ص: 2

لیقبلوا علیه ، ولا لیتعرضوا له ، والکتاب - علم الله - من أمتنع الکتب وأوفاها ، وأحفلها بالنافع المفید ، وأدناها إلی من ألقی له بالا ، ولم یثنه عن اقتطاف ثماره ما أحاط بها من قتاد .

وکم کنا نود أن الله تعالی قیض لنا من تنبعث همته إلی نشره علی وجه یرضی به الانصاف وعرفان الجمیل ، حتی أتیحت لنا هذه الفرصه المبارکه ، ووکل إلینا أمر مراجعته وإیضاح ما یحتاج إلی الایضاح منه ، فعکفنا علی مراجعه أصوله ، وضبط مبهماته ، وشرح مفرداته ، والتعلیق علی مسائله وما یختاره المؤلف من الآراء تعلیقا لا یمل قارئه ولا یحوجه إلی مراجعه غیره .

ثم عرض لنا أن نذیله بشرح شواهده الذی صنفه العالم المطلع المحقق عبد القادر البغدادی صاحب ( خزانه الأدب ، ولب لباب لسان العرب ) التی شرح فیها شواهد شرح رضی الدین علی مقدمه ابن الحاجب فی النحو ، فلما استقر عندنا هذا الرأی لم نشأ أن نطیل فی شرح الشواهد أثناء تعلیقاتنا ، وأرجأنا ذلک إلی هذا الشرح الوسیط ، واجتزأنا نحن بالإشاره المفهمه التی لا بد منها لبیان لغه الشاهد وموطن الاستشهاد .

ولیس لأحدنا عمل مستقل فی هذا الکتاب ، فکل ما فیه من مجهود قد اشترکنا ثلاثتنا فیه اشتراکا بأوسع ما تدل علیه العباره ، فلم یخط أحدنا حرفا أو حرکه إلا بعد أن یقر الآخران ما أراد ، فان یکن هذا العمل قد جاء وافیا بما قصدنا إلیه ، مؤدیا الغرض الذی رجونا أن یؤدیه ، کان ذلک غایه أملنا ومنتهی سؤلنا ، وإن تکن الأخری فهذا جهد المقل ، وحسبک من غنی شبع وری .

والله تعالی المسؤول أن یتقبل منا ، وأن یجعل عملنا خالصا لوجهه ، مقربا منه ، امین

کتبه

محمد نور الحسن - محمد الزفزاف - محمد محیی الدین عبد الحمید

ص: 4

الصوره

ص: 6

الصوره

ص: 7

الصوره

ص: 8

الصوره

ص: 9

الصوره

ص: 11

الصوره

ص: 12

الصوره

ص: 13

الصوره

ص: 14

الصوره

ص: 15

الصوره

ص: 16

الصوره

ص: 18

الصوره

ص: 19

الصوره

ص: 20

الصوره

ص: 21

الصوره

ص: 22

الصوره

ص: 23

الصوره

ص: 24

الصوره

ص: 25

الصوره

ص: 26

الصوره

ص: 27

الصوره

ص: 28

الصوره

ص: 29

الصوره

ص: 30

الصوره

ص: 31

الصوره

ص: 32

الصوره

ص: 33

الصوره

ص: 35

الصوره

ص: 36

ص: 38

کقولهم مثلا «کل واو أو یاء إذا تحرکت وافتح ما قبلها قلبت ألفا» والحق أن هذه الأصول هی التصریف ، لا العلم بها (1)

کما تقول : یئس علی وزن فعل وأیس علی وزن عفل ، وإنما قلنا «مع اعتبار الحروف الزائده والأصلیه» لأنه یقال : إن کرّم مثلا علی وزن فعّل ، ولا یقال : علی وزن فعلل أو أفعل أو فاعل مع توافق الجمیع فی الحرکات المعینه والسکون ، وقولنا «کل فی موضعه» لأن نحو درهم لیس علی وزن قمطر (1) لتخالف مواضع الفتحتین والسکونین ، وکذا نحو بیطر (2) مخالف لشریف (3) فی الوزن لتخالف موضعی الیاءین ، وقد یخالف ذلک (4) فی أوزان التصغیر فیقال : أوزان التصغیر ثلاثه : فعیل ، وفعیعل ، وفعیعیل ؛ فیدخل فی فعیعل أکیلب وحمیّر ومسیجد ونحوها ، وفی فعیعیل مفیتیح وتمیثیل ونحو ذلک ؛ [وذلک](5) لما سیجیء

ص: 3

قوله «أحوال أبنیه الکلم» یخرج من الحد معظم أبواب التصریف ، أعنی الأصول التی تعرف بها أبنیه الماضی والمضارع والأمر والصفه وأفعل التفضیل والآله والموضع والمصغر والمصدر ، وقد قال المصنف بعد مدخلا لهذه الأشیاء فی أحوال الأبنیه : «وأحوال الأبنیه قد تکون للحاجه کالماضی والمضارع» الخ وفیه نظر (1) ، لأن العلم بالقانون الذی تعرف به أبنیه الماضی من الثلاثی والرباعی

ص: 4

والمزید فیه وأبنیه المضارع منها وأبنیه الأمر وأبنیه الفاعل والمفعول تصریف بلا خلاف ، مع أنه علم بأصول تعرف به أبنیه الکلم ، لا أحوال أبنیتها ، فان أراد أن الماضی والمضارع [مثلا] حالان طارئان علی بناء المصادر ففیه بعد ؛ لأنهما بناءان مستأنفان بنیا بعد هدم بناء المصدر ، ولو سلمنا ذلک فلم عدّ المصادر فی أحوال الأبنیه؟ فان القانون الذی تعرف به أبنیتها تصریف ، ولیس یعرف به حال بناء ، والماضی والمضارع والأمر وغیر ذلک مما مر کما أنها لیست بأحوال الأبنیه لیست بأبنیه أیضا علی الحقیقه ، بل هی أشیاء ذوات أبنیه ، علی ما ذکرنا من تفسیر البناء ، بلی قد یقال لضرب مثلا : هذا بناء حاله کذا ، مجازا ، ولا یقال أبدا : إن ضرب حال بناء ، وإنما یدخل فی أحوال الأبنیه الابتداء ، والاماله ، وتخفیف الهمزه ، والاعلال ، والابدال ، والحذف ، وبعض الادغام ، وهو إدغام بعض حروف الکلمه فی بعض ، وأما نحو «قل لّه» فالادغام فیه لیس من أحوال البناء ، لأن البناء علی ما فسرناه لم یتغیر به ، وکذا بعض التقاء الساکنین ؛ وهو إذا کان الساکنان من کلمه کما فی قل وأصله قول ، وأما التقاؤهما فی نحو «اضرب الرجل» فلیس حالا لبناء الکلمه ، إذ البناء - کما ذکرنا - یعتبر بالحرکات والسکنات التی قبل الحرف الأخیر ؛ فهذه المذکورات أحوال الأبنیه ، وباقی ما ذکر هو الأبنیه ؛ إلا الوقف والتقاء الساکنین فی کلمتین والادغام فیهما ؛ فان هذه الثلاثه لا أبنیه ولا أحوال أبنیه

قوله «التی لیست باعراب» لم یکن محتاجا إلیه ، لأن بناء الکلمه - کما ذکرنا - لا یعتبر فیه حالات آخر الکلمه ، والاعراب طار علی آخر حروف الکلمه ، فلم یدخل إذن فی أحوال الأبنیه حتی یحترز عنه ، وإن دخل (1) فاحتاج إلی الاحتراز فکذا البناء ، فهلّا احترز عنه أیضا؟!

ص: 5

واعلم أن التصریف (1) جزء من أجزاء النحو بلا خلاف من أهل الصناعه ، والتصریف - علی ما حکی سیبویه عنهم - هو أن تبنی (2) من الکلمه بناء لم

ص: 6

تبنه العرب علی وزن ما بنته ثم تعمل فی البناء الذی بنیته ما یقتضیه قیاس کلامهم ، کما یتبین فی مسائل التمرین إن شاء الله تعالی ، والمتأخرون علی أن التصریف علم بأبنیه الکلمه ، وبما یکون لحروفها من أصاله وزیاده وحذف وصحه وإعلال وإدغام وإماله ، وبما یعرض لآخرها مما لیس باعراب ولا بناء من الوقف وغیر ذلک.

أقول : لم یتعرض النحاه لأبنیه الحروف لندور تصرفها ، وکذا الأسماء (1) العریقه البناء کمن وما

ص: 8

أو معها کقبعثراه ، وندر قرعبلانه (1) وإصطفلینه (2)

وعثنون (1) فعلولا لا فعلونا لذلک ولعدمه ، وسحنون إن صحّ الفتح ففعلون لا فعلول کحمدون ، وهو مختصّ بالعلم ؛ لندور (2) فعلول وهو صعفوق (3) ، وخرنوب ضعیف ، وسمنان (4) فعلان ، وخزعال (5) نادر وبطنان (6) فعلان ، وقرطاس (7) ، ضعیف مع أنّه نقیض ظهران»

ص: 11

أقول : یعنی إذا أردت وزن الکلمه عبرت عن الحروف الأصول بالفاء والعین واللام : أی جعلت فی الوزن مکان الحروف الأصلیه هذه الحروف الثلاثه کما تقول : ضرب علی وزن فعل

اعلم أنه صیغ لبیان الوزن المشترک فیه کما ذکرنا لفظ متصف بالصفه التی یقال لها الوزن ، واستعمل ذلک اللفظ فی معرفه أوزان جمیع الکلمات ؛ فقیل : ضرب علی وزن فعل ، وکذا نصر وخرج ، أی : هو علی صفه یتصف بها فعل ، ولیس قولک فعل هی الهیئه المشترکه بین هذه الکلمات ، لأنا نعرف ضروره أن نفس الفاء والعین واللام غیر موجوده فی شیء من الکلمات المذکوره ، فکیف تکون الکلمات مشترکه فی فعل؟ بل هذا اللفظ مصوغ لیکون محلا للهیئه المشترکه فقط ، بخلاف تلک الکلمات ، فانها لم تصغ لتلک الهیئه بل صیغت لمعانیها المعلومه ، فلما کان المراد من صوغ فعل الموزون به مجرّد الوزن سمی وزنا وزنه ، لا أنه فی الحقیقه وزن وزنه ، وإنما اختیر لفظ فعل لهذا الغرض من بین سائر الألفاظ لأن الغرض الأهم من وزن الکلمه معرفه (1) حروفها

ص: 12

الأصول وما زید فیها من الحروف وما طرأ علیها من تغییرات لحروفها بالحرکه والسکون ، والمطّرد فی هذا المعنی الفعل والأسماء المتصله بالأفعال کاسم الفاعل واسم المفعول والصفه المشبهه والآله والموضع ، إذ لا تجد فعلا ولا اسما متصلا به إلا وهو فی الأصل مصدر قد غیّر غالبا إما بالحرکات کضرب وضرب أو بالحروف کیضرب وضارب ومضروب ، وأما الاسم الصریح الذی لا اتصال له بالفعل فکثیر منه خال من هذا المعنی کرجل وفرس وجعفر وسفرجل ، لا تغییر فی شیء منها عن أصل

ومعنی ترکیب «ف ع ل» مشترک بین جمیع الأفعال والأسماء المتصله بها ؛ إذ الضّرب فعل ، وکذا القتل والنّوم ، فجعلوا ما تشترک الأفعال والأسماء المتصله بها فی هیئته اللفظیه مما تشترک أیضا فی معناه ، ثم جعلوا الفاء والعین واللام فی مقابله الحروف الأصلیه ، إذ الفاء والعین واللام أصول ، فان زادت الأصول علی الثلاثه کرّرت اللام دون الفاء والعین ، لأنه لما لم یکن بدّ فی الوزن من زیاده حرف بعد اللام لأن الفاء والعین واللام تکفی فی التعبیر بها عن أول الأصول وثانیها وثالثها کانت الزیاده بتکریر أحد الحروف التی فی مقابله الأصول بعد اللام أولی ، ولما کانت اللام أقرب کرّرت هی دون البعید

لغیره کقطّع ، وإن لم تکن الزیاده بتکریر حرف أصلی أورد فی الوزن تلک الزیاده بعینها ، کما یقال فی ضارب : فاعل ، وفی مضروب : مفعول

فلو قالوا فعیلل لا لتبس بوزن جعیفر ، أعنی وزن الرباعی المجرد عن الزیاده ، وهم قصدوا وزن الثلاثی کما ذکرنا ، فکرروا العین لیکون الوزن الجامع وزن الثلاثی خاصه ، وإن لم یقصدوا الحصر المذکور ورنوا کل مصغر بما یلیق به ، فقالوا : دریهم فعیلل ، وحمیّر فعیّل ، ومقیتل مفیعل ، ونحو ذلک.

هذا ، وقد یجوز فی بعض الکلمات أن تحمل الزیاده علی التکریر ، وأن لا تحمل علیه ، إذا کان الحرف من حروف «الیوم تنساه» وذلک کما فی حلتیت ، یحتمل أن تکون اللام مکرره کما فی شملیل فیکون وزنه فعلیلا فیکون ملحقا بقندیل ، وأن یکون لم یقصد تکریر لامه وإن اتفق ذلک ، بل کان القصد إلی زیاده الیاء والتاء کما فی عفریت (1) فیکون فعلیتا ، وکذا سمنان : إما أن یکون مکرر اللام للالحاق بزلزال ، أو یکون زید فیه الألف والنون لا للتکریر بل کما زید فی سلمان ، ولا دلیل فی قول الحماسی : -

1 - نحو الأمیلح من سمنان مبتکرا

بفتیه فیهم المرّار والحکم (2)

- بمنع صرف سمنان - علی کونه فعلان ، لجواز کونه فعلالا وامتناع صرفه لتأویله بالأرض والبقعه لأنه اسم موضع ، قال المصنف : لا یجوز أن یکون مکرر اللام للالحاق لأن فعلالا نادر کخزعال ، ولا یلحق بالوزن النادر ، ولقائل أن یقول : إن فعلالا إذا کان فاؤء ولامه الأولی من جنس واحد نحو زلزال (3)

ص: 15

وخلخال غیر نادر اتفاقا ، فهلا یجوز أن یکون سمنان ملحقا به ، ولیس نحو زلزال بفعفال علی ما هو مذهب الفراء کما یذکره المصنف فی باب ذی الزیاده ، ولا یجوز أن یکون التاءان أصلیتین فی حلتیت وکذا النونان فی سمنان لما سیجیء من أن التضعیف فی الرباعی والخماسی لا یکون إلا زائدا إلا أن یفصل أحد الحرفین عن الآخر بحرف أصلی کزلزال علی ما فیه من الخلاف کما سیجیء ، ولا یجوز أن یکون کرر اللام فیهما لغیر الالحاق کما فی سودد (1) عند سیبویه لأن معنی الالحاق حاصل فیهما ، وإنما امتنع ذلک فی نحو سؤدد عند سیبویه (2) لعدم نحو جخدب عنده

وأما نحو سحنون وعثنون فهما مکررا اللام للالحاق بعصفور ، ولا یجوز أن یکون زید الواو والنون کما فی حمدون لعدم فعلون فی أبنیتهم ، وأما سحنون - بفتح الفاء - فلیس بمکرر اللام للالحاق بصعفوق ، لأنه نادر ، ولا یلحق بالنادر ، ولیس التکریر لغیر الالحاق کما فی سؤدد (3) لعدم فعلول مکرّر اللام فهو إذن فعلون لثبوت فعلون فی الأعلام خاصه ، وسحنون علم

وأما بطنان فلیس بمکرر اللام ، لأنه جمع بطن (4) ، ولیس فعلال من

ص: 16

أبنیه الجموع ، وفعلان منها کقفزان (1) ولو کان بطنان واحدا لجاز أن یکون فعلالا مکرر اللام للالحاق بقسطاس (2) کما فی قرطاط (3) وفسطاط (4) ، أو یقال فی الثلاثه إنها مکرره اللام لا للالحاق کما فی سؤدد عند سیبویه (5) وقال المصنف : لا یجوز أن یکون بطنان ملحقا بقرطاس لأنه ضعیف ، والفصیح قرطاس - بکسر الفاء - ولقائل أن یقول : قرطاس غیر ضعیف ، وقد قریء فی الکتاب العزیز بالکسر والضم ، وما قیل «إنها لغه رومیه» لم یثبت والظاهر أن المصنف بنی علی أن بطنانا وظهرانا مفردان (6) فحمل بطنانا فی کونه فعلان علی ظهران الذی هو فعلان بیقین ، ولو جعلهما جمعین لم یحتج إلی ما ذکر ، لأن فعلالا لیس من أبنیه الجموع ، والحق أنهما جمعا بطن وظهر کما ذکر أهل اللغه

رجعنا إلی تفسیر کلامه ، قوله «یعبر عنها» أی عن الأصول : أی

ص: 17

یجعل فی الوزن مکان أول الأصول الفاء ، ومکان ثانیها العین ، ومکان ثالثها اللام.

قوله «وما زاد» أی : وما زاد علی ثلاثه من الأصول یعبّر عنه بلام ثانیه إن کان الاسم رباعیا ، کما تقول : وزن جعفر فعلل

قوله «وثالثه» أی : إذا کان الاسم خماسیا کما تقول : وزن سفرجل فعلّل

قوله «ویعبر عن الزائد بلفظه» : أی یورد فی الوزن الحرف الزائد بعینه فی مثل مکانه ، کما تقول : مضروب علی وزن مفعول

الافتعال بلفظه إما للاستثقال أو للتنبیه علی الأصل ، قلنا : هذان حاصلان فی فحصط وفی فزد (1) ولا یوزنان إلا بلفظ البدل ، ولو قال : ویعبر عن الزائد بلفظه ، إلا المدغم فی أصلیّ فانه بما بعده ، والمکرر فانه بما قبله ، لیدخل فیه نحو قولک : ازّیّن وادّارک (2) علی وزن افّعّل وافّاعل ، وقولک قردد وقطّع واطّلب علی وزن فعلل وفعّل وافعّل ؛ لکان أولی وأعم

قوله «إلا بثبت» أی : إلا أن یکون هناک حجه تدل علی أن المراد من الاتیان بحروف «الیوم تنساه» لیس تکریرا کما قلنا فی سحنون - بالفتح - إنه فعلون لا فعلول.

قوله «ومن ثم» أی : من جهه التعبیر عن المکرر بما تقدمه وإن کان من حروف «الیوم تنساه» ، ونحن قد ذکرنا أنه لا مانع أن یقال إنه فعلیت

قوله «لذلک» أی : لوجوب التعبیر عن المکرر بما تقدمه وإن کان من حروف الزیاده.

قوله «ولعدمه» أی : لعدم فعلون.

قوله «وسحنون إن صح الفتح» إنما قال ذلک لأنه روی الفتح فیه ، والمشهور الضم ، وحمدون وسحنون : علمان.

قوله «وهو صعفوق» أی : الفعلول النادر صعفوق ، وهو اسم رجل ، وبنو صعفوق : خول بالیمامه (1)

قوله «وخرنوب ضعیف» المشهور ضم الخاء ، وقد منع الجوهری الفتح ، ولو ثبت أیضا لم یدل علی ثبوت فعلول ؛ لأن النون زائده لقولهم الخرّوب - بالتضعیف - بمعناه ، وهو نبت.

قوله «وخزعال نادر» قال الفراء : لم یأت من غیر المضاعف علی فعلال إلا قولهم : ناقه بها خزعال : أی ظلع ، وزاد ثعلب قهقارا ، وأنکره الناس ، وقالوا :

ص: 20

قهقرّ (1) وزاد أبو مالک قسطالا بمعنی قسطل ، وهو الغبار ، وأما فی المضاعف کخلخال وبلبال (2) وزلزال فکثیر.

وشوائع (1) والمهاه وأصلها الماهه (2) ، وأمهیت الحدید (3) فی أمهته ، ونحو جاء عند الخلیل ؛ وقد یقدّم متلوّ الآخر علی العین نحو طأمن وأصله طمأن (4) لأنه من الطّمأنینه ، ومنه اطمأنّ یطمئنّ اطمئنانا ، وقد تقدّم العین علی الفاء کما فی أیس وجاه وأینق والآراء والآبار والآدر (5) ، وتقدّم اللام علی الفاء کما فی أشیاء علی الأصح ، وقد تؤخر الفاء عن اللام کما فی الحادی وأصله الواحد

ص: 22

واجتوروا والحیدی ، وکذا قله استعمال إحدی الکلمتین وکثره استعمال الأخری المناسبه لها لفظا ومعنی لا تدل علی کون القلیله الاستعمال مقلوبه ؛ فان رجله فی جمع رجل أقل استعمالا من رجال ولیست بمقلوبه منه ، ولعل مراده أنها إذا کانت الکلمتان بمعنی واحد ولا فرق بینهما إلا بقلب فی حروفهما ، فان کانت إحداهما صحیحه مع ثبوت العله فیها دون الأخری کأیس مع یئس فالصحیحه مقلوبه من الأخری ، وکذا إن کانت إحداهما أقل استعمالا مع الفرض المذکور من الأخری ، فالقلّی مقلوبه من الکثری ، کآرام وآدر مع أرآم وأدؤر ، مع أن هذا ینتقض بجذب وجبذ ، فان جذب أشهر مع أنهما أصلان (1) علی ما قالوا ویصح أن یقال : إن جمیع ما ذکر من المقلوبات یعرف بأصله ؛ فالجاه والحادی والقسیّ عرف قلبها بأصولها وهی الوجه والوحده والقوس ، وکذا أیس یأیس بالیأس ، وآرام وآدر برئم ودار ، فان ثبت لغتان بمعنی یتوهّم فیهما القلب ، ولکل واحده منهما أصل کجذب جذبا وجبذ جبذا ؛ لم یحکم بکون إحداهما مقلوبه من الأخری ، ولا یلزم کون المقلوب قلیل الاستعمال ، بل قد یکون کثیرا کالحادی والجاه ، وقد یکون مرفوض الأصل کالقسیّ ، فان أصله - أعنی القووس - غیر مستعمل

ولیس شیء من القلب قیاسیا إلا ما ادعی الخلیل فیما أدّی ترک القلب فیه إلی اجتماع الهمزتین کجاء وسواء (2) ؛ فانه عنده قیاسی

ص: 24

قوله «وبأداء ترکه إلی همزتین عند الخلیل کجاء» أی : أن الخلیل یعرف القلب بهذا ویحکم به ، وهو أن یؤدی ترکه إلی اجتماع همزتین ، وسیبویه لا یحکم به وإن أدی ترکه إلی هذا ، وذلک فی اسم الفاعل من الأجوف المهموز اللام نحو ساء وجاء ، وفی جمعه علی فواعل نحو جواء وسواء جمعی جائیه وسائیه وفی الجمع الأقصی لمفرد لامه همزه قبلها حرف مد کخطایا فی جمع خطیئه ، ولیس ما ذهب إلیه الخلیل بمتین ، وذلک لأنه إنما یحترز عن مکروه إذا خیف ثباته وبقاؤه ، أما إذا أدی الأمر إلی مکروه وهناک سبب لزواله فلا یجب الاحتراز من الأداء إلیه ، کما أن نقل حرکه واو نحو مقوول إلی ما قبلها وإن کان مؤدیا إلی اجتماع الساکنین لم یجتنب لمّا کان هناک سبب مزیل له ، وهو حذف أولهما ، وکذا فی مسئلتنا قیاس موجب لزوال اجتماع الهمزتین ، وهو قلب ثانیتهما فی مثله حرف لین کما هو مذهب سیبویه ، وإنما دعا الخلیل إلی ارتکاب وجوب القلب فی مثله أداء ترک القلب إلی إعلالین کما هو مذهب سیبویه ، وکثره القلب فی الأجوف الصحیح اللام ، نحو شاک وشواع فی شائک وشوائع ؛ لئلا یهمز ما لیس أصله الهمز والهمز مستثقل عندهم کما یجیء فی باب تخفیف الهمزه ، ویحذفه بعضهم فیما ذکرت حذرا من ذلک ، فیقول : رجل هاع لاع بضم العین ، فلما رأی فرارهم من الأداء إلی همزه فی بعض المواضع أوجب الفرار مما یؤدی إلی همزتین ، وأما سیبویه فانه یقلب الأولی همزه کما هو قیاس الأجوف الصحیح اللام نحو قائل وبائع ، ثم یقلب الهمزه الثانیه یاء لاجتماع همزتین ثانیهما لام کما سیجیء تحقیقه فی باب تخفیف الهمزه ، فیتخلص مما یجتنبه الخلیل مع عدم ارتکاب القلب الذی هو خلاف الأصل ، وقد نقل سیبویه عن الخلیل مثل ذلک أیضا ، وذلک أنه حکی عنه أنه إذا اجتمعت همزتان فی کلمه واحده اختیر تخفیف الأخیره نحو جاء وآدم ، فقد حکم علی ما تری بانقلاب یاء الجائی عن الهمزه ، وهو عین مذهب سیبویه

ص: 25

فان قیل : لو کانت الثانیه منقلبه عن الهمزه لم تعلّ بحذف حرکتها کما فی داری (1) ومستهزیون

فالجواب أن حکم حروف اللین المنقلبه عن الهمزه انقلابا لازما حکم حروف اللین الأصلیه التی لیست بمنقلبه عن الهمزه ، وإن کان الانقلاب غیر لازم کما فی داری (2) ومستهزیین فالأکثر أن حکمها حکم الهمزه لعروضها ؛ فلذا بقی الیاء فی داری ومستهزیین ، ویروی عن حمزه مستهزون ، وعلیه قوله (3) :

2 - جریء متی یظلم یعاقب بظلمه

سریعا وإلّا یبد بالظّلم یظلم (4)

فحذف الألف للجزم ، وکذا قالوا مخبیّ فی مخبوّ مخفف مخبوء بالهمزه کما یجیء فی باب الاعلال ، وبعضهم یقول فی تخفیف رؤیه ورؤیا : ریّه وریّا بالادغام کما یجیء فی باب الاعلال

ص: 26

فان قیل : فاذا کان قلب ثانیه همزتی نحو أئمه واجبا فهلّا قلبت الیاء ألفا لتحرکها وانفتاح ما قبلها

قلت : إذا تحرکت الواو والیاء فاءین وانفتح ما قبلهما لم تقلبا ألفا وإن کانتا أصلیتین کما فی أودّ (1) وأیلّ ، بل إنما تقلبان عینین أو لامین ، کما یجیء فی باب الاعلال إن شاء الله تعالی ، وقال المصنف : إنما لم تقلب یاء أیمه ألفا لعروض الحرکه علیها کما فی «اخشی الله» «ولو انّهم» ولقائل أن یقول : الحرکه العارضه فی أیمه لازمه بخلاف الکسره فی «اخشی الله» ، ولو لم یعتدّ بتلک العارضه لم تنقلب الهمزه الثانیه یاء ، فانها إنما قلبت یاء للکسره ، لا لشیء آخر ، هذا ، وإنما قدم الادغام فی أیمه وإوزّه علی إعلال الهمزه بقلبها ألفا وإعلال الواو بقلبها یاء للکسره التی قبلها ؛ لأن المثلین فی آخر الکلمه وآخرها أثقل طرفیها إذ الکلمه یتدرّج ثقلها بتزاید حروفها ، واللائق بالحکمه الابتداء بتخفیف الأثقل ، ألا تری إلی قلب لام نوی أوّلا دون عینه ، فلما أدغم أحد المثلین فی الآخر فی أیمه وإوزّه - ومن شرط إدغام الحرف الساکن ما قبله نقل حرکته إلیه - تحرکت الهمزه والواو الساکنتان فزالت عله قلب الهمزه ألفا والواو یاء ، وإنما حکم فی إوزّه بأنها إفعله لا إفعله لوجود الوزن الأول کإصبع دون الثانی ،

ص: 27

ولا یجوز أن یکون فعلّه کهجفّ (1) لقولهم وزّ (2) ، وأما ترک قلب عین نحو نوی بعد قلب اللام فلما یجیء فی باب الاعلال (3)

فان قیل : إذا کان المد الجائز انقلابه عن الهمزه حکمه حکم الهمزه فلم وجب الادغام فی بریّه ومقروّه (4) بعد القلب؟ وهلّا کان مثل رییا (5) غیر مدغم ، مع أن تخفیف الهمزه فی الموضعین غیر لازم؟؟

قلت : الفرق بینهما أن قلب الهمزه فی بریّه ومقروّه لقصد الادغام فقط حتی تخفف الکلمه بالإدغام ، ولا مقتضی له غیر قصد الإدغام ؛ فلو قلبت بلا إدغام لکان نقضا للغرض ، ولیس قلب همزه رئیا کذلک ؛ لأن مقتضیه کسر ما قبلها کما فی بئر ، إلا أنه اتفق هناک کون یاء بعدها

قوله «أو إلی منع الصرف بغیر عله علی الأصح» أی : یعرف القلب علی الأصح بأداء ترکه إلی منع صرف الاسم من غیر عله ، ودعوی القلب بسبب أداء ترکه

ص: 28

إلی هذا مذهب سیبویه ، فأما الکسائی فانه لا یعرف القلب بهذا الأداء ، بل یقول : أشیاء أفعال ، ولیس بمقلوب ، وإن أدی إلی منع الصرف من غیر عله ، ویقول : امتناعه من الصرف شاذ ، ولم یکن ینبغی للمصنف هذا الاطلاق ؛ فان القلب عند سیبویه عرف فی أشیاء بأداء الأمر لو لا القلب إلی منع الصرف بلا عله ، کما هو مذهب الکسائی ، أو إلی حذف الهمزه حذفا غیر قیاسی ، کما هو مذهب الأخفش والفراء ، فهو معلوم بأداء الامر إلی أحد المحذورین لا علی التعیین ، لا بالأداء إلی منع الصرف معینا

ثم نقول : أشیاء عند الخلیل وسیبویه اسم جمع لا جمع ، کالقصباء والغضیاء والطّرفاء ، فی القصبه والغضا والطّرفه (1) وأصلها شیئاء ، قدّمت اللام علی الفاء کراهه اجتماع همزتین بینهما حاجز غیر حصین - أی الألف - مع کثره استعمال هذه اللفظه ، فصار لفعاء ، وقال الکسائی : هو جمع شیء ، کبیت وأبیات ، منع صرفه توهّما أنه کحمراء ، مع أنه کأبناء وأسماء ، کما توهّم فی مسیل (2) - ومیمه زائده - أنها أصلیه فجمع علی مسلان کما جمع قفیز علی قفزان وحقه مسایل وکما توّهم فی مصیبه ومعیشه أن یاءهما زائده کیاء قبیله فهمزت فی الجمع فقیل : مصائب اتفاقا ، ومعائش عن بعضهم ، والقیاس مصاوب ومعایش ، وکما توهم فی مندیل ومسکین ومدرعه (3) ، وهو من ترکیب ندل (4) ودرع وسکن ، أصاله میمها فقیل : تمندل وتمسکن وتمدرع اه.

ص: 29

وما ذهب إلیه بعید ، لأن منع الصرف بلا سبب غیر موجود ، والحمل علی التوهم - ما وجد محمل صحیح - بعید من الحکمه. (1)

وقال الأخفش والفراء : أصله أشیئاء جمع شیء وأصله شیّء نحو بیّن وأبیناء ، وهو ضعیف من وجوه :

أحدها : أن حذف الهمزه فی أشیاء إذن علی غیر قیاس ،

والثانی. أن شیئا لو کان فی الأصل شیّئا لکان الأصل أکثر استعمالا من المخفف ، قیاسا علی أخواته ، فان بیّنا وسیّدا ومیّتا أکثر من بین وسید ومیت ، ولم یسمع شیّء ، فضلا عن أن یکون أکثر استعمالا من شیء.

والثالث : أنک تصغر أشیاء علی أشیّاء ، ولو کان أفعلاء [وهو] جمع کثره وجب رده فی التصغیر إلی الواحد.

وجمعه علی أشیاوات مما یقوّی مذهب سیبویه ، لأن فعلاء الأسمیه تجمع علی فعلاوات مطردا نحو صحراء علی صحراوات ، وجمع الجمع بالألف والتاء کرجالات وبیوتات غیر قیاس.

ص: 30

ویضعف قول الأخفش والکسائی قولهم : أشایا ؛ وأشاوی ، فی جمع أشیاء ، کصحاری فی جمع صحراء ، فان أفعلاء وأفعالا لا یجمعان علی فعالی ، والأصل هو الأشایا (1) وقلبت الیاء فی الأشاوی واوا علی غیر قیاس ، کما قیل : جبیته جبایه وجباوه.

وقال سیبویه : أشاوی جمع إشاوه فی التقدیر ، فیکون إذن مثل إداوه (2) وأداوی کأنه بنی من شیء شیاءه ثم قدمت اللام إلی موضع الفاء وأخرت العین إلی موضع اللام فصار إشایه ، ثم قلبت الیاء واوا علی غیر قیاس کما فی جباوه ، ثم جمع علی أشاوی کإداوه وأداوی.

وأقرب طریقا من هذا أن نقول : جمع أشیاء علی أشایا ، ثم قلبت الیاء واوا علی غیر القیاس

قوله «وکذلک الحذف» عطف علی قوله «إن کان فی الموزون قلب قلبت الزنه مثله» یعنی وإن کان فی الموزون حذف حذف فی الزنه مثله ، فیقال : قاض علی وزن فاع ، بحذف اللام.

قوله «إلا أن یبیّن فیهما» أی : یبین الأصل فی المقلوب والمحذوف ، یعنی

ص: 31

[أنک] إن أردت بیان الأصل فی المقلوب والمحذوف لم تقلب فی الوزن ولم تحذف فیه ، وهو وهم ، لأنک لا تقول : إن أشیاء مثلا عند سیبویه فعلاء إذا قصدت بیان أصله ، بل الذی تزن بفعلاء ما لیس فیه قلب وهو أصل هذا المقلوب ، تقول :

أصل أشیاء علی وزن فعلاء ، وکذا لا تقول إذا قصدت بیان أصل قاض : إن قاض فاعل ، بل تقول : أصل قاض فاعل ، فلا یکون أبدا وزن نفس المقلوب والمحذوف إلا مقلوبا ومحذوفا ، فلا معنی للاستثناء بقوله «إلا أن یبین فیهما»

الخماسی مضاعفا ، وقد یکون معتل الفاء فقط ، ومهموزه ، نحوورنتل (1) وإصطبل بل یکون الرباعی مضاعفا بشرط فصل حرف أصلی بین المثلین کزلزل ، وستعرف هذه الجمله حق المعرفه فی باب ذی الزیاده إن شاء الله تعالی.

قوله «ما فیه حرف عله» أی : فی جوهره ، أعنی فی موضع الفاء أو العین أو اللام ، حتی لا ینتقض بنحو حوقل وبیطر ویضرب (2) ، ویعنی بحرف العله الواو والیاء والألف ، وإنما سمیت حرف عله لأنها لا تسلم ولا تصح : أی لا تبقی علی حالها فی کثیر من المواضع ، بل تتغیر بالقلب والاسکان والحذف ، والهمزه وإن شارکتها فی هذا المعنی لکن لم یجر الاصطلاح بتسمیتها حرف عله.

وتنقسم الأبنیه قسمه أخری إلی مهموز وغیر مهموز ، فالمهموز قد یکون صحیحا کأمر وسأل وقرأ ، وقد یکون معتلا نحو آل ووأل (3) ورأی ، وکذا غیر المهموز نحو ضرب ووعد.

وتنقسم قسمه أخری إلی مضاعف وغیر مضاعف ، والمضاعف إما صحیح کمدّ ، أو معتل کودّ وحیّ وقوّه ، وکذا غیر المضاعف کضرب ووعد ، وکذا المضاعف إما مهموز کأزّ (4) ، أو غیره کمدّ ، فالمهموز ما أحد حروفه الأصلیه همزه

ص: 33

کأمر وسأل وقرأ ، والمضاعف ما عینه ولامه متماثلان وهو الکثیر ، أو ما فاؤه وعینه متماثلان کددن (1) وهو فی غایه القله (2) ، أو ما کرّر فیه حرفان أصلیان بعد حرفین أصلیین نحو زلزل ، أما ما فاؤه ولامه متماثلان کقلق فلا یسمی مضاعفا.

قوله «فالمعتل بالفاء مثال» لأنه یماثل الصحیح فی خلو ماضیه من الاعلال نحو وعد ویسر ، بخلاف الأجوف والناقص ، وإنما سمی بصیغه الماضی لأن المضارع فرع علیه فی اللفظ ؛ إذ هو ماض زید علیه حرف المضارعه وغیّر حرکاته ؛ فالماضی أصل أمثله الأفعال فی اللفظ.

قوله «وبالعین أجوف» أی : المعتل بالعین أجوف ، سمی أجوف تشبیها بالشیء الذی أخذ ما فی داخله فبقی أجوف ؛ وذلک لأنه یذهب عینه کثیرا نحو قلت وبعت ولم یقل ولم یبع [وقل وبع] وإنما سمی ذا الثلاثه اعتبارا بأول ألفاظ الماضی ؛ لأن الغالب عند الصرفیین إذا صرّفوا الماضی أو المضارع أن یبتدئوا بحکایه النفس نحو ضربت وبعت لأن نفس المتکلم أقرب الأشیاء إلیه ، والحکایه عن النفس من الأجوف علی ثلاثه أحرف نحو قلت وبعت.

وسمی المعتل اللام منقوصا وناقصا لا باعتبار ما سمی له فی باب الإعراب منقوصا ؛ فانه إنما سمی به هناک لنقصان إعرابه ، وسمی ههنا بهما لنقصان حرفه الأخیر فی الجزم والوقف نحو اغز وارم واخش ولا تغز ولا ترم ولا تخش ، وسمی ذا الأربعه لأنه - وإن کان فیه حرف العله - لا یصیر فی أول ألفاظ الماضی علی

ص: 34

ثلاثه کما صار فی الأجوف علیها ؛ فتسمیتهما ذا الثلاثه وذا الأربعه باعتبار الفعل لا باعتبار الاسم.

