الرسائل الثلاث

اشارة

عنوان و نام پديدآور : الرسائل الثلاث/تاليف مرتضي المرتضوي الحسيني النگرودي

مشخصات نشر : قم: مطبعه الاسلام، 1380ق=1338.

مشخصات ظاهري : 219ص.

وضعيت فهرست نويسي : در انتظار فهرستنويسي (اطلاعات ثبت)

يادداشت : عربي

شماره كتابشناسي ملي : 2064039

[المدخل]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه رب العالمين، و أفضل الصلوات على أشرف الأنبياء و المرسلين محمد و آله المعصومين، و اللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء اللّٰه من الان الى يوم الدين و بعد: فيقول العبد الفاني مرتضى الحسيني اللنگرودى عفى عنه: انى عند ما كنت مشتغلا بالبحث و النظر حول السفر الجليل: و الكتاب النفيس (العروة الوثقى) أدون فوائد عثرت عليها من أفواه الاعلام و كتبهم، و زوائد ظفرت عليها بتوفيق الملك العلام فصارت بحمد اللّٰه رسائل مختلفة في شتات المسائل و قد وفقت عجالة للمراجعة و التنقيب حول بعضها فلخصته و أفردته فجاء بحمده و منه ثلاث رسائل: الاولى. في الاجتهاد، الثانية في التقليد، الثالثة في الكر و ما يتفرع عليه فنشكر اللّٰه على هذه النعمة و ما توفيقي إلا باللّه، عليه توكلت و اليه أنيب فنقول:

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 3

الرسالة الاولى في الاجتهاد

يعجبني قبل الشروع في المقصود ان اذكر بعنوان المقدمة فقرأت مما افاده بعض الأساطين «1» في هذا المقام

في رسالته: «حق المبين في تصويب المجتهدين و تخطئة الأخباريين و لقد أجاد فيما أفاد حيث قال:

لا يخفى على من تتبع الآثار و أمعن النظر في الاخبار ان لأهل كل ملة رؤساء يرجعون إليهم في الأحكام الشرعية مما لا تدخل في الضرورتين أو في المعلوم مطلقا في أحد الوجهين كما ان أهل الحرف و الصنائع كذلك إذا أشكلت عليهم الأمور فإنهم يرجعون إلى علمائهم بالصنعة و عرفائهم فاليهود يرجعون إلى أحبارهم، و النصارى الى رهبانهم، و المسلمون إلى علمائهم و قد كان في زمان أئمتنا عليهم السلام الزراية و اليونسية، و نحوهم، و قد أمروا صلوات اللّٰه عليهم بالرجوع الى بعض أصحابهم كما أمروا بالرجوع إلى، زرارة، و يونس بن عبد الرحمن، و يحيى بن زكريا، و نحوهم، و الظاهر ان المراد، الرجوع

في الفتوى دون الرواية، و ليس الاجتهاد سوى استفراغ الوسع في تحصيل الظن، و ذلك لازم بديهة بالنسبة إلى الموضوعات و باقي المقدمات و ان قلنا بعلمية الصدور.

ثم انه قد جرت سيرة جميع المتشرعين على ان الناس بين علماء لا رجوع لهم الى غير

______________________________

(1) هو الشيخ الكبير، و الفقيه النبيه الشيخ جعفر النجفي المعروف بكاشف الغطاء المتوفّى أوائل جمادى الأولى سنة 1290 بالنجف و دفن في مقبرة آبائه

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 4

الأدلة، و عوام يرجعون الى العلماء، و وردان العلماء ورثة الأنبياء و نواب الأئمة الأمناء و ان من عرف شيئا من حلالهم و حرامهم جعلوه حاكما، و الراد عليه راد على اللّٰه و هو على حد الشرك باللّه، و معلوم ان الحاكم غير المحكوم عليه، و قد جعلوا قضاة يرجع إليهم في القضاء لئلا يختل النظام، و تضل العوام، و لو لا الحكم برجوع العوام للزم اما وجوب بلوغ درجة العلماء على جميع المكلفين، أو سقوط التكليف عنهم، إذ من المتعسر، أو المتعذر توصل العوام إلى معرفة المسائل بالشواهد، و الدلائل مع وجود الناسخ فيها، و المنسوخ، و العام، و الخاص، و المطلق، و المقيد، و المجمل و المبين، و الحقيقة و المجاز و هكذا، مع تبدل اللسان، بالنسبة إلى عرف هذا الزمان فضلا عن باقي اللغات فلا يمكنه معرفة الأدلة على عربيتها الا بعد معرفة اللغة و النحو و الصرف و النكات البيانية الى ان قال فمن أوجب الأخذ بالأدلة و منع التقليد و جعل العلماء رواة يروون فقد أنكر ضرورة الدين فضلا عن المذهب و ادعى خلاف البديهة و لا أظن أحدا من أهل الشرائع السابقة فضلا عن شريعتنا يدعى وجوب تعليم

العالم من مسائله جميع ما يتوقف عليه المسألة من الأدلة و كيفية الاستدلال، و من أنكر ذلك فقد خالف علمه عمله، و كان إنكار الاسم دون المسمى، و اللفظ دون المعنى، و كيف يعقل العمل باخبار جمعت في الكتب من دون إحاطته بها الى ان قال: فإذا سئل إمام الجماعة عن مسألة جزئية لزمه ان يأتي بالدليل و يذكر ما يتوقف عليه فيشغل نفسه بمسألة واحدة جزئية لواحد و لا يلتفت الى غيره فان بنى كلامهم «1» على ظاهره: من ان حكم العوام و العلماء في الأخذ عن الدليل واحد، كانوا. مخالفين للمجتهدين، و منكرين لضروري الدين

______________________________

(1) عنى بمرجع الضمير الأخباريين

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 5

و الافهم قائلون بالاجتهاد و التقليد من حيث لا يشعرون، و علمهم مخالف لعملهم الا ان يعود بحثهم الى مجرد الاسم و انى رأيت من مشايخهم من يطعن على المجتهدين بتسمية الاجتهاد و التقليد متمسكا بأنه كيف يجوز هذه التسمية مع عدم الاذن بذلك شرعا. انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه

إذا عرفت ذلك فنقول

الكلام في هذه الرسالة يقع في مباحث

هذه هي الرسالة الثانية في التقليد

اشارة

التي دونها و؟ نمقها؟ سيد الفقهاء و المجتهدين آية ا .. في الأرضين أستادنا الأعظم و عمادنا الأفخم الحاج سيد مرتضى المرتضوي اللنگرودى مد ظله العالي

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 46

الرسالة الثانية في التقليد و الكلام في هذه الرسالة أيضا يقع في طي مباحث

المبحث الأول في حقيقة التقليد.

قد وقع الخلاف في ان التقليد، هل هو العمل بقول الغير من غير حجة و مطالبة دليل، كما هو المحكي عن العلامة في النهاية، أو قبول عن قول الغير كما بعض أو أخذ قول الغير و رأيه للعمل به في الفرعيات و الالتزام به في الاعتقاديات بلا مطالبة دليل على رأيه، كما في الكفاية، أو الالتزام به للعمل، كما عن الفضل أو تعلم الفتوى أو أخذ الرسالة للعمل به؟ على وجوه بل أقوال و الحق الذي يكشف عنه التحقيق هو الأول» لوجهين

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 47

الأول مناسبته لما هو معنى التقليد لغة، و عرفا، فان التقليد بحسب وضعه اللغوي مأخوذ اما من قلدت الفتاة، إذا جعلت القلادة في جيدها (و منه فلان قلد السيف) و منه ما في الحديث الخلافة قلدها رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله عليا عليه السلام، اى جعل الخلافة قلادة له و زينة بها حينما أخذه بيده و قال من كنت مولاه فهذا على مولاه، أو مأخوذ من جعل الغير ذا قلادة) كما عن بعض المحققين في رسالته و منه تقليد الهدي، فإن المحرم يجعل البعير مثلا ذا قلادة بنعل قد صلى فيه و قد يقال في تقريب ذلك، كان العامل يجعل عمله قلادة للمجتهد، كناية عن كونه هو المسئول، و هو المؤاخذ بعمله لو قصر في فتواه، كما في الروايات من افتى بغير علم فعليه وزر

من عمل به، الى غير ذلك مما يدل على كون المفتي هو المسئول، و هو الضامن و في المستمسك سلك (في تقريب كون التقليد هو العمل) نحو ذلك حيث قال: يعبر عنه في العرفيات بقوله انى اعمل كذا و يكون ذلك في رقبتك مخاطبا من يشير عليه بالفعل لا كلام في ان التقليد على كل من المعنيين انما يناسب كونه بمعنى العمل على فتوى المجتهد و انما الكلام في ان أيهما انسب بالمقام.

و لا يخفى ان الذوق السليم يرجح الأول الذي أفاده شيخنا الأستاد

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 48

و صرح به صاحب الفصول كما سيجي ء) لان مناسب المقام هو الزينة فالعامى العامل بفتوى المجتهد يجعل فتواه كالقلادة كما ان الفتاة تجعل القلادة في جيدها و كذا المجاهد المقلد للسيف و كيف كان فلا ينبغي التأمل في كون التقليد من مقولة العمل بل في المستمسك ان ظاهر القوانين ان مراد الجميع، العمل، حيث نسب تعريفه (بالعمل بقول الغير) إلى العضدي و غيره، مع ان تعريف العضدي كان بالأخذ الى ان قال: و اما التعبير بالأخذ في كلام الجماعة كما سبق، فالظاهر ان المراد منه العمل، كما في كثير من المقامات، مثل الأخذ بما وافق الكتاب و الأخذ بما خالف العامة و الأخذ بقول أعدلهما انتهى موضع الحاجة. فتأمل كي يظهر لك الفرق بين الأخذ بما وافق الكتاب و نحوه مما ذكر، فإنه مساوق للعمل كما افاده، و بين أخذ العامي فتوى مجتهده فإنه مساوق لتعلمه لفتوى المجتهد كي يطبق عليه العمل.

الوجه الثاني لا إشكال في انه على العاجز عن الاستنباط وظيفة قد اشتغلت ذمته بأدائها حسب ما اقتضته أدلة التقليد، و تفريغ ذمته بأداء الوظيفة انما يحصل

بعمله على فتوى المجتهد الذي يجب الرجوع اليه لا بمجرد تعلمه لفتواه للعمل به، و يتضح الأمر كمال الاتضاح في فرض انفكاك أحدهما عن الأخر فيما تحقق كلاهما، فإذا فرض الانفكاك بين التعلم و العمل بان كان هما تعلم للفتوى و لم يكن عمل على طبقه لا يقال انه أدى وظيفته. و تحقق التقليد

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 49

منه بخلاف ما إذا فرض من ناحية العمل، بان تحقق عمله على طبق فتوى المجتهد من دون تعلمه للفتوى، فان الظاهر أداء وظيفته بتحقق التقليد، فان التقليد ليس عنوانا تعبديا، و لا قصديا، بل ليس الا طريقا الى تطبيق علمه على رأي مجتهده، و من هنا صح عمل العامي الغير الملتفت مع تمشى قصد القربة منه إذا طابق عمله لفتوى المجتهد الذي يجب عليه تقليده، لكن في المقام اشكالا ذكره في الكفاية بقوله: لا يخفى انه لا وجه لتفسيره بنفس العمل ضرورة سبقه عليه، و الا كان بلا تقليد انتهى و ذب عنه تلميذه المحقق في الرسالة بأن التقليد عنوان للعمل استنادا إلى رأي الغير، و لا تقابل بين الاجتهاد و التقليد حتى يكون سبق الأول على العمل، موجبا لسبق الثاني عليه، بل التقابل بين عمل المجتهد و عمل المقلد فالعمل المستند الى ما حصله من المدرك عمل المجتهد، و العمل المستند إلى رأي الغير عمل المقلد و التفصيل في محله انتهى.

و قد سبق صاحب الكفاية فيما ذكر صاحب الفصول، فإنه بعد ان ذكر في صدر الكلام التقليد في اللغة تعليق القلادة في العنق.

قال: في ذيل كلامه، و اعلم انه لا يعتبر في ثبوت التقليد وقوع العمل بمقتضاه لان العمل مسبوق بالعلم: فلا يكون سابقا عليه، و لئلا

يلزم الدور في العبادات من حيث ان وقوعها يتوقف على قصد القربة و هو يتوقف على العلم

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 50

بكونها عبادة فلو توقف العلم بكونها عبادة على وقوعها كان دورا نعم يعتبر العمل في لزوم حكم التقليد ان قلنا بجواز العدول و الا لزمه حكمه مطلقا هذا.

و قول العلامة في النهاية (بأن التقليد هو العمل بقول الغير من غير حجة معلومة بيان لمعناه اللغوي كما يظهر من ذيل كلامه و إطلاقه على هذا شائع في العرف العام انتهى و قد أشار شيخنا العلامة الأنصاري قده في رسالته المفردة في التقليد الى ذلك، حيث قال: في دفع الدور بأن مشروعية العمل أو وجوبه يتوقف على وقوعهم على جهة التقليد لا على سبق التقليد فإذا فرضنا مجتهدين أحدهما يرى وجوب الجمعة و الأخر يرى وجوب الظهر فالمكلف يتخير بين إيقاع الجمعة وجوبا على جهة التقليد للأول و بين إيقاع الظاهر كذلك على جهة التقليد للثاني انتهى و بما ذكر كله ظهر ان ما أفاد الشيخ قدس في رسالة التقليد (من انه بمعنى الأخذ للعمل أوفق بمفهومه اللغوي) غير وجيه لما عرفت من ان كون التقليد بمعنى العمل أوفق بمعناه اللغوي.

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 51

المبحث الثاني المشهور بين الأصحاب جواز التقليد بالمعنى الشامل للوجوب

و قد نسب الى بعض تحريمه كما عن المحقق القمي قده نسبته الى بعض قدماء الأصحاب و المشهور هو المنصور لقيام الدليل عليه عقلا و نقلا اما الأول فلاستقلال العقل بلزوم دفع العقاب المحتمل.

بيان ذلك انه بعد تمامية وظيفة الربوبية (من إرسال الرسول و إنزال الكتاب و تأسيس الشريعة، و تبليغ الاحكام على مجاري العادة تصل النوبة إلى قيام العبد بوظيفة العبودية إلى امتثال أوامر الشارع و نواهيه و هو في عصر

الغيبة بالنسبة إلى العاجز عن الاستنباط اما بالاحتياط، أو بالتقليد و الرجوع الى المجتهد، و العمل على طبق فتواه، فهو مخير بين الاحتياط و التقليد فإذا لم يمكنه الاحتياط (اما لعدم معرفته بطرق الاحتياط، أو لكونه مخلا بالنظام أو موجبا للعسر) يتعين عليه التقليد، و الا فلا دافع لاحتمال العقاب فالعقل بمناط لزوم دفع العقاب المحتمل يستقل بلزوم امتثال أوامر الشارع

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 52

و نواهيه اما بالاجتهاد، أو بالتقليد فيما لا سبيل الى الاحتياط أو مطلقا حيث ان الاحتياط لم يكن طريقا في الشريعة، كما عن المحقق القمي قده و قد نسب ذلك الى المشهور. كذا قرر حكم العقل شيخنا الأستاد قده في غير موضع من إفاداته.

و قد أفاد المحقق الخراساني قده في ذلك بان جواز التقليد و رجوع الجاهل الى العالم في الجملة يكون بديهيا جبليا فطريا لا يحتاج الى دليل فأورد عليه تلميذه المحقق قده في الرسالة بأنه إن أريد ان قضية جواز التقليد من القضايا الفطرية اصطلاحا، فهو غير مستقيم لان القضايا الفطرية هي القضايا التي قياساتها معها ككون الأربعة زوجا لانقسامها الى متساوبين و ما هو فطري بهذا المعنى كون العلم نورا و كمالا للعاقلة في قبال الجهل لا للزوم رفع الجهل بعلم العالم و لا نفس رفع الجهل و ان أريد ان جواز التقليد جبلي طبيعي فهو غير وجيه لان ما هو جبلي طبيعي شوق النفس الى كمال ذاتها و كمال قواها لا لزوم التقليد و لا لزوم تحصيل العلم حقيقة بما هو لزوم من قبل الشارع أو العقلاء، و اما أصل ثبوت شوق النفس فهو وجداني لا فطري و لا جبلي فعلى اى حال ليس وجوب التقليد تعبدا

(اما من الشارع أو من العقلاء) فطريا أو جبليا مضافا الى ما في الجمع بين البداهة و الفطرة و الجبلة، فإن ما هو فطري اصطلاحي يناسب البداهة دون الجبلة و ما هو فطري عرفي يناسب الطبع

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 53

و الجبلة دون البداهة فتدبر انتهى أقول يحتمل قويا ان صاحب الكفاية قده لم يرد من الفطري و الجبلي ما هو المصطلح عليه بين الحكماء، بل لعله أراد من الفطري الحكم الارتكازي العقلي الذي أودعه اللّٰه تعالى في الإنسان و فطرة عليه و هو المرجع في باب الإطاعة و العصيان، بل و في باب النظر في معجزة مدعى النبوة.

و كيف كان فهذا المحقق بعد ما أورده على أستاده قرر حكم العقل في المقام بما يرجع الى ما ذكرنا فراجع.

و اما الثاني أعني دليل النقل فمن الكتاب آيات، منها آية النفر قال اللّٰه تعالى، فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ و منها آية السؤال قال تعالى فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ*.

و منها آية الكتمان قال اللّٰه إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مٰا أَنْزَلْنٰا مِنَ الْبَيِّنٰاتِ وَ الْهُدىٰ مِنْ بَعْدِ مٰا بَيَّنّٰاهُ لِلنّٰاسِ فِي الْكِتٰابِ أُولٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰاعِنُونَ و الأوضح من بينها آية النفر، و ملخص تقريب الاستدلال بها يتضح ببيان أمور الأول ان اللّٰه تعالى أوجب النفر لمكان لو لا التحضيضية لغاية التفقه و الإنذار و الغاية إذا كانت من الأفعال الاختيارية للمكلف، تتبع لذي الغاية

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 54

من حيث الوجوب و الاستحباب، و حيث ان ذا الغاية كان واجبا كانت الغاية واجبة الثاني ان كلمة لعل إذا وقعت في

مفتتح كلام الواجب تعالى، فالمراد منها محبوبية مدخولها، كقوله تعالى فَلَعَلَّكَ بٰاخِعٌ نَفْسَكَ* و إذا وقعت في الأثناء في مساق أدوات التعليل، يكون ما بعدها علة غائية لما قبلها سواء كان في التكوينيات أو في التشريعيات، و سواء كان ما بعدها من الأفعال الاختيارية أو غيرها، فان كان من الأفعال الاختيارية القابلة لأن يتعلق بها الإرادة الفاعلية، و الإرادة الأمرية، فلا محالة يكون مطلوبا بعين مطوبية ما قبلها، و حيث ان ما قبلها اى التفقه و الإنذار كانا واجبين لتعلق التكليف بهما، كان ما بعدهما اى الحذر واجبا ثم ان المراد من الحذر ليس مجرد الخوف النفساني، بل المراد العمل الجوارحى الناشئ عن الخوف النفساني، و هو الانبعات عن البعث، و الانزجار عن الزجر إما بذكر السبب و ارادة المسبب، أو بدعوى ان المتبادر و المنساق الى الذهن في كل مقام أطلق الحذر هو العمل الجوارحى سواء كان الإطلاق بمادة الحذر، كقولك حذر نفسك عن الأسد) أو بغيرها كقولك إياك و الأسد ضرورة عدم كون المراد في تلك المقامات مجرد الخوف النفساني عن الأسد بل المراد الفرار من الأسد

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 55

الثالث ان العموم في الجموع الثلاثة (أعني ليتفقهوا) و لينذروا، و يحذرون، هو العموم الاستغراقي الأفرادي لا المجموعي الارتباطي ضرورة عدم كون المراد تفقه مجموع الطائفة، و إنذار المجموع من حيث المجموع، و تحذر المجموع، بل المراد تفقه كل فرد فرد من النافرين و إنذار كل فرد فرد منهم و تحذر كل فرد فرد من الباقين أو النافرين على اختلاف التفسيرين الرابع ان اختلاف التفقه في الدين باختلاف عصرى الحضور و الغيبة من حيث سهولة المأخذ و صوبته لا يوجب اختلافا في معنى

التفقه ففي عصر الحضور يحصل التفقه بنفس تحمل الروايات، و سماع الاحكام من المعصوم عليه السّلام مع كون الظهور و كشفه عن المراد مفروغا عنه و على فرض إجمال الدلالة يمكن رفعها بالرجوع الى الامام ع، بخلاف عصر الغيبة فإن التفقه فيه أمر صعب متوقف على إحراز الصدور و وجه الصدور، مضافا الى الدلالة و الظهور، فالتفقه بالمعنى العام الذي هو تعلم الأحكام الشرعية عن مآخذها و مداركها، شامل لكلا القسمين و يشهد بذلك إطلاق الفقيه على رواة الأحاديث من الأئمة الأطهار عليهم السلام كقوله في حق محمد بن مسلم مخاطبا لابن أبي ليلى هو أفقه منك و غير ذلك و بعد التأمل في الأمور المذكورة لا يبقى شك في دلالة الآية على حجية الفتوى و جواز التقليد، بل على حجية

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 56

الرواية، كما بنى على ذلك شيخنا الأستاد قده في مبحث الأصول في الدورة الأخيرة حيث قال أو التحقيق انها دالة على حجية الفتوى و الخبر كليهما خلافا لما سلكه في الدورة السابقة من اختصاصها بحجية الخبر فتأمل فيما ذكرنا جيدا و اما آية السؤال فقد استدل بها تارة على حجية خبر الواحد كما في الرسائل و اخرى على حجية الفتوى، و جواز التقليد، كما في غيره لكنه أورد عليه بان المراد بأهل الذكر بمقتضى ظهورها السياقي، علماء أهل الكتاب و بمقتضى التفسير الوارد من طريق أهل البيت و الأئمة المعصومين صلوات اللّٰه عليهم أجمعين، فلا يصلح الاستدلال بها في شي ء من المقامين الا ان يدعى ان المراد من أهل الذكر المعنى العام الشامل لعلماء أهل الكتاب في عصر النبوة، و الأئمة الأطهار عليهم السلام و العلماء المجتهدين في عصر الغيبة فتأمل

فإنه دعوى بلا شاهد و يتلوها في الضعف آية الكتمان لا لما أورده الشيخ قدس عليها من الإيرادين في آية النفر لاندفاعهما في آية النفر بالإطلاق على ما أوضحناه في بحث الأصول بل لما أورد عليهما أخيرا من ان مورد الآية، كتمان اليهود لعلامات النبي صلى اللّٰه عليه و آله بعد ما تبين اللّٰه لهم ذلك في التوراة هذا كله من الكتاب و تدل من السنة روايات، منها قوله عليه السلام فاما من كان من الفقهاء

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 57

صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه و منها قول مولانا أبي جعفر الباقر عليه السلام لأبان بن تغلب، اجلس في مسجد المدينة و أفت الناس فإني أحب ان يرى في شيعتي مثلك.

و منها قول أبي الحسن الثالث، اعتمدا في دينكما على كل مسن في حبنا كثير القدم في أمرنا و منها قوله عليه السلام إياك ان تفتي الناس بما لا تعلم، و قوله إياك ان تفتي الناس برأيك، و قوله ع من افتى الناس و هو لا يعلم الناسخ من المنسوخ و المحكم من المتشابه فقد هلك الى غير ذلك مما يدل على جواز الرجوع الى فقهاء العدول بالدلالة الالتزامية أو المطابقة.

و قد يستدل بأن سيرة العقلاء مستقرة على رجوع الجاهل الى العالم سيما بين المتشرعة من عصر النبي صلى اللّٰه عليه و آله إلى أعصار الأئمة عليهم السلام، حيث ان الناس لم يكونوا متمكنين من المراجعة إلى النبي ص أو الإمام ع و أخذ معالم الدين عنهما) بل كانوا يراجعون إلى أصحاب النبي (ص) أو الإمام ممن تعلموا منهما و يشهد بذلك ما ذكره بعض الأساطين في رسالة حق

اليقين، حيث قال و قد

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 58

كان في زمان أئمتنا الزرارية و اليونسية.

المبحث الثالث في من يجوز له التقليد.

لا إشكال في جواز التقليد للعامي العاجز، و لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد و ان كان من أهل العلم و الفضل، و انما الكلام في ان من له ملكة الاستنباط، هل يجوز له التقليد فيما لم يجتهد فيه فعلا أم لا يجوز؟ قولان قال العلامة الأنصاري قده في رسالة التقليد، المعروف عندنا العدم، بل لم ينقل الخلاف عن أحد منا، و انما حكى عن مخالفينا على اختلاف منهم في الإطلاق و التفصيلات نعم اختار الجواز بعض سادة مشايخنا في مناهله انتهى أقول المشهور هو المنصور لعدم شمول أدلة التقليد و الرجوع الى المجتهد العارف بالأحكام من العقل و النقل لمن له ملكة الاستنباط اما العقل فواضح لاختصاص حكمه بالعاجز عن الاستنباط بالفحص عن الأدلة، من الكتاب، و السنة، ورد الفروع الفقهية إلى أصولها، و من له

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 59

ملكة الاستنباط، قادر على ذلك.

و اما النقل فليس في البين ما يمكن ان يستدل به للجواز الا استصحاب صحة التقليد و هو كما افاده الشيخ العلامة في رسالة التقليد لموضوع القاصر عن الاستنباط و لا أقل من الشك في ذلك و مع الشك في الموضوع لا مجرى للاستصحاب كما هو المقرر في محله و مع الغض عن ذلك فعمومات وجوب الرجوع الى الكتاب و السنة حاكمة على الاستصحاب فان قيل ان حكومة العمومات على الاستصحاب انما تصح إذا كان خروج العامي عنها من جهة حكم العقل بقبح التكليف العاجز إذ حينئذ يبقى غيره و اما لو خرج بالشرع و لا نعلم ان حكم المخصص عليه باق الى ان يصير عالما بالفعل

أو الى ان يصير عالما بالقوة فمقتضى حكم المخصص بقائه قلت هذا حسن لو كان الشك في الحكم من جهة الزمان أو من جهة شمول العام للعنوان المسبوق بعنوان المخصص فنقول في المقامين الأصل بقاء حكم المخصص و اما لو كان الشك في شمول العام لعنوان مقابل لعنوان المخرج الا انه قد يكون مسبوقا به و قد لا يكون كما في من بلغ الحلم عالما متمكنا عن الاجتهاد فان مرجع الشك هنا الى وحدة المخرج و تعدده لا الى بقاء الحكم في الزمان اللاحق للمخرج و عدمه فافهم و اغتنم.

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 60

المبحث الرابع في الشرائط المعتبرة في من يصح تقليده،

اشارة

منها اشتراط كونه مجتهدا مطلقا لا كلام في ان المقلد بالفتح لا بد و ان يكون قادرا على استنباط الاحكام عن مدركها على النهج المألوف بين الأصحاب، انما الكلام في انه يعتبر ان يكون مجتهدا مطلقا عارفا بمعظم الاحكام، فلا يجوز تقليد المتجزى مع التمكن من تقليد المجتهد المطلق، أو هما في ذلك سيان؟ قولان، و قد سبق ما هو الحق عندنا في المبحث الرابع من رسالة الاجتهاد فراجع

و منها اشتراط الحياة

اشارة

و الكلام فيه وقع في مقامين

المقام الأول في اشتراطها فيه ابتداء

و المقام الثاني في اشتراطها فيه استدامة و يتفرع على الأول مسألة جواز تقليد الميت و عدمه، كما يتفرع على الثاني مسألة جواز البقاء على تقليد الميت و عدمه بالمعنى الشامل للوجوب و المسألة الاولى ذات قولين، و الثانية ذات أقوال ثلاثة.

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 61

لا خلاف بين المجتهدين من الخاصة في اشتراط الحياة في المقام الأول و ادعى عليه الإجماع، و الظاهر تحقق الإجماع كما لا يخفى على من تتبع أقوال المجتهدين من القدماء و المتأخرين، و ما ينسب الى بعض المتأخرين من الميل الى جواز تقليد الميت ابتداء فغير ظاهر من كلامه، و على فرضه لا يقدح في الإجماع المدعى و اما العامة فعلى عدم الاشتراط، و قد نسب ذلك الى بعض الأخباريين من الخاصة أيضا، لكن لا ينبغي عدهم من المخالفين فيما هو محل النزاع من أخذ فتوى الميت و العمل عليه، و ذلك لوجود الفرق بين الرواية و الفتوى في اللوازم و الآثار.

و اما رواية المنقولة لفظا فمغايرتها للفتوى واضحة و اما المنقولة معنا فهي و ان كانت مفاد اللفظ الصادر عن الامام ع لكن يشترط مساواة لفظ المنقول و لفظ الأصل في الإفادة و لا يجوز التعويل في النقل على ما اعتقده اجتهادا هذا بخلاف الفتوى.

فإنه عبارة عن الاخبار عن حكم اللّٰه بحسب الاعتقاد، و منشا الاعتقاد

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 62

يكون نفس الرواية تارة، و غيرها اخرى.

و بذلك يظهر ان ما عن الفاضل التوني «1»، من ان المفتي إذا علم من حاله انه لا يفتي إلا بمنطوقات الأدلة، كالصدوقين و من شابههما من القدماء فإنه يجوز الأخذ بفتاويهم حيا و ميتا، و اما إذا

كان ممن يعمل بالافراد الخفية للعمومات و اللوازم الغير الظاهرة للملزومات فلا يجوز تقليده حيا و ميتا، ليس تفصيلا في المسألة بل هو في عداد نظرائه من الأخباريين المانعين من الأخذ بالفتوى حيا و ميتا و يظهر أيضا ان استدلال البعض على عدم اشتراط الحياة بطريقة السلف حيث أنهم كانوا يعملون بفتاوى على بن بابويه عند إعواز النصوص في غيره حله فان تلك الفتاوى مضامين الروايات أو منطوقاتها فحكمها حكم الروايات المنقولة بالمعنى و اللفظ.

