حوار مع الشيخ صالح الدرويش حول كتابه التراحم بين آل بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم و بين بقية الصحابة

اشارة

سرشناسه : سبحاني تبريزي، جعفر، 1308 -

عنوان قراردادي : نقد كتاب وحدت و شفقت صحابه و اهل بيت با يكديگر .عربي

عنوان و نام پديدآور : حوار مع الشيخ صالح الدرويش حول كتابه «التراحم بين آل بيت النبي صلي الله عليه و آله و بين بقيةالصحابة»/ تاليف جعفر السبحاني ؛ ترجمه عبدالرضا شالچيان.

مشخصات نشر : تهران: نشر مشعر، 1391.

مشخصات ظاهري : 152 ص.؛ 11×17 س م.

شابك : 978-964-540-412-1

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس.

موضوع : درويش، صالح . رحماء بينهم التراحم بين آل بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم و بين بقيةالصحابة رضي الله عنهم اجمعين-- نقد و تفسير

موضوع : دوستي (اسلام)

موضوع : دوستي

شناسه افزوده : شالچيان، عبدالرضا، 1337 -، مترجم

رده بندي كنگره : BP196/65/د4ر304225 1391

رده بندي ديويي : 297/652

شماره كتابشناسي ملي : 2933737

ص : 1

كلمه المعهد

ص:2

ص:3

ص:4

ص : 5

كلمة المعهد

مدح الله تعالى في القرآن الكريم صفة الوحدة والتراحم بين المسلمين، حيثما ذكرها، ووصف المسلمين بأنّهم إخوة; فقال: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )) (الحجرات:  ١٠ ) ولم يكتفِ بالأخوّة الظاهرية، بل أوصى أبناء المجتمع بمراعاة حقوق بعضهم لبعض.

كما ذمّ الله تعالى في كتابه المجيد التفرّق والتشرذم حيثما ذكر ذلك، واعتبره عذاباً للأُمّة; حيث قال: (( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ )) (الأنعام:  65 ) ..

وقد شبّه تعالى في كتابه المجيد المجتمع الذي تطغى

ص : 6 

عليه النزاعات و تسوده الخلافات، بمن سقط في أعماق جبٍّ وأشرف على الهلاك، لا أمل له بالحياة، إلّا إذا مُدَّ إليه حبل من خارج الجبّ ليتمسك به وينجو; فقال: ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (آل عمران: ١٠٣ ) .

وإذا ما ابتلى المجتمع الإسلامي باضطراب في الافكار وتشتّت في الآراء، فإنَّ حبل نجاته الذي ينبغي له التمسّك به هو مشتركاته في العقائد والأحكام، ويجب على أبنائه غضّ النظر عن نقاط الاختلاف التي شاعت بينهم على مرّ العصور بسبب ابتعادهم عن الكتاب والسنّة.

إنّ آيات القرآن الكريم والأحاديث النبويّة الشريفة ترشدنا إلى نوعين من التوحيد يكمّل أحدهما الآخر، وهما:

 ١ . «كلمة التوحيد» وهي كلمة «لا إله إلّا الله» ، وتعني الإخلاص لله بالعبوديّة، والتي تتلخّص بالاعتقاد بوجود مبدأ واحد في الكون هو الخالق والربّ والمعبود.

 ٢ . «توحيد الكلمة» ونعني بها: تلاحم القوى المسلمة

ص : 7

 في جميع فئاتها الصغيرة من مشارق الأرض ومغاربها، ومن شمالها إلى جنوبها، لتكوّن قوّة عظيمة تحمل لواء الإسلام، وتقود العالم إلى كلمة «التوحيد» .

ولكن للأسف الشديد فأنّ بعض أدعياء الوحدة في عصرنا هذا، يقومون باستغلال هذا المفهوم المقدّس لتحقيق مآرب دنيئة، فينشرون كتيّبات تحمل عنوان «الدعوة إلى الوحدة» ، وهم في الحقيقة يعملون على إثارة الخلاف بين أبناء الأُمّة، وتوسيع رقعته، مستغلّين مختلف الوسائل لتحقيق هذا الغرض الدنيء، ولا يتورّعون عن تأليف كتب مليئة بالسب و الشتم و الافتراء، وهم في الحقيقة يخدمون أعداء الأُمّة بعملهم هذا.

هذه الرسالة الوجيزة تتضمّن نقداً وتحليلاً علميّاً لكتاب «التراحم بين آل بيت النبيّ [(صلى الله عليه و آله)]، وبين بقيّة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين» أو «الوحدة والشفقة بين الآل والأصحاب» - كما ترجم إلى الفارسيّة-.

ومؤلّف الكتاب هو الشيخ صالح الدرويش قاضي

ص : ٨

 المحاكم العامّة في القطيف في المملكة العربيّة السعوديّة.

نرجو أن يصبح هذا الأثر نبراساً يُنير الطريق لطلاّب الحقيقة، ومنهم مؤلّف ذلك الكتاب ومترجمه، ورادعاً لهما عن إثارة الفتن.

إنّه ولي التوفيق

معهد الحج و الزيارة

قسم الكلام و المعارف

مقدمه

اشاره

ص :  ٩ 

مقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين، خالق الكون والعالمين الذي هدى الخلائق أجمعين إلى ما فيه تكاملهم، وهدى الانسان الى سواء السبيل في عالم التكوين، ثمّ عرّفه الحقّ في حياته الدنيا بالأنبياء العظام و اوصيائهم الكرام.

وأفضل التحية والسلام على نبيّه العظيم، الذي ختم به الرسالات، وبكتابه الكتب، وبشريعته الشرائع كلّها.

والصلاة والسلام على آل بيت نبيّه، القرآن الناطق و حج الله على الخلق، الذين مَن تمسك بهم نجى ومن تخلّف عنهم هلك؛ كما قال (صلى الله عليه و آله) : (

إنّي تارك فيكم الثقلين

ص : ١٠ 

كتاب الله وعترتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا) . (1)

فسلام الله على المعلِّم والداعي الإلهي، الذي دعا الناس كافّة، قبل أربعةَ عشرَ قرناً، إلى توحيد الكلمة، فصدع بأمر الله تعالى حين قال: ( وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا ) ، (آل عمران: ١٠٣ ) .

والحقيقة أنَّ الأُمّة الإسلاميّة اليوم - كما كانت في مراحل مختلفة من تأريخها - أسيرة التفرّق والتشرذم، لذلك فإن المخلصين من مفكريها و علمائها يحدوهم الأمل في التقريب بين المسلمين.

وهنالك وجهتا نظر لتحقيق هذا الهدف:

الأوّل- أن تتّحد جميع المذاهب و تنصهر في فئةٍ واحدةٍ تحت ظلِّ عقيدةٍ موحّدةٍ.

الثاني- أن يتمسّك قادة الأمّة بالمشتركات، ويتركوا الخوض في المسائل المختلف بها، ويوكلون ذلك الى المدارس والمراكز العلمية دون أن يصدروا


1- مجمع الزوائدٰ ج ٩ ٰ ص ١6٣ ؛ الكافُٰ ج ٢ ٰ ص 4١5 

ص : ١١ 

أحكاماًمسبقةً.

ومن البديهي أنَّ النظريّةَ الأُولى غير عمليّة، ولا يمكن تحقيقها، والمطّلعون على واقع المجتمعات الإسلاميّة يعلمون أنَّ هذا العمل ليس أكثر من أُمنية ودعوة إلى «التذويب» ، وهي دعوة إلى أمرٍ محالٍ، في حين أنّ الرأي الثاني يعتبر عملياً قدأثبت نجاهه منذسنوات في مصر و ايران.

ففي عام  ١٣٢٧ ه تأسس في مصر «دار التقريب بين المذاهب الإسلاميّة» ، ومن دافع الشعور بالمسؤولية فقد نشر هذا الدار أفكاره الرفيعة عبر مجلّة «رسالة الإسلام» ، التي احتجبت عن الصدور فيما بعد إثر عوامل سياسية.

ثمّ أُصدرت بعد الثورة الإسلاميّة في إيران مجلّة «رسالة التقريب» التي يواصل طلّاب التقريب ودعاته كتابة مقالاتهم التقريبيّة فيها.

ولكن للأسف الشديد هناك فئةٌ تحاول اليوم إثارة الخلافات الطائفية عن طريق الدعوة الى التعصب والفكر

ص : ١٢

 السلفي، ممّا زاد في رقعة هذه الخلافات وإيجاد بدعةٍ في الدين.

في حين إنّ الجميع مطالبون باتّباع الكتاب والسنّة، ويستوي في ذلك السلف والخلف.

اعجوبه الشيخ صالح الدرويش

أُعجوبة الشيخ صالح الدرويش

لقد قام الشيخ صالح الدرويش-قاضي المحكمة العامّة في القطيف - بإصدار كتابين هما:

 ١  - حول الصحبة والصحابة.

 ٢  - تأمّلات في نهج البلاغة.

وقد نقدناهما في كتابين، هما:

 ١ - حوار مع الشيخ صالح بن عبدالله الدرويش حول الصحبة والصحابة.

 ٢ - حوار مع الشيخ صالح بن عبدالله الدرويش حول تأمّلات في نهج البلاغة.

وقد قمنا بإرسالهما إلى مكتبه، ولكن لم يصلنا حتّى

ص : ١٣ 

الآن - مع الأسف - أيّ جواب منه.

ثمّ قام مؤخّراً بإصدار كتاب ثالث يحمل عنوان «التراحم بين آل بيت النبيّ](صلى الله عليه و آله) [، وبين بقيّة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين» ، والذي ترجمه إلى الفارسيّة شخص يُدعى «عبدالله الحيدري» تحت عنوان «الوحدة والشفقة بين الآل والأصحاب» ، مضيفاً له مقدّمة بقلمه، ووُزّع بين حجاج بيت الله الحرام.

وقد رأيت من الواجب عليَّ -بمقتضى قول الله تعالى ( ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (النحل:  ١٢5 ) - أن أتعرّض لتوضيح ما ذُكر في هذا الكتاب.

ولو أن مؤلف الكتاب و مترجمه كانا قد طالعا نقدنا لكتاب التراحم بين آل بيت النبي (صلى الله عليه و آله) و الصحابه بدقّة، لما أقدما على إصدار هذا الكتاب; لأنّ أهمّ نظريّاته قد نُقدت هناك بوضوح.

خلاصه محتويات الكتاب

ص :١4 

خلاصة محتويات الكتاب

أشار الكاتب الى وجود أُلفةٍ وعلاقةٍ حميمةٍ بين اهل البيت (عليهم السلام) وصحابة النبي (صلى الله عليه و آله) ، وذلك بعد أن ذكر مقدمة في فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ودرجات الصحابة وشرف صحبة النبي (صلى الله عليه و آله) .

واستدلّ على ما ادّعاه بأمرين:

 ١  - تسمية الأئمّة (عليهم السلام) أبناءهم بأسماء الخلفاء.

 ٢ - حالات المصاهرة بين الصحابة وأهل البيت (عليهم السلام) .

ثمّ استنتج بعد ذلك إلى وجوب مراعاة حقوق أهل البيت والصحابة معاً، وذكر أنّ الاختلاف بين الشيعة والسنّة يتلخّص في أمر واحد، وهو موضوع «البراءة من الظَلَمة» - المقصود بهم بعض الصحابة- وهو أمرٌ يدّعيه الشيعة، واستناداً الى الدليلين اللذين ذكرهما حول الأُلفة بين أهل البيت (عليهم السلام) والصحابة، فإنّه ينفي وجود أيّ سبب يسوّغ البراءة من بعض الصحابة.

والكاتب في ظاهر كلامه يحاول اثبات عدم صحة

ص : ١5 

اعلان البراءة من بعض الصحابة، ولكنّه في الحقيقة يسعى الى التشكيك في أصل التشيّع; لأنّه يتصوّر أنّ التشيّع يقوم على البراءة من الصحابة.

ولنقد هذا الموضوع، نقوم أوّلاً ببيان محور الاختلاف بين الشيعة والسنّة، ليتّضح أنّ لهذا الاختلاف جذوراً عقائدية وأساسيّة، وأنّه لا يقوم على أساس البراءة من بعض الأشخاص.

محور خلاف الفريقين

محور خلاف الفريقين

هذا النوع من البحث (حصر الخلاف في مسألة سلوكيّة) ، ينمّ عن الجهل بمحور الخلاف الحقيقي بين المسلمين، لأنّ الخلاف ليس في البراءة من بعض الصحابة (لا كلّهم ولا جلّهم) ليمكن حلّ هذه المشكلة عن الطريق الذي اقترحه، وإنّما الاختلاف هو حول مسألة كلاميّة وجذريّة وهي: ما هي المرجعيّة السياسيّة والعلميّة بعد رحيل النبيّ الأكرم (صلى الله عليه و آله) ؟ هل عيّن الرسول (صلى الله عليه و آله) هذه المرجعيّة قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى؟ أم هل ترك الأُمّة  

ص :١6 

وشأنها ولم يرِدْ وحي عن الله تعالى، ولا تدبير من النبيّ (صلى الله عليه و آله) في هذا الخصوص؟

ثمّ نسأل: هل المصاهرة بين أهل البيت (عليهم السلام) وبعض الصحابة، أو تسمية بعض أبناء أهل البيت (عليهم السلام) بأسماء بعض الخلفاء يحلّ هذه المشكلة؟ وهل يزول الخلاف العميق بتحقّق هذين الأمرين؟

وبالطبع لابدّ من وجود علاقة منطقيّة بين المدّعَى والدليل، ليثبت المدّعَى من خلال التأمّل في مضمون الدليل.

يعتقد الشيعة أنّ قيادة الأُمّة ومرجعيّتها الدينيّة والسياسيّة بعد النبيّ (صلى الله عليه و آله) قد تمّ تعيينها في حديث الغدير، وحديث الثقلين، وحديث السفينة، وعلى المسلمين أن يرجعوا في الأُصول والفروع - بعد كتاب الله والسنّة النبويّة الصحيحة - إلى هذه المرجعيّة، في حين يدّعي أهل السنّة أنَّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) اختار السكوت في هذه القضيّة، وترك الأُمّة نفسها تختار الخليفة من بعده.

ص : ١٧ 

والسؤال التالي يطرح نفسه: أيّ الرأيين هو الصحيح؟

يرى الشيخ صالح أنَّ الرأي الثاني هو الصحيح، ويستدلّ على ذلك بدليلين هما:

 ١ - وجود حالات مصاهرة بين أهل البيت (عليهم السلام) وبعض الصحابة.

 ٢ - تسمية أهل البيت (عليهم السلام) بعض أبنائهم بأسماء بعض الخلفاء.

فياترى، هل أنّ هكذا استدلال صحيح؟ ! وهل ثمّة عَلاقة منطقيّة بين الدليل والمدّعى؟

اسم الكتاب (التراحم بين آل بيت النبيّ [(صلى الله عليه و آله)]، وبين بقيّة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين) الوحدة ولشفقة بين الآل و الصحابة يوحي برغبة الكاتب والمترجِم في التقريب بين الطائفتين، ولكن من الأجدر من أجل تحقيق هذا الهدف التأكيد على المشتركات الكثيرة الموجودة بين الطائفتين، وترك المسائل الخلافيّة للمحافل العلميّة، فليس من الصحيح الاستدلال على مسألة كلاميّة بدليلين

ص : ١٨ 

تأريخيّين.

هذا مضافاً إلى أنّنا سنُثبت أنَّ هاتين الظاهرتين التاريخيّتين - على فرض صحّتهما - لا يكشفان عن مودّة اهل البيت (ع) للخلفاء وأنّ مظلوميّة أهل البيت (عليهم السلام) على يد أولئك الذين يتبرّأ الشيعة منهم، مسألة قطعيّة وغير قابلة للإنكار من الناحية التاريخيّة.

الآن وقد قدّمنا توضيحاً عامّاً حول الكتاب، نشرع بنقده.

قم - جعفر السبحاني

سبب التفرقه

اشاره

ص :  ١٩ 

سبب التفرقة

يستوحي المترجم من المؤلف أن سبب التفرقة بين المسلمين هو البراءة من بعض الصحابة، ثمّ يستدلّ على ذمّ هذا الموقف بحديث في صحيح البخاري جاء فيه: «في الحديث القدسي:

من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب » . (1)

النقد

اشاره

النقد

لقد تحدّث المترجم عن السبب الظاهري للتفرقة بين المسلمين، وغضّ النظر عن بيان السبب الحقيقي، فليس السبب الرئيس للتفرقة هو البراءة من بعض الصحابة، بل


1- صحُح البخارُٰ ج ٧ ٰ ص ١٩٠

ص : ٢٠ 

هناك اسباب عديدة للتفرقة كامنة وراء هذا السبب الظاهري، وكان الأحرى به أن يقف على الجذور والعلل الحقيقية للتفرقة، حيث نذكر فيما يلي بعضها:

 ١ . الممانعه من تدوين النبي (صلي الله عليه و اله) كتابا

 ١ . الممانعة من تدوين النبي (صلى الله عليه و آله) كتاباً

روى البخاري في صحيحه في ستّة مواضع أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) في أيّامه الأخيرة وهو على فراش المرض طلب من المسلمين أن يأتوه بدواة وكتف، ليكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً، فجوبه برفض بعض الصحابة الحاضرين، وموافقة البعض، ولمّا تنازع الفريقان بين يديه، أمرهم بالخروج، وقال (صلى الله عليه و آله) : «

لا ينبغي عند نبيٍّ نزاع » . وإليكم نصّ الحديث كما جاء في البخاري:

«لمّا اشتدّ بالنبيّ - صلّى الله عليه ]وآله [ وسلّم- وجعه قال: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده) .

قال عمر: إنّ النبيَّ غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا. واختلفوا وكثر اللغط، فقال النبي](صلى الله عليه و آله) [: (

قوموا عنّي ولا ينبغي عندي التنازع) ، قال ابن عبّاس: إنَّ الرزيّة كلّ

ص : ٢١ 

الرزيّة ما حالَ بين رسول الله وبين كتابه» . (1)

ولنرى الآن أين تكمن جذور الخلاف؟ لو أنّ عمر ومَن معه لم يعارضوا النبيّ (صلى الله عليه و آله) في أن يكتب ذلك الكتاب العاصم للأمّة من الضلال كما وصفه النبيّ (صلى الله عليه و آله) : (

كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ) فهل كان المسلمون ينقسمون إلى فريقين؟

أما كان الأحرى بالكاتب الحريص على الوحدة أن لايركزّ على ذلك السبب الظاهري ويركّز على هذا السبب الواقعي - كما فعل ابن عبّاس حينما أعرب عن اسفه لممانعة كتابة النبي (صلى الله عليه و آله) كتاباً يصون الأمة من الضلال وكان من الاجدر به أن يؤنّب الذين آذوا النبيّ وهو على فراش المرض، بدلاً من التشبّث بهذه العلّة الظاهرية، ألم يقرأ قول الله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) (الأحزاب:  5٧ ) .

 ٢ . تعيين الخليفه بغياب اهل البيت (عليهم السلام)


1- صحُح البخارُٰ ج ١ ٰ ص ٣٧ ٰ وكذلك فُ الإرقام التالَُ:  ٣٠5٣ ٰ  ٣١6٨ ٰ  44٣١ ٰ  566٩ ٰ  ٧٣66 .

ص :  ٢٢ 

 ٢ . تعيين الخليفة بغياب أهل البيت (عليهم السلام)

عندما - كان النبيّ (صلى الله عليه و آله) مسجّىً بعد وفاته، وعليٌّ وبنوهاشم مشغولون بتجهيزه وتكفينه، اجتمع نفر من الأنصار في سقيفة بني ساعدة، ليختاروا شخصاً يولّونه زمام أمور المسلمين.