وقوله «وبالفاء والعین» نحو یوم وویح (1) وبالعین واللام نحو نوی وحیی والقوّه ، یسمی مضاعفا باعتبار ، ولفیفا مقرونا باعتبار.

قوله : «وبالفاء واللام» نحو ولی ووقی.

ثقیل إلی ثقیل یخالفه ؛ فأما فی [نحو] عنق وإبل فتماثل الثقیلین (1) خفّف شیئا ، والخروج من الکسره إلی الضمه أثقل من العکس لأنه خروج من ثقیل إلی أثقل منه ؛ فلذلک لم یأت فعل لا فی الأسماء ولا فی الأفعال إلا فی الحبک إن ثبت ، ویجوز ذلک إذا کان إحدی الحرکتین غیر لازمه نحو یضرب ولیقتل ، وأما فعل فلما کان ثقله أهون قلیلا جاء فی الفعل المبنی للمفعول ، وجوّز ذلک لعروضه لکونه فرع المبنی للفاعل ، وجاء فی الأسماء الدّئل علما وجنسا (2) ، أما إذا کان علما فیجوز أن یکون منقولا من الفعل کشمّر ویزید ، والدّأل (3) : الختل ، ودخول اللام فیه قلیل ، کما فی قوله : -

3 - رأیت الولید بن الیزید مبارکا

شدیدا بأعباء الخلافه کاهله (4)

ص: 36

فعلی هذا لا استبعاد فیه ؛ لأن أصله الفعل المبنیّ للمفعول ، وأما إذا کان جنسا علی ما قیل «إنه اسم دویبه شبیهه بابن عرس» قال : -

4 - جاؤا بجیش لو قیس معرسه

ما کان إلّا کمعرس الدّئل (1)

ففیه أدنی إشکال ؛ لأن نقل الفعل إلی اسم الجنس قلیل ، لکنه مع قلته قد جاء منه قدر صالح ، کقوله صلی الله علیه وسلم «إنّ الله نهاکم عن قیل وقال» ویروی «عن قیل (2) وقال» - علی إبقاء صوره الفعل - وکذا قولهم : أعییتنی من شبّ إلی دبّ ، ومن شبّ إلی دبّ (3) أی : من لدن شببت إلی أن دببت علی العصا ، فلما نقل إلی معنی الاسم غیر لفظه أیضا من صیغه المبنی للفاعل إلی صیغه المبنی للمفعول ؛ لتکون الصیغه المختصه بالفعل دلیلا

ص: 37

علی أن أصله کان فعلا ، وکذا الدّئل جنسا وأصله دأل من الدّألان وهو مشی تقارب فیه الخطا ، ویجوز أن یکون الدئل العلم منقولا من هذا الجنس علی ما قال الأخفش ، وقال الفراء : إن «الآن» منقول من الفعل (1) ، ومن هذا الباب التّنوّط (2) لطائر ؛ وجاء علی فعل اسمان آخران ، قال اللیث : الوعل لغه فی الوعل (3) ، وحکی الرّئم بمعنی الاست ،

قوله «والحبک إن ثبت» قریء فی الشواذ (4) (ذات الحبک) بکسر

ص: 38

الحاء وضم الباء ، فقال المصنف : إن صح النقل قلنا فیه بناء علی ما قال ابن جنی (وهو أن الحبک بکسرتین والحبک بضمتین بمعنی) : إن الحبک مرکب من اللغتین ، یعنی أن المتکلم به أراد أن یقول الحبک بکسرتین ، ثم لما تلفظ بالحاء المکسوره ذهل عنها وذهب إلی اللغه المشهوره وهی الحبک بضمتین ، فلم یرجع إلی ضم الحاء ، بل خلّاها مکسوره وضم الباء ، فتداخلت اللغتان : الحبک والحبک فی حرفی الکلمه الحاء والباء (1) ، وفی ترکیب حبک من اللغتین - إن ثبت - نظر لأن الحبک جمع الحباک ، وهو الطریقه فی الرمل ونحوه ، والحبک بکسرتین إن ثبت فهو مفرد مع بعده ؛ لأن فعلا قلیل ، حتی إن سیبویه قال : لم یجیء منه إلا إبل ، ویبعد ترکیب اسم من مفرد وجمع ، قیل : وقریء فی الشاذ (یمحق الله الرّبوا) بضم الباء ، ولم یغرّ هذا القاریء إلا کتابته بالواو.

أقول : یعنی برد بعضه إلی بعض أنه قد یقال فی بعض الکلم التی لها وزنان أو أکثر من الأوزان المذکوره قبل : إن أصل بعض أوزانها البعض الآخر ، کما یقال فی فخذ - بسکون الخاء - إنه فرع فخذ بکسرها

وجمیع هذه التفریعات فی کلام بنی تمیم ، وأما أهل الحجاز فلا یغیرون البناء ولا یفرعون ففعل الحلقی [العین] فعلا کان کشهد أو اسما کفخذ ورجل محک (1) یطرد فیه ثلاث تفریعات اطرادا لا ینکسر ، واثنان من هذه الفروع یشارکه فیهما ما لیس عینه حلقیا ، فالذی یختص بالحلقیّ العین إتباع فائه لعینه فی الکسر ، ویشارکه فی هذا الفرع فعیل الحلقی العین کشهید وسعید ونحیف ورغیف ، وإنما جعلوا ما قبل الحلقی تابعا له فی الحرکه ؛ مع أن حق الحلقی أن یفتح نفسه أو ما قبله - کما فی یدعم ویدمع ؛ لثقل الحلقی وخفه الفتحه ولمناسبتها له ؛ لما یجیء فی تعلیل فتح مضارع فعل الحلقیّ عینه أو لامه ، وذلک لأنه حمل فعل الاسمی علی فعل الفعلی فی التفریع لأن الأصل فی التغییر الفعل لکثره تصرفاته ، وسیجیء فی باب المضارع عله امتناع فتح عین فعل الحلقی العین ، وأما فعیل فلم یفتح عینه لئلا یؤدّی إلی مثال مرفوض فی کلامهم ؛ وقد یجیء کسر فتح ما بعد الحلقی إتباعا لکسر الحلقی ، کما قیل فی خبقّ (2) علی علی وزن هجفّ للطویل : خبقّ ، هذا ، وحرف الحلق فی المثالین فعل وفعیل ثانی الکلمه ، بخلافه إذا کان عین یفعل أو لامه ، فلم یستثقل الکسر علیه ،

ص: 40

مع أن الکسر قریب من الفتح ؛ لقرب مخرج الیاء من مخرج الألف (1) فلما لزم کسر العین فی المثالین - وقد جرت لحرف الحلق عاده تغییر نفسها أو ما قبلها إلی الفتح ، ولم یمکن ههنا تغییر نفسها لما ذکرنا ولا تغییر ما قبلها إلی الفتح لأنه مفتوح ، وقد عادها عید الغرام - غیّرت حرکه ما قبلها إلی مثل حرکتها ؛ لأن الکسر قریب من الفتح کما ذکرنا ، فکأنها غیرت ما قبلها إلی إلی الفتح ، ولم یأت فی الأسماء فعل ولا فعیل - مضمومی الفاء - حتی تتبع الفاء العین بناء علی هذه القاعده ، وأما فعل فی الفعل نحو شهد فلم یتبع لئلا یلتبس بالمبنی للفاعل المتبع فاؤه عینه ، وإنما لم یتبع فی نحو المحین والمعین (2) لعروض الکسره ، وأما المغیره فی المغیره فشاذ شذوذ منتن فی المنتن وأنبّؤک وأجوءک فی أنبّئک وأجیئک فلم یقولوا قیاسا علیه أبوعک وأقرؤک فی أبیعک وأقرئک ، وإنما لم یتبع فی نحو رؤف ورؤوف لأن کسر ما قبل الحلقیّ فی نحو رحم ورحیم إنما کان لمقاربه الکسره للفتح کما ذکرنا ، والضم بعید من الفتح

وأما أهل الحجاز فنظروا إلی أن حق حروف الحلق إما فتحها أو فتح ما قبلها ؛ هب أنه تعذر فتحها لما ذکرنا من العله فلم غیّر ما قبلها عن الفتح وهو حقها إلی الکسر؟ وهل هذا إلا عکس ما ینبغی؟؟

واللغتان اللتان یشترک فیهما الحلقی وغیره : أولاهما : فعل بفتح الفاء وسکون العین ، نحو شهد فی الفعل وفخذ فی الاسم ، وفی غیر الحلقیّ علم فی الفعل وکبد

ص: 41

فی الاسم ، وإنما سکنوا العین کراهه الانتقال من الأخف أی الفتح إلی الأثقل منه أی الکسر فی البناء المبنی علی الخفه أی بناء الثلاثی المجرد ، فسکنوه لأن السکون أخفّ من الفتح ، فیکون الانتقال من الفتح إلی أخف منه ، ولمثل هذا قالوا فی کرم الرجل : کرم ، وفی عضد : عضد ، بالاسکان ، وقولهم لیس مثل علم فی علم ، وکان قیاسه لاس کهاب ، لکنهم خالفوا به أخواته لمفارقته لها فی عدم التصرف ، فلم یتصرفوا فیه بقلب الیاء ألفا أیضا ولم یقولوا لست کهبت ، ولا یجوز أن یکون أصل لیس فتح الیاء لأن المفتوح العین لا یخفف ، ولا ضمّ الیاء لأن الأجوف الیائی لا یجیء من باب فعل (1) ؛ والثانیه : فعل - بکسر الفاء وسکون العین - نحو شهد وفخذ فی الحلقی ، وکبد وکتف فی غیره ؛ ولم یسمع فی غیر الحلقی من الفعل نحو علم فی علم فی المبنی للفاعل ، وحکی قطرب فی المبنی للمفعول نحو «ضرب زید» بکسر الضاد وسکون الراء - کما قیل قیل وبیع وردّ ، وهو شاذ. فالذی من الحلقی یجوز أن یکون فرع فعل المکسور الفاء والعین کما تقول فی إبل : إبل ، ویجوز أن یکون نقل حرکه العین إلی ما قبلها کراهه الانتقال من الأخف إلی الأثقل ، وکره حذف أقوی الحرکتین ، أی : الکسره ، فنقلت إلی الفاء ، والذی من غیر الحلقی لا یکون إلا علی الوجه الثانی ؛ لأنه لا یجوز فیه فعل بالاتباع

قوله «ونحو عضد یجوز فیه عضد» قد ذکرنا أن مثله یجوز عند تمیم فی الفعل أیضا ، نحو کرم الرّجل ، فی کرم ، ولم یقولوا فیه عضد بنقل الضمه إلی ما قبلها کما نقلوا فی نحو کتف ؛ لثقل الضمه ، وربما نقلها بعضهم فقالوا : عضد ، وقد

ص: 42

ذکرنا (1) فی فعل التعجب أن فعل الذی فیه معنی التعجب یقال فیه فعل ، قال :

5 - * وحبّ بها مقتوله حین تقتل* (2).

ولعل ذلک دلاله علی نقله إلی معنی التعجب ، وأما قولهم فی الفعل المبنی للمفعول فعل کما فی المثل «لم یحرم من فصد له» (3) قال أبو النجم

وهو تمیمی : -

6 - * لو عصر منه المسک والبان انعصر (4) *

ص: 43

وکذا قولهم غزی بالیاء دون الواو فی غزی لعروض سکون الزای ؛ فلیس التخفیف فی مثله لکراهه الانتقال من الأخف إلی الأثقل کما کان فی کتف وعضد ، کیف والکسره أخفّ من الضمه والفتحه أخف من الکسره؟ بل إنما سکن کراهه توالی الثقیلین فی الثلاثی المبنی علی الخفه ، فسکن الثانی لامتناع تسکین الأول ، ولأن الثقل من الثانی حصل ؛ لأنه لأجل التوالی ، ولتوالی الثقیلین أیضا خفّفوا نحو عنق وإبل بتسکین الحرف الثانی فیهما ؛ وهذا التخفیف فی نحو عنق أکثر منه فی إبل ؛ لأن الضمتین أثقل من الکسرتین حتی جاء فی الکتاب العزیز وهو حجازی رسلنا ورسلهم ، وهو فی الجمع أولی منه فی المفرد لثقل الجمع معنی ؛ وجمیع هذه التفریعات فی لغه تمیم کما مر ؛ وإذا توالی الفتحتان لم تحذف الثانیه تخفیفا لخفه الفتحه ، وأما قوله : -

7 - وما کلّ مبتاع ولو سلف صفقه

براجع ما قد فاته برداد (1)

فشاذ ضروره

وقد شبه بفعل المفتوح الفاء المکسور العین نحو قولهم ولیضرب وفلتضرب - أعنی واو العطف وفاءه مع لام الأمر وحرف المضارعه - وذلک لکثره الاستعمال ؛ فالواو والفاء کفاء الکلمه لکونهما علی حرف فهما کالجزء مما بعدهما ، ولام الأمر کعین الکلمه ، وحرف المضارعه کلامها ، فسکن لام الأمر ؛ وقریء

ص: 44

به فی الکتاب العزیز ، وشبه به نحو «ثمّ لیفعل» ، وهو أقل ، لأن ثمّ علی ثلاثه أحرف ، ولیس کالواو والفاء ، مع أن ثم الداخله علی لام الأمر أقل استعمالا من الواو والفاء ، وکذا شبه بفعل وفعل قولهم فهو وفهی ووهو ووهی ولهو ولهی لما قلنا فی ولیفعل ، وکذا أهو وأهی ، لکن التخفیف مع الهمزه أقل منه مع الواو والفاء واللام ؛ لکون الهمزه مع هو وهی أقل استعمالا من الواو والفاء واللام معهما ، ونحو (أن یملّ هو) علی ما قریء فی الشواذ أبعد ؛ لأن یملّ کلمه مستقله ، جعل لهو کعضد ؛ وهذا کما قلّ نحو قولهم : أراک منتفخا ، وقوله :

8 - * فبات منتصبا وما تکردسا (1) *

وقولهم : انطلق ، فی انطلق ، وقوله :

9 - * وذی ولد لم یلده أبوان (2) *

وإنما قل التخفیف فی هذه لأنها لیست ثلاثیه مجرده مبنیه علی الخفه فلم یستنکر فیها أدنی ثقل ، ویجیء شرحها فی أماکنها (3) إن شاء الله تعالی

قوله «فی إبل وبلز (أی : ضخمه) ولا ثالث لهما» قال سیبویه : ما یعرف

ص: 45

إلا الإبل ، وزاد الأخفش بلزا ، وقال السیرافی : الحبر صفره الأسنان ، وجاء الإطل (1) والإبط ، وقیل : الإقط (2) لغه فی الأقط ، وأتان إبد : أی ولود

قوله «ونحو قفل یجوز فیه قفل علی رأی» یحکی عن الأخفش أن کلّ فعل فی الکلام فتثقیله جائز ، إلا ما کان صفه أو معتلّ العین کحمر وسوق فانهما لا یثقلان إلا فی ضروره الشعر ، وکذا قال عیسی بن عمر : إن کلّ فعل کان فمن العرب من یخففه ومنهم من یثقله نحو عسر ویسر ، ولقائل أن یقول : بل الساکن العین فی مثله فرع لمضمومها کما هو کذلک فی عنق اتفاقا ، فان قیل : جمیع التفاریع المذکوره کانت أقل استعمالا من أصولها ؛ فان فخذا وعنقا ساکنی العین أقلّ منهما متحرّکیها ، وبهذا عرف الفرعیه ، وعسر ویسر بالسکون أشهر منهما مضمومی العین ؛ فیکون الضم فیهما فرع السکون کما أشار إلیه المصنف ، فالجواب أن ثقل الضمتین أکثر من الثقل الحاصل فی سائر الأصول المذکوره ، فلا یمتنع أن یحمل تضاعف الثقل فی بعض الکلمات علی قله استعمالها مع کونها أصلا ، وإذا کان الاستثقال فی الأصل یؤدی إلی ترک استعماله أصلا کما فی نحو یقول ویبیع وغیر ذلک مما لا یحصی فما المنکر من أدائه إلی قله استعماله؟

ص: 46

هذا ، وإن کان عین فعل المفتوح الفاء حلقیا ساکنا جاز تحریکه بالفتح نحو الشّعر والشّعر والبحر والبحر ، ومثلهما لغتان عند البصریین فی بعض الکلمات ، ولیست إحداهما فرعا للأخری ، وأما الکوفیون فجعلوا المفتوح العین فرعا لساکنها ، ورأوا هذا قیاسا فی کل فعل شأنه ما ذکرنا ، وذلک لمناسبه حرف الحلق للفتح کما یجیء فی باب المضارع

الثانیه ، وتسقط بامتناع سکون اللام الأولی والثانیه فقط تسع حالات الفاء والعین ، وتسقط بامتناع سکون العین واللامین معا ثلاث حالات الفاء ، یبقی مائه وأحد وسبعون بناء ، اقتصر من أبنیه الرباعی علی خمسه متّفق علیها ، وزاد الأخفش فعللا بفتح اللام کجخدب ، وأجیب بأنه فرع جخادب ؛ بحذف الألف وتسکین الخاء وفتح الدال ، وهو تکلف ، ومع تسلیمه فما یصنع بما حکی الفراء من طحلب وبرقع (1) وإن کان المشهور الضم لکن النقل لا یردّ مع ثقه الناقل وإن کان المنقول غیر مشهور ، فالأولی القول بثبوت هذه الوزن مع قلته ؛ فنقول : إن قعددا (2) ودخللا (3) مفتوحی الدال واللام - علی ما روی - وسؤددا (4) وعوططا (5) ملحقات بجخدب ، ولو لا ذلک لوجب الادغام کما یجیء فی موضعه. ویکون بهمی (6) ملحقا ؛ لقولهم بهماه علی ما حکی ابن الأعرابی ، ولا تکون

ص: 48

الألف للتأنیث کما ذهب إلیه سیبویه

قوله «وأما جندل وعلبط» یعنی أن هذین لیسا بناءین للرباعی ، بل هما فی الأصل من المزید فیه ؛ بدلیل أنه لا یتوالی فی کلامهم أربع متحرکات فی کلمه ، ألا تری إلی تسکین لام نحو ضربت لما کان التاء کجزء الکلمه ، قال سیبویه : الدلیل علی أن هدبدا (1) وعلبطا مقصورا هدابد وعلابط أنک لا تجد فعللا إلا ویروی فیه فعالل کعلابط وهدابد ودوادم (2) فی دودم ، وکما أن المذکورین لیسا ببناءین للرباعی ، بل فرعان للمزید فیه ، فکذا عرتن - بفتحتین بعد هماضمه - وعرتن - بثلاث فتحات - لیسا بلغتین أصلیتین ، بل الأول مخفف عرنتن بحذف النون ، والثانی مخفف عرنتن ، کما أن عرتنا - بفتح العین وإسکان الراء وضم التاء - فرع عرنتن بحذف النون وإسکان الراء ؛ وعرنتن : نبت ، وفیه ست لغات عرنتن وعرتن فرعه. وعرتن فرع الفرع ، وعرنتن ، وعرتن فرعه ، وعرتن فرع الفرع

وزاد محمد بن السّریّ فی الخماسی خامسا وهو الهندلع لبقله ، والحق الحکم بزیاده النون ؛ لأنه إذا تردد الحرف بین الأصاله والزیاده والوزنان باعتبارهما نادران فالأولی الحکم بالزیاده لکثره ذی الزیاده کما یجیء ، ولو جاز أن یکون هندلع فعللا لجاز أن یکون کنهبل (3) فعللا ، وذلک خرق لا یرقع فتکثر الأصول

ص: 49

شیء غیر الیاء ، ویمکن أن یکون إنما لم یذکره لما قیل : إنه أعجمی ، ولو ذکر علطمیسا (1) وجعفلیقا لم یرد شیء ؛ لأن حرف الزیاده غیر غالب زیادته فی موضعه فیهما

والأول هو المراد هنا لئلا یتکرر بناء عضرفوط ، و «القبعثری» الجمل الضخم الشدید الوبر ، ولیست الألف فیه للإلحاق ؛ إذ لیس فوق الخماسی بناء أصلی یلحق به (1) ، ولیست أیضا للتأنیث لأنه ینوّن ویلحقه التاء نحو قبعثراه ، بل الألف لزیاده البناء کألف حمار ونحوه ، و «الخندریس» اسم من أسماء الخمر.

لیس بمعنی (1) کثر ، بل یکفی أن لا تکون تلک الزیاده فی مثل ذلک الموضع مطرده فی إفاده معنی ، کما أن زیاده الهمزه فی أکبر وأفضل للتفضیل ، وزیاده میم مفعل للمصدر أو الزمان أو المکان ، وفی مفعل للآله ، فمن ثمّه لا نقول إن هذه الزیادات للالحاق وإن صارت الکلم بها کالرباعی فی الحرکات والسکنات المعینه ومثله فی التصغیر والجمع ، وذلک لظهور زیاده [هذه] الحروف للمعانی المذکوره ، فلا نحیلها علی الغرض اللفظی مع إمکان إحالتها علی الغرض المعنوی ، ولیس لأحد أن یرتکب کون الحرف المزید لإفاده معنی للإلحاق أیضا ، لأنه لو کان کذلک لم یدغم نحو أشدّ ومردّ ؛ لئلا ینکسر وزن جعفر ، ولا نحو مسلّه ولا مخدّه لئلا ینکسر وزن درهم ، کما لم یدغم مهدد وقردد محافظه علی وزن جعفر ، وذلک أن ترک الادغام فی نحو قردد لیس لکون أحد الدالین زائدا وإلا لم یدغم نحو قمدّ (2) لزیاده أحد دالیه ، ولم یظهر نحو ألندد ویلندد (3)

ص: 53

لأصاله الدالین ، بل هو للمحافظه علی وزن الملحق به ، فکان ینبغی أیضا أن لا یدغم نحو أشدّ ومردّ ومسلّه لو کانت ملحقه

هذا ؛ وربما لا یکون لأصل الملحق معنی فی کلامهم ، ککوکب (1) وزینب فانه لا معنی لترکیب ککب وزنب

قولنا «أن تزید حرفا» نحو کوثر وقعدد ، وقولنا «أو حرفین» کألندد ویلندد وحبنطی (2) فان الزیادتین فی کل واحد منهما للالحاق

وأما اقعنسس واحرنبی (3) فقالوا : لیس الهمزه والنون فیهما للالحاق ، بل إحدی سینی اقعنسس وألف أحرنبی للالحاق فقط ، وذلک لأن الهمزه والنون فیهما فی مقابله الهمزه والنون الزائدتین فی الملحق به أیضا

ولا یکون الالحاق إلا بزیاده حرف فی موضع الفاء أو العین أو اللام ،

ص: 54

هذا ما قالوا ، وأنا لا أری منعا من أن یزاد للالحاق لا فی مقابله الحرف الأصلی إذا کان الملحق به ذا زیاده ، فنقول : زوائد اقعنسس کلها للالحاق باحرنجم.

وقولنا «فی التصغیر والتکسیر» یخرج عنه نحو حمار ، وإن کان بوزن قمطر ؛ لأن جمعه قماطر ولا یجمع حمار علی حمائر بل حمر وأحمره ، وأما نحو شمائل (1) فی جمع شمال فلا یرد اعتراضا ؛ لأن فعائل غیر مطرد فی جمع فعال.

وقولنا «لا خماسیا» لأن الملحق به لا یحذف آخره فی التصغیر والتکسیر کما یحذف فی الخماسی ، بل یحذف الزائد منه أین کان ؛ لأنه لما احتیج إلی حذف حرف فالزائد أولی ؛ وأما إذا کان المزید للالحاق حرف لین رابعا فی الخماسی فانه ینقلب یاء نحو کناهیر فی جمع کنهور (2)

قیل : لا یکون حرف الإلحاق فی الأول ؛ فلیس أبلم (3) ملحقا ببرثن ولا إثمد بزبرج (4) ؛ ولا أری منه مانعا ، فانها تقع أولا للالحاق مع مساعد اتفاقا ، کما فی ألندد ویلندد وإدرون (5) فما المانع أن یقع بلا مساعد؟

ص: 56

قیل : ولا یقع الألف للالحاق فی الاسم حشوا ؛ لأنه یلزمها فی الحشو الحرکه فی بعض المواضع ، ولا یجوز تحریک ألف فی موضع حرف أصلی ؛ وإنما وجب تحریکها لأن الثانی یتحرک فی التصغیر ؛ وکذا الثالث والرابع الوسط یتحرک أیضا فی التصغیر والتکسیر إذا حذف الخامس ؛ وأما الآخر فقد لا یتحرک کسلمی وبشری

والاعتراض علیه أنه ما المحذور من تحریک ألف فی مقابله الحرف الأصلی؟ ومع التسلیم فانه لا یلزم تحریکها فی نحو علابط لا فی التصغیر ولا فی التکسیر ، بل تحذف ، فلا بأس بأن نقول : هو ملحق بقذعمل ، وقولهم «الرابع الوسط یتحرّک فی التصغیر والتکسیر إذا حذف الخامس» لیس بمستقیم ؛ لأن الألف تقلب إذن یاء ساکنه کسر یدیح وسرادیح فی سرداح (1) ، ومع التسلیم یلزمهم أن لا یزاد الألف فی الآخر نحو أرطی (2) ومعزی لأنه یتحرک بالحرکه الاعرابیه بعد قلبه یاء فی التصغیر والتکسیر

واحترز بعضهم من هذا فقال : الألف لا تکون للالحاق أصلا ، وأصلها فی نحو أرطی ومعزی یاء ، ولا دلیل علی ما قال ؛ وإنما قلبت فی رأیت أریطیا وأراطی لکسره ما قبلها

ولما لم یؤد الأمر إلی تحریک الألف وسطا فی الفعل حکم الزمخشری وتقبله المصنف بکون ألف نحو تغافل للالحاق بتدحرج ، وهو وهم ، لأن الألف فی مثله غالبه فی إفاده معنی کون الفعل بین اثنین فصاعدا ، ولو کان للالحاق لم یدغم نحو تمادّ وترادّ ، کما لم یدغم نحو مهدد کما بینا ، ولو کان الألف فی تغافل

ص: 57

للالحاق لکان فی مصدره واسمی فاعله ومفعوله أیضا ، فلم یصح إطلاق قولهم : «إن الألف لا تکون للالحاق فی الاسم وسطا»

وکذا نحو تکلّم لیس التضعیف فیه للالحاق بتدحرج کما ادّعیا ؛ لوضوح کون التضعیف لمعنی ، وما غرهما إلا موافقه البناءین لتدحرج فی تصاریفه ،

وإنما جوز حذف الألف للساکنین فی نحو أرطی ومعزی مع أن الوزن ینکسر به کما ینکسر بادغام نحو مهدد وقردد ؛ لأن هذا الانکسار لیس لازما ، إذ التنوین فی معرض الزوال وترجع الألف مع اللام والاضافه نحو الأرطی وأرطی هذا الموضع

ولبقاء الوزن تقدیرا مع سقوط اللام للتنوین حکم سیبویه بکون جوار وأعیل (1) غیر منصرفین

هذا ، ولما لم یقم دلیل علی امتناع کون الألف فی الوسط للالحاق جاز أن یحکم فی نحو ساسم (2) وخاتم وعالم بکونها للالحاق بجعفر ، وبکونها فی نحو علابط للالحاق بقذعمل

ص: 58

إردبّ وفردوس وإدرون وإنقحل (1) ومن الرباعی قرشبّ (2) وعلّکد (3) وقولهم همّرش (4) عند سیبویه ملحق بجحمرش بالتضعیف ، وعند الأخفش لیس فیه زائد وأصله هنمرش ، ویجوز علی ما ذهبنا إلیه أن یکون سرداح ملحقا بجردحل ، وعلابط ملحقا بقذعمل ، وکنابیل (5) بقذعمیل ، وإن خالفتها فی التصغیر والتکسیر ؛ لأنا ذکرنا أن ذلک لا یعتبر إلا فی الرباعی

واعلم أنه لا یکون فی الرباعی والخماسی الأصلیین تضعیف ؛ لثقلهما وثقل التضعیف : أما إذا کان أحد حروفهما تضعیفا زائدا فإنه یحتمل لعروض الزیاده وإن صار العارض لازما ؛ فعلی هذا أحد المثلین فی کلمه مع ثلاثه أصول

ص: 61

أو أربعه زائد إذا لم یکن بین المثلین حرف أصلی ، کقنّب (1) وزهلول (2) فان کان بینهما حرف أصلی فلیس بزائد کحدرد (3) ودردبیس (4) وسلسبیل ، وقال بعضهم : هو زائد أیضا ؛ فحدرد وسلسبیل عنده فعلع وفعفلیل ؛ والأولی الحکم بالأصاله ؛ لعدم قیام دلیل زیاده الزائد کما قام مع عدم الفصل بالأصلی کما سیجیء ، وکذا إذا کان حرفان متباینان بعد مثلیهما فالأولان أو الأخیران زائدان ، بشرط أن یبقی دونهما ثلاثه أصول أو أکثر ؛ فمرمریس فعفعیل ، وصمحمح فعلعل ؛ وأما نحو زلزل وصرصر (5) فلیس فیه زائد ؛ إذا لا یبقی بعد الحرفین ثلاثه ، ومن قال «سلسبیل فعفلیل» قال : زلزل فعفل

وقال الکوفیون فی نحو زلزل وصرصر - أی : فیما یبقی بعد سقوط الثالث مناسب للمعنی الذی کان قبل سقوطه مناسبه قریبه - : إن الثالث زائد ؛ لشهاده الاشتقاق : فزلزل من زلّ ، وصرصر من صرّ ، ودمدم (6) من دمّ ، وأما ما لم یکن کذلک ، کالبلبال والخلخال ، فلا یرتکبون ذلک فیه

وقال السریّ الرّفّاء فی کتاب المحب والمحبوب : زلزل من زلّ کجلبب من جلب ، وکذا نحوه ، یعنی أنه کرر اللام للإلحاق فصار زلّل ؛ فالتبس بباب

ص: 62

ذلّل یذلّل تذلیلا ؛ فأبدل اللام الثانیه فاء ، وهو قریب ، لکنه یرد علیه أن فیه إبدال بعض ما لیس من حروف الإبدال کالکاف فی کرکر بمعنی کرّ

وقال الفراء فی مرمریس وصمحمح : إنه فعللیل وفعلّل ، قال : لو کان فعفعیلا وفعلعلا لکان صرصر وزلزل فعفع ، ولیس ما قال بشیء ؛ لأنا لا نحکم بزیاده التضعیف إلا بعد کمال ثلاثه أصول

فاذا تقرر جمیع ذلک قلنا : إن التضعیف زائد فی نحو قنّب وعلّکد وقرشبّ ومهدد وصمحمح ومرمریس وبرهرهه (1) - أی : کل کلمه تبقی فیها بعد زیاده التضعیف ثلاثه أصول أو أربعه - إذا لم یفصل بین المثلین أصلی ، وإنما حکمنا بذلک لقیام الدلاله علی زیاده کثیر من ذلک بالاشتقاق ، فطردنا الحکم فی الکل ، وذلک نحو قطّع وقطّاع وجبّار وسبّوح ، وکذا فی ذرحرح (2) ، لقولهم ذرّوح بمعناه ، وفی حلبلاب (3) لقولهم حلّب بمعناه ، ومرمریس للداهیه [من (4)] الممارسه للأمور ، وألحق ما جهل اشتقاقه بمثل هذا المعلوم ؛ ودلیل آخر علی زیاده تضعیف نحو صمحمح وبرهرهه جمعک له علی صمامح وبراره ، ولو کان کسفرجل قلت صماحم

ص: 63

فان قیل : هلّا حذفت المیم الثانیه أو الحاء الثانیه؟ فالجواب أنه لو حذفت المیم الثانیه لا لتقی مثلان نحو صماحح ، ولو حذفت الحاء الثانیه وقلت صماحم لظن أنه کسفرجل : أی أن جمیع الحروف أصلیه ، وأیضا لیس فی کلامهم فعالع وفی الکلام فعاعل کثیر کسلالم فی سلّم وقنانب فی قنّب ، وکذا تقول فی مرمریس : مراریس ؛ لکثره فعاعیل کدنانیر وقراریط ، فجمعا علی فعاعل وفعاعیل لیکون أدل علی کونهما من ذوات الثلاثه

تکون للمجانسه کالإماله ؛ وقد تکون للاستثقال کتخفیف الهمزه والإعلال والإبدال والإدغام والحذف»

أقول : قد مضی الکلام علی جعله لهذه الأشیاء أحوال الکلمه فلا نکرره (1)

قوله «قد تکون للحاجه» أی : یحتاج إلی هذه الأشیاء : إما لتغیر المعنی باعتبارها کما فی الماضی والمضارع ، إلی قوله «والجمع» ؛ وإما للاضطرار إلی بعضها بعد الاعلال کالتقاء الساکنین فی نحو «لم یقل» أو بعد وصل بعض الکلم ببعض کالتقائهما فی نحو «اذهب اذهب» أو عند الشروع فی الکلام کالابتداء ، وإما لوجه استحسانی لا ضروریّ کوجوه الوقف علی ما یأتی

وفی جعله للمقصور والممدود وذی الزیاده من باب التوسع مطلقا نظر ؛ لأن القصر والمد إنما صیر إلیهما فی بعض المواضع باعلال اقتضاه الاستثقال کاسم المفعول المعتل اللام من غیر الثلاثی المجرد ، واسمی الزمان والمکان ، والمصدر مما قیاسه مفعل ومفعل ، وسائر ما ذکره فی المقصور ، وکالمصادر المعتله اللام من أفعل وفاعل وافتعل کالاعطاء والرّماء والاشتراء ، وسائر ما نذکره فی الممدود ، وربما صیر إلیهما للحاجه کمؤنث أفعل التفضیل ، ومؤنث أفعل الصفه ، وکذا ذو الزیاده : قد تکون زیادته للحاجه کما فی زیادات اسم الفاعل واسم المفعول ومصادر ذی الزیاده ونحو ذلک ، وکزیادات الإلحاق ، وقد یکون بعضها للتوسع فی الکلام کما فی سعید وحمار وعصفور وکنابیل ونحو ذلک ، ویجوز أن یقال فی زیاده الالحاق : إنها للتوسع فی اللغه ، حتی لو احتیج إلی مثل ذلک البناء فی

ص: 66

الوزن والسجع کان موجودا ؛ وذهب أحمد بن یحیی إلی أنه لا بد لکل زائد من معنی ، ولا دلیل علی ما ادعی

قوله «والإعلال» یدخل فیه إبدال حروف العله ، ونقل حرکتها إلی ما قبلها ، وحذفها ، وحذف حرکتها لا للجزم ولا للوقف ، ویدخل فی الإبدال إبدال حرف العله والهمزه وغیرهما ، وکذا الحذف یشمل حذف حرف العله والهمزه وغیرهما ، فقوله «الإبدال والحذف» یدخل فیها بعض وجوه الإعلال ، وبعض وجوه تخفیف الهمزه

من ثمره ، وحوقل : کبر وعجز عن الجماع ، وجهور : رفع صوته ، قلنسته وقلسیته : ألبسته القلنسوه ، تجلبب : لبس الجلباب ، تجورب : لبس الجورب ، تشیطن الرجل : صار کالشیطان فی تمرده ، ترهوک الرجل فی المشی : أی کان کأنه یموج فیه ، تمسکن : تشبه بالمسکین ، احرنجم القوم : ازدحموا ، اقعنسس : رجع وتأخر ، اسلنقی : مطاوع سلقی : أی صرع ، اغدودن النبت : طال ، اعلوّطت البعیر : تعلقت بعنقه وعلوته ، استکان : ذل

ومن الملحقات بفعلل شریف : أی قطع شریاف الزرع ، وهو ورقه إذا طال وکثر حتی یخاف فساد الزرع

قد تقدم أن نحو تکلّم وتغافل لیس ملحقا ، وإن کان فی جمیع تصاریفه کتدحرج ، وفی عد النحاه تمدرع وتمندل وتمسکن من الملحق نظر أیضا ، وإن وافقت تدحرج فی جمیع التصاریف ؛ وذلک لأن زیاده المیم فیها لیست لقصد الإلحاق ، بل هی من قبیل التوهم والغلط ، ظنّوا أن میم مندیل ومسکین ومدرعه فاء الکلمه کقاف قندیل ودال درهم ، والقیاس تدرّع وتندّل وتسکن کما یجیء فی باب ذی الزیاده ، وهذا کما توهم فی میم مسیل الأصاله فجمعوه علی مسلان وأمسله ، کقفزان وأقفزه فی جمع قفیز ، فتمدرع وتمندل وتمسکن - وإن کانت علی تمفعل فی الحقیقه - لکن فی توهمهم علی تفعلل

وقد جاء من الملحقات بدحرج فعأل نحو : برأل الدیک ، إذا نفش برائله (1)

ص: 68

وفنعل نحو : دنقع الرجل : أی افتقر ولزق بالدّقعاء ، وهی الأرض ، وکذا فعلن وفمعل [وفعمل] وفعلم وغیر ذلک ، لکنها لم تعدّ لغرابتها وکونها من الشواذ ؛ وکذا جاء تهفعل وافعنمل ونحو ذلک من النوادر (1)

قوله «واستکان» ، قیل : أصله استکن فأشبع الفتح ، کما فی قوله : -

ص: 69

10 - ینباع من ذفری غضوب جسره

زیّافه مثل الفنیق المکدم (1)

إلا أن الإشباع فی استکان لازم عند هذا القائل ، بخلاف ینباع ، وقیل : استفعل من الکون ، وقیل : من الکین ، والسین للانتقال ، کما فی استحجر : أی انتقل إلی کون آخر : أی حاله أخری : أی من العزه إلی الذله ، أو صار کالکین ، وهو لحم داخل الفرج : أی فی اللین والذله

والناقص الیائیین کباع ورمی ؛ فانک لا تنقلها عن فعل یفعل ؛ بل تنقلها إلیه إن کانت من غیره ؛ لأن هذه الأنواع مضارعها یفعل - بالکسر - إذا کان الماضی مفتوح العین قیاسا لا ینکسر ، کما یجیء

وحکی عن الکسائی أنه استثنی أیضا ما عینه أو لامه أحد الحروف الحلقیه ، وقال : یلزمه الفتح ، نحو : شاعرته فشعرته أشعره ، والحق ما ذهب إلیه غیره ؛ لأن ما فیه حرف الحلق لا یلزم طریقه واحده کالمثال الواوی والأجوف والناقص الیائیین ، بل کثیر منه یأتی علی الأصل نحو برأ یبرؤ وهنأ یهنیء ، کما یأتی بیانه فی موضعه ، وقد حکی أبو زید شاعرته فشعرته أشعره - بالضم - وکذا فاخرته أفخره - بالضم - وهذا نص فی عدم لزوم الفتح فی مثله

واعلم (1) أنه لیس باب المغالبه قیاسا بحیث یجوز لک نقل کل لغه أردت إلی هذا الباب لهذا المعنی ، قال سیبویه : ولیس فی کل شیء یکون هذا ، ألا تری أنک لا تقول نازعنی فنزعته أنزعه ، استغنی عنه بغلبته ، وکذا غیره ، بل نقول : هذا الباب مسموع کثیر

أقول : اعلم أن فعل لازمه أکثر من متعدیه ، والغالب فی وضعه أن یکون للأعراض من الوجع وما یجری مجراه ، کحزن وردی وشعث وسهک ونکد وعسر وشکس ولحز ولحج وخزی ، ومن الهیج کبطر وفرح (1) وخمط خمطا ، وهو الرائحه الطیبه ، وقنم قنمه ، وهی الرائحه المکروهه ، وغضب وغار یغار وحمش وقلق وحار حیره وبرق (2). ومن الهیج ما یدل علی الجوع والعطش وضدیهما من الشبع والرّیّ ، وقریب منه نصف القدح أی امتلأ نصفه وقرب إذا قارب الامتلاء ، ویکثر فی هذا الباب الألوان والحلی ؛ فالألوان نحو کدر وشهب وصدیء وقهب وکهب وأدم (3)

ص: 72

والأغلب فی الألوان افعلّ وافعالّ نحو ازراقّ واخضارّ وابیضّ واحمرّ واصفرّ ، ولا یجیء من هذه الألوان فعل ولا فعل ؛ ونعنی بالحلی العلامات الظاهره للعیون فی أعضاء الحیوان ، کشتر وصلع ورسح وهضم (1).

