النحو الوافی المجلد 1

اشارة

سرشناسه : حسن، عباس

عنوان و نام پدیدآور : النحو الوافی مع ربطه بالا سالیب الرفیعه و الحیاه اللغویه المتجدده/ تالیف عباس حسن.

مشخصات نشر : تهران : ناصرخسرو، 1422ق.= 1380.

مشخصات ظاهری : 4 ج.

مندرجات : ج. 1. القسم الموجز للطلبه الجامعات. و المفصل للاساتذه و المتخصصین .-- ج. 2. القسم الموجز للطلبه الجامعات. و المفصل للاساتذه و المتخصصین .-- ج. 3. القسم الموجز للطلبه الدداسات النحویه و الصرفیه بالجامعات و المفصل للاساتذه و المتخصصین مشتمل علی ضوابط و الاحکام التی قررتها الجامع اللغویه و موتمراتها الرسمیه .-- ج. 4. القسم الموجز للطلبه الدراسات النحویه بالجامعات و المفصل للاسائذه و المتخصصین

موضوع : زبان عربی -- نحو

رده بندی کنگره : PJ6151/ح 45ن 31380

رده بندی دیویی : 492/75

شماره کتابشناسی ملی : م 68-685

توضیح : «النحو الوافی»، تألیف عباس حسن، از جمله آثار معاصر در موضوع علم نحو است که به شیوه ای آموزشی، در چهار مجلد به زبان عربی تألیف شده است.کتاب، مشتمل بر یک مقدمه و چهار جزء است. ابواب کتاب، بنا بر ترتیبی که ابن مالک در «الفیه» انتخاب کرده و بسیاری از نحویون پس از او اختیار کرده اند، مرتب شده است.

نویسنده در تألیف کتاب، به شیوه آموزشی معینی ملتزم نبوده و به تناسب از شیوه های استنباطی، القائی و محاوره ای استفاده کرده است.همچنین در پاورقی پس از بیان قاعده و شرح آن، ابیاتی از الفیه را که مرتبت با بحث بوده نقل کرده و به طور خلاصه توضیح داده است.

در مواردی که بین یک مبحث از صفحات پیشین یا پسین رابطه ای با مسئله مورد بحث بوده، به صفحه آن بحث اشاره شده است.

ص: 1

مقدمة الکتاب

مقدمة الکتاب ، ودستور تألیفه.

بیان هامّ.

1

الحمد لله علی ما أنعم ، والشکر علی ما أولی ، والصلاة علی أنبیائه ورسله ؛ دعاة الهدی ، ومصابیح الرشاد. وبعد.

فهذا کتاب جدید فی النحو. والنحو - کما وصفته من قبل - (1) دعامة العلوم العربیة ، وقانونها الأعلی ؛ منه تستمد العون ، وتستلهم القصد ، وترجع إلیه فی جلیل مسائلها ، وفروع تشریعها ؛ ولن تجد علما منها یستقل بنفسه عن النحو. أو یستغنی عن معونته ، أو یسیر بغیر نوره وهداه.

وهذه العلوم النقلیة - علی عظیم شأنها - لا سبیل إلی استخلاص حقائقها ، والنفاذ إلی أسرارها ، بغیر هذا العلم الخطیر ؛ فهل ندرک کلام الله تعالی ، ونفهم دقائق التفسیر ، وأحادیث الرسول علیه السّلام ، وأصول العقائد ، وأدلة الأحکام ، وما یتبع ذلک من مسائل فقهیة ، وبحوث شرعیة مختلفة قد ترقی بصاحبها إلی مراتب الإمامة ، وتسمو به إلی منازل المجتهدین - إلا بإلهام النحو وإرشاده؟ ولأمر ما قالوا : (إن الأئمة من السلف والخلف أجمعوا قاطبة علی أنه شرط فی رتبة الاجتهاد ، وأن المجتهد لو جمع کل العلوم لم یبلغ رتبة الاجتهاد حتی یعلم النحو ، فیعرف به ال معانی التی لا سبیل لمعرفتها بغیره. فرتبة الاجتهاد متوقفة علیه ، لا تتم إلا به (2) ...) وهذه اللغة التی نتخذها - معاشر المستعربین - أداة طیّعة للتفاهم ، ونسخرها مرکبا ذلولا للإبانة عن أغراضنا ، والکشف عما فی نفوسنا ، ما الذی هیأها لنا ، وأقدرنا علی استخدامها قدرة الأولین من العرب علیها. ومکّن لنا من نظمها ونثرها تمکنهم منها ، وأطلق لساننا فی العصور المختلفة صحیحا فصیحا کما أطلق لسانهم ، وأجری کلامنا فی حدود مضبوطة سلیمة کالتی یجری فیها کلامهم ، وإن کان ذلک منهم طبیعة ، ومنا تطبعا؟ .


1- فی کتابی المسمی : «رأی فی بعض الأصول اللغویة والنحویة».
2- الفصل الحادی عشر من کتاب : «لمع الأدلة فی أصول النحو» لأبی البرکات کمال الدین محمد الأنباری ، المتوفی سنة 577 ه.

إنه النحو ؛ وسیلة المستعرب ، وسلاح اللغوی ، وعماد البلاغیّ ، وأداة المشرّع والمجتهد ، والمدخل إلی العلوم العربیة والإسلامیة جمیعا.

فلیس عجیبا أن یصفه الأعلام السابقون بأنه : خ خ میزان العربیة ، والقانون الذی تحکم به فی کل صورة من صورها (1) وأن یفرغ له العباقرة من أسلافنا ؛ یجمعون أصوله ، ویثبتون قواعده ، ویرفعون بنیانه شامخا ، رکینا ، فی إخلاص نادر ، وصبر لا ینفد. ولقد کان الزمان یجری علیهم بما یجری علی غیرهم ؛ من مرض ، وضعف ، وفقر ؛ فلا یقدر علی انتزاعهم مما هم فیه ، کما کان یقدر علی سواهم ، ولا ینجح فی إغرائهم بمباهج الحیاة کما کان ینجح فی إغراء ضعاف العزائم ، ومرضی النفوس ، من طلاب المغانم ، ورواد المطامع. ولقد یترقبهم أولیاؤهم وأهلوهم الساعات الطوال ، بل قد یترصدهم الموت ؛ فلا یقع علیهم إلا فی حلقة درس ، أو قاعة بحث ، أو جلسة تألیف ، أو میدان مناظرة ، أو رحلة مخطرة فی طلب النحو. وهو حین یظفر بهم لا ینتزع علمهم معهم ؛ ولا یذهب بآثارهم بذهاب أرواحهم ؛ إذ کانوا یعدون لهذا الیوم عدته من قبل ؛ فیدونون بحوثهم ، ویسجلون قواعدهم ، ویختارون خلفاء من تلامیذهم ؛ یهیئونهم لهذا الأمر العظیم. ویشرفون علی تنشئتهم ، وتعهد مواهبهم ؛ إشراف الأستاذ البارع القدیر علی التلمیذ الوفیّ الأمین. حتی إذا جاء أجلهم ودّعوا الدنیا بنفس مطمئنة ، واثقة أن میدان الإنشاء والتعمیر النحوی لم یخل من فرسانه ، وأنهم خلّفوا وراءهم خلفا صالحا یسیر علی الدرب ، ویحتذی المثال. وربما کان أسعد حظّا وأوفر نجحا من سابقیه ، وأسرع إدراکا لما لم یدرکه الأوائل.

علی هذا النهج الرفیع تعاقبت طوائف النحاة ، وتوالت زمرهم فی میدانه ، وتلقی الرایة نابغ عن نابغ ، وألمعیّ فی إثر ألمعیّ ، وتسابقوا مخلصین دائبین. فرادی وزرافات ، فی إقامة صرحه ، وتشیید أرکانه ، فأقاموه سامق البناء ، وطید الدعامة ، مکین الأساس. حتی وصل إلی أهل العصور الحدیثة التی یسمونها : عصور النهضة ، راسخا ، قویّا ؛ من فرط ما اعتنی به الأسلاف ، ووجهوا إلیه من بالغ الرعایة ؛ فاستحقوا منا عظیم التقدیر ، وخالد الثناء. وحملوا کثیرا من علماء

ص: 2


1- صبح الأعشی.

اللغة الأجانب علی الاعتراف بفضلهم ، والإشادة ببراعتهم (1) ...

هذه کلمة حق یقتضینا الإنصاف أن نسجلها ؛ لننسب الفضل لروّاده ، وإلا کنّا من عصبة الجاحدین ، الجاهلین ، أو المغرورین.

2

ولیس من شک أن التراث النحوی الذی ترکه أسلافنا نفیس غایة النفاسة ، وأن الجهد الناجح الذی بذلوه فیه خلال الأزمان المتعاقبة جهد لم یهیأ للکثیر من العلوم المختلفة فی عصورها القدیمة والحدیثة ، ولا یقدر علی احتمال بعضه حشود من الثرثارین العاجزین ، الذین یوارون عجزهم وقصورهم - علم الله - بغمز النحو بغیر حق ، وطعن أئمته الأفذاذ.

بید أن النحو - کسائر العلوم - تنشأ ضعیفة. ثم تأخذ طریقها إلی النمو ، والقوة والاستکمال بخطا وئیدة أو سریعة ؛ علی حسب ما یحیط بها من صروف وشئون. ثم یتناولها الزمان بأحداثه ؛ فیدفعها إلی التقدم ، والنمو ، والتشکل بما یلائم البیئة ، فتظل الحاجة إلیها شدیدة ، والرغبة فیها قویة. وقد یعوّقها ویحول بینها وبین التطور ، فیضعف المیل إلیها ، وتفتر الرغبة فیها. وقد یشتط فی مقاومتها ؛ فیرمی بها إلی الوراء ، فتصبح فی عداد المهملات ، أو تکاد.

وقد خضع النحو العربی لهذا الناموس الطبیعی (2) ؛ فولد فی القرن الأول الهجری ضعیفا ، وحسبا وئیدا أول القرن الثانی ، وشب - بالرغم من شوائب خالطته - وبلغ الفتاء آخر ذلک القرن ، وسنوات من الثالث ، فلمع من أئمته نجوم زاهرة ؛ کعبد الله بن أبی إسحاق ، والخلیل ، وأبی زید ، وسیبویه ، والکسائی ، والفراء ، ونظرائهم من الأعلام ، ثم توالت أخلافهم ، علی تفاوت فی المنهج ، وتخالف فی المادة ، إلی عصر النهضة الحدیثة التی یجری اسمها علی الألسنة الیوم ، ویتخذون

ص: 3


1- من ذلک ما قالة العلامة الکبیر : «دی بور» فی کتابه : تاریخ الفلسفة فی الإسلام ، ونصه - کما جاء فی ترجمة الدکتور محمد أبو ریدة ص 4 - : «علم النحو أثر رائع من آثار العقل العربی. بما له من دقة فی الملاحظة ، ومن نشاط فی جمع ما تفرق. وهو أثر عظیم یرغم الناظر فیه علی تقدیره ، ویحق للعرب أن یفخروا به.»
2- هذا النسب صحیح.

مطلع القرن التاسع عشر مبدأ لها. فمن هذا المبدأ ألح الوهن والضعف ، علی النحو ، وتمالأت علیه الأحداث ؛ فأظهرت من عیبه ما کان مستورا ، وأثقلت من حمله ما کان خفّا ، وزاحمته العلوم العصریة فقهرته ، وخلفته وراءها مبهورا. ونظر الناس إلیه فإذا هو فی الساقة من علوم الحیاة ، وإذا أوقاتهم لا تتسع للکثیر بل للقلیل مما حواه ، وإذا شوائبه التی برزت بعد کمون ، ووضحت بعد خفاء - تزهدهم فیه ، وتزیدهم نفارا منه ، وإذا النفار والزهد یکران علی العیوب ؛ فیحیلان الضئیل منها ضخما ، والقلیل کثیرا ، والموهوم واقعا. وإذا معاهد العلم الحدیث تزورّ عنه ، وتجهر بعجزها عن استیعابه ، واستغنائها عن أکثره ، وتقنع منه بالیسیر أو ما دون الیسیر ؛ فیستکین ویخنع.

والحق أن النحو منذ نشأته داخلته - کما قلنا - شوائب ؛ نمت علی مر اللیالی ، وتغلغلت برعایة الصروف ، وغفلة الحراس ؛ فشوهت جماله ، وأضعفت شأنه ، وانتهت به إلی ما نری.

فلم یبق بد أن تمتد إلیه الأیدی البارّة القویة ، متمالئة فی تخلیصه مما شابه ، متعاونة علی إنقاذه مما أصابه. وأن تبادر إلیه النفوس الوفیة للغتها وتراثها ؛ المعتزة بحاضرها وماضیها ؛ فتبذل فی سبیل إنهاضه ، وحیاطته ، وإعلاء شأنه - ما لا غایة بعده لمستزید.

ومن کریم الاستجابة أن رأینا فی عصرنا هذا - طوائف من تلک النفوس البارّة الوفیة سارعت إلی النجدة ؛ کلّ بما استطاع ، وبما هو میسر له ؛ فمنهم من ذلل للناشئة لغته ، أو اختصر قاعدته ، أو أوضح طریقة تدریسه ، أو أراحهم من مصنوع العلل ، وضارّ الخلاف ، أو جمع بین مزیتین أو أکثر من هذه المزایا الجلیلة الشأن. لکنا - علی الرغم من ذلک - لم نر من تصدی للشوائب کلها أو أکثرها ؛ ینتزعها من مکانها ، ویجهز علیها ما وسعته القدرة ، ومکنته الوسیلة ؛ فیریح المعلمین والمتعلمین من أوزارها. وهذا ما حاولته جاهدا مخلصا قدر استطاعتی ، فقد مددت یدی لهذه المهمة الجلیلة ، وتقدمت لها رابط الجأش ، وجمعت لها أشهر مراجعها الأصیلة ، ومظانها الوافیة الوثیقة ، وضممت إلیها ما ظهر فی عصرنا من کتب ، وأطلت الوقوف عند هذه وتلک ؛ أدیم النظر ، وأجیل

ص: 4

الفکر ، وأعتصر أطیب ما فیهما حتی انتهیت إلی خطة جدیدة ؛ تجمع مزایاهما ، وتسلم من شوائبهما ، وقمت علی تحقیقها فی هذا الکتاب متأنیا صبورا. ولا أدری مبلغ توفیقی. ولکن الذی أدریه أنی لم أدخر جهدا ، ولا إخلاصا.

إن تلک الشوائب کثیرة ، ومن حق النحو علینا - ونحن بصدد إخراج کتاب جدید فیه - أن نعرضها هنا ، ونسجل سماتها ، ونفصل ما اتخذناه لتدارک أمرها. وهذا کله - وأکثر منه - قد عرضنا له فی رسالة سابقة نشرناها منذ سنوات بعنوان : «رأی فی بعض الأصول اللغویة والنحویة» ، ثم أتممناها بمقالات عشر ؛ نشرت تباعا فی مجلة رسالة الإسلام ، خلال سنتی 1957 و 1958 م وجاوزت صفحاتها المائة. وقد جعلت من هذه وتلک ، ولمحات غیرهما ، مقدمة لهذا الکتاب ستنشر مستقلة ؛ بسبب طولها ، وکثرة ما اشتملت علیه - فی رسالة عنوانها : «مقدمة کتاب النحو الوافی» وهی الیوم فی طریقها للنشر (1)

علی أن هذا لا یعفینی من الإشارة العابرة إلی الدستور الذی قام علیه الکتاب ، والغرض الذی رمیت من تألیفه ، مستعینا بخبرة طویلة ناجعة ، وتجربة صادقة فی تعلم النحو ؛ طالبا مستوعبا ، ثم تعلیمه فی مختلف المعاهد الحکومیة مدرسا ، فأستاذا ورئیسا لقسم النحو والصرف والعروض بکلیة دار العلوم ، بجامعة القاهرة ، سنوات طوالا.

3

وأظهر مواد ذلک الدستور ما یأتی :

1 - تجمیع مادة النحو کله فی کتاب واحد ذی أجزاء أربعة کبار ، تحوی صفحاتها وما تضمنته من مسائل کل ما تفرق فی أمهات الکتب ، وتغنی عنها. علی أن یقسم کل جزء قسمین ، تقسیما فنیّا بارعا. أحدهما موجز دقیق یناسب طلاب الدراسات النحویة ، بالجامعات - دون غیرهم - غایة المناسبة ، ویوفیهم ما یحتاجون إلیه غایة التوفیة الحکیمة التی تسایر مناهجهم الرسمیة ، ومکانه أول المسائل ، وصدرها. ویلیه الآخر (2) - بعد نهایة کل مسألة - بعنوان مستقل هو :

ص: 5


1- ما کدت أعلن هذا فی الطبعة الأولی حتی أخرجت دور الطباعة والنشر کتابان یضربان فی منحی واحد ؛ هو : أصول النحو وأشهر مذاهبه ومدارسه ... فاقتضانی ظهورهما أن أتریث إلی حین.
2- فی صفحة جدیدة ، تبدأ بسطر أو سطرین من النقط الأفقیة المتقاربة ؛ لتکون رمزا یمیز صحف الزیادة من غیرها.

«زیادة وتفصیل» ؛ ویلائم الأساتذة والمتخصصین أکمل الملاءمة وأتمها ، فتبتدئ «المسألة» - وبجانبها رقم خاص بها - بتقدیم المادة النحویة الصالحة للطالب الجامعیّ ، الموائمة لقدرته ومقرّره الرسمیّ ، ودرجته فی التحصیل والفهم ، مع توخّی الدقة والإحکام فیما یقدم له ، نوعا ومقدارا. فإذا استوفی نصیبه المحمود انتقلت إلی بسط یتطلع إلیه المتخصص ، وزیادة یتطلبها المستکمل. کل ذلک فی إحکام وحسن تقدیر ، بغیر تکرار ، ولا تداخل بین القسمین ، أو اضطراب. وبهذا التقسم والتنسیق یجد هؤلاء وهؤلاء حاجتهم میسرة ، موائمة ، قریبة التناول ؛ لا یکدّون فی استخلاصها ولا یجهدون فی السعی وراءها فی متاهات الکتب القدیمة ؛ وقد یبلغون أو لا یبلغون.

2 - العنایة أکمل العنایة بلغة الکتاب وضوحا ، وإشراقا ، وإحکاما ، واسترسالا ؛ فلا تعقید ، ولا غموض ، ولا حشو ، ولا فضول ، ولا توقف لمناقشة لفظ ، أو إرسال اعتراض ، أو الإجابة عنه ؛ ولا حرص علی أسالیب القدامی وتعبیراتهم. إلا حین تسایرنا فی البیان الأوفی ، والجلاء الأکمل.

أما الاصطلاحات العلمیة المأثورة فلم أفکر فی تغییرها ، إیمانا واقتناعا بما سجله العلماء قدیما وحدیثا من ضرر هذا التغییر الفردیّ ، ووفاء بما اشترطوه فی تغییر «المصطلاحات» ، أن یکون بإجماع المختصین ، المشتغلین بالعلم الذی یحویها.

3 - اختیار الأمثلة ناصعة ، بارعة فی أداء مهمتها ؛ من توضیح القاعدة ، وکشف غامضها فی سهولة ویسر ، واقتراب ، لهذا ترکت کثیرا من الشواهد القدیمة ، المترددة بین أغلب المراجع النحویة ؛ لأنها ملیئة بالألفاظ اللغویة الصعبة ، وبالمعانی البعیدة التی تتطلب الیوم من المتعلم عناء وجهدا لا یطیقهما ، ولا یتسع وقته لشیء منهما ، فإن خلت من هذا العیب ، وتجملت بالوضوح والطرافة فقد نستبقیها.

والحق أن کثیرا من تلک الشواهد یحتل المکانة العلیا من سمو التعبیر ، وجمال الأداء ، وروعة الأسلوب. وفتنة المعنی. لکنها اختیرت فی عصور تباین عصرنا ، ولدواع تخالف ما نحن فیه ؛ فقد کانت وسائل العیش حینذاک میسرة ، والمطالب

ص: 6

قلیلة ، والقصد استنباط قاعدة ، أو تأیید مذهب. وکان طالب العلم حافظا القرآن. مستظهرا الکثیر من الأحادیث والنصوص الأدبیة ، متفرغا للعلوم العربیة والشرعیة أو کالمتفرغ. أما الیوم فالحال غیر الحال ، ووسائل العیش صعبة ، والمطالب کثیرة ؛ فطالب العلم (1) یمر بهذه العلوم مرّا سریعا عابرا قبل الدراسة الجامعیة ، فإن قدّر له الدخول فی الجامعة ، انقطعت صلته بتلک العلوم ، ولم یجد بینها وبین مناهجه الدراسیة سببا ، إلا إن کان متفرغا للدراسات اللغویة ؛ فیزاولها وحصیلته منها ضئیلة ، لا تمکنه من فهم دقائقها ، ولا ترغبه فی مزید ، وغایته المستقبلة لا ترتبط - فی الغالب - ارتباطا وثیقا بالضلاعة فی هذه العلوم ، والتمکن منها ؛ فمن الإساءة إلیه وإلی اللغة أن نستمسک بالشواهد الموروثة ، ونقیمها حجازا یصعب التغلب علیه ، وإدراک ما وراءه من کریم الغایات. نعم إنها نماذج من الأدب الرائع ؛ ولکن یجب ألا ننسی الغایة إزاء الروعة ، أو نغفل القصد أمام المظهر ، وإلا فقدنا الاثنین معا ، وفی دروس النصوص الأدبیة ، وفی القراءة الحرة ، والاطلاع علی مناهل الأدب الصفو - متسع للأدباء والمتأدبین ؛ یشبع رغبتهم ، من غیر أن یضیع علیهم ما یبغون من دراسة النحو دراسة نافعة ، لا تطغی علی وقت رصدته النظم التعلیمیة الحدیثة لغیرها ، ولا تنتهب جهدا وقفته الحیاة المعاصرة علی سواها.

وإن بعض معلمی الیوم ممّن یقومون بالتدریس لکبار المتعلمین - لیسرف فی اتخاذ تلک الشواهد مجالا لما یسمیه : «التطبیق النحوی» ، ومادة مهیأة لدروسه. ولیس هذا من وکدی. ولا وکد من احتشد للمهمة الکبری ، مهمة : «النحو الأصیل» التی تتلخص فی إعداد مادته إعدادا وافیا شاملا ، وعرضها عرضا حدیثا شائقا ، وکتابتها کتابة مشرقة بهیة ، مع استصفاء أصولها النافعة. واستخلاص قواعدها وفروعها مما ران علیها ، وارتفعت بسببه صیحات الشکوی. ودعوات الإصلاح ، وتهیئتها لتلائم طبقات کثیرة ، وأجیالا متعاقبة فی بلدان متباینة. کل هذا بل بعض هذا - لا یسایر ذلک خ خ التطبیق التعلیمی ؛ فإنه مدرسیّ موضعی متغیر لا یتسم بسمة العموم. أو ما یشبه العموم ، ولا یثبت علی حال.

ص: 7


1- وهو الیوم من حملة الشهادة الثانویة العامة - غالبا - أو ما فی مستواها.

علی أن هذا الفریق الذی اختار تلک الشواهد میدانا لتطبیقه قد فاته ما أشرنا إلیه من حاجتها إلی طویل الوقت ، وکبیر الجهد فی تیسیر صعوباتها اللغویة التی أوضحناها. وطلاب الیوم - خاصة - أشد احتیاجا لذلک الوقت والجهد ، کی یبذلوهما فی تحصیل ما یتطلبه مستقبلهم الغامض. کما فاته أن خیر التطبیق لکبار الطلاب ما لیس محدد المجال ، مصنوع الغرض ، متکلف الأداء ، کالشواهد التی نحن بصددها. وإن مناقشة لنص أدبی کامل ، أو صفحة من کتاب مستقیم الأسلوب ، أو مقال أدبی - لهی أجدی فی التطبیق ، وأوسع إفادة فی النواحی اللغویة المتعددة ، وأعمق أثرا فی علومها وآدابها - من أکثر تلک الشواهد المبتورة المعقدة. فلیتنا نلتفت لهذا ، وندرک قیمته العملیة ، فنحرص علی مراعاته ، ونستمسک باتباعه مع کبار المتعلمین ، ولعل هؤلاء الکبار أنفسهم یدرکونه ویعملون به ، فیحقق لهم ما یبتغون.

علی أن لتلک الشواهد خطرا آخر ؛ هی أنها - فی کثیر من اتجاهاتها - قد تمثل لهجات عربیة متعارضة ، وتقوم دلیلا علی لغات قدیمة متباینة ، وتساق لتأیید آراء متناقضة ؛ فهی معوان علی البلبلة اللغویة ، ووسیلة للحیرة والشک فی ضبط قواعدها ، وباب للفوضی فی التعبیر. وتلک أمور یشکو منها أنصار اللغة ، والمخلصون لها.

وعلی الرغم من هذا قد نسجل - أحیانا مع الحیطة والحذر - بعض الشواهد الغریبة ، أو الشاذة ، وبعض الآراء الضعیفة ، لا لمحاکاتها ، ولا للأخذ بها - ولکن لیتنبه لها المتخصصون ، فیستطیعوا فهم النصوص القدیمة الواردة بها حین تصادفهم ، ولا تصیبهم أمامها حیرة ، أو توقف فی فهمها.

4 - الفرار من العلل الزائفة (1) ، وتعدد الآراء الضارة فی المسألة الواحدة ، فلهما من سوء الأثر وقبیح المغبة ما لا یخفی. وحسبنا من التعلیل : أن یقال : المطابقة للکلام العربی الناصع ، ومن الآراء أن یقال : مسایرة فصیح اللغة وأفصحها. والقرآن الکریم - بقراءاته الثابتة الواردة عن الثقات - فی

ص: 8


1- وفی مقدمتها ما کان تعلیلا لأمر واقع ، ولا سبب له إلا نطق العربی ، کالتعلیل لرفع الفاعل ، والمبتدأ والخبر ، ولنصب المفعولات - انظر رقم 3 من هامش ص 84 - فإن التعلیل لهذه الأمور الوضعیة عیب وفساد ؛ إذ الوضعیات لا تعلل ؛ کما قال أبو حیان وغیره ، ونقله الهمع ح 1 ص 56.

مکان الصدارة من هذا ؛ لا نقبل فی أسلوبه تأولا ولا تمحلا ، ثم الکلام العربی الذائع. والأفصح والفصیح هما الباعثان لنا علی أن نردف بعض الأحکام النحویة بأن الخیر فی اتباع رأی دون آخر ، وأن الأفضل إیثاره علی سواه ... أو غیر هذا من العبارات الدالة علی الترجیح. وإنما کان الخیر وتمام الفضل فی إیثاره ؛ لأنه یجمع الناطقین بلغة العرب علی أنصع الأسالیب وأسماها ، ویوحد بیانهم ، ویریحهم من خلف المذاهب ، وبلبلة اللهجات ، فی وقت نتلقی فیه اللغة تعلما وکسبا ، لا فطرة ومحاکاة أصیلة ، ونقتطع لها من حیاتنا التعلیمیة المزدحمة المرهقة - الأیّام القلیلة ، والساعات المحدودة ؛ فمن الحکمة والسداد أن نقصر تلک الأیام والساعات علی ما هو أحسن وأسمی. ولن نلجأ إلی تعلیل آخر ، أو تردید خلاف فی الآراء إلا حیث یکون من وراء ذلک نفع محقق ، وفائدة وثیقة ، وتوسعة محمودة ، دون تعصب لبصریّ أو لکوفیّ ، أو بغدادی ، أو أندلسی ... أو غیر هؤلاء ... ودون فتح باب الفوضی فی التعبیر ، أو الاضطراب فی الفهم ، أو البلبلة فی الأداء والاستنباط.

ومن مظاهر النفع الاستعانة «بالتعلیل» ، وبتعدد المذاهب فی تیسیر مفید ، أو فی تشریع لغویّ مأمون ، أو تبصیر المتخصصین - وحدهم - ببعض اللغات واللهجات التی تعینهم علی فهم النصوص القدیمة الواردة بها ، لا لمحاکاتها - فأکثرها لا یوائمنا الیوم کما سبق - ولکن لیدرکوها ، ویفسروا بعض الظواهر اللغویة الغامضة ، ولا یقفوا أمام تفسیرها حائرین مضطربین. وقد بسطنا القول فی هذا کله ، وفی أسبابه ، ونتائجه - فی المقدمة التی أشرنا إلیها.

5 - تدوین أسماء المراجع أحیانا فی بعض مسائل قد تتطلب الرجوع إلیها ؛ استجلاء لحقیقة ، أو إزالة لوهم. وفی ذلک التدوین نفع آخر ؛ هو : تعریف الطلاب بتلک المراجع ، وتردید أسمائها علیهم ، وتوجیههم إلی الانتفاع بها ، والإیحاء بأن الرجوع إلی مثلها قد یقتضیه تحصیل العلم ، وتحقیق مسائله.

6 - عدم التزام طریقة تربویة معینة فی التألیف ، فقد تکون الطریقة استنباطیة ، وقد تکون إلقائیة ، وقد تکون حوارا ، أو غیر ذلک مما یقتضیه صادق الخبرة ، وملاءمة الموضوع. وإذا عرفنا أن الکتاب لکبار الطلاب ، وللأساتذة المتخصصین ، وأن موضوعاته کثیرة متباینة - أدرکنا الحکمة فی اختلاف الطرائق

ص: 9

باختلاف تلک الموضوعات وقرّائها. علی أن تکون الطریقة محکومة بحسن الاختیار ، وصدق التقدیر ، وضمان النجح من أیسر السبل وأقربها. ومهما اختلفت فلن تکون من طرائق القدماء التی أساسها : المتن ، فالشرح ، فالحاشیة ، فالتقریر ... فما یصاحب هذا من جدل ، ونقاش ، وکثرة خلاف ، وتباین تعلیل ... وما إلی ذلک مما دعت إلیه حاجات عصور خلت ، ودواعی حقب انقضت ، ولم یبق من تلک الحاجات والدواعی ما یغرینا بالتمسک به ، أو بتجدید عهده.

علی أن بحوثهم وطرائقهم تنطوی - والحق یقال - علی ذخائر غالیة ، وتضم فی ثنایاها کنوزا نفیسة. إلا أن استخلاص تلک الذخائر والکنوز مما یغشیها الیوم عسیر أی عسیر علی جمهرة الراغبین - کما أسلفنا.

7 - تسجیل أبیات : «ابن مالک» کما تضمنتها «ألفیته» ، المشهورة ، وتدوین کل بیت فی أنسب مکان من الهامش ، بعد القاعدة وشرحها ، مع الدقة التامة فی نقله ، وإیضاح المراد منه ؛ فی إیجاز مناسب ، وحرص علی ترتیب الأبیات ، إلا إن خالفت فی ترتیبها تسلسل المسائل وتماسکها المنطقی النحوی الذی ارتضیناه. فعندئذ نوفق بین الأمرین ؛ ترتیب الناظم : وما یقتضیه التسلسل المنطقی التعلیمی ؛ فننقل البیت من مکانه فی «الألفیة» ، ونضعه فی المکان الذی نراه مناسبا ، ونضع علی یساره الرقم الدال علی ترتیبه بین أبیات الباب کما رتبها الناظم ، ولا نکتفی بهذا ؛ فحین نصل إلی شرح المسألة المتصلة بالبیت الذی قبله ، ونفرغ منها ومن ذکر البیت الخاص بها ؛ تأییدا لها - نعود فنذکر البیت الذی نقلناه من مکانه ، ونضعه فی مکانه الأصلی الذی ارتضاه الناظم ، ونشیر إلی أن هذا البیت قد سبق ذکره وشرحه فی مکانه الأنسب من صفحة کذا ...

وقد دعانا إلی تسجیل أبیات : «ابن مالک» - فی الهامش - ما نعلمه من تمسک بعض المعاهد والکلیات الجامعیة بها ، وإقبال طوائف من الطلاب علی تفهمها ، والتشدد فی دراستها واستظهارهم کثیرا منها للانتفاع بها حین یریدون. وقد تخیرنا لها مکانا فی ذیل الصفحات ، یقربها من راغبیها ، ویبعدها من الزاهدین فیها. 8 - الإشارة إلی صفحة سابقة أو لاحقة ، وتدوین رقمها إذا اشتملت علی ماله صلة وثیقة بالمسألة المعروضة ؛ کی یتیسر لمن شاء أن یجمع شتاتها فی

ص: 10

سهولة ویسر ، ویضم - بغیر عناء - فروعها وما تفرق منها فی مناسبات وموضوعات مختلفة.

ولا نکتفی بذکر الرقم الخاص بالصفحة ، وإنما نذکره ونذکر بعده رقم المسألة. ونرمز للمسألة بالحرف الهجائی الأول من حروفها ، وهو : «م» اختصارا.

والسبب فی الجمع بینهما أن رقم الصفحة عرضة للتغییر بتغیر طبعات الکتاب أما رقم المسألة فثابت لا یتغیر وإن تعددت الطبعات ، فالإحالة علیه إحالة علی شیء موجود دائما ؛ فیتحقق الغرض من الرجوع إلیه.

9 - ترتیب أبواب الکتاب علی النسق الذی ارتضاه ابن مالک فی : «ألفیته» وارتضاه کثیرون ممن جاءوا بعده ، لأنه الترتیب الشائع الیوم ، وهو فوق شیوعه - أکثر ملاءمة فی طریقته ، وأوفر إفادة فی التحصیل والتعلیم ، ویشیع بعده الترتیب القائم علی جمع الأبواب الخاصة بالأسماء متعاقبة ، یلیها الخاصة بالأفعال ثم الحروف ... کما فعل الزمخشری فی مفصله. وتبعه علیه شراحه. وهذه طریقة حمیدة أیضا. ولکنها تفید المتخصصین دون سواهم من الراغبین فی المعرفة العامة أوّلا فأولا ؛ فالمبتدأ یلازمه الخبر أو ما یقوم مقامه ، وقد یکون الخبر جملة فعلیة ، أو شبه جملة ، والفاعل لا بد له من فعل أو ما یقوم مقامه. والمفعول لا بد له من الاثنین ... فکیف یتعلم الراغب أحکام المبتدأ وحده ، أو الخبر وحده ، أو الفعل أو الفاعل کذلک؟

وهناک أنواع أخری من الترتیب لکل منها مزایاه التی نراها لا تعدل مزیة الترتیب الذی اخترناه. ولا تناسب عصرنا القائم.

والله أرجو مخلصا أن یجعل الکتاب نافعا لغة القرآن ، عونا لطلابها ، محققا الغایة النبیلة التی دعت لتألیفه ، والقصد الکریم من إعداده.

المؤلف

ص: 11

ص: 12

المسألة الأولی: الکلام

اشارة

الکلام ، وما یتألف منه.

الکلمة - الکلام (أو : الجملة) - الکلم - القول.

ما المراد من هذه الألفاظ الاصطلاحیة فی عرف النحویین؟

الکلمة

حروف الهجاء تسعة وعشرون حرفا ، (وهی : أ(1) - ب - ت - ث - ج ...) وکل واحد منها رمز مجرد ؛ لا یدل إلا علی نفسه ، ما دام مستقلا لا یتصل بحرف آخر. فإذا اتصل بحرف أو أکثر ، نشأ من هذا الاتصال ما یسمی : «الکلمة». فاتصال الفاء بالمیم - مثلا - یوجد کلمة : «فم» ، واتصال العین بالیاء فالنون ، یوجد کلمة : «عین» ، واتصال المیم بالنون فالزای فاللام ، یحدث کلمة : «منزل» ... وهکذا تنشأ الکلمات الثنائیة ، والثلاثیة ، والرباعیة - وغیرها (2) - من انضمام بعض حروف الهجاء إلی بعض(3).

وکل کلمة من هذه الکلمات التی نشأت بالطریقة السالفة تدل علی معنی ؛ لکنه معنی جزئی ؛ (أی : مفرد) ؛ فکلمة : «فم» حین نسمعها ، لا نفهم منها أکثر من أنها اسم شیء معین. أما حصول أمر من هذا الشیء ، أو عدم حصوله ... ، أما تکوینه ، أو وصفه ، أو دلالته علی زمان أو مکان ، أو معنی آخر - فلا نفهمه من کلمة : «فم» وحدها. وکذلک الشأن فی کلمة : «عین» ، و «منزل» وغیرهما من باقی الکلمات المفردة.

ص: 13


1- الأرجح أن الحرف الأول من حروف الهجاء هو : «الهمزة» ولیس الألف التی تحملها فوقها ، لتظهرها بارزة لا تختفی ، ولا تختلط بغیرها ، فشأن الألف فی هذا کشأن الواو والیاء اللتین تستقر فوقهما الهمزة فی کتابة بعض الکلمات. أما الألف الأصلیة ، فمکانها فی الترتیب الأبجد ی بعد اللام مباشرة ، حتی لقد اندمجت فی اللام ، وصارتا : «لا» مع أنهما حرفان ، لا حرف واحد.
2- لا تزید أحرف الاسم علی سبعة : نحو : «استغفار». ولا أحرف الفعل علی ستة ؛ نحو : «استغفر» ، ولا أحرف الحرف علی خمسة ؛ نحو : «لکن» ، باعتبارها کلمة واحدة - علی الأصح - ، مشددة النون ، ثابتة الألف بعد اللام نطقا. ومن النحاة من یجعل : «حیثما» کلمة واحدة ، ویعدها من الحروف. ورأیه ضعیف مردود. - انظر ص 66 -
3- لهذا تسمی الحروف الهجائیة : «حروف المبانی» ؛ لأنها أساس بنیة الکلمة. وهی غیر «حروف الربط» التی ستجیء فی ص 62.

ولکن الأمر یتغیر حین نقول : «الفم مفید» - «العین نافعة» - «المنزل واسع النواحی» ، فإن المعنی هنا یصیر غیر جزئی ؛ (أی : غیر مفرد) ؛ لأن السامع یفهم منه فائدة وافیة إلی حدّ کبیر ، بسبب تعدد الکلمات ، وما یتبعه من تعدد المعانی الجزئیة ، وتماسکها ، واتصال بعضها ببعض اتصالا ینشأ عنه معنی مرکب. فلا سبیل للوصول إلی المعنی المرکب إلا من طریق واحد ؛ هو : اجتماع المعانی الجزئیة بعضها إلی بعض ، بسبب اجتماع الألفاظ المفردة.

ومن المعنی المرکب تحدث تلک الفائدة التی : «یستطیع المتکلم أن یسکت بعدها ، ویستطیع السامع أن یکتفی بها». وهذه الفائدة - وأشباهها - وإن شئت فقل : هذا المعنی المرکب ، هو الذی یهتم به النحاة ، ویسمونه بأسماء مختلفة ، المراد منها واحد ؛ فهو : «المعنی المرکب» ، أو : «المعنی التام» ، أو : «المعنی المفید» أو : «المعنی الذی یحسن السکوت علیه» ...

یریدون : أن المتکلم یری المعنی قد أدی الغرض المقصود فیستحسن الصمت ، أو : أن السامع یکتفی به ؛ فلا یستزید من الکلام. بخلاف المعنی الجزئی ، فإن المتکلم لا یقتصر علیه فی کلامه ؛ لعلمه أنه لا یعطی السامع الفائدة التی ینتظرها من الکلام. أو : لا یکتفی السامع بما فهمه من المعنی الجزئی ، وإنما یطلب المزید. فکلاهما إذا سمع کلمة منفردة مثل : باب ، أو : ریحان ، أو : سماء ، أو : سواها ... لا یقنع بها.

لذلک لا یقال عن الکلمة الواحدة إنها تامة الفائدة ، برغم أن لها معنی جزئیّا لا تسمی «کلمة» بدونه ؛ لأن الفائدة التامة لا تکون بمعنی جزئی واحد.

مما تقدم نعلم أن الکلمة هی : (اللفظة الواحدة التی تترکب من بعض الحروف الهجائیة ، وتدل علی معنی جزئی ؛ أی : «مفرد»). فإن لم تدل علی معنی عربی وضعت لأدائه فلیست کلمة ، وإنما هی مجرد صوت.

ص: 14

الکلام (أو : الجملة)

هو : «ما ترکب من کلمتین أو أکثر ، وله معنی مفید مستقل» (1). مثل : أقبل ضیف. فاز طالب نبیه. لن یهمل عاقل واجبا ...

فلا بد فی الکلام من أمرین معا ؛ هما : «الترکیب» ، و «الإفادة المستقلة» فلو قلنا : «أقبل» فقط ، أو : «فاز» فقط ، لم یکن هذا کلاما ؛ لأنه غیر مرکب. ولو قلنا : أقبل صباحا ... أو : فاز فی یوم الخمیس ... أو : لن یهمل واجبه ... ، لم یکن هذا کلاما أیضا ؛ لأنه - علی رغم ترکیبه - غیر مفید فائدة یکتفی بها المتکلم أو السامع ...

ولیس من اللازم فی الترکیب المفید أن تکون الکلمتان ظاهرتین فی النطق ؛ بل یکفی أن تکون إحداهما ظاهرة ، والأخری مستترة ؛ کأن تقول للضیف : تفضل. فهذا کلام مرکب من کلمتین ؛ إحداهما ظاهرة ، وهی : تفضل (2) ، والأخری مستترة ، وهی : أنت (3). ومثل : «تفضل» : «أسافر» ... أو :

ص: 15


1- (ا) إذا وقعت الجملة الخبریة صلة الموصول ، أو نعتا ، أو حالا ، أو تابعة لشیء آخر - فإنها لا تسمی جملة ؛ لأنها تسمّی خبریة بحسب أصلها الأول الذی کانت مستقلة فیه. فإذا صارت صلة ، أو تابعة لغیرها لم یصح تسمیتها : «خبریة» ؛ إذ لا یکون فیها حکم مستقل بالسلب أو الإیجاب ، تنفرد به ، ویقتصر علیها وحدها. بل هی لذلک لا تسمی : «کلاما» ولا «جملة» ؛ فعدم تسمیتها جملة خبریة من باب أولی .. ومثلها الجملة الواقعة خبرا ، ... فلا تسمّی واحدة من کل ما سبق کلاما ولا جملة ، إذ لیس لها کیان معنوی مستقل. - کما سیجئ عند الکلام علی صلة الموصول رقم 3 من هامش ص 336 م 27. - (ب) وکذلک إذا خرجت الجملة عن أصلها الذی شرحناه فصارت علما علی مسمی معین ؛ فإنها فی حالتها الجدیدة لا تسمی جملة. ومن هذا بعض الأعلام الشائعة الیوم ؛ مثل : فتح الله - زاد المجد - بهر النور - الحسن کامل - ... فکل واحدة من هذه الألفاظ کانت فی أصلها جملة خبریة ثم صارت بعد التسمیة بها نوعا من اللفظ المفرد لا یدل جزء اللفظ منها علی جزء من المعنی الأول فتحولت مفردة بالوضع - راجع شرح المفصل ج 1 ص 18 معنی الکلم. -
2- فعل الأمر.
3- فاعله. ولما کان الکلام هنا مفیدا ولا یظهر منه فی النطق إلا الفعل ، والفعل لا بد له من فاعل - وجب التسلیم بأن الکلمة الثانیة مستترة.

«نشکر» أو : «تخرج» ... وکثیر غیرها مما یعد فی الواقع کلاما ، وإن کان ظاهره أنه مفرد.

الکلم

هو : ما ترکب من ثلاث کلمات فأکثر ؛ سواء أکان لها معنی مفید ، أم لم یکن لها معنی مفید. فالکلم المفید مثل : النیل ثروة مصر - القطن محصول أساسی فی بلادنا. وغیر المفید مثل : إن تکثر الصناعات ...

القول

هو کل لفظ نطق به الإنسان ؛ سواء أکان لفظا مفردا أم مرکبا ، وسواء أکان ترکیبه مفیدا أم غیر مفید. فهو ینطبق علی : «الکلمة» کما ینطبق علی : «الکلام» وعلی : «الکلم». فکل نوع من هذه الثلاثة یدخل فی نطاق : «القول» ویصح أن یسمی : «قولا» علی الصحیح ، وقد سبقت الأمثلة. کما ینطبق أیضا علی کل ترکیب آخر یشتمل علی کلمتین لا تتم بهما الفائدة ؛ مثل : إن مصر ... - أو : قد حضر ... أو : هل أنت. أو : کتاب علیّ (1) ... فکل ترکیب من هذه التراکیب لا یصح أن یسمی : «کلمة» ؛ لأنه لیس لفظا مفردا ، ولا یصح أن یسمی : «کلاما» ؛ لأنه لیس مفیدا. ولا : «کلما» ؛ لأنه لیس مؤلفا من ثلاث کلمات ؛ وإنما یسمی : «قولا».

ویقول أهل اللغة : إن «الکلمة» واحد : «الکلم». ولکنها قد تستعمل أحیانا (2) بمعنی : «الکلام» ؛ فتقول : حضرت حفل تکریم الأوائل ؛ فسمعت «کلمة» رائعة لرئیس الحفل ، و «کلمة» أخری لأحد الحاضرین ، و «کلمة» ثالثة من أحد الأوائل یشکر المحتفلین. ومثل : اسمع منی «کلمة» غالیة ؛ وهی :

أحسن إلی الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استعبد الإنسان إحسان

ص: 16


1- وهذا هو : المرکب الإضافی. ومثله المرکب الوصفی ، نحو : رجل شجاع ، والمزجیّ ، نحو : سیبویه ... ویلحق به العددی نحو : خمسة عشر.
2- مجازا.

فالمراد بالکلمة فی کل ما سبق هو : «الکلام» ، وهو استعمال فصیح ، یشیع علی ألسنة الأدباء وغیرهم.

وللکلمة ثلاثة أقسام ، اسم. وفعل ، وحرف (1).

ص: 17


1- أما اسم الفعل الذی اعتبره بعض النحاة قسما رابعا ، فالتحقیق أنه داخل فی قسم : «الاسم» - کما سیجیء فی بابه الخاص ج 4 م 141 - وقد لخص ابن مالک فی ألفیته ما سبق بقوله : کلامنا لفظ مفید کاستقم و (اسم) ، و (فعل) ثم (حرف) : الکلم واحده : «کلمة.» و «القول» عم وکلمة بها کلام قد یؤم یرید : أن «الکلام» عند النحاة هو : اللفظ المفید (ولا یکون مفیدا إلا إذا کان مرکبا ؛ کاستقم) «والکلم» ثلاثة أقسام ، اسم ، وفعل ، وحرف ،. وواحده : «کلمة». و «القول» یشمل بمعناه کل الأقسام ؛ (فکلمة : عم) فعل ماض. والکلمة قد یؤم بها الکلام ، أی : یقصد إطلاقها علی الکلام بمعناه الذی سبق.

زیادة وتفصیل

تعود النحاة - بعد الکلام علی الأنواع الأربعة السابقة - أن یوازنوا بینها موازنة أساسها : «علم المنطق» ویطیلوا فیها الجدل المرهق ، مع أن الموضوع فی غنی عن الموازنة ؛ لبعد صلتها «بالنحو». وبالرغم من هذا سنلخص کلامهم ... (وقد یکون الخیر فی الاستغناء عنه).

(ا) یقولون : إن موازنة الأنواع السابقة بعضها ببعض ؛ لمعرفة أوسعها شمولا ، وأکثرها أفرادا - تدل علی أن : «القول» هو الأوسع والأکثر ؛ لأنه ینطبق علیها جمیعا ، وعلی کل فرد من أفرادها. أما غیره فلا ینطبق إلا علی أفراده الخاصة به ، دون أفراد نوع آخر ؛ فکل ما یصدق علیه أنه : «کلمة» أو : «کلام» أو : «کلم» - یصدق علیه أنه : «قول» ، ویعدّ من أفراد : «القول» ، ولا عکس.

هذا إلی أن القول یشمل نوعا آخر غیر تلک الأنواع ، وینطبق وحده علی أفراد ذلک النوع ؛ وهو : کل ترکیب اشتمل علی کلمتین من غیر إفادة تامة منهما ؛ مثل : «إن حضر» ... «لیس حامد» - «لیت مصر» ... - «سیارة رجل» ... فمثل هذا لا یصح أن یسمی : «کلمة» ، ولا «کلاما» ، ولا «کلما» ومن هنا یقول النحاة : إن القول أعم من کل نوع من الأنواع الثلاثة عموما مطلقا ، وأن کل نوع أخص منه خصوصا مطلقا ... یریدون بالعموم : أن «القول» یشمل من الأنواع أکثر من غیره. ویریدون «بالإطلاق» : أن ذلک الشمول عام فی کل الأحوال ، بغیر تقیید بحالة معینة ؛ فکلما وجد نوع وجد أن «القول» ؛ یشمله وینطبق علی کل فرد من أفراده - دائما -

وأما أن کل نوع أخص - وأن ذاک الخصوص مطلق - فلأن کل نوع من الثلاثة لا یشمل عددا من الأفراد المختلفة بقدر ما یشمله «القول» ولا ما یزید علیه. وأن هذا شأنه فی کل الأحوال بغیر تقیید ، کما یتضح مما یأتی :

کتب : کلمة ، ویصح أن تسمی : «قولا.» وکذلک کل کلمة أخری. کتب علی : کلام ، ویصح أن یسمی : «قولا.» وکذلک کل جملة مفیدة مستقلة بمعناها ، مکونة من کلمتین. - أو أکثر کما سیجیء - قد کتب صباحا : کلم ، ویصح أن یسمی : «قولا.» وکذلک کل ترکیب یشتمل علی ثلاث کلمات فأکثر ، من غیر أن یفید.

ص: 18

کتب علی صباحا : کلم أیضا. ویصح أن یسمی : خ خ کلاما ، أو : قولا. وکذلک کل ترکیب یشتمل علی ثلاث کلمات فأکثر مع الإفادة المستقلة. کتاب علی : یسمی : «قولا.» فقط .. وکذلک کل ترکیب یشتمل علی کلمتین فقط من غیر إفادة.

فالقول منطبق علی کل نوع ، وصادق علی کل فرد من أفراد ذلک النوع ومن غیره. وقد یوضح هذا کلمة أخری مثل : ؛ «معدن» ؛ فإن «المعدن» أنواع کثیرة ؛ منها الذهب ، والفضة ، والنحاس ... فکلمة ؛ «معدن» أعم من کل کلمة من تلک الکلمات عموما مطلقا ، وکل نوع أخص منه خصوصا مطلقا ؛ لأن کلمة «معدن» بالنسبة للذهب - مثلا - تشمله. وتشمل نوعا أو أکثر غیره - کالفضة -. أما الذهب فمقصور علی نوعه الخاص. فالمعدن عام ؛ لأنه یشمل نوعین أو أکثر. والذهب خاص ؛ لأنه لا یشمل إلا نوعا واحدا. و «المعدن» عام عموما مطلقا ؛ لأنه ینطبق دائما علی کل فرد من أفراد نوعیه أو أنواعه وذلک فی کل الحالات.

* * *

(ب) ثم تأتی الموازنة بین «الکلم» و «الکلام» فتدل علی أمرین :

أحدهما : أن «الکلم» و «الکلام» یشترکان معا فی بعض الأنواع التی یصدق علی کل منها أنه : «کلم» وأنه : «کلام» - ؛ فیصح أن نسمیه بهذا أو ذاک ؛ کالعبارات التی تتکون من ثلاث کلمات مفیدة ؛ فإنها نوع صالح لأن یسمی : «کلاما» أو : «کلما». وکالعبارات التی تتکون من أربع کلمات مفیدة ؛ فإنها نوع صالح لأن یسمی : «کلاما» أو : «کلما» وهکذا کل جملة اشتملت علی أکثر من ذلک مع الإفادة المستقلة.

ثانیهما : أن کلا منهما قد یشتمل علی أنواع لا یشتمل علیها الآخر فیصیر أعم من نظیره أنواعا ، وأوسع أفرادا ؛ مثال ذلک : أن «الکلم» وحده یصدق علی کل ترکیب یحوی ثلاث کلمات أو أکثر ، سواء أکانت مفیدة ، مثل : (أنت خیر مرشد) أم غیر مفیدة ، مثل : (لما حضر فی یوم الخمیس) فهو من هذه الناحیة أعم وأشمل من الکلام ؛ لأن الکلام لا ینطبق إلا علی المفید ، فیکون - بسبب هذا - أقل أنواعا وأفرادا ؛ فهو أخص.

لکن «الکلام» - من جهة أخری - ینطبق علی نوع لا ینطبق علیه «الکلم» کالنوع الذی یترکب من کلمتین مفیدتین ؛ مثل : «أنت عالم» وهذا یجعل

ص: 19

الکلام أعم. وأشمل من نظیره ، ویجعل الکلم أخص.

فخلاصة الموازنة بین الاثنین : أنهما یشترکان حینا فی نوع (أی : فی عدد من الأفراد) ، ثم یختص کل واحد منهما بعد ذلک بنوع آخر ینفرد به دون نظیره ؛ فیصیر به أعم وأشمل. فکل منهما أعم وأشمل حینا ، وأخص وأضیق حینا آخر. ویعبر العلماء عن هذا بقولهم : «إن بینهما العموم من وجه ، والخصوص من وجه.» أو : «بینهما العموم والخصوص الوجهی».

یریدون من هذا : أنهما یجتمعان حینا فی بعض الحالات ، وینفرد کل منهما فی الوقت نفسه ببعض حالات أخری یکون فیها أعم من نظیره ، ونظیره أعم منه أیضا ؛ فکلاهما أعم وأخص معا. وإن شئت فقل : إن بینهما العموم من وجه والخصوص من وجه (أی ؛ الوجهی) فیجتمعان فی مثل قد غاب علی ... وینفرد الکلام بمثل : حضر محمود ... وینفرد الکلم بمثل : إن جاء رجل ... فالکلم أعم من جهة المعنی ؛ لأنه یشمل المفید وغیر المفید ، وأخص من جهة اللفظ ؛ لعدم اشتماله علی اللفظ المرکب من کلمتین.

والکلام أعم من جهة اللفظ ؛ لأنه یشمل المرکب من کلمتین فأکثر. وأخص من جهة المعنی ؛ لانه لا یطلق علی غیر المفید.

* * *

(ح) أما موازنة الکلمة بغیرها فتدل علی أنها أخص الأنواع جمیعا.

* * *

شیء آخر یعرض له النحاة بمناسبة : «کلم». یقولون :

إننا حین نسمع کلمة : رجال ، أو : کتب ، أو : أقلام ، أو : غیرها من جموع التکسیر نفهم أمرین :

أولهما : أن هذه الکلمة تدل علی جماعة لا تقل عن ثلاثة ، وقد تزید. ثانیهما : أن لهذا الجمع مفردا نعرفه من اللغة ؛ هو : رجل ، کتاب ، قلم ... وکذلک حین نسمع لفظ : «کلم» نفهم أمرین :

أولهما : أنه یدل علی جماعة من الکلمات ، لا تقل عن ثلاث ، وقد تزید ؛ (لأن «الکلم» فی الأصل یترکب من ثلاث کلمات أو أکثر ؛ فهو من هذه الجهة یشبه الجمع فی الدلالة العددیة ؛ فکلاهما یدل علی ثلاث أو أکثر).

ثانیهما : أن «للکلم» مفردا نعرفه ونصل إلیه بزیادة تاء للتأنیث فی آخره ؛

ص: 20

فیصیر بزیادتها - وموافقة اللغة - دالا علی الواحد ، بعد أن کان دالا علی الجمع ، فتکون : «کلمة» هی مفرد : «الکلم» ؛ مع أنهما متشابهان فی الحروف ، وفی ضبطها ، ولا یختلفان فی شیء ؛ إلا فی زیادة التاء فی آخر : «الکلمة» - بموافقة اللغة -. وهو بسبب هذا یختلف عن الجموع ؛ فلیس بین الجموع ما ینقلب مفردا وینقص معناه من الجمع إلی الواحد من أجل اتصال تاء التأنیث بآخره. ولذلک لا یسمونه جمعا ، وإنما یسمونه : «اسم جنس (1) جمعیّا (2)». ویقولون فی تعریفه : «إنه لفظ معناه معنی الجمع ، وإذا زیدت علی آخره تاء التأنیث - غالبا - صار مفردا». أو هو : «ما یفرق بینه وبین واحده بزیادة تاء التأنیث - غالبا - فی آخره». ومن أمثلته : تفاح وتفاحة - عنب وعنبة - تمر وتمرة - شجر وشجرة - وهذا هو النوع (3) الغالب ، کما أشرنا.

وهناک نوع یفرق بینه وبین مفرده بالیاء المشددة ، مثل : عرب وعربیّ ، جند وجندی ، روم ورومی ، ترک وترکیّ.

وقد یفرق بینه وبین واحده بالتاء فی جمعه ، لا فی مفرده ؛ مثل کمأة ، وکمء» (4).

ص: 21


1- سیجیء تفصیل الکلام علی النکرة ، واسم الجنس ، وعلم الجنس ، وعلم الشخص ، فی مکانه الخاص من الکتاب ؛ هنا ، وفی باب النکرة والمعرفة (ص 186 م 17). وسنعرف أن النکرة (اسم الجنس) إن قصد بها معین فهی النکرة المقصودة ، وإلا فهی النکرة غیر المقصودة. ولکل منهما أحکامه الخاصة ، ولا سیما عند ندائه (کما سیجیء فی باب النداء أول ج 4).
2- صفة لکلمة اسم ، حتما ، لأن الاسم هو الذی یدل علی الجمعیة ؛ فلا یکون اسم الجنس الجمعی إلا دالا علی الجمع ، ولا یکون دالا علی المفرد ، ولا علی المثنی. وبالرغم من أن اسم الجنس الجمعی یدل علی ما یدل علیه الجمع فإنه یجوز تثنیته وجمعه فی أغلب أحواله ... فالمراد من وصفه بالجمعی : تأکید أنه لا یراد به واحد ولا اثنان ، وإنما یراد به ثلاثة علی الأقل کما یراد بالجمع عند النحاة.
3- هذا النوع الذی یفرق بینه وبین واحده بالتاء المربوطة إذا وصف - وکذلک إن أخبر عنه ، أو عاد علیه ضمیر ، أو إشارة - جاز فی صفته إما الإفراد مع التذکیر علی اعتبار اللفظ ، لأنه جنس ، أو : مع التأنیث علی تأویل معنی الجماعة ؛ نحو قوله تعالی : (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) و (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِیَةٍ.) وإما جمع الصفة جمع تکسیر أو جمع مؤنث سالما ، نحو قوله تعالی : (السَّحابَ الثِّقالَ ...) وقوله : (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) ومثل : الصفة الخبر ، والإشارة إلیه ، والضمیر العائد علیه کما أسلفنا - وفی کل ما سبق خلاف أشار إلیه الصبان ، فی باب العدد). هذا ، ولا یفرق بین مذکره ومؤنثه بالتاء المربوطة ؛ فلا یقال : - فی الغالب - حمامة أو بطة ، أو شاة ، للمؤنثة المفردة. وحمام ، وبط ، وشاه ، للمذکر المفرد ؛ منعا للالتباس ، وإنما یؤنثونه بالصفة ، فیقال : حمامة أنثی ، وحمامة ذکر ، وبطة أنثی ، وبطة ذکر. أما تأنیث عامله فمکان الکلام علیه باب الفاعل ج 2 ص 68 وما بعدها م 66.
4- اسم نبات صحراوی.

ولهم فی اسم الجنس الجمعیّ - من ناحیة أنه جمع تکسیر ، أو أنه قسم مستقل بنفسه - آراء متضاربة ومجادلات عنیفة ؛ لا خیر فیها ، وإنما الخیر فی الأخذ بالرأی القائل : إنه جمع تکسیر (1). وهو رأی فیه سداد ، وتیسیر ، ولن یترتب علی الأخذ به مخالفة أصل من أصول اللغة ، أو خروج علی قاعدة من قواعدها ، وأحکامها السلیمة.

هذا من جهة الجمع أو عدمه. بقی الکلام فی المراد من : «اسم الجنس» والمعنی الدقیق له. وفیما یلی إشارة موجزة إلیهما (2) :

إن کلمة مثل کلمة : «حدید» تدل علی معنی خاص ؛ هو : تلک المادة المعروفة ، وذلک العنصر المفهوم لنا. فمن أین جاء لنا فهمه؟ وکیف وصل العقل إلی انتزاع المعنی وإقراره فی باطنه؟

رأینا قطعة من الحدید أول مرة ، ثم قطعة أخری بعد ذلک ، ثم ثالثة ، فرابعة ، فخامسة ، ... ولم نکن نعرف الحدید ، ولا اسمه ، ثم استعملنا تلک القطع فی شئوننا ، وعرفنا بالاستعمال المتکرر بعض خواصها الأساسیة ؛ وإذا رأینا بعد ذلک قطعا من صنفها فإننا نعرفها ، ولا تکون غریبة علی عقولنا ، ونشعر بحاجة إلی اسم نسمی به هذا الصنف ...

فإذا رأینا بعد ذلک قطعة من جنس آخر (أی : من صنف آخر) کالذهب ، ولم نکن استعملناه فی شئوننا - وعرفنا بالاستعمال بعض خواصها الذاتیة ؛ فلا شک أننا سنحتاج إلی اسم یمیز هذا الجنس من سابقه ، بحیث إذا سمعنا الاسم ندرک منه المراد ، ونتصور معناه تصورا عقلیّا من غیر حاجة إلی رؤیة تلک القطع والنماذج ؛ فوضعنا للجنس الأول اسما هو : «الحدید» ، ووضعنا للجنس الثانی اسما یخالفه هو : «الذهب». فالحدید اسم لذلک الجنس (الصنف المعروف) ، وکذلک «الذهب» ، وغیرهما من أسماء الأجناس ... وصرنا بعد ذلک حین نسمع کلمة : «الذهب» أو «الحدید» ندرک المراد منها إدراکا عقلیا بحتا ، فیقفز إلی ذهننا مباشرة مدلولها الخاص ، من غیر ربط - فی الغالب (3) - بینها وبین شیء آخر

ص: 22


1- راجع الأشمونی ، وهامش التصریح ، وشرح الشذور عند الکلام علی المسألة المذکورة.
2- أما التفصیل ، وبسط الإیضاح فمکانهما ص 259 من باب العلم ، (فی النکرة والمعرفة).
3- لأن اسم الجنس الآحادی الذی سیجیء الکلام علیه یرتبط بصورة فرد من أفراده.

