واحد بخلاف مدلولها الالتزامي فإنه في طول تينك الدلالتين، فهي بالنسبة الى هذه المداليل الثلاثة بمنزلة تعدد الدال و الكاشف من دون تفاوت بينها.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 403

..........

______________________________

(الثانية) ان المدلول الالتزامي في البينة إنما ينشأ و يتولد من المدلول المطابقي لها بما هي أمارة حاكية لا بما هي حجة شرعية بديهة انه من لوازم الدلالة و المدلول من حيث هي دلالة و مدلول

و ان لم يكن حجة في البين و لأن الحجية فرع وجوده فلا يعقل دخلها فيه لاستلزامه الدور فتأمل، فالمدلول الالتزامي يحصل و يتحقق بمجرد حصول المدلول المطابقي و ان لم يكن حجة سواء كان عدمها لوجود المانع كما في التعارض أو لعدم تمامية المقتضي لها كما فيما نحن فيه لأن العدل الواحد جزء البينة، فالنجاسة المطلقة فيما نحن فيه محكية للعدل مخبر به منه ثابتة عندنا مسببة و أن لم يكن قول العدل حجة في مدلوله المطابقي و هو النجاسة المعينة من جهة كونه جزء الحجة لا تمامها فهذا المدلول الالتزامي ثابت كما لو ثبت بدال آخر حاك عنه من دون تفاوت أصلا و رأسا (الثالثة) أن دليل حجية الأمارة التي منها البينة انما يدل على حجيتها بجميع مداليلها الثلاثة في عرض واحد و مرتبة واحدة من دون ترتب فيها ضرورة أن مفاد صدّق العادل أو الثقة أو البينة أو خذ بأحدهما أو أن فلانا ثقة أو أرجع الى فلان و نحو ذلك من سنخ هذه العناوين ذلك، إذ الترتب و الطولية في الحجية بأن تكون حجية المدلول الالتزامي في طول حجية المدلول المطابقي و مرتبة عليه و ناشئة منه مستلزم للخلف و ذلك لأن الحجية من الأحكام الوضعية و هي أمر وحداني بسيط يطرأ على البينة و يعرض عليها بلحاظ مؤدياتها و بالنظر الى مداليلها فهي كالوجوب الذي يطرأ على المركب و يعرض له كالصلاة، فكما ان ذلك الوجوب يطرأ على تمام الاجزاء في عرض واحد و يتعلق بجميع الأبعاض في مرتبة واحدة لأنها عينه حقيقة و خارجا فكذلك الحجية التي تطرأ على البينة بلحاظ مؤدياتها و بالنظر الى مداليلها

العمل الأبقى في شرح

العروة الوثقى، ج 1، ص: 404

..........

______________________________

تعرض على تلك المداليل الثلاثة في عرض واحد و مرتبة واحدة، فدليل حجية البينة ينحل إلى ثلاثة أدلة دليل على حجية المدلول المطابقي و دليل ثان على حجية المدلول التضمني و دليل ثالث على حجية المدلول الالتزامي.

(الرابعة) ان كلا من العدلين المختلفى المستند الحاكي أحدهما بوقوع قطرة بول في هذا الإناء مثلا و الآخر بوقوع قطرة دم فيه مثلا الحاكيين ذلك بالمطابقة حاكيان بالالتزام نجاسته، و بعبارة اخرى أن العدلين قد اتفقا على الأخبار بفساد الصلاة بالوضوء أو الغسل منه أو في ثوب غسل به أو لاقاه و الإخبار بفساد البيع الواقع عليه و الأخبار بنجاسة الكر المتمم به و نحو ذلك مما لا يخفى و لا يكاد يحصى، و معلوم أن هذه لوازم بينة ظاهرة عرفية لازمة لا تكاد تنفك عن المدلول المطابقي واقعا.

(إذا عرفت) هذا كله فنقول: ان شهادة العدل الواحد على النجاسة الخارجية البولية مثلا ليست بحجة لأنه جزء البينة لإتمامها و لكن هو و العدل الآخر قد اتفقا على مطلق النجاسة بوجه و أن كان ذلك بالدلالة الالتزامية العرفية، و المفروض أنهما معا حجة و أن لم يكن كل واحد منها حجة بنفسه في المدلول المطابقي لما تقدم من ان دليل الحجية قد دل على حجية هذا المدلول الالتزامي في عرض دلالته على حجية المدلول المطابقي و في مرتبته، كما لو تعدد الدالان على ذلك و كانا اثنين مستقلين فكما أن مجرد عدم تمامية الدليل الآخر المستقل الدال على حجية المدلول الالتزامي فكذلك فيما نحن فيه بعد فرض الدليل عليه و ان دلالته عليه ليست منوطة بحجية ذلك الدال و انما هي من لوازم المدلول من حيث

هو، و ان دليل الحجية قد دل على حجية جميع المداليل الثلاثة للبينة في عرض واحد و مرتبة واحدة من دون ترتب فيها أصلا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 405

..........

______________________________

و رأسا كما لو تعدد الدليل على ذلك و كان ثلاثا، هذا ما يمكن أن يكون وجها لثبوت النجاسة بشهادة العدلين المختلفين في المستند في صورة لم ينف كل منهما قول الآخر.

(و اما) إذا نفاه و هي الصورة التي استشكل فيها المصنف (قده) فقال:

(لكن هذا إذا لم ينف كل منهما قول الآخر بان اتفقا على أصل النجاسة، فاما إذا نفاه كما إذا قال أحدهما انه لاقى البول و قال الآخر لا بل لاقى الدم ففي الحكم بالنجاسة اشكال. ا ه) (فالظاهر) عدم الإشكال و أن حكم الصورتين واحد و هو النجاسة فإن شهادته بنفي النجاسة البولية ليس بحجة لأنها جزء البينة و حينئذ فرفع اليد عما ذكرناه من اللوازم التي اتفق العدلان بشهادتهما عليها من فساد الصلاة بالوضوء أو الغسل منه أو في ثوب غسل به أو لاقاه و فساد البيع الواقع عليه و نجاسة الكر المتمم به و أمثالها بهذه الشهادة رفع يد عن حجة فعلية تامة بغير الحجة حسب الفرض.

(هذا) و مما يمكن أن يقال على هذا الاستدلال أمور:

(أحدها) منع حجية البينة في اللوازم لا سيما العقلية خصوصا البعيدة منها (و فيه) انه لا وجه له بعد فرض كونه مدلولا عرفيا للبينة بما هي بينة و من حيث هي لأنه تخصيص أو تقييد بلا وجه رأسا، ضرورة قيام الأدلة القطعية على حجية البينة في كل ما تحكيه من المداليل الثلاثة من الإجماع و السيرة و بناء العقلاء و الأخبار كما لا يخفى.

(ثانيها)

منع كون ما ذكرناه من اللوازم للبينة لأن المراد من اللوازم ما يتبادر من البينة إلى الذهن عرفا بحيث يفهمه عامة المخاطبين بخطاب البينة و ما تقدم ليس كذلك فإنه لا يفهمه سوى الأوحدي من أهل العلم و النظر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 406

..........

______________________________

(و فيه) منع الاختصاص بذلك ضرورة ان الامارة حجة في جميع لوازمها العقلية و الشرعية و العرفية كما تقرر.

(ثالثها) لو سلم كونها لازما لكنه لا يجدي نفعا فيما نحن فيه لان المدار في حجية البينة على صدق الشهادة عرفا لقوله عليه السّلام إذا شهد عندك المسلمون فصدقهم و لا تصدق الشهادة بمجرد ذلك عرفا (و فيه) ان الشهادة ليست إلا الإخبار بشي ء، و المفروض ان العدلين قد اتفقا على الإخبار بما ذكرناه من الأمور العديدة و الأشياء الكثيرة، غاية الأمر أنه بالدلالة الالتزامية المفروض حجيتها عرفا و شرعا.

(رابعها) دعوى أن حجية المدلول الالتزامي مترتبة على حجية المدلول المطابقي و في طولها و متفرعة عليها كترتبها على الدلالة المطابقية (و فيه) انه واضح الفساد بعد فرض كون اللازم لازما للمدلول المطابقي بما هو مدلول لا بما هو حجة كما تقدم.

(خامسها) دعوى أن حجية المدلول الالتزامي و ان كانت في عرض حجية المدلول المطابقي لكنها تثبت في مورد ثبوته بحيث تدور مدارها وجودا و عدما و ذلك، لان حجية البينة حكم وضعي و هو أمر وحداني بسيط يطرأ و يعرض عليها بلحاظ مؤدياتها و بالنظر إلى مداليلها الثلاثة كما تقدم، غاية الأمر أنها تنحل إلى أحكام و حجج متعددة بلحاظ تعدد متعلقها و بالنظر الى تكثر موردها و هو المدلول و المؤدى، و من المعلوم ان انحلال الحكم الواحد البسيط الى

متعدد بتعدد متعلقة حقيقة و خارجا و ان كان واحدا اعتبارا انما يكون و يتصور إذا تحقق متعلقة بتمام اجزائه و جميع أبعاضه على نحو يصدق معه ذلك الموضوع الذي تعلق به بامتناع وجوده بدونه كالبينة فيما نحن فيه،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 407

[ (مسألة 7) الشهادة بالإجمال كافية أيضا]

(مسألة 7) الشهادة بالإجمال كافية أيضا (1) كما إذا قالا أحد هذين نجس فيجب الاجتناب عنهما و اما لو شهد أحدهما بالإجمال و الآخر بالتعيين كما إذا قال أحدهما أحد هذين نجس و قال الآخر هذا معينا نجس ففي المسألة وجوه وجوب الاجتناب عنهما، و وجوبه عن المعين فقط، و عدم الوجوب أصلا.

______________________________

و المفروض عدم تحققها كذلك إذ المفروض عدم تحقق الحجية للمدلول المطابقي في كل من جزئيها، و بعبارة أخرى: ان حكم المركب لاجزائه انما يكون في ضمن ثبوته لنفس المركب المفروض عدمه (و فيه) منع كون البينة اسم لشهادة العدلين بما لهما من المداليل الثلاثة بما هي كذلك لا لغة و لا شرعا و لا عرفا ضرورة انها اسم لشهادة العدلين مطلقا بعد فرض اتفاقهما على المؤدى بوجه و ان كان ذلك بالدلالة الالتزامية فقط و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 7: (الشهادة بالإجمال كافية أيضا. إلخ).

حاصله: انه لو قامت البينة على نجاسة أحد الأطراف بالإجمال جرى على جميع الأطراف أحكام العلم الإجمالي من حرمة المخالفة و وجوب الموافقة القطعيتين، فحال البينة بدليل التنزيل حال العلم الطريقي مطلقا، و اما لو شهد أحدهما بالإجمال و الآخر بالتفصيل كما لو قال أحد الشاهدين أحد هذين الإنائين مثلا نجس و قال الشاهد الآخر أحدهما المعين نجس ففي المسألة كما ذكره (قده) وجوه ثلاثة: وجوب الاجتناب عنهما، و وجوبه عن

المعين فقط، و عدم الوجوب أصلا، و الأقرب هو الأول لعين ما ذكرناه في المسألة السابقة بعد مراجعة المقدمات الأربع التي ذكرناها حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة، فان العدل الذي شهد بنجاسة هذا الإناء المعين و حكاها و كشف عنها بالدلالة المطابقة يشهد أيضا و يحكى و يكشف بالالتزام على نجاسة أحد الإنائين منه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 408

..........

______________________________

و من الآخر ضرورة أن لازم نجاسة هذا الإناء المعين الأحمر واقعا وجود النجس الواقعي بين هذين الإنائين اللذين في البيت أو في محل الابتلاء عرفا و عقلا بحيث لا ينفك عنه واقعا و ان لم يكن هذا العدل يرى كون الآخر كذلك لأنه يرى و ينعقد طهارة الآخر، لأنا نقول ان لازم نجاسة هذا الأحمر واقعا من حيث هو التي حكاها و كشف عنها فرضا وجود النجس الواقعي بين هذين الإنائين أو وجوده في البيت أو محل ابتلاء المكلف و عنده، لأن المراد من اللازم انما هو ما كان لازما لنفس المدلول المطابقي من حيث هو هو واقعا بحسب نظر المحكى له و ان لم تكن ملازمة عند الحاكي بل و لا عند غيره من العرف أو العقلاء بعد فرض ثبوتها عنده، و بعبارة أخرى كما تقدم منا ان العدلين قد اتفقا على الإخبار بفساد الوضوء أو الغسل منهما أو في ثوب غسل بهما أو لاقاهما معا، و الإخبار بنجاسة الملاقي لهما و نجاسة الماء الممتزج منهما و الإخبار بفساد البيع الواقع عليهما بالمزج أو بدونه، و الأخبار بنجاسة الكر الطاهر المتمم بهما و نحو ذلك مما لا يخفى و لا يكاد أن يحصى و معلوم ان هذه لوازم بينة ظاهرة عرفية

لا تنفك عن المدلول المطابقي واقعا.

(إذا عرفت) هذا كله فنقول ان شهادة العدل الواحد على نجاسة المعين ليست بحجة لأنه جزء البينة لإتمامها، و لكن هو و العدل الآخر قد اتفقا على وجود النجس في البين و ان كان ذلك بالدلالة الالتزامية العرفية و المفروض انهما معا حجة و ان لم يكن كل واحد منهما حجة بنفسه في المدلول المطابقي لما تقدم في المسألة المتقدمة من ان دليل الحجية قد دل على حجية هذا المدلول الالتزامي في عرض دلالته على حجية المدلول المطابقي و في مرتبته كما لو تعدد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 409

[ (مسألة 8) لو شهد أحدهما بنجاسة الشي ء فعلا]

(مسألة 8) لو شهد أحدهما بنجاسة الشي ء فعلا (1) و الآخر بنجاسته سابقا مع الجهل بحاله فعلا فالظاهر وجوب الاجتناب، و كذا إذا شهدا معا بالنجاسة السابقة لجريان الاستصحاب.

[ (مسألة 9) لو قال أحدهما إنه نجس و قال الآخر انه كان نجسا]

(مسألة 9) لو قال أحدهما إنه نجس و قال الآخر انه كان نجسا و الآن طاهر (2)

______________________________

الدال على ذلك و كانا اثنين مستقلين، فكما أن مجرد عدم تمامية الدليل المستقل الدال على حجية المدلول المطابقي لوجود المانع كالمعارض أو لعدم المقتضى لا يستلزم عدم تمامية الدليل الآخر المستقل الدال على حجية المدلول الالتزامي فكذلك فيما نحن فيه بعد فرض الدليل عليه و ان دلالته عليه ليست منوطة بحجية ذلك الدال و انما هي من لوازم المدلول من حيث هو، و أن دليل الحجية قد دل على حجية جميع المداليل الثلاثة للبينة في عرض واحد و مرتبة واحدة من دون ترتب فيها أصلا و رأسا كما لو تعدد الدليل على ذلك و كان ثلاثا، هذا و لا يخفى أن ما ذكرناه من الحكم بنجاسة الأطراف أجمع لما ذكرناه من الوجه يدل على الحكم بنجاسة المعين الذي دل عليه شهادة أحد العدلين للأولوية القطعية، هذا و ما قيل من الأوجه الخمسة من المناقشة في المسألة السابقة و الجواب عنها جار في هذه المسألة عينا و اللّه العالم

قوله قده مسألة 8: (لو شهد أحدهما بنجاسة الشي ء فعلا. إلخ).

لا أرى وجها للنجاسة في الفرض الأول بعد ما علم من اعتبار اتحاد المشهود به زمانا بل الظاهر فيه هو الطهارة لقاعدتها و الاحتياط لا بأس به، نعم يتم ما ذكره في الفرض الثاني: و هو ما إذا شهدا معا بالنجاسة السابقة لثبوت النجاسة السابقة بشهادة العدلين فتستصحب الى الحال الحاضر.

قوله قده

مسألة 9: (لو قال أحدهما انه نجس و قال الآخر انه كان نجسا و الآن طاهر. إلخ).

لا إشكال في عدم الكفاية و الحكم بالطهارة لقاعدتها لعدم اتفاق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 410

فالظاهر عدم الكفاية و عدم الحكم بالنجاسة.

[ (مسألة 10) إذا أخبرت الزوجة أو الخادمة أو المملوكة بنجاسة ما في يدها]

(مسألة 10) إذا أخبرت الزوجة (1) أو الخادمة أو المملوكة بنجاسة ما في يدها من ثياب الزوج أو ظروف البيت كفى في الحكم بالنجاسة و كذا إذا أخبرت المربية للطفل أو المجنون بنجاسته أو نجاسة ثيابه بل و كذا لو أخبر المولى بنجاسة بدن العبد أو الجارية أو ثوبهما مع كونهما عنده أو في بيته.

[ (مسألة 11) إذا كان الشي ء بيد شخصين]

(مسألة 11) إذا كان الشي ء بيد شخصين كالشريكين (2) يسمع قول كل منهما في نجاسته، نعم لو قال أحدهما انه طاهر و قال الآخر انه نجس تساقطا، كما أن البينة تسقط مع التعارض و مع معارضتها بقول صاحب اليد تقدم عليه.

______________________________

الشاهدين على النجاسة في زمان واحد.

قوله قده مسألة 10: (إذا أخبرت الزوجة. إلخ).

المدرك في الحكم بالنجاسة في الأمثلة المذكورة قاعدة اليد و قد تقدم انها عامة لكل يد و لا تختص بالمالكية بل تعم حتى يد الغاصب.

قوله قده مسألة 11: (إذا كان الشي ء بيد شخصين كالشريكين. إلخ)

اما سماع قول كل منهما في نجاسته فلقاعدة اليد، و اما التساقط في صورة الاختلاف فلاتحادهما رتبة من حيث اليد، فالأخذ بقول أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح كتعارض البينتين، و اما تقديم البينة مع معارضتها باليد فلتقدمها على سائر الطرق و الأمارات و لولاه لانسد أغلب أبواب المرافعات، مع ما دل عليه من النصوص الخاصة مثل قوله عليه السّلام: البينة على المدعى و اليمين على من أنكر، فإنه صريح في تقديم ذي البينة على المنكر و هو ذو اليد.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 411

[ (مسألة 12) لا فرق في اعتبار قول ذي اليد]

(مسألة 12) لا فرق في اعتبار قول ذي اليد (1) بالنجاسة بين أن يكون فاسقا أو عادلا بل مسلما أو كافرا.

[ (مسألة 13) في اعتبار قول صاحب اليد إذا كان صبيا إشكال]

(مسألة 13) في اعتبار قول صاحب اليد إذا كان صبيا إشكال (2) و إن كان لا يبعد إذا كان مراهقا.

[ (مسألة 14) لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد أن يكون قبل الاستعمال]

(مسألة 14) لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد أن يكون قبل الاستعمال (3) كما قد يقال فلو توضأ شخص بماء مثلا و بعده أخبر ذو اليد بنجاسته يحكم ببطلان وضوئه، و كذا لا يعتبر أن يكون ذلك حين كونه في يده فلو أخبر بعد خروجه عن يده بنجاسته حين كان في يده يحكم عليه بالنجاسة في ذلك الزمان و مع الشك في زوالها تستصحب.

______________________________

قوله قده مسألة 12: (لا فرق في اعتبار قول ذي اليد. إلخ).

قد تقدم منا ان عمدة دليل اليد السيرة فيؤخذ بالقدر المتيقن منها، و عليه فيشك في شمول السيرة لقول الكافر فهو محل نظر و اشكال.

قوله قده مسألة 13: (في اعتبار قول صاحب اليد إذا كان صبيا إشكال. إلخ).

وجهه أن السيرة دليل لبى يؤخذ بالقدر المتيقن مما قامت عليه، و ليست من الأدلة اللفظية حتى يؤخذ بعموم اللفظ أو إطلاقه، فالقدر المتيقن منها في غير الصبي، و اما المراهق منه فمحل اشكال و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 14: (لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد أن يكون قبل الاستعمال. إلخ)

وجه عدم اعتبار ما ذكره و هو أن يكون قبل الاستعمال: هو أن اليد من الأمارات العرفية الكاشفة عن الواقع الممضاة عند الشارع فعليه إذا أخبر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 412

[فصل في كيفية تنجس المتنجسات]

اشارة

فصل في كيفية تنجس المتنجسات (1) يشترط في تنجس الملاقي للنجس أو المتنجس أن يكون فيهما أو في أحدهما رطوبة مسرية، فاذا كانا جافين لم ينجس و ان كان ملاقيا للميتة لكن الأحوط غسل ملاقي ميت الإنسان قبل الغسل و إن كانا جافين، و كذا لا ينجس إذا كان فيهما أو في أحدهما رطوبة غير مسرية، ثم إن

كان الملاقي للنجس أو المتنجس مائعا

______________________________

ذو اليد بالنجاسة ثبتت النجاسة الواقعية فيكون حالها حال قيام البينة على النجاسة، فلا يتفاوت الحال بين ما لو تقدم إخبار ذي اليد بالنجاسة على الاستعمال أو تأخر أخباره عنه، فيكون بعد اخباره بمنزلة ما لو استعمل ماءا قامت البينة بعد استعماله على نجاسته فيترتب عليه سائر أحكام النجس من بطلان وضوئه به و بقاء نجاسة ما غسل به على نجاسته و أمثال ذلك هذا كله فيما لو كان اخباره بها حين كونها بيده و هو القدر المسلم من أمارية اليد.

و اما لو أخبر بعد خروجها من يده بنجاستها حين كانت في يده ففيه نظر بل منع فيشكل ما اختاره المصنف (قده) من الحكم بالنجاسة في ذلك الزمان، إذ يشك في قيام السيرة على أمارية اليد في هذه الصورة، فيرجع في مثل الفرض إلى قاعدة الطهارة بناءا على عدم حجية قول الثقة في الطهارة و النجاسة و أمثالها من الموضوعات الخارجية و إلا حكم بالنجاسة لاستصحاب النجاسة المستفادة من قول الثقة لا لليد هذا و الاحتياط لا ينبغي تركه و اللّه العالم.

قوله قده: (فصل: في كيفية تنجس المتنجسات. إلخ).

الذي يدل على اشتراط تنجس الملاقي للنجس أو المتنجس أن يكون في المتلاقيين أو أحدهما رطوبة مسرية مطلقا في الميتة و غيرها حتى ميتة الإنسان أمور:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 413

تنجس كله كالماء القليل المطلق و المضاف مطلقا و الدهن المائع و نحوه من المائعات، نعم لا ينجس العالي بملاقاة السافل إذا كان جاريا من العالي بل لا ينجس السافل بملاقاة العالي إذا كان جاريا من السافل كالفوارة من غير فرق في ذلك بين الماء و غيره من المائعات،

و ان كان الملاقي جامدا اختصت النجاسة بموضع الملاقاة سواء كان يابسا كالثوب اليابس إذا لاقت النجاسة جزءا منه أو رطبا كما في الثوب المرطوب أو الأرض المرطوبة فإنه إذا وصلت النجاسة إلى جزء من الأرض أو الثوب لا يتنجس ما يتصل به و ان

______________________________

(الأول) الأصل فإنه يشك في التأثير و التأثر بلا رطوبة مسرية فيستصحب عدمهما.

(الثاني) ما ورد في موثقة ابن بكير: كل يابس ذكي، و ظاهر لسانها إعطاء قاعدة في التأثير و التأثر و اشتراطهما بالرطوبة المسرية.

(الثالث) الأخبار الخاصة الدالة على تعدى النجاسة في المتلاقيين مع الرطوبة المسرية لا مع اليبوسة. و قد عقد لها بابا في الوسائل بهذا العنوان الذي ذكرناه، نعم يستحب نضح الثوب بالماء إذا لاقى الميتة أو الخنزير أو الكلب بغير رطوبة لما سيتلى عليك: (منها) ما عن العيص بن القاسم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر و قد عرق ذكره و فخذه قال قال: يغسل ذكره و فخذه، فمفهوم القيد أنه لو لم يعرق ذكره و فخذه لا يغسلهما و هو صريح الدلالة على المدعى (و منها) عن حماد عن حريز عن الفضل أبى العباس قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله، و أن مسه جافا فاصبب عليه الماء (و منها) عن حماد عن حريز عمن أخبره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا مس ثوبك كلب فان كان جافا فانصحه و ان كان رطبا فاغسله (و منها) عن القاسم عن علي عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 414

كان فيه رطوبة مسرية بل النجاسة مختصة بموضع

الملاقاة، و من هذا القبيل الدهن و الدبس الجامدان، نعم لو انفصل ذلك الجزء المجاور ثم اتصل تنجس موضع الملاقاة منه، فالاتصال قبل الملاقاة لا يؤثر في النجاسة و السراية بخلاف الاتصال بعد الملاقاة، و على ما ذكر فالبطيخ و الخيار و نحوهما مما فيه رطوبة مسرية إذا لاقت النجاسة جزءا منها لا تتنجس البقية بل يكفي غسل موضع الملاقاة إلا إذا انفصل بعد الملاقاة ثم اتصل.

______________________________

أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الكلب يصيب الثوب قال: انضحه و أن كان رطبا فاغسله (و منها) عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل يصلح له الصلاة فيه قبل أن يغسله؟

قال: ليس عليه غسله و يصلى فيه و لا بأس (و منها) عن موسى بن القاسم عن على ابن محمد عليه السّلام قال: سألته عن خنزير أصاب ثوبا و هو جاف هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال: نعم ينضحه بالماء ثم يصلى فيه (و منها) عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال سألته عن الرجل وقع ثوبه على كلب ميت قال: ينضحه بالماء و يصلى فيه و لا بأس (و منها) عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر، و ذكر الحديث الذي قبله و زاد و سألته عن الرجل يمشي في القذرة و هي يابسة فتصيب ثوبه و رجليه هل يصلح له أن يدخل المسجد ليصلي و لا يغسل ما أصابه؟ قال: ان كان يابسا فلا بأس (و منها) عن على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال سألته عن الفراش يصيبه الاحتلام كيف

يصنع به؟ قال: اغسله و أن لم تفعله فلا تنام عليه حتى ييبس، فان تمت عليه و أنت رطب الجسد فاغسل ما أصابك من جسدك فان جعلت بينك و بينه ثوبا فلا بأس (و منها) عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن ثياب اليهودي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 415

..........

______________________________

و النصراني ينام عليه؟ قال: لا بأس (و منها) عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن المكان يغتسل فيه من الجنابة أو ينام فيه أ يصلح أن يفرش؟ قال: نعم إذا كان جافا، قال و سألته عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتلقى عليه من العذرة فيصيب ثوبه و رأسه يصلى فيه قبل أن يغسله؟ قال: نعم ينفضه و يصلى فلا بأس (و منها) عن الحكم بن حكيم قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام انى أغدو إلى السوق فاحتاج الى البول و ليس عندي ماء ثم أتمسح و أتنشف بيدي ثم امسحها بالحائط و بالأرض ثم أحك جسدي بعد ذلك؟ قال: لا بأس (و منها) عن محمد بن مسلم في حديث أن أبا جعفر عليه السّلام وطأ على عذرة يابسة فأصاب ثوبه فلما أخبرته قال: أ ليس هي يابسة؟! فقلت بلا قال فقال: لا بأس (و منها) عن ابن مسكان عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يطأ في العذرة أو البول أ يعيد الوضوء؟ قال:

لا و لكن يغسل ما أصابه (قال الكليني) و في رواية أخرى إذا كان جافا فلا يغسله، و هناك اخبار أخر بهذه المضامين يطول شرحها و فيما ذكرناه كفاية.

هذا و قد ذهب بعضهم

الى أن الميتة مطلقا تؤثر في تنجيس ملاقيها و ان لم تكن رطوبة مسرية، و خص بعضهم ذلك بميت الإنسان و مستندهم إطلاق بعض الإخبار و هي مستند احتياط المصنف (قده) و لا يخفى أن المنساق من مطلقاتها غسله إذا تأثر به و لا تأثر بدون رطوبة النجاسة أو رطوبة ملاقيها، و ذلك هو المركوز في الأذهان من عدم الاستقذار بمجرد ملاقاة القذارة ما لم يكن في البين رطوبة، مع أن ما ذكرنا من اخبار التفصيل بين الرطب و الجاف قرينة الجمع بينها من حمل مطلقها على مقيدها مع أن الاحتياط لا يخفى حسنه.

(و لا ينجس) الجاري بالملاقاة سواء كان جريانه من فوق أو من تحت

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 416

[ (مسألة 1) إذا شك في رطوبة أحد المتلاقين]

(مسألة 1) إذا شك في رطوبة أحد المتلاقين (1) أو علم وجودها و شك في سرايتها لم يحكم بالنجاسة، و اما إذا علم سبق وجود المسرية و شك في بقائها فالأحوط الاجتناب و ان كان الحكم بعدم النجاسة لا يخلو عن وجه.

______________________________

كالفوارة، إذا الجاري معطيا غير آخذ و ممدا غير ممتد. قوله (قده) في شرح هذه المسألة ما حاصله: أن النجاسة لا تتعدى موضع الملاقاة و أن كانت الرطوبة المسرية مستوعبة للجسم كله كما يدل عليه قوله (أو رطبا كما في الثوب المرطوب أو الأرض المرطوبة) الى قوله: (و ان كان فيه رطوبة مسرية بل النجاسة مختصة بموضع الملاقاة) و فيما ذكره تأمل و اشكال بل المدار على العلم بمقدار السريان و عدمه، فما علم بسريانها فيه من اجزاء الثوب و الأرض نجس و ما لم يعلم فطاهر للاستصحاب و إلا فالرطوبة في الأرض و الثوب تختلف شدة و ضعفا، فرب

رطوبة ضعيفة تختص النجاسة عرفا معها بموضع الملاقاة منها، و رب رطوبة شديدة تسرى في جميع اجزاء الثوب و الأرض و لا تختص بموضع الملاقاة منه، و ربما تختلف من حيث سرعة إزالتها بتطهيرها فلا تسرى و ربما يتماهل في تطهيرها فتسرى في جميع أجزاء الشي ء كما لا يخفى ذلك، و الحاكم بذلك العرف و هو المنشأ لحصول العلم و عدمه، إذ ليس فيما نحن فيه توظيف شرعي.

قوله قده مسألة 1: (إذا شك في رطوبة أحد المتلاقيين. إلخ)

لا يخفى أن الحكم بالطهارة في الفرضين الأولين و هما: (ما) لو شك في رطوبة أحد المتلاقيين و ما علم بوجودها و شك في سرايتها فمما لا اشكال فيه لاستصحاب طهارة الطاهر منهما (و اما) الفرض الثالث و هو: ما لو علم سبق وجودها و شك في بقائها الذي احتاط في الاجتناب عنه و عقبه بقوله: و ان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 417

[ (مسألة 2) الذباب الواقع على النجس الرطب]

(مسألة 2) الذباب الواقع على النجس الرطب (1) إذا وقع على ثوب أو بدن شخص و إن كان فيهما رطوبة مسرية لا يحكم بنجاسته إذا لم يعلم مصاحبته لعين النجس، و مجرد وقوعه لا يستلزم نجاسة رجله لاحتمال كونها مما لا تقبلها، و على فرضه فزوال العين يكفي في طهارة الحيوانات.

[ (مسألة 3) إذا وقع بعر الفار في الدهن أو الدبس الجامدين]

(مسألة 3) إذا وقع بعر الفار في الدهن أو الدبس الجامدين (2) يكفي إلقاؤه

______________________________

كان الحكم بعدم النجاسة لا يخلو من وجه. انتهى. اما وجه الاحتياط في في الاجتناب عنه فبدعوى أن ظاهر الأخبار المتلوة عليك عن قريب من أن كل جسم لاقى جسما نجسا برطوبة تنجس و انفعل بها هو أن تمام الموضوع للنجاسة ملاقاة الجسم الطاهر للجسم النجس برطوبة، و ما نحن فيه من الفرض الملاقاة وجدانية و الرطوبة المعلوم وجودها قبل المشكوك بقاؤها الآن محكوم ببقائها بحكم الاستصحاب، فهو من الاستصحاب الموضوع الثابت أحد جزئية بالوجدان و الآخر بالأصل و هو حجة فيثبت له حكمه و هو النجاسة (و أما) وجه الطهارة فبدعوى أن الموضوع للنجاسة ليس هو الملاقاة برطوبة فقط بل هو مع قيد تأثر الطاهر بالنجس و ذلك من اللوازم العادية للرطوبة المسرية، فالاستصحاب بالنظر اليه مثبت و هو ليس بحجة عند من لا يقول به فلا تثبت النجاسة فتكون مشكوكة و لا أصل و لا قاعدة محرز لها، فالمرجع حينئذ استصحاب طهارة الطاهر و هو الأقوى على هذا المبنى.

قوله قده مسألة 2: (الذباب الواقع على النجس الرطب. إلخ)

الحكم كما ذكره لاستصحاب طهارة الطاهر مع الشك في تنجسه من أى وجه كان.

قوله قده مسألة 3: (إذا وقع بعر الفار في الدهن أو الدبس الجامدين. إلخ)

الحكم بطهارة الباقي بعد إلقاء موضع

الملاقاة من الجامد مما لا اشكال فيه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 418

و إلقاء ما حوله و لا يجب الاجتناب عن البقية، و كذا إذا مشى الكلب على الطين فإنه لا يحكم بنجاسة غير موضع رجله إلا إذا كان وحلا، و المناط في الجمود و الميعان أنه لو أخذ منه شي ء فان بقي مكانه خاليا حين الأخذ و أن امتلأ بعد ذلك فهو جامد و إن لم يبق خاليا أصلا فهو مائع.

[ (مسألة 4) إذا لاقت النجاسة جزءا من البدن المتعرق]

(مسألة 4) إذا لاقت النجاسة جزءا من البدن المتعرق (1) لا يسري الى سائر إجزائه إلا مع جريان العرق.

[ (مسألة 5) إذا وضع إبريق مملوء ماءا على الأرض النجسة]

(مسألة 5) إذا وضع إبريق مملوء ماءا (2) على الأرض النجسة و كان في أسفله ثقب يخرج منه الماء، فان كان لا يقف تحته بل ينفذ في الأرض أو يجري عليها فلا يتنجس ما في الإبريق من الماء، و إن وقف الماء بحيث يصدق اتحاده مع ما في الإبريق بسبب الثقب تنجس و هكذا الكوز و الكأس و الحب و نحوها.

[ (مسألة 6) إذا خرج من أنفه تخامة غليظة]

(مسألة 6) إذا خرج من أنفه تخامة غليظة (3) و كان عليها نقطة من الدم لم

______________________________

لعدم صدق الملاقاة للباقي بخلافه في المائع فإنه يصدق ملاقاة النجس للجميع.

قوله قده مسألة 4: (إذا لاقت النجاسة جزءا من البدن المتعرق. إلخ)

تقدم منا أن ذلك يدور مدار العلم بمقدار السريان و عدمه و ان العرق الذي على البدن يختلف كثرة و قلة و بحسب التطهير سرعة و بطوءا مع دوام العرق و اتصاله.

قوله قده مسألة 5: (إذا وضع إبريق مملوء ماءا. إلخ)

لا إشكال في عدم نجاسة ما في الإبريق أن كان الماء منه متدافعا الى السافل فهو بمنزلة الجاري من الأعلى الذي تقدم حكمه.

قوله قده مسألة 6: (إذا خرج من أنفه نخامة غليظة. إلخ)

إنما اختصت النجاسة بموضع الملاقاة من النخامة دون سائر اجزائها.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 419

يحكم بنجاسة ما عدا محله من سائر اجزائها، فاذا شك في ملاقاة تلك النقطة الظاهر الأنف لا يجب غسله، و كذا الحال في البلغم الخارج من الحلق.

[ (مسألة 7) الثوب أو الفرش الملطخ بالتراب النجس يكفيه نفضه]

(مسألة 7) الثوب أو الفرش الملطخ بالتراب النجس (1) يكفيه نفضه و لا يجب غسله و لا يضر احتمال بقاء شي ء منه بعد العلم بزوال القدر المتيقن.

[ (مسألة 8) لا يكفي مجرد الميعان في التنجس]

(مسألة 8) لا يكفي مجرد الميعان في التنجس (2) بل يعتبر أن يكون مما يقبل التأثر و بعبارة أخرى يعتبر وجود الرطوبة في أحد المتلاقيين، فالزيبق إذا وضع في ظرف نجس لا رطوبة له لا ينجس و ان كان مائعا، و كذا إذا أذيب الذهب أو

______________________________

لأنها بمنزلة الجامد الذي لاقته نجاسة في انه لا يصدق عرفا الملاقاة فيه لغير موضعه، كما انه لا إشكال فيما ذكره من طهارة الأنف مع الشك في ملاقاته له لاستصحاب طهارته فلا يجب غسله، و مثله الحكم في البلغم الخارج من الحلق.

قوله قده مسألة 7: (الثوب أو الفرش الملطخ بالتراب النجس. إلخ)

وجه الإكتفاء بنفضه عن غسله هو أنه أحد الفردين المزيلين للنجاسة، و الاكتفاء بإزالة القدر المتيقن مبني على مسألة الأقل و الأكثر و أن المرجع فيها البراءة مطلقا أو الاستصحاب مطلقا، أو التفصيل بين الارتباطيين فالاستصحاب، و غير الارتباطيين فالبراءة، و المعتمد البراءة في الموضعين ما لم يعلم أن المطلوب عنوان خاص كالنهي عن الفحشاء و أمثاله في الصلاة فالمرجع الاستصحاب، و الظاهر اختيار المصنف لما ذكرناه من البراءة ما لم يعلم طلب العنوان الخاص.

قوله قده مسألة 8: (لا يكفى مجرد الميعان في التنجس. إلخ)

فيما ذكره (قده) من الوجه لعدم التأثر و الانفعال كفاية.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 420

غيره من الفلزات في بودقة نجسة أو صب بعد الذوب في ظرف نجس لا ينجس إلا مع رطوبة الظرف أو وصول رطوبة نجسة إليه من الخارج.

[ (مسألة 9) المتنجس لا يتنجس ثانيا]

(مسألة 9) المتنجس لا يتنجس ثانيا و لو بنجاسة أخرى (1) لكن إذا اختلف حكمهما يرتب كلاهما فلو كان لملاقي البول حكم و لملاقي العذرة حكم آخر يجب ترتيبهما معا، و لذا

لو لاقى الثوب دم ثم لاقاه البول يجب عليه غسله مرتين و إن لم يتنجس بالبول بعد تنجسه بالدم و قلنا بكفاية المرة في الدم، و كذا إذا كان في إناء ماء نجس ثم ولغ فيه الكلب يجب تعفيره و أن لم يتنجس بالولوغ، و يحتمل أن يكون للنجاسة مراتب في الشدة و الضعف و عليه فيكون كل منهما مؤثرا و لا اشكال

______________________________

قوله قده مسألة 9: (المتنجس لا يتنجس ثانيا و لو بنجاسة أخرى. إلخ)

و ذلك لامتناع تحصيل الحاصل و إيجاد الموجود و توارد سببين مستقلين على مسبب واحد، و ذلك فيما لو اتحد نوع النجاسة لا فيما لو اختلف و كان لبعضه أثر زائد أو اختلف نوع المزيل فيهما فإنه يجب ترتيب الأثر الزائد في الأول و ترتيب الأثرين المختلفين في الثاني فإن اختلاف الأثر يدل على اختلاف المؤثر و هذا ما نبه عليه (قده) بقوله لكن إذا اختلف حكمها يرتب كلاهما و لكن يشكل ما فرعه عليه من ترتيب حكمهما معا إذا اختلف و مثل له بقوله:

فلو كان لملاقى البول حكم و لملاقى العذرة حكم آخر يجب ترتيبهما معا، و لذا لو لاقى الثوب دم ثم لاقاه البول يجب غسله مرتين. إلخ بل القاعدة تقتضي عدم ترتب حكم الثاني منهما سواء اتحد حكمهما أو اختلف إذ لا أثر له حتى يترتب حكمه، فهو من قبيل ما لو قال المولى من أفطر في نهار شهر رمضان على محلل كالخبز و أشباهه فعليه كفارة مخيرة، و من أفطر على محرم كالزنا و أمثاله فعليه كفارة الجمع، و فرضنا أنه أفطر أو لا بمحلل ثم زنى ثانيا فلا يلزمه إلا كفارة مخيرة فقط، إذ لا معنى

للإفطار عقيب الإفطار، فلا يثبت حكم للثاني لما ذكرناه من البرهان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 421

[ (مسألة 10) إذا تنجس الثوب مثلا بالدم مما يكفى فيه غسله مرة]

(مسألة 10) إذا تنجس الثوب مثلا بالدم مما يكفى فيه غسله مرة (1) و شك في ملاقاته للبول أيضا مما يحتاج الى التعدد يكتفى فيه بالمرة و يبني على عدم ملاقاته للبول و كذا إذا علم نجاسة إناء و شك في أنه ولغ فيه الكلب أيضا أم لا لا يجب فيه التعفير و يبنى على عدم تحقق الولوغ، نعم لو علم تنجسه أما بالبول أو الدم أو أما بالولوغ أو بغيره يجب اجراء حكم الأشد من التعدد في البول و التعفير في الولوغ.

______________________________

سوى أنه معصية فيلزمه العقاب.

(فان قيل) يؤخذ بإطلاق السبب مثل قوله عليه السّلام: إذا لاقى ثوبك الدم فاغسله مرة و إذا لاقى البول فاغسله مرتين.

(قلنا) فعليه يقتضي غسله في الفرض ثلاثا إذ تعدد الأسباب يوجب تعدد المسببات مع أصالة عدم التداخل، فحاصله انه لا يتم ما ذكره (قده) من غسل الثوب مرتين فيما لو لاقى الدم و البول، بل أما يجب غسله مرة فيما لو لاقى الدم أولا أو يجب غسله ثلاث مرات و لا قائل به. هذا كله بناءا على ان لا يكون للنجاسة مراتب في الشدة و الضعف. و اما عليه فيكون كل منهما مؤثرا و يرتفع الإشكال من البين، كما ان الظاهر ذلك بدليل اختلاف المزيل و الرافع قلة و كثرة مع انه من سنخ واحد، فإنه لو لا ذلك لزم الجزاف، و الكاشف عنها اختلاف مسبباتها و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 10: (إذا تنجس الثوب مثلا بالدم مما يكفى غسله مرة. إلخ)

الحكم كما ذكره في الفرضين الساقين و هما ما

لو تنجس بالدم و شك في ملاقاته للبول كفى المرة، و كذا ما لو علم النجاسة و شك في أنه ولغ فيه الكلب أم لا في كفاية غسله و عدم وجوب تعفيره، و ذلك لما ذكره من أصالة عدم وجوب المشكوك فيه، و اما الفرض الثالث و هو: ما لو علم تنجسه اما بالبول أو الدم، أو اما بالولوغ أو بغيره فأوجب (قده) اجراء حكم الأكثر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 422

[ (مسألة 11) الأقوى أن المتنجس منجس]

(مسألة 11) الأقوى أن المتنجس منجس كالنجس لكن لا يجرى عليه جميع أحكام النجس (1) فاذا تنجس الإناء بالولوغ يجب تعفيره لكن إذا تنجس إناء آخر بملاقاة هذا الإناء أو صب ماء الولوغ في إناء آخر لا يجب فيه التعفير و إن كان الأحوط خصوصا في الفرض الثاني، و كذا إذا تنجس الثوب بالبول وجب تعدد الغسل، لكن إذا تنجس ثوب آخر بملاقاة هذا الثوب لا يجب فيه التعدد، و كذا إذا تنجس شي ء بغسالة البول بناءا على نجاسة الغسالة لا يجب فيه التعدد.

______________________________

و وجهه عدم أصل محرز لأحدهما معينا فتستصحب النجاسة حتى يعلم المزيل لها، و لا يعلم المزيل إلا بإجراء حكم الأشد، و هذا هو المشهور بينهم.

و يمكن أن يقال عليه كما ذهب اليه بعض الأساطين من جريان البراءة الشرعية في السبب المزيل للنجاسة دون نفسها بتقريب أن يقال: ان مدخلية الغسلة الثانية مثلا في التطهير و جزئيتها أو شرطيتها في المطهر شي ء لم يعلم لنا و لم يبين لدينا و قد حجب علمه عنا فهو مدفوع موضوع عنا و نحن في سعة منه، فنفس مدخليتها شرطا أو شطرا منفية و لم يجعل في حقنا و لم يثبت لدينا

في مرحلة الظاهر، فكل شي ء يجي ء من نجاسة و ترك تكليف أو عقاب أو مؤاخذة فنحن في أمن منه و أمان ببركة قاعدة البراءة الشرعية عقلا أن شاء اللّه تعالى و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 11: (الأقوى أن المتنجس منجس كالنجس لكن لا يجرى عليه جميع أحكام النجس. إلخ)

لا يخفى انه من فروع هذه المسألة نجاسة الغسالة و قد تقدم منا في مبحث الغسالة اختيار نجاستها، و ذكرنا في تلك المسألة بعض الأخبار الصريحة في ان المتنجس منجس كالنجس مثل قوله عليه السّلام بعد السؤال عن الرجل يدخل يده في الإناء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 423

[ (مسألة 12) قد مر أنه يشترط في تنجس الشي ء بالملاقاة تأثره]

(مسألة 12) قد مر أنه يشترط في تنجس الشي ء بالملاقاة تأثره (1) فعلى هذا لو فرض جسم لا يتأثر بالرطوبة أصلا كما إذا دهن على نحو إذا غمس في الماء لا يتبلل أصلا يمكن أن يقال إنه لا يتنجس بالملاقاة و لو مع الرطوبة المسرية و يحتمل أن يكون رجل الزنبور و الذباب و البق من هذا القبيل.

[ (مسألة 13) الملاقاة في الباطن لا توجب التنجيس]

(مسألة 13) الملاقاة في الباطن لا توجب التنجيس (2) فالنخامة الخارجة

______________________________

و هي قذرة يكفي الإناء، أو يهريق الماء كما في أخرى، أو فأهرق الماء، أو فاصبب ذلك الماء، و نحوها من الأخبار التي وردت فإنها لا تحصى كثرة كما قدمنا، فإنها شاملة للمقام بعمومها أو خصوصها، و ذلك بحمل القذارة المذكورة في السؤال على الأعم من العينية و الحكمية أخذا بالإطلاق، نعم يكفى فيما نحن فيه مطلق الغسل إذ لا يصدق على المتنجس بالمتنجس بالبول انه تنجس بالبول، مضافا الى إطلاق (ما رواه) العيص بن القاسم قال سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء فقال: ان كان الوضوء من بول أو قذر فيغسل ما أصابه، و ان كان من وضوئه للصلاة فلا يضره. الحديث.

قوله قده مسألة 12: (قد مر انه يشترط في تنجس الشي ء بالملاقاة تأثره. إلخ)

الميزان في التنجيس و التنجس أن يكتسب الطاهر من النجس أثرا بأن يصدق عرفا انتقال بعض الأجزاء من النجس الى الطاهر و هو المعبر عنه بالرطوبة المسرية، و لا يكفى مجرد المماسة و إلا لكانت التفرقة المذكورة في الأخبار بين الجاف و الرطب جزافا، فالميزان ما ذكرناه و لا يدور مدار الأمثلة التي ذكرها.

قوله قده مسألة 13: (الملاقاة في الباطن لا توجب التنجيس. إلخ)

تقدم منا انه لا فرق في

التنجيس بين الملاقاة في الباطن أو الظاهر بعد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 424

من الأنف طاهرة و ان لافت الدم في باطن الأنف، نعم لو أدخل فيه شي ء من الخارج و لاقى الدم في الباطن فالأحوط فيه الاجتناب.

[فصل يشترط في صحة الصلاة]

اشارة

فصل يشترط في صحة الصلاة (1) واجبة كانت أو مندوبة إزالة النجاسة عن البدن حتى الظفر و الشعر و اللباس ساترا كان أو غير ساتر عدا ما سيجي ء من مثل الجورب و نحوه مما لا تتمّ الصلاة فيه و كذا يشترط في توابعها من صلاة الاحتياط و قضاء التشهد و السجدة المنسيين و كذا في سجدتي السهو على الأحوط و لا يشترط

______________________________

العلم بالملاقاة أخذا بعمومات ملاقاة البول أو العذرة أو غيرهما، و تخصيصها بالظاهر بلا مخصص، نعم الثابت عندنا أن البواطن لا تتنجس بل لا حكم لتنجسها قوله قده: (فصل: يشترط في صحة الصلاة. إلخ)

الذي يدل على اشتراط صحة الصلاة- واجبة كانت أو مندوبة بإزالة النجاسة عن البدن و اللباس ساترا كان أو غير ساتر عدا ما استثنى من النجاسة و من اللباس مما سيجي ء بيانه في محله مفصلا- الأخبار (منها) خبر الحسن ابن زياد قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يبول فيصيب بعض جسده قدر نكتة من بول فيصلي ثم يذكر بعد انه لم يغسله قال: يغسله و يعيد صلاته (و منها) خبر ابن مسكان قال: بعثت بمسألة الى أبى عبد اللّه عليه السّلام مع إبراهيم بن ميمون قلت سله عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلي و يذكر بعد ذلك انه لم يغسلها قال: يغسلها و يعيد صلاته.

(و يدل) عليه أيضا ما ورد في نجاسة بول الإنسان

و في بول غيره و في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 425

فيما يتقدمها من الأذان و الإقامة و الأدعية التي قبل تكبيرة الإحرام، و لا فيما يتأخرها من التعقيب، و يلحق باللباس على الأحوط اللحاف الذي يتغطى به المصلي، مضطجعا إيماء سواء كان مستترا به أو لا و ان كان الأقوى في صورة عدم التستر به بان كان ساتره غيره عدم الاشتراط، و يشترط في صحة الصلاة أيضا إزالتها عن موضع السجود دون المواضع الأخر فلا بأس بنجاستها إلا إذا كانت مسرية الى بدنه أو لباسه.

______________________________

غير البول أيضا كالملاقي للخمر و الميتة و الكلب و الفقاع و غيرها. بل الأخبار الدالة عليه في غاية الكثرة، و من أظهر أحكام النجاسات الشائعة في النصوص و الفتاوى هو هذا الحكم، و كيف كان فالمعتبر في الصلاة انما هو طهارة ما يصلى فيه مما يلبسه المصلى مما يصدق عليه اللباس عرفا سواء كان هو الساتر أم غيره و كذا يشترط في توابعها من صلاة الاحتياط و قضاء التشهد و السجدة المنسيين كما ذكره (قده) (اما) في صلاة الاحتياط فلأنها صلاة سواء قلنا بأنها جزء من الأولى أو صلاة مستقلة فيشملها ما ذكرناه من أدلة الاشتراط في مطلق الصلاة (و اما) في التشهد و السجدة المنسيين فلأنهما جزءان مقضيان فيعتبر فيهما ما يعتبر في اجزاء الصلاة الأدائية.

(نعم) يبقى الإشكال في اعتباره في سجدتي السهو و قد اعتبره بعض مستدلا عليه بان الذمة لما اشتغلت به بيقين توقف العلم ببراءتها منه على يقين، بل قد يدعى أنه المنساق من أمر المصلي بالسجود لتدارك سهوه، أو الظاهر السجود الصلاتي بشرائطه. و نفاه آخرون بدعوى أن مقتضى الأدلة الواردة في

المقام وجوب تحقق السجدة عرفا مرتين و أما الزائد على ذلك مما وجب في سجدة الصلاة من الطهارة و الاستقبال و وضع الجبهة على ما يصح السجود

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 426

..........

______________________________

عليه و السجدة على الأعضاء السبعة مطمئنا و غير ذلك مما اعتبر في سجدة الصلاة فلم نقف على دليل وجوبه، و مقتضى إطلاق الأدلة الواردة في المقام عدم الوجوب و أن كان الأحوط مراعاة جميع ذلك.

و مما ذكره (قده) في هذا الفصل قوله (و يشترط في صحة الصلاة أيضا إزالتها عن موضع السجود) و المستند هو ادعاء الإجماع على ذلك فان تم فهو الحجة و إلا فيمكن المناقشة في ذلك لعدم دليل يدل عليه، بل مقتضى إطلاقات الأدلة خلافه، نعم نسبه في الذكرى الى النص فقال: و يجب إزالة النجاسة عن مسجد الجبهة للنص، و مثله في الذخيرة، لكن قال في (الحدائق) ثم انه قد ذكر الأصحاب في تعداد المواضع التي تجب فيها الإزالة بعد الثوب و البدن مسجد الجبهة، و علله الشهيد في الذكرى بالنص. و لم أقف على هذا النص و لا نقله ناقل فيما أعلم، بل ربما ظهر من النصوص خلافه كما سيأتي أن شاء اللّه تعالى في بحث المكان من الصلاة. انتهى (و في الجواهر) انه لعل المراد به موثقة عمار عن الصادق عليه السّلام عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس و لكن قد يبس الموضع القذر قال عليه السّلام لا يصلى عليه و اعلم موضعه حتى تغسله، الحديث.

(و ذكر) بعضهم انه يمكن أن يستفاد من صحيحة ابن محبوب عن الرضا عليه السّلام انه كتب إليه يسأله عن الجص يوقد عليه بالعذرة

و عظام الموتى فيجصص به المسجد أ يسجد عليه؟ فكتب اليه: أن الماء و النار قد طهراه. ان عدم جواز السجدة على النجس أمر مفروغ عنه.

(و أما) عدم اعتبارها في المواضع الأخر إلا إذا كانت مسرية الى بدنه و لباسه فيدل عليها أخبار كثيرة (منها) صحيحة على بن جعفر عن أخيه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 427

..........

______________________________

موسى عليه السّلام انه سأله عن البيت و الدار لا يصيبهما الشمس و يصيبهما البول و يغتسل فيهما من الجنابة أ يصلى فيهما إذا جفا؟ قال: نعم (و صحيحة) الأخرى عن البواري يصيبها البول هل يصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل؟

قال عليه السّلام: نعم لا بأس (و صحيحة) الأخرى أيضا قال: سألته عن البواري يبل قصبها بماء قذر أ يصلى عليها؟ قال عليه السّلام: إذا يبست فلا بأس (و موثقة) عمار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البارية يبل قصبها بماء قذر هل يجوز الصلاة عليها؟ فقال عليه السّلام: إذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها (و صحيحة) زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الشاذكونة عليها جنابة أ يصلى عليها في المحمل؟

قال عليه السّلام: لا بأس (و خبر) ابن أبي عمير قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أصلي على الشاذكونة و قد أصابتها الجنابة؟ قال عليه السّلام لا بأس و بإزاء هذه الأخبار موثقة ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الشاذكونة يصيبها الاحتلام أ يصلى عليها؟ قال عليه السّلام: لا (و موثقة) عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سئل عن الموضع القذر يكون في البيت و غيره فلا تصيبه الشمس و لكنه قد يبس

الموضع القذر قال عليه السّلام لا يصلى عليه و اعلم موضعه حتى تغسله، و عن الشمس هل تطهر الأرض؟ قال عليه السّلام: إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة، و ان أصابته الشمس و لم ييبس الموضع القذر و كان رطبا فلا تجوز الصلاة حتى ييبس، و أن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع حتى ييبس، و ان كان غير الشمس أصابه حتى ييبس فإنه لا يجوز ذلك (و خبر) زرارة قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلى فيه فقال عليه السّلام: إذا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 428

[ (مسألة 1) إذا وضع جبهته على محل بعضه طاهر و بعضه نجس صح]

(مسألة 1) إذا وضع جبهته على محل بعضه طاهر و بعضه نجس صح (1) إذا كان الطاهر بمقدار الواجب، فلا يضر كون البعض الآخر نجسا و إن كان الأحوط طهارة جميع ما يقع عليه، و يكفي كون السطح الظاهر من المسجد طاهرا و إن كان باطنه أو سطحه الآخر أو ما تحته نجسا، فلو وضع التربة على محل نجس و كانت طاهرة و لو سطحها الظاهر صحت صلاته.

______________________________

جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر (و في خبر آخر) سأل زرارة و حديد ابن حكيم أبا عبد اللّه عليه السّلام السطح يصيبه البول أو يبال عليه يصلى في ذلك المكان؟ فقال عليه السّلام: ان كان تصيبه الشمس و الريح و كان جافا فلا بأس به إلا ان يكون يتخذ مبالا. و لكنه لا بد من حمل هذه الأخبار المانعة عن الصلاة على

الموضع النجس مطلقا على الكراهة جمعا بينها و بين الأخبار المتقدمة الصريحة في الجواز.

قوله قده مسألة 1: (إذا وضع جبهته على محل بعضه طاهر و بعضه نجس صح. إلخ)

أما وجه الصحة و الإكتفاء بمقدار يتحقق به السجدة هو ما عرفت من عدم دليل لفظي في المقام، و المتيقن من الإجماع طهارة موضع الجبهة في الجملة فيؤخذ بالقدر المتيقن (و اما) وجه الاحتياط في طهارة جميع ما يقع عليه فهو: ان ظاهر كلمات المجمعين اعتبار الطهارة في تمام ما يقع عليه الجبهة فإن استكشف من اتفاقهم أن المضمون مأخوذ من الامام عليه السّلام و أن كان التعبير منهم (قدس سرهم) فحال الكلام الصادر منهم حال متون الروايات، إلا ان الشأن في إحراز ذلك، و يمكن أن يقال: أن حقيقة السجدة لما كانت من الأمور المتحصلة بالقصد، فلو وضع جبهته على أرض يكون بعضها طاهرا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 429

[ (مسألة 2) تجب إزالة النجاسة عن المساجد]

(مسألة 2) تجب إزالة النجاسة عن المساجد (1) داخلها و سقفها و سطحها و طرف الداخل من جدرانها بل و الطرف الخارج على الأحوط، إلا أن لا يجعلها الواقف جزءا من المسجد بل لو لم يجعل مكانا مخصوصا منها جزءا لا يلحقه الحكم و وجوب الإزالة فوري فلا يجوز التأخير بمقدار ينافي الفور العرفي. و يحرم تنجيسها أيضا بل لا يجوز إدخال عين النجاسة فيها و إن لم تكن منجسة إذا كانت موجبة لهتك حرمتها، بل مطلقا على الأحوط و اما إدخال المتنجس فلا بأس به ما لم يستلزم الهتك.

______________________________

و بعضها نجسا بقصد السجود على الجزء الطاهر يصدق أنه سجد على أرض طاهرة و يصدق أن محل سجوده كان طاهرا، و اما مماسة جبهته

للمحل النجس فليست داخلة في السجود، فهو مثل من وضع جبهته على ما يصح السجود عليه و وقع مقدار آخر منها على غيره، و كيف كان فطريق الاحتياط في المسألة معلوم و ان كان الأصل يقتضي عدم المانع من الصحة و الإكتفاء بالمقدار الطاهر منها.

قوله قده مسألة 2: (يجب إزالة النجاسة عن المساجد. إلخ).

الدليل على ذلك هو الإجماع فقد ادعاه غير واحد عليه و لم ينقل الخلاف فيه من أحد عدا ما حكى عن صاحب المدارك و الحدائق من المخالفة في ذلك، و ما ذكر من الأدلة على ذلك من كتاب و سنة فهو غير تام إما دلالة أو سندا، و كما يجب إزالة النجاسة عنها يحرم تنجيسها بالأولوية القطعية مع عدم الخلاف فيه أيضا، ثم ان وجوب إزالة النجاسة عن المسجد على الفور بلا خلاف فيه على الظاهر فان المستفاد من الفتاوى و معاقد الإجماعات المحكية على وجوب تجنب المساجد النجاسة إنما هو وجوب حفظ المسجد عن النجاسة و حرمة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 430

[ (مسألة 3) وجوب إزالة النجاسة عن المساجد كفائي]

(مسألة 3) وجوب إزالة النجاسة عن المساجد كفائي (1) و لا اختصاص له بمن نجسها أو صار سببا فيجب على كل أحد.

[ (مسألة 4) إذا رأى نجاسة في المسجد و قد دخل وقت الصلاة]

(مسألة 4) إذا رأى نجاسة في المسجد و قد دخل وقت الصلاة (2) تجب

______________________________

احداث النجاسة أو إبقاءها فيه لا مجرد تبعيدها عن المسجد في زمان من الأزمنة المستقبلة و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 3: (وجوب إزالة النجاسة عن المساجد كفائي. إلخ).

و قد استدل عليه بوجوه (الأول) الأصل كما حكى عن صاحب المستند و الظاهر أن المراد به أصل البراءة من التعين عليه (الثاني) الإجماع بل نفى بعضهم الخلاف في ذلك (الثالث) عموم الخطاب و أرادوا به مثل قوله عليه السّلام:

جنبوا مساجدكم النجاسة، على تقدير تمامية دلالته، و لكن لا يخفى عليك ان هذا المقدار غير واف بإتمام المطلوب، و لهذا قال صاحب الجواهر في مقام الاستدلال ما لفظه: لتوجه الخطاب الى الجميع مع القطع بعدم إرادة الوجوب العيني، و تعين بعض لا دليل عليه، و بعض غير معين غير جائز، فليس إلا الكفائي. إلخ.

(و المعتمد) في الاستدلال عليه الإجماع بل عدم الخلاف فيه و ان حكى عن ظاهر الذكرى وجوبه على من أدخلها (و نوقش) فيه انه قد لا يكون إدخاله من فعل مكلف أو يكون من فعل مكلف يخل بإزالته تقصيرا أو قصورا و لزوم سقوطه بموته أو فقده.

(و دعوى) تجدد الوجوب حينئذ لا دليل عليها مع انه لا تأمل بل لا خلاف في وجوب إزالته على سائر الناس في شي ء من الفروض.

قوله قده مسألة 4: (إذا رأى نجاسة في المسجد و قد دخل وقت الصلاة. إلخ)

لا يخفى أن وجوب الإزالة فوري كما تقدم و بلا خلاف كما في الجواهر

العمل الأبقى في

شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 431

المبادرة إلى إزالتها مقدما على الصلاة مع سعة وقتها و مع الضيق قدمها، و لو ترك الإزالة مع السعة و اشتغل بالصلاة عصى لترك الإزالة، لكن في بطلان صلاته اشكال و الأقوى الصحة هذا إذا أمكنه الإزالة، و اما مع عدم قدرته مطلقا أو في ذلك الوقت فلا إشكال في صحة صلاته، و لا فرق في الاشكال في الصورة الأولى بين أن يصلي في ذلك المسجد أو في مسجد آخر، و إذا اشتغل غيره بالإزالة لا مانع من مبادرته إلى الصلاة قبل تحقق الإزالة.

______________________________

ثم قال: بل لعله إجماعي كما حكاه بعضهم صريحا. انتهى. و قال في المدارك:

قد قطع الأصحاب بوجوب إزالة النجاسة عن المساجد على الفور كفاية. إلخ و ليعلم انه لو صلى مع ضيق الوقت صحت صلاته قطعا لأنها صاحبة الوقت بالأصالة، و لمعلومية أهميتها عند الشارع و تقديمها على سائر الواجبات، و انها لا تترك بحال فلا يزاحمها فيه غيرها (و اما) لو صلى مع السعة فلا إشكال في العصيان (و اما) الصحة و الفساد فقولان مبنيان على أن الأمر بالشي ء هل يقتضي النهي عن ضده أم لا؟ و على هذا المنوال نسج جماعة من الفقهاء، إلا إن جماعة من متأخريهم أنكروا هذا المبنى و وقع منهم في المقام وجوه و مسالك مختلفة.

(فمنهم) صاحب المستند فإنه قال بعد استظهار الاتفاق على أن وجوب الإزالة فوري: و لكن القدر الثابت من الإجماع الفورية العرفية و لا يبطل واجب موسع أو مضيق لو فعله قبل الإزالة و لو قلنا باقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضده، بل لم يثبت الإجماع على الوجوب الفوري حين دخول وقت واجب موسع أو مستحب كذلك،

فلا يحكم ببطلانه لو فعله على القول

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 432

..........

______________________________

بالاقتضاء المذكور أيضا. الى آخر ما ذكره (قده).

(و منهم) من ذهب الى فساد الصلاة لا من حيث الاقتضاء المزبور، بل لعدم الأمر بها لأنه مع الأمر بالإزالة لا أمر بالصلاة و إلا لزم الأمر بالضدين في زمان واحد و هو باطل، و عليه يلزم الشروع في الصلاة بغير أمر، و معلوم انه لا مجال لصحة العبادة بغير أمر، هذا و ان لم نقل باقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضده.

(و فيه) انه يكفى في صحة التقرب بها محبوبيتها الواقعية فيؤتى بها بهذا الملاك، فان عدم الأمر بالصلاة لا لمبغوضية فيها بل هي على ملاك المحبوبية و انما المانع من الأمر بها الأمر بالأهم و هو الإزالة كما ذكر ذلك الأستاذ الأكبر في كفايته في جواب من لم يصحح التعبد بالصلاة لعدم الأمر بها و كفايته في عدم الصحة قال (قده): و فيه انه يكفى مجرد الرجحان و المحبوبية للمولى كي يصح أن يتقرب به منه كما لا يخفى، و الضد بناءا على عدم حرمته يكون كذلك فإن المزاحمة على هذا لا توجب إلا ارتفاع الأمر المتعلق به فعلا مع بقائه على ما هو عليه من ملاكه من المصلحة كما هو مذهب العدلية أو غيرها أي شي ء كان كما هو مذهب الأشاعرة، و عدم حدوث ما يوجب مبغوضيته و خروجه عن قابلية التقرب به كما حدث بناءا على الاقتضاء. انتهى موضع الحاجة من كلامه (قده).

(و منهم) من صححها على الترتب بناءا على صحته و معقوليته، و في هذه الوجوه من النقض و الإبرام ما يطول شرحه تركناه رعاية للاختصار، هذا و انما قرّب

(قده) صحة الصلاة لبنائه على عدم اقتضاء الأمر النهي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 433

[ (مسألة 5) إذا صلى ثم تبين له كون المسجد نجسا]

(مسألة 5) إذا صلى ثم تبين له كون المسجد نجسا (1) كانت صلاته صحيحة و كذا إذا كان عالما بالنجاسة ثم غفل و صلى، و أما إذا علمها أو التفت إليها في أثناء الصلاة فهل يجب إتمامها ثم الإزالة أو إبطالها و المبادرة إلى الإزالة؟ وجهان أو وجوه و الأقوى وجوب الإتمام.

______________________________

عن ضده الخاص لا مطابقة و لا تضمنا و لا التزاما كما ذهب إليه جملة من محققي الأصوليين.

(و المعتمد) عاجلا فساد الصلاة في الوقت الموسع و يكفى فيه عدم الأمر بها، و في إحراز ملاك المحبوبية في هذا الحال نظر و تأمل و اللّه العالم.

(هذا كله) مع إمكان الإزالة و إلا فلا إشكال في صحة الصلاة لعدم الأمر بالإزالة، إذ القدرة من شرائط الأمر.

(قوله قده) و إذا اشتغل غيره بالإزالة لا مانع من مبادرته. إلخ، و ذلك لأنه ليس الغرض من الواجب الكفائي صدوره من شخص خاص، بل ليس الغرض منه إلا وقوعه في الخارج، فاذا اشتغل به غيره انتفى المزاحم لوقوع الصلاة و المبادرة إليها من غير من اشتغل به، و لا يضر احتمال عدم إتمامه على الوجه الصحيح الشرعي أو عدم الإتمام كلية قصورا أو تقصيرا، لظهور حال المسلم الملتفت الى الوجوب و توجهه اليه و ارادة إبراء ذمته منه و إسقاط التكليف المتوجه إليه إتمام ذلك العمل على الوجه الصحيح الشرعي و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 5: (إذا صلى ثم تبين له كون المسجد نجسا. إلخ).

و ذلك انه ليس المانع من صحة الصلاة إلا التكليف المنجز الفوري بالإزالة و مع عدم العلم أو الغفلة

لا تكليف لقبح توجهه نحو الغافل و غير العالم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 434

[ (مسألة 6) إذا كان موضع من المسجد نجسا]

(مسألة 6) إذا كان موضع من المسجد نجسا لا يجوز تنجيسه ثانيا (1) بما يوجب تلويثه، بل و كذا مع عدم التلويث إذا كانت الثانية أشد و أغلظ من الأولى و إلا ففي تحريمه تأمل بل منع إذا لم يستلزم تنجيسه ما يجاوره من الموضع الطاهر لكنه أحوط.

[ (مسألة 7) لو توقف تطهير المسجد على حفر أرضه جاز]

(مسألة 7) لو توقف تطهير المسجد على حفر أرضه جاز (2) بل وجب و كذا لو توقف على تخريب شي ء منه و لا يجب طم الحفر و تعمير الخراب، نعم لو كان

______________________________

فلم يبق مانع من صحة الصلاة (و اما) إذا علمها في الأثناء فالأقوى الإبطال إلا إذا كان الإتمام غير مخل بالفورية بأن كان في أواخر الصلاة مثلا، و ما قوّاه من وجوب الإتمام فالظاهر أنه مبني على عدم جواز إبطال العمل الذي شرع فيه صحيحا، و قد تقدم منه (قده) اختيار صحة الصلاة لو ترك الإزالة ابتداء و أن كان عاصيا في ذلك فما نحن فيه من الحكم بالصحة بطريق أولى قوله قده (مسألة 6) إذا كان موضع من المسجد نجسا لا يجوز تنجيسه ثانيا. إلخ).

لا يخفى أن النجاسة الثانية أن استلزمت تلويث المسجد بعد أن لم يكن ملوثا بالنجاسة الأولى فلا إشكال في الحرمة لاستلزامه هتك حرمة المسجد الذي يجب تعظيمه بمقتضى قوله تعالى (وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعٰائِرَ اللّٰهِ فَإِنَّهٰا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) و كذا إذا لم تستلزم التلويث و لكن كانت الثانية أشد و أعظم بناءا على أن النجاسة على النجاسة مؤثرة و لو بهذا المقدار، و قد استشكلنا فيه كما تقدم عن قريب، و أما في غير الفرضين فعدم الجواز غير مسلم و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 7: (لو توقف تطهير المسجد على

حفر أرضه جاز. إلخ)

بل وجب كما ذكره (قده) لتوقف الواجب المطلق عليه (و أما) عدم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 435

مثل الآجر مما يمكن رده يعد التطهير وجب.

[ (مسألة 8) إذا تنجس حصير المسجد وجب تطهيره]

(مسألة 8) إذا تنجس حصير المسجد وجب تطهيره (1) أو قطع موضع النجس منه إذا كان ذلك أصلح من إخراجه و تطهيره كما هو الغالب.

[ (مسألة 9) إذا توقف تطهير المسجد على تخريبه أجمع]

(مسألة 9) إذا توقف تطهير المسجد على تخريبه أجمع (2) كما إذا كان الجص الذي عمر به نجسا أو كان المباشر للبناء كافرا فان وجد متبرع بالتعمير بعد الخراب جاز و إلا فمشكل.

______________________________

وجوب طم الحفر و تعمير الخراب فلعدم الدليل عليه مع أصالة براءة الذمة من وجوبه، و ان ما وقع كان بإذن شرعي فلا يستتبع تكليفا، نعم لو كان تنجسه بفعله فالأقرب وجوب ذلك عليه.

قوله قده مسألة 8: (إذا تنجس حصير المسجد وجب تطهيره. إلخ)

فيه إشكال إذ لم يتم الدليل و هو الإجماع المدعى إلا على وجوب تطهير المساجد نفسها لا آلاتها و فرشها إذا لم يستلزم هتك المسجد. قال المحقق الأردبيلي (ره) و إذا ثبت وجوب الإزالة للدخول يجب الإزالة عن اجزاء المسجد و قالوا عن فرشه و آلاته أيضا و ذلك غير ظاهر على القول بجواز إدخال النجاسة مع عدم التعدي، إذ ما نجد فرقا بين بدن الإنسان و ثوبه المرمى فيه و غيره إلا أن يكون الإجماع و نحوه، و مجرد كون ذلك لازما و فرشا له ليس بدليل على ما أظن فتأمل. انتهى موضع الحاجة من كلامه (قده) نعم الاحتياط لا ينبغي تركه فإنه سبيل النجاسة.

قوله قده مسألة 9: (إذا توقف تطهير المسجد على تخريبه أجمع. إلخ)

اما جواز التخريب في صورة وجود متبرع بالتعمير فمما لا إشكال فيه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 436

[ (مسألة 10) لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا]

(مسألة 10) لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا (1) و ان لم يصل فيه أحد و يجب تطهيره إذا تنجس.

[ (مسألة 11) إذا توقف تطهيره على تنجيس بعض المواضع الطاهرة]

(مسألة 11) إذا توقف تطهيره على تنجيس بعض المواضع الطاهرة (2) لا مانع منه إن أمكن إزالته بعد ذلك كما إذا أراد تطهيره بصب الماء و استلزم ما ذكر

[ (مسألة 12) إذا توقف التطهير على بذل مال وجب]

(مسألة 12) إذا توقف التطهير على بذل مال (3) وجب، و هل يضمن من صار سببا للتنجس؟ وجهان لا يخلو ثانيهما من قوة.

______________________________

لحفظ المسجدية مع طهارته (و اما) الوجوب في هذه الصورة و في صورة عدم وجود متبرع بالتعمير بعد الخراب فمحل إشكال، إذ غاية ما دل الدليل عليه من إجماع و غيره هو وجوب التطهير مع حفظ المسجدية، و اما مع إعدامها فلم يدل عليه دليل، و الأصل عدم الوجوب.

قوله قده مسألة 10: (لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا. إلخ)

إذ لا يخرج عن المسجدية بخرابه فيلحقه جميع أحكام المسجد مع استصحاب الموضوع و الحكم، و الصلاة فيه و عدمها لا دخل لها في الموضوع وجودا و لا عدما.

قوله قده مسألة 11: (إذا توقف تطهيره على تنجيس بعض المواضع الطاهرة. إلخ).

وجهه دوران الأمر بين إبقاء المسجد نجسا دائما و بين العملية المزبورة و ارتكاب الثاني أولى فلهذا حكم (قده) بأنه لا مانع منه أن أمكن إزالته بعد ذلك.

قوله قده مسألة 12: (إذا توقف التطهير على بذل مال. إلخ)

أما وجه وجوب بذل المال فلتوقف الواجب المطلق عليه و هو واجب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 437

[ (مسألة 13) إذا تغير عنوان المسجد]

(مسألة 13) إذا تغير عنوان المسجد (1) بان غصب و جعل دارا أو صار خرابا بحيث لا يمكن تعميره و لا الصلاة فيه و قلنا بجواز جعله مكانا للزرع ففي جواز تنجيسه و عدم وجوب تطهيره كما قيل اشكال، و الأظهر عدم جواز الأول بل وجوب الثاني أيضا.

[ (مسألة 14) إذا رأى الجنب نجاسة في المسجد]

(مسألة 14) إذا رأى الجنب نجاسة في المسجد فإن أمكنه إزالتها (2) بدون المكث في حال المرور وجب المبادرة إليها و إلا فالظاهر وجوب التأخير الى ما بعد الغسل لكن يجب المبادرة إليه حفظا للفورية بقدر الإمكان، و إن لم يمكن التطهير إلا بالمكث جنبا فلا يبعد جوازه بل وجوبه و كذا إذا استلزم التأخير الى أن يغتسل هتك حرمته.

______________________________

و أما اقوائية تضمين من صار سببا للتنجيس ففيه نظر و تأمل، إذ يحتاج ذلك الى دليل، و ما يتوهم من استقرار الضمان عليه فهو استحسان ظني لا دليل عليه و لا اعتبار به.

قوله قده مسألة 13: (إذا تغير عنوان المسجد. إلخ).

تغير العنوان لا يوجب الخروج عن الحقيقة الواقعية، و يكفينا مع الشك استصحاب الأحكام الثابتة له و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 14: (إذا رأى المجنب نجاسة في المسجد فإن أمكنه إزالتها. إلخ).

اما في صورة إمكان الإزالة بلا مكث فمما لا إشكال في وجوبها إذ لا مانع منها، و أما في صورة عدم الإمكان إلا بالمكث فان لم يستلزم بقاؤها الهتك للمسجد فالأقرب جواز الإزالة لدوران الأمر بين المكث في المسجد جنبا مع الإزالة و بين ترك الإزالة مع عدم المكث، و فقد الترجيح بينهما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 438

[ (مسألة 15) في جواز تنجيس مساجد اليهود و النصارى اشكال]

(مسألة 15) في جواز تنجيس مساجد اليهود و النصارى اشكال (1) و اما مساجد المسلمين فلا فرق فيها بين فرقهم.

[ (مسألة 16) إذا علم عدم جعل الواقف صحن المسجد أو سقفه أو جدرانه جزءا من المسجد]

(مسألة 16) إذا علم عدم جعل الواقف (2) صحن المسجد أو سقفه أو جدرانه جزءا من المسجد لا يلحقه الحكم من وجوب التطهير و حرمة التنجيس بل و كذا لو شك في ذلك و ان كان الأحوط اللحوق.

[ (مسألة 17) إذا علم إجمالا بنجاسة أحد المسجدين]

(مسألة 17) إذا علم إجمالا بنجاسة أحد المسجدين أو أحد المكانين من

______________________________

و عدم إحراز الأهمية لأحدهما فيتعين التخيير بينهما عقلا، و اما الوجوب فلا دليل عليه في هذه الصورة. و اما إذا استلزم بقاؤها الهتك للمسجد فالأقرب وجوب الإزالة و ان استلزم المكث لأرجحيتها عليه و اهميتها منه و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 15: (في جواز تنجيس مساجد اليهود و النصارى إشكال. إلخ).

ان أراد بمساجدهم بيعهم و كنائسهم المعدة لعباداتهم الباطلة فالأقرب عدم اجراء حكم المساجد عليها، مع ما عرفت من ان عمدة الدليل على أحكام المساجد الإجماع و هو دليل يقتصر فيه على موضع اليقين و هو مساجد المسلمين هذا مع أصالة البراءة من الوجوب في غير المعلوم و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 16: (إذا علم عدم جعل الواقف. إلخ).

اما في صورة العلم بعدم المسجدية فمما لا إشكال في عدم إجراء أحكام المسجد، و أما في صورة الشك فكذلك لأصالة عدم التكليف مع الشك فيه وجوبا أو تحريما، و الاحتياط لا بأس به إذ هو سبيل النجاة.

قوله قده مسألة 17: (إذا علم إجمالا بنجاسة أحد المسجدين أو أحد المكانين من مسجد وجب تطهير هما. ا ه).

قضاءا لحق العلم الإجمالي من وجوب موافقته القطعية كحرمة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 439

مسجد وجب تطهيرهما (3).

[ (مسألة 18) لا فرق بين كون المسجد عاما أو خاصا]

(مسألة 18) لا فرق بين كون المسجد عاما أو خاصا (1) و اما المكان الذي أعده للصلاة في داره فلا يلحقه الحكم.

[ (مسألة 19) هل يجب أعلام الغير إذا لم يتمكن من الإزالة؟]

(مسألة 19) هل يجب أعلام الغير إذا لم يتمكن من الإزالة؟ (2) الظاهر العدم إذا كان مما لا يوجب الهتك و الا فهو الأحوط.

[ (مسألة 20) المشاهد المشرفة كالمساجد]

(مسألة 20) المشاهد المشرفة كالمساجد (3) في حرمة التنجيس بل وجوب الإزالة إذا كان تركها هتكا بل مطلقا على الأحوط لكن الأقوى عدم وجوبها مع عدمه، و لا فرق فيها بين الضرائح و ما عليها من الثياب و سائر مواضعها إلا في التأكد و عدمه.

______________________________

مخالفته القطعية.

قوله قده مسألة 18: (لا فرق بين كون المسجد عاما أو خاصا. إلخ)

نعم الحكم كما ذكره (قده) من عدم الفرق بين أفراد المساجد لشمول الدليل لها أجمع، نعم يبقى الإشكال في المراد من الخاص فإنه غير قابل للخصوصية، إلا أن يراد به مثل مسجد السوق و القبيلة أي ما قابل المسجد الجامع الذي هو مجمع عام.

قوله قده مسألة 19: (هل يجب أعلام الغير إذا لم يتمكن من الإزالة. إلخ).

لا دليل على وجوب أعلام الغير في الصورتين سواء أوجب الهتك أم لا قوله قده مسألة 20: (المشاهد المشرفة كالمساجد. إلخ).

لا يخفى أنه الحق جماعة منهم الشهيدان و المحقق الثاني و صاحب المدارك

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 440

..........

______________________________

و صاحب الذخيرة و صاحب الحدائق (قدس سرهم) بالمساجد الضرائح المقدسة و ما يتبعها فنقول: اما حرمة التنجيس فاذا استلزم الهتك للمشهد المستلزم للاستخفاف بصاحبه فلا إشكال في حرمته لما هو المعلوم من وجوب تعظيم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة الأطهار و الأنبياء السالفين بل و قبور العلماء و الأولياء الصالحين، و كذلك تطهيرها من مثل هذه النجاسات المزرية بشأنهم الحاطة من قدرهم الموجب التثاقل عن إزالتها عدم موادتهم.

(و أما عدم) جواز تنجيسها

بغير ما ذكرنا من النجاسات و وجوب تطهيرها منها كالمساجد، فمما لم يدل عليه دليل واف، و عن بعض المتأخرين من أصحابنا الميل اليه، و في الجواهر أنه لا يخلو من قوة.

(و استدل له) بتحقق معنى المسجدية فيها و زيادة (و فيه) ان الحكم متعلق في ظواهر الأدلة بعنوان المسجدية لا بمعناها، فمن المحتمل لكون المكان موضوعا لعبادة اللّه تعالى و تسميته بيته تعالى مدخلية في الحكم.

(و استدل له) أيضا بأن حرمة الأئمة (ع) بعد وفاتهم كحرمتهم أحياء، و قد ورد النهى عن دخول الجنب بيوتهم في حال الحياة في عدة من الأخبار (ففي) رواية بكر بن محمد قال: خرجنا من المدينة نريد منزل ابى عبد اللّه عليه السّلام فلحقنا أبو بصير خارجا من زقاق و هو جنب و نحن لا نعلم حتى دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السّلام قال فرفع رأسه الى أبي بصير فقال: يا أبا محمد أما تعلم انه لا ينبغي لجنب أن يدخل بيوت الأنبياء؟ قال: فرجع أبو بصير و دخلنا (و في رواية الإرشاد) عن أبي بصير قال دخلت المدينة و كانت معي جويرية لي فأصبت منها ثم خرجت الى الحمام فلقيت أصحابنا الشيعة و هم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 441

..........

______________________________

متوجهون الى أبي عبد اللّه عليه السّلام فخفت أن يسبقوني و يفوتني الدخول اليه فمشيت معهم حتى دخلت الدار فلما مثلت بين يدي أبي عبد اللّه عليه السّلام نظر الى ثم قال يا أبا بصير أما عملت أن بيوت الأنبياء و أولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب؟! فاستحييت فقلت: انى لقيت أصحابنا فخشيت أن يفوتني الدخول معهم و لن أعود إلى مثلها و خرجت (و في) رواية

الحميري عن أبي بصير قال دخلت على أبى عبد اللّه عليه السّلام و انا أريد أن يعطيني من دلالة الإمامة مثل ما أعطاني أبو جعفر عليه السّلام فلما دخلت و كنت جنبا فقال: يا أبا محمد ما كان لك فيما كنت فيه شغل؟ تدخل على و أنت جنب فقلت ما عملته إلا عمدا قال:

أو لم تؤمن؟ قلت بلى و لكن ليطمئن قلبي، و قال: يا أبا محمد قم فاغتسل فقمت و اغتسلت و صرت إلى مجلسي و قلت عند ذلك انه امام (و عن) جابر الجعفي عن على بن الحسين عليه السّلام انه قال: اقبل أعرابي إلى المدينة فلما قرب المدينة خضخض و دخل على الحسين عليه السّلام و هو جنب فقال له يا أعرابي اما تستحي اللّه تدخل على امامك و أنت جنب؟ ثم قال: أنتم معاشر العرب إذا خلوتم خضخضتم. الحديث (و في) مرسلة بكير قال لقيت أبا بصير المرادي فقال أين تريد؟ قلت أريد مولاك قال: انا أتبعك فمضى، فدخلنا عليه و أحدّ النظر اليه و قال: هكذا تدخل بيوت الأنبياء و أنت جنب؟ فقال أعوذ باللّه من غضب اللّه و غضبك و قال استغفر اللّه و لا أعوذ.

(قال) في مصباح الفقيه: و الإنصاف ان استفادة الحرمة من هذه الأخبار مع ما فيها مما يشعر بالكراهة في غاية الإشكال لإمكان دعوى القطع بأنه لم يزل يبيت الجنب و الحائض من أهل بيتهم و مواليهم و الواردين عليهم في بيوتهم، و لم يكونوا يكلفونهم بالخروج أو المبادرة إلى الغسل أو التيمم،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 442

..........

______________________________

كيف و لو كان الأمر كذلك لشاع الحكم بين مواليهم و الواردين عليهم و صار

لأجل معروفيته من زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الى عصر الصادقين (ع) من ضروريات الدين، فكيف يختفى على مثل أبي بصير الذي لم يزل يتردد الى بيتهم، هذا مع ان الذي يساعده الاعتبار و يؤيده ألفاظ الروايات أن هذا الفعل لم يصدر من ابى بصير إلا مرة أو مرتين، مرة للاختبار و أخرى مخافة فوت الدخول، فمن المحتمل أن لم تكن العبارة الصادرة من الامام عليه السّلام إلا بلفظ (لا ينبغي) الظاهر في الكراهة كما في الرواية الأولى، و على تقدير صدور الفعل منه مرارا فهو من أقوى الشواهد على الكراهة، إذ لو فهم من النهي في الواقعة الأولى الحرمة لما عاد الى مثلها ابدا، بل مقتضى كلامه في الواقعة التي صدرت منه للاختبار كونه عالما بمرجوحية الفعل، و انما صدر منه عمدا تحصيلا لاطمئنان القلب الذي لا يحصل إلا بالمشاهدة، فلو علم حرمة الدخول في البيت لاختبره بشي ء آخر مما يجوز له ارتكابه و لأمره الإمام عليه السّلام بالتوبة كما أمره بالغسل فتأمل، و ليس غضب الامام على ما تشعر به الرواية الأخيرة دليلا على حرمة الفعل و استحقاق العقاب عليه لإمكان أن يكون غضبه لكراهة الفعل و منافاته لمرتبة أبي بصير الذي لا ينبغي أن يصدر منه ما ينافي الأدب، ثم لو سلمت دلالتها فغاية مفادها حرمة الدخول في بيوتهم احتراما كما يشعر به سياق الأخبار، و مقتضى إطلاقها بل ظاهر التعبير بقوله: هكذا تدخل بيوت الأنبياء!؟ حرمة الدخول في بيتهم مطلقا بعد تحقق النسبة، سواء كان في حياتهم أو بعد مماتهم، فلا يحتاج الاستدلال إلى المقدمة الخارجية من أن حرمتهم بعد مماتهم كحرمتهم أحياء، و لكنك خبير بأن

التخطي عن بيوتهم الى قبورهم مع أنه لا يصدق عليها البيت عرفا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 443

..........

______________________________

قياس لا نقول به، اللهم إلا أن يدعى القطع باشتراكهما فيما أنيط به الحكم و عهدتها على مدعيه.

(ثم) ان شيخنا (قده) بعد أن استدل في جواهره بهذه الأخبار لحكم الجنب بالتقريب المتقدم أشكل في إلحاق الحائض به من كونه قياسا و من اشتراكهما في غالب الأحكام. و يتوجه عليه أنه أن كان مناط الحكم ما نتعقله من منافاته للاحترام فلا نرى فرقا من هذه الجهة بين الجنب و الحائض و ان كان شيئا آخرا فلا وجه للتخطي عن مورد النص الى ما لا يسمى بيتا في العرف على سبيل الحقيقة بالنسبة إلى الجنب فضلا عن الحائض فتأمل (و الذي) أجده من نفسي أن القول بحرمة دخول الجنب و الحائض في المشاهد المشرفة أهون من الالتزام بحرمة الدخول في بيتهم حال حياتهم، لان المشاهد من المشاعر العظام التي تشد الرحال للتشرف بها، فلا يبعد دعوى كون دخول الجنب و الحائض هتكا لحرمتها عند المتشرعة و ان كان في إطلاقها نظر، و هذا بخلاف بيوتهم حال حياتهم فإنها لم يعهد كونها من حيث هي في عصرهم بهذه المكانة من الشرف في أنظار أهل العرف حتى يكون دخول الجنب و الحائض فيها هتكا لحرمتها، و قد أشرنا فيما سبق أن الإهانة و التعظيم من الأمور الاعتبارية التي تختلف باختلاف الأحوال و الأشخاص و الأزمنة، و كيف كان فالاحتياط مما لا ينبغي تركه و اللّه العالم بحقائق أحكامه. انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

(و فيه) للنظر وجوه (الأول) ان ما ذكره من دعوى القطع (بأنه لم يزل يبيت الجنب و

الحائض من أهل بيتهم- الى قوله- و لم يكونوا يكلفونهم بالخروج. إلخ) فيه أن عدم تكليفهم بذلك أعم من الجواز، إذ في تكليف نسائهم و بناتهم و جواريهم بذلك من الضرر عليهم (ع) و على من ذكر من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 444

..........

______________________________

أهل بيتهم من تركه على تقدير حرمته كما لا يخفى، بل قد أباح الشارع ارتكاب ما هو أعظم حرمة لاستلزامه أقل مما نحن فيه ضررا.

(الثاني) قوله (قده): (فكيف يختفى على مثل أبي بصير. إلخ) فيه أول الكلام انه اختفى عليه إذ لو كانت الحرمة خفية عليه لما جعلها ميزانا لتمييز الإمامة، إذ لا معنى للتمييز و الاختبار لهذا الأمر المهم بالمكروه الذي يجوز ارتكابه، بل من أعظم الشواهد على حرمته جعله ميزانا للاختبار من مثل أبي بصير و ليست مطلقة لينافى ارتكابها مقام أبي بصير، بل هي حرمة على تقدير الإمامة الذي هو في صراط اختبارها، و أيضا لو لم تكن الحرمة معلومة لأبي بصير لاعتذر بذلك لا بخشية فوت الدخول مع أصحابه مع قوله فاستحييت.

(الثالث) قوله: (فلو علم حرمة الدخول في البيت لاختبره بشي ء آخر) تقدم منا إنها حرمة على تقدير أنه الإمام لا حرمة مطلقة، مع ان الاختبار إنما يكون بأمثالها لا بالمكروهات الجائزة الفعل.

(الرابع) قوله: (لو سلمت دلالتها- الى قوله- فلا يحتاج الاستدلال إلى المقدمة الخارجية من أن حرمتهم بعد مماتهم كحرمتهم أحياء) (فيه) انه ليس احترام بيوتهم لنفسها وحد ذاتها بل لنسبتها إليهم و انهم فيها كما يدل عليه (رواية) الحميري و قوله عليه السّلام: تدخل على و أنت جنب!؟ (و رواية) جابر الجعفي عن على بن الحسين (ع) و قوله عليه السّلام فيها: أما تستحي

اللّه تدخل على امامك و أنت جنب؟ بل ربما يفهم من الروايتين أن المدار على وجودهم، و لا موضوعية للبيوت بدونهم، بل يفهم منهما عدم جواز الدخول على الامام جنبا و لو لم يكن في بيته بان كان في بيوت أحد أصحابه، فعليه لا مناص في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 445

[ (مسألة 21) تجب الإزالة عن ورق المصحف الشريف]

(مسألة 21) تجب الإزالة عن ورق المصحف الشريف (1) و خطه بل عن جلده و غلافه مع الهتك، كما انه معه يحرم مس خطه أو ورقه بالعضو المتنجس و إن كان متطهرا من الحدث، و اما إذا كان أحد هذه بقصد الإهانة فلا إشكال في حرمته.

[ (مسألة 22) يحرم كتابة القرآن بالمركب النجس]

(مسألة 22) يحرم كتابة القرآن بالمركب النجس (2) و لو كتب جهلا أو عمدا وجب محوه كما أنه إذا تنجس خطه و لم يمكن تطهيره يجب محوه.

[ (مسألة 23) لا يجوز إعطاؤه بيد الكافر]

(مسألة 23) لا يجوز إعطاؤه بيد الكافر (3) و إن كان في يده يجب أخذه منه.

______________________________

الاستدلال من ضم المقدمة الخارجية من أن حرمتهم (ع) بعد مماتهم كحرمتهم أحياء، فإنهم أحياء عند ربهم يرزقون، هذا و الاحتياط في عدم دخول الجنب و الحائض و النفساء في مشاهدهم المقدسة مما لا ينبغي تركه و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 21: (تجب الإزالة عن ورق المصحف الشريف. إلخ)

فنقول: أما الخط فلا إشكال في وجوب الإزالة عنه بفحوى حرمة مس المحدث له، و اما غيره من ورقه و جلده فكذلك إذا استلزم الهتك، و اما إذا لم يستلزمه فلا دليل عليه.

قوله قده مسألة 22: (يحرم كتابة القرآن بالمركب النجس. إلخ).

مدرك الحكم المذكور فحوى حرمة مس المحدث له التي هي نجاسة معنوية فحرمة إيجاده نجسا بالنجاسة الظاهرية من باب الأولوية القطعية، و اما وجوب محوه فيما ذكره من الصور فحاله حال ما لو توقف تطهير المسجد على تخريبه، و قد ذكرنا الإشكال في وجوب التخريب فما نحن فيه كذلك، إذ غاية مدلول الدليل وجوب التطهير مع حفظ الموضوع، و أما تطهيره باعدامه فيحتاج الى دليل و ليس فليس.

قوله قده مسألة 23: (لا يجوز إعطاؤه بيد الكافر. إلخ)

كل من عدم جواز إعطائه بيد الكافر و وجوب أخذه منه إذا كان في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 446

[ (مسألة 24) يحرم وضع القرآن على العين النجسة]

(مسألة 24) يحرم وضع القرآن على العين النجسة (1) كما أنه يجب رفعها عنه إذا وضعت عليه و إن كانت يابسة.

[ (مسألة 25) تجب إزالة النجاسة عن التربة الحسينية]

(مسألة 25) تجب إزالة النجاسة عن التربة الحسينية (2) بل عن تربة الرسول و سائر الأئمة صلوات اللّه عليهم المأخوذة من قبورهم و يحرم تنجيسها، و لا فرق في التربة الحسينية بين المأخوذة من القبر الشريف أو من الخارج إذا وضعت عليه بقصد التبرك و الاستشفاء و كذا السبحة و التربة المأخوذة بقصد التبرك لأجل الصلاة

______________________________

يده إذا لم يستلزم ذلك الهتك و الإهانة، بأن كان محترما عنده محل نظر و اشكال يحتاج الى دليل و ليس فليس نعم الاحتياط بأخذه لا ينبغي تركه.

قوله قده مسألة 24: (يحرم وضع القرآن على العين النجسة. إلخ)

كل ذلك يدور مدار الهتك و الإهانة و إلا ففيه إشكال.

قوله قده مسألة 25: (تجب إزالة النجاسة عن التربة الحسينية. إلخ)

القدر المتيقن من عدم جواز التنجيس و وجوب التطهير في التربة الحسينية المأخوذة من القبر الشريف، و كذا التربة المأخوذة من سائر قبور الأئمة (ع) و كذا المأخوذة من قبور الأنبياء (ع) و هي المأخوذة للتبرك بها و الاستشفاء و الصلاة عليها و التسبيح بها، إذ أن تنجيسها خلاف الغرض المأخوذة له، بل يرجع تنجيسها في هذا المقام الى التوهين بصاحبها.

(و اما) المأخوذة من بلد الامام عليه السّلام لا من قبره و لا لذلك الغرض بل للبناء بها أو طم الحفر أو ما شابه ذلك من الأعمال فلا دليل على عدم جواز تنجيسها، و الاحتياط بتعظيم الجميع لا بأس به.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 447

[ (مسألة 26) إذا وقع ورق القرآن أو غيره من المحترمات في بيت الخلاء]

(مسألة 26) إذا وقع ورق القرآن أو غيره من المحترمات (1) في بيت الخلاء أو بالوعته وجب إخراجه و لو بأجرة و أن لم يمكن فالأحوط و الأولى سد بابه و ترك التخلي فيه الى

أن يضمحل.

[ (مسألة 27) تنجيس مصحف الغير موجب لضمان نقصه]

(مسألة 27) تنجيس مصحف الغير موجب لضمان نقصه الحاصل بتطهيره (2)

[ (مسألة 28) وجوب تطهير المصحف كفائي]

(مسألة 28) وجوب تطهير المصحف كفائي لا يختص بمن نجسه (3) و لو استلزم صرف المال وجب و لا يضمنه من نجسة إذا لم يكن لغيره و أن صار هو السبب للتكليف بصرف المال، و كذا لو ألقاه في البالوعة فان مؤنة الإخراج الواجب

______________________________

قوله قده مسألة 26: (إذا وقع ورق القرآن أو غيره من المحترمات. إلخ)

________________________________________

شبر، سيد على حسينى، العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، 2 جلد، مطبعة النجف، نجف اشرف - عراق، اول، 1383 ه ق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 447

أما ورق القرآن فوجوب إخراجه مع إمكانه فيدل عليه ما ذكرناه من وجوب إزالة النجاسة عنه بالفحوى (و اما) غيره فعلى الأحوط و الأقوى هذا كله مع إمكان الإخراج، و أما سد بابه و ترك التخلي فيه الى أن يضمحل مع عدم إمكان الإخراج فهو الأحوط و الأولى، و اما الوجوب فيحتاج الى دليل خصوصا إذا لزم منه ضرر و مشقة و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 27: (تنجيس مصحف الغير موجب لضمان نقصه الحاصل بتطهيره. ا ه)

و ذلك لقاعدة من أتلف مال غيره فهو له ضامن.

قوله قده مسألة 28: (وجوب تطهير المصحف كفائي لا يختص بمن نجسه. إلخ)

كما في تطهير المساجد لما تقدم من الدليل هناك، و لا يستقر ضمان المال لو احتاج التطهير اليه على من نجسه بعد فرض الوجوب الكفائي لما ذكره (قده) من أن الضرر انما جاء من قبل التكليف الشرعي فلا يتحمله المسبب.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 448

على كل أحد ليس عليه، لان الضرر أنما جاء من قبل التكليف الشرعي، و يحتمل

ضمان المسبب كما قيل بل قيل باختصاص الوجوب به و يجبره الحاكم عليه لو امتنع أو يستأجر آخرا و لكن يأخذ الأجرة منه.

[ (مسألة 29) إذا كان المصحف للغير ففي جواز تطهيره بغير إذنه إشكال]

(مسألة 29) إذا كان المصحف للغير ففي جواز تطهيره بغير إذنه إشكال (1) إلا إذا كان تركه هتكا و لم يمكن الاستيذان منه فإنه حينئذ لا يبعد وجوبه.

[ (مسألة 30) تجب إزالة النجاسة عن المأكول]

(مسألة 30) تجب إزالة النجاسة عن المأكول و عن ظروف الأكل (2) و الشرب

______________________________

قوله قده مسألة 29: (إذا كان المصحف للغير ففي جواز تطهيره بغير إذنه إشكال. إلخ)

وجه الاشكال هو قبح التصرف في مال الغير بغير أذنه، و الحاصل انه لا يجوز رفع اليد عن عموم ما دل على حرمة التصرف في ملك الغير بمجرد توقف إيجاد واجب كفائي كتطهيره إذا كان من الأعيان المحترمة عليه، بل لا بعد من تخصيص أحد الدليلين بالآخر في مثل الفرض.

(فنقول) أن أمكن استيذانه في التطهير المستلزم للتصرف فيتعين ذلك لأنه جمع بين الحقين حق الخالق تعالى و حق المخلوق، و إلا بان لم يكن حاضرا مثلا أو كان حاضرا و لم يأذن فالأقوى التفصيل بين ما إذا كان تركه هتكا فيسقط الاذن لاهمية الإزالة في هذه الصورة من الإذن، بل في الحقيقة يكون التصرف بالتطهير في هذه الصورة بإذن المالك الحقيقي و هو الشارع المقدس.

(و اما) في غير هذه الصورة و هي ما إذا لم يستلزم البقاء الهتك فالأقرب توقفه على الاذن من المالك لعدم إحراز الأهمية في هذه الصورة و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 30: (تجب إزالة النجاسة عن المأكول و عن ظروف الأكل. إلخ)

المراد بهذا الوجوب الشرطي أي إذا أراد الأكل و الشرب.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 449

إذا استلزم استعمالها تنجس المأكول و المشروب.

[ (مسألة 31) الأحوط ترك الانتفاع بالأعيان النجسة]

(مسألة 31) الأحوط ترك الانتفاع بالأعيان النجسة (1) خصوصا الميتة بل و المتنجسة إذا لم تقبل التطهير إلا ما جرت السيرة عليه من الانتفاع بالعذرات و غيرها للتسميد و الاستصباح بالدهن المتنجس، لكن الأقوى جواز الانتفاع بالجميع حتى الميتة مطلقا في غير ما يشترط فيه الطهارة، نعم لا يجوز

بيعها للاستعمال المحرم و في بعضها لا يجوز بيعه مطلقا كالميتة و العذرات.

______________________________

و كذلك عن ظروفهما و إلا فلا يجب، و الدليل عليه حرمة أكل النجس و المتنجس و شربهما المذكورين في بابهما.

قوله قده مسألة 31: (الأحوط ترك الانتفاع بالأعيان النجسة. إلخ)

لا يخفى ان اللازم تحرير هذه المسألة من جهتين:

(الجهة الأولى) في البحث عن الأعيان النجسة بالذات و فيه مطلبان:

(المطلب الأول) في التكسب بها و المعاوضة عليها، و الظاهر انه مما لا خلاف في عدم جوازه كما عبر بذلك في (الجواهر) قال (ره): و كيف كان فلا خلاف يعتد به في حرمة التكسب بالأعيان النجسة التي لا تقبل الطهارة بغير الاستحالة. إلخ) و كذا عبارة السيد الجد (قده) في شرح المفاتيح إلا انها في خصوص الميتة منها (و عن التذكرة) يشترط في المعقود عليه الطهارة الأصلية، فلو باع نجس العين كالخمر و الميتة و الخنزير لم يصح إجماعا، و قال فيها: الكلب ان كان عقورا حرم بيعه عند علمائنا، و قال: لا يجوز بيع السرجين النجس إجماعا منا (و عن المنتهى) إجماع المسلمين كافة على تحريم بيع الخمر و الميتة و الخنزير و إجماع علمائنا على تحريم بيع الكلاب عدا الأربعة (و عن النهاية) الإجماع على تحريم بيع الخمر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 450

..........

______________________________

و العذرة و الدم (و عن الخلاف) إجماع الفرقة على تحريم بيع الخمر و السرجين النجس و الكلب عدا كلب الصيد (و عن المبسوط) الإجماع على تحريم بيع الخنزير و إجارته و اقتنائه و الانتفاع به (و عن السرائر) بيع الخمر للمسلم حرام و ثمنه حرام و جميع أنواع التصرفات فيها حرام على المسلمين بغير خلاف بينهم. انتهى فتحصل

مما ذكرنا ان عدم صحة المعاوضة على الأعيان النجسة بالذات من المسلمات عندهم و ان اختلفت عباراتهم في التعبير عنها زيادة و نقصانا لذكر بعضهم جملة منها غير ما ذكره الآخر، و ربما زاد بعضهم في العدد و نقض آخر، بل ربما اقتصر بعضهم على ذكر الميتة منها، و دعوى المنع من بيعها و الإجماع على ذلك و لم يذكر غيرها من الأعيان النجسة و لكن ذكرها فقط لا لخصوصية فيها، بل لأنها أحد أفراد النجس بالذات، هذا ما عرفته من الإجماعات مضافا الى ما يدل عليه من الأخبار المانعة من بيعها و أن ثمنها سحت (منها) رواية تحف العقول و فيها: و اما وجوه الحرام من البيع و الشراء فكل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه من جهة أكله و شربه أو لبسه أو نكاحه أو ملكه أو إمساكه أو هبته أو عاريته أو شي ء يكون فيه من وجوه الفساد نظير البيع بالربا أو بيع الميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش أو الطير أو جلودها أو الخمر أو شي ء من وجوه النجس فهذا كله حرام محرم لأن ذلك كله منهي عن اكله و شربه و لبسه و ملكه و إمساكه و التقلب فيه، فجميع تقلب في ذلك حرام. الحديث (و في الفقه الرضوي) اعلم رحمك اللّه ان كل مأمور به على العباد و قوام لهم في أمورهم من وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون و يشربون و يلبسون و يملكون و يستعملون فهذا كله حلال بيعه و شراؤه و هبته و عاريته، و كل أمر يكون فيه الفساد مما قد

العمل الأبقى في شرح

العروة الوثقى، ج 1، ص: 451

..........

______________________________

نهى عنه من جهة أكله و شربه و لبسه و نكاحه و إمساكه بوجه الفساد مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير و الربا و جميع الفواحش و لحوم السباع و الخمر و ما أشبه ذلك فحرام ضار للجسم. انتهى (و عن دعائم الإسلام) للقاضي نعمان المصري عن مولانا الصادق عليه السّلام: أن الحلال من البيوع كلما كان حلالا من المأكول و المشروب و غير ذلك مما هو قوام للناس و يباح لهم الانتفاع، و ما كان محرما أصله منهيا عنه لم يجز بيعه و لا شراؤه. انتهى (و في النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) المشهور: ان اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه (و منها) ما رواه المشايخ الثلاثة عن السكوني عن الصادق عليه السّلام قال: السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن (و ما رواه) الصدوق في الفقيه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أجر الزانية سحت- الى أن قال- و ثمن الميتة سحت (و بإسناده) عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلى عليه السّلام قال: يا على من السحت ثمن الميتة.

(المطلب الثاني) في سائر التقلبات في الأعيان النجسة بالذات غير المعاوضة عليها، فقد عرفت أيضا دلالة جملة من الأخبار المتقدمة الذكر و الإجماعات المحكية على عدم جوازها أيضا (و منها) الصحيح المروي في الكافي عن على بن المغيرة أنه قال للصادق عليه السّلام جعلت فداك الميتة ينتفع بشي ء منها؟ قال: لا. الحديث (و في الكافي) عن الفتح عن أبي

الحسن عليه السّلام قال كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي لا يؤكل لحمها إن ذكي فكتب عليه السّلام لا ينتفع من الميتة بشي ء بإهاب و لا عصب (و في الموثق) المروي في الفقيه عن أبي مريم قال قلت للصادق عليه السّلام السخلة التي مر بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هي ميتة فقال: ما ضر أهلها لو انتفعوا بإهابها فقال عليه السّلام: لم تكن ميتة يا أبا مريم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 452

..........

______________________________

و لكنها كانت مهزولة فذبحوها أهلها و رموا بها فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما كان على أهلها لو انتفعوا بإهابها (و في الصحيح) عن الجلد الميت أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال: لا و لو دبغ سبعين مرة (و في آخر) في الميتة قال: لا تصل في شي ء منه و لا شسع، و لا يعارضها بعض ما يظهر منه الجواز مثل (رواية) الصيقل قال: كتبوا الى الرجل جعلنا اللّه فداك انا نعمل السيوف و ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها نحن مضطرون إليها و انما غلافها من جلود الميتة من البغال و الحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها فيحل لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسها بأيدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا و نحن محتاجون الى جوابك في المسألة يا سيدنا لضرورتنا إليها؟ فكتب عليه السّلام: اجعلوا ثوبا للصلاة. الحديث إذ فيها أولا: انه مسكوت فيها عن جواز البيع و الشراء و سائر التقلبات، و ثانيا: على فرض دلالتها على الجواز لا تقاوم الأخبار المتقدمة على كثرتها و اعتضادها بالشهرة المحققة و

الإجماعات المنقولة، و ثالثا: أنها مكاتبة فيتطرق إليها من شبهة الدس فيها و التقية ما يبعد احتماله في غيرها (فالأقرب) طرحها أو حملها على ما لا ينافي ما تقدم من الأخبار، فالمعتمد على ما ذكرنا عدم جواز المعاوضة و كذا سائر التقلبات في الأعيان النجسة بالذات إلا ما دل الدليل أو قامت سيرة قطعية على جوازه كالمعاوضة على العبد الكافر أو أحد الكلاب الأربعة و التسميد بالعذرة و الدم و اللّه العالم.

(الجهة الثانية) من البحث في الأعيان النجسة بالعرض الغير القابلة للتطهير، فقد ادعى الإجماع على عدم جواز بيعها و أن حصل الانتفاع بها على بعض الوجوه، و أعلم البائع بحالها كما عن المنتهى و الغنية و المسالك لاستخباثها و نجاستها، و الظاهر أن الحجة في المقام هو الإجماع ان تم، و ناقش في ذلك

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 453

[ (مسألة 32) كما يحرم الأكل و الشرب للشي ء النجس كذا يحرم التسبب]

(مسألة 32) كما يحرم الأكل و الشرب للشي ء النجس كذا يحرم التسبب (1) لأكل الغير أو شربه و كذا التسبب لاستعماله فيما يشترط فيه الطهارة فلو باع أو

______________________________

بعض متأخري المتأخرين كالفاضل الخراساني و المحقق الأردبيلي و غيرهما على ما حكى عنهم، فمالوا الى جواز البيع للأصل و عموم أدلة جواز البيع و ظهور إمكان الانتفاع بها على القول بقبولها للطهارة كما هو أحد القولين سيما إذا حصل منها نفع كأن تستعمل في الأدوية التي يتداوى بها من غير أكل كالجرب و كالدبس يطعم للنحل و نحو ذلك. بل ورد بعض الأخبار بجواز بيعها من مستحلها مثل رواية زكريا بن آدم قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير قال:

يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلب و اللحم اغسله و كله، قلت فإنه قطرت فيه الدم قال: الدم تأكله النار أن شاء اللّه، قلت فخمر أو نبيذ قطرت في عجين أو دم قال فقال فسد، قلت أبيعه من اليهودي و النصراني و أبيّن لهم؟ قال:

نعم فإنهم يستحلون شربه، قلت و الفقاع هو بتلك المنزلة إذا قطرت في شي ء من ذلك؟ فقال: أكره أن آكله إذا قطرت في شي ء من طعامي. الحديث.

(و بالجملة) فإن تم الإجماع فلا كلام و إلا فينبغي القول بالجواز، إلا انه حكى الإجماع على العدم، هذا و لعل وجه ما اختاره المصنف (قده) من أقوائية الانتفاع بالجميع من النجس و المتنجس هو حمل الأخبار المانعة من التقلب فيهما على الكراهة للجمع بينها و بين رواية الصيقل، إذ هو جمع عرفي مقدم مهما أمكن على المرجحات السندية، أو لعدم استفادته من اخبار المنع المنع من عموم التقلب بل خصوص ما يتوقف منه على الطهارة و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 32: (كما يحرم الأكل و الشرب للشي ء النجس كذا يحرم التسبب. إلخ).

حرمة التسبب أما لأنه إغراء بالقبيح و هو قبيح، و أما لإسناد الفعل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 454

أعار شيئا نجسا قابلًا للتطهير يجب الأعلام بنجاسته، و أما إذا لم يكن هو السبب في استعماله بان رأى أن ما يأكله شخص أو يشربه أو يصلي فيه نجس فلا يجب إعلامه

______________________________

إليه لأنه أقوى من المباشر، و قد ادعى شيخ مشايخنا المرتضى (قده) في مكاسبه انه يشير الى هذه القاعدة كثير من الأخبار المتفرقة الدالة على حرمة تغرير الجاهل بالحكم أو الموضوع في المحرمات، و لنذكر عبارته (قده) في المقام و

نكتفي بنقله فيما نحاوله من دليل الحكم فنقول:

قال (قده) في مقام بيع الدهن النجس (الثاني) ان ظاهر بعض الأخبار وجوب الإعلام فهل يجب مطلقا أم لا؟ و هل وجوبه نفسي أو شرطي بمعنى اعتبار اشتراطه في صحة البيع؟ الذي ينبغي أن يقال: أنه لا إشكال في وجوب الإعلام أن قلنا باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد أو تواطئهما عليه من الخارج لتوقف القصد على العلم بالنجاسة، و اما أن لم نقل باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد فالظاهر وجوب الأعلام وجوبا نفسيا قبل العقد أو بعده لبعض الأخبار المتقدمة و في قوله عليه السّلام: يبينه لمن اشتراه ليستصبح به، إشارة إلى وجوب الأعلام لئلا يأكله فإن الغاية الإعلام ليس هو تحقق الاستصباح، إذ لا ترتب بينهما شرعا و لا عقلا و لا عادة، بل الفائدة حصر الانتفاع فيه بمعنى عدم الانتفاع به في غيره ففيه إشارة إلى وجوب أعلام الجاهل بما يعطى إذا كان الانتفاع الغالب به محرما، بحيث يعلم عادة وقوعه في الحرام لو لا الإعلام فكأنه قال أعلمه لئلا يقع في الحرام الواقعي بتركك لإعلامه، و يشير إلى هذه القاعدة كثير من الأخبار المتفرقة الدالة على حرمة تغرير الجاهل بالحكم أو الموضوع في المحرمات مثل ما دل على ان من افتى بغير علم لحقه وزر من عمل بفتياه، فإن إثبات الوزر للمباشر من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 455

..........

______________________________

جهة فعل القبيح الواقعي و حمله على المفتي من حيث التسبب و التغرير، و مثل قوله عليه السّلام ما من أمام صلى بقوم فيكون في صلاتهم تقصير إلا كان عليه أوزارهم و في رواية أخرى فيكون في صلاته و صلاتهم تقصير إلا كان إثم ذلك

عليه، و في رواية أخرى: لا يضمن الامام صلاتهم إلا أن يصلى بهم جنبا (و مثل) رواية أبي بصير المتضمنة لكراهة أن يسقى البهيمة أو يطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه، فان في كراهة ذلك في البهائم اشعار بحرمته بالنسبة إلى المكلف، و يؤيده أن أكل الحرام و شربه من القبيح و لو في حق الجاهل، و لذا يكون الاحتياط فيه مطلوبا مع الشك، إذ لو كان للعلم دخل في قبحه لم يحسن الاحتياط، و حينئذ فيكون إعطاء النجس للجاهل المذكور إغراء بالقبيح و هو قبيح عقلا، بل قد يقال بوجوب الأعلام و أن لم يكن منه تسبب، كما لو رأى نجسا في يده يريد أكله و هو الذي صرح به العلامة (ره) في أجوبة المسائل المهنائية حيث سأله السيد المهنّا عمن رأى في ثوب المصلي نجاسة فأجاب بأنه يجب الأعلام لوجوب النهى عن المنكر، لكن إثبات هذا مشكل.

و الحاصل أن هنا أمورا أربعة: (أحدها) أن يكون فعل الشخص علة تامة لوقوع الحرام في الخارج كما إذا أكره غيره على المحرم، فلا إشكال في حرمته و كون وزر الحرام عليه بل أشد لظلمة.

(و ثانيها) أن يكون فعله سببا للحرام كمن قدم إلى غيره محرما و مثله ما نحن فيه، و قد ذكرنا أن الأقوى فيه التحريم لأن استناد الفعل الى السبب أقوى، فنسبة فعل الحرام إليه أولى و لذا يستقر الضمان على السبب دون المباشر الجاهل، بل قيل انه لا ضمان ابتداء إلا عليه.

(الثالث) أن يكون شرطا لصدور الحرام، و هذا يكون على وجهين،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 456

..........

______________________________

(أحدهما) من قبيل إيجاد الداعي على المعصية اما لحصول الرغبة فيها كترغيب

الشخص على المعصية، و اما لحصول العناد من الشخص حتى يقع في المعصية كسب آلهة الكفار الموجب لإلقائهم في سب الحق عنادا، أو سب آباء الناس الموقع لهم في سب أبيه، و الظاهر حرمة القسمين، و قد ورد في ذلك عدة من الأخبار، (و الثاني) أن يكون بإيجاد شرط آخر غير الداعي كبيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا و سيأتي الكلام فيه.

(الرابع) أن يكون من قبيل عدم المانع، و هذا يكون تارة مع الحرمة الفعلية في حق الفاعل كسكوت الشخص عن المنع من المنكر، و لا إشكال في الحرمة بشرائط النهي عن المنكر، و اخرى مع عدم الحرمة الفعلية إلى الفاعل كسكوت العالم عن أعلام الجاهل كما فيما نحن فيه، فان صدور الحرام منه مشروط بعدم أعلامه فهل يجب دفع الحرام بترك السكوت أم لا؟ و فيه إشكال إلا إذا علمنا من الخارج وجوب دفع ذلك لكونه فسادا قد أمر بدفعه كل من قدر عليه، كما لو أطلع على عدم إباحة دم من يريد الجاهل قتله أم عدم إباحة عرضه له، أو لزم من سكوته ضرر مالي قد أمرنا بدفعه عن كل أحد فإنه يجب الإعلام و الردع لو لم يرتدع بالإعلام، بل الواجب الردع و لو بدون الأعلام، ففي الحقيقة الإعلام بنفسه غير واجب، و اما فيما تعلق بغير الثلاثة من حقوق اللّه فوجوب دفع مثل هذا الحرام مشكل لأن الظاهر من أدلة النهي عن المنكر وجوب الردع عن المعصية فلا يدل على وجوب أعلام الجاهل بكون فعله معصية، نعم وجوب ذلك فيما إذا كان الجهل بالحكم لكنه من حيث وجوب تبليغ التكاليف ليستمر التكليف الى آخر الأبد بتبليغ

العمل الأبقى في شرح العروة

الوثقى، ج 1، ص: 457

[ (مسألة 33) لا يجوز سقى المسكرات للأطفال]

(مسألة 33) لا يجوز سقى المسكرات للأطفال بل يجب ردعهم و كذا سائر الأعيان النجسة (1) إذا كانت مضرة لهم بل مطلقا، و اما المتنجسات فان كان التنجس من جهة كون أيديهم نجسة فالظاهر عدم البأس به و ان كان من جهة تنجس سابق فالأقوى جواز التسبب لاكلهم و ان كان الأحوط تركه، و اما ردعهم عن الأكل أو الشرب مع عدم التسبب فلا يجب من غير أشكل.

______________________________

الشاهد الغائب فالعالم في الحقيقة مبلغ عن اللّه ليتم الحجة على الجاهل و يتحقق فيه قابلية الإطاعة و المعصية، ثم ان بعضهم استدل على وجوب الإعلام بأن النجاسة عيب خفي فيجب إظهارها، و فيه مع أن وجوب الأعلام على القول به ليس مختصا بالمعاوضات، بل يشمل مثل الإباحة و الهبة من المجانيات ان كون النجاسة عيبا ليس إلا، لكونه منكرا واقعيا و قبيحا، فان ثبت ذلك حرم الإلقاء فيه مع قطع النظر عن مسألة وجوب إظهار العيب و إلا لم يكن عيبا فتأمل. انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه، و إنما نقلنا عبارته بطولها لتتم الفائدة بمراجعتها.

قوله قده مسألة 33: (لا يجوز سقى المسكرات للأطفال بل يجب ردعهم و كذا سائر الأعيان النجسة. إلخ).

لا يخفى أن في هذه المسألة جهات من البحث، و الكلام في الجهة الأولى يقع في مقامين:

(المقام الأول) في عدم جواز سقى المسكرات للأطفال و مثلهم المجانين و الذي يدل عليه ما (رواه في الوسائل) في كتاب الأطعمة و الأشربة بإسناده عن أبي الربيع الشامي قال سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الخمر فقال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أن اللّه عز و جل بعثني

رحمة للعالمين و لأمحق المعارف و المزامير و أمور الجاهلية و الأوثان و قال: أقسم ربي لا يشرب عبد لي خمرا في الدنيا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 458

..........

______________________________

إلا سقيته مثل ما يشرب منها من الحميم معذبا أو مغفورا له، و لا يسقيها عبد لي صبيا صغيرا أو مملوكا إلا سقيته مثل ما سقاه من الحميم يوم القيامة معذبا أو مغفورا له (و عن) عجلان بن صالح قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام المولود يولد فنسقيه الخمر؟ فقال: لا، من سقى مولودا مسكرا سقاه اللّه من الحميم و ان غفر له (و عن) جماعة عن عجلان بن صالح أيضا قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: يقول اللّه عز و جل: من شرب مسكرا أو سقاه صبيا لا يعقل سقيته من ماء الحميم مغفورا له أو معذبا. الحديث. (و في الخصال) بإسناده عن على عليه السّلام في حديث الأربعمائة قال: من سقى صبيا مسكرا و هو لا يعقل حبسه اللّه عز و جل في طينة خبال حتى يأتي بما صنع بمخرج (و يدل) عليه أيضا فحوى ما دل على كراهة إشرابه للدواب مثل ما (روى) عن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أن أمير المؤمنين عليه السّلام كره أن تسقى الدواب الخمر (و في) عقاب الأعمال في باب عيادة المريض عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في حديث قال: و من شرب الخمر سقاه اللّه من السم الأساور و من سم العقارب- الى أن قال- و من سقاها يهوديا أو نصرانيا أو صابئيا أو من كان من الناس فعليه كوزر من شربها.

(المقام الثاني) في وجوب ردعهم و

لا دليل على ذلك، بل أصل البراءة يقتضي عدمه إلا أن يدعى أن المعلوم من مذاق الشارع عدم رضاه باستعمال الخمر مطلقا فيجب على سائر المكلفين كفاية ردع مستعملها صغيرا كان أو كبيرا و هذه الدعوى ليست ببعيدة.

(الجهة الثانية) في عدم جواز سقيهم الأعيان النجسة، و الذي يدل عليه أولا: ما تقدم عن قريب من عدم جواز التقلب في الأعيان النجسة، و السقي للغير من التقلب فيها. و ثانيا: فحوى ما رواه في الوسائل عن أبي بصير عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 459

[ (مسألة 34) إذا كان موضع من بيته أو فرشه نجسا فورد عليه ضيف و باشره بالرطوبة المسرية]

(مسألة 34) إذا كان موضع من بيته أو فرشه نجسا فورد عليه ضيف و باشره بالرطوبة المسرية (1) ففي وجوب إعلامه إشكال و أن كان أحوط بل لا يخلو عن قوة، و كذا إذا أحضر عنده طعاما ثم علم بنجاسته، بل و كذا إذا كان الطعام للغير و جماعة مشغولون بالأكل فرأى واحد منهم فيه نجاسة، و إن كان عدم الوجوب في هذه الصورة لا يخلو عن قوة لعدم كونه سببا لأكل الغير بخلاف الصورة السابقة.

[ (مسألة 35) إذا استعار ظرفا أو فرشا]

(مسألة 35) إذا استعار ظرفا أو فرشا (2) أو غيرهما من جاره فتنجس عنده

______________________________

أبى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن البهيمة البقرة و غيرها تسقى أو تطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه أ يكره ذلك؟ قال: نعم يكره ذلك.

(الجهة الثالثة) في عدم جواز سقيهم المتنجسات بنجاسة سابقة على تنجسها بأيديهم فلا دليل بالخصوص على عدم جوازه، بل الأصل يقتضي جوازه، نعم فحوى رواية أبي بصير المتقدمة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن البهيمة البقرة و غيرها تسقى أو تطعم ما لا يحل للمسلم أكله و شربه أ يكره ذلك؟ قال: نعم يكره ذلك. الحديث، دالة على الكراهة و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 34: (إذا كان موضع من بيته أو فرشه نجسا فورد عليه ضيف و باشره بالرطوبة المسرية. إلخ).

يشكل ما ذكره (قده) من أقوائية وجوب إعلامه إذا لم يكن منه تسبيب و معاونة، نعم في صورة إحضار الطعام النجس عنده الأقوى وجوب أعلامه لصدق المعاونة و التسبيب منه و لا دليل على ما سواه من الفروض و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 35: (إذا استعار ظرفا أو فرشا. إلخ)

الأقوى ما ذكره من وجوب الأعلام

لصدق التسبيب باستعمال النجس.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 460

هل يجب عليه أعلامه عند الرد فيه اشكال و الأحوط الأعلام، بل لا يخلو عن قوة إذا كان مما يستعمله المالك فيما يشترط فيه الطهارة.

[فصل إذا صلى في النجس]

اشارة

فصل إذا صلى في النجس (1) فان كان عن علم و عمد بطلت صلاته، و كذا إذا كان عن جهل بالنجاسة من حيث الحكم بان لم يعلم أن الشي ء الفلاني مثل عرق الجنب من الحرام نجس، أو عن جهل بشرطية الطهارة للصلاة، و اما إذا كان جاهلا بالموضوع بان لم يعلم أن ثوبه أو بدنه لاقى البول مثلا فان لم يلتفت أصلا أو التفت بعد الفراغ من

______________________________

بدونه و اللّه العالم.

قوله قده (فصل: إذا صلى في النجس. إلخ).

لا يخفى أن القاعدة الأولية تقضى بوجوب الإعادة على من صلى بالنجاسة سواء كان عالما بالحكم الشرعي التكليفي أو الوضعي أو جاهلا بهما أو بالموضوع بان لم يعلم بوجود النجاسة أو ناسيا لها، لأن ذلك لازم الشرطية الواقعية التي تواترت بها النصوص و الإجماعات من طهارة الثوب و البدن، إذ المشروط عدم عند عدم شرطه، فالصلاة الفاقدة للطهارة من الخبث كالفاقدة للطهارة من الحدث باطلة يجب إتيانها ثانيا في الوقت أو في خارجه لبقاء التكليف في العهدة، و لكن خرج من هذه القاعدة صورة الجهل بالموضوع بان لم يعلم بوجود النجاسة فإن صلاته صحيحة لو علم بها بعد الصلاة، و ذلك للأخبار الخاصة المستفيضة الدالة عليه (منها) صحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلى و في ثوبه عذرة من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 461

الصلاة صحت صلاته و لا يجب عليه

القضاء، بل و لا الإعادة في الوقت و إن كان أحوط، و ان التفت في أثناء الصلاة فإن علم سبقها و انه وقع بعض صلاته مع النجاسة بطلت مع سعة الوقت للإعادة و ان كان الأحوط الإتمام ثم الإعادة، و مع ضيق الوقت إن أمكن التطهير أو التبديل و هو في الصلاة من غير لزوم المنافي فليفعل ذلك و يتم و كانت صحيحة و ان لم يمكن أتمها و كانت صحيحة، و إن علم حدوثها في الأثناء مع عدم إتيان شي ء من أجزائها مع النجاسة أو علم بها و شك في انها كانت سابقا، أو حدثت فعلا فمع سعة الوقت و إمكان التطهير أو التبديل يتمها بعدهما، و مع عدم الإمكان يستأنف، و مع ضيق الوقت يتمها مع النجاسة و لا شي ء عليه، و أما إذا كان ناسيا فالأقوى وجوب الإعادة أو القضاء مطلقا سواء تذكر بعد الصلاة أو في أثنائها أمكن التطهير أو التبديل أم لا.

______________________________

إنسان أو سنور أو كلب أ يعيد صلاته؟ فقال: أن كان لم يعلم فلا يعيد (و خبر) أبى بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلى و في ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم قال: مضت صلاته و لا شي ء عليه (و خبر) ابن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم قال: ان كان قد علم انه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلى ثم صلى فيه و لم يغسله فعليه أن يعيد ما صلى، و ان كان لم يعلم فليس عليه إعادة (و صحيحة) الجعفري عن أبى جعفر عليه السّلام قال: في الدم

يكون في الثوب ان كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، و ان كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته، و ان لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد صلاته (و صحيحة) محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ان رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك الإعادة- إعادة الصلاة- و أن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 462

..........

______________________________

فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك، و كذلك البول. (و صحيحة) زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال قلت له أصاب ثوبي دم رعاف- الى أن قال- قلت و ان لم أكن رأيت موضعه و علمت أنه أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما أن صليت وجدته قال: تغسله و تعيد الصلاة، قلت فان ظننت أنه قد أصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أرفيه شيئا ثم صليت فرأيت فيه قال: تغسله و لا تعيد الصلاة، قلت لم ذلك؟ قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا. الحديث (و رواية) أبي بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه و هو لا يعلم فلا إعادة عليه (و يؤيده) بل قيل يدل عليه (صحيحة) محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلى قال: لا يؤذنه حتى ينصرف (و صحيحة) العيص بن القاسم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلى في ثوب رجل أياما ثم أن

صاحب الثوب أخبره انه لا يصلى فيه قال: لا يعيد شيئا من صلاته.

(و لا يعارض) هذه الروايات (صحيحة) و هب بن عبد ربه عن الصادق عليه السّلام في الجنابة تصيب الثوب و لا يعلم به صاحبه فيصلي فيه ثم يعلم بعد. قال: يعيد إذا لم يكن علم (و خبر أبي بصير) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن رجل صلى و في ثوبه بول أو جنابة فقال: علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم، لقصورهما عن المكافئة لتلك الأخبار الكثيرة مع أعراض المشهور عن ظاهرهما و قبولهما للتأويل بحملهما على الاستحباب أو إرادة وجود الجنابة في الثوب المختص به، فتكون الإعادة للحدث لا للخبث، الى غير ذلك من المحامل التي أقربها ما ذكرناه دون ما يعارضهما من الأخبار

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 463

..........

______________________________

المتقدمة فإنها صريحة في عدم وجوب الإعادة، نعم ينبغي تقييد هذه الأخبار النافية للإعادة و تخصيصها بغير المتردد، و اما فيه فتدور الإعادة و عدمها مدار الفحص و عدمه لجملة من الأخبار الدالة على ذلك (منها) رواية الصيقل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل و صلى فلما أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة فقال: الحمد للّه الذي لم يدع شيئا إلا و قد جعل له حدا، ان كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا اعادة عليه، و ان كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة (و عن الفقيه) مرسلا قال: و روى في المني انه ان كان الرجل حين قام نظر و طلب فلم يجد شيئا فلا شي ء عليه، و ان كان لم ينظر و لم

يطلب فعليه أن يغسله و يعيد صلاته (و صحيحة) محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه ذكر المنى و شدده و جعله أشد من البول ثم قال أن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك الإعادة- إعادة الصلاة- و أن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا اعادة عليك، و كذلك البول فإن قضية اشتراط نفى الإعادة بالنظر ثبوتها على تقدير ترك النظر (و رواية) ميسر قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام آمر الجارية فتغسل ثوبي من المنى فلا تبالغ في غسله فأصلي فيه فاذا هو يابس قال: أعد صلاتك، اما لو انك كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي ء، فيقيد بهذه الروايات إطلاق الأخبار المتقدمة النافية للإعادة، فيختص مورد تلك الأخبار كما تقدم بغير المتردد التارك للفحص الذي استفيد وجوب الإعادة عليه من هذه الروايات.

(هذا) و ان ذهب المشهور الى عدم وجوب الإعادة في الفرض المزبور أيضا للمناقشة في الأخبار المقيدة بالنظر دلالة في بعض و سندا في بعض مذكورة في محلها، تركنا نقلها خوف الإطالة، و ما ذكرناه هو الأحوط.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 464

..........

______________________________

هذا كله فيما لو رأى النجاسة بعد الفراغ من الصلاة.

(و اما) لو رآها في أثناء الصلاة و علم بسبقها عليها أو عروضها في الأثناء قبل زمان رؤيتها أو عنده بان كان ملتفتا حين عروضها أو شك فيه بان احتمل حدوثها حين حصول العلم أو قبله في أثناء الصلاة أو قبلها، ففي جميع هذه الصور ان امكنه الإزالة و لو بإلقاء الثوب من دون إخلال بشرائط الصلاة من تكشف أو كلام أو ترك استقبال

و عدم فعل كثير مخل بهيئة الصلاة وجب عليه ذلك و أتم الصلاة و أن تعذر ذلك إلا بما يبطلها استأنف.

(و الذي) يدل على عدم الإعادة مع عدم فعل ما يبطل الأجزاء السابقة على العلم دلالة الأخبار المتقدمة الدالة على صحة الصلاة الواقعة مع النجاسة المجهولة و صحة الأجزاء اللاحقة لجامعيتها للشرط بإلقاء النجس أو تطهيره مع فرض عدم الإخلال بشي ء من شرائط الصلاة.

(هذا) مع ما يدل عليه من الأخبار الخاصة المستفيضة الواردة في دم الرعاف (منها) صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الرعاف أ ينقض الوضوء؟ قال: لو ان رجلا رعف في صلاته و كان عنده ماء أو من يشير اليه بماء فتناوله فقال: برأسه فغسله فليبنى على صلاته و لا يقطعها (و صحيحة) الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يصيبه الرعاف و هو في الصلاة قال: أن قدر على ماء عنده يمينا أو شمالا أو بين يديه و هو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم ليصلي ما بقي من صلاته، و أن لم يقدر على ماء حتى ينصرف لوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته (و صحيحة) ابن أذينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سألته عن الرجل يرعف و هو في الصلاة و قد صلى بعض

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 465

..........

______________________________

صلاته فقال: ان كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت و يبنى على صلاته، فان لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة قال:

و القي ء مثل ذلك (و خبر) على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن رجل رفع

و هو في صلاته و خلفه ماء هل يجوز له أن ينكص على عقبه حتى يتناوله فيغسل الدم؟ قال: إذا لم يلتفت فلا بأس (و صحيحة) محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال سألته عن الرجل يأخذه الرعاف و القي ء في الصلاة كيف يصنع؟ قال: ينفتل فيغسل أنفه و يعود في صلاته، و أن تكلم فليعد صلاته و ليس عليه وضوء (و صحيحة) إسماعيل بن عبد الخالق قال سألته عن الرجل يكون في جماعة من القوم يصلى بهم المكتوبة فيعرض له رعاف كيف يصنع؟ قال: يخرج فان وجدا ماءا قبل أن يتكلم فليغسل الرعاف ثم ليعد فليبنى على صلاته.

(و لا يخفى) ان الكلام في هاتين الروايتين الأخيرتين مثال لمطلق المنافي للإجماع على الاستيناف بمطلق المنافي كما في كثير من العبادات فيقيد إطلاقهما الذي يقتضي المضي مع عدم الكلام و أن فعل جميع المنافيات من الاستدبار و نحوه، لكن لا بد من تقييده بما لا ينافي الأخبار المتقدمة.

(هذا) و قد ظهر لك مما حررناه أن الأقوى بحسب الأدلة المتقدمة هو وجوب إزالة النجاسة التي رآها في الأثناء و المضي في الصلاة مع الإمكان في جميع الفروض المتصورة في صدر العنوان، كما حكى عن الأكثر القول به على إطلاقه لكن ربما يظهر من بعض الأخبار بطلان الصلاة و وجوب استينافها فيما لو علم بسبق النجاسة على الصلاة، و لهذا قوى البطلان في هذه الصورة جماعة من المتأخرين على ما حكى عنهم، و أظهر تلك الأخبار

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 466

..........

______________________________

و أصرحها دلالة (صحيحة) زرارة الطويلة حيث قال فيها قلت له أن رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة قال: تنقض و تعيد

إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، و ان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شي ء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين ابدا بالشك، فان ظاهر هذه الصحيحة التفصيل بين ما لو وقعت الصلاة من أولها في الثوب النجس و بين ما لو عرضت النجاسة في الأثناء، و أنه انما يجب عليه البناء بعد الغسل فيما لو رآه رطبا لقيام احتمال ظروفه في الأثناء، فقوله عليه السّلام (و ان لم تشك ثمّ رأيته رطبا) بحسب الظاهر مسوق لتحقيق مورد الاحتمال، كما ان قوله عليه السّلام (إذا شككت في موضع منه ثم رأيته) لتحقيق الموضوع الذي لا يتطرق فيه احتمال طروه في الأثناء، فالحكم في هذه الصورة موضع تردد و ريبة فلا ينبغي ترك الاحتياط بالغسل و البناء مع الإمكان ثم الإعادة.

(و اما) مع العلم بالنجاسة تكليفا أو وضعا و نسيان الإزالة فالمشهور لزوم الإعادة مطلقا في الوقت و خارجه، و المحكى عن السرائر نفى الخلاف فيه من غير الاستبصار تارة و مطلقا أخرى، بل عنها الإجماع عليه كما في الغنية مضافا الى ذلك قاعدة الشرطية المستفادة من إطلاق النصوص المستفيضة التي لا ريب في شمولها لصورة النسيان أن لم تكن هي المرادة منها لبعد التعمد من الرواة و غيرهم بعد معلومية الشرطية عندهم كما هو الظاهر من سياق النصوص و الى النصوص المستفيضة بل المتواترة معنى (كصحيح) ابن سنان عن الصادق عليه السّلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم قال عليه السّلام: ان كان علم انه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلى ثم صلى فيه و لم يغسله فعليه أن

يعيد ما صلى، و ان كان لم يعلم به

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 467

..........

______________________________

فليس عليه اعادة، و ان كان يرى أنه أصابه شي ء فنظر فلم ير شيئا أجزأ أن ينضحه بالماء (و صحيح) ابى بصير عنه عليه السّلام انه قال: ان أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه و هو لا يعلم فلا اعادة عليه، و أن هو علم قبل أن يصلى فنسي و صلى فيه فعليه الإعادة (و حسنة) محمد بن مسلم المتقدمة الواردة في الدم قال فيها: و ان كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه (و رواية) سماعة عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلى قال: يعيد صلاته كي يهتم بالشي ء، إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه، قلت فكيف يصنع من لم يعلم أ يعيد حين يرى فيه؟ قال: لا و لكن يستأنف (و صحيحة) الجعفي في الدم أيضا قال فيها: و أن كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه و لم يغسله حتى صلى فليعد صلاته (و رواية) جميل بن دراج في الدم أيضا قال: و ان كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه و لم يغسله حتى صلى فليعد صلاته (و روايته) الأخرى الواردة في الدم أيضا الدالة بمفهومها قال: و ان كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر درهم (و صحيحة) ابن ابي يعفور في نقط الدم يعلم به ثم ينسى أن يغسله فيصلي فيه ثم يذكر بعد ما صلى أ يعيد صلاته؟ قال: يغسله و لا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار

الدرهم فيغسله و يعيد صلاته (و صحيحة) زرارة المتقدمة و فيها قال قلت له أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من منى فعلمت أثره على ان أصيب له الماء فأصبت و حضرت الصلاة و نسيت أن بثوبي شيئا و صليت، ثم انى ذكرت بعد ذلك قال: تعيد الصلاة و تغسله، قلت فانى لم أكن رأيت موضعه و علمت انه قد أصابه فطلبت فلم اقدر عليه، فلما صليت وجدته قال:

تغسله و تعيد. الحديث. (و رواية) ابن مسكان قال بعثت بمسألة الى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 468

..........

______________________________

أبى عبد اللّه عليه السّلام مع إبراهيم بن ميمون قلت سله عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بول فيصلي فيه ثم يذكر انه لم يكن غسلها قال: يغسلها و يعيد صلاته (و صحيحة) على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع؟

قال: إذا كان رآه و لم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلى و لا ينقص منه شي ء، و إذا كان رآه و قد صلى فليعتد بتلك الصلاة ثم ليغسله. الى غير ذلك من النصوص الكثيرة المعتضدة بالشهرة و محكي الإجماع (و منها) المستفيضة في نسيان الاستنجاء بناءا على انه من جزئيات المقام فلا ينبغي الإشكال في ذلك.

(و قيل) بعدم لزوم الإعادة مطلقا كما حكى ذلك عن الشيخ (ره) و عن المعتبر الميل اليه، و اختاره جماعة ممن تأخر للأصل، و رفع القلم، و للعفو عن النسيان، و قاعدة الإجزاء لأنه مأمور حال النسيان بالصلاة إجماعا كما قيل، و للمستفيضة في نسيان الاستنجاء

أيضا (كخبر) هشام بن سالم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتوضأ و ينسى أن يغسل ذكره و قد بال فقال:

يغسل ذكره و لا يعيد الصلاة (و موثقة) عمار بن موسى قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لو أن رجلا نسي أن يستنجى من الغائط حتى يصلى لم يعد الصلاة (و خبر) على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن رجل ذكر و هو في الصلاة انه لم يستنج من الخلاء قال: ينصرف و يستنج من الخلاء و يعيد الصلاة، و ان ذكر و قد فرغ من صلاته فقد أجزأه ذلك و لا إعادة (و لصحيح) العلا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلي فيه ثم يذكر انه لم يكن غسله أ يعيد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 469

[ (مسألة 1) ناسي الحكم تكليفا أو وضعا كجاهله]

(مسألة 1) ناسي الحكم تكليفا أو وضعا كجاهله في وجوب الإعادة و القضاء) (1)

______________________________

الصلاة؟ قال: لا يعيد قد مضت الصلاة و كتبت له، و لا يخفى أن الأخبار الدالة على الإعادة أكثر و أرجح فالقول بعدمها ضعيف.

(و قيل) بالتفصيل بين الوقت و خارجه كما حكى عن بعض جمعا بين الأخبار بحمل الأخبار الإمرة بالإعادة على الوقت، و النافية لها على خارجه، و لا يخفى ما فيه من البعد بل يقطع بعدم إرادة هذا الحمل من رواية على بن جعفر و موثقة عمار المتقدمتين النافيتين للإعادة كما أن صحيحة على بن جعفر الآمرة بالإعادة صريحة في إرادة ما بعد الوقت.

(نعم) قد يستشهد لهذا الجمع بصحيحة على بن مهزيار قال كتب اليه سليمان بن رشيد يخبره أنه بال

في ظلمة الليل و انه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه أصابه و لم يره و انه مسحه بخرقة ثم نسي أن يغسله و تمسح بدهن فمسح به كفيه و وجهه و رأسه، ثم توضأ وضوء الصلاة فصلى فأجابه بجواب قرأته بخطه: أما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشي ء إلا ما تحققت، فان حققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها و ما فات وقتها فلا إعادة عليك لها، من قبل ان الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت، و ان كان جنبا أو صلى على غير وضوء فعليه اعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته لأن الثوب خلاف الجسد فاعمل على ذلك أن شاء اللّه (و نوقش) فيها بجهالة السائل و المسؤول عنه، و اضطراب متن الرواية و إجمالها و عدم معلومية عمل ابن مهزيار بها، فتلخص أن القول بالإعادة مطلقا هو الأقوى مع انه أحوط و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 1: (ناسي الحكم تكليفا أو وضعا كجاهله في وجوب الإعادة و القضاء. أ ه).

مدركه إطلاق أدلة وجوب الأحكام تكليفا و وضعا، نعم لا عقاب على

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 470

[ (مسألة 2) لو غسل ثوبه النجس و علم بطهارته ثم صلى فيه]

(مسألة 2) لو غسل ثوبه النجس و علم بطهارته ثم صلى فيه (1) و بعد ذلك تبين له بقاء نجاسته فاظاهر أنه من باب الجهل بالموضوع فلا يجب عليه الإعادة أو القضاء، و كذا لو شك في نجاسته ثم تبين بعد الصلاة أنه كان نجسا، و كذا لو علم بنجاسته فأخبره الوكيل في تطهيره بطهارته أو شهدت البينة بتطهيره ثم تبين الخلاف،

و كذا لو وقعت قطرة بول أو دم مثلا و شك في أنها وقعت على ثوبه أو على الأرض ثم تبين أنها وقعت على ثوبه، و كذا لو رأى في بدنه أو ثوبه دما و قطع بأنه دم البق أو دم القروح المعفو أو أنه أقل من الدرهم أو نحو ذلك ثم تبين أنه مما لا يجوز الصلاة فيه، و كذا لو شك في شي ء من ذلك ثم تبين أنه مما لا يجوز فجميع هذه من الجهل بالنجاسة لا يجب فيها الإعادة أو القضاء.

[ (مسألة 3) لو علم بنجاسة شي ء فنسي و لاقاه بالرطوبة]

(مسألة 3) لو علم بنجاسة شي ء فنسي و لاقاه بالرطوبة (2) و صلى ثم تذكر انه

______________________________

الناس بخلاف الجاهل إذا كان عن تقصير.

قوله قده مسألة 2: (لو غسل ثوبه النجس و علم بطهارته ثم صلى فيه. إلخ)

الظاهر أن ما ذكره من الفروع في هذه المسألة على ما ذكره من الحكم بعدم الإعادة لأنها من باب الجهل بالموضوع سوى صورة القطع بالعفو مع تبين خلافه، و كذا صورة الشك في كونه أقل من الدرهم لعدم صدق الجهل بالموضوع فيها كما ذكره السيد الأستاذ في الحاشية:

قوله قده مسألة 3: (لو علم بنجاسة شي ء فنسي و لاقاه برطوبة. إلخ)

الظاهر أن الأمر كما ذكره لما ذكره من العلة و هو عدم صدق النسيان في الملاقي- بالكسر.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 471

كان نجسا و أن يده تنجست بملاقاته فالظاهر أنه أيضا من باب الجهل بالموضوع لا النسيان لأنه لم يعلم نجاسة يده سابقا، و النسيان انما هو في نجاسة شي ء آخر غير ما صلى فيه، نعم لو توضأ أو اغتسل قبل تطهير يده و صلى كانت باطلة من جهة بطلان وضوئه أو غسله.

[ (مسألة 4) إذا انحصر ثوبه في نجس]

(مسألة 4) إذا انحصر ثوبه في نجس فان لم يمكن نزعه (1) حال الصلاة لبرد أو نحوه صلى فيه و لا يجب عليه الإعادة أو القضاء، و أن تمكن من نزعه ففي وجوب الصلاة فيه أو عاريا أو التخيير وجوه الأقوى الأول، و الأحوط تكرار الصلاة.

______________________________

قوله قده مسألة 4: (إذا انحصر ثوبه في نجس فان لم يمكن نزعه. إلخ)

فرض هذه المسألة فيما لم يكن عنده إلا ثوب واحد نجس نجاسة غير معفو عنها في الصلاة و لم يضطر الى لبسه لعذر شرعي من برد و

نحوه، فالمشهور لزوم إلقائه و الصلاة عريانا وجوبا عينيا مع تعذر الطاهر كما اعترف به كثير منهم بل على الأظهر الأشهر كما في الرياض، بل نسبه بعضهم إلى الشهرة العظيمة، بل في الخلاف على ما حكى عنه نسبته إلى إجماع الفرقة.

(و قد استدل) على ذلك مع الإجماع المزبور و بظهور النهى عن الصلاة بالنجس في المانعية مطلقا و الممنوع عنه شرعا كالمعدوم (بمضمرة) سماعة قال سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض و ليس عنده إلا ثوب واحد و أجنب فيه و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يتيم و يصلى عريانا قاعدا و يومي إيماء هكذا رواية التهذيب، و عن الاستبصار روايتها نحوه إلا أن فيه و يصلى عريانا قائماً يومي إيماء (و خبر) الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أصابته جنابة و هو بالفلاة و ليس عليه إلا ثوب واحد و أصاب ثوبه منى قال: يتيمم و يطرح ثوبه فيجلس مجتمعا فيصلي فيومئ إيماء (و مفهوم) خبر الحلبي عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 472

..........

______________________________

الصادق عليه السّلام عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول و ليس معه ثوب غيره قال عليه السّلام: يصلى فيه إذا اضطر اليه، بدعوى أن المنساق منه الاضطرار الى لبسه من برد و نحوه فلا يصدق بمجرد فقد غيره كما زعمه في المعتبر.

(و استوجه) بعضهم لزوم الصلاة فيه منكرا للإجماع على خلافه لظهور الفقيه في الجواز و مخالفة الكاتب «1» لما حكى عنه قال: لو كان معه ثوب فيه نجاسة لا يقدر على غسلها كانت صلاته فيه أحب الى من صلاته عريانا، و احتمل في التهذيب جواز الصلاة فيه، و تبعه الفاضلان

في المعتبر و المنتهى و المختلف، و المقدس و كثير ممن تأخر، بل نسب الى الفاضلين و من تأخر عنهما (و بصحيح) على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام عن رجل عريان و حضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله يصلى فيه أو يصلى عريانا؟

قال عليه السّلام: ان وجد ماءا غسله، و ان لم يجد ماءا صلى فيه و لم يصل عريانا (و صحيح) عبد الرحمن عن الصادق عليه السّلام عن الرجل يجنب في ثوب و ليس معه غيره و لا يقدر على غسله قال عليه السّلام: يصلى فيه (قال في الفقيه) و في خبر آخر قال عليه السّلام: يصلى فيه فاذا وجد الماء غسله و أعاد الصلاة (و موثق) عمار عنه (ع) عن رجل ليس معه إلا ثوب و لا تحل الصلاة فيه و ليس يجد ماءا يغسله كيف يصنع؟ قال (ع): يتيمم و يصلى فإذا أصاب ماءا غسله و أعاد الصلاة (و صحيح) الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله قال: يصلى فيه (و صحيحه) الآخر عنه (ع) عن الرجل أجنب في ثوبه و ليس معه ثوب غيره قال (ع): يصلى

______________________________

(1) هو ابن الجنيد و يلقب بالاسكافى.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 473

..........

______________________________

فيه و إذا وجد الماء غسله (قال في الفقيه) و في خبر آخر: و أعاد الصلاة، (و صحيح) على بن الحكم سألته عن الرجل يجنب في ثوبه و ليس معه غيره و لم يقدر على غسله قال: يصلى فيه. الى غير ذلك مما يقضى بالوجوب عينا مع ما في هذا القول من المحافظة على أكثر الواجبات سيما

الأركان منها التي هي أهم من شرطية الطهارة من الخبث، مع أن فقد الوصف أولى من فقد الذات قطعا.

و على كل فلا يخفى أن عمدة مستند القولين هو الأخبار المختلفة من الطرفين، و قد حاول بعضهم الجمع بينها بوجوه لا شاهد لها لبعدها عن ظاهرها أو عن ظاهر بعضها، مذكورة في مظانها (و الاخبار) بظاهرها متعارضة متناقضة فالمتعين في مثل المقام الترجيح على ما يقتضيه قاعدة التعارض، لا الجمع المستلزم لتأويل كل من المتعارضين من غير شاهد.

(و حيث) ان الأخبار الآمرة بالصلاة عاريا مؤيدة بشهرة العمل بها قديما و حديثا بحيث لم نجد من الأصحاب من طرحها رأسا فإنهم بين من أوجب العمل بها عينا، و بين من حملها على التخيير جمعا بينها و بين ما يعارضها مع صحة الأخبار المعارضة الآمرة بالصلاة في الثوب النجس و تصريحهم بضعف هذه، مع أن الشهرة العظيمة بل محكي الإجماع و غيرهما على العمل بها و الاعراض عن المعارض مع أنها بين أيديهم، فكلما ازدادت كثرة و صحة ازدادت وهنا، و قد ظهر من ذلك كله أن الأقوى هو اعمال المرجحات، و لا يخفى أن المرجح الداخلي مع اخبار الصلاة في الثوب النجس، و الخارجي مع ما يعارضها فيتكافئان بحيث يشكل الترجيح، فالأقوى في المسألة هو التخيير اما لكونه أقرب المحتملات في مقام الجمع، أو لكونه حكما ظاهريا ناشئا من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 474

..........

______________________________

التعارض و التكافؤ. هذا مع ما في التخيير الدائمي من عدم الأخذ بأحد الخبرين أيضا حقيقة، و الابتدائي أخذا بأحدهما قطعا و لكن لم نجد به قائلًا، بل قد يدعى الإجماع على عدمه فالأحوط تكرار الصلاة. هذا كله إذا أمكنه إلقاء

الثوب كما تقدم، فان لم يمكنه ذلك لمشقة البرد و نحوه صلى فيه قولا واحدا لعدم سقوط الصلاة بحال و دلالة ما تقدم من الصحاح عليه، و لكن حكى عن الشيخ في جملة من كتبه أنه أعاد الصلاة بعد ارتفاع الضرورة، و حكى هذا القول عن ابن الجنيد أيضا لكنه لم يقيد جواز الصلاة في الثوب باضطراره الى لبسه قال في محكي مختصره: لو كان مع الرجل ثوب فيه نجاسة لا يقدر على غسلها كانت صلاته فيه أحب الى من صلاته عريانا. و قال في موضع آخر من الكتاب:

و الذي ليس معه إلّا ثوب واحد نجس يصلى فيه و يعيد في الوقت إذا وجد غيره، و لو أعاد إذا خرج الوقت كان أحب الىّ. انتهى. و مستندهما (موثقة) عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه سئل عن رجل ليس معه إلا ثوب و لا تحل الصلاة فيه و ليس يجد ماءا يغسله كيف يصنع؟ قال: يتيمم و يصلى فإذا أصاب ماءا غسله و أعاد الصلاة، و قيل لا يعيد كما هو المشهور و هو المعتمد لعدم صلاحية الموثقة لإثبات هذا الحكم المخالف لقاعدة الإجزاء المعتضد بظواهر الصحاح المتقدمة، مع تضمن بعضها الأمر بغسل الثوب خاصة خصوصا مع أعراض المشهور عن ظاهر الموثقة و عدم كونها نصا في الوجوب بل ليس التصرف فيها بحملها على الاستحباب أبعد من رفع اليد عن ظواهر الأخبار المتقدمة خصوصا مع قوة احتمال أن يكون الأمر بالإعادة بلحاظ وقوع الصلاة مع التيمم أو اجتماع الأمرين، و قد استشهد بها بعض لإعادة الصلاة الواقعة مع التيمم بعد صيرورته واجدا للماء، فالإنصاف كما ذكره

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص:

475

[ (مسألة 5) إذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما]

(مسألة 5) إذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما (1) يكرر الصلاة و ان لم يتمكن إلا من صلاة واحدة يصلي في أحدهما لا عاريا، و الأحوط القضاء خارج الوقت في الآخر أيضا إن أمكن و إلا عاريا.

______________________________

بعض المحققين عدم صلاحية الموثقة لإثبات استحباب الإعادة على إطلاقه فيما هو محل الكلام فضلا عن وجوبها، فالأولى حملها على الاستحباب في خصوص موردها، مع أن الاحتياط لا يخفى حسنه و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 5: (إذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما. إلخ)

المدرك لوجوب تكرار الصلاة في الثوبين في صورة التمكن منه هو الشهرة بين الأصحاب كما اعترف به كثير منهم، بل لعله إجماعي و بقاعدة المقدمة العلمية ليقطع انه صلى بثوب طاهر، و للقطع بفراغ الذمة عما اشتغلت به و هو الصلاة في الثوب الطاهر كما ذكره كثير منهم، و لذا ألحقوا به ما زاد على الثوبين مطلقا و أن زاد النجس على الطاهر بكثير، و يدل عليه أيضا (مكاتبة) صفوان الصحيحة عن أبي الحسن عليه السّلام عن رجل كان معه ثوبان فأصاب أحدهما بول و لم يدر أيهما هو و حضرت الصلاة و خاف فوتها و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال عليه السّلام: يصلى فيهما جميعا (قال) الصدوق: يعنى على الانفراد، المعتضدة بالشهرة بين الأصحاب، و لكن عن ابني إدريس و سعيد على ما حكى عنهما أنهما أوجبا عليه طرحهما و الصلاة عاريا (و عن الشيخ) في الخلاف على ما حكى عنه نسبة هذا القول الى بعض علمائنا، و في محكي المبسوط نسبته إلى الرواية و ان الأول أحوط.

(أقول) ما ذهب اليه ابن إدريس مبني على أصله من وجوب الجزم بالنية المعتبرة في

صحة العبادة و هو لا يتم في الصلاة بهما معا، و حيث عرفت فيما تقدم انه لا دليل على اعتبار المعرفة التفصيلية و الجزم بالنية، و تعيين

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 476

[ (مسألة 6) إذا كان عنده مع الثوبين المشتبهين ثوب طاهر]

(مسألة 6) إذا كان عنده مع الثوبين المشتبهين ثوب طاهر (1) لا يجوز أن يصلي فيهما بالتكرار بل يصلي فيه، نعم لو كان له غرض عقلائي في عدم الصلاة فيه لا بأس بها فيهما مكررا.

______________________________

وجه الفعل من الوجوب و الاستحباب في صحة العبادة، بل الأدلة على خلافه خصوصا في حال عدم التمكن كما هو المفروض في المقام، فالمعتمد ما ذهب اليه المشهور، هذا مع ان المكاتبة المزبورة المعتضدة بشهرة العمل بها واردة على كل ما قيل أو يقال كافية في الحجية و اللّه العالم.

(و أما) الاكتفاء بصلاة واحدة في أحدهما مع عدم التمكن من الأكثر بأن يضيق الوقت، أو يخاف التخلف عن الرفقة في سفره أو غير ذلك من الأعذار المبيحة للمحظورات فهو لقاعدة الميسور، و اما قوله (قده) لا عاريا إشارة الى ما قيل من أنه في صورة عدم التمكن من الصلاة في الأكثر يصلى عاريا، بتقريب أن أحد الثوبين لما كان من أطراف الشبهة فهو بحكم النجس، و قد تقدم في المسألة السابقة أنه إذا انحصر ثوبه في نجس و أمكن نزعه فالمشهور لزوم إلقائه و الصلاة عريانا (و فيه) انه قياس مع الفارق فان ما سبق كان في صورة العلم بنجاسة الثوب تفصيلا، و انما قلنا به تعبدا بالنصوص الواردة فيه فلا يقاس عليه غيره، و لا يلحق المشكوك بالمتيقن مع خلوة عن النص، هذا و لا أرى وجها لما ذكره من القضاء خارج الوقت في الثوب

الآخر ان أمكن و إلا عاريا، نعم الاحتياط بجميع مراتبه حسن و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 6: (إذا كان عنده مع الثوبين المشتبهين ثوب طاهر. إلخ).

لا دليل على عدم جواز الصلاة فيهما و ترك الطاهر و ان كان لا لغرض إلا بناءا على اعتبار الجزم بالنية، و قد تقدم عدم الدليل على اعتباره و كفاية

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 477

[ (مسألة 7) إذا كان أطراف الشبهة ثلاثة]

(مسألة 7) إذا كان أطراف الشبهة ثلاثة يكفي تكرار الصلاة في اثنين (1) سواء علم بنجاسة واحد و بطهارة الاثنين أو علم بنجاسة واحد و شك في نجاسة الآخرين أو في نجاسة أحدهما لأن الزائد على المعلوم محكوم بالطهارة و ان لم يكن مميزا، و إن علم في الفرض بنجاسة الاثنين يجب التكرار بإتيان الثلاث، و ان علم بنجاسة الاثنين في أربع يكفي الثلاث و المعيار كما تقدم سابقا التكرار الى حد يعلم وقوع أحدها في الطاهر.

[ (مسألة 8) إذا كان كل من بدنه و ثوبه نجسا و لم يكن له من الماء]

(مسألة 8) إذا كان كل من بدنه و ثوبه نجسا و لم يكن له من الماء إلا ما يكفي أحدهما (2) فلا يبعد التخيير و الأحوط تطهير البدن، و ان كانت نجاسة أحدهما أكثر أو أشد لا يبعد ترجيحه.

______________________________

إتيان الفعل للّه تبارك و تعالى.

قوله قده مسألة 7: (إذا كان أطراف الشبهة ثلاثة يكفي تكرار الصلاة في اثنين. إلخ).

لا اشكال فيما ذكره في هذه المسألة مع القاعدة المبتنية عليها.

قوله قده مسألة 8: (إذا كان كل من بدنه و ثوبه نجسا و لم يكن له من الماء إلا ما يكفي أحدهما. إلخ)

. لا أعرف وجها للاحتياط في تقديم تطهير البدن على الثوب، كما لا وجه للتوقف في ترجيح رفع الأكثر و الأشد، إذ ليس الدليل على وجوب تطهير الثوب أو البدن في صورة نجاستهما و عدم إمكان تطهيرهما معا إلا قاعدة الميسور و هي بعينها جارية في صورة الأكثرية و الأشدية كما اعترف بذلك في المسألة الآتية.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 478

[ (مسألة 9) إذا تنجس موضعان من بدنه أو لباسه و لم يمكن إزالتها]

(مسألة 9) إذا تنجس موضعان من بدنه (1) أو لباسه و لم يمكن إزالتها فلا يسقط الوجوب و يتخير إلا مع الدوران بين الأقل و الأكثر أو بين الأخف و الأشد أو بين متحد العنوان و متعددة فيتعين الثاني في الجميع، بل إذا كان موضع النجس واحدا و أمكن تطهير بعضه لا يسقط الميسور، بل إذا لم يمكن التطهير لكن أمكن إزالة العين وجبت، بل إذا كانت محتاجة إلى تعدد الغسل و تمكن من غسلة واحدة فالأحوط عدم تركها لأنها توجب خفة النجاسة إلا أن يستلزم خلاف الاحتياط من جهة أخرى بأن استلزم وصول الغسالة إلى المحل الطاهر.

[ (مسألة 10) إذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفي إلا لرفع الحدث أو لرفع الخبث]

(مسألة 10) إذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفي إلا لرفع الحدث أو لرفع الخبث من الثوب أو البدن (2) تعين رفع الخبث و يتيمم بدلا عن الوضوء أو الغسل، و الاولى أن يستعمل في إزالة الخبث أولا ثم التيمم ليتحقق عدم الوجدان حينه.

______________________________

قوله قده مسألة 9: (إذا تنجس موضعان من بدنه. إلخ).

الأمر كما ذكره في جميع الصور المفروضة حتى في صورة عدم إمكان التطهير لكن أمكن إزالة العين، و كذا في صورة ما إذا كانت محتاجة إلى تعدد الغسل و تمكن من غسلة واحدة فإنهما موجبان لتخفيف النجاسة بلا اشكال و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 10: (إذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفي إلا لرفع الحدث أو لرفع الخبث من الثوب أو البدن. إلخ)

الأمر كما ذكره من تعين رفع الخبث لدوران الأمر بين ما له بدل و هي الطهارة من الحدث و ما لا بدل له و هي الطهارة من الخبث، و رفع الثاني أولى بل متعين، نعم ما ذكره من أولوية استعماله في

إزالة الخبث أو لا ليتحقق عدم الوجدان حينه محل تأمل، إذ بعد فرض حكم للشارع بصرفه في الجهة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 479

[ (مسألة 11) إذا صلى مع النجاسة اضطرارا]

(مسألة 11) إذا صلى مع النجاسة اضطرارا (1) لا يجب عليه الإعادة بعد التمكن من التطهير، نعم لو حصل التمكن في أثناء الصلاة استأنف في سعة الوقت و الأحوط الإتمام و الإعادة.

[ (مسألة 12) إذا اضطر الى السجود على محل النجس]

(مسألة 12) إذا اضطر الى السجود (2) على محل النجس لا يجب إعادتها بعد التمكن من الطاهر.

______________________________

الخاصة فهو بحكم غير واجد للماء.

قوله قده مسألة 11: (إذا صلى مع النجاسة اضطرارا.)

مدرك عدم الإعادة بعد التمكن من التطهير قاعدة الإجزاء المعتضدة بظواهر الصحاح المتقدمة مع تضمن بعضها الأمر بغسل الثوب خاصة و هي (صحيحة) على بن جعفر عليه السّلام (و صحيحة) محمد بن على الحلبي (و صحيحته) الأخرى (و صحيحة) عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه المتقدمة الذكر في الدم المعفو عنه في الصلاة و غير ذلك، و قد تقدم أن موثقة عمار المتضمنة لإعادة غسل الثوب و اعادة الصلاة بعد وجدان الماء لا صلاحية لها لإثبات هذا الحكم المخالف لقاعدة الإجزاء مع اعتضادها بالصحاح المذكورة و أعراض المشهور عن ظاهرها و عدم كونها نصا في الوجوب.

(و اما) لو تمكن من التطهير في أثناء الصلاة استأنف مع سعة الوقت إذ لا مبرر للصلاة في النجس مع عدم ضرورة تدعو اليه فيشمل ما بقي من الأجزاء أدلة اشتراط الطهارة فيها و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 12: (إذا اضطر الى السجود. إلخ)

مدرك عدم الإعادة قاعدة الإجزاء الجارية فيما تقدم في وجه عدم إعادة الصلاة مع الاضطرار الى لبس النجس.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 480

[ (مسألة 13) إذا سجد على الموضع النجس جهلا أو نسيانا]

(مسألة 13) إذا سجد على الموضع النجس (1) جهلا أو نسيانا لا يجب عليه الإعادة و ان كانت أحوط.

[فصل (فيما يعفى عنه في الصلاة)]

اشارة

فصل (فيما يعفى عنه في الصلاة) و هو أمور:

[ (الأول) دم الجروح و القروح]

اشارة

(الأول) دم الجروح و القروح (2) ما لم تبرأ في الثوب أو البدن، قليلا كان أو كثيرا، أمكن الإزالة أو التبديل بلا مشقة أم لا، نعم يعتبر أن يكون مما فيه مشقة نوعية فان كان مما لا مشقة في تطهيره أو تبديله على نوع الناس فالأحوط إزالته أو تبديل الثوب، و كذا يعتبر أن يكون الجرح مما يعتد به و له ثبات و استقرار فالجروح الجزئية يجب تطهير دمها و لا يجب فيما يعفى عنه منعه عن

______________________________

قوله قده مسألة 13: (إذا سجد على الموضع النجس. إلخ).

الظاهر أن مراده بالجهل الجهل بالموضوع، إذ الجاهل بالحكم غير معذور إلا في موارد خاصة دل الدليل عليها، و أما مدرك عدم الإعادة في الموضعين المزبورين هو حديث لا تعاد، مع أن اشتراط طهارة مسجد الجبهة انما ثبت بالإجماع ليس إلا كما تقدم، و هو دليل لبى غير لفظي حتى يؤخذ بعمومه أو إطلاقه، فيقتصر على القدر المتيقن منه و هو صورة العلم و الالتفات هذا و الاحتياط بالإعادة كما ذكره (قده) حسن.

قوله قده (فصل: فيما يعفى عنه في الصلاة و هو أمور: الأول دم الجروح و القروح. إلخ).

أقول: الأصل و المدرك في هذا الحكم مضافا الى الإجماع بقسميه عليه،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 481

التنجيس، نعم يجب شده إذا كان في موضع يتعارف شده و لا يختص العفو بما في محل الجرح فلو تعدى عن البدن الى اللباس أو الى أطراف المحل كان معفوا لكن بالمقدار المتعارف في مثل ذلك الجرح، و يختلف ذلك باختلافها من حيث الكبر و الصغر و من حيث المحل، فقد يكون في محل

لازمه بحسب المتعارف التعدي إلى الأطراف كثيرا، أو في محل لا يمكن شده فالمناط المتعارف بحسب ذلك الجرح

______________________________

هو أدلة نفى العسر و الحرج و النصوص المستفيضة عنهم (ع) (كصحيح) أبى بصير قال دخلت على أبي جعفر عليه السّلام و هو يصلى، فقال لي قائدي: ان في ثوبه دما، فلما انصرف قلت له أن قائدي أخبرني أن بثوبك دما فقال عليه السّلام لي: أن بي دماميل و لست أغسل ثوبي حتى تبرأ (و صحيح) الجعفي قال رأيته عليه السّلام يصلى و الدم يسيل من ساقيه (و صحيح) ليث عن الصادق عليه السّلام عن الرجل يكون به الدماميل و القروح فجلده و ثيابه مملوءة دما و قيحا و ثيابه بمنزلة جلده فقال عليه السّلام: يصلى في ثيابه و لا يغسلها و لا شي ء عليه (و صحيح) عبد الرحمن عنه عليه السّلام عن الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم و القيح فيصيب ثوبي فقال عليه السّلام: دعه فلا يضرك أن لا تغسله (و المرسل) عنه عليه السّلام قال: إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ أو ينقطع الدم (و موثق) عمار عنه عليه السّلام عن الدمل يكون بالرجل فينفجر و هو في الصلاة قال عليه السّلام: يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض و لا يقطع الصلاة (و صحيح) ابن مسلم عن أحدهما (ع) عن الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمى كيف يصلى؟ فقال عليه السّلام: يصلى و أن كانت الدماء تسيل (و عن المستطرفات) عن البزنطي عن ابن عجلان عن أبي جعفر عليه السّلام عن الرجل به القروح لا تزال تدمى كيف يصنع؟ قال عليه

السّلام: يصلى و أن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 482

..........

______________________________

كانت الدماء تسيل (و موثقة) سماعة المضمرة قال سألته عليه السّلام عن الرجل به الجرح و القرح فلا يستطيع أن يربطه و لا يغسل دمه قال: يصلى و لا يغسل ثوبه كل يوم الا مرة فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة (و المضمر) المروي في مستطرفات السرائر عن البزنطي عن العلاء عن محمد بن مسلم قال قال: ان صاحب القرحة التي لا يستطيع ربطها و لا حبس دمها يصلى و لا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة (و عن الرضوي) روى في دم الدماميل يصيب الثوب و البدن انه قال: تجوز الصلاة فيه، الى غير ذلك من النصوص الكثيرة و إطلاق جملة منها، بل تصريح بعضها يقتضي العفو عنه مطلقا الى أن يبرأ كما في صحيحة أبي بصير سواء شقت إزالته أم لا، كانت له فترة أم لا كما حكى التصريح به عن الشهيد و المحقق الثانيين، بل في البحار نسبته الى أكثر المحققين من المتأخرين و انه لا يخلو من قوة و به صرح أيضا كثير ممن تأخر عنه بل لعله قد اشتهر فيما بينهم، بل ربما نسب إلى الشهرة بين الأصحاب مطلقا، بل قيل انه يستظهر من الفقيه و كتب الشيخ و الغنية و الوسيلة و غيرها، فينطبق عليه الإجماع الذي في الخلاف و الغنية كما قيل: و بمضمون رواية أبي بصير في عدم اعتبار قيد دوام السيلان و عدم الفترة و عدم التقييد بمشقة إزالته أم لا رواية ليث المرادي المتقدمة، و بمضمونهما غيرهما من الأخبار و لا يصلح لتقييد مطلقاتها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في

(مرسل) ابن أبي عمير المتقدم إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ أو ينقطع الدم، بدعوى ظهورها في اعتبار دوام السيلان و استمرار الجريان فعلا و انما هو كما ذكره أستاذ اساتيذ ما المحقق آية اللّه الآخوند ملا محمد كاظم الخراساني في شرحه على التبصرة من أن المراد: بالسيلان في الرواية التلبس بالمبدإ كثيرا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 483

..........

______________________________

أو ملكة قبالا لما إذا لم يكن كذلك بعد أو زال عنه للاشراف على الاندمال، و لو سلم ظهورها فيه لما كان بمثابة ظهور المطلقات الواردة في مقام البيان في عدم اعتباره بهذا المعنى، و إلا لزم تقييدها بما هو النادر من أفرادها كما لا يخفى و لا يبعد حمل الدامية و اللازمة على ما لا ينافي الإطلاقات المنزلة على ما هو المتعارف من القروح و الجروح بان يكون مرادهم من كونها دامية تلبسها بالمبدإ ملكة أو أكثريا، و من كونها لازمة بقاؤها و عدم برئها أو عدم انقطاع الدم عنها رأسا، و كذا المراد من عدم الرقى عدم الانقطاع كذلك لا عدم السكون أصلا و لو فترة، و كيف كان فلا دليل على ما ذكر من التقييدات و أن كان أحوط. إلى آخر ما ذكره (قده).

و كيف كان فقد يستدل على عدم التقييد بالأصول و الحرج النوعي و لو بالإطلاقات سيما المغيّا منها بالبرء مع العلم عادة بانقطاع الدم قبله، و بتحقق فترات في كثير من الأحوال و الأوقات مع عدم الإشارة في شي ء من النصوص الى مراقبتها و المحافظة عليها، و سيما الموصول بان الوصلية لظهوره في أن حالة عدم السيلان أولى بجواز الصلاة، مع أن

التقييد بدوام الإدماء في السؤال لا يخصص الجواب كما قيل، مع أنه قد يمنع ظهوره في الدوام لصدقه عرفا على الإدماء وقتا فوقتا و ان كان الفاصل بينهما فترة تسع واجبات الطهارة و الصلاة، و لو سلم ذلك كله فأقصاه عدم الدلالة على الإطلاق و عدم التعرض لصورة عدم الدوام، مع كون القروح لازمة لا الدلالة على عدمه و على أن الصورة المزبورة يجب فيها مراعاة الفترة كما هو واضح و اللّه العالم.

(نعم) يستحب غسل الثوب كل يوم مرة كما صرح به جماعة للمضمرتين المتقدمتين، فان ظاهرهما و ان كان الوجوب لكن مقتضى الجمع بينهما و بين

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 484

[ (مسألة 1) كما يعفى عن دم الجروح كذا يعفى عن القيح المتنجس الخارج معه]

(مسألة 1) كما يعفى عن دم الجروح كذا يعفى (1) عن القيح المتنجس الخارج معه و الدواء المتنجس الموضوع عليه و العرق المتصل به في المتعارف، أما الرطوبة الخارجية إذا وصلت اليه و تعدت إلى الأطراف فالعفو عنها مشكل فيجب غسلها إذا لم يكن فيه حرج.

[ (مسألة 2) إذا تلوثت يده في مقام العلاج يجب غسلها]

(مسألة 2) إذا تلوثت يده في مقام العلاج (2) يجب غسلها و لا عفو كما أنه كذلك إذا كان الجرح مما لا يتعدى فتلوثت أطرافه بالمسح عليها بيده أو بالخرقة الملوثتين على خلاف المتعارف.

[ (مسألة 3) يعفى عن دم البواسير خارجة كانت أو داخلة]

(مسألة 3) يعفى عن دم البواسير (3) خارجة كانت أو داخلة و كذا كل

______________________________

الأخبار المتقدمة الآبية عن هذا النحو و عن غيره من التقييدات حملهما على الاستحباب، مع ما فيهما من الضعف و المخالفة للمشهور، بل لم ينقل القول بالوجوب صريحا عن أحد، نعم حكى عن الحدائق و المجلسي الميل اليه و اللّه العالم قوله قده مسألة 1: (كما يعفى عن دم الجروح كذا يعفى. إلخ).

الظاهر العفو عن المذكورات المتنجسة بالدم المزبور، حتى عن الرطوبة الخارجية إذا لم تتعد الى غير ما يتعارف تعدى الدم اليه، للأولوية و نفى الحرج لعدم انفكاك ذوي الجروح غالبا عن الرطوبات الخارجية المماسة لتلك الدماء المنفعلة بها.

قوله قده مسألة 2: (إذا تلوثت يده في مقام العلاج. إلخ).

المدرك لوجوب غسلها و غسل الأطراف المتلوثة بالمسح عليها بيده هو أن العفو مخصوص بما يتعارف وصول الدم اليه لا عن غيره من الأطراف الغير المتعارف وصوله إليها.

قوله قده مسألة 3: (يعفى عن دم البواسير. إلخ).

ما ذكره من إطلاق العفو عن دم البواسير مشكل فيما إذا كانت داخلة،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 485

قرح أو جرح باطني خرج دمه الى الظاهر.

[ (مسألة 4) لا يعفى عن دم الرعاف]

(مسألة 4) لا يعفى عن دم الرعاف (1) و لا يكون من الجروح.

[ (مسألة 5) يستحب لصاحب القروح و الجروح ان يغسل ثوبه]

(مسألة 5) يستحب لصاحب القروح و الجروح (2) ان يغسل ثوبه من دمهما كل يوم مرة.

[ (مسألة 6) إذا شك في دم انه من الجروح أو القروح أم لا]

(مسألة 6) إذا شك في دم انه من الجروح أو القروح أم لا فالأحوط عدم العفو عنه. (3)

______________________________

أو أمكن إدخالها بلا مشقة و حرج، و كذلك إذا لم يكن في تطهير المحل حرج، نعم لو عرض لها نتو و انتفاخ و كانت خارجة دائما أو غالبا فالأمر كما ذكره من العفو و كذا الجرح الباطني.

قوله قده مسألة 4: (لا يعفى عن دم الرعاف. إلخ)

مدرك عدم العفو عنه هو عدم دخوله في مفهوم القروح و الجروح، نعم قد يعفى عنه لحيثية أخرى كما لو لزم من التحرز عنه حرج و مشقة شديدتان بان لم تكن الفترات تسع إلا ركعة من الصلاة أو أقل فيلزمه التطهير لبدنه و ثيابه أو تبديلها في أثناء الصلاة مرات متعددة و لا يخفى ما فيه من العسر و الجرح المنفيين آية و رواية.

قوله قده مسألة 5: (يستحب لصاحب القروح و الجروح. إلخ)

تقدم حكم هذه المسألة في أواخر فضل دم الجروح و القروح فلاحظه.

قوله قده مسألة 6: (إذا شك في دم أنه من الجروح أو القروح أم لا فالأحوط عدم العفو عنه. ا ه).

مدرك الاحتياط (يحتمل) أن يكون تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 486

[ (مسألة 7) إذا كانت القروح أو الجروح المتعددة متقاربة]

(مسألة 7) إذا كانت القروح أو الجروح المتعددة (1) متقاربة بحيث تعد جرحا واحدا عرفا جرى عليه حكم الواحد، فلو بري ء بعضها لم يجب غسله بل معفو عنه حتى يبرأ الجميع، و أن كانت متباعدة لا يصدق عليها الوحدة العرفية فلكل حكم نفسه، فلو بري ء البعض وجب غسله و لا يعفى عنه الى أن يبرأ الجميع.

[ (الثاني) مما يعفى عنه في الصلاة الدم الأقل من الدرهم]

(الثاني) مما يعفى عنه في الصلاة الدم الأقل من الدرهم (2) سواء كان في البدن أو اللباس من نفسه أو غيره عدا الدماء الثلاثة من الحيض و النفاس

______________________________

كما وقع منه كثيرا.

(و يحتمل) أن يكون ركونا الى دعوى أن الشارع إذا حكم بفساد الصلاة مع النجاسة و منها الدم ما لم يكن دم القروح و الجروح يكفى الحكم بالفساد عدم إحراز كونه من القروح و الجروح و لا يحتاج إلى إحراز عدم كونه منهما بدعوى أن ذلك هو المتفاهم عند أهل اللسان، و الخطابات الشرعية منزلة على وفق متفاهمهم، و قد تقدم منا في المسألة (2) من مسائل فصل الماء الجاري المناقشة في الاحتمال الأول منهما فراجع، نعم لا يبعد أن يكون الاحتمال الثاني وجها للاحتياط.

قوله قده مسألة 7: (إذا كانت القروح أو الجروح المتعددة. إلخ)

مدركه أن الخطابات الشرعية منزلة على متفاهم العرف و أهل اللسان.

قوله قده (الثاني: مما يعفى عنه في الصلاة الدم الأقل من الدرهم. إلخ)

لا يخفى أن من النجاسات المعفو عنها في الصلاة ما دون الدرهم من الدم سعة لا وزنا، لأن هذا هو المتبادر من تقدير الدم بالدرهم في مثل مورد الروايات كتحديده بمقدار إصبع أو إصبعين كما يشهد بذلك و يؤيده فهم الأصحاب.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 487

و الاستحاضة أو من نجس

العين أو الميتة، بل أو غير المأكول مما عدا الإنسان على الأحوط بل لا يخلو عن قوة، و إذا كان منفرقا في البدن أو اللباس أو فيهما و كان المجموع بقدر الدرهم فالأحوط عدم العفو، و المناط سعة الدرهم لا وزنه، و حدّه سعة أخمص الراحة، و لما حدّه بعضهم بسعة عقد الإبهام من اليد و آخر بعقد الوسطى و آخر بعقد السبابة فالأحوط الاقتصار على الأقل و هو الأخير.

______________________________

و الذي يدل على العفو في المقدار المذكور (الإجماع) كما عن المعتبر و المنتهى و نهاية الأحكام و التذكرة و المختلف (و الصحاح).

ففي (الصحيح) عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما تقول في دم البراغيث؟ قال: ليس به بأس قال قلت أنه يكثر و يتفاحش قال: و أن كثر، قلت فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلى أ يعيد صلاته؟ قال: يغسله و لا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة (و في الباقرى) عليه السّلام في الدم يكون في الثوب أن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة و ان كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته، و أن لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد الصلاة (و في آخر) لا بأس بان يصلى الرجل في الثوب و فيه الدم متفرقا شبه النضح، و ان كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم. (و في الصحيح) الباقرى أيضا الدم يكون في الثوب على و انا في

الصلاة قال: إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صل، و ان لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم، و ما كان أقل من ذلك فليس بشي ء رأيته قبل أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 488

..........

______________________________

فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت.

(و المراد) بالدرهم على ما نص عليه جمع من الأصحاب كالصدوق و السيد و الشيخين و الأكثر هو الكبير الوافي المضروب من درهم و ثلث، و يدل عليه ما في (الفقه الرضوي) إن أصاب ثوبك دم فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يكن مقدار درهم وافى، و الوافي: ما يكون وزنه درهم و ثلث و ما كان دون الدرهم الوافي فلا يجب عليك غسله، و لا بأس بالصلاة فيه، و هذا هو الذي سماه جملة من الأصحاب البغلي- بفتح الغين و تشديد اللام- نسبة الى قرية بالجامعين أو الى رأس البغل ضربه للثاني في ولايته بسكة كسروية (و قال) الحلي انه ما يقرب سعته من سعة أخمص الراحة أي ما انخفض منها، قيل و هو الأشهر (و عن العماني) أن سعته سعة الدينار (و للخبر) المروي عن كتاب على بن جعفر: و أن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله و لا تصل فيه حتى تغسله (و عن الإسكافي) أنه بسعة العقد الأعلى من السبابة و من الوسطى، و الأحوط الاقتصار على الأقل.

(و يستثني) من المعفو عنه في المشهور بل اتفاقا كما في كشف الحق دم الحيض فتجب إزالته و أن قل (للخبر) المروي

في الكافي عن أبي بصير عن الباقر أو الصادق (عليهما السّلام) قال: لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض فإن قليله و كثيره في الثوب أن رآه أو لم يره سواء (و في الفقه الرضوي) إلا أن يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه و من البول و المنى قل أو كثر.

(و الحق) الشيخ و غيره من القدماء دم النفاس و الاستحاضة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 489

..........

______________________________

(و عن الغنية) الإجماع عليه (و عن السرائر) نفى الخلاف فيه، لعموم ما دل على وجوب إزالة النجاسة، و استصحاب شغل الذمة، و عدم شمول الأخبار المتقدمة لموضع البحث لاختصاص الخطاب فيها بالذكور دون الإناث، و احتمال إصابة دم الاستحاضة و النفاس ثيابهم نادر جدا لا تحمل عليه الإطلاقات، و ما روى أن النفاس دم حيض مع إيجاب تغيير خرقة المستحاضة بل و قطنتها مما يدل على مانعية هذا الدم مطلقا و إن قل عن الدرهم، و على كل فلا دليل على إلحاق ما ذكر بدم الحيض سوى الإجماع المنقول الذي ينبغي معه الاحتياط.

(و الحق) ابن حمزة و القطب الراوندي دم الكلب و الخنزير، و استحسنه في التحرير، و عن التذكرة و المنتهى و نهاية الأحكام إلحاق دم نجس العين فيشمل الكافر و الميتة حينئذ، مستدلا بملاقاته بدن النجس الغير المعفو عنه، و ردّ بأنه مبني على تزايد نجاسة النجس العين، و قد يمنع، و مع تسليمه فلا دليل على عدم العفو في مثله سوى إطلاق الأخبار بالغسل و اعادة الصلاة منه و هو غير منصرف اليه، لعدم تبادره و شيوعه، و الأحوط بل اللازم الاجتناب عن دم غير المأكول مطلقا و لو لم

يكن دم نجس العين من حيث كونه مما لا تجوز الصلاة في شي ء منه و لو كان طاهرا لعموم (الموثق) الزراري الصادق ان الصلاة في و بر كل شي ء حرام أكله فالصلاة في شعره و وبره و بعرة و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما أحل اللّه أكله، إشعار بذلك (و النصوص) المتقدمة و أن اختصت بالثوب و لذا خصها به جمع كما عن الفقيه و الهداية و المقنعة و المبسوط و الخلاف و المراسم و الغنية إلا انهم أجروها إلى البدن كما عن ظاهر المنتهى الإجماع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 490

..........