وقد یشارکه فعل مضموم العین فی الألوان والعیوب والحلی ، کالکلمات التی عدها المصنف ، وفی الأمراض والأوجاع کسقم وعسر ، بشرط أن لا یکون لامه یاء ؛ فان فعل لا یجیء فیه ذلک ؛ إلا لغه واحده ، نحو بهو الرجل (2) وبهی أی : صار بهیّا

وفعل فی هذه المعانی المذکوره کلها لازم ، لأنها لا تتعلق بغیر من قامت به ؛ وأما قولهم : فرقته وفزعته فقال سیبویه : هو علی حذف الجار ، والأصل فرقت منه وفزعت منه ، قال : وأما خشیته فأنا خاش ، والقیاس خش ، فالأصل أیضا خشیت منه ، فحمل علی رحمته ، حمل الضد علی الضد ؛ ولهذا جاء اسم الفاعل منه علی خاش والقیاس خش ؛ لأن قیاس صفه اللازم من هذا الباب فعل ، وکذا کان قیاس مصدره خشی فقیل خشیه حملا علی رحمه ، وکذا حمل ساخط علی راض مع أنه لازم ، یقال : سخط منه أو علیه

ص: 73

قوله «رعن» أی : حمق ، والرعونه : الحمق

قوله «رحبتک الدّار» ، قال الأزهری : هو من کلام نصر بن سیّار ولیس بحجه (1). والأولی أن یقال : إنما عدّاه لتضمنه معنی وسع ، أی :

ص: 75

وسعتکم الدار. وقول المصنف «أی رحبت بک» فیه تعسف لا معنی له (1).

یجیء المضاعف من هذا الباب إلا قلیلا لثقل الضمه والتضعیف. وحکی یونس لببت تلبّ ؛ ولببت تلبّ أکثر ؛ وأما حببت فمنقول إلی هذا الباب للتعجب کقضو ورمو ، ومنه قوله - :

5 - * وحبّ بها مقتوله حین تقتل (1) *

فهو کقوله : -

11 - قعدت له وصحبتی بین ضارج

وبین العذیب بعد ما متأمّلی (2)

علی أحد التأویلین فی بعد (3) والأصل حببت بالکسر (4) أی : صرت حبیبا ؛ ولم یقولوا فی القلیل قللت کما قالوا فی الکثیر کثرت ، بل قالوا : قلّ

ص: 77

یقلّ کراهه للثقل ، ولم یأت شررت بالضم (1) بل شررت بالفتح والکسر أی صرت شرّیرا ، وقال بعضهم : عزّت الناقه - أی : ضاق إحلیلها - تعزّ بالضم وشرّ ودمّ : أی صار دمیما ؛ وثلاثتها فعل بالضم. ولم یثبت ما قاله سیبویه «لا یکاد یکون فیه - یعنی فی المضاعف - فعل» وقال الجوهری : إن لببت لا نظیر له فی المضاعف ، وإنما غرّهم الدّمیم والشّریر والدّمامه والشّراره!! والمستعمل دممت بالفتح تدمّ لا غیر ، ولم یستعمل من شدید فعل ثلاثی (2) استغناء باشتدّ ، کما استغنی بافتقر عن فقر ، وبارتفع عن رفع ، فقالوا : افتقر فهو فقیر ، وارتفع فهو رفیع واشتد فهو شدید ، وأما قول علی رضی الله عنه «لشدّ ما تشطرا ضرعیها» (3) فمنقول إلی فعل کما قلنا فی حبّذا وحببت ، فلا یستعمل حبّ وشدّ بمعنی صار حبیبا وشدیدا إلا فی التعجب کما فی حبذا وشدّما

قوله «وأما باب سدته» جواب عن اعتراض وارد علی قوله «کان لازما» أجاب بأن سدته لیس من باب فعل بالضم فی الأصل ، ولا هو منقول إلیه کما هو ظاهر قول سیبویه وجمهور النحاه ، وذلک لأنهم قالوا : نقل قولت إلی قولت

ص: 78

وبیعت إلی بیعت لینقلوا بعد ذلک ضمه الواو وکسره الیاء إلی ما قبلها فیبقی بعد حذف الواو والیاء ما یدل علیهما ، وهو الضمه والکسره ، واعترض المصنف علی قولهم بأن الغرض المذکور یحصل بدون النقل من باب إلی باب ، وباب فعل المضموم العین وفعل المکسور العین فی الأغلب یختص کل منهما بمعنی مخالف لمعنی فعل المفتوح العین ، ولا ضروره ملجئه إلی هذا النقل ، لا لفظیه ولا معنویه ؛ أما المعنی فلأنه لا یدعی أحد أن قلت وبعت تغیّرا عما کانا علیه من المعنی ، وأما اللفظ فلأن الغرض قیام دلاله علی أن أحدهما واوی والآخر یائی ، ویحصل هذا بضم فاء قال وکسر فاء باع من أول الأمر بعد إلحاق الضمیر المرفوع المتحرک بهما وسقوط ألفهما للساکنین من غیر أن یرتکب ضمّ العین وکسرها ثم نقل الحرکه من العین إلی الفاء. وأیش المحذور فی ذلک (1)؟ وکیف نخالف أصلا لنا مقررا؟ وهو أن کل واو أو یاء فی الفعل هی عین تحرکت بأی حرکه کانت من الضم والفتح والکسر وانفتح ما قبلها فانها تقلب ألفا ، فقولت بالفتح یجب قلب واوه ألفا ، وکذا لو حولت الفتحه ضمه ، وکذا بیعت بالکسر والفتح ، وأیّ داع لنا إلی إلحاق الضمائر المرفوعه بقول وبیع اللذین هما أصلا قال وباع؟ وهل هی فی الفاعلیه إلا کالظواهر فی نحو «قال زید» ، و «باع عمرو»؟ فالوجه إلحاق هذه الضمائر بقال وباع مقلوبی الواو والیاء ألفا ؛ فنقول : تحرکت الواو فی قول وطول وخوف والیاء فی بیع وهیب وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفا ؛ وإنما لم تقلب الیاء فی هیؤ لما تقدم ؛ فصار الجمیع قال وطال وخاف وباع وهاب ، فلم یمکن مع بقاء الألف التنبیه علی بنیه هذه الأبواب وأن أصلها فعل أو فعل أو فعل لأن الألف یجب انفتاح ما قبلها ، فلما اتصلت الضمائر المرفوعه المتحرکه بها وجب تسکین اللام لما هو معلوم ، فسقطت الألف فی جمیعها للساکنین ، فزال ما کان مانعا من التنبیه

ص: 79

علی الوزن - أی الألف - فقصدوا بعد حذفها إلی التنبیه علی بنیه کل واحد منها لما ذکرنا من أن بنیه الفعل یبقّی علیها وتراعی بقدر ما یمکن ، وذلک یحصل بتحریک الفاء بمثل الحرکه التی کانت فی الأصل علی العین ؛ لأن اختلاف أوزان الفعل الثلاثی بحرکات العین فقط ، ولم یمکن هذا التنبیه فی فعل المفتوح العین نحو قول وبیع ، لأن حرکتی الفاء والعین فیه متماثلتان ، فترکوا هذا التنبیه فیه ونبّهوا علی البنیه فی فعل وفعل فقط ؛ فقالوا فی فعل نحو خاف وهاب : خفت وهبت ، وسوّوا بین الواوی والیائی لما ذکرنا أن المهم هو التنبیه علی البنیه ، وقالوا فی فعل نحو طال فهو طویل : طلت ، والضمه لبیان البنیه لا لبیان الواو ، لما ذکرنا ، ولم یجیء فی هذا الباب أجوف یائی حتی یسوّوا بینه وبین الواوی فی الضم کما سوّوا بینهما فی فعل نحو خفت وهبت ، إلا هیؤ ، کما ذکرنا ، ولا تقلب یاؤه ألفا لما مر ، فلما فرغوا من التنبیه علی البنیه فی بابی فعل وفعل ولم یکن مثل ذلک فی فعل ممکنا ، کما ذکرنا ، قصدوا فیه التنبیه علی الواوی والیائی والفرق بینهما ، کما قیل : إن لم یکن خلّ فخمر (1) ؛ فاجتلبوا ضمه فی قال بعد حذف الألف للساکنین ، وجعلوها مکان الفتحه ، وکذا الکسره فی باع ؛ لتدل الأولی علی الواو والثانیه علی الیاء ، وأما إذا تحرکت الواو والیاء عینین وما قبلهما ساکن متحرک الأصل فی الأفعال والأسماء المتصله بها فإنه ینقل حرکه العین إلیه وإن کانت فتحه رعایه لبنیه الفعل والمتصل به ، وذلک لأنه یمکن فی مثله المحافظه علی البنیه فی المفتوح العین ، کما أمکن فی مضمومها ومکسورها ، بخلاف المفتوحه المفتوح ما قبلها نحو قال وباع ، کما ذکرنا ، لأن الفاء ههنا ساکنه ، فإذا تحرکت

ص: 80

بالفتح وسکن العین علم أن ذلک حرکه العین ، ولا یراعی هنا الفرق بین الواوی والیائی أصلا ؛ لأنه إنما یراعی ذلک إذا حصل العجز عن مراعاه البنیه کما مر ، بلی یراعی ذلک فی اسم المفعول من الثلاثی ؛ نحو مقول ومبیع ، کما یجیء ، فمن الواوی قولهم یخاف ویقال وأقیم ونقیم ویقول ویطیح ، عند الخلیل ، وأصله (1) یطوح کما یجیء ، ویقوم والمقام والمقام والمقیم والمعون ، ومن الیائی قولهم یهاب ویباع وأقیل ویقیل ویبیع والمقال والمقیل ؛ فقد رأیت کیف قصدوا فی النوعین بیان البنیه بنقل الضمه والکسره والفتحه إلی ما قبلها لمّا لزمهم إعلال العین بسبب حمل الکلمات المذکوره علی أصولها ، أعنی الماضی الثلاثی کما یجیء فی باب الاعلال ، ولم یبالوا بالتباس الواویّ بالیائی

ثم الحرکه المنقوله : إن کانت فتحه قلبت الواو والیاء ألفا ، کما فی یخاف ویهاب ؛ لأن سکونهما عارض ، فکأنهما متحرکتان ، وما قبلهما کان مفتوح الأصل ، وقد تحرّک بفتحه العین ؛ فکأن الواو والیاء تحرکتا وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفا ، ولا سیما أن تطبیق الفرع بالأصل أولی ما أمکن.

وإن کانت ضمه - ولم یجی فی الفعل والاسم المتصل به إلا علی الواو ، نحو یقول - نقلت إلی ما قبلها وسلمت الواو ، بلی قد جاءت علی الیاء أیضا فی اسم

ص: 81

لمفعول ، لکنه روعی فیه الفرق بین الواوی والیائی کما یجیء ، وقد جاء أیضا فی هیؤ یهیؤ ، وقد مرحکمه (1).

وإن کانت کسره : فإن کانت علی الیاء سلمت بعد النقل نحو یبیع ، وإن کانت علی الواو - نحو یقیم ، ویطیح عند الخلیل - قلبت یاء ؛ لتعسر النطق بها ساکنه بعد الکسره ، ولا تقول : إن الضم والکسر فی نحو یقول ویبیع نقلا إلی ما قبلهما للاستثقال ؛ إذ لو کان له لم تنقل الفتحه فی نحو یخاف ویهاب ، وهی أخف الحرکات ، فلا یستثقل وخاصه بعد السکون ، ولا سیما فی الوسط ، وأیضا فالضمه والکسره لا تستثقلان علی الواو والیاء إذا سکن ما قبلهما کما فی ظبی ودلو

فان قیل : ذلک لأن الاسم أخف من الفعل ، والأصل فی الاعلال الفعل کما یجیء فی باب الاعلال

قلت : نعم ، ولکن الواو والیاء المذکورین فی طرف الاسم ، وهما فی الفعل فی الوسط ، والطرف أثقل من الوسط

فان قیل : لم تستثقل فی الاسم لکون الحرکه الإعرابیه عارضه

قلت : نوع الحرکه الإعرابیه لازم ، وإن کانت کل واحده منهما عارضه ، ولو لم یعتد بالحرکه الإعرابیه فی باب الإعلال لم یعلّ نحو قاض وعصا ؛ فإذا تبین أن النقل لیس للاستثقال قلنا : إنه وجب إسکان العین تبعا لأصل الکلمه ، وهو الماضی من الثلاثی ؛ إذ الأصل فی الإعلال الفعل کما یبین فی بابه ، وأصل الفعل الماضی ، فلما أسکنت نقلت الحرکه إلی ما قبلها لتدل علی البنیه کما شرحنا وإنما فرق فی اسم المفعول من الثلاثی بین الواوی والیائی نحو مقول ومبیع ؛ لأن الأصل فی هذا الإعلال - أعنی إسکان الواو والیاء الساکن ما قبلهما -

ص: 82

هو الفعل کما ذکرنا ، ألا تری أن نحو دلو وظبی لم یسکن الواو والیاء فیهما مع تطرفهما ، ثم حملت الأسماء المتصله بالأفعال فی هذا الإعلال علی الفعل إذا وافقته لفظا بالحرکات والسکنات ، کما فی مقام ومعیشه ومصیبه ، واسم المفعول من الثلاثی وإن شابه الفعل معنی واتصل به لفظا ، لاشتقاقهما من أصل واحد ، لکن لیس مثله فی الحرکات والسکنات فأجری مجری الفعل من وجه ، وجعل مخالفا له من آخر : فالأول بإسکان عینه ، والثانی بالفرق بین واویه ویائیه ، مع إمکان التنبیه علی البنیه ، فالأولی علی هذا أن نقول : حذفت ضمه العین فی مقوول ومبیوع إتباعا للفعل فی إسکان العین ، وضمت الفاء فی الواوی وکسرت فی الیائی کما قلنا فی قلت وبعت دلاله علی الواوی والیائی

ولیست هذه الزیادات قیاسا مطردا ؛ فلیس لک أن تقول مثلا فی ظرف : أظرف ، وفی نصر : أنصر ، ولهذا ردّ علی الأخفش فی قیاس أظنّ وأحسب وأخال علی أعلم وأری ، وکذا لا تقول : نصّر ولا دخّل ، وکذا فی غیر ذلک من الأبواب ، بل یحتاج فی کل باب إلی سماع استعمال اللفظ المعین ، وکذا استعماله فی المعنی المعین (1) ، فکما أن لفظ أذهب وأدخل یحتاج فیه إلی

ص: 84

السماع فکذا معناه الدی هو النقل مثلا ؛ فلیس لک أن تستعمل أذهب بمعنی أزال الذهاب أو عرّض للذهاب أو نحو ذلک

والأغلب أن تجیء هذه الأبواب مما جاء منه فعل ثلاثی ، وقد تجیء مما لم یأت منه ذلک ، کألجم وأسحم وجلّد وقرّد واستحجر المکان واستنوق (1) الجمل ، ونحو ذلک ، وهو قلیل بالنسبه إلی الأول

ص: 85

متعدیا إلی ثلاثه أولها للجعل والثانی والثالث لأصل الفعل ، وهو فعلان فقط : أعلم ، وأری

وقد یجیء الثلاثی متعدیا ولازما فی معنی واحد ، نحو فتن الرجل : أی صار مفتتنا ، وفتنته : أی أدخلت فیه الفتنه ، وحزن وحزنته : أی أدخلت فیه الحزن ، ثم تقول : أفتنته وأحزنته ، فیهما ، لنقل فتن وحزن اللازمین لا المتعدیین ، فأصل معنی أحزنته جعلته حزینا ، کأذهبته وأخرجته ، وأصل معنی حزنته جعلت فیه الحزن وأدخلته فیه ، ککحلته ودهنته : أی جعلت فیه کحلا ودهنا ، والمغزی من أحزنته وحزنته شیء واحد ؛ لأن من أدخلت فیه الحزن فقد جعلته حزینا ، إلا أن الأول یفید هذا المعنی علی سبیل النقل والتصییر لمعنی فعل آخر - وهو حزن - دون الثانی

وقولهم أسرع وأبطأ فی سرع وبطؤ ؛ لیس الهمزه فیهما للنقل ، بل الثلاثی والمزید فیه معا غیر متعدیین ، لکن الفرق بینهما أن سرع وبطؤ أبلغ ؛ لأنهما کأنهما غریزه کصغر وکبر

ولو قال المصنف مکان قوله «الغالب فی أفعل أن یکون للتعدیه» : «الغالب أن یجعل الشیء ذا أصله» لکان أعم ؛ لأنه یدخل فیه ما کان أصله جامدا ، نحو أفحی قدره : أی جعلها ذات (1) فحا وهو الأبرار ، وأجداه : أی جعله ذا جدی (2) ، وأذهبه : أی جعله ذا ذهب

وقد یجیء أفعل لجعل الشیء نفس أصله إن کان الأصل جامدا ، نحو أهدیت الشیء : أی جعلته هدیّه أو هدیا (3)

ص: 87

بحینونه حصاده ، ونحوه أجدّ النخل وأقطع (1) ویجوز أن یکون ألام مثله : أی حان أن یلام

ومن هذا النوع - أی : صیرورته ذا کذا - دخول الفاعل فی الوقت المشتق منه أفعل ، نحو أصبح وأمسی وأفجر وأشهر : أی دخل فی الصباح والمساء والفجر والشهر ، وکذا منه دخول الفاعل فی وقت ما اشتق منه أفعل ، نحو أشملنا وأجنبنا وأصبینا وأدبرنا : أی دخلنا فی أوقات هذه الریاح (2) قال سیبویه : ومنه أدنف ، أی : حصل فی وقت الدّنف (3) ، ومنه الدخول فی المکان الذی هو أصله ، والوصول إلیه ، کأکدی : أی وصل إلی الکدیه (4) وأنجد وأجبل : أی وصل إلی نجد وإلی الجبل ، ومنه الوصول إلی العدد الذی هو أصله ، کأعشر وأتسع وآلف : أی وصل إلی العشره والتسعه والألف ؛ فجمیع هذا بمعنی صار ذا کذا : أی صار ذا الصبح ، وذا المساء ، وذا الشّمال ، وذا الجنوب ، وذا الکدیه ، وذا الجبل ، وذا العشره

قوله «ولوجوده علیها» أی : لوجودک مفعول أفعل علی صفه ، وهی کونه

ص: 90

فاعلا لأصل الفعل ، نحو أکرمت فاربط : أی وجدت فرسا کریما ، وأسمنت : أی وجدت سمینا ، وأبخلته : أی وجدته بخیلا ، أو کونه مفعولا لأصل الفعل ، نحو أحمدته : أی وجدته محمودا ، وأما قولهم «أفحمتک : أی وجدتک مفحما» فکأنّ أفعل فیه منقول من نفس أفعل ، کقولک فی التعجب : ما أعطاک للدنانیر ، ویقال : أفحمت الرجل : أی أسکتّه ، قال عمرو بن معدی کرب لمجاشع بن مسعود السلمی - وقد سأله فأعطاه - : لله درکم یا بنی سلیم ، سألناکم فما أبخلناکم ، وقاتلناکم فما أجبنّاکم ، وهاجیناکم فما أفحمناکم : أی ما وجدناکم بخلاء وجبناء ومفحمین (1)

قوله «وللسلب» أی : یجیء لسلبک عن مفعول أفعل ما اشتق منه ، نحو أشکیته : أی أزلت شکواه

قوله «وبمعنی فعل» نحو قلت البیع وأقلته. وقد ذکرنا أنه لا بد للزیاده من معنی ، وإن لم یکن إلا التأکید

وقد جاء أفعل بمعنی الدعاء ، نحو أسقیته : أی دعوت له بالسّقیا ، قال ذو الرمه : -

12 - وقفت علی ربع لمیّه ناقتی

فما زلت أبکی عنده وأخاطبه

ص: 91

وأسقیه حتّی کاد ممّا أبثّه

تکلّمنی أحجاره وملاعبه (1)

والأکثر فی باب الدعاء فعّل ، نحو جدّعه وعقّره : أی قال : جدعه الله ، وعقره (2) ، وأفعل داخل علیه فی هذا المعنی ،

والأغلب من هذه المعانی المذکوره النقل ، کما ذکرنا

وقد یجیء أفعل لغیر هذه المعانی ، ولیس له ضابطه کضوابط المعانی المذکوره کأبصره : أی رآه ، وأوعزت إلیه : أی تقدمت ، وقد یجیء مطاوع فعّل ، کفطّرته فأفطر وبشرته فأبشر ، وهو قلیل

13 - ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها

حتّی أتیت أبا عمرو بن عمّار (1)

أی : أفتّحها وأغلّقها ، وموّت المال : أی وقع الموتان فی الابل فکثر فیها (2) الموت ، وجوّلت وطوّفت : أی أکثرت الجولان والطواف ، قیل : ولذلک سمی الکتاب العزیز تنزیلا ؛ لأنه لم ینزّل جمله واحده ، بل سوره سوره وآیه آیه ، ولیس نصافیه ، ألا تری إلی قوله تعالی : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَیْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَهً واحِدَهً) وقوله : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَیْهِمْ مِنَ السَّماءِ آیَهً)

ثم إن التکثیر یکون فی المتعدی کما فی غلّق وقطّع ، وقد یکون فی اللازم کما فی جوّل وطوّف وموّت

قوله «وللتعدیه نحو فرّحته» معنی التعدیه فی هذا الباب کما فی باب أفعل علی ما شرحنا ، والأولی أیضا ههنا أن یقال فی مقام التعدیه : [هو] بمعنی جعل الشیء ذا أصله ؛ لیعم نحو فحّی القدر : أی جعلها ذات فحا ، وشسّع النعل (3) ، وهذا لا یتعدی إلی ثلاثه کأفعل إلا محمولا علی أفعل کحدّث وخبّر ، کما مرّ فی أفعال القلوب

ص: 93

قوله «ومنه فسّقته» إنما قال ذلک لأن أهل التصریف جعلوا هذا النوع قسما برأسه ، فقالوا : یجیء فعّل لنسبه المفعول إلی أصل الفعل وتسمیته به ، نحو فسّقته : أی نسبته إلی الفسق وسمیته فاسقا ، وکذا کفّرته ، فقال المصنف : یرجع معناه إلی التعدیه ، أی : جعلته فاسقا بأن نسبته إلی الفسق

ویجیء للدعاء علی المفعول بأصل الفعل ، نحو جدّعته وعقّرته : أی قلت له جدعا لک ، وعقرا لک ، أو الدعاء له ، نحو سقّیته : أی قلت له سقیا لک

قوله «وللسلب» قد مر معناه ، نحو قرّدت البعیر : أی أزلت قراده ، وجلّدته :

أی أزلت جلده بالسّلخ

قوله «وبمعنی فعل» نحو زیّلته : أی زلته أزیله زیلا : أی فرّقته ، وهو أجوف (1) یائی ، ولیس من الزوال ؛ فهما مثل قلته وأقلته

ص: 94

ویجیء أیضا بمعنی صار ذا أصله ، کورّق : أی أورق : أی صار ذا ورق ، وقیّح الجرح : أی صار ذا قیح (1)

وقد یحیء بمعنی صیروره فاعله أصله المشتقّ منه ، کروّض المکان : أی صار روضا ، وعجّزت المرأه ، وثیّبت ، وعوّنت : أی صارت عجوزا وثیّبا وعوانا (2)

ویجیء بمعنی تصییر مفعوله علی ما هو علیه ، نحو قوله «سبحان الذی ضوّأ الأضواء ، وکوّف الکوفه ، وبصّر البصره» أی : جعلها أضواء وکوفه وبصره

ویجیء بمعنی عمل شیء فی الوقت المشتق هو منه ، کهجّر : أی سار فی الهاجره (3) ، وصبّح : أی أتی صباحا ، ومسّی وغلّس (4) : أی فعل فی الوقتین شیئا

ص: 95

ویجیء بمعنی المشی إلی الموضع المشتقّ هو منه ، نحو کوّف : أی مشی إلی الکوفه ، وفوّز وغوّر : أی مشی إلی المفازه والغور (1)

وقد یجیء لمعان غیر ما ذکر غیر مضبوطه بمثل الضوابط المذکوره ، نحو جرّب وکلّم

ویسمج جعله حالا من قوله «أصله» أو من قوله «أحد الأمرین» لأن الظاهر من کلامه أن قوله «لنسبه أصله إلی أحد الأمرین متعلقا بالآخر للمشارکه صریحا» مقدمه یرید أن یبنی علیها صیروره الفعل اللازم فی فاعل متعدیا إلی واحد ، والمتعدی إلی واحد غیر مشارک متعدیا إلی اثنین ، مشیرا إلی قوله فی الکافیه «المتعدی ما یتوقف فهمه علی متعلق» فعلی هذا الذی یتوقف فهمه علی هذا الأمر الآخر الذی هو المشارک - بفتح الراء - ویتعلق به هو معنی فاعل ؛ لکونه متضمنا معنی المشارکه ، لا أصله ؛ فإن قولک «کارمت زیدا» لیس فهم الکرم فیه متوقفا علی زید ؛ إذ هو لازم ، وکذا «جاذبت زیدا الثوب» لیس الجذب متعلقا بزید ؛ إذ هو لیس بمجذوب ، بلی فی قولک «ضارب زید عمرا» الضرب متعلق بعمرو ؛ لأنه مفعول له ، لکن انتصابه لیس لکونه مضروبا ، بل لکونه مشارکا ، کما فی قولک «کارمت زیدا» و «جاذبت زیدا الثوب» وکذا لیس أحد الأمرین متعلقا بالآخر فی «ضاربت زیدا» تعلقا یقصده المصنف ؛ إذ هو فی بیان کون فاعل متعدیا بالنقل ، وإنما یکون متعدیا إذا کان معنی الفعل متعلقا بغیره ، علی ما ذکر فی الکافیه ، ومن ثم قال فی الشرح «ومن ثم جاء غیر المتعدی متعدیا لتضمنه المعنی المتعلّق» یعنی المشارکه ، وفی جعله حالا من المضاف إلیه - أعنی الضمیر المجرور فی قوله «أصله» - ما فیه ، کما مر فی باب (1) الحال ، والظاهر أنه قصد جعله حالا من أحد الأمرین مع سماجته ، ولو قال «لتعلق مشارکه أحد الأمرین الآخر فی أصل الفعل بذلک الآخر صریحا

ص: 97

فیجیء العکس ضمنا» لکان أصرح فیما قصد من بناء قوله «ومن ثم کان غیر المتعدی» الخ علیه.

قوله «صریحا» أی : أن أحد الأمرین صریحا مشارک والآخر مشارک ؛ فیکون الأول فاعلا صریحا والثانی مفعولا صریحا ، «ویجیء العکس ضمنا» أی : یکون المنصوب مشارکا - بکسر الراء - والمرفوع مشارکا ضمنا ؛ لأن من شارکته فقد شارکک ؛ فیکون الثانی فاعلا والأول مفعولا من حیث الضّمن والمعنی.

قوله «ومن ثم» أی : من جهه تضمن فاعل معنی المشارکه المتعلقه بعد أحد الأمرین بالآخر.

قوله «والمتعدی إلی واحد مغایر للمفاعل» بفتح العین : أی إلی واحد هو غیر المشارک فی هذا الباب - بفتح الراء - أی : إن کان المشارک ههنا - بفتح الراء - مفعول أصل الفعل کان المتعدی إلی واحد فی الثلاثی متعدیا إلی واحد ههنا أیضا ، نحو «ضاربت زیدا» فان المشارک فی الضرب هو المضروب فمفعول أصل الفعل ومفعول المشارکه شیء واحد ، فلم یزد مفعول آخر بالنقل ، وإن کان المشارک ههنا غیر مفعول أصل الفعل ، نحو «نازعت زیدا الحدیث» فان مفعول أصل الفعل هو الحدیث إذ هو المنزوع ، والمشارک زید ؛ صار الفعل إذن متعدیا إلی مفعولین ، وکذا «نازعت زیدا عمرا» فاعلم أن المشارک - بفتح الراء - فی باب فاعل قد یکون هو الذی أوقع أصل الفعل علیه ک «ضاربت زیدا» فی المتعدی ، و «کارمته» فی اللازم ، وقد یکون غیر ذلک نحو «نازعت زیدا الحدیث» فی المتعدی ، و «سایرته فی البریه» فی اللازم ، وقد یکون ما زاد من المفعول فی باب المفاعله هو المعامل - بفتح المیم - بأصل الفعل ، لا علی وجه المشارکه کما فی قول علی رضی الله عنه «کاشفتک الغطاءات» وقولک : عاودته ، وراجعته.

ص: 98

قوله «بمعنی فعّل» أی : یکون للتکثیر کفعل ، نحو «ضاعفت الشّیء» أی : کثرت أضعافه کضعّفته ، و «ناعمه الله» کنعمّه : أی کثر نعمته (1) بفتح النون.

قوله «بمعنی فعل» کسافرت بمعنی (2) سفرت : أی خرجت إلی السفر ولا بد فی «سافرت» من المبالغه کما ذکرنا ، وکذا «ناولته الشیء» أی : نلته إیاه - بضم النون - أی أعطیته ، وقریء (إن الله یدفع) و (ویدافع)

وقد یجیء بمعنی جعل الشیء ذا أصله کأفعل وفعّل ، نحو «راعنا سمعک» أی : اجعله ذا رعایه لنا کأرعنا ، و «صاعر خدّه» أی : جعله ذا صعر (3) و «عافاک الله» أی جعلک ذا عافیه ، و «وعاقبت فلانا» أی : جعلته ذا عقوبه

وأکثر ما تجیء هذه الأبواب الثلاثه متعدیه.

أقول : لا شک أن فی قول المصنف قبل «لنسبه أصله إلی أحد الأمرین متعلقا بالآخر للمشارکه صریحا» وقوله ههنا «لمشارکه أمرین فصاعدا فی أصله صریحا» تخلیطا ومجمجه (1) وذلک أن التعلق المذکور فی الباب الأول والمشارکه المذکوره ههنا أمران معنویان ، لا لفظیان ، ومعنی «ضارب زیدا عمرا» و «تضارب زید وعمرو» شیء واحد ، کما یجیء ، فمعنی التعلق والمشارکه فی کلا البابین ثابت ؛ فکما أن للمضاربه تعلقا بعمرو صریحا فی قولک «ضارب زید عمرا» فکذا للتضارب فی «تضارب زید وعمرو» تعلق صریح به ، وکما أن زیدا وعمرا متشارکان صریحا فی «تضارب زید وعمرو» فی الضرب الذی هو الأصل فکذا هما متشارکان فیه صریحا فی «ضارب زید عمرا» فلو کان مطلق تعلق الفعل بشیء صریحا یقتضی کون المتعلّق به مفعولا به لفظا وجب انتصاب عمرو فی «تضارب زید وعمرو» ولو کان مطلق تشارک أمرین فصاعدا صریحا فی أصل الفعل یقتضی ارتفاعهما لارتفع زید وعمرو فی «ضارب زید عمرا» فظهر أنه لا یصح بناء قوله فی الباب الأول «ومن ثم جاء غیر المتعدی متعدیا» علی التعلق ، ولا بناء قوله فی هذا الباب «ومن ثم نقص مفعولا عن فاعل» علی المشارکه ، وکان أیضا من حق اللفظ أن یقول : تفاعل لاشتراک أمرین ، لأن المشارکه تضاف إما إلی الفاعل أو إلی المفعول تقول : أعجبتنی مشارکه القوم عمرا ، أو مشارکه عمرو القوم ، وأما إذا قصدت بیان کون المضاف إلیه فاعلا ومفعولا معا فالحق أن تجیء بباب التفاعل أو الافتعال ، نحو أعجبنی تشارکنا ، واشتراکنا ، هذا ، والأولی ما قال المالکی (2) وهو أن فاعل

ص: 100

لاقتسام الفاعلیه والمفعولیه لفظا ، والاشتراک فیهما معنی ، وتفاعل للاشتراک فی الفاعلیه لفظا ، وفیها وفی المفعولیه معنی

واعلم أن الأصل المشترک فیه فی بابی المفاعله والتفاعل یکون معنی ، وهو الأکثر ، نحو : ضاربته ، وتضاربنا ، وقد یکون عینا نحو (1) ساهمته : أی قارعته وسایفته ، وساجلته ، وتقارعنا ، وتسایفنا ، وتساجلنا (2)

أنه قد یعبر عن معنی واحد بعبارتین تخالف مفردات إحداهما مفردات الأخری معنی من حیث الوضع ، وکذا إعراباتها ، کما تقول : جاءنی القوم إلا زیدا ، وجاءنی القوم ولم یجیء من بینهم زید ، أو جاءونی وتخلف زید ، أو لم یوافقهم زید ، ونحو ذلک ، والمقصود من الکل واحد ، فکذا «ضارب زید عمرا» : أی شارکه فی الضرب ، و «تضارب زید وعمرو» أی : تشارکا فیه ، والمقصود من شارکه وتشارکا شیء واحد مع تعدی الأول ولزوم الثانی

قوله «ومن ثم نقص» أی : ومن جهه کون تفاعل فی الصریح وظاهر اللفظ مسندا إلی الأمرین المشترکین فی أصل الفعل بخلاف فاعل فانه لاسناده فی اللفظ إلی أحد الأمرین فقط ونصب الآخر نصب لفظ شارک لمفعوله ، فإن کان فاعل متعدیا إلی اثنین نحو «نازعتک الحدیث» کان تفاعل متعدیا إلی ثانیهما فقط ، ویرتفع الأول داخلا فی الفاعلیه ، نحو «تنازعنا الحدیث» و «تنازع زید وعمرو الحدیث» وإن کان فاعل متعدیا إلی واحد نحو «ضاربتک» لم یتعد تفاعل إلی شیء لدخول الأول فی جمله الفاعل ، نحو «تضاربنا» و «تضارب زید وعمرو»

قوله «نقص مفعولا» انتصاب «مفعولا» علی المصدر ، وهو بیان النوع ، کقولک : ازددت درجه ، ونقصت مرتبه ، ودنوت إصبعا ، أی : نقص هذا القدر من النقصان ، ویجوز أن یکون تمییزا ؛ إذ هو بمعنی الفاعل : أی نقص مفعول واحد منه

قوله «ولیدل علی أن الفاعل أظهر الخ» معنی «تغافلت» أظهرت من نفسی الغفله التی هی أصل تغافلت ، فتغافل علی هذا لإبهامک الأمر علی من تخالطه وتری من نفسک ما لیس فیک منه شیء أصلا ، وأما تفعّل فی معنی التکلف نحو : تحلّم وتمرّأ (1) فعلی غیر هذا لأن صاحبه یتکلف أصل ذلک الفعل

ص: 102

ویرید حصوله فیه حقیقه ، ولا یقصد إظهار ذلک إیهاما علی غیره أن ذلک فیه وفی تفاعل لا یرید ذلک الأصل حقیقه ، ولا یقصد حصوله له ، بل یوهم الناس أن ذلک فیه لغرض له