من عنصرها ، ومادتها ، أو من غیرهما. وهذا الفهم هو ما یعبر عنه : بأنه «إدراک الماهیة المجردة» أی : «إدراک حقیقة الشیء الذهنیة ، وصورته المرسومة فی العقل وحده». یریدون بذلک : المعنی الذی یفهم من الکلمة فهما عقلیّا مجردا - فی الغالب - أی : بعیدا عن عالم الحسّ ، وعن تخیل النماذج والصور المختلفة المصنوعة منه ، أو غیر المصنوعة ، والتی تساعد فی إیضاح المراد منه (1).

ومثل کلمة : ال «حدید» غیرها من أسماء الأجناس - کما أسلفنا - ومنها : فضة ، رجل ، خشب. طائر ...

ثم إن هذا الجنس (أو : الماهیة المجردة ، والحقیقة الذهنیة البحتة) ثلاثة أنواع ، لکل منها اسم : الأول : اسم الجنس الجمعی (2) ، وقد سبق.

الثانی : اسم الجنس الإفرادی ؛ وهو الذی یصدق علی القلیل والکثیر من الماهیة (أی : من الحقیقة الذهنیة) من غیر اعتبار للقلة أو الکثرة. (مثل : هواء ، ضوء ، دم ، ماء) فکل واحد من هذه وأشباهها یسمی بهذا الاسم ؛ سواء أکان قلیلا أم کثیرا.

والثالث : اسم الجنس الآحادی ؛ وهو : الذی یدل علی الماهیة (أی الحقیقة الذهنیة) ممثلة فی فرد غیر معین من أفرادها ، ولا یمکن تصورها فی العقل إلا بتخیل ذلک الفرد غیر المعهود ، واستحضار صورة له فی الذهن ؛ مثل : أسامة للأسد (3).

* * *

ملاحظة : یردد النحاة وغیرهم من المشتغلین بالعلوم والفنون المختلفة کلمة : «القاعدة» ویذکرونها فی المناسبات المختلفة ، فما تعریفها؟

قالوا : «القاعدة - وجمعها : قواعد - هی فی اللغة : الأساس. وفی الاصطلاح : حکم کلّیّ ینطبق علی جمیع أجزائه وأفراده ؛ لتعرف أحکامها منه).

وعلی الرغم من شیوع هذا التعریف فی مراجعهم ومطولاتهم - عارض بعض النحاة فی کلمة : «حکم» مفضلا علیها کلمة «قضیة» کلیّة بحجة أن القاعدة فی مثل قولنا : «کل فاعل مرفوع» تشمل «المحکوم به» ، و «المحکوم علیه» ،

ص: 23


1- انظر رقم 1 من هامش صفحتی 186 و 259.
2- قد أوضحنا المراد من کلمة : «اسم» ومن کلمة : «جنس» وأشرنا - فی رقم 2 من هامش ص 21 - إلی أن کلمة «جمعی» هی صفة : ل «اسم» حتما ؛ ولیست صفة : لجنس.
3- انظر رقم 1 من هامش ص 259 وص 261 وما بعدهما.

و «الحکم» ، فلا بدّ أن تشمل أمورا ثلاثة ، ولا تقتصر علی «الحکم».

وقد دفع الاعتراض : بأن الاقتصار علی «الحکم» فی ذلک التعریف الشائع ، مقبول ؛ لأنه نوع من المجاز ، إذ فیه إطلاق الجزء - وهو الحکم - علی القضیة الکلیّة التی هی اسم یجمع المحکوم به ، والمحکوم علیه ، والحکم (1).

ص: 24


1- راجع فی کل ما سبق عن «القاعدة» شرح التصریح وحاشیة یاسین علیه ، ج 1 باب الضمیر ، أول الفصل الخاص باتصال الضمیر.

المسألة الثانیة : الاسم

اشارة

الکلام علی أقسام الکلمة الثلاثة : الاسم ، والفعل ، والحرف.

کلمة تدل بذاتها (1) علی شیء محسوس ، - مثل : نحاس ، بیت ، جمل ، نخلة ، عصفورة ، محمد ... - أو شیء غیر محسوس ، یعرف بالعقل ؛ (مثل : شجاعة ، مروءة ، شرف ، نبل ، نبوغ ...) وهو فی الحالتین لا یقترن بزمن (2).

علاماته : أهمها خمسة ، إذا وجدت واحدة منها کانت دلیلا علی أن الکلمة «اسم».

العلامة الأولی : الجر ؛ فإذا رأینا کلمة مجرورة لداع من الدواعی النحویة ، عرفنا أنها اسم ؛ مثل : کنت فی زیادة صدیق کریم. فکلمة : «زیارة» اسم ؛ لأنها مجرورة بحرف الجر «فی» ، وکلمة : «صدیق» اسم ؛ لأنها مجرورة ؛ إذ هی «مضاف إلیه» ، وکلمة : «کریم» اسم ؛ لأنها مجرورة بالتبعیة لما قبلها ؛ فهی نعت لها.

العلامة الثانیة : التنوین ؛ فمن الکلمات ما یقتضی أن یکون فی آخره ضمتان ، أو فتحتان ، أو کسرتان ؛ مثل : جاء حامد - رأیت حامدا -

ص: 25


1- أی : من غیر أن تحتاج إلی کلمة أخری.
2- لإیضاح التعریف وبیان معنی الاسم نذکر ما یأتی : لو وضعنا فاکهة معینة أمام إنسان لا یعرفها ؛ فسأل : ما هذه؟ فأجبنا : «رمان» - مثلا - لکانت کلمة : «رمان» هی الرمز أو العلامة ، أو اللفظ الدال علی تلک الفاکهة. وإن شئت فقل : إنها اسم یفهم منه السامع تلک الفاکهة المعینة ، دون غیرها. فعندنا شیئان ؛ فاکهة لها أوصاف حسیة خاصة بها ، ولفظ معین ، إذا نطقنا به انصرف الذهن مباشرة إلی تلک الفاکهة الخاصة. فلهذا اللفظ معنی ، أو مدلول ، أو مراد. وما معناه ، أو مدلوله ، أو المراد منه إلا هذه الفاکهة. وإن شئت فقل : إنه اسم هی معناه ومسماه ، وأن هذا المعنی والمسمی له اسم هو : «الرمان» فالاسم لیس إلا رمزا ، أو علامة ، أو شارة یراد بها أن تدل علی شیء آخر ، وأن تعینه ، وتمیزه ، وهذا الشیء الآخر هو المراد من تلک الشارة ، والغرض من اتخاذها ؛ فهو مدلولها ومرماها ؛ أی : هو المسمی بها ، وهی الاسم الذی یمیزه من غیره ویحدده فلا یختلط بسواه ومتی ثبت أن الاسم هو الرمز والعلامة ، وأن المسمی هو المرموز له ، المطلوب إدراکه بالعقل - کان الاسم متضمنا فی ذاته کل أوصاف المسمی ؛ فهو کالصورة التی یکتب اسمها إزاءها ؛ فإذا قریء الاسم أولا دل علی الصورة ومضمونها کاملة. ومثل ما سبق یقال فی کل اسم آخر ، ومنه یتضح تعریفهم الاسم أحیانا بأنه : ما یدل علی مسمی فقط ، أی : من غیر أن یدل معه علی زمن أو شیء آخر. - ولهذا الکلام أمثلة متعددة فی ج 4 ص 108 م 141 رقم 1 من هامشها.

ذهبت إلی حامد. طار عصفور جمیل - شاهدت عصفورا جمیلا - استمعت إلی عصفور جمیل ... وهذه الکلمات لا تکون إلا أسماء.

وکان الأصل أن تکتب هی وأشباهها کما یکتبها علماء «العروض» هکذا : حامدن - حامدن حامدن. عصفورن جمیلن ... عصفورن جمیلن ... عصفورن جمیلن ... أی : بزیادة نون ساکنة فی آخر الکلمة ؛ تحدث رنینا خاصّا ؛ وتنغیما عند النطق بها. ولهذا یسمونها : «التنوین» أی : التصویت والترنیم ؛ لأنها سببه. ولکنهم عدلوا عن هذا الأصل (1) ، ووضعوا مکان «النون» (2) رمزا مختصرا یغنی عنها ، ویدل - عند النطق به - علی ما کانت تدل غلیه ؛ وهذا الرّمز هو : الضمة الثانیة ، والفتحة الثانیة ، والکسرة الثانیة ... علی حسب الجمل ... ویسمونه : «التنوین» ، کما کانوا یسمون النون السالفة ، واستغنوا بهذا الرمز المختصر عن «النون» ؛ فحذفوها فی الکتابة ، ولکنها لا تزال ملحوظة ینطق بها عند وصل بعض الکلام ببعض ، دون الوقف.

ومما تقدم نعلم : أن التنوین نون ساکنة ، زائدة (3). تلحق آخر الأسماء لفظا ، لا خطا ولا وقفا (4). العلامة الثالثة : أن تکون الکلمة مناداة ، مثل : یا محمد ، ساعد الضعیف. یا فاطمة ، أکرمی أهلک. فنحن ننادی محمدا ، وفاطمة. وکل کلمة ننادیها اسم ، ونداؤها علامة اسمیتها (5).

ص: 26


1- اختصارا ؛ ومنعا للخلط بین هذه النون الزائدة. وغیرها من الأنواع الأخری ، الزائدة والأصلیة.
2- راجع شرح المفصل (ج 9 ص 35) فی الکلام علی «التنوین» حیث تراه مکتوبا «بالنون» کما فی الأمثلة السالفة ...
3- أی : لیست من أصل بنیة الکلمة ، ولا من حروفها الأصلیة ؛ لأن هذه النون - وإن کانت حرفا واحدا - تعد کلمة کاملة ، وتدخل فی قسم الحرف المعنوی من أقسام الکلمة الثلاثة ؛ فمثلها مثل واو العطف ، وفائه ، وباء الجر ، وتائه ... وغیرها من حروف المعانی التی سیجیء الکلام علیها فی هامش ص 62 وص 66 وفی الجزء الثانی م 78 (أول باب الظرف) ویبنون علی هذا تعلیلات لبعض الأحکام ؛ کتعلیلهم وجوب حذف التنوین من المضاف بأن التنوین کلمة کاملة ولا یصح الفصل بکلمة بین المضاف والمضاف إلیه ، وهما شیئان متلازمان.
4- سیجیء فی المسألة الثالثة : (ص 32) تفصیل مناسب یتضمن أنواع التنوین وحکم کل نوع.
5- إذا رأینا حرف النداء داخلا فی الظاهر علی ما لیس باسم (کالفعل ، أو : الحرف ، نحو یا ... ادخل الحجرة - یا .. لیتک تحترم المیعاد ،) فإنه یکون فی الحقیقة داخلا علی منادی محذوف ، لسبب بلاغی. أو : تکون «یا» حرف تنبیه ؛ ولیست حرف نداء. وسیجیء البیان فی أول الجزء الرابع : (باب المنادی).

العلامة الرابعة : أن تکون الکلمة مبدوءة (بأل) (1) مثل : العدل أساس الملک.

العلامة الخامسة : أن تکون الکلمة منسوبا إلیها - أی : إلی مدلولها - حصول شیء ، أو عدم حصوله ، أو مطلوبا منها إحداثه ، مثل : علیّ سافر. محمود لم یسافر. سافر یا سعید. فقد تحدثنا عن خ خ علیّ بشیء نسبناه إلیه. هو : السفر ، وتحدثنا عن خ خ محمود بشیء نسبناه إلیه ؛ هو عدم السفر ، وطلبنا من خ خ سعید السفر. فالحکم بالسفر ، أو بعدمه ، أو بغیرهما ، من کل ما تتم به الفائدة الأساسیة یسمی : إسنادا ، وکذلک الحکم بطلب شیء من إنسان أو غیره ... فالإسناد هو : «إثبات شیء لشیء ، أو نفیه عنه ، أو طلبه منه». هذا ، واللفظ الذی نسب إلی صاحبه فعل شیء أو عدمه أو طلب منه ذلک ، یسمی : «مسندا إلیه» ، أی : منسوبا إلیه الفعل ، أو الترک ، أو طلب منه الأداء. أما الشیء الذی حصل ووقع ، أو لم یحصل ولم یقع ، أو طلب حصوله - فیسمی : «مسندا» ، ولا یکون المسند إلیه إلا اسما. والإسناد هو العلامة (2) التی دلت علی أن المسند إلیه اسم (3).

ص: 27


1- زائدة کانت أم أصیلة (إلا الاستفهامیة عند من یستعملها فی الاستفهام ، والموصولة عند من یجیز دخولها علی الفعل) وبهذه العلامة قوی الحکم علی کلمة : «العزّی» - أنها اسم ، وهی کلمة مؤنثة ، علم لصنم مشهور فی الجاهلیة ، ومذکرها : الأعز ، و «أل» فی أولها زائدة لازمة لا تفارقها ،
2- بهذه العلامة أمکن الحکم بالاسمیة علی ضمائر الرفع ؛ کالتاء ، ونا ، وأنا. وعلی «ما» الاستفهامیة ، والموصولة ...
3- أشار ابن مالک فی ألفیته إلی تلک العلامات بقوله : بالجرّ والتّنوین ، والندا ، وأل ومسند - للاسم تمییز حصل أی : حصل تمییز للاسم من غیره بالجر ، والتنوین ، والنداء ، وأل ، ومسند ، أی : إسناد والإسناد هو الذی یدل علی أن الضمائر المرفوعة أسماء ، مثل «أنا» کتبت رسالة - کما تقدم - ...

زیادة وتفصیل

(ا) تعددت علامات الاسم ، لأن الأسماء متعددة الأنواع ؛ فما یصلح علامة لبعض منها ، لا یصلح لبعض آخر ، کالجر ، فإنه لا یصلح علامة لضمائر الرفع ، کالتاء - ولا یصلح لبعض الظروف ؛ مثل : قطّ : وعوض. وکالتنوین ؛ فإنه یصلح لکثیر من الأسماء المعربة المنصرفة ، ولا یصلح لکثیر من المبنیات. وکالنداء فإنه یصلح وحده للأسماء الملازمة للنداء ؛ مثل : یا فل (أی : یا فلان) ، ویا مکرمان للکریم الجواد ، وغیرهما مما لا یکون إلا منادی. وهکذا اقتضی الأمر تعدد العلامات بتعدد أنواع الأسماء ...

(ب) للاسم علامات أخری ؛ أهمها :

1 - أن یکون مضافا ؛ مثل : تطرب نفسی لسماع الغناء. وقراءة کتب الأدب.

2 - أن یعود علیه الضمیر (1) ، مثل : جاء المحسن. ففی «المحسن» ضمیر. فما مرجعه؟ لا مرجع له إلا «أل» (2) ؛ لأن المعنی : «جاء الذی هو محسن» ولهذا قالوا «أل» هنا : اسم موصول. وکذلک قد فاز المخلص ، وأفلح الأمین.

3 - أن یکون مجموعا. مثل : مفاتیح الحضارة بید علماء ، وهبوا أنفسهم للعلم. فکون الاسم جمعا خاصة من خواص الأسماء.

4 - أن یکون مصغرا ؛ «لأن التصغیر من خواص الأسماء کذلک» مثل : حسین أصغر من أخیه الحسن.

5 - أن یبدل منه اسم صریح ؛ مثل : کیف علیّ؟ أصحیح أم مریض؟ فکلمة : «صحیح» اسم واضح الاسمیة ، وهو بدل من کلمة : «کیف» فدلّ علی أن «کیف» اسم.

ص: 28


1- بهذه العلامة أمکن الحکم بالاسمیة علی «ما» التعجبیة ، وعلی : «مهما» فی مثل : ما أجمل المعروف! ومثل : قوله تعالی : ((وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آیَةٍ ...) إلخ)».
2- سیجیء بیان السبب مفصلا عند الکلام علی صلة «أل» فی باب الموصول. (رقم 2 من هامش ص 319).

6 - أن یکون لفظه موافقا لوزن اسم آخر ، لا خلاف فی اسمیته ؛ کنزال (1) فإنه موافق فی اللفظ لوزن : «حذام» اسم امرأة ، وهو وزن لا خلاف فی أنه مقصور علی الأسماء. ولو لا هذه العلامة لصعب الحکم علی «نزال» بالاسمیة ؛ لصعوبة الاهتداء إلی علامة أخری.

7 - أن یکون معناه موافقا لمعنی لفظ آخر ثابت الاسمیة ؛ مثل : قطّ. عوض. حیث ... فالأولی ظرف یدل علی الزمن الماضی (2) ، والثانیة ظرف یدل علی الزمن المستقبل (3) ، والثالثة بمعنی المکان - فی الأغلب - وبهذه العلامة أمکن الحکم علی الکلمات الثلاث بالاسمیة ؛ إذ یصعب وجود علامة أخری.

(ج) سبق أن من علامات الاسم الإسناد : وقد وضحناه. وبقی أن نقول : إذا أسندت إلی کلمة قاصدا منها لفظها ، وکان لفظها مبنیا - کما لو رأیت کلمة مکتوبة ؛ مثل : «قطف» أو : «من» «أو : ربّ» ، وأردت أن تقول عن لفظها المکتوب ؛ إنه جمیل ، وهو لفظ مبنی فی أصله کما تری - فإنه یجوز أحد أمرین.

أولهما : أن تحکیها بحالة لفظها ، وهو الأکثر ؛ فیکون إعرابها مقدرا ، منع من ظهور علامته حکایة اللفظ علی ما کان علیه أولا ؛ من حرکة ، أو سکون ، فلا یدخل علی آخر الکلمة تغییر (4).

ثانیهما : أن تعربها علی حسب العوامل إعرابا ظاهرا مع التنوین ؛ فتقول : قطف جمیلة - بالرفع والتنوین فی هذا المثال - إلا إن کان فی آخر الکلمة ما یمنع ظهور الحرکة ؛ کوجود ألف مثلا ، کقولک : «علی» حرف جر ، فإنها تعرب بحرکة مقدرة ، وتنون ، ما لم یمنع من تنوینها مانع ؛ کالإضافة (5) ...

وإذا کانت الکلمة ثنائیة. وثانیها حرف لین ، ضاعفته. فتقول فی «لو» : لوّ. وفی کلمة «فی» : فیّ. وفی کلمة «ما» : «ماء». بقلب الألف الثانیة الحادثة من التضعیف همزة ، لامتناع اجتماع ألفین.

ص: 29


1- اسم فعل ، بمعنی : انزل
2- ولا تستعمل إلا فی جملة منفیة. والمراد هنا : أنها بمعنی کلمة : زمن.
3- ولا تستعمل إلا فی جملة منفیة. والمراد هنا : أنها بمعنی کلمة : زمن.
4- إلا إن کان اللفظ فی أصله حرفا ثنائیا ؛ فیجوز أن یکون مبنیّا للشبه اللفظی بالحروف - کما ستعرف. - وهذه صورة من الحمایة غیر التی ستجیء فی رقم - 7» من ص 181 -
5- یلاحظ الفرق الواضح بین الأمرین السابقین فی «ج» والملاحظة التی فی أول صفحة 74

ویری بعض النحاة : أن الحرف الثانی الصحیح من الکلمة الثنائیة لا یضاعف إلا إذا صارت الکلمة علما لشیء آخر غیر لفظها ، کأن تسمی شیئا : «بل» أو : «قد» أو : «هل» ... أما إذا بقیت علی معناها الأصلی وقصد إعرابها فلا یضاعف ثانیها ؛ سواء أکان صحیحا مثل : «قد» أم لینا مثل : «لو» (1) ...

- الاسم ثلاثة أقسام :

ظاهر ، مثل کلمة : «محمد» فی : «محمد عاقل» ، ومضمر (2) ، أی : غیر ظاهر فی الکلام ، مع أنه موجود مستتر ، مثل الفاعل فی قولنا : أکرم صدیقک (3) ؛

ص: 30


1- راجع الصبان - ج 1 - الباب الأول عند الکلام علی علامة الإسناد. وانظر تعریف الحکایة. فی رقم 2 من هامش ص 278 الآتیة. والرأیان السالفان فصیحان ، ولکل منهما مزیته التی تدعو إلی تفضیله حینا ، أو العدول عنه إلی نظیره حینا آخر ؛ تبعا لما یقضی به المقام الکلامی. فمزیة الحکایة أنها تحمل الذهن سریعا إلی الحکم علی اللفظ بأنه معاد ومردّد لداع بلاغی ، والذی یدل علی هذه الإعادة مخالفة اللفظ فی ظاهره لما تقتضیه العوامل من حرکات إعرابیة معینة. فمن یسمع : «قطف» السابقة ببقائها علی حرکاتها الأصلیة سیدرک سریعا أنها معادة مرددة ، أی : محکیة فلو لم تکن فی الترکیب السابق محکیة لکانت مبتدأ مرفوعا ، فعدم رفعها وترکها علی حالتها الأولی دلیل علی : «الحکایة» أی : علی أن الناطق بها یرددها بعد أن سمعها من غیره أو قرأها ؛ فنطق بها من غیر إدخال تغییر علی حرکاتها مطلقا. ولو اقتضی المقام الإعرابی الجدید إدخال تغییر علی حرکاتها. ویظهر هذا بوضوح حین نسمع - مثلا - المغنی یترنم بکلمة : «قطف» فیشجینا بها ، ویبدع فیها ، أکثر من غیرها ، أو : حین نراها مکتوبة بخط بارع ، فنقول : «قطف» جمیلة ، فیکون النطق بها علی سبیل الحکایة إعلانا ورمزا إلی أنها جمیلة فی حالة معینة ، وصورة خاصة دون غیرها ، بخلاف ما لو قلنا : قطف جمیلة ، فلیس فی هذا التعبیر ما یدل علی ذلک التقیید الهام. ومما یزید الأمر وضوحا ما قالوه فی موضع آخر ؛ فمن الأعلام من اسمه «أبو الفضل» ، و «أبو جهل» ... فإذا سمعنا من الخبیر بالأسالیب الصحیحة ، الحریص علی سلامتها ، قوله - مثلا - مدح الناس «أبو الفضل» ، وذموا «أبو جهل» عرفنا سریعا أن هذا المتکلم الفصیح لم یقل «مدح الناس أبا الفضل وذموا أبا جهل» وإنما قال : «أبو» فلا بد أن یکون هذا علی سبیل الحکایة ؛ لحکمة بلاغیة قد تکون رغبته فی إظهار أن : «أبو الفضل» و «أبو جهل» علمان لشخصین معینین ولیس المراد منهما مطلق رجل متصف بالفضل أو بالجهل ، إذ لو قال «مدح الناس أبا الفضل وذموا أبا جهل» لجاء الکلام خالیا من التعیین الدقیق ، محتملا العلمیة وأن یشمل کل صاحب فضل ، أو صاحب جهل من غیر تخصیص ...أما الرأی الآخر فمزیته عمومه وشموله کل الحالات المختلفة ؛ ومنها السابقة ودخوله تحت القاعدة الإعرابیة المطیّردة ففیه نوع تیسیر. ولهذه المسألة صلة بما یجیء فی ج 4 ص 546 م 177 باب النسب وما فیها من خلاف.
2- راجع «ب» من ص 197.
3- انظر رقم 3 من هامش ص 15.

فإن الفاعل مستتر وجوبا تقدیره : «أنت» ، ومبهم» ، لا یتضح المراد منه ولا یتحدد معناه إلا بشیء آخر ، وهو اسم الإشارة ؛ مثل : هذا نافع ، واسم الموصول ؛ مثل : الذی بنی الهرم مهندس بارع (1).

ص: 31


1- لأن اسم الإشارة لا یتضح المراد منه إلا بالمشار إلیه ، والموصول لا یتضح إلا بصلته. ولا مبهم فی الأسماء غیر هذین. وسیجیء البیان فی «ج» من ص 304 وفی أول باب الموصول (رقم 3 من هامش ص 305 م 26).

المسألة 3 :أقسام التنوین ، وأحکامه

اشارة

التنوین الذی یعتبره النحاة علامة علی أن الکلمة اسم - أنواع ؛ أشهرها أربعة ؛ هی : تنوین الأمکنیّة - تنوین التنکیر - تنوین التعویض - تنوین المقابلة ، ولهم فی کل نوع آراء مختلفة ، سنستخلص الرأی السلیم منها :

النوع الأول : تنوین الأمکنیة

ولتوضیحه نقول : إن الأسماء أربعة أقسام :

(ا) قسم تتغیر حرکة آخره باختلاف موقعه من الجمل ، ویدخله التنوین فی آخره ؛ مثل : علیّ ، شجرة ، عصفور ، ... تقول : جاء علیّ ، برفع آخره وتنوینه ... رأیت علیّا ؛ بنصب آخره وتنوینه. ذهبت إلی علیّ ، بجر آخره وتنوینه ... وکذلک باقی الأسماء السابقة وما یشبهها. وهذا القسم من الأسماء یسمی : «المعرب المنصرف» (1).

(ب) قسم تتغیر حرکة آخره باختلاف موقعه من الجمل ، ولکنه لا ینوّن ؛ مثل : أحمد ، فاطمة ، عثمان ... تقول : جاء أحمد ، رأیت أحمد ، ذهبت إلی أحمد ... وکذلک باقی الأسماء السالفة ، وما أشبهها : فإنها لا تنون ، مهما اختلفت العوامل (2). وهذا القسم یسمی : «المعرب غیر المنصرف». وله باب

ص: 32


1- وقد یسمی اختصارا : «المنصرف» - کما سیجیء فی رقم 2 من هامش ص 157. وإذا ذکر التنوین من غیر نص علی نوعه کان المراد : تنوین «المعرب المنصرف» لأنه هو المقصود عند الإطلاق ؛ (أی : عند عدم ذکر النوع). أما إذا أرید غیره فلا بد من التقیید بذکر النوع ؛ کأن یقال : تنوین التنکیر ، أو : تنوین العوض .. والمعرب هو اللفظ الذی تتغیر علامة آخره بتغیر العوامل ؛ کما سیجیء قریبا فی بابه الخاص (ص 67 م 6). و «المنصرف» هو الذی یکون فی آخره هذا التنوین.
2- هذا القسم قد یدخله التنوین أحیانا لغرض معین - کما سیجیء فی ص 36 أما البیان ففی رقم 2 من هامش ص 264 - تقول : رأیت أحمدا ؛ بالتنوین ؛ بشرط أن تقصد الإخبار بأنک رأیت واحدا غیر معین ممن اسمهم : «أحمد» بخلاف ما لو رأیت رجلا معینا اسمه : أحمد ، معهودا بینک وبین من تخاطبه .. (شرح المفصل ج 9 ص 29 موضوع التنوین). ، هذا ، والتمثیل بکلمة : «أحمد» هو من صنیع صاحب «المفصل» نفسه ، وکان الأولی التمثیل بکلمة مثل : «یزید» ونحوها ..... لما سیجیء - فی ج 4 ص 191 م 147 «ب» عند الکلام علی الاسم الذی لا ینصرف أن الاسم الممنوع من الصرف للعلمیة ووزن الفعل إذا زالت علمیته لم یمنع من الصرف إن کان فی أصله وصفا سابقا علی العلمیة - - وترک وصفیته السابقة ، وانتقل إلی العلمیة. مثل : «أحمر» علم ، فإنه حین تزول عنه العلمیة الطارئة یرجع إلی ما کان علیه قبلها ویعود وصفا کما کان ویظل ممنوعا من الصرف بشرط وجود العلة الثانیة. وکلمة : «أحمد» ینطبق علیها هذا من ناحیة رجوعها إلی الوصفیة السابقة حین تزول عنها العلمیة الطارئة ، فکیف تنون إن زالت علمیتها وبقیت العلة الثانیة؟ ربما کان یری فرقا بین «أحمد» و «أحمر» هو أن «أحمد» متوغل فی علمیته حتی نسیت وصفیته وأهملت ، فإن زالت عنه علمیته لم یرجع إلی وصفیته السابقة علیها ؛ بخلاف : «أحمر» وأشباهه ؛ فوصفیته قویة ملحوظة. لکن الأفضل - کما قلنا - التمثیل بما لا احتمال معه.

خاص یتضمن أسباب منع الاسم من الصرف (1) ...

(ح) قسم لا تتغیر حرکة آخره بتغیر التراکیب (2). لکن قد یدخله التنوین أحیانا لغرض. وإلیک الإیضاح.

ص: 33


1- سیجیء فی الجزء الرابع. وللنحاة تعلیل طویل فی عدم تنوینه ؛ ولکنه تعلیل یرفضه التأمل. وقد آن الوقت لإهماله وإنما نذکر ملخصه التالی لیطمئن من یشاء من الخاصة - إلی أنه تعلیل مصنوع متکلف. فهم یقولون : إن الفعل ثقیل علی اللسان ؛ لقلة استعماله ، بالنسبة للاسم ؛ فالفعل لا یستعمل إلا مع فاعل اسم ؛ أما الاسم فقد یستعمل أحیانا مع الفعل ؛ مثل : (نفع الکتاب) ، وقد یستعمل أحیانا مع الاسم مثل : (الکتاب نافع). فالمواضع التی یشغلها الاسم أکثر من المواضع التی یشغلها الفعل ؛ وکثرة الاستعمال داعیة إلی خفة النطق وسهولته. وشیء آخر ؛ هو أن الفعل لا یوجد إلا مع فاعل کما سبق ، وقد یحتاج إلی مفعول. ومعنی هذا أن الفعل لا یوجد منفردا ، ولا یدل علی معنی بنفسه ، وإنما یوجد فی کلام مرکب. أما الاسم فإنه قد ینفرد ولا یراد منه إلا مجرد الدلالة علی شیء (أی : علی مسمی) کما عرفنا - فی ص 25 -. والمفرد أخف من المرکب فی النطق والاستعمال. فمن أجل خفته دخله التنوین الذی هو علامة الخفة ، ورمز السهولة ، وامتنع دخوله علی الأفعال ؛ لثقلها ثم یتدرجون من هذا إلی قولهم : إن فی کل فعل ظاهرتین ؛ إحداهما : لفظیة ، وهی : اشتقاقه من المصدر (علی الرأی الشائع) واشتراک لفظیهما فی الحروف الأصلیة ، والمشتق فرع ، والمشتق منه أصل ، لهذا کان الفعل فرعا من الاسم. والأخری : معنویة ، وهی : حاجة الفعل إلی الفاعل الاسم کما سبق. والاحتیاج فرع ، وعدم الاحتیاج أصل. ولما کان القسم الثانی من الأسماء (وهو المعرب غیر المنصرف) لا یمنع من الصرف إلا إذا اجتمع فیه ظاهرتان ، أو علتان فرعیتان : إحداهما لفظیة ، والأخری معنویة ، کان شبیها بالفعل فی ذلک ؛ فامتنع مثله من الصرف ؛ فکلمة : «فاطمة» فیها علة لفظیة ؛ وهی التأنیث ؛ والتأنیث فرع التذکیر عندهم ، وعلة معنویة هی : العلمیة ؛ والعلمیة فرع التنکیر ، فهاتان ناحیتان فرعیتان فی کلمة «فاطمة» ؛ فلا بد من الظاهرتین (العلتین) ، أو من ظاهرة تقوم مقامهما ؛ وذلک فی کل کلمة تمنع من الصرف. وینتهون من ذلک کله إلی النتیجة التی یریدونها ؛ وهی : أن الفعل فیه العلتان ، ولا یدخله التنوین. وکذلک بعض الأسماء فیه الظاهرتان أو العلتان - أو ما یقوم مقامهما - فلم لا یمنع من الصرف أیضا بسبب وجود الناحیتین الفرعیتین فلا یدخله التنوین؟ ذلک ملخص کلامهم. وهو مدفوع بأن السبب الحق فی تنوین بعض الأسماء وعدم تنوین بعض آخر أن العرب الفصحاء نطقت بهذا منونا ، وبذاک غیر منون. فعلت هذا بفطرتها وطبیعتها ، لا لسبب آخر ؛ کمراعاة لقواعد علمیة ، وتطبیق لأسس فلسفیة منطقیة ؛ فإن هذه وتلک لم تکن معروفة لدیهم فی عصر صدر الإسلام وما قبله من عصور الجاهلیة ؛ فلم یستخدموا المشابهة ، ولم یستعینوا بقیاس المناطقة أو غیره من مسالک الجدل ، والتوهم ، وأشباهه مما لا یوافق حیاتهم الأولی ، ولا نشاة اللغة.
2- ویسمی : المبنی ، وسیجیء الکلام علیه فی بابه الخاص (ص 67 م 6).

من الأسماء القدیمة : خالویه ، نفطویه ، عمرویه ، سیبویه. وغیرها من أعلام الأشخاص المبنیة علی الکسر - غالبا - المختومة بکلمة : «ویه». فإذا أردت أن تتحدث عن واحد من هذه الأعلام ، وکان معینا معهودا بینک وبین من تخاطبه ، معروفا بهذا الاسم ، لا تختلط صورته فی الذهن بصورة غیره - فإنک تنطق باسمه من غیر تنوین ، وأنت بهذا تتکلم عنه کما تتکلم عن الأعلام الأخری المعربة التی یدل الواحد منها علی فرد خاص بعینه ؛ مثل : محمد ، أو : صالح ، أو : محمود ، أو : غیرهم (1) ...

أما إذا أتیت بالتنوین فی آخر الکلمة فإن المراد یتغیر ؛ إذ تصیر کمن یتحدث عن شخص غیر معین ، لا یتمیز من غیره المشارکین له فی الاسم ، فکأنک تتحدث عن رجل أیّ رجل مسمی بهذا الاسم.

ومن الأمثلة أیضا ما لیس بعلم ، مثل : صه (2) ، إیه (3) ، غاق (4).

وهذه الکلمات المبنیة وأشباهها تکون منونة حینا ، وغیر منونة حینا آخر (5) ، کأن تسمع شخصا یتحدث فی أمر معین لا یرضیک ؛ فتقول له : صه ، (بسکون الهاء من غیر تنوینها). فکأنک تقول له : اسکت عن الکلام فی هذا الأمر الخاص ، ولک أن تتکلم فی أمر آخر إن شئت. أما إذا قلت له : صه (بالتنوین) فمرادک : اترک الکلام مطلقا فی جمیع الموضوعات ؛ لا فی موضوع معین.

ولو قلت له : «إیه» (بالکسر من غیر التنوین) لکان المقصود : زدنی من الحدیث المعین الذی تتکلم فیه الآن. ولا تترکه. أما إذا قلت : «إیه» بالتنوین فإن المراد یکون : زدنی من حدیث أیّ حدیث ؛ سواء أکان ما نحن فیه أم غیره.

ص: 34


1- راجع ما یتصل بهذا ، وبإعراب الممنوع من الصرف فی ص 157 و 279 و 283.
2- اسم فعل أمر ؛ بمعنی : اسکت.
3- اسم فعل أمر ؛ بمعنی : زد ...
4- اسم صوت الغراب.
5- التنوین وعدمه مقصور علی السماع فی أغلب أسماء الأفعال والأصوات - بالتفصیل الذی سیجیء فی بابهما فی الجزء الرابع. بخلاف الأسماء المختومة بکلمة : «وییه» من مثل : خالویه ، ونفطویه ، وأشباههما ؛ فإنه قیاسی.

کذلک : صاح الغراب غاق (بغیر تنوین) فالمراد أنه یصیح صیاحا خاصّا ، فیه تنغیم ، أو حزن ، أو فزع ، أو إطالة ... أما بالتنوین فمعناه مجرد صیاح.

فعدم التنوین فی الکلمات المبنیة السابقة - وأشباهها - هو الدلیل علی أنک ترید شیئا واحدا معینا ، واضحا فی ذهنک ، معهودا لک ولمخاطبک ؛ سواء أکان ذلک الشیء شخصا أم غیر شخص ، والتنوین هو الرمز الدال علی أنک ترید شیئا غیر معین بذاته ، وإنما هو مختلط بین نظائره المماثلة له ، ولا یتجه ذهنک إلی واحد منها دون غیره. ویسمون الکلمة التی من النوع الأول الخالی من التنوین : «معرفة» (1) ، لأن مدلولها معروف معین. والکلمة التی من النوع الثانی المنوّن : «نکرة» ؛ لأن معناها منکر - أی : شائع - غیر معین وغیر محدد. ویسمون التنوین الذی یدخلها : «تنوین التنکیر» أی : التنوین الذی یدل فی الکلمة المبنیة علی الشیوع وعدم التعیین ؛ ولا یدخل إلا الأسماء المبنیة. فهو : «العلامة التی تدل بوجودها علی أن الکلمة المبنیة نکرة ، وتدل بحذفها علی أنها معرفة».

(د) قسم لا تتغیر حرکة آخره ولا یدخله التنوین ؛ مثل : هؤلاء ... حیث ... کم ... تقول : جاء هؤلاء ، أبصرت هؤلاء ، انتفعت بهؤلاء ... (بالکسر فی کل الحالات ، بغیر تنوین ، فهو مبنی ، وغیر منون).

من التقسیم السابق نعلم أن بعض الأسماء معرب ، وبعضها مبنی ، وأن کل واحد منهما قد یکون منونا ، وقد یکون غیر منون.

والقسم الأول : «ا» وحده هو الذی یجتمع فیه الإعراب والتنوین معا. والنحاة یقررون أن الأصل فی الأسماء أن تکون معربة (2) ومنونة ، وأن الأصل فی الحروف وأکثر الأفعال أن تکون مبنیة وغیر منونة ؛ فکلما ابتعد الاسم عن

ص: 35


1- وللمعرفة والنکرة وأنواعهما باب خاص یشمل کل أحکامهما ، وسیجیء قریبا (ص 186 م 17).
2- لأن استقراءهم للأسماء دلهم علی غلبة الإعراب والتنوین فیها ، کما دلهم علی أن الحروف کلها مبنیة وغیر منونة ، وأن الأفعال کلها غیر منونة وأکثرها مبنی دائما ؛ فالماضی والأمر مبنیان دائما ، والمضارع یعرب فی حالات ، ویبنی فی غیرها.

مشابهة الحرف والفعل فی البناء وعدم التنوین (1) کان أکثر أصالة فی الاسمیة ، وأشدّ تمکنا.

وبتطبیق هذا علی الأقسام الأربعة السالفة یتبین أن القسم الأول أقواها جمیعا فی الاسمیة ، وأعلاها فی درجتها ؛ لأنه لا یشبههما فی شیء ؛ فهو معرب ؛ أما الحروف وأکثر الأفعال فمبنیة. وهو منون ؛ والتنوین لا یدخل الأفعال ولا الحروف. ثم یلیه فی القوة والأصالة ؛ القسم الثانی : «ب» ؛ لأنه معرب ، والحروف وأکثر الأفعال مبنیة - کما سبق - لکنه یشبه الأفعال والحروف فی عدم التنوین. ثم یلیه القسم الثالث : «ح» وهو أضعف من القسمین السابقین ؛ لبنائه الدائم. ولعدم تنوینه أحیانا. أما الرابع : «د» فهو أضعف الأقسام کلها ، لأنه مبنی دائما ، ولا ینون مطلقا. فاجتمع فی القسم الأول العاملان الدالان علی التباعد وعدم المشابهة ، أما القسم الثانی فلیس فیه إلا عامل واحد ؛ لهذا یسمی القسم الأول : «المتمکن الأمکن» ، أی : القویّ فی الاسمیة ، الذی هو أقوی أصالة فیها ، وأثبت مکانة من غیره. ویسمی التنوین الذی یلحقه : تنوین «الأمکنیة» أو : «الصرف» ویقولون فی تعریفه - «إنه التنوین الذی یلحق آخر الأسماء المعربة المنصرفة ؛ لیدل علی خفتها (2) ، وعلی أنها أمکن ، وأقوی فی الاسمیة من غیرها» کما یسمی القسم الثانی : «المتمکن» فقط. وما عداهما فغیر متمکن.

* * *

النوع الثانی : تنوین التنکیر

وهو «الذی یلحق - فی الأغلب (3) - بعض الأسماء المبنیة ؛ لیکون وجوده دلیلا علی أنها نکرة. وحذفه دلیلا علی أنها معرفة» (4) وهو الذی سبق إیضاحه وشرحه فی القسم الثالث : «ح» من الأسماء.

ص: 36


1- أو فی غیرهما ؛ کبعض الظواهر الخاصة التی تظهر فی الفعل - فی رأیهم - کما سبق فی رقم 1 من هامش ص 33.
2- أثر هذا التنوین فی الخفة وغیرها مفصل فی موضعه الأنسب ج 4 باب «ما لا ینصرف».
3- الأغلب أنه یلحق بعض الأسماء المبنیة. ولکنه قد یلحق بعض الأسماء المعربة المنصرفة للسبب السابق فی الرقم : «2» من هامش ص 32 وللبیان الذی فی رقم 2 من هامش ص 264.
4- لم نذکر فی التعریف : «أنه یلحق الأسماء المبنیة» - مع أن الغالب لحاقه بها ، لأنه قد یلحق الأسماء المعربة غیر المنصرفة لغرض أوضحناه فی رقم 2 من هامش ص 33 وللبیان الذی فی هامش ص 264 فتقیید الأسماء بأنها «مبنیة» غیر صحیح.

النوع الثالث : تنوین التعویض

(1)

، أو العوض

من الدواعی ما یقتضی حذف حرف من کلمة ، أو حذف کلمة کاملة ، أو حذف جملة بتمامها أو أکثر ؛ فیحل التنوین محل المحذوف ، ویکون عوضا عنه. فمن أمثلة - حذف الحرف (2) ما یأتی :

الفعل الثلاثی

بعض المشتقات منه

(اسم الفاعل)

وضع المشتق فی جملة بعد

جمعه جمع تکسیر

الحرف المحذوف

بقی

باقیة

النقود بواق. سأزید علی بواق لا أحزن لمواض

مضی

ماضیة

اللیالی مواض بحوادثها. لا أحزن لمواض

هو الحرف الأخیر من الجمع ،

باکیة

العیون بواک. أسفت لبواک علی ما فات

وهذا الحرف الأخیر أصله الحرف الثالث

ساقیة

هذه سواق. شرب الزرع من من سواق فباضة

الأصلی من الفعل الماضی

نسمی

نامیة

الز روع نوام. سوف أحرص علی نوام من الز روع

رنا (بمعنی نظر)

رانیة

العیون وأن للزهر. عجبت من روان للزهر

فهنا بعض أفعال ثلاثیة ، أصلیة الحروف ، أی : لا یحذف منها حرف فی المشتقات المختلفة إلا لداع قویّ ، لکن الحرف الأخیر من تلک الأفعال قد حذف فی جمع التکسیر ، وحل مکانه التنوین ؛ عوضا عنه ، فالتنوین المشاهد فی آخر کل جمع مما سبق إنما هو تعویض عن الحرف المحذوف. وعند الإعراب نقول : الکلمة مرفوعة بالضمة علی الیاء المحذوفة. ومجرورة بفتحة نیابة عن الکسرة

ص: 37


1- ویدخل الأسماء المعربة والمبنیة.
2- وهذا الحذف مقصور علی حالتی الرفع والجر ، مع وجود التنوین فیهما ، کما فی الأمثلة. فإن لم یوجد التنوین - لسبب أن الکلمة مضافة ، أو : مبدوءة بأل ، أو : لداع آخر - لم تحذف الیاء. وکذلک لا تحذف فی حالة النصب ؛ بل تبقی وتظهر الفتحة علیها من غیر التنوین.

فوق الیاء المحذوفة. والتنوین الظاهر فی الحالتین عوض عن الیاء المحذوفة (1).

أما حذف کلمة ومجیء التنوین عوضا عنها فیکثر بحذف المضاف إلیه بعد لفظة : «کل» ، أو «بعض (2)» - وما فی حکمهما - ومن أمثلته :

ص: 38


1- هذا خیر ما یقال الیوم ، وأوضحه وأیسره. أما ما یقوله النحاة فمردود عقلا ، وفیه التواء وصعوبة ؛ فهم یقولون : إن کلمة : باقیة ؛ أو : نامیة ، أو : ماضیة ، أو : ما یشبهها «من کل کلمة مؤنثة علی وزن فاعلة» یجوز جمعها جمع تکسیر علی وزن : «فواعل» ؛ فتصیر الکلمة بعد تکسیرها «بواقی» «نوامی» «مواضی» - بالضم بغیر تنوین - ؛ لأنها ممنوعة من الصرف لصیغة منتهی الجموع (وهی کل جمع تکسیر بعد ألف تکسیره حرفان ؛ مثل : معابد - طوائف - جواهر - مدارس ، أو ثلاثة أحرف أوسطها ساکن ، مثل : مفاتیح - قنادیل - أزاهیر ؛ جمع أزهار. وتفصیل الکلام علیها فی الباب الخاص بما لا ینصرف ج 4 م 145 وم 173). ثم تحذف الضمة ، لأنها ثقیلة علی الیاء ، فتصیر الکلمة : «بواقی» ، «جواری» ، «مواضی» ، ثم تحذف الیاء للتخفیف أیضا. ویجیء التنوین عوضا عنها ؛ لأنها حرف أصلی ، لا یحذف من غیر تعویض ؛ وإلا کان الحذف جورا علی الکلمة ، کما یقولون!!. هذا علی اعتبار أن الکلمة کانت ممنوعة من الصرف أول الأمر ، ثم وقع الحذف والتعویض بعد ذلک. أما علی اعتبار أنها لم تکن ممنوعة من الصرف أول الأمر وإنما وقع الحذف والتعویض قبیل منعها من الصرف فیقال فیها : «بواقی» ، «جواری» ، «مواضی». بالتنوین فی کل هذا ، ثم حذفت الضمة وحدها ، لأنها ثقیلة علی الیاء (وبقی التنوین الذی تدل الضمة الثانیة علیه). فالتقی ساکنان لا یجوز اجتماعهما هما : الیاء والتنوین ؛ فحذفت الیاء أولا ، ثم حذف التنوین بعدها ؛ (بسبب أن الکلمة ممنوعة من الصرف ؛ لصیغة منتهی الجموع.) فصارت «بواق» ، «جوار» ، «مواض» بکسرة واحدة ، أی (بغیر تنوین) ثم جاء تنوین آخر غیر المجذوف ؛ لیکون عوضا عن الیاء ، ولیمنع رجوعها عند النطق. فمنع الصرف فی الحالة الأولی سابق فی وجوده علی الحذف ، ومقدم علیه ، أما فی الحالة الثانیة فکان الحذف هو السابق والمقدم علی منع الصرف فی رأیهم. وکلتا الحالتین تجری علی الجموع السابقة وأشباهها فی حالة الجر أیضا ؛ فبدلا من أن یقال : حذفت الضمة ؛ لثقلها .. یقال : حذفت الکسرة ، لثقلها ... أو حذفت الفتحة التی هی نائبة عن الکسرة ؛ بسبب منع الصرف ، ثم حذفت الیاء ... ولا یخفی ما فی هذا من تکلف بغیر داع ، ولف ، وتعقید. والواجب أن نقول فی سبب الحذف فی «فواعل» وأشباهها ؛ (من کل صیغة لمنتهی الجموع ، آخرها یاء لازمة ، مکسور ما قبلها ، ولکنها تحذف کحذفها فی الجموع السابقة) ، «إنه استعمال العرب لیس غیر». فهم یحذفون تلک الیاء ؛ رفعا ، وجرا ، إذا وقعت آخر صیغة منتهی الجموع ، وما أشبهها - من غیر أن یفکروا فی قلیل أو کثیر مما نقلناه عن النحاة ، بل من غیر أن یعرفوا عنه شیئا. فلا علینا إن ترکنا ذلک المنقول ، واکتفینا بما ذکرناه ؛ مسایرة للعقل ، وتجنبا للوعر الذی لا خیر فیه. ومما یؤید رأینا - إن کان فی حاجة إلی تأیید - أن العرب یقولون أکرمت جواری ... ورأیت سواقی ؛ بظهور الفتحة علی الیاء. فلم توصف الفتحة فی مثل هذه الحالة بالخفة وتفوز بالبقاء؟ ولم توصف فی حالة الجرحین تکون نائبة عن الکسرة بالثقل وتحذف - فی الرأی المشهور - ثم تحذف الیاء؟ .. فکیف یقع هذا مع أن الحرف فی الحالتین واحد ، وکذلک حرکته وهی الفتحة ، وکذلک الحنجرة ، واللسان والفم ، وجهاز النطق والکلام؟ ثم انظر رقم 1 من هامش ص 173.
2- والتنوین فیهما تنوین «عوض» و «أمکنیة» معا ؛ لأنه عوض عن المحذوف ، ولأنهما معربان منصرفان - راجع حاشیة الخضری ، أول باب الممنوع من الصرف - وسیجیء فی الجزء الثالث (باب الإضافة م 94 ص 62) أن هذا الرأی أوضح وأدق من الرأی الآخر القائل : إنه للأمکنیة فقط ؛ بحجة - - وقوعه فی اسم معرب منصرف ، لا بد من وجوده فی آخره ، إلا إذا جاء بعده مضاف إلیه فیحذف التنوین ؛ لوجوب حذفه عند وجود المضاف إلیه ؛ فإذا حذف المضاف إلیه عاد ذلک التنوین للظهور مرة أخری بعد اختفائه» ؛ فهو لیس تنوینا جدید النوع ، وإنما هو تنوین «الأمکنیة» الذی یلحق - عند عدم المانع - آخر الأسماء المعربة المنصرفة کالتی هنا ؛ اختفی بسبب الإضافة ، فلما زال السبب رجع إلی مکانه ظاهرا کما کان. ویترتب علی هذا الرأی منع دخول «أل» التی للتعریف علی «کل» وبعض ، - لأن الأضافة ملحوظة - دون الرأی الآخر ، طبقا للبیان الذی فی الجزء الثالث.

قسمت المال بین المستحقین ؛ فأعطیت کلّا نصیبه ، أی : کل مستحق.

حضرت الضیوف فصافحت کلّا منهم. أی : کل ضیف.

تعجبنی الصحف الیومیة غیر بعض. أی : بعض الصحف.

اعتدل الجو أیام الشتاء إلا بعضا. أی : بعض أیام.

وأما حذف جملة ، أو أکثر ، ومجیء التنوین عوضا عنها فإنه یکثر بعد کلمة «إذ» (1) المضافة ، المسبوقة بکلمة «حین» أو «ساعة» وما أشبههما من ظروف الزمان التی تضاف إلی : «إذ». ویتضح من الأمثلة الآتیة :

جاء الصدیق ، وکنت (حین إذ جاء الصدیق) غائبا - جاء الصدیق وکنت «حینئذ» غائبا.

أکرمتنی ؛ فأثنیت علیک (حین إذ أکرمتنی) - أکرمتنی فأثنیت علیک «حینئذ».

سابقت ، وکان زملاؤک (ساعة إذ سابقت) یرجون لک الفوز - سابقت وکان زملاؤک «ساعتئذ» یرجون لک الفوز.

مشیت فی الحدیقة. وقطفت الزهر. وکنت (ساعة إذ مشیت) وقطفت قریبا منک ، أو : وکنت «ساعتئذ» قریبا منک.

سافر محمود فی القطار ، وجلس یقرأ الصحف. وتکلم مع جاره ، وکنت معه وقت «إذ سافر» ، وجلس یقرأ ویتکلم.

سافر محمود فی القطار ، وجلس یقرأ الصحف ، وتکلم مع جاره. وکنت معه «وقتئذ» ...

ومنه قوله تعالی : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها ، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها ، وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها ، یَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها)

فقد حذفت - فی الأمثلة السالفة جملة أو أکثر بعد : (إذ) مباشرة ،. وجاء التنوین عوضا عن المحذوف. ولما کانت الذال ساکنة ، وکذلک التنوین - حرکنا الذال

ص: 39


1- کما سیجیء فی ج 2 ص 222 م 79 باب الظرف وفی ج 3 ص 68 م 94 باب الإضافة.

بالکسر ؛ لیمکن النطق والتغلب علی اجتماع الساکنین ، ووصلنا کلمة : «إذ» فی الکتابة بما قبلها ، عملا بقواعد رسم الحروف (الإملاء).

مما سبق نعلم أن تنوین العوض هو : ما یجیء بدلا من حرف أصلی حذف ، أو من کلمة ، أو جملة ، أو أکثر ؛ لیحل محل المحذوف ، ویغنی عنه.

ومما یجب التنبه له أن هذا التنوین قسم مستقل ، أثره الخاص هو : «التعویض» فلا یدل بنفسه علی إعراب ولا بناء. ولهذا یدخل فی آخر الأسماء المتمکنة وغیر المتمکنة : أی : یدخل فی آخر الأسماء المعربة والمبنیة.

* * *

النوع الرابع : تنوین المقابلة

إن التنوین حین یلحق آخر الاسم یکون دلیلا علی أن ذلک الاسم قد تمّ ، واستکمل حروفه ، کما فی نحو : محمد مسافر ، أمین مهذب ، حلیم عالم.

لکن أین یذهب التنوین حین تجمع تلک الکلمات جمع مذکر سالما فنقول : المحمدون (1) مسافرون ، الأمینون مهذبون ، الحلیمون عالمون؟ لم لم یبق فی الجمع لیدل علی ما کان یدل علیه فی المفرد؟

یری النحاة أنه قد اختفی ، وحلت محله النون التی فی آخر الجمع. ولما کانت غیر موجودة إلا فی جمع المذکر السالم ، دون الجمع المختوم بالألف والتاء الزائدتین. (جمع المؤنث السالم وملحقاته) - وکلاهما جمع سلامة - کان من الإنصاف أن یزاد التنوین فی الثانی ، لیکون مقابلا للنون فی جمع المذکر السالم ، ویتم التعادل بین الاثنین من هذه الناحیة (2). ویسمونه لذلک ، تنوین المقابلة ؛ ویقولون فی تعریفه :

ص: 40


1- یلاحظ أن تثنیة العلم وجمعه مذکرا یزیلان علمیته ؛ فتجیء «أل» لتفیده التعریف - کما سنعرف فی رقم 3 من ص 118 -
2- ونری أن النون فی جمع المذکر السالم ، والتنوین فی جمع المؤنث السالم - لا سبب لهما إلا نطق العرب. وکل تعلیل یخالف هذا فمرفوض. ولو صح أن النون فی جمع المذکر السالم بدل التنوین فی مفرده ، لکان من الغریب وجودها فی جمع المذکر السالم الذی لا تنوین فی مفرده ؛ بسبب منعه من الصرف ؛ مثل : الأحمدین ، والعمرین ، والیزیدین ، والأفضلین ، وأشباهها ؛ فإن مفردها - وهو : أحمد ، وعمر ، ویزید ، وأفضل .. لا یدخله التنوین ؛ لأنه ممنوع من الصرف. ولکان من الغریب أیضا احتیاج جمع المؤنث إلی المقابل «وهو التنوین» مع أن مفرده یخلو فی کثیر من الأحوال من التنوین ؛ کفاطمة ، وزینب. علی عکس جمع المذکر السالم ؛ فإن مفرده یکثر فیه التنوین. هذا إلی اعتراضات وأنواع من التناقض سببها التعلیل السالف. ومن المستحسن تسمیته : «تنوین جمع المؤنث السالم» أو : الأخذ بالرأی الصائب ، الذی یری إدماج تنوین المقابلة. فی تنوین التمکین ، لأنه منه ، برغم مخالفة بعض النحاة فی ذلک. (راجع الجزء الأول من حاشیة الخضری فی تنوین المقابلة). هذا ، وقد ترکه «صاحب» المفصل ولم یذکره ، وإن کان شارحه قد عرض له).

إنه اللاحق لجمع المؤنث السالم ؛ لیکون فی مقابلة النون فی جمع المذکر السالم.

إلی هنا انته الکلام علی أنواع التنوین الخاصة بالاسم وحده.

وهناک أنواع أخری لیست من علاماته ؛ لأنها مشترکة بینه وبین الفعل ، والحرف ؛ فلا داعی لإثباتها هنا. ولا سیما إذا عرفنا أنها تکاد تکون مقصورة علی الشعر دون النثر. فموضوعها المناسب لها هو : «علم الشعر» المسمی : «علم العروض والقوافی».

ص: 41

زیادة وتفصیل

(ا) التنوین ساکن ، إلا إن جاء بعده حرف ساکن أیضا ؛ فیتحرک التنوین بالکسر (1) ، وقد یجوز تحریکه بالضم (2) ، مثل : «وقف خطیب استمعت خطبته (خطیبن استمعت خطبته) ، وصاح قائلا افهموا ، (قائلن افهموا). فقد وقعت السین ساکنة ، بعد التنوین ، وکذلک الفاء ؛ فتحرک التنوین بالکسر أو بالضم ، وکلاهما جائز ، والکسر أکثر إلا حین یکون بعد التنوین حرف ساکن بعده حرف مضموم لزوما (3) ؛ مثل : «أقبل عالم اخرج لاستقباله» - فالخاء الساکنة بعد التنوین ولیها حرف مضموم حتما ؛ فیکون الأحسن تحریک التنوین بالضم ، فتقول : «عالمن اخرج» ؛ لثقل الانتقال من الکسر إلی الضم فی النطق. ومثله : «هذه ورقة اکتب فیها». فالکاف الساکنة بعد التنوین جاء بعدها التاء المضمومة ، فکان من الأوفق تحریک التنوین بالضم ؛ لیکون الانتقال من الضم إلی الضم ، وهو أخف فی النطق من الانتقال من الکسر إلی الضمّ. تقول : «هذه ورقتن اکتب فیها». ومن العرب من یجیز حذف التنوین إذا ولیه ساکن. وهذا أسهل اللغات کلها ؛ فیقول : «وقف خطیب اسمع خطبته» ؛ وصاح «قائل افهموا» و «أقبل عالم اخرج لاستقباله» وحبذا الاقتصار علیه بشرط التنبه إلی أن الکلمات التی حذف منها لیست ممنوعة من الصرف (4).

وبهذه المناسبة نقول :

إن هناک مواضع یحذف فیها التنوین وجوبا ، منها :

1 - وجود «أل» ، فی صدر الکلمة المنونة ؛ مثل : جاء رجل ، بالتنوین من غیر «أل» ، وبحذفه وجوبا معها ؛ مثل : جاء الرجل.

2 - أن تضاف الکلمة المنونة ؛ مثل : جاء رجل المروءة.

ص: 42


1- لأن الأصل فی التخلص من التقاء الساکنین أن یکون بالکسر.
2- راجع شرح المفصل ج 9 ص 35 عند الکلام علی التنوین. وحاشیة الصبان أیضا عند الکلام علیه.
3- یشترط بعضهم فی هذا أن تکون ضمة الحرف أصلیة ؛ مثل : ضمة الراء فی مثل : «اخرج» لأنها ضمة لا تتغیر أبدا. بخلافها فی مثل : حضر رجل ابنیک یعرفه ، فضمة «النون» فی کلمة : «ابن» تتغیر بتغیر إعراب کلمة : «ابن». وفی هذه الحالة یکون الأحسن - وقیل یجب - التخلص من الساکنین بالکسر.
4- انظر «ح» من ص 48 فی الکلام علی التقاء الساکنین.

3 - أن تکون الکلمة المنونة شبیهة بالمضاف (1) ؛ مثل : لا مال لمحمود ، بشرط أن یکون الجار والمجرور صفة ؛ وخبر «لا» النافیة للجنس محذوفا. أی : لا مال لمحمود حاضر. فکأنک تقول : «لا مال محمود حاضر» فتفترض إضافة ملحوظة ، مقدرة ، لغرض یتصل بالمعنی المراد. وقد تفترض أن اللام زائدة ؛ کأنها غیر موجودة بین المضاف والمضاف إلیه وأن الکلام یحوی إضافة ظاهرة .. ومن المستحسن عدم الالتجاء لهذا ، قدر الاستطاعة.

أما إن کان الجار والمجرور هما الخبر فلیس هناک تنوین محذوف. وإنما فتحة بناء فی آخر کلمة : «مال» التی هی اسم «لا» النافیة للجنس.

4 - أن تکون الکلمة ممنوعة من الصرف ؛ مثل : اشتهر «سحبان» بالفصاحة لم أسمع «سحبان» ... ولکن قرأت خطب «سحبان» ...

5 - الوقف علی الکلمة المنونة فی حالة الرفع أو الجر. ومعنی الوقف انتهاء الکلام عند النطق بآخرها. مثل : هذا أمر عجیب - فکّرت فی أمر عجیب ... فإن کانت منصوبة فإن التنوین ینقلب ألفا فی اللغة المشهورة. مثل : شاهدت أمرا ، عند الوقوف علی کلمة : «أمرا» المنونة. وشاهدت أمرا «عجیبا» ؛ عند الوقوف علی کلمة : «عجیبا» المنونة.

6 - أن یکون الاسم المنون علما (2) ، مفردا ، موصوفا ، مباشرة - أی من غیر فاصل - بکلمة : «ابن» أو : «ابنة» وکلتاهما مفردة ، مضافة إلی علم آخر مفرد ، أو غیر مفرد. ولا بد أن تکون البنوة حقیقیة. ولا یشترط فی واحد من العلمین

ص: 43


1- المراد بالشبیه المضاف : اللفظ الذی اتصل به شیء یتمم معناه ویزید فائدته. وسیجیء بیانه فی باب : «لا» النافیة للجنس .....
2- سواء أکان اسما ، أم کنیة ، أم لقبا (وسیجیء تعریف الثلاثة فی باب العلم ص 276 م 23 کما سیجیء لهذه المسألة مناسبة أخری فی باب المنادی ج 4 ص 13 م 128). ویجوز أن یراعی فی حذف الهمزة أن تکون الأعلام جنسیة یکنی بها عن المجهول اسمه ، أو اسم أبیه ؛ مثل : فلان بن فلان ، أو الحارث بن هیمیّام الذی تخیله الحریری ، وأدار الحدیث علی لسانه فی کثیر من المقامات. وقد وقع الخلاف فی حذف التنوین وهمزة الوصل وألفها من : «ابن» و «ابنة» إذا کان العلم الأول (وهو الموصوف) کنیة ، أو کان العلم الثانی المضاف إلیه کنیة ؛ مثل : اشتهر بالعدل الخلیفة الثانی أبو حفص بن الخطاب ، ومن أولاده : عبد الله بن أبی حفص. فرأی فریق وجوب إثبات التنوین وهمزة الوصل والألف ، ویری آخرون صحة الحذف والإثبات. ویبدو أن الأفضل الحذف لتکون القاعدة عامة مطردة کما سنشیر لهذا فی باب المنادی ج 4 ص 13 م 128.