______________________________

عليه لأصالة عدم وجوب إزالته و لاشتراكهما في العلة و هي المشقة (و للصادقى) أنى حككت جلدي فخرج منه دم فقال: ان اجتمع قدر حمصة فاغسله و إلا فلا (و لو كان) ذلك المقدار منه متفرقا على الثوب و البدن بحيث لو جمع بلغ الدرهم، ففي اعتبار الدرهم في كل واحد فيعفى عن كل واحد أن نقص عن الدرهم و ان كان إذا جمع زاد عليه أضعافا، و حكى هذا القول عن كثير من القدماء و المتأخرين، كما عن ابن سعيد و العلامة في التخليص و الحلي و الشيخ في المبسوط و المحقق، و نسبه في الذكرى الى المشهور للأصل و العفو عن كل واحد فالكل كذلك (و للخبر) المتقدم لا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم (و الصحيح) يغسله و لا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة، و للمناقشة في ذلك مجال.

(أو اعتبار) الدرهم في المجموع كما عن سلار

و ابن حمزة و القاضي و الفاضل في القواعد، و عزى إلى الأكثر قصرا للرخصة على الموضع المتيقن و العمومات الآمرة بإزالة النجاسة للصلاة، و استصحاب اشتغال الذمة بالعبادة التوقيفية، و خصوص (صحيحة) ابن أبي يعفور المتقدمة بدعوى ظهورها في إرادة فرض الاجتماع، و بإطلاق الأمر بإعادة الصلاة على تقدير كون الدم أكثر من قدر الدرهم في (رواية) الجعفي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: في الدم يكون في الثوب أن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، و أن كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه و لم يغسله حتى صلى فليعد صلاته (و حسنة) ابن مسلم قال قلت له في الدم يكون في الثوب علىّ و أنا في الصلاة- الى أن قال- و لا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم، و ما كان أقل من ذلك فليس بشي ء رأيته قبل أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 491

[ (مسألة 1) إذا تفشي من أحد طرفي الثوب الى الآخر فدم واحد]

(مسألة 1) إذا تفشي من أحد طرفي الثوب (1) الى الآخر فدم واحد و المناط في ملاحظة الدرهم أوسع الطرفين، نعم لو كان الثوب طبقات فتفشى من

______________________________

صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه فان إطلاقهما شامل لصورتي الاجتماع و التفرق و لا يخلو هذا القول من قوة مع كونه أحوط.

(أو التفصيل) بالتفاحش و عدمه فتجب الإزالة في الأول دون الثاني، كما عن الشيخ في النهاية و المحقق في المعتبر، أقوال أوسطها أوسطها و لم نقف للأخير على حجة يعتد بها نعم روى في (البحار) عن دعائم الإسلام عن الباقر و الصادق (عليهما السلام)

قالا: في الدم يصيب الثوب يغسل كما تغسل النجاسات، و رخصا في النضح اليسير منه و من سائر النجاسات مثل دم البراغيث و أشباهه قالا: فاذا تفاحش غسل، و هو مع ضعفه و عدم مقاومته لما تقدم مشتمل على ما لا قائل به (قال) في المعتبر: و ليس للتفاحش تقدير شرعي، و قد اختلف الفقهاء فيه، فبعض قدره بالشبر، و بعض بما يفحش بالقلب و قدره أبو حنيفة بربع الثوب، و الوجه أن المرجع فيه الى العادة.

(هذا) كله حكم الأقل عن مقدار الدرهم و الأكثر و هو العفو عن الأول و عدمه عن الثاني (و أما في صورة) المساواة لمقدار الدرهم من دون نقيصة و لا زيادة فهل يعفى عنه كما عن المرتضى و سلار للأصل، و إطلاق الأوامر بالصلاة أم لا، كما عن الشيخين و الصدوقين و الحلي؟ و عزاه في البحار إلى الأكثر وجهان، أقواهما الثاني لظواهر جملة من الأخبار المتقدمة و ضعف المعارض دلالة و هو أحوط و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 1: (إذا تفشي من أحد طرفي الثوب. إلخ).

لا إشكال في صورة التفشي و كون الثوب طبقة واحدة من أنه دم واحد بنظر العرف سواء كان الثوب رقيقا أو غليظا، و اعتبر الشهيد (ره)

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 492

طبقه إلى أخرى فالظاهر التعدد و إن كانتا من قبيل الظاهرة و البطانة كما انه لو وصل الى الطرف الآخر دم آخر لا بالتفشي يحكم عليه بالتعدد و إن لم يكن طبقتين

[ (مسألة 2) الدم الأقل إذا وصل إليه رطوبة من الخارج]

(مسألة 2) الدم الأقل إذا وصل إليه رطوبة من الخارج (1) فصار المجموع بقدر الدرهم أو أزيد لا إشكال في عدم العفو عنه و إن لم يبلغ الدرهم

فان لم يتنجس بها شي ء من المحل بان لم تتعد عن محل الدم فالظاهر بقاء العفو و إن تعدى عنه و لكن لم يكن المجموع بقدر الدرهم ففيه إشكال و الأحوط عدم العفو.

______________________________

رقة الثوب و لا وجه له، نعم لو كان الثوب طبقات فتفشى من طبقة إلى أخرى فالظاهر التعدد بالنظر العرفي أيضا.

نعم يبقى الإشكال في حكمه بالتعدد فيما لو وصل الى الطرف الآخر دم أخر لا بالتفشي و ان لم يكن الثوب طبقتين، بل الظاهر أنه دم واحد ما لم يتكرر متراكما عليه مرات متعددة، بحيث يصدق عرفا انه دماء متعددة و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 2: (الدم الأقل إذا وصل إليه رطوبة من الخارج. إلخ).

الظاهر أن الحكم كما ذكره من عدم العفو في الفرض الأول و هو ما لو كان الدم أقل من الدرهم فزاد بسبب الرطوبة الواصلة إليه، بأن بلغ مقدار الدرهم أو زاد عليه، و أما لو أصاب الدم المعفو عنه مائع طاهر و لم يبلغ المجموع الدرهم ففي بقائه على العفو أو العدم قولان: من أصالة البراءة و ان الفرع لا يزيد على الأصل، و من أنه ليس بدم فيجب إزالته بالأصل و العمومات (و في الأول) عدم جريان أصل البراءة مع عمومات وجوب إزالة كل نجس و متنجس عن الثوب و البدن إلا ما استثنى، و دعوى عدم زيادة الفرع على أصله غير مسموعة في الأحكام التعبدية.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 493

[إذا علم كون الدم أقل من الدرهم و شك في أنه من المستثنيات أم لا]

(مسألة 3) إذا علم كون الدم أقل من الدرهم و شك (1) في أنه من المستثنيات أم لا يبنى على العفو، و أما إذا شك في أنه بقدر الدرهم أو أقل فالأحوط عدم العفو

إلا أن يكون مسبوقا بالاقلية و شك في زيادته.

______________________________

(و في الثاني) منهما أن الرجوع الى الأصل و العمومات انما يصح في صورة عدم أصل موضوعي حاكم عليهما، و ما نحن فيه من الفرض لو أصاب الثوب المتنجس بالدم المعفو عنه مائع طاهر فتنجس و لم يكن مؤثرا في زيادة نجاسة الثوب على وجه يستند اليه عرفا انفعاله بالمتنجس، كما لو وقعت قطرة ماء على المكان النجس و لم تتعد الى ما حوله بمقدار يعتد به عرفا، فالظاهر بقاؤه على ما كان، إذ لم يتغير الموضوع عرفا فيستصحب حكمه من العفو عنه، و هذا هو الأقرب كما اختاره (قده) قوله قده مسألة 3: (إذا علم كون الدم أقل من الدرهم و شك. إلخ)

الظاهر أن مدرك الحكمين المذكورين للشكين المزبورين هو التمسك بالعام في الشبهة المصداقية و بيانه: أن في الفرض الأول و هو ما لو علم أن الدم أقل من الدرهم و شك في أنه من المعفو عنه أو من الدماء الثلاثة و ما شاكلها من غير المعفو عنه، فالحكم المذكور العفو تمسكا بعمومات العفو عما كان من الدم أقل من الدرهم، و الفرض أن هذا أقل و لا يعلم أنه مما خرج، و أما الفرض الثاني و هو ما لو علم انه من غير الدماء الثلاثة و لكن شك في انه أقل من الدرهم أو أكثر فالحكم المذكور الاحتياط تمسكا بعموم عدم جواز الصلاة بالنجاسة و منها الدم إلا ما كان أقل من الدرهم و لا يعلم أن هذا من الخارج، و حيث تقدم منا عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، إذ هو ترجيح بلا مرجح، لجواز كونه من مصاديق الخاص فالمرجع فيما نحن

فيه في الفرضين معا- إذ هما يرتضعان من ثدي واحد- استصحاب جواز الصلاة في الثوب أن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 494

[ (مسألة 4) المتنجس بالدم ليس كالدم في العفو عنه]

(مسألة 4) المتنجس بالدم ليس كالدم في العفو عنه إذا كان أقل من الدرهم (1).

[ (مسألة 5) الدم الأقل إذا أزيل عينه]

(مسألة 5) الدم الأقل إذا أزيل عينه فالظاهر بقاء حكمه (2).

[ (مسألة 6) الدم الأقل إذا وقع عليه دم آخر أقل]

(مسألة 6) الدم الأقل إذا وقع عليه دم آخر (3) أقل و لم يتعد عنه أو تعدى و كان المجموع أقل لم يزل حكم العفو عنه.

______________________________

كان مسبوقا بالعلم بالجواز، و استصحاب المنع إن كان مسبوقا بالعلم بالمنع، كما لو كان في الفرض الثاني في السابق مشتملا على دم كثير فأزيل عنه و بقي مقدار يسير منه مردد بين كونه أقل من الدرهم أو أكثر، هذا إذا كانت له حالة سابقة، و اما ما لو لم تكن له حالة سابقة معلومة أو منع من استصحابها مانع، كما لو كان من أطراف الشبهة المحصورة وجب إزالته لقاعدة الاشتغال، و كذا الكلام في الفرض السابق لو فرض تعذر استصحاب جواز الصلاة في الثوب بواسطة العلم الإجمالي أو غيره من الموانع و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 4: (المتنجس بالدم ليس كالدم في العفو عنه إذا كان أقل من الدرهم. ا ه).

و ذلك لعدم الدليل على العفو عنه، كما كان للدم و قد تقدم أن دعوى عدم زيادة حكم الفرع عن أصله دعوى غير مسموعة في الأحكام التعبدية.

قوله قده مسألة 5: (الدم الأقل إذا أزيل عينه فالظاهر بقاء حكمه. أ ه).

أى من العفو عنه لأصالة بقاء الثوب على ما كان عليه من جواز الصلاة فيه، و يدل عليه الأخبار المتقدمة بالفحوى.

قوله قده مسألة 6: (الدم إذا وقع عليه دم آخر. إلخ).

لا يخفى انه انما يعفى عن الدمين الواقع أحدهما على الآخر و لم يتعد عنه أو تعدى و كان المجموع أقل من الدرهم في صورة بقاء الصدق العرفي انه دم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 495

[ (مسألة 7) الدم الغليظ الذي سعته أقل عفو]

(مسألة 7) الدم الغليظ (1) الذي سعته أقل عفو و إن كان

بحيث لو كان رقيقا صار بقدره أو أكثر.

[ (مسألة 8) إذا وقعت نجاسة أخرى كقطرة من البول مثلا]

(مسألة 8) إذا وقعت نجاسة أخرى (2) كقطرة من البول مثلا على الدم الأقل بحيث لم تتعد عنه الى المحل الطاهر و لم يصل الى الثوب أيضا هل يبقى العفو أم لا؟

إشكال فلا يترك الاحتياط.

[ (الثالث) مما يعفى عنه ما لا تتم فيه الصلاة]

(الثالث) مما يعفى عنه (3) ما لا تتم فيه الصلاة من الملابس كالقلنسوة و العرقچين و التكة و الجورب و النعل و الخاتم و الخلخال و نحوها بشرط أن لا يكون من

______________________________

واحد، و اما لو تراكمت دماء كثيرة على الدم بحيث زال الصدق العرفي عنه أنه دم واحد فيشكل اجراء حكم العفو عليه، حتى لو لم يتعد عنه و كان المجموع أقل من الدرهم.

قوله قده مسألة 7: (الدم الغليظ. إلخ).

إذ المدار على السعة الفعلية للدم الفعلي الواحدانى لا السعة التقديرية لدم غيره.

قوله قد مسألة 8: (إذ وقعت نجاسة أخرى. إلخ).

الأقرب عدم بقاء العفو في المسألة المفروضة، فانا و أن اخترنا فيما تقدم أن النجاسة على النجاسة لا أثر لها، و لكن انما يتم ذلك و يسلم في المتساويين أثرا، و اما لو امتازت الثانية بأثر على الأولى فغير معلوم عدم ترتب أثرها التي امتازت به، و ما نحن فيه حيث امتازت النجاسة البولية بعدم صحة الصلاة معها فيترتب هذا الأثر من هذه الحيثية فلا يبقى العفو عن النجاسة الدمية المصاحبة للنجاسة البولية.

قوله قده (الثالث: فيما يعفى عنه. إلخ).

أي من النجاسات المعفو عنها في الصلاة نجاسة ما لا تتم للرجال الصلاة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 496

الميتة و لا من اجزاء نجس العين كالكلب و أخويه، و المناط عدم إمكان الستر بلا علاج، فان تعمم أو تحزم بمثل الدستمال مما لا يستر العورة بلا علاج لكن يمكن الستر به

بشدة بجبل أو بجعله خرقا لا مانع من الصلاة فيه، و اما مثل العمامة الملفوفة التي تستر العورة إذا فلت فلا يكون معفوا إلا إذا خيطت بعد اللف بحيث تصير مثل القلنسوة.

______________________________

فيه منفردا لعدم ستر العورتين لصغره لا لحكايته ما تحته مع اتساعه كالتكة و الجورب و الخاتم و النعل و السوار و القلنسوة و الدملج و السير و نحوها، و ان كانت نجاسة غير معفو عنها في غيره على الأقوى لإطلاق الروايات الآتي نقلها، و ان كان الأحوط خلافه و الاقتصار في العفو على النجاسة الغير المغلظة بلا خلاف في أصل الحكم، بل عن الانتصار و الخلاف و السرائر و ظاهر التذكرة الإجماع عليه للنصوص المستفيضة (منها) موثقة زرارة عن أحدهما عليه السّلام قال: كل ما كان لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يكون عليه الشي ء مثل القلنسوة و التكة و الجورب (و منها) ما عن عبد اللّه بن سنان عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: كل ما كان على الإنسان أو معه ما لا تجوز الصلاة فيه فلا بأس أن يصلى فيه و أن كان فيه قذر مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل و الخفين و ما أشبه ذلك (و منها) مرسلة حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يصلى في الخف الذي قد أصابه قذر؟

قال: إذا كان مما لا تتم الصلاة فيه فلا بأس (و منها) مرسلة ابن أبي البلاد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بالصلاة في الشي ء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيبه القذر مثل القلنسوة و التكة و الجورب (و منها) خبر زرارة

العمل

الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 497

..........

______________________________

قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أن قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها و وضعتها على رأسي ثم صليت فقال: لا بأس (و منها) ما عن الفقه الرضوي: إن أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكة أو الجورب أو الخف مني أو بول أو دم أو غائط فلا بأس بالصلاة فيه، و ذلك أن الصلاة لا تتم في شي ء من هذا وحده.

(و اعتبر) العلامة في المذكورات كونها في محالها بدعوى أن هذا هو المتبادر من أدلته، و للأصل و الاحتياط و الاقتصار في الرخصة على اليقين، و حينئذ فلو كانت التكة في جيبه أو عاتقه مثلا لم يجز، و في الجميع نظر، و الأقوى العموم فان ذكر القلنسوة و غيرها في الروايات من باب المثال، فالمدار على كون ما لبسه المصلي شيئا لا تتم فيه الصلاة سواء كان لبسه لذلك الشي ء على النحو المتعارف فيه أم لا.

(و حصره) القطب الراوندي في خمسة: القلنسوة و التكة و الخف و الجورب و النعل (و فيه) ان المستفاد من الأخبار ما هو أعم من ذلك.

(و خصه) الحلي- و ربما عزى إلى الأكثر- بالملابس للأصل و الاحتياط و اختصاص النصوص بها (و فيه) أنه لا دليل على وجوب إزالة النجاسة عن غير الملابس و البدن للصلاة سوى استصحاب شغل الذمة، و هو معارض بأصالة البراءة فالأقوى العموم لبعض الأخبار السابقة (و اما) ما استدل عليه من وجوب ابدال قطنة المستحاضة لكل صلاة كما هو المشهور فلم نجد عليه دليلا، بل الروايات في مقام البيان خالية عنه كما يأتي في محله.

(و زاد) ابن إدريس على ما تقدم السيف و السكين، و لعله أراد ما

يلبس منهما من السير و النجاد لا نفسهما (و الصدوقان) العمامة للرضوى المتقدم،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 498

[ (الرابع) المحمول المتنجس الذي لا تتم فيه الصلاة]

اشارة

(الرابع) المحمول المتنجس الذي لا تتم فيه الصلاة (1) مثل السكين و الدرهم و الدينار و نحوها، و اما إذا كان مما تتم فيه الصلاة كما إذا جعل ثوبه المتنجس في جيبه مثلا ففيه إشكال و الأحوط الاجتناب، و كذا إذا كان من الأعيان النجسة كالميتة و الدم و شعر الكلب و الخنزير فإن الأحوط اجتناب حملها في الصلاة.

______________________________

مع أن العمامة على هيئتها لا تتم بها الصلاة (و فيه) أن عد العمامة و نحوها مما لا تتم به الصلاة منفردا في غير محله و أن حمل على محامل و وجّه بتوجيهات و لكنها بعيدة لا تركن النفس إليها، و الرضوي بنفسه لا يصلح دليلا لإثبات ذلك، خصوصا مع مخالفته لفتوى الأصحاب، مع أن في العدول من التمثيل بالعمامة الى التمثيل بالقلنسوة في الأخبار السابقة تنبيه على عدم العفو عن العمامة كما لا يخفى و اللّه العالم.

قوله قده (الرابع: المحمول المتنجس الذي لا تتم فيه الصلاة. إلخ).

لا يخفى أن مقتضى إطلاق جملة (منهم) المحقق و غيره عدم الفرق فيما لا تتم الصلاة فيه وحده بين كونه ملبوسا أو محمولا، بل قضية تخصيصهم الحكم بوجوب الإزالة في صدر مباحثهم بالثوب و البدن خروج المحمول من موضوع هذا الحكم و عدم وجوب الإزالة عنه مطلقا، سواء كان مما تتم الصلاة فيه أم لا؟ و لا يخلو ذلك من قوة، ثم أن قلنا بعدم جواز حمل المتنجس يمكن التفصيل فيه أيضا كالثوب بين ما لا تتم الصلاة فيه و بين غيره لقوله عليه السّلام في مرسلة ابن سنان

المتقدمة كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه فلا بأس أن يصلى فيه و أن كان فيه قذر مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل و الخفين و ما أشبه ذلك، فان ظاهره إرادة المحمول بما معه (و قد استدل) له أيضا بالأولوية.

(و حكى) عن غير واحد من الأصحاب المنع من حمل المتنجس مطلقا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 499

[ (مسألة) الخيط المتنجس الذي خيط به الجرح]

(مسألة) الخيط المتنجس الذي خيط به الجرح (1) بعد من المحمول بخلاف ما خيط به الثوب و القياطين و الزرور و السفايت فإنها تعد من إجزاء اللباس لا عفو عن نجاستها.

[ (الخامس) ثوب المربية للصبي]

اشارة

(الخامس) ثوب المربية للصبي (2) أما كانت أو غيرها متبرعة أو مستأجرة ذكرا كان الصبي أو أنثى و ان كان الأحوط الاقتصار على الذكر فنجاسته معفوة بشرط غسله في كل يوم مرة مخيرة بين ساعاته و أن كان الاولى غسله آخر النهار لتصلي الظهرين و العشائين مع الطهارة أو مع خفة النجاسة و أن لم يغسل كل يوم مرة فالصلاة الواقعة فيه مع النجاسة باطلة، و يشترط انحصار ثوبها في واحد أو احتياجها الى لبس جميع ما عندها و إن كان متعددا، و لا فرق في العفو بين أن تكون متمكنة من تحصيل الثوب الطاهر بشراء أو استيجار أو استعارة أم لا؟

و ان كان الأحوط الاقتصار على صورة عدم التمكن.

______________________________

و تخصيص التفصيل بين ما يتم فيه الصلاة و ما لا يتم بالملابس و قد تقدم تضعيفه و اللّه العالم.

قوله قده مسألة: (الخيط المتنجس الذي خيط به الجرح. إلخ).

نعم الأمر كما ذكره من أن الخيط المتنجس الذي خيط به الجرح يعد عرفا من المحمول، بخلاف ما خيط به الثوب فإنه يعد من أجزاء اللباس فهو تابع لما خيط به، فان كان مما تتم به الصلاة كالثوب و أمثاله فلا عفو عن نجاسته، و أن كان ما خيط به كالقلنسوة و الجورب مما لا تتم به الصلاة فهو معفو عنه.

قوله قده (الخامس: ثوب المربية للصبي. إلخ)

لا يخفى انه يكفى في إزالة النجاسة عن الثوب للصلاة للمربية للصبي إذا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 500

..........

______________________________

لم

يكن لها إلا ثوب واحد غسله في كل يوم و ليلة مرة واحدة على المشهور بين المتأخرين (لما رواه) أبو حفص عن الصادق عليه السّلام سئل عن امرأة ليس لها إلا قميص واحد و لها مولود فيبول عليها كيف تصنع؟ قال: تغسل القميص في اليوم مرة. و ضعفه منجبر بالشهرة فيخصص به القاعدة الموجبة للتطهير لكل فرض، و ظاهره عموم الحكم للصبي و الصبية فاقتصار بعضهم على الصبي كما عن الشيخ و الأكثر لا وجه له سوى التعليل بالاقتصار على المتيقن المنصوص.

(و الفرق) بينهما بان بول الصبي كالماء و بول الصبية اصفر ثخين و طبعها أخر فبولها ألصق بالمحل، و لا يخفى ما فيه سيما في مقابلة النص لشمول المولود لهما وفاقا للمحكي عن الشهيدين و أكثر المتأخرين.

(نعم) لا يتعدى الى المربي خلافا للفاضل معللا باشتراك المشقة و انتفاء مدخلية الأنوثية، و لا الى البدن خلافا لبعض اقتصارا على النص و بطلان القياس، و هل يقتصر على المولود الغير الآكل للطعام اقتصارا على المتيقن أم يعمه و آكله للعموم؟ وجهان أقواهما الأخير، و الظاهر عدم الفرق في المولود بين الواحد و المتعدد للعموم، و هل يجب عليها استيجار ثوب آخر مع الإمكان أو استعارته؟ للاحتياط و أصالة عدم العفو و احتمال كونها حينئذ ممن يصدق عليها أن لها أكثر من قميص أم لا يجب؟ لأصالة البراءة و صدق انه ليس لها إلا قميص واحد ضرورة، وجهان أقواهما الأخير.

(و مقتضى) النص عدم وجوب غسله إلا في اليوم مرة فلا يجب ليلا فلا حاجة حينئذ إلى تكلف القول بعموم اليوم لليل كما عن المنتهى و التذكرة و نهاية الأحكام.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 501

[ (مسألة 1) إلحاق بدنها بالثوب في العفو عن نجاسته محل اشكال]

(مسألة 1) إلحاق بدنها بالثوب (1) في العفو عن نجاسته محل اشكال و ان كان لا يخلو عن وجه.

[ (مسألة 2) في إلحاق المربي بالمربية إشكال]

(مسألة 2) في إلحاق المربي بالمربية (2) إشكال و كذا من تواتر بوله.

______________________________

(ثم) انه ربما قيل بظهور الرواية في التخيير في زمان إيقاع الغسل حتى في غير وقت الصلاة و ان اقتضت العادة طرو النجاسة قبل الصلاة (و فيه) انه لا ظهور لها إلا من جهة إطلاق قوله عليه السّلام: تغسل القميص في اليوم مرة، و من المعلوم أن الإطلاق وارد لبيان عدم الحاجة الى التطهير في كل صلاة لا التطهير في أي وقت و لو لم تقع صلاة في حال طهارته.

(فالأولى) بل اللازم جعل تلك الغسلة آخر النهار أمام الظهر لكي تأتى بالفرائض الأربع في حال الطهارة أو قلة النجاسة.

(و لا يلحق) الغائط بالبول، و لا البدن بالثوب، و لا غير الام من المتبرعة و المستأجرة و الجارية بالأم، و لا الام الغير المربية بها، لعدم ما يشملها، و القدر المتيقن هي الأم المربية فلا بد من الاقتصار عليها فيما خرج عن القاعدة الموجبة للتطهير لكل فرض و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 1: (إلحاق بدنها بالثوب. إلخ).

الظاهر بل الأقوى عدم إلحاق البدن بالثوب في العفو عن نجاسته و عدم كفاية غسله في اليوم مرة اقتصارا فيما خرج عن القاعدة على موضع اليقين.

قوله قده مسألة 2: (في إلحاق المربي بالمربية. إلخ)

لا ينبغي الإشكال في عدم إلحاق المربي بالمربية، وقوفا فيما خرج عن القاعدة على موضع اليقين (نعم) يبقى الإشكال فيمن تواتر بوله فقد يقال بالإلحاق و العفو كغيره للإطلاق، و قد يقال بعدمه بدعوى انصراف الإطلاق لما هو المتعارف المعهود الجاري على العادة، و يرجع في

غيره الى وجوب التطهير

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 502

[ (السادس) يعفى عن كل نجاسة في البدن أو الثوب]

(السادس) يعفى عن كل نجاسة (1) في البدن أو الثوب في حال الاضطرار.

[فصل في المطهرات]

اشارة

فصل في المطهرات و هي أمور

[أحدها الماء]

اشارة

(أحدها) الماء و هو عمدتها (2) لأن سائر المطهرات مخصوصة بأشياء خاصة بخلافه فإنه مطهر لكل متنجس حتى الماء المضاف بالاستهلاك، بل يطهر بعض الأعيان النجسة كميت الإنسان فإنه يطهر بتمام غسله، و يشترط في التطهير به أمور بعضها شرط في كل من القليل و الكثير و بعضها مختص بالتطهير بالقليل

______________________________

و عدم العفو، و لا يبعد أن الأول هو الأقرب و اللّه العالم.

قوله قده (السادس: يعفى عن كل نجاسة. إلخ).

و مدرك ذلك أدلة نفى العسر و الحرج الحاكمة على سائر أدلة الأحكام مثل قوله تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ و ما أرسل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (لا ضرر و لا ضرار في الإسلام) و مثل قولهم (عليهم السلام):

(ما غلب اللّه على العباد فهو أولى بالعذر) و مثل حديث الرفع و أشباهه.

قوله قده (فصل: في المطهرات و هي أمور أحدها الماء و هو عمدتها. إلخ)

و الدليل على مطهرية الماء الكتاب و السنة و الإجماع.

(فمن الكتاب) قوله تعالى وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ و قوله تعالى وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً مع عدم القول بالفصل.

(و من السنة) صحيحة داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدا قطرة من بول قرضوا لحومهم بالمقاريض، و قد وسع اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء و الأرض و جعل لكم الماء طهورا، (و قولهم عليهم السلام) في تعليل الأمر بالتيمم جعل اللّه التراب طهورا كما جعل الماء طهورا (و عن) النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قال

العمل الأبقى في شرح العروة

الوثقى، ج 1، ص: 503

(اما الأول) فمنها زوال العين (1) و الأثر بمعنى الاجزاء الصغار منها لا بمعنى اللون و الطعم و نحوهما، و منها عدم تغير الماء في أثناء الاستعمال، و منها طهارة الماء و لو في ظاهر الشرع، و منها إطلاقه بمعنى عدم خروجه عن الإطلاق في أثناء الاستعمال

______________________________

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الماء يطهر و لا يطهّر (و عنه عليه السّلام) قال: خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه (و عن) مسعدة ابن زياد عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لبعض نسائه: مري نساء المؤمنين أن يستنجين بالماء و يبالغن فإنه مطهرة للحواشي و مذهب للبواسير، و غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الواردة في طهارة الماء و مطهريته مطلقا، مضافا الى ما ورد مثل ذلك في المياه الخاصة مثل (ما رواه) عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن ماء البحر أ طهور هو؟ قال: نعم (و عن المحقق) في المعتبر قال قال عليه السّلام و قد سئل عن ماء البحر فقال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته.

(و اما الإجماع) فمحقق بقسميه، بل طهورية الماء و مطهريته مما لا يحتاج إلى الاستدلال، إذ هو من ضروريات الدين.

قوله قده في هذه المسألة: (اما الأول: فمنها زوال العين. إلخ).

قد اشتملت هذه الجملة من الكلام على قضايا متعددة.

(أحدها) أنه لا بد في تحقق الطهارة من زوال عين النجاسة و أثرها بمعنى الأجزاء الصغار منها (و قد) نقل في الحدائق اتفاق كلمة الأصحاب عليه، و الذي يدل عليه أن

ذلك هو المنساق من الأوامر الناطقة بغسل النجاسات.

(ثانيها) لا عبرة ببقاء اللون و الرائحة، و ادعى في المعتبر الإجماع عليه، و استظهر في الذخيرة انتفاء الخلاف فيه (أما) بالنسبة إلى الرائحة فهي حسنة ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه السّلام قال قلت له للاستنجاء حد؟ قال:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 504

..........

______________________________

لا حتى ينقى ما ثمة، قال قلت فإنه ينقى ما ثمة و يبقى الريح؟ قال: الريح لا ينظر إليها (قال) في الحدائق: و الخبر و أن كان في الاستنجاء إلا انه لا خلاف و لا إشكال في تعدية الحكم إلى جملة النجاسات بطريق تنقيح المناط القطعي (و اما) بالنسبة إلى اللون فهي (رواية) على بن حمزة عن العبد الصالح عليه السّلام قال سألته أم ولد لأبيه فقالت جعلت فداك أنى أريد أن أسألك عن شي ء و أنا أستحى منه قال: سليني و لا تستحي قالت أصاب ثوبي دم الحيض فغسلته فلم يذهب أثره قال: أصبغيه بمشق حتى يختلط (و عن) أبى جعفر عليه السّلام قال سألته امرأة أن بثوبي دم الحيض و غسلته فلم يذهب أثره قال: أصبغيه بمشق (و عن عيسى بن أبي منصور قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام امرأة أصاب ثوبها من دم الحيض فغسلته فيبقى أثر الدم في ثوبها قال: قل لها تصبغه بمشق حتى يختلط (و في) النبوي في الدم لا يضرك أثره، و لو كان زوال اللون شرطا في زوال النجاسة لم يكن للأمر بالصبغ فائدة، إذ الظاهر أن فائدته إخفاء لون النجاسة حتى ترتفع النفرة، و لهذا حمل الصبغ على الاستحباب.

(و يدل) على الأمرين ما عن الرضا عليه السّلام انه سئل عن الرجل يطأ

في الحمام و في رجله شقاق فيطأ البول أو النورة فيدخل الشقاق أثر أسود مما وطأ من القذر و قد غسله كيف يصنع به و برجله التي وطأ به أ يجزيه الغسل؟

أم يخلل أظفاره بأظفاره و يستنجى فيجد الريح من أظفاره و لا يرى شيئا؟

قال: لا شي ء عليه من الريح و الشقاق بعد غسله (مؤيدا) ذلك بأنهما عرضان لا يحملان النجاسة، و بالعسر و الحرج كما قيل، بل لعله متعذر في كثير من الأفراد و الأحوال، و بالسيرة المستمرة كما قيل، و عليه لا يبقى مجال لاستصحاب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 505

..........

______________________________

النجاسة عند بقاء شي ء من اللون و الرائحة فيجب الحكم بالطهارة، لتحقق الإزالة المأمور بها شرعا التي هي عبارة عن الإزالة العرفية، بحكم الأدلة الواردة على طبق محاوراتهم.

و مع ذلك كله فالاحتياط بإزالة لون النجاسة مع الإمكان و عدم العسر مما لا ينبغي أن يترك لخلو النصوص عن العفو عنه صريحا (إذ المرسل) عن الرضا عليه السّلام ظاهر في العفو عن اللون الذي في باطن الشقاق التي هي الفطور، بل هو نص في ذلك، فلا يلزم منه العفو عن اللون في الظواهر، مع انه كنصوص الصبغ ظاهر في اللون العسر إزالته (و النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) ليس من طرقنا (و الإجماع) المركب كما في الروض غير ثابت لإطلاق كثير منهم الرائحة كنصوصها و تقييدهم اللون بالعسر، و إجماع المعتبر قد يحمل على صورة الحرج أو أن مبناه على أن العرض لا يحمل النجاسة (و روايات) الصبغ بمشق مجملة، هذا و المرجع في اللون الى العرف، و كذا المرجع في العسر، فلو كان بحيث يزول بمبالغة كثيرة لم

يجب كما في جامع المقاصد و غيره، و لو توقف زواله على مثل الأشنان و الصابون ففي وجوبه و جهان (من) الأصل و قرب احتمال تحقق العسر بذلك (و من) الاستصحاب و الاحتياط، بل في شرح الجعفرية الظاهر الوجوب لعدم التعذر بدونه، نعم لو كان زواله به يحتاج إلى مبالغة زائدة لم يجب، و يدفعها إطلاق النصوص الآمرة بالغسل و خلوها عن بيان ذلك في مقام البيان، فالأقرب عدم وجوبه و أن كان أحوط.

(ثالثها) ما ذكره (قده) من اشتراط عدم تغير الماء في أثناء الاستعمال و الظاهر أن المراد به عدم تغيره بالنجاسة ليكون فارقا بينه و بين ما يأتي منه (قده) من اشتراط إطلاقه بمعنى عدم خروجه عن الإطلاق في أثناء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 506

(و اما الثاني) فالتعدد (1) في بعض المتنجسات كالمتنجس بالبول و كالظروف و التعفير كما في المتنجس بولوغ الكلب، و العصر في مثل الثياب و الفرش و نحوها مما يقبله، و الورود أى ورود الماء على المتنجس دون العكس على الأحوط.

______________________________

الاستعمال، بان يكون المراد بالتغير الأول هو خصوص التغير بالنجاسة، و بالثاني ما هو أعم من ذلك و هو عدم خروجه عن الإطلاق و لو بغير لون النجاسة، و إلا فالقيد الثاني يغني عن الأول، هذا و فيهما معا نظر، إذ غاية ما يدل عليه الدليل هو إطلاق الماء و عدم تغيره قبل الاستعمال لا غير، كما تقدم منا من اشتراط طهارة الماء فإن غاية ما دل عليه الدليل هو طهارته قبل الاستعمال، و إلا لما أمكن تطهير النجس و اللّه العالم.

قوله قده: (و اما الثاني فالتعدد. إلخ)

لا يخفى انه لا بد من تثنية الغسل من

البول في الثوب و البدن و غيرهما، عدا محل الاستنجاء الذي يأتي الكلام فيه في محله أن غسل بالقليل دون الكثير و الجاري وفاقا للمشهور كما في المدارك و الحدائق، بل عن المعتبر الإجماع عليه حملا لمطلق الأخبار على مقيدها، و الذي يدل عليه مع الاستصحاب الصحاح المستفيضة (منها) المروي في الكافي و التهذيب عن الحسين بن أبى العلاء عن الصادق عليه السّلام قال سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء، و سألته عن الثوب يصيبه البول قال: أغسله مرتين، و عن الصبي يبول على الثوب قال: تصب عليه الماء قليلا ثم تعصره (و صحيحة) ابن ابى يعفور قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البول يصيب الثوب قال: اغسله مرتين (و صحيحة) محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوب يصيبه البول قال: أغسله في المركن مرتين، فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة (و صحيحة) محمد بن مسلم أيضا عن أحدهما (عليهما السلام) قال سألته عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 507

..........

______________________________

البول يصيب الثوب قال: أغسله مرتين (و رواية) ابن أبي إسحاق النحوي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين (و المروي) في مستطرفات السرائر من جامع البزنطي قال سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء، و سألته عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله مرتين (و عن الفقه الرضوي) و أن أصابك بول في ثوبك فاغسله في ماء جار مرة و من ماء راكد مرتين ثم أعصره.

(و مقتضى) هذه الأدلة وجوب المرتين مطلقا حتى

في الكثير الراكد كما عن الشيخ نجيب الدين، و لكن ما يدل على كفاية المرة في الكر (المرسل) المروي عن أبي جعفر عليه السّلام مشيرا الى غدير ماء: أن هذا لا يصيب شيئا إلا و طهره المجبور ضعفه بالعمل، و النسبة بينه ما دل على اعتبار المرتين في البول و ان كانت عموما من وجه، لكن ظهور المرسل بالنسبة إلى مورد الاجتماع أقوى لدلالته عليه بالعموم، و اما اخبار المرتين فاغلبها بنفسها منصرفة إلى إرادة الغسل بالماء القليل، و أن كان بعضها ظاهرا في الإطلاق كصحيحة ابن أبى يعفور، لكن لا يكافئ ظهورها في الإطلاق لأصالة العموم، خصوصا مع تطرق الوهن إليها بالنسبة إلى الجاري الذي علم عدم اعتبار التعدد فيه كما لا يخفى.

(و أستدل) له أيضا بقوله عليه السّلام في بعض الأخبار الواردة في ماء الحمام انه بمنزلة الجاري، و في بعضها الآخر انه كماء النهر يطهر بعضه بعضا، بدعوى أن إطلاق التشبيه يقتضي عمومه و ما نحن فيه من وجوه الشبه.

(هذا) و ربما يكتفى بالمرة المزيلة كما حكى عن الشيخ في المبسوط،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 508

[ (مسألة 1) المدار في التطهير زوال عين النجاسة]

(مسألة 1) المدار في التطهير زوال عين النجاسة (1) دون أوصافها فلو بقيت الريح أو اللون مع العلم بزوال العين كفى إلا أن يستكشف من بقائها بقاء الأجزاء الصغار أو يشك في بقائها فلا يحكم حينئذ بالطهارة.

[ (مسألة 2) إنما يشترط في التطهير طهارة الماء قبل الاستعمال]

(مسألة 2) إنما يشترط في التطهير طهارة الماء (2) قبل الاستعمال فلا يضر تنجسه بالوصول الى المحل النجس و أما الإطلاق فاعتباره إنما هو قبل الاستعمال و حينه فلو صار بعد الوصول الى المحل مضافا لم يكف كما في الثوب المصبوغ فإنه يشترط في طهارته بالماء القليل بقاؤه على الإطلاق حتى حال العصر فما دام يخرج منه الماء الملون لا يطهر إلا إذا كان اللون قليلا لم يصر الى حد الإضافة، و اما إذا غسل في الكثير فيكفي فيه نفوذ الماء في جميع أجزائه بوصف الإطلاق و أن صار بالعصر مضافا بل الماء المعصور المضاف أيضا محكوم بالطهارة، و أما إذا كان بحيث يوجب اضافة الماء بمجرد و صولة اليه و لا ينفذ فيه إلا مضافا فلا يطهر ما دام كذلك و الظاهر أن اشتراط عدم التغير أيضا كذلك فلو تغير بالاستعمال لم يكف ما دام كذلك و لا يحسب غسله من الغسلات فيما يعتبر فيه التعدد.

______________________________

و الشهيد في البيان، و مال إليه في الذكرى، لإطلاق الأخبار و حمل ما دل على المرتين على الاستحباب (و فيه) انه أطراح للصحاح المتقدمة قوله قده مسألة 1: (المدار في التطهير زوال عين النجاسة. إلخ).

قد تقدم الكلام في المسألة السابقة مفصلا في اعتبار زوال اللون و الرائحة أو عدم اعتبار زوالهما في التطهير، و استقربنا أن الأحوط اعتبار زوال اللون دون الرائحة فلا نعيده.

قوله قده مسألة 2: (إنّما يشترط في التطهير

طهارة الماء. إلخ).

أيضا تقدم الكلام في المسألة السابقة أن غاية ما دل الدليل عليه هو إطلاق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 509

[ (مسألة 3) يجوز استعمال غسالة الاستنجاء في التطهير]

(مسألة 3) يجوز استعمال غسالة الاستنجاء في التطهير (1) على الأقوى و كذا غسالة سائر النجاسات على القول بطهارتها، و أما على المختار من وجوب الاجتناب عنها احتياطا فلا.

[ (مسألة 4) يجب في تطهير الثوب أو البدن بالماء القليل]

(مسألة 4) يجب في تطهير الثوب أو البدن بالماء القليل (2) من بول غير الرضيع الغسل مرتين و اما من بول الرضيع الغير المتغذي بالطعام فيكفي صب الماء مرة و إن كان المرتان أحوط، و اما المتنجس بسائر النجاسات عدا الولوغ فالأقوى كفاية الغسل مرة بعد زوال العين فلا تكفي الغسلة المزيلة لها إلا أن يصب الماء مستمرا بعد زوالها و الأحوط التعدد في سائر النجاسات أيضا بل كونها غير الغسلة المزبلة.

______________________________

الماء و عدم تغيره قبل الاستعمال، لا مستمرا الى تمام الغسل فحالهما حال طهارة الماء، و أما بقاؤه على الإطلاق و عدم تغيره الى تمام الغسل فلم يدل عليه دليل فلا نعيده.

قوله قده مسألة 3: (يجوز استعمال غسالة الاستنجاء في التطهير. إلخ)

أما غسالة الاستنجاء فقد تقدم منا في فصل الماء المستعمل في الوضوء اختيار طهارتها، و عليه فيجوز أن يرفع بها الحدث و يزال بها الخبث كما هو قضية الماء الطاهر، لكن المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهى قد ادعيا الإجماع على عدم جواز رفع الحدث فيما يزال به النجاسة، و إذا تم ذلك فيبقى عدم المانع في إزالة الخبث بها و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 4: (يجب في تطهير الثوب أو البدن في الماء القليل. إلخ).

أما في بول غير الرضيع فقد تقدم الكلام فيه و أنه لا بد فيه من الغسل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 510

..........

______________________________

مرتين في الماء القليل (و اما) بول الرضيع فلا خلاف فيه في الاكتفاء فيه بصب

الماء، و عن الخلاف: الوفاق عليه (للحسن) المروي في الكافي و التهذيب عن الحلبي انه سئل الصادق عليه السّلام عن بول الصبي قال: يصب عليه الماء، فان كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا، و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء، و كذا الصبية كما يستفاد منه (و عن الفقه الرضوي) و أن كان بول الغلام الرضيع فصب عليه الماء، و أن كان قد أكل فاغسله، و الغلام و الجارية سواء (وفاقا) للصدوق في الرسالة و ولده في الفقيه، و أن خالف الأكثر و فرقوا بينهما بوجوب الغسل في بولها دونه، حملا لقوله عليه السّلام شرع سواء على ما إذا كان بعد أكل الطعام، أو التسوية في التنجيس لا في حكم الإزالة، و استنادا إلى إطلاق الأخبار المتقدمة و عملا برواية (السكوني) أن عليا عليه السّلام قال:

لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم، لان لبنها يخرج من مثانة أمها و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب قبل أن يطعم و لا من بوله قبل أن يطعم، لان لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين، و لا ريب أنه أحوط و إن كان الأول أقوى، لضعف الرواية الأخيرة و تقييد الإطلاقات بالصحيح أو الحسن المروي عن الحلبي المتقدم الذكر لقوله عليه السّلام فيه: و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء (هذا) كله في بول الإنسان.

(و اما) بول غيره مما لا يؤكل لحمه فبمقتضى إطلاق النصوص و الفتاوى عدم الفرق بين بول الإنسان و بول غيره مما لا يؤكل لحمه في وجوب غسله مرتين و لا إشكال في أنه أحوط، و إن ادعى انصراف الأخبار الى الأول، و لكن لا يبعد أن يكون

ذلك بواسطة انسباق بول الإنسان إلى الذهن من السؤالات الواردة في الأخبار فيشكل الاعتماد عليه (و اما) وجوب التعدد في الغسل:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 511

..........

______________________________

فهو مختص بغسل البول و يكفي في غيره المرة الواحدة كما عليه الأكثر بل المشهور للأصل و إطلاق أدلة الغسل الواردة في أكثر النجاسات حتى الشديدة منها كدم الحيض و نحوه مثل قوله عليه السّلام: أن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله و قوله عليه السّلام في جسد الرجل الذي يصيبه الكلب: يغسل المكان الذي أصابه.

و في الثوب الذي أصابه خمر أو نبيذ أغسله، و في الثوب الذي أصاب جسد الميت يغسل ما أصاب الثوب، أو فاغسل ما أصاب ثوبك منه، و في المني يصيب الثوب إن عرفت مكانه فاغسله و أن خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كله و في الثوب الذي يعرق فيه الجنب فليغسل ما أصاب من ذلك، و في الدم أن اجتمع قدر حمصة فاغسله. الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي يقف عليها المتتبع مما ورد فيها الأمر بغسل ما لاقى شيئا من النجاسات على الإطلاق.

(و دعوى) الإهمال في جميع هذه الأخبار من هذه الجهة و انها مسوقة لبيان أصل النجاسة، و أما كيفية الغسل فلم يقصد بيانها بهذه الأخبار (فغير) مسموعة، إذ ليست هي إلا كالأسئلة الواقعة في أخبار البول المتقدمة فالأجوبة الواردة فيها على الظاهر ليست إلا كالأجوبة الواردة في البول مسوقة لبيان ما هو حكمه الفعلي في مقام العمل فلا يبقى معه مجال للرجوع إلى الأصول العملية، مثل استصحاب النجاسة حتى يعلم المزيل بالغسل مرتين كما ادعاه بعضهم، و هو منشأ احتياط المصنف في التعدد في سائر النجاسات.

(و ربما) يلحق

بالبول في وجوب المرتين المنى كما عن المنتهى و التحرير لان له قواما و ثخنا فهو أولى بالتعدد كما في صحيحة ابن مسلم قال: ذكر المنى فشدده و جعله أشد من البول (و فيه) منع أولوية التعدد بعد أزالة العين، بل غايته توقف إزالته على أمر زائد و هو الفرك، فالأقرب إلحاقه بسائر النجاسات

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 512

[ (مسألة 5) يجب في الأواني إذا تنجست بغير الولوغ الغسل ثلاث مرات في الماء القليل]

(مسألة 5) يجب في الأواني إذا تنجست بغير الولوغ الغسل ثلاث مرات (1) في الماء القليل، و إذا تنجست بالولوغ التعفير بالتراب مرة و بالماء بعده مرتين و الأولى أن يطرح فيها التراب من غير ماء و يمسح به ثم يجعل فيه شي ء من الماء و يمسح به و إن كان الأقوى كفاية الأول فقط بل الثاني أيضا، و لا بد من التراب فلا يكفي عنه الرماد و الأشنان و النورة و نحوها، نعم يكفي الرمل و لا فرق بين أقسام التراب، و المراد من الولوغ شربه الماء أو مائعا آخر بطرف لسانه و يقوى إلحاق لطعه الإناء بشربه، و اما وقوع لعاب فمه فالأقوى فيه عدم اللحوق و إن كان أحوط بل الأحوط إجراء الحكم المذكور في مطلق مباشرته و لو كان بغير اللسان من سائر الأعضاء حتى وقوع شعره أو عرقه في الإناء.

______________________________

في كفاية غسله بعد إزالة العين بالمرة و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 5: (يجب في الأوانى إذا تنجست بغير الولوغ الغسل ثلاث مرات. إلخ).

لا يخفى انه اختلفت كلمات الأصحاب في تطهير الآنية مما عدا الولوغ.

(فاختار) الشهيد (قده) في اللمعة صب الماء فيها و تفريغه مرتين و لم نقف له على مستند واضح.

(و قيل) بالاكتفاء بالمرة كما عن المعتبر و

البيان و الروض لأصالة البراءة من الزائد و إطلاق الأوامر بالغسل و حصول الامتثال بالمرة و تحقق مسمى الإزالة معها.

(و قيل) بوجوب الثلاث فيما عدا الولوغ مطلقا كما عن الخلاف و المبسوط و النهاية و الصدوق و الإسكافي و الذكرى و الدروس، و لا يخلو من قوة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 513

..........

______________________________

لاستصحاب بقاء النجاسة و توقف يقين البراءة عليه (و للموثق) الصادقي المروي في التهذيب عن عمار سئل عن الكوز و الإناء يكون قذرا كيف يغسل؟ و كم مرة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث مرات يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك الماء. ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه و قد طهر- الى أن قال- و قال: اغسل الإناء الذي يصاب فيه الجرذ ميتا سبع مرات (و في الموثق) المروي في الكافي عن عمار عن الصادق عليه السّلام في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر قال: تغسله ثلاث مرات، سئل أ يجزيه أن يصب فيه الماء؟ قال: لا يجزيه حتى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرات.

(هذا) و لا فرق في الآنية بين المثبتة و غيرها عملا بالإطلاق. و لو ملي ء الإناء كفى إفراغه عن تحريكه و يكفي في التفريغ مطلقا وقوعه بآلة بشرط عدم إعادتها قبل تطهيرها لنجاسة الغسالة.

(و اما) في ولوغ الكلب فيجب أن يغسل بالتراب أو لا ثم بالماء مرتين عند الأكثر، و عن الغنية الإجماع عليه كما في (الصحيح) المروي في المعتبر عن البقباق عن الصادق عليه السّلام أنّه قال: في الكلب رجس نجس لا تتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أول

مرة ثم بالماء مرتين (و في الفقه الرضوي) إذا ولغ الكلب في الماء أو شرب منه أهريق الماء و غسل الإناء ثلاث مرات مرة بالتراب و مرتين بالماء ثم يجفف، و لفظ مرتين ليست في كتب الحديث المتداولة و أن نقله في المعتبر و كفى به ناقلا مع اعتضاده بما في الفقه الرضوي. قال الفاضل الهندي: و في الانتصار و الخلاف و جمل العلم و العمل إحداهن بالتراب، و في الوسيلة. إحداهن بالتراب و روى وسطاهن، و في الفقيه و المقنع: مرة بالتراب و مرتين بالماء، و في موضعين من المقنعة: أن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 514

[ (مسألة 6) يجب في ولوغ الخنزير غسل الإناء سبع مرات]

(مسألة 6) يجب في ولوغ الخنزير غسل الإناء سبع مرات (1) و كذا في موت الجرذ و هو الكبير من الفأرة البرية و الأحوط في الخنزير التعفير قبل السبع أيضا لكن الأقوى عدم وجوبه.

______________________________

وسطاهن بالتراب، و في الانتصار و الغنية: الإجماع على وجوب مسحه بالتراب و غسلتين بالماء، و الإسكافي أوجب في ولوغ الكلب السبع إحداهن بالتراب (للموثق) المروي عن عمار عن الصادق عليه السّلام قال: يغسل من الخمر سبعا و كذلك من الكلب (و غيره) المروي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أولاهن بالتراب (و فيه) أنه لا يقاوم ما تقدم و أن كان أحوط.

قوله قده مسألة 6: (يجب في ولوغ الخنزير غسل الإناء سبع مرات. إلخ)

هذا هو الأشهر بين المتأخرين كما في (الصحيح) المروي في التهذيب عن على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال سألته عن خنزير يشرب من إناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرات، و قد اكتفى

بعضهم كالمحقق في المعتبر بالثلاث و جعل الزائد مستحبا، و فيه أن الصحيح لا معارض له و به تقيد الإطلاقات (و المراد) بالولوغ شرب الكلب أو الخنزير بطرف لسانه أو إدخال لسانه في الإناء و تحريكه و مورد الأخبار شربه من الماء، (و هل) يجرى عرقه و سائر رطوباته و اجزائه و فضلاته مجرى لعابه؟ اشكال (و هل) يكفى التعفير بالتراب فقط كما هو الأشهر لظاهر النصوص؟ أم لا بد من مزجه بالماء حتى يحصل شبه الغسل المعبر به في الأخبار؟ كما عن الحلي و الفاضلان وجهان أقواهما الأوّل، و في اشتراط طهارة التراب و أجزاء الأشنان و نحوه عنه مع فقده قولان.

(و اما غسل) الإناء سبعا من موت الجرذ- بالجيم و الراء المهملة و الذال

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 515

..........

______________________________

المعجمة على ما في المجمع- كعمر الذكر من الفير أن يكون في الفلوات و هو أعظم من اليربوع أكدر في ذنبه سواد، و عن الجاحظ الفرق بين الجرذ و الفارة كالفرق بين الجواميس و البقر، و البخاتي و العراب، و الجمع جرذان بالكسر كغلمان- هو المشهور كما نسب إليهم و الحجة على ذلك (موثقة) عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أغسل الإناء الذي يصاب فيه الجرذ ميتا سبع مرات (و قيل) ثلاثا كما في الشرائع و النافع و كشف الرموز على ما حكى عنه و لا يعرف له مستند يعتد به كما اعترف به غير واحد (نعم) حكى عن بعضهم ان عليه رواية لكن لم يثبت ورودها فيه بالخصوص، بل قد يغلب على الظن أن يكون المراد بها الموثقة المتقدمة الواردة في غسل الإناء من مطلق النجاسات، فالقول باعتبار الثلاث

فيه و كفاية الواحدة في غيره ضعيف، كضعف القول بكونه كسائر النجاسات من كفاية الغسل فيه مرة، استضعافا لرواية السبع و منع صلاحيتها لإثبات مثل هذا الحكم التعبدي و تقييد ما دل على كفاية الغسل في سائر النجاسات، و خصوص موثقة عمار المتقدمة في كيفية غسل الإناء، مع ما في هذه الرواية من الاستبعاد من عدم كون الحكم تعبديا محضا، و عدم خصوصية للإناء مقتضية لهذه المرتبة من التكرير، مع انه لم يجب مثلها لما هو أعظم منه نجاسة كموت الكلب و الخنزير و نحوهما، فهذا النحو من الاستبعاد مانع من ظهور الرواية في الوجوب و من صلاحيتها لتقييد غيرها من الأدلة، هذا و الأشبه بالقواعد هو الجمود على ظاهر النص في الأحكام التوقيفية و عدم الالتفات إلى مثل الاستبعادات المذكورة و أن كانت مورثه للظن بعدم إرادة الوجوب من الرواية، إذ لا اعتماد على مثل هذا الظن الغير المستند الى دليل معتبر، كما قال بعض الأساطين: و أما الخدشة في مثل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 516

[ (مسألة 7) يستحب في ظروف الخمر الغسل سبعا]

(مسألة 7) يستحب في ظروف الخمر الغسل سبعا (1) و الأقوى كونها كسائر الظروف في كفاية الثلاث.

______________________________

هذه الرواية الموثقة المعمول بها بضعف السند فليست من دأبنا، فالأقوى وجوب السبع من موت الجرذ، نعم لو قيل بحجية نقل الإجماع المنقول اتجه الالتزام بكفاية الثلاث و تنزيل الأمر بالسبع في الرواية على أنه أفضل كما هو الشأن في إناء الخمر، لما حكى عن الشيخ في الخلاف من دعوى الإجماع على طهارة الإناء بغسله ثلاثا من جميع النجاسات عدا الولوغ، لكنك عرفت مرارا ضعف المبنى فالأقوى ما عرفت و اللّه العالم. انتهى.

قوله قده مسألة 7: (يستحب في ظروف

الخمر الغسل سبعا. إلخ)

مدرك الاستحباب المذكور (موثقة) عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الإناء يشرب فيه النبيذ قال: يغسل سبع مرات و كذا الكلب، و اما مدرك اقوائية الثلاث كسائر الظروف (فموثقة) عمار الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خل أو ماء كامخ؟ قال:

إذا غسل فلا بأس، و عن الإبريق و غيره يكون فيه الخمر أ يصلح أن يكون فيه ماء؟ قال: إذا غسل فلا بأس، و قال: في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر قال: تغسله ثلاث مرات، و سئل أ يجزيه أن يصب فيه الماء؟ قال: لا يجزيه حتى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرات، فيتقيد بهذه الموثقة إطلاق الأخبار الكثيرة الدالة على جواز استعمال أواني الخمر بعد غسلها الصادق بالمرة كما اكتفى به بعضهم، و لا يعارض هذه الموثقة الموثقة المتقدمة الآمرة بالسبع، لقبول تلك الموثقة للتوجيه بالحمل على الاستحباب كما يؤيده ما فيها من تشبيه الكلب به، مع ان الغسل سبعا من الكلب ليس إلا على سبيل الاستحباب.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 517

[ (مسألة 8) التراب الذي يعفر به يجب أن يكون طاهرا]

(مسألة 8) التراب الذي يعفر به يجب أن يكون طاهرا قبل الاستعمال. (1)

[ (مسألة 9) إذا كان الإناء ضيقا لا يمكن مسحه بالتراب]

(مسألة 9) إذا كان الإناء ضيقا (2) لا يمكن مسحه بالتراب فالظاهر كفاية جعل التراب فيه و تحريكه الى أن يصل الى جميع أطرافه، و اما إذا كان مما لا يمكن فيه ذلك فالظاهر بقاؤه على النجاسة أبدا إلا عند من يقول بسقوط التعفير في الغسل بالماء الكثير.

[ (مسألة 10) لا يجري حكم التعفير في غير الظروف]

(مسألة 10) لا يجري حكم التعفير في غير الظروف (3) مما تنجيس بالكلب و لو بماء ولوغه أو بلطعه، نعم لا فرق بين أقسام الظروف في وجوب التعفير حتى مثل الدلو لو شرب الكلب منه بل و القربة و المطهرة و ما أشبه ذلك.

[ (مسألة 11) لا يتكرر التعفير بتكرر الولوغ]

(مسألة 11) لا يتكرر التعفير بتكرر الولوغ (4) من كلب واحد أو أزيد

______________________________

قوله قده مسألة 8: (التراب الذي يعفر به يجب أن يكون طاهرا قبل الاستعمال. ا ه).

تقدم منا ان في اشتراط طهارته اشكال لإطلاق الأخبار المتلوة عليك عن قريب، نعم لا إشكال في أنه أحوط لليقين بالفراغ بعد اليقين بالشغل.

قوله قده مسألة 9: (إذا كان الإناء ضيقا. إلخ).

نعم يلزم تحريك التراب فيه حركة عنيفة ليقوم مقام مسحه به.

قوله قده مسألة 10: (لا يجرى حكم التعفير في غير الظروف. إلخ)

و مدركه جريا مع الدليل و مقدار دلالته سعة و ضيقا، و الدليل فيما نحن فيه لم يدل على أزيد من اعتبار ذلك في الظروف لا غير كما يدل عليه قوله عليه السّلام: و أصبب ذلك الماء، و صراحة ما في الفقه الرضوي من قوله عليه السّلام و اغسل الإناء، و كذلك النبوي قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم الحديث.

قوله قده مسألة 11: (لا يتكرر التعفير بتكرر الولوغ. إلخ)

عدم تكرر التعفير كعدم تكرر الغسل، و ذلك لعدم تأثير الولوغ على

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 518

بل يكفي التعفير مرة واحدة.

[ (مسألة 12) يجب تقديم التعفير على الغسلتين]

(مسألة 12) يجب تقديم التعفير على الغسلتين فلو عكس لم يطهر. (1)

[ (مسألة 13) إذا غسل الإناء بالماء الكثير لا يعتبر فيه التثليث]

(مسألة 13) إذا غسل الإناء بالماء الكثير (2) لا يعتبر فيه التثليث بل يكفي مرة واحدة حتى في إناء الولوغ، نعم الأحوط عدم سقوط التعفير فيه بل لا يخلو عن قوة و الأحوط التثليث حتى في الكثير.

[ (مسألة 14) في غسل الإناء بالماء القليل يكفي صب الماء فيه]

(مسألة 14) في غسل الإناء بالماء القليل (3) يكفي صب الماء فيه و إدارته الى

______________________________

الولوغ لعدم تنجس المتنجس.

قوله قده مسألة 12: (يجب تقديم التعفير على الغسلتين فلو عكس لم يطهر. انتهى).

مستند الحكم المذكور أعنى تقديم الغسلة الترابية على الغسلتين المائيتين (صحيحة) البقباق المتقدمة عن الصادق عليه السّلام، و لكن حيث صرح آخرون باعتبار كونها وسطاهن كما تقدم نقله عن موضعين من المقنعة مع نقل الوسيلة أن على ذلك رواية و أن كانت مرسلة لا تقاوم الصحيح، فالأحوط غسله بالتراب مرتين أولا و وسطا أو غسلة ترابية واحدة متوسطة بين غسلة مائية متقدمة و غسلتين مائيتين متأخرتين و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 13: (إذا غسل الإناء بالماء الكثير. إلخ).

مدرك عدم سقوط التعفير فيه الأصل و إطلاق النص و معاقد الإجماعات، و كذلك عدم سقوط العدد، سواء الكثير الراكد و الجاري للأصل أيضا، و إطلاق دليل التعدد من النص على رواية المعتبر و معاقد الإجماعات.

قوله قده مسألة 14: (في غسل الإناء بالماء القليل. إلخ).

مدرك ما ذكره صدق الغسل في الصورتين المذكورتين أعنى صب الماء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 519

أطرافه ثم صبه على الأرض ثلاث مرات كما يكفي أن يملأه ماءا ثم يفرغه ثلاث مرات.

[ (مسألة 15) إذا شك في متنجس أنه من الظروف]

(مسألة 15) إذا شك في متنجس أنه من الظروف حتى يعتبر غسله ثلاث مرات أو غيره حتى يكفي فيه المرة فالظاهر كفاية المرة (1).

______________________________

فيه و إدارته إلى أطرافهم ثم إفراغه منه و هكذا ثلاثا، أو صبه فيه الى أن يمتلى ء ثم إفراغه منه و هكذا ثلاثا.

قوله قده مسألة 15: (إذا شك في متنجس أنه من الظروف حتى يعتبر غسله ثلاث مرات أو غيره حتى يكفي فيه المرة فالظاهر كفاية المرة.

انتهى)

لا يخفى أن ما ذكره من كفاية المرة موقوف على بيان أصل المسألة فنقول و به تعالى الاستعانة.

إذا علم بوجود نجاسة مرددة بين ما يفتقر في رفعها الى غسلة واحدة و بين ما يفتقر في رفعها إلى الأكثر لشبهة حكمية كالبول أو غسالته أو غسالة الولوغ بناءا على النجاسة، أو لشبهة موضوعية خارجية (ففي) وجوب الأكثر لاستصحاب كلي النجاسة الذي هو من الثاني (أو كفاية) الأقل لأصالة البراءة الشرعية بل و العقلية على بعض المباني الآتية قولان: أقواهما الثاني و أن كان خلاف المشهور على ما قيل.

و يمكن تقريب البراءة بحيث تكون مقدمة على الاستصحاب بوجوه:

(الأول) أن النجاسة ليست إلا أمرا اعتباريا انتزاعيا يعتبر و ينتزع من التكليف و هو وجوب الغسل و فساد الصلاة فيه و نحو ذلك، كما هو مذهب جماعة، فليس في المقام سوى التكليف و هو وجوب الغسل، و المفروض

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 520

..........

______________________________

كونه مرددا بين الأقل و الأكثر، كما أن المفروض جريان البراءة أما بقسميها و أما خصوص الشرعية في مسألة الأقل و الأكثر و تقديمها على الاستصحاب فلا شبهة فيه.

(الثاني) مبني على مقدمات سواء قلنا بكونها أمرا وضعيا مجعولا كسائر الأحكام الوضعية، أو قلنا بكونها أمرا واقعيا حقيقيا كشف عنه الشارع.

(الأولى) ان النجاسة ذات مراتب شديدة و ضعيفة بدليل اختلاف المزيل و الرافع قلة و كثرة مع كونه من سنخ واحد كلها، فإنه لو لا ذلك لزم الجزاف كما تقرر في محله، و بالجملة انا نتكلم مع من يقول ذلك، أو بناءا عليه (الثانية) أن البراءة الشرعية ترفع جميع الآثار القابلة للرفع أو لا و بالذات، أو ثانيا و بالعرض، و لو برفع منشأ انتزاعه

و سبب حدوثه و ثبوته، عملا بأصالة العموم أولا، و لأنه المناسب للامتنان المطلق ثانيا، و للاستشهاد به من الامام عليه السّلام ثالثا.

(الثالثة) أن البراءة الشرعية بناءا على رفعها تمام الآثار و الأحكام كما تقدم، تكون حاكمة على أدلة الأحكام الواقعية الثابتة لموضوعاتها بعناوينها الواقعية الأولية، لأنها تفيد تحديد الموضوع الذي تجري فيه و تشخيصه و تعيينه، و انه الأقل دون الأكثر، و لو من جهة الدلالة الالتزامية العرفية، وفاقا لأستاذ اساتيذنا الأعظم في كفايته و حاشيته، و ما نقل عنه في بحث درسه.

(إذا تقرر) هذه المقدمات فنقول: أن المرتبة الشديدة الأكيدة من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 521

..........

______________________________

النجاسة غير معلومة لنا و لا مبينة لدينا و قد حجب اللّه تعالى علمها عنا، فهي مرفوعة موضوعة عنا، و نحن في سعة منها، فنفس هذه المرتبة من النجاسة مرفوعة موضوعة عنا غير ثابتة في حقنا، هذا بناءا على كونها أمرا وضعيا مجعولا بنفسه، قابلًا للرفع في مرحلة الظاهر، و أما بناءا على كونها أمرا واقعيا كشف عنه الشارع المقدس فالأمر أظهر بمراتب، لأن الآثار و الأحكام المجعولة لكلي النجاسة أو لخصوص هذه المرتبة الشديدة مرفوعة موضوعة عنا غير ثابتة في حقنا في مرحلة الظاهر كما في سائر موارد جريانها في الأحكام التكليفية، و هذا هو معنى الحكومة العرفية، و حيث ثبت بالبراءة رفعها أو رفع أحكامها فلا وجه لجريان استصحاب كلي النجاسة، إذ لا أثر لها ظاهرا شرعا فرضا، لأنها نقحت و بينت حال الموجود من النجاسة و كونه المرتبة الضعيفة دون الشديدة أو دون الجامع بينهما أو أن الثابت من الأحكام انما هو أحكام المرتبة الضعيفة خاصة. و هو وجوب الغسل مرة واحدة

دون أحكام الأكثر و دون الجامع، هذا و غاية ما يمكن أن يقال على هذا الوجه أمور:

(الأول) أن هذا حسن متين لو كان اختلاف مراتب النجاسة شدة و ضعفا موجبا لأن يكون الحكم الثابت للمرتبة الشديدة الكيدة ثابتا لجميع المراتب الضعيفة التي تكون في ضمنها و منبثا عليها، بحيث يكون منحلا إلى أحكام متعددة و تكون تلك المرتبة ذات مراتب أيضا على وجه إذا حصل بعض المزيل لها يرتفع بعض منها و يبقى بعض آخر، لكنه غير ثابت لجواز أن يكون ثمة مرتبة واحدة بسيطة لا ترتفع إلا دفعة واحدة آنية بمجموع المزيل أو الجزء الأخير منه، بان يكون ما عداه مقدمة إعدادية كما في الحدث

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 522

..........

______________________________

كما انه ليس ثمة سوى حكم واحد بسيط متعلق بها كما فيه أيضا، و معه فلا يجدي ما ذكر نفعا.

(و فيه أولا) انه لا فرق بين المبنيين فيما ذكرناه، لأنا نتكلم بناءا على اختلاف مراتب النجاسة، و أن اختلاف المزيل قلة و كثرة لا يكون إلا لاختلافها، و أن البراءة ترفع المرتبة الشديدة الأكيدة أو ترفع حكمها، أو أنها تنفي ما عداها عرفا، و حينئذ نقول: ان النجاسة الدمية فيما نحن فيه المحتمل في مزيلها المرة و المرتان المستلزم لترددها بين المرتبة الشديدة و الضعيفة جزما إذا حكم الشارع بأنها ليست من المرتبة الشديدة الأكيدة، و انما هي من المرتبة الضعيفة موضوعا أو حكما على الوجهين، و المفروض أن الضعيفة يكفي فيها المرأة و أن كان على تقدير كون الثابت في الواقع و نفس الأمر المرتبة الشديدة الأكيدة لم يرتفع بعضها بالغسل مرة جزما كما في كل ارتباطيين، فأي أثر لاستصحاب كلي

النجاسة في المقام حتى يجرى فيه؟

(و ثانيا) النقض بكل ارتباطي، فإن ما ذكر جار فيه بعينه، و بعبارة اخرى انه لو تم فهو مشترك الورود فان المورد يجرى البراءة في غير ما نحن فيه فلا خصوصية للمورد.

(و ثالثا) أن ما نحن فيه من الثاني.

و يدل عليه (أولا) قاعدة الميسور، لصدق الميسور على الأقل فيما لو تعذر الأكثر عرفا و جريانها فيه كاشف عن كون النجاسة ترتفع شيئا فشيئا بمقدار ما يوجد من المزيل، و إلا لزم الجزاف في إيجاب الميسور كما لا يخفى.

(و ثانيا) ما يظهر من بعض الروايات (و ثالثا) أنه لو لم تكن كذلك لما وجب الإتيان بالأقل عند تعذر الأكثر المفروض أن الفتوى على وجوبه (الثاني) انه حيث لم يكن اختلاف المراتب مستلزما لتضعيف النجاسة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 523

..........

______________________________

و تخفيفها ببعض المزيل الشرعي يكون استصحاب كلي النجاسة جاريا فيما نحن فيه، لأنه يكون من القسم الثاني دون الثالث، كما يكون منه على المبنى الآخر و هو مانع من جريان البراءة من أول الأمر.

(و فيه) ان هذا حسن متين لو قلنا بجريان البراءة فعلا لعدم جريان استصحاب كلي النجاسة ذاتا و موضوعا لكونه من الثالث، و ليس كذلك، بل لأجل حكومتها بالتقريب المتقدم و أن كان من الثاني لعدم التفاوت.

(الثالث) أن أدلة البراءة لا تعرض لها لحكم حال عدم النجاسة و رفعها و زوالها كما هو الشأن في كل حكم بالنسبة إلى موضوعه، فإنه لا تعرض له لحكم حال عدمه و زواله، و حيث كان الأمر كذلك فاستصحاب كلي النجاسة مجديا بالنسبة إلى حكم المزيل و كونه الأكثر.

(و فيه) منع الصغرى ضرورة عدم انطباق الكبرى على ما نحن فيه

ضرورة أن جريان الاستصحاب فرع وجود الأثر الشرعي، و قد عرفت انه لا أثر لكلي النجاسة فضلا عن المرتبة الشديدة الأكيدة بعد فرض نفيها موضوعا أو حكما في مرحلة الظاهر تعبدا، و تنقيح كون الثابت منها انما هو الأقل لما عرفت.

(الثالث) من التقريبات جريان البراءة الشرعية في السبب المزيل للنجاسة دون نفسها كما أفاده أستاذ اساتيذنا الأعظم (قده) بتقريب أن يقال ان مدخلية الغسلة الثانية مثلا في التطهير و جزئيتها أو شرطيتها في المطهر شي ء لم يعلم لنا و لم يبين لدينا و قد حجب علمه عنا فهو مرفوع موضوع عنا، و نحن في سعة منه، فنفس مدخليتها شرطا أو شطرا منفية و لم يجعل في حقنا و لم يثبت لدينا في مرحلة الظاهر، فكل شي ء يجي ء من نجاسة و ترك تكليف أو عقاب أو مؤاخذة فنحن في أمن منه و أمان ببركة قاعدة البراءة الشرعية أن شاء اللّه تعالى.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 524

[ (مسألة 16) يشترط في الغسل بالماء القليل انفصال الغسالة]

(مسألة 16) يشترط في الغسل بالماء القليل انفصال الغسالة (1) على المتعارف ففي مثل البدن و نحوه مما لا ينفذ فيه الماء يكفي صب الماء عليه و انفصال معظم الماء، و في مثل الثياب و الفرش مما ينفذ فيه الماء لا بد من عصره أو ما يقوم مقامه كما إذا داسه برجله أو غمزه بكفه أو نحو ذلك، و لا يلزم انفصال تمام الماء و لا يلزم الفرك و الدلك إلا إذا كان فيه عين النجس أو المتنجس، و في مثل الصابون و الطين و نحوهما مما ينفذ فيه الماء و لا يمكن عصره فيطهر ظاهره بإجراء الماء عليه و لا يضره بقاء نجاسة الباطن على فرض

نفوذها فيه، و اما في الغسل بالماء الكثير فلا يعتبر انفصال الغسالة و لا العصر و لا التعدد و غيره، بل بمجرد غمسه في الماء بعد زوال العين يطهر و يكفي في طهارة أعماقه إن وصلت نجاسة إليها نفوذ الماء الطاهر فيه في الكثير و لا يلزم تجفيفه أولا، نعم لو نفذ فيه عين البول مثلا مع بقائه فيه يعتبر تجفيفه بمعنى عدم بقاء مائيته فيه بخلاف الماء النجس الموجود فيه فإنه بالاتصال بالكثير يطهر فلا حاجة فيه الى التجفيف.

______________________________

هذا ما يمكن من تقريب كفاية المرة، و مع هذا ففي النفس منه شي ء فالأحوط إجراء حكم الأكثر و الأشد ليعلم المزيل لها كما هو المشهور بينهم.

و هو الذي تقدم اختياره منا في المسألة (10) من مسائل فصل تنجس المتنجسات و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 16: (يشترط في الغسل بالماء القليل انفصال الغسالة. إلخ).

لا يخفى أن المشهور توقف تطهير ما يرسب فيه الماء كالثياب و نحوها على العصر. و هو الاجتهاد في إخراج الماء المغسول به من المحل باليد أو كمه أو تغميزه أن غسل بالقليل إلا بول الرضيع فيكفي فيه مجرد الصب كما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 525

..........

______________________________

تقدم لأن النجاسة ترسب في الثوب فلا تزول إلا بالعصر. و لأن الغسل انما يتحقق في الثوب و نحوه بالعصر و بدونه يكون صبا لا غسلا. و بان الماء ينجس بملاقاة، الثوب فتجب إزالته بقدر الإمكان (و لصحيحة) البقباق عن الصادق عليه السّلام قال: إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله. و ان مسه جافا فاصبب عليه الماء (و رواية) الحسين بن أبي العلاء عنه عليه السّلام قال: سألته عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله

مرتين. و سألته عن الصبي يبول على الثوب قال: تصب عليه الماء قليلا ثم تعصره (خلافا) لبعض المتأخرين فلا يعتبر العصر إلا إذا توقف عليه زوال عين النجاسة كما اختاره في المدارك حاكيا له عن شيخه المحقق لأن دليلهم الأول انما يقتضي وجوب العصر إذا توقف عليه إخراج عين النجاسة و هو لا ريب فيه. و المدعى أعم.

(و يرد) على الثاني أنا لا نسلم دخول العصر في مفهوم الغسل لغة أو عرفا. بل الظاهر تحققه بالصب المشتمل على الاستيلاء و الجريان و الانفصال سواء عصر أم لا. و على الثالث أنه يلزم منه عدم جواز إزالة النجاسة بالقليل مع التمكن من الكثير. و لو سلم فاللازم من ذلك الإكتفاء بما تحصل به الإزالة و أن كان بمجرد الجفاف فلا يتعين العصر.

(و ما قيل) من انا نظن انفصال أجزاء النجاسة مع الماء بالعصر بخلاف الجفاف المجرد (فدعوى) مجردة عن الدليل. على أن الأدلة الدالة على طهارة المحل بالغسل عامة تشمل ما لو كان معه عصر و ما لم يكن. و مقتضاها طهارة الماء المختلف عليه مطلقا. و قد اعترف الأصحاب أيضا بطهارة المختلف في المحل المغسول بعد العصر و أن أمكن إخراجه بعصر ثان أقوى من الأول و الحكم واحد عند التأمل.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 526

..........

______________________________

(و الروايتان) لا دلالة لهما على المدعى (أما الأولى) فلأنها إنما دلت على مغايرة الغسل للصب و لا كلام فيه. و لا يستلزم هذا اعتبار العصر في الغسل (و الثانية) انما تضمنت الأمر بالعصر في بول الصبي. و الظاهر ان المراد به الرضيع. كما يدل عليه الاكتفاء بالصب مع اعتبار المرتين في غيره و هي متروكة عند

الأصحاب. أو محمولة على الاستحباب. أو أن المراد بالعصر ما يتوقف عليه زوال عين النجاسة. و لا ريب أن المشهور أحوط لاستصحاب بقاء النجاسة. بل لا يبعد أن العصر مأخوذ في حقيقة غسل الثياب و نحوها عرفا (و ما في الفقه الرضوي) فإن أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة و من ماء راكد مرتين ثم أعصره (هذا) كله فيما يتعارف عصره.

(و اما) ما لم يتعارف فيه ذلك لعسره أو تعذره لكبره أو غلظته و صلابته كبعض الفرش التي عند اصابة الماء لها تشبه الخشبة في عدم قبولها للعصر أو لثخنه كالوسائد و اللحف و غيرها مما فيه الحشو فلا إشكال في تطهيره بالماء العاصم فإنه يطهر بمجرد نفوذ الماء العاصم فيه و إحاطته به، لما عرفت من ان الأقوى عدم اعتبار العصر في التطهير بالماء العاصم، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بفعل ما يتحقق معه مسمى الغسل العرفي من فرك و دلك و تحريك في الماء و غير ذلك مما يتعارف فعله عند تنظيفه من القذارة الصورية التي تنفصل عنه بسرعة.

(و اما) لو غسل بالماء القليل فلا بد من التحري في استخراج غسالته بتثقيل أو تقليب أو دق أو غير ذلك من المعالجات بحيث لم يبق فيه من غسالته إلا المقدار الذي لا يعتد به عرفا مما ثبت العفو عنه بالإجماع و ضرورة شرع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 527

..........

______________________________

التطهير بالماء القليل.

________________________________________

شبر، سيد على حسينى، العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، 2 جلد، مطبعة النجف، نجف اشرف - عراق، اول، 1383 ه ق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 527

(و اما) ما لا تنفصل عنه الغسالة كالصابون

و الفواكه و الخبز و الحبوب إذا تنقعت في الماء النجس و نحوها، فالمعروف بين المتأخرين أنه لا يطهر بالقليل بل تتوقف طهارته على الغسل في الكثير حتى ينفذ في أعماقه.

(و أشكل) على ذلك بلزوم الحرج و الضرر إذ لا يوجد الكثير في كل وقت و مكان، و بأن ما يتخلف في مثله من الماء ربما كان أقل من المتخلف في الحشايا بعد الدق و التغميز، و قد حكموا بطهارتها بذلك من غير عصر، و بإطلاق الأمر بالغسل الشامل للقليل و الكثير و عدم ثبوت تأثير مثل ذلك في المنع فالطهارة أصح.

(و فيه نظر) قال الفاضل الهندي (ره) في شرح القواعد: و انما يطهر بالغسل بالقليل ما يمكن نزع الماء المغسول به عنه لينزع معه النجاسة، لا ما لا يمكن كالمايعات النجسة و الطين و العجين و الكاغذ و الصابون النجسة و ان أمكن إيصال الماء الى جميع اجزائها بالضرب لبقاء النجاسة فيها و تنجيسها ما يصل إليها من الماء (قال في التذكرة): ما لم يطرح في كر فما زاد أو في ماء جار بحيث يسرى الماء الى جميع اجزائه قبل إخراجه منه، فلو طرح الدهن في ماء كثير و حركه حتى يتخلل الماء أجزاء الدهن بأسرها طهر، و للشافعية قولان، و كذا العجين النجس إذا مزج به حتى صار دقيقا و تخلل الماء جميع أجزائه، و كذا استقرب في نهاية الأحكام طهارة الدهن بذلك، و قطع بها في موضع من المنتهى، و في موضع آخر منه لا يطهر غير الماء من المائعات خلافا للحنابلة. انتهى.

(و المعتمد) ما اختاره المصنف (قده) من عدم طهارة بواطن مثل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 528

[ (مسألة 17) لا يعتبر العصر و نحوه فيما تنجس ببول الرضيع]

(مسألة

17) لا يعتبر العصر و نحوه فيما تنجس ببول الرضيع (1) و إن كان مثل الثوب و الفرش و نحوهما بل يكفي صب الماء عليه مرة على وجه يشمل جميع اجزائه و أن كان الأحوط مرتين لكن يشترط أن لا يكون متغذيا معتادا بالغذاء، و لا يضر تغذيته اتفاقا نادرا، و أن يكون ذكرا لا أنثى على الأحوط، و لا يشترط فيه أن يكون في الحولين بل هو كذلك ما دام بعد وضيعا غير متغذ و إن كان بعدهما كما انه لو صار معتادا بالغذاء قبل الحولين لا يلحقه الحكم المذكور بل هو كسائر الأبوال، و كذا يشترط في لحوق الحكم أن يكون اللبن من المسلمة فلو كان من الكافرة لم يلحقه و كذا لو كان من الخنزيرة.

______________________________

الصابون و الطين و نحوهما مما ينفذ فيه الماء و لا يمكن عصره إلا في الماء الكثير بعد نفوذه فيه.

قوله قده مسألة 17: (لا يعتبر العصر و نحوه فيما تنجس ببول الرضيع. إلخ).

قد مرت المسألة مفصلة فلا نعيدها، نعم ما ذكره من عدم اشتراط كونه في الحولين فيه اشكال، و الأحوط عدم اجراء الحكم عليه بعدهما و ان كان رضيعا غير متغذ بالطعام لانصراف الإطلاق على فرضه لما هو المتعارف مع انه القدر المتيقن و انه الأحوط، و كذلك الإشكال في اشتراط أن يكون اللبن من مسلمة بل إطلاق الأخبار يشمله و غيره، و لذا لا نظن بفقيه استشكل في ابن الكافرة المرتضع من لبنها، فكذا ابن المسلم المرتضع من لبن الكافرة و أن كان ابن كافرة أو مرتضعا منها، نعم الأمر كما ذكره في المرتضع من الخنزيرة لانصراف الإطلاق عن مثله فيرجع فيه الى عمومات تعدد الغسل

من البول و اللّه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 529

[ (مسألة 18) إذا شك في نفوذ الماء النجس في الباطن]

(مسألة 18) إذا شك في نفوذ الماء النجس في الباطن (1) في مثل الصابون و نحوه بنى على عدمه كما انه إذا شك بعد العلم بنفوذه في نفوذ الماء الطاهر فيه بنى على عدمه فيحكم ببقاء الطهارة في الأول و بقاء النجاسة في الثاني.

[ (مسألة 19) قد يقال بطهارة الدهن المتنجس]

(مسألة 19) قد يقال بطهارة الدهن المتنجس (2) إذا جعل في الكر الحار بحيث اختلط معه ثم أخذ من فوقه بعد برودته لكنه مشكل لعدم حصول العلم بوصول الماء الى جميع اجزائه و أن كان غير بعيد إذا على الماء مقدارا من الزمان.

[ (مسألة 20) إذا تنجس الأرز أو الماش]

(مسألة 20) إذا تنجس الأرز (3) أو الماش أو نحوهما يجعل في وصلة (خرقة) و يغمس في الكر، و إن نفذ فيه الماء النجس يصبر حتى يعلم نفوذ الماء الطاهر الى المقدار الذي نفذ فيه الماء النجس، بل لا يبعد تطهيره بالقليل بان يجعل في ظرف و يصب عليه ثم يراق غسالته و يطهر الظرف أيضا بالتبع فلا حاجة الى التثليث فيه و إن كان هو الأحوط، نعم لو كان الظرف أيضا نجسا فلا بد من الثلاث.

______________________________

قوله قده مسألة 18: (إذا شك في نفوذ الماء النجس في الباطن. إلخ)

المرجع في الحكمين المذكورين الى استصحاب طهارة الطاهر المشكوك نفوذ الماء النجس في باطنه في الفرض الأول، و استصحاب نجاسة النجس المعلوم نفوذ الماء النجس في باطنه المشكوك نفوذ الماء الطاهر فيه في الفرض الثاني قوله قده مسألة 19: (قد يقال بطهارة الدهن المتنجس. إلخ).

طهارة الدهن المتنجس مبنية على العلم بنفوذ الماء الطاهر في اجزائه و عدمه قوله قده مسألة 20: (إذا تنجس الأرز. إلخ)

الحكم كما ذكره (قده) من تطهير الأرز و نحوه بالكر و القليل على نحو ما ذكره، و يطهر الظرف تبعا لما يأتي من رواية المركن و هي صحيحة محمد بن مسلم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 530

[ (مسألة 21) الثوب النجس يمكن تطهيره بجعله في طشت]

(مسألة 21) الثوب النجس يمكن تطهيره (1) بجعله في طشت و صب الماء عليه ثم عصره و إخراج غسالته و كذا اللحم النجس و يكفي المرة في غير البول و المرتان فيه إذا لم يكن الطشت نجسا قبل صب الماء و إلّا فلا بد من الثلاث و الأحوط التثليث مطلقا.

[ (مسألة 22) اللحم المطبوخ بالماء النجس أو المتنجس بعد الطبخ يمكن تطهيره في الكثير]

(مسألة 22) اللحم المطبوخ بالماء النجس أو المتنجس (2) بعد الطبخ يمكن تطهيره في الكثير بل القليل إذا صب عليه الماء و نفذ فيه الى المقدار الذي وصل اليه الماء النجس.

______________________________

قوله قده مسألة 21: (الثوب النجس يمكن تطهيره. إلخ).

أما في صورة طهارة الطشت فاعتبار المرة و المرتين بحال المغسول و الطشت يطهر تبعا حسب حال المغسول، إذ هو من آلات التطهير كاليد، فلا حاجة فيه الى التثليث كما يأتي بيانه، و لقول الصادق عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله في المركن مرتين، فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة.

(و اما) في صورة نجاسة الطشت قبل صب الماء فيه فيجب التثليث في المغسول تبعا للطشت المغسول فيه لتنجسه بنجاسته مع لزوم التثليث فيه لفرض نجاسته سابقا قبل صب الماء، و لا يفكك بين طهارة الثوب مع بقاء ظرفه نجسا.

(و أما الاحتياط) في التثليث مطلقا أى سواء كان الظرف طاهرا أو نجسا فلاحتمال أن يكون للظرف حكمه من التثليث مطلقا و أن كان آلة للتطهير، و هو خلاف نص المركن المتقدم الذكر و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 22: (اللحم المطبوخ بالماء النجس أو المتنجس. إلخ).

لا اشكال فيما ذكره من حكم التطهير في المسألة المذكورة.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 531

[ (مسألة 23) الطين النجس اللاصق بالإبريق يطهر بغمسه في الكر]

(مسألة 23) الطين النجس اللاصق بالإبريق (1) يطهر بغمسه في الكر و نفوذ الماء إلى أعماقه و مع عدم النفوذ يطهر ظاهره فالقطرات التي تقطر منه بعد الإخراج من الماء طاهرة و كذا الطين اللاصق بالنعل، بل يطهر ظاهره بالماء القليل أيضا بل إذا وصل الى باطنه بان كان رخوا طهر

باطنه أيضا به.

[ (مسألة 24) الطحين و العجين النجس يمكن تطهيره]

(مسألة 24) الطحين و العجين النجس يمكن تطهيره (2) بجعله خبزا ثم وضعه في الكر حتى يصل الماء الى جميع أجزائه و كذا الحليب النجس بجعله جبنا و وضعه في الماء كذلك.

[ (مسألة 25) إذا تنجس التنور يطهر بصب الماء في أطرافه]

(مسألة 25) إذا تنجس التنور (3) يطهر بصب الماء في أطرافه من فوق الى تحت و لا حاجة فيه الى التثليث لعدم كونه من الظروف فيكفي المرة في غير البول و المرتان فيه و الأولى أن يحفر فيه حفيرة تجتمع الغسالة فيها و طمها بعد ذلك بالطين الطاهر.

[ (مسألة 26) الأرض الصلبة أو المفروشة بالآجر و الحجر تطهر بالماء]

(مسألة 26) الأرض الصلبة (4) أو المفروشة بالآجر و الحجر تطهر بالماء

______________________________

قوله قده مسألة 23: (الطين النجس اللاصق بالإبريق. إلخ).

أيضا لا اشكال فيما ذكره من الحكم في المسألة المفروضة إذا وصل الماء المطلق الى باطنه.

قوله قده مسألة 24: (الطحين و العجين النجس يمكن تطهيره. إلخ)

أيضا لا إشكال في الحكم المذكور في المسألة المفروضة.

قوله قده مسألة 25: (إذا تنجس التنور. إلخ)

أيضا لا إشكال في الحكم المزبور في المسألة المذكورة.

قوله قده مسألة 26: (الأرض الصلبة. إلخ)

لا إشكال في الحكم المزبور في الأرض الصلبة أو المفروشة بالآجر في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 532

القليل إذا أجرى عليها لكن مجمع الغسالة يبقى نجسا، و لو أريد تطهير بيت أو سكة فإن أمكن إخراج ماء الغسالة بأن كان هناك طريق لخروجه فهو، و إلا يحفر حفيرة ليجتمع فيها ثم يجعل فيها الطين الطاهر كما ذكر في التنور، و أن كانت الأرض رخوة بحيث لا يمكن اجراء الماء عليها فلا تطهر إلا بإلقاء الكر أو المطر أو الشمس، نعم إذا كانت رملا يمكن تطهير ظاهرها بصب الماء عليها و رسوبه في الرمل فيبقى الباطن نجسا بماء الغسالة و إن كان لا يخلو عن اشكال من جهة احتمال عدم صدق انفصال الغسالة.

[ (مسألة 27) إذا صبغ ثوب بالدم لا يطهر ما دام يخرج منه الماء الأحمر]

(مسألة 27) إذا صبغ ثوب بالدم (1) لا يطهر ما دام يخرج منه الماء الأحمر، نعم إذا صار بحيث لا يخرج منه طهر بالغمس في الكر أو الغسل بالماء القليل، بخلاف ما إذا صبغ بالنيل النجس فإنه إذا نفذ فيه الماء في الكثير بوصف الإطلاق يطهر و إن صار مضافا أو متلونا بعد العصر كما مر سابقا.

[ (مسألة 28) فيما يعتبر فيه التعدد لا يلزم توالي الغسلتين]

(مسألة 28) فيما يعتبر فيه التعدد لا يلزم توالي (2) الغسلتين أو الغسلات

______________________________

كيفية ما ذكره في تطهيرها، نعم ما استشكله في آخر المسألة في الأرض الرخوة من عدم طهارتها من جهة احتمال عدم صدق انفصال الغسالة لا إشكال في طهارتها بالعملية المزبورة لصدق الانفصال بلا أشكال.

قوله قده مسألة 27: (إذا صبغ ثوب بالدم. إلخ).

إطلاق عبارته (قده) بل ظهورها تدل على طهارة الثوب المصبوغ بالدم إذا صار بحيث لا يخرج منه الماء الأحمر و ان بقي لونه، بناءا على ما تقدم منه من عدم الاعتبار ببقاء اللون كالرائحة، و قد تقدم منا الإشكال في العفو عن مثله لعدم دليل و أف يدل عليه.

قوله قده مسألة 28: (فيما يعتبر فيه التعدد لا يلزم توالى. إلخ)

مدرك عدم اعتبار توالى الغسلات إطلاق دليلها، و التقييد يحتاج

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 533

فلو غسل مرة في يوم و مرة أخرى في يوم آخر كفى، نعم يعتبر في العصر الفورية بعد صب الماء على الشي ء المتنجس.

[ (مسألة 29) الغسلة المزيلة للعين بحيث لا يبقى بعدها شي ء منها تعد من الغسلات]

(مسألة 29) الغسلة المزيلة للعين (1) بحيث لا يبقى بعدها شي ء منها تعد من الغسلات فيما يعتبر فيه التعدد فتحسب مرة بخلاف ما إذا بقي بعدها شي ء من اجزاء العين فإنها لا تحسب، و على هذا فإن أزال العين بالماء المطلق فيما يجب فيه مرتان كفى غسله مرة أخرى و أن أزالها بماء مضاف يجب بعده مرتان أخريان

[ (مسألة 30) النعل المتنجسة تطهر بغمسها في الماء الكثير]

(مسألة 30) النعل المتنجسة تطهر بغمسها (2) في الماء الكثير و لا حاجة فيها الى العصر لا من طرف جلدها و لا من طرف خيوطها، و كذا البارية بل في الغسل بالماء القليل أيضا كذلك لان الجلد و الخيط ليسا مما يعصر و كذا الحزام من الجلد كان فيه خيط أو لم يكن.

______________________________

الى الدليل.

قوله قده مسألة 29: (الغسلة المزيلة للعين. إلخ)

لا إشكال في عد الغسلة المزيلة للعين من الغسلات لإطلاق دليل المرة و المرتين و الأكثر، نعم قيل و القائل (الفاضل) في القواعد و غيره يستحب الاستظهار في الإزالة لكل نجاسة بتثنية الغسل و تثليثه بعد ازالة العين لما تقدم في اخبار البول من المرتين، مع ما يشعر به قول الصادق عليه السّلام للحسين بن أبى العلاء صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء، و فيه نظر.

قوله قده مسألة 30: (النعل المتنجسة تطهر بغمسها. إلخ).

الحكم كما ذكره من طهارة الجلد و الخيط في صورة عدم رسوب النجاسة فيهما، و اما مع رسوب النجاسة فيهما فيشكل الحكم بطهارتهما، بل المنع الظهر.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 534

[ (مسألة 31) الذهب المذاب و نحوه من الفلزات]

(مسألة 31) الذهب المذاب و نحوه (1) من الفلزات إذا صب في الماء النجس أو كان متنجسا فأذيب ينجس ظاهره و باطنه و لا يقبل التطهير إلا ظاهره، فاذا أذيب ثانيا بعد تطهير ظاهره تنجس ظاهره ثانيا، نعم لو احتمل عدم وصول النجاسة الى جميع أجزائه و أن ما ظهر منه بعد الذوبان الأجزاء الطاهرة يحكم بطهارته، و على أى حال بعد تطهير ظاهره لا مانع من استعماله و إن كان مثل القدر من الصفر.

[ (مسألة 32) الحلي الذي يصوغه الكافر إذا لم يعلم ملاقاته له مع الرطوبة يحكم بطهارته]

(مسألة 32) الحلي الذي يصوغه الكافر (2) إذا لم يعلم ملاقاته له مع الرطوبة يحكم بطهارته و مع العلم بها يجب غسله و يطهر ظاهره و أن بقي باطنه على النجاسة إذا كان متنجسا قبل الإذابة.

[ (مسألة 33) النبات المتنجس يطهر بالغمس في الكثير]

(مسألة 33) النبات المتنجس (3) يطهر بالغمس في الكثير بل و الغسل بالقليل إذا علم جريان الماء عليه بوصف الإطلاق و كذا قطعة الملح، نعم لو صنع النبات من السكر المتنجس أو انجمد الملح بعد تنجسه مائعا لا يكون حينئذ قابلًا للتطهير.

______________________________

قوله قده مسألة 31: (الذهب المذاب و نحوه. إلخ)

دخول الماء النجس في أعماق الفلزات المذابة مشكل، و على كل فان علم دخوله في أعماقها فيبقى باطنها على النجاسة و يطهر ظاهرها بعد تطهيره، و إلا فيحكم بطهارة ظاهرها و باطنها.

قوله قده مسألة 32: (الحلي الذي يصوغه الكافر. إلخ).

الحكم كما ذكره لقاعدة الطهارة.

قوله قده مسألة 33: (النبات النجس. إلخ)

تقدم كفاية إطلاق الماء قبل إجرائه على النجاسة و لا يضر إضافته بعد إجرائه، كما تقدم في اعتبار طهارة الماء.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 535

[ (مسألة 34) الكوز الذي صنع من طين نجس]

(مسألة 34) الكوز الذي صنع (1) من طين نجس أو كان مصنوعا للكافر يطهر ظاهره بالقليل و باطنه أيضا إذا وضع في الكثير فنفذ الماء في أعماقه.

[ (مسألة 35) اليد الدسمة إذا تنجست تطهر في الكثير و القليل]

(مسألة 35) اليد الدسمة إذا تنجست (2) تطهر في الكثير و القليل إذا لم يكن لدسومتها جرم و إلا فلا بد من إزالته أولا، و كذا اللحم الدسم و الألية فهذا المقدار من الدسومة لا يمنع من وصول الماء.

[ (مسألة 36) الظروف الكبار التي لا يمكن نقلها]

(مسألة 36) الظروف الكبار (3) التي لا يمكن نقلها كالحب المثبت في الأرض و نحوه إذا تنجست يمكن تطهيرها بوجوه (أحدها) أن تملأ ماءا ثم تفرغ ثلاث مرات (الثاني) ان يجعل فيها الماء ثم يدار الماء إلى أطرافها بإعانة اليد أو غيرها ثم يخرج منها ماء الغسالة ثلاث مرات (الثالث) ان يدار الماء إلى أطرافها مبتدأ بالأسفل إلى الأعلى ثم يخرج الغسالة المجتمعة ثلاث مرات (الرابع) ان يدار كذلك لكن من أعلاها إلى الأسفل ثم يخرج ثلاث مرات، و لا يشكل بان الابتداء من أعلاها يوجب اجتماع الغسالة في أسفلها قبل أن يغسل و مع اجتماعها لا يمكن ادارة الماء في أسفلها و ذلك لان المجموع يعد غسلا واحدا فالماء الذي ينزل من الأعلى يغسل كلما جرى عليه إلى الأسفل و بعد الاجتماع بعد المجموع غسالة، و لا يلزم تطهير آلة

______________________________

قوله قده مسألة 34: (الكوز الذي صنع. إلخ)

لا اشكال فيما ذكره من الحكم.

قوله قده مسألة 35: (اليد الدسمة إذا تنجست. إلخ)

الحكم كما ذكره في صورة عدم كون الدسومة لها جرم لصدق غسل اليد عرفا و عدم الحاجب.

قوله قده مسألة 36: (الظروف الكبار. إلخ)

الحكم كما ذكره من كيفية التطهير بصورة الأربعة.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 536

إخراج الغسالة كل مرة و ان كان أحوط و يلزم المبادرة إلى إخراجها عرفا في كل غسلة لكن لا يضر الفصل بين الغسلات الثلاث و القطرات التي تقطر من

الغسالة فيها لا بأس بها، و هذه الوجوه تجري في الظروف غير المثبتة أيضا و تزيد بإمكان غمسها في الكر أيضا، و مما ذكرنا يظهر حال تطهير الحوض أيضا بالماء القليل.

[ (مسألة 37) في تطهير شعر المرأة و لحية الرجل]

(مسألة 37) في تطهير شعر المرأة (1) و لحية الرجل لا حاجة الى العصر و ان غسلا بالقليل لانفصال معظم الماء بدون العصر.

[ (مسألة 38) إذا غسل ثوبه المتنجس ثم رأى بعد ذلك فيه شيئا من الطين أو من دقاق الأشنان]

(مسألة 38) إذا غسل ثوبه المتنجس (2) ثم رأى بعد ذلك فيه شيئا من الطين أو من دقاق الأشنان الذي كان متنجسا لا يضر ذلك بتطهيره بل يحكم بطهارته أيضا لانغساله بغسل الثوب.

[ (مسألة 39) في حال اجراء الماء على المحل النجس]

(مسألة 39) في حال اجراء الماء على المحل النجس (3) من البدن أو الثوب

______________________________

قوله قده مسألة 37: (في تطهير شعر المرأة. إلخ)

الحكم كما ذكره، إذ ليس الغرض من العصر إلا انفصال ماء الغسالة، و لا موضوعية للعصر من حيث انه عصر، فلو انفصال الماء بذاته كالأجسام الصيقلية كفى.

قوله قده مسألة 38: (إذا غسل ثوبه المتنجس. إلخ)

فيما ذكره من الحكم بطهارة الثوب و طهارة الطين و الأشنان لانغساله بغسل الثوب اشكال للشك في انغساله بغسله بالقليل مع رسوب النجاسة في أعماقه فتستصحب بنجاستهما المستلزمة لسرايتها الى الثوب فعليه يلزم اعادة الغسل.

قوله قده مسألة 39: (في حال اجراء الماء على المحل النجس. إلخ)

الحكم كما ذكره في هذه المسألة للعلة التي ذكرها من عد المغسول واحدا عرفا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 537

إذا وصل ذلك الماء الى ما اتصل به من المحل الطاهر على ما هو المتعارف لا يلحقه حكم ملاقي الغسالة حتى يجب غسله ثانيا بل يطهر المحل النجس بتلك الغسلة، و كذا إذا كان جزء من الثوب نجسا فغسل مجموعه فلا يقال أن المقدار الطاهر تنجس بهذه الغسلة فلا تكفيه، بل الحال كذلك إذا ضم مع المتنجس شيئا آخر طاهرا و صب الماء على المجموع فلو كان واحد من أصابعه نجسا فضم إليه البقية و اجرى الماء عليها بحيث وصل الماء الجاري على النجس منها إلى البقية ثم انفصل تطهر بطهره، و كذا إذا كان زنده نجسا فأجرى الماء عليه فجرى

على كفه ثم انفصل فلا يحتاج الى غسل الكف لوصول ماء الغسالة إليها و هكذا، نعم لو طفر الماء من المتنجس حين غسله على محل طاهر من يده أو ثوبه يجب غسله بناءا على نجاسة الغسالة و كذا لو وصل بعد ما انفصل عن المحل الى طاهر منفصل، و الفرق ان المتصل بالمحل النجس يعد معه مغسولا واحدا بخلاف المنفصل.

[ (مسألة 40) إذا أكل طعاما نجسا فما يبقى منه بين أسنانه]

(مسألة 40) إذا أكل طعاما نجسا (1) فما يبقى منه بين أسنانه باق على نجاسته و يطهر بالمضمضة، و اما إذا كان الطعام طاهرا فخرج دم من بين أسنانه فان لم يلاقه لا يتنجس و إن تبلل بالربق الملاقي الدم لان الربق لا يتنجس بذلك الدم، و ان لاقاه ففي الحكم بنجاسته اشكال، من حيث انه لاقى النجس في الباطن، لكن الأحوط الاجتناب عنه لان القدر المعلوم أن النجس في الباطن لا ينجس ما يلاقيه مما كان في الباطن لا ما دخل اليه من الخارج، فلو كان في أنفه نقطة دم لا يحكم

______________________________

قوله قده مسألة 40: (إذا أكل طعاما نجسا. إلخ).

لا اشكال فيما ذكره من الحكم فيها.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 538

بتنجس باطن الفم و لا بتنجس رطوبته بخلاف ما إذا أدخل إصبعه فلاقته فان الأحوط غسله.

[ (مسألة 41) آلات التطهير كاليد]

(مسألة 41) آلات التطهير كاليد (1) و الظرف الذي يغسل فيه تطهر بالتبع فلا حاجة الى غسلها و في الظرف لا يجب غسله ثلاث مرات بخلاف ما إذا كان نجسا قبل الاستعمال في التطهير فإنه يجب غسله ثلاث مرات كمامر.

[ (الثاني) من المطهرات الأرض]

(الثاني) من المطهرات الأرض (2) و هي تطهر باطن القدم و النعل بالمشي عليها أو المسح بها بشرط زوال عين النجاسة أن كانت و الأحوط الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الأرض النجسة دون ما حصل من الخارج، و يكفي مسمى المشي أو المسح و إن كان الأحوط المشي خمس عشرة خطوة و في كفاية مجرد المماسة من دون مسح أو مشي اشكال، و كذا في مسح التراب عليها، و لا فرق في الأرض بين التراب و الرمل و الحجر الأصلي بل الظاهر كفاية المفروشة بالحجر بل بالآجر و الجص و النورة، نعم يشكل كفاية المطلي بالقير أو المفروش باللوح من الخشب مما لا يصدق عليه اسم الأرض و لا إشكال في عدم كفاية المشي على الفرش و الحصير و البواري و على الزرع و النباتات إلا أن يكون النبات قليلا بحيث

______________________________

قوله قده مسألة 41: (آلات التطهير كاليد. إلخ)

أيضا لا إشكال فيما ذكره من الحكم فيها.

قوله قده: (الثاني من المطهرات: الأرض. إلخ)

الذي يدل على الحكم المذكور بعد عدم الخلاف على الظاهر في أصل الحكم: الصحاح الآتية و غيرها ففي (النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهور هما التراب (و في آخر): إذا وطئ أحدكم بنعليه الأذى فان التراب له طهور، (و في الصحيح) الزراري الباقرى عليه السّلام: رجل وطئ

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 539

لا يمنع

عن صدق المشي على الأرض، و لا يعتبر أن تكون في القدم أو النعل رطوبة و لا زوال العين بالمسح أو المشي و إن كان أحوط، و يشترط طهارة الأرض و جفافها، نعم الرطوبة غير المسرية غير مضرة، و يلحق بباطن القدم و النعل حواشيهما بالمقدار المتعارف مما يلتزق بهما من الطين و التراب حال المشي، و في إلحاق ظاهر القدم أو النعل بباطنهما إذا كان يمشي بهما لاعوجاج في رجله وجه قوي و إن كان لا يخلو عن اشكال، كما ان إلحاق الركبتين و اليدين بالنسبة الى من يمشى عليهما أيضا مشكل، و كذا نعل الدابة و كعب عصا الأعرج و خشبة الأقطع، و لا فرق في النعل بين أقسامها من المصنوع من الجلود و القطن و الخشب و نحوها مما هو متعارف و في الجورب إشكال إلا إذا تعارف لبسه بدلا عن النعل، و يكفي في حصول الطهارة زوال عين النجاسة و إن بقي أثرها من اللون و الرائحة بل و كذا الاجزاء الصغار التي لا تتميز كما في الاستنجاء بالأحجار لكن الأحوط اعتبار زوالها كما أن الأحوط زوال الأجزاء الأرضية اللاصقة بالنعل و القدم و إن كان لا يبعد طهارتها أيضا.

______________________________

على عذرة فساخت رجله فيها أ ينقض ذلك وضوءه؟ و هل يجب عليه غسلها؟

قال: لا يغسلها إلا أن يقذرها، و لكن يمسحها حتى يذهب أثرها و يصلى.

(و في صحيحة) الأحول عن الصادق عليه السّلام في الرجل يطأ في الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكانا نظيفا؟ قال: لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا. (و في الصحيح) الصادقي عليه السّلام: انى وطئت على عذرة بخفي و مسحته حتى لم أر فيه

شيئا ما تقول في الصلاة فيه؟ قال: لا بأس (و في آخر): ان الأرض يطهر بعضها بعضا. (و في الخبر): (إني وطئت عذرة بخفي و مسحته حتى لم أر فيه شيئا ما تقول في الصلاة فيه؟ قال: لا بأس. (خلافا) للخلاف

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 540

..........

______________________________

فتجوز الصلاة معها فحسب فإنه يظهر منه القول ببقاء النجاسة و العفو عنها، و هو شاذ مردود بالتصريح في جملة من المعتبرة بكون الأرض مطهرة.

(و في الصادقي عليه السّلام) المروي عن نوادر البزنطي عن الحلبي قال: قلت له ان طريقي الى المسجد في زقاق يبال فيه فربما مررت و ليس علىّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته فقال: أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت: بلى قال: فلا بأس أن الأرض يطهر بعضها بعضا قلت: فأطأ على الروث الرطب؟

قال: لا بأس، أنا و اللّه ربما وطئت عليه ثم أصلي و لا أغسله.

(و ربما) الحق بذلك أسفل العصا، و كعب الرمح، و نحوها، و (نقل) عن ظاهر الأصحاب القطع بإلحاق خشبة الأقطع. قال الفيض (قده) في المعتصم: أما خشبة الأقطع فقد قطعوا بإلحاقه. (و يمكن) الاستدلال على ذلك بإطلاق بعض المعتبرة المتقدمة كصحيحة الأحول، إلا أن الإطلاق إنما ينصرف الى الإفراد المتعارفة، و هل يشترط في مطهرية الأرض كونها طاهرة كما عن الإسكافي، و الشهيد في الذكرى. لظاهر صحيحة الأحول و نحوها؟

أم لا؟ كما هو ظاهر الأكثر للإطلاق، و جهان أظهرهما: الأول. و لا فرق في حصول التطهير بين كونه بالمشي أو المسح أو الدلك، لما يستفاد منها، و قيل باعتبار المشي خمسة عشر ذراعا و لعله لصحيحة الحلبي المتقدمة و لا دلالة فيها على الاشتراط، و

لا يشترط جفاف النجاسة قبل الدلك و لا أن يكون لها جرم للأصل و الإطلاق، و في الصحيح المروي في الكافي عن الباقر عليه السّلام و غيره مما تقدم: الأرض يطهر بعضها بعضا، يعني بالإزالة للنجاسة و الإحالة لها إلى ماهية أخرى طاهرة، و التجفيف بالوطء عليها مرة بعد أخرى، و انتقال بعضها الى بعض حتى يستحيل و لا يبقى منه شي ء، فيكون المستفاد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 541

[ (مسألة 1) إذا سرت النجاسة إلى داخل النعل]

(مسألة 1) إذا سرت النجاسة إلى داخل النعل (1) لا تطهر بالمشي بل في طهارة باطن جلدها إذا نفذت فيه اشكال و إن قيل بطهارته بالتبع.

[ (مسألة 2) في طهارة ما بين أصابع الرجل اشكال]

اشارة

(مسألة 2) في طهارة ما بين أصابع الرجل (2) اشكال و أما أخمص القدم فان وصل الى الأرض يطهر و إلا فلا فاللازم وصول تمام الأجزاء النجسة إلى الأرض

______________________________

منه تطهير الأرض الطاهرة الأرض النجسة، و يكون تطهيرها باطن الخف و النعل و أسفل القدم مستفادا من موضع آخر. و (قيل): المراد ان بعضها يطهر ما ينجس ببعض، و إنّما أسنده إلى البعض مجازا كما يقال: الماء مطهر للبول أى لنجاسة البول، و (قيل) المعنى أن بعضها و هو المماس لأسفل القدم و النعل الطاهر منها يطهر بعضا و هو النعل و القدم فالبعض الثاني عبارة عن المطهر بها، و على الوجه الأول يكون التطهير بها مخصوصا بالنجاسة التي من الأرض النجسة. (و قال الشيخ البهائي (ره)) فيما حكى عنه: لعل المراد بالأرض ما يشمل نفس الأرض و ما عليها من الخف و القدم. قال الفيض قدس سره في المعتصم بعد ذلك على ما حكى عنه قلت: الحمل على ظاهرها غير بعيد بان يكون ما عليها مع تطهيره بها آلة لتطهيرها، إلا أن يقال: القول به غير معروف عن أحد. انتهى. نعم ما ذكره من اغتفار بقاء اللون و الرائحة تقدم الإشكال منا في اغتفار اللون و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 1: (إذا سرت النجاسة إلى داخل النعل. إلخ)

الأقوى كما ذكره (قده) من عدم طهارة باطن النعل لو سرت اليه بل و كذا باطن الجلد إذا نفذت فيه.

قوله قده مسألة 2: (في طهارة ما بين أصابع الرجل. إلخ).

بل الأقرب عدم

طهارته، و الميزان ما ذكره (قده) من وصول تمام الأجزاء النجسة إلى الأرض و عدمه فما وصل منها طهر، و ما لم يصل لم يطهر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 542

فلو كان تمام باطن القدم نجسا و مشى على بعضه لا يطهر الجميع بل خصوص ما وصل الى الأرض.

[ (مسألة 3) الظاهر كفاية المسح على الحائط]

(مسألة 3) الظاهر كفاية المسح على الحائط (1) و إن كان لا يخلو عن إشكال

[ (مسألة 4) إذا شك في طهارة الأرض يبني على طهارتها]

(مسألة 4) إذا شك في طهارة الأرض (2) يبني على طهارتها فتكون مطهرة إلا إذا كانت الحالة السابقة نجاستها و إذا شك في جفافها لا تكون مطهرة إلا مع سبق الجفاف فيستصحب.

[ (مسألة 5) إذا علم وجود عين النجاسة أو المتنجس]

(مسألة 5) إذا علم وجود عين النجاسة أو المتنجس (3) لا بد من العلم بزوالها و أما إذا شك في وجودها فالظاهر كفاية المشي و إن لم يعلم بزوالها على فرض الوجود.

______________________________

قوله قده مسألة 3: (الظاهر كفاية المسح على الحائط. إلخ)

بل الظاهر عدم الكفاية.

قوله قده مسألة 4: (إذا شك في طهارة الأرض. إلخ)

مدرك البناء على طهارة الأرض في صورة الشك فيها مع عدم الحالة السابقة بنجاستها: هو قاعدة الطهارة، بخلاف الجفاف في صورة الشك فيه فإنه لا قاعدة تقتضيه، إلا أن تكون له حالة سابقة معلومة فتستصحب، ففي صورة الشك فيه مع اعتباره يستصحب بقاء نجاسة المتنجس حتى يحرز المطهر قوله قده مسألة 5: (إذا علم وجود عين النجاسة أو المتنجس. إلخ).

بيان مراده (قده) في هذه المسألة: هو أنه إذا علم المكلف بتنجس رجله فتارة يعلم بوجود عين النجاسة أو المتنجس في رجله، و أخرى لا يعلم، أما إذا علم بوجود العين فلا بد من المشي حتى يعلم بزوالها، و اما إذا شك في أصل وجود العين مع العلم بالنجاسة فالظاهر عنده (قده) كفاية المشي مشيا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 543

[ (مسألة 6) إذا كان في الظلمة و لا يدري أن ما تحت قدمه أرض أو شي ء آخر]

(مسألة 6) إذا كان في الظلمة و لا يدري أن ما تحت قدمه (1) أرض أو شي ء آخر من فرش و نحوه لا يكفي المشي عليه فلا بد من العلم بكونه أرضا، بل إذا شك في حدوث فرش أو نحوه بعد العلم بعدمه يشكل الحكم بمطهريته أيضا.

[ (مسألة 7) إذا رقع نعله بوصلة طاهرة فتنجست]

(مسألة 7) إذا رقع نعله بوصلة طاهرة (2) فتنجست تطهر بالمشي و اما إذا رقعها بوصلة متنجسة ففي طهارتها إشكال لما مر من الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الأرض النجسة.

[ (الثالث) من المطهرات الشمس]

اشارة

(الثالث) من المطهرات الشمس: (3) و هي تطهر الأرض و غيرها من كل

______________________________

و ان لم يعلم به زوال العين على فرض وجودها، و ذلك لأصالة عدمها. و فيما استظهره اشكال بل الظاهر عدم الكفاية حتى يمشى مقدارا يعلم زوال النجاسة على فرض الوجود لاستصحاب النجاسة حتى يعلم المزيل فإنه من استصحاب الكلى من القسم الثاني الذي هو حجة عندنا.

قوله قده مسألة 6: (إذا كان في الظلمة و لا يدرى أن ما تحت قدمه. إلخ)

أما عدم كفاية المشي فيما لو شك ابتداء أن ما تحت قدمه أرض أو شي ء آخر من فرش و نحوه: فللعلم بالنجاسة مع الشك في المزيل، و أما عدم كفاية المشي فيما لو شك في حدوث فرش و نحوه بعد العلم بعدمه للشك في حصول الشرط، و استصحاب عدم حدوث فرش مثبت كما لا يخفى.

قوله قده مسألة 7: (إذا رقع نعله بوصلة طاهرة. إلخ)

الأمر كما ذكره اقتصارا في مطهرية الأرض على القدر المتيقن منها و هي النجاسة الحاصلة من المشي على الأرض النجسة.

قوله قده: (الثالث من المطهرات: الشمس. إلخ)

لا يخفى أن الشمس تطهر الأرض و كلما لا يمكن نقله من الأشجار

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 544

..........

______________________________

و الأبنية و نحوها: من البول بالتجفيف الحاصل من عين الشمس بالإشراق، لا بتجفيف الهواء وحده، و لا يضر انضمامه إلى إشراق الشمس لعدم الخلو عنه غالبا، على المشهور، بل عن الخلاف الوفاق عليه، و مدرك المسألة:

أخبار مستفيضة معتبرة (منها) صحيحة زرارة و

حديد بن الحكم الأزدي جميعا قالا: قلنا لأبي عبد اللّه عليه السّلام: السطح يصيبه البول أو يبال عليه يصلى في ذلك المكان؟ فقال: إذا كان تصيبه الشمس و الريح و كان جافا فلا بأس به إلا أن يكون يتخذ مبالا. (و منها) صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن البواري يصيبها البول هل تصح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل؟ قال: نعم لا بأس. و ليست صريحة في الطهارة بل جواز الصلاة عليها فحسب (و منها) موثقة عمار المروية في التهذيب عن الصادق عليه السّلام قال: سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس و لكنه قد يبس الموضع القذر قال، لا تصل عليه و أعلم موضعه حتى تغسله و عن الشمس هل تطهر الأرض؟ قال: إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة، و أن أصابته الشمس و لم ييبس الموضع القذر و كان رطبا فلا تجوز الصلاة عليه حتى ييبس، و أن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك فيك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصلى على ذلك الموضع حتى ييبس، فإنه لا يجوز ذلك، و ان كان غير الشمس أصابه حتى ييبس فإنه لا يجوز ذلك، (و منها) صحيحة زرارة المروية في الفقيه عن الباقر عليه السّلام قال: سألته عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلى فيه فقال: إذا جففته الشمس

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 545

ما لا ينقل كالأبنية و الحيطان و ما يتصل بها من الأبواب و الأخشاب و الأوتاد و

الأشجار و ما عليها من الأوراق و الثمار و الخضروات و النباتات ما لم تقطع و إن بلغ أوان قطعها بل و ان صارت يابسة ما دامت متصلة بالأرض أو الأشجار و كذا الظروف المثبتة في الأرض أو الحائط و كذا ما على الحائط و الأبنية مما طلي عليها من جص و قير و نحوهما من نجاسة البول بل سائر النجاسات و المتنجسات و لا تطهر من المنقولات إلا الحصر و البواري فإنها تطهرهما أيضا على الأقوى و الظاهر أن السفينة و الطرادة من غير المنقول و في الگاري و نحوه اشكال و كذا

______________________________

فصل عليه، (و اما) الصحيح المروي في التهذيب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألته عن الأرض و السطح يصيبه البول و ما أشبهه هل تطهره الشمس من غير ماء؟ فقال: كيف يطهر من غير ماء!! (ففيه) انه يستشعر من السؤال معروفية مطهرية الشمس إجمالا لدى السائل و لكنه أحتمل كون إشراق الشمس عليه و لو بعد الجفاف موجبا لطهارته كما هو المغروس في أذهان كثير من العوام، فسأل عن أنه هل تطهر الشمس من غير ماء أى مع جفافه فتعجب منه الامام عليه السّلام، (و احتمل) بعضهم أن تكون الطهارة في صحيحة زرارة من قبيل كل يابس ذكي فتحمل الطهارة فيه على المعنى اللغوي جمعا بين النصوص. (و فيه) ان قرينة السياق صريحة في كون المراد بالطهارة فيها الشرعية لا اللغوية لأنها هي المعتبرة في أحكام الصلاة مكانا و لباسا سيما مع تعلق السؤال بالنجاسة الشرعية و صحة الصلاة، و أى ربط للطهارة اللغوية بذلك فالأقوى هو المشهور، و يدل على ذلك أيضا (ما رواه) في التهذيب عن أبي بكر

الحضرمي عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال: يا أبا بكر ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر. (و عنه) عنه عليه السّلام قال: كل ما أشرقت عليه الشمس فهو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 546

مثل الچلابية و القفة، و يشترط في تطهيرها أن يكون في المذكورات رطوبة مسرية و أن تجففها بالإشراق عليها بلا حجاب عليها كالغيم و نحوه و لا على المذكورات، فلو جفت بها من دون إشراقها و لو باشراقها على ما يجاورها أو لم تجف أو كان الجفاف بمعونة الريح لم تطهر، نعم الظاهر أن الغيم الرقيق أو الريح اليسير على وجه يستند التجفيف الى الشمس و إشراقها لا يضر و في كفاية إشراقها على المرأة مع وقوع عكسه على الأرض إشكال.

______________________________

طاهر. (و في الفقه الرضوي): و ما وقعت عليه الشمس من الأماكن التي أصابها شي ء من النجاسات مثل البول و غيره طهر بها و اما الثياب فلا تطهر إلا بالغسل. و يعضد ذلك (الكاظمي) المروي في الكافي: قال حق على اللّه أن لا يعص في دار إلا أضحاها للشمس لتطهرها. هذا كله مضافا الى أن ما دلت عليه الاخبار المتقدمة يلزم الطهارة غالبا عرفا إذ تجويز ذلك مطلقا من غير استثناء موضع السجود و لا اشتراط عدم الرطوبة في شي ء مما يلاقي دليل الطهارة سيما و الغالب إيقاع الصلاة عقيب رطوبة الوجه و الكفين الحاصل من الوضوء بل في البلدان الحارة المستلزم لعدم الخلو من العرق.

(هذا) و ربما يلحق بالبول في تطهير الشمس له كل نجاسة مائعة كما هو المشهور، و بالأرض و أخويها من الحصر و البواري كل ما لا يمكن نقله من الأشجار و الابنية و نحوها

كما هو ظاهر الخبر المتقدم عن الحضرمي.

(و فيه) ما فيه لأنه متروك الظاهر لشموله المنقول أيضا (و فيه) انه حينئذ كالعام المخصص حجة في الباقي مع أنه من المعلومات أن المنقول انما يطهر بالماء، و لعل في لفظ إشراق الشمس إشعارا بذلك و أنه من غير المنقول بل من المستقر في مكان لا ينقل و لا يتحرك، و لو كانت النجاسة ذات جرم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 547

[ (مسألة 1) كما تطهر ظاهر الأرض كذلك باطنها]

(مسألة 1) كما تطهر ظاهر الأرض كذلك باطنها (1) المتصل بالظاهر النجس باشراقها عليه و جفافه بذلك بخلاف ما إذا كان الباطن فقط نجسا أو لم يكن متصلا بالظاهر بأن يكون بينهما فصل بهواء أو بمقدار طاهر أو لم يجف أو جف بغير الإشراق على الظاهر، أو كان فصل بين تجفيفها للظاهر و تجفيفها للباطن كان يكون أحدهما في يوم و الآخر في يوم آخر فإنه لا يطهر في هذه الصور.

[ (مسألة 2) إذا كانت الأرض أو نحوها جافة و أريد تطهيرها بالشمس يصب عليها الماء الطاهر]

(مسألة 2) إذا كانت الأرض أو نحوها جافة (2) و أريد تطهيرها بالشمس يصب عليها الماء الطاهر أو النجس أو غيره مما يورث الرطوبة فيها حتى تجففها.

[ (مسألة 3) الحق بعض العلماء البيدر الكبير]

(مسألة 3) الحق بعض العلماء البيدر (3) الكبير بغير المنقولات و هو مشكل

[ (مسألة 4) الحصى و التراب و الطين و الأحجار و نحوها ما دامت]

(مسألة 4) الحصى و التراب و الطين (4) و الأحجار و نحوها ما دامت واقعة

______________________________

اعتبر في طهارتها بالشمس زوال جرم النجاسة إجماعا كما في المدارك و اللّه العالم قوله قده مسألة 1: (كما تطهر ظاهر الأرض كذلك باطنها. إلخ).

الحكم كما ذكره في هذه المسألة: و هو أن التطهير للظاهر و الباطن فيما تطهره الشمس هو فيما يعد عرفا شيئا واحدا و ان يكون الزمان و أحدا عرفا، لا تطهير الظاهر في يوم و الباطن في يوم آخر.

قوله قده مسألة 2: (إذا كانت الأرض أو نحوها جافة. إلخ).

لا اشكال فيما ذكره من الحكم في هذه المسألة من كيفية التطهير.

قوله قده مسألة 3: (الحق بعض العلماء البيدر. إلخ).

لا يبعد إلحاق البيدر الكبير لعده عرفا من غير المنقول من هذه الجهة أعني جهة التطهير و الاحتياط لا ينبغي تركه.

قوله قده مسألة 4: (الحصى و التراب و الطين. إلخ).

الحكم كما ذكره في هذه المسألة من تبعية الحكم الشرعي للصدق العرفي.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 548

على الأرض هي في حكمها، و ان أخذت منها لحقت بالمنقولات و أن أعيدت عاد حكمها و كذا المسمار الثابت في الأرض أو البناء ما دام ثابتا يلحقه الحكم و إذا قلع يلحقه حكم المنقول و إذا أثبت ثانيا يعود حكمه الأول و هكذا فيما يشبه ذلك.

[ (مسألة 5) يشترط في التطهير بالشمس زوال عين النجاسة]

(مسألة 5) يشترط في التطهير بالشمس (1) زوال عين النجاسة إن كان لها عين

[ (مسألة 6) إذا شك في رطوبة الأرض حين الإشراق أو في زوال العين بعد العلم بوجودها]

(مسألة 6) إذا شك في رطوبة الأرض (2) حين الإشراق أو في زوال العين بعد العلم بوجودها أو في حصول الجفاف أو في كونه بالشمس أو بغيرها أو بمعونة الغير لا يحكم بالطهارة. و إذا شك في حدوث المانع عن الإشراق من ستر و نحوه يبني على عدمه على اشكال تقدم نظيره في مطهرية الأرض.

[ (مسألة 7) الحصير يطهر باشراق الشمس على أحد طرفيه]

(مسألة 7) الحصير يطهر باشراق الشمس (3) على أحد طرفيه طرفه الآخر

______________________________

قوله قده مسألة 5: (يشترط في التطهير بالشمس. إلخ).

تقدم الحكم فيه قبل مسائل فليراجع.

قوله قده مسألة 6: (إذا شك في رطوبة الأرض. إلخ).

عدم الحكم بالطهارة في الفروض الخمسة المذكورة لاستصحاب النجاسة مع الشك في المزيل، و أما الإشكال فيما إذا شك في حدوث المانع عن الإشراق من ستر و نحوه بعد العلم بعدمه فلأنه مثبت كما تقدم نظيره في مطهرية الأرض.

قوله قده مسألة 7: (الحصير يطهر باشراق الشمس. إلخ).

تقدم أن المدار على ما يعد عرفا شيئا واحدا و عليه فيرتفع الإشكال في الجدار إذا أشرقت على أحد جانبيه و جف الجانب الآخر بلا فصل زمان طويل بينهما كيوم و أمثاله، و لكن في تطهير الشمس للحصر و البواري إشكال فلا يترك الاحتياط فيها.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 549

و اما إذا كانت الأرض التي تحته نجسة فلا تطهر بتبعيته و إن جفت بعد كونها رطبة و كذا إذا كان تحته حصير آخر إلا إذا خيط به على وجه يعدان معا شيئا واحدا و اما الجدار المتنجس إذا أشرقت الشمس على أحد جانبيه فلا يبعد طهارة جانبه الآخر إذا جف به و إن كان لا يخلو عن اشكال، و اما إذا أشرقت على جانبه الآخر أيضا فلا إشكال.

[ (الرابع) الاستحالة]

(الرابع) الاستحالة (1) و هي تبدل حقيقة الشي ء، و صورته النوعية إلى صورة

______________________________

قوله قده: (الرابع: الاستحالة. إلخ).

لا يخفى أنه تطهر الأعيان النجسة بالاستحالة كان تصير العين النجسة أو المتنجسة رمادا أو دخانا كما نقل الإجماع على الأول الشيخ في الخلاف و على الثاني ظاهر التذكرة و المنتهى، أو فحما وفاقا لجملة من المتأخرين لزوال الصورة

و الاسم، و توقف فيه بعضهم، و كلام المتقدمين خال عنه، و خلاف المبسوط في الدخان حيث حكم بنجاسة دواخن الأعيان النجسة شاذ فإنه بنفسه حكى الإجماع في الخلاف على طهارته، و المستند في الجميع أصالة الطهارة، و ان الحكم بالنجاسة معلق على الاسم فيزول بزواله و ما حكاه في المعتبر من إجماع الناس على عدم توقي دواخن السراجين النجسة و في الصحيح عن الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى ثم يجصص به المسجد أ يسجد عليه؟ فكتب بخطه: ان الماء و النار قد طهراه (قيل) يعنى ان الماء الذي غسل به الموتى قد طهر عظام الموتى بالغسل و النار طهرت العذرة بالاستحالة فلا بأس باختلاط أجزائها بالجص بسبب وقودهما فوقه، ففي الرواية لف و نشر على غير الترتيب. انتهى. و من ذلك استحالة النطفة و العلقة حيوانا، و الخمر خلا، و الدم قيحا، و الماء النجس بولا لحيوان مأكول اللحم و الغذاء النجس روثا له أيضا، و كصيرورة العذرة و الميتات ترابا أو دودا و الكلب ملحا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 550

اخرى فإنها تطهر النجس بل و المتنجس كالعذرة تصير ترابا و الخشبة المتنجسة إذا صارت رمادا و البول أو الماء المتنجس بخارا و الكلب ملحا و هكذا كالنطفة تصير حيوانا و الطعام النجس جزءا من الحيوان و اما تبدل الأوصاف و تفرق الاجزاء فلا اعتبار بهما كالحنطة إذا صارت طحينا أو عجينا أو خبزا و الحليب إذا صار جبنا و في صدق الاستحالة على صيرورة الخشب فحما تأمل و كذا في صيرورة الطين خزفا أو آجرا و مع الشك في الاستحالة لا يحكم بالطهارة.

[ (الخامس) الانقلاب كالخمر ينقلب خلا]

اشارة

(الخامس) الانقلاب كالخمر ينقلب خلا

(1) فإنه يطهر سواء كان بنفسه أو بعلاج كإلقاء شي ء من الخل أو الملح فيه سواء استهلك أو بقي على حاله

______________________________

إذ الحكم بالنجاسة انما تعلق بالاسم و الحقيقة و قد زالت فيزول بزوالها (خلافا) للفاضلين لأن النجاسة قائمة بالأجزاء لا بالصفات فلا تزول بتغير الأوصاف، و الأجزاء باقية لانتفاء ما يقتضي ارتفاعها (و فيه) ما لا يخفى و كذلك صيرورة الكافر مسلما و لو باللحوق للمسبى فإنه يطهر بذلك، و كذا الانتقال الى ما لا نفس له كدم البعوضة و البق المنتقل إليهما من دم الإنسان لما عرفت (نعم) ما تأمل فيه (قده) من صيرورة الطين خزفا أو آجرا فان الظاهر فيهما عدم صدق الاستحالة بل هما كصيرورة الحنطة طحينا أو عجينا أو خبزا، و كصيرورة الحليب جبنا إذ لا يخفى مساعدة العرف على بقاء الموضوع في مثل هذه الموارد فالأقوى فيها هو القول ببقاء النجاسة، و لا أقل من الشك فتستصحب.

قوله قده: (الخامس: الانقلاب، كالخمر ينقلب خلا. إلخ).

و مدرك مطهريته زوال حقيقة الخمر النجسة، و أصالة الطهارة كما في المعتبر ففي (الصحيح) المروي في الكافي و التهذيب عن الصادق عليه السّلام عن الخمر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 551

و يشترط في طهارة الخمر بالانقلاب عدم وصول نجاسة خارجية إليه فلو وقع فيه حال كونه خمرا شي ء من البول أو غيره أو لاقى نجسا لم يطهر بالانقلاب.

______________________________

العتيقة تجعل خلا؟ قال: لا بأس. و في (آخر) المروي فيهما أيضا: عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلا؟ قال: لا بأس.

(و في ثالث) في الرجل إذا باع عصيرا فحبسه السلطان حتى صار خمرا فجعله صاحبه خلا فقال: إذا تحول عن اسم الخمر فلا بأس به.

(و في رابع)

العصير يصير خمرا فيصب عليه الخل أو شي ء يغيره حتى يصير خلا؟ قال: لا بأس به. بلا خلاف في ذلك في الجملة، سواء كان الانقلاب بعلاج أو من قبل نفسه و سواء كان ما يعالج به عينا باقية كالأشنان أو مستهلكة كالملح على المشهور لإطلاق النصوص و صراحة جملة منها في العلاج (و اما) الخبر المروي عن العيون عن على عليه السّلام: كلوا الخمر ما انفسد و لا تأكلوا ما أفسدتموه أنتم. (و الخبر) المروي في التهذيب عن الصادق عليه السّلام و قد سئل عن الخمر يجعل فيها الخل؟ فقال: لا إلا ما جاء من قبل نفسه. و في آخر: عن الخمر تجعل خلا؟ قال: لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يقلبها. فإنها مع ضعف سندها و إعراض الأصحاب عن ظاهرها فمحمولة على الكراهة جمعا بينها و بين ما تقدم (و استفادة) التعميم للانقلاب بنفسه أو بعلاج، من الأخبار المعتبرة ليست من حيث العموم أو المفهوم فحسب، بل ورد فيه (النص) الصريح أيضا المروي في التهذيب عن عبد العزيز بن المهتدي قال:

كتبت الى الرضا عليه السّلام جعلت فداك العصير يصير خمرا فيصب عليه الخل أو شي ء يغيره حتى يصير خلا؟ قال: لا بأس به. و نحوه غيره كما تقدم فلا وجه حينئذ لتوقف الشهيد الثاني (قده) في العلاج بالأجسام، و لا لاشتراط ذهاب عين المعالج به قبل أن يصير خلا لأنها تنجس و لا مطهر لها كما قيل لأن التعليل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 552

[ (مسألة 1) العنب أو التمر المتنجس إذا صار خلا لم يطهر]

(مسألة 1) العنب أو التمر المتنجس إذا صار خلا (1) لم يطهر و كذا إذا صار خمرا ثم انقلب خلا.

[ (مسألة 2) إذا صب في الخمر ما يزيل سكره لم يطهر]

(مسألة 2) إذا صب في الخمر ما يزيل سكره لم يطهر و بقي على حرمته. (2)

______________________________

في مقابلة ما تقدم عليل لانتقاضه بالآنية التي هي موضع الخمر فإنها تطهر بمجرد الانقلاب و لا مطهر لها غيره و إلا لما أمكن الحكم بطهرها و ان انقلبت بنفسها كما هو واضح. (نعم) يبقى ما ذكره (قده) من اشتراط طهارة الخمر بالانقلاب عدم وصول نجاسة خارجية إليه. إلخ، فإنه على إطلاقه غير مسلم إذ في صورة ملاقاته للنجاسة الخارجية لا تؤثر فيه لما تقدم من أن النجس لا يتنجس هذا مع إطلاق دليل الانقلاب و كذا في صورة وقوع عين النجاسة فيه مع استهلاكها به، نعم ما ذكره مسلم في صورة عدم الاستهلاك إذ الانقلاب و أن كان مطهرا لها و لكنها تنجس بملاقاتها للنجس المفروض عدم استهلاكه بها و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 1: (العنب أو التمر المتنجس إذا صار خلا. إلخ)

أما عدم طهارة العنب أو التمر المتنجس بصيرورته خلا: فلعدم الموجب لذلك إذ لا استحالة و لا انقلاب في البين فهو باق على نجاسته مع جريان استصحاب النجاسة و أما إذا صار خمرا ثم انقلب خلا مع عدم نجاسة عينيه فيه ففي الحكم بنجاسته اشكال بل الأقوى الطهارة و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 2: (إذا صب في الخمر ما يزيل سكره لم يطهر و بقي على حرمته. ا ه)

لاستصحاب الحكمين معا لعدم موجب لطهارته و لا لزوال حرمته.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 553

[ (مسألة 3) بخار البول أو الماء المتنجس طاهر]

(مسألة 3) بخار البول أو الماء المتنجس طاهر (1) فلا بأس بما يتقاطر من سقف الحمام إلا مع العلم بنجاسة السقف.

[ (مسألة 4) إذا وقعت فطرة خمر في حب خل و استهلكت فيه]

(مسألة 4) إذا وقعت فطرة خمر في حب خل (2) و استهلكت فيه لم يطهر و تنجس الخل إلا إذا علم انقلابها خلا بمجرد الوقوع فيه.

[ (مسألة 5) الانقلاب غير الاستحالة]

(مسألة 5) الانقلاب غير الاستحالة (3) إذ لا تتبدل فيه الحقيقة النوعية بخلافها و لذا لا تطهر المتنجسات به و تطهر بها.

______________________________

قوله قده مسألة 3: (بخار البول أو الماء المتنجس طاهر. إلخ).

لما تقدم من دليل الاستحالة من زوال الصورة و الاسم و أن الحكم بالنجاسة معلق عليهما فيزول بزوالهما.

قوله قده مسألة 4: (إذا وقعت قطرة خمر في حب خل. إلخ)

الحكم بالنجاسة كما ذكره (قده) هو المشهور لتنجس الخل بالملاقاة للخمر و لا مطهر له إذ ليس له حالة ينقلب إليها ليطهر بها فالنجاسة مقطوع بها فلا بد من يقين التطهير و ليس فليس، خلافا للشيخ و الإسكافي على ما حكى عنهما فيما إذا مضى زمان يعلم انقلاب الخمر فيه الى الخل، و استحسنه بعض الأعلام و زاد عليه بقوله: و سيما إذا جوزنا العلاج مطلقا إذ الخل لا يقصر عن تلك الأعيان المعالج بها و للكلام فيه مجال، نعم إذا علم انقلابها خلا بمجرد الوقوع فيه فلا يبعد الطهارة.

قوله قده مسألة 5: (الانقلاب غير الاستحالة. إلخ).

لا يخفى انه على ما ذكره (قده) من انه لا يتبدل في الانقلاب الحقيقة النوعية ففي مورده يجرى استصحاب النجاسة إلا ما قام الدليل عليه بالخصوص كانقلاب الخمر خلا، هذا و ينبغي تقييد قوله (قده): و لذا لا يطهر المتنجسات

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 554

[ (مسألة 6) إذا تنجس العصير بالخمر ثم انقلب خمرا]

(مسألة 6) إذا تنجس العصير بالخمر ثم انقلب خمرا (1) و بعد ذلك انقلب الخمر خلالا يبعد طهارته لأن النجاسة العرضية صارت ذاتية بصيرورته خمرا لأنها هي النجاسة الخمرية، بخلاف ما إذا تنجس العصير بسائر النجاسات فان الانقلاب الى الخمر لا يزيلها و لا يصيرها ذاتية فاثرها باق بعد الانقلاب أيضا.

[ (مسألة 7) تفرق الأجزاء بالاستهلاك غير الاستحالة]

(مسألة 7) تفرق الأجزاء بالاستهلاك (2) غير الاستحالة و لذا لو وقع مقدار من الدم في الكر و استهلك فيه يحكم بطهارته لكن لو أخرج الدم من الماء بآلة من الآلات المعدة لمثل ذلك عاد إلى النجاسة بخلاف الاستحالة فإنه إذا صار البول بخارا ثم ماءا لا يحكم بنجاسته لأنه صار حقيقة أخرى، نعم لو فرض صدق البول عليه يحكم بنجاسته بعد ما صار ماءا و من ذلك يظهر حال عرق بعض الأعيان النجسة أو المحرمة مثل عرق لحم الخنزير أو عرق العذرة أو نحوهما فإنه إن صدق

______________________________

به مع تأثر المحل بالنجاسة العارضة، لا مع عدمه كالخمر الملاقي للنجاسة كما أشرنا إليه آنفا.

قوله قده مسألة 6: (إذا تنجس العصير بالخمر ثم انقلب خمرا. إلخ)

الظاهر أن الحكم كما ذكره من طهارة الخمر بعد انقلابها خلا فيما لو كان العصير المنقلب الى الخمر متنجسا بالخمر قبل انقلابه خمرا للعلة التي ذكرها من صيرورة النجاسة العرضية ذاتية، بل و كذا لو تنجس العصير بسائر النجاسات إذ لا يبقى أثر لها بعد انقلابه خمرا فيطهر لو انقلب خلا، هذا فيما لم يكن للنجاسة عين بان كانت مستهلكة في الخمر كما تقدم عن قريب اختيار ذلك.

قوله قده مسألة 7: (تفرق الأجزاء بالاستهلاك. إلخ)

تقدم الإشكال منا فيما لو صار البول بخارا ثم ماءا فان الظاهر صدق البول عليه عرفا، و

كذا عرق الخمر من جهة انه خمر عرفا.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 555

عليه الاسم السابق و كان فيه آثار ذلك الشي ء و خواصه يحكم بنجاسته أو حرمته و إن لم يصدق عليه ذلك الاسم بل عد حقيقة أخرى ذات أثر و خاصية أخرى يكون طاهرا و حلالا و أما نجاسة عرق الخمر فمن جهة أنه مسكر مائع و كل مسكر نجس.

[ (مسألة 8) إذا شك في الانقلاب]

(مسألة 8) إذا شك في الانقلاب بقي على النجاسة (1).

[ (السادس) ذهاب الثلثين في العصير العنبي على القول بنجاسته بالغليان]

اشارة

(السادس) ذهاب الثلثين في العصير العنبي (2) على القول بنجاسته بالغليان لكن قد عرفت أن المختار عدم نجاسته و أن كان الأحوط الاجتناب عنه فعلى المختار فائدة ذهاب الثلثين تظهر بالنسبة إلى الحرمة و اما بالنسبة إلى النجاسة فتفيد عدم الاشكال لمن أراد الاحتياط، و لا فرق بين أن يكون الذهاب بالنار أو بالشمس أو بالهواء كما لا فرق في الغليان الموجب للنجاسة على القول بها بين المذكورات كما أن في

______________________________

قوله قده مسألة 8: (إذا شك في الانقلاب بقي على النجاسة. ا ه).

و ذلك لعدم العلم بالسبب المطهر فتستصحب النجاسة المتيقنة.

قوله قده: (السادس: ذهاب الثلثين في العصير العنبي. إلخ)

لا يخفى أن عد ذهاب الثلثين في العصير العنبي من المطهرات للثلث الباقي بناءا على نجاسته بالغليان و أما بناءا على طهارته كما هو أحد القولين في المسألة:

فلا محل لذكر هذه المسألة في المطهرات. نعم هو سبب في حليته إذ لا كلام في حرمته بالغليان، و قد تقدمت المسألة مفصلة و أن المختار الطهارة فلا نعيدها.

و اما استشكاله في حجية خبر العدل الواحد: فقد تقدم منا أيضا اختيار اعتباره في الموضوعات الخارجية كاعتباره في الأحكام الكلية و ذلك فيما لم يكن ذائد، و اما إذا كان ذائد. فلا تعتبر عدالته أيضا لإطلاق دليل اليد.

نعم يعتبر فيه أن لا يكون ممن يستحله قبل ذهاب الثلثين للنص الخاص بعدم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 556

الحرمة بالغليان التي لا إشكال فيها و الحلية بعد الذهاب كذلك أي لا فرق بين المذكورات، و تقدير الثلث و الثلثين إما بالوزن أو بالكيل أو بالمساحة، و يثبت بالعلم و بالبينة و

لا يكفى الظن و في خبر العدل الواحد إشكال إلا أن يكون في يده و يخبر بطهارته و حليته و حينئذ يقبل قوله و إن لم يكن عادلا إذا لم يكن ممن يستحله قبل ذهاب الثلثين.

[ (مسألة 1) بناءا على نجاسة العصير إذا قطرت منه قطرة بعد الغليان على الثوب أو البدن]

(مسألة 1) بناءا على نجاسة العصير (1) إذا قطرت منه قطرة بعد الغليان على الثوب أو البدن أو غيرهما يطهر بجفافه أو بذهاب ثلثيه بناءا على ما ذكرنا من عدم الفرق بين أن يكون بالنار أو بالهواء و على هذا فالآلات المستعملة في طبخه تطهر

______________________________

اعتباره و هو (موثقة) معاوية بن عمار المروية في التهذيب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج و يقول: قد طبخ على الثلث. و أنا أعلم أنه يشربه على النصف أ فأشربه بقوله و هو يشربه على النصف؟ فقال: هو خمر لا تشربه قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه، يشربه على الثلث فلا يستحله على النصف يخبرنا أن عنده بختجا قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه نشربه منه؟ قال: نعم.

قوله قده مسألة 1: (بناءا على نجاسة العصير. إلخ)

مدرك ما ذكره (قده) في هذه المسألة من طهارة القطرة الواقعة على الثوب أو البدن أو غيرهما بجفافها أو ذهاب ثلثيها، و أن لم يذهب ثلثا ما في القدر لملازمة الجفاف لذهاب الثلثين فلها حكمها من الطهارة و ليست تابعة في الحكم لما في القدر نعم هذا مبني على ما تقدم من عدم الفرق بين أن يكون ذهاب الثلثين بالنار أو بالهواء، و مثلها في المدرك الآلات المستعملة في طبخه إذا جفت، و ما ذكره من الإشكال في طهارة المحل المتنجس به أولا لا محل له بعد الحكم

بطهارة القطرة نفسها للملازمة العرفية بطهارة المحل أيضا بالتبع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 557

بالجفاف و إن لم يذهب الثلثان مما في القدر و لا يحتاج إلى إجراء حكم التبعية لكن لا يخلو عن اشكال من حيث ان المحل إذا تنجس به أولا لا ينفعه جفاف تلك القطرة أو ذهاب ثلثيها و القدر المتيقن من الطهر بالتبعية المحل المعد للطبخ مثل القدر و الآلات لا كل محل كالثوب و البدن و نحوهما.

[ (مسألة 2) إذا كان في الحصرم حبة أو حبتان من العنب]

(مسألة 2) إذا كان في الحصرم (1) حبة أو حبتان من العنب فعصر و استهلك لا ينجس و لا يحرم بالغليان اما إذا وقعت تلك الحبة في القدر من المرق أو غيره فغلى يصير حراما و نجسا على القول بالنجاسة.

[ (مسألة 3) إذا صب العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه في الذي ذهب ثلثاه]

(مسألة 3) إذا صب العصير الغالي (2) قبل ذهاب ثلثيه في الذي ذهب ثلثاه تشكل طهارته و أن ذهب ثلثا المجموع، نعم لو كان ذلك قبل ذهاب ثلثيه و ان

______________________________

لطهارتها بناءا على عدم الفرق بين أن يكون بالنار أو بالهواء، إلا أن يقال:

ان القدر المتيقن من الطهر بالتبعية المحل المعد للطبخ مثل القدر فعليه يلزم طهر القطرة ذاتا و بقاء نجاستها بالثوب عرضا فكان يلزمه التنبيه عليه لا إطلاق طهارتها.

قوله قده مسألة 2: (إذا كان في الحصرم. إلخ).

انما لا ينجس و لا يحرم ماء الحصرم بالغليان إذا كان فيه حبة أو حبتان من العنب المعصورة معه المستهلكة فيه لعدم صدق عصير العنب عليه لا مستقلا و لا مخلوطا بغيره، و لا يصدق عليه إلا عصير الحصرم، بخلاف ما لو وقعت تلك القطرة في القدر من المرق لصدق ملاقاة المرق لعصير العنب عرفا فيلحقه الحكم من الحرمة و النجاسة على القول بها.

قوله قده مسألة 3: (إذا صب العصير الغالي. إلخ).

الظاهر أن الأمر كما ذكره من الإشكال في طهارة ما ذهب ثلثاه فيما لو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 558

كان ذهابه قريبا فلا بأس به و الفرق أن في الصورة الأولى ورد العصير النجس على ما صار طاهرا فيكون منجسا له، بخلاف الثانية فإنه لم يصر بعد طاهرا فورد نجس على مثله، هذا و لو صب العصير الذي لم يغل على الذي على فالظاهر عدم

الاشكال فيه، و لعل السر فيه أن النجاسة العرضية صارت ذاتية و إن كان الفرق بينه و بين الصورة الأولى لا يخلو عن اشكال و محتاج إلى التأمل.

[ (مسألة 4) إذا ذهب ثلثا العصير من غير غليان]

(مسألة 4) إذا ذهب ثلثا العصير من غير غليان (1) لا ينجس إذا غلى بعد ذلك.

______________________________

صب العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه عليه و أن ذهب ثلثا المجموع، بل الأقرب البقاء على النجاسة، نعم لو كان كل منهما لم يذهب ثلثاه و أن كان في أحدهما تقريبا، فلا بأس به. و يطهر الجميع بذهاب الثلثين لما ذكره من الفارق بين الصورتين. و اما ما استظهره من الطهارة فيما لو صب العصير الذي لم يغل على الذي غلى و لم يذهب ثلثاه للعلة التي ذكرها من أن النجاسة العرضية في الذي لم يغل صارت ذاتية بعد الغليان فيطهر بذهاب ثلثيه، ثم استشكل في الفارق بين هذه الصورة و بين الصورة الأولى و هي ما إذا صب العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه في الذي ذهب ثلثاه و استظهر فيها بقاءه على النجاسة بزعم عدم الفارق بينهما و أنهما من واد واحد حيث أنه في كلتا الصورتين اختلط عصير طاهر بعصير نجس فعليه ينبغي أن يكون حكمهما واحدا، إما الطهارة في كليهما أو النجاسة و لكن الظاهر وجود الفارق البيّن بين الصورتين، و هو أن الثانية لها حالة منتظرة موجبة لطهارتها و هي ذهاب الثلثين بخلاف الأولى فإنه ليس لها تلك الحالة إذ الفرض أن المصبوب عليه قد ذهب ثلثاه فلا يحتاج ما ذكره إلى التأمل و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 4: (إذا ذهب ثلثا العصير من غير غليان. إلخ)

مدرك عدم نجاسة ما ذهب ثلثاه من غير غليان إذا غلى بعد

ذلك: هو إطلاق.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 559

[ (مسألة 5) العصير التمري أو الزبيبي لا يحرم و لا ينجس بالغليان]

(مسألة 5) العصير التمري أو الزبيبي (1) لا يحرم و لا ينجس بالغليان على الأقوى بل مناط الحرمة و النجاسة فيهما هو الإسكار.

[ (مسألة 6) إذا شك في الغليان يبني على عدمه]

(مسألة 6) إذا شك في الغليان يبني على عدمه (2) كما أنه لو شك في ذهاب الثلثين يبنى على عدمه.

[ (مسألة 7) إذا شك في أنه حصرم أو عنب]

(مسألة 7) إذا شك في أنه حصرم أو عنب يبني على أنه حصرم (3).

[ (مسألة 8) لا بأس يجعل الباذنجان أو الخيار أو نحو ذلك في الحب]

(مسألة 8) لا بأس يجعل الباذنجان أو الخيار (4) أو نحو ذلك في الحب مع

______________________________

دليل ذهاب الثلثين كما تقدم و لو كان بالهواء.

قوله قده مسألة 5: (العصير التمري أو الزبيبي. إلخ).

قد مر حكمها مفصلا فلا نعيده و المختار هو المختار.

قوله قده مسألة 6: (إذا شك في الغليان يبنى على عدمه. إلخ).

و ذلك للاستصحاب، و كذا لو شك في ذهاب الثلثين.

قوله قده مسألة 7: (إذا شك في انه حصرم أو عنب يبنى على انه حصرم. ا ه).

استصحابا للحالة السابقة فإن العنبية حادثة مسبوقة بالحصرمية، مع أنه شك في التكليف بالاجتناب عنه الذي هو مجرى البراءة.

قوله قده مسألة 8: (لا بأس بجعل الباذنجان أو الخيار. إلخ).

يشكل ذلك فيما كان بعد الغليان قبل أن يصير خلا أو قبل الغليان و علم بحصوله بعد ذلك بناءا على النجاسة، و ما يستند اليه من طهارته بالتبع بعد صيرورة المذكورات خلا فيشكل التوسع بالتبعية الى هذا المقدار، بل القدر المتيقن من الطهر بالتبعية هو الظرف المعد للتخليل، و العين المعالج بها ليس إلا كما تقدم نظيره منه (قده) في أواخر المسألة الأولى من هذا المبحث و هي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 560

ما جعل فيه من العنب أو التمر أو الزبيب ليصير خلا أو بعد ذلك قبل أن يصير خلا و أن كان بعد غليانه أو قبله و علم بحصوله بعد ذلك.

[ (مسألة 9) إذا زالت حموضة الخل العنبي و صار مثل الماء]

(مسألة 9) إذا زالت حموضة الخل العنبي (1) و صار مثل الماء لا بأس به إلا إذا غلى فإنه لا بد حينئذ من ذهاب ثلثيه أو انقلابه خلا ثانيا.

[ (مسألة 10) السيلان و هو عصير التمر أو ما يخرج منه بلا عصر لا مانع من جعله في الأمراق]

(مسألة 10) السيلان و هو عصير التمر (2) أو ما يخرج منه بلا عصر لا مانع من جعله في الأمراق و لا يلزم ذهاب ثلثيه كنفس التمر.

[ (السابع) الانتقال]

اشارة

(السابع) الانتقال (3) كانتقال دم الإنسان أو غيره مما له نفس الى جوف

______________________________

مسألة اشتراط ذهاب الثلثين في طهر العصير العنبي بناءا على النجاسة الى ان قال: و القدر المتيقن من الطهر بالتبعية المحل المعد للطبخ مثل القدر و الآلات لا كل محل كالثوب و البدن و نحوهما. انتهى.

قوله قده مسألة 9: (إذا زالت حموضة الخل العنبي. إلخ)

لا اعرف معنى محصلا لهذه المسألة إذ أى بأس كان للخل العنبي حين كونه خلا حتى يقال إذا زالت حموضته و صار مثل الماء لا بأس به، و كذا لا وجه للحكم بذهاب ثلثيه أو انقلابه خلا إذا غلى بعد عده خلا فاسدا بل الظاهر عدم حرمته و عدم نجاسته بالغليان حتى يحتاج الى التثليث، نعم لو فرض عوده الى العصيرية بعد زوال الحموضة يعود حكمه، لكن الظاهر انه مجرد الفرض و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 10: (السيلان و هو عصير التمر. إلخ)

مدرك عدم المانع من جعل العصير التمري في الأمراق مبني على القول بعدم حرمته و عدم نجاسته كنفس التمر و قد تقدم حكم المسألة مفصلا قوله قده: (السابع: الانتقال. إلخ)

و مدرك الحكم بالطهارة في الدم المزبور و البول المذكور هو عدم نسبته

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 561

ما لا نفس له كالبق و القمل و كانتقال البول الى النبات و الشجر و نحوهما و لا بد من كونه على وجه لا يسند الى المنتقل عنه و إلا لم يطهر كدم العلق بعد مصه من الإنسان.

______________________________

بعد الانتقال الى المنتقل

عنه بل نسبته الى المنتقل اليه، و بان يكون ذلك على جهة الحقيقة بأن يمضى عليه زمان يدخل في عروقه و أعضائه لا بالتجوز و المجاز، فإن النسبة يكفي فيها أقل مناسبة. و قد تقدم أن الأحكام الشرعية تدور مدار الأسماء، نعم قد نفى البأس عن دم البراغيث و البق و أشباههما في جملة من الأخبار منها: (مكاتبة) محمد بن الريان قال: كتبت الى الرجل عليه السّلام هل يجرى دم البق مجرى دم البراغيث؟ و هل يجوز لأحد أن يقيس دم البق على البراغيث فيصلي فيه، و أن نقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقّع عليه السّلام: يجوز الصلاة و الطهر أفضل (و خبر) غياث عن جعفر عن أبيه (ع) قال: لا بأس بدم البراغيث و البق و بول الخشاشيف (و صحيحة) ابن أبي يعفور قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في دم البراغيث؟ قال: ليس به بأس، قلت:

إنه يكثر و يتفاحش؟ قال: و إن كثر (و رواية الحلبي) قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن دم البراغيث في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة؟ قال:

لا، و لا ريب في شمول دم البق و البراغيث و أشباههما للدم المجتمع في جوفها الذي كثيرا ما يصيب الثوب أو البدن عند قتلها أو نفثها له، بل هذا هو القدر المتيقن الذي ينسبق الى الذهن إرادته من الروايات دون دمها الأصلي، و أيضا يدل على طهارة ما انتقل الى جوف البق و البرغوث و نحوهما من دم الإنسان و نحوه: استقرار السيرة على عدم التجنب عنه فلا ريب فيه و اللّه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 562

[ (مسألة 1) إذا وقع البق على جسد الشخص فقتله و خرج منه الدم]

(مسألة 1) إذا وقع البق

(1) على جسد الشخص فقتله و خرج منه الدم لم يحكم بنجاسته إلا إذا علم أنه هو الذي مصه من جسده بحيث أسند إليه لا الى البق فحينئذ يكون كدم العلق.

[ (الثامن) الإسلام]

اشارة

(الثامن) الإسلام (2) و هو مطهر لبدن الكافر و رطوباته المتصلة به من بصاقه و عرقه و نخامته و الوسخ الكائن على بدنه، و أما النجاسة الخارجية التي زالت عينها ففي طهارته منها اشكال و إن كان هو الأقوى، نعم ثيابه التي لاقاها حال الكفر مع الرطوبة لا تطهر على الأحوط بل هو الأقوى فيما لم يكن على بدنه فعلا.

[ (مسألة 1) لا فرق في الكافر بين الأصلي و المرتد الملي]

(مسألة 1) لا فرق في الكافر (3) بين الأصلي و المرتد الملي بل الفطري أيضا على الأقوى من قبول توبته باطنا و ظاهرا أيضا فتقبل عباداته و يطهر بدنه نعم

______________________________

قوله قده مسألة 1: (إذا وقع البق. إلخ).

هذه المسألة من شراشر ما تقدمها و ان الحكم دائر مدار التسمية.

قوله قده: (الثامن: الإسلام. إلخ).

مدرك مطهرية الإسلام لبدن الكافر هو أدلة طهارة المسلم، و الأقرب الاقتصار في الطهارة على النجاسة الذاتية دون العرضية، و أن ما قواه (قده) من طهارته منهما فيما لم يكن لها عن غير بعيد، لما تقدم من أن النجاسة على النجاسة لا أثر لها، نعم الأمر كما ذكره من عدم طهارة ثيابه التي لاقاها حال الكفر مع الرطوبة، سواء في ذلك ما كان على بدنه أو لم يكن.

قوله قده مسألة 1: (لا فرق في الكافر. إلخ).

و لننقل هنا عبارة المصباح الفقيه في هذا المقام فإنها تغنينا عما نحاوله من النقض و الإبرام في إثبات قبول توبته أو عدمها، ثم نذكر ما عندنا من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 563

يجب قتله إن أمكن و تبين زوجته و تعتد عدة الوفاة و تنتقل أمواله الموجودة حال الارتداد الى ورثته و لا تسقط هذه الأحكام بالتوبة لكن يملك ما اكتسبه بعد التوبة و يصح الرجوع

الى زوجته بعقد جديد حتى قبل خروج العدة على الأقوى.

______________________________

الحكم في المسألة مع ما فيها من فوائد جمة. قال (قده): و اما الإسلام فلا شبهة في كونه موجبا لارتفاع نجاسة الكفر، و هل يقبل الإسلام من المرتد الفطري أم لا يقبل؟ فيه خلاف، نسب الى ظاهر المشهور و صريح جملة منهم العدم، و عن جماعة من المتأخرين القبول مطلقا، و قيل يقبل باطنا لا ظاهرا و عن ظاهر بعض التفصيل بين إنكار الشهادتين أو إحداهما، و بين إنكار شي ء من الضروريات فلا يقبل في الأول، و يقبل في الثاني، و عن آخر التفصيل بين ما يتعلق بعمل نفسه، و بالنسبة الى ما يتعلق بالغير، فبالنسبة إلى نفسه يعامل معاملة المسلم فيبني على طهارة بدنه و صحة وضوئه و غسله، فيصلي و يصوم و بالنسبة إلى الغير فهو نجس العين، بل لا يظن بأحد من القائلين بعدم القبول الالتزام بجواز تركه للصلاة و الصوم و غيرهما من الأشياء المشروطة بالطهور التي تعذرت في حقه بناءا على كفره و نجاسته. و لذا جعل القائلون بالقبول كونه مكلفا بالعبادات المشروطة بالطهور من أقوى أدلتهم عليه و الحق قبول إسلامه ظاهرا و باطنا بلا شائبة ارتياب فيه، و الدليل عليه، أمران: الأول صدق المؤمن عليه بعد أن آمن باللّه و برسوله، و صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في جميع ما أنزله اللّه تعالى عليه و اعترف بذلك و تدين به لغة و عرفا و شرعا.

أما الأولان فواضح، و اما شرعا فلما عرفت عند التكلم في كفر منكر الضروري من تحديد الإيمان في الأخبار المعتبرة بذلك، و لا ينافيه ما في جملة من الأخبار من

أن المرتد الفطري يقتل و لا يستتاب (كصحيحة) محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرتد فقال: من رغب عن الإسلام

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 564

..........

______________________________

و كفر بما أنزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد إسلامه فلا توبة له و قد وجب قتله، و بانت منه امرأته، و يقسم ما ترك على ولده، (و رواية) عمار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول كل مسلم بين المسلمين ارتد عن الإسلام و جحد محمدا نبوته و كذبه فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه، و امرأته بائنة منه يوم ارتد و يقسم ما له على ورثته و تعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها، و على الامام أن يقتله و لا يستتيبه. (و خبر) الحسين بن سعيد قال: قرأت بخط رجل الى أبى الحسن الرضا عليه السّلام رجل ولد على الإسلام ثم كفر و أشرك و خرج عن الإسلام هل يستتاب؟ أو يقتل و لا يستتاب؟ فكتب: يقتل و لا يستتاب.

فان المراد بهذه الروايات على الظاهر عدم قبول توبته بالنسبة إلى الآثار الشرعية الدنيوية المسبية عن كفره، لا عدم قبولها في الواقع بينه و بين اللّه تعالى بالنسبة الى ما يتعلق بأمر الآخرة. هذا مع أن عدم قبول توبته معناه ان ندامته على كفره الصادر منه، غير موجبة لمحوه، و صيرورته كالعدم، و هذا لا يقتضي عدم قبول إسلامه الذي سيصدر منه فيما بعد، غاية الأمر أن إسلامه اللاحق لا يوجب الجب عما سبقه كما يوجبه في غير المرتد. نعم مقتضاه أن لا يكون مجرد إظهاره للندامة و الاستغفار الذي يتحقق به التوبة كافيا في صيرورته

مسلما بل عليه أن يجدد إسلامه بإظهار الشهادتين بعد التوبة على تأمل، و الحاصل أن عدم قبول التوبة لا ينافي الإسلام (و دعوى) استلزام عدم قبول التوبة للخلود في النار و هو ينافي الإسلام (مدفوعة) بأن المسلم انما هو خلود من مات كافرا لا مطلق من كفر بحيث عم مثل الفرض، و بما ذكرنا ظهر أن نسبة القول بعدم قبول إسلام المرتد الفطري إلى المشهور لا تخلو من نظر، فإنهم على ما حكى عنهم لم يصرحوا إلا بعدم قبول توبته و هو لا يدل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 565

..........

______________________________

على المدعى، بل لا يبعد أن يكون مقصودهم عدم قبولها بالنسبة الى بعض الآثار التي تقدم التنبيه عليها في النصوص المتقدمة في مقابل العامة و ابن الجنيد من الخاصة حيث حكى عنهم القول بقبول توبته مطلقا، و عدم الفرق بينه و بين المرتد الملي و اللّه العالم. (الثاني) ما تقدمت الإشارة إليه من انه لا ينبغي الارتياب في كونه مكلفا بالإسلام و بشرائعه، و هذا يدل على كونه ممكنا في حقه و مجزيا عنه و دعوى: ان التكليف لا ينافي الامتناع بالاختيار، مدفوعة، بما تقرر في محله من منافاة الامتناع للتكليف مطلقا و ان كان عن اختيار، نعم الامتناع الاختياري لا ينافي اتصاف الفعل الذي صيره ممتنعا بكونه مقدورا و متعلقا للتكليف قبل أن يجعله ممتنعا، و كون تركه تركا اختياريا موجبا لاستحقاق العقاب عليه، و دعوى: سقوط التكليف عنه بصيرورته ممتنعا في حقه فحاله بعد الارتداد كحاله بعد الموت، مدفوعة بعد الغض عن إمكان دعوى القطع: بأن اللّه تعالى لم يرفع القلم عنه، بأن مقتضى عموم أدلة التكاليف المشروطة بالإسلام، أو بالطهور و

وجوب الإسلام على كل مكلف شمولها للمرتد، فيجب أن يكون الإسلام في حقه ممكنا. و الرواية الدالة على أنه لا توبة للمرتد بعد تسليم ظهورها في المدعى، لا تصلح قرينة لصرف هذه الأدلة و تخصيصها بغير المرتد، فان التصرف فيها بحملها على المعنى الذي تقدمت الإشارة إليه، أهون من تخصيص هذه الأدلة.

و قد يقال بشمول هذه الأدلة للمرتد مع الالتزام بتعذر إسلامه، بدعوى: أن توجيه الخطاب اليه من قبيل التكليف الصوري الذي أريد به التسجيل و إثبات العقاب عليه. و فيه: مع أنه من أبعد التصرفات يرد عليه:

أنه لا يعقل التسجيل و إثبات العقاب بإيجاب الممتنع لكونه معذورا في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 566

..........

______________________________

الامتثال، و انما يعقل ذلك فيما إذا كان المأمور به في حد ذاته مقدورا للمكلف، و لم يكن المكلف ممتثلا فحينئذ قد يقصد الأمر بطلبه مع علمه بأن المأمور لا يمتثل إتمام الحجة للتسجيل و إثبات العقاب فلا يقصد بطلبه في الفرض إلا التكليف الحقيقي المقصود به الإلزام بالفعل و وجوب إيجاده، و لا ينافيه علمه بان العبد لا يمتثل، فلو ندم العبد و عزم على الامتثال و فرض كون المولى مخطئا في اعتقاده يأتي العبد بالفعل المأمور به بقصد امتثال أمره فليس التكليف في الفرض صوريا كما لا يخفى على المتأمل (و قد يقال): أن مقتضى تكليفه بالعبادات تحقق الإسلام منه بالنسبة إلى صحة الصلاة و كذا طهارته بالنسبة إلى نفسه دون الإسلام المطلق الموجب للطهارة المطلقة (و فيه): أن ما دل على اشتراط الصلاة و الصوم بالإسلام و الطهارة إنما دل على اعتبار مطلقهما لا بالإضافة، فإن كان و لا بد من الالتزام بصحة عباداته مع بقائه

كافرا فيلتزم بسقوط الاشتراط لا حصول الشرط بالإضافة. و كيف كان فلا ينبغي الارتياب في ضعف هذه الأقوال و عدم صلاحية الأخبار الدالة على عدم قبول توبته لإثباتها، و يدل عليه أيضا بل و على قبول توبته و صحة عباداته (رواية) محمد ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام فيمن كان مؤمنا فحج و عمل في إيمانه ثم اصابته في إيمانه فتنة فكفر ثم تاب و آمن. قال: يحسب له كل عمل صالح في إيمانه و لا يبطل منه شي ء. فان المفروض في السؤال بحسب الظاهر أعم من المرتد الفطري و ظاهر الجواب تقريره في قبول توبته. هذا كله، مضافا الى الأدلة الدالة على محبوبية الإسلام و التوبة من كل أحد، الآبية عن التخصيص المعتضدة ببعض المؤيدات العقلية و النقلية كيف مع أن من الأمور الواضحة أن من أكبر مقاصد الأمير عليه السّلام و الحسنين (عليهما السلام) في حروبهم و غيرها استتابة المرتدين من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 567

..........

______________________________

الخوارج و النواصب و الغلاة الذين اعترفوا بإلاهية أمير المؤمنين عليه السّلام و انهم (عليهم السلام) كانوا يقبلون توبة من رجع منهم و يعاملون معه معاملة المسلم (و توهم) كون ذلك من باب المماشاة لبعض المصالح، في غاية الضعف، و استدل للتفصيل بين من أنكر الشهادتين، و بين من أنكر ضروريا بعدم القبول في الأولى دون الثاني، بالشك في شمول الأدلة النافية للتوبة لمنكر الضروري، فيبقى عمومات التوبة بحالها، و فيه نظر، مع انك عرفت قصور الأدلة النافية عن إثبات الجزء الأول من مدعاه. انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

أقول: و فيما ذكره (قده) مواقع للنظر (أما قوله): بل لا يظن بأحد من القائلين

بعدم القبول الالتزام بجواز تركه للصلاة و الصوم و غيرهما من الأشياء المشروطة بالطهور التي تعذرت في حقه بناءا على كفره و نجاسته. إلخ (ففيه): أنه يمكن منع القطع بعدم سقوط التكليف عنه لظهور الأدلة في تنزيله منزلة الميت، كما يومي اليه: اعتداد زوجته عدة الوفاة، و قسمة أمواله بين ورثته، و غير ذلك (و اما قوله): و الدليل عليه أمران: الأول صدق المؤمن عليه بعد أن آمن باللّه و برسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. إلخ. (ففيه): ان البحث في صيرورته مندرجا تحت إطلاق المسلم بذلك بعد ظهور الأدلة في تنزيله منزلة الميت.

(و أما قوله): و الثاني ما تقدمت الإشارة إليه من أنه لا ينبغي الارتياب في كونه مكلفا بالإسلام و بشرائعه. إلخ. (ففيه): كما تقدم أنه يمكن منع القطع بعدم سقوط التكليف عنه بالإسلام، لظهور الأدلة في تنزيله منزلة الميت، و على كل فلا يمكن رفع اليد عن الأخبار المتقدمة الصريحة في عدم قبول توبته بما ذكر من الوجوه المبنية على الاستحسانات العقلية (و أما ما ذكره) من أن أكبر مقاصد الأمير عليه السّلام و الحسنين (عليهما السلام) استتابة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 568

[ (مسألة 2) يكفي في الحكم بإسلام الكافر إظهاره الشهادتين]

(مسألة 2) يكفي في الحكم بإسلام الكافر (1) إظهاره الشهادتين و إن لم يعلم موافقة قلبه للسانه لا مع العلم بالمخالفة.

______________________________

المرتدين. إلخ (ففيه) ان الفعل محتمل لوجوه عديدة لا نعلمها، فلا يقاوم صراحة القول في عدم قبول توبته. (و اما رواية) محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام المتقدمة الذكر (ففيها) عدم حجيتها في نفسها أولا، و قصور مقاومتها لما تقدم ثانيا، و احتمال إرادة الملي منها ثالثا، بل قيل انه الظاهر منها،

و عدم ظهورها في إرادة ما عمله في الإيمان الثاني رابعا، فلا تصلح هذه الرواية لتقييد تلك الأخبار أو صرفها عن ظاهرها الدالة على عدم قبول توبة الفطري هذا كله في عدم قبول توبته ظاهرا تعبدا بالنصوص المزبورة، و اما باطنا و عند اللّه تبارك و تعالى: فليس من وظيفتنا البحث عنه و التكلم فيه، بل هو موكول إلى رحمة اللّه الذي وسعت رحمته السموات و الأرض، و لنرجع الى قول الماتن (قده) في آخر المسألة بناءا على مختاره و يصح الرجوع الى زوجته بعقد جديد حتى قبل خروج العدة على الأقوى. ا ه. و مدرك الرجوع بعقد جديد انها عدة وفاة، و هي من البائن التي لا يصح الرجوع فيها، فلا بد من العقد الجديد، و لا يشمل المقام ما ورد من عدم جواز العقد في العدة و انه من المحرمات الأبدية، مع العلم بالحكم و الموضوع أو مع جهلهما و الدخول.

لانصراف تلك الأدلة الى غير الزوج المعتدة منه و هو المشار اليه بقوله على الأقوى.

قوله قده مسألة 2: (يكفي في الحكم بإسلام الكافر. إلخ).

لا إشكال في الاكتفاء بإظهار الشهادتين لما هو المعلوم من سيرة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة (ع) مع سائر الكفار، بل قد يقال بالاكتفاء بهما حتى مع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 569

[ (مسألة 3) الأقوى قبول إسلام الصبي المميز]

(مسألة 3) الأقوى قبول إسلام الصبي المميز إذا كان عن بصيرة (1).

[ (مسألة 4) لا يجب على المرتد الفطري بعد التوبة تعريض نفسه للقتل]

(مسألة 4) لا يجب على المرتد الفطري بعد التوبة (2) تعريض نفسه للقتل بل يجوز له الممانعة منه و إن وجب قتله على غيره.

______________________________

العلم بالمخالفة كما يشهد بذلك معاشرة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع المنافقين المظهرين للإسلام مع علمه بنفاقهم، مضافا الى شهادة جملة من الأخبار بكفاية إظهار الشهادتين في الإسلام الذي به تحقن الدماء و تجري عليه المواريث و النكاح من غير إناطته بكونه ناشئا من القلب، و انما يعتبر ذلك في الإيمان الذي به يفوز الفائزون، و هو أخص من الإسلام الذي عليه عامة الأمة كما نطق بذلك الاخبار. (منها): ما رواه في الكافي عن سماعة في صفة الايمان و الإسلام الى أن قال عليه السّلام: الإسلام شهادة أن لا إله إلا اللّه و التصديق برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم به حقنت الدماء و جرت المناكح و المواريث و على ظاهره جماعة الناس قوله قده مسألة 3: (الأقوى قبول إسلام الصبي المميز إذا كان عن بصيرة. ا ه).

بناءا على القول بشرعية عبادة الصبي، فلا ينبغي الاستشكال في طهارته و إجراء أحكام الإسلام عليه اللهم إلا أن ينعقد الإجماع على بقاء أثر التبعية ما لم يبلغ و أن خرج من حدها عرفا و هو بعيد خصوصا لو استقل الولد و انفرد و لحق بدار الإسلام و خالط المسلمين، هذا مع عدم تعرض الأصحاب لحكم هذا الفرع.

قوله قده مسألة 4: (لا يجب على المرتد الفطري بعد التوبة. إلخ)

المدرك في عدم وجوب تعريض نفسه للقتل بعد التوبة: هو أن غاية ما دل الدليل عليه في مثل

ما نحن فيه من الحدود التي هي من حقوق اللّه تعالى:

هو وجوب الاستيفاء منه لا وجوب الإيفاء عليه عكس الحقوق المالية

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 570

[ (التاسع) التبعية و هي في موارد]

(التاسع) التبعية و هي في موارد (أحدها) تبعية فضلات الكافر المتصلة ببدنه (1) كما مر.

(الثاني) تبعية ولد الكافر (2) له في الإسلام أبا كان أو جدا أو اما أو جدة (الثالث) تبعية الأسير للمسلم (3) الذي أسره إذا كان غير بالغ و لم يكن معه أبوه أو جده.

______________________________

التي هي للعباد، فإنه يجب على من هي عليه ايفاؤها و لا يجب على من هي له استيفاؤها.

قوله قده: (التاسع: التبعية و هي في موارد أحدها: تبعية فضلات الكافر المتصلة ببدنه. ا ه).

إذ كما أن نفس الحكم بنجاسته كاف بنجاسة فضلاته، كذلك الحكم بطهارته بعد الإسلام كاف بطهارة فضلاته.

قوله قده: (الثاني: تبعية ولد الكافر. إلخ).

لا يخفى انه تقدم في فصل النجاسات أن عمدة الدليل على نجاسة أولاد الكفار: هي السيرة المدعاة على تبعيتهم لآبائهم، و ادعى بعضهم الإجماع عليه و انه من المسلمات عندهم، فيكون الدليل على الطهارة بعد إسلام آبائهم هو الدليل بعينه، أعنى التبعية المزبورة لآبائهم في أحكام الإسلام و منها الطهارة.

قوله قده: (الثالث: تبعية الأسير للمسلم. إلخ).

و الدليل على تبعية أولاد الكفار في الطهارة لآسرهم المسلم: هو انقطاع تبعيتهم لآبائهم مع جريان قاعدة الطهارة فيهم، و عدم جريان استصحاب النجاسة لزوال الموضوع و هو التبعية، و ذلك فيما لم يكن آباؤهم معهم و إلا فحكم الأبناء حكم الآباء لعدم زوال التبعية. و لذا صرح بعضهم فيمن سباه مسلم بأنه يتبع السابي إذا كان منفردا عن أبويه بخلاف ما لو كان معهما، معللا ذلك بالإجماع و السيرة

العمل

الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 571

الرابع) تبعية ظرف الخمر له بانقلابه خلا. (1)

(الخامس) آلات تغسيل الميت (2) من السدة و الثوب الذي يغسله فيه و يد الغاسل دون ثيابه بل الاولى و الأحوط الاقتصار على يد الغاسل.

(السادس) تبعية أطراف البئر (3) و الدلو و العدة و ثياب النازح على القول بنجاسة البئر لكن المختار عدم تنجسه بما عدا التغير و معه أيضا يشكل جريان حكم التبعية.

______________________________

القطعية على المعاملة مع السبايا معاملة المسلمين، فيظهر من تخصيصهم لهذا الفرع بالذكر و تعليلهم بتبعيته للسابي و الاستدلال عليه بالإجماع و السيرة، أنه لو لا تبعيته للمسلم لكان مقتضى الأصل فيه النجاسة، لكن إثبات الإجماع بالنسبة إلى الفرع المسكوت عنه بمثل هذه الاستظهارات لا يخلو عن اشكال.

قوله قده: (الرابع: تبعية ظرف الخمر. إلخ).

و مدركه: الحكم بطهارة الخمر بانقلابها خلا، فإنه لو لا طهارة الظرف بالتبع لما أمكن الحكم بطهارة الخمر المنقلبة مع العلم بأنه لا مطهر للآنية غير التبعية.

قوله قده: (الخامس: آلات تغسيل الميت. إلخ).

الأولى الاقتصار في الطهارة على ما يلازم طهارة الميت: من يد الغاسل و السدة التي يغسل عليها، و الثوب الذي يغسل فيه الميت، دون ثوب الغاسل و نحوه.

قوله قده: (السادس: تبعية أطراف البئر. إلخ).

ما يمكن القول به من التبعية في أحكام البئر: هو ما لا ينفك الحكم بطهارتها عن الحكم بطهارته عادة مثل: الدلو، و الحبل، و يد النازح، لا مثل ثيابه و أطراف البئر و ما شاكلها مما لا يلزم الحكم بطهارته من الحكم بطهارتها، إذ

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 572

(السابع) تبعية الآلات المعمولة في طبخ العصير (1) على القول بنجاسته فإنها تطهر تبعا له بعد ذهاب الثلثين.

(الثامن) يد

الغاسل و آلات الغسل (2) في تطهير النجاسات و بقية الغسالة الباقية في المحل بعد انفصالها.

(التاسع) تبعية ما يجعل مع العنب أو التمر للتخليل (3) كالخيار و الباذنجان و نحوهما كالخشب و العود فإنها تنجس تبعا له عند غليانه على القول بها و تطهر تبعا له بعد صيرورته خلا.

[ (العاشر) من المطهرات زوال عين النجاسة أو المتنجس عن جسد الحيوان]

اشارة

(العاشر) من المطهرات زوال عين النجاسة أو المتنجس (4) عن جسد الحيوان

______________________________

يشكل حكم التبعية في مثلها مع عدم دليل عليه.

قوله قده: (السابع: تبعية الآلات المعمولة في طبخ العصير. إلخ).

أيضا ما يمكن الحكم به هنا من التبعية: هو ما لا ينفك الحكم بطهارة العصير عن الحكم بطهارته عادة.

قوله قده: (الثامن: يد الغاسل و آلات الغسل. إلخ).

أيضا الحكم هنا كسابقيه، و إلا لما أمكن تطهير النجس في الماء القليل، و كذا لا إشكال في طهارة بقية الغسالة التي يحتاج ذهابها الى التجفيف بعد إخراج ما يتعارف إخراجه بالعصر.

قوله قده: (التاسع: ما يجعل مع العنب أو التمر للتخيل. إلخ).

تقدم الإشكال منا في إجراء حكم التبعية على ما ذكر من مثل الخيار و الباذنجان و نحوهما كالخشب و العود. بل الأولى الاقتصار على ما لا ينفك الحكم بطهارته عن الحكم بطهارتها عادة مثل الظرف و العين المعالج بها، لإطلاق النصوص المتقدم ذكرها في جواز المعالجة بما تبقى عينه بعد التخليل أو تضمحل.

قوله قده: (العاشر من المطهرات: زوال عين النجاسة أو المتنجس. إلخ)

لا يخفى أن الأقوال في هذه المسألة مختلفة (فقيل) بنجاسة بدن الحيوان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 573

الحيوان غير الإنسان بأي وجه كان سواء كان بمزيل أو من قبل نفسه فمنقار الدجاجة إذا تلوث بالعذرة يطهر بزوال عينها و جفاف رطوبتها، و كذا ظهر الدابة المجروح إذا

زال دمه بأي وجه، و كذا ولد الحيوانات الملوث بالدم عند التولد الى غير ذلك، و كذا زوال عين النجاسة أو المتنجس عن بواطن الإنسان كفمه و أنفه و أذنه فإذا أكل طعاما نجسا يطهر فمه بمجرد بلعه هذا إذا قلنا إن البواطن تتنجس بملاقاة النجاسة و كذا جسد الحيوان، و لكن يمكن أن يقال بعدم تنجسهما أصلا و انما النجس هو العين الموجودة في الباطن أو على جسد الحيوان و على هذا فلا وجه لعده من المطهرات و هذا الوجه قريب جدا و مما يترتب على الوجهين أنه لو كان في فمه شي ء من الدم فريقه نجس ما دام الدم موجودا على الوجه الأول فإذا لاقى شيئا نجسه بخلافه على الوجه الثاني فإن الريق طاهر و النجس هو الدم فقط فإن أدخل إصبعه مثلا في فمه و لم يلاق الدم لم ينجس و إن لاقى الدم ينجس إذا قلنا بأن ملاقاة النجس في الباطن أيضا موجبا للتنجس و إلا فلا ينجس أصلا إلا إذا أخرجه و هو ملوث بالدم.

______________________________

غير الآدمي عند ملاقاته للنجاسة، و يطهر بزوال العين، و هو المشهور.

(و قيل) يشترط مع ذلك غيبة الحيوان و احتمال مصادفته ماءا معتصما و لو احتمالا بعيدا، ذهب إليه العلامة في النهاية. (و قيل) بنجاسته و لا يطهر إلا بمطهر معلوم كسائر المتنجسات، و تسرى نجاسته الى غيره.

(و قيل) بنجاسته و احتياجه الى مطهر، و لكن لا تسرى نجاسته الى غيره (و قيل) بعدم نجاسته، و لا أثر لملاقاته للنجاسة أبدا، و اختار المصنف القول الأول و هو المشهور أعني: نجاسته و طهره بزوال العين.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 574

..........

______________________________

و مدركه: النصوص الصحيحة

ففي (الصحيح) إن الهر سبع و لا بأس بسؤره (و في آخر) عن السنور قال: لا بأس أن يتوضأ من فضلها انما هي من السباع (و في ثالث) لا تدع فضل السنور أن تتوضأ منه، إنما هي سبع (و في رابع) في الهرة انما هي من أهل البيت و يتوضأ من سؤرها. (و في خامس) لا امتنع من طعام طعم منه السنور و لا من شراب شرب منه السنور. لإطلاقها و ترك الاستفصال فيها (و في موثقة) عمار عن الصادق عليه السّلام قال: سئل عما تشرب منه الحمامة؟ فقال: كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب (و موثقة) عمار ابن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عما يشرب منه باز أو صقر أو عقاب فقال: كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه، إلا أن ترى في منقاره دما، فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب، و مقتضى إطلاق الأخبار المذكورة و نحوها طهارة أفواه السباع بمجرد زوال العين لأنها لا تكاد تنفك عن النجاسات خصوصا الهرة، فإن العلم بمباشرتها للنجاسة متحقق في أكثر الأوقات، و لو لا ذلك للزم صرف اللفظ الظاهر الى الفرد النادر، بل تأخير البيان عن وقت الحاجة و هو ممتنع عقلا (و لا فرق) في المذكورات بين سائر مواضع الملاقاة من أبدانها أفواها كانت أو غيرها للقطع بعدم الخصوصية كما لا فرق بين المذكورات من الهرة و الدجاجة و الباز و الصقر و العقاب و بين سائر الحيوانات كما صرح به جلهم، و يدل عليه

(صحيحة) الفضل قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الإبل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع، فلم أترك شيئا إلا سألته عنه، فقال: لا بأس به، حتى انتهيت الى الكلب فقال: رجس نجس، لا تتوضأ بفضله و أصبب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 575

..........