و كيف كان فقد استدل على اشتراط الحياة في المفتي ابتداء بوجوه منها الإجماع فقد أشرنا إلى انه يظهر لمن تتبع أقوال العلماء الإمامية

______________________________

(1) و هو الشيخ الجليل عبد اللّٰه بن محمد البشروى المشهدي صاحب كتاب الوافية في الأصول توفي سنة 1071

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 63

و قد نقل في التقريرات شطرا من أقوالهم الى ان قال:

اما مخالفة الأخباريين فقد عرفت ان ذلك بواسطة تخيلهم أن الحائز من الفتوى لا يفارق النقل بالمعنى كما هو صريح كلام السيد الجزائري في مقام الاستدلال على عدم اشتراط الحياة من ان كتب الفقه شرح لكتب الحديث و من فوائدها تقريب معاني الاخبار الى إفهام الناس لان فيها العام و الخاص، و المجمل و المبين الى غير ذلك و ليس كل أحد يقدر على بيان هذه الأمور من مفادها، فالمجتهدون بذلوا جهدهم في بيان ما يحتاج الى البيان و ترتيبه على أحسن النظام و الاختلاف مستند الى اختلاف الاخبار أو فهم معانيها من الألفاظ المحتملة حتى لو نقلت تلك الاخبار لكانت موجبة للاختلاف كما ترى الاختلاف الوارد بين المحدثين مع ان عملهم مقصور على الاخبار المنقولة و بالجملة فلا فرق بين التصنيف في الفقه و التأليف

في الحديث انتهى و هو كما ترى لا يقدح في الإجماع المدعى لان الظاهر من كلامه ان تجويز الأخباريين ذلك ليس الا من جهة ان الفتوى عندهم هو الحديث

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 64

المنقول بالمعنى على وجه لو اعتقد اختلافهما ما كان يقول بذلك، و كأنه قد خفي على السيد مخالفة طريقة المجتهدين لطريقة الأخباريين، مع ان مخالفة الطريقة بينهما كالنار على المنار، فان المجتهدين يعملون بالظنون الاجتهادية التي تنتهي إلى القطع، و الأخباريون لا يعتقدون العمل بالظنون و ان كان عملهم على خلاف معتقدهم كما ان خلاف العامة أيضا لا ينبغي ان يعد خلافا في المسألة لاستقرار طريقتهم على بطلان الاجتهاد الخارج عن المذاهب الأربعة.

فتحصل ان دعوى الإجماع على عدم جواز تقليد الميت ابتداء من أصحابنا الإمامية رضوان اللّٰه عليهم، قريبة جدا، و مال اليه شيخنا الأستاد المحقق النائيني قدس أيضا على ما ببالي، بل ادعى إطباق طائفة الأصولين قديما و حديثا على عدم الجواز، إلا ما يظهر من المحقق القمي قده و صاحب الحدائق، من الميل الى الجواز، و خلافهما لا يقدح في الإجماع الحدسي، كما هو مسلك التحقيق لكن يختلج بالبال (بعد صعوبة إدراجها في المسألة الفرعية بدعوى ان الحكم العقلي الارتكازي برجوع الجاهل الى العالم انما هو حكم إجمالي و هو لا ينافي مع كون الخصوصيات من حياة المرجع و أعلميته و غير هما منوطة بنظر الفقيه، و يكون نظره في الاستناد من الأدلة

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 65

متبعا «1» ان دعوى الإجماع التعبدي في مثل هذه المسألة بعيدة جدا لقوة احتمال ان اتفاقهم كان لأجل الأصل. أو الحكم العقلي الارتكازي، أو بعض الأدلة الاعتبارية و اللفظية على ما سيجي ء» و منها الأصل،

فقد قرر بوجوه أحسنها بل الصحيح منها ما أسسه شيخنا العلامة الأنصاري قده، و أوضحه في الرسائل في باب حجية الظن و حاصله ان التعبد بما لم يثبت التعبد به تشريع محرم بالأدلة الأربعة فراجع، و اما ما عداه من الوجوه فغير سليمة عن المناقشة، و قد نوقش في كل منها فلاحظ و منها سقوط رأى المجتهد بالموت، فقد قرر بوجوه أغلبها عن المحقق الثاني «2» و شيد أركان بعضها السيد المحقق الداماد «3»

______________________________

(1) و سيأتي تقريب أحسن منه لإدراج تلك الخصوصيات في المسألة الفرعية و كون المرجع فيها فتوى المجتهد.

(2) هو المحقق العظيم الشيخ على بن عبد العالي العاملي الملقب تارة بالمحقق الكركي و اخرى بالمحقق الثاني و ثالثة بالشيخ العلائي، مصنف جامع المقاصد في شرح قواعد العلامة توفى يوم الغدير بالنجف سنة 940 ه.

(3) هو السيد المحقق الحكيم مير محمد باقر بن محمد الحسيني الأسترآبادي كان عظيم المنزلة عند شاه عباس الصفوي و بعده عند الشاة صفى، توفي في سفره. معه إلى زيارة العتبات العاليات و دفن في النجف سنة 1041 و قيل دفن بين النجف و الكربلاء في «خانه شور»

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 66

و حيث ان الوجوه المقررة غير سليمة عن النقض فلا يهمنا التعرض لها و من أرادها فليراجع التقرير المنسوب الى شيخنا العلامة الأنصاري قده و منها الاخبار، فقد استدل شيخنا الأستاد المحقق قده من بينها بما في التوقيع المبارك في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب و هو قوله روحي له الفداء «و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم و انا حجة اللّٰه» بناء على ان يكون المراد بالحوادث الواقعة المسائل الفرعية التي لم يكن حكمها

معلوما عموما أو خصوصا فيما روى عن الأئمة الأطهار عليه السّلام.

و تسمية الشبهات الحكمية بالحوادث الواقعة بلحاظ عدم معلومية حكمها فكأنها حادثة حدثت.

فمحصل قوله روحي فداه هو ان المسائل التي لا تجدون حكمها فيما روى عنا من النصوص فارجعوا فيها الى رواة حديثنا لكونهم من أهل النظر و الاجتهاد فهم لأجل ذلك يقدرون على استنباط الفروع المتجددة الحادثة من النظر في الأدلة و الروايات و ازالة الجهل بحكم المسألة و قوله عليه السلام فإنهم حجتي عليكم يشهد بأن الرواة في التوقيع المبارك هم الفقهاء و أهل النظر و الاجتهاد لا كل من روى الحديث.

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 67

و يشهد لكون المراد بالحوادث الشبهات الحكمية. انه أمر بالرجوع إلى الرواة فيما كان الناس يرجعون إلى الأئمة عليهم السلام في عصر حضورهم، و من المعلوم انهم عليهم السلام لم يكونوا متصدين الا لبيان الأحكام الشرعية دون الأمور القضائية، فدلالة التوقيع المبارك على اعتبار الحياة في المرجع في غاية الوضوح فان المأمور به هو الرجوع الى الروات و العلماء لا الى رواياتهم عن الأئمة عليهم السلام و ما قيل من ان الرجوع في المسائل الشرعية إلى العلماء من بديهيات الإسلام من السلف الى الخلف، فهو مما لم يكد يخفى على مثل إسحاق بن يعقوب حتى يكتبه في عداد مسائل أشكلت عليه مدفوع بوقوع مثل ذلك عمن هو أجل منه، فإن أحمد بن إسحاق «1» (المعدد و من السفراء و الأبواب) قال سألت أبا الحسن الهادي عليه السلام و قلت من أعامل؟ أو عمن آخذ؟

و قول من اقبل؟

______________________________

(1) هو الشيخ الجليل احمد بن إسحاق بن عبد اللّٰه بن ما لك الأشعري شيخ القميين و وافدهم، روى عن الجواد، و

الهادي عليهما السلام و كان من خاصة أبي محمد العسكري عليه السلام، و رأى صاحب الأمر روحي فداه.

قيل مرض عند ذهابه الى قم في قرية حلوان المدعو الان (بپل ذهاب) واقعة في طريق كرمانشاهان و بغداد) و توفى بها و دفن قرب نهر تلك القرية على بعد نحو الف قدم من جهة الجنوب.

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 68

فقال له عليه السلام العمري «1» ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي و ما قال عني فعني يقول فاسمع له و أطع فإنه الثقة المأمون.

و لا يخفى ان الاستدلال بالتوقيع المبارك على شرطية الحياة في مرجع التقليد ابتداء، لا يتوقف على ان يراد من الحوادث الواقعة خصوص الشبهات الحكمية، بل لو أريد بها الأعم منها و مما يرجع الى باب المرافعات و المنازعات يتم الاستدلال به أيضا.

و اما ما قيل من ان قوله روحي فداه «فإنهم حجتي» في مقام تعليل الحكم و العلة المذكورة مطردة في الطائفتين (الاحياء و الأموات) ففيه انه في مقام أنشأ الحجية لهم بهذا الكلام لا الاخبار عن الحجة و لا معنى لإنشاء الحجية لهم بالنسبة إلى الأموات و لعله بما ذكرنا يظهر صحة الاستدلال على اعتبار الحياة في المرجع بكل ما ورد من الاخبار في بيان أصل التقليد منطوقا و مفهوما مثل ما دل على وجوب اتباع قول

______________________________

(1) العمرى بفتح العين المهملة و سكون الميم، هو الشيخ الجليل المأمون على الدين و الدنيا عثمان بن سعيد الأشعري أحد السفراء الناحية المقدسة بعد ان تولى ذلك المنصب الرفيع عن قبل أبيه وجده عليهم السلام، و كانت توقيعات صاحب الأمر جعلنا من كل مكروه فداه، تخرج على يديه و ابنه أبي جعفر محمد الى شيعته

و خواص أبيه بالأمر و النهى و أجوبة المسائل، و قبره بالجانب الغربي من بغداد

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 69

العلماء و ما دل على ان للعوام تقليد العلماء و ما دل على المنع عن الإفتاء بغير العلم المستلزم لجواز الفتوى عن علم و ما دل على إظهار الامام حبه لان يرى في أصحابه من يفتي بالحلال و الحرام كقول مولانا الباقر ع لأبان بن تغلب «1» «اجلس في مسجد المدينة و أفت الناس فإني أحب ان يرى في شيعتي مثلك» الى غير ذلك فان الظاهر من مثل الأخير و القدر المتيقن مما عداه هو الاقتصار على تقليد المجتهد الحي العدم إطلاق لها لأنها مسوقة لبيان أصل مشروعية التقليد فحالها حال الحكم العقلي الارتكازي في عدم الإطلاق، هذا تمام الكلام في بيان وجه المختار من بطلان تقليد الميت ابتداء، و اما المجوز لتقليد الميت ابتداء فاستند تارة بالاستصحاب، و اخرى بالاخبار، و ثالثة بالآيات، و مرجع الوجوه الى وجهين الأصل، و الدليل الاجتهادي

______________________________

(1) الشيخ المقدم جليل القدر عظيم المنزلة في أصحابنا أبان بن تغلب بن رباح البكري لقي الأئمة الثلاث (السجاد و الباقر و الصادق ع) و روى عنهم و كانت عندهم خطوة و قدم مات في حياة أبي عبد اللّٰه ع سنة احدى و أربعين و مائة (141) كفى به قدرا ما قاله ع لما أتاه نعيه «اما و اللّٰه لقد أوجع قلبي موت ابان»

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 70

أما الأصل فتقريره على ما في التقريرات من وجوه، فتارة يراد انسحاب حكم المفتي، و اخرى حكم المستفتي- و ثالثة حكم المستفتي فيه، و على الأول يقال ان المجتهد الفلاني كان ممن يجوز الأخذ بفتواه و العمل عليه

و قد شك فيه بعد موته فيستصحب كما يستصحب ذلك عند تغير حالاته من المرض و الصحة و الشباب و الشيب، و قريب منه يقال على الثاني و الثالث فيقال! إن المستفتي كان يجوز له الأخذ بفتوى المجتهد الفلاني و العمل به حال حياته فيشك في جوازه بعد مماته و انه كان يجوز له العمل بالحكم المستفتي فيه حال حياته فيشك فيه بعد مماته (و على كل من التقريرات يرد الاستصحاب بوجوه) الوجه الأول ما افاده شيخنا الأستاد المحقق النائيني قدس في المقام الثاني، و حاصله انه يعتبر في الاستصحاب اتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة موضوعا و محمولا بحيث لا يكون بينهما اختلاف الا من جهة الشك و اليقين فلا بد من اليقين ببقاء الموضوع و عدم تغيره عرفا و في المقام لو لم نقل بتغير الموضوع و عدم بقائه عرفا فلا أقل من الشك في بقائه فان رأى المجتهد انما لحقه في حال حياته و هو في تلك الحال حقيقة مركبة من الحيوانية و الناطقية و بالموت يصير حقيقة أخرى في نظر العرف لزوال

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 71

الحيوانية التي كانت من مقومات حقيقة الإنسانية فالموضوع في القضية المشكوكة مغاير للموضوع في القضية المتيقنة عرفا هذا.

و لو تنزلنا فلا أقل من الشك في بقاء الموضوع و معه لا مجرى للاستصحاب كما سيأتي توضيح ذلك في المقام الثاني فانتظر.

الوجه الثاني ما حكاه بعض أعاظم العصر عن التقريرات، و حاصله انه على تسليم عدم دخل جهة الحيوانية في أصل الموضوع، يدور الأمر بين ما هو زائل أو باق غير حجة، و ذلك لان آراء المجتهد في الغالب مستنبطة من المدارك الجزئية كالآيات و الروايات، و آرائه

لا تكون حجة إلا إذا كانت مستندة الى تلك المدارك بقاء، كما كانت حدوثا فكما ان قيامها بالمجتهد مع زوال مداركها بالمرة يخرجها عن الحجية حال حياته كذلك إذا زالت مداركها بزوال القوة المدركة، فإن النفس الناطقة من حيث كونها قوة عاقلة ليست مدركة للجزئيات كي تكون باقية ببقاء النفس لأجل تجردها كما هو المسلم بل المدرك انما هو الخيال و الوهم و تجرد قوتي الخيال و الوهم ليس مسلما عند أهل الفن، بل هو خلاف المشهور من أهل الفن.

الوجه الثالث هو ان تحقق التقليد من العامي موقوف على ان يجعل العامي إحراز مقلده إحرازا لنفسه بعد الفراغ عن ثبوت فعلية إحراز مقلده بالفتح

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 72

في حال تقليده له و من المعلوم انتفاء فعلية إحراز مجتهده بعد موته و لذلك لو عدل المجتهد الحي عن إحرازه، لا يجوز تقليده فيما أحرزه قبل العدول، و كذا لو طرأ عليه النسيان أو أحرزه و لم يبن عليه في مقام العمل.

و ما توهم أو يتوهم من استصحاب حجية رأي المجتهد بعد وفاته، بدعوى ان الرأي له بقاء نظير اخبار المخبر، فكما ان اخباره لا ينعدم بموته، فكذا الرأي لا ينعدم بموت الفقيه.

مدفوع بالفرق الواضح بين الاخبار و الحكاية و بين الرأي، فإن الحكم بعد ما صار محكيا عنه لا زوال للوصف عنه ابدا، فهو محكي عنه مات الحاكي أم لا؟

بخلاف الرأي، فإن الرأي متقوم بالحياة، و لذا قال بعض الأعاظم في الرسالة.

«ان قول القائل أعمل على رأى فلان من دون تقيد ظاهر في ثبوت الرأي عند تعلق العمل و الا كان عملا بغير الرأي.

نعم يقبل التقيد بان يقال اعمل على طبق الرأي السابق الزائل انتهى» فتأمل

جيدا في كلمات الاعلام حتى يظهر لك ان الاستصحاب لا مجرى له في المقام بوجه و سيأتي مزيد توضيح له إن شاء اللّٰه تعالى.

تنبيه لا يخفى ان ما ذكرنا في رد الاستصحاب لا ينافي لما نقول من كون قول

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 73

الميت محققا للإجماع أو الشهرة فإن نفس صدور الرأي من المجتهد في حال حياته كاف في تلك المرحلة.

ثم ان المحقق الأصفهاني قده بعد ان ذهب الى تجرد قوتي الوهم و الخيال تجردا برزخيا مع اعترافه بأنه خلاف المشهور لكن قال انه لا مناص من الالتزام به لكونه مما اقتضاه البرهان كما شيده بعض الأركان «1» رجح التفصيل بين ما إذا كانت الحجة على المقلد ظنون المجتهد و إدراكاته للحكم الواقعي و ما إذا كانت الحجة قطعه بالحكم الظاهري المماثل للواقعى، فقال بالجواز في الأول دون الثاني، و ذلك لانه على الثاني منتف قطعا لا لفناء القوة المدركة، بل لانكشاف الواقع نفيا و إثباتا، فلا شك في الواقع فلا قطع بالحكم الظاهري، بخلاف الأول، فإن بقائه محتمل فيستصحب و يترتب عليه جواز تقليده، و انكشاف الواقع حينئذ غير ضائر الى ان قال ردا على ما في التقريرات، و اما ما عن بعض الاعلام، من ان الاعتقاد الحاصل بالكشف و الشهود من الموت لا دليل على حجيته على المقلد، فيدور أمر الرأي بين ما هو زائل أو باق غير حجة،

______________________________

(1) عنى به الحكيم المتأله محمد بن إبراهيم الشيرازي المقلب بملا صدرا و صدر المتألهين المتوفّى في بصره سنة 1050 عند ذهابه الى بيت اللّٰه الحرام

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 74

فمدفوع لان الكشف و الشهود الذي لا دليل على حجيته لغير صاحبه هو الذي يحتمل فيه الخطاء

على صاحبه لا الحاصل بالموت فالأمر دائر بين بقاء رايه و اعتقاده بنحو موافق للواقع جزما بحيث لا شك فيه، أو زواله رأسا مع القطع ببقاء القوة المدركة، فلا يقاس هذا الكشف بالكشف الحاصل لبعض المرتاضين و من جميع ما ذكرنا تبين انه لا مانع من استصحاب جواز التقليد، نعم الحي و الميت في نظر العرف متباينان، و الحشر في نظر العرف من باب اعادة المعدوم، فالموضوع غير باق عرفا انتهى كلامه في الرسالة، أقول و لا يخفى ان ما أفاده في المقام نقضا و إبراما و ان كان تحقيقا رشيقا في نفسه الا ان هذا النحو من التحقيقات العرفانية خارج عن طريقة علماء الأصول في علم الأصول قديما من الخاصة و العامة، و هذا النحو من الاختلاط انما وقع كثيرا في كلمات من تأخر عن شيخنا العلامة الأنصاري قده في مباحث الأصول لفظية و عقلية فلاحظ الكلمات كي يظهر لك حقيقة الحال.

هذا و الذي يسهل الخطب انه بعد ذلك التدقيق هدم أساس الاستصحاب بعدم بقاء الموضوع عرفا من جهة كون الحي و الميت في نظر العرف متباينان.

و كيف كان فالتحقيق في رد الاستصحاب هو الذي أفاده شيخنا

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 75

الأستاد وفاقا للشيخ العلامة الأنصاري قده، و اما الدليل الاجتهادي فقد استند تارة بالآيات و اخرى بالروايات اما الآيات فكآية النفر و الكتمان و السؤال.

ففيها انه مع الغض عما قيل من اختصاص الآيات بحجية الرواية فغاية الأمر تسليم دلالتها على حجية الفتوى و الرجوع الى المجتهد في العمل على فتواه في الجملة، فلا إطلاق لها بالنسبة إلى حالتي الحياة و الممات فالقدر المتيقن حجية فتوى المجتهد الحي هذا.

مضافا الى ما افاده بعض المحققين قده

بان الآيات ظاهرة بل صريحة في ان المسئول منه و المنذر و الفقيه حي.

و اما الروايات فعلى طوائف كثيرة فقد قرب الاستدلال بها في التقريرات و أجاب عن كل منها بوجه واضح.

و ملخصه ان الروايات بينما لا دلالة لها على مشروعية أصل التقليد فضلا عن تقليد الميت و هي أكثرها، و بينما لها دلالة على مشروعية أصل التقليد، لكن لا إطلاق لها بحيث يشمل حالتي الحياة و الممات، بل هي اما مختصة بظاهر ها بالإحياء أو ساكتة من حيث الحيات و الممات و القدر المتيقن من هذه الطائفة

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 76

أيضا الرجوع الى الاحياء هذا تمام الكلام في المقام الأول.

اما المقام الثاني أعني البقاء على تقليده الميت

فذات أقوال ثلاثة الأول وجوب البقاء، الثاني جواز البقاء، الثالث حرمة البقاء و مختار أستادنا المحقق هو الأخير لضعف ما تمسك به القائل بالبقاء فلا بد من بيان ما تمسك به و تضعيفه، فنقول تمسك القائل بالبقاء عليه (بالمعنى الجامع بين الوجوب و الجواز) تارة بالاستحسان العقلي و اخرى بالأصل العملي و ثالثة بالسيرة اما الاستحسان العقلي فاجماله هو انه لو كان العدول واجبا أو جائزا لزم تحمل القضية الواحدة لتقليدين و اللازم باطل فالملزوم مثله و الملازمة واضحة.

و فيه أولا منع الملازمة فإنها فيما إذا كان المراد الوحدة الشخصية و ليس الأمر كذلك فان المراد بالوحدة في القضايا المبتلى بها الوحدة النوعية التي لها مصاديق شخصية.

و ثانيا منع بطلان اللازم على مقتضى أصول الإمامية من عدم الاجزاء الا إذا قام عليه دليل بالخصوص و قد تقدم تفصيل ذلك في رسالة الاجتهاد.

و اما الأصل فهو في المقام منحصر بالاستصحاب و يقرب ذلك تارة

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 77

من حيث حجية فتوى الميت، و اخرى من

جهة تقليد الميت، اما الأول فبأنه لا إشكال في كون فتوى المجتهد الجامع للشرائط حجة يجوز الأخذ به و العمل عليه في حال حياته و بعد الموت نشك في بقاء حجيته فيستصحب و اما الثاني فبان تقليد المكلف للمجتهد كان متيقنا في حال حياته فيشك في بقائه و ارتفاعه بعد مماته فيستصحب بقائه، و الفرق بين التقريبين مع اشتراكهما في إثبات البقاء على تقليد الميت هو انه لا يفرق الحال في التقريب الأول بين الابتداء و الاستدامة إذ بعد ما ثبت حجية قول المجتهد بالاستصحاب فكما يجوز الأخذ به في مرحلة البقاء يجوز الرجوع اليه ابتداء أيضا الا ان الإجماع كما عرفت قام على عدم الرجوع الى الأموات ابتداء، بخلاف التقريب الثاني. فإنه يختص بمرحلة البقاء كما لا يخفى.

و في كلا التقريبين نظر لأن حجية فتوى المجتهد في باب التقليد متقوم بالحياة و بعد الموت- نقطع بارتفاع الموضوع، و ان تنزلنا عن ذلك فلا أقل من الشك في بقاء الموضوع، و معه لا مجال للاستصحاب.

توضيح ذلك هو انه ان ما يؤخذ في موضوعات الأحكام بتصور على أقسام ثلاثة الأول ان يكون لمجرد الإشارة الى ما هو موضوع للحكم واقعا من غير

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 78

ان يكون له دخل في الحكم لا في مرحلة الحدوث و لا في مرحلة البقاء كقولك اعمل بما في الطومار.

الثاني ان يكون له دخل في مرحلة الحدوث و لكن نشك دخالته في مرحلة البقاء، كتغير الماء بالنسبة إلى الحكم بالنجاسة، و لا فرق في ذلك بين ان يؤدى بالجملة الوصفية كما ذا قيل الماء المتغير يتنجس بالتغير، أو بالجملة الشرطية كما إذا قيل الماء إذا تغير يتنجس قضاء لمناسبة الحكم و

الموضوع، حيث ان العرف يرى النجاسة بالقياس الى الماء من قبيل الاعراض، و ان محلها هو الجسم المائع السيال، فيعلم ان التغير من حالات الموضوع لا من مقوماته، و بعبارة اخرى انه واسطة في الثبوت لا واسطة في العروض، فعند زوال التغير بنفسه أو بعلاج يشك في نجاسته و طهارته، فيحكم بنجاسته تعويلا على الاستصحاب لتحقق أركانه فيه و التفصيل في محله.

الثالث ان يكون له دخل في الحكم حدوثا و بقاء كقوله قلد المجتهد العادل و أعط الفقير الزكاة، فإنه يعلم من مناسبة الحكم و الموضوع، ان وصف الاجتهاد و العدالة و الفقر من مقومات الموضوع، لوجوب التقليد و إعطاء

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 79

الزكاة، و عند زوال الوصف في هذا القسم كالاجتهاد و العدالة في المثال الأول، و الفقر في المثال الثاني، لا مجال للاستصحاب للقطع بانتفاء الموضوع إذا عرفت ذلك فنقول ان وصف الحياة بالنسبة إلى حجية الفتوى ان كان كوصف التغير بالنسبة إلى النجاسة في كونها من حالات الموضوع صح استصحاب بقاء حجية فتوى المجتهد بعد موته، و اما ان كان كوصف الفقر و الاجتهاد من مقومات الموضوع و ذا مدخلية في حجية فتوى المجتهد حدوثا و بقاء، فلا مجال لاستصحاب بقاء حجية فتواه بعد موته لارتفاع الموضوع يقينا.

و الظاهر كونه من قبيل الثاني، أو لا أقل من الشك في كونه من قبيل الأول و على كل حال لا مجال للاستصحاب، للعلم بارتفاع الموضوع على تقدير الشك فيه على تقدير آخر كما عرفت، و قد تقدم في المقام الأول تقريبان آخر ان لمنع الاستصحاب فراجع و تأمل فيه.

ثم انه كيف يقال باعتبار سائر الشروط من الاجتهاد و العدالة و الايمان و غير ذلك

ابتداء و استدامة و لا يقال بذلك في شرط الحياة؟ مع ان وزان الجميع واحد،

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 80

و دعوى ان الأمر في سائر الشروط كما في شرط الحياة من حيث انها اعتبرت في الابتداء الا ان الإجماع قام على اعتبارها استدامة أيضا، واضحة الفساد كما لا يخفى. و بهذا ظهر وجه آخر على حرمة البقاء فإن الحياة كغيرها من الشروط، فكما يخرج المجتهد بالفسق عن صلاحية الاعتماد و الركون اليه فكذلك يخرج رايه بالموت عن صلاحية الاستناد و التعويل عليه، هكذا تحصل مما افاده شيخنا الأستاد المحقق قده في المقام.

و لكن يختلج بالبال ان اعتبار سائر الشروط لما كان بالدليل اللفظي فمقتضى الإطلاق اعتبارها ابتداء و استدامة بخلاف شرط الحياة، فإن الدليل اللفظي الذي اقامه الأستاد المحقق كتوقيع المبارك لا يخلو عن المناقشة و كذا غيره مما أقاموه عليه فينحصر الدليل عليه بالإجماع، و هو دليل لبى يقتصر فيه على المتيقن و هو التقليد الابتدائي فتأمل فيه.

و ربما يقال ان البقاء على تقليد الميت قضية استصحاب الاحكام التي قلده فيها فإن رأيه و ان كان مناطا لعروضها و حدوثها الا انه عرفا من أسباب العروض أي الواسطة في الثبوت لا من مقومات الموضوع و المعروض و دفع هذا الاستصحاب و ان يظهر بما ذكرنا آنفا من عدم إحراز بقاء الموضوع على كل حال الا ان المحقق الخراساني رده في الكفاية بوجه آخر أيضا مبنيا على غير مسلك جعل المماثل خاصة، و هو انه لا يقين بالحكم شرعا في السابق، فان جواز التقليد سواء

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 81

كان بحكم العقل أو بحكم النقل لا يقتضي أزيد من تنجز ما اصابه من التكليف و العذر فيما

أخطأ.

و اما على مسلك جعل مماثل ما أدت اليه الامارة فلاستصحاب ما قلده من الاحكام و ان كان مجال بدعوى بقاء الموضوع عرفا الا ان الانصاف عدم كون الدعوى خالية عن الجزاف، فان احكام التقليدية عندهم أيضا ليست أحكاما لموضوعاتها بقول مطلق بحيث عدت من ارتفاع الحكم عن موضوعه بسبب تبدل الرأي و نحوه، بل احكام لها بحسب رأيه، و مجرد احتمال ذلك يكفي في عدم صحة استصحابها لاعتبار إحراز بقاء الموضوع و لو عرفا فتأمل جيدا.

هذا كله مع إمكان دعوى انه إذا لم يجز البقاء على التقليد بعد زوال الرأي بسبب الهرم و المرض إجماعا فلم يجز في حال الموت بنحو اولى قطعا فتأمل انتهى كلامه و لقد أجاد في هذه الإفادة لكن بعض المحققين من تلاميذه أورد على كلامه الأخير بأن الملاك لعدم جواز التقليد في المرض و الهرم ان كان زوال الرأي فالتحقيق عدمه فيهما و في الموت لأن الإدراكات باقية في محالها و النفس بسبب اشتغالها بتدبير البدن أو التوجه الى نشاة اخرى لا يمكنها ترتيب الأثر عليها و إلا فمن المستحيل بحسب الحكمة الإلهية و العناية الربانية أن تزول العلوم و المعارف الحاصلة للإنسان في مدة مديدة من

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 82

العمر بعد إتعاب شديد للقوة النظرية و مجاهدة عظيمة لتحصيل الأخلاق و الملكات الفاضلة بمجرد المرض و الهرم في آخر العمر أو بسبب الموت، مع ان الدنيا مزرعة الآخرة و المعرفة بذر المشاهدة، بل الصحيح ان علاقة النفس مع البدن حجاب قوى و مانع شديد فإذا زال المانع و ارتفع الحجاب كانت العلوم كلها حاضرة لديه، مشهودة عنده الى ان قال و ان كان الملاك لعدم جواز التقليد في

المرض و الهرم عدم التمكن من اعمال القوة النظرية، فلا يقدر على رد الفرع إلى أصله و هذا معنى زوال ملكة الاجتهاد، فمن البين ان هذا الوجه مختص بهما لان انقطاع علاقة النفس و ارتفاع الشواغل المانعة عن القدرة الفعلية يوجب كون النفس اقدر على رد الفرع إلى أصله من حال حياته، و لعله أشار الى بعض ما ذكرنا بالأمر بالتأمل انتهى كلامه في الرسالة أقول لا يخفى ان ما ذكره خال عن التحقيق فان آراء المجتهد في الغالب مستنبطة من المدارك الجزئية كالآيات و الروايات الى آخر ما ذكرنا، و هو أيضا اعترف بذلك لكنه جزم بتجرد قوتي الخيال و الوهم تجردا برزخيا و هو خلاف مسلك مشهور أهل الفن، مع ان قواعد الأصول ليست مبتنية على تلك التحقيقات العرفانية و التدقيقات الفلسفية، بل المدار فيها على انظار العرف، و الرأي بنظر العرف متقوم

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 83

بالحياة و لو لم يكن كذلك واقعا.