وما إن اطّلع أبوبكر وعمر على هذا الاجتماع، حتّى تركا الجمع المشغول بتجهيز النبيّ (صلى الله عليه و آله) دون أن يُخبرا أحداً وسارعا مع أبي عبيدة الجرّاح إلى سقيفة بني ساعدة.

وبعد أخذ وردّ بينهم وبين الأنصار، أدرك زعيم قبيلة الأوس أن الامور تجري لصالح الخزرج فسارع الى مبايعة أبي بكر دون تأنٍ، وصار هذا الأمر وحده سبباً لأن يقصد عمر وابوبكر مسجد النّبي (صلى الله عليه و آله) ومعهما الجمع الذين بايعوا أبابكر، وهم يأخذون البيعة للخليفة الجديد من كلّ شخصٍ يرونه في طريقهم.

فهل كان من الصواب أن يتمّ تعيين الخليفة بغياب أهل بيت النّبي و بني هاشم وعلى رأسهم عليّ بن

ص :  ٢٣ 

أبي طالب، بهذه الألاعيب السياسيّة، وأن يوضع على هذا الطريق حجر الأساس للتفرقة بين المسلمين؟

إنّ الاسلوب الصحيح والمنطقي الذي كان يجب اتبّاعه هو أن يُدعَى الجميع في ذلك المجلس للتشاور، فيحضر كبار الصحابة، وفي مقدّمتهم أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه و آله) ليقرّروا مصير الخلافة.

لكن الذي حصل هو أنّهم انتهزوا فرصة غياب الآخرين واكتفوا ببيعة طائفة من الناس، ليفاجئوا المسلمين ويأخذوا منهم البيعة بالترغيب أو الترهيب.

وأهم فئةٍ أُهملت في هذا القرار المصيري، هم أهل البيت، وعلى رأسهم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) الذي نصّبه النبيّ (صلى الله عليه و آله) للخلافة والإمامة من بعده، في مناسبات عديدة، آخرها يوم غدير خمّ وفي طريق العودة من حجّةالوداع.

وهذه الأُمور، من الحقائق التي أثبتها التأريخ ولا حاجة الى ذكر وثائقها هنا، ومع ذلك نذكر بعض مصادرها

ص : ٢4 

في الهامش. (1)

لقد تجاهل المؤلّف علل الخلاف، ومن كانوا السبب وراءه، وتطرّق إلى مسألة فرعيّة، وهي البراءة من بعض الصحابة الذين ثبت انحرافهم.

والواقع أنّه لا توجد عندنا في الأساس مسألة باسم «البراءة من الصحابة» ؛ لأنّ صحابة النبيّ (صلى الله عليه و آله) يحظون باحترام خاصّ من لدن جميع المسلمين، بل إنَّ حدود البراءة تنحصر بعدّة أفراد لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد.

أمّا الحديث القدسي الذي ذكره المؤلّف، واستدلّ به على مدّعاه، فهو يتحدّث عن «الوليّ» وهو مقبول عند الجميع، ولا مجال للطعن فيه، ولكن هل يُعدّ من آذى النبي (صلى الله عليه و آله) - لدرجة أنّه أثار اعتراض بعض زوجاته - ولياً


1- للاط»لاع على الفوضى التُ حصلت فُ السقُفَ وتبادل الشتائمٰ راجع المصادر التالَُ: الطبرُٰ ج ٣ ٰ ص ٢٠١ ؛ تارُخ ابن كثُرٰ ج 5 ٰ ص ٢6٣ ؛ تارُخ إبُ الفداءٰ ج ١ ٰ ص ١56 ؛ المواهب اللدنُ»َٰ ج 4 ٰ صص 544 ٰ  546  و. . . .

ص : ٢5 

من أولياء الله تعالى، حتى يشمله هذا الحديث؟

 ٣ - حرمان فاطمه (عليها السلام) من ارث ابيها

 ٣ - حرمان فاطمة (عليها السلام) من إرث أبيها

لقد بدأ الخلاف والانقسام بين الأُمّة منذ اليوم الأوّل الذي حُرمت الزهراء من حقّها الثابت، الحرمان الذي لم يسبقه مثيل في أيّة أُمّة من الأُمم، وهو حرمانها من إرث أبيها.

وكأنّما جميع الأبناء لهم الحقّ في أن يرثوا آباءهم إلّا فاطمة بنت النبيّ (صلى الله عليه و آله) كان يجب أن تُحرم من حقّها الطبيعي!

روى البخاري في صحيحه في كتاب المغازي بإسناد عن عائشة: «أنّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ممّا أفاء الله عليه بالمدينة، وفدك، وما بقي من خمس خيبر. فقال أبو بكر: إنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال:

(لا نورّث، ما تركنا صدقة، إنّما يأكل آل محمّد في هذاالمال. . .) .

ص :  ٢6 

إلى أن قال: «فوجدَتْ فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرتهُ فلم تكلّمه حتّى توفّيت» . وعاشت بعد النبي (صلى الله عليه و آله) ستة أشهر.

فلمّا توفّيت دفنها عليّ ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر. . . ولم يكن يبايع تلك الأشهر. (1)

 4 - هتك حرمه دارالوحي

 4 - هتك حرمة دارالوحي

تحصّن فريق من المهاجرين في بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وطالبوا بالخلافة لعليّ (عليه السلام) ، فعزم أبو بكر على تفريق اجتماعهم بأيّ نحو ممكن وإجبارهم على البيعة.

وقد سلك المحدّثون، والمؤرِّخون طريقين في بيان هذه الواقعة، فبعضهم اقتصر على رواية عزم الخليفة على هتك الحرمة، ولم يتحدّث عن تنفيذها -كالبلاذري في أنساب


1- صحُح البخارُٰ ج 5 ٰ ص ٨٢ ٰ دار الفكر للطباعَ والنشر والتوزُعٰ  ١4٠١ ه. ولقد نقل البخارُ فُ باب مناقب قرابَ رسول الله ٩  الحدُث  ٣٧١4  وجاء فُه عن النبُ» ٩  إن»ه قال: >فاطمَ بضعٌَ من»ُٰ فمن إغضبها إغضبنُ< . وقال إهل الل»غَ: وجد علُه: غضب علُه. انظر: تاج العروسٰ صص  ١٨ و  ١٧٩ 

ص : ٢٧ 

الأشراف، والطبري في تأريخه- بينما أشار آخرون إلى أنَّ هذا التهديد قد نُفِّذ بالفعل. وإليك التفصيل:

البلاذري وتهديد دار فاطمه

البلاذري وتهديد دار فاطمة

أمّا البلاذري وهو أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي (المتوفّى  ٢٧٠ ه. ق) صاحب التاريخ الكبير، فقد روى الواقعة في كتابه «أنساب الأشراف» بما نصّه: «إنَّ أبابكر أرسل إلى عليّ يريد البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة، فتلقّته فاطمة على الباب. فقالت فاطمة: يابن الخطّاب، أتراك محرقاً عليَّ بابي؟ قال: نعم، وذلك أقوى في ما جاء به أبوك. . .» . (1)

الطبري وتاريخه

الطبري وتأريخه

وأمّا محمّد بن جرير الطبري (المتوفّى  ٣١٠ ه. ق) وهو فقيه ومؤرِّخ سنّي بارز، فقد ذكر هذا الحدث المفجع بالصورة التالية:


1- إنساب الإشرافٰ ج ١ ٰ ص 5٨6 .

ص : ٢٨ 

«أتى عمر بن الخطّاب منزل عليّ، وفيه طلحة والزبير، ورجال من المهاجرين، فقال: والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة، فخرج عليه الزبير مصلتاً (1) بالسيف فعثر فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه» . (2)

يكتفي هذان المؤرّخان بنقل التهديدات، ولكن هناك مؤرّخون غيرهما صرّحوا بتنفيذها، فعلى سبيل المثال روى الطبراني في معجمه: «أنّ عبدالرحمن بن عوف دخل على أبي بكر يعوده في مرضه الذي توفّي فيه، فقال له أبو بكر: أما إنّي لا آسي على شيء إلّا على ثلاث فعلتهن وددتُ أنّي لم أفعلهنّ. . . وددتُ أنّي لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته. . .» . (3)

الحديث الذهبي


1- إصلت سُفهٰ إُ: جر»ده من غمدهٰ فهو مصلت. الصحاح للجوهرُٰ ج ١ ٰ ص ٢56 .
2- تارُخ الطبرُٰ ج ٢ ٰ ص 44٣ 
3- الطبرانُٰ المعجم الكبُرٰ ج ١ ٰ ص 6٢ ٰ تحقُق حمدُ عبدالمجُد سلفُ; الإموالٰ ص ١٩٣ ; كامل المبر»دٰ ج ١ ٰ ص ١١ ; مروج الذهبٰ ج ٢ ٰ ص ٣٠١ ; العقد الفرُدٰ ج 4 ٰ ص ٩٣ ; تارُخ مدُنَ دمشقٰ ج ١٣ ٰ ص ١٢٢ ; تارُخ الأسلامٰ ج ٣ ٰ ص ١١٧ ; لسان المُزانٰ ج 4 ٰ ص ١٨٨  و. . . .

ص : ٢٩ 

الحديث الذهبي

ينقل المترجِم في جانب من الكتاب روايتين ينسبهما لعليّ (عليه السلام) تحت عنوان «حديث ذهبي» . والروايتان هما:

 ١  - قال علي: «بلغني أنَّ قوماً يفضّلونني على أبي بكر وعمر. مَن قال هذا فهو مفتر، عليه ما على المفتري» .

 ٢ - وقال أيضاً: «لا أوتي برجل فضّلني على أبي بكر وعمر إلّا جلدته حدّ المفتري» . (1)

أودّ أن ألفت نظر المترجِم إلى النقاط التالية:

أ) هذا الموضوع (المفترى) رواه ابن حزم الظاهري في كتابه «المحلّى» ، وهو من قال المفسّر الكبير الآلوسي بحقّه: «الضالّ المضلّ» (2) ، وكتب بشأنه ابن حجر في «لسان الميزان» : «فتمالأ فقهاء مصره وأجمعوا على تضليله» . (3)


1- المحل»ىٰ ابن حزمٰ ج ١١ ٰ ص ٢٨6 .
2- تفسُر الآلوسُٰ ج ٢١ ٰ ص ٧6 .
3- لسان المُزانٰ ج 4 ٰ ص ٢٠٠ .

ص : ٣٠ 

إذن، هل يمكن الاستناد إلى هذا الشخص والاعتماد على روايته؟ !

ب) ابن حزم هو القائل: «إنَّ عبد الرحمن بن ملجم لم يقتل عليّاً إلّا متأوّلاً مجتهداً مقدّراً أنّه على صواب، وفي ذلك يقول عمران بن حطّان شاعر الصفرية:

يا ضربةً من تقيّ ما أراد بها

إلّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا (1)

فهل يليق بمترجم الكتاب الذي يدّعي محبّة أهل البيت (عليهم السلام) الاعتماد على شخص يبطن النصب لهم؟ ! ج) يصرّ الشيخ صالح في نفس هذا الكتاب، على أنّه ينبغي التثبّت في نقل الروايات، وعدم التسليم بأقوال الرواة قبل فحصها، فهل قمتَ بفحص سند ذينك القولين المزعومين أنّهما لعليّ؟ وهل تعلم أنّ بعض رواتهما مجهولون، وبعضهم الآخر حالهم معروف، فهم ممّن لايوثق بهم؟ مثل:


1- المحل»ىٰ ج ١٠ ٰ ص 4٨٢ .

ص : ٣١ 

- «الحجّاج بن دينار» الذي وثّقه البعض، ولكن قال فيه الرجالي المعروف أبو حاتم: «لا يحتجّ به» .

- «شهاب بن حراش» الذي رأى ابن حبّان أنّه لايمكن الثقة به لكثرة أخطائه.

- «أبو معشر» الذي ضعّفه الدارقطني وابن المدائني والنسائي، وقال فيه البخاري: «منكر الحديث» . (1)

فهل من الصحيح أن نسمّي كلاماً واهياً لا سند له ولا اعتبار، بأنّه ذهبيّ؟ !


1- مُزان الاعتدالٰ ج ١ ٰ ص 46١  و ج ٢ ٰ ص ٢٨١  و ج 4 ٰ ص ٢64 .

ص : 32

نقطه مشتركه

اشاره

ص : ٣٣ 

نقطة مشتركة

ذكر المؤلّف في كتابه نقطة مشتركة وبجّل فيها النبيّ (صلى الله عليه و آله) .

ولا كلام لنا في ذلك أبداً، ولكن يبدو أنَّ المؤلّف أتى بهذا التبجيل مقدّمة لنقل موضوعين عن عالمين شيعيّين جليلين هما الشيخ الكليني، والعلاّمة المجلسي.

فقد زعم أنّ هاذين العَلَمين ادّعيا في كتابيهما (1) أنَّ أئمّةَ الشيعة هم أعلم من رسول الله (صلى الله عليه و آله) .

النقد


1- لكافُ ج ١ ٰ ص ٢٢٧ ؛ بحار الإنوارٰ ج ٢ ٰ ص ٨٣ .

ص : ٣4 

النقد

سبحان الله! لم أكن أتصوّر أبداً أنّ صاحبنا يزلّ زلّةً كهذه!

دعونا نمرّ على الكتابين:

 ١  - الكافي:

خصّص المرحوم الكليني في كتابه «الكافي» باباً عنوانه: «إنَّ الأئمّة (عليهم السلام) عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله، وأنّهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها» . (1) ثمّ نقل عن الإمام موسى بن جعفر، وسائر الأئمّة (عليهم السلام) أنّهم كانوا يعلمون بالإنجيل والتوراة.

ولم يذكر من بداية هذا الباب حتّى نهايته (أيّ شيءٍ يُشير إلى مساواة علم الأئمّة (عليهم السلام) بعلم النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، فضلاً عن أفضليّتهم - والعياذ بالله - على النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، لأنّنا - معشر الإماميّة - نعتقد بأنّ النبيّ الأعظم (صلى الله عليه و آله) كان مطّلعاً على هاذين الكتابين، وسائر الكتب السماوية، وأنَّ الله تعالى هو


1- الكافُٰ ج ١ ٰ ص ٢٢٧ .

ص : ٣5 

الذي أطلعه عليها، وأنّ اطّلاع الأئمّة (عليهم السلام) وعلمهم بهما لا يدلّ على عدم علم النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، بل إنّ علومهم (عليهم السلام) قبس من علوم النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، حيث صرّحوا مراراً أنّهم شرّاح لما جاء في سنّة النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، وقد أكّد الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) - في الرواية الأولى - على أنّهم إنّما يعلمون ذلك؛ لأنّهم ذرّية النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، وأنّهم ورثوا هذه العلوم من آبائهم، ومن النبيّ (صلى الله عليه و آله) .

 ٢  - بحار الأنوار:

روى العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار في الصفحة التي أشار إليها المؤلّف، رواية مضمونها وجوب الرجوع في الأُصول والفروع إلى أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ، ونقل عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال:

«اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنّا» . (1)

ولم ترد في تلك الصفحة، ولا في الصفحات التي سبقتها أو لحقتها، أيّةُ إشارةٍ عن موضوع علم النبيّ (صلى الله عليه و آله) والأئمّة (عليهم السلام) .


1- وسائل الشُعَٰ ج ٢٧ ٰ ص ١4٩ .

ص :  ٣6 

في الأحاديث المذكورة في البحار هناك روايات تفيد أنَّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) يوصون شيعتهم بوجوب تلقّي المعارف والأحكام منهم لا من غيرهم; لأنّ علومهم نابعةٌ من علم النبيّ (صلى الله عليه و آله) في حين أنَّ البعض لم يراع الأمانة وخان كتاب الله تعالى وسنة نبيّه (صلى الله عليه و آله) .

فأين هذا الكلام من مقارنةعلم الأئمّة (عليهم السلام) بعلم النبيّ (صلى الله عليه و آله) وأفضليّتهم الأوّل عليه؟

ويبدو أنّ سبب زلّات الشيخ هذه، سببها انشغاله بأمور القضاء التي لم تترك له فرصة مراجعة المصادر، وأنّه اعتمد في هذا المجال على مادُوّن من مزاعم واهيةمن قبل أعداء الشيعة.

عقايد علماء الشيعه في علم الايمه

عقائد علماء الشيعة في علم الأئمّة

يطرح الشيخ المفيد في كتابه «أوائل المقالات» عقيدة علماء الشيعة في أفضليّة الأئمّة على الأنبياء (عليهم السلام) ، ويرى أنَّ الشيعةَ على ثلاث فئات في هذا المجال:

ص : ٣٧  

 . فئة تعتقد أنَّ الأئمّةَ (عليهم السلام) أفضل من جميع الأنبياء، ما عدا نبيّنا الأعظم محمّد (صلى الله عليه و آله) .

 ٢ . فئة تعتقد بأفضلية الأئمة على جميع الأنبياء، ما عدا أُولي العزم، وعلى رأسهم سيّدنا محمّد (صلى الله عليه و آله) .

 ٣ . فئة تعتقد بأفضليّة سائر الأنبياء على الأئمّة.

ثمّ يقول (المفيد) : وأنا أتوقّف في هذه المسألة. (1)

البراءه من اطهر خلق الله

البراءة من أطهر خلق الله

لاشكّ في أنّ عليّ بن أبي طالب هو أطهر خلق الله تعالى بعد النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، بدليل أنَّ الله تعالى سمّاه نفس النبيّ في آية المباهلة فقال: ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ. . . ) (آل عمران:  6١ ) .

بيدَ أنّ مبايعة المهاجرين والأنصار لإنسان أختصّ بهذه الكرامة أثار سخط معاوية، ودفع بطلحة والزبير- الى تحريض البعض- وبالتالي تأجيج حربي الجمل وصفّين،


1- إوائل المقالاتٰ صص 4٢  و  4٣ .

ص : ٣٨ 

من أجل الإمساك بزمام الحكم. أمّا معاوية فلم يكتف بهذا، بل يوم تولّى الحكم أصدر تعميماً إلى ولاته يقضي بلعن عليّ - هذه الشخصيّة الرفيعة - من على المنابر!

قال مسلم في صحيحه:

«أمر معاويةُ بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسبَّ أباتراب؟ فقال: أمّا ما ذكرتُ ثلاثاً قالهنّ له رسول الله (صلى الله عليه و آله) فلن أسبّه; لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبُّ إليّ من حمر النعم:

* سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله) :

(أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبوّة بعدي) .

* وسمعته يقول يوم خيبر:

لأعطينّ الراية ر جلاً يحبُّ الله ورسوله

، ويحبّه الله ورسوله . قال: فتطاولنا لها. فقال: (

ادعوا لي عليّاً .) فأُتي به أرمد، فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه.

ص : ٣٩ 

* ولمّا نزلت هذه الآية: ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ ) دعا رسول الله](صلى الله عليه و آله) [ عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال:

(اللَّهُمَّ هؤلاء أهلي) . (1)

فهل يُعقل أنّ إنساناً يعلن العداوة لوليّ الله تعالى إلى هذا الحدّ، ويأمر بلعنه على منابر المسلمين، ويعدّ ذلك عبادة، يمكن أن يكون متديّناً؟ !

إنّكم - مع الأسف - تعظّمون معاوية في خطب الجمعة، وعندما تذكرونه تقولون: «سيّدنا معاوية» .

إنّ ما ذُكر هو جانب من علل الخلاف وجذوره، وثمّة علل اُخرى، ولكنّني أكتفي بما ذكرتُ رغبةً في الإيجاز، وأنتقل إلى فصل آخر من فصول الكتاب.


1- إوائل المقالاتٰ صص 4٢  و  4٣ .