التذکیر. فمجموع الشروط سبع ؛ إذا تحققت مجتمعة حذف التنوین نطقا وکتابة ، وحذفت همزة الوصل وألفها من «ابن وابنة» کتابة ونطقا ، بشرط ألا تکون إحداهما أول السطر ، ولا خاضعة لضرورة شعریة تقضی بإثباتها ؛ فمثال الحذف : هذا محمد بن هاشم. وهذه هند (1) بنة محمود. وإن اختل شرط من الشروط السبعة لم یحذف التنوین ، ولا ألف «ابن وابنة».

ص: 44


1- قلنا «هند» لأنها علم مؤنث ؛ : یجوز تنوینه ، وعدم تنوینه. أما أکثر الأعلام المؤنثة الأخری فلا تنون مطلقا ؛ لأنها ممنوعة من الصرف.

المسألة 4 :الفعل

اشارة

، وأقسامه ، وعلامة کل قسم.

(ا) فهم الطالب. سافر الرحالة. رجع الغائب.

کل کلمة من الکلمات : «فهم» «سافر» «رجع» ، ... تدل بنفسها مباشرة (من غیر حاجة إلی کلمة أخری) ... علی أمرین.

أولهما : معنی ندرکه بالعقل ؛ وهو : الفهم ، أو : السفر ، أو الرجوع ، ویسمی : «الحدث» ،

وثانیهما : زمن حصل فیه ذلک المعنی (أی : ذلک الحدث) وانته قبل النطق بتلک الکلمة ؛ فهو زمن قد فات ، وانقضی قبل الکلام.

(ب) وإذا غیرنا صیغة تلک الکلمات فقلنا : «یفهم». «یسافر». «یرجع» ... دلت الکلمة فی صیغتها الجدیدة علی الأمرین أیضا ؛ المعنی (الحدث) والزمن. ولکن الزمن هنا لم یکن قد فات وانقضی ؛ وإنما هو زمن صالح للحال (1) ، والاستقبال.

(ح) وإذا غیرنا الصیغة مرة أخری فقلنا : «افهم» ، «سافر» ، «ارجع» ... دلت کل واحدة علی الأمرین ؛ المعنی (الحدث) وهو : طلب الفهم ، أو : طلب السفر ، أو : طلب الرجوع. والزمن الذی یتحقق فیه الطلب. والزمن هنا مقصور علی المستقبل وحده ؛ لأن الشیء الذی یطلبه إنسان من آخر لا یحصل ولا یقع إلا بعد الطلب وانتهاء الکلام ؛ أی : لا یقع إلا فی المستقبل ... فکل واحدة من تلک الکلمات وأشباهها تسمی : «فعلا». فالفعل :

کلمة تدل علی أمرین معا ؛ هما : معنی (أی : حدث) وزمن یقترن به (2)

ص: 45


1- الحال ، هو : الزمن الذی یحصل فیه الکلام ، والاستقبال هو : الزمن الذی یبدأ بعد انتهاء الکلام مباشرة. والماضی هو : الزمن الذی قبل الکلام.
2- دلالته علی الأمرین هو الأعم الأغلب ؛ لأن الفعل فی التعریفات العلمیة لا یدل علی زمان ؛ وإنما هو منسلخ عنه ، مجرد منه. ویری فریق من النحاة أن «کان» الناسخة لا تدل علی معنی (حدث) وإنما تقتصر دلالتها علی إفادة المضی وحده ، مخالفة أخواتها وأکثر الأفعال الأخری. ویخالفهم فریق آخر یری أنها تدل علی الأمرین : المعنی والزمن. وقد أشرنا إلی هذا الموضوع فی أول باب : «کان» وأخواتها ، - وأوضحنا أن الرأی الثانی هو السدید ؛ لأدلة کثیرة جاوزت العشرة ساقها - - أنصاره. وهناک بعض أفعال ماضیة ، ولکنها سلبت الدلالة علی الزمان الماضی بسبب استعمالها للحال فی الإنشاء ، وقیل لا تدل علی زمن مطلقا ؛ وإنما تدل علی المعنی المجرد المخصصة له ؛ مثل : «فعلی التعجب» فی أکثر أحوالهما - کما یجیء فی رقم 3 من هامش ص 49 وکما یجیء فی بابهما ج 3 ص 275 م 108 - فی هامش ص 278 و 293 - ومثل : «نعم» ، المستعملة فی إنشاء المدح ، و «بئس» المستعملة فی إنشاء الذم ، وسیجیء الإیضاح فی بابهما بالجزء الثالث (راجع حاشیة التصریح ج 1 باب «إن» ، عند الکلام علی : «لام الابتداء» ، وتاج العروس عند الکلام علی مادة کل من الفعلین ، والهمع).

وأقسامه ثلاثة (1) : ماض ، وهو : کلمة تدل علی مجموع أمرین ؛ معنی ، وزمن فات قبل النطق بها. ومن أمثلته قوله تعالی : (تَبارَکَ الَّذِی جَعَلَ فِی السَّماءِ بُرُوجاً ، وَجَعَلَ فِیها سِراجاً ؛ وَقَمَراً مُنِیراً).

ومضارع ، وهو : «کلمة تدل علی أمرین معا : معنی ، وزمن صالح للحال والاستقبال. کقوله تعالی : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ ، وَمَغْفِرَةٌ خَیْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ یَتْبَعُها أَذیً ،) ولا بد أن یکون مبدوءا بالهمزة ، أو النون ، أو التاء ، أو الیاء (2) ... وتسمّی هذه الأحرف : «أحرف المضارعة». وفتحها واجب ، إلا فی المضارع الرباعیّ فتضمّ ، وکذا فی : المضارع المبنی للمجهول. أما المضارع : «إخال» فالأفصح کسر همزته لا فتحها.

وأمر ، وهو : کلمة تدل بنفسها علی أمرین مجتمعین : معنی ، وهذا المعنی مطلوب تحقیقه فی زمن مستقبل : کقوله تعالی : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ،) ولا بد فی فعل الأمر أن یدل بنفسه مباشرة علی الطلب من غیر زیادة علی صیغته ؛ فمثل «لتخرج» ، لیس فعل أمر ؛ بل هو فعل مضارع ، مع أنه یدل علی طلب شیء لیحصل فی المستقبل ؛ لأن الدلالة علی الطلب جاءت من لام الأمر التی فی أوله ، لا من صیغة الفعل نفسها (3).

وقد اجتمعت الأفعال الثلاثة فی قوله تعالی : (وَلا تُطِعِ الْکافِرِینَ وَالْمُنافِقِینَ ،

ص: 46


1- وسیجیء فی ص 49 وما بعدها بیان الأزمنة المختلفة التی یدل علیها الفعل الماضی ، ثم المضارع ، ثم الأمر ، مع ملاحظة أن لکل نوع من الأفعال زمنا خاصا یشتهر به ، ویغلب علیه. لکنه قد یترکه إلی زمن آخر - کما سنعرف - ومما تجب ملاحظته أیضا : أن الفعل والجملة بنوعیها الاسمیة ، والفعلیة ، فی حکم النکرة طبقا للبیان الوارد فی رقم 1 من هامش 192.
2- یجب أن یکون المضارع مبدوءا بالهمزة للدلالة علی التکلم ، وأن المتکلم فرد واحد ؛ نحو : إنی أتخیر ما أتکلمه وما أقرؤه. ویجب أن یکون مبدوءا بالنون للدلالة علی التکلم ، وأن المتکلم فرد واحد یعظم نفسه ، أو أنه فرد واحد معه غیره ؛ مثل : عند الزیارة نحسن استقبالک ، ونکرم ضیافتک. ویجب أن یکون مبدوءا بالتاء لمخاطبة المفرد المذکر ، أو للتحدث عن المفردة الغائبة ؛ نحو : أنت تتقن عملک ، وهی تتقن عملها. ویجب أن یکون مبدوءا بالیاء للمفرد ، المذکر الغائب ، نحو : الشجاع یقول الحق لا یخاف شیئا. وإذا کان المضارع مبدوءا بالهمزة أو النون أو التاء ففاعله ضمیر مستتر وجوبا طبقا للبیان الآتی فی ص 206.
3- کما سیجیء فی ص 60.

وَدَعْ أَذاهُمْ ، وَتَوَکَّلْ عَلَی اللهِ ، وَکَفی بِاللهِ وَکِیلاً ،) وقول الشاعر :

أحسن إلی الناس تستعبد قلوبهمو

فطالما استعبد الإنسان إحسان

ولکل قسم من هذه الثلاثة علامات خاصة تمیزه من غیره ؛ فعلامة الماضی : أن یقبل فی آخره إحدی التاءین ؛ «تاء التأنیث الساکنة» (1) مثل : أقبلت سعاد. وصافحت أباها ، أو : «التاء المتحرکة» التی تکون فاعلا ؛ مثل : کلمتک کلاما فرحت به ، (وتکون مبنیة علی الضم للمتکلم ، وعلی الفتح للمخاطب المذکر ، وعلی الکسر للمخاطبة).

ولیس من اللازم أن تکون إحدی التاءین ظاهرة فی آخر الفعل الماضی ؛ بل یکفی أن یکون صالحا لقبولها ، وإن لم تظهر فعلا. مثل : أقبل الطائر ؛ فنزل فوق الشجرة ؛ فکلمة : «أقبل» و «نزل» فعل ماض ، لأنه - مع خلوه من إحدی التاءین - صالح لقبول واحدة منهما : فتقول : أقبلت ... نزلت ... فإن دلت الکلمة علی ما یدل علیه الفعل الماضی ولکنها لم تقبل علامته فلیست بفعل ماض ، وإنما هی : «اسم فعل ماض» (2). مثل : هیهات انتصار الباطل ، بمعنی : بعد جدّا ... ومثل : شتّان المنصف والباغی ؛ بمعنی : افترقا جدّا. أو : هی اسم مشتق بمعنی الماضی ؛ مثل : أنت مکرم أمس ضیفک.

ومما تقدم نعلم أن کلمتی : «نعم» (وهی : کلمة للمدح) «وبئس» (وهی : کلمة للذم) فعلان ماضیان (3) ؛ لقبولهما تاء التأنیث الساکنة ؛ تقول : نعمت شهادة الحق ، وبئست شهادة الزور ، کما نعرف أن «لیس» و «عسی» فعلان ماضیان ؛ لقبولهما التاءین.

ص: 47


1- المنسوب معناها إلی الفاعل ؛ احتراز من تاء التأنیث التی لا تدل علی الفاعل ولا تنسب إلیه ، کالتی تتصل ببعض الحروف مثل : ربت ، وثیمت فی تأنیث الحرفین «رب» الجارة «وثم» العاطفة وغیرهما. - انظر الصفحة الآتیة -
2- اسم الفعل : اسم یقوم مقام الفعل فی المعنی ، والزمن ، والعمل. ولکنه لا یقبل علامة الفعل الذی یقوم مقامه ، ولا یتأثر بالعوامل. ولذا لا یسمی : فعلا ؛ لأن الفعل قد یتأثر بعوامل النصب والجزم ، وهناک أسماء تقوم مقام الفعل ، ولکنها تتأثر بالعوامل ؛ فلا تسمی : اسم فعل ، کالمصدر النائب عن التلفظ بفعله ، وکاسم الفاعل العامل ... واسم الفعل ثلاثة أقسام ؛ اسم فعل ماض ، واسم فعل مضارع ، واسم فعل أمر ... ولکل منها أحکام خاصة تضمنها الباب المنعقد لذلک فی الجزء الرابع ولها هنا إشارة فی رقم 6 من ص 73 -
3- بحسب الأصل والمظهر ثم خرجا من المضیّ إلی إنشاء المدح والذم.

زیادة وتفصیل

(ا) تاء التأنیث التی تلحق الفعل للدلالة علی أن فاعله مؤنث إن کانت ساکنة لحقت بآخر الماضی ، وإن کانت متحرکة اتصلت بأول المضارع ، مثل : هند تصلی وتشکر ربها. أما تاء التأنیث التی تلحق الأسماء فتکون متحرکة ؛ مثل : الکلمة الطیبة کالشجرة الطیبة. عظیمة النفع. وقد تتصل التاء بآخر الحروف ؛ مثل ، (ربّ ، وثمّ ، ولا ...) تقول : ربّت (1) کلمة فتحت باب شقاق ، ثمّت جلبت لصاحبها بلاء ؛ فیندم ولات حین ندم.

(ب) هناک أفعال ماضیة لا تقبل إحدی التاءین بحسب استعمالاتها الحالیة ، لا بحسب حالتها التی قبل هذا ؛ مثل : «أفعل» للتعجب ، و «حبذا» (2) للمدح. ومثل : (عدا ، وخلا ، وحاشا) ، من أفعال الاستثناء. والسبب أن تلک الأفعال حین استعمالها فی الموضوعات المذکورة تصیر أفعالا جامدة ، تلازم حالة واحدة لا تتغیر ؛ کالأمثال العربیة التی تلازم حالة واحدة ، لا یطرأ علی حروفها تغییر بالزیادة ، أو النقص ، أو تغییر الضبط ؛ لهذا لا یمکن زیادة التاء فی آخرها ما دامت تؤدی هذه المعانی ، ولکنها بحسب أصلها السابق علی هذا تقبل التاء.

(ح) یقول النحاة : إن تاء التأنیث الساکنة تظل ساکنة إذا ولیها متحرک ، مثل : حضرت زینب. فإن جاء بعدها ساکن کسرت - غالبا - مراعاة للأصل فی التخلص من التقاء الساکنین ؛ مثل : کتبت البنت المتعلمة. إلا إذا کان الساکن ألف اثنتین فتفتح. مثل : البنتان قالتا إنا فی الحدیقة.

هذا ، وقد عرفنا - فی ص 42 - حکم التنوین إذا جاء بعده حرف ساکن. وبقی حکم عام ؛ هو أن کل حرف ساکن صحیح فی آخر الکلمة فإنه یحرک بالکسر إذا جاء بعده - مباشرة - ساکن آخر ؛ نحو : خذ العفو ، ولا تظلم الناس. إلا فی موضعین ، أحدهما : أن تکون الکلمة الأولی هی : «من» والثانیة : «أل» فإن الساکن الأول یحرک بالفتح ؛ مثل : أنفق من المال الحلال.

ص: 48


1- اللغة الشائعة تحرک تاء التأنیث بالفتحة عند اتصالها بآخر «رب» و «ثم» ، ویجوز التسکین عند اتصالها بهما ، أما عند اتصالها بالحرفین : «لات» و «لعل» فلا یجوز فیها إلا الفتح.
2- الفعل الماضی هو : «حب» فقط. أما کلمة : «ذا» فهی فاعله.

والآخر : أن تکون الکلمة الأولی منتهیة بمیم الجمع ؛ فإنه یحرک بالضم ؛ مثل : لکم الخیر.

فإن کان آخر الکلمة الأولی حرف مدّ (1) ، أو واو جماعة ، أو یاء مخاطبة ، حذف نطقا. لا کتابة ؛ للتخلص من التقاء الساکنین ؛ مثل : نحن عرفنا العلوم النافعة - الطلاب سألوا المولی أن یوفقهم - اسألی المولی الهدایة.

ویجوز تلاقی الساکنین فی الوقف ، وعند سرد بعض الألفاظ ، نحو : کاف - لام - جیم - (راجع هذا بمناسبة أخری فی ج 4 عند الکلام علی ما تختص به نون التوکید) ، أما فی غیرهما فیجوز بشرطین :

أحدهما : أن یکون الساکن الأول حرف مدّ (2) ، یلیه حرف مدغم فی نظیره ، (أی : حرف مشدد).

والآخر : أن یکونا فی کلمة واحدة. مثل عامة ، خاصة ، الضّالین ، الصّادون عن الخیر. وهذا متفق علیه. ویری آخرون أن مثله ما هو فی حکم الکلمة الواحدة. علی الوجه المشروح فی مکانه. المناسب من ج 4 ص 139 م 143 باب : نون التوکید. وللمسألة بقیة هامة فی «ح» من ص 88 و 162 و 255.

(د) عرفنا (3) أن کل فعل لا بد أن یدل - فی الغالب - علی شیئین ؛ معنی «حدث» وزمن. فالماضی له أربع حالات من ناحیة الزمن (4) :

الأولی : (وهی الأصل الغالب) أن یتعین معناه فی زمن فات وانقضی - أی : قبل الکلام - سواء أکان انقضاؤه قریبا من وقت الکلام أم بعیدا. وهذا هو الماضی لفظا ومعنی. ولکن إذا سبقته : «قد» (5) - وهی لا تسبقه إلا فی الکلام

ص: 49


1- أی : حرف علة ، قبله حرکة تناسبه.
2- فی ص 45 و 46.
3- وقد عرفنا بیانا هاما - فی رقم 2 من هامش ص 45 - مؤداه : أن بعض الأفعال الماضیة لا یدل علی زمن ؛ مثل : «نعم وبئس» وأخواتهما عند قصد المدح والذم. ومثل : «أفعل» فی التعجب إذا لم تتوسط «کان» الزائدة بینه وبین «ما» التعجبیة ، نحو : ما أنفع نهر النیل. فالفعل : «أنفع» متجرد لإنشاء المدح بغیر دلالة علی المضی إلا أن جاءت قبله «کان» الزائدة ، نحو : ما کان أنفع النیل - کما سیجیء فی مبحث زیادة «کان» م 44
4- وقد عرفنا بیانا هاما - فی رقم 2 من هامش ص 45 - مؤداه : أن بعض الأفعال الماضیة لا یدل علی زمن ؛ مثل : «نعم وبئس» وأخواتهما عند قصد المدح والذم. ومثل : «أفعل» فی التعجب إذا لم تتوسط «کان» الزائدة بینه وبین «ما» التعجبیة ، نحو : ما أنفع نهر النیل. فالفعل : «أنفع» متجرد لإنشاء المدح بغیر دلالة علی المضی إلا أن جاءت قبله «کان» الزائدة ، نحو : ما کان أنفع النیل - کما سیجیء فی مبحث زیادة «کان» م 44
5- «قد» الحرفیة بجمیع أنواعها إذا دخلت علی فعل لم یصح أن یتقدم علیها شیء من معمولاته - (راجع الخضری ج 1 ص 112 باب «کان» ، عند بیت ابن مالک : * وغیر ماض مثله قد عملا* ...) وبهذه المناسبة نقول جاء فی المغنی والقاموس معا ما نصه المشترک بینهما : «قد» الحرفیة مختصة بالفعل المتصرف ، الخبری ، المثبت ، المجرد من ناصب ، وجازم ، وحرف تنفیس ، وهی مع الفعل کالجزء ؛ فلا تفصل - - منه بفاصل ، اللهم إلا بالقسم و...)» اه. ولکن رأیهما فی اشتراط الإثبات مدفوع فی المضارع المنفیّ ، بالسماع المتعدد الصحیح الوارد عن الفصحاء الذین یستشهد بکلامهم ، ومن هذا المثل العربی الوارد فی کتاب لسان العرب فی مادة «ذام» ونصه :

المثبت - دلت علی أن انقضاء زمنه قریب من الحال ؛ فمثل : «خرج الصاحبان» یحتمل الماضی القریب والبعید ، بخلاف : «قد خرج الصاحبان ؛ فإن ذلک الاحتمال یمتنع ، ویصیر زمن الماضی قریبا من الحال ؛ بسبب وجود : قد ، وإذا وجدت قبله «ما» النافیة کان معناه منفیا ، وکان زمنه قریبا من الحال ؛ کأن یقول قائل : قد سافر علیّ ، فتجیب : ما سافر علیّ ؛ فکلمة : «قد» أفادته فی الجملة الأولی المثبتة قربا من الزمن الحالی ، وجاءت کلمة : «ما» النافیة فنفت المعنی ، وأفادته القرب من الزمن الحالیّ أیضا ، ولا سیما مع القرینة الحالیة السابقة (1). وکذلک یکون زمنه ماضیا قریبا من الحال إذا کان فعلا ماضیا من أفعال «المقاربة» ؛ (مثل : «کاد») فإن زمنه ماض قریب من الحال ؛ بل شدید القرب من الحال ، لیسایر المعنی المراد - کما سیجیء فی باب أفعال المقاربة -.

الثانیة : أن یتعین معناه فی زمن الحال (أی : وقت الکلام). وذلک إذا قصد به الإنشاء ؛ فیکون ماضی اللفظ دون المعنی ؛ مثل : بعت. واشتریت. ووهبت ، وغیرها من ألفاظ العقود التی یراد بکل لفظ منها إحداث معنی فی الحال. یقارنه فی الوجود الزمنی ، ویحصل معه فی وقت واحد. أو کان من الأفعال الدالة علی «الشروع». مثل : «طفق وشرع» وغیرهما مما سیجیء الکلام علیه فی باب : «أفعال المقاربة»

ص: 50


1- جاء فی شرح المفصل ج 8 ص 107 ما ملخصه عن کلمة : «ما» النافیة : إنها لنفی الحال ، فإذا قیل عن شخص : هو یفعل الآن کذا - وزمان المضارع هنا : الحال - وأردت أن تنفیه ، قلت : ما یفعل. فقد سلبت معنی الفعل فی الزمن الحالی ونفیته. ولو کان الفعل ماضیا قریبا من الحال بسبب وجود : «قد» قبله - وهی مما یقرب زمنه للحال ، کما عرفنا ، وأردنا نفیه ، أتینا بکلمة : «ما» النافیة ، نحو : ما سافر محمد ، لأنها تقرب زمن الماضی المنفی. من الزمن الحالی ... ثم قال : (ما محمد منطلق) هو نفی لجملة مثبتة هی : (محمد منطلق) إذا أرید بها الحال ، وإن شئت أعملت علی لغة أهل الحجاز ؛ فقلت : ما محمد منطلقا. - وستجیء إشارة لهذا فی أول م 48 -

الثالثة : أن یتعین معناه فی زمن مستقبل (أی : بعد الکلام) ؛ فیکون ماضی اللفظ دون المعنی - کالذی سبق - وذلک إن اقتضی طلبا ؛ نحو : ساعدک الله ، ورفعک الله مکانا علیّا ، وأمثال هذا من عبارات الدعاء.

ومما یفید الطلب : عزمت علیک إلا سافرت ، أو : عزمت علیک لمّا (1) سافرت ؛ بمعنی : أقسمت علیک ترک کل شیء إلا السفر فی المستقبل.

أو تضمن وعدا ؛ مثل : (إِنَّا أَعْطَیْناکَ الْکَوْثَرَ). فالإعطاء سیکون فی المستقبل ؛ لأن الکوثر فی الجنة ، ولم یجیء وقت دخولها.

أو عطف علی ما علم استقباله ، مثل قوله تعالی : (یَقْدُمُ قَوْمَهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) ، وقوله تعالی : (یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِی السَّماواتِ ...)

أو تضمن رجاء یقع فی المستقبل ، مثل : خ خ عسی وأخواتها من أفعال الرجاء الآتیة فی باب : خ خ أفعال المقاربة ، نحو : «عسی الله أن یأتی بالفتح ...».

أو یکون قبله نفی بکلمة : «لا» المسبوقة بقسم ، مثل : والله لا زرت الخائن ، ولا أکرمت الأثیم.

أو یکون قبله نفی بکلمة «إن» المسبوقة بقسم ، مثل قوله تعالی : (خ خ إِنَّ اللهَ یُمْسِکُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا ، وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَکَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ.) «أی : ما یمسکهما!» (2) ...

أو یکون فعل شرط جازم ، أو جوابه ؛ مثل : إن غاب علی غاب محمود ، لأن جمیع أدوات الشرط الجازمة تجعل زمن الماضی الواقع فعل شرط أو جواب شرط مستقبلا خالصا .... فالفعل الماضی فی کل الحالات السالفة ماضی اللفظ دون المعنی.

الرابعة : أن یصلح معناه لزمن یحتمل المضی والاستقبال ، ویتعین لأحدهما بقرینة وذلک إذا وقع بعد همزة التسویة ؛ نحو : سواء علیّ أقمت أم قعدت.

ص: 51


1- بمعنی : إلا.
2- «إن» الأولی ، شرطیة ، والثانیة «نافیة» داخلة علی جواب القسم الذی تدل علیه اللام الداخلة علی «إن» الأولی الشرطیة. أما جواب الشرط فمحذوف وجوبا ؛ عملا بقاعدة حذفه عند اجتماع القسم والشرط المتأخر عنه ؛ إذ یکون الجواب - غالبا - للمتقدم منهما. أما المتأخر فجوابه محذوف یدل علیه المذکور.

فهو یحتمل أنک ترید ما وقع فعلا من قیام أو قعود فی زمن فات ، أو ما سیقع فی المستقبل.

ولا فرق فی التسویة بین أن توجد معها «أم» التی للمعادلة ، کما مثل ، وألا توجد ؛ مثل : سواء علیّ أیّ وقت جئتنی. فإن کان الفعل بعد «أم» المعادلة مضارعا مقرونا «بلم» تعین الزمن للمضی بسببها ؛ مثل : سواء علیهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ؛ لأن الثانی ماض معنی ؛ فوجب أن یکون الأول ماضی الزمن کذلک ؛ لأنه معادل له. أو وقع بعد أداة تحضیض ؛ مثل : هلّا ساعدت المحتاج. فإن أردت التوبیخ کان للمضی ، وإن أردت الحث علی المساعدة کان للمستقبل.

أو بعد : «کلّما» ، نحو قوله تعالی : (کُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها کَذَّبُوهُ) فهذا للمضی ؛ لوجود قرینة تدل علی ذلک ، وهی الأخبار القاطعة بحصوله. وقوله تعالی عن أهل النار : (کُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَیْرَها ؛ لِیَذُوقُوا الْعَذابَ). فهذا للمستقبل ؛ لقرینة تدل علی ذلک ؛ وهی أن یوم القیامة لم یجیء.

أو بعد حیث ، نحو : ادخل الهرم من حیث دخل بانیه. فهذا للمضی ؛ لأن الاستقبال یناقض صحة المعنی ؛ إذ لا یعقل أن یدخل بانیه فی المستقبل وقد مات منذ آلاف السنین ... بخلاف : حیث سرت راقب الطریق لتأمن الخطر ؛ فهو للمستقبل.

أو وقع صلة ؛ مثل : الذی أسس القاهرة هو : المعز لدین الله ؛ فهذا للمضی. بخلاف : سیفرح الطلاب عقب ظهور النیتجة غدا بنجاحهم إلا الذی رسب. فهذا للاستقبال لوجود کلمة : «غدا».

أو وقع صفة لنکرة عامة ، نحو : رب عطاء بذلته للمحتاج فانشرحت نفسی. فهذا للمضی ، - لوجود : ربّ (1) - بخلاف قوله علیه السّلام : «نضّر الله امرأ سمع مقالتی فوعاها. فأدّاها کما سمعها». فهذا للاستقبال أی : یسمع ؛ لأنه ترغیب لمن أدرک الرسول فی أن یحفظ ما یسمعه منه ویؤدیه ...

«ملاحظة» : قد یراد من الزمن فی الفعل : «کان» الدوام والاستمرار الذی یعم الأزمنة الثلاثة ، بشرط وجود قرینة تدل علی هذا الشمول ؛ نحو : کان الله غفورا رحیما (2) ...

هذا تفصیل حالات الزمن فی الفعل الماضی.

ص: 52


1- لأن الأغلب دخولها علی الماضی (انظر رقم 1 من هامش ص 58).
2- سیجیء إشارة لهذا فی باب «کان».

وأما علامات المضارع فمنها : أن ینصب بناصب ، أو یجزم بجازم ، مثل : لم أقصّر فی أداء الواجب ... ولن أتأخر عن معاونة البائس.

ومنها : قبوله «السین» ، أو : «سوف» (1) فی أوله ، مثل : سأزورک ، أو : سوف أزورک .. و.. (2) ، ومثل قول الشاعر :

سیکثر المال یوما بعد قلّته

ویکتسی العود بعد الیبس بالورق

فإن دلت الکلمة علی ما یدل علیه الفعل المضارع ولکنها لم تقبل علامته فلیست بمضارع ؛ وإنما هی : خ خ اسم فعل مضارع ؛ مثل : «آه» ، بمعنی : أتوجع شدة الوجع ، «وأف» بمعنی : أتضجر کثیرا. و «ویک» ماذا تفعل؟ بمعنی أعجب لک کثیرا!! ماذا تفعل؟ أو : هی اسم مشتق بمعنی المضارع ؛ مثل الطائرة مسافرة الآن أو غدا.

ص: 53


1- من علامات المضارع المثبت قبوله «السین» أو «سوف» وإذا اتصلت به إحداهما خلصته للزمن المستقبل فقط. ویمتنع أن یسبقهما نفی. وبینهما فروق سردناها فی الحالة الثالثة الآتیة للمضارع (فی الزیادة والتفصیل ص 55).
2- ومنها علامتان مشترکتان بینه وبین الفعل الأمر ؛ هما : یاء المخاطبة ونون التوکید. وسیجیء ذکرهما فی ص 60.

زیادة وتفصیل

(ا) للمضارع من ناحیة الزمن أربع حالات ؛ لا تتعین حالة منها إلا بشرط ألا تعارضها قرینة تعینها لحالة أخری.

الأولی : أن یصلح للحال والاستقبال إذا لم توجد قرینة تقیده بأحدهما. وتقصره علیه. وحین یصلح للحال والاستقبال یکون اعتباره للحال أرجح ؛ لأن الزمن الماضی له صیغة خاصة تدل علیه ، وللمستقبل صیغة خاصة أیضا ، (هی : الأمر) ، ولیس للحال صیغة تخصّه ، فجعلت دلالته علی الحال أرجح ، عند تجرده من القرائن ؛ جبرا لما فاته من الاختصاص بصیغة مقصورة علیه (کما یقولون). هذا إلی أن اللفظ إن کان صالحا للزمن الأقرب والزمن الأبعد ؛ فالأقرب أولی ، والحال أقرب من المستقبل ؛ فهو أحقّ بالاتجاه إلیه.

فإن کان المضارع من أفعال المقاربة ، مثل : «یکاد» فإنه یکون للزمن المستقبل ، مع شدة قربه من الحال.

الثانیة : أن یتعین زمنه للحال ، وذلک إذا اقترن بکلمة تفید ذلک ؛ مثل : کلمة : الآن ، أو : الساعة ، أو : حالا ، أو : آنفا (1).

أو : وقع خبرا لفعل من أفعال الشروع ؛ مثل : «طفق» ، و «شرع» ، وأخواتهما (2) ؛ لیسایر زمنه معناها.

أو : نفی بالفعل : «لیس» (3) أو بما یشبهها فی المعنی والعمل ؛ مثل الحرف : خ خ إن أو : خ خ ما (4) ... فکل واحد من هذه العوامل التی تعمل عملها یشبهها أیضا فی نفی الزمن الحالی عند الإطلاق (5) ...

ص: 54


1- «آنفا» کلمة عدها النحاة من الألفاظ التی تجعل المضارع للحال ، باعتبار أنها تدل علی أقرب زمن سابق یتصل بالحال ، فکأنها للحال نفسه.
2- ستجیء هذه الأفعال فی باب الأفعال المقاربة».
3- (راجع تفصیل الکلام علیها فی النواسخ ، أخوات کان).
4- راجع هامش ص 50 حیث الإیضاح للحرف «ما».
5- أی : عند عدم وجود قرینة تدل علی أن الزمن ماض أو مستقبل.

مثل : لیس یقوم محمد (1) - ، إن یخرج حلیم - ما یقوم علیّ - أو دخل علیه لام ابتداء ، مثل : إنّ الرجل الحقّ لیحسن عمله.

أو : وقع مع مرفوعه فی موضع نصب علی الحال - فیکون زمنه حالا بالنسبة لزمن عامله ، فی الغالب - ، مثل : أقبل الأخ یضحک. وإذا دخلت «ما المصدریة الظرفیة» علی المضارع کان زمن المصدر (2) المؤول للحال فی الغالب. الثالثة : أن یتعین زمنه للاستقبال ؛ وذلک إذا اقترن بظرف من ظروف المستقبل ؛ مثل «إذا ...» ، سواء أکان الظرف معمولا للمضارع ، أم کان المضارع معمولا للظرف - بأن یکون الظرف مضافا ، والجملة من الفعل المضارع وفاعله هی المضاف إلیه فی محل جر - ؛ مثل : أزورک إذا تزورنی ؛ فالفعلان المضارعان هنا للمستقبل ، والأول منهما هو العامل الذی عمل النصب فی الظرف.

«إذا» (3) و «إذا» مضاف ، وجملة المضارع مع فاعله بعدها فی محل جر مضاف إلیه ، فیکون المضارع الثانی مع فاعله معمولا للظرف. وکذلک یتعین للمستقبل إذا کان مسندا إلی شیء متوقع حصوله فی المستقبل ، مثل : یدخل الشهداء الجنة مع السابقین ؛ إذ لا یعقل أن یکون زمن المضارع للحال ، ومعناه - وهو دخول الجنة - فی المستقبل ؛ لما یترتب علیه من سبق الفعل للفاعل فی الوجود والوقوع ، وهو محال.

أو : سبقته : «هل» (4) ، نحو : هل تقاطع مجالس السوء؟

وکذلک إذا اقتضی طلبا ؛ سواء أکان الطلب یفهم منه وحده ، أم کان بمساعدة أداة أخری ؛ فالأول کقوله تعالی : (وَالْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ). فالله یطلب من الوالدات إرضاع أولادهن ، وهذا لا یکون إلا فی المستقبل ، ومثال الثانی قوله تعالی : (لِیُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) ، وقوله : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا ..) ، فإن طلب الإنفاق فی : «لینفق» وطلب عدم «المؤاخذة» فی : «لا تؤاخذنا» ، مفهوم من المضارع ، بمساعدة «اللام» و «لا». وزمن المعنی فی الفعلین هو المستقبل. إذ لا یمکن تحقیق ما تطلبه من غیرک وإنفاذه إلا فی المستقبل.

ص: 55


1- راجع ص 231 حیث الکلام علی مثل هذا الأسلوب.
2- سیجیء بیان لهذا فی آخر باب الموصول عند الکلام علی الموصول الحرفی وصلته وسبک المصدر ص ... م 29.
3- «إذا» هنا ظرفیة محضة ولا تدل علی الشرط ، لأن الظرفیة الشرطیة لها الصدارة فی جملتها حتما ؛ فلا تقع حشوا.
4- راجع حاشیتی الخضری والصبان فی آخر باب : «ظن وأخواتها» عند الکلام علی : «القول» وکذا : «المغنی» فی مبحث «هل».

أو : اقتضی وعدا أو وعیدا ، کقوله تعالی : (یُعَذِّبُ مَنْ یَشاءُ ، وَیَغْفِرُ لِمَنْ یَشاءُ) - لما سبق - ، وقول الشاعر :

من یشعل الحرب لا یأمن عواقبها

قد تحرق النار یوما موقد النار

أو : صحب أداة توکید ؛ مثل : «نون التوکید» الخفیفة أو الثقیلة ؛ لأن التوکید یلیق بما لم یحصل ، ویناسب ما لم یقع ؛ نحو : أتکرمن صدیقک؟ وهل تساعدنّ البائس؟

أو : لام القسم عند فریق من النحاة ؛ لأنها فی معنی التوکید ؛ مثل : «والله لعلی عملک تحاسب». ومثلها : «لا» النافیة غیر العاملة عمل : «لیس» عند ذلک الفریق ؛ مثل : لا أترک الصدیق فی مواقف الشدة (1).

ویفهم من کل ما سبق أن الجوازم جمیعها - ما عدا «لم ، ولما» - - تخلصه للاستقبال

أو : أداة رجاء ؛ مثل : لعل الغائب یحضر. أو : أداة شرط وجزاء ، سواء أکانت جازمة ؛ نحو قوله تعالی : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ یَنْصُرْکُمْ ....) أم غیر جازمة ، ومنها «لو» (2) و «کیف» الشّرطیتان (3) ، مثل : ولو یؤاخذ الله الناس بظلمهم لأسرع فی إهلاکهم. ومثل : کیف تصنع أصنع.

أو : «حرف نصب» سواء أکان ظاهرا أم مقدرا. وقد اجتمعا فی قوله تعالی : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّی تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ).

أو : «حرف تنفیس» ، وهو : «السین» و «سوف» ، وکلاهما لا یدخل إلا علی المضارع المثبت ، ویفیده التنفیس ؛ أی : تخلیص المضارع المثبت من الزمن الضیق ، وهو : خ خ زمن الحال ؛ - لأنه محدود - ، إلی الزمن

ص: 56


1- جاء فی «المغنی» والهمع» أن «لا» النافیة ، غیر العاملة عمل «لیس» - تخلص المضارع للاستقبال إذا سبقته. خلافا لابن مالک ومن معه ، وهو یؤید رأیه بإجماع النحاة علی صحة نحو : «جاء محمد : لا یتکلم» مع إجماعهم أیضا علی أن الجملة الحالیة لا تصدر بعلامة استقبال. ونقول : إن الرأی الأنسب أنها تخلصه للاستقبال عند عدم القرینة التی تمنع. وقد أشرنا لهذا فی رقم 5 من هامش ص 311 م 84 ج 2 باب الحال). أما العاملة عمل «لیس» فالکلام علیها فی الصفحة السابقة.
2- التی بمعنی «إن» الشرطیة. ومثلها : «لو» المصدریة التی بمعنی : «أن» المصدریة ، وتسبک مع الجملة المضارعیة بعدها بمصدر ، ولکن لیس لها عملها فی نصب المضارع ؛ مثل : دلو یسود السلم.
3- «وإذا» الشرطیة أیضا.

الواسع غیر المحدود ، وهو : خ خ الاستقبال ، وهما فی هذا سواء ، وردا معا فی معنی واحد ، کقوله تعالی : (کَلَّا سَیَعْلَمُونَ ثُمَّ کَلَّا سَیَعْلَمُونَ) ، وقول الشاعر :

وإنّا سوف نقهر من یعادی

بحدّ البیض تلتهب التهابا

وقول الآخر :

وما حالة إلا سیصرف حالها

إلی حالة أخری ، وسوف تزول

إلا أن «سوف» تستعمل أحیانا أکثر من «السین» حین یکون الزمن المستقبل أوسع امتدادا ؛ فتکون دالة علی : «التّسویف» ثم هی تختص بقبول اللام : کقوله تعالی : (وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضی) ، کما تختص بجواز الفصل بینها وبین المضارع الذی تدخل علیه بفعل آخر من أفعال الإلغاء ؛ نحو :

وما أدری ، وسوف - إخال - أدری

أقوم آل حصن أم نساء

والأمران ممتنعان فی «السین» لدی جمهرة النحاة (1) ...

کما أن «السین» تختص بمعنی لا تؤدیه «سوف» ، فالعرب إذا أرادت تکرار الفعل وتأکیده وعدم التنفیس فیه (أی : عدم جعله للمستقبل البعید) أدخلت علیه السین (2) ، ومنه قول الشاعر :

سأشکر عمرا ما تراخت منیتی

أیادی لم تمنن وإن هی جلّت

الرابعة : أن ینصرف زمنه للمضی ؛ وذلک إذا سبقته «لم» (3) ، أو : «لما».

الجازمتین. مثل : قوله تعالی عن نفسه : (لَمْ یَلِدْ ، وَلَمْ یُولَدْ ، وَلَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُواً أَحَدٌ ،) وقول الشاعر :

لم یمت من له أثر

وحیاة من السیر

فزمن المضارع هنا ماض. ومثل : لما یحضر ضیفنا. أما فی مثل :

إذا أنت لم تحم القدیم بحادث

من المجد لم ینفعک ما کان من قبل

فزمن المضارعین هنا ماض ، بسبب وقوعهما بعد «لم» قبل مجیء «إذا» الشرطیّة ، ثم صار مستقبلا محضا بعد مجیئها - طبقا لما سلف (4) -.

ص: 57


1- راجع الجزء الثانی من الهمع ص 72 فی الکلام علیهما.
2- راجع ص 87 ج 3 من رغبة الآمل ، شرح الکامل. للمرصفی. والشاعر هو : عبد الله بن الزبیر.
3- یشترط فی «لم» ، التی تصرف زمنه للماضی ألا تکون مسبوقة بإحدی الأدوات الشرطیة التی تخلصه للمستقبل المحض ، مثل «إن» الشرطیة أو إحدی أخواتها. فإن وجدت هذه الأداة صرفته للمستقبل المحض ، بالرغم من وجود «لم» - کما سیجیء فی ج 4 باب الجوازم رقم 1 ص 315 -
4- فی ص 55.

أو : «إذ» ؛ نحو : أطربنی کلامک ؛ إذ تقول للغنیّ : تصدق ، بمعنی : قلت.

أو : «ربما» (1) ، نحو : فاتنی القطار فتألمت ؛ فأدرکنی صدیق بسیارته ، فوصلنا قبل القطار ؛ فالحمد لله ؛ ربما أکره الأمر وفیه خیری ونفعی ، أی : ربما کرهت. أو : «قد» التی تفید التقلیل بقرینة ؛ کأن تقول لمن حملک علی السفر کرها : قد أسافر مکرها ؛ فماذا علیک لو ترکتنی بعیدا عن المشقة التی صادفتها؟ بخلاف «قد» التی للتکثیر.

أو : وقع المضارع مع مرفوعه خبرا فی باب «کان» وأخواتها الناسخة ، إذا وقع الناسخ فی هذا الباب بصیغة الماضی ، ولم توجد قرینة تصرف زمنه عن المضی إلی زمن آخر ؛ مثل : کان سائق السیارة یترفق برکابها حتی وصلوا ... أی : ترفق. ولا یدخل فی هذا ما عرفناه من النواسخ التی تدل علی خ خ الحال فقط ؛ کأفعال الشروع - مثل : طفق ، وشرع - أو التی تدل علی خ خ الاستقبال فقط ؛ کأفعال الرجاء. وسیجیء البیان فی الباب الخاص بهما وهو : باب خ خ أفعال المقاربة.

* * *

ملاحظة : إذا عطف فعل مضارع (2) علی نظیره فإن الفعل المعطوف یتبع حکم الفعل المعطوف علیه فی أمور ، یتصل منها بموضوعنا : «الزمن» فیکون المعطوف مثله ؛ إما للحال فقط ، أو للمستقبل فقط ، أو للماضی فقط ، أو صالحا للحال والاستقبال ... فکل ذلک یجری فی المضارع المعطوف ؛ تبعا لنظیره المعطوف علیه حتما ؛ لوجوب اتحاد الفعلین المتعاطفین فی الزمان (3). فإذا قلت : أسمع الآن کلامک ؛ وأبصرک ، کان زمن الفعل «أبصر» للحال ، کزمن المعطوف

ص: 58


1- لأن الأغلب دخول «ربّ» علی الماضی ، بشرط أن تقوم القرینة الدالة علی زمنه حقیقة ، بخلاف ما لو کان مستقبلا محقق الوقوع ؛ فإن هذا التحققق ونحوه - وإن جعل معناه الذی لم یتحقق بمنزلة ما تحقق - لا یجعل زمنه ماضیا بل یبقی مستقبلا. وسیجیء هذا مفصلا فی موضعه (ح 2 م 90 ص 402 حروف الجر).
2- المعطوف هنا فعل مضارع والمعطوف علیه کذلک. فالعطف هنا عطف فعل علی فعل ، ولیس عطف جملة فعلیة علی جملة فعلیة ؛ لأن عطف الجملة الفعلیة علی جملة فعلیة یختلف فی أحکامه عن العطف السابق علی الوجه المشروح فی الجزء الثالث : (باب العطف - ص 515 م 121).
3- راجع الهمع ج 1 ص 8 عند الکلام علی المضارع - وسیجیء فی باب العطف ج 3 ص 515 م 121.

علیه ؛ وهو أسمع ؛ لوجود کلمة : «الآن» ، التی تقصره علی الحال.

وإذا قلت : إن یعتدل الجو أطرب ، وأخرج للریاضة - فإن الفعل : «أخرج» للمستقبل فقط ؛ لعطفه علی : «أطرب» المقصور علی المستقبل ، لأنه جواب شرط جازم ؛ وزمن الجواب مستقبل ، کما عرفنا.

وإذا قلت ؛ لم تتأخر عن میعادک ، وتؤلم صاحبک .. فإن الفعل : «تؤلم» هو للماضی فقط ، تبعا للمعطوف علیه : «تتأخر» ، الذی جعلته «لم» للزمن الماضی وحده. وإذا قلت : یکتب حامد ویتحرک ، فالفعل المضارع «یتحرک» صالح للحال والاستقبال ، تبعا للفعل : یکتب.

علی أن ما سبق لیس مقصورا علی عطف المضارع علی نظیره ، وإنما یشمل عطف المضارع علی الماضی ؛ کقوله تعالی : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً)(1) أی : فأصبحت. وقد یکون المعطوف علیه تابعا فی زمنه للمعطوف ، بسبب قرینة تدعو لذلک ؛ کقول الشاعر :

ولقد أمرّ علی اللئیم یسبّنی

فمضیت ، ثمّت قلت : لا یعنینی

أی : مررت (2).

ص: 59


1- لا یصح أن یکون المضارع : (تصبح) معطوفا علی المضارع السابق : «تر» ، لأن السابق مجزوم واللاحق غیر مجزوم. ولأن اخضرار الأرض لیس نتیجة الرؤیة ، ولکنه نتیجة شرب الزرع الماء.
2- یفهم مما سبق أن الفعل الماضی إذا عطف علی المضارع ، أو العکس ، یجب أن یتحول نوع الزمن فی المعطوف إلی نوع الزمن فی المعطوف علیه ، بحیث یتماثلان. مع الخضوع فی ذلک لما تقتضیه القرائن ، ویستقیم به المعنی. أما عطف فعل الأمر - وحده - علی غیره والعکس ، فمختلف فی جوازه ، ویمیل جمهرة النحاة إلی منعه ؛ لاستحالة فصل الأمر من فاعله. وسنوضح الأمر فی مکانه فی العطف (ح 3 ص 515 م 121) کذلک یفهم أن الفعلین المختلفین فی الزمن (سواء أکانا مضارعین معا ، أم ماضیین معا ، أم مختلفین) لا یجوز عطف أحدهما علی الآخر ، إلا مع مراعاة أن العطف یوحّد زمنهما حتما ، ویمنع اختلافهما فیه ؛ فإن لم یصح المعنی عند اتفاقهما فی الزمن لم یصح عطف الفعل علی الفعل ، ولم یکن الکلام من باب تعاطف الفعلین ، وإنما هو من باب آخر ؛ کعطف جملة علی جملة ، أو الاستئناف أو غیر ذلک ، علی حسب ما یوافق المعنی. ومما تجب ملاحظته أن هناک فرقا فی المعنی والإعراب بین عطف الفعل علی الفعل - وعطف الجملة الفعلیة علی الجملة الفعلیة ؛ کما أشرنا من قبل ، وکما سیجیء فی بابه الخاص.

وأما علامة الأمر فهی : أن یدل بصیغته (1) علی طلب شیء ، مع قبوله یاء المخاطبة. فلا بد من الأمرین معا ؛ أی : أن علامته مزدوجة ؛ مثل : ساعد من یحتاج للمساعدة ، وتکلم بالحق ، واحرص علی إنجاز عملک. وتقول : ساعدی .. وتکلمی ... واحرصی ... ومن الأمثلة قوله تعالی للرسول الکریم : (خذ العفو (2) ، وأمر بالعرف (3) ، وأعرض عن الجاهلین) - وتقول : خذی ... - وأمری ... - وأعرضی ...

ومن فعل الأمر کلمة : «هات» و : «تعال» لقبولهما علامته. تقول : هاتی یا شاعرة ما نظمت ، وتعالی نقرؤه.

فإن دلت الکلمة علی ما یدل علیه فعل الأمر ولکنها لم تقبل علامته فلیست بفعل أمر ؛ وإنما هی : خ خ اسم فعل أمر ؛ مثل : «صه» ، بمعنی : اسکت. و «مه» بمعنی : اترک ما أنت فیه الآن ، و «نزال» بمعنی : انزل. و «حیّهل» بمعنی : أقبل علینا.

وهناک علامتان مشترکتان (4) بین المضارع والأمر.

الأولی : نون التوکید خفیفة وثقیلة ، فی نحو ؛ والله لأجتهدن. واجتهدنّ یا صدیقی ... بتشدید النون أو تخفیفها فی کل فعل.

الثانیة : یاء المخاطبة ، مثل : أنت یا زمیلتی تحسنین أداء الواجب ، ومؤاساة المحتاجین ؛ فداومی علی ذلک. فقد اتصلت یاء المخاطبة بآخر المضارع ؛ وهو : «تحسنین» وآخر الأمر ؛ وهو : داومی ...

ص: 60


1- سبق (فی ص 46) أن المراد بذلک هو : أن تکون دلالته مستمدة من صیغته ، دون زیادة شیء علی حروفه ؛ فالدلالة علی الأمریة فی مثل : «لتخرج» مستمدة من اللام الداخلة علی الفعل المضارع بعدها ، ولا یصح أن یقال فی الفعل الذی بعد تلک اللام إنه فعل أمر ، وإنما هو فعل مضارع.
2- المیسور المقبول من کلام الناس وأفعالهم ، من غیر أن تکلفهم الکمال الأعلی الذی لا یطیقونه.
3- الأمر المحمود المستحسن شرعا.
4- سبقت الإشارة إلیهما فی رقم 2 من هامش ص 53.

زیادة وتفصیل

زمن الأمر مستقبل (1) فی أکثر حالاته ؛ لأنه مطلوب به حصول ما لم یحصل ، أو دوام ما هو حاصل. فمثال الأول : سافر زمن الصیف إلی الشواطیء (2). ومثال الثانی قوله تعالی : (یا أَیُّهَا النَّبِیُّ اتَّقِ اللهَ ...) لأن النبی لا یترک التقوی مطلقا. فإذا أمر بها کان المراد الاستمرار علیها.

وقد یکون الزمن فی الأمر للماضی إذا أرید من الأمر الخبر ، کأن یصف جندی بعد الحرب موقعة شارک فیها ، ؛ فیقول : صرعت کثیرا من الأعداء. فتجیبه : «اقتل ولا لوم علیک ... وافتک بهم ؛ فإن الله معک» ... فالأمر هنا بمعنی : قتلت وفتکت ... والمعوّل علیه فی ذلک هو : القرائن ، فلها الاعتبار الأول دائما فی هذه المسألة ، وغیرها.

ص: 61


1- هو مستقبل باعتبار المعنی المأمور به ؛ المطلوب تحققه ووقوعه ابتداء ، إن کان غیر حاصل ، أو دوام حصوله واستمراره إن کان واقعا وحاصلا وقت الکلام وفی أثنائه. أما زمن فعل الأمر باعتبار الطلب الصادر من المتکلم وملاحظة وقت الکلام نفسه والزمن الصادر فیه الطلب ذاته ، فهو الحال. (راجع الصبان ج 1 باب المعرب والمبنی ، عند الکلام علی إعراب المضارع).
2- إذا قلت هذا قبل الصیف ، لیکون قرینة.

المسألة 5: الحرف

اشارة

(1)

من ، فی ، علی ، لم ، إن ، إنّ ، حتی ...

لا تدل کلمة من الکلمات السابقة علی معنی ، أیّ معنی ، ما دامت منفردة بنفسها. لکن إذا وضعت فی کلام ظهر لها معنی لم یکن من قبل ، مثال ذلک : (سافرت «من» القاهرة) ... فهذه جملة ؛ المراد منها : الإخبار بوقوع سفری ،

ص: 62


1- النحاة یسمون الحروف : «أدوات الربط» ؛ لأن الکلمة إما أن تدل علی ذات ، وإما أن تدل علی معنی مجرد (أی : حدث) ، وإما أن تربط بین الذات والمعنی المجرد منها. فالاسم یدل علی الذات ، والفعل یدل علی المعنی المجرد منها ، والحرف هو الرابط. وحروف الربط نوعان ، نوع یسمی : «حروف المعانی» ، لأنه یفید معنی جدیدا یجلبه معه ، ونوع لیس للمعانی ، وإنما هو زائد أو مکرر ؛ لتوکید معنی موجود ، ومثله : «ما» الزائدة ، و «الباء» ، و «من» وغیرها من الحروف الزائدة أو المکررة (مثل : نعم ، نعم ، أو : لا. لا ...) لإفادة توکید المعنی القائم. والذین یعتبرون التوکید معنی - علی الرغم من أنه لیس جدیدا - یدخلون هذا النوع فی حروف المعانی. أما غیرهم فلا یدخله فیها ، وهذا هو المشهور. وأکثر الکوفیین یقتصر علی تسمیة الحروف : «أدوات». أما تفصیل الکلام علی حروف المعانی ، وأحکامها ، وما یتصل بها ، ولا سیما تعلق شبه الجملة بها. التعلق بها ، ففی موضعه المناسب ؛ کالذی فی ج 2 ص 200 م 78. حیث حروف الحر ، وفی ج 3 حیث حروف العطف وح 4 حیث النواصب والجوازم. وحروف الربط بنوعیها غیر حروف المبانی التی سبقت فی هامش ص 13 بقی بیان المراد الدقیق الذی یقصدونه حین یقولون : هذا اللفظ - حرفا کان أو غیر حرف - «زائد». لقد تباینت آراؤهم فی تعریف الزائد. وخیر ما یستخلص منها : أنه الذی یمکن الاستغناء عنه ، فی الغالب ، فلا یتأثر المعنی بحذفه ، وربما لا یستغنی عنه فتکون معنی زیادته هو ترکه مهملا لا یؤثر فی غیره ولا یتأثر بغیره - سواء أکان فی أصله مهملا مثل : «لا» النافیة الزائدة ، أم کان فی أصله عاملا ، مثل : «کان» الزائدة. وفیما یأتی بعض ما دونته المراجع خاصا بهذا. (ا) جاء فی المغنی عند الکلام علی الحرف : «لا» ما نصه : (من أقسام «لا» النافیة - : المعترضة بین الخافض والمخفوض ، نحو : جئت بلا زاد ، وغضبت من لا شیء. وعن الکوفیین : أنها اسم ، وأن الجار دخل علیها نفسها. وأن ما بعدها خفض بالإضافة. أما غیرهم فیراها حرفا ، ویسمیها زائدة ، کما یسمون : «کان» فی نحو : (محمد کان فاضل) زائدة ، وإن کانت مفیدة لمعنی ، وهو المضی والانقطاع. فعلم أنهم قد یریدون بالزائد المعترض بین شیئین متطالبین ، وإن لم یصح المعنی بإسقاطه ؛ کما فی مسألة : «لا» فی نحو : غضبت من لا شیء ، کذلک إذا کان یفوت بفواته معنی ، کما فی مسألة : «کان» ، و «کذلک» «لا» المقترنة بالعاطف فی نحو : ما جاءنی محمد ولا علی ، ویسمونها : «الزائدة» ولیست بزائدة البتة ، ألا تری أنه إذا قیل : ما جاءنی محمد وعلی ... ؛ احتمل أن المراد نفی مجیء کل منهما علی کل حال ، وأن یراد نفی اجتماعهما فی وقت المجیء ؛ فإذا جیء بکلمة : «لا» صار الکلام نصا فی المعنی الأول. نعم هی فی قوله تعالی (وَما یَسْتَوِی الْأَحْیاءُ وَلَا الْأَمْواتُ ..) لمجرد التأکید ، وکذا إذا قیل لا یستوی حامد ولا محمود اه أی : لأن اللبس غیر محتمل فی المثالین الأخیرین مطلقا. ولهذا إیضاح فی ح 3 م 118 ص 548 باب العطف ، عند الکلام عند ما انفردت به واو العطف. وجاء فی شرح المفصل ح 7 ص 150 عند الکلام علی : «کان» الزائدة ، أن معنی زیادتها : - - (إلغاؤها عن العمل مع إرادة معناها ، وهو الدلالة علی الزمان ، وذلک نحو قولک : ما کان أحسن زیدا ، إذا أرید أن الحسن کان فیما مضی. ف «ما» مبتدأ علی ما کانت علیه ، و «أحسن زیدا» الخبر - و «کان» ملغاة عن العمل ، مفیدا للزمان الماضی ، کما تقول : من کان ضرب زیدا - ترید : من ضرب زیدا - ومن کان یکلمک ، ترید : من یکلمک. فکان تدخل فی هذه المواضع وإن ألغیت من الإعراب فمعناها باق. وهی هنا نظیرة : «ظننت» إذا ألغیت ، فإنه یبطل عملها ومعنی الظن باق ؛ ذلک أن الزیادة علی ضربین ، زیادة مبطلة العمل مع بقاء المعنی الزمنی ، - کما سبق - وزیادة لا یراد بها أکثر من التأکید فی المعنی ، وإن کان العمل باقیا ؛ نحو : ما جاءنی من أحد. ومثله قولهم : بحسبک محمد ، والمراد : حسبک ، ومثل : «وکفی بالله شهیدا» ، والمراد کفی الله ...) ا. ه وستجیء إشارة موضحة لهذا فی ص 65 وفی باب «کان وأخواتها» والواجب ترک استعمال «کان» الزائدة إذا أوقعت فی لبس.

وأنه یبتدیء من القاهرة. فکأنی أقول : سافرت ، وکانت نقطة البدء فی السفر هی : «القاهرة» ، فکلمة : «من» أفادت الآن معنی جدیدا ظهر علی ما بعدها وهذا المعنی هو : خ خ الابتداء ، لم یفهم ولم یحدد إلا بوضعها فی جملة ؛ فلهذه الجملة الفضل فی إظهار معنی : «من».

ولو قلت : سافرت من القاهرة «إلی» العراق - لصار معنی هذه الجملة : الإخبار بسفری الذی ابتداؤه القاهرة ، ونهایته العراق. فکلمة : «إلی» أفادت معنی ظهر هنا علی ما بعدها ؛ وهذا المعنی هو : خ خ الانتهاء. ولم یظهر وهی منفردة ، وإنما ظهر بعد وضعها فی جملة ؛ کانت السبب فی إظهاره.

وکذلک : حضرت من البیت إلی النهر ؛ فقد أفادت الجملة کلها الإخبار بحضوری ، وأن أول هذا الحضور وابتداءه : «البیت» ، وأن نهایته وآخره : «النهر». فأفادت : «إلی» الانتهاء ، وصبّته علی ما بعدها. وهذا الانتهاء لم یفهم منها إلا بسبب الترکیب الذی وضعت فیه.

ولو قلت : الطلبة فی الغرفة - لکان المعنی ؛ أن الطلبة تحویهم الغرفة ؛ کما یحوی الإناء بعض الأشیاء ، وکما یحوی الظرف المظروف ، أی : کما یحوی الوعاء أو الغلاف ما یوضع فی داخله. فمعنی کلمة : «فی» هو خ خ الظرف ، أو : خ خ الظرفیة ، وهذا المعنی لم یفهم من لفظة : «فی» وحدها ، وإنما عرف منها بعد أن احتواها الترکیب ، فظهر علی ما بعدها ... وهکذا بقیة أحرف الجر ، وغیرها من أکثر الأنواع الأخری المختلفة ؛ کحروف النفی ، والاستفهام ، وسواها ... فالحرف : «کلمة لا تدل علی معنی فی نفسها ، وإنما تدل علی معنی فی غیرها فقط - بعد وضعها فی جملة - دلالة خالیة من الزمن» (1).

ص: 63


1- هذا التعریف فی اصطلاح النحاة. لکن یجری فی استعمال بعض المراجع اللغویة والقدماء إطلاقه أحیانا علی الکلمة ، مهما کان نوعها. أما ظهور معناه علی ما بعده ففیه تفصیل یجیء فی ص 65.

من کل ما سبق نعلم : أن الاسم وحده - من غیر کلمة أخری معه - ، یدل علی معنی جزئی فی نفسه ، دلالة لا تقترن بزمن. وأن الفعل وحده یدل علی معنی جزئی مقترن بزمن. وأن الحرف وحده لا یدل علی شیء منهما ما دام منفردا ، فإذا دخل جملة دل علی معنی فی غیره ، ولم یدل علی زمن (1).

ص: 64


1- أشار ابن مالک إلی علامات الفعل والحرف بقوله : بتافعلت ، وأتت ، ویا افعلی ، ونون أقبلنّ - فعل ینجلی سواهما الحرف ؛ کهل ، وفی ، ولم فعل مضارع یلی لم ؛ کیشم وماضی الأفعال بالتا - مز. وسم بالنّون فعل الأمر ، إن أمر فهم والأمر إن لم یک للنّون محل فیه هو اسم ؛ نحو : صه ، وحیّهل ا - یرید : أن الفعل ینجلی (أی : ینکشف) ویتمیز من غیره بإحدی العلامات الآتیة ؛ وهی تاء الفاعل ، أو تاء التأنیث الساکنة ، أو یاء المخاطبة. أو نون التوکید. ب - وأن علامة الحرف (کهل ، وفی ، ولم) فی عدم قبوله علامة من علامات الأسماء ؛ أو : الأفعال. ح - وأن علامة المضارع صلاحه للمجیء بعد «لم» الجازمة ، أو إحدی أخواتها. د - وأن الماضی یختص من تلک العلامات بقبوله التاء المتحرکة ، للفاعل ، أو الساکنة للتأنیث ، وکلتاهما تکون فی آخره. (ومعنی : مز : میز ؛ وصه بمعنی : اسکت ، وحیهل بمعنی : أقبل و «یشم» مضارع : شم ، من باب : فرح). ه - وأن فعل الأمر یوسم (أی : یعلم ویعرف) بقبوله نون التوکید ، مع دلالته علی الطلب. فإن لم یدل علی الطلب ولم یقبلها فهو اسم فعل أمر. هذا ، وکلمة : «الأمر» مبتدأ ، خبره الجملة الاسمیة : «هو اسم». أما جواب «إن» الشرطیة فمحذوف یدل علیه الخبر المذکور ؛ والتقدیر : فهو اسم. والقاعدة : (أنه متی تقدم المبتدأ علی أداة الشرط فإن اقترن ما بعدهما بالفاء ، أو صلح لمباشرة الأداة الشرطیة - کان جوابا والخبر محذوفا ، وإلا کان خبرا والجواب محذوفا ، کما هنا) هذا هو الرأی المختار ، علی رغم ما حوله من خلاف (راجع حاشیتی الخضری والصبان فی هذا الموضوع من الباب ، وستذکر هذه القاعدة فی مواضع ؛ منها موضع : حذف الخبر. ومما تنطبق علیه القاعدة السالفة التی انطبقت علی بیت ابن مالک قول الشاعر المخضرم عامر بن الطفیل : وإنی وإن کنت ابن سید عامر وفی السّرّ منها والصریح المهذب فما سوّدتنی عامر عن وراثة أبی الله أن أسمو بأم ولا أب فما دخلت علیه الفاء هو الجواب ، وخبر «إن» محذوف.