______________________________

ذلك الماء، و اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء (نعم) يبقى الإشكال في تخصيص المشهور وجه طهارته بذهاب عين النجاسة بعد حكمهم بنجاسته، مع أن دليلهم أعم من ذلك، و العام لا يدل على الخاص بوجه (و بيان ذلك) ان غاية مدلول الأخبار المستدل بإطلاقها هو طهارة فم الحيوان و عدم البأس في مباشرة ما لاقاه. و هو أعم من نجاسته و طهره بزوال العين أو عدم نجاسته أى عدم قابليته لتحمل النجاسة كما عبر به بعض، أو لعدم سراية نجاسته الى الغير مع نجاسته بنفسه، بناءا على القول بعدم سراية النجاسة من المتنجسات الجامدة الخالية عن العين كما قال بكل منها قائل مع ما يترتب على هذه الأقوال من الثمرات العلمية و العملية. فمن الثمرات العملية المترتبة على القول بنجاسته و طهره بزوال العين و بين القول بعدم نجاسته أى عدم قابليته لتحمل النجاسة كلية: هو أنه لو ذكي الحيوان و عين النجاسة باقية على جلده ثم بعد السلخ للجلد أزيلت النجاسة عنه فلا تجوز الصلاة فيه على القول الأول، إذ لم تزل العين عنه حال كونه حيوانا ليصدق أن ذهاب النجاسة عن بدن الحيوان مطهر له، و تجوز الصلاة فيه على القول الثاني لفرض عدم تأثره بها و عدم حمله لآثارها (و منها) انه لو صلى بالجلد

المسلوخ قبل ازالة عين النجاسة عنه لم تصح الصلاة على القول الأول لأنها صلاة في النجس لفرض نجاسته، و أما على الثاني فهو من حمل النجاسة في الصلاة لا من الصلاة في النجس، و هو على الخلاف فيه من أنه مانع أم لا. (و من الثمرات) العملية بين القول بنجاسته و سراية النجاسة إلى الغير لو لاقاه برطوبة مسرية، و لا يطهر مطلقا إلا بمطهر معلوم كسائر المتنجسات و بين القول بنجاسته و عدم سرايتها هو أنه لو شرب من إناء ينجس ذلك الإناء على القول الأول من السراية، و لا ينجس

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 576

[ (مسألة 1) إذا شك في كون شي ء من الباطن أو الظاهر]

(مسألة 1) إذا شك في كون شي ء من الباطن أو الظاهر (1) يحكم ببقائه على النجاسة بعد زوال العين على الوجه الأول من الوجهين و يبني على طهارته على الوجه الثاني لأن الشك عليه يرجع الى الشك في أصل التنجس.

______________________________

على القول الثاني من عدم السراية، و أن اشترك القولان في عدم جواز الصلاة بجلده بعد التذكية لنجاسته حتى يطهر لاشتراك القولين في نجاسته و احتياج محل الملاقاة إلى التطهير و اللّه العالم.

(و اما بواطن الإنسان) فمدرك طهرها بزوال العين بعد الإجماعات المنقولة، بل نفى بعضهم الريب فيه: (رواية) عبد الحميد بن أبي الديلم قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل يشرب الخمر فيبصق فأصاب ثوبي من بصاقه؟

قال: ليس بشي ء (و موثقة) الساباطي: سئل الصادق عليه السّلام عن رجل يسيل من أنفه الدم هل عليه أن يغسل باطنه يعنى جوف الأنف؟ فقال: انما عليه أن يغسل ما ظهر منه (و يؤيده) الأخبار المستفيضة الواردة في الاستنجاء التي وقع فيها التصريح بأنه أنما يغسل الظاهر لا الباطن

و هنا اشكال كما سبق في أنه هل تنجس البواطن بوصول النجاسة إليها فيكون زوالها مطهرا لها؟ أم لا تنجس أصلا لعدم تحملها النجاسة؟ فيترتب عليه استصحاب نجاسة المحل عند الشك في بقاء الحال على الأول و عدمه على الثاني.

قوله قده مسألة 1: (إذا شك في شي ء من الباطن أو الظاهر. إلخ)

مدرك الحكم بالنجاسة على الوجه الأول: هو الاستصحاب و بيانه:

انا أن قلنا أن البواطن تتنجس بملاقاة النجاسة و تطهر بزوال العين فالمشكوك سواء كان من الظاهر أو الباطن فقد تنجس بملاقاة النجاسة و يشك في أنه من البواطن حتى يطهر بزوالها فتستصحب النجاسة لعدم اليقين بزوالها، و اما على

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 577

[ (مسألة 2) مطبق الشفتين من الباطن]

(مسألة 2) مطبق الشفتين من الباطن (1) و كذا مطبق الجفنين فالمناط في الظاهر فيهما ما يظهر منهما بعد التطبيق.

[ (الحادي عشر) استبراء الحيوان الجلال]

(الحادي عشر) استبراء الحيوان الجلال (2) فإنه مطهر لبوله و روثه، و المراد بالجلال مطلق ما يؤكل لحمه من الحيوانات المعتادة بتغذي العذرة و هي غائط الإنسان و المراد من الاستبراء منعه من ذلك و اغتذاؤه بالعلف الطاهر حتى يزول عنه اسم الجلل، و الأحوط مع زوال الاسم مضي المدة المنصوصة في كل حيوان بهذا التفصيل في الإبل إلى أربعين يوما، و في البقر الى ثلاثين، و في الغنم إلى عشرة أيام، و في البطة إلى خمسة أو سبعة، و في الدجاجة إلى ثلاثة أيام، و في غيرها يكفي زوال الاسم.

______________________________

القول الثاني أي عدم تنجس البواطن أصلا و انما النجس هو العين الموجودة في الباطن فيشك ابتداء في تنجس المشكوك لعدم إحراز أنه من الظواهر فتستصحب طهارته، مع جريان قاعدة الطهارة فيه بلا مانع.

قوله قده مسألة 2: (مطبق الشفتين من الباطن. إلخ).

فيما ذكره من أن مطبق الشفتين من الباطن و كذا مطبق الجفنين تأمل، و أن قلنا في باب الوضوء و الغسل بعدم وجوب غسلهما لعدم التلازم بين المقامين فلا يترك الاحتياط في إلحاقهما حكما بالظاهر فيما نحن فيه، و كذا التأمل و الإشكال فيما جعله ضابطا و فارقا بين الظاهر و الباطن.

قوله قده: (الحادي عشر: استبراء الحيوان الجلال. إلخ).

لا يخفى أنه يحرم الحيوان بالجلل على الأشهر بين الطائفة للنهي عنه في الأخبار المستفيضة الآنية، و يتحقق الجلل إما بان يغتذي الحيوان محض عذرة الإنسان لا يخلط بها غيرها الى أن ينبت عليها لحمه و يشتد عظمه كما هو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1،

ص: 578

..........

______________________________

المشهور بين الأصحاب لما (رواه) في الكافي و التهذيب عن النميري عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر عليه السّلام في شاة شربت بولا ثم ذبحت قال فقال: يغسل ما في جوفها ثم لا بأس به، و كذلك إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلالة، و الجلالة التي يكون ذلك غذاؤها (و ما رواه) في الكافي عن ابن أسباط عمن روى في الجلالات قال: لا بأس بأكلهن إذا كن يخلطن (أو مطلق) النجاسة كما قاله الحلبي و هو شاذ محجوج بما سمعت من الخبرين، مضافا الى وجوب الاقتصار في الحكم بالتحريم على المجمع عليه، و هو ما تمحض عذرة الإنسان. (ثم) ان النصوص و فتاوى أكثر الأصحاب خالية عن تعيين المدة التي يحصل فيها الجلل، و غاية ما يستفاد من الرواية الأولى كون العذرة غذاؤها و من الثانية كون الخلط لا يوجب الجلل و كل منهما بالإضافة إلى تعيين المدة التي يتحقق فيها الجلل مجمل، و لذلك اختلف الأقوال في ذلك فبين (قائل) حتى ينمو ذلك في بدنها و يصير جزءا، أو يوما و ليلة كما عن (آخرين) أو إلى أن يظهر نتنها في لحمه و جلده يعنى رائحة النجاسة التي اغتذت بها كما عن (ثالث) أو إلى أن يسمى في العرف جلالا كما عن. (رابع) أو أن يكون أكثر طعامه ذلك، أو أن تمحض عذرة الإنسان حرم، و إن خالطها بغيره كره، على اختلاف الأقوال. و لعل (الأقوى) الرابع لأنه المحكم فيما لم يرد فيه تعيين من الشرع أصلا فتستبرء بحبسه على طعام آخر إلى مدة يزول معها الحكم السابق على اختلاف أصناف الحيوانات في تلك المدة، و النصوص الآتية مختلفة في تقديرها في

الأكثر، و بسببه اختلف الأصحاب فيه، و لا نص معتبرا في هذا الباب أصلا سوى النهى عنه، ففي (الكافي) و التهذيب عن هشام بن سالم عن أبي حمزة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تأكلوا لحوم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 579

..........

______________________________

الجلالات و ان أصابك من عرقها فاغسله. (و عن بسام) الصير في عن أبي جعفر عليه السّلام في الإبل الجلالة قال: لا يؤكل لحمها و لا تركب أربعين يوما. و فيها دلالة على القول بالتحريم كما هو الأشهر لظاهر النهى. (و ذهب) الإسكافي إلى كراهته مطلقا إذ لا نص على التحريم في شي ء منها، و كذلك الشيخ في المبسوط قائلًا: إنه مذهبنا. مشعرا بالاتفاق، و نحوه عن الخلاف، لكن عبارته المحكية لا تساعد على ذلك بل بناءا منه على أن الجلالة ما تكون العذرة أكثر غذائها لا غذاءها محضا و الكراهة على هذا لا تختص به بل هو مذهب الأكثر كما عن المختلف و المسالك و غيرهما، و انما محل النزاع: الجلالة التي يكون غذاؤها العذرة المحضة لا مطلق الجلالة (و مما اتفقوا) عليه في مدة استبراء الناقة بأربعين يوما (و مما اختلفوا) فيه (البقرة) فقدروها بأربعين و بثلاثين و بعشرين (و الشاة) بعشرة و سبعة و خمسة. (و السمك) بيوم و ليلة و بيوم (و البطة و الدجاجة) فبخمسة و بثلاثة فيهما و بسبعة، و بيوم الى الليل في الأخير خاصة و الذي وقفت عليه من النصوص في المقام (ما رواه) ثقة الإسلام في الكافي عن السكوني في القوى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تقيد ثلاثة

أيام و البطة الجلالة خمسة أيام و الشاة الجلالة عشرة أيام و البقرة الجلالة عشرين يوما و الناقة أربعين يوما. و عن (يعقوب) بن يزيد رفعه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام الإبل الجلالة إذا أردت نحرها تحبس أربعين يوما و البقرة ثلاثين يوما و الشاة عشرة أيام. و في (الكافي و التهذيب) عن يونس عن الرضا عليه السّلام في السمك الجلالة أنه سأله عنه فقال: ينتظر به يوما و ليلة- و قال السياري:

إن هذا لا يكون إلا بالبصرة- و قال في الدجاج: يحبس ثلاثة أيام، و البطة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 580

..........

______________________________

سبعة أيام، و الشاة أربعة عشر يوما، و البقرة ثلاثين يوما، و الإبل أربعين يوما ثم تذبح. و في (الكافي) عن مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام الناقة الجلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغتذي أربعين يوما، و البقرة الجلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغتذي ثلاثين يوما، و الشاة الحلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغتذي عشرة أيام، و البطة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تربط خمسة أيام، و الدجاجة ثلاثة أيام (و في التهذيب) في البقرة: أربعين يوما، و في الشاة خمسة، و روى (الصدوق) في الفقيه قال: نهى عليه السّلام عن ركوب الجلالات و شرب ألبانها، و قال: إن أصابك شي ء من عرقها فاغسله، و الناقة الجلالة تربط أربعين يوما ثم يجوز بعد ذلك أصابتها و أكلها، و البقرة تربط ثلاثين يوما.

(و في رواية) الجوهري: أن البقرة تربط عشرين يوما، و الشاة تربط عشرة أيام، و البطة تربط ثلاثة أيام

و روى ستة أيام، و الدجاجة تربط ثلاثة أيام و السمك الجلال يربط يوما الى الليل في الماء. (و قال الشهيد) الثاني في المسالك و الروضة بعد التنصيص على استبراء الناقة بأربعين، و البقرة بعشرين و الشاة بعشرة: و مستند هذه التقديرات كلها ضعيف، و المشهور منها ما ذكره المصنف (ره)، و ينبغي القول بوجوب الأكثر من هذه المقدرات للإجماع على عدم اعتبار أزيد منه، فلا تجب الزيادة، و الشك فيما دونه فلا يتيقن زوال التحريم مع أصالة بقائه، حيث ضعف المستند فيكون ما ذكرناه طريقا للحكم. انتهى.

(و كذا) يكفى ما يزول به الجلل و النتن ليخرج عن حق الأدلة.

(و قال بعضهم) و لو لا اشتهار العمل بالتقدير في الجملة بين الأصحاب لأمكن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 581

..........

______________________________

عدم الرجوع إليه في شي ء منها، و هو حسن.

و ذكر الشهيدان في الروضتين في كيفية الاستبراء: أن يضبط الحيوان على وجه يؤمن أكله النجس، و يطعم علفا طاهرا من النجاسة الأصلية و العرضية طول المدة، و ما عدا ذلك من الحيوان الجلال يستبرء بما يغلب على الظن زوال الجلل به عرفا لعدم ورود مقدر له شرعا، و لو طرحنا تلك التقديرات، لضعف سندها كان حكم الجميع كذلك. انتهى (و الأقوى) العمل بالنصوص المعتضدة بالشهرة، و الأحوط ما ذكره أولا من الإتيان بالأكثر، هذا و لا يخفى عليك خلو النصوص عن إفادتها النجاسة، و غاية ما أفادته عدم جواز أكل لحمها و شرب لبنها، و هو أعم من النجاسة كما لا يخفى (قال) في الجواهر: إن الجلل إنما يفيد تحريم الأكل للحيوان دون النجاسة للأصل و غيره و الأمر بالغسل للعرق أعم من نجاسة الحيوان، بل

و من العرق نفسه، خصوصا بعد الشهرة على الطهارة إذ يمكن كون المراد به للصلاة باعتبار صيرورته فضلة ما لا يؤكل لحمه المانعة من الصلاة، و أن كانت طاهرة فما في طهارة كشف اللثام: من أن الظاهر النجاسة، و حكاه عن الفاضل في المنتهى واضح الضعف و قد تقدم الكلام فيه في كتاب الطهارة، بل لا يبعد بقاء قابلية الحيوان المزبور للتذكية المفيدة بقاء طهارته، و أن حرم أكل لحمه للأصل أيضا و غيره. انتهى موضع الحاجة من كلامه (قده). (نعم) قد يستفاد ذلك من رواية النميري المتقدمة في شاة شربت بولا ثم ذبحت قال:

فقال يغسل ما في جوفها ثم لا بأس به، و كذلك من الروايات الآمرة بغسل ما أصاب من عرقها (و فيه) ما تقدم نقله عن الجوهري: من أنه أعم من النجاسة لجواز رفع مانعيته عن الصلاة فيه لأنه من فضلات ما لا يؤكل لحمه.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 582

[ (الثاني عشر) حجر الاستنجاء]

(الثاني عشر) حجر الاستنجاء (1) على التفصيل الآتي.

[ (الثالث عشر) خروج الدم من الذبيحة بالمقدار المتعارف]

(الثالث عشر) خروج الدم من الذبيحة (2) بالمقدار المتعارف فإنه مطهر لما بقي منه في الجوف.

______________________________

نعم الظاهر أنه لا إشكال في نجاسة بوله و المدلول عليه بقوله (قده):

استبراء الحيوان الجلال فإنه مطهر لبوله و روثه. إلخ. و ذلك لما تقدم منا بيانه في فصل النجاسات من عدم الفرق في نجاسة بول و خرء ما لا يؤكل لحمه بين أن يكون أصليا أو عرضيا كالجلال و موطوء الإنسان و الغنم الذي شرب لبن خنزيرة إذ إطلاق النص و معقد الإجماعات يقتضي عموم الحكم للمحرم بالعارض كما صرح به كثير منهم كما في التذكرة نفى الخلاف في إلحاق الجلال و موطوء الإنسان بغير المأكول بل في الغنية و غيرها الإجماع عليه في الجلال بل عن المفاتيح و غيرها الإجماع عليه فيهما بل عنها و في كل ما حرم بالعارض و اللّه العالم.

قوله قده: (الثاني عشر: حجر الاستنجاء. إلخ).

المدرك لما ذكره من تطهير الأحجار لمخرج الغائط بعد الإجماع كما في المدارك، و الذخيرة، و الخلاف و الغنية، و المعتبر، و المنتهى: الصحاح المستفيضة (ففي الصحيح) الباقرى: سئل عن التمسح بالأحجار فقال: كان الحسين بن على عليه السّلام يمسح بثلاثة أحجار. و في (آخر): يجزى من الغائط:

المسح بالأحجار، و لا يجزى من البول إلا الماء. (و في ثالث): جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله. (و في رابع) يجزيك من الاستنجاء: ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنة من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و اما البول فإنه لا بد من غسله. و غير ذلك من الأخبار الكثيرة بهذا المضمون.

قوله قده: (الثالث عشر:

خروج الدم من الذبيحة. إلخ)

فإنه مطهر للدم الباقي في جوفها بناءا على ما تقدم منه من طهارته، و قد.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 583

[ (الرابع عشر) نزح المقادير المنصوصة]

(الرابع عشر) نزح المقادير المنصوصة (1) لوقوع النجاسات المخصوصة في البئر على القول بنجاستها و وجوب نزحها.

[ (الخامس عشر) تيمم الميت بدلا عن الأغسال]

(الخامس عشر) تيمم الميت بدلا عن الأغسال (2) عند فقد الماء فإنه مطهر لبدنه على الأقوى.

______________________________

تقدم الاشكال منا في طهارته و ان القدر المتيقن طهارة المتخلف في اللحم و العروق لا غير.

قوله قده: (الرابع عشر: نزح المقادير المخصوصة. إلخ).

و هذا مبني على ما ذكره (قده) من القول بنجاسة البئر.

قوله قده: (الخامس عشر: تيمم الميت بدلا عن الأغسال. إلخ).

أما دليل مشروعية التيمم للميت لو خيف من تغسيله تناثر جلده أو غير ذلك، فبعد الشهرة و نقل الإجماع عن غير واحد كما عن الخلاف و التهذيب، و في المدارك: هذا مذهب الأصحاب، و قال الشيخ في التهذيب:

و به قال جميع الفقهاء: (رواية) عمرو بن خالد عن زيد بن على عليه السّلام عن آبائه عن على (ع) قال: إن قوما أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالوا: يا رسول اللّه مات صاحب لنا و هو مجدور، فان غسلناه انسلخ، فقال: يمموه، و يدل عليه أيضا عموم بدلية التراب من الماء و أنه أحد الطهورين، و لا يخفى أن قضية الأدلة المذكورة: انما هو بدلية التيمم من الغسل من حيث هو غسل و هو ترتب آثار الغسل عليه حال الضرورة كتيمم الحي من ترتب جميع الآثار عليه حتى طهارة البدن و عدم وجوب الغسل بمسه، فالقول ببقاء نجاسته و عدم سقوط الغسل بمسه ضعيف و اللّه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 584

[ (السادس عشر) الاستبراء بالخرطات بعد البول]

(السادس عشر) الاستبراء بالخرطات (1) بعد البول و بالبول بعد خروج المني فإنه مطهر لما يخرج منه من الرطوبة المشتبهة لكن لا يخفى أن عد هذا من المطهرات من باب المسامحة و إلّا ففي الحقيقة مانع عن الحكم بالنجاسة أصلا.

______________________________

قوله

قده: (السادس عشر: الاستبراء بالخرطات. إلخ)

المدرك للحكمين المذكورين: أما على الأول: و هو أن الاستبراء بالخرطات بعد البول مطهر لما يخرج من الرطوبة المشتبهة: (ما رواه) في الوسائل في أبواب نواقض الوضوء عن عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يبول ثم يستنجى ثم يجد بعد ذلك بللا قال: إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاث مرات و غمز ما بينهما ثم استنجى فان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي. و في (الكتاب) المذكور أيضا في أبواب آداب الخلوة عن الكليني في الكافي عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام رجل بال و لم يكن معه ماء قال: يعصر أصل ذكره الى طرفه ثلاث مرات، و ينتر طرفه فان خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول و لكنه من الحبائل، و مما يدل على الحكم في الموضع الثاني: ما رواه في الكتاب المذكور في أبواب غسل الجنابة في باب حكم البلل المشتبه بعد الغسل (منها): صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي ء قال: يعيد الغسل قلت: فالمرأة يخرج منها شي ء بعد الغسل قال:

لا تعيد قلت: فما الفرق بينهما؟! قال: لأن ما يخرج من المرأة إنما هو من ماء الرجل. (و منها): صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شي ء قال: يغتسل و يعيد الصلاة، إلا أن يكون بال قبل أن يغتسل فإنه لا يعيد غسله. قال محمد:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 585

[ (السابع عشر) زوال التغيير في الجاري]

(السابع عشر) زوال

التغيير في الجاري (1) و البئر بل مطلق النابع بأي وجه كان و في عد هذا منها أيضا مسامحة و إلا ففي الحقيقة المطهر هو الماء الموجود في المادة.

______________________________

قال أبو جعفر عليه السّلام: من اغتسل و هو جنب قبل أن يبول ثم وجد بللا فقد انتقض غسله و أن كان قد بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فليس ينقض غسله و لكن عليه الوضوء لأن البول لم يدع شيئا. (و منها) صحيحة الحلبي قال:

سئل عن الرجل يغتسل ثم يجد بعد ذلك بللا و قد كان بال قبل أن يغتسل قال:

ليتوضأ، و أن لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل (و منها) موثقة سماعة قال: سألته عن الرجل يجنب ثم يغتسل قبل أن يبول فيجد بللا بعد ما يغتسل؟

قال: يعيد الغسل فان كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله و لكن يتوضأ و يستنجى (و منها) رواية معاوية بن ميسرة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في رجل رأى بعد الغسل شيئا قال: أن كان بال بعد جماعة قبل الغسل فليتوضأ، و أن لم يبل حتى اغتسل ثم وجد البلل فليعد الغسل. (و لا يخفى) ان إطلاق الأمر بالوضوء عند خروج البلل بعد البول مقيد بما إذا لم يستبرء منه و إلا فليس عليه شي ء و أن بلغ الساق للأخبار التي تقدم نقلها عن قريب الدالة على اختصاص ناقضية البلل بما إذا كان قبل الاستبراء بالخرطات، فتلك الأخبار مقيدة لإطلاق هذه الروايات خصوصا مع اعتضادها بالأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك.

قوله قده: (السابع عشر: زوال التغيير في الجاري. إلخ).

المدرك لذلك: هو الأخبار المستفيضة الدالة على طهر الماء المتغير بزوال تغيره إذا كان له

مادة. مثل (ما رواه) الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السّلام: ماء البئر واسع لا ينجسه شي ء، إلا أن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 586

[ (الثامن عشر) غيبة المسلم]

اشارة

(الثامن عشر) غيبة المسلم (1) فإنها مطهرة لبدنه أو لباسه أو فرشه أو ظرفه أو غير ذلك مما في يده بشروط خمسة: (الأول) أن يكون عالما بملاقاة المذكورات للنجس الفلاني. (الثاني) علمه بكون ذلك الشي ء نجسا أو متنجسا اجتهادا أو تقليدا. (الثالث) استعماله لذلك الشي ء فيما يشترط فيه الطهارة على وجه يكون أمارة نوعية على طهارته من باب حمل فعل المسلم على الصحة.

(الرابع) علمه باشتراط الطهارة في الاستعمال المفروض (الخامس) أن يكون تطهيره لذلك الشي ء محتملا و إلا فمع العلم بعدمه لا وجه للحكم بطهارته بل لو علم من حاله أنه لا يبالي بالنجاسة و أن الطاهر و النجس عنده سواء يشكل الحكم بطهارته و إن كان تطهيره إياه محتملا، و في اشتراط كونه بالغا أو يكفي و لو كان

______________________________

يتغير ريحه أو طعمه، فينزح حتى تذهب الريح، لان له مادة، فالدلالة مستفادة من التعليل كأصل الحكم و هو عدم فساد الماء بدون التغيير، و هي لا شك مطردة في غير مورد التعليل، لحجية العلة المنصوصة كما هو مقرر في محله، فجريانها في الجاري من أدل الأفراد لما هو المعروف من أنه النابع عن مادة. كما لا يخفى.

قوله قده: (الثامن عشر: غيبة المسلم. إلخ).

لا يخفى أنه ادعى عدم الخلاف في الجملة: في أن غيبة المسلم من الأسباب الظاهرية في الحكم معها بطهارته، بل عن بعض دعوى الإجماع عليه، و قد استقرت السيرة عليه و على طهارة ما تحت يده، بل في التجنب عنه

و عن الصلاة خلفه و نحوهما من الأشياء المشروطة بالطهارة من الحرج الشديد و العسر الأكيد ما لا يكاد يخفى (و انما الكلام) في انه هل يكفى مجرد الغيبة المحتمل معها الطهارة، أم يعتبر الظن بها أم لا يكفى مطلق الظن أيضا بل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 587

صبيا مميزا وجهان و الأحوط ذلك، نعم لو رأينا أن وليه مع علمه بنجاسة بدنه أو ثوبه يجري عليه بعد غيبته آثار الطهارة لا يبعد البناء عليها، و الظاهر إلحاق الظلمة و العمى بالغيبة مع تحقق الشروط المذكورة، ثم لا يخفى أن مطهرية الغيبة إنما هي في الظاهر و إلا فالواقع على حاله و كذا المطهر السابق و هو الاستبراء بخلاف سائر الأمور المذكورة، فعد الغيبة من المطهرات من باب المسامحة و إلا فهي في الحقيقة من طرق إثبات التطهير.

______________________________

لا بد من الظن الحاصل من شهادة حاله أو مقاله، فيعتبر على هذا التقدير شروط خمسة التي ذكرها الماتن (قده). (الأول) أن يكون عالما بملاقاة المذكورات للنجس. (الثاني) علمه بكون ذلك الشي ء نجسا أو متنجسا اجتهادا أو تقليدا. (الثالث) استعماله لذلك الشي ء فيما يشترط فيه الطهارة.

(الرابع) علمه باشتراط الطهارة في الاستعمال المفروض. (الخامس) أن يكون تطهيره لذلك الشي ء محتملا. وجوه بل أقوال، و القدر المتيقن الذي يمكن إثباته بالإجماع و السيرة و دليل نفى الحرج هو الأخير، إذ لا يستفاد من الأدلة أكثر من ذلك، إذ ما نحن فيه من موارد تقديم الظاهر على الأصل و لا يتم الظهور إلا مع الشروط المذكورة، و أن قوى في مصباح الفقيه الوجه الأول و هو كفاية مجرد الاحتمال الناشئ من الغيبة و عدم اشتراطه بشي ء مما ذكر من

الشروط الخمسة (بدعوى) أن عمدة مستند الحكم هو استقرار السيرة من صدر الشريعة على المعاملة مع المسلمين و ما يتعلق بهم معاملة الطاهر بمجرد الاحتمال من غير فرق سبق علمهم بالنجاسة و عدمه و لا بين كون من يعامل معه معاملة الطاهر ممن يظهر من حاله التجنب عن النجاسة أو يظهر عدمه أو يشتبه حاله. فان الظاهر من حال العامة و كثير من الخاصة أنهم لا يجتنبون

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 588

[ (مسألة 1) ليس من المطهرات الغسل بالماء المضاف]

(مسألة 1) ليس من المطهرات الغسل بالماء المضاف (1) و لا مسح النجاسة عن الجسم الصقيل كالشيشة و لا إزالة الدم بالبصاق و لا غليان الدم في المرق و لا خبز العجين النجس و لا مزج الدهن النجس بالكر الحار و لا دبغ جلد الميتة و إن قال بكل قائل.

______________________________

عن كثير من النجاسات و ربما يعتقدون طهارتها و يزعمون طهارة الميتة بالدباغة مع انه لم يعهد التجنب عنهم و لا عما عليهم من اللباس و لا عما في أيديهم و أسواقهم من الجلود و نحوها من الأشياء التي مقتضى الأصل فيها النجاسة الى أن قال: مع أن من المعلوم انه لو لم يكن الأمر في صدر الشريعة بأسواء من ذلك لم يكن بأحسن منه، بل لو لا البناء على الاكتفاء بالاحتمال لاختل نظم عيشهم، فدعوى اندفاع الحرج لدى العمل بظاهر الحال غير مسموعة. إلى آخر ما ذكره (قده). (و اما) ما ذكره الماتن (قده) من أن الأحوط اشتراط البلوغ و عدم كفاية كونه صبيا مميزا. نعم الأحوط ما ذكره إذ هو القدر المتيقن و لكن الظاهر أن السيرة على عدم اعتبار ذلك إذا كان الصبي مراهقا و كان ممن من

شأنه مراقبة أحواله في الطهارة و النجاسة.

قوله قده مسألة 1: (ليس من المطهرات الغسل بالماء المضاف. إلخ)

ذهب السيد (قده) في الناصريات، و المفيد في مسائل الخلاف الى جواز إزالة الخبث بالمضاف، و كذلك ذهب السيد رحمه اللّه الى جواز تطهير الأجسام الصيقلية كالسيف و الزجاج بالمسح بحيث تزول العين لزوال العلة.

قال بعض المحققين: و لا يخلو عن قوة إذ غاية ما يستفاد من الشرع وجوب اجتناب أعيان النجاسات، أما وجوب غسلها بالماء من كل جسم فلا. فكل ما علم زوال النجاسة عنه قطعا حكم بتطهيره، إلا ما خرج بدليل حيث اقتضى فيه اشتراط الماء كالثوب و البدن. انتهى.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 589

..........

______________________________

(و اما) إزالة الدم بالبصاق فقد ذهب إليه الإسكافي و استدل على ذلك بالموثقتين المرويتين عن غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه عن على (ع) قال: لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق (و الأخرى) قال: لا يغسل بالبصاق شي ء غير الدم، و قد أعرض الأصحاب عنهما فيجب طرحهما أو تأويلهما بما لا ينافي الأدلة المتقدمة. (و اما) غليان الدم في المرق: فقد ذهب اليه المفيد رحمه اللّه و الشيخ في النهاية، و الديلمي، و التقى، محتجين على ذلك بما في (صحيح) سعيد الأعرج عن الصادق عليه السّلام قال: سألته عن قدر فيها جزور وقع فيها قدر أوقية من دم أ يؤكل؟ قال: نعم فان النار تأكل الدم. و بما في (خبر) زكريا بن آدم قال: سألت الرضا عليه السّلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم و مرق كثير قال: يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة و الكلاب، و اللحم اغسله و كله، قلت: فان

قطر فيه الدم؟ قال: الدم تأكله النار إن شاء اللّه. (و قد) رميت الأولى: بالشذوذ بل بالضعف. و الثانية:

بالضعف مع عدم الجابر لها، بل عن القميين رمى بعض رواتها بالغلو و وضع الأحاديث، بل في كشف اللثام أن شيئا منهما لا يدل على جواز الأكل قبل الغسل. (و اما) خبز العجين النجس: فقد حكى عن الشيخ في النهاية: انه قال بطهارته، و الظاهر أن مستنده في ذلك (مرسلة) ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عمن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في عجين عجن و خبز ثم علم أن الماء كانت فيه ميتة قال: لا بأس، أكلت النار ما فيه. (و رواية) عبد اللّه بن زبير عن جده قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البئر يقع فيها الفارة و غيرها من الدواب فتموت فيعجن من مائها أ يؤكل ذلك الخبز؟ قال: إذا أصابته النار فلا بأس بأكله، و لا يخفى أن هذه الأخبار بعد إعراض الأصحاب عنها

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 590

..........

______________________________

و معارضتها بغيرها من الأدلة مما يجب رد علمها إلى أهلها. (و أما) مزج الدهن النجس بالكر: ذهب الى طهارته به العلامة في التذكرة و النهاية و المنتهى (و اما) طهارة جلد الميتة بالدبغ: فقد حكى عن الإسكافي مستدلا بالأخبار المستفيضة (كالمروي) في التهذيب عن الحسين بن زرارة عن الصادق عليه السّلام في جلد شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللبن و الماء فاشرب منه و أتوضأ؟ قال:

نعم، و قال: يدبغ فينتفع به و لا يصلى فيه. (و في الفقيه) مرسلا عن الصادق عليه السّلام سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن و السمن و الماء ما ترى فيه؟

قال:

لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء و لبن أو سمن، و توضأ منه و اشرب، و لكن لا تصل فيه. و في (النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): أيما إهاب دبغ فقد طهر، و هو الأظهر عند صاحب المفاتيح و حكى موافقة المدارك له. (و ما دل) على عدم جواز الانتفاع لا يستلزم النجاسة عقلا و لا شرعا و لا عرفا على انه ورد في جواز الانتفاع بها أيضا في غير الصلاة أخبار كثيرة كالروايات المتقدمة الذكر. (و المروي) في الكافي و التهذيب عن القاسم الصيقل قال: كتبت الى الرضا عليه السّلام انى أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي فأصلي فيها؟ فكتب الى: اتخذ ثوبا لصلاتك. (و في آخر): إنا قوم نعمل أغماد السيوف و ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها و نحن مضطرون إليها و إنما علاجنا من جلود الميتة من البغال و الحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها فيحل لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسها بأيدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا فكتب عليه السّلام اجعلوا ثوبا للصلاة. و في (الموثق) عن جلد الميت المملوح- و هو الكيمخت- فرخص به و قال: إن لم تمسه فهو أفضل. (و أيضا) فإن المطلق يحمل على المقيد فتحمل الأخبار المانعة على عدم جواز الانتفاع بها

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 591

[ (مسألة 2) يجوز استعمال جلد الحيوان الذي لا يؤكل لحمه]

(مسألة 2) يجوز استعمال جلد الحيوان الذي لا يؤكل لحمه (1) بعد التذكية و لو فيما يشترط في الطهارة و إن لم يدبغ على الأقوى، نعم يستحب أن لا يستعمل مطلقا إلا بعد الدبغ.

______________________________

في الصلاة و المجوزة على ما سواها

(و يؤيد) ذلك ما في الفقه الرضوي:

و ذكاة الحيوان ذبحه و ذكاة الجلود الميتة الدباغة إلا أن هذه الأخبار لا تقاوم المانعة من حيث السند و العدد و الشهرة و عمل الأصحاب، و الأولى حمل المجوزة على التقية لموافقتها العامة و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 2: (يجوز استعمال جلد الحيوان الذي لا يؤكل لحمه. إلخ)

هذا مبني على ما يأتي منه (قده) من قابلية كل حيوان لا يؤكل لحمه لوقوع التذكية عليه ما عدا الكلب و الخنزير، و لا يخفى أن هذه المسألة ذات قولين فالأكثر على وقوعها عليه ما عدا الحيوانين المذكورين. و استدلوا لذلك بأصالة الطهارة، و بأن المقتضي لوقوعها على المأكول شرعا و هو الانتفاع بها مقتض لوقوعها على هذه لإمكانه من جلودها (و عورض الأول) بأصالة عدم التذكية التي هي شرط في الطهارة إجماعا. (و الثاني) بأنه راجع الى العلة المستنبطة التي اتفق الأصحاب على بطلانها. (و بالموثق) المروي عن سماعة قال: سألته عن لحوم السباع و جلودها فقال: أما لحوم السباع فمن الطير و الدواب فانا نكرهه، و أما الجلود فاركبوا عليها و لا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه (و في الكافي) سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن جلود السباع فقال: أركبوها و لا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه (و في الموثق) المروي في التهذيب عن سماعة قال: سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: إذا رميت و سميت فانتفع بجلده، و اما الميتة فلا (و في التهذيب) أيضا عن سماعة قال: سئل أبو عبد اللّه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 592

..........

______________________________

عليه السّلام عن جلود السباع فقال: اركبوها و لا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه، (و استدل) المانعون

من تذكيتها و منهم المحقق في المسوخ على ما حكى عنه، و الشهيد الثاني في الكل: أن الذكاة حكم شرعي يترتب عليه طهارة ما حكم بكونه ميتة، و الأصل عدم التذكية فيتوقف الذكاة حينئذ على دليل صالح مخرج عن حكم نجاسة الميتة، لأن الميتة كما في الصحاح و القاموس: ما لم تقع عليها الذكاة، و الدليل الصالح مفقود فيما نحن فيه لإضمار الخبرين و وقف رواتهما. (و فيه) أن الإضمار و الوقف غير مضرين كما بين في محله، إذ بعد العلم بكون الراوي لا يروى إلا عن المعصوم لا يضرب الإضمار، على أن الموثق المتقدم غير مضمر برواية الكليني و الصدوق على أن الإضمار إنما وقع في الكتب و الأصول لتقطيع الحديث مع اشتماله على الأحكام الكثيرة و تقدم ذكر المعصوم فيه، مضافا الى الاعتضاد بعمل الأصحاب، مع أن أصالة اباحة الأشياء و خلقها لانتفاع الإنسان كما يرشد اليه قوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) يكفى دليلا على ذلك و المتيقن من أدلة نجاسة الميتة ما يموت حتف أنفه لا ما ذكي، لعدم إطلاق الميتة عليه عرفا بل و لغة، بل الظاهر انها في مقابلة المذكاة كما تقدم عن الصحاح و القاموس، (و لا تتوقف) طهارة الجلود من غير المأكول على القول بالتذكية على الدباغة وفاقا للأشهر لعموم الموثقتين المتقدمتين و نحوهما (و يؤيده) الخبر الدال على جواز الصلاة في جلد السنجاب الغير المدبوغ المروي في الكافي عن على بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام و أبا الحسن عليه السّلام عن لباس الفراء و الصلاة فيها؟ فقال: لا تصلّ فيها إلا فيما كان منه ذكيا قلت: أو ليس الذكي

ما ذكي بالحديد!؟ فقال: بلى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 593

[ (مسألة 3) ما يؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين]

(مسألة 3) ما يؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين (1) أو من أسواقهم محكوم بالتذكية و إن كانوا ممن يقول بطهارة جلد الميتة بالدبغ.

______________________________

إذا كان مما يؤكل لحمه فقلت: و ما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال: لا بأس بالسنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم و ليس هو مما نهى عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ نهى عن كل ذي ناب و مخلب. (و لأن) الدباغة غير مطهرة عند الأكثر لأنه ذكي و إلا لكان ميتة لا يطهره الدباغ (و لأن) الحيوان طاهر في الأصل و الذكاة أخرجته من الميتة فلا يحتاج الى الدباغة (خلافا) للشيخ في النهاية و ظاهر الخلاف و السيد في المصباح كما حكى عنها فلا يجوز الاستعمال قبل الدباغ. (للخبر) المروي عن أبي مخلد قال: كنت عند أبى عبد اللّه عليه السّلام إذا دخل مغيث فقال: بالباب رجلان فقال: أدخلهما فقال أحدهما: انى سراج أبيع جلود النمر فقال أمد بوغة هي؟ قال: نعم. (و هو) ضعيف سندا و دلالة إذ لا دلالة فيه على اعتباره في الطهارة أصلا، و الظاهر أن هذا الخبر هو مستند المصنف (قده) في الحكم باستحباب الدبغ فيما لا يؤكل لحمه و اللّه العالم قوله قده مسألة 3: (ما يؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين. إلخ)

المدرك لما ذكره من عموم اليد و السوق ليد من يقول بطهارة جلد الميتة بالدبغ و سوقهم: هو إطلاق الدليل من الأخبار و السيرة. (أما الأول:

فمنها صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخفاف التي تباع في السوق فقال: اشتر

و صلّ حتى تعلم أنه ميتة بعينه، إذ الظاهر أن المراد بالسوق سوق المسلمين، (و منها) رواية على بن أبي حمزة ان رجلا سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا عنده عن الرجل يتقلد السيف و يصلى فيه؟ قال: نعم فقال الرجل: ان فيه الكيمخت! فقال: و ما الكيمخت؟ قلت: جلود دواب منه ما يكون ذكيا و منه ما يكون ميتة فقال: ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه.

________________________________________

شبر، سيد على حسينى، العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، 2 جلد، مطبعة النجف، نجف اشرف - عراق، اول، 1383 ه ق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 594

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 594

..........

______________________________

(و منها) رواية سماعة أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام في تقليد السيف في الصلاة و فيه الفراء و الكيمخت فقال: لا بأس ما لم تعلم أنه ميتة، و لا يخفى ان إطلاقه يتناول المأخوذ من يد الكافر، و لكن لا يبعد انه منصرف إلى المأخوذ من يد المسلم أو سوق المسلمين. و على تقدير عدم الانصراف لا بد من صرفه عن ظاهره كما يشهد له بعض الأخبار الدالة على وجوب الفحص و السؤال عن كونه مذكى في مثل الفرض. (و منها) ما عن الكليني بإسناده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشترى جبة فراء لا يدرى أذكيه هي أم غير ذكية أ يصلى فيها؟ قال: نعم ليس عليكم المسألة.

إن أبا جعفر عليه السّلام كان يقول: أن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، إن الدين أوسع من ذلك. (و منها) ما عن الصدوق بإسناده عن سليمان بن جعفر الجعفري عن العبد

الصالح موسى بن جعفر عليه السّلام مثله. (و عن) أحمد ابن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشترى الخف لا يدرى أ ذكي هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدرى أ يصلى فيه؟ قال: نعم أنا اشترى الخف من السوق و تصنع لي و أصلي فيه و ليس عليكم المسألة. (و منها) رواية الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام اعترض السوق فاشترى خفا لا أدرى أ ذكي هو أم لا؟ قال: صل فيه قلت: فالنعل؟ قال: مثل ذلك قلت: إنى أضيق من هذا قال: أ ترغب عما كان أبو الحسن عليه السّلام يفعله!! الى غير ذلك من الأخبار الواردة في الجبن و نحوه (و منها) خبر إسماعيل بن عيسى قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال: عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 595

..........

______________________________

يبيعون ذلك، فإذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه. (و منها) رواية إسحاق ابن عمار عن العبد الصالح عليه السّلام أنه لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام قلت: فان كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس. (و يظهر) من هذه الرواية عدم اختصاص الحكم بما كان بيد المسلم، أو يشترى من سوق المسلمين بل يطرد فيما صنع في أرض الإسلام بل في أرض يكون غالب أهلها المسلمين. (و يشهد) لذلك خبر السكوني عن أبى عبد اللّه عليه

السّلام أن أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة يكثر لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكين فقال أمير المؤمنين عليه السّلام يقوّم ما فيها ثم يؤكل لأنه يفسد و ليس له بقاء فاذا جاء طالبها غرموا له الثمن قيل له: يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي!! فقال: هم في سعة حتى يعلموا (قال) بعض المحققين: و كيف كان فالذي يقوى في النظر أن كلما يشك في ذكاته إذا علم بجريان يد مسلم عليه و تصرفه فيه تصرفا مشروطا بالتذكية كما إذا وجدنا جلدا مطروحا على الأرض و علمنا بأنه كان يصلى فيه مسلم عومل معه معاملة المذكى، و ان علم بكونه مسبوقا بيد كافر أو ملحوقا بها فضلا عما لم يعلم شي ء منهما، من غير فرق بين كونه في أرض المسلمين أو غيرها، فان يد المسلم حجة قاطعة لأصالة عدم التذكية، و ان لم يعلم ذلك و لكن كان ذلك الشي ء في سوق يكون غالب أهله المسلمين، أو أرض كذلك و لو في الصحارى و البراري فكذلك يعامل معه معاملة المذكى ان لم يعلم بكون من كان متصرفا فيه كافرا، بأن كان في يد مجهول الحال أو مطروحا على الأرض و كان عليه أثر الاستعمال بان كان جلدا مدبوغا أو لحما مطبوخا أو مقطوعا بسكين و نحوه، بحيث تميز عن فعل السباع و نحوها، بنى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 596

[ (مسألة 4) ما عدا الكلب و الخنزير من الحيوانات]

(مسألة 4) ما عدا الكلب و الخنزير (1) من الحيوانات التي لا يؤكل لحمها قابل للتذكية فجلده و لحمه طاهر بعد التذكية.

[ (مسألة 5) يستحب غسل الملاقي في جملة من الموارد]

(مسألة 5) يستحب غسل الملاقي في جملة من الموارد (2) مع عدم تنجسه كملاقاة البدن أو الثوب لبول الفرس و البغل و الحمار و ملاقاة الفارة الحية مع الرطوبة مع عدم ظهور أثرها و المصافحة مع الناصبي بلا رطوبة، و يستحب النضح- أى الرش بالماء- في موارد كملاقاة الكلب و الخنزير و الكافر بلا رطوبة و عرق الجنب من الحلال و ملاقاة ما شك في ملاقاته لبول الفرس و البغل و الحمار و ملاقاة الفأرة

______________________________

على كون من تصرف فيه مسلما و كون عمله محمولا على الصحيح. انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع في الخلد مقامه (و اما السيرة) فمما لا اشكال فيه أن هاتين القاعدتين حاكمتان على الاستصحابات المنافية لهما و انهما من القواعد العقلائية المقررة لدى الشارع إرفاقا بالعباد و توسعة عليهم و لو لا ذلك لضاق عليهم العيش بل لم يقم للمسلمين سوق، فلا اشكال بمعاملة المسلم مع ما يتعلق به مما في يده معاملة الطاهر، و أن المراد بالمسلمين المذكورين في الأخبار المتلوة عليك أعم من العامة الذين يرون طهارة الميتة بالدبغ بلا شبهة لمن راجع الأخبار في معاملة الأئمة عليه السّلام و أصحابهم معهم و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 4: (ما عدا الكلب و الخنزير. إلخ).

تقدمت المسألة بأدلتها مفصلة فلا نعيدها.

قوله قده مسألة 5: (يستحب غسل الملاقي في جملة من الموارد. إلخ).

للأخبار الواردة فيها المحمولة على الاستحباب جمعا بينها و بين ما دل على طهارة بول و خرء كل ما يؤكل لحمه كالفرس و الحمار و البغل و بينها

و بين ما دل على طهارة كل حيوان كالفأرة و غيرها ما عدا الكلب و الخنزير، و بينها

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 597

الحية مع الرطوبة إذا لم يظهر أثرها و ما شك في ملاقاته للبول أو الدم أو المنى و ملاقاة الصفرة الخارجة من دبر صاحب البواسير و معبد اليهود و النصارى و المجوس إذا أراد أن يصلي فيه، و يستحب المسح بالتراب أو بالحائط في موارد كمصافحة الكافر الكتابي بلا رطوبة و مس الكلب و الخنزير بلا رطوبة و مس الثعلب و الأرنب.

[فصل إذا علم نجاسة شي ء يحكم ببقائها]

اشارة

فصل إذا علم نجاسة شي ء يحكم ببقائها (1) ما لم يثبت تطهيره و طريق الثبوت أمور:

(الأول) العلم الوجداني. (الثاني) شهادة العدلين بالتطهير أو بسبب الطهارة و إن لم يكن مطهرا عندهما أو عند أحدهما كما إذا أخبرا بنزول المطر على الماء النجس بمقدار لا يكفى عندهما في التطهير مع كونه كافيا عنده أو أخبرا بغسل الشي ء بما يعتقدان أنه مضاف و هو عالم بأنه ماء مطلق و هكذا (الثالث) اخبار ذي اليد و إن لم يكن عادلا (الرابع) غيبة المسلم على التفصيل الذي سبق.

______________________________

و بين ما دل على اشتراط الانفعال بالنجس بالرطوبة المسرية، و بينها و بين ما دل على طهارة كل جاف ذكي، و بينها و بين ما دل على طهارة كل ما لا يعلم نجاسته.

قوله قده: (فصل: إذا علم نجاسة شي ء يحكم ببقائها. إلخ).

الحكم ببقاء النجاسة المعلومة سابقا قبل الشك للاستصحاب ما لم يثبت تطهيره بأحد الطرق المذكورة أما العلم الوجداني: فإنه طريق منجعل بنفسه و لا يحتاج الى جعل جاعل. و اما البينة و هي شهادة العدلين: فلدليل جعلها المطلق الذي لا يختص بمورد دون

مورد بل هي طريق شرعي تعبدي لم يلغها

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 598

(الخامس) اخبار الوكيل في التطهير بطهارته. (السادس) غسل مسلم له بعنوان التطهير و ان لم يعلم أنه غسله على الوجه الشرعي أم لا حملا لفعله على الصحة.

(السابع) اخبار العدل الواحد عند بعضهم لكنه مشكل.

[ (مسألة 1) إذا تعارض البينتان أو إخبار صاحبي اليد في التطهير و عدمه]

(مسألة 1) إذا تعارض البينتان أو إخبار صاحبي اليد (1) في التطهير و عدمه

______________________________

الشارع في شي ء من مواردها مثل قوله عليه السّلام: و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البينة. و أمثاله، و لا يعتبر أن يكون السبب سببا عندهما أو عند أحدهما، بل يعتبر أن يكون سببا اجتهادا أو تقليدا عند من قامت عنده لقيام الحجة عليه بذلك. (و أما) اخبار ذي اليد: لما تقدم ان السيرة القطعية و طريقة العقلاء على استكشاف حال الأشياء و تمييز أحوالها بالرجوع الى من كان مستوليا عليها متصرفا فيها. (و اما) غيبة المسلم فقد تقدم عن قريب ان الدليل على اعتبارها بالشروط المذكورة السيرة القطعية مع دعوى الإجماع على اعتبارها بل في التجنب عمن لاقته نجاسة مع غيبته من عدم الصلاة خلفه و أمثالها مشقة عظيمة و عسر شديد لا يكاد يخفى.

(و اما) إخبار الوكيل: فلدليل اليد فيه أيضا لما تقدم من شمولها لما كانت يده عادية أو غيرها و لا يختص بالمالكية. (و اما) غسل المسلم له بعنوان التطهير: فهو لأدلة حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح الشرعي.

(و اما) إخبار العدل الواحد الذي هو محل اشكال عند المصنف (قده) فقد تقدم تحرير المسألة مفصلا في أواخر مبحث المياه في المسألة (6) و اخترنا هناك حجيته فلا نعيد البحث فيه.

قوله قده مسألة

1: (إذا تعارض البنتان أو إخبار صاحبي اليد. إلخ)

وجه التساقط عند التعارض! هو أن العمل بكل منهما غير ممكن، و بأحدهما ترجيح بلا مرجح فيتساقط البنتان و كذلك أخبار صاحبي اليد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 599

تساقطا و يحكم ببقاء النجاسة و إذا تعارض البينة مع أحد الطرق المتقدمة ما عدا العلم الوجداني تقدم البينة.

______________________________

و يرجع الى قواعد أخر، (و اما) وجه تقديم البينة على سائر الطرق عند تعارضها سوى العلم الوجداني (فاما) تقديمها على اليد فمما لا إشكال فيه و إلا لما سمعت دعوى المدعى على ذي اليد، مع أنه لا شبهة في سماعها، هذا مع ما تلوناه عليك في أواخر مبحث المياه في المسألة (7)، من اعتبارها في مورد اليد فراجع، هذا مع ما تقدم في المسألة المذكورة من ان اعتبار أمارية اليد من باب الغلبة المنكشف بها حال المشكوك من حيث كونه مشكوكا إلحاقا له بالغالب فالحيثية المزبورة مأخوذة في موضوعها، و البينة و ان كانت أمارة كاشفة عن الواقع عند الجهل به، إلا أن الجهل لم يؤخذ موضوعا في اعتبارها، فالجهل مورد للحاجة إليها غالبا، لا أنه مأخوذ في موضوع اعتبارها، و بعبارة أخرى البينة معتبرة في مورد الجهل بالواقع لكن لا من حيثية الجهل به كالدليل الاجتهادي المعتبر طريقا في معرفة الأحكام المفيد للظن الحاصل من الغلبة فحصول الظن بها إنما هو بعد ملاحظة الغلبة في أكثر الإفراد و الشك في فرد خاص فيحصل الظن باللحوق كالاستصحاب المأخوذ فيه الشك بناءا على اعتباره من باب الظن النوعي، و بناء العقلاء المستفاد إمضاؤه من الأخبار، و لا كذلك البينة، إذ لا يتوقف حصول الظن بها على ملاحظة الجهل في

موردها، فالإمارات كما تحكم على الأصول كذلك يحكم بعضها على بعض، فما كان ملاحظة الشك مأخوذة في موضوعه كان محكوما لما لم تكن مأخوذة فيه لكونه رافعا لموضوعه غير أنه لما كان ظنيا كان حاكما، و لو كان علميا لكان واردا عليه. (و اما) تقدمها على الغيبة فلأن اعتبارها من باب ظهور حال المسلم و انه لا يخل بواجب و لا يرتكب حراما فاما مع قيام البينة على بقاء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 600

[ (مسألة 2) إذا علم بنجاسة شيئين فقامت البينة على تطهير أحدهما]

(مسألة 2) إذا علم بنجاسة شيئين فقامت البينة على تطهير أحدهما (1) غير المعين أو المعين و اشتبه عنده أو طهّر هو أحدهما ثم اشتبه عليه حكم عليهما بالنجاسة عملا بالاستصحاب، بل يحكم بنجاسة ملاقي كل منهما لكن إذا كانا ثوبين و كرر الصلاة فيهما صحت.

______________________________

النجاسة: فلا يبقى ظهور من هذه الجهة حتى يحمل معه على الوجه الصحيح.

(و أما) تقدمها على إخبار الوكيل: فهو الوجه في تقدمها على اليد، لما تقدم أن مرجع قبول إخبار الوكيل لدليل اليد. (و اما) تقدمها على غسل المسلم له فهو الوجه في تقدمها على الغيبة، إذ ليس الحكم بالطهارة في غسل المسلم إلا لظهور الصحة في فعله، و مع البينة يزول ذلك الظهور. (نعم) يبقى الإشكال في تقدمها على العدل الواحد بناءا على ما اخترناه من الحجية و الذي ينبغي أن يقال في وجه تقدمها عليه: هو أن القدر المتيقن من دليل حجية خبر الواحد في مورد عدم البينة على خلافه و إلا فالعمل بها لا به.

قوله قده مسألة 2: (إذا علم نجاسة شيئين فقامت البينة على تطهير أحدهما. إلخ).

في جميع صور المسألة لا يحكم بنجاستهما معا بل ليس النجس إلا أحدهما

المردد، و لا يحكم بنجاسة الملاقي لأحدهما لعدم استصحاب النجاسة فيهما معا للعلم بكذبه، فيجري استصحاب طهارة الملاقي- بالكسر- مع جريان قاعدة الطهارة فيه، فحاله حال ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة، و لا يتوهم انه من السببي و المسببي لما ذكرنا من تعارض الأصول فيهما و تساقطها لمنافاة جريانهما معا للعلم بطهارة أحدهما.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 601

[ (مسألة 3) إذا شك بعد التطهير و علمه بالطهارة]

(مسألة 3) إذا شك بعد التطهير و علمه بالطهارة (1) في أنه هل أزال العين أم لا؟ أو أنه طهره على الوجه الشرعي أم لا؟ يبني على الطهارة إلا أن يرى فيه عين النجاسة، و لو رأى فيه نجاسة و شك في أنها هي السابقة أو أخرى طارئة بنى على انها طارئة.

[ (مسألة 4) إذا علم بنجاسة شي ء و شك في أن لها عينا أم لا؟]

(مسألة 4) إذا علم بنجاسة شي ء و شك في أن لها عينا (2) أم لا؟ له أن يبنى

______________________________

قوله قده مسألة 3: (إذا شك بعد التطهير و علمه بالطهارة. إلخ).

مدرك البناء على الطهارة في الصورتين المذكورتين اللتين هما منشأ الشك هو جريان قاعدة الفراغ فيهما معا، و لا فرق بين أن يكون منشأ الشك الشك في إزالة العين، أو أنه طهره على الوجه الشرعي.

قوله: (إلا أن يرى فيه عين النجاسة) أى السابقة المشكوك قبل الرؤية بقاؤها و زوالها، فيبني حينئذ على النجاسة، و اما حكمه فيما لو رأى فيه نجاسة و شك انها هي السابقة أو أخرى طارئة بالبناء على انها طارئة فليس معنى انها طارئة إلا البناء على زوال الأولى، فيحكم بحصول طهارة المحل منها فلو لاقاه شي ء في الآنات التي يحتمل بقاءها: يحكم بطهارته و ذلك لقاعدة الفراغ أيضا لا بمعنى ترتيب آثارها لو فرض أن لها أثرا تمتاز به غير أثر الأولى كما لو علم أنه على فرض الطريان فهو دم حيض مما لا تجوز الصلاة فيه، فلا يترتب هذا الأثر قطعا لاستصحاب عدم طرو نجاسة جديدة غير النجاسة السابقة، و أن كان هذا الأصل لا يثبت أنها النجاسة الأولى بناءا على عدم حجية الأصول المثبتة. و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 4: (إذا علم بنجاسة شي ء و شك في أن لها

عينا. إلخ)

مدرك ما ذكره (قده) من أن له أن يبنى على عدم العين فلا يلزم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 602

على عدم العين فلا يلزم الغسل بمقدار يعلم بزوال العين على تقدير وجودها و إن كان أحوط.

[ (مسألة 5) الوسواسي يرجع في التطهير الى المتعارف]

(مسألة 5) الوسواسي يرجع في التطهير الى المتعارف (1) و لا يلزم أن يحصل له العلم بزوال النجاسة.

[فصل في حكم الأواني]

اشارة

فصل في حكم الأواني

[ (مسألة 1) لا يجوز استعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين]

(مسألة 1) لا يجوز استعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين (2) أو الميتة فيما يشترط فيه الطهارة من الأكل و الشرب و الوضوء و الغسل بل الأحوط عدم استعمالها في غير ما يشترط فيه الطهارة أيضا و كذا غير الظروف من جلدهما بل و كذا سائر الانتفاعات غير الاستعمال فإن الأحوط ترك جميع الانتفاعات منهما

______________________________

الغسل الزائد، هو البراءة الشرعية و العقلية، لأنه من الشك في التكليف الزائد الذي مرجعه البراءة، هذا بناءا على ان المكلف به في النجاسات هو الغسل المشكوك بين الأقل و الأكثر، لا الطهارة و الغسل محصل لها، و إلا يكون من الشك في المحصل الذي هو مجرى الاحتياط.

قوله قده مسألة 5: (الوسواسى يرجع في التطهير الى المتعارف. إلخ)

و ذلك أن أمكن إرجاعه إلى المتعارف فان الوسواسى: هو القاطع ببقاء النجاسة، و كيف يمكن الحكم على القاطع بالتكليف بالرجوع الى المتعارف؟

نعم يمكن أن يريد بما ذكره ردعه عن قطعه و تنزيله الى الشك و تنبيه على مرضه و أمثال ذلك ليرتدع بنفسه و اللّه العالم.

قوله قده (فصل في حكم الأواني، مسألة 1: لا يجوز استعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين. إلخ)

المدرك لعدم جواز استعمال الظروف المعمولة من جلد الميتة و نجس

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 603

و اما ميتة ما لا نفس له كالسمك و نحوه فحرمة استعمال جلده غير معلوم و ان كان أحوط، و كذا لا يجوز استعمال الظروف المغصوبة مطلقا، و الوضوء و الغسل منها مع العلم باطل مع الانحصار بل مطلقا، نعم لو صب الماء منها في ظرف مباح فتوضأ أو اغتسل صح و إن كان عاصيا من جهة تصرفه

في المغصوب.

______________________________

العين في الأكل و الشرب و الوضوء و الغسل هو ما أشار إليه من اشتراط الطهارة فيما ذكر، و اما الاحتياط في عدم استعمالها في غير ما يشترط فيه الطهارة: فهو لما تقدم مفصلا من عدم جواز التقلب و الانتفاع فيما هو نجس بالأصالة بسائر أنواع التقلبات خصوصا الميتة حتى صرح بعضهم بعدم جواز جعله ظرفا و لو للعذرات لتنظيف الخلوات و لا ميزانا و لا مكيالا و لا فرشا و لا غطاء و لا معيارا و لا غير ذلك، و لو أعدت للأشياء الجافة، و كذا غير الظروف من سائر الانتفاعات. هذا في ميتة ما له نفس. (و اما) ميتة ما لا نفس له: فقد حكى عن كشف الغطاء جواز استعماله فقال: كل جلد طاهر مما كان من غير ذي النفس، أو من ذي النفس مع قابلية التذكية و وقوعها من مأكول اللحم و غيره، يجوز استعماله في جميع ضروب الاستعمال، و ما كان نجسا لكونه من نجس العين أو من ذي النفس طاهر العين و لا يقبل التذكية كالمسلم، و ان كان جلده طاهرا كما بعد التغسيل و نحوه، أو يقبلها و لم يذك، فلا يجوز التصرف على وجه الاستعمال الى آخر ما ذكره (قده) و أيضا حكى الجواز عن صاحب المدارك حيث قال: لا يخفى أن الذكاة إنما تعتبر في ذي النفس لا في غيره لطهارة ميتة. انتهى.

قوله: (و كذا لا يجوز استعمال الظروف المغصوبة مطلقا) المراد بالإطلاق أي سواء كان في الغسل أو الوضوء أو غيرهما من سائر الاستعمالات كالأكل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 604

[ (مسألة 2) أواني المشركين و سائر الكفار محكومة بالطهارة]

(مسألة 2) أواني المشركين و سائر الكفار محكومة بالطهارة (1) ما لم

يعلم ملاقاتهم لها مع الرطوبة المسرية بشرط أن لا تكون من الجلود و إلا فمحكومة بالنجاسة إلا إذا علم تذكية حيوانها أو علم سبق يد مسلم عليها و كذا غير الجلود و غير الظروف مما في أيديهم مما يحتاج إلى التذكية كاللحم و الشحم و الألية فإنها محكومة بالنجاسة إلا مع العلم بالتذكية أو سبق يد المسلم عليه، و اما ما لا يحتاج الى

______________________________

و الشرب، و أما بطلان الوضوء و الغسل منها و عدمه فتارة مع انحصار الماء في الآنية المغصوبة، و اخرى مع عدمه، و على كلا التقديرين فتارة بالرمس فيها و أخرى بالاغتراف منها، فاذا كانا بالرمس فيها فالظاهر البطلان على التقديرين قولا واحدا، إذ عليه يكون نفس الوضوء أو الغسل تصرفا في المغصوب و هو منهي عنه فلا يجتمع مع التقرب به. (و أما) إذا كانا بالاغتراف منها: فذهب المشهور الى التفصيل بين الانحصار و عدمه فيبطل في الأول لعدم الأمر بالوضوء أو الغسل بعد توقفهما على مقدمة محرمة و هي التصرف بالمغصوب و ذلك بالاغتراف منه دون الثاني أعني صورة عدم الانحصار، إذ لا مانع من الأمر بالوضوء أو الغسل في الصورة المفروضة إذ لا يستلزم الأمر به التصرف بالمغصوب، و إنما العبد بسوء اختياره اختار التوضي به، و حرمة المقدمة لا تستلزم حرمة ذيها و هذا هو الأقرب بالقواعد و ان اختار المصنف (قده) الحرمة مطلقا بدعوى ان الأمر بالطهارة في هذه الصورة إنما يتوجه الى غير المغصوب من الأفراد، و اما المغصوب فمنهى عنه ليس إلا و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 2: (أواني المشركين و سائر الكفار محكومة بالطهارة. إلخ).

المدرك للحكم بالطهارة لأوانى المشركين و سائر الكفار بشرط أن

العمل

الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 605

التذكية فمحكوم بالطهارة إلا مع العلم بالنجاسة و لا يكفي الظن بملاقاتهم لها مع الرطوبة، و المشكوك في كونه من جلد الحيوان أو من شحمه أو إليه محكوم بعدم كونه منه فيحكم عليه بالطهارة و إن أخذ من الكافر.

[ (مسألة 3) يجوز استعمال أواني الخمر بعد غسلها]

(مسألة 3) يجوز استعمال أواني الخمر بعد غسلها (1) و إن كانت من الخشب أو القرع أو الخزف غير المطلي بالقير أو نحوه و لا يضر نجاسة باطنها بعد تطهير ظاهرها داخلا و خارجا بل داخلا فقط، نعم يكره استعمال ما نفذ الخمر الى باطنه إلا إذا غسل على وجه يطهر باطنه أيضا.

______________________________

لا تكون من الجلود و أن لا يعلم ملاقاتهم لها مع الرطوبة: هي قاعدة الطهارة و ان كانت طاهرة قبل وضع أيديهم عليها فاستصحاب الطهارة هذا في غير ما يحتاج إلى التذكية، و إلا فإن احتاج إليها مثل الجلود و الشحوم و الأليات فإنها محكومة بالنجاسة لاستصحاب عدم التذكية المقتضي للنجاسة إلا مع العلم بالتذكية أو سبق يد مسلم عليه، و أما المشكوك حاله أنه من الجلود أو اللحوم أو الشحوم أو الاليات أو غيرها مما عداها من الأشياء من الشبه الموضوعية فمحكوم بالطهارة لقاعدتها و أن أخذ من يد كافر لا يعلم ملاقاته له برطوبة مسرية قوله قده مسألة 3: (يجوز استعمال أواني الخمر بعد غسلها. إلخ).

المدرك لجواز استعمال أواني الخمر بعد غسلها: عمومات الغسل لسائر الأواني المتنجسة بأي نجاسة كانت. و انها تطهر بذلك، و منها أواني الخمر، و لا يضر نجاسة باطنها بعد تطهير ظاهرها، و خصوص المستفيضة التي هي نص فيما نحن فيه (منها) موثقة عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خل أو ماء أو كامخ أو زيتون؟ قال: إذا غسل فلا بأس. و قال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر قال

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 606

..........

______________________________

يغسله ثلاث مرات. (و منها) موثقته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الإناء يشرب فيه النبيذ قال: تغسله سبع مرات، و كذا الكلب (و منها) خبر على ابن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن الشرب في الإناء يشرب فيه الخمر قدحا عيدان أو باطية؟ قال: إذا غسله فلا بأس، قال: و سألته عن دن الخمر يجعل فيه الخل و الزيتون أو شبهه؟ قال: إذا غسل فلا بأس (و منها) رواية حفص الأعور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام انى آخذ الركوة فيقال: انه إذا جعل فيها الخمر و غسلت ثم جعل فيها البختج كان أطيب له فنأخذ الركوة فنجعل فيها الخمر فنخضخضه ثم نصبه فنجعل فيها البختج؟ قال: لا بأس به (و منها) خبره الآخر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الدن يكون فيه الخمر ثم يجفف يجعل فيه الخل؟ قال: نعم، و المراد يجعل فيه الخل بعد غسله و إلا فظاهرها: طهارة الخمر، فلا شبهة على ما ذكرنا في قبول أواني الخمر مطلقا للتطهير و جواز استعمالها بعد الغسل كسائر النجاسات (نعم) يكره استعمال ما ينفذ الخمر الى باطنه كالخشب و القرع و الخزف (و حكى) عن الشيخ في النهاية و ابن الجنيد و ابن البراج: المنع من استعمال ما ينفذ فيه الخمر غسل أم لم يغسل و استدلوا على ذلك (بصحيحة) محمد بن مسلم عن أحدهما

(ع) قال: سألته عن نبيذ قد سكن غليانه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كل مسكر حرام قال: و سألته عن الظروف فقال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الدبا و المزفت و زدتم أنتم الحنتم، و سألته عن الجرار الخضر و الرصاص فقال: لا بأس بها (و رواية) أبي الربيع الشامي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن كل مسكر، فكل مسكر حرام قلت: فالظروف التي يصنع فيها منه؟

قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الدبا و المزفت و الختم و النقير. الحديث.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 607

[ (مسألة 4) يحرم استعمال أواني الذهب و الفضة في الأكل و الشرب]

(مسألة 4) يحرم استعمال أواني الذهب و الفضة (1) في الأكل و الشرب و الوضوء و الغسل و تطهير النجاسات و غيرها من سائر الاستعمالات حتى وضعها على الرفوف للتزيين، بل يحرم تزيين المساجد و المشاهد المشرفة بها، بل يحرم اقتناؤها من غير استعمال و يحرم بيعها و شراؤها و صياغتها و أخذ الأجرة عليها، بل نفس الأجرة أيضا حرام لأنها عوض المحرم، و إذا حرم اللّه شيئا حرّم ثمنه.

______________________________

(و استدلوا) له أيضا: بأن للخمر حدة و نفوذا في الأجسام الملاقية له فاذا لم تكن الانية صلبة دخلت اجزاء الخمر باطنها و لا ينالها الماء. (و في الأخير) ما لا يخفى فإنه بعد الغض عن انه كثيرا ما نقطع بوصول الماء الى جميع المنافذ التي وصل إليها الخمر خصوصا لو وضعت في كر أو جار الى أن ترتوى من الماء (يتوجه) عليه ان غاية ما ذكر عدم

قبول الأجزاء الباطنية التي لا يصل إليها الماء للتطهير، و هذا لا يمنع من طهارة ظاهرها بالغسل. (و اما) الروايتان:

فمع ما يتوجه على الاستدلال بهما من الإشكالات: معارضة بالأخبار المستفيضة المتقدمة التي هي نص في جواز استعمالها بعد تطهيرها، فلا يستفاد من الروايتين أكثر من كراهة استعمالها و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 4: (يحرم استعمال أو انى الذهب و الفضة. إلخ).

لا يخفى أن عدم جواز الأكل و الشرب في آنية الذهب و الفضة لم ينقل فيه خلاف إلا عن داود حيث أنه خص الحرمة بالشرب و سوغ الأكل، و قد قام على تعميم الحرمة بالنسبة إلى الأكل و الشرب دعوى الإجماع من جملة من الأعلام و نقله في كلام جماعة و نفى عنه الخلاف في الحدائق، و دلت عليه الأخبار من طرق العامة و الخاصة فعن التحرير: يحرم الأكل و الشرب في آنية الذهب و الفضة إجماعا. بل عن المنتهى: أجمع كل من يحفظ عنه العلم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 608

..........

______________________________

على تحريم الأكل و الشرب في الآنية المتخذة من الذهب و الفضة، إلا ما نقل عن داود انه يحرم الشرب خاصة. انتهى. و في الذكرى: يحرم استعمالها في الأكل و الشرب إجماعا. و في الجواهر: إجماعا منا و عن كل من يحفظ عنه العلم عدا داود فحرم الشرب خاصة، محصلا و منقولا مستفيضا أن لم يكن متواترا. انتهى. بل عن ظاهر جماعة من الأصحاب أو صريحهم دعوى الإجماع على أنه لا يجوز استعمالها مطلقا و لو في غير ذلك مما لا يندرج في الأكل و الشرب، و على كل حال فمستند الحكم الأخبار المستفيضة من طرق الخاصة و العامة فعن الجمهور انهم

رووا عن (النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) انه قال: لا تشربوا في آنية الذهب و الفضة و لا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا و لكم في الآخرة (و عن على عليه السّلام) انه قال: الذي يشرب في آنية الذهب و الفضة إنما يجرجر في بطنه نارا. و من طريق الخاصة (صحيحة) محمد بن إسماعيل بن بزيع قال:

سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن آنية الذهب و الفضة فكرههما فقلت: قد روى بعض أصحابنا انه كان لأبي الحسن عليه السّلام مرآة ملبسة فضة فقال: لا و اللّه انما كانت لها حلقة من فضة و هي عندي ثم قال: إن العباس حين عذر عمل له قضيب ملبس من فضة من نحو ما يعمل للصبيان، تكون فضته نحوا من عشرة دراهم فأمر به أبو الحسن عليه السّلام فكسر. (و حسنة) الحلبي أو صحيحته عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تأكل في آنية من فضة و لا في آنية مفضضة.

(و عن) داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تأكل في آنية الذهب و الفضة (و عن) محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام انه نهى عن آنية الذهب و الفضة. (و عن) موسى بن بكر عن أبي الحسن عليه السّلام قال: آنية الذهب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 609

..........

______________________________

و الفضة متاع الذين لا يوقنون (و رواية) محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا تأكل في آنية الذهب و الفضة. (و موثقة) سماعة بن مهران عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا ينبغي الشرب في آنية الذهب و الفضة (و رواية) يونس

ابن يعقوب عن أخيه يوسف قال: كنت مع أبى عبد اللّه عليه السّلام في الحجر فاستسقى ماءا فاتى بقدح من صفر فقال رجل: ان عباد بن كثير يكره الشرب في الصفر فقال: لا بأس، و قال للرجل: إلا سألته أذهب هو أو فضة!؟

(و خبر) حسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن آبائه (ع) في حديث المناهي قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الشرب في آنية الذهب و الفضة (و رواية) قرب الاسناد عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه (ع) ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهاهم عن سبع منها: الشرب في آنية الذهب و الفضة.

(و المروي) في الكافي في الموثق عن ثعلبة بن ميمون عن يزيد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: انه كره الشرب في الفضة و في القدح المفضض، و كذلك أن يدهن في مدهن مفضض، و المشطة كذلك (و عن الصدوق) بإسناده عن ثعلبة مثله و زاد: فان لم يجد بدا من الشرب في القدح المفضض عدل بفمه عن مواضع الفضة. هذا جملة ما نقله فقهاؤنا من الأخبار. و لا يخفى أن صريح جلها:

النهى عن الأكل و الشرب في آنية الذهب و الفضة، و ان كان في بعضها النهى عن مطلق الاستعمال، فلو لا الإجماعات المنقولة بل عدم الخلاف في حرمة سائر الاستعمالات فيها، لأمكن قصر الحرمة على استعمالها في الأكل و الشرب و حمل مطلقاتها على مقيدها و أن لم يكن بينها تنافيا و لكن الظن يلحق الشي ء بالأعم الأغلب و اللّه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 610

[ (مسألة 5) الصفر أو غيره الملبس بأحدهما يحرم استعماله]

(مسألة 5) الصفر أو غيره

الملبس بأحدهما يحرم استعماله إذا كان (1) على وجه لو انفصل كان إناء مستقلا و أما إذا لم يكن كذلك فلا يحرم كما إذا كان الذهب أو الفضة قطعات منفصلات لبّس بهما الإناء من الصفر داخلا أو خارجا.

[ (مسألة 6) لا بأس بالمفضض و المطلي و المموه بأحدهما]

(مسألة 6) لا بأس بالمفضض و المطلي (2) و المموه بأحدهما نعم يكره استعمال المفضض بل يحرم الشرب منه إذا وضع فمه على موضع الفضة بل الأحوط ذلك في المطلي أيضا.

______________________________

قوله قده مسألة 5: (الصفر أو غيره الملبس بأحدهما يحرم استعماله إذا كان. إلخ).

يشكل ما ذكره من الحرمة في الصورة المفروضة لعدم صدق أنه آنية ذهب أو فضة حال التلبيس، و يكفي حجة فيما ذكرناه ما اعترف به (قده) من عدم الصدق إلا بعد الانفصال و لا يصدق حال التلبيس عرفا إلا إناء صفر ملبس بذهب أو فضة فهو من مصاديق الإناء المفضض فيتبعه في الحكم كما سيأتي بيانه و الاحتياط لا ينبغي تركه.

قوله قده مسألة 6: (لا بأس بالمفضض و المطلي. إلخ).

لما هو المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في الحدائق عليه عامة المتأخرين و متأخريهم، بل لا أجد فيه خلافا.

(و مما يدل) عليه صحيح عبد اللّه بن سنان: لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضض، و أعزل فمك عن موضع الفضة (و صحيحة) معاوية بن وهب عن الصادق عليه السّلام لما سأله عن الشرب في قدح من ماء فيه ضبة من فضة لا بأس إلا أن تكره الفضة فتنزعها، إذ ذو الضبة من المفضض.

(نعم) يجب اجتناب موضع الفضة بان يعدل بفمه عنه، بل في الجواهر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 611

[ (مسألة 7) لا يحرم استعمال الممتزج من أحدهما مع غيرهما]

(مسألة 7) لا يحرم استعمال الممتزج من أحدهما مع غيرهما (1) إذا لم يكن بحيث يصدق عليه اسم أحدهما.

[ (مسألة 8) يحرم ما كان ممتزجا منهما]

(مسألة 8) يحرم ما كان ممتزجا منهما (2) و ان لم يصدق عليه اسم أحدهما بل و كذا ما كان مركبا منهما بان كان قطعة منه من ذهب و قطعة من فضة.

[ (مسألة 9) لا بأس بغير الأواني إذا كان من أحدهما]

(مسألة 9) لا بأس بغير الأواني إذا كان من أحدهما (3) كاللوح من الذهب أو الفضة و الحلي كالخلخال و ان كان مجوفا بل و غلاف السيف و السكين و إمامة الشطب بل و مثل القنديل و كذا نقش الكتب و السقوف و الجدران بهما.

______________________________

لم أجد فيه خلافا بين القدماء و المتأخرين، و لظاهر الأمر في صحيح عبد اللّه بن سنان المتقدم و زيادة الصدوق في موثقة ثعلبة بن ميمون المتقدمة و هي قوله:

فان لم يجد بدا من الشرب في القدح المفضض عدل بفمه عن مواضع الفضة، و اما الاحتياط في المطلي و وجوب عزل الفم عن موضع الذهب فوجهه غلبة الظن بمساواتهما في الحكم أن لم يكن أولى بالاجتناب و من خروجه من مورد النص و الفتاوى و قد حكى عن المحقق في المعتبر انه قال: لم أعثر لأصحابنا فيه على قول ثم ألحقه بالمفضض في الكراهة.

قوله قده مسألة 7: (لا يحرم استعمال الممتزج من أحدهما مع غيرهما. إلخ).

الحكم كما ذكره ما لم يكن المزج قليلا بحيث يصدق عليه الذهب و الفضة قوله قده مسألة 8: (يحرم ما كان ممتزجا منهما. إلخ).

وجهه هو ما يظهر من الأدلة المانعة ان استعمال هذين الفلزين حرام سواء خلطا معا أو انفرد كل منهما عن الآخر.

قوله قده مسألة 9: (لا بأس بغير الأواني إذا كان من أحدهما. إلخ)

إذ المحرم عنوان الآنية لا غير فلا حرمة في شي ء مما ذكره لعدم صدق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى،

ج 1، ص: 612

[ (مسألة 10) الظاهر أن المراد من الأواني ما يكون من قبيل الكأس و الكوز]

(مسألة 10) الظاهر أن المراد من الأواني (1) ما يكون من قبيل الكأس و الكوز و الصيني و القدر و السماور و الفنجان و ما يطبخ فيه القهوة و أمثال ذلك مثل كوز القليان بل و المصفاة و المشقاب و النعلبكى دون مطلق ما يكون ظرفا فشمولها لمثل رأس القليان و رأس الشطب و قراب السيف و الخنجر و السكين و قاب الساعة و ظرف الغالية و الكحل و العنبر و المعجون و الترياق و نحو ذلك غير معلوم و إن كانت ظروفا إذ الموجود في الأخبار لفظ الآنية و كونها مرادفا للظرف غير معلوم بل معلوم العدم و إن كان الأحوط في جملة من المذكورات الاجتناب نعم لا بأس بما يصنع بيتا للتعويذ إذا كان من الفضة بل الذهب أيضا و بالجملة فالمناط صدق الآنية و مع الشك فيه محكوم بالبراءة.

[ (مسألة 11) لا فرق في حرمة الأكل و الشرب من آنية الذهب و الفضة]

(مسألة 11) لا فرق في حرمة الأكل و الشرب من آنية (2) الذهب و الفضة بين مباشرتهما لقمة أو أخذ اللقمة منها و وضعها في الفم بل و كذا إذا وضع ظرف الطعام في الصيني من أحدهما و كذا إذا وضع الفنجان في النعلبكي من أحدهما و كذا لو فرغ ما في الإناء من أحدهما في ظرف آخر لأجل الأكل و الشرب لا لأجل نفس التفريغ فان الظاهر حرمة الأكل و الشرب لان هذا يعد أيضا استعمالا لهما فيهما بل لا يبعد حرمة شرب الشاي في مورد يكون السماور من

______________________________

الآنية عليها.

قوله قده مسألة 10: (الظاهر ان المراد من الأواني. إلخ).

الآنية موضوع عرفي موكول معرفته اليه.

قوله قده مسألة 11: (لا فرق في حرمة الأكل و الشرب من آنية. إلخ)

نعم كل ما يعد استعمالا لآنية

الذهب و الفضة حرام.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 613

أحدهما و إن كان جميع الأدوات ما عداه من غيرهما، و الحاصل: إن في المذكورات كما ان الاستعمال حرام كذلك الأكل و الشرب أيضا حرام، نعم المأكول و المشروب لا يصير حراما، فلو كان في نهار رمضان لا يصدق أنه أفطر على حرام و ان صدق ان فعل الإفطار حرام و كذلك الكلام في الأكل و الشرب من الظرف الغصبي.

[ (مسألة 12) ذكر بعض العلماء أنه إذا أمر شخص خادمه]

(مسألة 12) ذكر بعض العلماء أنه إذا أمر شخص خادمه (1) فصب الشاي من القوري من الذهب أو الفضة في الفنجان الفرفوري و أعطاه شخصا آخر فشرب فكما ان الخادم و الآمر عاصيان كذلك الشارب لا يبعد أن يكون عاصيا و يعد هذا منه استعمالا لهما.

[ (مسألة 13) إذا كان المأكول أو المشروب في آنية من أحدهما]

(مسألة 13) إذا كان المأكول أو المشروب في آنية من أحدهما (2) ففرغه في ظرف آخر بقصد التخلص من الحرام لا بأس به و لا يحرم الشرب أو الأكل بعد هذا.

[ (مسألة 14) إذا انحصر ماء الوضوء أو الغسل]

(مسألة 14) إذا انحصر ماء الوضوء أو الغسل (3) في إحدى الآنيتين فان

______________________________

قوله قده مسألة 12: (ذكر بعض العلماء أنه إذا أمر شخص خادمه. إلخ).

ما عده بعض العلماء من ان الشارب عاص لاستعماله بعيد جدا، نعم لا نمنع عصيانه، من جهة التقرير للآمر و الصاب و عدم نهيهما عن المنكر.

قوله قده مسألة 13: (إذا كان المأكول أو المشروب في آنية من أحدهما. إلخ)

وجهه أنه لا يعد هذا التفريغ عرفا إلا تخلصا من الحرام لا من الاستعمال في الحرام.

قوله قده مسألة 14: (إذا انحصر ماء الوضوء أو الغسل. إلخ)

أما وجوب التفريغ في صورة إمكانه فللأمر بالوضوء فيها فتجب.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 614

أمكن تفريغه في ظرف آخر وجب و إلا سقط وجوب الوضوء أو الغسل و وجوب التيمم و إن توضأ أو اغتسل منهما بطل سواء أخذ الماء منهما بيده أو صب على محل الوضوء بهما أو ارتمس فيهما، و ان كان له ماء آخر أو أمكن التفريغ في ظرف آخر و مع ذلك توضأ أو اغتسل منهما فالأقوى أيضا البطلان لأنه و إن لم يكن مأمورا بالتيمم إلا أن الوضوء أو الغسل حينئذ يعد استعمالا لهما عرفا فيكون منهيا عنه، بل الأمر كذلك لو جعلهما محلا لغسالة الوضوء لما ذكر من أن توضؤه حينئذ يحسب في العرف استعمالا لهما، نعم لو لم يقصد جعلهما مصبا للغسالة لكن استلزم توضؤه ذلك أمكن أن يقال انه لا يعد الوضوء استعمالا لهما، بل لا

يبعد أن يقال إن هذا الصب أيضا لا يعد استعمالا فضلا عن كون الوضوء كذلك.

______________________________

مقدمته، و اما في صورة عدم إمكانه فلعدم التكليف بالوضوء فيها لتوقفه على مقدمة محرمة و هي استعمال الآنية المزبورة، و لذا وجب التيمم في هذه الصورة، و لو توضأ بطل سواء كان بالاغتراف منهما بيده ثم إجرائه على محال الوضوء، أو بالصب عليها منهما أو بالرمس فيهما، إذ في جميع الصور المذكورة يعد استعمالا للآنية المزبورة، نعم في صورة عدم النحصار بان كان عنده ماء آخر أو مع إمكانه التفريغ لو توضأ بهما بالاغتراف منهما دفعة لما يكفيه لوضوئه، فالظاهر عدم بطلان وضوئه للأمر به، إذ حرمة المقدمة لا تستلزم حرمة ذيها فهو عاص مع صحة وضوئه، نعم لو توضأ أو اغتسل بالارتماس فيهما فهو باطل على كل تقدير، و كذلك يبطل لو جعلهما بمنزلة الطست مصبا لماء الوضوء، و ذلك لصدق الاستعمال عرفا بخلاف ما لو كانا مطروحين غير مقصود جعلهما مصبا و لكن من باب الاتفاق صارا مصبا فلا يبطل في هذه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 615

[ (مسألة 15) لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيد منهما و الردي ء]

(مسألة 15) لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيد منهما و الردي ء (1) و المعدني و المصنوعي و المغشوش و الخالص إذا لم يكن الغش الى حد يخرجهما عن صدق الاسم و إن لم يصدق الخلوص، و ما ذكره بعض العلماء من أنه يعتبر الخلوص و ان المغشوش ليس محرما و إن لم يناف صدق الاسم كما في الحرير المحرم على الرجال حيث يتوقف حرمته على كونه خالصا لا وجه له، و الفرق بين الحرير و المقام ان الحرمة هناك معلقة في الاخبار على الحرير المحض بخلاف

المقام فإنها معلقة على صدق الاسم.

[ (مسألة 16) إذا توضأ أو اغتسل من إناء الذهب أو الفضة مع الجهل بالحكم]

(مسألة 16) إذا توضأ أو اغتسل من إناء الذهب (2) أو الفضة مع الجهل بالحكم أو الموضوع صح.

______________________________

الصورة لعدم صدق الاستعمال لهما فيها و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 15: (لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيد منهما و الردي ء. إلخ).

الأمر كما ذكره من عدم الفرق إذ المدار على صدق الاسم و لا يمنع الغش القليل من الحرمة إذا كان غير مضر بصدق الاسم، و كفى فارقا بينه و بين الحرير ما ذكره من النص.

قوله قده مسألة 16: (إذا توضأ أو اغتسل من إناء الذهب. إلخ).

يشكل ما ذكره من الصحة في صورة الجهل بالحكم مطلقا، بل المسلم منه إذا كان عن قصور لا عن تقصير، و ذلك لعدم توجه خطاب إليه في هذه الحالة كما تقدم الكلام في الغصب حذو النعل بالنعل لعدم توجه الخطاب إليه في حالة جهله، و المانع من الصحة هو النهي الفعلي كالغصب، و اما الصحة مع الجهل بالموضوع فلقاعدة الحل المدلول عليها بقوله عليه السّلام: (كل شي ء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 616

[ (مسألة 17) الأواني من غير الجنسين لا مانع منها]

(مسألة 17) الأواني من غير الجنسين لا مانع (1) منها و إن كانت أعلى و أغلى حتى إذا كانت من الجواهر الغالية كالياقوت و الفيروزج.

[ (مسألة 18) الذهب المعروف بالفرنكى لا بأس بما صنع منه]

(مسألة 18) الذهب المعروف بالفرنكى لا بأس بما صنع منه (2) لأنّه في الحقيقة ليس ذهبا، و كذا الفضة المسماة بالورشو فإنها ليست فضة بل هي صفر أبيض.

[ (مسألة 19) إذا اضطر الى استعمال أواني الذهب أو الفضة في الأكل و الشرب]

(مسألة 19) إذا اضطر الى استعمال أواني الذهب أو الفضة (3) في الأكل و الشرب و غيرهما جاز، و كذا في غيرهما من الاستعمالات، نعم لا يجوز التوضؤ و الاغتسال منهما بل ينتقل الى التيمم.

______________________________

لك حلال حتى تعلم انه حرام) مع الشك في أصل التكليف في الاجتناب عنه، هذا مع الاتفاق على عدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية.

قوله قده مسألة 17: (الأواني من غير الجنسين لا مانع. إلخ).

إذ لم يرد نهى عن استعمال شي ء من الأواني سوى الجنسين.

قوله قده مسألة 18: (الذهب المعروف بالفرنكى لا بأس بما صنع منه. إلخ).

العلة في عدم البأس فيه ما ذكره من عدم كون المذكورين ذهبا أو فضة.

قوله قده مسألة 19: (إذا اضطر الى استعمال أواني الذهب أو الفضة.).

المدرك في جواز الاستعمال لأوانى الذهب و الفضة مع الضرورة أدلة رفع الأحكام معها كحديث الرفع و أمثاله و قوله تعالى (مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) و انما تتحقق الضرورة إليهما مع عدم البدل لهما، و لهذا لا يجوز التوضؤ و الغسل منهما و إن جاز سائر الاستعمالات فيهما لتحقق البدل لهما و هو التيمم فلا ضرورة.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 617

[ (مسألة 20) إذا دار الأمر في حال الضرورة بين استعمالها أو استعمال الغصبي]

(مسألة 20) إذا دار الأمر في حال الضرورة (1) بين استعمالها أو استعمال الغصبي قدمهما.

[ (مسألة 21) يحرم اجارة نفسه لصوغ الأواني من أحدهما]

(مسألة 21) يحرم اجارة نفسه لصوغ الأواني من أحدهما (2) و أجرته أيضا حرام كما مر.

[ (مسألة 22) يجب على صاحبهما كسرهما]

(مسألة 22) يجب على صاحبهما كسرهما (3) و اما غيره فان علم ان صاحبهما يقلد من يحرّم اقتناء هما أيضا و انهما من الإفراد المعلومة في الحرمة يجب عليه نهيه

______________________________

قوله قده مسألة 20: (إذا دار الأمر في حال الضرورة. إلخ).

قد يقال في وجه تقديمهما على الغصب هو أن فيهما حق اللّه فقط، و في الغصب حق اللّه و حق الناس فهو أولى بعدم المخالفة عند الدوان.

قوله قده مسألة 21: (يحرم اجارة نفسه لصوغ الأواني من أحدهما. إلخ).

إذ من شروط الإجارة كون المنفعة المستأجر عليها مباحة إجماعا لعدم ملك المؤجر المنفعة المحرمة ليصح تمليكها و نقلها إلى المستأجر، كما أن نفس الأجرة حرام لأنه أكل مال بالباطل.

قوله قده مسألة 22: (يجب على صاحبهما كسرهما. إلخ).

وجوب كسرهما مبني على حرمة اقتنائهما و إلّا فلا دليل على وجوبه، كما ان وجوب الكسر على الغير عند توقف الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر عليه في صورة علمه بان المالك يقلد من يحرم اقتناءهما و انهما من أفراد الآنية المعلومة لا من الأفراد المشكوك فيه، نعم ما حكم به في صورة كسرهما بالقيدين المذكورين و الشرطين المزبورين من ضمان الأصل لو تلف محل أشكال خصوصا في صورة ما لو كان الكسر مستلزما لتلف الأصل أو بعضه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 618

و إن توقف على الكسر يجوز له كسرهما و لا يضمن قيمة صياغتهما نعم لو تلف الأصل ضمن و إن احتمل أن يكون صاحبهما ممن يقلد من يرى جواز الاقتناء أو كانتا مما هو محل الخلاف في كونه آنية أم لا،

لا يجوز له.

[ (مسألة 23) إذا شك في آنية انها من أحدهما أم لا؟]

(مسألة 23) إذا شك في آنية انها من أحدهما أم لا؟ (1) أو شك في كون شي ء مما يصدق عليه الآنية أم لا؟ لا مانع من استعمالها.

______________________________

من حيث استبعاد الضمان مع الحكم بالإتلاف، و من حيث عدم الملازمة بين الحكمين كالأكل في المخمصة فإنه يجب مع الضمان و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 23: (إذا شك في آنية انها من أحدهما أم لا؟. إلخ)

مدرك ما ذكره من عدم المانع من الاستعمال في الصورتين المفروضتين هو أنهما من الشبهة الموضوعية التي لا يجب الفحص فيها كما تقدم ما لم يحرز التكليف و اللّه العالم.

و الحمد للّه أولا و آخرا، تم المجلد الأول من كتاب العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى على يد مؤلفه الحقير الأحقر على بن محمد الحسيني شبّر في ليلة الأحد حادية عشر جمادى الثانية من شهور السنة الثامنة و الستين بعد الثلاثمائة و الألف من هجرة سيد النبيّين و خاتم المرسلين صلوات اللّه عليه و على آله الطيبين الطاهرين سنة 1368 و يتلوه بعون اللّه تعالى المجلد الثاني و أوله أحكام التخلي؟

________________________________________

شبر، سيد على حسينى، العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، 2 جلد، مطبعة النجف، نجف اشرف - عراق، اول، 1383 ه ق

الجزء الثاني

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

______________________________

الحمد للّٰه رب العالمين، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطيبين الطاهرين و بعد فيقول الفقير الجاني، و الأسير الفاني، الحقير الأحقر، على بن محمد الحسيني شبر، لما تم المجلد الأول من كتاب العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، و كان انتهاؤه بانتهاء أحكام أواني الذهب و الفضة، شرعت في المجلد الثاني الذي مبدؤه أحكام التخلي.

[تتمة كتاب الطهارة]

[فصل في التخلي]

[فصل في أحكام التخلي]
اشارة

فصل في أحكام التخلي

[ (مسألة 1) يجب في حال التخلي بل في سائر الأحوال ستر العورة]

(مسألة 1) يجب في حال التخلي بل في سائر الأحوال ستر العورة (1) عن الناظر المحترم سواء كان من المحارم أم لا رجلا كان أم امرأة حتى عن المجنون

قوله قده فصل: في أحكام التخلي. مسألة 1 (يجب في حال التخلي بل في سائر الأحوال ستر العورة. إلخ)

المدرك في وجوب ستر العورة حال التخلي بل في سائر الأحوال عن كل إنسان مميز ما عدا الزوج و الزوجة و المملوكة التي يباح وطؤها له بعد الإجماع كما ادعاه صاحب الجواهر، بل ضرورة الدين عليه هو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 3

و الطفل المميز كما أنه يحرم على الناظر أيضا النظر إلى عورة الغير و لو كان مجنونا أو طفلا مميزا، و العورة في الرجل القبل و البيضتان و الدبر، و في المرأة القبل و الدبر و اللازم ستر لون البشرة دون الحجم و إن كان الأحوط ستره أيضا و أما الشبح و هو ما يتراءى عند كون الساتر رقيقا فستره لازم و في الحقيقة يرجع الى ستر اللون.

[ (مسألة 2) لا فرق في الحرمة بين عورة المسلم و الكافر]

(مسألة 2) لا فرق في الحرمة بين عورة المسلم و الكافر على الأقوى. (1).

______________________________

قوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ و قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ. الآية. و في التهذيب:

عن الصادق عليه السلام: لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه، و في النبوي: إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض فليحاذر على عورته، و قال (ع): لا يدخل أحدكم الحمام إلا بمئزر، و نهى ان ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم، و قال من تأمل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون ألف ملك، و نهى المرأة ان تنظر إلى عورة المرأة، و قال:

من نظر الى عورة أخيه المسلم أو عورة غير اهله متعمدا أدخله اللّٰه مع المنافقين، الحديث، و الأخبار في ذلك كثيرة.

و العورة: هي القبل و الدبر و هو نفس المخرج كما في الذكرى و الروض و الروضة و المسالك، و ليس منه الأليتان على المشهور، بل عن السرائر و الخلاف و الغنية الإجماع عليه للأصل أي أصالة عدم وجوب ستر غير ما ذكر. و الخبر المروي في الكافي و التهذيب عن ابي الحسن الماضي (ع) قال: العورة عورتان القبل و الدبر، و الدبر مستور بالأليتين، فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة. قال الكليني (ره): و في رواية أخرى فأما الدبر فقد سترته الأليتان، و اما القبل فاستره بيدك.

قوله قده مسألة 2 (لا فرق في الحرمة بين عورة المسلم و الكافر على الأقوى. اه)

لا يخفى انهم اختلفوا في انه هل يختص التحريم بعورة المسلم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 4

[ (مسألة 3) المراد من الناظر المحترم]

(مسألة 3) المراد من الناظر المحترم من عدا الطفل الغير المميز (1) و الزوج و الزوجة و المملوكة بالنسبة إلى المالك و المحللة بالنسبة إلى المحلل له فيجوز نظر كل من الزوجين إلى عورة الآخر و هكذا في المملوكة و مالكها و المحللة و المحلل له و لا يجوز نظر المالكة الى مملوكها أو مملوكتها و بالعكس.

[ (مسألة 4) لا يجوز للمالك النظر إلى عورة مملوكته]

(مسألة 4) لا يجوز للمالك النظر إلى عورة مملوكته إذا كانت مزوجة أو محللة (2) أو في العدة و كذا إذا كانت مشتركة بين مالكين لا يجوز لواحد منهما النظر الى عورتها و بالعكس.

______________________________

للأصل و اختصاص النهي به كما اختاره المحدث الحر العاملي، أم يعم الكافر كما صرح به في الذكرى لإطلاق الآية و جهان: أقواهما الأول و أحوطهما الثاني و في الفقيه عن الصادق (ع) إنما أكره النظر إلى عورة المسلم، فاما النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار. و في الكافي عن الصادق (ع) النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار.

قوله قده مسألة 3: (المراد من الناظر المحترم من عدا الطفل الغير المميز. إلخ)

مدرك عدم وجوب الستر عن غير المميز هو انه لا يفهم من الأمر بالتستر إلا وجوب التستر عمن له إدراك و شعور، و لذا لا يفهم من ذلك وجوب التستر عن البهائم، و ليعلم انه لا يحل النظر للمميز إلا لمن حل له الاستمتاع، و لذا لا يجوز نظر المالكة إلى عورة مملوكها أو مملوكتها لعدم جواز الاستمتاع بين المالكة و مملوكها و كذا نظرهما إليها للعلة المذكورة.

قوله قده مسألة 4: (لا يجوز للمالك النظر إلى عورة مملوكته إذا كانت مزوجة أو محللة. إلخ)

مدركه ما

تقدم من العلة المحرمة و هي عدم جواز الاستمتاع بها للمالك ما دامت مزوجة أو محللة أو في عدة الغير، و كذا إذا كانت

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 5

[ (مسألة 5) لا يجب ستر الفخذين]

(مسألة 5) لا يجب ستر الفخذين و لا الأليتين (1) و لا الشعر النابت أطراف العورة، نعم يستحب ستر ما بين السرة إلى الركبة بل الى نصف الساق.

______________________________

مشتركة بين مالكين لاستلزامه الوطء بالملك و سبب آخر من الشريك و هو التزويج أو التحليل، و البضع لا يتبعض، بل يلزم أن يكون سببه واحد لقوله تعالى:

(إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ)*.

قوله قده مسألة 5: (لا يجب ستر الفخذين و لا الأليتين. إلخ)

اما عدم وجوب ستر الفخذين و لا الأليتين فلما تقدم من الأصل و الخبرين المروي أحدهما في الكافي و التهذيب عن ابي الحسن الماضي (ع) قال: العورة عورتان القبل و الدبر، و الدبر مستور بالأليتين فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة، و ثانيهما في رواية الكليني فأما الدبر فقد سترته الأليتان، و اما القبل فاستره بيدك، و اما استحباب الستر لما بين السرة و الركبة فمستنده رواية الكافي عن بشير النبال قال سألت أبا جعفر (ع) عن الحمام فقال: تريد الحمام؟ قلت:

نعم، فأمر بإسخان الماء ثم دخل فاتزر بإزار فغطى ركبتيه و سرته ثم أمر صاحب الحمام فطلى جسده ما كان خارجا من الإزار ثم قال اخرج عني ثم طلي هو ما تحته بيده ثم قال: هكذا فافعل، و في قرب الاسناد عن الباقر (ع) قال:

إذا زوج الرجل أمته فلا ينظر الى عورتها، و العورة ما بين السرة إلى الركبة، و الذي يقتضيه الجمع بين هاتين و بين الروايتين المتقدمتين

الصريحتين في أن العورة هي القبل و الدبر هو حمل هاتين على الاستحباب، هذا مع ما رواه الشيخ عن الصادق (ع) قال: إن الفخذ ليست من العورة. و في الفقيه مرسلا عن الصادق (ع) قال: الفخذ ليست من العورة، و حكي عن القاضي ان العورة من السرة إلى الركبة، و عن الحلبي الى نصف الساق، قال في المعتصم: و لم أجد لهما مستندا. أقول و لعل مستندهما رواية الكافي عن بشير النبال، و رواية

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 6

[ (مسألة 6) لا فرق بين إفراد الساتر]

(مسألة 6) لا فرق بين إفراد الساتر (1) فيجوز بكل ما يستر و لو بيده أو يد زوجته أو مملوكته.

[ (مسألة 7) لا يجب الستر في الظلمة المانعة]

(مسألة 7) لا يجب الستر في الظلمة (2) المانعة عن الرؤية أو مع عدم حضور شخص أو كون الحاضر أعمى أو العلم بعدم نظره.

[ (مسألة 8) لا يجوز النظر إلى عورة الغير من وراء الشيشة]

(مسألة 8) لا يجوز النظر إلى عورة الغير (3) من وراء الشيشة بل و لا في المرآة أو الماء الصافي.

[ (مسألة 9) لا يجوز الوقوف في مكان يعلم بوقوع نظره على عورة الغير]

(مسألة 9) لا يجوز الوقوف في مكان (4) يعلم بوقوع نظره على عورة الغير

______________________________

قرب الاسناد المتقدمتي الذكر المحمولتين على الاستحباب.

قوله قده مسألة 6: (لا فرق بين إفراد الساتر. إلخ)

مدركه إطلاق دليله.

قوله قده مسألة 7: (لا يجب الستر في الظلمة. إلخ)

أشار بهذا الى الخلاف في انه هل يجب الستر حتى في الخلوة؟ كما تشعر به عبارة الشرائع و النافع و المنتهى و التحرير و الإرشاد و اللمعة و الألفية حيث قالوا: يجب على المتخلي ستر عورته و تقتضيه إطلاقات بعض الاخبار، و في المحكي عن دعائم الإسلام نهوا- اي أهل البيت (ع)- للمؤمن أن يكشف عورته و ان كان بحيث لا يراه أحد. انتهى أم لا يجب؟ كما في المتن و هو ظاهر عبائر الأكثر و صريح البعض للأصل و عدم المقتضى و هو الأقوى.

قوله قده مسألة 8: (لا يجوز النظر إلى عورة الغير. إلخ)

اما من وراء الشيشة فهو نظر الى العورة حقيقة. نعم ربما يتطرق الإشكال في نظرها بالمرآة أو في الماء الصافي، و على كل فيصدق عرفا انه نظر الى العورة.

قوله قده مسألة 9: (لا يجوز الوقوف في مكان. إلخ)

اما وقوفه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 7

بل يجب عليه التعدي عنه أو غض النظر، و اما مع الشك أو الظن في وقوع نظره فلا بأس و لكن الأحوط أيضا عدم الوقوف أو غض النظر.

[ (مسألة 10) لو شك في وجود الناظر أو كونه محترما]

(مسألة 10) لو شك في وجود الناظر (1) أو كونه محترما فالأحوط الستر

[ (مسألة 11) لو رأى عورة مكشوفة و شك في أنها عورة حيوان أو إنسان]

(مسألة 11) لو رأى عورة مكشوفة (2) و شك في أنها عورة حيوان أو إنسان فالظاهر عدم وجوب الغض عليه، و إن علم أنها من إنسان و شك في انها من

______________________________

ليقع نظره على عورة الغير فيحرم لأنه من التسبب الى فعل الحرام و هو حرام، و اما في غير هذه الصورة فإن علم ان بوقوفه يقع نظره بغير اختياره أيضا يحرم إذ الوقوف المذكور يكون علة للحرام فيحرم لذلك، و اما مع بقاء اختياره فالحرمة محل اشكال حتى لو علم بوقوفه وقوع نظره إذا لم يكن من قصد ذلك.

قوله قده مسألة 10: (لو شك في وجود الناظر. إلخ)

لا نابي من الاحتياط المذكور فإنه سبيل النجاة، و اما ما تقتضيه القواعد الشرعية هو انه ان كان مسبوقا بوجود ناظر محترم فمع الشك في بقائه يستصحب بقاؤه فيجب التستر، و ان كان مسبوقا بعدمه فيستصحب عدمه فلا يجب التستر، و اما مع عدم الحالة السابقة فالشك في أصل التكليف و هو مجرى البراءة شرعية و عقلية و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 11: (لو رأى عورة مكشوفة. إلخ)

اما عدم وجوب الغض في الفرض الأول و هو ما لو شك في أنها عورة إنسان أو حيوان فلأنه من الشبهة الموضوعية التي هي مجرى البراءة و عدم وجوب البحث و التفتيش فيها.

و اما الفرض الثاني و هو ما لو علم أنها عورة إنسان و شك في انها من صبي غير مميز أو من بالغ أو صبي مميز الذي هو مورد احتياط المصنف (قده) فمقتضى استصحاب عدم البلوغ و التمييز الذين هما من الاستصحاب الموضوعي جواز النظر، و

مع الغض عنهما فأصل البراءة كاف في الجواز، و اما الفرض الثالث: و هو ما لو علم أنها عورة بالغ أو مميز و شك في انها من زوجته أو مملوكته أو أجنبية فيكفي في حرمة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 8

صبي عير مميز أو من بالغ أو مميز فالأحوط ترك النظر، و إن شك في أنها من زوجته أو مملوكته أو أجنبية فلا يجوز النظر و يجب الغض عنها لأن جواز النظر معلق على عنوان خاص و هو الزوجية أو المملوكية فلا بد من إثباته، و لو رأى عضوا من بدن الإنسان لا يدرى أنه عورته أو غيرها من أعضائه جاز النظر و إن كان الأحوط الترك.

[ (مسألة 12) لا يجوز للرجل و الأنثى النظر الى دبر الخنثى]

(مسألة 12) لا يجوز للرجل و الأنثى النظر الى دبر الخنثى (1) و أما قبلها فيمكن ان يقال بتجويزه لكل منهما للشك في كونه عورة لكن الأحوط الترك بل الأقوى وجوبه لأنه عورة على كل حال.

______________________________

النظر استصحاب عدم العلقة بينه و بين المنظورة ان كان الشك من جهة الزوجية، و استصحاب عدم الملكية ان كان الشك من جهتها فضلا عما ذكره من الوجه للحرمة الذي مرجعه التمسك بعمومات وجوب الغض و لم يخرج منها إلا ما أحرز الجواز فيه كما تقدم نظيره فيما لو كان هناك عام و خرج منه بعض الإفراد ترخيصا فالظاهر ان بناء العرف على الأخذ بالعام ما لم يحرز العنوان المرخص فيه و الخطابات الشرعية منزلة على وفق متفاهم العرف، و اما الفرض الرابع: و هو ما لو رأى عضوا من إنسان و لا يدري انه عورته أو غيرها من أعضائه فحاله حال الفرض الأول حكما و دليلا. هذا و للنظر فيما

ذكرناه في بعض الفروض مجال و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 12: (لا يجوز للرجل و الأنثى النظر الى دبر الخنثى. إلخ)

أما الدبر من الخنثى فما لا إشكال في حرمة النظر إليه، لأنه عورة على كل حال كما ذكره (قده) و اما القبل منها فعبارة الماتن مشوشة فيه مغلقة لا يعلم المراد منها، و على كل حال فالنظر الى كلتا الآلتين من قبلها لا يجوز مطلقا سواء كان الناظر محرما أم أجنبيا لأنها مخالفة تفصيلية إذ أحدهما عورة، و اما النظر إلى إحدى الآلتين، فان كان الناظر محرما فلا يجوز أيضا لأنه من الشبهة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 9

[ (مسألة 13) لو اضطر الى النظر إلى عورة الغير]

(مسألة 13) لو اضطر الى النظر إلى عورة الغير (1) كما في مقام المعالجة فالأحوط أن يكون في المرآة المقابلة لها إن اندفع الاضطرار بذلك و إلا فلا بأس.

[ (مسألة 14) يحرم في حال التخلي استقبال القبلة و استدبارها]

(مسألة 14) يحرم في حال التخلي استقبال القبلة و استدبارها (2) بمقاديم بدنه و إن أمال عورته الى غيرهما و الأحوط ترك الاستقبال و الاستدبار

______________________________

المحصورة المقتضية لوجوب الموافقة القطعية كما هو التحقيق كحرمة مخالفتها القطعية، و اما إن كان الناظر أجنبيا فلا يجوز له النظر الى ما كان من سنخ عورته إذ هي مخالفة تفصيلية (و بيانه) ان الرجل لو نظر الى آلة الرجولية منها التي هي سنخ عورته فان كان المنظور رجلا فهي عورته، و ان كان أنثى فهو نظر الى بعض من بدن الأجنبية و هو محرم، و كذلك الكلام في الأنثى لو نظرت الى ما هو سنخ عورتها، و بسبب هذا العلم التفصيلي بالحرمة في أحد الأطراف ينحل العلم الإجمالي المزبور، فيجوز لكل منهما النظر إلى الآلة الأخرى منها التي ليست من سنخ عورته كما لو نظر الرجل الى آلتها الأنوثية، أو نظرت المرأة إلى آلتها الرجولية إذ لم يحرز كونها عورة لما عرفت من انحلال العلم الإجمالي بالعلم بحرمة أحد الأطراف فيكون في الطرف الآخر الشبهة بدوية و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 13: (لو اضطر الى النظر إلى عورة الغير. إلخ)

لا فرق بين النظر في المرآة و بدونه بعد ما تقدم منا عن قريب بان النظر في المرآة نظر الى العورة عرفا.

قوله قده مسألة 14: (يحرم في حال التخلي استقبال القبلة و استدبارها.

إلخ)

لا يخفى تضمن هذه المسألة مسائل متعددة فاللازم التنبيه على مداركها اجمع الأولى- حرمة الاستقبال و الاستدبار فيهما و هو

المشهور، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه لظاهر الأخبار: منها رواية الحسين بن زيد عن الصادق (ع) عن آبائه (ع) عن النبي (ص) انه قال في حديث المناهي: إذ أدخلتم الغائط

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 10

بعورته فقط و إن لم يكن مقاديم بدنه إليهما و لا فرق في الحرمة بين الابنية و الصحارى و القول بعدم الحرمة في الأول ضعيف، و القبلة المنسوخة كبيت المقدس لا يلحقها الحكم و الأقوى عدم حرمتهما في حال الاستبراء و الاستنجاء و إن كان الترك أحوط، و لو اضطر الى أحد الأمرين تخير و إن كان الأحوط

______________________________

فتجنبوا القبلة، و عن الفقيه انه قال نهى رسول اللّٰه (ص) عن استقبال القبلة ببول أو غائط. و خبر عيسى بن عبد اللّٰه الهاشمي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قال قال النبي (ص): إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لكن شرقوا أو غربوا. و في مرفوعة عبد الحميد سئل الحسن بن علي (ع) ما حد الغائط؟ قال لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها.

و عن الكافي و التهذيب و الفقيه مثلها مرسلة الى ابي الحسن، و عن المقنع انه رواها مرسلة عن الرضا (ع) و عن على بن إبراهيم رفعه قال خرج أبو حنيفة من عند ابى عبد اللّٰه (ع) و أبو الحسن موسى (ع) قائم و هو غلام فقال له أبو حنيفة يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال (ع): اجتنب أفنية المساجد و شطوط الأنهار و مساقط الثمار و منازل النزال و لا تستقبل القبلة بغائط و لا بول و ارفع ثوبك وضع حيث

شئت، خلافا لما حكي عن المفيد و الإسكافي من القول بالاستحباب، و اختاره صاحب المدارك و المعالم و المحقق الخوانساري و المولى المقدس الأردبيلي و الفيض في المعتصم للأصل، و ضعف سند ما تقدم من الأخبار و اقتران النهي بجملة من المكروهات، و شيوع استعمال الأوامر و النواهي في المستحب و المكروه، و للصحيح المروي في الفقيه عن ابن بزيع قال دخلت على الرضا (ع) و في منزله كنيف مستقبل القبلة، و لقوله (ع) من بال حذاء القبلة ثم ذكر فانحرف عنها إجلالا للقبلة و تعظيما لها لم يقم من مقعده ذلك حتى يغفر له

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 11

الاستدبار، و لو دار الأمر بين أحدهما و ترك الستر مع وجود الناظر وجب الستر، و لو اشتبهت القبلة لا يبعد العمل بالظن و لو ترددت بين جهتين متقابلتين اختار الأخيرين و لو ترددت بين المتصلتين فكالترديد بين الأربع التكليف.

ساقط فيتخير بين الجهات.

______________________________

و يندفع الأصل بما تقدم من الاخبار الظاهرة في الحرمة، و ضعف السند منجبر بالعمل، و اشتمال بعضها على بعض المكروهات كاستقبال الريح و استدبارها لا يوجب رفع اليد عن ظهور النهي عن استقبال القبلة و استدبارها في الحرمة، إذ ما يصلح ان يكون قرينة لذلك ليس إلا وحدة السياق و في كفايتها بنفسها للصارفية تأمل خصوصا في مثل المقام المعتضد ظهوره بالشهرة و نقل الإجماع، و الصحيح لا دلالة فيه على جواز الانحراف لجواز كون الكنيف للغير أو كون الدار سابقا للغير.

الثانية- من المسائل: ان يكون ذلك بمقاديم البدن فلا يكفي ان يحرف العورة وحدها عن القبلة لظاهر الاخبار و لان ذلك هو المعهود خلافا للفاضل المقداد في التنقيح و

الشهيد في الألفية فاعتبرا كفاية انحراف نفس الفرج.

الثالثة- من المسائل: أنه يستوي في ذلك الصحارى و البنيان على المشهور كما في الجواهر دعواه نقلا و تحصيلا لإطلاقات الأدلة و خصوص النبوي إذا دخلت المخرج، و النبوي الآخر إذا دخلت الغائط، خلافا لسلار فإنه خص الحرمة بالصحاري و الكراهة بالأبنية.

الرابعة- من المسائل: عدم لحوق الحكم للقبلة المنسوخة كبيت المقدس و ذلك ان استصحاب أحكام الشرائع السابقة على القول به فيما لم يعلم نسخه لا فيما علم كما فيما نحن فيه.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 12

[ (مسألة 15) الأحوط ترك إقعاد الطفل للتخلي على وجه يكون مستقبلا أو مستدبرا]

(مسألة 15) الأحوط ترك إقعاد الطفل (1) للتخلي على وجه يكون مستقبلا أو مستدبرا و لا يجب منع الصبي و المجنون إذا استقبلا أو استدبرا

______________________________

الخامسة- من المسائل: ما ذكره من عدم لحوق الحكم لحالتي الاستبراء و الاستنجاء.

فنقول اما عدم لحوقه لحالة الاستنجاء فللأصل، و اما حالة الاستبراء فالأقوى لحوقها لها لأنها حالة طلب إخراج البول الباقي في المخرج.

و اما ما ذكره من الاحتياط في الترك في الحالتين المزبورتين فلعل وجهه رواية عمار الساباطي عن ابي عبد اللّٰه (ع) قال: قلت له الرجل يريد ان يستنجي كيف يقعد؟ قال: كما يقعد للغائط: و في دلالتها على المدعى تأمل.

السادسة- من المسائل: لو اضطر الى أحد الأمرين فالقاعدة كما ذكره من التخيير، و اما الاحتياط في اختيار الاستدبار فلأشرفية جهة القبلة و اهميتها فهي أولى بالرعاية في عدم التوهين مهما أمكن.

السابعة- من المسائل: لو دار امره بين أحدهما و ترك التستر مع وجود الناظر وجب رعاية التستر لأهميته في نظر الشارع أيضا.

الثامنة- من المسائل: لو اشتبهت القبلة و ترددت بين الجهات الأربع فالظاهر هو التخيير بينها لعدم المرجح و لا دليل

على وجوب التجنب عن الجهة التي يظن كونها قبلة بظن غير معتبر، نعم لو ترددت بين جهتين متقابلتين يجب اختيار الأخريين، و لو ترددت بين جهتين متصلتين فهو كالمتردد بين الأربع، إذ باجتناب استقبالهما و التوجه الى مقابلهما يلزم استدبارهما فهو واقع في المحذور على كل حال، فلهذا كان كالمتردد بين الأربع فيتخير و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 15: (الأحوط ترك إقعاد الطفل. إلخ)

لا دليل على ما ذكره من الاحتياط في ترك إقعاد الطفل للتخلي مستقبلا أو مستدبرا، كما انه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 13

عند التخلي و يجب ردع البالغ العافل العالم بالحكم و الموضوع من باب النهى عن المنكر كما أنه يجب إرشاده إن كان من جهة جهله بالحكم، و لا يجب ردعه إن كان من جهة الجهل بالموضوع، و لو سئل عن القبلة فالظاهر عدم وجوب البيان (1) نعم لا يجوز إيقاعه في خلاف الواقع.

[ (مسألة 16) يتحقق ترك الاستقبال و الاستدبار بمجرد الميل الى أحد الطرفين]

(مسألة 16) يتحقق ترك الاستقبال (2) و الاستدبار بمجرد الميل الى أحد الطرفين و لا يجب التشريق أو التغريب و إن كان أحوط.

[ (مسألة 17) الأحوط فيمن يتواتر بوله أو غائطه]

(مسألة 17) الأحوط فيمن يتواتر بوله أو غائطه (3) مراعاة ترك

______________________________

لا يجب منع الصبي أو المجنون إذا استقبلا و استدبرا لعدم تكليفهما فلا يتعنون أمرهما أو نهيهما بأحد العناوين الملزمة، نعم وجوب ردع البالغ العاقل العالم لا اشكال فيه لأنه من النهي عن المنكر الواجب كفاية على كل مكلف، كما انه يجب إرشاد الجاهل بالحكم من باب وجوب تبليغ الأحكام، كما انه لا يجب ردعه ان كان جاهلا بالموضوع لعدم تعنون الوجوب بأحد العناوين الملزمة كالنهي عن المنكر أو إرشاد الجاهل أو ما شاكلهما.

(قوله و لو سئل عن القبلة فالظاهر عدم وجوب البيان)

إذ لا دليل على وجوب بيان موضوعات الأحكام العرفية، نعم لا يجوز إيقاعه في خلاف الواقع لحرمة التسبب في إيقاع الغير في المحرم الواقعي مع انه كذب يحرم ارتكابه.

قوله قده مسألة 16: (يتحقق ترك الاستقبال. إلخ)

المراد بالاستقبال و الاستدبار ما هو المتعارف فيكفي فيهما الانحراف الصادق معه عدم الاستقبال و الاستدبار العرفيين فلا يجب التشريق و التغريب، نعم هو أحوط لدلالة بعض الأخبار المتقدمة عليه.

قوله قده مسألة 17: (الأحوط فيمن يتواتر بوله أو غائطه. الخ

اما مراعاة ترك الاستقبال و الاستدبار بقدر الإمكان فلأن الضرورات تقدر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 14

الاستقبال و الاستدبار بقدر الإمكان و إن كان الأقوى عدم الوجوب.

[ (مسألة 18) عند اشتباه القبلة بين الأربع لا يجوز أن يدور ببوله الى جميع الأطراف]

(مسألة 18) عند اشتباه القبلة (1) بين الأربع لا يجوز أن يدور ببوله الى جميع الأطراف نعم إذا اختار في مرة أحدها لا يجب عليه الاستمرار عليه بعدها بل له أن يختار في كل مرة جهة أخرى إلى تمام الأربع و إن كان الأحوط ترك ما يوجب القطع بأحد الأمرين و لو تدريجا خصوصا إذا كان قاصدا ذلك من الأول

بل لا يترك في هذه الصورة.

[ (مسألة 19) إذا علم ببقاء شي ء من البول في المجرى]

(مسألة 19) إذا علم ببقاء شي ء من البول في المجرى (2) يخرج بالاستبراء فالاحتياط بترك الاستقبال أو الاستدبار في حاله أشد.

______________________________

بقدرها، و لقوله (ص): إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم، و قوله عليه السلام الميسور لا يسقط بالمعسور، و ما لا يدرك كله لا يترك كله.

و اما اقوائية عدم الوجوب فبدعوى انصراف الأدلة السابقة لغير المفروض.

قوله قده مسألة 18: (عند اشتباه القبلة. إلخ)

مدركه هو ان العلم الإجمالي كما يقتضي وجوب الموافقة القطعية كذلك مقتضاه حرمة المخالفة القطعية و الاشتباه في القبلة أسقط وجوب الموافقة القطعية، و اما مقتضاه الآخر و هو حرمة المخالفة القطعية فهو على ما هو عليه إذ لا موجب لسقوطه، و الدائر ببوله مخالف له بلا موجب و لا سبب مجوز، هذا مع ان الضرورات تقدر بقدرها و لا ضرورة ملجئة للمخالفة القطعية، و من هذا الباب انه لو اختار جهة في أول مرة فالأقوى وجوب الاستمرار عليها فرارا عن المخالفة القطعية إلى المخالفة الاحتمالية التي هي أرجح ارتكابا لدى العقل و العقلاء و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 19: (إذا علم ببقاء شي ء من البول في المجرى. إلخ)

تقدم منا إلحاق حالة الاستبراء بحالة البول فهما متحدان حكما و دليلا.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 15

[ (مسألة 20) يحرم التخلي في ملك الغير]

(مسألة 20) يحرم التخلي في ملك الغير (1) من غير اذنه حتى الوقف الخاص بل في الطريق غير النافذ بدون إذن أربابه و كذا يحرم على قبور المؤمنين إذا كان هتكا لهم.

[ (مسألة 21) المراد بمقاديم البدن]

(مسألة 21) المراد بمقاديم البدن (2) الصدر و البطن و الركبتان.

[ (مسألة 22) لا يجوز التخلي في مثل المدارس التي لا يعلم كيفية وقفها]

(مسألة 22) لا يجوز التخلي في مثل المدارس (3) التي لا يعلم كيفية وقفها من اختصاصها بالطلاب أو بخصوص الساكنين منهم فيها أو من هذه الجهة أعم من الطلاب و غيرهم و يكفي إذن المتولي إذا لم يعلم كونه على خلاف الواقع و الظاهر كفاية جريان العادة أيضا بذلك و كذا الحال في غير التخلي من التصرفات الأخر.

[فصل في الاستنجاء]
اشارة

فصل في الاستنجاء يجب غسل مخرج البول (4) بالماء مرتين و الأفضل ثلاث بما يسمى غسلا

______________________________

قوله قده مسألة 20: (يحرم التخلي في ملك الغير. إلخ)

مدركه حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه، و منه التخلي و كذا في الوقف الخاص و الطريق الغير النافذ إذ هما ملك لأربابهما، و اما قبور المؤمنين إذا كان هتكا لهم و ازراء بحقهم إذ حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا.

قوله قده مسألة 21: (المراد بمقاديم البدن. إلخ)

أي ما جعل ميزانا و ضابطا للاستقبال و الاستدبار الذي يدور معهما الحكم.

قوله قده مسألة 22: (لا يجوز التخلي في مثل المدارس. إلخ)

مدرك عدم الجواز هو ان الأوقاف على ما وقفت عليه فلا بد من إحراز السبب المجوز للتصرف، و منه إذن المتولي لأنه ذو يد أو امارة أخرى قطعية.

قوله قده (فصل: في الاستنجاء يجب غسل مخرج البول. إلخ)

ذكر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 16

و لا يجزى غير الماء، و لا فرق بين الذكر و الأنثى و الخنثى كما لا فرق بين المخرج الطبيعي و غيره معتادا أو غير معتاد، و في مخرج الغائط مخير بين الماء و المسح بالأحجار أو الخرق إن لم يتعد عن المخرج على وجه لا يصدق عليه الاستنجاء و إلا تعين الماء و إذا تعدى على وجه الانفصال كما

إذا وقعت نقطة من الغائط على فخذه من غير اتصال بالمخرج يتخير في المخرج بين الأمرين و يتعين الماء فيما وقع على الفخذ و الغسل أفضل من المسح بالأحجار و الجمع بينهما أكمل، و لا يعتبر في الغسل تعدد بل الحد النقاء و إن حصل بغسلة و في المسح لا بد من ثلاث و إن حصل النقاء

______________________________

(قده) في هذا الفصل عدة أمور يلزمنا بيان مداركها.

الأول- الاستنجاء من البول و يجب ان يغسل ظاهر مخرج البول بالماء خاصة و لا يجزي غيره إجماعا منا كما في المدارك و عن الانتصار و الغنية و المعتبر و المنتهى و التذكرة و التنقيح و للصحاح، منها الباقري (ع) المروي في التهذيب يجزي من الغائط المسح بالأحجار و لا يجزي من البول إلا الماء، و منها الصادقي عليه السالم المروي في التهذيب أيضا إذا انقطعت درة البول فصب الماء، و فيه أيضا عن الرجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر و قد عرق ذكره و فخذاه قال: يغسل ذكره و فخذيه، الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة، و يجب ذلك بما يسمى غسلا وفاقا للمحكي عن الحلبي و جماعة كما عن الحلي و الفاضل في المختلف و ابن البراج و اختاره صاحب المدارك و الذخيرة و المحقق الخوانساري و المجلسي (ره) للأصل و الإطلاقات الآمرة بالغسل، و حصول الامتثال، و للمرسل في الكافي يجزي ان يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة، و في التهذيب عن الصادق (ع) قال: يجزي من البول ان تغسله بمثله، و قيل أقل ما يجزي مثلا ما على الحشفة من البلل كما عن الشيخين في المبسوط و المقنعة و الصدوقين

و الفاضلين في المعتبر و الشرائع و القواعد و التذكرة و هو المشهور كما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 17

بالأقل و إن لم يحصل بالثلاث فالى النقاء، فالواجب في المسح أكثر الأمرين من النقاء و العدد و يجزى ذو الجهات الثلاث من الحجر و بثلاثة أجزاء من

______________________________

في الذخيرة للخبر المروي عن الصادق (ع) كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال مثلا ما على الحشفة من البلل، و قيل هو ضعيف لا يقاوم الإطلاقات المتقدمة و إطلاق الأخبار الواردة بالأمر بالغسل و الصب، و فيه ان جميع المطلقات مقيد به و ضعفه منجبر بالعمل، و بان الظاهر ان الغسل لا يصدق إلا بما يقهر النجاسة و يغلب عليها و لا يحصل ذلك بأقل من المثلين، و بالأخبار الآمرة بالمرتين في غسل البول من الثوب و الجسد، و اما رواية المثل المتقدمة الذكر فلا تعارضها كما ذكره في الجواهر بقوله: و الرواية مع كونها مرسلة لا جابر لها و موهونة باعراض المشهور، مضافا الى استبعاد تحقق الغسل بالمثل لاشتراط الغلبة و الاستيلاء و هو منتف فيه إلا على تكلف تسمعه إن شاء اللّٰه تعالى، غير صريحة الدلالة بل و لا ظاهرة لاحتمال أن يراد بمثله مثله من الماء كما أشارت إليه بعض الأخبار انه ماء فلا يزال إلا بالماء، بل يحتمل ان تكون الرواية بمثليه و حذفت الياء من النساخ، و احتمال العكس في الرواية الأولى في غاية البعد لما عرفت من انجبارها بفتوى الأصحاب الذين صدرت منهم الروايات، و ربما احتمل فيها احتمالات أخر لا بأس بها في مقام الجمع بعد ما سمعت من رجحان الأولى من وجوه متعددة إلى آخر ما

ذكره (قده)، و هل المراد بالمثلين مجرد الغلبة في المطهر فتكفي الغسلة الواحدة؟ أو بيان التعدد و وجوب الغسل مرتين؟ قولان اختار المصنف (قده) ثانيهما، و الأظهر الأول لعدم دلالة الرواية على أكثر من ذلك و لإطلاق الأخبار بالغسل و الصب، و على تقدير التعدد فهل يجب الانفصال الحقيقي ليحصل التعدد عرفا كما في الذكرى؟ أم يكفي التقديري؟ قولان و الأحوط التعدد و الانفصال الحقيقي، بل تثليث الغسلات كما ذكره المصنف

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 18

الخرقة الواحدة و إن كان الأحوط ثلاثة منفصلات، و يكفى كل قالع و لو من الأصابع، و يعتبر فيه الطهارة و لا يشترط البكارة فلا يجزى النجس و يجزى

______________________________

قدس سره لصحيحة زرارة قال: كان يستنجي من البول ثلاث مرات و من الغائط بالمدر و الخزف. قال في مصباح الفقيه: و عن صاحب المنتقى ان ضمير كان عائد الى ابي جعفر (ع).

ثم ان الظاهر عدم اختصاص الحكم بالذكر، بل يعم الأنثى و الخنثى، بل كل من بال و لو من غير المخرج المعتاد كما ذكره المصنف (قده) لعموم قاعدة الاشتراك و عدم استفادة مدخلية خصوص الحشفة في موضوع الحكم من قوله (ع) مثلا ما على الحشفة بعد إطلاق كلام السائل عما يجزي من الماء في الاستنجاء من البول، بل الظاهر ان تخصيصها بالذكر بملاحظة حال السائل، و إلا فالمقصود بيان كفاية مثلي ما على المخرج هذا مع خلو المرسلة عن ذكر الحشفة و قد عرفت دلالتها على المطلوب، بل لا ينبغي الارتياب في عدم إرادة الخصوصية في موثقة يونس لأن السائل سأله عن الوضوء الذي افترضه اللّٰه على عامة العباد لمن جاء من الغائط أو بال فلا يناسبه

بيان حكم الرجال فقط، فالأقوى كفاية الغسلة في الاستنجاء من البول مطلقا، و سبيل الاحتياط غير خفي.

الثاني- من الأمور: الاستنجاء من الغائط و يتخير في مخرج الغائط بين الماء و الأحجار أو غيرها من الأجسام المزيلة للعين إجماعا كما في المدارك و الذخيرة و الخلاف و الغنية و المعتبر و المنتهى، إذا لم يتجاوز الغائط محل العادة إجماعا للنصوص الآتية، و مع التجاوز يتعين الماء إجماعا كما في المدارك و المعتبر لعدم صدق الاستنجاء عليه لأنه عبارة عن غسل موضع النجو أو مسحه كما يظهر من اللغة و الاخبار، و النبوي يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة، و لاستصحاب بقاء النجاسة حتى يعلم المزيل و لا يعلم بدونه. و لا يجب في الغسل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 19

المتنجس بعد غسله، و لو مسح بالنجس أو المتنجس لم يطهر بعد ذلك إلا بالماء إلا إذا لم يكن لاقى البشرة بل لاقى عين النجاسة، و يجب في الغسل بالماء ازالة

______________________________

التعدد و إنما الواجب هو إزالة العين و هو المراد في عبارة المصنف بالنقاء و لو بغسلة واحدة للإطلاقات، و الموثق يغسل ذكره و يذهب الغائط. خلافا لجماعة فاعتبروا إزالة العين و الأثر، و لا اثر له في الأدلة.

و اما في المسح فقيل لا يعتبر عدد معين فيها كالثلاث إذا حصل النقاء بدونها بل حدها النقاء وفاقا للشيخين و الفاضل في المختلف و صاحبي المدارك و الذخيرة للحسن المروي في الكافي و التهذيب عن ابن المغيرة عن ابي الحسن (ع) قال قلت له للاستنجاء حد؟ قال: لا حتى ينقى ما ثمة، قلت فإنه ينقى ما ثمة و تبقى الريح قال: الريح لا

ينظر إليها، و الاستنجاء يطلق على غسل موضع النجو و مسحه كما هو ظاهر الاخبار و نص أهل اللغة، ففي القاموس النجو: ما يخرج من البطن من ريح أو غائط و استنجى اي غسل بالماء منه أو تمسح بالحجر، و في الصحاح استنجى اي غسل موضع النجو أو مسحه، و قيل بل تجب الثلاثة و ان نقي بدونها و هو مختار المصنف (قده) و هو المشهور كما في المدارك و الذخيرة لظاهر الروايات المتقدمة في النص على الثليث و إطلاق الأحجار في بعضها يحمل عليها مع ان أقل الجمع ثلاثة، و لأصالة بقاء المحل على النجاسة حتى يعلم المزيل و لا يعلم بدونه و إطلاق النقاء يحمل على ذلك، و يعضد ذلك النبوي: نهى ان يستنجى بأقل من ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة، و في آخر إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب، معه ثلاثة أحجار، و في ثالث لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار، و في رابع لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار و هو الأقوى، و لا يعتبر ان يكون المزيل حجرا بل يجوز بكل جسم طاهر مزيل للعين عدى ما استثنى وفاقا للمشهور، بل عن الخلاف الوفاق عليه. و عن المنتهى انه قول أكثر أهل العلم لأن المطلوب شرعا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 20

العين و الأثر بمعنى الاجزاء الصغار التي لا ترى لا بمعنى اللون و الرائحة، و في المسح يكفي إزالة العين و لا يضر بقاء الأثر بالمعنى الأول أيضا.

______________________________

و هو النقاء يحصل بغيره كما يحصل به، و لنفي الحد في الحسن المتقدم و قوله حتى ينقى ما ثمة. و قوله في الموثق و يذهب الغائط، و في دعائم

الإسلام نهوا (ع) عن الاستنجاء بالعظم و البعر و كل طعام، و لا بأس بالاستنجاء بالحجارة و الخرق و القطن و أشباه ذلك، و قيل كما عن سلار لا بد ان تكون تلك الأجسام من الأرض لظاهر الروايات السابقة و الأقوى ما عرفت. نعم الروايات الواردة أعم من الأرض ففي الصحيح الباقري (ع) قال: كان الحسين (ع) يتمسح من الغائط بالكرسف و في آخر كان يستنجي من الغائط بالمدر و الخرق و الخزف، كما ان الأقوى الاكتفاء بذي الجهات الثلاث إذ النصوص الواردة بثلاثة أحجار مبنية على الغالب و الإطلاقات تدل على عدم اعتبار ذلك، و لقوله (ص) إذا جلس أحدكم لحاجة فليتمسح بثلاث مسحات، و لان المراد من الأحجار المسحات و ان كانت بحجر واحد كما لو قيل اضربه عشرة أسواط فإن المراد عشر ضربات و ان كانت بسوط واحد، و لأنه لو انفصل ثلاثة أجزاء كفى قطعا فكذا مع الاتصال، و اي عاقل يفرق بين الحجر متصلا بغيره و منفصلا، و مع هذا فللكلام في الجميع مجال، و الرواية عامية و الإطلاقات مقيدة، و الباقي اجتهاد في مقابلة النص فالاحتياط لا يترك.

و يعتبر في الأجسام المزيلة للعين الطهارة فلا تجزى النجسة إجماعا كما في المنتهى و التحرير لأصالة بقاء النجاسة و للمرسل الصادقي (ع) جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء، و لو استعمل النجس فهل تبقى الرخصة و التخيير؟ أو يتحتم الماء؟ أو يفرق بين ما نجاسته كنجاسة المحل و غيرها؟ أوجه أوسطها أوسطها، و الغسل بالماء أفضل من المسح بالأحجار لأنه أبلغ في التنظيف

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 21

[ (مسألة 1) لا يجوز الاستنجاء بالمحترمات]

(مسألة 1) لا يجوز الاستنجاء بالمحترمات

(1) و لا بالعظم و الروث و لو استنجى بها عصى لكن يطهر المحل على الأقوى.

______________________________

لإزالة العين و الأثر و لنقل الإجماع على أفضليته كما عن الغنية و المنتهى و المدارك و للصحيح الصادقي (ع) المروي في التهذيب قال قال رسول اللّٰه (ص): يا معشر الأنصار ان اللّٰه قد أحسن الثناء عليكم فما ذا تصنعون؟ قالوا نستنجي بالماء، و نحوه غيره و الجمع بينهما أكمل كما في الخبر الصادقي (ع) المروي في التهذيب قال: جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء و ينبغي تقديمها على الماء كما في النص تنزيها لليد عن التلوث و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 1: (لا يجوز الاستنجاء بالمحترمات. إلخ)

المراد بالمحترمات ما علم من الدين أو المذهب وجوب احترامه كالخبز و أمثاله كما في المدارك و المعتصم و في الصادقي (ع) المروي في الكافي ان أهل الترتار كانوا ينجون صبيانهم بالخبز فغضب اللّٰه عليهم، و بمضمونه غيره، و الحق بذلك التربة الحسينية، و القرآن الشريف و كتب الحديث بل الفقه، و كذا لا يجوز الاستنجاء بالعظم و الروث اتفاقا كما عن المعتبر و المنتهى و الروض، و للخبر المروي في التهذيب عن ليث المرادي سئل الصادق (ع) عن استنجاء الرجل بالعظم و البعر أو العود قال: اما العظم و الروث فطعام الجن و ذلك مما اشترطوا على رسول اللّٰه (ص) فقال: لا يصلح بشي ء من ذلك، و ضعف السند مجبور بالعمل خلافا للفاضل و غيره، فالكراهة للأصل و ضعف السند و إشعار الرواية بذلك، نعم في الصادقي المروي في الفقيه نهى النبي (ص) أن يستنجي الرجل بالروث و الرمة و هي العظم البالي. و في دعائم الإسلام نهوا

(ع) عن الاستنجاء بالعظم و البعر، و في النبوي: لا تستنجوا بالروث و لا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن، و في آخر: نهى ان يستنجى بروث أو عظم. و في ثالث من استنجى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 22

[ (مسألة 2) في الاستنجاء بالمسحات إذا بقيت الرطوبة في المحل]

(مسألة 2) في الاستنجاء بالمسحات إذا بقيت الرطوبة (1) في المحل يشكل الحكم بالطهارة فليس حالها حال الأجزاء الصغار.

[ (مسألة 3) في الاستنجاء بالمسحات يعتبر أن لا يكون (2) في ما يمسح به رطوبة مسرية]

(مسألة 3) في الاستنجاء بالمسحات يعتبر أن لا يكون (2) في ما يمسح به رطوبة مسرية فلا يجزى مثل الطين و الوصلة الرطبة، نعم لا تضر النداوة التي لا تسرى.

______________________________

برجيع أو عظم فهو بري ء من محمد (ص) و لو فعل و استنجى بها عصى و طهر على المشهور كما في البحار لعموم ما دل على الاكتفاء بالنقاء و الإذهاب، و النهي في غير العبادة لا يستلزم الفساد، و لذا يحكم بالتطهير بالماء المغصوب، و ربما فصل بين ما إذا كان المستعمل له حرمة و كان عالما فلا يجزي للحكم بكفر فاعله فلا يتصور التطهير و إلا فيجزي، و قيل بعدم الاجزاء مطلقا كما عن السرائر و الغنية و المعتبر و الشرائع و المرتضى و الشيخ لأصالة بقاء النجاسة، و للإجماع المحكي في الغنية.

قوله قده مسألة 2: (في الاستنجاء بالمسحات إذا بقيت الرطوبة. إلخ)

مدرك الإشكال في الحكم بالطهارة مع بقاء الرطوبة في المحل بعد الاستنجاء بالمسحات هو كشفها عن بقاء عين النجاسة و عدم نقاء المحل و قد قال (ع) في حد الاستنجاء حتى ينقى ما ثمة.

قوله قده مسألة 3: (في الاستنجاء بالمسحات يعتبر ان لا يكون. إلخ)

لا يخفى ان جملة من فقهائنا لم يعتبروا الجفاف في الأجسام الممسوحة بها كما عن ظاهر المبسوط و الخلاف و النهاية و السرائر و القواعد و البيان و الدروس و الذكرى لعموم الأخبار و إطلاقها خلافا للأكثر فاعتبروا ذلك للأصل، و لأن الرطب لا ينشف المحل، و لتنجس الحجر بالرطوبة و قد اشترط طهارته، و لأن الرطب لا يزيل النجاسة

بل يزيد التلويث و الانتشار، و في الجميع نظر و الأقرب ما ذهب اليه المصنف من ان الرطوبة المسرية يعتبر عدمها بخلاف النداوة فإنها لا تضر و اللّٰه العالم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 23

[ (مسألة 4) إذا خرج مع الغائط نجاسة أخرى]

(مسألة 4) إذا خرج مع الغائط نجاسة أخرى كالدم (1) أو وصل الى المحل نجاسة من خارج يتعين الماء، و لو شك في ذلك يبنى على العدم فيتخير.

[ (مسألة 5) إذا خرج من بيت الخلاء ثم شك في أنه استنجى أم لا]

(مسألة 5) إذا خرج من بيت الخلاء ثم شك (2) في أنه استنجى أم لا بنى على عدمه على الأحوط و إن كان من عادته، بل و كذا لو دخل في الصلاة ثم شك، نعم لو شك في ذلك بعد تمام الصلاة صحت و لكن عليه الاستنجاء

______________________________

قوله قده مسألة 4: (إذا خرج مع الغائط نجاسة أخرى كالدم. إلخ)

تعين الماء فيما لو خرج مع الغائط دم و عدم كفاية الأحجار و ما شاكلها للأصل و أخذا بالقدر المتيقن، و اما في صورة الشك فان علم بخروج الغائط و شك في مصاحبته للدم أو وصول نجاسة إليه من الخارج فكما ذكره من البناء على العدم فيتخير، و اما لو شك في ان الخارج غائط أو دم فيشكل البناء على العدم، إذ لا أصل محرز لأحد الفردين فيرجع الى قاعدة الشغل من عدم كفاية غير الماء.

قوله قده مسألة 5: (إذا خرج من بيت الخلاء ثم شك. إلخ)

مدرك البناء على عدم الاستنجاء هو الأصل، و اما تعقيب ذلك بقوله على الأحوط فهو إشارة الى ما يمكن ان يقال: من ان المورد من مجاري قاعدة التجاوز و ذلك بدعويين.

(الأولى) انه يكفي في التجاوز المعتبر في إجراء القاعدة المزبورة، التجاوز عن محل الشي ء المقرر له بحسب عادة المكلف نفسه و اعتياده الإتيان به فيه، كمن اعتاد الصلاة في أول الوقت أو مع الجماعة فشك في فعلها بعد ذلك، و كمن اعتاد فعل شي ء بعد الفراغ من الصلاة فرأى نفسه فيه فشك في فعل

الصلاة قبله، و كمن اعتاد الوضوء بعد الحدث بلا فصل معتد به، و كمن اعتاد الوضوء قبل دخول الوقت للتهيؤ ثم يشك بعد ذلك في الوضوء، و كمن اعتاد الاستنجاء بعد حدث البول أو الغائط بلا فصل قبل الخروج من بيت الخلاء كما فيما نحن فيه فشك فيه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 24

للصلوات الآتية لكن لا يبعد جريان قاعدة التجاوز في صورة الاعتياد.

______________________________

بعد ذلك الى غير ذلك من موارد الاعتياد.

(الثانية) دعوى كفاية مطلق الغير و عدم اعتبار كونه مرتبا على المشكوك فيه واقعا، و في كلتا الدعويين نظر.

(أما الأولى) فالمراد من محل الشي ء المشكوك وجوده الذي يعتبر التجاوز عنه هو الموضع الذي لو اتى به فيه لم يلزم منه الإخلال بالترتيب المقرر، و بعبارة أخرى محل الشي ء هو مرتبته المقررة له بحكم العقل أو بوضع الشارع، و لا يكفي التجاوز عن محل الشي ء المقرر له بحسب عادة المكلف نفسه و اعتياده الإتيان به فيه كما فيما نحن فيه من الاستنجاء بعد الحدث، و يدل عليه. أولا: عدم صدق الخروج و التجاوز عن المشكوك فيه في كل مورد يكون الإتيان به فعلا في محله بحسب دليله على تقدير عدم الإتيان به بعد واقعا و ان جاز أن يأتي به قبل ذلك جزما. و ثانيا: لا أقل من الانصراف الى غيره و لا أقل من كون المتيقن من الخروج و التجاوز عنه غيره. و ثالثا: لا أقل من الإجمال و معه فمقتضى الشغل ذلك.

(و اما الثانية) فالظاهر اعتبار كونه مرتبا على المشكوك فيه واقعا و عدم كفاية مطلق الغير، و يعلم وجهه مما تقدم من عدم صدق الخروج عن محل الشي ء المشكوك فيه ما

لم يدخل في فعل مرتب عليه واقعا و إلا فمحل المشكوك باق.

و من ان الظاهر من أخبار الباب ذلك: (منها) صحيح زرارة قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) رجل شك في الأذان و قد دخل في الإقامة قال: يمضي، قلت رجل شك في الأذان و الإقامة و قد كبر قال: يمضي، قلت رجل شك في التكبير و قد قرأ قال: يمضي، قلت رجل شك في القراءة و قد ركع قال: يمضي، قلت رجل (العمل الابقى- 3)

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 25

..........

______________________________

شك في الركوع و قد سجد قال: يمضي على صلاته، ثم قال: يا زرارة إذا خرجت من شي ء و دخلت في غيره فشككت فشكك ليس بشي ء. و منها- صحيحة إسماعيل بن جابر عن ابي عبد اللّٰه (ع) في حديث قال: ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض، و ان شك في السجود بعد ما قام فليمض، كل شي ء شك فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه، فان الظاهر منها ان المراد بالغير ما كان من هذا النسخ، فقد اتضح مما ذكرناه ان المورد من مجاري استصحاب عدم الاستنجاء لا قاعدة التجاوز.

هذا كله فيما لم يدخل في مشروط بالطهارة، و اما لو دخل في مشروط بها كالصلاة فلا ريب في إلغاء الشك إذا كان بعد الفراغ من المشروط، لأنه يوجب الشك فيه و مقتضى عموم أدلتها جريانها فيه.

و اما لو شك في وجود الشرط أو في صحته بعد الدخول في المشروط قبل الفراغ منه، فان كان محل إحراز الشرط شرعا قبل الدخول في المشروط كالوضوء و الغسل و التيمم، و الظهر بالنسبة إلى العصر و المغرب بالنسبة إلى العشاء من

جهة الترتيب و نحو ذلك، و منه الطهارة من الخبث بعد الدخول في المشروط، فالأظهر إلغاء الشك فيه و البناء على وجوده لقاعدة التجاوز في نفس الشرط، و ان كان محل إحرازه و إيجاده حال الصلاة كالستر و الساتر و الاستقبال و النية و الوقت و الاستقرار و نحو ذلك فلا بد من الاعتناء بالشك و لزوم الإتيان بالشرط لأن نسبته الى جميع اجزاء المشروط نسبة واحدة، و تجاوز محله باعتبار كونه شرطا للأجزاء الماضية لا يجدي بالنسبة إلى الأجزاء المستقبلة مع عدمه، نعم يبقى الاشكال فيما ذكره المصنف (قده) من انه لو شك في الاستنجاء بعد الصلاة فإنه حكم بصحة ما صلاه و أوجب الاستنجاء للصلوات الآتية فإن صحة ما صلاه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 26

..........

______________________________

لا اشكال فيه و لا شبهة تعتريه، إذ يدل عليه. (أولا) قاعدة الفراغ في الصلاة لكون الشك فيها بعده. (و ثانيا) أصالة الصحة. (و ثالثا) قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الطهارة من جهة شرطيتها لهذه الصلاة فإنه شاك فيها بعد تجاوز محلها من هذه الجهة. (و رابعا استصحاب عدم فعلية الأمر بها الثابت قبل عروض هذا الشك، و إنما الإشكال في الحكم بوجوب الاستنجاء للصلوات الآتية، و كذا الاشكال فيما حكم به جملة من فقهائنا في مثل الفرض و هو الشك في الطهارة من الحدث، فإنهم حكموا بصحة الصلاة الواقعة قبل الشك المزبور و وجوب تجديدها للصلوات الآتية، معللين ذلك بأنه تجاوز محله بالنسبة الى ما صلاه بخلاف ما لم يصله من الصلوات الآتية فإنه لم يتجاوز محله.

و هذا لا يتم بعد ان كان مفاد هذه القاعدة وجود ما يشك في وجوده تنزيلا و تعبدا. و قد

فرض انه خرج عن محله و تجاوزه فتم التنزيل و التعبد المذكوران، و اما ملاحظة النسبة المذكورة لشي ء دون شي ء فليس في اخبار الباب دلالة عليها و لا اثر منها فإثباتها يحتاج الى دليل، فإطلاق التنزيل المذكور بعد ان دخل في مشروط به و تجاوز محله حجة بالنسبة اليه و الى مشروط آخر بعد لم يدخل فيه، فعليه لا يحتاج الى تجديد الطهارة سواء كانت من الحدث أو الخبث، هذا و الاحتياط لا ينبغي تركه و اللّٰه العالم.

و ليعلم ان هذا الاشكال إنما يتم بناءا على ان مفاد القاعدة وجود ما يشك في وجوده تنزيلا تعبدا، و اما بناءا على عدم إفادتها ذلك بل غاية ما تفيده أنه وظيفة للشاك بعد تجاوز محله فالأمر كما ذكروه أعلى اللّٰه مقامهم من الاقتصار على صحة ما صلاه قبل عروض الشك لأنه القدر المتيقن دون غيره الذي لم يجزه، فعليه يحتاج الى تجديد الطهارة حدثية و خبثية، أو لما يحتمل أن يقال في توجيهات

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 27

[ (مسألة 6) لا يجب الدلك باليد في مخرج البول]

(مسألة 6) لا يجب الدلك باليد في مخرج البول (1) عند الاستنجاء و إن شك في خروج مثل المذي بنى على عدمه، لكن الأحوط الدلك في هذه الصورة.

[ (مسألة 7) إذا مسح مخرج الغائط بالأرض ثلاث مرات كفى]

(مسألة 7) إذا مسح مخرج الغائط (2) بالأرض ثلاث مرات كفى مع فرض زوال العين بها.

______________________________

كلماتهم (قده ان محل هذه الأمور شرعا هو مقارنتها لاجزاء الصلاة، فلو فرض حصول الطهارة من الحدث و الخبث و الستر و التوجه إلى القبلة مقارنا لأول جزء من الصلاة كفى في صحتها فهذه شرائط تقارنية ليس لها محل شرعا قبل الصلاة، نعم حيث انها إنما تحصل بأفعال زمانية لو لم تكن حاصلة للزم إيجادها قبل الصلاة لا ان محلها قبلها فلو شك في شي ء من ذلك في أثناء الصلاة تبطل و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 6: (لا يجب الدلك باليد في مخرج البول. إلخ)

مدرك عدم وجوب الدلك في مخرج البول هو إطلاق الأخبار بالغسل من مطلق البول المماس للجسد، منها المروي في الكافي و التهذيب عن الحسين بن ابى العلا عن الصادق (ع) قال سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء، و رواية ابن أبي إسحاق النحوي عن ابي عبد اللّٰه (ع) قال سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين، و المروي في مستطرفات السرائر من جامع البزنطي قال: سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء، و إطلاق الصادقي (ع) الذي هو بخصوص ما نحن فيه المروي في التهذيب: إذا انقطعت درة البول فصب الماء. و اما لو شك في خروج مثل المذي مع البول ليحتاج الى الدلك فيبني على عدمه للاستصحاب.

قوله قده مسألة 7: (إذا

مسح موضع الغائط. إلخ)

وجه الاكتفاء هو انه مسح بالحجر إذ لا يعتبر في الحجر ان يكون منفصلا عن الأرض، نعم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 28

[ (مسألة 8) يجوز الاستنجاء بما يشك في كونه عظما أو روثا]

(مسألة 8) يجوز الاستنجاء بما يشك في كونه عظما (1) أو روثا أو من المحترمات و يطهر المحل، و أما إذا شك في كون مائع ماء مطلقا أو مضافا لم يكف في الطهارة، بل لا بد من العلم بكونه ماء.

[فصل في الاستبراء]
اشارة

فصل في الاستبراء (2) و الاولى في كيفياته ان يصبر حتى تنقطع دريرة البول ثم يبدأ بمخرج الغائط فيطهره، ثم يضع إصبعه الوسطى من اليد اليسرى على مخرج الغائط و يمسح إلى أصل الذكر ثلاث مرات، ثم يضع سبابته تحت الذكر و إبهامه فوقه و يمسح بقوة الى رأسه ثلاث مرات، ثم يعصر رأسه ثلاث مرات، و يكفي سائر

______________________________

يعتبر ان يكون المسح في ثلاثة مواضع منها ليقوم مقام ثلاثة أحجار.

قوله قده مسألة 8: (يجوز الاستنجاء بما يشك كونه عظما. إلخ)

مدرك الجواز هو انه من الشبهة الموضوعية الجاري فيها قاعدة الحل مع عدم أصل حاكم عليها مقتض للحرمة، و لا يخفى ان هذا إنما يتم بناءا على ما اخترناه من ان النهي عن الاستنجاء بالعظم مولوي و هو في غير العبادة لا يستلزم الفساد، لا كما ذهب اليه بعضهم من أنه إرشادي الى عدم المطهرية، إذ هو على هذا المذهب يكون الشك فيه كالشك في مائع انه ماء مطلق أو مضاف فإنه لا يكفي ذلك في الطهارة به بل لا بد من إحراز كونه ماءا مطلقا كما ذكره (قده) لاشتراط إطلاق الماء في الطهارة به، و الشك في الشرط شك في المشروط.

قوله قده: (فصل في الاستبراء. إلخ)

لا يخفى ان المشهور استحباب الاستبراء من البول، و فائدته عدم انتقاض وضوئه لو خرج بلل مشتبه للصحيح

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 29

الكيفيات مع مراعاة ثلاث مرات،

و فائدته الحكم بطهارة الرطوبة المشتبهة و عدم ناقضيتها، و يلحق به في الفائدة المذكورة طول المدة على وجه يقطع بعدم بقاء شي ء في المجرى بأن احتمل أن الخارج نزل من الأعلى، و لا يكفى الظن بعدم البقاء، و مع الاستبراء لا يضر احتماله، و ليس على المرأة استبراء، نعم الأولى أن تصبر قليلا و تتنحنح و تعصر فرجها عرضا، و على أى حال الرطوبة الخارجة منها محكومة بالطهارة و عدم الناقضية ما لم تعلم كونها بولا.

______________________________

الصادقي (ع) المروي في التهذيب في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللا قال: إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاث مرات و غمز ما بينهما ثم استنجى فان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي. و في آخر: في الرجل يبول قال ينتره ثلاثا، ثم إن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي، و في الباقري: رجل بال و لم يكن معه ماء قال: يعصر أصل ذكره الى طرفه ثلاث عصرات و ينتر طرفه، فان خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول و لكنه من الحبائل. و أوجبه الشيخ في الاستبصار و النهاية كما عن الصدوق في المقنعة و ابن حمزة و الديلمي و الغنية لظاهر الأمر في بعضها و هو محمول على الاستحباب جمعا لقوله (ع) في الصحيح إذا انقطعت درة البول فصب الماء و نحوه.

و قد ذكر بعضهم ان المشهور في كيفيته ما ذكره المصنف ان يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا، و منه الى رأس الحشفة ثلاثا، و ينتره ثلاثا.

و قيل بالاكتفاء بالثلاث الأول و الأخيرة. و قيل بالاكتفاء بنتر الذكر من أصله إلى طرفه و هو الأظهر من الأخبار، و ان

كان الأول أبلغ في الاستظهار، و في استحباب الاستبراء للمرأة قولان أظهرهما العدم، فما تجده من البلل المشتبه لا يترتب عليه وضوء لان اليقين لا يرتفع بالشك.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 30

[ (مسألة 1) من قطع ذكره]

(مسألة 1) من قطع ذكره (1) يصنع ما ذكر فيما بقي.

[ (مسألة 2) مع ترك الاستبراء يحكم على الرطوبة المشتبهة بالنجاسة و الناقضية]

(مسألة 2) مع ترك الاستبراء (2) يحكم على الرطوبة المشتبهة بالنجاسة و الناقضية و إن كان تركه من الاضطرار و عدم التمكن منه.

[ (مسألة 3) لا يلزم المباشرة في الاستبراء]

(مسألة 3) لا يلزم المباشرة في الاستبراء (3) فيكفي في ترتب الفائدة أن باشره غيره كزوجته أو مملوكته.

[ (مسألة 4) إذا خرجت رطوبة من شخص و شك شخص آخر]

(مسألة 4) إذا خرجت رطوبة من شخص و شك شخص آخر (4) في كونها بولا أم غيره، فالظاهر لحوق الحكم أيضا من الطهارة ان كان بعد استبرائه و النجاسة إن كان قبله، و إن كان نفسه غافلا بان كان نائما مثلا فلا يلزم أن يكون من خرجت منه هو الشاك، و كذا إذا خرجت من الطفل و شك وليه في كونها بولا فمع عدم استبرائه يحكم عليها بالنجاسة.

[ (مسألة 5) إذا شك في الاستبراء يبنى على عدمه]

(مسألة 5) إذا شك في الاستبراء يبنى على عدمه (5) و لو مضت مدة بل

______________________________

قوله قده مسألة 1: (من قطع ذكره. إلخ)

الأمر كما ذكره (قده) لأدلة الميسور.

قوله قده مسألة 2: (من ترك الاستبراء. إلخ)

كما يدل عليه مفاهيم الأخبار المتقدمة في الاستبراء.

قوله قده مسألة 3: (لا يلزم المباشرة في الاستبراء. إلخ)

مدرك عدم لزوم المباشرة إطلاق الاخبار المتقدمة.

قوله قده مسألة 4: (إذا خرجت رطوبة من شخص و شك شخص آخر. إلخ)

مدرك عدم الاختصاص هو أدلة الاشتراك في الأحكام تكليفية و وضعية بين سائر المكلفين بل الاختصاص يحتاج الى دليل، فلا يفرق في حكم البلل الخارج بين من خرج منه و غيره.

قوله قده مسألة 5: (إذا شك في الاستبراء يبنى على عدمه. إلخ)

مدرك البناء على عدم الاستبراء عند الشك فيه الأصل، و لا يخفى عدم جريان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 31

و لو كان من عادته، نعم لو علم أنه استبرأ و شك بعد ذلك في أنه كان على الوجه الصحيح أم لا بنى على الصحة.

[ (مسألة 6) إذا شك من لم يستبرئ في خروج الرطوبة و عدمه]

(مسألة 6) إذا شك من لم يستبرئ (1) في خروج الرطوبة و عدمه بنى على عدمه و لو كان ظانا بالخروج كما إذا رأى في ثوبه رطوبة و شك في أنها خرجت منه أو وقعت عليه من الخارج.

[ (مسألة 7) إذا علم ان الخارج منه مذي لكن شك في أنه هل خرج معه بول أم لا]

(مسألة 7) إذا علم ان الخارج منه مذي (2) لكن شك في أنه هل خرج معه بول أم لا لا يحكم عليه بالنجاسة إلا أن يصدق عليه الرطوبة المشتبهة بأن يكون الشك في أن هذا الموجود هل هو بتمامه مذي أو مركب منه و من البول.

______________________________

قاعدة التجاوز فيه بعد ما تقدم منا في المسألة 5 من الفصل السابق من اشتراط جريان القاعدة المزبورة بالدخول بفعل مرتب على المشكوك فيه واقعا و ليست الأفعال الواقعة بعد الاستبراء كالصلاة مثلا مشروطة صحتها به، نعم لا مانع من جريان قاعدة الفراغ فيه لو علم انه استبرأ و شك بعد ذلك في انه كان على الوجه المعتبر أم لا، فإنه يبني على الصحة لجريانها في صحة الموجود لا في أصل الوجود.

قوله قده مسألة 6: (إذا شك من لم يستبرء. إلخ)

مدركه الأصل و ان كان ظانا بالخروج إذ لا دليل على اعتبار مثل هذا الظن.

قوله قده مسألة 7: (إذا علم ان الخارج منه مذي. إلخ)

لا اشكال فيما ذكره (قده) من الحكم بالطهارة في الفرض الأول، و هو ما إذا علم ان الخارج منه مذي و يشك في خروج بول معه لاستصحاب الطهارة المتيقنة و الشك في خروج البول معه فلا يصدق على الخارج في هذا الفرض انه من البلل المشتبه،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 32

[ (مسألة 8) إذا بال و لم يستبرئ ثم خرجت منه رطوبة مشتبهة]

(مسألة 8) إذا بال و لم يستبرئ ثم خرجت منه (1) رطوبة مشتبهة بين البول و المنى يحكم عليها بأنها بول فلا يجب عليه الغسل، بخلاف ما إذا خرجت منه بعد الاستبراء فإنه يجب عليه الاحتياط بالجمع بين الوضوء و الغسل عملا بالعلم الإجمالي هذا إذا كان ذلك بعد أن توضأ، و

اما إذا خرجت منه قبل أن يتوضأ

______________________________

و اما الفرض الثاني: و هو ما لو شك في ان هذا الموجود هل هو بتمامه مذي أو مركب منه و من البول فيصدق عليه أنه من البلل المشتبه، و كل بلل مشتبه خرج بعد البول قبل الاستبراء محكوم بأنه بول تعبدا بالأخبار المتقدمة الذكر.

قوله قده مسألة 8: (إذا بال و لم يستبرئ ثم خرجت منه. إلخ)

لا يخفى انه (قده) ذكر في هذه المسألة صورا ثلاثا للبلل الخارج و ذكر لكل منها حكما خاصا، و يجمع الكل ان البلل الخارج مشتبه بين البول و المني لا غير.

(أحدها) ما لو كان خروجه قبل الاستبراء و قبل الوضوء فإنه حكم على ذلك الخارج بأنه بول فلا يجب عليه إلا الوضوء و لا يجب عليه الغسل، و الظاهر ان مدركه في ذلك الحكم المذكور مفاد الأخبار المتقدمة الذكر في ان البلل المشتبه الخارج بعد البول قبل الاستبراء محكوم ببوليته، و الاخبار المتقدمة الدالة على ان الغسل لا ينقض بخروج البلل إذا كان بال قبل الغسل فالعلم الإجمالي منحل بجعل وظيفة للشارع في مورد الشك و هي النباء على البولية.

(ثانيها) ما لو خرجت منه الرطوبة المزبورة بعد الاستبراء و الوضوء فإنه يجب عليه الاحتياط بالجمع بين الوضوء و الغسل قضاء الحق العلم الإجمالي إذ لا إشكال في انتقاض وضوئه بالحدث المردد بين الأصغر و الأكبر، و لا معين لأحدهما و لا توظيف للشارع في خصوص المورد فيرجع فيه الى القواعد العامة و هو ما ذكرناه.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 33

فلا يبعد جواز الاكتفاء بالوضوء لان الحدث الأصغر معلوم، و وجود موجب الغسل غير معلوم فمقتضى الاستصحاب وجوب الوضوء و عدم

وجوب الغسل.

______________________________

(ثالثها) الصورة بحالها و لكن كان خروج الرطوبة قبل الوضوء فلم يستبعد (قده) في هذه الصورة الاكتفاء بالوضوء لما ذكره من ان الحدث الأصغر معلوم و حدوث موجب الغسل غير معلوم، فمقتضى الاستصحاب وجوب الوضوء و عدم وجوب الغسل، و الظاهر ان الحكم كما ذكره للانحلال الحكمي التعبدي، و يدل عليه.

(أولا) ان العلم الإجمالي بالتكليف إنما يكون منجزا عقلا إذا كانت مخالفته سببا لاستحقاق العقاب أينما تحققت و في ضمن أي طرف من أطرافه وجدت و حدثت، بأن لا يكون بعض أطرافه المعين سببا في ذلك واقعا أو ظاهرا، و ما نحن فيه ليس كذلك لأن مخالفة الأحكام الظاهرية التي هي مؤديات الطرق التي نعلم بصدورها و حجيتها قبل العلم الإجمالي سبب لاستحقاق العقاب على الواقع لو صادفته عقلا جزما، و المفروض انه يحتمل مصادفتها للواقع المعلوم بالإجمال وجدانا، و مع هذا الاحتمال فلا يعلم بتحقق سبب منجزية العلم الإجمالي من حين حدوثه فعلا كما هو أظهر من ان يخفى.

(و الحاصل) ان انكشاف سبق بعض الأطراف بحكم ظاهري مستلزم لانكشاف كون العلم بمنجزية ذلك العلم الإجمالي جهلا مركبا من جهة فقده لبعض شرائطه و هو عدم شغل بعض الأطراف بسنخ ذلك الحكم المعلوم بالإجمال.

(و ثانيا) انه يعتبر في كون العلم الإجمالي بالتكليف منجزا له عقلا على وجه يجب فيه الموافقة القطعية العلمية عدم الاذن و الترخيص من الشارع كما في الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية مطلقا، أو في خصوص ما إذا كانت بنحو جعل البدل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 34

[فصل في مستحبات التخلي و مكروهاته]
اشارة

فصل في مستحبات التخلي و مكروهاته

[في مستحبات التخلي]

اما الأول (1): أن يطلب خلوة أو يبعد حتى لا يرى شخصه، و ان يطلب مكانا مرتفعا للبول أو موضعا رخوا، و ان يقدم رجله اليسرى عند الدخول

______________________________

حدوثا و بقاءا، و ما نحن فيه ليس كذلك لمكان الاذن و الترخيص فيها بجريان الأصل في غير مورد الاستصحاب بلا معارض له فعلا و إن كان سابقا و اللّٰه العالم.

قوله قده (فصل: في مستحبات التخلي و مكروهاته: اما الأول. إلخ)

لا يخفى ان من سنن التخلي ارتياد الموضع المناسب للتخلي كالمكان المرتفع و ذي التراب الكثير و الساتر لجميع البدن عن الناظرين لبعده أو لكونه ساترا للصادقي (ع) المروي في الكافي: من فقه الرجل ان يرتاد موضعا لبوله، و في آخر المروي في التهذيب: كان رسول اللّٰه (ص) أشد توقيا عن البول، كان إذا أراد البول يعمد الى مكان مرتفع من الأرض أو الى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير كراهية ان ينضح عليه البول، و فيه قال: لقمان لابنه إذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب من الأرض، و ان يكون مغطى الرأس إجماعا كما عن المعتبر و التذكرة لئلا تصل الرائحة الخبيثة إلى دماغه، كما قاله الشيخ و غيره كالمفيد و الشهيد الثاني للخبر الصادقي (ع) المروي في التهذيب انه كان (ع) إذا دخل الكنيف يقنع رأسه، و يقول سرا في نفسه: بسم اللّٰه و باللّٰه، مقدما الرجل اليسرى عند الدخول و اليمنى عند الخروج عكس المكان الشريف على ما في الفقيه و المقنعة و النهاية و الشرائع و التحرير و القواعد و الإرشاد و الذكرى و الدروس و غيرها و في المدارك انه مشهور و لم نقف فيه على

نص، و هل يختص الحكم بالبنيان؟ أم يعم الصحراء فيقدم اليسرى إذا بلغ موضع جلوسه؟ قولان، داعيا عند الدخول و الكشف و الجلوس و الفعل و النظر و الاستنجاء و الفراغ و الخروج بالمأثور ففي الصحيح

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 35

في بيت الخلاء و رجله اليمنى عند الخروج، و ان يستر رأسه، و ان يتقنع و يجزى عن ستر الرأس و أن يسمى عند كشف العورة، و ان يتكئ في حال الجلوس على رجله اليسرى و يفرج رجله اليمنى و أن يستبرئ بالكيفية التي مرت و أن يتنجنح قبل الاستبراء و أن يقرأ الأدعية المأثورة بأن يقول عند الدخول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم أو يقول الحمد للّٰه الحافظ المؤدى، و الاولى الجمع بينهما و عند خروج الغائط الحمد للّٰه الذي أطعمنيه

______________________________

الصادقي (ع) إذا دخلت المخرج فقل: بسم اللّٰه اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم، و إذا خرجت فقل: بسم اللّٰه الحمد للّٰه الذي عافاني من الخبيث المخبث و أماط عني الأذى، و في النبوي: إذا تكشف أحدكم ليبول أو غير ذلك فليقل: بسم اللّٰه فان الشيطان يغض بصره، و في مصباح الشيخ يقول عند الفعل: الحمد للّٰه الذي أطعمني طيبا في عافية و أخرجه مني خبيثا في عافية، و في الصادقي (ع) يقول عند النظر اليه: اللهم ارزقني الحلال و جنبني الحرام، و في المرتضوي (ع) انه قال حين الاستنجاء: اللهم حصن فرجي و أعفه و استر عورتي و حرمني على النار و وفقني لما يقربني منك يا ذا الجلال و الإكرام، متكئا في جلوسه على الرجل اليسرى، للنبوي المرسل

في الذكرى مبتدءا في الاستنجاء بالمقعدة ثم بالإحليل كما في المقنعة و الدروس للموثق المروي في الكافي و التهذيب عن عمار عن الصادق (ع) سأله عن الرجل إذا أراد ان يستنجي بالماء يبدأ بالمقعدة أو بالإحليل؟ فقال: بالمقعدة ثم بالإحليل، مؤثرا للماء على الأحجار مع عدم التعدي لأنه أبلغ في التنظيف لازالة العين و الأثر، و لنقل الإجماع على أفضليته كما عن الغنية و المنتهى و المدارك. و للصحيح الصادقي (ع) المروي في التهذيب قال قال رسول اللّٰه (ص) يا معشر الأنصار ان اللّٰه قد أحسن الثناء عليكم فما ذا تصنعون؟ قالوا: نستنجي بالماء، و نحوه غيره و الجمع فيه بينهما كما في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 36

طيبا في عافية و أخرجه خبيثا في عافية، و عند النظر إلى الغائط اللهم ارزقني الحلال و جنبني عن الحرام، و عند رؤية الماء: الحمد للّٰه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا، و عند الاستنجاء: اللهم حصن فرجي و اعفه و استر عورتي و حرمني على النار و وفقني لما يقربني منك يا ذا الجلال و الإكرام، و عند الفراغ من الاستنجاء: الحمد للّٰه الذي عافاني من البلاء و أماط عني الأذى، و عند القيام عن محل الاستنجاء يمسح يده اليمنى على بطنه و يقول: الحمد للّٰه الذي أماط عني

______________________________

الخبر الصادقي (ع) المروي في التهذيب قال: جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء، و ينبغي تقديمها على الماء كما في النص تنزيها لليد عن التلويث و إطلاقها يدل على عدم اختصاص رجحان الجمع بغير المتعدي، مؤثرا للأحجار للنص المرتضوي المروي في التهذيب قال قال رسول اللّٰه (ص): إذا استنجى أحدكم

فليوتر بها وترا، إذا لم يكن الماء و ان يستبرئ من البول كما تقدم.

و اما المكروهات: فيكره الجلوس للمتخلي في موارد المياه كشطوط الأنهار و رءوس الآبار، و الطرق النافذة لأن المرفوعة ملك لأربابها كما تقدم فلا يجوز إلا بإذنهم و للنص. و مساقط الثمار و مواطن النزال- اي المواضع المعدة لنزولهم- و مواضع اللعن و هي كما في الصحيح الصادقي (ع) المروي في الكافي و التهذيب قال رجل للسجاد (ع) أين يتوضأ الغرباء؟ فقال يتقي شطوط الأنهار، و الطرق النافذة، و تحت الأشجار المثمرة، و مواضع اللعن، فقيل و أين مواضع اللعن؟

قال: أبواب الدور، و في الكاظمي (ع): اجتنب أفنية المساجد و شطوط الأنهار و مساقط الثمار و منازل النزال، و لا تستقبل القبلة بغائط و لا بول، و ارفع ثوبك وضع حيث شئت، و على القبر و بين القبور، للصحيح الباقرى (ع) المروي في الكافي: من تخلى على قبر أو بال قائماً أو بال في ماء قائم أو مشى في حذاء واحد أو شرب قائماً، أو خلافي بيت وحده، أو بات على غمر فأصابه شي ء من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 37

الأذى و هنأني طعامي و شرابي و عافاني من البلوى، و عند الخروج أو بعده: الحمد للّٰه الذي عرفني لذته و أبقى في جسدي قوته و أخرج عنى أذاه يا لها نعمة يا لها نعمة يا لها نعمة لا يقدر القادرون قدرها، و يستحب أن يقدم الاستنجاء من الغائط على الاستنجاء من البول و أن يجعل المسحات ان استنجى بها و ترا فلو لم ينق بالثلاثة و أتى برابع يستحب أن يأتي بخامس ليكون و ترا و ان حصل النقاء

بالرابع، و ان

______________________________

الشيطان لم يدعه إلا ان يشاء اللّٰه، و أسرع ما يكون الشيطان إلى الإنسان و هو على بعض هذه الحالات، و استقبال الريح و استدبارها للمرتضوي (ع) المروي عن الخصال: إذا بال أحدكم فلا يطمحن ببوله و لا يستقبل ببوله الريح، و استقبال النيرين الشمس و القمر بالفرج للحسن الصادقي المروي في التهذيب قال قال رسول اللّٰه (ص): لا يبولن أحدكم و فرجه باد للقمر يستقبل به، و في الخبر نهى رسول اللّٰه (ص) ان يستقبل الرجل الشمس و القمر بفرجه و هو يبول، و في آخر: نهى رسول اللّٰه (ص) ان يبول الرجل و فرجه باد للشمس أو القمر، و في رابع: لا تستقبل الهلال و لا تستدبره يعني في التخلي، و في المروي في البحار: فإذا أراد البول و الغائط فلا يجوز له ان يستقبل القبلة، ثم قال: و لا يستقبل الشمس و القمر لأنهما آيتان من آيات اللّٰه. الحديث، و ظاهر الأدلة التحريم كما عن المقنعة و النهاية و المشهور الكراهة، و منهم من خص الحكم بالبول و منهم من عمم و هو الأقوى لما تقدم، و البول في الأرض الصلبة لما تقدم من استحباب ان يرتاد ذا التراب الكثير، و قائماً للمرسل المروي في المقنعة البول قائماً من غير علة من الجفاء، و في الصادقي (ع) أ يبول الرجل و هو قائم؟ قال: نعم و لكن يتخوف عليه ان يلبس به الشيطان اي يخبله الحديث. و مطمحا اي يرميه في الهواء من مكان مرتفع للصادقي (ع) قال رسول اللّٰه (ص): يكره للرجل، أو ينهى الرجل ان يطمح ببوله من السطح في الهواء، و في النبوي المروي في المقنعة نهى

(ص)

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 38

يكون الاستنجاء و الاستبراء باليد اليسرى، و يستحب أن يعتبر و يتفكر في أن ما سعى و اجتهد في تحصيله و تحسينه كيف صار أذية عليه و يلاحظ قدرة اللّٰه تعالى في رفع هذه الأذية عنه و اراحته منها،

[في مكروهات التخلي]
اشارة

و أما المكروهات فهي استقبال الشمس و القمر بالبول و الغائط و ترتفع بستر فرجه و لو بيده أو دخوله في بناء أو وراء حائط و استقبال الريح بالبول بل بالغائط أيضا، و الجلوس في الشوارع أو المشارع أو منزل القافلة أو دروب المساجد أو الدور أو تحت الأشجار المثمرة

______________________________

أن يطمح الرجل ببوله في الهواء من السطح أو من الشي ء المرتفع، و في الماء راكدا و جاريا على الأشهر، للصحيح المروي في الكافي: لا تشرب و أنت قائم و لا تبل في ماء نقيع، و في آخر نحوه، و في المرفوع الصادقي (ع) يبول الرجل في الماء؟ قال: نعم و لكن يتخوف عليه من الشيطان، و المرسل المروي في المقنعة البول في الماء الراكد يورث النسيان، و يتأكد في الراكد لما تقدم و للصادقي (ع) المروي في المقنعة نهى رسول اللّٰه (ص) ان يبول أحد في الماء الراكد، فإنه منه يكون ذهاب العقل و عن ظاهر المفيد في المقنعة التحريم، و عن ظاهر الصدوقين عدم الكراهة في الجاري للصحيح: لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري و كره ان يبول في الراكد، و للخبر لا بأس به إذا كان جاريا، و هما محمولان على خفة الكراهة، و ظاهر النصوص و الفتاوى عدم الفرق في الراكد بين الليل و النهار، و عن نهاية الأحكام و الروض و الذكرى

ان الليل أشد، لما قيل إن الماء فيه للجن فلا يبال فيه حذرا من إصابة آفة منهم، و ظاهر النص الاختصاص بالبول كما هو ظاهر النافع و الشرائع و القواعد و الإرشاد و الدروس و اللمعة و المنتهى و عممه الأكثر بالنسبة إلى الغائط و علل تارة بالأولوية و تارة بما يشعر به المرتضوي المروي في التهذيب نهى: ان يبول الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة، و قال:

إن للماء أهلا، و لا يخفى ضعفه (نعم) في النبوي (ص) المروي في دعائم الإسلام

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 39

و لو في غير أو ان الثمر، و البول قائماً و في الحمام و على الأرض الصلبة و في ثقوب الحشرات و في الماء خصوصا الراكد و خصوصا في الليل و التطميح بالبول أى البول في الهواء و الأكل و الشرب حال التخلي بل في بيت الخلاء مطلقا و الاستنجاء باليمين و باليسار إذا كان عليه خاتم فيه اسم اللّٰه و طول المكث في بيت الخلاء و التخلي على قبر المؤمنين إذا لم يكن هتكا و إلا كان حراما و استصحاب الدرهم البيض بل مطلقا إذا كان عليه اسم اللّٰه أو محترم آخر إلا أن يكون مستورا و الكلام في غير الضرورة إلا بذكر اللّٰه أو آية الكرسي أو حكاية الأذان أو تسميت العاطس.

______________________________

عنهم (ع): ان رسول اللّٰه (ص) قال: البول في الماء القائم من الجفاء، و نهى عنه و عن الغائط فيه، و طول الجلوس على الخلاء للباقري (ع) المروي في التهذيب ان لقمان. قال لابنه: طول الجلوس على الخلاء يورث الباسور و نحوه خبران آخران، و الأكل عليه و الشرب و علل بتضمنه

الاستقذار الدال على مهانة النفس، و في الفقيه عن الباقر (ع) انه دخل الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فأخذها و غسلها و دفعها الى مملوك معه فقال تكون معك لآكلها إذا خرجت، فلما خرج قال للمملوك أين اللقمة؟ قال: أكلتها يا بن رسول اللّٰه فقال: انها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة، الحديث. و فيه إشعار بأن تأخيره لا كلها مع ما فيه من الثواب و تعليقه على الخروج بمرجوحيته في تلك الحال.

و السواك حال التخلي للكاظمي (ع) المروي في المقنعة: السواك في الخلاء يورث البخر، و التكلم حالته للرضوي نهى رسول اللّٰه (ص) ان يجيب الرجل آخر و هو على الغائط أو يكلمه حتى يفرغ، و في الصادقي المروي في العلل: لا تتكلم على الخلاء فإنه من تكلم على الخلاء لم تقض له حاجة و عن الصدوق في الفقيه و الشيخ في النهاية التحريم إلا للضرورة إذ هي تبيح المحظورات فضلا عن المكروهات، أو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 40

[ (مسألة 1) يكره حبس البول أو الغائط]

(مسألة 1) يكره حبس البول أو الغائط (1) و قد يكون حراما إذا كان مضرا، و قد يكون واجبا كما إذا كان متوضئا و لم يسع الوقت للوضوء بعدهما و الصلاة، و قد يكون مستحبا كما إذا توقف مستحب أهم عليه.

______________________________

الذكر للصحيح الباقري (ع) المروي في الكافي ان موسى سأل ربه فقال:

إلهي تأتي على مجالس أعزك و أجلك أن أذكرك فيها فقال: يا موسى إن ذكري حسن على كل حال و في الصادقي المروي في الكافي: لا بأس بذكر اللّٰه و أنت تبول فان ذكر اللّٰه حسن على كل حال فلا تسأم من ذكر اللّٰه، و الاستنجاء باليمين

للصادقي المروي في الكافي: نهى رسول اللّٰه (ص) ان يستنجي الرجل بيمينه و في الآخر: الاستنجاء باليمين من الجفاء، و زيد في آخر مروي في المقنعة:

لا بأس به إذا كانت اليسار معتلة. و مس الذكر بها بعد البول للباقري المروي في المقنعة: إذا بال الرجل فلا يمس ذكره بيمينه، و النبوي إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه و لا يستنجي بيمينه، و الاستنجاء باليسار و فيها خاتم عليه اسم اللّٰه و دخول الخلاء و هو عليه للموثق الصادقي المروي في التهذيب: لا يمس الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللّٰه تعالى، و لا يستنجي و عليه خاتم فيه اسم اللّٰه تعالى و لا يجامع و هو عليه، و لا يدخل المخرج و هو عليه.

قوله قده مسألة 1: (يكره حبس البول أو الغائط. إلخ)

أما كراهة حبسهما مع استطاعة الصبر عليه فيدل عليه الأخبار المتواترة. منها ما عن هشام بن الحكم عن الصادق (ع) قال: لا صلاة لحاقن و لا لحاقنة، و هو بمنزلة من هو في ثوبه. و منها ما عن ابي بكر الحضرمي عن أبيه عن الصادق (ع) قال: ان رسول اللّٰه (ص) قال: لا تصل و أنت تجد شيئا من الأخبثين. و منها ما عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 41

..........

______________________________

انس بن محمد عن أبيه عن الصادق عليه السّلام عن آبائه (ع) في وصية النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لعلى عليه السّلام: يا على ثمانية لا تقبل لهم الصلاة: العبد الآبق حتى يرجع الى مولاه، و الناشز و زوجها عليها ساخط، و مانع الزكاة- الى أن قال- و السكران و الزّبين و هو الذي يدافع البول و

الغائط، و منها ما عن إسحاق بن عمار قال سمعت الصادق عليه السّلام يقول: لا صلاة لحاقن و لا لحاقب و لا لحازق، فالحاقن: الذي به البول، و الحاقب: الذي به الغائط، و الحازق: الذي قد ضغطة الخف.

و منها: مرفوعا عن الصادق عليه السّلام قال قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم: ثمانية لا يقبل اللّٰه لهم صلاة، العبد الآبق حتى يرجع الى سيده، و الناشز عن زوجها و هو عليها ساخط، و مانع الزكاة، و تارك الوضوء، و الجارية المدركة تصلي بغير خمار، و امام قوم يصلى بهم و هم له كارهون، و الزّبين فقيل يا رسول اللّٰه و ما الزبين؟ قال: الرجل يدافع البول و الغائط، و السكران فهؤلاء الثمانية لا يقبل اللّٰه لهم صلاة.

و منها: ما عن المجازات النبوية عنه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم قال: لا يصلى الرجل و هو زناء أى حاقن.

و منها: ما عن على بن أبى طالب عليه السّلام عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم قال: لا يصلى أحدكم و به أحد العصرين، يعنى البول و الغائط، و ظاهر هذه الأخبار- و إن كان الحرمة إلا ان طريق الجمع بينها و بين رواية عبد الرحمن بن الحجاج المروية في الكافي عن ابى الحسن عليه السّلام: عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه و هو يستطيع أن يصبر عليه يصلى على تلك الحال؟ أو لا يصلى؟ فقال: إن احتمل الصبر و لم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل و ليصبر، الصريحة في الجواز- يقضى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 42

[ (مسألة 2) يستحب البول حين إرادة الصلاة]

(مسألة 2) يستحب البول حين إرادة الصلاة، و عند النوم (1)،

و قبل الجماع و بعد خروج المنى، و قبل الركوب على الدابة إذا كان النزول و الركوب صعبا عليه، و قبل ركوب السفينة إذا كان الخروج صعبا.

[ (مسألة 3) إذا وجد لقمة خبز في بيت الخلاء]

(مسألة 3) إذا وجد لقمة خبز (2) في بيت الخلاء يستحب أخذها و إخراجها و غسلها ثم أكلها.

______________________________

بحمل هذه النواهي في هذه الأخبار على الكراهة، هذا كله إذا لم يكن الحبس مضرا به، و إلا كان حراما لأدلة حرمة إدخال الضرر على النفس، و قد يكون الحبس واجبا فيما إذا استلزم عدمه تفويت الواجب كلية أو جامعا لشرائطه مع القدرة عليها، و قد يكون الحبس مستحبا كما لو توقف مستحب عليه أهم من نقضه كقراءة قرآن أو دعاء أو زيارة أحد المشاهد المشرفة و ما شاكل ذلك و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 2: (يستحب البول حين إرادة الصلاة و عند النوم. إلخ)

لم استحضر على العجلة مدرك ما ذكره (قده) من استحباب البول في الموارد المذكورة.