ثم لا يخفى أن أنظار العرف تختلف في الموارد من جهة مناسبة الحكم و الموضوع، ففي مثل حجية الرأي التي هي مناط جواز التقليد يرون الحي و الميت موضوعين متباينين، فلا يصح استصحاب جواز التقليد الثابت في حال حياة المجتهد بعد مماته لاختلاف الموضوعين في نظرهم، و لا أقل من عدم إحراز اتحادهما لأجل زوال الرأي بموته، أو احتمال زواله، و هذا بخلاف جواز نظر كل من الزوجين إلى الأخر فإنه يصح استصحاب جواز نظر زوجته اليه بعد موته لوحدة الموضوع عند العرف في الحالتين بحسبان بقاء عنوان الزوجية ببدنه الباقي بعد موته، و ان احتمل ان يكون للحياة دخل في عروضه واقعا ببدنه، و اما ما افاده بعض آخر من

اعلام تلاميذه «1» من استصحاب بقاء الأحكام التكليفية الناشئة عن قيام آراء المجتهد المثبتة سابقا في زمان حياته بناء على التحقيق من كون آراء المجتهد كسائر الحجج الشرعية من علل ثبوت الأحكام الظاهرية على موضوعاتها بلا دخل لعنوان قيامها على المورد في ثبوت مثل هذا الحكم.

______________________________

(1) هو المحقق الجليل الشيخ ضياء الدين العراقي المتوفّى سنة 1361

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 84

و ذلك أيضا بناء على كون مفاد دليل حجية الرأي كسائر أوامر التصديق في الأمارات هو إحداث احكام تكليفية ظاهرية إذ حينئذ كان لمثل هذا الاستصحاب مجال إذ من المعلوم انه مع الشك في حجية الرأي حال موت المفتي نشك في بقاء الحكم التكليفي الظاهري الثابت لعنوان موضوعه فيستصحب مثل ذلك الحكم و ان لم يجر الاستصحاب في نفس حجية الرأي.

بل و لئن قلنا بعدم حجية الرأي في حال الموت أمكن قيام مقتضى آخر في بقاء الحكم الظاهري المزبور و معه يبقى مثل تلك الاحكام على على مشكوكيتها فيشملها أدلة استصحابها فلا مجال لشبهة الشك في الموضوع في مثلها، نعم لو بنينا على عدم كون مفاد أدلة الطرق حكما تكليفيا الى آخر ما قاله في المقالات.

فهو كلام على غير مبنى التحقيق في باب الحجج و الأمارات الشرعية، فإن مفاد دليل الحجية اما جعل الوسطية في الإثبات و المحرزية على مصطلح الأصولي في الحجية، كما هو المختار، وفاقا لشيخنا العلامة الأنصاري قده فيلزمه تنجيز الواقع، أو جعل المنجز فيما أصاب و العذر فيما اخطاء كما هو مختار

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 85

صاحب الكفاية قده، و على المسلكين لا مسرح للاستصحاب، كما اعترف به أيضا، و ان كان مراده ان قضية الحجية الشرعية جعل مثل ما أدت اليه الطرق

و الأمارات من الأحكام الواقعية التكليفية الوضعية شرعا في الظاهر، فقد تقدم رده عن صاحب الكفاية فراجع و المقالات حتى يظهر لك صدق ما قلنا أو صدق ما افاده، لكن مع الالتفات الى ان مؤديات الحجج و الأمارات لا يمكن ان تكون أحكاما مستقلة في عرض الأحكام الواقعية بل هي الأحكام الواقعية الثابتة في الظاهر لأجل قيام الطرق و الأمارات عليها و لأجل ثبوتها تعبدا في الظاهر سميت بالأحكام الظاهرية و الا فعلى الأصول الإمامية من الطريقية و التخطئة ليس لنا حكمان عرضيان (الواقعي و الظاهري) و قضية الطولية ليست أزيد مما افاده صاحب الكفاية قده «من ان الاحكام التقليدية ليست أحكاما لموضوعاتها بقول مطلق بل كانت متقومة بالرأي حجيته فإذا زالت حجية الرأي فأين الحكم حتى يستصحب بقائه» مع ان كلامه الأخير مما لا ينبغي صدوره عن مثله، فان مرجعه إلى إجراء استصحاب الحكم عند زوال مقتضيه، و احتمال قيام مقتضى آخر فتدبر

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 86

فتحصل مما ذكرنا ان ما أقيم على جواز البقاء على تقليد الميت أو وجوبه من الدليل اللفظي الاجتهادي و من الأصل العملي، مما لا يصح التعويل عليه.

و اما السيرة فأحسن وجوه تقريرها الذي ذكره شيخنا العلامة الأنصاري قده في رسالته المفردة، فإنه قال: ان السيرة مستمرة من زمان أصحاب الأئمة عليهم السلام على البقاء، فانا لم نسمع من أمر الناس بالعدول بعد موت قائله و لا أحدا عدل كذلك مع توفر دواعي نقله، و لكن أورد عليه بما يرجع الى جعل فتاوى الأصحاب على ضروب أربعة منها ما يعلم كونه مأخوذا من الرواية المعتبرة المنقولة فيؤخذ، كما يؤخذ الرواية. كما حكى غير واحد ذلك في فتاوى على بن

بابويه قده «1» و كذلك فتاوى الشيخ قده «2» حيث ذكروا ان من تأخر عنه من العلماء مقلدون له فان المراد بالتقليد في ذلك نظير قوله فللعوام ان يقلدوه، مع انه في مقام تجويز أخذ الخبر و الحكاية عن العلماء.

______________________________

(1) هو الشيخ الجليل على بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي من شيوخ القميين و رؤسائهم توفي سنة 329.

(2) هو أبو جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسي شيخ الطائفة الحقة الإمامية و مقتداهم ولد سنة 385 توفى ليلة الاثنين 22 محرم 460.

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 87

و منها ما كان من قبيل الرواية المنقولة بالمعنى مع اطمينان السامع بعدم وجود المعارض له و عدم صدور تقية لحسن ظنه بمن أخذ منه فيحصل الاجتهاد من نفس ذلك الخبر من غير حاجة الى شي ء آخر، و كان من أوجب الاجتهاد عينا لاحظ ذلك و لاحظ سهولة تحصيل الإجماع في الإجماعيات منها ما يفيد القطع للسامع خصوصا إذا كان ممن لا يلتفت الى الاحتمالات كالعوام و النسوان.

منها ما يكون بطريق محض التقليد مع عدم القطع بل الظن أيضا بمطابقته للواقع، و لا يخفى ان دعوى السيرة في ثلثه الأول لا تنفع و في الرابع ممنوعة جدا و اما دعوى حكم العادة بأنه لو لم يجز البقاء لوصل المنع مع توفر الدواعي فيردها ان ما وصل من المنع عن تقليد الميت من الإجماعات و الفتاوى الكاشفة عن وجود مستند شرعي كاف في المنع انتهى.

[في اشتراط الأعلمية في المقلد و ما استدل به لذلك]

أقول الإنصاف ان دعوى استقرار السيرة في زمان أصحاب الأئمة عليهم السّلام على البقاء على تقليد الميت قريبة جدا و يشهد لذلك ما ذكره بعض

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 88

الأساطين قده في رسالة (حق اليقين) على

ما نقلناه في صدر رسالة الاجتهاد من انه كان في زمان الأئمة ع طائفة زرارية و هم العاملون بفتاوى زرارة بن أعين و طائفة يونسية و هم العاملون بفتاوى يونس بن عبد الرحمن و غير ذلك فان ما ذكره كما يشهد على شرع الإفتاء و التقليد في زمان الحضور يشهد أيضا بالبقاء على ما عملوه حسب فتاوى مراجعهم من زرارة أو يونس بن عبد الرحمن أو محمد من مسلم، أو يحيى بن زكريا و أضرابهم، إذ لو كان العدول واجبا عليهم بموت مراجعهم لنقل إلينا لتوفر الدواعي على نقل هذا النحو من القضايا و اماما ادعاه الشيخ العلامة الأنصاري قده من كفاية الإجماعات و الفتاوى في المنع عن البقاء، ففيه ان غاية ما يستفاد من الإجماعات المدعاة هو المنع عن تقليد الميت ابتداء لا البقاء على تقليده في الاحكام التي عمل بها في حياة المجتهد، و على هذا فالقول بالبقاء. على تقليد الميت في المسائل التي عمل بها في حياته لا يخلو عن قوة سيما إذا كان الميت اعلم من الحي.

و من الشرائط المعتبرة فيمن يصح تقليده الأعلمية

اشارة

المشهور على اعتبار الأعلمية في مرجع التقليد بمعنى وجوب الأخذ بفتوى الأعلم و العمل عليه في موارد الاختلاف بينه و بين غيره، و عن المحقق الثاني قدس دعوى الإجماع عليه، و المحكي عن السيد الأكبر «علم الهدى» قده كونه من المسلمات عند

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 89

الشيعة و خالفهم في ذلك جماعة من المتأخرين فقالوا بالتخيير بين الأعلم و غيره و المشهور هو المنصور و قواه شيخنا الأستاد المحقق قدس و توضيح المقام يقتضي ذكر أمور،

الأمر الأول ان رجوع الجاهل الى العالم و لزوم تقليد العامي للمجتهد ليس تقليديا تعبديا،

بل هو بحكم العقل الارتكازي و الا لزم الدور لكن القدر الذي يستقل به العقل و لا مجال لإعمال المولوية فيه مجرد رجوع الجاهل الى العالم في تعلم الاحكام بمقتضى قيام العبد بوظيفة العبودية بعد تمامية وظيفة الربوبية من إرسال الرسول الأكرم ص و إنزال الكتاب الكريم و إيصال الأحكام الشرعية على مجاري العادة و وجود العلماء المجتهدين لكن خصوصيات المجتهد من حياته و أفضليته و غيرهما من الصفات مما لا يستقل العقل باعتباره، نعم في جامع الصفات يقطع بكونه مرجعا لكونه متيقن الحجية و غيره مشكوك الحجية، ففي الخصوصيات يصح اعمال المولوية من حيث اعتبارها و عدم اعتبارها شرعا و لذلك سارت مطرح انظار الفقهاء، و اختلفوا فيها فيصح التقليد فيها من دون لزوم الدور كما يصح الاجتهاد فيها لمن يبلغ درجة الاجتهاد لكن العامي إذا حاول استعلام هذه الواقعة لا بد و ان يرجع الى الأعلم و هو قد يفتي بالتخيير و المساواة، كما يمكن ان يفتى بلزوم تقليد الأعلم حسب ما سنح له من الأدلة،

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 90

الأمر الثاني ان اعتبار الأعلمية يتصور على نحوين.

الأول ان يكون المراد انحصار الحجة في كل عصر بشخص واحد و هو الأعلم، و اعتبار الأعلمية بهذا المعنى يرتضع من ثدي الإمامة، فكما ان الحجة في كل عصر منحصر بإمام واحد فكذلك الأمر في المجتهدين، فان الحجة من بينهم منحصرة بشخص واحد و هو أعلمهم.

الثاني ان يكون المراد من اعتبار الأعلمية كونها مرجحة عند التعارض فقول كل مجتهد في نفسه حجة إلا إذا عارضه قول الأعلم، فيخرج قول غير الأعلم حينئذ عن الاعتبار، كما هو الشأن في تعارض الخبرين إذا كان لأحدهما مزية منصوصة موجبة لتقديمه على الأخر الفاقد لها فكما انه

تؤخذ بالمزية في مقام الترجيح فلا يكون من مقومات الحجة و الا لكان التعارض بين الحجة و اللاحجة فكذلك الأمر في المقام.

فتحصل ان اعتبار الأعلمية يحتمل ان يكون من جهة كونها مقومة للحجية و قضية ذلك انحصار الحجة في كل عصر بشخص واحد و هو الأعلم من كل من على وجه الأرض إذا لا علم بقول مطلق لا محالة ينحصر بشخص واحد و لا ثاني له لمكان الخلف و يحتمل ان تكون من المرجحات فيكون قول كل مجتهد حجة في نفسه

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 91

و الانصاف ان الاحتمال الأول بعيد غاية البعد لا يمكن المساعدة عليه و بعيدان يكون مرادهم أيضا و القريب ان يكون مرادهم من اعتبار الأعلمية اعتبارها من حيث المرجحية و لا يخفى ان اعتبار الأعلمية بهذا المعنى ينحل الى دعويين الاولى حجية قول كل مجتهد في حد نفسه.

الثانية تقدم الأعلم على غيره عند التعارض فلا بد من إثبات ذلك بكلا جزئية فنقول اما حجية قول كل مجتهد في حد نفسه فيدل عليه التوقيع المبارك المتقدم ذكره فان رواة حديثنا جمع مضاف مفيد للعموم الانحلالي بلا اشكال و يدل عليه قوله عليه السلام في المقبولة «انظروا الى من كان منكم قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا ألح» فإنها و ان كانت في مورد القضاء الا انها تدل على المدعى من جهة عدم القول بالفصل بين الشبهات الحكمية في مورد القضاء و بينها في غير مورد القضاء.

و اما كون الأعلمية مرجحة فلوجوه.

الأول ان فتوى الأعلم عند الاختلاف متيقن الحجية و فتوى غيره مشكوك الحجية و الأصل عدم حجيته فان التعبد به تشريع محرم بالأدلة الأربعة.

الرسائل الثلاث (للنگرودي)،

ص: 92

الثاني ما في ذيل المقبولة و هو قوله ع فالحكم ما حكم به أفقههما أو أعلمهما بدعوى الملازمة بين تقديم حكم الأعلم و بين تقديم فتواه إجماعا فإن كل من قال بتقديم حكم الأعلم قال بتقديم فتواه و هذا يظهر لمن تتبع فتاوى الفقهاء في المقام الا ترى ان صاحب المفاتيح «1» اقتصر في المناقشة على المقبولة بأنها لأتناول غير صورة الاختلاف و لا بد من ضميمة الإجماع المركب و هو ممنوع فإنه لو أمكن التفصيل بين الحكم و الفتوى لكان إنكار الملازمة اولى بالمناقشة من دعوى عدم شمولها لغير صورة الاختلاف و قد أشرنا الى ان المدعى تقديم فتوى الأعلم و ترجيحه على غيره في صورة الاختلاف لا مطلقا كما سيأتي توضيحه و لكن الملازمة في العكس (اعنى بين القول بتقديم فتوى الأعلم و بين القول بتقديم قضائه) غير ثابتة فإن من القائلين بتقديم فتوى الأعلم جماعة لم يقولوا بتقديم قضاء الأعلم بل يجوزون قضاء غير الأعلم مع وجود الأعلم و لذلك يجوزون ترافع المجتهدين عند مجتهد ثالث مع كونه غير اعلم.

فتحصل ان الملازمة في الأصل ثابتة بالإجماع و هو الدليل على المدعى

______________________________

(1) هو الشيخ الجليل و المحدث الخبير محمد بن مرتضى المدعو بالمحسن و الملقب بالفيض، الكاشاني توفي سنة 1101 عن أربعة و ثمانين عاما له تأليف كثيرة في شتى العلو منها كتاب مفاتيح الشرائع في أبواب الفقه كلها مع مسائل مهمة اخرى فقهية لم يذكرها الفقهاء و قد أثنى على كتابه هذا صاحب الروضات بما لا مزيد عليه فراجع.

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 93

دون العكس هذا بناء على إبقاء الحكم في المقبولة على معناه الخاص:

و يمكن ان يقال ان المراد بالحكم في

المقبولة ليس ما هو المصطلح عليه في باب القضاء بل الظاهر منه معناه اللغوي الشامل للفتوى مثل قوله تعالى وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ* الآية» و يدل على ذلك مضافا الى عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ الحكم قول الراوي «و كلاهما اختلفا في حديثكم» فان المتبادر كونه بيانا لاختلاف الحكم لان الاختلاف في نفس القضاء ليس اختلافا في نفس الحديث لكن الاختلاف في فتوى رواة عصر الامام ع اختلاف في الحديث لاشتراك فتواهم و روايتهم في الاستناد الى السماع من الامام عليه السّلام و لا دلالة في لفظ منازعة المتحاكمين على كون المراد به القضاء بالمعنى الاصطلاحي الجاري في الشبهة الموضوعية لإمكان كون نزاعهما من جهة الاشتباه في الحكم فيرجعان الى من يحكم بينهما بالفتوى بل الظاهر كون نزاعهما من هذه الجهة لا من جهة الاختلاف في الموضوع فان مرجعه الى الادعاء و الإنكار فيحصل فصل الخصومة حينئذ من حاكم واحد على موازين القضاء من الحكم بالبينات و الايمان فلا حاجة الى اختيار كل منهما حكما قال شيخنا العلامة الأنصاري في رسالة تقليد الأعلم أن ترجيح

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 94

الحكم في الروايات انما هو من جهة الرجحان في أصل الفتوى و هو ظاهر للمتأمل و لعله لذا ادعى الشهيد الثاني قده ان المقبولة نص في المطلوب و اما ما ذكر في الإيراد أخيرا من ان المرجحات المذكورة في تلك الروايات لا تعمل بها في تعارض الفتواءين، فهو ما اشكال مشترك بين جعلها واردة في تعارض الحكمين، أو الفتواءين، و يمكن دفعه بالتزام وجوب اعمال تلك المرجحات في تعارض الفتواءين في ذلك الزمان بالنسبة إلى الجاهل بالحكم الشرعي القادر على الاستنباط إذا وصل

اليه الروايات أو الفتوى النازلة منزلة الروايات الى ان قال: و بالجملة فالمقبولة و أخواتها محمولة على تعارض الفتواءين المستند الى الروايات بالنسبة إلى القادر على اعمال التراجح المذكورة فيها مقيدة بالقدرة و اما العاجز و هو العامي فيقتصر على ما هو في وسعة من المرجح الذي يقتدر على معرفته و هي الأعلمية دون غيرها فتأمل انتهى كلامه رفع مقامه أقول: مراده باخوات المقبولة- 1- رواية داود بن حصين عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجلين اتفقا على عدلين جعلهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف، فرضيا بعدلين فاختلفا إلخ، فقال عليه السلام، ينظر الى قول أفقههما بأحاديثنا و أورعهما فيه فينفذ حكمه، و لا يلتفت الى الأخر،- 2- و رواية

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 95

موسى بن أكيل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل يكون بينه و بين آخر منازعة في حق، فيتفقان على رجلين فاختلفا فيما حكما فقال ع: ينظر إلى أعدلهما وافقهما في دين اللّٰه فيمضي حكمه، و الكلام فيهما هو الكلام في المقبولة استدلالا و نقضا.

الوجه الثالث، الدليل الاعتباري العقلي و هو ان الظن الحاصل من قول الأعلم، أقوى من الطن الحاصل من قول غير الأعلم فيجب العمل بالأقوى فإن العدول من أقوى الأمارتين الى أضعفهما غير جائز، و أجيب عنه بالمنع عن الصغرى أولا، و المنع عن الكبرى ثانيا و قد أطيل الكلام نقضا و إبراما في التقريرات و في رسالة بعض محققي العصر فلاحظهما.

و لا يخفى ان شيخنا الأستاد المحقق قده لم يستدل بهذا الدليل الاعتباري، لكن بعد الاستدلال بالمقبولة و أخواتها تشبث بطريقة العقلاء بدعوى ان سيرة العقلاء و طريقتهم مستمرة على المراجعة عند اختلاف أرباب الصنائع

و أصحاب الحرف الى من هو أسد و أبصر و أشد مهارة في تلك الحرفة و الصنعة، هذا تمام الكلام في بيان مذهب المشهور من وجوب تقليد الأعلم.

و اما القول الأخر الذي حدث لبعض من تأخر عن الشهيد الثاني قده تبعا

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 96

للحاجبي و العضدي و القاضي و جماعة من الأصوليين و صار إليه جملة من متأخري أصحابنا حتى صار قولا معتدا به و يعبر عنه بالقول بالتخيير بين الفاضل و المفضول فقد استدل له بوجوه الأول الأصل على الوجوه الثلاثة التي قررها في التقريرات و ردها و لا يهمنا التعرض لها و لردها و من شاء فليراجع التقريرات.

الثاني إطلاق الآيات كآيات النفر و السؤال و الكتمان تقريب الاستدلال بآية النفر على ما أفاده في التقريرات هو ان إيجاب الحذر عقيب إنذار المنذرين من غير وجود الدلالة على الاختصاص بالأفضل مع جريان العادة بتفاوت مراتبهم في العلم و شيوع اختلافهم في المسائل النظرية يفيد حجية إنذار كل منذر سواء كان أفضل أو مفضول، و تقريب الاستدلال بآية السؤال هو ان الأمر بالسؤال عن العلماء يدل على وجوب القبول منهم من دون الاختصاص بطائفة و هو يدل على حجية قول العالم المسئول منه مطلقا سواء كان أفضلا أو مفضولا و كذا آية الكتمان تدل على وجوب الإظهار و حرمة الكتمان و هو يلازم وجوب القبول مطلقا، و التحقيق في الجواب عن الكل ان غاية ما تدل عليه الآيات المباركات

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 97

هي مشروعية أصل الاجتهاد و التقليد، و حجية قول المجتهد في الجملة فلم يكن لها إطلاق بالنسبة إلى تفاوت مراتب العلماء في العلم و شيوع اختلافهم في المسائل كما لا إطلاق لها

بالنسبة إلى الحياة و الممات و قد مر بك بيان ذلك سابقا، مضافا الى ما في آية السؤال من ان المراد بأهل الذكر بمقتضى ظهورها السياقي أهل الكتاب و بمقتضى الروايات الواردة في تفسيرها هم الأئمة ع و ما في آية الكتمان ما مر سابقا من انها واردة في علامات النبوة فتدبر الثالث إطلاق الروايات، و لا يخفى ان الروايات التي استدل بإطلاقها في المقام ليست على منهج واحد، بل مختلفة لا بمجرد كون بعضها عامة و بعضها خاصة، كما في التقريرات، بل كانت مختلفة من حيث الدلالة على المدعى وضوحا، و عدم الدلالة عليه عرفا. و كيف كان.

فمنها التوقيع المبارك، و الاستدلال به للمقام بناء على كون المراد بالحوادث الواقعة هي المسائل الفرعية في غاية الوضوح، إذا المأمور به هو الرجوع الى الرواة العارفين بالأحكام مطلقا، حيث لا تقيد في التوقيع بالرجوع إلى الأفضل منهم، مع جريان العادة على اختلافهم في مراتب الفضل خصوصا في المسائل النظرية.

مضافا الى إطلاق قوله روحي له، الفداء «فإنهم حجتي عليكم و

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 98

و انا حجة اللّٰه» و كذلك لو كان المراد بالحوادث الواقعة الأعم من الشبهات الحكمية و الشبهات الموضوعية الراجعة الى باب المرافعات و فصل الخصومة، نعم لو نوقش فيها باحتمال كون الحوادث، الأمور المعهودة بين السائل و بين الامام عليه السلام، فلا دلالة له على المدعى و التفصيل في محله و منها ما في صدر مقبولة بن حنظلة من إطلاق (من كان منكم ممن قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا إلخ» و أورد عليه مضافا الى كونها في مورد القضاء و الحكومة، بأنها مسوقة لبيان أصل المرجعية، و

يؤيد ذلك ان السؤال ثانيا فيها عن اختلاف المرجع ليس مما علم جوابه من الحكم الأول بحيث لو حكم بعدم مرجعيتهم رأسا عند المخالفة أو بمرجعية أحد المتخالفين عينا لم يكن منافيا لما تقدم منه من الأمر بالرجوع إليهم، كما أورد على التوقيع المبارك أيضا بأن قوله روحي فداه «فإنهم حجتي عليكم» يدل على حجية كل واحد من الرواة عينا عند عدم المعارض و اما معه فلا يستفاد حجية أحد المتعارضين منه لا تعينا و لا تخيرا

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 99

و مرجع هذا الإيراد الى ان شمول دليل الحجية لصورة التعارض يستلزم محذورا فلا محيص حينئذ عن كون مثل هذه الأدلة لبيان أصل المرجع و يظهر هذا النحو من الإيراد من بعض مقرري بحث شيخنا العلامة الأنصاري قده.

و الجواب عنه هو الذي أفاده بعض محققي العصر قده في الرسالة من ان شمول دليل الحجية لصورة التعارض انما يستلزم محذورا إذا كانت حجية كل منهما تعينية فعلية لا تخيرية و لو بحكم العقل إلخ.

و لقد أجاد في أصل الجواب لكن قوله أخيرا «اما على الموضوعية و السببية فواضح حيث ان مقتضى الثبوت و الإثبات تام فيحكم العقل بالتخيير في مقام الإثبات كما في الواجبين المتزاحمين» غير وجيه لكون ظاهره خلاف ما يقتضيه أصول الإمامية من الطريقية و التخطئة، و موهم لخلط باب التعارض بباب التزاحم، و ما في كلماتهم من السببية أحيانا ليس المراد بها الا الالتزام بالمصلحة السلوكية على ما تقدم الإشارة اليه و هو لا يوجب إدراج المتعارضين في المتزاحمين كي يكون التخيير فيهما أصلا أوليا فراجع الكلمات خصوصا كلمات شيخنا العلامة الأنصاري قده، و منها قوله عليه السلام «و اما من كان من

الفقهاء صائنا لنفسه الى قوله

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 100

فللعوام ان يقلدوه» فإن قضية العام و الإطلاق في من كان من الفقهاء هو التخيير بين تقليد الأفضل و تقليد المفضول من المجتهدين و ان كانا مختلفين في الفتوى.

و منها قوله ع «اصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا كثير القدم في أمرنا» فإن مفاده أيضا هو الرجوع الى كل عالم على وجه التخيير كما صرح به في التقريرات.

و هذه الأربعة هي الأخبار التي عبر عنها بالأخبار العامة، و لا ينبغي الإشكال في دلالتها على جواز الرجوع الى كل مجتهد مطلق على وجه التخيير مطلقا سواء كان أعلم أو غير اعلم و سواء كان في المسائل الاتفاقية أو في المسائل الخلافية، لمكان العموم و الإطلاق.

و احتمال كون الأئمة (ع) في تلك الاخبار في مقام بيان أصل المرجعية، خلاف الأصل المقرر عند العقلاء، فإن الأصل عند الشك في كون المتكلم في مقام البيان هو الحمل على كونه في مقام البيان، كما هو ظاهر كلام شيخنا العلامة الأنصاري قده، فإنه قال، في باب المطلق و المقيد هل هناك أصل يرجع اليه عند الشك في ورود المطلق في مقام البيان؟

قد يقال ان أغلب موارد استعمال المطلقات انما هو ذلك و عند الشك يحمل عليه و ليس بذلك البعيد فتأمل انتهى»، و صرح بذلك صاحب

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 101

الكفاية قده حيث قال: في باب المطلق، بقي شي ء و هو انه لا يبعد ان يكون الأصل فيما إذا شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد، هو كونه بصدد بيانه، و ذلك لما جرت عليه سيرة أهل المحاورة من التمسك بالإطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها

إلى جهة خاصة» فراجع.

و بهذا البيان ظهر عدم استقامة ما افاده شيخنا العلامة الأنصاري قدس في التقريرات في هذا المقام، فإنه جعل الاخبار على أصناف من حيث الدلالة على وجوب الرجوع الى جنس العالم، كالتوقيع، و من حيث الدلالة على وجوب الأخذ بقول كل عالم، كخبر الاحتجاج و المقبولة و من حيث الدلالة على وجوب الأخد بقول كل عالم على اى وجه اتفق مثل قوله عليه السلام اصمدا في دينكما الى ان قال الظاهر ان هذه الأقسام كلها مسوقة لبيان جواز نفس التقليد من دون ملاحظة أمر آخر كقولك فارجع الى الأطباء ألح، و ذلك لثبوت الإطلاق في كل واحد منها على ما عرفت توضيحه و اما قوله صلى اللّٰه عليه و آله «أصحابي كالنجوم فبايهم اقتديتم اهديتم» فحيث انه ليس مرويا من طرقنا، بل كان مرويا من طرق العامة فلا جدوى لنا في التكلم فيه نقضا و إبراما، و تعرض شيخنا العلامة الأنصاري قده له لعله لأجل كون هذا القول محكيا عن الحاجبي و العضدي و غيرهما من العامة.

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 102

و أنت إذا أحطت بما ذكرناه في المقام مع الالتفات الى ان اختلاف كيفية الإفتاء في عصر الحضور و الغيبة لا يوجب سلب الاجتهاد و الإفتاء عن أصحاب الأئمة عليهم السلام، كما هو المستفاد من كلام شيخنا العلامة.

حيث قال: «و لا ننكر أصل الاجتهاد في حقهم، بل نقول بالفرق بيننا و بينهم من وجود أسباب الاختلاف في حقنا دونهم» تعرف ان ما افاده بعض المحققين قده في رسالته غير وجيه، لانه بعد ان قرب إطلاقات تلك الأخبار أجاب عنهما بان موردها الرواية لا الفتوى بالمعنى المصطلح و التعبير بالإفتاء غير مجد في

المقام بعد كون الإفتاء في الصدر الأول بنقل الرواية، كما ان القضاء أيضا كذلك الى آخر ما افاده فراجع الرسالة.

الرابع الأخبار الخاصة كقوله ع حين ما سئل ابن أبي يعفور عمن يرجع إليه إذا احتاج أو سئل عن مسألة فما يمنعك عن الثقفي عنى به محمد بن مسلم، و قوله ع للعقرقوقى عليك بالأسدي عنى أبا بصير، و قوله ع إذا أردت حديثا فعليك بهذا الجالس مشيرا إلى زرارة

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 103

و قوله لعليّ بن مسيب عليك بزكريا ابن آدم المأمون على الدين و الدنيا و قوله ع لما قال له عبد العزيز بن مهدي، ربما احتاج و لست كل وقت ألقاك أ فيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني فقال ع نعم و قوله ع لأبان بن تغلب اجلس في مسجد المدينة و أفت الناس فإني أحب ان يرى في شيعتي مثلك الى غير ذلك مما يدل على جواز رجوع الناس الى أصحاب الأئمة و العلماء في أخذ الفتوى و الرواية من غير وجود دلالة على الاختصاص بالرجوع إلى الأعلم فيما بينهم فيما إذا كانوا في عصر واحد، و أورد عليها في التقريرات» بان الاستناد إليها يتوقف على دعوى العلم بوجود الاختلاف بين هؤلاء المفتين في العلم و الفضيلة، و العلم باطلاع الناس على اختلافهم في المسائل النظرية في الفروع الفقهية إلخ.