قوله «وبمعنی فعل» لا بد فیه من المبالغه کما تقدم

قوله «مطاوع فاعل» لیس معنی المطاوع هو اللازم کما ظنّ ، بل المطاوعه فی اصطلاحهم التأثر وقبول أثر الفعل ، سواء کان التأثر متعدیا ، نحو : علّمته الفقه فتعلّمه : أی قبل التعلیم ، فالتعلیم تأثیر والتعلم تأثر وقبول لذلک الأثر ، وهو متعدّ کما تری ، أو کان لازما ، نحو : کسرته فانکسر : أی تأثر بالکسر ، فلا یقال فی «تنازع زید وعمرو الحدیث» ، إنه مطاوع «نازع زید عمرا الحدیث» ولا فی «تضارب زید وعمرو» إنه مطاوع «ضارب زید عمرا» لأنهما بمعنی واحد ، کما ذکرنا ، ولیس أحدهما تأثیرا والآخر تأثرا ، وإنما یکون تفاعل مطاوع فاعل إذا کان فاعل لجعل الشیء ذا أصله ، نحو : باعدته : أی بعدّته ، فتباعد : أی بعد ، وإنما قیل لمثله مطاوع لأنه لما قبل الأثر فکأنه طاوعه ولم یمتنع علیه ، فالمطاوع فی الحقیقه هو المفعول به الذی صار فاعلا ، نحو «باعدت زیدا فتباعد» المطاوع هو زید ، لکنهم سمّوا فعله المسند إلیه مطاوعا مجازا

وقد یجیء تفاعل للاتفاق فی أصل الفعل لکن لا علی معامله بعضهم بعضا

ص: 103

بذلک ، کقول علی رضی الله تعالی عنه «تعایا أهله بصفه ذاته» (1) وقولهم : «بمعنی أفعل نحو تخاطأ بمعنی اخطأ» مما لا جدوی له ، لأنه إنما یقال هذا الباب بمعنی ذلک الباب إذا کان الباب المحال علیه مختصا بمعنی عام مضبوط بضابط فیتطفّل الباب الآخر علیه فی ذلک المعنی ، أما إذا لم یکن کذا فلا فائده فیه ، وکذا فی سائر الأبواب ، کقولهم : تعاهد بمعنی تعهّد ، وغیر ذلک کقولهم تعهّد بمعنی تعاهد (2)

للنسبه تقدیرا ، وإن لم یثبت (1) استعماله لها ، کأنه قیل : شجّعته وحلّمته : أی نسبته إلی الشجاعه والحلم ، فتشجّع وتحلّم : أی انتسب إلیهما وتکلفهما

وتفعّل الذی للاتخاذ مطاوع فعّل الذی هو لجعل الشیء ذا أصله ، إذا کان أصله اسما لا مصدرا ، «فتردّی الثوب» مطاوع «ردّیته الثوب» : أی جعلته ذا رداء ، وکذا «توسّد الحجر» : أی صار ذا وساده هی الحجر مطاوع «وسّدته الحجر» فهو مطاوع فعّل المذکور المتعدی إلی مفعولین ثانیهما بیان لأصل الفعل ؛ لأن الثوب بیان الرداء والحجر بیان الوساده ، فلا جرم یتعدی هذا المطاوع إلی مفعول واحد

وتفعّل الذی للتجنب مطاوع فعّل الذی للسلب تقدیرا ، وإن لم یثبت استعماله (2) کأنه قیل : أثّمته وحرّجته بمعنی جنّبته عن الحرج والإثم وأزلتهما عنه کقرّدته ، فتأثم وتحرّج : أی تجنب الإثم والحرج

وتفعّل الذی للعمل المتکرر فی مهله مطاوع فعّل الذی للتکثیر ، نحو جرّعتک الماء فتجرّعته : أی کثّرت لک جرع الماء (3) فتقبّلت ذلک التکثیر وفوّقته اللّبن فتفوّقه وحسّیته المرق فتحسّاه : أی کثّرت له فیقه وهو

ص: 105

جنس الفیقه (1) : أی قدر اللبن المجتمع بین الحلبتین ، وکثرت له حساءه (2)

قوله «ومنه تفهّم» إنما قال «ومنه» لأن معنی الفعل المتکرر فی مهله لیس بظاهر فیه ، لأن الفهم لیس بمحسوس کما فی التّجرّع والتّحسّی ، فبیّن أنه منه ، وهو من الأفعال الباطنه المتکرره فی مهله ، هذا ، والظاهر أن تفهّم للتکلف فی الفهم کالتّسمّع والتبصر

قوله «وبمعنی استفعل» تفعّل یکون بمعنی استفعل فی معنیین مختصین باستفعل : أحدهما الطلب ، نحو تنجّزته : أی استنجزته : أی طلبت نجازه : أی حضوره والوفاء به ، والآخر الاعتقاد فی الشیء أنه علی صفه أصله ، نحو استعظمته وتعظمته : أی اعتقدت فیه أنه عظیم ، واستکبر وتکبّر : أی اعتقد فی نفسه أنها کبیره

ص: 106

والأغلب فی تفعّل معنی صیروره الشیء ذا أصله کتأهّل وتألّم وتأکّل وتأسّف وتأصّل وتفکّک وتألّب : أی صار ذا أهل ، وألم ، وأکل : أی صار مأکولا ، وذا أسف ، وذا أصل ، وذا فکک (1) وذا ألب (2) فیکون مطاوع فعّل الذی هو لجعل الشیء ذا أصله ، إما حقیقه کما فی ألّبته فتألّب وأصّلته فتأصل ، وإما تقدیرا کما فی تأهل ؛ إذ لم یستعمل أهّل بمعنی جعل ذا أهل

وقد یجیء تفعّل مطاوع فعّل الذی معناه جعل الشیء نفس أصله ، إما حقیقه أو تقدیرا ، نحو تزبّب العنب ، وتأجّل الوحش (3) وتکلّل : أی صار إکلیلا (4) : أی محیطا

ص: 107

أو میم ، نحو لأمت الجرح ، أی : أصلحته ، فالتأم ، ولا تقول انلأم ، وکذا رمیت به فارتمی ، ولا تقول انرمی ، ووصلته فاتّصل ، لا انوصل ، ونفیته فانتفی لا انّفی ، وجاء امتحی وامّحی (1) ، وذلک لأن هذه الحروف مما تدغم النون الساکنه فیها ، ونون انفعل علامه المطاوعه فکره طمسها ، وأما تاء افتعل فی نحو ادّکروا طّلب فلما لم یختص بمعنی من المعانی کنون انفعل صارت کأنها لیست بعلامه ، إذ حق العلامه الاختصاص

قوله «وللاتخاذ» أی : لاتخاذک الشیء أصله ، وینبغی أن لا یکون ذلک الأصل مصدرا ، نحو اشتویت اللحم : أی اتخذته شواء ، وأطّبخ الشیء : أی جعله طبیخا ، واختبز (2) الخبز : أی جعله خبزا ، والظاهر أنه لاتخاذک الشیء أصله لنفسک ، فاشتوی اللّحم : أی عمله شواه لنفسه ، وامتطاه : أی جعله لنفسه مطیه ، وکذا اغتذی وارتشی (3) واعتاد

قوله «وللتفاعل» نحو اعتوروا : أی تناوبوا ، واجتوروا : أی تجاوروا ، ولهذا لم یعلّ ؛ لکونه بمعنی ما لا یعل

ص: 109

قوله «وللتصرف» أی : الاجتهاد والاضطراب فی تحصیل أصل الفعل ، فمعنی کسب أصاب ، ومعنی اکتسب اجتهد فی تحصیل الاصابه بأن زاول أسبابها ؛ فلهذا قال الله تعالی : (لَها ما کَسَبَتْ) أی : اجتهدت فی الخیر أو لا فانه لا یضیع (وَعَلَیْها مَا اکْتَسَبَتْ) أی : لا تؤاخذ إلا بما اجتهدت فی تحصیله وبالغت فیه من المعاصی ، وغیر سیبویه لم یفرق بین کسب واکتسب

وقد یجیء افتعل لغیر ما ذکرنا مما لا یضبط ، نحو ارتجل الخطبه ، ونحوه

ویکون للتحول إلی الشیء حقیقه ، نحو استحجر الطین : أی صار حجرا حقیقه ، أو مجازا : أی صار کالحجر فی الصلابه ، وإن البغاث بأرضنا یستنسر (1) أی : یصیر کالنسر فی القوه ، والبغاث - مثلث الفاء - ضعاف الطیر

قوله «بمعنی فعل» نحو قرّ واستقرّ ، ولا بد فی استقرّ من مبالغه

ویجیء أیضا کثیرا للاعتقاد فی الشیء أنه علی صفه أصله ، نحو استکرمته : أی اعتقدت فیه الکرم ، واستسمنته : أی عددته ذا سمن ، واستعظمته : أی عددته ذا عظمه

ویکون أیضا للاتخاذ کما ذکرنا فی افتعل ، نحو استلأم (2)

ص: 111

وقد یجیء لمعان أخر غیر مضبوطه

اغرندی (1) ، وقد یجیء افعوعل کذلک ، نحو اذ لولی : أی استتر (2) ، وکذا افعلّ وافعالّ یجیئان مرتجلین ، نحو اقطرّ واقطار : أی أخذ فی الجفاف

وجمیع الأبواب المذکوره یجیء متعدیا ولازما ، إلا انفعل وافعلّ وافعالّ

واعلم أن المعانی المذکوره للأبواب المتقدمه هی الغالبه فیها ، وما یمکن ضبطه ، وقد یجیء کل واحد منها لمعان أخر کثیره لا تضبط کما تکررت الإشاره إلیه

وکأنه محذوف الجار : أی یغرندی علی ، ویسرندی علی : أی یغلب ویتسلط

واعلم أن المعانی المذکوره للأبنیه المذکوره لیست مختصه بمواضیها ، لکنه إنما ذکرها فی باب الماضی لأنه أصل الأفعال

یرکن من التّداخل (1) ، ولزموا الضّمّ فی الأجوف بالواو والمنقوص بها ، والکسر فیهما بالیاء ، ومن قال طوّحت وأطوح وتوّهت وأتوه فطاح یطیح وتاه یتیه شاذّ عنده أو من التّداخل (2) ، ولم یضمّوا فی المثال ، ووجد

ص: 115

یجد ضعیف ، ولزموا الضّمّ فی المضاعف المتعدّی نحو یشدّه ویمدّه (1) وجاء الکسر فی یشدّه ویعلّه (2) وینمّه ویبتّه ، ولزموه فی حبّه یحبّه وهو قلیل (3)»

ص: 116

ویقبح استعماله ، فإن عرف الاستعمال فذاک ، وإلا استعملا معا ، ولیس علی المستعمل شیء ، وقال بعضهم : بل القیاس الکسر ؛ لأنه أکثر ، وأیضا هو أخف من الضم

وبعد ، فاعلم أنهم استعملوا اللغتین فی ألفاظ کثیره کعرش یعرش ، ونفر ینفر ، وشتم یشتم ، ونسل ینسل ، وعلف یعلف ، وفسق یفسق ، وحسد یحسد ویلمز ، ویعتل ، ویطمث ، ویقتر ، وغیر ذلک مما یطول ذکره

المتحرک التبس الأمر علی بعض الناس فظنوا أن الحرکه علی الحرف ، وبعضهم تجاوز ذلک وقال : هی قبل الحرف ، وکلاهما وهم ، وإذا تأملت أحسست بکونها بعده ، ألا تری أنک لا تجد فرقا فی المسموع بین قولک الغزو - باسکان الزای والواو - وبین قولک الغز - بحذف الواو وضم الزای - وکذا قولک الرّمی - باسکان المیم والیاء - والرّم - بحذف الیاء وکسر المیم - وذلک لأنک إذا أسکنت حرف العله بلا مد ولا اعتماد علیه صار بعض ذلک الحرف فیکون عین الحرکه إذ هی أیضا بعض الحرف ، کما قلنا ، ثم إن حروف الحلق سافله فی الحلق یتعسر النطق بها ، فأرادوا أن یکون قبلها إن کانت لاما الفتحه التی هی جزء الألف التی هی أخفّ الحروف ؛ فتعدل خفتها ثقلها ، وأیضا فالألف من حروف الحلق أیضا فیکون قبلها جزء من حرف من حیّزها ، وکذا أرادوا أن یکون بعد حرف الحلق بلا فصل إن کانت عینا الفتحه الجامعه للوصفین ؛ فجعلوا الفتحه قبل الحلقی إن کان لاما ، وبعده إن کان عینا ؛ لیسهل النطق بحروف الحلق الصعبه ، ولم یفعلوا ذلک إذا کان الفاء حلقیا : إما لأن الفاء فی المضارع ساکنه فهی ضعیفه بالسکون [میّته] ، وإما لأن فتحه العین إذن تبعد من الفاء ؛ لأن الفتحه تکون بعد العین التی بعد الفاء ، ولیس تغییر حرف الحلق من الضم أو الکسر إلی الفتح بضربه لازب ، بل هو أمر استحسانی ، فلذلک جاء برأ یبرؤ (1) ، وهنأ یهنئ ، وغیر ذلک ، وهی لا تؤثر فی فتح ما یلزمه وزن واحد

ص: 119

مطرد ؛ فلذلک لا تفتح عین مضارع فعل یفعل - بضم العین - نحو وضؤ (1) یوضؤ ، ولا فی ذوات الزوائد مبنیه للفاعل أو للمفعول ، نحو أبرأ یبرئ (2) ، واستبرأ یستبرئ (3) ، وأبرئ واستبرئ ، وذلک لکراهتهم خرم قاعده ممهّده ، وإنما جاز فی مضارع فعل لأنه لم یلزم هذا المضارع ضمّ أو کسر ، بل کان یجیء تاره مضموم العین ، وتاره مکسورها ، فلم یستنکر أیضا أن یجیء شیء منه یخالفهما ، وهو الفتح ، ولما جاء فی مضارع فعل - بالکسر - مع یفعل - بالکسر - یفعل - بالفتح - وهو الأکثر ، کما یجیء ، جوّزوا تغییر بعض المکسور إلی الفتح لأجل حرف الحلق ، وذلک فی حرفین وسع یسع (4) ووطیء یطأ ، دون ورع یرع ووله یله ووهل یهل ووغر یغر ووحر یحر (5) ، وإنما

ص: 120

لم یغیر فی ماضی فعل یفعل ، نحو وضؤ یوضؤ ؛ لأنه لو فتح لم یعرف بضم المضارع أن ماضیه کان فی الأصل مضموم العین ؛ لأن ماضی مضموم العین یکون مضموم العین ومفتوحها ، وکلاهما أصل ، بخلاف مضارع فعل ؛ فان الفتح فی عین الماضی یرشد إلی أن عین المضارع إما مکسوره أو مضمومه ، کما تقرّر قبل ، فیعلم بفتح عین الماضی فرعیه فتح عین المضارع ، وأما فتحه عین یسع ویطأ فلا یلتبس بالأصلیه فی نحو یحمد ویرهب ، وإن کان فتح عین مضارع فعل - بکسرها - أکثر من الکسر ؛ لأن سقوط الواو فیهما یرشد إلی کونهما فرعا للکسره ، وإنما لم تغیر لحرف الحلق عین فعل المکسور العین إلی الفتح نحو سئم ؛ لأن یفعل فی مضارع فعل المفتوح العین فرع کما ذکرنا ، وفعل المضموم العین لا یجیء مضارعه مفتوحها ، فماضی یفعل المفتوح العین إذن یکون مکسورها مطردا ، وقد ذکرنا أن کل ما اطرد فیه غیر الفتح لا یغیّر ذلک کراهه لخرم القاعده کما فی أبریء ویستبریء ، وأیضا کان یلتبس بفعل یفعل المفتوح الماضی المغیر مضارعه لحرف الحلق

ص: 121

ثم إن الحروف التی من مخرج الواو ، کالباء والمیم ؛ من ضرب یضرب وصبر یصبر ونسم (1) ینسم وحمل یحمل ، لا تغیّر کسر العین إلی الضم الذی هو من مخرج الواو ، وکذا الحروف التی من مخرج الیاء ، کالجیم والشین ؛ فی شجب یشجب ومجن یمجن ومشق (2) یمشق ، لا تحوّل ضم العین إلی الکسر الذی هو من مخرج الیاء ، کما فعل حرف الحلق بالضمه والکسره ؛ علی ما تقدم ؛ لأن موضعی الواو والیاء بمنزله حیز واحد ؛ لتقارب ما بینهما واجتماعهما فی الارتفاع عن الحلق ، فکأن الحروف المرتفعه کلها من حیز واحد ، بخلاف المستفله - أی : الحلقیه - وأیضا فتحنا هناک لتعدیل ثقل الحلقیه بخفه الفتحه

ص: 122

قوله «غیر ألف» أی : أن فعل یفعل المفتوح عینهما لا یجیء بکون العین ألفا ، نحو : قال یقال ، مثلا ، أو بکون اللام ألفا ، نحو : رمی یرمی ؛ لأن الألف لا یکون فی موضع عین یفعل ولا لامه إلا بعد کون العین مفتوحه ، کما فی یهاب ویرضی ؛ فاذا کانت الفتحه ثابته قبل الألف وهی سبب حصول الألف فکیف یکون الألف سبب حصول الفتحه؟!!

«وشذ أبی یأبی» قال بعضهم : إنما ذلک لأن الألف حلقیه ، ولیس بشیء لما ذکرنا أن الفتحه سبب الألف فکیف یکون الألف سببها؟ قال سیبویه : «ولا نعلم إلا هذا (1) الحرف» ، وذکر أبو عبیده جبوت الخراج (2) أجبی ،

ص: 123

وأجبو هو المشهور ، وحکی سیبویه أیضا قلی یقلی ؛ والمشهور یقلی بالکسر ، وحکی هو وأبو عبیده عضضت تعضّ ، والمشهور عضضت بالکسر ، وحکی غیر سیبویه رکن یرکن وزکن یزکن ، من الزّکن (1) ، وزکن بالکسر أشهر ، وحکی أیضا غسا اللیل - أی : أظلم - یغسی ، وشجا یشجی ، وعثا (2) یعثی ، وسلا یسلا ، وقنط یقنط ؛ ویجوز أن یکون غسا وشجا وعثا وسلا طائیه کما فی قوله : -

* ...... بنت علی الکرم (3) *

ص: 124

لأنه جاء عثی یعثی وغسی یغسی وشجی یشجی وسلی یسلی وأما قلی یقلی فلغه ضعیفه عامریه ، والمشهور کسر مضارعه ، وحکی بعضهم قلی یقلی - کتعب یتعب - فیمکن أن یکون متداخلا ، وأن یکون طائیا ، لأنهم یجوزون قلب الیاء ألفا فی کل ما آخره یاء مفتوحه فتحه غیر إعرابیه مکسور ما قبلها ، نحو بقی فی بقی ، ودعی فی دعی ، وناصاه فی ناصیه (1) وأما زکن یزکن بالزای إن ثبت فشاذّ ، وکذا ما قرأ الحسن : (ویهلک الحرث) بفتح اللام ، ورکن یرکن کما حکاه أبو عمرو من التداخل ، وذلک لأن رکن یرکن - بالفتح فی الماضی والضم فی المضارع - لغه مشهوره ، وقد حکی أبو زید عن قوم رکن بالکسر یرکن بالفتح ، فرکب من اللغتین رکن یرکن بفتحهما ، وکذا قال الأخفش فی قنط یقنط لأن قنط یقنط کیقعد ویجلس مشهوران ، وحکی قنط یقنط کتعب یتعب

قوله «ولزموا الضم فی الأجوف بالواو والمنقوص بها» ، إنما لزموا الضم فیما ذکر حرصا علی بیان کون الفعل واویا ، لایائیا ، إذ لو قالوا فی قال وغزا : یقول ویغزو ؛ لوجب قلب واو المضارعین یاء لما مر من أن بیان البنیه عندهم أهم من الفرق بین الواوی والیائی ، فکان یلتبس إذن الواویّ بالیائی فی الماضی والمضارع ولهذا بعینه التزموا الکسر فی الأجوف والناقص الیائیین ، إذ لو قالوا فی باع ورمی :

ص: 125

یبیع ویرمی لوجب قلب الیاءین واوا لبیان البنیه ؛ فکان یلتبس بالواویّ الیائیّ فی الماضی والمضارع

فان قلت : ألیس الضمه فی قلت والواو فی غزوت وغزوا والکسره فی بعت والیاء فی رمیت ورمیا تفرقان فی الماضی بین الواوی والیائی؟؟

قلت : ذلک فی حال الترکیب ، ونحن نرید الفرق بینهما حال الافراد

فان قلت : ألیس یلتبسان فی الماضی والمضارع فی خاف یخاف من الخوف وهاب یهاب من الهیبه وشقی یشقی من الشقاوه وروی یروی؟؟

قلت : بلی ، ولکنهم لم یضمّوا فی واویّ هذا الباب ولم یکسروا فی یائیّه ؛ لأن فعل المکسور العین اطرد فی الأغلب فتح عین مضارعه ، ولم ینکسر إلا فی لغات قلیله کما یجیء ، فلم یقلبه حرف العله عن حاله ، بخلاف فعل بالفتح فان مضارعه یجیء مضموم العین ومکسورها ، فأثر فیه حرف العله بالزام عینه حرکه یناسبها ذلک الحرف ، وهذا کما تقدم من أن حرف الحلق لم یغیر کسره ینبیء ویستنبیء لما اطرد فیهما الکسر

فاما إن کان لام الأجوف الیائی أو عین الناقص الیائی حلقیا ، نحو شاء یشاء وشاخ یشیخ وسعی یسعی وبغی یبغی فلم یلزم کسر عین المضارع فیه کما لزم فی الصحیح کما رأیت ، وکذا إن کان عین الناقص الواویّ حلقیّا نحو شأی یشأی - أی : سبق - ورغا یرغو (1) لم یلزم ضمّ عین مضارعه کما لزم فی الصحیح علی ما رأیت ، وذلک لأن مراعاه التناسب فی نفس الکلمه بفتح العین للحلقی ، کما ذکرنا ، مساویه للاحتراز من التباس الواوی بالیائی ، وما عرفت أجوف واویّا حلقی اللام من [باب] فعل یفعل بفتحهما ، بل الضمّ فی عین المضارع لازم ، نحو ناء ینوء وناح ینوح

ص: 126

ولنا أن نعلل لزوم الضم فی عین مضارع نحو قال وغزا ، ولزوم الکسر فی عین مضارع نحو باع ورمی ، بأنه لما ثبت الفرق بین الواوی والیائی فی مواضی هذه الأفعال أتبعوا المضارعات إیاها فی ذلک ، وذلک أن ضم فاء قلت وکسر فاء بعت للتنبیه علی الواو والیاء ، ونحو دعوت ودعوا یدل علی کون اللام واوا ، ونحو رمیت ورمیا یدل علی کونها یاء ، وأما نحو خفت تخاف وهبت تهاب وشقی یشقی وروی یروی وطاح یطیح عند الخلیل (1) فإن أصله عنده طوح یطوح کحسب یحسب فلما لم یثبت فی مواضی هذه الأفعال فرق بین الواوی والیائی فی موضع من المواضع لم یفرق فی مضارعاتها

قوله «ومن قال طوّحت وأطوح وتوّهت وأتوه» اعلم أنهم قالوا : طوّحت - أی : أذهبت وحیرت - وطیّحت بمعناه ، وکذا توّهت وتیّهت بمعناهما ، وهو أطوح منک وأطیح ، وأتوه منک وأتیه ، فمن قال طیّح وتیّه فطاح یطیح وتاه یتیه عنده قیاس کباع یبیع ، ومن قال طوّح وأطوح منک وتوّه وأتوه منک فالصحیح کما حکی سیبویه عن الخلیل أنهما من باب حسب یحسب فلا یکونان أیضا شاذین ومثله آن یئین من الأوان : أی حان یحین (2) ، ولو کان طاح فعل واو یا کقال

ص: 127

لوجب أن یقال : طحت - بضم الطاء - ویطوح ، ولم یسمعا ، وکذا لم یسمع تهت ویتوه ، وقال المصنف «من قال طوّح وتوّه فطاح یطیح وتاه یتیه شاذان» بناء علی أن الماضی فعل بفتح العین ، ووجه الشذوذ فیه أن الأجوف الواوی من باب فعل المفتوح العین لا یکون مضارعه إلا مضمومها

وفی بعض نسخ هذا الکتاب «أو من التداخل» وکأنه ملحق ولیس من المصنف ، وإنما وهم من ألحقه نظرا إلی ما فی الصحاح أنه یقال : طاح یطوح ، فیکون أخذه من طاح یطوح الواوی الماضی ، ومن طاح یطیح الیائی المضارع فصار طاح یطیح ، والذی ذکره الجوهری من یطوح لیس بمسموع (1) ، ولو ثبت طاح یطوح لم یکن طاح یطیح مرکبا (2) ، بل کان طاح یطوح کقال یقول وطاح یطیح کباع یبیع ، ولیس ما قال المصنف من الشذوذ بشیء ؛ إذ لو کان

ص: 128

طاح کقال لقیل طحت کقلت بضم الفاء ، ولم یسمع ، والأولی أن لا تحمل الکلمه علی الشذوذ ما أمکن

قوله «ولم یضمّوا فی المثال» یعنی معتل الفاء الواوی والیائی ، فلم یقولوا وعد یوعد ویسر ییسر ؛ لأن قیاس عین مضارع فعل المفتوح العین علی ما تقدم إما الکسر أو الضم ، فترکوا الضم استثقالا لیاء یلیها یاء أو واو بعدها ضمه ، إذ فیه اجتماع الثقلاء ، ألا تری إلی تخفیف بعضهم واو یوجل ویاء ییأس بقلبهما ألفا نحو یاجل ویاءس ، وإن کان بعدهما فتحه وهی أخف الحرکات ، فکیف إذا کانت بعدهما ضمه؟

فان قلت : أو لیس ما فرّوا إلیه أیضا ثقیلا ، بدلیل حذف واو [نحو] یعد وجوبا وحذف یاء [نحو] ییسر عند بعضهم ، کما یجیء فی الإعلال؟

قلت : بلی ، ولکن ویل أهون من ویلین

فان قلت : فاذا کان منتهی أمرهم إلی الحذف للاستخفاف ، فهلا بنوا بعضه علی یفعل أیضا بالضم وحذفوا حرف العله حتی تخف الکلمه کما فعلوا ذلک بالمکسور العین؟

قلت : الحکمه تقتضی إذا لم یکن بد من الثقیل أو أثقل منه أن تختار الثقیل علی الأثقل ، ثم تخفف الثقیل ، لا أن تأخذ الأثقل أولا وتخففه

فان قلت : أو لیس قد قالوا : یسر ییسر (1) من الیسر ووسم یوسم؟

قلت : إنما بنوهما علی هذا الأثقل إذ لم یکن لفعل المضموم العین مضارع

ص: 129

إلا مضموم العین ، فکرهوا مخالفه المعتل الفاء لغیره بکسر عین مضارعه ، بخلاف فعل المفتوح العین ؛ فان قیاس مضارعه إما کسر العین أو ضمها علی ما تکرر الاشاره إلیه ، فأثر فیه حرف العله بالزام عین مضارعه الکسر

فان قلت : فلما ألجئوا فی فعل المضموم العین إلی هذا الأثقل فهلا خففوه بحذف الفاء؟

قلت : تطبیقا للفظه بالمعنی ، وذلک أن معنی فعل الغریزه الثابته والطبیعه اللازمه ، فلم یغیروا اللفظ أیضا عن حاله لما کان مستحقّ التغییر بالحذف فاء الکلمه وهی بعیده من موضع التغییر ؛ إذ حق التغییر أن یکون فی آخر الکلمه أو فیما یجاور الآخر ، فلذلک غیر فی طال یطول وسرو یسرو (1) ، وإن کانا من باب فعل أیضا ،

وأما وهب یهب ووضع یضع ووقع یقع وولغ یلغ فالأصل (2) فیها کسر عین المضارع ، وکذا وسع یسع ووطئ یطأ ؛ فحذف الواو ، ثم فتح العین لحرف الحلق ، وکذا ودع - أی ترک - یدع والماضی لا یستعمل إلا ضروره (3) ، قال : -

ص: 130

15 - لیت شعری عن خلیلی ما الّذی

غاله فی الحبّ حتّی ودعه (1)

وحمل یذر علی یدع لکونه بمعناه (2) ، ولم یستعمل ماضیه لا فی السعه ولا فی الضروره

ص: 131

فان قیل : فهلا حذفت الواو من یوعد مضارع أوعد مع أن الضمه أثقل

قلت : بل الضمه قبل الواو أخف من الفتحه قبلها للمجانسه التی بینهما

وإنما لم تحذف الیاء من نحو ییئس وییسر إذ هو أخف من الواو ، علی أن بعض العرب یجری الیاء مجری الواو فی الحذف ، وهو قلیل ؛ فیقول : یسر یسر ویئس یئس بحذف الیاء

قوله «ووجد یجد ضعیف» هی لغه بنی عامر ، قال لبید بن ربیعه العامریّ : -

16 - لو شئت قد نقع الفؤاد بشربه

تدع الصّوادی لا یجدن غلیلا (1)

ص: 132

یجوز أن یکون أیضا فی الأصل عندهم مکسور العین کأخواته ، ثم ضم بعد وظاهر کلام ابن جنی وابن عصفور أن الشذوذ فی یجد من جهه ضم العین لا من جهه حذف الفاء لأن العین علی کلامهما مکسوره فی الأصل فیتحقق مقتضی الحذف ، فیکون قیاسیا ، ویجوز کما قال المؤلف أن تکون الضمه أصلیه لا عارضه ؛ فیکون الشذوذ فی حذف الفاء ، وروایه الکسر التی حکاها السیرافی فی هذا البیت لا ترد هذا الاحتمال کما زعم البغدادی فی شرح الشواهد

ص: 133

حذف الواو ، ویجوز أن یکون ضمّه أصلیا حذف منه الواو لکون الکلمه بالضمه بعد الواو أثقل منها بالکسره بعدها

قوله «ولزموا الضم فی المضاعف المتعدی» نحو مدّ یمدّ ، وردّ یردّ ، إلا أحرفا جاءت علی یفعل أیضا ، حکی المبرد علّه یعله وهرّه یهرّه : أی کرهه ، وروی غیره نمّ الحدیث ینمّه ، وبتّه یبتّه ، وشدّه یشدّه ، وجاء فی بعض اللغات : حبّه یحبّه ، ولم یجیء فی مضارعه الضم

وما کان لازما فانه یأتی علی یفعل بالکسر ، نحو عفّ یعفّ ، وکلّ یکلّ - إلا ما شذ من عضضت تعضّ علی ما ذکرنا ، وحکی یونس أنهم قالوا : کععت - أی : جبنت - تکعّ بالفتح فیهما (1) وتکعّ بالکسر أشهر ؛ فمن فتح فلأجل حرف الحلق ، قال سیبویه : لما کان العین فی الأغلب ساکنا بالإدغام لم یؤثر فیه حرف الحلق کما أثر فی صنع یصنع. ومن فتح فلأنها قد تتحرک فی لغه أهل الحجاز ، نحو : لم یکعع وفی یکععن اتفاقا کیصنع ویصنعن

أقول : اعلم أن القیاس فی مضارع فعل المکسور العین (1) فتحها ، وجاءت أربعه أفعال من غیر المثال الواوی ، یجوز فیها الفتح والکسر ، والفتح أقیس ، وهی حسب یحسب ، ونعم ینعم ، ویئس ییئس ، ویبس ییبس ، وقد جاءت أفعال من المثال الواوی لم یرد فی مضارعها الفتح ، وهی ورث یرث ، ووثق یثق ، وومق یمق ، ووفق یفق ، وورم یرم ، وولی یلی ، وجاء کلمتان روی فی مضارعهما الفتح ، وهما : وری الزّند یری ، ووبق یبق ، وإنما بنوا هذه الأفعال علی الکسر لیحصل فیها عله حذف الواو فتسقط ، فتخفّ الکلمه ، وجاء وحر صدره من الغضب ، ووغر بمعناه ، یحر ویغر ، ویوحر

ص: 135

ویوغر أکثر ، وجاء ورع یرع بالکسر علی الأکثر ، وجاء یورع ، وجاء وسع یسع ووطیء یطأ ، والأصل الکسر بدلیل حذف الواو لکنهم ألزموها بعد حذف الواو فتح عین المضارع ، وقالوا : جاء وهمت أهم ، والظاهر أن أهم مضارع وهمت - بفتح العین - ومضارع وهمت بالکسر أوهم بالفتح ، ویجوز أن یکون وهمت أهم - بکسرهما - من التداخل ، وجاء آن یئین من الأوان ، وطاح یطیح ، وتاه یتیه ، کما ذکرنا ، وجاء وله یله ، ویوله أکثر ، قالوا : وجاء وعم یعم ، بمعنی نعم ینعم ، ومنه عم صباحا ؛ وقیل : هو من أنعم بحذف النون تشبیها بالواو ، فقوله «أو کسرت إن کان مثالا» أی : مثالا واو یا ، ولیس الکسر بمطرد فی کل مثال واوی أیضا ، فما کان ینبغی له هذا الاطلاق ، بل ذلک محصور فیما ذکرناه.

قوله «وطیء تقول فی باب بقی یبقی» مضی شرحه

قوله «وأما فضل یفضل ونعم ینعم فمن التداخل» المشهور فضل یفضل ، کدخل یدخل ، وحکی ابن السکیت فضل یفضل ، کحذر یحذر ، ففضل یفضل یکون مرکبا منهما ؛ وکذا نعم ینعم مرکب من نعم ینعم کحذر یحذر وهو المشهور ؛ ونعم ینعم کظرف یظرف ، وحکی أبو زید حضر یحضر ؛ والمشهور حضر بالفتح وجاء حرفان (1) من المعتل : دمت تدوم ومتّ تموت - بکسر الدال والمیم فی الماضی - والمشهور ضمهما کقلت تقول ، وهما مرکبان ؛ إذ جاء دمت تدام ومتّ تمات ، کخفت تخاف ، قال : -

ص: 136

17 - بنیّتی سیّده البنات

عیشی ولا نأمن أن تماتی (1)

وحکی أبو عبیده نکل ینکل ، وأنکره الأصمعی ، والمشهور (2) نکل ینکل ، کقتل یقتل ، وحکی نجد ینجد (3) : أی عرق ، ونجد ینجد کحذر یحذر هو المشهور

أقول : اعلم أن ضم عین مضارع فعل المضموم العین قیاس لا ینکسر ، إلا فی کلمه واحده ، وهی کدت بالضم تکاد ، وهو شاذ ؛ والمشهور کدت تکاد کخفت تخاف ، فان کان کدت بالضم کقلت فهو شاذ (1) أیضا ، لأن فعل یفعل بفتحهما لا بد أن یکون حلقیّ العین أو اللام

نحو احمرّ واحمارّ فیدغم ، ومن ثمّ کان أصل مضارع أفعل یؤفعل إلّا أنه رفض لما یلزم من توالی الهمزتین فی المتکلم فخفّف فی الجمیع ، وقوله :

18 - * فإنّه أهل لأن یؤکرما* (1)

شاذّ ، والأمر واسم الفاعل واسم المفعول وأفعل التّفضیل تقدّمت»

ص: 139

أقول : یعنی وإن کان الماضی غیر الثلاثیّ المجرد کسر ما قبل الآخر ، فی غیر ما أوله التاء ؛ لأنه یتغیر أوله فیه ، سواء کان رباعیا ، أو ثلاثیا مزیدا فیه ، أو رباعیا کذلک ، نحو دحرج یدحرج ، وانکسر ینکسر ، واحرنجم یحرنجم ، وإنما کسر ما قبل الآخر فی غیر ما فی أوله التاء لأنه یتغیر أوله فی المضارع عما کان علیه فی الماضی : إما بسقوط همزه الوصل فیما کانت فیه ، وإما بضم الأول ، وذلک فی الرباعی نحو یدحرج [ویدخل] ویقاتل ویقطّع ، والتغییر مجرّئ علی التغییر ، وأما ما فیه تاء فلم یتغیر أوله إلا بزیاده علامه المضارعه التی لا بدّ منها

قوله «أو لم تکن اللام مکرره» کان أولی أن یقول : أو تکن اللام مدغمه ؛ لأن نحو یسحنکک مکرر اللام ولم یدغم (1)

قوله «ومن ثم» إشاره إلی قوله قبل : «المضارع بزیاده حرف المضارعه علی الماضی» وقد مر فی شرح الکافیه (2) فی باب المضارع ما یتعلق بهذا الموضع

ص: 140

الهمزه الثقیله یجوز انقلابها مع کسر ما قبلها یاء فیصیر ییبی کییجل (1) وإنما ارتکبوا الشذوذ فی جواز کسر أول تأبی ونأبی وآبی لأن حق ماضیه الکسر لما کان المضارع مفتوح العین ، فکأن عین ماضیه مکسور ، ولا یمتنع أن یقال : إن أصل ماضیه کان کسر العین لکنه اتفق فیه جمیع العرب علی لغه طییء فی فتحه ، ثم جوّز کسر حروف المضارعه دلاله علی أصل أبی

وکذا کسروا حروف المضارعه مع الیاء فی حبّ فقالوا : إحبّ نحبّ یحبّ تحبّ ؛ وذلک لأن حبّ یحبّ کعزّ یعزّ شاذ قلیل الاستعمال ، والمشهور أحبّ یحبّ ، وهو أیضا شاذ من حیث إن فعل إذا کان مضاعفا متعدیا فمضارعه مضموم العین ، ویحبّ مکسور العین ، ففیه شذوذان ، والشذوذ یجریء علی الشذوذ ، فکسروا أوائل مضارعه یاء کان أو غیره وإن لم یکن ماضیه فعل ، وقال غیر سیبویه : إن إحبّ ونحبّ ویحبّ وتحبّ بکسر حروف المضارعه مضارعات أحبّ ، وشذوذه لکسر المضموم ، کما قالوا فی المغیره المغیره ، وکذا المصحف (2) والمطرف (3) فی المصحف والمطرف.