قوله قده مسألة 3: (إذا وجد لقمة خبز. إلخ)

تقدم نقل مدركها عن الفقيه عن الباقر عليه السّلام انه دخل الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فأخذها و غسلها و دفعها الى مملوك معه فقال: تكون معك لآكلها إذا خرجت، فلما خرج قال للمملوك أين اللقمة؟ قال: أكلتها بابن رسول اللّٰه فقال: إنها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة الحديث.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 43

[فصل في الوضوء]

[فصل في موجبات الوضوء و نواقضه]
اشارة

فصل في موجبات الوضوء و نواقضه

[و هي أمور]
اشارة

و هي أمور

[ «الأول و الثاني» البول و الغائط]

«الأول و الثاني» البول و الغائط من الموضع الأصلي و لو غير معتاد، أو من غيره مع انسداده، أو بدونه بشرط الاعتياد، أو الخروج على حسب المتعارف، ففي غير الأصلي مع عدم الاعتياد و عدم كون الخروج على حسب المتعارف اشكال، و الأحوط النقض مطلقا خصوصا إذا كان دون المعدة و لا فرق فيهما بين القليل و الكثير حتى مثل القطرة و مثل تلوث رأس شيشة الاحتقان بالعذرة، نعم الرطوبات الأخر غير البول و الغائط الخارجة من المخرجين ليست ناقضة، و كذا الدود أو نوى التمر و نحو هما إذا لم يكن متلطخا بالعذرة

[ «الثالث، الريح الخارج من مخرج الغائط]

«الثالث، (1) الريح الخارج من مخرج الغائط إذا كان من المعدة

______________________________

قوله قده (فصل: في موجبات الوضوء و نواقضه، و هي أمور الأول و الثاني.

و الثالث. إلخ)

المدرك لناقضية البول و الغائط و الريح الخارجة من الموضع المعتاد للطهارة و إيجابها للوضوء (الإجماع) المحكى في المعتبر و المنتهى و التذكرة و المدارك (و الصحاح) المستفيضة ففي الصحيح المروي في التهذيب عن زرارة عن أحدهما (ع) لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الشامل للثلاثة (و فيه) عنهما (ع) ما ينقض الوضوء؟ فقالا (ع): ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الذكر و الدبر من الغائط و البول، أو منى أو ريح، و النوم حتى يذهب العقل (و فيه) أيضا عن الصادق (ع) ليس ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين اللذين أنعم اللّٰه عليك بهما (و فيه) عنه عليه السّلام أيضا: لا يوجب الوضوء إلا غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها (و لا خلاف) في إيجاب الثلاثة الوضوء مع الخروج من الموضع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى،

ج 2، ص: 44

صاحب صوتا أو لا، دون ما خرج من القبل أو لم يكن من المعدة كنفخ الشيطان أو إذا دخل من الخارج ثم خرج

[ «الرابع» النوم مطلقا]

«الرابع» النوم مطلقا و إن كان في

______________________________

الطبيعي و لو أول مرة و ان لم يحصل الاعتياد، و كذا لو اتفق المخرج من غير الموضع المعتاد خلقة أو انسد الطبيعي و انفتح غيره، و لو لم ينسد الطبيعي و خرج من غيره فأقوال: أشهرها النقض مع الاعتياد و العدم مع العدم و عن الخلاف و المبسوط النقض بما يخرج من تحت المعدة دون ما فوقها، و عن الحلي النقض به مطلقا من فوق المعدة أو تحتها مع الاعتياد و عدمه، و القول بعدم النقض مطلقا لا يخلو من قوة للأصل، و عدم عموم أو إطلاق في الأدلة يشمل ما نحن فيه، و هل يعتبر الاعتياد أيضا في نفس الخروج أم لا؟ و جهان (و تظهر) الثمرة فيما لو خرجت المعدة ملوثة بالغائط ثم عادت الى محلها و لم ينفصل منها الغائط، و الأقرب الثاني لإطلاق قوله (ع) ما خرج من طرفيك الأسفلين، و نحوه من هذه الجهة.

و لا ينقض ما خرج من الأسفلين غير ما ذكرنا من البول و الغائط و الريح مثل الرطوبات الأخر أو الدود أو نوى التمر أو القيح أو الدم للأصل مع استصحاب الطهارة، كما انه يعتبر في الريح الخارج ان يكون من مخرج الغائط لا من مخرج البول لما سمعت من اعتبار تسميته بالضرطة و الفسوة، كما انه معتبر مع ذلك أن يكون خارجا من المعدة لا مما دونها، كما إذا دخل من الخارج لما دون المعدة ثم خرج، أو من نفخ الشيطان الموقع للإنسان في

الوسواس كل ذلك للأصل و الاستصحاب المزبورين.

(الرابع) من النواقض النوم كما يدل عليه الاخبار المستفيضة، و المراد به: المستولي على القلب الموجب لتعطيل الحواس عن الإحساس، و هذا هو النوم الحقيقي، و إطلاقه على مباديه مسامحة لصحة السلب عرفا، و يشهد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 45

حال المشي إذا غلب على القلب و السمع و البصر، فلا تنقض الخفقة إذا لم تصل الى الحد المذكور

[ «الخامس» كلما أزال العقل]

«الخامس» كلما أزال العقل مثل الإغماء و الكسر و الجنون

______________________________

بذلك أخبار الباب فان مقتضى أكثرها كون النوم مطلقا من النواقض، بل في بعضها التنصيص على الإطلاق و إناطة الحكم على حقيقة النوم (ففي) رواية زيد الشحام قال: سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الخفقة و الخفقتين؟ فقال:

ما أدرى ما الخفقة و الخفقتان؟ إن اللّٰه تعالى يقول (بَلِ الْإِنْسٰانُ عَلىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) إن عليا عليه السّلام كان يقول: من وجد طعم النوم فإنما أوجب عليه الوضوء.

(الخامس) ما الحق بالنوم ما في حكمه مما يزيل العقل من الإغماء و السكر و الجنون و حكى عليه الإجماع كما في التهذيب و الخلاف و المنتهى و المدارك، و عن الخصال: إن من دين الإمامية ان مذهب العقل ناقض (قال) بعض المحققين (قده) و كيف كان فالظاهر عدم الخلاف في المسألة حيث لم ينقل التصريح بالمخالفة عن أحد، و ان تردد فيه بعض المتأخرين كصاحب الحدائق نظرا الى قصور الأدلة التي تشبثوا بها لإثبات الحكم على ذلك، و لكن المتأمل في كلماتهم لا يكاد يرتاب في ان تشبثهم بالأدلة الخاصة في مقام الاستدلال إنما هو لتطبيق الدليل على المدعى لا لاستفادتهم حكم المسألة من هذه الأدلة، بحيث لو لم يكن لهم هذه الأدلة

لأفتوا بخلافه، فالإنصاف أنه قل ما يوجد في الأحكام الشرعية مورد يمكن استكشاف قول الامام عليه السّلام أو وجود دليل معتبر من اتفاق الأصحاب مثل المقام، كما انه قل ما يمكن الاطلاع على الإجماع لكثرة ناقلية و اعتضاد نقلهم بعدم نقل الخلاف كما فيما نحن فيه، فاتفاق كلمة الأصحاب هو العمدة في المقام الى آخر ما ذكره (قده).

و استدل له بعضهم: بأنه إذا وجب الوضوء بالنوم الذي يجوز معه الحدث

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 46

دون مثل البهت

[ «السادس» الاستحاضة القليلة]

«السادس» الاستحاضة القليلة بل الكثيرة و المتوسطة و إن

______________________________

وجب بالإغماء و السكر و الجنون بطريق أولى، و فيه (أولا) منع حجية مثل هذه الأولوية إذ ليست من مدلول اللفظ عرفا و لا قطعية (و ثانيا) أنه مبني على ان ناقضية النوم من حيث احتمال طرو الحدث فيه لا من حيث ذاته و الحق خلافه (و ثالثا) عدم انسحابه فيما إذا قطع بعدم خروج الحدث في حال زوال العقل، و في صحيحة معمر بن خلاد انه سأل أبا الحسن عليه السّلام عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع و الوضوء يشتد عليه و هو قاعد مستند بالوسائد فربما أغفى و هو قاعد على تلك الحال قال: يتوضأ، قلت له ان الوضوء يشتد عليه قال: إذا خفي عنه الصوت فقد وجب الوضوء، و في دعائم الإسلام عن الصادق (ع): ان الوضوء لا يجب إلا من حدث، و إن المرء إذا توضأ صلى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلاة ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه أو يكون منه ما يجب منه اعادة الوضوء.

(السادس) من موجبات: الوضوء الاستحاضة القليلة أي الغير المثقبة للكرسف فيجب

فيها الوضوء لكل صلاة على الأشهر الأظهر، و عن الخلاف الإجماع عليه للصحاح: (ففي الصحيح) المروي في الكافي و التهذيب عن معاوية بن عمار عن الصادق (ع) المستحاضة تنتظر أيامها الى أن قال: و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت و دخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء و هذه يأتيها بعلها إلا في أيام حيضها (و في الصحيح) عن زرارة عن الباقر (ع) عن الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع؟ قال: تستظهر بيوم أو يومين ثم هي مستحاضة فلتغتسل و تستوثق من نفسها و تصلى كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم فاذا نفذ اغتسلت وصلت (و في آخر) فان كان الدم فيما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ و لتصل عند

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 47

أوجبتا الغسل أيضا، و أما الجنابة فهي تنقض الوضوء لكن توجب الغسل فقط.

______________________________

وقت كل صلاة (خلافا) للعماني فيها حيث لم يوجب بها وضوءا و لا غسلا، للأصل و بعض ما دل على الحصر كالرضوى: إنما ينقض الوضوء ثلاث البول و الغائط و الريح، و الصادقي: لا يوجب الوضوء إلا من الغائط أو بول أو ضرطة أو فسوة و نحوهما، و للصحيح عن ابن سنان عن الصادق (ع) المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر و تصلى الظهر و العصر، ثم تغتسل عند المغرب و تصلى المغرب و العشاء، ثم تغتسل عند الصبح و تصلى الفجر، و ترك الوضوء في مقام البيان يدل على عدم وجوبه و هو شاذ على خلافه الإجماع لوجوب الخروج عن الأصل بما مر، و كون الحصر إضافيا بالإضافة لغير المستحاضة قطعا، و الصحيحة إنما دلت على سقوط الوضوء مع

الأغسال و هو خارج عن محل النزاع، كخلاف ظاهر الصدوقين في الرسالة و المقنع في النوم مطلقا مجتمعا و مضطجعا، أو من المجتمع كما يظهر من الفقيه (للمرسل) المروي في المقنعة عن الكاظم (ع) عن الرجل يرقد هل عليه وضوء؟ فقال: لا وضوء عليه ما دام قاعدا إن لم ينفرج (و المروي) في التهذيب عن الصادق (ع): إذا نام الرجل و هو جالس مجتمع فليس عليه وضوء و إذا نام مضطجعا فعليه الوضوء (و الموثق) المروي في المقنعة: عن الرجل يخفق رأسه و هو في الصلاة قائماً أو راكعا فقال: ليس عليه وضوء (و الخبر) من نام و هو جالس لا يتعمد النوم فلا وضوء عليه، و هي محمولة على التقية لموافقتها العامة، و الأصح ما دلت عليه الأخبار السابقة من كون النوم ناقضا بنفسه، و عن الناصريات و الانتصار و الخلاف و التهذيب الإجماع عليه، و زاد الأكثرون و منهم الصدوقان و الشيخان و ابنا زهرة و إدريس و الفاضلان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 48

..........

______________________________

و الشهيدان و غيرهم و منهم المصنف ما يوجب الغسل من الأحداث ما عدى الجنابة فلا وضوء معه إجماعا فتوى و نصا (لعموم) قوله تعالى (إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ) الشامل للمغتسل و غيره (و للمرسل الصحيح عندهم) بناءا على كون مراسيل ابن أبى عمير من قسم الصحيح المروي في الكافي عن ابن أبى عمير عن رجل عن الصادق عليه السلام قال: كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة.

و قد نوقش فيها (أما الآية) فبعد تسليم عمومها مخصوصة بما يأتي من الأخبار.

و اما الرواية فبقصور سندها لعدم ثبوت كون مراسيله في قوة المسانيد كما

حكى التصريح بذلك عن المحقق و الشهيد الثاني، مع انه غير صريح في المطلوب كما اعترف به المحقق و العلامة في بحث وضوء الميت قائلين: لا يلزم من كون الوضوء في الغسل إن يكون واجبا، بل من الجائز أن يكون غسل الجنابة لا يجوز فعل الوضوء فيه و غيره يجوز، و لا يلزم من الجواز الوجوب.

و تدفعه الصحاح و غيرها من الأخبار المستفيضة (منها) الصحيح المروي في التهذيب عن محمد بن مسلم عن الباقر (ع) قال: الغسل يجزى عن الوضوء و أى وضوء اطهر من الغسل؟! (و منها) الموثق المروي في التهذيب عن عمار عن الصادق (ع) عن الرجل إذا اغتسل عن جنابته، أو يوم الجمعة، أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال: لا، ليس عليه قبل و لا بعد قد أجزأه الغسل، و المرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل و لا بعد قد أجزأها الغسل، و في آخر: أى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 49

..........

______________________________

وضوء أطهر من الغسل؟ و في آخر: أى وضوء أنقى من الغسل و أبلغ؟! و عن أبى الحسن الثالث عليه السّلام: لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة و لا غيره، و في المرسل: ان الوضوء قبل الغسل و بعده بدعة، و في آخر: الوضوء بعد الغسل بدعة، و عن الباقر (ع): الوضوء بعد الغسل بدعة، و هو مذهب السيد و الإسكافي و جملة ممن تأخر، و قواه المقدس الأردبيلي و صاحب المدارك، و مع ذلك فالعمل على المشهور لكونه أحوط، مع ان المرسل المتقدم أوفق بالشهرة مع اعتباره في نفسه لدعوى جماعة الإجماع على

العمل بمراسيله، و ادعاء الكشي إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و يعضده ما في الفقه الرضوي ليس في غسل الجنابة وضوء، و الوضوء في كل غسل ما خلا الجنابة، لأن غسل الجنابة فريضة، و لا تجزى سائر الأغسال عن الوضوء، لأن الغسل سنة و الوضوء فريضة، و لا تجزى سنة عن فرض، و غسل الجنابة و الوضوء فريضتان فاذا اجتمعا فأكبرهما يجزى عن أصغرهما، و إذا اغتسلت لغير جنابة فابدأ بالوضوء ثم اغتسل، و لا يجزيك الغسل عن الوضوء، فان اغتسلت و نسيت الوضوء فتوضأ و أعد الصلاة، و في غوالي اللئالي عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم كل الأغسال لا بد فيها من الوضوء إلا الجنابة، مع الاعتضاد بعموم الآية و الإجماعات و عموم ما دل على وجوب الوضوء بحدوث أحد أسبابه و بأصالة بقاء الحدث.

ثم بناءا على المشهور الأحوط تقديم الوضوء على الغسل، و هل التقديم مستحب؟ كما عن النهاية و الوسيلة و السرائر و الجامع و المعتبر و موضع من المبسوط و الشرائع و القواعد، و عن الحلي الإجماع عليه، أم واجب؟ كما عن ظاهر الصدوق و المفيد و الحلبيين و جهان، و الأخبار المتقدمة في المقام

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 50

[ (مسألة 1) إذا شك في طرو أحد النواقض بنى على العدم]

(مسألة 1) إذا شك في طرو أحد النواقض (1) بنى على العدم، و كذا إذا شك في أن الخارج بول أو مذي مثلا، إلا أن يكون قبل الاستبراء فيحكم بأنه بول فان كان متوضئا انتقض وضوؤه كما مر.

[ (مسألة 2) إذا خرج ماء الاحتقان و لم يكن معه شي ء من الغائط]

(مسألة 2) إذا خرج ماء الاحتقان (2) و لم يكن معه شي ء من الغائط لم ينتقض الوضوء، و كذا لو شك في خروج شي ء من الغائط معه.

______________________________

بين مطلق و مقيد بكونه قبله، و كيف كان: فالمحكي عدم الخلاف على انه لا تعلق للوضوء بصحة الغسل، فلو أثم بالتأخير عمدا على القول بالوجوب صح غسله و لزمه الإتيان به لمشروط به من العبادة و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 1: (إذا شك في طرو أحد النواقض. إلخ)

مدرك البناء على العدم هو استصحاب الطهارة و عدم الرافع كما تضمنه صحيح زرارة قال عليه السّلام فيه: فاذا نامت العين و الاذن و القلب وجب الوضوء، قلت فان حرك في جنبه شي ء و لم يعلم به، قال (ع) لا حتى يستيقن انه قد نام، حتى يجي ء من ذلك أمر بيّن و إلا فإنه على يقين من وضوئه و لا ينقض اليقين ابدأ بالشك، الحديث، و في رواية بكير: و إياك أن تحدث وضوءا ابدا حتى تستيقن انك قد أحدثت، و في رواية زيد الشحام: في الخفقة و الخفقتين و نحوها غيرها مما هو كثير.

و لو شك في أن الخارج بول أو مذي فإن كان قبل الاستبراء من البول بنى على أنه بول و انتقض وضوؤه، و إن كان بعد الاستبراء بنى على عدم كونه بولا لما تقدم مفصلا في الاستبراء.

قوله قده مسألة 2: (إذا خرج ماء الاحتقان. إلخ)

أما إذا علم عدم خروج

شي ء من الغائط معه فعدم ناقضيته لما تقدم من ان الدليل لم يدل على أزيد من ناقضية البول و الغائط و الريح مما يخرج من أحد السبيلين الأسفلين، مع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 51

[ (مسألة 3) القيح الخارج من مخرج البول أو الغائط]

(مسألة 3) القيح الخارج من مخرج البول (1) أو الغائط ليس بناقض و كذا الدم الخارج منهما، إلا إذا علم أن بوله أو غائط صار دما و كذا المذي و الوذي و الودي، و الأول: هو ما يخرج بعد الملاعبة، و الثاني: ما يخرج بعد خروج المنى، و الثالث: ما يخرج بعد خروج البول.

______________________________

استصحاب الطهارة الثابتة قبل خروجه، و أما إذا شك في خروج شي ء معه فيستصحب عدمه مع استصحاب الطهارة.

قوله قده مسألة 3: (القيح الخارج من مخرج البول. إلخ)

مدرك عدم نقض المذكورات هو الأصل، و ما قيل من نقضها أو نقض بعضها فهو لأخبار ضعيفة سندا أو محمولة على التقية عند الأكثر لموافقتها العامة (كصحيح) ابن بزيع المروي في التهذيب سئل الرضا (ع) عن المذي قال:

فأمرني بالوضوء منه، ثم أعدت عليه في سنة أخرى فأمرني بالوضوء منه، و قال إن عليا أمر المقداد أن يسأل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و استحى أن يسأله فقال: فيه الوضوء (و في آخر) عن المذي أ ينقض الوضوء؟ قال: إن كان بشهوة نقض (و في الخبر) ان خرج منك على شهوة فتوضأ، و إن خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء (و في الصادقي) إذا قبل الرجل المرأة من شهوة أو مس فرجها أعاد الوضوء (و في آخر) عن الرجل يتوضأ ثم يمس باطن دبره قال: نقض وضوءه، و إن مس باطن إحليله فعليه ان

يعيد الوضوء، و إن كان في الصلاة قطع الصلاة و يتوضأ و يعيد الصلاة، و ان فتح إحليله أعاد الوضوء و أعاد الصلاة.

و بإزائها ما هو أوضح سندا و أكثر عددا (ففي الحسن) المروي في الكافي عن معاوية بن عمار سئل أحدهما (ع) عن المذي فقال: لا ينقض الوضوء و لا يغسل منه ثوب و لا جسد، انما هو بمنزلة المخاط و البصاق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 52

[ (مسألة 4) ذكر جماعة من العلماء استحباب الوضوء عقيب المذي و الوذي]

(مسألة 4) ذكر جماعة من العلماء استحباب الوضوء (1) عقيب المذي و الوذي و الكذب و الظلم و الإكثار من الشعر الباطل و القي ء و الرعاف و التقبيل بشهوة و مس الكلب و مس الفرج و لو فرج نفسه و مس باطن الدبر و الإحليل

______________________________

(و في آخر) المروي في الكافي، ان سال من ذكرك شي ء من مذي أو وذي و أنت في الصلاة فلا تغسله و لا تقطع له الصلاة و لا تنقض له الوضوء و ان بلغ عقبيك فإنما ذلك بمنزلة النخامة، و كل شي ء خرج منك بعد الوضوء فإنه من الحبائل أو من البواسير و ليس بشي ء فلا تغسله من ثوبك إلا أن تقذره (و في آخر) ليس في المذي من الشهوة و لا من الإنعاظ و لا من القبلة و لا من مس الفرج و لا من المضاجعة وضوء، و لا يغسل منه الثوب و لا الجسد، الى غير ذلك من الأخبار.

قوله قده مسألة 4: (ذكر جماعة من العلماء استحباب الوضوء. إلخ)

مدرك ما ذكروه من الاستحباب في الموارد المذكورة ورود الأمر بذلك فيها كما رواه في التهذيب عن الصادق (ع) عن رجل أصابه دم سائل قال:

يتوضأ و يعيد و ان لم

يكن سائلا توضأ و بنى (و في آخر) الرعاف و القي ء و التخليل يسيل الدم إذا استكرهت شيئا ينقض الوضوء، فان لم تستكرهه لم ينقض الوضوء (و الخبر) المروي في التهذيب عن نشيد الشعر هل ينقض الوضوء؟ أو ظلم الرجل صاحبه أو الكذب؟ فقال: نعم إلا أن يكون شعرا يصدق فيه أو يكون يسيرا من الشعر الأبيات الثلاثة و الأربعة، فاما أن يكثر من الشعر الباطل فهو ينقض الوضوء.

و في التقبيل بشهوة أو مس الفرج: ما تقدم عن قريب.

و فيما خرج من الذكر بعد الاستبراء، الخبر المروي في التهذيب هل يجب الوضوء بما خرج من الذكر بعد الاستبراء؟ فكتب: نعم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 53

و نسيان الاستنجاء قبل الوضوء و الضحك في الصلاة و التخليل إذا أدمى، لكن الاستحباب في هذه الموارد غير معلوم، و الأولى أن يتوضأ برجاء المطلوبية و لو تبين بعد هذا الوضوء كونه محدثا بأحد النواقض المعلومة كفى و لا يجب

______________________________

و في الوضوء قبل الاستنجاء بالماء: الموثق المروي في التهذيب عن الصادق (ع) ان أهرقت الماء و نسيت ان تغسل ذكرك حتى صليت فعليك إعادة الوضوء و غسل ذكرك (و الصحيح) عن الباقر (ع) في الرجل يتوضأ فينسى غسل ذكره قال: يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء، و الأصح عند المصنف (قده) عدم الاستحباب و حمل هذه الأخبار على التقية لموافقتها لمذهب العامة مع أن ما بإزائها ما هو أصح و أوضح (ففي الخبر) المروي في التهذيب سئل الصادق (ع) ينقض الرعاف و القي ء و نتف الإبط الوضوء؟

فقال: و ما تصنع بهذا، هذا هو قول المغيرة بن سعيد، لعن اللّٰه المغيرة يجزيك من الرعاف و القي ء أن تغسله و

لا تعيد الوضوء، و عنه (ع) سئل عن الرعاف و الحجامة و كل دم سائل فقال: ليس في هذا وضوء، إنما الوضوء من طرفيك الذين أنعم اللّٰه بهما عليك.

(و منها) الصحيح المروي في الكافي و التهذيب عن الكاظم (ع) في الرجل يبول فينسى غسل ذكره ثم يتوضأ وضوء الصلاة، قال: يغسل ذكره و لا يعيد الوضوء (و في الموثق) الصادقي (ع) في الرجل يبول و ينسى غسل ذكره حتى يتوضأ و يصلى، قال: يغسل ذكره و يعيد الصلاة و لا يعيد الوضوء (و في الصحيح) عن الصادق (ع) أبول و أتوضأ و أنسى استنجائي ثم أذكر بعد ما صليت قال: اغسل ذكرك و أعد صلواتك و لا تعد وضوءك و لا يخفى انه لما كان لسان الأخبار الأوّلة لسان بطلان الوضوء بأحد الأسباب المذكورة و وجوب إعادته، كانت نسبتها الى الأخبار الثانية النافية

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 54

عليه ثانيا، كما أنه لو توضأ احتياطا لاحتمال حدوث الحدث ثم تبين كونه محدثا كفى و لا يجب ثانيا.

______________________________

للإعادة و عدم بطلان الوضوء التعارض، فلذا حملها المصنف (قده) على التقية و اعتمد بالأخذ على الثانية لما دللنا عليه من أنها أصح سندا و أوضح دلالة، لا بلسان افعل مثل توضأ لكذا، ليكون طريق الجمع بينها و بين الأخبار النافية حملها على الاستحباب كما في كل مورد ورد افعل و لا تفعل، فما ذهب إليه الأكثرون من حملها على الاستحباب جمعا لا يقتضيه ما كان بمثل هذا اللسان، و هم أعرف بما ذهبوا اليه، فعلى ما ذكرنا لو أراد الوضوء لأحد هذه الأسباب المذكورة فالأولى أن يتوضأ برجاء المطلوبية كما ذكره (قده) لعدم إحراز المطلوبية بناءا

على جواز ورودها للتقية.

و أما ما فرّعه عليه من كفاية هذا الوضوء الرجائي لو تبين بعد هذا الوضوء كونه محدثا بأحد النواقض المعلومة فوجهه ما ذكروه من أن الذي يظهر من الأخبار ان الوضوء ماهية واحدة، فلو أتى به و صادف الحدث رفعه، و لو أتى به بأي داع من الدواعي ما لم يكن بقصد التقييد المنحل إلى الإيجاب و السلب، بل يكون ما نحن فيه من قبيل الاشتباه في التطبيق، كما انه لو توضأ احتياطا لاحتمال حدوث الحدث ثم تبين كونه محدثا كفى و لا يجب ثانيا لما ذكرناه من الوجه.

و مما يؤيد ما ذكرناه ما رواه الصدوق في الفقيه مع اعتقاده صحة مضمون ما أورده من إجزاء غسل الجمعة عن غسل الجنابة مع نسيانه، و ما اجمع عليه الأصحاب من إجزاء صوم يوم الشك بنية الندب عن الواجب، و ما ورد من استحباب الغسل أول ليلة من شهر رمضان تلافيا لما عساه فإنه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 55

[فصل في غايات الوضوءات الواجبة و غير الواجبة]
اشارة

فصل في غايات الوضوءات الواجبة و غير الواجبة (1) إن الوضوء إما شرط في صحة فعل كالصلاة و الطواف، و إما شرط في كماله كقراءة القرآن، و إما شرط في جوازه كمس كتابة القرآن أو رافع

______________________________

من الأغسال الواجبة و نحو ذلك، و على كل فمع الاكتفاء بالقربة فالأمر واضح و اللّٰه العالم.

قوله قده (فصل: في غايات الوضوءات الواجبة و غير الواجبة. إلخ)

تمام البحث يتم برسم مسائل:

(الأولى) وجوب الوضوء للصلاة الواجبة و شرطيته للصلاة مطلقا واجبة أو مندوبة (الإجماع) من المسلمين بل هو من ضروريات الدين مضافا الى القرآن الكريم و الأخبار عن الهداة المعصومين قال سبحانه و تعالى (إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ

فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) و قال عليه السّلام: إذا دخل الوقت فقد وجب الطهور و الصلاة، و قوله عليه السّلام: لا صلاة إلا بطهور، الى غير ذلك من الأخبار التي لا تحصى.

و ما سبق الى بعض الأوهام من وجوب الوضوء لصلاة النافلة لترتب الإثم على فعلها بدونه ففاسد، لأن الإثم إنما يترتب على فعل النافلة من غير وضوء لكونه تشريعا محرما، لا على ترك الوضوء لجواز تركه مع ترك المشروط به، فكيف يتصور وجوب شرط من غير وجوب مشروط، نعم ربما يعبر عنه بالوجوب الشرطي لعلاقة التجوز، فإطلاق الواجب عليه ليس إلا مجازا كما لا يخفى لمشاركته الواجب في الشرطية و هو عدم صحة الصلاة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 56

لكراهته كالأكل، أو شرط في تحقق أمر كالوضوء للكون على الطهارة، أو ليس له غاية كالوضوء الواجب بالنذر و الوضوء المستحب نفسا إن قلنا به كما لا يبعد، اما الغايات للوضوء الواجب: فيجب للصلاة الواجبة أداء و قضاءا

______________________________

بدونه فهو في حد ذاته مندوب قطعا و إن كانت الصلاة لا تصح إلا به.

و اما اعتباره في اجزائها المنسية فالظاهر انه يكفى فيه نفس دليل اعتباره في الكل، إذ ليس هو إلا ذلك الجزء بشروطه المعتبرة، قام الدليل على كفاية تداركه خارج الصلاة لمن نسيه فيها.

و اما اعتباره في سجدتي السهو فقد قال في الجواهر في مبحث سجدتي السهو بعد كلام طويل: بل في الذكرى و الدروس و البيان و اللمعة و الألفية و حاشيتها للكركي و الروضة و عن غيرها انه يجب فيهما ما يجب في سجود الصلاة عدى الذكر فتندرج حينئذ الطهارة و غيرها

كما نص عليه بعضهم، و ليس في شي ء من الأدلة تعرض لشي ء من ذلك، و دعوى اعتبار جميع هذه الأمور في مسمى السجود واضحة الفساد خصوصا بالنسبة إلى البعض، نعم قد يقال:

ان الذمة لما اشتغلت به بيقين توقف العلم ببرائتها على الفرد المتيقن، بل قد يدعى، انه المنساق من أمر المصلي بالسجود لتدارك سهوه، إذ الظاهر إرادة السجود الصلاتي لكن الإنصاف أن للتوقف أو المنع فيما زاد على ما يتحقق به مسمى السجود عرفا أو شرعا لعدم ظهور أو انصراف معتد به في شي ء من الأدلة فيبقى الإطلاق سليما مجالا الى آخر ما ذكره (قده).

(المسألة الثانية) في وجوب الوضوء للطواف في حج أو عمرة و لو مندوبين لوجوب إتمامهما (بالإجماع) كما في المدارك و المنتهى و التذكرة و الغنية و القواعد و الخلاف و المسالك و البيان و غيرها. (و الاخبار) و منها الصحيح

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 57

عن النفس أو عن الغير و لأجزائها المنسية، بل و سجدتي السهو على الأحوط و يجب أيضا للطواف الواجب و هو ما كان جزءا للحج أو العمرة و إن كانا مندوبين، فالطواف المستحب ما لم يكن جزءا من أحدهما لا يجب الوضوء له نعم هو شرط في صحة صلاته، و يجب أيضا بالنذر و العهد و اليمين، و يجب أيضا لمس كتابة القرآن إن وجب بالنذر أو لوقوعه في موضع يجب إخراجه منه أو لتطهيره إذا صار متنجسا و توقف الإخراج أو التطهير على مس كتابته و لم يكن التأخير بمقدار الوضوء موجبا لهتك حرمته، و إلا وجبت المبادرة من

______________________________

المروي عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) عن رجل طاف طواف الفريضة و هو

على غير طهر قال: يتوضأ و يعيد طوافه، و ان كان تطوعا توضأ و صلى ركعتين (و منها) صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام عن رجل طاف و هو على غير وضوء فقال: يقطع طوافه و لا يعتد به (و منها) صحيحة ابن عمار عن الصادق عليه السّلام قال: لا بأس أن يقضى المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف في البيت فان فيه صلاة و الوضوء أفضل (و منها) صحيحة رفاعة قال للصادق عليه السّلام أشهد شيئا من المناسك و أنا على غير وضوء؟ فقال:

نعم إلا الطواف فان فيه صلاة.

هذا كله فيما إذا كان الطواف جزءا من حج أو عمرة و ان كانا مندوبين، و هل هو شرط في صحة الطواف المستحب؟ كما في النافلة أو شرط لوقوعه على الوجه الأكمل فيصح بدونه؟ قولان، نعم هو شرط في صحة صلاته بلا إشكال.

(المسألة الثالثة) في وجوب الوضوء بالنذر و العهد و اليمين لأدلة وجوب الوفاء بها.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 58

دون الوضوء و يلحق به أسماء اللّٰه و صفاته الخاصة، دون أسماء الأنبياء و الأئمة عليهم السلام و إن كان أحوط، و وجوب الوضوء في المذكورات- ما عدا النذر و أخويه- إنما هو على تقدير كونه محدثا و إلا فلا يجب، و أما في النذر و أخويه فتابع للنذر، فان نذر كونه على الطهارة لا يجب إلا إذا كان محدثا، و إن نذر الوضوء التجديدي وجب و إن كان على وضوء.

______________________________

(المسألة الرابعة) في وجوب الوضوء لمس كتابة القرآن الواجب بنذر و شبهه، و عليه الأكثر و هو المشهور كما في المدارك و الذخيرة، و عن ظاهر التبيان و مجمع

البيان و الخلاف و الغنية الإجماع عليه (خلافا) للشيخ في المبسوط و لابن إدريس في السرائر كما عن ابن البراج فقالوا: بالكراهة (و المعتمد) الوجوب لما سمعت و لقوله تعالى (لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) و يدل عليه (الموثق) المروي في الكافي و التهذيب عن الصادق عليه السّلام عمن قرأ المصحف و هو على غير وضوء قال: لا بأس و لا يمس الكتاب (و في) الخبر الصادقي عليه السّلام قال لابنه إسماعيل يا بني اقرأ المصحف فقال: إنى لست على وضوء فقال: لا تمس الكتاب و مس الورق، و عن أبى الحسن عليه السّلام قال: المصحف لا تمسه على غير طهر و لا جنبا، و لا تمس خطه و لا تعلقه ان اللّٰه تعالى يقول (لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ).

و يختص التحريم بمس الكتابة، اما الهامش و الورق الخالي منها فلا على المشهور، و أما حمله و تعليقه فيجوز على كراهية كما في المنتهى للخبر الأخير، و ظاهر النص و الفتوى اختصاص المس بما إذا كان بجزء من البدن فلا يتعدى الى المس بطرف الثوب، و هل يختص بما تحله الحياة منه؟ أم يعم غيره؟

كالشعر و الظفر قولان منشؤهما صدق المس عرفا و عدمه، و كذلك يجب الوضوء في كل مورد يستلزم المس كما ذكره (قده).

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 59

[ (مسألة 1) إذا نذر أن يتوضأ لكل صلاة وضوءا رافعا للحدث]

(مسألة 1) إذا نذر أن يتوضأ لكل صلاة وضوءا رافعا (1) للحدث و كان متوضئا يجب عليه نقضه ثم الوضوء لكن في صحة مثل هذا النذر على إطلاقه تأمل.

[ (مسألة 2) وجوب الوضوء لسبب النذر أقسام]

(مسألة 2) وجوب الوضوء لسبب النذر أقسام (2) «أحدها» أن ينذر أن يأتي بعمل يشترط في صحته الوضوء كالصلاة «الثاني» أن ينذر أن يتوضأ

______________________________

و لا يخفى ان وجوب الوضوء في الموارد المذكورة إذا كان محدثا سوى النذر فإنه تابع لقصده، فان نذر أن يكون على طهارة فلا يجب إلا إذا كان محدثا، و إن نذر الوضوء التجديدي وجب و إن كان على طهارة.

قوله قده مسألة 1: (إذا نذر أن يتوضأ لكل صلاة وضوء رافعا.

إلخ)

إنما وجب نقض وضوئه مقدمة لإمكان تحصيل الواجب المنذور و هو الوضوء الرافع و لا يتم بدونه (و اما) تأمله في صحة مثل هذا النذر على إطلاقه و الظاهر أن مراده بالإطلاق تناوله لمثل هذه الصورة التي مآلها و حقيقتها إعدام شي ء لإحداث مثله.

قوله قده مسألة 2: (وجوب الوضوء بسبب النذر أقسام. إلخ)

لا إشكال في صحة ما ذكره من الأقسام الخمسة و مشروعية النذر فيها حتى في القسم الخامس و هو نذر الوضوء من غير نظر الى الكون على الطهارة، لدلالة بعض الأخبار على محبوبيته و مشروعيته لنفسه من غير ملاحظة شي ء آخر، و يدل عليه ما روى عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم يا أنس أكثر من الطهور يزيدك اللّٰه في عمرك، و ان استطعت أن تكون بالليل و النهار على طهارة فافعل فإنك تكون إذا مت على طهارة شهيدا (و عن إرشاد الديلمي) عنه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أيضا يقول اللّٰه تعالى لمن أحدث و

لم يتوضأ فقد جفاني، و من توضأ و لم يصل ركعتين فقد جفاني، و من أحدث و توضأ و صلى ركعتين و لم يدعني فقد جفاني، و من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 60

إذا أتى بالعمل الفلاني غير المشروط بالوضوء مثل أن ينذر أن لا يقرأ القرآن إلا مع الوضوء، فحينئذ لا يجب عليه القراءة، لكن لو أراد أن يقرأ يجب عليه أن يتوضأ «الثالث» أن ينذر أن يأتي بالعمل الكذائي مع الوضوء كأن ينذر أن يقرأ القرآن مع الوضوء فحينئذ يجب الوضوء و القراءة «الرابع» أن ينذر الكون على الطهارة «الخامس» أن ينذر أن يتوضأ من غير نظر الى الكون على الطهارة و جميع هذه الأقسام صحيح، لكن ربما يستشكل في الخامس من حيث أن صحته موقوفة على ثبوت الاستحباب النفسي للوضوء و هو محل اشكال لكن الأقوى ذلك.

[ (مسألة 3) لا فرق في حرمة مس كتابة القرآن على المحدث]

(مسألة 3) لا فرق في حرمة مس كتابة القرآن (1) على المحدث بين أن يكون باليد أو بسائر أجزاء البدن و لو بالباطن كمسها باللسان أو الأسنان و الأحوط ترك المس بالشعر أيضا و إن كان لا يبعد عدم حرمته.

______________________________

دعاني و لم أجبه فقد جفوته و لست برب جاف (و ما روى) عن نوادر الراوندي عن أمير المؤمنين عليه السّلام كان أصحاب رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم إذا بالوا توضأوا أو تيمموا مخافة أن تدركهم الساعة، و قصور أسانيدها منجبر بالشهرة و يؤيد ذلك عموم قوله تعالى (إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) و قوله عليه السّلام ان المؤمن معقب ما دام متطهرا.

و حكى عن بعضهم ان المستفاد من الأخبار استحباب الوضوء و لو مع عدم قصد الاستدامة،

و مقتضى ذلك استحبابه و لو للتلبس بالطهارة آنا ما، و الإنصاف انه لا إشكال في استفادة ذلك منها و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 3: (لا فرق في حرمة مس كتابة القرآن. إلخ)

تقدم تحرير المسألة عن قريب فلا نعيده.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 61

[ (مسألة 4) لا فرق بين المس ابتداء أو استدامة]

(مسألة 4) لا فرق بين المس ابتداء أو استدامة (1) فلو كانت يده على الخط فأحدث يجب عليه رفعها فورا، و كذا لو مسه غفلة ثم التفت انه محدث.

[ (مسألة 5) المس الماحي للخط أيضا حرام]

(مسألة 5) المس الماحي للخط أيضا حرام (2) فلا يجوز له أن يمحوه باللسان أو باليد الرطبة.

[ (مسألة 6) لا فرق بين أنواع الخطوط حتى المهجور منها]

(مسألة 6) لا فرق بين أنواع الخطوط (3) حتى المهجور منها كالكوفي و كذا لا فرق بين أنحاء الكتابة من الكتب بالقلم أو الطبع أو القص بالكاغذ أو الحفر أو العكس.

[ (مسألة 7 لا فرق في القرآن بين الآية و الكلمة]

(مسألة 7 لا فرق في القرآن بين الآية و الكلمة، بل و الحرف (4) و إن كان يكتسب و لا يقرأ كالألف في (قالوا و آمنوا) بل الحرف الذي يقرأ و لا يكتب إذا كتب كما في الواو الثاني من (داود) إذا كتب بواوين و كالألف في (رحمن و لقمن) إذا كتب كرحمان و لقمان.

______________________________

قوله قده مسألة 4: (لا فرق بين المس ابتداء و استدامة. إلخ)

و وجهه ان المفهوم من اخبار المسألة عدم جواز تلاقى سائر أجزاء بدن المحدث مع خط المصحف، و بعبارة أوضح أن الممنوع منه المعنى المصدري لا إحداثه فقط، مع ان المس اسم لمطلق الملاقاة.

قوله قده مسألة 5: (المس الماحي للخط أيضا حرام. إلخ)

و ذلك لصدق المس معه عرفا.

قوله قده مسألة 6: (لا فرق بين أنواع الخطوط. إلخ)

و ذلك لإطلاق دليله خطا و كتابة.

قوله قده مسألة 7: (لا فرق في القرآن بين الآية و الكلمة بل و الحرف. إلخ)

لصدق مس القرآن بمس أبعاضه.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 62

[ (مسألة 8) لا فرق بين ما كان في القرآن أو في كتاب]

(مسألة 8) لا فرق بين ما كان في القرآن أو في كتاب (1) بل لو وجدت كلمة من القرآن في كاغذ بل أو نصف الكلمة كما إذا قص من ورق القرآن أو الكتاب يحرم مسها أيضا.

______________________________

قوله قده مسألة 8: (لا فرق بين ما كان في القرآن أو في كتاب. إلخ)

مدرك عدم الفرق بين ما كان في المصحف أو في غيره صدق اسم القرآن على الجميع، و كونه في المصحف مما لا وجه له، لأن الممسوس في المصحف ليس إلا بعضه، و مع هذا فهو حرام كما لا يخفى، فمثله ما لو وجد آية أو بعضها و لو كلمة منه في

غيره لصدق اسم القرآن عليها حقيقة.

و اما المقتبس فهو قسمان (أحدهما) ما لم يغيره الاقتباس عن معناه الأصلي من نحو قول الشاعر:

إن كنت أزمعت على هجرنا ما غير ما جرم (فصبر جميل

و ان تبدلت بنا غيرنا (فحسبنا اللّٰه و نعم الوكيل)

فإنه في هذين البيتين باق على أصله كما لا يخفى (الثاني) ان يخرجه عن معناه الى مناسب له كقول ابن الرومي:

لأن أخطأت في مدحك ما أخطأت في منعى

لقد أنزلت حاجاتي (بواد غير ذي زرع)

فان معناه في القرآن واد لا ماء فيه و في الشعر جناب لا خير فيه، و بالجملة ان كان المقتبس من القرآن تاما خاليا من التغيير و التبديل و صدق عليه اسم القرآن عند التبادر جرى عليه حكم المس، لعموم الأدلة من الإجماع و الكتاب و السنة المانعة من المس للقرآن من دون فرق في ذلك بين أن يكون اقتباسا أو لا، لمكان التعظيم و الاحترام، نعم إذا كان ناقصا أو متغيرا بنوع ما، لا يجرى عليه الحكم لعدم صدق الاسم و إن كان الأحوط في المتغير

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 63

[ (مسألة 9) في الكلمات المشتركة بين القرآن و غيره]

(مسألة 9) في الكلمات المشتركة بين القرآن (1) و غيره المناط قصد الكاتب

______________________________

الغير المخل مراعاة التعظيم و التفخيم كقول الشاعر:

قد كان ما خفت أن يكونا انا الى اللّٰه راجعونا

و اللّٰه أعلم بحقائق أحكامه.

قوله قده مسألة 9: (في الكلمات المشتركة بين القرآن. إلخ)

الظاهر أن ما كان على أسلوب القرآن مستعملا في كلام الآدميين نحو قوله تعالى:

(وَ قٰالَ نُوحٌ) (و قٰالَ مُوسىٰ)* (و ادْخُلُوهٰا بِسَلٰامٍ آمِنِينَ) و أمثالها لا بد فيه من الرجوع الى قصد الكاتب و إن كان على أسلوب القرآن لأنه أعرف

بقصده، نعم إذا لم يتمكن من الرجوع الى الكاتب لا بأس بالرجوع الى القرائن الخارجية، و اما المعلوم بالضرورة أنه قرآن فلا يحتاج في تعيينه الى قصد الكاتب قطعا لمعلوميته يقينا.

(و ما قيل) من أن مجرد المعلومية لا تقضى بكونه قرآنا ما لم يعلم قصد الكاتب لجواز أن يتكلم الإنسان بألفاظ القرآن و يدرجه في كلامه، كما هو الشأن فيمن يتكلم بكلام غيره قاصدا مطلق التكلم إلا انه اختار ذلك لفصاحته و بلاغته و تأديته تمام المعنى المقصود، فلذا ترى المصنفين قد يأتي بعضهم بكلام غيره لا على وجه الحكاية، بل على أنه كسائر كلامه الذي هو من إنشائه، فلو أتى في خطبة كتابه بالحمد للّٰه رب العالمين و ساق بقية السورة بقصد الحمد بها و الثناء على اللّٰه تعالى و طلب الاستعانة و الهداية منه كان داخلا في جملة الخطبة، و لم يكن المقصود به إيراد سورة الفاتحة و ان اختار الإتيان بألفاظها للمزية الظاهرة فلا يتعين بذلك كون المكتوب قرآنا بنفس الكتابة. انتهى.

(ممنوع) لما قلناه من أن إناطة الحكم على صدق الاسم، و لا شك ان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 64

..........

______________________________

الفاتحة و آية الكرسي و المباهلة و أمثالها من الآيات التي يقطع بالضرورة بكونها قرآنا لا يغيّرها قصد الكاتب قطعا، كيف لا و القصود انما تؤثر في الأحكام لا في الموضوعات، أ ترى لو بنى إنسان حماما مثلا بجميع آلاته و صفاته بقصد الرباط أو الدكان أو الدار أ كان يسمى رباطا أو دكانا أو دارا تبعا لقصد الباني؟ كلا بل الوجدان يقضى بكونه حماما يقينا و لا يؤثر القصد فيه شيئا قطعا فمن ثم (قال الفخر) في الإيضاح عند

شرح قول العلامة: و لو قال:

( (ادخلوها بسلام آمنين) في الصلاة بقصد القرآنية جاز، و ان قصد التفهيم و ان لم يقصد سواه بطل على إشكال، منشأ الإشكال من أنه لا يخرج عن القرآن بالقصد، و من انه لم يقصد القرآن فلا يكون قرآنا، ثم حكى اختلاف المتكلمين في أن القرآن هل يخرج عن كونه قرآنا بالقصد أم لا؟ ثم قال: و هذا مبني على ان الممسوس هل هو عين ما أوجده اللّٰه أو حكاية عنه فأبو على و أبو الهذيل على الأول و إلا لبطلت المعجزة لقدرتنا على مثله، و أبو هاشم على الثاني لاستحالة بقاء الكلام انتهى فهو و ان كان غير سديد لأن بطلان المعجزة ليس منوطا بالعينية أو الحكاية، بل إنما هو باعتبار وجود فرد مماثل له و هو مستحيل، تعجز البلغاء عن مماثلته، و تقصر عن مباراته، و ان لم يكن عين ما أوجده اللّٰه، لما قيل من أنه خلقه بلا آلة و هذا المقروّ الآن من الأفعال البشرية اللسانية إلا انه كلام اللّٰه قطعا، و لذا يصدق عليه اسم القرآن يقينا و إن جرت به الألسن و كتب في الأوراق و الألواح على أن الممسوس هو المكتوب، و لا شك انه عين ما أوجده اللّٰه تعالى و ان كانت

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 65

[ (مسألة 10) لا فرق فيما كتب عليه القرآن بين الكاغذ و اللوح]

(مسألة 10) لا فرق فيما كتب عليه القرآن بين الكاغذ (1) و اللوح و الأرض و الجدار و الثوب بل و بدن الإنسان، فإذا كتب على يده لا يجوز مسه عند الوضوء، بل يجب محوه أولا ثم الوضوء.

[ (مسألة 11) إذا كتب على الكاغذ بلا مداد فالظاهر عدم المنع]

(مسألة 11) إذا كتب على الكاغذ بلا مداد (2) فالظاهر عدم المنع من مسه لأنه ليس خطا، نعم لو كتب بما يظهر أثره بعد ذلك، فالظاهر حرمته كماء البصل فإنه لا أثر له إلا إذا أحمى على النار.

[ (مسألة 12) لا يحرم المس من وراء الشيشة]

(مسألة 12) لا يحرم المس من وراء الشيشة (3) و إن كان الخط مرثيا، و كذا إذا

______________________________

موضوعة للتلفظ بها كما لا يخفى» فالرجوع في المعلوم كونه قرآنا الى قصد الكاتب لا أرى له وجها فتأمل و اللّٰه العالم بحقائق أحكامه.

قوله قده مسألة 10: (لا فرق فيما كتب عليه القرآن بين الكاغذ.

إلخ)

مدرك عدم الفرق صدق القرآنية في جميع ما ذكر من المكتوب عليه، نعم يشكل ما ذكره من وجوب المحو فيما إذا كتب على يده لعدم جواز مسه، بل هو مخير بين ذلك و بين الوضوء ارتماسا و عدم المحو.

قوله قده مسألة 11: (إذا كتب على الكاغذ بلا مداد. إلخ)

الظاهر ان حكم الصورة الثانية و هي ما لو كتب بماء البصل حكم الصورة الاولى من عدم المنع من مسه، لعدم صدق الكتابة عرفا ليحرم مسها، نعم لا بأس بالاحتياط بالترك فيها.

قوله قده مسألة 12: (لا يحرم المس من وراء الشيشة. إلخ)

نعم لا إشكال في عدم حرمة المس في الصورة المذكورة لعدم كونه مسا للكتابة إلا في الصورة الأخيرة و هي ما لو نفذ المداد في الكاغذ حتى ظهر الخط من الطرف الآخر فإنه مس للكتابة حقيقة، و لا فرق بين الطرد و العكس لإطلاق حرمة المس.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 66

وضع عليه كاغذ رقيق يرى الخط تحته، و كذا المنطبع في المرآة، نعم لو نفذ المداد في الكاغذ حتى ظهر الخط من الطرف الآخر لا

يجوز مسه خصوصا إذا كتب بالعكس فظهر من الطرف الآخر طردا.

[ (مسألة 13) في مس المسافة الخالية التي يحيط بها الحرف]

(مسألة 13) في مس المسافة الخالية (1) التي يحيط بها الحرف كالحاء أو العين مثلا إشكال أحوطه الترك.

[ (مسألة 14) في جواز كتابة المحدث آية من القرآن بإصبعه على الأرض]

(مسألة 14) في جواز كتابة المحدث آية من القرآن بإصبعه (2) على الأرض أو غيرها اشكال و لا يبعد عدم الحرمة، فإن الخط يوجد بعد المس و اما الكتابة على بدن المحدث و إن كان الكاتب على وضوء فالظاهر حرمته خصوصا إذا كان بما يبقى أثره.

[ (مسألة 15) لا يجب منع الأطفال و المجانين من المس]

(مسألة 15) لا يجب منع الأطفال و المجانين من المس (3) إلا إذا كان مما

______________________________

قوله قده مسألة 13: (في مس المسافة الخالية. إلخ)

الظاهر عدم الإشكال في جواز مسها.

قوله قده مسألة 14: (في جواز كتابة المحدث آية من القرآن بإصبعه.

إلخ)

الظاهر عدم الإشكال في جواز كتابة المحدث الآية من القرآن على الأرض أو غيرها، لما ذكره من أن الخط يوجد بعد المس، و اما الكتابة على بدن المحدث فالظاهر حرمتها و ان كان الكاتب متطهرا، لأنه من التسبب إلى مماسة المحدث للكتابة، و التسبب الى الحرام حرام.

قوله قده مسألة 15: (لا يجب منع الأطفال و المجانين من المس.

إلخ)

قال المحقق في المعتبر، و العلامة في المنتهى و التحرير و التذكرة، و الشهيد في الذكرى بوجوب منع الصبي عن مس المصحف، و جزم الشهيد في الروض و السيد في الشرح كما عن نهاية الأحكام و شرح الدروس بالعدم، و يظهر من الشيخ في المبسوط التوقف مع حكمه بكراهة المس، بل ظاهر الأكثر ذلك

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 67

يعد هتكا، نعم الأحوط عدم التسبب لمسهم، و لو توضأ الصبي المميز فلا إشكال في مسه بناءا على الأقوى من صحة وضوئه و سائر عباداته.

[ (مسألة 16) لا يحرم على المحدث من غير الخط]

(مسألة 16) لا يحرم على المحدث من غير الخط من ورق (1) القرآن حتى

______________________________

(و المعتمد) عدم الوجوب للأصل و عدم منع السلف الصبيان من المس، مع شدة مسيس الحاجة إليه في التعلم و التعليم و الحفظ، و يلزم منه العسر و الحرج و الضيق الممنوع على غير المكلف، خصوصا على القول بعدم ارتفاع حدثه لعدم شرعية عباداته حتى يبلغ، فتكون الكلفة في حقه أشد من المكلف القادر على الرفع، مع أنه قد صرح المحقق

و العلامة بجواز لبس الحرير للصبيان لحديث رفع القلم و ارتفاع التكليف، و منعوا دلالة الحديث المشهور المتضمن لتحريم الحرير على الذكور على الوجوب لاختصاصه بالمكلف، و أصالة عدم تكليف الولي و هو بعينه قائم في محل النزاع، بل ربما كانت الثانية أولى بالمنع لما روى عن جابر قال كنا ننزعه- أى الحرير- عن الصبيان و نتركه على الجواري (هذا) كله إذا لم يستلزم تمكينهم منه الهتك، و الا حرم لما علم ضرورة ان الولي يجب عليه منع الصبي عن اللعب بالمصحف و من ملاقاته إياه بالنجاسة و الاستخفاف و الإهانة له و الامتهان فيه، بل و لغيره فضلا عنه، و ليس هذا الا لأن المناط في الحكم ليس الا التعظيم للقرآن و التفخيم، و له في الشرع نظائر كثيرة، نحو منعه من قتل النفس المحترمة و السرقة المحرمة و الزنا و اللواط و الملاهي المحرمة و ما أشبهها، و من هذا القبيل وجوب تنبيه الغافل و منعه عن إرادة شي ء يلحقه به ضرر على نفسه أو ماله أو عرضه و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 16: (لا يحرم على المحدث مس غير الخط من ورق. إلخ)

لا يخفى أن ما يقتضيه الأصل جواز مس الورق و الهامش

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 68

ما بين السطور و الجلد و الغلاف، نعم يكره ذلك كما أنه يكره تعليقه و حمله.

[ (مسألة 17) ترجمة القرآن ليست منه بأي لغة كانت]

(مسألة 17) ترجمة القرآن ليست منه (1) بأي لغة كانت فلا بأس بمسها

______________________________

و الجلد من المصحف و حمله و تعليقه و علامات السور و فواصل السطور و الآيات (و يعضده) مرسلة حريز عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: كان إسماعيل ابن ابى عبد اللّٰه عليه

السّلام عنده فقال: يا بني اقرأ المصحف فقال: انى لست على وضوء فقال لا تمس الكتاب و مس الورق و اقرأه (و موثقة) الحسين بن المختار قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عمن قرأ في المصحف و هو على غير وضوء قال: لا بأس و لا يمس الكتاب (و في الفقه الرضوي) و لا تمس القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء و مس الورق (و في المعتبر) ان جواز ذلك مذهب فقهائنا (و في المنتهى) انه قول علمائنا، خلافا لما يحكى عن المرتضى فاختار المنع تمسكا برواية إبراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن عليه السّلام قال:

المصحف لا تمسه على غير طهر و لا جنبا و لا تمس خيطه و لا تعلقه ان اللّٰه يقول (لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ).

و ربما يتسدل له برواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام قال: الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب و يقرءان من القرآن ما شاءا إلا السجدة (و هو) لا يقاوم الأصل المعتضد بالإجماعين المنقولين و الروايتين المزبورتين، فيتعين حمل هاتين الروايتين على التقية أو الكراهة و خوف استلزامه إصابة اليد، لأن من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه و هو الأولى على أنه هو الذي يقتضيه الجمع العرفي و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 17: (ترجمة القرآن ليست منه. إلخ)

مدرك عدم حرمة مس ترجمة القرآن هو أن الترجمة ليست بقرآن فلا تلحقها أحكامه، مع جريان أصل البراءة من الحرمة فيها (ثم) ان جماعة ألحقوا لفظ الجلالة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 69

على المحدث، نعم لا فرق في اسم اللّٰه تعالى بين اللغات.

______________________________

بالقرآن بل ألحقوا به جميع أسماء اللّٰه المختصة

به (و علله) في الجواهر بظهور النهى عن المس للقرآن في التعظيم، بل كاد يكون صريح الآية، و لا ريب ان لفظ الجلالة و نحوه أحق بالتعظيم من سائر ألفاظ القرآن كما هو واضح لا يحتاج الى البيان لأنه خير الأسماء و لهذا اختص به (و اعترضه) بعض المحققين: بمنع الأولوية نظرا الى جواز تلفظ الجنب و الحائض بها مع حرمة تلفظهما بالعزائم، فلعل لألفاظ الكتاب مدخلا، ثم قال: و لكن الإنصاف ان المستفاد من الآية ان المناط كرامة القرآن و شرافته فالفحوى حينئذ تامة (و فيه أولا) انه إن أنكر دلالة الآية على حرمة مس كتابة القرآن فلا يبقى وجه للتمسك بفحواها (و ثانيا) انه بعد تسليم دلالتها على ذلك لا ينهض المناط الذي ذكره لدفع المناقشة، لأن عدم جواز المس بغير طهارة من قبيل التعظيمات التوقيفية التي ليس للعقل مسرح في الحكم بها، و قد جعل الشارع لكل من الأمور العظيمة الشريفة نوعا من التعظيم لم يجعله لغيره، فهل ترى ان مس يد النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم بغير وضوء محرم أو مكروه؟

و على هذا القياس غيره، فمجرد كون المناط هو التعظيم لا يجدي، و قد ذكر هو (ره) جواز تلفظ الجنب و الحائض بلفظ الجلالة مع عدم جواز تلفظهما بالعزائم، و مثله الفرق بين سور العزائم و غيرها من القرآن في جواز قراءة الجنب و الحائض (ثم) ان بعض من الحق أسماء اللّٰه الخاصة به بالكتاب العزيز ذكر في إلحاق أسماء الأنبياء و الأئمة (ع) وجهين.

و على كل فإلحاق اسمه تبارك و تعالى و أسماء أنبيائه و الأئمة (ع) إذا لم تكن في القرآن بالقرآن للمحدث بالأصغر استنادا الى

التعظيم المطلوب ففيه من الضعف ما لا يخفى، لمخالفة الحكم للأصل خرج منه القرآن للدليل القاطع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 70

[ (مسألة 18) لا يجوز وضع الشي ء النجس على القرآن]

(مسألة 18) لا يجوز وضع الشي ء النجس على القرآن (1) و إن كان يابسا لأنه هتك، و أما المتنجس فالظاهر عدم البأس به مع عدم الرطوبة فيجوز للمتوضئ أن يمس القرآن باليد المتنجسة و إن كان الاولى تركه.

________________________________________

شبر، سيد على حسينى، العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، 2 جلد، مطبعة النجف، نجف اشرف - عراق، اول، 1383 ه ق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى؛ ج 2، ص: 70

[ (مسألة 19) إذا كتبت آية من القرآن على لقمة خبز لا يجوز للمحدث أكله]

(مسألة 19) إذا كتبت آية من القرآن على لقمة خبز (2) لا يجوز للمحدث أكله، و أما للمتطهر فلا بأس خصوصا إذا كان بنية الشفاء أو التبرك.

______________________________

فيبقى ما عداه مندرجا تحت الإباحة كما هو المشهور بين الأصحاب من اختصاص حرمة المس بالقرآن و عدم تحريم مس اسم اللّٰه على المحدث بالأصغر، و ان اعتبر بعضهم الحرمة بلفظ الجلالة، و هو و ان ناسب التعظيم إلا ان الدليل لا ينهض حجة عليه فتأمل، و ان كان القول به لا يخلو من وجه لقوله تعالى (وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعٰائِرَ اللّٰهِ فَإِنَّهٰا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 18: (لا يجوز وضع الشي ء النجس على القرآن. إلخ)

لا يفرق في الحكم بين النجس و المتنجس، بل الحكم يدور مدار الهتك و عدمه فان استلزم الهتك حرم فيهما معا، و إلا فلا.

قوله قده مسألة 19: (إذا كتبت آية من القرآن على لقمة خبز. إلخ)

و ذلك لما تقدم من عدم الفرق في حرمة المس

بين ما كان بظاهر البدن أو بباطنه لإطلاق دليله.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 71

[فصل في الوضوءات المستحبة]
اشارة

فصل في الوضوءات المستحبة

[الأقوى كما أشير إليه سابقا كون الوضوء مستحبا في نفسه]

(مسألة 1) الأقوى كما أشير إليه سابقا كون الوضوء مستحبا في نفسه (1) و ان لم يقصد غاية من الغايات حتى الكون على الطهارة و إن كان الأحوط قصد إحداها.

[ (مسألة 2) الوضوء المستحب أقسام]

(مسألة 2) الوضوء المستحب أقسام (2) «أحدها» ما يستحب في حال الحدث الأصغر فيفيد الطهارة منه «الثاني» ما يستحب في حال الطهارة منه كالوضوء التجديدي «الثالث» ما هو مستحب في حال الحدث الأكبر و هو لا يفيد طهارة و انما هو لرفع الكراهة أو لحدوث كمال في الفعل الذي يأتي به كوضوء الجنب للنوم و وضوء الحائض للذكر في مصلاها، أما القسم الأول فلأمور: «الأول» الصلوات المندوبة و هو شرط في صحتها أيضا «الثاني»

______________________________

قوله قده: فصل في الوضوءات المستحبة مسألة 1: (الأقوى كما أشير إليه سابقا كون الوضوء مستحبا في نفسه. إلخ)

تقدمت المسألة بأدلتها مفصلة فراجع.

قوله قده مسألة 2: (الوضوء المستحب أقسام. إلخ)

لا يخفى ان ما عدا ما تقدم من الوضوءات الواجبة مندوب و هو أمور:

(الأول) للصلاة المندوبة و لا شك في استحباب الوضوء لها للإجماع المنقول على لسان جماعة، بل لا يبعد أن يكون محصلا، و الأخبار المتواترة منها قوله عليه السّلام: لا صلاة إلا بطهور.

(الثاني) للطواف المستحب لما رواه زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 72

الطواف المندوب و هو ما لا يكون جزءا من حج أو عمرة و لو مندوبين و ليس شرطا في صحته، نعم هو شرط في صحة صلاته «الثالث» التهيؤ للصلاة في أول وقتها أو أول زمان إمكانها إذا لم يمكن إتيانها في أول الوقت، و يعتبر أن يكون قريبا من الوقت أو زمان الإمكان بحيث يصدق عليه التهيؤ «الرابع» دخول المساجد

______________________________

سألته

عن الرجل يطوف بغير وضوء أ يعتد بذلك الطواف؟ قال: لا و نحوه غيره.

(الثالث) لدخول المساجد لما رواه في الفقيه مرسلا ان في التوراة مكتوبا: ان بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زرانى في بيتي، و لمرسلة العلا بن الفضيل عن أبى جعفر عليه السّلام قال إذا دخلت المسجد و أنت تريد أن تجلس فيه فلا تدخل إلا و أنت طاهر و نحوه غيره، مع ما ورد من استحباب ركعتين تحية المسجد و لا تصح إلا بوضوء كما عرفت، و اما استحبابه لزيارة المشاهد المشرفة و العتبات المقدسة فيستفاد من مراجعة كتب الزيارات و أمثالها مما يتعلق بمثل هذه المواضيع، بل يستفاد ذلك من الأمر بالغسل إذا أراد الإنسان زيارتها و لبس الثياب النظيفة مع الوقار و السكينة فلا أقل من الوضوء، و كذا يستفاد من ذلك استحبابه لزيارتهم (ع) من بعيد المكان و الإيماء بالسلام إليهم (ع) و اللّٰه اعلم.

(الرابع) للسعي في حاجة لصحيح عبد اللّٰه بن سنان عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال سمعته يقول: من طلب حاجة و هو على غير وضوء فلم تقض حاجته فلا يلومن الا نفسه، و في المرسل إني لأعجب ممن يأخذ في حاجة و هو على غير

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 73

«الخامس» دخول المشاهد المشرفة «السادس» مناسك الحج مما عدا الصلاة و الطواف «السابع» صلاة الأموات «الثامن» زيارة أهل القبور «التاسع» قراءة القرآن أو كتبه أو لمس حواشيه أو حمله.

______________________________

وضوء كيف تقضى حاجته؟! و نحوه مثله مضافا الى الشهرة المحكية في كلام بعضهم.

(الخامس) للنوم للصادقى (ع) من تطهر ثم آوى الى فراشه بات و فراشه كمسجده، و زاد في

الفقيه في آخر: فان ذكر أنه ليس على وضوء فتيمم من دثاره كائنا ما كان لم يزل في صلاة ما ذكر اللّٰه.

(السادس) لنوم الجنب لصحيح الحلبي قال عن الصادق عليه السّلام عن الرجل أ ينبغي له أن ينام و هو جنب؟ فقال: يكره ذلك حتى يتوضأ، و في الموثق عن الجنب يجنب ثم يريد النوم قال: ان أحب أن يتوضأ فليفعل، و الغسل أحب الى و أفضل من ذلك، فان هو نام و لم يتوضأ و لم يغتسل فليس عليه شي ء ان شاء اللّٰه.

(السابع) للجنب إذا أراد الأكل أو الشرب لما رواه عبد الرحمن بن ابى عبد اللّٰه أ يأكل الجنب قبل أن يتوضأ؟ قال انا لنكسل، و لكن ليغسل يده و الوضوء أفضل، و الصحيح الباقرى المروي في الفقيه: إذا كان الرجل جنبا لم يأكل و لم يشرب حتى يتوضأ.

(الثامن و التاسع) للجنب إذا أراد ان يغسل ميتا و لما يغتسل، و غاسل الميت إذا أراد أن يأتي أهله قبل الغسل لخبر شهاب بن عبد ربه عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن الجنب يغسل الميت؟ و من غسل ميتا إله أن يأتي أهله ثم يغتسل؟ فقال: هما سواء لا بأس بذلك إذا كان جنبا غسل يديه و توضأ و غسل الميت، و ان غسل ميتا و توضأ ثم أتى أهله يجزيه غسل واحد لهما.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 74

«العاشر» الدعاء و طلب الحاجة من اللّٰه تعالى «الحادي عشر» زيارة الأئمّة عليهم السلام و لو من بعيد «الثاني عشر» سجدة الشكر أو التلاوة «الثالث عشر» الأذان و الإقامة و الأظهر شرطبته في الإقامة «الرابع عشر» دخول الزوج على الزوجة

ليلة الزفاف بالنسبة الى كل منهما

______________________________

(العاشر) لجماع المحتلم لقوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم يكره أن يغشى الرجل المرأة و قد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رآه فان فعل ذلك و خرج الولد مجنونا فلا يلومن إلا نفسه، و هو كما ترى صريح في إرادة الغسل إلا أن الشهيد في الروضة و اللمعة ذكره دليلا على استحباب الوضوء و اللّٰه أعلم.

(الحادي عشر) للجنب إذا أراد المعاودة للجماع لقول الصادق عليه السّلام في مرسل ابن أبي نجران إذا أتى الرجل جاريته ثم أراد أن يأتي الأخرى توضأ، و للخبر المروي في كشف الغمة عن أبي الحسن الثاني ان أبا عبد اللّٰه عليهما السلام كان إذا أراد أن يجامع يعاود توضأ للصلاة.

(الثاني عشر) لجماع الحامل لقوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم يا على إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلا و أنت على وضوء فان قضى بينكما بولد يكون أعمى القلب بخيل اليد.

(الثالث عشر) قبل غسل الجنابة لما رواه أبو بكر الحضرمي عن ابى جعفر عليه السّلام قال سألته كيف أصنع إذا أجنبت؟ قال: اغسل كفيك و فرجك و توضأ وضوء الصلاة ثم اغتسل.

(الرابع عشر) لزفاف المرأة على زوجها لقول ابى جعفر (ع) إذا دخلت عليك فمرهم قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة ثم لا تصل إليها حتى تتوضأ، و فيه دلالة على استحباب الوضوء للزوج أيضا، بل يستحب لهما أن يصلى كل واحد منهما ركعتين و لا بد فيهما من الوضوء كما قدمنا.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 75

«الخامس عشر» ورود المسافر على أهله فيستحب قبله «السادس عشر» النوم «السابع عشر» مقاربة الحامل «الثامن عشر» جلوس القاضي في مجلس

القضاء «التاسع عشر» الكون على الطهارة

______________________________

(الخامس عشر) لتغسيل الميت لصحيح حريز قال أخبرني أبو عبد اللّٰه عليه السلام قال: الميت يبدأ بفرجه ثم يتوضأ وضوء الصلاة و نحوه مثله.

(السادس عشر) لإدخال الميت القبر لما رواه عبد اللّٰه الحلبي و محمد بن مسلم عن الصادق (ع) توضأ إذا أدخلت الميت القبر و نحوه غيره.

(السابع عشر) للحائض عند كل صلاة و فيه أخبار كثيرة منها ما رواه زرارة عن ابى جعفر (ع) قال: إذا كانت المرأة طامثا فلا يحل لها الصلاة و عليها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند كل وقت صلاة ثم تقعد في موضع طاهر تذكر اللّٰه سبحانه، و ظاهره كما سمعت يقضى بالوجوب كما هو قضية الأمر و نحوه مثله، الا أن في بعضها ينبغي للحائض أن تتوضأ و هو ظاهر في الاستحباب و ان استعمل في الوجوب و لذا يعزى الى الصدوق القول بالوجوب، الا أن الاستحباب هو المشهور بل لا يبعد أن يكون إجماعا، بل السيرة على خلافه فانا لم نر أحدا يأمر به على سبيل الوجوب و اللّٰه العالم.

(الثامن عشر) لقراءة القرآن لقول الصادق (ع) لما رواه محمد بن الفضيل في قرب الإسناد قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام اقرأ المصحف ثم يأخذني البول فأقوم فأبول و استنجى و اغسل يدي و أعود إلى المصحف و اقرأ فيه؟ قال:

لا حتى تتوضأ للصلاة، و نحوه مثله مع ما فيه من التعظيم و التفخيم و الفرار من المس المحظور كما تقدم.

(التاسع عشر) لمس القرآن و حمله و تعليقه لما تقدم من وجوب الوضوء للمس و الاستحباب للحمل و التعليق لرواية إبراهيم بن عبد الحميد المتقدمة.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 76

«العشرون» مس

كتابة القرآن في صورة عدم وجوبه و هو شرط في جوازه كما

______________________________

(العشرون) للكون على الطهارة لما اشتهر عنه صلّى اللّٰه عليه و آله من أحدث و لم يتوضأ فقد جفاني، و نحوه مثله بل في كشف اللثام: و كأنه خلاف فيه كما عن جماعة الإجماع عليه.

(الحادي و العشرون) لصلاة الجنازة لما رواه عبد الحميد عن ابى الحسن عليه السّلام عن الرجل يصلى على الجنازة على غير وضوء، فقال: يكون على طهر أحب الى، و هو المشهور بين الأصحاب، بل عليه الإجماع كما عن التذكرة و المنتهى.

(الثاني و العشرون) لأفعال الحج لما رواه معاوية بن عمار عن الصادق عليه السّلام لا بأس ان تقضى المناسك كلها على غير وضوء، إلا الطواف فإنه فيه صلاة، و الوضوء أفضل، و نحوه مثله خصوصا في السعي و الرمي و الوقوف.

(الثالث و العشرون) لمريد السفر لما رووا من أنه يصلى ركعتين ثم يعتم و يتحنك و يخرج.

(الرابع و العشرون) للقادم من السفر لما روى: من قدم من سفره فدخل على أهله من غير وضوء فرأى ما يكره فلا يلومن إلا نفسه.

(الخامس و العشرون) لجلوس القاضي للقضاء كما ذكره بعض الأصحاب و لم أعثر له على مستند.

(السادس و العشرون) لخروج المذي لما تقدم و لا أقل حمل أخباره على الاستحباب.

(السابع و العشرون) للرعاف و القي ء و لتخليل الأسنان المخرج للدم لقول الصادق عليه السّلام الرعاف و القي ء و التخليل يسيل الدم إذا استكرهت شيئا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 77

مر و قد عرفت أن الأقوى استحبابه نفسيا أيضا، و اما القسم الثاني فهو الوضوء

______________________________

ينقض الوضوء، و ان لم تستكرهه لم ينقض الوضوء.

(الثامن و العشرون) للضحك لما رواه سماعة عن

الصادق عليه السّلام قال سألته عما ينقض الوضوء؟ فقال: الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه، و القرقرة في البطن إلا شيئا تصبر عليه، و الضحك في الصلاة، و القي ء.

(التاسع و العشرون) الكذب و الظلم و الإكثار من إنشاد الشعر الباطل لقول الصادق عليه السّلام في خبر سماعة المروي في التهذيب قال سألته عن نشيد الشعر هل ينقض الوضوء؟ أو ظلم الرجل صاحبه أو الكذب؟ فقال:

نعم إلا أن يكون شعرا يصدق فيه أو يكون يسيرا من الإشعار، الأبيات الثلاثة أو الأربعة، فاما أن يكثر من الشعر الباطل فهو ينقض الوضوء.

(الثلاثون) خروج الودي لقول الصادق عليه السّلام في حسنة ابن سنان:

و الودي فيه الوضوء.

(الحادي و الثلاثون) مس باطن الدبر و باطن الإحليل لحمل قول الصادق (ع) حين سأله عمار عن الرجل يتوضأ ثم يمس باطن دبره قال:

نقض وضوءه، و إن مس باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء، و إن كان في الصلاة قطع الصلاة و توضأ و أعاد الصلاة، و إن فتح إحليله أعاد الوضوء و الصلاة على الاستحباب.

(الثاني و الثلاثون) التقبيل بشهوة و مس باطن الفرج لقول الصادق عليه السلام إذا قبّل الرجل المرأة بشهوة أو مس فرجها أعاد الوضوء.

(الثالث و الثلاثون) قبل الأغسال المسنونة لقول الصادق (ع) كل غسل قبله وضوء.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 78

للتجديد و الظاهر جوازه ثالثا و رابعا فصاعدا أيضا، و اما الغسل فلا يستحب فيه التجديد بل و لا الوضوء بعد غسل الجنابة و ان طالت المدة.

______________________________

(الرابع و الثلاثون) لناسي الاستنجاء قبل الوضوء للموثق الصادقي المروي في التهذيب: إن أهرقت الماء و نسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك إعادة الوضوء و غسل ذكرك، و الصحيح الباقرى

المروي في التهذيب أيضا في الرجل يتوضأ فينسى غسل ذكره قال: يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء و أوجبه الصدوق إذا كان من البول خاصة أخذا بظاهر الخبرين، و تدفعه الصحاح منها (الصحيح) الكاظمي المروي في الكافي و التهذيب في الرجل يبول فينسى غسل ذكره ثم يتوضأ وضوء الصلاة قال: يغسل ذكره و لا يعيد الوضوء (و في الموثق) الصادقي في الرجل يبول و ينسى غسل ذكره حتى يتوضأ و يصلى قال: يغسل ذكره و يعيد الصلاة و لا يعيد الوضوء.

(و في الصحيح) الصادقي أبول و أتوضأ و أنسى استنجائي ثم أذكر بعد ما صليت قال: اغسل ذكرك و أعد صلاتك و لا تعد وضوءك.

(الخامس و الثلاثون) لمصافحة المجوسي لقول الصادق (ع) ان مصافحتهم تنقض الوضوء.

(السادس و الثلاثون) للتأهب لصلاة الفرض قبل وقتها كما في جملة من كتب الأصحاب، و روى الشهيد في الذكرى: ما وقر الصلاة من أخر الطهارة حتى يدخل الوقت.

(السابع و الثلاثون) لكتابة القرآن لما رواه على بن جعفر عن أخيه عليه السلام أ يحل للرجل أن يكتب القرآن في ألواح و الصحيفة على غير وضوء؟ قال: لا، و لا أقل من الحمل على الاستحباب.

(الثامن و الثلاثون) للغضب لما روى عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم إذا غضب أحدكم فليتوضأ.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 79

و أما القسم الثالث فلأمور (الأول) لذكر الحائض في مصلاها مقدار

______________________________

(التاسع و الثلاثون) لزيارة قبور المؤمنين كما في كتب جملة من الأصحاب منهم الشهيد في النفلية و العلامة في المنتهى و غيره بل عن بعضهم أنه المشهور.

(الأربعون) بعد الاستنجاء بالماء للمتوضئ قبله، و ان كان قد استجمر لما رواه جماعة عن الصادق (ع)

في الرجل ينسى ان يغسل دبره بالماء حتى صلى إلا انه قد تمسح بثلاثة أحجار قال: ان كان في وقت تلك الصلاة فليعد الوضوء و ليعد الصلاة، و ان كان قد مضى وقت تلك الصلاة التي صلاها فقد جازت صلاته و ليتوضأ لما يستقبل من الصلاة.

(الحادي و الأربعون) للتجديد و فيه روايات منها قولهم (ع) الوضوء على الوضوء نور على نور، و من جدد وضوءه من غير حدث جدد اللّٰه توبته من غير استغفار، و هو إجماعي كما في المدارك و الذخيرة و البحار و عن المنتهى و غيره مع استفاضة النصوص بذلك (ففي) الكاظمي ان من توضأ للمغرب مجددا كان ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في يومه إلا الكبائر (و في) الصادقي:

الطهر على الطهر عشر حسنات (و في) الرضوي: تجديد الوضوء لصلاة العشاء يمحو لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه (و عن) النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم: انه كان يجدد الوضوء لكل فريضة و كل صلاة، و الأظهر اختصاص ذلك بالوضوء دون الغسل.

ثم التجديد مع الفصل بصلاة و لو نافلة لا إشكال فيه، و بدون الفصل هل يشرع مطلقا؟ كما عن التذكرة أو لا مطلقا؟ أو إذا حصل الفصل الكثير الذي يحتمل طرو الحدث بعده فالأول؟ و عدمه فالثاني؟

وجوه أقواها الأول لإطلاق الأدلة المتقدمة (قال) الفيض المحسن في المعتصم على ما حكى عنه: و هل يستحب تجديده لصلاة واحدة أكثر من مرة؟

و جهان و ظاهر الصدوق العدم، و رجحه في الذكرى مستدلا بالأصل من عدم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 80

الصلاة «الثاني» لنوم الجنب و أكله و شربه و جماعه و تغسيله الميت.

______________________________

المشروعية و أدائه إلى الكثرة

المفرطة، و توقف في المختلف لعدم النص إثباتا و نفيا و هو في محله، و يجزى الوضوء التجديدي عن السابق لو ظهر فساده بترك غسل عضو منه و نحوه مطلقا و إن اعتبرت نية الرفع و الاستباحة وفاقا للمبسوط و صاحب المدارك لأن الظاهر انها إنما تكون معتبرة إذا كان المكلف ذاكرا للحدث لا مع اعتقاده حصول الإباحة بدونه، و لأن الظاهر من فحاوي الأخبار ان شرعية المجدد إنما هو لاستدراك ما وقع في الأول من الخلل، و يشهد له ما رواه الصدوق في الفقيه مع اعتقاده صحة مضمون ما أورده من إجزاء غسل الجمعة عن غسل الجنابة مع نسيانه، و ما أجمع عليه الأصحاب من إجزاء صوم يوم الشك بنية الندب عن الواجب، و ما ورد من استحباب الغسل أول ليلة من شهر رمضان تلافيا لما عساه فاته من الأغسال الواجبة و نحو ذلك، و مع الاكتفاء بالقربة فالأمر واضح، هذا جملة ما وقفت عليه من الأمور التي يستحب لها الوضوء و هي و إن قصر سند بعضها بضعف أو دلالة على المطلوب فالشهرة في جلها جابرة، بل في بعضها عدم الخلاف و لعله الحجة، فإنه في الصلاة المندوبة و الطواف مما لا ريب فيه، فضلا عن صحة الاخبار الواردة فيه، و كذلك المس المستحب لما مر من تحريم مس المحدث، نعم ربما يتوقف فيما فيه المذي و الوذي و الودي و القي ء و الرعاف و الشعر و الكذب و الظلم و الغضب و مس الدبر و باطن الفرج و الذكر و التقبيل لما قيل من حملها على التقية، و لا يبعد أن يكون أولى من الاستحباب لأن أحبارها أوفق بمذهب العامة إلا أنه

بعد ما اشتهر عن العلماء بل لا يبعد أن يكون مذهب الكثير من الفقهاء الفضلاء من المسامحة في أدلة السنن فلا يضرنا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 81

(الثالث) لجماع من مس الميت و لم يغتسل بعد (الرابع) لتكفين الميت

______________________________

التعويل على الخبر الضعيف أو الشهرة الضعيفة، فكيف لو انجبر الخبر بالشهرة كما هو المحكى في بعضها فيتعين المصير الى القول باستحبابها.

و ما قيل من ان الاستحباب حكم شرعي فيتوقف على الدليل الشرعي كما هو الشأن في سائر الأحكام، مدفوع غير مسلم، لما دل من العقل و النقل على حسن الاحتياط، لأن الاحتياط كما يحصل فيما يحتمل في تركه العقاب فقد يحصل فيما يحتمل في تركه حرمان الثواب، لأن الثاني لا ينفك عن الأول غالبا، خصوصا على ما ذهب إليه أصحابنا من القول بالإحباط و التكفير فان الحسنات يذهبن السيئات، نعم إنما يجرى ذلك فيما لو احتمل في النص الحرمة أو الكراهة احتمالا راجحا لا يقهره احتمال الاستحباب، كما لو ورد خبر ضعيف لا ينهض بالحجية على الحرمة و الكراهة و لا يضعف عن مقاومة ما دل على الاستحباب، فان الترك فيه أولى خوفا من الوقوع فيما نهى عنه شرعا، و إذا لم يرد فيه ذلك فلا شك في بقائه على أصل الإباحة، للأصل السالم عن المعارض المؤيد بقوله: كل شي ء لك حلال حتى تعلم الحرام بعينه فتدعه و نحوه، فاذا ورد الخبر على الاستحباب فيتعين المصير إليه لأصل الإباحة و عدم دليل الكراهية و الحرمة، و لما ورد بعدة طرق و عبارات مختلفة: أن من بلغه ثواب على عمل فعمله التماس ذلك الثواب أوتيه و إن لم يكن الحديث كما بلغه (منها) ما رواه

الكليني في الحسن بل الصحيح على الأصح على ما قيل عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام: من سمع شيئا من الثواب على شي ء فصنعه كان له أجره و إن لم يكن على ما بلغه (و ما رواه) أيضا عن محمد بن حمران قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

من بلغه ثواب من اللّٰه تعالى على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 82

أو دفنه بالنسبة الى من غسله و لم يغتسل غسل المس.

______________________________

أوتيه و ان لم يكن الحديث كما بلغه. (و ما رواه) الصدوق في كتاب ثواب الأعمال عن هاشم بن صفوان عن أبى عبد اللّٰه (ع) قال: من بلغه شي ء من الثواب على شي ء من الخير فعمله كان له أجر ذلك و ان كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لم يقله (و ما عن) المحاسن عن هشام بن سالم عن أبى عبد اللّٰه (ع) قال: من بلغه عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم شي ء من الثواب فعمله كان له أجر ذلك و ان كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لم يقله (و ما عن) المحاسن أيضا عن محمد بن مروان عن أبى عبد اللّٰه (ع) قال من بلغه عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم شي ء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم كان له ذلك الثواب و ان كان النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لم يقله (و ما عن) الشهيد الثاني في شرح الدارية من بلغه عن اللّٰه تعالى

فضيلة فأخذها و عمل بما فيها إيمانا باللّٰه و رجاء ثوابه أعطاه اللّٰه تعالى ذلك و إن لم يكن كذلك (و منها) ما عن عدة الداعي قال روى الصدوق (ره) عن محمد بن يعقوب بطرقه إلى الأئمة (ع) أن من بلغه شي ء من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه و ان لم يكن الأمر كما فعل (و عن) الكتاب المذكور أيضا قال: و روى أيضا بإسناده عن صفوان عن أبي عبد اللّٰه (ع) أن من بلغه شي ء من الخير فعمل به كان له أجر ذلك و إن كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لم يقله (و منها) ما عن السيد السعيد ابن طاوس في كتاب الإقبال عن الصادق (ع) قال: من بلغه شي ء من الخير فعمل به كان له ذلك و إن لم يكن الأمر كما بلغه.

و هو كما ترى في أن الظاهر من الروايات تعليق الحكم بمطلق البلوغ كما يعرب عنه سائر الروايات المشتملة على لفظ (بلغه) و البلوغ تارة يكون بالسماع، و اخرى بالمذاكرة، و تارة بالرواية، و اخرى بالفتوى من الفقيه، و ان كان الشائع في الزمن السابق السماع من الراوي أو المفتي إلا أن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 83

[ (مسألة 3) لا يختص القسم الأول من المستحب بالغاية التي توضأ لأجلها]

(مسألة 3) لا يختص القسم الأول من المستحب (1) بالغاية التي توضأ لأجلها بل يباح به جميع الغايات المشروطة به بخلاف الثاني و الثالث فإنهما إن

______________________________

المتبادر منه الآن نفس البلوغ على أى نحو اتفق، و لا يشترط في الراوي أن يكون مصرحا بالثواب، بل يكفي بأن يقول إن العمل الفلاني مستحب أو مكروه أو حرام أو حلال أو نحوه، فإنه يكفي في

وجوب العمل و تركه و ندبه و كراهته حصول ذلك اللفظ كما لا يخفى، فاذا ثبت ما قلناه من إعطاء اللّٰه الثواب تفضلا على عمل يتضمن ثوابا بمقتضى هذه الروايات المؤيدة بالاحتياط الراجح فعله عقلا و نقلا ثبت أن الرواية بالعمل المستحب يغني المصير إليها و لو كان في طريقها ضعف و اللّٰه العالم.

ثم إذا عرفت هذا فاعلم أن الوضوء المستحب المجامع للحدث الأكبر كوضوء الحائض و الجنب و نحوهما لا يجوز الدخول به في العبادات المشروطة بالطهارة إجماعا محصلا، فضلا عن أن يكون منقولا لوجود المانع و عدم المقتضى، و اما الوضوء الذي لم يجامع الحدث الأكبر فلا يخلو إما أن يقصد به رفع الحدث و استباحة الصلاة كما لو كان الوضوء لصلاة نافلة مثلا أو واجبة فإنه يصح به الدخول في العبادة المشروطة بالطهارة صلاة كانت أو غيرها و هو مذهب أهل العلم كما في المنتهى، و أما لو لم يقصد به ذلك بل كان قصده لمحض التجديد، فالظاهر كفاية الدخول به في العبادات المشروطة بالطهارة أيضا كما تقدم منا عن قريب التنبيه على ذلك ما لم يكن قصد التجديد بنحو التقييد المنحل إلى النفي و الإثبات و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 3: (لا يختص القسم الأول من المستحب. إلخ)

ذكرناه مشروحا في المسألة السابقة فلا نعيده.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 84

وقعا على نحو ما قصدا لم يؤثرا إلا فيما قصدا لأجله، نعم لو انكشف الخطأ بأن كان محدثا بالأصغر فلم يكن وضوؤه تجديديا و لا مجامعا للأكبر رجعا إلى الأول و قوى القول بالصحة و اباحة جميع الغايات به إذا كان قاصدا لامتثال الأمر الواقعي المتوجه إليه في ذلك الحال

بالوضوء و ان اعتقد انه الأمر بالتجديدى منه مثلا فيكون من باب الخطأ في التطبيق و تكون تلك الغاية مقصودة له على نحو الداعي لا التقييد بحيث لو كان الأمر الواقعي على خلاف ما اعتقده لم يتوضأ، أما لو كان على نحو التقييد كذلك ففي صحته حينئذ إشكال.

[ (مسألة 4) لا يجب في الوضوء قصد موجبه]

(مسألة 4) لا يجب في الوضوء قصد موجبه (1) بان يقصد الوضوء لأجل خروج البول أو لأجل النوم بل لو قصد أحد الموجبات و تبين أن الواقع غيره صح إلا أن يكون على وجه التقييد.

[ (مسألة 5) يكفي الوضوء الواحد للاحداث المتعددة]

(مسألة 5) يكفي الوضوء الواحد للاحداث المتعددة (2) إذا قصد رفع طبيعة الحدث، بل لو قصد رفع أحدها صح و ارتفع الجميع، إلا إذا قصد رفع البعض دون البعض فإنه يبطل لأنه يرجع الى قصد عدم الرفع.

______________________________

قوله قده مسألة 4: (لا يجب في الوضوء قصد موجبه. إلخ)

بل يكفى فيه قصد القربة و إتيانه للّه، بل لو قصد موجبا و كان الواقع غيره كفى عنه ما لم يكن على وجه التقييد.

قوله قده مسألة 5: (يكفي الوضوء الواحد للأحداث المتعددة. إلخ)

ما ذكره (قده) من كفاية الوضوء الواحد للأحداث المتعددة سواء كانت متحدة بالنوع أو مختلفة دفعة أو مترتبة إجماعي كما في مصباح الفقيه، بل ضرورة عند العلماء كما عن طهارة شيخ مشايخنا المرتضى، و بلا خلاف أجده كما في الجواهر، و انه مذهب العلماء كما في المدارك، كما لا فرق بعد قصد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 85

[ (مسألة 6) إذا كان للوضوء الواجب غايات متعددة فقصد الجميع]

(مسألة 6) إذا كان للوضوء الواجب غايات متعددة (1) فقصد الجميع حصل امتثال الجميع و أثيب عليها كلها، و ان قصد البعض حصل الامتثال بالنسبة إليه

______________________________

الوضوء بنية التقرب بين عدم قصد رفع الحدث و بين قصد رفع الحدث من حيث هو من غير تعرض لتعيينه، و بين ما قصد فيه رفع حدث بعينه مع عدم قصد غيره أو قصد عدم رفع غيره أو قصد رفع حدث معين و كان الواقع خلافه فان الوضوء في جميع ذلك صحيح، (و وجهه) ان الحدث الأصغر على ما يستفاد من الشرع بملاحظة اتحاد لوازمه و أحكامه ماهية واحدة مسببة عن أسباب متعددة غير قابلة للتكرار كالقتل و الكسر و نحوهما مما لا يتكرر بتكرر أسبابه لعدم قابلية المحل للتأثر، فلا مجال

لتوهم بقاء أثر شي ء من الأسباب المختلفة بعد تحقق ما هو سبب تام لرفع طبيعة الحدث و هو الوضوء الصحيح فلا وجه لما ذكره (قده) من البطلان فيما لو قصد رفع البعض دون البعض، كما لو قصد رفع حدث البول فقط إذا كان مجتمعا مع غيره إذ ليس الحدث الحاصل من البول مغايرا للحدث الحاصل من غيره، لا ماهية و لا وجودا، فلا يعقل التفكيك، بل لا بد إما من الالتزام برفع الحدث مطلقا أو القول ببطلان الوضوء رأسا، و الثاني ضعيف إذ لا برهان عليه عدا ما يتوهم من أنه نوى امرا غير مشروع (و فيه) انه نوى امتثال الأمر المتعلق به فيقع صحيحا و قصده حصول بعض لوازم المأمور به أو عدم حصول ما عدا المنوي لا يؤثر في انقلاب الماهية المأمور بها عن كونها كذلك إلا أن يرجع ما نواه الى عدم قصد الامتثال أو التشريع المحرم و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 6: (إذا كان للوضوء الواجب غايات متعددة. إلخ)

لا يخفى انه (قده) ضمن هذه المسألة تنبيهات ثلاثة (الأول) ما لو كان للوضوء الواجب غايات متعددة و فيه مطلبان:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 86

و يثاب عليه لكن يصح بالنسبة إلى الجميع و يكون أداء بالنسبة الى ما لم يقصد و كذا إذا كان للوضوء المستحب غايات عديدة، و إذا اجتمعت الغايات الواجبة و المستحبة أيضا يجوز قصد الكل و يثاب عليها و قصد البعض دون البعض و لو كان ما قصده هو الغاية المندوبة و يصح معه إتيان جميع الغايات و لا يضر

______________________________

(أحدهما) ما لو قصد بوضوئه الواجب جميع غاياته و لا إشكال في هذه الصورة في امتثال الجميع

و الثواب عليها إذ لا يحتاج امتثالها الى أكثر من قصدها و معلوم ان الثواب عليها بعد قصدها من لوازمها.

(ثانيهما) ما لو قصد البعض فقط و عليه فقد حصل امتثال ما قصد و أثيب عليه لا غير لقصده إياه و يصح بالنسبة الى جميع الغايات لما عرفت من حصول الطهارة به المعتبرة في سائر الغايات فلا موجب للتكرار، و لكن لا يثاب عليه لعدم صدق الامتثال بدون القصد عرفا و قد عرفت ان الثواب من لوازم القصد.

(التنبيه الثاني) ما لو كان للوضوء المستحب غايات عديدة و يجرى فيه ما ذكرنا في الواجب من قصد الجميع و البعض و ترتب الثواب على ما قصد كلا أو بعضها دون غيره حرفا بحرف.

(التنبيه الثالث) ما إذا اجتمعت الغايات الواجبة و المستحبة ففي إمكان تعدد الأمر بالنسبة إلى الوضوء اشكال، فقد يقال بعدمه مع اختلاف الوجه كما حكى عن ظاهر الروض و الروضة و غيرهما، بل ربما نسب إلى المتأخرين لأنه في وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلا واجبا، و بدونه ينتفي وجوبه و يتعين كونه مندوبا (و فيه نظر) إذ لا شاهد على انحصاره في الواجب في وقته لإطلاق ما دل على ندبه للنافلة مثلا و لأن توجه الخطاب بها

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 87

في ذلك كون الوضوء عملا واحدا لا يتصف بالوجوب و الاستحباب معا و مع وجود الغاية الواجبة لا يكون الا واجبا لأنه على فرض صحته لا ينافي جواز قصد الأمر الندبي و ان كان متصفا بالوجوب، فالوجوب الوصفي لا ينافي الندب الغائي لكن التحقيق صحة اتصافه فعلا بالوجوب و الاستحباب من جهتين.

______________________________

و بالفريضة معا عند الزوال مثلا يقتضي الخطاب

بمقدمتهما كذلك حذرا من الترجيح بلا مرجح، و تأكد الطلب سيما مع عدم ارادة فعل الفريضة سيما مع أمر الشارع بتأخيره ليس من المرجحات، و سقوط أحدهما بفعل الآخر ليس من المستبعدات.

(و دعوى) البطلان مع نية الندب فلا تسقط كما عن كثير منهم، لا شاهد عليها، إن لم يكن على خلافها، و لاستصحاب الندب الثابت قبل الوقت و لا منافات بينه و بين الوجوب كي ينتفي بتحققه كما هو واضح.

(و دعوى) ان قوله عليه السّلام إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة يقتضي نفى الندب في الوقت فيتعين الوجوب و لو مع العلم بعدم ترتب الواجب عليه و لو اضطرارا (يدفعها) ظهور منع ذلك بعد معلومية كون وجوب الطهور غير يا فيجري عليه حكمه، و قد يقال بعدم تعدده فيه مطلقا لان المكلف به فيه متحد و هو رفع الحدث و كونه مقدمة لواجب أو لمستحب، أو واجبا لنفسه و لو بالعارض، أو مستحبا لنفسه، أو جامعا للاعتبارات كلها أو لبعضها لا يقتضي تعددا في المكلف به، و لهذا لو فعله على أحد الوجوه الخاصة سقطت الخطابات كلها إن لم يحصل امتثالها لاستحالة تحصيل الحاصل و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 88

[فصل في بعض مستحبات الوضوء]
اشارة

فصل في بعض مستحبات الوضوء (1)

[ «الأول» أن يكون بمد]

«الأول» أن يكون بمد و هو ربع الصاع

______________________________

قوله قده (فصل: في بعض مستحبات الوضوء. إلخ)

(الأول) أن يكون بمد و هو مجمع عليه كما عن المنتهى و التذكرة و المعتبر للباقرى (ع) المروي في التهذيب كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم يغتسل بصاع من ماء و يتوضأ بمد من ماء، و الصادقي عليه السّلام كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم يتوضأ بمد من ماء و يغتسل بصاع و الكاظمي (ع): الغسل بصاع من ماء و الوضوء بمد من ماء.

(و المد) رطل و نصف بأرطال المدينة كما في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السّلام المروي في التهذيب كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم يتوضأ بمد و يغتسل بصاع، و المد رطل و نصف و الصاع ستة أرطال المدينة فيكون تسعة أرطال العراق، و للمتأخرين كلام في ان التفسير من الرواية أو من كلام الشيخ أو الراوي، و يعين حمله على المدني عدم القائل بإرادة غيره و حمل اللفظ على عرف المعصوم (ع) و هو مدني فيكون المد بناءا على ما تقدم رطلين و ربعا بأرطال العراق إجماعا كما عن الغنية و الخلاف و غيرهما للصحيح المتقدم و لرواية سليمان بن حفص المروزي عن أبى الحسن عليه السّلام ان الصاع أربعة أمداد، و المد رطلان و ربع بوزن بغداد (و قول) أحمد بن محمد بن ابى نصر البزنطي: يكون المد رطلا و ربعا بالعراق (شاذ) لم نقف على مستنده، نعم قال العلامة في التحرير: انه تعويل على رواية ضعيفة و لعلها المروية في التهذيب في باب حكم الجنابة عن

سماعة قال سألته عن الذي يجزى من الماء للغسل فقال: اغتسل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 89

و هو ستمائة و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال فالمد مائة و خمسون مثقالا و ثلاثة مثاقيل و نصف مثقال و حمصة و نصف.

______________________________

رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم بصاع و توضأ بمد و كان الصاع على عهده خمسة أمداد، و كان المد قدر رطل و ثلاث أواق، و هي مع تسليم دلالتها لا تقاوم ما تقدم.

(و الرطل العراقي) مائة و ثلاثون درهما، أحد و تسعون مثقالا شرعيا على الأصح الأشهر كما في المدارك و غيرها، و يؤيده الخبران المرويان في التهذيب عن العسكري عليه السّلام و فيه: و الرطل مائة و خمسة و تسعون درهما (قيل) و المراد بالرطل فيه المدني لأن العراقي ثلثا المدني، و عن الهمداني قال كتبت الى ابي الحسن عليه السّلام: جعلت فداك إن أصحابنا اختلفوا في الصاع بعضهم يقول: الفطرة بصاع المدني، و بعضهم يقول: بصاع العراقي فكتب الىّ عليه السّلام الصاع ستة أرطال بالمدني و تسعة بالعراقي، قال و أخبرني أن يكون بالوزن ألفا و مائة و سبعين وزنة (و قيل) و المراد بالوزنة الدرهم لأنه مروي في العيون و ذكر فيه الدرهم عوض الوزنة (و قيل) الرطل مائة و ثمانية و عشرون درهما و أربعة أسباع درهم تسعون مثقالا شرعيا كما عن المنتهى و موضع من التحرير لما قيل من تصريح بعض أهل اللغة بذلك، كالفيومى في المصباح المنير قال: الرطل هو بالبغدادي اثنى عشر أوقية أستار و ثلثا أستار، و الإستار: أربعة مثاقيل و نصف مثقال، و المثقال: درهم و ثلاثة أسباع درهم، و

الدرهم: ستة دوانيق، و الدانق ثماني حبات و خمس حبة، و على هذا فالرطل تسعون مثقالا و هي مائة درهم و ثمانية عشرون درهما و أربعة أسباع درهم. انتهى. إلا أنه قاصر عن مقاومة ما تقدم.

(و الدرهم) ستة دوانيق باتفاق الخاصة و العامة كما في المدارك و الرياض لرواية المروزي المتقدمة و نص أهل اللغة كما تقدم.

(و الدانق) ثمان حبات من أوسط حب الشعير بلا خلاف منا كما في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 90

[ «الثاني» الاستياك بأي شي ء كان]

«الثاني» الاستياك (1) بأي شي ء كان و لو بالإصبع و الأفضل عود الأراك (2)

______________________________

المدارك و غيرها، و الخبر الوارد بخلافه المروي في التهذيب عن المروزي عن الكاظم عليه السّلام قال: الغسل بصاع و الوضوء بمد و صاع النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم خمسة أمداد، و المد وزن مائتين و ثمانين درهما، و الدرهم وزن ستة دوانيق، و الدانق وزن ست حبات، و الحبة وزن حبتي الشعير من أوسط الحب لا من صغاره و لا من كباره، ضعيف لجهالة الراوي، شاذ لمخالفة ما عليه الأصحاب و على ما ذكرنا يكون المد كما ذكره المصنف (قده) مائة و خمسون مثقالا و ثلاثة مثاقيل و نصف مثقال و حمصة و نصف بالمثاقيل الصيرفية التي كل مثقال منها مثقال و ثلث مثقال شرعيا.

قوله قده الثاني: (الاستياك. إلخ)

أى قبله للصادقى (ع) المروي في الكافي: الاستياك قبل أن يتوضأ، قلت أ رأيت إن نسي حتى يتوضأ؟

قال يستاك ثم يتمضمض ثلاث مرات، و في آخر عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم عليك بالسواك عند كل وضوء، و في ثالث عليك بالسواك عند وضوء كل صلاة، و استحبابه يعم الصائم

و غيره للصادقى المروي في التهذيب عن السواك للصائم قال: نعم يستاك أى النهار شاء، و في آخر كره للصائم أن يستاك بسواك رطب و قال: لا يضر أن يبل سواكه بالماء ثم ينفضه حتى لا يبقى فيه شي ء.

و يجوز الاعتياض عنه بالمسبّحة و الإبهام للنبوي السواك بالإبهام و المسبّحة عند الوضوء سواك الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي فوق حد التواتر.

قوله قده: (و الأفضل عود الأراك)

لما رواه في البحار كان صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم يستاك بالأراك أمره بذلك جبرئيل، و في الرضوي: إن أجود ما استكت به ليف الأراك، فإنه يجلو الأسنان و يطيب النكهة و يشد اللثة و يسمنها و هو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 91

[ «الثالث» وضع الإناء الذي يغترف منه]

«الثالث» وضع الإناء الذي يغترف منه على اليمين (1)

[ «الرابع» غسل اليدين قبل الاغتراف مرة]

«الرابع» غسل اليدين (2) قبل الاغتراف مرة في حدث النوم و البول و مرتين في الغائط.

______________________________

نافع من الحفر إذا كان باعتدال، و الإكثار منه يرق الأسنان و يزعزعها و يضعف أصولها.

قوله قده الثالث: (وضع الإناء الذي يغترف منه على اليمين. إلخ)

ذلك هو المشهور بينهم بل عن المحقق في المعتبر و الشهيد في الذكرى و غير واحد من الأساطين نسبته إلى الأصحاب، و استدل له بما روى عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم انه كان يحب التيامن في طهوره و شغله و شأنه كله، و ربما علل أيضا بأنه أسهل و أيسر و أمكن للاستعمال أى للاغتراف باليمين و لا يخفى ان ذلك إنما يتم في الإناء الذي يغترف منه لا فيما كان ضيق الفم مثل الإبريق و نحوه فإنه لا يبعد استحباب وضعه على اليسار لكونه أمكن في الصب منه في الكف الأيمن، و لا يخفى أن ما ذكر لا يكفي في إثبات الاستحباب الشرعي، نعم بمعونة أخبار التسامح في أدلة السنن يمكن الاعتماد عليه، و يمكن أن يستدل له بما ورد في بعض الأخبار من أن اللّٰه يحب ما هو الأيسر و الأسهل و اللّٰه العالم.

قوله قده الرابع: (غسل اليدين. إلخ)

لا يخفى انه كما يستحب غسل الكفين معا قبل إدخالهما الإناء الذي يغرف منه للوضوء من حدث النوم و البول مرة و من الغائط مرتين كذلك يستحب غسلهما من حدث الجنابة ثلاثا للصحيح المروي في الكافي و التهذيب: عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها الإناء؟ قال: واحدة من حدث البول و اثنتان من حدث الغائط و ثلاثا

من الجنابة، و في الحسن الباقرى: يغسل الرجل يده من النوم مرة و من الغائط و البول مرتين و من الجنابة ثلاثا (قال) في الوسائل: اعتبار المرتين في البول محمول على الأفضلية أو على صورة اجتماع الغائط و البول كما هو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 92

[ «الخامس» المضمضة و الاستنشاق]

«الخامس» المضمضة و الاستنشاق (1) كل منهما ثلاث مرات بثلاث أكف و يكفى الكف الواحدة أيضا لكل من الثلاث.

______________________________

الظاهر من العطف فيدل على التداخل. انتهى، و هل يستحب ذلك مطلقا؟

كما يقتضيه إطلاق جملة من الأخبار و الفتاوى، أم يختص بالإناء الواسع الرأس الذي فيه ماء قليل دون الضيق الرأس و الكثير و الجاري؟ كما اختاره جملة و يشعر به الصحيح الأول، قولان: و مورد النصوص و ان كان الرجل و لكن لا خلاف بينهم في إجرائها في غيره من المرأة و الخنثى.

قوله قده الخامس: (المضمضة و الاستنشاق. إلخ)

على المشهور و عن الغنية و المنتهى و نهاية الأحكام الإجماع عليه (للصادقى) المروي في التهذيب: المضمضة و الاستنشاق مما سنّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم (و الخبر) هما من السنة فان نسيتهما لم تكن عليك اعادة (و الموثق) هما من الوضوء فان نسيتهما فلا تعد، خلافا للعماني فليسا بفرض و لا سنة مستدلا بالصحيح المروي في التهذيب عن الباقر عليه السّلام المضمضة و الاستنشاق ليسا من الوضوء، و في آخر ليس المضمضة و الاستنشاق فريضة و لا سنة إنما عليك أن تغسل ما ظهر و نحوهما غيرهما، و حملت على نفى الوجوب الفرضي الثابت بالكتاب و السني الثابت بالسنة، أو انهما ليسا من اجزاء الوضوء الواجبة و المستحبة، بل هما من المستحبات الخارجة و

صرح جملة من الأصحاب باستحباب التثليث في كل منهما للرضوى المروي في مجالس ابن الشيخ تمضمض ثلاثا و استنشق ثلاثا، و صرح بعضهم باستحباب ثلاث غرفات للمضمضة و مثلها للاستنشاق، و قيل بالاقتصار على كف لكل منهما، و صرح بعضهم باستحباب تقديم المضمضة، و قيل بلزومه.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 93

[ «السادس» التسمية عند وضع اليد في الماء أو صبه على اليد]

«السادس» التسمية (1) عند وضع اليد في الماء أو صبه على اليد و أقلها بسم اللّٰه و الأفضل بسم اللّٰه الرحمن الرحيم و أفضل منهما بسم اللّٰه و باللّٰه اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين «السابع» الاغتراف باليمنى (2) و لو لليمنى بان يصبه في اليسرى ثم يغسل اليمنى.

______________________________

قوله قده السادس: (التسمية. إلخ)

إجماعا كما في المعتصم للفيض المحسن و كذا عن الغنية و المعتبر و المنتهى و الذكرى، و في الصحيح المروي في التهذيب عن زرارة عن الباقر عليه السّلام إذا وضعت يدك في الماء فقل: بسم اللّٰه و باللّٰه اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين، فاذا فرغت فقل:

الحمد للّٰه رب العالمين، و في الصحيح المروي في التهذيب عن الصادق عليه السّلام: من ذكر اسم اللّٰه على وضوئه فكأنما اغتسل، و في ثالث: إذا سميت في الوضوء طهر جسدك كله، و إذا لم تسم لم يطهر من جسدك إلا ما مر عليه الماء.

قوله قده السابع: (الاغتراف باليمنى. إلخ)

و يشهد له مع اشتهاره بل و نسبته في المعتبر و الذكرى الى الأصحاب و الوضوءات البيانية على ما قيل ما عن عمر بن أذينة عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث معراج النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم ان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله

و سلّم قال لما اسرى بي إلى السماء أوحى اللّٰه الىّ يا محمد ادن من صاد فاغسل مساجدك و طهرها و صل لربك فدنا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم من صاد و هو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن فتلقى رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم الماء بيده اليمنى، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمنى. إلخ، و ما عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم انه كان يحب التيامن في طهوره و تنعله و في شأنه كله، و عنه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم إن اللّٰه تعالى يحب التيامن في كل شي ء و انه أيسر في الاستعمال، و قد روى كما قيل ان اللّٰه تعالى يحب ما هو الأيسر و الأسهل.

(و اما) ما في جملة من النصوص على ما قيل من الاغتراف باليسرى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 94

[ «الثامن» قراءة الأدعية المأثورة]

«الثامن» قراءة الأدعية المأثورة (1) عند كل من المضمضة و الاستنشاق و غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين.

______________________________

لغسل اليمنى (فمحمول) على بيان الجواز لرجحان ما تقدم بالشهرة و غيرها و اللّٰه العالم.

قوله قده الثامن: (قراءة الأدعية المأثورة. إلخ)

يستحب قراءة الأدعية المأثورة عند كل فعل لما رواه المشايخ الثلاثة عن عبد الرحمن بن كثير عن الصادق عليه السّلام قال: بينا أمير المؤمنين عليه السّلام ذات يوم جالس مع محمد بن الحنفية إذ قال يا محمد ايتنى بإناء من ماء أتوضأ للصلاة، فأتاه محمد بالماء فأكفاه بيده اليمنى على يده اليسرى، ثم قال: بسم اللّٰه و الحمد للّٰه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا، قال ثم استنجى فقال: اللهم حصن

فرجي و أعفه و استر عورتي و حرمني على النار، قال ثم تمضمض فقال اللهم لقني حجتي يوم ألقاك و أطلق لساني بذكراك، ثم استنشق فقال: اللهم لا تحرم علي ريح الجنة و اجعلني ممن يشم ريحها و روحها و طيبها، قال ثم غسل وجهه فقال: اللهم بيض وجهي يوم تسود الوجوه و لا تسود وجهي يوم تبيض الوجوه، ثم غسل يده اليمنى فقال: اللهم أعطني كتابي بيميني و الخلد في الجنان بيساري و حاسبني حسابا يسيرا، ثم غسل يده اليسرى فقال:

اللهم لا تعطني كتابي بشمالي و لا تجعلها مغلولة إلى عنقي و أعوذ بك من مقطعات النيران، ثم مسح رأسه فقال: اللهم غشني برحمتك و بركاتك، ثم مسح رجليه فقال: اللهم ثبتني على الصراط يوم تزل فيه الأقدام و اجعل سعيي فيما يرضيك عنى، ثم قال يا محمد من توضأ مثل وضوئي و قال: مثل قولي خلق اللّٰه له من كل قطرة ملكا يقدسه و يسبحه و يكبره، فيكتب اللّٰه له ثواب ذلك الى يوم القيامة.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 95

[ (التاسع) غسل كل من الوجه و اليدين مرتين]

(التاسع) غسل كل من الوجه و اليدين مرتين. (1)

______________________________

قوله قده التاسع: (غسل كل من الوجه و اليدين مرتين اه)

لا يخفى ان الفرض في الغسلات غسلة واحدة لكل عضو و لو بغرفات متعددة بلا خلاف فيه و لا اشكال يعتريه للكتاب و السنة المتواترة الآتي ذكرها.

و اما الغسلة الثانية بعد تمام الغسلة الأولى في كل من الأعضاء الثلاثة فقد وقع فيها الكلام بين العلماء الأعلام فاثبت استحبابها و مشروعيتها قوم و نفاه آخرون.

(و احتج المثبتون) بعد الشهرة المدعاة بل و نقل الإجماع عن غير واحد من قدماء أصحابنا بالأخبار المستفيضة (منها)

صحيحة زرارة عن الصادق عليه السّلام الوضوء مثنى مثنى من زاد لم يؤجر، بناءا على ارادة مطلق الطلب و المشروعية بالنسبة إلى الاثنين و عدم الطلب و عدم المشروعية بالنسبة الى ما زاد، و حينئذ يقال: انه قام الإجماع على عدم الوجوب فيتعين استحبابها (و في الصحيح) عن صفوان و معاوية بن وهب مثله (و منها) موثقة يونس لمن جاء من الغائط أو بال يغسل ذكره و يذهب الغائط ثم يتوضأ مرتين مرتين (و منها) مرسلة مؤمن الطاق فرض اللّٰه الوضوء واحدة واحدة و وضع رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم للناس اثنتين اثنتين (و منها) مرسلة عمرو بن ابى المقدام إني لأعجب ممن يرغب أن يتوضأ اثنتين اثنتين (و منها) خبر الفضل ابن شاذان عن الرضا عليه السّلام انه قال: في كتاب إلى المأمون ان الوضوء مرة فريضة و اثنتان إسباغ (و منها) ما في كتاب القائم عجل اللّٰه فرجه إلى العريضي- من أولاد الصادق عليه السّلام- الوضوء كما أمر به غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين واحد و اثنان إسباغ الوضوء، و ان زاد أثم (و منها) ما عن الوسائل عن إرشاد المفيد ان على بن يقطين كتب الى ابى الحسن موسى عليه السّلام

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 96

..........

______________________________

يسأله عن الوضوء فكتب إليه أبو الحسن عليه السّلام فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء و الذي آمرك به في ذلك أن تمضمض ثلاثا و تستنشق ثلاثا، و تغسل وجهك ثلاثا، و تخلل شعر لحيتك و تغسل يديك الى المرفقين ثلاثا، و تمسح رأسك كله و تغسل رجليك الى الكعبين ثلاثا و لا تخالف ذلك

الى غيره، فلما وصل الكتاب الى على بن يقطين تعجب بما رسم له أبو الحسن عليه السّلام فيه مما جميع العصابة على خلافه، ثم قال: مولاي أعلم بما قال و أنا امتثل امره فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد و يخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمر أبي الحسن عليه السّلام و سعى بعلي بن يقطين الى الرشيد قيل: انه رافضي فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر فلما نظر الى وضوئه، ناداه كذب يا على بن يقطين من زعم انك من الرافضة و صلحت حاله عنده و ورد عليه كتاب ابي الحسن عليه السّلام: ابتدأ من الآن يا على بن يقطين توضأ كما أمرك اللّٰه تعالى اغسل وجهك مرة فريضة و أخرى إسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك، و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كنا نخاف منه عليك و السلام (و منها) ما عن محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي في كتاب الرجال بسنده فيه عن داود الرقى قال دخلت على أبى عبد اللّٰه عليه السّلام فقلت له جعلت فداك كم عدة الطهارة؟ فقال: ما أوجبه اللّٰه فواحدة و أضاف رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم واحدة لضعف الناس، و من توضأ ثلاثا ثلاثا فلا صلاة له، و أنا معه في ذا حتى جاء داود بن زربي فسأله عن عدة الطهارة فقال له: ثلاثا ثلاثا من نقص عنه فلا صلاة له، قال فارتعدت فرائصي فكاد أن يدخلني الشيطان فأبصر أبو عبد اللّٰه الىّ و قد تغير لوني فقال:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 97

..........

______________________________

يا داود: هذا هو الكفر أو

ضرب الأعناق، قال: فخرجنا من عنده، و كان ابن زربي إلى جوار بستان أبى جعفر المنصور و كان قد القى الى ابى جعفر أمر داود بن زربي و انه رافضي يختلف الى جعفر بن محمد، فقال أبو جعفر المنصور انى مطلع على طهارته فان هو توضأ وضوء جعفر بن محمد فانى لا عرف طهارته حققت عليه القول و قتلته، فاطلع و داود يتهيأ للصلاة من حيث لا يراه فأسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثا ثلاثا كما أمره أبو عبد اللّٰه عليه السّلام فما تم وضوؤه حتى بعث إليه أبو جعفر المنصور فدعاه قال فقال داود فلما ان دخلت عليه رحب بي و قال: يا داود قيل فيك شي ء باطل و ما أنت كذلك قد اطلعت على طهارتك و ليس طهارتك طهارة الرافضة فاجعلني في حل و أمر له بمائة ألف درهم، قال فقال داود الرقى التقيت أنا و داود بن زربي عند ابى عبد اللّٰه عليه السّلام فقال له داود جعلت فداك حقنت دماءنا في دار الدنيا و نرجو أن ندخل بيمنك و بركتك الجنة فقال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام فعل اللّٰه ذلك بك و بإخوانك من جميع المؤمنين، فقال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام لداود بن زربي حدث داود الرقى بما مر عليك حتى تسكن روعته، قال فحدثته بالأمر كله قال فقال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام لهذا أفتيته لأنه كان أشرف على القتل من يد هذا العدو، ثم قال يا داود بن زربي توضأ مثنى مثنى و لا تزدن عليه و إنك إن زدت عليه لا صلاة لك.

(و احتج النافون) بعد الطعن في الأخبار المذكورة في بعضها سندا كمرسلتي مؤمن الطاق و

عمرو بن أبى المقدام المتقدمتي الذكر فإنهما بسند منقطع، و في كلها دلالة مثل حملها على التقية كما عن المنتقى، أو على ان المراد من قوله الوضوء مثنى مثنى استحباب تجديد الوضوء كما عن الصدوق لا تكرير الغسلات،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 98

..........

______________________________

أو أنه أراد بقوله مثنى مثنى غرفتين لغسلة واحدة كما عن المحدث الكاشاني فيكون الفضل في إتيان كل غسلة بغرفتين حملا لأحاديث الوحدة على الغسلة و أحاديث التثنية على الغرفة، أو أنه أراد من مثنى مثنى غسلتان و مسحتان لا كما يزعمه المخالفون من أنه ثلاث غسلات و مسحة كما عن المحقق البهائي، أو أن المراد استحباب إسباغ الغسلة الأولى بالثانية إذا كانت ناقصة بكونها على وجه لا يتحقق بها إلا أقل مسمى الغسل المجزى فيستحب حينئذ إسباغها بغسلة ثانية لإكمالها كما في الحدائق الى غير ذلك من المحامل، كحمل رواية مؤمن الطاق على الإنكار على معنى انه حد اللّٰه حدا فتجاوزه رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم و تعداه؟ و قال اللّٰه عز و جل (وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّٰهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) و قد روى: ان الوضوء حد من حدود اللّٰه ليعلم اللّٰه من يطيعه و من يعصيه، و ان المؤمن لا ينجسه شي ء و إنما يكفيه مثل الدهن، و قال الصادق عليه السّلام: من تعدى في وضوئه كان كناقضه بالأخبار المستفيضة الحاكية لوضوء رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم الظاهرة في كون وضوئه مرة مرة، بل بكف كف لكل من الأعضاء المغسولة، و فيما أرسله في الفقيه عن الصادق عليه السّلام: و اللّٰه ما كان وضوء رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه

و آله و سلّم إلا مرة مرة، و توضأ النبي مرة مرة فقال: هذا وضوء لا يقبل اللّٰه الصلاة إلا به، و في خبر عبد الكريم عن الصادق (ع) ما كان وضوء على إلا مرة مرة و هذا أدل دليل على ان الوضوء مرة لأنه كان (ع) إذا ورد عليه أمران كلاهما طاعة للّٰه أخذ بأحوطهما و أشدهما على بدنه، و روى في الإكمال قال: وجدت مثبتا في بعض الكتب المصنفة في التواريخ و لم أسمعه عن محمد بن الحسين بن عباد عن عقيد خادم الحسن العسكري (ع) في حديث

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 99

[ «العاشر» أن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الأولى]

«العاشر» أن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه (1) في الغسلة الأولى و في الثانية بباطنهما و المرأة بالعكس

[ «الحادي عشر» أن يصب الماء على أعلى كل عضو]

«الحادي عشر» أن يصب الماء على أعلى كل عضو (2) و أما الغسل من الأعلى فواجب.

[ «الثاني عشر» أن يغسل ما يجب غسله من مواضع الوضوء]

«الثاني عشر» أن يغسل ما يجب غسله من مواضع الوضوء بصب الماء عليه لا بغمسه فيه. (3)

______________________________

قال عقيد فدعا عليه السّلام بماء قد أغلى بالمصطكى فجئنا به اليه فقال ابدأ بالصلاة هيئونى فجئنا به و بسطنا في حجره المنديل و أخذ من صيقل الماء فغسل به وجهه و ذراعيه مرة مرة و مسح على رأسه و قدميه مسحا الى آخر الحديث.

فاذا عرفت ما تلوناه عليك فيشكل المصير الى الاستحباب بعد ما ذكر من الوهن في أخبار الاثنتين و تطرق الاحتمال فيها فالأولى و الأحوط الاقتصار على الواحدة و اللّٰه العالم.

قوله قده العاشر: (ان يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه. إلخ)

إجماعا كما عن الغنية و التذكرة للرضوى المروي في الكافي و التهذيب فرض اللّٰه على النساء في الوضوء ان يبدأن بباطن أذرعهن و في الرجال بظاهر الذراع، و نحوه آخر و المراد من الفرض التقدير و التشريع لا الإيجاب بقرينة غيره من الأدلة، و لا تدل الرواية على أزيد من استحباب البدأة في غسل الذراع للنساء بباطنه و للرجال بظاهره و لا تعرض فيها للغسلة الأولى و لا الثانية.

قوله قده الحادي عشر: (ان يصب الماء على أعلى كل عضو. إلخ)

لا دليل على أكثر من وجوب الغسل من الأعلى.

قوله قده الثاني عشر: (ان يغسل ما يجب غسله من مواضع الوضوء بصب الماء عليه لا بغمسه فيه. اه)

يمكن استفادته من صحيح الرقاشي الآتي في الأمر الثالث عشر، و أما توهم استفادته من الوضوءات البيانية، ففيه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 100

[ «الثالث عشر» أن يكون ذلك مع إمرار اليد على تلك المواضع]

«الثالث عشر» أن يكون ذلك مع إمرار اليد (1) على تلك المواضع و ان تحقق الغسل بدونه

[ «الرابع عشر» أن يكون حاضر القلب]

«الرابع عشر» أن يكون حاضر القلب في جميع أفعاله (2)

[ «الخامس عشر» أن يقرأ القدر]

«الخامس عشر» أن يقرأ القدر حال الوضوء (3)

[ «السادس عشر» أن يقرأ آية الكرسي]

«السادس عشر» أن يقرأ آية الكرسي بعده. (4)

______________________________

انها ليست بصدد البيان من هذه الجهة و اللّٰه العالم.

قوله قده الثالث عشر: (أن يكون ذلك مع إمرار اليد. إلخ)

كما في الذكرى معللا له بالتأسي بصاحب الشرع و أهل بيته، و للصحيح المروي في الوسائل عن قرب الإسناد عن الرقاشي قال قلت لأبي الحسن موسى (ع) كيف أتوضأ للصلاة؟ فقال: لا تعمق في الوضوء و لا تلطم وجهك بالماء لطما و لكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا، و كذلك فامسح الماء على ذراعيك الحديث، و عن الإسكافي انه أوجبه في غسل الوجه.

قوله قده الرابع عشر: (أن يكون حاضر القلب في جميع أفعاله. اه)

فان ذلك روح العبادة و حقيقتها و به تنال الدرجات العالية و المقامات السامية فإن من أحضر قلبه عند خدمة ربه كان اللّٰه حاضرا عنده.

قوله قده الخامس عشر: (ان يقرأ القدر حال الوضوء. اه)

في البحار عن الفقه الرضوي قال: أيما مؤمن قرأ في وضوئه إنا أنزلناه في ليلة القدر خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه، و عنه أيضا من كتاب السيد ابن الباقي و كتاب البلد الأمين ان من قرأ بعد إسباغ الوضوء إنا أنزلناه و قال: اللهم إني أسألك تمام الوضوء و تمام الصلاة و تمام رضوانك و تمام مغفرتك لم تمر بذنب أذنبته إلا محقته.

قوله قده السادس عشر: (أن يقرأ آية الكرسي بعده. اه)

في البحار أيضا عن كتاب الاختيار قال قال الباقر (ع) من قرأ على أثر وضوئه آية

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 101

[ «السابع عشر» أن يفتح عينه حال غسل الوجه]

«السابع عشر» أن يفتح عينه حال غسل الوجه. (1)

[فصل في مكروهاته]
اشارة

فصل في مكروهاته

[ «الأول» الاستعانة بالغير في المقدمات القريبة]

«الأول» الاستعانة بالغير (2) في المقدمات القريبة كان يصب الماء في يده و أما في نفس الغسل فلا يجوز.

______________________________

الكرسي مرة أعطاه اللّٰه ثواب أربعين عاما و رفع له أربعين درجة و زوجه اللّٰه تعالى أربعين حوراء.

قوله قده السابع عشر: (ان يفتح عينيه حال غسل الوجه. اه)

استظهارا لغسل نواحيها و للنبوي المروي في الفقيه: افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلها لا ترى نار جهنم، و لا ينافيه حكاية الإجماع على نفى استحباب إيصال الماء إلى داخل العينين لعدم التلازم بينهما، و روى ان ابن عباس (رض) كان يفعله فعمي لذلك.

قوله قده (فصل: في مكروهاته (الأول) الاستعانة بالغير. إلخ)

للحسن المروي في الكافي عن الوشاء قال دخلت على الرضا (ع) و بين يديه إبريق يريد أن يتهيأ منه للصلاة فدنوت منه لأصب الماء عليه فأبى ذلك و قال مه يا حسن فقلت له لم تنهاني أن أصب على يديك تكره ان أوجر؟ قال:

تؤجر أنت و أوزر أنا؟ فقلت و كيف ذلك؟ فقال: اما سمعت اللّٰه عز و جل يقول. (فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) و ها انا ذا أتوضأ للصلاة و هي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد و عن إرشاد المفيد قال دخل الرضا (ع) يوما و المأمون يتوضأ للصلاة و الغلام يصب على يده الماء فقال: لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحدا، و في رواية الصدوق في الفقيه و العلل كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا توضأ لم يدع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 102

[ «الثاني» التمندل]

«الثاني» التمندل (1) بل مطلق مسح البلل.

______________________________

أحدا يصب عليه الماء فقيل له يا أمير المؤمنين لم لا تدعهم يصبون

عليك الماء؟ فقال: لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا، و قال اللّٰه تبارك و تعالى:

(فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) و في رواية السكوني عن أبى عبد اللّٰه عن آبائه عن على (ع) قال قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم خصلتان لا أحب أن يشاركني فيهما أحد وضوئي فإنه من صلاتي، و صدقتي فإنها من يدي إلى يد السائل فإنها تقع في يد الرحمن.

هذا كله في الاستعانة بالغير في المقدمات القريبة، و اما في نفس الفعل فلا يجوز في الوضوء بل في سائر الطهارات، و تجب فيها المباشرة بالنفس للإجماع المحكى و قوله تعالى (وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلّٰا مٰا سَعىٰ) و أصالة بقاء اشتغال الذمة بالتكليف و أصالة بقاء الحدث المتقدم، و للأخبار المتقدمة في الوضوء البياني و قوله: هذا وضوء لا يقبل اللّٰه الصلاة إلا به.

قوله قده الثاني: (التمندل. إلخ)

الحكم بكراهته هو المشهور كما اعترف به كثير منهم، بل قيل بكراهة مطلق مسحه، بل مطلق تجفيفه و لو بالشمس أو النار، و المستند فيه ما روى بعدة طرق في الكافي و ثواب الأعمال و المحاسن عن أبى عبد اللّٰه (ع): من توضأ و تمندل كتبت له حسنة و من توضأ و لم يتمندل حتى يجف وضوؤه كتب له ثلاثون حسنة، و يعارضها الأخبار المستفيضة الدالة على انه كان لعلي خرقة يعلقها في مسجد بيته لوجهه إذا توضأ تمندل بها كما عن المحاسن مسندا اليه (ع) و اليه (ع) كان لعلى (ع) خرقة في المسجد ليست إلا للوجه يتمندل بها، و اليه (ع) قال: كانت له (ع) خرقة يمسح بها وجهه

إذا توضأ للصلاة ثم يعلقها على وتد و لا يمسها غيره (و منها) رواية الحضرمي عنه (ع) لا بأس بمسح الرجل وجهه بالثوب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 103

[ «الثالث» الوضوء في مكان الاستنجاء]

«الثالث» الوضوء في مكان الاستنجاء. (1)

[ «الرابع» الوضوء من الآنية المفضضة أو المذهبة]

«الرابع» الوضوء من الآنية المفضضة (2) أو المذهبة أو المنقوشة بالصور.

______________________________

إذا توضأ إذا كان الثوب نظيفا، و نظيرها صحيحة ابن مسلم عن ابى عبد اللّٰه (ع) عن التمسح بالمنديل قبل أن يجف قال: لا بأس به، و في موثقة إسماعيل بن الفضل قال رأيت أبا عبد اللّٰه (ع) توضأ للصلاة ثم مسح وجهه بأسفل قميصه ثم قال يا إسماعيل افعل هكذا فإني أفعل هكذا، و في صحيحة منصور بن حازم قالت رأيت أبا عبد اللّٰه (ع) و قد توضأ و هو محرم ثم أخذ منديلا فمسح به وجهه.

و هذه الأخبار و إن كانت أصح سندا و أكثر عددا إلا أن مخالفتها للمشهور و موافقتها للجمهور الذين جعل اللّٰه الرشد في خلافهم أوهنها، فيحتمل جرى هذه الأخبار مجرى التقية و ان كان هذا الاحتمال بعيدا بالنسبة إلى بعضها، كالأخبار المروية عن على (ع) خصوصا و ظاهرها مداومته عليه السلام على ذلك فعليه يشكل الحكم بالكراهة و اللّٰه العالم.

قوله قده الثالث: (الوضوء في مكان الاستنجاء. اه)

للمحكي عن المستدرك عن جامع الأخبار عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم انه عد مما يورث الفقر غسل الأعضاء في موضع الاستنجاء، و ممن تعرض للكراهة المامقاني في مناهج المتقين، و لكن ينافيه ظاهر رواية عبد الرحمن بن كثير التي تقدم ذكرها عن المشايخ الثلاثة الحاكية لوضوء أمير المؤمنين (ع).

قوله قده الرابع: (الوضوء من الآنية المفضضة. إلخ)

لما تقدم من النصوص الناهية عن استعمالها المحمولة على الكراهة جمعا (و منها) المروي في الوسائل عن إسحاق بن عمار عن أبى عبد اللّٰه (ع) عن الطشت يكون فيه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 104

[ «الخامس» الوضوء بالمياه المكروهة]

«الخامس» الوضوء بالمياه المكروهة (1) كالشمس

و ماء الغسالة (2) من الحدث

______________________________

التماثيل أو الكوز أو التور يكون فيه التماثيل أو فضة لا يتوضأ منه و لا فيه، الحديث.

قوله قده الخامس: (الوضوء بالمياه المكروهة. إلخ)

أما الماء المشمس فالمشهور كراهة استعماله بلا خلاف لنهي النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم الحميراء عنه، و قوله: انه يورث البرص، و الصادقي المروي في الكافي و التهذيب قال قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم: الماء الذي تسخنه الشمس لا تتوضأوا به و لا تغتسلوا به و لا تعجنوا به فإنه يورث البرص، و مقتضى إطلاقها كما صرح به جملة عموم الكراهة لما إذا قصد التسخين أو اتفق خلافا لجمع فخصوها بالأول، و مقتضاها ككلام الأكثر عدم الفرق بين الآنية المنطبقة و غيرها و البلاد الحارة و غيرها خلافا لشاذ فخصها بالأولين.

(و الآجن) اى المتغير بنفسه من دون نجاسة و يكثره استعماله أيضا للصحيح المروي في الكافي و التهذيب الصادقي: الماء الآجن يتوضأ منه إلا أن تجد ماءا غيره فتنزه عنه، و ظاهر الصدوق في الفقيه وجوب التنزه لظاهر الأمر و حكى الإجماع على خلافه.

قوله قده: (و ما الغسالة. إلخ)

تفصيا من الخلاف فتوى و رواية و يجزى استعماله فيه على الأصح وفاقا للمشهور، و عن الناصريات الإجماع عليه لصدق امتثال الأمر بالغسل بالماء باستعماله و عمومات الكتاب و السنة على المنع من التيمم مع وجود الماء و إذا لم يجز التيمم وجب استعماله للإجماع على عدم سقوط الطهارة حينئذ و عموم ما دل على ان الماء طاهر مطهر و جملة من الأخبار، و في الصحيح عن الغدير يجتمع فيه ماء المساء و يستسقى فيه من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2،

ص: 105

الأكبر و الماء الآجن و ماء البئر قبل نزح المقدرات (1) و الماء القليل الذي ماتت فيه (2) الحية أو العقرب أو الوزغ

______________________________

بئر فيستنجي فيه الإنسان من بول و يغتسل فيه الجنب ما حد الذي لا يجوز؟

فكتب: لا يتوضأ من مثل هذا إلا من ضرورة (و قيل) بعدم الاجزاء فيه أى المستعمل في رفع الحدث الأكبر كما عن الشيخين و الصدوقين و ابني حمزة و البراج، و مستنده بعد أصالة بقاء الحدث: الصادقي المروي في التهذيب: الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه، و هو ضعيف (نعم) في الصحيح المروي في التهذيب عن الحمام: أدخله بإزار و لا تغتسل من ماء آخر إلا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله فلا تدري فيهم جنب أم لا، و في الدلالة تأمل (و المراد) بالماء المستعمل الماء القليل المنفصل عن أعضاء الطهارة فالكثير ليس من محل البحث، و الخلاف في التطهير به من الحدث لا الخبث كما نص عليه جمع.

قوله قده: (و ماء البئر قبل نزح المقدرات. إلخ)

بناءا على عدم تنجسه بالملاقاة و استحباب نزح المقدر وفاقا لجمهور المتأخرين.

قوله قده: (و الماء القليل الذي ماتت فيه. إلخ)

للصادقى المروي التهذيب عن حية دخلت حبا فيه ماء و خرجت منه قال: إذا وجد ماءا غيره فليهرقه، و في آخر عن الفارة و العقرب و أشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء و يتوضأ منه؟ قال: ليسكب منه ثلاث مرات و قليله و كثيره بمنزلة واحدة، ثم يشرب منه و يتوضأ منه غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع فيه، و آخر في العقرب قال:

ارقه، و في آخر: و ان كان عقربا فأرق الماء و توضأ من ماء غيره.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 106

و سؤر الحائض (1) و الفأر و الفرس و البغل (2) و الحمار و الحيوان الجلال و آكل الميتة بل كل حيوان لا يؤكل لحمه.

[فصل في أفعال الوضوء]
اشارة

فصل في أفعال الوضوء (3)

[ (الأول) غسل الوجه وحده من قصاص الشعر الى الذقن طولا]
اشارة

(الأول) غسل الوجه وحده من قصاص الشعر الى الذقن طولا

______________________________

قوله قده: (و سؤر الحائض. إلخ)

مطلقا سواء كانت مأمونة أو غير مأمونة كما هو ظاهر إطلاقه (قده) و كما هو ظاهر المقنع لا يجوز مطلقا، و ان كانت مأمونة لإطلاق بعض الأخبار، كالصادقى المروي في الكافي:

اشرب من سؤر الحائض و لا تتوضأ منه، و نحوه آخر، و في ثالث:

لا تتوضأ من سؤر الحائض، و قيده جمهور الأصحاب بالغير المأمونة حملا لمطلق الأخبار على مقيدها كما في الموثق في الرجل يتوضأ بفضل الحائض قال:

إذا كانت مأمونة فلا بأس، و في الخبر المرأة الطامث أشرب من فضل شرابها و لا أحب أن أتوضأ منه.

قوله قده: (و سؤر البغل. إلخ)

تقدم في مبحث الأسئار ما يدل على كراهة استعمال اسئارها مطلقا شربا و وضوءا و غيرهما و اللّٰه العالم.

قوله قده (فصل: في أفعال الوضوء. إلخ)

لا يخفى ان حد الوجه الذي يجب غسله في الوضوء طولا و عرضا هو ما اشتمل عليه الإبهام و الوسطى يعنى ان الخط المتوهم من قصاص الشعر- مثلث القاف و الضم أعلى- و هو حيث ينتهى منبت الشعر من مقدم الرأس و مؤخره، و المراد هنا المقدم الى أن ينتهي إلى طرف الذقن- بالتحريك- و هو مجمع اللحيين الذين ينبت عليهما الأسنان السفلى، و هو الذي يشتمل عليه الإصبعان غالبا إذا أثبت وسطه و أدير على أنفه حتى يحصل شبه دائرة فذلك القدر هو الذي يجب غسله كما فهمه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 107

و ما اشتمل عليه الإبهام و الوسطى عرضا، و الأنزع و الأغم و من خرج وجهه أو يده عن المتعارف يرجع كل منهم الى المتعارف،

فيلاحظ أن اليد المتعارفة

______________________________

شيخنا المحقق البهائي (ره) من الصحيح المروي في الكافي و التهذيب و الفقيه عن زرارة انه قال: للباقر (ع) أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي أن يوضّأ الذي قال اللّٰه تعالى؟ فقال عليه السّلام: الوجه الذي قال اللّٰه و أمر اللّٰه عز و جل بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه، إن زاد عليه لم يؤجر و ان نقص منه أثم، ما دارت عليه الوسطى و الإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، و ما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه، و ما سوى ذلك فليس من الوجه، فقال له: الصدغ من الوجه؟ قال:

لا، و نعم ما فهم بان يكون قوله عليه السّلام من قصاص شعر الرأس، اما متعلق بقوله دارت أو صفة مصدر محذوف، و المعنى ان الدوران يبتدء من القصاص منتهيا الى الذقن، و اما حال من الموصول الواقع خبرا عن الوجه و هو لفظة (ما) إن جوزنا الحال عن الخبر، و المعنى ان الوجه هو القدر الذي دارت عليه الإصبعان حال كونه من القصاص الى الذقن، فاذا وضع طرف الوسطى مثلا على قصاص الناصية و طرف الإبهام على آخر الذقن ثم أثبت وسط انفراجهما و دار طرف الوسطى مثلا على الجانب الأيسر إلى أسفل و دار طرف الإبهام على الجانب الأيمن إلى فوق و تمت الدائرة، فيتضح خروج النزعتين و الصدغين عن الوجه و العذاران و موضع التحذيف، و اما العارضان فيقع بعضهما داخلها و بعضهما خارجا عنها فيغسل ما دخل و يترك ما خرج، و الأصحاب حددوا الوجه طولا بما كان من قصاص الشعر الى طرف الذقن، و عرضا بما اشتمل عليه

الإبهام و الوسطى و المعنى بان يكون قوله ما دارت عليه الإبهام و الوسطى بيان لعرض الوجه، و قوله من قصاص

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 108

في الوجه المتعارف الى أى موضع تصل و أن الوجه المتعارف أين قصاصه

______________________________

شعر الرأس إلى الذقن بيان لطوله، و المعنى المتقدم الذي فهمه المحقق البهائي (ره) و إن كان دقيقا و لكن حمل الرواية عليه بعيد يشبه اللغز و المعمى كما اعترف به الفاضلان المجلسيان و المحققان الخوانساريان، و الكلام في ذلك طويل، و لعل الأقرب المصير الى ما حدده به الأصحاب و اللّٰه العالم، فعلى ما ذكروه (قده) كل ما يحيط به الإصبعان يجب غسله و ما لا يحيط به الإصبعان لا يجب غسله سواء سمى بالعذار أم لا، نعم يجب غسل مقدار يسير من الأطراف الخارجة من الحدود بحكم العقل مقدمة لحصول الواجب و كذا للعلم بحصوله.

و لا يخفى ان ما ذكره الأصحاب من ان حد الوجه الذي يجب غسله في الوضوء طولا من قصاص الشعر الى الذقن و عرضا ما اشتمل عليه الإبهام و الوسطى من مستوى الخلقة في الوجه و اليدين فيرجع غيره اليه ليس غرضهم من رجوع غيره اليه هو أنه لو خرج وجهه عن المتعارف كبرا و كان إصبعاه على حسب المتعارف أن يغسل من وجهه ما أحاط به اصبعاه و ان خرج بعض وجهه، و كذا في صورة ما لو خرج عن المتعارف صغرا و كان اصبعاه على حسب المتعارف يجب عليه أن يغسل ما أحاط به اصبعاه و إن بلغا أذنيه أو تجاوزا عنهما، إذ لا يتوهم ذلك فيهم و لا ادعاه مدع منهم ضرورة وجوب غسل كل وجه

بل غرضهم (قده) من رجوع من خرج عن المتعارف اليه هو أن يفرض له إصبعان يناسبان وجهه صغرا أو كبرا كمناسبة إصبعي المتعارف لوجهه فيغسل من وجهه ذلك المقدار الذي يغسله منه المتعارف (و بعبارة) أوضح أن المتعارف كما يغسل من وجهه ما تحويه الإصبعان من الأعضاء كالجبهة و الجبينين و الحاجبين و العينين و الفم و الأنف و الخدين

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 109

فيغسل ذلك المقدار، و يجب اجراء الماء (1) فلا يكفى المسح به، و حده أن يجرى من

______________________________

فيكون تمام هذا من الوجه دون ما زاد عليه و خرج عنه كالعذارين فكذلك يكون الوجه غير المتعارف هو تلك الأعضاء لا غير سواء حوتها اصبعاه أو زادت عليها أو نقصت، و كذلك من جهة الطول كالأنزع و الأغم في رجوعهما الى المتعارف.

قوله قده: (و يجب اجراء الماء. إلخ)

أصل وجوب غسل الوجه في الوضوء من المنصوص في الكتاب العزيز و السنة المتواترة، الذي بلغ من الانتشار حد الضرورة، و الظاهر أخذ الجريان في مفهومه عرفا، كما عن الجواهر و حكايته عن الانتصار، و السرائر، و المنتهى، و القواعد، و الذكرى، و الدروس، و جامع المقاصد، و التنقيح، و كاشف اللثام، و الناصريات، و المبسوط، و المهذب، و البيان، و روض الجنان، بل نسب ذلك الى المشهور، بل إلى الأصحاب، بل قيل انهم قد قطعوا به، بل في السرائر انه الموافق للسان الذي أنزل به القرآن، و في الروض، و عن غير انه في اللغة: إجراء الماء على الشي ء على وجه التنظيف و التحسين و نحوهما، و في كشف اللثام انه يشهد به العرف و اللغة و الوضوء البياني من الصب و الإسدال

و الغرفة لكل عضو، (و صحيحة) زرارة كل ما أحاط به الشعر فليس على العبادان يغسلوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجرى عليه الماء (و حسنة) زرارة: الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد أجزأه، و لا قائل بالفرق بين الغسل و الوضوء (و قوله عليه السّلام) في رواية محمد بن مروان يأتي على الرجل ستون أو سبعون ما قبل اللّٰه صلاته، قلت و كيف ذلك؟

قال: لأنه يغسل ما أمر اللّٰه بمسحه (و قوله عليه السّلام) في صحيحة زرارة لو أنك

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 110

جزء الى جزء آخر و لو بإعانة اليد و يجزى استيلاء الماء عليه و إن لم يحر إذا

______________________________

توضأت فجعلت مسح الرجلين غسلا ثم أضمرت أن ذلك هو الفرض لم يكن ذلك بوضوء.

و التقريب في هذين الخبرين الأخيرين أنه لو لا اعتبار الجريان في مسمى الغسل لما حصل الفرق بينه و بين المسح المقابل له في ظاهر الآية، فلا محيص عن حمل إطلاق الكتاب و السنة المتواترة على ذلك، مؤيدا ذلك بقاعدة الاشتغال و الاستصحاب و نحوهما، نعم يجزى في امتثال الأمر بالغسل كما ذكره بعض الأعيان ما يسمى به في العرف غاسلا، بأن يستولي الماء على العضو بحيث ينقل من جزء منه الى آخر و لو كان ذلك بإعانة اليد، بحيث لا تنفصل غسالته عن المحل فيجري على الأرض و يتلف كما هو الشأن في الدهن، فوجه الشبه قلة الماء و عدم ضياعه و تلفه، لا كونه كالدهن في كفاية المسح و عدم وجوب الغسل كما قد يتوهم، فلا ينبغي التأمل في عدم كفاية مسح الوجه باليد الندبة في حصول مسماه عرفا،

حيث أن مجرد النداوة لا يطلق عليه الماء عرفا، بل هي كالبخار مفهوم مغاير، فالغسل بالماء إنما يتحقق إذا كان ما في اليد الغاسلة مصداقا للماء في العرف، و هذا لا ينفك عن الإحاطة و الجريان المعتبر في ماهية الغسل، و على هذا التوجيه ينزل أخبار الباب كصحيحة زرارة و محمد بن مسلم: إن الوضوء حد من حدود اللّٰه ليعلم اللّٰه من يطيعه و من يعصيه، و إن المؤمن لا ينجسه شي ء و إنما يكفيه مثل الدهن. و موثقة إسحاق بن عمار عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام إن عليا عليه السّلام كان يقول: الغسل من الجنابة و الوضوء يجزى من الماء ما أجزي من الدهن الذي يبل الجسد. و في بعض النسخ: ما أجرى بالراء المهملة.

و في رواية محمد بن مسلم: يأخذ أحدكم الراحة من الدهن و الماء أوسع من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 111

صدق الغسل، و يجب الابتداء بالأعلى (1)

______________________________

ذلك. و موثقة زرارة في غسل الجنابة: أفض على رأسك ثلاث أكف و على يمينك و يسارك إنما يكفيك مثل الدهن. فلا ينافيها اعتبار وفور البلة الواصلة إلى المغسول بحيث تقبل الانتقال من عضو الى عضو آخر تحقيقا لماهية الغسل المأمور بها، و لا يصح تنزيل هذه الأخبار على إرادة كفاية التمسح باليد الندية برطوبة مسرية بأن يكون هذا هو الوجه في التشبيه لا قلة الماء و إمساس البدن له من دون انفصال عنه، لمعارضتها على هذا التقدير ظاهر الكتاب و السنة و الإجماع بل صريحها، لأن الأدلة بأسرها ناطقة بأن وظيفة الوجه و اليدين هو الغسل دون المسح و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و يجب الابتداء بالأعلى. إلخ)

وجوب البدأة بأعلى الوجه

هو المشهور كما اعترف به كثير منهم، بل عن التبيان و غيره الإجماع عليه، و نقل عن بعض حواشي الألفية دعوى الاتفاق عليه، و يدل عليه رواية قرب الاسناد عن أبي جريرة الرقاشي قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام كيف أتوضأ للصلاة؟ فقال عليه السّلام: لا تعمق في الوضوء و لا تلطم وجهك بالماء لطما، و لكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا، و كذلك فامسح على ذراعيك و رأسك و قدميك. و قد ناقش في دلالتها شيخنا المرتضى (قده) بأن الأمر فيه محمول على الاستحباب قطعا لتقييده بكونه على جهة المسح في مقابل اللطم، و فيه: أن رفع اليد عن ظاهر الطلب بالنسبة الى بعض القيود الواقعة في حيزه بدليل خارجي لا يوجب رفع اليد عن ظاهره بالنسبة الى ما عداه، فلا قصور في الرواية عن إفادة المطلوب خصوصا مع اعتضادها بالشهرة المزبورة.

و استدل له أيضا بالصحيح الزراري الباقرى عليه السّلام المروي في الكافي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 112

..........

______________________________

و التهذيب قال زرارة: حكى أبو جعفر عليه السّلام وضوء رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم فدعا بقدح من ماء فادخل يده اليمنى فأخذ كفا من ماء فاسد لها على وجهه من أعلى الوجه ثم مسح بيده الجانبين جميعا، ثم أعاد اليسرى في الإناء فأسدلها على اليمنى ثم مسح جوانبها، ثم أعاد اليمنى في الإناء ثم صبها على اليسرى فصنع بها ما صنع، ثم مسح ببلة ما بقي في يديه رأسه و رجليه و لم يعدهما في الإناء، و في آخر: ثم غرف فملأها ماءا فوضعها على جبينه ثم قال: بسم اللّٰه، و سدلها على أطراف لحيته

ثم أمر يده على وجهه. و نحوهما غيرهما، و لم يثبت ذلك عند آخرين كالسيد في الناصرية و الانتصار، و الحلي في السرائر، و المولى المقدس الأردبيلي، و صاحبي المدارك و المشارق، و الفيض المحسن في المفاتيح، و اليه يميل الفاضل الخراساني في الذخيرة، و العلامة المجلسي في البحار، مستدلين على ذلك بإطلاق الأمر بالغسل في الآية فلا يقيد، (نعم) يستحب الابتداء بقصاص الشعر في غسل الوجه للتأسي بهم (ع) حيث فعلوه في مقام البيان، و لا يلزم من فعلهم ذلك الوجوب، إذ من الجائز كونه أحد جزئيات مطلق الغسل المأمور به لا لوجوبه بخصوصه، فان امتثال الأمر الكلي إنما يتحقق بفعل جزئي من جزئياته (و قولهم قده): إن فعله إذا كان بيانا للمجمل يجب إتباعه فيه (مسلم) إلا أنه لا إجمال في غسل اليدين و الوجه حتى يحتاج الى البيان (و قد يقال): إن إطلاق الآية مقيد بالأخبار الواردة في مقام البيان و بعد وروده يجب الوقوف عليه، و الإجمال قد ينشأ من نفس المعنى لأن بعض الماهيات الكلية تحتها أفراد تصلح عرفا لتعلق غرض الشارع ببعضها دون بعض كحج البيت و غسل الوجه، و الوضوء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 113

و الغسل من الأعلى (1) إلى الأسفل عرفا و لا يجوز النكس، و لا يجب غسل ما تحت الشعر (2) بل يجب غسل ظاهره سواء شعر اللحية و الشارب و الحاجب

______________________________

في غير ما ذكر مشكوك في صحته و الأصل بقاء الحدث، و لما روى: أنه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم لما توضأ الوضوء البياني قال: هذا وضوء لا يقبل اللّٰه الصلاة إلا به.

(قال) في المدارك: و أقصى ما يستفاد

من الأخبار و كلام الأصحاب وجوب البدأة بالأعلى بمعنى صب الماء على أعلى الوجه ثم إتباعه بغسل الباقي، و أما ما تخيله بعض القاصرين من عدم جواز غسل شي ء من الأسفل قبل غسل الأعلى و إن لم يكن في سمته فهو من الخرافات الباردة و الأوهام الكاسدة. انتهى

قوله قده: (و الغسل من الأعلى. إلخ)

كما هو ظاهر الأخبار البيانية و ظاهر رواية أبي جريرة الرقاشي فإنها كما دلت على وجوب البدأة بالأعلى دلت على وجوب غسل الأعلى فالأعلى، و عن المقاصد العلية و غيرها: أنه يعتبر الأعلى فالأعلى عرفا بحيث لا يحصل معه عسر، و اليه يرجع ما عن الفاضل من غسل اللمعة المغفلة فما دونها الى آخر العضو، و كأن المراد منه لزوم غسل الأعلى فالأعلى في المسامت لها خاصة كما قيل لا مطلقا و إن لم يكن في سمته بحيث لا يجوز غسل شي ء من الأسفل قبل غسل الأعلى أصلا كما عن بعضهم. (و عن جماعة): لا يجوز النكس في الأثناء بعد البدأة بالأعلى مطلقا. (و في الوسيلة): يجب البدأة من قصاص شعر الرأس و لا يجوز استقبال الشعر في غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس، و وجه الجميع كأنه الاقتصار على المتيقن نصا و فتوى كل على حسب فهمه منها و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و لا يجب غسل ما تحت الشعر. إلخ)

أي إدخال الماء في خلال الشعر من اللحية و غيره، و هو في الكثيفة إجماعي كما عن الخلاف

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 114

بشرط صدق إحاطة الشعر على المحل و إلا لزم غسل البشرة الظاهرة في خلاله

______________________________

و الناصريات لان الوجه اسم لما يواجه به شعرا كان أو بشرة (و

للصحاح) منها المروي في الكافي و التهذيب عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) عن الرجل يتوضأ أ يبطن لحيته؟ قال: لا، و الصحيح الزراري الباقرى عليه السّلام المروي في الفقيه، قلت له: أ رأيت ما كان تحت الشعر؟ قال: كل ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يغسلوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجرى عليه الماء، و يعضده ما دل على الاجتزاء بالغرفة الواحدة في غسل الوجه فإنها لا تكاد تبلغ أصول الشعر خصوصا مع الكثافة، و قيل كما عن المرتضى و الإسكافي و الفاضل في جملة من كتبه: يجب تخليل شعر اللحية إذا خف بحيث ترى البشرة خلاله في بعض الأحيان، نظرا إلى أن المواجهة لما لم تكن بالشعر الخفيف لم ينتقل اليه الحكم. و هو اجتهاد في مقابلة النص، و المستفاد من بعض الروايات ان تخليل شعر الوجه من بدع العامة، كالمروي في إرشاد المفيد عن الكاظم عليه السّلام: أن على بن يقطين كتب إليه يسأله عن الوضوء فأجابه: فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، و الذي آمرك في ذلك أن تمضمض ثلاثا و تستنشق ثلاثا، و تغسل وجهك ثلاثا، و تخلل شعر لحيتك، و تغسل يديك الى المرفقين ثلاثا، و تمسح رأسك كله، و تمسح ظاهر أذنيك و باطنهما، و تغسل رجليك الى الكعبين ثلاثا، و لا تخالف ذلك الى غيره، فلما وصل الكتاب الى على بن يقطين تعجب مما رسم له أبو الحسن عليه السّلام مما أجمع العصابة على خلافه، ثم قال: مولاي أعلم بما قال و أنا ممتثل أمره. فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد و يخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمره عليه السّلام و

سعى بعلي بن يقطين الى الرشيد و قيل إنه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 115

[ (مسألة 1) يجب إدخال شي ء من أطراف الحد من باب المقدمة]

(مسألة 1) يجب إدخال شي ء من أطراف (1) الحد من باب المقدمة و كذا جزء من باطن الأنف و نحوه، و ما لا يظهر من الشفتين بعد الانطباق من الباطن فلا يجب غسله.

[ (مسألة 2) الشعر الخارج عن الحد كمسترسل اللحية في الطول]

(مسألة 2) الشعر الخارج عن الحد (2) كمسترسل اللحية في الطول و ما هو خارج عن ما بين الإبهام و الوسطى في العرض لا يجب غسله.

______________________________

رافضي، فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر، فلما نظر الى وضوئه ناداه كذب يا عليّ من زعم أنك من الرافضة، و صلحت حاله عنده، و ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السّلام: ابتدء من الآن يا على و توضأ كما أمرك اللّٰه تعالى اغسل وجهك مرة فريضة و مرة إسباغا، و اغسل يديك من المرفقين كذلك و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كنا نخاف منه عليك و السلام. و هو صريح في كون ذلك من بدعهم.

قوله قده مسألة 1: (يجب إدخال شي ء من أطراف. إلخ)

تقدم منا أنه يجب غسل مقدار يسير من الأطراف الخارجة من الحدود بحكم العقل مقدمة لحصول الواجب و كذا للعلم بحصوله.

قوله قده مسألة 2: (الشعر الخارج عن الحد. إلخ)

لا خلاف في عدم وجوب غسل ما خرج عن حد الوجه من الشعر، بل هو مجمع عليه بيننا كما اعترف به كثير منهم و هو الحجة، مضافا الى ظهور خروجه عن التحديد السابق (و دعوى) أنها من الوجه أو أنها كالشارب واضحة الفساد، كما أنه لا نعرف خلافا في وجوب غسل ما دخل في التحديد من اللحية، بل الظاهر أنه إجماعي كما في المشارق و غيرها، و يدل عليه الصحيح الزراري الباقرى عليه السّلام المتقدم الذكر، و

قد يستدل عليه بصدق الوجه عليه و فيه نظر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 116

[ (مسألة 3) ان كانت للمرأة لحية]

(مسألة 3) ان كانت للمرأة لحية فهي كالرجل. (1)

[ (مسألة 4) لا يجب غسل باطن العين و الأنف و الفم]

(مسألة 4) لا يجب غسل باطن العين (2) و الأنف و الفم إلا شي ء منها من باب المقدمة.

[ (مسألة 5) فيما أحاط به الشعر لا يجزى غسل المحاط عن المحيط]

(مسألة 5) فيما أحاط به الشعر لا يجزى (3) غسل المحاط عن المحيط.

[ (المسألة 6) الشعور الرقاق المعدودة من البشرة يجب غسلها معها]

(المسألة 6) الشعور الرقاق (4) المعدودة من البشرة يجب غسلها معها.

______________________________

قوله قده مسألة 3 (إذا كان للمرأة لحية فهي كالرجل. اه)

فيجب غسل ما دخل منها في الحد و عدم وجوب غسل ما خرج عنه، أما الأول:

فلإطلاق الصحيح الزراري الباقرى عليه السّلام المتقدم الذكر المروي في الفقيه:

قلت له: أ رأيت ما كان تحت الشعر؟ قال: كل ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يغسلوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجرى عليه الماء. و هو مطلق بالنسبة الى الرجل و المرأة ما لم يدعى الانصراف الى الرجل، و أما الثاني فلخروجه عن الحد و قد تقدم دليله عن قريب في المسألة الثانية.

قوله قده مسألة 4: (لا يجب غسل باطن العين. إلخ)

أما عدم وجوب غسل بواطن ما ذكر فللإجماع بل و سائر الأدلة من الكتاب و السنة في وجوب غسل ظاهر الوجه دون ما بطن منه، و أما غسل شي ء منها من باب المقدمة فقد تقدم وجهه في المسألة الأولى من هذا الفصل.

قوله قده مسألة 5: (فيما أحاط به الشعر لا يجزى. إلخ)

لما تقدم من الصحيح الزراري الباقرى عليه السّلام المروي في الفقيه من أن الواجب إجراء الماء على الشعر، مع أن الظاهر من دخوله في الحد هو المحيط دون المحاط بل المحاط من الباطن الذي لا يجب غسله بل لا يكفى غسله عن غسل ما ظهر.

قوله قده مسألة 6: (الشعور الرقاق. إلخ)

وجهه وجوب غسل ما بين الحدين.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 117

[ (مسألة 7) إذا شك في أن الشعر محيط أم لا]

(مسألة 7) إذا شك في أن الشعر محيط أم لا (1) يجب الاحتياط بغسله مع البشرة.

[ (مسألة 8) إذا بقي مما في الحد ما لم يغسل]

(مسألة 8) إذا بقي مما في الحد ما لم يغسل (2) و لو مقدار رأس ابرة لا يصح الوضوء فيجب أن يلاحظ (3) آماقه و أطراف عينه أن لا يكون عليها شي ء من القيح أو الكحل المانع، و كذا يلاحظ حاجبه أن لا يكون عليه شي ء من الوسخ، و أن لا يكون على حاجب المرأة وسمة أو خطاط له جرم مانع.

______________________________

قوله قده مسألة 7: (إذا شك في أن الشعر محيط أم لا. إلخ)

وجه ما ذهب اليه (قده) من وجوب الاحتياط بغسلهما معا هو العلم الإجمالي بوجوب غسله أو غسل البشرة، مبنيا ذلك على ما تقدم منه (قده) من وجوب غسل الشعر عن غسل البشرة إذا كان محيطا على المحل، و بعبارة أخرى إذا كان كثيفا، و إلا لزم غسل البشرة دونه أي إذا كان خفيفا، و لما كان هذا الموضوع الخارجي مشكوكا حاله بالفرض و أنه من الكثيف أو الخفيف و لا أصل محرز لأحدهما في البين وجب غسلهما معا قضاءا لحق العلم الإجمالي، (و اما) بناءا على ما اخترناه من عدم الفرق في الكثيف و الخفيف في وجوب غسله و أن الفرق بينهما اجتهاد في مقابلة النص لإطلاق النص فالعلم الإجمالي منحل الى ما يجب غسله و هو الشعر مطلقا، و شك بدوي في وجوب غسل ما سواه و هو البشرة فالمرجع فيه البراءة و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 8: (إذا بقي مما في الحد ما لم يغسل. إلخ)

لفوات الكل بفوات جزئه.

قوله قده: (فيجب أن يلاحظ. إلخ)

مقدمة علية لإحراز الإتيان بالمكلف به و هو غسل الوجه بتمامه.

العمل الأبقى

في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 118

[ (مسألة 9) إذا تيقن وجود ما يشك في مانعيته]

(مسألة 9) إذا تيقن وجود ما يشك في مانعيته (1) يجب تحصيل اليقين بزواله أو وصول الماء إلى البشرة و لو شك في أصل وجوده يجب الفحص أو المبالغة حتى يحصل الاطمئنان بعدمه أو زواله أو وصول الماء إلى البشرة على فرض وجوده.

[ (مسألة 10) الثقبة في الأنف موضع الحلقة أو الخزامة لا يجب غسل باطنها]

(مسألة 10) الثقبة في الأنف (2) موضع الحلقة أو الخزامة لا يجب غسل باطنها

______________________________

قوله قده مسألة 9: (إذا تيقن وجود ما يشك في مانعيته. إلخ)

إنما وجب تحصيل اليقين بزوال الحاجب لقاعدة الشغل و استصحاب الحدث المقتضيين للعلم بالطهارة، و أصالة عدم الحاجب أو عدم الحجب لا تنفع في إثبات غسل البشرة و وصول الماء إليها إلا بناءا على الأصل المثبت (و يدل) عليه صدر صحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال: سألته عن المرأة عليها السوار و الدملج في بعض ذراعها لا تدري يجري الماء تحته أم لا، كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت؟ قال عليه السّلام: تحركه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه. و لا يعارضه ما في ذيله: و عن الخاتم الضيق لا يدرى هل يجرى الماء تحته إذا توضأ أم لا، كيف يصنع؟ قال عليه السّلام: إن علم أن الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضأ. لمخالفته لسائر عمومات الغسل من الكتاب و السنة، و للقواعد و الأصول المقتضية للعلم بانغسال الأعضاء الثلاثة، و وجوب الاستيعاب المقتضى لرفع جميع الموانع المحتملة مع أن دلالته بالمفهوم التي لا تقاوم المنطوق كما قيل، و مع غض النظر عن هذا كله يكون الخبر من المجمل، لتعارض الذيل مع الصدر الذي يرد علمه الى اللّٰه و رسوله، فيرجع في المسألة إلى القواعد المتقدمة و هي قاعدة الشغل و استصحاب الحدث.

و اللّٰه العالم.

قوله

قده مسألة 10: (الثقبة في الأنف. إلخ)

لكونها من الباطن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 119

باطنها بل يكفى ظاهرها سواء كانت الحلقة فيها أم لا

[ (مسألة 11) ان كانت له يد زائدة دون المرفق وجب غسلها أيضا]

(مسألة 11) ان كانت له يد زائدة دون المرفق (2) وجب غسلها أيضا كاللحم الزائد و ان كانت فوقه فان علم زيادتها (3) لا يجب غسلها و يكفى غسل

______________________________

و المعسور الذين لا ينبغي المناقشة فيهما بعد كون المقام موردا لهما، سيما بعد الفتوى بمضمونهما النصوص المتقدمة المتلوة عليك قريبا المحمول إطلاقها على ما نحن فيه من كون القطع مما دون المرفق.

قوله قده: (و إن قطعت من المرفق بمعنى. إلخ)

غسل الباقي من العضد الذي هو جزء من المرفق بناءا على ما تقدم منا من أن المرفق مجمع عظمي الذراع و العضد لا نفس المفصل و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 11: (إن كانت له يد زائدة دون المرفق. إلخ)

المدرك في الحكم المزبور من وجوب غسل ما دون المرفق و ان كان يدا زائدة الإجماعات المنقولة كما حكى التصريح به عن المعتبر و الإرشاد، و التحرير، و المنتهى و المختلف، و القواعد، و الدروس، و غير ذلك، بل الظاهر أنه لا خلاف فيه كما عن الجواهر و غيره، و لولاه لأشكل إدخالها تبعا للأصلية إذ لا تعد عرفا هذه من توابع تلك كما يعد الثؤلول و اللحم الزائد و الإصبع الزائدة و ما شابه ذلك، و مع ذلك فادخالها مما يتوقف عليه يقين البراءة و الطهارة، و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و إن كانت فوقه فان علم زيادتها)

أى لو كانت اليد الزائدة فوق المرفق فان علمت الزائدة و تميزت لا يجب غسلها لخروجها عن الحد الذي يجب غسله.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى،

ج 2، ص: 126

الأصلية، و ان لم يعلم الزائدة (1) من الأصلية وجب غسلهما، و يجب مسح الرأس و الرجل بهما من باب الاحتياط، (2) و ان كانتا أصليتين يجب غسلهما (3) أيضا و يكفى المسح بإحديهما.

[ (مسألة 12) الوسخ تحت الأظفار إذا لم يكن زائدا على المتعارف لا يجب إزالته]

(مسألة 12) الوسخ تحت الأظفار إذا لم يكن زائدا (4) على المتعارف لا يجب إزالته إلا إذا كان ما تحته معدودا من الظاهر فإن الأحوط إزالته، و ان كان زائدا على المتعارف وجبت إزالته، كما أنه لو قص أظفاره فصار ما تحتها ظاهرا وجب غسله بعد ازالة الوسخ عنه.

______________________________

قوله قده: (و ان لم يعلم الزائدة. إلخ)

بأن لم تتميز وجب غسلهما معا من باب المقدمة العلمية لغسل اليد الأصلية.

قوله قده: (من باب الاحتياط. اه)

أيضا المسح بهما من باب الاحتياط اللازم مقدمة علمية للمسح باليد الأصلية، هذا كله فيما إذا علم بزيادتها على اليد الأصلية و إن لم تتميز في بعض فروضها.

قوله قده: (و إن كانتا أصليتين يجب غسلهما. إلخ)

بأن كانت الزيادة في أصل الخلقة المتعارفة وجب غسلهما أصالة لا من باب المقدمة لوجوب غسل اليد، و ترجيح إحديهما بلا مرجح و كفى المسح بإحداهما لإطلاق المسح باليد و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 12: (الوسخ تحت الأظفار إذا لم يكن زائدا. إلخ)

ما حكم به من عدم وجوب الإزالة محل اشكال، و عن المنتهى بعد احتمال الوجوب و عدمه: الأقرب الأول، و عن الأسترآبادي بعد نقل عبارة المنتهى بتمامها قال: و ما قربه غير بعيد. انتهى. فالاحتياط لا ينبغي تركه، و إن كانت السيرة المستمرة على خلافه و سهولة الشريعة و سماحتها تأباه و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 127

[ (مسألة 13) ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين الى الزندين]

(مسألة 13) ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين الى الزندين و الاكتفاء عن غسل الكفين بالغسل المستحب قبل الوجه باطل.

[ (مسألة 14) إذا انقطع لحم من اليدين وجب غسل ما ظهر]

(مسألة 14) إذا انقطع لحم من اليدين وجب غسل ما ظهر (1) بعد القطع و يجب غسل ذلك اللحم أيضا ما دام لم ينفصل و إن كان اتصاله بجلدة رقيقة و لا يجب قطعه أيضا ليغسل ما تحت تلك الجلدة و ان كان أحوط لو عد ذلك اللحم شيئا خارجيا و لم يحسب جزء من اليد.

[ (مسألة 15) الشقوق التي تحدث على ظهر الكف]

(مسألة 15) الشقوق التي تحدث على ظهر الكف (2) من جهة البرد ان كانت وسيعة يرى جوفها وجب إيصال الماء فيها و الا فلا و مع الشك لا يجب عملا بالاستصحاب و ان كان الأحوط الإيصال.

[ (مسألة 16) ما يعلو البشرة مثل الجدري عند الاحتراق]

(مسألة 16) ما يعلو البشرة مثل الجدري (3) عند الاحتراق ما دام باقيا

______________________________

قوله قده مسألة 14: (إذا انقطع لحم من اليدين وجب غسل ما ظهر. إلخ)

لإطلاق ما دل على وجوب غسل الظاهر، و اما وجوب غسل ذلك اللحم فلعده عرفا جزءا من اليد، و لما تقدم عن قريب من الإجماعات المنقولة على وجوب غسل ما دون المرفق و إن كان لحما زائدا.

و أما عدم وجوب قطعه فلعدم الدليل عليه، و أما أحوطية قطعه فلعل وجهه دعوى أنه حينئذ يكون من قبيل الحاجب عن غسل ما تحته مع انه من هذا القبيل بعيد جدا، بل هو من قبيل جعل الباطن ظاهرا و هو غير لازم قطعا فالأقوى عدم وجوب قطعه.

قوله قده مسألة 15: (الشقوق التي تحدث على ظهر الكف. إلخ)

اما وجوب غسلها إذا كانت وسيعة فلأنها حينئذ من الظاهر الذي تقدم وجوب غسله، و أما الشك فلا يجب الاستصحاب أى استصحاب عدم الوجوب.

قوله قده مسألة 16: (ما يعلو البشرة مثل الجدري. إلخ)

الميزان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 128

يكفى غسل ظاهره و ان انخرق، و لا يجب إيصال الماء تحت الجلدة، بل لو قطع بعض الجلدة و بقي البعض الآخر يكفى غسل ظاهر ذلك البعض و لا يجب قطعه بتمامه، و لو ظهر ما تحت الجلدة بتمامه لكن الجلدة متصلة قد تلصق و قد لا تلصق يجب غسل ما تحتها و ان كانت لاصقة يجب رفعها أو قطعها.

[ (مسألة 17) ما ينجمد على الجرح عند البرء و يصير كالجلد]

(مسألة 17) ما ينجمد على الجرح عند البرء (1) و يصير كالجلد لا يجب رفعه و ان حصل البرء و يجزى غسل ظاهره و ان كان رفعه سهلا، و اما الدواء الذي انجمد عليه و صار كالجلد

فما دام لم يكن رفعه يكون بمنزلة الجبيرة يكفي غسل ظاهره و ان أمكن رفعه بسهولة وجب.

[ (مسألة 18) الوسخ على البشرة ان لم يكن جرما مرئيا]

(مسألة 18) الوسخ على البشرة ان لم يكن جرما مرئيا (2) لا يجب إزالته

______________________________

غسل ظاهر البشرة و إن كان ذلك هو الجدري، نعم لو لم تكن قشور الجدري متصلة بالبدن بل كانت من قبيل الحاجب الملتصق بالبدن كما يكون ذلك عند البرء وجب إزالته و غسل ما تحته من البشرة.

قوله قده مسألة 17: (ما ينجمد على الجرح عند البرء. إلخ)

إنما لم يجب رفع ما انجمد على الجرح و أجزأ غسله عن غسل ما تحته لأنه صار جزءا من المغسول أو الممسوح عرفا، بخلاف الدواء المنجمد فإنه يعد عرفا جزءا خارجيا فهو بمنزلة الحاجب بل هو هو و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 18: (الوسخ على البشرة ان لم يكن جرما مرثيا. إلخ)

الميزان صدق غسل البشرة عرفا، فاذا صدق ذلك كفى، و اما لو شك في حاجبية الموجود وجب إزالته ليعلم غسل البشرة، لاستصحاب الحدث و قاعدة الشغل اليقين المقتضى للفراغ اليقين الذي لا يحصل إلا بذلك، و لا ينفع أصالة عدم كون الشي ء حاجبا، إذ هذا الأصل لا يترتب عليه الا وصول الماء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 129

و ان كان عند المسح بالكيس في الحمام أو غيره يجتمع و يكون كثيرا ما دام

______________________________

إلى البشرة، و هذا ليس من الأحكام الشرعية و انما هو من اللوازم العادية للمستصحب، فلا يصير الأصل المذكور معتبرا الا عند من يقول بالأصول المثبتة، و قد تمسكوا للحكم المذكور من لزوم إيصال الماء الى ما تحت الحاجب المشكوك في حجبه بصدر صحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال: سألته عن

المرأة عليها السوار و الدملج في بعض ذراعها لا تدري يجري الماء تحته أم لا كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت؟ قال: تحركه أو تنزعه حتّى يدخل الماء تحته. و عن الخاتم الضيق لا يدرى يجري الماء تحته إذا توضأ أم لا كيف يصنع؟ قال: ان علم أن الماء لا يدخل تحته فليخرجه إذا توضأ.

و لا يخفى عليك معارضة مفهوم الذيل لمنطوق الصدر، إذ مفهوم الجملة الشرطية أعني قوله عليه السّلام: ان علم أن الماء لا يدخل تحته. إلخ. هو أنه ان لم يعلم عدم دخول الماء لم يلزمه إخراجه، و هذا يشمل صورة الشك في دخول الماء و عدمه فيصير معارضا لصدر الصحيحة الناطق بأنه في صورة عدم العلم بدخول الماء يجب على المرأة تحريك السوار و الدملج حتى يدخل الماء الى ما تحتهما من البشرة، و قد أجاب عنه في الجواهر بوجهين.

(أحدهما) أن المنطوق أقوى دلالة فيقدم على المفهوم عند التعارض.

(و ثانيهما) أن الأول من قبيل المقيد و الثاني من قبيل المطلق لشمول عدم العلم لصورتي عدم العلم بالوصول و العلم به أى بعدم الوصول و الأول خاص بالأول. إلخ. و فيما ذكره (قده) من الوجهين نظر كما أورده بعض المحققين (ره) و وجهه: بأن مورد السؤال في المطلق عدم العلم بالوصول، فالمطلق بالنسبة إليها نص غير قابل للتقييد بما عداه، إذ يلزم إخراج مورد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 130

يصدق عليه غسل البشرة، و كذا مثل البياض الذي يتبين على اليد من الجص أو

______________________________

السؤال عن الجواب، فيصير المنطوق و المفهوم كلاهما أجنبيا عن مورد السؤال كما لا يخفى، و من هنا يعلم عدم جواز الترجيح بكون الصدر منطوقا لأن المفهوم

إذا جي ء به لبيان الحكم في مورد السؤال، فالجملة الشرطية نص في المفهوم لا ظاهر، لعدم احتمال خلوها عنه فيكون في حكم المنطوق، و بالجملة فتعارض المنطوق و المفهوم المذكورين هنا من قبيل تعارض المتكافئين لا رجحان للمنطوق على المفهوم لا بالتقييد و لا بكونه منطوقا، و السر في ذلك كون الكلام نصا في مورد السؤال فلا يجرى عليه بالنسبة إليه في باب الترجيح حكم المنطوق و لا حكم المفهوم، فعلى ما حررنا من تعارض الصدر و الذيل صار الخبر من المجملات الذي لا يمكن الاستدلال به على الحكم المزبور، فلم يبق لدينا مما يستدل به للحكم المزبور من وجوب النزع أو تحريكه سوى استصحاب الحدث و قاعدة الاشتغال اليقيني المقتضى للفراغ اليقيني، هذا كله فيما لو شك في حاجبية الموجود.

(و اما) لو شك في وجود الحاجب فالظاهر أن الحكم فيه كالحكم في سابقه من وجوب تحصيل اليقين بإيصال الماء إلى البشرة، و البحث عن المانع في الموضع الذي لا يتيقن بانتفائه عنه، و الوجه فيه أنه لا بد من العلم بامتثال الأمر و الإتيان بالمأمور به إلا أن يحصل ما يقوم مقام العلم في إسقاط التكليف و الأول منتف بحكم الفرض، و ليس من الثاني إلا استصحاب عدم عروض المانع الذي هو عبارة عن أصالة عدم احتجاب البدن بحاجب و هو غير مفيد لأنه لا يترتب عليه إلا وصول الماء الى البدن و هو ليس من الأحكام الشرعية لعدم احتجاب البدن و إنما هو من اللوازم العادية، فلا يجدي الأصل المذكور

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 131

النورة إذا كان يصل الماء الى ما تحته و يصدق معه غسل البشرة، نعم لو شك

في كونه حاجبا أم لا وجب إزالته.

______________________________

إلا على القول باعتبار الأصول المثبتة (هذا) و لكن ربما يوجه صحة التمسك بالأصل المذكور حتى على القول بعدم اعتبار الأصول المثبتة بوجوه.

(أحدها) ما ذكره صاحب الجواهر (قده) من التمسك باستمرار السيرة التي يقطع معها برأى المعصوم (ع) على أنه لا يجب على المتوضئ و المغتسل اختيار انتفاء الحواجب عنهما مع قيام الاحتمالات غالبا، ثم أيده بعدم نص أحد من الفقهاء على إيجاب شي ء من ذلك في الوضوء أو في الغسل مع أنه كان أولى الأشياء بالنص لمكان قذر البراغيث و القمل و نحوهما من العوارض الغالبة على البدن، فحينئذ يتمسك في نفيه بالأصل، و إن كان الاعتماد عليه من دون نظر الى ما قدمناه لا يخلو عن تأمل لمعارضته بأصالة عدم الفراغ من التكليف و أصالة عدم وصول الماء إلى البشرة. و أنت خبير بما فيه لأن المراد بالسيرة إن كان هي سيرة من لا يبالي و لا يفهم فقيامها ثابت و لكن لا عبرة بها، و إن كان هي سيرة المتدينين فقيامها على ما ادعاه ممنوع، بل ليس من دأبهم في صورة الشك في وجود المانع إلا الفحص عنه و رفعه، و ما يرى من عدم صدور الفحص منهم غالبا فإنما هو من جهة اطمينانهم بانتفاء المانع، و لهذا ترى أن من يريد الغسل مثلا يبحث عن انتفاء المانع في مظان وجوده كرجليه مثلا أو تحت أظفاره و أمثال ذلك مما يحتمل فيه وجود المانع دون غيره.

(الثاني) ما حكى عن بعضهم من الإجماع على عدم الاعتناء بالشك في وجود الحاجب مثل الشك في أن بيده خاتما أم لا، و أنت خبير بعدم ثبوت ذلك ان لم ندع

ثبوت خلافه من جهة عدم تعرض أكثر الأصحاب لهذا الفرع.

(الثالث) أن يدعى أن أصالة العدم من الأمارات المعتبرة من باب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 132

[ (مسألة 19) الوسواسى الذي لا يحصل له القطع بالغسل]

(مسألة 19) الوسواسى الذي لا يحصل له القطع (1) بالغسل يرجع الى المتعارف.

______________________________

الظن النوعي، فحالها حال سائر الأمارات الكاشفة عن الواقع، يثبت بها جميع ما يقارن مجراها حال سائر الأمارات من اللوازم و المقارنات، لا من باب التعبد بها ظاهرا حتى يقتصر فيها على ترتيب اللوازم الشرعية. و أنت خبير بفساد ذلك كما قرر في الأصول.

(الرابع): ما ذكره بعض المحققين (ره) من أن وصول الماء إلى البشرة و إن كان من اللوازم الغير الشرعية إلا أن ما يترتب عليه من الحكم الشرعي يعد في العرف من اللوازم و الأحكام الشرعية لنفس خلو البدن عن المانع، بحيث يلغى في العرف وساطة اللازم الغير الشرعي بين المستصحب و بين ذلك الحكم الشرعي، و نظير ذلك استصحاب رطوبة الملاقي للنجس، فإن الرطوبة لا يترتب عليها النجاسة بل هي من أحكام تأثر الملاقي بالنجاسة و هو لازم غير شرعي للرطوبة إلا أنه يلغى في نظر العرف، حتى أن الفقهاء يجعلون التنجس من أحكام ملاقاة الشي ء للنجس مع رطوبة أحدهما لكن هذا لا يتم في جميع موارد هذا الشك (و أورد) عليه بعض من تأخر بأن الفرق بين الواسطة الخفية و بين غيرها يبنى على الاعتماد في الأحكام الشرعية على المسامحات العرفية، إذ من المعلوم أن خفاء الواسطة و وضوحها مما يناط بنظر أهل العرف، و الاعتماد في الأحكام الشرعية على المسامحات العرفية واضح البطلان و اللّه العالم بحقيقة أحكامه.

قوله قده مسألة 19: (الوسواسى الذي لا يحصل له القطع. إلخ)

أما عدم الاعتناء

بشكه فهو الذي صرح به جملة من الأعلام، و في الجواهر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 133

..........

______________________________

بعد أن حكى ذلك عن جملة من أصحابنا قال: بل لا أجد فيه خلافا كما في الصلاة. انتهى. و يدل عليه ما يستفاد من الاخبار الواردة في الصلاة الدالة على أن كثرة الشك من الشيطان مثل صحيحة زرارة و أبى بصير الواردة فيمن كثر شكه في الصلاة بعد أن أمر بالمضي في الشك قال: لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فان الشيطان خبيث معتاد لما عود فليمض أحدكم في الوهم و لا يكثرن نقض الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد اليه الشك، ثم قال: إنما يريد الخبيث أن يطاع فاذا عصى لم يعد إلى أحدكم. و قوله عليه السّلام: إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فإنه يوشك أن يدعك فإنما ذلك من الشيطان، و في صحيحة عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام قال: قلت له: رجل مبتلى بالوضوء و الصلاة و قلت: هو رجل عاقل فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: و أى عقل له و هو يطيع الشيطان؟ فقلت له: و كيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله هذا الذي يأتيه من أي شي ء هو؟ فإنه يقول لك من عمل الشيطان (و ربما) يظهر من بعض الأخبار أنه يعمل ببعض الأمارات كرواية الواسطي قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك أغسل وجهي ثم اغسل يدي فيشككنى الشيطان أنى لم أغسل ذراعي و يدعى، قال:

إذا وجدت برد الماء على ذراعيك فلا تعد. (قال) بعض المحققين بعد نقل ما نقلناه: أقول: و لعل الامام عليه السّلام أراد بذلك حسم مادة مرضه حيث

أنه عليه السّلام علم أن شكه غالبا يحصل بعد صدور الفعل منه، كما هو الغالب في كثير الشك و الوسواس، فاذا رجع الى الأمارات و وجد امارة الغسل مرات يزول مرضه. و كيف كان فالمراد بكثير الشك بمقتضى معناه اللغوي و العرفي كثير الاحتمال في مقام لا يحتمل غيره راجحا كان أم مرجوحا أم مساويا،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 134

[ (مسألة 20) إذا نفذت شوكة في اليد أو غيرها من مواضع الوضوء أو الغسل]

(مسألة 20) إذا نفذت شوكة في اليد (1) أو غيرها من مواضع الوضوء أو الغسل لا يجب إخراجها إلا إذا كان محلها على فرض الإخراج محسوبا من الظاهر.

[ (مسألة 21) يصح الوضوء بالارتماس مع مراعاة الأعلى فالأعلى]

(مسألة 21) يصح الوضوء بالارتماس (2) مع مراعاة الأعلى فالأعلى لكن في اليد اليسرى لا بد أن يقصد الغسل حال الإخراج من الماء حتى لا يلزم المسح بالماء الجديد، بل و كذا في اليد اليمنى إلا أن يبقى شيئا من اليد اليسرى ليغسله باليد اليمنى حتى يكون ما يبقى عليها من الرطوبة من ماء الوضوء.

______________________________

(و أما) رجوعه في العمل الى المتعارف فإنه لا يخلو الأمر بعد نهيه عن العمل على الوسواس، إما العمل على المتعارف أو ترك العمل كلية و الثاني باطل بالضرورة فتعين الأول و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 20: (إذا نفذت شوكة في اليد. إلخ)

حاصله أن الشوكة و أمثالها في مواضع الوضوء إن كانت حاجبة عن الغسل لما يجب غسله من الظاهر و لم يكن في إخراجها عسر و مشقة وجب إخراجها و إلا فلا.

قوله قده مسألة 21: (يصح الوضوء بالارتماس. إلخ)

الظاهر أنه لا إشكال في صحة الوضوء الارتماسي مع المحافظة على ما ذكره (قده) من مراعاة الأعلى فالأعلى و مراعاة قصد الغسل في اليسرى حالة الإخراج بل في اليمنى إن لم يعملها في غسل اليسرى لئلا يقع المسح بماء جديد غير بلة الوضوء، و ذلك لحصول ماهية الغسل و حقيقته للبشرة الذي يقتضيه إطلاق أدلة الغسل آية و رواية لتحققه بمجرد استيلاء الماء على البشرة، و على فرض احتمال أخذ الجريان في مفهومه فيكفي فيه تحريك العضو داخلا في الماء أو خارجا منه و اللّه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 135

[ (مسألة 22) يجوز الوضوء بماء المطر]

(مسألة 22) يجوز الوضوء بماء المطر (1) كما إذا قام تحت السماء حين نزوله فقصد بجريانه على وجهه غسل الوجه مع مراعاة الأعلى فالأعلى و كذلك بالنسبة إلى

يديه، و كذلك إذا قام تحت الميزاب أو نحوه، و لو لم ينو من الأول لكن بعد جريانه على جميع مواضع الوضوء مسح بيده على وجهه بقصد غسله و كذا على يديه إذا حصل الجريان كفى أيضا، و كذا لو ارتمس في الماء ثم خرج و فعل ما ذكر.