ص :40

فضايل اهل البيت (عليهم السلام)

اشاره

ص :  4١ 

فضائل أهل البيت (عليهم السلام)

ذكر الشيخ صالح:

منزلة آل البيت كبيرة وقد جاءت آيات كثيرة واحاديث متواترة في بيان ذلك وهي تشمل من صحب منهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) وتشمل ذرياتهم وفيما بيان فضلهم ومنزلتهم وكذلك كل ما ورد عن الصحابة (رضي الله عنهم) فان آل البيت (عليهم السلام) الذين فازوا بصحبة رسول الله (صلى الله عليه و آله) هم اول من يشملة ذلك. . .

وينبغي علينا عدم السآمة من الحديث عن حُجته رسول الله (صلى الله عليه و آله) وفضلها؛ والتلازم بين صاحب البركات الذي بمجرد الايمان به وصُحبة فاز الاصحاب بلقب «صجابي» واختلفت منازلهم ودرجاتهم في جنات النعيم بأعمالهم

ص :  4٢ 

وجهادهم مع سيدالمرسلين وكذلك منازلُهم في الدنيا من المهاجرين والانصار ومن جاء بعدهم وكلاً وعدالله الحسنى قال الله تعالى: ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا وَ كُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) . (حديد:  ١٠ )

نعم، الجميع لهم فضلهم ومنزلتهم، وعلينا ادراك عظيم الصحبة وانما منزلة قائمة بذاتها ومنازلهم بحسب اعمالهم فهم طبقات: السابقون الاولون لهم اعلى المنازل، ومن جمع الله له بين الصحبة والقربى - و هم آله الاطهار فسلام عليهم و رضي الله عنهم اجمعين - فلهم منزلة الصحبة وحق القربى، ومنازلهم بحسب اعمالهم.

ثمّ استدلّ المترجم على عظمة الصحابة بالآية الكريمة:

(وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:  ١٠٠ )

النقد

ص : 4٣ 

النقد

ههنا نقاط جديرة بالنقد والتحليل، وهي:

 ١ . يُفهم من عبارة المؤلّف أنّه يرى معنىً موسّعاً لمصطلح (أهل البيت) ، وكأنّها تشمل كلّ ذرّية الرسول (صلى الله عليه و آله) بشرط الإيمان والتقوى، يترتّب على هذا أنّ كلّ السادة هم من أهل البيت (عليهم السلام) .

ولكن هذا مصادرةً للحقيقة.

فمع أنّ أبناء الزهراء (عليها السلام) يحظون باحترام خاصّ لانتسابهم إلى بيت الوحي والرسالة، ولكن لا شكّ أنّ المراد ب- «أهل البيت» في الآية المباركة ( إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، (الأحزاب: ٣٣ ) هم فئةٌ خاصّةٌ بيّنهم النبيّ بأساليب خاصّة، ولا يشمل نساء النبيّ أو جميع ذرّيته.

ويثبت لنا من الروايات المتظافرة، بل المتواترة عن النبيّ (صلى الله عليه و آله) أنّ هذه الآية لا تشمل إلّا النبيّ (صلى الله عليه و آله) نفسه، وأهل بيت فاطمة (عليها السلام) .

ص : 44 

وقد نقلت هذه الروايات عن طائفة من الصحابة; ومنهم:

 ١ - أبو سعيد الخدري  ٢  - أنس بن مالك  ٣ -أبوإسحاق  4  - واثلة بن أسقع  5  - أبو هريرة  6 -أبوالحمراء  ٧  - سعد بن أبي وقّاص  ٨  - عائشة  ٩ -أُمّ سلمة  ١٠  - ابن عبّاس.

ومضمون هذه الأحاديث هو أنَّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) قام بأمرين من أجل تعريف أهل البيت (عليهم السلام) ، كلٌّ منهما جديرٌ بالالتفات:

 ١ . اشتمل (صلى الله عليه و آله) بكساء أو قطيفة، وجاء الحسن والحسين وعليّ وفاطمة فدخلوا معه الكساء، ولمّا أرادت أُمّ سلمة أن تدخل معهم تحت الكساء منعها النبيّ (صلى الله عليه و آله) وقال: إنّها على خير، ولكنّها ليست من أهل البيت، ثمّ توجّه بطرفه إلى السماء وقال:

(اللَّهُمَّ إنّ هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً) . (1)

 ٢ . كان (صلى الله عليه و آله) يقف عند باب عليّ وفاطمة، قبل أن يذهب


1- سنن الترمذُٰ ج 5 ٰ ص ٣6١

ص : 45 

إلى المسجد، لأداء صلاة الصبح، ويقول:

(الصلاة الصلاة يا أهل البيت) ويتلو الآية المباركة نفسها. واستمرّ على ذلك ثمانية أشهر أو أكثر. (1)

واستناداً الى ما فعل النبيّ (صلى الله عليه و آله) فإنّه قد عيّن - اهل البيت الذين ذكرتهم الآية المباركة بوضوح.

ننقل أدناه بعض هذه الأحاديث:

 ١ - عن أبي سعيد الخدريّ قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) : (

نزلت هذه الآية فيَّ، وفي عليّ، وفاطمة وحسن وحسين ) . (2)

 ٢ - عن أُمّ سلمة زوجة النبيّ، قالت: إنّ هذه الآية نزلت في بيتي. . .

جاءت فاطمة إلى رسول الله](صلى الله عليه و آله) [ ببرمة (3) لها قد صنعت فيها عصيدة تحلّها على طبق فوضعته بين يديه، فقال: (

أين ابن عمّك وابناك) ؟ فقالت: في البيت، فقال:


1- تفسُر الطبرُٰ ج ٢٢ ٰ ص ٩ .
2- مجمع الزوائدٰ ج ٩ ٰ ص ١6٧ .
3- البرام - بالكسر-: جمع برمَٰ و هُ القدر من الحجارَٰ تاج العروسٰ ج 5 ٰ ص ١٨٠ .

ص: 46 

ادعيهم، فجاءت إلى عليّ فقالت: أجب النبيّ أنت وابناك. فلمّا رآهم مقبلين، مدَّ يده إلى كساء كان على المنامة فمدّه وبسطه وأجلسهم عليه، ثمّ أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله، فضمّه فوق رؤوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربّه، فقال:

هؤلاء أهل البيت فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً . فنزلت هذه الآية. . .

قالت أُمّ سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي وقال:

إنَّكِ على خير، إنَّكِ مِن أزواج النبيّ. (1)

بناءاً على هذا، لا ينبغي التوسّع في تفسير مصطلح «أهل البيت» بعد أن حدّده النبيّ، ومن ثمَّ فإنّ إطلاقه على غير هؤلاء الخمسة لاصحّة له مطلقاً.

نقد الاستدلال علي منزله الصحابه

نقد الاستدلال على منزلة الصحابة

العجيب أنّ المؤلّف اعترف: «بفضائل أهل البيت» ولكنّه مع الأسف، لم ينقل حتّى رواية واحدة عن


1- تفسُر الطبرُٰ ج ٢٢ ٰ صص ٩  - ١٢ ؛ الدر المنثورٰ ج 5 ٰ صص ١٩٨ و  ١٩٩ .

ص : 4٧ 

فضائلهم فيه، بل استدلّ فيه على منزلة الصحابة جميعاً بالآية الكريمة:

(وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:  ١٠٠ )

ورأى أنّ هذه الآية نزلت في الصحابة جميعاً، وأنّها بشّرتهم بالجنّة ورضوان الله تعالى، ولكن مع اختلاف في الدرجات.

وهو يريد بذلك أن يستنتج طهارة الصحابة جميعاً، مع أنّ هذه الآية لا تثبت ادّعاءاً كهذا أبداً، سواء أكان الصحابة جميعاً من أهل الجنّة أم لا; وذلك للاسباب التالية:

أوّلاً- إنّ الآية لا تمدح المهاجرين والأنصار جميعاً، وإنّما المراد بها فئةخاصّة منهم وهي «السابقون الأوّلون» . والدليل على ذلك استعمال «من» التبعيضيّة، وكأنّ الآية تقول: ليس كلّ المهاجرين والأنصار، بل السابقون منهم

ص : 4٨ 

رضي الله عنهم و. . . .

إذن، المبشَّرون بالجنّة هم السابقون من المهاجرين والأنصار، وليس جميعهم.

ثانياً - بعد السابقين، تعلّقت البشارة ب- ( الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ ) لا مطلق من اتّبعهم، فلو دلّ دليل قطعي على أنّ بعض أفراد الفئة الثانية لم تتبع الفئة الاولى بإحسان، فلا منافاة بين هذه الآية والدليل القطعي.

إذن: البشرى بالجنّة لفئتين، هما:

 ١ - السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار، وليس جميعهم.

 ٢  - الذين اتّبعوهم بإحسان، لا كلّ تابع لهم.

فكيف يمكن الاستدلال بهذه الآية على أنَّ الله تعالى أجاز دخول الجنّة للجميع؟

نذكر فيما يلي الآيات التي تثبت أنّ أفراداً في الفئة الثانية لم يتّبعوا الفئة الاولى بإحسان:

 ١ - وصف الله تعالى الوليد بن عقبة بالفاسق في قوله:

ص :4٩ 

( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ ) (الحجرات:  6 ) وقد جزم فريق من المفسّرين بأنّ المقصود بالفاسق في الآية هو الوليد.

 ٢ - روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أنَّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) كان يخطب قائماً يوم الجمعة، فجاءت عير من الشام، فانفتل الناس إليها حتّى لم يبق إلّا اثنا عشرَ رجلاً. فأُنزلت هذه الآية التي في الجمعة: ( وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَ تَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجارَةِ وَ اللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) . (1)

فهل الذين ينتهكون حرمة النبيّ (صلى الله عليه و آله) بهذا النحو، يمكن أن يكونوا مصداقاً ل-( الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ ) ؟ .

 ٣ - ذكر المفسّرون أنّ قطيفة حمراء من الغنائم فُقدت يوم بدر، فقالوا: لعلّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) أخذها، فأكثروا في ذلك، فأنزل الله تعالى: ( وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (آل عمران: ١6١ )


1- صحُح البخارُٰ ج ١ ٰ ص ٢٢5  و ج 6 ٰ ص 6٣ .

ص :5٠ 

وتبيّن بعد ذلك أنّ بعض الصحابة هم الذين قاموا بهذا العمل، كما روى ذلك ابن كثير في تفسيره; قال: «وقد غلّ بعض أصحابه» . (1)

هذه الآية تكشف عن ضعف إيمان أُولئك الذين رموا النبيّ بالغلول - والعياذ بالله - وتثبت قلّة أدبهم، مع أنّهم من البدريّين المعدودين من السابقين الأوّلين والذين انحرفوا في الكثير من أفعالهم.

وفي الختام نذكِّر أنّ أيّ نوع من المدح لهذه الفئة، لا يعني أنّه ضوء أخضر لواحد واحد منهم حتّى آخر حياته، بحيث يجوز له أن يفعل ما يحلوْ له، بل هو وعد من الله صدر بمقتضى حكم من أحكامه ويمكن أن يزول أثره بحصول الأعمال غير اللاّئقة التي لها حكم المانع من تحقّق المقتضي. وإنّما يتحقّق هذا الوعد الإلهي وهذه البشرى الربّانيّة في ما إذا عاش الشخص المبشَّر مستقيماً، ولم ينحرف حتّى آخر لحظةٍ من حياته، أمّا لو ابتُلي


1- تفسُر ابن كثُرٰ ج ١ ٰ ص 4٢١ .

ص : 5١ 

بالانحراف في متقلّبات الحياة فإنّ هذه الآية لاتشمله.

فما أكثر الذين أُوتُوا الآيات الإلهيّة في بداية حياتهم، ولكنّهم انتهوا إلى طاعة الشيطان في عاقبتهم فكانوا من الخاسرين، كما قال تعالى: ( وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ ) (الأعراف:  ١٧5 )

ولم يستثن الله تعالى أحداً من هذه القاعدة، بل حتّى أولئك الذين بشّرهم بالجنّة في الآيات المذكورة، حيث أنذرهم بأنّ أعمالهم قد تحبط إن لم يوقّروا النبيّ](صلى الله عليه و آله) [ فقال:

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (الحجرات:  ٢ )

إذن، واستناداً لهذه الآية الكريمة، فإنّ أيّاً من السابقين الأوّلين، أو الذين اتّبعوهم لو تجاسر على النبيّ (صلى الله عليه و آله) فسيحبط عمله، وينتفي عنه ذلك الوعد الإلهي بسبب ما صدر عنه من عمل قبيح.

ص : 5٢ 

وما أحسن قول النبيّ (صلى الله عليه و آله) في هذا المجال: (

وإنّما الأعمال بالخو اتيم) . (1)

أي: أنّه لا ينبغي للإنسان أن تغرّه أعماله الصالحة في جانبٍ من حياته، بل يجب أن يحافظ على نقائه واستقامته وطهارته حتّى آخر المطاف.

نداء الوحده

اشاره


1- صحُح البخارُٰ ج 4 ٰ ص ٢٣٣ ٰ كتاب القدرٰ باب  5 ٰ حدُث  66٠٧ .

ص :  5٣ 

نداء الوحدة

أعرب المؤلف الشيخ صالح الدرويش عن أسفه لما اعترى المسلمين من تشرذمٍ وتشتّت تحت عنوان (نداء الوحدة) .

ونوّه إلى أنَّ الاختلاف يسري في الأُمّة كالسرطان ثمّ قال: علينا أن نعتبر بالسلف، فرغم الحروب التي وقعت بين صحابة النبيّ](صلى الله عليه و آله) [ وأهل بيته، بقوا رحماء فيما بينهم، وهذه حقيقةٌ لا تُنكر! !

ثمّ تأسّف الشيخ على اُولئك الذين يصرفون أوقاتهم الغالية في تحليل المسائل التأريخيّة، وأضاف قائلاً:

ص :  54 

ونتيجة هذا العمل ليست سوى توسيع رقعة الخلاف وتعميق العداء بين المسلمين أنفسهم!

النقد

النقد

إنّ ما دَوّنه المؤلّف المحترم في هذا الفصل لجديرٌ بالاهتمام; إذ لا شكّ في أنّه لا ينتفع من اختلاف المسلمين وتنازعهم سوى أعدائهم، ولكن علينا معرفة الذين يثيرون هذه الاختلافات.

إنّك - يا شيخ - تعيش في الدِّيار السعوديّة، ولستَ شخصاً عاديّاً، وإنّما حضرتك صاحب منصب رسمي، فهل تعلم أنّه يصدر - في الأقلّ - منشور كلّ شهر في نقض عقائد الشيعة، ويوزَّع في الحرمين الشريفين، وأنّ أعضاء الحكومة السعوديّة هم الذين يتكفّلون بنفقات ذلك في أغلب الاحيان؟ !

وهل تعلم أنّ أكثر الرسائل والأُطروحات الجامعيّة في السعوديّة في الآونة الأخيرة تتمحور حول بيان عقائد

ص : 55 

الشيعة ونقضها. وليتها تتضمّن نقداً علميّاً ينطبق مع الأصول والمعايير العلمية، أو أنّ أصحابها كانوا يقرؤون الردود التي تُكتب في دحضها، ويطالعوها قبل أن يواصلوا الكتابة في هذا المضمار!

إنّ بلدك الذي تعيش فيه طالبٌ جامعيٌّ خصّص رسالته لبيان عقائد الشيعة وطبعها في ثلاثة أجزاء، تمحور معظمها حول ذمّ الشيعة وشتمهم، ونسبة الأكاذيب إليهم، تلك الأكاذيب التي تدهش أيّ قارئ، فمثلاً يقول: «لقد أدخل الخميني اسمه في الأذان، وقد أصبح الآن جزءاً من الأذان الشيعي» . (1)

إنّ موضوعيّة هذه الدعوى تشبه المقولة المعروفة «الخسن والخسين هما بنتا مغاوية» ! .

وبدلاً من أن توجّهوا النصح لنا، من الأجدر أن تنصحوا أولئك قليلاً. فالشيعة مضطرّون للدفاع عن


1- ناصر بن علُ بن الغفارُٰ عقائد الشُعَ الاثنى عشرُ»َٰ عرض ونقدٰ ج ٣ ٰ ص ١١54 .

ص :  56 

أنفسهم إزاء هذه الاتهامات الواهية.

ثم نسألك: هل تعتقد حقّاً أنَّ أهل البيت (عليهم السلام) والصحابة قد خاضوا حروباً دامية بعضهم ضدّ بعض، ولكنّهم مع ذلك متحابّون متراحمون؟ ألا ترى تناقضاً بين هاتين الجملتين: الصحابة متحاربون، الصحابة متراحمون؟ !

هل يمكن أن يتقاتل فريقان أو شخصان، ويسفك أحدهما دم الآخر، ويكونان في الوقت نفسه متحابّين متراحمين؟ !

أمّا ما ذكرت من أنّ التحليل التأريخي لا نتيجة له سوى تعميق الخلاف، فهو الآخر جدير بالتأمّل; لأنَّ هناك أُسلوبين لدراسة التأريخ هما:

الأوّل- أن يطرح المؤرّخ المسائل التاريخيّة بنزاهة مراعياً للضوابط والأُصول العلميّة الصحيحة، ومن دون إصدار أحكام مسبقة ثمّ يستخلص النتائج، وهذا هو الطريق الذي يطابق العقل، ويؤيّده القرآن الكريم الذي يدعونا دائماً إلى النظر في سنن من سبقونا.

ص :  5٧ 

فلو كان تحليل أحداث الماضي ذنباً وعملاً خاطئاً لا يُغتفر، فعليكم إذن حذف كتب التأريخ من مناهجكم وتحريم دراستها.

الثاني- أن يقوم شخص بإصدار أحكام مسبقة وغير موضوعيّة، ومن دون رعاية ضوابط الكتابة الصحيحة ونزاهة القلم، فيخدش عواطف الآخرين، ويتهجّم عليهم دون تورّعٍ.

ومن المؤكّد أنّ هكذا تعامل مع التاريخ يخالف العقل والمنطق، وليس مقبولاً من قبل الأوساط العلميّة.

لذا، لا ينبغي الخوف من دراسة التأريخ، فإذا كان من سبقنا من السلف صالحاً حقّاً، فإنّ القلم سيسطر فضائله لا معايبه، أمّا غير الصالح منهم فإنّ سلوكه المشين سيكون غرضاً للأقلام.

ونغضّ الطرف عمّا ذُكر، ونقول:

لو كانت الأبحاث التأريخيّة سبباً للتفرقة والنزاع، فلِمَ تقوم أنتَ وزملاؤك في العقيدة بكلّ هذا الجهد التاريخي

ص : 5٨ 

وتُثيرون الخلاف بين المسلمين؟ فبعض الكتب التي صدرت بتقريظٍ ومقدّمةٍ من شخصكم المبجّل، لا تتضمّن إلّا بحوثاً تأريخيّة مُنحازة، مثل: «تأمّلات في نهج البلاغة» و «زواج عمر بن الخطّاب من اُمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب» تأليف أبي معاذ الإسماعيلي.

شرف الصحبه

اشاره

ص:  5٩ 

شرف الصحبة

ذكر المؤلّف آيات في فصل يحمل عنوان «شرف الصحبة» معتقداً أنّها نزلت في صحابة النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، وقال: إنّ إحدى وظائف رسول الله](صلى الله عليه و آله) [ هي تزكية الذين آمنوا به، ومع أنّه كان أُمّيّاً لا يقرأ ولا يكتب فقد وفقهم الله تعالى للايمان به وصحبته كما قال عزّ اسمه:

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:  ٢ )

نقد وتحليل

ص:  6٠ 

نقد وتحليل

لا شكّ في أنّ التزكية و التعليم من واجبات النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، وهذا لا يختصّ بنبيّنا (صلى الله عليه و آله) ، بل إنّ جميع الأنبياء بُعثوا لتزكية الناس وتعليمهم.