ص: 142

وکسر [وا] أیضا غیر الیاء من حروف المضارعه فیما أوله همزه وصل مکسوره ، نحو أنت تستغفر وتحرنجم ، تنبیها علی کون الماضی مکسور الأوّل ، وهو همزه ثم شبهوا ما فی أوله تاء زائده من ذوات الزوائد ، نحو تکلّم وتغافل وتدحرج بباب انفعل ، لکون ذی التاء مطاوعا فی الأغلب کما أن انفعل کذلک ، فتفعّل وتفاعل وتفعلل مطاوع فعّل وفاعل وفعلل ، فکسروا غیر الیاء من حروف مضارعاتها ، فکل ما أول ماضیه همزه وصل مکسوره أو تاء زائده یجوز فیه ذلک.

وإنما لم یضموا حرف المضارعه فیما ماضیه فعل مضموم العین منبّهین به علی ضمه عین الماضی لاستثقال الضمتین لو قالوا مثلا : تظرف

قوله «من توالی همزتین» إنما حذفت ثانیه همزتی نحو أو کرم مع أن قیاسها أن تقلب واوا کما فی أویدم علی ما یجیء فی باب تخفیف الهمزه لکثره استعمال مضارع باب الإفعال فاعتمدوا التخفیف البلیغ ، وإن کان علی خلاف القیاس

والعسر واللّحز ، ونحو ذلک من الهیجانات والخفّه غیر حراره الباطن والامتلاء کالأرج والبطر والأشر والجذل والفرح والقلق (1) والسّلس أن یکون علی فعل

وقیاس ما کان من الامتلاء کالسّکر والرّی والغرث (2) والشّبع ، ومن حراره الباطن کالعطش والجوع والغضب واللهف والثّکل (3) - أن یکون علی فعلان

وما کان من العیوب الظاهره کالعور والعمی ، ومن الحلی کالسواد والبیاض والزّبب والرّسح والجرد والهضم (4) والصّلع - أن یکون علی أفعل ، ومؤنثه فعلاء ، وجمعهما فعل

ص: 144

فمن ثم قیل فی عمی القلب عم لکونه باطنا ، وفی عمی العین أعمی ، وقیل : الأقطع والأجذم ، بناء علی قطع وجذم (1) وإن لم یستعملا ، بل المستعمل قطع وجذم - علی ما لم یسم فاعله - والقیاس مقطوع ومجذوم

وقد یدخل أفعل علی فعل قالوا فی وجر - أی خاف - وهو من العیوب الباطنه ، فالقیاس فعل : وجر وأوجر ، ومثله حمق وأحمق ،

وکذا یدخل فعل علی أفعل فی العیوب الظاهره والحلی ، نحو شعث وأشعث ، وحدب وأحدب (2) وکدر وأکدر ، وقعس وأقعس (3) وکذا

ص: 145

یدحل أیضا فعل علی فعلان فی الامتلاء وحراره الباطن ، کصد (1) وصدیان وعطش وعطشان

ویدخل أیضا أفعل علی فعلان فی المعنی المذکور ، کأهیم وهیمان ، وأشیم (2) وشیمان

وقد ینوب (3) فعلان عن فعل ، کغضبان ، والقیاس غضب ؛ إذ الغضب هیجان ،

ص: 146

وإنما کان کذلک ؛ لأن الغضب یلزمه فی الأغلب حراره الباطن ، وقالوا : عجل وعجلان ، فعجل باعتبار الطیش والخفه ، وعجلان باعتبار حراره الباطن

والمقصود أن الثلاثه المذکوره إذا تقاربت فقد تشترک وقد تتناوب

وقالوا : قدح (1) قربان إذا قارب الامتلاء : ونصفان إذا امتلأ إلی النصف ، وإن لم یستعمل قرب ونصف ، بل قارب وناصف ؛ حملا علی المعنی : أی امتلأ.

ویجیء فعیل فیما حقه فعل ؛ کسقیم ومریض ، وحمل سلیم علی مریض ، والقیاس سالم

ومجیء فعیل فی المضاعف والمنقوص الیائی أکثر کالطّبیب واللّبیب والخسیس والتّقیّ والشّقیّ ،

وقد جاء فاعل فی معنی الصفه المشبهه - أی : مطلق الاتصاف (2) بالمشتق

ص: 147

منه من غیر معنی الحدوث - فی هذا الباب وفی غیره ، وإن کان أصل فاعل الحدوث ، وذلک کخاشن وساخط وجائع

ویعنی بالحلی الخلق الظاهره کالزّبب والغمم (1) فیعم الألوان والعیوب قال : «ومن نحو کرم علی کریم غالبا ، وجاءت علی خشن وحسن وصعب وصلب وجبان وشجاع ووقور وجنب»

أقول : الغالب فی باب فعل فعیل ، ویجیء فعال - بضم الفاء وتخفیف العین - مبالغه فعیل فی هذا الباب کثیرا ، لکنه غیر مطرد ، نحو طویل وطوال ، وشجیع وشجاع ، ویقل فی غیر هذا الباب کعجیب وعجاب ؛ فان شدّدت العین کان أبلغ کطوّال ، ویجیء علی فعل کخشن ، وعلی أفعل کأخشن وخشناء ، وعلی فاعل کعاقر

الکافیه لازمه ، وظاهرها الاستمرار ، وکذا فعل للغرائز ، وهی غیر متعدیه ومستمره ، وأما فعل فلیس الأغلب فیه الفعل اللازم ، وما جاء منه لازما أیضا لیس بمستمر ، کالدخول والخروج ، والقیام والقعود ، وأشیب نادر ، وکذا أمیل من مال یمیل ، وحکی غیر سیبویه (1) میل یمیل کجید یجید فهو أجید (2) ، وفیعل لا یکون إلا فی الأجوف ، کالسّیّد والمیّت والجیّد والبیّن ، وفیعل - بفتح العین - لا یکون إلا فی الصحیح العین ، اسما کان أو صفه ، کالشیّلم والغیلم والنّیرب والصّیرف (3) وقد جاء حرف واحد فی المعتل بالفتح ، قال :

ص: 149

19 - * ما بال عینی کالشّعیب العیّن (1) *

ص: 150

وهو ما فیه عیب وخرق من الأسقیه ، وقد یخفف نحو سیّد بحذف (1) الثانی وذلک مطرد الجواز ، کما یجیء فی باب الاعلال

قوله «وتجیء من الجمیع» أی : من فعل ، وإنما قال هذا لیدخل فیه نحو جاع یجوع وناع ینوع (2) ، وما یجیء من غیر باب فعل - بکسر العین - بمعنی الجوع والعطش قلیل ، وهو محمول علی باب فعل ، کما حمل ملأن وقربان علیه ، علی مامر

فاجعله فعلا للحجاز وفعولا لنجد ، ونحو هدی وقری مختصّ بالمنقوص ، ونحو طلب مختصّ بیفعل ، إلّا جلب الجرح والغلب»

أقول قوله «ورحمه ونشده» لیس الأول للمره ولا الثانی للهیئه وإن وافقتا فی الوزن ما یصاغ لهما

والتی ذکرها المصنف من أوزان مصادر الثلاثی هی الکثیره الغالبه ، وقد جاء غیر ذلک أیضا کالفعلل نحو السّودد ، والفعلوت نحو الجبروت (1) والتّفعل نحو التّدرأ (2) والفیعلوله کالکینونه ، وأصلها (3) کیّنونه ؛ والفعلوله کالشّیخوخه

ص: 152

والصّیروره والفعلنیه (1) کالبلهنیه ، والفعیله کالشّبیبه والفضیحه ، والفاعوله کالضّاروره بمعنی الضرر ، والتّفعله کالتّهلکه ، والمفاعله کالمسائیه ، وأصلها (2) مساوئه فقلب ، والفعلّه والفعلّی کالغلبّه والغلبیّ (3) وغیر ذلک

قوله «الغالب فی فعل اللازم علی فعول» لیس علی إطلاقه ، بل إذا لم یکن للمعانی التی نذکرها بعد من الأصوات والأدواء والاضطراب ؛ فالأولی بنا أولا أن لا نعین الأبواب من فعل وفعل وفعل ، ولا المتعدی واللازم ، بل نقول :

الغالب فی الحرف وشبهها من أی باب کانت الفعاله بالکسر ، کالصّیاغه ، والحیاکه ، والخیاطه ، والتجاره ، والإماره ، وفتحوا الأول جوازا فی بعض ذلک ، کالوکاله والدّلاله والولایه

والغالب فی الشّراد والهیاج وشبهه الفعال کالفرار (4) والشّماس والنّکاح ،

ص: 153

والضّراب (1) ، والوداق (2) ، والطّماح ، والحران شبه الشّماس (3) والشّراد والجماح والجامع امتناعه مما یراد منه

ویجیء فعال بالکسر فی الأصوات أیضا لکن أقل من مجیء فعال بالضم وفعیل فیها ، وذلک کالزّمار والعرار (4)

والفعال قیاس من غیر المصادر فی وقت حینونه الحدث ؛ کالقطاف والصّرام والجداد والحصاد (5) والرّفاع ، ویشارکه فعال بالفتح

والفعال بالکسر غالب فی السّمات أیضا کالعلاط والعراض (6) لوسم علی العنق ، والجناب علی الجنب ، والکشاح علی الکشح

والغالب فی مصدر الأدواء من غیر باب فعل المکسور العین الفعال ، کالسّعال

ص: 154

والدّوار ، والعطاس ، والصّداع ، ویشارکه فی لفظ السّواف فعال بالفتح (1) ؛ لاستثقال الضم قبل الواو.

والغالب فی الأصوات أیضا الفعال بالضم ، کالصّراخ والبغام والعواء (2) ویشارکه فی الغواث فعال (3) بالفتح ؛ ویأتی فیها کثیرا فعیل أیضا ، کالضّجیج والنّئیم والنّهیت (4) وقد یشترکان ، کالنّهیق والنّهاق ، والنّبیح (5) والنّباح ؛

ویجیء فعال من غیر المصادر بمعنی المفعول ، کالدّقاق ، والحطام ، والفتات ، والرّفات (6).

والفعاله للشیء القلیل المفصول من الشیء الکثیر ، کالقلامه ، والقراضه ، والنّقاوه ، والنّفایه (7)

ص: 155

والقیاس المطرد فی مصدر التنقل والتقلب الفعلان ، کالنّزوان ، والنّقزان ، والعسلان والرّتکان (1) ؛ وربما جاء فیه الفعال ، کالنّزاء والقماص (2) ، والشّنأن شاذ ، لأنه لیس باضطراب.

والأغلب فی الألوان الفعله ، کالشّهبه والکدره (3) ،

وفی الأدواء من باب فعل المکسور العین الفعل ، کالورم ، والمرض والوجع.

وبعض الأوزان المذکوره لیس بمصدر.

تم نقول : الأغلب الأکثر فی غیر المعانی المذکوره أن یکون المتعدی علی فعل ؛ من أی باب کان ، نحو قتل قتلا ، وضرب ضربا ، وحمد حمدا ، وفعل اللازم علی فعول ، نحو دخل دخولا ، وأمّا فعل اللازم ففعل بالفتح ، کترب (4) تربا ، وفعل - وهو لازم لا غیر - فعاله فی الأغلب ، نحو کرم کرامه ، کما یجیء

ص: 156

الکتاب ، ولم یجیء فعل فی مصدر فعل المفتوح عینه إلا فی المنقوص ، نحو الشّری ، والقری ، والقلی ، وهو أیضا قلیل.

قوله «ونحو طلب مختص بیفعل» یعنی لم یجیء فی باب فعل المفتوح مصدر علی فعل المفتوح العین إلا ومضارعه یفعل بالضم سوی حرفین : جلب الجرح جلبا : أی أخذ فی الالتئام ، والمضارع من جلب الجرح یجلب ویجلب معا ، ولیس مختصا بیفعل بالضم ، وأما الغلب فهو من باب غلب یغلب ، قال الله تعالی : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَیَغْلِبُونَ) قال الفراء : یجوز أن یکون فی الأصل من بعد غلبتهم بالتاء ؛ فحذف التاء ، کما فی قوله : -

20 - إنّ الخلیط أجدّوا البین فانجردوا

و أخلفوک عد الأمر الّذی وعدوا (1)

أی : عده الأمر

ص: 158

وأما فعلان فنادر ، نحو لوی لیّانا (1) ، قال بعضهم : أصله الکسر ففتح للاستثقال ، وقد ذکره أبو زید بکسر اللام ، وجاء أیضا شنآن بالسکون ، وقریء فی التنزیل بهما.

ولم یأت الفعول - بفتح الفاء - مصدر إلا خمسه أحرف (2) : توضأت وضوءا

ص: 159

وتطهرت طهورا ، وولعت ولوعا ، ووقدت النار وقودا ، وقبل قبولا ، کما حکی سیبویه

للیاء ، وقد جاءت الصّهوبه (1) والکدوره ، قال سیبویه : قالوا : البیاض والسّواد تشبیها بالصّباح والمساء لأنهما لونان مثلهما

وأما مجیء العیوب علی فعله - بالضم - فقلیل ، کالأدره والنّفخه (2) ، وقد جاء الفعله والفعله لموضع الفعل فی الأعضاء کثیرا ، کالقطعه والقطعه (3) لموضع القطع ، وکذا الجذمه والجذمه ، والصّلعه والصّلعه ، والنزعه والنّزعه (4) ویکون الفعله - بضم الفاء وسکون العین - للفضله أیضا ، کالقلفه ، والغرله (5)

ص: 161

ویجیء الفعل للمفعول ، کالذّبح والسّفر (1) والزّبر

ویجیء الفعل - بفتح الفاء والعین - له أیضا ، کالخبط للمخبوط ، والنّفض للمنفوض (2) ،

وجاء فعله : بسکون العین کثیرا بمعنی المفعول کالسّبّه والضّحکه واللعنه ، وبفتح العین للفاعل ، وکلتاهما للمبالغه

ویجیء المفعله لسبب الفعل ، کقوله علیه الصلاه والسّلام «الولد مبخله مجبنه محزنه».

وبجیء الفعول لما یفعل به الشیء کالوجور لما یوجر [به] ، وکذا النقوع والقیوء (3)

ص: 162

قوله «وفعل نحو کرم علی کرامه غالبا» فعاله فی مصدر فعل أغلب من غیره ، وقیل : الأغلب فیه ثلاثه : فعال کجمال ، وفعاله ککرامه ، وفعل کحسن ، والباقی یحفظ حفظا.

قوله «تکریم وتکرمه» تفعیل فی غیر الناقص مطرد قیاسی ، وتفعله کثیره ، لکنها مسموعه ، وکذا فی المهموز اللام ، نحو تخطیئا وتخطئه ، وتهنیئا وتهنئه ، هذا عن أبی زید وسائر النحاه ، وظاهر کلام سیبویه أن تفعله لازم فی المهموز اللام کما فی الناقص ، فلا یقال تخطیئا وتهنیئا ، وهذا کما ألحق أرأیت بأقمت (1) ، وأما إذا کان لام الکلمه حرف عله فانه علی تفعله لا غیر ، وذلک

ص: 164

بحذف الیاء الأولی وإبدال الهاء منها ؛ لاستثقال الیاء المشدده ، وقد جاء التشدید فی الضروره کما فی قوله : -

21 - فهی تنزّی دلوها تنزیّا

کما تنزّی شهله صبیّا (1)

وإنما قلنا «إن المحذوف یاء التفعیل» قیاسا علی تکرمه ؛ لأنه لم یحذف فیها شیء من الأصول ، ولأنها مدّه لا تتحرک ؛ فلما رأینا الیاء فی نحو تعزیه متحرکه عرفنا أن المحذوف هو المده ، فلو حذفت الثانیه لزم تحریک المده لأجل تاء التأنیث وأما إجازه واستجازه فأصلهما إجواز واستجواز أعلّ المصدر باعلال الفعل کما یجیء فی باب الإعلال ، فقلبت العین ألفا ، فاجتمع ألفان ، فحذفت الثانیه عند الخلیل وسیبویه ، قیاسا علی حذف مده نحو تعزیه ، ولکونها زائده ، وحذفت الأولی عند الأخفش والفراء ؛ لأن الأول یحذف للساکنین إذا کان مدا ، کما فی قل وبع ، ویجیء احتجاجهم فی باب الإعلال فی نحو مقول ومبیع ، وأجاز سیبویه عدم الإبدال أیضا ، نحو أقام إقاما واستجاز استجازا ، استدلالا بقوله تعالی (وَأَقامَ الصَّلاهَ) وخص الفراء ذلک بحال الإضافه ؛ لیکون المضاف إلیه قائما مقام الهاء ، وهو أولی ؛ لأن السماع لم یثبت إلا مع الإضافه ، ولم یجوّز سیبویه حذف التاء من نحو التّعزیه علی حال ، کما جوز فی (إقام الصلاه) إذ لم یسمع.

قوله «وجاء کذّاب» هذا وإن لم یکن مطردا کالتّفعیل لکنه هو القیاس کما مر فی شرح الکافیه ، قال سیبویه : أصل تفعیل فعّال ، جعلوا التاء

ص: 165

فی أوله عوضا من الحرف الزائد ، وجعلوا الیاء بمنزله ألف الإفعال ؛ فغیروا آخره کما غیروا أوله ، فان التغییر مجریء علی التغییر.

ولم یجیء فعّال فی غیر المصدر إلا مبدلا من أول مضعّفه یاء نحو قیراط ودینار ودیوان.

وأما المصدر فانه لم یبدل فیه لیکون کالفعل

وفعّال فی مصدر فعّل ، وفیعال وفعال فی فاعل ، وتفعّال فی تفعل ؛ وإن کانت قیاسا لکنها صارت مسموعه لا یقاس علی ما جاء (1) منها ، ولا یجیء فعال فیما فاؤه یاء للاستثقال ، فلا یقال یسار فی یاسر ، وفعال فی فاعل مقصور فیعال ، والیاء فی مکان ألف فاعل

وأما کذاب - بالتخفیف - فی مصدر کذّب فلم أسمع به ، والأولی أن یقال فی قوله تعالی : (وکذبوا بآیاتنا کذابا) فی قراءه التخفیف : إنه مصدر کاذب أقیم مقام مصدر کذّب ، کما فی قوله تعالی (وَتَبَتَّلْ إِلَیْهِ تَبْتِیلاً)

قوله «ومرّاء شاذ» یعنی بالتشدید ، والقیاس مراء بالتخفیف (2) ، وإنما

ص: 166

زادوا فی المصادر علی الأفعال شیئا لأن الأسماء أخف من الأفعال ، وأحمل للأثقال.

قال : «ونحو التّرداد والتّجوال والحثّیثی والرّمّیّا للتّکثیر»

أقول : یعنی أنک إذا قصدت المبالغه فی مصدر الثلاثی بنیته علی التّفعال ، وهذا قول سیبویه ، کالتّهذار فی الهذر الکثیر ، والتّلعاب والتّرداد ، وهو مع کثرته لیس بقیاس مطرد ، وقال الکوفیون : إن التّفعال أصله التّفعیل الذی یفید التکثیر ، قلبت یاؤه ألفا فأصل التکرار التّکریر ، ویرجّح قول سیبویه بأنهم قالوا التّلعاب ، ولم یجیء التلعیب ، ولهم أن یقولوا : إن ذلک مما رفض أصله ، قال سیبویه : وأما التّبیان فلیس ببناء مبالغه ، وإلا انفتح تاؤه ، بل هو اسم أقیم مقام مصدر بیّن ، کما أقیم غاره وهی اسم مقام إغاره فی قولهم : أغرت غاره ، ونبات موضع إنبات ، وعطاء موضع إعطاء ، فی قولهم : أنبت نباتا ، وأعطی عطاء

قالوا : ولم یجیء تفعال - بکسر التاء - إلا سته عشر اسما : اثنان بمعنی المصدر ، وهما التّبیان والتّلقاء ، ویقال : مرّتهواء من اللیل : أی قطعه ، وتبراک وتعشار وترباع : مواضع ، وتمساح معروف ، والرجل الکذّاب أیضا ، وتلفاق : ثوبان یلفقان ، وتلقام : سریع اللقم ، وتمثال وتجفاف معروفان ، وتمراد : بیت الحمام ، وأتت الناقه علی (1) تضرابها ، وتلعاب : کثیر

ص: 167

اللعب ، وتقصار : للمخنقه (1) ، وتنبال : للقصیر

وأما الفعّیلی فلیس أیضا قیاسیا ، فالحثّیثی والرّمّیّا والحجّیزی مبالغه التّحاثّ والترامی والتحاجز : أی لا یکون من واحد ، وقد یجیء منه ما یکون مبالغه لمصدر الثلاثی کالدّلّیلی والنّمّیمی والهجّیری والخلّیفی : أی کثره الدلاله ، والنمیمه ، والهجر : أی الهذر ، والخلافه ، وأجاز بعضهم المد فی جمیع ذلک ، والأولی المنع ، وقد حکی الکسائی خصّیصاء بالمد ، وأنکره الفراء

أصله معونه ، فحذفت التاء للضروره ، وکذا قوله : -

23 - * لیوم روع أو فعال مکرم (1) *

وذهب الفراء إلی أنهما جمعان ، علی ما هو مذهبه (2) فی نحو تمر وتفّاح ، فیجیز مکرما ومعونا فی غیر الضروره ، فعند الفراء یجیء مفعل جمعا ، وقد جاء مهلک بمعنی الهلک ، ومألک ، وله أن یدعی فیهما أنهما جمعا مهلکه ومألکه ،

ص: 169

وجاء فی بعض القراءات (1) (فنظره إلی میسره)

قوله «قیاسا مطردا» لیس علی إطلاقه ؛ لأن المثال الواوی منه بکسر العین کالموعد والموجل ، مصدرا کان أو زمانا أو مکانا ، علی ما ذکر سیبویه ، بلی إن کان المثال معتل اللام کان بفتح العین کالمولی ، مصدرا کان أو غیره ، قال سیبویه عن یونس : إن ناسا من العرب یقولون من یوجل ونحوه موجل وموحل بالفتح مصدرا کان أو غیره ، قال سیبویه : إنما قال الأکثرون موجل بالکسر لأنهم ربما غیروه فی یوجل ویوحل ، فقالوا : ییجل ، ویاجل ، فلما أعلوه بالقلب شبهوه بواو یؤعد المعل بالحذف ، فکما قالوا هناک موعد قالوا ههنا موجل ، ومن قال الموجل بالفتح فکأنهم الذین یقولون : یوجل ، فیسلمونه ، والأسماء المتصله بالأفعال تابعه لها فی الإعلال ، وإنما قالوا مودّه بالفتح اتفاقا لسلامه الواو فی الفعل اتفاقا

وقد یجیء فی الناقص المفعل مصدرا بشرط التاء کالمعصیه والمحمیه (2)

ص: 170

وجاء فی الأجوف المعیشه ، قال سیبویه فی (حتی مطلع الفجر) بالکسر : أی طلوعه (1) ، ویجوز أن یقال : إنه اسم زمان : أی وقت طلوعه

ص: 171

وقد جاء بالفتح والکسر محمده ومذمّه ومعجز ومعجزه ومظلمه ومعتبه ومحسبه وعلق مضنّه (1) وبالضم والکسر المعذره (2) ، وبالفتح والضم المیسره (3)

ص: 172

وجاء بالتثلیب مهلک ومهلکه ومقدره ومأدبه (1)

وجاء بالکسر وحده المکبر والمیسر والمحیض والمقیل والمرجع والمجیء والمبیت والمشیب والمعیب والمزید والمصیر والمسیر والمعرفه والمغفره والمعذره والمأویه والمعصیه والمعیشه (2)

ص: 173

فذو التاء المفتوح العین شاذ من جهه ، وکذا المکسور العین أو المضمومها بلا تاء ، وأما المکسورها أو المضمومها مع التاء فشاذ من وجهین

سیبویه غیره فی مجیء المصدر علی وزن المفعول ، وجعل المیسور والمعسور صفه للزمان : أی الزمان الذی یوسر فیه ویعسر فیه ، علی حذف الجار ، کقولهم : المحصول : أی المحصول علیه ، وکذا قال فی المرفوع والموضوع ، وهما نوعان من السیر ، قال : هو السیر الذی ترفعه الفرس وتضعه : أی تقویه وتضعفه ، وکذا جعل المعقول بمعنی المحبوس المشدود : أی العقل المشدود المقوی ، وجعل الباء فی (بِأَیِّکُمُ الْمَفْتُونُ) زیاده ، وقیل : بأیکم الجنی ، وهو المفتون ، والمجلود : الصبر الذی یجلد فیه : أی یستعمل الجلاده ، وأما المکروهه فالظاهر أنها لیست مصدرا ، بل هو الشیء المکروه ، والهاء دلیل الاسمیه ، وکذا المصدوقه : یقال : بیّن لی مصدوقه حاله : أی حقیقتها ، من قولهم : صدقنی (1) سنّ بکره : أی بیّن حاله التی صدقنیها.

الباقیه فی قوله تعالی (فَهَلْ تَری لَهُمْ مِنْ باقِیَهٍ) فقیل : بمعنی بقاء ، ویجوز أن یکون بمعنی نفس باقیه ، أو شیء باق ، والهاء للاسمیه ، وکذا الفاضله بمعنی الشیء الفاضل ، والهاء للاسمیه ، أو العطیه الفاضله ، والکاذبه فی قوله تعالی (لَیْسَ لِوَقْعَتِها کاذِبَهٌ) قیل : بمعنی الکذب ، ویجوز أن یکون بمعنی نفس کاذبه : أی تکون النفوس فی ذلک الوقت مؤمنه صادقه ، والدالّه : الدلال والغنج ، هذا کله مع التاء ، قیل : وقد یوضع اسم الفاعل مقام المصدر ، نحو قم قائما : أی قیاما ، کما یوضع المصدر مقام اسم الفاعل ، نحو رجل عدل وصوم ، ویجوز أن یکون قائما حالا مؤکده ، وکذا فی قوله : -

24 - * کفی بالنّأی من أسماء کاف (1) *

أی : کافیا ، کقوله : -

ص: 176

25 - * فلو أنّ واش بالیمامه داره (1) *

فکما أن اسم المفعول فی قوله تعالی : (وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ) بنصبهما حال مؤکده ، لا بمعنی المصدر ، فکذا اسم الفاعل فیما نحن فیه. وقوله : -

26 - ألم ترنی عاهدت ربّی وإننی

لبین رتاج قائم ومقام

علی حلفه لا أشتم الدّهر مسلما

ولا خارجا من فیّ زور کلام (2)

قال سیبویه : معناه لا أشتم شتما ولا یخرج خروجا ، وقال عیسی بن عمر :

هو حال معطوف علی الحال الذی هو «لا أشتم» أی غیر شاتم ولا خارج ، کقوله تعالی : (صافَّاتٍ وَیَقْبِضْنَ) ولم یذکر ما عاهد الله علیه لدلاله الکلام ؛ لأنه کجواب القسم یحذف مع القرینه ، وعند سیبویه «لا أشتم» جواب «عاهدت»

أقول : قال سیبویه : الهاء فی دحرجه عوض من الألف الذی هو قیاس مصادر غیر الثلاثی المجرد قبل الآخر ، والفعلله هو المطرد دون الفعلال ، لا یقال : برقش (1) برقاشا ، وکذا الفعلال مسموع فی الملحق بدحرج غیر مطرد ، نحو حیقال ، وکذا فی المضاعف ، ولا یجوز فی غیر المضاعف فتح أول فعلال ؛ وإنما جاز ذلک فی المضاعف - کالقلقال (2) والزّلزال والخلخال - قصدا للتخفیف ؛ لثقل التضعیف

ومصادر ما زید فیه من الرباعی نحو تدحرج واحرنجام واقشعرار ، وأما اقشعرّ قشعریره واطمأن طمأنینه فالمنصوبان فیهما اسمان واقعان مقام المصدر ، کما فی أنبت نباتا وأعطی عطاء.

فالمجرد عنها تجعله علی فعله بفتح الفاء وحذف الزوائد إن کانت فیه ، نحو خرجت خرجه ودخلت دخله

وذو التاء تبقیه علی حاله ، نحو دریت درایه ونشدت (1) نشده ، ولا تقول دریه ونشده ، کذا قال المصنف ؛ ولم أعثر فی مصنف علی ما قاله ، بل أطلق المصنفون أن المره من الثلاثی المجرد علی فعله ، قال سیبویه : إذا أردت الوحده من الفعل جئت بها أبدا علی فعله علی الأصل ؛ لأن أصل المصادر فعل ، هذا قوله ؛ والذی أری أنک ترد ذا التاء أیضا من الثلاثی إلی فعله ؛ فتقول : نشدت نشده بفتح النون

وغیر الثلاثی المجرد تخلّیه علی حاله ، سواء کان رباعیا کد حرجه أو ذا زیاده کانطلاق وإخراج وتدحرج ، فان لم تکن فیه التاء زدتها ، نحو أکرمته إکرامه ، وإن کانت فیه تاء خلیتها ، نحو عزّیته تعزیه : أی واحده ، والأکثر الوصف فی مثله بالواحده لرفع اللبس ؛ نحو عزّیته تعزیه واحده ، ولو قلنا بحذف تلک التاء والمجیء بتاء الوحده فلا بأس

واستدل سیبویه علی أن أصل مصادر جمیع الثلاثی متعدیا کان أو لازما فعل بیناء الوحده ، قال : لا شک أن الجنس من نحو تمره وتفّاحه بحذف التاء ، فکان القیاس أن یکون الجنس فی نحو خرجه ودخله کذلک أیضا ، ونعنی بالجنس المصدر المطلق ، نحو خرج ودخل ؛ إلا أنهم تصرفوا فی مصادر الثلاثی بزیاده الحروف وتغییر الترکیب لخفته ، دون الرباعی وذی الزیاده

ثم اعلم أنه إن جاء للرباعی وذی الزیاده مصدران أحدهما أشهر فالوحده علی

ص: 179

ذلک الأشهر دون الغریب ، تقول : دحرج دحرجه واحده ، ولا تقول دحراجه ، وکذا لا تقول قاتلت قتاله ، ولا کذبت کذّابه

وقد شذ فی الثلاثی حرفان لم تحذف منهما الزوائد ولم یردّا إلی بناء فعله ، بل ألحق بهما التاء کما هما ، وهما إتیانه ولقاءه ، ویجوز أتیه ولقیه علی القیاس ، قال أبو الطیب :

27 - لقیت بدرب القلّه الفجر لقیه

شفت کمدی واللّیل فیه قتیل (1)

قوله «وما عداه» أی : ما عدا الثلاثی المجرد الخالی من التاء ، وهو ثلاثه :

الرباعی ، وذو الزیاده ، والثلاثی ذو التاء ، علی ما ذهب إلیه المصنف

قوله «فان لم تکن تاء» أی : فیما عداه

وقوله «وبکسر الفاء للنوع نحو ضربه» أی : ضربا موصوفا بصفه ، وتلک الصفه إما أن تذکر نحو «حسن الرّکبه» و «سییء المیته» و «جلست جلسه حسنه» أو تکون معلومه بقرینه الحال ، کقوله : -

28 - ها إنّ تاعذره إن لم تکن نفعت

فإنّ صاحبها قد تاه فی البلد (2)

ص: 180

أی عذر بلیغ : وقد لا تکون الفعله مره والفعله نوعا کالرّحمه والنّشده

المفرق ، والمحشر ، والمسجد ، والمنسک (1) ، وأما المحلّ بمعنی المنزل فلکون مضارعه علی الوجهین ، قریء قوله تعالی (فَیَحِلَّ عَلَیْکُمْ غَضَبِی) علی الوجهین

وجاء فیما مضارعه یفعل بالکسر لغات بالفتح والکسر ، وهی المدبّ ، (2)

ص: 182

ومأوی الإبل ، والمزله ، ومضربه السیف ، وجاء مقبره ومشرقه ومفیأه ومفیؤه ومقنأه ومقنؤه (1) فتحا وضما ، وکذا المشربه فی الغرفه ، لأنهم کانوا بشربون فی الغرف ، والمشرقه والمفیأه من ذوات الزوائد ، إذ هما موضعان للتشرّق والتّفیّؤ فیشذّ ان من هذا الوجه أیضا ، ولهذا لم تعل المفیأه ، أو لأنه لم یذهب بها مذهب الفعل ، کما یجیء ، والمسربه لشعر الصدر مضمومه العین لا غیر ، قال سیبویه : لم تذهب بالمسجد مذهب الفعل ، ولکنک جعلته اسما لبیت ، یعنی أنک أخرجته عما یکون علیه اسم الموضع ، وذلک لأنک تقول : المقتل فی کل موضع یقع فیه القتل ، ولا تقصد به مکانا دون مکان ، ولا کذلک المسجد

ص: 183

فإنک جعلته اسما لما یقع فیه السجود بشرط أن یکون بیتا علی هیئه مخصوصه ، فلم یکن مبنیا علی الفعل المضارع کما فی سائر أسماء المواضع ، وذلک أن مطلق الفعل لا اختصاص فیه بموضع دون موضع ، قیل : ولو أردت موضع السجود وموقع الجبهه من الأرض سواء کان فی المسجد أو غیره فتحت العین ؛ لکونه إذن مبنیا علی الفعل بکونه مطلقا کالفعل ، وکذا یجوز أن یقال فی المنسک ، إذ هو مکان نسک مخصوص ، وکذا المفرق ، لأنه مفرق الطریق ، أو الرأس ، وکذا مضربه السیف مخصوصه برأس السیف قدر شبر ، ولیس بمعنی موضع الضرب مطلقا ، فلذا جاء فیه الفتح أیضا : أی لکونه غیر مبنی علی الفعل ، ولذا دخلته التاء التی لا تدخل الفعل ، وکذا المقبره ، إذ لیست اسما لکل ما یقبر فیه : أی یدفن ، إذ لا یقال لمدفن شخص واحد مقبره فموضع الفعل إذن مقبر کما هو القیاس ، وکذا المشرقه اسم لموضع خاص لا لکل موضع یتشرّق فیه من الأرض من جانب الغرب أو الشرق (1) وکذا المقنأه والمفیأه ، وکذا المنخر صار اسما لثقب الأنف ، ولا یقصد فیه معنی النّخر ، وکذا المشربه لیست اسما لکل موضع یشرب فیه الماء ویجری ، قال سیبویه : وکذا المطبخ والمربد بکسر المیم فیهما اسمان لموضعین خاصین لا لموضع الطبخ مطلقا ، ولا لکل موضع الربود : أی الاقامه ، بل المطبخ بیت یطبخ فیه الأشیاء معمول له ، والمربد محبس الابل ، أو موضع یجعل فیه التمر ، وبجوز أن یقال فی المرفق بکسر المیم فی المعنیین : إن أصله الموضع ، فلما اختص غیّر بکسر المیم عن وضع الفعل کما قال سیبویه فی المطبخ والمربد ؛ فکل ما جاء علی مفعل بکسر العین مما مضارعه یفعل بالضم فهو شاذ من

ص: 184

وجه ، وکذا مفعله بالتاء مع فتح العین ، (1) ، وکذا مفعل بکسر المیم وفتح العین ، ومفعله کالمظنه أشذ ، ومفعله بضم العین کالمقبره أشذ ، إذ قیاس الموضع إما فتح العین أو کسرها ، وکذا کل ما جاء من یفعل المکسور العین علی مفعل بالفتح شاذ من وجه ، وکذا مفعله بالتاء مع کسر العین ، ومفعله بفتحها أشذ ، لکن کلّ ما ثبت اختصاصه ببعض الأشیاء دون بعض وخروجه عن طریقه الفعل فهو العذر فی خروجه (2) عن القیاس کما ذکرنا

قوله «ومن المنقوص» یعنی نحو المثوی وإن کان من یفعل بکسر العین وإن کان أیضا مثالا واو یا کالمولی لموضع الولایه ، وذلک لتخفیف الکلمه بقلب اللام ألفا ، وإنما کان المثال الواوی علی مفعل بالکسر وإن کان علی یفعل کالموجل والموحل لما ذکرنا فی باب المصدر ، وذکرنا هناک أن بعض العرب یقولون موجل وموحل فیطرد ذلک فی الموضع والزمان أیضا ، وحکی الکوفیون الموضع ، وقد جاء علی مفعل بالفتح من المثال بعض أسماء لیست بمصادر ولا أمکنه مبنیه علی الفعل ، کموجد فی العدد ، والموهبه للغدیر من الماء (3) ، وأما موظب فی اسم

ص: 185

مکان وموهب وموأله وموکل ومورق فی أعلام رجال معینین فمنقولات من المبنی علی الفعل ، وفیها العدل کما ذکرنا فی باب ما لا ینصرف

والمثال الیائی بمنزله الصحیح عندهم لخفته تقول فی ییقظ میقظ فی المصدر والزمان والمکان ، ومنه قوله تعالی (فَنَظِرَهٌ إِلی مَیْسَرَهٍ) بفتح العین

قوله «ولا غیرهما» قال سیبویه : یقال فی مغیره مغیره بکسر المیم للاتباع.