[ (مسألة 23) إذا شك في شي ء أنه من الظاهر حتى يجب غسله أو الباطن فلا فالأحوط غسله]

(مسألة 23) إذا شك في شي ء أنه من الظاهر (2) حتى يجب غسله أو الباطن فلا فالأحوط غسله، الا إذا كان سابقا من الباطن و شك في انه صار ظاهرا

______________________________

قوله قده مسألة 22: (يجوز الوضوء بماء المطر. إلخ)

و ذلك لحصول ماهية الغسل للبشرة الذي يقتضيه إطلاق أدلة الغسل آية و رواية، مع ما يدل عليه بخصوصه من رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام المروية في الوسائل قال: سألته عن الرجل لا يكون على وضوء فيصيبه المطر حتى يبتل رأسه و لحيته و جسده و يداه و رجلاه هل يجزيه ذلك من الوضوء؟

قال: ان غسله فان ذلك يجزيه.

قوله قده مسألة 23: (إذا شك في شي ء أنه من الظاهر. إلخ)

و ذلك كأوائل الأنف و مطبق الشفة و ما شاكلهما لا يجب غسله على الأظهر لأصالة البراءة، و قيل: يجب لقاعدة الشغل، و فيه أنه لم يثبت اشتغال الذمة بأزيد مما علم أنه من الظاهر، و قد تقرر في محله أن المرجع عند دوران التكليف بين الأقل و الأكثر البراءة من الأكثر لا الاحتياط، نعم لو قلنا: أن المكلف به هو التطهير و ازالة الحدث و هو مفهوم مبين و الأمر بالوضوء لكونه مما يتحقق به هذا المفهوم المبين لا يتجه القول بوجوب الاحتياط لكن فيه كلام مذكور في محله، و مع ذلك فالاحتياط

لا ينبغي تركه خصوصا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 136

أم لا، كما أنه يتعين غسله لو كان سابقا من الظاهر ثم شك في أنه صار باطنا أم لا «الثالث» مسح الرأس (1) بما بقي من البلة في اليد و يجب أن يكون على الربع المقدم من الرأس فلا يجزى غيره و الأولى و الأحوط الناصية و هي ما بين

______________________________

لو توقف القطع بغسل الظاهر على غسله فإنه يجب حينئذ جزما من باب المقدمة العلمية، كما أنه يجب على القول بوجوب غسل المواضع المشكوكة غسل مقدار من البواطن التي يتوقف العلم بحصول الغسل الواجب على غسلها.

قوله قده (الثالث: مسح الرأس. إلخ)

ذكر (قده) في هذه المسألة مسائل متعددة.

(الأولى) مسح الرأس و هو الفعل الثالث من أفعال الوضوء، و الذي يدل على أصل وجوب المسح في الجملة: الكتاب و السنة و إجماع المسلمين.

(الثانية) أن يكون المسح بما بقي من بلة الوضوء في اليد للإجماع المنقول كما في المدارك و الذكرى و عن صريح الخلاف و الغنية و ظاهر الروض و التنقيح و ان خالف الإسكافي في ذلك إذ لا يقدح خروج مثله، و للصحيح الصادقي عليه السّلام المروي في الكافي: ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء و رجليك الى كعبك. و للصادقى أيضا المروي في الفقيه: إذا نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلة وضوئك فان لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شي ء فخذ ما بقي منه في لحيتك و امسح به رأسك و رجليك، و ان لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك و أشفار عينك و امسح به رأسك و رجليك، و ان لم يبق من

بلة وضوئك شي ء أعدت الوضوء. و في خبر ابن يقطين المتقدم: و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك. و في الفقه الرضوي: روى أن جبرئيل هبط على رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 137

البياضين من الجانبين فوق الجبهة

______________________________

بغسلتين و مسحتين غسل الوجه و الذراعين بكف كف و مسح الرأس و الرجلين بفضل النداوة التي بقيت. (هذا) مع كثير من الأخبار البيانية الحاكية أنه عليه السّلام مسح رأسه بما بقي في يده من نداوة وضوئه و أنه لم يعدهما في الإناء، و في بعضها: لم يجدد ماءا.

(الثالثة): يجب أن يكون المسح على الربع المقدم من الرأس إجماعا كما حكى عن الانتصار، و الناصرية و الخلاف، و الغنية، و المعتبر، و الذكرى، و الروض، و المدارك، و المعتصم، و ظاهر المنتهى، و التنقيح، و كنز العرفان، و الذخيرة و غيرها للمستفيضة منها: الصحيح الصادقي المروي في التهذيب، مسح الرأس على مقدمه. و في آخر: امسح الرأس على مقدمه.

و في ثالث: و تمسح ببلة يمناك ناصيتك. و منها في قوله عليه السّلام لعلى بن يقطين بعد زوال التقية و الأمر بالوضوء الصحيح: و أمسح مقدم رأسك.

و منها ما رواه حماد بن عيسى عن بعض أصحابه عن أحدهما عليه السّلام في الرجل يتوضأ و عليه العمامة: يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه. و بما ذكرنا يقيد إطلاق الآية الشريفة فلا يجزى المسح على غير المقدم، و أنه لو مسح على مؤخر الرأس أو أحد جانبيه الأيمن أو الأيسر لم يمتثل الأمر بمسح الرأس (فما) في صحيحة الحسين بن أبي العلا عن

الصادق عليه السّلام: امسح الرأس على مقدمه و مؤخره. و خبر سهل: سأله عليه السّلام عن الوضوء يمسح الرأس مقدمه و مؤخره؟ فقال: كأني أنظر الى عكنة في رقبة أبي يمسح عليها. و قوله في مرفوع أحمد بن محمد بن عيسى الى أبى بصير: مسح الرأس واحدة من مقدم الرأس و مؤخره. فمطروحة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 138

..........

______________________________

أو محمولة على التقية أو غير الوضوء أو المسح بعد الوضوء الذي قاله في مرسل سهل: إذا فرغ أحدكم من وضوئه فليأخذ كفا من ماء فليمسح به قفاه يكون ذلك فكاك رقبة من النار.

ثم إن هذا مما لا إشكال فيه، و إنما الإشكال في أن المراد بمقدم الرأس مطلق مقدمه الذي هو عبارة عن ربعه من قمته الى قصاص الشعر فيجزي المسح على أى جزء كان منه؟ أو على جزء خاص منه؟ فظاهر بعض النصوص كصحيحة زرارة: ثم تمسح ببلة يمناك ناصيتك. كظواهر جملة من عبارات الأصحاب وجوب مسح الناصية، قال في كتاب من لا يحضره الفقيه:

فيمسح من مقدم رأسه مقدار ثلاث أصابع مضمومة من ناصيته الى قصاص شعر رأسه مرة واحدة. انتهى. و قال في السرائر: و أقل ما يجزى من مسح الناصية ما وقع عليه اسم المسح. انتهى هذا مع ما وقع لجملة من الأساطين من الاستدلال على اختصاص المسح بمقدم الرأس بأن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم مسح بناصيته و فعله في مقام البيان فيجب اتباعه، و لهذا و أمثاله قال (قده):

و الأولى و الأحوط الناصية.

(و معنى) الناصية و إن كان مجملا إذ فسرت بتفاسير مختلفة (منها) مطلق مقدم الرأس (و منها) أنها جزء من مقدم الرأس كما يعطيه

كلام العلامة (ره) في التذكرة فإنه قال فيها ما لفظه: الناصية ما بين النزعتين و هو أقل من نصف الربع. (و منها) قصاص الشعر و غير ذلك من الأقوال التي يطلع عليها من راجع كلمات اللغويين و الفقهاء، و مع هذا الاختلاف لا مجال لرفع اليد عن ظواهر ما دل على كفاية المسح بمقدم الرأس و تقييدها بما لا يصلح للتقييد لإجماله، و إن كان الظاهر أن من مسح مقدارا من مقدم رأسه فوق القصاص

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 139

و يكفى المسمى و لو بقدر عرض إصبع واحدة (1) أو أقل، و الأفضل بل الأحوط أن يكون بمقدار عرض (2) ثلاث أصابع، بل الاولى أن يكون بالثلاثة و من طرف

______________________________

حتى ينهى المسح الى قصاص الشعر فقد أخذ بالاحتياط و اللّٰه العالم.

(الرابعة) قوله قده: (و يكفى المسمى و لو بقدر عرض إصبع واحدة. إلخ)

عند الأكثر بل حكى عليه الإجماع لأصالة عدم وجوب الزائد و لا طلاق الأمر في الآية الشريفة بالمسح فلا يتقيد لعدم التحديد، و الباء فيها للتبعيض كما بين في محله، و للصحاح منها الزراري الباقرى عليه السّلام: إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك: و في آخر: في الرجل يتوضأ و عليه العمامة؟ قال: يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه. و هو الذي يقتضيه إطلاق الصحيح الزراري الباقرى عليه السّلام المروي في الكافي و التهذيب و الفقيه: إلا تخبرني من أين علمت و قلت إن المسح ببعض الرأس و الرجل؟ فضحك و قال: يا زرارة قاله رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم و

نزل به الكتاب من اللّٰه عز و جل قال (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ) فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل، ثم قال (وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ) فوصل اليدين الى المرفقين بالوجه فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يغسلا الى المرفقين، ثم فصل بين الكلام فقال (وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) فعرفنا حين قال برؤوسكم أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء، ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال (وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما، ثم فسر ذلك رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم للناس فضيعوه. الحديث.

قوله قده: (و الأفضل بل الأحوط أن يكون بمقدار عرض. إلخ)

و ذلك لإطلاق الاجزاء عليها في الصحيح الزراري الباقرى عليه السّلام المروي في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 140

الطول أيضا يكفي المسمى و ان كان الأفضل أن يكون بطول إصبع، و على هذا فلو أراد ادراك الأفضل ينبغي أن يضع ثلاث أصابع على الناصية و يمسح بمقدار إصبع من الأعلى إلى الأسفل، و إن كان لا يجب كونه كذلك فيجزي النكس، (1) و إن كان الأحوط خلافه (2)، و لا يجب كونه على البشرة (3) فيجوز أن يمسح

______________________________

الكافي قال: المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع و لا تلقى عنها خمارها. بناءا على عدم الفصل بين الرجل و المرأة، و روى الشيخ عن الباقر عليه السّلام قال: يجزى من المسح على الرأس ثلاث أصابع و كذلك الرجل. بناءا على أن الاجزاء إنما يستعمل في أقل الواجب و هو ظاهر الصدوق في الفقيه و الشيخ في النهاية، و يمكن حمل الإجزاء من القدر المندوب و ربما خص مقدار

الثلاث بالطول أو يحمل على الاستحباب، و الأول لا دليل عليه و الثاني بعيد عن لفظ الاجزاء، فتقييد المطلق بالمقيد أولى و ان كان لسان أخبار كفاية المسمى لسان صراحة في الاكتفاء لا من باب المطلق و المقيد و لكن الاحتياط سبيل النجاة.

(الخامسة) قوله قده: (فيجزي النكس)

وفاقا لابن زهرة و الحلي و الفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و هو المشهور كما في البحار، و لإطلاق الآية الشريفة، و للصحيح المروي في التهذيب عن الصادق عليه السّلام: لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا.

قوله قده: (و ان كان الأحوط خلافه)

خروجا عن خلاف المانع من جوازه الموجب للإقبال فيه و هو المحكى عن المرتضى و الشيخ في النهاية و الخلاف و ظاهر الصدوق للشك فيه و أصالة بقاء الحدث.

قوله قده: (و لا يجب كونه على البشرة)

جواز المسح على الشعر النابت

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 141

على الشعر النابت في المقدم بشرط أن لا يتجاوز بمده عن حد الرأس فلا يجوز المسح على المقدار المتجاوز و إن كان مجتمعا في الناصية، و كذا لا يجوز على النابت في غير المقدم و إن كان واقعا على المقدم، و لا يجوز المسح على الحائل من العمامة أو القناع أو غيرهما، و إن كان شيئا رقيقا (1) لم يمنع عن وصول الرطوبة الى

______________________________

على البشرة الغير الخارج بمده عن حد ما يجب المسح عليه من البشرة مما لا شبهة فيه و عليه الإجماع منقولا و محصلا، بل هو من ضروريات الدين مع ظهور الأخبار الآمرة بالمسح على الناصية فيه و هو المتبادر من الآية الشريفة و الأخبار الآمرة بالمسح على مقدم الرأس لما يعم الشعر و البشرة، و لا

ينافيه قول الصادق عليه السّلام فيمن يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء: لا يجوز حتى يصل بشرته الماء. فان المراد به ما يعم الشعر فان المراد بالبشرة في قبال المسح على الحناء.

قوله قده: (و لا يجوز المسح على الحائل) إلى قوله: (و ان كان رقيقا. إلخ

________________________________________

شبر، سيد على حسينى، العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، 2 جلد، مطبعة النجف، نجف اشرف - عراق، اول، 1383 ه ق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى؛ ج 2، ص: 141

إجماعا كما عن الانتصار، و الغنية، و الخلاف، و المعتبر، و نهج الحق، و المنتهى، و الذكرى، و الروض، و المدارك و غيرها و عدم صدق الامتثال لغة و عرفا بدون المسح على الرأس لعدم صدق الرأس على شي ء من الحائل أصلا، و للصحيح المروي في التهذيب: عن المسح على الخفين و العمامة؟ قال: لا يمسح عليهما. و في الصادقي عليه السّلام: الذي يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء، قال: لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه الماء. و في الخبر عن المرأة: هل يصلح لها أن تمسح على الخمار؟ قال:

لا يصلح حتى تمسح على رأسها. (و ما ورد) بخلاف ذلك من جواز المسح على الحائل كما في صحيحي عمر بن يزيد و ابن مسلم، فيكفي في عدم جواز

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 142

البشرة، نعم في حال الاضطرار لا مانع (1) من المسح على المانع كالبرد، و إذا كان شيئا لا يمكن رفعه، و يجب أن يكون المسح بباطن الكف (2)

______________________________

العمل بهما إعراض الأصحاب عنهما مع موافقتهما للعامة فلا بد من حملهما على التقية. و اللّٰه العالم.

قوله قده: (نعم في حال الاضطرار لا مانع)

كما

يدل عليه أدلة رفع العسر و الحرج كما يأتي تفصيله في أحكام الجبائر إن شاء اللّٰه تعالى.

(السادسة) قوله: (و يجب أن يكون المسح بباطن الكف)

الذي يدل عليه سيرة المتشرعين و أهل الدين المقطوع اتصالها بالأئمة المعصومين عليهم السلام و أخذها منهم، مع ما تقتضيه قاعدة الشغل اليقيني المستدعية للفراغ اليقيني، و لذا قال في مصباح الفقيه: و يجب أن يكون المسح بباطن الكف مما دون الزند مع القدرة على الأقوى، فلا يجزى المسح بظاهرها فضلا عن الذراعين و غيرهما، ثم حكى عبارة الحدائق في هذا المقام فقال: و في الحدائق قد ذكر جملة من أصحابنا أنه لا يجوز المسح بغير اليد اتفاقا، و إن الظاهر تعينه بالباطن لأنه المتيقن إلا أن يتعذر فيجوز بالظاهر. انتهى ما حكاه عن الحدائق، ثم قال: و مرادهم من اليد بحسب الظاهر كما يشهد به عبارة الحدائق خصوص الكف لا الأعم منها و من الساعد و العضد، لأنها هي التي تبادر من إطلاق اليد خصوصا إذا أسند إليها ما يناسبها كالأكل و الأخذ و المسح و غيرها من الأفعال التي جرت العادة بحصولها من الكف، و لذا استدل بعض لتعيين المسح بالكف دون الذراع بالأخبار المشتملة على ذكر اليد، و لم يخطر بباله أصلا على ما يشهد به كلامه أن اليد لغة أعم من الذراع. و كيف كان فلا شبهة في عدم جواز المسح بما عدى اليد مطلقا إجماعا بل ضرورة فلا يمكن الأخذ بإطلاق آية المسح الى آخر ما ذكره (قده).

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 143

و الأحوط ان يكون باليمنى (1) و الاولى ان يكون بالأصابع (2).

[ (مسألة 24) في مسح الرأس لا فرق بين أن يكون طولا أو عرضا أو منحرفا]

(مسألة 24) في مسح الرأس لا فرق بين أن

يكون طولا أو عرضا أو منحرفا (3)

[ «الثاني» غسل اليدين]
اشارة

«الثاني» غسل اليدين (1) من

______________________________

الذي تقدم عدم وجوب غسله.

قوله قده: (الثاني غسل اليدين. إلخ)

ذكر (قده) في هذا الموضع عدة مسائل:

(الأولى) غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع، أما وجوب غسلهما بهذا المقدار فمن الضروريات الثابت بالكتاب و السنة و الإجماع.

(الثانية) تقديم اليمنى على اليسرى و هذا أيضا بلا خلاف فيه، و عن الغنية و السرائر و الخلاف و المعتبر و المنتهى و نهج الحق و الروض و الذكرى الإجماع عليه، و لأصالة بقاء الحدث، و للوضوءات البيانية، و قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم هذا وضوء لا يقبل اللّٰه الصلاة إلا به، و للصحاح ففي الصادقي عليه السّلام: الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين؟ قال: يغسل اليمين و يعيد اليسار، و الموثق:

فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد غسل الأيمن ثم اغسل الأيسر، و نحوه آخر، و في المرتضوي فيمن بدأ بالمروة قبل الصفا يعيد، ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء يعيد الوضوء.

(الثالثة) وجوب الابتداء بالمرفق فهو أقوى من وجوب الابتداء من الأعلى في الوجه، لقوة دلالة النصوص البيانية على ذلك حتى تضمنت أنه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم غسل ذراعه من المرفق الى الكف لا يردها الى المرفق. و أنه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم غسل يده من المرفق إلى الأصابع لا يرد الماء الى المرفق، و لخبر الهيثم عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام عن قوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ).

فقلت: هكذا؟ و مسحت من ظهر كفى الى المرفق، فقال: ليس هكذا تنزيلها، إنما هي: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ من الْمَرٰافِقِ ثم أمر عليه

السّلام يده من مرفقه إلى أصابعه، و في البحار: روى عن الصادق عليه السّلام أن الآية نزلت

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 120

المرفقين إلى أطراف الأصابع مقدما لليمنى على اليسرى، و يجب الابتداء بالمرفق

______________________________

هكذا: و أيديكم من المرافق. و فيه عن علل محمد بن على بن إبراهيم: معنى الى المرافق من المرافق، و الغرض من الوضوء مرة واحدة و المرتان احتياط لما سبق. و يدل عليه أيضا: أمر الإمام عليه السّلام فيما كتبه الى على بن يقطين بعد ارتفاع التهمة عنه بغسل يديه من المرفقين عكس ما أمره به أولا لأجل التقية، و عن كشف الغمة، و لما في الغنية، و عن ظاهر التبيان، و صريح غيره من الإجماع عليه و لغير ذلك، و لعله لذا نقل عن ابن سعيد بل و السيد موافقة المشهور هنا، و لكن عن السيد أيضا و الحلي و غيرهما عدم الوجوب لنحو ما سبق في الوجه، و قد عرفت الوجه فيه مع أن الحلي صرح بأنه مكروه شديد الكراهة حتى جاء بلفظ الحظر، ثم إنه في جواز النكس في الأثناء نحو ما سبق في الوجه.

(الرابعة) وجوب غسل المرفق بتمامه، و الدليل عليه الإجماع على وجوب غسله كما عن التبيان، و مجمع البيان، و المنتهى، و الخلاف، و الناصرية، و الغنية، و المعتبر، و الذكرى، و التنقيح، و كنز العرفان، و جامع المقاصد، و المقاصد العلية، و الروض، و المسالك، و المدارك، و المشارق، و غيرها، قال الشيخ (ره) في الخلاف بعد الحكم بوجوب غسل المرفقين: دليلنا قوله تعالى (وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ) و (الى) قد تكون بمعنى (مع) و قد تكون بمعنى الغاية و قد ثبت عن

الأئمة (ع) أن المراد بها في الآية (مع) فعلمنا بذلك وجوب غسلهما. انتهى.

قال بعض الأعلام- بعد نقل هذا عنه-: و من المعلوم أن هذا الكلام منه (ره) رواية تفسير للآية متعلقة بالحكم الشرعي على وجه الجزم فهو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 121

و الغسل منه الى الأسفل عرفا فلا يجزى النكس، و المرفق مركب من شي ء من الذراع و شي ء من العضد و يجب غسله بتمامه و شي ء آخر من العضد من باب

______________________________

إخبار عن أمر حسي من ثقة عدل فيكون معتبرا. و قال السيد المرتضى (ره)- بعد قول الناصر يدخل المرفقان في الوضوء- و هذا صحيح و عندنا أن المرافق يجب غسلها مع اليدين و هو قول جميع الفقهاء إلا زفر بن الهذيل وحده، و حكى عن أبى بكر بن داود الأصفهاني مثل قول زفر في هذه المسألة، دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الفرقة المحقة. انتهى.

و قال الشيخ (ره) في الخلاف بعد الاستدلال بالآية ما نصه: و أيضا الاحتياط يقتضي ذلك لأن من غسل المرفقين مع اليدين لا خلاف في أن وضوءه صحيح، و إذا لم يغسلهما ليس على صحته دليل ثم قال: و روى جابر:

ان النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم توضأ فغسل يديه و ذلك من مرفقيه ثم قال: و عليه إجماع الفرقة. انتهى. (و عن المعتبر): الواجب غسل اليدين مع المرفقين.

و استدل على دخول المرفق بان عليه الإجماع ممن عدا زفر و من لا عبرة بخلافه. انتهى. (و قال في المنتهى) أكثر أهل العلم على وجوب إدخال المرفقين في الغسل خلافا لبعض أصحاب مالك و ابن داود و زفر. انتهى.

(و قال الشهيد (ره) في الذكرى): و

يجب غسل المرفقين إجماعا إلا من شذ من العامة. (و عن جوامع الجامع): إن وجوب غسل المرافق مذهب أهل البيت. (و في كشف اللثام) عند قول العلامة (ره) في القواعد الثالث غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع: فإن نكس أو لم يدخل المرفق بطل الوضوء إجماعا في الثاني ممن عدا زفر و ابن داود و بعض المالكية. انتهى (و قد استدل) على ذلك أيضا برواية الهيثم: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن قوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ) فقتل هكذا؟

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 122

المقدمة، و كل ما هو في الحد يجب غسله و ان كان لحما زائدا أو إصبعا زائدة

______________________________

و مسحت من ظهر كفى الى المرفق، فقال: ليس هكذا تنزيلها إنما هي فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ من الْمَرٰافِقِ، ثم أمر يده من مرفقه إلى أصابعه، و بالصحيح الحاكي لوضوء رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم: فوضع الماء على مرفقه فأمر كفه على ساعده. و بالصحيح أو الحسن عن زرارة و بكير: أنهما سألا أبا جعفر عليه السّلام عن وضوء رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم فحكاه لهما و ذكر أنه غمس كفه اليسرى فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه من المرفق الى الكف لا يردها الى المرفق، و غمس كفه اليمنى فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق و صنع بها مثل ما صنع باليمنى. و بمكاتبة ابن يقطين المروية عن إرشاد المفيد من قوله (ع): و اغسل يدك من المرفقين.

(و الإنصاف) أنه لا دلالة في هذه الأخبار واضحة على المطلوب من هذه الجهة فلم يبق لدينا

إلا الاتفاق المذكور و عدم الخلاف بين المسلمين، و الإجماعات المحكية عن المسلمين، و في ذلك كفاية في الدلالة على المطلوب، (نعم) بعد هذا الاتفاق على وجوب غسل المرفقين وقع الاختلاف في أن وجوبه أصالة أو من باب المقدمة لغسل تمام اليد؟ و تظهر الثمرة في وجوب غسل جزء من العضد لو قطعت اليد من المرفق، كما أنه وقع الاختلاف و الكلام في تفسير المرفق، و الظاهر من الأدلة أن وجوب غسل المرفق أصالة لا من باب المقدمة، كما أن الظاهر أن المرفق هو مجمع عظمي الذراع و العضد لا نفس المفصل (للصحيح) الصادقي (ع) المروي في التهذيب: عن الأقطع اليد و الرجل كيف يتوضأ؟ قال: يغسل المكان الذي قطع منه (و للحسن) الصادقي (ع) المروي في الكافي: عن الأقطع؟ قال: يغسل ما قطع منه.

فإنهما بإطلاقهما شاملان لما لو قطع من المفصل، (و للصحيح) الكاظمي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 123

و يجب غسل الشعر مع البشرة، و من قطعت يده من فوق المرفق لا يجب عليه

______________________________

(عليه السلام) عن رجل قطعت يده من المرفق؟ قال: يغسل ما بقي من عضده.

(الخامسة): كل ما هو في الحد يجب غسله. و قد استدل على ذلك بوجوه: منها دخوله في محل الغسل بعد تعليق الوجوب على المبدأ و النهاية بدعوى أن المنساق منه دخول جميع ما بينهما مع توقف يقين البراءة و الطهارة على غسلهما سيما مع اشتهاره بينهم، حتى ادعى بعضهم أنه لا يعرف فيه خلافا، بل عن جماعة استظهار الإجماع عليه، بل عن شارح الدروس:

دعوى الإجماع عليه، و في المدارك: نفى الريب عنه، و إن كان يشكل الدخول في مثل الذراع و اليد و لكن لا

بأس بالمصير الى ما ذكروه لتوقف يقين البراءة عليه، (نعم) الظاهر كما أفاده (قده) من وجوب غسل بشرة اليد المستورة خلال الشعر بدلالة مفهوم قوله (ع): إذا مس جلدك الماء فحسبك، و لأنها اليد حقيقة مع إطلاق الأمر بغسل اليدين دون الشعر، و مثل هذا و إن كان جاريا في شعر الوجه إلا أنه خرج بما مر من الدليل الغير الجاري ههنا عدا ما يتوهم من عموم قوله (ع). كلما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه. و قوله (ع): إنما عليك غسل ما ظهر. لإمكان المناقشة (في الأول) بمنع دلالته على العموم بالنسبة إلى شعر اليد، بل لا يستفاد منه إلا حكم ما أحاط بالوجه من الشعر، إذ ليس الموصول في الرواية للعموم بل هو للعهد، و القدر المعلوم إرادته منه ليس إلا ما أحاط بالوجه لا غير (و أما الثاني): فلا مكان المناقشة فيه بدلالته على وجوب غسل الظاهر في مقابل الباطن لا الظاهر في مقابل المستور خصوصا ما كان مستورا بالشعر و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 124

غسل العضد و ان كان أولى، و كذا ان قطع تمام المرفق، و ان قطعت مما دون

______________________________

و أما وجوب غسل الشعر معها فهو مبني على ما تقدم من وجوب غسل ما في الحد و عدمه.

(السادسة): من قطعت يده من فوق المرفق لا يجب عليه غسل العضد بلا خلاف ظاهرا كما اعترف به كثير منهم، بل الإجماع كما في المنتهى و الروض و غيرهما على سقوط الغسل عن المحل الذي لا يجب غسله، و يكفى دليلا عليه إنعدام الحكم بانعدام موضوعه، و بما ذكرنا من الإجماع- إن تم- يقيد إطلاق النصوص

كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع): عن أقطع اليد و الرجل؟ فقال: يغسلهما. (و صحيح) رفاعة عن أبى عبد اللّٰه (ع) عن الأقطع؟ قال: يغسل ما قطع منه. (و صحيحه) الآخر عنه (ع) عن أقطع اليد و الرجل كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ذلك المكان الذي قطع منه.

(و صحيح) على بن جعفر عن أخيه (ع) عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ما بقي من عضده. فتحمل على ما لو كان القطع مما دون المرفق، و بعضها على بقاء شي ء من المرفق مما يجب غسله.

(و أما) حملها على إرادة غسل محل القطع خاصة تعبدا فبعيد، سيما بعد فهم الأصحاب كما اعترف به غير واحد (و الظاهر) ان احتمال حمل الأخبار على ما ذكر من الغسل لمحل القطع تعبدا هو منشأ ما أفاده (قده) من أولوية غسل العضد.

(السابعة): ان قطعت مما دون المرفق يجب عليه غسل ما بقي.

لا خلاف في وجوب غسل الباقي مما يجب غسله، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في المنتهى نسبته الى أهل العلم، و يشهد له مع الاستصحاب و قاعدة الميسور

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 125

المرفق يجب عليه غسل ما بقي، و ان قطعت من المرفق بمعنى (1) إخراج عظم الذراع من العضد يجب غسل ما كان من العضد جزءا من المرفق.

[ «الرابع» مسح الرجلين]
اشارة

«الرابع» مسح الرجلين (4)

______________________________

قوله قده: (و الأحوط أن يكون باليمنى)

لصحيحة زرارة: و تمسح ببلة يمناك ناصيتك. و المشهور عدم وجوبه بل يظهر من الحدائق عدم الخلاف فيه و ان كان ظاهرهم الاتفاق على استحبابه، أخذا بالمطلقات الكثيرة الواردة في مقام البيان لحكم يعم به البلوى فلا تصلح الصحيحة لتقييدها فالأولى حملها على الاستحباب، و

عن بعض متأخري المتأخرين وفاقا لظاهر الإسكافي وجوبه مستدلين بالصحيحة المزبورة.

قوله قده: (و الاولى أن يكون بالأصابع)

لا أرى وجها يدل عليه في قبال إطلاقات المسح باليد، نعم قد يشعر به ما تقدم في الصحيح الزراري الباقرى عليه السّلام المروي في الكافي قال: المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع و لا تلقى عنها خمارها. و ما رواه الشيخ عن الباقر عليه السّلام قال: يجزى من المسح على الرأس ثلاث أصابع و كذلك الرجل و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 24: (في مسح الرأس لا فرق بين أن يكون طولا أو عرضا أو منحرفا. اه)

كل ذلك لإطلاق الأمر بالمسح كتابا و سنة مع صدق الامتثال على أى نحو من الأنحاء الثلاثة المذكورة وقع.

قوله قده: (الرابع مسح الرجلين. إلخ)

هذه العبارة تضمنت بيان أمور:

(الأول) مسح الرجلين دون غسلهما و يدل عليه (أولا) الإجماع محصلا و منقولا بل الضرورة من مذهبنا كما في الرياض و غيره (و ثانيا) الكتاب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 144

..........

______________________________

العزيز و هو قوله تعالى (وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) اما على قراءة الجر كما هو المحكى عن جملة من القراء فواضح، إذ يكون معطوفا على لفظ رءوسكم، و اما على قراءة النصب فالواجب عطفه على محل الرؤوس دون الوجوه و الأيدي للقرب، و إن عطفه على الوجوه و الأيدي مخل بنظم الكلام لأنه يصير من قبيل ضربت زيدا و عمرا و أكرمت خالدا و بكرا بجعل بكر عطفا على زيد و ارادة أنه مضروب لا مكرم، و هذا مستهجن جدا تنفر منه الطباع و لا تقبله الأسماع فكيف يجنح اليه أو يحمل القرآن عليه (فان قلت): من

المحتمل جر أرجلكم من باب الجوار كقولهم: جحر ضب خرب مع كونه معطوفا على الوجوه فتسقط قراءة الجر عن درجة الظهور في المسح فتكون الأرجل من قبيل المغسول (قلت) ان الأعراب بالمجاورة شاذ نادر لا يقاس عليه، و ما ورد في مواضع لا يتعدى الى غيرها فلا يجوز أن يحمل كتاب اللّٰه العزيز عليه، و إن كل موضع أعرب بالمجاورة يشترط فيه تجاور اللفظين و تقاربهما بلا فاصلة بينهما، و هنا قد تضمنت الآية حرف العطف و هو حائل بين اللفظين فهو مانع من الاعراب بالمجاورة لانتفاء شرطه، و أيضا إن الأعراب بالجوار إنما يجوز و يستحسن حيث لا تتطرق الشبهة إلى المعنى، ألا ترى أنه لا شبهة في كون خرب من صفات الجحر و لا يحتمل كونه من صفات الضب، و ليس الآية الشريفة هكذا لأن الأرجل يصح أن يكون فرضها المسح كما يصح أن يكون فرضها الغسل، فالشك واقع فلا يجوز إعرابها بالمجاورة مع وقوع اللبس و الشبهة، و قد ذكر ذلك كله السيد المرتضى (قده) في شرح المسائل الناصرية و أشار الى جملة منها في الانتصار

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 145

من رءوس الأصابع إلى الكعبين

______________________________

في جواب السؤال المذكور، و ذكر فيه ما يزيد على ما ذكرنا فمن أراده فليراجعه.

(و ثالثا) السنة، منها صحيحة زرارة قال: قال لي: لو أنك توضأت فجعلت مسح الرجلين غسلا ثم أضمرت أن ذلك من المفروض لم يكن ذلك بوضوء، ثم قال: ابدأ بالمسح على الرجلين فان بدا لك غسل فغسلته فامسح بعده ليكون آخر ذلك المفروض. و الظاهر أنه أشار بقوله: فان بدا لك غسل إلى أنه لو فاجأك من تتقي منه فغسلت رجليك

تقية فامسح بعد ذلك ليكون آخر وضوئك ما هو المفروض فيه من المسح. و منها رواية محمد ابن مروان قال قال لي أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: يأتي على الرجل ستون أو سبعون سنة ما قبل اللّٰه منه صلاة. قلت: و كيف ذلك؟ قال: لأنه يغسل ما أمر اللّٰه بمسحه. و بمعناهما أخبار كثيرة لا حاجة الى ذكرها، حتى بالغ السيد المرتضى (قده) في الانتصار في كثرتها و قال: ما ترويه الشيعة و تنفرد به أكثر من عدد الرمل و الحصى، ثم ذكر أخبارا من طرق العامة مصرحة بوجوب المسح (منها) عن ابن عباس أنه توضأ وضوء رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم فمسح على رجليه. و قد روى عنه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم أنه قال في كتاب اللّٰه جل ثناؤه أتى بالمسح و يأبى الناس إلا الغسل و روى عنه أيضا أنه قال: غسلتان و مسحتان و روى عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال: ما نزل القرآن إلا بالمسح، الى قوله رحمه اللّٰه: و الأخبار الواردة من طرقهم في هذا المعنى كثيرة الى آخر ما ذكره (قدس سره).

(الثاني) مما تضمنته العبارة من الأمور قوله قده: (أن يكون المسح من رءوس الأصابع إلى الكعبين) و الظاهر من العبارة هو أن يكون المسح على

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 146

و هما قبتا القدمين (1) على المشهور

______________________________

ظاهرهما دون باطنهما و دون صفحتي القدمين و لا مجموع ذلك كما في الجواهر، و حكى النص على ذلك عن المقنعة و الإشارة و المراسم و السرائر و غيرها، كما أنه حكى الإجماع عليه عن كاشف اللثام و شرح الدروس و الرياض

و الغنية، و يدل عليه ما رواه الشيخ (ره) في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبى نصر عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟

فوضع كفه على الأصابع فمسحها الى الكعبين الى ظهر القدم. و أما قول الصادق عليه السّلام في رواية سماعة: إذا توضأت فامسح قدميك ظاهرهما و باطنهما ثم قال هكذا: فوضع يده على الكعب و ضرب الأخرى على باطن قدميه ثم مسحهما إلى الأصابع. و مرفوعة أحمد بن محمد بن عيسى الى أبى بصير عنه عليه السلام: مسح الرأس واحدة من مقدم الرأس و مؤخره و مسح القدمين ظاهرهما و باطنهما، فهما مطروحان لعدم مقاومتهما النص الصحيح المعتضد بالإجماع مع احتمالهما للتقية كما في كشف اللثام: أنهما مع التسليم يحتملان التقية، و كذا في الجواهر و غيرهما.

قوله قده: (و هما قبتا القدمين. إلخ)

وفاقا للمفيد رحمه اللّٰه في المقنعة حيث قال: هما قبتا القدمين أمام الساقين ما بين المفصل و المشط. و هو مذهب سائر المتأخرين و هو القول القوى للإجماع المحكي عليه كما عن الانتصار و التبيان و الخلاف و مجمع البيان و المعتبر و الذكرى و ابن زهرة و الشيخ و غيرهم و حكى ذلك عن أكثر كتب اللغة، و يدل عليه الصحيح الزراري الباقرى (ع) المروي في الفقيه: كان إذا قطع اليد قطعها دون المفصل، فاذا قطع الرجل قطعها من الكعب فان موضع القطع من الرجل معقد الشراك. إجماعا فتوى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 147

و المفصل بين الساق و القدم على قول بعضهم (1) و هو الأحوط، و يكفى المسمى عرضا (2) و لو بعرض إصبع أو أقل

______________________________

و نضا، و

في آخر: إنما تقطع من الكعب و يترك له من قدمه ما يقوم عليه و يصلى و يعبد اللّٰه.

قوله قده. (و المفصل بين الساق و القدم على قول بعضهم. إلخ)

كما عليه الإسكافي و الشهيد في الألفية و ابن فهد في المحرر و المقداد في كنز العرفان و فهمه العلامة و الشيخ البهائي و صاحب الوسائل من الصحاح ففي صحيح زرارة و بكير: قلنا أين الكعبان؟ قال. ههنا يعنى المفصل دون عظم الساق، فقلنا: هذا ما هو؟ فقال: هذا من عظم الساق و الكعب أسفل من ذلك.

و صحيحة البزنطي عن الرضا (ع) قال: سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الأصابع فمسحها الى الكعبين الى ظاهر القدم. و المراد بالظهر خلاف البطن أى ما ارتفع منه، قالوا: و هو المفهوم من كتب اللغة ففي القاموس: الكعب كل مفصل للعظام و العظم الناشز فوق القدم و الناشزان من جانبيها. و حكى عن ابن الأثير و الراغب و الخليل و ابن فارس و صاحب المغرب و الجوهري و الأصمعي و الأزهري أن الكعب عظما الساق عند التقائه مع القدم. و كيف كان فالقول الأول هو الأقرب لموافقته لأكثر كتب اللغة و للإجماع المحكي عليه كما تقدم، و لعدم صراحة الأخبار المذكورة هنا في المدعى، مع أن بإزائها الصحيح الزراري الباقرى (ع) المروي في الفقيه المتقدم الذكر و الخبر الآخر، هذا و لا اشكال أن الثاني هو الأحوط و إن كان الأول هو الأقوى و اللّٰه العالم.

(الثالث) مما تضمنته العبارة قوله قده: (و يكفى المسمى عرضا. إلخ)

كفاية المسمى عرضا و لو يجزء من إصبع ممرا له على الممسوح مذهب الأكثر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2،

ص: 148

و الأفضل أن يكون بمقدار عرض ثلاث أصابع، (1) و أفضل من ذلك مسح تمام ظهر القدم (2) و يجزى الابتداء بالأصابع و بالكعبين (3)،

______________________________

و ممن صرح به العلامة (قده) في القواعد و نسبه في المنتهى الى علمائنا، و قال في التذكرة لا يجب استيعاب الرجلين بالمسح، بل يكفى المسح من رءوس الأصابع إلى الكعبين و لو بإصبع واحدة عند فقهاء أهل البيت، و نقل في الذخيرة عن المعتبر دعوى الإجماع على عدم وجوب الاستيعاب في العرض. انتهى. و لا لأصالة عدم وجوب الزائد، و لإطلاق الأمر في الآية الشريفة بالمسح فلا يتقيد لعدم التحديد و الباء فيها للتبعيض كما تقدم، و للصحيح الزراري الباقرى (ع): إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك.

قوله قده: (و الأفضل أن يكون بمقدار عرض ثلاث أصابع)

لما رواه الشيخ (ره) عن الباقر عليه السلام قال: يجزى من المسح على الرأس ثلاث أصابع و كذلك الرجل.

قوله قده: (و أفضل من ذلك مسح تمام ظهر القدم)

و ذلك للصحيح المروي في الكافي و التهذيب عن البزنطي عن الرضا (ع) قال: سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الأصابع فمسحها الى الكعبين الى ظاهر القدم، فقلت جعلت فداك لو أن رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا فقال: لا إلا بكفه كلها، قال المحسن في المفاتيح: و لو لا نقل الإجماع على اجزاء المسمى في المسح لجزمنا بالوجوب لأن المجمل يحمل على المبين و المطلق على المقيد.

(الرابع) مما تضمنته العبارة قوله: (و يجزى الابتداء بالأصابع و بالكعبين. إلخ)

حاصله جواز النكس بان يمسح من الكعب الى رءوس

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى،

ج 2، ص: 149

و الأحوط الأول (1)، كما أن الأحوط تقديم الرجل اليمنى (2) على اليسرى،

______________________________

الأصابع و هو خيرة جماعة كثيرة، بل هو المشهور لإطلاق الآية الشريفة و الصحيح المروي في التهذيب عن حماد بن عثمان عن الصادق عليه السّلام قال:

لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا، و صحيحته الأخرى عنه عليه السّلام: لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا، و المروي في الكافي عن يونس قال: أخبرني من رأى أبا الحسن (ع) بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم الى الكعب و من الكعب إلى أعلى القدم، و يقول: الأمر في مسح الرجلين موسع من شاء مسح مقبلا، و من شاء مسح مدبرا فإنه من الأمر الموسع.

قوله قده: (و الأحوط الأول)

خروجا عن خلاف المرتضى و الصدوق و الحلي فلم يجوزوا النكس.

قوله قده: (كما ان الأحوط تقديم الرجل اليمنى)

خروجا عن شبهة الخلاف كما في الصحيح المروي في الكافي عن محمد بن مسلم عن الصادق (ع) قال: ذكر المسح فقال: امسح على مقدم رأسك و امسح على القدمين و ابدأ بالشق الأيمن، و قيل لا يجب ذلك كما عن السرائر و الفقيه و التنقيح، بل نسب الى المشهور، بل عن ابن إدريس إنكار المخالف فيه للأصل و عموم الآية و الاخبار الواردة بالمسح من غير تخصيص، و خلو الأخبار الدالة على الترتيب و الحاكية للوضوء البياني عن وجوبه من عموم البلوى به و عدم نهوض الصحيح على الوجوب، و أوجبه الصدوقان كما عن القديمين و الشهيدين و الديلمي و المحقق الثاني و غيرهم، و ادعى الشيخ في الخلاف عليه الإجماع لأصالة بقاء الحدث و الصحيح المتقدم لكون الأمر حقيقة في الوجوب، و النبوي المروي في أمالي الشيخ

كان صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم إذا توضأ بدأ بميامنه، و المرتضوي (ع) المروي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 150

و إن كان الأقوى (1) جواز مسحهما معا، نعم لا يقدم اليسرى على اليمنى و الأحوط أن يكون مسح اليمنى باليمنى (2) و اليسرى و باليسرى

______________________________

عن كتاب النجاشي إذا توضأ أحدكم للصلاة فليبدأ منه باليمين قبل الشمال من جسده، و في المسألة قول ثالث بالتخيير بين المقارنة و تقديم اليمنى دون العكس للمروي في الاحتجاج عن الحميري انه كتب الى صاحب الزمان (عج) يسأله عن المسح على الرجلين بأيهما يبدأ باليمين، أو يمسح عليهما معا؟ فأجاب (ع) يمسح عليهما معا فان بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلا باليمين، هذا و الأقوى الترتيب و تقديم اليمنى إن لم يتم إجماع على خلافه أخذا بالصحيح المروي عن ابن مسلم فضلا عن كونه أحوط، نعم يعارضه التوقيع المتقدم الدال على جواز المعية و لكن الصحيح أقوى منه سندا، مع ما أورد عليه من مخالفته للإجماع المركب بدعوى ان الأمة على قولين قول يوجب الترتيب بين الرجلين و قول بعدمه، فما تضمنه التوقيع من التخيير بين المعية أو تقديم اليمنى على اليسرى إحداث قول ثالث.

قوله قده: (و ان كان الأقوى)

و ذلك عملا بما تضمنه التوقيع المتقدم

قوله قده: (و الأحوط أن يكون مسح اليمنى باليمنى)

كما هو صريح صحيح زرارة و تمسح ببلة يمناك ناصيتك و ما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى، و ان قال في الجواهر لم أعثر على من نص على الوجوب، و يقرب منه ما ذكره المحقق الأردبيلي (ره) في شرح الإرشاد الى أن ذكر

الصحيح المتقدم و قال: و ليس الخبر بصحيح بل هو حسن فلا يبعد الاستحباب، و ظاهر الآية الشريفة و الأخبار الأخر مؤيد لعدم الوجوب. انتهى.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 151

و إن كان لا يبعد جواز (1) مسح كليهما بكل منهما، و إن كان شعر (2) على ظاهر القدمين فالأحوط الجمع بينه و بين البشرة في المسح،

______________________________

قوله قده: (و ان كان لا يبعد جواز. إلخ)

كما صرح به الفاضل المقداد في التنقيح الرائع في شرح المختصر النافع فإنه قال فيه: يجب أن يكون المسح باليد في الموضعين أعني الرأس و الرجلين و لو بيد واحدة. انتهى. و حكى عن المناهل انه حكى الاتفاق على ذلك عن بعض، و كأن الوجه في ذلك إطلاق الأدلة و عدم مقيد لها و قد تقدم عن قريب صراحة صحيح زرارة في اعتبار مسح الرجل اليمنى ببلة اليد اليمنى و الرجل اليسرى ببلة اليد اليسرى.

قوله قده: (و ان كان شعر. إلخ)

أما مسح البشرة فقد ادعى عليه إجماع علماء الخاصة كما حكى ذلك عن المدارك و كشف اللثام فلا يجوز المسح على شعرهما في ظاهر كلمة الأصحاب كما في الحدائق، و التمسك بعموم قوله عليه السّلام كلما أحاط به الشعر فليس على العباد ان يطلبوه، مما لا وجه له ههنا لأنه مختص بالوجه، و لكن قال بعض المحققين: ان وجود الشعرات الضعيفة المتفرقة لا يمنع من صدق المسح على الرجل و إيجاب إزالتها دائما حرج، و التخليل في المسح غير ممكن و هو وجيه، بل يمكن منع ما ذكره صاحب الحدائق (ره) من الاستظهار بما حكى عن مشارق الشموس حيث قال:

هذا الحكم لم أقف على تصريح به في كلام القوم

غير أنهم أقحموا لفظ البشرة في هذا الموضع، و يمكن أن يكون مرادهم الاحتراز عن الخف و نحوه لا الشعر. انتهى. و ما ذكره لا يخلو عن ظهور بل قوة، كما أنه أطنب في مصباح الفقيه في تقوية هذا الاحتمال و ان مرادهم ذلك بلا اشكال، و ان الشعر المخصوص بموضع المسح ليس من الحائل عرفا هذا حال المسح على البشرة، و اما وجه الاحتياط في مسح الشعر النابت عليها معها فهو الوجه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 152

و يجب إزالة الموانع و الحواجب، (1)

______________________________

فيما ذهب اليه بعضهم في وجوب غسل الشعر النابت على الوجه و اليدين في وجوب غسله معهما تبعا لعده جزءا منهما، و لا يخفى انه مع الشك في وجوب غسله المرجع البراءة كما هو التحقيق في الشك في الجزئية أو الشرطية، لا الاحتياط كما هو مذهب آخرين.

قوله قده: (و يجب إزالة الموانع و الحواجب. إلخ)

و ذلك مقدمة للمسح على البشرة، فإن عدم الحائل في المسح شرط في الصحة قطعا، للإجماع كما عن الانتصار و الغنية و الخلاف و المعتبر و نهج الحق و المنتهى و الذكرى و الروض و المدارك، و عدم صدق الامتثال لغة و عرفا بدونه لعدم صدق الرجل على شي ء من الحائل أصلا، و للصحاح المستفيضة و هي في المسح على الخفين تكاد تبلغ حد التواتر، ففي الصحيح المروي عن التهذيب عن المسح على الخفين و على العامة قال: لا يمسح عليهما، و في الصادقي عليه السّلام في الذي يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء قال: لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه الماء، و في الخبر عن المرأة هل يصلح لها ان تمسح على

الخمار؟ قال: لا يصلح حتى تمسح على رأسها، و في آخر سبق الكتاب الخفين لا تمسح على خف، و في الصادقي عليه السّلام ما تقول في المسح على الخفين؟ فتبسم ثم قال: إذا كان يوم القيامة ورد اللّٰه كل شي ء إلى شيئه ورد الجلد الى الغنم فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم؟ بل المستفاد من الصحيح المروي في الفقيه و الكافي و التهذيب عن زرارة قال قلت له هل في مسح الخفين تقية؟ فقال: ثلاثة لا أتقى فيهن شرب المسكر و مسح الخفين و متعة الحج، و نحوه الصادقي عليه السّلام إنا لا نتقي أحدا في التمتع بالعمرة و اجتناب المسكر و المسح على الخفين، و في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 153

و اليقين بوصول الرطوبة (1) إلى البشرة و لا يكفى الظن، و من قطع (2) بعض قدمه مسح على الباقي، و يسقط مع قطع تمامه (3).

[ (مسألة 25) لا إشكال في أنه يعتبر أن يكون المسح بنداوة الوضوء]

(مسألة 25) لا إشكال في أنه يعتبر أن يكون المسح بنداوة الوضوء (4)

______________________________

آخر: ليس في شرب الخمر و المسح على الخفين تقية، و في رابع: التقية في كل شي ء إلا في شرب النبيذ و المسح على الخفين، إلا انه مأول اما بنفي التقية بالنسبة إليهم عليه السّلام خاصة كما في تتمة الصحيح المتقدم قال زرارة و لم يقل الواجب عليكم ان لا تتقوا فيهن أحدا، و تحمل الأخبار الباقية على ذلك، أو أن نفى التقية فيها ليس لعدم جوازها بل لعدم تحققها غالبا لإمكان ارتفاعها بالغسل الذي هو أقرب الى المأمور به بدل المسح.

قوله قده: (و اليقين بوصول الرطوبة)

و ذلك لقاعدة الشغل و لا دليل على اعتبار الظن لأنه لا يغني من الحق شيئا.

قوله قده:

(و من قطع. إلخ)

لقاعدة الميسور.

قوله قده: (و يسقط مع قطع تمامه)

لانتفاء الموضوع الذي هو شرط في تعلق الحكم و لتقدمه عليه طبعا.

قوله قده مسألة 25: (لا إشكال في أنه يعتبر أن يكون المسح بنداوة الوضوء. إلخ)

على المشهور للإجماع المنقول كما في المدارك و الذكرى و عن صريح الخلاف و الغنية و ظاهر الروض و التنقيح، و ان خالف الإسكافي في ذلك محتجا انه ليس في النصوص إلا انهم فعلوه في مقام البيان، و من الجائز كون ذلك لأنه أحد أفراد الأمر الكلي لا لتعينه في نفسه، و فيه ما تقدم من انه لا يقدح خروج مثله، ففي الصحيح الصادقي عليه السّلام المروي في الكافي:

ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء و رجليك الى كعبيك، و في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 154

فلا يجوز المسح بماء جديد و الأحوط أن يكون بالنداوة الباقية (1) في الكف فلا يضع يده بعد تمامية الغسل على سائر أعضاء الوضوء لئلا يمتزج ما في الكف بما فيها لكن الأقوى جواز ذلك و كفاية كونه برطوبة الوضوء و إن كانت من سائر الأعضاء فلا يضر الامتزاج المزبور، هذا إذا كانت البلة باقية في اليد، و أما لو جفت فيجوز (2) الأخذ من سائر الأعضاء بلا اشكال،

______________________________

الخبر الصادقي عليه السّلام المروي في الفقيه: إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلة وضوئك، فان لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شي ء فخذ ما بقي منه في لحيتك و امسح به رأسك و رجليك، و ان لم يبق من بلة وضوئك شي ء أعدت الوضوء، و في خبر ابن يقطين المتقدم: و امسح بمقدم رأسك

و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، و في الفقه الرضوي:

روى ان جبرئيل هبط على رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم بغسلتين و مسحتين غسل الوجه و الذراعين بكف كف و مسح الرأس و الرجلين بفضل النداوة التي بقيت.

قوله قده: (و الأحوط أن يكون بالنداوة الباقية. إلخ)

ظاهر جماعة انه مع وجود البلة في اليد لا يجوز الأخذ من المظان كما عن ظاهر المفيد في المقنعة، و الشيخ في النهاية و ابن زهرة في الغنية، و الديلمي في المراسم، و الفاضلين في المعتبر و القواعد و الإرشاد و المنتهى، و الشهيدين في الدروس و الذكرى لأصالة بقاء الحدث، و ظاهر النصوص المتقدمة و الوضوءات البيانية خلافا لجماعة فيجوز مطلقا لإطلاق بعض الأخبار المجوزة لأخذ البلة و إطلاق الآية، و فيه إنهما مقيدان بما تقدم.

قوله قده: (هذا إذا كانت البلة باقية في اليد و اما لو جفت فيجوز)

للمرسل المتقدم المروي عن الفقيه.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 155

من غير ترتيب بينها على الأقوى (1) و إن كان الأحوط (2) تقديم اللحية و الحواجب على غيرهما من سائر الأعضاء، نعم الأحوط عدم أخذها مما خرج من اللحية عن حد الوجه (3) كالمسترسل منها، و لو كان في الكف ما يكفي الرأس فقط مسح به (4) الرأس ثم يأخذ للرجلين من سائرها على الأحوط، و إلا فقد عرفت أن الأقوى جواز الأخذ مطلقا.

______________________________

قوله قده: (من غير ترتيب بينها على الأقوى)

لإطلاقات المسح ببلة الوضوء و دعوى فهم عدم خصوصية ما تضمنه المرسل من الترتيب.

قوله قده: (و ان كان الأحوط. إلخ)

للمرسل المتقدم و مرسل خلف بن حماد قال قلت له: الرجل ينسى مسح رأسه و هو

في الصلاة قال:

ان كان في لحيته بلل فليمسح به، قلت فان لم يكن له لحية؟ قال يمسح من حاجبيه و من أشفار عينيه، و لما رواه في الفقيه عن ابى بصير عنه عليه السّلام: في رجل ينسى مسح رأسه قال: فليمسح، قال لم يذكر حتى دخل في الصلاة قال:

فليمسح رأسه من بلل لحيته، فان ظاهرها الترتيب بين المذكورات في الأخذ منها و سائر أعضاء الوضوء.

قوله قده: (نعم الأحوط عدم أخذها مما خرج من اللحية عن حد الوجه. إلخ)

لا يخفى انه ذهب بعضهم الى جواز الأخذ من اللحية و لو كان مما استرسل منها طولا أو عرضا لصدق كونها من نداوة الوضوء و بلله عرفا و إطلاق الأخبار الآمرة بالأخذ منها، و ذهب آخرون الى عدم جواز الأخذ مما خرج عن حد الوجه طولا أو عرضا بدعوى ظهور الأدلة في بقاء نداوة الوضوء على محال الوضوء لا غير فهي قرينة على تقييد إطلاق اللحية بغير مسترسلها و هو منشأ احتياط المصنف (قده).

قوله قده: (و لو كان في الكف ما يكفي الرأس فقط مسح به)

و ذلك

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 156

[ (مسألة 26) يشترط في المسح أن يتأثر الممسوح برطوبة الماسح]

(مسألة 26) يشترط في المسح أن يتأثر الممسوح (1) برطوبة الماسح،

______________________________

لقاعدة الميسور و ما لا يدرك كله لا يترك كله و قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم إذا أمرتكم بشي ء فأتوا به ما استطعتم.

قوله قده مسألة 26: (يشترط في المسح أن يتأثر الممسوح. إلخ)

كما هو خيرة النهاية و التذكرة و المستند و المدارك و الحدائق و الجواهر، بل هو المشهور إذا مع رطوبة المحل يكون المسح بماء جديد، قال في مصباح الفقيه في هذا المقام: و لا يخفى عليك ان المتفاهم

عرفا من الأمر بمسح الرأس ببلل الوضوء وجوب إيصال البلة إلى الرأس و تأثره منها نظير الأمر بمسح رأسه بالدهن أو بماء جديد، فيعتبر في اليد الماسحة اشتمالها على رطوبة مسرية و لا يكفى تلبسها بالبلة ما لم يتأثر بمسحها الممسوح، و قد عرفت انه يعتبر أن تكون الرطوبة المسرية من بقية بلل الوضوء، فلو امتزجت برطوبة خارجية غالبة بحيث انتفى عرفا صدق بلة الوضوء على ما في اليد، فلا ينبغي التأمل في عدم كفاية المسح بها، لانتفاء الصدق عرفا، بل صدق كون المسح بماء جديد. انتهى موضع الحاجة من عبارته (قده)، و قال آخرون: بعدم اشتراط جفاف المحل كما هو المحكى عن الإسكافي و الحلي و المحقق في المعتبر و المحقق الثاني و الشهيد و المحقق الخوانسارى لإطلاق الأمر بالمسح كتابا و سنة و صدق الامتثال، و منع الدليل على المنع إذ المرجع في معنى الاستئناف إلى العرف و هو غير صادق على هذا الفرد عرفا، بل ربما يفهم من الصحيح الزراري: لو أنك توضأت و جعلت موضع مسح الرجلين غسلا ثم أضمرت ان ذلك هو المفترض لم يكن ذلك بوضوء، جواز الغسل مع عدم قصده، و ان البلة في موضع المسح غير مضرة و يعضده ان الاشتراط ربما آل الى المنع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 157

و أن يكون ذلك بواسطة الماسح (1) لا بأمر آخر، و إن كان على الممسوح رطوبة خارجة، فان كانت قليلة غير مانعة من تأثير رطوبة الماسح فلا بأس، و إلا لا بد من تجفيفها، و الشك في التأثير كالظن لا يكفى بل لا بد من اليقين. (2)

[ (مسألة 27) إذا كان على الماسح حاجب]

(مسألة 27) إذا كان على الماسح حاجب (3)

و لو وصلة رقيقة لا بد من رفعه و لو لم يكن مانعا من تأثير رطوبته في الممسوح.

[ (مسألة 28) إذا لم يمكن المسح بباطن الكف يجزى المسح بظاهرها]

(مسألة 28) إذا لم يمكن المسح بباطن الكف (4) يجزى المسح بظاهرها

______________________________

من الوضوء في الحمام لعدم الانفكاك من العرق غالبا، و الى عدم جواز المسح ببلل الأعضاء المغسولة إذا كانت مبتلة قبل الغسل للقطع ببقاء شي ء من ذلك في الوضوء (و فيه) ان الصحيح المزبور لا يدل على أزيد من أن الغسل لا يقوم مقام المسح إلا على القول بمفهوم اللقب و لا نقول به، و ما عداه فوجوه استحسانية لا تفيد علما و لا عملا، فالقول الأول هي المتعين و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و ان يكون ذلك بواسطة الماسح. إلخ)

لظهور الأدلة و الوضوءات البيانية في اعتبار كون الواسطة في إيصال الرطوبة إلى الرأس بواسطة اليد لا بواسطة أخرى، فلو نقل الرطوبة إليه بواسطة أخرى غير اليد لم يجز.

قوله قده: (بل لا بد من اليقين)

و ذلك لقاعدة الاشتغال المقتضية لليقين بالفراغ.

قوله قده مسألة 27: (إذا كان على الماسح حاجب. إلخ)

و ذلك بدعوى ان الظاهر من الأدلة اعتبار المماسة و المباشرة لا إيصال رطوبة الماسح الى الممسوح كيف اتفق.

قوله قده مسألة 28: (إذا لم يمكن المسح بباطن الكف. إلخ)

حاصل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 158

و إن لم يكن عليه رطوبة نقلها من سائر المواضع اليه ثم يمسح به، و إن تعذر بالظاهر أيضا مسح بذراعه و مع عدم رطوبته يأخذ من سائر المواضع و إن كان عدم التمكن من المسح بالباطن من جهة عدم الرطوبة و عدم إمكان الأخذ من سائر المواضع أعاد الوضوء، و كذا بالنسبة إلى ظاهر الكف فإنه إذا كان عدم التمكن من

المسح به عدم الرطوبة، و عدم إمكان أخذها من سائر المواضع لا ينتقل الى الذراع بل عليه أن يعيد.

______________________________

ما ذكره في هذه المسألة هو أنه لو تعذر المسح بباطن الكف لمرض و شبهه وجب المسح بظاهرها، و ان تعذر المسح بظاهرها وجب المسح بالذراع، و ثبت لكل مرتبة متأخرة حكم ما تقدمها من انه إذا لم يكن عليه رطوبة نقلها من سائر المواضع اليه و مسح به على الترتيب المتقدم من تقديم اللحية و الحاجبين و أشفار العينين ثم إلى سائر أعضاء الوضوء، و يظهر من دعوى غير واحد القطع بذلك أنه من المسلمات عندهم، قال بعض المحققين: بل يمكن التمسك لوجوبه بالاستصحاب و قاعدة الميسور فان ميسور باطن اليد ظاهرها و ميسور الظاهر الذراع منها كما ذكروه في مسألة الأقطع، و اما بقاء المسح على وجوبه فلا ينبغي التأمل فيه بعد إثبات وجوب الوضوء، بل لا يشك أحد من العوام في ذلك لما شاع في الألسن و ارتكز في العقول من أن الميسور لا يسقط بالمعسور، مضافا الى إطلاقات أوامر المسح كتابا و سنة، و تنزيلها على المتعارف كما تقدم لا ينافي ذلك فان المتعارف في حق العاجز المسح بظاهر الكف و الذراع كما ان المتعارف لفاقد الكف المسح بالذراع فهذا الترتيب عرفي ينطبق عليه الإطلاقات من دون ان يكون اللفظ مستعملا في معان متعددة كما هو ظاهر، هذا مع ان مقتضى الاستصحاب أيضا وجوب المسح عليه، و اما تعيين آلة المسح فلا حاجة إليه حتى يورد بكون الأصل مثبتا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 159

[ (مسألة 29) إذا كانت رطوبة على الماسح زائدة]

(مسألة 29) إذا كانت رطوبة على الماسح زائدة (1) بحيث توجب جريان الماء على الممسوح لا

يجب تقليلها، بل يقصد المسح بإمرار اليد و إن حصل به الغسل، و الاولى تقليلها.

______________________________

لأن إلزام العقل بوجوب تفريغ الذمة عما علم وجوبه يغنينا عن ذلك كإلزامه بإيجاد المقدمات العلمية للواجبات المستصحبة. انتهى موضع الحاجة من عبارته (قده) و اما لو تعذر المسح بباطن الكف لا لمرض و شبهه بل من جهة عدم بقاء الرطوبة فيها و عدم إمكان الأخذ من سائر المواضع أعاد الوضوء إذ لا موجب لسقوط المسح بباطن الكف مع إمكانه بالإعادة، و كذا الحال فيما بعده لو رجع الأمر اليه و كان العذر فيه عدم بقاء البلة فيه فيجب اعادة الوضوء ليحصل المسح بظاهر الكف الذي وجب المسح به لمرض في باطنها و كذا الحال في الذراع و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 29: (إذا كانت رطوبة على الماسح زائدة. إلخ)

لا يخفى انه لو كانت البلة الباقية مشتملة على ما يتحقق به الجريان لو مسح فهل يمسح بها و الحال كذلك أو يجب التجفيف حذرا من صدق الغسل المنهي عنه عليه قولان مبنيان على ان النسبة بين الغسل و المسح هل هو التباين أو العموم من وجه فيجتمعان في إمرار اليد مع الجريان و ينفرد الأول بالثاني خاصة و الثاني بالأول و لعل الأول أقوى وفاقا للذكرى و المدارك و شرح الإرشاد للمقدس و الذخيرة و شرح الدروس و غيرهم للإطلاقات و العمومات و الوضوءات البيانية إذ لم يعهد منهم (ع) انهم أمروا بتجفيف الرطوبة خصوصا في مواضع التعليم و لزوم الحرج إذ الغالب عدم انفكاك الماسح عن رطوبة كثيرة سيما مع الإسباغ، و أما الأولوية في التقليل فللاحتياط و خروجا عن الخلاف كما حكى ذلك عن الشهيد الثاني في المقاصد العلية.

العمل

الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 160

[ (مسألة 30) يشترط في المسح إمرار الماسح على الممسوح]

(مسألة 30) يشترط في المسح إمرار الماسح على الممسوح (1) فلو عكس بطل، نعم الحركة اليسيرة في الممسوح لا تضر بصدق المسح.

[ (مسألة 31) لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح]

(مسألة 31) لو لم يمكن حفظ الرطوبة (2) في الماسح من جهة الحر في الهواء أو حرارة البدن أو نحو ذلك و لو باستعمال ماء كثير بحيث كلما أعاد

______________________________

قوله قده مسألة 30: (يشترط في المسح إمرار الماسح على الممسوح.

إلخ)

و ذلك بدعوى ان المأمور به إيقاع المسح على الرأس كما هو مقتضى قوله تعالى (وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ) و في عدم الصدق بمسح الرأس باليد أو تماسحهما نظر، و ان ما ذكره أحوط.

قوله قده مسألة 31: (لو لم يمكن حفظ الرطوبة. إلخ)

حاصله انه إذا لم يتمكن من المسح ببلل الوضوء و ان استأنف لحرارة جسم أو هواء و حصول الجفاف كلما توضأ و لو بعلاج كالجلوس في مكان رطب أو إكثار ماء على العضو الأخير فلا كلام في سقوط التكليف بالمسح بالبلة لانتفاء القدرة على الإتيان بالمكلف به، و إنما الكلام في انه هل يجب عليه المسح بماء جديد كما حكى ذلك عن المعتبر و المنتهى و القواعد و الذكرى و جامع المقاصد و المدارك و غيرها مستدلين على ذلك بان المسح المأمور به في الآية إنما هو المسح بالماء و قد قيد في دليل منفصل بكون البلل الممسوح به من ماء الوضوء فينتفى القيد لانتفاء القدرة عليه و يبقى مطلق المسح بالماء و ذلك مقتضى قاعدة الميسور، و أورد عليه بعدم جريان قاعدة الميسور في القيود و إنما تجري في المركبات أو إفراد العام إذ لا يصدق على المطلق الميسور العاري عن القيد المتعسر انه الميسور من ذلك المقيد، و أجيب عنه

بأنه لا فرق بين المقامين مع مساعدة العرف كما ذكروه في مراتب العجز عن القيام للصلاة مضافا الى رواية

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 161

الوضوء لم ينفع فالأقوى جواز المسح بالماء الجديد، و الأحوط المسح باليد اليابسة ثم بالماء الجديد ثم التيمم أيضا.

______________________________

عبد الأعلى في المسح على الحائل بتقريب ان الواجب المسح مع المباشرة و قد سقطت المباشرة للحرج و بقي أصل المسح. (ثانيها) المسح باليد الخالية من دون تجديد ماء و استظهره في الجواهر من التحرير ثم قال: و نحوه عن نهاية الأحكام و مستند هذا الوجه هو ان مقتضى ظاهر إطلاق المسح في الآية إنما هو إمرار اليد على الرأس و الرجلين، ثم انه ثبت تقييده بماء الوضوء من دليل خارج و هو منوط بالإمكان فمع عدمه يبقى الإطلاق المقتضي لمجرد إمرار اليد على الرأس و الرجلين على حاله، (و أورد) عليه بان هذا يندفع بما تقدم من أن المراد بالمسح في الآية ليس هو مطلق إمرار اليد بل المراد به إنما هو المسح بالبلة بدلالة مقابلة الغسل فالذي يبقى بعد انتفاء القيد إنما هو المسح بالبلة لا مطلق إمرار اليد، (ثالثها) العدول الى التيمم ذكره بعضهم احتمالا ففي كشف اللثام و يحتمل إيجاب التيمم إذا لم يمكن المسح ببقية البلل بوجه. انتهى. و وجّهه بعضهم بان مقتضى كون المسح مشروطا بكونه بالنداوة الباقية من ماء الوضوء هو أن انعدام المشروط بانعدام شرطه فينتفى المسح و ينتفي بانتفائه المجموع المركب الذي هو الوضوء، ورد بوجوه:

(أحدها) ما ذكره صاحب المستند (ره) بعد ما تقدم من استدلاله على استيناف ماء جديد و هو استصحاب وجوب الغسلتين و المسحتين فقال:

و منه يظهر ضعف تجويز

الانتقال الى التيمم لاستصحاب وجوب الغسل و المسح مع أصالة عدم مشروعية التيمم. انتهى. و حاصله انه مع استصحاب وجوب المسح لا يلزم انتفاؤه حتى يلزم منه انتفاء المركب.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 162

[ (مسألة 32) لا يجب في مسح الرجلين أن يضع يده على الأصابع]

(مسألة 32) لا يجب في مسح الرجلين أن يضع يده (1) على الأصابع و يمسح الى الكعبين بالتدريج، فيجوز أن يضع تمام كفه على تمام ظهر القدم من طرف الطول الى المفصل و يجرها قليلا بمقدار صدق المسح.

______________________________

(ثانيها) ما ذكره صاحب الجواهر (ره) من أن قصور ما دل على شرطية المسح بالنداوة عن شمولها لمثل هذا المقام الذي هو صورة التعذر يمنع من العدول الى التيمم و ذلك لظهور ما دل على شرطية المسح بالنداوة في صورة الإمكان.

(ثالثها) ان عدم ذكرهم عدم التمكن من المسح بنداوة الوضوء في عداد مسوغات التيمم يقتضي عدم جواز العدول إليه حينئذ و الا كان من اللازم تعرضهم له هناك.

(رابعها) ان التتبع بالنسبة إلى تعذر كثير من اجزاء الوضوء كما في اقطع اليدين و اقطع الرجلين و نحو ذلك يقضى بعدم سقوط الوضوء عند تعذر المسح بنداوة الوضوء، فالحاصل ان الأقوى هو القول بالمسح بماء جديد وفاقا لمن حكيناه عنهم دون التيمم أو المسح باليد الخالية و ان كان الأحوط ما ما ذكره المصنف أخيرا من الجمع بينها و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 32: (لا يجب في مسح الرجلين أن يضع يده. إلخ)

حاصل ما يظهر من العبارة كفاية إيقاع المسح الدفعى على جميع الأجزاء الواقعة بين الحدين من الرجلين و لا يختص بالمسح التدريجي، و الظاهر ان مستنده في ذلك إطلاق دليل وجوب المسح المقتضى لعدم الفرق بين التدريجي منه و الدفعى (و

فيه) انه يشكل التمسك بمثل هذا الإطلاق و تناوله لهذا الفرد الخفي الذي لم يذكر في زبر المتقدمين من علمائنا المحققين و لم يتنبه له الا الأوحدي منهم و ذلك بعد مئين من السنين فكيف بسائر طبقات المكلفين فلا إشكال في انصراف

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 163

[ (مسألة 33) يجوز المسح على الحائل كالقناع]

(مسألة 33) يجوز المسح على الحائل (1) كالقناع و الخف و الجورب و نحوها في حال الضرورة من تقية أو برد يخاف منه على رجله أو لا يمكن منه نزع

______________________________

الإطلاق عن مثله و عدم تناوله لغير الفرد الظاهر منه و هو التدريجي كانصرافه عن ذي الرأسين من الإنسان في قوله ايتني بإنسان و ليس بحجة بين المولى و عبده مع مخالفته لظاهر أوامر المسح من رءوس الأصابع إلى الكعبين، فان ظاهر (من) و (الى) التدريجي منه و للوضوءات البيانية (نعم) يمكن أن يستدل على جوازه بما ورد من جواز النكس بناءا على اعتبارها و العمل بها ببيان ان المستكشف منها إن التحديد بالكعبين للممسوح و ان المطلوب مسح ما بين الحدين دون أن يكون التحديد للمسح حتى يجب الابتداء من أطراف الأصابع متدرجا الى الكعبين و قد تقدمت المسألة و ذكرنا ان الأحوط عدم النكس وفاقا للمرتضى و الصدوق و الحلي فالأحوط ههنا و الأولى ترك هذه الكيفية و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 33: (يجوز المسح على الحائل. إلخ)

الذي يدل على الحكم المذكور اعنى سقوط مباشرة الماسح للممسوح في مورد الضرر أعم من أن يكون لتقية أو لثلج يخاف فيه على رجليه أو سبع يخاف منه أو غير ذلك من موارد الضرر أدلة نفى الحرج مثل قوله تعالى (مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)

و أدلة نفى الضرر مثل قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم لا ضرر و لا ضرار و منطوق رواية عبد الأعلى في المسح على المرارة مضافا الى الأخبار الخاصة كرواية أبي الورد قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام ان أبا ظبيان حدثني انه رأى عليا عليه السّلام أراق الماء ثم مسح على الخفين فقال عليه السّلام كذب أبو ظبيان اما بلغك قول على عليه السّلام سبق الكتاب الخفين فقلت هل فيهما رخصة؟ فقال لا إلا من عدو تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك فلا خلاف فيه ظاهرا كما عبر بذلك جمع بل ادعى الإجماع عليه كما عن المنتهى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 164

الخف مثلا، و كذا لو خاف من سبع أو عدو أو نحو ذلك مما يصدق عليه

______________________________

و غيره، هذا مع عمومات أخبار التقية التي كادت تكون من ضروريات مذهب الشيعة المعتضدة بالقواعد العقلية و النقلية التي لا يمكن رفع اليد عنها إلا بمخصص قوى غير قابل للتأويل، نعم اختلفت الأخبار في التقية في المسح على الخفين ففي رواية أبي الورد ما عرفت من الجواز و في جملة من الأخبار الصحيحة عدمه، ففي صحيحة زرارة المنقولة عن الكافي في باب الأطعمة و الأشربة قلت لأبي جعفر عليه السّلام هل في المسح على الخفين تقية؟ قال لا تتق في ثلاث قلت و ما هن؟ قال: شرب المسكر و المسح على الخفين و متعة الحج، و روى هشام في الصحيح عن أبى عمرو قال قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام يا أبا عمرو تسعة أعشار الدين في التقية و لا دين لمن لا تقية له و التقية في كل شي ء إلا في

شرب النبيذ و المسح على الخفين و ترك الجهر ببسم اللّٰه الرحمن الرحيم، و في صحيحة زرارة قلت هل في مسح الخفين تقية؟ قال ثلاث لا أتقى فيهن أحدا شرب المسكر و مسح الخفين و متعة الحج قال زرارة و لم يقل الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحدا الخبر، و قد تخرج الأصحاب عنها بوجوه يطول شرحها و هي مذكورة في مظانها من الكتب المطولة أقربها ان هذه الثلاثة لا يقع فيها الإنكار من العامة غالبا لأنهم لا ينكرون متعة الحج و انها كانت على عهد رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم و عهد أبى بكر و ان الذي حرمها عمر و حرمة المسكر و نزع الخف مع غسل الرجلين و الغسل أولى منه عند انحصار الحال فيهما على ما نص عليه بعضهم، و على كل حال فما ذكر من الوجوه لا يصلح لصرف الأخبار إليها مع وضوح عدم مساعدة ألفاظها عليها فالأقوى في النظر ترجيح رواية أبي الورد و ما في معناها على الطائفة الأخرى لشهرة العمل بالأولى و الاعراض عن الطائفة الأخرى و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 165

الاضطرار من غير فرق بين (1) مسح الرأس و الرجلين، و لو كان الحائل متعددا لا يجب (2) نزع ما يمكن و إن كان أحوط، و في المسح على الحائل أيضا لا بد من الرطوبة (3) المؤثرة في الماسح و كذا سائر ما يعتبر في مسح البشرة.

______________________________

قوله قده: (من غير فرق بين. إلخ)

لاتفاق الأصحاب على عدم الفارق بين المقامين مع ان ما ذكر من تعارض الاخبار في المسح على الخفين مخصوص في الرجل فلا مزاحم في شمول

أدلة التقية الرأس.

قوله قده: (و لو كان الحائل متعددا لا يجب. إلخ)

و ذلك لإطلاق معاقد الإجماع و ما يسبق الى الوهم من كون ذي الحائل الخفيف أقرب الى المأمور به فمعلوم ان هذا لا يصلح مستندا إلى الإيجاب لكونه أمرا اعتباريا لا يعتد به العقلاء، أو من كون المتيقن من أدلة البدلية هي البدلية في غير المتعدد، و أنت خبير بأن الأخذ بالقدر المتيقن إنما يصلح فيما كان مهملا من الأدلة و لا إشكال في إطلاق معقد الإجماعات المتقدمة، بل لنا أن نقول ان العقل لا يحكم بكون ذي الحائل الخفيف هو القدر المتيقن بل يحكم بتساويهما في مرتبة الامتثال بعد امتناع المسح على البشرة، و الظاهر ان مدرك احتياط المصنف هو ما ذكرناه من الوجهين اللذين عرفت حالهما.

قوله قده: (و في المسح على الحائل أيضا لا بد من الرطوبة. إلخ)

بدعوى ان ظاهر أدلة المسح على الخف تنزيله منزلة البشرة فيعتبر في المسح عليه ما يعتبر في المسح عليها، قال في الجواهر: ان الظاهر انه حيث يجوز المسح على الخف للتقية يجب أن يراعى في المسح عليه ما كان يراعى في المسح على البشرة من المسح على الظاهر دون الباطن و بالنداوة و الاستيعاب الطولي فيقام الخف مقام بشرة الرجل، ثم قال: و قد يشعر ببعض ما ذكرناه ما في المنتهى من انه لو مسح أسفل الخف دون أعلاه لم يجز عندنا في ضرورة الجواز، و هذا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 166

[ (مسألة 34) ضيق الوقت عن رفع الحائل أيضا مسوغ للمسح عليه]

(مسألة 34) ضيق الوقت عن رفع الحائل (1) أيضا مسوغ للمسح عليه لكن لا يترك الاحتياط بضم التيمم أيضا.

______________________________

مذهب عامة أهل العلم الا ما نقل عن بعض أصحاب الشافعي و

بعض أصحاب مالك. انتهى. و يمكن أن نمنع من دلالة الأدلة على تنزيل الخف منزلة البشرة و تنزيل المسح عليه منزلة المسح عليها حتى يجرى عليه جميع أحكامها بدلالة عموم المنزلة إذ ليس المأمور به سوى التقية و ليس المنهي عنه إلا تركها فيدور الأمر مدار حصولها و اندفاع الخوف بأي شي ء حصل و لا يختص الحكم بوظيفة المسح على بشرة الرجل و على هذا لا يلزم تبدل التكليف بالمسح على البشرة بالمسح على الخف حتى يلزم أن يراعى في الثاني جميع ما كان واجبا في الأول.

قوله قده مسألة 34: (ضيق الوقت عن رفع الحائل. إلخ)

لا أرى وجها للحكم بالمسح على الحائل عند ضيق الوقت عن رفعه إلا دعوى انه من إفراد الضرورة المستثناة في كلمات الأصحاب من عدم جواز المسح على الحاجب و كذا، خبر أبى الورد بعد البناء على التعدي عن مورده و هو الثلج الى كل ما يخاف منه و لو كان ذلك فوات الوقت و فيهما معا نظر بل منع. إذ الظاهر من الضرورة و الخوف غير ما نحن فيه كما ان التعدي عن مورد الخبر الى ما نحن فيه غير واضح بل بعيد في الغاية، هذا مع إطلاق كلمات الفقهاء في أن الوظيفة عند ضيق الوقت عن الطهارة المائية هو التيمم لما ورد عنهم (ع) من أن التراب بمنزلة الماء، و ان رب الماء رب الصعيد، و ان اللّٰه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا و ان كان غير بعيد إن إطلاقاتهم لا تتناول العجز عن المسح فقط كما فيما نحن فيه، بل غرضهم من تلك الإطلاقات فيما لو ضاق الوقت عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص:

167

[ (مسألة 35) إنما يجوز المسح على الحائل في الضرورات]

(مسألة 35) إنما يجوز المسح على الحائل في الضرورات (1) ما عدا التقية إذا لم يمكن رفعها و لم يكن بد من المسح على الحائل و لو بالتأخير إلى آخر

______________________________

الغسلات أو عن بعضها فحينئذ ينتقل الى التيمم فلا يكون ما نحن فيه من ضيق الوقت عن المسح فقط مشمولا لإطلاقاتهم، و قد استدل له بعضهم بقاعدة الميسور بدعوى أن ميسور المسح على البشرة المسح على الحاجب، و فيه ان لسان قاعدة الميسور نفى المعسور من أجزاء الطبيعة المأمور بها أو شرائطها لا إثبات بدله، و بعبارة أوضح ان القاعدة المذكورة تنفى وجوب المسح على البشرة و لا تثبت المسح على الحاجب، نعم قد يستأنس له ما ورد من المسح على المرارة في رواية عبد الأعلى و على كل حال فالأحوط فيما نحن فيه ضم التيمم الى المسح على الحاجب إن أمكن و إلا فالقضاء و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 35: (إنما يجوز المسح على الحائل في الضرورات.

إلخ)

إنما قيد جواز المسح على الحائل بصورة عدم البدء منه و عدم إمكان و دفعه ليتحقق موضوع الضرورة، و أما التأخير إلى آخر الوقت فلا دليل عليه بل الأصل عدمه مع إطلاق ما دل على أفضلية أول الوقت و إطلاق قوله عليه السّلام إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة و لا دليل على تخصيصه بالمختار بل هو و المضطر سواء في جواز إيقاع الصلاة في تمام اجزاء الوقت الطولية فإذا زالت الشمس لحق كل موضوع حكمه مختارا كان أو مضطرا حاضرا كان أو مسافرا ما لم يدل دليل على وجوب التأخير، فلو اختار المضطر للوضوء الناقص الصلاة أول وقتها أجزأه وضوؤه ذلك لكونه مأمورا به بمقتضى الإطلاق

و هو يقتضي الإجزاء، نعم لا نمنع ان التأخير إلى آخر الوقت أحوط خروجا عن خلاف من أوجبه بدعوى أنه القدر المتيقن من معقد الإجماع و لا إطلاق في خبر أبى الورد من هذه الجهة، بل هو لبيان الرخصة في حال الاضطرار في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 168

الوقت، و أما في التقية فالأمر أوسع (1) فلا يجب الذهاب الى مكان لا تقية فيه و إن

______________________________

الجملة في مقابل سقوط التكليف رأسا و كذا أمثاله من أدلة الأبدال الاضطرارية و في الكل نظر.

قوله قده (و أما في التقية فالأمر أوسع. إلخ)

كما حكى ذلك عن البيان و جامع المقاصد و الروض و غيرها، بل قيل ان المشهور عدم دورانها مدار عدم المندوحة بدعوى ان ظواهر أكثر أخبار التقية ذلك، قال في مصباح الفقيه ان ظواهر أكثر أخبار التقية ان مجرد وقوع العبادة بمحضر العامة مقتض لوجوب التقية مطلقا من دون اشتراطه بشي ء آخر مثل ما رواه العياشي بسنده عن صفوان عن أبى الحسن عليه السّلام في غسل اليدين قلت له يرد الشعر؟ قال:

عليه السّلام: إذا كان عنده آخر فعل يعنى بالآخر من يتقيه إذ لا يمكن تقييده بما إذا كان ذلك الآخر ملازما له في تمام الوقت و لم يتمكن من طرده أو التستر عنه، و كذا غيره من الأخبار الآمرة بالصلاة معهم و الحضور في مجامعهم الدالة على الحث العظيم على الصلاة مع المخالفين و وعد الثواب عليها، حتى ورد أن الصلاة معهم كالصلاة مع رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم الى غير ذلك من الاخبار التي لا يمكن ارتكاب التقييد فيها بما إذا لم يتمكن من إيجاد صلاته في جميع

وقتها إلا في مكان يجب فيه التقية، بل لا يبعد دعوى صراحة غير واحد من الاخبار أن الأمر في التقية أوسع من ذلك، انتهى موضع الحاجة من عبارته (قده) و في ذلك نظر و اشكال بل ليست التقية عن المخالف الا على حد سائر الضرورات المبيحة للمحظورات بقدرها وفاقا لما عن صريح المدارك و بعض المتأخرين، بل ظاهر كل من تمسك على مشروعية التقية بأدلة نفى الحرج و الضرر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 169

أمكن بلا مشقة، نعم لو أمكنه و هو في ذلك المكان ترك التقية و إراءتهم

______________________________

و معلوم انتفاء الحرج و الضرر مع وجود المندوحة و لعدم الدليل الوافي على ما ذكر من التوسعة، إذ لا إطلاق لخبر أبى الورد من هذه الجهة و ظهور رواية العياشي في اعتبار عدم المندوحة مع ان في العمل به لضعفه اشكالا، و أما مكاتبة ابن يقطين فان ظاهرها بل صريحها عدم المندوحة مطلقا حتى من حيث الوقت بشهادة اشتمالها على الأمر بالتقية في الأزمنة و الأمكنة، و أما أخبار الحث على الصلاة معهم التي عقد لها في الوسائل بابا في صلاة الجماعة فموردها صورة الخوف في ترك الحضور أو ترك العمل على تقدير الحضور، و الاخبار العامة الدالة على مشروعية التقية مثل التقية ديني و دين آبائي و ان من لا تقية له لا دين له أو لا ايمان له و ما شاكلها فلا تدل على الاجزاء فضلا عن شمولها لصورة المندوحة، هذا كله فضلا عما يظهر من غير واحد من الاخبار إناطة الاذن في التقية بالضرورة و عدم المندوحة كرواية البزنطي عن إبراهيم بن هاشم قال كتبت إلى أبى جعفر الثاني عليه السّلام

أسأله عن الصلاة خلف من تولى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يمسح على الخفين فكتب: لا تصل خلف من يمسح على الخفين فان جامعك و إياهم موضع لا تجد بدا من الصلاة معهم فأذن لنفسك و أقم. إلخ، و رواية معمر بن يحيى، كلما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة فله فيه التقية، و في المرسل المحكى في الفقه الرضوي عليه السّلام عن العالم:

لا تصل خلف أحد إلا خلف رجلين أحدهما من تثق به و بدينه و ورعه و الآخر من تتق سيفه و سوطه و شره و بواثقه و شنعته فصل خلفه على سبيل التقية و المداراة، و عن دعائم الإسلام بسنده عن أبى جعفر عليه السّلام لا تصلوا خلف ناصب و لا كرامة، إلا أن تخافوا على أنفسكم أن تشهروا و يشار إليكم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 170

المسح على الخف مثلا فالأحوط الأقوى ذلك، و لا يجب بذل المال لرفع التقية (1) بخلاف سائر الضرورات و الأحوط في التقية أيضا الحيلة في رفعها مطلقا.

[ (مسألة 36) لو ترك التقية في مقام وجوبها و مسح على البشرة]

(مسألة 36) لو ترك التقية في مقام وجوبها (2) و مسح على البشرة ففي صحة الوضوء إشكال.

[ (مسألة 37) إذا علم بعد دخول الوقت أنه لو أخر الوضوء و الصلاة]

(مسألة 37) إذا علم بعد دخول الوقت أنه لو أخر الوضوء (3) و الصلاة يضطر الى المسح على الحائل فالظاهر وجوب المبادرة إليه في غير ضرورة

______________________________

فصلوا في بيوتكم ثم صلوا معهم و اجعلوا صلاتكم معهم تطوعا، هذا كله مع ما تقتضيه القواعد من وجوب الاقتصار على المتيقن فيبقى ما دل على التكليف الأول سالما و لا يخرج عن العهدة إلا به.

قوله قده: (و لا يجب بذل المال لرفع التقية. إلخ)

الظاهر ان مستنده في ذلك ما تقدم منه من ان أمرها الشرعي أوسع من سائر الضرورات التي هي أعذار عقلية فمع القدرة على رفعها بالمال ترتفع الضرورة موضوعا فإطلاق دليل وجوب الوضوء التام يقتضي وجوب بذل المال لرفعها و ليست التقية كذلك لوسعة أمرها، و أما على ما اخترناه من أن حال التقية حال سائر الضرورات المبيحة للمحظورات فلا يتفاوت الحال بينها و بين سائر الضرورات في وجوب بذل المال لرفعها إن أمكن و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 26: (لو ترك التقية في مقام وجوبها. إلخ)

وجهه ما ذكره في الجواهر من أن الشارع في مقام التقية لما أقام المسح على الخف مثلا مقام المسح على البشرة ظهر انه لو خالف مقتضى التقية فجاء بالتكليف الأصلي لم يكن مجزيا لكونه ليس مأمورا به في ذلك الحال بل منهي عنه فكيف يقع به امتثال. انتهى موضع الحاجة من عبارته.

قوله قده مسألة 37: (إذا علم بعد دخول الوقت انه لو أخر الوضوء. إلخ)

لأن في ترك الطهارة تفويتا للواجب باختياره فيحرم، و مثله

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 171

التقية، و إن

كان متوضئا و علم أنه لو أبطله يضطر الى المسح على الحائل لا يجوز له الابطال، و إن كان ذلك قبل دخول الوقت فوجوب المبادرة أو حرمة الإبطال غير معلوم (1)، و أما إذا كان الاضطرار بسبب التقية فالظاهر عدم وجوب (2) المبادرة و كذا يجوز الإبطال و إن كان بعد دخول الوقت لما مر من الوسعة في أمر التقية لكن الأولى و الأحوط فيها أيضا المبادرة أو عدم الابطال.

______________________________

في العلة ما لو كان متوضئا و علم انه لو أبطله يضطر الى المسح على الحائل فإنه لا يجوز له الابطال.

قوله قده: (و ان كان ذلك قبل دخول الوقت فوجوب المبادرة أو حرمة الإبطال غير معلوم اه)

وجهه ان الوجوب مشروط بدخول الوقت فقبله لا وجوب لتجب مقدمته و لا يجب عليه أن يؤهل نفسه لتوجه التكليف اليه فهو من قبيل عدم وجوب تحصيل المال و لا حفظه قبل تنجز التكليف بالحج أى قبل مجي ء أشهر الحج أو قبل سير الرفقة، نعم قد يشكل الأمر في بعض المقدمات المفوتة لأصل الواجب فإنه يقبح عقلا تفويت الواجب في وقته و لو قبل مجي ء وقته المشروط وجوبه به، كعدم التعلم قبل الوقت لمن علم عدم قدرته على التعلم و أداء الواجب بعد دخول الوقت، و من هذا القبيل سلب القدرة كلية بشرب المرقد و لهذا ذهبوا الى وجوب الاغتسال لمريد الصوم قبل الوقت و ما شاكل ذلك.

قوله قده: (و أما إذا كان الاضطرار بسبب التقية فالظاهر عدم وجوب. إلخ)

لا فرق على ما اخترناه فيما تقدم من أن حال التقية حال سائر الضرورات فيجب فيها بعد الوقت المبادرة و الحفظ إذا علم أنه لو أخر الوضوء أو الصلاة يضطر إليها

كسائر الضرورات.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 172

[ (مسألة 38) لا فرق في جواز المسح على الحائل في حال الضرورة]

(مسألة 38) لا فرق في جواز المسح على الحائل (1) في حال الضرورة بين الوضوء الواجب و المندوب.

[ (مسألة 39) إذا اعتقد التقية أو تحقق أحدى الضرورات الأخر]

(مسألة 39) إذا اعتقد التقية أو تحقق أحدى الضرورات (2) الأخر فمسح على الحائل ثم بان أنه لم يكن موضع تقية أو ضرورة ففي صحة وضوئه إشكال.

[ (مسألة 40) إذا أمكنت التقية بغسل الرجل]

(مسألة 40) إذا أمكنت التقية بغسل الرجل (3) فالأحوط تعينه

______________________________

قوله قده مسألة 38: (لا فرق في جواز المسح على الحائل. إلخ)

لإطلاق أدلة الجواز كرواية أبي الورد و أخبار التقية و ما شاكلهما من رواية عبد الأعلى و غيرها.

قوله قده مسألة 39: (إذا اعتقد التقية أو تحقق احدى الضرورات.

إلخ)

منشأ الإشكال في الصحة و عدمها هو ان الخوف المأخوذ في لسان أدلة الضرر و التقية ملحوظ على جهة الموضوعية أو طريقا صرفا؟ فعلى الأول يلزم القول بالصحة لتحقق الموضوع و هو الخوف، و على الثاني البطلان لخطإ الطريق و لا دليل على الإجزاء.

قوله قده مسألة 40: (إذا أمكنت التقية بغسل الرجل. إلخ)

وجه الاحتياط في تعين الغسل هو أن الأصحاب بين قائل بالتخيير بينه و بين المسح على الخف إذا تأدت الضرورة بكل منهما لو رود الاذن بكل منهما في أخبار التقية، و بين قائل بتعينه، و نسبه في الذخيرة إلى الأصحاب و في الحدائق حكاه عن جملة منهم، و نسب في غيرهما الى البيان و الروض بل نسب الى المشهور منهم تقديم غسل الرجلين على مسح الخفين عند الدوران في مقام التقية، معللين ذلك بان الغسل أقرب الى مطلوب الشارع بخلاف المسح على الخف، إذ الخف

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 173

و إن كان الأقوى جواز المسح على الحائل أيضا. (1)

[ (مسألة 41) إذا زال السبب المسوغ للمسح على الحائل]

(مسألة 41) إذا زال السبب المسوغ للمسح على الحائل من تقية أو ضرورة (2)

______________________________

موضوع أجنبي عن البشرة كما أشير إليه في بعض النصوص المتقدمة، و استدل له أيضا بإطلاق أمر الإمام عليه السّلام في خبر على بن يقطين بغسل رجليه تقية و بإطلاق الأمر بغسل الرجلين في رواية أبي بصير عن أبى عبد اللّٰه

عليه السّلام المحمولة على التقية و عدم دلالة رواية أبي الورد إلا على الإيجاب الجزئي فيجب الاقتصار في رفع اليد عن الإطلاقات على القدر المتيقن الذي انعقد الإجماع عليه و هو ما إذا لم تتأد التقية إلا بالمسح، بل يفهم من الصحيح الزراري لو أنك توضأت و جعلت موضع مسح الرجلين غسلا ثم أضمرت ان ذلك هو المفترض لم يكن ذلك بوضوء جواز الغسل مع عدم قصده في الاختيار فيتعين بدليته في مقام الاضطرار، إذ يدل ذلك على أقربيته إلى المسح فالقول بتقديم الغسل على المسح عند الدوران أقوى، هذا مع ان الاحتياط في مثل المقام مما لا ينبغي تركه بل لا يبعد القول بوجوبه إما للقول بكونه هو المرجع عند دوران الأمر بين التعيين و التخيير أو للالتزام بكون الشك فيه في المكلف به اعنى مصداق الطهور الذي هو شرط للصلاة لا في التكليف.

قوله قده: (و ان كان الأقوى جواز المسح على الحائل أيضا. اه)

وجه الأقوائية ورود الاذن بكل منهما و عدم تسليم أقربية الغسل بعد كون كل منهما مخالفا للمأمور به الواقعي و إطلاق أدلة التقية، و لذلك جعل بعضهم الغسل أولى كما حكى عن التذكرة و الذكرى و من تقدم ذكرهم و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 41: (إذا زال السبب المسوغ للمسح على الحائل من تقية أو ضرورة. إلخ)

ليعلم أولا ان النزاع في هذه المسألة لا يختص بالغاية

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 174

فإن كان بعد الوضوء فالأقوى عدم وجوب إعادته و إن كان قبل الصلاة

______________________________

التي توضأ لأجلها، بل يجري في الغايات المتأخرة التي لم يكن مأمورا بها، و لا بهذا الوضوء الناقص لأجلها كما لو توضأ لصلاة الظهر آخر

الوقت بهذا الوضوء الناقص و زال السبب المسوغ للمسح على الحائل قبل صلاة المغرب و لم يحدث فالنزاع يعمه، و حاله حال ما لو توضأ لصلاة الظهر و زال السبب المسوغ قبل صلاته، و ليس كما توهمه بعض الشراح من المعاصرين فيما يظهر من حاشيته من اختصاص النزاع في الغاية التي تطهر لها، فقال بعد ذكره عبارة المتن ما نصه: هذا لا مجال له بناءا على اعتبار عدم المندوحة في صحة الناقص و لو بالتأخير فإنه إذا زال السبب انكشف فساد الوضوء من أول الأمر لانكشاف وجود المندوحة، نعم له مجال بناءا على انه لا يعتبر في صحة الناقص عدم وجود المندوحة بالتأخير. انتهى موضع الحاجة من عبارته و ما ادعيناه من أعمية النزاع صريح؟؟ عبائر الفقهاء، و لذا استدل القائل بعدم الإعادة بقوله عليه السّلام لا ينقض الوضوء إلا حدث، و زوال السبب ليس بحدث و غير ذلك من أدلتهم التي تعم المقامين، هذا و لترجع إلى أصل المسألة فنقول:

المسألة ذات قولين، قول: بإعادة الطهارة بعد زوال السبب المسوغ أعم من أن تكون للغاية التي تطهر لها أو لغيرها من الغايات، حكى اختياره عن المعتبر و المنتهى و عن المبسوط و التذكرة و الإيضاح و بعض متأخري المتأخرين، كما هو المحكى عن ظاهر كشف اللثام، و قول: بعدم الإعادة و انه لا تجب الإعادة إلا لحدث جديد حكى اختياره عن المختلف و الذكرى و الدروس و جامع المقاصد و المدارك و منظومة السيد (قده) بل قيل: انه المشهور، و في التحرير: في الإعادة نظر، و في القواعد: إشكال، و ليعلم أيضا: أن هذا كله في غير الغايات الواقعة حال وجود السبب المسوغ، و اما

هي فقد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 175

إلا إذا كانت بلة اليد باقية فيجب اعادة المسح، و إن كان في أثناء الوضوء فالأقوى

______________________________

أجزأت و سقط أمرها بحصول امتثالها في ضمن الفرد الاضطراري، لأن الفرد الاضطراري كالفرد الاختياري مقتض للاجزاء عقلا للأمر به في ذلك الحال، فلا اشكال بل لا خلاف في عدم وجوب إعادته في الوقت فضلا عن قضائه في خارجه، فلا وجه لوجوب إعادة الطهارة لها و إعادتها حتى يقع الخلاف فيها، فالخلاف انما هو في إعادتها للغايات المتأخرة، فنقول:

ان منشأ الخلاف و مثار النزاع في اختلاف القولين كما ذكره في مصباح الفقيه هو ان ما يستظهر من الأدلة ان الوضوء الناقص الذي يأتي به لتقية أو ضرورة بعينه هو الماهية التي أمر اللّٰه بها لازالة الحدث، فعليه يكون المأتي به من مصاديق الوضوءات الواقعية التي يرتفع بها الحدث حين الضرورة، أو أنه يستفاد منها بدليته عن الوضوء التام في جميع آثاره و لوازمه، فالأقوى بل المتعين هو القول الثاني و هو القول بعدم الإعادة، بل لا وجه للقول الأول أصلا ضرورة ان زوال سبب التقية ليس من نواقض الوضوء و ان قلنا: بأنه لا يستفاد من الأدلة إلا الاذن في امتثال الأمر بالوضوء حال الضرورة بهذا الوضوء الناقص، و أما كونه مؤثرا في رفع الحدث فلا، بل غاية مفاد الأدلة كونه مبيحا للصلاة و مسقطا للأمر المقدمي المتعلق بالتطهير، كالتيمم بناءا على عدم إفادته للطهارة، فالأقوى هو القول الأول و هو القول بإعادة الطهارة لما ثبت بالكتاب و السنة و الإجماع من أنه لا صلاة لمن تمكن من التطهير الا بطهور، فالطهارة شرط للصلاة مطلقا، الا في حق من تعذر في

حقه التطهير، كدائم الحدث و المضطر الذي يجب عليه التيمم أو الوضوء الناقص لو قلنا بعدم ارتفاع الحدث بهما، فيجب على القادر إحرازها

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 176

الإعادة إذا لم تبق البلة.

______________________________

حال الصلاة كغيرها من الشرائط، و لا يكفى فيه مجرد احتمال حصولها بالوضوء الناقص كما هو واضح. انتهى.

هذا و الذي يظهر من الأدلة كسؤال السائلين و أجوبة الأئمة الميامين كرواية عبد الأعلى و سؤال السائل حين سأل الإمام عليه السّلام في غسل اليدين أ يرد الشعر؟ فأجابه الإمام عليه السّلام ان كان عنده آخر فعل، و حين سئل عليه السّلام عن أنه هل في مسح الخفين رخصة؟ فقال: لا إلا لتقية أو ثلج تخاف على رجليك، بل و أدلة الميسور هو أن الفعل المأتي به حال الضرورة مصداق حقيقي و فرد واقعي لماهية الوضوء، و لذا استدل في الجواهر (قده) على المطلوب بأنه ينوي بوضوئه رفع الحدث، فيجب حصوله اعتمادا على أن صغراه من البديهيات التي لا يحتاج إثباتها إلى إقامة البرهان، ألا ترى انه لا يشك أحد في أن الأقطع الرجل وضوؤه الواقعي الذي يرتفع به حدثه هو ما يؤديه على وفق تكليفه، فلو تجدد له رجل بقدرة اللّٰه تعالى لا يقتضي ذلك إلا تغيير كيفية وضوئه لا رفع أثر وضوئه السابق، لأن تجدد الرجل ليس من نواقض الوضوء كما هو ظاهر، و على كل فليس مفاد الأدلة إلا وجوب إيجاد الماهية الواقعية التي أثرها رفع الحدث بهذه الكيفية امتثالا لأمره الواقعي، فإن الوضوء العذري محصل للطهارة التي هي شرط للصلاة و غيرها من الغايات فيجب حصولها بفعله و لا يرفعها إلا الحدث، فالأقوى عدم وجوب الإعادة بعد زوال السبب

و ان كان القول الأول أحوط، و الاحتياط سبيل النجاة فلا ينبغي تركه، هذا كله ان كان مفاد الأدلة ما ذكرناه، و أما لو لم يستفد من الأدلة أحد الأمرين المبني عليهما القولان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 177

[ (مسألة 42) إذا عمل في مقام التقية بخلاف مذهب من يتقيه]

(مسألة 42) إذا عمل في مقام التقية بخلاف مذهب من يتقيه ففي صحة وضوئه إشكال (1) و إن كانت التقية ترتفع به، كما إذا كان مذهبه وجوب المسح على الحائل دون غسل الرجلين فغسلهما، أو بالعكس، كما أنه لو ترك المسح و الغسل بالمرة يبطل وضوؤه و إن ارتفعت التقية به أيضا.

______________________________

المذكوران و بقينا في الشك انها على أى النحوين أخذت في لسان الأدلة فليس لنا حينئذ أصل يحرز أحدهما بل كل منهما مشكوك و الأصل ينفيه، فحينئذ يكون المرجع استصحاب الحدث الثابت قبل فعل الوضوء الناقص فيجب الإعادة بعد زوال السبب المسوغ للشك في رتفاعه بفعل الناقص، و لا يفرق في ذلك بين أن تكون الضرورة التقية أو غيرها من الضرورات و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 42: (إذا عمل في مقام التقية بخلاف مذهب من يتقيه ففي صحة وضوئه إشكال. إلخ)

الظاهر أن منشأ الإشكال في صحة وضوئه هو دعوى أن أدلة التقية إنما شرعت العمل على طبق مذهب من يتقيه لا غيره، و فيه ان الظاهر من أدلة التقية تشريع الوضوء الناقص بدل التام دفعا للضرر و لا خصوصية للناقص عند من يتقيه، بل يكفى كل ما ترتفع به الضرورة و ان لم يكن على وفق مذهب من يتقيه، فالصحة أقرب ما لم يفهم من الأدلة الخصوصية في بعض الموارد، كما لو ترك الغسل و المسح على الخف و كانت التقية تتأدّى بكل

منهما و بتركهما، فإنه لا يجوز تركهما معا بناءا على ان الغسل يقوم مقام المسح على البشرة مع نيته اختيارا كما تقدمت الإشارة اليه، و أما بناءا على عدم ذلك و ان الوضوء ناقص مع الإتيان بأي واحد منهما و ان الشارع جعله بدلا عن الوضوء التام دفعا للضرورة فالأقرب جواز تركهما معا و عدم بطلان وضوئه إن تأدت التقية بذلك و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 178

[ (مسألة 43) يجوز في كل من الغسلات أن يصب على العضو عشر غرفات بقصد غسلة واحدة]

(مسألة 43) يجوز في كل من الغسلات أن يصب على العضو عشر غرفات (1) بقصد غسلة واحدة فالمناط في تعدد الغسل المستحب ثانيه، الحرام ثالثة ليس تعدد الصب بل تعدد الغسل مع القصد.

[ (مسألة 44) يجب الابتداء في الغسل بالأعلى لكن لا يجب الصب على الأعلى]

(مسألة 44) يجب الابتداء في الغسل بالأعلى لكن لا يجب الصب على الأعلى، (2) فلو صب على الأسفل و غسل من الأعلى بإعانة اليد صح.

______________________________

قوله قده مسألة 43: (يجوز في كل من الغسلات أن يصب على العضو عشر غرفات. إلخ)

و بعبارة أوضح هو أن تعدد الغسلات و وحدتها تتبع قصده لا تعدد الصب، فيجوز أن ينوي بعشر منها غسلة واحدة و يجوز أن ينوي الغسلة الوضوئية بأي صبة منها شاء، هذا إن تابع في الصب بحيث يطلق عرفا على العشر صبات غسلة واحدة عرفا، و أما من نقب و تعمق في كل صبة أو في بعضها فيشكل صحة ما ذكره لعده عرفا غسلات متعددة، و على كل فالأحوط لمن تعدد منه الصب أن لا ينوي الغسل الوضوئي إلا بالصبة الأخيرة في غسل اليسرى و بأي صبة شاء في غسل الوجه و اليمنى إن استعملها في غسل اليسرى، و ان أشكل الأخذ من بللهما عند الجفاف أن لم ينو الغسل بالأخيرة منها فيهما و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 44: (يجب الابتداء في الغسل بالأعلى لكن لا يجب الصب على الأعلى. إلخ)

بناءا على وجوب الابتداء في الغسل بالأعلى كما هو المختار، يشكل ما ذكره (قده) من عدم وجوب الصب على الأعلى إذ ليس معنى وجوب البدأة بالأعلى إلا بمعنى صب الماء على أعلى الوجه، و هذا هو المستفاد من الأخبار و كلام الأصحاب و صريح المدارك كما تقدم نقله عنه في غسل الوجه فراجع.

العمل

الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 179

[ (مسألة 45) الإسراف في ماء الوضوء مكروه]

(مسألة 45) الإسراف في ماء الوضوء مكروه (1) لكن الإسباغ مستحب (2) و قد مر أنه يستحب أن يكون ماء الوضوء بمقدار مد (3)، و الظاهر أن ذلك لتمام ما يصرف فيه من أفعاله و مقدماته من المضمضة و الاستنشاق و غسل اليدين.

[ (مسألة 46) يجوز الوضوء برمس الأعضاء]

(مسألة 46) يجوز الوضوء برمس الأعضاء كمامر (4)، و يجوز برمس أحدها و إتيان البقية على المتعارف، بل يجوز التبعيض في غسل عضو واحد

______________________________

قوله قده مسألة 45: (الإسراف في ماء الوضوء مكروه. إلخ)

لما روى من أن للّٰه جل ذكره ملكا يكتب سرف الوضوء كما يكتب عدوانه، و ما روى في الفقيه مرسلا عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم انه قال: الوضوء بمد و الغسل بصاع، و سيأتي أقوام من بعدي يستقلون ذلك فأولئك على خلاف سنتي، و الثابت على سنتي معي في حضيرة القدس.

قوله قده: (و لكن الإسباغ مستحب)

قال في المجمع و إسباغ الوضوء إتمامه و إكماله، و ذلك في وجهين إتمامه على ما فرض اللّٰه تعالى و إكماله على سنة رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم، و منه أسبغوا الوضوء- بفتح الهمزة- أى أبلغوه مواضعه و أوفوا كل عضو حقه. انتهى، و في صحيح على بن جعفر عن أخيه عن أبيه (ع) قال قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم من أسبغ وضوءه و أحسن صلاته و أدى زكاة ماله و كف غضبه و سجن لسانه و استغفر لذنبه و أدى النصيحة لأهل بيت نبيه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم فقد استكمل حقيقة الايمان، و أبواب الجنان مفتحة له

قوله قده: (و قد مر أنه يستحب أن يكون ماء الوضوء بمقدار

مد.

إلخ)

قد مر دليله مفصلا في أول مستحبات الوضوء.

قوله قده مسألة 46: (يجوز الوضوء برمس الأعضاء كما مر. إلخ)

مر دليله في مسألة 21 من مسائل غسل اليدين.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 180

مع مراعاة الشروط المتقدمة من البدأة بالأعلى و عدم كون المسح بماء جديد و غيرهما.

[ (مسألة 47) يشكل صحة وضوء الوسواسى إذا زاد في غسل اليسرى من اليدين في الماء]

(مسألة 47) يشكل صحة وضوء الوسواسى إذا زاد في غسل اليسرى (1) من اليدين في الماء من جهة لزوم المسح بالماء الجديد في بعض الأوقات بل إن قلنا بلزوم كون المسح ببلة الكف دون رطوبة سائر الأعضاء يجي ء الإشكال في مبالغته في إمرار اليد، لأنه يوجب مزج رطوبة الكف برطوبة الذراع.

[ (مسألة 48) في غير الوسواسى إذا بالغ في إمرار يده على اليد اليسرى]

(مسألة 48) في غير الوسواسى إذا بالغ في إمرار يده على اليد اليسرى لزيادة اليقين لا بأس به ما دام يصدق عليه أنه غسل واحد، نعم بعد اليقين إذا صب عليها ماءا خارجيا يشكل و ان كان الغرض منه زيادة اليقين لعده في العرف غسلة اخرى (1)

______________________________

قوله قده مسألة 47: (يشكل صحة وضوء الوسواسى إذا زاد في غسل اليسرى)

الظاهر انه لا وقع لما ذكره من الإشكال في صحة وضوء الوسواسى من الجهتين المذكورتين مع ان الاشكال من الجهة الثانية و هو مزج الرطوبتين فهو لازم في كل متوضى ء و ان لم يكن وسواسيا، إذ لا نجد فارقا بين الوسواسى و بين غيره العامل عمله الذي حكم بصحة وضوئه في المسألة التالية لهذه المسألة و لا نص فيه بالخصوص، فالأقرب صحة وضوئه ما لم يخل بشرط من شرائط الوضوء فحاله حال غيره.

قوله قده مسألة 48: (في غير الوسواسى إذا بالغ) الى قوله (لعده في العرف غسلة أخرى. إلخ)

هذا هو منشأ الاشكال في الاحتياط الذي تقدم منا في المسألة 43 المتقدمة قريبا بعد قوله (قده): يجوز في كل من الغسلات أن يصب على العضو عشر غرفات، و ذكرنا ان الأحوط لمن تعدد منه الصب أن لا ينوي الغسل الوضوئي إلا بالصبة الأخيرة و ذلك لعد كل صبة في العرف غسلة، خصوصا لمن لم يتابع في الصب،

بل تعمق في كل صبة و نقب و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 181

و إذا كان غسله لليسرى بإجراء الماء من الإبريق مثلا و زاد على مقدار الحاجة مع الاتصال لا يضر ما دام يعد غسلة واحدة.

[يكفي في مسح الرجلين المسح بواحدة من الأصابع الخمس الى الكعبين]

(مسألة 49) يكفي في مسح الرجلين المسح بواحدة من الأصابع الخمس (1) الى الكعبين أيها كانت حتى الخنصر منها.

[فصل في شرائط الوضوء]
اشارة

فصل في شرائط الوضوء

[ «الأول» إطلاق الماء]

«الأول» إطلاق الماء فلا يصح بالمضاف (2)، و لو حصلت الإضافة بعد الصب على المحل من جهة كثرة الغبار أو الوسخ عليه، فاللازم كونه باقيا على الإطلاق إلى تمام الغسل (3).

[ «الثاني» طهارته]
اشارة

«الثاني» طهارته (4)

______________________________

قوله قده مسألة 49: (يكفي في مسح الرجلين المسح بواحدة من الأصابع الخمس. إلخ)

قد مر دليله مفصلا في مسح الرجلين و انه يكفى مسماه من جهة العرض فراجع.

قوله قده (فصل: في شرائط الوضوء (الأول) إطلاق الماء فلا يصح بالمضاف. إلخ)

قد مر دليله مفصلا في الماء المضاف.

قوله قده: (الى تمام الغسل)

أى حصول مسماه.

قوله قده: (الثاني: طهارته. إلخ)

إجماعا كما عن المنتهى و المدارك للنهى عن الوضوء بالماء النجس، ففي الصحيح الكاظمي عن رجل رعف و هو يتوضأ فقطرت قطرة في إنائه هل يصلح الوضوء منه؟ قال: لا، و نحوه غيره من النصوص المتواترة المذكورة في الوسائل في أبواب أحكام المياه.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 182

و كذا طهارة مواضع الوضوء (1) و يكفي طهارة كل عضو قبل غسله، و لا يلزم أن يكون قبل الشروع تمام محالة طاهرا (2)، فلو كانت نجسة و يغسل كل عضو بعد تطهيره كفى، و لا يكفى غسل واحد بقصد الإزالة و الوضوء و إن كان برمسة في الكر أو الجاري (3)، نعم لو قصد الإزالة بالغمس و الوضوء بإخراجه كفى، و لا يضر تنجس عضو بعد غسله و ان لم يتم الوضوء. (4)

[ (مسألة 1) لا بأس بالوضوء بماء القليان]

(مسألة 1) لا بأس بالوضوء بماء القليان (5) ما لم يصر مضافا.

[ (مسألة 2) لا يضر في صحة الوضوء نجاسة سائر مواضع البدن]

(مسألة 2) لا يضر في صحة الوضوء نجاسة سائر مواضع البدن (6) بعد

______________________________

قوله قده: (و كذا طهارة مواضع الوضوء. إلخ)

و إلا لا نفعل الماء بملاقاة النجاسة فيمتنع الوضوء به لما سبق.

قوله قده: (و لا يلزم أن يكون قبل الشروع تمام محالة طاهرا)

لأصالة عدم الاشتراط.

قوله قده: (و ان كان برمسة في الكر أو الجاري. إلخ)

أشار بذلك الى ما ذهب اليه بعضهم من التفصيل بين ما لو كان الغسل بالماء القليل فيجب تطهير الأعضاء قبل غسلها و بين ما لو كان في الكر أو الجاري فلا يجب، و كفاية غسل واحد بقصد الإزالة و الوضوء مع ان الإزالة لا تحتاج الى قصد.

قوله قده: (و لا يضر تنجس عضو بعد غسله و ان لم يتم الوضوء اه)

و ذلك لما تقدم من عدم اشتراط طهارة أعضاء الوضوء قبلا و لا بعدا في صحة الوضوء، نعم يشترط طهارة كل عضو حين غسله لئلا ينفعل ماء الوضوء بملاقاة النجاسة فيمتنع الوضوء به و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 1: (لا بأس بالوضوء بماء القليان. إلخ)

فإن إضافته لفظية كماء البئر و ماء النهر.

قوله قده مسألة 2: (لا يضر في صحة الوضوء نجاسة سائر مواضع البدن. إلخ)

و يدل عليه الصحاح. (منها) الصحيح الكاظمي المروي في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 183

كون محالة طاهرة، نعم الأحوط عدم ترك الاستنجاء قبله (1).

[ (مسألة 3) إذا كان في بعض مواضع وضوئه جرح لا يضره الماء]

(مسألة 3) إذا كان في بعض مواضع وضوئه جرح (2) لا يضره الماء و لا ينقطع دمه فليغمسه بالماء و ليعصره قليلا حتى ينقطع الدم آنا ما، ثم ليحركه بقصد الوضوء مع ملاحظة الشرائط الأخر، و المحافظة على عدم لزوم المسح بالماء الجديد إذا كان في اليد اليسرى، بان يقصد الوضوء بالإخراج

من الماء.

[ (الثالث) أن لا يكون على المحل حائل يمنع وصول الماء إلى البشرة]

(الثالث) أن لا يكون على المحل حائل (3) يمنع وصول الماء إلى البشرة

______________________________

الكافي و التهذيب: في الرجل يبول فينسى غسل ذكره ثم يتوضأ وضوء الصلاة قال: يغسل ذكره و لا يعيد الوضوء (و في) الموثق الصادقي: في الرجل يبول و ينسى غسل ذكره حتى يتوضأ و يصلى قال: يغسل ذكره و يعيد الصلاة و لا يعيد الوضوء (و في) الصحيح الصادقي: أبول و أتوضأ و أنسى استنجائي ثم أذكر بعد ما صليت قال: اغسل ذكرك و أعد صلواتك و لا تعد وضوءك، و أوجبه الصدوق إذا كان من البول خاصة أخذا بظاهر الموثق الصادقي المروي في التهذيب: إن أهرقت الماء و نسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك إعادة الوضوء و غسل ذكرك، و الصحيح الباقرى المروي في التهذيب في الرجل يتوضأ فينسى غسل ذكره قال: يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء.

قوله قده: (نعم الأحوط عدم ترك الاستنجاء قبله. اه)

لما تقدم من الخبرين الموثق الصادقي و الصحيح الباقرى (ع).

قوله قده مسألة 3: (إذا كان في بعض مواضع وضوئه جرح. إلخ)

لا أجد مانعا فيما ذكره من العملية المزبورة مع المحافظة على الشرائط المرعية في الوضوء.

قوله قده: (الثالث: أن لا يكون على المحل حائل. إلخ)

لا ينبغي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 184

و لو شك في وجوده، يجب الفحص حتى (1) يحصل اليقين أو الظن بعدمه، و مع العلم بوجوده يجب تحصيل اليقين بزواله (2).

[ «الرابع» أن يكون الماء و ظرفه و مكان الوضوء و مصب مائه مباحا]
اشارة

«الرابع» أن يكون الماء و ظرفه و مكان الوضوء و مصب مائه مباحا، (3) فلا يصح لو كان واحد منها غصبا من غير فرق بين صورة الانحصار و عدمه، إذ مع فرض عدم الانحصار و ان لم يكن مأمورا بالتيمم إلا أن

وضوءه حرام، من جهة كونه تصرفا أو مستلزما للتصرف في مال الغير فيكون باطلا، نعم لو صب الماء المباح من الظرف الغصبي في الظرف

______________________________

الإشكال في هذا، و إلا لم يتحقق الغسل و المسح على البشرة، الذي دل على وجوبه ظاهر الكتاب العزيز و الأخبار الكثيرة المتواترة غسلا و مسحا، التي قد بالغ في كثرتها في محكي الانتصار الدالة على المباشرة مسحا و قال: انها أكثر من عدد الرمل و الحصى.

قوله قده: (و لو شك في وجوده وجب الفحص حتى. إلخ)

مقدمة علمية لإحراز الإتيان بالمكلف به و هو غسل البشرة في المغسول، و مباشرة الماسح في المسح في الممسوح.

قوله قده: (و مع العلم بوجوده يجب تحصيل اليقين بزواله. اه)

لقاعدة الشغل و استصحاب الحدث المقتضيين للعلم بالطهارة، و أصالة عدم الحاجب أو الحجب لا تنفع في إثبات غسل البشرة، و وصول الماء إليها، إلا بناءا على الأصل المثبت، و قد تقدم الكلام في المسألة التاسعة في مسائل غسل الوجه مفصلا فراجع.

قوله قده: (الرابع: أن يكون الماء و ظرفه و مكان الوضوء و مصب مائه مباحا. إلخ)

فيبطل بالماء المغصوب و ما الحق به من الظرف و المكان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 185

المباح ثم توضأ لا مانع منه، و ان كان تصرفه السابق على الوضوء حراما، و لا فرق في هذه الصورة بين صورة الانحصار و عدمه إذ مع الانحصار و ان كان قبل التفريغ في الظرف المباح مأمورا بالتيمم الا أنه بعد هذا يصير واجدا للماء في الظرف المباح، و قد لا يكون التفريغ أيضا حراما كما لو كان الماء مملوكا له و كان إبقاؤه في ظرف الغير تصرفا فيه، فيجب تفريغه حينئذ فيكون من

الأول مأمورا بالوضوء و لو مع الانحصار.

[ (مسألة 4) لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف أو النجس أو مع الحائل بين صورة العلم و العمد]

(مسألة 4) لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف (1) أو النجس أو مع الحائل بين صورة العلم و العمد و الجهل أو النسيان، و أما في الغصب فالبطلان مختص بصورة العلم و العمد (2) سواء كان في الماء أو المكان أو المصب فمع الجهل بكونها مغصوبة أو النسيان لا بطلان، بل و كذا مع الجهل بالحكم أيضا إذا كان قاصراً، بل و مقصرا أيضا إذا حصل منه قصد القربة، و ان كان الأحوط مع الجهل بالحكم خصوصا في المقصر الإعادة.

______________________________

و المصب مع العلم و العمد بلا خلاف أجده فيه للنهى عن التصرف في مال الغير المتحد مع الوضوء، و النهى مفسد للعبادة، و عن الغنية الإجماع عليه، و يمكن الاستناد فيه الى عموم الأخبار الناهية عن الغصب.

قوله قده مسألة 4: (لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف.

إلخ)

لإطلاق الأدلة المستكشف منها كونها شروطا واقعية.

قوله قده: (و اما في الغصب فالبطلان مختص بصورة العلم و العمد.

إلخ)

إذ هو المتيقن من معقد الإجماع على البطلان، و قد تقدم تفصيل هذه المسألة في مبحث المياه في المسألة الرابعة و هي قوله قده: (إذا علم إجمالا ان هذا الماء إما نجس أو مضاف. إلخ)

فمن أراد فليراجع.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 186

[ (مسألة 5) إذا التفت الى الغصبية في أثناء الوضوء صح ما مضى من اجزائه]

(مسألة 5) إذا التفت الى الغصبية في أثناء الوضوء (1) صح ما مضى من اجزائه و يجب تحصيل المباح للباقي، و إذا التفت بعد الغسلات قبل المسح هل يجوز المسح بما بقي من الرطوبة في يده و يصح الوضوء أو لا؟ قولان: أقواهما الأول لأن هذه النداوة لا تعد مالا و ليس مما يكن رده الى مالكه، و لكن الأحوط الثاني، و كذا إذا

توضأ بالماء المغصوب عمدا ثم أراد الإعادة هل يجب عليه تجفيف ما على محال الوضوء من رطوبة الماء المغصوب أو الصبر حتى تجف أو لا؟ قولان: أقواهما الثاني و أحوطهما الأول، و إذا قال المالك أنا لا أرضى أن تمسح بهذه الرطوبة أو تتصرف فيها لا يسمع منه بناءا على ما ذكرنا، نعم لو فرض إمكان انتفاعه بها فله ذلك و لا يجوز المسح بها حينئذ.

[ (مسألة 6) مع الشك في رضا المالك لا يجوز التصرف]

(مسألة 6) مع الشك في رضا المالك لا يجوز التصرف (2) و يجرى عليه حكم الغصب فلا بد فيما إذا كان ملكا للغير من الاذن في التصرف فيه صريحا أو فحوى أو شاهد حال قطعي.

[ (مسألة 7) يجوز الوضوء و الشرب من الأنهار الكبار]

(مسألة 7) يجوز الوضوء و الشرب من الأنهار الكبار (3) سواء كانت قنوات أو منشقة من شط و ان لم يعلم رضي المالكين، بل و ان كان فيهم الصغار

______________________________

قوله قده مسألة 5: (إذا التفت الى الغصبية في أثناء الوضوء. إلخ)

أما صحة ما مضى فلمطابقة المأتي به للمأمور به، و يجب تحصيل الشرائط للباقي من الأجزاء بعد الالتفات.

قوله قده مسألة 6: (مع الشك في رضا المالك لا يجوز التصرف. إلخ)

لقاعدة الشغل اليقيني المقتضية للفراغ اليقيني مع أصالة عدم الرضا.

قوله قده مسألة 7: (يجوز الوضوء و الشرب من الأنهار الكبار. إلخ)

لشاهد الحال بالرضا، و لذا يشكل مع نهيهم بل يحرم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 187

و المجانين، نعم مع نهيهم يشكل الجواز، و إذا غصبها غاصب أيضا يبقى جواز التصرف لغيره ما دامت جارية في مجراها الأول، بل يمكن بقاؤه مطلقا، و أما للغاصب فلا يجوز و كذا لاتباعه من زوجته و أولاده و ضيوفه و كل من يتصرف فيها بتبعيته، و كذلك الأراضي الوسيعة يجوز الوضوء فيها كغيره من بعض التصرفات كالجلوس و النوم و نحوهما ما لم ينه المالك و لم يعلم كراهته، بل مع الظن أيضا الأحوط الترك، و لكن في بعض أقسامها يمكن أن يقال ليس للمالك النهي أيضا. (1)

[ (مسألة 8) الحياض الواقعة في المساجد و المدارس إذا لم يعلم كيفية وقفها]

(مسألة 8) الحياض الواقعة في المساجد و المدارس (2) إذا لم يعلم كيفية وقفها من اختصاصها بمن يصلى فيها أو الطلاب الساكنين فيها أو عدم اختصاصها لا يجوز لغيرهم الوضوء منها، الا مع جريان العادة بوضوء كل من يريد مع عدم منع من أحد، فإن ذلك يكشف عن عموم الاذن، و كذا الحال في غير المساجد و المدارس كالخانات و نحوها.

[ (مسألة 9) إذا شق نهر أو قناة من غير اذن مالكه]

(مسألة 9) إذا شق نهر أو قناة من غير اذن مالكه (3) لا يجوز الوضوء بالماء

______________________________

قوله قده: في آخر المسألة: (و لكن في بعض أقسامها يمكن أن يقال ليس للمالك النهي أيضا. اه)

و ذلك في الأراضي الواسعة جدا الذي يلزم مع النهى العسر و الحرج الشديدان، و لكن ذلك لا يستلزم عدم الضمان لأجرة المثل و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 8: (الحياض الواقعة في المساجد و المدارس. إلخ)

عدم جواز الوضوء و سائر التصرفات لغير الساكنين و المصلين هو مقتضى الأصل، و الجواز يحتاج الى دليل، و يكفى فيه خصوص ما رواه في الكافي و الفقيه عنهم (ع): الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

قوله قده مسألة 9: (إذا شق نهر أو قناة من غير إذن مالكه. إلخ)

حاصل المسألة هو انه لو شق شاق نهرا أو قناة من نهر أو قناة مملوكين لغير

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 188

الذي في الشق و ان كان المكان مباحا أو مملوكا له، بل يشكل إذا أخذ الماء من ذلك الشق و توضأ في مكان آخر، و ان كان له أن يأخذ من أصل النهر أو القناة

[ (مسألة 10) إذا غير مجرى نهر من غير اذن مالكه]

(مسألة 10) إذا غير مجرى نهر من غير اذن مالكه (1) و ان لم يغصب الماء ففي بقاء حق الاستعمال الذي كان سابقا من الوضوء و الشرب من ذلك الماء لغير الغاصب، اشكال و ان كان لا يبعد بقاء هذا بالنسبة إلى مكان التغيير، و أما ما قبله و ما بعده فلا اشكال.

______________________________

الشاق بغير إذن المالك لا يجوز الوضوء بالماء الذي في الشق و ان كان الشق ملكا للشاق لأن الماء الذي فيه أخذ من نهر المالك أو قناته بغير إذنه فهو

غصب يجرى عليه جميع أحكام الغصب، و ان كان له أن يأخذ من أصل نهر المالك و قناته للوضوء و الشرب، و ذلك للسيرة و شاهد الحال في جواز مثل هذا التصرف دون التصرف الأول و هو الشق.

قوله قده مسألة 10: (إذا غير مجرى نهر من غير اذن مالكه. إلخ)

لا يظهر من فرض المسألة اشتمالها على موضوع الغصب الذي هو الاستيلاء على مال الغير بغير إذن و لا حق، نعم هو تصرف في مال الغير بغير اذن، فلا يستبع سوى حكما تكليفيا و هو الحرمة على فرض عدم رضاه بمثل هذا التصرف، و مثله لا يخرجه عن مورد السيرة على الجواز لغير المتصرف الذي عبر عنه المصنف (قده) بالغاصب مسامحة، فإن استكشف من المالك عدم رضاه بتصرفه من تغيير المجرى فقد يستكشف منه عدم رضاه بتصرفه في مائه بوضوء أو غيره، و ان لم يستكشف منه الكراهة لذلك العمل بان علم رضاه أو شك فيه فيجوز له الاستعمال أيضا كغيره، استصحابا للجواز الذي كان ثابتا له أولا بالسيرة قبل التصرف و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 189

[ (مسألة 11) إذا علم ان حوض المسجد وقف على المصلين فيه]

(مسألة 11) إذا علم ان حوض المسجد وقف على المصلين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر (1)، و لو توضأ بقصد الصلاة فيه ثم بدا له أن يصلى في مكان آخر أو لم يتمكن من ذلك فالظاهر عدم بطلان وضوئه بل هو معلوم في الصورة الثانية، كما انه يصح لو توضأ غفلة أو باعتقاد عدم الاشتراط، و لا يجب عليه أن يصلى فيه و ان كان أحوط، بل لا يترك في صورة التوضؤ بقصد الصلاة فيه و التمكن منها.

______________________________

قوله قده

مسألة 11: (إذا علم ان حوض المسجد وقف على المصلين فيه فلا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر. إلخ)

اما عدم جواز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر، إذ بالقصد المزبور يخرج عن كونه مصداقا للموقوف عليه و يكون غاصبا بوضوئه، فيمتنع منه التقرب بفعله، و اما ما عدا هذه الصورة فالظاهر الصحة في جميع صور المسألة و فروضها، لعدم كونه معصية حين وقوعه و لا مخالفة للجهة الموقوف عليها، بل على مجرى الوقف الذي أوقف عليه، فاذا لم يصل في المسجد و صلى في غيره دخلت المسألة في مسألة الضد فهي جزئية من جزئيات تلك المسألة، و قد تقدم في المسألة الرابعة من فصل اشتراط طهارة اللباس في الصلاة تحرير المسألة مفصلا و اختيار بطلان الصلاة في سعة وقتها، هذا كله من حيث الوضوء، و أما الصلاة ففي صورة ما لو توضأ بقصد الصلاة فيه و لم يتمكن من ذلك، أو توضأ غفلة أو باعتقاد عدم الاشتراط فالظاهر عدم وجوب إيقاعها فيه، لفرض عدم التمكن في الصورة الأولى و عدم إقدامه في الصورتين الأخيرتين على الصلاة فيه، لفرض الغفلة حين الوضوء أو اعتقاد عدم الاشتراط، و لا نتصور ملزما له في إيقاعها فيه، نعم يبقى الإشكال في صورة ما لو توضأ

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 190

[ (مسألة 12) إذا كان الماء في الحوض و أرضه و أطرافه مباحا]

(مسألة 12) إذا كان الماء في الحوض و أرضه و أطرافه مباحا لكن في بعض أطرافه نصب آجر أو حجر غصبي يشكل الوضوء منه (1) مثل الآنية إذا كان طرف منها غصبا.

[ (مسألة 13) الوضوء في المكان المباح مع كون فضائه غصبيا]

(مسألة 13) الوضوء في المكان المباح مع كون فضائه غصبيا مشكل (2) بل لا يصح لان حركات يده تصرف في مال الغير.

[ (مسألة 14) إذا كان الوضوء مستلزما لتحريك شي ء مغصوب فهو باطل]

(مسألة 14) إذا كان الوضوء مستلزما لتحريك شي ء مغصوب فهو باطل. (3)

[ (مسألة 15) الوضوء تحت الخيمة المغصوبة إن عد تصرفا فيها]

(مسألة 15) الوضوء تحت الخيمة المغصوبة (4) إن عد تصرفا فيها كما في حال

______________________________

بقصد الصلاة فيه ثم بدا له أن يصلى في مكان آخر فان الظاهر في هذه الصورة وجوب إيقاعها فيه، جريا على منوال الوقف، إذ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها، و لا نرى مبررا في إيقاعها في مكان آخر و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 12: (إذا كان الماء في الحوض و أرضه و أطرافه مباحا لكن في بعض أطرافه نصب آجر أو حجر غصبي يشكل الوضوء منه. إلخ)

الأقرب الصحة لعدم عد الوضوء عرفا تصرفا في الآجر أو الحجر، و مثله الآنية و ان كان الاحتياط سبيل النجاة.

قوله قده مسألة 13: (الوضوء في المكان المباح مع كون فضائه غصبيا مشكل)

لا إشكال في الحرمة و بطلان الوضوء في المسألة المفروضة، إذ لا نعني من إباحة المكان المتوقف عليه صحة الوضوء إلا الفضاء الذي يقع فيه الغسل أو المسح.

قوله قده مسألة 14: (إذا كان الوضوء مستلزما لتحويل شي ء مغصوب فهو باطل. اه)

إذ مستلزم المحرم محرم ما لم تحرز الأهمية من دليله.

قوله قده مسألة 15: (الوضوء تحت الخيمة المغصوبة. إلخ)

الظاهر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 191

الحر و البرد المحتاج إليها باطل.

[ (مسألة 16) إذا تعدى الماء المباح عن المكان المغصوب الى المكان المباح]

(مسألة 16) إذا تعدى الماء المباح عن المكان المغصوب (1) الى المكان المباح لا إشكال في جواز الوضوء منه.

[ (مسألة 17) إذا اجتمع ماء مباح كالجاري من المطر في ملك الغير]

(مسألة 17) إذا اجتمع ماء مباح كالجاري من المطر في ملك الغير إن قصد المالك تملكه (2) كان له و إلا كان باقيا على إباحته (3)، فلو أخذه غيره و تملكه ملك إلا أنه عصى من حيث التصرف في ملك الغير، و كذا الحال في غير الماء من المباحات مثل الصيد (4) و ما أطارته الريح من النباتات.

______________________________

أن الوضوء تحت الخيمة المغصوبة تصرف فيها فهو باطل، و لا يختص ذلك بحال الحر و البرد، بل يشمل جميع الأحوال.

قوله قده مسألة 16: (إذا تعدى الماء المباح عن المكان المغصوب.

إلخ)

الأمر كما ذكره من عدم الإشكال، إذ ليس المانع الا كونه في المكان المغصوب المستلزم للتصرف فيه التصرف في المغصوب، و اما إذا خلص من هذا المانع انتفى الاشكال.

قوله قده مسألة 17: (إذا اجتمع ماء مباح كالجاري من المطر في ملك الغير، إن قصد المالك تملكه. إلخ)

مجرد القصد غير كاف في التملك للمباحات و لا يصدق به الحيازة، بل لا بد فيها من فعل اختياري مع القصد ليصدق الاستيلاء على المحاز، إلا أن يكون بناء الملك لقصد الحيازة كنصب الشبكة للاصطياد، أو كان الماء نابعا في ملكه أو نبت عشب أو شجر في ملكه فيملكه تبعا لأنه نماء ملكه.

قوله قده: (و إلا كان باقيا على إباحته. إلخ)

للاستصحاب.

قوله قده: (مثل الصيد. إلخ)

حكى عن الجواهر نفى وجدان الخلاف

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 192

[ (مسألة 18) إذا دخل المكان الغصبي غفلة و في حال الخروج توضأ]

(مسألة 18) إذا دخل المكان الغصبي غفلة و في حال الخروج توضأ (1) بحيث لا ينافي فوريته، فالظاهر صحته لعدم حرمته حينئذ، و كذا إذا دخل عصيانا ثم تاب و خرج بقصد التخلص من الغصب، و إن لم يتب و لم يكن بقصد التخلص

ففي صحة وضوئه حال الخروج إشكال.

[ (مسألة 19) إذا وقع قليل من الماء المغصوب في حوض مباح]

(مسألة 19) إذا وقع قليل من الماء المغصوب في حوض مباح (2) فإن أمكن رده الى مالكه و كان قابلًا لذلك لم يجز التصرف في ذلك الحوض، و إن

______________________________

في عدم تملكه للصيد إذا توحّل في أرضه إذا لم يقصد اصطياده، و كذا لو و ثبت السمكة في سفينته. انتهى، و ليس مراده كفاية القصد في التملك كما هو ظاهر العبارة بل المراد أنه أحد الأسباب المعدة و ان احتاج الى وضع يد و أمثاله من الأفعال الاختيارية إلا أن تكون الموحلة و السفينة أعدا آلة للاصطياد.

قوله قده مسألة 18: (إذا دخل المكان الغصبي غفلة و في حال الخروج توضأ. إلخ)

الأمر كما ذكره في جميع شقوق المسألة صحة و فسادا، ما لم يستلزم الوضوء تصرفا زائدا على أصل الخروج.

قوله قده مسألة 19: (إذا وقع قليل من الماء المغصوب في حوض مباح. إلخ)

لا أرى وجها لقيد كونه قابلًا بعد فرض إمكان رده الى مالكه و لا لعده تالفا مع فرض عدم إمكان الرد، بل الوجه الحكم بشركة المالك القهرية بنسبة حصته الى مجموع ماء الحوض بعد كون من المتماثلات التي حكموا فيها بالشركة بعد الخلط، نعم إنما يمكن فرض التلف في غير المتماثلات كخلط الزيت بالعسل، ما ذكرنا من ثبوت الشركة للمالك في فرض المسألة لا يجوز التصرف فيه إلا بإذن مالكه و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 193

لم يمكن رده يمكن أن يقال بجواز التصرف فيه، لأن المغصوب محسوب تالفا لكنه مشكل من دون رضا مالكه.

[ «الشرط الخامس» أن لا يكون ظرف ماء الوضوء من أواني الذهب أو الفضة]
اشارة

«الشرط الخامس» أن لا يكون ظرف ماء الوضوء من أواني الذهب أو الفضة (1) و إلا بطل سواء اغترف منه أم اداره على أعضائه و سواء

انحصر فيه أم لا، و مع الانحصار يجب أن يفرغ ماء في ظرف آخر و يتوضأ به، و إن لم يمكن التفريغ إلا بالتوضؤ يجوز ذلك حيث أن التفريغ واجب (2)، و لو توضأ منه جهلا أو نسيانا أو غفلة صح كما في الآنية المغصوبة، و المشكوك كونه منهما يجوز الوضوء منه كما يجوز سائر استعمالاته.

______________________________

قوله قده: (الشرط الخامس: ان لا يكون ظرف ماء الوضوء من أواني الذهب أو الفضة. إلخ)

لا إشكال في بطلان الوضوء من آنية الذهب أو الفضة مع الالتفات، بناءا على حرمة مطلق استعمالهما و عدم اختصاص الحرمة بالأكل و الشرب منهما، و ذلك للنهى عن استعمالهما المنافي لقصد القربة بأي نحو كان من الأنحاء المذكورة، سواء كان بالاغتراف منهما أو إدارة على أعضائه أو رمس الأعضاء فيهما و سواء انحصر فيه أم لا لعد ذلك كله استعمالا للآنية المزبورة، نعم في صورة عدم النحصار بأن كان عنده ماء آخر أو مع إمكان التفريغ لو توضأ بهما بالانتزاع منهما دفعة لما يكفيه لوضوئه فالظاهر عدم بطلان وضوئه للأمر به، إذ حرمة المقدمة لا تستلزم حرمة ذيها فهو عاص مع صحة وضوئه، نعم يشكل ما ذكره من أنه

(ان لم يمكن التفريغ إلا بالتوضؤ يجوز ذلك، حيث ان التفريغ واجب. إلخ)

إذ لا دليل على وجوب التفريغ، بل انما الدليل على حرمة الاستعمال ليس الا، بل الظاهر بطلان الوضوء في الصورة المفروضة لصدق الاستعمال المنهي عنه فيها، و اما الصحة في صورة ما لو توضأ منها جهلا يعذر فيه، كما لو كان قصورا أو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 194

[ (مسألة 20) إذا توضأ من آنية باعتقاد غصبيتها أو كونها من الذهب أو الفضة]

(مسألة 20) إذا توضأ من آنية باعتقاد غصبيتها أو كونها من الذهب أو

الفضة، ثم تبين عدم كونها كذلك (1) ففي صحة الوضوء اشكال، و لا يبعد الصحة إذا حصل منه قصد القربة.

[ (الشرط السادس) أن لا يكون ماء الوضوء مستعملا في رفع الخبث]

(الشرط السادس) أن لا يكون ماء الوضوء مستعملا في رفع الخبث (2) و لو كان طاهرا مثل ماء الاستنجاء مع الشرائط المتقدمة، و لا فرق بين الوضوء الواجب و المستحب على الأقوى، حتى مثل وضوء الحائض، و اما المستعمل في رفع الحدث الأصغر فلا إشكال في جواز التوضؤ منه، و الأقوى جوازه من المستعمل في رفع الحدث الأكبر، و إن كان الأحوط تركه مع وجود ماء آخر و اما المستعمل في الأغسال المندوبة فلا اشكال فيه أيضا، و المراد من المستعمل في رفع الأكبر هو الماء الجاري على البدن للاغتسال إذا اجتمع في مكان، و أما ما ينصب من اليد أو الظرف حين الاغتراف أو حين إرادة الاجراء

______________________________

نسيانا أو غفلة فلعدم النهي الفعلي و ليس المانع الا هو، إذ لم يؤخذ من شرائط الوضوء عدم كون الآنية منهما حتى يقال: بفقدان الوضوء لشرطه، فحالهما حال الغصب، و كذا المشكوك كونه منهما لعدم إحراز النهى، و لقاعدة الحل في كل ما لم يعلم حرمته و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 20: (إذا توضأ من آنية باعتقاد غصبها أو كونها من الذهب و الفضة ثم تبين عدم كونها كذلك. إلخ)

نعم الصحة و البطلان يدوران مدار إمكان قصد القربة، فالصحة مع قصده و الفساد مع عدمه.

قوله قده: (الشرط السادس: ان لا يكون ماء الوضوء مستعملا في رفع الخبث. إلخ)

تقدم منا في أحكام المياه المستعملة في رفع الأخباث ان المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهى: قد ادعيا الإجماع على عدم جواز رفع الحدث فيما يزال به النجاسة.

العمل الأبقى في

شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 195

على البدن من دون أن يصل الى البدن فليس من المستعمل، و كذا ما يبقى في الإناء و كذا القطرات الواقعة في الإناء و لو من البدن، و لو توضأ من المستعمل في الخبث جهلا أو نسيانا بطل، و لو توضأ من المستعمل في رفع الأكبر احتاط بالإعادة.

[ (السابع) أن لا يكون مانع من استعمال الماء من مرض أو خوف عطش]

(السابع) أن لا يكون مانع من استعمال الماء من مرض أو خوف عطش (1) أو نحو ذلك و الا فهو مأمور بالتيمم، و لو توضأ و الحال هذه بطل، و لو كان جاهلا بالضرر صح و ان كان متحققا في الواقع، و الأحوط الإعادة أو التيمم

______________________________

قوله قده: (السابع: أن لا يكون مانع من استعمال الماء من مرض أو خوف عطش. إلخ)

لا إشكال بل لا خلاف في ذلك لقوله تعالى:

(يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) و قوله تعالى (مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) و قوله تعالى (وَ لٰا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) و قوله عليه السّلام:

(لا ضرر و لا ضرار) مع دلالة بعض الأخبار على ذلك مثل صحيحة داود ابن سرحان عن الصادق عليه السّلام: في الرجل تصيبه الجنابة و به جرح أو قرح أو يخاف على نفسه من البرد فقال: لا يغتسل و يتيمم، و نحوها غيرها مما روى في بابه في الوسائل، و لا فرق في المرض بين أن يكون شديدا أو غير شديد عاما لجميع البدن أو مختصا ببعضه، و حكى عن الفاضلين تقييده بالشديد لانتفاء الضرر مع اليسير كوجع الرأس و الضرس، و استشكله في الذكرى بالعسر و الحرج، و ربما كان الخلاف في المعنى مرتفعا فإنه مع الضرر و المشقة الشديدة يجوز التيمم

عند الجميع، لأن المرض و الحال هذه لا يكون يسيرا، و مع انتفاء المشقة و سهولة المرض لا يسوغ له التيمم عند الجميع، و كذا لا فرق في خوف العطش بين أن يكون على نفسه أو أحد من عياله أو إخوانه في الدين أو دابته التي هي حمولته أو دابة أحد من عياله أو إخوانه،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 196

[ (الثامن) ان يكون الوقت واسعا للوضوء و الصلاة]
اشارة

(الثامن) ان يكون الوقت واسعا للوضوء و الصلاة (1) بحيث لم يلزم من التوضؤ وقوع صلاته و لو ركعة منها خارج الوقت و الا وجب التيمم الا أن يكون التيمم أيضا كذلك، بأن يكون زمانه بقدر زمان الوضوء أو أكثر إذ

______________________________

و هل يلحق بذلك الدواب المحترمة؟ فيكون الخوف على عطشها موجبا للرخصة كما عن الفاضلين، لأن الخوف على الدواب خوف على المال، و معه يجوز التيمم أم لا؟ لأن مطلق ذهاب المال غير مسوغ للتيمم، و لذا وجب صرف المال الكثير الذي لا يضر فوته في شراء الماء كما يأتي، قولان و عن الغنية و المعتبر و المنتهى الإجماع على وجوبه خوف العطش الحاصل أو المتوقع و يضاف الى ما ذكر من عمومات الكتاب و الإجماعات السنة المتواترة منها:

(صحيحة) ابن سنان عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام انه قال: في رجل أصابته جنابة في السفر و ليس معه إلا ماء قليل و يخاف إن هو اغتسل أن يعطش قال: ان خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة و ليتيمم فان الصعيد أحب الىّ (و صحيحة) الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام الجنب يكون معه الماء القليل فان هو اغتسل به خاف العطش أ يغتسل به أو يتيمم؟ فقال: بل يتيمم، و

كذلك إذا أراد الوضوء (و موثقة) سماعة قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته، قال: يتيمم بالصعيد و يستبقي الماء فان اللّٰه عز و جل جعلهما طهورا الماء و الصعيد (و خبر) ابن أبى يعفور قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يجنب و معه ماء قدر ما يكفيه لشربه أ يتيمم؟ أو يتوضأ به؟ فقال: يتيمم أفضل، ألا ترى أنه جعل عليه نصف الطهور.

قوله قده: (الثامن: أن يكون الوقت واسعا للوضوء و الصلاة. إلخ)

و إلا لو ضاق الوقت عن ذلك وجب التيمم و إن قدر على الماء بعد الوقت على المشهور بين المتأخرين، خلافا لما حكى عن المحقق حيث قال: من كان الماء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 197

حينئذ يتعين الوضوء، و لو توضأ في الصورة الأولى بطل (1) إن كان قصده امتثال الأمر المتعلق به من حيث هذه الصلاة على نحو التقييد، نعم لو توضأ لغاية أخرى أو بقصد القربة صح، و كذا لو قصد ذلك الأمر بنحو الداعي لا التقييد

[ (مسألة 21) في صورة كون استعمال الماء مضرا لو صب الماء على ذلك المحل]

(مسألة 21) في صورة كون استعمال الماء مضرا لو صب الماء على ذلك المحل (2)

______________________________

قريبا منه و تحصيله ممكن لكن مع فوات الوقت، أو كان عنده و باستعماله يفوت لم يجز له التيمم و سعى إليه لأنه واجد. انتهى، و الأقرب الأول لوجوب الصلاة عليه و عدم جواز تأخيرها عن الوقت بالعمومات الدالة على ذلك، و حيث تعذرت الطهارة المائية لها تعين التراب لأنه أحد الطهورين و هو بمنزلة الماء بمقتضى الأخبار الصحيحة، و لا نسلم وجود أمر دال على وجوب السعي إلى الوضوء مثلا حينئذ، و لا يقدح

وجدان الماء إذا لم يمكنه الطهارة به لأجل الصلاة، ثم ان المعتبر في الضيق المسوغ للتيمم هل هو عدم التمكن من استعمال الماء من إدراك الصلاة و لو بإدراك ركعة من الوقت؟ أو يكفي فيه عدم خروج بعض الصلاة عن الوقت حتى التسليم بناءا على وجوبه فيها؟ و جهان، و ربما يجرى مثله في سائر الشرائط غير الطهارة أقواهما الثاني كما هو اختيار المصنف (قده) و يدل عليه ظاهر حسن زرارة أو صحيحه عن أحدهما (ع): فاذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت

قوله قده: (و لو توضأ في الصورة الأولى بطل)

و ذلك لعدم الأمر به، و الظاهر البطلان في جميع الصور التي قرب فيها الصحة حتى لو قلنا بأن الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده، إذ يكفي في البطلان عدم الأمر بضده و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 21: (في صورة كون استعمال الماء مضرا لو صب الماء على ذلك المحل. إلخ)

فرض المسألة فيما لو صب الماء غير قاصد الوضوء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 198

الذي يتضرر به، و وقع في الضرر ثم توضأ صح إذا لم يكن الوضوء موجبا لزيادته، لكنه عصى بفعله الأول.

[ (التاسع المباشرة في أفعال الوضوء (1) في حال الاختيار]
اشارة

(التاسع المباشرة في أفعال الوضوء (1) في حال الاختيار، فلو باشرها الغير أو أعانه في الغسل أو المسح بطل، و أما المقدمات للافعال فهي أقسام:

(أحدها) المقدمات البعيدة كإتيان الماء أو تسخينه أو نحو ذلك، و هذه لا مانع من تصدى الغير لها (الثاني) المقدمات القريبة مثل صب الماء في كفه و في هذه يكره مباشرة الغير (الثالث) مثل صب الماء على أعضائه مع كونه هو المباشر لإجرائه و غسل أعضائه، و في هذه الصورة

و ان كان لا يخلو تصدى الغير عن إشكال الا أن الظاهر صحته فينحصر البطلان فيما لو باشر الغير غسله أو أعانه على المباشرة بأن يكون الاجراء و الغسل منهما معا.

[ (مسألة 22) إذا كان الماء جاريا من ميزاب أو نحوه فجعل وجهه أو يده تحته]

(مسألة 22) إذا كان الماء جاريا من ميزاب أو نحوه (2) فجعل وجهه أو يده تحته بحيث جرى الماء عليه بقصد الوضوء صح، و لا ينافي وجوب المباشرة بل يمكن أن يقال إذا كان شخص يصب الماء من مكان عال لا بقصد أن يتوضأ به أحد و جعل هو يده أو وجهه تحته صح أيضا و لا يعد هذا من اعانة الغير أيضا.

______________________________

به ثم نوى الوضوء بالغسل بعد وقوعه في الضرر بالصب الأول فلا إشكال في صحة الوضوء إذ لم يعص فيه، و إنما العصيان في أمر خارج عن الوضوء، نعم لو استلزم الغسل الوضوئي زيادة المرض بطل للنهى عنه.

قوله قده: (التاسع: المباشرة في أفعال الوضوء. إلخ)

تقدم بيان المسألة في فصل مكروهات الوضوء مفصلة فراجع.

قوله قده مسألة 22: (إذا كان الماء جاريا من ميزاب أو نحوه. إلخ)

وجه الصحة في الصورة المفروضة هو صحة نسبة المباشرة الواجبة اليه مستقلا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 199

[ (مسألة 23) إذا لم يتمكن من المباشرة جاز أن يستنيب]

(مسألة 23) إذا لم يتمكن من المباشرة جاز أن يستنيب (1)، بل وجب

______________________________

و لا ينافي ذلك صب الماء في الفرض المزبور، بل الوجه الصحة حتى في صورة ما لو كان الصاب للماء قاصدا لتوضى الغير به، فهو من قبيل ما لو صب الغير الماء على أعضائه مع كونه هو المباشر للإجراء و غسل أعضائه، و قد تقدم انه قرب الصحة فيها، فان جعل وجهه أو يده فيما نحن فيه تحت الميزاب بمنزلة مباشرة الغسل لصحة نسبة الفعل اليه.

قوله قده مسألة 23: (إذا لم يتمكن من المباشرة جاز أن يستنيب.

إلخ)

إجماعا كما عن غير واحد نقله، و المحكى عن المعتبر: انه متفق عليه بين الفقهاء، و عن العلامة في المنتهى: و

يجوز مع الضرورة إجماعا، و نسبه في الرياض الى كلام الأصحاب، و نفى عنه الخلاف في الجواهر، بل حكى تصريح الحدائق بالاتفاق على الجواز لمرض أو تقية أو نحوهما، فهذه الكلمات تفيد الوثوق بحصول الإجماع على الجواز، و فيه الكفاية، و ربما استدل على الجواز بما دل على جواز التولية في الغسل مثل صحيحة سليمان ابن خالد عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث انه كان عليه السّلام وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة و هو في مكان بارد قال عليه السّلام فدعوت الغلمان فقلت لهم احملوني فاغسلوني فحملوني و وضعوني على خشبات ثم صبوا علىّ الماء فغسلوني، الحديث و الظاهر أن مرادهم بالجواز هو الوجوب كما يدل عليه عبارة المصنف بقوله بل وجب إذ مقتضى إطلاق أوامر الوضوء وجوب إيجاده على العاجز بالتسبيب، بمعنى ان المتبادر من الأمر بغسل الوجه مثلا ليس إلا وجوب إيجاد مطلق هذه الطبيعة على كل مكلف على وجه يستند صدوره اليه عرفا، و هذا يختلف في العرف باختلاف الأشخاص من حيث العجز و القدرة،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 200

و ان توقف على الأجرة فيغسل الغير أعضاءه و ينوي هو الوضوء (1) و لو أمكن اجراء الغير الماء بيد المنوب عنه بأن يأخذ يده و يصب الماء فيها و يجريه بها هل يجب أم لا؟ الأحوط ذلك و ان كان الأقوى عدم وجوبه، لأن مناط المباشرة في الاجراء، و اليد آلة، و المفروض أن فعل الاجراء من النائب، نعم في المسح لا بد من كونه بيد المنوب عنه لا النائب فيأخذ يده فيمسح بها رأسه و رجليه، و ان لم يمكن ذلك أخذ الرطوبة التي في يده

و يمسح بها، و لو كان يقدر على المباشرة في بعض دون بعض بعض.

______________________________

و يجب ذلك و ان توقف على الأجرة لإطلاق معقد الإجماعات، و ما ذكرنا من إطلاق أوامر الوضوء.

قوله قده: (و ينوي هو الوضوء. إلخ)

كما حكى التصريح بذلك عن جماعة منهم العلامة في التذكرة، و منهم الشهيد (ره) في الذكرى، و منهم صاحب الجواهر (ره) لأنه المأمور بالوضوء و هو المتقرب فحينئذ يتولى النية هو، إذ لا يتصور العجز عنها مع بقاه التكليف و الغير آلة و معلوم ان الآلة ليست من قبيل الفاعل المستقل، فيكون الفعل فعلا لمن اتخذه آلة، و لازمه أن يكون الفاعل هو الذي ينوي الإتيان بالفعل و التقرب به، و من هنا يظهر الإشكال في تعبير المصنف (قده) بالنيابة و ليست هي إلا استعانة من العاجز و اتخاذ الغير آلة، و قد أجاد صاحب الجواهر (ره) حيث قال: و اعلم أنه لا فرق في المتولي بين أن يكون مكلفا أو غيره لكون المنوب فيه إنما هو مقدمات الوضوء و إلا فالوضوء وضوء المضطر و العبادة عبادته و النية نيته و هو المتقرب الى اللّٰه بهذا الوضوء السائغ في حقه. انتهى.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 201

[ (العاشر) الترتيب بتقديم الوجه ثم اليد اليمنى ثم اليد اليسرى]

(العاشر) الترتيب بتقديم الوجه (1) ثم اليد اليمنى ثم اليد اليسرى ثم مسح الرأس ثم الرجلين، و لا يجب الترتيب بين أجزاء كل عضو، نعم يجب مراعاة الأعلى فالأعلى كما مر، و لو أخل بالترتيب و لو جهلا أو نسيانا بطل إذا تذكر بعد الفراغ و فوات الموالاة. و كذا ان تذكر في الأثناء لكن كانت نيته فاسدة حيث نوى الوضوء على هذا الوجه، و إن لم تكن نيته فاسدة

فيعود على ما يحصل به الترتيب، و لا فرق في وجوب الترتيب بين وضوء الترتيبي و الارتماسي.

______________________________

قوله قده (العاشر: الترتيب بتقديم الوجه)

لا إشكال في وجوب الترتيب في الوضوء كما في الآية الشريفة من تقديم غسل الوجه ثم اليدين ثم مسح الرأس ثم الرجلين، لاقتضاء الفاء الجزائية التعقيب بلا مهلة كما عليه جماعة، أو يقال بان الواو تفيد الترتيب كما حكى عن الكسائي و ابن درستويه و الزيبعي و ثعلب و الفراء و الدينوري و هشام و الشافعي و أصحابه و أبى عبيدة و الكوفيين، و يشهد له بعض الأخبار ففي المرتضوي: فيمن بدأ بالمروة قبل الصفا يعيد، ألا ترى انه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء، يعيد الوضوء و في الخبر: ابدءوا بما بدأ اللّٰه به، بلا خلاف في ذلك، و عن الغنية و السرائر و الخلاف و المعتبر و المنتهى و نهج الحق و الروض و الذكرى الإجماع عليه و لأصالة بقاء الحدث، و للوضوءات البيانية و قوله عليه السّلام: هذا وضوء لا يقبل اللّٰه الصلاة إلا به، و للصحاح منها الصحيح الزراري الباقرى عليه السّلام المروي في الكافي: تابع بين الوضوء كما قال اللّٰه ابدأ بالوجه ثم باليدين ثم امسح الرأس و الرجلين، و لا تقدمن شيئا بين يدي شي ء تخالف ما أمرت به فان غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد على الذراع، و إن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثم أعد على الرجل ابدأ بما بدأ اللّٰه عز و جل به، و منها الصحيح الصادقي عليه السّلام المروي في التهذيب:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 202

[ «الحادي عشر» الموالاة]
اشارة

«الحادي عشر» الموالاة (1) بمعنى عدم جفاف

الأعضاء السابقة قبل الشروع في اللاحقة، فلو جف تمام ما سبق بطل، بل لو جف العضو السابق الذي يريد أن يشرع فيه الأحوط الاستئناف و إن بقيت الرطوبة في العضو

______________________________

في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين قال: يغسل اليمين و يعيد اليسار، و بهذا المضمون أخبار كثيرة و الناسي يعيد على ما يحصل معه الترتيب، مع عدم الإخلال بالموالاة و بقاء النية على الأشهر، و قيل: ان العامد كذلك، و قيل بالإعادة مع العمد من رأس و ان لم يجف، و الذي يدل عليه الصحيح الزراري الباقرى عليه السّلام المتقدم.

قوله قده: (الحادي عشر: الموالاة. إلخ)

لا إشكال في انه تجب الموالاة بين أعضاء الوضوء في الجملة بلا خلاف، للإجماع كما في المدارك و الروض و عن الناصرية و الغنية و الخلاف و التنقيح و المعتبر و المختلف و الذكرى، و الصحيح المروي في التهذيب عن معاوية بن عمار قال: للصادق عليه السّلام ربما توضأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت على بالماء فيجف وضوئي فقال:

أعد، و الموثق المروي في التهذيب أيضا عن أبى بصير عن الصادق عليه السّلام:

إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد وضوءك، فان الوضوء لا يبعض، و اختلف في تفسيرها بالمتابعة العرفية بأن يؤتى باللاحق بعد كمال السابق من غير تراخ عرفا كما عن الشيخين و الفاضلين و غيرهم، و هل الإخلال بالمتابعة المذكورة هنا موجب للإثم خاصة، أو البطلان أيضا؟ قولان أشهر هما الأول، أو عدم جفاف الكل؟ كما هو الأشهر فإذا لم يتابع مع بقاء شي ء من الرطوبة في إحدى الأعضاء لا يأثم و لا يبطل وضوؤه، أو عدم جفاف البعض؟ إلا لضرورة مطلقا و ان كان من

الجزء الأبعد، فلا بد من بقاء جميع البلل في جميع الأجزاء كما حكى عن الإسكافي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 203

السابق على السابق، و اعتبار عدم الجفاف إنما هو إذا كان الجفاف من جهة الفصل بين الأعضاء أو طول الزمان و أما إذا تابع في الأفعال و حصل الجفاف من جهة حرارة بدنه أو حرارة الهواء أو غير ذلك فلا بطلان (1)، فالشرط في الحقيقة أحد الأمرين من التتابع العرفي و عدم الجفاف و ذهب بعض العلماء الى وجوب الموالاة بمعنى التتابع و ان كان لا يبطل الوضوء بتركه إذا حصلت الموالاة بمعنى عدم الجفاف، ثم انه لا يلزم بقاء الرطوبة في تمام العضو السابق بل يكفي بقاؤها في الجملة و لو في بعض اجزاء ذلك العضو.

[ (مسألة 24) إذا توضأ و شرع في الصلاة ثم تذكر أنه ترك بعض المسحات]

(مسألة 24) إذا توضأ و شرع في الصلاة ثم تذكر أنه ترك بعض المسحات أو تمامها بطلت (2) صلاته

______________________________

لأن ذلك أقرب الى الموالاة الحقيقية و لان جفاف الوضوء و يبسه الوارد في الخبرين المتقدمين يصدق بجفاف البعض و لا يخفى ضعفهما، أو عدم جفاف الأقرب الى العضو الذي يريد الشروع فيه؟ كما حكى عن المراسم و الناصريات و السرائر و الإشارة و المهذب و الأكثر على الثاني و هو عدم جفاف الكل و هو المحكى عن الشيخ و الكيدري و بنى زهرة و حمزة و سعيد و المحققين و الشهيدين و المولى المقدس و صاحب المدارك و شارح الدروس، لأصالة عدم اعتبار ما زاد عليه و استصحاب الصحة و إطلاق الأوامر الواردة في الكتاب و السنة و عدم دلالة الأخبار على أكثر من ذلك، و ما دل على جواز المسح بأخذ الرطوبة من المظان المذكورة.

قوله قده:

(و لو حصل الجفاف من جهة حرارة بدنه) الى قوله:

(فلا بطلان)

وجهه ما ذكره من أن الشرط في الحقيقة أحد الأمرين و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 24: (إذا توضأ و شرع في الصلاة ثم تذكر أنه ترك بعض المسحات أو تمامها بطلت. إلخ)

أما بطلان الصلاة فلعدم شرطها،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 204

و وضوؤه أيضا إذا لم تبق الرطوبة في أعضائه و إلا أخذها و مسح بها و استأنف الصلاة.

[ (مسألة 25) إذا مشى بعد الغسلات خطوات]

(مسألة 25) إذا مشى بعد الغسلات (1) خطوات ثم أتى بالمسحات لا بأس و كذا قبل تمام الغسلات إذا أتى بما بقي، و يجوز التوضؤ ماشيا.

[ (مسألة 26) إذا ترك الموالاة نسيانا بطل وضوؤه]

(مسألة 26) إذا ترك الموالاة نسيانا بطل وضوؤه (2) مع فرض عدم التتابع العرفي أيضا، و كذا لو اعتقد عدم الجفاف ثم تبين الخلاف.

[ (مسألة 27) إذا جف الوجه حين الشروع في اليد]

(مسألة 27) إذا جف الوجه حين الشروع في اليد لكن بقيت الرطوبة في مسترسل اللحية (3) و الأطراف الخارجة عن الحد ففي كفايتها اشكال.

______________________________

و اما بطلان الطهارة فلفوات شرطها و هي الموالاة إلا أن تكون الرطوبة باقية في محالها أو أمكن أخذها من محال الوضوء فيمسح بها و يعيد الصلاة فقط.

قوله قده مسألة 25: (إذا مشى بعد الغسلات. إلخ)

لا يضر المشي قبل المسحات أو في أثناء الغسلات ما لم تفت الموالاة المعتبرة شرعا.

قوله قده مسألة 26: (إذا ترك الموالاة نسيانا بطل وضوؤه. إلخ)

لفوات شرطه و كذا في صورة اعتقاد عدم الجفاف و تبين الخلاف.

قوله قده مسألة 27: (إذا جف الوجه حين الشروع في اليد لكن بقيت الرطوبة في مسترسل اللحية. إلخ)

تقدم ما يناسب المسألة في مسألة (25) في اعتبار أن يكون المسح بنداوة الوضوء، و انه لو جف ما على أعضاء الوضوء من البلل فهل يجوز أخذ الرطوبة مما استرسل من اللحية طولا أو عرضا، و أن المسألة ذات قولين، فالكلام فيما نحن فيه كما تقدم في المسألة السابقة المشار إليها و الاختيار الاختيار، و الأحوط في مسألتنا الإعادة، كما أن الأحوط فيما تقدم ذلك و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 205

[ (الثاني عشر) النية]
اشارة

(الثاني عشر) النية (1) و هي القصد الى الفعل مع كون الداعي أمر اللّٰه تعالى إما لأنه تعالى أهل للطاعة و هو أعلى الوجوه، أو لدخول الجنة و الفرار من النار

______________________________

قوله قده (الثاني عشر: النية. إلخ)

________________________________________

شبر، سيد على حسينى، العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، 2 جلد، مطبعة النجف، نجف اشرف - عراق، اول، 1383 ه ق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى؛ ج 2، ص: 205

اشتراط النية في الوضوء

و في سائر العبادات إجماعي كما في الغنية و التنقيح و الإيضاح و المنتهى و المختلف و الناصرية و غيرها، و في النبوي المروي في الكافي و التهذيب: لا قول إلا بعمل، و لا قول و عمل إلا بنية، و في الحديث السجادي عليه السّلام المروي في الكافي: لا عمل إلا بنية، و فيه أيضا: لا عمل إلا بنية، و لا عبادة إلا بتفقه، و في النبوي: الأعمال بالنيات، و إنما لكل امرئ ما نوى، و فيه يا أبا ذر ليكن لك في كل شي ء نية حتى في النوم و الأكل، و فيه: إنما الأعمال بالنيات، و لكل امرئ ما نوى، فمن غدا ابتغاء ما عند اللّٰه فقد وقع أجره على اللّٰه عز و جل، و من غدا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى، و يعتبر فيها مقارنتها لأول فعل منه واجب كغسل اليدين و المضمضة و الاستنشاق، و المراد بالمقارنة إيصال آخرها بأول أحد المذكورات كما عن الغنية و السرائر، و لا يجوز تأخيرها عن شي ء من الأفعال الواجبة و لا اقترانها بغير ما ذكر على المشهور، خلافا للمحكي عن الجعفي حيث قال: لا عمل إلا بنية، و لا بأس ان تقدمت النية أو كانت معه، و الإسكافي فقال: لو عزبت النية عنه قبل ابتداء الطهارة ثم اعتقد ذلك و هو في عملها أجزأ ذلك، للقياس على الصوم، قال في الذكرى و هذان القولان مع غرابتهما مشكلان لأن المتقدم عزم لا نية، و الواقعة في الأثناء أشكل لخلو بعضه عن النية، و حمله على الصوم قياس محض، مع الفرق بأن مهية الصوم واحدة بخلاف الوضوء المتعدد الأفعال، و

اختلف في معنى المقارنة فالفاضل في التذكرة: أن يأتي بكمال النية قبل التكبير ثم يكبر بلا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 206

و هو أدناها، و ما بينهما متوسطات، و لا يلزم التلفظ بالنية بل و لا إخطارها بالبال، بل يكفى وجود الداعي في القلب بحيث لو سئل عن شغله يقول أتوضأ

______________________________

فصل، قال: و بهذا تصح صلاته إجماعا، و لو ابتدأ النية بالقلب حال ابتداء التكبير باللسان ثم فرغ منهما دفعة واحدة فالوجه الصحة، و نقل الشهيد عن بعض الأصحاب إنه أوجب إبقاع النية بأسرها بين الألف و الراء، و هو مع العسر يقتضي حصول أول التكبير بلا نية، و حكى في المدارك عن العلامة و الشهيد أنهما أوجبا استحضار النية إلى انتهاء التكبير، لان الدخول في الصلاة إنما يتحقق بتمام التكبير، ورد بلزوم العسر و الدخول يتحقق بالشروع في التكبير لأنه جزء من الصلاة إجماعا، فإذا قارنت النية أوله فقد قارنت أول الصلاة في تعريف النية لأن جزء الجزء جزء، و لا ينافي ذلك ذلك توقف التحريم على انتهائه، و المراد بالنية إخطار الفعل- و قيل مع مميزاته من الوجوب و الندب و نحوهما- بالبال تقربا الى اللّٰه تعالى، و لم يصل إلينا من قدمائنا في ذلك نص لا في الوضوء و لا في سائر العبادات الا ما يحكى عن ظاهر الإسكافي من استحبابها في الطهارات، و ليس في الكتاب و السنة إلا ما يدل على اعتبار القصد الباعث و ألهمه اللازمة الاقتران من المختار، دون المخطر بالبال المنطبق عليها تارة و المتخلف عنها أخرى، كقوله سبحانه:

(مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)* و قوله عز و جل (إِلَّا ابْتِغٰاءَ وَجْهِ رَبِّهِ) و حديث: انما الأعمال بالنيات،

و ان لكل امرئ ما نوى و غير ذلك، و ليست هي قولنا أتوضأ أو أصلي أو أصوم قربة الى اللّٰه، ملاحظين معاني هذه الألفاظ بخاطرنا و متصورين لها بقلوبنا، بل ذلك تحريك لسان و حديث نفس، و ان هو إلا كقول الشبعان اشتهى الطعام و أميل اليه قاصدا حصول الميل و الاشتهاء،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 207

مثلا، و أما لو كان غافلا بحيث لو سئل بقي متحيرا فلا يكفى و إن كان مسبوقا بالعزم و القصد حين المقدمات، و يجب استمرار النية إلى آخر العمل، فلو نوى

______________________________

و قول المدرس الذي غلب عليه حب الجاه أدرس قربة الى اللّٰه، ألا ترى أنه لو كان الباعث على الصلاة هو الرياء و السمعة و أخطر بباله في ابتدائها أصلي قربة الى اللّٰه لم ينفعه ذلك، بل كان من الوساوس الشيطانية و الأوهام الخيالية و لم تكن صلاته صحيحة قطعا، لعدم قصد التقرب فالنية- التي هي روح العبادة و لا يصح العمل بدونها- ليست هذا الاستحضار المقارن و لا ذلك الإخطار، بل هي عبارة عن المعنى الراسخ في النفس الباعث الداعي على الفعل و ذلك أمر لا يكاد ينفك منه عاقل غير ذاهل، و لذا قيل- و نعم ما قيل- لو كلفنا بإيقاع الفعل من غير نية لكان تكليفا بما لا يطاق، فالمكلف به إنما هو الخصوصية و هي الإخلاص دون أصل النية، لعدم القدرة على تركها و لذا لم يذكر جل القدماء من الأصحاب النية في كتبهم الفقهية، بل قالوا: أول واجبات الوضوء مثلا غسل الوجه، و أول واجبات الصلاة تكبيرة الإحرام و نحو ذلك، قال في الذكرى: و كأن وجهه أن القدر المعتبر

من النية أمر لا يكاد يمكن الانفكاك منه و ما زاد عنه فليس بواجب، و أيده في المدارك بعدم ورود النية في شي ء من العبادات على الخصوص، بل الأخبار الواردة في صفة وضوء رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم و غسله و تيممه خالية عن ذلك، و كذا الرواية المتضمنة لتعليم الصادق عليه السّلام لحماد الصلاة حيث قال فيها: انه قام و استقبل القبلة و قال بخشوع: اللّٰه أكبر، و لم يقل انه فكر في النية و لا تلفظ بها و لا غير ذلك من هذه الخرافات المحدثة، و حكى عن الفيض المحسن في المعتصم ما حاصله: و يزيد ذلك بيانا عدم تحقق الفرق بين ما تجب فيه النية من الطهارة و نحوها و ما لا تجب فيه إجماعا من إزالة النجاسة و ما شابههما، و خلو الأخبار

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 208

الخلاف أو تردد و أتى ببعض الأفعال بطل إلا أن يعود إلى النية الأولى قبل

______________________________

من هذا البيان و التفصيل (و ما قيل) من أن النية تجب في الأفعال دون التروك (منقوض) بالصوم و الإحرام (و الجواب) بان الترك فيهما كالفعل تحكم بحت، بل لو نوى إزالة النجاسة و نحوها أشبه بالفعل من الصوم و نحوه، و ما ذكره المتأخرون من وجوب استحضار حقيقة المنوي مقارنا لابتداء فعله على الهيئة المخصوصة يحتاج الى دليل، مع أنهم قائلون بتركبه من أجزاء شتى فإن أرادوا به استحضار جميع اجزائه مفصلا دفعة واحدة، و القصد إلى إيقاعه فهو محال و تكليف بما لا يطاق، أو تدريجا ثم القصد اليه فليس المنوي بتمامه حاضرا عند القصد فلا فائدة في استحضاره قبله، أو

إجمالا فهو حاصل مع قصد غايته التي تترتب عليه، و العجب من الشهيد (ره) مع اعترافه بأن القدر المعتبر من النية لا يكاد يمكن الانفكاك عنه، كيف ضيق أمرها؟

فأوجب استحضار الصلاة المنوية حالة التكبير، و معلوم ان ليس مراده استدامة حكمها لأنها واجبة إلى آخر الصلاة إجماعا، و إنما مراده القصد إلى إيقاعها على ما كانت عليه من الصفات، و كيف يمكن لأحد أن يجمع بين هذا و ما هو من المهمات حالة التكبير عقلا و نقلا اعنى استصغار ما سوى اللّٰه و الانقطاع الكلي الى اللّٰه، مع ان الإنسان يشغله شأن عن شأن، و كيف ينقطع الى مولاه و يستصغر ما سواه و هو في قيد عمله و نسبته الى نفسه و الفكر في صفاته المتعددة و وجوهه المتبددة، و هل هذا من مثله إلا عجيب؟ أم نحن منه في شك مريب؟ ثم ما أعجب ما شاع و ذاع بين الناس من استحداثهم ألفاظا يتلفظون بها في النية و يزعم أكثرهم عدم إمكان الإتيان بها بدونها،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 209

فوات الموالاة، و لا يجب نية الوجوب و الندب لا وصفا و لا غاية، و لا نية وجه الوجوب و الندب بان يقول أتوضأ الوضوء الواجب أو المندوب أو لوجوبه أو

______________________________

مع انه لو تم ما ذكره المتأخرون لدل على اعتبار الاستحضار و القصد، و أين ذلك من اللفظ و توقفه عليه، بل لا شك ان التلفظ بها على وجه العبادة بدعة و إدخال في الدين ما ليس منه، و أعجب من ذلك تمكينهم الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدورهم من أنفسهم حتى شق عليهم الأمر فيها و ضاقت صدورهم بها، فربما

ترى بعضهم يصرف قدرا معتدا به من زمانه فيها و يكرر اللفظ بها و التفكر فيها، و هو يحسب انه يحسن صنعا، و ما أبعد الشريعة المطهرة السمحة السهلة من مثل هذه الخرافات الباردة و الأوهام الفاسدة فاعتبروا يا أولي الأبصار. انتهى. و قريب منه كلام شيخنا البهائي (ره) في الحبل المتين، و على كل فقد اختلفوا في كيفيتها في كل واحد واحد من العبادات على أقوال شتى، بعد الاتفاق على اشتراط القربة، فقيل: بالاكتفاء به، و قيل: بضم الوجوب أو الندب، و قيل بضم رفع الحدث أو استباحة العبادة المشروطة بها، و قيل: بضم الأمرين، و أقربها الاكتفاء في الكل بقصد الفعل المعين للّٰه، لأن قصد القربة يصرف العمل الى الواقع، و لذا يحكم باستحقاق الثواب و صدق الامتثال حينئذ، فإن كان متعينا في الواقع فذاك، و ان لم يكن معلوما له و كان له طريق الى العلم كما إذا لم يعلم وجوب غسل الجمعة أو استحبابه لاختلاف الأدلة أو المفتين مع علمه برجحانه سقط عنه تعيين الوجوب أو الاستحباب لاستحالة التكليف بما لا يطاق، و كذا إن أمكنه الاستعلام للأصل و عدم الدليل على وجوبه، و كما أن من علم بصلاحية عبادته للتقرب و نوى بها ذلك لم يكلف بالعلم بمقدار

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 210

ندبه أو أتوضأ لما فيه من المصلحة، بل يكفى قصد القربة و إتيانه لداعي اللّٰه، بل لو نوى أحدهما في موضع الآخر كفى ان لم يكن على وجه التشريع أو التقييد

______________________________

ثوابها كذا لا يكلف بأنه هل يعاقب على الترك أم لا، و إذا كان عالما بالوجوب أو الاستحباب فلا فائدة في إخطاره حينئذ إذا كان

متميزا عن غيره و إلا يكن متعينا في الواقع فلا بد من التعيين حتى يتميز و ينصرف العمل إليه، فان لم يكن عليه فائت فليس عليه تعيين الأداء و القضاء مثلا فيما ينقسم إليهما لتعينه في الواقع، بخلاف ما لو كان عليه فائت و قلنا بالتوسعة في القضاء فان عليه التعيين حينئذ، و كذا القول في الوجوب و الندب و سائر القيود و في سائر العبادات، هذا ما ينبغي أن يقال و السكوت عما سواه، كما في المرتضوي المروي في الفقيه: ان اللّٰه حدد حدودا فلا تتعدوها، و فرض فرائض فلا تنقصوها و سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من اللّٰه لكم فاقبلوها و استدل من اعتبر نية الوجوب و الندب في الطهارات بوجوب إيقاع الفعل على وجهه، و لا يتم إلا بذلك، و بأن الطهارة لما جاز وقوعها على جهة الوجوب تارة و على جهة الندب اخرى اشترط تخصيصها بأحدهما حيث يكون ذلك هو المطلوب.

ورد الأول: بأنه إن أريد بوجوب إيقاع الفعل على وجهه على الوجه المأمور به شرعا فمسلم و لا يستلزم المدعى، و ان أريد به مع قصد وجهه الذي هو الوجوب و الندب كان مصادرة محضة.

ورد الثاني: بأن الطهارة الواجبة و المندوبة لا يمكن اجتماعهما في وقت واحد ليعتبر تمييز إحديهما عن الأخرى لأن المكلف إذا كان مخاطبا بمشروط بالطهارة فليس له إلا نية الوجوب و ان لم يقصد فعل ما عليه من الواجب،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 211

فلو اعتقد دخول الوقت فنوى الوجوب وصفا أو غاية ثم تبين عدم دخوله صح إذا لم يكن على وجه التقييد، و الا بطل كأن يقول أتوضأ

لوجوبه، و الا فلا أتوضأ.

______________________________

و إلا فليس له إلا نية الندب، سلمنا الاجتماع لكن امتثال الأوامر الواردة بالطهارة من الكتاب و السنة يحصل بمجرد إيجاد الفعل طاعة للّه تعالى فيجب حصول البراءة به، و معنى قولنا للّه إما لكونه أهلا لذلك أو للحياء منه و المهابة، أو للشكر له و التعظيم، أو لامتثال امره و موافقة إرادته، أو للقرب منه و الهرب من البعد عنه، أو لنيل الثواب عنده، أو الخلوص من عقابه، على خلاف في صحة الأخيرين، أعني نيل الثواب و الخلاص من العقاب لمنافاتهما الإخلاص المأمور به و هو المحكى عن ابن طاوس، و الفاضل المقداد و ابن جمهور الأحسائي، و ظاهر الشهيد في القواعد و الدروس و تبطله النصوص الكثيرة من الآيات و الروايات المشتملة على المرهبات من الحدود و التعزيرات و الذم و الإيعاد بالعقوبات، و على المرغبات من المدح و الثناء في العاجل و الجنة و نعيمها في الآجل، و إنما ذلك لأجل انبعاث المكلف على الفعل و ليست النية في الحقيقة إلا ذلك كما عرفت و قوله تعالى (لِمِثْلِ هٰذٰا فَلْيَعْمَلِ الْعٰامِلُونَ)- (وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً) (وَ يَدْعُونَنٰا رَغَباً وَ رَهَباً)- (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أى راجين الفلاح و هو الفوز بالثواب (رِجٰالٌ لٰا تُلْهِيهِمْ تِجٰارَةٌ وَ لٰا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ وَ إِقٰامِ الصَّلٰاةِ وَ إِيتٰاءِ الزَّكٰاةِ يَخٰافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصٰارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللّٰهُ أَحْسَنَ مٰا عَمِلُوا) و في الأخبار المتظافرة عنهم (ع) من بلغه شي ء من الثواب على شي ء من الخير فعمله كان له أجر ذلك و ان لم يكن على ما بلغه،

و في الصحيح الكاظمي ان أمير المؤمنين عليه السّلام قال

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 212

[ (مسألة 28) لا يجب في الوضوء قصد رفع الحدث أو الاستباحة]

(مسألة 28) لا يجب في الوضوء قصد رفع الحدث (1) أو الاستباحة على الأقوى و لا قصد الغاية التي أمر لأجلها بالوضوء، و كذا لا يجب قصد الموجب من بول أو نوم كما مر، نعم قصد الغاية معتبر في تحقق الامتثال بمعنى أنه لو قصدها يكون ممتثلا للأمر الآني من جهتها و ان لم يقصدها يكون أداء للمأمور به لا امتثالا، فالمقصود من عدم اعتبار قصد الغاية عدم اعتباره في الصحة و ان كان معتبرا في تحقق الامتثال، نعم قد يكون الأداء موقوفا على الامتثال فحينئذ لا يحصل الأداء أيضا كما لو نذر ان يتوضأ لغاية معينة فتوضأ و لم يقصدها فإنه لا يكون ممتثلا للأمر النذري و لا يكون أداء للمأمور به بالأمر النذري أيضا

______________________________

في وصيته (بسم اللّٰه الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به و قضى في ماله عبد اللّٰه على ابتغاء وجه اللّٰه ليولجني به الجنة و يصرفني به عن النار و يصرف النار عنى) و ان جل الناس بل كلهم ليس درجتهم أعلى منه و ليس في وسعهم القصود الأخر لتوقف ذلك على مجاهدات و رياضات كما ينبه عليه الحسن القاسم للعباد إلى ثلاثة المروي في الكافي عن هارون بن خارجة عن الصادق عليه السّلام قال:

العباد ثلاثة، قوم عبدوا اللّٰه عز و جل خوفا فتلك عبادة العبيد، و قوم عبدوا اللّٰه تعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء، و قوم عبدوا اللّٰه عز و جل حبا له فتلك عبادة الأحرار، و هي أفضل العبادات، فإن الأفضلية تستلزم وجود الفضيلة و الكل من المراتب المتقدمة التي

أولها كونه أهلا لذلك و آخرها الخلاص من عقابه مرتبة في الفضل كترتبها في الذكر متنزلة، فما ذكر أولا أعلاها و أخيرا أدناها و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 28: (لا يجب في الوضوء قصد رفع الحدث. إلخ)

استدل من اشترط نية الرفع و الاستباحة بقوله تعالى (إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ. إلخ) فإن المفهوم منه كون ذلك لأجل الصلاة، ورد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 213

و ان كان وضوؤه صحيحا لأن أداءه فرع قصده، نعم هو أداء للمأمور به بالأمر الوضوئي.

[ (الثالث عشر) الخلوص]
اشارة

(الثالث عشر) الخلوص (1) فلو ضم اليه الرياء بطل (2) سواء كانت القربة

______________________________

بكون هذه الأفعال لأجل الصلاة لا يقتضي وجوب إحضار النية عند فعلها كما في قوله أعط الحاجب درهما ليأذن لك، فالأصح عدم الوجوب في المقامين وفاقا للشيخين في المقنعة و النهاية و المحقق في بعض تحقيقاته و غيرهم لعدم الدليل معتضدا بقاعدة البراءة شرعية و عقلية.

قوله قده: (الثالث عشر: الخلوص. إلخ)

و المراد بالخلوص إيقاع الطاعة خالصة للّه وحده كما في المجمع و في الصحاح: الإخلاص بالطاعة ترك الرياء، و في القاموس: أخلص فيه ترك الرياء، و في المصباح المنير:

أخلص للّه العمل لم يراء فيه.