زیادة وتفصیل

(ا) عند ما ینکشف معنی الحرف الأصلی بسبب وضعه فی جملة ، ویظهر المراد منه ، فإن ذلک المعنی ینصبّ علی ما بعد الحرف ، ویترکز فیه ؛ سواء أکان ما بعد الحرف الأصلی مفردا أم جملة ، فالابتداء فی : «من» ، والانتهاء فی : «إلی» ، یتحقق فی الکلمة التی جاءت بعد کل منهما ، وکذلک الظرفیة ، والاستعلاء ... وإذا قلنا : ما جاء أحد ... - هل غاب أحد؟ فإن النفی والاستفهام ینصبّان علی کل مضمون الجملة التی بعده ... وهکذا ...

أمّا الحروف الزائدة - ومنها بعض حروف الجر ؛ کالباء - فإنها تفید توکید المعنی فی الجملة کلها ، لأن زیادة الحرف تعتبر بمنزلة إعادة الجملة کلها ، وتفید ما یفیده تکرارها بدونه (1) سواء أکان الحرف الزائد فی أولها ، أم فی وسطها ، أم فی آخرها ؛ مثل : بحسبک الأدب ، وأصلها : حسبک الأدب ، أی : یکفیک ، أو : کافیک ، فالباء داخلة علی المبتدأ ، کدخولها علیه وهو ضمیر فی نحو : کیف بک؟ (وأصلها ... کیف أنت؟) (2) وکدخولها علیه بعد «إذا الفجائیة» فی نحو : رجع المسافر ؛ فإذا بالأصدقاء فی استقباله.

وکدخولها علی الفاعل فی مثل : کفی بالله شهیدا ، وأصلها : کفی الله شهیدا. وعلی الخبر فی مثل : الأدب بحسبک ... فالباء مع تقدمها أو توسطها أو تأخرها قد أکدت معنی الجملة کلها.

هذا ، والحرف الزائد قد یعمل ؛ کباء الجر ، أو لا یعمل مثل : «ما» الزائدة ، فی مثل : إذا ما المجد نادانا أجبنا ... وهناک الشبیه بالزائد یعمل ، وینحصر فی بعض حروف الجر ؛ کربّ ، ولعلّ ، الجارتین ... و «لو لا» علی اعتبارها جارّة. وحرف الجر الزائد والشبیه به لا یتعلقان (3) ، إلا أن الزائد «کالباء» یزاد لتوکید المعنی الموجود. أمّا «رب» فتفید معنی التقلیل أو التکثیر ، «ولعل» تفید الرجاء ... فهما - کغیرهما من الشبیه بالزائد - یفیدان معنی جدیدا یطرأ علی الجملة ؛ لا تقویة المعنی الموجود قبل مجیئهما. وکذا «لو لا» فإنها تفید الامتناع ؛ وهو معنی جدید یطرأ علی الجملة.

ص: 65


1- راجع شرح التصریح ج 2 باب : حروف الجر عند الکلام علی زیادة : «الکاف».
2- راجع هذا الأصل فی أول باب المبتدأ م 33.
3- تفصیل هذا فی الباب الخاص بحروف الجر (ج 2).

(ب) الحروف نوعان ، نوع یسمی «العامل» ؛ لأنه یعمل الجر ، أو النصب ، أو الجزم ؛ کحروف الجر ، وحروف النصب ، وحروف الجزم ، - ونوع آخر یسمی : «المهمل» ؛ لأنه لا یعمل شیئا مما سبق ، مثل بعض أدوات الاستفهام والجواب. ، ومنها : هل - نعم - لا ... ومثل : التنوین (1)

وبعض النحاة یسمی حروف الجر : «حروف الإضافة» لأنها تضیف إلی الأسماء معانی (2) الأفعال وشبهها من کل ما تتعلق به تلک الحروف.

(ح) الحروف إما آحادیة ، أو ثنائیة ، أو ثلاثیة ؛ کبعض حروف الجرّ (الباء - فی - إلی ...)

وإما رباعیة ؛ مثل : «لعلّ» ولا تزید علی خمسة ؛ مثل : «لکنّ» فی الرأی الأصح الذی یعتبرها غیر مرکبة ، وأنها مشددة النون ، ثابته الألف بعد اللام نطقا - کما سبق (3) -

ص: 66


1- راجع رقم 3 من هامش ص 26.
2- انظر رقم 1 من هامش ص 62.
3- انظر رقم 2 من هامش ص 13.

المسألة 6 : الإعراب والبناء ، والمعرب والمبنی

اشارة

معنی المصطلحات السابقة

(ا) طلع الهلال شاهد الناس الهلال فرح القوم بالهلال.

(ب) یکثر الندی شتاء. یمتص النبات الندی. یرتوی بعض النبات بالندی.

(ح) زاد هؤلاء علما. سمعت هؤلاء یتکلمون. أصغیت إلی هؤلاء.

نلحظ فی أمثلة القسم الأول (ا) أن کلمة : «الهلال» قد اختلفت العلامة التی فی آخرها ؛ فمرة کانت تلک العلامة ضمة ، ومرة کانت فتحة ، ومرة کانت کسرة ، فما سبب هذا الاختلاف؟

سببه وجود داع متغیر فی کل جملة ، یحتاج إلی کلمة : «الهلال» ؛ لتؤدی معنی معینا فی الجملة. وهذا المعنی یختلف باختلاف الدواعی فی الجمل ، ویرمز إلیه فی کل حالة بعلامة خاصة فی آخر الکلمة ، ففی الجملة الأولی کانت کلمة : «الهلال» مرفوعة ؛ لوجود الداعی الذی یحتاج إلیها ، وهو الفعل : «طلع» فإنه یتطلب فاعلا. والفاعل یرمز له بعلامة فی آخره ، هی : الضمة - مثلا - فیکون مرفوعا.

وفی الجملة الثانیة کانت کلمة : «الهلال» منصوبة ؛ لوجود داع من نوع آخر ؛ هو الفعل : «شاهد» ؛ فإنه لا یحتاج إلی فاعل ، لوجود فاعله معه - وهو کلمة : الناس - ولکنه یحتاج إلی بیان الشیء الذی وقع علیه فعل الفاعل ، وهو ما یسمی فی النحو : «المفعول به» ؛ والمفعول به یرمز إلیه بعلامة خاصة فی آخره هی : «الفتحة» ، - مثلا - فیکون منصوبا.

وفی الجملة الثالثة کانت کلمة «الهلال» مجرورة ، لوجود داع یخالف السابقین ، وهو : الباء ، فإنها تحتاج إلی تلک الکلمة لتکون مجرورة بها ، فیزداد الفعل بهما وضوحا ، وعلامة جرها الکسرة هنا.

ص: 67

فنحن نری أن الدواعی تغیرت فی الجمل الثلاث السالفة علی حسب المعانی المطلوبة ، من فاعلیة ، ومفعولیة ، وتکملة أخری للفعل ... وتبعها فی کل حالة تغیّر العلامة التی فی آخر کلمة : «الهلال». فتغیر العلامة علی الوجه السالف یسمی : «الإعراب» ، والداعی الذی أوجده یسمی : «العامل» (1).

ص: 68


1- کثر الکلام علی العامل قدیما وحدیثا ، وعلی ما له من أثر سیء فی النحو العربی ، وفی الأسالیب ، وصیاغتها ، وفهمها. ولم نر بین المتکلمین من راعی جانب الاعتدال والإنصاف. وأقوی ما وجهوه إلی العامل من طعن أمران : أولهما : ان النحاة نسبوا العمل إلیه ؛ فجعلوه هو الذی یرفع ، أو ینصب ، أو یجر ، أو یجزم ؛ مع أنه قد یکون سببا فی خفاء المعنی - فی زعمهم - أو تعقیده. وکیف ینسب إلیه العمل وهو لا یعمل شیئا ؛ وإنما الذی یعمل هو : المتکلم؟ ثانیهما : أن النحاة - وقد قصروا علیه العمل وحده - بحثوا عنه فی بعض التراکیب العربیة الصحیحة فلم یجدوه ؛ فاضطروا أن یقدروه ، وأن یفترضوا وجوده ، ویتکلفوا ، ویتعسفوا. والحق أن النحاة أبریاء مما اتهموا به ؛ بل أذکیاء ، بارعون فیما قرروه بشأن : «نظریة العامل» ؛ فقد قامت علی أساس یوافق خیر أسس التربیة الحدیثة لتعلیم اللغة ، وضبط قواعدها ، وتیسیر استعمالها. ونسوق لهذا مثلا یوضحه ، ویزید الأمثلة السابقة إیضاحا ؛ «أکرم محمود الضیف». فمحمود فی هذه الجملة ینسب إلیه شیء. وکذلک «الضیف». فما الذی ینسب إلی کل منهما؟ ا - ینسب إلی محمود أنه فعل الکرم ؛ فهو فاعل الکرم. فبدلا من أن نقول : ینسب إلی محمود أنه فعل شیئا ، هو : الکرم ، أو : ینسب إلی محمود أنه فاعل الکرم - حذفنا هذه الکلمات الکثیرة واستغنینا عنها برمز صغیر - اصطلح علیه النحاة - یرشد إلیها ، ویدل علیها ؛ ذلک الرمز هو : الضمة التی فی آخر کلمة : «محمود». فهذه الضمة علی صغرها تدل علی ما تدل علیه تلک الکلمات المحذوفة الکثیرة. وهذه مقدرة وبراعة أدت إلی ادخار الوقت والجهد باستعمال ذلک الرمز الاصطلاحی الذی دل علی المعنی المطلوب بأخصر إشارة. - کما سیجیء فی رقم 2 من هامش الصفحة الآتیة. لکن کیف عرفنا - فی الترکیب السابق - أن (محمودا) فعل شیئا ، أی : أنه فاعل؟ عرفنا ذلک من کلمة قبله هی : «أکرم» ویسمیها النحاة : «فعلا» فوجود الفعل دل علی وجود الفاعل ، ووجود الفاعل یقتضی أن نعلنه ، ونذیع أنه الفاعل. وطریقة الإذاعة قد تکون بکلمات کثیرة ، أو قلیلة ، أو برمز یغنی عن هذه وتلک ، کالضمة التی اختارها النحاة واصطلحوا علی أنها الرمز الدال ، علی الفاعلیة ... وعلی هذا یکون الفعل هو السبب فی الاهتداء أولا إلی الفاعل ، وإلی الکشف عنه ، ثم إلی وضع الرمز الصغیر فی آخره ؛ لیکون إعلانا علی أنه الفاعل ، وشارة دالة علیه. فالفعل هو السبب أیضا فی ذلک الرمز وفی اجتلابه والإتیان به ؛ فلیس غریبا أن یقول النحاة ؛ «إن الفعل هو الذی عمل الرفع فی الفاعل» لأنه السبب فی مجیئه ، ویسمونه من أجل ذلک : «عاملا». ب - مثل هذا یقال فی کلمة : «الضیف» فقد نسب إلیه شیء - کما سبق - فما ذلک الشیء المنسوب إلیه؟ هو أنه وقع علیه کرم ، أو : حصل له شیء ؛ هو : «الکرم». وقد حذفنا هذه الکلمات الکثیرة ، واستغنینا عنها برمز صغیر اصطلح علیه النحاة ، یرشد إلیها ، ویدل علیها ، هو الفتحة فی آخر : الضیف ؛ فهی تؤدی ما تؤدیه الکلمات المتعددة التی حذفت. والذی أرشدنا إلی أن الضیف وقع علیه شیء هو وجود الفعل والفاعل معا قبله. ولما کان الفعل هو المرشد إلی الفاعل والدال علیه - وکان الفعل هو الأصل فی الإرشاد وفی الدلالة علی الفاعل وعلی المفعول ؛ فهو الأصل أیضا فی جلب العلامة الدالة علی کل منهما ، وهو السبب الأساسی فی مجیئها ؛ فسمی لذلک : «عاملها». وما یقال فی الفعل مع فاعله ومفعوله یقال فی غیره من العوامل الأخری مع معمولاتها ؛ سواء أکانت - عوامل لفظیة ؛ کالفعل ، وکحرف الجر ، والجوازم ... ، أم معنویة ؛ کالابتداء ، وسواء أکانت أصلیة أم زائدة (وستجیء أنواع العوامل فی م 33 أول باب المبتدا والخبر - وانظر ص 71 ..) ومما تقدم نعلم أن تلک العوامل بنوعیها لیست مخلوقات حیة ، تجری فیها الروح فتعمل ما ترید ، وتحس بما یقع علیها ، وتؤثر بنفسها ، وتتأثر حقا بما یصیبها ، وتحدث حرکات الإعراب المختلفة ، فلیس لها شیء من ذلک. إنما الذی یؤثر ، ویتأثر. ویحدث حرکات الإعراب - هو المتکلم ، ولیست هی. ولکن النحاة نسبوا إلیها العمل. لأنها المرشد إلی المعانی والرموز. وهی نسبة جاریة علی أصح الاستعمالات العربیة وأبلغها ، إذ هی السبب فی الاهتداء إلی کشف المعنی المراد من الکلمة - کما أسلفنا - وإذا ثبت لها هذا فلیس فی اللغة مانع من نسبة العمل إلیها ، وتسمیتها : «عاملا» ، ولا عیب فی أن نقول مثلا : «کان» ترفع المبتدأ وتنصب الخبر ، و «إن»» تنصب المبتدأ وترفع الخبر ، و «ظن» تنصبهما مفعولین لها ... و... و.. إلی غیر ذلک مما یجری هذا المجری الذی یتفق بغیر شک مع أصول الاستعمال العربی الفصیح بل مع الأسلوب البلاغی الأعلی ، ولا داعی للاعتراض علیه کما یتردد علی ألسنة بعض المتسرعین. نعم لها بعض عیوب (کالتی نراها فی باب التنازع من ح 2) ولکنها یسیرة یمکن تدارکها ، وسنشیر إلیها تباعا ، حین نصادفها.

فالإعراب : (هو تغیّر العلامة التی فی آخر اللفظ ، بسبب تغیر العوامل الداخلة علیه ، وما یقتضیه کل عامل) (1).

وفائدته : أنه رمز إلی معنی معین دون غیره - کالفاعلیة ، والمفعولیة ، وغیرهما - ولولاه لاختلطت المعانی ، والتبست ، ولم یفترق بعضها من بعض. وهو - مع هذه المزیة الکبری - موجز غایة الإیجاز ، لا یعادله فی إیجازه واختصاره شیء آخر یدلّ دلالته علی المعنی المعین الذی یرمز له (2). وهذه مزیة أخری.

والمعرب : هو اللفظ الذی یدخله الإعراب (3) (أی ، التّغیر الذی وصفناه) والعامل هو : ما یؤثر فی اللفظ تأثیرا ینشأ عنه علامة إعرابیة ترمز إلی معنی خاص ؛ کالفاعلیة ، أو المفعولیة ، أو غیرهما. ولا فرق بین أن تکون تلک العلامة ظاهرة کأمثلة : «ا» أو مقدرة. کأمثلة : «ب» فإن الدلیل علی إعرابها وهی مفردة أن علامة آخرها تتغیر عند التثنیة والجمع ، فتقول : تراکم النّدیان ، وامتص النبات النّدیین ، وارتوی من الندیین (4).

ص: 69


1- وللإعراب معنی آخر مشهور بین المشتغلین بالعلوم العربیة ، هو : التطبیق العام علی القواعد النحویة المختلفة ، ببیان ما فی الکلام من فعل ، أو : فاعل ، أو : مبتدأ ، أو : خبر ، أو : مفعول ، أو حال .. أو غیر ذلک من أنواع الأسماء ، والأفعال ، والحروف ، وموقع کل منها فی جملته ، وبنائه أو إعرابه ... أو غیر ذلک.
2- فلو أردنا أن ندل علی الفاعلیة أو المفعولیة فی مثل : أکرم الولد الوالد لاستعملنا ألفاظا کثیرة ؛ کأن نقول : إن الولد هو فاعل الإکرام ، والوالد هو الذی ناله الإکرام ... وفی هذا اسراف کلامی وزمانی. کما سبق فی هامش الصفحة السابقة.
3- فالإعراب غیر المعرب ، کما أن الإکرام غیر المکرم ، والإرسال غیر المرسل.
4- فی ص 80 إیضاح الإعراب المحلی والتقدیری ومن التقدیری نوع سیجیء فی «و» من ص 143 أما تفصیل مواضعه ففی ص 179 وما بعدها.

أما أمثلة القسم الثالث «ح» ففیها کلمة : «هؤلاء» لم تتغیر علامة آخرها بتغیر العوامل ؛ بل بقیت ثابتة فی الجمل کلها. فهذا الثبات وعدم التغیر یسمی : بناء ؛ وهو : «لزوم آخر اللفظ علامة واحدة فی کل أحواله ، مهما تغیرت العوامل».

والمبنی هو : اللفظ الذی دخله البناء.

هذا ، وقد عرفنا (1) أن المعرب المنصرف (أی : المنون) ، یسمی : «متمکنا أمکن» ، وأن غیر المنصرف یسمی : «متمکنا» فقط ، وأن المبنی یسمی : «غیر متمکن». ولا توصف الکلمة بإعراب أو بناء إلا بعد إدخالها فی جملة (2).

ص: 70


1- راجع ص 32 وما بعدها.
2- راجع حاشیة الخضری أول باب الإضافة.

المعرب والمبنی

(1) من الأسماء ، والأفعال ، والحروف.

(أی : من أقسام الکلمة الثلاثة)

أولا : الحروف کلها مبنیة ؛ لأن الحرف وحده لا یؤدی معنی فی نفسه ، وإنما یدل علی معنی فی غیره ، بعد وضعه فی جملة - کما سبق (2) -. وإذا لا ینسب إلیه أنه فعل فعلا ، أو وقع علیه فعل ؛ فلا یکون بنفسه فاعلا ، ولا مفعولا به ، ولا متمما وحده للمعنی (أی : لا یکون مسندا إلیه ولا مسندا ، ولا شیئا یتصل بذلک). لعدم الفائدة من الإسناد فی کل حالة (3) ،

ونتیجة ما سبق أنه لا یدخله الإعراب ؛ لعدم حاجته إلیه ؛ لأن الحاجة إلی الإعراب توجد حیث توجد المعانی الترکیبیة الأساسیة ، والحرف وحده لا یؤدی معنی قط. ولکنه إذا وضع فی ترکیب فإنه یؤدی فی غیره بعض المعانی الجزئیة (الفردیة) بالطریقة المفصّلة التی أشرنا إلیها عند الکلام علیه ؛ کالابتداء ، والتبعیض ، وغیرهما مما تؤدیه کلمة : «من». أو الظرفیة ، والسببیة ، وغیرهما مما تؤدیه کلمة : «فی» - فهذه المعانی الجزئیة تعتور الحرف ، وتتعاقب علیه ، ولکن لا یکون التمییز بینها بالإعراب ، وإنما یکون بالقرائن المعنویة التی تتضمنها الجملة.

* * *

ثانیا : الأسماء یناسبها الإعراب وهو أصل فیها ، لأن الاسم یدل بذاته علی معنی مستقل به - کما سبق (4) - فهو یدل علی مسمی ؛ (أی : علی شیء محسوس أو معقول ، سمیناه بذلک الاسم) وهذا المسمی قد یسند إلیه فعل ، فیکون فاعلا له ، وقد یقع علیه فعل ، فیکون - مفعولا به. وقد یتحمل معنی آخر

ص: 71


1- یلاحظ أن المبنی لا تراعیی ناحیته اللفظیة مطلقا فی توابعه أو غیرها - فتوابعه إنما تسایر محله فقط - إن کان له محل من الإعراب وهذا أثر هام من آثار الإعراب المحلی. الذی یجیء الکلام علیه فی ص 80 لکن یستثنی من هذا الحکم العامّ النعت الخاص بالمنادی «أی أو أیة» والمنادی اسم الإشارة الذی جیء به للتوصل إلی نداء المبدوء بأل ؛ نحو : یأیها العالم ، ویأیتها العالمة ، ویا هذا الفاضل ... فیجب فی هاتین الصورتین رفع التابع مراعاة للمظهر الشکلی للمنادی ، مع أن هذا المنادی مبنی ، وهما صفتان معربتان منصوبتان - مراعاة لمحل المنادی - بفتحة مقدرة علی الآخر ، منع من ظهورها ضمة المماثلة للفظ المنادی فی الصورة الشکلیة. وتفصیل هذا وإیضاحه فی ج 4 ص 34 م 130.
2- فی ص 62 م 5.
3- إلا إذا قصد لفظه کما سبق فی «ج» من ص 29.
4- ص 25.

غیر الفاعلیة والمفعولیة ، ویدل علیه بنفسه ... وکل واحد من تلک المعانی یقتضی علامة خاصة به فی آخر الکلمة ، ورمزا معینا یدل علیه وحده ، ویمیزه من المعانی الأخری ؛ فلا بد أن تتغیر العلامة فی آخر الاسم ؛ تبعا لتغیر المعانی والأسباب ، وأن یستحق ما نسمیه : «الإعراب» للدلالة علی تلک المعانی المتباینة ، التی تتوالی علیه بتوالی العوامل المختلفة - کما شرحنا من قبل (1) -.

وقلیل من الأسماء مبنیّ (2). وأشهر المبنی منها عشرة أنواع (لکل نوع أحکامه التفصیلیة فی بابه) وهی :

1- الضمائر ، سواء أکان الضمیر موضوعا علی حرف هجائی واحد ، أم علی حرفین ، أم علی أکثر ، مثل : انتصرت ؛ ففرحنا ، ونحن بک معجبون.

2 ، 3- أسماء الشرط ، وأسماء الاستفهام ؛ بشرط ألا یکون أحدهما مضافا لمفرد ؛ مثل : أین توجد أکرمک. أین أراک؟ بخلاف : أیّ خیر تعمله ینفعک. أیّ یوم تسافر فیه؟ لإضافة «أیّ» الشرطیة والاستفهامیة فی المثالین لمفرد ، فهما معه معربتان (3).

4- أسماء الإشارة التی لیست مثناة ؛ نحو : هذا کریم ، وتلک محسنة. بخلاف : «هذان کریمان ، وهاتان محسنتان». فهما معربان عند التثنیة ؛ علی الصحیح.

5- أسماء الموصول غیر المثناة ، والأسماء الأخری التی تحتاج بعدها - وجوبا - إلی جملة أو شبهها ؛ تکمل معناها ، ولا تستغنی عنها بحال. فمثال الموصول : جاء الذی یقول الحق. وسافر الذی عندک ، أو الذی فی ضیافتک.

ومن الأسماء الأخری التی لیست موصولة ولکنها تحتاج - وجوبا - بعدها إلی جملة : «إذا» الشرطیة الظرفیة ؛ نحو : إذا تعلمت ارتفع شأنک ، فلو قلت : جاء الذی ... فقط ، أو : إذا ... فقط ، لم یتم المعنی ، ولم تحصل الفائدة.

ص: 72


1- فی ص 67
2- الغالب علی الأسماء المبنیة أنها لا تضاف ، ومنها ما یضاف ، مثل : «حیث» و «کم الخبریة» و «إذا» الشرطیة ، وغیرها مما هو مذکور فی باب الإضافة ج 3.
3- أما الإضافة للجملة فقد یکون الاسم معها مبنیا کإضافة «إذا» الشرطیة وأشباهها للجمل. وکل اسم یجب إضافته لجملة یجب بناؤه ، مثل : «إذا» الشرطیة. أما الذی یضاف إلیها جوازا ؛ مثل «یوم» - فقد یبنی ، وقد یعرب ، کما سیجیء فی باب الإضافة ح 3.

بخلاف جاء اللذان غابا ، وحضرت اللتان سافرتا. فالموصول معرب - علی الصحیح - لأنه مثنی.

6- الأسماء التی تسمی : «أسماء الأفعال» (1) وهی : التی تنوب عن الفعل فی معناه وفی عمله وزمنه ، ولا تدخل علیها عوامل تؤثر فیها. مثل : هیهات القمر : بمعنی بعد جدّا ، وأفّ من المهمل ، بمعنی أتضجّر جدا ، وآمین یا رب ، بمعنی : استجب. فقد دلت کل کلمة من الثلاث علی معنی الفعل ، ولا یمکن أن یدخل علیها عامل قبلها یؤثر فیها بالرفع ، أو النصب ، أو الجر ... بخلاف : سیرا تحت رایة الوطن ، سماعا نصیحة الوالد ، إکراما للضیف. فإن هذه الکلمات [سیرا ، وسماعا ، وإکراما ، وأشباهها] تؤدی معنی فعلها تماما ، ولکن العوامل قد تدخل علیها فتؤثر فیها ؛ فتقول : سرنی سیرک تحت رایة الوطن ، مدحت سیرک تحت رایة الوطن. طربت لسیرک ... وکذا الباقی ؛ ولذلک کانت معربة.

7- الأسماء المرکبة ؛ ومنها بعض الأعداد ؛ مثل : أحد عشر ... إلی تسعة عشر ؛ فإنها مبنیة دائما علی فتح الجزأین. ما عدا اثنی عشر ، واثنتی عشرة ؛ فإنهما یعربان إعراب المثنی (2).

8- اسم «لا» النافیة للجنس (3) - أحیانا - فی نحو : لا نافع مکروه.

9- المنادی ؛ إذا کان : مفردا ، علما ، أو نکرة مقصودة ، مثل : یا حامد ، ساعد زمیلک ، ویا زمیل اشکر صدیقک.

10- بعض متفرقات أخری ؛ مثل : «کم» ، وبعض الظروف ؛ مثل : «حیث» والعلم المختوم بکلمة : «ویه» ، وما کان علی وزن «فعال» - فی رأی قویّ - مثل : حذام ، وقطام ... (وکلاهما اسم امرأة). وکذلک أسماء الأصوات المحکیة مثل : «قاق» ، و «غاق» ، فی نحو : صاحت الدجاجة قاق ، ونعب الغراب غاق (4) ...

ص: 73


1- لها باب خاص فی الجزء الرابع. وسبقت لها إشارة فی ص 47
2- للعدد وأحکامه باب مستقل فی الجزء الرابع.
3- لها باب خاص فی آخر هذا الجزء.
4- لأسماء الأصوات وأحکامها المختلفة باب خاص فی الجزء الرابع.

ملاحظة : یجب الإعراب والتنوین فی کل اسم أصله مفرد مبنیّ ، ثم سمی به ، کما لو سمینا رجلا بکلمة : «أمس» المبنیة علی الکسر فی لغة الحجازیین - أو بکلمة «غاق» التی هی فی أصلها اسم لصوت الغراب (1) ...

* * *

ثالثا : الأفعال. منها المبنی دائما ، وهو : الماضی والأمر. ومنها المبنی حینا والمعرب أحیانا وهو : المضارع.

وأحوال بناء الماضی ثلاثة :

1- یبنی علی الفتح فی آخره إذا لم یتصل به شیء ، مثل : صافح ، محمد ضیفه ، ورحّب به. وکذلک یبنی علی الفتح إذا اتصلت به تاء التأنیث الساکنة ، أو ألف الاثنین ، مثل : قالت فاطمة الحق. والشاهدان قالا ما عرفا.

والفتح فی الأمثلة السابقة ظاهر. وقد یکون مقدرا إذا کان الماضی معتل الآخر بالألف ، مثل : دعا العابد ربه.

2- یبنی علی السکون فی آخره إذا اتصلت به «التاء» المتحرکة التی هی ضمیر «فاعل» ، أو : «نا» التی هی ضمیر فاعل ، أو «نون النسوة» التی هی کذلک. مثل أکرمت الصدیق ، وفرحت به. ومثل : خرجنا فی رحلة طیبة رکبنا فیها السیارة ، أما الطالبات فقد رکبن القطار.

3- یبنی علی الضم فی آخره إذا اتصلت به واو الجماعة ، مثل الرجال خرجوا لأعمالهم.

وأحوال بناء الأمر أربعة :

1- یبنی علی السکون فی آخره إذا لم یتصل به شیء ؛ مثل : اعمل لدنیاک ولآخرتک. وصاحب أهل المروءات. أو : اتصلت به نون النسوة ، مثل : اسمعن یا زمیلاتی (2) ...

ص: 74


1- راجع حاشیة یاسین علی التصریح آخر باب الممنوع من الصرف عند الکلام علی «أمس ویلاحظ ما سبق فی «ج» من ص 29 من فروق تختلف عما هنا.
2- من الجائز توکیده بالنون المشددة مع وجود نون النسوة بشرط أن تکون نون التوکید مشددة مکسورة ، وقبلها ألف ، زائدة تفصل بینها وبین نون النسوة ، نحو : اسمعنانّ یا زمیلاتی - کما سیجیء فی رقم 1 من هامش ص 76 وفی ج 4 باب نون التوکید.

2- یبنی علی فتح آخره إذا اتصلت به نون التوکید الخفیفة ؛ مثل : صاحبن کریم الأخلاق. أو الثقیلة ؛ مثل : اهجرنّ السفیه (1) ...

3- یبنی علی حذف حرف العلة إن کان آخره معتلا ؛ مثل : اسع فی الخیر دائما ، وادع الناس إلیه ، واقض بینهم بالحق. [فاسع : فعل أمر مبنی علی حذف الألف ، لأن أصله : «اسعی» (2). وادع : فعل أمر مبنی علی حذف الواو ؛ لأن أصله : «ادعو». واقض : فعل أمر ، مبنی علی حذف الیاء لأن أصله : «اقضی]». وعند تأکید فعل الأمر بالنون یبقی حرف العلة الواو ، أو الیاء ، ویتعین بناء الأمر علی الفتحة الظاهرة علی الحرفین السالفین ، فإن کان حرف العلة ألفا وجب قلبها یاء تظهر علیها فتحة البناء ؛ لأن الأمر یکون مبنیا علی هذه الفتحة ؛ نحو : اسعین فی الخیر ، وادعون له ، واقضین بالحق.

4- یبنی علی حذف النون إذا اتصل بآخره ألف الاثنین ؛ مثل : اخرجا ، أو واو جماعة ، مثل : اخرجوا ، أو یاء مخاطبة ؛ مثل : اخرجی. فکل واحد من هذه الثلاثة فعل أمر ، مبنی علی حذف النون ، والضمیر فاعل (وهو ألف الاثنین ، أو واو الجماعة ، أو یاء المخاطبة). ومن الأمثلة قوله تعالی لموسی وفرعون : (اذْهَبا إِلی فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغی ،) وقوله : (فَکُلُوا مِنْها حَیْثُ شِئْتُمْ رَغَداً) - وقول الشاعر :

یا دار عبلة بالجواء تکلمی

وعمی (3) صباحا - دار

عبلة - واسلمی

وأما المضارع فیکون معربا إذا لم یتصل آخره بنون التوکید ، أو نون النسوة. ومن الأمثلة - (إِنَّ اللهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ) إن تخلص فی عملک تنفع وطنک. فإن اتصل بآخره اتصالا مباشرا نون التوکید الخفیفة أو الثقیلة بنی علی الفتح (4) مثل : والله لأقومن بالواجب. ولأعملنّ ما فیه الخیر ، وقول الشاعر :

ص: 75


1- فهو فعل أمر مبنی علی الفتح : لاتصاله بنون التوکید. ولا داعی للتشدد الذی یراه بعض النحاة ، إذ یقول : فعل أمر مبنی علی سکون مقدر منع من ظهوره الفتحة العارضة لأجل نون التوکید. هذا ، وکل فعل أمر أو مضارع ، اتصلت بآخره نون التوکید فإنه یمتنع أن یتقدم علیه شیء من معمولاته إلا للضرورة - انظر المثال فی رقم 1 من هامش ص 96 - ، لأن تقدم هذا المعمول یخرجه من حیز التأکید ؛ فیتنافی تقدیمه مع المراد من تأکیده. وأجاز بعض النحاة تقدیم المعمول إن کان شبه جملة. وحجته ورود أمثلة کثیرة تکفی للقیاس علیها. وهذا أحسن - کما سیجیء فی باب نون التوکید ح 4.
2- تکتب الألف هنا یاء ؛ تبعا لقواعد الحروف. وعلی الرغم من کتابتها تسمی ألفا ما دامت الفتحة قبلها.
3- انعمی واسعدی.
4- فی محل رفع - علی المشهور - وقیل : لا محل له.

لا تأخذنّ من الأمور بظاهر

إن الظّواهر تخدع الرّاءینا

فإن کان الاتصال غیر مباشر ؛ بأن فصل بین نون التوکید والمضارع فاصل ظاهر ؛ کألف الاثنین ، أو مقدر ؛ کواو الجماعة ، أو یاء المخاطبة - فإنه یکون معربا ... فمثال ألف الاثنین (ولا تکون إلا ظاهرة) ماذا تعرف عن الصانعین ، أیقومانّ بعملهما؟ ومثال واو الجماعة المقدرة : هؤلاء الصانعون أیقومنّ بعملهم؟ ومثال یاء المخاطبة المقدرة : أتقومنّ بعملک یا سمیرة؟

وإن اتصلت به نون النسوة فإنه یبنی علی السکون (1) ؛ مثل : إن الأمهات یبذلن ما یقدرن علیه لراحة الأبناء. ولا یکون اتصالها به إلا مباشرا (2).

فللمضارع حالتان ؛ الأولی : الإعراب ؛ بشرط ألا یتصل بآخره - مباشرة - نون التوکید الخفیفة أو الثقیلة ، أو نون النسوة.

والثانیة : البناء : إما علی الفتح إذا اتصلت بآخره - مباشرة - نون التوکید. وإما علی السکون إذا اتصلت بآخره نون النسوة (3).

وإذا کان المضارع مبنیا لاتصاله بإحدی النونین وسبقه ناصب أو جازم وجب أن یکون مبنیّا فی محل نصب أو جزم ، أی أنه یکون مبنیا فی اللفظ ، معربا فی المحل. ولهذا أثر إعرابیّ یجب مراعاته. ففی التوابع - مثلا - کالعطف ، إذا عطف مضارع علی المضارع المبنی المسبوق بناصب أو جازم وجب فی المضارع المعطوف

ص: 76


1- فی محل رفع - علی المشهور - وقیل لا محل له
2- فلا یفصل بینهما أحد الضمائر الثلاثة السابقة - ولا غیرها - ؛ لما فی الفصل من التناقض المفسد للمعنی. إذ کیف یشتمل الفعل الواحد علی فاعلین متعارضین ؛ أحدهما : نون النسوة ، وهی تدل علی جماعة الإناث ، والآخر ألف الاثنین ، وهی تدل علی المثنی؟ أو. علی نون النسوة وواو الجماعة ، وهذه تدل علی جماعة الذکور؟ أو علی نون النسوة ویاء المخاطبة ، وهذه تدل علی المفردة المؤنثة؟ أما نون التوکید بنوعیها فإنها قد تقع بعد أحد الضمائر السابقة ، ولکنها بعد ألف الاثنین مشددة ومکسورة ، لکیلا تلتبس فی الخط بنون الأفعال الخمسة التی یعرب معها المضارع. ولا تکون مکسورة مشددة إلا فی هذه الحالة. ومن الممکن أن یجتمع فی آخر المضارع نون النسوة فنون التوکید المشددة المکسورة - لا المخففة - بشرط أن یفصل بینهما الألف المزیدة للفصل هنا ، نحو : أترغبینانّ فی تقدیم العون للبائسات. فالنون الأولی للنسوة ، والمضارع معها مبنی علی السکون وجوبا ، والنون الأخیرة المشددة للتوکید ، ولا تأثیر لها علی المضارع من ناحیة بنائه. وبین النونین الألف الفاصلة - کما أشرنا فی رقم 2 من هامش ص 74 وکما سیجیء البیان بالتفصیل فی ج 4 - باب نونی التوکید.
3- فلا یفصل بینهما أحد الضمائر الثلاثة السابقة - ولا غیرها - ؛ لما فی الفصل من التناقض المفسد للمعنی. إذ کیف یشتمل الفعل الواحد علی فاعلین متعارضین ؛ أحدهما : نون النسوة ، وهی تدل علی جماعة الإناث ، والآخر ألف الاثنین ، وهی تدل علی المثنی؟ أو. علی نون النسوة وواو الجماعة ، وهذه تدل علی جماعة الذکور؟ أو علی نون النسوة ویاء المخاطبة ، وهذه تدل علی المفردة المؤنثة؟ أما نون التوکید بنوعیها فإنها قد تقع بعد أحد الضمائر السابقة ، ولکنها بعد ألف الاثنین مشددة ومکسورة ، لکیلا تلتبس فی الخط بنون الأفعال الخمسة التی یعرب معها المضارع. ولا تکون مکسورة مشددة إلا فی هذه الحالة. ومن الممکن أن یجتمع فی آخر المضارع نون النسوة فنون التوکید المشددة المکسورة - لا المخففة - بشرط أن یفصل بینهما الألف المزیدة للفصل هنا ، نحو : أترغبینانّ فی تقدیم العون للبائسات. فالنون الأولی للنسوة ، والمضارع معها مبنی علی السکون وجوبا ، والنون الأخیرة المشددة للتوکید ، ولا تأثیر لها علی المضارع من ناحیة بنائه. وبین النونین الألف الفاصلة - کما أشرنا فی رقم 2 من هامش ص 74 وکما سیجیء البیان بالتفصیل فی ج 4 - باب نونی التوکید.

صورۀ

ص: 77

ص: 78

أن یتبع محل المعطوف علیه فی النصب أو الجزم. وکذلک المضارع المبنی إن کان معطوفا علیه ؛ فإنه یکون مبنیّا فی محل رفع - فی الرأی المشهور (1) الذی سبقت الإشارة إلیه

ص: 79


1- راجع الصبان ج 1 فی هذا الباب عند الکلام علی بناء المضارع وج 3 فی أول باب إعراب الفعل. وفی بعض ما سبق یقول ابن مالک : والاسم منه معرب ومبنی ؛ لشبه من الحروف مدنی کالشّبه الوضعیّ فی اسمی «جئتنا» والمعنویّ فی : «متی» وفی : «هنا» وکنیابة عن الفعل ، بلا تأثّر ، وکافتقار أصّلا ومعرب الأسماء : ما قد سلما من شبه الحرف ، کأرض وسما یقول : الاسم قسمان ؛ معرب ، ومبنی. وسبب بنائه شبه یدنیه - أی : یقربه من الحروف - وسیجیء رد هذا - وأبان الشبه المدنی من الحروف (أی : المقرب منها) فقال : إنه الشبه الوضعی بأن یکون فی صیغته موضوعا علی حرف واحد ، أو علی حرفین ؛ کالضمیرین : «التاء» و «نا» فی جملة : «جئتنا» ، وکالشبه المعنوی فی کلمتی : «متی» «وهنا». فکل واحدة منهما اسم مبنی ؛ لأنه یؤدی معنی کان حقه أن یؤدی بالحرف ، فأشبه الحرف فی تأدیة معنی معین ، وکأن ینوب عن الفعل بلا تأثر ، أو أن یحتاج دائما بعده إلی جملة. وقد سبق الکلام علیهما فی رقم 2 من هامش ص 47 وفی ص 72 فالأول کاسم الفعل ، والثانی کاسم الموصول. ثم قال ابن مالک فی بناء الأفعال والحروف. وفعل «أمر» و «مضیّ» بنیا وأعربوا «مضارعا» إن عریا من نون توکید مباشر ، ومن نون إناث ؛ کیرعن من فتن وکلّ حرف مستحقّ للبنا والأصل فی المبنیّ أن یسکّنا «إن عری من نون توکید» أی : إن تجرد من نون توکید.

زیادة وتفصیل

اشارة

(ا) الإعراب المحلیّ والتقدیریّ.

یتردد علی ألسنة المعربین أن یقولوا فی المبنیات ، وفی کثیر من الجمل المحکیة وغیر المحکیة ، إنه فی محل کذا - من رفع ، أو نصب ، أو جر ، أو جزم ... فما معنی أنه فی محل معیّن؟ فمثلا : یقولون فی «جاء هؤلاء» ... إن کلمة : «هؤلاء» مبنیة علی الکسر فی محل رفع فاعل - وفی : «قرأت الصحف من قبل» ... إن کلمة : «قبل» مبنیة علی الضم فی محل جر ... وفی : «رأیت ضیفا یبتسم» ، إن الجملة المضارعیة فی محل نصب صفة ... وهکذا.

المراد من أن الکلمة أو الجملة فی محل کذا ، هو أننا لو وضعنا مکانها اسما معربا لکان مرفوعا ، أو منصوبا ، أو مجرورا. وفی بعض الحالات لو وضعنا مکانها مضارعا معربا لکان منصوبا أو مجزوما. فهی قد حلّت محل ذلک اللفظ المعرب ، وشغلت مکانه ، وحکمه الإعرابی الذی لا یظهر علی لفظها.

أما التقدیری فقد سبق (1) أنه العلامة الإعرابیة التی لا تظهر علی الحرف الأخیر من اللفظ المعرب ؛ بسبب أن ذلک الحرف الأخیر حرف علة لا تظهر علیه الحرکة الإعرابیة ، کالألف فی مثل : إن الهدی هدی الله ، واستجب لداعی الهدی.

ونتیجة لما سبق یکون الإعراب المحلی منصبّا علی الکلمة المبنیة کلها ، أو علی الجملة کلها ، ولیس علی الحرف الأخیر منهما. وأن التقدیری منصب علی الحرف الأخیر من الکلمة.

وهناک رأی آخر لا یجعل الإعراب المحلی مقصورا علی المبنی وبعض الجمل - کرأی الأکثریة - وإنما یدخل فیه أیضا بعض الأسماء المعربة صحیحة الآخر بشرط ألا یظهر فی آخر الکلمة المعربة علامتان مختلفتان للإعراب ، ومن أمثلته عنده : ما جاءنی من کتاب ، فکلمة «کتاب» مجرورة بالحرف : «من» الزائد. وهی فی محل رفع فاعل للفعل : «جاء». وقد تحقق الشرط فلم یجتمع فی آخرها علامتان ظاهرتان للإعراب. وأصحاب الرأی الأول یدخلون هذا النوع فی التقدیری

ص: 80


1- فی ص 69 وقد أشرنا فیها إلی نوع آخر سیجیء فی «و» من ص 143 أما حصر مواضعه ففی ص 179 وما بعدها.

فیقولون فی إعرابه : مجرور لفظا مرفوع تقدیرا (1) ... والخلاف لفظیّ. ولعل الأخذ بالرأی الثانی أنفع ، لأنه أعمّ.

ویدخل فی الإعراب المحلی عدة أشیاء. أظهرها المبنیات کلها ، والجمل التی لها محل من الإعراب ، محکیة وغیر محکیة ، والمصادر المنسبکة ، وکذا الأسماء المجرورة بحرف جرّ زائد فی رأی سلف. - وکما سیجیء فی ج 2 ص 350 م 89 - والمنادی المستغاث (ج 4)

هذا ولا یمکن إغفال الإعراب المحلی والتقدیری ، ولا إهمال شأنهما ، إذ یستحیل ضبط توابعهما - مثلا - بغیر معرفة الحرکة المقدرة أو المحکیة (2) بل یستحیل توجیه الکلام علی أنه فاعل أو مفعول ، أو مبتدأ ، أو : مضارع مرفوع - وما یترتب علی ذلک التوجیه من معنی إلا بعد معرفة حرکة کل منهما. وستجیء إشارة لبعض ما سبق فی ص 178 وللإعراب المحلی فی ص 281 وأیضا فی ج 2 ص 35 م 89.

(ب) تلمس النحاة أسبابا للبناء والإعراب ، أکثرها غیر مقبول. وسنشیر إلیه ، داعین إلی نبذه.

قالوا فی علة بناء الفعل : إن الفعل لا تتعاقب علیه معان مختلفة ، تفتقر فی تمییزها إلی إعراب ، ولا تتوالی علیه العوامل المختلفة التی تقتضی ذلک. فالفعل - وحده - لا یؤدی معنی الفاعلیة ، ولا المفعولیة ، ولا غیرهما مما اختص به الاسم وکان سببا فی إعرابه - کما سبق (3) ، إلا المضارع فإنه قد یؤدی معنی زائدا علی معناه الأصلی ، بسبب دخول بعض العوامل. فحین نقول ؛ لا تهمل عملک ، وتجلس فی البیت (بجزم : تجلس) یکون المعنی الجدید : النهی عن الجلوس أیضا ، (بسبب مجیء الواو التی هی لعطف الفعل علی الفعل هنا). وحین نقول : لا تهمل عملک ، وتجلس فی البیت (بنصب : تجلس) یکون المعنی الجدید : النهی عن اجتماع الأمرین معا ، وهما الإهمال والجلوس. فالنهی منصب علیهما معا ، بحیث لا یجوز عملهما فی وقت واحد ؛ فلا مانع أن یقع أحدهما وحده بغیر الآخر ، ولا مانع من عمل کل منهما فی وقت یخالف وقت الآخر - (والواو هنا للمعیة وهی التی اقتضت ذلک).

ص: 81


1- راجع الصبان ج 2 أول باب الفاعل عند الکلام علی أحد أحکامه وهو : الرفع.
2- من المهم ملاحظة ما سبق فی رقم 1 من هامش ص 71.
3- فی ص 67.

وإذا قلت : لا تهمل القراءة ، وتجلس (برفع : تجلس) ، فالنهی منصب علی القراءة وحدها ، أما الجلوس فمباح. (فالواو هنا : للاستئناف ، وهی تفید ذلک المعنی.) فالمضارع قد تغیرت علامة آخره علی حسب تغیر المعانی المختلفة ، والعوامل التی تعاقبت علیه ، فأشبه الاسم من هذه الجهة ، فأعرب مثله.

أما بناؤه مع نون التوکید ، ونون النسوة فلأنهما من خصائص الأفعال ، فوجود إحداهما فیه أبعده من مشابهة الاسم المقتضیة للإعراب ، فعاد إلی الأصل الأول فی الأفعال ؛ وهو البناء ؛ لأن الأصل فیها البناء - کما سبق - وأما الإعراب فی المضارع أحیانا ، فأمر عارض ، ولیس بأصیل.

هکذا یقولون! ولیس بمقبول ، فهل یقبل أن سبب بناء الحرف هو دلالته فی الجملة علی معنی فی غیره ، وعدم دلالته وهو مستقل علی ذلک المعنی الترکیبیّ ؛ فلا حاجة له بالإعراب ؛ لأن وظیفة الإعراب تمییز المعانی الترکیبیة بعضها من بعض؟ إذا لم التفرقة فنقول إن کلمة : «ابتداء» وحدها التی تفهم من الحرف : «من» هی اسم ، وکلمة : «من» نفسها هی حرف ، مع أنها تفید عند وضعها فی الجملة معنی الابتداء ، فکلاهما یتوقف فهمه علی أمرین ؛ ؛ شیء کان هو المبتدئ ، وشیء آخر کان المبتدأ منه؟

هل السبب ما سطروه من دلیل جدلیّ مرهق ، هو : أن معانی الأسماء تتوقف علی أمور کلیة معلومة لکل فرد بداهة ، فکأنها مستقلة ؛ مستغنیة عن غیرها؟ فلفظة : «ابتداء» عندهم معناها مطلق ابتداء شیء من شیء آخر ، بغیر تخصیص ، ولا تعیین ، ولا تحدید. وشیء هذا شأنه یمکن أن یعرفه کل أحد ، ویدرکه بالبداهة کل عقل. بخلاف معنی الابتداء فی لفظة : «من» حین نقول مثلا : سرت من القاهرة ، فإن الابتداء هنا خاص مقید بأنه ابتداء «سیر» لا ابتداء قراءة : ، أو أکل ، أو کتابة ، أو سفر. أو ... وأنه ابتداء «سیر» من مکان معین ؛ هو : القاهرة. فلیس الابتداء فی هذا المثال معنی مطلقا کما فی سابقه ، ولیس فهمه ممکنا إلا بعد إدراک أمرین مخصوصین ؛ یتوقف فهمه علیهما ، ولا یعرفان إلا بالتصریح باسمهما ، هما : السیر والقاهرة. أی : أن المعنی إن لوحظ فی ذاته مجردا من کل قید ، کان مستقلا ، وکان التعبیر عنه من اختصاص الاسم ، «کالابتداء» ، وإن لوحظ حاله بین أمرین ، کان غیر

ص: 82

مستقل ، وکان التعبیر عنه مقصورا علی الحرف (1) ...

فهل نقبل هذه العلل المصنوعة الغامضة؟ وهل عرف العرب الأوائل الفصحاء قلیلا أو کثیرا منها؟ وهل وازنوا واستخدموا القیاس والمنطق وعرفوهما فی جاهلیتهم؟ ثم یعود النحاة فیقولون : إن بعض الأسماء قد یبنی لمشابهته الحرف ، مثل : «من» و «أین» و «کیف» وغیرها من أسماء الاستفهام ... ومثل «من» ، و «ما» وغیرهما من أدوات الشرط والتعلیق ... فأسماء الاستفهام إن دلت علی معنی فی نفسها فإنها تدل فی الوقت ذاته علی معنی ثان فیما بعدها ؛ فکلمة : «من» الاستفهامیة ، اسم ؛ فهی تدل بمجردها وذاتها علی مسمّی خاص بها ، إنسانا غالبا ، أو غیر إنسان - وتدل علی الاستفهام من خارجها ، بسبب افتراض أن همزة الاستفهام معها تقدیرا ... فکأنک إذا قلت : من عندک؟ تفترض أن الأصل أمن عندک؟ وأنهما فی تقدیرک کلمتان : «الهمزة» ، وهی حرف معنی ، و «من» الدالة علی المسمی بها ، أی : علی الذات الخاصة التی تدل علیها : «من» فلما کانت «من» لا تستعمل هنا إلا مع الاستفهام المقدر ، استغنی وجوبا عن همزة الاستفهام لفظا ، للزومها کلمة : «من» معنی ، وصارت «من» نائبة عنها حتما ؛ ولذلک بنیت ؛ فدلالتها علی الاسمیة هی دلالة «لفظیة» ، مرجعها لفظها ، ودلالتها علی الاستفهام جاءت من خارج لفظها (2). ولا یجوز إظهار الهمزة فی الکلام کما تظهر کلمة : «فی» مع الظروف جوازا ؛ لأن الأمر مختلف ؛ إذ الظرف لیس متضمنا معنی : «فی» بالطریقة السالفة ، فیستحق البناء کما بنیت «من» الاستفهامیة ، وإنما کلمة : «فی» محذوفة من الکلام جوازا لأجل التخفیف ؛ فهی فی حکم المنطوق به ؛ ولذلک یجوز إظهارها. بخلاف الهمزة (3).

وکذلک کلمة : «أین» تدل وهی مجردة علی معنی فی نفسها ، هو : المکان ، وتدل أیضا علی الاستفهام فیما بعدها ، وهو معنی آخر جاءها من خارجها ؛ بسبب تقدیر همزة الاستفهام معها ، ثم الاستغناء عن الهمزة وجوبا ؛ لوجود ما یتضمن معناها.

ص: 83


1- أول حاشیة الأمیر علی الشذور ، عند الکلام علی الاسم.
2- شرح المفصل ج 1 القسم الأول - قسم الأسماء.
3- شرح المفصل ج 2 ص 41 فی الظروف.

وکلمة : «کیف» : تدل علی معنی فی نفسها ، وهو : الحال ، وتدل علی معنی فیما بعدها ، وهو : الاستفهام ، علی الوجه السالف ، وکذلک أسماء الشرط ... فإن کلمة : «من» تدل علی العاقل - غالبا - بنفسها ، وکلمة : «ما» تدل - غالبا - علی غیر العاقل بنفسها ، وهما تدلان علی التعلیق والجزاء فیما بعدهما ؛ فکأن کل کلمة من أسماء الاستفهام ، وأسماء الشرط ، ونحوها - تقوم مقام کلمتین فی وقت واحد ، إحداهما : اسم یدل علی مسمی ، والأخری : حرف یدل علی معنی فی غیره ، وهذا الحرف یجب حذفه لفظا ، لوجود الاسم الذی یتضمنه تقدیرا (1) ویؤدی معناه تماما. ومن هنا نشأ التشابه بین نوع من الأسماء والحروف - فی خیال بعض النحاة - فاستحق ذلک النوع من الأسماء البناء ؛ لعدم تمکنه فی الاسمیة تمکنا یبعده من مشابهة الحرف.

ولا یکتفون بذلک بل یسترسلون فی خلق علل یثبتون بها أن الأصل فی البناء السکون ، وأن العدول عن السکون إلی الحرکة إنما هو لسبب ، وأن الحرکة تکون ضمة ، أو فتحة ، أو کسرة ، لسبب آخر ، بل لأسباب!! فما هذا الکلام (2)؟ وما جدواه لدارسی النحو؟ أیعرفه العرب الخلّص أصحاب اللغة ، أو یخطر ببالهم؟

علینا أن نترک هذا کله فی غیر تردد ، وأن نقنع بأن العلة الحقیقیة فی الإعراب والبناء لیست إلا محاکاة العرب فیما أعربوه أو بنوه. من غیر جدل زائف ، ولا منطق متعسف ، وأن الفیصل فیهما راجع (کما قال بعض السابقین (3)) إلی أمر واحد ؛ هو : «السماع عن العرب الأوائل» ، واتباع طریقتهم التی نقلت عنهم ، دون الالتفات إلی شیء من تلک العلل ، التی لا تثبت علی التمحیص. وعلی هذا

ص: 84


1- راجع الصفحة الأولی من الجزء الثامن من شرح المفصل القسم الثالث : الحروف.
2- نری بعضه فی حاشیة الخضری وشروح التوضیح والصبان وغیرها ... أول باب المعرب والمبنی.
3- حاشیة الخضری الجزء الأول - أول المعرب والمبنی ، عند الکلام علی بناء الأفعال ، وحاشیة الأمیر علی الشذور عند الکلام علی المضارع. وکذلک ما أشرنا إلیه فی المقدمة - هامش ص 8 - من رأی «أبی حیان» الوارد فی «الهمع» ج 1 ص 56 حیث یقول عن تعلیلات النحاة لحرکة الضمیر : «إنها تعلیل وضعیات ، والوضعیات لا تعلل» یرید بالوضعیات : الألفاظ التی وضعها العرب علی صورة خاصة وشکل معین من غیر علة للوضع ، ولا سبب سابق یدعو إلی اختیار هذه الصورة وذلک الشکل ؛ فلیس هناک سبب إلا مجرد النطق المحض.

لا یصح الأخذ بما قاله النحاة (1) من أن الاسم یبنی إذا شابه الحرف مشابهة قویة (2) فی أحد أمور أربعة :

أولها : الشبه الوضعی

بأن یکون الاسم موضوعا أصالة علی حرف واحد ، أو علی حرفین ثانیهما لین ، مثل : التاء ، ونا ، فی : جئتنا ، وهما ضمیران مبنیان ؛ لأنهما یشبهان الحرف الموضوع علی مقطع واحد ، کباء الجر ، وواو العطف ، وغیرهما ، من الحروف الفردیة المقطع ، أو ثنائیة المقطع ، مثل ، قد ، هل ، لم.

ولو صح هذا ، لسألناهم عن سبب بناء الضمائر الأخری التی تزید علی حرفین ، مثل : نحن ، وإیّا .... وسألنا عن سبب إعراب أب ، وأخ ، وید ، ودم ، ونحوها مما هو علی حرفین؟ نعم أجابوا عن ذلک بإجابات ، ولکنها مصنوعة ، صادفتها اعتراضات أخری ، ثم إجابات ....

ثانیهما : الشبه المعنوی

بأن یتضمن الاسم بعد وضعه فی جملة ، معنی جزئیّا غیر مستقل ، زیادة علی معناه المستقل الذی یؤدیه فی حالة انفراده ، وعدم وضعه فی جملة.

وکان الأحق بتأدیة هذا المعنی الجزئی عندهم : الحرف. ومعنی هذا : أن الاسم قد خلف الحرف فعلا ، وحل محله فی إفادة معناه ، وصرف النظر عن الحرف نهائیّا فلا یصح ذکره ، ولا اعتبار أنه ملاحظ ؛ فلیس حذفه للاقتصار کحذف : «فی» التی یتضمنها أنواع من الظروف ، أو حذف کلمة : «من» التی یتضمنها أنواع من التمییز ، فإن هذا التضمن فی الظرف والتمییز لا یقتضی البناء - کما یقولون -. أما التضمن الذی یقتضی البناء عندهم ، فهو التضمن اللازم ، الذی یتوقف علیه المعنی الذی قصد عند التضمن. فیخرج الظرف والتمییز. وتدخل أسماء الشرط والاستفهام ، مثل : متی تحضر أکرمک - ومتی تسافر؟

فکلمة : «متی» فی المثال الأول تشبه الحرف «إن» فی التعلیق والجزاء ، وهی فی المثال الثانی تشبه همزة الاستفهام ، فکلتاهما اسم من جهة ، ومتضمنة معنی

ص: 85


1- کابن هشام وغیره.
2- هی التی لا یعارضها شیء من خصائص الأسماء کالتثنیة والإضافة.

الحرف من جهة أخری ، فمتی الشرطیة وحدها تدل علی مجرد تعلیق مطلق ، ولکنها بعد وضعها فی الجملة دلت علی معنی فی الجملة التی بعدها ، وهو تعلیق شیء معین بشیء آخر معین : أی : توقف وقوع الإکرام علی وقوع الحضور ، فحصول الأمر الثانی المعین : مرتبط بحصول الأول المعین.

وهی وحدها فی الاستفهام تدل علی مجرد الاستفهام والسؤال ، من غیر دلالة علی الشیء الذی تسأل عنه ، أو عن صاحبه ، أو غیر ذلک. لکنها بعد وضعها فی الجملة دلت علی معنی جزئی جدید ؛ فوق المعنی السابق : هو أن السؤال متجه إلی معنی محدد. هو الحضور ، ومتجه إلی المخاطب أیضا.

وکذلک اسم الإشارة ، مثل کلمة : هذا ؛ فإنها وهی منفردة ، تدل علی مطلق الإشارة ، من غیر دلالة علی مشار إلیه أو نوعه ؛ أهو محسوس أم غیر محسوس؟ حیوان أم غیر حیوان؟

لکن إذا قلنا : هذا محمد ، فإن الإشارة صارت مقیدة بانضمام معنی جدید إلیها ؛ هو الدلالة علی ذات محسوسة لإنسان (1).

فإن صح ما یقولونه من هذه التعلیلات ، فلماذا أعربت : «أیّ» الشرطیة ، «وأیّ» الاستفهامیة ، وأسماء الإشارة المثناة ؛ مثل : هذان عالمان ، وهاتان حدیقتان؟ نعم ؛ لهذا عندهم إجابة ، وعلیها اعتراض ، ثم إجابة ، ثم اعتراض ...

ثالثها : الشبه الاستعمالی

بأن یکون الاسم عاملا فی غیره ، ولا یدخل علیه عامل - مطلقا - یؤثر فیه فهو کالحرف : فی أنه عامل غیر معمول ، کأسماء الأفعال ، مثل : هیهات القمر ، وبله المسیء ، فهیهات : اسم فعل ماض ، بمعنی بعد جدّا ، وفاعله القمر ، وبله : اسم فعل أمر ، بمعنی : اترک ، وفاعله ضمیر ، تقدیره : أنت ، والمسیء :مفعول به ، وکلاهما قد عمل الرفع فی الفاعل ، کما أن «بله» عملت النصب فی المفعول ، ولا یدخل علی واحد من اسمی الفعل عامل یؤثر فیه.

ص: 86


1- راجع 289 م 24.

رابعها : الشبه الافتقاری

وذلک بأن یفتقر الاسم افتقارا لازما إلی جملة بعده ، أو ما یقوم مقامها - کالوصف فی صلة «أل» - أو إلی شبه جملة ؛ کالاسم الموصول ، فإنه یحتاج بعده إلی جملة أو ما یقوم مقامها ، أو شبهها ، تسمی : جملة الصلة ؛ لتکمل المعنی ، فأشبه الحرف فی هذا ؛ لأن الحرف ، موضوع - غالبا - لتأدیة معانی الأفعال وشبهها إلی الأسماء فلا یظهر معناه إلا بوضعه فی جملة ، فهو محتاج إلیها دائما. فاسم الموصول یشبهه من هذه الناحیة : فی أنه لا یستغنی مطلقا عن جملة بعده ، أو ما ینوب عنها ، أو شبهها ، یتم بها المعنی.

فإن صح هذا فلم أعربت ... «أی» الموصولة - أحیانا - ، و «اللذان» ، و «اللتان»؟ أجابوا : أن السبب هو ما سبق فی نظائرها ؛ من الإضافة فی کلمة : «أی». والتثنیة فیما عداها. والإضافة والتثنیة من خصائص الأسماء ، فضعف شبه تلک الکلمات بالحروف ، فلم تبن. وعلی هذه الإجابة اعتراض ، فإجابة ، فاعتراض ...

فما هذا العناء فیما لا یؤیده الواقع ، ولا تساعفه الحقیقة؟ وأی نفع فیما ذکر من أسباب البناء وأصله ، ومن سبب ترک السکون فیه إلی الحرکة ، وسبب اختیار حرکة معینة لبعض المبنیات دون حرکة أخری ...

خامسها : الشبه اللفظی

زاده بعضهم (1) ، ومثّل له بکلمة «حاشا» الاسمیة قائلا : إنها مبنیة لشبهها «حاشا» الحرفیة فی اللفظ. وکذا بکلمة «علی» الاسمیة ، و «کلّا» بمعنی «حقّا». و «قد» الاسمیة. وقیل إن الشبه اللفظی مجوّز للبناء ، لا محتم له. وعلی هذا یجوز فی الأسماء السابقة أن تکون معربة تقدیرا کإعراب الفتی. ما عدا «قد» فإنها تعرب لفظا - کما سبق - وهناک أنواع أخری من الشبه لا قیمة لها.

إن الخیر فی إهمال کل هذا ، وعدم الإشارة إلیه فی مجال الدراسة والتعلیم ، والاستغناء عنه بسرد المواضع التی یکون فیها الاسم مبنیّا وجوبا ، وهو العشرة الماضیة (2) ومبنی جوازا فی مواضع أخری ستذکره فی مواطنها.