قوله «فتحا وضما» یعنی بهما المقبره ، دون المظنّه ؛ فانه لم یأت فیها إلا الکسر ، وإنما کان الفتح فی المقبره شاذا لکونها بالتاء ، والمفعل فی المکان والزمان والمصدر قیاسه التجرد عن التاء

قوله «وما عداه فعلی لفظ المفعول» یعنی ما عدا الثلاثی المجرد ، وهو ذو الزیاده والرباعی ، فالمصدر بالمیم منه والمکان والزمان علی وزن مفعوله ، قیاسا لا ینکسر ، کالمخرج والمستخرج والمقاتل والمدحرج والمتدحرج والمحرنجم یحتمل کل منها أربعه معان

المیم : المکحله ، والمسعط ، والمنخل ، والمدقّ ، والمدهن ، هذا کلامه ، وجاء المنصل (1) أیضا ، لکنه لیس بآله النصل ، بل هو بمعنی النصل ، وأما المحرضه فذکرها الزمخشری ، وفی الصحاح المحرضه بکسر المیم وفتح الراء ، وکذا قال ابن یعیش : لا أعرف الضم (2) فیها ، قال سیبویه فی الأحرف الخمسه : هی مثل المغفور والمغثور ، وهما ضرب من الصمغ ؛ والمغرود : ضرب من الکمأه ، والمغلوق : المغلاق ، أربعه أحرف جاءت علی مفعول ، لا نظیر لها فی کلام العرب ، وقال سیبویه فی المکحله وأخواتها : لم یذهبوا بها مذهب الفعل ، ولکنها جعلت أسماء لهذه الأوعیه ، یعنی ان المکحله لیست لکل ما یکون فیه الکحل ، ولکنها احتصت بالآله المخصوصه ، وکذا أخواتها ، فلم نکن مثل المکسحه والمصفاه ، فجاز تغییرها عما علیه قیاس بناء الآله کما قلنا فی المسجد وأخواته ، والمسعط : ما یسعط به الصبی أو غیره ، أی یجعل به السعوط فی أنفه ، والمدقّ : ما یدق به الشیء کفهر العطار ، والمدهن : ما یجعل فیه الدهن من زجاج ونحوه ، ولو قیل إن المکحله والمدهن موضعان

ص: 187

للکحل والدهن ، ولم یبنیا علی مفعل کما هو بناء المواضع لأنهما لبسا موضعین لما یفعل فیه الشیء کالمقتل حتی یبنیا علی الفعل ، بل هما موضعان لاسم جامد ؛ لم یبعد ، فاذا جعلا آلتین فهما بمعنی آله الکحل والدّهن - بفتح الکاف والدال - کالمثقب لآله الثقب ، والمحرضه : وعاء الحرض : أی الأشنان ، والظاهر أن مضربه السیف آله الضرب ، لا موضعه ، غیّرت عما هو قیاس بناء الآله لکونها غیر مذهوب بها مذهب الفعل

وجاء الفعال أیضا للآله ؛ کالخیاط والنّظام

ولو کانوا یقولون من الرباعی علی قیاس الثلاثی لقالوا مثعلبه ومعقربه علی وزن المفعول ؛ لأن نظیر المفعل فیما جاوز الثلاثه علی وزن مفعوله ، نحو مدحرج ومقاتل وممزّق ، کما ذکرنا فی المکان والزمان والمصدر ، ولم یسمع مثعلبه ومعقربه بفتح اللام ؛ فلا تظن أن معنی قول سیبویه «فقالوا علی ذلک أرض مثعلبه ومعقرّبه» أن ذلک مما سمع ، بل معنی کلامه أنهم لو استعملوا من الرباعی لقالوا کذا ، قال : ومن قال ثعاله قال مثعله ؛ لأن ثعاله من الثلاثی ، قال الجوهری : وجاء معقره بحذف الباء : أی کثیره العقارب ، وهو شاذ (1)

قرب مظروفهما مما أضیفا إلیه من ذلک الجانب الذی أفاده الظرفان ، فمعنی خروجی قبیل قیامک قرب الخروج من القیام من جانب القبلیه ، وکذا ما یماثله

33 - فویق جبیل شاهق الرّأس لم تکن

لتبلغه حتّی تکلّ وتعملا (1)

ورد بتجویز کون المراد دقه الجبل وإن کان طویلا ، وإذا کان کذا فهو أشد لصعوده

المصغر ، وهم إلیه أحوج ؛ کثّروا أبنیه الجمع ووسّعوها لیکون لهم فی کل موضع لفظ من الجمع یناسب ذلک الموضع ، إذ ربما یحتاج فی الشعر أو السجع إلی وزن دون وزن فقصرهم الجموع علی أوزان قلیله کالتصغیر مدعاه إلی الحرج ، بخلاف المصغر ، ثم لما کان أبنیه المصغر قلیله واستعمالها فی الکلام أیضا قلیلا ، صاغوها علی وزن ثقیل ، إذ الثقل مع القله محتمل ، فجلبوا لأولها أثقل الحرکات ، ولثالثها أوسط حروف المدثقلا ، وهو الباء ، لئلا یکون ثقیلا بمره ، وجاءوا بین الثقلین بأخف الحرکات ، وهو الفتحه ، لتقاوم شیئا من ثقلهما ، والأولی أن یقال : إن الضم والفتح فی عنیق وجمیل وصرید غیرهما فی عنق وجمل وصرد ، کما قیل فی فلک وهجان

قوله «فالمتمکن یضم أوله» إنما خص المتمکن لأن المبهمات تصغر علی غیر هذا النمط ، کما یجیء فی آخر الباب

قوله «فی الأربعه» احتراز من الثلاثی ، لأن ما بعد الیاء فیه حرف الإعراب فلا یجوز أن یلزم الکسر ، وکان ینبغی أن یقول «فی غیر الثلاثی» لیعم نحو عصیفیر (1) وسفیرج ، وإذا حصل بعد یاء التصغیر مثلان أدغم أحدهما فی الآخر فیزول الکسر بالادغام ، نحو أصیمّ ومدیقّ ، ویعد هذا من باب التقاء الساکنین علی حده ، کما یجیء فی بابه ، وهو أن یکون الساکن الأول حرف مدأی ألفا أو واوا أو یاء ما قبلها من الحرکه من جنسها ، إذ ما قبل یاء التصغیر وإن لم یکن من جنسها لکن لما لزمها السکون أجریت مجری المدمع أن فی مثل هذا الیاء والواو أی الساکن المفتوح ما قبله شیئا من المد ، وإن لم یکن تاما ، ألا تری أن الشاعر إذا

ص: 193

قال قصیده قبل رویّها یاء أو واو ساکنه مفتوح ما قبلها فهی مردفه ولزمه أن یأتی بها فی جمیع القصیده کما فی قوله : -

34 - ومهمهین قذفین مرتین

ظهراهما مثل ظهور التّرسین (1)

قوله «إلا فی تاء التأنیث» لأنها کلمه مرکبه مع الأولی وإن صارت کبعض حروف الأولی من حیث دوران الاعراب علیها ، وآخر أولی الکلمتین المرکبتین مفتوح ، فصار حکم التاء فی فتح ما قبلها فی المصغر والمکبر سواء

قوله «وألفی التأنیث» أی المقصوره والممدوده ، نحو حبیلی وحمیراء ، وإنما لم یکسر ما قبلهما إبقاء علیهما من أن ینقلبا یاء ، وهما علامتا التأنیث ، والعلامه لا تغیر ما أمکن ، أما لزوم انقلاب علامه التأنیث یاء فی المقصوره فظاهر ، وأما فی الممدوده فالعلامه وإن کانت هی الهمزه المنقلبه عن ألف التأنیث ، والألف التی قبلها للمد کما فی حمار ، لکن لما کان قلب ألف التأنیث همزه لا واوا ولا یاء للألف التی قبلها ، کما ذکرنا فی باب التأنیث ، استلزم قلب الأولی یاء قلب الثانیه یاء أیضا کما فی قوله :

35 - * لقد أغدو علی أشقر یغتال الصّحاریّا (2) *

ص: 194

وقد تغیر علامه التأنیث إذا اضطروا إلیه ، وذلک إذا وقعت قبل ألف التثنیه نحو حبلیان ، أو ألف الجمع نحو حبلیات ، وإنما جاز تغییرها بلا ضروره فی نحو حمراوان وحمراوات إجراء لألفی التأنیث الممدوده والمقصوره مجری واحدا فی قلبهما قبل ألفی التثنیه والجمع.

وقد یجیء أسماء فی آخرها ألف للعرب فیها مذهبان : منهم من یجعل تلک الألف للتأنیث فلا یقلبها فی التصغیر یاء ؛ ومنهم من یجعلها لغیر التأنیث فیکسر ما قبلها ویقلبها یاء ، وذلک نحو علقی وذفری وتتری ، فمن نونها قال علیق وذفیر وتتیر ، ومن لم ینونها قال علیقی وذفیری وتتیری (1) وکذا یجیء فی الممدوده ما لهم فیه مذهبان کغوغاء (2) من نوّنه وجعله فعلالا کزلزال قال فی التصغیر

ص: 195

غویغی ، ومن لم ینونه وجعله کحمراء قال غویغاء ، وکذا فی قوباء (1) من فتح الواو فالألف للتأنیث لا غیر ، وتصغیره قویباء ، ومن سکنها وجعله ملحقا بقرطاس فتصغیره قویبیّ

وإنما لم تقلب الألف التی قبل النون الزائده یاء تشبیها لها بألف حمراء ، ولیس کل ألف ونون زائدتین فی آخر الاسم تشبهان بألف التأنیث الممدوده فیمتنع قلب ألفه فی التصغیر یاء ؛

عمیران وسعیدان وغطیفان وسلیمان ومریّان ؛ وأما عثمان فی فرخ الحباری علی ما قیل وسعدان فی نبت فتصغیرهما عثیمین وسعیدین ، ولیسا أصلین لسعدان وعثمان علمین ، بل اتفق العلم المرتجل والجنس ، کما اتفق الأعجمی والعربی فی یعقوب وآزر ، وسعدان اسم مرتجل من السعاده کسعاد منها ، وعثمان مرتجل من العثم (1) ، وکذا إن کانتا فی صفه ممتنعه من التاء کجوعان وسکران تشابهانها بانتفاء التاء ، فتقول : سکیران وجویعان ؛ وإن کانتا فی صفه لا تمتنع من التاء کالعریان والنّدمان والصمّیان للشجاع والقطوان للبطیء شبهتا بالألف والنون فی باب سکران ؛ لکونها صفات مثله وإن لحقتها التاء ، فقیل : عریّان وندیمان وصمیّان وقطیان ، وإن کانتا فی الاسم الصریح غیر العلم فانهما لا تشبهان بالألف والنون فی باب سکران مطلقا ؛ إذ لا یجمعهما الوصف کما جمع عریانا وسکران ، بل ینظر هل الألف رابعه أو فوقها ، فان کانت رابعه نظر ؛ فان کان الاسم الذی هما فی آخره مساویا لاسم آخره لام قبلها ألف زائده فی عدد الحروف والحرکات والسکنات وإن لم یساوه وزنا حقیقیا قلب ألفه فی التصغیر یاء تشبیها لها بذلک الألف الذی قبل اللام ، وذلک فی ثلاثه أوزان فقط : فعلان ، وفعلان ، وفعلان ، کحومان وسلطان وسرحان ، فان نون حومان موقعها موقع اللام فی جبّار وزلزال ، وموقع نون

ص: 197

سلطان کلام قرطاس وزنّار (1) وطومار ، وموقع نون سرحان کلام سربال (2) ومفتاح وإصباح ، فتقول : حویمین وسلیطین وسریحین ، کزلیزیل وقریطیس ومفیتیح ، وإن لم یکن الاسم المذکور مساویا لما ذکرنا فیما ذکرنا کالظّربان والسّبعان (3) وفعلان وفعلان وفعلان وفعلان إن جاءت فی کلامهم لم یشبه ألفها بالألف التی قبل اللام ، إذ لا یقع موقع الألف والنون فیها ألف زائده بعدها لام ، بل تشبّه الألف والنون فیها بالألف والنون فی باب سکران ، فلانقلب الألف یاء ، نحو ظریبان وسبیعان فی تصغیر ظربان وسبعان ، وإنما جاز تشبیههما بها ههنا فی التصغیر ولم یجز ذلک فی الجمع فلم یقل ظرابان بل ظرابین لتمام بنیه التصغیر قبل الألف والنون ، وهی فعیل ، بخلاف بنیه الجمع الأقصی ، وإذا جاز لهم لا قامه بنیه الجمع الأقصی قلب ألف التأنیت وهی أصل الألف والنون کما فی الدعاوی والفتاوی والحبالی فی المقصوره والصحاری فی الممدوده کما یجیء فی باب الجمع فکیف بالألف والنون

ص: 198

وکان قیاس نحو ورشان وکروان (1) أن یکون کظربان ، إذ لا یقع موقع نونه لام ، کما لم یقع موقع نون ظربان وسبعان ، لکنه لما جاءت علی هذا الوزن الصفات أیضا کالصّمیان والقطوان (2) وشبهت ألفها بألف سکران فلم تقلب کما مر ؛ قصدوا الفرق بینهما ، فقلبت فی الاسم فقیل : وریشین وکریوین (3) ؛ لأن تشبیه الصفه بالصفه أنسب وأولی من تشبیه الاسم بها

وإن کانت الألف فوق الرابعه : فان کانت خامسه کزعفران وعقربان وأفعوان (4) لم یجز تشبیهها بالألف التی قبل اللام وقلبها یاء ؛ إذ لا تقلب تلک الألف یاء فی التصغیر إلا رابعه کمفتاح ومصباح ، فلم یبق إلا تشبیهها بألف التأنیث

ص: 199

فقیل : زعیفران وعقیربان وأفیعیان وفی صلّیان (1) صلیلیان ، وکان القیاس أن یقال فی أسطوانه أسیطیانه ، لکنه حذف الواو فیها شاذا ، فصارت الألف رابعه فقیل : أسیطینه ، کثعیمین ، وکذا قیل فی الجمع أساطین ، وکذا قیاس إنسان أن یصغر علی أنیسین کسریحین لکنه لما زیدیاء قبل الألف شاذا فی الأصح کما یجیء فی ذی الزیاده صارت الألف خامسه کما فی أفعوان وعقربان

وإن کانت الألف فوق الخامسه : فان کان فی جمله الأحرف المتقدمه علیها ما یلزمه حذف بحیث تصیر الألف بعد حذفه خامسه بقیت بحالها لأنها تصیر إذن کما فی عقربان ، وذلک کما تقول فی عبوثران (2) عبیران ؛ لأن الواو زائده ، وإن لم یکن کذلک حذفت الألف والنون کما تقول فی قرعبلانه (3) قریعبه لأنک تحذف الأصلی قبلهما فکیف تخلیهما؟

ص: 200

وأما العلم المنقول عن الشیء فحکمه حکم المنقول عنه ، تقول فی سرحان (1) وورشان وسلطان أعلاما : سریحین ووریشین وسلیطین ، تکون قبل التصغیر غیر منصرفه للعلمیه والألف والنون ، وتنصرف بعد التصغیر لزوال الألف بانقلابها یاء ، وهذا کما لا ینصرف معزی علما لمشابهه ألفها لألف التأنیث فاذا صغرته صرفته لانقلابها یاء نحو معیز ، وتقول فی ظربان وعقربان وسکران وندمان أعلاما : ظریبان وعقیربان وسکیران وندیمان کما کانت قبل النقل إلی العلمیه ، وهذا کما تقول فی أجمال علما : أجیمال ، بالألف علی ما ذکره سیبویه

فکان تصغیر الجمع مستنکرا فی الظاهر ، فلو لم یبقوا علامته لم یحمل السامع المصغر علی أنه مصغر الجمع لتباین بینهما فی الظاهر ، وأما ألف نحو إخراج وإدخال فهی وإن کانت علامه المصدر إلا أنها تقلب فی التصغیر یاء ، إذ لا یستغرب تصغیر المصدر استغراب تصغیر الجمع ، وإذا سمیت بأجمال قلت أیضا أجیمال کما ذکرنا.

فی زنبوره ، وکذا قبل ألف التأنیث الممدوده ، نحو حمیراء وخنیفساء ومعیّیراء (1) فی معیوراء ، وکذا قبل الألف والنون نحو سلیمان وجعیفران وعبیثران بابدال الیاء من الواو المحذوفه ، ولا یجیء قبل ألف الجمع إلا فعیل کأجیمال ، وکذا قبل ألف التأنیث المقصوره لا یجیء فعیعل وفعیعیل ، لأنها تحذف خامسه فی التصغیر کما یجیء.

وکان علی المصنف أن یذکر یاء النسبه أیضا نحو بریدی فی بردیّ (2) ومشیهدی فی مشهدیّ ومطیلیقی فی منطلقی ، بابدال الیاء من النون ، فیقول : لم یجئ فی غیرها وغیر المنسوب بالیاء إلا کذا

ص: 203

فان قال فعیلیّ هو فعیل ، والیاء زائده

قلنا : لا شک فی زیادتها إلا أنها صارت کجزء الکلمه ، مثل تاء التأنیث ، بدلیل دوران إعراب الکلمه علیها کما علی التاء

وتصح المعارضه بنحو حمیزه وحبیلی وحمیراء ؛ فانها فعیل ، والتاء والألفان زوائد.

وهلا ذکر المثنی والمجموع نحو العمیران والعمیرون ، فقال : ویکسر ما بعدها إلا فی تاء التأنیث وألفیه ویاء النسبه وألف المثنی ویائه وواو الجمع وألف جمع المؤنث وألف أفعال والألف والنون المضارعتین وکذا فی المرکب نحو بعلبک

قوله «فالأولی حذف الخامس» لأن الکلمه ثقیله بالخمسه الأصول ، فاذا زدت علیها یاء التصغیر زادت ثقلا ، وسبب زیاده الثقل وإن کانت زیاده الیاء لکنه لا یمکن حذفها إذ هی علامه التصغیر ، فحذف ما صارت به الکلمه مؤدیه إلی الثقل بزیاده حرف آخر علیها ؛ وذلک هو الخامس ، ألا تری أن الرباعی لا یستثقل بزیاده الیاء علیه ، فحذف الحرف الخامس مع أصالته

فان قیل : ألیس فی کلام العرب ما هو زائد علی الخماسی نحو قبعثری وسلسبیل (1) وغیر ذلک؟؟

قلت : بلی ؛ لکن تلک الزیادات لیست بقیاسیه فلا یکثر المزید فیه بسببها إذ کل واحد کالشاذ فی زنته ، وأما زیاده یاء التصغیر فقیاس ؛ فلو سنوا قاعده زیادتها علی الخماسی الأصلی حروفه لصارت قیاسا ؛ فیؤدی إلی الکثره ، إذ یصیر لهم قانون یقاس علیه

فان قیل : ألیس مثل مستخرج قیاسا؟

ص: 204

قلت : بلی ، لکنه مبنی علی الفعل وجار مجراه ، وجاز ذلک فی الفعل کثیرا غالبا قریبا من القیاس ، نحو استخرج واحرنجم ؛ لکونه أقل أصولا من الاسم إذ لا یجیء منه الخماسی الأصلی حروفه ، والثقل بالحروف الأصول لرسوخها وتمکنها أشد وأقوی.

قوله «وقیل ما أشبه الزائد» اعلم أن من العرب من یحذف فی الخماسی الحرف الذی یکون من حروف «الیوم تنساه» وإن کان أصلیا لکونه شبیه الزائد ، فاذا کان لا بد من حذف فحذف شبه الزائد أولی ، کما أنه إذا کان فی کلمه علی خمسه زائد حذف الزائد أین کان نحو دحیرج فی مدحرج ، لکن الفرق بین الزائد حقیقه وبین الأصلی المشبه له بکونه من حروف «الیوم تنساه» أن مثل ذلک الأصلی لا یحذف إلا إذا کان قریب الطرف بکونه رابعا ، بخلاف الزائد الصرف ؛ فانه یحذف أین کان ، فلا یقال فی جحمرش جحبرش لبعد المیم من الطرف ، کما یقال فی مدحرج دحیرج ، وقال الزمخشری : إن بعض العرب یحذف شبه الزائد أین کان ، وهو وهم علی ما نص علیه السیرافی والأندلسی ؛ فان لم یکن مجاور الطرف شیئا من حروف «الیوم تنساه» لکن یشابه واحدا منها فی المخرج حذف أیضا ، فیقال فی فزردق : فریزق ، لأن الدال من مخرج التاء

قوله «وسمع الأخفش سفیرجل» یعنی باثبات الحروف الخمسه کراهه لحذف حرف أصلی ، وبابقاء فتحه الجیم کما کانت ، وحکی سیبویه عن بعض النحاه فی التصغیر والتکسیر سفیرجل وسفارجل - بفتح الجیم فیهما - فقال الخلیل لو کنت محقرا للخماسی بلا حذف شیء منه لسکنت الحرف الذی قبل الأخیر فقلت سفیرجل قیاسا علی ما ثبت فی کلامهم ، وهو نحو دنینیر ، لأن الیاء ساکنه

أقول : اعلم أن الاسم إما أن یکون فیه قبل التصغیر سبب قلب أو حذف أولا : فان کان فإما أن یزیل التصغیر ذلک السبب ، أولا ؛ فما یزیل التصغیر سبب القلب الذی کان فیه نحو باب وناب ، ونحو میزان وموقظ ، ونحو طیّ ولیّ ، ونحو عطاء وکساء ، ونحو ذوائب وماء وشاء عند المبرد ، وفم ، ونحو قائم وبائع ، ونحو أدؤر والنّؤر ، ونحو متّلج ومتّعد (1) ؛ وما یزیل التصغیر سبب الحذف الذی

ص: 206

کان فیه نحو عصا وفتی وعم (1) والسبب هو اجتماع الساکنین ، وقریب منه ما لم یزل التصغیر سبب الحذف لکنه عرض فی التصغیر ما یمنع من اعتبار ذلک السبب ، کالثلاثی المحذوف منه حرف إما لقصد التخفیف علی غیر قیاس نحو سه وغد ، ونحو ابن واسم وبنت وأخت وحم ؛ فان قصد التخفیف بالحذف لا یمکن اعتباره فی التصغیر ؛ إذ لا یتم الوزن بدون المحذوف ، وإما لإعلال قیاسی کعده وزنه ، وما لا یزیل التصغیر سبب القلب الذی کان فی مکبره نحو تراث وأدد (2) وما لا یزیل التصغیر سبب الحذف الذی کان فی مکبره کمیت

ص: 207

وهار وناس ویری وأری ونری وتری ویضع وتضع وخیر وشر (1)

وإن لم یکن فیه قبل التصغیر سبب قلب ولا حذف فإما أن یعرض فی التصغیر ذلک کعروض سبب قلب ألف نحو ضارب وحمار ، وواو جدول وأسود وعروه ومزود وعصفور وعروض (2) ؛ وکعروض سبب حذف خامس نحو سفرجل ، وثالثه یاآت نحو أحوی (3) ومعاویه وعطاء ، وألف نحو مساجد ، وما یحذف من نحو مستخرج واستخراج ومنطلق وانطلاق ونحوها ، وإما أن لا یعرض فیه ذلک کما فی تصغیر نحو رجل وجعفر

ص: 208

فالقسم الذی أزال التصغیر سبب القلب الذی کان فیه اختلف فی بعضه : هل ینتفی المسبب لزوال السبب أولا؟ واتفق فی بعضه علی أنه ینتفی ذلک بانتفاء سببه ؛ فمما اتفقوا فیه علی رجوع الأصل الألف المنقلبه عن الواو والیاء ثانیه لتحرکها وانفتاح ما قبلها ، تقول فی باب وناب : بویب ونییب ؛ لزوال فتحه ما قبلهما ، وبعض العرب یجعل المنقلبه عن الیاء فی مثله واوا أیضا حملا علی الأکثر ؛ فإن أکثر الألفات فی الأجوف منقلبه عن الواو ، وهذا مع مناسبه الضمه للواو بعدها ، وبعض العرب یکسر أول المصغر فی ذوات الیاء نحو نییب وشییخ ، خوفا علی الیاء من انقلابها واوا لضمه ما قبلها ، وتفصّیا من استثقال یاء بعد ضمه لو بقیتا کذلک ، وهذا کما قیل فی الجمع بیوت وشیوخ - بکسر الفاء - وقریء به فی الکتاب العزیز ، وإذا کان الألف فی نحو باب مجهول الأصل وجب قلبها فی التصغیر واوا عند سیبویه ؛ لأن الواو علی ما مر أقرب ؛ فتقول فی تصغیر صاب وآءه (1) - وهما شجران - : صویب وأویأه ، والأخفش یحملها علی الیاء لخفتها فیقول : صییب وأییأه ، وتقول فی «رجل خاف» أی خائف ، و «کبش صاف» برفع لا میهما : خویف وصویف ، بالواو لا غیر ؛ لأنه یجوز أن یکون أصله خائفا وصائفا فحذفت العین ، فتکون

ص: 209

الألف زائده ، فوجب قلبها واوا کما فی ضویرب ، وأن یکون خوفا وصوفا کقولک : رجل مال ، من مال یمال کفزع یفزع ، فترد الألف إلی أصلها کما فی بویب ؛ وکذا تقول : إن الألف فی فتی ترد إلی أصلها لزوال فتحه ما قبلها ، وکذا فی العصا ترد إلی الواو ، لکنها تقلب یاء لعروض عله قلبها فی التصغیر یاء

ومن المتفق علیه رد الیاء المنقلبه عن الواو لسکونها وانکسار ما قبلها إلی أصلها نحو میقات وریح ، تقول فی تصغیرهما : مویقیت ورویحه ، لزوال الکسر والسکون ، وهذا کما تقول فی الجمع مواقیت ، وحکی بعض الکوفیین أن من العرب من لا یردها فی الجمع إلی الواو ، قال : -

36 - حمی لا یحلّ الدّهر إلّا بأمرنا

ولا نسأل الأقوام عقد المیاثق (1)

ص: 210

وإنما قالوا عیید فی تصغیر عید لیفرقوا بینه وبین تصغیر عود ، وکذلک فرقوا جمعیهما فقالوا أعیاد فی جمع عید وأعواد فی جمیع عود (1)

وکذا اتفقوا علی ردّ الأصل فی قریریط ودنینیر لزوال الکسر الموجب لقلب أول المضعف یاء ، کما قیل قراریط ودنانیر.

وکذا اتفقوا علی رد أصل الیاء التی کانت أبدلت من الواو لاجتماعها مع الیاء وسکون أولاهما ، کما تقول فی تصغیر طیّ ولیّ : طویّ ولویّ ؛ لتحرک الأولی فی التصغیر ، وکذا تقول : طویّان ورویّان فی تصغیر طیّان (2) وریّان ، کما تقول فی الجمع : طواء ورواء ، وکذا إذا حقرت قیّا (3) وأصله قوی کحبر من الأرض القواء : أی القفر.

وکذا اتفقوا علی رد أصل الهمزه المبدله من الواو والیاء لتطرفها بعد الألف الزائده ، نحو عطاء وقضاء ، فتقول : عطیّ ، تردها إلی الواو ، ثم تقلبها یاء لانکسار ما قبلها ، ثم تحذفها نسیا لاجتماع ثلاث یاآت کما یجیء ، وکذا تقلب همزه الإلحاق فی حرباء یاء ، فتقول : حریبی ، لأن أصلها یاء کما یجیء فی باب الاعلال

ص: 211

وإن کانت الهمزه أصلیه خلیتها کألیّئه فی تصغیر ألاءه (1) ، وإن لم تعرف هل الهمزه أصل أو بدل من الواو والیاء خلّیت الهمز فی التصغیر بحاله ولم تقلبه ، إلی أن یقوم دلیل علی وجوب انقلابه ؛ لأن الهمزه موجوده ، ولا دلیل علی أنها کانت فی الأصل شیئا آخر ، وکذلک ترد أصل الیاء الثانیه فی بریّه (2) وهو الهمزه عند من قال : إنها من برأ أی خلق ؛ لأنها إنما قلبت یاء لکون الیاء قبلها ساکنه حتی تدغم فیها ، ومن جعلها من البری - وهو التزاب - لم یهمزها فی التصغیر ، وکذا النبی أصله عند سیبویه الهمز ، لقولهم تنبأ مسیلمه (3) فخففت بالإدغام کما فی بریه ؛ فکان قیاس التصغیر نبیّیء ، قال سیبویه : لکنک إذا صغرته أو جمعته علی أفعلاء کأنبیاء ترکت الهمزه لغلبه تخفیف الهمزه فی النبی فتقول فی التصغیر نبیّ بیاءین علی حذف الثالث کما فی أخیّ ، وقد جاء النّبآء

ص: 212

وکذا اتفقوا علی رد الألف فی آدم إلی أصلها ، وهو الهمزه ، فی التصغیر والجمع ، لکنه یعرض للهمزه فیهما ما یوجب قلبها واوا ، وذلک اجتماع همزتین متحرکتین لافی الآخر غیر مکسوره إحداهما ، کما یجیء فی باب تخفیف الهمز.

وکذا اتفقوا علی أنک إذا صغرت ذوائب اسم رجل قلت : ذؤیئب بهمزتین مکتنفتین للیاء ، لأن أصل ذوائب ذآئب بهمزتین ، إذ هی جمع ذؤابه (1) فکره اکتناف همزتین للألف التی هی لخفتها کلا فصل ، فأبدلوا الأولی شاذا لزوما واوا ، وإنما لم یقلبوا الثانیه لتعود الأولی إلی القلب فی المفرد : أی فی ذؤابه ، وإنما أبدلت واوا لأنها أبدلت فی مفرده ذلک ، ولیکون کأوادم وجوامع ، هذا ، وقال سیبویه فی تصغیر شاء : شویّ ، قال : أصل شاء إما شوی أو شوو قلبت العین ألفا واللام همزه وکلاهما (2) شاذ ، وفیه جمع بین إعلالین ، والقیاس قلب اللام

ص: 213

فقط ألفا ، قال : لیس لفظ شاء من شاه لأن أصلها شوهه بدلیل شویهه ، بل هو بالنسبه إلی شاه کنسوه إلی امرأه ، واستدل علی کون لامه حرف عله بقولهم فی الجمع شویّ ککلیب ، وقال المبرد : شویّ من غیر لفظ (1) شاء ، وأصل شاء شوه فهو من شاه کتمر من تمره ، قلبت العین ألفا علی القیاس ، کما فی باب ، ثم قلبت الهاء همزه لخفائها بعد الألف الخافی أیضا ، وهذا کما أن أصل ماء موه ، قال : فتقول فی تصغیر شاء : شویه ، کما تقول فی ماء : مویه ، لزوال الألف الخافی فی التصغیر ، فترد اللام إلی أصلها ، کما تقول فی الجمع : شیاه ، ومیاه

وکذا اتفقوا علی رد میم «فم» إلی أصله ، وهو الواو ، لأنه إنما جعلت مما لئلا تحذف باجتماع الساکنین ، فیبقی الاسم علی حرف

وما اختلف فی هذا القسم فی رجوع الحرف المقلوب فیه إلی أصله باب قائم ونائم ، وباب أدؤر والّنؤر ، بالهمزه ، وباب متّعد ، قال سیبویه فی الجمیع : لا ترد إلی أصولها فی التصغیر ، بل تقول : قویئم ، وأدیئر ، بالهمزه بعد الیاء فیهما وکذا نؤیّر ، بالهمزه قبل الیاء ، ومتیعد ومتیزن ، ولعل ذلک لأن قلب العین همزه فی باب قائل ، وقلب الواو تاء فی متعد - وإن کانا مطردین - إلا أن العله فیهما لیست بقویه ، إذ قلب العین ألفا فی قائم لیس لحصول العله فی جوهره ، ألا تری أن ما قبل العین أی الألف ساکن عریق فی السکون ، بخلاف سکون

ص: 214

قاف أقوم ، ومع هذا لم یکن حرف العله فی الطرف الذی هو محل التغییر کما کانت فی رداء ؛ فلا جرم ضعف عله القلب فیه ضعفا تاما حتی صارت کالعدم ، لکنه حمل فی الإعلال علی الفعل نحو قال ، فلما کانت عله القلب ضعیفه لم یبال بزوال شرطها فی التصغیر بزوال الألف ، وإنما کان الألف شرط عله القلب لأنها قبل العین المتحرکه کالفتحه ، أو نقول : هی لضعفها کالعدم فکأن واو قاوم متحرک مفتوح ما قبلها ، وکذا نقول : إن عله قلب الواو فی أو تعد تاء ضعیفه ، وذلک لأن الحامل علیه کراهه مخالفه الماضی للمضارع لو لم تقلب الواو تاء ، لکون الماضی بالیاء والمضارع بالواو ، مع کون التاء فی کثیر من المواضع بدلا من الواو نحو تراث وتکله وتقوی (1) ، ونحو ذلک ، ومخالفه الماضی للمضارع غیر عزیزه کما فی قال یقول وباع یبیع ، فظهر أن قلب الواو تاء وإن کان مطردا إلا أنه لضرب من الاستحسان ، ولقصد تخفیف الکلمه بالإدغام ما أمکن ، ولضعف العله لم یقلبه بعض الحجازیین تاء ، بل قالوا ایتعد یاتعد ، کما یجیء فی باب الاعلال ، فلما ضعفت علتا قلب عین نحو قائم وفاء نحو متّعد صار الحرفان کأنهما أبدلا لا لعله ، فلم یبال بزوال العلتین فی التصغیر ، فقیل : قویئم بالهمزه ، ومتیعد بالتاء وحذف تاء الافتعال ، کما فی تصغیر نحو مرتفع.

وخالف الجرمی فی الأول ، فقال : قویّل وبویّع بترک الهمزه لذهاب شرط العله ، وهو وقوع العین بعد الألف ، وقد اشترط سیبویه أیضا فی کتابه فی قلب العین فی اسم الفاعل ألفا ثم همزه وقوعها بعد الألف ، واتفق علیه النحاه ، فلا

ص: 215

وجه لقول المصنف فی الشرح إن عله قلب العین ألفا فیه حاصله ، وهی کونه اسم فاعل من فعل معل ؛ فان هذه العله إنما تؤثر بشرط وقوع العین بعد الألف باتفاق مهم

وحالف الزجاج فی نحو متعد فقال فی تصغیره : مویعد ، لذهاب العله وهی وقوع الواو قبل التاء ، وذلک لأن التاء تحذف فی التصغیر کما فی مرتدع ومجتمع کما یجیء.