قوله قده: (فلو ضم اليه الرياء بطل. إلخ)

لا إشكال في حرمة الرياء و إبطاله للعبادة في الجملة كتابا و سنة و فتوى و نصا عدا علم الهدى (ره) كما صرح بالبطلان جماعة و ان اختلفت تعبيراتهم، فمنهم من عبر بالإجماع و منهم من عبر بالاتفاق، و انفرد هو (ره) فيما حكى عنه بان العمل المأتي به بعنوان الرياء مجز فيسقط به التكليف بالإعادة و القضاء لكنه لا ثواب له، فأثر الرياء في العمل إنما هو إسقاط ثوابه،

و الى ذلك أشار في جامع المقاصد حيث قال: انه لو ضم الرياء بطل قولا واحدا، و يحكى عن المرتضى (ره) خلاف ذلك و ليس بشي ء، انتهى، فمن الكتاب العزيز قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلٰاتِهِمْ سٰاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرٰاؤُنَ. إلخ) و النصوص (منها) رواية السكوني عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال قال النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم: ان الملك ليصعد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 214

مستقلة، و الرياء تبعا أو بالعكس، أو كان كلاهما مستقلا، و سواء كان الرياء في

______________________________

بعمل العبد مبتهجا به فاذا صعد بحسناته يقول اللّٰه عز و جل اجعلوها في سجين فإنه ليس إياي أراد بها، فان تعليل جعل حسناته في النار بعدم انحصار مراد العامل في اللّٰه تعالى يدل على بطلان العمل و هو المطلوب، (و منها) رواية أبي بصير عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام يجاء بالعبد يوم القيامة قد صلى فقال يا رب قد صليت ابتغاء وجهك فيقال له بل صليت ليقال ما أحسن صلاة فلان اذهبوا به الى النار، ثم ذكر مثل ذلك في القتال و قراءة القرآن و الصدقة، و منها صحيحة زرارة و حمران عن ابى جعفر عليه السّلام لو أن عبدا عمل عملا يطلب به وجه اللّٰه و الدار الآخرة و أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا، (و منها) رواية على بن سالم عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال يقول اللّٰه عز و جل: من أشرك معي غيري في عملي لم أقبله إلا ما كان لي خالصا، (و منها) رواية مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عن آبائه عليه السّلام ان رسول

اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم سئل فيما النجاة غدا؟ فقال: إنما النجاة في ان لا تخادعوا اللّٰه فيخدعكم، فإنه من يخادع اللّٰه يخدعه و يخلع منه الايمان و نفسه يخدع لو يشعر، قيل له فكيف يخادع اللّٰه؟

قال: يعمل بما أمر اللّٰه به ثم يريد به غيره فاتقوا اللّٰه في الرياء فإنه الشرك باللّه، ان المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء يا فاجر يا كافر يا غادر يا خاسر حبط عملك و بطل أجرك فلا خلاص لك اليوم فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له، و هذه الرواية قد رويت بطرق متعددة فهي مما يوثق بصدورها و في انجبار الضعيف منها بالشهرة، مع اعتضادها بالصحيح المذكور في جملتها، و الإجماعات المنقولة، بل المحصل منه عدا انفراد السيد (ره) بالمخالفة كاف في الحكم بالمسألة.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 215

أصل العمل أو في كيفياته أو في أجزائه، بل و لو كان جزءا مستحبا على الأقوى

______________________________

فعلى ما عرفت لا إشكال في إبطال الرياء إذا كان علة مستقلة أو جزء علة بأن يكون الداعي مركبا منه و من قصد الأمر، و كذا إذا كان كل منهما علة لو لا الآخر.

و أما لو لم يقصد شيئا من ذلك و لكن سره إذا رآه أحد أو سمعه، فالظاهر أنه لا يكون باطلا كما صرح به صاحب المستند استنادا إلى انه قد وقع التصريح به في مصححة زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يعمل الشي ء من الخير فيراه إنسان فيسره ذلك قال: لا بأس ما من أحد إلا و هو يجب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك، و

اما إذا كان قصد الرياء تبعا و مؤكدا إلى الداعي إلى العمل فالأقرب البطلان كما ذكره المصنف، و إن خالف فيه بعض، و ذلك لإطلاق قول أبى جعفر عليه السّلام في صحيحة زرارة و حمران لو أن عبدا عمل عملا يطلب به وجه اللّٰه و الدار الآخرة و ادخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا، فإنه يصدق على ما نحن فيه لأن الفعل المستند إلى الداعي المؤكد، فللمؤكد دخل في هذا الداعي الشخصي و يؤيده قوله عليه السّلام: للمرائي ثلاث علامات ينشط إذا رأى الناس، و يكسل إذا كان وحده، و يحب ان يحمد في جميع أموره، كما أن الأقرب البطلان في جميع ما ذكره المصنف (قده) من كون الرياء في أصل العمل أو في كيفياته أو في أجزائه واجبة أو مستحبة، كل ذلك لصحيحة زرارة و حمران المتقدمة من قوله عليه السّلام و أدخل فيه رضا أحد من الناس، فإنه في جميع الصور المذكورة يصدق إدخال رضا الناس فيه.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 216

و سواء نوى الرياء من أول العمل أو نوى في الأثناء، و سواء تاب منه أم لا (1) لا، فالرياء في العمل بأي وجه كان مبطل له لقوله تعالى- على ما في الأخبار- (أنا خير شريك من عمل لي و لغيري تركته لغيري) هذا و لكن إبطاله انما هو إذا كان جزءا من الداعي على العمل و لو على وجه التبعية، و أما إذا لم يكن كذلك بل كان مجرد خطور في القلب من دون أن يكون جزءا من الداعي فلا يكون مبطلا، و إذا شك حين العمل في أن داعيه محض القربة أو مركب منها و

من الرياء فالعمل باطل، لعدم إحراز الخلوص الذي هو الشرط في الصحة و أما العجب فالمتأخر منه لا يبطل العمل و كذا المقارن، و إن كان الأحوط

______________________________

قوله قده: (و سواء تاب منه أم لا. إلخ)

و ذلك ان دليل التوبة إنما دل على محو الذنب لا رفع الأحكام الوضعية، و أما ضم قصد الراجح إلى القربة فغير مضر كالحمية لحفظ البدن في الصوم و الإعلام بالتكبير أو اجهاره للإمام و قصد إخراج الزكاة اقتداء غيره به، و نحو ذلك وفاقا للمدارك و الذخيرة و المعتصم على ما حكى عنه و المشارق لتمحض الفعل حينئذ للّه و إن كان من جهتين، و صدق العبادة و الإطاعة و أصالة عدم وجوب الزائد، و كذا الطاري بعد الدخول في الفعل و ان كان غير راجح إذا كان الباعث الأصلي هو التقرب للخبر المروي في الكافي عن يونس بن ظبيان عن الصادق عليه السّلام قال قيل له و أنا حاضر الرجل يكون في صلاته خاليا فيدخله العجب فقال: إذا كان أول صلاته بنية يريد بها ربه فلا يضر ما دخله بعد ذلك فليمض في صلاته و ليخسأ الشيطان، و اما ما سوى ذلك كما لو ضم الغير الراجح اللازم للفعل الذي يباح أن يوقع الفعل لأجله كالتبرد و التسخن و نحوهما، و كالطاري إذا كان هو الباعث أو هما معا مبطل، و في الصادقي المروي في الكافي يقول اللّه تعالى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 217

فيه الإعادة، و أما السمعة فإن كانت داعية على العمل أو كانت جزءا من الداعي بطل و إلا فلا كما في الرياء، فاذا كان الداعي له على العمل هو القربة إلا أنه يفرح

إذا أطلع عليه الناس من غير أن يكون داخلا في قصده لا يكون باطلا، لكن ينبغي للإنسان أن يكون ملتفتا فان الشيطان غرور و عدو مبين، و أما سائر الضمائم فإن كانت راجحة كما إذا كان قصده في الوضوء القربة و تعليم الغير فان كان داعي القربة مستقلا و الضميمة تبعا أو كانا مستقلين صح، و إن كانت القربة تبعا أو كان الداعي هو المجموع منهما بطل، و إن كانت مباحة فالأقوى أنها أيضا كذلك كضم التبرد إلى القربة، لكن الأحوط في صورة استقلالهما أيضا الإعادة، و إن كانت محرمة غير الرياء و السمعة فهي في الإبطال مثل الرياء، لأن الفعل يصير محرما فيكون باطلا، نعم الفرق بينها و بين الرياء أنه لو لم يكن داعيه في ابتداء العمل إلا القربة لكن حصل له في الأثناء في جزء من الأجزاء يختص البطلان بذلك الجزء، فلو عدل عن قصده و أعاده من دون فوات الموالاة صح، و كذا لو كان ذلك الجزء مستحبا و إن لم يتداركه بخلاف الرياء على ما عرفت فان حاله حال الحدث في الإبطال.

______________________________

أنا أغنى الأغنياء عن الشريك فمن أشرك غيري في عمل لم أقبله إلا ما كان لي خالصا، خلافا للمحكي عن المبسوط و الجامع و المعتبر و الشرائع و الإرشاد و التحرير و المنتهى و المشارق لأنه فعل الواجب و زيادة غير منافية، و لان اللازم واجب الحصول نواه أو لم ينوه فتكون نيته كالعدم، و لأنه مع تذكره لا يخلو عن قصده غالبا و يعسر اخلاء القصد عنه، و لان جواز ترجيح الماء البارد على الحار في الصيف و الحار على البارد في الشتاء من غير ضرورة مما لا

ريب فيه، و هو يلزم القصد الى التبريد و التسخين، و في الجميع نظر و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 218

[ (مسألة 29) الرياء بعد العمل ليس بمبطل]

(مسألة 29) الرياء بعد العمل ليس بمبطل. (1)

[ (مسألة 30) إذ توضأت المرأة في مكان يراها الأجنبي]

(مسألة 30) إذ توضأت المرأة في مكان يراها الأجنبي لا يبطل (2) وضوؤها و إن كان من قصدها ذلك.

[ (مسألة 31) لا إشكال في إمكان اجتماع الغايات المتعددة للوضوء]

(مسألة 31) لا إشكال في إمكان اجتماع الغايات المتعددة للوضوء (3)، كما إذا كان بعد الوقت و عليه القضاء أيضا و كان ناذرا لمس المصحف و أراد قراءة القرآن و زيارة المشاهد، كما لا إشكال في أنه إذا نوى الجميع و توضأ وضوءا واحدا لها كفى و حصل امتثال الأمر بالنسبة إلى الجميع، و أنه إذا نوى واحدا

______________________________

قوله قده مسألة 29: (الرياء بعد العمل ليس بمبطل اه)

لعدم الدليل على إبطاله، و ما ذكر من الأدلة فمخصوص بما قارن وقوعه أو في أثنائه، و أما ما ورد من إبطاله بعد العمل فمهجور أو محمول على ضرب من التأويل.

قوله قده مسألة 30: (إذا توضأت المرأة في مكان يراها الأجنبي لا يبطل. إلخ)

إذا استلزم الوضوء تكشف أعضائها يشكل الصحة، بل الظاهر البطلان للنهى عن التكشف المنافي لقصد التقرب سواء انحصر المكان فيما يراها فيه الأجنبي أم لم ينحصر، فحال ما نحن فيه حال التوضؤ من الإناء الغصبي و قد تقدم منه (قده) عدم الفرق في البطلان بين الانحصار و عدمه.

قوله قده مسألة 31: (لا إشكال في إمكان اجتماع الغايات المتعددة للوضوء. إلخ)

لا يخفى انه إذا اجتمع على الإنسان أسباب مختلفة تقتضي الوضوء كفى وضوء واحد بنية القربة عن الجميع، سواء كانت كلها واجبة أو مستحبة أو مختلفة، و سواء لاحظ التداخل في النية أو لا، عيّن شيئا منها أولا بلا خلاف في ذلك و إجماعا كما في مصباح الفقيه، بل ضرورة عند العلماء كما في طهارة شيخ مشايخنا المرتضى، لما تقدم منا من ان الحدث الأصغر

العمل الأبقى في شرح

العروة الوثقى، ج 2، ص: 219

منها أيضا كفى عن الجميع و كان أداء بالنسبة إليها، و ان لم يكن امتثالا إلا بالنسبة الى ما نواه، و لا ينبغي الإشكال في أن الأمر متعدد حينئذ و ان قيل انه لا يتعدد و إنما المتعدد جهاته، و انما الإشكال في أنه هل يكون المأمور به متعددا أيضا و أن كفاية الوضوء الواحد من باب التداخل أو لا؟ بل يتعدد ذهب بعض العلماء إلى الأول و قال إنه حينئذ يجب عليه أن يعين أحدهما و إلا بطل لأن التعيين شرط عند تعدد المأمور به، و ذهب بعضهم الى الثاني و أن التعدد إنما هو في الأمر أو في جهاته، و بعضهم إلى أنه يتعدد بالنذر و لا يتعدد بغيره و في النذر أيضا لا مطلقا بل في بعض الصور، مثلا إذا نذر أن يتوضأ لقراءة القرآن و نذر أيضا أن يتوضأ لدخول المسجد فحينئذ يتعدد و لا يغني أحدهما عن الآخر، فاذا لم ينو شيئا منهما لم يقع امتثال لأحدهما و لا أداؤه و إن نوى أحدهما المعين حصل امتثاله و أداؤه، و لا يكفى عن الآخر، و على أى حال وضوؤه صحيح بمعنى أنه موجب لرفع الحدث، و إذا نذر أن يقرأ القرآن متوضئا و نذر أيضا أن يدخل المسجد متوضئا فلا يتعدد حينئذ و يجزي وضوء واحد عنهما و ان لم ينو شيئا منهما و لم يمتثل أحدهما، و لو نوى الوضوء لأحدهما كان امتثالا بالنسبة اليه و أداء بالنسبة إلى الآخر و هذا القول قريب.

______________________________

على ما يستفاد من الشرع من اتحاد لوازمه و أحكامه ماهية واحدة مسببة عن أسباب متعددة غير قابلة للتكرار كالقتل و الكسر

و نحوهما مما لا يتكرر بتكرر أسبابه، لعدم قابلية المحل للتأثر، فلا مجال لتوهم بقاء أثر شي ء من الأسباب المختلفة بعد تحقق ما هو سبب تام لرفع طبيعة الحدث و هو الوضوء الصحيح، كما لا وجه لتخصيص الرفع بالمنوي دون غيره لو نوى رفع حدث البول فقط مثلا إذا كان مجتمعا مع غيره، إذ ليس الحدث الحاصل من البول

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 220

[ (مسألة 32) إذا شرع في الوضوء قبل دخول الوقت]

(مسألة 32) إذا شرع في الوضوء قبل دخول الوقت (1) و في أثنائه دخل لا إشكال في صحته و أنه متصف بالوجوب باعتبار ما كان بعد الوقت من أجزائه، و بالاستحباب بالنسبة الى ما كان قبل الوقت، فلو أراد نية الوجوب و الندب نوى الأول بعد الوقت و الثاني قبله.

[ (مسألة 23) إذا كان عليه صلاة واجبة أداء أو قضاء]

(مسألة 23) إذا كان عليه صلاة واجبة أداء أو قضاء و لم يكن عازما (2) على إتيانها فعلا فتوضأ لقراءة القرآن فهذا الوضوء متصف بالوجوب و إن

______________________________

مغايرا للحدث الحاصل من غيره لا ماهية و لا وجودا، فلا يعقل التفكيك، فعلى ما ذكرنا قد اتضح ان الأمر واحد و إنما المتعدد جهاته، و كذا المأمور به واحد فلا تعدد فيه و لا تداخل بل المطلوب واحد و هو رفع الحدث ليس إلا.

قوله قده مسألة 32: (إذا شرع في الوضوء قبل دخول الوقت.

إلخ)

أما عدم الإشكال في صحته فلما عرفت ان الوضوء طبيعة واحدة، فعروض صفة الوجوب لأجل غاية إنما يزاحم استحبابه بحده بلحاظ غايته الأخرى، لا رجحانه الواقعي الذي هو منشأ الطلب الاستحبابي، و مناط حسن الفعل و حصول الانقياد، و أما اتصافه بالوجوب بعد دخول الوقت فهو مبني على ما ذهب اليه المشهور من وجوب مطلق المقدمة، أما بناءا على وجوب ما قصد التوصل بها فلا يجب بدخول الوقت بقول مطلق، بل يتبع قصده، فان قصد التوصل به بعد دخول الوقت إلى الصلاة الواجبة وجب و إلا فلا، و كذا لو اعتبر فيها نفس الإيصال إلى ذيها كما ذهب اليه آخرون فيعتبر في وجوبه فعل الغاية الواجبة و لا يجب بدخول الوقت مطلقا و اللّٰه العالم

قوله قده مسألة 33: (إذا كان عليه صلاة واجبة أداء و

قضاءا و لم يكن عازما. إلخ)

تقدم وجه اتصاف الوضوء بالوجوب و إن لم يكن عازما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 221

لم يكن الداعي عليه الأمر الوجوبي، فلو أراد قصد الوجوب و الندب لا بد أن يقصد الوجوب الوصفي و الندب الغائي بأن يقول أ توضأ الوضوء الواجب امتثالا للأمر به لقراءة القرآن، هذا و لكن الأقوى أن هذا الوضوء متصف بالوجوب و الاستحباب معا و لا مانع من اجتماعهما.

[ (مسألة 34) إذا كان استعمال الماء بأقل ما يجزي من الغسل غير مضر و استعمال الأزيد مضرا]

(مسألة 34) إذا كان استعمال الماء بأقل ما يجزي من الغسل غير مضر (1) و استعمال الأزيد مضرا يجب عليه الوضوء كذلك، و لو زاد عليه بطل إلا أن يكون استعمال الزيادة بعد تحقق الغسل بأقل المجزى، و إذا زاد عليه جهلا أو نسيانا لم يبطل بخلاف ما لو كان أصل الاستعمال مضرا و توضأ جهلا أو نسيانا فإنه يمكن الحكم ببطلانه، لأنه مأمور واقعا بالتيمم هناك بخلاف ما نحن فيه.

______________________________

على أداء ما وجب عليه من الصلاة الواجبة أداء أو قضاءا، و ذلك بناءا على وجوب مطلق المقدمة عند وجوب ذيها لا بالقيدين المتقدمين من قصد الإيصال أو نفس الإيصال إلى ذيها كما ان كلا منهما مذهب جماعة، و اما بناءا عليه فلا يتصف بالوجوب إذا كان إتيانه لغاية غير واجبة كقراءة القرآن مثلا، و أما ما اختاره من اتصافه بالوجوب و الاستحباب معا فهو محل نظر و تأمل ان أراد الاتصاف بهما معا بحديهما و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 34: (إذا كان استعمال الماء بأقل ما يجزى من الغسل غير مضر. إلخ)

لا إشكال فيما ذكره من الحكم في الفرض المزبور إذ لا مانع منه من ضرر أو غيره، و أما لو زاد عليه

فان كان مع العلم و العمد بطل لحرمة الاستعمال المزبور من جهة الإضرار فيمتنع التقرب به، إلا في صورة ما لو كان استعمال الزائد بعد تحقق الغسل بأقل المجزى، و اما لو كان استعمال الزائد جهلا أو نسيانا فقد قرّب عدم البطلان في صورة ما لو كان أقل المجزى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 222

[ (مسألة 35) إذ توضأ ثم ارتد لا يبطل وضوؤه]

(مسألة 35) إذ توضأ ثم ارتد لا يبطل وضوؤه (1)، فإذا عاد إلى الإسلام لا يجب عليه الإعادة، و إن ارتد في أثنائه ثم تاب قبل فوات الموالاة لا يجب عليه الاستئناف، نعم الأحوط أن يغسل بدنه من جهة الرطوبة التي كانت عليه حين الكفر و على هذا إذا كان ارتداده بعد غسل اليسرى و قبل المسح ثم تاب يشكل المسح لنجاسة الرطوبة التي على يديه.

______________________________

غير مضر، و البطلان في صورة ما لو كان أصل الاستعمال مضرا بجعل الفارق بينهما هو أنه مأمور بالوضوء في الصورة الأولى و ليس مأمورا به بل مأمور بالتيمم في الصورة الثانية.

و توضيحه ببيان أوفى: هو أنه لما كان مأمورا بالوضوء بأقل ما يجزى من الغسل في الصورة الأولى علم وجود ملاك الوضوء فيها، فلو استعمل الزائد جهلا أو نسيانا فيها لا يبطل لوجود ملاكه، بخلافه في الصورة الثانية أعني:

ما لو كان أصل الاستعمال مضرا فإنه لا ملاك للوضوء و لا أمر به بل هو مأمور بالتيمم فلا يصح حتى جهلا و نسيانا.

و فيه: انا لا نجد فارقا بين الصورتين و ذلك ان مشروعية الوضوء في الصورة الأولى لا تعم الوضوء المأتي به لحرمته فرضا فلا يكون صحيحا، بل الحكم تجديد الوضوء بالماء القليل الذي لا يضر استعماله، فمجرد المشروعية في فرض لا

توجب الصحة و المشروعية للوضوء المأتي به، هذا مع انه قد تقدم منه (قده) في الشرط السابع من شرائط الوضوء الحكم بالصحة في الصورة الثانية فلاحظ.

قوله قده مسألة 35: (إذا توضأ ثم ارتد لا يبطل وضوؤه. إلخ)

اما عدم بطلان الوضوء بالارتداد بعده سواء كان عن ملة أو عن فطرة فالظاهر انه من المسلمات عند الفقهاء، كما هو المحكى عن قواعد الشهيد و الخلاف

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 223

[ (مسألة 36) إذا نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت]

(مسألة 36) إذا نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت (1) إذا كان مفوتا لحقه فتوضأ يشكل الحكم بصحته، و كذا الزوجة إذا كان وضوؤها مفوتا لحق الزوج و الأجير مع منع المستأجر و أمثال ذلك.

[ (مسألة 37) إذا شك في الحدث بعد الوضوء]

(مسألة 37) إذا شك في الحدث بعد الوضوء بنى على بقاء الوضوء (2) إلا إذا كان سبب شكه خروج رطوبة مشتبهة بالبول و لم يكن مستبرئا فإنه

______________________________

و الذكرى و الجواهر للقاضي ابن البراج و غيرهم للأصل من غير معارض و استصحاب بقاء الطهارة، و حصر نواقض الوضوء بغيره، و كذا الغسل و التيمم نعم حكى عن المنتهى بطلان التيمم لأنه نوى به الاستباحة و انتفت بالارتداد و قال في الذكرى: قلنا ما دام الكفر، و اما لو ارتد في الأثناء فقال في القواعد بطل فان عاد أعاد، و قال في جامع المقاصد: و الحق انه إنما يعيد إذا جف البلل و بدونه يستأنف النية لما بقي و يتم طهارته، و بذلك قطع في الدروس و الذكرى و هو الذي تقتضيه القواعد إذ لا يمنع الارتداد من بقاء قابلية الاجزاء لإلحاق الباقي بها ما لم تفت الموالاة و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 36: (إذا نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت.

إلخ)

الظاهر بطلان الوضوء في الفروض المذكورة لعموم ما دل على وجوب اطاعة المولى و الزوج فيما يزاحم حقهما و توفية المستأجر حقه فإنه يقتضي حرمة الوضوء فيمتنع التعبد به و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 27: (إذا شك في الحدث بعد الوضوء بنى على بقاء الوضوء. إلخ)

بلا خلاف فيه نصا و فتوى و يدل عليه مضافا الى استصحاب الأخبار المستفيضة (منها) المروي عن الخصال مسندا الى الصادق عليه السّلام

قال قال أمير المؤمنين عليه السّلام من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين، و هو بعمومه يشمل ما نحن فيه (و منها) قوله عليه السّلام في ذيل موثقة عبد اللّٰه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 224

حينئذ يبنى على أنها بول و أنه محدث، و إذا شك في الوضوء بعد الحدث يبنى على بقاء الحدث (1) و الظن غير المعتبر كالشك في المقامين (2)

______________________________

ابن بكير و إياك ان تحدث وضوءا ابدا حتى تستيقن أنك أحدثت (و منها) صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال قلت له الرجل ينام و هو على وضوء توجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء؟ فقال يا زرارة قد تنام العين و لا ينام القلب و الاذن، و إذا نامت العين و الاذن و القلب وجب الوضوء، قلت فان حرّك الى جنبه شي ء فلم يعلم به؟ قال: لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يجي ء من ذلك أمر بيّن و إلا فإنه على يقين من وضوئه، و لا ينقض اليقين أبدا بالشك و إنما ينقضه بيقين آخر، هذا ما لم يكن سبب شكه خروج رطوبة مشتبهة بالبول و لم يكن استبرأ فإنه يبنى على انها بول و انه محدث، و ذلك لما تقدم من الأخبار الخاصة التي تقدمت في بحث الاستبراء.

قوله قده: (و إذا شك في الوضوء بعد الحدث يبنى على بقاء الحدث.

إلخ)

إجماعا كما اعترف به كثير منهم و ظاهرهم انه بين المسلمين كما صرح به بعضهم و هو الحجة، مضافا الى الأصول و العمومات مثل ما تقدم نقله عن الخصال مسندا الى الصادق عليه السّلام قال قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من كان

على يقين فشك فليمض على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين، و خصوصا ما عن الرضوي فإن شككت في الوضوء و كنت على يقين من الحدث فتوضأ.

قوله قده: (و الظن الغير المعتبر كالشك في المقامين)

لما تقدم منا مرارا من أن كل ظن لم يقم على اعتباره بخصوصه دليل فهو ملحق بالشك، و يكفي في عدم اعتباره الآيات و الروايات الناهية عن العمل به (نعم) يحكى عن الشيخ البهائي (قده) في الحبل المتين خلافه في المسألة الأولى و أن البناء على

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 225

و إن علم الأمرين و شك في المتأخر منهما (1) بنى على أنه محدث إذا جهل تاريخهما أو جهل تاريخ الوضوء و أما إذا جهل تاريخ الحدث و علم تاريخ الوضوء بنى على

______________________________

الوضوء مشروط ببقاء الظن به و دائر مداره فما دام باقيا فالعمل عليه و إلا فيجب الوضوء (و يدفعه) مضافا إلى عدم القول بإناطة اعتبار الاستصحاب بالظن الشخصي و لو من القائلين باعتباره من باب الظن كما تقرر في الأصول الأخبار المستفيضة المتلوة عليك قريبا الصريحة في خلافه و خصوص رواية عبد الرحمن بن أبى عبد اللّٰه انه قال للصادق عليه السّلام أجد الريح في بطني حتى أظن انها قد خرجت فقال: ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت أو تجد الريح ثم قال: ان إبليس يجلس بين أليتى الرجل فيحدث ليشككه.

قوله قده: (و ان علم الأمرين و شك في المتأخر منهما. إلخ)

لا يخفى ان في هذه المسألة أقوالا (منها) و هو المشهور وجوب الطهارة سواء جهل التأريخان أو علم تاريخ أحدهما جهلت الحالة السابقة أو علمت لحكم العقل بوجوب القطع بتفريغ الذمة من التكاليف المشروطة بالطهور

بعد العلم باشتغالها به فان الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني عقلا و يؤيد ما ذكرناه من وجوب الطهارة مطلقا على من تيقنهما و شك في المتأخر منهما ما في الفقه الرضوي: و ان كنت على يقين من الوضوء و الحدث و لا تدري أيهما أسبق فتوضأ (و منها) ما عن بعض متأخر المتأخرين من التفصيل بين ما لو جهل تاريخهما فكالمشهور أو علم تاريخ أحدهما فيؤخذ بمجهول التأريخ فان علم تاريخ الحدث دون الطهارة فإنه متطهر، عكس ما لو علم تاريخ الطهارة دون الحدث فإنه محدث لأصالة تأخر الحادث (و فيه) ان وصف التأخر كالتقدم أمر حادث مسبوق بالعدم فلا يمكن إثباته بالأصل نعم ما هو المطابق للأصل عدم وجود

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 226

بقائه و لا يجرى استصحاب الحدث حينئذ حتى يعارضه لعدم اتصال الشك باليقين به حتى يحكم ببقائه و الأمر في صورة جهلهما أو جهل تاريخ الوضوء

______________________________

ما جهل تاريخه إلا في زمان علمنا بوجوده فيه و مفاده اجراء آثار الوجود عليه من ان الثبوت لا قبله و هذا المعنى لا يستلزم حصول التأخر بالمعنى الإضافي الذي يقابله التقدم حتى يثبت من تأخره تقدم معلوم التأريخ عليه، بل معناه ان معلوم التأريخ الحادث يوم الخميس مثلا و مجهوله تجري أحكامه من يوم الجمعة المعلوم وجوده فيه و لا يلزم من ذلك وصف التأخر و التقدم الذي هو المدار فيما ينفعنا من الأحكام و توضيحه: ان لفظ التأخر موجب للاشتباه في هذا المقام و له معنيان أحدهما:

المعنى الإضافي النسبي المحتاج إلى شي ء مقدم حتى يتأخر هذا عنه و ثانيهما:

التأخر بمعنى عدم وجود هذا الحادث إلا في زمان علمنا بوجوده و مفاده

إجراء آثار الوجود عليه من ان الثبوت لا قبله و هذا المعنى لا يستلزم حصول التأخر بالمعنى الإضافي الذي يقابله التقدم حتى يثبت من تأخره تقدم معلوم التأريخ عليه فأصالة تأخر الحادث ليس معناه التأخر الذي في قبال التقدم لأنه إثبات لإحدى الصفتين بالأصل، بل المراد بهذا التأخر وجوده في الآن المتيقن لا في الآن المشكوك و ليس في ذلك تقدم و تأخر بذلك المعنى مطلقا.

(و منها) ما يظهر من المحقق في المعتبر و تبعه جماعة ممن تأخر عنه بل عن شارح الجعفرية نسبته الى المشهور بين المتأخرين من التفصيل بين صورة الجهل بالحالة السابقة على الحالتين فكالمشهور و بين صورة العلم بها فيؤخذ بضدها لأن تلك الحالة ارتفعت يقينا و ارتفاع ذلك الرافع مشكوك فليستصحب الحالة الطارية التي لم يعلم زوالها فان كان حدثا فيبني على الطهارة لأنه تيقن انتقاله من تلك الحالة إلى الطهارة و لم يعلم تجدد الانتقاض فصار متيقنا للطهارة و شاكا في الحدث فيبني على الطهارة و إن كان قبل تصادم الاحتمالين متطهرا بنى على الحدث لعين

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 227

و إن كان كذلك إلا أن مقتضى شرطية الوضوء وجوب إحرازه و لكن الأحوط الوضوء في هذه الصورة أيضا.

______________________________

ما ذكرنا من التنزيل (و فيه) أنه يتوجه على ما ذكروه من استصحاب الحالة الطارئة انها معارضة بالمثل مثلا إذا تيقنهما و علم انه كان في الزمان السابق على الزمانين محدثا كما يصح أن يقال زوال هذا الحادث بالطهارة المتيقنة معلوم و انتقاض الطهارة بالحدث المتيقن غير معلوم لاحتمال عروضه عقيب الحدث السابق قبل الطهارة المتيقنة كذلك يصح أن يقال أن كونه محدثا حال خروج الحدث المتيقن معلوم

و زوال هذا الحدث المتيقن غير معلوم لجواز وقوع الطهارة قبله (و منها) ما يحكى عن العلامة (قده) في بعض كتبه و هو الأخذ بالحالة السابقة على الحالتين فان كان في تلك الحال متطهرا بنى على طهارته لأنه تيقن انه نقض تلك الطهارة ثم توضأ و لا يمكن ان يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة و نقض الطهارة الثانية مشكوك فيه فلا يزال اليقين بالشك و ان كان في الحالة السابقة على الحالتين محدثا فهو الآن محدث لأنه تيقن انه انتقل عنه إلى طهارة ثم نقضها و الطهارة بعد تيقنها مشكوك فيها. انتهى.

و فيه انه كما يعلم بانتقاض الحالة السابقة أيا كانت طهارة أو حدثا يعلم بصدور حادثين و كل منهما معلوم الحدوث مشكوك الزوال للشك في التقدم و التأخر فالأقوى ما ذهب اليه المشهور من انه لو تيقنهما و شك في المتأخر كمن تيقن الحدث و شك في الطهارة يتطهر مطلقا سواء علم تاريخ أحدهما أم لم يعلم أصلا، و سواء علم بحالته قبل الحالتين أو جهلها.

و أما ما اختاره المصنف (قده) من انه إذا جهل تاريخ الحدث و علم تاريخ الوضوء بنى على بقائه و لا يجرى استصحاب الحدث حينئذ حتى يعارضه لعدم اتصال الشك باليقين به. إلخ. لا نعرف معنى لعدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين إلا ما يحكى من تقريبه باحتمال انفصاله عنه باليقين بوجود الضد فيكون من نقض

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 228

[ (مسألة 38) من كان مأمورا بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث]

(مسألة 38) من كان مأمورا بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث (1) إذا نسي و صلى فلا إشكال في بطلان صلاته بحسب الظاهر فيجب عليه الإعادة

______________________________

اليقين باليقين، و فيه: ان احتمال انفصاله

عنه باليقين بوجود الضد لا يخرجه عن كونه زمان شك مع ان هذا الإشكال بعينه جار في معلوم التأريخ فلا يصح استصحابه لاحتمال انفصاله عنه بمجهول التأريخ فالوجه ما تقدم من لزوم الطهارة في المسألة المفروضة و لا يفرق بين جهاتها و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 38: (من كان مأمورا بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث. إلخ)

لا يخفى أن من كان متيقنا للحدث و صلى ثم شك في صحة صلاته و فسادها للشك في بقائه و ارتفاعه حالها فيه صور (الأولى) ما لو كان متيقنا للحدث و غفل و ذهل عن يقينه هذا و صلى و بعد الفراغ التفت اليه و احتمل انه قد تطهر بعده قبلها، و لا ريب و لا شبهة هنا في الحكم بصحة صلاته و انه محدث بالنسبة إلى غيرها، أما الأول فيدل عليه أو لا قاعدة الفراغ في الصلاة لكون الشك فيها بعده، و ثانيا أصالة الصحة، و ثالثا قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الطهارة من جهة شرطيتها لهذه الصلاة فإنه شاك فيما بعد تجاوز محلها من هذه الجهة، و رابعا استصحاب عدم فعلية الأمر بها الثابت قبل عروض هذا الشك، و خامسا قاعدة التجاوز في الصلاة إذا دخل فيما هو مرتب عليها و لو كان تعقيبا، و أما الثاني: فلاستصحاب الحدث فإنه غير محكوم لشي ء من هذه الجهة أولا، و قاعدة الشغل ثانيا، و قاعدة الشك في المحل في الوضوء بالنسبة إلى صلاة أخرى ثالثا (الثانية) ما لو كان متيقنا له ثم شك في بقائه و ارتفاعه بالطهارة بعده و جرى استصحابه في حقه ثم ذهل و غفل عن ذلك كله و صلى و بعد الفراغ تنبه لحالته السابقة

و يحتمل بأنه قد تطهر لصلاته بعد ذلك الاستصحاب فالظاهر ان حكمه كالسابق لجريان جميع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 229

إن تذكر في الوقت و القضاء إن تذكر بعد الوقت، و أما إذا كان مأمورا به من

______________________________

ما تقدم له فيه حتى قاعدة الفراغ في الصلاة لأن الشك في صحة صلاته و فسادها للشك في بقاء ذلك الحدث الاستصحابى و عدمه و ارتفاعه إنما هو شك حادث بعد الفراغ جزما ضرورة انه لم يكن سابقا فهو موضوع القاعدة كما لا يخفى (الثالثة) هي الثانية أيضا لكنه يعلم بأنه لم يتطهر بعد ذلك الاستصحاب يقينا و لا ريب و لا شبهة في كونه محدثا حكما بالنسبة الى ما يأتي من الصلوات و غيرها لما تقدم و في صحة صلاته و فسادها و جهان لا يخلو الثاني من قوة لعدم جريان قاعدة الفراغ و التجاوز هنا فمقتضى قاعدة الشغل أو استصحابه وجوب الاستيناف و يمكن أن يستدل لذلك بوجوه: الأول إمكان أن يقال ان الشك في صحة الصلاة و فسادها فعلا ليس شكا حادثا بعد الفراغ أو التجاوز بل كان موجودا محققا قبلها لأن الشك السابق في بقاء حدثه و ارتفاعه مستلزم للشك في صحة الصلاة و فسادها إذا أتى بها في هذه الحالة ملازمة قطعية عملية وجدانية، و هو شك فعلى تنجيزي غير معلق و مشروط بشي ء و ان كان ظرف المشكوك متأخرا كما لا يخفى و ان لم يلتفت المكلف اليه فعلا ضرورة أنه لا يعتبر في حقيقته و لا في حكمه و سببيته الالتفات اليه بهذا المعنى كما لا يخفى كما أن مجرد غفلته و ذهوله عن ملزومه و هو الشك في الحدث

غير ضائر و بالجملة الشك السابق على الصلاة فرضا في كونه محدثا أو متطهرا فعلا مستلزم للشك الحقيقي الفعلي التنجيزي في صحة الصلاة التي يأتي بها في هذه الحالة عقلا و وجدانا غاية الأمر يكون ظرف المشكوك فيه استقباليا فالشك في الصحة و البطلان يكون فعليا حاليا تنجيزيا من قبيل الواجب التعليقي لا مشروطا و معلقا من قبيل الواجب المشروط و حيث كان كذلك فلا يبقى معه مورد لقاعدتي الفراغ و التجاوز، ضرورة أن موردهما حدوث الشك بعده أو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 230

جهة الجهل بالحال السابقة فنسيه و صلى يمكن أن يقال بصحة صلاته من باب

______________________________

وجوده بعده مع سبقه عليه، و في المحل المفروض فيما نحن فيه وجود الشك قبل الصلاة و حالها و بعدها فتأمل جيدا تعرف ان شاء اللّٰه تعالى.

(الثاني) ان قاعدة الفراغ إنما تقدم على الاستصحاب إذا جريا في عرض واحد و مرتبة واحدة، بأن يكون مجرى كل منهما بعد الفراغ، و ما نحن فيه ليس كذلك، لأن المفروض جريان استصحاب الحدث في حقه قبل الصلاة منذ شك فيه، و من آثاره و أحكامه الشرعية فساد هذه الصلاة المأتي بها في حال كونه محدثا شرعا تعبدا.

(لا يقال) إنها كيف تكون كذلك و المفروض انه أتى بها في حال غفلته و ذهوله عن حدثه اليقيني و الاستصحابى و الغفلة مسقطة للاستصحاب جزما، لأنه يعتبر فيه الشك الفعلي، و من المعلوم أن فعلية الشك تزول و ترتفع بالغفلة.

(لأنا نقول) انا نمنع زواله و ارتفاعه بها حقيقة، ضرورة أن الشك أمر نفساني قائم بالشاك و هو الجهل و الترديد و حجب الواقع و ستره مقابل الكشف و هو موجود و محقق

ثابت بالفعل حقيقة و ان ذهل و غفل عنه الشاك بوجه ما لم يطرأ عليه ضده من علم أو ظن كالإرادة و العلم و نحوهما، بديهة انه لا دليل على اعتبار علمه بشكه و التفاته اليه بالفعل في حقيقته أو في جريان آثاره و أحكامه الشرعية عليه، بل مقتضى أصالة الإطلاق في الأدلة عدمه، و الحاصل إن أريد من اعتبار فعلية الشك في القاعدة التحرز عن الشك التقديري حقيقة فمسلم، لكن ما نحن فيه ليس كذلك لما عرفت، و ان أريد منه العلم به فعلا و الالتفات اليه حالا فهو ممنوع جدا، و يدل عليه (أولا) أصالة الإطلاق بعد فرض كونه شكا فعليا تنجيزيا حاليا مطلقا عرفا و لغة و وجدانا.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 231

قاعدة الفراغ لكنه مشكل فالأحوط الإعادة أو القضاء في هذه الصورة أيضا و كذا الحال إذا كان من جهة تعاقب الحالتين و الشك في المتقدم منهما.

______________________________

(و ثانيا) ان الشاك غالبا ان لم يكن دائما يذهل و يغفل عن شكه فعلا فيما بعد زمان حدوثه بيسير جزما، فيلزم ان لا يجري في حقه منذ شك في بقاء حدثه قبل الصلاة و حالها و بعدها، و ان فرض غفلته عنه و عن شكه فعلا قبلها و حالها و من آثار كونه محدثا شرعا فساد صلاته ظاهرا شرعا، فالاستصحاب جار في حقه قبل جريان قاعدتي الفراغ و التجاوز و متقدما عليهما، فلا يبقى لهما مورد معه و الوجه فيه (أولا) ان قاعدة الفراغ أصل عملي وظيفة للشاك المتحير في عمله فعلا المتردد في صحته و فساده حالا، و من المعلوم انه مع استصحاب الحدث و الحكم بكونه محدثا شرعا تزول

حيرته و يرتفع تردده حكما، بخلاف ما لو جريا في عرض واحد و في مرتبة واحدة، ضرورة أن الحيرة و التردد باقيان لم يرتفعا و لم يزولا موضوعا و حكما. (و ثانيا) أن ما ذكر لتقديم القاعدة عليه من الحكومة أو الأخصية غير جار فيما نحن فيه.

(الثالث) لو سلم سقوط استصحاب الحدث بمجرد الغفلة عن شكه فعلا و ان كان موجودا في الخزاءة حالا، و لكن يمكن أن يقال ان الشك في أدلة الفراغ و التجاوز و البناء على الأكثر و نحوهما منصرف الى الشك الذي لا يحكم على متعلقة بحكم ظاهري شرعي مولوي سابقا على تحققه و حدوثه، و لو كان في زمان ما و ان فرض سقوطه لزوال موضوعه أو تبدله و تغيره، و ما نحن فيه ليس كذلك، إذا المفروض كون هذا الشخص محكوما عليه بأنه محدث و ان صلاته فاسدة باطلة ظاهرا سابقا حين ما كان شاكا فيه ملتفتا اليه.

(الرابع) دعوى اختصاص قاعدة الفراغ و التجاوز بما إذا كان منشا الشك غير معلوم و غير ملتفت اليه، و أما لو كان معلوما له و ملتفتا اليه بعد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 232

[ (مسألة 39) إذا كان متوضئا و توضأ للتجديد]

(مسألة 39) إذا كان متوضئا و توضأ للتجديد و صلى ثم تيقن بطلان أحد الوضوءين (1)، و لم يعلم أيهما لا إشكال في صحة صلاته، و لا يجب عليه

______________________________

الفراغ و التجاوز و كان بحيث لو التفت اليه و تنبه له حيث ما كان غافلا لما كان أيضا فيه فلا تجري فيه القاعدتان لقوله عليه السّلام حين ما يتوضأ أذكر منه حين يشك، و لأنهما من باب ظهور حال الفاعل المختار في انه لا يتجاوز محل الشي ء

حتى يفعله على الوجه الصحيح التام.

(ثانيا) و مما ذكرنا يعلم الحكم في الصورتين الأخيرتين، و هما ما إذا كان مأمورا به من جهة الجهل بالحالة السابقة فنسيه، و من جهة تعاقب الحالتين فان الحكم فيهما من وجوب الإعادة في الوقت و القضاء في خارجه كما سبق في الصورة المتقدمة لعدم جريان قاعدة الفراغ فيهما لما عرفت من انصراف الشك فيها الى الشك الذي لا يحكم على متعلقة بحكم ظاهري شرعي مولوي سابقا على تحققه و حدوثه، و لاختصاصها أيضا بما إذا كان منشأ الشك غير معلوم و غير ملتفت اليه لقوله عليه السّلام حين ما يتوضأ أذكر منه حين يشك، و لأنها من باب ظهور حال الفاعل المختار في أنه لا يتجاوز محل الشي ء حتى يفعله على الوجه الصحيح التام و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 39: (إذا كان متوضئا و توضأ للتجديد و صلى ثم تيقن بطلان أحد الوضوءين. إلخ)

تقدم منا في فصل الوضوءات المستحبة كفاية الوضوء التجديدي عن السابق لو ظهر فساده بترك غسل عضو منه و نحوه مطلقا و ان اعتبرت نية الرفع و الاستباحة، لأن الظاهر انها انما تكون معتبرة إذا كان المكلف ذاكرا للحدث لا مع اعتقاده حصول الإباحة بدونه و لان الظاهر من فحاوي الأخبار أن شرعية المجدد انما هو لاستدراك ما وقع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 233

الوضوء للصلوات الآتية أيضا بناءا على ما هو الحق من أن التجديدي إذا صادف الحدث صح، و اما إذا صلى بعد كل من الوضوءين ثم تيقن بطلان أحدهما فالصلاة الثانية صحيحة و أما الأولى فالأحوط إعادتها، و إن كان لا يبعد جريان قاعدة الفراغ فيها.

______________________________

في الأول من الخلل، فعلى ما

عرفت لا إشكال في صحة الصلاة الواقعة بعدهما لليقين بصحة أحد الوضوءين، و كذلك صحة سائر الغايات و سائر الصلوات الآتية أيضا.

نعم يعتبر أن لا يكون قصد الأمر التجديدي على نحو التقييد المنحل إلى الإيجاب و السلب، و أما لو صلى بعد كل منهما صلاة، فالصلاة الثانية صحيحة للقطع بارتفاع حدثه بإحدى الطهارتين فيقطع بصحة الصلاة الواقعة عقيبهما، و أما الأولى فكذلك صحيحة ظاهرا فلا يعيدها، لعدم العلم ببطلان الطهارة الأولى، و احتمال وقوع الخلل فيها شك في الشي ء بعد التجاوز عنه فلا يلتفت اليه، و العلم الإجمالي بوقوع الخلل في إحدى الطهارتين إنما يمنع من جريان أصالة الصحة إذا كان مؤثرا في تنجيز خطاب على المكلف، بحيث يكون إجراء الأصل في أطراف الشبهة موجبا لمخالفة الحكم المعلوم بالإجمال، و بعبارة أخرى العلم الإجمالي إنما يمنع من إجراء الأصل فيما إذا كان كل واحد من أطراف الشبهة على وجه لو تبين تفصيلا انه مورد لعلمه الإجمالي لتنجز في حقه بسببه تكليف شرعي، كما لو علم إجمالا بوقوع خلل في وضوئه الذي صلى به صلاة الصبح أو وضوئه الذي صلى به صلاة العصر، فإن إجراء أصالة الصحة في كلا الوضوءين يستلزم جواز مخالفة التكليف الذي علم تنجزه عليه إجمالا، و هو وجوب إعادة إحدى الصلاتين، و اما إذا لم يكن كذلك كما لو علم إجمالا بوقوع خلل إما في وضوئه أو وضوء شخص آخر أو في وضوئه الذي صلى به

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 234

[ (مسألة 40) إذا توضأ وضوئين و صلى بعدهما ثم علم بحدوث حدث بعد أحدهما]

(مسألة 40) إذا توضأ وضوئين و صلى بعدهما ثم علم بحدوث حدث (1) بعد أحدهما يجب الوضوء للصلاة الآتية لأنه يرجع الى العلم بوضوء و حدث و الشك

في المتأخر منهما و أما صلاته فيمكن الحكم بصحتها من باب قاعدة الفراغ بل هو الأظهر.

______________________________

صلاة الظهر أو وضوئه الذي أحدث عقيبه و لم يصل معه أصلا، أو علم بوقوع خلل اما في وضوئه أو في شي ء من سائر أعماله التي لا مدخلية لها في الأحكام الشرعية، أو في شي ء من أعماله الشرعية التي تعدى وقتها بحيث لا أثر لصحتها و فسادها بعد التذكر، فإنه لا مانع من إجراء أصالة الصحة و غيرها من الأصول في شي ء من مثل هذه الموارد كما تقرر في الأصول، و ما نحن فيه من هذا القبيل إذ لا أثر لعلمه الإجمالي بالنسبة إلى وضوئه التجديدي، حيث لا يترتب بعد التذكر على صحته و فساده أثر شرعي، فلا معنى لإجراء أصالة الصحة بالنسبة إليه، لأن معنى أصالة الصحة إنما هو الالتزام بصحة الفعل في مقام العمل، و المفروض انه لا أثر له من حيث العمل، فأصالة الصحة بالنسبة إلى وضوئه الذي نوى به رفع الحدث سليم عن المعارض و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 40: (إذا توضأ وضوءين و صلى بعدهما ثم علم بحدوث حدث. إلخ)

المسألة كما ذكر (قده) من رجوعها الى العلم بوضوء و حدث و الشك في المتأخر منهما للعلم بانتقاض وضوئه الأول على كل تقدير، و حيث كان الشك حادثا بعد الصلاة فلا مانع و لا معارض لإجراء قاعدة الفراغ في الصلاة، و يجب عليه الوضوء للصلوات الآتية لما تقدم فيمن علم الطهارة و الحدث و شك في المتأخر منهما فراجع.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 235

[ (مسألة 41) إذا توضأ وضوءين و صلى بعد كل واحد صلاة ثم علم حدوث حدث بعد أحدهما]

(مسألة 41) إذا توضأ وضوءين و صلى بعد كل واحد صلاة ثم علم (1) حدوث حدث بعد أحدهما يجب

الوضوء للصلوات الآتية و اعادة الصلاتين السابقتين إن كانا مختلفتين في العدد، و إلا يكفي صلاة واحدة بقصد ما في الذمة جهرا إذا كانتا جهريتين و إخفاتا إذا كانتا اخفاتيتين، و مخيرا بين الجهر و الإخفات إذا كانتا مختلفتين و الأحوط في هذه الصورة اعادة كلتيهما.

______________________________

قوله قده مسألة 41: (إذا توضأ وضوءين و صلى بعد كل واحد صلاة ثم علم. إلخ)

أما وجوب الوضوء للصلاة الآتية فلما ذكره (قده) من ان المقام جزئي من جزئيات من تيقن الطهارة و الحدث و شك في المتأخر منهما، و قد تقدم وجه وجوب الطهارة عليه للصلوات الآتية، و أما وجوب اعادة الصلاتين ان اختلفتا عددا فهو لتحصيل فراغ الذمة عما اشتغلت به يقينا، و لا يحصل إلا باعادتهما معا، و اما كفاية الواحدة لو اتفقا عددا فلما يستفاد من مرفوعة الحسين بن سعيد من كفاية الواحدة المطابقة لعدد الفائتة و ان اختلفتا في الجهر و الإخفات قال سئل أبو عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل نسي صلاة من الصلوات لا يدرى أيتها هي؟ قال: يصلى ثلاثة و أربعة و ركعتين، فان كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلى أربعا و ان كانت المغرب أو الغداة فقد صلى، و مرسلة على بن أسباط عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال من نسي من صلاة يومه واحدة لم يدر أي صلاة هي صلى ركعتين و ثلاثا و أربعا، و قد استدل بهذه المرسلة كالمرفوعة لعموم كفاية الواحدة المطابقة بتنقيح المناط، سواء كان المحتمل فواته واحدة من اثنين أو واحدة من خمس، و لا احتمال لخصوصية النسيان الذي هو مورد الرواية خصوصا بعد التعليل المذكور في المرفوعة، كما لا فرق

فيما لو اتفقتا في الجهر و الإخفات أو اختلفتا لإطلاق الروايتين، خلافا لما حكى عن الشيخ و القاضي و ابن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 236

[ (مسألة 42) إذا صلى بعد كل من الوضوءين نافلة ثم علم حدوث حدث بعد أحدهما]

(مسألة 42) إذا صلى بعد كل من الوضوءين نافلة ثم علم حدوث حدث (1) بعد أحدهما فالحال على منوال الواجبين لكن هنا يستحب الإعادة إذ الفرض كونهما نافلة، و أما إذا كان في الصورة المفروضة إحدى الصلاتين واجبة و الأخرى نافلة فيمكن أن يقال بجريان قاعدة الفراغ في الواجبة و عدم معارضتها بجريانها في النافلة أيضا لأنه لا يلزم من اجرائهما فيهما طرح تكليف منجز، إلا أن الأقوى عدم جريانها للعلم الإجمالي فيجب إعادة الواجبة و يستحب إعادة النافلة.

______________________________

حمزة و ابن سعيد و الحلي من عدم التخطي عن موردها أصلا، و هو منشأ احتياط المصنف في إعادتهما معا ان كانا مختلفين في الجهر و الإخفات، و لا يخفى انه خلاف ما يساعد عليه فهم العرف، و كذلك الظاهر عدم الفرق بين أن يكون الصلاتان ادائيتين أو قضائيتين أو مختلفتين، فإنه و إن أمكن الفرق كما ذهب اليه بعضهم فيعيدهما على تقدير الاتفاق لما عرفت، و اما على تقدير الاختلاف فلا يعيد إلا ما كان في الوقت دون ما كان في خارجه، لأن القضاء و ان كان بأمر جديد فتنجزه عليه غير معلوم، و الأصل براءة ذمته منه و أما ما كان في الوقت فسقوط أمره غير معلوم و الأصل بقاؤه، فإن فيه ان القضاء و ان كان بأمر جديد إلا أنه ليس تكليفا جديدا أجنبيا عن التكليف الأول بل هو من آثار الأمر الأول و شراشره، غاية الأمر أنه استكشف بأمر جديد، فالأمر الجديد كاشف عن كون

الأمر الأول من قبيل تعدد المطلوب فاستصحاب بقاء هذا الأثر يعارض استصحاب براءة الذمة منه.

قوله قده مسألة 42: (إذا صلى بعد كل من الوضوءين نافلة ثم علم حدوث حدث. إلخ)

لا يخفى ان الأمر كما ذكره في الفرض الأول من وجوب إعادة الوضوء للصلوات الآتية لقاعدة الاشتغال بعد تعارض الأصول

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 237

[ (مسألة 43) إذا كان متوضئا و حدث منه بعده صلاة]

(مسألة 43) إذا كان متوضئا و حدث منه بعده صلاة و حدث (1) و لا يعلم أيهما المقدم و ان المقدم هي الصلاة حتى تكون صحيحة أو الحدث حتى تكون باطلة؟ الأقوى صحة الصلاة لقاعدة الفراغ خصوصا إذا كان تاريخ الصلاة معلوما لجريان استصحاب بقاء الطهارة أيضا الى ما بعد الصلاة.

[ (مسألة 44) إذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء انه ترك جزءا منه]

(مسألة 44) إذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء انه ترك جزءا منه و لا يدرى أنه الجزء الوجوبي أو الجزء الاستحبابي (2) فالظاهر الحكم بصحة وضوئه

______________________________

في الوضوءين و تساقطها و استحباب اعادة الصلاتين لفرض كونهما نافلة، و اما في الفرض الثاني و هو ما لو كان أحدى الصلاتين واجبة و الأخرى نافلة، فالأقوى جريان قاعدة الفراغ في الواجبة و لا يعارضها جريانها في النافلة، إذ العلم الإجمالي إنما تجب موافقته إذا كان منجزا لتكليف على كل حال، على وجه لو لم يوافقه قطعا يلزم منه ترخيص في المعصية، و لا يكفي في منجزيته أن يكون له أثر على كل حال و ان كان غير إلزامي، إذ ما ذكرناه من الوجه هو المانع من جريان الأصول و القواعد فيه، و اما إذا كان على أحد التقادير فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ فيه، هذا و الأحوط إعادة الفريضة بعد اعادة الوضوء و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 43: (إذا كان متوضئا و حدث منه بعده صلاة و حدث. إلخ)

لا مانع من جريان قاعدة الفراغ في الصلاة فيثبت بها صحة الصلاة، و اما الاستصحاب المذكور فالظاهر معارضته باستصحاب عدم الصلاة الى آخر أزمنة الطهارة.

قوله قده مسألة 44: (إذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء انه ترك جزءا منه و لا يدرى انه الجزء الوجوبي أو الجزء الاستحبابي. إلخ)

الأمر

كما ذكره (قده) من جريان قاعدة الفراغ في الوضوء و لا يعارضها جريانها

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 238

لقاعدة الفراغ و لا تعارض بجريانها في الجزء الاستحبابي لأنه لا أثر لها بالنسبة اليه، و نظير ذلك ما إذا توضأ وضوءا لقراءة القرآن و توضأ في وقت آخر وضوءا للصلاة الواجبة ثم علم ببطلان أحد الوضوءين فان مقتضى قاعدة الفراغ صحة الصلاة و لا تعارض بجريانها في القراءة أيضا لعدم أثر لها بالنسبة إليها.

[ (مسألة 45) إذا تيقن ترك جزء أو شرط من أجزاء أو شرائط الوضوء]

(مسألة 45) إذا تيقن ترك جزء أو شرط من أجزاء أو شرائط الوضوء (1) فان لم تفت الموالاة رجع و تدارك و أتى بما بعده و أما ان شك في

______________________________

في الجزء الاستحبابي، إذ لا يستتبع ذلك تكليفا منجزا يلزم من جريانها طرحه، و الفارق بين هذه المسألة و المسألة الثانية و الأربعين عند المصنف (قده) حيث قوى عدم جريان قاعدة الفراغ فيها دونه هنا هو عدم الأثر العملي هنا، إذ لو كان المتروك الجزء الاستحبابي لا يستتبع إعادته منفردا بخلافه في المسألة السابقة، فإنه لو كان الخلل في النافلة بسبب الخلل في وضوئها فالأمر الاستحبابي بإعادتها باق، فإجراء قاعدة الفراغ فيها يعارض إجراءها في الفريضة، و يعلم تكاذبهما، و قد تقدم منا ان المناط في منجزية العلم الإجمالي هو العلم بتوجه تكليف اليه منجز على أى تقدير، لا كونه ذا أثر و ان لم يكن الأثر منجزا، و لذا لم يلتزم بوجوب الموافقة فيما ذكره هنا من المثال من انه لو توضأ لقراءة القرآن و آخر لفريضة و علم بفساد أحدهما، و منشؤه ما ذكرناه من الوجه، و إلا فهو عين ما تقدم من كون كل منهما ذا أثر و

اللّه العالم.

قوله قده مسألة 45: (إذا تيقن ترك جزء أو شرط من أجزاء أو شرائط الوضوء. إلخ)

لا يخفى تضمن هذه المسألة لمسألتين:

(الأولى) ما لو تيقن المتوضئ ترك جزء أو شرط من أجزاء أو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 239

ذلك فاما أن يكون بعد الفراغ أو في الأثناء، فإن كان في الأثناء رجع و أتى به و بما بعده و إن كان الشك قبل مسح الرجل اليسرى في غسل الوجه مثلا أو في جزء منه و إن كان بعد الفراغ في غير الجزء الأخير بنى على الصحة لقاعدة

______________________________

شرائط وضوئه وجب الرجوع و التدارك لما فات، سواء كان في أثناء الوضوء أو بعده بلا إشكال و لا خلاف، كما ان ذلك مقتضى أوامر الوضوء، و لأن فوات الجزء يقتضي فوات الكل، و لما في ذيل صحيح زرارة الآتي ذكره:

و ان تيقنت انك لم تتم وضوءك فأعد على ما تركت يقينا حتى تأتى على الوضوء، هذا ان لم تفت الموالاة التي تقدم شرطيتها بما ذكر لها من المعنى، و إلا وجب الاستيناف.

(الثانية) ما لو شك في شي ء من أفعال الوضوء و هذا على نحوين (الأول) ما لو كان قبل انصرافه منه أتى به و بما بعده، حتى يحصل الترتيب المطلوب شرعا، و ذلك للأصل و الإجماع و لما سيأتي (الثاني) ما لو كان بعده مع الانتقال عن محله أو المكث الطويل لم يلتفت بلا خلاف فيهما للصحاح، ففي الصحيح الزراري الباقرى المروي في الكافي و التهذيب: إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو لم تمسحه مما سمى اللّه ما

دمت في حال الوضوء فاذا قمت عن الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمى اللّه مما أوجب اللّه عليك فيه وضوءه لا شي ء عليك فيه، فان شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللا فامسح به عليه و على ظهر قدميك فان لم تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك و امض في وضوئك، و ان تيقنت إنك لم تتم وضوءك فأعد على ما تركت يقينا حتى تأتى على الوضوء، الحديث و في آخر: رجل شك في الوضوء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 240

الفراغ و كذا إن كان الشك في الجزء الأخير ان كان بعد الدخول في عمل آخر أو كان بعد ما جلس طويلا أو كان بعد القيام عن محل الوضوء و إن كان بعد ذلك أتى به إن لم تفت الموالاة و إلا استأنف.

______________________________

بعد ما فرغ من الصلاة قال: يمضى على صلاته و لا يعيد، و في ثالث: الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال: هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك، و لا يخفى انه يخص بما سمعت في هذه الصحيحة من الاعتناء بالمشكوك فيه و الالتفات اليه فيما لو كان قبل انصرافه من الوضوء، عموم ما دل على عدم الاعتناء و عدم الالتفات إلى الشي ء المشكوك فيه مع الدخول في الغير، كصحيحة زرارة الأخرى عن الصادق عليه السّلام قال: يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره فشككت، فشك ليس بشي ء، و ما شاكلها و ماثلها في الحكم، نعم قد يتوهم المعارضة بين الصحيحة السابقة و موثقة ابن أبى يعفور عن الصادق عليه السّلام قال: إذا

شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء، إنما الشك في شي ء لم تجزه، بناءا على رجوع الضمير في (غيره) إلى الشي ء لأنه متبوع، لا الى الوضوء لأنه تابع، وجهة التابعية و المتبوعية أولى عرفا بالملاحظة من جهة القرب و البعد، و هو بعيد عن التحقيق، بل الظاهر انها من أدلة قاعدة الفراغ و لا وجه لجعل أخبار قاعدة الفراغ معارضة لأخبار قاعدة التجاوز، بناءا على أنهما قاعدتان متغايرتان مفادا و موردا و مدركا، بل الظاهر إرجاع الضمير في (غيره) الى الوضوء لكونه أقرب كما أفاده شيخ مشايخنا في جواهره (قده) فيكون مفهومها موافقا للصحيحة الأولى غير مخالف، و مما يدل على ان ضمير في (غيره) يرجع الى الوضوء لا إلى الشي ء الذي شك فيه، كما دل عليه النص المتقدم و الإجماع: ان أخبارهم يدل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 241

..........

______________________________

بعضها على بعض و انها كالكلام الواحد المتصل، كذلك تدل على ان المراد من الشي ء في ذيل الموثقة هو العمل الذي وقع الشك فيه من أجل احتمال الإخلال بشي ء مما يعتبر فيه شرطا أو شطرا، لا الشي ء الذي شك في أصل وجوده و تحققه و ثبوته، كما هو مفاد قاعدة التجاوز، (و ثانيا) ان هذه الفقرة بنفسها و في حد ذاتها ظاهرة، عند التأمل، و ذلك لأن ظاهر قوله عليه السّلام إذا كنت في شي ء أنك إذا كنت اثناءه متشاغلا به غير متجاوز عنه فيجب أن يكون ذلك العمل مركبا ذا اجزاء و شرائط حتى يعقل تعلق الشك به ما دام الإنسان فيه، و من المعلوم ان ارتكاب الإضمار بحمل الشي ء على إرادة محله كما صنعه شيخ مشايخنا

في رسائله (قده) لا دليل عليه، فظاهرها ان المراد من الشي ء هو العمل المركب الذي يتعلق به الشك، و من الواضح ان ظهورها في ذلك رافع لإجمال مرجع الضمير في صدرها، ضرورة ان القاعدة المزبورة في الذيل بمنزلة البرهان و الدليل لإثبات الحكم المذكور في الصدر، فيجب حينئذ أن يكون الحكم المذكور في الصدر جزئيا من جزئيات ما هو الموضوع في تلك القاعدة حتى يتم البرهان و يستقيم الدليل، فيستفاد من هذه الموثقة أمران: (أحدهما) انه لو تعلق الشك بصحة عمل مركب أو بتماميته بعد الفراغ منه لا يعتد بالشك بل يبنى على صحته و تماميته. (ثانيهما) ان عدم الاعتداد بالشك بعد الفراغ منه أى من الوضوء إنما هو لكونه جزئيا من جزئيات هذه القاعدة.

و هل يلحق الشك في الاستدامة بمعنى عدم نية الخلاف بالشك في الأفعال أم لا؟ و جهان: و للثاني الأصل، و إنما يجب الرجوع الى المشكوك فيه دون الاستيناف مع عدم فوت الموالاة لما تقدم و اللّه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 242

[ (مسألة 46) لا اعتبار بشك كثير الشك]

(مسألة 46) لا اعتبار بشك كثير الشك (1) سواء كان في الاجزاء أو في الشرائط أو الموانع.

[ (مسألة 47) التيمم الذي هو بدل عن الوضوء]

(مسألة 47) التيمم الذي هو بدل عن الوضوء لا يلحق حكمه في الاعتناء بالشك (2) إذا كان في الأثناء و كذا الغسل في التيمم بدله، بل المناط فيها التجاوز

______________________________

قوله قده مسألة 46: (لا اعتبار بشك كثير الشك. إلخ)

كما صرح بذلك جملة من الأصحاب، منهم ابن إدريس في السرائر، و الشهيد في الذكرى، و المحقق الثاني في شرح القواعد، و السيد في المدارك، و الفاضل الهندي في كشف اللثام، و الخوانسارى في شرح الدروس، و غيرهم من متأخري المتأخرين كما حكى ذلك عنهم في الجواهر (قده) ثم قال (قده): بل لا أجد فيه خلافا كما في الصلاة. انتهى. و ذلك للعسر و الحرج المنفيين آية و رواية، و يؤيده بل يدل عليه التعليل الوارد في أخبار الصلاة، كما في صحيحة زرارة و أبى بصير فيمن كثر شكه في الصلاة بعد أن أمر عليه السّلام بالمضي في شكه:

لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فان الشيطان خبيث يعتاد لما عوّد، فليمض أحدكم في الوهم و لا يكثرن نقض الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد اليه الشك، ثم قال: إنما يريد الخبيث ان يطاع فاذا عصى لم يعد إلى أحدكم، و قوله عليه السّلام: إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فإنه يوشك أن يدعك فإنما ذلك من الشيطان، و صحيحة عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام قال قلت له رجل مبتلى بالوضوء و الصلاة و قلت هو رجل عاقل فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام و أى عقل له؟! و هو يطيع الشيطان، فقلت له:

و

كيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله هذا الذي يأتيه من أي شي ء هو؟ فإنه يقول لك من عمل الشيطان.

قوله قده مسألة 47: (التيمم الذي هو بدل عن الوضوء لا يلحق حكمه في الاعتناء بالشك. إلخ)

لا يخفى انه بناءا على عموم هذه القاعدة أعني

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 243

عن محل المشكوك فيه و عدمه فمع التجاوز تجري قاعدة التجاوز و إن كان في الأثناء، مثلا إذا شك بعد الشروع في مسح الجبهة في أنه ضرب بيديه على الأرض أم لا يبنى على أنه ضرب بهما، و كذا إذا شك بعد الشروع في الطرف الأيمن في الغسل أنه غسل رأسه أم لا، لا يعتنى به لكن الأحوط إلحاق المذكورات أيضا بالوضوء.

______________________________

قاعدة التجاوز و جريانها في جميع أبواب الفقه من العبادات و المعاملات خرج منها الوضوء باتفاق النص و الفتوى، فلا تجري فيه قاعدة التجاوز، فهل يلحق به الغسل و التيمم، أو الغسل فيما إذا والى فيه أم لا مطلقا؟ وجوه بل أقوال: (للأول) الإجماع و وحدة المناط، و دلالة ذيل موثقة ابن أبى يعفور على أن الشك في أثناء العمل معتبر مطلقا، و الكل ممنوع.

أما الأولان: فواضح، و اما الثالثة: فلعدم كونها في مقام بيان حكم المنطوق حتى يجوز التمسك بالإطلاق فيه ضرورة كونها في مقام بيان المفهوم (و اما الثاني) فالإلحاق مع التوالي لما تقدم، و فيه ما تقدم، و أما عدم الإلحاق مع الفصل بالمعتد به بين الأجزاء عرفا، فلدعوى أن التفكيك بين الأجزاء، يجعل كل جزء بنظر العرف عملا مستقلا بنفسه، و منفردا على حياله، و ملحوظا بذاته، و هو كما ترى صغرا و كبرا. (و اما الثالث) فهو مقتضى القاعدة و

هو الأقوى، (نعم) لا يترك الاحتياط في الرجوع و التدارك خروجا عن مخالفة الشهرة المحكية عن طهارة شيخنا المرتضى (قده) بإلحاق التيمم و الغسل بالوضوء، و عن خلاف جماعة من الأساطين كما حكى ذلك عن العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني و السيد الطباطبائي (قده) من التصريح باتحاد حكمهما، بل يظهر من بعضهم كونه من المسلمات.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 244

[ (مسألة 48) إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنه مسح على الحائل]

(مسألة 48) إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنه مسح على الحائل (1) أو مسح في موضع الغسل أو غسل في موضع المسح و لكن شك في أنه هل كان هناك مسوغ لذلك من جبيرة أو ضرورة أو تقية أو لا بل فعل ذلك على غير

______________________________

هذا كله ان لم نقل ان قاعدة التجاوز مخصوصة بالصلاة، و إلا فلا إشكال في مساواة الطهارات للوضوء و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 48: (إذا علم بعد الفراغ من الوضوء انه مسح على الحائل. إلخ)

لا يخفى أن ما ذكره (قده) من الصحة في الأمثلة المذكورة مبني على عموم قاعدة الفراغ و جريانها فيما لو شك في الصحة للشك في كون المأتي به موظفا أم لا كما في الأمثلة المذكورة، و لا تختص بالشك في صحة الموظف و فساده فارغا عن كونه موظفا، و الأقوى ما اختاره (قده) من جريانها في الجميع، بل حتى في صورة احتمال الترك عمدا اختيارا و اقتراحا.

و يدل عليه (أولا) إطلاق الأخبار. (و ثانيا) إطلاق الفتوى حيث أن الأصحاب (قده) أطلقوا القول بعدم الاعتناء بالشك بعد الفراغ من العمل و لم يستثنوا من مجراها في باب الصلاة و الوضوء و غيرهما شيئا من الصور السابقة، ضرورة ان احتمال غفلتهم عنها أو ترك

التعرض لها مع عموم الابتلاء بها في غاية البعد (و ثالثا) السيرة المستمرة القطعية ضرورة انه ما من أحد إذا التفت الى إعماله الصادرة منه في الأعصار السابقة من عباداته و معاملاته إلا و يشك في كثير منها، لأجل الجهل بأحكامها أو اقترانها بأمور لو كان ملتفتا إليها لكان شاكا، ألا ترى ان جل العوام بل و العلماء غافلون عن كثير من الأمور المعتبرة في الصلاة و غيرها من العبادات و المعاملات في بدء أمرهم. ثم يتجدد لهم العلم بها شيئا فشيئا فلا يمكنهم الجزم باشتمال ما صدر منهم في السابق على هذه الشرائط، بل و كثير من الأجزاء أيضا التي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 245

الوجه الشرعي، الظاهر الصحة حملا للفعل على الصحة لقاعدة الفراغ أو غيرها و كذا لو علم أنه مسح بالماء الجديد و لم يعلم أنه من جهة وجود المسوغ أو لا و الأحوط الإعادة في الجميع.

______________________________

كانوا جاهلين بها مع أنا نراهم يبنون على الصحة (و رابعا) ان غالب موارد الاحتياج الى هذه القاعدة إنما هو تلك الصور جزما، و لا تختص بصورة الشك في صحة الموظف و فساده فارغا عن كونه موظفا. (و خامسا) لزوم العسر و الحرج لو لم نقل بذلك، و هما منفيان في الشريعة كتابا و سنة و إجماعا كما قرر في محله، هذا و ليس في قبال هذه الوجوه سوى التعليل المستفاد من قوله عليه السّلام: هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك، حيث ان الظاهر منه ان وجه الحمل على الصحة و التمامية تقديم الظاهر على الأصل، و لذا علله غير واحد من الأعلام أيضا بظهور الحال حيث ان العاقل الكامل لا ينصرف

عن العمل إلا بعد إكماله و إتمامه.

(و فيه) أولا: أنه يؤيد ما ذكرناه و يشيد ما بنيناه من جريانها في الأمثلة المذكورة، فإن العاقل الكامل المريد لصحة عمله و إفراغ ذمته لا ينصرف عن الموظف الشرعي إلى غيره بدون عذر مسوغ. (و ثانيا) لو سلم دلالته لكن جعله قرينة على التصرف في سائر الأخبار فرع كونه علة تامة منحصرة، و لا طريق لاستفادة ذلك منه سوى الإطلاق، و من المعلوم انه غير مسوق لمقام البيان من هذه الجهة جزما (و ثالثا) لو سلم ذلك أيضا لكن المفروض انا علمنا من الخارج بسبب ما تقدم عدم انحصار العلة بذلك (و رابعا) لو سلم عدم العلم بعدمه من الخارج، فلا ريب و لا شبهة في انه لا يقاوم ما تقدم من الأدلة دلالة و سندا و معتضدا، كيف لا و من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 246

[ (مسألة 49) إذا تيقن أنه دخل في الوضوء و أتى ببعض أفعاله]

(مسألة 49) إذا تيقن أنه دخل في الوضوء و أتى ببعض أفعاله و لكن (1) شك في أنه أتمه على الوجه الصحيح أو لا، بل عدل عنه اختيارا أو اضطرارا، الظاهر عدم جريان قاعدة الفراغ فيجب الإتيان به لان مورد القاعدة ما إذا علم كونه بانيا على إتمام العمل و عازما عليه إلا انه شاك في إتيان الجزء الفلاني أم لا، و في المفروض لا يعلم ذلك، و بعبارة أخرى مورد القاعدة صورة احتمال عروض النسيان لا احتمال العدول عن القصد.

______________________________

جملتها قاعدة العسر و نفى الحرج و هي حاكمة على جميع الأحكام الثابتة لموضوعاتها بعناوينها الأولية، و ما نحن فيه من هذا الباب، و اما احتياطه (قدس سره) في الإعادة في الجميع فهو لإحراز النجاة فان سبيلها الاحتياط

و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 49: (إذا تيقن انه دخل في الوضوء و اتى ببعض أفعاله و لكن. إلخ)

لا يخفى أن الشك بالإتمام إن حدث قبل تحقق ما هو امارة للفراغ، فالأمر كما ذكره (قده) من عدم جريان قاعدة الفراغ، فيجب الإتيان لعدم تحقق موضوعه و خروجه عن مورد أدلته، و اما لو حدث بعد الدخول في الغير أو الفصل الطويل فالظاهر جريان القاعدة لشمول أدلتها له و عدم خروجها عنه، خصوصا مثل الصحيح:

فإن دخله الشك- يعني في شي ء من وضوئه كما في صدره- و دخل في صلاته فليمض في صلاته و لا شي ء عليه، و صحيح ابن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام قال: كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو، و قوله عليه السّلام في الخبر: كلما مضى من صلاتك أو طهورك فذكرته تذكرا فامضه، و موثقة ابن أبى يعفور عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء، إنما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 247

[ (مسألة 50) إذا شك في وجود الحاجب و عدمه]

(مسألة 50) إذا شك في وجود الحاجب و عدمه قبل الوضوء أو في الأثناء وجب الفحص (1) حتى يحصل اليقين أو الظن بعدمه ان لم يكن مسبوقا بالوجود، و إلا وجب تحصيل اليقين و لا يكفى الظن، و ان شك بعد الفراغ في أنه كان موجودا أم لا، بنى على عدمه و يصح وضوؤه، و كذا إذا تيقن انه كان موجودا، و شك في أنه أزاله أو أوصل الماء تحته أم لا، نعم في في الحاجب الذي قد يصل الماء تحته، و قد لا

يصل إذا علم انه لم يكن ملتفتا اليه حين الغسل، و لكن شك في أنه وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لا، يشكل جريان قاعدة الفراغ فيه فلا يترك الاحتياط بالإعادة و كذا إذا علم بوجود الحاجب المعلوم أو المشكوك حجبه و شك في كونه موجودا حال الوضوء أو طرأ بعده فإنه يبنى على الصحة إلا إذا علم انه في حال الوضوء لم يكن ملتفتا إليه فإن الأحوط الإعادة حينئذ.

______________________________

قوله قده مسألة 50: (إذا شك في وجود الحاجب و عدمه قبل الوضوء اوفى الأثناء وجب الفحص. إلخ)

لأن شغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، و اما أصالة عدم وجود الحاجب أو عدم حاجبية الموجود فلا ينفعان و لا يجديان في إثبات وصول الماء إلى البشرة، لأنهما من المثبت الذي لا نقول به، و عليه يشكل الحكم بعدمه اتكاء على الظن الغير المعتبر بل لا بد من تحصيل اليقين بعدمه أو الظن المعتبر كما ذكره (قده) فيما لو كان مسبوقا بالوجود، هذا كله فيما لو كان الشك المزبور قبل الوضوء أو في الأثناء، و أما لو كان شكه بعد الفراغ بنى على عدمه لقاعدة الفراغ و صح وضوؤه، و كذا لو تيقن انه كان موجودا و شك في انه أزاله و أوصل الماء تحته أم لا للقاعدة المذكورة (نعم) إذا علم انه لم يكن ملتفتا اليه حين الغسل و شك في انغساله و وصول الماء تحته يشكل جريان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 248

[ (مسألة 51) إذا علم بوجود مانع و علم زمان حدوثه]

(مسألة 51) إذا علم بوجود مانع و علم زمان حدوثه و شك في أن الوضوء كان قبل حدوثه (1) أو بعده يبنى على الصحة لقاعدة الفراغ إلا إذا علم عدم

الالتفات اليه حين الوضوء فالأحوط الإعادة حينئذ.

[ (مسألة 52) إذا كان محل وضوئه من بدنه نجسا فتوضأ]

(مسألة 52) إذا كان محل وضوئه من بدنه نجسا (2) فتوضأ و شك بعده في أنه طهره ثم توضأ أم لا، بنى على بقاء النجاسة فيجب غسله لما يأتي من الأعمال، و أما وضوؤه فمحكوم بالصحة عملا بقاعدة الفراغ الا مع علمه بعدم التفاته حين الوضوء إلى الطهارة و النجاسة، و كذا لو كان عالما بنجاسة الماء الذي توضأ منه سابقا على الوضوء و يشك في أنه طهره بالاتصال بالكر أو بالمطر أم لا، فان وضوءه محكوم بالصحة و الماء محكوم بالنجاسة و يجب عليه غسل كل ما لاقاه، و كذا في الفرض الأول يجب غسل جميع ما وصل اليه الماء حين الوضوء أو لاقى محل التوضؤ مع الرطوبة.

______________________________

القاعدة فيه، لعدم جريان التعليل المذكور في القاعدة فيه من كونه حين يتوضأ أذكر منه حين يشك و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 51: (لو علم وجود مانع و علم زمان حدوثه و شك في أن الوضوء كان قبل حدوثه. إلخ)

الأمر كما ذكره (قده) في الفرضين المزبورين.

قوله قده مسألة 52: (إذا كان محل وضوئه من بدنه نجسا. إلخ)

الحكم كما ذكره (قده) من صحة وضوئه لقاعدة الفراغ و نجاسة المحل للاستصحاب، و العلم بكذب أحدهما لا يمنع من جريانهما لعدم لزوم مخالفة عملية من جريانهما و على ما ذكر تبتنى الفروع المذكورة في المسألة.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 249

[ (مسألة 53) إذا شك بعد الصلاة في الوضوء لها و عدمه]

(مسألة 53) إذا شك بعد الصلاة في الوضوء لها و عدمه (1) بنى على صحتها لكنه محكوم ببقاء حدثه فيجب عليه الوضوء للصلوات الآتية، و لو كان الشك في أثناء الصلاة وجب الاستئناف بعد الوضوء و الأحوط الإتمام مع تلك الحالة ثم الإعادة بعد الوضوء.

______________________________

قوله قده مسألة

53: (إذا شك بعد الصلاة في الوضوء لها و عدمه.

إلخ)

لا يخفى ان في المسألة المذكورة صورا:

(الأولى) ما لو كان متيقنا للحدث و غفل و ذهل عن يقينه هذا و صلى و بعد الفراغ التفت اليه و احتمل أنه قد تطهر بعده قبلها، و لا ريب و لا شبهة هنا في الحكم بصحة صلاته، و المشهور بينهم انه محدث بالنسبة إلى غيرها، أما الأول: فيدل عليه (أولا) قاعدة الفراغ في الصلاة لكون الشك فيها بعده (و ثانيا) أصالة الصحة (و ثالثا) قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الطهارة من جهة شرطيتها لهذه الصلاة، فإنه شاك فيما بعد تجاوز محلها من هذه الجهة.

(و رابعا) استصحاب عدم فعلية الأمر بها الثابت قبل عروض هذا الشك.

(و خامسا) قاعدة التجاوز في الصلاة إذا دخل فيما هو مترتب عليها و لو كان تعقيبا.

و أما انه محدث بالنسبة إلى غيرها فقد استدل له باستصحاب الحدث أولا، و قاعدة الشغل ثانيا، و قاعدة الشك في المحل في الوضوء بالنسبة إلى صلاة أخرى ثالثا، و لا يخفى ان الاستصحاب محكوم بقاعدة التجاوز، و اما قاعدة الشغل فغير جارية مع وجود المؤمّن القطعي و هي قاعدة التجاوز.

و اما الثالث و هو أنه شك في المحل بالنسبة إلى صلاة أخرى لم يشرع بها و شك بعد المحل بالنسبة الى ما شرع بها فلا يتم، بعد أن كان مفاد هذه القاعدة وجود ما يشك في وجوده تنزيلا و تعبدا و قد فرض انه خرج عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 250

[ (مسألة 54) إذا تيقن بعد الوضوء أنه ترك منه جزءا أو شرطا]

(مسألة 54) إذا تيقن بعد الوضوء أنه ترك منه جزءا (1) أو شرطا أو أوجد مانعا ثم تبدل يقينه بالشك يبنى على الصحة عملا بقاعدة الفراغ

و لا يضرها اليقين بالبطلان بعد تبدله بالشك و لو تيقن بالصحة ثم شك فيها فأولى بجريان القاعدة.

[ (مسألة 55) إذا علم قبل تمام المسحات أنه ترك غسل اليد اليسرى]

(مسألة 55) إذا علم قبل تمام المسحات أنه ترك غسل اليد اليسرى (2) أو

______________________________

محله و تجاوزه فتم التنزيل و التعبد المذكورين، و اما ملاحظة النسبة المذكورة لشي ء دون شي ء فليس في أخبار الباب دلالة عليها و لا أثر منها فإثباتها يحتاج الى دليل، فإطلاق التنزيل المذكور بعد أن دخل في مشروط به و تجاوز محله حجة بالنسبة اليه و الى مشروط آخر بعد لم يدخل فيه، فعليه لا يحتاج الى تجديد الطهارة سواء كانت من الحدث أو الخبث، و قد نبهنا على ما ذكرناهنا في المسألة الخامسة من فصل الاستنجاء فراجع، و ان كان الاحتياط سبيل النجاة و اللّٰه العالم، و قد نبهنا هناك في ص 26 ان هذا الإشكال إنما يتم بناءا على ان مفاد القاعدة وجود ما يشك في وجوده تنزيلا تعبدا، و اما بناءا على عدم إفادتها ذلك بل غاية ما تفيده أنه وظيفة للشاك بعد تجاوز محله فالأمر كما ذكروه أعلى اللّٰه مقامهم من الاقتصار على صحة ما صلاه قبل عروض الشك، لأنه القدر المتيقن دون غيره الذي لم يجزه، فعليه يحتاج الى تجديد الطهارة حدثية و خبثية و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 54: (إذا تيقن بعد الوضوء انه ترك منه جزءا.

إلخ)

الظاهر ان الأمر كما ذكره (قده) من جريان القاعدة المزبورة لتحقق موضوعها و زوال اليقين بالبطلان و تبدله بالشك و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 55: (إذا علم قبل تمام المسحات انه ترك غسل اليد اليسرى) الى قوله (لأن الغسلة الثانية مستحبة. إلخ)

تقدم منا في فصل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص:

251

شك في ذلك فاتى به و تمم الوضوء ثم علم أنه كان غسله يحتمل الحكم ببطلان الوضوء من جهة كون المسحات أو بعضها بالماء الجديد لكن الأقوى صحته لأن الغسلة الثانية مستحبة على الأقوى حتى في اليد اليسرى فهذه الغسلة كانت مأمورا بها في الواقع فهي محسوبة من الغسلة المستحبة و لا يضرها نية الوجوب لكن الأحوط إعادة الوضوء لاحتمال اعتبار قصد كونها ثانية في استحبابها هذا و لو كان آتيا بالغسلة الثانية المستحبة و صارت هذه ثالثة تعين البطلان لما ذكر من لزوم المسح بالماء الجديد.

[فصل في أحكام الجبائر]
اشارة

فصل في أحكام الجبائر (1) و هي الألواح الموضوعة على الكسر و الخرق و الأدوية الموضوعة، على الجروح و القروح و الدماميل، فالجرح و نحوه إما مكشوف أو مجبور و على التقديرين إما في موضع الغسل أو في موضع المسح، ثم إما على بعض العضو أو تمامه أو تمام الأعضاء، ثم إما يمكن غسل المحل أو مسحه أو لا يمكن، فان

______________________________

مستحبات الوضوء التأمل في استحباب الغسلة الثانية فالأحوط في المسألة استيناف الوضوء لوقوع المسح بماء جديد، و اللّٰه العالم.

قوله قده: (فصل: في أحكام الجبائر. إلخ)

لا يخفى ان من كان في موضع غسله جبيرة و هي ما يشد على العظام المنكسرة، أو على القروح و الجروح، أو يطلى على المذكورات أو يلصق بها فإن أمكن نزعها و غسل ما تحتها وجب غسله قطعا بلا خلاف إنما الإشكال في أنه هل يتعين النزع حينئذ أم لا؟ كما عليه الأكثر و جهان، و على الثاني فهل يتخير بين النزع و التكرير و الغمس؟ أو بينهما و بين الغمس؟ قولان، و ان لم يمكنه إجراء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص:

252

أمكن ذلك بلا مشقة و لو بتكرار الماء عليه حتى يصل اليه لو كان عليه جبيرة أو وضعه في الماء حتى يصل اليه بشرط أن يكون المحل و الجبيرة طاهرين أو أمكن تطهيرهما وجب ذلك، و إن لم يمكن إما لضرر الماء أو للنجاسة و عدم إمكان التطهير أو لعدم إمكان إيصال الماء تحت الجبيرة و لا رفعها فان كان مكشوفا يجب غسل أطرافه و وضع خرقة طاهرة عليه و المسح عليها مع

______________________________

الماء تحتها بنزع أو تكرير أو غمس مسح عليها وجوبا على المشهور، بل عن محكي الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة و الحبل المتين الإجماع عليه للحسان و غيرها (ففي) الحسن الصادقي عليه السّلام المروي في التهذيب عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال: إذا كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره و ليصل (و في) آخر المروي في الكافي: عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من موضع الوضوء فيعصبها بالخرقة و يتوضأ و يمسح عليها إذا توضأ؟ فقال: إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة، و ان كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم ليغسلها (و في) ثالث: عن الدواء إذا كان على يدي الرجل له أن يمسح على طلي الدواء؟ فقال: نعم يجزيه أن يمسح عليه (و في) رابع: عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّٰه تعالى:

(مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) امسح عليه (و في) الصحيح الرضوي المروي في التهذيب عن ابن الحجاج عن الكسير تكون عليه الجبائر كيف يصنع بالوضوء، و عند غسل الجنابة، و غسل الجمعة؟ قال: يغسل ما

وصل اليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر و يدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله، و لا ينزع الجبائر، و لا يعبث بجراحته، و غيره المروي في الكافي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 253

الرطوبة، و إن أمكن المسح عليه بلا وضع خرقة تعين ذلك إن لم يمكن غسله كما هو المفروض، و إن لم يمكن وضع الخرقة أيضا اقتصر على غسل أطرافه لكن الأحوط ضم التيمم اليه و إن كان في موضع المسح و لم يمكن المسح عليه كذلك يجب وضع خرقة طاهرة و المسح عليها بنداوة و إن لم يمكن سقط و ضم اليه التيمم و إن كان مجبورا وجب غسل أطرافه مع مراعاة الشرائط

______________________________

و التهذيب عن الصادق عليه السّلام عن الجرح كيف يصنع صاحبه؟ قال:

يغسل ما حوله.

و لا ينافي ما في صحيح ابن الحجاج من عدم تعرضه للمسح على الجبيرة لإمكان حمله على كون المتكلم عليه السّلام في مقام نفى توهم وجوب غسل البشرة المستورة بالجبيرة كما هو ظاهر سياقه من قوله و لا ينزع الجبائر و لا يعبث بجراحته، و اما عدم وجوب المسح على الجبيرة و الخرقة الملصقة بالجراحة على تقدير كونها معصبة بها فلا يستفاد منها إلا من حيث السكوت في مقام البيان، و هو لا يقاوم ظهور الأخبار المتقدمة في وجوب المسح عليها فيجب تقييدها بتلك الأخبار، و اما الخبر الأخير المروي في الكافي و التهذيب المقتصر فيه على غسل ما حول الجرح فظاهره الجرح المكشوف، و ان أبيت عن ظهوره في ذلك فهو طريق الجمع بينه و بين أخبار المسح على الجبيرة، لا بحملها على الاستحباب للجمع بينها كما اليه يميل المقدس الأردبيلي

و صاحب المدارك و الذخيرة كما حكى عنهم.

و أما الكسر و أخواه المكشوفة الغير المجبورة فيكفي غسل ما حولها إن تعذر المسح على نفس العضو، و إلا مسح عليه على الأحوط، خلافا لظاهر بعضهم من كفاية غسل ما حولها مطلقا، سواء تعذر مسح نفس العضو أم لا؟ و أما وضع طاهر و المسح عليه فلم يدل عليه من الأخبار،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 254

و المسح على الجبيرة إن كانت طاهرة أو أمكن تطهيرها و إن كان في موضع الغسل و الظاهر عدم تعين المسح حينئذ فيجوز الغسل أيضا، و الأحوط إجراء الماء عليها مع الإمكان بإمرار اليدين من دون قصد الغسل أو المسح، و لا يلزم أن يكون المسح بنداوة الوضوء إذا كان في موضع الغسل، و يلزم أن تصل الرطوبة إلى تمام الجبيرة و لا يكفى مجرد النداوة، نعم لا يلزم المداقة بإيصال الماء الى الخلل و الفرج بل يكفى صدق الاستيعاب عرفا هذا كله إذا لم يمكن رفع الجبيرة

______________________________

دليل، و لا وجه لقياسه على الشي ء الموضوع على العضو الذي له نحو تعلق و ارتباط بالعضو بحيث لا يعد غسله أجنبيا عن غسله، و لعله من مراتبه الميسورة كما يساعد عليه العرف، بل لعله يمكن استفادته من بعض الأخبار، و ربما يستشم ذلك من بعض اسئلة السائلين، فإلحاق الخرقة الأجنبية به يحتاج الى دليل كما لا يخفى.

و لو كان ظاهرها نجسا فيهما- أى محل الغسل و المسح- فالأولى بل قيل الواجب وضع طاهر عليها ثم مسحه كما قالوه، للإجماع المحكى في ظاهر المدارك و محكي معتصم الفيض، و لأصالة بقاء الحدث، و لدخول هذا الموضوع في الجبائر فتشمله النصوص الآمرة بمسحها،

و عموم قاعدة الميسور (و فيه) منع الإجماع و ارتفاع الأصل بإطلاق الروايات المتقدمة التي لا اشعار فيها بذلك، و لأن الجبيرة إنما رخص في المسح عليها عند تعذر إيصال الماء الى ما تحتها، لصيرورتها بسبب ضرورة التداوي بها و لصوقها بالجسد كأنها منه، بخلاف وضع الخرقة.

و يستفاد من بعض الصحاح جواز التيمم في أمثال هذا، ففي الصحيح الباقرى عليه السّلام المروي في التهذيب: عن الجنب يكون به القروح قال:

لا بأس يتيمم، و في الصحيح الصادقي عليه السّلام: في الرجل تصيبه الجنابة و به

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 255

و المسح على البشرة و إلا فالأحوط تعينه بل لا يخلو عن قوة إذا لم يمكن غسله كما هو المفروض، و الأحوط الجمع بين المسح على الجبيرة و على المحل أيضا بعد رفعها، و إن لم يمكن المسح على الجبيرة لنجاستها أو لمانع آخر فإن أمكن وضع خرقة طاهرة عليها و مسحها يجب ذلك و إن لم يمكن ذلك أيضا فالأحوط الجمع بين الإتمام بالاقتصار على غسل الأطراف و التيمم.

[ (مسألة 1) إذا كانت الجبيرة في موضع المسح و لم يمكن رفعها]

(مسألة 1) إذا كانت الجبيرة في موضع المسح (1) و لم يمكن رفعها و المسح على البشرة، لكن أمكن تكرار الماء الى أن يصل الى المحل، هل يتعين ذلك؟

أو يتعين المسح على الجبيرة؟ و جهان و لا يترك الاحتياط بالجمع.

______________________________

جروح و قروح أو يخاف على نفسه من البرد فقال: لا يغتسل و يتيمم، و في الموثق في الرجل تكون به القروح في جسده فتصيبه الجنابة قال: يتيمم و نحوها غيرها.

و ربما يجمع بينها و بين ما تقدم بالتخيير بين الأمرين، و يشهد له نفى البأس في الصحيح المتقدم، و في آخر: عن الرجل تكون

به القروح و الجراحات فيجنب فقال: لا بأس بأن يتيمم و لا يغتسل، أو يحمل ذلك على ما إذا تضرر بغسل ما حولها، و ربما أشعر بذلك الصادقي: قيل له ان فلانا أصابته جنابة و هو مجدور فغسلوه فمات فقال: قتلوه ألا سألوا؟ ألا يموه؟

إن شفاء العيّ السؤال، و روى ذلك في الكسير و المبطون، و نحوه غيره، و الثاني أقرب، و أحوط منه الجمع بينهما و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 1: (إذا كانت الجبيرة في موضع المسح. إلخ)

لا يخفى انه إذا كانت الجبيرة في محل المسح يتعين الصادق الماسح بالعضو الواجب مسحه مع الإمكان، و لا يجزى عنه التكرار حينئذ بلا خلاف، لعدم حصول الامتثال إلا به، لدخول الإلصاق في مفهوم المسح، و إلا يمكن ذلك مسح

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 256

[ (مسألة 2) إذا كانت الجبيرة مستوعبة لعضو واحد من الأعضاء]

(مسألة 2) إذا كانت الجبيرة مستوعبة لعضو واحد (1) من الأعضاء فالظاهر جريان الأحكام المذكورة و إن كانت مستوعبة لتمام الأعضاء فالإجزاء مشكل فلا يترك الاحتياط بالجمع بين الجبيرة و التيمم.

[ (مسألة 3) إذا كانت الجبيرة في الماسح فمسح عليها بدلا عن غسل المحل]

(مسألة 3) إذا كانت الجبيرة في الماسح (2) فمسح عليها بدلا عن غسل المحل، يجب أن يكون المسح به بتلك الرطوبة، أى الحاصلة من المسح على جبيرته.

______________________________

عليها قطعا للأخبار السابقة، هذا إذا لم يمكن إيصال الماء إلى البشرة بتكرار و تخليل، و اما إذا أمكن ذلك فظاهر كلام الأكثر و إطلاق الأدلة مثل رواية عبد الأعلى ذلك أيضا، و ان اللازم المسح عليها و لا يكفى التكرار، خلافا لمن شذ فيجب التكرار و لا يجزى المسح.

قوله قده مسألة 2: (إذا كانت الجبيرة مستوعبة لعضو واحد. إلخ)

الظاهر شمول إطلاقات الأخبار و الفتوى لصورة استيعاب الجبيرة لعضو واحد من أعضاء الوضوء، فتجري الأحكام المذكورة، و اما لو كانت مستوعبة لتمام الأعضاء فالظاهر وجوب التيمم دون الطهارة الناقصة، لانصراف أخبار الجبيرة عن مثله و عدم مساعدة العرف على كون المأتي به هو المرتبة الناقصة من الماهية المأمور بها حتى يعمها قاعدة الميسور و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 3: (إذا كانت الجبيرة في الماسح. إلخ)

إنما وجب المسح بتلك الرطوبة الحاصلة من المسح على جبيرته لما هو المستفاد من الأدلة و الفتاوى من انتقال حكم المحل الى الحال، و لما كان الحكم مع عدم الجبيرة في المحل المسح ببلته، فكذا إذا كان مجبورا و مسح عليه وجب المسح ببلة جبيرته على ما يجب مسحه من أعضاء الوضوء.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 257

[ (مسألة 4) إنما ينتقل الى المسح على الجبيرة إذا كانت في موضع المسح بتمامه]

(مسألة 4) إنما ينتقل الى المسح على الجبيرة (1) إذا كانت في موضع المسح بتمامه، و إلا فلو كان بمقدار المسح بلا جبيرة يجب المسح على البشرة مثلا لو كانت مستوعبة تمام ظهر القدم مسح عليها و لو كان من أحد الأصابع و لو الخنصر

الى المفصل مكشوفا وجب المسح على ذلك و إذا كانت مستوعبة عرض القدم مسح على البشرة في الخط الطولي من الطرفين و عليها في محلها.

[ (مسألة 5) إذا كان في عضو واحد جبائر متعددة]

(مسألة 5) إذا كان في عضو واحد جبائر متعددة (2) يجب الغسل أو المسح في فواصلها.

[ (مسألة 6) إذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة]

(مسألة 6) إذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة (3) فإن كان بالمقدار المتعارف مسح عليها و ان كان أزيد من المقدار المتعارف فإن أمكن

______________________________

قوله قده مسألة 4: (إنما ينتقل الى المسح على الجبيرة. إلخ)

حاصله انه إذا كانت الجبيرة مستوعبة لموضع المسح مسح عليها، و إلا مسح على البشرة، إذ لا ضرورة تدعو للمسح عليها، فالمرجع إطلاق أدلة وجوب المسح على البشرة.

قوله قده مسألة 5: (إذا كان في عضو واحد جبائر متعددة. إلخ)

إنما وجب غسل أو مسح ما ظهر من العضو و مسح المجبور لقاعدة الميسور، و ان الضرورات تقدر بقدرها، و لا يبعد تضمن صحيح ابن الحجاج المتقدم الذكر لذلك.

قوله قده مسألة 6: (إذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة.

إلخ)

لا يخفى ان ما كان من الأطراف من لوازم دخوله تحت الجبيرة فحكمه حكمها، و اما إذا زاد على ذلك فإن أمكن رفعها و غسله ثم وضعها و المسح عليها وجب، و إلا يمكن رفعها فتارة مع ذلك يتضرر بغسل ذلك المقدار

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 258

رفعها رفعها و غسل المقدار الصحيح ثم وضعها و مسح عليها و ان لم يمكن ذلك مسح عليها لكن الأحوط ضم التيمم أيضا خصوصا إذا كان عدم إمكان الغسل من جهة تضرر القدر الصحيح أيضا بالماء.

[ (مسألة 7) في الجرح المكشوف إذا أراد وضع طاهر عليه]

(مسألة 7) في الجرح المكشوف إذا أراد وضع طاهر عليه و مسحه يجب أولا أن يغسل (1) ما يمكن من أطرافه ثم وضعه.

______________________________

الزائد على المتعارف، و اخرى لا يتضرر بغسله سوى انه يتضرر برفع الجبيرة، و في الصورتين الأحوط ضم التيمم إلى الطهارة الناقصة لخروج الفرض عن موضوع الجبيرة فلا يلحقه حكمها، بل هو من موضوع الضرر و التضرر باستعمال

الماء الذي تقدم حكمه في الشرط السابع من فصل شرائط الوضوء، و ان حكمه التيمم لما تقدم من الأدلة، و منها صحيحة داود بن سرحان عن الصادق عليه السّلام: في الرجل تصيبه الجنابة و به جرح أو قرح أو يخاف على نفسه من البرد فقال: لا يغتسل و يتيمم، و هذا هو منشأ احتياط المصنف (قده) في ضم التيمم إلى الطهارة الناقصة، خصوصا إذا كان عدم إمكان الغسل من جهة تضرر القدر الصحيح و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 7: (في الجرح المكشوف إذا أراد وضع طاهر عليه و مسحه يجب أولا أن يغسل. إلخ)

إنما وجب غسل الأطراف أولا لئلا يلزم ستره بوضع الطاهر على الجرح، مع أنه من الصحيح الذي يجب غسله، هذا مع انه لا دليل على جواز الإكتفاء بالعملية المذكورة، إذ دليل الجبيرة إنما دل على جواز الإكتفاء بالمسح على الجبيرة المشدودة التي هي من لوازم الكسر و الجرح لا في مثل ما نحن فيه، بل اللازم فيما نحن فيه على ما تقتضيه القواعد الشرعية هو وجوب غسل ما حول الجرح المكشوف و الإكتفاء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 259

[ (مسألة 8) إذا أضر الماء بأطراف الجرح أزيد من المقدار المتعارف]

(مسألة 8) إذا أضر الماء بأطراف الجرح (1) أزيد من المقدار المتعارف يشكل كفاية المسح على الجبيرة التي عليها أو يريد أن يضعها عليها فالأحوط غسل القدر الممكن و المسح على الجبيرة ثم التيمم، و أما المقدار المتعارف بحسب العادة فمغتفر.

[ (مسألة 9) إذا لم يكن جرح و لا قرح و لا كسر]

(مسألة 9) إذا لم يكن جرح و لا قرح و لا كسر، (2) بل كان يضره استعمال الماء لمرض آخر فالحكم هو التيمم لكن الأحوط ضم الوضوء مع وضع خرقة و المسح عليها أيضا مع الإمكان أو مع الاقتصار على ما يمكن غسله

______________________________

بذلك كما هو صريح بعض الأخبار، و الأحوط ضم التيمم لغسل الأطراف لأنه مشمول لأخباره بإطلاقها.

قوله قده مسألة 8: (إذا أضر الماء بأطراف الجرح. إلخ)

منشأ الإشكال في ضم التيمم و عدم كفاية المسح على الجبيرة في الصورة المفروضة هو ما تقدم قريبا في المسألة السادسة من هذا الفصل من خروج الفرض من موضوع الجبيرة ليلحقه حكمها، بل هو من موضوع التضرر باستعمال الماء و ان ذلك حكمه التيمم.

قوله قده مسألة 9: (إذا لم يكن جرح و لا قرح و لا كسر. إلخ)

اما الحكم بوجوب التيمم فهو لاختصاص أخبار الجبيرة بخصوص الكسير و الجريح و القريح كما هو صريح لسانها، و لا تتناول مطلق من يضره الماء مع عدم إطلاق تلك العناوين عليه، و لو عمت لما بقي لأخبار التيمم مورد، و اما الاحتياط في ضم الوضوء اليه بوضع خرقة أو غسل ما حوله فلعله لاحتمال اختصاص أخبار التيمم بما لا يمكن مسحه أو مسح خرقة تشد عليه، و اما ما أمكن فيه ذلك فيجب فيه ذلك لقاعدة الميسور كما هو أحد المحامل في الجمع بين أخبار الطرفين، و الظاهر ان أقرب المحامل

للجمع بين أخبار

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 260

[ (مسألة 10) إذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر غير مواضع الوضوء]

(مسألة 10) إذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر غير مواضع الوضوء (1) لكن بحيث يضر استعمال الماء في مواضعه أيضا فالمتعين التيمم.

[ (مسألة 11) في الرمد يتعين التيمم]

(مسألة 11) في الرمد يتعين التيمم إذا كان استعمال الماء مضرا مطلقا (2) اما إذا أمكن غسل أطراف العين من غير ضرر و انما كان يضر العين فقط فالأحوط الجمع بين الوضوء- بغسل أطرافها و وضع خرقة عليها و مسحها- و بين التيمم.

______________________________

الطرفين، هو ان المراد بأخبار الجبيرة خصوص ما كان عليه الجبيرة مع عده عرفا ميسور تلك الطهارة من وضوء أو غسل بأن لا تستوعب الأعضاء كلها، بل لا تستوعب تمام العضو الواحد، فلا تتناول المكشوف الذي ليس بذي جبيرة و ان كان كسرا أو جرحا، بل حكمه أن يغسل ما حوله و يكتفى به، كما هو صريح بعض الأخبار أو التيمم لشمول أخباره بإطلاقها له، و عموم بدلية التيمم للوضوء عند عدم التمكن من الوضوء التام غير ما استثنى من ذي الجبيرة، و الأحوط ضم التيمم لغسل ما حوله و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 10: (إذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر غير موضع الوضوء. إلخ)

وجوب التيمم في هذه الصورة متعين لشمول اخباره له و خروجه عن أبار الجبائر لاختصاصها بما إذا كانت في موضع الغسل أو المسح.

قوله قده مسألة 11: (في الرمد يتعين التيمم إذا كان استعمال الماء مضرا مطلقا. إلخ)

الأمر كما ذكره لشمول أخباره له و خروجه عن أخبار الجبائر و اما إذا كان يضر بالعين فقط، ففي غسل أطرافها لاحتمال التعدي من مورد النصوص المتقدمة في الجروح المكشوفة إلى الفرض المذكور. و الإكتفاء بذلك بتنقيح المناط، أو التيمم لأنه مشمول لأخباره إذ هو ممن يضره

العمل

الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 261

[ (مسألة 12) محل الفصد داخل في الجروح]

(مسألة 12) محل الفصد داخل في الجروح (1) فلو لم يمكن تطهيره أو كان مضرا يكفى المسح على الوصلة التي عليه ان لم يكن أزيد من المتعارف و إلا حلها و غسل المقدار الزائد ثم شدها، كما أنه إن كان مكشوفا يضع عليه خرقة و يمسح عليها بعد غسل ما حوله، و ان كانت أطرافه نجسة طهرها، و ان لم يمكن تطهيرها و كانت زائدة على القدر المتعارف جمع بين الجبيرة و التيمم.

______________________________

استعمال الماء، و هذا هو الأقرب و الأحوط إعمالهما معا، و أما وضع خرقة و المسح عليها فلا وجه له و لا دليل يدل عليه و لا إشعار به في تلك الروايات بوجه، و اما ما علل به الحكم لذلك كما وقع من صاحب الرياض (قده) بقوله: تحصيلا للأقرب إلى الحقيقة و خروجا عن الشبهة و طلبا للبراءة اليقينية، فأنت خبير بما فيه فان تحصيل الأقرب الى الحقيقة مما لم يقم عليه دليل شرعي و لا عقلي بل مقتضى القاعدة سقوط المأمور به عند تعذره كسقوط جزئه المتعذر، و اما الخروج عن الشبهة فلا يكون سببا للوجوب هنا، لأن الخروج عنها إنما يجب عند الشك في الإتيان بالمكلف به بعد إحراز أصل التكليف و لم يتحقق هنا، لأن الأمر إنما تعلق بغسل الوجوه و الأيدي و مسح الجبائر عند تعذر إيصال الماء الى ما تحتها بصيرورتها بسبب ضرورة التداوي بها و لصوقها بالجسد كأنها منه، و هذا بخلاف وضع الخرقة على هذا الوجه الذي ذكروه، و ليس ما نحن فيه من ذلك فلا تكون الشبهة حينئذ إلا من قبيل الشك في ثبوت التكليف، فينفيه أصل

البراءة، و من هنا يعلم ان طلب البراءة اليقينية في مثل ما نحن فيه ليس واجبا، فعدم وجوب الوضع أقرب و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 12: (محل الفصد داخل في الجروح. إلخ)

نعم لا إشكال في دخوله في الجروح فيجب المسح على الخرقة لو كان مشدودا و غسل ما حوله لو كان مكشوفا، و الأحوط ضم التيمم اليه، و اما وضع خرقة و المسح عليها فقد تقدم انه لا عين له في الأخبار و لا أثر.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 262

[ (مسألة 13) لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح أو نحوه حدث باختياره]

(مسألة 13) لا فرق في حكم الجبيرة بين (1) أن يكون الجرح أو نحوه حدث باختياره على وجه العصيان أم بغير اختياره.

[ (مسألة 14) إذا كان شي ء لاصقا ببعض مواضع الوضوء]

(مسألة 14) إذا كان شي ء لاصقا ببعض مواضع الوضوء (2) مع عدم جرح أو نحوه و لم يمكن إزالته أو كان فيها حرج و مشقة لا تتحمل مثل القير و نحوه يجرى عليه حكم الجبيرة و الأحوط ضم التيمم أيضا.

______________________________

قوله قده مسألة 13: (لا فرق في حكم الجبيرة بين. إلخ)

و ذلك لإطلاق الأدلة.

قوله قده مسألة 14: (إذا كان شي ء لاصقا ببعض مواضع الوضوء.

إلخ)

اما إذا كان لاصقا لعذر فالظاهر عدم الخلاف بينهم في إجراء حكم الجبيرة عليه من نفى التيمم، و ان اختلفوا في كفاية مسحه أو وجوب غسله، فإنه و ان كان خارجا عن مورد نصوص الجبيرة، و لكن يمكن التعدي منه اليه بتنقيح المناط كما اعترف به شيخ مشايخنا الأنصاري في طهارته على ما حكى عنه.

و اما إذا ألصق الحائل بالبشرة عبثا من دون داع اليه أو التصق بها اتفاقا و تعذر نزعه، فالظاهر أنه كالصورة السابقة من اجراء حكم الجبيرة عليه بالمعنى المتقدم من نفى التيمم، و ان اختلفوا فيه عين الخلاف المتقدم من كفاية مسحه أو وجوب غسله، قال في الجواهر: لعل الأقوى في النظر قيام مطلق الحاجب مقام محجوبة مع تعذر الإزالة لخبر المرارة. و فحوى حكم الجبائر بعد إلغاء خصوصية المرض، و للقطع بفساد القول بوجوب التيمم بدل الغسل و الوضوء لمن كان في بدنه قطعة من قير مثلا مدى عمره و غير ذلك مما يظهر بالتأمل. انتهى. و يدل عليه حسنة الوشاء قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الدواء إذا كان على يدي الرجل أ يجزيه

أن يمسح على طلاء الدواء؟

فقال: نعم يجزيه أن يمسح عليه، و ما دل على المسح على الحناء في صحيحة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 263

[ (مسألة 15) إذا كان ظاهر الجبيرة طاهرا]

(مسألة 15) إذا كان ظاهر الجبيرة طاهرا لا يضره نجاسة باطنه (1).

[ (مسألة 16) إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوبا]

(مسألة 16) إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوبا لا يجوز المسح عليه (2)، بل يجب رفعه و تبديله و ان كان ظاهرها مباحا و باطنها مغصوبا فان لم يعد مسح الظاهر تصرفا فيه فلا يضر و الا بطل، و ان لم يمكن نزعه أو كان مضرا فان عد تالفا يجوز المسح عليه، و عليه العوض لمالكه و الأحوط استرضاء المالك أيضا أولا، و ان لم يعد تالفا وجب استرضاء المالك و لو بمثل شراء أو إجارة، و ان لم يمكن فالأحوط الجمع بين الوضوء- بالاقتصار على غسل أطرافه- و بين التيمم.

______________________________

محمد بن مسلم عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحناء ثم يتوضأ للصلاة فقال: لا بأس أن يمسح رأسه و الحناء عليه، و رواية عمر ابن يزيد قال: يمسح فوق الحناء على الضرورة، نعم ظاهر حسنة الوشاء فيما كان الطلاء لعذر بقرينة كونه دواء.

قوله قده مسألة 15: (إذا كان ظاهر الجبيرة طاهرا لا يضر نجاسة باطنه. آه)

و المستند إطلاق الأدلة من الروايات و الإجماعات.

قوله قده مسألة 16: (إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوبا لا يجوز المسح عليه. إلخ)

بلا إشكال في ذلك لمكان النهى عن التصرف في ملك الغير فلا يصح عبادة، للحرمة الموجبة للفساد، و اما إذا كان ظاهرها مباحا و باطنها مغصوبا فالظاهر عدم البأس في المسح على الظاهر المباح، إذ لا يعد التصرف بالظاهر و المسح عليه تصرفا بالباطن المغصوب، و اما ما ذكره في بقية الفروض من الجمع بين الوضوء بالاقتصار على غسل أطرافه و بين التيمم، فالظاهر الذي تقتضيه

القواعد هو كفاية الوضوء، لأن المورد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 264

[ (مسألة 17) لا يشترط في الجبيرة أن تكون مما يصح الصلاة فيه]

(مسألة 17) لا يشترط في الجبيرة أن تكون مما يصح الصلاة فيه (1) فلو كانت حريرا أو ذهبا أو جزء حيوان غير مأكول لم يضر بوضوئه فالذي يضر هو نجاسة ظاهرها أو غصبيته.

______________________________

مورد الجبيرة و قد تعذر المسح عليها للمانع الشرعي فيسقط، و يبقى ما عداه من غسل ما حولها و غسل سائر أجزاء العضو و غسل باقي الأعضاء، و ليست أخبار التيمم ناظرة إلى صورة الجبيرة، و الحاصل انه لما كان المسح على الجبيرة متعذرا شرعا يبقى الإكتفاء بغسل ما حولها بحكم الأدلة الدالة على عدم سقوط الميسور بالمعسور.

(فان قلت) انهم اتفقوا على ان من تعذر عليه الماء لبعض الأعضاء رجع الى التيمم، و لا يشرع في حقه الوضوء الناقص، و ما نحن فيه يصير من قبيل ما يكتفى فيه بالناقص.

(قلت) معقد ذلك الاتفاق إنما هو فيما لو كان الماء غير واف بغسل جميع الأعضاء و إلا فالمعروف بينهم في الجرح المكشوف هو الاكتفاء بغسل ما حوله، لحسنة الحلبي و رواية عبد اللّٰه بن سنان فلا يشمل معقد ذلك الاتفاق أمثال ما نحن فيه و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 17: (لا يشترط في الجبيرة أن تكون مما يصح الصلاة فيه. إلخ)

كما لو كانت من الحرير أو الذهب فلا بأس بالمسح عليها لعدم النهي، إذ ليس نفس التصرف فيما ذكر محرما، و المحرم إنما هو لبسه في الصلاة بل مطلقا، و أين ذلك من حرمة المسح عليه؟ خصوصا إذا كانت الضرورة سوغت استصحابه في الصلاة، و على كل فاطلاقات أدلة الجبيرة تقتضيه.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 265

[ (مسألة 18) ما دام خوف الضرر باقيا يجرى حكم الجبيرة]

(مسألة 18) ما دام خوف الضرر باقيا يجرى حكم الجبيرة (1) و إن احتمل البرء

و لا تجب الإعادة إذا تبين برؤه سابقا نعم لو ظن البرء و زال الخوف وجب رفعها.

[ (مسألة 19) إذا أمكن رفع الجبيرة و غسل المحل]

(مسألة 19) إذا أمكن رفع الجبيرة و غسل المحل لكن كان موجبا لفوات الوقت (2) هل يجوز عمل الجبيرة؟ فيه اشكال، بل الأظهر عدمه و العدول الى التيمم.

______________________________

قوله قده مسألة 18: (ما دام خوف الضرر باقيا يجرى حكم الجبيرة.

إلخ)

لا إشكال في جريان حكم الجبيرة مع بقاء خوف الضرر و عدم انكشاف الخلاف، إذ لا طريق إلى إحراز الضرر سواه، و اما إذا تبين الخلاف و عدم الضرر و البرء سابقا فيشكل الإكتفاء بذلك الوضوء، بل حكمه اعادة الوضوء، لأنه في الواقع وظيفته الوضوء التام الحقيقي، و مجرد خوفه لا يجعله مكلفا بما هو خلاف الواقع، غاية ما في الباب انه كان معذورا ما دام جاهلا، فاذا انكشف الواقع لزمه العمل على مقتضاه، نعم يتم ما ذكره (قده) من عدم الإعادة في هذه الصورة على أحد وجهين:

(الأول) دعوى ان الخوف موضوع لأحكام الجبائر واقعا، لا طريق الى الضرر الواقعي الذي هو الموضوع كما هو ظاهر الأدلة.

(الثاني) ابتناؤه على اقتضاء الأمر الظاهري الأجزاء الذي هو خلاف التحقيق، و اما احتمال ركونه إلى إطلاق رواية كليب الأسدي قال سألت الصادق عليه السّلام عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال: ان كان يتخوف على نفسه فليمسح جبائره و ليصل، ففي إطلاقها إشكال إذ ليس لها نظر من هذه الجهة و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 19: (إذا أمكن رفع الجبيرة و غسل المحل لكن كان موجبا لفوات الوقت. إلخ)

لا إشكال في وجوب التيمم في الفرض

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 266

[ (مسألة 20) الدواء الموضوع على الجرح و نحوه إذا اختلط مع الدم]

(مسألة 20) الدواء الموضوع على الجرح و نحوه إذا اختلط مع الدم و صار كالشي ء الواحد (1) و لم يمكن رفعه بعد البرء بأن كان

مستلزما لجرح المحل و خروج الدم، فان كان مستحيلا بحيث لا يصدق عليه الدم، بل صار كالجلد فما دام كذلك يجرى عليه حكم الجبيرة و ان لم يستحل كان كالجبيرة النجسة يضع عليه خرقة و يمسح عليه.

[ (مسألة 21 قد عرفت أنه يكفى في الغسل أقله]

(مسألة 21 قد عرفت أنه يكفى في الغسل أقله (2) بان يجرى الماء من جزء الى جزء آخر و لو بإعانة اليد فلو وضع يده في الماء و أخرجها و مسح بما يبقى فيها من الرطوبة محل الغسل يكفى و في كثير من الموارد هذا المقدار لا يضر خصوصا إذا كان بالماء الحار و إذا أجرى الماء كثيرا يضر فيتعين هذا

______________________________

المذكور لأهمية الوقت، فحاله حال ما لو ضاق الوقت عن الوضوء التام في جواز التيمم كما دلت عليه الآية و الرواية و اقتضته كلمات الأصحاب و فتاويهم.

قوله قده مسألة 20: (الدواء الموضوع على الجرح و نحوه إذا اختلط مع الدم و صار كالشي ء الواحد. إلخ)

إنما يجب اجراء حكم الجبيرة في المسألة المفروضة من وجوب المسح عليه إذا عد أجنبيا عن البشرة، اما إذا عد جزءا منها بان لا يصدق عليه الدم بل صار كالجلد كما فرضه (قده) فيشكل اجراء حكم الجبيرة عليه، بل الواجب غسله كغسل سائر أجزاء العضو، نعم يجب غسل ما حوله ان لم يصر كذلك لنجاسته و لا دليل على وضع الخرقة كما تقدم منا.

قوله قده مسألة 21: (قد عرفت انه يكفى في الغسل أقله. إلخ)

الميزان هو صدق الغسل في الغسول و ان كان بأقل مراتبه، و لا ينتقل الى حكم الجبيرة إلا بعد تعذر هذا النحو من العمل.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 267

النحو من الغسل و لا يجوز الانتقال الى حكم

الجبيرة فاللازم أن يكون الإنسان ملتفتا لهذه الدقة.

[ (مسألة 22) إذا كان على الجبيرة دسومة لا يضر بالمسح عليها]

(مسألة 22) إذا كان على الجبيرة دسومة لا يضر بالمسح عليها (1) ان كانت طاهرة.

[ (مسألة 23) إذا كان العضو صحيحا لكن كان نجسا]

(مسألة 23) إذا كان العضو صحيحا لكن كان نجسا (2) و لم يمكن تطهيره لا يجرى عليه حكم الجرح بل يتعين التيمم، نعم لو كان عين النجاسة لاصقة به و لم يمكن إزالتها جرى حكم الجبيرة و الأحوط ضم التيمم.

[ (مسألة 24) لا يلزم تخفيف ما على الجرح من الجبيرة]

(مسألة 24) لا يلزم تخفيف ما على الجرح من الجبيرة (3) ان كانت على

______________________________

قوله قده مسألة 22: (إذا كان على الجبيرة دسومة لا يضر بالمسح عليها. إلخ)

و ذلك لصدق المسح على الجبيرة عرفا، و ان كان منشأ الإشكال أي احتمال كان.

قوله قده مسألة 23: (إذا كان العضو صحيحا لكن كان نجسا. إلخ)

إنما تعين عليه التيمم لما تقدم من الوجه في المسألة التاسعة، و حاصله قصور نصوص الجبيرة عن شموله و دخوله تحت عمومات بدلية التيمم عند عدم التمكن من استعمال الماء، هذا إذا لم يكن للنجاسة عين، و اما لو كان عين النجاسة لاصقة به و لم يمكن إزالتها جرى عليه حكم الجرح المكشوف من وجوب غسل ما حوله فإنه و ان كان خارجا عن مورد النصوص المزبورة لكن يمكن التعدي عنه بتقيح المناط و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 24: (لا يلزم تخفيف ما على الجرح من الجبيرة.

إلخ)

التخفيف بالخاء المعجمة لا بالحاء المهملة من الخفة، و هو تقليل طياتها، و الوجه في عدم اللزوم إطلاق الأدلة، هذا فيما لو صدق على ما هو فوق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 268

المتعارف كما أنه لا يجوز وضع شي ء آخر عليها مع عدم الحاجة الا أن يحسب جزءا منها بعد الوضع.

[ (مسألة 25) الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث]

(مسألة 25) الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث لا مبيح. (1)

[ (مسألة 26) الفرق بين الجبيرة التي على محل الغسل و التي على محل المسح من وجوه]

(مسألة 26) الفرق بين الجبيرة التي على محل الغسل و التي على محل المسح من وجوه (2) كما يستفاد مما تقدم: (أحدها) إن الأولى بدل الغسل و الثانية بدل عن المسح (الثاني) إن في الثانية يتعين المسح و في الأولى يجوز الغسل أيضا على الأقوى (الثالث) إنه يتعين في الثانية كون المسح بالرطوبة الباقية في الكف و بالكف و في الأولى يجوز المسح بأي شي ء كان و بأي ماء و لو بالماء الخارجي (الرابع) إنه يتعين في الأولى استيعاب المحل إلا ما بين الخيوط و الفرج و في الثانية يكفي المسمى (الخامس) إن في الأولى الأحسن أن يصير شبيها بالغسل في جريان الماء بخلاف الثانية فالأحسن فيها أن لا يصير شبيها بالغسل (السادس) إن في الأولى لا يكفى مجرد إيصال النداوة بخلاف الثانية حيث أن

______________________________

الجبيرة اسم الجبيرة، اما لو كان ضمه الى ما تحته لغرض آخر كدفع البرد أو الحر أو للتجمل مثلا لا لمدخليته في الجبر لزم رفعه، لعدم صدق الاسم الذي أنيط به الحكم، و لا أقل من الشك فلا يترتب عليه الحكم و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 25: (الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث لا مبيح. اه)

و ذلك لإطلاق الوضوء عليه في لسان الأخبار، و ظاهر الإطلاق الحقيقة فيثبت له غايات الوضوء التام على اختلافها، و منها الرافعية إلا ما أخرجه الدليل.

قوله قده مسألة 26: (الفرق بين الجبيرة التي على محل الغسل و التي على محل المسح من وجوه. إلخ)

حاصل الوجوه التسعة الفارقة هو أن كل بدل يتبع حكم مبدله و ذلك هو ما يقتضيه دليل البدلية و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح

العروة الوثقى، ج 2، ص: 269

المسح فيها يدل عن المسح الذي يكفي فيه هذا المقدار (السابع) إنه لو كان على الجبيرة رطوبة زائدة لا يجب تجفيفها في الأولى بخلاف الثانية (الثامن) إنه يجب مراعاة الأعلى فالأعلى في الأولى دون الثانية (التاسع) إنه يتعين في الثانية إمرار الماسح على الممسوح، بخلاف الأولى فيكفي فيها بأي وجه كان.

[ (مسألة 27) لا فرق في أحكام الجبيرة بين الوضوءات الواجبة و المستحبة]

(مسألة 27) لا فرق في أحكام الجبيرة بين الوضوءات الواجبة و المستحبة (1).

[ (مسألة 28) حكم الجبائر في الغسل كحكمها في الوضوء]

(مسألة 28) حكم الجبائر في الغسل كحكمها في الوضوء (2) واجبة و مندوبة و إنما الكلام في أنه هل يتعين حينئذ الغسل ترتيبا (3) أو يجوز الارتماسي أيضا؟

______________________________

قوله قده مسألة 27: (لا فرق في أحكام الجبيرة بين الوضوءات الواجبة و المستحبة. اه)

و ذلك لإطلاق دليلها و الفارق يحتاج الى دليل.

قوله قده مسألة 28: (حكم الجبائر في الغسل كحكمها في الوضوء.

إلخ)

و ذلك لإطلاق جملة من أخبار الجبائر و خصوص ما عن تفسير العياشي عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال سألت رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضأ صاحبها؟ و كيف يغتسل إذا أجنب؟ قال: يجزيه المسح عليها في الجنابة و الوضوء، الخبر، و صحيحة ابن الحجاج عن ابى الحسن عليه السّلام قال سألته عن الكسير يكون به الجبائر أو يكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء؟ و عند غسل الجنابة و غسل الجمعة؟ قال عليه السّلام: يغسل ما وصل اليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر و يدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله، و لا ينزع الجبائر، و لا يعبث بجراحته. فان مفادها عدم وجوب غسل ما لا يستطيع غسله من البشرة، و أما سكوتها عن وجوب المسح على الجبيرة و الخرقة الملصقة بالجراحة على تقدير كونها معصبة بها فيستفاد من اخبار أخر

قوله قده: (و إنما الكلام في انه هل يتعين حينئذ الغسل ترتيبا. إلخ)

لا أجد وجها لتعينه و لا للمسح على الجبيرة تحت الماء في الارتماسي وفقا لما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 270

و على الثاني هل يجب أن

يمسح على الجبيرة تحت الماء أو لا يجب؟ الأقوى جوازه و عدم وجوب المسح و ان كان الأحوط اختيار الترتيب و على فرض اختيار الارتماس فالأحوط المسح تحت الماء لكن جواز الارتماسي مشروط (1) بعدم وجود مانع آخر من نجاسة العضو و سرايتها إلى بقية الأعضاء أو كونه مضرا من جهة وصول الماء الى المحل.

[ (مسألة 29) إذا كان على مواضع التيمم جرح أو قرح]

(مسألة 29) إذا كان على مواضع التيمم جرح أو قرح (2) أو نحوهما فالحال فيه حال الوضوء في الماسح كان أو في الممسوح.

[ (مسألة 30) في جواز استيجار صاحب الجبيرة إشكال]

(مسألة 30) في جواز استيجار صاحب الجبيرة إشكال، (3)

______________________________

اختاره (قده) و أما ما في الأخبار من وجوب المسح على الجبيرة الذي هو منشأ احتمال الماتن (قده) له فليس الغرض منه إلا إيصال الماء إلى الجبيرة لقيامها مقام البشرة لا لموضوعية في المسح عليها.

قوله قده: (لكن جواز الارتماسي مشروط. إلخ)

لعل الوجه فيه هو الفرار عن إحداث نجاسة زائدة على نجاسة العضو المجبور مع وجود المندوحة عنها بالغسل الترتيبي، و قد تقدم منه (قده) في فصل الصلاة بالمتنجس في المسألة (9) وجوب تخفيف النجاسة ان لم يمكن إزالتها فبذلك المناط لا يجوز التسبب الى احداثها.

قوله قده مسألة 29: (إذا كان على مواضع التيمم جرح أو قرح. إلخ)

و ذلك لما عللوه من ان المتفاهم من عموم الأخبار بدلية الجبيرة عن البشرة من غير فرق بين الطهارات الثلاث.

قوله قده مسألة 30: (في جواز استيجار صاحب الجبيرة إشكال إلخ)

لا وجه للاستشكال في الاستيجار بناءا على ما تقدم منه (قده) في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 271

بل لا يبعد انفساخ الإجارة (1) إذا طرأ العذر في أثناء المدة مع ضيق الوقت عن الإتمام و اشتراط المباشرة، بل إتيان قضاء الصلوات عن نفسه لا يخلو عن إشكال مع كون العذر مرجو الزوال و كذا يشكل كفاية تبرعه عن الغير.

[ (مسألة 31) إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة]

(مسألة 31) إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة لا يجب إعادة الصلاة (2) التي صلاها مع وضوء الجبيرة، و إن كان في الوقت بلا إشكال، بل الأقوى

______________________________

المسألة (25) من ان الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث لا مبيح، و على ما يأتي منه (قده) في المسألة (31) من اقوائية عدم الاحتياج الى التجديد بالنسبة إلى الصلوات اللاحقة بعد البرء، و ما ذاك إلا

حال الوضوء مع الجبيرة حال غيره من الوضوءات الخالية عنها، نعم يتم ما ذكره في هذه المسألة بناءا على أن منصرف الإجارة غير هذا الوضوء الجبيرى، فعليه لا يجوز للأجير الإكتفاء به في إفراغ ذمته في صورة عدم إقدام المستأجر عليه، أو يقال إن رافعيته مختصة في أحكام ذي الجبيرة نفسه و لا تتعدى إلى أحكام غيره ان قام بها ذو الجبيرة، و يبقى الإشكال عليه في عدم كفايته في قضاء الصلوات عن نفسه، مع ما يأتي منه في المسألة الآتية من اقوائية جواز الصلوات الآنية بهذا الوضوء.

قوله قده: (بل لا يبعد انفساخ الإجارة. إلخ)

و ذلك قضاءا لحق الشرطية إذ كما أن القدرة على العمل شرط ابتدائي فهو شرط استمراري و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 31: (إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة لا يجب إعادة الصلاة. إلخ)

اما عدم قضاء الصلاة فلا ريب فيه إذ هو المتيقن من نصوص الباب، و اما إعادتها ففي المنتهى إجماعنا على عدم إعادتها كما عن بعض العامة خلافا للشافعي. انتهى. و حكى عن البحار الإجماع على عدمها، كما هو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 272

جواز الصلوات الآتية بهذا الوضوء في الموارد التي علم كونه مكلفا بالجبيرة، و اما في الموارد المشكوكة التي جمع فيها بين الجبيرة و التيمم فلا بد من الوضوء للأعمال الآتية لعدم معلومية صحة، وضوئه و إذا ارتفع العذر في أثناء الوضوء وجب الاستئناف (1) أو العود الى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها إن لم تفت الموالاة.

[ (مسألة 32) يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة أول الوقت]

(مسألة 32) يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة أول الوقت (2) مع اليأس عن زوال العذر في آخره، و مع عدم اليأس الأحوط التأخير.

______________________________

المحكى عن شرح المفاتيح لا يجب إعادتها

إجماعا، و يشكل ذلك بناءا على عدم جواز البدار لذوي الأعذار خصوصا مع رجاء الزوال فالأقرب حمل الإجماعات المنقولة على عدم الإعادة على صورة ما إذا تضيق الوقت بنظره، أو على صورة عدم الرجاء و انكشف الخلاف فيهما، و لو لا الإجماع لكان القول بالإعادة حتى في الصورتين المذكورتين أقرب لتوقف يقين البراءة عليه، و لانكشاف عدم الأمر الواقعي بها و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و إذا ارتفع العذر في أثناء الوضوء وجب الاستيناف.

إلخ)

و ذلك لأنه لم يتم له الطهارة بعد فيصح أن يخاطب بها على الوجه الذي يقتضيه حال الاختيار، بل يدعى انصراف النصوص عن الفرض و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 32: (يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة أول الوقت.

إلخ)

و ذلك لإطلاق السنة المستفيضة القاضية بشرعية الوضوء الجبيرى بمجرد دخول الوقت و ارادة الصلاة كالوضوء الاختياري، مع ان ما في التضييق من العسر و الحرج و منافاة اليسر الذي هو حكمة شرع المسح على الجبيرة، بل و التعذر على كثير من الناس في كثير من الأوقات، سيما بالنسبة إلى العشائين

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 273

[ (مسألة 33) إذا اعتقد الضرر في غسل البشرة]

(مسألة 33) إذا اعتقد الضرر في غسل البشرة (1) فعمل بالجبيرة، ثم تبين عدم الضرر في الواقع، أو اعتقد عدم الضرر فغسل العضو ثم تبين أنه كان مضرا و كان وظيفته الجبيرة، أو اعتقد الضرر و مع ذلك ترك الجبيرة ثم تبين عدم الضرر و أن وظيفته غسل البشرة، أو اعتقد عدم الضرر و مع ذلك عمل بالجبيرة ثم تبين الضرر، صح وضوؤه في الجميع بشرط حصول قصد القربة منه في الأخيرتين و الأحوط الإعادة في الجميع.

______________________________

و المرضى و العاجزين و النساء و غيرهم، و بما فيه من التغرير

بترك الواجب و فوات فضيلة أول الوقت الذي هو رضوان اللّٰه تعالى، و فوات النوافل المرتبة سيما نافلة العصر التي هي بعد الظهر و نافلة المغرب التي هي بعدها، و بأنه لو كان لاشتهر لتوفر الدواعي إليه، بل كان ينبغي وصوله الى حد الضرورة و نحوها الى غير ذلك من الوجوه، و الأحوط التأخير مع عدم اليأس المدلول عليه بقوله قده (و مع عدم اليأس الأحوط التأخير. اه) خروجا عن خلاف بعض من أوجب التأخير مع عدم اليأس أو مطلقا و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 33: (إذا اعتقد الضرر في غسل البشرة. إلخ)

يشكل الصحة في الصورة الأولى بناءا على عدم اقتضاء الأوامر الظاهرية عقلية كانت أو شرعية، للأجزاء كما هو التحقيق، و اما الصحة في الصورة الثانية فالظاهر ابتناؤها على أن الأوامر الاضطرارية إرفاقية تخفيفا عن المكلفين، و ان ملاك المأمور به التام ثابت، فعليه يكون تكليفه بالإعادة في الصورة المفروضة خلاف الإرفاق، و اما الصحة في الثالثة فابتناؤها على ان الاعتقاد طريق محض لا موضوعية له سوى انه عذر ما دام لم ينكشف الواقع، و اما الصحة في الصورة الرابعة فلإتيانه بما هو وظيفته و تكليفه بالإعادة بعد الإرفاق به خلاف الإرفاق، هذا بناءا على ما ذكره من إمكان قصد القربة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 274

[مسألة 34) في كل مورد يشك في أن وظيفته الوضوء الجبيرى أو التيمم]

(مسألة 34) في كل مورد يشك في أن وظيفته الوضوء الجبيرى أو التيمم الأحوط الجمع بينهما. (1)

[فصل في حكم دائم الحدث]
اشارة

فصل في حكم دائم الحدث (2) المسلوس و المبطون إما أن يكون لهما فترة تسع الصلاة و الطهارة و لو بالاقتصار على خصوص الواجبات و ترك جميع المستحبات أم لا، و على الثاني إما أن يكون خروج الحدث في مقدار الصلاة مرتين أو ثلاث مثلا، أو هو متصل، ففي الصورة الأولى يجب إتيان الصلاة في تلك الفترة سواء كانت في أول الوقت أو وسطه أو آخره و إن لم تسع إلا لإتيان الواجبات اقتصر عليها و ترك جميع المستحبات فلو أتى بها في غير تلك الفترة بطلت، نعم لو اتفق

______________________________

في الصورتين الأخيرتين و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 34: (في كل مورد يشك في أن وظيفته الوضوء الجبيرى أو التيمم الأحوط الجمع بينهما. اه)

احتياطا لازما قضاءا لحق العلم الإجمالي و لا وجه للتوقف فيه.

قوله قده: (فصل: في حكم دائم الحدث. إلخ)

لا يخفى أن المصنف تعرض في هذا الفصل لصور ثلاث، و ذكر لكل حكمها.

(الاولى) ما لو كان للمسلوس و المبطون فترة تسع الطهارة و الصلاة فحكم في هذه الصورة بوجوب إتيان الصلاة في تلك الفترة، سواء كانت أول الوقت أو وسطه أو آخره، كما حكى التصريح بذلك عن المحقق الثاني و الشهيد الثاني و سبطه و كثير من المتأخرين تبعا للتذكرة، بل ربما نسب ذلك الى الأصحاب، بل ربما ادعى إجماعهم عليه كما قيل، و دليلهم زوال الضرورة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 275

عدم الخروج و السلامة إلى آخر الصلاة صحت إذا حصل منه قصد القربة، و إذا وجب المبادرة لكون الفترة في أول الوقت فأخر الى

الآخر عصى لكن صلاته صحيحة.

و أما الصورة الثانية و هي ما إذا لم تكن فترة واسعة إلا أنه لا يزيد على مرتين أو ثلاث أو أزيد بما لا مشقة في التوضؤ في الأثناء و البناء يتوضأ

______________________________

المقتضية لتخفيف في نحو ذلك، سوى ما يحكى عن المقدس الأردبيلي (قده) من عدم وجوب الانتظار و جواز الصلاة له في أول وقتها، لعموم أدلة الأوقات و الصلاة و كون العذر موجبا للتأخير غير متيقن، و للحرج و الضيق في التأخير المنفيان شرعا، و الأقرب ما اختاره المقدس من ثبوت الخطاب بالصلاة على هذا الحال، لما ذكره من الأدلة، و لخصوص الأخبار الواردة في الباب من عدم التعرض فيها لانتظار الفترة في مقام البيان، كما سيتلى عليك قريبا حتى حديث: ما غلب اللّٰه على عباده فهو أولى بالعذر، و قوله عليه السّلام:

إذا لم يقدر على حبسه فاللّه أولى بالعذر فإنه في هذه الحال مغلوب عليه و غير قادر على حبسه، فيشكل ما ذكره المصنف (قده) من قوله: فلو اتى بها في غير تلك الفترة بطلت، و اما الصحة لو صلى في غير تلك الفترة و اتفق عدم الخروج المشار اليه بقوله (نعم) الى قوله: (صحت إذا حصل منه قصد القربة) فلان كشاف انها من إفراد المأمور به، و اما ما ذكره من العصيان لو أخر عن تلك الفترة فلتفويته المأمور به التام، و اما الصحة فلدخوله في موضوع من لا فترة له فتشمله أدلته، هذا و لا يخفى حسن الاحتياط و انتظار الفترة خروجا عن خلاف من ذكر و اللّٰه العالم.

و اما (الصورة الثانية) التي ذكرها المصنف «قده» و هي: ما إذا لم تكن فترة واسعة تسع الطهارة و الصلاة،

و ليس الحدث متصلا بلا فترة،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 276

و يشتغل بالصلاة بعد أن يضع الماء الى جنبه فاذا خرج منه شي ء توضأ بلا مهلة و بنى على صلاته من غير فرق بين المسلوس و المبطون، لكن الأحوط أن يصلى صلاة أخرى بوضوء واحد خصوصا في المسلوس، بل مهما أمكن لا يترك هذا الاحتياط فيه.

______________________________

بل كان بفترات متعددة كالمرتين و الثلاث و الأربع فحكم «قده» في هذه الصورة إذا خرج منه شي ء توضأ بلا مهلة و بنى على صلاته، من غير فرق بين المسلوس و المبطون، و في كلا الحكمين من الوضوء و البناء و عدم الفرق بين المسلوس و المبطون نظر، لقصور نصوص كل من البابين عن شموله للآخر مع انه ليس في نصوص المسلوس ما فيه إشعار بالطهارة و النباء على صلاته، نعم ذلك في نصوص المبطون، و لا وجه لحمل أحدهما على الآخر، أما نصوص المسلوس فهي حسنة منصور بن حازم. قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام الرجل يقطر منه البول و لا يقدر على حبسه، قال فقال لي: إذا لم يقدر على حبسه فاللّه أولى بالعذر، يجعل خريطة، و رواية الحلبي عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال سئل عن تقطير البول قال: يجعل خريطة إذا صلى، و صحيحة حريز عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام انه قال: إذا كان الرجل يقطر منه البول و الدم إذا كان حين الصلاة أخذ كيسا و جعل فيه قطنا ثم علقه عليه و أدخل ذكره فيه ثم صلى يجمع بين صلاتي الظهر و العصر، يؤخر الظهر و يجعل العصر بأذان و إقامتين، و يؤخر المغرب و يعجل العشاء بأذان

و إقامتين، و يفعل ذلك في الصبح، و موثقة سماعة قال سألته عن رجل أخذه تقطير من فرجه إما دم أو غيره قال: فيضع خريطة و ليتوضأ و ليصل فإنما ذلك بلاء ابتلى به فلا يعيدن إلا من الحدث الذي يتوضأ منه، و مكاتبة عبد الرحمن قال: كتبت الى أبى الحسن عليه السّلام في الخصي يبول فيلقى من ذلك شدة و يرى البلل بعد البلل قال:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 277

و أما الصورة الثالثة و هي أن يكون الحدث متصلا بلا فترة (1) أو فترات يسيرة بحيث لو توضأ بعد كل حدث و بنى لزم الحرج يكفى أن يتوضأ لكل صلاة و لا يجوز أن يصلى صلاتين بوضوء واحد نافلة كانتا أو فريضة أو مختلفة هذا إن أمكن إتيان بعض كل صلاة بذلك الوضوء، و أما إن لم يكن كذلك بل كان الحدث مستمرا بلا فترة يمكن إتيان شي ء من الصلاة مع الطهارة فيجوز أن يصلى بوضوء واحد صلوات عديدة و هو بحكم المتطهر الى أن يجيئه حدث آخر من نوم أو نحوه أو خرج منه البول أو الغائط على المتعارف لكن الأحوط في هذه الصورة أيضا الوضوء لكل صلاة و الظاهر أن صاحب سلس الريح أيضا كذلك.

______________________________

يتوضأ و ينتضح في النهار مرة واحدة، و لا يخفى عليك من عدم تعرض الأخبار المتلوة عليك للتوضؤ في أثناء الصلاة و النباء، فضلا أن يكون بلا مهلة كما أنه لا تعرض فيها للمبطون فلا وجه لحمل أحدهما على الآخر، كما انه لا تعرض فيها لانتظار الفترة مع انها في مقام البيان.

(الصورة الثالثة) التي ذكرها المصنف (قده) و هي أن يكون الحدث متصلا بلا فترة.

إلخ)

و قد حكم في هذه الصورة بالوضوء لكل صلاة مع ان إطلاق الأخبار السابقة يدفعه، بل صريح بعضها الاكتفاء بوضوء واحد للصلاتين كما في صحيحة حريز و اللّٰه العالم، و أما من به داء البطن- و هو بالتحريك- فعلى تقدير عدم كون الوضوء فعلا كثيرا ماحيا للصورة هو الوضوء في أثناء الصلاة عند تجدد الحدث و البناء على ما مضى من صلاته، و يدل عليه موثقة ابن مسلم عن الباقر عليه السّلام قال: صاحب البطن الغالب يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقي، و في صحيحة عنه أيضا قال: صاحب البطن الغالب يتوضأ و يبنى على صلاته، و عليهما تحمل صحيحته الأخرى قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المبطون فقال: يبنى على صلاته، فإن أخبارهم يفسر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 278

[ (مسألة 1) يجب عليه المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء]

(مسألة 1) يجب عليه المبادرة (1) إلى الصلاة بعد الوضوء بلا مهلة.

[ (مسألة 2) لا يجب على المسلوس و المبطون أن يتوضأ لقضاء التشهد و السجدة المنسيين]

(مسألة 2) لا يجب على المسلوس و المبطون (2) أن يتوضأ لقضاء التشهد و السجدة المنسيين بل يكفيهما وضوء الصلاة التي نسيا فيها بل و كذا صلاة الاحتياط يكفيها وضوء الصلاة التي شك فيها و ان كان الأحوط الوضوء لها

______________________________

بعضها بعضا، و ان احتمل فيها البناء بلا وضوء، فعليه تحمل الموثقة و الصحيحة الناصتان على الوضوء على الاستحباب، فيوافق أخبار المسلوس في انه لا يجب إلا وضوء واحد، و لا يخفى انه مورد الأخبار فيما إذا كان للمبطون فترة تسع الطهارة و بعض أفعال الصلاة، على وجه لا يكون تجديد الطهارة عند كل حدث مؤديا إلى الحرج، و إلا فلا يجب عليه إلا وضوء واحد عند كل صلاة، و أما ما تقتضيه القواعد في حكم سلس النوم أو الريح فهو تجديد الوضوء عند كل صلاة، و كذا في أثنائها عند تجدد الحدث، و ذلك لقاعدة الشغل اليقيني حتى يعلم الفراغ، و لا يعلم إلا به، ما لم يستلزم فعلا كثيرا ماحيا للصورة، أو يؤدى الى الحرج فيكتفى بالوضوء الواحد لكل صلاة لقوله عليه السّلام: ما غلب اللّٰه على عباده فهو أولى بالعذر، هذا و الاحتياط طريق النجاة و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 1: (يجب عليه المبادرة. إلخ)

و ذلك في غير متصل الحدث، و معه فلا وجه للمبادرة، و اما وجه المبادرة في غير متصلة فهو للدخول فيها على طهارة و ان لم يكن للمبادرة في أخبار الباب ذكر و لا أثر.

قوله قده مسألة 2: (لا يجب على المسلوس و المبطون. إلخ)

أما الاكتفاء بوضوء الصلاة لقضاء التشهد و السجدة المنسيين فلكونهما من اجزاء الصالة

فحكمهما حكمها، و اما صلاة الاحتياط فلأنها و ان كانت برزخا بين الجزئية

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 279

مع مراعاة عدم الفصل الطويل و عدم الاستدبار و أما النوافل فلا يكفيها وضوء فريضتها بل يشترط الوضوء لكل ركعتين منها.

[ (مسألة 3) يجب على المسلوس التحفظ من تعدى بوله]

(مسألة 3) يجب على المسلوس التحفظ من (1) تعدى بوله بكيس فيه قطن أو نحوه و الأحوط غسل الحشفة قبل كل صلاة و أما الكيس فلا يلزم تطهيره و ان كان أحوط و المبطون أيضا إن أمكن تحفظه بما يناسب يجب كما ان الأحوط تطهير المحل أيضا إن أمكن من غير حرج.

[ (مسألة 4) في لزوم معالجة السلس و البطن اشكال]

(مسألة 4) في لزوم معالجة السلس و البطن اشكال (2) و الأحوط المعالجة مع الإمكان بسهولة، نعم لو أمكن التحفظ بكيفية خاصة مقدار أداء الصلاة وجب، و إن كان محتاجا الى بذل مال.

______________________________

و الصلاة المستقلة، و لكنها لما كانت مكملة للصلاة لحقها حكم سائر اجزائها، و أما النوافل فلما كانت صلوات مستقلة لزم فيها تجديد الوضوء بناءا على وجوب التجديد لكل صلاة و ان لم يكن الخارج على نحو الحدث الطبيعي.

قوله قده مسألة 3: (يجب على المسلوس التحفظ من. إلخ)

و ذلك لما دل على شرطية الطهارة من الخبث مع ما دل عليه من الأخبار الخاصة المتقدمة كحسنة منصور بن حازم و رواية الحلبي و صحيحة حريز و موثقة سماعة، و اما غسل الحشفة قبل كل صلاة فالذي يظهر من أخبار الخريطة و الكيس عدم اعتباره، إذ لم يتعرض عليه السّلام لذلك مع انه في مقام البيان، و اما عدم اعتبار غسل الكيس قبل كل صلاة، فلانة من المحمول و مما لا تتم الصلاة به

قوله قده مسألة 4: (في لزوم معالجة السلس و البطن إشكال. إلخ)

وجهه من أن الطهارة من شرائط الواجب المقتضى ذلك لوجوب تحصيله مع القدرة على العلاج، و من قيام السيرة على خلافه مع عدم التعرض له في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 280

[ (مسألة 5) في جواز مس كتابة القرآن للمسلوس و المبطون]

(مسألة 5) في جواز مس كتابة القرآن (1) للمسلوس و المبطون بعد الوضوء للصلاة مع فرض دوام الحدث و خروجه بعده اشكال حتى حال الصلاة إلا أن يكون المس واجبا.

[ (مسألة 6) مع احتمال الفترة الواسعة الأحوط الصبر]

(مسألة 6) مع احتمال الفترة الواسعة الأحوط الصبر (2) بل الأحوط الصبر إلى الفترة التي هي أخف مع العلم بها، بل مع احتمالها لكن الأقوى عدم وجوبه.

[ (مسألة 7) إذا اشتغل بالصلاة مع الحدث]

(مسألة 7) إذا اشتغل بالصلاة مع الحدث (3) باعتقاد عدم الفترة الواسعة و في الأثناء تبين وجودها قطع الصلاة و لو تبين بعد الصلاة أعادها.

______________________________

النصوص المقتضى لعدم وجوبه و هو الأقرب، و اما التحفظ مقدار أداء الصلاة فالأقرب وجوبه مع عدم المشقة لصدق عدم الاضطرار مع إمكان التحفظ في وقت إرادة الصلاة و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 5: (في جواز مس كتابة القرآن. إلخ)

لا يخفى أن استباحة غير الصلاة التي توضأ لها من مس كتابة القرآن و نحوه وجوه:

ثالثها الجواز حال الصلاة خاصة، و لعل الأقرب بناءا على حدثية الخارج منه بغير الاختيار عدم جواز استباحة غيرها، اقتصارا على المتيقن، نعم لو وجب المس بنذر و شبهه وقع التزاحم بين الحكمين، و لا يبعد ان الأقرب الحرمة أيضا و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 6: (مع احتمال الفترة الواسعة الأحوط الصبر.

إلخ)

تقدم منا في أول المبحث ان ظاهر الأدلة عدم وجوب انتظار الفترة مع العلم بها، فعدم الوجوب مع احتمالها أولى و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 7: (إذا اشتغل بالصلاة مع الحدث. إلخ)

قد علم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 281

[ (مسألة 8) ذكر بعضهم أنه لو أمكنهما إتيان الصلاة الاضطرارية]

(مسألة 8) ذكر بعضهم أنه لو أمكنهما إتيان الصلاة الاضطرارية (1) و لو بان يقتصرا في كل ركعة على تسبيحة و يوميا للركوع و السجود مثل صلاة الغريق فالأحوط الجمع بينها و بين الكيفية السابقة، و هذا و ان كان حسنا لكن وجوبه محل منع، بل تكفي الكيفية السابقة.

[ (مسألة 9) من إفراد دائم الحدث المستحاضة]

(مسألة 9) من إفراد دائم الحدث المستحاضة و سيجي ء حكمها (2).

[ (مسألة 10) لا يجب على المسلوس و المبطون بعد برئهما قضاء ما مضى من الصلوات]

(مسألة 10) لا يجب على المسلوس و المبطون بعد برئهما قضاء (3) ما مضى من الصلوات، نعم إذا كان في الوقت وجبت الإعادة.

______________________________

من المسألة السابقة و مما تقدم جواز الاشتغال بالصلاة مع العلم بالفترة، و مع احتمالها فلا يجب القطع و لا الإعادة و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 8: (ذكر بعضهم انه لو أمكنهما إتيان الصلاة الاضطرارية. إلخ)

البعض المنقول عنه هو ابن إدريس (قده) و من شاء فليراجع السرائر، و لكن الأقوى ما ذكره المصنف من أن وجوبه محل منع بل الظاهر من الأدلة كفاية أن يصلى الصلاة المتعارفة و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 9: (من إفراد دائم الحدث المستحاضة و سيجي ء حكمها. اه)

لم نجد في لسان الأخبار من العناوين عنوان دائم الحدث حتى نبحث عن افراده سعة و ضيقا، و إنما الموجود عناوين خاصة مثل المسلوس و المبطون و المستحاضة و لكل منها أحكام خاصة مذكورة في بابه.

قوله قده مسألة 10: (لا يجب على المسلوس و المبطون بعد برئهما قضاء. إلخ)

________________________________________

شبر، سيد على حسينى، العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، 2 جلد، مطبعة النجف، نجف اشرف - عراق، اول، 1383 ه ق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى؛ ج 2، ص: 281

و ذلك لظهور نصوصهما في كفاية ما أتيا به و صحته و اجزائه، و عدم تعرض نصوصهما لقضائه، مع احتياج القضاء إلى أمر جديد و ذلك حتى لو برء و الوقت باق لما تقدم منا من كفاية ما أتى به لإطلاق أدلة الصلاة و الأوقات و غير ذلك فراجع، نعم الاحتياط طريق النجاة و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص:

282

[ (مسألة 11) من نذر أن يكون على الوضوء دائما]

(مسألة 11) من نذر أن يكون على الوضوء دائما (1) إذا صار مسلوسا أو مبطونا الأحوط تكرار الوضوء بمقدار لا يستلزم الحرج و يمكن القول بانحلال النذر و هو الأظهر.

[فصل في الأغسال]

اشارة

فصل في الأغسال و الواجب منها سبعة (2): غسل الجنابة، و الحيض، و النفاس، و الاستحاضة، و مس الميت، و غسل الأموات، و الغسل الذي وجب بنذر و نحوه كان نذر غسل الجمعة أو غسل الزيارة أو الزيارة مع الغسل، و الفرق بينهما أن في الأول إذا أراد الزيارة يجب أن يكون مع الغسل و لكن يجوز أن لا يزور أصلا و في الثاني يجب الزيارة فلا يجوز تركها و كذا إذا نذر الغسل لسائر الأعمال، التي يستحب الغسل لها.

______________________________

قوله قده مسألة 11: (من نذر أن يكون على الوضوء دائما. إلخ)

الأقرب انحلال النذر في المسألة المفروضة للعجز عن الوفاء به الموجب لانحلاله إذ القدرة من الشرائط العامة و خصوص قوله عليه السّلام: ما غلب اللّٰه على عباده فهو أولى بالعذر، هذا مع احتمال وجوبه عليه بملاك وجوبه للصلاة، مع ما عرفت من عدم الدليل على نفى ناقضية البول و الغائط فيهما لعموم ما دل على ناقضيتهما، فيكتفى به في برّ نذره حتى يحدث الحدث الطبيعي ثم يجدده و هكذا و اللّٰه العالم.

قوله قده: (فصل في الأغسال: و الواجب منها سبعة. إلخ)

سيأتي كل في بابه مفصلا بعون اللّٰه تعالى.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 283

[ (مسألة 1) النذر المتعلق بغسل الزيارة و نحوها يتصور على وجوه]
اشارة

(مسألة 1) النذر المتعلق بغسل الزيارة (1) و نحوها يتصور على وجوه:

[ (الأول) أن ينذر الزيارة مع الغسل]

(الأول) أن ينذر الزيارة مع الغسل (2) فيجب عليه الغسل و الزيارة و إذا ترك أحدهما وجبت الكفارة.

[ (الثاني) أن ينذر الغسل للزيارة]

(الثاني) أن ينذر الغسل للزيارة (3) بمعنى أنه إذا أراد أن يزور لا يزور إلا مع الغسل فاذا ترك الزيارة لا كفارة عليه و إذا زار بلا غسل وجبت عليه.

[ (الثالث) أن ينذر غسل الزيارة منجزا]

(الثالث) أن ينذر غسل الزيارة منجزا (4) و حينئذ يجب عليه الزيارة أيضا و إن لم يكن منذورا مستقلا بل وجوبها من باب المقدمة فلو تركهما وجبت كفارة واحدة و كذا لو ترك أحدهما و لا يكفي في سقوطها الغسل فقط و إن كان من عزمه حينه أن يزور فلو تركها وجبت لأنه إذا لم تقع الزيارة بعده لم يكن غسل الزيارة

______________________________

قوله قده مسألة 1: (النذر المتعلق بغسل الزيارة. إلخ)

قال قده:

(الأول: أن ينذر الزيارة مع الغسل. إلخ)

بمعنى ان منذورة شي ء واحد مقيد و هو الزيارة مقيدة بالغسل فلهذا لو تركهما أو ترك أحدهما لم يجب عليه إلا كفارة واحدة، إذ لو ترك الزيارة فقد ترك ذات المنذور، و لو ترك الغسل فقد ترك قيد المنذور الذي يلزم من تركه ترك المنذور، إذ المنذور هو المقيد.

قوله قده (الثاني: أن ينذر الغسل للزيارة. إلخ)

نعم بالمعنى الذي ذكره و هو ان المنذور الزيارة مع الغسل ان اتفقت، فلا تجب الزيارة لأنها غير منذورة، فلا تجب عليه الكفارة لو ترك الزيارة، نعم لو زار و لم يغتسل وجبت عليه الكفارة لترك المنذور و هو ما لو اتفقت الزيارة يغتسل لها و قد اتفقت.

قوله قده (الثالث: ان ينذر غسل الزيارة منجزا. إلخ)

فتجب الزيارة مقدمة لتحصيل الواجب المنجز، فلو تركهما أو ترك أحدهما وجبت

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 284

[ (الرابع) أن ينذر الغسل و الزيارة]

(الرابع) أن ينذر الغسل و الزيارة (1) فلو تركهما وجبت عليه كفارتان و لو ترك أحدهما فعليه كفارة واحدة.

[ (الخامس) أن ينذر الغسل الذي بعده الزيارة]

(الخامس) أن ينذر الغسل الذي بعده الزيارة (2) و الزيارة مع الغسل و عليه لو تركهما وجبت كفارتان و لو ترك أحدهما فكذلك لأن المفروض تقييد كل بالآخر و كذا الحال في نذر الغسل لسائر الأعمال.

[فصل في غسل الجنابة]
اشارة

فصل في غسل الجنابة و هي تحصل بأمرين (3): (الأول) خروج المنى و لو في حال النوم أو

______________________________

كفارة واحدة، إذ بتركهما ترك الواجب المنذور و هو الغسل، و بترك الزيارة ترك لمقدمة الواجب الذي يلزم من تركه ترك الواجب.

قوله قده (الرابع: إن ينذر الغسل و الزيارة. إلخ)

فلو تركهما وجبت عليه كفارتان إذ كل منهما منذور مستقل بنفسه، نعم يشكل ما ذكره من قوله: و لو ترك أحدهما وجبت عليه كفارة واحدة فيما لو كان المتروك الزيارة، إذ لا يتعنون الغسل بغسل الزيارة ما لم تقع بعده، نعم يتم وجوب الكفارة الواحدة فيما لو كان المتروك هو الغسل، و أما لو كان المتروك هو الزيارة فيجب عليه كفارتان كما لو تركا معا، إذ الغسل المأتي به لم يتعنون بعنوان غسل الزيارة فبترك الزيارة تركهما معا.

قوله قده (الخامس: أن ينذر الغسل الذي بعده الزيارة. إلخ

لا أجد فارقا بينه و بين الوجه الأول فعليه لو تركهما أو ترك أحدهما لم تجب إلا كفارة واحدة و اللّٰه العالم.

قوله قده: (فصل في غسل الجنابة: و هي تحصل بأمرين. إلخ)

ان تحقق الجنابة بأحد أمرين (الأول) بالإنزال للمني إلى خارج الجسد، فلو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 285

الاضطرار و إن كان بمقدار رأس الإبرة سواء كان بالوطء أو بغيره مع الشهوة أو بدونها جامعا للصفات أو فاقدا لها مع العلم بكونه منيا و في حكمه الرطوبة المشتبهة الخارجة بعد الغسل مع عدم الاستبراء بالبول

______________________________

تحرك

من الخصية و لم يخرج لم يجنب، سواء كان هذا الإنزال من ذكر أو أنثى، بجماع أو غيره، في يقظة أو نوم، إجماعا فتوى و نصا في الرجل، و اشتهارا تاما في المرأة كاد أن يكون إجماعا، بل حكى الإجماع عليه، و في الصحيح الصادقي عليه السّلام المروي في التهذيب كان على عليه السّلام لا يرى في شي ء الغسل إلا في الماء الأكبر، و في الحسن عن المفخذ عليه غسل؟ قال: نعم إذا أنزل، و في الموثق عن الرجل يرى في ثوبه المنى بعد ما يصبح و لم يكن رأى في المنام أنه احتلم، قال: فليغتسل و ليغسل ثوبه و يعيد صلاته، و في الصحيح المروي في التهذيب عن المرأة ترى أن الرجل يجامعها في المنام في فرجها حتى تنزل قال: تغتسل، و في آخر عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل عليها غسل؟ قال: نعم و لا تحدثوهن فيتخذنه علة، و في ثالث عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل قال: إن أنزلت فعليها الغسل، و ان لم تنزل فليس عليها الغسل، و نحوها كثير و لكن بإزائها ما يدل على نفى الغسل عنها إذا أمنت من غير جماع، كما عن ظاهر المقنع للصحيح الصادقي: الرجل يضع ذكره على فرج المرأة فيمني عليها غسل؟ فقال: ان أصابها من الماء شي ء فلتغسله، و ليس عليها شي ء، إلا أن يدخله، قلت فإن أمنت هي و لم يدخله؟

قال: ليس عليها الغسل، و في آخر المرأة تحتلم في المنام فتهريق الماء الأعظم؟

قال: ليس عليها غسل، و في الخبر قلت له هل على المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل؟ قال: لا و أيكم يرضى أو

يصبر على ذلك أن يرى ابنته

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 286

و لا فرق بين خروجه من المخرج المعتاد أو غيره (1)، و المعتبر خروجه الى خارج البدن (2) فلو تحرك من محله و لم يخرج لم يوجب الجنابة، و أن يكون منه فلو خرج من المرأة مني الرجل (3) لا يوجب جنابتها إلا مع العلم باختلاطه بمنيّها،

______________________________

أو أخته أو امه أو زوجته أو أحدا من قرابته قائمة تغتسل، فيقول مالك؟

فتقول: احتلمت و ليس لها بعل، ثم قال: لا ليس عليهن ذلك، و قد وضع اللّٰه ذلك عليكم، قال تعالى (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) و لم يقل ذلك لهن و نحوها غيرها، و حينئذ فتحمل الأخبار الأولة على الاستحباب و هو قوى لو لا عمل الأصحاب، مع ان هذه الأخبار بمرأى منهم و مسمع و هم الواسطة في إيصالها إلينا، جزاهم اللّٰه خير جزاء المحسنين، فالعمل بالاحتياط في المورد متعين لازم و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و لا فرق بين خروجه من المخرج المعتاد أو غيره. إلخ)

و مستنده (قده) في ذلك إطلاق الأدلة بخروج الماء الأعظم من حيث ذاته من غير اعتبار وصف فيه، و فيه نظر بل منع، لانصراف المطلقات الى المتعارف المعتاد مع أصالة براءة الذمة فيما عداه من وجوب الغسل، نعم لو انسد الموضع المعتاد و صار غيره معتادا جرى عليه الحكم و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و المعتبر خروجه الى خارج البدن. إلخ)

لظاهر النصوص و الفتاوى، بل صريح بعضها.

قوله قده: (و ان يكون منه فلو خرج من المرأة مني الرجل. إلخ)

و ذلك كما تدل عليه صحيحة سليمان بن خالد المتضمنة للسؤال عن المرأة يخرج منها شي ء من بعد الغسل فقال:

لا تعيد، و علله بأن ما يخرج من المرأة إنما هو ماء الرجل، و صحيحة منصور مثلها، و رواية عبد الرحمن البصري قال

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 287

و إذا شك في خارج أنه منىّ أم لا اختبر (1) بالصفات من الدفق و الفتور و الشهوة فمع اجتماع هذه الصفات يحكم بكونه منيا و إن لم يعلم بذلك و مع عدم اجتماعها و لو بفقد واحد منها لا يحكم به إلا إذا حصل العلم، و في المرأة و المريض يكفى اجتماع صفتين (2) و هما الشهوة و الفتور.

______________________________

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المرأة تغتسل من الجنابة ثم ترى نطفة الرجل بعد ذلك هل عليها غسل؟ فقال: لا.

قوله قده: (إذا شك في خارج انه منى أم لا اختبر. إلخ)

كما يفصح عن ذلك صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن الرجل يلعب مع المرأة و يقبلها فيخرج منه المنى فما عليه؟ قال: إذا جاءت الشهوة و دفع و فتر لخروجه فعليه الغسل، و ان كان إنما هو شي ء لم يجد له فترة و لا شهوة فلا بأس.

قوله قده: (و في المرأة و المريض يكفى اجتماع صفتين. إلخ)

أما المريض فلصحيحة ابن أبى يعفور عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال قلت له الرجل يرى في المنام و يجد الشهوة فيستيقظ فينظر فلا يجد شيئا ثم يمكث الهوينى بعد فيخرج قال: ان كان مريضا فليغتسل، و ان لم يكن مريضا فلا شي ء عليه، قلت فما فرق بينهما؟ قال: لان الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة قوية، و ان كان مريضا لم يجي ء إلا بعد و صحيحة معاوية بن عمار

قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل احتلم فلما انتبه وجد بللا قليلا قال: ليس بشي ء إلا أن يكون مريضا فإنه يضعف فعليه الغسل، و صحيحة زرارة قال: إذا كنت مريضا فأصابتك شهوة فإنه ربما كان هو الدافق لكنه يجي ء مجيئا ضعيفا ليس له قوة لمكان مرضك ساعة بعد ساعة قليلا قليلا فاغتسل منه، هذا في المريض.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 288

(الثاني) الجماع و إن لم ينزل (1) و لو بإدخال الحشفة، أو مقدارها من مقطوعها في القبل أو الدبر من غير فرق بين الواطى و الموطوء و الرجل و المرأة و الصغير و الكبير و الحي و الميت و الاختيار و الاضطرار، في النوم أو اليقظة

______________________________

و أما المرأة فلم تتعرض لها نصوص الباب فالظاهر عدم الفرق بين الرجل و المرأة في الأحكام المذكورة، ففي حال صحتها لا يجب عليها الغسل مع الاشتباه إلا إذا اجتمعت الأوصاف الثلاثة المذكورة التي هي طريق علمي لمعرفة المنى بشهادة الشرع و العرف، و في حال مرضها كفت الشهوة للأخبار المتقدمة، و اختصاص موردها بالرجل لا يوجب قصر الحكم عليه، خصوصا مع عموم العلة المنصوصة المقتضية لعموم الحكم، نعم ربما يقال بكفاية الشهوة في حقها مطلقا تعبدا و لو في حال صحتها لاستفاضة الأخبار بأنه إذا أنزلت المرأة من شهوة فعليها الغسل، و لكن الإنصاف ان هذه الأخبار مسوقة لبيان أن عليها الغسل بالإنزال، و ان تقييد الموضوع بما أنزلته عن شهوة إنما هو لكونها طريقا عاديا للعلم بتحقق الموضوع، و كونها كذلك مانعا من ظهورها في إرادة التعبد بطريقية الشهوة في الأفراد النادرة التي لا يحصل بسببها العلم بكونه هو الماء الأعظم، و

لكن الاحتياط في حقها مما لا ينبغي تركه و اللّٰه العالم.

قوله قده (الثاني: الجماع و ان لم ينزل. إلخ)

لا يخفى أن إيلاج الحشفة أو قدرها من مقطوعها فاعلا أو مفعولا في قبل حيّ أو ميت، أنزل أو لم ينزل موجب للغسل إجماعا كما في المدارك و شرح الدروس، للصحيح الرضوي عليه السّلام في الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان، متى يجب الغسل؟

فقال: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فقلت التقاء الختانين هو غيبوبة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 289

حتى لو أدخلت حشفة طفل رضيع فإنهما يجنبان و كذا لو أدخلت ذكر ميت

______________________________

الحشفة؟ قال: نعم، و في آخر: إذا وقع الختان على الختان فقد وجب الغسل البكر و غير البكر، و نحوهما كثير.

و اما الدبر فإيجابه الغسل على الفاعل و المفعول و ان لم ينزل فهو المشهور بل ادعى المرتضى عليه إجماع المسلمين، بل كونه ضروري الدين خلافا للشيخ في الاستبصار و ظاهر النهاية في دبر المرأة، كما عن ظاهر الصدوق و سلار فلم يوجبوه به لأصالة براءة الذمة و أصالة عدم انتقاض الطهارة، و لظاهر الصحيح المروي في التهذيب عن الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّٰه عليه السّلام عن الجرل يصيب المرأة فيما دون الفرج أ عليها غسل ان هو أنزل و لم تنزل هي؟ قال: ليس عليها غسل، و إن هو لم ينزل فليس عليه غسل، و صريح المرفوع المروي في التهذيب عن الصادق عليه السّلام قال: إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما، فإن أنزل فعليه الغسل و لا غسل عليها، و عورض بادعاء السيد الإجماع، بل الضرورة على الوجوب، و دلالة بعض العمومات عليه

كالصحيح الزراري الباقرى المروي في التهذيب قال: جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم: فقال ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها و لا ينزل؟ فقالت الأنصار: الماء من الماء، و قال المهاجرون: إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل، فقال عمر لعلى عليه السّلام ما تقول يا أبا الحسن؟

فقال على عليه السّلام: أ توجبون عليه الحد و الرجم و لا توجبون عليه صاعا من ماء الحديث، حيث ا ننكر عليهم وجوب الحد دون الغسل، و فيه دلالة على متابعته له في الوجوب و الحد واجب هنا إجماعا نصا و فتوى فيجب الغسل، و بالمرسل المروي في الاستبصار عن حفص بن سوقة عمن أخبره عن الصادق عليه السّلام عن الرجل يأتي أهله من خلفها قال: هو أحد المأتيين فيه الغسل،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 290

أو أدخل في ميت و الأحوط في وطء البهائم من غير إنزال الجمع بين الغسل و الوضوء ان كان سابقا محدثا بالأصغر.

______________________________

و هو نص في وجوبه على الرجل خاصة، و الروايات الأخر في نفى وجوبه على المرأة بلا معارض، فلربما يدعى الجمع بين الأدلة بذلك، و هو مع كونه خرقا للإجماع المركب لا تلتئم عليه جميع الأدلة، فالأحوط الإتيان بالغسل كما اختاره المصنف (قده).

و كذا الخلاف في دبر الغلام، فالسيد و جماعة على الوجوب للإجماع المركب قال السيد: كل من أوجب الغسل بالغيبوبة في دبر المرأة أوجبه في دبر الذكر و لقوله عليه السّلام أ توجبون عليه الجلد و الرجم و لا توجبون عليه صاعا من ماء، و قوله عليه السّلام إذا أدخله وجب الغسل، و المحقق في المعتبر على العدم للأصل

و عدم النص، و مفهوم قوله: إذا التقى الختانان، و لا نص فيه و لذا تردد فيه جماعة كما عن المبسوط و مختصر النافع.

و اما في فرج البهيمة بدون إنزال ففيه قولان الوجوب كما عن السيد و صوم المبسوط و المختلف و الذكرى للإنكار و الإدخال المتقدمين، و العدم كما عن الخلاف و الجامع و المعتبر للأصل و عدم النص، و حمل الإطلاق على المتعارف.

و ظاهر كلام جملة من الأصحاب في وطء الميت لما تقدم من الإطلاقات و العمومات، و ما دل على ان حرمة الميت كحرمة الحي.

و هل يتعلق الحكم بإيلاج الصبي و الصبية؟ لعموم قوله إذا التقى الختانان و إذا أدخله، أم لا؟ لأصالة البراءة و ظهور الأدلة في المكلفين، قولان استقرب أولهما في الدروس، و تظهر الثمرة في منعهم من المساجد و مس

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 291

و الوطء في دبر الخنثى (1) موجب للجنابة دون قبلها إلا مع الانزال فيجب الغسل عليه دونها إلا ان تنزل هي أيضا، و لو أدخلت الخنثى (2) في الرجل أو الأنثى مع عدم الانزال لا يجب الغسل على الواطئ و لا على الموطوء، و إذا أدخل الرجل بالخنثى، و الخنثى بالأنثى (3) وجب الغسل على الخنثى دون الرجل و الأنثى.

______________________________

المصحف و قراءة العزائم، و وجوب الغسل عليهم بعد البلوغ، و لو كان أحد الطرفين بالغا وجب عليه قطعا.

قوله قده: (و الوطء في دبر الخنثى. إلخ)

للعلم بأنه وطء في الفرج دون قبلها، لجواز كونها ثقبة كسائر ثقوب البدن إلا مع الإنزال، فيجب على الواطئ من حيث الإنزال، و لا يجب على الموطوئة لعدم العلم بأنها وطئت بفرجها، بل لجواز كونها ثقبة زائدة.

قوله قده:

(و لو أدخلت الخنثى. إلخ)

لعدم العلم بان ما أدخلته في الرجل أو الأنثى آلة رجولية، لجواز أن يكون سلعة زائدة، فحالها كحال ما لو أدخلت إصبعها، و كما لا يجب عليها الغسل من حيث انها واطئة لا يجب على الموطوء ذكرا كان أو أنثى لعدم العلم بأن الآلة المدخلة فيهما آلة رجولية، بل لجواز أن تكون سلعة زائدة.

قوله قده: (و لو دخل الرجل بالخنثى و الخنثى بالأنثى. إلخ)

إنما وجب الغسل على الخنثى للعلم بجنابتها، اما من حيث انها واطئة أو من حيث انها موطوئة، إذ على فرض رجوليتها فقد وطأت، و على فرض أنوثيتها فقد وطئت، و اما عدم وجوب الغسل على الرجل فلعدم العلم بان ما وطئه فرجا لجواز كونها ثقبة، و كذلك عدم وجوب الغسل على الأنثى لعدم العلم بأن آلة الوطء آلة رجولية لجواز كونها سلعة زائدة و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 292

[مسائل]
[ (مسألة 1) إذا رأى في ثوبه منيا و علم انه منه و لم يغتسل بعده]

(مسألة 1) إذا رأى في ثوبه منيا و علم انه منه (1) و لم يغتسل بعده وجب عليه الغسل و قضاء ما تيقن من الصلوات التي صلاها بعد خروجه، و اما الصلوات التي يحتمل سبق الخروج عليها فلا يجب قضاؤها، و إذا شك في أن هذا المنى منه أو من غيره لا يجب عليه الغسل و ان كان أحوط خصوصا إذا كان الثوب مختصا به، و إذا علم أنه منه و لكن لم يعلم أنه من جنابة سابقة اغتسل منها أو جنابة أخرى لم يغتسل لها لا يجب عليه الغسل أيضا لكنه أحوط.

______________________________

قوله قده مسألة 1: (إذا رأى في ثوبه منيا و علم انه منه. إلخ)

حاصل ما في هذه المسألة هو أن المكلف إذا

علم ان الجنابة منه وجب عليه الغسل، و قضاء ما علم وقوعه من الصلوات حال الجنابة، و اما إذا شك في أن هذا المنى منه، أو من غيره، أو علم انه منه و لكن لم يعلم انه من جنابة سابقة اغتسل منها أو جنابة أخرى لم يغتسل لها فليس عليه شي ء، لاستصحاب الطهارة المتيقنة في كلا شقي المسألة، و استدل أيضا للشق الثاني من شقي منشأ الشك و هو ما لو علم انه منه و لكن لم يعلم انه من جنابة سابقة اغتسل منها أو جنابة أخرى لم يغتسل لها، برواية أبي بصير عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يصيب بثوبه منيا و لم يعلم انه احتلم قال: ليغسل ما وجد بثوبه و ليتوضأ، بدعوى ان قوله عليه السّلام و ليتوضأ بحسب الظاهر مسوق لبيان عدم وجوب الغسل و كفاية الوضوء لأجل صلاته، لا أنه يجب عليه الوضوء بسبب رؤية المني بثوبه، و ادعى معارضتها بموثقة سماعة قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل ينام و لم ير في نومه انه قد احتلم فوجد في ثوبه أو على فخذه الماء هل عليه غسل؟ قال:

نعم، و موثقته الأخرى عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يرى في ثوبه المنى بعد ما يصبح و لم يكن رأى في منامه أنه قد احتلم قال: فليغتسل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 293

[ (مسألة 2) إذا علم بجنابة و غسل و لم يعلم السابق منهما]

(مسألة 2) إذا علم بجنابة و غسل و لم يعلم السابق (1) منهما وجب عليه الغسل إلا إذا علم زمان الغسل دون الجنابة فيمكن استصحاب الطهارة حينئذ.

[ (مسألة 3) في الجنابة الدائرة بين شخصين لا يجب الغسل]

(مسألة 3) في الجنابة الدائرة بين شخصين لا يجب (2) الغسل على واحد منهما و الظن كالشك و ان كان الأحوط فيه مراعاة الاحتياط فلو ظن أحدهما أنه الجنب دون الأخر اغتسل و توضأ إن كان مسبوقا بالأصغر.

______________________________

و ليغسل ثوبه و يعيد صلاته، و قد ذهب علماؤنا الأعلام (أعلى اللّٰه مقامهم) في توجيه الطائفتين إلى وجوه و محامل، منها ما ذهب اليه الشيخ، و كثير ممن تأخر من حمل الموثقتين على الثوب المختص، و رواية أبي بصير على المشترك جمعا بينهما، و منهم من جمع بينهما بحمل الموثقتين على التقية، فعن أبي حنيفة و محمد و مالك و الثوري و غيرهم وجوب الغسل على من وجد على فراشه و نحوه منيا، و منهم من جمع بينها بوجوه آخر، و الذي يقتضيه الإنصاف ان لسان الموثقتين و رواية أبي بصير لسان واحد سؤالا فالأقرب الأخذ برواية أبي بصير على ظاهرها و هو ما تقتضيه القاعدة من استصحاب الطهارة المتيقنة و عدم وجوب الغسل، و حمل الموثقتين على استحباب الغسل و ذلك هو ما يقتضيه الجمع العرفي بين افعل و لا تفعل و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 2: (إذا علم بجنابة و غسل و لم يعلم السابق. إلخ)

تقدم الكلام في هذه المسألة مفصلا في المسألة السابعة و الثلاثين من مسائل فصل شرائط الوضوء صحيفة 170، و اخترنا هناك وجوب الوضوء و نختار هنا وجوب الغسل، جهل التأريخان أو علم تاريخ أحدهما على حد سواء، و من أراد التفصيل فليراجع ما

تقدم و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 3: (في الجنابة الدائرة بين شخصين لا يجب. إلخ)

إنما لم يجب الغسل على واحد منهما لاستصحاب الطهارة المتيقنة في كل منهما،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 294

[ (مسألة 4) إذا دارت الجنابة بين شخصين]

(مسألة 4) إذا دارت الجنابة بين شخصين لا يجوز لأحدهما الاقتداء بالآخر (1) للعلم الإجمالي بجنابته أو جنابة امامه، و لو دارت بين ثلاثة يجوز لواحد

______________________________

و لا يعارضه استصحاب عدم كونه من الغير الذي يشاركه في الثوب، لما عرفته من ان العلم الإجمالي إنما يمنع من إجراء الأصول في أطراف الشبهة إذا كان، مؤثرا في تنجيز التكليف على كل تقدير، فحيث لا يجب عليه الغسل على تقدير كون الجنب غيره لا يمنع علمه الإجمالي بالجنابة المرددة بينه و بين الغير من استصحاب الطهارة و البناء على عدم وجوب الغسل عليه و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 4: (إذا دارت الجنابة بين شخصين لا يجوز لأحدهما الاقتداء بالآخر. إلخ)

و ذلك للعلم التفصيلي بفساد صلاته الناشئ من العلم الإجمالي بجنابته أو جنابة إمامه وفاقا للمصنف (قده) و الشهيدين في البيان و المسالك، و المحققين في المعتبر و جامع المقاصد و غيرهم، كما حكى عنهم لمعلومية ان الطهارة من الشرائط الواقعية، و لذا يجب القضاء بعد الانكشاف و الاستصحاب و نحوه طريق لجواز الإقدام ما لم يعلم مخالفته للواقع و إلا فلا عبرة به، و لا ريب في علم المأموم مثلا ببطلان صلاته على كل حال، و دعوى عدم حصول الحدث إلا مع تحقق الانزال من شخص بعينه كما ذهب إليه جماعة آخرون واضحة البطلان، و إلا لم يجب الغسل و غيره بعد الانكشاف و هو باطل إجماعا، و لا يلزم من انتفاء الحكم

التكليفي بالإجماع انتفاء الحكم الوضعي كما هو واضح، فما عن الفاضل و كثير منهم من إلغائه ما دام الاشتباه فيجوز ذلك كله بصحة صلاتهما شرعا، و أصالة عدم اشتراط ما زاد على ذلك و لأن ذلك كدخول المساجد و قراءة العزائم و نحوهما دفعة، واضح الضعف

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 295

أو الاثنين منهم الاقتداء بالثالث لعدم العلم حينئذ و لا يجوز لثالث علم إجمالا بجنابة أحد الاثنين أو أحد الثلاثة (1) الاقتداء بواحد منهما أو منهم إذا كانا أو كانوا محل الابتلاء له و كانوا عدولا عنده و الا فلا مانع و المناط علم المقتدى بجنابة أحدهما لا علمهما فلو اعتقد كل منهما عدم جنابته و كون الجنب هو الآخر أو لا جنابة لواحد منهما و كان المقتدى عالما كفى في عدم الجواز، كما أنه لو لم يعلم المقتدى إجمالا بجنابة أحدهما و كانا عالمين بذلك لا يضر باقتدائه.

[ (مسألة 5) إذا خرج المني بصورة الدم وجب الغسل أيضا]

(مسألة 5) إذا خرج المني بصورة الدم وجب (2) الغسل أيضا بعد العلم بكونه منيا.

______________________________

لمنع الصحة الواقعية فيهما، و لذا لم يسقط القضاء و لما دل على اعتبار العدد في الجمعة مثلا، فإنه ظاهر بل صريح في اعتبار إمكان صحة صلاة الجميع واقعا و مثله الايتمام، نعم ما لم ينته الى العلم بالبطلان كما لو دارت بين ثلاثة يجوز لواحد أو الاثنين منهم الاقتداء بالثالث كما ذكره (قده) لعدم العلم حينئذ بالبطلان، لجواز أن يكون الجنب أحد المأمومين دون المأموم الآخر و أمامه، فيكون من العلم الإجمالي الغير المؤثر في تنجز التكليف و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و لا يجوز لثالث علم بجنابة أحد الاثنين أو أحد الثلاثة.

إلخ)

إذ لو كان الثالث خارجا من أطراف

الشبهة و أراد الائتمام بأحد طرفي الشبهة أو بأحد أطرافها فيما لو كان أكثر من اثنين، يكون الطرفان أو الأطراف بالنسبة إليه من الشبهة المحصورة التي ينتجز عليه اجتنابها إذا كانا أو كانوا محل ابتلائه.

قوله قده مسألة 5: (إذا خرج المني بصورة الدم وجب. إلخ)

في وجوب الغسل إذا لم يستحل إلى صورة المنى اشكال و الأقرب عدم الوجوب و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 296

[ (مسألة 6) المرأة تحتلم كالرجل]

(مسألة 6) المرأة تحتلم كالرجل (1)، و لو خرج منها المني حينئذ وجب عليها الغسل، و القول بعدم احتلامهن ضعيف.

[ (مسألة 7) إذا تحرك المني في النوم عن محله بالاحتلام]

(مسألة 7) إذا تحرك المني في النوم عن محله بالاحتلام و لم يخرج الى خارج (2) لا يجب الغسل كما مر فاذا كان بعد دخول الوقت و لم يكن عنده ماء

______________________________

قوله قده مسألة 6: (المرأة تحتلم كالرجل. إلخ)

تقدمت الأخبار المسؤول فيها عن حكم احتلام المرأة و أجوبة الأئمة الطاهرين عن حكمها، و هي صريحة في تقريرهم (ع) على احتلامها فالقول بعدم احتلامها ضعيف كما ذكره (قده).

قوله قده مسألة 7: (إذا تحرك المني في النوم عن محله بالاحتلام و لم يخرج الى خارج. إلخ)

اما عدم إيجابه الغسل إذا لم يخرج الى خارج فإجماعا فتوى و نصا، و اما وجوب حبسه بعد دخول الوقت و لم يكن عنده ماء للغسل أو عدم وجوبه قولان، و ليعلم أولا أن الذي يظهر من عبارة المصنف انه لا اشكال عنده في عدم وجوب حبسه إذا كان قبل الوقت مع ان المسألة فيه أيضا ذات قولين، و قد استدل فيه على عدم الوجوب بالأصل و انه من المشروط الذي لا تجب مقدمته كما هو ظاهر المشهور، بل في المختلف على ما حكى عنه الإجماع على انه قبل الوقت غير مأمور بالصلاة و لا بشي ء من شرائطها، و استدل على الوجوب فيه بدعوى انه لا فرق في قبح الفرار من عهدة امتثال التكليف باحداث العجز بالإخلال بشي ء من مقدماته الوجودية بين كونه قبل حضور زمان الفعل أو بعده مع تفصيل ذكروه في بابه يطول ذكره و شرحه و من أراده فليراجع، هذا كله قبل دخول الوقت.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2،

ص: 297

للغسل هل يجب عليه حبسه عن الخروج أو لا؟ الأقوى عدم الوجوب و إن لم يتضرر به بل مع التضرر يحرم ذلك فبعد خروجه يتيمم للصلاة، نعم لو توقف إتيان الصلاة في الوقت على حبسه بان لم يتمكن من الغسل و لم يكن عنده ما يتيمم به و كان على وضوء بأن كان تحرك المني في حال اليقظة و لم يكن في حبسه ضرر عليه لا يبعد وجوبه فإنه على التقادير المفروضة لو لم يحبسه لم يتمكن من الصلاة في الوقت و لو حبسه يكون متمكنا.