ص: 87


1- راجع الصبان ج 1 باب المعرب والمبنی عند الکلام علی أنواع الشبه ، والتنبیه الثانی.
2- ص 72

ح - اشترطوا فی إعراب المضارع - کما سبق - ألا تتصل به اتصالا مباشرا نون التوکید ، أو نون الإناث (1) ؛ فالمضارع معرب فی مثل : «هل تقومانّ؟ وهل تقومنّ؟ وهل تقومنّ»؟ لأن نون التوکید لم تتصل به اتصالا مباشرا ، ولم تلتصق بآخره ، لوجود الفاصل اللفظی الظاهر ، وهو : ألف الاثنین ، أو المقدر ، وهو واو الجماعة ، أو یاء المخاطبة ؛ فأصل تقومانّ : تقوماننّ. فاجتمعت ثلاث نونات فی آخر الفعل. وتوالی ثلاثة أحرف هجائیة من نوع واحد ، وکلها لیس أصلیا ، وإنما هو من حروف الزیادة (2) - أمر مخالف للأصول اللغویة ، فحذفت نون الرفع ؛ لوجود ما یدل علیها ، وهو أن الفعل مرفوع لم یسبقه ناصب أو جازم یقتضی حذفها ، ولم تحذف نون التوکید المشددة ، لأنها جاءت لغرض بلاغی یقتضیها ، وهو توکید الکلام وتقویته. ولم تحذف إحدی النونین المدغمتین لأن هذا الغرض البلاغی یقتضی التشدید لا التخفیف (3). فلما حذفت النون الأولی من الثلاث ، وهی نون الرفع ، کسرت المشددة ، وصار الکلام ؛ «تقومانّ» (4).

وأصل «تقومنّ» هو : «تقوموننّ» حذفت النون الأولی للسبب السالف ، فصار «تقومونّ» ؛ فالتقی ساکنان ... واو الجماعة والنون الأولی المدغمة فی نظیرتها ؛

ص: 88


1- لا یکون اتصال نون النسوة به إلا مباشرا.
2- یتحتم امتناع توالی الأمثال إذا کانت الأحرف الثلاثة المتماثلة زوائد ؛ فلیس منه : (القاتلات جننّ أو یجننّ) ، لأن الزائد هو المثل الأخیر من الثلاثة. ولیس منه قوله تعالی : (لَیُسْجَنَنَّ ، وَلَیَکُوناً ، مِنَ الصَّاغِرِینَ) - کما یقول الصبان فی هذا الموضع وفی باب نون التوکید ج 3 - ولیس منه أیضا الفعل ومشتقاته فی مثل : أنا أحییک ، أو : أنا محییک (وراجع شرح الرضی للشافیة ، ج 2 هو 186 وما یلبها). وهناک حالات أخری یتحتم فیها المنع ، سیجیء ذکرها فی الجزء الرابع (باب تثنیة المقصور والممدود ، وجمعهما ...)
3- إیضاح هذا ، وتفصیله فی ج 4 ص 142 م 144 باب نون الثوکید.
4- التقاء الساکنین (وهما ألف الاثنین والنون المشددة) جائز هنا ؛ لأنه علی بابه وعلی حده : أی : علی الباب القیاسی له ، وموافق له ؛ وذلک لتحقق الشرطین المسوغین للتلاقی ؛ وهما وجود حرف مد (أی : حرف علة قبله حرکة تناسبه) وبعده فی الکلمة نفسها حرف مدغم فی مثله ، أی : حرف مشدد. مثل : خاصة ، دابة ، الضالین. فإن کانت نون التوکید خفیفة لم یصح وقوعها بعد الألف مطلقا ، سواء أکانت ألف اثنین ، أم زائدة للفصل بین نون التوکید ونون النسوة ، فی مثل : تعلیّمنان یافتیات - وسیجیء بیان هذا فی موضعه المناسب (ج 4 باب نون التوکید) - انظر هامش الصفحة الآتیة. هذا ، ویصح التقاء الساکنین فی الوقف بغیر شرط - کما قلنا فی ص 49 - وکما یجیء فی ج 4 ص 139 م 143 - وکذلک عند سرد بعض الألفاظ ؛ مثل : کاف - میم ، صاد ...

فحذفت الواو للتخلص من التقاء الساکنین (1). وإنما وقع الحذف علیها لوجود علامة قبلها تدل علیها ؛ وهی : «الضمة» ولم تحذف النون ، مراعاة للغرض البلاغی السابق ؛ ولعدم وجود ما یدل علیها عند حذفها.

ومثل ذلک یقال فی : «تقومنّ» فأصلها : «تقومیننّ» حذفت النون الأولی ، وبقیت نون التوکید المشددة ، فصار اللفظ أنت تقومینّ ؛ فالتقی. ساکنان : یاء المخاطبة والنون الأولی المدغمة فی نظیرتها. فحذفت الیاء للتخلص من التقاء الساکنین ، ولوجود کسرة قبلها تدل علیها ، ولم تحذف النون للحاجة إلیها ، فصار اللفظ تقومنّ ... فعند إعراب «تقومنّ ... السابقة ، أو تقومنّ ... نقول : فعل مضارع

ص: 89


1- قال بعض النحاة : (إن التقاء الساکنین هنا علی حده ؛ فهو جائز : فلا حاجة إلی حذف الواو والیاء للتخلص منه. ویمکن الدفع بأنه وإن کان جائزا - لا یخلو من ثقل ما ، فالحذف هو للتخلص من الثقل الحاصل به. ا ه الصبان ج 1 فی الکلام علی إعراب المضارع ...) وقال فریق آخر من النحاة : (إن قلت : هو هنا علی حده ؛ لکون الأول من الساکنین حرف مد «أی : حرف علة قبله حرکة تناسبه» والثانی مدغما فی مثله. وهما فی کلمة واحدة لأن الواو والیاء کجزئها - فلم لم یقبل کما قبل فی نحو دابة؟ أجیب : بأن الساکنین هنا من کلمتین ؛ لا من کلمة واحدة ؛ إذ الواو والیاء کلمة مستقلة ، وکونهما کالجزء لا یعطیهما حکمه من کل وجه ؛ فلم یغتقر التقاؤهما لثقله ... ا ه خضری فی الموضع السابق أیضا). ثم قال : وإنما اغتفر فی ألف الاثنین لأن حذف الألف یوجب فتح النون ؛ لفوات شبههما بنون المثنی فیلتبس بفعل الواحد ... ا ه) والذی نراه فی الواو والیاء - ویؤیده السماع القوی کالذی فی قوله تعالی (أَتُحاجُّونِّی فِی اللهِ ...) أنه یجوز حذفهما وعدم حذفهما فی الأمثلة السابقة وأشباهها علی حسب الاعتبارین السالفین. لکن الحذف هو الأکثر - طبقا لما سیأتی فی ص 162 و 255 ویؤید صحة الحذف وعدمه ما جاء فی حاشیة الألوسی علی القطر (ص 57) من أن التقاء الساکنین المغتفر یتحقق بأن یکون الأول منهما حرف مد (أی : حرف علة قبله حرکة تناسبه) والثانی منهما مدغما فی مثله : کدابة والضالین. فلیس فی هذا الکلام ما یدل علی اشتراط اجتماعهما فی کلمة واحدة. ومن أمثلته قوله تعالی : (فَاسْتَقِیما ، وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِیلَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ) فقد اشتملت الآیة علی المضارع «تتیبعان» الذی وقع فیه التقاء الساکنین علی حده المباح مع أن الالتقاء هنا فی کلمتین. أما من یشترطون أن یکون الالتقاء فی کلمة واحدة. فیقولون فی المضارع السابق وأشباهه مما لم یحذف فیه حرف العلة ، إن سبب بقاء حرف العلة ، وعدم حذفه هو ضرورة طارئة ، کمنع اللبس فی المضارع السالف ، لأن حذف الألف یوقع فی اللبس بین فعل الواحد والفعل المسند لألف الاثنین ، ولا یمکن إبقاء الألف وحذف نون التوکید ، لئلا یضیع الغرض الهام الذی جاءت لتحقیقه ؛ وهو التوکید. ویؤید ما سبق أیضا ما جاء فی هامش الشذور - ص 15 - فهو شبیه بما نقله الألوسی. وجاء فی شرح التصریح (ج 2 باب الإبدال عند الکلام علی إبدال الواو من الیاء) ما نصه : یجوز الجمع بین ساکنین إذا کان الأول حرف لین - یرید حرف مدّ. والثانی مدغما - - کدابة ...» أه. فقد سکت عن شرط الالتقاء فی کلمة واحدة ، فکان شأنه کشأن المراجع الاخری التی سکنت وترکت شرط التلاقی فی کلمة واحدة. ولهذه المسألة بیان فی باب نون التوکید ج 4

مرفوع وعلامة رفعه النون المقدرة (1) لتوالی النونات ، والضمیر المحذوف لالتقاء الساکنین (واو الجماعة ، أو : یاء المخاطبة) فاعل ، مبنی علی السکون فی محل رفع.

وعند إعراب «تقومانّ» نقول فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه النون المقدرة لتوالی النونات. والنون المشددة للتوکید. ومثل هذا فی قوله تعالی : (لَتُبْلَوُنَّ فِی أَمْوالِکُمْ وَأَنْفُسِکُمْ ...) فأصل ... تبلونّ : تبلووننّ ؛ تحرکت الواو الأولی وانفتح ما قبلها ؛ فقلبت ألفا ، ثم حذفت الألف لالتقائها ساکنة مع واو الجماعة ، ثم حذفت نون الرفع لتوالی النونات ، فالتقی ساکنان : واو الجماعة والنون الأولی من نونی التوکید ، فحرکت واو الجماعة بحرکة تناسبها - وهی الضمة - للتخلص من اجتماع الساکنین. ولم تحذف الواو لعدم وجود علامة قبلها تدل علیها ، ولم تحذف نون التوکید أو تخفف لوجود داع بلاغیّ یقتضی بقاءها مشددة ، فلم یبق إلا تحریک الواو بالضمة ، التی تناسبها.

وکذلک «ترینّ» فی قوله تعالی یخاطب مریم : (فَإِمَّا تَرَیِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِی إِنِّی نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُکَلِّمَ الْیَوْمَ إِنْسِیًّا) أصلها : ترأییننّ ، نقلت حرکة الهمزة إلی الراء بعد حذف السکون ، وحذفت الهمزة تخفیفا (2) ، فصارت الکلمة : ترییننّ ، ثم حذفت النون الأولی للجازم وهو : «إن» الشرطیة المدغمة فی «ما» الزائدة ؛ فصارت : تریینّ ، والیاء الأولی متحرکة وقبلها فتحة ، فانقلبت

ص: 90


1- نون الرفع هنا مقدرة (کما هو مبین فی رقم 5 من ص 184) لأنها محذوفة لعلة : والمحذوف لعلة کالثابت. ولکنها لا تظهر فلیست محذوفة حذفا نهائیا ، وإنما هی مختفیة ، ولذا فالإعراب هنا تقدیری لا لفظی. وهذا شأنها دائما مع المضارع المؤکد بالنون المسند إلی ألف الأثنین ، أو واو الجماعة ؛ أو یاء المخاطبة ، سواء أکان المضارع صحیح الآخر أم معتلا وسواء أکانت نون التوکید مشددة أم غیر مشددة ، إلا مع ألف الاثنین ؛ فیجب التشدید والکسر ؛ لأن نون التوکید الخفیفة لا تقع بعد ألف الاثنین ، وکذلک لا تقع بعد نون النسوة إلا بشرط وجود ألف زائدة تفصل بین النونین مع تشدید نون التوکید أیضا وکسرها. (راجع الأشمونی ، وحاشیة الصبان ح 1 عند الکلام» علی بناء المضارع ، وعند الکلام علی الأفعال الخمسة فی آخر باب المعرب والمبنی ، وشرح التوضیح وهامشه ج 1 فی أول الفصل الخاص بالإعراب المقدر فی المقصور والمنقوص) ویجری علی الألسنة الآن عند الإعراب أنها محذوفة ، ولا مانع من قبوله تیسیرا وتخفیفا.
2- الکلام الفصیح یدل علی أن هذا التخفیف ملتزم فی المضارع والأمر من مادة الفعل : «رأی».

ألفا ، فصارت الکلمة : «تراینّ» فالتقی ساکنان الألف وتلک الیاء الأولی (1) ؛ حذفت الألف لالتقاء الساکنین ، فصارت «ترینّ» فالتقت یاء المخاطبة ساکنة مع النون الأولی من النون المشددة ، فحرکت الیاء بالکسرة ، إذ لا یجوز حذفها لعدم وجود کسرة قبلها تدل علیها ، ولا یجوز حذف النون الأولی من المشددة ؛ لأن المقام یتطلبها مشددة ؛ فلم یبق إلا تحریک الیاء بالکسرة التی تناسبها ؛ فصارت : ترینّ. وبمناسبة ما سبق من تحریک واو الجماعة وجوبا نذکر قاعدة لغویة عامة تتصل بواو الجماعة ؛ هی : أنها فی غیر الموضع السابق تضمّ - فی الأغلب - إذا کان ما قبلها مفتوحا وما بعدها ساکنا ، نحو : الصالحون سعوا الیوم فی الخیر ، ولن یسعوا الغداة فی سوء ؛ فارضوا الخطة التی رسموها.

و - وجود التوکید فی المثالین الأولین (تقومنّ ، وتقومنّ) قد یوهم أنها متصلة بآخر المضارع اتصالا مباشرا یقتضی بناءه ؛ لکن الحقیقة غیر ذلک ؛ فهو معرب ، واتصال النون به ظاهری ؛ لا عبرة به ؛ لأنه فی الحقیقة مفصول منها بفاصل مقدر (أی : خفی غیر ظاهر) هو ؛ واو الجماعة المحذوفة ، أو یاء المخاطبة المحذوفة ، وکلاهما محذوف لعلة ، والمحذوف لعلة کالثابت - کما أشاروا (2) - لهذا یکون المضارع فی المثالین السالفین معربا ؛ لا مبنیّا ؛ لأن نون التوکید مفصولة منه حقیقة وتقدیرا. أما فی بقیة الأمثلة (تقومانّ - تبلونّ - ترینّ) فالنون لم تتصل أیضا بآخره ؛ لوجود الفاصل المنطوق به ، الحاجز بینهما ، ونعنی به : الضمیر (ألف الاثنین - واو الجماعة - یاء المخاطبة). فالمضارع هنا معرب أیضا ؛ لأن نون التوکید لم تتصل بآخره اتصالا مباشرا. وهذا شأن المضارع دائما ؛ یظل محتفظا بإعرابه ، علی الرغم من وجود نون التوکید بعده إذا لم تکن متصلة بآخره اتصالا مباشرا ؛ بحیث لا یفصل بینهما فاصل لفظی ، مذکور أو مقدر.

ولهذا ضابط صحیح مطرّد ؛ هو أن المضارع إذا کان مرفوعا بالضمة قبل مجیء نون التوکید ؛ فإنه یبنی بعد مجیئها ؛ لأن الاتصال یکون مباشرا. وإن کان مرفوعا بالنون قبل مجیئها فإنه لا یبنی ؛ لوجود الفاصل الظاهر أو المقدر وهو : الضمیر.

ص: 91


1- التی هی حرف أصلی من أصول الکلمة ولیست یاء المخاطبة.
2- انظر هامش الصفحة السابقة

ه - قلنا إن الماضی یبنی علی السکون فی آخره إذا اتصلت به التاء المتحرکة التی هی ضمیر «فاعل» ، أو «نا» التی هی فاعل کذلک ، أو نون النسوة وهی ضمیر فاعل أیضا ، کما یبنی علی الضم فی آخره إذا اتصل به واو الجماعة. لکن کثیر من النحاة یقول إن هذا السکون عرضیّ طارئ ؛ جاء لیمنع الثقل الناشئ من توالی أربع حروف متحرکة فی کلمتین ، هما أشبه بکلمة واحدة ، (أی : فی الفعل وفاعله التاء ، أو نا ، أو نون النسوة) ، فلیس السکون فی رأیهم مجلوبا من أثر عامل دخل علی الفعل ؛ فاحتاج المعنی لجلبه. لهذا یقولون فی إعرابه : بنی علی فتح مقدر ، منع من ظهوره السکون العارض ... وکذلک یقولون فی الضمة التی قبل واو الجماعة ؛ إنها عرضیة طارئة ؛ لمناسبة الواو فقط ، وإن الفعل بنی علی فتح مقدر منع من ظهوره الضمة العارضة ... إلخ.

ولا داعی لهذا التقدیر والإعنات. فمن التیسیر الذی لا ضرر فیه الأخذ بالرأی القائل بأنه بنی علی السکون مباشرة فی الحالة الأولی ، وعلی الضم فی الحالة الثانیة.

و - لیس من المبنی الأسماء المقصورة ؛ مثل : الفتی ، الهدی ، المصطفی ، ولا الأسماء المنقوصة ؛ مثل : الهادی ، الداعی ، المنادی ؛ لأن ثبات آخرها علی حال واحدة إنما هو ظاهری بسبب اعتلاله ؛ ولکنه فی التقدیر متغیر ؛ فهی معربة تقدیرا ؛ بدلیل أنها تثنی وتجمع فیتغیر آخرها ؛ فنقول فی الرفع : الفتیان ، والفتون. وفی النصب والحر : الفتیین والفتین. وکذلک : الهادیان ، والهادیین والهادون والهادین ... وکذا الباقی.

أما بناء اسم لا - أحیانا - وبعض أنواع المنادی فهو بناء عارض لا أصیل ؛ یزول بزوال سببه وهو وجود : «لا» و «النداء» ، فمتی زال السبب زال البناء العارض. بخلاف المبنی الأصیل ؛ فإن بناءه دائم ...

ص: 92

المسألة 7 : انواع البناء والإعراب

اشارة

أنواع (1) البناء والإعراب ، وعلامات کل منهما (2)

للبناء أنواع أصلیة ، وأخری فرعیة تنوب عنها. فالأصلیة أربعة :

1- السکون (3) وهو أخفها. یدخل أقسام الکلمة الثلاثة ؛ فیکون فی الاسم ؛ مثل : کم ، ومن. ویکون فی الحرف مثل : قد ، وهل. ویکون فی الفعل بأنواعه الثلاثة ؛ فی الماضی المتصل بضمیر رفع متحرک ، أو بنون النسوة ، مثل : حضرت (بفتح التاء ، وضمها ، وکسرها) حضرنا - النسوة حضرن. وفی الأمر المجرد صحیح الآخر ؛ مثل : اجلس واکتب ... وفی المضارع المتصل بنون النسوة : مثل : الطالبات یتعلمن ویعملن ...

2- الفتح ، ویدخل أقسام الکلمة الثلاثة ، فیکون فی الاسم ؛ مثل : کیف وأین. ویکون فی الحرف ؛ مثل : سوف ، وثمّ. ویکون فی الفعل بأنواعه الثلاثة ؛ فی الماضی المجرد ؛ مثل : کتب ، نصر ، دعا. والفتح فی : «دعا» وأمثالها - مما هو معتل الآخر بالألف - یکون مقدرا.

وفی المضارع والأمر عند وجود نون التوکید فی آخرهما ؛ مثل : والله لأسافرن فی طلب العلم. سافرن - یا زمیل - فی طلب العلم.

3- الضم ، ویدخل الاسم والحرف ، دون الفعل ، فمثال الاسم : حیث ، والضم فیه ظاهر. وقد یکون مقدرا فی مثل : «سیبویه» عند النداء : تقول : یا سیبویه ؛ فهو مبنی علی الکسر لفظا ، وعلی الضم تقدیرا (4) فی محل نصب فی الحالتین. ومثال الحرف : «منذ» (علی اعتبارها حرف جر).

آما الضم فی آخر الفعل فی مثل : الأبطال حضروا فلیس بأصلیّ ، وإنما هو ضم عارض لمناسبة الواو - کما سبق - (5).

ص: 93


1- یرتضی بعض النحاة تسمیتها : «بالألقاب» بدلا من الأنواع. ولا مانع من هذا أو ذاک.
2- فی ص 98 بیان السبب فی أن لکل منهما علامات خاصة.
3- ویسمی : الوقف - کما فی ص 98 - ویکثر فی عبارات الأقدمین تردید الاثنین
4- ویقولون فی إعرابه : منادی مبنی علی ضم مقدر علی آخره ؛ منع من ظهوره حرکة البناء الأصلی - وهی الکسر - فی محل نصب.
5- انظر صفحة 92.

4- الکسر. ویدخل الاسم والحرف ، دون الفعل أیضا ؛ فمثال الاسم : هؤلاء. ومثال الحرف : باء الجر فی «بک» ...

والعلامات الفرعیة التی تنوب عن الأصلیة أشهرها خمس :

1- ینوب عن السکون حذف حرف العلة من آخر فعل الأمر المعتل الآخر ؛ مثل الفعل : اخش ، وارم ، واسم ؛ فی نحو : اصفح عن المعتذر لک ، واخش أن یقاطعک ، وارم من ذلک إلی کسب مودته ، واسم بنفسک عن الصغائر.

وینوب عن السکون أیضا حذف النون فی فعل الأمر ، المسند لألف الاثنین ، أو واو الجماعة ، أو یاء المخاطبة ، مثل : اکتبا - ، اکتبوا ، اکتبی.

2- وینوب عن الفتح الکسرة فی جمع المؤنث المبنی ، الواقع اسم «لا» النافیة للجنس. نحو : لا مهملات هنا (وفی هذا نیابة حرکة بناء عن حرکة أخری).

وینوب عن الفتح أیضا الیاء فی المثنی المبنیّ ، وفی جمع المذکر المبنیّ ، إذا وقع أحدهما اسم : «لا» النافیة للجنس ، نحو : لا غائبین. ولا غائبین هنا (هذه نیابة حرف عن حرکة بناء).

3- وینوب عن الضم الألف فی المثنی ؛ إذا کان منادی مفردا (1) علما ، نحو : یا محمدان ، أو کان نکرة مقصودة ؛ مثل : یا واقفان اجلسا ؛ لاثنین معینین (وهذه نیابة حرف عن حرکة بناء).

وتنوب الواو عن الضمة فی جمع المذکر المبنی إذا کان منادی مفردا علما. نحو ؛ یا محمدون (وهذه نیابة حرف عن حرکة بناء أیضا).

ومما تقدم نعلم أن الکسر فی البناء لا ینوب عنه شیء ؛ وأن السکون ینوب عنه شیئان ، وکذلک الفتح ، والضم. کما نعلم أن الضم والکسر یکونان فی الاسم والحرف ، ولا یکونان فی الفعل. وفی الجدول التالی تلخیص لکل ما تقدم :

ص: 94


1- المفرد فی باب المنادی هو : ما لیس مضافا ، ولا شبیها بالمضاف. فالمنادی المضاف مثل : یا سعد الدین أقبل ، والشبیه بالمضاف مثل : یا صانعا خیرا ترقب جزاءه. (وللمنادی باب مستقل فی الجزء الرابع)

علامات البناء الأصلیة ، والفرعیة ، ومواضعها

صورۀ

إلی هنا انته الکلام علی علامات البناء الأصلیة والفرعیة (1).

ص: 95


1- أما بیان السبب فی أن لکل منهما علامات خاصة فیأتی - کما ذکرنا - فی ص 98 - وإلی العلامات التی شرحناها یکتفی ابن مالک بقوله عنها : وکلّ حرف مستحقّ للبنا والأصل فی المبنیّ أن یسکّنا ومنه ذو فتح ، وذو کسر ، وضم ؛ کأین ، أمس ، حیث ، والسّاکن کم

ب - وللإعراب أنواع أربعة :

1- الرفع ؛ ویدخل الاسم ، والفعل المضارع ؛ مثل : سعید یقوم ، ومثل الخبر والمضارع فی قول الشاعر یمدح خبیرا حکیما :

یزن الأمور ؛ کأنما هو صیرف

یزن النّضار بدقّة وحساب

2- النصب ؛ ویدخل الاسم ، والفعل المضارع ؛ مثل ؛ إن سعیدا لن یقبل الهوان.

3- الجر ؛ ویدخل الاسم فقط ، مثل : بالله أستعین.

4- الجزم ؛ ویدخل الفعل المضارع فقط ؛ مثل : لم أتأخر عن إجابة الصارخ ، وقول الشاعر :

إذا لم یعش حرّا بموطنه الفتی

فسمّ الفتی میتا ، وموطنه قبرا

فالرفع والنصب یدخلان الأسماء والأفعال ؛ والجر مختص بالاسم ؛ والجزم مختص بالمضارع.

ولهذه الأنواع الأربعة علامات أصلیة ، وعلامات فرعیة تنوب عنها :

فالعلامات الأصلیة أربعة هی : الضمة فی حالة الرفع ، والفتحة فی حالة النصب ، والکسرة فی حالة الجرّ ، والسکون (أی : عدم وجود حرکة) فی حالة الجزم ؛ فتقول فی الکلمة المرفوعة (فی مثل : سعید یقوم) : مرفوعة ، وعلامة رفعها الضمة ؛ وفی الکلمة المنصوبة (فی مثل : إن علیّا لن یسافر) : منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة : وفی المجرورة : علامة جرها الکسرة ، وفی المجزومة : علامة جزمها السکون (1) ...

ص: 96


1- وفی الإعراب وعلاماته الأصلیة یقول ابن مالک : والرّفع والنّصب اجعلن إعرابا لاسم وفعل ؛ نحو : لن أهابا والاسم قد خصص بالجر ؛ کما قد خصّص الفعل بأن ینجزما فارفع بضمّ وانصبن فتحا ، وجر کسرا ، کذکر الله عبده یسر هذا ، وکلمة : «الرفع» تعرب مفعولا به مقدما للفعل : اجعلن. ویعاب هذا بأن فیه تقدیم معمول الفعل المؤکد بالنون ؛ ولا یجوز تقدیمه اختیارا - کما قلنا فی رقم 1 من هامش ص 75 - ، وبخاصة إذا کان المعمول لیس شبه جملة عند من یبیح تقدیم شبه الجملة دون غیره من المعمولات - ولکن ضرورة الشعر قضت بالتقدیم ، ولا داعی لإعرابه مفعولا به لفعل محذوف یفسره المحذوف ؛ لما فی ذلک من تهافت بلاغی. وکلمتا : «فتحا وکسرا» فی البیت الأخیر منصوبتان علی نزع الخافض ، إذ أصلهما : بفتح - - بکسر - وحذف حرف الجر قبلهما فنصب المجرور علی ما یسمی : «نزع الخافض. والمشهور أن النصب علی نزع الخافض غیر قیاسی ؛ کما سیجیء فی موضعه من باب تعدیة الفعل ولزومه (ج 2 ص 139 م 71) حیث قلنا هناک : لا داعی للأخذ بالرأی الذی یعتبره قیاسیا ، لأنه یؤدی إلی الخلط والغموض والإلباس ؛ إذ یوقع فی وهم کثیرین أن الفعل متعد بنفسه ، ولن یتنبه إلی نصبه علی نزع الخافض إلا قلة معدودة مشتغلة بالشئون اللغویة.

أما العلامات الفرعیة التی تنوب عن تلک العلامات الأصلیة فهی عشر ؛ ینوب فی بعضها حرکة فرعیة عن حرکة أصلیة ، وینوب فی بعض آخر حرف عن حرکة أصلیة. وینوب فی بعض ثالث حذف حرف عن السکون ؛ (فیحذف حرف العلة من آخر المضارع المجزوم ، وکذلک تحذف نون الأفعال الخمسة من آخر المضارع المجزوم).

والمواضع التی تقع النیابة فیها سبعة ، تسمی أبواب الإعراب بالنیابة ، وهی :

ا - الأسماء الستة. ب - المثنی. ح - جمع المذکر السالم.

د - جمع المؤنث السالم. ه - الاسم الذی لا ینصرف.

و - الأفعال الخمسة. ز - الفعل المضارع المعتل الآخر.

وتتلخص الفروع العشرة النائبة عن الأصول فیما یأتی :

1- ینوب عن الضمة ثلاثة أحرف ، هی : الواو ، والألف ، والنون.

2- ینوب عن الفتحة أربعة ، هی : الکسرة ، والألف ، والیاء ، وحذف النون.

3- ینوب عن الکسرة حرفان ، هما : الفتحة ؛ والیاء.

4- ینوب عن السکون حذف حرف ، إما حرف علة فی آخر المضارع المعتل المجزوم ، أو حذف النون من آخره إن کان من الأفعال الخمسة المجزومة.

وفیما یلی تفصیل الأحکام الخاصة بکل واحد.

ص: 97

زیادة وتفصیل

ما السبب فی أن للبناء علامات خاصة ، وللإعراب أخری؟

قال شارح المفصّل (1) ما نصه :

«اعلم أن سیبویه وجماعة من البصریین قد فصلوا بین حرکات الإعراب وسکونه ، وبین ألقاب حرکات البناء وسکونه ، وإن کانت فی الصورة واللفظ شیئا واحدا ، فجعلوا الفتح المطلق لقبا للمبنی علی الفتح ، والضم لقبا للمبنی علی الضم ، وکذلک الکسر ، والوقف (2).

«وجعلوا النصب لقبا للمفتوح بعامل ، وکذلک الرفع ، والجر ، والجزم ، ولا یقال لشیء من ذلک مضموم مطلقا ، - أو مفتوح ، أو مکسور ، أو ساکن - فلا بد من تقیید ، لئلا یدخل (المعرب) فی حیز المبنیات. أرادوا بالمخالفة بین ألقابها إبانة الفرق بینهما ؛ فإذا قالوا هذا الاسم مرفوع علم أنه بعامل یجوز زواله ، وحدوث عامل آخر یحدث خلاف عمله ، فکان فی ذلک فائدة وإیجاز ، لأن قولک : مرفوع ، یکفی عن أن یقال له : مضموم ضمة تزول ، أو ضمة بعامل. وربما خالف فی ذلک بعض النحاة وسمّی ضمة البناء رفعا ، وکذلک الفتح والکسر والوقف. والوجه هو هو الأول ، لما ذکرناه من القیاس ، ووجه الحکمة.» اه

ص: 98


1- ج 3 ص 84
2- هو : السکون ، کما سبق فی رقم 3 من هامش ص 93.

المسألة 8: الأسماء الستة

اشارة

(1)

هی : أب ، أخ ، حم (2) ، فم ، هن (3) ، ذو ... بمعنی صاحب (4). فکل واحد من هذه الستة یرفع بالواو نیابة عن الضمة ، وینصب بالألف نیابة عن الفتحة ، ویجر بالیاء نیابة عن الکسرة ، مثل : اشتهر أبوک بالفضل ، أکرم الناس أباک ، استمع إلی نصیحة أبیک .... ومثل قول الشاعر :

أخوک الّذی إن تدعه لملمّة

یجبک وإن تغضب إلی السّیف یغضب

فتقول : إنّ أخاک الّذی ... - تمسّک بأخیک الذی ... ومثل هذا یقال فی سائر الأسماء الستة.

لکن یشترط لإعراب هذه الأسماء کلها بالحروف السابقة ، أربعة شروط عامة ، وشرط خاص بکلمة : «فم» ، وآخر خاص بکلمة : «ذو».

فأما الشرط العامة فهی :

ا - أن تکون مفردة ، فلو کانت مثناة أو مجموعة ، أعربت إعراب المثنی أو الجمع ، نحو : جاء أبوان ، رأیت أبوین ، ذهبت إلی أبوین. جاء آباء ، رأیت آباء ، ذهبت إلی آباء .......

ب - أن تکون مکبّرة (5) ؛ فإن کانت مصغرة أعربت بالحرکات الثلاث الأصلیة فی جمیع الأحوال ، مثل : هذا أبیّک العالم .... إن أبیّک عالم ... اقتد بأبیّک ...... إلخ.

ص: 99


1- وقد یسمیها بعض النحاة : الأسماء الستة المعتلة الآخر ، لأن فی آخرها واوا محذوفة تخفیفا إلا فی : ذو.
2- الحم : کل قریب للزوج أو الزوجة ؛ والدا کان أم غیر والد. لکن العرف قصره علی الوالد.
3- بمعنی شیء ، أی شیء ، وبمعنی الشیء الیسیر ، والتافه. وکنایة عن کل شیء یستقبح التصریح به.
4- تقول : محمد ذو خلق ؛ وعلی ذو أدب. أی : صاحب خلق ، وصاحب أدب. وقوله علیه السّلام : شر الناس ذو الوجهین الذی یأتی هؤلاء بوجه ، وهؤلاء بوجه.
5- غیر مصغرة (وللتصغیر النحوی باب مستقل فی الجزء الرابع)

ح - أن تکون مضافة ؛ فإن لم تضف أعربت بالحرکات الأصلیة ، مثل : تعهد أب ولده ... أحبّ الولد أبا. اعتن بأب. وقد اجتمع فی البیت الآتی إعرابها بالحروف وبالحرکات ، وهو :

أبونا أب لو کان للناس کلهم

أبا واحدا أغناهمو بالمناقب

د - أن تکون إضافتها لغیر یاء المتکلم ؛ فإن أضیفت وکانت إضافتها إلی یاء المتکلم (1) ، فإنها تعرب بحرکات أصلیة مقدرة قبل الیاء ، مثل : أبی یحب الحق ، إن أبی یحب الحق ، اقتدیت بأبی فی ذلک. فکلمة : «أب» فی الأمثلة الثلاثة مرفوعة بضمة مقدرة قبل الیاء ، أو منصوبة بفتحة مقدرة قبل الیاء ، أو مجرورة بکسرة مقدرة أیضا (2). وکذلک باقی الأسماء الستة. إلّا «ذو» فإنها لا تضاف لیاء المتکلم ولا لغیرها من الضمائر المختلفة.

أما الشرط الخاص بکلمة : «فم» ، فهو حذف «المیم» من آخرها ، والاقتصار علی الفاء وحدها. مثل : ینطق «فوک» الحکمة. (أی ؛ فمک) : إن «فاک» عذب القول. تجری کلمة الحق علی «فیک». فإن لم تحذف من آخره المیم أعرب «الفم» بالحرکات الثلاث الأصلیة ، سواء أکان مضافا أم غیر مضاف ، وعدم إضافته فی هذه الحالة أکثر. نحو : هذا «فم» ینطق بالحکمة - إن «فما» ینطق بالحکمة یجب أن یسمع - فی کل «فم» أداة بیان.

وأما الشرط الخاص بکلمة : «ذو» بمعنی : صاحب فهو أن تکون إضافتها لاسم ظاهر دال علی الجنس (3) ، مثل : والدی ذو فضل ، وصدیقی

ص: 100


1- سیجیء الکلام علی إضافة هذه الأسماء لیاء المتکلم ، فی الجزء الثالث ، باب : الإضافة لهذه الیاء.
2- الأحسن فی هذه الحالة أن نقول : إنها الکسرة الظاهرة قبل الیاء ، لأن الأخذ بهذا الرأی أیسر وأوضح. ولا داعی للتمسک بالرأی الفلسفی المعقد الذی یقول : إن الکسرة الظاهرة هی لمناسبة یاء المتکلم ، وأن کسرة الإعراب مقدرة بسبب الکسرة الظاهرة التی حلت محلها فأخفتها ...
3- سبق الکلام علی اسم الجنس فی ص 20 وما بعدها ، وسیجیء له تفصیل فی باب العلم؟ والمراد به : ما وضع للمعنی الکلی المجرد ، أی : للصورة الذهنیة العامة ؛ مثل علم ، فضل ، حیاء ، رجل ، طائر. ولا بد أن یکون اسم الجنس هنا اسما ظاهرا ؛ فلا یجوز إضافة : «ذو» إلی ضمیر یرجع إلی جنس ؛ مثل : الفضل «ذوه» أنت. کما لا یجوز إضافتها إلی مشتق ، مثل : محمد ذو «فاضل ولا إلی علم مثل : أنت ذو «علی» ولا إلی جملة ؛ مثل : أنت ذو «تقوم». وفیما یلی بعض البیان والتفصیل لما سبق : - جاء فی تاج العروس شرح القاموس خاصا بکلمة : «ذو» بمعنی «صاحب» ما نصه : «کلمة صیغت لیتوصل بها إلی الوصف بالأجناس») .. وقال شارح المفصل - ج 1 ص 53 - ما نصه :(«إنها لم تدخل إلا وصلة إلی وصف الأسماء بالأجناس کما دخلت : «الذی» وصلة إلی وصف المعارف بالجمل - وکما أتی «بأی» وصلة لنداء ما فیه «الألف واللام» فی قولک : یأیها الرجل ، ویأیها الناس) اه والمراد مما سبق أن أسماء الأجناس جامدة - فی الغالب - فلیست مشتقة ولا مؤولة بالمشتق ، فلا تصلح أن تقع نعتا ولا غیره مما یتطلب الاشتقاق الصریح أو المؤول ؛ - کالحال - فجاءت : «ذو» قبل اسم الجنس - وهی مما یؤول بالمشتق - لتکون وسیلة للوصف به مع إعرابها هی الصفة المضافة ، وإعراب اسم الجنس هو المضاف إلیه المجرور. فإن وقعت صفة لنکرة وجب أن یکون اسم الجنس (وهو المضاف إلیه) نکرة ، وإن وقعت صفة لمعرفة وجب أن یکون اسم الجنس (وهو : المضاف إلیه) معرفا بالألف واللام ، ولا یصح أن تضاف : «ذو» التی بمعنی : «صاحب» إلی علم ، ولا إلی ضمیر ما دام الغرض من مجیئها التوصل بها إلی الوصف باسم الجنس. فإن لم یکن الغرض من مجیئها هو هذا التوصل فالصحیح أنها تدخل علی الأعلام والمضمرات وأمثلة هذا کثیرة فی کلام العرب ؛ منها : «ذو الخلصة» ، «والخلصة : اسم صنم. و «ذو» کنایة عن بیته) ومنها : ذو رعین ، وذو جدن ، وذو ییزن ، وذو المجاز ... وکل هذه أعلام سبقتها «ذو» أی : أعلام مصدرة بکلمة مستقلة هی : «ذو» ومن أمثلة دخولها علی الضمیر قول کعب بن زهیر : صبحنا الخزرجیّة مرهفات أبار ذوی أرومتها ذووها وقول الأحوص : ولکن رجونا منک مثل الذی به صرفنا قدیما من ذویک الأوائل وقول الآخر : إنما یصطنع المع روف فی الناس ذووه «وقالوا : جاء من ذی نفسه ، ومن ذات نفسه ، أی : طائعا. - راجع تاج العروس ج 10 مادة : «ذو» - ... ولا قیمة للتعلیل أو التأویل الذی یردده شارح المفصل (ج 1 ص 53) محاولا به أن یجعل الضمیر المضاف إلیه فی بعض الأمثلة السابقة قریبا من اسم الجنس ، فیستساغ معه أن تکون «ذو» هی المضاف ... لا قیمة لهذا بعد أن نطق العرب بإضافتها إلی الضمیر والعلم ، وتعددت الأمثلة الفصیحة الواردة عنهم ، والتی لا تحتاج إلی تعلیل ولا تأویل إلا صحة ورودها. وإذا وقعت کلمة : «ذو» صدر اسم جنس لا یعقل وأرید جمعه وجب جمعه مؤنثا سالما ؛ نحو : مضی ذو القعدة ، وذوات القعدة. ومثل هذا یقال فی اسم الجنس المصدر بکلمة : «ابن» أو : أخ ؛ نحو : ابن آوی وبنات آوی ، وأخ الجحر (للثعبان) وأخوات الجحر ، (سیجیء لهذا إشارة فی ح من ص 155 عند الکلام علی جمع المؤنث ، وبیان فی الجزء الرابع ، آخر باب جمع التکسیر ص 507. هذا ، ولکلمة «أذو» ، و «ذات» استعمالات أدبیة دقیقة ، بیانها فی مکانها المناسب ج 3 ص 36 م 93 باب الإضافة. وکذلک ج 2 باب الظرف ص 215 و 220 م 79. وهی تختلف اختلافا تاما عن «ذو» التی هی اسم موصول ؛ بمعنی : «الذی». مثل جاء «ذو» قام. أی : جاء الذی قام ؛ فإن الموصولة تلازمها الواو - غالبا - فی أحوالها المختلفة ، وتکون مبنیة علی السکون فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر ، کما سیجیء فی باب الموصول. رقم 4 من ص 318.

ذو أدب وقول الشاعر :

ومن لا یکن ذا ناصر یوم حقّه

یغلّب علیه ذو النّصیر ، ویضهد (1)

ص: 101


1- یضهد : یقهر ویغلب.

وما سبق هو أشهر اللغات وأسهلها فی الأسماء الستة ، ولذلک کان أحقها بالاتباع ، وأنسبها للمحاکاة ، دون غیره. إلا کلمة : «هن» فإن الأکثر فیها مراعاة النقص فی آخرها ، ثم إعرابها بالحرکات الأصلیة بعد ذلک. والمراد بمراعاة النقص فی آخرها أن أصلها «هنو» ، علی ثلاثة أحرف ، ثم نقصت منها الواو ؛ بحذفها للتخفیف ، سماعا عن العرب ، وصارت الحرکات الأصلیة تجری علی النون ، وکأنها الحرف الأخیر فی الکلمة. فعند الإضافة لا تردّ الواو المحذوفة کما - ترد فی الغالب - عند إضافة الکلمات التی حذفت من آخرها ، فحکم کلمة : «هن» فی حالة الإضافة کحکمها فی عدمها ، تقول : هذا «هن» ، أهملت «هنا» - لم ألتفت إلی «هن». وتقول : «هن» (1) المال قلیل النفع. إن «هن» المال قلیل النفع. لم أنتفع «بهن» المال. لکن یجوز فیها بقلة ، الإعراب بالحروف ، تقول: هذا هنو المال ، وأخذت هنا المال ، ولم أنظر إلی هنی المال.

وإذا کان الإعراب بالحروف بشروطه السابقة هو أشهر اللغات وأسهلها فی الأسماء الستة إلا کلمة : «هن» فإن هناک لغة أخری تلیه فی الشهرة والقوة ؛ هی : «القصر» فی ثلاثة أسماء ؛ «أب» ، و «أخ» ، و «حم» ، دون «ذو» و «هن» و «فم» (2) ... ومعنی القصر : إثبات ألف (3) فی آخر کل من الثلاثة الأولی فی جمیع أحوالها ، مع

ص: 102


1- الشیء التافه منه.
2- فی الأغلب.
3- وهذه الألف منقلبة عن الواو المحذوفة من آخر کل واحدة ؛ فصارت کألف المقصور (وهو : الاسم المعرب الذی فی آخره ألف لازمة ، کالهدی ، والرضا ، والمصطفی). وهذا جار علی أن أصلها : «أبو» ، و «أخو» و «حمو» - کما فی رقم 1 من ص 103 - تحرکت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا. هکذا یقول النحاة. والحق أن أهل اللغة التی تلزم آخرها الألف لم ینظروا إلی ما یسمی أصل الواو ، ولم یعرفوا قلب الحروف ، ولا أمثال هذا. وإنما نطقوا عن فطرة وطبیعة : فهم یلزمون آخرها الألف بغیر تعلیل إلا النطق بها. «ملاحظة» : إذا حذف من الاسم الثلاثی أحد أصوله فإن جاءت همزة الوصل عوضا عن المحذوف لم یصح إرجاعه فی التثنیة وجمع المؤنث السالم. أما إذا لم تأت همزة التعویض فالأجود - وقیل الواجب - إرجاعه. إن کان یرجع عند الإضافة. وتطبیقا لهذا الحکم ترجع - فی الحالتین السالفتین - اللام المحذوفة من الثلاثی لأنها ترجع عند إضافته ؛ فیقال فی : قاض - شج (أب - خ حم أ - ...) : قاضیان - شجیان - أبوان - اخوان حموان ... لأنه یقال فی الإضافة قاضینا - شجینا - أبوه - أخوه - حموه ... وشذ : أبان وأخان .... أما الذی لا یرجع عند الإضافة فلا یرجع عند التثنیة ، وجمع المؤنث السالم ، نحو : اسم - ابن - - ید دم - غد - فم - سنة ... ؛ فیقال : اسمان - ابنان - یدان - دمان - غدان - فمان - سنتان ... وشذ : فمموان ، وفمیان. ومن الضرورة قول الشاعر : فلو أنّا علی حجر ذبحتا جری الدمیان بالخبر الیقین وقول الآخر : یدیان بیضاوان عند محلّم (محلم ، بکسر اللام : اسم رجل) وستجیء إشارة لهذا الضابط عند الکلام علی المثنی فی ح من ص 123 فی رقم 1 من ص 149

إعرابها بحرکات مقدرة علی الألف رفعا ونصبا وجرّا ؛ مثل : أباک کریم ، إن أباک کریم ، أثنیت علی أباک. فکلمة : «أبا» قد لزمتها الألف فی أحوالها الثلاث ، کما تلزم فی آخر الاسم المعرب المقصور ، وهی مرفوعة بضمة مقدرة علی الألف ، أو منصوبة بفتحة مقدرة علیها ، أو مجرورة بکسرة مقدرة علیها ، فهی فی هذا الإعراب کالمقصور.

وهناک لغة ثالثة تأتی بعد هذه فی القوة والذیوع ، وهی لغة النقص السابقة ؛ فتدخل. فی : «أب» و «أخ» و «حم» ، کما دخلت فی : «هن» ، ولا تدخل فی : «ذو» ولا «فم» إذا کان بغیر المیم. تقول کان أبک مخلصا. إن أبک مخلص ، سررت من أبک لإخلاصه ... وکذا الباقی. فأب مرفوعة بضمة ظاهرة علی الباء ، أو منصوبة بفتحة ظاهرة ، أو مجرورة بکسرة ظاهرة (1). ومثل هذا یقال فی «أخ» و «حم» کما قیل : فی «أب» وفی «هن».

ومما سبق نعلم أن الأسماء الستة لها ثلاث حالات من حیث علامات الإعراب ، وقوة کل علامة.

الأولی : الإعراب بالحروف ، وهو الأشهر ، والأقوی إلا فی کلمة : «هن» فالأحسن فیها النقص ؛ کما سبق.

الثانیة : القصر ، وهو فی المنزلة الثانیة من الشهرة والقوة بعد الإعراب بالحروف ، ویدخل ثلاثة أسماء ، ولا یدخل «ذو» ولا «فم» محذوف المیم ؛ لأن هذین الاسمین ملازمان للإعراب بالحرف. ولا یدخل : «هن» (2).

ص: 103


1- أساس هذه اللغة : مراعاة النقص فی تلک الکلمات الثلاث ، والاعتداد به ؛ فقد کان آخر کل واحدة منها فی الأصل الواو (أبو - أخو حمو) کما فی رقم 3 من ص 102 حذفت الواو تخفیفا ؛ فلا ترجع عند الإضافة ، بل یستغنی عنها فی کل الأحوال. والحق هنا هو ما قلناه فی سابقه ؛ أن التعلیل الصحیح هو نطق العرب الفصحاء.
2- نقل بعض النحاة فیها القصر ، أیضا.

الثالثة : النقص ، وهو فی المنزلة الأخیرة ، یدخل أربعة أسماء ، ولا یدخل «ذو» ولا «فم» محذوف المیم. لأن هذین الاسمین. ملازمان للإعراب بالحروف کما سبق.

فمن الأسماء الستة ما فیه لغة واحدة وهو «ذو» و «فم» بغیر میم.

وما فیه لغتان ، وهو «هن».

وما فیه ثلاث لغات وهو أب ، أخ ، حم (1).

ص: 104


1- علی ضوء ما تقدم نستطیع أن نفهم قول ابن مالک : وارفع بواو وانصبنّ بالألف واجرر بیاء - ما من الأسما أصف من ذاک : «ذو» إن صحبة أبانا والفم حیث المیم منه بانا «أب» ، «أخ» ، «حم» ، کذاک ، وهن والنّقص فی هذا الأخیر أحسن وفی «أب» وتالییه یندر .. وقصرها من نقصهنّ أشهر ففی البیت الأول : بیّن الحروف الثلاثة النائبة عن الحرکات الأصلیة الثلاث ؛ وهی : الواو والألف ، والیاء. وفی البیت الثانی : صرح أن من الأسماء الستة : ذو ، بشرط أن یبین صحبة ، أی : یدل علی صحبة ؛ بأن یکون بمعنی : «صاحب». وأن منها «الفم» بشرط أن تبین (أی : تنفصل) منه المیم. وفی البیت الثالث والرابع : أوضح أربعة. وصرح بأن النقص فی کلمة : «هن» أحسن من الإعراب بالحروف ... وأما أب وأخ وحم فالنقص نادر فیها - مع جوازه - ، ولکن القصر أحسن.

زیادة وتفصیل

ا - بالرغم من تلک اللغات التی وردت عن العرب ، یجدر بنا أن نقتصر علی اللغة الأولی التی هی أشهر تلک اللغات وأفصحها ، وأن نهمل ما عداها ؛ حرصا علی التیسیر ، ومنعا للفوضی والاضطراب الناشئین من استخدام لغات ولهجات متعددة. وقد یقال : ما الفائدة من عرض تلک اللغات إذا؟

إن فائدتها هی لبعض الدارسین المتخصصین : وأشباههم ؛ إذ تعینهم علی فهم النصوص القدیمة ، المتضمنة تلک اللهجات التی لا تروق الیوم محاکاتها ، ولا القیاس علیها ، ولا ترک الأشهر الأفصح من أجلها.

ب - جری العرف علی التسمیة ببعض الأسماء الستة السالفة ، مثل : أبو بکر - أبو الفضل - ذی النون - ذی یزن ..... فإذا سمی باسم مضاف من تلک الأسماء الستة المستوفیة للشروط جاز فی العلم المنقول منها أحد أمرین :

أولهما : إعرابه بالحروف ، کما کان یعرب أوّلا قبل نقله إلی العلمیة. کما یصح إعرابه بغیر الحروف من الأوجه الإعرابیة الأخری التی تجری علی تلک الأسماء بالشروط والقیود التی سبقت عند الکلام علیها ، أی : أن کل ما یصح فی الأسماء الستة المستوفیة للشروط قبل التسمیة بها یصح إجراؤه علیها بعد التسمیة.

ثانیهما : وهو الأنسب أن یلتزم العلم صورة واحدة فی جمیع الأسالیب ، مهما اختلفت العوامل الإعرابیة ، وهذه الصورة هی التی سمی بها ، واشتهر ، فیقال - مثلا - کان أبو بکر رفیق الرسول علیه السّلام فی الهجرة - إنّ أبو بکر من أعظم الصحابة رضوان الله علیهم - أثنی الرسول علیه السّلام علی أبو بکر خیر الثناء ... فکلمة : «أبو» ونظائرها من کل علم مضاف صدره من الأسماء الستة یلتزم حالة واحدة لا یتغیر فیها آخره ، ویکون معها معربا بعلامة مقدرة ، سواء أکانت العلامة حرفا أم حرکة علی حسب اللغات المختلفة(1) ...

ص: 105


1- وإنما کان هذا الوجه أنسب وأولی لمطابقته للواقع الحقیقی ، البعید عن اللبس ، ولأن بعض المعاملات الرسمیة لا تجری إلا علی أساس الاسم الرسمی المعروف (انظر : «ح» من ص 116).

ح - إذا أعرب أحد الأسماء الستة بالحروف ، وأضیف إلی اسم أوله ساکن (مثل : جاء أبو المکارم ، ورأیت أبا المکارم ، وقصدت إلی أبی المکارم) فإن حرف الإعراب وهو : الواو ، أو الألف ، أو الیاء - یحذف فی النطق ، لا فی الکتابة. وحذفه لالتقاء الساکنین ؛ فهو محذوف لعلة ، فکأنه موجود. فعند الإعراب نقول : «أبو» مرفوع بواو مقدرة نطقا ، و «أبا» منصوب بألف مقدرة نطقا ، و «أبی» مجرور بیاء مقدرة نطقا ؛ فیکون هذا من نوع الإعراب التقدیری بحسب مراعاة النطق. أما بحسب مراعاة المکتوب فلا تقدیر (1).

د - من الأسالیب العربیة الفصیحة : «لا أبا له» (2) ... فما إعراب کلمة : «أبا» إذا وقعت بعدها اللام الجارة لضمیر الغائب ، أو غیره»؟

یری بعض النحاة أنها اسم «لا» منصوبة بالألف ، ومضافة إلی الضمیر الذی بعدها ، واللام التی بینهما زائدة. ومع أنها زائدة هی التی جرّت الضمیر دون المضاف ، فالمضاف فی هذا المثال وأشباهه لا یعمل فی المضاف إلیه. والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر : «لا».

وفی هذا الإعراب خروج علی القواعد العامة التی تقضی بأن المضاف یعمل فی المضاف إلیه. وفیه أیضا أن اسم «لا» النافیة للجنس وقع معرفة ؛ لإضافته إلی الضمیر ، مع أن اسم «لا» المفرد لا یکون معرفة ... و... و...

وقد أجابوا عن هذا إجابة ضعیفة ؛ حیث قالوا : إن کلمة «أبا» ذات اعتبارین ؛ فهی بحسب الظاهر غیر مضافة لوجود الفاصل بینهما ، فهی باقیة علی التنکیر ، ولیست معرفة ؛ والإضافة غیر محضة وإذا لا مانع من أن تکون اسم «لا» النافیة للجنس. وکان حقها

ص: 106


1- راجع رقم 1 ص 184 - الآتیة.
2- هذا الترکیب قد یراد به : المبالغة فی المدح ، وأن الممدوح لا ینسب لأحد ؛ فهو معجزة تولی الله إظهارها علی غیر ما یعرف الشبر ؛ فمثله کعیسی. وقد یراد به المبالغة ، فی الذم وأنه لقیط ، (أی ، مولود غیر شرعی). ولکن الأکثر أن یراد به الدعاء علیه بعدم الناصر وکلمة : «أبا» هنا لیست معرفة بالإضافة لأن إضافتها غیر محضة - کما سیجیء فی باب الإضافة ح 3 ص 39 م 93 - فإضافتها کإضافة کلمة : «مثل» فی نحو : مثلک کریم ؛ لأنه لم یقصد نفی أب معین ، بل هو ومن یشبهه : إذ هو دعاء بعدم الناصر مطلقا. وفی باب : «لا» بیان مفید عن معنی هذا الأسلوب ، وإعرابه.

البناء علی الفتح ؛ لکنها لم تبن للاعتبار الثانی ؛ وهو مراعاة الحقیقة الواقعة التی تقضی بأنها مضافة ؛ فنصبت بالألف لهذا ، وصارت معربة لا مبنیة.

وکل هذا کلام ضعیف ، ویزداد ضعفه وضوحا حین نراه لا یصلح فی بعض الحالات ، ولا یصدق علیها ، کالتی فی قولهم : «لا أبالی» فقد وقعت کلمة : «أبا» فی الأسلوب معربة بالحرف فإن اعتبرناها مضافة فی الحقیقة لیاء المتکلم لم یصح إعرابها بالحرف ، لأن المضاف من الأسماء الستة لیاء المتکلم لا یصح إعرابه بالحرف. وإن اعتبرناها غیر مضافة أصلا مراعاة للظاهر - بسبب وجود حرف اللام الفاصل - لم یصح إعرابها بالحرف أیضا ، فهی علی کلا الاعتبارین لا تعرب بالحرف.

وأحسن رأی من النواحی المختلفة هو اعتبار کلمة : «أبا» اسم «لا» ، وغیر مضافة ، بل مبنیة علی الألف علی لغة من یلزم الأسماء الستة الألف دائما فی جمیع الحالات ، وأنها خالیة من التنوین بسبب هذا البناء.

ویری بعض النحاة إعرابا آخر هو بناء کلمة «أبا» علی فتح مقدر علی آخرها منع من ظهوره التعذر ، باعتبار هذه الألف أصلیة من بنیة الکلمة کالألف التی فی آخر کلمة «هذا» فکلاهما عنده حرف أصلی تقدر علیه علامات البناء ، ولا یعتبره حرفا زائدا جیء به لیکون علامة إعراب.

(راجع حاشیة الخضری ، ج 1 أول باب «لا» النافیة للجنس)

والخلاف شکلی ، لا أثر له. وهو یقوم علی اعتبار الألف الأخیرة زائدة ، أو أصلیة. وسیجیء لهذه المسألة إشارة أخری فی باب «لا».

ص: 107

المسألة 9: المثنی

اشارة

ا - أضاء نجم. راقب الفلکیّ نجما. اهتدیت بنجم.

ب - أضاء نجمان. راقب الفلکیّ نجمین. اهتدیت بنجمین.

تدل کلمة : «نجم» فی الأمثلة الأولی (ا) علی أنه واحد ، وحین زدنا فی آخرها الألف والنون ، أو الیاء المفتوح ما قبلها ، وبعدها النون المکسورة - دلت دلالة عددیة علی اثنین ؛ کما فی أمثلة «ب» واستغنینا بزیادة الحرفین عن أن نقول. أضاء نجم ونجم. راقب الفلکی نجما ونجما. اهتدیت بنجم ونجم. أی : أننا اکتفینا بهذه الزیادة بدلا من عطف کلمة علی نظیرتها الموافقة لها تمام الموافقة فی الحروف والحرکات ، والمعنی العامّ. فکلمة : «نجمان» وما أشبهها تسمی : «مثنی» ، وهو :

«اسم یدل علی اثنین (1) ، متفقین ، فی الحروف والحرکات ، والمعنی ؛ بسبب زیادة فی آخره (2) تغنی عن العاطف (3) والمعطوف». وهذه الزیادة هی الألف وبعدها نون مکسورة (4) ، أو الیاء وقبلها فتحة وبعدها نون مکسورة.

ص: 108


1- الدلالة علی اثنین قد تکون حقیقیة وقد تکون مجازیة (کما سیجیء فی ج 3 ص 88 باب الإضافة عند الکلام علی : «کلا وکلتا») فالحقیقیة هی التی تکون بلفظ المثنی الصریح المستوفی للشروط الآتیة ؛ مثل : الفارسین - الجنتین ... المحمدین ... وغیر هذا مما یدل علی مثنی حقیقة لا مجازا ، ولا اشتراکا معنویا بین المثنی وغیره ، کالضمیر «نا» فإنه مشترک یصلح من جهة المعنی للمثنی وغیره فی نحو : قمنا ، وذهبنا لزیارة الصدیق. وغیر الحقیقیة هی التی تدل علی التثنیة توسعا ومجازا ، کقول الشاعر : إنّ للخیر وللشر مدی وکلا ذلک وجه وقبل (أی : مواجهة وطریق واضح) فکلمة «ذا» تدل فی حقیقتها اللغویة علی المفرد المذکر ولکنها تدل هنا بمعناها علی المثنی ؛ لأنها إشارة إلی ما ذکر من الخیر والشر وهذه الدلالة مجازیة ؛ لأن دلالة «ذا» علی غیر المفرد مجازیة.
2- أی : أن تلک الدلالة هی بسبب الزیادة التی فی آخره.
3- وهو : حرف العطف.
4- سیجیء الکلام علی فائدة هذه النون ، وحرکتها ، وحکمها عند الکلام علی فائدة نون جمع المذکر السالم وحرکتها (ص 141).

فلیس من المثنی ما یأتی :

1- ما یدل علی مفرد ؛ مثل : نجم ، ورجلان (1).

2- ما یدل علی جمع ؛ مثل : نجوم ، وصنوان (2) ، أو علی اسم جمع ؛ مثل : قوم ، ورهط.

3- ما یدل علی اثنین (3) ، ولکنهما مختلفان فی لفظیهما ، مثل : الأبوین ؛ للأب والأم. أو : مختلفان فی حرکات أحرفهما ؛ کالعمر بن : لعمر بن الخطاب ، وعمرو بن هشام ، المعروف : «بأبی جهل». أو مختلفان فی المعنی دون الحروف وحرکاتها ؛ کالعینین ؛ ترید بإحداهما العین الباصرة ، وبالأخری البئر (4)

ص: 109


1- بمعنی : ماش (غیر راکب) ؛ تقول : علیّ رجلان ؛ أی : ماش ؛ ولیس براکب.
2- تقول : بعض الشجر صنوان ؛ مفرده : صنو ، وهو : الشجرة التی تنشأ مع أختها فی أصل واحد ؛ فهما شجرتان ، مشترکتان فی الساق ، وتنفصل کل واحدة عند أعلی الساق.
3- سیجیء فی - ه - من ص 143 أن المثنی قد یکون لفظه فی ظاهره دالا علی التثنیة ومعناه للجمع.
4- وأمثال هذا ؛ من کل لفظین مشترکین فی الحروف ، والحرکات ؛ ترید بأحدهما معنی ، وبالآخر معنی یخالفه علی سبیل الحقیقة ؛ کالمثال السابق ، أو علی سبیل المجاز ؛ مثل : القلم أحد اللسانین. وتقول جمهرة النحاة : إن ذلک کله مقصور علی ما ورد عن العرب ، وسمع منهم : کما أن العمرین والأبوین وغیرهما مقصور علیهم ؛ شأن کل اسمین یراد تثنیتهما مع وجود اختلاف فی مفردیهما ، وأحدهما أهم من الآخر. فقد کان العرب یرجحون الأهم ویغلبونه بإجراء التثنیة علی لفظه وحده ، ثم یجعلون معنی المثنی شاملا لهما معا ، منطبقا علیهما ، وهذا ما یسمی : «التغلیب» وما ورد منه ملحق بالمثنی ، ولیس مثنی حقیقة. والخیر أن یکون التغلیب قیاسیا عند وجود قرینة تدل علی المراد بغیر لبس : کما لو أقبل شخصان معروفان واسم أحدهما : محمد ، والآخر علی ؛ فقلت : جاء العلیان أو المحمدان لکثرة تلازمهما ، أو شدة تشابههما فی أمر واضح. وبهذا الرأی العملی النافع یقول بعض الباحثین القدامی والمحدثین ؛ والأخذ به حسن ومفید. هذا ، والشائع ، عند العرب تغلیب المذکر علی المؤنث فی التثنیة کقولهم : «القمران» فی الشمس والقمر ، والعاقل علی غیره ؛ ففی مثل : صالح والعصفور یقال. الصالحان یغردان ... ولم یغلبوا المؤنث إلا فی قلیل من الحالات ، أشهرها : ا - قولهم : ضبعان ، یریدون : أنثی الضبع وفحلها. ویقال للأنثی «ضبع» ولفحلها ؛ ضبعان فاختاروا اللفظ الخاص بالأنثی ، وثنّوه وأطلقوه علیهما معا ؛ تغلیبا للأنثی. ب - قولهم : فرغت من کتابة رسالتی لثلاث بین یوم ولیلة (أی : لثلاث محصورة بین کونها أیاما وکونها لیالی). وضابط هذه المسألة : أن یکون معنا عدد تمییزه مذکر ومؤنث ، وکلاهما لا یعقل وهما مفصولان من العدد بکلمة : بین. وقد غلبنا فی المثال السابق التأنیث علی التذکیر ؛ بدلیل أن اسم العدد خال من علامة التأنیث ، وهو لا یخلو منها إلا فی حالات أهمها : أن یکون المعدود المذکور متأخرا فی الجملة ، مؤنثا حقیقة - بألا یکون معه مذکر - أو مؤنثا تغلیبا ؛ بأن یکون معه مذکر ، لیس له الأهمیة والتغلیب. ومن أمثلته أیضا : قابلت تسعا بین رجل وامرأة ، قرأت عشرا بین کتاب وکراسة ... إلخ. ح - المروتان : للصفا والمروة ، وهما جبلان بمکة المکرمة. والتغلیب للمروة المؤنثة. أما «التغلیب» فی الجمع فیجیء فی رقم 1 من هامش ص 127.