فلا شكّ في ذلك ولا ريب، ولكن هل أنّ جميع الذين حضروا بين يدي ذلك المعلّم الكبير قد انتفعوا من ينبوع معارفه بصورة متساوية؟ فالآية الكريمة لاتتطرّق الى هذا الامر.

افرضوا أنّ مدير هيئة تعليميّة خاطب تلاميذه بالقول: إنَّ معلّميكم يقومون بتعليمكم وتربيتكم، وبإمكانكم أن تبلغوا بواسطتهم الدرجات العلميّة الرفيعة، فهل هذا الخطاب دليل على أنّ جميع هؤلاء التلامذة سيحصلون على درجة القبول، ويصلون في التربية والتعليم إلى الدرجات العليا؟

ممّا يثير العجب أنّنا لانستلهم من هذه الآية سوى أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) معلّماً أرسله الله تعالى لتزكية وتعليم أُمّةٍ أمّية؛ إلا

ص:  6١ 

أنّ المؤلف يستدلّ بها على أنّ كلّ من بُعث النبيّ (صلى الله عليه و آله) لتزكيتهم قد بلغوا الكمال المطلوب، وتخلّوا عن طباعهم الجاهلية بالكامل! .

والاكثر عجباً أنَّ الآية تتحدّث عن «الأميّين» من العرب جميعاً، سواء الذين رأوا النبيّ والتقوه، أم الذين حرموا من شرف لقائه.

فلو قبلنا دلالة الآية على مدّعى المؤلف، فينبغي أن نقول: إنَّ كلَّ الأميّين في شبه الجزيرة العربيّة يومذاك بلغوا الكمال، وليس الصحابة وحدهم.

الحقّ أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) شأنه شأن سائر الأنبياء، يهتدي بنوره فريق، ويظلّ فريق آخر، وأنَّ أغلب الناس عادةً ما يكونون من الفريق الثاني، كما قال تعالى: ( وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ) (سبأ:  ١٣ ) .

إذن الحكم المسبق الذي يصرّح به المؤلف بشأن الصحابة، وكونهم جميعاً ارتدوا لباس التقوى، هو الذي دعاه للاستدلال بهذه الآية، مع أنّها بعيدة تماماً عن

ص: 6٢ 

المدّعى، وإنّما تتحدّث عن عموم المسلمين، وعلى فرض صحّة المدّعى ينبغي القول: كون النبيّ (صلى الله عليه و آله) يحمل هذه المسؤوليّة فهذا لا يعني انتفاع الجميع من حضرته.

 ٢ - (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) (آل عمران:  ١١٠ ) .

 ٣ - (وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (البقرة:  ١4٣ ) .

بعد أن ينقل الكاتب هاتين الآيتين يقول: «الآيات التي أنزلها الله تعالى في وصفهم والثناء عليهم كثيرةجداً» وكأنّه يريد القول بأنّه يكتفي بما ذكر.

نقد وتحليل

ص:  6٣ 

نقد وتحليل

إنَّ من يستدلّ بآية على دعواه، يجب عليه حسب اصول الاستدلال بيان طريقة استدلاله، لكن المؤلّف وكما هو أُسلوب سائر نظرائه في الفكر؛ مع الأسف زيّن صفحات كتابه بالآيات التي عدّها دليلاً على مدّعاه، دون أن يبيّن وجه الدلالة.

أمّا الآية الأُولى فهي بصدد بيان فضيلة الأمة الإسلامية التي كُلّفت بفريضتي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لذا لابد و أنْ تأمر الناس بالبرّ وتنهاهم عن السيئات، وهذه الخصلة لا تخصّ الصحابة ومن عاصروا النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، بل هي مهمّة جميع أبناء الأُمّة الإسلاميّة إلى يوم القيامة.

ولعلّ ما سبّب توهّم الكاتب هو خطاب «كنتم» في الآية، فتصوّر أنَّ المقصود بها الصحابة وحدهم، مع أنّ الخطابات القرآنيّة العامّة لا تقصد فرداً خاصّاً بعينه، كما هو حال الكتّاب عادةً. فمثلاً: عندما يقول كاتب في كتابه: «أيّها القارئ العزيز» فهو يقصد بهذه العبارة كلّ من يطالع

ص: 64 

كتابه. وهذه حقيقة أقرّ بها علماء الأُصول.

و القرآن الكريم يذكر بصريح العبارة بأنّ هذا القرآن مصدر هداية لكلّ من يطلّع عليه حيث يقول تعالى: ( وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ ) (الأنعام:  ١٩ ) .

ويقول في آية أُخرى: ( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ. . . ) (البقرة:  ١٨5 ) .

والآية الثانية في الواقع تشبه الآية الأُولى كونها تتعلّق بالأُمّة الإسلاميّة، ولا تختصّ بالصحابة.

إنّ الله تعالى يخبرنا في الآية التي استدلّ بها الكاتب، أنّه أرسل ديناً وسطاً بين طمع اليهوديّة ونزعتها الماديّة، ورهبانيّة المسيحيّة ونزعتها الروحانية المفرطة؛ فشرّف المسلمين بأكمل الشرائع ليكونوا شهداء على سائر الأُمم.

فمن خلال التصريح بأنّ الإسلام هو دينٌ وسطٌ، وأنّه الشريعة الحقّة حتّى يوم القيامة، نفهم أنَّ هذا الخطاب هو خطاب عامّ، ولا يقتصر على من عاصر النبيّ (صلى الله عليه و آله) .

لنتأمّل في كلام ابن كثير الذي هو من الثقاة عند فضيلة

ص: 65 

الشيخ صالح درويش، حيث يقول في تفسير هذه الآية:

«ولمّا جعل الله هذه الأُمّة وسطاً خصّها بأكمل الشرائع، وأقوم المناهج، وأوضح المذاهب كما قال: ( هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (الحجّ:  ٧٨ )» . (1)

إنّنا نناشد مؤلف الكتاب ومترجمه أن يدقّقا في ما يدوّنان أكثر، وأن يراجعا أحد التفاسير على أقلّ تقديرٍ كي لاينزلقا في هذا المهوى. فهذا النوع من التفسير الذي تبنّياه هو تحريف معنوي للقرآن الكريم، وهو في حقيقته تفسير بالرأي، أي أنّه مرفوضٌ جملهً وتفصيلاً.

استثناء في التاريخ

اشاره


1- تفسُر ابن كثُرٰ ج ١ ٰ ص ١٩٠ .

ص: 66

ص: 67

ص:  6٨ 

استثناء في التأريخ

أورد المؤلّف المحترم في فصل تحت هذا العنوان آيات تب-يّن قضيّتين هما:

 ١ - إنَّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) رؤوف رحيم بأُمّته.

 ٢ - إنَّ أصحاب النبيّ (صلى الله عليه و آله) أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم.

ثمّ استنتج أنَّ جميع أبناء الأُمّة الإسلاميّة ينبغي أن يكونوا رحماء فيما بينهم، ولا شكّ في أنّ أهل البيت- وهم من الصحابة أيضاً - كانوا رحماء مع سائر الصحابة، أمّا الآيتان فهما:

ص:  6٩ 

 ١ - (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (التوبة: ١٢٨ ) .

 ٢ - (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً) (الفتح:  ٢٩ ) .

التحليل

التحليل

ينبغي أن نقول بشأن الآية الأُولى إنّ الخُلق العظيم، وسعةَ الصدر، والرأفةَ والرحمةَ، هي صفاتٌ لنبيّنا الكريم (صلى الله عليه و آله) لذلك لم يطلب من الله تعالى أن ينزل العذاب على قومه رغم كلّ ما لقيه منهم من أذىً، بل إنَّ وجوده (صلى الله عليه و آله) بينهم كان مانعاً عن نزول العذاب عليهم، قال تعالى:

ص:  ٧٠ 

(وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ) (الأنفال:  ٣٣ )

والحريّ بالمسلمين جميعاً أن يكونوا رحماءَ بينهم. ولكنّ الكلام: هل اقتدى المسلمون - سواء في عصر الرسالة أو بعد ذلك - بالرسول الكريم، أم كان بعضهم رحيماً مع بعض، وبعضهم الآخر عدوّاً؟

إنَّ المصادر التأريخيّة المعتبرة تفيدنا أنَّ بعض الصحابة كانوا رحماء فيما بينهم، ولكن بعضاً منهم أشعلوا نيران الحرب والفتنة.

فبعض الصحابة قتلوا عثمان بن عفّان في داره، وتسبّبوا في تأجيج نار الفتنة، ثمّ حدثت معركة الجمل التي راح ضحيّتها عشرة آلاف قتيل، ومعركة صفّين التي تجاوز عدد قتلاها الخمسين ألفاً، ثمّ حدثت فتنة الخوارج التي استمرّت عدّة سنين.

إنَّ الأحداث التأريخية تُظهر بجلاء أنّ حرباً باردة استمرّت بين الأنصار والمهاجرين، وكان بعضهم يذمُّ بعضاً في أقوالهم وأشعارهم، وغير ذلك.

ص: ٧١ 

أمّا بشأن الآية الثانية فثمَّ أمران ينبغي الالتفات لهما، وهما:

 ١ - هل جملة ( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) جملة خبريّة لبيان واقع حال صحابة النبيّ وكونهم كذلك، أم أنّها في مقام إنشاء الحكم وأنّها بمعنى: ينبغي ويجدر بهم أن يكونوا كذلك.

أمّا الاحتمال الأوّل فلا ينسجم مع الوقائع التأريخيّة القطعيّة; لأنّ تأريخ حياة الصحابة، ومن بعدهم من التابعين كان حافلاً بالحروب الدامية، وفي هذه الحالة لا يمكن أن تكون الآية حاكية عن حالهم - ولقد اعترف المؤلّف نفسه بهذه الحقيقة في الصفحات التي سبقت هذه الصفحة، إذ قال: «رغم الحروب التي حدثت بين الصحابة. . . كانوا متراحمين» . (1)

 ٢ - ذيل الآية يفيد أنّ الله تعالى لم يعد كلَّ أولئك بالمغفرة والأجر العظيم، بل وعد بعضاً منهم بذلك، إذ


1- الكتابٰ الصفحَ  ١٧

ص:  ٧٢ 

قال: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً ) .

استناداً الى ما ذكر، فإنّ الآيةَ ليست في مقام مدح جميع الصحابة، بل تمدح فريقاً منهم. فمن يا ترى ذلك الفريق الذي قصده القرآن؟ لابدّ من مراجعة سيرتهم لمعرفة ذلك.

نكتفي هنا بذكر سندٍ واحد حول النزاعات والصدامات التي حصلت بين الصحابة، وهذا السند من صحيح البخاري المقبول لدى إخواننا السنّة ولا ينكرونه بوجهٍ، وهو:

حول مسألة «الإفك» انعكست بوضوح العداوة القديمة بين سعدبن معاذ، وسعد بن عبادة، حتّى كادت القبيلتان تقتتلا، «فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) وهو على المنبر:

(يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلّا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلّا خيراً، وما كان يد خل على أهلي

إلّا معي) ، فقام سعد بن معاذ

ص: ٧٣ 

الأنصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قال: فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحميّة فقال سعد: كذب لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عمّ سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنّه، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين، فتثاور الحيّان الأوس والخزرج حتّى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله (صلى الله عليه و آله) قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه و آله) يخفضهم حتّى سكتوا وسكت» . (1)

فهل مع عرض هذا الحَدث التأريخي الثابت يمكننا القول أيضاً: قد كان الصحابة رحماء بينهم؟

 ٣ - (وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:  ١٠ ) .


1- صحُح البخارُٰ ج ٣ ٰ ص ١56  و ج 5 ٰ ص 5٨  و ج 6 ٰ ص ٧ .

ص:  ٧4 

هذه الآية دستورٌ من الله تعالى مفاده وجوب طلب المغفرة لمن سبقنا من المسلمين، وأن ندعو الله تعالى بأن لا يجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا، ولا شكّ في وجوب العمل بهذا الدستور في عصرنا هذا أيضاً؛ ولكنّه هل يشمل الجميع، أم أنَّ من جعل نفسه بعمله من مستحقّي اللّعن، والبراءة ليس داخلاً في الأساس في مصداق قوله تعالى: ( لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ ) ، أو على فرض شموله ابتداءاً فإنّه يخرج منه استمراراً بالدليل القطعي.

نشير أدناه إلى نماذج من هذا الفريق الذي لا يشمله مصداق الآية:

 ١ - الذين يرمون المحصنات: ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) (النور:  ٢٣ ) .

 ٢ - الذين يؤذون رسول الله: ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) (الأحزاب:  5٧ )

ص:  ٧5 

 ٣ - الذين يكتمون الحقّ: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاه ُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ) (البقرة:  ١5٩ ) .

هؤلاء فئات لعنهم الله في القرآن، ولا فرْقَ في ذلك بين الصحابة والتابعين وغيرهم.

أمّا الملعونون على لسان النبيّ (صلى الله عليه و آله) فلايمكن حصرهم في هذا الكتيّب، ونكتفي بذكر بعضهم:

 ١ - لعن الله آكل الربا وشاهده وكاتبه.

 ٢  - لعن الله الخمرَ ولعن شاربها وساقيها.

 ٣  - لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم.

 4  - لعن الله المتشبّهين من الرجال بالنساء.

 5  - لعن الله من سبّ والديه.

 6  - لعن الله من يمثّل بالحيوان.

ولمزيد الاطّلاع على الملعونين على لسان النبيّ (صلى الله عليه و آله) يمكن مراجعة المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي (ج 6 ، صص ١٢٢  و ١٢٣ ) إذ لم نتطرّق الى ذكر ماورد في

ص:  ٧6 

هذا الصدد بالتفصيل مراعاةً للإيجاز.

إذن فالآية المذكورة توصي بالاستغفار للسابقين، وهذا أصلٌ عامٌّ، ولكنّه لا يشمل الفئات المذكورة، لذلك لا يمكن الاستدلال به على طهارة الصحابة والتابعين جميعاً، إلّا أن نحرز أنَّ صحابيّاً بعينه لم يكن من موارد استحقاق اللّعن.

ونستنتج أنّه ما لم تنكشف لنا نقطة ضعف في حياة مسلمٍ ما، فيجب علينا الاستغفار له، إلّا إذا ثبت بالدليل القطعي وجوب البراءة منه.

تسميه الايمه ابناءهم باسماء الخلفاء

اشاره

ص: 77

ص:  ٧٨ 

تسمية الأئمّة أبناءهم بأسماء الخلفاء

لقد استدلّ المؤلّف في كتابه بدليلين على وجود علاقات حسنة بين الصحابة وأهل البيت، الأوّل-بزعمه، وبعد أن قدّم مقدّمة على اختيار الاسم الحَسنِ، أنَّ عليّاً (عليه السلام) سمّى ثلاثة من أبنائه بأسماء الخلفاء الثلاثة أبي بكر، وعمر، وعثمان; تعبيراً عن شدّة حبّه لهم، وهم:

 ١ - أبو بكر بن علي، الذي استشهد مع أخيه الأكبر الحسين في كربلاء.

 ٢ - عمر بن علي، الذي شارك هو الآخر في ملحمة كربلاء، ولكنّه عاد إلى المدينة حيّاً مع الإمام

ص: ٧٩ 

زين العابدين (عليه السلام) .

 ٣  - عثمان بن علي، استشهد في كربلاء أيضاً.

كذلك سمّى الحسن بن علي أبناءه بأبي بكر، و عمر، و طلحة. وسمّى الحسين بن علي ابنه باسم عمر.

وكذلك فإنّ الامام زين العابدين قد أسمى إحدى بناته (عائشة) وأحد أبنائه (عمر) .

بحث وتحليل

بحث وتحليل

إنّنا لا نبحث ههنا في صحّة وسقم هذه الأقول; لأنَّ بحثنا الأساسي لايتمحور حول ذلك، وإن كان الطعن وارداً على بعضها. المهمّ برأينا أن نلفت نظر المؤلّف إلى أنّ هذا النوع من الاستدلال واهٍ جدّاً; للأسباب التالية:

أوّلاً - أغلب نساء أهل البيت لم يكُنّ بني هاشم، وبعضهنّ كنّ يخترن أسماء أولادهنّ، ولم يكن الأئمّة يعترضون عادةً; لأنّه أمرٌ قد تمّ ولايرون داعياً لتغييره.

يقول الإمام عليّ (عليه السلام) في رجز له:

ص: ٨٠ 

أنا الذي سمّتني اُمّي حيدرة

ضرغام آجام وليث قسورة

ثانياً - الأسماء المذكورة لم تكن مختصّة بالخلفاء الثلاثة، بل كانت من الأسماء الشائعة في ذلك العصر، ولم يكن الملاك أنّهم سمّوا أبناءهم بتلك الأسماء؛ لأنّها أسماء أولئك الخلفاء، بل لكونها من الأسماء الشائعة لدى العرب. وما أكثر الصحابة الذين كانوا يحملون هذه الأسماء. وفي ما يلي نذكر أمثلة: أ - الصحابة الذين كان اسمهم أبابكر:

 ١  - أبو بكر بن شعوب الليثي.

 ٢  - أبو بكر العنسي.

 ٣  - أبو بكر بن حفص. (1)

ب - الصحابة الذين كان اسمهم عمر:

 ١  - عمر الأسلمي أو الجهني.

 ٢  - عمر الجمعي.

 ٣  - عمر بن حكم السلمي.


1- الأصابَ فُ تمُُز الصحابَٰ ج 4 ٰ الإرقام  ١4٣ ٰ  ١44 ٰ  ١5١ ٰ  ١55 .

ص:  ٨١  

4  - عمر بن سالم الخزاعي.

 5  - عمر بن سراقة بن المعتمر.

 6  - عمر بن سعد الأنماري.

 ٧  - عمر بن سعد السلمي.

 ٨  - عمر بن سفيان بن عبد الأسد.

 ٩  - عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد.

 ١٠  - عمر بن عامر السلمي.

 ١١  - عمر بن عبيدالله بن أبي زكريا.

 ١٢  - عمر بن عمرو الليثي.

 ١٣  - عمر بن عمير بن عدي.

 ١4  - عمر بن عوف النخعي.

 ١5  - عمر بن خزية.

 ١6  - عمر بن اللاحق.

 ١٧  - عمر بن مالك بن عتبة.

 ١٨  - عمر بن مالك بن عقبة.

 ١٩  - عمر بن مالك الأنصاري.

ص: 82

  ٢٠  - عمر بن يزيد الخزاعي.

 ٢١  - عمر بن معاوية الغاضري.

 ٢٢  - عمر اليماني. (1)

ج - الصحابة الذين كان اسمهم عثمان:

 ١  - عثمان بن الأزرق.

 ٢  - عثمان بن حنيف الأنصاري.

 ٣  - عثمان بن ربيعة.

 4  - عثمان بن شماس بن دويد المخزومي.

 5  - عثمان بن طلحة.

 6  - عثمان بن أبي العاص.

 ٧  - عثمان بن عامر.

 ٨  - عثمان بن عبدالرحمن التيمي.

 ٩  - عثمان بن عبد غنم.

 ١٠  - عثمان بن عبيدالله بن عثمان.

 ١١  - عثمان بن عبيدالله الهدير.


1- اْسد الغابَٰ ج 4 ٰ صص  5١  -  ٨٢ .

ص: ٨٣ 

 ١٢- عثمان بن عثمان الثقفي.

 ١٣  - عثمان بن عثمان الشريد.

 ١4  - عثمان بن عمرو الأنصاري.

 ١5  - عثمان بن عمر.

 ١6  - عثمان بن قيس بن أبي العاص.