و لا يخفى انه بعد جريان العادة على اختلافهم في المسائل النظرية و تفاوتهم في مراتب العلم و الفضيلة لا حاجة الى العلم باطلاع الناس على اختلافهم في الفروع الفقهية، الخامس قيام السيرة المستمرة بين أهل التقليد من السلف الى

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 104

زماننا هذا، إذ من المعلوم ان عوام

كل عصر في كل عصر من يومنا هذا الى زمن الأئمة عليهم السلام لم يكونوا ينادى الرجل في طلب المجتهد الأعلم إلى الأطراف و الجوانب، بل يعتمدون على قول فقيه جامع لشرائط الفتوى و اختلاف مراتب العلم و الآراء في الفقهاء و المجتهدين و الرواة المحدثين لم يزل كان ثابتا، و كذا إفتاء المفضولين من أصحاب الأئمة، و لم نسمع أحدا من الأئمة عليهم السلام و أصحابهم منع الأخذ بقول الفقيه و ألزمهم بالرجوع إلى الأعلم مع ان التقليد من الأمور المهمة التي ينبغي كمال الاهتمام بشأنها، و قد تمسك بهذا الحاجبي و العضدي و جماعة و ردها في التقريرات بان المسلم منها انهم مع عدم العلم بالاختلاف في الفتاوى كانوا يرجعون بعضهم الى بعض اما مع العلم بالاختلاف إجمالا فلا نسلم عدم فحصهم عن الفاضل و عدم رجوعهم اليه فكيف إذا علموا بالفضلية و الاختلاف تفصيلا.

بل يمكن دعوى ندرة الاختلاف بين أصحاب الأئمة أيضا و لا ننكر أصل الاجتهاد في حقهم بل نقول بالفرق بيننا و بينهم من وجود أسباب الاختلاف في حقنا دونهم فإنه كلما يزداد بعد عهدنا عن مشكاة الإمامة و مصباح الولاية يزداد الحيرة و الاختلاف انتهى.

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 105

و الانصاف أن دعوى قيام السيرة المستمرة بين أصحاب الأئمة ع على التخيير بين الرجوع الى الأفضل و المفضول دون إثباتها خرط القتاد فما افاده شيخنا العلامة الأنصاري قده من المناقشة كان في محله سيما بعد ملاحظة استقرار طريقة العقلاء، على الرجوع الى الأفضل و الأبصر في أمورهم المهمة عند الاختلاف و عدم ثبوت ردعها عن الشرع، فالعمدة من بين الأدلة إطلاق تلك الأخبار العامة على ما أوضحناه و يتلوها الأخبار

الخاصة و لكن يمكن تقييد إطلاقها بما دل على وجوب تقليد الأفضل عند الاختلاف سيما الدليل العقلي الارتكازي الناهض عند المجتهد و عند العامي الذي يريد أداء وظيفته و تفريغ ذمته عما اشتغلت به.

و اما ما استدل به صاحب الفصول قدس للتخيير من انه لو كان تقليد الأعلم واجبا لما كان الأخذ بفتاوى أصحاب الأئمة مع إمكان الاستفتاء من الأئمة عليهم السلام جائزا، فإنهم أولى بأن يؤخذ منهم من الأعلم.

فهو من غرائب الاستدلال إذ المقصود بالبحث على ما عرفت عند الاختلاف، و مع العلم بمخالفة الإمام عليه السلام يوجب العلم ببطلان قول الغير، و مع ذلك كيف يجوز التقليد، مضافا الى ان قياس الامام عليه السلام بغيره مما يشمئز منه أصحاب الانصاف كما هو ظاهر هكذا في التقريرات،

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 106

لكن عبارة الفصول بظاهرها غير تلك النسبة، فإنه قال في الفصول في طي الاستدلال على ان الظاهر من المانعين عدم جواز الرجوع الى المفضول مع إمكان الرجوع الى الأفضل و لو بالرجوع الى من يروى عنه الفتوى، و هذا يؤدي الى عدم جواز التعويل على فتوى أحد في زمن المعصوم عليه السلام أو ما قاربه.

مع إمكان الرجوع الى الرواية عنه بطريق الأولوية فيجب على المفتي حينئذ العدول عن ذكر الفتوى الى نقل الرواية عند حاجة المستفتي و لا قائل به ظاهرا و رواية أبان بن تغلب السابقة «1» كالصريح في نفى ذلك و السيرة المستمرة شاهدة على بطلانه انتهى و لا يخفى ان هذه العبارة منه ليست بتلك الغرابة.

تبصرة

المراد بالأعلم من كان أقوى ملكة و أحسن جودة في استنباط الأحكام الشرعية عن مداركها و اعرف بالقواعد الأصولية و الفقهية لا أكثر اطلاعا و

أزيد معلوما

______________________________

(1) اعنى بها قوله ع لأبان بن تغلب يا أبان اجلس في مسجد المدينة و أفت الناس فإني أحب ان يرى في شيعتي مثلك

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 107

كما يستعمل فيه هذا اللفظ أحيانا لأن الأول هو الأظهر عرفا و يؤيد بل يشهد له قوله ع «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا» و تثبت الأعلمية بما تثبت به الاجتهاد و ليس تشخيص الأعلمية بأصعب من تشخيص الاجتهاد كما لا يخفى.

تذييل

يتفرع على ما ذكرنا من اعتبار الأعلمية أمور الأول ان وجوب الرجوع الى الأعلم انما هو إذا اختلف الأعلم و غيره في الفتوى كما هو محل الخلاف و مر بك الإشارة اليه اما في صورة الاتفاق فلا يجب الرجوع الى الأعلم و تعيينه بالقصد بل يعمل على طبق الفتوى المتفقين عليه و هذا أسهل من التخيير من جهة ان التخيير عبارة عن كون المكلف في السعة من حيث الأخذ بأي الطريقين و التعويل عليه في المقام العمل عند التعارض مع فرض التكافؤ من جميع الجهات و ليس المقام كذلك لعدم التعارض.

بل المقام نظير ما ورد هناك خبر ان متفقان في المدلول فان الفقيه المستنبط يفتي بمدلولهما من غير ان يكون استناده الى خصوص أحدهما دون الأخر

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 108

و بالجملة لما كان اعتبار التقليد على وجه الطريقية إلى الواقع لا على وجه الموضوعية ففيما إذا اتفق الأفضل و المفضول في الفتوى، فالواقع يكون منكشفا لدى المقلد فحينئذ يعمل المقلد على طبق الواقع المنكشف بالامارتين بلا اعتبار تعين خصوص أحدهما لا بالقصد و لا بالتقييد فان التعيين بالقصد أو التقييد انما يعتبر فيما إذا كان الشي ء ذا وجهين أو وجوها فحينئذ يجب تعيينه و

تمييزه عما عداه، و اما إذا لم يكن للعمل الا وجه واحد فلا اثر للتعيين و التقييد هذا و قد جرى خلاف ذلك في العروة الوثقى حيث قال! الأحوط عدم تقليد المفضول حتى في المسلة التي يوافق فتواه الأفضل، و لذا كتب شيخنا الأستاد المحقق قدس في الحاشية «الأقوى جواز تقليد المفضول في هذه الصورة بل الظاهر انه بعينه تقليد الأفضل، و لا يخرج بقصد الغير عن كونه تقليدا للأفضل انتهى» و مثله في الضعف ما أفاده في مسألة خمسة و ثلاثين من مسائل التقليد حيث قال: إذا قلد شخصا بتخيل انه زيد فبان عمروا فان كانا متساويين في الفضيلة و لم يكن على وجه التقييد صح، و الا فمشكل، فكتب عليه شيخنا الأستاد قده في الحاشية، «بل و مع التقييد أيضا و لا اثر للتقييد في باب التقليد.»

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 109

الأمر الثالث إذا اختلفا في الفتوى و علم فتوى الأعلم تفصيلا

مثل ما إذا اختلفا في طهارة الغسالة و نجاستها فالمتعين هو الرجوع الى الأعلم و العمل على فتواه سواء كان موافقا للاحتياط، كما إذا كان فتواه بالنجاسة أو مخالفا للاحتياط، كما إذا كان فتواه بالطهارة، فإن قول الأعلم هو المتيقن في الحجية و قول غيره ساقط عن الاعتبار لكونه مشكوك الحجية عند الاختلاف، نعم لا بأس بالاحتياط إذا كان فتوى غير الأعلم موافقا له، و الجري عليه ليس حينئذ من جهة ان الاحتياط حسن على كل حال عقلا و شرعا و لو لم يكن في المسألة قول لغير الأعلم فإتيان العمل أو الاجتناب عنه انما هو بداعي المطلوبية أو المبغوضية لا لأجل فتوى غير الأعلم بذلك فتدبر.

الأمر الرابع إذا علم مخالفة الأعلم لغيره إجمالا فهل يجوز الرجوع في هذه الصورة الى غير الأعلم أم لا؟،

بل يجب الفحص عن فتوى الأعلم وجهان، بل قولان.

و الأقوى وجوب الفحص لما تقدم من ان قول كل مجتهد و ان كان حجة في حد نفسه لكن في صورة معارضته لقول الأعلم يسقط عن الاعتبار على ما عرفت تفصيله.

و احتمال معارضته لقول الأعلم من ناحية العلم الإجمالي كالعلم

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 110

بالمخالفة تفصيلا يكون منجزا موجبا للفحص كما هو الشأن في باب العمومات و الإطلاقات و مطلق الدليل الاجتهادي عند احتمال وجود المخصص و المقيد و المعارض للعلم الإجمالي أو لوجه آخر فان مقامنا و مقام الفحص عن المخصصات و المقيدات من واد واحد من حيث استقلال العقل في الحكم بعدم معذورية الجاهل القادر على الاستعلام بعد تمامية وظيفة الربوية على النهج المعهود من إنزال الكتب و إرسال الرسل الى ان وصل الأمر إلى إيجاد المجتهدين العظام الذين هم خلفاء عن أمناء الوحي صلوات اللّٰه عليهم، فبعد انتهاء وظيفة الربوبية الى هذا الحد تصل النوبة إلى وظيفة العبودية

من البحث و الفحص عن الحجة عند احتمالها لموجب العلم الإجمالي أو موجب آخر فحال المجتهد و المقلد من هذه الجهة سيان.

غاية الأمر ان المجتهد يتفحص فيما بايديه من الاخبار عما هو الحجة عليه من المخصصات و المقيدات، و المقلد يتفحص فيما بين فتاوى المجتهدين عن فتوى أعلمهم عند احتمال الاختلاف و المعارضة.

و مجرد هذا غير فارق و ان كان بين البابين فرق من جهة أخرى من جهة ان لوجوب الفحص في ذلك الباب مدركين.

أحدهما جريان ديدن الأئمة عليهم السلام على التعويل على

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 111

القرائن المنفصلة، الثاني العلم الإجمالي بوجود المخصصات و المقيدات و المعارضات، فعلى كل من المدركين لا بد من الفحص في جميع ما بأيدينا من الاخبار عن مخصص كل عام و مقيد كل مطلق، و معارض كل دليل، و لا يمكن ان يتقاعد المجتهد عن الفحص، و لو لم يبق إلا عام واحد مثلا، و اما على مدرك العلم الإجمالي فلان العلم الإجمالي لما كان معلما بعلامة ما بأيدينا من الاخبار، فلا يمكن ان يصير منحلا الا بعد الفحص عن جميع المخصصات بالنسبة الى كل عام، و جميع المقيدات بالنسبة الى كل مطلق، فهو من جهة كونه ذا علامة ليس من قبيل ما كان مرددا بين الأقل و الأكثر حتى يصير منحلا بالظفر بالعدد المعلوم بالإجمال بل من قبيل ما كان مرددا بين المتباينين و توضيحه في محله فبين المدركين في ذلك الباب ملازمة من جهة لزوم الفحص عن الجميع بخلاف هذا الباب و ان كان لوجوب الفحص في هذا الباب مدركان أيضا.

أحدهما العلم الإجمالي باختلاف المجتهدين في المسائل النظرية.

ثانيهما جريان عادتهم على الاختلاف في المسائل النظرية لكن لا يكون

بينهما ملازمة، بل ينفك أحد المدركين عن الأخر،

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 112

و ذلك لان دائرة العلم الإجمالي و ان كانت في المسائل العامة البلوى، كما ان جريان عادتهم على الاختلاف أيضا في هذه الدائرة الا ان المسائل الاتفاقية التي يندر الابتلاء بها لو اتفق الابتلاء بها قبل تعلم المسائل العامة البلوى تدخل في أطراف العلم الإجمالي لاشتراكها مع البلوى حينئذ في وجوب التعلم الذي يقتضيه العلم الإجمالي بخلاف ما لو اتفق الابتلاء بها بعد تعلم العامة البلوى، فإنها غير داخلة في أطراف العلم الإجمالي، كما كانت غير داخلة فيما جرت العادة على الاختلاف فيه.

فح نقول ان المدركين يتفقان في إيجاب الفحص في المسائل العامة البلوى، و عدم إيجاب الفحص في المسائل الاتفاقية التي يندر الابتلاء بها بعد تعلم العامة البلوى، و اما لو اتفق الابتلاء بالمسائل النادرة قبل تعلم العامة، فبناء على أحد المدركين، اعنى العلم الإجمالي يجب الفحص فيها عن فتوى الأعلم لما عرفت من دخولها في دائرة العلم الإجمالي، و اما على المدرك الأخر فلا يجب الفحص فيها لعدم جريان العادة على الاختلاف في المسائل النادرة الغير المعنونة، و هذا هو المراد بما ذكرنا من عدم الملازمة بين المدركين في المقام، و ان كان شيخنا الأستاد المحقق قده قال، في صدر عنوان المسألة ان بين المدركين عموما من وجه، لكن المتحصل مما فاده في مقام التوضيح

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 113

هو الذي ذكرنا فتدبر،

و من الشرائط المعتبرة فيمن يصح تقليده العدالة

و اعتبارها في المفتي مما لا اشكال فيه، كما لا إشكال في اعتبارها في القاضي و الحاكم لأجل ان المفتي الفاسق لا وثوق بقوله و اخباره كما قيل إذ قد يحصل الوثوق باخباره بل لأجل أن الإفتاء من شئون المنصب

و الفاسق لكونه ظالما لا يتأله لقوله تعالى لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ و كذا القضاء هذا مع قيام الإجماع على اعتبار العدالة في المفتي و القاضي كليهما

تذنيب

و يعتبر في مرجع التقليد أن لا يكون مقبلا على الدنيا و طالبا لها مكبا عليها مجدا في تحصيلها ففي خبر العسكري عليه السّلام «من كان من من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه» و هل يستفاد من هذا الخبر أزيد من المقدار المعتبر في العدالة أم لا؟

قولان

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 114

اختار الأول شيخنا الأستاد قده وفاقا لما أفاده في العروة الوثقى و هو الحق لأن العدالة الشرعية المعتبرة في الموارد لا يعتبر في تحققها ذاك المقدار الذي نطق به الخبر بل تكون أوسع من ذلك، نعم العدالة الأخلاقية التي هي عبارة عن ملكة يقتدر بها العقل العملي على تعديل القوى الثلث (العاقلة و الشهوية و الغضبية) حسب ما يقتضيه العقل النظري لعلها أضيق مما يستفاد من الخبر لكنها ليست بشرط في شي ء من الأحكام الشرعية و قد حررنا الكلام في العدالة في رسالة مفردة.

و منها العقل.

و منها البلوغ.

و منها الذكورة.

و منها طهارة المولد.

و حيث ان اعتبار تلك الأمور في مرجع الفتوى مما تسالم عليه الكل فلا جدوى في تطويل الكلام فيها ببيان المناقشة و ردها.

المبحث الخامس فيما يصح فيه التقليد و ما لا يصح

فنقول الأحكام الشرعية على طائفتين، لأن المقصود بالذات منها اما ان تكون

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 115

نفس العمل الجوارحى و مطلوبية العلم لأجل الوصلة إلى العمل، أو تكون نفس العلم و الاعتقاد دون العمل الجوارحى، كمعرفة صفات الباري تعالى و معرفة النبي صلى اللّٰه عليه و آله و معرفة الإمام عليه السلام، و المعاد، و أحوال البرزخ و غير ذلك مما يرجع الى الاعتقادات، فان كانت من قبيل الاولى تسمى بالعملية، كما ان الثانية تسمى بالاعتقادية، و ان شئت سم الاولى بالفرعية العملية

و الثانية بالاصولية الاعتقادية.

أما الأحكام الفرعية العملية فعلى طوائف:

منها الضروريات، كوجوب الصلوات الخمس و غيرها مما ثبت بالضرورة من الدين.

و منها القطعيات و هي الأحكام الثابتة بالدليل القطعي من الإجماع و الاخبار المتواترة.

و منها النظريات التي تحتاج الى تجشم الاستنباط و تكلف النظر في الأدلة الشرعية، كمسائل الشك و السهو أو غيرها من مسائل العبادات و المعاملات، بل العاديات التي يشك في حكمها.

اما الضروريات فغير قابلة لان يتعلق بها التقليد

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 116

و اما القطعيات فتدور مدار القطع، فان حصل للمكلف قطع بذلك فلا حاجة فيه الى تقليد الغير و ان لم يحصل فيجوز فيه التقليد.

و اما ما عداها من الأحكام الفرعية ففي صورة عجز المكلف عن الاجتهاد يجب فيها التقليد مع عدم إمكان الاحتياط، و الا فيكون مخيرا بينه و بين الاحتياط الا إذا كان الاحتياط بالتكرار الموجب لخروجه عن الطاعة عند العقل مع التمكن من الطاعة التفصيلية و التفصيل في محله.

و اما الأصولية الاعتقادية، فإن كان المكلف ممن يقدر على اعمال النظر و الفكر لتحصيله يتعين عليه ذلك لعدم الدليل على جواز التقليد لا من العقل و لا من الشرع كما لا يخفى، بل العقل يحكم بوجوب النظر عليه و لو تخلف عن اعمال النظر و قلد في ذلك، فان صادف الواقع فلا يكون الا متجريا فالكلام فيه هو الكلام في التجري.

و اما في صورة عدم المصادفة للواقع فليس بمعذور، بل يكون معاقبا، و اما إذا لم يكن عمن يقدر على اعمال النظر و إجابة الكفر فان كان هناك من يثق بدينه فيتعين عليه الرجوع اليه و يكون معذورا عند

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 117

المخالفة و لا يكون اثم عليه لكونه على حجة

و ان تخلف عن وظيفة فإن اتفق مطابقة اعتقاده لمواقع الحق فلا يكون حينئذ إلا متجريا و الا فلم يكن له عذر.

و اما ان لم يكن هناك من يثق بدينه ممن يكون على الحق فالظاهر انه معذور و لا شي ء عليه هذا تمام الكلام في الأحكام الشرعية و اما الموضوعات فان كانت شرعية المعبر عنها بالماهيات الجعلية كالصلاة و الصوم و نحو ذلك فلا إشكال في وجوب التقليد فيها على من لا يقدر على الاجتهاد و كذلك الموضوعات المستنبطة العرفية اللغوية ككون الصعيد ترابا خالصا أو مطلق وجه الأرض لأنه و ان لم يكن بنفسه موردا للتقليد لكنه من جهة استتباعه للحكم الشرعي الذي هو جواز التيمم و نحوه يجب فيه التقليد، و اما ما كان في الموضوعات الصرفة فغير قابل لان يقلد فيه، بل ربما يكون نظر العامي في الموضوعات الصرفة أسد و أصوب من نظر الفقيه كما لا يخفى.

و اما مسائل أصول الفقه فما كان منها من الكبريات الكلية التي يترتب عليها استنباط الأحكام الكلية الشرعية كحجية خبر الواحد و حجية الظهورات و نحو ذلك فلا تتطرق فيها التقليد أصلا بل التقليد انما

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 118

يجرى في الأحكام الشرعية التي استنبطها المجتهد من ضم صغرياتها إليها.

و اما ما كان منها تجري في الموضوعات الخارجية كاستصحاب طهارة الثوب و عدمها و استصحاب الحياة و و عدمها و استصحاب العدالة و عدمها و نحو ذلك فهو قابل للتقليد بعد تنقيح المجتهد مجراها كما هو الشأن في جميع القواعد الفقهية التي يكون تنقيح مجراها بعهدة المجتهد و بعد ذلك هو و مقلدوه في إجرائها على شرع سواء فالمجتهد المرجع يفتي و يقول بأنك مثلا إذا

شككت في طهارة ثوبك و كنت على يقين من طهارته فابن على طهارته و هكذا فالمقلد في مورد الابتلاء يطبق عمله على طبق فتواه.

و بالجملة فضابط ما يجرى فيه التقليد و ما لا يجرى فيه هو ان كلما يحوج المكلف الى دق باب الشارع لتعيين ما هو وظيفته و استعلام حكمه سواء كان أولا و بالذات حكما شرعيا أو مستتبعا له كما تقدم من مثال الصعيد فهو مما يجرى فيه التقليد و كلما لا يكون كذلك لا يجرى فيه التقليد و بما ذكرنا في المقام يظهر ان ما أفاده في العروة الوثقى من انه لا تقليد في مسائل أصول الفقه و لا في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية لا يستقيم على إطلاقه فتأمل جيدا

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 119

المبحث السادس في الأحكام المترتبة على التقليد

اشارة

و هي و ان كانت كثيرة الا انه لا يهمنا التعرض لجميعها فنقتصر على ما هو المهم منها و هي أمور:

الأول في التبعيض في التقليد

و هو تارة يكون واجبا و اخرى يكون حراما و الأول فيما إذا كان أحد المجتهدين اعلم من الأخر في باب من الفقه كالعبادات و الأخر أعلم منه في باب آخر كالمعاملات، فإنه يجب تقليد الأول في العبادات و تقليد الثاني في المعاملات لعين ما ذكر في لزوم تقليد الأعلم المطلق على المشهور، و الثاني فيما إذا كان التبعيض مؤديا إلى القطع بالمخالفة العملية كما إذا كان فتوى أحد المجتهدين المتساويين على وجوب جلسة الاستراحة و كفاية التسبيحات الأربعة في كل من الركعتين الأخيرتين مرة واحدة و فتوى الآخر على عدم وجوب الجلسة و وجوب التسبيحات ثلاث مرات فالمكلف إذا قلد في صلاة واحدة بالنسبة إلى جلسة الاستراحة

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 120

من يقول بعدم وجوبها فلم يأت بها، و بالنسبة إلى التسبيحات قلد من يقول بكفايتها مرة واحدة ففعلها كذلك يقطع ببطلان صلوته اما من جهة إخلاله بجلسة الاستراحة لو كان هذا هو الواجب واقعا أو من جهة اكتفائه في التسبيحات بمرة واحدة لو كان الواجب هو الإتيان بها ثلاثا.

و كون المكلف معولا في كل من الفعل و الترك على حجة شرعية و هو فتوى المجتهد لا يكون مجديا على أصول الإمامية من الطريقية بعد قطعه بمخالفة أحدهما للواقع فهو عالم ببطلان صلوته هذه تفصيلا و ان كان المبطل ليس معلوما له الا إجمالا فإن الصلاة الفاقدة لجلسة الاستراحة باطلة قطعا عند من يقول باعتبارها كما ان الصلاة المقتصر فيها بإتيان التسبيحات مرة واحدة باطلة قطعا عند من يقول بوجوب الإتيان بها ثلاثا فهما

متفقان على بطلان صلوته هذه، نعم بناء على السببية و الموضوعية لا بد ان يحكم بصحة صلوته لانه اتى بصلاة صحيحة بمقتضى رأيها، لكنه خلاف ما استقر عليه مذهب الإمامية من الطريقية و التخطئة كما مر بك توضيحه.

الثاني إذا قلد مجتهدا فمات ثم قلد مجتهدا آخرا فمات، ثم مجتهدا ثالثا و هو يقول بالبقاء،

فهل يبقى على تقليد الثاني أو على تقليد الأول؟، ففيها تفصيل.

و هو ان المجتهد الثاني اما يقول بجواز البقاء على تقليد الميت

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 121

و كان المقلد بالرجوع اليه باقيا على تقليد الأول، أو يقول بحرمة البقاء، فعلى الأول يكون تكليفه فيما إذا رجع الى الثالث الذي يقول بالبقاء هو البقاء على تقليد الأول من جهة ان المجتهد الثاني لما كان قائلا بالبقاء فقد احيى برأيه هذا فتاوى الأول، و المفروض ان المكلف لم يقلد الثاني الا في مسألة البقاء التي هي مرآة التي الاحكام الى تحقق منه التقليد فيها و هي فتاوى الأول، و حيث ان المجتهد الثالث يقول بالبقاء فلا بد من حمله على البقاء على تلك الفتاوى التي أخذها و طبق العمل عليها لا الحمل على البقاء كما هو مقتضى بقائه على تقليد الأول، فإن مسألة البقاء من حيث هي غير قابلة للبقاء كما لا يخفى.

و على الثاني يكون تكليفه البقاء على تقليد الثاني لا الأول فإن المجتهد الثاني لما كان قائلا بحرمة البقاء فقد أسقط فتاوى الأول عن كونها مما يقلد فيه، فالمكلف انما قلد في فتاوى الثاني القائل بحرمة البقاء فإذا كان الثالث قائلا بالبقاء فلا محالة يكون المكلف باقيا على تقليد الثاني الذي طبق عمله على فتاويه، لما عرفت من مرآتية مسألة البقاء، و لان تقليده الفعلي القابل للبقاء هو تقليد الثاني لا الأول لأنه زال و سقط، و ان

شئت قلت في توضيح ما ذكرنا في القسمين ان مسألة البقاء غير قابلة للبقاء لأنها حادثة تحدث للمكلف

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 122

بفوت مقلده، و بحكم اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة أحاديثنا، لا بد و ان يرجع في ذلك عند حدوثها الى أهل النظر و الاستدلال و العبرة بالبقاء انما هو بتقليده الفعلي، فإن كان الثاني قائلا بالبقاء فتقليده الفعلي القابل للبقاء بفتوى الثالث، يكون تقليدا للأول، فيبقى على تقليد الأول بفتوى الثالث و ان كان قائلا بحرمة البقاء فتقليد الأول قد زال و سقط، و حيث ان فتوى الثالث بالبقاء يكون ناظرا الى تقليد الفعلي و تقليده الفعلي هو تقليد الثاني لا الأول، فلا بد ان يكون باقيا على تقليد الثاني فتدبر.

الثالث، قد تقدم ان تقليد الميت ابتداء غير جائز، و ان البقاء على تقليد الميت أيضا على ما افاده شيخنا الأستاد المحقق قده جائز

لما تقدم من عدم نهوض الدليل عليه، و تقدم الإشارة الى ان محل الكلام في مسألة البقاء انما هو إذا كان الميت و الحي متساويين أو الميت اعلم، و اما إذا كان الحي أعلم من الميت فيتعين الرجوع اليه بلا اشكال، نعم قد يفرض البقاء على تقليد المفضول فيما إذا رجع الى الحي الأعلم الذي يقول بالبقاء و بعدم وجوب تقليد الأعلم، و لكنه فرض نادر،

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 123

و كيف كان فقد تقدم ان القائلين بالبقاء بين من يقول بوجوب البقاء أو بين من يقول بجوازه، فهل مقتضى القاعدة هو الوجوب أو الجواز؟ وجهان، و الظاهر ان مقتضى القاعدة وجوب البقاء، فإن عمدة ما استدلوا به للبقاء الاستصحاب و مقتضاه ليس الا وجوب البقاء فلم يعرف للقول بالجواز دليل.

اللهم ان يتشبث بدليل الإجماع، و لكن مع كون المسألة خلافية لا يمكن التمسك بالإجماع هكذا أفاد شيخنا الأستاد المحقق قده على

ما ببالي فتأمل فلعل القائل بجواز البقاء استند إلى السيرة المدعاة في المقام

الرابع إذا كان المجتهدان متساويين من جميع الجهات

فلا إشكال في كون المكلف مخيرا في الرجوع الى أيهما شاء، فلو قلد أحدهما فإن خرج مقلده هذا عن صلاحية التقليد بالموت أو الجنون أو زوال الاجتهاد أو صيرورة الأخر أعلم فلا إشكال أيضا في وجوب العدول عليه.

انما الكلام في انه مع عدم ذلك و بقائهما على صفة التساوي هل يجوز له العدول عمن قلد الى الأخر أم لا؟ المشهور على العدم بل ادعى المحقق القمي قده «1» الإجماع عليه.

______________________________

(1) هو الشيخ الجليل و المحقق العظيم الميرزا أبو القاسم بن المولى محمد حسن الجيلاني الملقب تارة بالمحقق القمي، و اخرى بالميرزا القمي، لتوطنه بلدة قم، من كبار علماء الإمامية و محققيهم له مصنفات كثيرة أشهرها: قوانين الأصول، و الغنائم، و جامع الشتات، ولد سنة 1150، أو 51، أو 53، بجابلاق، و توفى سنة 1231، أو 33، بقم و دفن فيه و قبره الشريف مزار مشهور يزوره الناس في كل يوم و ينذرون له.

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 124

لكنه عجيب منه في الغاية مع خلاف المحقق و الشهيد الثانيين «2» فدعوى المحقق القمي الإجماع في المسألة مع هذا الخلاف القوى كما ترى.

فلا بد من التماس دليل آخر بعد فقد الإجماع، و من المعلوم فقد النص أيضا، فتصل النوبة الى الأصل و هو في المقام ليس الا الاستصحاب اى استصحاب التقليد، و لا مانع عنه من حيث نفسه لتمامية أركان الاستصحاب بالقياس إليه لأن مرجع الشك فيه الى الشك في وجود الرافع و عدمه، فبعد ما ثبت متيقن

______________________________

(2) هما من اعلام الفرقة الإمامية و أساطينهم و الأول هو ترجمان الفقهاء الشيخ نور الدين على بن

عبد العالي العاملي الملقب بالمحقق الكركي تارة و المحقق الثاني أخرى، و الشيخ العلائي ثالثة، له تصانيف كثيرة أشهرها و أنفعها جامع المقاصد في شرح القواعد، و الثاني هو أفضل المتأخرين الشيخ زين الدين بن على بن أحمد العاملي، له تصانيف كثيره انيفة مشهورة منها روضة البهية و مسالك الافهام، و منية المريد، تولد 13 شوال سنة 911 و توفى شهيدا سنة 966، أو 965

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 125

سابق فشك في انتقاضة و عدمه فلا مانع من استصحابه، و لكنه محكوم باستصحاب التخيير على تقدير تماميته، فلا بد من التكلم في ان استصحاب التخيير هل يجري في المقام أم لا؟، قد يتوهم أو يقال بأنه لا مانع عنه، كما في خبرين متعارضين عند التكافؤ و الرجوع الى التخيير الذي هو الأصل الثانوي الثابت بالأخبار، فإنه وقع الخلاف في ان التخيير بدوي، أو استمراري بعد الفراغ عن ان التخيير هناك في المسألة الأصولية لا في المسألة الفرعية بمعنى ان التخيير انما هو في الأخذ بأحدهما حجة لا في العمل بمودى أحدهما من الوجوب أو الحرمة الذي هو التخيير في المسألة الفرعية حسب ما جرى عليه الاصطلاح.