وأما نحو أدؤر ونؤر فان سیبویه لم یبال بزوال عله قلب الواو همزه فی التصغیر وهی کونها واوا مضمومه ؛ لأنها وإن کانت مطرده فی جواز قلب کل واو مضمومه ضمه لازمه همزه ، کما یجیء ، لکنها استحسانیه غیر لازمه ، نحو وجوه ونحوه ، فهی عله کلا عله ؛ وخالفه المبرد فقال : إنما همزت الواو لانضمامها ، وقد زالت فی التصغیر فتقول فی أدؤر ونؤر المهموزین : أدیّر بالیاء المشدده ونویّر بالواو الصریحه ،

ولا کلام فی نحو تخمه وتراث وتهمه (1) ؛ لأن قلب الواو تاء لأجل انضمامها فی أول الکلمه ، فکرهوا الابتداء بحرف ثقیل متحرک بأثقل الحرکات ، والضمه حاصله فی التصغیر ، وهذا القلب غیر مطرد ، بخلافه فی نحو اتّعد

قوله «وأدد» (2) هو أبو قبیله من الیمن ، وهو أدد بن زید بن کهلان بن

ص: 216

سبأ بن حمیر ، وأدّ أبو قبیله ، وهو أد بن طابخه بن الیاس بن مضر ، یعنی أنه فی الأصل ودد بالواو المضمومه ، واستثقل الابتداء بها فقلبت همزه کما فی أجوه وأقّتت ، وإبدال الواو المضمومه ضمه لازمه همزه فی الأول کانت أو فی الوسط قیاس مطرد لکن علی سبیل الجواز لا الوجوب ، ولا أدری ای شیء دعاهم إلی دعوی انقلاب همزه أدد عن الواو ، وما المانع من کونه من ترکیب «أدد» وقد جاء منه الإدّ بمعنی الأمر العظیم ، وغیر ذلک

لأن أقل أوزان التصغیر فعیل ، ولا یتم إلا بثلاثه أحرف ؛ فاذا کنت محتاجا إلی حرف ثالث فردّ الأصلی المحذوف من الکلمه أولی من اجتلاب الأجنبی ، وأما إن کانت الکلمه موضوعه علی حرفین أو کنت لا تعرف أن الذاهب منها أی شیء هو ، زدت فی آخرها فی التصغیر یاء ، قیاسا علی الأکثر ، لأن أکثر ما یحذف من الثلاثی اللام دون الفاء والعین ، کدم وید وفم وحر ، وأکثر ما یحذف من اللام حرف العله ، وهی إما واو ، أو یاء ، ولو زدت واوا وجب قلبها یاء لاجتماعها مع الیاء الساکنه قبلها ، فجئت من أول الأمر بالیاء ، فقلت فی تصغیر من ومن وأن الناصبه للمضارع وإن الشرطیه أعلاما : منّی وأنیّ ، وأما إذا نسبت إلی مثل هذه فیجییء حکمها فی باب النسب ، وتقول فی تصغیر عده : وعیده وهذه التاء وإن کانت کالعوض من الفاء ولذلک لا یتجامعان نحو وصله ووعده ، لکنه لم یتم بنیه تصغیر الثلاثی - أی فعیل - بها ، لأن أصلها أن تکون کلمه مضمومه إلی کلمه ، فلهذا فتح ما قبلها کما فتح فی نحو بعلبک ، فالتاء مثل کرب فی معدی کرب ، من حیث إنه یدور إعراب المرکب علیه ، ومن حیث انفتاح ما قبلها ، واما إذا قامت التاء مقام اللام وصارت عوضا منه کما فی أخت وبنت فانها تخرج عما هو حدها من فتح ما قبلها ، بل تسکن ویوقف علیها تاء ، ولا یعتد بمثل هذه أیضا فی البنیه ، بل یقال أخیّه برد اللام حفظا لأصل التاء ، وهو الانفصال ، وکونها کلمه غیر الکلمه الأولی ، فاذا لم یعتد بها فی البنیه فی نحو بنت مع کونها عوضا من اللام قائمه مقامها لما فیها من رائحه التأنیث فکیف یعتد بها فیها فی نحو عده مع عدم قیامها مقام المعوض منه بدلاله فتح ما قبلها کما هو حقها فی الأصل وکذا الوقف علیها هاء ، وتقول فی کل اسما : أکیل ، ترد الهمزه التی هی فاء الکلمه ، ولا ترد همزه الوصل ؛ لأنه إنما احتیج إلیها لسکون الفاء ، وفی المصغر یتحرک ذلک

ص: 218

قوله «وفی مذ» هذا بناء علی أن أصله منذ ، وقد ذکرنا فی شرح (1) الکافیه أنه لم یقم دلیل علیه

قوله «سه» أصله سته وفیه ثلاث لغات إحداها هذه ، وهی محذوفه العین ، والثانیه ست بحذف اللام مع فتح السین ، والثالثه است بحذف اللام وإسکان السین والمجیء بهمزه الوصل

فأما إذا سمیت بقم وبع فانک تقول فی المکبر : قوم وبیع ، کما مر فی باب الأعلام (2) فلا یکون من هذا الباب

قوله «وفی دم وحر» لام دم یاء ، ولام حر حاء ، حذفت لاستثقال الحاءین بینهما حرف ساکن ، وحذف العین فی سه ومذ واللام من حر ودم لیس قیاسا بل القیاس فی نحو عم وفتی ، وحذف الفاء فی کل شاذ ، وفی عده قیاس کما یجیء فی موضعه

قوله «وکذا باب ابن واسم وبنت وهنت» یعنی إذا حذفت اللام وأبدلت منها همزه الوصل فی أول الکلمه أو التاء فی موضعه فانه لا یتم بالبدلین بنیه تصغیر الثلاثی ، بل لا بد من رد اللام ، وإنما لم یتم بهمزه الوصل لأنها غیر لازمه ، بل لا تکون إلا فی الابتداء ، فلو اعتد بها لم تبق البنیه فی حال الدرج إن سقطت

ص: 219

الهمزه وإن لم تسقط خرجت همزه الوصل عن حقیقتها ؛ لأنها هی التی تسقط فی الدرج ، وإنما لم یعتد بالتاء فی البنیه لما فیها من رائحه التأنیث لاختصاص الإبدال بالمؤنث دون المذکر ، وإنما قلنا إن الهمزه والتاء بدلان من اللام لأنهما لا تجامعانه ، ولم یجیء من الکلمات ما أبدل من لامه تاء فیکون ما قبلها ساکنا ویوقف علیها تاء إلا سبع کلمات : أخت ، وبنت ، وهنت ، وکیت ، وذیت ، وثنتان (1)

ص: 220

وکلتا عند سیبویه (1) ، وقولهم منت (2) بسکون النون مثلها ، لکنها

ص: 221

لیست بدلا من اللام ، إذ لا لام لمن وضعا ، وتقول فی تصغیرها : أخیّه ، وبنیّه ، وهنیّه ، وهنیهه ، لأن لامها ذات وجهین کسنه ، وتصغیر سنه أیضا علی سنیّه وسنیهه ، وتقول فی منت : منیّه کما تصغر من علی ما ذکرنا ، وتقول فی کیت وذیت : کییّه وذییّه ؛ لقولهم فی المکبر ذیّه وکیّه أیضا ، ومن قال أصلهما کویه وذویه لکون باب طوی أکثر من باب حیی قال : کویّه وذویّه ، وإنما فتحت ما قبلها فی التصغیر ووقفت علیها هاء لأنک إذا رددت اللام لم یکن التاء بدلا منها ، وإذا سمیت بضربت قلت : ضربه کما مر فی العلم وتصغرها علی ضریبه ، وتقول فی تصغیر فل (1) فلین ؛ لأن لامه نون من قولهم

ص: 222

فلان ، وتقول فی تصغیر قط ورب وبخ مخففات : قطیط وربیب وبخیخ (1) وتقول فی تصغیر ذه مسکن الهاء ذییّ لأن الهاء بدل من الیاء ، والأصل ذی کما مر فی أسماء الإشاره

ص: 223

قوله «بخلاف میت وهار وناس» الأصل میّت وهائر (1) وأناس ، حذفتها لا لعله موجبه ، بل للتخفیف ؛ وهذه العله غیر زائله فی حال التصغیر ، ولا حاجه ضروریه إلی رد المحذوف ، کما کانت فی القسم المتقدم ، إذ یتم بنیه التصغیر بدونها ، وکذا لا ترد المحذوف فی تصغیر یری وتری وأری ونری ، ویضع وتضع ، وخیر وشر ، بل تقول : یریّ وتریّ وأری ونریّ ویضیع وتضیع وخییر وشریر ؛ وحکی یونس أن أبا عمرو کان یقول فی مر : مریء کمریع ، یهمز ویکسر کمعیط فی معط ؛ فألزمه سیبویه أن یقول فی میت وناس مییت وأنیس ، وکان المازنی یرد نحو یضع وهار إلی أصله ، نحو یویضع وهو یئر

ص: 224

قال السیرافی : فیلزمهم أن یقولوا : أخیّر وأشیّر ، وقد حکی یونس عن جماعه هو یئر ، فقال سیبویه : هذا تصغیر هائر لا تصغیر هار (1) ، کما قالوا فی تصغیر بنون أبینون ، وهو تصغیر أبنی مقدرا کأضحی ، وإن لم یستعمل کما مر فی شرح الکافیه (2) فی الجمع ، ولو کان تصغیر بنون علی لفظه قلت بنیّون

ص: 225

قوله «فان اتفق اجتماع - إلی آخر ما ذکر» من باب ما یزول فیه فی التصغیر سبب القلب الذی کان فی المکبر ویعرض فی التصغیر سبب الحذف

قوله «قلبت یاء» لیس علی إطلاقه ، بل بشرط أن لا یکون بعد الواو أو الألف حرفان یقعان فی التصغیر موقع العین واللام من فعیعل ، فإنه إن کان بعدهما حرفان کذا وجب حذفهما ، وکذا کل یاء فی مثل موقعهما ، تقول فی تصغیر مقاتل : مقیتل ، بحذف الألف ، إذ مفیعّل - بتشدید الیاء - لیس من أبنیه التصغیر ، وکذا تقیتل فی تصغیر تقوتل علما بحذف الواو ، وکذا حمیریر فی تصغیر احمیرار بحذف الیاء مع همزه الوصل ، کما یجیء ، وإنما تقلب الألف والواو یاء إذا وقعا إما موقع اللام من فعیل ، نحو أذیّ فی تصغیر إذا علما ، وعریّه فی تصغیر عروه ، أو موقع العین من فعیعل ، کرسیّله فی رساله ، وعجیّز فی عجوز ، وإنما قلبتا یاءین لأنهما إذن لا بد من تحریکهما ، فاذا تحرکت الواو وقبلها یاء ساکنه وجب قلبها یاء ، وإذا قصدت تحریک الألف فجعلها یاء أولی ، لأنها إن جعلتها واوا وجب قلبها یاء لما ذکرنا ، وجعلها همزه بعید ، لأن اعتبار التقارب فی الصفه فی حروف العله أکثر من اعتبار التقارب فی المخرج ، فلذلک لا تقلب الألف همزه إلا فی موضع لو قلبت

ص: 227

فیه واوا أو یاء لانقلبت ألفا أیضا ، کألف التأنیث فی حمراء (1) والألف فی نحو الضّالّین ودابه (2) ، وأما العألم والبأز فنادران (3)

ص: 228

ثم إن الواو الواقعه بعد یاء التصغیر - أعنی التی لا تحذف - لا یخلو إما أن تکون لاما أو غیر لام

فاللام تقلب یاء لا غیر ، تقول : غزیّ وعریّه فی غزو وعروه ، وکذا غزیّان وعشیّاء وغزیّیّه بیاءین مشددتین ، فی تصغیر غزوان وعشواء (1) وغزویّه منسوبه إلی الغزو

وأما غیر اللام فان کانت ساکنه فی المکبر فلا بد من قلبها یاء ، نحو عجیّز

ص: 229

وجزیر فی عجوز (1) وجزور ، وإن کانت فیه متحرکه أصلیه کانت کأسود ومزود ، أو زائده کجدول فالأکثر القلب ، ویجوز ترکه کأسیود وجدیول (2) ، لقوه الواو المتحرکه ، وعدم کونها فی الآخر الذی هو محل التغییر ، وکون یاء التصغیر عارضه غیر لازمه ؛ وقال بعضهم : إنما جاز ذلک حملا علی التکسیر ، نحو جداول وأساود ، ولو کان حملا علیه لجاز فی مقام ومقال مقیوم ومقیول کما فی مقاول ومقاوم

قوله «وکذلک الهمزه المنقلبه بعدها» أی : الهمزه المنقلبه عن الألف المنقلبه عن واو أو یاء بعد الألف الزائده التی تلی یاء التصغیر یعرض فیه سبب قلب الألف یاء کما مر ، ویزول سبب قلب اللام ألفا ؛ إذ من جملته الألف الزائده والفتحه التی

ص: 230

قبلها ، ویعرض سبب آخر لقلب اللام یاء ، إن کان واوا ؛ ثم سبب آخر لحذف ذلک اللام ، وذلک أنه إذا اجتمع ثلاث یاآت والأخیره متطرفه لفظا کما فی أحیّ أو تقدیرا کما فی معیه وثانیتها مکسوره مدغم فیها ، ولم یکن ذلک فی الفعل کما فی أحییّ ویحییّ ولا فی الجاری علیه نحو المحیی ؛ وجب حذف الثالثه نسیا ، کما یجیء فی باب الاعلال تحقیقه

فاذا حقر نحو عطاء قلب ألفه یاء کما فی حمار : فیرجع لام الکلمه إلی أصلها من الواو لزوال الألف قبلها ، ثم تنقلب یاء لتطرفها مکسورا ما قبلها ؛ فتجتمع ثلاث یاآت : الأولی للتصغیر ، والثانیه عوض من الألف الزائده ، والثالثه عوض عن لام الکلمه ، فتحذف الثالثه نسیا ، فیبقی عطیّ ، ویدور الاعراب علی الثانیه

وکذا إداوه ، لا فرق بینهما ، إلا أن لام إداوه لم تنقلب ألفا ثم همزه ؛ لأنها لم تتطرف کما تطرف لام عطاء

وأما غاویه فانک تقلب ألفها واوا کما فی ضارب ؛ فتجتمع یاء التصغیر والواو التی هی عین الکلمه ، فتنقلب یاء لسکون الأولی ، فیجتمع ثلاث یاآت : یاء التصغیر ، وبعدها العین ، ثم اللام

وأما معاویه فانک تحذف ألفها کما فی مقاتل ؛ فتزید یاء التصغیر ، وتنقلب العین یاء لما ذکرنا ؛ قال

37 - وقاء مّا معیّه من أبیه

لمن أو فی بعقد أو بعهد (1)

ص: 231

وکذا یجتمع فی أحوی (1) ثلاث یاآت بسبب قلب العین یاء ، فبعد حذف

ص: 232

الیاء الثالثه کان سیبویه یمنع صرفه ، لأنه وإن زال وزن الفعل لفظا وتقدیرا أیضا بسبب حذف اللام نسیا ، لکن الهمزه فی الأول ترشد إلیه وتنبه علیه ، کما منع صرف نحو یعد ویری اتفاقا ، وإن نقص عن وزن الفعل بحذف الفاء والعین وجوبا ، وکان عیسی بن عمر یصرفه ، نظرا إلی نقصان الکلمه عن وزن الفعل نقصانا لازما ، بخلاف نحو أرس فی تخفیف أرأس ، فان النقص فیه غیر لازم (1) ولیس بشیء ، لأن الواجب والجائز کما ذکرنا فی مثله سواء مع قیام حرف المشابهه وکان أبو عمرو بن العلاء لا یحذف الثالثه نسیا ، بل إنما یحذفها مع التنوین حذف یاء قاض ومع اللام والاضافه یردها کالأحیّی ، قال الفارسی : إنما فعل ذلک لمشابهته فی اللفظ الفعل ، فکأنه اسم جار علیه مثل المحیّ وکذا یلزمه أن یقول فی تصغیر یحیی یحیّ ، ورد سیبویه علی ابن العلاء بقولهم فی عطاء : عطیّ ، بحذف الثالثه

ص: 233

إجماعا ، ولا یلزمه ذلک علی ما اعتذر له أبو علی وقد مر جمیع هذا فی باب غیر المنصرف (1)

ومن قال أسیود قال فی معاویه وغاویه : معیویه ، وغویویه ، وفی أحوی احیو ، إذ لم یجتمع ثلاث یاآت حتی تحذف الثالثه نسیا.

والکلام فی صرف أحیّ عند أبی عمرو ومنع صرفه ، وکذا فی صرف أحیو ومنعه ، والبحث فی أن التنوین فیهما للصرف أو للعوض کما مر فی جوار فی باب مالا ینصرف سواء (2).

ص: 234

وقول المصنف «حذفت الأخیره نسیا علی الأفصح» یومی إلی أنه لا تحذف علی غیر الأفصح ، ولیس کذلک ، بل الواجب فی الیاء المقیده بالقیود المذکوره الحذف اتفاقا ، إلا فی نحو أحیّ مما فی أوله شبه حرف المضارعه ، فان أبا عمرو لا یحذفها نسیا کما مر ، قال السیرافی : تقول فی عطاء : عطی ، وفی قضاء قضی ، وفی سقایه سقیّه ، وفی إداوه أدیّه ، ثم قال : فهذا لا یجوز فیه غیره ، وقال ابن خروف فی مثله : إن القیاس إعلاله إعلال قاض ، لکن المسموع حذف الثالثه نسیا ، بل قال الاندلسی والجوهری : إن ترک الحذف مذهب الکوفیین ، وأنا أری ما نسبا إلیهم وهما منهما

وکذا تحذف الیاء المشدده المتطرفه الواقعه بعد یاء مشدده ، إذا لم یکن الثانیه للنسبه کما إذا صغرت مرویه اسم مفعول من روی قلت : مریه ، والأصل مریّیّه ، وکذا تصغر أرویّه فیمن قال أنها أفعوله ، وأما من قال فعلیّه والیاء

ص: 235

للنسبه فأنه یقول فی تصغیرها (1) أریّیّه بیائین مشددتین ، کما إذا صغر غزویّ المنسوب إلی الغزو قیل : غزّیییّ ، وکذا یصغر علوی وعدوی علی علیّیّ وعدیّیّ بیاءین مشددتین

وإنما لم تحذف شیئا إذا طرأ التصغیر علی المنسوب کما فی الأمثله المذکوره وحذفت یاء التصغیر إذا طرأ النسب علی المصغر فی نحو أمویّ وقصویّ المنسوبین إلی أمیّه وقصیّ لأن المنسوب فی مصغر المنسوب هو العمده إذ هو الموصوف ، ألا تری أن معنی علّییّ علوی مصغر فلم یجز إهدار علامته ، وکذا لا یهدر علامه المصغر

ص: 236

إذ هو الطاریء ، والطاریء إذا لم یبطل حکم المطرو علیه لمانع فلا أقل من أن لا یبطل حکمه بالمطرو علیه ، وأما المنسوب إلی المصغر فلیس المصغر فیه عمده ؛ إذ لیس موصوفا ، بل هو من ذنابات المنسوب ، إذ معنی قصویّ منسوب إلی قصی فجاز إهدار علامته إجابه لداعی الاستثقال ، وأما النسبه فطارئه فلا تهدر علامتها فعلی هذه القاعده ینسب إلی جهینه جهنی بحذف الیاء ، ثم إذا صغرت جهنیّا زدت الیاء فقلت جهینی

المخصوص فی رجیل مدلول علیه بترکیب هذا اللفظ مع الوصف ، فلا یحتاج إلی رفع ما هو موصوفه حقیقه ، ولما رأی بعض النحاه أن التصغیر یورد فی الاسم معنی الوصف ورأوا أن العلم لا معنی للوصف فیه قالوا : تصغیر الأعلام لیس بوجه ، ولیس ما توهموا بشیء ؛ لأنک لا تجعل بالتصغیر عین المکبر نعتا حتی یرد ما قالوا ، بل تصف بالتصغیر المکبر ، إلا أنک تجعل اللفظ الواحد - وهو المصغر - کالموصوف والصفه ، ووصف الأعلام غیر مستنکر ، بل شائع کثیر ، وإنما لم یلحقوا التاء بآخر ما زاد علی ثلاثه من الأسماء فی التصغیر لأنهم لما قصدوا فیه ذکر الموصوف مع صفته بلفظ واحد توخّوا من الاختصار ما یمکن ، ألا تری إلی حذفهم فیه کل ما زاد علی أربعه من الزائد والأصلی ، وهذا هو العله فی تخفیفات الملحق به یاء النسب ، لأن المنسوب أیضا کالصفه مع الموصوف مع ثقل الیاء المشدده فی آخر الاسم الذی هو موضع الخفه ، لکنک لم تحذف فی النسب الزائد علی الأربعه لکون علامه النسبه کالمنفصل من المنسوب ، بخلاف علامه التصغیر ، فالمقصود أنهم اجترؤا فی الثلاثی الذی هو أخف الأبنیه - لما طرأ فیه معنی الوصف - علی زیاده التاء التی تلحق آخر أوصاف المؤنث ، فلما وصلوا إلی الرباعی وما فوقه والتاء وإن کانت کلمه برأسها إلا أنها کحرف الکلمه المتصله هی بها لم یروا زیاده حرف علی عدد حروف لو زاد علیها أصلی طرحوه فی التصغیر ، فقدروا الحرف الأخیر کالتاء ، إذ هی محتاج إلیها لکون الاسم وصفا ، فقالوا : عقیّب وعقیرب (1)

ص: 238

وإذا کان الاسم المؤنث علی أکثر من ثلاثه لکنه یعرض فیه فی حال التصغیر ما یرجع به إلی الثلاثه وجب زیاده التاء فیه ، نحو سمیّه فی سماء ، لأنه یجتمع فیه ثلاث یاآت فتحذف الأخیره نسیا کما ذکرنا

وکذا إذا صغرت الثلاثی المزید فیه نحو عناق وعقاب وزینب تصغیر الترخیم قلت : عنیقه ، وعقیبه ، وزنیبه

وإن کان الثلاثی جنسا مذکرا فی الأصل وصف به المؤنث - نحو امرأه عدل أو صوم أو رضی - فانک تعتبر الأصل فی التصغیر ، وهو التذکیر ، ولا تزید فیه التاء نحو : امرأه رضیّ وعدیل وصویم ، کما أن نحو حائض وطالق لفظ مذکر جعل صفه لمؤنث ، وإن کان معناه لا یمکن إلا فی المؤنث ، فاذا سمی بمثله مذکر صرف ؛ لکونه الآن علم مذکر لیس فیه تاء ظاهره ولا حرف قائم مقامها فی الوضع ، کما کان فی عقرب إذ وضع نحو لفظ حائض - کما مر فی غیر المنصرف علی التذکیر کضارب وقاتل (1) ، فاذا صغرت نحوه تصغیر الترخیم لم تزد

ص: 239

التاء ، لکونه مذکرا فی الأصل ، فتقول : حییض وطلیق

وإذا سمیت مؤنثا بثلاثی مذکر نحو شجر وحجر وزید ثم صغرته زدت التاء وکذا إذا سمیت مؤنثا بمؤنث ثلاثی لم یکن تدخل التاء فی تصغیره قبل العلمیه کحرف وناب ودرع

فان قلت : فکیف راعیت الأصل فی نحو امرأه عدل وصوم ، ولم تقل عدیله وصویمه ولم تراع ذلک فی العلم؟؟

قلت : لأن الوصف غیر مخرج عن أصله بالکلیه ، إذ معنی «امرأه عدل» کأنها من کثره العدل تجسمت عدلا ، ومعنی «امرأه حائض» إنسان حائض ، فقد قصدت فیهما المعنی الأصلی الذی وضع اللفظ باعتباره ، وأما فی العلم فلم تقصد ذلک ، لأنه منقول ووضع ثان غیر الوضع الأول وغرضه الأهم الابانه عن المسمی ، لا معناه الأصلی ، فاذا سمیت بالحجر فهو کما لو سمیت بغطفان وغیره من المرتجلات ، وقلیلا ما یراعی فی العلم معنی المنقول منه

وکذا إذا سمیت مذکرا بمؤنث مجرد عن التاء کأذن وعین لم تلحق به التاء فی التصغیر ، لأنه - کما ذکرنا - وضع مستأنف ، ویونس یدخل التاء فیه ، فیقول : أذینه وعیینه ، استدلالا بأذینه وعیینه ، علمی رجلین ، وهذان عند النحاه إنما سمی المذکران بهما بعد التصغیر ، فلا حجه فیه

وإذا سمیت مذکرا بنحو أخت وبنت وصغرته حذفت التاء ، فتقول : أخیّ ، برد

ص: 240

اللام المحذوفه المبدله منها التاء ؛ إذ لا یتم بنیه التصغیر بالتاء کما ذکرنا ، ولا تأتی بعدها بالتاء لأنه مذکر إذن

واعلم أنه قد شذت من الثلاثی أسماء لم تلحقها التاء فی التصغیر : ذکر سیبویه منها ثلاثه ، وهی الناب بمعنی المسنه من الابل ، وإنما قالوا فیها نییب لأن الناب من الأسنان مذکر (1) ، والمسنه من الابل قیل لها ناب لطول نابها کما یقال لعظیم البطن بطین بتصغیر بطن ؛ فروعی أصل ناب فی التذکیر ، وکذا قال فی الفرس فریس لوقوعه علی المذکر والمؤنث فغلّب (2) وکذا قال فی الحرب - وهی (3) مؤنثه - :

ص: 241

حریب ؛ لکونها فی الأصل مصدرا ، تقول : نحن حرب ، وأنتم حرب ، وذکر الجرمی من الشواذ درع الحدید (1) ، والعرس وهی مؤنثه (2) ، قال : -

38 - إنّا وجدنا عرس الحنّاط

لئیمه مذمومه الحوّاط (3)

ص: 242

القوس (1) ، وذکر غیرهما العرب والذّود والضّحی (2) وقد شذ فی الرباعی قدام ووراء (3) فألحق بمصغرهما الهاء والقیاس ترکها ، وحکی أبو حاتم أمیّمه فی أمام ، وقال : لیس بتبت ، قال السیرافی : إنما لحقتهما الهاء لأنهما ظرفان : لا یخبر عنهما ، [ولا یوصفان] ولا یوصف بهما ، حتی یتبین تأنیثهما بشیء من ذلک ، کما تقول : لسعت العقرب ، وعقرب لاسعه ، وهذه العقرب ؛ فأنثا

ص: 243

تیینا لتأنیثهما ، وفی وراء قولان : أحدهما (1) أن لامه همزه ، قالوا : یقال : ورّأت بکذا : أی ساترت به ، ومنه الحدیث أن النبی صلی الله علیه وسلم «کان إذا أراد سفرا ورّأ بغیره» وأصحاب الحدیث لم یضبطوا الهمزه فرووا «ورّی بغیره» ، وقال بعضهم : بل لامه واو أو یاء ، مثل کساء ورداء ، من ورّیت بکذا ، وهو الأشهر ، فتصغیره علی هذا وریه لا غیر ، بحذف الیاء الثالثه کما فی سمیّه تصغیر سماء

ومذهب أبی عمرو أنه إذا حذف ألف التأنیث المقصوره خامسه فصاعدا کما یجیء أبدل منها تاء ، نحو حبیّره فی حباری ولغیغیزه فی لغّیزی (2) ، ولم یر ذلک غیره من النحاه ؛ إلا ابن الأنباری فانه یحذف الممدوده أیضا خامسه فصاعدا ، ویبدل منها التاء کالمقصوره ، ولم یوافقه أحد فی حذف الممدوده

قوله «ویحذف ألف التأنیث المقصوره غیر الرابعه» إنما تحذف خامسه

ص: 244

فصاعدا لأنها لازمه للکلمه ، وصائره کالحروف التی زیدت لبنیه الکلمه ، مثل ألف حمار ، مع أنها لا تفید معنی التأنیث کما تفیده الرابعه نحو سکری حتی تراعی لکونها علامه ، وإذا کانت الحروف الأصلیه تحذف خامسه فکیف بالزائده کالأصلیه ، فاذا صغرت العرضنی (1) قلت عریضن ، والنون للالحاق ، فهو بمنزله أصلی رابع ، وکذا إذا صغرت العبدّی (2) قلت عبیدّ ، بحذف الألف ؛ لأن إحدی الدالین وإن کانت زائده إلا أنها تضعیف الحرف الأصلی ؛ فتحصنت من الحذف بذلک ، وبکونها لیست من حروف «الیوم تنساه» وبکونها لیست فی الطرف ، بخلاف ألف التأنیث فانها عاریه من الثلاثه ، وکذا تقول فی لغیّزی لغیغیز بحذف الألف ، دون إحدی الغینین ، کما أنک لا تحذف فی تصغیر عفنجج (3) غیر النون ؛ لأن إحدی الجیمین تضعیف لحرف أصلی ، ولیست من حروف «الیوم تنساه» ، ولا تحذف یاء لغّیزی فی التصغیر ؛ لأنها لا تخل ببنیته ، بل تصیر مدا قبل الآخر کما فی عصیفیر ، کما أنک لا تحذف من

ص: 245

حولایا - وهو اسم رجل - غیر ألف التأنیث ، ولا تحذف الألف التی بعد اللام لأنها مده رابعه لا تحذف فی التصغیر ، بل قد تجلب لتکون عوضا من زائد محذوف فی موضع آخر ، نحو مطیلیق فی منطلق ، فالاخلال بالبنیه فی حولایا ولغّیزی من ألف التأنیث ، لا من الألف والیاء المتوسطتین ؛ إذ لو حدفتهما وقلت لغیغزی وحویلیا لوقعت ألف التأنیث خامسه موقع اللام فی سفیرجل ، فاحتجت إلی حذفها أیضا ، وأما فی نحو حباری فکل واحده من ألف التأنیث والألف المتوسطه متساویتان فی الإخلال ببنیه التصغیر ، وأیتهما حذفت تحصل البنیه ، إذ لو حذفت المتوسطه لم تکن ألف التأنیث خامسه ، بل تقول : حبیری کحبیلی ، ولو حذفت ألف التأنیث قلت : حبیّر کحمیّر ؛ فالألفان إذن متساویتان کالألف والنون فی حبنطی ، تقول : حبینط وحبیط ، فان ترجحت الثانیه - بکونها فی الأصل علامه التأنیث فلا تحذف - ترجحت الأولی بالتوسط ؛ فمن ثمّ حازفیه حبیّر وحبیری ؛ وإذا صغرت برد رایا (1) حذفت الألفین والیاء بینهما ، وقلت بریدر ؛ لاخلال الجمیع بالبنیه

هذا کله فی ألف التأنیث المقصوره ، وأما الممدوده فی نحو خنفساء ، والألف والنون فی نحو زعفران وظربان ، ویاء النسب فی نحو سلهبیّ (2) ، والنون للمثنی ، والواو والنون فی جمع المذکر ، والألف والتاء فی جمع المؤنث ، نحو ضاربان وضاربون وضاربات ، فجمیعها - لکونها علی حرفین - وکذا تاء التأنیث لکونها

ص: 246

متحرکه صارت کأنها اسم ضم إلی اسم ، کما فی نحو بعلبکّ ؛ تمت بنیه التصغیر دون هذه الزوائد ، ولم تخل بها ، بخلاف الألف المقصوره فانها حرف واحد ساکنه خفیه میته ، لا یصح أن تقدر ککلمه مستقله ، بل هی کبعض الحروف المزیده فی البنیه نحو مدّات عماد وسعید وعجوز ، فحبیلی کسفیرج ، کما أن حبالی کسفارج ، لو لا المحافظه فی الموضعین علی علامه التأنیث لکسر ما قبلها ، فلا تقول : إن بنیه التصغیر تمت قبل الألف فی حبیلی وإنه کطلیحه ، کما لا تقول : إن بنیه الجمع تمت قبلها فی حبالی

فعلی هذا إذا صغرت [نحو] ظریفان وظریفون وظریفات أجناسا قلت : ظریّفان وظریفّون وظریّفات ، بالیاء المشدده قولا واحدا ، وکذا عند المبرد إذا جعلتها أعلاما ؛ لأن هذه الزیادات وإن لم تکن حال العلمیه مفیده لمعان غیر معانی الکلمات المتصله هی بها حتی تعدّ کالکلم المستأنفه بل صارت المدّات بسبب العلمیه کمدات عمود وحمار وکریم ؛ لکنها کانت قبل العلمیه کالکلم المستقله ، مثل تاء التأنیث ، فروعی الأصل ولم تغیر ؛ وأما عند سیبویه فحالها أعلاما خلاف حالها أجناسا : هی فی حال العلمیه بالنظر إلی أصلها [منفصله] کالتاء ، وبالنظر إلی العلمیه کأنها من تمام بنیه الکلمه ، فلا جرم أنه أبقی هذه الزیادات بحالها فی حال العلمیه إبقاء ثانیه کلمتی بعیلبکّ وثنیّا عشر وثنیّتا عشره ، وحذف المدات إن کانت قبلها نحو یاء ظریفان وظریفون وظریفات ، وألف نحو جداران ودجاجات ، وواو نحو عجوزات ، إذا کانت هذه الأسماء أعلاما ؛ لجعل الزیادات اللاحقه کبعض حروف بنیه الکلمه ؛ فتستثقل معها ، ومن ثم قال یونس فی ثلاثون جنسا ثلیثون بحذف الألف ؛ لأن الواو والنون کجزء الکلمه ؛ إذ لیس بجمع ثلاث ، وإلا کان أقل عدد یقع علیه تسعه کما مر فی أول شرح الکافیه ، وکذا قال سیبویه فی بروکاء وبراکاء

ص: 247

وقریثاء (1) إنه بحذف الواو والألف والیاء ؛ لجعل الألف الممدوده کالجزء من وجه وغیر الجزء من آخر ، علی ما بینا. فقال : بریکاء وقریثاء مخففین ، والمبرد یشدد نحوهما ؛ لأنه لا یحذف شیئا ؛ قال سیبویه : لو جاء فی الکلام فعولاء بفتح الواو لم تحذفها حذف واو جلولاء (2) ، لأنها تکون إذن للالحاق بحر ملاء (3) فتکون کالأصلیه ، وأما واو بروکاء وجلولاء فمده ضعیفه فلا مبالاه بحذفها لاقتضاء القیاس المذکور ذلک ؛ وإذا صغرت معیوراء ومعلوجاء (4) لم یحذف الواو ؛ لأن لمثل هذه المده حالا فی الثبات لیست لغیرها ، کما قلنا فی ألف حولایا التی قبل الیاء ، وأما مع تاء التأنیث فلا خلاف أن المده الثالثه لا تحذف ، نحو دجاجه ودجاجتان ،

ص: 248

علما کانت أولا ؛ لأن أصل تاء التأنیث علی الانفصال ، تقول : دجیّجه ودجیّجتان ، قولا واحدا کبعیلبک.

وإذا صغرت نحو حبلوی وملهوی وهو کسهلبیّ کسرت ما قبل الواو ؛ لأن ما بعد یاء التصغیر فی الرباعی مکسور لا غیر ، فتنقلب الواو یاء مکسوره ، ولا یجوز فتح ما قبلها کما فتحته فی المنسوب إلی ملهی وحبلی ؛ لما ذکرنا ، فلم یبق إلا حذف الیاء المنقلبه من الواو ؛ کما حذفت [فی] غازیّ وقاضیّ المنسوبین إلی غاز وقاض ، ولم یمکن حذف یاء النسب لکونها علامه ولتقویها بالتشدید. وإنما کسر ما قبل واو حبلوی فی التصغیر وإن کانت بدلا من حرف لا یکون ما قبلها فی التصغیر إلا مفتوحا - أعنی ألف التأنیث - نحو حبیلی ؛ لتغیر صوره الألف ، فلم یبق لها الحرمه الأصلیه لزوال عین الألف ، هذا ، وجحجبی : قبیله من الانصار ، وحولایا : اسم رجل.

ومصباح ، ولا حاجه إلی التقیید بالمده (1) ، بل کل حرف لین رابعه فانها فی التصغیر تصیر یاء ساکنه مکسورا ما قبلها إن لم تکن کذلک ، إلا ألف أفعال وفعلان ، وألفی التأنیث ، وعلامات المثنی والجمعین ، فیدخل فیه نحو جلیلیز وفلیلیق فی تصغیر جلّوز (2) وفلّیق وإن لم تکن الواو والیاء مدا ، وکذا الواو والیاء المتحرکتان کما فی مسرول ومشریف ، تقول : مسبریل ومشیریف (3) ، وکذا تقول فی ترقوه : تریقیه (4) ، ویجب سکون کل یاء بعد کسره التصغیر ، إذا لم تکن حرف إعراب کما فی رأیت أریطیا إلا إذا کان

ص: 250

بعدها تاء التأنیث کتریقیه ، أو الألف الممدوده کسییمیاء فی سیمیاء (1) ، أو الألف والنون المضارعتان لألفی التأنیث کعنیفیان فی عنفوان (2)

قوله «إن لم تکنها» أی : إن لم تکن یاء : لأن الیاء لا تقلب یاء

قوله «وذو الزیادتین غیرها» أی : غیر المده الرابعه ، والأولی أن یقال غیر حرف اللین الرابعه ؛ لیکون أعم

اعلم أن الثلاثی إذا کان ذا زیاده واحده لم تحذفها : فی الأول کانت کمقتل وأسود ، أو فی الوسط ککوثر وجدول وخاتم وعجوز وکبیر وحمار أو فی الآخر کحبلی وزیدل

وإن کان ذا زیادتین غیر المده المذکوره لم یمکن بقاؤهما ؛ إذ الخماسی یحذف حرفه الأصلی ، فکیف بذی الزیاده؟ فاذا لم یکن بد من الحذف اقتصر علی

ص: 251

حذف إحداهما ، إذ هو قدر الضروره ، وتصیر الکلمه بذلک علی بنیه التصغیر ، فلا یرتکب حذفهما معا

فالزیادتان إما أن تکونا متساویتین ، أو تکون إحداهما الفضلی ؛ فان فضلت إحداهما الأخری حذفت المفضوله

والفضل یکون بأنواع :

منها : أن تکون الزیاده فی الأول کمیم منطلق ومقتدر ومقدّم ومحمر وکهمزه ألندد (1) وأرندج وکیاء یلندد ویرندج ، فالأولی بالابقاء أولی لأن الأواخر محل التغییر لتثاقل الکلمه إذا وصلت إلیها ، ثم بعد ذلک الأوساط أولی ، وأما الأوائل فهی أقوی وأمکن منهما ، وهی مصونه عن الحذف إلا فی القلیل النادر ، إذ الکلمه لا تثقل بأول حروفها ولمیم نحو منطلق ومقتدر فضیلتان أخریان : کونها ألزم من الزائد المتأخر ، إذ هی مطرده فی جمیع اسمی الفاعل والمفعول من الثلاثی المزید فیه ومن الرباعی ، وکونها طارئه علی الزائد المتأخر ، والحکم للطاریء.

ومن أنواع الفضل أن یکون أحد الزائدین مکرّر الحرف الأصلی دون الآخر ؛ فالمکرر بالإبقاء أولی ؛ لکونه کالحرف الأصلی ، فجیم عفنجج ودال غدودن (2) أولی بالإبقاء من الباقیین ، وکذا المضعف فی خفیدد وحمارّه وصبارّه (3) أفضل

ص: 252

من الباقی ، هذا مع أن النون والواو والیاء والألف أبعد من الطرف ، إلا أنها ضعفت بالسکون ، وأما قطوطی - وهو البطیء المشی - فعند سیبویه فعوعل کغدودن ، فتقول : قطیط ، أو قطیطیّ بابدال الیاء من الواو المحذوفه ، وقال المبرد : بل هو فعلعل ، وأصله قطوطو کصمحمح ، وقال : فعلعل أکثر من فعوعل ؛ فأحد المضعفین - أعنی الطاء والواو الأولین أو الثانیین - زائد کما فی صمحمح وبرهرهه (1) ، قال سیبویه : جاء منه اقطوطی إذا أبطأ فی مشیه ، وهو افعوعل کاغدودن ، وافعلعل لم یأت فی کلامهم ، ولو کان أیضا فعلعلا کما قال المبرد کان القیاس حذف الواو الأولی ، علی ما ذکرنا فی شرح معنی الإلحاق أن صمحمحا وبرهرهه یجمعان علی صمامح وبراره

وإذا صغرت عطوّدا (2) فعند سیبویه تحذف الواو الأولی ، لانهما وإن کانتا زائدتین لکن الثانیه أفضل وأقوی لتحرکها وسکون الأولی ، فتقول : عطیّد ؛ وبالابدال عطیّید ، وقال المبرد : لا یجوز حذف إحدی الواوین ، لأن عطوّدا کمسرول ، والواو الرابعه ساکنه کانت أو متحرکه لا تحذف کما ذکرنا ، فکما قلت هناک مسیریل تقول هنا : عطیّید ، بالمد لا غیر

وإذا حقر (3) عثولّ - وهو ملحق بجردحل - بزیاده الواو وإحدی اللامین - فمذهب سیبویه ، وحکاه عن الخلیل ، وقال : هو قول العرب ، أنک

ص: 253

تحذف آخر اللامین دون الواو ، وإن کان تضعیف الحرف الأصلی ؛ لکونه طرفا مع تحرک الواو ، بخلاف یاء خفیدد ، وأیضا للقیاس علی الخماسی الملحق هو به ، وقال المبرد ، وحکاه عن المازنی : إنک تقول عثیلّ نظرا إلی کون اللام مضعف الحرف الأصلی دون الواو ، وإذا کان السماع عن العرب علی ما ذکر سیبویه مع أنه یعضده قیاس ما فلا وجه لما قال المبرد لمجرد القیاس

وإذا صغرت ألنددا فانک تحذف النون قولا واحدا ؛ لأن الدالین أصلیان ، إذ هو من اللّدد ، والهمزه لتصدرها تحصّنت من الحذف فاذا حذفتها قال سیبویه ألیدّ بالإدغام کأصیمّ ، وقال المبرد : بل ألیدد بفک الإدغام لموافقه أصله ، وقول سیبویه أولی ؛ لأنه کان ملحقا بالخماسی لا بالرباعی ، فلما سقطت النون لم یبق ملحقا بالخماسی ، ولم یقصد فی الأصل إلحاقه بالرباعی حتی یقال ألیدد کفریدد ، فتقول علی هذا فی عفنجج عفیجّ (1) بالادغام أیضا کأصیمّ

وإذا صغرت ألببا وحیوه (2) وفکّ الإدغام فیهما شاذ ، قلت : ألیبّ وحییّه بالإدغام فیهما ؛ لأن هذا الشذوذ مسموع فی المکبر لا فی المصغر ، فلا تقیسهما فی الشذوذ علی مکبریهما ، بل یرجعان إلی أصل الإدغام

وإن کانت الزیادتان فی الثلاثی متساویتین من غیر فضل لإحداهما علی الأخری فأنت مخیر فی حذف أیتهما شئت ، کالنون والواو فی القلنسوه ، ولو قیل إن حذف الواو لتطرفها أولی لم یبعد

ص: 254

قیل : وکذلک الخیار فی حذف النون أو الألف فی (1) حبنطی ؛ إذ هما للالحاق ولیس أحدهما أفضل ، ولو قیل فی الموضعین حذف الأخیر لتطرفه أولی مع جواز حذف الأول ؛ لکان قولا

وکذا قیل بالتخییر بین ألف عفرنی (2) ونونه ؛ إذ هما للالحاق ، بدلیل عفرناه.