 ١٧  - عثمان بن محمّد بن طلحة.

 ١٨  - عثمان بن مظعون.

 ١٩  - عثمان بن معاذ القرشي. (1)

د - الصحابيّات اللّواتي كان اسمهنّ عائشة:

 ١  - عائشة بنت جرير بن عمرو.

 ٢  - عائشة بنت سعد بن أبي وقّاص الزهريّة.

 ٣  - عائشة بنت أبي سفيان بن الحارث بن زيد الأنصاريّة.

 4  - عائشة بنت عبدالرحمن بن عتيك النضريّة.

 5 - عائشة بنت عمير بن الحارث بن ثعلبة الأنصاريّة.


1- اْسد الغابَٰ ج ٣ ٰ صص ٣٧١  -  ٣٨٧ .

ص: ٨4 

 6  - عائشة بنت قدامة بن مظعون القرشيّة الجمحيّة.

 ٧  - عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن اُميّة. (1)

نستنتج ممّا ذكر أنَّ هذه الأسماء كانت من الأسماء المشهورة والمتداولة جدّاً في المجتمع العربي، وأنَّ أهل البيت (عليهم السلام) استعملوها أيضاً لشهرتها، دون أن يكون الملاك هو الخلفاء الثلاثة وحتّى الذين أطلقوا على الخلفاء هذه الاسماء قد وضعوها لشهرتها بين العرب آنذاك.

ولو سلّمنا جدلاً بأنّ هذه الأسماء لم تكن مشهورة بل كانت خاصّة بعدّة أشخاص، فإنّ ذلك لا يعني أبداً أنّ قبح سلوك شخص ما يعني أنّ اسمه قبيح أيضاً، فلا تلازم بين ذلك.

ولنا في اسم عبدالرحمن خير مثال، فقاتل الإمام علي هو عبدالرحمن بن ملجم، وهو أبغض شخص عند


1- الأصابَ فُ تمُُز الصحابَٰ ج 4 ٰ صص ٣4٨  -  ٣5١ .

ص:  ٨5 

الشيعة، ومبغوض عند عامّة المسلمين أيضاً، ولكن اسم (عبدالرّحمن) جميل، ولا يمكن إحصاء شخصيّات الشيعة والسنّة الذين يحملون هذا الاسم.

فلا يمكن إذن - يا شيخ - أن تُسدل أستاراً على جفاء بل قسوة بعض الصحابة على أهل البيت، بالاستناد إلى هذا الدليل الواهي. وكان يجدر بك أن تسلك الطريق الذي أوصيتنا بسلوكه، وهو أن عدم الولوج في القضايا التأريخيّة، وعدم كشف الستار عن الحقائق التأريخيّة المريرة.

الى هنا نختم الكلام حول أول دليل استند إليه المؤلف، وهو التراحم والمودّة بين الصحابة واهل البيت.

وفي الفصل التالي سوف نتطرّق الى تحليل دليله الثاني.

المصاهره

اشاره

ص:  ٨6 

المصاهرة

الدليل الثاني الذي استدلّ به المؤلّف على وجود العلاقة الحميمة بين أهل البيت والصحابة، هو وجود علاقات مصاهرة بينهما. فقد ذكر مقدّمةً مفصّلة عن أهمّية الزواج في الإسلام، وتأريخ المصاهرة بين العرب والقرابة في الإسلام؛ الأمر الذي لم تكن له أهمية تُذكر، فالمهم هو وجود صفوٍ ومحبّةٍ بين اهل البيت (عليهم السلام) والصحابة. بعد هذه المقدمة ذكر الدليل الثاني المتمثِّل بالمصاهرة بين أهل البيت والصحابة، واستشهد بزواج عمر بن الخطّاب من اُمّ كلثوم بنت الإمام عليّ (عليه السلام) ، والذي أشار المتُرجم في

ص:  ٨٧ 

الهامش إلى أنّه وقع في السنة السابعة عشرة من الهجرة.

ثمّ أضاف:

لا يمكن اعتبار هذا الزواج إجباريّاً; لأنَّ غيرة عليّ وشجاعته لا تسمح له بذلك، وهذه المصاهرة بذاتها دليل على أنّ هاتين الأُسرتين تُكنان المودّة لبعضهما.

نقد و تحليل

نقد و تحليل

إنَّ سيرة أهل البيت (عليهم السلام) موسوعةٌ عظيمةٌ، ولا يمكن الحكم في قضيّة جزئيّة منها دون الأخذ بنظر الاعتبار سائر الجوانب. فإنّ حكماً كهذا يشبه من ينظر إلى شعيرة واحدة من شعائر الحجّ، كالطواف حول البيت المؤلف من حجر وطين، ويريد تحليلها منفردة دون اعتبارها جزءاً من مجموعة شعائر.

فلا شكّ أنّ تحليلاً أو حكماً كهذا، يختلف عمّا إذا نظر المحلّل إلى مجموع مناسك الحجّ وشروطه ونتائجه، ثمّ درس الطواف في إطار هذه النظرة الشاملة.

والواقع أنَّ الرؤية الأُولى هي أمرٌ غير عقلائي، في حين

ص: ٨٨ 

أنّ الرؤية الثانية هي الصائبة، لأنّها تنظر إلى الحجّ كعبادةٍ متكاملة تمثِّل مظهراً عظيماً من مظاهر الإسلام، ومؤتمراً كبيراً للمسلمين.

يُذكر في هذا الصدد أنَّ ابن أبي العوجاء - وكان من المادّيين المعاصرين للإمام الصادق (عليه السلام) - نظر إلى الطواف وفق الرؤية الأُولى فقال: «إلى كم تدوسون هذا البيدر؟» . (1)

لذلك، ينبغي عليكم أن تنظروا إلى حياة أهل البيت (عليهم السلام) منذ رحلة النبيّ (صلى الله عليه و آله) حتّى حصول هذا الزواج كوحدة متكاملة، في حين أنّكم تغضّون النظر عن كلّ الحوادث المريرة التي وقعت في السقيفة وبعدها، وتغضّون النظر عن الدماء المقدّسة التي أُريقت على أيدي الناكثين والقاسطين والمارقين، وتعزفون على وترٍ واحدٍ معرضين عن جميع الحقائق الثابتة، ثمّ تستنتجون أنَّ «علاقة أهل البيت بالصحابة كانت واضحة جدّاً» .


1- الاحتجاج للطبرسُٰ ج ٢ ٰ ص ٢٠٧

ص:  ٨٩ 

لقد أزحنا الستار آنفاً عن بعض الحقائق، ونكتفي بذلك؛ لأنّ الهدف هو رفع الشبهة وليس إثارة الخلافات والنعرات.

لنرى: أوّلاً: هل حصل هذا الزواج حقّاً؟

ثُمَّ على فرض حصوله، ما هي الظروف التي أدّت الى حصوله؟

فالزواج سلوك صامت، ويمكن أن تكون له دوافع وظروف نحن نجهلها، وفي هذه الحالة لا يمكننا أن نستند إلى سلوك صامت ومليء بالتناقض ثمّ نستنتج شيئاً.

وسوف نترك الحديث عن أدلّة من أنكر هذا الزواج، ونفرض أنَّ هذا الزواج قد تحقّق فعلاً، ولكنّنا نتساءل: هل هذه العلاقة (المصاهرة) مع الأخذ بنظر الاعتبار الظروف التي كانت تكتنفها، دليل أو شاهد على وجود التراحم بين آل علي، والخليفة الثاني؟

نفصّل هذا الموضوع الذي ادّعاه الكاتب، فيها يلي:

الدافع من زواج ام كلثوم

ص: ٩٠ 

الدافع من زواج أُمّ كلثوم

الظاهر أنَّ دافع الخليفة الثاني من هذا الزواج هو مصاهرة أهل البيت (عليهم السلام) تشرّفاً بنسبهم، إذ أخبر بعض أصحابه أنّه يرغب في الزواج من ابنة الإمام علي لحديث سمعه عن النبيّ (

كلّ نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلّا نسبي وسببي ) ، وقال: «وكنت قد صحبته فأحببت أن يكون هذا أيضاً» . (1)

فيرى الخليفة أنّه عاشر النبيّ (صلى الله عليه و آله) وأنّه يحبّ تحقيق هذه الصلة.

هذا ظاهر القضيّة، ولكن يبدو أنّه كان يبطن باعثاً آخر، وأنّه كان يريد عن طريق هذا الزواج أن يتستّر على أعماله الماضية يجعلها في طي النسيان.

وكانت هذه الظاهرة وهي الزواج بقصد تناسي الخلافات، والجروح العميقة التي تَحْدث إثر النزاعات؛


1- الطبقات الكبرى لابن سعدٰ ج ٨ ٰ ص 46٣ .

ص: ٩١ 

رائجة بين العرب لاسيما بين عشائرهم، وما زالت حتّى يومنا هذا سائدة إلى حدٍّ ما.

ما هي الظروف التي حدث فيها هذا الزواج؟

ما هي الظروف التي حدث فيها هذا الزواج؟

لمّا تقدّم عمر خاطباً، اعتذر الإمام عليّ (عليه السلام) بمختلف الأعذار:

أ) اعتذر بأنَّ ابنته صغيرة، وأنّها ليست في سنّ الزواج حيث قال له: (إنّها صبيّة) .

فأجاب الخليفة: «إنّك والله ما بك ذلك، ولكن قد علمنا ما بك» . (1)

ب) عندما أصرَّ الخليفة على الخطبة لجأ الإمام إلى عذر آخر فقال: (إنّما حبست بناتي على بني جعفر) ، يعني: أخاه.

فأجاب عمر: «أنكحنيها يا علي، فوالله ما على ظهر


1- المصدر نفسهٰ ج ٨ ٰ ص 464 ; الذرُ»َ الطاهرَٰ لإبُ بشر الدولابُ  ٢٢4 -  ٣6٠  ٰ ص ١55 .

ص: ٩٢ 

الأرض رجل يرصد من حسن صحبتها ما أرصد» (1)، أي: وعدها بأن يحسن معاملتها. وإنّما قال ذلك؛ لأنّه كان مشهوراً بقسوته مع النساء.

ج) لم يستجب الإمام لهذا الطلب وتقدّم بعذر ثالث، وهو طلب المشورة مع العبّاس وعقيل والحسنين. يقول الهيثمي:

«دعا عمر بن الخطّاب علي بن أبي طالب فسارّه، ثمّ قام عليّ فجاء الصفة فوجد العبّاس وعقيلاً والحسنين فشاورهم في تزويج عمر أُمّ كلثوم. فغضب عقيل وقال: يا علي ما تزيدك الأيّام والشهور والسنون إلّا العمى في أمرك، والله لئن فعلت ليكونن وليكونن، لأشياء عدّدها ومضى يجرّ ثوبه» .

ولمّا سمع عمر قول عقيل ضحك وقال: «ويح عقيل سفيه أحمق» . (2)


1- الطبقات الكبرىٰ ج ٨ ٰ ص 46٣ ; الاستُعابٰ ج 4 ٰ ص 4٩١ ; إْسدالغابَٰ ج 5 ٰ ص 6١5 ; الأصابَٰ ج 4 ٰ ص 46٩ .
2- مجمع الزوائدٰ ج ٨ ٰ ص ٢٧١ .

ص: ٩٣ 

وعندما فاتح الإمام ولديه الحسن والحسين (عليهما السلام) قالا: (هي امرأة من النساء تختار لنفسها) . (1)

وفي خبر آخر أنَّ عمر وبعد أن يئس لقي العبّاس فقال له: «ما بي؟ أبي بأس؟» قال العبّاس: «وما ذلك؟» قال عمر: «خطبت إلى ابن أخيك فردّني» .

ثمّ بدأ يهدّد فقال: «أما والله لأعورن زمزم، ولا أدع لكم مكرمة إلّا هدمتها، ولأقيمن عليه شاهدين بأنّه سرق، ولأقطعن يمينه» . فأتاه العبّاس فأخبره وسأله أن يجعل الأمر إليه فجعله إليه» . (2)

لا شكّ في أنَّ هذا التهديد كان فارغاً؛ لأنّ منزلة أميرالمؤمنين ومكانته بين المسلمين كانت أعظم من أن ينال منها عمر، أو يتّهمه بهذه التفاهات، ولكن يبدو أنّ هذا الإلحاح المتواصل من عمر أدّى إلى أن يستجيب الإمام في النهاية لمصلحةٍ رآها.

حكم الضمير


1- مجمع الزوائدٰ ج ٨ ٰ ص ٢٧١ .
2- الكافُٰ ج 5 ٰ ص ٣46 .

ص:  ٩4 

حُكم الضمير

في التحليل التأريخي لا ينبغي الاقتصار على نقل هذا القول أو ذاك، بل لابدّ من أخذ المسائل الجانبيّة أيضاً بنظر الاعتبار ثمّ إصدار الحكم في القضيّة.

استناداً الى ماورد في كتب الفريقين فإنّ هذا الزواج قدحصل، وكان العبّاس عمّ الإمام هو المتصدّي للأمر، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو:

هل أنّه تمَّ عن طيب خاطر، أو أنَّ الضغوط الخارجيّة والداخليّة قد أثّرت في اتّخاذ القرار؟

لو أنّكم تأملتم قليلاً، وحكّمتم ضميركم فسوف تدركون إلى أيّة درجة حصل هذا الزواج برغبةٍ وطيب نفسٍ.

 ١  - لا شكّ في أنّ علاقات أهل البيت (عليهم السلام) مع الخليفة آنذاك كانت متوتّرة تماماً، وأنَّ الهجوم على دار فاطمة بنت رسول الله وهتك حرمتها أمرٌ لايمكن إنكاره.

 ٢ - كان عمر فظّاً وسيّء الخلق، وحين رشّحه أبوبكر

ص: ٩5 

للخلافة من بعده اعترض بعض الصحابة وقالوا: نراك استخلفت علينا عمر، وقد عرفته، وعلمت بوائقه فينا، فكيف إذا ولّيتَ عنّا، وأنت لاق الله عزّ وجلّ فسألك، فما أنت قائل. . . ؟ (1)

 ٣  - نقل الطبري: «قال المدائني: وخطب (عمر) أُمّ كلثوم بنت أبي بكر، وهي صغيرة وأرسل فيها إلى عائشة، فقالت: الأمر إليك. فقالت أُمّ كلثوم: ولا حاجة لي فيه. فقالت لها عائشة: ترغبين عن أمير المؤمنين؟ قالت: نعم، إنّه خشن العيش، شديد على النساء.

فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فأخبرته، فقال: أكفيك. فأتى عمرَ فقال: يا أميرالمؤمنين بلغني خبر أعيذك بالله منه. قال: وما هو؟ قال: خطبت أُمّ كلثوم بنت أبي بكر؟ قال: نعم، أفرغبت بي عنها أم رغبت بها عنّي؟ قال: لا واحدة، ولكنّها حدثة، نشأت تحت كنف أُمّ المؤمنين في لين ورفق، وفيك غلظة، ونحن نهابك وما نقدر أن


1- الأمامَ والسُاسَٰ ج ١ ٰ ص ٢5  لابن قتُبَ .

ص: ٩6 

نردّك عن خُلق من أخلاقك، فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوت بها، كنتَ قد خلفت أبابكر في ولده بغير ما يحقّ عليك. قال: فكيف بعائشة وقد كلّمتها؟ قال: أنا لك بها، وأدلّك على خير منها، أُمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب تعلّق منها بنسب من رسول الله (صلى الله عليه و آله)» . (1)

 4  - حكّم ضميرك وأجب: لو تقدّم شخص لعائلة لا ترغب فيه، وما زالت آهات الأمّ الحزينة تملأ أركان البيت؛ فضلاً عن أن الخاطب رجلٌ كهلٌ في أواخر حياته، ويتصف بالقسوة وسوء الخلق؛ فهل يُعقل أن هذه العائلة توافق على هكذا خاطبٍ وتقبل مصاهرته بطيب خاطرٍ ورحابة صدرٍ؟ !

من الواضح أنَّ أيّة أُسرة لا ترضى بمصاهرة هكذا إنسانٍ الخاطب، مهما كان مستواها الفكري والاقتصادي متدنّياً، فما بالك بأُسرة النبيّ الكريم؟ !

إذن، هذا الزواج لا يدلّ على وجود علاقات حسنة بين


1- تارُخ الطبرُٰ ج ٣ ٰ ص ٢٧٠ .

ص: ٩٧ 

الجانبين، بل يكشف عن اضطرار أُسرة الفتاة للموافقة.

وما يستنبط من المصادر الشيعيّة أنَّ الأمر لم يتجاوز عقد القران فحسب حيث لاتوجد أدلة على حصول شيءٍ آخر، وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:

(إنّ عليّاً (عليه السلام) لمّا توفّى عمر أتى أُمّ كلثوم فانطلق بها إلى بيته) . (1)

وفي مروج الذهب للمسعودي روي أنّ عمر لم يُرزق ولداً منها. (2)

كما يروي كثير من المؤرِّخين وعلماء الرجال أموراً لا تتناسب أبداً وكرامة أهل البيت (عليهم السلام) كما أن أسانيدها غير معتبرةٍ ومرفوضةٍ لذلك لم نتطرق إلى ذكرها.

وقد نقل مُترجم الكتاب كلاماً للطبري يذكر فيه أنَّ هذا الزواج قد حدث في السنة السابعة العشرة للهجرة. (3)


1- الكافُٰ ج 6 ٰ ص ١١5 .
2- مروج الذهبٰ ج ٢ ٰ ص ٣٢١  طبعَ دار الإندلسٰ ُقول فُه: أن»ّ عاصماً وعبُدالله وزُداً ولدوا لإْم» واحدَ بُنما ُرى آخرون إن» زُداً من إْم»كلثوم.
3- تارُخ الطبرُٰ ج ٣ ٰ ص ١66 .

ص: ٩٨ 

ولكنّي ألفت نظر المترجِم إلى أنَّ الطبري نقل هذا الحادث عن سيف بن عمر الكذّاب (1) ، فهنيئاً له مثل هذا التحليل! .

الامام الصادق حفيد ابي بكر

الإمام الصادق حفيد أبي بكر

يقول الشيخ درويش: قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : (ولدني أبوبكر مرّتين

) . أي: من جانب أُمّه أُمّ فروة فهي:

بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر. وأُمّها أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر.

ويضيف: لقد نقل هذه الجملة الكليني في الكافي، وابن عنبة في عمدة الطالب.

التحليل

التحليل

يُفترض بالشيخ صالح أن يدقّق في المصادر التي ينقل منها، كي لا ينسب أمراً لأحد دون أن يتأكد من صحّته. فإنّ هذه الجملة (ولدني أبو بكر مرّتين) غير موجودة في


1- تهذُب التهذُبٰ ابن حجرٰ ج 4 ٰ ص ٢٩٧ ; المجروحُنٰ ج ١ ٰ ص ٣45 .

ص: ٩٩ 

كتاب الكافي، وإنّما الموجود فيه أنّ الكليني نفسه - مؤلّف الكافي - يبيّن هذه النسبة ويقول: إنّ الإمام الصادق اُمّه اُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد، واُمّها أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر، من دون أن ينسب هذا القول للإمام الصادق، ومن دون أن يفتخر الإمام بهذا النسب.

أمّا ابن عنبة فهو ينسب هذه الجملة إلى الإمام، ولكن دون أن يذكر أيّ سند. فكيف يمكن الاستدلال على أمرٍ بحديث مرسل ليس له أيّ سند؟ (1)

كما أنّ الأربلي نقل هذا القول في كشف الغمّة عن كتاب عبدالعزيز الأخضر الجنابذي، وهو من علماء السنّة إذ يقول: قال جعفر: «ولقد ولدني أبوبكر مرتين» . (2)

ونعلّق على ذلك بأمرين:

 ١ -إنَّ ناقل الحديث سنّي ولا يعدّ حجّةً على الشيعة.