فعلى تقدير ان يكون مفاد الأدلة التخيير في المسألة الفرعية لا ينبغي الإشكال في كونه استمراريا، كما هو الظاهر، و الخلاف في انه بدوي أو استمراري انما هو إذا قلنا بان مفادها التخيير في المسألة الأصولية و قد يقال باستمرارية التخيير لا من جهة التمسك بإطلاق الاخبار كما توهم فإنه على ما افاده شيخنا العلامة الأنصاري قده مشكل من جهة انها ليست مسوقة لبيان حكم المتحير بعد الأخذ، بل انما هي مسوقة لبيان المتحير من أول الأمر بل انما هو من

جهة استصحاب التخيير الثابت بحكم الشارع القابل

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 126

للاستمرار فبعد الأخذ نشك في ارتفاعه و عدمه فيستصحب و الحاصل ان ما نحن فيه و الخبرين المتعارضين من واد واحد.

ان قلت نمنع الاستصحاب نظرا الى ان الموضوع في باب التخيير في الخبرين هو المتحير و مع الأخذ بأحدهما يخرج عن كونه متحيرا و معه لا معنى لاستصحاب التخيير لعدم إحراز وجود الموضوع أو لا أقل من الشك في وجود الموضوع.

قلت لا يتم ذلك في المقام من جهة ان المقلد لا يخرج عن كونه جاهلا و ان قلد من قلد، هكذا أفاد شيخنا الأستاد المحقق قده على ما ببالي، لكن لا يخفى ما فيه، لان حال المقلد، و حال المجتهد المبتلى بالخبرين المتعارضين واحد، فكما ان المجتهد بالأخذ بأحد الخبرين يخرج عن كونه متحير أو يصير عالما بالواقع كذلك المقلد بعد التقليد يخرج عن كونه جاهلا فإنه حينئذ ممن له الطريق الى الواقع فتأمل، ثم انه أفاد قدس سره بأنه و ان قلنا بالفرق بينهما من جهة ان المقلد بعد التقليد أيضا لم يكن عالما بالواقع، بل جاهلا بعد، لكن الإنصاف ان أدلة التقليد أيضا غير شاملة له فلم يكن هنا مصحح للعمل بفتوى الثاني، فتحصل مما ذكرنا ان عدم جواز العدول عمن قلده الى الأخر لا يخلو عن قوة.

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 127

الخامس انه إذا قلد الأعلم جاز له الإفتاء بالرجوع الى غير الأعلم

و جاز للمقلد العمل به، وجه ذلك هو الذي ذكرناه سابقا، و حاصله ان مسألة التقليد و ان لم تكن تقليدية، و الا لزم الدور، لكن لا إشكال في ان العقل يستقل بان العبد يلزمه القيام بوظيفة العبودية بعد تمامية وظيفة الربوبية، و واضح ان قيام المجتهد بوظيفة عبوديتيه هو الاجتهاد

و الفحص عن الأدلة فيما بايديه من الاخبار و قيام العامي بوظيفة عبوديته هو الرجوع الى المجتهد العارف بالأحكام و هذا المقدار مما يستقل عقله و لا يتطرق فيه التقليد و هو الثابت بحكم العقل الارتكازي، و اما إدراك الخصوصيات و الصفات من كون المراجع حيا، عدلا اعلما من غيره الى غير ذلك فليس شي ء منها يستقل به عقل العامي.

نعم في مجمع الصفات يقطع بكونه مرجعا لكونه متيقن الحجية.

ففي الخصوصيات يصح له التقليد من دون لزوم دورا و خلف كما يصح للمجتهد الاجتهاد فيها و كذا من لم يبلغ درجة الاجتهاد و كان من أهل العلم يمكن له أيضا ان يجتهد في بعض الخصوصيات كلزوم كون المرجع اعلما، و اما العامي إذا حاول استعلام حال الواقعة فلا بد ان يرجع الى

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 128

الأعلم فيفتى الأعلم حسب ما ادى اليه اجتهاده بجواز تقليد غير الأعلم هذا ما ادى اليه نظري القاصر في المقام.

و قريب من ذلك ما افاده بعض محققي العصر قده في رسالة التقليد فإنه بعد ان أورد مقالة شيخنا العلامة الأنصاري قده في الرسالة «1» في وجه ذلك بأنه: «بأن الكلام ان كان في جواز إفتاء الأعلم بهذا الفتوى بعد اجتهاده فيها فلا وجه لمنعه.

و ان كان في صحة عمل المقلد بها فلا إشكال في الصحة بعد جواز التقليد فيها واقعا و بعد علم المقلد بان هذه المسألة يجوز فيها التقليد و هذا الشرط لا يختص بهذه المسألة بل يجري في كل مسألة يريد المقلد الرجوع فيها الى المجتهد اما جواز التقليد فيها واقعا فالظاهر انه لا اشكال فيه و عدم وجوب الرجوع لا ينفى جوازه لعموم أدلة التقليد، و اما علم

المقلدين بذلك فيكفي فيه ما هو مركوز في أذهانهم من رجوع الجاهل الى العالم وجوبا أو جوازا الا ان يردعهم رادع عن ذلك في بعض المسائل و المفروض ان جزمهم مطابق للواقع بالنسبة الى هذه المسألة «2» قال قدس و أنت خبير بأنه ليس كلما تقتضيه الأدلة و يستنبطه المجتهد

______________________________

(1) لا يخفى انه نقل في الرسالة خلاصة مقال الشيخ و لكن أعرضنا عنه و أوردنا ما افاده الشيخ في رسالة التقليد بألفاظه تتميما للفائدة.

(2) إلى هنا تم كلام الشيخ قدس في رسالة التقليد.

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 129

تقليديا، الا ترى ان مقتضى الأدلة جواز التقليد، مع انه ليس بتقليدى، للزوم الدور أو التسلسل، فليس كلما يستفيده المجتهد قابلا للفتوى على طبقه، كما ظهر أن عموم جواز التقليد لا ينافي عدم جواز التقليد في مسألة جواز التقليد، الى ان قال: بعد كلام طويل، و ببيان آخر كما ان أصل التقليد لا يعقل ان يكون بالتقليد بل لا بد من انتهاء التعبد الى القطع كذلك خصوصية المقلد، إذ مجرد استقلال بوجوب التقليد مع عدم تعيين المقلد من الجهات المعتبرة عقلا في المقلد لا يجدي في الاستناد الفعلي، فلا بد من ان لا تكون الخصوصية تقليدية، ثم تصدى قدس لرفع المحذور بقوله «ان العقل انما أوجب الرجوع الى الأعلم لا من حيث استقلاله باعتبار هذه الخصوصية في المرجعية بل لعدم إحراز جواز الرجوع شرعا الى فاقدها، فهو احتياط من العقل، فلم يحكم العقل بوجوب التقليد معينا بمعنى استقلاله بوجوبه التعيني حتى يلزم الخلاف من تقليد غير الأعلم بفتوى الأعلم.

بل معناه انه لا يستقل العقل بجواز الرجوع الى غيره فحيث صح الرجوع الى الأعلم استنادا في أصله إلى حكم العقل

استقلالا، و في خصوصيته إلى الاحتياط، كانت الخصوصية قابلة للتقليد، كما أنها قابلة للاجتهاد من دون لزوم محال،

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 130

نعم إذا استقل عقل المقلد بتعين الأعلم بحيث يرى التسوية بينه و و بين غيره تسوية بين العالم و الجاهل، كما قربناه، فلا محالة لا محال له لتقليد الأعلم في هذه المسألة انتهى كلامه، فتأمل في الرسالتين و فيما ذكرنا

خاتمه

و اعلم أنهم يذيلون مبحثي الاجتهاد و التقليد بمسألتي التصويب و الاجزاء و قد تعرضنا مسألة التصويب في ذيل مبحث الاجتهاد و نتعرض مسألة الاجزاء هنا في ذيل مبحث التقليد و ملخص الكلام في ذلك هو ان محل الخلاف في مسألة الاجزاء ما إذا انكشف الخلاف ظنا كما في تبدل رأى المجتهد من جهة قيام حجة أقوى عنده من الحجة القائمة عنده سابقا على التفصيل المقرر في باب الاجزاء.

و كما في عدول المقلد عن مجتهد الى مجتهد آخر لفسقه أو لموته أو لصيرورة المعدول إليه أعلم.

لا ما إذ انكشف الخلاف قطعا لانه لا كلام في عدم الاجزاء في هذه الصورة فالخلاف في الاجزاء و عدمه انما هو في صورة انكشاف الخلاف ظنا على

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 131

النحو المزبور، و المسألة و ان كانت ذات قولين لكن مقتضى القاعدة على أصول الإمامية من الطريقية و التخطئة عدم الاجزاء الا إذا قام الدليل على الاجزاء، كما ادعى و ادعى أيضا شيخنا الأستاد المحقق قده، قيام الإجماع، على الاجزاء في باب العبادات من الصلاة و الصوم و الحج و نحو ذلك من حيث إسقاط الإعادة و القضاء، و اما في غير العبادات من الوضعيات في بابي العقود و الإيقاعات و بابي الطهارة و النجاسة و غير ذلك

فالأمر فيها من حيث الاجزاء في غاية الإشكال حيث لم يقم دليل من إجماع و غيره على الاجزاء فيها.

و لكن شيخنا الأستاد المحقق قده استدل على الاجزاء في مجلس البحث في خصوص مسألة الطهارة بغيبة المسلم بدعوى ان المدار في مطهرية غيبة المسلم تخلل زمان يحتمل وقوع مطهر واقعي عليه سواء كان عالما و معتقدا بنجاسة ثوبه أو بدنه كما قاله المشهور أو لم يكن عالما و معتقدا بالنجاسة كما هو المنصور

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 132

كما يشهد لذلك سيرة أصحاب الأئمة عليه السّلام على مخالطتهم للعامة مع وجود الاختلاف بينهم في باب النجاسة و الطهارة غاية الاختلاف، فإن العامة كانوا معتقدين لطهارة أهل الكتاب كاليهود و النصارى، و قد حكى قده عن سيد أساتيده السيد المجدد المحقق الشيرازي قده انه قبل ذهابه الى السامراء كان من المستشكلين في المسألة، و ممن يعتبر العلم و الاعتقاد بالنجاسة في مسألة غيبة المسلم و عليه جرى في حواشي الرسائل العملية، و بعد ابتلائه في تلك البلدة بالعامة جزم بما ذكرنا قائلا بأن أصحاب الأئمة بالقطع و اليقين حالهم كحالنا من حيث المخالطة و الابتلاء بالمخالفين و لكن لم يغير ما علق عليها هذا و أنت خبير بان مسألة غيبة المسلم على كل المذهبين أجنبية عن مسألة الاجزاء فتأمل اما لو لم يغيب أو علم بعدم وقوع المطهر عليه من نزول الغيث عليه أو وقوعه في الكر و نحو ذلك فالإشكال باق بحاله كما ان الاشكال في بابي العقد و الإيقاع و في باب الاقتداء كان باقيا و التفصيل في محله.

و قد يناقش في الإجماع على الاجزاء في العبادات من جهة كون الإجماع

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 133

تقييديا لاختلاف مشرب

المجمعين، و بالجملة لا فرق بين تبدل رأى المجتهد، و بين عدول المقلد عن مجتهد الى مجتهد آخر، لأحد أسباب العدول، فان التقليد أيضا طريق كالاجتهاد غاية الأمر ان الاجتهاد طريق الى الواقع و التقليد طريق الى الطريق الى الواقع، و مقتضى الطريقية كما عليه أصول الإمامية هنا أيضا عدم الاجزاء إذا انكشف الخلاف و نقض الآثار السابقة، كما في تبدل الآراء.

و قد يتوهم الموضوعية في التقليد، من جهة انه لو لا ذلك للزم الأخذ بفتوى المشهور المخالف لفتوى المجتهد فان المناط في الطريقية إحراز الواقع، و من المعلوم ضرورة ان فتوى المشهور أقرب الى الواقع، بل بعض المحققين من أعاظم العصر قدس جزم بالفرق، و قال في رسالة التقليد بعد استظهار عدم الفرق، من بعض كلمات شيخنا العلامة الأنصاري قده:

و التحقيق عدم الملازمة و أطال الكلام في وجه الملازمة و دفعه الى ان قال:

لا يقال كما ان الخبرين حجة على المجتهد كذلك الفتويان على المقلد فإذا كان اعتبار الفتوى من باب الطريقة فحالهما حال الخبرين من حيث عدم اقتضاء الاجزاء و لزوم النقض

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 134

لأنا نقول اعتبار الفتوى بأدلة التقليد بعنوان تنزيل نظر المجتهد منزلة نظر العامي و نيابة المجتهد في استفادة ما يرجع الى المقلد لا بعنوان الطريقية للواقع و لو كان بهذا العنوان للزم تخصيص النقض بصورة اضمحلال الحجة السابقة لأقوائية الحجة اللاحقة كما إذا رجع الى الأعلم مع ان القائل بالنقض في صورة الرجوع لا يفرق بين الرجوع الى الأعلم أو من الأعلم إلى غيره بسبب الموت أو عروض عارض فيعلم منه ان حجية فتوى الثاني لا لاضمحلال الحجة الأولى بقيام الثانية بل لانتهاء أمد حجيتها مثلا فتكون الفتويان

المتعاقبتان على حد الخبرين المتعادلين الذين أخذ بأحدهما تارة و بالأخرى أخرى حيث لا موجب لتوهم النقض عند الأخذ بالثاني انتهى موضع الحاجة.

أقول ما افاده الشيخ في ظاهر كلامه من الملازمة بين تبديل الآراء و بين العدول من حيث نقض عموم الآثار وجيه فان ما هو مناط عموم النقض موجود في كلا البابين، و اما ما افاده هذا المحقق في جواب الاشكال من اعتبار الفتوى بأدلة التقليد إلخ لا يرجع الى وجه محصل فان المجتهد في مقام استنباط

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 135

الاحكام لا يجعل نفسه نائبا عن المقلد بل يستنبط الأحكام الواقعية حسب ما تقتضيه الأدلة كان في العالم مقلد أم لا و قضية أدلة التقليد من العقل و النقل ليست أزيد من حجية فتوى المجتهد على العامي نحو أدلة حجية الروايات على المجتهد فمن أين الدلالة على النيابة و التنزيل فالفرق بين التبديل و العدول في غاية الاشكال و ان شئت مزيد توضيح للمقام فراجع ما أفاده في باب تبدل رأى المجتهد في طي مسائل الاجتهاد فإنه قال ما لفظه.

و ملخصه ان الحق هو الانتقاض بمقتضى الأصول و القواعد و مقتضيات أدلة الحجج و الأمارات إما الأصول فلاستصحاب التكليف الواقعي إلى زمان كشف الخلاف الى ان قال.

اما القواعد فلقاعدة الاشتغال فان العلم بالتكليف في حال الجهل و ان لم يبلغه إلى مرتبة الفعلية حال حدوثه.

لكنه يبلغه إلى مرتبة الفعلية و التنجز بقاء على تقدير ثبوته واقعا و كذا قاعدة لزوم تحصيل الغرض المنكشف ثبوته في الواقع من الأول المشكوك سقوطه بفعل المأمور به الظاهري الى ان قال

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 136

و اما ما يقتضيه أدلة اعتبار الأمارات الشرعية فإن قلنا بان مفاد ها يتنجز

الواقع أو الإنشاء بداعي تنجز الواقع فحالها حال القطع لها كشف الخلاف حقيقية أو حكما فيما إذا قطع بخلافها أو قامت الحجة على خلافها الى ان قال:

في اندفاع تحصيل الفرق بين القطع و الحجة الشرعية بأن المفروض أقووية الحجة اللاحقة من الحجة السابقة و ان لم ينكشف الخلاف حقيقة الى ان قال:

و ان قلنا ان مفاد دليل حجية الأمارات الشرعية جعل الحكم المماثل على طبق مؤدياتها كما يقتضيه ظاهر الأمر باتباعها فعن شيخنا و أستادنا العلامة بل عن غيره أيضا ان مقتضاها الموضوعية و صحة العبادة لأن المفروض ان مؤداها حكم حقيقي فينتهي أمده بقيام حجة أخرى لا انه ينكشف خلافه.

لكنا قد ذكرنا في محله ان غاية ما يقتضيه ظهور الأمر هو البعث الحقيقي المنبعث عن مصلحة في متعلقه و حيث ان المفروض تخلف الامارة و خلو الواقع من المصلحة فيجب الالتزام بأن المصلحة في المؤدى بعنوان آخر غير عنوان متعلقه الذاتي،

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 137

اما ان تلك المصلحة مصلحة بدلية عن مصلحة الواقع، فلا موجب له و الاجزاء و عدم الإعادة و القضاء يدور مدار بدلية المصلحة لتوجب سقوط الأمر الواقعي بملاكه فالموضوعية بمعنى كون المؤدي بما هو مؤدى ذا مصلحة مقتضية للحكم الحقيقي على اى حال، لا يقتضي الاجزاء الى ان قال هذا كله في الواجبات مطلقا على هذا المسلك، و اما في العقود و الإيقاعات فيمكن ان يقال ان الوضعيات الشرعية و العرفية من الملكية و الزوجية و شبههما حيث انها على ما حققناه في الأصول اعتبارات خاصة من الشرع و العرف لمصالح قائمة بما يسمى بالأسباب دعت الشارع مثلا الى اعتبار الملكية و الزوجية، فلا كشف خلاف لها، الى ان قال:

فالتحقيق

أن الحجية ان كانت بمعنى تنجيز الواقع، يجب نقض آثار الوقائع السابقة في العبادات و المعاملات، و ان كانت بمعنى جعل الحكم المماثل، وجب النقض أيضا في العبادات دون المعاملات، و مع الشك يجب ترتيب اثر النقض في الجميع الا الموارد الخاصة التي قام الدليل الخاص

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 138

على عدم نقضها انتهى» أقول الوضعيات كالملكية و الزوجية و نحوهما، حالها حال التكليفيات، كالوجوب و الحرمة و نحوهما في كونها مجعولة بالأصالة و في ان لكل منهما واقعا قد ينكشف خلافه حقيقة أو حكما، سواء قلنا بان مفاد دليل حجية الأمارة هو الوسطية في إثبات ما تعلقت به الامارة من الحكم الواقعي مثلا، كما هو مسلك التحقيق على اصطلاح الأصولي في الحجة، أو تنجز الواقع، كما هو مسلك آخر أو قلنا بان مفاد دليل حجية الامارة جعل المماثل، فكما لا فرق في ذلك بين العبادات و العقود و الإيقاعات على غير مسلك جعل مماثل ما أدت اليه الامارة على ما حققه كذلك لا فرق بينهما على مسلك جعل المماثل لما عرفت من ان لكل من التكليف و الوضع واقعا قد ينكشف خلافه، فكما ان العبادة التي ادى الاجتهاد إليها لها واقع قد يتخلف الاجتهاد عنها كذلك البيع و النكاح مثلا:

و كون الوضعيات اعتبارات خاصة ليس المراد انها مجرد اعتبار لا واقع له كي لا يكون له كشف خلاف، بل أمر واقعي، واقعية في و عانة

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 139

المناسب له و هو اعتبار من بيده الاعتبار تأسيسا أو إمضاء.

فكما ان الاجتهاد المؤدي الى عبادة خاصة قد يتخلف عن الواقع كذلك الاجتهاد المؤدي إلى كون العقد الفارسي سببا للتمليك أو التزويج قد يتخلف عن الواقع بقيام

الحجة الشرعية على شرطية العربية في صيغة النكاح أو البيع مثلا، فما افاده قده من الفرق بين العبادات و العقود و الإيقاعات، غير وجيه كعدم وجاهة ما أفاده في الفرق بين الاجتهاد و التقليد (اى بين تبدل رأى المجتهد و بين عدول المقلد) على ما مر بك بيانه، فالحق الذي كشف عنه التحقيق هو الذي يظهر مما افاده الشيخ العلامة الأنصاري قده و وافقه شيخنا الأستاد المحقق قده، و أوضحناه غاية الإيضاح من عدم الاجزاء على أصول الإمامية إلا فيما قام عليه دليل خاص من إجماع أو غيره، فلا يترك الاحتياط فيما إذا أدى تقليد اللاحق الى فساد عقد أو إيقاع و كذا نجاسة شي ء أو حرمة شي ء و نحو ذلك، بل الأقوى لزوم تجديد العقد مع فعلية الابتلاء بمورده و قد حررنا المسألة

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 140

مستوفاة في مبحث الاجزاء، هذا تمام الكلام في رسالة التقليد، فسبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد للّٰه رب العالمين.

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 141

الرسالة الثالثة في الكر

اشارة

هذه أيضا من بركات قلم أستادنا المحقق و سيدنا المدقق سيد الفقهاء و المجتهدين حجة الإسلام و المسلمين آيت اللّٰه العظمى الحاج سيد مرتضى المرتضوي اللنگرودى الناشر مطبعة الإسلام

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 142

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم الرسالة الثالثة في الكر و بعض ما يتفرع عليه

الكر حسب ما أفاده في العروة الوثقى

اشارة

بحسب الوزن الف و مائتا رطل بالعراقي و بالمساحة ثلاثة و أربعون شبرا إلا ثمن شبر، فبالمن الشاهي و هو الف و مائتان و ثمانون مثقالا إلخ توضيح المقام يستدعي رسم مسائل

المسألة الاولى ان انقسام الماء المحقون الى الكر و غير الكر،

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 143

و كون الكر من الماء عاصما عن الانفعال بملاقاة النجاسة، و غير الكر هو المنفعل بمجرد ملاقاة النجس من مختصات الإمامية و اما العامة فالملاك عند الشافعية و الحنفية هو القلتان و ما دون القتلين استنادا إلى النبوي، من ان الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل خبثا، و لا يخفى إمكان حمله على ما لا يخالف التحديد بالكر عند الإمامية ثم ان الكر في الأصل مكيال لأهل العراق، كما عن القاموس حيث قال: الكر بالضم مكيال للعراق إلخ، و قد ورد فيه تحديدان من الشرع، أحدهما بحسب الوزن و هو الف و مائتا رطل.

و ثانيهما من حيث المساحة على ما يأتي بيانه من اشتمال كل من الابعاد على ثلاثة أشبار و نصف، أو ثلاثة أشبار فقط أو غير ذلك، و قد أشكل أولا بالتنافي بين التحديدين بتخلف أحدهما عن الأخر غالبا أو دائما، حيث ان التحديد بالمساحة يزيد دائما على التحديد بالوزن بكثير فكيف التوفيق بينهما، و ثانيا بتعارض الأخبار بالنسبة الى كل واحد من التحديدين، اما في التحديد بالوزن، فإن مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا تدل على ان الكر الف و مائتا رطل، و صحيحة محمد بن مسلم تدل على ان الكر ستة

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 144

مائة رطل، و اما في التحديد بالمساحة فالأخبار في غاية الاختلاف، كما أشرنا الى ذلك و سيأتي ذكرها مفصلا.

لكن يمكن الجواب عن الأول كما عن سيدنا الأستاد (الفقيه الأصفهاني قدس)،

بان التخلف ان كان من الجانبين بان كان بين الحدين عموما من وجه بحسب الصدق فيجمع بينهما بكون كل منهما محققا لموضوع الكر فان التعارض حينئذ ليس الا باعتبار تنافي مفهوم كل منهما لمنطوق الأخر في مورد الافتراق فيقيد مفهوم كل منهما بمنطوق الأخر فالنتيجة هو الاكتفاء بكل منهما في تحقق الكرية كما قيل بهذا النحو من الجمع بين خفاء الأذان و خفاء الجدران في موضوع حد الترخص و ان كان التخلف من طرف واحد، كما عن المحدث الأسترآبادي من انه وازن كل منهما فوجد حد المساحة أزيد من حد الوزن بكثير، فنقول ان المدار على الوزن و انما جعلت المساحة معرفا و امارة على تحقق الوزن بالنسبة الى جميع الموارد من باب الاحتياط نظرا الى اختلاف المياه خفة و ثقلا

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 145

و الجواب عن الإشكال الثاني اما بالنسبة إلى اختلاف الروايتين في تحديد الكر من حيث الأرطال فبان مقتضى الجمع بينهما حمل الرطل في مرسلة ابن أبي عمير على العراقي و حمل الرطل في صحيحة محمد بن مسلم على المكي الذي هو ضعف العراقي إذا الرطل ثلاثة أقسام عراقي و مدني و مكي:

و الأول على المشهور مائة و ثلاثون درهما، و الثاني مائة و خمسة و تسعون درهما بلا خلاف فيه فيزيد عن العراقي بالثلث و الثالث ضعف العراقي بلا خلاف فيه أيضا كما لا خلاف بينهم في ان المراد بالرطل في ألف و مأتي رطل ليس الرطل المكي، بل الخلاف بينهم انما هو في كونه (عراقيا أو مدنيا) و المشهور على الأول، و عن الصدوقين و السيد انه المدني، و عن الانتصار الإجماع عليه و عن أمالي الصدوق قده انه من

دين الإمامية، و كيف كان يدل على هذا الجمع بين الروايتين وجوه اثنان منها عن سيدنا الأستاد قدس على ما في تقرير بحثه الأول ان لفظ الرطل في كل واحدة من الروايتين و ان كان في نفسه

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 146

مجملا مرددا بين كون المراد به العراقي أو المكي، أو المدني، و لا يجوز حمل اللفظ المردد بين محتملات على بعضها من دون مرجح الا انه من الظاهر المسلم ان هذا المجمل يكون حجة بالنسبة إلى نفى غير محتملاته، فح نقول ان اعتبار الف و مائتا رطل في مرسل ابن أبي عمير بجميع احتمالاته الثلاثة ينفى- اعتبار ستمائة رطل في صحيح ابن مسلم باحتماليه و هما (المدني و العراقي) و كذلك رواية ستمائة رطل بجميع احتمالاته الثلاثة ينفى احتمالين من رواية ألف و مائتا رطل.

(و هما احتمال كونه مكيا و مدنيا) فلا يبقى في رواية ألف و مأتا رطل الا احتمال كون الرطل عراقيا و في رواية ستمائة رطل الا احتمال كونه مكيا فيرجع أحدهما إلى الأخر بلا تعارض و تناف أصلا فإن المرسل في نفى احتمالين من الرطل في الصحيح: و هما كونه مدنيا أو عراقيا يكون حجة بلا معارض.

كما ان الصحيح في نفى احتمالين من الرطل في المرسل و هما كونه مكيا أو مدنيا، يكون حجة بلا معارض، فلا يبقى في الصحيح الا احتمال كون الرطل هو المكي الذي هو ضعف العراقي، و في المرسل الا احتمال كونه العراقي الذي هو نصف المكي، فاتحد الروايتان في المؤدى

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 147

الثاني ان اللفظ إذا كان مشتركا بين وزنين أحدهما ضعف الأخر و كان كل واحد شائعا متعارفا و قد جعل ذلك اللفظ في

رواية مضافا اليه عدد خاص من الوزن موضوعا لحكم و في رواية أخرى مضافا اليه نصف ذلك العدد موضوعا لنفس ذلك الحكم كما في المقام فالعرف لا يرى تنافيا و تعارضا بينهما.

بل و لا إجمال فيهما، بل يجعل كل واحد منهما قرينة على المراد من الأخر فيجمع بينهما بحمل اللفظ في أحدهما على أحد المعنيين، و في الأخر على المعنى الأخر الممكن جمعه مع الأول فالمراد بالرطل في المرسل هو العراقي، و في الصحيح هو المكي الذي كان ضعف العراقي، و هذا الجمع أسهل من الأول لكونه امرا متعارفا عند العرف.

الثالث ان المراد بالرطل في الصحيح هو المكي بقرينة كون محمد بن مسلم طائفيا و الطائف من توابع المكة، و الظاهر ان الامام عليه السّلام الحكيم العالم بكل اصطلاح لا يكون مكالمته مع كل مخاطب الا بمصطلحه و ان المراد بالرطل في المرسل هو العراقي لكون ابن أبي عمير عراقيا و الرطل العراقي نصف المكي، و المكي ضعف العراقي بالاتفاق.

و أورد على هذا الوجه سيدنا الأستاد قدس بان ابن أبي عمير لم يكن مخاطبا للإمام ع، و انما نقله عن بعض أصحابنا، و لم يعلم ان ذلك البعض

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 148

كان عراقيا، و ان محمّد بن مسلم كان ساكنا في العراق و ان كان في الأصل ثقفيا و يقال انه من أهل الطائف هكذا في تقرير بحثه.

و لكن لا يخفى ما فيه إذ بعد تسليم ما ذكر في وجه الجمع من عدم مكالمة الامام الحكيم العالم مع كل مخاطب الا بمصطلحه لا ينبغي الإشكال في هذا الجمع، إذ لا إشكال في كون بعض مشايخ ابن أبي عمير أيضا عراقيا كما لا إشكال في كون

محمد بن مسلم مكيا حجازيا، هذا مع ما عن بعض الاعلام من ان حمل الرطل في الصحيح على المكي متعين لان حمله على المدني أو العراقي يستلزم طرحه لمخالفته للإجماع على ما صرح به غير واحد، و كذا حمله في المرسل على العراقي متعين إذ لو حمل على المكي أو المدني يستلزم ان لا يكون الماء البالغ ثلاثة و أربعين شبرا كرا فينا فيه الاخبار الآتية، فهي قرينة لإرادة الرطل العراقي انتهى موضع الحاجة، و يظهر من بعض الروايات ان الرطل العراقي كان متعارفا عند الإطلاق و هي رواية الكلبي النسابة عن أبي عبد اللّٰه ع في الشن «1» الذي ينبذ فيه التميرات للشرب و الوضوء، و قال قلت له عليه السلام كم كان يسع الشن ماء

______________________________

(1) الشن: القربة الخلق البالية الصغيرة كذا عن الوافي

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 149

فقال: ما بين الأربعين إلى الثمانين الى ما فوق ذلك فقلت: بأي الأرطال؟

فقال: أرطال مكيال العراق، فإنه ع أطلق الرطل أولا و أراد به العراقي قبل ان يسأله السائل ثم سأله فصرح به فتحصل ان الكر من الماء وزنا هو الماء البالغ إلى ألف و مأتي رطل عراقي و لا اشكال بل لا خلف فيه من الأساطين و اما بالنسبة إلى اختلاف الروايات في التحديد بالمساحة فقد أفاد سيدنا الأستاد قده في وجه الاختلاف بما حاصله ان وجه الاختلاف لعله كان باعتبار اختلاف المياه في الخفة و الثقالة، فرب ماء خفيف إذا كان بمقدار معين من الوزن لا يسعه المكان الذي يسعه إذا كان ثقيلا بذلك المقدار، فالرواية التي تقتضي قلة المساحة كانت ناظرة إلى أخف المياه و الرواية التي تقتضي قلة المساحة كانت ناظرة إلى أثقل

المياه و الوسط بينهما الى المتوسط من المياه، و بعبارة أخرى لا خفاء في اختلاف المياه من حيث الخفة و الثقالة على نحو يوجب التفاوت بين الماءين بمقدار الثلث أو الأزيد على ما قيل و على هذا لا يصح ان يجعل مساحة معينة مدارا في مقام الأمارية لاستكشاف الوزن المعين بالنسبة الى جميع المياه فحينئذ لو كانت مصلحة الواقع بمثابة

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 150

من الأهمية التي يجب حفظها في نظر الشارع فلا بد في مقام جعل الأمارة إلخ ان لا ينصب امارة قد تخطئ عن الواقع و لو كان نادرا، بل لا بد من الاحتياط التام بجعل امارة إذا تحققت في كل مورد كان الواقع ثابتا و محفوظا فيه و لو بجعل ما يكون مشتملا على الأزيد من الحد الواقعي في كثير من الموارد.