______________________________

و اما بعد دخول الوقت فقد فصل المصنف (قده) بين ما لو كان عنده ما يتيمم به و كان على وضوء بان كان تحرك المني في حال اليقظة و بين ما لم يكن عنده ما يتيمم به، فجوّز عدم الحبس في الأول و أوجب الحبس في الثاني.

و وجه عدم الوجوب في الأول هو تمكنه من التيمم و صحة الصلاة معه، فتعذر الغسل لا يؤثر إلا في فوت الواجب الغيري من دون أن يترتب عليه فوت الغير الذي وجب لأجله، فلا مقتضى للعقاب حتى من باب التجري و لو على القول بكون ترك المقدمة من حيث هو منشأ لاستحقاق العقاب إذ لا تجري بعد عزمه على الخروج من عهدة الواجب النفسي في آخر وقته بحسب ما يقتضيه تكليفه، و اما استحقاق العقاب بترك المقدمة من حيث هو و ان قلنا به فهو فيما إذا كانت منحصرة لا في مثل الفرض الذي يتمكن المكلف من إيجاد ذي المقدمة بشرائطه المعتبرة شرعا في زمان لا يتوقف على هذه المقدمة، و يؤيده ما يأتي في المسألة الآتية إن لم نقل أنه من جزئياتها

من جواز إجناب المرء نفسه و ان لم يقدر على الغسل و كان بعد دخول الوقت، هذا بخلاف من كان على وضوء فلا يجوز نقضه في الفرض المذكور، و الفارق النص كما سيأتي ان شاء اللّٰه.

و اما وجوب الحبس في الثاني و هو فيما لم يكن عنده ما يتيمم به لأنه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 298

[ (مسألة 8) يجوز للشخص إجناب نفسه و لو لم يقدر على الغسل]

(مسألة 8) يجوز للشخص إجناب نفسه و لو لم يقدر على الغسل (1) و كان بعد دخول الوقت، نعم إذا لم يتمكن من التيمم أيضا لا يجوز ذلك، و اما في الوضوء فلا يجوز لمن كان متوضئا و لم يتمكن من الوضوء لو أحدث أن يبطل وضوءه إذا كان بعد دخول الوقت ففرق في ذلك بين الجنابة و الحدث الأصغر و الفارق النص.

______________________________

لو لم يحبسه لزم فوات الصلاة في الوقت مع تمكنه من إتيانها بحبسه، هذا كله في ما لم يكن في حبسه ضرر عليه لما دل على حرمة الضرر من حديث الرفع و عدم الحرج و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 8: (يجوز للشخص إجناب نفسه و لو لم يقدر على الغسل. إلخ)

المراد بالنص الفارق بين جواز إجناب الشخص نفسه و بين عدم جواز نقض الوضوء لمن كان متوضئا المشار اليه بقوله (قده) و الفارق النص هو خبر إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يكون مع أهله في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله؟ فقال: ما أحب أن يفعل ذلك إلا أن يكون شبقا أو يخاف على نفسه، قال يطلب بذلك اللذة؟ قال: هو حلال، فإنه بإطلاقه يتناول ما لو كان بعد دخول الوقت، و قد ادعى في المعتبر الإجماع على

الجواز على ما حكى عنه كما يشهد له خبر السكوني ان أبا ذر أتى النبي صلّى اللّٰه عليه و آله فقال: يا رسول اللّٰه هلكت جامعت على غير ماء قال: فأمر النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم بمحمل فاستترنا به و بماء فاغتسلت أنا و هي، ثم قال: يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين، و هو أيضا بإطلاقه يتناول ما بعد دخول الوقت هذا إذا تمكن من التيمم.

و اما إذا لم يتمكن فلا يجوز نقض الطهارة لاستلزامه ترك الواجب بعد تنجزه، و اما عدم جواز نقض الوضوء لمن كان متوضئا و لم يتمكن من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 299

[ (مسألة 9) إذا شك في أنه هل حصل الدخول أم لا]

(مسألة 9) إذا شك في أنه هل حصل الدخول أم لا (1) لم يجب عليه الغسل و كذا لو شك في أن المدخول فيه فرج أو دبر أو غيرهما فإنه لا يجب عليه الغسل.

[ (مسألة 10) لا فرق في كون إدخال تمام الذكر أو الحشفة موجبا للجنابة]

(مسألة 10) لا فرق في كون إدخال تمام الذكر أو الحشفة موجبا للجنابة بين (2) أن يكون مجردا أو ملفوفا بوصلة أو غيرها إلا أن يكون بمقدار لا يصدق عليه الجماع.

______________________________

الوضوء فقد أشار إليه بقوله و الفارق النص يعنى النص المسوغ في الجنابة لا غير و اما عدم الجواز في الوضوء فليس مستندا الى نص خاص مانع فيه بل لما يدعى من قبح الفرار من عهدة امتثال التكليف باحداث العجز بالإخلال بشي ء من مقدماته الوجودية، و هذا أول الكلام لتمكنه من التيمم و صحة الصلاة معه، فتعذر الوضوء لا يؤثر إلا في فوت الواجب الغيري من دون أن يترتب عليه فوت الغير الذي وجب لأجله، فلا مقتضى للعقاب حتى من باب التجري و لو على القول بكون ترك المقدمة من حيث هو منشأ لاستحقاق العقاب إذ لا تجري بعد عزمه على الخروج عن عهدة الواجب النفسي في آخر وقته بحسب ما يقتضيه تكليفه، و اما استحقاق العقاب بترك المقدمة من حيث هو إن قلنا به فهو فيما إذا كانت منحصرة، لا في مثل الفرض الذي يتمكن المكلف من إيجاد ذي المقدمة بشرائطه المعتبرة شرعا في زمان لا يتوقف على هذه المقدمة و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 9: (إذا شك في أنه هل حصل الدخول أم لا. إلخ)

وجه ما ذكره من الحكم أصالة عدم الدخول و عدم الوجوب فيه و فيما بعده.

قوله قده مسألة 10: (لا فرق في كون إدخال تمام الذكر

أو الحشفة موجبا للجنابة بين. إلخ)

وجهه صدق الجماع و الإدخال و الإيلاج و التقاء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 300

[ (مسألة 11) في الموارد التي يكون الاحتياط في الجمع بين الغسل و الوضوء]

(مسألة 11) في الموارد التي يكون الاحتياط في الجمع بين الغسل و الوضوء (1) الأولى ان ينقض الغسل بناقض من مثل البول و نحوه ثم يتوضأ لأن الوضوء مع غسل الجنابة غير جائز و المفروض احتمال كون غسله غسل الجنابة

[فصل فيما يتوقف على الغسل من الجنابة]
اشارة

فصل فيما يتوقف على الغسل من الجنابة و هي أمور:

[ (الأول) الصلاة]

(الأول) الصلاة (2) واجبة أو مستحبة أداء و قضاءا لها و لأجزائها المنسية و صلاة الاحتياط بل و كذا سجدتا السهو على الأحوط

______________________________

الختانين و غيبوبة الحشفة مما هو مذكور في الأخبار معه، نعم لو كان كما ذكره (قدس سره) بمقدار لا يصدق عليه أحد العناوين المذكورة لا يوجب الجنابة

قوله قده مسألة 11: (في الموارد التي يكون الاحتياط في الجمع بين الغسل و الوضوء. إلخ)

كما في المسألة السابقة فيما لو ادخل الذكر ملفوفا بوصلة و لم ينزل فشك في أن هذا الإدخال هل يوجب غسلا أم لا، فإذا أراد الصلاة أو ما يتوقف على الطهارة فإن اغتسل و توضأ معا وقع في مخالفة الاحتياط من وجه آخر، لأن الوضوء مع غسل الجنابة غير جائز ففرارا عن هذه المخالفة ينقض غسله بالبول و نحوه من النواقض، ثم يتوضأ لما يريده من فعل مشروط بالطهارة، فيكون قد خلص من مخالفة الواقع من الجهتين،

فدله قده: (فصل: فيما يتوقف على الغسل من الجنابة و هي أمور:

(الأول) الصلاة. إلخ)

توقف الصلاة واجبة و مندوبة أداء و قضاءا على غسل الجنابة مما قام عليه الإجماع، بل الضرورة من الدين مضافا الى القرآن الكريم و الأخبار عن الهداة المعصومين، قال سبحانه و تعالى (إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الى قوله تعالى (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) و قال عليه السّلام: إذا دخل الوقت فقد وجب الطهور و الصلاة، و قوله عليه السّلام:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 301

نعم لا يجب في صلاة الأموات و لا في سجدة الشكر و التلاوة.

______________________________

لا صلاة إلا بطهور، و حديث لا تعاد الى غير ذلك من

الأخبار التي لا تحصى كثرة و تفرقها في أبواب الفقه.

و اما اعتباره في اجزائها المنسية فالظاهر انه يكفى فيه نفس دليل اعتباره في الكل، إذ ليس هو إلا ذلك الجزء بشروطه المعتبرة قام الدليل على كفاية تداركه خارج الصلاة لمن نسيه فيها.

و اما اعتباره في صلاة الاحتياط فهو دليل اعتباره في سائر الصلوات، و منها صلاة الاحتياط.

و اما اعتباره في سجدتي السهو فقد قال في الجواهر في مبحث سجدتي السهو بعد كلام طويل: بل في الذكرى و الدروس و البيان و اللمعة و الألفية و حاشيتها للكركي و الروضة و عن غيرها انه يجب فيهما ما يجب في سجود الصلاة عدى الذكر، فتندرج حينئذ الطهارة و غيرها كما نص عليه بعضهم، و ليس في شي ء من الأدلة تعرض لشي ء من ذلك، و دعوى اعتبار جميع هذه الأمور في مسمى السجود واضحة الفساد، خصوصا بالنسبة إلى البعض، نعم قد يقال: ان الذمة لما اشتغلت به بيقين توقف العلم ببرائتها على الفرد المتيقن، بل قد يدعى انه المنساق من أمر المصلي بالسجود الصلاتي، لكن الإنصاف أن للتوقف أو المنع فيما زاد على ما يتحقق به مسمى السجود عرفا أو شرعا لعدم ظهور أو انصراف معتد به في شي ء من الأدلة فيبقى الإطلاق سليما مجالا الى آخر ما ذكره (قده).

و اما عدم اعتباره في صلاة الأموات فلما سيأتي ان شاء اللّٰه في بابه من النصوص الكثيرة الدالة على عدم اعتبار الطهور فيها، و إنما هو تكبير و تسبيح و تحميد و تهليل كما تكبر و تسبح في بيتك على غير وضوء، و منها

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 302

[ (الثاني) الطواف الواجب دون المندوب]

(الثاني) الطواف الواجب (1) دون المندوب لكن

يحرم على الجنب دخول مسجد الحرام.

______________________________

مرسلة عبد اللّٰه بن المغيرة عن رجل عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن الحائض تصلي على الجنازة؟ قال: نعم و لا تقف معهم، و الجنب يصلى على الجنازة.

و اما عدم اعتباره في سجدة الشكرة و التلاوة فلإطلاق دليليهما من غير مقيد.

قوله قده: (الثاني: الطواف الواجب)

نعم يشترط في الطواف الطهارة بالإجماع، قال في المدارك أجمع علماؤنا كافة على اشتراط الطهارة في الطواف الواجب، حكاه في المنتهى. اه. و الصحاح المستفيضة، أما المندوب فلا، وفاقا للأكثر للصحاح الصراح منها ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم في الصحيح قال سألت أحدهما (ع) عن رجل طاف طواف الفريضة و هو على غير طهور قال: يتوضأ و يعيد طوافه، و ان كان تطوعا توضأ و صلى ركعتين و عن على بن جعفر في الصحيح عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام قال سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب فذكر و هو في الطواف قال: يقطع الطواف و لا يعتد بشي ء ما طاف، و سألته عن رجل طاف ثم ذكر انه على غير وضوء قال:

يقطع طوافه و لا يعتد به، و عن زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال سألته عن رجل يطوف على غير وضوء أ يعتد بذلك الطواف؟ قال: لا، و عن أبي حمزة عن ابى جعفر عليه السّلام انه سئل أ ينسك الناسك و هو على غير وضوء؟

قال: نعم إلا الطواف بالبيت فان فيه صلاة، و ما رواه الشيخ عن حريز في الصحيح عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل طاف تطوعا و صلى ركعتين و هو على غير وضوء فقال: يعيد الركعتين و لا يعيد

الطواف، و عن عبيد بن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 303

فتظهر الثمرة فيما لو دخله سهوا (1) و طاف فان طوافه محكوم بالصحة، نعم يشترط في صلاة الطواف الغسل و لو كان الطواف مندوبا.

[ (الثالث) صوم شهر رمضان و قضائه بمعنى أنه لا يصح]

(الثالث) صوم شهر رمضان (2) و قضائه بمعنى أنه لا يصح إذا أصبح

______________________________

زرارة عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال قلت له رجل طاف على غير وضوء فقال:

ان كان تطوعا فليتوضأ و ليصل، و عن عبيد بن زرارة عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال قلت له انى أطوف طواف النافلة و أنا على غير وضوء قال: توضأ و صل و إن كنت متعمدا، و ليعلم ان المراد بالطواف الندبي ما لم يكن جزءا من عمرة أو حج و ان كانا ندبيين، فإنه واجب فيهما بل يجب المضي في فاسدهما، بل المراد بالطواف الندبي ما وقع منفردا و اللّٰه العالم.

قوله قده: (فتظهر الثمرة فيما دخله سهوا)

هذا جواب عن سؤال مقدر حاصله: انه بعد ما علم ان دخول المسجد الحرام للجنب محرم فما الثمرة في الحكم بعدم اشتراط الطهارة من الحدث الأكبر في الطواف المندوب مع أنه لا بد من دخول المسجد لأجله؟ أجاب عنه: بأنه لو دخله سهوا و طاف فان طوافه محكوم بالصحة، نعم يشترط في صلاة الطواف الغسل.

قوله قده: (الثالث: صوم شهر رمضان)

عن المنتهى و التذكرة انه مذهب علمائنا، و عن الانتصار انه من متفردات الإمامية للصحاح المستفيضة منها الصحيح البزنطي الرضوي المروي في التهذيب: عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ثم ينام حتى يصبح متعمدا قال: يتم ذلك اليوم و عليه قضاؤه، و الصادقي: الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ

ثم ينام حتى يصبح قال: يتم يومه و يقضى يوما آخر و ان لم يستيقظ حتى يصبح أتم يومه و جاز له، و في ثالث يقضى ذلك اليوم عقوبة، و في رابع يتم صومه و يقضى ذلك اليوم، و نحوه كثير، خلافا للصدوق في المقنع لظاهر قوله تعالى:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 304

جنبا متعمدا،

______________________________

(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ) إلى قوله تعالى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) الى قوله تعالى (حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) و للصحاح منها الصادقي المروي في التهذيب: عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل فأخر الغسل حتى طلع الفجر قال: يتم صومه و لا قضاء عليه، و في آخر المروي في التهذيب: كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم يصلى صلاة الليل في شهر رمضان ثم يجنب ثم يؤخر الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر، و عن الرضا عليه السّلام في رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمدا حتى يصبح أي شي ء عليه؟

قال: لا يضر هذا و لا يفطر و لا يبالي، فان أبى عليه السّلام قال قالت عائشة ان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم أصبح جنبا من جماع غير احتلام، و حملت على التقية لموافقتها العامة و يشعر بذلك الأخير، و ربما تحمل الأولى على الاستحباب و هذه على الجواز، و ليس بشي ء لعدم مقاومتها لما تقدم، سيما مع عمل الأصحاب و إجماعهم.

و الحق برمضان قضاؤه قطعا فلا يجوز تعمد البقاء فيه على الجنابة مع التضييق، بل لا يقع من الجنب للصحيحين المروي أحدهما: في التهذيب و الفقيه عن ابن سنان انه سئل الصادق

عليه السّلام عن الرجل يقضى شهر رمضان فيجنب من أول الليل و لا يغتسل حتى يجي ء آخر الليل و هو يرى أن الفجر قد طلع قال: لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره، و ثانيهما: في الكافي عنه: انه كتب إليه ابى و كان يقضى شهر رمضان و قال انى أصبح بالغسل و أصابتني جنابة فلم اغتسل حتى طلع الفجر فأجابه: لا تصم هذا اليوم و صم غدا، و غيرهما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 305

أو ناسيا للجنابة، (1) و أما سائر الصيام ما عدا رمضان و قضاؤه فلا يبطل (2) بالإصباح

______________________________

القوى المروي في الفقيه عن سماعة قال سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام و قد علم بها و لم يستيقظ حتى أدركه الفجر قال: عليه أن يتم صومه و يقضى يوما آخر، قلت إذا كان ذلك من الرجل و هو يقضى رمضان قال: فليأكل يومه ذلك و ليقض فإنه لا يشبه رمضان شي ء من الشهور.

قوله قده: (أو ناسيا للجنابة)

كما يدل عليه ما رواه في الوسائل في باب حكم من نسي غسل الجنابة في شهر رمضان عن إبراهيم بن ميمون قال:

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثم ينسى أن يغتسل حتى يمضى لذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان قال عليه السّلام: عليه قضاء الصلاة و الصوم، قال الصدوق: و روى في خبر آخر ان من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان أن عليه أن يغتسل و يقضى صلاته و صومه، إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة فإنه يقضى صلاته و صومه الى ذلك اليوم، و

لا يقضى ما بعد ذلك، و عن الحلبي قال سئل أبو عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان قال عليه السّلام: عليه ان يقضى الصلاة و الصيام.

قوله قده: (و اما سائر الصيام ما عدا رمضان فلا يبطل. إلخ)

وفاقا للمعتبر و صاحب المدارك و جملة ممن تأخر على ما حكى عنهم، و خلافا لظاهر الأكثر فعدوا ذلك من شرائط الصوم مطلقا، و تردد في المنتهى من تخصيص الأحاديث بشهر رمضان، و من تعميم الأصحاب و إدراجه في المفطرات، و كيف كان فالأول أقوى لأصالة البراءة و اختصاص النصوص بشهر رمضان و عدم تحقق إجماع أو حكايته في المقام، و للصحيح الصريح

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 306

جنبا و ان كانت واجبة، نعم الأحوط في الواجبة منها (1) ترك تعمد الإصباح جنبا نعم الجنابة العمدية في أثناء النهار (2) تبطل جميع الصيام حتى المندوبة منها

______________________________

في الثلاثة الأيام المسنونة في الشهر، المروي في الفقيه عن الخثعمي قال للصادق عليه السّلام أخبرني عن التطوع؟ و عن هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول الليل فاعلم انى أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر أصوم أو لا أصوم؟ قال:

صم، و الموثق الصادقي في الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح، أ يصوم ذلك اليوم تطوعا؟ فقال: أ ليس بالخيار ما بينه و بين نصف النهار و اللّٰه العالم.

قوله قده: (نعم الأحوط في الواجبة منها. إلخ)

و ذلك خروجا عن خلاف من ذكرناه من ظهور خلاف الأكثر و اللّٰه العالم.

قوله قده: (نعم الجنابة العمدية في أثناء النهار. إلخ)

إفسادها للصوم بلا خلاف على الظاهر في الجملة، بل في المدارك و غيره دعوى الإجماع

صريحا على ان الاستمناء مفسد للصوم، و عن المحقق في المعتبر انه قال:

و يفطر بإنزال الماء بالاستمناء و الملامسة و القبلة اتفاقا، و عن التذكرة و المنتهى نحوه، و يدل عليه مضافا الى الإجماع صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال:

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمنى قال:

عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع، و مرسلة حفص بن سوقة عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام في الرجل يلاعب أهله أو جاريته و هو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء، فينزل قال: عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان، و عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن رجل يعبث بأمر أته حتى يمنى و هو محرم من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر رمضان فقال عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع، و عن سماعة قال سألته:

عن رجل لزق بأهله فأنزل، قال عليه السّلام: عليه إطعام ستين مسكينا مد لكل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 307

و أما الاحتلام فلا يضر (1) بشي ء منها حتى صوم رمضان

[فصل فيما يحرم على الجنب]
اشارة

فصل فيما يحرم على الجنب و هي أيضا أمور:

[ (الأول) مس خط المصحف]

(الأول) مس خط المصحف (2) على التفصيل الذي

______________________________

مسكين، و عن أبى بصير قال سألت: أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل وضع يده على شي ء من جسد امرأته فأدفق فقال: كفارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا أو يعتق رقبة، و غير ذلك من الأخبار عن المعصومين الأطهار التي يجدها المتتبع في مظانها.

قوله قده: (و اما الاحتلام فلا يضر. إلخ)

بلا خلاف فيه بل الإجماع بقسميه عليه كما في الجواهر، بل في المدارك نقلا عن المنتهى انه قال:

لو احتلم نهارا في رمضان نائما أو من غير قصد لم يفسد صومه و يجوز له تأخير الغسل و لا نعلم فيه خلافا. انتهى ما في المدارك، و الذي يدل عليه من الأخبار ما رواه في الوسائل عن عبد اللّٰه بن ميمون عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال:

ثلاثة لا يفطرن الصائم القي ء و الاحتلام و الحجامة، و عن ابن بكير في حديث قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يحتلم بالنهار في شهر رمضان يتم يومه كما هو؟ فقال: لا بأس، و عن العيص بن القاسم انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل أن يغتسل قال:

لا بأس، و عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام لأي علة لا يفطر الاحتلام الصائم و النكاح يفطر؟ قال: لأن النكاح فعله و الاحتلام مفعول به، و عن إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه قال سألته عن احتلام الصائم قال فقال: إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينام حتى يغتسل.

قوله قده:

(فصل: فيما يحرم على الجنب و هي أيضا أمور (الأول) مس خط المصحف. إلخ)

أما وجوبه لمس كتابة القرآن فعليه الإجماع من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 308

مر في الوضوء و كذا مس اسم اللّٰه تعالى (1) و سائر أسمائه و صفاته المختصة و كذا مس أسماء الأنبياء و الأئمة عليهم السلام على الأحوط.

______________________________

العلماء، بل في المعتبر: و هو إجماع فقهاء الإسلام، كما في المنتهى: انه مذهب علماء الإسلام، بل في النهاية انه لا خلاف هنا و ان وقع الخلاف في الحدث الأصغر. انتهى. و يدل عليه مضافا الى الإجماع ظاهر الكتاب و السنة المستفيضة التي تقدم بعضها في حرمة المس مع الحدث الأصغر، كما تقدم جملة من الأبحاث المتعلقة بالمقام فراجع صحيفة 58 من هذا الجزء.

قوله قده: (و كذا مس اسم اللّٰه تعالى. إلخ)

المعروف من كلام الأصحاب التحريم، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه، و عن نهاية الأحكام نفى الخلاف فيه، و عن المنتهى و غيره نسبته إلى الأصحاب، و استدل عليه في المعتبر بموثقة عمار عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا يمس الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللّٰه، و بظاهر حسنة داود بن فرقد عنه عليه السّلام قال سألته عن التعويذ يعلق على الحائض؟ قال: نعم لا بأس، قال و قال تقرأه و تكتبه و لا تصيبه يدها، و هذه و ان كانت في الحائض إلا ان اشتراك الحائض و الجنب في كثير من الأحكام مما لا يخفى، و عن منصور بن حازم عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن التعويذ يعلق على الحائض؟ فقال: نعم إذا كان في جلد أو قصبة حديد، و ذلك لئلا

يستلزم مس الكتابة، هذا و قد استفاد الأصحاب رضوان اللّٰه عليهم من إطلاق الرواية و غيرها من الأدلة عدم اختصاص الحكم بلفظة (اللّٰه) بل يعم كل اسم من أسمائه سبحانه و تعالى المختصة به من أي لغة كانت، و قد الحق جملة من الأصحاب تبعا للشيخين (قده) باسمه سبحانه أسماء الأنبياء و الأئمة (ع) بل عن الغنية إدخالهما في معقد إجماعه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 309

[ (الثاني) دخول مسجد الحرام و مسجد النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم]

(الثاني) دخول مسجد الحرام (1) و مسجد النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم و إن كان بنحو المرور

______________________________

و عن جامع المقاصد نسبته الى كبراء الأصحاب، و عن الطالبية إلى الأصحاب، و عن بعض الى المشهور و لم نقف له على مستند، و لعله مجرد التعظيم و هذا سر تعقيبه المسألة بالاحتياط و اللّٰه العالم.

قوله قده (الثاني: دخول مسجد الحرام. إلخ)

أما وجوبه لدخول المساجد فهو المشهور خلافا لسلار فاختار الكراهية، و المعتمد المشهور للإجماع عليه كما في الغنية و مجمع البرهان، بل في المنتهى: و لا نعرف فيه مخالفا إلا من سلار فإنه كرهه انتهى، و لقوله تعالى (وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ) المفسرة بالخبر المروي في العلل و بصائر الدرجات عن الباقر عليه السّلام قال: الجنب و الحائض لا يدخلان المسجد إلا مجتازين، إن اللّٰه سبحانه يقول (وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا) و قال في مجمع البيان: انه المروي عن الصادق عليه السّلام كما في تفسير على بن إبراهيم، و في كنز العرفان و قيل: المراد و لا تقربوا مواضع الصلاة و هي المساجد، و هو المروي عن الصادق عليه السّلام و هو الحق، كما عن تفسير العياشي انه المروي

عن الباقر عليه السّلام و لما رواه الشيخ في الحسن عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الجنب يجلس في المسجد؟ قال: لا و لكن يمر فيها كلها إلا المسجد الحرام و مسجد الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم، و ما رواه في الحسن عن محمد بن مسلم قال قال أبو جعفر عليه السّلام الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثياب و يقرءان القرآن ما شاءا إلا السجدة و يدخلان المسجد مجتازين و لا يقعدان فيه و لا يقربان المسجدين الحرمين، و ما رواه في الصحيح عن أبي حمزة قال قال جعفر عليه السّلام: إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام و مسجد الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم فاحتلم فأصابته جنابة فيتيمم و لا يمر في المسجد إلا متيمما، و لا بأس ان يمر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 310

[ (الثالث) المكث في سائر المساجد]

(الثالث) المكث في سائر المساجد بل مطلق الدخول فيها على غير وجه

______________________________

في سائر المساجد، و لا يجلس في شي ء من المساجد، فإنها كما ترى صريحة الدلالة على المطلوب فلا يلتفت الى ما قيل من أن الآية فسّرت بغير هذا المعنى و هو محتمل أيضا لما ذكرنا من تفسير أهل البيت (ع) و هم أحق بالاتباع، إذ هم أدرى بباطنه و خافية، و ما استدل به سلار من الأصل فمعارض بما سمعت من الأخبار، و لا ينافيها ما رواه محمد بن القاسم قال سألت الرضا (ع) عن الرجل الجنب ينام في المسجد؟ قال: يتوضأ و لا بأس أن ينام في المسجد و يمر فيه، لموافقتها مذهب أحمد بن حنبل من العامة فتحمل على

التقية، لأنها متروكة العمل عند الأصحاب غير معمول عليها كما قال غير واحد منا.

و على المختار فلا ريب في جواز الاجتياز في المساجد عدا المسجدين الحرمين و هو مذهب علمائنا أجمع كما في المنتهى، خلافا لما عن الصدوقين و المفيد فالمنع من دخول المساجد إلا اجتيازا و هو يشعر بجواز الاجتياز في المسجدين الحرمين، و يدفعه الآية و الروايات التي سمعت فضلا عن الإجماع، ثم ان المفهوم من قوله تعالى (إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ) و قوله في الأخبار و لكن يمر كما في بعض، و لا بأس أن يمر في المساجد، و لا يجلس في شي ء من المساجد كما في أخرى و يدخلان المسجد مجتازين و لا يقعدان فيه تارة أخرى، نفس المرور و العبور الخالي من اللبث كما هو الصريح منها. و هو يصدق بما يسمى سلوكا و عبورا بحيث لا يكون مترددا غاديا و جائيا، فلا يقيد بالدخول من باب و الخروج من اخرى كما قطع به المحقق الثاني في جامع المقاصد و المقدس الأردبيلي في مجمع البرهان، و ان كان الدخول و الخروج منهما لو وجدا هو الأوفق بالاحتياط، لكن المراد نفس العبور و عدم اللبث، و لا شك ان التردد لا يخلو من لبث و هو محرم فيقتصر على مجرد الاجتياز و ان ظهر من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 311

المرور، و أما المرور فيها بان يدخل من باب و يخرج من آخر فلا بأس به و كذا

______________________________

فحواها جواز التردد، كما صرح به ما رواه الشيخ في الحسن عن جميل بن دراج عن أبى عبد اللّٰه (ع) قال: للجنب أن يمشى في المساجد كلها و لا يجلس فيها إلا المسجد

الحرام و مسجد النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم، إلا أن الظاهر من لفظ المشي العبور و هو لا يقضى بالتردد و اللّٰه العالم.

و يفهم من الأخبار كما هو صريحها حرمة الاجتياز في المسجدين الحرمين للنهى المراد به التحريم كما هو الحق فيه، و الإجماع المحكى في الغنية و المعتبر و التذكرة و غيرها، و لذا لو احتلم في أحدهما تيمم للخروج وجوبا لما سمعت من الأخبار و الإجماع، و لما رواه في الصحيح عن أبي حمزة عن الصادق عليه السّلام قال: إذا كان الجرل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم و لا يمر في المسجد إلا متيمما، ثم على المختار من جواز الاجتياز في المساجد إلا ما حرمناه من الاجتياز في المسجدين الحرمين لا يجوز وضع شي ء في شي ء من المساجد للجنب، نعم يجوز له الأخذ منها للإجماع عليه في الغنية و المنتهى و الذخيرة، و لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّٰه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الجنب و الحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال: نعم و لكن لا يضعان في المسجد شيئا، و ما رواه الصدوق في العلل في الصحيح عن زرارة و محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام قال: قلنا له الحائض و الجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال: الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين إن اللّٰه تبارك و تعالى يقول (وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا) و يأخذان من المسجد و لا يضعان فيه شيئا، قال زرارة قلت له فما بالهما يأخذان

منه و لا يضعان فيه؟ قال: لأنهما لا يقدران على أخذ ما فيه إلا منه و يقدران على وضع ما بيدهما في غيره، و هما كما ترى فان الظاهر منهما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 312

الدخول بقصد أخذ شي ء منها فإنه لا بأس به، و المشاهد كالمساجد في حرمة المكث فيها. (1)

[ (الرابع) الدخول في المساجد بقصد وضع شي ء فيها]

(الرابع) الدخول في المساجد بقصد وضع شي ء فيها بل مطلق الوضع فيها و ان كان من الخارج أو في حال العبور.

[ (الخامس) قراءة سور العزائم]

(الخامس) قراءة سور العزائم (2) و هي سورة اقرأ، و النجم، و ألم تنزيل و حم السجدة، و ان كان بعض واحدة منها، بل البسملة أو بعضها بقصد

______________________________

جواز ذلك مطلقا و لو استلزم اللبث كما صرح به الشهيد في المسالك، كما ان الوضع و لو كان من خارج محرما لإطلاق اللفظ القاضي بالعموم و إن اقتصر جماعة من الأصحاب على تحريم الوضع فيما لو دخل إلا أن الأول أحوط و أولى و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و المشاهد كالمساجد في حرمة المكث فيها. إلخ)

تقدم حكم هذه المسألة مفصلا في مبحث حرمة تنجيس المساجد في المجلد الأول من كتابنا هذا صحيفة 473 فمن أرادها فليراجعها، و الذي نختاره في المسألة هو عدم الإلحاق بالمساجد إذ ما ذكر وجها للإلحاق بالمساجد وجه استحساني لا ينهض دليلا على المطلوب و اللّٰه العالم.

قوله قده: (الخامس: قراءة سور العزائم. إلخ)

و ذلك للإجماع عليه من الأصحاب، قال المحقق في المعتبر: و هو مذهب فقهائنا أجمع، و قال العلامة في التذكرة: و اما تحريم العزائم فإجماع أهل البيت (ع) و في المنتهى هو مذهب علمائنا أجمع، و قال الشهيد في الذكرى: و يزيد عليه حرمة قراءة العزائم الأربع إجماعا، و في روض الجنان: و هو إجماع، كما في المدارك: انه المعروف من مذهب الأصحاب، بل في الكفاية: و يحرم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 313

إحداها على الأحوط، لكن الأقوى اختصاص الحرمة بقراءة آيات السجدة منها.

______________________________

عليه قراءة العزائم بلا خلاف. انتهى. و لما رواه الشيخ في الحسن كالصحيح عن محمد بن

مسلم قال قال أبو جعفر عليه السّلام: الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب و يقرءان من القرآن ما شاء إلا السجدة، و رواه الصدوق في علل الشرائع في الصحيح عن زرارة و محمد بن مسلم، و ما رواه الشيخ في الموثق عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام قال: الحائض و الجنب يقرءان شيئا من القرآن؟ قال: نعم ما شاءا إلا السجدة و يذكر ان اللّٰه على كل حال، و روى المحقق في المعتبر عن البزنطي في جامعه عن المثنى عن الحسن الصيقل عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام: انه يجوز للحائض و الجنب ان يقرءا ما شاءا من القرآن إلا سور العزائم الأربع، و هي (اقرأ باسم ربك) و النجم، و تنزيل السجدة، و حم السجدة و هي كما ترى، فان الظاهر منها نفس السجدة، و ان ما عداها من السور يحل كما يعرب عنه قولهم (ع) يقرءان من القرآن ما شاءا، إلا ان الظاهر من الأصحاب تحريم السور الأربع بأسرها، و في السرائر ادعى عليه الإجماع كما في الروض و يحرم عليه قراءة أبعاضها حتى البسملة إذا قصدها منها بل لفظ (بسم) و هو إجماع، و في المنتهى و المختلف و القواعد ان بعضها منها حتى البسملة لو نواها منها، كما في الروضة: و أبعاضها حتى البسملة و بعضها إذا قصدها لأحدها، و نحوه في البيان، و اختاره العلامة العلى الطباطبائي في الرياض، و لعلهم فهموا من الأخبار حذف المضاف فيكون المراد إلا سورة السجدة لأنه كما هو الظاهر المتبادر، و ليس الحجة في الحكم إلا الإجماع فتأمل و عليه فيحرم قراءة اجزائها المختصة بها مطلقا و المشتركة بينها

و بين غيرها لو نواها لها و اللّٰه العالم بحقائق أحكامه.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 314

[ (مسألة 1) من نام في أحد المسجدين و احتلم أو أجنب فيهما]

(مسألة 1) من نام في أحد المسجدين و احتلم أو أجنب فيهما (1) أو في الخارج و دخل فيهما عمدا أو سهوا أو جهلا وجب عليه التيمم للخروج، إلا أن يكون زمان الخروج أقصر من المكث للتيمم فيخرج من غير تيمم، أو كان زمان الغسل فيهما مساويا أو أقل من زمان التيمم فيغتسل حينئذ و كذا حال الحائض و النفساء.

[ (مسألة 2) لا فرق في حرمة دخول الجنب في المساجد]

(مسألة 2) لا فرق في حرمة دخول الجنب (2) في المساجد بين المعمور

______________________________

قوله قده مسألة 1: (من نام في أحد المسجدين و احتلم أو أجنب فيهما. إلخ)

لا يخفى أنه بعد ما ثبت بالأخبار المستفيضة المتلوة عليك ان هذين المسجدين أعظم حرمة عند اللّٰه و ان الجواز فيهما كاللبث محرم بحكم العقل بأنه يجب عليه إذا اضطر الى الجواز أو المكث فيهما أن يزيل جنابته حقيقة أو حكما، و الذي تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن صحيح أبي حمزة المروي عن أبى جعفر عليه السّلام و غيره انه يجب عليه الغسل إن تمكن من أن يغتسل في المسجد في زمان يقصر عن زمان الخروج، و لا يزيد عن زمان التيمم، و لم يترتب على غسله تصرف غير سائغ كتنجيس المسجد أو تخريبه، و لو ساوي زمان الغسل زمان الخروج فهو مخير بينهما إذ لم يثبت أهونية أحد الأمرين من الآخر حتى يترجح، و إنما عليه أن يتيمم لأنه أحد الطهورين بشرط أن يقصر زمانه عن زمان الخروج، و إلا يجب عليه الخروج فورا و لا يشرع له التيمم لأنه بالنسبة إلى زمان التيمم معذور في بقائه جنبا، و لا يعقل أن يكون مكلفا بالطهارة في هذا الحين، و المفروض انه متمكن من الخروج من المسجد في

زمان معذوريته، فلا ضرورة له في التطهير حتى يشرع في حقه التيمم، و كذا حال الحائض و النفساء.

قوله قده مسألة 2: (لا فرق في حرمة دخول الجنب. إلخ)

و ذلك

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 315

منها و الخراب و ان لم يصل فيه أحد و لم تبق آثار مسجديته، نعم في مساجد الأراضي المفتوحة عنوة إذا ذهبت آثار المسجدية بالمرة يمكن القول بخروجها عنها لأنها تابعة لآثارها و بنائها.

[ (مسألة 3) إذا عين الشخص في بيته مكانا للصلاة]

(مسألة 3) إذا عين الشخص في بيته (1) مكانا للصلاة و جعله مصلى له لا يجرى عليه حكم المسجد.

[ (مسألة 4) كل ما شك في كونه جزء من المسجد]

(مسألة 4) كل ما شك في كونه جزء من المسجد (2) من صحنه و الحجرات التي فيه و منارته و حيطانه و نحو ذلك لا يجرى عليه الحكم و ان كان الأحوط الاجراء إلا إذا علم خروجه منه.

[ (مسألة 5) الجنب إذا قرأ دعاء كميل الاولى]

(مسألة 5) الجنب إذا قرأ دعاء كميل الاولى و الأحوط أن لا يقرأ منها (أ فمن كان مؤمنا (3) كمن كان فاسقا لا يستون) لأنه جزء من سورة حم السجدة

______________________________

لاستصحاب الأحكام الثابتة له قبل خرابه لما بعده مع إطلاق الأدلة، نعم ما كان محدثا منها في الأرض المفتوحة عنوة المعمورة وقت الفتح فهي باقية لمصالح المسلمين تابعة لآثارها و بنائها فاذا أزيلت الآثار رجعت كما هي أولا قبل المسجدية، فيجري عليها آثار عدم المسجدية بعد خرابها و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 3: (إذا عين الشخص في بيته. إلخ)

و ذلك ان المسجدية موضوع خاص من آثاره الصلاة فيه لا كل مكان صلى فيه و اتخذ للصلاة فيه لجهة من الجهات صار مسجدا كما يظهر ذلك من الأدلة.

قوله قده مسألة 4: (كل ما شك في كونه جزءا من المسجد. إلخ)

إذ المسجدية أمر حادث يحتاج ثبوته الى دليل ما لم يكن هناك ظهور في لحوقه و هذا هو وجه الاحتياط الذي أشار إليه بقوله: و ان كان الأحوط الاجراء.

قوله قده مسألة 5: (الجنب إذا قرأ دعاء كميل الأولى و الأحوط أن لا يقرأ منها أ فمن كان مؤمنا. إلخ)

بناءا على ان المحرم السورة بأجمعها

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 316

و كذا الحائض، و الأقوى جوازه لما مر من أن المحرّم قراءة آيات السجدة لا بقية السورة.

[ (مسألة 6) الأحوط عدم إدخال الجنب في المسجد]

(مسألة 6) الأحوط عدم إدخال الجنب في المسجد (1) و إن كان صبيا أو مجنونا أو جاهلا بجنابة نفسه.

[ (مسألة 7) لا يجوز أن يستأجر الجنب لكنس المسجد]

(مسألة 7) لا يجوز أن يستأجر الجنب لكنس المسجد (2) في حال جنابته بل الإجارة فاسدة و لا يستحق اجرة، نعم لو استأجره مطلقا و لكنه كنس في حال جنابته و كان جاهلا بأنه جنب أو ناسيا استحق الأجرة بخلاف ما إذا كنس عالما فإنه لا يستحق لكونه حراما و لا يجوز أخذ الأجرة على العمل المحرم و كذا الكلام في الحائض و النفساء، و لو كان الأجير جاهلا أو كلاهما جاهلين في الصورة الأولى أيضا يستحق الأجرة لأن متعلق الإجارة و هو

______________________________

و أبعاضها لا خصوص آية السجدة، و قد مر الكلام فيها فيما يحرم على الجنب فراجع.

قوله قده مسألة 6: (الأحوط عدم إدخال الجنب في المسجد. إلخ)

الظاهر أن وجهه هو كونه تسببا الى فعل الحرام، و قد تقدم الكلام فيه في أحكام النجاسات من الجزء الأول صحيفة 454 فراجع.

قوله قده مسألة 7: (لا يجوز أن يستأجر الجنب لكنس المسجد.

إلخ)

الذي تقتضيه الأدلة في المسألة هو استحقاقه للأجرة فيما لو وقعت الإجارة على الكنس، سواء كانت في حال جنابته أو مطلقا، عالمين بالجنابة أو جاهلين بها أو مختلفين، كنس في حال جنابته أم في غير تلك الحال، و لا منافاة بين العلم بالحرمة في بعض صور المسألة و استحقاقه للأجرة، و كذا الكلام في الحائض و النفساء، نعم لو كانت الإجارة على الدخول أو المكث للجنب و أخويه كانت الإجارة فاسدة و لا يستحق الأجرة إذ لا صحيح لهذا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 317

الكنس لا يكون حراما و إنما الحرام الدخول و المكث فلا

يكون من باب أخذ الأجرة على المحرم، نعم لو استأجره على الدخول أو المكث كانت الإجارة فاسدة و لا يستحق الأجرة و لو كانا جاهلين لأنهما محرمان و لا يستحق الأجرة على الحرام، و من ذلك ظهر أنه لو استأجر الجنب أو الحائض أو النفساء للطواف المستحب كانت الإجارة فاسدة و لو مع الجهل، و كذا لو استأجره لقراءة العزائم فإن المتعلق فيهما هو نفس الفعل المحرم بخلاف الإجارة للكنس فإنه ليس حراما و إنما المحرم شي ء آخر و هو الدخول و المكث فليس نفس المتعلق حراما.

[ (مسألة 8) إذا كان جنبا و كان الماء في المسجد]

(مسألة 8) إذا كان جنبا و كان الماء في المسجد يجب عليه ان يتيمم (1) و يدخل المسجد لأخذ الماء أو الاغتسال فيه و لا يبطل تيممه لوجدان هذا الماء إلا بعد الخروج أو بعد الاغتسال و لكن لا يباح بهذا التيمم إلا دخول

______________________________

الصنف و هو الإجارة على الحرام يستحق فيه الأجرة ليستحقها في الفاسد منه بقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و مثله ما لو استأجر الجنب و أخويه للطواف المستحب كانت الإجارة فاسدة و لو مع الجهل بجنابته و لا يستحق أجرة، إذ ليس الطواف المستحب إلا الكون في المسجد على هيئة خاصة، و مثله لو استأجره لقراءة العزائم لما ذكره (قده) من العلة بأن نفس المتعلق فيهما محرم فلا مدخل للعلم و الجهل بذلك و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 8: (إذا كان جنبا و كان الماء في المسجد يجب عليه أن يتيمم. إلخ)

لم أقف على من حرر هذا الفرع قبله (قده) ليعلم رأي الأصحاب فيه، و الذي يقتضيه عاجل النظر فيه هو أن يقال: ان كان أخذ الماء مما عدا المسجدين الحرمين فهو لا يحتاج

الى التيمم بعد ما علم عن قريب من جواز الأخذ للجنب منها بدون قيد التيمم، بل لم يعلم مشروعية التيمم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 318

المسجد و اللبث فيه بمقدار الحاجة فلا يجوز له مس كتابة القرآن و لا قراءة العزائم إلا إذا كانا واجبين فورا.

[ (مسألة 9) إذا علم إجمالا جنابة أحد الشخصين]

(مسألة 9) إذا علم إجمالا جنابة أحد الشخصين لا يجوز له (1) استئجارهما و لا استئجار أحدهما لقراءة العزائم أو دخول المساجد أو نحو ذلك ما يحرم على على الجنب.

[ (مسألة 10) مع الشك في الجنابة لا يحرم شي ء من المحرمات المذكورة]

(مسألة 10) مع الشك في الجنابة لا يحرم شي ء (2) من المحرمات المذكورة إلا إذا كانت حالته السابقة هي الجنابة.

______________________________

لذلك، بل هو تشريع محرم إلا أن نقول بمشروعية التيمم لكل ما يشرع له الوضوء، و ليس القول به بكل البعيد، و ان كان الأخذ من أحد المسجدين الحرمين فقد تقدم انه لا يجوز دخولهما للجنب مطلقا، فعليه لو انحصر الماء فيهما كان كما لو انحصر الماء في المكان المغصوب يكون فاقدا للماء حكما، إذ صيرورة الحرام مقدمة للواجب لا يصيره مباحا أو واجبا، فعليه يسقط الكلام في هذا الفرع و لوازمه من قوله (قده) و لا يبطل تيممه لوجدان هذا الماء. إلخ.

قوله قده مسألة 9: (إذا علم إجمالا جنابة أحد الشخصين لا يجوز له.

إلخ)

و ذلك لمنجزية العلم الإجمالي كالتفصيلي، و اما الاجيران فيتسحقان الأجرة إلا من علم بجنابة نفسه، و اما مع جهلهما فلا دليل على حرمة الإجارة عليهما لا تكليفا و لا وضعا و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 10: (مع الشك في الجنابة لا يحرم شي ء. إلخ)

لأصالة البراءة مع استصحاب الطهارة، نعم و لو كانت حالته السابقة هي الجنابة و شك في ارتفاعها و بقائها تستصحب الحالة السابقة فيحرم عليه ما يحرم على الجنب و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 319

[فصل فيما يكره على الجنب]
اشارة

فصل فيما يكره على الجنب و هي أمور:

[ (الأول) الأكل و الشرب]

(الأول) الأكل و الشرب (1) و يرتفع كراهتهما بالوضوء أو غسل اليدين و المضمضة و الاستنشاق أو غسل اليدين فقط.

[ (الثاني) قراءة ما زاد على سبع آيات من القرآن]

(الثاني) قراءة ما زاد على سبع آيات من القرآن (2) ما عدا العزائم و قراءة ما زاد على السبعين أشد كراهة.

______________________________

قوله قده (فصل: فيما يكره على الجنب و هو أمور: (الأول) الأكل و الشرب. إلخ)

على المشهور بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه، و عن التذكرة انه مذهب علمائنا، و يدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبى عبد اللّٰه قال قلت للصادق عليه السّلام أ يأكل الجنب قبل أن يتوضأ؟

قال: إنا لنكسل و لكن ليغسل يده و الوضوء أفضل، و ما رواه السكوني عن الصادق عليه السّلام قال: لا يذوق الجنب شيئا حتى يغسل يديه و يتمضمض فإنه يخاف منه الوضح، و في الفقه الرضوي قال: إذا أردت أن تأكل على جنابتك فاغسل يديك و تمضمض و استنشق ثم كل و اشرب- الى ان قال- إذا أكلت أو شربت قبل ذلك أخاف عليك البرص، و في رواية الحسن بن زياد عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث المناهي قال:

نهى رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم عن الأكل على الجنابة، و قال: انه يورث الفقر و غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع.

قوله قده (الثاني: قراءة ما زاد على سبع آيات من القرآن. إلخ)

اما العزائم فيحرم قراءتها مطلقا كما تقدم الكلام فيها مفصلا، و أما كراهة ما زاد على السبع فالظاهر انه هو القول المشهور كما في الحدائق، و عن ابن البراج انه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 320

[ (الثالث) مس ما عدا خط المصحف]

(الثالث) مس ما عدا خط المصحف من الجلد و الأوراق (1) و الحواشي و ما بين السطور.

______________________________

لم يجز الزيادة على ذلك،

و عن سلار تحريم القراءة مطلقا، نقل ذلك عنهما في الدروس و الذكرى، و نقل في المنتهى و السرائر عن بعض الأصحاب تحريم ما زاد على سبعين، و الأقوى ما عليه المشهور أعنى جواز القراءة مطلقا، بل عن المرتضى و الشيخ و المحقق في المعتبر دعوى الإجماع عليه، للأخبار المعتبرة المستفيضة، منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل ابن يسار عن الباقر عليه السّلام قال: لا بأس أن تتلو الحائض و الجنب القرآن، و منها صحيحة زرارة عن الباقر عليه السّلام قال قلت له الحائض و الجنب هل يقرءان من القرآن؟ قال: نعم ما شاءا إلا السجدة و يذكران اللّٰه على كل حال، و منها موثقة ابن بكير قال سألت الصادق عليه السّلام عن الجنب يأكل و يشرب و يقرأ القرآن؟ قال: نعم يأكل و يشرب و يذكر اللّٰه عز و جل ما شاء إلا السجدة، و منها صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام: الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب و يقرءان من القرآن ما شاءا إلا السجدة الحديث، و منها صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السّلام عن قراءة القرآن للحائض و الجنب و الرجل يتغوط فقال عليه السّلام يقرؤون ما شاءوا، و منها حسنة إبراهيم عن زيد الشحام عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: تقرأ الحائض القرآن و النفساء و الجنب أيضا، و من هذا و نحوه تعرف وجه المشهور من القول بالكراهة، و لا يقاومه ما استدل به للأقوال الأخر المتلوة عليك لإمكان حملها على محامل لا يأباه القول المشهور و اللّٰه العالم.

قوله قده (الثالث: مس ما عدا خط المصحف من الجلد و الأوراق. إلخ)

و هو

مذهب الشيخين و أتباعهما، و هو الذي يقتضيه الجمع بين ظاهر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 321

[ (الرابع) النوم إلا أن يتوضأ أو يتيمم]

(الرابع) النوم إلا أن يتوضأ (1) أو يتيمم إن لم يكن له الماء بدلا عن الغسل

______________________________

رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن عليه السّلام قال: المصحف لا تمسه على غير طهور و لا جنبا و لا تمس خطه و لا تعلقه، التي استدل بها المرتضى على المنع و بين صريح الخبر الصادقي عليه السّلام قال: لابنه إسماعيل يا بني اقرأ المصحف فقال: انى لست على وضوء فقال: لا تمس الكتابة و مس الورق، و الموثق المروي في الكافي و التهذيب عن الصادق عليه السّلام عمن قرأ المصحف و هو على غير وضوء قال: لا بأس و لا يمس الكتاب، و الرضوي عليه السّلام: و لا تمس القرآن إذ كنت جنبا أو على غير وضوء و مس الأوراق، التي هي مؤذنة بالجواز فتكون قرينة على حمل النهي في رواية إبراهيم على الكراهة لمناسبة التعظيم إلا ما قام الدليل عليه بالحرمة و هو الخط، و تتم الكراهة في غير ما تضمنتها هذه الأخبار و هو الورق من الهامش و ما بين السطور و الجلد بعدم القول بالفصل و اللّٰه العالم.

قوله قده (الرابع: النوم إلا أن يتوضأ. إلخ)

على المشهور بل نقل غير واحد الإجماع عليه، و يدل عليه مضافا الى ذلك صحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد اللّٰه قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يواقع أهله أ ينام على ذلك؟

قال: إن اللّٰه يتوفى الأنفس في منامها، و لا يدرى ما يطرقه من البلية، إذا فرغ فليغتسل، و يدل عليه أيضا ما عن الصدوق في العلل:

بسنده عن أبى بصير عن الصادق عليه السّلام عن أبيه عن آبائه (ع) عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: لا ينام المسلم و هو جنب، و لا ينام إلا على طهور، فان لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد، و هذه الرواية ظاهرها الحرمة، و لكنه يتعين حملها على الكراهة جمعا بينها و بين الأخبار المصرحة بالكراهة و الرخصة، و يدل على

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 322

[ (الخامس) الخضاب رجلا كان أو امرأة]

(الخامس) الخضاب رجلا كان أو امرأة و كذا يكره (1) للمختضب قبل أن يأخذ اللون إجناب نفسه.

______________________________

كراهة النوم و ارتفاعها بالوضوء صحيحة عبد اللّٰه بن على الحلبي قال سئل أبو عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل، أ ينبغي له أن ينام و هو جنب؟ فقال: يكره ذلك حتى يتوضأ، و مقتضى ظاهرها ارتفاع الكراهة بالمرة و لا ينافيه أفضلية الغسل كما يدل عليها موثقة سماعة قال سألته عن الجنب يجنب ثم يريد النوم قال: ان أحب أن يتوضأ فليفعل و الغسل أحب الىّ و أفضل من ذلك، و ان هو نام و لم يتوضأ و لم يغتسل فليس عليه شي ء، و يدل على جواز النوم و عدم حرمته مضافا الى أغلب الأخبار المتقدمة، صحيحة سعيد الأعرج عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ينام الرجل و هو جنب و تنام المرأة و هي جنب.

قوله قده (الخامس: الخضاب رجلا كان أو امرأة و كذا يكره. إلخ)

للأخبار المستفيضة. منها: رواية عامر بن جذاعة عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال سمعته يقول: لا يختضب الحائض و لا الجنب، و لا تجنب و عليها خضاب، و لا يجنب هو و عليه خضاب، و لا يختضب و هو جنب، و عن

كردين المسمعي قال سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول: لا يختضب الرجل و هو جنب، و لا يجنب و هو مختضب، و عن كتاب العياشي عن على بن موسى قال: يكره أن يختضب الرجل و هو جنب، و قال: من اختضب و هو جنب أو أجنب في خضابه لم يؤمن أن يصيبه الشيطان بسوء، و عن جعفر بن محمد (ع) قال:

لا تختضب و أنت جنب، و لا تجنب و أنت مختضب، و لا الطامث فان الشيطان يحضر هما عند ذلك، و لا بأس به للنفساء، و عن جعفر بن محمد بن يونس ان أباه كتب الى ابى الحسن الأول (ع) يسأله عن الجنب يختضب أو يجنب و هو مختضب؟ فكتب (ع): لا أحب.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 323

[ (السادس) التدهين]

(السادس) التدهين. (1)

[ (السابع) الجماع]

(السابع) الجماع إذا كان جنابته بالاحتلام (2).

[ (الثامن) حمل المصحف]

(الثامن) حمل المصحف.

[ (التاسع) تعليق المصحف]

(التاسع) تعليق المصحف. (3)

______________________________

و يظهر من بعض الروايات انه ترتفع الكراهة بما إذا صبر حتى إذا أخذ الحناء مأخذه فله أن يجنب حينئذ، كما في خبر أبى سعيد قال قلت لأبي إبراهيم (ع) أ يختضب الرجل و هو جنب؟ قال: لا، قلت فيجنب و هو مختضب؟ قال: لا، ثم مكث قليلا قال: يا أبا سعيد ألا أدلك على شي ء تفعله؟ قلت: بلى، قال: إذا اختضبت بالحناء و أخذ الحناء مأخذه و بلغ فحينئذ فجامع، ثم ان مقتضى ظاهر النهي في أغلب هذه الأخبار الحرمة و لكنه يتعين حملها على الكراهة للأخبار الكثيرة المستفيضة المصرحة بالجواز. منها: موثقة سماعة قال سألت العبد الصالح (ع) عن الجنب و الحائض يختضبان؟ قال: لا بأس، و رواية أبي جميل عن ابى الحسن الأول (ع) قال: لا بأس بأن يختضب الجنب أو يجنب المختضب و يطلي بالنورة، و عن السكوني عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال: لا بأس أن يختضب الرجل و يجنب و هو مختضب، و عن الحلبي عن الصادق (ع) قال: لا بأس أن يختضب الرجل و هو جنب على بعض النسخ، و بعضها يحتجم بدل يختضب، و اللّٰه العالم.

قوله قده (السادس: التدهين. اه)

لخبر حريز المروي في الوسائل عن الكافي قال حريز قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) الجنب يدّهن ثم يغتسل؟

قال: لا.

قوله قده (السابع: الجماع إذا كانت جنابته بالاحتلام. اه)

رواه في البحار في باب وجوب غسل الجنابة عن الفقه الرضوي.

قوله قده (الثامن: حمل المصحف، و التاسع: تعليقه. اه)

الظاهر أن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 324

[فصل غسل الجنابة مستحب نفسي و واجب غيري]
اشارة

فصل غسل الجنابة مستحب نفسي (1) و واجب غيري للغايات الواجبة و مستحب غيري

______________________________

مستند الحكمين هو ما يستفاد من النهى عن

تعليقه في خبر إبراهيم الذي تقدم ذكره في الأمر الثالث مما يكره للجنب.

قوله قده (فصل: غسل الجنابة مستحب نفسي. إلخ)

أما استحبابه النفسي فيدل عليه بعد الآية الشريفة (ان اللّٰه يحب التوابين و يحب المتطهرين) الأخبار الآمرة بالطهور و ان لم يرد فعل أى موجب من موجباته، واجبة كانت أو مستحبة مثل ما رواه في الوسائل من حديث الزنديق مع أبى عبد اللّٰه الصادق (ع) إذ قال للصادق أخبرني عن المجوس كانوا أقرب الى الصواب في دينهم أم العرب؟ قال عليه السلام العرب في الجاهلية كانت أقرب الى الدين الحنيفي من المجوس، و ذلك ان المجوس كفرت بكل الأنبياء- الى أن قال- و كانت المجوس لا تغتسل من الجنابة، و العرب كانت تغتسل و الاغتسال من خالص شرائع الحنفية الحديث، و مثل ما رواه فيها أيضا عن الحسن بن محبوب عن عبد الرحمن ابن أبى عبد اللّٰه قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يواقع أهله أ ينام على ذلك؟ قال: ان اللّٰه يتوفى الأنفس في منامها و لا يدرى ما يطرقه من البلية، إذا فرغ فليغتسل الحديث، و لا يجب لنفسه مطلقا جنابة كان أو غيرها على الأصح لأصالة براءة الذمة و عدم التكليف، و استصحاب الحالة السابقة أعني عدم الوجوب، و عدم التداخل و للنص الزراري الباقرى (ع) المروي في التهذيب و الفقيه قال: إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة و لا صلاة إلا بطهور، و الصادقي المروي في الكافي و التهذيب في المرأة يجامعها الرجل فتحيض و هي في المغتسل فتغتسل أم لا؟ قال: قد جاءها ما يفسد الصلاة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 325

للغايات المستحبة و القول بوجوبه

النفسي ضعيف

______________________________

فلا تغتسل، مضافا الى النصوص الدالة على اجزاء الغسل الواحد عن الأسباب المتعددة و الدالة على جواز نوم الجنب و نحوها.

و ذهب جماعة إلى وجوب غسل الجنابة خاصة لنفسه، نظرا إلى إطلاق النصوص الدالة على وجوبه بالجماع و الإنزال كقوله عليه السّلام: إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم، و قوله عليه السّلام: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، و قوله (ع): إذا وقع الختان على الختان فقد وجب الغسل، و هو ضعيف لأنها مقيدة بدلائل أخر. منها مفهوم الشرط في الآية و هي قوله:

(إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا) الى أن قال (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) و حمل الواو على الاستيناف ضعيف، لأن الأصل فيها العطف كما بيّن في محله، و ظاهر قوله عز من قائل (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) وسط حكم الجنب بين حكم الوضوء و التيمم المشروطين بالعبادة إجماعا كما نص عليه في الروض فيلزمه إعطاءه حكمهما، لأن المعطوف في حكم المعطوف عليه، و لو لم يكن كذلك لزم تهافت كلامه تعالى اللّٰه عن ذلك، لان المراد من الآية و اللّٰه أعلم (إذا قمتم إلى الصلاة) و كنتم محدثين بالحدث الأصغر فتوضؤا، و لم يذكر الشرط لكونه مفهوما من المقابلة، و انه الغالب من أحوال القائمين إلى الصلاة، و روى في الموثق بل الصحيح على الظاهر عن أبى بكر قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) قوله تعالى:

(إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ) ما يعنى بذلك إذا قمتم إلى الصلاة؟ قال: إذا قمتم من النوم و عن التبيان كما في مجمع البيان: أجمع المفسرون على ان المراد من الآية إذا قمتم من النوم فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ، و عليه فيكون المراد

من قوله تعالى:

(وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً) كما هو الظاهر و اللّٰه العالم: و ان كنتم محدثين بالحدث الأكبر يجب عليكم الطهارة و الصلاة، و ان لم تجدوا في هاتين الحالتين الماء في حال

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 326

و لا يجب فيه قصد الوجوب و الندب، (1) بل لو قصد الخلاف لا يبطل إذا كان مع الجهل بل مع العلم إذا لم يكن بقصد التشريع، و تحقق منه قصد القربة، فلو كان قبل الوقت و اعتقد دخوله فقصد الوجوب لا يكون باطلا و كذا العكس، و مع الشك في دخوله يكفي الإتيان به بقصد القربة لاستحبابه النفسي، أو بقصد أحدى غاياته المندوبة أو بقصد ما في الواقع من الأمر الوجوبي،

______________________________

القيام إلى الصلاة فيتمموا صعيدا طيبا، فان المنساق الى الذهن و المتبادر اليه إنما هو ذلك، لان الآية كما لا يخفى إنما وردت لبيان الطهارات الثلاث، فالوجوب فيها للغير قطعا، مع انه لا وجه لتخصيص ذلك الوجوب النفسي بالجنابة، بل ينبغي عمومه لجميع الأغسال بل لجميع الطهارات، إذ الأحاديث الواردة في نواقض الوضوء و بقية الأغسال و وجوب الاستنجاء و ازالة النجاسات مطلقة أيضا كهذه، مع انهم لا يقولون بوجوبها لنفسها، و لذا قال المحقق: و إخراج غسل الجنابة من دون ذلك تحكم بارد لا وجه له، إذ المستند واحد، و قال في المعتبر: الطهارة تجب عند ما لا يتم إلا بها كالصلاة و الطواف، و لكن لما كان الحدث سبب الوجوب أطلق الوجوب عند حصوله و إن كان وجود المسبب موقوفا على الشرط.

قوله قده: (و لا يجب فيه قصد الوجوب و الندب. إلخ)

لما تقدم في مبحث الوضوء من كفاية قصد القربة، بل لو

قصد الخلاف كما لو قصد الوجوب في المندوب أو الندب في الواجب مع الجهل لم يبطل كما ذكره (قده) لتضمنه قصد القربة و اتيان الفعل للّه عز و جل، و لا يضر الاشتباه في المصداق نعم يشكل ما ذكره (قده) من الإكتفاء بهما مع العلم، إذ لا ينفك ذلك من قصد التشريع، نعم لو أمكن مع ذلك قصد القربة و لم يكن بقصد التشريع تم ما ذكره و لكنه مشكل.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 327

أو الندبي و الواجب فيه بعد النية (1) غسل ظاهر تمام البدن

______________________________

قوله قده: (و الواجب فيه بعد النية. إلخ)

اما اعتبار النية فيه فلأنه عبادة فحاله حال سائر العبادات، فلا بد من وقوعه على وجه القربة إجماعا، و اما غسل تمام ظاهر البدن فإجماعا، قال في المنتهى: و يجب عليه إيصال الماء الى جميع الظاهر من بدنه دون الباطن منه بلا خلاف. انتهى.

و يدل عليه الصحيح الزراري الباقرى عليه السّلام المروي في الكافي: الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد أجزأه، و خبر إسحاق بن عمار عن ابى جعفر عليه السّلام عن أبيه ان عليا (ع) قال: الغسل من الجنابة و الوضوء يجزى فيه ما أجزأه من الدهن الذي يبل الجسد، و موثقة زرارة قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن غسل الجنابة قال: أفض على رأسك ثلاث أكف و عن يمينك و عن يسارك، إنما يكفيك مثل الدهن، و لا يجزى غسل ما أحاط على البشرة من الشعر و نحوه عن غسلها، بل يجب غسل جميع أجزاء البشرة بنفسها، مع أن جملة من الأخبار كادت تكون صريحة في وجوب إيصال الماء الى جميع أجزاء

البشرة و عدم كفاية غسل ما عليها من الشعر، مثل صحيحة زرارة قال سألت أبا عبد اللّٰه عن غسل الجنابة فقال: تبدأ فتغسل كفيك ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك و مرافقك ثم تمضمض و استنشق، ثم تغسل جسدك من لدن قرنك الى قدميك، ليس قبله و لا بعده وضوء، و كل شي ء أمسسته الماء فقد أنقيته الحديث، و في موثقة سماعة ثم يفيض الماء على جسده كله، و في مرسلة الفقيه: لأن الجنابة خارجة من كل جسده فلذلك وجب تطهير جسده كله، و صحيحة زرارة: إذا مس جلدك الماء فحسبك، و يدل عليه أيضا الأخبار المستفيضة الآمرة بمبالغة النساء في غسل رءوسهن فان المتبادر منها ليس إلا إرادة الاهتمام في إيصال الماء إلى أصول الشعر التي يجدها المتتبع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 328

دون البواطن منه (1)، فلا يجب غسل باطن العين و الأنف و الاذن و الفم و نحوها،

______________________________

ففي حسنة جميل قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عما تصنع النساء في الشعر و القرون فقال: لم تكن هذه المشطة إنما كن يجمعنه، ثم وصف أربعة أمكنة، ثم قال: يبالغن في الغسل، و صحيحة محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال:

حدثتني سلمى خادمة رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم قالت: كان أشعار نساء النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم قرون رءوسهن مقدم رءوسهن، فكان يكفيهن من الماء شي ء قليل، فاما النساء الآن فقد ينبغي لهن أن يبالغن في الماء، و ما روى عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم انه قال:

تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر و انقوا البشرة، و عن

الفقه الرضوي ميز الشعر بأنا ملك عند غسل الجنابة فإنه يروى عن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم تحت كل شعرة جنابة فبلغ الماء تحتها في أصول الشعر كلها، و انظر الى أن لا يبقى شعرة من رأسك و لحيتك إلا و تدخل تحتها الماء، و في الصحيح عن حجر بن زائدة عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام انه قال: من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار.

قوله قده: (دون البواطن منه)

كما هو ظاهر الأخبار، و عن المنتهى و الحدائق نفى الخلاف فيه، و يدل عليه مع أصالة البراءة من الوجوب، مرسلة أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام الجنب، يتمضمض و يستنشق؟ قال: لا إنما يجب الظاهر، و عن الصدوق انه روى عن أبي يحيى عمن حدثه قال قلت لأبي الحسن عليه السّلام الجنب يتمضمض؟ قال:

إنما يجنب الظاهر و لا يجنب الباطن و الفم من الباطن، قال و روى في حديث آخر ان الصادق عليه السّلام قال: في غسل الجنابة ان شئت تتمضمض و تستنشق فافعل، و ليس بواجب لأن الغسل على ما ظهر لا على ما بطن، هذا و ان كان التعليل في بعض الأخبار المذكورة النافية من قوله: إنما يجنب الظاهر مما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 329

و لا يجب غسل الشعر (1) مثل اللحية بل يجب غسل ما تحته من البشرة و لا يجزى غسله عن غسلها، نعم يجب غسل الشعور الدقاق الصغار المحسوبة جزءا من

______________________________

ينبغي رد علمه إلى قائله سلام اللّٰه عليهم، و مما يدل عليه أيضا ان جميع البواطن مما لا يدخل غسلها تحت قدرة المكلف و

بعض ما يدخل تحت قدرته مثل باطن العين و الأنف يحتاج الى دليل خاص و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و لا يجب غسل الشعر. إلخ)

قال في الحدائق: السادس المفهوم من كلام الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) تصريحا في مواضع و تلويحا في اخرى: انه لا يجب غسل شعر الجسد كائنا ما كان خفيفا كان أو كثيفا، نعم يجب تخليله لإيصال الماء الى ما تحته، و ظاهر المعتبر و الذكرى الإجماع على الحكم المذكور و ربما ظهر من عبارة المقنعة الخلاف في ذلك حيث قال:

و إذا كان الشعر مشدودا حلته، إلا ان الشيخ (رحمه اللّٰه) في التهذيب حملها على ما إذا لم يصل الماء إلى أصول الشعر إلا بعد حله، و اما مع الوصول فلا يجب ذلك، و استدل بعض الأصحاب على ذلك بأصالة العدم مما لم يرد الأمر بالتكليف به، إذ قصارى ما تدل عليه الأخبار الأمر بغسل الجسد و الشعر لا يسمى جسدا، و صحيحة الحلبي عن رجل عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام عن أبيه عن على قال: لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة.

و للنظر في ذلك مجال أما (أولا) فلمنع خروجه من الجسد و لو مجازا، كيف و هم قد حكموا بوجوب غسله في يدي الوضوء كما تقدم، معللين ذلك تارة بدخوله في محل الفرض، و اخرى بأنه من توابع اليد، و حينئذ فإذا كان داخلا في اليد بأحد الوجهين المذكورين و اليد داخلة في الجسد كان داخلا في الجسد البتة، و لو سلم خروجه عن الجسد فلا يخرج عن الدخول في الرأس و الجانب الأيمن و الأيسر المعبر بها في جملة من الأخبار.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 330

البدن

مع البشرة، و الثقبة التي في الاذن أو الأنف للحلقة، ان كانت ضيقة لا يرى باطنها لا يجب غسلها، و ان كانت واسعة بحيث تعد من الظاهر وجب غسلها

______________________________

و اما (ثانيا) فلأنه لا يلزم من عدم النقض في صحيحة الحلبي عدم وجوب الغسل لإمكان الزيادة في الماء حتى يروى كما في حسنة الكاهلي عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام في المرأة التي في رأسها مشطة حيث قال عليه السّلام: فإذا أصابها الغسل بقذر، مرها ان تروى رأسها من الماء و تعصره حتى يروى فإذا روى فلا بأس عليها. الحديث.

و اما (ثالثا) فلما روى في صحيحة حجر بن زائدة عن الصادق عليه السّلام انه قال: من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار، و التأويل بالحمل على ان المراد بالشعرة ما هو قدرها من الجسد، لكونه مجازا شائعا كما ذكروا و ان احتمل، إلا انه خلاف الأصل فلا يصار اليه إلا بدليل، إذ وجوب غسل الجسد كملا في الغسل و عدم صحته إلا بذلك مما تكفلت به الاخبار المستفيضة، و يزيد ذلك بيانا و تأكيدا، ما روى عنه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم مرسلا من قوله تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر و انقوا البشرة، و ما ورد في حسنة جميل قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عما تصنع النساء في الشعر و القرون؟ فقال:

لم تكن هذه المشطة إنما كن يجمعنه، ثم وصف أربعة أمكنة، ثم قال: يبالغن في الغسل، و صحيحة محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال: حدثتني سلمى خادمة رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم قالت: كان أشعار نساء النبي صلّى اللّٰه عليه و

آله و سلم قرون رءوسهن مقدم رءوسهن فكان يكفيهن من الماء شي ء قليل، فاما النساء الآن فقد ينبغي لهن أن يبالغن في الماء، و من ثم قوى بعض مشايخنا المحققين من متأخر المتأخرين وجوب غسله قائلًا بعد الطعن في أدلة المشهور: انه ان ثبت إجماع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 331

[و له كيفيتان]
اشارة

و له كيفيتان

[ (الأولى) الترتيب]

(الأولى) الترتيب و هو أن يغسل الرأس (1) و الرقبة أو لا ثم الطرف

______________________________

فعليه المعتمد في الفتوى، و إلا فوجوب غسل الشعر كما هو الموافق للاحتياط و التقوى هو الأقوى، و الى ذلك أيضا يميل كلام شيخنا البهائي (عطر اللّٰه مرقده) في الحبل المتين، و العجب من شيخنا الشهيد الثاني (رحمه اللّٰه) في شرح الألفية حيث قال- بعد أن صرح بعدم وجوب غسل الشعر إلا أن يتوقف عليه غسل البشرة- ما لفظه: و الفرق بينه و بين شعر الوضوء النص. انتهى، فانا لم نقف على نص في هذا الباب و لا نقله ناقل من الأصحاب سوى ما ذكرنا هنا من الأخبار، و هي ان لم تدل على غسل الشعر فلا أقل ان لا تدل على عدمه، و اما في الوضوء فغاية ما تمسكوا به بالنسبة إلى شعر الوجه دخوله فيما يواجه به، و بالنسبة إلى اليد فبدعوى التبعية و التغليب لاسم اليد على جميع ما عليها كما عرفت، و بالجملة انه لا دليل لهم في الفرق إلا الإجماع ان تم. انتهى كلام صاحب الحدائق (طاب ثراه و جعل الجنة مقره و مثواه) و ما ذكره هو الحق و الحق أحق أن يتبع، إذ ليس في هذه الأخبار على استفاضتها ما يدل صراحة على نفى غسل الشعر مع عموم الابتلاء به، بل فيها ظهور ان لم نقل صراحة في وجوب غسله و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و له كيفيتان (الأولى) الترتيب و هو أن يغسل الرأس.

إلخ)

لا يخفى انه يجب في الغسل الترتيبي تقديم غسل الرأس على البدن إجماعا كما عن الخلاف و الانتصار و التذكرة و الغنية و غيرها، للصحاح المستفيضة منها: الصادقي المروي

في الكافي من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه ثم بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بدا من اعادة الغسل، و نحوه آخر، و في ثالث المروي في الكافي و التهذيب: سألته عن غسل الجنابة فقال: تبدأ بكفيك فتغسلهما، ثم تغسل فرجك، ثم تصب على رأسك ثلاثا، ثم تصب على

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 332

الأيمن من البدن ثم الطرف الأيسر

______________________________

سائر جسدك مرتين، فما جرى عليه الماء فقد طهر، و الأحوط بل الأقوى تقديم الجانب الأيمن من أصل العنق الى تمام البدن و على الأيسر أيضا كما هو المشهور، و لنقل الشيخ و السيد و ابن زهرة و الحلي و الفاضلين في الخلاف و الانتصار و الغنية و السرائر و التذكرة و المعتبر و المنتهى على وجوبه الإجماع، و عن نهاية الأحكام و الذكرى و الروض الإجماع المركب عليه، و ان كل من أوجب تقديم الرأس أوجب الترتيب بينهما و ان لم يوجبه الصدوقان و الإسكافي لعدم دليل عليه، و فيه مع عدم معلومية النسبة الى من ذكر ان الدليل على ذلك مضافا الى الإجماعات المتقدمة و أصالة بقاء الجنابة و وجوب حصول البراءة اليقينية، الأخبار الدالة على وجوب هذا الترتيب في غسل الميت، منضما إلى المروي في التهذيب عن محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر عليه السّلام قال:

غسل الميت مثل غسل الجنب، و المروي في الكافي عن الصادق عليه السّلام ان رجلا سأل الباقر عليه السّلام عن الميت لم يغسّل غسل الجنابة؟ قال: إذا خرجت الروح من البدن خرجت النطفة التي خلق منها بعينها منه كائنا ما كان، صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو أنثى، فلذلك يغسل غسل الجنابة و نحوه

اخبار آخر، و في الحسن الزراري المروي في الكافي و التهذيب، قلت له كيف يغتسل الجنب؟

فقال: ان لم يكن أصاب كفه شي ء غمسها في الماء ثم بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف، ثم صب على رأسه ثلاث أكف، ثم صب على منكبه الأيمن مرتين و على منكبه الأيسر مرتين، فما جرى عليه الماء فقد أجزأه، و في الموثق الزراري الباقرى المروي في التهذيب: عن غسل الجنابة قال: أفض على رأسك ثلاث أكف و عن يمينك و عن يسارك، إنما يكفيك مثل الدهن،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 333

و الأحوط أن يغسل النصف الأيمن من الرقبة (1) ثانيا مع الأيمن، و النصف الأيسر مع الأيسر، و السرة و العورة يغسل نصفهما الأيمن مع الأيمن و نصفهما الأيسر مع الأيسر، و الاولى أن يغسل تمامهما مع كل من الطرفين و الترتيب المذكور شرط واقعي (2) فلو عكس

______________________________

و في الفقه الرضوي: إذا أردت الغسل من الجنابة نصب على رأسك ثلاث أكف و على جانبك الأيمن مثل ذلك و على جانبك الأيسر مثل ذلك، فان المفهوم من الواو في المحاورات في أمثال هذه المقامات الترتيب، و ان لم نقل انها حقيقة فيه لغة.

قوله قده: (و الأحوط أن يغسل النصف الأيمن من الرقبة. إلخ)

وجهه توقف جماعة من الفقهاء في دخولها في الرأس و ان كان دخولها فيه هو مشهور العلماء، و هو الذي يقتضيه ظاهر الحسن الزراري المتقدم الذكر:

ثم صب على رأسه ثلاث أكف ثم على منكبه الأيمن مرتين و على منكبه الأيسر مرتين الحديث.

قوله قده: (و الترتيب المذكور شرط واقعي. إلخ)

اما بين الرأس و الجانبين فهو الذي يقتضيه ما تقدم من نقل الإجماع عليه عن الخلاف و الانتصار

و التذكرة و الغنية و غيرها، و الصحيح المتقدم الصادقي: من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه ثم بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بدا من اعادة الغسل و نحوه آخر، و في ثالث سألته عن غسل الجنابة فقال تبدأ بكفيك فتغسلهما ثم تغسل فرجك ثم تصب على رأسك ثلاثا ثم تصب على سائر جسدك مرتين فما جرى عليه الماء فقد طهر.

و أما بين الجانبين فهو الذي تقتضيه الإجماعات المتقدمة الذكر لنقل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 334

و لو جهلا أو سهوا بطل و لا يجب البدأة بالأعلى في كل عضو و لا الأعلى فالأعلى (1)

______________________________

الشيخ و السيد و ابن زهرة و الحلي و الفاضلين على وجوبه الإجماع، و عن نهاية الأحكام و الذكرى و الروض الإجماع المركب عليه، و ان كل من أوجب تقديم الرأس أوجب الترتيب بينهما، و ما تقدم من أصالة بقاء الجنابة و وجوب حصول البراءة اليقينية: الأخبار الدالة على وجوب هذا الترتيب في غسل الميت، منضما إلى المروي في التهذيب عن محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر عليه السّلام قال: غسل الميت مثل غسل الجنب الى غيره من نحوه، و يدل عليه أيضا الحسن الزراري المتقدم الذكر المروي في الكافي و التهذيب قلت له كيف يغتسل الجنب، فقال: ان لم يكن أصاب كفه شي ء غمسها في الماء ثم بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف، ثم صب على رأسه ثلاث أكف، ثم صب على منكبه الأيمن مرتين و على منكبه الأيسر مرتين، فما جرى عليه الماء فقد أجزأه و كذلك ما تقدم من الموثق الزراري الباقرى المروي في التهذيب:

عن غسل الجنابة، و ما تقدم من الفقه الرضوي فراجع.

و

اما ان ذلك شرط واقعي فلو عكس و لو جهلا أو نسيانا بطل فهو الذي يقتضيه إطلاق الأدلة، و كونه شرط ذكري يحتاج الى دليل و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و لا يجب البدأة بالأعلى في كل عضو و لا الأعلى فالأعلى.

إلخ)

كما هو ظاهر إطلاق جملة من عبارات فقهائنا (رضوان اللّٰه عليهم) و ادعى عليه الشهرة، بل ادعى عليه الإجماع، و قد تمسك له جملة من المتأخرين بالإطلاقات مثل قول الرضا عليه السّلام في رواية أحمد بن محمد بن ابى نصر: ثم أفض على رأسك و سائر جسدك، و ما رواه في التهذيب عن زرارة قال سألت

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 335

و لا الموالاة (1) العرفية بمعنى التتابع و لا بمعنى عدم الجفاف فلو غسل رأسه و رقبته في أول النهار و الأيمن في وسطه، و الأيسر في آخره صح.

______________________________

أبا جعفر عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال: أفض على رأسك ثلاث أكف و عن يمينك و يسارك، إنما يكفيك مثل الدهن، و استدل آخرون بالأصل، و معلوم انه لا وجه له مع الإطلاقات المذكورة، فعلى هذا يجوز أن يبتدئ بغسل الرأس من أصل العنق فينتهي إلى قمة الرأس، و ان يبتدئ من طرفه الأيمن أو الأيسر أو غير ذلك من الجهات، و يجوز أن يغسل متفرقا و ان يبتدئ بغسل الأيمن من رجله الى المنكب، و من المنكب إلى الأسفل، و من شي ء مما بين العضوين فينتهي الى أحد الطرفين المذكورين، و كذلك في الطرف الأيسر.

نعم يشكل الأخذ بالإطلاقات المذكورة مع ما تضمنه حسنة زرارة:

ثم صب على رأسه ثلاث أكف ثم صب على منكبه الأيمن مرتين و على منكبه الأيسر مرتين، و قوله

في صحيحة زرارة: ثم تغسل جسدك من لدن قرنك الى قدميك، حيث اعتبر المنكبين في الأولى و هما أعلى الجانبين و جعل القرن في الثانية مدخول (من) التي هي لابتداء الغاية و القدمين مدخول (إلى) التي هي لانتهاء الغاية فالأحوط البدأة بالأعلى في كل عضو و الأعلى فالأعلى حتى ينتهى الغسل.

قوله قده: (و لا الموالاة. إلخ)

للأصل و الإجماع و النصوص، قال في الحدائق: الظاهر انه لا خلاف في عدم وجوب الموالاة بشي ء من التفسيرين المتقدمين في الوضوء، و يدل عليه ما تقدم عليه في صحيحة محمد ابن مسلم الواردة في قضية أم إسماعيل، و حسنة إبراهيم اليماني عن الصادق عليه السّلام قال: ان عليا عليه السّلام لم ير بأسا بأن يغسل الرجل رأسه غدوة و يغسل سائر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 336

و كذا لا يجب الموالاة في أجزاء عضو واحد (1) و لو تذكر بعد الغسل ترك جزء من أحد الأعضاء رجع و غسل ذلك الجزء فان كان في الأيسر كفاه ذلك و ان كان في الرأس أو في الأيمن وجب غسل الباقي على الترتيب، و لو اشتبه ذلك الجزء وجب غسل تمام المحتملات (2) مع مراعاة الترتيب.

[ (الثانية) الارتماس]

(الثانية) الارتماس (3) و هو غمس تمام البدن في الماء دفعة واحدة عرفية

______________________________

جسده عند الصلاة، و في صحيحة حريز المتقدمة في مسألة الموالاة في الوضوء:

و ابدأ بالرأس ثم أفض على سائر جسدك، قلت و ان كان بعض يوم؟ قال:

نعم، و ما ورد في الفقه الرضوي حيث قال عليه السّلام و لا بأس بتبعيض الغسل تغسل يديك و فرجك و رأسك و تؤخر غسل جسدك الى وقت الصلاة، ثم تغسل إن أردت ذلك، إلا أن

الأصحاب صرحوا باستحبابها هنا و لم يفسروها بشي ء من المعنيين المتقدمين، و لم يرد على ذلك نص في المقام، انتهى كلامه رفع مقامه.

قوله قده: (و كذا لا يجب الموالاة في اجزاء عضو واحد. إلخ)

و ذلك للإطلاقات المتقدمة الذكر.

قوله قده: (و لو اشتبه ذلك الجزء وجب غسل تمام المحتملات. إلخ)

و ذلك قضاءا لحق العلم الإجمالي.

قوله قده: (الثانية: الارتماس. إلخ)

يسقط الترتيب مطلقا حتى بين الرأس و البدن بارتماسة واحدة عرفية، بحيث يشمل جميع البدن بالانغماس فيه إجماعا، بل قيل نفى الخلاف فيه، و للصحيحين المرويين في التهذيب عن زرارة عن الصادق عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال: تبدأ- الى أن قال- و لو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 337

و اللازم أن يكون تمام البدن تحت الماء في آن واحد و ان كان غمسه على التدريج فلو خرج بعض بدنه قبل أن ينغمس البعض الآخر لم يكف كما إذا خرجت رجله أو دخلت في الطين قبل أن يدخل رأسه في الماء أو بالعكس بان خرج رأسه من الماء قبل أن تدخل رجله، و لا يلزم أن يكون تمام بدنه أو معظمه خارج الماء (1)، بل لو كان بعضه خارجا فارتمس كفى، بل لو كان تمام بدنه تحت الماء فتوى الغسل و حرك بدنه كفى على الأقوى، و لو تيقن بعد الغسل عدم انغسال جزء من بدنه وجبت الإعادة و لا يكفى غسل ذلك الجزء فقط، و يجب تحليل

______________________________

أن رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك و ان لم يدلك جسده، و عن الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال: إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله، و نحوه الصادقي المروي في الكافي:

الرجل يجنب فيرتمس في الماء ارتماسة واحدة و يخرج يجزيه ذلك من غسله؟ قال: نعم، و الخبر: إذا اغتمس الجنب في الماء اغتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله، و المرجع في المذكورة إلى العرف، لأنه هو المحكّم فيما لم يرد من الشارع بيانه فلا ينافيها توقف إيصال الماء على تحليل ما يعتبر تخليله من الشعر و نحوه من تحريك الخاتم، لأن كثيرا من الناس لا يخلون من كثافة الشعر و العكنة في البطن و أمثالهما مما يتوقف إيصال الماء الى ظاهر جميع البدن على تخليل، لعدم منافاة ذلك التخليل صدق الارتماس عرفا، و لأن الأخبار يجب حملها على الأفراد الغالبة الشائعة دون النادرة.

قوله قده: (و لا يلزم أن يكون تمام بدنه أو معظمه خارج الماء. إلخ)

لا يخفى ان القدر المتيقن إرادته من الأخبار بحيث لا يعتريه شبهة إنما هو كفاية احداث الارتماس بان كان خارج الماء فأحدث هذا الفعل التدريجي

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 338

الشعر إذا شك في وصول الماء إلى البشرة التي تحته، و لا فرق في كيفية الغسل بأحد النحوين بين غسل الجنابة و غيره (1) من سائر الأغسال الواجبة و المندوبة، نعم في غسل الجنابة لا يجب الوضوء، بل لا يشرع بخلاف سائر الأغسال كما سيأتي ان شاء اللّه (2).

______________________________

الحصول، و كذا خص بعضهم كفايته بمثل الفرض، لا إذا نوى الغسل و هو في الماء و لو في الجملة.

قوله قده: (بين غسل الجنابة و غيره. إلخ)

لا يخفى ان إجزاء الارتماس عن الترتيب إنما ورد في الجنابة فقط، و الأصحاب لم يفرقوا بينها و بين غيرها و حكوا الإجماع على ذلك، و يعضده الباقرى: غسل الميت مثل غسل الجنابة، و

الصادقي: غسل الجنابة و الحيض واحد.

قوله قده: (نعم في غسل الجنابة لا يجب الوضوء بل لا يشرع بخلاف سائر الأغسال كما سيأتي ان شاء اللّه. اه)

اما عدم جواز الوضوء مع غسل الجنابة لا قبله و لا بعده فللإجماع فتوى و نصا، و اما كفاية بقية الأغسال واجبة أو مستحبة عن الوضوء أو عدم كفايتها فقولان معروفان، و الأكثرون و منهم الصدوقان و الشيخان و ابنا زهرة و إدريس و الفاضلان و الشهيدان و غيرهم على عدم كفايتها لعموم قوله تعالى (إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ) الشامل للمغتسل و غيره، و للمرسل الصحيح بناءا على كون مراسيل ابن ابى عمير من قسم الصحيح المروي في الكافي عن ابن أبى عمير عن رجل عن الصادق عليه السّلام قال: كل غسل قبله وضوء الا غسل الجنابة، و فيه ان الآية بعد تسليم عمومها مخصوصة بما يأتي، و الرواية بقصور سندها لعدم ثبوت كون مراسيله في قوة المسانيد كما صرح به المحقق و الشهيد الثاني، مع انه غير صريح في المطلوب كما اعترف به المحقق و العلامة في بحث وضوء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 339

..........

______________________________

الميت قائلين: لا يلزم من كون الوضوء في الغسل أن يكون واجبا، بل من الجائز أن يكون غسل الجنابة لا يجوز فعل الوضوء فيه و غيره يجوز، و لا يلزم من الجواز الوجوب، و تدفعه الصحاح و غيرها من المستفيضة، منها: الصحيح المروي في التهذيب عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام قال: الغسل يجزى عن الوضوء، و أى وضوء أطهر من الغسل!؟ و منها: الموثق المروي في التهذيب عن عمار عن الصادق عليه السّلام عن الرجل إذا

اغتسل عن جنابته أو يوم الجمعة أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال: لا ليس عليه قبل و لا بعد فقد أجزأه الغسل، و المرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل و لا بعد قد أجزأها الغسل، و في آخر: أى وضوء أطهر من الغسل!؟ و في آخر: أى وضوء أنقى من الغسل و أبلغ!؟ و عن أبى الحسن الثالث: لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة و لا غيره، و في المرسل: ان الوضوء قبل الغسل و بعده بدعة، و في آخر: الوضوء بعد الغسل بدعة، و في الباقرى: الوضوء بعد الغسل بدعة، و ما اخترناه مذهب السيد و الإسكافي و جملة ممن تأخر و قوّاه المقدس الأردبيلي و صاحب المدارك، و العمل على المشهور لكونه أحوط، مع ان المرسل المتقدم أوفق بالشهرة مع اعتباره في نفسه، لدعوى جماعة الإجماع على العمل بمراسيله، و ادعاء الكشي إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و يعضده ما في الفقه الرضوي: ليس في غسل الجنابة وضوء، و الوضوء في كل غسل ما خلا الجنابة، لأن غسل الجنابة فريضة، و لا تجزى سائر الأغسال عن الوضوء، لأن الغسل سنة و الوضوء فريضة، و لا تجزى سنة عن فرض، و غسل الجنابة و الوضوء فريضتان فاذا اجتمعا فأكبرهما يجزى عن أصغرهما، و إذا اغتسلت لغير

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 340

[ (مسألة 1) الغسل الترتيبي أفضل]

(مسألة 1) الغسل الترتيبي أفضل من الارتماسي. (1)

[ (مسألة 2) قد يتعين الارتماسي]

(مسألة 2) قد يتعين الارتماسي (2) كما إذا ضاق الوقت عن الترتيبي و قد يتعين الترتيبي (3) كما في يوم الصوم الواجب و حال الإحرام و كذا إذا كان الماء لغيره و لم يرض بالارتماس فيه.

______________________________

جنابة فابدأ بالوضوء ثم اغتسل، و لا يجزيك الغسل عن الوضوء، فان اغتسلت و نسيت الوضوء فتوضأ و أعد الصلاة، و في غوالي اللئالي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: كل الأغسال لا بد فيها من الوضوء إلا الجنابة مع الاعتضاد بعموم الآية و الإجماعات و عموم ما دل على وجوب الوضوء بحدوث أحد أسبابه، و أصالة بقاء الحدث، و يمكن حمل الأخبار الأخيرة بتكلف على غسل الجنابة ثم بناءا على المشهور تقديم الوضوء على الغسل أحوط، و هل التقديم مستحب؟

كما عن النهاية و الوسيلة و السرائر و الجامع و المعتبر و موضع من المبسوط و الشرائع و القواعد، و عن الحلي الإجماع عليه، أم واجب؟ كما عن ظاهر الصدوق و المفيد و الحلبيين و جهان، و الأخبار المتقدمة في المقام بين مطلق و مقيد بكونه قبله، و كيف كان فالمحكي عدم الخلاف على انه لا تعلق للوضوء بصحة الغسل، فلو أثم بالتأخير عمدا على القول بالوجوب صح غسله و لزمه الإتيان به لمشروط به من العبادة.

قوله قده مسألة 1: (الغسل الترتيبي أفضل من الارتماسي. اه)

لم أقف على مستند لذلك يطمأن اليه لهذه الأفضلية المدعاة.

قوله قده مسألة 2: (قد يتعين الارتماسي. إلخ)

لما كان أحد فردي الواجب المخير مفوتا للمأمور به تعين عقلا الفرد الآخر للمقدمية لا غير.

قوله قده: (و قد يتعين الترتيبي. إلخ)

و ذلك للمنع الشرعي

العمل الأبقى في شرح

العروة الوثقى، ج 2، ص: 341

[ (مسألة 3) يجوز في الترتيبي أن يغسل كل عضو من أعضائه الثلاثة بنحو الارتماس]

(مسألة 3) يجوز في الترتيبي أن يغسل كل عضو (1) من أعضائه الثلاثة بنحو الارتماس، بل لو ارتمس في الماء ثلاث مرات مرة بقصد غسل الرأس و مرة بقصد غسل الأيمن و مرة بقصد الأيسر كفى، و كذا لو حرك بدنه تحت الماء ثلاث مرات أو قصد بالارتماس غسل الرأس و حرك بدنه تحت الماء بقصد الأيمن و خرج بقصد الأيسر، و يجوز غسل واحد من الأعضاء بالارتماس و البقية بالترتيب بل يجوز غسل بعض كل عضو بالارتماس و بعضه الآخر بإمرار اليد.

[ (مسألة 4) الغسل الارتماسي يتصور على وجهين]

(مسألة 4) الغسل الارتماسي يتصور على وجهين (2) (أحدهما) أن يقصد الغسل بأول جزء دخل في الماء و هكذا الى الآخر فيكون حاصلا على وجه التدريج (و الثاني) أن يقصد الغسل حين استيعاب الماء تمام بدنه و حينئذ يكون آنيا و كلاهما صحيح و يختلف باعتبار القصد، و لو لم يقصد أحد الوجهين صح أيضا و انصرف الى التدريجي.

[ (مسألة 5) يشترط في كل عضو أن يكون طاهرا حين غسله]

(مسألة 5) يشترط في كل عضو أن يكون طاهرا حين غسله (3) فلو كان

______________________________

من الارتماس للصائم و تغطية الرأس للمحرم فيتعين الفرد الآخر من الواجبين التخييريين.

قوله قده مسألة 3: (يجوز في الترتيبي أن يغسل كل عضو. إلخ)

إذ لم يعتبر في الغسل الترتيبي إلا غسل الأعضاء الثلاثة مرتبا بناءا عليه، و لم يعتبر كيفية خاصة في الغسل.

قوله قده مسألة 4: (الغسل الارتماسي يتصور على وجهين. إلخ)

لا يبعد أن يكون منحصرا في الوجه الأول من الوجهين لصدق انه أخذ في الغسل حين الشروع بأول جزء دخل في الماء و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 5: (يشترط في كل عضو أن يكون طاهرا حين غسله. إلخ)

لا يخفى انه اختلفت كلمات علمائنا الأعلام في هذه المسألة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 342

نجسا طهره أولا، و لا يكفى غسل واحد لرفع الخبث و الحدث كما مر في الوضوء و لا يلزم طهارة جميع الأعضاء قبل الشروع في الغسل و إن كان أحوط. (1)

______________________________

موضوعا و حكما كما تجدها مفصلة في كتبهم المطولة، و الذي يحضرني عاجلا ان الحق الحقيق هو ما اختاره المصنف (قده) من اشتراط طهارة كل عضو قبل غسله ان كان الغسل بالماء القليل سواء كانت النجاسة عينية أو حكمية لما هو المعلوم بلا شبهة تعتريه، بل قيام الإجماع بقسميه

عليه هو اشتراط طهارة الماء المغسول به، و إذا كان قليلا كما هو المفروض نجس بمجرد ملاقاته للعضو النجس بالنجاسة الخبثية فلا يقوى على رفع النجاسة الحدثية و اللّه العالم.

قوله قده: (و ان كان أحوط. اه)

خروجا عن خلاف من أوجبه كما هو ظاهر القواعد و جملة من الأصحاب على ما حكاه عنهم في الحدائق، و ذلك لظواهر الأخبار الواردة في كيفية الغسل مثل ما رواه في الوسائل في أبواب الجنابة باب (33) عن يعقوب بن يقطين عن أبى الحسن عليه السّلام قال سألته عن غسل الجنابة فيه وضوء أم لا فيما نزل به جبرئيل؟ قال: الجنب يغتسل يبدأ فيغسل يديه الى المرفقين قبل أن يغمسهما في الماء ثم يغسل ما أصابه من أذى ثم يصب على رأسه و على وجهه و على جسده كله، ثم قد قضى الغسل و لا وضوء عليه، و في الكتاب المذكور عن ابن أبى نصر قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال: تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك و تبول ان قدرت على البول، ثم تدخل يدك في الإناء، ثم اغسل ما أصابك منه، ثم أفض على رأسك و جسدك، و لا وضوء فيه، و في الكتاب المذكور عن أبى بكر الحضرمي عن ابى جعفر عليه السّلام قال: سألته كيف أصنع إذا أجنبت؟ قال: اغسل كفك و فرجك و توضأ وضوء الصلاة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 343

[ (مسألة 6) يجب اليقين بوصول الماء الى جميع الأعضاء]

(مسألة 6) يجب اليقين بوصول الماء الى جميع الأعضاء (1) فلو كان حائل وجب رفعه و يجب اليقين بزواله مع سبق وجوده و مع عدم سبق وجوده يكفي الاطمئنان بعدمه بعد الفحص.

[ (مسألة 7) إذا شك في شي ء أنه من الظاهر أو الباطن]

(مسألة 7) إذا شك في شي ء أنه من الظاهر أو الباطن (2) يجب غسله على خلاف ما مر في غسل النجاسات حيث قلنا بعدم وجوب غسله، و الفرق أن هناك يرجع الى الشك في تنجسه بخلافه هنا حيث ان التكليف بالغسل معلوم فيجب تحصيل اليقين بالفراغ، نعم لو كان ذلك الشي ء باطنا سابقا و شك في أنه صار ظاهرا أم لا؟ فلسبقه بعدم الوجوب لا يجب غسله عملا بالاستصحاب.

______________________________

ثم اغتسل، و ما شابه هذه و قد عدها الأصحاب من أخبار الآداب و السنن، قال صاحب الحدائق: إذ لا يعقل لوجوب التقديم على أصل الغسل وجه لأن الغرض إنما هو اجراء الغسل على محل طاهر و هو يحصل بالتدريج الى آخر ما ذكره (قده).

قوله قده مسألة 6: (يجب اليقين بوصول الماء الى جميع الأعضاء.

إلخ)

و ذلك لقاعدة الشغل المقتضية لليقين بالفراغ فيه و فيما بعده من فروع هذه المسألة.

قوله قده مسألة 7: (إذا شك في شي ء انه من الظاهر أو الباطن.

إلخ)

تقدم في مسألة 23 من مسائل الوضوء حكم هذه المسألة، و حاصله عدم وجوب غسله لأصالة البراءة، و قيل يجب لقاعدة الشغل، و فيه انه لم يثبت اشتغال الذمة بأزيد مما علم انه من الظاهر، و قد تقرر في محله ان المرجع عند دوران التكليف بين الأقل و الأكثر البراءة من الأكثر لا الاحتياط، نعم لو قلنا ان المكلف به مفهوم مبين و هو التطهير أو إزالة الحدث و الأمر بالغسل مما يتحقق به هذا

المفهوم المبين لاتجه القول بوجوب الاحتياط، لكن فيه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 344

[ (مسألة 8) ما مر من أنه لا يعتبر الموالاة في الغسل الترتيبي]

(مسألة 8) ما مر من أنه لا يعتبر الموالاة في الغسل الترتيبي إنما هو فيما عدا غسل المستحاضة (1) و المسلوس و المبطون فإنه يجب فيه المبادرة اليه و الى الصلاة بعده من جهة خوف خروج الحدث.

[ (مسألة 9) يجوز الغسل تحت المطر و تحت الميزاب ترتيبا لا ارتماسا]

(مسألة 9) يجوز الغسل تحت المطر (2) و تحت الميزاب ترتيبا لا ارتماسا، نعم إذا كان نهر كبير جاريا من فوق على نحو الميزاب لا يبعد جواز الارتماس تحته أيضا إذا استوعب الماء جميع بدنه على نحو كونه تحت الماء.

______________________________

كلام مذكور في محله، و مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه خصوصا لو توقف القطع بغسل الظاهر على غسله، فإنه يجب حينئذ جزما من باب المقدمة العلمية كما انه يجب على القول بوجوب غسل المواضع المشكوكة غسل مقدار من البواطن التي يتوقف العلم بحصول الغسل الواجب على غسلها.

قوله قده مسألة 8: (ما مر من انه لا يعتبر الموالاة في الغسل الترتيبي إنما هو فيما عدا غسل المستحاضة. إلخ)

لم أعرف الخصوصية لما ذكره من غسل المستحاضة و المسلوس و المبطون، بل كل غسل ضاق وقت مشروط به لا يجوز التماهل فيه على وجه يفوت مشروطه، بل يمكن أن يقال بلزوم اختيار التراخي في بعض أقسام المستحاضة و المسلوس و المبطون، و ذلك فيما لم تكن لهم فترة بعد دخول الوقت إلا بمقدار الصلاة و غسل آخر جزء من البدن، فإنه لا يبعد أن يقال بوجوب غسل الجزئين و هما الرأس و الشق الأيمن مثلا قبل الوقت، ليكون على أهبه من مجي ء الفترة التي هي أول الوقت مثلا فيغسل بها الجزء الأخير و يصلى، و هذا مما لا غبار فيه و لا شبهة تعتريه و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 9: (يجوز

الغسل تحت المطر. إلخ)

لا يخفى انه

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 345

[ (مسألة 10) يجوز العدول عن الترتيب الى الارتماس في الأثناء و بالعكس]

(مسألة 10) يجوز العدول عن الترتيب الى الارتماس في الأثناء و بالعكس (1) لكن بمعنى رفع اليد عنه و الاستئناف على النحو الآخر.

[ (مسألة 11) إذا كان حوض أقل من الكر]

(مسألة 11) إذا كان حوض أقل من الكر يجوز الاغتسال فيه (2) بالارتماس مع طهارة البدن لكن بعده يكون من المستعمل في رفع الحدث

______________________________

وردت أخبار عن أهل بيت العصمة (ع) في كفاية الغسل تحت المطر ففهم منها بعض الأصحاب إلحاق ذلك بالارتماس موضوعا أو حكما في سقوط الترتيب، كما حكى ذلك عن الشيخ في المبسوط، منها صحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة ان يقوم في المطر حتى يغسل رأسه و جسده و هو يقدر على ما سوى ذلك؟ فقال: ان كان يغسله اغتساله بالماء أجزأ ذلك، و مرسلة محمد بن أبي حمزة عن الصادق عليه السّلام في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده أ يجزيه ذلك من الغسل؟ قال: نعم، و الإنصاف انه لا يفهم منهما و لا مما شاكلهما تأسيس حكم للمطر و خصوصية فيه، بل لما توهم السائل احتمال خصوصية لسائر المياه غير ماء المطر أو خصوصية لمزاولة اليد في الغسل نفى (سلام اللّٰه عليه) ذلك الاحتمال و التوهم، و أجابه بأنه كاف في الاغتسال به و انه كسائر المياه و لا خصوصية لمزاولة اليد و غيرها، أو عدم مزاولة أي شي ء، بل يكفى انغسال الأعضاء الثلاثة بأي نوع يكون و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 10: (يجوز العدول من الترتيب الى الارتماس في الأثناء و بالعكس. إلخ)

لإطلاق دليليهما و ان التخيير ابتدائي و استمراري.

قوله قده مسألة 11: (إذا كان حوض أقل من كر يجوز

الاغتسال فيه. إلخ)

نعم لا مانع من الاغتسال بكلا نوعيه من الحياض قلّت عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 346

الأكبر، فبناء على الاشكال فيه يشكل الوضوء و الغسل منه بعد ذلك، و كذا إذا قام فيه و اغتسل بنحو الترتيب بحيث رجع ماء الغسل فيه و أما إذا كان كرا أو أزيد فليس كذلك، نعم لا يبعد صدق المستعمل عليه إذا كان بقدر الكر لا أزيد و اغتسل فيه مرارا عديدة لكن الأقوى كما مر جواز الاغتسال و الوضوء من المستعمل.

______________________________

الكر أو كثرت لإطلاق دليليهما، كما لا إشكال في صيرورة الماء من المستعمل في صورة ما لو كان أقل من الكر فيكون جزئيا من جزئيات مسألة جواز رفع الحدث به ثانيا و عدمه، و فيه قولان معروفان منشأ و هما اختلاف الأخبار و تصادم الأدلة، و قد تقدم في باب الوضوء ان الأقوى كما هو المشهور جوازه.

و اما عدم صيرورته من المستعمل فيما لو كان كرا أو أكثر من الكر، فقد ادعى في (مصباح الفقيه): عليه السيرة المستمرة عند المتشرعة المعلوم تحققها من صدر الشريعة، بل حكى عن غير واحد نقل الإجماع عليه، قال و يدل عليه أيضا غير واحد من الأخبار، منها صحيحة صفوان قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الحياض التي ما بين مكة إلى المدينة تردها السباع و تلغ فيها الكلاب و تشرب منها الحمير و يغتسل فيها الجنب و يتوضأ منها قال: و كم قدر الماء؟ قال: الى نصف الساق و الى الركبة فقال: توضأ منه. انتهى. و في دلالة الرواية على المدعى إشكال فإن غاية ما تدل عليه هو جواز استعمال الماء المستعمل لرفع الحدث فتكون من

أدلة المجوزين، و اما دلالتها على ان الماء لو كان كرا أو أكثر من كر فلا يكون من المستعمل فلا دلالة فيها على ذلك، فعليه لقائل أن يمنع ان الماء إذا بلغ كرا لا يكون من المستعمل، نعم يتم ذلك في مثل الأنهر و السواقي الواسعة، بل المحقون إذا بلغ أكرارا كثيرة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 347

[ (مسألة 12) يشترط في صحة الغسل ما مر من الشرائط]

(مسألة 12) يشترط في صحة الغسل ما مر من الشرائط (1) في الوضوء من النية و استدامتها الى الفراغ، و إطلاق الماء و طهارته، و عدم كونه ماء الغسالة، و عدم الضرر في استعماله، و إباحته و اباحة ظرفه، و عدم كونه من الذهب و الفضة، و اباحة مكان الغسل و مصب مائه و طهارة البدن، و عدم ضيق الوقت و الترتيب في الترتيبي، و عدم حرمة الارتماس في الارتماسي منه كيوم الصوم، و في حال الإحرام، و المباشرة في حال الاختيار و ما عدا الإباحة، و عدم كون الظرف من الذهب و الفضة، و عدم حرمة الارتماس من الشرائط واقعي لا فرق فيها بين العمد و العلم و الجهل و النسيان بخلاف المذكورات فان شرطيتها مقصورة على حال العمد و العلم.

[ (مسألة 13) إذا خرج من بيته بقصد الحمام و الغسل فيه]

(مسألة 13) إذا خرج من بيته بقصد الحمام و الغسل فيه (2) فاغتسل بالداعي الأول، لكن كان بحيث لو قيل له حين الغمس في الماء ما تفعل؟ يقول: اغتسل

______________________________

كعشرين و ثلاثين، و اما في مثل الكر و الكرين فحاله حال ما لو نقص عن الكر عرفا، خصوصا فيما لو تكرر الارتماس فيه (فان قلت) فعلى أى وجه يحمل سؤال الإمام عليه السّلام عن مقداره ان لم يحمل على ما ادعاه المستدل من معرفة ان لا يكون من قسم المستعمل؟ (قلنا) يحمل سؤاله عليه السّلام لمعرفة كريته فلا تؤثر فيه النجاسة و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 12: (يشترط في صحة الغسل ما مر من الشرائط في الوضوء. إلخ)

راجع شرائط الوضوء ص 181 فإنها معتبرة في الغسل حرفا بحرف.

قوله قده مسألة 13: (إذا خرج من بيته بقصد الحمام و الغسل فيه.

إلخ)

ما ذكره من الميزان للصحة

و الفساد مبني على ما هو التحقيق من كفاية

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 348

فغسله صحيح، و أما إذا كان غافلا بالمرة بحيث لو قيل له ما تفعل؟ يبقى متحيرا فغسله ليس بصحيح.

[ (مسألة 14) إذا ذهب الى الحمام ليغتسل و بعد ما خرج شك]

(مسألة 14) إذا ذهب الى الحمام ليغتسل و بعد ما خرج شك (1) في أنه اغتسل أم لا، يبنى على العدم، و لو علم أنه اغتسل لكن شك في أنه على الوجه الصحيح أم لا، يبنى على الصحة.

[ (مسألة 15) إذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت فتبين ضيقه]

(مسألة 15) إذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت فتبين ضيقه و ان وظيفته كانت هو التيمم، (2) فان كان على وجه الداعي يكون صحيحا، و ان كان على وجه التقييد يكون باطلا، و لو تيمم باعتقاد الضيق فتبين سعته ففي صحته و صحة صلاته إشكال.

______________________________

الداعي عن الأخطار، و اما صحته فيما لو سئل فأجاب بأني اغتسل و عدم صحته فيما لو بقي مترددا متحيرا، فلاستكشاف بقاء الداعي في خزانة الفاكرة، و صدور الفعل عن ذلك الداعي في الصورة الأولى، و عدم بقائه فيها فيما لو بقي متحيرا كما في الصورة الثانية.

قوله قده مسألة 14: (إذا ذهب الى الحمام ليغتسل و بعد ما خرج شك. إلخ)

________________________________________

شبر، سيد على حسينى، العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، 2 جلد، مطبعة النجف، نجف اشرف - عراق، اول، 1383 ه ق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى؛ ج 2، ص: 348

أما البناء على العدم فيما لو شك انه اغتسل أم لا فلاستصحاب عدم الغسل، و اما البناء على الصحة فيما لو علم انه اغتسل و لكن شك في أنه على الوجه الصحيح أم لا فلقاعدة الفراغ.

قوله قده مسألة 15: (إذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت فتبين ضيقه و ان وظيفته كانت هو التيمم. إلخ)

الذي يظهر لي هو البطلان مطلقا، إذ الأمر بالصلاة التي ضاق وقتها لم يدع إلا الى التيمم و لم يدع الى الغسل، و إلا بناءا على ما ذكره من الداعي و التقييد

ما الفرق بين الفرع المذكور و بين ما لو تيمم باعتقاد الضيق فتبين سعته؟ فإنهما يستقيان من ضرع واحد و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 349

[ (مسألة 16) إذا كان من قصده عدم إعطاء الأجرة للحمامي]

(مسألة 16) إذا كان من قصده عدم إعطاء الأجرة للحمامي فغسله باطل (1) و كذا إذا كان بناؤه على النسيئة من غير إحراز رضي الحمامي بذلك و ان استرضاه (2) بعد الغسل، و لو كان بناؤهما على النسيئة و لكن كان بانيا على عدم إعطاء الأجرة أو على عطاء الفلوس الحرام ففي صحته إشكال. (3)

[ (مسألة 17) إذا كان ماء الحمام مباحا]

(مسألة 17) إذا كان ماء الحمام مباحا لكن سخن بالحطب (4) المغصوب لا مانع من الغسل فيه، لان صاحب الحطب يستحق عوض حطبه و لا يصير شريكا في الماء و لا صاحب حق فيه.

[ (مسألة 18) الغسل في حوض المدرسة لغير أهله مشكل]

(مسألة 18) الغسل في حوض المدرسة لغير أهله (5) مشكل، بل غير صحيح

______________________________

قوله قده مسألة 16: (إذا كان من قصده عدم إعطاء الأجرة للحمامي فغسله باطل. إلخ)

لانحلاله إلى انه تصرف بمال الغير بغير اذنه فيتنافى مع قصد القربة المعتبرة فيه، و كذا الوجه في البطلان في صورة ما إذا كان بناؤه على النسيئة من غير إحراز رضا الحمامي بذلك.

قوله قده: (و ان استرضاه)

فان ما وقع لا يتغير عما وقع عليه من الوجه.

قوله قده: (و لو كان بناؤهما على النسيئة) إلى قوله: (ففي صحته إشكال. إلخ)

الظاهر ان حال هذا الفرع كالفرعين السابقين في البطلان و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 17: (إذا كان ماء الحمام مباحا لكن سخن بالحطب.

إلخ)

نعم الأمر كما ذكره (قده) من صحة الغسل و استحقاق صاحب الحطب قيمته.

قوله قده مسألة 18: (الغسل في حوض المدرسة لغير أهله. إلخ)

لأن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 350

بل و كذا لأهله إلا إذا علم عموم الوقفية أو الإباحة.

[ (مسألة 19) الماء الذي يسبلونه يشكل الوضوء و الغسل منه]

(مسألة 19) الماء الذي يسبلونه (1) يشكل الوضوء و الغسل منه إلا مع العلم بعموم الإذن.

[ (مسألة 20) الغسل بالمئزر الغصبي]

(مسألة 20) الغسل بالمئزر الغصبي باطل (2).

[ (مسألة 21) ماء غسل المرأة من الجنابة]

(مسألة 21) ماء غسل المرأة من الجنابة (3) و الحيض و النفاس و كذا اجرة تسخينه إذا احتاج اليه على زوجها على الأظهر لأنه يعد جزءا من نفقتها.

[ (مسألة 22) إذا اغتسل المجنب في شهر رمضان أو صوم غيره]

(مسألة 22) إذا اغتسل المجنب في شهر رمضان أو صوم غيره (4) أو في

______________________________

الوقوف على حسب ما وقفت عليه فلا بد من إحراز وجه الوقف ليصح التصرف فيه على وجهه و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 19: (الماء الذي يسبلونه. إلخ)

و ذلك للوجه الذي تقدم في سابقتها من لزوم إحراز وجهه.

قوله قده مسألة 20: (الغسل بالمئزر الغصبي باطل. اه)

هذا إذا استلزم الغسل التصرف بالمئزر أو اتحد معه و إلا فالصحة متعينة.

قوله قده مسألة 21: (ماء غسل المرأة من الجنابة. إلخ)

قد يستدل على ما ذكره من ان ذلك على الزوج بأنه من المعاشرة بالمعروف التي أمر الأزواج بها، و إلا فلا دليل على الحكم بذلك إذ لا نص في البين و اللّٰه العالم

قوله قده مسألة 22: (إذا اغتسل المجنب في شهر رمضان أو صوم غير. إلخ)

اما عدم بطلان صومه فلاختصاص أدلة مفطريته بحال العمد، نعم يشكل الحكم بعدم بطلان غسله إذ لا أمر بهذا القسم و ما هو إلا توهم الأمر، و ذلك ليس بكاف في صحة غسله، و اما وجه بطلانهما معا مع العمد فواضح للنهى الموجب للبطلان، هذا كله بناءا على ان الارتماس من المبطلات

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 351

حال الإحرام ارتماسا نسيانا لا يبطل صومه و لا غسله، و ان كان متعمدا بطلا معا و لكن لا يبطل إحرامه و ان كان آثما، و ربما يقال: لو نوى الغسل حال الخروج من الماء صح غسله، و هو في صوم رمضان مشكل لحرمة إتيان

المفطر فيه بعد البطلان أيضا فخروجه من الماء أيضا حرام كمكثه تحت الماء، بل يمكن أن يقال إن الارتماس فعل واحد مركب من الغمس و الخروج فكله حرام و عليه يشكل في غير شهر رمضان أيضا، نعم لو تاب (1) ثم خرج بقصد الغسل صح

[فصل في مستحبات غسل الجنابة]
اشارة

فصل في مستحبات غسل الجنابة و هي أمور:

[ (أحدها) الاستبراء من المنى]

(أحدها) الاستبراء من المنى بالبول قبل الغسل (2).

______________________________

و إلا فلا إشكال في صحة الغسل و الصوم عمدا كان أو سهوا، و اما عدم بطلان الإحرام بذلك فلان سائر تروك الإحرام و منها تغطية الرأس وجوبها نفسي، نعم يبطل غسله معه لاتحاد الغسل و التغطية المنهي عنها.

قوله قده: (نعم لو تاب. إلخ)

يشكل ما ذكره من الصحة إذ ليس الخروج من الماء ارتماسا ليصح الغسل مع التوبة و اللّٰه العالم.

قوله قده: (فصل: في مستحبات غسل الجنابة و هي أمور أحدها

الاستبراء من المنى بالبول قبل الغسل اه)

يستحب البول قبل الغسل للمنزل دون الاكسل كما هو المشهور للأصل، و ظهور ذلك من الاخبار حيث وردت معللة بعدم انتقاض الغسل، و عدم رد المني إلى البدن فيورثه الداء الذي لا دواء له هذا مع تيقن عدم الانزال، و لو جوزه أمكن الاستحباب أخذا بالاحتياط، و ربما يقال ان عموم الروايات يشمل المقامين من غير تفصيل، و انتفاء الفائدة ممنوع إذ عسى أن ينزل و لم يطلع عليه أو احتبس في المجاري

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 352

[ (الثاني) غسل اليدين ثلاثا الى المرفقين]

(الثاني) غسل اليدين ثلاثا الى المرفقين أو الى نصف الذراع أو الى الزندين من غير فرق بين الارتماس و الترتيب.

______________________________

لان الجماع مظنة نزول الماء، و إنما استحب لئلا ينتقض بخروج شي ء بعده كما يأتي، و للنصوص. منها: الصحيح الصادقي المروي في التهذيب: عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي ء قال: يعيد الغسل، قلت فالمرأة يخرج منها شي ء بعد الغسل قال: لا تعيد، قلت فما الفرق فيما بينهما؟ قال:

لان ما يخرج من المرأة إنما هو من ماء الرجل، و في آخر المروي في التهذيب أيضا عن الرجل يخرج من

إحليله بعد ما اغتسل شي ء قال: يغتسل و يعيد الصلاة إلا ان يكون بال قبل أن يغتسل فإنه لا يعيد غسله، و الباقرى: من اغتسل و هو جنب قبل أن يبول ثم وجد بللا فقد انتقض غسله، و ان كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فليس ينقض غسله و لكن عليه الوضوء لان البول لم يدع شيئا.

قال قده (و الاستبراء) و هو الاجتهاد في إزالة بقايا المني المتخلفة في المحل كما في الوضوء، و استحباب الاستبراء بالبول أو المسحات التسع المنزل هو المشهور، و أوجبهما جماعة كما عن المبسوط و الجمل و العقود و المصباح و مختصره و المراسم و الكامل و الوسيلة و الغنية و الإصباح و غيرها لوجوب الإعادة بدون الاستبراء في الأخبار و بالأمر في بعضها، و أجيب: بأن الأول لا يدل على الوجوب، و الثاني ظاهره الاستحباب، و الأصل و إطلاق (و ان كنتم جنبا فاطهروا) و خلو أكثر أو أمر الغسل الواردة في مقام البيان عنه تقتضي الاستحباب، و الظاهر ان أحدهما مغن عن الآخر كما عن الشيخ و ابني حمزة و زهرة، و عن الاقتصاد و المصباح و مختصره و المهذب و الإشارة الاقتصار

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 353

..........

______________________________

على البول، و عن ظاهر الجعفي وجوب البول و الاجتهاد معا، و اقتصر في النافع على عصر الذكر من أصل المقعدة إلى طرفه ثلاثا و نتره، و في القواعد و الشرائع استحباب الاستبراء للمنزل بالبول، فان تعذر مسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا، و منه الى رأسه ثلاثا و نتره ثلاثا كما عن المقنعة و السرائر و المعتبر و المراسم و الجامع و الوسيلة و الكامل،

و لم نظفر في شي ء من الأخبار بما يدل على الاستبراء من المنى بغير البول، و لعلهم أخذوا ذلك من أخبار الاستبراء من البول. و مما دل على عدم اعادة الغسل إذا لم يبل و اللّٰه العالم بالحال و في رواية مرسلة في الفقيه: ان كان قد رأى بللا و لم يكن بال فليتوضأ و لا يغتسل انما ذلك من الحبائل، و في أخرى مرسلة في التهذيب: ان كان ناسيا فلا يعيد منه الغسل، و في الصادقي: عن رجل أجنب ثم اغتسل قبل أن يبول ثم رأى شيئا قال: لا يعيد الغسل ليس الذي رآه شيئا، و نحوه آخر إلا انها شاذة لا تقاوم ما تقدم، و هذا الحكم مختص بالرجال كما في القواعد و الشرائع و عن المبسوط و الجمل و العقود و المصباح و مختصره و الوسيلة و الإصباح و غيرها، بل هو المشهور كما؟؟؟ في شرح الدروس، بل عن الغنية الإجماع عليه.

أما النساء فلا استبراء و لا اعادة عليهن، لأن ما يخرج منهن إنما هو من ماء الرجل كما في النص المتقدم، مضافا الى الأصل و اختلاف المخرجين في المرأة فالفائدة المطلوبة منتفية، و عن نهاية الشيخ التسوية بين الرجل و المرأة في الاستبراء بالبول و الاجتهاد و هو ضعيف.

و من المستحبات أن يغسل فرجه بيساره تنزيها لليمين عن مثله، و للصحيح الزراري الصادقي عن غسل الجنابة قال: تبدأ فتغسل كفيك ثم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 354

[ (الثالث) المضمضة و الاستنشاق]

(الثالث) المضمضة و الاستنشاق بعد غسل اليدين ثلاث مرات و يكفي مرة أيضا.

[ (الرابع) أن يكون ماؤه في الترتيبي بمقدار صاع]

(الرابع) أن يكون ماؤه في الترتيبي بمقدار صاع و هو ستمائة و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال.

[ (الخامس) إمرار اليد على الأعضاء]

(الخامس) إمرار اليد على الأعضاء لزيادة الاستظهار.

______________________________

تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك الحديث.

و التسمية كما عن المفيد و الجعفي و القاضي و الشهيد للزرارى الباقرى:

إذا وضعت يدك في الماء فقل (بسم اللّٰه و باللّه اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين) و الصادقي المروي في المحاسن: كل شي ء صنعه ينبغي أن يسمى عليه، فان لم يفعل كان للشيطان فيه شرك، و ترك ذكرها الأكثر.

و غسل الكفين إجماعا ثلاثا للحسن المروي في الكافي و التهذيب المتقدم في الوضوء: واحدة من حدث البول و اثنتان من حدث الغائط و ثلاثا من الجنابة، و في الباقرى عليه السّلام: يغسل الرجل يده من النوم مرة و من الغائط و البول مرتين و من الجنابة ثلاثا.

و غسلها الى المرفقين أفضل للصحيح تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك، و في آخر: فتغسل فرجك و مرافقك، و في ثالث: فيغسل يديه الى المرفقين.

و المضمضة و الاستنشاق كما هو المعروف بين الأصحاب و ظاهر شرح الدروس كما حكى عنه الإجماع عليه، للصادقى: ثم تمضمض و تستنشق و تصب الماء على رأسك ثلاث مرات، و عن الفقه الرضوي قال: قد روى أن يتمضمض و يستنشق ثلاثا و روى مرة مرة تجزيه و الأفضل الثلاثة و ان لم يفعل فغسله تام و إمرار اليد على الأعضاء إجماعا كما عن الفاضلين، و في شرح الدروس:

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 355

[ (السادس) تخليل الحاجب غير المانع]

(السادس) تخليل الحاجب غير المانع لزيادة الاستظهار.

[ (السابع) غسل كل من الأعضاء]

(السابع) غسل كل من الأعضاء الثلاثة ثلاثا.

[ (الثامن) التسمية]

(الثامن) التسمية بأن يقول بسم اللّٰه و الاولى أن يقول بسم اللّٰه الرحمن الرحيم.

[ (التاسع) الدعاء المأثور في حال الاشتغال]

(التاسع) الدعاء المأثور في حال الاشتغال و هو: اللهم طهر قلبي و تقبل سعى و اجعل ما عندك خيرا لي، اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين أو يقول: اللهم طهر قلبي و اشرح صدري و أجر على لساني مدحتك و الثناء عليك، اللهم اجعله لي طهورا و شفاءا و نورا انك على كل شي ء قدير، و لو قرأ هذا الدعاء بعد الفراغ أيضا كان أولى.

______________________________

أنه اختيار فقهاء أهل البيت، و في الموثق الوارد في غسل الميت: ثم يغسل رأسه و لحيته ثم شقه الأيمن ثم شقه الأيسر و تمر يدك على جسده كله، مع ما تقدم من مساواته للجنابة، و لمفهوم قوله عليه السّلام لو ان رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك، و ان لم يدلك جسده.

و تخليل غير المانع من وصول الماء، و معه يجب لما تقدم في الوضوء و للاستظهار.

و غسل الشعر لما مر.

و الدعاء في الأثناء و بعد الفراغ بالمأثور، و في الموثق الصادقي: إذا اغتسلت من الجنابة نقل: (اللهم طهر قلبي و تقبل سعي و اجعل ما عندك خيرا لي، اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين) و إذا اغتسلت للجمعة فقل: (اللهم طهر قلبي من كل آفة تمحق ديني و تبطل عملي، اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين).

و الإسباغ للغسل بصاع و هو أربعة أمداد للإجماع و الصحاح المستفيضة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 356

[ (العاشر) الموالاة و الابتداء بالأعلى في كل من الأعضاء]
اشارة

(العاشر) الموالاة و الابتداء بالأعلى في كل من الأعضاء في الترتيبي.

______________________________

و قد مر مشروحا في الوضوء.

و ترك الاستعانة، و المشمّس و الآجن و المستعمل كما مر في الوضوء.

و الغسل في الماء الراكد كما قاله المفيد معللا

ذلك بأنه ان كان قليلا أفسده و ان كان كثيرا خالف السنة في الاغتسال فيه، و لم نعرف وجهه و هو أعرف بما قال كل ذلك للنص سوى ما أشير إليه كما عرفت و للّه الحمد.

و زاد جماعة استحباب الموالاة لما فيها من المسارعة و الاستباق الى الخير و حصول الطهارة المطلوبة للشارع كما يظهر من الأخبار الواردة في كراهة نوم الجنب و أكله و شربه مع الجنابة، و للتحفظ من طريان المفسد، و لأن المعلوم من صاحب الشرع و ذريته فعل ذلك كما قال في الذكرى.

و تكرار الغسل ثلاثا في كل عضو لورود ذلك في غسل الميت مع ما ورد انه كغسل الجنابة، و خصة الإسكافي بالرأس و اجتزأ بالدهن في البدن و ظاهره الوجوب في الأول: و له الصحيحان المروي أحدهما في الكافي عن ربعي عن الصادق عليه السّلام قال: يفيض الجنب على رأسه ثلاثا لا يجزيه أقل من ذلك، و ثانيهما في التهذيب عن على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام و فيه: فان خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات ثم مسح جلده بيده فان ذلك يجزيه و هو أحوط و ان أوّلا بالحمل على الاستحباب، جمعا بينهما و بين ما دل على الاكتفاء بالجريان و الدهن، أو الحمل على الصب بثلاث أكف من غير تثليث في الغسلات لبعده في أحدهما، و هو الأول لقوله فيه: لا يجزيه أقل من ذلك، و زاد الإسكافي للمرتمس استحباب تثليث الغوصات يخلل شعره و يمسح سائر جسده بيده عقيب كل غوصة، قال في الذكرى: و لا بأس به

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 357

(مسألة 1) يكره الاستعانة بالغير في المقدمات القريبة

(1) على ما مر في الوضوء.

(مسألة 2) الاستبراء بالبول قبل الغسل ليس شرطا في صحته (2) و إنما فائدته عدم وجوب الغسل إذا خرج منه رطوبة مشتبهة بالمني فلو لم يستبرئ و اغتسل و صلى ثم خرج منه المني أو الرطوبة المشتبهة لا تبطل صلاته و يجب عليه الغسل لما سيأتي.

(مسألة 3) إذا اغتسل بعد الجنابة بالإنزال، ثم خرج منه رطوبة (3) مشتبهة بين البول و المنى فمع عدم الاستبراء قبل الغسل بالبول يحكم عليها بأنها

______________________________

لما فيه من صورة التكرار ثلاثا حقيقة و ان كان الارتماس يأتي على ذلك انتهى و لا يخفى ضعفه.

قوله قده مسألة 1: (يكره الاستعانة بالغير في المقدمات القريبة.

إلخ)

لم أقف على دليل الكراهة في الغسل بخصوصه نعم حمل فقهاؤنا (أعلى اللّٰه مقامهم) ذلك على الوضوء لاتحاد العلة فراجع و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 2: (الاستبراء بالبول قبل الغسل ليس شرطا في صحته.

إلخ)

كما هو صريح أخباره.

قوله قده مسألة 3: (إذا اغتسل بعد الجنابة بالإنزال ثم خرج منه رطوبة. إلخ)

لو دار أمر الرطوبة الخارجة بعد الإنزال و الغسل بين البول و المنى ليس إلا، كما هو موضوع المسألة فان لم يكن قد استبرأ قبل الغسل بالبول و لم يكن قد بال بعد الغسل قبل أن يخرج منه البلل فيحكم على البلل الخارج بأنه مني، للأخبار المستفيضة، منها: الصحيح الصادقي المتقدم الذكر المروي في التهذيب: عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي ء قال: يعيد الغسل، قلت فالمرأة يخرج منها شي ء بعد الغسل قال: لا تعيد،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 358

منى فيجب الغسل و مع الاستبراء بالبول و عدم الاستبراء بالخرطات بعده يحكم بأنه بول فيوجب الوضوء، و مع

عدم الأمرين فيجب الاحتياط (1) بالجمع بين الغسل و الوضوء إن لم يحتمل غيرهما و إن احتمل كونها مذيا مثلا بان يدور الأمر بين البول و المنى و المذي فلا يجب عليه شي ء و كذا حال الرطوبة الخارجة بدوا من غير سبق جنابة فإنها مع دورانها بين المنى و البول يجب الاحتياط بالوضوء و الغسل و مع دورانها بين الثلاثة أو بين كونها منيا أو مذيا أو بولا أو مديا لا شي ء عليه.

______________________________

قلت فما الفرق فيما بينهما؟ قال: لأن ما يخرج من المرأة إنما هو من ماء الرجل و في آخر مروي في التهذيب أيضا عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شي ء قال: يغتسل و يعيد الصلاة إلا أن يكون بال قبل أن يغتسل فإنه لا يعيد غسله، و الباقرى: من اغتسل و هو جنب قبل أن يبول ثم وجد بللا فقد انتقض غسله، و ان كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فليس ينقض غسله و لكن عليه الوضوء لأن البول لم يدع شيئا، و غير ذلك من الأخبار التي يطول ذكرها، و اما ان كان قد استبرأ بالبول فيحكم بان الخارج بول ان لم يكن استبرأ من البول بالخرطات كما دلت عليه النصوص المتقدمة الآمرة بالوضوء و ما تقدم من النصوص في فصل الاستبراء من البول.

قوله قده: (و مع عدم الأمرين يجب الاحتياط. إلخ)

أي بأن يكون بال بعد الإنزال و استبرأ بعد البول و خرج بعد ذلك بلل مشتبه مردد بين البول و المنى ليس إلا فيجب الاحتياط بالغسل و الوضوء قضاءا لحق العلم الإجمالي، إذ ترجيح أحدهما بلا مرجح، فيكون حاله حال ما لو خرج ما هو مردد بينهما ابتداء

بلا مسبوقية ببول و لا إنزال، هذا إذا لم يحتمل غيرهما، و اما إذا احتمل ان البلل الخارج إما بول أو منى أو مذي مثلا فلا يجب عليه شي ء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 359

(مسألة 4) إذا خرجت منه رطوبة مشتبهة بعد الغسل و شك في أنه استبرأ (1) بالبول أم لا بنى على عدمه فيجب عليه الغسل و الأحوط ضم الوضوء أيضا.

(مسألة 5) لا فرق في جريان حكم الرطوبة المشتبهة بين (2) أن يكون الاشتباه بعد الفحص و الاختبار أو لأجل عدم إمكان الاختبار من جهة العمى أو الظلمة أو نحو ذلك.

(مسألة 6) الرطوبة المشتبهة الخارجة من المرأة لا حكم لها (3) و إن كانت قبل استبرائها فيحكم عليها بعدم الناقضية و عدم النجاسة إلا إذا علم أنها إما بول أو منى.

______________________________

إذ لم يحرز توجه تكليف عليه و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 4: (إذا خرجت منه رطوبة مشتبهة بعد الغسل و شك في انه استبرأ. إلخ)

و ذلك لأصالة عدم الاستبراء، و اما وجه الاحتياط في ضم الوضوء اليه لاحتمال أنه استبرأ بالبول، فما خرج من البلل محكوم بأنه بول كما نطقت به الأخبار المتقدمة الذكر و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 5: (لا فرق في جريان حكم الرطوبة المشتبهة بين. إلخ)

و ذلك لإطلاق الأدلة في حكم الرطوبة و عدم تقييدها بحال دون حال من الفحص و عدمه، و إمكان الاختبار و عدمه، و غير ذلك من المقيدات المحتملة.

قوله قده مسألة 6: (الرطوبة المشتبهة الخارجة من المرأة لا حكم لها اه)

الظاهر لها حكم الرطوبة الخارجة من الرجل حذو النعل بالنعل ما عدا ما يخرج منها بعد مجامعة الرجل و إنزاله، فإن خروج هذا الماء

لا أثر له بحكم صحيح سليمان عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام: عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول قال

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 360

(مسألة 7) لا فرق في ناقضية الرطوبة المشتبهة (1) الخارجة قبل البول بين أن يكون مستبرئا بالخرطات أم لا و ربما يقال إذا لم يمكنه البول تقوم الخرطات مقامه و هو ضعيف.

(مسألة 8) إذا أحدث بالأصغر في أثناء غسل الجنابة الأقوى عدم بطلانه (2)، نعم يجب عليه الوضوء بعده لكن الأحوط إعادة الغسل بعد إتمامه و الوضوء بعده أو الاستئناف و الوضوء بعده، و كذا إذا أحدث في سائر الأغسال، و لا فرق بين أن يكون الغسل ترتيبيا أو ارتماسيا إذا كان على وجه التدريج و أما إذا كان على وجه الآنية فلا يتصور فيه حدوث الحدث في أثنائه.

______________________________

عليه السّلام: يعيد الغسل، قلت فالمرأة يخرج منها شي ء بعد الغسل قال: لا تعيد، قلت فما الفرق بينهما؟ قال عليه السّلام: لان ما يخرج من المرأة إنما هو من ماء الرجل، و نحوه غيره.

قوله قده مسألة 7: (لا فرق في ناقضية الرطوبة المشتبهة. إلخ)

و ذلك لإطلاق دليلها مثل الصحيح الصادقي و الباقرى و غيرهما المتقدمة الذكر في المسألة الثالثة من هذا العدد و استضعافا لما يعارضها الذي تقدم من مرسلة الفقيه ان كان قد رأى بللا و لم يكن بال فليتوضأ و لا يغتسل، إنما ذلك من الحبائل، و في أخرى مرسلة في التهذيب، ان كان ناسيا فلا يعيد منه الغسل، و الصادقي: عن رجل أجنب ثم اغتسل قبل أن يبول ثم رأى شيئا قال:

لا يعيد الغسل، ليس الذي رآه شيئا، و نحوه آخر و قد تقدم أنها شاذة لا

تقاوم ما تقدم و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 8: (إذا أحدث بالأصغر في أثناء غسل الجنابة الأقوى عدم بطلانه. إلخ)

اما عدم البطلان و الإتمام و الوضوء بعده فذلك

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 361

..........

______________________________

وفاقا للسيد المرتضى و جماعة منهم المحقق في المعبتر و المولى المقدس الأردبيلي و صاحب المدارك لأصالة البراءة و استصحاب الصحة، و لأن الحدث ليس موجبا للغسل و لا لبعضه قطعا فيسقط وجوب الإعادة و يجب الوضوء لأن الحدث المتخلل لا بد له من رافع و هو إما الغسل بتمامه أو الوضوء، و الأول منتف لعدم نقضه فتعين الثاني، و لأن الحدث الأصغر لو حصل بعد إكمال الطهارة أوجب الوضوء، فكذا في أثنائها، و قد يقال: ان الأصلين معارضان باستصحاب بقاء الجنابة، و استدعاء شغل الذمة اليقيني البراءة اليقينية، و ان وجوب الإعادة لا لكون الحدث الأصغر موجبا للغسل بل لكونه ناقضا لما تقدم منه، و قيل كما عن الصدوقين في الفقيه و الهداية و الشيخ في النهاية و المبسوط و صاحبي الإصباح و الجامع و العلامة في القواعد و الشهيد بل عزى الى المشهور: بل يعيده من رأس، و للخبر المروي عن كتاب عرض المجالس للصدوق عن الصادق عليه السّلام قال: لا بأس بتبعيض الغسل تغسل يدك و فرجك و رأسك و تؤخر غسل جسدك الى وقت الصلاة ثم تغسل جسدك إذا أردت ذلك، فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح أو منى بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوله، و هو ضعيف لجهالة السند و ان كان أحوط، بل ضعفه منجبر بما تقدم من الأصول و عمل الأصحاب، و يعضده

ان الحدث الأصغر ناقض للطهارة بعد الكمال فقبله أولى، و أحوط منه إحداث حدث بعد الغسل ثم الوضوء من ذلك الحدث خروجا عن القول الأول، و قيل كما عن الحلي و القاضي و المحقق الثاني بل يقتصر على إتمامه و لا يحتاج الى الوضوء لأن الحدث الأصغر لا يوجب الغسل إجماعا و لا الوضوء هنا، لأن الوضوء منفي مع الغسل سيما الجنابة و هو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 362

[ (مسألة 9) إذا أحدث بالأكبر في أثناء الغسل]

(مسألة 9) إذا أحدث بالأكبر في أثناء الغسل (1) فان كان مماثلا للحدث السابق كالجنابة في أثناء غسلها أو المس في أثناء غسله فلا إشكال في وجوب الاستئناف و إن كان مخالفا له فالأقوى عدم بطلانه فيتمه و يأتي بالآخر و يجوز الاستئناف بغسل واحد لهما و يجب الوضوء بعده إن كانا غير الجنابة أو كان السابق هو الجنابة حتى لو استأنف و جمعهما بنية واحدة على الأحوط و إن كان اللاحق جنابة فلا حاجة الى الوضوء سواء أتمه و أتى للجنابة بعده أو استأنف و جمعها بنية واحدة.

[ (مسألة 10) الحدث الأصغر في أثناء الأغسال المستحبة]

(مسألة 10) الحدث الأصغر في أثناء الأغسال المستحبة (2) أيضا لا يكون

______________________________

أضعف، لما تقدم في الأول، و لأن عدم اجتماع الوضوء و غسل الجنابة ان كان مستنده الإجماع فهو ممنوع في صورة النزاع، و ان كان العمومات فنمنع شمولها لما نحن فيه و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 9: (إذا أحدث بالأكبر في أثناء الغسل. إلخ)

لا يخفى انه ان وقع في الأثناء حدث أكبر فإن كان هو الجنابة فلا إشكال في وجوب الإعادة و نقض ما فعل، و ان كان غيرها فلا شك في إيجابه غسلا كاملا، و هو ينقض ما تقدم أم لا ينقضه؟ بل ترتفع الجنابة بالإتمام لإطلاق الأوامر إشكال، و تظهر الفائدة في أنه لو لم ينقض لكفى الإتمام في رفع حدث الجنابة و ارتفاع أحكامها و لكن يكون الحدث الآخر باقيا يحتاج رفعه الى غسل آخر و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 10: (الحدث الأصغر في أثناء الأغسال المستحبة.

إلخ)

إذا تخلل الحدث الأصغر غير غسل الجنابة فإن قيل: بإجزائه عن الوضوء أطرد الخلاف المتقدم فيه، و ان قيل: بالعدم جرى فيه القولان

العمل الأبقى في شرح

العروة الوثقى، ج 2، ص: 363

مبطلا لها، نعم في الأغسال المستحبة لإتيان فعل كغسل الزيارة و الإحرام لا يبعد البطلان (1) كما أن حدوثه بعده و قبل الإتيان بذلك الفعل كذلك كما سيأتي

[ (مسألة 11) إذا شك في غسل عضو من الأعضاء الثلاثة]

(مسألة 11) إذا شك في غسل عضو من الأعضاء الثلاثة (2) أو في شرطه قبل الدخول في العضو الآخر رجع و أتى به، و إن كان بعد الدخول فيه لم يعتن به و يبنى على الإتيان على الأقوى و إن كان الأحوط الاعتناء ما دام في الأثناء و لم يفرغ من الغسل كما في الوضوء، نعم لو شك في غسل الأيسر أتى به و إن

______________________________

الأولان دون الثالث من الأقوال المتقدمة في المسألة الثامنة من المسائل الجارية و قال في الذكرى: لو كان الحدث من المرتمس، فان قلنا بسقوط الترتيب فيه حكما فان وقع بعد ملاقاة الماء جميع البدن أوجب الوضوء لا غير، و إلا فليس له أثر، و ان قلنا بوجوب الترتيب الحكمي القصدي فهو كالمرتب، و ان قلنا بحصوله في نفسه و فسرناه بتفسير الإستبصار أمكن انسحاب البحث فيه.

انتهى و فيه نظر.

قوله قده: (نعم في الأغسال المستحبة لإتيان فعل كغسل الزيارة و الإحرام لا يبعد البطلان. إلخ)

و ذلك لما يظهر من دليله ان المطلوب كونه على حالة الغسل في حال الفعل و لانتقاضه بالمتأخر فبالمتخلل بطريق أولى و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 11: (إذا شك في غسل عضو من الأعضاء الثلاثة.

إلخ)

لا إشكال في أنه لو شك في غسل عضو من الأعضاء الثلاثة الوجه و الطرف الأيمن و الطرف الأيسر أو في شرطه و هو في محله أى قبل الدخول في العضو الآخر أتى به لقاعدة الشك في المحل الدال عليها جملة من

الأخبار الآتي ذكرها. و اما لو شك فيه أو شرطه و قد تجاوز محله بان دخل فيما هو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 364

طال الزمان لعدم تحقق الفراغ حينئذ لعدم اعتبار الموالاة فيه، و إن كان يحتمل عدم الاعتناء إذا كان معتاد الموالاة.

[ (مسألة 12) إذا ارتمس في الماء بعنوان الغسل ثم شك في أنه كان ناويا]

(مسألة 12) إذا ارتمس في الماء بعنوان الغسل ثم شك (1) في أنه كان ناويا

______________________________

مرتب عليه فقد اختار (قده) عدم الاعتناء بالشك و يبنى على الإتيان على الأقوى عنده لقاعدة التجاوز الجارية في سائر الأعمال المركبة عبادية كانت أو غيرها، المدلول عليها بعموم بعض الأخبار الواردة في الصلاة الدالة على ان الشك في الشي ء بعد تجاوز محله ملغى، كخبر إسماعيل بن جابر عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض، و ان شك في السجود بعد ما قام فليمض، كل شي ء شك فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه، و صحيحة زرارة قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام رجل شك في الأذان و قد دخل في الإقامة قال: يمضى، قلت رجل شك في الأذان و الإقامة و قد كبر قال: يمضى، قلت رجل شك في التكبير و قد قرأ قال: يمضى، قلت شك في القراءة و قد ركع قال: يمضى، قلت شك في الركوع و قد سجد قال: يمضى على صلاته، ثم قال: يا زرارة إذا خرجت من شي ء و دخلت في غيره فشككت فليس بشي ء، فعلى هذا لم يخرج من هذه القاعدة إلا الوضوء، فإنه يعتنى بالمشكوك و ان تجاوزه ما دام لم يفرغ من الوضوء، و ذلك لما تقدم مفصلا في المسألة 45 من فصل

شرائط الوضوء صحيفة 238 أو يعتني بالمشكوك و ان تجاوز محله، فحال الغسل و الوضوء و التيمم واحد، المدلول عليه بقوله (قده): و ان كان الأحوط الاعتناء ما دام في الأثناء و لم يفرغ من الغسل كما في الوضوء. إلخ، و قد تقدم الوجه فيه في صحيفة 243 فراجع و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 12: (إذا ارتمس في الماء بعنوان الغسل ثم شك. إلخ)

نعم كما ذكره من وجوب الاستئناف في الفرض المذكور، و ذلك لقاعدة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 365

للغسل الارتماسي حتى يكون فارغا، أو لغسل الرأس و الرقبة في الترتيبي حتى يكون في الأثناء و يجب عليه الإتيان بالطرفين يجب عليه الاستئناف، نعم يكفيه غسل الطرفين بقصد الترتيبي لأنه إن كان بارتماسه قاصدا للغسل الارتماسي فقد فرغ و إن كان قاصدا للرأس و الرقبة فإتيان غسل الطرفين يتم الغسل الترتيبي.

[ (مسألة 13) إذا انغمس في الماء بقصد الغسل الارتماسي]

(مسألة 13) إذا انغمس في الماء بقصد الغسل الارتماسي ثم تبين له بقاء جزء (1) من بدنه غير منغسل يجب عليه الإعادة ترتيبا أو ارتماسا، و لا يكفيه جعل ذلك الارتماس للرأس و الرقبة إن كان الجزء غير المنغسل في الطرفين فيأتي بالطرفين الآخرين لأنه قصد به تمام الغسل ارتماسا لا خصوص الرأس و الرقبة و لا تكفى نيتهما في ضمن المجموع.

[ (مسألة 14) إذا صلى ثم شك في أنه اغتسل للجنابة أم لا]

(مسألة 14) إذا صلى ثم شك في أنه اغتسل للجنابة أم لا يبنى على صحة صلاته (2)،

______________________________

الاشتغال، نعم يكفيه غسل الجانبين فقط لمعلومية غسل الرأس على كلا الاحتمالين بل لم يعلم اشتغال ذمته على فرضه إلا بغسل الطرفين و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 13: (إذا انغمس في الماء بقصد الغسل الارتماسي ثم تبين له بقاء جزء. إلخ)

إنما وجب عليه اعادة الغسل ترتيبا أو ارتماسا و عدم كفاية غسلهما و جعل ذلك الارتماس للرأس و الرقبة ان كان الجزء الغير المنغسل في الطرفين لإناطة الحكم في النصوص و الفتاوى بغسل جميع بدنه بارتماسة واحدة و هو غير متحقق في الفرضين و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 14: (إذا صلى ثم شك في أنه اغتسل للجنابة أم لا يبنى على صحة صلاته. إلخ)

لقاعدة الفراغ و يدل على حجيتها جملة من الأخبار:

(الأول) المضمر: قلت الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال: هو حين ما يتوضأ

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 366

..........

______________________________

أذكر منه حين يشك (الثاني) الصحيح ففي آخره: فان دخله الشك- يعني في شي ء من وضوئه كما في صدره- و دخل في صلاته فليمض في صلاته و لا شي ء عليه (الثالث) الصحيح: إذا قمت من الوضوء و فرغت منه و صرت في حالة أخرى في الصلاة

أو غيرها فشككت في بعض ما سمى اللّٰه تعالى مما أوجب اللّٰه تعالى عليك فيه وضوءه فلا شي ء عليك (الرابع) صحيح ابن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال: كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو (الخامس) الخبر: كلما مضى من صلاتك أو طهورك فذكرته تذكرا فامضه (السادس) موثقة ابن أبى يعفور عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء، إنما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه و تقريب الاستدلال بها لهذه القاعدة من وجهين: (أحدهما) ان الضمير في (غيره) يرجع الى الوضوء لا إلى الشي ء الذي شك فيه، كما يدل عليه النص و الإجماع، ففي صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا، فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو تمسحه مما سمى اللّٰه ما دمت في حال الوضوء، فاذا قمت من الوضوء و فرغت منه و صرت في حالة أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمى اللّٰه تعالى مما أوجب اللّٰه عليك وضوءه فلا شي ء عليك فيه، و كما ان هذه الصحيحة تدل على ان الضمير في (غيره) يرجع إلى الوضوء لا إلى الشي ء الذي تعلق به الشك، لأن أخبارهم عليه السّلام يدل بعضها على بعض و انها كالكلام الواحد المتصل، كذلك تدل على ان المراد من الشي ء في ذيل الموثقة هو العمل الذي وقع الشك فيه لأجل احتمال الإخلال بشي ء مما يعتبر فيه شرطا أو شطرا لا الشي ء الذي شك في أصل وجوده و تحققه و

ثبوته كما هو مفاد قاعدة التجاوز

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 367

..........

______________________________

(ثانيهما) ان هذه الفقرة بنفسها و في حد ذاتها ظاهرة في ذلك عند التأمل، و ذلك لأن ظاهر قوله عليه السّلام إذا كنت في شي ء انك إذا كنت في أثنائه متشاغلا به غير متجاوز، فيجب أن يكون ذلك العمل مركبا ذا اجزاء و شرائط حتى يعقل تعلق الشك به ما دام الإنسان فيه، و من المعلوم ان ارتكاب الإضمار بحمل الشي ء على ارادة محله كما صنعه شيخ مشايخنا المرتضى في رسائله (قده) لا دليل عليه فظاهرها ان المراد من الشي ء هو العمل المركب الذي يتعلق به الشك، و من الواضح ان ظهورها في ذلك رافع لإجمال مرجع الضمير في صدرها، ضرورة ان القاعدة المزبورة في الذيل بمنزلة البرهان و الدليل لإثبات الحكم المذكور في الصدر، فيجب حينئذ أن يكون الحكم المذكور في الصدر جزئيا من جزئيات ما هو الموضوع في تلك القاعدة حتى يتم البرهان و يستقيم الدليل، فيستفاد من هذه الموثقة أمران: (أحدهما) انه لو تعلق الشك بصحة عمل مركب أو بتماميته بعد الفراغ منه لا يعتد بالشك بل يبنى على صحته و تماميته (ثانيهما) ان عدم الاعتداد بالشك بعد الفراغ منه أى من الوضوء إنما هو لكونه جزئيا من جزئيات هذه القاعدة.

إذا عرفت هذا فههنا أمور ينبغي التنبيه عليها:

(الأول) ان مفاد هذه القاعدة البناء على تمامية العمل المركب إذا شك بعد الفراغ منه في الإخلال ببعض ما يعتبر فيه شرعا، فمفادها لزوم البناء على تمامية العمل المركب إذا شك فيه بعد الفراغ منه و عدم الاعتناء بالشك فيه و التعبد بتماميته على ما هو عليه من الأجزاء و الشرائط واقعا،

فمفاد هذه القاعدة تنزيل العمل المركب المشكوك تماميته منزلة التام الواقعي النفس الأمري، نعم الشك في تماميته ينحل إلى أمور أربعة، لأنه تارة يكون من جهة الشك في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 368

..........

______________________________

شرطه، و اخرى من جهة الشك في جزئه، و على التقديرين تارة يكون الشك في الوجود، و اخرى في صحة الموجود، و الوجه في كون مفادها ذلك ظاهر جدا، لأنه الظاهر من مضى الشي ء كما هو، و من عدم الاعتناء بالشك فيه، و من المضي فيما هو مرتب عليه مشروط به، و من نفى حكم الشك به بنفي نفسه و ماهيته و من الحصر و التعليل كما لا يخفى، و مما ذكرناه ظهر لك ان المراد من الشك فيه الشك في تماميته دون الشك في وجوده، و لا الشك في صحته، و لا الشك في الجامع بين الأمرين لما عرفت، و لا دليل على إرجاعه إلى الأول كما قيل، و مما ذكرناه ظهر لك أيضا ان هذه القاعدة أعم مطلقا من أصالة الصحة المطلقة و من قاعدة التجاوز، و ان كانت أخص مطلقا من كل منهما من جهة أخرى.

(الثاني) انه يعتبر في جريان هذه القاعدة أمور: (أحدها) أن يكون العمل المشكوك في تماميته و عدم تماميته مركبا ذا أجزاء خارجية و ذهنية، و يدل عليه ما مر.

(ثانيها) أن يكون ذلك العمل المركب عملا مستقلا في نفسه و ملحوظا على حياله في نظر العرف، و ان كان بنظر الشرع جزءا من عمل آخر أو شرطا له كالسعي و الطواف و نحوهما من أفعال الحج بالنسبة اليه و كالوضوء و الغسل و التيمم بالنسبة إلى الصلاة، و اما الأعمال التي ليس لها

استقلال في نفسها و ملحوظية في حد ذاتها كغسل الوجه و اليد و نحو ذلك و ان كانت مركبات حقيقية فلا تجري هذه القاعدة فيها، ضرورة أن مدركها منحصر في الأخبار لأنها مستند الإجماع و السيرة جزما و هي قاصرة لانصرافها عن ذلك.

أولا، و لظهور جعل مثل الصلاة و الطهور بيانا للمراد من الموصول الذي (العمل الابقى- 46)

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 369

..........

______________________________

هو المشكوك فيه في ذلك ثانيا. و لدوران الأمر بين التخصص و التخصيص بعد فرض عدم جريانها في الوضوء اتفاقا نصا و فتوى و الأول مقدم ثالثا. و لأنه يلزم من حملها على العموم عدم اطراد القاعدة المزبورة التي سيقت لبيان حكم الوضوء بالنسبة الى بعض مصاديق الوضوء و هو كما ترى رابعا. و لأن صدر الرواية يمنع من حمل لفظ الشي ء المذكور في ذيلها على هذا النحو من العموم، ضرورة انه كما ان ذيل الموثقة يرفع إجمال الصدر و يعين المراد من الضمير كذلك يرفع الإجمال عن الذيل، حيث انه يفهم من سياق الرواية ان مفهوم الصدر من مصاديق منطوق الذيل، فتكون الرواية بمنزلة قوله:

إذا شككت في شي ء من الوضوء و لم تدخل في غير الوضوء فشكك معتبر، و إنما يلغى الشك إذا كان بعد الفراغ من الشي ء لا قبله، فيعلم من ذلك ان الشك في الوضوء مطلقا ما دام الاشتغال به شك في الشي ء قبل الفراغ منه خامسا.

(ثالثها) ان يكون الشك بعد الفراغ من العمل المركب الاستقلالي، و وجهه واضح لصراحة الأخبار في ذلك كما لا يخفى، و هل يعتبر فيه الدخول في الغير أم لا؟ و جهان بل قولان، مقتضى إناطة عدم الاعتناء بالشك في الوضوء في

صحيحة زرارة بالقيام من الوضوء منه و صيرورته في حالة اخرى من الصلاة و غيره، و كذا في موثقة ابن ابى يعفور بالدخول في غير الوضوء: الأول، و مقتضى تعليق الاعتناء بالشك في ذيل الموثقة المسوق لبيان ضابط الحكم بكونه في الشي ء الذي يشك فيه و عدم تجاوزه عنه من دون تقييده بالدخول في الغير: الثاني، فيحتمل قويا جري التقييد في الصحيحة و صدر الموثقة مجرى الغالب، حيث ان الغالب ان من فرغ من عمل يشتغل في عمل آخر مباين له،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 370

..........

______________________________

لكن الأقوى عدم الاعتبار هنا لأن ظهور الذيل في إناطة الحكم وجودا و عدما بكونه مشغولا بالعمل و عدمه أقوى أولا، لأنه الظاهر من التعليل الوارد في خبر بكير بن أعين: في الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال: هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك ثانيا، و لأن ظهور إطلاق غير واحد من الأخبار السابقة في الإطلاق و في عدم الاعتبار أقوى من ظهور التقييد في المقيد لكونها في مقام البيان و الحاجة ثالثا، فالأقوى كفاية مجرد الفراغ و عدم اعتبار الدخول، نعم ربما يتوقف إحراز عنوان الفراغ من العمل، سيما إذا كان الشك في تماميته ناشئا من احتمال الإخلال بجزئه الأخير على انتقاله الى حالة اخرى، نعم هو معتبر في قاعدة التجاوز لكنها قاعدة أخرى مستقلة فلا وجه للاستدلال بأخبارها على الاعتبار في هذه القاعدة، و لا لإرجاع ما نحن فيه الى تلك كما فعله شيخ مشايخنا في رسائله (قده) لكنه منه مبني على اتحادهما.

(الثالث) هل تختص قاعدة الفراغ بالوضوء و الصلاة لاختصاص أكثر الأخبار بهما؟ أو تجري في جميع أبواب الفقه من العبادات و المعاملات؟

وجهان

أقواهما الثاني، و يدل عليه (أولا) عموم التعليل هو حين ما يتوضأ أذكر منه حين يشك، فإنها توسع دائرة المعلول، مثل لا تأكل الرمان لأنه حامض (و ثانيا) إطلاق الشي ء في ذيل الموثقة ضرورة كون المدار عليه دون الصدر لما تقدم من كونه دليلا و برهانا عليه فهو المناط (و ثالثا) عموم الموصول في صحيحة محمد بن مسلم: كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو (و رابعا) الإجماع محصلا و منقولا مستفيضا ان لم يكن متواترا (و خامسا)

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 371

..........

______________________________

السيرة المستمرة القطعية فتأمل.

(الرابع) هل المراد بالشك في موضوع هذا الأصل خصوص الشك الطارئ بسبب الغفلة عن صورة العمل مع العلم بجزئية ما شك فيه أو شرطيته؟

فلو علم كيفية غسل اليد و انه كان بالارتماس في الماء لكنه شك في أن ما تحت خاتمه ينغسل بالارتماس أم لا، و لا يعلم كيفيته لكنه كان جاهلا بجزئيته أو شرطيته لم تجر، أو تعم الأول و الأخير دون الوسط؟ أو تجري في الجميع بل حتى في صورة احتمال الترك عمدا اختيارا اقتراحا؟ وجوه أقواها الأخير و يدل عليه أولا: إطلاق الأخبار، و ثانيا إطلاق الفتوى حيث ان الأصحاب (قده) أطلقوا القول بعدم الاعتناء بالشك بعد الفراغ من العمل و لم يستثنوا من مجراها في باب الصلاة و الوضوء و غيرها شيئا من صوره السابقة و غيرها، ضرورة ان احتمال غفلتهم عنها أو ترك التعرض لها مع عموم الابتلاء بها في غاية البعد، و ثالثا: السيرة المستمرة القطعية، ضرورة انه ما من أحد إذا التفت الى إعماله السالفة الصادرة منه في الأعصار السابقة من عباداته و معاملاته إلا و يشك في

كثير منها لأجل الجهل بأحكامها أو اقترانها بأمور لو كان ملتفتا إليها لكان شاكا، ألا ترى ان جل العوام بل و العلماء غافلون عن كثير من الأمور المعتبرة في الصلاة و غيرها من العبادات و المعاملات في بدو أمرهم ثم يتجدد لهم العلم بها شيئا فشيئا فلا يمكنهم الجزم باشتمال ما صدر منهم في السابق على هذه الشرائط، بل و كثير من الاجزاء أيضا التي كانوا جاهلين بها مع انا كنا نراهم يبنون على الصحة، و رابعا: ان غالب موارد الاحتياج الى هذه القاعدة إنما هو تلك الصورة جزما لما عرفت فتأمل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 372

و لكن يجب عليه الغسل للأعمال الآتية (1)

______________________________

(و سادسا) لزوم العسر و الحرج لو لم نقل بذلك و هما منفيان في الشريعة كتابا و سنة و إجماعا كما قرر في محله، هذا و ليس في قبال هذه الوجوه سوى التعليل المستفاد من قوله عليه السّلام هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك، حيث أن الظاهر منه ان وجه الحمل على الصحة و النمامية تقديم الظاهر على الأصل، و لذا علله غير واحد من الأعلام أيضا بظهور الحال، حيث ان العاقل الكامل لا ينصرف عن العمل إلا بعد إكماله و إتمامه.

و فيه (أولا) منع دلالته على ذلك ضرورة انه لو كان المراد منه ذلك لكان اللازم ان يقال إذا كان حين يتوضأ اذكر منه حين يشك و حيث لم يعبر بذلك فالمراد منه انه هو حين الاشتغال به غالبا يكون أذكر منه حين يشك فالعلة لعدم الالتفات بالشك دائما و مطلقا هو الا ذكرية الغالبة، لا انه حينه يكون أذكر فعلا (و ثانيا) لو سلم دلالته لكن

جعله قرينة على التصرف في سائر الأخبار فرع كونه علة تامة منحصرة، و لا طريق لاستفادة ذلك منه سوى الإطلاق، و من المعلوم انه غير مسوق لمقام البيان من هذه الجهة جزما (و ثالثا) لو سلم ذلك أيضا لكن المفروض انا علمنا من الخارج بسبب ما تقدم عدم انحصار العلة بذلك (و رابعا) لو سلم عدم العلم بعدمه من الخارج فلا ريب و لا شبهة في أنه لا يقاوم ما تقدم من الأدلة دلالة و سندا و معتضدا، كيف لا و من جملتها قاعدة العسر و نفى الحرج و هي حاكمة على جميع الأحكام الثابتة لموضوعاتها بعناوينها الأولية و ما نحن فيه من هذا الباب و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و لكن يجب عليه الغسل للأعمال الآتية)

و ذلك لاستصحاب الحدث فإنه غير محكوم لشي ء من هذه الجهة (أولا) و قاعدة الشغل (ثانيا) و قاعدة الشك في المحل في الغسل بالنسبة إلى صلاة أخرى (ثالثا).

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 373

و لو كان الشك في أثناء الصلاة بطلت (1) لكن الأحوط إتمامها ثم الإعادة.

______________________________

قوله قده: (و لو كان الشك في أثناء الصلاة بطلت.)

لا ريب و لا شبهة في إلغاء الشك في الشرط إذا كان بعد الفراغ من المشروط لأنه يوجب الشك فيه، و مقتضى عموم أدلتها جريانها فيه، و اما لو شك في وجود الشرط أو في صحته بعد الدخول في المشروط قبل الفراغ منه، فان كان محل إحراز الشرط شرعا قبل الدخول في المشروط كالوضوء و الغسل و التيمم و الظهر بالنسبة إلى العصر و المغرب بالنسبة إلى العشاء من جهة الترتيب و نحو ذلك، فالأظهر إلغاء الشك فيه و البناء على وجوده لقاعدة

التجاوز في نفس الشرط، لكنه لا يجدي بالنسبة إلى مشروط آخر لم يدخل فيه بعد، ضرورة ان الشرط المذكور بالنسبة إلى مشروط آخر لم يدخل فيه بعد لم يتجاوز عن محله و لم يخرج عنه، بل الشك فيه شك في المحل، فقاعدة التجاوز و ان كان مفادها وجود ما يشك في وجوده تنزيلا و تعبدا، لكن بعد فرض صدق الخروج منه و التجاوز عنه و ان كان محل إحرازه و إيجاده حال الصلاة كالستر و الساتر و الاستقبال و النية و الوقت و الاستقرار و نحو ذلك، فلا بد من الاعتناء بالشك و لزوم الإتيان بالشرط، لان نسبته الى جميع أجزاء المشروط نسبة واحدة، و تجاوز محله باعتبار كونه شرطا للاجزاء الماضية لا يجدي بالنسبة إلى الأجزاء المستقبلة مع عدمه و اللّٰه العالم.

هذا ما أراده (قده) و بنى عليه من الفرق بين صلاة فرغ منها و بين صلاة بعد لم يفرغ منها، أو بعد لم يشرع بها في عدم جريان قاعدة الفراغ فيهما و عدم صحتهما دون ما فرغ منها.

نعم الأمر كما ذكره من عدم جريان قاعدة الفراغ فيهما، إذ لا معنى لإجرائها فيما لم يشرع فيه بعد و لا فيما شرع فيه و لم يتمه بالنسبة الى الأجزاء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 374

[ (مسألة 15) إذا اجتمع عليه أغسال متعددة]

(مسألة 15) إذا اجتمع عليه أغسال متعددة (1) فاما أن يكون جميعها واجبا أو يكون جميعها مستحبا أو يكون بعضها واجبا و بعضها مستحبا، ثم إما أن ينوي الجميع أو البعض فان نوى الجميع بغسل واحد صح في الجميع و حصل امتثال أمر الجميع، و كذا إن نوى رفع الحدث أو الاستباحة إذا كان جميعها

______________________________

الباقية التي لم يفرغ

منها بعد، و لكن لا أرى قصورا في شمول قاعدة التجاوز لهما بعد أن جرت فيما فرغ منه من الصلاة و بعد ما تعبدنا الشارع المقدس بالبناء على وجود الشرط أو صحته بعد الدخول في المشروط به فلا يحتاج إحرازه ثانيا بالنسبة إلى مشروط آخر لم يدخل به كلا أو بعضا، فملخص ما نريد بيانه. هو أنه لو شك في الغسل بعد الصلاة صحت صلاته التي فرغ منها و يصح أيضا الدخول في صلاة أخرى، غاية الأمر ان صحة ما فرغ منها من جهتين من جهة جريان قاعدة الفراغ فيها، و من جهة جريان قاعدة التجاوز في شرطها و هو الغسل، و اما صحة دخوله في صلاة أخرى أو إتمام ما بيده لو شك في الأثناء فلقاعدة التجاوز فقط بعد ما جرت فيما فرغ منها فهو بحكم الشارع متطهر تعبدا، و ليس لأخذ النسبة في الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار عين و لا أثر، بل هي على خلافها أدل، خصوصا فيما لو كان الشك في الأثناء لقوله عليه السّلام في ذيل صحيحة زرارة يا زرارة: إذا خرجت من شي ء و دخلت في غيره فشككت فشكك ليس بشي ء، و في ذيل صحيح إسماعيل بن جابر: كل شي ء شك فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه، و لعل الوجه في احتياطه (قده) فيما لو شك في الأثناء بالإتمام و الإعادة هو ما ذكرناه و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 15: (إذا اجتمع عليه أغسال متعددة. إلخ)

إذا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 375

أو بعضها لرفع الحدث و الاستباحة، و كذا لو نوى القربة و حينئذ فإن كان فيها غسل الجنابة لا حاجة الى الوضوء

بعده، أو قبله و إلا وجب الوضوء، و إن نوى واحدا منها و كان واجبا كفى عن الجميع أيضا على الأقوى و إن كان ذلك الواجب غير غسل الجنابة و كان من جملتها، لكن على هذا يكون امتثالا بالنسبة

______________________________

اجتمعت على الإنسان أسباب مختلفة تقتضي الغسل كفى غسل واحد بنية القربة عن الجميع، سواء كانت كلها واجبة أو مستحبة أو مختلفة، و سواء لاحظ التداخل في النية أولا، عين شيئا منها أو لا، كما في الوضوء بعينه، و لا خلاف ثمة أي في الاكتفاء بوضوء واحد للجميع، و اما ههنا فقد حكى اتفاقهم على صورتين، الاجزاء فيما إذا كانت الأغسال واجبة و فيها الجنابة و نوى الجميع، و ما إذا كانت واجبة و نوى الجنابة، و ربما استشكل في الأخير سيما إذا كان المقصود عدم رفع غيره إذ لا عمل إلا بنية، و عدم معلومية شمول الأدلة له، اما في غير هاتين فقيل باجزاء غسل الجنابة إذا نواه عن غيره دون العكس، كما عن العلامة (قده) لأن حدث الجنابة أقوى من غيره من أسباب الغسل و رفع الأدنى لا يستلزم رفع الأقوى، و إذا لم ترتفع الجنابة لم يرتفع غيرها أيضا، و وجه قوة الجنابة ان مع ارتفاعها ترتفع باقي الأحداث بخلاف ما عداها بدليل وجوب الوضوء بعد غسله دون غسلها، و لا يخفى ضعفه، و قيل باجزاء الواجب جنابة كان أو غيرها إذا نواه عن المندوب دون العكس كما عن الشيخ (قده) لوجوب نية الواجب بخصوصه و لأن المقصود من الغسل الندبي التنظيف، و من هو محدث بالحدث الأكبر لا يصح منه التنظيف، و لا يخفى ضعفه لمنع اشتراط نية الواجب بخصوصه لصدق الامتثال بدونه

و لا يتوقف التنظيف على رفع الحدث الأكبر، و قيل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 376

الى ما نوى و أداء بالنسبة إلى البقية و لا حاجة الى الوضوء إذا كان فيها الجنابة و إن كان الأحوط مع كون أحدها الجنابة أن ينوي غسل الجنابة، و إن نوى بعض المستحبات كفى أيضا عن غيره من المستحبات، و أما كفايته عن الواجب ففيه اشكال و إن كان غير بعيد لكن لا يترك الاحتياط.

______________________________

بعدم التداخل مطلقا كما في القواعد، لأصالة عدم التداخل و أصالة تعدد المسببات بتعدد الأسباب، و الأصح ما قلناه سابقا من التداخل مطلقا، لا لما قيل من صدق الامتثال و أصالة البراءة للذمة من الزائد على الإتيان بغسل واحد، و من تعين الكل، و من ملاحظة التداخل و ظهور ان الغرض من الأوامر الغسل إنما هو الأطهار كما يظهر من فحاوي الأخبار، و يشهد له الاعتبار، إذ فيه ان مطلوب الشارع أغسال متعددة كما هو مقتضى الأوامر، و إذا كان المطلوب متعددا كيف يحصل الامتثال بواحد، مع قوله عليه السّلام: إنما الأعمال بالنيات، و إنما لكل امرئ ما نوى، و الأوامر صريحة في التكليف بالأغسال و طلبها، فلا معنى لجريان أصل البراءة فيها، بل إنما العمدة المستفيضة: منها الصحيح المروي في الكافي عن زرارة، و في التهذيب عن أحدهما (ع) و في السرائر عن الباقر عليه السّلام قال: إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة و الجمعة و عرفة و النحر و الحلق و الذبح و الزيارة، و إذا اجتمعت للّه عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد، و كذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها و إحرامها و جمعتها و غسلها من

حيضها و عيدها، و في الرواية في الكتب المذكورة تفاوت ما، و منها الصحيح المروي في التهذيب و الكافي في باب الميت الجنب الذي يموت و هو جنب عن زرارة قال قلت

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 377

..........

______________________________

لأبي جعفر عليه السّلام ميت مات و هو جنب كيف يغسل؟ و ما يجزيه من الماء؟

قال: يغسل غسلا واحدا يجزى ذلك للجنابة و لغسل الميت لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة، و وجه الاستدلال فيها من حيث التعليل فإنه عام، و في الموثق الباقرى: إذا حاضت المرأة و هي جنب أجزأها غسل واحد، و في المرسل: إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه ذلك اليوم، و الموثق: عن المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل أن تغتسل قال ان شاءت ان تغتسل فعلت و ان لم تفعل ليس عليها شي ء فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحيض و الجنابة، و الخبر الصادقي: عن رجل وقع على امرأته فطمثت بعد ما فرغ أ تجعله غسلا واحدا إذا طهرت؟

أو تغتسل مرتين؟ قال: تجعله غسلا واحدا عند طهرها، و فيه عن المرأة تحيض و هي جنب هل عليها غسل الجنابة؟ قال: غسل الجنابة و الحيض واحد الى غير ذلك من الأخبار، قال في المعتصم (قده) بعد أن ذكر الأخبار المذكورة: و لا غبار على ذلك لو لم يعين السبب أو لاحظ التداخل في النية، اما لو عين واحدا من الأسباب ففي إجزائه عن البواقي و جهان، و يشهد للإجزاء مضافا الى صدق الامتثال ما رواه الصدوق في الفقيه- مع اعتقاده صحة ما يورده فيه و ضمانه بفتواه- ان من جامع في أول شهر رمضان

ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان فعليه أن يغتسل و يقضى صلواته و صومه، إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة فإنه يقضى صلواته و صومه الى ذلك اليوم، و لا يقضى ما بعد ذلك. و فيه إشكال ينشأ من قوله عليه السّلام إنما لكل امرئ ما نوى، و يقوى الإشكال مع قصد النفي عن غير المنوي و يتوجه البطلان هنا للتناقض.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 378

[ (مسألة 16) الأقوى صحة غسل الجمعة من الجنب و الحائض]

(مسألة 16) الأقوى صحة غسل الجمعة من الجنب و الحائض بل لا يبعد اجزاؤه عن غسل الجنابة بل عن غسل الحيض إذا كان بعد انقطاع الدم (1).

[ (مسألة 17) إذا كان يعلم إجمالا أن عليه أغسالا]

(مسألة 17) إذا كان يعلم إجمالا أن عليه أغسالا لكن لا يعلم بعضها بعينه يكفيه أن يقصد جميع ما عليه (2) كما يكفيه أن يقصد البعض المعين و يكفى

______________________________

و ربما يقال: بالصحة أيضا و إن وقع الخطاء في النية لصدق الامتثال بذلك، و قد قطع أكثر الأصحاب بأنه لو نوى رفع حدث معين في الوضوء ارتفع الجميع لوجوب حصول المنوي و هو لا يحصل إلا برفع الجميع و هو جار في الغسل، إلا أن فيه اشكالا من حيث اتحاد معنى الحدث و عدم القصد الى رفعه فليتأمل. انتهى كلامه رفع مقامه، و الأحوط ملاحظة التداخل و النية و التعيين في جميع الأقسام، و أحوط منه الإتيان بكل غسل غسل و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 16: (الأقوى صحة غسل الجمعة من الجنب و الحائض بل لا يبعد اجزاؤه عن غسل الحيض إذا كان بعد انقطاع الدم. انتهى)

هذه المسألة من جزئيات المسألة المتقدمة، و قد ذكرنا الحكم فيها و ان الأقوى إجزاؤه عن غيره، و مما يدل عليه صريحا ما نقلناه عن الصدوق في الفقيه قريبا صحيفة 377 ما رواه: من ان من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان فعليه أن يغتسل و يقضى صلواته و صومه، إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة فإنه يقضى صلواته و صومه الى ذلك اليوم، و لا يقضى ما بعد ذلك و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 17: (إذا كان يعلم إجمالا ان عليه أغسالا لكن لا يعلم بعضها

بعينه يكفيه أن يقصد جميع ما عليه. إلخ)

لا يخفى ان هذه المسألة أيضا من فروع المسألة السابقة أعني مسألة (15) فإنا ذكرنا فيها كفاية قصد

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 379

عن غير المعين، بل إذا نوى غسلا معينا و لا يعلم و لو إجمالا غيره و كان عليه في الواقع كفى عنه أيضا و إن لم يحصل امتثال أمره، نعم إذا نوى بعض الأغسال و نوى عدم تحقق الآخر ففي كفايته عنه اشكال بل صحته أيضا لا يخلو عن اشكال بعد كون حقيقة الأغسال واحدة، و من هذا يشكل البناء على عدم التداخل بان يأتي باغسال متعددة كل واحد بنية واحد منها لكن لا إشكال إذا أتى فيما عدا الأول برجاء الصحة و المطلوبية.

______________________________

جميع ما عليه من الأغسال بغسل واحد، و كذلك كفاية قصد البعض عن الكل كما دلت عليه الأخبار السابقة، و لا فارق بين المسألتين سوى العلم التفصيلي بالأغسال هناك و العلم الإجمالي هنا، و هو لا يصلح فارقا بين المسألتين و كذلك كفاية ما إذا نوى غسلا معينا و لا يعلم و لو إجمالا غيره كما هو صريح رواية الفقيه: من جامع في أول شهر رمضان. إلخ. صحيفة 377 نعم يبقى الكلام فيما ذكر (قده) فيما إذا نوى بعض الأغسال و نوى عدم تحقق الآخر ففي كفاية ما نواه عن الآخر و ان نوى عدم تحققه اشكال، بل الإشكال في صحة ما نواه، و وجه الإشكال في الأول إمكان دعوى قصور شمول النصوص المذكورة للفرض المذكور، و الإشكال في الثاني و هو عدم ارتفاع ما نواه هو دعوى ان الحدث الذي هو نجاسة حكمية واحد و ان تعددت أسبابه المشار

اليه بقوله بعد كون حقيقة الأغسال واحدة، فنية عدم ارتفاع الآخر يرجع الى عدم ارتفاع ما نواه و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 380

[فصل في الحيض]
اشارة

فصل في الحيض

[مسائل]
اشارة

و هو دم خلقه اللّٰه تعالى في الرحم (1) لمصالح و في الغالب أسود أو أحمر غليظ طرى حار يخرج بقوة و حرقة، كما أن دم الاستحاضة بعكس ذلك، و يشترط أن يكون بعد البلوغ (2) و قبل اليأس، فما كان قبل البلوغ أو بعد اليأس ليس بحيض و إن كان بصفاته و البلوغ يحصل بإكمال تسع سنين و اليأس ببلوغ ستين سنة في

______________________________

قوله قده (فصل: في الحيض، و هو دم خلقه اللّٰه في الرحم. إلخ)

الحيض في اللغة السيل: و شرعا دم أسود حار يخرج بحرقة- بضم الحاء- أى لذع و حرارة يعتاد المرأة البالغة تسعا كل شهر مرة غالبا ففي الصحيح الصادقي المروي في الكافي: ان دم الاستحاضة و الحيض ليس يخرجان من مكان واحد، ان دم الاستحاضة بارد و ان دم الحيض حار، و في آخر المروي في الكافي أيضا: ان دم الحيض حار عبيط أسود له دفع و حرارة و دم الاستحاضة أصفر بارد، فاذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة، و في الموثق المروي في الكافي أيضا: دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة، و دم الاستحاضة دم فاسد بارد، و في الحسن في قوله تعالى:

(إِنِ ارْتَبْتُمْ) قال: ما جاز الشهر فهو ريبة، و عن الصادق عليه السّلام ان اللّٰه حد للنساء في كل شهر مرة.

قوله قده: (و يشترط أن يكون بعد البلوغ. إلخ)

اما اعتبار بلوغ التسع فيه فيدل عليه بعد الإجماع بقسميه كما حكاه في الجواهر و غيره، بل نسب الى الفقهاء كافة، بل و جميع المسلمين: الأخبار منها صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال

ثلاث يتزوجن على كل حال التي لم تحض

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 381

القرشية و خمسين في غيرها، و القرشية من انتسب الى نضر بن كنانة

______________________________

و مثلها لا تحيض، قلت ما حدها؟ قال: إذا أتى لها أقل من تسع سنين، و التي لم يدخل بها، و التي قد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض، قلت ما حدها؟ قال: إذا كان لها خمسون سنة، و موثقته عنه (ع) قال سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول: ثلاثة يتزوجن على كل حال، التي يئست من المحيض و مثلها لا تحيض، قلت متى يكون كذلك؟ قال: إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض، و التي لم تحض و مثلها لا تحيض، قلت و متى يكون كذلك؟ قال: ما لم تبلغ تسع سنين فإنها لا تحيض و مثلها لا تحيض، و التي لم يدخل بها، و في رواية عنه كما في الروض و غيره: إذا كمل لها تسع سنين أمكن حيضها الى غير ذلك.

و اما اعتبار عدم يأسها فلا خلاف فيه نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه كما دلت عليه صحيحة عبد الرحمن و موثقته المتقدمتان، و إنما الخلاف في حده و قد اضطربت فيه كلماتهم (قده) فقيل: بأنه ستون مطلقا، و قيل:

بأنه خمسون مطلقا، و قيل: بالأول في القرشية و النبطية و بالثاني في غيرهما.

و قد يستدل على الأول بالاستصحاب و قاعدة الإمكان و نصوص العادة، و موثق عبد الرحمن بن الحجاج، و ما أرسله الكليني بقوله: و روى ستون سنة أيضا.

و للثاني على ما في الجواهر (قده) للأصل بل للأصول و العمومات التي تقدمت الإشارة إليها في مسألة التوالي،

و قول الصادق (ع) في الصحيح:

حد التي يئست من المحيض خمسون سنة، و نحوه صحيحه الآخر على كلام في سهل، و مرسل أحمد بن محمد بن ابى نصر المروي في الكافي و التهذيب بطريق فيه سهل أيضا. إلخ ما ذكره.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 382

و من شك في كونها قرشية يلحقها حكم غيرها (1) و المشكوك البلوغ محكوم بعدمه و المشكوك يأسها كذلك. (2)

[ (مسألة 1) إذا خرج ممن شك في بلوغها دم]

(مسألة 1) إذا خرج ممن شك في بلوغها دم و كان بصفات الحيض (3)

______________________________

و للثالث بأنه وجه جمع بين النصوص السابقة و شاهده مرسل ابن ابى عمير عن الصادق (ع) قال: إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة، إلا أن تكون امرأة من قريش، و نحوه مرسل الغنية عنه قال في مصباح الفقيه:

و الظاهر ان هذا القول مختار معظم الأصحاب، بل عن جملة من كتبهم نسبته الى المشهور، بل عن التبيان و مجمع البيان نسبته إلى الأصحاب، و قد الحق جملة من أصحاب هذا القول بالقرشية النبطية. إلخ ما ذكره (قده).

قوله قده: (و من شك في كونها قرشية يلحقها حكم غيرها. إلخ)

قال في مصباح الفقيه: و لو اشتبه المصداق فالمرجع أصالة عدم الانتساب المعول عليها لدى العلماء في جميع الموارد التي يشك في تحقق النسبة، بل الاعتماد عليها في مثل ما نحن فيه من الأمور المغروسة في أذهان المتشرعة، بل المركوز في أذهان العقلاء قاطبة، و لذا لا يعتنى أحد باحتمال كونه قرشيا مع أن هذا الاحتمال بالنسبة إلى أغلب الأشخاص محقق، بل ربما يكون مظنونا و مع ذلك لا يلتفتون اليه و يرتبون آثار خلافه و هذا مما لا شبهة فيه، و إنما الإشكال في تعيين

وجه عمل العقلاء و العلماء بهذا الأصل و بنائهم على عدم تحقق النسبة المشكوكة، و ترتيب آثار خلافها، و لا يبعد أن يكون منشأ الغلبة و حكمة اعتبارها لديهم انسداد باب العلم غالبا. إلخ ما ذكره (قده).

قوله قده: (و المشكوك البلوغ محكوم بعدمه و المشكوك يأسها كذلك. اه)

للاستصحاب في الموضوعين و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 1: (إذا خرج ممن شك في بلوغها دم و كان بصفات الحيض. إلخ)

الظاهر ان منشأ الحكم بحيضية مثل هذا الدم الخارج ممن شك

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 383

يحكم بكونه حيضا و يجعل علامة على البلوغ، بخلاف ما إذا كان بصفات الحيض و خرج ممن علم عدم بلوغها (1) فإنه لا يحكم بحيضيته و هذا هو المراد من شرطية البلوغ.

______________________________

في بلوغها و كان بصفات الحيض هو قاعدة الإمكان، مستدلين عليه كما حكى عن الفاضلين في المعتبر و المنتهى بعد الإجماع بأنه دم في زمان يمكن أن يكون حيضا فيكون حيضا، بدعوى ان هذه القاعدة و هي ان كلما أمكن أن يكون حيضا فهو حيض من القواعد المسلمة عندهم. و منشأ اعتبار هذه القاعدة و مسلميتها عندهم هو الحمل على أصل السلامة في المزاج فان كل احتمال ينافيه أصالة السلامة لا يلتفت إليه. لأن أصل السلامة أصل معتبر معتمد عليه عند العقلاء كافة في جميع أمورهم معاشا و معادا و معلوم ان الحيض دم يقذفه الرحم بمقتضى طبعه لا لعلة، حتى ان عدمه عيب في النساء فلا مجال لنفيه بأصالة عدمه، بخلاف غيره من الدماء كالاستحاضة و القرح و الجرح أو بحصول الافتضاض فان الجميع موقوف على عوارض و أمراض خارجة عن مقتضى الطبيعة و الخلقة، فما لم يكن

العلة محققة يحكم بكون الدم بمقتضى الطبيعة و هو الحيض، نعم إذا أحرز وجود العلة كما إذا كان الجوف مقروحا أو مجروحا أو بحصول الافتضاض المقتضى لخروج الدم و شك في كون الدم منه أو من الحيض فلا يتمشى الأصل، إذا لا شك في عدم السلامة، فلا بد حينئذ من الرجوع الى ما جعله الشارع طريقا لتشخيص كل من الدمين أو الدماء كخروج القطنة مطوقة أو منغمسة أو من الجانب الأيسر و نحوه.