1- عمدَ المطالبٰ ص ١٩5 .
2- عبدالعزُز بن محم»د بن المبارك الإخضرٰ الحنبلُ الجنابذُ ثم» البغدادُٰ ولد عام  5٢4  وتوف»ى عام  6١١  ه- شذرات الذهبٰ ج 5 ٰ ص 46  .

ص:  ١٠٠ 

 ٢ - على فرض حجّيته، فالرواية تفتقد للسند تماماً، ومن ثمَّ فهي من الأحاديث المرسلة، التي لا يمكن الاحتجاج بها في المسائل العقائدية.

وهكذا نرى أنَّ الشيخ قد تغاضى عن جميع الحوادث الدامية التي وقعت بين الصحابة وأهل البيت بعد السقيفة، ويستدلّ بحديث لا أصل له، في سبيل أن يمحو من الأذهان كلّ تلك الأحداث المريرة، الأمر الذي يوصينا به. ولكن ليته عمل بوصيّته، ولم يلج في هذه الأبحاث التأريخيّة هو أيضاً حتى لاتتّسع رقعة الخلاف أكثر.

التراحم بين الال والاصحاب

اشاره

ص: 101

ص:  ١٠٢ 

التراحم بين الآل والأصحاب

في فصل آخر من الكتاب يتحدّث المؤلف عن حياة الصحابة وجهادهم بتفصيل، ثمّ يستدلّ بآيات، سنقوم ببيان وتحليل مضامينها بعد أن نذكر النقاط التالية:

 ١ - يفهم من كلام المؤلف أنَّ الشيعة يبغضون الصحابة جميعاً ولايكنّون لهم محبّة تُذكر. ولكنّ هذا خطأٌ فادحٌ قد ارتكبه سلفه، وهو اليوم يحذو حذوهم. لذلك نلاحظ أنّ الراسخ في أذهان الستة هو في بغض الشيعة للصحابة وشتمهم، وكأنما شعار التشيع هو سبّ الصحابة وقد سيطرت هذه الفكرة البالية على أذهانهم قروناً،

ص: ١٠٣ 

ولاشكّ في أنّ إثبات سقم هذه التهمة الواهية يتطلّب تخطيطاً يتمّ تنفيذه خلال مراحل زمنية.

 ٢ - كيف يمكن الزعم أنّ الشيعة يبغضون الصحابة جميعاً في حين أنَّ أئمّة الشيعة وأبرز شخصياتهم في عصر الرسالة هم من الصحابة، مثل سلمان والمقداد وأبوذرّ وعمّار وغيرهم. وأكثر من مئة وخمسين صحابيّاً يعدّون من طلائع الشيعة ووجهائهم، وإذا أردنا أن نذكر اسماءهم جميعاً لطال الحديث، ولكننا نحيل القارئ إلى كتاب الملل والنحل (ج 6 ، ص ٩٠ ) .

فكيف سوّلت للشيخ صالح الدرويش وأمثاله نفوسهم لأن يتّهموا الشيعة هذه التهمة الواهية ويزعمون أنّ التشيع يعني شتم الصحابة؟ !

 ٣  - إذا كان للشيعة رأي في بعض الصحابة - موثّقاً بالأدلّة - فهو يتعلّق بمن اغتصبوا الخلافة، وخالفوا النبيّ (صلى الله عليه و آله) وحرموا أهل بيته من حقوقهم المشروعة؛ وهم لايتجاوزون اصابع اليد، أمّا سائر الصحابة فيقولون في

ص: ١٠4 

شأنهم: اللَّهُمَّ اغفر لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان.

 4  - يتعامل المؤلّف مع آيات مدح الصحابة بصورة انتقائيّة، فهو يستدل بالآيات العامّة التي تمدحهم، ولا يتطرّق إلى الآيات الخاصّة التي تذمّ بعضهم. فهو كالقاضي المكلّف بالحكم في قضيةٍ كبيرةٍ فينتقي منها ما يلبيّ رغبته الشخصيه ويتجاهل عن كلّ ماسوى ذلك.

نتمنّى من الشيخ صالح درويش الذي هو قاض في القطيف، أن لا يتعامل مع القضايا التي تُطرح أمامه في المحكمة بهذه الطريقة.

 5 - يستند المؤلف إلى بعض الآيات المتعلّقة بعموم المؤمنين والمسلمين منذ عصر النبيّ (صلى الله عليه و آله) حتّى يوم القيامة، ثمّ يبادر الى تطبيق مضامينها على جميع الصحابة دون مسوِّغٍ.

 6 - الآيات التي نزلت بشأن الصحابة والتي تتضمّن مدحهم نوعاً ما، إنّما تمدحهم كجماعةٍ، ولا تزكيهم فرداً فرداً. فلو أنّ قائداً في معسكر - مثلاً - وصف مرؤوسيه بالشجاعة والبطولة، فإنَّ هذا الوصف طبعاً يتعلّق بالضبّاط

ص: ١٠5 

والمراتب والجنود الموجودين في ذلك المعسكر جميعاً - وهم عدّة آلاف -، لكنّ ذلك لايعني عدم وجود من لاينطبق عليه هذا الوصف بينهم.

وسبب الخطأ الذي وقع فيه المؤلّف في هذه المسألة هو أنّه اعتبر الآيات التي نزلت بشأن الصحابه كجماعةٍ متعلّقة بكلّ صحابي على حدّة وهو باستدلال هذا يتّهم القرآن بالتناقض من حيث لايشعر. لأنّ القرآن مدح أصحاب النبيّ - فرداً فرداً حسب تحليل الشيخ درويش - وفي الوقت نفسه - كما هو الحقّ - لامَ بعض الصحابة وذمّ بعضهم، وسوف نذكر أمثلة لذلك لاحقاً.

ونذكر فيما يلي الآيات التي استدلّ بها الكاتب، لإثبات عدالة الصحابة، أو وجود الأُلفة بينهم وبين الآل:

الايه الاولي:

الآية الاُولى:

(وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) (آل عمران:  ١٠٣ ) .

التحليل:

ص:  ١٠6 

التحليل:

أسلوب الكاتب - كما نوّهنا سابقاً - أنّه يدعي دلالة بعض الآيات على مدّعاه دون أن يذكر كيف استدلّ بها على ذلك.

وهذه الآية على كلّ حال، تشير إلى أمرين:

 ١ - تحقّق السلم والمودّة بين قبيلتي الأوس والخزرج (من الأنصار) في ظلّ الإسلام، انتهاء النزاع الذي دام بينهم قَرناً كاملاً، وأنّهم أصبحوا بفضل الإسلام إخواناً في الله.

 ٢ - تحقيق الأُلفة بين المهاجرين والأنصار، فأصبحوا إخوة في الدِّين.

فما الذي يريده المؤلّف من هذه الآية؟

هل يريد أن يستدلّ على أنّهم جميعاً التزموا بهذه الأخوّة ودام إيمانهم وعدلهم حتى آخر حياتهم؟ والحقيقة أن هكذا أمر لايستنبط من هذه الآية، والدليل هو أنَّ هؤلاء الأشخاص الذين منَّ الله عليهم بنعمة الأخوّة، تركوا النبيّ وهو على المنبر يخطب خطبة الجمعة في العام

ص: ١٠٧ 

السابع للهجرة وانفضّوا إلى قافلةٍ تجاريةٍ كانت قادمةً من الشام؛ كما قال تعالى: ( وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَ تَرَكُوكَ قائِماً ) (الجمعة: ١١ ) . فرجّحوا التجارة واللهو على كلام رسول الله (صلى الله عليه و آله) .

وإذا كان قصده أنّ جميع الصحابة بقوا إخوة إلى النهاية، فهذا أيضاً يتعارض مع الواقع. فما أكثر ما أظهر بعض هؤلاء المتآخين المتراحمين غَضَبهم إزاء بعضهم البعض، وما أكثر ما شتم، بل ضرب بعضهم بعضاً، بل إنَّ بعضاً منهم مَن حارب سائر الصحابة وقتلهم.

فقد كان سعد بن أبي وقّاص والياً على الكوفة فعزله عثمان بن عفّان، وعيّن الوليد بن عقبة بدلاً منه، ولمّا بلغ ذلك عبدالله بن مسعود أبى أن يتعامل مع الوالي الجديد، وألقى إليه مفاتيح بيت المال وقال: «من غيَّر، غيَّر الله ما به، ومَن بدّلَ أسخط الله عليه، وما أرى صاحبكم إلّا وقد غيّر وبدّل. أيُعزل مثل سعد بن أبي وقّاص ويولّى الوليد؟» فكتب الوليد إلى عثمان بذلك، فكتب إليه عثمان يأمره

ص: ١٠٨ 

بإرساله الى المدينة. . . وقدم ابن مسعود المدينة، وعثمان يخطب على منبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) فلمّا رآه قال: «ألا إنّه قد قدمت عليكم دويبة سوء، من يمشي على طعامه، يقيء ويسلح» (1)، فقال ابن مسعود: «لستُ كذلك، ولكنّي صاحب رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوم بدر، ويوم بيعة الرضوان» .

ونادت عائشة: أي عثمان! أتقول هذا لصاحب رسول الله (صلى الله عليه و آله) ؟ ثمّ أمر عثمان به فأُخرج من المسجد إخراجاً عنيفاً، وضرب به عبدالله بن زمعة الأرض. ويقال: بل احتمله يحموم (غلام عثمان) ورجلاه تختلفان على عنقه حتّى ضرب به الأرض فدقّ ضلعه. (2)

هؤلاء هم الذين يرى الشيخ درويش أنَّ القرآن عناهم بقوله: ( رُحَماءُ. . .

) ، ويزعم الشيخ أنّهم بقوا أُخوةً حتّى مماتهم.

ولم يكن ابن مسعود الوحيد الذي أُلقي خارج


1- السلاح: النجو ]إُ: الغائطةٰ وقد سلح الرجل ُسلح سلحاً. تاج العروسٰ ج 4 ٰ ص ٩٢ .
2- إنساب الإشرافٰ ج 6 ٰ ص ١4٧ ؛ تارُخ ابن كثُرٰ ج ٧ ٰ صص ١6٣  و  ١٨٣ .

ص: ١٠٩ 

المسجد وهو يُشتَم ويُضرَب، بل كان هذا حال شخصيّات أُخرى كعمّار بن ياسر، وأبي ذرّ (  ١ ) ، وغيرهما ممّن عانى من عمّال عثمان ما عانى، وحلّت العداوة والبغضاء محلّ الرحمة التي ناشدهم القرآن أن يتّصفوا بها، ووصفهم بها كجماعة!

١ ) () أنساب الأشراف، ج 6 ، ص ١6١ .

ص: ١١٠ 

عبّر أحد الكتّاب: «الإسلام شيء والمسلمون شيء آخر» .

والمثير للدهشة أنَّ قاضي محكمة القطيف (الشيخ درويش) يدّعي تحققّ أمراً في الخارج اتكاءاً على حكمٍ تكليفيٍّ ويقول: بما أنّ المسلمين أصبحوا إخوة في ظلّ الإسلام، لذلك فإنّهم لا يتجاوزون على حقوق بعضهم البعض، ولا يظلم بعضهم بعضاً، ويتجاهل التأريخ القطعي، وأقوال زعماء مذهبه أيضاً.

الاخوه الدينيه ليست دليلا علي مراعاه

الايه الثانيه:

الآية الثانية:

(. . . وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال:  6٢ ) .

الايه الثالثه:

الآية الثالثة:

(وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال:  6٣ ) .

لقد جمع الكاتب بين مضموني هاتين الآيتين، واستنتج  

ص: 111

 من ذلك أنَّ الله تعالى ذكر في الآية الأُولى فضله على رسوله وعلى الصحابة، وهذا الفضل هو نصرة النبيّ (صلى الله عليه و آله) وتأييده بالمؤمنين؛ ولكن أيّ مؤمنين؟ بالطبع هم الذين ألّف الله بين قلوبهم وزرع المحبّة فيها؛ والذين لو أنفق النبيّ جميع ما في الأرض لما استطاع أن يؤلّف بينهم. (1)

التحليل

التحليل

لا شكّ في أنّ الدِّين الإسلامي قد زرع الوحدة في قلوب الناس آنذاك; لأنّه دعاهم إلى الإيمان بالله الواحد والاعتقاد بالآخرة، وعدّ الإنسان مسؤولاً عن أعماله، وهذه الوحدة الفكريّة والقلبيّة صارت سبباً للأُلفة ووحدة الصف، وأعانت النبيّ (صلى الله عليه و آله) في مقارعة الكافرين. فهذا أمرٌ واضحٌ ولايتوقّف اثباته على الاستدلال بهاتين الآيتين الكريمتين.

إنّما الكلام في قضيّة أُخرى، وهي: هل استمرّ أولئك


1- الوحدَ والشفقَٰ صص ٨١  و  ٨٢ .

ص: ١١٢ 

على وحدتهم وأُلفتهم وتراحمهم بعد رحيل النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، أم أنَّ الحرص والطمع في الغنائم والمناصب، وجّه ضربةً قويّة لوحدتهم وألفتهم؟

إنَّ القرآن الكريم نفسه حذّر المسلمين من مستقبل مظلمٍ، وأخبرهم بأنّهم سيبتلون مستقبلاً ببلاءٍ عظيمٍ; وذلك حين قال: ( وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُ-رَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) (آل عمران: ١44 ) .

تكشف هذه الآية عن مسألة غاية في الخطورة، وهي وجود الأرضيّة لعودة بعض الصحابة الى الجاهلية، ولذلك فهي تحذِّر من هذا الانقلاب إذا ما مات الرسول (صلى الله عليه و آله) أو قُتل تنبّه إلى أنَّ انقلاب هؤلاء إنّما يلحق الضرر بهم أنفسهم، وأنّ الله غنيّ عنهم، كما تلوّح إلى وجود أشخاصٍ بين هؤلاء الصحابة مؤمنين في الرسالة و سيظلّون ثابتين على الدِّين، وينالون جزاءهم من الله تعالى.

ص:113

فالآيتان الأوليان اللّتان أوردهما الكاتب تتحدثان عن عصر رسول الله (صلى الله عليه و آله) ، وأمّا الآية الثالثة فهي تتعلّق بالعصر الذي يفارق النبيّ (صلى الله عليه و آله) فيه الأُمّة بعد أن يتوفّاه الله تعالى، وليس ثمَّةَ أدنى منافاة بين المضمونين، ولا يمكن- من الناحية التأريخيّة - الاستشهاد بأحوال جماعة في ظروف معيّنة على أحوالهم في ظروف وأزمنة أُخرى.

فلقد تغيّرت روحيّة الزهد لدى الكثير من الصحابة بعد النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، بسبب الفتوحات وسيل الغنائم والمكاسب؛ إلى روحيّة جمع الثروة والتوجّه نحو الدُّنيا، حتّى أنَّ أحدهم وهو عبدالرحمن بن عوف ترك من الذهب ما كُسِّر بالفؤوس عندما قُسِّم بين ورثته (1) ، ولكن في الوقت نفسه نرى صحابيّاً آخر كأبي ذرّ الغفاري قدمات من الجوع والعطش والحرّ في صحراء الربذة.

شاهد من اقوال النبي (صلي الله عليه و اله)


1- طبقات ابن سعدٰ ج ٣ ٰ ص ١٢6 ; مروج الذهبٰ ج ٢ ٰ ص ٣5٠ ; تارُخ الُعقوبُٰ ج ٢ ٰ ص ١٧٠ ; الرُاض النضرَٰ ج 4 ٰ ص ٢٧٢ .

ص: ١١4 

شاهد من أقوال النبيّ (صلى الله عليه و آله)

ذكرنا سابقاً أنَّ الآيتين اللّتين استدل بهما الشيخ الدرويش تتحدّثان عن عصر رسول الله (صلى الله عليه و آله) ولكنّ الأوضاع قد تغيّرت بعد وفاته، الامر الذي كان يقلقه صلوات الله عليه وكأنّها كان يتوقّع بأن يُريق صحابته دماء بعضهم البعض لمسائل دنيويّة؛ وذلك بنور العلم الالهي؛ فقال:

«لا ترجعوا من بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» . (1)

ولقد أخبر النبيّ (صلى الله عليه و آله) عن مستقبل عمّار المؤلم حيث قال:

«تقتلك الفئة الباغية» . (2)

وكان على رأس الفئة الباغية التي قتلت عمّاراً أحد صحابة النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، ومن تسمّونه «سيّدنا معاوية!» كما أنّ الذي باشربقتله كان صحابيّاً أيضاً وهو «أبو الغادية الجهني» .


1- صحُح البخارُٰ باب الخطبَ اُام منىٰ ج ٢ ٰ ص ١٩١ .
2- جامع الإْصولٰ ج ٩ ٰ الرقم  65٨٠ .

ص: ١١5 

فكيف يمكن لأحدٍ أن يزعم بقاء التراحم بين الصحابة على ما كان عليه في عهد النبيّ (صلى الله عليه و آله) ؟ ولو كان الصحابة كلّهم عادلين كما تزعمون، فلماذا أتُّهم المغيرة بن شعبة يوم كان والياً لعمر على الكوفة (1) ، أتُّهم بالزنا، وشهد عليه ثلاثة، ولمّا جاء دور الرابع منعوه مكراً واحتيالاً; لأنَّ القاضي كان عمر نفسه فقال: «إنّي أرى رجلاً لا يخزي الله على لسانه رجلاً من المهاجرين» . (2)

فهذه نماذج بسيطةٌ من الأفعال القبيحة لبعض الصحابة، وبراهين على مجادلاتهم ومنازعاتهم التي يتطلّب جمعها كتاباً مستقلّاً، ولكنّ غرضنا ذكر نماذج منها فقط.

يكفي لبيان درجة التقوى عند بعض الصحابة (لا كلّهم) عدم اطاعتهم لحكم الله تعالى في حرمة مقاربة


1- سُر إعلام النبلاءٰ ج 4  ص 54 ؛ العدد  ١44  صر»ح البخارُ والذهبُ بإن»ه صحابُ».
2- سُر إعلام النبلاءٰ ج ٣ ٰ ص ٢٨ ; تارُخ الطبرُٰ ج 4 ٰ ص ٢٠٧ ; الكاملٰ ج ٢ ٰ ص ٢٢٨ .

ص:١١6

 زوجاتهم التي كانت محرّمةً طيلة شهر رمضان ليلاً ونهاراً، فنزل الوحي الإلهي يحكي خيانتهم، ويحصر التحريم بنهار شهر رمضان; حيث قال تعالى:

(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) (البقرة: ١٨٧ )

يتصوّر البعض أنَّ صحابة النبيّ (صلى الله عليه و آله) سواء من وردت أسماؤهم في كتب الرجال، أو الذين لم ترد أسماؤهم، كلّهم ملائكة أو أسمى من سائر البشر، وأنّهم لم يرتكبوا فعلاً قبيحاً طيلة حياتهم.

إنّني أُوصى أصحاب هذا التصوّر بمطالعة سيرة الصحابة أدناه:

 ١ - ماعز الأس-لمي  ٢ - حاطب بن أبي بلتعة  ٣ -حرقوص بن زهير السعدي، الذي حضر بيعة الرضوان ثمّ أصبح من الخوارج،  4 - الحارث بن سويد بن الصامت، الذي حضر بدراً ثمّ قَتلَ في أُحد صحابيّاً لثأر

ص:  ١١٧ 

في الجاهليّة  5  - عبدالله الأخطل الذي ارتدّ فيما بعد  6 -جماعة من الصحابة فرّوا من الزحف يوم أُحد  ٧ -عائشة ونباح كلاب الحوأب  ٨ -أبو الغادية الجهني قاتل عمّار.