و اما إذا لم يكن مصلحة الواقع بهذه المرتبة من الأهمية فحفظ مصلحة الواقع يختلف ملاحظة فلا يقتضي ملاحظة هذا المقدار من الاحتياط اللازم في نصب الامارة بل غاية ما يقتضي هي نصب امارة تكون مطابقة للواقع في غالب الموارد فعلى اختلاف مراتب حفظ الاحتياط في نصب الإمارة إذا وجدنا أمارتين مختلفتين بالنسبة إلى شي ء واحد و كان الاختلاف بينهما بالأقل و الأكثر يستكشف ان ما هو اللازم مراعاته على كل حال هو الأقل، و ان الأكثر منهما من باب الاحتياط الاستحبابي إذا ظهر لك ذلك فنقول فيما نحن فيه ان اختلاف الاخبار في التحديد بالمساحة من حيث ان مقتضى بعضها هو التحديد بسبعة و عشرين شبرا بالضرب و التكسير و مقتضى بعضها الأخر هو التحديد بثلاثة و أربعين شبرا الا ثمن شبر بالضرب و التكسير و انما هو بملاحظة الاحتياط التام

بالنسبة الى

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 151

جميع المياه و عدم ملاحظة الاحتياط كذلك فما دل على اعتبار الأقل فلا بد من حمله على كون الواقع اقتضى حفظه بهذا المقدار المنطبق على كثير من المياه فيكون اللازم مراعاتها عند الشك في مقدار الكر من حيث الوزن على كل حال و ما دل على اعتبار الأكثر لا بد من حمله على الاستحباب.

فان قلت ان الكر بحسب الوزن لا ينطبق على شي ء من الأمارتين في شي ء من المياه لما نقل عن المحدث الأسترآبادي من انه وجد مكسر الموزون في المدينة المنورة مما يبلغ إلى ستة و ثلاثين شبرا فالتحديد بسبعة و عشرين يكون أقل من الكر دائما كما ان التحديد بثلاثة و أربعين إلا ثمن شبر يكون أكثر من الموزون دائما قلت المنقول على تقدير صحته لا يدل على اتحاد مياه العالم مع مياه المدينة بل يمكن الاختلاف بينهما على وجه يكون ثقل بعضها يقتضي كفاية سبعة و عشرين شبرا و خفة بعضها يكون بحد يقتضي التحديد بثلاثة و أربعين شبرا إلا ثمن شبر و حيث ان ملاك الواقع بنظر الشارع ما كان بمرتبة من الأهمية المقتضية لحفظه بالنسبة الى جميع المياه لزوما ما لاحظ الاحتياط اللزومي بالنسبة

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 152

إلى الجمع بل اكتفى في لزوم حفظ الواقع بمقدار مقتضى الامارة المقتضية للأقل و جعل الاحتياط التام على مقتضى الأكثر مستحبا فتأمل هكذا في تقرير بعض الفضلاء من تلاميذه.

و لا يخفى ان ما أفاده في المقام نظرا الى اختلاف مياه العالم خفة و ثقلا و ان كان وجيها في نفسه لكنه لا يجدي في رفع اختلاف الاخبار و الجمع بينها على وجه مقبول عند العرف و لا شاهد

لحمل الأكثر على الاستحباب و الأقل على اللزوم.

مع كون كل منهما في مقام تحديد الموضوع المستنبط المرتب عليه الحكم الكلي الا ان يكون مراده من ذلك البيان ان التحديد بالمساحة ليس تحديدا حقيقيا للكر.

بل جميع ما ورد في ذلك الباب معرف لما هو الكر و هو الوزن فهو كلام سديد و لكنه يجري في مقام دفع التنافي بين التحديد بالوزن و التحديد بالمصاحة و هو مقام آخر قد تقدم بيانه ملخصا و سيأتي مزيد توضيح له إن شاء اللّٰه تعالى.

المسألة الثانية اختلفوا في تحديد الكر بالمساحة على أقوال:

اشارة

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 153

الأول ما عليه المشهور أو الأشهر من اعتبار ثلاثة أشبار و نصف في كل واحد من الابعاد الثلاثة فيصير مكسره ثلاثة و أربعين شبرا إلا ثمن شبر الثاني ما عن الصدوق و بعض القميين و مال اليه الشهيد الثاني و العلامة و المحقق الثاني و المحقق الأردبيلي قدس اللّٰه أسرارهم من اعتبار ثلاثة أشبار في الأبعاد الثلاثة فيصير مكسره سبعة و عشرين شبرا الثالث ما عن المدارك من اعتبار بلوغه ستة و ثلاثين شبرا و مال اليه المحقق في المعتبر الرابع ما عن الراوندي ره من ان اعتبار بلوغ مجموع الأبعاد الثلاثة عشرة أشبار و نصف من غير اعتبار التكسير الخامس ما عن ابن طاوس من العمل بكل ما روى، و قال شيخنا العلامة الأنصاري قدس في كتاب الطهارة و هنا أقوال أخر ضعيفة أحدها قول الإسكافي ما بلغ مكسره مائة شبر) مستند المشهور روايتان الاولى ما رواه في الاستبصار عن الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام «قال إذا كان الماء في الركي كرا لم

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 154

ينجسه شي ء قلت و كم الكر؟ قال ثلاثة أشبار

و نصف طولها في ثلاثة أشبار و نصف عمقها في ثلاثة أشبار و نصف عرضها» قيل ان المراد بالركي الحوض الكبير أو البئر و في مجمع البحرين و الركو أيضا الحوض الكبير و الركية بالفتح و تشديد الياء، البئر و الجمع و ركايا كعطية و عطايا.

و المناقشة في سندها بكون الحسن بن صالح زيديا بعد كون الراوي عنه الحسن بن المحبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه و بعد اشتهار الأخذ بها و استناد المشهور إليها غير مسموعة لكونها موثوقة الصدور بلا ارتياب و كذلك المناقشة فيها من حيث اضطراب المتن من جهة كونها مروية في الكافي بحذف ثلاثة أشبار و نصف طولها و ذلك لان احتمال النقص في الكافي أولى من احتمال الزيادة في الاستبصار لما هو المقرر من تقدم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة ضرورة ان الزيادة محتاجة إلى زيادة مئونة بخلاف النقيصة فإنها تتحقق بمجرد الغفلة و السهو! و كون الكافي أضبط نوعا لا يوجب ترك رواية الاستبصار مع استناد المشهور إليها هذا مع ان رواية الكافي أيضا دالة على مذهب المشهور من

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 155

غير الاحتياج الى دعوى الإضمار و الحذف بشهادة الأمثلة الكثيرة في النثر و النظم، حيث يطلق العرض و يراد به مجموع سعته و سطحه الظاهر، لا خصوص البعد المقابل للطول، فليكن المقام منه و في الوسائل ذكر العرض يغني عن ذكر الطول لانه لا بد ان يساويه أو يزيد عليه.

بقيت مناقشتان إحديهما ان الرواية ظاهرة في المساحة الدوري بناء على كون الركي هو البشر، كما هو الظاهر، فيصير الحاصل بعد الضرب و التكسير ثلاثة و ثلاثين شبرا و خمسة أثمان و نصف شبر، و

هذا غير مقالة المشهور، و قد حكيت المناقشة عن المحقق المجدد البهبهاني قده، و قيل قد سبقه العلامة المجلسي قده في ذلك.

و قال بعض الاعلام ان تلك المناقشة قوية جدا، لكن بالنظر الى ما هو المروي في الكافي، و اما بالنظر الى المروي في الاستبصار فلا لما فيه من التنصيص على الطول فان المعلوم انه ليس للمستدير و كذا المربع الغير المستطيل طول.

و لكن ربما يذكر الطول تنصيصا على ارادة تساوى الأبعاد الثلاثة فظهور رواية الاستبصار من حيث هي في مذهب المشهور غير قابل للإنكار.

و اما رواية الكافي فمن قيام الإجماع على عدم كون ثلاثة أشبار و نصف

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 156

في الشكل المستدير كرا يستكشف ان المراد كون الماء مقدارا يكون سطحه من كل ناحية ثلاثة أشبار و نصف و لقد أجاد فيما أفاد.

الثانية ان الرواية مشتملة على ما لا يقول به أحد من الأصحاب من اعتبار الكرية في البئر الذي له مادة، بناء على كون الركي هو البئر.

و أجيب عنها بان غاية ما يلزم حينئذ هو رفع اليد عن ظهور الشرطية في السببية المنحصرة لأجل الأدلة الدالة على كون المادة عاصمة عن الانفعال و لا محذور فيه، مع ان عدم إمكان الأخذ بظاهر الرواية من بعض الوجوه لا يقتضي طرحها بالمرة.

و الثانية رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الكر من الماء كم يكون قدره؟ قال! عليه السلام إذا كان الماء ثلاثة أشبار و نصف طولها في ثلاثة أشبار و نصف في مثله ثلاثة أشبار و نصف في عمقه في الأرض فذلك الكر من الماء.

و أورد عليها بضعف الدلالة لعدم التعرض فيها لأحد البعدين من الطول و العرض لظهور

كون ثلاثة أشبار و نصف الثانية بدلا من مثله، و قوله في عمقه متعلقا بمقدر يكون حالا أو صفة و المعنى انه إذا كان الماء ثلاثة أشبار و نصف مضروبا في مثله ثلاثة أشبار و نصف كائنا في عمقه فهو الكر

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 157

و أجيب عن ذلك بوجوه أحسنها ما افاده شيخنا العلامة الأنصاري في الطهارة من ان معنى كون الماء ثلاثة أشبار و نصف كون سطحه المشتمل على الطول و العرض بهذا المقدار و يكون في عمقه صفة لثلاثة أشبار و نصف و هي بدل عن مثله يعني إذا كان سطحه ثلاثة أشبار و نصف في ثلاثة أشبار و نصف ثابتة في عمقه، و يعضد ما ذكرنا سقوط مثله في بعض نسخ المنتهى و المحكي عن نسخة مقروة على المجلسي قده.

و ما يتوهم من كون الكر في الأصل مكيالا مستديرا يصرف ظهور الصدر في إرادة المربع، مدفوع بظهور الصدر في إرادة المربع، لكون الصدر مفسرا للمراد فظهور الصدر في ذلك هو المحكم، و المراد من الرواية ان الماء إذا كان سعته مطلقا من جميع الجوانب ثلاثة أشبار و نصفا حال كون هذه المسافة ثابتة في تمام عمقه الذي هو أيضا ثلاثة أشبار و نصف فذلك الكر من الماء.

فالمتحصل من هاتين الروايتين هو ما ذهب اليه المشهور في موضوع الكر من بلوغ مكسره إلى ثلاثة و أربعين شبرا إلا ثمن شبر.

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 158

و مستند القول الثاني الذي قال: في الحدائق انه مذهب القميين و اختاره جماعة من المتأخرين منهم العلامة قدس في المختلف، و الشهيد الثاني قدس في الروضة، و الروض، و المحقق الشيخ على في حواشي المختلف، رواية إسماعيل بن جابر

قال: سألت أبا عبد اللّٰه ع عن الماء الذي لا ينجسه شي ء فقال: ع كر، قلت: و ما الكر؟ قال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار و مرسلة الصدوق قده في المجالس قال: روى ان الكر هو ما يكون ثلاثة أشبار طولانى في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا.

و سيدنا الأستاد قدس (بعد ان ناقش في مستند المشهور، و قوى القول الثاني استنادا الى هاتين الروايتين أيده، صحيحة إسماعيل بن جابر التي هي مستند القول الثالث، بدعوى انها لو حملت على المساحة الدورية و كان الذراع أقل من قدمين بقليل، يبلغ مكسره قريبا من سبعة و عشرين شبرا، كما يؤيده أيضا ما ورد في باب الكر من التحديد بقلتين أو حبي هذا مشيرا الى حب من الحباب التي كانت بالمدينة،

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 159

و ما أبعد ما بين ما افاده هذا و بين ما افاده بعض الاعلام قدس في مصباح الفقيه من عدم المنافي بين هذه الصحيحة، و بين ما عليه المشهور، بل هي في الحقيقة راجعة إليه، لأن الذراع أطول من شبرين بمقدار يسير، كما ان القدمين أيضا كذلك.

و هذا ظاهر بالعيان فلا يحتاج الى البرهان فيبلغ مجموع مساحتها ما يقرب من المساحة المشهورة جدا، بحيث لا يبقى بينهما فرق الا بالمقدار الذي يحصل به التفاوت في الأشبار، لان المتعارفة منها أيضا في غاية الاختلاف إذ قلما يوجد شبر ان لا يكون بينهما اختلاف في مجموع مكسرهما فكلما نلتزمه في دفع الاشكال هناك نلتزمه هنا، فعلى هذا يصير هذه الصحيحة أيضا من أدلة المختار انتهى و كيف كان فما عليه المشهور هو المنصور لرجحان مستنده من الروايتين على مستند القول الثاني من رواية ابن

جابر، و مرسلة الصدوق قده، لكونها معمولا بهما لدى المشهور من الأصحاب، مع احتمال سقوط لفظ النصف في رواية ابن جابر، و عدم احتمال الزيادة في تينك الروايتين، فإن الأصل عدم الزيادة المقدم على أصل عدم النقيصة، هذا مضافا الى مخالفة رواية ابن جابر و مرسلة الصدوق قده لرواية على بن جعفر في كتابه عن أخيه قال

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 160

سألته عن جرة ماء فيها الف رطل وقع فيه أوقية بول، هل يصلح شربه أو الوضوء منه؟ قال: لا يصلح فان الف رطل على ما اعتبره بعضهم يقرب من ثلاثين شبرا، فلا معنى للحكم بانفعاله لو كان كرا.

و اما القول الثالث فقال صاحب المدارك فيما حكى عنه «و أوضح ما وقفت عليه في هذه المسألة من الاخبار متنا و سندا ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر قال. قلت. لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام الماء الذي لا ينجسه شي ء قال، ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته، و الاستدلال بهذه الصحيحة على هذا القول متوقف على ارادة القدمين من الذراع حتى يصير الذراعان أربعة أقدام، كما يظهر ارادتها من الذراع في باب المواقيت، و على اعتبار ذراع و شبر في كل من البعدين فان مكسره حينئذ يبلغ إلى ستة و ثلاثين شبرا، فان كل واحد من الطول و العرض ثلاثة أشبار و الحاصل من ضرب كل منهما في الآخر تسعة أشبار فبضربه في أربعة أشبار العمق، يصير الحاصل ستة و ثلاثين شبرا.

هذا و في الاستدلال به منع جدا إذ لا ملازمة بين البابين، و لعل الذراع أطول من القدم بقريب من نصف شبر فيصير حينئذ مؤداه قريبا الى ما ذهب اليه المشهور و

ان أبيت إلا عن ظهور الصحيحة فيما ذهب اليه ففيه انها

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 161

غير معمول بها كما، عن المنتهى انه لم يقل أحد بهذا المقدار.

و عن شيخنا البهائي انى لم اطلع على قائل به من الأصحاب و المعروف منه قدس ره الاستشكال في العمل بالصحيح إذا خالف عمل الأصحاب.

فتحصل ان أقوى الأقوال في تحديد الكر من حيث المساحة هو الذي ذهب اليه المشهور من بلوغ مكسر الماء ثلاثة و أربعين شبرا إلا ثمن شبر

تذنيب

قد أشرنا في صدر عنوان المسألة إلى الإشكال بين التحديدين، و دفعه إجمالا، فلا بأس بمزيد توضيح لذلك، فنقول اما الإشكال فهو ان تحديد الكر بالوزن من بلوغ الماء إلى ألف و مائتي رطل بالعراقي لا يبلغ المساحة المذكورة غالبا خصوصا بالنسبة إلى، أشبار السابقين التي لا إشكال في اطوليتها بالنسبة إلى أشبار هذه الأعصار، فكيف التوفيق بين التحديدين، مع ان التحديد بالأقل و الأكثر في موضوع واحد غير معقول.

فقيل في حل الاشكال ما حاصله انه لا إشكال في جعل كل واحد من الوزن و المساحة حدا لمعرفة موضوع الكر لو كانا متساويين في الصدق،

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 162

و كذا لا إشكال في جعل مجموعهما جدا لو كان بينهما عموم من وجه فيكون المدار على اجتماع الأمرين، كما لا إشكال في جعل كل منهما منفردا فيكون التحديد بكل منهما مشروطا بعدم الأخر، هذا انما هو بحسب التصور و فرض إمكان التخلف، و الا بان كان أحدهما أخص مطلقا من الأخر، فلا يعقل التحديد بهما بوجه من الوجوه، بل لا بد ان يكون الحد الحقيقي هو الأعم.

نعم يعقل ان يجعل ما هو الأخص طريقا للعلم بوجود الأعم إلى آخر ما افاده

و لقد أجاد فيما أفاد ففيما نحن فيه الحد الحقيقي لموضوع الكر هو الوزن فإنه معيار منضبط في جميع الأشياء و التحديد بالمساحة المزبورة انما وقع معرفا و كاشفا عن تحقق ذلك تسهيلا على العباد.

و ان شئت مزيد توضيح لذلك فنقول ان نفس الأشبار مع قطع النظر عن كونها أخص مطلقا لا يصلح ان يكون حدا تحقيقا لمعرفة الكر الذي هو موضوع واقعي لا يختلف باختلاف الأشخاص و ليس مثل الوجه في باب الوضوء الدائر مدار دوران الأصابع بالنسبة الى كل مكلف فان الموضوع بالنسبة الى كل مكلف هو وجه المختص به فلا مانع من جعل أصابعه كاشفة عن حد وجهه بخلاف الكر الذي هو موضوع واقعي و له حد واقعي يخرج

________________________________________

لنگرودى، سيد مرتضى حسينى، الرسائل الثلاث (للنگرودي)، در يك جلد، ه ق

الرسائل الثلاث (للنگرودي)؛ ص: 163

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 163

عنه بنقصان قطرة فكيف يمكن ان ينطبق عليه أشبار كل من هو مستوى الخلقة فكل ما ورد من التحديد لهذا الموضوع بمثل الأشبار و القلتين و الحب و غيرها فإنها هي كواشف عن تحقق الموضوع الواقعي و معرفات له.

و قيل ان ذلك يتبين بملاحظة أمور أحدها عدم تيسر تحصيل الوزن غالبا لعامة الناس لا سيما في الاسفار و البراري بل لم تيسر في الأمصار للأوحدي من الناس ثانيها ان المياه مختلفة ثقلا و خفة بحسب الطباع و من حيث الصفاء و الكدرة و قد مر توضيحه من سيدنا الأستاد قده.

ثالثها انه لما كان الاقتصار على اعتبار الوزن الذي لا اختلاف فيه مناف للشريعة السمحة السهلة لعدم تيسره لعامة الناس الا بكلفة و مشقة شديدة خصوصا في الاسفار و البراري.

فتعمده الشارع إلى أمارة ميسورة على

كل حال من الأشبار الكاشفة عن مقدار الوزن قطعا لانه لعلمه بالغيب يعلم ان اختلاف المياه بالخفة و الثقالة بأي نحو كان لا يزيد التحديد من حيث الأشبار المعينة بل لما يساويه أو ينقص منه شي ء، و القول بأنه ربما يكون الوزن أزيد من المساحة مما لا يصغى اليه و لا يضر اشتمال الأشبار على الزيادة

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 164

و استدل للقول الراوندي برواية أبي بصير المتقدمة بجعل لفظة في فيها بمعنى مع فلا يعتبر الضرب و أورد عليه بأنه خلاف الظاهر قطعا إذ الظاهر من قولك شبر في شبر هو ارادة مكسر الشبر في الشبر و قد يوافق بين قوله و قول المشهور بحمل كلامه على صورة تساوى ابعاد الماء كما إذا كان من كل جانب ثلاثة أشبار و نصفا و لا يخفى انه حمل بعيد- و قد يورد عليه بشدة اختلاف مصاديقه لان قوله قد يطابق قول المشهور كما في فرض تساوى الابعاد و قد لا يطابقه كما لو فرض كل من الطول و العرض ثلاثة أشبار و كان العمق أربعة و نصف فان مجموعه يصير عشرة أشبار و نصف و لكن مضروبه يبلغ أربعين شبرا و نصف شبر و قد يكون بعض أفراده عشرة و نصف جمعا و ضربا كما إذا كان كل من العرض و العمق شبرا و الطول عشرة اشبارا و نصفا هكذا عن شرح نجاة العباد.

و بعض شراح العروة قد دفع الإبراد عنه بان الضابط عنده هو ما يبلغ مجموعه عشرة أشبار و نصف شبر من غير نظر الى مكسره و انه يطابق معه أم لا فكل ما يبلغ عشرة أشبار و نصف شبر جمعا هو الكر عنده و

لو صار مضروبة خمسين شبرا فهذا الإيراد ساقط عنه

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 165

و عمدة ما يرد عليه هو عدم الدليل على مدعاه بل قام الدليل على خلافه كما ان قول الإسكافي أيضا كذلك من حيث عدم الدليل عليه مضافا الى قيام الدليل على خلافه كما عرفت و اما المحكي عن ابن طاوس قده من التخيير بين الروايات.

فقد أورد عليه شيخنا العلامة الأنصاري قدس في كتاب الطهارة بأنه إن أراد الظاهري فله وجه و ان أراد الواقعي و حمل الزائد على الاستحباب فلا يعرف له وجه كما لم يعرف وجه لتقدير الكر على المشهور بالوزن و المساحة مع كونه بالوزن أقل دائما إلخ.

أقول في توضيح كلامه الأول انه ان أراد التخيير الأصولي في مقام معارضة الروايات عند عدم الترجيح بينها فله وجه بناء على عدم الترجيح لكن قد عرفت رجحان ما عليه المشهور بل سقوط ما عداه عن الحجية و ان أراد التخيير في العمل بكل منها ففيه انه مستلزم لطرحه بما له من المضمون من نفى كرية الأقل فهذا القول أيضا مما لا يمكن المساعدة عليه و اما كلامه الثاني فقد مر الكلام في توضيحه بان الحد الحقيقي

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 166

في الكر هو الوزن و ان المساحة امارة كاشفة عنه

و اما ما يتفرع على الكر

اشارة

و هو و ان كثيرا، و لكن نقتصر على بعضها.

فمنها قول الفقيه الطباطبائي قده في العروة الوثقى «الماء المشكوك كريته مع عدم العلم بحالته السابقة في حكم القليل على الأحوط، و ان كان الأقوى عدم تنجسه بالملاقاة نعم لا يجرى عليه حكم الكر الى ان قال و ان علم حالته السابقة يجرى عليه حكم تلك الحالة غسل فيه و ان علم حالته السابقة.

أقول: لا

يخفى ان هنا عنوانين أحدهما الماء المشكوك كريته مع عدم العلم بحالته السابقة، الثاني الصورة مع العلم بحالته السابقة، ثم ان الشك في الكرية تارة يكون من جهة الشبهة المصداقية، كما إذا لم يعلم مقدار الماء المعين مع العلم بمقدار الكر شرعا و هو الظاهر من كلام السيد قدس و اخرى من جهة الشبهة الحكمية لأجل الشك في ان الكر هل هو ما بلغ مكسره إلى سبعة و عشرين شبرا، أو الى اثنين و أربعين شبرا و سبعة أثمان شبر، أو ستة و ثلاثين شبرا؟، و ثالثة في شرط عاصمية الكر من حيث اعتبار تساوى السطوح و عدمه

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 167

بعد العلم بمقدار الكر شرعا، و بلوغ الماء الى ذلك المقدار، و كذلك الشك في مطهرية الكر المعلوم للماء المتنجس من حيث اعتبار الممازجة و إلقائه عليه دفعة أم لا؟، بل يكفى مجرد اتصاله بالكر.

(توضيح المقام يستدعي رسم مسائل)

المسألة الاولى الماء المشكوك كريته مع عدم العلم بحالته السابقة و كون الشك من جهة الشبهة المصداقية،

فهل يحكم بانفعاله عند ملاقاته للنجاسة استنادا إلى أصالة الانفعال في الماء، أو يحكم بطهارته استنادا الى الاستصحاب أو قاعدة الطهارة قولان.

ذهب الفقيه الماهر صاحب الجواهر قده الى الثاني قائلا انه إذا شك في شمول إطلاقات الكر و إطلاقات القليل لبعض الأفراد، فالأصل يقتضي الطهارة و عدم تنجسه بالملاقاة، نعم لا يرفع الخبث به بان يوضع فيه كما يوضع في الكر و الجاري و ان كان لا يحكم عليه بالنجاسة بمثل ذلك بل يحكم بالطهارة فيؤخذ منه ماء، و يرفع به الخبث على نحو القليل و لا مانع من رفع الحدث به لكونه ماء طاهرا و السر في ذلك ان احتمال الكرية كافية في حفظ طهارته و عدم تنجسه لكن لا يكفى ذلك في الأحكام المتعلقة بالكر كالتطهير من

الأخباث بوضع المتنجس

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 168

في وسط ذلك ثم جواز التطهير به على هذا النحو انتهى.

و الشيخ الأعظم الأنصاري قده ذهب الى الأول، و استدل له على ما يظهر من كلماته طهارته في بوجوه.

الأول قاعدة المقتضى و المانع، ملخص الكلام في تطبيق القاعدة في المقام هو ان ملاقاة الماء للنجاسة مقتضية لنجاسة الماء شرعا كما هو مقتضى الأخبار الخاصة، مثل قوله ع في الماء الذي يدخلها الدجاجة الواطئة للعذرة «انه لا يجوز التوضي منه الا ان يكون كثيرا قدر كر» و غير ذلك من الروايات الخاصة و ان الكرية مانعة عن تأثير المقتضى و علة لاعتصام الماء عن الانفعال، كما هو مقتضى قوله ع الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شي ء إلا إذا تغير و غير ذلك من الاخبار الواردة بهذا المساق و أورد على هذه القاعدة بمنع الكبرى أصلا ثم منع الصغرى في المقام فقال في منع الصغرى فلكون الشرط في الانفعال هو القلة، كما يستفاد من قوله ص خلق اللّٰه الماء طهورا لا ينجسه شي ء الا ما غير لونه.

و قوله كلما غلب الماء ريح الجيفة فتوضأ و اشربه حيث انهما بعمومهما

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 169

يدلان على عدم انفعال الماء خرج عنه القليل بالأدلة الدالة على انفعاله بالملاقاة و لا بد من إحرازها في الحكم بالانفعال، و مع الشك فيها يكون المرجع أصالة عدم القلة لكونها امرا وجوديا مسبوقا بالعدم انتهى كلامه» و يمكن رفع هذا لإيراد بما يستفاد من كلام الشيخ قده.

فإنه قال في المقام في طهارته لم يترتب في الأدلة حكم على القليل و انما رتب على ما ليس بكر و هو كلام وجيه و ان المراد من الماء في

النبوي الشريف و أمثاله ليس مطلق الماء، بل بمقتضى الأدلة الدالة على عاصمية الكر، مقيد بكونه كرا، فالكرية جزء الموضوع للعصمة، و عدم الانفعال، بل مما به قوام الموضوع و هو أيضا كلام وجيه، نعم دعواه بان القلة أمر عدمي غير وجيه فان القلة أمر وجودي عبارة عن مقدار من الماء كما ان الكثرة أمر وجودي، فالتقابل التضاد كما يظهر من كلام صاحبي الجواهر و الحدائق قده سرهما لا تقابل العدم و الملكة و لكن مجرد ذلك لا يفي بإثبات مرام صاحب الجواهر قده و من تبعه من الحكم بطهارة الماء في مفروض المسألة، لما سيجي ء من قيام الدليل على انفعاله فانتظر.

و اما منعه الكبرى، فهو متين في غاية المتانة، إذ لم يعلم بناء

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 170

العقلاء على تلك القاعدة قبل الدليل العقلي على خلافها، فان ترتب المعلول على العلة المركبة (من المقتضى، و الشرط، و عدم المانع) موقوف على إحراز جميع تلك الاجزاء، فما لم يحرز عدم المانع و لو بالأصل كيف يترتب المقتضى، بالفتح، على المقتضى، بالكسر، و في الفرض لم يكن، لعدم حالة سابقة، و من العجب اعتماد الشيخ قدس عليها طهارته، مع انه في الأصول أنكرها أشد الإنكار، و أفاد بأنه لا كبرى لتلك القاعدة، و لا بناء من العقلاء عليها.

الوجه الثاني هو التمسك بأصالة عدم وجود الكر في هذا المقام لإثبات عدم كرية هذا الماء المشكوك كريته بناء على القول با الأصول المثبتة و حيث ان المبنى فاسد كما حقق في محله فلا اعتداد بهذا الوجه أصلا خلافا لغير واحد من أفاضل العصر، فإنهم قالوا بصحة استصحاب الاعدام الأزلية تبعا لصاحب الكفاية قده.