فلا یسمی شیء من هذا کله مثنی حقیقة ، وإنما هو ملحق بالمثنی (1).

4- ما یدل علی اثنین متفقین فی المعنی والحروف وحرکاتها ولکن من طریق العطف بالواو ، لا من طریق الزیادة السالفة ؛ مثل : أضاء نجم ونجم.

5- ما یدل علی شیئین. ولکن من طریق الوضع اللغویّ ، لا من طریق تلک الزیادة ، مثل : شفع (ضد فرد ، ووتر). ومثل زوج وزکا ، وهما بمعنی شفع. فکل واحدة من هذه الکلمات تدل دلالة لغویة علی قسمین متماثلین متساویین تماما (وهی القسمة الزوجیة ضد الفردیة). فهی تدل علی التثنیة ضمنا ، ولکن من غیر أن یکون فی آخرها الزیادة السالفة.

ص: 110


1- النحاة : هم الذین یطلقون اسم : «الملحق بالمثنی» علی کل کلمة تعرب إعراب المثنی ، ولیست مثنی حقیقیا ؛ بسبب فقدها أحد الشروط الخاصة بالمثنی الحقیقی. ویشترطون فی الملحق أن یکون مسموعا (والحق أنه قد ینقاس - أحیانا - کما فی التغلیب). أما اللغویون فیطلقون «المثنی» علی کل ما یعرب إعراب المثنی ؛ سواء أکان مثنی حقیقیا أم ملحقا به. فالمسألة مجرد اصطلاح ، ولا مانع من استعمال هذه التسمیة أو تلک بشرط مراعاة الأحکام الخاصة بکل عند الاستعمال. وشبیه بهذا ما اصطلح علیه النحاة من «الجمع» و «اسم الجمع» وفی رقم 1 من هامش ص 134 تعریف لاسم الجمع - فی حین یطلق اللغویون علیهما اسما واحدا هو : الجمع. وقد یکون المراد عند اللغویین من الاسم المجموع - اثنین ؛ لأن الجمع فی اصطلاحهم یطلق علی الاثنین ، کما یطلق علی ما زاد علی الاثنین. وتؤید هذا شواهد کثیرة فصیحة ، فی مقدمتها القرآن. قال تعالی : (وَداوُدَ وَسُلَیْمانَ إِذْ یَحْکُمانِ فِی الْحَرْثِ ؛ إِذْ نَفَشَتْ فِیهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَکُنَّا لِحُکْمِهِمْ شاهِدِینَ) وقوله تعالی : (إِنْ تَتُوبا إِلَی اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُما) وقول أبی ذؤیب الهذلی فی رثاء أبنائه الخمسة الذین ماتوا بالطاعون : العین بعدهمو کأنّ حداقها سملت بشوک ؛ فهی عورا تدمع فأطلق الجمع فی قوله : حداقها - وهی جمع : حدقة - وأراد الاثنین (کما جاء فی حاشیة یاسین علی التصریح ج 2 أول باب المضاف لیاء المتکلم) وانظر رقم 2 من هامش 125 «ملاحظة هامة» : من الضوابط اللغویة ما صرح به النحاة وهو : «کل مثنی فی المعنی یضاف إلی متضمنه - بکسر المیم الثانیة المشدة وصیغة اسم الفاعل ؛ أی : إلی ما اشتمل علی المضاف) - یجوز فیه الإفراد ، والتثنیة ، والجمع. والأفضل الجمع» تقول : تصدقت برأس الکبشین - أو رأسی الکبشین ، أو رءوسهما. وإنما فضل الجمع علی التثنیة لأن المتضایفین کالشیء الواحد فکرهوا الجمع بین تثنیتهما. وفضل الجمع علی الإفراد لأن المثنی جمع فی المعنی والإفراد لیس کذلک فهو أقل منزلة فی دلالته من المثنی - هذا ما قاله النحاة کالصبان ج 3 والخضری ح 2 فی أول باب التوکید - وینطبق ما سبق علی النفس والعین المستعملتین فی التوکید ؛ خضوعا للسماع الوارد فیهما ، لا تطبیقا للضابط السالف ؛ فقد قال الصبان فی الموضع المشار إلیه : إن إضافتهما لیست لمتضمنهما ، بل إلی ما هو بمعناهما لأن المراد منهما الذات. وسیجیء فی «ز» من ص 145 ضابط آخر أوضحه شارح المفصل وهو یخالف الضابط الذی هنا بعض المخالفة ویبدو أن الرأی الأقوی هو ما قاله شارح المفصل وقد أشرنا لما سبق فی ج 3 ص 408. ویری بعض النحاة أن یطلق علی الملحق بالمثنی تسمیة خاصة به ، هی : «اسم المثنی» فیکون هناک اسم للمثنی ، کما یکون هناک اسم للجمع.

ومثلها : «کلا» فإنها تدل علی شیئین متساویین أو غیر متساویین ، ولکن من غیر زیادة فی آخرها ، فهذه ملحقة بالمثنی.

6- ما یدل علی اثنین ، وفی آخره زیادة ، ولکنها لا تغنی عن العاطف والمعطوف ؛ مثل : کلتا ، اثنان ، اثنتان أو : ثنتان ؛ فلیس لواحدة من هذه الکلمات مفرد مسموع عن العرب ، علی الرغم من وجود زیادة فی آخرها (1) ، ولهذا تعد ملحقة بالمثنی ، ولیست مثنی حقیقة.

حکم المثنی : أنه یرفع بالألف نیابة عن الضمة. وبعدها نون مکسورة (2) ؛ مثل : یتحرک الکوکبان. وینصب بالیاء نیابة عن الفتحة. وهذه الیاء قبلها فتحة وبعدها نون مکسورة ؛ مثل : شاهدت الکوکبین. ویجر بالیاء نیابة عن الکسرة وقبلها فتحة. وبعدها نون مکسورة ، مثل : فرحت بالکوکبین.

هذا هو أشهر الآراء فی إعرابه وإعراب ملحقاته (3) ، (ومنها کلا ، وکلتا ، واثنان ، واثنتان ، أو : ثنتان) (4). إلا أن کلا وکلتا لا تعربان بهذه الحروف إلا إذا أضیفتا للضمیر ؛ الدال علی التثنیة سواء أکانتا للتوکید ، أم لغیره ،

ص: 111


1- فلم یرد عنهم : «کلت» ولا اثن ، ولا اثنة ، ولا ثنت ، مع أن الألف فی «کلتا» زائدة والتاء أصلیة. وقیل العکس والألف والنون زائدتان فی البواقی.
2- وهذا أشهر اللغات وأفصحها من لغات متعددة : فقلیل من العرب یفتحها بعد ألف المثنی ، ومنهم من یضمها بعد الألف ویکسرها بعد الیاء فی حالتی النصب والجر.
3- ویدخل فیها المثنی المسمی به ، والمثنی تغلیبا ، واثنان ، واثنتان ، وغیرهما أما السبب فی التسمیة : بالمثنی فسبب بلاغی : کالمدح ، أو الذم أو التملیح ؛ طبقا للبیان الآتی فی ح من ص 116
4- یجوز إضافة : اثنین واثنتین إلی ظاهر أو ضمیر بشرط أن یکون معنی المضاف إلیه ومدلوله غیر معنی المضاف ومدلوله ؛ فلا یصح أن تقول : جاء اثنا محمد وعلی ؛ للسبب السالف ولا جاء اثناکما ، إذا کان المراد بالمضاف إلیه هما الاثنان المخاطبان ؛ لأن معناهما والمراد منهما هو معنی المضاف والمراد منه ، فلا فائدة من إضافة الشیء لنفسه - کما سیجیء فی باب الإضافة ح 3 - ، أما إن کان المراد من «اثنا» خادمین ، أو : کتابین ، أو : شیئین یختلفان فی معناهما وذاتهما عن معنی المضاف إلیه ومدلوله - فلا مانع (راجع «و» ، من ص 122) وبهذه المناسبة نذکر أن «کلا» و «کلتا» فی جمیع أحوالهما لا یستعملان إلا مضافین لمعرفة دالة علی اثنین بغیر تفریق - أو لنکرة مختصة کذلک فی الصحیح - ولو کانت المعرفة بحسب الظاهر مفردة أو جمعا ؛ فإذا أعربا إعراب المثنی وجب أن تکون هذه المعرفة ضمیرا للتثنیة علی الوجه الذی شرحناه. (ولهما أحکام أخری فی بابی التوکید والإضافة من الجزء الثالث لیس موضع سردها هنا). أما اثنان واثنتان فلا تجب إضافتهما کما فی ص 122 بل یجوز فیهما الإضافة وعدمها. لکن إذا أضیفا وجب فی - الصحیح - أن یکون مدلولهما مخالفا مدلول المضاف إلیه سواء أکان اسما ظاهرا أم ضمیرا.

فإن کانتا للتوکید وجب أن یسبقهما المؤکّد الذی یطابقه الضمیر ، نحو أکرم الوالدین ؛ فإن کلیهما صاحب الفضل الأکبر علیک ... وعاون الجدّتین ، فإن کلتیهما أحبّ الناس لک. فالکلمتان لیستا للتوکید ، وهما معربتان کالمثنی منصوبتان بالیاء ،

ونحو : جاء الفارسان کلاهما ، غابت السیدتان کلتاهما ؛ «فکلا» و «کلتا» توکید مرفوع بالألف ؛ لأنه ملحق بالمثنی ، وهو مضاف و «هما» مضاف إلیه ، مبنی علی السکون فی محل جر. ونحو : صافحت الفارسین کلیهما ، والمحسنتین کلتیهما ، وأثنیت علی الفارسین کلیهما ، والسیدتین کلتیهما (فکلا وکلتا توکید منصوب أو مجرور بالیاء مضاف ، والضمیر مضاف إلیه ، مبنی علی السکون فی محل جر (1) ...

فلو أضیفت کلا أو کلتا لاسم ظاهر (2) لم تعرب کالمثنی ، ولم تکن للتوکید ، - وأعربت - کالمقصور - علی حسب الجملة ، بحرکات مقدرة علی الألف ، فی جمیع الأحوال : (رفعا ، ونصبا ، وجرّا) ، مثل : سبق کلا المجتهدین ، وفازت کلتا لماهرتین ، فکلا وکلتا : فاعل مرفوع بضمة مقدرة علی الألف. ومثل : هنأت کلا المجتهدین ، وکلتا الماهرتین ؛ فکلا وکلتا مفعول به ، منصوب بفتحة مقدرة علی الألف. وسألت عن کلا المجتهدین ، وعن کلتا الماهرتین ، فکلا وکلتا مجرورة ، وعلامة جرها الکسرة المقدرة علی الألف.

مما تقدم نعلم :

ا - أن کلا وکلتا إذا أضیفتا للضمیر تعربان کالمثنی - أی ، : بالحروف المعروفة فی إعرابه - ؛ سواء أکانتا للتوکید (3) أم لغیره ، ولا بد أن یکون الضمیر للتثنیة

ب - وأنهما عند الإضافة للظاهر ، لا تکونان کالمثنی ، بل تعربان علی حسب

ص: 112


1- انظر «ا» ورقم 2 من : «ب» ص 114 - فی الزیادة حیث بعض الصور الدقیقة المتصلة بهذا الحکم.
2- والأفصح أن یکون الظاهر مثنی معرفة. غیر مفرق - کما سیجیء فی الجزء الثالث ، باب الإضافة -
3- وإذا کانتا للتوکید وجب أن یسبقهما المؤکد.

الجملة (فاعلا أو مفعولا ، أو مبتدأ ، أو خبرا ... إلخ) ، وبحرکات مقدرة علی الألف دائما ، کإعراب المقصور (1).

ص: 113


1- وإلی ما سبق یشیر ابن ملک بقوله : بالألف ارفع المثنّی ، وکلا إذا بمضمر مضافا وصلا کلتا کذاک. اثنان واثنتان کابنین وابنتین یجریان وتخلف الیا فی جمیعها الألف جرّا ونصبا بعد فتح قد ألف أی : أن المثنی یرفع بالألف ، و «کلا» ترفع بالألف إذا وصلت بمضمر ، وهی مضافة إلیه «وکلتا» : کذلک. أما «اثنان» و «اثنتان» فملحقتان بالمثنی ویجریان فی إعرابهما علی الطریقة التی تجری فی إعراب : «ابنین وابنتین» وهذان من نوع المثنی الحقیقی یرفعان بالألف. أما فی حالة النصب والجر ، فتحل الیاء فی کل ما سبق محل الألف ، فتکون الیاء نیابة عن الفتحة وعن الکسرة.

زیادة وتفصیل

ا - عرفنا (1) أنه لا یجوز إعراب : «کلا وکلتا» إعراب المثنی إلا بشرط إضافتهما للضمیر الدال علی التثنیة.

لکن یجب التنبه إلی أن تحقق هذا الشرط یوجب إعرابهما إعراب المثنی من غیر أن یوجب إعرابهما توکیدا ؛ فقد یتحتم عند تحققه إعرابهما توکیدا فقط ، وقد یمتنع إعرابهما توکیدا ویتحتم إعرابهما شیئا آخر غیره ، وقد یجوز فی إعرابهما الأمران ؛ التوکید وغیره ، فالحالات ثلاث عند تحققه. ففی مثل : أقبل الضیفان کلاهما ، وأجادت الفتاتان کلتاهما ... یتعین التوکید وحده.

وفی مثل : النجمان کلاهما مضیء ، والشاعرتان کلتاهما نابغة - یمتنع التوکید ویتحتم هنا إعرابهما مبتدأین ، وما بعدهما خبر لهما ، والجملة من المبتدأ الثانی وخبره خبر للمبتدأ الأول ؛ (وهو : النجمان ، والشاعرتان). ولا یصح إعراب «کلا وکلتا» فی هذا المثال توکیدا ؛ لکیلا یکون المبتدأ (النجمان - الشاعرتان) مثنی ، خبره مفرد ، إذ یصیر الکلام : النجمان مضیء ، الشاعرتان نابغة ؛ وهذا لا یصح (2).

وفی مثل : النجمان - کلاهما - مضیئان ، والشاعرتان - کلتاهما - نابغتان ... یجوز فیهما أن یکونا للتوکید. وما بعدهما خبر للمبتدأ. ویجوز فی کل منهما أن یکون مبتدأ ثانیا خبره ما بعده ، والجملة من المبتدأ الثانی وخبره خبر للمبتدأ الأول.

ب - إعراب المثنی وملحقاته بالحروف هو أشهر المذاهب وأقواها ، کما أسلفنا. ویجب الاقتصار علیه فی عصرنا ؛ منعا للفوضی والاضطراب فی الاستعمال الکلامی والکتابی ، وأما اللغات الأخری فلا یسوغ استعمالها الیوم ، وإنما تذکر للمتخصصین ؛ لیسترشدوا بها فی فهم بعض النصوص اللغویة الواردة عن العرب بتلک اللغات واللهجات. ومن أشهرها :

1- إلزام المثنی وملحقاته (غیر : کلا وکلتا) الألف فی جمیع أحواله ، مع إعرابه بحرکات مقدرة علیها ؛ تقول عندی کتابان نافعان ، اشتریت کتابان نافعان ، قرأت فی کتابان نافعان ، فیکون المثنی مرفوعا بضمة مقدرة علی الألف ،

ص: 114


1- فی ص 111
2- کما سیجیء فی رقم 2 من الصفحة الآتیة ومثل قول الشاعر : کلانا غنیّ عن أخیه حیاته ونحن إذا متنا أشدّ تغانیا

ومنصوبا بفتحة مقدرة علیها ، ومجرورا بکسرة مقدرة کذلک ؛ فهو یعرب إعراب المقصور ، والنون للتثنیة فی کل الحالات.

2- إلزام المثنی الألف والنون فی جمیع أحواله مع إعرابه بحرکات ظاهرة علی النون. کأنه اسم مفرد ، تقول عندی کتابان نافعان ، واشتریت کتابانا نافعانا ، وقرأت فی کتابان نافعان ، ویحذف التنوین إذا وجد ما یقتضی ذلک ؛ کوجود «أل» فی أول المثنی. أو إضافته. وکذلک لمنع الصرف إذا وجد مانع من الصرف ... فیرفع معه بالضمة من غیر تنوین ، وینصب ویجر بالفتحة من غیر تنوین أیضا.

أما «کلا ، وکلتا» ففیهما مذاهب أیضا ؛ أشهرها وأحقها بالاتباع ما سبق فیهما ؛ وهو إعرابهما بالحروف ، بشرط إضافتهما إلی ضمیر دالّ علی التثنیة - علما بأنهما لا تضافان مطلقا - إلی ضمیر للمفرد ، نحو : کلای وکلتای ، ولا إلی ضمیر للجمع ، نحو : کلاهم ، وکلتاهم - ، ولا یضافان إلی الظاهر أیضا ، وإلا أعربا معه کالمقصور.

وهناک من یعربهما إعراب المقصور فی جمیع أحوالهما ، أی : بحرکات مقدرة علی الألف دائما. ومنهم من یعربهما إعراب المثنی فی جمیع أحوالهما ، ولو کانت إضافتهما إلی اسم ظاهر مثنی. ولا حاجة الیوم إلی غیر اللغة المشهورة.

هذا ، ولفظهما مفرد ، مع أن معناهما مثنی ؛ فیجوز فی الضمیر العائد علیهما مباشرة ، وفی الإشارة ، وفی الخبر ، ونحوه - أن یکون مفردا ، وأن یکون مثنی ، تقول : کلا الرجلین سافر ، أو سافرا ، وکلا الطالبین أدیب ، أو أدیبان ، وکلتا الفتاتین سافرت ، أو سافرتا ، وکلتاهما أدیبة ، أو أدیبتان ، والأکثر مراعاة اللفظ. کقول الشاعر :

لا تحسبنّ الموت موت البلی

وإنما الموت سؤال الرجال

کلاهما موت ، ولکن ذا

أفظع من ذاک ، لذل السؤال

هذا ویتعین الإفراد ومراعاة اللفظ فی مثل : کلانا سعید بأخیه ؛ من کل حالة یکون المعنی فیها قائما علی المبادلة والتنقل بین الاثنین فینسب فیها إلی کل واحد منهما ما ینسب إلی الآخر ، دون الاکتفاء بذکر المعنی المجرد من دلالة المبادلة والتنقل بینهما کالمثال السابق ، وکقولنا : کلانا حریص علی المودة ، کلانا محب لبلاده (1) ... بقیت مسألة تتعلق بالإعراب فی مثل : محمد وعلیّ کلاهما قائم ، أو کلاهما قائمان ، فکلمة : «کلاهما» ، فی المثال الأول مبتدأ حتما ، و «قائم» خبره

ص: 115


1- ومثل قول الشاعر : کلانا غنیّ عن أخیه حیاته ونحن إذا متنا أشدّ تغانیا

والجملة خبر الأول ، ولا یصح إعراب «کلا» للتوکید ، لما یترتب علی ذلک من إعراب کلمة «قائم» خبر المبتدأ ، وهذا غیر جائز ؛ إذ لا یقال : محمد وعلی قائم ؛ لعدم المطابقة اللفظیة. أما فی المثال الثانی فیصح إعرابها مبتدأ أو توکیدا - کما سبق فی فی «ا».

ح - جری الاستعمال قدیما وحدیثا علی تسمیة فرد من الناس وغیرهم باسم ، لفظه مثنی ولکن معناه مفرد ، بقصد بلاغی ؛ کالمدح ، أو الذم ، أو التملیح ... - کما سبق فی رقم 4 من هامش ص 111 - مثل : «حمدان» تثنیة : «حمد» ، و «بدران» تثنیة «بدر» و «مروان» ، تثنیة : «مرو» ؛ وهی : الحجارة البیض الصلبة ، و «شعبان» تثنیة «شعب» و «جبران» تثنیة «جبر» ، ومثل : محمدین ، وحسنین والبحرین (اسم إقلیم عربیّ علی خلیج العرب ...) فهذه الکلمات وأشباهها ملحقة بالمثنی ، ولیست مثنی حقیقیّا. وفی إعرابها وجهان :

أحدهما : حذف علامتی التثنیة من آخرها ، وإعرابها بعد ذلک بالحروف ؛ کباقی أنواع المثنی الحقیقی ؛ فتقول سافر بدران (1) ، یجب الناس بدرین ، وتحدثوا عن بدرین.

والآخر : إلزامها الألف والنون ، - مثل عمران - وإعرابها إعراب ما لا ینصرف بحرکات ظاهرة فوق النون ؛ فترفع بالضمة من غیر تنوین ، وتنصب وتجر بالفتحة من غیر تنوین (2) أیضا.

ولعل الخیر فی إباحة وجه ثالث یحسن الاصطلاح علی إباحته وإن کنت لم أره لأحد من قدامی النحاة ؛ فإنهم قصروه علی جمع المذکر السالم ، هو

ص: 116


1- بغیر «أل» ؛ لأنه علم علی واحد ، ولیس مثنی حقیقة. بخلاف العلم عند تثنیته ؛ فیجب تصدیره «بأل» أو غیرها مما سیجیء فی رقم 3 من ص 118. وهناک کلمات أخری تشبه «کلا» و «کلتا» فی أن لفظها مفرد ومعناها قد یکون مفردا حینا ، وقد یکون مثنی أو جمعا حینا آخر ، مع التذکیر أو التأنیث علی حسب کل حالة. ومن تلک الکلمات : «کم» ، و «من» ، و «ما» ، و «أی» وبعض ... وسیجیء الکلام علیها من هذه الناحیة فی أبوابها ، ومنها : باب الموصول - ص 305 وأیضا عند الکلام علی مرجع الضمیر فی باب الضمیر. حیث تعرض بعض الصور والأحکام الهامة الخاصة بذلک. أما التطابق بین المبتدأ والخبر فیجیء فی ص.
2- اشترط بعض النحاة لإعرابه بالحرکات کالممنوع من الصرف ، ألا تزید حروفه عند التثنیة علی سبعة. کاشهیباب ؛ للسنة المجدبة. فإن زادت مثل (اشهیبا بین) وجب إعرابه بالحروف.

إبقاء العلم علی حاله - من الألف والنون ، أو الیاء والنون - مع إعرابه کالاسم المفرد بحرکات إعرابیة مناسبة علی آخره ، وهذا الوجه وحده أولی بالاتباع ، إذ لا یؤدی إلی اللبس ، لأنه الموافق للواقع ، ولیس فی أصول اللغة ما یمنعه بل إن کثیرا من المعاملات الجاریة فی عصرنا توجب الاقتصار علیه ، فالمصارف (1) لا تعترف إلا بالعلم المحکیّ ، أی : المطابق للمکتوب نصّا فی شهادة المیلاد ، وفی الشهادة الرسمیة المحفوظة عندها المماثلة لما فی شهادة المیلاد ولا تقضی لصاحبه أمرا مصرفیا إلا إذا تطابق إمضاؤه (توقیعه) واسمه المسجل فی تلک الشهادة تطابقا کاملا فی الحروف وفی ضبطها ، فمن اسمه : «حسنین» أو : بدران ... یجب أن یظل علی هذه الصورة کاملة فی جمیع الاستعمالات عندها ، مهما اختلفت العوامل التی تقتضی رفعه ، أو نصبه ، أو جرّه.

فلو قیل : حسنان ، أو : بدرین ؛ تبعا للعوامل الإعرابیّة لکان کل علم من هذه الأعلام دالّا فی عرف المصرف علی شخص آخر مغایر للشخص الذی یدل علیه العلم الأول ، وأن لکل منهما ذاتا وحقوقا ینفرد بها ، ولا ینالها الآخر ، ولن یوافق المصرف مطلقا علی أنّ الاسمین لشخص واحد ، ولا علی أن الخلاف یتجه للإعراب وحده دون الاختلاف فی الذات. ومثل المصارف کثیر من الجهات الحکومیة ؛ کالبرید ، وأنواع الرخص ، والسجلات الرسمیة المختلفة ...

أما الوجه الأول فقد یوهم أنه مثنی. ولا یأمن اللبس فیه إلا الخبیر الذی یعرف أنه مفرد ؛ ویدرک أن العلم المثنی لا یتجرد من «أل» إلا عند إضافته ، أو ندائه ، کما سیجیء ، وهذا غیر مضاف ؛ بل إنه قد یضاف (2) فیزداد اللبس قوة. ولا یخلو الثانی من لبس ، أیضا.

د - اشترط جمهور النحاة فیما یراد تثنیته قیاسا ثمانیة (3) شروط :

ص: 117


1- جمع مصرف ، بکسر الراء : وهو «البنک».
2- یصح إضافة العلم أحیانا إلی المعرفة لداع بلاغی ؛ کقصد تعیینه ، نحو : محمد علی ، وفاطمة حسن ، بشرط ألا یکون «المضاف» من أولاد «المضاف إلیه» ؛ إذ یترتب علی فقد الشرط أن یکون أصل المثالین السابقین - ونظائرهما - : محمد بن علی ، وفاطمة بنت حسن ، فحذف المضاف ، وهو : (ابن ، بنت) وأقیم المضاف إلیه مقامه. وحذفهما شاذ یقتصر فیه علی المسموع - منعا للإلباس - کما نصوا علی هذا فی باب الإضافة (انظر ج 3 ص 134 م 96) وتفصیل هذا فی باب العلم من هامش ص 264 حیث الأوجه الجائزة فی العلم.
3- وهی شروط عامة فیه وفی جمع المذکر السالم - کما یجیء فی رقم 3 من هامش ص 127.

1- أن یکون معربا. فأما هذان ، وهاتان ، واللذان ، واللتان ، فقد وردت عن العرب هکذا معربة - مع أن مفرداتها مبنیة ؛ فلا یقاس علیها.

2- أن یکون مفردا ؛ فلا یثنی جمع المذکر السالم. ولا جمع المؤنث السالم ؛ لتعارض معنی التثنیة وعلامتها ، مع معنی الجمعین (1) وعلامتهما. أما جمع التکسیر واسم الجمع فقد یثنی کل منهما أحیانا ؛ نحو : «جمالین ، ورکبین» فی تثنیة : «جمال» و «رکب» ؛ بقصد الدلالة فی التثنیة علی التنویع ، ووجود مجموعتین متمیزتین بأمر من الأمور. وکذلک یثنی اسم الجنس - غالبا - للدلالة السابقة - نحو ، ماءین ، ولبنین. وأکثر النحاة یمنع تثنیة جمع التکسیر ویقصرونه علی السماع کما فی المثالین السالفین - وستجیء الإشارة لهذا فی ص 146. أما التفصیل فمکانه : «باب جمع التکسیر» من الجزء الرابع ، ص 505 م 174.

وأما المثنی فلا یثنی ، ولا یجمع ؛ لکیلا یجتمع إعرابان بعلاماتهما علی کلمة واحدة. وهذا هو الرأی السائغ الذی یحسن الاقتصار علیه.

لکن لو سمی بالمثنی ، وأرید تثنیة هذا المسمّی لم یصح تثنیته مباشرة ، وإنما یصح بطریقة غیر مباشرة ، بأن نأتی قبل المثنی بالکلمة الخاصة التی یتوصل بها لتثنیته ؛ وهی «ذو» مختومة ، بعلامة التثنیة للمذکر والمؤنث فی حالات الإعراب المختلفة ؛ فیقال للمذکر فی حالة الرفع : «ذوا» ... وفی حالتی النصب والجر : «ذوی ...» مثل : نبغ ذوا حمدان ، وأکرمت ذوی حمدان ، واستمعت إلی ذوی حمدان. فکلمة : «ذوا وذوی» تعرب علی حسب حاجة الجملة ، کإعراب المثنی وهما «مضافان» ، والمثنی المسمی به هو : «المضاف» إلیه دائما ویحتفظ بکل حروفه ، ثم تجری علیه أحکام المضاف إلیه ؛ من الجرّ ، وغیره.

ویقال للمؤنث فی حالة الرفع : «ذاتا» ، أو : ذواتا ، وفی حالة الجر : «ذاتی ...» أو «ذواتی ...» .. وتعرب هذه الألفاظ علی حسب حاجة الجملة کإعراب المثنی. وهی «مضافة» والمسمی به هو «المضاف إلیه» الذی یخضع للحکم السالف (2).

3- أن یکون نکرة ؛ أما العلم فلا یثنی ؛ لأن الأصل فیه أن یکون مسماه

ص: 118


1- إذا سمی بهما فقد یصح جمعهما علی الوجه الموضح فی «ب» من ص 140 وفی ه من ص 156
2- وبهذه الطریقة غیر الحباشرة یصح جمع المثنی الذی سمی به. ولکن تستخدم قبله کلمة : «ذوو» رفعا ، «وذوی» نصبا وجرا ؛ وهو بعدهما : «المضاف إلیه» ، الخاضع فی جره للحکم الذی أوضحناه.

شخصا واحدا معینا ، ولا یثنی إلا عند اشتراک عدة أفراد فی اسم واحد (1) ، وهذا معنی قول النحویین : «لا یثنی العلم إلا بعد قصد تنکیره» ، وحینئذ تزاد علیه : «أل» بعد التثنیة ؛ لتعید له التعریف ، أو : یسبقه حرف من حروف النداء - مثل : «یا» ؛ لإفادة التعیین والتخصیص أیضا ، بسبب القصد المتجه لشخصین معینین (2) ؛ نحو : یا محمدان ، أو إضافة إلی معرفة ، مثل : حضر محمداک. فلا بد مع تثنیة العلم من شیء مما سبق یجلب له النعرف. ؛ لأن العلم یدل علی واحد معین. کصالح ، وأمین ، ومحمود (3) ، والتثنیة تدل علی وقوع مشارکة بینه وبین آخر ، فلا یبقی العلم مقصورا علی ما کان علیه من الدلالة علی واحد بعینه ، بل یشترک معه غیره عند التثنیة ، وفی هذه المشارکة نوع من الشیوع ، یناقض التعیین والتحدید الذی یدل علیه العلم المفرد (4). هذا إلی أن العلم المفرد قد صار بعد التثنیة إلی لفظ لم تقع (5) به التسمیة أولا ...

4- غیر مرکب (6) ؛ فلا یثنی بنفسه المرکب الإسنادی (وهو المکون من مبتدأ وخبر ؛ مثل «علی مسافر» علم علی شخص ، أو من فعل وفاعل ، مثل : «فتح الله - علم علی شخص أیضا). وإنما یثنی من طریق غیر مباشر ؛ فنأتی بکلمة : «ذو» للمذکر ، و «ذات» للمؤنث ؛ لتوصل معنی التثنیة إلیه. وهی ترفع بالألف ، وتنصب وتجر بالیاء ، وتکون مضافة إلی المرکب فی الأحوال الثلاثة ، تقول : جاء ذوا «محمد مسافر» ، وذاتا ... ، أو : ذواتا «هند مسافرة» (7) ، وشاهدت ذوی «محمد مسافر» وذاتی ... ، أو : ذواتی «هند مسافرة» : ونظرت إلی

ص: 119


1- لهذا إیضاح فی رقم 2 من هامش ص 264.
2- فی سبب تعریف المنادی المعرف آراء ، منها : أن السبب هو القصد والأقبال ، ومنها : أنه التعریف الذی کان قبل ندائه ، وقیل : التعریف الأول الذی کان قبل النداء قد زال وعاد جدیدا بعد النداء .... إلی غیر هذا مما یذکره النحاة مفصلا فی أول باب النداء ...
3- قد ینکر العلم لحکمة بلاغیة أشرنا إلیها مفصلة فی رقم 2 من هامش ص 264.
4- یستثنی من هذا : «جمادیان» ؛ تثنیة : «جمادی» ؛ علم علی الشهر العربی المعروف ، و «عمایتان» لجبلین ، و «أبانان» ؛ لجبلین أیضا ، و «أذرعات» لبلد بالشام ، و «عرفات» الجبل بمکة.
5- راجع شرح المفصل ج 1 ص 46 عند الکلام علی المثنی والمجموع من الأعلام.
6- أنواع المرکب فی ص 132 وتفصیل الکلام علی کل واحد منها سیجیء فی باب العلم ، ص 270 و 278 وما بعدها.
7- کما یجیء فی : «ج» من ص 156.

ذوی «محمد مسافر» وذاتی ... أو : ذواتی «هند مسافرة». والمرکب الإسنادی فی کل هذه الحالات مضاف إلیه ، مجرور بکسرة مقدرة ، منع من ظهورها حرکة الحکایة.

کذلک المرکب المزجی : کحضرموت ، اسم بلد عربی ، و «بعلبک» اسم بلد لبنانی ، واسم معبد هناک. أیضا. و «سیبویه» اسم إمام النحاة. فإنه لا یثنی بنفسه مباشرة (1) ؛ وإنما یثنی بمساعدة : «ذو ، وذات» بعد تثنیتهما وإضافتهما ؛ تقول : هناک «ذوا» بعلبک ، وذاتا أو : ذواتا بعلبک ، وزرت «ذوی» بعلبک ، وذاتی ، أو ذواتی بعلبک ، ونزلت بذوی بعلبک ، وبذاتی أو : ذواتی بعلبک ، وهکذا ... ومثله المرکب العددی ؛ کأحد عشر ، وثلاثة عشر.

ومن العرب من یعرب المرکب المزجی بالحرف کالمثنی الحقیقی ؛ فیقول : بعلبکان» و «بعلبکیّن» ، والأخذ بهذا الرأی أسهل وأخف ، لدخوله مع غیره فی القاعدة العامة لإعراب المثنی ؛ فیحسن الاقتصار علیه. وفیهم من یجیز تثنیة صدره وحده معربا بالحروف ، ویستغنی عن عجزه نهائیا ؛ فیقول فی حالة الرفع «حضران» فی «حضرموت» ، و «بعلان» فی «بعلبک» ، و «سیبان» فی «سیبویه» وفی حالة النصب والجر یأتی بالیاء مکان الألف. ولکن هذا الرأی یوقع فی لبس وإبهام وخلط بین المرکب المزجی وغیره ، فیحسن إهماله فی استعمالنا. «أما المرکب الإضافی کعبد الله» و «عبد العزیز» و «عبد الحمید» ، فلا خلاف فی تتثنیة صدره المضاف ، مع إعرابه بالحروف ، وترک المضاف إلیه علی حاله تقول : هما عبدا الله ، وهما عبدا العزیز ، وسمعت عبدی الله : وعبدی العزیز ، وأصغیت إلی عبدی الله ... إلخ.

أما إذا کان المرکب وصفیّا «أی : مکونا من صفة وموصوف ؛ مثل : الرجل الفاضل» - فیثنی الصدر والعجز معا ، ویعربان بالحروف ؛ فتقول : جاء الرجلان الفاضلان ، ورأیت الرجلین الفاضلین ، ومررت بالرجلین الفاضلین وبالرغم من أن هذا هو الرأی الشائع فإنه یوقع فی لبس کبیر ؛ إذ لا یظهر معه أنه مثنی ، مفرده مرکب وصفی. ولهذا کان من المستحسن تثنیته بالطریقة غیر المباشرة ،

ص: 120


1- هذا هو الشائع. وسیجیء هنا - وفی «ب» من ص 132 - رأی آخر یبیح تثنیته وجمعه مباشرة ، وقد ارتضیناه.

وهی زیادة «ذوا» ، وذوی ، قبله ، وذاتا ، أو ذواتا ... وذاتی ، أو ذواتی ... وبهذا تکون طریقة تثنیته هی طریقة جمعه الآتیة (1) ...

5- أن یکون له موافق فی اللفظ موافقة تامة فی الحروف وعددها وضبطها ؛ فلا یثنی مفردان بینهما خلاف فی شیء من ذلک «إلا ما ورد عن العرب ملاحظا فیه «التغلیب» کما وضحنا (2).

6- أن یکون له موافق فی المعنی ، فلا یثنی لفظان مشترکان فی الحروف ، ولکنهما مختلفان فی المعنی حقیقة أو مجازا ، مثل : «عین» للباصرة «وعین» للجاریة ، فلا یقال : هاتان عینان ، ترید بواحدة معنی غیر الذی تریده من الأخری.

7- وجود ثان له فی الکون ، فلا تثنی کلمة : شمس ، ولا قمر ، عند القدامی ؛ لأن کلا منهما لا ثانی له فی الکون فی زعمهم. أما الیوم فقد ثبت وجود شموس وأقمار لا عداد لها ؛ فوجب إهمال هذا الشرط قطعا. إذ لا یوجد فی المخلوقات شیء لا نظیر له.

8- عدم الاستغناء عن تثنیته بغیره ، فلا تثنی - فی الرأی الغالب - کلمتا : «بعض» و «سواء» - مثلا - استغناء عنهما بتثنیة جزء ، وسیّ ، فنقول : «جزءان وسیّان» ، ولا تثنی کلمة : «أجمع وجمعاء» فی التوکید ؛ استغناء بکلا وکلتا فیه. کما لا یثنی العدد الذی یمکن الاستغناء عن تثنیته بعدد آخر ، مثل : ثلاثة وأربعة ؛ استغناء بستة وثمانیة (3). ولذلک تثنی مائة وألف ، لعدم وجود ما یغنی عن تثنیتهما. وقد جمعوا الشروط السالفة کلها فی بیتین ؛ هما :

شرط المثنی أن یکون معربا

ومفردا ، منکرا ، ما رکّبا

موافقا فی اللفظ والمعنی ، له

مماثل ، لم یغن عنه غیره

وزاد بعضهم شرطا آخر هو : أن یکون فی تثنیته فائدة ؛ فلا یثنی : «کل»

ص: 121


1- فی ص 139.
2- فی هامش ص 109.
3- هذا إن کان المراد من الثلاثة والثلاثة - مثلا - مجموعهما ، فیقال : ستة : بدلا من تثنیتهما. أما إن کان المراد بیان عدد المجموعات من کل فیجوز ؛ کأن تقول : هذه مجموعات أقلام ، عددها ثلاث حزم ، وهذه مجموعات أخری ، عددها ثلاث حزم أیضا ، والثلاثتان الأولیان مختلفتان عن الثلاثتین الأخریین فی الثمن والجودة ... ثم انظر «د» أول الصفحة الآتیة.

ولا یجمع ؛ لعدم الفائدة من ذلک. وکذلک الأسماء التی لا تستعمل إلا بعد نفی عام ، وتقتصر فی الاستعمال علیه ؛ مثل : أحد (1) ، وعریب ، تقول : ما فی الدار أحد ، وما رأیت عریبا ... (أی : أحدا)

د - عرفنا أن المثنی یغنی عن المتعاطفین (أی : المعطوف والمعطوف علیه) وأن ما یدل علی اثنین من طریق العطف لا یسمی مثنی ؛ مثل : نجم ونجم ؛ ومن هنا لا یجوز إهمال التثنیة استغناء بالعطف بالواو ، إلا لغرض بلاغی ، کإرادة التکثیر فی مثل : أخذت منی ألفا وألفا ، أو بیان عدد المرات ، وما تحتویه المرة الواحدة ؛ مثل : أرسلت لک الدنانیر ، ثلاثة وثلاثة. ثم أرسلت لک کتابا وکتابا (2) ... أو : وجود فاصل ظاهر بین المعطوف والمعطوف علیه ، مثل : قرأت کتابا صغیرا ، وکتابا کبیرا ، أو فاصل مقدر ؛ کأن یکون لک أخ غائب اسمه : علیّ ، وصدیق غائب اسمه : علیّ ، أیضا ، ثم تفاجأ برؤیتهما معا ، فتقول : علیّ وعلیّ فی وقت واحد!! کأنک تقول : علیّ أخی وعلی صدیقی أراهما الآن!!

هذا إن کان العطف بالواو ، فإن کان بغیرها فلا تغنی التثنیة - غالبا - لأن العطف بغیر الواو یؤدی معانی تضیع بالتثنیة ، کالترتیب فی الفاء ، تقول داخل زائر فزائر ، بدلا من دخل زائران ، وهکذا (3).

ه - مما ینطبق علیه تعریف المثنی ، الضمیر فی أنتما قائمان ؛ فهو دال علی اثنین ، ویغنی عن أنت وأنت ، بما فی آخره من الزیادة الخاصة به ، وهی «ما» ولکنه فی الحقیقة لا یعد مثنی ، ولا ملحقا به ، لسببین :

أولهما : أنه مبنی ، وشرط المثنی أن یکون معربا - کما عرفنا.

وثانیهما : أن الزیادة التی فی آخره لیست هی الزیادة المشروطة فی المثنی.

و - من الملحق بالمثنی : «اثنان» و «اثنتان» (وفیها لغة أخری : ثنتان) وهما ملحقان به ، فی کل أحوالهما ؛ أی : سواء أکانا منفردین عن الإضافة مثل : جاء اثنان ، جاءت اثنتان ... أم مرکبین مع العشرة ؛ مثل : انقضی اثنا عشر یوما ، واثنتا عشرة لیلة (فتعرب اثنا واثنتا علی حسب الجملة إعراب المثنی. أما

ص: 122


1- انظر البیان الخاص بکلمة : «أحد» فی رقم 2 من هامش ص 189.
2- انظر - ه - من ص 143 لأهمیته. وأما بیانه کاملا ففی الجزء الرابع : باب العدد.
3- ویلاحظ ما سبق فی رقم 3 من هامش الصفحة السابقة.

کلمة : «عشر» وکذا «عشرة» فاسم مبنی علی الفتح لا محل له ؛ لأنه بدل من نون المثنی الحرفیة (1). أم مضافین إلی ظاهر ، نحو جاءنی اثنا کتبک ، وثنتا رسائلک ، أم أضیفا إلی ضمیر ، نحو غاب اثناکما ، وحضرت ثنتاکما ، لکن الصحیح عند إضافتهما للظاهر أو للضمیر أن یراد بالمضاف إلیه شیء غیر المراد من اثنا وثنتا أی : غیر المراد من المضاف ؛ فلا یقال حضر اثنا محمود وصالح ، ولا حضر اثناکما ، إذا کان مدلول المضاف إلیه فی الحالتین هو مدلول «اثنا» ، أی : مدلول المضاف ، لأنه فی هذه الحالة یؤدی ما تؤدیه «اثنان» : و «اثنتان» ومعناه هو معناهما ؛ فالإضافة لا فائدة منها ؛ إذ هی - کما سبق (2) - من إضافة الشیء إلی نفسه ؛ فلا حاجة إلیها ، بخلاف ما لو قلنا : جاء اثنا المنزل ، إذا کان المراد صاحبیه ، وجاءت ثنتا المنزل ، إذا کان المراد صاحبتیه ، وجاء اثناکما ، وجاءت اثنتاکما ، والقصد : خادمتا کما ، أو سیارتاکما ... وجاء اثناه واثنتاه ، واثناکم واثنتاکم ... فإن المراد من المضاف هنا غیر المراد من المضاف إلیه ، وکذلک ما یکون الضمیر فیه للمفرد أو الجمع ، نحو : اثناک واثناکم ... وهکذا فلا بد فی المضاف إلیه (سواء أکان اسما ظاهرا أم ضمیرا) أن یدل علی غیر الذی یدل علیه المضاف ؛ وهو ؛ الکلمتان : اثنان واثنتان ، وقد سبقت الإشارة لهذا (3) ...

ز - إذا أضیف المثنی حذفت نونه ؛ فمثل : سافر الوالدان. من غیر إضافة المثنی ، تقول إذا أضفته : سافر والدا علیّ. فإذا أضیف المثنی المرفوع - فقط - إلی کلمة أولها ساکن ؛ مثل : جاءنی صاحبا الرجل ، ومکرما الضیف ... فإن علامة التثنیة - وهی الألف - تحذف فی النطق حتما لا فی الکتابة. لکن ما ذا نقول فی إعرابه؟ أهو مرفوع بالألف الظاهرة فی الخط ، أم مرفوع بالألف المقدرة وهی التی حذفت لالتقاء الساکنین (لأنها ساکنة وما بعدها ساکن) والمحذوف لعلة کالثابت؟ یرجح النحاة أن نقول : إنه مرفوع بالألف المقدرة لأنهم هنا یقدمون النطق علی الکتابة ویعدون هذه الحالة فی عداد حالات الإعراب التقدیری ، ونری أنه لا داعی للأخذ بهذا الآن (4).

ص: 123


1- ستجیء إشارة لهذا فی «د» من ص 141
2- فی رقم 5 من هامش ص 111
3- فی رقم 5 من هامش ص 111
4- کما سیأتی فی «و» من ص 143 وفی رقم 2 من ص 184.

ح - هناک مفردات محذوفة الآخر ، مثل : أخ ، وید. أصلهما : أخو ، ویدی. فإذا أرید تثنیة هذا النوع فقد یرجع المحذوف حتما أو لا یرجع ، ومما لا یرجع ما حذفت لامه وجاءت همزة الوصل فی أوله عوضا عن لامه المحذوفة ، کالتی فی کلمة «اسم» وکذلک ما لا ترد لامه عند إضافته علی حسب القاعدة التالیة :

جاء فی شرح المفصل ج 4 ص 151. ما ملخصه :

اعلم أن المحذوف الآخر (أی : محذوف اللام) علی ضربین ؛ ضرب یرد إلیه الحرف الساقط فی التثنیة ، وضرب لا یرد إلیه. فمتی کانت اللام المحذوفة ترجع فی الإضافة فإنها ترد إلیه - فی الفصیح - عند التثنیة. وإذا لم یرجع الحرف المحذوف عند الإضافة لم یرجع عند التثنیة ؛ فمثال الأول : أخ وأب ؛ تقول فی تثنیتهما : هذان أخوان ، وأبوان ، ورأیت أخوین وأبوین ، ومررت بأخوین وأبوین ؛ لأنک تقول فی الإضافة ؛ هذا أبوک وأخوک ، ورأیت أباک وأخاک ، وذهبت إلی أبیک وأخیک. فتری اللام قد رجعت فی الإضافة (1) ؛ فکذلک فی التثنیة ...

ومثال الثانی یدودم ؛ فإنک تقول فی التثنیة : «یدان» و «دمان» فلا ترد الذاهب ؛ لأنک لا ترده فی الإضافة. اه. وهذا خیر ما یتبع. أما غیره فضعیف لا نلجأ إلیه اختیارا(2).

ط - بقیت أحکام تختص بالمثنی ونونه ، وستجیء فی ص 141 وما بعدها ،

ی - سیجیء فی ج 4 ص 457 م 171 باب خاص بطریقة التثنیة. وأهمها : تثنیة المقصور ، والمنقوص ، والممدود ...

ص: 124


1- لکن : أهذه الواو الظاهرة عند إضافة : «أخ وأب» هی الواو الأصلیة التی تعد لام الکلمة ، أم هی واو الأسماء الخمسة؟ رأیان. انظر «د» من هامش ص 137.
2- لهذا الضابط بیان أکمل سیجیء فی «کیفیة التنبیة والجمع» (ج 4 م 171) وقد عرضه صاحب الهمع (ج 1 ص 44) وکذلک الصبان (ج 4 ص 119 فی آخر باب المقصور والممدود) وقد سبقت الإشارة فی رقم 3 من هامش ص 102 وفی رقم 1 من ص 149.

المسألة 10: جمع المذکر السالم

اشارة

ا - فاز علیّ. هنّأت علیّا. أسرعت إلی علیّ.

ب - فاز العلیون. هنّأت العلیین. أسرعت إلی العلیین.

نفهم من کلمة : «علیّ» فی القسم الأولی أنه شخص واحد ، ثم زدنا علیها الواو والنون المفتوحة ، أو الیاء المکسور ما قبلها ، وبعدها النون المفتوحة ، فصارت تدل علی أکثر من اثنین ، کما فی القسم الثانی : «ب». وبسبب هذه الزیادة استغنینا عن أن نقول : فاز علیّ وعلیّ وعلیّ ... و... و... أی : أن زیادة حرفی الهجاء المذکورین أغنت عن عطف کلمتین متماثلتین أو أکثر علی نظیرة سابقة ، مع اشتراک المعطوف والمعطوف علیه فی المعنی والحروف والحرکات. فکلمة «العلیون» وما یشبهها تسمی : «جمع مذکر سالما» (1) وهو :

«ما یدل علی أکثر من اثنین (2) ؛ بسبب زیادة معینة فی آخره ، أغنت عن

ص: 125


1- المراد بالسالم : ما سلم فیه صیغة المفرد ؛ وذلک : بأن یبقی المفرد علی حاله بعد الجمع لا یدخل حروفه تغییر فی نوعها أو عددها أو حرکاتها إلا عند الإعلال فی نحو : المصطفون - القاضون. هذا ، وکلمة «السالم» تعرب صفة للجمع ، أو للمذکر ، فتضبط علی حسب حالة الموصوف. والأحسن أن تکون صفة للجمع ، فتضبط مثله. ومثل هذا یقال فی معنی وضبط کلمة : «سالم» فی جمع المؤنث السالم ؛ ولهذا یسمیان : جمعی التصحیح ، لصحة مفردهما فی الغالب عند جمعه علیهما. بخلاف : «جمع التکسیر» فإن مفرده لا بد أن یتغیر فی الجمع ، فکأنما یصیبه الکسر لیدخله التغییر - کما سیجیء فی رقم 2 من هامش ص 135 وفی ص 136 وفی بابه ج 4.
2- هذا فی اصطلاح النحاة. أما اللغویون فقد یطلقون کلمة : «الجمع» علی المثنی ، فالجمع عندهم ما دل علی اثنین أو أکثر وقد سبق البیان فی 1 من هامش ص 110 وکما یجیء فی بیان یتصل بهذا فی : «ز» من ص 145 وإذا کان جمع المذکر السالم دالا - عند النحاة - علی أکثر من اثنین فما حدود هذه الزیادة؟ أتنحصر فی ثلاثة وعشرة وما بینهما ، ولا تزید علی العشرة ، أم تزید؟ یقول سیبویه إن جمع المذکر السالم وجمع المؤنث السالم یدلان - فی الغالب - علی عدد قلیل لا ینقص عن ثلاثة ، ولا یزید علی عشرة ؛ فهما کجموع القلة التی ینحصر مدلولها فی ثلاثة وعشرة وما بینهما وقال آخرون - ورأیهم الصحیح - إنهما صالحان للأمرین ، ما لم توجد قرینة تعین أحد الأمرین ؛ کالتی تعین الزیادة فی قوله تعالی عن الصالحین : (... وَهُمْ فِی الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) وقوله تعالی : (إِنَّ الْمُسْلِمِینَ وَالْمُسْلِماتِ ، وَالْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ ، وَالْقانِتِینَ وَالْقانِتاتِ ، وَالصَّادِقِینَ وَالصَّادِقاتِ ، وَالصَّابِرِینَ وَالصَّابِراتِ) ... و... و...(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِیماً) وقوله تعالی : (قُلْ لَوْ کانَ الْبَحْرُ مِداداً لِکَلِماتِ رَبِّی لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ کَلِماتُ رَبِّی ..) - وسیجیء هذا فی باب جمع التکسیر ج 4 م 172 ص 471. وراجع أیضا خاتمة المصباح المنیر ص 954 یعنوان : فصل. الجمع قسمان ...

عطف المفردات المتماثلة فی المعنی والحروف والحرکات بعضها علی بعض».

فلیس من جمع المذکر ما یأتی :

1- ما یدل علی مفرد ؛ مثل : محمود ، أو (محمدین) علما علی شخص واحد.

2- ما یدل علی مثنی ، ومنه : المحمودان ... ، أو علی جمع تکسیر ؛ کأحامد ، جمع أحمد ، أو علی جمع مؤنث سالم ، کفاطمات ؛ لخلو هذین الجمعین من الزیادة الخاصة بجمع المذکر السّالم ، ومن الدلالة المعنویة التی یختص بتأدیتها.

3- ما یدل دلالة جمع المذکر ولکن من طریق العطف بالواو ؛ نحو : جاء محمود ، ومحمود ، ومحمود (1).

4- ما یدل دلالة جمع المذکر ، ولکن من طریق الوضع اللغوی وحده ؛ لا من طریق زیادة الحرفین فی آخره ؛ مثل : کلمة : «قوم» إذا کانت بمعنی : الرجال ، فقط.

5- ما یدل علی أکثر من اثنین ، ولکن مع اختلاف فی معنی المفرد ؛ مثل : الصالحون محبوبون ؛ ترید ؛ رجلین یسمی کل منهما : «صالحا» ومعهما ثالث لیس اسمه «صالحا» ، ولکنه تقیّ ، معروف بالصلاح ؛ فأنت تذکره مع الآخرین علی اعتبار أنه صالح فی سلوکه لا علی أنه شریک لهما فی التسمیة.

وقد یکون الاختلاف فی بعض حروف المفرد أو کلها ؛ فلا یصح أن یکون «السعیدون» جمعا لسعد ، وسعید ، وساعد (أسماء رجال) ، ولا جمعا لمحمود وصالح وفهیم ، کذلک.

ص: 126


1- الوصول إلی معنی جمع المذکر السالم من طریق العطف بالواو غیر جائز فی أکثر الأحوال ؛ للاستغناء عنه بالجمع المباشر (أی : بزیادة حرفی الهجاء علی المفرد). وهناک بعض حالات یجوز فیها العطف بالواو ، قیاسا علی التثنیة وهی الحالات التی ذکرت فی - و - من ص 122 أما العطف بغیر الواو فجائز للأسباب المدونة هناک.

وقد یکون الاختلاف فی حرکات الحروف (1) ، فلا یصح : العمرون قرشیون إذا کان المراد : عمر بن الخطاب ، وعمر بن أبی ربیعة ، وعمرو بن هشام ... (المعروف بأبی جهل).

حکمه : حکم جمع المذکر السالم الرفع بالواو نیابة عن الضمة ، وبعدها النون المفتوحة ، مثل : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) والنصب والجر بالیاء المکسور ما قبلها وبعدها النون المفتوحة ، مثل : صادقت المؤمنین ، وأثنیت علی المؤمنین.

* * *

نوعا جمع المذکر السالم :

الاسم الذی یجمع جمع مذکر سالما نوعان : أحدهما «العلم» والآخر : «الصفة»(2).

ا - فإن کان علما فلا بد أن تتحقق فیه الشروط الآتیة (3) :

1- أن یکون علما (4) لمذکر ، عاقل ، خالیا من تاء التأنیث الزائدة (5) ، ومن الترکیب ، ومن علامة تثنیة أو جمع.

ص: 127


1- مثل هذا الجمع وما سبقه مما فیه اختلاف فی معنی المفرد أو حروفه لا یصح إلا من باب : «التغلیب» - وقد سبق شرح التغلیب ، فی المثنی - رقم 4 من هامش ص 109 - والعرب تغلب المذکر عند الجمع ، ولو کان أقل عددا من المؤنث ، مثل : محمود والزینبات متعلمون. کما تغلب العاقل ولو کان قلیل العدد علی غیره ؛ مثل : محمود والعصافیر یأکلون ، والتغلیب المسموع فی الجمع کثیر ، یسوغ لنا تفضیل الرأی الذی یجبز القیاس علیه ، بشرط أن تقوم قرینة تدل علی أن المتکلم قد استخدمه فی کلامه.
2- العلم قد یکون جامدا ؛ أی : یدل علی مجرد الذات من غیر زیادة شیء علیها ، ولا ملاحظة أمر آخر سواها ؛ مثل : الفضل ، الفتح ، سعد ، أسماء أشخاص. أما الصفة (ویراد بها المشتق ولا یراد بها النعت هنا) فلا تدل علی الذات وحدها قبل العلمیة ؛ وإنما تدل علیها وعلی شیء آخر معها ؛ مثل : «عالم» ؛ «کامل» ، «نبیل» ، فکل واحدة من هذه الصفات المشتقة قبل العلمیة تدل علی ذات ومعها شیء آخر ؛ هو : العلم ، أو الکمال : أو النبل ... فإذا صارت علما علی شخص تجردت من الوصف الزائد ، وصارت جامدة تدل علی مجرد الذات ؛ مثل : (فاضل) علم علی شخص ، فإنها لا تدل بعد العلمیة إلا علی الذات ، ویبقی لها الأمران إذا لم تکن علما ؛ فهی بعد العلمیة اسم جامد وإن کانت فی أصلها مشتقة. - کما سیجیء فی رقم 1 من هامش ص 189 - (راجع ج 3 ص 144 م 98).
3- وهی غیر الشروط العامة الأخری التی لا بد من تحققها فیه. وتنحصر الشروط العامة فی شروط المثنی التی تقدمت فی «د» من ص 117 فإنها شروط لجمع المذکر السالم أیضا.
4- أی : علم شخص. أما علم الجنس فلا یجمع منه هذا الجمع إلا بعض ألفاظ للتوکید المعنوی تفید الشمول - کما سیجیء فی رقم 5 من هامش ص 129 - مثل : أجمع ، فیقال : أجمعون ، لأنه فی الأصل مشتق ، إذا أصله «أفعل تفضیل» قبل أن یتحول إلی التوکید.
5- انظر إیضاحها فی ص 132. وکذا حکم المختوم بألف التأنیث إذا أرید جمعه جمع مذکر سالما.

فإن لم یکن علما لم یجمع هذا الجمع ، فلا یقال فی رجل : رجلون (1) ، ولا فی غلام ؛ غلامون ...

وإن کان علما لکنه لمؤنث ، لم یجمع أیضا ؛ فلا یقال فی زینب : زینبون ، ولا فی سعاد : سعادون. والعبرة فی التأنیث أو عدمه لیست بلفظه ، وإنما بمعناه ، وبما یدل علیه ، فکلمة : سعاد ، أو زینب ، إن کانت علما لمذکر ، واشتهرت بذلک - فإنها تجمع جمع مذکر سالما ، وکلمة : حامد أو حلیم ... إن کانت علما معروفا لمؤنث لم تجمع هذا الجمع.

وإن کان علما لمذکر لکنه غیر عاقل (2) لم یجمع أیضا ، مثل : «هلال» وهو علم علی : حصان ، و «نسیم» علم علی : زورق ...

وکذلک إن کان علما لمذکر عاقل ، ولکنه مشتمل علی تاء التأنیث الزائدة مثل : حمزة ، وجمعة ، وخلیفة ، ومعاویة ، وعطیة ... ، فإنه لا یجمع جمع مذکر (3) ، ولا یصح هنا ملاحظة المعنی ؛ لوجود علامة التأنیث فی اللفظ ؛ فیقع بینها وبین علامة جمع المذکر التناقض والتعارض بحسب الظاهر ، کما لا یصح أن تحذف ؛ لأن حذفها یوقع فی لبس ؛ إذ لا ندری أکانت الکلمة مؤنثة اللفظ قبل الجمع أم لا؟ لهذا اشترطوا خلو المفرد من تاء التأنیث الزائدة کما قلنا ...

وکذلک إن کان مرکبا ترکیب إسناد ، مثل : فتح الله - رام الله - رزق الله ... ؛ فإنه لا یجمع مباشرة باتفاق ؛ وإنما یجمع بطریقة غیر مباشرة ،

ص: 128


1- إلا إذا دخله التصغیر ، : مثل : رجیل ، ورجیلون ، أو عند إلحاق یاء النسب بآخره ؛ مثل : إنسانی وإنسانیون وغلامیّ ، وغلامیون ؛ لأن التصغیر أو النسب یفیده نوعا من الوصف ، فکأنه مشتق ؛ فیدخل فی قسم الصفة الآتی.
2- لیس المراد بالعاقل أن یکون عاقلا بالفعل ؛ وإنما المراد أنه من جنس عاقل ؛ کالآدمیین والملائکة ؛ فیشمل المجنون الذی فقد عقله ، والطفل الصغیر الذی لم یظهر أثر عقله بعد. وقد یجمع غیر العاقل تنزیلا له منزله العاقل ؛ فیکون جمع مذکر ، وقیل. هو ملحق به ؛ مثل قوله تعالی : (إِنِّی رَأَیْتُ أَحَدَ عَشَرَ کَوْکَباً ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَیْتُهُمْ لِی ساجِدِینَ) فالسجود لا یکون إلا من العاقلین ، ولکن الله نزل الکواکب والشمس والقمر منزلة العاقلین ؛ لأنها فعلت فعلهم. ومثلها قوله تعالی عن السماء(فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِیا طَوْعاً أَوْ کَرْهاً ، قالَتا : أَتَیْنا طائِعِینَ) - (أتینا طائعین).
3- ویجمع قیاسا جمع مؤنث سالما. والکوفیون یجیزون جمعه جمع مذکر سالما بعد حذف تائه ، فقد جاء فی کتاب الإنصاف - ص 18 - ما نصه : (ذهب الکوفیون إلی أن الاسم الذی فی آخره تاء التأنیث إذا سمیت به رجلا - یجوز أن یجمع بالواو والنون ؛ وذلک نحو : طلحة وطلحون ، وإلیه ذهب أبو الحسن بن کیسان إلا أنه یفتح اللام ؛ فیقول : «الطلحون» ؛ کما قالوا : «أرضون» ؛ حملا علی : «أرضات». وذهب البصریون إلی أن ذلک لا یجوز). اه والواجب الاقتصار - هنا - علی المذهب البصری لمسایرته الأعم الأفصح ، ولخلوه من اللبس.

بأن تسبقه کلمة : «ذو» مجموعة ویبقی هو علی حاله لا یدخله تغییر مطلقا ، فی حروفه ، وحرکاته ، مهما تغیرت الأسالیب فیقال : «ذوو کذا» رفعا ، «وذوی» نصبا وجرّا ؛ فتغنی عن جمعه کما سیجیء (1) ...