قوله قده: (بخلاف ما إذا كان بصفات الحيض و خرج ممن علم عدم بلوغها. إلخ)

فإنه لا يحكم عليه بالحيضية لما تقدم من اشتراط كونه بعد البلوغ

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 384

[ (مسألة 2) لا فرق في كون اليأس بالستين أو الخمسين بين الحرة و الأمة، و حار المزاج و باردة، و أهل مكان و مكان]

(مسألة 2) لا فرق في كون اليأس بالستين (1) أو الخمسين بين الحرة و الأمة، و حار المزاج و باردة، و أهل مكان و مكان.

[ (مسألة 3) لا إشكال في أن الحيض يجتمع مع الإرضاع]

(مسألة 3) لا إشكال في أن الحيض يجتمع مع الإرضاع و في اجتماعه مع الحمل قولان (2)، الأقوى أنه يجتمع معه سواء كان قبل الاستبانة أم بعدها

______________________________

قوله قده مسألة 2: (لا فرق بين كون اليأس بالستين. إلخ)

و ذلك لإطلاق الأدلة المتقدمة.

قوله قده مسألة 3: (لا إشكال في ان الحيض يجتمع مع الإرضاع و في اجتماعه مع الحمل قولان. إلخ)

اما عدم الإشكال في اجتماعه مع الإرضاع فلوقوعه و عدم الخلاف فيه، و لا مانع منه من عقل و لا نقل، و اما اجتماعه مع الحمل فقولان النفي و الإثبات و ان كان بعض أقوال النفي و الإثبات في الجملة لا مطلقا، و منشأ ذلك اختلاف الأخبار، و مما يدل على الاجتماع معه و هو المشهور كما حكاه بعضهم صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السّلام انه سئل عن الحبلى ترى الدم أ تترك الصلاة؟ فقال: نعم ان الحبلى ربما قذفت بالدم، و صحيح صفوان قال سألت أبا الحسن (ع) عن الحبلى ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام تصلى؟ قال: تمسك عن الصلاة، و صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: سألته عن الحبلى ترى الدم كما كانت ترى أيام حيضها مستقيما في كل شهر قال: تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها، فاذا طهرت صلت، و عن حريز عمن أخبره عن الباقر و الصادق عليهما السلام في الحبلى ترى الدم؟

قال: لا تدع الصلاة فإنه ربما بقي في الرحم الدم و لم يخرج و تلك الهراقة، و عن أبى

بصير في الموثق عن الصادق عليه السّلام قال سألته عن الحبلى ترى الدم؟

قال: نعم انه ربما قذفت المرأة الدم و هي حبلى، و عن سماعة قال سألته عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 385

و سواء كان في العادة أو قبلها أو بعدها، نعم فيما كان بعد العادة بعشرين يوما الأحوط الجمع بين تروك الحائض و اعمال المستحاضة.

______________________________

امرأة رأت الدم في الحبل قال: تقعد أيامها التي كانت تحيض، فاذا زاد الدم على الأيام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيام ثم هي مستحاضة، و ما رواه الكليني في الحسن عن سليمان بن خالد قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) جعلت فداك الحبلى ربما طمثت فقال: نعم و ذلك ان الولد في بطن امه غذاؤه الدم فربما كثر ففضل عنه، فاذا فضل دفقته، فاذا دفقته حرمت عليها الصلاة، قال:

و في رواية أخرى إذا كانت كذلك تأخر الولادة و عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح قال سألت أبا الحسن (ع) عن الحبلى ترى الدم و هي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كل شهر هل تترك الصلاة؟ قال: تترك الصلاة إذا دام، هذه الأخبار هي مستند المشهور و هي ظاهرة في المدعى أعلى إفراد الظهور.

و اما حجة النافين ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه (ع) قال قال النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم ما كان اللّٰه تعالى ليجعل حيضا مع حبل، يعني إذا رأت المرأة الدم و هي حامل لا تدع الصلاة إلا أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق و رأت الدم تركت الصلاة، و ما عن حميد بن المثنى في الصحيح قال سألت أبا الحسن الأول (ع)

عن الحبلى ترى الدفقة و الدفقتين من الدم في الأيام و في الشهر و الشهرين فقال: تلك الهراقة، ليس تمسك هذه عن الصلاة و ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن نعيم الصحاف قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام ان أم ولدي ترى الدم و هي حامل كيف تصنع بالصلاة؟ قال:

فقال لي إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضى عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه فان ذلك ليس من الرحم و لا من الطمث، فلتتوضأ و لتحش بكرسف و تصل، و أما إذا رأت الحامل الدم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 386

[ (مسألة 4) إذا انصب الدم من الرحم الى فضاء الفرج]

(مسألة 4) إذا انصب الدم من الرحم الى فضاء الفرج و خرج منه شي ء (1) في الخارج و لو بمقدار رأس ابرة لا إشكال في جريان أحكام الحيض و أما إذا انصب و لم يخرج بعد و إن كان يمكن إخراجه بإدخال قطنة أو إصبع

______________________________

قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها، فان انقطع الدم عنها قبل ذلك فلتغتسل و لتصل الحديث، و الذي يظهر من الأخبار المثبتة و النافية بعد التأمل فيها و حمل مطلقها على مقيدها هو حمل الأخبار النافية على الغالب عادة، فإن الغالب عدم مجامعة الحيض مع الحمل، هذا مع عدم مقاومتها للأخبار المثبتة لكثرتها و صحتها و ذهاب المشهور الى العمل بها، و موافقة تلك للعامة على ما حكى، مع عدم صراحة جملة منها في الدلالة على المطلوب، فالقول بالاجتماع هو الأظهر، هذا مع إبقاء الطائفتين من

الأخبار على الإطلاق، و اما بان تقيد كلا الطائفتين بحمل المثبتة على ما جمع صفات الحيض و النافية على ما جمع صفات الاستحاضة، و يدل على هذا الطريق من الجمع رواية محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سألته عن المرأة الحبلى قد استبان حبلها ترى ما ترى الحائض من الدم قال: تلك الهراقة من الدم ان كان دما أحمر كثيرا فلا تصل، و ان كان قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء، و الظاهر ان هذا الجمع مذهب الصدوق كما نقله عنه في الحدائق فراجع، و الاحتياط طريق النجاة فيها، سواء كانت في زمن العادة أو تقدم عليها أو تأخر عنها بعشرين يوما أو أقل أو أكثر و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 4: (إذا انصب الدم من الرحم الى فضاء الفرج و خرج منه شي ء. إلخ)

اما عدم الإشكال في إجراء الأحكام مع الخروج منه الى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 387

ففي جريان أحكام الحيض اشكال فلا يترك الاحتياط بالجمع بين أحكام الطاهر و الحائض و لا فرق بين أن يخرج من المخرج الأصلي (1) أو العارضي.

[ (مسألة 5) إذا شكت في أن الخارج دم أو غير دم]

(مسألة 5) إذا شكت في أن الخارج دم أو غير دم (2) أو رأت دما في ثوبها و شكت في أنه من الرحم أو من غيره لا تجري أحكام الحيض و إن علمت بكونه دما و اشتبه عليها فاما أن يشتبه بدم الاستحاضة أو بدم البكارة أو بدم القرحة فإن اشتبه بدم الاستحاضة يرجع الى الصفات (3) فان كان بصفة

______________________________

الخارج لأنه القدر المتيقن لتحقق الموضوع فيه فتشمله الأدلة، و اما الإشكال فيما إذا نصب من الرحم الى فضاء الفرج و لم يخرج بعد فينشأ من أن الحيض

لغة السيل، أو بقوة، أو سيلان الدم، و عليه لم يتحقق الموضوع على سائر المعاني ليترتب عليه أحكامه، و من الاكتفاء به ببقائه في فضاء الفرج كما دلت عليه أخبار الاستبراء بدعوى عدم الفرق بين الحدوث و البقاء، و الأقرب اختصاص ذلك بالبقاء، لاختصاص الأخبار بل الإجماع كما ادعى به، و يرجع في الحدوث إلى أصالة عدم التحيض حتى يخرج الدم الى الخارج، و الاحتياط بالجمع بين أحكام الطاهر و الحائض سبيل النجاة.

قوله قده: (و لا فرق بين أن يخرج من المخرج الأصلي. إلخ)

لإطلاق الأدلة و الأحوط فيما لم يصر العارضي معتادا الاحتياط بالجمع بين أحكام الطاهر و الحائض فإنه سبيل النجاة.

قوله قده مسألة 5: (إذا شكت في أن الخارج دم أو غير دم. إلخ)

عدم تحيضها في الفرضين المذكورين لاستصحاب الأحكام الثابتة لها و الشك في تبدلها.

قوله قده: (فان اشتبه بدم الاستحاضة يرجع الى الصفات. إلخ)

للنصوص الدالة على ذلك في الجملة ففي صحيحة حفص بن البختري أو حسنته

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 388

الحيض بحكم بأنه حيض و إلا فإن كان في أيام العادة (1) فكذلك و إلا فيحكم بأنه

______________________________

قال دخلت على أبى عبد اللّٰه عليه السّلام امرأة سألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا يدرى حيض هو أم غيره قال فقال: لها ان دم الحيض حار عبيط أسود له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفر بارد، فاذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة، قال: فخرجت و هي تقول و اللّٰه لو كان امرأة ما زاد على هذا، و في صحيحة معاوية بن عمار قال: ان دم الاستحاضة بارد، و دم الحيض حار، و موثقة إسحاق بن جرير قال

سألت امرأة منا أن أدخلها على أبى عبد اللّٰه عليه السّلام فاستأذنت لها فدخلت و معها مولاة لها- الى أن قال- فقالت له ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيام حيضها؟ قال: ان كان أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد ثم هي مستحاضة، قالت فان الدم يستمر بها الشهر و الشهرين و الثلاثة كيف تصنع بالصلاة؟ قال: تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين، قالت له إن أيام حيضها تختلف عليها و كان يتقدم الحيض اليوم و اليومين و الثلاثة، و يتأخر مثل ذلك فما علمها به؟ قال: دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة، و دم الاستحاضة دم فاسد بارد، قال فالتفتت الى مولاتها فقالت أ ترينه كان امرأة مرة.

قوله قده: (و إلا فإن كان في أيام العادة. إلخ)

أي يسقط اعتبار الصفة المتقدمة في الدم مع العادة إجماعا فتوى و نصا الثابتة بتكررها مرتين متساويتين كما سيأتي بيانه في المسألة الثامنة، فلا مجال لان يعارض بأخبار الصفات، بل لا مجال لأن يعارض بها مطلقاتها، و ان كانت النسبة بينهما عموما من وجه، لأظهرية المطلقات في شمول مورد التعارض منها سيما بملاحظة خصوص الصحيح الصادقي الآتي ذكره في المسألة التاسعة.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 389

استحاضة، و إن اشتبه بدم البكارة (1) يختبر بإدخال قطنة في الفرج و الصبر قليلا ثم إخراجها فإن كانت مطوقة بالدم فهو بكارة و إن كانت منغمسة به فهو حيض

______________________________

قوله قده: (و ان اشتبه بدم البكارة. إلخ)

فيعتبر بالقطنة كما ذكره و نحوها، و لا يلتفت حينئذ إلى أوصاف الدم الى الرجوع الى الأوصاف إنما هو لتمييز الحيض عن الاستحاضة لا عن سائر

الدماء، فان خرجت مطوقة فهو دم العذرة، و إن خرجت منغمسة فهو الحيض، لصحيحة خلف بن حماد قال دخلت على أبى الحسن موسى بن جعفر (ع) بمنى فقلت له إن رجلا من مواليك تزوج جارية معصرا لم تطمث فلما افتضها سال الدم فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام، و ان القوابل اختلفن في ذلك، فقال بعضهن:

دم الحيض، و قال بعضهن: دم العذرة فما ينبغي لها أن تصنع؟ قال (ع):

فلتتق اللّٰه فان كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر و ليمسك عنها بعلها، و ان كان من العذرة فلتتق اللّٰه و لتتوضأ و لتصل و يأتيها بعلها ان أحب ذلك، فقلت له و كيف لهم أن يعلموا ما هو حتى يفعلوا ما ينبغي؟

قال: فالتفت يمينا و شمالا في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد ثم نهد الى فقال يا خلف سر اللّٰه فلا تذيعوه و لا تعلموا هذا الخلق أصول دين اللّٰه، بل ارضوا لهم ما رضي اللّٰه لهم من ضلال، قال ثم عقد بيده اليسرى تسعين، ثم قال: تستدخل القطنة ثم تدعها مليا ثم تخرجها إخراجا رفيقا فان كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة، و ان كان مستنقعا في القطنة فهو من الحيض، قال خلف: فاستخفني الفرح فبكيت، فلما سكن بكائي قال ما أبكاك؟ قلت جعلت فداك من كان يحسن هذا غيرك؟! قال: فرفع يده الى السماء و قال: انى و اللّٰه ما أخبرك إلا عن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم عن جبرئيل عن اللّٰه عز و جل و صحيحة زياد بن سوقة قال سئل أبو جعفر عليه السّلام عن رجل افتض- امرأته أو

العمل

الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 390

و الاختبار المذكور واجب فلو صلت بدونه بطلت (1) و إن تبين بعد ذلك عدم كونه حيضا إلا إذا حصل منها قصد القربة بأن كانت جاهلة أو عالمة أيضا إذا فرض حصول قصد القربة مع العلم أيضا، و إذا تعذر الاختبار ترجع إلى الحالة السابقة (2) من طهر أو حيض و إلا فتبني على الطهارة لكن مراعاة الاحتياط أولى، و لا يلحق بالبكارة في الحكم المذكور غيرها (3) كالقرحة المحيطة بأطراف

______________________________

أمته فرأت دما كثيرا لا ينقطع عنها يوما كيف تصنع بالصلاة؟ قال: تمسك الكرسف فان خرجت القطنة مطوقة بالدم، فإنه من العذرة تغتسل و تمسك معها قطنة و تصلى، فإن خرج الكرسف منغمسا بالدم فهو من الطمث تقعد عن الصلاة أيام الحيض، و لا يخفى ان هذا فيما لو تردد الدم بين الاحتمالين من الحيض أو العذرة فقط فيحكم بالحيضية في صورة انغماس القطنة و عدم تطوقها لا فيما إذا احتمل كونه من القرحة أو الاستحاضة أو الحيض أو العذرة مثلا فإنه لا يحكم بالحيضية عند عدم التطوق كما هو ظاهر السؤال و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و الاختبار المذكور واجب فلو صلت بدونه بطلت. إلخ)

بل الظاهر الصحة لو صلت قبل الاختبار برجاء المطلوبية على تقدير الموافقة للواقع و انه دم العذرة و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و إذا تعذر الاختبار ترجع إلى الحالة السابقة. إلخ)

أما وجه رجوعها إلى الحالة السابقة من طهر أو حيض فهو ما يقتضيه الاستصحاب نعم يشكل ما ذكره من البناء على الطهارة في صورة عدم علمها بالحالة السابقة إذ هو تمسك بالعام في الشبهة المصداقية و هو خلاف التحقيق، فالأولى ما ذكره من مراعاة الاحتياط

و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و لا يلحق بالبكارة في الحكم المذكور غيرها. إلخ)

و ذلك اقتصارا على مورد النص و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 391

الفرج، و ان اشتبه بدم القرحة (1) فالمشهور ان الدم إن كان يخرج من الطرف الأيسر فحيض و إلا فمن القرحة إلا أن يعلم ان القرحة في الطرف الأيسر لكن الحكم المذكور مشكل فلا يترك الاحتياط بالجمع بين أعمال الطاهرة و الحائض، و لو اشتبه بدم آخر حكم عليه بعدم الحيضية (2) إلا أن تكون الحالة السابقة هي الحيضية.

______________________________

قوله قده: (و ان اشتبه بدم القرحة. إلخ)

إنما نسب الحكم إلى الشهرة لتوقفه فيه كما يدل عليه آخر عبارته، و مستند المشهور ما رواه الشيخ في التهذيب مرفوعا عن ابان قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) فتاة منا بها قرحة في جوفها و الدم سائل لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة فقال (ع): مرها فلتستلق على ظهرها ثم ترفع رجليها ثم تدخل إصبعها الوسطى، فان خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض و ان خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة، و على رواية محمد بن يعقوب في الكافي و ساق الحديث الى أن قال: فان خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض، و ان خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة، فالأجود إطراح هذه الرواية كما حكى عن المعتبر لضعفها و إرسالها و اضطرابها و مخالفتها للاعتبار لأن القرحة يحتمل كونها في كل من الجانبين و الأولى الرجوع الى حكم الأصل و اعتبار الأوصاف. انتهى ما حكى عن المعتبر، و الأولى من ذلك ما ذكره المصنف (قده) من الأخذ بالاحتياط بالجمع بين أعمال الطاهرة

و تروك الحائض و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و لو اشتبه بدم آخر حكم عليه بعدم الحيضية. إلخ)

استصحابا للطهارة و ذلك فيما لو كانت هي الحالة الأولى المعلومة، و اما لو كانت الحالة الأولى مجهولة فيشكل ما ذكره من الحكم بالطهارة، إذ لا وجه له الا الأخذ بعمومات أدلة أحكام الطاهرة، و ذلك تمسك بالعام في الشبهة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 392

[ (مسألة 6) أقل الحيض ثلاثة أيام و أكثره عشرة]

(مسألة 6) أقل الحيض ثلاثة أيام و أكثره عشرة (1) فاذا رأت يوما

______________________________

المصداقية كما تقدم عن قريب، نعم إلا أن تكون الحالة السابقة هي الحيضية فيحكم عليها بها و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 6: (أقل الحيض ثلاثة أيام و أكثره عشرة. إلخ)

إجماعا محصلا و منقولا على ما حكاه في الجواهر و في التنقيح الرائع: اتفق الأصحاب على ان أقله ثلاثة، و يدل عليه مضافا الى ذلك الأخبار المعتبرة، ففي الصحيح الصادقي المروي في الكافي و التهذيب قال: أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام و أكثره عشرة أيام، و في آخر على ما في الكافي: أدناه ثلاثة و أبعده عشرة، و في آخر على ما في التهذيب: أدنى الحيض ثلاثة و أقصاه عشرة، و في آخر على ما في الفقيه: أقل الحيض ثلاثة أيام و أكثره عشرة و أوسطه خمسة، و في آخر: أدنى ما يكون الحيض ثلاثة أيام و أكثره عشرة، و في الصحيح الصادقي المروي في التهذيب: أكثر ما يكون الحيض ثمان و أدنى ما يكون منه ثلاثة محمول على إرادة الأكثرية بحسب العادة و الغالب أو يرد علمه إلى قائله.

و هنا أمر أحببت أن أذكره إذ لم أر من تعرض له، ذكره أستاذ اساتيذنا آية اللّٰه الخراساني صاحب كفاية

الأصول في شرحه على التبصرة، قال قدس اللّٰه روحه و نور ضريحه: الأمر الثالث أن لا يكون بأقل من ثلاثة أيام بلا خلاف و قد نقل عليه الإجماع مستفيضا و دلت عليه أخبار كثيرة، فلا إشكال في اعتباره في الجملة إنما الإشكال في انه يعتبر في الحكم على الدم شرعا بأحكام الحيض مطلقا، أو إذا اشتبه انه حيض بعد القطع بأنه ربما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 393

أو يومين أو ثلاثة إلا ساعة مثلا لا يكون حيضا كما إن أقل الطهر عشرة أيام و ليس لأكثره حد (1) و يكفي الثلاثة الملفقة، فإذا رأت في وسط اليوم الأول و استمر الى وسط اليوم الرابع يكفي في الحكم بكونه حيضا

______________________________

يكون دم الحيض في الخارج أقل منها، و دعوى انه لا يكون فيه كذلك مجازفة كما ان عدم ترتب أحكام الحيض على الأقل شرعا و لو مع القطع بكونه حيضا بعيد جدا و مخالف لإطلاق أدلة أحكامه، و لخصوص ما تقدم من مضمرة سماعة، و رواية الحبلى و ان كان موافقا لما يتراءى من ظاهر كلمات الأصحاب في الباب فلو لا مخافة مخالفتهم لتعين حمل أدلة اعتباره على صورة الاشتباه كما مرت الإشارة إليه، إلى آخر كلامه أعلى اللّٰه مقامه، و ما أشار إليه من مضمرة سماعة هو ما ذكره في أوائل مبحث الحيض و أحكامه، قال سماعة سألته عن الجارية البكر أول ما تحيض تقعد في الشهر يومين و في الشهر ثلاثة يختلف عليها لا يكون طمثها عدة أيام سواء قال: فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة، و رواية إسحاق بن عمار الواردة في الحبلى ترى

الدم اليوم و اليومين فقال: ان كان دما عبيطا فلا تصلى و اللّٰه العالم.

قوله قده: (كما ان أقل الطهر عشرة أيام و ليس لأكثره حد. إلخ)

إجماعا حكاه في الجواهر عن الانتصار و الخلاف و المنتهى و التذكرة و الذكرى و الروض و غيرها، و يدل عليه مضافا الى ذلك الأخبار المعتبرة ففي الصحيح الباقرى: لا يكون القرء في أقل من عشرة أيام فما زاد، أقل ما يكون عشرة من حين تطهر الى أن ترى الدم، و في الخبر الصادقي: أدنى الطهر عشرة أيام و لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 394

و المشهور اعتبروا التوالي في الأيام الثلاثة (1)، نعم بعد توالى الثلاثة في الأول لا يلزم التوالي في البقية، فلو رأت ثلاثة متفرقة في ضمن العشرة لا يكفى و هو محل اشكال، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين أعمال المستحاضة و تروك الحائض فيها و كذا اعتبروا استمرار الدم في الثلاثة و لو في فضاء الفرج، و الأقوى كفاية الاستمرار العرفي و عدم مضرية الفترات اليسيرة في البين بشرط أن لا ينقص من ثلاثة بأن كان بين أول الدم و آخره ثلاثة أيام و لو ملفقة، فلو لم تر في الأول مقدار نصف ساعة من أول النهار و مقدار نصف ساعة في آخر اليوم الثالث

______________________________

قوله قده: (و المشهور اعتبروا التوالي في الأيام الثلاثة. إلخ)

فلا يكفى كونها في جملة العشرة كما حكى عن الصدوقين في الرسالة و الهداية و الإسكافي و الشيخ في الجمل و المبسوط و المرتضى و أبناء حمزة و زهرة و إدريس للرضوى:

و ان رأت يوما أو يومين فليس من الحيض ما لم تر ثلاثة أيام

متواليات و عليها أن تقضى الصلاة التي تركتها في اليوم و اليومين، و لثبوت الصلاة في الذمة بيقين فلا يسقط التكليف بها إلا مع تيقن السبب، و لا يقين بثبوته مع انتفاء التوالي، و لأنه المتبادر من قولهم (عليهم السلام) أدنى الحيض ثلاثة أو لأجل دعوى ظهوره في انه لبيان مقدار أول الاستمرار لا لبيان مقداره بحسب الأيام، و قيل بالعدم كما عن الاستبصار و النهاية و القاضي لقول الصادق عليه السّلام في مرسلة يونس: فإن رأت في تلك العشرة أيام من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتى يتم لها ثلاثة أيام فذلك الدم الذي رأته في أول الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض، و في الصحيح الباقرى: إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة فهو من الحيضة الأولى، و ان كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة، و في الموثق: إذا رأت الدم قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى و إذا رأته بعد عشرة أيام فهو من حيضة أخرى مستقلة فإنهما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 395

لا يحكم بحيضيته لأنه يصير ثلاثة إلا ساعة مثلا، و الليالي المتوسطة داخلة فيعتبر الاستمرار العرفي فيها أيضا بخلاف ليلة اليوم الأول و ليلة اليوم الرابع، فلو رأت من أول نهار اليوم الأول إلى آخر نهار اليوم الثالث كفى.

[ (مسألة 7) قد عرفت أن أقل الطهر عشرة]

(مسألة 7) قد عرفت أن أقل الطهر عشرة (1) فلو رأت الدم يوم التاسع و العاشر بعد الحيض السابق لا يحكم عليها بالحيضية، و أما إذا رأت يوم الحادي عشر بعد الحيض السابق فيحكم بحيضيته إذا لم يكن مانع آخر و المشهور على اعتبار هذا الشرط أى مضى عشرة من الحيض

السابق في حيضية الدم

______________________________

شاملان لما إذا كان الأول يوما أو أزيد، و لأصالة عدم اشتراط التوالي و إطلاق النصوص و أصالة البراءة من العبادة، و منه يعلم الجواب عن الأول و على هذا القول فهل النقاء المتخلل طهر؟ كما يظهر من صدر المرسل، أم حيض؟ و جهان أقواهما الثاني لإطلاق الإجماع بعدم قصور الطهر عن عشرة و المراد بالأيام الثلاثة ما يدخل فيها الليالي لدخول الليل في مسمى اليوم عرفا أو للتغليب، و هل المراد بالتوالي على القول به استمرار الدم في الثلاثة بلياليها، بحيث متى وضعت الكرسف تلوث كما عن الأشهر؟ أم يكفي وجوده في كل يوم من الثلاثة و ان لم يستوعبه؟ كما عن الروض و غيره، لصدق رؤيته ثلاثة أيام لأنها ظرف له، و يجب المطابقة بين الظرف و المظروف، أم يعتبر وجوده في أول الأول و آخر الآخر و في أي جزء كان من الوسط؟

أقوال و ظاهر إطلاق النص مع الثاني و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 7: (قد عرفت ان أقل الطهر عشرة. إلخ)

قد تقدم الاستدلال على ذلك بالصحيح الباقرى عليه السّلام المروي في الكافي قال: لا يكون القرء في أقل من عشرة أيام فما زاد، أقل ما يكون عشرة من حين تطهر الى أن ترى الدم، و الخبر الصادقي عليه السّلام المتقدمي الذكر في المسألة السابقة.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 396

اللاحق مطلقا، و لذا قالوا لو رأت ثلاثة مثلا ثم انقطع يوما أو أزيد، ثم رأت و انقطع على العشرة إن الطهر المتوسط أيضا حيض، و إلا لزم كون الطهر أقل من عشرة و ما ذكروه محل اشكال، بل المسلم انه لا يكون بين الحيضين أقل من

عشرة و اما بين أيام الحيض الواحد فلا، فالأحوط مراعاة الاحتياط بالجمع في الطهر بين أيام الحيض الواحد كما في الفرض المذكور.

[ (مسألة 8) الحائض إما ذات العادة أو غيرها]

(مسألة 8) الحائض إما ذات العادة أو غيرها، (1) و الأولى اما وقتية و عددية أو وقتية فقط أو عددية فقط و الثانية إما مبتدئة و هي التي لم تر الدم سابقا و هذا الدم أول ما رأت، و اما مضطربة و هي التي رأت الدم مكررا لكن لم تستقر لها عادة، و اما ناسية و هي التي نسيت عادتها و يطلق عليها المتحيرة أيضا و قد يطلق عليها المضطربة، و يطلق المبتدأة على الأعم ممن لم تر الدم سابقا و من لم تستقر لها عادة أى المضطربة بالمعنى الأول.

[ (مسألة 9) تتحقق العادة برؤية الدم مرتين متماثلين]

(مسألة 9) تتحقق العادة برؤية الدم مرتين متماثلين (2) فان كانا متماثلين في الوقت و العدد فهي ذات العادة الوقتية و العددية كأن رأت في أول شهر خمسة أيام و في أول الشهر الآخر أيضا خمسة أيام، و إن كانا متماثلين في الوقت دون العدد فهي ذات العادة الوقتية كما إذا رأت في أول شهر خمسة و في أول الشهر الآخر ستة أو سبعة مثلا، و ان كانا متماثلين في العدد فقط فهي ذات

______________________________

قوله قده مسألة 8: (الحائض اما ذات عادة أو غيرها. إلخ)

سيأتي تفصيل الأقسام المذكورة في المسألة الآتية و هي.

قوله قده مسألة 9: (تتحقق العادة برؤية الدم مرتين متماثلين. إلخ)

لا يخفى ان العادة تستقر برؤية الدم مرتين سواء عددا و وقتا، فتكون عددية و وقتية، أو عددا فقط فتكون عددية، أو وقتا فتكون وقتية كما في

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 397

العادة العددية كما إذا رأت في أول شهر خمسة و بعد عشرة أيام أو أزيد رأت خمسة أخرى.

______________________________

الخبرين ففي مرسلة يونس: فان انقطع الدم لوقته في الشهر الأول سواء حتى

توالى عليها حيضتان أو ثلاث فقد علم الآن ان ذلك قد صار لها وقتا و خلقا معروفا تعمل عليه و تدع ما سواه و يكون سنتها فيما يستقبل ان استحاضت قد صارت سنة الى أن تجلس أقراءها ثم قال: و أدناه حيضتان فصاعدا، و في موثق سماعة: إذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك عادتها، و في اشتراط استقرار الطهر بتكرره مرتين متساويتين في استقرار العادة عددا و وقتا قولان أقواهما العدم، للأصل و ظاهر الخبرين خلافا للذكرى فاشترط، و تظهر الفائدة في الجلوس لرؤية الدم في الثالث لو تغاير الوقت فيه فتجلس على المختار بمجردها، و على غيره بمضي الثلاثة أو حضور الوقت، و كيف كان فلا خلاف في تحيض ذات العادة بمجرد رؤية الدم للصحيح الصادقي عن المرأة ترى الصفرة في أيامها فقال: لا تصل حتى تنقضي أيامها، فإن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت، و في الخبر المروي في الكافي كلما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض، و كلما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض، و في آخر إذا رأت المرأة الصفرة قبل انقضاء أيام عادتها لم تصل و ان كانت صفرة بعد انقضاء أيام قرئها صلت، و في الرضوي: إذا رأت الصفرة في أيام حيضها فهو حيض و إذا رأت بعدها فليس من الحيض، و لإطلاق ما دل على اعتبار العادة مما تقدم خلافا للنهاية و المبسوط فترجع الى التمييز للأخبار المتقدمة الدالة على الصفات، و للمحكي عن ابن حمزة فهي مخيرة، و ضعفهما ظاهر من الأدلة المتقدمة و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 398

[ (مسألة 10) صاحبة العادة إذا رأت الدم مرتين متماثلتين]

(مسألة 10) صاحبة العادة

إذا رأت الدم مرتين متماثلتين على خلاف العادة (1) الأولى تنقلب عادتها إلى الثانية، و ان رأت مرتين على خلاف الأولى لكن غير متماثلتين يبقى حكم الأولى، نعم لو رأت على خلاف العادة الأولى مرات عديدة مختلفة تبطل عادتها و تلحق بالمضطربة.

[ (مسألة 11) لا يبعد تحقق العادة المركبة]

(مسألة 11) لا يبعد تحقق العادة المركبة (2) كما إذا رأت في الشهر الأول ثلاثة و في الثاني أربعة و في الثالث ثلاثة و في الرابع أربعة، أو رأت شهرين متواليين ثلاثة و شهرين متواليين أربعة، ثم شهرين متواليين ثلاثة و شهرين متواليين

______________________________

قوله قده مسألة 10: (صاحبة العادة إذا رأت الدم مرتين متماثلتين على خلاف العادة. إلخ)

بعد ما تقدم منا ان العادة تثبت شرعا بمرتين متماثلتين، و الظاهر من بعض أخبارها ان المراد بها الفعلية، فعليه لا اشكال فيما ذكره من انقلاب العادة إلى الثانية و زوال حكم الأولى بتكررها مرتين متماثلتين على خلاف الأولى، و يساعده أدلة أحكام العادة لأنها هي الفعلية دون الأولى، نعم يبقى الاشكال فيما ذكره من بقاء حكم الأولى فيما لو رأت مرتين على خلاف الأولى لكنهما غير متمائلتين، إذ الظاهر عدم شمول إطلاقات العادة لمثل المقام، و لا دليل غيرها من استصحاب و ما شاكله، فالمرجع في مثل الفرض التمييز أو الاحتياط و هو أقرب إذ هو سبيل النجاة، أو تلحق بالمضطربة كما لو رأت على خلاف العادة الأولى مرات عديدة مختلفة و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 11: (لا يبعد تحقق العادة المركبة. إلخ)

لا يخفى ان الأخذ بالعادة بعد ثبوتها من الأمور المسلمة عند العقلاء لإفادتها الظن المتاخم للعلم و ليس للشارع تصرف فيه، و ما ورد من الأمر به فإنما هو إرشادي لما عليه العقلاء، نعم

إنما تصرف الشارع في ثبوتها بالمرتين و القدر المتيقن منه ما هو بالمعنى الأول أعني رؤية الدم مرتين متماثلتين و في غيرها، فالمرجع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 399

أربعة فتكون ذات عادة على النحو المزبور، لكن لا يخلو عن اشكال خصوصا في مثل الفرض الثاني حيث يمكن أن يقال إن الشهرين المتواليين على خلاف السابقين يكونان ناسخين للعادة الأولى فالعمل بالاحتياط اولى، نعم إذا تكررت الكيفية المذكورة مرارا عديدة بحيث يصدق في العرف ان هذه الكيفية عادتها و أيامها لا إشكال في اعتبارها، فالإشكال انما هو في ثبوت العادة الشرعية بذلك و هي الرؤية كذلك مرتين.

[ (مسألة 12) قد تحصل العادة بالتمييز]

(مسألة 12) قد تحصل العادة بالتمييز (1) كما في المرأة المستمرة الدم إذا رأت خمسة أيام مثلا بصفات الحيض في أول الشهر الأول ثم رأت بصفات الاستحاضة و كذلك رأت في أول الشهر الثاني خمسة أيام بصفات الحيض ثم رأت بصفات الاستحاضة، فحينئذ تصير ذات عادة عددية وقتية، و إذا رأت في أول الشهر الأول خمسة بصفات الحيض، و في أول الشهر الثاني ستة أو سبعة مثلا فتصير حينئذ ذات عادة وقتية، و إذا رأت في أول الشهر الأول خمسة مثلا و في العاشر من الشهر الثاني مثلا خمسة بصفات الحيض فتصير ذات عادة عددية.

______________________________

التمييز ان كان و إلا فالاحتياط الذي هو سبيل الجاة، كل ذلك ما لم ينته الى العلم بالحيضية، و إلا أخذ به و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 12: (قد تحصل العادة بالتمييز. إلخ)

لا يخفى ان منصرف الخبرين المثبتين للعادة و هما مرسلة يونس و موثقة سماعة غير هذه الصورة من مستمرة الدم مع التمييز، فالظاهر ان المرجع في الفرض التمييز مستمرا أن كان،

و إلا فالمرجع قواعد أخر لا العادة الحاصلة من التمييز وفاقا لصاحب الجواهر (قده) و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 400

[ (مسألة 13) إذا رأت حيضين متواليين متماثلين]

(مسألة 13) إذا رأت حيضين متواليين متماثلين مشتملين على النقاء في البين فهل العادة (1) أيام الدم فقط أو مع أيام النقاء أو خصوص ما قبل النقاء؟

الأظهر الأول، مثلا إذا رأت أربعة أيام ثم طهرت في اليوم الخامس ثم رأت في السادس كذلك في الشهر الأول و الثاني فعادتها خمسة أيام لا ستة و لا أربعة فإذا تجاوز دمها رجعت الى خمسة متوالية و تجعلها حيضا لا ستة و لا بان تجعل اليوم الخامس يوم النقاء و السادس أيضا حيضا و لا إلى الأربعة.

[ (مسألة 14) يعتبر في تحقق العادة العددية تساوى الحيضين]

(مسألة 14) يعتبر في تحقق العادة العددية تساوى الحيضين (2) و عدم زيادة إحديهما على الأخرى و لو بنصف يوم أو أقل فلو رأت خمسة في الشهر الأول و خمسة و ثلث أو ربع يوم في الشهر الثاني لا تتحقق العادة من حيث العدد، نعم لو كانت الزيادة يسيرة لا تضر و كذا في العادة الوقتية تفاوت الوقت و لو بثلث أو ربع يوم يضر، و اما التفاوت اليسير فلا يضر لكن المسألة لا تخلو عن إشكال فالأولى مراعاة الاحتياط.

______________________________

قوله قده مسألة 13: (إذا رأت حيضين متواليين متماثلين مشتملين على النقاء في البين فهل العادة. إلخ)

الأظهر ما استظهره (قده) من ان عادتها في الفرض المذكور خمسة أيام لا ستة و لا أربعة، إذ لا اعتبار بالنقاء المتخلل و ان حكم بحيضيته إذ الأقوى عدم احتسابه في أيام العادة لظهور نصوص العادة في الدم الحيضى، لا في التحيض الشرعي و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 14: (يعتبر في تحقق العادة العددية تساوى الحيضتين.

إلخ)

الأقرب أن يراد بالمساواة المأخوذة في لسان الأخبار هي المساواة العرفية التي لا يضر فيها زيادة بعض اليوم أو نقصانه، و

لا سيما و كون

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 401

[ (مسألة 15) صاحبة العادة الوقتية سواء كانت عددية أيضا أم لا، تترك العبادة]

(مسألة 15) صاحبة العادة الوقتية سواء كانت عددية أيضا أم لا، تترك العبادة (1) بمجرد رؤية الدم في العادة أو مع تقدمه أو تأخره (2) يوما أو

______________________________

الاختلاف غالبيا و الاتفاق نادرا أو معدوما، فعليه لا يضر الاختلاف بالساعات بل بريع يوم أو ثلثه، بل لا يبعد عدم الضرر في صدق المساواة العرفية، و لو كان الاختلاف بنصف يوم فعليه يشكل ما ذكره (قده) من عدم تحقق العادة بزيادة ربع يوم أو ثلث يوم في الشهر الثاني، و الظاهر انه هو المشار اليه بقوله لكن المسألة لا تخلو من اشكال و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 15: (صاحبة العادة الوقتية سواء كانت عديدة أيضا أم لا تترك العبادة. إلخ)

لا يخفى ان ذات العادة الوقتية المحضة، أو مع العددية تتحيض بمجرد رؤية الدم في أيام العادة مطلقا و لو لم يكن بصفات الحيض إجماعا كما حكاه في الجواهر (قده) عن المعتبر و المنتهى و التذكرة و غيرها للصحيح الصادقي عن المرأة ترى الصفرة في أيامها فقال: لا تصل حتى تقضى أيامها، فإن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت و صلت، و في الخبر على ما في الكافي: كلما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض و كلما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض، و في آخر: إذا رأت المرأة الصفرة قبل انقضاء أيام عادتها لم تصل و ان كانت صفرة بعد انقضاء أيام قرئها صلت، و في الرضوي: إذا رأت الصفرة في أيام حيضها فهو حيض، و إذا رأت بعدها فليس من الحيض.

قوله قده: (أو مع تقدمه أو تأخره. إلخ)

أي

كما تتحيض المعتادة بمجرد الرؤية كذا تتحيض إذا رأت قبل العادة و لو كان صفرة، لموثقة سماعة عن المرأة ترى الدم قبل وقتها قال: إذا رأت الدم فلتدع الصلاة، فإنه ربما تعجل بها الوقت، و خبر على بن حمزة قال سئل أبو عبد اللّٰه عليه السّلام و انا حاضر عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 402

يومين أو أزيد على وجه يصدق عليه تقدم العادة أو تأخرها و لو لم يكن الدم بالصفات و ترتب عليه جميع أحكام الحيض، فان علمت بعد ذلك عدم كونه حيضا لانقطاعه قبل تمام ثلاثة أيام تقضى ما تركته من العبادات (1)، و أما غير ذات العادة المذكورة كذات العادة العددية (2) فقط و المبتدئة و المضطربة و الناسية

______________________________

المرأة ترى الصفرة فقال: ما كان قبل الحيض فهو من الحيض، و رواية أبي بصير عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام في المرأة ترى الصفرة فقال: ان كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، و ان كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض، و لا يخفى انه لا بد من تقييد إطلاق القبل في بعضها بما إذا كان بقليل أو بمثل يومين بحيث يصدق التعجيل و تقدم العادة كما ذكره (قده) بقوله: على وجه يصدق عليه تقدم العادة أو تأخرها.

قوله قده: (تقضى ما تركته من العبادة. إلخ)

وجوب القضاء في الصورة المفروضة لظهور طهر ما نقص عن العادة، و جواز تركها رفقا من الشارع بحالها لاحتمال الحيض لا يمنع من وجوب القضاء إذا تبين فساد الاحتمال لانقطاعه قبل الثلاثة أيام و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و اما غير ذات العادة المذكورة كذات العادة العددية.

إلخ)

لا يخفى ان التي لا عادة لها مستقرة إما لابتدائها

أو لنسيانها العادة أو لما هو أعم من ذلك إن أمكنها الرجوع الى الصفات المتقدمة بأن يكون ما بالصفة لا ينقص عن ثلاثة أيام و لا يزيد على عشرة، و ما ليس بالصفة وحده أو مع النقاء عشرة، فما زاد ترجع إليها إجماعا كما عن التذكرة فتتحيض بما بين الثلاثة و العشرة مما بالصفة و تصلى و تصوم فيما عداه، لإطلاق الصحاح المتقدمة الدالة على اعتبارها كقوله عليه السّلام: إذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 403

فإنها تترك العبادة و ترتب أحكام الحيض بمجرد رؤيته إذا كان بالصفات، و أما مع عدمها فتحتاط بالجمع بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة إلى ثلاثة أيام

______________________________

الصلاة و مقتضاها لزوم ترك العبادة عليها بمجرد الرؤية للدم بالصفة، و يؤيده الموثق عن سماعة قال سألته عن الجارية البكر أول ما تحيض تقعد في الشهر يومين و في الشهر ثلاثة يختلط عليها لا يكون ظنها في الشهر عدة أيام سواء قال: فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة، و قيل كما عن الإسكافي و المرتضى و الحلبي و الحلي و الفاضلين و غيرهم: بل تحتاط حتى تمضى لها ثلاثة أيام و هو محجوج بما تقدم، و ان لم يمكنها الرجوع الى الصفة المعتبرة في دم الحيض بان تكون بخلاف ذلك الوصف، فالمشهور انها ان كانت مبتدئة- بكسر الدال و فتحها- اى ابتدأت الحيض أو ابتدأها ترجع إلى عادة نسائها أى أقاربها من الأبوين أو أحدهما» و لا تعتبر العصبة لأن المعتبر الطبيعة و هي جاذبة من الطرفين، ان أمكن ذلك وفاقا للأشهر، بل المعروف من

المذهب كما في المدارك، لرواية سماعة المنجبرة بالعمل قال سألته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر و هي لا تعرف أيام أقرائها قال: أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن كان نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام و أقله ثلاثة أيام، و موثقة زرارة و محمد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام قال:

المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثم تستظهر على ذلك بيوم، و الخبر في النفساء: إذا كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتلت جلست مثل أيام أمها و أختها أو خالتها و استظهرت بثلثي ذلك، و هي مع ضعف سندها شاملة للمضطربة، هذا إن أمكنها الرجوع الى نسائها، و إلا يمكنها لاختلافهن أو فقدهن تحيضت هي كالمضطربة: و هي التي نسيت العادة وقتا أو عددا أو معا في كل شهر سبعة أيام، أو عشرة من شهر و ثلاثة من آخر مخيرة فيهما كما عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 404

فإن رأت ثلاثة أو أزيد تجعلها حيضا، نعم لو علمت انه يستمر إلى ثلاثة أيام تركت العبادة بمجرد لرؤية و إن تبين الخلاف تقضى ما تركته.

______________________________

الجمل و موضع من المبسوط، و استدل على الأول بقول الصادق عليه السّلام في مرسلة يونس: و تحيض في كل شهر في علم اللّٰه بسبعة أيام أو ستة أيام، و فيه ان مقتضاها التخيير بين الستة و السبعة فلا وجه للاقتصار على السبعة لكنه أحوط للاتفاق على جوازه، و على الثاني بموثقة ابن بكير عن الصادق عليه السّلام قال: المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلى عشرين يوما، فان استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام و

صلت سبعة و عشرين يوما، و نحوه آخر، و فيه ان مقتضاهما التحيض بالثلاثة دائما في غير الدور الأول مع اختصاصهما بالمبتدئة و تضمنهما تقديم العشرة و هم لا يقولون به، و التخيير بين ما ذكر جمعا لا شاهد له فالأولى تعيين السبعة.

و قيل: فيه أقوال آخر فعن الصدوقين و المرتضى انها تتحيض في كل شهر بثلاثة أيام إلى عشرة، لموثقة سماعة قال سألته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر و هي لا تعرف أيام أقرائها، فقال: أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام و أقله ثلاثة أيام، و قيل: انها مع استمرار الدم تتحيض عشرة ثم تجعل طهرا عشرة أيام ثم حيضها عشرة أيام و هكذا كما عن موضع من المبسوط، و قيل:

بالتخيير بين التحيض في كل شهر بسبعة أيام و بين التحيض في الشهر الأول عشرة و في الثاني ثلاثة كما عن ظاهر الشيخ في النهاية، و قيل بالتخيير بين الثلاثة من شهر و عشرة من آخر، و بين الستة و بين السبعة كما عن العلامة و غيره، و قيل انها تتحيض في الشهر الأول بثلاثة و في الثاني بعشرة كما عن القاضي، و قيل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 405

[ (مسألة 16) صاحبة العادة المستقرة في الوقت و العدد]

(مسألة 16) صاحبة العادة المستقرة في الوقت و العدد إذا رأت العدد في غير وقتها و لم تره في الوقت تجعله حيضا (1) سواء كان قبل الوقت أو بعده.

______________________________

بالعكس، و قيل: تتحيض في كل شهر عشرة أيام، و قيل: انها تترك الصلاة في كل شهر ثلاثة أيام و تصلى سبعة و عشرين يوما كما عن الإسكافي و مستند الكل ضعيف و بعضه

لم نقف على مستنده، و قال المحقق في المعتبر بعد أن حكم بضعف الأخبار الواردة في الباب: و الوجه عندي أن تتحيض كل واحدة منهما ثلاثة أيام لأنه المتيقن في الحيض و تصلى و تصوم بقية الشهر، استظهارا و عملا بالأصل في لزوم العبادة، و هو حسن إلا في الدور الأول للمبتدئة فعشر، للموثق المتقدم عن ابن بكير، و قال في المدارك بعد نقله: و لا يخلو من قوة و يؤيده الروايتان- يعنى موثقتي ابن بكير- و الإجماع، فإن الخلاف إنما وقع في الزائد عن الثلاثة، ثم قال: و اعلم ان مقتضى مرسلة يونس المتقدمة تخييرها بين الستة و السبعة و به قطع في المعتبر، و قوى العلامة في النهاية وجوب العمل بما أدى اجتهادها اليه لئلا يلزم التخيير في السابع بين وجوب الصلاة و عدمه و هو منقوض بأيام الاستظهار، و قال في المعتبر: انه لا مانع من ذلك إذ قد يقع التخيير في الواجب كما يتخير المسافر بين الإتمام و التقصير في بعض المواضع، و متى اختارت عددا كان لها وضعه حيث شاءت من الشهر، و لا يتعين أوله و ان كان أولى، و مقتضى خبري ابني بكير أخذ الثلاثة بعد العشرة ثم أخذها بعد السبعة و العشرين دائما، و لا ريب انه أولى و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 16: (صاحبة العادة المستقرة في الوقت و العدد إذا رأت العدد في غير وقتها و لم تره في الوقت تجعله حيضا. إلخ)

اما في صورة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 406

[ (مسألة 17) إذا رأت قبل العادة و فيها و لم يتجاوز المجموع عن العشرة]

(مسألة 17) إذا رأت قبل العادة و فيها و لم يتجاوز المجموع عن العشرة جعلت المجموع حيضا (1)، و كذا إذا رأت

في العادة و بعدها و لم يتجاوز عن العشرة، أو رأت قبلها و فيها و بعدها و إن تجاوز العشرة في الصور المذكورة فالحيض أيام العادة فقط و البقية استحاضة.

______________________________

العلم بتقدم العادة أو تأخرها فلا اشكال و الأمر كما ذكره، و اما في غير هذه الصورة فهو مبني على عموم قاعدة الإمكان لمثل هذه الموارد، و اما لو لم نقل بعموم القاعدة لمثل هذه الموارد فيجب عليها في جميع الصور بمقتضى أصالة عدم الحيض ان تحتاط للعبادة بأن تأتي بها اعتمادا على الأصل، فيشكل الحكم بالتحيض بمجرد رؤية الدم ما لم يمض ثلاثة أيام ليدخل تحت قاعدة الإمكان و تكون دليلا عليه و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 17: (إذا رأت قبل العادة و فيها و لم يتجاوز المجموع العشرة جعلت المجموع حيضا. إلخ)

بلا خلاف فيه كما في مصباح الفقيه للآقا الهمداني، بل عن الفاضلين في المعبتر و المنتهى دعوى الإجماع عليه مستدلين عليه بعد الإجماع: بأنه دم في زمان يمكن أن يكون حيضا فيكون حيضا، و قضية هذا الدليل كون هذه القاعدة و هي كلما أمكن أن يكون حيضا فهو حيض في حد ذاتها من المسلمات، بحيث يستدل بها لا عليها، و عن ظاهر بعض: دعوى الإجماع عليها، بل في الجواهر: انها عند المعاصرين و من قاربهم من القطعيات التي لا تقبل الشك و التشكيك الى آخر ما ذكره قدس سره و لا ينافيه الأخذ بالعادة في مثل الفرض كما لا ينافيها الأخذ بها مع ما بعدها كما أشار إليه بقوله (قده). و كذا إذا رأت في العادة و بعدها و لم يتجاوز عن العشرة، و مثلها لو رأت فيها و قبلها و بعدها و

لم يتجاوز

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 407

[ (مسألة 18) إذا رأت ثلاثة أيام متواليات و انقطع]

(مسألة 18) إذا رأت ثلاثة أيام متواليات و انقطع، ثم رأت ثلاثة أيام أو أزيد (1)، فإن كان مجموع الدمين و النقاء المتخلل لا يزيد عن عشرة كان

______________________________

الجميع العشرة، هذا إذا لم يتجاوز العشرة في الصور الثلاث المذكورة، و اما إذا تجاوز العشرة فالحيض أيام العادة فقط أخذا بأدلتها المتقدمة الذكر و البقية استحاضة لعدم جريان قاعدة الإمكان و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 18: (إذا رأت ثلاثة أيام متواليات و انقطع ثم رأت ثلاثة أيام أو أزيد. إلخ)

قال في الجواهر: لو رأت بعد ذلك قبل العاشر أو العاشر نفسه من أول يوم ما رأت الدم ثم انقطع كان الكل من الدمين و النقاء حيضا بلا خلاف أجده بين الأصحاب، بل يظهر من بعضهم دعوى الإجماع عليه كما هو صريح آخر، من غير فرق بين الجامع و غيره و لا بين ذات العادة و غيرها، ففي التذكرة إذا رأت ثلاثة أيام متواليات فهو حيض قطعا، فاذا انقطع و عاد قبل العاشر و انقطع فالدمان و ما بينهما حيض، و في الخلاف الإجماع على حيضية الجميع من الدم و النقاء فيما لو رأت دما ثلاثة أيام و بعد ذلك يوما و ليلة نقاء و يوما دما الى تمام العشرة، و ربما استدل عليه مضافا الى ذلك بالكلية المدعاة سابقا القاضية بكون الدمين حيضا، فيتعين حينئذ حمل ما بينهما من النقاء عليه لما دل على أن الطهر لا يكون أقل من عشرة، و هو لا يخلو من تأمل، و الأولى الاستدلال عليه بما في الصحيح أو الحسن عن الباقر عليه السّلام قال: إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة

فهو من الحيضة الاولى و ان كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة، و نحوه غيره في افادة ذلك الى آخر ما ذكره في الجواهر (قده) و للموثق المروي في التهذيب عن يونس عن الصادق عليه السّلام في امرأة رأت الدم في حيضها حتى تجاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلى؟ قال: تنتظر عدتها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام، فإذا رأت الدم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 408

الطرفان حيضا، و في النقاء المتخلل تحتاط بالجمع (1) بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة، و إن تجاوز المجموع من العشرة فإن كان أحدهما في أيام العادة دون الآخر جعلت ما في العادة حيضا (2)، و إن لم يكن واحد منهما في العادة فتجعل

______________________________

دما صبيبا فلتغتسل في وقت كل صلاة، و غيره الصادقي في المرأة التي ترى الدم قال: ان كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة، و ان كانت أيامها عشرة لم تستظهر، و مما يدل عليه قاعدة الإمكان.

قوله قده: (و في النقاء المتخلل تحتاط بالجمع. إلخ)

وجهه هو القول بان النقاء المتخلل طهر و حمل ما ورد من ان أقل الطهر عشرة على ما كان بين الحيضيتين، لا ما كان بين الحيض الواحد كما نحن فيه، و ليعلم ان الذي تقتضيه القاعدة في الاحتياط في الصورة المفروضة هو الجمع بين تروك الحائض و اعمال الطاهرة لا المستحاضة كما ذكره (قده) لعدم رؤية الدم في مفروض المسألة.

قوله قده: (و ان تجاوز المجموع عن العشرة فإن كان أحدهما في أيام العادة دون الآخر جعلت ما في العادة حيضا. إلخ)

ذلك أخذا بعمومات العبادة، بل عن المعتبر دعوى إجماع العلماء عدا مالك عليه، و ذلك و ان كان

التمييز على خلافها كما هو المحكى عن المشهور بين الأصحاب قديما و حديثا للصحيح الصادقي عن المرأة ترى الصفرة في أيامها فقال: لا تصل حتى تنقضي أيامها، فإن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت و صلت، و في الخبر المروي في الكافي: كلما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض، و كلما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض، و في آخر: إذا رأت المرأة الصفرة قبل انقضاء أيام عادتها لم تصل، و ان كانت صفرة بعد انقضاء أيام قرئها صلت، و في الرضوي: إذا رأت الصفرة في أيام حيضها فهو حيض، و إذا رأت بعدها فليس من الحيض.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 409

الحيض ما كان منهما واجدا للصفات (1) و إن كان متساويين في الصفات فالأحوط جعل أولهما حيضا، و إن كان الأقوى التخيير (2)، و إن كان بعض أحدهما في العادة دون الآخر جعلت ما بعضه في العادة حيضا، (3)

______________________________

قوله قده: (و ان لم يكن واحد منهما في العادة فتجعل الحيض ما كان منهما واجدا للصفات. إلخ)

و ذلك لاخبار التمييز التي تقدم ذكرها، و عدم معارض لها و لا مزاحم من عادة أو غيرها، و تجعل ما سواه من الفاقد للصفات استحاضة و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و ان كانا متساويين في الصفات فالأحوط جعل أولهما حيضا و ان كان الأقوى التخيير. إلخ)

لا دليل على جعل أحدهما حيضا في مفروض المسألة و هو تجاوز المجموع العشرة حتى يقال: ان الأحوط جعل أولهما حيضا، و الأقوى التخيير كما ذهب اليه المصنف (قده) بل القاعدة العلمية تقضى أن يكون كلا الدمين استحاضة، أما في صورة فقدانهما للصفات فظاهر،

و اما في صورة وجدانهما للصفات فللمعارضة، إذ لا مقتضى في كل منهما للحيضية إلا قاعدة الإمكان المتعارضة فيهما، فاذا سقطت للمعارضة حكم بأنه استحاضة إذ كل منهما مشكوك الحيضية، نعم لو علم إجمالا ان أحدهما حيض فالقاعدة تقتضي الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض و أفعال المستحاضة و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و ان كان بعض أحدهما في العادة دون الآخر جعلت ما بعضه في العادة حيضا. إلخ)

لعل الوجه فيه هو ما تقدم في المسألة الخامسة عشر من مسائل هذا الفصل من الحكم بالحيضية لو تقدمت العادة أو تأخرت بما يصدق عليه تقدم العادة أو تأخرها، و ما دل عليه من مصحح الحسين بن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 410

و إن كان بعض كل واحد منهما في العادة فإن كان ما في الطرف الأول من العادة ثلاثة أيام أو أزيد (1) جعلت الطرفين من العادة حيضا و تحتاط في النقاء المتخلل و ما قبل الطرف الأول و ما بعد الطرف الثاني استحاضة، و إن كان ما في العادة في الطرف الأول أقل من ثلاثة تحتاط في جميع أيام الدمين و النقاء بالجمع بين الوظيفتين.

______________________________

نعيم الصحاف عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث: و إذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة، و موثق سماعة عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها قال عليه السّلام:

فلتدع الصلاة فإنه ربما تعجل بها الوقت، و مصحح إسحاق عن أبى بصير عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام في المرأة ترى الصفرة فقال (ع): إذا كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، و ان كان بعد

الحيض بيومين فليس من الحيض، و نحوه رواية معاوية بن حكيم، و خبر معاوية بن أبي حمزة عن المرأة ترى الصفرة فقال عليه السلام: ما كان قبل الحيض فهو من الحيض، و ما كان بعد الحيض فليس منه فاذا كان بعض أحدهما في العادة فهو مشمول لهذه الأخبار، بل هو أولى في الحكم عليه بالحيضية مما تقدم كله على العادة أو تأخر عنها، هذا مع عدم معارض لذلك و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و ان كان بعض كل واحد منهما في العادة فإن كان ما في الطرف الأول من العادة ثلاثة أيام أو أزيد. إلخ)

ما ذكره من جعل الطرفين من العادة حيضا فهو لأدلة العادة التي تقدمت مفصلا، و اما تقييد ذلك بكون ما في الطرف الأول من العادة ثلاثة أيام فهو لما تقدم من ان المشهور في الثلاثة التي هي أقل الحيض التوالي و لا يكفى تفرقها، نعم

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 411

[ (مسألة 19) إذا تعارض الوقت و العدد في ذات العادة الوقتية العددية تقدم الوقت]

(مسألة 19) إذا تعارض الوقت و العدد في ذات العادة الوقتية العددية تقدم الوقت (1) كما إذا رأت في أيام العادة أقل أو أكثر من عدد العادة و دما آخر في غير أيام العادة بعددها فتجعل ما في أيام العادة حيضا و إن كان متأخرا و ربما يرجح الأسبق فالأولى فيما إذا كان الأسبق العدد في غير أيام العادة الاحتياط في الدمين بالجمع بين الوظيفتين.

______________________________

بعد توالى الثلاثة لا يعتبر توالى الدم في احتسابه حيضا إذا كان في العادة أو في جملة عشرة، و اما الاحتياط في النقاء المتخلل فلاختلاف الآراء في ذلك فمنهم بل مشهورهم من التحيض به، و ذهب آخرون إلى أنه طهر، و ان ما دل على

ان أقل الطهر عشرة فيما إذا كان بين الحيضتين لا فيما كان بين الحيضة الواحدة، فالاحتياط فيه من العمل بتروك الحائض و أفعال المستحاضة طريق النجاة، و اما جعل ما بعد الطرف الثاني استحاضة فلما عرفت من ان ذات العادة تأخذ عادتها فقط و ان قلت عن العشرة و الباقي استحاضة، و ذلك لأدلة العادة المتقدمة الذكر، و اما الحكم في صورة ما لم يكن في الطرف الأول من العادة ثلاثة من الاحتياط في جميع أيام الدمين و النقاء المتخلل فهو لما ذهب اليه بعضهم من عدم اعتبار توالى الثلاثة الواقعة في العادة أو في جملة العشرة، و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 19: (و إذا تعارض الوقت و العدد في ذات العادة الوقتية العددية يقدم الوقت. إلخ)

لا أظهرية لتقديم الوقت على العدد، بل الأظهر ان المرجع في الصورة المفروضة الاحتياط في الدمين بين الوظيفتين و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 412

[ (مسألة 20) ذات العادة العددية إذا رأت أزيد من العدد]

(مسألة 20) ذات العادة العددية إذا رأت أزيد من العدد و لم يتجاوز العشرة فالمجموع حيض و كذا ذات الوقت (1) إذا رأت أزيد من الوقت.

[ (مسألة 21) إذا كانت عادتها في كل شهر مرة]

(مسألة 21) إذا كانت عادتها في كل شهر مرة فرأت في شهر مرتين مع نصل أقل الطهر و كانا بصفة الحيض فكلاهما حيض (2) سواء كانت ذات عادة وقتا أو عددا أو لا و سواء كانا موافقين للعدد و الوقت أو يكون أحدهما مخالفا.

[ (مسألة 22) إذا كانت عادتها في كل شهر مرة فرأت في شهر مرتين]

(مسألة 22) إذا كانت عادتها في كل شهر مرة فرأت في شهر مرتين (3)

______________________________

قوله قده مسألة 20: (ذات العادة العددية إذا رأت أزيد من العدد و لم يتجاوز العشرة فالمجموع حيض و كذا ذات الوقت. إلخ)

و ذلك لقاعدة الإمكان، و قول للسيد و الإسكافي و ظاهر المقنعة و الجمل، للموثق المروي في التهذيب عن يونس عن الصادق (ع) في امرأة رأت الدم في حيضها حتى تجاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلى؟ قال: تنتظر عدتها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام، فإن رأت الدم دما صبيبا فلتغتسل في وقت كل صلاة، و غيره الصادقي في المرأة التي ترى الدم قال: ان كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة، و ان كانت أيامها عشرة لم تستظهر.

قوله قده مسألة 21: (إذا كانت عادتها في كل شهر مرة فرأت في شهر مرتين مع فصل أقل الطهر و كانا بصفة الحيض فكلاهما حيض. إلخ)

و ذلك لقاعدة الإمكان و للصحيح الباقرى: إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة فهو من الحيضة الأولى، و ان كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة، و في الموثق: إذا رأت الدم قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى، و إذا رأته بعد عشرة أيام فهو من حيضة أخرى مستقلة.

قوله قده مسألة 22: (إذا كانت عادتها في كل شهر مرة فرأت في شهر مرتين. إلخ)

تضمنت هذه المسألة مسائل ثلاث مع اشتراك الكل بفصل

العمل

الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 413

مع فصل أقل الطهر فان كانت إحداهما في العادة و الأخرى في غير وقت العادة و لم تكن الثانية بصفة الحيض، تجعل ما في الوقت و إن لم يكن بصفة الحيض حيضا و تحتاط في الأخرى، و إن كانتا معا في غير الوقت فمع كونهما واجدتين كلتاهما حيض، و مع كون إحديهما واجدة تجعلها حيضا و تحتاط في الأخرى و مع كونهما فاقدتين تجعل إحديهما حيضا و الأحوط كونها الأولى و تحتاط في الأخرى.

[ (مسألة 23) إذا انقطع الدم قبل العشرة]

(مسألة 23) إذا انقطع الدم قبل العشرة فإن علمت بالنقاء (1) و عدم

______________________________

أقل الطهر بين الدمين:

(الأولى) ما لو كانت إحداهما في العادة و الأخرى في غير وقت العادة و لم تكن الثانية بصفة الحيض فحكم (قده) بجعل ما في وقت العادة حيضا و ان لم يكن بصفة الحيض و تحتاط في الأخرى، و وجهه ان ما في العادة يكفي في الحكم بحيضيته أدلة العادة التي تقدمت، و أما الاحتياط في الأخرى فلقاعدة الإمكان التي لا مانع من جريانها فيه.

(الثانية) ما إذا كانا معا في غير وقت العادة فمع كونهما واجدتين لصفات الحيض فحكم (قده) بكونهما معا حيضا، و ذلك لقاعدة الإمكان فيهما معا مع عدم تمانع و لا تزاحم بينهما و لا مرجح لأحدهما.

(الثالثة) أن تكونا فاقدتين للصفات فحكم بجعل إحديهما حيضا و الأحوط كونها الأولى و تحتاط في الأخرى، أما جعل إحديهما حيضا أخذا بعادتها في كل شهر و الاحتياط في الأخرى لقاعدة الإمكان و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 23: (إذا انقطع الدم قبل العشرة فإن علمت بالنقاء.

إلخ)

اما مع علمها بالنقاء فلا وجه للاستبراء إذ هو تحصيل للحاصل، و اما ان

العمل الأبقى في

شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 414

وجود الدم في الباطن اغتسلت وصلت و لا حاجة الى الاستبراء و ان احتملت بقاءه في الباطن وجب عليها الاستبراء و استعلام الحال بإدخال قطنة و إخراجها بعد الصبر هنيئة، فإن خرجت نقية اغتسلت وصلت، و إن خرجت ملطخة و لو بصفرة صبرت حتى تنقى أو تنقضي عشرة أيام إن لم تكن ذات عادة أو كانت عادتها عشرة

______________________________

احتملت بقاءه في الباطن وجب عليها الاستبراء بإدخال قطنة أو نحوها و إخراجها بعد الصبر هنيئة، فإن خرجت نقية اغتسلت وصلت، و ان خرجت ملطخة و لو بصفرة صبرت حتى تنقى أو تمضى لها عشرة أيام، هذا ما ذكره قدس سره للأخبار الخاصة الواردة في المورد، و إلا فمقتضى الأصل عدم وجوب الفحص عليها و جواز اعتمادها على استصحاب الحيض ما لم تستيقن بانقطاعه من أصله كما في غيره من الشبهات الموضوعية، اما الأخبار فهي صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر (ع) قال: إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة فان خرج فيها شي ء من الدم فلا تغتسل، و ان لم تر شيئا فلتغتسل، و ان رأت بعد ذلك صفرة فلتوضأ و لتصل، و مرسلة يونس عن الصادق (ع) قال: سئل عن امرأة انقطع عنها الدم فلا تدري طهرت أم لا؟

قال: تقوم قائمة و تلزق بطنها بحائط و تستدخل قطنة بيضاء و ترفع رجلها اليمنى فان خرج على رأس القطنة مثل رأس الذباب دم عبيط لم تطهر، و ان لم يخرج فقد طهرت تغتسل و تصلى، و رواية شرحبيل الكندي عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال قلت كيف تعرف الطامث طهرها، قال: تعمد برجلها اليسرى على الحائط و تستدخل الكرسف بيدها اليمنى فان

كان ثمة مثل رأس الذباب خرج على الكرسف و موثقة سماعة عن أبى عبد اللّٰه (ع) قال قلت له المرأة ترى الطهر و ترى الصفرة أو الشي ء فلا تدري طهرت أم لا؟ قال: فاذا كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلى حائط و ترفع رجلها على الحائط كما رأيت الكلب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 415

و ان كانت ذات عادة أقل من عشرة فكذلك مع علمها بعدم التجاوز عن العشرة (1)

______________________________

يصنع إذا أراد أن يبول، ثم تستدخل الكرسف، فاذا كان ثمة من الدم مثل رأس الذباب خرج، فان خرج دم فلم تطهر، و ان لم يخرج فقد طهرت، و عن الفقه الرضوي: و إذا رأت الصفرة أو شيئا من الدم فعليها أن تلصق بطنها بالحائط و ترفع رجلها اليسرى كما ترى الكلب إذا بال و تدخل قطنة فان خرج فيها دم فهي حائض، و ان لم يخرج فليست بحائض.

هذه اخبار الباب و ان نوقش في بعضها دلالة و في أخرى سندا و ان الوجوب فيها شرطي، بمعنى ان من شرط الاغتسال الاستبراء، أو تعبدي بمعنى يجب عليها الفحص طلب الوثوق ببراءة الرحم إذا انقطع الدم، لكن في الحدائق نفى الخلاف عنه ظاهرا، و عن الذخيرة نسبته الى ظاهر الأصحاب و في الجواهر: بلا خلاف أجده سوى ما عساه يظهر من المنقول عن الاقتصار للتعبير بلفظ ينبغي، المشعر بالاستحباب.

قوله قده: (مع علمها بعد التجاوز عن العشرة. إلخ)

أي إنما يحكم على الدم الخارج بالحيضية بعد الاستبراء و إجراء أحكام الحيض عليه حتى ينقطع أو تمضى عشرة أيام، ذلك فيما إذا لم تكن ذات عادة، أو كانت عادتها عشرة أو كانت ذات عادة أقل من عشرة، كل

ذلك لقاعدة الإمكان مع علمها بعدم التجاوز عن العشرة، و أما إذا احتملت التجاوز عنها فعليها الاستظهار، و لهم كلام غير هذا في أيام الاستظهار لو تجاوز الدم العشرة سنذكره ان شاء اللّٰه.

و ليعلم ان الاستظهار و هو طلب ظهور الحال في كون الدم حيضا أو طهرا و ذلك بترك العبادة إجماعا يوما أو يومين أو ثلاثة على الأشهر، للصحاح المستفيضة، ففي الصحيح عن الحائض كم تستظهر؟ فقال: تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة، و في الموثق نحوه و بمضمونها أفتى جملة من الأصحاب كما عن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 416

و أما إذا احتملت التجاوز فعليها الاستظهار بترك العادة استحبابا بيوم أو يومين

______________________________

السرائر و المعتبر و المنتهى و التذكرة، و اقتصر بعض على الثلاثة للصحيح عن الطامث و حد جلوسها فقال: تنتظر عدة ما كانت تحيض ثم تستظهر بثلاثة أيام، ثم هي مستحاضة، و للموثق: استظهرت بثلاثة أيام، ثم هي مستحاضة، و في الخبر: تتربص بثلاثة أيام بعد ما تمضى أيامها، فإذا تربصت ثلاثة أيام و لم ينقطع الدم عنها فلتصنع كما تصنع المستحاضة، و قيل تستظهر بيوم أو يومين كما في النهاية و الوسيلة و الصدوق و المفيد، و اختاره المحقق في النافع للصحيح الباقرى: في الحائض إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين، ثم تمسك قطنة، فان صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل، و في الخبر: عن الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع؟ قال: تستظهر بيوم أو يومين ثم هي مستحاضة، و الى تمام العشرة على قول للسيد و الإسكافي و ظاهر المقنعة و الجمل، للموثق المروي

في التهذيب عن يونس عن الصادق عليه السّلام في امرأة رأت الدم في حيضها حتى تجاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلى؟ قال: تنتظر عدتها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام فإن رأت الدم دما صبيبا فلتغتسل في وقت كل صلاة، و غيره الصادقي في المرأة التي ترى الدم قال: إن كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة، و ان كانت أيامها عشرة لم تستظهر، و لا يبعد و رودها مورد الغالب من كون العادة سبعة أو ثمانية.

ثم الاختلاف بين الأولين و الثالث إنما يكون مع قصورها عنها بها، و إلا فلا خلاف، كما لا خلاف في عدم الاستظهار مع استتمامها إياها

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 417

أو الى العشرة مخيّرة بينها فان انقطع الدم على العشرة أو أقل فالمجموع حيض في الجميع، فان تجاوز فسيجي ء حكمه.

______________________________

و مطابقتها معها، و هل هذا الاستظهار واجب، كما عن النهاية و الجمل و المصباح، أم مستحب؟ كما عليه أكثر المتأخرين، قولان منشأهما ظاهر الأمر في جملة من الأخبار المتقدمة، و إشعار بعضها بالاستحباب مضافا الى الأصل، ثم بعد ذلك إن استمر الدم فهي مستحاضة للصحاح المتقدمة، بل عن التذكرة الإجماع عليه حيث قيل إن لم يتجاوز الدم العشرة فالجميع من أيام العادة و الاستظهار حيض، و إن تجاوزها فالزيادة على العادة من مدة الاستظهار و ما بعدها كلها طهر، و يجب عليها قضاء عبادة الاستظهار، لظهور طهر ما زاد على العادة و جواز تركها رفقا من الشارع بحالها لاحتمال الحيض لا يمنع من وجوب القضاء إذا تبين فساد الاحتمال بعبور العشرة، و يجزيها ما أتت به بعدها من صلاة و صيام، قال في المفاتيح: و لم

نجد دليله من النص، و ذلك كما اعترف به في المدارك و ان كان القضاء أحوط، و اما ما ادعاه بعض تبعا لصاحب المدارك من ظهور الأخبار الآمرة بالاستظهار في عدم وجوب قضاء ما فاتها في مدة الاستظهار و انها كالحيض، ففيه ان هذه الأخبار ليست مسوقة إلا لبيان تكليفها الفعلي عند مجاوزة الدم و جهلها بكونه حيضا أو استحاضة، و اما أنه بعد انكشاف أمرها فهل يجب عليها قضاء ما فاتها من الواجبات المشروطة بالطهور أم لا يجب؟ فليست هذه الأخبار ناظرة إليه قطعا، و إنما يستفاد ذلك من الأدلة الخارجية الدالة على أنه يجب عليها قضاء ما فاتها من الصوم مطلقا و من الصلاة ما لم تكن حائضا، و حيث انكشف انها لم تكن حائضا فيما عدا أيامها وجب عليها قضاء ما فاتها من الصلاة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 418

[ (مسألة 24) إذا تجاوز الدم عن مقدار العادة]

(مسألة 24) إذا تجاوز الدم عن مقدار العادة و علمت أنه يتجاوز عن العشرة (1) تعمل عمل الاستحاضة فيما زاد و لا حاجة الى الاستظهار.

[ (مسألة 25) إذا انقطع الدم بالمرة وجب الغسل و الصلاة]

(مسألة 25) إذا انقطع الدم بالمرة وجب الغسل و الصلاة (2) و إن احتملت العود قبل العشرة، بل و ان ظنت، بل و ان كانت معتادة بذلك على اشكال، نعم لو علمت العود فالأحوط مراعاة الاحتياط في أيام النقاء لما مر من أن في النقاء المتخلل يجب الاحتياط.

______________________________

في تلك الأيام، إذ لم يخصص عموم ما دل على وجوب القضاء إلا بالنسبة إلى الحائض، و قد انكشف انها لم تكن حائضا.

قوله قده مسألة 24: (إذا تجاوز الدم عن مقدار العادة و علمت انه يتجاوز عن العشرة. إلخ)

إنما استغنى عن الاستظهار في صورة ما لو كانت ذات عادة و تجاوز الدم عن مقدار العادة و علمت انه يتجاوز عن العشرة هو اختصاص اخباره بصورة احتمال الانقطاع لدون العشرة أو للعشرة، و أما مع العلم بالتجاوز فهو أقوى مراتب الظهور بأنه ليس بحيض، و ان المورد مما يرجع فيه الى أخبار الأخذ بالعادة، و ما زاد عليها فهو استحاضة بل هو مناف لمادة الاستظهار، إذ هو طلب ظهور حال الدم و العلم أقوى مراتب الظهور.

قوله قده مسألة 25: (إذا انقطع الدم بالمرة وجب الغسل و الصلاة.

إلخ)

و ذلك لما يقتضيه إطلاق النصوص الآمرة بالغسل و الصلاة عند الانقطاع و منها نصوص الاستبراء و هي مطلقة حتى لو احتملت العود قبل العشرة، بل و ان ظنت لعدم اعتبار ذلك الظن، نعم يبقى الإشكال فيما لو كان منشأ الظن العادة كما ذكره (قده) و فيما لو علمت العود، و الإشكال في كلا الصورتين مبني على أن

النقاء في أثناء العادة أو في خلال العشرة طهر أو حيض

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 419

[ (مسألة 26) إذا تركت الاستبراء و صلت بطلت]

(مسألة 26) إذا تركت الاستبراء و صلت بطلت (1) و ان تبين بعد ذلك كونها طاهرة إلا إذا حصلت منها نية القربة.

[ (مسألة 17) إذا لم يمكن الاستبراء لظلمة أو عمى]

(مسألة 17) إذا لم يمكن الاستبراء لظلمة أو عمى (2) فالأحوط الغسل و الصلاة الى زمان حصول العلم بالنقاء فتعيد الغسل حينئذ، و عليها قضاء ما صامت، و الاولى تجديد الغسل في كل وقت تحتمل النقاء.

[فصل في حكم تجاوز الدم عن العشرة]
اشارة

فصل في حكم تجاوز الدم عن العشرة

[ (مسألة 1) من تجاوز دمها عن العشرة]

(مسألة 1) من تجاوز دمها عن العشرة سواء استمر الى شهر أو أقل أو أزيد أما أن تكون ذات عادة (3)

______________________________

فعلى الأول يجب الغسل إذا انقطع الدم بالمرة مع اعتبار العود قبل العشرة لتعمل عمل الطاهرة في أيام النقاء المتخلل، و كذا مع العلم بالعود و ان لم يكن لها عادة، و اما بناءا على ما رجحناه فيما تقدم صحيفة 392 في مسألة 6 من مسائل الحيض من أن النقاء المتخلل أيام العادة أو في جملة العشرة حيض فلا يتم ما ذكره في الصورتين من وجوب الغسل و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 26: (إذا تركت الاستبراء و صلت بطلت. إلخ)

و ذلك لعدم إحرازها الأمر الذي هو شرط في العبادة، فلا يحصل منها قصد العبادة، نعم لو فرض حصول قصد القربة لها غفلة أو غير ذلك صحت صلاتها بلا اشكال لفرض أنها طاهرة واقعا.

قوله قده مسألة 27: (إذا لم يمكن الاستبراء لظلمة أو عمى. إلخ)

المسألة مبنية على استصحاب حكم العام أو المخصص بعد تعذر الطريق الشرعي إلى المعرفة، نعم الاحتياط طريق النجاة و اللّٰه العالم.

قوله قده: (فصل: في حكم تجاوز الدم عن العشرة) إلى قوله (قده) ذات عادة

لو تجاوز

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 420

أو مبتدئة أو مضطربة أو ناسية، أما ذات العاد فتجعل عادتها حيضا و ان لم تكن بصفات الحيض و البقية استحاضة و ان كانت بصفاته إذا لم تكن العادة حاصلة من التمييز (1) بان يكون من العادة المتعارفة و الا فلا يبعد ترجيح الصفات على العادة يجعل ما بالصفات حيضا دون ما في

______________________________

دمها العشرة، (اما ذات العادة فتجعل عادتها حيضا. إلخ)

للصحاح المتقدمة، بل

عن التذكرة الإجماع عليه، و عن المعتبر: دعوى إجماع العلماء عدا مالك عليه، للأخبار المستفيضة الدالة على ذلك من المرسلة الطويلة و غيرها و صريح بعضها كإطلاق الآخر ذلك، و لو كان التمييز على خلافه كما هو المحكى عن المشهور بين الأصحاب قديما و حديثا، حيث قيل ان لم يتجاوز الدم العشرة فالجميع من أيام العادة و الاستظهار حيض و ان تجاوزها فالزيادة على العادة من مدة الاستظهار و ما بعدها كله طهر، و يجب عليها قضاء عبادة الاستظهار لظهور طهر ما زاد على العادة، و جواز تركها رفقا من الشارع بحالها لاحتمال الحيض لا يمنع من وجوب القضاء إذا تبين فساد الاحتمال بعبور العشرة، و يجزيها ما أتت به بعدها من صلاة و صيام.

قوله قده: (إذا لم تكن العادة حاصلة من التمييز. إلخ)

أي انما يرجع الى العادة في ذات العادة و ان لم تكن بصفات الحيض و لا يرجع الى التمييز و ان كان بصفات الحيض، ذلك في العادة المتعارفة لا فيما ثبتت العادة بالتمييز فإنه يشكل الأخذ بها في صورة لم تجتمع الصفات و كان التمييز على خلافها، و ذلك أخذا بالقدر المتيقن من الرجوع الى العادة في صورة معارضة التمييز لها و إلا ففي هذه الصورة يؤخذ بالتمييز و ترك العادة المخالفة له الثابتة بالتمييز و الأخذ بالاحتياط في المورد أسلم و اللّٰه أعلم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 421

العادة الفاقدة، و أما المبتدئة و المضطربة (1) بمعنى من لم تستقر لها عادة فترجع الى التمييز فتجعل ما كان بصفة الحيض حيضا و ما كان بصفة الاستحاضة استحاضة بشرط أن لا يكون أقل من ثلاثة و لا أزيد من العشرة،

و أن لا يعارضه دم

______________________________

قوله قده: (و اما المبتدئة و المضطربة. إلخ)

لا يخفى ان التي لا عادة لها مستقرة إما لابتدائها أو لنسيانها العادة أو لما هو أعم من ذلك، إن أمكنها الرجوع الى الصفة المتقدمة بأن يكون ما بالصفة لا ينقص عن ثلاثة أيام و لا يزيد على عشرة و ما ليس بالصفة وحده أو مع النقاء عشرة فما زاد ترجع إليها إجماعا كما عن التذكرة، فتتحيض بما بين الثلاثة و العشرة مما بالصفة و تصلى و تصوم فيما عداه، لإطلاق الصحاح المتقدمة الدالة على اعتبارها كقوله عليه السّلام إذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة، و مقتضاها لزوم ترك العبادة عليها بمجرد الرؤية للدم بالصفة، و يؤيده الموثق عن سماعة قال سألته عن الجارية البكر أول ما تحيض تقعد في الشهر يومين و في الشهر ثلاثة يختلط عليها لا يكون ظنها في الشهر عدة أيام سواء قال: فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم تجز العشرة، و قيل كما عن الإسكافي و المرتضى و الحلبي و الحلي و الفاضلين و غيرهم، بل تحتاط حتى تمضى لها ثلاثة أيام، و هو محجوج بما تقدم، و ان لم يمكنها الرجوع الى الصفة المعتبرة في دم الحيض بان تكون بخلاف ذلك الوصف، فالمشهور أنها إن كانت مبتدئة- بكسر الدال و فتحها- أى ابتدأت الحيض أو ابتدأها ترجع إلى عادة نسائها، أى أقاربها من الأبوين أو أحدهما، لأن المعتبر الطبيعة و هي جاذبة من الطرفين إن أمكن ذلك وفاقا للأشهر بل المعروف من المذهب كما في المدارك لرواية سماعة المنجبرة بالعمل قال: سألته عن جارية حاضت أول حيضها

العمل الأبقى

في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 422

آخر واجد للصفات كما إذا رأت خمسة أيام مثلا دما اسودا و خمسة أيام أصفرا ثم خمسة أيام اسودا و مع فقد الشرطين أو كون الدم لونا واحدا ترجع إلى أقاربها في عدد الأيام بشرط اتفاقها، أو كون النادر كالمعدوم، و لا يعتبر اتحاد

______________________________

فدام دمها ثلاثة أشهر و هي لا تعرف أيام أقرائها قال: أقراؤها مثل افراء نسائها، فإن كان نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام و أقله ثلاثة أيام، و موثقة زرارة و محمد بن مسلم عن الباقر (ع) قال: المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثم تستظهر على ذلك بيوم، و في الخبر في النفساء، إذا كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتلت جلست مثل أيام أمها و أختها أو خالتها و استظهرت بثلثي ذلك، و هي مع ضعف سندها شاملة للمضطربة، و من جوز رجوعها إلى النسوة خصه بالرجوع الى الجميع و لم يجوّز الاقتصار على الواحدة، و ظاهر الروايات ذلك، مع انه لا تعرض فيها لذكر المبتدئة أصلا، و ظاهر مرسلة يونس رجوع المبتدئة إلى العدد خاصة مطلقا، و إلا يمكنها الرجوع الى نسائها لاختلافهن أو فقدهن تحيضت هي كالمضطربة: و هي التي نسيت العادة وقتا أو عددا أو معا في كل شهر سبعة أيام أو عشرة من شهر و ثلاثة من آخر مخيرة فيهما، كما عن الجمل و موضع من المبسوط، و استدل على الأول بقول الصادق (ع) في مرسلة يونس:

و تحيض في كل شهر في علم اللّٰه بسبعة أيام أو ستة أيام، و فيه ان مقتضاها التخيير بين الستة و السبعة، فلا وجه للاقتصار على السبعة و لكنه أحوط للاتفاق على جوازه، و على

الثاني بموثقة ابن بكير عن الصادق (ع) قال:

المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلى عشرين يوما فان استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام و صلت سبعة و عشرين يوما، و نحوه آخر، و فيه أن مقتضاهما التحيض

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 423

البلد، و مع عدم الأقارب أو اختلافها ترجع الى الروايات مخيرة بين اختيار الثلاثة في كل شهر أو ستة أو سبعة، و اما الناسية فترجع الى التمييز و مع عدمه الى الروايات و لا ترجع إلى أقاربها، و الأحوط أن تختار السبع.

______________________________

بالثلاثة دائما في غير الدور الأول مع اختصاصهما بالمبتدئة و تضمنهما تقديم العشرة و هم لا يقولون به، و التخيير بين ما ذكر جمعا لا شاهد له، فالأولى تعيين السبعة.

و قيل فيه أقوال أخر، فعن الصدوقين و المرتضى انها تتحيض في كل شهر بثلاثة أيام إلى عشرة لموثقة سماعة المروية في الكافي قال سألته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر و هي لا تعرف أيام أقرائها فقال:

أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام و أقله ثلاثة أيام، و قيل: انها مع استمرار الدم تتحيض عشرة أيام ثم تجعل طهرا عشرة أيام ثم حيضا عشرة أيام و هكذا، كما عن موضع من المبسوط، و قيل: بالتخيير بين التحيض في كل شهر بسبعة أيام، و بين التحيض في الشهر الأول عشرة و في الثاني ثلاثة، كما عن ظاهر الشيخ في النهاية، و قيل: بالتخيير بين الثلاثة من شهر و عشرة من آخر، و بين الستة و بين السبعة كما عن العلامة و غيره،

و قيل: إنها تتحيض في الشهر الأول بثلاثة و في الثاني بعشرة، كما عن القاضي، و قيل: بالعكس، و قيل:

تتحيض في كل شهر عشرة أيام، و قيل: انها تترك الصلاة في كل شهر ثلاثة أيام و تصلى سبعة و عشرين يوما كما عن الإسكافي، و مستند الكل ضعيف، و بعضه لم نقف على مستنده، و قال المحقق في المعتبر، بعد أن حكم بضعف الأخبار الواردة في الباب: و الوجه عندي أن تتحيض كل واحدة منهما ثلاثة أيام لأنه المتيقن في الحيض و تصلى و تصوم بقية الشهر استظهارا و عملا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 424

[ (مسألة 2) المراد من الشهر ابتداء رؤية الدم الى ثلاثين يوما]

(مسألة 2) المراد من الشهر ابتداء رؤية الدم (1) الى ثلاثين يوما و ان كان في أواسط الشهر الهلالي أو أواخره.

______________________________

بالأصل في لزوم العبادة، و هو حسن إلا في الدور الأول للمبتدئة فعشر، للموثق المتقدم عن ابن بكير، و قال في المدارك بعد نقله: و لا يخلو من قوة، و يؤيده الروايتان- يعنى موثقتي ابن بكير- و الإجماع، فإن الخلاف إنما وقع في الزائد عن الثلاثة، ثم قال: و اعلم ان مقتضى مرسلة يونس المتقدمة تخييرها بين الستة و السبعة، و به قطع في المعتبر، و قوى العلامة في النهاية وجوب العمل بما أدى اجتهادها اليه، لئلا يلزم التخيير في السابع بين وجوب الصلاة و عدمه، و هو منقوض بأيام الاستظهار، و قال في المعتبر: انه لا مانع من ذلك إذ قد يقع التخيير في الواجب كما يتخير المسافر بين الإتمام و التقصير في بعض المواضع، و متى اختارت عددا كان لها وضعه حيث شاءت من الشهر و لا يتعين أوله و ان كان أولى، و مقتضى

خبري ابن بكير أخذ الثلاثة بعد العشرة ثم أخذها بعد السبعة و العشرين دائما، و لا ريب انه أولى و اللّٰه العالم.

________________________________________

شبر، سيد على حسينى، العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، 2 جلد، مطبعة النجف، نجف اشرف - عراق، اول، 1383 ه ق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى؛ ج 2، ص: 424

قوله قده مسألة 2: (المراد من الشهر ابتداء رؤية الدم. إلخ)

مما لا خلاف فيه ان المراد بالشهر الشهر الدمى الذي مبدؤه رؤية الدم، و يدل عليه موثقة ابن بكير عن الصادق عليه السّلام قال: المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلى عشرين يوما، فان استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام و صلت سبعة و عشرين يوما و نحوه غيره و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 425

[ (مسألة 3) الأحوط أن تختار العدد في أول رؤية الدم]

(مسألة 3) الأحوط أن تختار العدد في أول رؤية الدم (1) إلا إذا كان مرجح لغير الأول.

[ (مسألة 4) يجب الموافقة بين الشهور]

(مسألة 4) يجب الموافقة بين الشهور (2) فلو اختارت في الشهر الأول أوله ففي الشهر الثاني أيضا كذلك و هكذا.

[ (مسألة 5) إذا تبين بعد ذلك أن زمان الحيض غير ما اختارته]

(مسألة 5) إذا تبين بعد ذلك أن زمان الحيض غير ما اختارته وجب عليها قضاء (3) ما فات منها من الصلوات و كذا إذا تبينت الزيادة و النقيصة.

______________________________

قوله قده مسألة 3: (الأحوط أن تختار العدد في أول رؤية الدم.

إلخ)

في ذلك خلاف، فذهب جماعة منهم المحقق و العلامة في غير التذكرة، و المحقق و الشهيد الثانيان، بل عن الحدائق نسبته إلى الأصحاب: الى ان لها وضع العدد حيث تشاء، و قال آخرون: إن عليها وضعه في الأول كما عن العلامة في التذكرة و عن كاشف اللثام، و الأول أظهر لإطلاق رواياته و عدم ما يوجب التعيين عليها عدا دعوى ظهورها في تقديم التحيض و هي ممنوعة، و حيث لا قائل بتعين الآخر و لا بالتخيير بين خصوص الأول و الآخر كان تعيين الأول الأحوط، و هو منشأ احتياط المصنف (قده).

قوله قده مسألة 4: (يجب الموافقة بين الشهور. إلخ)

إذ النصوص كما تضمنت مدة التحيض كذلك تضمنت مدة التطهر، و مع اختلاف أزمنة الوضع يلزم اختلاف مدة الطهر.

قوله قده مسألة 5: (إذا تبين بعد ذلك ان زمان الحيض غير ما اختارته وجب عليها.)

و ذلك لصدق الفوت، و الحكم الظاهري ليس بمانع إذا انكشف خلافه، لما حقق في محله من عدم الإجزاء بعد التبين، و مما يدل عليه مرسلة يونس القصيرة و فيها: فان انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 426

[ (مسألة 6) صاحبة العادة الوقتية إذا تجاوز دمها العشرة]

(مسألة 6) صاحبة العادة الوقتية إذا تجاوز دمها العشرة (1) في العدد حالها حال المبتدئة في الرجوع الى الأقارب و الرجوع الى التخيير المذكور مع فقدهم أو اختلافهم، و إذا علمت كونه أزيد من الثلاثة ليس لها أن تختارها،

كما أنها لو علمت أنه أقل من السبعة ليس لها اختيارها.

______________________________

اغتسلت وصلت و انتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام- الى أن قال- و ان مر بها من يوم رأت الدم عشرة أيام و لم تر الدم فذلك اليوم و اليومان الذي رأته لم يكن من الحيض، إنما كان من علة إما من قرحة في جوفها و إما من الجوف فعليها أن تعيد الصلاة تلك اليومين التي تركتها لأنها لم تكن حائضا. إلخ)

قوله قده مسألة 6: (صاحبة العادة الوقتية إذا تجاوز دمها العشرة. إلخ)

ذكر صاحب الجواهر (قده) في هذه المسألة و هي ما لو ذكرت أول حيضها و نسيت العدد الذي يشمله عموم المتن احتمالات بل أقوالا أربعة:

(الأول) إكماله ثلاثة المتيقن كونه حيضا و اقتصارها عليها فقط، لعلمها باشتغال ذمتها به بلا اشكال و يبقى الزائد إلى تمام العشرة مشكوكا فيه، فتعمل عمل المستحاضة لأصالة شغل ذمتها بالعبادة و اختاره في البيان، و عن المعتبر و استحسنه في المدارك، كما انه احتمله في الذكرى، و لعله الظاهر من موضع من المبسوط و ابن حمزة في الوسيلة.

(الاحتمال الثاني) رجوعها الى الروايات و هو اختيار المصنف إما بأخذ السبعة تعيينا كما هو ظاهر الشيخ في الخلاف مدعيا عليه الإجماع، أو التخيير بين السبعة و الستة، أو ثلاثة من شهر و عشرة من آخر، و اختاره الشهيد الثاني و غيره من بعض متأخرين، لصدق النسيان الموجب للحكم في حديث السنن.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 427

[ (مسألة 7) صاحبة العادة العددية ترجع في العدد الى عادتها]

(مسألة 7) صاحبة العادة العددية ترجع في العدد الى عادتها (1)، و أما في الزمان فتأخذ بما فيه الصفة و مع فقد التمييز تجعل العدد في الأول على الأحوط

و إن كان الأقوى التخيير، و إن كان هناك تمييز لكن لم يكن موافقا للعدد فتأخذه و تزيد مع النقصان و تنقص مع الزيادة.

______________________________

(الاحتمال الثالث) القول بالاحتياط بان تجمع بين عمل الاستحاضة و انقطاع الحيض، فقد يجتمع حينئذ عليها مع كثرة الدم و عدم التداخل ثمانية أغسال، و هو ظاهر ابن سعيد في الجامع و العلامة في التذكرة، بل نقل عنه في جملة من كتبه، كما أنه نقل عن الشيخ في المبسوط، و في الذكرى ان الاحتياط في هذه و نظائرها مشهور، قلت لكن ينبغي لها حينئذ تقديم غسل الحيض لوجوب المبادرة إلى الصلاة بعد غسل الاستحاضة.

(الاحتمال الرابع) تحيضها بالعشرة في كل شهر ما لم تعلم انتفاء بعضها و إلا فيما يمكن منها لاستصحاب الحيض و قاعدة الإمكان و غيرها، مع عدم اطراد العمل بالروايات لها في كل وقت كما ستسمع، و هو لا يخلو من قوة انتهى كلامه من هذه المسألة وقع مقامه، و لا يخفى ان الاحتياط سبيل النجاة.

قوله قده مسألة 7. (صاحبة العادة العددية ترجع في العدد الى عادتها.

إلخ)

و ذلك لما تقدم من أدلة رجوع ذات العادة إلى عادتها، و بهذا المقدار من الرجوع الى العادة ممكن لها، و يبقى الوقت مجهولا لها، فان كان لها تمييز أخذت بما فيه الصفة لأدلة الصفات المتقدمة. هذا إذا وافق التمييز العدد، و اما في غير صورة الموافقة قلة أو كثرة فتزيد الناقص بما حفظته من العدد و تنقص الزائد عما زاد على العدد، و لا يجوز لها الرجوع الى أقربائها أو أقرانها إذ اقراؤهن طريق الى العدد، و المفروض ان لها عددا معتادا فلا تكون اقراؤهن طريقا إليه، إذ الرجوع و الأخذ بالعادة مقدم

رتبة على

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 428

[ (مسألة 8) لا فرق في الوصف بين الأسود و الأحمر]

(مسألة 8) لا فرق في الوصف بين الأسود و الأحمر (1) فلو رأت ثلاثة أيام أسودا و ثلاثة أحمرا ثم بصفة الاستحاضة تتحيض بستة.

[ (مسألة 9) لو رأت بصفة الحيض ثلاثة أيام ثم ثلاثة أيام بصفة الاستحاضة]

(مسألة 9) لو رأت بصفة الحيض ثلاثة أيام (2) ثم ثلاثة أيام بصفة الاستحاضة ثم بصفة الحيض خمسة أيام أو أزيد تجعل الحيض الثلاثة الأولى و أما لو رأت بعد الستة الأولى ثلاثة أيام أو أربعة بصفة الحيض تجعل الحيض الدمين الأول و الأخير و تحتاط في البين مما هو بصفة الاستحاضة لأنه كالنقاء المتخلل بين الدمين.

______________________________

الرجوع الى الأقارب، هذا إذا كان لها تمييز، و إلا فالرجوع الى العدد فقط، نعم يبقى الخلاف في انه هل يلزم جعله أول الدم؟ أو مخيرة فيه حيث جعلته و قد تقدم مدرك كل من القولين و ذكرنا أن الاحتياط جعله أول الدم فإنه سبيل النجاة و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 8: (لا فرق في الوصف بين الأسود و الأحمر. إلخ)

يشكل ما ذكره (قده) من التعدي عن الصفات المنصوصة من الحرارة و السواد و الدفع و الحرقة إلى غيرها من صفات الأشدية كالحمرة بالنسبة إلى الصفرة، بل المتعين الاقتصار على المنصوص منها و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 9: (لو رأت بصفة الحيض ثلاثة أيام. إلخ)

إنما حكم (قده) في الصورة الأولى بجعل الثلاثة الأولى حيضا فقط دون الثلاثة الوسطى التي هي بصفة الاستحاضة و دون الخمسة الأخيرة التي هي بصفة الحيض، لئلا يلزم زيادة أيام الحيض عن العشرة بخلاف الصورة الثانية، و هي ما لو رأت بعد الستة الأولى ثلاثة أيام أو أربعة لإمكان جعل الجميع حيضا حتى أيام النقاء المتخلل بين الدمين، لإطلاق الإجماع بعدم قصور

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 429

[ (مسألة 10) إذا تخلل بين المتصفين بصفة الحيض عشرة أيام بصفة الاستحاضة]

(مسألة 10) إذا تخلل بين المتصفين بصفة الحيض (1) عشرة أيام بصفة الاستحاضة جعلتهما حيضين إذا لم يكن كل واحد منهما أقل من ثلاثة.

[ (مسألة 11) إذا كان ما بصفة الحيض ثلاثة متفرقة]

(مسألة 11) إذا كان ما بصفة الحيض ثلاثة متفرقة (2) في ضمن عشرة تحتاط في جميع العشرة.

[ (مسألة 12) لا بد في التمييز أن يكون بعضها بصفة الاستحاضة]

(مسألة 12) لا بد في التمييز أن يكون بعضها بصفة الاستحاضة (3) و بعضها بصفة الحيض فاذا كانت مختلفة في صفات الحيض (4) فلا تمييز بالشدة و الضعف أو

______________________________

الطهر عن عشرة، أو قلنا بأنه طهر، و حمل ما ورد بعدم قصور الطهر عن عشرة فيما لو كان بين الحيضتين، لا فيما كان بين حيضة واحدة، نعم يبقى الإشكال فيما حكم به في الصورة الأولى من أن الثلاثة الأولى حيض، مع أنها معارضة بالدم المتأخر، و قد تقدم منه (قده) ان من شرائط الرجوع الى التمييز أن لا يعارض الدم دم آخر، فالقاعدة في المقام التساقط لعدم الترجيح إذ أنه بلا مرجح، بل الرجوع الى قواعد أخر.

قوله قده مسألة 10: (إذا تخلل بين المتصفين بصفة الحيض. إلخ)

إذ لا مانع من الحكم على الدمين بالحيض مع فصل أقل الطهر بينهما بالشرط الذي ذكره من ان لا يكون واحد منهما أقل من ثلاثة.

قوله قده مسألة 11: (إذا كان ما بصفة الحيض ثلاثة متفرقة. إلخ)

إنما احتاط (قده) في جميع العشرة لما تقدم في صحيفة 394 من الإشكال في اعتبار التوالي في الثلاثة و عدمه، و اختلاف الآراء في ذلك، و قد ذكرنا حجج الطرفين هنالك فراجع.

قوله قده مسألة 12: (لا بد في التمييز أن يكون بعضها بصفة الاستحاضة. إلخ)

كما هو صريح أخبار التمييز.

قوله قده: (فاذا كانت مختلفة في صفات الحيض. إلخ)

كما إذا كان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 430

غيرهما كما إذا كان في أحدهما و صفان و في الآخر وصف واحد، بل مثل هذا فاقد التمييز و لا يعتبر اجتماع

صفات الحيض (1) بل يكفي واحدة منها.

[ (مسألة 13) ذكر بعض العلماء الرجوع الى الأقران مع فقد الأقارب]

(مسألة 13) ذكر بعض العلماء الرجوع الى الأقران مع فقد الأقارب (2)، ثم الرجوع الى التخيير بين الأعداد و لا دليل عليه فترجع الى التخيير بعد فقد الأقارب.

[ (مسألة 14) المراد من الأقارب أعم من الأبوينى و الأبى أو الأمي فقط]

(مسألة 14) المراد من الأقارب أعم من الأبوينى (3) و الأبى أو الأمي فقط و لا يلزم في الرجوع إليهم حياتهم.

[ (مسألة 15) في الموارد التي تتخير بين جعل الحيض أول الشهر أو غيره]

(مسألة 15) في الموارد التي تتخير بين جعل الحيض (4) أول الشهر أو غيره

______________________________

بعضه أسود فقط و الآخر اسود و كريه الرائحة فإنه لا تمييز إذ الكل من صفات الحيض و لا دليل على التمييز بذلك، نعم أحدهما أشد من الآخر فمثل هذه تعد من أقسام فاقدة التمييز.

قوله قده: (و لا يعتبر اجتماع صفات الحيض. إلخ)

و ذلك لإطلاق الأدلة و ظهورها فيما هو الأعم مما جمع الصفات أو انفرد بصفة واحدة منها.

قوله قده مسألة 13: (ذكر بعض العلماء الرجوع الى الأقران مع فقد الأقارب. إلخ)

و ذكروا لذلك وجوها مثل غلبة اللحوق في الطبع بالأقران، و مثل دعوى عموم النساء في المضمرة للاقران، و مثل قراءة أقرانها- بالنون بدل أقرائها بالهمزة- في رواية زرارة و محمد بن مسلم، و كل ذلك لم ينهض عليه دليل في قبال إطلاقات الرجوع الى العدد بعد فقد الأقارب و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 14: (المراد من الأقارب أعم من الأبوينى. إلخ)

و ذلك لصدق نسائها على الجميع.

قوله قده 15: (في الموارد التي تتخير بين جعل الحيض. إلخ)

يشكل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 431

إذا عارضها زوجها و كان مختارها منافيا لحقه وجب عليها مراعاة حقه، و كذا في الأمة مع السيد، و إذا أرادت الاحتياط الاستحبابي فمنعها زوجها أو سيدها يجب تقديم حقهما، نعم ليس لهما منعها عن الاحتياط الوجوبي.

[ (مسألة 16) في كل مورد تحيضت من أخذ عادة أو تمييز أو رجوع إلى الأقارب أو الى التخيير]

(مسألة 16) في كل مورد تحيضت (1) من أخذ عادة أو تمييز أو رجوع إلى الأقارب أو الى التخيير بين الأعداد المذكورة فتبين بعد ذلك كونه خلاف الواقع يلزم عليها التدارك بالقضاء أو الإعادة.

______________________________

ما ذكره (قده) من وجوب مراعاة حق الزوج في صورة المعارضة و كان مختارها منافيا لمختاره، إذ

لا يعلم ان له حقا في مفروض المسألة، إذ مختارها من الوقت حيض تنزيلي شرعي تعبدي فهو خارج من عموم وجوب الطاعة، كخروج أيام الحيض المعلوم الذي ليس للزوج اختيار فيه، فأدلة التخيير على ما ذكرنا حاكمة على أدلة وجوب الطاعة، هذا و الأحوط المصالحة معها و لو بإعطائها ما لا لتختار ما اختاره، نعم في الأمة يتم ما ذكره لأن العبودية مانعة من الاختيار في قبال اختيار المولى، لقوله تعالى (عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ) كما انه ليس للزوجة الاحتياط الاستحبابي في صورة منع الزوج منه لعدم مقاومة الاستحباب للوجوب، لعموم وجوب الطاعة إلا ما علم خروجه، نعم يتم ذلك في الاحتياط الوجوبي فحاله كحال أصل المسألة الذي قوّينا فيه عدم حق للزوج في قبال اختيارها و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 16: (في كل مورد تحيضت. إلخ)

و ذلك لصدق الفوت، و ان الحكم الظاهري حجة ما لم ينكشف الواقع، إلا ان يقوم دليل على خلافه و ليس فليس و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 432

[ (أحدها) يحرم عليها العبادات المشروطة بالطهارة]

(أحدها) يحرم عليها العبادات المشروطة بالطهارة (1) كالصلاة و الصوم و الطواف و الاعتكاف

______________________________

قوله قده (فصل: في أحكام الحائض، و هي أمور: (أحدها) يحرم عليها العبادات المشروطة بالطهارة. إلخ)

اعتبر بهذه العبارة أو ما هو بمعناها جملة من فقهائنا العظام، بل جلهم كالمحقق في الشرائع و المختصر النافع، و العلامة في الإرشاد، و قال في المنتهى: يحرم من الحائض الصلاة و الصوم و هو مذهب عامة أهل الإسلام. اه، و أرسل ذلك الشهيدان إرسال المسلمات، و عليه الإجماع من الأعيان، و يدل عليه النصوص الكثيرة المتفرقة في أبواب الحيض و العبادات المذكورة، فهو مما لا

اشكال فيه، و قد أطال الكلام جملة من علمائنا الأعلام و أكثروا النقض و الإبرام في أن الحرمة هل هي ذاتية؟

أو تشريعية؟ و الظاهر أن المراد بها الحرمة الذاتية كما هو ظاهر الأصحاب تبعا لأخبار الباب الدالة على الأمر بالترك، أو على نفى الجواز، أو نفى الحلية، أو على الحرمة الظاهرة في حرمة نفس العمل.

و اما الحرمة التشريعية التي هي في الحقيقة كما ذكره بعض الأساطين:

أمر جناني و هو البناء على أنه مأمور به، لا نفس الأفعال الخارجية، بل هي على ما كانت عليه من الحكم و لا يعاقب عليها، بل على ذلك الأمر الجناني، مع ان ظاهر الأخبار كون الحرمة أو نفى الجواز أو نفى الحلية متعلقة بنفس الأفعال كما أشرنا اليه، و انها بنفسها تكون مبغوضة للشارع في الحال كما

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 433

..........

______________________________

كانت محبوبة كذلك في غير هذا الحال، و فوق ذلك كيف يهتدى العوام و النساء إلى الحرمة التشريعية و هم المخاطبون بهذه الخطابات التي لا يهتدى إليها العلماء الا بعد الدقة و إمعان النظر، و بالجملة الإتيان بالصلاة عبادة بدون التشريع بحيث لو لم تكن منهيا عنها لوقعت صحيحة كان ممكنا، و يؤيد ذلك تعليل حرمة الصلاة في علل الفضل بن شاذان بأنها على حد نجاسة، فأحب اللّٰه ان لا يعبد الا طاهرا، حيث دل على انها تقدر على أن تعبد بالصلاة في حال الحيض، لكنه لما كانت عبادتها بها في هذه الحال غير محبوبة نهى عنها فافهم.

قيل و إنما تظهر الثمرة في حسن الاحتياط عند الشك في الحيض مع عدم أصل أو عموم يرجع إليه (فإن قلنا) بالحرمة الذاتية لم يحسن بها الاحتياط سيما بفعل

المندوبة (قلت) احتمال الحرمة الذاتية لها إذا كانت قضية الأصل عقلا و نقلا الأمن من تبعة مخالفتها لا يكاد يضر بحسن الاحتياط بإتيانها باحتمال الوجوب، بل باحتمال الاستحباب أيضا فتستحق بذلك ثواب الإطاعة أو الانقياد، غاية الأمر كان مع هذا الاحتمال عدم الإتيان باحتمال الحرمة أيضا من الاحتياط، و يدل على صحة ما ذكرناه من كون حرمة الصلاة و الصوم عليها ذاتية، و إمكان الاحتياط مع ذلك في موارد الاشتباه دلالة غير واحد من الأخبار على ترك العبادة في أيام الاستظهار احتياطا، ضرورة انه لو لا إمكان الاحتياط في صورة دوران الأمر بين الوجوب و الحرمة لما كان ترك العبادة في تلك الأيام احتياطا، كما انه لو لا كون حرمة العبادة في حال الحيض ذاتية لما كان وجه لجعل تركها احتياطا مع التمكن من الاحتياط المطلق

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 434

[ (الثاني) يحرم عليها مس اسم اللّٰه و صفاته الخاصة]

(الثاني) يحرم عليها مس اسم اللّٰه و صفاته (1) الخاصة بل غيرها أيضا إذا كان المراد بها هو اللّٰه، و كذا مس أسماء الأنبياء و الأئمة على الأحوط، و كذا مس كتابة القرآن على التفصيل الذي مرء في الوضوء.

______________________________

بفعلها برجاء و جربها، لعدم احتمال المخالفة معه أصلا كما لا يخفى، و قد انقدح مما حققناه ان ما ذكره جماعة بل ادعى عليه الاتفاق من حسن الاحتياط للمضطربة لا دلالة له على كون حرمة العبادة عليها تشريعية، و لا حجة فيه على تقدير الدلالة، و جعل الاحتياط بترك العبادة في أيام الاستظهار مع إمكان الاحتياط بفعلها أيضا، لعله كان لغلبة استمرار الحيض الى ما بعد العادة بمقدار أيام الاستظهار في صورة استمرار الدم الى ما بعدها أو كون ترك العادة في حال

الحيض أهم عند الشارع من فعلها في غير هذا الحال أو لجهة أخرى لا نعرفها. انتهى كلامه رفع مقامه.

قوله قده: (الثاني يحرم عليها مس اسم اللّٰه و صفاته. إلخ)

كما حكى عن جماعة منهم الشيخان و بنى حمزة و زهرة و سعيد و الفاضل و الشهيدان و الكركي بل ظاهر الغنية الإجماع على التحريم فان تم فذاك و إلا فقد نوقش في الأخبار الخاصة المدعاة دلالة أو سندا مثل خبر سعيد بن يسار الوارد في المرأة ترى الدم و هي جنب من قوله عليه السّلام: قد جاءها ما هو أعظم من ذلك و مثل صحيح بن فرقد في التعويذ تقرؤه و تكتبه و لا تصيبه يدها من ضعف السند في الأول و الدلالة في الثاني و لذا لم يتعرض له كثير و مثله الكلام في مس أسماء الأنبياء و الأئمة، و اما مس كتابة القرآن فقد حكى عليه الإجماع صريحا و ظاهرا حكاه جملة كثيرة و لم يخالف فيه على ما حكى إلا الإسكافي أبا على محمد ابن أحمد بن الجنيد الكاتب و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 435

[ «الثالث» قراءة آيات السجدة]

«الثالث» قراءة آيات السجدة بل سورها على الأحوط. (1)

[ «الرابع» اللبث في المساجد]

«الرابع» اللبث في المساجد. (2)

[ «الخامس» 2 وضع شي ء فيها]

«الخامس» 2 وضع شي ء فيها إذا استلزم الدخول.

[ «السادس» الاجتياز من المسجدين]
اشارة

«السادس» الاجتياز من المسجدين (3)

______________________________

قوله قده: (الثالث: قراءة آيات السجدة بل سورها على الأحوط. اه)

و ذلك لما هو المعروف من مذهب الأصحاب حتى البسملة إذا نوى بها إحداها كما حكى ذلك عن المدارك، و عن المعتبر أنه عند علمائنا أجمع، و عن المنتهى و هو مذهب علمائنا اجمع الى أن قال: لنا على تحريم العزائم ما قدمناه في باب الجنب، و لأن الحائض آكد في الحدث من الجنب، و يدل على ذلك موثقة زرارة و محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال: قلت الحائض و الجنب يقرءان شيئا؟ قال: نعم ما شاءا إلا السجدة، و رواية محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السّلام الجنب و الحائض يفتتحان المصحف و يقرءان من القرآن ما شاءا إلا السجدة، و لا دلالة للروايتين على حرمة ما عدا نفس السجدة، إلا ان الأصحاب فهموا كون السجدة كناية عن سورتها و اللّٰه العالم.

قوله قده: (الرابع: اللبث في المساجد الى قوله: الخامس إلخ)

لما روى من طريق الجمهور عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم انه قال: لا أحل المسجد لحائض و لا جنب، و من طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام: و يدخلان المسجد مجتازين و لا يقعدان فيه، و لأن الحائض مشاركة للجنب في الحدث و ممتازة عنه بزيادة حمل النجاسة، فحكم حدثها أغلظ فالمنع من الاستيطان في المسجد في حقها أقرب، و قد تقدم منا في الجنابة ما يغني عن البيان، لاتحاد الدليل في البائن فراجع و كذا الحال في وضع شي ء فيها.

قوله قده (السادس:

الاجتياز من المسجدين)

و ذلك لما رواه الشيخ

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 436

و المشاهد المشرفة كسائر المساجد (1) دون الرواق منها و إن كان الأحوط إلحاقه بها، هذا مع عدم لزوم الهتك و إلا حرم، و إذا حاضت في المسجدين تتيمم و تخرج (2)، إلا إذا كان زمان الخروج أقل من زمان التيمم أو مساويا.

[ (السابع) وطؤها في القبل حتى بإدخال الحشفة]
اشارة

(السابع) وطؤها في القبل (1) حتى بإدخال الحشفة من غير إنزال بل بعضها

______________________________

مع التلويث فيكفي فيه ما تقدم منا من حرمة تنجيس المساجد و اللّٰه العالم.

قوله قده: (السابع: وطؤها في القبل. إلخ)

اما عدم جواز وطئها في القبل حتى تنقى فمجمع عليه بين المسلمين، بل كأنه من ضروريات الدين كما اعترف به كثير منهم، و قد نطق به الكتاب و سنة سيد المرسلين (ص) و آله الطاهرين عليهم السلام، بل عنه عليه السّلام: من أتى حائضا فقد كفر بما أنزل على محمد صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم، و عليه يحمل لفظ الكراهة في بعض النصوص كالمروي في الفقيه و الخصال و المحاسن مسندا الى الصادق (ع) عن آبائه عن على عليهم السلام عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم قال: ان اللّٰه تبارك و تعالى كره لكم أيتها الأمة أربعة و عشرين خصلة و نهاكم عنها، و عد منها: انه كره للرجل أن يأتي امرأته و هي حائض فإن غشيها فخرج الولد مجذوما أو أبرصا فلا يلومنّ إلا نفسه، و عن أبى عبد اللّٰه (ع) ترى هؤلاء المشوّهين في خلقهم؟ قال: قلت نعم، قال هؤلاء الذين آباؤهم يأتون نساءهم في الطمث، و عن الصادق (ع) لا يبغضنا إلا من خبثت ولادته أو حملت به أمه

في حيضها، و عن أم سلمة قالت سمعت رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم يقول لعلى (ع): لا يبغضكم إلا ثلاثة ولد الزنا و منافق و من حملت به أمه و هي حائض، و عن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم: انه قال لعلى (ع) لا يحبك إلا مؤمن، و لا يبغضك إلا منافق، أو ولد الزنية، أو من حملته أمه و هي طامث، الى غير ذلك من الأخبار بهذه المضامين، و اما ما عدا ذلك فالمشهور كما اعترف به كثير منهم، بل عن ظاهر المجمع و التبيان و الكنز و صريح الخلاف الإجماع عليه هو جواز الاستمتاع بغيره حتى الوطء في الدبر، لما عنه (ع) انه سئل عن كيفية الاعتزال فقال: اصنعوا كل شي ء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 442

على الأحوط و يحرم عليها أيضا (1)، و يجوز الاستمتاع بغير الوطء من التقبيل و التفخيذ و الضم، نعم يكره الاستمتاع بما بين السرة و الركبة منها بالمباشرة

______________________________

غير النكاح أى غير المجامعة، و لمرسل ابن بكير عن الصادق (ع) انه قال:

إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم، و موثقة عبد الكريم عنه (ع) عما لصاحب المرأة الحائض منها؟ قال: كل شي ء ما عدا القبل بعينه، و نحوه خبر عبد الملك عنه كما في التهذيب و الكافي و موثق هشام عنه (ع) عن الرجل يأتي المرأة فيما دون الفرج و هي حائض؟ قال: لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع، و عنه عما للرجل من الحائض؟ قال: ما بين الفخذين، و عنه (ع) عما للرجل من الحائض؟ قال: ما بين ألييها و لا يوقب، و

خبر معاوية عنه عن الحائض ما يحل لزوجها منها؟ قال: ما دون الفرج، و خبر عبد اللّٰه عنه ما يحل للرجل من امرأته و هي حائض؟ قال:

ما دون الفرج، و خبر عبد الملك عنه (ع) ما يحل للرجل من المرأة و هي حائض؟ قال: كل شي ء غير الفرج، ثم قال: إنما المرأة لعبة الرجل، الى غير ذلك من النصوص، و اما ما عن السيد المرتضى من أنه لا يحل الاستمتاع منها إلا بما فوق المئزر سيما الوطء فيه، بل في السرائر: ان خلافه فيه خاصة فلم ينقل الخلاف فيه إلا عنه (قده) و ربما نقل عن المقدس الأردبيلي الميل إلى موافقة السيد، لا ريب في ضعفه للأصول و العمومات كتابا و سنة المقتصر في تخصيصها بالمتيقن منها، و قد مرت عليك مفصلة من جواز الاستمتاع بها ما عدا الفرج، و في بعضها موضع الدم الصريحة في المطلوب، و اما أخبار المئزر و ما بين السرة و الركبة فمحمولة على الكراهة لصراحة الأخبار المجوزة و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و يحرم عليها أيضا. إلخ)

أي كما يحرم على الزوج الوطء

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 443

و اما فوق اللباس فلا بأس، و اما الوطء في دبرها فجوازه محل اشكال، (1) و إذا خرج دمها من غير الفرج فوجوب الاجتناب عنه غير معلوم (2) بل الأقوى

______________________________

يحرم عليها تمكينه كما ذهب إليه في الغنية و نقل عليه الإجماع في الجواهر و مصباح الفقيه، و كاشف الغطاء جعل مستحله كافرا، و استدلوا لحرمته عليها بالمعاونة على الإثم، و يدل عليه خبر محمد بن مسلم المروي في الوسائل في باب العدد، عن أبى جعفر (ع) قال: سألته عن الرجل يطلق

امرأته متى تبين منه؟ قال: حين يطلع الدم من الحيضة الثالثة تملك نفسها، قلت فلها أن تتزوج في تلك الحال؟ قال: نعم، و لكن لا تمكن من نفسها حتى تطهر من الدم، هذا مع أن مرتكزات المتشرعة على ذلك.

قوله قده: (و اما الوطء في دبرها فجوازه محل إشكال. إلخ)

لعل وجهه احتمال دخول الدبر في الفرج المستثنى في النصوص المتقدمة، بل لعل المنع عنه ظاهرا، و صريح حسن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) ما للرجل من الحائض؟ قال: ما بين أليتيها و لا يوقب، و كلاهما لا ينهضان قبال ما تقدم من الأخبار الصريحة في الجواز، مثل قوله (ع): إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم، و ما رواه عبد الملك بن عمرو قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عما لصاحب المرأة الحائض منها؟ قال:

كل شي ء ما عدا القبل بعينه، و ما رواه عن هشام بن سالم عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يأتي المرأة فيما دون الفرج و هي حائض قال: لا بأس إذا اجتنب من ذلك الموضع، و أمثال ذلك فالجمع بينها و بين حسن عمر بن يزيد بحمله على الكراهة أقرب الوجوه و اللّٰه العالم.

قوله قده: (و إذا خرج دمها من غير الفرج فوجوب الاجتناب عنه غير معلوم. إلخ)

أي اجتناب موضع خروج الدم، و ذلك لانصراف

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 444

عدمه إذا كان من غير الدبر، نعم لا يجوز الوطء في فرجها (1) الخالي عن الدم حينئذ.

[ (مسألة 5) لا فرق في حرمة وطء الحائض بين لزوجة الدائمة و المتعة]

(مسألة 5) لا فرق في حرمة وطء الحائض بين (1) لزوجة الدائمة و المتعة و الحرة و الأمة و الأجنبية و المملوكة كما

لا فرق بين أن يكون الحيض قطعيا (2) وجدانيا أو كان بالرجوع الى التمييز أو نحوه، بل يحرم أيضا في زمان الاستظهار إذا تحيضت و إذا حاضت في حال المقاربة يجب المبادرة بالإخراج.

[ (الثامن) وجوب الكفارة بوطئها]
اشارة

(الثامن) وجوب الكفارة بوطئها (3) و هي دينار في أول الحيض و نصفه

______________________________

قوله قده مسألة 5: (لا فرق في حرمة وطء الحائض بين. إلخ)

بلا خلاف في ذلك، و الذي يدل عليه إطلاق لفظ الزوجة و الحليلة.

قوله قده: (كما لا فرق بين أن يكون الحيض قطعيا. إلخ)

إذ ما ثبت بطريق شرعي حكمه حكم القطعي.

قوله قده: (الثامن: وجوب الكفارة بوطئها. إلخ)

لا يخفى ان وجوب الكفارة أو استحبابها عليه قولان، و القول الأول بالوجوب للقدماء، و قد ادعى عليه الإجماع جماعة على ما حكى عنهم، و للأخبار المستفيضة منها ما عن الكليني و الشيخ عن محمد بن مسلم قال سألت الباقر عليه السلام عن الرجل أتى المرأة و هي حائض قال: يجب عليه في استقبال الحيض دينار، و في وسطه نصف دينار. إلخ، و منها رواية داود بن فرقد عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام في كفارة الطمث: انه يتصدق إذا كان في أوله دينارا، و في وسطه نصف دينار، و في آخره ربع دينار، قلت فان لم يكن عنده ما يكفّر قال:

فليتصدق على مسكين واحد، و إلا استغفر اللّٰه و لا يعود، فان الاستغفار توبة و كفارة لمن لا يجد السبيل إلى شي ء من الكفارة، و منها رواية ابن مسلم عمن أتى أهله و هي طامث قال عليه السلام: يتصدق بدينار و يستغفر اللّٰه، و منها رواية أبي بصير عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام: من أتى حائضا فعليه نصف دينار يتصدق به، و

منها مرسلة المقنع قال: روى انه إن جامعها في أول

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 446

..........

______________________________

الحيض فعليه ان يتصدق بدينار، و ان كان في نصفه فنصف دينار، و ان كان في آخره فربع دينار، و منها رواية الحلبي في الرجل يقع على امرأته و هي حائض ما عليه؟ قال: يتصدق على مسكين بقدر شبعه.

و القول الثاني- أي الاستحباب- للشيخ في محكي نهايته، و المحقق في محكي معتبرة، و العلامة في مختلفة، و الشهيد في ذكراه و بيانه، و غيرهم و جماعة من متأخري المتأخرين، لما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل واقع امرأته و هي طامث قال: لا يلتمس فعل ذلك قد نهى اللّٰه أن يقربها، قلت فان فعل أ عليه كفارة؟ قال: لا أعلم فيه شيئا يستغفر اللّٰه، و ما رواه عن ليث المرادي قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن وقوع الرجل على امرأته و هي طامث خطأ قال: ليس عليه شي ء و قد عصى ربه.

(لا يقال) هذا لا يدل على المطلوب إذ النهي مصروف الى الخاطى ء لا الى العامد، (لأنا نقول) لو لم يكن الواطئ ههنا عامدا لما حكم عليه بالعصيان، و إنما المراد بالخطإ الخطيئة بقرينة قوله و قد عصى، و ما رواه عن زرارة عن أحدهما قال سألته عن الحائض يأتيها زوجها؟ قال: ليس عليه شي ء يستغفر اللّٰه و لا يعود، هذا مع مساعدة الأصل على ذلك، فالأولى حمل المثبتة على الاستحباب جمعا بين الروايات.

ثم مما يؤيد الاستحباب و يدل عليه اختلاف مقادير الكفارات، و ذلك بحسب ما يراه الأئمة من العقوبات بالنظر الى زيادة قبح

الفعل و نقصانه بصدوره عن العارف و الجاهل، هذا مع خلو بعض الأخبار عنه، مع

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 447

في وسطه و ربعه في آخره إذا كانت زوجة (1) من غير فرق بين الحرة و الأمة و الدائمة و المنقطعة، و إذا كانت مملوكة المواطئ فكفارته ثلاثة أمداد (2) من الطعام

______________________________

تضمنه للاستغفار و التعزير، فعن الكليني و الشيخ بسنديهما الى الفضل الهاشمي قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل أتى أهله و هي حائض قال، يستغفر اللّٰه و لا يعود، قلت فعليه أدب؟ قال: نعم خمسة و عشرون سوطا، ربع حد الزاني و هو صاغر، لأنه أتى سفاحا، إذ من البعيد جدا التعرض للاستغفار و التعزير و غيرهما و عدم التعرض للكفارة لو كانت واجبة أيضا، فلا محيص عن القول بالاستحباب و اللّٰه العالم.

قوله قده: (إذا كانت زوجة. إلخ)

إذ هو المتيقن من النصوص، كما ان لسانها مخصوص بالزوجة و المرأة فلا يتعداها الى غيرها، كما ان إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين أقسامها المذكورة في المتن.

قوله قده: (و إذا كانت مملوكة للواطى ء فكفارته ثلاثة أمداد. إلخ)

و هو المحكى عن المقنعة و الانتصار و النهاية و السرائر و المهذب و الجامع، انه لو وطئ أمته حائضا تصدق بثلاثة أمداد من طعام على ثلاثة مساكين، بل عن محكي السرائر نفى الخلاف فيه، و عن محكي الانتصار الإجماع عليه، و لولاهما كان قضية إطلاق بعض الأخبار أن الوطء بذلك كالوطء بالزوجة، لولا تقييده بما رواه الشيخ عن عبد الملك بن عمرو قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل أتى جاريته و هي طامث قال: يستغفر اللّٰه ربه، قال عبد الملك: فان الناس يقولون

عليه نصف دينار أو دينار، فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: فليتصدق على عشرة مساكين، و الرواية لعدم العمل بها غير قابلة لذلك، قال العلامة في المنتهى: و الأقرب الاستحباب عملا بالأصل، و رواية عبد الملك تدل على إطعام عشرة مساكين، و قد بينا ضعفها. انتهى.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 448

يتصدق بها على ثلاثة مساكين لكل مسكين مد من غير فرق بين كونها (1) قنة أو مدبّرة أو مكاتبة أو أم ولد، نعم في المبعضة و المشتركة و المزوجة و المحللة إذا وطئها مالكها اشكال، و لا يبعد إلحاقها بالزوجة في لزوم الدينار أو نصفه أو ربعه و الأحوط الجمع بين الدينار و الأمداد، و لا كفارة على المرأة و ان كانت مطاوعة، (2) و يشترط في وجوبها العلم (3) و العمد و البلوغ و العقل فلا كفارة

______________________________

قوله قده: (من غير فرق بين كونها. إلخ)

لما عرفت من إطلاق كلماتهم (قده) و إطلاق ما يصلح ان يكون دليلا لهم.

قوله قده: (و لا كفارة على المرأة و ان كانت مطاوعة. إلخ)

و ذلك لأصالة العدم فيها، قال العلامة في المنتهى: لا يجب على المرأة الكفارة، و لو غرّت زوجها لعدم الدليل، و لأن الأصل براءة الذمة و عصمة المال و لأنا قلنا إن الزوج لا يجب عليه الكفارة فالمرأة أولى. انتهى.

قوله قده: (و يشترط في وجوبها العلم. إلخ)

أما عدم وجوبها على الصبي و المجنون لحديث رفع القلم عنهما، و أما الناسي و الجاهل فلأن النسيان و الجهل بالموضوع عذران لدى المولى فيمنعان من العذاب عقلا مع اختصاص الأدلة السمعية بصورة المعصية المنتفية بالنسبة إليهما، نعم يبقى الإشكال في الجاهل بالحكم أعني الحرمة، فقد قرب جماعة

عدم الكفارة فيه على ما حكى عنهم، منهم الشيخ في الخلاف، و المحقق في الشرائع، و العلامة في جملة من كتبه، و الشهيد في الذكرى حيث اشترطوا في وجوب الكفارة العمد و العلم، و الجاهل بالحكم فاقد لهما، نعم قرّب المصنف الاحتياط فيه و جزم بثبوتها في العلم بالحرمة مع الجهل بالثبوت لإطلاق الأدلة و اللّه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 449

على الصبي و لا المجنون و لا الناسي و لا الجاهل بكونها في الحيض، بل إذا كان جاهلا بالحكم أيضا و هو الحرمة و إن كان أحوط، نعم مع الجهل بوجوب الكفارة بعد العلم بالحرمة لا إشكال في الثبوت.

[ (مسألة 6) المراد بأول الحيض ثلثه الأول]

(مسألة 6) المراد بأول الحيض (1) ثلثه الأول و بوسطه ثلثه الثاني و بآخره الثلث الأخير فإن كان أيام حيضها ستة فكل ثلث يومان و إن كانت سبعة فكل ثلث يومان و ثلث يوم و هكذا.

[ (مسألة 7) وجوب الكفارة في الوطء في دبر الحائض غير معلوم]

(مسألة 7) وجوب الكفارة في الوطء في دبر الحائض غير معلوم لكنه أحوط. (2)

______________________________

قوله قده مسألة 6: (المراد بأول الحيض. إلخ)

قال العلامة في المنتهى الأوسط و الآخر مختلف باختلاف النساء في عادتهن، فلو كانت عادتها ستة فالأول اليومان الأولان و الأوسط الثانيان و الآخر الأخيران، و لو كانت أربعة فاليوم الأول و ثلث الثاني أول، و ثلثا الثاني و ثلثا الثالث أوسط، و ثلث الثالث و الرابع بأسره آخر، و هكذا كل عدد تفرضه نقسمه أثلاثا. انتهى، و هذا ما اختاره المصنف (قده).

قوله قده مسألة 7: (وجوب الكفارة في الوطء في دبر الحائض غير معلوم لكنه أحوط. اه)

وجه الاحتياط ما تقدم من احتمال دخول الدبر في الفرج المستثنى في النصوص المتقدمة، أو للمنع عنه في ظاهر حسن عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه (ع) ما للرجل من الحائض؟ قال: ما بين ألييها و لا يوقب، و خروجا عن خلاف السيد (قده) من تحريم الاستمتاع بما بين السرة و الركبة، و ميل الأردبيلي اليه، لصحيح الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحائض و ما يحل لزوجها منها؟ قال تتزر بإزار إلى الركبتين

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 450

[ (مسألة 8) إذا زنى بحائض أو وطئها شبهة]

(مسألة 8) إذا زنى بحائض أو وطئها شبهة فالأحوط (1) التكفير بل لا يخلو عن قوة.

[ (مسألة 9) إذا خرج حيضها من غير الفرج فوطئها في الفرج الخالي من الدم]

(مسألة 9) إذا خرج حيضها من غير الفرج فوطئها في الفرج الخالي من الدم فالظاهر وجوب الكفارة (2) بخلاف وطئها في محل الخروج.

[ (مسألة 10) لا فرق في وجوب الكفارة بين كون المرأة حية أو ميتة]

(مسألة 10) لا فرق في وجوب الكفارة بين كون المرأة حية أو ميتة (3)

______________________________

و تخرج سرتها ثم له ما فوق الإزار، و نحوه خبر أبى بصير، و قد تقدم منا أن حمل ذلك كله على الكراهة ممكن، فيتعين جمعا بين الأخبار الصريحة في المنع عن محل الدم و جواز ما سواه و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 8: (إذا زنى بحائض أو وطئها شبهة فالأحوط التكفير. إلخ)

و ذلك لإطلاق النصوص المتناولة لما ذكر، قال العلامة في المنتهى: حكم الأجنبية حكم الزوجة، لقول أبى عبد اللّه (ع) في رواية أبي بصير من أتى حائضا، علق الحكم على المطلق من غير تقييد فكان كالعام.

قوله قده مسألة 9: (إذا خرج حيضها من غير الفرج فوطئها في الفرج الخالي من الدم فالظاهر وجوب الكفارة. إلخ)

وجوب الكفارة لو وطئها في الفرج الخالي من الدم لعمومات حرمة وطء الحائض، و الكفارة تابعة للحرمة، و اما عدم وجوب الكفارة لو وطئها في مخرج الدم لعدم حرمة الوطء فيه، لما تقدم من جواز الاستمتاع بالحائض ما اتقى الفرج، أو ما اتقى الموضع المعهود و الكفارة تابعة له.

قوله قده مسألة 10: (لا فرق في وجوب الكفارة بين كون المرأة حية أو ميتة. انتهى)

و ذلك لإطلاق دليل الحرمة لصدق الحائض عليها ميتة عرفا فيحرم وطؤها، و الكفارة تابعة للحرمة.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 451

[ (مسألة 11) إدخال بعض الحشفة كاف في ثبوت الكفارة]

(مسألة 11) إدخال بعض الحشفة كاف في ثبوت الكفارة (1) على الأحوط.

[ (مسألة 12) إذا وطئها بتخيل أنها أمته فبانت زوجته]

(مسألة 12) إذا وطئها بتخيل أنها أمته فبانت زوجته عليه كفارة دينار، و بالعكس كفارة الأمداد، كما أنه إذا اعتقد كونها في أول الحيض فبان الوسط أو الآخر أو العكس فالمناط الواقع. (2)

[ (مسألة 13) إذا وطئها بتخيل أنها في الحيض فبان الخلاف]

(مسألة 13) إذا وطئها بتخيل أنها في الحيض فبان الخلاف لا شي ء عليه (3)

[ (مسألة 14) لا تسقط الكفارة بالعجز عنها]

(مسألة 14) لا تسقط الكفارة بالعجز عنها (4) فمتى تيسرت وجبت و الأحوط الاستغفار (5) مع العجز بدلا عنها ما دام العجز.

______________________________

قوله قده مسألة 11: (إدخال بعض الحشفة كاف في ثبوت الكفارة.

إلخ)

لما تقدم في بعض النصوص من النهى عن الإيقاب، و الأمر باتقاء موضع الدم و نحو ذلك مما يقتضي إطلاقه المنع من إدخال بعض الحشفة أيضا، و اعتبار التقاء الختانين في وجوب الغسل للجنابة لا يوجب تقييد ما ذكر، إذ هما موضوعان مختلفان لكل حكمه و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 12: (إذا وطئها بتخيل أنها أمته فبانت زوجته) الى قوله: (فالمناط الواقع انتهى)

ذلك لكونه ظاهر الدليل كسائر موضوعات الأحكام، و لا مدخلية لما تخيله ما لم يقم عليه دليل خاص.

قوله قده مسألة 13: (إذا وطئها بتخيل أنها في الحيض) الى قوله:

(لا شي ء عليه انتهى)

و ذلك لانتفاء موضوع الكفارة واقعا، و لا مدخلية لما تخيله ما لم يقم عليه دليل بخصوصه.

قوله قده مسألة 14: (لا تسقط الكفارة بالعجز عنها. إلخ)

كسائر الحقوق للّه كانت أو لآدمي فمتى تيسرت وجبت ما لم يقم دليل على السقوط.

قوله قده: (و الأحوط الاستغفار. إلخ)

و ذلك لما تضمنته رواية

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 452

[ (مسألة 15) إذا اتفق حيضها حال المقاربة]

(مسألة 15) إذا اتفق حيضها حال المقاربة و تعمد في عدم الإخراج (1) وجبت الكفارة.

[ (مسألة 16) إذا أخبرت بالحيض أو عدمه يسمع قولها]

(مسألة 16) إذا أخبرت بالحيض أو عدمه يسمع قولها (2) فاذا وطئها بعد اخبارها بالحيض وجبت الكفارة إلا إذا علم كذبها، بل لا يبعد سماع قولها في كونه أوله أو وسطه أو آخره.

[ (مسألة 17) يجوز إعطاء قيمة الدينار]

(مسألة 17) يجوز إعطاء قيمة الدينار، (3) و المناط قيمة وقت الأداء.

[ (مسألة 18) الأحوط إعطاء كفارة الأمداد لثلاثة مساكين]

(مسألة 18) الأحوط إعطاء كفارة الأمداد لثلاثة مساكين، (4)

______________________________

داود بن فرقد المتقدمة الذكر من كفاية الاستغفار و سقوط الكفارة مع العجز عنها، و لكن لما كانت ضعيفة و لا جابر لها لم يكتف بالسقوط كلية، حتى لو تمكن فيما بعد.

قوله قده مسألة 15: (إذا اتفق حيضها حال المقاربة و تعمد في عدم الإخراج. إلخ)

وجوب الكفارة لإطلاق دليلها مع صدق الوطء عمدا.

قوله قده مسألة 16: (إذا أخبرت بالحيض و عدمه يسمع قولها)

لما تقدم من وجوب سماع قولها فيما لا يعلم إلا من قبلها، لما تقدم من صحيح زرارة:

العدة و الحيض الى النساء، و في رواية الكليني زيادة: إذا ادعت صدقت.

قوله قده مسألة 17: (يجوز إعطاء قيمة الدينار. إلخ)

وجهه هو استظهار ان ذكر الدينار إنما هو لبيان مقدار ما يجب عليه من المال لا الخصوصية و الأخذ بظهور لفظ الدينار، و يؤيد هذا الاستظهار عدم السقوط بالتعذر، بل الانتقال إلى القيمة مع عدم الدليل عليه إلا دليل الدينار، و الأمر بنصف الدينار و ربعه مع عدم وجودهما مضروبين مما يؤيد القيمة أيضا و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 18: (الأحوط إعطاء كفارة الأمداد لثلاثة مساكين. إلخ)

و هو المحكى عن المقنعة و الانتصار و النهاية و السرائر و المهذب

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 453

و اما كفارة الدينار فيجوز إعطاؤها لمسكين واحد (1) و الأحوط صرفها (2) على ستة أو سبعة مساكين.

[ (مسألة 19) إذا وطئها في الثلث الأول و الثاني و الثالث]

(مسألة 19) إذا وطئها في الثلث الأول (3) و الثاني و الثالث فعليه الدينار و نصفه و ربعه، و إذا كرر الوطء في كل ثلث فان كان بعد التكفير وجب التكرار و إلا فكذلك أيضا على الأحوط.

______________________________

و الجامع، بل عن محكي السرائر نفى الخلاف فيه،

و عن محكي الانتصار الإجماع عليه.

قوله قده: (و اما كفارة الدينار فيجوز إعطاؤها لمسكين واحد. إلخ)

كما صرح به جماعة تبعا للروض لإطلاق النص.

قوله قده: (و الأحوط صرفها. إلخ)

وجه الاحتياط في السبعة حسن الحلبي المتقدم سأل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل واقع امرأته و هي حائض فقال عليه السلام: إن كان واقعها في استقبال الدم فليستغفر اللّه و يتصدق على سبعة نفر من المؤمنين بقدر قوت كل نفر منهم ليومه و لا يعد، الحديث، و كان ينبغي له حينئذ أن يكون مقدار ما يكفى لكل منهم قوت يومه كما قيل به فيه.

قوله قده مسألة 19: (إذا وطئها في الثلث الأول. إلخ)

لا إشكال في الفرض المذكور بوجوب الدينار و نصفه و ربعه، لتغاير الأسباب و المسببات بحسب الأوقات التي عيّنها الشارع، و اما تكرار الوطء في كل ثلث فظاهر إطلاق الأخبار ان كل وطء سبب مستقل تخلل تكفير في الأثناء أم لا، فمتى وجد وجد السبب فيؤثر وجوبا أو استحبابا على القولين، قال العلامة في المنتهى:

التاسع، لو كرر الوطء قال الشيخ: لا يتكرر عملا بالأصل، و اختاره ابن إدريس،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 454

[ (مسألة 20) الحق بعضهم النفساء بالحائض في وجوب الكفارة]

(مسألة 20) الحق بعضهم النفساء بالحائض في وجوب (1) الكفارة و لا دليل عليه، نعم لا إشكال في حرمة وطئها،

[ (التاسع) بطلان طلاقها]
اشارة

(التاسع) بطلان طلاقها و ظهارها إذا كانت مدخولا بها (2)،

______________________________

و التفصيل في هذا الباب أولى، و هو أن يقال: إن كان الوطء قد تكرر في حال واحد كالأول و لم يكفر أولا فلا تكرر و إلا تكررت انتهى.

قوله قده مسألة 20: (الحق بعضهم النفساء بالحائض في وجوب. إلخ)

قال العلامة في المنتهى: الرابع عشر، حكم النفساء في ذلك حكم الحيض لتساوى أحكامها على ما يأتي. انتهى. و الحق أن الإلحاق في بعض الأحكام مثل حرمة الوطء مما لا اشكال فيه، و اما إلحاقها بالحائض في جميع أحكامها حتى في الكفارة وجوبا أو استحبابا على الخلاف فمحل إشكال، إذ هو تقوّل على الشارع بغير دليل، نعم الاحتياط طريق النجاة و اللّه العالم.

قوله قده: (التاسع: بطلان طلاقها و ظهارها إذا كانت مدخولا بها.

إلخ)

قال في الحدائق: لا خلاف بين الأصحاب في أنه لا يصح طلاقها بعد الدخول و حضور الزوج أو ما في حكمه. إلخ. و قال في الجواهر: يحرم بل لا يصح طلاقها إجماعا من المسلمين في الأول كما حكاه في المعتبر و المنتهى و غيرهما، و من الفرقة المحققة في الثاني إذا كانت مدخولا بها و زوجها حاضر معها أو في حكمه لا غائبا أو في حكمه و كانت حائلا و لا حاملا إجماعا محصلا و منقولا صريحا في الذكرى و جامع المقاصد و كشف اللثام و غيرها الى آخر ما ذكره، و للنصوص الكثيرة منها على ما في الوسائل عن زرارة عن اليسع قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لا طلاق إلا على السنة، و

لا طلاق إلا على طهر من غير جماع، الحديث، و منها ما عن بكير بن أعين عن أبى جعفر عليه السلام قال: الطلاق أن يطلق الرجل المرأة على طهر من

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 455

و لو دبرا و كان زوجها حاضرا أو في حكم الحاضر و لم تكن حاملا فلو لم تكن مدخولا بها أو كان زوجها غائبا أو في حكم الغائب

______________________________

غير جماع، الحديث و نحوهما غيرهما.

قوله قده: (و ظهارها. إلخ)

موضع وفاق بين علمائنا ففي صحيح زرارة عن أبى جعفر عليه السلام في حديث انه سأله كيف الظهار؟ فقال: يقول الرجل لامرأته و هي طاهر من غير جماع، الحديث، و عن ابن فضال عمن أخبره عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: لا يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق، و عن أبى ولاد عن حمران عن أبى جعفر عليه السلام في حديث قال: لا يكون ظهار إلا على طهر بغير جماع، الحديث و نحوها غيرها.

قوله قده: (إذا كانت مدخولا بها و لو. إلخ)

إجماعا لأن غير المدخول بها معدودة من الخمس اللاتي يطلقن على كل حال، حسبما استفاضت به النصوص، ففي صحيح إسماعيل بن جابر الجعفي عن أبى جعفر عليه السلام قال: خمس يطلقن على كل حال الحامل المستبين حملها، و التي لم يدخل بها زوجها، و الغائب عنها زوجها، و التي لم تحض، و التي قد جلست عن المحيض، و عن الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بطلاق خمس على كل حال الغائب عنها زوجها، و التي لم تحض، و التي لم يدخل بها زوجها، و الحبلى، و التي قد يئست من المحيض، و عن محمد بن

مسلم و زرارة و غيرهما عن أبى جعفر و أبى عبد اللّه (ع) قال: خمس يطلقهن أزواجهن متى شاءوا الحامل المستبين حملها، و الجارية التي لم تحض، و المرأة التي قد قعدت من المحيض، و الغائب عنها زوجها، و التي لم يدخل بها.

قوله قده: (و لو دبرا. إلخ)

على اشكال في الاكتفاء به إلا أن

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 456

بان لم يكن متمكنا من استعلام حالها أو كانت حاملا يصح طلاقها، و المراد بكونه في حكم الحاضر أن يكون مع غيبته متمكنا من استعلام حالها.

[ (مسألة 21) إذا كان الزوج غائبا و وكل حاضرا متمكنا من استعلام حالها]

(مسألة 21) إذا كان الزوج غائبا و وكل حاضرا متمكنا من استعلام حالها لا يجوز له طلاقها في حال الحيض. (1)

[ (مسألة 22) لو طلقها باعتقاد أنها طاهرة فبانت حائضا]

(مسألة 22) لو طلقها باعتقاد أنها طاهرة (2) فبانت حائضا بطل و بالعكس صح.

______________________________

يكون إجماع على ذلك قال في الجواهر: لا خلاف في تحقق الدخول بالوطء دبرا في كل ما جعل عنوانا له في الأحكام و لم نعرف مخالفا في ذلك إلا من المحدّث البحراني فادعى انسباق الدخول في القبل من الأدلة المزبورة إلى آخر ما ذكره، و ما ادعاه المحدث البحراني من الانسباق الى القبل و انصراف الأدلة عما سواه، إذ هو محل لتكون الولد منه لئلا تختلط الأنساب، و ان كان ذلك حكمة لا علة تامة و اللّه العالم.

قوله قده مسألة 21: (إذا كان الزوج غائبا و وكل) الى قوله: (لا يجوز له طلاقها في حال الحيض «اه)

لان حكم الوكيل فيما وكل فيه حكم الموكل إلا ما خرج بالدليل، و ما نحن فيه لا يجوز للموكل مع حضوره و تمكنه من استعلام حالها طلاقها في حال الحيض، فكذا الوكيل بالقيود المذكورة.

قوله قده مسألة 22: (لو طلقها باعتقاد أنها طاهرة. إلخ)

و ذلك لدوران الأحكام مدار الواقع، إلا ما قام الدليل على خلافه، مع ظهور الأدلة فيما نحن فيه في كون الطهر شرطا واقعيا تدور الصحة مداره وجودا و عدما، و لم يقم دليل على كفاية الاعتقاد في المخطئ و اللّه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 457

[ (مسألة 23) لا فرق في بطلان طلاق الحائض بين أن يكون حيضها وجدانيا أو بالرجوع الى التمييز]

(مسألة 23) لا فرق في بطلان طلاق الحائض بين أن يكون حيضها وجدانيا أو بالرجوع الى التمييز (1) أو التخيير بين الأعداد المذكورة سابقا، و لو طلقها في صورة تخييرها قبل اختيارها فاختارت التحيض بطل، و لو اختارت عدمه صح، و لو ماتت قبل الاختيار بطل أيضا. (2)

[ (مسألة 24) بطلان الطلاق و الظهار و حرمة الوطء و وجوب الكفارة مختصة بحال الحيض]

(مسألة 24) بطلان الطلاق و الظهار و حرمة الوطء و وجوب الكفارة مختصة بحال الحيض (3) فلو طهرت و لم تغتسل لا تترتب هذه الأحكام فيصح

______________________________

قوله قده مسألة 23: (لا فرق في بطلان طلاق الحائض بين أن يكون حيضها وجدانيا أو بالرجوع الى التمييز. إلخ)

و ذلك بعد تنزيل الشارع غير الوجداني منزلة الوجداني تعبدا، فيجري عليه أحكامه، نعم يبقى الاشكال فيما ذكره في المخيرة بالاعداد لو طلقها في صورة تخييرها قبل اختيارها فاختارت التحيض ذلك الزمن الذي أوقع فيه الطلاق، من أنه يبطل الطلاق لوقوعه في زمن اختارته للتحيض، بل الأقرب أو هو المتعين وقوع الطلاق و صحته، إذ لما كان الطلاق بيد الزوج بإطلاق دليله فالاختيار له في إيقاعه أي زمان أراده. ما لم يكن مانع شرعي، و ما أوقعه فيه من الزمان كان فارغا غير مشغول لاختيار الزوجة، فيتعين عليها اختيار غيره و ليس لها اختياره، إذ لها أن تختار لحيضها الزمن الفارغ لا المشغول بطلاق الزوج، و وقوع ما اختارته بعد على ما اختاره الزوج قبل و بطلان الطلاق يحتاج الى دليل قوى و ليس فليس.

قوله قده: (و لو ماتت قبل الاختيار بطل أيضا. اه)

بل صح إذ لا مانع منه كما تقدم.

قوله قده مسألة 24: (بطلان الطلاق و الظهار) الى قوله: (مختصة بحال الحيض. إلخ)

أما اختصاص حرمة الوطء بحال الحيض فلما رواه

العمل الأبقى في

شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 458

طلاقها و ظهارها و يجوز وطؤها و لا كفارة فيه، و اما الأحكام الأخرى المذكورة فهي ثابتة ما لم تغتسل.

______________________________

العلامة في المنتهى عن الشيخ (قده) عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال: المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها فقال: ان أصاب زوجها شبق فلتغسل فرجها ثم يمسها زوجها إن شاء قبل أن تغتسل، و روى عن على بن يقطين عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا انقطع الدم و لم تغتسل فليأتها زوجها ان شاء، و عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام في المرأة ينقطع عنها الحيض في آخر أيامها قال: إن أصاب زوجها شبق فلتغسل فرجها ثم يمسها ان شاء قبل أن تغتسل، و روى عن عبد اللّٰه بن المغيرة عمن سمع عن العبد الصالح عليه السّلام في المرأة إذا طهرت من الحيض و لم تمس الماء فلا يقع عليها زوجها حتى تغتسل فان فعل ذلك فلا بأس، و قال: تمس الماء أحب الىّ، و عن على بن يقطين عن ابى الحسن عليه السّلام في الحائض ترى الطهر يقع بها زوجها قبل أن تغتسل قال: لا بأس و بعد الغسل أحب الىّ، و اما اختصاص وجوب الكفارة بحال الحيض فإنها تابعة للحرمة، فإذا انتفت الحرمة بعد الطهر قبل الغسل كما دلت عليه الأخبار المذكورة انتفى وجوب الكفارة، و اما اختصاص بطلان الطلاق بحال الحيض فهو لإطلاق الأدلة خرج منه ذات الدم الفعلي، و يبقى سائر الأحوال داخلا في الإطلاق مشمولا للحكم، قال صاحب الجواهر (قده): المنساق من النص و الفتوى ذات الدمين فعلا أو حكما بخلاف من نقت و لما

تغتسل من الحدث فلا بأس بطلاقها لإطلاق الأدلة. إلخ، و اما اختصاص بطلان الظهار بحال الحيض فلتنزيله في جملة من الأخبار منزلة الطلاق كما في قول أبى عبد اللّٰه عليه السّلام في المرسل لا يكون

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 459

[ (العاشر) وجوب الغسل بعد انقطاع الحيض للأعمال الواجبة]
اشارة

(العاشر) وجوب الغسل بعد انقطاع الحيض (1) للأعمال الواجبة المشروطة بالطهارة كالصلاة و الطواف و الصوم، و استحبابه للأعمال التي يستحب لها الطهارة، و شرطيته للأعمال الغير الواجبة التي يشترط فيها الطهارة.

[ (مسألة 25) غسل الحيض كغسل الجنابة مستحب نفسي]

(مسألة 25) غسل الحيض كغسل الجنابة مستحب نفسي (2)،

______________________________

الظهار إلا على مثل موضع الطلاق، و اما الأحكام الأخر المذكورة للحائض الثابتة لها ما لم تغتسل، فيدل على ثبوتها أنها أحكام للحدث الخاص و لو مع انقطاع الدم، و يشهد لذلك جمعها و الجنب في كل منها، فيدل على ان المراد من الحائض ذات الحدث لا ذات الدم فقط و اللّٰه العالم.

قوله قده: (العاشر: وجوب الغسل بعد انقطاع الحيض. إلخ)

و ذلك عند وجوب المشروط به إجماعا محصلا و منقولا على ما حكى عن جملة من الأعلام، و في المنتهى و هو مذهب علماء الأمة كافة، و للسنة المتواترة منها ما رواه الشيخ عن يونس عن بعض رجاله عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام فاذا حاضت المرأة و كان حيضها خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلت، و ما رواه عن سماعة عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال: و غسل الحائض إذا طهرت واجب، و ما رواه عن أبى بصير عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال: الطامث تغتسل بستة أرطال من ماء، و ما رواه عن يونس عن رجاله عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام عن أبيه قال: إذا رأيت الدم البحراني فدعي الصلاة، و إذا رأيت الطهر و لو ساعة من نهار فاغتسلي و صلى، و بهذا الاسناد عنه (ع) عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم انه قال: لحمنة بنت جحش تحيضي في كل شهر في علم اللّٰه ستة

أيام أو سبعة أيام، ثم اغتسلي غسلا و صومي ثلاثا و عشرين أو أربعا و عشرين و غير ذلك من الأخبار.

قوله قده مسألة 25: (غسل الحيض كغسل الجنابة مستحب نفسي. إلخ)

و الذي يدل على استحبابه النفسي هو انه طهارة، فيدل عليه كل ما دل

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 460

و كيفيته مثل غسل الجنابة (1) في الترتيب و الارتماس و غيرهما مما مر، و الفرق أن غسل الجنابة لا يحتاج الى الوضوء بخلافه فإنه يجب معه الوضوء (2) قبله أو بعده

______________________________

على استحباب الطهارة من الكتاب و السنة، مثل قوله عز من قائل (رِجٰالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَ اللّٰهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) و قوله (إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).

قوله قده: (و كيفيته مثل غسل الجنابة. إلخ)

بلا خلاف أجده كما في الجواهر، و مذهب العلماء كافة كما حكى عن المدارك، و قول الصادق عليه السلام في الموثق و المرسل عن الفقيه و المقنع و المجالس: غسل الجنابة و الحيض واحد، و خبر أبى بصير عنه (ع) قال سألته أ عليها غسل مثل غسل الجنابة؟ قال: نعم يعني الحائض.

قوله قده: (و الفرق ان غسل الجنابة لا يحتاج الى الوضوء بخلافه فإنه يجب فيه الوضوء. إلخ)

على الأشهر بل المشهور، بل عن المحكى عن الصدوق في الأمالي: الإقرار بان في كل غسل وضوء من دين الإمامية، و قد استدلوا على ذلك مضافا الى العمومات الدالة على سببية البول و الغائط و النوم و غيرها من النواقض التي يمتنع تخلفها عن الحائض عادة لوجوب الوضوء، بمرسلة ابن أبى عمير التي هي كالصحيحة عن رجل عن الصادق (ع) قال:

كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة، و رواه الشيخ بطريق

صحيح إليه أيضا عن حماد بن عثمان أو غيره عن الصادق عليه السّلام قال: في كل غسل وضوء إلا الجنابة، و عن ظاهر المختلف أنهما روايتان، و استدل لهم أيضا بخبر على ابن يقطين عن أبى الحسن الأول عليه السّلام قال: إذا أردت أن تغتسل للجمعة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 461

أو بينه إذا كان ترتيبيا،

______________________________

فتوضأ و اغتسل، مع تتميمه بعدم القول بالفصل، و يؤيده المروي عن غوالي اللئالي عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم: كل غسل لا بد فيه من وضوء إلا الجنابة، و عن الفقه الرضوي: و الوضوء في كل غسل ما خلا غسل الجنابة، لأن غسل الجنابة فريضة يجزيه عن الفرض الثاني و لا يجزيه سائر الأغسال عن الوضوء لأن الغسل سنة و الوضوء فريضة و لا يجزى سنة عن فرض، و غسل الجنابة و الوضوء فريضتان فاذا اجتمعا فأكبر هما يجزى عن أصغرهما، فإذا اغتسلت لغير الجنابة فابدأ بالوضوء ثم اغتسل، و لا يجزيك الغسل عن الوضوء، فان اغتسلت و نسيت الوضوء فتوضأ و أعد الصلاة، و حكى عن ابن الجنيد و السيد و جماعة من متأخري المتأخرين كالأردبيلي و أصحاب المدارك و الذخيرة و المفاتيح و الحدائق كفاية كل غسل عن الوضوء، و استدل لهم بأخبار مستفيضة (منها) صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام قال: الغسل يجزى عن الوضوء، و أى وضوء أطهر من الغسل، و في الصحيح عن حكم بن حكيم قال سألت الصادق عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال: أفض على كفك اليمنى- الى أن قال- قلت إن الناس يقولون: يتوضأ وضوء الصلاة قبل الغسل فضحك، فقال أى وضوء أنقى من

الغسل و أبلغ! و عن سليمان بن خالد في الصحيح عن الباقر (ع) قال: الوضوء بعد الغسل بدعة، و عن عبد اللّٰه بن سليمان قال سمعت الصادق (ع) يقول: الوضوء بعد الغسل بدعة، و عن محمد بن أحمد ابن يحيى مرسلا: ان الوضوء بعد الغسل بدعة، و بهذا الإسناد قال:

الوضوء قبل الغسل و بعده بدعة، و مكاتبة عبد الرحمن الهمداني الى ابى الحسن الثالث سألته عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة فكتب: لا وضوء للصلاة

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 462

و الأفضل في جميع الأغسال جعل الوضوء قبلها. (1)

[ (مسألة 26) إذا اغتسلت جاز لها كل ما حرم عليها بسبب الحيض]

(مسألة 26) إذا اغتسلت جاز لها كل ما حرم عليها بسبب الحيض و إن لم تتوضأ، فالوضوء ليس شرطا في صحة الغسل بل يجب لما يشترط به كالصلاة و نحوها (2).

______________________________

في غسل الجمعة و غيره، و موثقة الساباطي عن الصادق (ع) في الرجل إذا اغتسل من جنابة أو يوم جمعة أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال: لا ليس عليه قبل و لا بعد فقد أجزأ عنه الغسل، و المرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل و لا بعد فقد أجزأها الغسل، و مرسلة حماد بن عثمان عن الصادق (ع) في الرجل يغتسل الجمعة أو غير ذلك أ يجزيه عن الوضوء فقال (ع): و أى وضوء أطهر من الغسل! و يعضدها إطلاق الأخبار الآمرة بالغسل الواردة في باب الاستحاضة و الحيض و النفاس، مع ورودها في مقام الحاجة و الأمر بالصلاة عقيب الغسل في جملة منها، فلو كان الوضوء واجبا لوجب الأمر به في مثل هذه الموارد الى آخر ما ذكروه في

هذا المقام، و الذي أراه أن الأخبار متعارضة و بعيدة عن الجمع العرفي، و المرجع فيها المرجحات السندية، و عندي في المسألة توقف و الاحتياط طريق النجاة و اللّٰه العالم بحقيقة أحكامه.

قوله قده: (و الأفضل في جميع الأغسال جعل الوضوء قبلها. اه)

و ذلك لما عرفت من الأخبار المتلوة عليك من أن أمر الوضوء دائر بين وجوب التقديم و التخيير بينه و بين التأخير، فالأخذ بالتعيين مبرء للذمة قطعا و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 26: (إذا اغتسلت جاز لها كل ما حرم عليها) الى قوله: (بل يجب لما يشترط به كالصلاة و نحوها. اه)

فيه اشكال بل ظاهر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 463

[ (مسألة 17) إذا تعذر الغسل تتيمم بدلا عنه]

(مسألة 17) إذا تعذر الغسل تتيمم بدلا عنه (1) و إن تعذر الوضوء أيضا تتيمم، و إن كان الماء بقدر أحدهما تقدم الغسل (2).

[ (مسألة 28) جواز وطئها لا يتوقف على الغسل]

(مسألة 28) جواز وطئها لا يتوقف على الغسل (3) لكن يكره (4) قبله، و لا يجب غسل فرجها (5) أيضا قبل الوطء و ان كان أحوط، بل الأحوط ترك الوطء قبل الغسل.

[ (مسألة 29) ماء غسل الزوجة و الأمة على الزوج و السيد]

(مسألة 29) ماء غسل الزوجة و الأمة على الزوج (6) و السيد على الأقوى.

[ (مسألة 30) إذا تيممت بدل الغسل ثم أحدثت بالأصغر]

(مسألة 30) إذا تيممت بدل الغسل ثم أحدثت بالأصغر لا يبطل تيممها (7)،

______________________________

بعض نصوص وجوب الوضوء شرطيته للغسل بنحو لا يترتب عليه أثر بدونه و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 27: (إذا تعذر الغسل تيمم بدلا عنه)

و ذلك لأدلة البدلية من الكتاب و السنة.

قوله قده: (و ان كان الماء بقدر أحدهما تقدم الغسل. اه)

لأهميته.

قوله قده مسألة 28: (جواز وطئها لا يتوقف على الغسل. إلخ)

لما تقدم من الأخبار الصريحة في جواز ذلك.

قوله قده: (لكن يكره. إلخ)

جمعا بين الأخبار المجوزة للوطء قبل الغسل و بين الأخبار المانعة حتى تغتسل بحملها على الكراهة.

قوله قده: (و لا يجب غسل فرجها. إلخ)

لإطلاق أدلة جواز وطئها إذا طهرت، نعم لما ورد ذلك في بعض الأخبار حملت على الكراهة قبله، و هو وجه احتياط المصنف.

قوله قده مسألة 29: (ماء غسل الزوجة و الأمة على الزوج. إلخ)

لدخوله عرفا في النفقة الواجبة على الزوج على اشكال في ذلك.

قوله قده مسألة 30: (إذا تيممت بدل الغسل ثم أحدثت بالأصغر لا يبطل تيممها. إلخ)

المسألة مبنية على ان الحدث الأصغر ناقض للتيمم أم لا

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 464

بل هو باق الى أن تتمكن من الغسل.

[ (الحادي عشر) وجوب قضاء ما فات في حال الحيض]
اشارة

(الحادي عشر) وجوب قضاء ما فات في حال الحيض من صوم (1) شهر رمضان و غيره من الصيام الواجب، و أما الصلوات اليومية فليس عليها قضاؤها بخلاف غير اليومية مثل الطواف و النذر المعين و صلاة الآيات فإنه يجب قضاؤها على الأحوط بل الأقوى.

______________________________

ينتقض حتى يتمكن من الغسل؟ و لما كان مختار المصنف هو الثاني بنى ما ذكره هنا عليه و اللّٰه العالم.

قوله قده: (الحادي عشر: وجوب قضاء ما فات في حال الحيض من صوم. إلخ)

قال في الجواهر: إجماعا

محصلا و منقولا مستفيضا من الفرقة المحقة، و قال في المنتهى: و هو مذهب علماء الإسلام، و الذي يدل عليه ما رواه الشيخ عن على بن عقبة عن أبيه عن أبى عبد اللّٰه (ع): في الحائض في رمضان تأكل و تشرب ثم تقضيه، و ما رواه عن يونس عن بعض رجاله عن ابى عبد اللّٰه (ع): فإن رأت الدم ثلاثة أيام فهو من الحيض، و لم يجب عليها قضاء الصلاة، و ما رواه عن ابان عمن أخبره عن ابى جعفر و أبى عبد اللّٰه عليهما السلام قال: الحائض تقضى الصيام و لا تقضى الصلاة، و ما رواه عن الحسين بن راشد قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) الحائض تقضى الصلاة؟ قال:

لا، قلت تقضى الصوم؟ قال: نعم، قلت من أين جاء هذا؟ قال: أول من قاس إبليس، و ما رواه في الحسن عن زرارة قال سألت أبا جعفر (ع) عن قضاء الحائض الصلاة ثم تقضى الصيام فقال: ليس عليها أن تقضى الصلاة،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 465

[ (مسألة 31) إذا حاضت بعد دخول الوقت]

(مسألة 31) إذا حاضت بعد دخول الوقت فان كان مضى منه (1) مقدار أداء أقل الواجب من صلاتها بحسب حالها من السرعة و البطوء و الصحة و المرض و السفر و الحضر و تحصيل الشرائط بحسب تكليفها الفعلي من الوضوء أو الغسل أو التيمم و غيرها من سائر الشرائط الغير الحاصلة و لم تصل وجب عليها قضاء تلك الصلاة كما أنها لو علمت بمفاجأة الحيض وجب عليها المبادرة (2)

______________________________

و عليها أن تقضى صوم شهر رمضان، ثم أقبل علىّ فقال: ان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم كان يأمر بذلك فاطمة، و كان يأمر

بذلك المؤمنات، و الظاهر شمول الحكم لكل صلاة موقتة و عدم اختصاص الحكم بالفرائض اليومية أخذا بإطلاق قوله (ع) و لم يجب عليها قضاء الصلاة، و قوله: الحائض تقضى الصيام و لا تقضى الصلاة، و المحكى عن جامع المقاصد ان عدم وجوب قضاء الصلاة الموقتة موضع وفاق، و اما الصوم الفائت زمن الحيض فقضاء شهر رمضان القدر المتيقن مما يجب قضاؤه، و اما غيره ففي وجوب قضائه و عدمه قولان، و الأحوط وجوب قضائه.

قوله قده مسألة 31: (إذا حاضت بعد دخول الوقت فان كان مضى منه. إلخ)

وجوب القضاء عليها فيما ذكره من الفرض إذا طهرت بلا خلاف فيه في الجملة، و يدل عليه مضافا الى الإجماع موثقة يونس بن يعقوب في امرأة دخل عليها وقت صلاة و هي طاهر فأخرت الصلاة حتى حاضت قال (ع):

تقضى إذا طهرت، و خبر عبد الرحمن بن الحجاج قال سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس و لم تصل الظهر هل عليها قضاء تلك الصلاة؟

قال: نعم.

قوله قده: (وجبت عليها المبادرة. إلخ)

لصدق التفويت عرفا مع التواني و التثاقل.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 466

إلى الصلاة و في مواطن التخيير يكفى سعة مقدار القصر (1)، و لو أدركت من الوقت أقل مما ذكرنا لا يجب عليها القضاء و إن كان الأحوط القضاء إذا أدركت الصلاة مع الطهارة (2) و إن لم تدرك سائر الشرائط، بل و لو أدركت أكثر الصلاة بل الأحوط قضاء الصلاة إذا حاضت بعد الوقت مطلقا و إن لم تدرك شيئا من الصلاة (3).

[ (مسألة 32) إذا طهرت من الحيض قبل خروج الوقت]

(مسألة 32) إذا طهرت من الحيض قبل خروج الوقت فإن أدركت من الوقت ركعة (4) مع إحراز الشرائط وجب عليها الأداء و

إن تركت وجب

______________________________

قوله قده: (و في مواطن التخيير يكفى سعة مقدار القصر. إلخ)

لتمكنها من إتيان الواجب بإتيان أحد فرديه.

قوله قده: (و ان كان الأحوط القضاء إذا أدركت الصلاة مع الطهارة.

إلخ)

لما ذكره جماعة و حكى عن ظاهر الشرائع و القواعد انه إذا دخل وقت الصلاة فحاضت و قد مضى من الوقت مقدار أدائها و الطهارة وجب عليها القضاء، و لم يتعرضوا لغير الطهارة من الشرائط، بل حكى عن كشف اللثام نسبته إلى الأكثر و كأن وجهه ان ما عدا الطهارة من الشرائط يختص اعتباره بصورة التمكن منها، فاذا فرض عدم التمكن منها كانت الصلاة مع الطهارة بدونها واجبة، فاذا تركتها فقد فاتت و وجب قضاؤها، قال في الجواهر: و هذا غير مجد مع توقف التكليف هنا على الجميع لمعلومية امتناع قصور الوقت عما كلف به فيه، الى آخر ما ذكره (قده) فليراجع.

قوله قده: (بل الأحوط قضاء الصلاة إذا حاضت بعد الوقت مطلقا و ان لم تدرك شيئا من الصلاة اه)

لم يتضح لنا مأخذه مع أنه مخالف لصريح الأخبار القائلة بسقوط الصلاة عن الحائض و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 32: (إذا طهرت من الحيض قبل خروج الوقت فإن أدركت من الوقت ركعة. إلخ)

لا يخفى أن وجوب الأداء على من أدركت

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 467

قضاؤها و إلا فلا و إن كان الأحوط القضاء إذا أدركت ركعة مع الطهارة (1) و إن لم تدرك سائر الشرائط بل الأحوط القضاء إذا طهرت قبل خروج الوقت مطلقا (2)،

______________________________

من آخر الوقت بمقدار الطهارة التي لا صلاة إلا بها دون غيرها من الشرائط الاختيارية على الأظهر و ركعة فضلا عن الأكثر وجب عليها الأداء، و مع الإخلال القضاء لما

ذكر في باب المواقيت: من أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، فذلك بمنزلة إدراك الكل في لزوم الأداء الذي يلزمه وجوب القضاء على تقدير الإخلال، و يدل عليه مصححة عبيد بن زرارة: أيما امرأة رأت الطهر و هي قادرة على أن تغتسل في وقت صلاة معينة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة اخرى، كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها، و ان رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت الصلاة و دخل وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء، و تصلى الصلاة التي دخل وقتها، و لغيرها من الأخبار.

قوله قده: (و ان كان الأحوط القضاء إذا أدركت ركعة مع الطهارة.

إلخ)

لما ذكرناه من الوجه قريبا فيما لو أدركت الطهارة و الصلاة فقط دون باقي الشرائط في أول الوقت و ذهب إليه في الشرائع و النافع و القواعد و غيرها، فاذا فرض وجوبه وجب القضاء لما عرفت من عموم قضاء ما فات.

قوله قده: (بل الأحوط القضاء إذا طهرت قبل خروج الوقت مطلقا. إلخ)

و استدل على ذلك بجملة من النصوص منها خبر منصور بن حازم عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا طهرت الحائض قبل العصر صلت الظهر

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 468

و إذا أدركت ركعة مع التيمم لا يكفي في الوجوب (1) إلا إذا كان وظيفتها التيمم مع قطع النظر عن ضيق الوقت و إن كان الأحوط الإتيان مع التيمم، و تمامية الركعة بتمامية الذكر (2) من السجدة الثانية لا برفع الرأس منها.

[ (مسألة 33) إذا كانت جميع الشرائط حاصلة قبل دخول الوقت]

(مسألة 33) إذا كانت جميع الشرائط حاصلة قبل دخول الوقت يكفى (3)

______________________________

و العصر، فان طهرت في آخر وقت العصر صلت العصر، و منها

خبر الكناني عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب و العشاء، و إن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلت الظهر و العصر، و نحوهما غيرهما، و لكن لا يخفى ان مدلولهما أعم من ذلك، فيشكل الاستدلال بهما على هذا الحكم المخالف للقواعد المتلقاة منهم عليهم السلام.

قوله قده: (و إذا أدركت ركعة مع التيمم لا يكفي في الوجوب. إلخ)

بدعوى ان الذي يظهر من أخبار الباب هو تمكنها من أداء ركعة بشرائطها الاختيارية بحسب حالها من الغسل و الوضوء و البطء و الخفة و هو محل اشكال و تأمل بل يمكن أن يقال ان حالها حال غيرها من المكلفين لو تضيق الوقت عن الطهارة المائية وجب إتيانها مع الطهارة الترابية، إلا أن يكون إجماع على خلافه فيما نحن فيه، و قد ادعى الإجماع في الجواهر على عدم الوجوب بإدراك الصلاة مع التيمم فراجع.

قوله قده: (و تمامية الركعة بتمامية الذكر. إلخ)

حقيقة شرعية أو متشرعية.

قوله قده مسألة 33: (إذا كانت جميع الشرائط حاصلة قبل دخول الوقت يكفي. إلخ)

إذ الذي يفهم من الأدلة هو مضي وقت يمكنها فيه أداء الصلاة، و إذا كانت جميع الشرائط حاصلة قبل الوقت لا تحتاج لأكثر من مضى وقت يسع الصلاة ليس إلا.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 469

في وجوب المبادرة و وجوب القضاء مضى مقدار أداء الصلاة قبل حدوث الحيض فاعتبار مضى مقدار تحصيل الشرائط إنما هو على تقدير عدم حصولها.

[ (مسألة 34) إذا ظنت ضيق الوقت عن إدراك ركعة فتركت ثم بانت لها السعة]

(مسألة 34) إذا ظنت ضيق الوقت عن إدراك ركعة فتركت (1) ثم بانت لها السعة وجب عليها القضاء.

[ (مسألة 35) إذا شكت في سعة الوقت و عدمها]

(مسألة 35) إذا شكت في سعة الوقت و عدمها وجبت المبادرة (2).

[ (مسألة 26) إذا علمت أول الوقت بمفاجأة الحيض]

(مسألة 26) إذا علمت أول الوقت بمفاجأة الحيض وجبت المبادرة، بل و إن شكت على الأحوط و إن لم تبادر وجب عليها القضاء (3) إلا إذا تبين عدم السعة.

______________________________

قوله قده مسألة 34: (إذا ظنت ضيق الوقت عن إدراك ركعة فتركت. إلخ)

وجوب القضاء في الفرض المذكور لصدق الفوت واقعا فيشملها أدلة من فاتته فريضة فليقضها و ليس الظن بمانع.

قوله قده مسألة 35: (إذا شكت في سعة الوقت و عدمها وجبت المبادرة. اه)

لم يظهر وجه وجوب المبادرة لها مع أن الشك في أصل التكليف فالقاعدة تقتضي عدم وجوب شي ء عليها، و المورد مورد براءة، و لا فرق في ذلك بين ما إذا دخل الوقت و هي طاهر و علمت بطروء الحيض في الأثناء و شكت في تقدمه و تأخره، و بين ما لو طهرت قبل خروج الوقت و شكت في سعة المقدار الباقي و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 36: (إذا علمت أول الوقت بمفاجأة الحيض) الى قوله: (و ان لم تبادر وجب عليها القضاء. إلخ)

إذ مع علمها و عدم المبادرة تعد عرفا مفوتة للواجب فيجب عليها القضاء، و أما مع الشك فلا دليل على وجوب المبادرة، بل الدليل على عدم الوجوب للاستصحاب، نعم إذا تبين السعة وجب القضاء و اللّٰه العالم.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 470

[ (مسألة 37) إذا طهرت و لها وقت لإحدى الصلاتين]

(مسألة 37) إذا طهرت و لها وقت لإحدى الصلاتين (1) صلت الثانية و إذا كان بقدر خمس ركعات صلتهما.

[ (مسألة 38) في العشائين إذا أدركت أربع ركعات]

(مسألة 38) في العشائين إذا أدركت أربع ركعات صلت العشاء فقط (2) إلا إذا كانت مسافرة (3) و لو في مواطن التخيير فليس لها أن تختار التمام و تترك المغرب. (4)

______________________________

قوله قده مسألة 37: (إذا طهرت و لها وقت لإحدى الصلاتين. إلخ)

اما وجوب صلاة إحدى الصلاتين و هي الثانية لو لم يسع الوقت الا لها فلأنها صاحبة الوقت، و قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، بل في الخلاف و المدارك الإجماع عليه، و في المنتهى نفى الخلاف فيه بين أهل العلم، و اما وجوب الصلاتين المرتبتين بإدراك خمس ركعات فلما نقله في الجواهر من انه المشهور نقلا و تحصيلا، قال: و في الخلاف نفى الخلاف عنه، و حكى عن الفاضلين و الشهيدين و غيرهم، و لما تقدم من الإكتفاء في وجوب الأداء بإدراك ركعة و هو حاصل بالنسبة الى كل من الظهر و العصر.

قوله قده مسألة 38: (في العشائين إذا أدركت أربع ركعات صلت العشاء فقط. إلخ)

و ذلك لانحصار الوقت بها و خروج وقت المغرب.

قوله قده: (الا أن تكون مسافرة. إلخ)

فإن حالها حال من أدركت خمس ركعات من وقت الظهرين كما تقدم بيانه، فإنها تصلى المغرب ثلاثا و تدرك من وقت العشاء ركعة، فهي كما لو أدركت الوقت كله.

قوله قده: (و لو في مواطن التخيير فليس لها أن تختار التمام و تترك المغرب. اه)

إذ مع بقاء قدر أربع ركعات للمسافرة في مواطن التخيير لو اختارت التمام فقد فوتت المغرب مع تمكنها من أدائها فيجب عليها قضاؤها،

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 471

[ (مسألة 39) إذا اعتقدت السعة للصلاتين فتبين عدمها]

(مسألة 39) إذا اعتقدت السعة للصلاتين فتبين عدمها و ان وظيفتها إتيان الثانية وجب عليها قضاؤها (1) و إذا قدمت

الثانية باعتقاد الضيق فبانت السعة صحت (2) و وجب عليها إتيان الأولى بعدها، و ان كان التبين بعد خروج الوقت وجب قضاؤها.

[ (مسألة 40) إذا طهرت و لها من الوقت مقدار أداء صلاة واحدة]

(مسألة 40) إذا طهرت و لها من الوقت مقدار أداء صلاة واحدة (3) و المفروض ان القبلة مشتبهة تأتي بها مخيرة بين الجهات و إذا كان مقدار صلاتين تأتى بهما كذلك.

[ (مسألة 41) يستحب للحائض أن تتنظف و تبدل القطنة]

(مسألة 41) يستحب للحائض أن تتنظف و تبدل القطنة و الخرقة و تتوضأ 4 في أوقات الصلوات اليومية،

______________________________

بل يجب عليها قضاؤهما معا، اما المغرب فلعدم إتيانها و اما العشاء فلفوات شرط الترتيب بعد فرض اتساع الوقت للفرضين معا.

قوله قده مسألة 39: (إذا اعتقدت السعة للصلاتين- الى قوله- وجب عليها قضاؤها. إلخ)

لإيقاع الظهر في الوقت المختص بالعصر فيجب قضاؤها.

قوله قده: (و إذا قدمت الثانية باعتقاد الضيق- الى قوله- صحت. إلخ)

لوقوعها في الوقت المشترك و الترتيب شرط ذكري و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 40: (إذا طهرت و لها من الوقت مقدار أداء صلاة واحدة. إلخ)

و ذلك لدوران أمرها بين الترك لساتر الجهات و بين إتيانها لجهة واحدة أو جهتين ممكنة لها، و الموافقة الاحتمالية مقدمة على المخالفة القطعية، و ما لا يدرك كله لا يترك كله، و عدم سقوط الميسور بالمعسور، و قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم، و لا يجب عليها القضاء لامتثالها المأمور به لعدم جواز التكليف بما لا يتسع له الوقت.

قوله قده مسألة 41: (يستحب للحائض أن تتنظف و تبدل القطنة و الخرقة و تتوضأ. إلخ)

أما استحباب الوضوء في وقت كل صلاة فهو

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 472

بل كل صلاة موقتة (1) و تقعد في مصلاها مستقبلة مشغولة بالتسبيح و التهليل و التحميد و الصلاة على النبي و آله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم و قراءة القرآن و إن

كانت مكروهة في غير هذا الوقت، (2) و الأولى اختيار

______________________________

المشهور، بل عن محكي الخلاف إجماع الفرقة عليه لروايات منها رواية زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال: إذا كانت المرأة طامثا فلا يحل لها الصلاة، و عليها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة، تقعد في موضع طاهر فتذكر اللّٰه و تسبحه و تهلله و تحمده كمقدار صلاتها، و منها رواية الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: كن نساء النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم لا يقضين الصلاة إذا حضن و لكن يحتشين حين يدخل وقت الصلاة و يتوضأن ثم يجلسن قريبا من المسجد فيذكرن اللّٰه عز و جل، و منها رواية زيد الشحام عن أبى عبد اللّٰه (ع) ينبغي للحائض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة ثم تستقبل القبلة و تذكر اللّٰه، و منها رواية معاوية ابن عمار عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال: تتوضأ المرأة الحائض إذا أرادت أن تأكل، و إذا كان وقت الصلاة توضأت و استقبلت القبلة و هللت و كبرت و تلت القرآن و ذكرت اللّٰه عز و جل، هذا ما دلت عليه الأخبار من أمر الوضوء و لم أقف صريحا على ما يدل على استحباب التنظيف و تبديل القطنة و الخرقة، نعم قد يستفاد ذلك من لفظة الاحتشاء المذكورة في رواية الحلبي المتقدمة و اللّٰه العالم.

قوله قده: (بل كل صلاة موقتة. إلخ)

فإنه يقتضيه العموم في مصحح زرارة ما لم يدع انصرافه الى الصلوات الخمس اليومية.

قوله قده: (و ان كانت مكروهة في غير هذا الوقت. إلخ)

أى ان

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 473

التسبيحات الأربع و إن لم تتمكن من الوضوء تتيمم بدلا عنه

(1)، و الأولى عدم الفصل (2) بين الوضوء أو التيمم و بين الاشتغال بالمذكورات و لا يبعد بدلية القيام إن كانت تتمكن من الجلوس و الظاهر انتقاض هذا الوضوء بالنواقض المعهودة (3)

[ (مسألة 42) يكره للحائض الخضاب بالحناء أو غيرها]

(مسألة 42) يكره للحائض الخضاب بالحناء (4) أو غيرها و قراءة القرآن و لو أقل من سبع آيات و حمله و لمس هامشه و ما بين سطوره إن لم تمس الخط و إلا حرم.

______________________________

إطلاق كراهة قراءة القرآن للحائض مقيد بغير هذا المقام و هو أوقات الصلاة

قوله قده: (تتيمم بدلا عنه. إلخ)

بدعوى عموم بدليته عنه.

قوله قده: (و الأولى عدم الفصل)

لاحتمال اعتبار عدم الفصل.

قوله قده: (و الظاهر انتقاض هذا الوضوء بالنواقض المعهودة. اه)

بدعوى انه هو من إفراد تلك الماهية التي تكون نورا و ليس له حقيقة أخرى فإنه حقيقة واحدة على ما يظهر من اخبار تشريعه، و المحكى عن التذكرة انه استشكله لاحتمال انصراف أدلة النقض الى الوضوء الرافع و اللّٰه العالم.

قوله قده مسألة 42: (يكره للحائض الخضاب بالحناء. إلخ)

لرواية الحضرمي المحكية عن علل الشرائع للصدوق عن الحائض هل تخضب؟ قال: لا لأنه يخاف عليها من الشيطان، و في رواية أبي جميل و رواية عامر بن جذاعة النهي عن الخضاب، و الجمع بينها و بين غيرها من النصوص كرواية سماعة سألت العبد الصالح عن الجنب و الحائض يختضبان؟ قال (ع): لا بأس، و نحوها روايتا اليسع و على بن أبي حمزة يقتضي حمل ما ظاهره الحرمة على الكراهة، ثم الظاهر عدم الاختصاص بالحناء بل يعم غيره مما يتعارف الخضاب به، و لا بخضاب اليدين و الرجلين بل يعم الرأس و الحاجبين، و دعوى

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 474

[ (مسألة 43) يستحب لها الأغسال المندوبة كغسل الجمعة و الإحرام و التوبة]

(مسألة 43) يستحب لها الأغسال المندوبة (1) كغسل الجمعة و الإحرام و التوبة و نحوها و أما الأغسال الواجبة فذكروا عدم صحتها منها (2) و عدم ارتفاع الحدث مع الحيض و كذا الوضوءات المندوبة و بعضهم

قال بصحة غسل الجنابة دون غيرها (3)،

______________________________

الانصراف الى الحناء مع تعارف الخضاب بغيره لا يخلو من مجازفة.

قوله قده مسألة 43: (يستحب لها الأغسال المندوبة. إلخ)

كما عن جماعة التصريح بذلك، و قال في المعتبر على ما حكى عنه يجوز لها أن تتوضأ لتذكر اللّٰه سبحانه و تعالى و ان تغتسل لا لرفع الحدث كغسل الإحرام و دخول مكة، و في الجواهر: لا ينبغي الإشكال فيه لإطلاق أدلة مشروعيتها، و في المنتهى و يستحب لها الغسل للإحرام و الجمعة و دخول الحرم و غيرها من الأغسال المستحبة، عملا بالعموم و ليس شي ء منها رافعا للحدث فلا يصلح الحيض للمانعية. اه.

قوله قده: (و اما الأغسال الواجبة فذكروا عدم صحتها منها. إلخ)

قال في المعتبر على ما حكى عنه: و لا يرتفع لها حدث و عليه الإجماع و لأن الطهارة ضد الحيض فلا تتحقق مع وجوده. اه، و كذا ظاهر المنتهى بالنسبة إلى غسل الجنابة، و في الجواهر: انه ظاهر المبسوط و السرائر و الجامع و المنتهى و القواعد و غيرها ظهورا كاد أن يكون كالصريح في أكثرها.

قوله قده: (و بعضهم قال بصحة غسل الجنابة دون غيرها. إلخ)

و كأنه لموثق الساباطي عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام عن المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل أن تغتسل قال (ع): ان شاءت ان تغتسل فعلت، و ان لم تفعل فليس عليها شي ء، فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحيض و الجنابة.

العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 475

و الأقوى صحة الجميع (1) و ارتفاع حدثها و ان كان حدث الحيض باقيا بل صحة الوضوءات المندوبة لا لرفع الحدث.

______________________________

قوله قده: (و الأقوى صحة الجميع. إلخ)

و ذلك لإطلاق أدلتها المؤيدة بالموثق المتقدم و اللّٰه

العالم.

تم الجزء الثاني من كتاب العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى بتمام أحكام الحائض على يد مؤلفه الأحقر على بن محمد الحسيني شبر خامس عشر شهر صفر سنة 1385 هجرية

________________________________________

شبر، سيد على حسينى، العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى، 2 جلد، مطبعة النجف، نجف اشرف - عراق، اول، 1383 ه ق

[فصل في أحكام الحائض]

فصل في أحكام الحائض و هي أمور:

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.