و قال: بعضهم في تقريب ذلك في

المقام بان «هذا الماء الذي نراه بالفعل لم يكن متصفا بالكرية قبل خلقته و وجوده، ضرورة أن الكرية من الأوصاف الحادثة المسبوقة بالعدم، فإذا وجدت ذات الماء و شككنا في ان الاتصاف بالكرية أيضا وجد معها أم لم توجد فالأصل عدم حدوث الكرية معها

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 171

و هذا الاستصحاب خال عن المناقشة و الإيراد، غير انه مبنى على جريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية، و حيث أثبتنا جريان الاستصحاب فيها في محله فنلتزم بالاستصحاب المزبور، و به نحكم على عدم كرية الماء الذي نشك في كريته و عدمها، و اما ما ذكره شيخنا الأستاد قده من ان العدم قبل وجود الموضوع و الذات محمولى، فهو بعد تحقق الذات و الموضوع نعتي فقد عرفت عدم تماميته لأن المأخوذ في موضوع الأثر هو عدم الاتصاف، لا الاتصاف بالعدم فراجع انتهى» و لا يخفى ما فيه، فان الأستاد و غيره ممن قال: بعدم صحة استصحاب العدم الأزلي لم يقولوا بأن المأخوذ في موضوع الأثر اتصاف الموضوع بالعدم بل قالوا بعدم اتصاف الموضوع بالعدم على نحو السالبة مع فرض وجود الموضوع لا السالبة بانتفاء الموضوع التي هي ليست بقضية عند المحققين كما شهد من المنطقيين بذلك الحكيم السبزواري في حاشيته على الاسفار و ان عدل عنه في منظومته، و لا يهمنا عدوله بعد كونه على خلاف التحقيق و سيظهر لك ان السالبة بانتفاء الموضوع من الأغلاط الواضحة، فلا بد ان ننقل شطرا مما أفاده الأستاد المحقق قده في بعض المباحث الفقهية على

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 172

ما في تقريرات بعض أعيان تلاميذه رحمه اللّٰه «1» و هو ان النسبة في حاق حقيقتها منقسمة إلى ثبوتية و سلبية و انها بكلا

قسميه واردة على مادة المحمول فالإيجاب عبارة عن ثبوت المحمول العرضي لموضوعه، كما ان السلب سلب المحمول عن موضوعه و انه غير متصف به و غير معنون بعنوانه و مرجعه الى ما ذكرناه على ما يساعد عليه الوجدان في الاستعمالات و المحاورات من ان النسبة الثبوتية أمر منتزع عن نفس وجود العرض في محله و قيامه به و فنائه فيه، كما ان السلبية عبارة عن عدم قيام العرض بمحله فيصير ذلك و صفا و عنوانا عدميا للموضوع لا محالة و هذا معنى قولهم النسبة في حاق حقيقتها تنقسم إلى الثبوتية و السلبية.

و يشهد لذلك ما بنوا عليه و حققوه من ان كل واحد من الوجود و العدم ينقسم إلى النفسي المحمولي و الرابطي.

نعم استشكل صدر المتألهين في العدم الرابطي نظرا الى ان العدم

______________________________

(1) هو العالم الجليل و الفاضل النبيل الميرزا أبو الفضل الأصفهاني ولد سنة (1300) و توفى شابا في النجف الأشرف سنة (1333) و قد طبع من تقريراته خيار التأخير و احكام الشروط فان اردتهما فلاحظ جزء الثاني من منية الطالب في حاشية المكاسب من ص 93 الى ص 151

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 173

كيف يكون رابطا، مع انه لا يصلح لان يكون منشأ الأثر بل الآثار كلها من قبل الوجود و هو منشؤها و مبدئها و لذا قد مال في حقيقة النسبة الى ما ذهب اليه المتقدمون من ان النسبة السلبية سلب ما في القضية الإيجابية غفلة عن تواليه الفاسدة و محاذيره التي أشير إليها في الجملة مع مصادمته للضرورة.

و لقد أجاد شيخنا المحقق الأنصاري قدس سره و كيف أجاد بل لعله مما أجرى اللّٰه تعالى على قلمه من التعبير عن العدم الربطي بالنعتي،

و به يحسم مادة الإشكال لوضوح صلاحية العدم المضاف نعتا لمنعوته و عنوانا له، و لو سلم عدم صلاحيته للربط، كما توهم، و الحاصل ان الذوات كما تتصف بالأوصاف الوجودية كذلك تتصف بالأوصاف العدمية بمعنى ان يكون عدم القيام مثلا عنوانا و وجها لزيد كما ان وجوده ربما يكون كذلك و قد ظهر، ان كلا منهما بذاك الاعتبار ليس مسبوقا بالعدم فلا مجال لاستصحابه، بل المسبوق به باعتبار وجود الوصف و عدمه المحمولي، و استصحابه بذاك الاعتبار لا يثبت وجوده و عدمه نعتا و ان يلازمه واقعا، الا ان بناء الأصول على التفكيك بين اللوازم.

و الملزومات كما لا يخفى.

و قد ظهر أيضا ان صدق السالبة بانتفاء الموضوع من الأغلاط الواضحة و ما يتداول في الألسنة بنحو من العناية لا محالة لو كان من الاستعمات الصحيحة

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 174

صحيحة فلا يزاحم مع ما ذكرنا من البيان و اقامة البرهان، نعم هناك مغالطة قد استدل بها القائلون بالصدق و هي انه لو لم يصدق السالبة عند انتفاء الموضوع لصدق نقيضه لا محالة و التالي باطل بالضرورة فالمقدم مثله مثلا لو لم يصدق زيد ليس بقائم عند انتفاء الموضوع لصدق نقيضه و هو زيد قائم لامتناع ارتفاع النقيضين.

و حله ان العوارض اللاحقة للموضوعات تارة هي نفس الوجود و العدم و اخرى سائر العوارض كالقيام و العقود و نحوهما، اما الوجود و العدم فيلحقان ذات الموضوع بماهيته و حقيقته العارية عن كلا الوصفين، و لذا يكون الحمل في مثل زيد موجود مبنيا على الغاية و التجريد و حينئذ فهما و صفان متقابلان تقابل الإيجاب و السلب بمعنى امتناع ارتفاعهما بالقياس الى الماهيات، كما يمتنع اجتماعهما أيضا و لا

يعقل الواسطة بينهما إذ معروضهما ذوات الماهيات كما قلنا، و اما سائر العوارض فتلحق الموضوعات المفروضة وجودها فإنها هي التي تصح قيام العرض بها أو نقيضه و انقسامها الى القسمين و اما الماهية بذاتها مع قطع النظر عن كونها موجودة لا تكاد تتصف بالقيام و لا بنقيضه

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 175

و كذلك سائر العوارض فيكون تقابل كل عرض و نقيضه تقابل العدم و الملكة لورودهما على موضوع قابل لان يتصف بهما و هو الموضوع المفروض الوجود، فيصح حينئذ ارتفاعهما بانتفاء موضوعه، نعم بعد فرض وجود الموضوع لا يعقل ارتفاعهما، كما لا يمكن اجتماعهما، و لا يجرى ذلك بالنسبة إلى وصفي الوجود و العدم فان فرض انتفاء الموضوع مساوق لاتصاف الماهية بالعدم، فلا يعقل تصور خلوها عن الوصفين كما لا يخفى، و حينئذ نقول السالبة عند انتفاء الموضوع بنفسها من الاغلاط لعدم صلاحية الموضوع بعد فرض انتفائه، للحوق عدم القيام به كما لا يصلح للحوق القيام به فتأمل جيدا.

فان قلت على هذا فلا فرق بين السالبة المحصلة و الموجبة المعدولة المحمول من حيث الصدق، مع انهم قد فرقوا بينهما باعتبار ثبوت الموضوع في الثانية كما في سائر الموجبات دون الاولى، قلت: نعم لا فرق بينهما بحسب الصدق، و التفرقة المذكورة عين المدعى، فمصادرة نعم فرق بينهما من جهة أخرى و هو ما أشرنا إليه من ان الموضوع إذا اتصف بوصف عدمي يصير ذلك العدم المضاف عنوانا له بلحاظه الثانوي، فالفرق بينهما هو الفرق بين العناوين الأولية و الثانوية بمعنى ان زيدا إذا حكم عليه بعدم القيام فينتزع منه عنوان بسيط ثانوي

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 176

باللحاظ الثانوي، فيتصف بكونه لا قائم، و لذا لو كان موضوعا لحكم

شرعي بهذا العنوان فاستصحاب عدم اتصافه السابق بالعرض لا يثبت ذاك العنوان فافهم جيدا، و كيف كان فنتيجة ما ذكرنا من التفصيل و التطويل و ان لم يكن خاليا عن الفائدة و الإفادة، لشيوع هذا الاستصحاب في الأبواب كثيرا، فلا بد من تنقيحه بان النعوت العدمية التي نسبتها الى منطوقاتها نسبة العرض الى موضوعه مثل عدم كون الشرط مخالفا، و عدم كون الدم حيضا أو عدم كون الماء كرا أو عدم كون المرأة قرشية الى غير ذلك من الموارد العديدة التي لا تحصى لا مجال لاستصحابها بلحاظ عدمها السابق على وجود موضوعاتها لعدم كونها بهذا اللحاظ مسبوقة بالعدم بلحاظ عدمها المحمولي لم تؤخذ موضوعا لحكم، بل قد عرفت امتناعه ثبوتا و عدم وقوعه إثباتا و حينئذ لو شك في هذه مثل ان الشرط مخالف للكتاب أم لا؟، فلا أصل في تلك المرحلة، و لكنه حيث يوجب الشك في نفوذ الشرط فاصل السببي أي أصالة عدم نفوذ الشرط عدم كون المشروط عليه ملزما به هو المحكم فافهم و اغتنم انتهى كلامه رفع مقامه و قد ذكر وجه امتناعه ثبوتا و إثباتا قبل هذا الكلام المنقول قد

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 177

تركنا نقله روما للاختصار كما ذكر في ذيل ذاك البيان ان ما أفيد في المقام من بعض أساتيدنا «1» الأعلام طاب ثراه من عدم معنوية العام بعنوان النفيض بل هو معنون بكل عنوان فيعم صورة لحوق العرض عليه بوجوده المحمولي فيستصحب عدمه الأزلي.

و ببركته يدخل في موضوع العام و يعمه حكمه و مرجعه الى عدم التخصيص المفروض وجوده فيلزم الخلف لبداهة ان بعد خروج عنوان الفاسق مثلا عن تحت العام، فلا محالة يضيق موضوع الحكم و مصب

العموم و لا يبقى انقسامه الى الخارج و نقيضه و لا نعني بالتقيد الا هذا نعم إطلاقه بالنسبة إلى وجود العرض و عدمه بما هو مقارن له و ان لم ينثلم بالتقييد اللفظي، فإن الخارج انما هو بعنوانه النعتي و نقيضه الذي يقع في مصب العموم كذلك لا محالة.

و لكن قد عرفت ان بعد هذا التقييد لا يكاد ذلك الإطلاق، و الا يتدافعان لأجل الملازمة الواقعية، و توضيح المقام بأزيد من هذا البيان موكول الى محله انتهى موضع الحاجة،

______________________________

(1) عنى بهذا البعض المحقق الخراساني صاحب الكفاية قد سره فإنه رحمه اللّٰه حضر بحثه و كتب من تقريراته دورة كاملة في الأصول كذا قيل

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 178

و لقد أجاد في تقرير بحث أستادنا المحقق قدس سره و بعض المحققين قد قرر أستاده المحقق الخراساني قدس سره في ذلك البيان (من عدم كون العام معنونا بعنوان خاص) و مثله بالتخصيص الأفرادي بقوله لا تكرم زيد العالم و أطال الكلام فيه إيرادا و جوابا، و فرق بين أصالة عدم كون المرأة قرشية و بين أصالة عدم الانتساب الا انه: قال في آخر كلامه» نعم التحقيق ان ما افاده من كفاية إحراز العنوان الباقي تحت العام في إثبات حكمه لا تخلو عن محذور لان العناوين الباقية ليست دخيلة في موضوع الحكم العمومي بوجه من الوجوه فلا معنى للتعبد بأحدها ليكون تعبدا بالحكم العمومي حتى ينفى حكم الخاص بالمضادة، و يمكن نفى حكم الخاص من وجه آخر، و هو ان العام كما مر سابقا يدل بالمطابقة على وجوب إكرام العلماء، و بالالتزام على عدم منافات عنوان من عناوينه فهو بالالتزام ينفى كل حكم مباين لحكم العام عن كل عنوان

يفرض فيه، و من العناوين المباينة للعنوان الخارج المتباينة له في الحكم عنوان أحرز بالأصل المحكوم للنقيض حكم الخاص من باب المناقضة لا من باب المضادة بنحو الالتزام لا بالمطابقة فافهم انتهى»

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 179

ثم ان الشيخ الأعظم الأنصاري قده مع انه عقد تنبيها خاصا في باب الاستصحاب لعدم جريان استصحاب العدم الأزلي قد بنى على أصالة مخالفة الشرط للكتاب عند الشك في مشروعيته فتأمل جيدا في المقام فإنه من مزال الاقدام و التحقيق هو الذي أفاده شيخنا الأستاد المحقق النائيني قده فتأمل فيما أفاده في أصوله و فقهه كي تنجلي لك حقيقة الحال و قد خرجنا عن وضع الرسالة و لكنه لا بأس به إذا كان فيه فائدة.

الوجه الثالث من الوجوه التي استدل بها الشيخ الأعظم قدس سره لانفعال الماء المشكوك كربته بمجرد ملاقاته للنجاسة هو التمسك بعموم العام في الشبهة المصداقية للخاص بناء على ان يكون مقتضى العمومات انفعال الماء مطلقا، و قد خرج عنه الكر، فإذا شك في كرية ماء يشك في كونه مصداق المخصص بعد العلم بكونه من افراد العموم، فيكون المرجع فيه العموم و قد أورد عليه بوجهين.

الأول منع كون مقتضى العمومات انفعال الماء مطلقا، بل المستفاد من الأدلة انفعال الماء القليل

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 180

و لا يخفى ما فيه لما مر بك من انه لم يترتب في الأدلة حكم على عنوان القليل، و انما رتب على ما ليس بكر، و لا مجال لإنكار عموم انفعال ما ليس بكر، كما هو مقتضى مفهوم ما دل على انحصار عصمة الماء بما إذا بلغ قدر كر من الصحاح المستفيضة فراجع، و الثاني ان الحق عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية

للخاص كما قرر في الأصول و حققه الشيخ الأعظم قده بما لا مزيد عليه فكيف استند اليه في المقام.

لكن هذا الإيراد عليه انما هو في الصورة الاولى من صور الشك أي الشبهة الموضوعية، كما هو ظاهر مفروض عبارة العروة و أشار إليه المورد أيضا و اما في الشبهة الحكمية فلا مانع عن التمسك بالعموم سواء كان الشك في مقدار الكر شرعا، أو في اعتبار شي ء في عصمته، و ظاهر كلام صاحب الجواهر قده بقرينة ذكره ذيل عنوان اعتبار تساوى السطوح هو ان مراده الشك في شرط اعتصام الكر و انفعال ما دون الكر فراجع، هذا تمام الكلام في الوجوه الثلاثة التي تمسك بها الشيخ الأعظم قدس سره بها لإثبات انفعال الماء المشكوك كريته، فتبين عدم

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 181

خلوها عن الاشكال، و لكن هنا وجه رابع تام الدلالة خاليا عن شائبة الاشكال و هو ما افاده شيخنا الأستاد المحقق النائيني قده في بعض مباحث أصوله و فقهه، فقال في الأصول في مقام توجيه كلام شارح الروضة في التفكيك بين أصالة الطهارة و أصالة الحلية في حيوان متولد من طاهر و نجس لا يتبعهما في الاسم و ليس له مماثل، كما عليه المحقق و الشهيد الثانيان و ذلك انهما قالا: بأن الأصل فيه الطهارة و حرمة اللحم» فقال: شارح الروضة في وجه ذلك ان كلا من النجاسات، بل المحللات محصورة فإذا لم يدخل في المحصور منها كان الأصل طهارته و حرمة لحمه و هو ظاهر انتهى، و أورد عليه الشيخ الأعظم في رسائله «بأنه يمكن منع حصر المحللات بل المحرمات محصورة، و العقل و النقل دالان على إباحة ما لم يعلم حرمته و لذا يتمسكون بأصالة

الحل في باب الأطعمة و الأشربة إلخ، و ملخص ما أفاده الأستاد المحقق، هو ان تعليق الحكم الترخيصى التكليفي، أو الوضعي على أمر وجودي يقتضي إحرازه، فمع الشك في تحقق

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 182

ذلك الأمر الوجودي الذي علق الحكم عليه يبنى على عدم تحققه لا من جهة استصحاب العدم إذ ربما لا يكون لذلك الشي ء حالة سابقة قابلة للاستصحاب بل من جهة الملازمة العرفية بين تعليق الحكم على أمر وجودي و بين عدمه عند عدم إحرازه و هذه الملازمة تستفاد من دليل الخطاب المتضمن لذلك التعليق لكنها ملازمة ظاهرية.

و صرح بذلك في مواضع من الفقه منها ما علقه على مسألة الخمسين من مسائل نكاح العروة الوثقى اما المسألة فهي انه إذا اشتبه من يجوز النظر اليه بين من لا يجوز النظر اليه، و من يجب التستر عنه يجب الاجتناب و التستر عن الجميع حتى في الشبهة غير المحصورة بل في الشبهة البدوية أيضا لأن الظاهر من آية وجوب الغض ان جواز النظر مشروط بأمر وجودي و هو كونه مماثلا، أو من المحارم، فمع الشك يعمل بمقتضى العموم لا من باب التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية، بل لاستفادة شرطية الجواز بالمماثلة أو المحرمية أو نحو ذلك فليس التخصيص في المقام من قبيل التنويع حتى يكون من موارد أصل البراءة بل من قبيل المقتضى و المانع و إذ شك في كونها زوجة أولا؟ فيجري مضافا الى ما ذكر من رجوعه الى الشك في الشرط أصالة عدم حدوث الزوجية، و كذا لو شك في المحرمية من باب الرضاع انتهى»

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 183

فعلق قدس سره على قوله «ان جواز النظر مشروط بأمر وجودي» ما نصه:

و يدل نفس هذا

التعليق على إناطة الرخصة و الجواز بإحراز ذلك الأمر و عدم جواز الاقتحام عند الشك فيه و يكون من المداليل الالتزامية الصرفية العرفية، و هذا هو الوجه في تسالمهم على أصالة الحرمة في جميع ما كان من هذا القبيل و عليه يبتنى انقلاب الأصل في النفوس و الأموال و الفروج في كل من الشبهات الموضوعية و الحكمية.

و كذا أصالة انفعال الماء بملاقاة النجاسة عند الشك في العاصم و غير ذلك مما علق فيه حكم ترخيصي وضعي أو تكليفي على أمر وجودي و ليس شي ء من ذلك مبنيا على التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية و لا على قاعدة المقتضى و المانع «انتهى كلامه» إذا عرفت المراد بهذا الأصل المؤسس فنقول يترتب عليه فروع مهمة.

منها مسألة المبحوث عنها في المقام و هو البناء على نجاسة

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 184

الماء المشكوك كريته عند ملاقاته للنجاسة فإن الحكم بعصمة الماء قد علق في قوله (ص) إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شي ء» على أمر وجودي و هو كون الماء كرا، و عند الشك في الكرية يترتب عليه نقيض ذلك فيحكم بانفعاله عند ملاقاته للنجاسة و هذا هو الوجه للقول الأول الذي ذهب اليه الشيخ الأعظم في مفروض المسألة، و منها أصالة الحرمة في الدماء و الاعراض و الأموال فإن الحكم بجواز الوطي قد علق على الزوجة، أو ملك يمين فلا يجوز الوطي مع الشك في كونها زوجته أو ملك يمين له، و كذا الحكم بجواز التصرف في المال قد علق على كون المال مما أحله اللّٰه، كما في الخبر لا يحل مال الا من حيث ما أحله اللّٰه، أو على طيب نفس المالك، كما في قوله ص: لا

يحل مال امرء الا بطيب نفسه.

و مع الشك في حصول المعلق عليه يبنى على نقيض ذلك الحكم المعلق فلا يجوز التصرف فيه.

و منها ما افاده شارح الروضة في التفكيك بين أصالة الطهارة و أصالة الحلية في حيوان متولد من حيوانين إلخ، و غاية ما يمكن ان يقال في توجيه

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 185

كلامه حتى يندرج في موضوع تلك القاعدة، هو ان النجاسات في الشريعة محصورة في عناوين خاصة كالدم و الميتة و الكلب و الخنزير و غير ذلك و قد عاق وجوب الاجتناب على إحراز تلك العناوين الوجودية.

و مع الشك في تحقق تلك العناوين يبنى على الطهارة، و حيث ان الحيوان المتولد من طاهر و نجس لا يتبعهما في الاسم لم يعلم كونه من العناوين النجسة، يبنى على طهارته، و كذا جواز التناول و الأكل قد علق في الشريعة على عنوان الطيب كما في قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ* و الطيب أمر وجودي عبارة عما يستلذه النفس و الحيوان المتولد من حيوانين أحدهما مأكول اللحم و الأخر غير مأكول اللحم لم يعلم كونه من الطيب فلا يحكم عليه بالحلية و جواز الأكل، بل يبنى على حرمته ظاهرا ما لم يحرز كونه من الطيب هذا، لكن أورد عليه شيخنا الأستاد المحقق قدس سره:

أولا بأن تلك القاعدة و ان كانت مسلمة، كما اسسناها و استفدناها من الدليل الا انها في خصوص ما إذا علق فيه الحكم الترخيصى على عنوان وجودي لا الحكم العزيمتي التحريمي فان الملازمة العرفية بين الأمرين انما هي فيما إذا كان الحكم لأجل التسهيل و الامتنان و قد علق على أمر وجودي

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 186

لا في مثل وجوب الاجتناب عن النجاسة و الألم

يبق موضوع لقوله عليه السّلام (كل شي ء طاهر حتى تعلم انه قذر) فادراج باب النجاسات في تلك الكبرى ليس في محله، و ثانيا بمنع كون الطيب امرا وجوديا بل الطيب عبارة عما لا يستقذره النفس في مقابل الخبيث الذي هو عبارة عما يستقذره النفس فالحكم بالحلية لم يعلق على أمر وجودي بل المعلق عليه هو الحكم بالحرمة.

و ثالثا سلمنا كون الطيب امرا وجوديا لكن الخبيث الذي علق عليه الحرمة أيضا أمر وجودي و القاعدة المذكورة إنما هي في مورد لم يعلق نقيض الحكم على أمر وجودي آخر و الا لكان المرجع عند الشك في تحقق أحد الأمرين الوجوديين الذي علق الحكمان المتضادان عليها إلى الأصول العملية و هي في مورد البحث ليست إلا أصالة الحل و لا يجرى استصحاب الحرمة إلخ.

و لقد أجاد أستادنا المحقق في تأسيس هذه القاعدة النافعة في موارد لكن طريق استفادتها ليس من باب الجمع بين الحكم الظاهري و الحكم الواقعي كما زعمه صاحب مستمسك العروة بمقتضى أحد شقي كلامه حيث قال ان كان المراد منه ان إناطة الرخصة بالأمر الوجودي مرجعها

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 187

إلى إناطة الرخصة الواقعية بذلك الأمر و اناطة الرخصة الظاهرية بالعلم بوجوده فيكون المجعول حكمين واقعيا منوطا بوجود ذلك الأمر الواقعي و ظاهريا منوطا بالشك فيه فذلك مما لا يقتضيه ظاهر الدليل أصلا انتهى بل طريق استفادتها كما أشرنا اليه ان نفس الدليل المتضمن لتعليق الحكم الترخيصى التسهيلي وضعا كان أو تكليفا على أمر وجودي يدل بالدلالة الالتزامية العرفية على ترتب نقيض الحكم المعلق عند الشك في وجود المعلق عليه من حيث البناء العملي كما يدل بالدلالة المطابقة على ترتب الحكم المعلق على إحراز المعلق عليه.

و

لا يخفى ان استفادة هذه القاعدة ليست مبنية أيضا على دعوى كون الإحراز موضوعيا عند العرف المستلزم لعدم كشف الخلاف بل الإحراز طريق لإثبات متعلقه.

و بهذا ظهر سقوط ما أورده صاحب مصباح الهدى أيضا فإنه دامت بركاته بعد رده على المستمسك قال نعم يرد على هذا الأصل ان اللازم من ذلك عدم ترتب حكم الكر عليه ما لم يحرز و لو كان الكر موجودا واقعا كما إذا غسل الشي ء المتنجس بما شك في كريته بإدخاله فيه ثم انكشف كريته.

و ان كان يصح الالتزام به في الطلاق و معاملة الوكيل و الولي بأن طلق عند

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 188

من شك في عدالتهما ثم تبين عدالتهما أو باع عن الموكل أو مال المولى عليه مع الشك في كونه ذا مصلحة ثم تبين كونه ذا مصلحة فإن القول بالبطلان فيهما ليس بكل البعيد.

لكنه في المقام مما لا يمكن الالتزام به و لا أظن التزامه قدس «1» به أيضا فهذا الوجه من هذه الجهة في المقام لا يخلو عن اشكال و ان كان سليما عن الاشكال فيما يمكن الالتزام به انتهى مورد الحاجة.

و ذلك لانه دامت بركاته تخيل ان شيخنا الأستاد قدس سره جعل الإحراز على وجه الموضوعية المستلزم لعدم كشف الخلاف كما صرح بذلك حيث قال و يترتب على ذلك أمران أحدهما عدم كشف الخلاف بعد ان أحرز للموضوع بمحرز و عمل على طبقه و لو انكشف خلاف ما أحرزه لا لأجل أجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي بل لمكان تحقق موضوع الحكم واقعا و هو الإحراز و ثانيهما عدم تحقق الحكم عند عدم الإحراز واقعا لأجل عدم تحقق موضوعه انتهى و أنت خبير بان الأمر ليس كما تخيله.

بل

مراد شيخنا الأستاد هو الذي استفدناه من بحث أصوله كما شهد به

______________________________

(1) عنى بمرجع الضمير شيخنا الأستاد قدس سره

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 189

تصريحه في تعليقته على العروة و كم له قدس سره من التحقيقات التي لم يسبقه إليها غيره بل بعضها مما لا يصل إليها الافهام السامية فراجع رسالته المفردة في اللباس المشكوك فيه كي يظهر لك حقيقة ما قلناه فشكر اللّٰه مساعيه و جزاه عن أهل العلم خير الجزاء.

لكن قد يقع السهو و الاشتباه عن بعض مقرري أبحاثه و ان كان فاضلا متبحرا، كما وقع الاشتباه من مثل العلامة الكاظمي رحمه اللّٰه في باب الجمع بين الحكم الظاهري و الواقعي في بيان وجوب الاحتياط في النفوس و الاعراض حيث قال: «ان هذا الحكم الطريقي انما يكون في طول الحكم الواقعي نشأ عن أهمية المصلحة الواقعية و لذا كان الخطاب بالاحتياط خطابا نفسيا و ان كان المقصود منه عدم الوقوع في مخالفة الواقع، الا ان هذا لا يقتضي ان يكون خطابه مقدميا، لان الخطاب المقدمي هو ما لا مصلحة فيه أصلا، و الاحتياط انما يكون واجبا نفسيا للغير لا واجبا بالغير و لذا كان العقاب على مخالفة التكليف بالاحتياط عند تركه و أدائه الى مخالفة الحكم الواقعي لا على مخالفة الواقع لقبح العقاب مع عدم العلم به

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 190

كما أوضحناه في خاتمة الاشتغال» انتهى و ذلك لان ما ذكره من كون الخطاب بالاحتياط نفسيا ليس مما أفاده الأستاد المحقق قده بل هو من سهو قلمه كيف و الخطاب بالاحتياط في تلك الموارد يتحد مع الخطاب الواقعي عند المفارقة، بمعنى ان مخالفته عند الإصابة يتحد مع مخالفته الخطاب الواقعي، لا انه بنفسه يتحد مع

الخطاب الواقعي كما لا يخفى للفرق بين إيجاب الاحتياط و بين قيام الطريق على الواقع الواصل الى المكلف بقيام الطريق إليه فإنه يتحد معه بخلاف إيجاب الاحتياط فإنه خطاب طريقي ورد لحفظ الخطاب الواقعي لأهمية ملاكه، و الا فلو كان الخطاب بالاحتياط في تلك الموارد نفسيا، لكان العقاب على مخالفة هذا الخطاب مطلقا ادى الى مخالفة الواقع أم لم يود إليه، هذا مضافا الى انه رحمه اللّٰه صرح بنفسه بخلاف ما ذكره هنا في غير موضع من تقريره. منها قوله: في الفرق بين وجوب التعلم و المقدمات المفوتة بأن فعل الواجبات و ترك المحرمات لا يتوقف على التعلم و الاحتياط إذ ليس للعلم دخل في القدرة ليكون حاله حال المقدمات المفوتة و ليس لهما دخل في الملاك أيضا فلا يكون لإيجاب التعلم و الاحتياط شائبة النفسية

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 191

و الاستقلالية بل الغرض من إيجاب التعلم مجرد الوصول إلى الاحكام و العمل على طبقها، و من إيجاب الاحتياط التحرز عن مخالفة الواقع من دون ان يكون للتعلم و الاحتياط جهة موجبة لحسنهما الذاتي المستتبع للخطاب المولوي النفسي.

بل الخطاب المتعلق بهما يكون لمحض الطريقية و وجوبهما يكون للغير لا نفسيا و لا بالغير انتهى مقدار الحاجة من كلامه في خاتمة الاشتغال فراجع جميع الكلمات و تأمل في ما أفاده الأستاد المحقق قده هناك، من كون العقاب على مخالفة الاحتياط المؤدي الى مخالفة الواقع، كي تعرف انه نحو محاكمة ما ينسب الى المشهور من كون العقاب على مخالفة الواقع و ما ينسب الى صاحب المدارك من كون العقاب على ترك التعلم و الاحتياط فان العقاب على الواقع مع كونه مجهولا غير واصل بنفسه الى المكلف قبيح عقلا

و إيجاب الاحتياط و التعلم و ان كان واصلا إلى المكلف الا ان الواصل منهما خطاب طريقي غير مستتبع للعقاب على مخالفته.

و حيث ان ترك التعلم جعل محط العتاب في قوله جلت عظمته «هلا تعلمت» فالصحيح هو العقاب على ترك التعلم المؤدي إلى ترك الواقع و هذا بخلاف غيره من الخطاب الطريقي المتعلق بإثبات نفس الحكم

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 192

الواقعي فان حاله حال العلم الوجداني المتعلق بإثبات الواقع في كون كل منهما موجبا لتنجز نفس الحكم الواقعي و إخراجه عن الجهالة فيصح العقاب على مخالفة الواقع عند قيام الطريق عليه الموجب لتنجزه و خروجه عن الجهالة فتأمل جيدا.