أو : مرکبا ترکیب مزج ، کخالویه ، وسیبویه ، وسعد یکرب ، أو : ترکیب عدد ؛ کأحد عشر ، وثلاثة عشر ، وأربعة عشر ... والمشهور فی هذه المرکبین عدم جمعهما جمعا مباشرا ؛ فیستعان بکلمة : «ذو» مجموعة علی : (ذوو ، وذوی) ؛ فتغنی عن جمعهما ، کما سیجیء أیضا (2) ...

أما المرکب الإضافی کعبد الرحمن وعبد العزیز فیجمع صدره المضاف ؛ ویبقی العجز (وهو المضاف إلیه) علی حاله من الجر (3) تقول : اشتهر عبدو الرحمن ، وصافحت عبدی الرحمن ، وسلمت علی عبدی الرحمن.

ولا یجمع ما آخره علامة تثنیة ، أو علامة جمع مذکر ؛ مثل : المحمدان أو المحمدین (علما علی شخص) والمحمدون أو المحمدین علما کذلک (4).

ب - وإن کان صفة (أی : اسما مشتقّا) فلا بد أن تتحقق فیه الشروط الآتیة : أن تکون الصفة لمذکر ، عاقل ، خالیة من تاء التأنیث ، لیست علی وزن أفعل (5) (الذی مؤنثه فعلاء) ، ولا علی وزن فعلان (الذی مؤنثه فعلی) ، ولا علی وزن صیغة تستعمل للمذکر والمؤنث.

ص: 129


1- فی ص 132.
2- فی ص 132 عند الکلام علی جمع المرکب حیث تجد رأیا آخر ارتضیناه - وستجیء إشارة أخری لجمع أنواع المرکب فی الجزء الرابع ، آخر. «باب جمع التکسیر».
3- بالتفصیل الذی فی ص 133.
4- لأن جمع العلم المشتمل علی علامة التثنیة یؤدی إلی أن یجتمع فی اللفظ الواحد علامة التثنیة مع علامة الجمع ؛ وهذا یؤدی إلی الاختلاف والتعارض بین معنی التثنیة وعلامتها ومعنی الجمع وعلامته ، وکذلک جمع العلم المشتمل علی علامة الجمع یؤدی إلی أن تتکرر فی العلم المجموع علامة الجمع ، وهذا لا یقع فی العربیة. وقد یقتضی الأمر - أحیانا - التسمیة بهذا الجمع - أو ملحقاته - ، وفی هذه الحالة لا تزاد علامة للجمع جدیدة ، وإنما تترک العلامة السابقة علی حالها ؛ ویعرب الجمع بالحرکات الظاهرة علی النون - وهذا أوضح اللغات المتعددة الواردة فیه ، وسنذکرها فی ص 139 وإذا سمی بهذا الجمع فقد یقتضی الأمر جمع هذا الاسم الذی سمی به. وستجیء طریقة ذلک فی «ب» من ص 140.
5- لیس من هذا وزن «أفعل» الذی کان فی أصله صفة داخلة فی باب «أفعل التفضیل» ثم ترکت الوصفیة ، وصارت علم جنس یعرب توکیدا معنویا ، یفید الشمول ، ویصح جمعه جمع مذکر ؛ - طبقا لما سبق فی رقم 4 من هامش ص 127 - ومن ألفاظه : أجمع.

فإن کانت الصفة خاصة بالمؤنث ، لم تجمع جمع مذکر سالما ؛ منعا للتناقض بین ما یدل علیه المفرد ، وما یدل علیه جمع المذکر ، مثل : «مرضع» فلا یقال : مرضعون ، وکذلک إن کانت لمذکر ، ولکنه غیر عاقل (1) ؛ مثل : صاهل ، صفة «للحصان» أو : ناعب ، صفة للغراب ، فلا یقال : صاهلون ولا ناعبون ، أو : کانت مشتملة علی تاء تدل علی التأنیث ؛ نحو : قائمة ؛ فلا یصح : قائمتون (2).

وکذلک ما کان علی وزن : «أفعل» (الذی مؤنثه ، فعلاء) نحو أخضر ؛ فإن مؤنثه : خضراء ، وأبیض ، فإن مؤنثه : بیضاء ، فلا یقال أخضرون ، ولا أبیضون ، علی الأصحّ (3). ومثله ما کان علی وزن فعلان (الذی مؤنثه فعلی) ، مثل سکران وسکری (4). وکذلک ما کان علی صیغة تستعمل للمذکر والمؤنث ، کصیغة ، مفعال کمهذار (5) ، ومفعل ؛ کمغشم (6). وفعول (7) ؛ مثل : صبور وشکور ،

ص: 130


1- بأن تکون اشتهرت فی العرف بأنها لغیر العاقل.
2- لا یصح جمع الصفة المشتملة علی تاء التأنیث جمع مذکر سالما ؛ سواء أکانت التاء باقیة علی دلالتها علی التأنیث ، نحو : قائمة ، کاتبة ، خطیبة ، شاعرة ، أم کانت دالة علی التأنیث بحسب الأصل ، ثم انتقلت منه وترکته لتأدیة معنی آخر ؛ کالمبالغة فی مثل : «علّامة» لکثیر العلم و «فهیّامة» لکثیر الفهم و «راویة» لکثیر الروایة ، وهی حفظ الأخبار والأحادیث. فالتاء فی هذه الکلمات وأشباهها للمبالغة ، ولکنها بحسب وضعها الأول للتأنیث ؛ فیلاحظ الأصل دائما ، ولا عبرة - فی الرأی الراجح - بما طرأ علیه
3- فی رأی البصریین ومن یؤیدهم. ویخالفهم الکوفیون فلا یتمسکون بشرطی «أفعل» و «فعلان» ومؤنثهما. وأدلتهم وشواهدهم کثیرة مقبولة. ولا معنی الیوم لإهدار رأیهم وخاصة إذا منع لبسا ، وإن کان الأول أکثر وأفصح ؛ وکان ابن کیسان یقول : لا أری فی الرأی الکوفی بأسا - کما جاء فی المفصل ج 5 ص 59 و 60 - ورأیه سدید ... فلم المنع؟ أیکون بسبب أن هذه الصفات لا أفعال لها ولا مصادر ، کما قد یتوهم بعض النحاة؟ وتوهمه بعید عن الحق ، فقد ذکر ابن القطاع فی کتابه : «الأفعال» کغیره من أکثر اللغویین أن لهذه الصفات أفعالا صحیحة ، واردة بکثرة عن العرب. أم. لأن هذه الصیغ تقرب من الفعل ... أو لا تقرب ؛ والفعل لا یجمع. کما یقول الصبان وکما یقول شارح المفصل (فی ج 5 ص 59 و 60) ...؟ کل هذه العلل وأشباهها واهیة ، وخاصة بعد الوارد الفصیح ، وهو کثیر ، وبعد إجازتهم فی التفضیل ما کان منها علی وزن : «أفعل» دالا علی أمر معنوی ؛ نحو : أحمق وأبیض القلب. ونحو : فلان أبیض سریرة من فلان ، أو : أسود سریرة منه ، بمعنی أنه أطیب منه نفسا ، أو أخبث منه ... أو نحو هذا ... (کما سیجیء البیان والأدلة فی باب : «أفعل التفضیل ج 3 ص 325 م 112) وسیجیء فی رقم 2 من هامش ص 148 وفی «د» من ص 156 - أن النحاة یقولون : (ما لا یصح جمعه جمع مذکر سالما لا یصح فی مؤنثه أن یجمع جمع مؤنث سالما) ولذا یمنعون تلک الصیغ والألفاظ أن تجمع جمع مؤنث سالما ؛ استنادا إلی الرأی البصری السالف. وقد بان ما فیه ، فلا ینظر إلیه فی الجمعین.
4- فی رأی البصریین ومن یؤیدهم. ویخالفهم الکوفیون فلا یتمسکون بشرطی «أفعل» و «فعلان» ومؤنثهما. وأدلتهم وشواهدهم کثیرة مقبولة. ولا معنی الیوم لإهدار رأیهم وخاصة إذا منع لبسا ، وإن کان الأول أکثر وأفصح ؛ وکان ابن کیسان یقول : لا أری فی الرأی الکوفی بأسا - کما جاء فی المفصل ج 5 ص 59 و 60 - ورأیه سدید ... فلم المنع؟ أیکون بسبب أن هذه الصفات لا أفعال لها ولا مصادر ، کما قد یتوهم بعض النحاة؟ وتوهمه بعید عن الحق ، فقد ذکر ابن القطاع فی کتابه : «الأفعال» کغیره من أکثر اللغویین أن لهذه الصفات أفعالا صحیحة ، واردة بکثرة عن العرب. أم. لأن هذه الصیغ تقرب من الفعل ... أو لا تقرب ؛ والفعل لا یجمع. کما یقول الصبان وکما یقول شارح المفصل (فی ج 5 ص 59 و 60) ...؟ کل هذه العلل وأشباهها واهیة ، وخاصة بعد الوارد الفصیح ، وهو کثیر ، وبعد إجازتهم فی التفضیل ما کان منها علی وزن : «أفعل» دالا علی أمر معنوی ؛ نحو : أحمق وأبیض القلب. ونحو : فلان أبیض سریرة من فلان ، أو : أسود سریرة منه ، بمعنی أنه أطیب منه نفسا ، أو أخبث منه ... أو نحو هذا ... (کما سیجیء البیان والأدلة فی باب : «أفعل التفضیل ج 3 ص 325 م 112) وسیجیء فی رقم 2 من هامش ص 148 وفی «د» من ص 156 - أن النحاة یقولون : (ما لا یصح جمعه جمع مذکر سالما لا یصح فی مؤنثه أن یجمع جمع مؤنث سالما) ولذا یمنعون تلک الصیغ والألفاظ أن تجمع جمع مؤنث سالما ؛ استنادا إلی الرأی البصری السالف. وقد بان ما فیه ، فلا ینظر إلیه فی الجمعین.
5- کثیر الهذر ؛ وهو : الخلط ، والکلام بما لا یلیق.
6- الشجاع الذی لا یمنعه شیء عن قصده.
7- یستعمل للمذکر والمؤنث ، بشرط أن یکون بمعنی : «فاعل» وقبله موصوفه ، أو ما یقوم مقامه بالتفصیل الذی سیجیء فی باب : «التأنیث» - ج 4 ص 437 م 169 ، فإن جعل علما جاز جمعه.

وفعیل (1) ؛ مثل : کسیر وقطیع ؛ إذ لا یتأتی أن یکون المفرد صالحا للمذکر والمؤنث معا وجمعه لا یکون إلا للمذکر ؛ فیقع اللبس والخلط بسبب هذا.

إلی هنا انتهت الشروط الواجبة فیما یجمع أصالة (2) جمع مذکر سالما.

ص: 131


1- یستعمل للمذکر والمؤنث ، علی سبیل الأغلبیة الراجحة ، لا علی سبیل التحتیم ، بشرط أن یکون بمعنی «مفعول» وقبله موصوفه أو ما یقوم مقامه واستعمال هذه الصیغة فی المذکر والمؤنث هی والصیغ التی قبلها خاضع للتفصیل المدون فی باب التأنیث (ج 4 ص 437 م 169) فإن جعل علما جاز جمعه. ومثله کل وصف آخر یستعمل للمذکر والمؤنث فی الأصل ثم ترک أصله وصار علما
2- وإلی ما سبق یشیر ابن مالک بقوله : وارفع بواو وبیا اجرر وانصب سالم جمع عامر ، ومذنب یشیر بعامر : للعلم ، وبمذنب : للصفة.

زیادة وتفصیل

ا - اشترطوا (1) فی العلم أن یکون خالیا من تاء التأنیث الزائدة - إلا عند الکوفیین - والمراد بها : التی لیست عوضا عن فاء الکلمة ؛ أو عن لام الکلمة ، لأنها عوض عن أصل فهی کالأصیلة. فالأولی مثل : عدة ، أصلها : وعد ، حذفت الواو ، وعوض عنها تاء التأنیث ، والثانیة مثل : مئة. وأصلها : مئو ؛ حذفت الواو وعوض عنها تاء التأنیث.

فإن کانت عوضا عن أصل وجعل اللفظ اسما لمسمی (أی : صار علما) فإنه یجمع قیاسا بعد حذفها. ویکون من الجموع الحقیقیة ؛ تقول : «عدون» لجمع مذکر ، ومثلها : مئون ؛ أما إذا لم یجعل علما ، فإنه یصح جمعه إن کان محذوف اللام ، مثل : الجیش مئون ، ولکنه یعد من ملحقات جمع المذکر السالم.

أما ألف التأنیث المقصورة أو الممدودة فلا یشترط خلوه منها ، فلو سمینا رجلا بسلمی ، أو : صحراء ، حذفت فی جمع المذکر السالم الألف المقصورة ، وقلبت همزة الممدود واوا ، فیقال : السّلمون والصحراوون (أعلام رجال).

ب - لا یجمع المرکب الإسنادی جمع مذکر سالما إلا بطریقة غیر مباشرة ؛ - - کما سبق (2) - وذلک بأن نأتی قبله بکلمة : «ذوو» أو : «ذوی» (وهما جمع : «ذو» و «ذی») فنقول : غاب ذوو فتح الله ، وأکرمنا ذوی فتح الله ، وسلمنا علی ذوی فتح الله (3). وهذا باتفاق.

أما المرکب المزجی فأشهر الآراء أنه لا یجمع إلا بالطریقة السابقة غیر المباشرة (4). وهناک رأی آخر یجیز جمعه مباشرة - وکذلک تثنیته - ، فیقال : جاء خالویهون ، وشاهدت خالویهین ، وقصدت إلی خالویهین. ومثله سیبویه ، ومعد یکرب (اسم رجل) وغیرهما من باقی المرکبات المزجیة ، وهذا الرأی أسهل الآراء. وأجدرها بالقبول ، لدخوله فی الحکم العام لجمع المذکر السالم (5) وبعده من اللّبس. کما سیجیء فی : «ج».

ص: 132


1- فی ص 127
2- فی ص 128
3- فی ص 128
4- سبقت الإشارة لهذا فی رقم 4 من ص 119 ،
5- حبذا الاتفاق علی الأخذ بهذا الرأی غیر المشهور ، وإیثاره ، وعمل الدارسین علی نشره ، وترک الرأی السابق وغیره ، من باقی الآراء الأخری التی لا تناسب عصرنا ...

وأما المرکب التقییدی ؛ وهو : المرکب من صفة وموصوف مثل : محمد الفاضل ، أو من غیرهما ؛ مما لا یعدّ فی المرکبات السابقة - فالأشهر أن یقال فی جمعه : ذوو «محمد الفاضل» ، فلا یجمع مباشرة ، وإنما یتوصل إلی جمعه بکلمة (ذوو) رفعا و (ذوی) نصبا وجرّا.

وقد سبق (1) أن قلنا إن المرکب الإضافی یجمع صدره دون عجزه. وهذا صحیح إن کان المضاف وحده هو المتعدد ، دون المضاف إلیه ؛ کما نقول فی «عبد الله» عند الجمع : عبدو الله. أما إن تعدد أفراد المضاف وأفراد المضاف إلیه معا (کعبد السید والمضاف والمضاف إلیه مصریان مثلا - ، وعبد السید والمضاف والمضاف إلیه شامیان - مثلا - ، وعبد السید لعراقیین) ، فالواجب جمع المضاف والمضاف إلیه معا جمع مذکر سالما ؛ فنقول : عبدو السیّدین ، أو جمع تکسیر ، فتقول : عبید السادة.

ح - سبق (2) أنه یشترط فی الاسم الذی یجمع جمع مذکر سالما ، ما یشترط فی الاسم المراد تثنیته ؛ ومن شروطه : أن یکون معربا ... فلو کان مبنیّا لزوما مثل : هؤلاء ، أو : حذام (علی أنها أعلام رجال) لم یجز جمعه مباشرة ، وإنما یجمع بطریق الاستعانة بکلمة : (ذوو) رفعا و «ذوی» نصبا وجرا.

ولما کانت کلمة «سیبویه» و «خالویه» وأشباهها هی من الکلمات المبنیة لزوما - کان حقها ألا تجمع جمع مذکر سالما إلا بالاستعانة بکلمة : «ذوو» ، و «ذوی». لکنهما من ناحیة أخری یدخلان فی قسم المرکب المزجی وقد آثرنا - فی الصفحة السابقة - الرأی الذی یبیح جمعه مباشرة جمع مذکر سالما.

د - سیجیء - فی ج 4 ص 457 م 171 - باب خاص بطریقة جمع الاسم جمع مذکر سالما ، وأهمها طریقة جمع : المقصور ، والممدود ، والمنقوص جمع مذکر سالما.

ص: 133


1- فی ص 129.
2- فی رقم 3 من هامش ص 127.

المسألة 11: الملحق بجمع المذکر السالم

اشارة

ألحق النحاة بجمع المذکر فی إعرابه أنواعا أشهرها : خمسة ؛ فقد کلّ نوع منها بعض الشروط ، فصار شاذا ملحقا بهذا الجمع ، ولیس جمعا حقیقیّا ، وکل الأنواع الخمسة سماعیّ ؛ لا یقاس علیه ؛ - لشذوذه - وإنما یذکر هنا لفهم ما ورد منه فی النصوص القدیمة.

أولها : کلمات مسموعة تدل علی معنی الجمع ، ولیس لها مفرد من لفظها ، ولکن لها مفرد من معناها ، مثل کلمة : «أولو» فی قولنا : «المخترعون أولو فضل» ، أی : أصحاب فضل ؛ فهی مرفوعة بالواو نیابة عن الضمة ، لأنها ملحقة بجمع المذکر السالم ؛ إذ لا مفرد لها من لفظها ، ولها مفرد من معناها ، وهو : صاحب. وهی منصوبة ومجرورة بالیاء نیابة عن الفتحة أو الکسرة فی قولنا : کان المخترعون «أولی» فضل. وانتفعت من «أولی» الفضل. ومثل هذه الکلمة بسمی : اس جمع (1).

ومن الکلمات المسموعة : أیضا کلمة : (عالمون). ومفردها : عالم ، وهو ما سوی الله ، من کل مجموع متجانس من المخلوقات ، کعالم الحیوان ، وعالم النبات ، وعالم الجماد ؛ وعالم المال ، وعالم الطائرات ... إلخ.

وکلمة : «عالم» تشمل المذکر والمؤنث والعاقل وغیره. فی حین أن کلمة : «عالمون» لا تدل إلا علی المذکر العاقل ، فهی تدل علی معنی خاص بالنسبة لما یندرج تحت کلمة «عالم» (2) ، والخاص لا یکون جمعا للعام ؛ لهذا کان

ص: 134


1- هو ما یدل علی أکثر من اثنین ، ولیس له مفرد من لفظه ومعناه معا ، ولیست صیغته علی وزن خاص بالتکسیر ، أو غالب فیه. ومن الأمثلة : إبل - جماعة - فلک - ... وقد سبقت له إشارة عابرة فی رقم 1 من هامش ص 110. أما البیان الوافی عنه ، وعن حالاته المختلفة وأحکامه ففی ج 4 ص 510 م 174 باب جمع التکسیر
2- فدلالتها داخلة فیما یسمی : «العموم الشمولی» مع أن دلالة کلمة : «عالم» داخلة فیما یسمی : العموم البیدلی» الذی هو دلالة الکلمة المفردة علی معنی عام ، فإذا جمعت جمع مذکر سالما دلت علی معنی خاص بالنسبة لمعناها قبل جمعها. فکلمة : «عالم» تدل علی المخلوقات العاقلة وغیر العاقلة ، فإذا جمعت جمع مذکر فقیل فیها : «عالمون» صارت مقصورة الدلالة علی العاقلین وحدهم.

«عالمون» إما اسم جمع لکلمة : «عالم» ولیس جمعا له ؛ وإمّا جمعا له غیر أصیل ولکن بتغلیب المذکر العاقل علی غیره. وفی هذه الحالة لا تکون جمع مذکر سالما حقیقة ؛ لأن اللفظة لیست علما ولا صفة ، وإنما تلحق به کغیرها مما فقد بعض الشروط.

ثانیها : من الکلمات المسموعة ، ما لا واحد له من لفظه ولا من معناه ، وهی : عشرون (1) ، وثلاثون ، وأربعون ، وخمسون ، وستون ، وسبعون ، وثمانون ، وتسعون ، وهذه الکلمات تسمی : «العقود العددیة» وکلها أسماء جموع أیضا.

ثالثها : کلمات مسموعة أیضا ؛ ولکن لها مفرد من لفظها. وهذا المفرد لا یسلم من التغییر عند جمعه ، فلا یبقی علی حالته التی کان علیها قبل الجمع ؛ ولذلک یسمونها ، جموع تکسیر (2) ، ویلحقونها بجمع المذکر فی إعرابها بالحروف ؛ مثل : بنون ، وإحرّون ، وأرضون ، وذوو ، وسنون وبابه (3). فکلمة : «بنون» : مفردها. «ابن» حذفت منه الهمزة عند الجمع ، وتحرکت الباء ؛ وکلمة : «إحرّون» «مفردها : «حرّة» (4) ، زیدت الهمزة فی جمعها. «وأرضون» (بفتح الراء) لا مفرد لها إلا : أرض (بسکونها) ؛ فتغیرت حرکة الراء عند الجمع من سکون إلی فتح. هذا إلی أن المفرد مؤنث ، وغیر عاقل. و «ذوو» فی الجمع مفتوحة الذال ، مع أن مفردها : «ذو» مضموم الذال. «وسنون» مکسورة السین فی

ص: 135


1- ولا یقال إن عشرین مفردها : عشر ؛ لئلا یلزم علی ذلک صحة إطلاق عشرین علی ثلاثین ، وإطلاق ثلاثین علی تسعة ، وهکذا ... ، ذلک لأن أقل الجمع النحوی - لا اللغوی - ثلاثة ، من مفرده ؛ فلو کان مفرد العشرین هو : «عشر» لکانت عشرون صادقة علی (3* 10) أی : ثلاث عشرات علی الأقل ، ومجموعها یساوی ثلاثین. ولو کان مفرد الثلاثین هو : «ثلاث» لکانت الثلاثون صادقة علی 3* 3 أی : علی تسعة ، وهکذا مما هو ظاهر الفساد ...
2- لأن جمع التکسیر هو الذی یتغیر فیه صیغة المفرد حتما ، ولا یبقی مفرده سلیما عند الجمع ؛ فلا بد فیه من تغییر ؛ إما فی عدد حروفه فقط ، وإما فی حرکاته فقط ، وإما فیهما معا. بخلاف جمع المذکر السالم الحقیقی ، فإن صیغة مفرده لا یدخل علیها تغییر بعد الجمع إلا للإعلال ، ونحوه. (انظر رقم 1 من هامش ص 125)
3- المراد من باب : «سنة» کل اسم ثلاثی حذفت لامه ، وعوض عنها تاء التأنیث المربوطة ، ولم یعرف له عند العرب جمع تکسیر معرب بالحرکات ، ولم یعرف له - أیضا - مفرد مذکر ورد عنهم مجموعها بالواو والنون ، أو بالیاء والنون. وبالشرط الأخیر خرج نحو : «هنة» فإن مذکرها. - وهو : «هن» - ورد عن العرب مجموعا جمع المذکر ، فلو جمعت کلمة. «هنة» جمع مذکر أیضا لالتبس المؤنث بالمذکر.
4- أرض ذات حجارة مجوفة سود ؛ کأنها أحرقت بالنار.

الجمع ، مفتوحتها فی المفرد ، وهو : «سنة» ، فضلا عن أنها لمؤنث غیر عاقل أیضا ، - وأصلها «سنة» أو «سنو» ، بدلیل جمعهما علی «سنهات» و «سنوات» - ثم حذفت لام الکلمة ، (وهی الحرف الأخیر منها) ، وعوض عنه تاء التأنیث المربوطة ، ولم ترجع الواو عند الجمع. -

ومن الکلمات الملحقة بهذا الجمع سماعا (1) ، والتی تدخل فی باب «سنة» کلمة : عضة ، وجمعها : عضون (بکسر العین فیهما). وأصل الأولی : «عضه ، بمعنی : کذب وافتراء. أو : عضو. بمعنی : تفریق. یقال فلان کلامه عضه ، أی : کذب ، وعمله عضو بین الأخوان ، أی : تفریق وتشتیت ؛ فلام الکلمة هاء ، أو واو. ومثلها «عزة» ، جمعها : عزون (بالکسر فیهما). والعزة : الفرقة من الناس ، وأصلها عزی ؛ یقال : هذه عزة تطلب العلم ... وأنتم عزون فی میدان العلم. وأیضا : «ثبة» بالضم ، وجمعها : ثبون ، بضم أول الجمع أو کسره. والشّبة «الجماعة» ، وأصلها ثبو ، أو : ثبی ، یقال : الطلاب مختلفون : ثبة مقیمة. وثبة مسافرة ، وهم ثبون (2).

وعلی ضوء ما سبق نعرف السبب فی تسمیة تلک الکلمات المسموعة بجمع التکسیر ، لأن تعریفه وحده هو الذی ینطبق علیها ، دون غیره من جمعی التصحیح ؛ إذ هو «ما تغیّر فیه بناء الواحد» وقد تغیر بناء واحدها (3).

ص: 136


1- لأن باب «سنة» (أی : ما یشبهها ...) سماعی ... وهذه القیود الموضوعة له إنما هی لضبط ما سمع ، لا لقیاسیته ؛ فالأمر فیه کغیره مسموع.
2- الغالب فی باب «سنة» وأخواتها : أن ما کان منه مفتوح الفاء فی المفرد فإنه یکسر فی الجمع ؛ مثل : سنة وسنین. وما کان مکسور الفاء فی المفرد لم یتغیر فی الجمع ؛ مثل : مائة ومئین. وما کان مضموم الفاء یجوز فیه الکسر والضم ، مثل : ثبة وثبین.
3- وکذلک نعرف السبب فی امتناع جمع الکلمات الآتیة جمع مذکر سالما ، وفی عدم إدخالها فی ملحقاته. ا - تمرة ، لعدم وجود حذف فیها. ب - عدةة وزنة ، غیر علمین ، لأن المحذوف من کل واحدة هو فاء الکلمة ، فأصل الأولی «وعد». والثانیة : «وزن» ، حذفت الفاء وعوض عنها تاء التأنیث المربوطة. أما إن کانا علمین ، للمذکر فإنه یجوز جمعهما بعد حذف التاء من آخرهما بالصورة التی سبقت فی «ا» من ص 132. ح - اسم (وأصلها : «سمو». بضم السین وکسرها ، وسکون المیم) وأخت وبنت ، وأصلهما : «أخرو». و «بنو» ، علی المشهور فیهما ؛ حذفت اللام فی الثلاثة ، وعوض عنها الهمزة فی أول کلمة : اسم ، وسکنت السین ، وعوضت التاء المفتوحة لا المربوطة فی الأخیرتین. وشذ : بنون. د - ید ، ودم. أصلهما : «یدی». و «دمی» ؛ حذفت اللام ، ولم یعوض عنها شیء وشذ. أبون وأخون ، لأن مفردهما واوی اللام. وقد حذفت الواو التی هی لام الکلمة بغیر رد ، ولا تعویض. أما الواو الموجودة فقیل : هی الواو التی ترفع بها الأسماء الستة فی لغة من یرفعها بالواو مع حذف لامها وهی لغة «النقص» التی شرحناها - فی ص 102 و 104 - فیستعمل اللفظ فی حالة جمعه ناقصا کما کان فی حالة إفراده وعدم إضافته. ومثل أب وأخ بقیة الأسماء الستة علی الرأی القائل بأنها وردت عن العرب مجموعة جمع مذکر ؛ أی : هنون ، وحمون ، وذوون ، وفون ... ولا یمنع النحاة أن تکون الواو الأصلیة التی هی لام الکلمة قد رجعت عند الجمع ثم حذفت. فأصل الکلمة عند الجمع کما یقولون : «أبوون» ثم حرکت الباء بالضمة إتباعا للواو - کما یحصل أحیانا کالإتباع فی المفرد المضاف ، نحو : أبی - بعد حذف فتحة الباء. ثم حذفت ضمة اللام ، لثقلها ، وطلبا للتخفیف بحذفها ، فالتقی ساکنان ؛ الواو الأصلیة وواو الأسماء الستة ؛ فحذفت الواو الأصلیة التی هی لام الکلمة ؛ فأنها رجعت ثم حذفت کما یتخیلون. وهذه الصور الخیالیة لا أثر لها فی ضبط الکلمة وصحة المعنی. فالواجب الانصراف عنها وإهمالها ؛ لما فیها من تکلف واضح لا داعی له ... وللحکم السابق بعض تشابه بما سبق فی رقم 1 من هامش ص 124. ه - شاة ، وشفة ؛ لأن لکل واحدة منهما جمع تکسیر مسموعا عن العرب ، ومعربا بالحرکات ؛ یقال : فی الحقل شیاه کثیرة ، وللإبل شفاه غلیظة. (وأصل شاه : شوه ؛ حرکت الواو بالفتح للتخفیف - کما یقولون - فقلبت ألفا ؛ فصارت : شاه ، ثم حذفت الهاء وعوض عنها تاء التأنیث المربوطة فصارت : شاة. وأصل شفة هو : «شفه» حذفت الهاء ، وعوض عنها تاء التأنیث المربوطة).

رابعها : کلمات مسموعة لم تستوف بعض الشروط الأخری الخاصة بجمع المذکر ؛ فألحقوها به ، ولم یعتبروها جمعا حقیقیّا. ومن هذه الکلمات ، «أهل». فقد قالوا فیها : أهلون. مثل :

وما المال والأهلون إلا ودائع

ولا بد یوما أن ترد الودائع

فجمعوها مع أنها لیست علما ولا صفة. ومنها : «عالمون» ؛ لیست علما ، ولا صفة أیضا. وقد تکلمنا عنها من وجهة أخری فیما سبق. ومنها : «وابل» ؛ بمعنی : مطر غزیر. یقال : غمر الوابلون الحقول. فجمعوها ، مع أنها لیست علما ولا صفة ، ولا تدل علی عاقل ...

خامسها : کلمات من هذا الجمع المستوفی للشروط ، أو مما ألحق به ، ولکن سمی بها (1) ، وصارت أعلاما. فمن أمثلة الأول المستوفی للشروط «حمدون». «وعبدون». و «خلدون» و «زیدون» أعلام أشخاص معروفة قدیما وحدیثا.

ص: 137


1- تصح التسمیة بجمع المذکر السالم وغیره من الجموع الأخری للداعی البلاغی الذی قصده العرب فی جاهلیتهم وإسلامهم من التسمیة بتلک الجموع وبالمثنی - کما سبق فی «ح» من ص 116 - ، ومن أهم الدواعی المدح ، والذم ، والتملیح ... ومما یؤید هذا مجیء واو الجماعة فی مخاطبة المولی جل شأنه کالتی فی قوله تعالی حکایة لما یقوله یوم القیامة المعاند الجاحد فضل ربه : «رب ارجعون ؛ لعلی أعمل صالحا فیما ترکت» کما یؤیده أن الضمیر «نحن» موضوع للمتکلم الذی معه غیره ، أو للمتکلم وحده إذا أراد تعظیم نفسه. أما طریقة إعراب المسمی به ففی ص 139.

ومثال الثانی : «علّیّون». (اسم لأعالی الجنة) المفرد : علّیّ. بمعنی المکان العالی ، أو علیّة ، بمعنی : الغرفة العالیة. وهو ملحق بالجمع ، لأن مفرده غیر عاقل.

سادسها : کل اسم من غیر الأنواع السابقة یکون لفظه کلفظ الجمع فی اشتمال آخره علی واو ونون ، أو یاء ونون ، لا فرق فی هذا بین أن یکون نکرة ؛ مثل : «یاسمین» و «زیتون» أو علما مثل : «صفّین» و «نصیبین» و «فلسطین» (1)

ص: 138


1- وإلی کل هذا یشیر ابن مالک بقوله : وارفع بواو ، وبیا اجرر وانصب سالم جمع عامر ومذنب وشبه ذین ، وبه عشرونا وبابه ألحق ، والأهلونا أولو ، وعالمون ، علّیّونا وأرضون ، شذّ ، والسّنونا وبابه ، ومثل حین قد یرد ذا الباب. وهو عند قوم یطّرد یرید یشبه ذین : ما أشبه : «عامرا» من کل علم ، مستوف للشروط ، وما أشبه کلمة : «مذنب» ، فی أنه صفة مستوفیة کذلک. ثم یقول ألحق به عشرون وبابه. والمراد ببابه أخوات عشرین من العقود العددیة التی ذکرناها ، وکذلک أهلون ، وأولو ، وعالمون ، وعلیون. ثم قال : وشذ : أرضون ، وباب سنین ؛ وإنما صرح بشذوذ هذین ، مع أن جمیع ملحقات جمع المذکر السالم شاذة ؛ لأن الشذوذ فیهما أقوی ، لفقد کل منهما أکثر الشروط. فکلاهما اسم جنس (ولیس علما ولا صفة) ، وکلاهما مؤنث ، وغیر عاقل ، ولم یسلم مفرده عند الجمع. ثم بین أن سنین وبابه قد یعرب إعراب : «حین» ، فتلازمه الیاء والنون وتظهر الحرکات علی النون منونة ، وأن من العرب من یجعل هذا الإعراب الخاص بکلمة : «حین» عاما شاملا لکل جمع مذکر سالم ، سمی به ، ولا یجعله مقصورا علی سنین وبابه. ومنهم من یجعله عاما شاملا فیما سمی به ، وما لم یسم به.

زیادة وتفصیل

ا - بمناسبة النوع الخامس نشیر إلی أن التسمیة بجمع المذکر السالم معروفة قدیما وحدیثا (1). کالتسمیة بغیره من أنواع المفردات ، والمثنیات ، والجموع. فإذا سمّی به ففیه عدة إعرابات ، یرتبها النحاة الترتیب التالی ، بحسب شهرتها وقوتها :

1- أن یعرب بالحروف کجمع المذکر السالم ، مع أنه علم علی واحد ؛ فیبقی حاله بعد التسمیة به کحاله قبلها. تقول فی رجل اسمه سعدون : جاء سعدون. وأکرمت سعدین ، وأصغیت إلی سعدین. وفی هذه الحالة لا تدخله «أل» التی للتعریف ، لأنه معرفة بالعلمیة.

2- أن یلزم آخره الیاء والنون رفعا ، ونصبا ، وجرّا ، ویعرب بحرکات ظاهرة علی النون مع تنوینها (2) - غالبا - تقول فی رجل اسمه محمدین : هذا محمدین ، ورأیت محمدینا ، وقصدت إلی محمدین ، فکلمة : «محمدین» : إما مرفوعة بالضمة الظاهرة ، أو : منصوبة بالفتحة الظاهرة ، أو : مجرورة بالکسرة الظاهرة ، مع التنوین (3) (غالبا فی کل حالة) (4) (فإعرابها - کما یقول النحاة - کإعراب : غسلین (5) وحین). وتلک النون لا تسقط فی الإضافة ؛ لأنها لیست نون جمع ، والأخذ بهذا الإعراب - فی رأینا - أحسن ؛ فی العلم المختوم بالیاء والنون. والاقتصار علیه أولی ؛ لیسره ومطابقته للواقع الحقیقی ، فهو بعید. عن کل لبس ؛ إذ لا یتوهم الماء معه أن الکلمة جمع مذکر حقیقی ؛ وإنما یدرک حین یسمعها أنها علم علی مفرد. وهناک سبب هام یقتضی الاقتصار علی هذا الرأی فی العلم المختوم بالیاء والنون هو : «المعاملات الرسمیة» الجاریة فی عصرنا علی الوجه المببن عند الکلام علی التسمیة بالمثنی (6) ...

ص: 139


1- سبق بیان الغرض من هذه التسمیة فی رقم 1 من هامش ص 137.
2- إن لم یوجد مانع یمنع التنوین ؛ کالأسباب الخاصة بمنع الصرف ؛ ومنها هنا العجمة مع العلمیة ؛ مثل : «قنّسرین ، اسم بلد بالشام» ومنها : النداء ، ومنها : «أل» - مطلقا - فی أوله ومنها الإضافة فی آخره.
3- إن لم یوجد مانع یمنع التنوین ؛ کالأسباب الخاصة بمنع الصرف ؛ ومنها هنا العجمة مع العلمیة ؛ مثل : «قنّسرین ، اسم بلد بالشام» ومنها : النداء ، ومنها : «أل» - مطلقا - فی أوله ومنها الإضافة فی آخره.
4- بشرط ألا تزید حروفه علی سبعة : (وهی أقصی ما یصل إلیه تکوین الاسم المفرد أصالة فی اللغة العربیة) فإن زاد علی سبعة بسبب طارئ علی أصله أخرجه عن ذلک الأصل ؛ کأن یکون علما منقولا من مثنی ، أو من جمع ... نحو اشهیبابین - لم یعرب بالحرکات ؛ وإنما یعرب بالحرف (الیاء) الذی فی آخره ؛ لیکون أعرابه بالحرف دلیلا علی زیادة الیاء والنون فیه ؛ فلا یخرج الاسم عن أقصی العدد المألوف من حروف الکلم - ومثل هذا أیضا یراعی فی الآراء التالیة.
5- الصدید الذی یسیل من أهل جهنم.
6- فی ص 116

والقصد من سرد الآراء التی تخالف هذا الأحسن والأیسر فهم النصوص القدیمة الواردة بها ، دون أن نبیح الیوم استعمالها ؛ ومن الإساءة للغتنا أن نفتح الأبواب المؤدیة إلی البلبلة والاضطراب فیما ننشئه من کلام ، وإلی التعسیر من غیر داع ، فیما نمارسه من شئون الحیاة.

ومن العرب من یجری حکم : «غسلین وحین» منونا - فی الغالب - أو غیر منون علی «سنین» وبابه کله. وإن لم یکن علما. ومنهم من یجریه منونا علی جمیع أنواع المذکر السالم وملحقاته کما سبق.

3- أن یلزم آخره الواو والنون فی کل الحالات ، ویعرب بحرکات ظاهرة علی النون من غیر تنوین (1) فیکون نظیر : «هارون» فی المفردات الممنوعة من الصرف.

4- أن یلزم آخره الواو والنون ، فی کل الحالات ویعرب بحرکات ظاهرة علی النون ، مع تنوینها (2) فیکون نظیر «عربون» (3) من المفردات.

ونری أن الاقتصار علی هذا الإعراب - أو علی سابقه - أحسن فی العلم المختوم بالواو والنون ؛ مثل : زیدون ؛ لما سبق فی نظیره المختوم بالیاء والنون.

5- أن یلزم آخره الواو والنون المفتوحة فی جمیع الحالات ، ویعرب بحرکات مقدرة علی الواو.

ب - إذا سمّی بجمع المذکر ، أو بما ألحق به (کالأعلام الواردة فی النوع الخامس (4) ، ومنها : حمدون ، خلدون ، عبدون ، زیدون ...) ، وأرید جمع هذا العلم جمع مذکر سالما ، لم یصح جمعه مباشرة - کما عرفنا - وإنما یصح جمعه من طریق غیر مباشر ، وذلک بالاستعانة بالکلمة الخاصة التی یجب أن تسبق هذا العلم ، وتلحقها علامة الجمع رفعا ، ونصبا ، وجرّا ، وهذه الکلمة هی : «ذو» دون غیرها ، وتصیر فی الرفع : «ذوو» ، وفی النصب والجر : «ذوی» وه «مضافة «، والعلم بعدها هو» المضاف «إلیه دائما ، وفیه الإعرابات السابقة فیقال : جاءنی ذوو حمدون ، وصافحت ذوی حمدون ، وأصغیت إلی ذوی حمدون ... فکلمة : «ذوو» و «ذوی» تعرب علی حسب حاجة الجملة ، وترفع بالواو ، وتنصب وتجر

ص: 140


1- فهو ممنوع من الصرف ؛ للعلمیة وشبه العجمة ؛ لأن وجود الواو النون فی الأسماء المفردة من خواص الأسماء الأعجمیة.
2- إن لم یوجد مانع : کالعجمة هنا - أو الإضافة ، أو النداء ، أو «أل» مهما کان نوعها وستأتی فی م 30.
3- المال الذی یدفعه المشتری مقدما فی صفقة ؛ لضمان إتمامها ، وأنه لن یرجع عن شرائها وإلا ضاع ذلک المقدم.
4- فی ص 137.

بالیاء وتلک الکلمة هی التی توصل لجمع المسمی به. أما الطریقة إلی تثنیة هذا الجمع فهی الطریقة التی تقدمت فی التثنیة (1) ، ویستعان فیها بکلمة : «ذو» أیضا

ح - سبقت الإشارة (2) إلی أن النون مفتوحة فی جمع المذکر السالم وملحقاته (3) فی أحواله الإعرابیة المختلفة ؛ أی : فی حالة رفعه بالواو ، أو نصبه أو جره بالیاء ، ولا علاقة لهذه النون بإعرابه. ومن العرب من یکسرها ، ولکن لا داعی للأخذ بهذه اللغة ، منعا للخلط والتشتیت من غیر فائدة.

أما نون المثنی وجمیع ملحقاته (4) فالأشهر فیها أن تکون مکسورة فی الأحوال الإعرابیة المختلفة. وقلیل من العرب یفتحها ، ومنهم من یضمها بعد الألف ، ویکسرها بعد الیاء ، فی حالتی النصب والجر ، ولا داعی للعدول عن الرأی الأشهر فی الاستعمال ، للسبب السالف (5).

د - لنون المثنی والجمع وملحقاتهما أثر کبیر فی سلامة المعنی ، وإزالة اللبس ؛ ففی قولنا : سافر خلیلان : موسی ومصطفی - نفهم أن موسی ومصطفی هما الخلیلان ، وأنهما اللذان سافرا ، بخلاف ما لو قلنا : سافر خلیلا موسی ومصطفی ؛ بغیر النون فإننا قد نفهم الکلام علی الإضافة (إضافة : خلیلا إلی موسی) ویتبع هذا أن الخلیلین هما اللذان سافرا ، دون موسی ومصطفی. وفرق بین المعنیین.

ومثل هذا أن نقول فی الجمع : مررت ببنین أبطال ؛ فالأبطال هم البنون ؛ والبنون هم الأبطال ، فلو حذفت النون لکان الکلام : مررت ببنی أبطال ، وجاز أن نفهم الکلام علی الإضافة ؛ إضافة البنین إلی أبطال ؛ فیتغیر المعنی.

وکذلک تمنع توهم الإفراد فی مثل : جاءنی هذان ، ورحبت بالداعین للخیر ؛ فلو لم توجد النون لکان الکلام : جاءنی هذا ، ورحبت بالداعی للخیر ؛ وظاهره أنه

ص: 141


1- فی رقم 1 من هامش ص 118.
2- فی ص 127.
3- ویدخل فیها : ما سمی به ، وما جمع علی سبیل التغلیب ، وغیرهما ...
4- یدخل فیها ما سمی به ، وما ثنی علی سبیل التغلیب ، واثنان واثنتان ، وغیرهما من کل ما أعرب إعراب المثنی - کما سبقت الإشارة لهذا فی رقم 4 من هامش ص 111.
5- وفی هذا یقول ابن مالک : ونون مجموع وما به التحق فافتح وقلّ من بکسره نطق ونون ما ثنّی والملحق به بعکس ذلک استعمدوه ؛ فانتبه کلمة «نون» الأولی مبتدا ، خبره : الجملة الفعلیة : «افتح» والفاء التی فی أولها زائدة.

للمفرد ، وهو غیر المراد قطعا.

وتحذف نون المثنی والجمع للإضافة - کما أشرنا - فی الأمثلة السابقة ؛ وهو حذف لازم ؛ کحذفها وجوبا مع «اثنین» و «اثنتین» عند ترکیبهما مع عشر ، أو : عشرة ... ؛ فتحل کلمة : «عشر ، أو : عشرة» مکان النون بعد حذفها ، نحو : «اثنا عشر» و «اثنتا عشرة» ؛ فتعرب : «اثنا» و «اثنتا» إعراب المثنی ، وکلمة «عشر أو : عشرة» اسم مبنی (1) علی الفتح لا محل له من الإعراب ، لوقوعه موقع نون المثنی التی هی حرف. - کما سبق (2).

وقد تحذف جوازا للتخفیف ؛ إذا کانت فی آخر اسم مشتق (أی : وصف) فی أوله «أل» الموصولة ، و «خیرا» ، قد نصب بعده مفعوله مثل : ما أنتما المهملا واجبا ، - وما أنتم المانعو خیرا ؛ ومنه قراءة من قرأ : «والمقیمی الصلاة» (بنصب کلمات : «الواجب» ، وخیرا ، و «الصلاة» ؛ علی أنها مفعول به لاسم الفاعل الذی قبل کل منها) (3). ویجیز سیبویه وآخرون حذف نون ما دل علی تثنیة أو جمع من أسماء الموصول ؛ نحو : اللذان ، واللتان ، والذین.

وقد تحذف نون الجمع جوازا إذا وقع بعدها لام ساکنة ، کقراءة من قرأ : (غیر معجزی الله). بنصب کلمة «الله» علی أنها مفعول به (أصله : معجزین الله) ، وقراءة : «وإنکم لذائقو العذاب» بنصب کلمة : «العذاب» علی أنها مفعول به أیضا ، وأصلها : «وإنکم لذائقون العذاب».

وأقل من هذا أن تحذف من غیر وقوع اللام الساکنة بعدها ؛ کقراءة من قرأ : «وما هم بضارّی به من أحد» وأصلها : «بضارین به».

وقد تحذف النون جوازا لشبه الإضافة فی نحو : لا غلامی لمحمد ، ولا مکرمی للجاهل ، إذا قدرنا الجار والمجرور صفة ، والخبر محذوفا (4).

ص: 142


1- لتضمنه معنی حرف العطف ؛ إذ الأصل : اثنا وعشر ... إلخ.
2- فی «و» من ص 122.
3- إیضاح هذه الحالة فی باب الإضافة - ج 3 م 93 -.
4- أصحاب هذا الرأی یوضحونه بأن الجار والمجرور إذا جعلا صفة لاسم «لا» النافیة للجنس صار بهذه الصفة من قسم الشبیه بالمضاف ؛ لأن الصفة من تمام الموصوف ؛ کالمضاف إلیه فإنه یتمم المضاف. وإذا صار شبیها بالمضاف جاز عندهم حذف ما فی آخره من التنوین ، أو نون المثنی والجمع کما یحذف من المضاف الأصیل. وسیجیء هذا فی باب «لا» الجنسیة آخر الجزء.

حارسا الحقل وأقبل زارعا الحدیقة - فإن علامة التثنیة (وهی الألف) تحذف نطقا ، لا خطّا. ویرجح النحاة فی إعرابه أن یقال : إنه مرفوع بألف مقدرة ...

وکذلک الشأن فی جمع المذکر ؛ فإنه إذا أضیف حذفت نونه للإضافة ؛ فإن کانت إضافته إلی کلمة أولها ساکن حذفت واوه رفعا ، ویاؤه نصبا ، وجرّا ؛ فی النطق ، لا فی الکتابة ؛ تقول : جاء عالمو المدینة ، وکرمت عالمی المدینة ، وسعیت إلی عالمی المدینة (1).

لکن ما إعرابه؟ أیکون مرفوعا بالواو الظاهرة فی الکتابة ، أم بالواو المقدرة المحذوفة فی النطق لالتقاء الساکنین ؛ فهی محذوفة لعلة ، فکأنها موجودة؟

وکذلک فی حالة النصب والجر ؛ أیکون منصوبا ومجرورا بالیاء المذکورة أم المقدرة؟ یرتضی النحاة أنه معرب فی جمیع حالاته بالحرف المقدر ؛ لأنهم هنا یقدمون النطق علی الکتابة ، ویعدون هذه الحالة کحالة المثنی فی أنها من مواضع الإعراب التقدیری (2) ، لا الإعراب اللفظی.

ونقول هنا ما سبق أن قلناه فی المثنی : وهو أنه لا داعی الیوم للأخذ بهذا الرأی ، ولن یترتب علی إهماله ضرر ؛ لأن الخلاف شکلی لا قیمة له. ولکن الإعراب التقدیری هنا لا یخلو من تکلف ، وقد یؤدی إلی اللبس.

کذلک تقدر الواو رفعا - فقط - فی جمع المذکر السالم إذا أضیف إلی یاء المتکلم ؛ نحو : جاء صاحبیّ. وأصلها : صاحبون لی ؛ حذفت اللام للتخفیف ، والنون للإضافة ؛ فصارت الکلمة صاحبوی. اجتمعت الواو والیاء ، وسبقت إحداهما بالسکون ، قلبت الواو یاء ؛ فصارت الکلمة : صاحبیّ ، ثم حرکت الباء بالکسرة ؛ لتناسب الیاء ؛ فصارت الکلمة : صاحبیّ. ومثلها جاء خادمیّ ومساعدیّ ، إذ یرتضی النحاة فی إعرابها : «خادمیّ» ، فاعل مرفوع بالواو المقدرة المنقلبة یاء المدغمة فی یاء المتکلم. و «خادم» مضاف ویاء المتکلم مضاف إلیه ؛ مبنیة علی الفتح فی محل جر. وکذلک الباقی وما أشبهه.

ویقول فریق آخر : إن إعراب کلمة : «صاحبیّ» وأشباهها هو إعراب

ص: 143


1- یشترط لصحة هذا الحذف ألا یکون جمع المذکر مقصورا کما سیجیء البیان فی رقم 3 من ص 184.
2- بیانه فی ص 69 و 80 وستذکر مواضعه مفصلة فی ص 178.

وکذلک فی. لبّیک (1) وسعدیک (2) ... وأشباههما عند من یری أن الکاف حرف للخطاب ، ولیست باسم.

وقد یحذفان للضرورة فی الشعر :

هذا ، وعلی الرغم من أن حذفهما جائز فی المواضع التی ذکرناها - فمن المستحسن الفرار منه قدر الاستطاعة ؛ منعا للغموض واللبس ، وضبطا للتعبیر فی سهولة ، ووضوح ، واتفاق یلائم حالة الناس الیوم. أما المواضع التی یجب فیها حذفهما فلا مفر من مراعاتها.

ه - الأصل (3) فی المثنی أن یدل علی اثنین حقیقة. لکن قد یکون اللفظ ظاهره التثنیة ومعناه الجمع بشرط وجود قرینة ؛ فیکون ملحقا بالمثنی فی الإعراب فقط ، ولیس مثنی حقیقة ؛ لفقد شرط التثنیة ؛ ومن ذلک : «ارجع البصر کرّتین» أی : کرّات ؛ لأن المراد التکثیر ، والتکثیر لا یتحقق بکرتین ، وإنما یتحقق بکرّات. ومثله : حنانیک ... وهذا النوع یجوز فیه التجرید من علاتی التثنیة اکتفاء بالعطف ، مثل : أتعبتنا الأسفار ؛ خمس وخمس ، وذهاب وذهاب ورجوع ورجوع ومنه قول الشاعر :

تخدی (4) بنا نجب أفنی

عرائکها

خمس وخمس وتأویب وتأویب

وقد یغنی التکرار عن العطف (5) ؛ کقوله تعالی : (صَفًّا صَفًّا) ، وقوله : (دَکًّا دَکًّا).

و - سبق (6) أن قلنا إن المثنی المرفوع إذا أضیف إلی کلمة أولها ساکن ؛ مثل : غاب

ص: 144


1- بمعنی : إجابة منا لک بعد إجابة.
2- بمعنی إسعادا لک بعد إسعاد. أی : مساعدة لک بعد مساعدة ، أو معاونة لک بعد معاونة.
3- ما یأتی هو الذی أشرنا إلیه فی رقم 3 من هامش ص 109 حیث قلنا : إن اللفظ قد یکون فی ظاهره للمثنی ، وفی معناه للجمع ... وله صلة أیضا بما فی «د» من ص 122
4- «تخدی» : تسرع. «نجب» جمع : نجیبة ، وهی : الناقة الأصیلة الجیدة. «عرائک» ، جمع : عریکة ، وهی : السنام ، «التأویب» السفر طول النهار ، أو : الرجوع من السفر وغیره ، والأحسن هنا : الأول ، والخمس : سفر خمسة أیام. ویصح : الخمس ؛ بکسر الخاء ؛ وهو ترک الإبل ثلاثة أیام ترعی بغیر شرب ، ثمّ ترد الماء فی الیوم الرابع. (کأن تشرب فی یوم الخمیس - مثلا - وتترک الشرب ثلاثة أیام بعده ؛ هی : الجمعة ، والسبت ، والأحد ، ثم تشرب فی الیوم الرابع ، وهو یوم الاثنین. فإذا احتسبنا الیوم الأول الذی شربت فیه کان یوم الاثنین هو الخامس له. ومن هنا جاء الخمس. بکسر الخاء -
5- سبق للمسألة إیضاح وتفصیل فی - «د» - من ص 122.
6- فی «ز» من ص 123.

لفظی ، لا تقدیری ؛ لوجود ذات الواو ، ولکن فی صورة یاء. وتغیر صورتها لعلة تصریفیة لا یقتضی أن نقول إنها مقدرة. والخلاف بین هذین الرأیین لا قیمة له ؛ لأنه خلاف لفظی ، شکلی ، لا یترتب علیه شیء عملی ؛ فلا مانع من اتباع أحد الرأیین. والأول أفضل لموافقته لبعض حالات خاصة أخری.

ز - جسم الإنسان - وغیره - ذو أعضاء ، وأجزاء ، وأشیاء أخری تتصل به ، منها : ما یلازمه ویتصل به دائما ، فلا ینفصل عنه فی وقت ، ثم یعود إلیه فی وقت آخر ؛ کالرأس ؛ والأنف ، والظهر ، والبطن ، والقلب ... ومنها : ما یتصل به حینا ، وینفصل عنه حینا ، ویعود إلیه بعد ذلک ؛ کالثوب ، والأدوات الجسمیة الأخری وأشباهها ... فإذا کان فی الجسم شیء واحد لا یتعدد ، ولا ینفصل عنه ، کالرأس ؛ والقلب - ضممت إلیه مثله جاز فیه ثلاثة أوجه :

أوّلها : الجمع : وهو الأکثر. نحو : ما أحسن رءوسکما. ومنه قوله تعالی : (إِنْ تَتُوبا إِلَی اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُما) وإنما عبروا بالجمع مع أن المراد التثنیة ، لأن التثنیة فی الحقیقة جمع لغوی (1) ؛ ولأنه مما لا یقع فیه لبس ، ولا إشکال ؛ فمن المعلوم ألا یکون للإنسان إلا رأس واحد ، أو قلب واحد ...

ثانیها : التثنیة علی الأصل وظاهر اللفظ ؛ نحو : ما أحسن رأسیکما ، وأطیب قلبیکما.

ثالثها : الإفراد ؛ نحو ؛ ما أحسن رأسکما ، وأطیب قلبکما. وهذا جائز لوضوح المعنی ، إذ کل فرد له شیء واحد من هذا النوع ، فلا یشکل ، ولا یوقع فی لبس. فجیء باللفظ المفرد ، للخفة.

أما ما یکون فی الجسد منه أکثر من واحد ؛ کالید ، والرجل ؛ فإنک إذا ضممته إلی مثله لم یکن فیه إلا التثنیة ؛ نحو : ما أکرم یدیکما ، وما أسرع رجلیکما. أما قوله تعالی : (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُما ...) فإنه جمع ؛ لأن المراد الأیمان : (جمع یمین ، أی : الید الیمنی) (2).

وأما ما یتصل بالجسم وینفصل عنه من نحو : ثوب ، وغلام فلا یجوز

ص: 145


1- راجع ماله اتصال بهذا فی رقم 1 من هامش ص 110
2- هل المراد أن الیمنی واحدة فإذا انضمت إلی مثلها جاز الجمع؟ إن کان هذا التعلیل صحیحا فهو منطبق علی جمیع الأعضاء الزوجیة فی الجسم فکیف تجب التثنیة؟ إلا أن یقال إن الیمنی أشهر فی الید الیمنی حتی تکاد تختص بهذا الوصف وتصیر بمنزلة شیء واحد.

فیه إلا التثنیة إذا ضممت منه واحدا إلی مثله ؛ نحو أعجبت بثوبیکما ... وسلمت علی غلامیکما ... إذا کان لکل واحد ثوب وغلام. ولا یجوز الجمع فی مثل هذا ؛ منعا للإیهام واللبس ؛ إذ لو جمع لأوهم أن لکل واحد أثوابا وغلمانا. وهو غیر المراد (1). وکذلک لا یجوز الإفراد ؛ للسبب السالف.

ح - سبق الکلام علی منع تثنیة جمع المذکر وجمعه بطریقة مباشرة فیهما ، وإباحة ذلک عند التسمیة به (2) ... فهل یجوز تثنیة جمع التکسیر ، وجمعه؟ فریق قال : إن جمعه مقصور علی السماع (3). أما تثنیته فملخص الرأی (4) فیها عنده أن القیاس یأبی تثنیة الجمع ، وذلک أن الغرض من الجمع الدلالة علی الکثرة العددیة ، والتثنیة تدل علی القلة ؛ فهما متدافعان ، ولا یجوز اجتماعهما فی کلمة واحدة. وقد جاء شیء من ذلک - عن العرب - علی تأویل الإفراد ؛ قالوا : إبلان ، وغنمان. وجمالان. ذهبوا بذلک إلی القطیع الواحد ، وضموا إلیه مثله فثنوه ... وما دام القیاس یأباه فالأحسن الاقتصار فیه علی السماع (5).

وفریق آخر - کما سیجیء (6) - یمیل إلی إباحة الجمع فیما یدل علی القلة ، دون ما یدل علی الکثرة.

والأفضل الأخذ بالرأی القائل إن الحاجة الشدیدة قد تدعو أحیانا إلی جمع الجمع ، کما تدعو إلی تثنیته ؛ فکما یقال فی جماعتین من الجمال : جمالان - کذلک یقال فی جماعات منها : جمالات. وإذا أرید تکسیر جمع التکسیر روعی فیه ما نصوا علیه فی بابه(7).

ص: 146


1- راجع الجزء الرابع من شرح المفصل ص 155.
2- فی ص 140 ، 118.
3- بیان ذلک فی موضعه الخاص من باب جمع التکسیر ج 4
4- راجع الجزء الرابع من شرح المفصل ص 153.
5- سبقت الإشارة لهذا فی ص 118.
6- فی ج 4 ص 505 م 174
7- فی ج 4 ص 505 م 174

المسألة 12: جمع المؤنث السالم

اشارة

(1)

1- حضرت سیدة. سمعت سیدة. قرأت مقالة سیدة.

حضرت سیدات. سمعت سیدات. قرأت مقالات لسیدات.

2- فارت هند. أکرم الوالد هندا. هذه مدرسة هند.

فارت الهندات. أکرم الوالد الهندات. هذه مدرسة الهندات.

3- عطیة طالب ماهر. إن عطیة طالب ماهر. لعطیة نشاط ظاهر.

العطیات طالبون ماهرون. إن العطیات طالبون مهرة. للعطیات نشاط.

اتسعت السّرادقات. ملأ الناس السرادقات. جلس القوم فی السرادقات.

فی الأمثلة السابقة کلمات مفردة ، تدل کل کلمة منها علی شیء واحد مؤنث ، أو مذکر ، (مثل : سیدة ، هند ، عطیة ، سرادق ...).

وحین زدنا فی آخرها الألف والتاء المفتوحة (2) صارت تدل علی جمع مؤنث ؛ مثل : سیدات ، هندات ، عطیات ، سرادقات ، واستغنینا بهذه الزیادة عن العطف بالواو (3) ؛ أی : عن أن نقول : سیدة ؛ وسیدة ؛ وسیدة ... أو هند ، وهند ، وهند ... إلخ. فهذه الکلمات تسمی : الجمع بالألف والتاء الزائدتین ، أو : جمع المؤنث السالم ؛ کما هو المشهور (4). وهو : ما دل علی أکثر من اثنین (5) بسبب زیادة

ص: 147


1- سبق فی رقم 1 من هامش ص 125 معنی : «السالم» وضبطها. وسبب تسمیته هو وجمع المذکر السالم : بجمعی التصحیح.
2- المتسعة ، غیر المربوطة
3- قد یجوز العطف بالواو أحیانا ، أو بغیرها للدواعی التی بیناها فی المثنی وجمع المذکر «و» من ص 122 و 1 من هامش ص 126
4- یفضل کثیر من النحاة الأقدمین تسمیته : «الجمع بألف وتاء مزیدتین» ، دون تسمیته بجمع المؤنث السالم ؛ لأن مفرده قد یکون مذکرا ، کسرادق وسرادقات ، وأحیانا لا یسلم مفرده فی الجمع ؛ بل یدخله شیء من التغییر : کسعدی وسعدیات ؛ فإن ألف التأنیث التی فی مفرده صارت یاء عند الجمع. ومثل لمیاء ولمیاوات ؛ قلبت الهمزة واوا فی الجمع ؛ ومثل : سجدة وسجدات ؛ تحرکت الجیم فی الجمع بعد أن کانت ساکنة فی المفرد. وبالرغم من ذلک کله لا مانع من التسمیة الثانیة ؛ لأنها اشتهرت بین النحاة وغیرهم حتی صارت اصطلاحا معروفا ، وخاصة الآن.
5- ما العدد الذی یدل علیه جمع المؤنث السالم؟ أهو ثلاثة وعشرة وما بینهما فیکون کجمع القلة ، أم یزید علی العشرة؟ بیان هذا فی رقم : 2 من هامش ص 125.

معینة فی آخره ، أغنت عن عطف المفردات المتشابهة فی المعنی ، والحروف ، والحرکات ، بعضها علی بعض. وتلک الزیادة هی «الألف والتاء» فی آخره.

ومفرد هذا الجمع قد یکون مؤنثا لفظیّا ومعنویّا (1) معا ؛ مثل : سیدة ، وسعدی (2) ولمیاء. والجمع ؛ سیدات ، وسعدیات ، ولمیاوات.

وقد یکون مفرده مؤنثا معنویا (3) فقط ؛ بأن یکون خالیا من علامة التأنیث مع دلالته علی مؤنث حقیقی ؛ مثل : هند ، وسعاد. والجمع : هندات ، وسعادات.