إنّ الاطلاع على سيرة هؤلاء تثبت أنّ صحابة النبيّ (صلى الله عليه و آله) لم يكونوا نسيجاً واحداً؛ أجل حظوا بنعمة رؤية النور الإلهي، ومصاحبة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه و آله) ، ولكنّهم لم يكونوا مبرئين عن الخطأ مطلقاً.

ولم يُذكر في تأريخ أية أمة أنّ كلّ من عاصر نبياً أو رآه هو إنسانٌ منزّهٌ وذو درجةٍ ساميةٍ.

الايه الرابعه:

الآية الرابعة:

(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً وَ يَنْصُ-رُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحشر:  ٨ )

كتب الشيخ صالح حول هذه الآية:  

ص:١١٨ 

مايلي و ماسبق فيه اشارة الى بعض النصوص القرآنية وهي كثيرة وقد اقتصرنا على مايدل على المحبة، و يؤكد ووجودها وانها متأصلة في قلوب اصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) وكما لايخفى عليك فان الايثار، والأخوة، والموالاة والالفة القلوب، كل هذه المعاني وردت فيها نصوص قرآنية وهي تؤكد على صفة المحبة وقدجاء اكثر من نص قرآني صريح فيه، تأمل الآية السابقة ففيها اثبات محبة الانصار للمهاجرين وتأمل في آخر آية من سوره الفتح. (1)

النقد

النقد

ما كتبه المؤلّف حول هذه الآية لا يمتّ بأدنى صلة إلى مضمون الآية، وليس سوى تفسير بالرأي. نعوذ بالله تعالى من عواقب الأحكام المسبقة، أترى كيف يلجأ الانسان من أجل إثبات مدّعاه، الى تحريف مفاد الآية ويذكر أُموراً لم ترد فيها أبداً.


1- الوحدَ والشفقَٰ صص ٨٣  -  ٨5 .

ص:119

 لنوضّح مضمون الآية آخذين بنظر الاعتبار ما جاء في التفاسير الروائيّة حول شأن نزولها.

لقد طرد النبيّ (صلى الله عليه و آله) يهود قبيلتي بني النضير، وبني قينقاع بسبب تآمرهم ضدّ الإسلام والمسلمين; لأنّهم كانوا قدعاهدوه على أن لا يتآمروا عليه، ولكنّهم نقضوا عهدهم وتآمروا فأخرجهم من المدينة، وقسّم أراضيهم بين المهاجرين.

وتآمر بنو قريظة أيضاً، وحكم عليهم بالإعدام طبق حكم القاضي الذي كانوا قد عيّنوه، فأُعدموا ووزّعت أراضيهم على المهاجرين دون الأنصار.

وكان سبب تقديم النبيّ (صلى الله عليه و آله) المهاجرين على الأنصار في تقسيم هذه الأراضي هو أنّهم أخرجوا من ديارهم، وكانوا فقراء في المدينة، بينما كان الأنصار في وضع أفضل. ولم يرُق هذا الأمر للأنصار، وتصوّروا أنَّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) إنّما قدّم المهاجرين لأنّهم أقرباؤه، فنزلت الآيات لبيان علّة هذا التقديم، حيث قال تعالى: ( لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ

ص: ١٢٠ 

أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً وَ يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) .

إذن، فالآية بصدد تنوير أذهان الأنصار بحقيقة هذا الموقف، وليست بصدد إثبات أنَّ بينهم كمال الأُلفة والمحبّة والتراحم.

روى الطبري في تفسيره: «وتكلّم في ذلك - يعني أموال بني النضير - بعض من تكلّم من الأنصار، فعاتبهم الله عزّ وجلّ في ذلك فقال. . .» . (1)

وروى السيوطي في الدر المنثور: «تكلّم الأنصار حول تقسيم أموال بني النضير، وقالوا: لو قسّمها بيننا وبين المهاجرين بالسويّة» . (2)

ولذلك عقّبت الآية التالية بمدح الأنصار، وبيان دورهم في تقدّمهم في الإسلام، فقد آمنوا قبل الهجرة، وهيّؤوا المدينة لاستقبال النبيّ (صلى الله عليه و آله) ومَن هاجر معه، فوصفهم بما


1- تفسُر الطبرُٰ ج ٢٨ ٰ ص ٢٨٠ .
2- الدر المنثورٰ ج ٨ ٰ ص ١٠6 .

ص:  ١٢١ 

يهيّؤهم لقبول ماحصل، فقال تعالى:

(وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر: ٩ ) .

هذه الآية تتضمّن ثلاثة أُمور، هي:

 ١  - محبّة الانصار للمهاجرين.

 ٢  - لاحاجة لهم فيما أوتي المهاجرين.

 ٣  - يؤثرون المهاجرين على أنفسهم.

والحقيقة أنَّ هذا ليس «إخباراً» عن واقع، بل هو «إنشاء» وتكليف، أي: ينبغي أن يكون الأنصار كذلك. وهذا كما لو يقول الأب لابنه: «ابني يصلّي» وهو لا يقصد الإخبار عن صلاة ابنه، بل يقصد أنّه مكلّف بالصلاة.

يرى علماء البلاغة أنَّ الجملة الخبريّة، أقوى دلالة على الإلزام من الجملة الإنشائيّة.

ومن ثمَّ فهدف الآية تربويٌّ وليس وصفيّاً، لذا قال

ص: ١٢٢ 

الطبري: «إنّ الله تعالى وبّخ الأنصار بهذه الآية خاصّة، وأنّ لفظة «الحاجة» في الآية فسّرت بالحسد» .

في هاتين الآيتين والآية التي تليهما (1) تنويه إلى وجود أرضيّة للخلاف والانشقاق وهي حالةٌ كانت سائدة بين المهاجرين والانصار، حيث كان هدف الوحي دائماً رأب هذا الصدع.

ولقد تكرّر اعتراض الأنصار على تقسيم النبيّ للغنائم مرّةً أُخرى يوم حُنين; وذلك حينما أعطى غنائم كثيرة لأبي سفيان وأمثاله، فغضب قومٌ من الأنصار وبلغ رسول الله (صلى الله عليه و آله) عنهم كلامٌ أحزنه، فنادى فيهم فاجتمعوا وقال لهم: اجلسوا ولا يقعد معكم أحد من غيركم، فلمّا قعدوا جاء النبيّ (صلى الله عليه و آله) يتبعه أمير المؤمنين صلوات الله عليهما حتّى جلس وسطهم وقال لهم: (

إنّي سائلكم عن أمر فأجيبوني عنه ) فقالوا: قُل يا رسول الله.


1- وّ ال»ّذيُنّ جاىْ مينْ بّعْديهيمْ ُّقْولْونّ رّب»ّنّا اغْفيرْ لّنا وّ ليأيخْوانينّا ال»ّذيُنّ سّبّقْونا بيالْأيُماني وّ لا تّجْعّلْ فيُ قْلْوبينا غيل»اً ليل»ّذيُنّ آمّنْوا رّب»ّنا أين»ّكّ رّىْفٌ رّحيُمٌ الحشر:  ١٠  .

ص: ١٢٣ 

قال: (

ألم تكونوا ( عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ )

الله بي) ؟ قالوا: بلى فللّه المنّة ولرسوله. قال: (

ألم تكونوا ( أَعْداءً فَأَلَّفَ)

الله ( بَيْنَ قُلُوبِكُمْ )

بي) ؟ قالوا: بلى فللّه المنّة ولرسوله. ثمّ سكت النبيّ (صلى الله عليه و آله) هُنيئة ثمّ قال: (

ألا تجيبوني بما عندكم) ؟ قالوا: بِمَ نُجيبك فداك آباؤنا وأُمّهاتنا، قد أجبناك بأنَّ لكَ الفضل والمنّ والطَول علينا، قال: (

أما لو شئتم لقلتم: وأنتَ قد كنت جئتنا طريداً فآويناك، وجئتنا خائفاً فآمنّاك، وجئتنا مكذَّباً فصدّقناك ) . فارتفعت أصواتهم بالبكاء، وقام شيوخهم وساداتهم إليه فقبّلوا يديه ورجليه. ثمّ قالوا: رضينا بالله وعنه، ورضينا برسول الله وعنه، وهذه أموالنا بين يديك، فإن شئت فاقسمها على قومك. . . فقال النبيّ (صلى الله عليه و آله) : (

اللَّهُمَّ اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار، يا معشر الأنصار أما ترضون أن يرجع غيركم بالشاة والنعم وترجعون أنتم وفي سهمكم رسول الله) ؟ قالوا: بلى رضينا» . (1)

قصه عجيبه


1- سُرَ ابن هشامٰ ج 4 ٰ صص ١4٣  و  ١44 .

ص:  ١٢4 

قصّة عجيبة

ذكر المؤلّف في جانب من كتابه أنّ علي الأربلي، روى في «كشف الغمّة» أنّ قوماً من أهل العراق حضروا عند الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام) ، فنالوا من أبي بكر وعمر، فقال لهم:

(أخبروني أنتم من المهاجرين ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ. . .

) ؟ قالوا: لا، لسنا منهم، قال:

(فأنتم من الذين قال الله عزّ وجلّ: ( وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ. . .

) ؟ قالوا: لا لسنا منهم، قال:

(وأشهد أنّكم لستم ممّن قال الله فيهم: ( وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا. . .

) . ثمّ قال: اخرجوا عنّي) .

نقد وتحليل

نقد وتحليل

أوّلاً: إنّ مؤلّف كتاب كشف الغمّة وان كان عليّ بن عيسى الأربلي الشيعي ولكنه نقل هذا الخبر من كتاب حلية الأولياء (1) ، الذي نسبه بسند إلى الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) ، وفيه إبراهيم بن قدامة الجمحي الذي قيل


1- حلَُ الإولُاءٰ ج ١ ٰ ص ١٣6 ٰ ترجمَ علُ بن الحسُن ٧ .

ص: ١٢5 

فيه: «مدني لا يُعرف» ، وحتّى الذهبي حين نقل عنه خبراً قال: «وهو خبر منكر» . (1)

فهل من الصحيح الاستدلال على معتقد أو فكرة عقائديّة بمثل هذا الخبر المنقول من كتابٍ مخالفٍ لا ينطبق مع عقيدتنا، وباسنادٍ عن شخص مجهول؟ !

إنّك أيّها الشيخ تنصح الآخرين بأن لا يراجعوا التأريخ، وإذا ما راجعوه فلينظروا إلى السند؛ ولكنّك لاتعمل بما تنصح به الآخرين!

ثانياً: نقل السيوطي هذه الواقعة عن عبدالله بن عمر بصيغتين، الأولى أنّه سمع رجلاً ينال من المهاجرين، والثانية: أنّه سمع رجلاً يقول في عثمان، وأورد القصّة بتمامها بما فيها ذكر الآيات الثلاث. (2)

فكأنّ من حاك هذه القصّة نسبها تارةً إلى عبدالله بن عمر، وأُخرى إلى الإمام السجّاد (عليّ بن الحسين (عليه السلام)) .

شاهد من نهج البلاغه


1- مُزان الاعتدالٰ ج ١ ٰ ص 5٣ .
2- الدر المنثورٰ ج ٨ ٰ ص ١١٣ .

ص:  ١٢6 

شاهد من نهج البلاغة

نقل المؤلّف خطبة من نهج البلاغة يصف الإمام علي (عليه السلام) الصحابة فيها بقوله:

«لقد رأيت أصحاب محمّد (صلى الله عليه و آله) فما أرى أحداً يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجّداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، يقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم. . .» . (1)

التحليل

التحليل

أوّلاً: ينبغي أن نعرف هل أنّ الإمام علي يريد بكلامه مدح صحابة النبيّ (صلى الله عليه و آله) جميعاً بلا استثناء، سواءٌ الخمسةَ عشرَ ألف المعروفين، والمائة ألف غير المعروفين، واعتبارهم عادلين جميعاً؟ أو أنّه يقصد طائفة خاصّة منهم، وهم الذين وصفهم بقوله:

(لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجّداً وقياماً. . .) ؟


1- نهج البلاغَٰ الخطبَ  ٩٧ .

ص: ١٢٧ 

كلّنا نعلم أنّ هذه خصائص بعض الصحابة لا جميعهم؛ لأنّها لا تشمل الطوائف أدناه بالتأكيد:

 ١ - الأعراب.

 ٢ - الطلقاء الذين حاربوا النبي (صلى الله عليه و آله) حتى آخر لحظهٍ ولما هُزموا عفا عنهم وأطلق سراحهم.

 ٣  - المرتدّون.

فهؤلاء لم تكن هذه خصائصهم بالتأكيد.

وإن شئتم أذكر لكم نماذج من الطائفة التي عناها الإمام علي (عليه السلام) :

 ١  - مصعب بن عمير القرشي من بني عبدالدار.

 ٢  - سعد بن معاذ الأنصاري (من الأوس) .

 ٣  - عبدالله بن رواحة الأنصاري (من الخزرج) .

 4  - جعفر بن أبي طالب الهاشمي.

 5  - عمّار بن ياسر.

 6  - أبوذرّ الغفاري.

 ٧  - المقداد بن الأسود الكندي.

ص:  ١٢٨ 

 ٨ - خبّاب بن الأرت. وغيرهم ممّن كان معظمهم من أهل الصفة والطبقة المحرومة في المجتمع.

إنَّ الإمام (عليه السلام) إنّما يقصد أمثال هؤلاء، لا كلّ من أُطلق عليه لفظ «صحابي» ، ليستدلّ بكلامه على تقوى الجميع وعدالتهم.

ثانياً: لا كلام لنا في الصحابة، ومن التّهم الباطلة الموجّهة للشيعة أنّهم يطعنون في الصحابة، حتّى أصبحوا يعرّفونهم بهذه السمة.

لكنّنا- معاشر الشيعة - نعتقد أنّ من صحب النبيّ (صلى الله عليه و آله) وشهد نور الوحي والنبوّة، فقد نال شرفاً عظيماً، لا سيما أُولئك الذين شهدوا معه بدراً وأُحداً والأحزاب، وقاتلوا بين يديه.

بيدَ أنّ هذه المنزلة لا تعني صحّة جميع أفعالهم، حتّى حين يكون فيها مخالفة صريحة للشرع، أو تكون مؤدّية إلى سفك دماء الأبرياء.

وحين يدعو الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) لصحابة رسول

ص: ١٢٩

 الله (صلى الله عليه و آله) فيقول:

(اللَّهُمَّ وأصحاب محمّد خاصّة، الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره) .(1)

فإنّما يعني فئة خاصّة منهم كما هو واضح في الدّعاء.

والخلاصة: لا يمكننا أن ندّعي قداسة جميع الصحابة بهذه الأقوال، وإنّما الصحيح القول إنّ صحبة النبيّ (صلى الله عليه و آله) هي أرضيّة لاكتساب الفضائل ونيل الكرامة شريطة أن لا يصدر عن الصحابيّ عمل يقدح الصحبة.

لا يبلغ الصحابة مقام النبيّ (صلى الله عليه و آله) ومع ذلك خاطبه الله تعالى بقوله: ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) (الزمر: 65 ) . أفيكون الصحابي مستثنىً من هذه القاعدة لمجرّد صحبته النبيّ (صلى الله عليه و آله) ؟ !

والعجيب أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) يقول:

(قاتل عمّار في النار) ، ويقتله صحابي يسمّى أبو الغادية الجهني، فلا يقولون: إنّه من أهل النار، بل يقولون «إنّه كان متأوّلاً، وللمجتهد


1- الصحُفَ السج»ادَُٰ ص 4٠ .

ص: ١٣٠ 

المخطئ أجر» . (1)

عجباً! يسفك صحابي دم صحابي آخر، ويعتبره النبيّ من أهل النار، ويكون مع ذلك برأيكم مستحقّاً للأجر؟ !

لم يشهد العالم حتّى اليوم شيئاً كهذا، وذلك بأن يقتل إنسانٌ إنساناً آخر بريئاً وصالحاً مدّعياً أنّه من أهل النار، ثمّ يُقال للقاتل: أحسنت وجزيت خيراً!

ولم يكن أبو الغادية الجهني الوحيد، بل ثمّةَ كثيرٌ مثله بين الصحابة، نذكر منهم على سبيل المثال:

* مسلم بن عقبة الأشجعي(2)، الذي بعد أن فرغ من قتل أهل المدينة المنوّرة واستباحتها، أمر جنوده بأن يفعلوا الشيء نفسه مع مكّة المكرّمة؛ لأنَّ هاتين المدينتين تمرّدتا على الحكم الأموي. (3)

* بسر بن أرطاة، الذي أرسله معاوية إلى اليمن

اقسام الصحابه


1- الأصابَٰ ج ٧ ٰ ص ٢5٨ .
2- المصدر نفسهٰ ج 6 ٰ ص ٨٧ .
3- الطبرُٰ ج 4 ٰ ص ٣٨١  حوادث  6٢ ه.  ١٣١ والحجازٰ لكُ ُعاقب كل» من والى علُ»اًٰ فارتكب من الجرائم ما دعا ابن حجر ألى التعف»ف عن ذكرهاٰ ومنها قتله طفلاً لعبُدالله بن عب»اس والُ علُ» ٧  على الُمن.  ١ 

ص: 131

أقسام الصحابة

إنَّ الشيخ درويش يحكّم عاطفته في تقييم الصحابة، ففي الوقت الذي يُقرُّ فيه بأنّهم غير متكافئين من حيث الفضيلة والمنزلة، حيث يرى أنّهم متساوون في النزاهة والقداسة؛ ولو كان لديه وقت وراجع الآيات التي تتحدّث عن الصحابة لغيّر رأيه; لأنّ القرآن يقسّمهم إلى أقسام مختلفة، فاعتبر بعضهم قمّة في الفضيلة، واعتبر بعضهم فاقداً لها تماماً.

فيما يلي نشير باختصار إلى هذه الأقسام، وبوسع القارئ الكريم أن يراجع التفاسير لمزيد من الاطّلاع:

ص: 132

١ - المنافقون المعروفون: ( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا ) (المنافقون: ١ ) .

 ٢  - المنافقون المجهولون: ( وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ. . . ) (التوبة: ١٠١ ) .

 ٣  - المسلمون الذين في قلوبهم مرض: ( وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ. . . ) (الأحزاب:  ١٢ ) .

 4  - المسلمون السمّاعون: (. . . وَ فِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ . . .) (التوبة: 4٧ ) .

 5  - الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً: ( وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً ) (التوبة: ١٠٢ ) .

 6  - ( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) (التوبة:  6٠ ) .

 ٧  - الذين يولّون الأدبار. (1)

 ٨  - الفاسقون: ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ. . . ) (الحجرات: 6 ) .

 ٩  - الفاضحون أسرار النبيّ. (2)


1- انظر: الإنفال:  ١5  -  ١6 .
2- انظر: التحرُم:  ١  -  4 .

ص:١٣٣ 

 ١٠ - الذين يؤذون رسول الله. (1)

 ١١ - الذين يتركونه وهو يخطب وينفضّون من حوله. (2)

إنّ الطوائف المذمومة من الصحابة في القرآن الكريم أكثر ممّا ذُكر، ولكنّنا نكتفي بما ذكرنا.

والنتيجة التي نستخلصها هي أنَّ الصحابة كالتابعين بل كسائر الطبقات، يوجد فيهم الصالحون والأطهار الذين إذا دعوا الله تعالى استجاب لهم، وفيهم أيضاً ممّن ذكرنا من الطوائف، وغيرهم الذين لا يمكن اعتبارهم عادلين وأتقياء، ولكنّهم يحظون باحترام المسلمين لنيلهم شرف صحبة النبيّ (صلى الله عليه و آله) ، بيدَ أنَّ هذا الاحترام لا يمنع من نقدهم وليس داعياً إلى تبرير أخطائهم.