و قد أطلنا الكلام و خرجنا عما يقتضيه وضع الرسالة و لا بأس بها إذا كانت مشتملة على الفائدة فلنعد الى ما كما فيه فنقول،

المسألة الثانية فيما إذا كان الشك في كرية الماء للشك في الشبهة الحكمية

من جهة الشك في ان الكر هل هو ما كان مكسره بالغا إلى سبعة و عشرين شبرا أو غيره؟

و الكلام فيها هو الكلام في المسألة الاولى من كون الدليل على انفعال الماء المشكوك كريته تلك القاعدة المؤسسة من الأستاد المحقق قده مع إمكان الرجوع هنا الى عمومات انفعال ما دون الكر لجواز الرجوع الى العام في الشبهة الحكمية كما أشرنا إليه.

المسألة الثالثة فيما إذا كانت الشبهة الحكمية من حيث اعتبار تساوى السطح و عدمه في عاصمية الكر

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 193

و هذا ظاهر من كلام الشيخ صاحب الجواهر قده كما افاده الشيخ الأعظم الأنصاري قده في طهارته فقال لا إشكال في وجوب الرجوع فيه الى عموم الانفعال الى آخر ما أفاده.

أقول الذي ينبغي ان يقال في تحقيق أصل المسألة هو ان المدار في الماء الراكد المتنجس كما هو المبحوث عنه على صدق وحدة الماء و تعدده كرا كان أو قليلا و ليس المدار على تساوى السطوح و اختلافها فالماء المجتمع أو المتفرق من الراكد إذا صدق عليه ماء واحد بنظر العرف فهو إذا بلغ قدر كر كان عاصما و ان لم يكن متساوي السطح و الا فلا يكون عاصما و النسبة بين وحدة الماء و تساوى السطح عموم من وجه إذ ربما يكون الماء متصلا واحدا بنظر العرف مع اختلاف السطح بنحو الانحدار بل بنحو التسنيم أو شبهه و ربما لا يكون واحدا مع تساوى السطح كما في الغديرين المتصلين بساقية ضيقة مما يقرب من الإبرة، نعم فيما كان جاريا لا عن مادة فللبحث عن تساوى السطوح و اختلافها مجال فان كان جريانه على وجه التسنيم كشبه الميزاب و نحوه يمكن ان يقال بعدم صدق الوحدة على مجموعه بنظر العرف فحينئذ لو لاقى النجاسة جزئه السافل لا يسرى الى جزئه

العالي لمكان دفع العالي بخلاف ما إذا لاقى النجاسة جزئه العالي فإنه يسرى الى السافل هذا أيضا بخلاف ما إذا كان جاريا على نحو الانحدار فان حكمه حكم الساكن و الراكد من حيث كون المجموع

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 194

ماء واحدا فإذا كان المجموع كرا لا ينفعل بملاقاة النجاسة سواء لاقت جزءه العالي أو جزءه السائل و الا ينفعل مطلقا، و عدم تعرض المتقدمين لمسألة اعتبار تساوى السطوح و عدمه كما في الجواهر حيث قال: بقي الكلام في مسألة أغفلها المتقدمون و تعرض لها بعض المتأخرين إلخ فلعله كان لما ذكرنا من ان المدار في الماء المبحوث عنه على صدق وحدة الماء و تعدده عرفا و السبة بينه و بين تساوى السطوح عموم من وجه كما عرفت.

و كيف كان فإذا وصل الأمر إلى الشك في اعتبار تساوى السطوح و عدمه من جهة الشك في صدق الوحدة و عدمه فالكلام في المسألة الثالثة هو الكلام في المسألة الثانية من الرجوع الى أصالة الانفعال تعويلا على القاعدة المتقدمة أو الى العموم في الشبهة الحكمية أو الرجوع الى قاعدة الطهارة على الخلاف و مما يتفرع على الكر قول العلامة الطباطبائي أيضا الكر المسبوق بالقلة إذا علم ملاقاته للنجاسة و لم يعلم السابق من الملاقاة و الكرية إن جهل تاريخهما أو علم تاريخ الكربة حكم بالطهارة و ان كان الأحوط التجنب و ان علم تاريخ الملاقاة حكم بنجاسة.

و اما القليل المسبوق بالكرية الملاقي لها فان جهل التاريخان

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 195

أو علم تاريخ الملاقاة حكم فيه بالطهارة مع الاحتياط المذكور و ان علم تاريخ القلة حكم بنجاسة» أقول الظاهر ان نظره قده في الحكم بالطهارة في الصورة الاولى من صور

الثلاث من المقام الأول و هي ما لو كان تاريخ الملاقاة و الكرية مجهولا الى تعارض أصالة عدم الملاقاة الى زمان الكرية المقتضية للطهارة مع أصالة عدم الكرية إلى زمان الملاقاة المقتضية للنجاسة.

و بعد تساقط الأصلين بالمعارضة يرجع الى أصالة الطهارة استصحابا أو قاعدة الطهارة العامة في كل شي ء مشكوك طهارته و نجاسته و الخاصة في خصوص الماء كما في الخبر «الماء كله طاهر حتى تعلم انه قذر» و نظره في الصورة الثانية و هي صورة العلم بتاريخ الكرية و الجهل بتاريخ الملاقاة الى جريان أصالة عدم الملاقاة الى زمان الكرية المقتضية للطهارة و عدم جريان أصل العدم في الكرية لكونها معلومة التاريخ.

كما ان نظره في الصورة الثالثة و هي صورة العلم بتاريخ الملاقاة و الجهل بتاريخ الكرية إلى جريان أصالة عدم الكرية إلى زمان الملاقاة المقتضية للنجاسة فإن موضوع النجاسة هو ملاقاة ما ليس بكر و لا يعارضها أصالة العدم في طرف الملاقاة لفرض العلم بتاريخها و تبديل العدم فيها الى الوجود في وقت معلوم، هذا

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 196

لكن الأقوى بالنظر الى القواعد هو الحكم بالنجاسة في المقام الأول في جميع صوره الثلث اما في الصورة الاولى فلان الظاهر من قوله عليه السّلام إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شي ء» هو كون الكرية شرطا و موضوعا لعدم انفعال الماء و الموضوع لا بد ان يكون مقدما على الحكم و لو آناً ما.

و أصالة عدم الملاقاة الى زمان الكرية لا يقتضي سبق تحقق الكرية و لو سلم ثبوت التقارن بدعوى خفاء الواسطة مع فساد تلك الدعوى أيضا على ما قرر في محله فأصالة عدم الملاقاة الى زمان الكرية حيث لا اثر لها شرعا

تكون ساقطة فتجري أصالة عدم الكرية إلى زمان الملاقاة بلا معارض فيحكم بنجاسة الماء الملاقي لها لثبوت موضوع النجاسة بالأصل بلا معارض و هو ملاقاة النجاسة لما ليس بكر.

أما الصورة الثانية فلان أصالة عدم الملاقاة الى زمان الكرية لا يثبت تأخر الملاقاة عن الكرية و مع عدم إثبات ذلك لم يحرز موضوع الطهارة مع انه لا بد منه لما ذكرنا سابقا من ان تعليق الحكم وضعيا كان أو تكليفا على أمر وجودي يقتضي إحراز وجوده في ترتب الحكم المعلق و مع الشك في وجوده يبنى على عدم ذلك الحكم المعلق من غير فرق بين الشك في أصل وجوده أو في وجوده في الزمان الذي يعتبر

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 197

وجوده فيه كما نحن فيه فإنه و ان علم بالكرية الا انه يشك في وجوده قبل الملاقاة للنجاسة.

و قد تقدم ان ذلك البناء مدلول التزامي عرفي للخطاب المتضمن لذلك النحو من التعليق و ليس من باب الجمع بين الحكم الظاهري و الحكم الواقعي كي نمنع استفادته من الدليل الواحد كما زعمه بعض و ليس الإحراز موضوعيا كي لا يكون له كشف الخلاف كما زعمه بعض آخر فما افاده شيخنا الأستاد في حاشية العروة في المقام بقوله هذا الاحتياط في صورة العلم بتاريخ الكرية ضعيف جدا مبنى على الغض عن اندراج المسألة في القاعدة المزبورة أو عدم صحة تلك لقاعدة لصحة الرجوع حينئذ إلى قاعدة الطهارة.

لكنه عدل عن ذلك في مبحث الاستصحاب و قال بصحة القاعدة و اندراج المسألة فيها فراجع تقرير بحثه في الاستصحاب في ذيل تنبيه التاسع.

و اما الحكم بالانفعال في الصورة الثالثة التي هي الجهل بتاريخ الكرية و العلم بتاريخ الملاقاة فلكونه تقتضي استصحاب عدم

الكرية إلى زمان الملاقاة لما عرفت من ان ملاقاة ما ليس بكر تقتضي النجاسة.

و من هذا البيان ظهر وجه آخر للحكم بالنجاسة في الصورة الثانية

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 198

فإن الأصل الجاري فيها بلا معارض و هو أصالة عدم الملاقاة الى زمان الكرية لا يقتضي سبق تحقق الكرية لكن قضيته ثبوت النجاسة لثبوت موضوعها و هو ملاقاة ما ليس بكر و ليس في المقام أصل يكون مقتضاه طهارة هذا الماء حتى يصير المورد مجرى قاعدة الطهارة هذا تمام الكلام في المقام الأول بصورة الثلاث.

و اما المقام الثاني أعني القليل المسبوق بالكرية ففيه أيضا صور ثلاث الاولى فيما كانا مجهولي التاريخ فالأقوى فيها الطهارة، فإن أصالة عدم حدوث القلة إلى زمان الملاقاة مقتضية للطهارة لتحقق موضوع العصمة اى الكرية بمقتضى استصحاب بقاء كريته الى زمان الملاقاة و أصالة عدم حدوث الملاقاة الى زمان القلة لا يعارضها لعدم كونها مقتضية لنجاسة الماء بل أثرها أيضا طهارة الماء الصورة الثانية ما إذا علم تاريخ الملاقاة و لم يعلم تاريخ حدوث القلة فالأقوى فيها أيضا هو الحكم بالطهارة بل أوضح من سابقتها، فإن الأصل عدم حدوث القلة و بقاء كريته الى زمان الملاقاة فالكرية المحرزة بقائها بالأصل عاصمة عن انفعال الماء

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 199

الصورة الثالثة ما إذا علم تاريخ حدوث القلة و لم يعلم تاريخ الملاقاة فالأقوى فيه هو الحكم بالنجاسة كما في العروة، لا من جهة ثبوت الملاقاة بعد القلة أو مقارنا للقلة فان كلا منهما من اللوازم العقلية لعدم الملاقاة الى زمان القلة، بل من جهة عدم تحقق موضوع عصمة الماء قبل الملاقاة اعنى كرية الماء الملاقي للنجاسة كما مر بك بيانه، و من المتفرعات على الكر

قوله قدس في المسألة التاسعة «إذا وجدت نجاسة في الكر و لم يعلم انها وقعت فيه قبل الكرية أو بعدها يحكم بطهارته إلا إذا علم تاريخ الوقوع» انتهى أقول و الظاهر عدم الفرق بينه و بين سابقه، فالكلام فيه يعلم من سابقه فلا يحتاج الى التطويل.

و منها قوله قدس سره «في المسألة العاشرة إذا حدثت الكرية و الملاقاة في آن واحد حكم بطهارته و ان كان الأحوط الاجتناب.

أقول نظره على الظاهر الى ان الانفعال بالملاقاة انما كان ثابتا للماء القليل فإذا لم يكن الماء قليلا حال الملاقاة يكون طاهرا بقاعدة الطهارة عامها و خاصها أو استصحاب الطهارة لو كان طهارته متيقنا سابقا و منشأ الاحتياط عنده لعله الى ان الحكم بعصمة الماء انما هو إذا كان الماء

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 200

كرا قبل الملاقاة زمانا ما و المفروض تحقق الكرية و الملاقاة في زمان واحد فلا يمكن الحكم بطهارة الماء جزما فالأحوط اجتنابه هذا.

و لكن الأقوى هو الحكم بالانفعال لما مر بك غير مرة من ان عصمة الماء (و هو بلوغه حد الكر) لا بد ان يتحقق قبل الملاقاة للزوم تقدم كل موضوع على حكمه و لو آناً ما فالماء العاصم هو الماء البالغ حد الكر قبل ملاقاته للنجاسة، فإذا لم تكن الكرية متحققة قبل الملاقاة فالقاعدة تقتضي الحكم بانفعال الماء سواء تأخر الكرية عن الملاقاة أو تقارنا، كما فيما نحن فيه.

و من هذا البيان ظهر عدم استقامة ما في مستمسك العروة من الحكم بطهارة الماء تمسكا بإطلاق قولهم: عليهم السلام «إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شي ء» لشمول إطلاقه للملاقاة اللاحقة و المقارنة مدعيا انه لو حمل الدليل على الكرية لزم خروج صورة المقارنة

عن المنطوق و المفهوم كليهما توضيح عدم الاستقامة هو ان ظاهر الدليل في المنطوق إذا كان مقتضيا لاعتبار تقدم الكرية في عصمة الماء الملاقي للنجاسة كانت صورة المقارنة داخلة في المفهوم قهرا، فان مفاد المنطوق حسب ما يقتضيه القاعدة من تقدم الموضوع على

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 201

الحكم هو عاصمية الكر المتحقق كريته قبل الملاقاة، فالمفهوم حينئذ نقيض ذلك و سلبه و من الواضح ان سلب المقيد تارة يكون بسلب ذات المقيد، كما إذا لم يكن الماء المطلق بالغا حد الكر و اخرى بسلب قيده بان لا يكون كريته متحققة قبل الملاقاة، بل كانت مقارنة، كما في مفروض المسألة هذا بحسب قاعدة الميزان من كون نقيض الأخص أعم و نقيض الأعم أخص في غاية الوضوح فكيف صار مخفيا على مثل جنابه. دامت بركاتة و الحمد لله رب العالمين و قد وقع الفراغ من طبعها يوم السبت 19 شهر رجب المرجب من سنة 1380 ه ق

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 202

[ترجمة الأعلام]

[المقدمة]

بسم اللّٰه و له الحمد قد أشرنا بأمر والدنا العلامة دام ظله في ذيل بعض الصفحات إلى تعريف عدة أعلام وقع ذكرهم في هاتيك الرسائل [ثلاث رسائل فقهية] في غاية الاختصار حرصا منا على التعريف بهم لأنهم أساطين الدين و أعلام الفرقة الإمامية قدس اللّٰه أسرارهم.

و لكن بدئ لنا في الأثناء أن نجمعهم في موضع واحد، لأنه أسهل تناولا، و أكثر نفعا فنشير هنا إلى ترجمة من فاتنا ذكره في الأثناء على نحو الاختصار و الإجمال و لعله أوفى مما ذكرنا في الأثناء و لاحظنا في الذكر ما هو الأقدم زمانا فنقول:

قطب الدين الراوندي

الفقيه الجليل و المحدث المفسر الخبير أبو الحسن سعيد بن هبة اللّٰه بن الحسن الراوندي من أكابر محدثي الشيعة و من بيوتات العلم، يروي عن جماعة من المشايخ منهم أمين الإسلام الطبرسي صاحب مجمع البيان، و السيد مرتضى الرازي، و أخيه السيد مجتبى، و عماد الدين الطبري، و ابن الشجري، و الآمدي، و والد المحقق الطوسي، و الشيخ عبد الرحيم البغدادي المعروف بابن الإخوة، يروي عنه ابن شهرآشوب و الشيخ منتجب الدين له تأليف كثيرة في شتى العلوم توفي يوم الأربعاء 14 شوال سنة 573 فدفن ببلدة قم في جوار الحضرة الفاطمية عليهما سلام و قبره مزار معروف إلى الآن.

ابن طاوس

عنوان مشهوري للسادة الأجلاء و الفقهاء الأتقياء من بيت آل طاوس، و رأس هذه السلسلة محمد بن إسحاق العلوي الملقب بالطاوس لكونه مليح الصورة و قدماه غير مناسب لحسن صورته و لكن يطلق ابن طاوس غالبا على السيد الأجل

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 203

نادرة الدوران رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاوس الحسني الحسيني و قيل: «ليس في أصحابنا أعبد منه و لا أورع» له تأليف جليلة منها الإقبال بصالح الأعمال و كشف الحجة لثمرة المهجة. ولد في 15 محرم سنة 598 في حله، و توفي يوم الاثنين 5- ذ ق 664،

المحقق الأول

الإمام الأعظم شيخ الفقهاء أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى ابن سعيد الحلي من أركان علماء الإمامية و رؤسائهم، كفى به منزلة إطلاق المحقق عليه بلا قيد، أو مع قيد الأول، و يعبر عنه أحيانا بالمحقق الحلي، كما أنه يعبر عنه و عن الشيخ علي بن عبد العالي الكركي بالمحققين، تلمذ و روى عن جماعة من الأعاظم أشهرهم،- والده حسن بن سعيد، و نجيب الدين محمد بن جعفر بن نما المتوفّى سنة 645، و السيد شمس الدين فخار بن معد بن فخار الموسوي المتوفّى سنة 630 قرء عنده جماعة و من فضلائهم ابنا أخته علامة الحلي و أخوه رضي الدين علي. و السيد عبد الكريم صاحب فرحة الغري و الفاضل الآبي- و الشيخ صفى الدين الحلي، له تصانيف أنيقة محررة أشهرها:

1 شرائع الإسلام.

2 النافع في مختصر النافع.

3 نكت النهاية كلها في الفقه.

4 المعارج في أصول الفقه.

ولد حدود سنة 602 و توفي في ربيع الثاني سنة 676 في حله و قبره هناك مزار معروف

العلامة الحلي

الإمام الأعظم جمال الدين أبو منصور حسن بن سديد الدين يوسف بن علي بن مطهر الحلي من أعاظم علماء الإمامية و رؤسائهم و هو المراد بآية اللّٰه على الإطلاق، تلمذ عند جماعة من علماء الخاصة و العامة: منهم خاله المحقق الأول و والده الشيخ سديد الدين و المحقق الطوسي له تصانيف كثيرة أنيقة في شتى العلوم بحد قيل: إنه وزعت تصانيفه على أيام عمره من ولادته إلى موته فكان

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 204

قسط كل يوم كراسا، ولد في 29 شهر رمضان سنة 648، و توفي يوم السبت 11 أو 21 محرم 726 بحله فحملت جثمانه إلى النجف الأشرف فدفن

بجوار مرقد أمير المؤمنين عليه السلام.

المحقق الأردبيلي

الشيخ العظيم و المحقق الجليل المولى أحمد بن محمد الأردبيلي من أعاظم علماء الإمامية و أتقيائهم، قرء على بعض تلامذة الشهيد الثاني و فضلاء العراقين تخرج لديه جملة من الأعلام كصاحبي المعالم و المدارك و المولى عبد اللّٰه التستري له تآليف أشهرها آيات الأحكام، و شرح الإرشاد و حديقة الشيعة توفي في النجف الأشرف في صفر سنة 993 فدفن في الحجرة المتصلة بالمخزن المتصل بالرواق الشريف.

صاحب المدارك

العالم العامل و الفقيه الكامل السيد شمس الدين محمد بن علي بن حسين الموسوي العاملي الجبعي سبط الشهيد الثاني قدس سره من فحول علماء الإمامية كان هو و خاله صاحب المعالم مدة حياتهما كفرسي رهان متقاربين في السن شريكين في الدرس و التحصيل قرءا على كثير من تلامذة الشهيد الثاني و على المحقق الأردبيلي و المولى عبد اللّٰه اليزدي كان كثير التحقيق قليل التصنيف و مع ذلك له تآليف أشهرها مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام ولد سنة 947، و توفي سنة 1009 في قرية جبع من قرى جبل عامل.

صاحب المعالم

الشيخ الجليل وحيد العصر أبو منصور جمال الدين حسن بن زين الدين (الشهيد الثاني) من فحول علماء الإمامية أشرنا بعض أحواله و مشايخه عند ذكر ابن أخته صاحب المدارك و حيث إن والده استشهد و هو ابن سبع سنين فلم يرو عنه

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 205

إلا بواسطة جملة من أكابر تلامذته و الشيخ حسين والد شيخنا البهائي ولد في 17 شهر رمضان سنة 959 في قرية جبع و توفي في غرة محرم سنة 1011 و دفن في جبع قرب صاحب المدارك.

المحدث الأسترآبادي

المحدث الجليل الملا محمد أمين بن محمد شريف الأسترآبادي نزيل مكة المعظمة قيل كان مجتهدا فانحرف و صار أخباريا، و لعله أول من آثار مقالة الأخبارية يروي إجازة عن صاحبي المعالم و المدارك، و الميرزا محمد الأسترآبادي صاحب الرجال له مؤلفات منها الفوائد المدنية في رد الأصوليين و تشييد مباني الأخباريين توفي بمكة سنة 1033 أو 1036.

العلامة المجلسي

شيخ الإسلام و المسلمين مروج المذهب و الدين محيي مآثر التشيع المحدث العظيم المولى محمد باقر بن محمد تقي بن المقصود علي المجلسي و هو المراد بالمجلسي إذا أطلق أو قيد بالثاني له تأليف كثيرة منها بحار الأنوار، و مرآة العقول ولد سنة 1037 و توفي بأصفهان ليلة 27 شهر رمضان 1111، أو 1110 و دفن تحت قبة والده في جامع عتيق أصفهان.

الوحيد البهبهاني

الأستاد الأكبر وحيد الدهر الآقا محمد باقر بن محمد أكمل من أساطين علماء الإمامية و هو المراد عند إطلاق الوحيد البهبهاني أو المحقق البهبهاني أو الآقا البهبهاني، أو الأستاد الأكبر، يروي عن والده تلمذ و روى عنه جماعة من أساطين الدين. منهم السيد بحر العلوم و المحقق القمي و كاشف الغطاء

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 206

و السيد جواد صاحب مفتاح الكرامة، و السيد علي صاحب الرياض، و النراقي الأول صاحب جامع السعادات له تآليف نافعة منها تعليقته على رجال الأسترآبادي و حاشية على المدارك، و شرح على المفاتيح ولد في أصبهان سنة 1116 أو 1117 أو 1118، و توفي في الحائر الشريف سنة 1205، أو 1206، أو 1208 و دفن في الرواق الشرقي قريبا مما يلي أرجل الشهداء

المحقق صاحب الحاشية

المحقق العظيم و المدقق الجليل الشيخ محمد تقى بن عبد الرحيم (أو محمد رحيم الأصفهاني من فحول علماء الإمامية و محققيهم تخرج على عدة من الأعاظم منهم صنوه الشيخ كاشف الغطاء و السيد بحر العلوم، و السيد علي صاحب الرياض و السيد محسن الكاظمي،. توفي منتصف شوال سنة 1248 بأصبهان و دفن في تخت فولاد قرب قبر المحقق الخوانساري و أخيه

صاحب الفصول

الشيخ الجليل و المحقق النبيل الشيخ محمد حسين من كبار علمائنا الإمامية و محققيهم و قد عكف على كتابه الفصول من تأخر عنه فجعلوه محور أبحاثهم توفي سنة 1261، أو 1254 بكربلاء و دفن في الحائر الشريف حذاء قبر السيد صاحب الضوابط.

صاحب الجواهر

شيخ الفقهاء العظام نابغة الشريعة الفقيه الماهر الشيخ محمد حسن بن الشيخ محمد باقر النجفي المعروف بصاحب الجواهر، لتصنيفه جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام و قد صار ذلك عنوانا للأسرة الجواهرية العلمية المعروفة بالنجف

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 207

الأشرف.

كيف لا و هو كتاب لم يسبقه إليه في ذلك سابق من حيث السعة و الإحاطة بأقوال العلماء و أدلتهم بل لم يلحقه لاحق حتى الآن و لعمري أنه جواهر بتمام معنى الكلمة فهو اسم على مسماه، تلمذ عند جماعة من الجهابذة أشهرهم الشيخ الكبير كاشف الغطاء و ولده الشيخ موسى، و السيد صاحب مفتاح الكرامة، تخرج لديه جماعة كثيرة من أعلام الفقه يطول بنا سردهم، اختلف في تاريخ ولادته فربما يقال: إنه في حدود 1200، و قد يقال: إنه 1192 بعد اتفاقهم على أن وفاته كانت سنة 1266 و عين بعضهم أنها ظهر يوم الأربعاء غرة شعبان.

المحقق الأنصاري

استاد الفقهاء المنتهى إليه رئاسة الإمامية في العلم و العمل و الورع و الاجتهاد بغير منازع الحاج شيخ مرتضى بن محمد أمين الدزفولي الأنصاري (لانتهاء نسبه إلى جابر بن عبد اللّٰه الأنصاري رضي اللّٰه عنه، و قد عكف على مصنفاته و تحقيقاته كل فقيه و أصولي نشأ بعده و قد صرفوا مجهودهم و حبسوا أفكارهم فيها، شهرة تصانيفه يغنينا عن سردها هنا، تخرج على جماعة من الفطاحل منهم نابغة عصره شريف العلماء المازندراني، و السيد المجاهد صاحب المناهل و المولى أحمد النراقي صاحب المستند، تلمذ عنده كثير من الأساطين يطول بنا ذكرهم، ولد في بلدة دزفول من أعمال تستر سنة 1214، و توفي ليلة 16 ج 2 في النجف الأشرف سنة 1281 و دفن في الصحن الشريف عند باب

القبلة

المحقق الهمداني

الشيخ الفقيه المحقق الحاج آقا رضا بن المولى محمد هادي الهمداني من أكابر

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 208

العلماء المحققين المعرض عن الدنيا الزاهد فيها، تخرج على جملة من الجهابذة منهم المحقق الأنصاري و المحقق الشيرازي و هو عمدة مشائخه، له مصنفات جليلة في الفقه و الأصول أشهرها و أحسنها شرحه للشرائع و قد سماه مصباح الفقيه و هو اسم طابق مسماه طبع منه إلى الآن الطهارة و الصلاة في مجلدين ضخيمين و الزكاة و الخمس و الصوم و الرهن في مجلد واحد قرء عنده جماعة من الأجلاء مرض في الأواخر بالسل فسافر إلى سامراء لتغيير الهواء فتوفي بها صبيحة يوم الأحد 28 صفر سنة 1322 عن نيف و سبعين سنة و دفن في الرواق الشريف من جانب أرجل الإمامين عليهما السلام في الصفة الأخيرة التي يطلع شباكها إلى زاوية الصحن المنور.

المحقق الخراساني

الشيخ الجليل و المحقق النبيل المولى محمد كاظم الهروي الخراساني كانت حوزة درسه مجمع الفحول من العرب و العجم تخرج عنده جم غفير من أكابر العلماء تلمذ على عدة من الأعاظم منهم المحقق الأنصاري في مدة قليلة و المحقق الشيرازي له تصانيف جليلة أشهرها كفاية الأصول صارت كتابا نهائيا لمدارسة الأصول ولد بطوس سنة 1255 توفي يوم الثلاثاء 20 ذ ح سنة 1329 في النجف الأشرف و دفن في مقبرة المحقق الرشتي

المحقق النائيني

شيخ أساتيد عصره المحقق الجليل الميرزا محمد حسين بن شيخ الإسلام الميرزا عبد الرحيم النائيني من أعاظم علماء الشيعة و أكابر محققيهم تخرج على عدة من الأساطين منهم الشيخ محمد باقر الأصفهاني المتوفّى سنة

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 209

1301 و الميرزا أبو المعالي المتوفّى سنة 1315، في أصفهان، و المجدد الشيرازي المتوفّى 1312 و المحقق السيد محمد الفشاركي المتوفّى 1316 كانت حوزة درسه مجمع الفحول من العرب و العجم و قد عكف على أفكاره العالية تلامذته الأجلاء فكتبوا ما نالوا منه بعنوان التقرير في الفقه و الأصول و هو بين ما قد طبع و لم تطبع بعد و نشروها في المجامع العلمي و الحوزات العلمية فاستنارت منها كل ناء و قريب و على الجملة فقد برز من تلامذته أعلام أصبحوا اليوم قادة للحركة العلمية و الفكرية و المدرسين المشاهير الذين هم كنار على منار يطول بنا سردهم و التعريف بذكرهم قدس اللّٰه أسرار موتاهم و أدام اللّٰه بركات وجود أحياهم في هذه الكراسة.

و ولد المحقق النائيني قدس سنة 1277 في نائين و توفي يوم السبت 26- ج 1

الرسائل الثلاث (للنگرودي)، ص: 210

- 1355 و دفن في الحجرة الخامسة على يسار الداخل إلى الصحن الشريف

العلوي من باب السوق الكبير.

الفقيه الأصفهاني

فقيه أهل البيت المنتهى إليه مرجعية العامة السيد أبو الحسن بن السيد محمد بن عبد الحميد الأصفهاني صار فقيه عصره بلا منازع و معروفا بحسن السليقة في في المسائل العلمية بلا مكابر، تخرج على المحقق الخراساني فلازم أبحاثه الأصولية و الفقهية فصار من أجلاء تلمذته، كان مجلس درسه في عصره أجمع مدارس فقهاء عصره تخرج لديه جل علماء المعاصرين، ولد في سنة 1284 و توفي ليلة العرفة سنة 1365 في الكاظمية، و نقل جثمانه إلى النجف الأشرف فدفن بعد وفاته بثلاثة أيام في مقبرة أستاده المحقق الخراساني.

[العلامة اللنگرودي]

و لعل المنصف يعذرني في تعريف واحد من تلامذة [المحقق النائيني] و هو والدنا العلامة دام ظله، فإنه بعد أن أشغل شطرا من عمره في اقتناء العلوم الإسلامية في قزوين و طهران تخرج عند قدومه بالنجف الأشرف عند غير واحد من أساطين العلم منهم فقيه العصر السيد أبو الحسن الأصفهاني و المحقق النائيني فاجتازهما من بينهم و لازم أبحاثهما الفقهية و الأصولية و كتب من مباحث السيد الأصفهاني قده ما يتعلق بالطهارة و الصلاة و من دراسات أستاده المحقق ما يتعلق بالأصول أزيد من دورة كاملة، و بالفقه ما يتعلق بالصلاة و القضاء و المتاجر و غير ذلك، إلى أن نال منهما في سنة 1348 بإجازتين نفيستين قلما توجد لهما عديل بين الإجازات فصدقا اجتهاده المطلق و أجازاه الرواية عنهما.

ربما يجد القاري غير ما ذكرنا أعلاما آخرين ذكرت أسماؤهم في هاتيك الرسائل لعلنا نتعرض لذكر جميعهم إن شاء اللّٰه في الطبعة الثانية.

حرر في رجب 1380.

محمد حسن المرتضوي

________________________________________

لنگرودى، سيد مرتضى حسينى، الرسائل الثلاث (للنگرودي)، در يك جلد، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.