ص: 255

وأما العرضنی فالألف فیه للتأنیث ، فحذفها واجب ؛ لکونها خامسه فی الطرف ، دون النون ، کما مر

وحذف الألف الأولی فی مهاری (1) علما أرجح من جهه مشابهه الأخیره للأصلی ، بانقلابها ، وحذف الثانیه أرجح من جهه کونها أخیره فتساوتا

وأنت مخیر فی حنظأو (2) بین حذف الواو والنون ، والواو أولی ، وأما الهمزه فبعید زیادتها فی الوسط ، کما یجیء فی باب ذی الزیاده ، قال سیبویه : أنت مخیر فی حذف واو کوألل (3) أو إحدی اللامین ، وأما الهمزه فأصلیه لبعد زیادتها فی الوسط ، فان رجحنا حذف اللام بکونها فی الطرف ووقوعها کشین جحمرش ترجح حذف الواو بسبب کون اللام مضعف الحرف الأصلی

ص: 256

وکذا کان ینبغی أن یکون مذهبه التخییر فی زیادتی عثولّ (1)

ومما أنت مخیر فیه نحو جمادی وسمانی وحباری (2) کما مر

وقال سیبویه : ولیس مهاری وصحاری علمین کحباری ؛ فإن الألف الأخیره فی حباری للتأنیث ؛ فصار لها وإن کانت فی الآخر ثبات قدم ، بخلاف الألف الأخیره فی مهاری وصحاری ؛ فإنها لیست للتأنیث ؛ بل هی بدل من الیاء التی هی بدل من ألف التأنیث کما یجیء فی الجمع ، فهی بالحذف أولی

وفی ثمانیه وعلانیه وعفاریه (3) رجح سیبویه حذف الألف لضعفها وقوه الیاء ، ولکون الیاء فی مقام الحرف الأصلی فی نحو ملائکه وعذافره (4) فهی للالحاق دون الألف ؛ قال : وبعض العرب یقول : ثمیّنه وعفیّره ، بحذف الأخیر ؛ لکونه فی الطرف الذی هو محل التغییر

ص: 257

وأما نحو قبائل وعجائز علما فسیبویه والخلیل اختارا حذف الألف لضعفها. ویونس اختار حذف الهمزه لقربها من الطرف ، فإذا صغرت علی هذا مطایا قلت : مطیّ ، بیاء مشدده علی القولین : أما الخلیل فإنه یحذف الألف التی بعد الطاء فیصیر مطیا فتدخل یاء التصغیر قبل هذه الیاء وتکسر هذه الیاء فتنقلب الألف لکسره ما قبلها یاء ، فیجتمع ثلاث یاآت کما فی تصغیر عطاء ، فتحذف الثالثه نسیا ، وأما یونس فیحذف الیاء التی هی بدل من الهمزه فیبقی ألفان بعد الطاء فتدخل یاء التصغیر قبل الأولی ، فتنقلب الأولی یاء مکسوره کما فی حمار ، فتنقلب الثانیه أیضا یاء لکسره ما قبلها ؛ فیصیر مثل تصغیر عطاء ، فیحذف ثالثه الیاآت ؛ ولا یقال ههنا مطیء بالهمزه کما قال الخلیل فی رسائل رسیئل ؛ لأن هذه الهمزه لم تثبت قط فی الجمع ثبوت همزه رسائل ، بل تجعل الیاء الزائده همزه وتقلب الهمزه بلا فصل یاء مفتوحه کما یجیء فی موضعه

ولو صغرت خطایا قلت : خطّیء ، بالهمزه أخیرا ؛ لأنک إن حذفت الألف التی بعد الطاء علی قول الخلیل وسیبویه ؛ فعند سیبویه یرجع یاء خطایا إلی أصلها من الهمزه لأنها إنما أبدلت یاء لکونها فی باب مساجد بعد الألف ، وترجع فی الحال الهمزه إلی أصلها من الیاء الزائده التی کانت بعد الطاء فی خطیئه ؛ فترجع الهمزه التی هی لام إلی أصلها (1) ؛ لأنها إنما انقلبت یاء لاجتماع همزتین مکسوره أولاهما ، وعند الخلیل

ص: 258

إنما قلبت الهمزه إلی موضع الیاء خوفا من اجتماع همزتین ؛ فإذا لم تنقلب الأولی همزه بسبب زوال ألف الجمع لم تقلب الهمزه إلی موضع الیاء ، بل تبقی فی موضعها

وإن حذفت یاء خطایا علی قول یونس رجعت الهمزه أیضا إلی أصلها ، لعدم اجتماع همزتین ، فتقول أیضا : خطّیء ، کحمیّر.

قوله «وذو الثلاث غیرها» أی : الثلاثی ذو الزوائد الثلاث غیر المده المذکوره تبقی الفضلی من زوائده الثلاث ، علی ما قلنا فی ذی الزیادتین ، وتحذف الثنتان فی نحو مقعنسس ، قال سیبویه : تحذف النون وإحدی السینین ؛ لکون المیم أفضل منهما ، وقال المبرد : بل تحذف المیم کما تحذف فی نحو محرنجم ؛ لأن السین للالحاق بحرف أصلی ؛ وقول سیبویه أولی ، لأن السین وإن کانت للالحاق بالحرف الأصلی وتضعیف الحرف الأصلی ، لکنها طرف إن کانت الزائده هی الثانیه ، أو قریبه من الطرف إن کانت هی (1) الأولی ، والمیم لها قوه التصدر مع کونها مطرده فی

ص: 259

معنی ، کما ذکرنا قبل ، وإن حذفت فی مغدودن الدال الأولی فلا بد من حذف الواو أیضا فیبقی مغیدن ، وإن حذفت الثانیه وقعت الواو رابعه فلا یحتاج إلی حذفها لأنها تصیر مده نحو مغیدین ، وإن کانت إحدی الزوائد حرف اللین المذکوره - أعنی الرابعه - لم تحذفها قطعا ، وتکون المعامله مع الزائدتین الباقیتین ، وکأن ذلک اللین لیس فیه ، تقول فی تملّاق (1) تمیلیق ، بالمد ؛ وإنما حذفت إحدی اللامین وإن کانت من تضعیف الأصلی لأن التاء أفضل منهما بالتصدر ، ومجیئها فی مصادر کثیره بلا تضعیف ، کالتّفعلل والتّفاعل والتّفعیل والتّفوعل ، ویسقط جمیع همزات الوصل ، فی الرباعی کانت أو فی الثلاثی ، تقول فی افتقار وانطلاق : فتیقیر ونطیلیق ، وفی احرنجام : حریجیم لأنک تضم أول حروف الکلمه فی التصغیر ، فلو لم تحذف الهمزه ضممتها ، فکانت تسقط فی الدرج فتنکسر بنیه التصغیر ، وتقول فی الثلاثی ذی أربعه الزوائد مع المد نحو استخراج : تخیریج ، وإنما کان سقوط السین أولی من سقوط التاء إذ لا تزاد السین فی أول الکلمه إلا مشفوعه بالتاء ، فلو قلنا سخیریج لکان سفیعیلا ولیس له نظیر ؛ وأما تفیعیل فهو کالتّجیفیف (2) والتاء تزاد فی الأول بلا سین ، وتقول

ص: 260

فی اشهیباب واغدیدان واقعنساس : شهیبیب وغدیدین وقعیسیس ، وحذف الهمزه لا بد منه لما ذکرنا ، ثم حذف الیاء والنون أولی من حذف مضعف الأصلی ، وتقول فی اعلوّاط علیّیط (1) ، بحذف الهمزه وإحدی الواوین ، وأصله علیویط ، وتقول فی اضطراب : ضتیریب ، برد الطاء إلی أصلها من التاء ؛ لأن جعلها طاء إنما کان لسکون الضاد ؛ فیکون التجاور إذن بین المطبقین ، أما إذا تحرکت الضاد والحرکه بعد الحرف ، کما ذکرنا ، فهی فاصله بینهما ، ألا تری أنک تقول حبطت بالتاء (2) بعد الطاء لا غیر ؛ فإذا أسکنت الطاء مع تاء المتکلم جاز عند بعض العرب أن تقلب التاء طاء فیقال : حبطّ کما یجیء فی باب الإدغام

قوله «وتحذف زیادات الرباعی کلها مطلقا غیر المده» إنما وجب حذفها إلا المده لیتم بنیه التصغیر ، وإذا لم یکن من الحذف بد فالزائد [إن وجد] کان أولی بالحذف من الأصلی ، تقول فی مدحرج وفیه زائد واحد : دحیرج ، وفی محرنجم وفیه اثنان : حریجم ، وفی احرنجام وفیه ثلاثه : حریجیم ، بحذف الجمیع ، إلا المده ، وتقول فی قمحدوه وسلحفاه : قمیحده وسلیحفه (3) وفی منجنیق : مجینیق ،

ص: 261

بناء علی زیاده النون الأولی بدلیل (1) مجانیق ، وفی عنتریس - وهو الشدید - عتیریس بحذف النون ؛ لأنه من (2) العترسه ، وهی الأخذ بشده ، وفی خنشلیل : (3) خنیشیل ، لزیاده إحدی اللامین وعدم قیام دلیل علی زیاده النون ، وفی منجنین : (4) منیجین ؛ لأن إحدی النونین الأخیرتین زائده

ص: 262

لتکررها ، فحذفت الأولی دون الثانیه ؛ لأنک لو حذفت الثانیه أحوجت إلی حذف الیاء أیضا ، وأیضا المسموع فی جمعه مناجین ، وکذلک تحذف الأولی من طمأنینه وقشعریره ؛ فتقول : طمیئینه وقشیعیره ، وتقول فی عنکبوت : عنیکب ، وسمع الأصمعی عنیکبیت ، وهو شاذ ، وفی عیضموز وجحنفل (1) وعجنّس : عضیمیز ، وجحیفل ، وعجینس

قال سیبویه فی تصغیر إسماعیل وإبراهیم : سمیعیل وبریهیم ، بحذف الهمزه ، ورد علیه المبرد بأن بعد الهمزه أربعه أصول ؛ فلا تکون الهمزه زائده کما فی إصطبل علی ما یجیء فی باب ذی الزیاده ، فاذن هما خماسیان ، فتحذف الحرف الأخیر ؛ فتقول : أبیریه وأسیمیع کشمیریخ (2) ، والقیاس یقتضی ما قاله المبرد ، إلا أن المسموع من العرب ما قاله سیبویه ، کما روی أبو زید وغیره عن العرب ، وحکی سیبویه عن العرب فی تصغیرهما تصغیر الترخیم بریه وسمیع ،

ص: 263

وهو دلیل علی زیاده المیم فی إبراهیم واللام فی إسماعیل ؛ فتکون الهمزه فی الأول وبعدها ثلاثه أصول کما مر ؛ ولو لا السماع فی تصغیر الترخیم لم نحکم بزیاده المیم واللام ؛ لأنهما لیستا مما یغلب زیادته فی الآخر

وأما إستبرق (1) فأصله أیضا أعجمی فعرب ، وهو بالفارسیه إستبر [ه] ؛ فلما عرب حمل علی ما یناسبه فی الأبنیه العربیه ، ولا یناسب من أبنیه الاسم شیئا ، بل یناسب نحو استخرج ، أو تقول : یناسب نحو استخراج من أبنیه الأسماء باجتماع الألف والسین والتاء فی الأول ، فحکمنا بزیاده الأحرف الثلاثه حملا له علی نظیره ، ولا بد من حذف اثنتین من الحروف الزائده ، فبقیّنا الهمزه لفضلها بالتصدر ، ولیست بهمزه وصل کما کانت فی استخراج حتی تحذف ، فحذفنا السین والتاء ، وکذا تحذف الزیاده فی الخماسی مع الخامس الأصلی ، تقول فی قرعبلانه وقرطبوس (2) : قریعبه وقریطب

قوله «ویجوز التعویض عن حذف الزائد» قال سیبویه : التعویض قول یونس ؛ فکل ما حذفت فی التصغیر ، سواء کان أصلیا کما فی سفرجل أو زائدا کما فی مقدّم ، یجوز لک التعویض منه بیاء ساکنه قبل الآخر ، إن لم یکن فی المکبر حرف عله فی ذلک الموضع ، وإن کان کما فی احرنجام فلا تقدر علی التعویض ؛ لاشتغال المحل بمثله

ص: 264

ومذهب الأخفش - وهو أن رکبا جمع راکب ، وسفرا جمع مسافر - یقتضی رد مثلهما إلی الواحد ، نحو رویکبون ومسیفرون ، وکذا یفعل.

وإن کان لفظه جمعا : فإما أن یکون جمع سلامه ؛ فهو یصغر علی لفظه ، سواء کان للمذکر ، نحو ضویربون ، أو للمؤنث ، نحو ضویربات ؛ وإما أن یکون جمع تکسیر ، وهو إما للقله ، وهو أربعه : أفعل ، وأفعال ، وأفعله ، وفعله ، فتصغر علی لفظها ، نحو أکیلب وأجیمال وأقیفزه وغلیمه ؛ وإما للکثره ، وهو ما عدا الأربعه ، ولا یخلو إما أن یکون له من لفظه جمع قله ککلاب وأکلب وفلوس وأفلس ، أولا کدارهم ودنانیر ورجال ؛ فالثانی یرد إلی واحده ویصغر ذلک الواحد ، ثم ینظر ، فإن کان ذلک الواحد عاقلا مذکر اللفظ والمعنی جمعته بالواو والنون لحصول العقل فیه أولا وعروض الوصف بالتصغیر ، کرجیلون فی تصغیر رجال ، وإن لم یکن عاقلا جمعته بالألف والتاء مذکراکان ککتیّیات فی کتب ، أو مؤنثا کقدیرات فی قدور ، وکذا إن اتفق أن یکون عاقلا مؤنث اللفظ مذکر المعنی ، أو عاقلا مذکر اللفظ مؤنث المعنی ، فتقول فی جرحی وحمقی وحمر وعطاش فی المذکر : جریّحون وأحیمقون وأحیمرون وعطیشانون ، وفی المؤنث : جریّحات وحمیقاوات وحمیراوات وعطیشیات ، بجمع المصغرات جمع السلامه ، وإن لم یجز ذلک فی المکبرات ، وکذا تقول فی حوائض جمع حائض : حویّضات ، وإن لم تجمع حائضا جمع السلامه.

وأما فی القسم الأول - أی الذی له جمع قله مع جمع الکثره - فلک التخییر بین رد جمع کثرته إلی جمع قلته وتصغیره ، کتصغیرک کلابا وفلوسا علی أکیلب وأفیلس ، وبین رد جمع کثرته إلی الواحد وتصغیر ذلک الواحد ثم جمعه إما بالواو والنون أو بالألف والتاء ، کما فی ذلک القسم سواء.

ص: 266

وإنما لم یصغر جمع الکثره علی لفظه لأن المقصود من تصغیر الجمع تقلیل العدد ؛ فمعنی عندی غلیمه أی عدد منهم قلیل ، ولیس المقصود تقلیل ذواتهم ، فلم یجمعوا بین تقلیل العدد بالتصغیر وتکثیره بابقاء لفظ جمع الکثره ، لکونه تناقضا ، وأما أسماء الجموع فمشترکه بین القله والکثره ، وکذا جمع السلامه علی الصحیح کما مضی (1) فی شرح الکافیه ، فیصغر جمیعها نظرا إلی القله ، فلا یلزم التناقض ، ولم یصغر شیء من جموع الکثره علی لفظه إلا أصلان جمع أصیل (2)

ص: 267

تشبیها بعثمان ، فیقال : أصیلان ، وقد یعوض من نونه اللام فیقال أصیلال ، وهو شاذ علی شاذ.

واجاز الکسائی والفراء تصغیر نحو شقران وسودان جمع اشقر وأسود علی لفظه ، نحو شقیران وسویدان.

وإن اتفق جمع کثره ولم یستعمل واحده کعبادید وعبایید ، بمعنی متفرقات ، حقرته علی واحده القیاسی المقدر ثم جمعته جمع السلامه ، نحو عبید یدون ، وعبیبیدون ، لأن فعالیل جمع فعلول أو فعلیل أو فعلال (1)

ص: 268

وإن جاء بعض الجموع علی واحد مهمل وله واحد مستعمل غیر قیاسی رد فی التصغیر إلی المستعمل ، لا إلی المهمل القیاسی ، یقال فی محاسن ومشابه : حسینات وشبیهات ، وفی العاقل المذکر : حسینون وشبیهون ، وکان أبو زید یرده إلی المهمل (1) القیاسی ، نحو محیسنون ومشیبهون ومحیسنات ومشیبهات ، قال یونس : إن من العرب من یقول فی تصغیر سراویل : سریّیلات (2) اعتقادا منه أنها

ص: 269

جمع سرواله ، لأن هذه الصیغه مختصه بالجمع ، فجعل کل قطعه منها سرواله ، قال :

39 - علیه من الّلؤم سرواله (1)

ومن جعلها مفردا - وهو الأولی - قال : سریّیل أو سریویل ، وقد شذّ عن القیاس بعض الجموع ، وذلک کما فی قوله : -

40 - قد رویت إلّا الدّهید هینا

قلیّصات وأبیکرینا (2)

والدّهداه صغار الإبل ، وجمعه دهادیه ، والأبیکر مصغر الأبکر جمع البکر فکان القیاس دهیدهات وأبیکرات

ص: 270

وإذا حقرت السنین والأرضین قلت : سنیّات وأریضات ؛ لأن الواو والنون فیهما عوض من اللام الذاهبه فی السنه والتاء المقدره فی أرض ، فترجعان فی التصغیر ، فلا یبدل منهما ، بل یرجع جمعهما إلی القیاس ، وهو الجمع بالألف والتاء ، وإذا جعلت نون سنین معتقب الإعراب من غیر علمیه صغرته علی سنیّن ؛ إذ هو کالواحد فی اللفظ ، وکان الزجاج یرده إلی الأصل فیقول سنیّات أیضا ، نظرا إلی المعنی ، إذ هو مع کون النون معتقب الاعراب جمع من حیث المعنی ، ولا یجوز جعل نون أرضین من دون العلمیه معتقب الاعراب ، لأنها إنما تجعل کذلک فی الشائع ؛ إما فی الذاهب اللام ، أو فی العلم ، کما تبین فی شرح الکافیه فی باب الجمع (1)

وإذا سمیت رجلا أو امرأه بأرضین فان جعلت النون معتقب الاعراب فتصغیره

ص: 271

کتصغیر حمصیصه (1). تقول : أریضین ؛ منصرفا فی المذکر غیر منصرف فی المؤنث ، وإن لم تجعله معتقب الإعراب لم ترده أیضا فی التحقیر إلی الواحد ، إذ لیس جمعا وإن أعرب باعرابه ، کما أنک إذا صغرت مساجد علما قلت : مسیجد ، ولا ترده إلی الواحد ثم تجمعه ، فلا تقول : مسیجدات ؛ فتقول : أریضون رفعا ؛ وأریضین نصبا وجرا.

وأما إن سمیت بسنین رجلا أو أمرأه ولم تجعل النون معتقب الاعراب رددته إلی واحده ؛ لأن علامه الجمع إذن باقیه متصله باسم ثنائی ، ولا یتم بها بنیه التصغیر کما تمت فی أریضون ، فترد اللام المحذوفه ، ولا تحذف الواو والنون لأنهما وإن کانتا عوضا من اللام المحذوفه فی الأصل إلا أنهما صارتا بالوضع العلمی جزأ من العلم ، فتقول : سنیّون رفعا ، وسنیین نصبا وجرا

وإن جعلتها مع العلمیه معتقب الإعراب قلت سنیّین منصرفا فی المذکر غیر منصرف فی المؤنث ، ولا یخالف الزجاج ههنا کما خالف حین جعلت النون متعقب الإعراب بلا علمیه ؛ لأن اللفظ والمعنی فی حال العلمیه کالمفرد مع جعل النون معتقب الإعراب فکیف یرد إلی الواحد!؟

ص: 272

قوله «إلی جمع قلته» ، یعنی إن کان له جمع قله فأنت مخیر بین الرد إلیه والرد إلی واحده ، وإن لم یکن له ذلک تعین الرد إلی واحده

قوله «غلیّمون» أی فی العاقل ، «ودویرات» أی فی غیره ، وغلیمون تصغیر غلمان ، ودویرات تصغیر دور ، وکلاهما مما جاء له جمع قله وهو غلمه وأدؤر.

والمرکب یصغر صدره ، مضافا کان أولا ، نحو أبیّ بکر ، وأمیمه عمرو ، ومعیدیکرب ، وخمیسه عشر ، وذهب الفراء فی المضاف إذا کان کنیه إلی تصغیر المضاف إلیه ، احتاجا بنحو أمّ حبین وأبی الحصین (1) ، وقوله : -

41 - أعلاقه أمّ الولیّد بعد ما

أفنان رأسک کالثّغام المخلس (2)

کأسود وأحمر ، والصفه - کما ذکرنا - إذا صغرت فالتصغیر راجع إلی ذلک الوصف المضمون ، لا إلی الموصوف ؛ فالتصغیر فی «ما أحیسنه» راجع إلی الحسن ، وهو تصغیر التلطف کما ذکرنا فی نحو بنیّ وأخیّ ، کأنک قلت هو حسین ، وقوله

30 - یاما أمیلح غزلانا (1)

أی : هن ملیّحات ،

ولما کان أفعل التعجب فعلا علی الصحیح لم یمنعه تصغیره عن العمل ، کما یمنع فی نحو ضویرب علی ما یجیء.

قوله «والمراد المتعجب منه» أی : مفعول أحیسن ؛ فإذا قلت «ما أحیسن زیدا» فالمراد تصغیر زید ، لکن لو صغرته لم یعلم أن تصغیره من أی وجه هو ؛ أمن جهه الحسن ، أم من جهه غیره؟ فصغرت أحسن تصغیر الشفقه والتلطف ؛ لبیان أن تصغیر زید راجع إلی حسن ؛ لا إلی سائر صفاته.

وکعیت جملان وکعتان کصردان (1) ونغران (2) تکسیر لمکبریهما المقدرین وهما الجمل والکعت ، وإنما قدرا علی هذا الوزن لأنه أقرب وزن مکبر من صیغه المصغر ؛ فلما لم یسمع مکبراهما قدرا علی أقرب الأوزان من وزن المصغر ، وإنما قلنا إن جملانا وکعتانا جمعان للمکبر المقدر لا المصغر لأنه جرت عادتهم أن لا یجمعوا المصغر إلا جمع السلامه إما بالواو والنون أو بالألف والتاء ، قیل : وذلک لمضارعه التصغیر للجمع الأقصی بزیاده حرف لین ثالثه ، ولا یجمع الجمع الأقصی إلا جمع السلامه کالصّرادین والصّواحبات ، ولا منع أن نقول : إن کعیتا وجمیلا لما وضعا علی التصغیر نظرا إلی استصغارهما فی الأصل ثم استعملا بعد ذلک من غیر نظر إلی معنی التصغیر فیهما لأن الکعیت کالبلبل معنی ، ولا یقصد فی البلبل معنی التصغیر ، وإن کان فی نفسه صغیرا - انمحی عنهما معنی التصغیر فی الاستعمال ، وإن کانا موضوعین علیه ، وصارا کلفظین موضوعین علی التکبیر ، فجمعا کما یجمع المکبر ، وأقرب المکبرات إلی هذه الصیغه فعل کنغر وصرد فجمعا جمعهما ؛ فعلی هذا کعتان وجملان جمعان للفظی کعیت وجمیل ، لا لمکبریهما المقدرین

وأما کمیت فهو تصغیر أکمت وکمتاء تصغیر الترخیم (3) ، وقد ذکرنا

ص: 281

أن المراد بتصغیر الصفه تصغیر المعنی المضمون ، لا تصغیر ما قام به ذلک المعنی ، والکمته : لون یلزمه الصغر ، إذ هی لون ینقص عن سواد الأدهم ویزید علی حمره الأشقر ، فهی بین الحمره والسواد ، فوضعوا کمیتا علی صیغه التصغیر لصغر معناه المضمون ، وهو یقع علی المذکر والمؤنث ، وجمعه کمت ، وهو جمع مکبره المقدر ، وهذا یقوی أن جملانا وکعتانا جمعان للمکبر أیضا

وسکیت بالتخفیف مصغر سکیّت - بالتشدید - تصغیر الترخیم (1)

ص: 282

وإذا صغرت مبیطرا ومسیطرا کان التصغیر بلفظ المکبر ؛ لأنک تحذف الیاء کما تحذف النون فی منطلق ، وتجیء بیاء التصغیر فی مکانه ، ولو صغرتهما تصغیر الترخیم لقلت : بطیر ، وسطیر

ما قال المبرد : أی أبیریه وأسیمیع ، وقد مر ، وتصغیر الترخیم شاذ قلیل

عینه واوا فی الأصل أولی (1) ؛ لکون باب طوی أکثر من باب حیی ، وأما

ص: 285

إماله ذا فلکون الألف لا ما فی ذوی والعین محذوفه ، ثم حذفوا العین شاذا لکون تصغیر المبهمات علی خلاف الأصل کما مر ، فجرأهم الشذوذ علی الشذوذ ؛ ألا تری أنهم لم یحذفوا شیئا من الیاآت فی حییّ وطویّ تصغیری حیّ وطیّ ، ولا یجوز أن یکون المحذوفه یاء التصغیر لکونها علامه ، ولا لام الکلمه للزوم تحرک یاء التصغیر بحذفها ؛ فصار ذیّا.

ولم یصغر فی المؤنث إلا تاوتی ، دون ذی ؛ لئلا یلتبس بالمذکر ، وأماذه ؛ فأصله ذی کما یجیء فی باب الوقف (1).

ص: 286

وحذفوا فی المثنی الألف المزید عوضا من الضمه ، اکتفاء بیاء التصغیر ، وذلک لاجتماع ألفی المثنی والعوض ، والقیاس فی اجتماع الساکنین حذف الأول ، إذا کان مدا ، کما یجیء فی بابه

وقالوا فی «أولی» المقصور وهو مثل هدی : أولیّا ، والضمه فی أولیّا هی التی کانت فی أولی ولیست للتصغیر ، فلذا زید الألف بدلا من الضمه ، وأما «أولاء» بالمد فتصغیره أولیّاء ،

قال المبرد : زید ألف العوض قبل الآخر ، إذ لو زیدت فی الآخر کما فی أخواته لا لتبس تصغیر أولاء الممدود بتصغیر أولی المقصور. وذلک أن أولاء کقضاء لما صرفته وجعلته کالأسماء المتمکنه قدّرت همزته التی بعد الألف منقلبه عن الواو أو الیاء کما فی رداء وکساء ، فکما تقول فی تصغیر رداء : ردیّ ، بحذف ثالثه الیاآت ، فکذا کنت تقول أولیّ ثم تزید الألف علی آخره فیصیر أولیّا فیلتبس بتصغیر المقصور ؛ فلذا زدت ألف العوض قبل الهمزه بعد الألف ، فانقلبت ألف «أولاء» یاء کألف حمار إذا قلت حمیّر ، لکنه لم یکسر الیاء کما کسرت فی نحو حمیّر لتسلم ألف العوض ؛ فصار أولیّاء

وأما الزجاج فانه یزید ألف العوض فی آخر أولاء کما فی أخواته ، لکنه یقدر همزه «أولاء» فی الأصل ألفا ، ولا دلیل علیه ، قال : فاذا دخلت یاء التصغیر اجتمع بعدها ثلاث ألفات : الأول الذی کان بعد لام أولاء ، والثانی أصل الهمزه علی ما ادعی ، والثالث ألف العوض ؛ فینقلب الأول یاء کما فی حمار

ص: 287

ویبقی الأخیران ؛ فیجعل الأخیر همزه کما فی حمراء وصفراء ، فتکسر کما کانت فی المکبر

وتقول فی الذی والتی : اللّذیّا واللّتیّا بزیاده یاء التصغیر ثالثه وفتح ما قبلها ، وفتح الیاء التی بعد یاء التصغیر ؛ لتسلم ألف العوض ، وقد حکی اللّذیّا واللّتیّا بضم الأول جمعا بین العوض والمعوض منه

وتقول فی المثنی : اللّذیّان واللّتیّان ، واللّذیّین واللّتیّین ، بحذف ألف العوض قبل علامتی المثنی ؛ لاجتماع الساکنین ؛ فسیبویه یحذفها نسیا فیقول فی المجموع : اللّذیّون واللّذیّین ؛ بضم الیاء وکسرها ، یحذف ألف العوض فی المثنی والمجموع نسیا ، کما حذف یاء الذی فی المثنی ، والأخفش لا یحذفها نسیا ، لا فی المثنی ولا فی المجموع ، فیقول فی الجمع : اللّذیّون واللّذیّین [بفتح الیاء] کالمصطفون والمصطفین فیکون الفرق عنده بین المثنی والمجموع فی النصب والجر بفتح النون وکسرها ، والمسموع فی الجمع ضم الیاء وکسرها کما هو مذهب سیبویه

وإنما أطرد فی المصغر اللّذیّون رفعا واللّذیّین نصبا وحرا وشذ فی المکبر اللّذون رفعا لأنه لما صغر شابه المتمکن فجری جمعه فی الإعراب مجری جمعه

وعند سیبویه استغنوا باللّتیّات جمع سلامه اللّتیّات بحذف ألف العوض للساکنین عن تصغیر اللاتی واللائی ، وقد صغرهما الأخفش علی لفظهما ، قیاسا لا سماعا ، وکان لا یبالی بالقیاس فی غیر المسموع فقال فی تصغیر اللاتی : اللّویتا ، بقلب الألف واوا کما فی الجمع : أی اللواتی ، وحذف یاء اللاتی لئلا یجتمع مع ألف العوض خمسه أحرف سوی الیاء ، وقال فی تصغیر اللائی : اللّویئا ، بفتح اللام فیهما ، وقال المازنی : إذا کان لا بد من الحذف فحذف الزائد أولی ، یعنی الألف التی بعد اللام فتصغیر اللاتی کتصغیر التی سواء ، قال بعض البصریین : اللّویتیا

ص: 288

واللّویئیا ، من غیر حذف شیء ، وکل لک هوس وتجاوز عن المسموع بمجرد القیاس ، ولا یجوز ، هذا ما قیل

وأنا أری أنه لما کان تصغیر المبهمات علی خلاف الأصل ، کما ذکرنا ، جعل عوض الضمه یاء ، وأدغم فیها یاء التصغیر ، لئلا یستثقل الیاآن ، ولم یدغم فی یاء التصغیر لئلا یتحرک یاء التصغیر التی لم تجر عادتها بالتحرک ، فحصل فی تصغیر جمیع المبهمات یاء مشدده : أولاهما یاء التصغیر ، والثانیه عوض من الضمه ، فاضطر إلی تحریک یاء العوض ، فألزم تحریکها بالفتح ؛ قصدا للخفه ، فان کان الحرف الثانی فی الاسم ساکنا کما فی «ذا» و «تا» و «ذان» و «تان» جعلت هذه الیاء المشدده بعد الحرف الأول ؛ لأنها إن جعلت بعد الثانی - کما هو حق یاء التصغیر - لزم التقاء الساکنین ، فألف ذیّا وتیّا ، علی هذا ، هی التی کانت فی المکبر ، وإن کان ثانی الکلمه حرفا متحرکا کأولی وأولاء جعلت یاء التصغیر فی موضعها بعد الثانی ، فعلی هذا کان حق الذی والتی اللّذیّی واللتّیّی بیاء ساکنه فی الآخر بعد یاء مفتوحه مشدده ، لکنه خفف ذلک بقلب الثالثه ألفا کراهه لاجتماع الیاآت ،

ویلحق بذیّا وتیّا ومثنییهما وجمیعهما من هاء التنبیه وکاف الخطاب ما لحقها قبل التصغیر ، نحو هذیّا وذیّا لک ، قال

30 - * من هؤلیّائکنّ الضّال والسّمر* (1)

لا تقع لا صفه ولا موصوفه کما تقع أسماء الإشاره ، ولمثل هذه العله لم تصغر أسماء الاستفهام والشرط ؛ فانها تشابه الحرف ولا تتصرف بکونها صفات وموصوفات

وأما من وما الموصولتان فأوغل فی شبه الحرف من «الذی» لکونهما علی حرفین ولعدم وقوعهما صفه کالذی

وحیث وإذ وإذا ومنذ مثل الضمائر فی مشابهه الحرف ، وأقلّ تصرفا منها ؛ لأنها مع کونها لا تقع صفات ولا موصوفات تلزم فی الأغلب نوعا من الإعراب

وأما مع فإنه وإن کان معربا لکنه غیر متصرف فی الإعراب ، ولا یقع صفه ولا موصوفا ، مع کونه علی حرفین

وکذا عند لا یتصرف (1) وإن کان معربا علی ثلاثه ، وکذا لم یصغر لدن لعدم تصرفه

وإنما لم یصغر غیر کما صغر مثل وإن کانت المغایره قابله للقله والکثره کالمماثله ، لقصوره فی التمکن ، لأنه لا یدخله اللام ولا یثنی ولا یجمع بخلاف مثل

ولا یصغر سوی (2) وسواء بمعنی غیر أیضا ، ولا یصغر حسبک لتضمنه معنی

ص: 290

الفعل ، لأنه بمعنی اکتف ، وکذا ما هو بمعناه من شرعک (1) وکفیک

موصوفا بالصغر ، کما تکررت الإشاره إلیه ، فیکون معنی «ضویرب» مثلا ضارب صغیر ، والأسماء العامله عمل الفعل إذا وصفت انعزلت عن العمل ، فلا تقول : زید ضارب عظیم عمرا ولا أضارب عظیم الزّیدان ، وذلک لبعدها إذن عن مشابهه الفعل ؛ إذ وضعه علی أن یسند ولا یسند إلیه ، والموصوف یسند إلیه الصفه ، هذا فی الصفات ، أعنی اسم الفاعل واسم المفعول والصفه المشبهه ، أما المصدر فلا یعزله عن العمل کونه مسندا إلیه ؛ لقوه معنی الفعل فیه ، إذ لا یعمل الفعل الذی هو الأصل فی الفاعل ولا فی المفعول إلا لتضمنه معنی المصدر ، کما ذکرنا فی شرح الکافیه فی باب المصدر ، فیجوز علی هذا أن تقول أعجبنی ضربک الشدید زیدا ، وضریبک زیدا (1)

وقیل : إنما لم یصغر الاسم العامل عمل الفعل لغلبه شبه الفعل علیه إذن ، فکما لا یصغر الفعل لا یصغر مشبهه ، ویلزم منه عدم جواز تصغیر المصدر العامل عمل الفعل

ص: 292

ویصغر الزمان المحدود من الجانبین ، کالشهر والیوم واللیله والسّنه ، وإنما تصغر باعتبار اشتمالها علی أشیاء یستقصر الزمان لأجلها من المسار (1)

وأما غیر المحدود کالوقت والزمان والحین فقد یصغر لذلک ، وقد یصغر لتقلیله فی نفسه

وأما أمس وغد فانهما لم یصغرا وإن کانا محدودین کیوم ولیله لأن الغرض الأهم منهما کون أحد الیومین قبل یومک بلا فصل والآخر بعد یومک ، وهما من هذه الجهه لا یقبلان التحقیر ، کما یقبله قبل وبعد ، کما ذکرنا فی أول باب التصغیر ، ولم یصغرا [أیضا] باعتبار مظروفیهما وإن أمکن ذلک کما لم یصغرا باعتبار تقلیلهما فی أنفسهما لما کان الغرض الأهم منهما ما لا یقبل التحقیر

ومثل أمس وغد عند سیبویه کل زمان یعتبر کونه أولا وثانیا وثالثا ونحو ذلک ، فلا تصغر عنده أیام الأسابیع کالسبت والأحد والاثنین إلی الجمعه ، وکذا أسماء الشهور کالمحرم وصفر إلی ذی الحجه ، إذ معناها الشهر الأول والثانی ونحو ذلک ، وجوز الجرمی والمازنی تصغیر أیام الأسبوع وأسماء الشهور ، وقال بعض

ص: 293

النحاه : إنک إذا قلت الیوم الجمعه أو السبت بنصب الیوم فلا تصغر الجمعه والسبت إذ هما مصدران بمعنی الاجتماع والراحه ، ولیس الغرض تصغیرهما ، وقال : ولا یجوز تحقیر الیوم المنتصب أیضا لقیامه مقام وقع أو یقع ، والفعل لا یصغر ، وإذا رفعت الیوم فالجمعه والسبت بمعنی الیوم فیجوز تصغیرهما ، وحکی عن بعضهم عکس هذا القول ؛ وهو جواز تصغیر الجمعه والسبت مع نصب الیوم وعدم جوازه مع رفعه