ونوضّح ذلك بتفصيلٍ فيمايلي:

 ١ - لم يكن صحابة النبيّ (صلى الله عليه و آله) على درجة واحدة من


1- انظر: الإحزاب:  5٧ 
2- انظر: الجمعَ:  ١١ .

ص:  ١٣4 

حيث التقوى والعدالة، فقد كان بينهم المتّقي وغير المتّقي، والطوائف التي ذكرناها خير دليل على ذلك.

 ٢ - القرآن لم يمنعنا من دراسة أحوال الصحابة، وإنَّ ما يقال في هذه الأيام من أنّه لا ينبغي لنا الخوض في أعمال الصحابة، يتعارض مع تعاليم القرآن الكريم، والهدف منه في الحقيقة هو التستّر على الأفعال المنحرفة لبعض الصحابة.

ولو كان البحث والتحقيق ممنوعاً في هذا المجال، فلماذا وصفهم القرآن بهذه الصفات المتضادّة؟

 ٣  - ونحن كمسلمين نأخذ تعاليم ديننا وسنّة نبيّنا من الصحابة، لذا فإنّ العقل يقضي بوجوب التدقيق أكثر لكي نطمئن على أنّ المصدر الذي نستقي بواسطته ديننا وسيرة نبيّنا إنّما هو نقيٌّ ونزيه.

 4  - خلافاً لما يدّعي البعض من أنّ التحرّي في سيرة الصحابة يؤدّي إلى إضعاف أُسس الدِّين، فإنّنا نرى أنّ هذا العمل يؤدّي إلى تقوية هذه الأُسس; لأنّه سوف يتبيّن

ص: ١٣5

 لنا بعد الفحص والتدقيق أنَّ الصحابة لم يكونوا على مستوىً واحد، بل إنّ بينهم نخبة محترمة و هي التي ينبغي أن نأخذ منها ديننا.

 5 - لو كان العذر السابق صحيحاً، فإنّه ينبغي أن لا نتحرّى عن التابعين أيضاً؛ لأنّنا نأخذ ديننا منهم أيضاً.

 6 - لم ينظر القرآن الكريم أبداً إلى الصحابة على أنّهم فوق البشر، ولم يمنع من دراسة أفعالهم، وإنّما هو الذي أخبرنا بفسق أحد الصحابة، وهو الوليد بن عقبة، حيث وصفه بالفاسق حين قال: ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ . . .) (الحجرات: 6 ) .

 ٧ - ليس الصحابة فوق القانون أبداً، ولا يمكن اعتبار سلوكهم وسننهم من مصادر التشريع، بل عليهم جميعاً الانصياع للقانون الإلهي.

الثقل الاكبر والثقل الاصغر

اشاره

ص: ١٣6 

الثقل الأكبر والثقل الأصغر

في فصل تحدّث المؤلّف عن حبّه لآل البيت (عليهم السلام) ونوّه إلى أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) أمرنا بالتمسّك بالثقل الأصغر - أي: أهل البيت (عليهم السلام) - كتمسّكنا بالثقل الأكبر -أي: القرآن الكريم -.

ثمّ تحدّث عن مفهوم أهل البيت، ونقل أقوالاً مختلفة وقال إنّ المراد بأهل البيت: بنو هاشم، وبنو عبدالمطّلب. ثمّ أضاف: ما من كتاب من كتب أهل السنّة إلّا وفيه مودّة أهل البيت (عليهم السلام) ووصيّة النبيّ (صلى الله عليه و آله) حيث قال: (

أُذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي ) . (1)

التحليل


1- صحُح مسلمٰ كتاب فضائل الصحابَٰ باب فضائل علُ» ٧ ٰ ج ٧ ٰ ص ١٢٣ .

ص:  ١٣٧ 

التحليل

لاشكّ في محبّة اخواننا اهل السنة لاهل بيت النبي (صلى الله عليه و آله) لأنّ مودّتهم فرضٌ في القرآن والسنّة؛ ولكنّنا نسأل: ما المقصود بالمودّة؟

هل المقصود بها المحبّة القلبيّة فقط، أم أنَّ الهدف من هذه المحبّة هو اتّباع نهجهم في الحياة؟ وبعبارةٍ أُخرى فهي تعني أخذ المعارف والأحكام منهم؛ لأنَّ في رواية مسلم أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) أوصى بالتمسّك بهما معاً، ولا شكّ في أنّ المقصود بهذه الوصيّة هو الانتفاع من هدايتهما. وهنا يُطرح السؤال التالي:

أنتم الذين تدّعون التمسّك بأهل البيت، أو تدّعون مودّتهم، كم من أحكام دينكم تأخذونها من أهل البيت (عليهم السلام) ؟

لم يرو البخاري في صحيحه حتّى حديثاً واحداً عن جعفر بن محمّد (عليه السلام) في حين أنّه نقل عن عمران بن حطّان الخارجي.

ص:  ١٣٨ 

ارجعوا إلى جميع فقهاء مكّة والمدينة، من الفقهاء الثمانية حتّى الأوزاعي، وابن أبي ليلى، وغيرهما، وانظروا كم في سننهم وصحاحهم من حديث آل الرسول (صلى الله عليه و آله) ؟ لقد رووا عن أبي هريرة أكثر من  5٠٠٠  حديث، وأبو هريرة لم يدرك النبيّ أكثر من ثلاث سنين، في حين أنّ عليّاً (عليه السلام) عاش مع النبيّ (صلى الله عليه و آله) منذ طفولته حتّى رحيل النبي (صلى الله عليه و آله) ولم يُروَ عنه في جميع الصحاح والسنن أكثر من  5٠٠  رواية!

إذا كنتم تحبّون آل البيت (عليهم السلام) حقّاً فأتوا في كتبكم وخطبكم من تعاليمهم ما يتناسب مع ادّعائكم.

لا يلحظ في جميع مكتبات مكّة والمدينة حتّى كتاب واحد في أحاديث وروايات أهل البيت (عليهم السلام) ، ولو أهداهم شخص هكذا كتاب لقبلوه منه على كراهة، ثمّ أخفوه في خزاناتٍ بعيدةٍ عن متناول القرّاء.

أمّا في مفهوم «أهل البيت» الذي وسّعتموه ليشمل جميع بني هاشم، وبني عبد المطّلب فأقول لكم: إن كنتم تقصدون قرابة النبيّ (صلى الله عليه و آله) فنعم تشملهم.

ص: ١٣٩ 

أمّا إذا كان المقصود ما جاء في حديث الثقلين حيث اعتبارهم كالقرآن في وجوب التمسّك بهم، والاهتداء بهديهم، فمن المسلّم أنّ المعنيّين بعضهم.

وههنا ينبغي الرجوع إلى الروايات التي تفسّر معنى أهل البيت، ومنها ما روته أُمّ سلمة في حديث الكساء، حيث قال النبيّ (صلى الله عليه و آله) : (

اللَّهُمَّ هؤلاء أهل بيتي ) . حتّى أنّ أُمّ سلمة لم يُسمح لها الدخول معهم، مع كونها إلى خير.

عتب اخوي

عتب أخوي

لقد روى الشيخ درويش حديثاً عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) يعلّم فيه أصحابه كيفيّة الصلاة عليه فيقول: قولوا:

(اللَّهُمَّ صلِّ على محمّد وآل محمّد. . .) . وأنا أسأله: عندما تصلّون على النبيّ (صلى الله عليه و آله) في كلّ خطبكم وكتبكم، لماذا لا تعطفون عليه الآل وتقولون «صلّى الله عليه وسلّم» ؟ والاكثر عجباً أنّكم إذا عطفتم الآل تبادرون لإلحاق الصحابة بهم أيضاً، مع أنّه لم يرد في ذلك رواية عن النبيّ أبداً.

ص: ١4٠ 

إذن، أنتم في صلواتكم وفي خطبكم وكتبكم تخالفون ما أراد النبيّ، فأين مودّتكم لأهل بيته؟ ! ، ولِمَ لا تفكّرون في إصلاح هذه الأُمور؟

لقد ذكر الشيخ درويش بعض حقوق أهل البيت (عليهم السلام) ، ولكنّه لم يستقصها، ومن أحبّ معرفة حقوق أهل البيت من منظار القرآن الكريم، فليراجع كتاب «مفاهيم القرآن» ج ١٠  ففيه تفصيل لما نشير إليه أدناه:

 ١  - المرجعيّة السياسيّة.

 ٢  - المرجعيّة العلميّة.

 ٣  - الإطاعة.

 4  - المودّة.

 5  - الصلاة عليهم في التشهّد.

 6  - استحقاقهم الخمس.

 ٧  - استحقاقهم الفيء.

 ٨  - تسليمهم الأنفال.

 ٩  - تحريم الصدقة عليهم.

 ١٠  - رفع بيوتهم.

اسطوره التفرقه او استشهاد السيده الزهراء

اشاره

ص:141

ص: ١4٢ 

أُسطورة التفرقة أو استشهاد السيّدة الزهراء

قال المترجم: الأعجب أنّهم حاكوا أخيراً أسطورة استشهاد فاطمة الزهراء](عليها السلام) [، ونفخوا فيها، وهو من المضحكات، ولا يبعد أنّ بعض المؤمنين، والمخلصين لأهل البيت](عليهم السلام) [يصدقون بهذه الترهات. حقّاً لو طالع أحد هذه الأكاذيب، ولم يكن على صلة بالمصادر، ولا تماسّ مع علماء الطرف الآخر، أو علماء مستقلّين في الأقلّ، فمن أين يعلم أنَّ هذه الأخبار هي أساطير كاذبة.  ١ )

 ١ ) الوحدة والشفقة، ص ١٠٨ .

التحليل

ص: ١4٣ 

التحليل

ينبغي أن أذكّرك أيّها الشيخ بأن استشهاد السيّدة الزهراء (عليها السلام) ليس أسطورة بل حقيقة، ومن دواعي سرورنا أنّه أُسطورة حقّاً؛ لأنّ ذلك يعني عدم هتك حرمة بضعة النبي (صلى الله عليه و آله) . ولكن ماذا نفعل، وهذه مجرّد أُمنيّة تخالف الواقع، وأنّ الهتكَ قدوقع حقّاً!

لقد ذكرنا في بداية كتابنا هذا خلاصة عن حادثة مهاجمة بيت الوحي تحت عنوان «عامل التفرقة» ، وفيمايلي نمرّ مروراً سريعاً على بعض ما جاء في المصادر:

شرح البلاذري في كتاب «أنساب الأشراف» ما جرى من هتك لحرمة الزهراء، فقال:

إنّ أبابكر أرسل إلى علي يريده على البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة فتلقّته فاطمة على الباب فقالت: (

يابن الخطّاب أتراك محرقاً عليَّ بابي) ؟ قال: «نعم، ذلك أقوى في ما جاء أبوك» . (1)


1- إنساب الإشرافٰ ج ١ ٰ ص 5٨6 .

ص: ١44 

يستفاد من هذه الوثيقة التأريخيّة أمران:

 ١ - أخذ البيعة للخليفة الأوّل تمّت بالتهديد، ولم تكن ثمّةَ حرّية، فما قيمتها؟

 ٢ - إحراق دار بنت النبيّ لم يكن مهمّاً جدّاً لدار الخلافة.

آخرون كثيرون غير البلاذري ذكروا الحادثة، ونذكر بعض تلك المصادر في الهامش، (1) ومن ثمَّ يثبت أنَّ هذه الحادثة لم تكن أسطورة مبتدعة مؤخّراً، بل حقيقة بيّنة.

وفي هذه المصادر أيضاً، روي أنّ عبد الرحمن بن عوف دخل على أبي بكر في مرض موته فقال: أما آسي على ثلاث خصال ليتني لم أكن صنعتها وليتني لم أفتّش بيت فاطمة بنت رسول الله، وأدخله الرجال ولو كان أغلق


1- بو عبُدٰ كتاب الإموالٰ ص ١٩5 ؛ محم»د بن سعدٰ الطبقات الكبرىٰ ج ٨ ٰ ص ٢٧ ; ابن عبد رب»هٰ العقد الفرُدٰ ج 4  ص ٢6٣ ; المسعودُٰ مروج الذهبٰ ج ٢ ٰ ص ٣٠١ ; ابن عساكرٰ مختصر تارُخ مدُنَ دمشقٰ ج ١٣ ٰ ص ٢٢٢ ؛ شمس الد»يُن الذهبُٰ تارُخ الأسلامٰ ج ٣ ٰ صص ١١٧  و  ١١٨  و. . .

ص: ١45 

على حرب.

يا سماحة الشيخ الدرويش! إنّ ما اعتبرته أسطورة ذكره الشاعر المصريّ المعروف محمّد حافظ إبراهيم حقيقةً، وعدّه من مفاخر عمر، حيث قال في قصيدته العمريّة:

وقولة لعليٍّ قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرقت دارك لا أبقي عليك بها

إن لم تُبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها

أمام فارس عدنان وحاميها

هذه الحوادث المؤلمة المريرة، لم تدع فاطمة تعيش بعد أبيها كثيراً، وفارقت الدُّنيا شهيدة، ولا شكّ بوجود حقائق غُيّبت عنّا؛ لأنّ القلم والسلطة والإمكانات كانت بيد الأمويّين، وبعدهم العباسّيين وخشي المؤرِّخون من إظهار ما يخالف أهواء الحكّام، وحتّى القليل الذي وصلنا يعدّ معجزة تأريخيّة.

عايشه وقصه مظلوميه الزهراء

ص: ١46 

عائشة وقصّة مظلوميّة الزهراء

روى البخاري عن عائشة أُمّ المؤمنين أنّها قالت:

إنَّ فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه و آله) سألت أبابكر الصدِّيق بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يقسم لها ميراثها ممّا ترك رسول الله (صلى الله عليه و آله) ممّا أفاء الله عليه، وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال لها أبو بكر: إنَّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال:

(لا نورّث ما تركنا صدقة) . فغضبت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه و آله) فهجرت أبا بكر، فلم تزَل مهاجرته حتّى توفّيت، وعاشت بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) ستّة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها زوجها ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وأنّ عليّاً لم يبايع أبابكر حتّى توفّيت فاطمة. (1)

يظهر من هذه الرواية أنَّ الإمامَ عليّاً](عليه السلام) [، وفاطمة الزهراء (عليها السلام) لم يبايعا حتّى ستّة أشهر، فلو كانت خلافة أبي بكر شرعيّة ومستوفيةً للشروط اللازمة


1- صحُح البخارُٰ باب غزوَ خُبرٰ حدُث  4٢4١ .

ص: ١4٧ 

فلِمَ لم تبايع فاطمة بنت النبيّ؟ ! بل ودّعت الدُّنيا وهي ساخطة على أبي بكر، وزوجها أيضاً لم يبايع طيلة تلك الستّة أشهر.

يد التضرع

ص:  ١4٨ 

يد التضرّع

دعا الشيخ صالح في ختام كلامه إلى أمرين:

 ١ - أن لا نقدّم شيئاً على كلام الله ورسوله.

 ٢ - أن لا نحمل في قلوبنا غلاًّ للصحابة، وأهل البيت (عليهم السلام) .

ونقول له: إنَّ الشيعةَ يعملون بكلا الأمرين، ولكن يجب عليه وعلى أمثاله أن يعينونا في هذا الطريق، إنّنا نعمل بقول الله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ) (الحجرات:  ١ ) .

ونعتقد أيضاً أنّه: ( وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (الأحزاب: ٣6 ) .

ولكن ينبغي لنا أن نعرف ما الذي قضى به الله ورسوله؟

ص: ١4٩ 

لقد قضى الله ورسوله بأنّ التمسك بكلام وسيرة أهل البيت (عليهم السلام) هوالسبيل للهدى والنجاة.

ولقد شبّه النبيّ أهل بيته بسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى.(1)

ومن الجدير بالذكر أنّ ما يطلبه الشيخ ويمدّ يد التضرّع لتحقيقه، إنّما يتحقّق عن طريق العمل بهاتين الوصيّتين، كما أنَّ أيّ شيعي لا يحمل في قلبه حقداً لأيّ صحابي من جهة كونه صحابيّاً عاش مع النبيّ ونصره، ولكن هذا لا يعني أنَّ الصحابي هو إنسانٌ فوق القوانين الإلهيّة، وأنّه حتّى لو تجاوز القانون الإلهي لا يسوغ لنا أن ننبس ببنت شفة، ولا نقول شيئاً في هذا المجال ولا نكتب.

وأخيراً فإنّي أُودّع جناب المؤلّف درويش، وأهديه نصائحي الأخويّة، وأطلب من الله تعالى المغفرة لنفسي وله، ولكلّ من يحبّ أهل البيت (عليهم السلام) .

 ١٩  رمضان  ١4٢٧ ه - قم المشرّفة

جعفر السبحاني

الفهرس


1- انظر: الصواعق المحرقَٰ باب وصُ»َ النبُ»ٰ ص ١٣6 .

ص:  ١5٠ 

الفهرس

كلمة المعهد  5 

مقدّمة  ٩ 

أُعجوبة الشيخ صالح الدرويش  ٩ 

خلاصة محتويات الكتاب  ٩ 

محور خلاف الفريقين  ٩ 

سبب التفرقة  ٩ 

النقد  ٩ 

 ١ . الممانعة من تدوين النبي ٩  كتاباً  ٩ 

 ٢ . تعيين الخليفة بغياب أهل البيت:  ٩ 

 ٣  - حرمان فاطمة ٣  من إرث أبيها  ٩ 

ص:١5١ 

 4  - هتك حرمة دارالوحي  ٩ 

البلاذري وتهديد دار فاطمة  ٩ 

الطبري وتأريخه  ٩ 

الحديث الذهبي  ٩ 

نقطة مشتركة  ٩ 

النقد  ٩ 

عقائد علماء الشيعة في علم الأئمّة  ٩ 

البراءة من أطهر خلق الله  ٩ 

فضائل أهل البيت:  ٩ 

النقد  ٩ 

نقد الاستدلال على منزلة الصحابة  ٩ 

نداء الوحدة  ٩ 

النقد  ٩ 

شرف الصحبة  ٩ 

نقد وتحليل  ٩ 

نقد وتحليل  ٩ 

استثناء في التأريخ  ٩ 

ص:  ١5٢ 

التحليل  ٩ 

تسمية الأئمّة أبناءهم بأسماء الخلفاء  ٩ 

بحث وتحليل  ٩ 

المصاهرة  ٩ 

نقد و تحليل  ٩ 

الدافع من زواج أُمّ كلثوم  ٩ 

ما هي الظروف التي حدث فيها هذا الزواج؟  ٩ 

حُكم الضمير  ٩ 

الإمام الصادق حفيد أبي بكر  ٩ 

التحليل  ٩ 

التراحم بين الآل والأصحاب  ٩ 

الآية الاُولى  ٩ 

التحليل  ٩ 

الأُخوّة الدينيّة ليست دليلاً على مراعاة  ٩ 

الآية الثانية  ٩ 

الآية الثالثة  ٩ 

التحليل  ٩ 

١5٣ شاهد من أقوال النبيّ ٩   ٩ 

الآية الرابعة  ٩ 

النقد  ٩ 

قصّة عجيبة  ٩ 

نقد وتحليل  ٩ 

شاهد من نهج البلاغة  ٩ 

التحليل  ٩ 

أقسام الصحابة  ٩ 

الثقل الأكبر والثقل الأصغر  ١٣5 

التحليل  ١٣6 

عتب أخوي  ١٣٨ 

أُسطورة التفرقة أو استشهاد السيّدة الزهراء  ١4١ 

التحليل  ١4٢ 

عائشة وقصّة مظلوميّة الزهراء  ١45 

يد التضرّع  ١4٧

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.