وقد یکون مفرده مؤنثا لفظیّا فقط ؛ بأن یکون لفظه مشتملا علی علامة تأنیث ، مع أن المراد منه مذکر. مثل : عطیة ، اسم رجل ، وجمعه : عطیات ، وشبکة ، اسم رجل ، وجمعه : شبکات ... وقد یکون مفرده مذکرا ؛ کسرادق وسرادقات. وحکم هذا الجمع : أنه یرفع بالضمة ، وینصب بالکسرة نیابة عن الفتحة ،

ص: 148


1- ینقسم المؤنث باعتبار معناه إلی حقیقی ؛ وهو : ما یلد ویتناسل ولو من طریق البیض والتفریخ ، کالطیور ، وإلی غیر حقیقی ؛ (أی ؛ مجازی) ، وهو ما کان مؤنثا لا یلد ولا یتناسل ، مثل : أرض ، شمس ... وینقسم باعتبار لفظه إلی لفظی ؛ وهو : ما کان مشتملا علی علامة تأنیث ظاهرة سواء أکان دالا علی مؤنث أم مذکر ؛ مثل : فاطمة وحمزة ومعاویة وشجرة وسلمی وخضراء. وإلی معنوی وهو ما کان لفظه خالیا منها مع دلالته علی التأنیث .. نحو : زینب ، وشمس ، وأرض ... - وسیجیء بیان هذا فی باب الفاعل ج 2 - وأشهر علامات التأنیث فی الاسم هی التاء المربوطة فی مثل : أمینة ، وشجرة ... وألف التأنیث المقصورة فی مثل : دنیا. وریا - وعلیا - والممدودة فی مثل : خضراء ، وبیضاء ، وأربعاء. وهناک علامات أخری تلی تلک ؛ کالکسرة فی مثل الضمیر : «أنت» ، ... ونون النسوة فی مثل : «أنتن» .. وللتأنیث وعلاماته وأحکامه باب خاص به فی الجزء الرابع.
2- یستثنی من المقصورة عند البصریین ومن معهم : «فعلی» مؤنث : «فعلان» ، مثل : «سکری» مؤنث «سکران» فلا یقال «سکریات». یستثنی من الممدودة : «فعلاء» مؤنث : «أفعل» ؛ کحمراء ، مؤنث أحمر ؛ فلا یقال : حمراوات» ؛ - لأن النحاة یقولون : ما لا یصح جمعه جمع مذکر سالما لا یصح فی مؤنثه أن یجمع جمع مؤنث سالما - کما سبق فی رقم 3 من هامش ص 130 ، وفی «ء» من ص 156 - فهاتان لا یجمعان جمع مذکر ولا جمع مؤنث سالمین (إلا عند الکوفیین) ما داما باقیین علی الوصفیة ؛ فإن صارا اسمین مجردین من الوصفیة - جاز جمعهما جمع مذکر أو مؤنث علی حسب المعنی. وبسبب هذه الاسمیة قیل : «خضراوات» لبعض أنواع النبات ، و «حمراوات» لبعض المدن و «کبریات» و «صغریات» جمع : «کبری» و «صغری» اسم موضعین فی مصر .. - انظر : «ب» من ص 129 ؛ لأهمیتها وکذا «ا» «من» الزیادة التی تلیها فی ص 132 - ورأی الکوفیین هنا - کرأیهم فی جمع هاتین الصیغتین جمع مذکر سالما - أنسب ، وأدلتهم مقبولة ؛ لما سبق أن عرضناه فی رقم 3 من هامش ص 130 ؛ فالأخذ برأیهم سائغ وإن کان الرأی البصری أقوی.
3- یستثنی من المؤنث المعنوی ما کان علما لمؤنث علی وزن فعال ؛ مثل «حذام» و «رقاش» و «قطام» عند من یقول ببنائها دائما.

ویجر بالکسرة ، کما فی الأمثلة السابقة (1) ، وأشباهها. کل هذا بشرط أن تکون الألف والتاء زائدتین معا ؛ فإن کانت الألف زائدة والتاء أصلیة ؛ - مثل : بیت وأبیات ، وقوت وأقوات ، وصوت وأصوات ، ووقت وأوقات ... - لم یکن جمع مؤنث سالما ، ولم ینصب بالکسرة ؛ وإنما هو جمع تکسیر ، ینصب بالفتحة. وکذلک إن کانت ألفه أصلیة والتاء زائدة ، - مثل : سعاة (2) : جمع ساع ، ورماة : جمع رام ، ودعاة : جمع داع ، وأشباهها - ؛ فإنه یدخل فی جموع التکسیر التی تنصب بالفتحة.

ملحقاته

ألحق بهذا الجمع نوعان ، أولهما : کلمات لها معنی جمع المؤنث ولکن لا مفرد لها من لفظها ؛ وإنما لها مفرد من معناها ، فهی اسم جمع (3) ، مثل «أولات» ومفردها : «ذات» ، بمعنی صاحبة ، فمعنی کلمة : «أولات» هو : صاحبات. تقول : الأمهات

ص: 149


1- مع التنوین فی کل الحالات - إن لم یمنع منه مانع آخر ؛ کالإضافة - وهو تنوین المقابلة الذی سبق إیضاحه فی ص 40 وهناک لغة تنصبه بالفتحة إن کان مفرده محذوف اللام (وهی : الحرف الأخیر من أصول الکلمة) ولم ترد هذه اللام عند الجمع ، مثل : سمعت لغات العرب ، وأکرمت بناتهم ؛ لأن المفرد فیهما : لغة ، وبنت ؛ وأصلهما «لغو» و «بنو». حذفت الواو فیهما ، ولم ترجع فی الجمع. فإن ردت اللام فی الجمع مثل : سنوات ، وسنهات ، فی جمع سنة ، وجب نصبه بالکسرة. إلا عند الکوفیین - ورأیهم هنا ضعیف - فإنهم یجیزون نصبه بالفتحة مطلقا ، سواء أحذفت لامه أم لم تحذف. ومن النحاة من یعد کلمة : «بنات» جمع تکسیر. وحجته أن مفردها : «بنت» قد دخله التغییر عند الجمع ، وهذا شأن المفرد عند جمعه تکسیرا لا جمعا مؤنثا سالما أصیلا (راجع التصریح ج 1. باب الفاعل ، عند الکلام علی تأنیث الفعل لأجل فاعله) والأکثریة تعتبرها جمع مؤنث. ومن المستحسن جدا إهمال هذه اللغات ، والاقتصار علی أکثر اللغات شیوعا وأشدها جریانا فی الأسالیب السامیة ، وهی اللغة الأولی. وإنما نذکر غیرها لیستعین بمعرفتها المتخصصون فی فهم النصوص القدیمة ، دون استعمالها. «ملاحظة» بهذه المناسبة نذکر أن المفرد الذی یراد جمعه بالألف والتاء الزائدتین إن کان محذوف اللام بغیر تعویض همزة الوصل عنها ، فإن لامه ترجع فی الجمع إن کانت ترجع فی الإضافة فإن لم ترجع فی الإضافة فإنها لا ترجع فی الجمع ... أی : أن حکمها من جهة رجوعها فی الجمع هو حکم رجوعها عند الإضافة کما سبقت الإشارة فی رقم 3 من هامش ص 102. والبیان فی «ح» من ص 123
2- أصل سعاة : سعیة ؛ (علی وزن فعلة) ، تحرکت الیاء وانفتح ما قبلها ، فقلبت ألفا ، فصارت سعاة ؛ فألفها أصلیة ؛ لأنها منقلبة عن حرف أصلی ، وهو الیاء التی أصلها لام الفعل : سعی ؛ لأنه یائی اللام ، تقول : سعیت سعیا. ومثلها : رماة ؛ فأصلها : رمیة ؛ تحرکت الیاء وانفتح ما قبلها ، فقلبت ألفا ، والفعل رمی یائی اللام أیضا ؛ تقول : رمیت رمیا. أما دعاة ، فأصلها : دعوة ؛ تحرکت الواو وانفتح ما قبلها ؛ فقلبت ألفا والفعل «دعا» واوی اللام ؛ تقول : دعوت دعوة ... فالألف هنا أصیلة ، لأنها منقلة عن واو أصلیة.
3- سبق تعریفه فی رقم 1 من ص 134

أولات فضل ، عرفت أولات فضل ، احترمت أولات فضل.

وکلمة : «أولات» مضافة (1) دائما ؛ ولهذا ترفع بالضمة من غیر تنوین ، وتنصب وتجر بالکسرة من غیر تنوین أیضا ؛ ومثلها : «اللّات» (اسم موصول لجمع الإناث) ، عند من یلحقها بجمع المؤنث (2) ، ولا یبنیها علی الکسر ، کالإعراب المشهور ، یقول : جاءت اللات تعلمن ، ورأیت اللات تعلمن ، وفرحت باللات تعلمن ؛ فاللات عنده اسم جمع لکلمة : (التی).

ثانیهما : ما سمی به من هذا الجمع (3) وملحقاته ، وصار علما لمذکر أو مؤنث بسبب التسمیة ؛ مثل : سعادات ، وزینبات ، وعنایات ، ونعمات ، وأشباهها مما صار علما علی رجل أو امرأة. ومثل : عرفات ؛ (اسم مکان بقرب مکة) ، وأذرعات (اسم قریة بالشام). وغیر ذلک ، مما لفظه لفظ جمع المؤنث ، ولکن معناه مفرد مذکر أو مؤنث. مثل : سافرت سعادات ، ورأیت سعادات ، واعترفت لسعادات بالفضل. فهذا النوع یعرب بالضمة رفعا ، وبالکسرة نصبا وجرّا ، مع التنوین (4) فی کل الحالات ؛ مراعاة لناحیته الفظیة الشکلیة التی جاءت علی صورة جمع المؤنث السالم ، مع أن مدلولها مفرد.

وبعض العرب یحذف التنوین ، وبعضهم یعربه بالضمة رفعا من غیر تنوین ،

ص: 150


1- وإضافتها لا تکون إلا لاسم جنس ظاهر (مثل : علم ، فضل ، أدب. أما غیر الظاهر فلا تضاف إلیه ؛ کالضمیر الذی یعود علی اسم جنس ؛ فلا یصح الفضل أولاته الأمهات) ومن أمثلة «أولات» قوله تعالی : (وَإِنْ کُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ ...) «فأولات» خبر کان ؛ منصوب بالکسرة ، واسمها : نون النسوة المدغمة مع نون کان. «ویقول النحاة. أصل کان هنا : کون ، بضم الواو بعد تحویل الفعل إلی باب : فعل. استثقلت الضمة علی الواو فنقلت منها إلی الکاف بعد حذف الفتحة ، ثم حذفت الواو لالتقاء الساکنین!! والتکلف فی هذا ظاهر ، لا داعی له ، فخیر منه أن نقول : إن العرب تضم الکاف من «کان» وتحذف الألف عند إسنادها لنون النسوة ، أو لضمیر رفع متحرک من غیر أن یکون لهذا علة إلا نطقهم.
2- لا داعی للأخذ بهذه اللغة الیوم للأسباب التی نرددها کثیرا.
3- فی رقم 1 من هامش ص 137 بیان السبب فی التسمیة بالمثنی وبالجمع.
4- لکن کیف یوجد التنوین فی هذا النوع مع وجود ما یوجب منعه من الصرف ؛ وهو : العلمیة والتأنیث المعنوی فی مثل : «سعادات» وأشباهها من کل لفظ علی صیغة جمع المؤنث وسمی به مفرده؟ (وقلنا التأنیث المعنوی ، لأن التاء الموجودة تاء مفتوحة لیست هی التی تدل علی تأنیث اللفظ ، وإنما الذی یدل علی تأنیث اللفظ هو التاء المربوطة التی أصلها هاء). یجیب النحاة عن هذا بأن التنوین هنا للمقابلة ، لا للصرف ، لأن الکلمة منقولة من جمع المؤنث ؛ وتنوین المقابلة لا یحذف عند وجود ما یقتضی منع الاسم من الصرف (وقد سبق الرأی فی هذا النوع من التنوین ص 40) وسیجیء رأی أنسب وأضبط وهو : حذف التنوین منه - إذا کان علما لمؤنث - مراعاة للعلمیة والتأنیث المعنوی ؛ مع جره بالفتحة فینطبق علیه حکم الممنوع من الصرف. ویحسن الأخذ - - بهذا الرأی ، لأنه یمنع اللبس ویزیل الإبهام ، ویجعل المراد واضحا جلیا. وهذه وظیفة اللغة ومهمتها وما یرمی إلیه الخبیر بأسرارها. وستجیء إشارة لهذا الرأی فی «ا» من ص 159.

وینصبه ویجره بالفتحة من غیر تنوین فی الحالتین ، أی : یعربه إعراب ما لا ینصرف مراعاة لمفرده ، بشرط أن یکون هذا المفرد مؤنثا فیقول : هذه عرفات ، زرت عرفات ، ووقفت بعرفات. وإذا أراد الوقوف علی آخره وقف بالتاء المفتوحة (1) ، فهذه ثلاثة آراء قد یکون أفضلها الأخیر (2) فیحسن الاقتصار علیه فی استعمالنا.

ص: 151


1- وإلی ما سبق یشیر ابن مالک بقوله : وما بتا وألف قد جمعا یکسر فی الجرّ وفی النّصب معا کذا : «أولات» ، والذی اسما قد جعل کأذرعات فیه ذا أیضا قبل أی : أن ما جمع بتاء وألف فإنه یکسر فی حالة الجر والنصب ؛ فینصب بالکسرة ، ویجر بالکسرة أیضا. ولا یفهم من کلمة «معا» أن الحالتین تحصلان فی وقت واحد ؛ کما هو مدلول کلمة : «معا» عند أکثر اللغویین القائلین باتحاد زمنها - وإنما المراد مطلق وقوع الحالتین من غیر اتفاقهما فی زمن واحد. و «تا» فی کلمة : «بتا» قد تقرأ منونة کشأن حروف الهجاء عند قصرها ؛ حیث یجب تنوینها علی المشهور ؛ بناء علی أنها مقصور الممدود ؛ فأصلها : «تاء» فإذا قصرت یقدر إعرابها علی الألف المحذوفة ؛ لالتقاء الساکنین (لأنها ساکنة ، والتنوین ساکن) فالألف محذوفة لعلة تصریفیة ؛ والمحذوف لعلة کالثابت. نعم إن ترک التنوین للإضافة ، أو لوجود «أل» فی أوله ، أو للوصل بنیة الوقف أو للنداء ... - جاز الإعراب المقدر علی الألف. وقال بعضهم إن حروف الهجاء إن کانت من غیر همزة فی آخرها (مثل با - تا - ثا ... إلخ) فإنها موضوعة من أول الأمر علی حرفین هجائیین ، ولیست مقصورة من مد ؛ فهی مبنیة علی السکون دائما من غیر تنوین. وهذا أیسر وأوضح. وأشار فی البیت الثانی : (کذا أولات) إلی النوعین الملحقین بجمع المؤنث السالم ، وأولهما : اسم الجمع ، نحو : «أولات» ، وثانیهما : ما جعل من جمع المؤنث علما علی شیء واحد ، فإنه یجری علیه ذلک الحکم العام. هذا ، وکلمة : «أولات» فی البیت قد تمنع من التنوین باعتبار أنها علم علی تلک الکلمة ومؤنث ؛ فتمنع من الصرف للعلمیة والتأنیث ، وقد تنون بإرادة اللفظ لا الکلمة المعینة ؛ فتکون علما علی ذلک اللفظ غیر مؤنث ؛ فلا یمنع من الصرف.
2- هذا الرأی منسوب للکوفیین ، وهو خیر الآراء الثلاثة ؛ لأنه - وهو مسموع عن العرب - لا یوقع فی لبس ولا إبهام ؛ إذ یدل بحذف تنوینه مع جره بالفتحة - علی أن المراد منه مؤنث مفرد ؛ فلا مجال فیه لتوهم أنه جمع. فهو یسایر القاعدة العامة الواضحة.

زیادة وتفصیل

(ا) هذا الجمع ینقاس فی ستة أشیاء :

أولها : کل ما فی آخره التاء الزائدة (1) مطلقا ؛ أی : سواء أکان علما ، مثل : فاطمة ، أم غیر علم ، مثل : زراعة - تجارة. مؤنثا لفظا ومعنی. مثل : حلیمة ، رقیة ، من أعلام النساء ، أم مؤنثا لفظا فقط مثل : عطیة ، حمزة ، معاویة ، من أعلام الرجال. وسواء أکانت التاء للتأنیث کالأمثلة السابقة ، أم للعوض عن أصل ، نحو : عدة ، وثبة ، تقول : فی جمعهما : عدات - ئبات (2) ؛ وقد تکون التاء للمبالغة ، نحو علّامة وعلّامات.

ویستثنی مما فیه التاء کلمات منها : امرأة ، وأمة ، وشاة ، وشفة ، وقلة (3) وأمّة ، وملّة (4).

هذا ، ویجب حذف التاء من آخر کل مفرد ، مؤنث ، عند جمعه جمع تأنیث سالما ، لکیلا تتلاقی مع التاء التی فی آخر الجمع. فإن کان الاسم بعد حذفها مختوما بألف لازمة ، أو بهمزة قبلها ألف زائدة - نحو : فتاة ... ، وهناءة ... - روعی فی جمع هذین الاسمین ما یراعی فی جمع المقصور والممدود - مع ملاحظة ما فی رقم 6 من هامش ص 170 ، وکذا «و» فی ص 172 - (وسیجیء الباب الخاص بتثنیتهما ، ج 4 ص 457 م 171).

ثانیها : ما فی آخره ألف التأنیث المقصورة أو الممدودة (سواء أکان علما ، أم غیر علم ، لمؤنث أم لمذکر ؛ فمثال المقصورة : «سعدی» وهی علم مؤنث ، «وفضلی» ، وهی غیر علم ، وإنما هی صفة لمؤنث ، «ودنیا» إذا کانت علما لمذکر. ومثال الممدودة : «زهراء» ، وهی علم لمؤنث ، و «حسناء» وهی غیر علم وإنما هی صفة لمؤنث ، و «زکریاء» علم لمذکر.

ص: 152


1- أی : بشرط أن تکون التاء غیر أصلیة. وقد سبق الکلام علی الأصلیة فی ص 149.
2- وأصل عدة ؛ وعد. وأصل ثبة : «ثبو» ؛ فالتاء فی الأول عوض عن فاء الکلمة ، وفی الثانیة عوض عن لامها.
3- اسم لعبة للأطفال.
4- لعل السبب فی عدم جمع هذه الکلمات جمع مؤنث سالما - کما یقال - أنها لم تسمع عن العرب. وهو سبب لا ینهض حجة ، ولم یأخذ به بعض النحاة : فأجاز جمعها جمع مؤنث سالما. ورأیه حسن ؛ لجریانه علی الأصول اللغویة العامة.

ویستثنی من هذا القسم - عند غیر الکوفیین کما سبق (1) - : فعلی ؛ مؤنث «فعلان» ، مثل «سکری» مؤنث «سکران» ، «وفعلاء» مؤنث : «أفعل» مثل : «خضراء وسوداء» ، وکلتاهما صفة لمؤنث (2) ، ولیست بعلم.

ثالثهما : کل علم لمؤنث حقیقی (3) ولیس فیه علامة تأنیث ، کزینب ، ونوال ، وإحسان ، إلا ما کان مثل : «حذام» عند من یبنیه فی جمیع أحواله. - کما سبق (4) -.

رابعا : مصغر المذکر الذی لا یعقل ، مثل : «نهیرات» ، تصغیر : «نهر» و «جبیلات» ؛ تصغیر «جبل» و «معیدنات» ، تصغیر : «معدن». خامسها : وصف المذکر غیر العاقل ؛ مثل ؛ هذه بساتین جمیلات (5) ، زرتها أیاما معدودات.

سادسها : کل خماسیّ لم یسمع له عن العرب جمع تکسیر (6) ؛ مثل : سرادقات وقیصومات - وحمّامات - وکتّانات. واصطبلات - وقطمیرات ... فی جمع : سرادق ، وقیصوم (7) ، وحمّام ، وکتّان ، واصطبل ، وقطمیر (8).

وما عدا تلک الأنواع الستة مقصور علی السماع ؛ مثل : شمالات.

وإلی ما سبق یشیر بعضهم بقوله عن جمع المؤنث السالم ، وما یقاس فیه وما لا یقاس:

وقسه فی ذی التّا ، ونحو ذکری

ودرهم مصغّر ، وصحرا

وزینب ، ووصف غیر العاقل

وغیر ذا مسلم للناقل

یرید أنه مقیس فی کل ما هو مختوم بالتاء ؛ مثل : رحمة ونعمة ، أو ألف

ص: 153


1- فی رقم 2 من هامش ص 148.
2- وهذا علی الرأی الراجح - عندهم - وهو : أن ما لا یجمع مفرده جمع مذکر سالما لا یجمع جمع مؤنث سالما أیضا. وقد سبق (فی رقم 2 من هامش ص 148) بیان ما فی هذا الرأی. وکذلک فی ب من ص 129.
3- عاقل. أو غیر عاقل - علی الأصح -
4- فی رقم 10 من ص 73.
5- جمیلات مفردها : جمیل ، وبساتین مفردها : بستان. وهو مذکر غیر عاقل ، فالعبرة بالمفرد ، ومثله : أیاما معدودات. المفرد : یوم ، وصفته : معدود.
6- وبعض النحاة لم یشترط کونه خماسیا مکتفیا باشتراط أنه لم یسمع له جمع تکسیر. والأفضل عدم الاعتداد برأیه ؛ لمخالفته الأکثریة.
7- نوع من النبات.
8- الشق الذی فی وسط نواة التمر.

التأنیث المقصورة ؛ مثل : ذکری ، أو الممدودة ؛ مثل : صحراء. وفی مصغر غیر العاقل ؛ نحو : دریهم ، فی تصغیر : درهم. وفی وصف غیر العاقل ، نحو : هذه بساتین جمیلات. أما غیر هذه الخمسة فمقصور علی سماع عن العرب فمن نقل عنهم شیئا أخذنا بما نقل ، وسلمنا به. وقد ترک السادس وهو الخماسیّ الذی لم یسمع له جمع تکسیر.

(ب) إذا کان المفرد اسما ، مؤنثا ، ثلاثیّا ، صحیح العین ، ساکنها ، غیر مضعفها ، مختوما بالتاء أو غیر مختوم بها - وأردنا جمعه جمع مؤنث سالما فإنه یراعی فی جمعه ما یأتی(1) :

1 - إن کانت «فاء» الکلمة مفتوحة وجب تحریک العین الساکنة بالفتح فی الجمع أیضا ؛ تبعا للفاء. تقول فی جمع : ظرف ، وبدر ، ونهلة ، وسعدة ، ... (وکلها أسماء إناث) ظرفات ، وبدرات ، ونهلات ، وسعدات. بفتح الثانی فی کلّ.

2 - وإن کانت فاء الکلمة مضمومة ، جاز فی العین ثلاثة أشیاء : الضم ، أو الفتح ، أو السکون ؛ تقول فی جمع ، لطف ، وحسن ، وشهرة ، وزهرة (وکلها أسماء إناث) ، لطفات ، وحسنات ، ، وسهدات ، وزهرات ، بضم الثانی فی کلّ ، أو فتحه ، أو تسکینه.

إلا إن کانت «لام» المفرد یاء فلا تضم العین فی الجمع ، مثل : غنیة (2) ، فلا یقال : غنیات (3). وإنما یقال : غنیات ، أو : غنیات ؛ بفتح النون ، أو سکونها.

3 - وإن کانت فاء الکلمة مکسورة جاز فی العین ثلاثة أشیاء ؛ الکسر ، أو الفتح ، أو السکون. تقول فی جمع : سحر ، وهند ، وحکمة ، ونعمة (أسماء إناث) : سحرات ، هندات ، حکمات ، نعمات. بفتح الثانی فی کلّ ، أو کسره ، أو تسکینه ، إلا إذا کان المفرد المؤنث مکسور الفاء ولامه واو

ص: 154


1- تفصیل الکلام علیه فی البحث الخاص بالأحکام العامة التی تخص جمع المؤنث السالم ج 4 ص 463 م 171
2- بمعنی : غنی ..
3- لأن العرب تستثقل الضمة قبل الیاء.

مثل : ، ذروة ، فلا یجوز فی العین إتباعها للفاء للفاء فی الکسر ؛ فلا یقال : ذروات (1) وإنما یقال ذروات (2) أو ذروات بفتح العین أو تسکینها.

ولا بد فی المفرد الذی تجری علیه الأحکام السالفة أن یشتمل علی الشروط الستة التی سردناها. فإن فقد شرط لم یجز إتباع حرکة العین لحرکة الفاء ؛ ومن ذلک أن تکون الکلمة صفة لا اسما ، مثل : «ضخمة». فلا یقال فیها : ضخمات ، بفتح الخاء. أو تکون اسما غیر مؤنث مثل : سعد ، علم ، رجل ، فإنه لا یجمع جمع جمع مؤنث ، ولا تتحرک عینه. أو تکون غیر ثلاثیة ، مثل : «زلزل» و «عنیزة» (لجاریتین) ، فلا یتغیر شیء من حرکات حروفهما عند الجمع. أو تکون غیر صحیحة العین ؛ مثل «خود» (3) ، «وقینة» (4) فلا یتغیر شیء من حرکات حروفهما عند الجمع ، أو تکون مضعفة العین ، مثل : جنّة وجنات ؛ فلا یتغیر شیء من حرکات حروفها فی الجمع.

وقد وردت جموع مخالفة لبعض الشروط السالفة ؛ فلا نقیس علیها ؛ لأنها لغة نادرة ؛ أو قلیلة لبعض العرب ، أو دفعت إلیها ضرورة شعریة. ولهذا البحث مزید إبانة وتفصیل فی موضعه الخاص من باب : «تثنیة المقصور والممدود وجمعهما» ، فی الجزء الرابع (5) ...

(ج) إذا کان المفرد مرکبا إضافیّا وأرید (6) تثنیته أو جمعه جمع مؤنث سالما فإن صدره هو الذی یثنی ویجمع ، ویبقی عجزه علی حاله ، مثل : سیدة الحسن (علم امرأة) یقال فی تثنیته وفی جمعه : سیدتا الحسن ، وسیدات الحسن ، وهذا إن لم یکن صدره المضاف کلمة «ذو» ، أو : کلمة : «ابن» ، أو : «أخ» ونحوهما ... من أسماء ما لا یعقل من الأجناس ، - ومنها : ذو القعدة ، وذو الحجة

ص: 155


1- لأن العرب تستثقل الکسرة قبل الواو.
2- ولا تقلب الواو هنا ألفا ؛ إذ لا یصح القلب مع وجود الزیادة فی آخر الاسم المجموع.
3- هی الفتاة الجمیلة.
4- جاریة.
5- ح 4 ص 462 م 171
6- راجع ما تقدم فی ص 119 خاصا بشروط ما یراد تثنیته ، ومنها : أن یکون غیر مرکب.

وابن لبون ، وابن آوی ، وابن عرس (1) ... - فإن کان المضاف أحدها وأرید جمعه فالغالب أن یجمع جمع مؤنث سالما فیقال مثلا : ذوات القعدة ، وذوات الحجّة ، وبنات آوی ، وبنات عرس ... ولا فرق فی ذلک بین اسم الجنس غیر العلم الجنسی کابن لبون ، وعلم الجنس کابن آوی. والفرق بینهما أن ثانی الجزأین من علم الجنس لا یقبل : «آل» بخلاف اسم الجنس - کما سیجیء فی ج 4 (2) ...

وإن کان مرکبا إسنادیّا مثل : زاد الجمال (علم امرأة) بقی علی حاله تماما ؛ وأتینا قبله بکلمة : «ذاتا» فی التثنیة (3) ؛ و «ذوات» فی الجمع المؤنث ، تقول : جاءت ذاتا (4) زاد الجمال ، وذوات زاد الجمال. ویجری الإعراب علی ذات» و «ذوات» ؛ دون العلم المرکب إسنادیّا ؛ فإنه یبقی علی حاله تماما ، ویعرب مضافا إلیه ، مجرورا بکسرة مقدرة ، منع من ظهورها : الحکایة.

وکذلک نأتی - فی أشهر الآراء (5) - بهذه الکلمات المساعدة التی توصل إلی التثنیة إن کان مرکبا ترکیب مزج مثل : شهرزاد ، اسم امرأة.

د - المفرد الذی لا یصح جمعه جمع مذکر سالما ، لا یصح فی مؤنثه أن یجمع جمع مؤنث سالما. وقد سبق بیان هذا وما فیه (6).

ه - إذا سمی بجمع المؤنث ، أو ملحقاته ، - مثل : سعادات ، عنایات ... - وأرید تثنیة هذا المسمی لم یصح تثنیته إلا من طریق غیر مباشر بأن نأتی قبله بالکلمة الخاصة التی توصلنا لهذا الغرض ؛ وهی کلمة : «ذاتا (7)» ... رفعا ، و «ذاتی» ... نصبا وجرا. وتعرب کل واحدة منهما علی حسب حاجة الجملة إعراب المثنی فترفع بالألف ، وتنصب وتجر بالیاء. وهی «المضاف» ، والمسمی به بعدها «مضاف» إلیه. وإذا أرید جمع المسمی به جمعا مؤنثا وجب الإتیان قبله بکلمة «ذوات» المضافة ؛ والمسمی هو المضاف إلیه.

ص: 156


1- انظر هامش ص 101 لأهمیته
2- آخر باب جمع التکسیر ، وسبقت الإشارة لهذ فی رقم 1 من هامش ص 101.
3- المفرد : ذات ، وقد یقال عند التثنیة : ذواتا.
4- المفرد : ذات ، وقد یقال عند التثنیة : ذواتا.
5- غالبا ؛ إذ له إعرابات أخری سنذکر بضعها فی باب العلم. ص 276.
6- فی رقم 2 من هامش ص 148 وکذلک فی رقم 3 من هامش ص 130.
7- المفرد : ذات ، وقد یقال عند التثنیة : ذواتا.

المسألة 13: إعراب ما لا ینصرف

اشارة

1 - تعلم محمود ،. نافس الطلاب محمودا - فاض الثناء علی محمود

أو مصطفی أو مصطفی. أو مصطفی.

2 - تعلم أحمد نافس الطلاب أحمد. فاض الثناء علی أحمد.

3 - تعلمت لیلی. نافست الطالبات لیلی. فاض الثناء علی لیلی.

4 - صالح أفضل من غیره. عرفت أفضل من غیره. سلمت علی أفضل من غیره

صالح أفضل الزملاء. عرفت أفضل الزملاء - سلمت علی أفضل الزملاء.

5 - صالح هو الأفضل. عرفت الأفضل. یتساءل الطلاب عن الأفضل

من الأسماء المعربة نوع یعرب بالحرکات الظاهرة ، أو المقدرة ، فیرفع بالضمة ، وینصب بالفتحة ، ویجر بالکسرة ؛ مع وجود التنوین فی الحالات الثلاث (1) ؛ وهذا النوع المعرب یسمی : «الاسم المنصرف» (2) ، أی : الاسم المنون. کأمثلة القسم الأول.

ومن الأسماء المعربة نوع آخر یرفع بالضمة ، وینصب بالفتحة ، ویجر بالفتحة أیضا ، نیابة عن الکسرة ، ولکن من غیر تنوین - غالبا - فی الحالات الثلاث ؛ وهذا النوع المعرب یسمی : «الاسم الذی لا ینصرف ؛ أی : لا ینون». ولا فرق فی هذا النوع بین أن تکون حرکة آخره ظاهرة ، کأمثلة القسم الثانی ، أو مقدرة کأمثلة القسم الثالث.

والاختلاف بین صورتی المعرب المنصرف وغیر المنصرف ، ینحصر فی أمرین ؛ أولهما : أن المنصرف یعرب بالحرکات الأصلیة الظاهرة ، أو المقدرة رفعا ، ونصبا ،

ص: 157


1- سبق الکلام تفصیلا علی هذا النوع من التنوین وغیره ، فی ص 32 وما بعدها.
2- هو الاسم المعرب المنصرف الذی سبق الکلام علیه فی ص 32 ویسمی بالاسم المنصرف اختصارا - کما أشرنا هناک -

وجرّا ؛ فالضمة للرفع ، والفتحة للنصب ، والکسرة للجر.

ثانیهما : أنه ینون فی جمیع حالاته ، إلا إن وجد مانع آخر یمنع التنوین (1). أما الاسم الذی ینصرف فتتلخص حرکات آخره الظاهرة ، أو المقدرة فی أنه یرفع بضمة واحدة من غیر تنوین ، وینصب بفتحة واحدة من غیر تنوین ، ویجر بفتحة واحدة أیضا من غیر تنوین (2) ؛ فهو یختلف عن سابقه فی الأمرین ، - فی عدم التنوین ، وفی الجر بالفتحة نیابة عن الکسرة - وإنما یتحقق الاختلاف بشرط ألا یکون مضافا أو مبدوءا (بأل). فإن کان مضافا مثل کلمة : «أفضل» فی القسم الرابع ، أو مبدوءا (بأل) مثل کلمة : «الأفضل» فی القسم الخامس ، وجب جره بالکسرة دون الفتحة ، مع حذف التنوین فی الحالتین أیضا ؛ لأن التنوین لا یوجد فی الاسم المضاف ، أو المبدوء (بأل) مهما کان نوعها (3).

هذا وللاسم الذی لا ینصرف باب خاص - سیجیء فی الجزء الرابع - تبیّن فیه أسباب المنع من الصرف ، وتوضح أحکامه ، ونقتصر هنا علی ما یناسب موضوع الإعراب ، تارکین غیره لذلک الباب.

ص: 158


1- کأن یکون الاسم مضافا ، أو مبدوءا بأل ، أو غیر ذلک مما یمنع التنوین «کالنداء» ، تقول جاء الطبیب ، أو : طبیب المدینة ، ورأیت الطبیب ، أو : طبیب المدینة ، وقصدت إلی الطبیب ؛ أو : طبیب المدینة ؛ إذ یمتنع التنوین مع «أل» ومع الإضافة فی کلمة : «طبیب» کما یمتنع فی مثل : یا طبیب ؛ لمعین أما عند عدم وجود مانع فیجب التنوین.
2- قد ینون الممنوع من الصرف إذا زالت علمیته وقصد تنکیره کما سبق - فی رقم 2 من هامش ص 32 ورقم 3 من هامش ص 36 - عند الکلام علی التنوین وکما یأتی البیان فی ص 264 ، وفی باب الممنوع من الصرف (ج 4).
3- ستأتی أنواعها فی م 30 - وفی هذا یقول ابن مالک : وجرّ بالفتحة ما لا ینصرف ما لم یضف ، أو : یک بعد : «أل» ردف ومعنی «ردف» : تبع «أل» ، وجاء بعدها مباشرة ، من غیر فاصل بینهما. وکلمة : «جر» قد تکون فعلا ماضیا مبنیا علی الفتح ، وهو مبنی للمجهول ، وقد تکون فعل أمر ؛ فیصح عندئذ فی آخرها ضم الراء أو کسرها ، أو فتحها. فالضم لأن أصلها : اجرر (مثل : انصر) نقلت ضمة الراء الأولی إلی الجیم فحذفت الهمزة ، وأدغمنا الراءین ، وضممنا الراء المشددة إتباعا للجیم. وإن شئنا فتحنا الراء المشددة «جرّ» للخفة ، أو کسرناها ؛ مراعاة للأصل فی التخلص من التقاء الساکنین. ولیس هذا مقصورا علی کلمة : بل یتبع فی کل فعل أمر علی وزنها.

زیادة وتفصیل

(ا) سبقت الإشارة - فی جمع المؤنث السالم ، (ص 150) - إلی أن هذا الجمع وملحقاته عند التسمیة به یصح إعرابه إعراب ما لا ینصرف ، کما یصح إعرابه إعراب جمع المؤنث السالم ، مراعاة لأصله وصورته. والإعراب الأول أحسن ، لما سبق هناک.

ب - من المبینات ما یکون ممنوعا من الصرف لانطباق سبب المنع علیه ؛ مثل : سیبویه ؛ فإنه علم (1) مبنی علی الکسر وجوبا فی کل حالاته - فی الرأیّ الشائع -. فعند اعتباره ممنوعا من الصرف للعلمیة مع الترکیب المزجی نقول فی إعرابه فی حالة الرفع : إنه مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها حرکة بنائه الأصلی علی الکسر. أو إنه مبنی علی الکسر فی محل رفع (2).

ونقول فی حالة نصبه : إنه منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حرکة بنائه الأصلی علی الکسر ، أو : إنه مبنی علی الکسر فی محل نصب (3).

ونقول فی حالة جره إنه مجرور بفتحة مقدرة. منع من ظهورها حرکة بنائه الأصلی علی الکسر. ولا مانع أن نقول هنا أیضا : إنه مبنی علی الکسر فی محل جر. ولکن النحاة یفضلون - بحق - فی حالة الجر الأعراب الأول ، لأنه یوافق الحکم العام للاسم الذی لا ینصرف.

(ح) بعض القبائل العربیة یستعمل کلمة : «أم» بدلا من «أل» فیقول : امقمر یستمدّ امضوء من امشمش ، أی : (القمر یستمد الضوء من الشمس) وعلی هذه اللغة لا یمنع الاسم عندهم من الصرف إذا بدیء بکلمة : (أم) المستعملة بدلا من : «أل»(4).

ص: 159


1- هو علم ، مرکب مزجی ؛ فینطبق علیه منع الصرف ؛ فوق أنه مبنی لا یدخله تنوین التمکین وقد سبق الکلام علی تنوینه فی الکلام علی أنواع التنوین ص 34. وسنعود للکلام علیه وعلی إعرابه بمناسبة أخری فی ص 177 و 279 و 281 وما بعدها.
2- وهذا أوضح وأکثر.
3- وهذا أوضح وأکثر.
4- لیس من السائغ الیوم أن نستعمل «أم» هذه کاستعمال أهلها القدماء ، ولا أن ندخلها فی أسالیبنا بدلا من «أل».

المسألة 14: الأفعال الخمسة

اشارة

ا - العاقل یتکلم بعد تفکیر. لن یتکلم العاقل متسرعا. لم یتکلم عاقل فیما لا یعنیه.

ب

1- أنتما تتکلمان بخیر (1). أنتما لن تتکلما إلا بخیر. أنتما لم تتکلما إلا بالخیر

2- الحکیمان یتکلمان بخیر. الحکیمان لن یتکلما. الحکیمان لم إلا بخیر یتکلما إلا بالخیر.

3- أنتم تساعدون المحتاج. أنتم لن تساعدوا المحتال. أنتم لم تساعدوا المحتال.

4- الأغنیاء یشارکون فی النفع. الأغنیاء لن یتأخروا - الأغنیاء لم یشارکوا فی عن المساعدة. إساءة.

5- أنت - یا فاطمة - أنت لن تعملی بتوان. أنت لم تعملی بتوان.

تعملین بجد.

إذا کان المضارع صحیح الآخر ، وغیر مختوم بضمیر بارز (2) ، فإنه یعرب بالحرکات الأصلیة الظاهرة (الضمة فی حالة الرفع ، والفتحة فی حالة النصب إذا سبقه ناصب ، والسکون فی حالة الجزم إذا سبقه جازم). کأمثلة القسم «ا».

أما إذا اتصل بآخره ألف اثنین (وله معها صورتان. إحداهما أن یکون مبدوءا بتاء المخاطب ، والأخری أن یکون مبدوءا بیاء الغائب ، کأمثلة 1 ، 2 من القسم «ب».) أو اتصل بآخره واو الجماعة ، (وله معها صورتان کذلک : أن یکون مبدوءا بتاء المخاطب أو یاء الغائب ، کأمثلة 3 و 4 من «ب») أو اتصل آخره بیاء الخاطبة ، (کأمثلة القسم الخامس من «ب») - فإنه فی هذه الصورة الخمس التی یسمیها

ص: 160


1- إذا کان الخطاب لمؤنثتین غائبتین جاز أن یکون المضارع مبدوءا بالیاء لا بالتاء ، والتاء أکثر ؛ طبقا للإیضاح الآتی فی «ج» من ص 164
2- أی ظاهر. وهذا علی الرأی الشائع فی أن ألف الاثنین وواو الجماعة ویاء المخاطبة أسماء ، فهی ضمائر یعرب کل منها فاعلا. وهو الرأی الواجب اتباعه الیوم ، خلافا للرأی الضعیف القائل بأنها حروف.

النحاة الأفعال الخمسة - یرفع بثبوت النون (1) فی حالة الرفع ، نیابة عن الضمة ، وینصب فی حالة النصب بحذفها نیابة عن الفتحة ، ویجزم فی حالة الجزم بحذفها أیضا نیابة عن السکون. (أمثلة ، 2 ، 3 ، 4 ، 5).

وهذا معنی قولهم : الأفعال الخمسة هی : «کل مضارع اتصل بآخره ألف اثنین ، أو واو جماعة ، أو یاء مخاطبة».

وحکمها : أنها ترفع بثبوت النون ، وتنصب وتجزم بحذفها. مع ملاحظة أن تلک النون عند ظهورها تکون مکسورة (2) بعد ألف الاثنین ، مفتوحة فی باقی الصور (3).

«ملاحظة» : إذا کان المضارع معتل الآخر بغیر إسناد لضمیر رفع بارز - فحکمه سیجیء فی مکانه الخاص (4). فإن کان مسندا لضمیر رفع بارز وجب أن تلحقه تغیرات مختلفة ؛ بیانها وتفصیل أحکامها فی الباب المعدّ لذلک (5) ، وهو باب : إسناد المضارع والأمر إلی ضمائر الرفع البارزة ؛ بتوکید ، وغیر توکید ،

ص: 161


1- أی : بالنون الثابتة الموجودة.
2- فی الغالب الذی یحسن الاقتصار علیه.
3- وإلی ما سبق یشیر ابن مالک بقوله : واجعل لنحو : «یفعلان» النّونا رفعا ، وتدعین وتسألونا وحذفها للنصب والجزم سمه کلم تکونی لترومی مظلمه أی : اجعل ثبوت النون علامة للرفع فی : یفعلان ، وتدعین ، وتسألون. وهی الأفعال المضارعة المشتملة علی الضمائر السالفة ؛ فالأول مشتمل علی «ألف الاثنین» ، والثانی علی «یاء المخاطبة» ، والثالث علی «واو لجماعة». واجعل حذف النون سمة ؛ أی : علامة ، لنصبها ، وجزمها.
4- فی ص 165.
5- ج 4 م 144 ص 142.

زیادة وتفصیل

2 - إذا قلت : النساء لن یعفون عن المسیء ؛ فالنون هنا نون النسوة ، ولیست نون الرفع التی تلحق بآخر الأفعال الخمسة. کما أن الواو واو أصلیة ، لأنها لام الفعل ؛ إذ أصله : «عفا» «یعفو» تقول : النساء یعفون ؛ «یعفو» فعل مضارع مبنی علی السکون الذی علی الواو. لاتصاله بنون النسوة ، ونون النسوة فاعل مبنی علی الفتح فی محل رفع. وتقول «النساء لن یعفون» : «یعفو» : فعل مضارع ، مبنی علی السکون لانصاله بنون النسوة ؛ فی محل نصب بلن ، والنون فاعل ... وفی النساء لم یعفون : «یعفو» فعل مضارع مبنی علی السکون لاتصاله بنون النسوة ، فی محل جزم ب «لم» ، ونون النسوة فاعل ...

بخلاف قولک : الرجال یعفون ؛ فإن النون هنا علامة للرفع ، والواو ضمیر الجمع ، فاعل ، مبنی علی السکون فی محل رفع. وأصله : الرجال یعفوون (علی وزن : یفعلون) ؛ استثقلت الضمة علی الواو الأولی (التی هی حرف علة ، ولام الفعل أیضا) فحذفت الضمة ؛ فالتقی ساکنان ، هما : الواوان. حذفت الواو الأولی ؛ لأنها حرف علة ، ولم تحذف الواو الثانیة : لأنها کلمة تامة. إذ هی ضمیر ، فاعل ، یحتاج إلیه الفعل ، فصار الکلام : «الرجال یعفون» علی وزن : «یفعون» ، وعند وجود ناصب أو جازم تحذف النون ، نقول : الرجال لن یعفوا (علی وزن یفعوا) ومنه قوله تعالی : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوی) والرجال لم یعفوا ، فحذفت نون الرفع ؛ لوجود أحدهما ، بخلاف نون النسوة ، فإنها لا تحذف - کما سبق.

(ب) عرفنا أن نون الرفع تحذف وجوبا للناصب أو الحازم ؛ کحذفها فی قوله تعالی (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّی تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ، وقول الشاعر المصری (1) :

لا تقربوا النیل إن لم تعملوا عملا

فماؤه العذب لم یخلق لکسلان

وقد تحذف لغیر ناصب أو جازم ، وجوبا أو جوازا ؛ فتحذف وجوبا إذا جاء بعدها نون التوکید الثقیلة ؛ مثل : أنتما - یا صاحبای - لا تقصرانّ فی الواجب ، وأنتم - یا رجال - لا تهملنّ فی العمل ، وأنت - یا قادرة - لا تتأخرنّ

ص: 162


1- إسماعیل صبری المتوفی سنة 1923

عن معاونة البائس ، فحذفت نون الرفع فی الجمیع ؛ لتوالی الأمثال (أی : لتوالی ثلاثة أحرف متماثلة زائدة ؛ هی : النونات الثلاث ...) (1) وحذفت معها أیضا واو الجماعة ، ویاء المخاطبة دون ألف الاثنین (2) ، ولکن عند إعراب المضارع المرفوع نقول : مرفوع بالنون المقدرة ، کما سبق بیان سببه وتفصیله (3).

وتحذف جوازا عند اتصالها بنون الوقایة (4) ، مثل : الصدیقان یکرماننی ، أو : یکرمانی ، والأصدقاء یکرموننی ، أو : یکرمونی ، وأنت تکرمینی ، أو : تکرمینی.

وکما یجوز حذفها وبقاؤها بغیر إدغام عند وجود نون الوقایة یجوز إدغامها فیها ؛ فتصیر نونا مشددة ، تقول : الصدیقان یکرمانّی ، والأصدقاء یکرمونّی (5) وأنت تکرمینّی(6).

فتلخص من هذا أن نون الأفعال الخمسة لها ثلاثة أحوال عند اتصالها بنون الوقایة : الحذف ، أو الإدغام فی نون الوقایة ، أو الفک مع إبقاء النونین (7).

وهناک لغة تحذف نون الرفع (أی : نون الأفعال الخمسة) فی غیر ما سبق ؛ وبها جاء الحدیث الشریف «لا تدخلوا الجنة حتی تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتی تحابّوا (8)» ، أی : لا تدخلون الجنة حتی تؤمنوا. ولا تؤمنون حتی تتحابوا. وقوله أیضا : «کما تکونوا یولّی علیکم» فی بعض الآراء ، ولیس من السائغ اتباع هذه اللغة فی عصرنا ، ولا محاکاتها ، وإنما ذکرناها لنفهم ما ورد بها فی النصوص القدیمة.

ص: 163


1- فی رقم 2 من هامش ص 88 شرط امتناع التوالی ، وإیضاحه ، وسبب بقاء ألف الاثنین ..
2- فی رقم 2 من هامش ص 88 شرط امتناع التوالی ، وإیضاحه ، وسبب بقاء ألف الاثنین ..
3- راجع «ج ود» من ص 88 و 91
4- وهذا رأی سیبویه وفریق معه ... وقال آخرون الذی یحذف هو نون الوقایة. ولکل أدلة کثیرة. والرأی الأول أولی ، ولا سیما إذا عرفنا أن نون الوقایة جاءت لغرض خاص ؛ فحذفها یضیع ذلک الغرض. وتفصیل الکلام علی «نون الوقایة» مسجل فی الموضع الخاص بها - ص 252 م 21 ، مع ملاحظة الإشارة السابقة فی «ج» ص 48 وفی رقم 4 من هامش ص 88 ورقم 1 من هامش ص 89 ثم ص 255
5- یجوز هنا أن یحذف الضمیر أو لا یحذف ، راجع هامش (ص 88 و 89).
6- یجوز هنا أن یحذف الضمیر أو لا یحذف ، راجع هامش (ص 88 و 89).
7- ستجیء الأحوال الثلاثة فی ص 255.
8- أی : تتحابوا.

(ح) یجوز (1) أن تقول : «هما تفعلان» و «هما یفعلان» عند الکلام علی مؤنثتین غائبتین ؛ ففی الحالة الأولی تؤنث مراعیا أنک تقول فی المفردة : هی تفعل ؛ بوجود التاء أول المضارع. فکأن الأصل - مثلا - زینب تفعل ؛ لأن الضمیر بمنزلة الظاهر المؤنث الذی بمعناه. فإذا قلت : «هما تفعلان» فقد أدخلت فی اعتبارک الحالة السابقة. وإذا قلت : «هما یفعلان» فقد أدخلت فی اعتبارک مراعاة لفظ الضمیر الحالی الذی للمثنی الغائب ، والأول أکثر وأشهر ، وفیه بعد عن اللّبس ، فوق ما فیه من مسایرة لقاعدة هامة ؛ هی : أن الفعل یجب تأنیثه إذا کان مسندا لضمیر یعود علی مؤنث (2) ...

ص: 164


1- الإیضاح الآتی هو ما أشرنا إلیه فی رقم 1 من هامش ص 160.
2- وقیاسا علی هذا یجوز فی المضارع المسند لنون النسوة أن یکون مبدوءا بالیاء أو بالتاء ، نحو : الوالدات یحرصن علی راحة أبنائهن ، أو تحرصن. ویؤید هذا القیاس ما سیجیء (فی «ب» من الجزء الثانی باب الفاعل ص 65 م 66) فقد نصوا هناک علی جواز الأمرین صراحة وأن الأحسن تصدیره بالیاء لا بالتاء ، تبعا للمأثور ، واستغناء بنون النسوة.

المسألة 15: المضارع المعتل الآخر

اشارة

(1)

لیس فی الأفعال ما یدخله الإعراب إلا الفعل المضارع أحیانا ، وهو قسمان :

(ا) مضارع صحیح الآخر : مثل : یشکر ، یرتفع ، ینزل ... وهذا یعرب بحرکات ظاهرة علی آخره فی کل أحواله : (رفعا ، ونصبا ، وجزما) ؛ تقول : یشکر المرء من أعانه ، لن یرتفع شأن الخائن ، لم ینزل مطر فی الصحراء .... ، «فیشکر». مرفوع بالضمة الظاهرة ، و «یرتفع» : منصوب بالفتحة الظاهرة ، و «ینزل» مجزوم بالسکون الظاهر ، أما الجر فلا یدخل الأفعال ، کما هو معلوم.

(ب) مضارع معتل الآخر (2) ، وهو ثلاثة أنواع :

1 - معتل الآخر بالألف ، مثل : یخشی ، یرضی ، یرقی. وحکمه : أنه تقدر علی آخره الضمة فی حالة الرفع ، مثل : یخشی الصالح ربه ، فیخشی : مضارع مرفوع بضمة مقدره علی الألف.

وکذلک تقدر الفتحة علی آخره فی حالة النصب ؛ مثل : لن یرضی العاقل بالأذی ؛ فیرضی : مضارع منصوب بفتحة مقدرة علی الألف. وسبب التقدیر فی الرفع والنصب تعذر ظهور الحرکة علی الألف واستحالتها.

أما فی حالة الجزم فتحذف الألف. وتبقی الفتحة قبلها دلیلا علیها ؛ مثل : لم یرق العاجز ، فکلمة یرق : فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف الألف. ومثله المضارع «یلق» فی قول الشاعر :

إذا کنت فی کلّ الأمور معاتبا

صدیقک لم تلق الذی لا تعاتبه

2 - معتل الآخر بالواو ، مثل : یسمو ، یصفو ، یبدو. وحکمه : أنه یرفع

ص: 165


1- انظر رقم 2 من ص 169 م 16 حیث البیان الخاص بحروف العلة والمعتل ، والمعلّ .. و.
2- علی الرغم أن علامة الإعراب مقدرة علی آخره فإنها تراعی فی توابعه حتما. وهذه المراعاة هی التی تقتضی وجود الإعراب التقدیری وعدم إغفال شأنه. کما سیجیء فی رقم «ح» من ص 178 وکما سبق البیان فی ص 81.

بالضمة المقدرة (1) ، مثل : یسمو العالم ، فیسمو : مضارع مرفوع بضمة مقدرة علی الواو. ولکنه ینصب بفتحة ظاهرة علی الواو ، مثل لن یصفو الماء إلا بالتنقیة. ویجزم بحذف الواو ، وتبقی الضمة قبلها دلیلا علیها ، مثل لم یبد النجم وراء السحب نهارا. فالفعل : یبد ، مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف الواو.

3 - معتل الآخر بالیاء ؛ مثل : یمشی ، یبنی ، ومثل یغضی فی أول البیت (2) التالی:

یغضی حیاء ، ویغضی من مهابته

فلا یکلّم إلا حین یبتسم

وحکمه کسابقه ، یرفع بضمة مقدرة ؛ مثل : یمشی الحازم فی الطریق المأمون ؛ وینصب بفتحة ظاهرة علی الیاء ؛ مثل : لن یبغی أخ علی أخیه. ویجزم بحذف الیاء ؛ وتبقی الکسرة قبلها دلیلا علیها ، مثل لم یبن المجد إلا العصامیون. ومن أمثلة حذف الألف والیاء من آخر المضارع المجزوم قول الشاعر :

فمن یلق خیرا یحمد الناس أمره

ومن یغو (3) لا یعدم علی

الغیّ لائما

وملخص ما سبق فی أنواع الفعل المضارع الثلاثة المعتلة الآخر ؛ أنها متفقة فی حالتی الرفع والجزم ، مختلفة فی حالة النصب فقط. فجمیعها یرفع بضمة مقدرة ، ویجزم بحذف حرف العلة ، مع بقاء الحرکة التی تناسبه ؛ لتدل علیه ، (وهی الفتحة قبل الألف ، والضمة قبل الواو ، والکسرة قبل الیاء) أمّا فی حالة النصب فتقدر الفتحة علی الألف ، وتظهر علی الواو والیاء (4).

ص: 166


1- التی منع ظهورها ثقلها علی الواو ؛ کما یقول النحاة. ولکن السبب الصحیح أن العرب لم تظهرها.
2- البیت من قصیدة للفرزدق یمدح زین العابدین بن الحسین.
3- یضل ، ولا یتبع الطریق القویم
4- وفیما سبق یقول ابن مالک : وأیّ فعل آخر منه ألف أو واو أو یاء ، فمعتلّا عرف فالألف انو فیه غیر الجزم وأبد نصب ما کیدعو ، یرمی والرفع فیهما انو واحذف جازما ثلاثهنّ تقض حکما لازما (انو - قدر. أبد - أظهر) أی : یعرف الفعل المضارع المعتل بأن یکون مختوما بالألف ، أو الواو ، أو الیاء. وحرف الألف تقدر علیه الحرکات کلها غیر الجزم. وأظهر النصب فی المعتل الآخر بالواو کیدعو ، أو الیاء ، کیرمی ، مع تقدیر الرفع فیهما ، واحذف أحرف العلة الثلاثة فی حالة جزمک أفعالها.

زیادة وتفصیل

(ا) هناک لغة تجیز إبقاء حرف العلة فی آخر المضارع المجزوم ؛ فیکون مجزوما ؛ وعلامة جزمه السکون المقدر علی حرف العلة. وهذه لغة تذکر لمجرد العلم بها ؛ لاستخدامها فی فهم النصوص القدیمة ، الواردة بها ، لا لتطبیقها فی استعمالنا.

(ب) عرفنا أن المضارع المعتل الآخر یحذف آخره عند الجزم. وهذا بشرط أن یکون حرف العلة أصیلا فی مکانه ، کالأمثلة السابقة ؛ فلا یکون مبدلا من الهمزة. مثل : یقرا الرجل ، أی : یقرأ. ومثل : یوضو وجه علیّ ؛ بمعنی ؛ یحسن ویضیء. وأصله یوضؤ ، ومثل : یقری الضیف السّلام ؛ بمعنی : یلقیه ، وأصله : یقرئ ؛ فلو کان مبدلا من الهمزة کالکلمات السالفة - لکان خیر ما یقال هو : أن المضارع مجزوم بسکون مقدر علی الهمزة المنقلبة ألفا ، أو واوا ، أو یاء ، فی تلک الأمثلة وأشباهها ، ولا یحذف حرف العلة.

ومن الأمثلة أیضا : «یبرا» المریض و «یبرو» ، أی : یشفی ؛ وأصلهما : «یبرأ» و «یبرؤ» ؛ بالهمز فیهما. و «یبری» الله المریض. أی : یشفیه ؛ وأصله. یبرئه. ومثل یملا الساقی الإناء ، أی : یملأ. «ویمتلی» الإناء : أی : یمتلیء ، و «یبطو» القطار ؛ أی : یبطؤ ؛ فلا داعی للتفصیل الذی یقوله النحاة ، من أن إبدال حرف العلة من الهمزة ، إن کان بعد دخول الجازم ، فهو إبدال قیاسی ، «لسکون الهمزة بسببه. فیکون الجازم قد عمل عمله فیها ؛ وهو : الجزم ؛ ومتی سکنت الهمزة ، کان إبدالها من جنس حرکة ما قبلها قیاسیا ؛ فتقلب ألفا أو واوا ، أو یاء ، علی حسب تلک الحرکة ، ولا تحذف هذه الحروف ؛ إذ لا داعی لحذفها ، بعد أن أدّی الجازم عمله ، وفی هذه الحالة تعرب الکلمة مجزومة بسکون مقدر (1) علی الهمزة المنقلبة المختفیة ... أما إن کان الإبدال من الهمزة قبل الجزم ، فهو إبدال شاذ ، والأفصح عدم حذف حرف العلة أیضا ، ویکون الفعل مجزوما

ص: 167


1- وإنما کان السکون مقدرا لأنه علی الهمزة وهی مختفیة ، فهو مختف معها ، ویکون ظاهرا حین تظهر ، ولا یصح أن یکون مقدرا علی الألف ، أو الواو أو الیاء ؛ لأن هذه الحروف قد جاءت بعد أن أدی الجازم عمله ، واستوفی حقه ، کما أوضحنا.

بسکون مقدر علی الهمزة المنقلبة المختفیة کسابقه. ولا یحذف حرف العلة - مع أن الجازم حین وروده علی الفعل لم یکن أمامه الهمزة ، لیؤثر فیها - لأن حرف العلة هذا عارض ، ولیس أصیلا ، ولا اعتداد بالعارض عندهم (1) ؛

فالفرق بین الحالتین أن الأولی لا یحذف فیها حرف العلة باتفاق ، لما بینوه ؛ وأن الثانیة فیها خلاف ، ولکن الأشهر عدم الحذف أیضا.

وإذا کان الأمر علی ما وصفنا فما المانع أن یکون الحکم الفاصل هو عدم الحذف دائما ، لنستریح من تعدد الآراء ، واختلاف الحجج ، من غیر أثر واضح؟ هذا هو الأفضل.

ص: 168


1- راجع الصبان آخر باب المعرب والمبنی عند الکلام علی المضارع المعتل.

المسألة 16: الاسم المعرب المعتل الآخر

اشارة

من الأسماء المعربة (1) نوع صحیح الآخر ، مثل : سعاد ، صالح ، جمل ، شجرة ، قمر ، سماء ... وهذا النوع یعرب فی أحواله الثلاثة بحرکات ظاهرة علی آخره ؛ تقول : صالح محسن ، وإن صالحا محسن ، وحبذا الإحسان من صالح .. وکذا بقیة الأمثلة مع مراعاة الأحکام التی شرحناها فی المسائل المختلفة السابقة.

ومنها نوع معتل الآخر جار مجری الصحیح ، وهو ما آخره یاء أو واو وکلا الحرفین متحرک قبله ساکن ، وقد یکون الحرفان مشددین أو مخففین ؛ نحو : مرمیّ - - مغزوّ - ظبی - دلو ... وحکم آخره من الناحیة الإعرابیة کحکم صحیح الآخر ، فهو شبیه به فی الحکم

ومن هذا الشبیه أیضا المختوم بیاء مشددة للنسب ، ونحوه ، بشرط ألا یکون تشدیده بسبب إدغام یاءین : ومن الأمثلة : عبقریّ - کرسی - شافعیّ ، فخرج نحو : خلیلیّ - صاحبیّ - بنیّ - کاتبیّ - (کما فی ج 4 ص 45 م 131).

ومنها نوع معتل الآخر (2) لا یشبه الصحیح : ومن أمثلته (الرضا ، العلا ،

ص: 169


1- أما غیر المعربة فلا دخل لها فی هذا الموضوع الخاص بالإعراب وعلاماته الأصلیة أو الفرعیة ، کما هو معروف ؛ لأن المبنی لا تتغیر علامة آخره ..)
2- أی : فی آخره حرف من حروف العلة الثلاثة ؛ وهی : الألف ، والواو ، والیاء. وقد یکتفی النحاة بتسمیته : «المعتل» فقط ؛ لأن المعتل فی اصطلاحهم هو معتل الآخر (وهو ما کان حرفه الأصلی الأخیر حرف علة) سواء أکان اسما ، أم فعلا. أما الصرفیون فقد جری اصطلاحهم علی أن المعتل هو : ما کان أحد حروفه الأصلیة حرف علة ؛ سواء أکان حرف العلة فی الأول ، أم فی الوسط ، أم فی الآخر ، أم فی أکثر من موضع. وسواء أکان ذلک فی اسم أم فعل. ولکل حالة من تلک الحالات المختلفة اسم خاص بها ، وحکم معین فی علم الصرف. ولم یطلق النحاة ولا الصرفیون اسم المعتل علی شیء من الحروف ؛ مع أن بعض الحروف قد یکون معتلا ؛ مثل : إلی ، علی ، فی .. والسبب فی ذلک أن کلامهم فی المعتل ، وأنواعه ، واسم کل نوع وحکمه - إنما هو من ناحیة الإعراب ، وما یتصل به ؛ وهی ناحیة لا تتصل بالحروف ، إذ الحروف کلها مبنیة کما عرفنا. علی أنه لا مانع من تسمیة الحرف الذی فیه حرف علة «بالمعتل». ولکن لا یصح تسمیته المقصور ، ولا بالمنقوص ، ولا بالأسماء الأخری الخاصة التی أطلقها النحاة أو الصرفیون علی أنواع المعتل من الأسماء أو الأفعال ؛ (کالمثال ، والأجوف ، والناقص .. إلخ) لأن هذه التسمیات مقصورة عندهم علی أنواع المعتل من الأسماء والأفعال وحدهما ومن المقرر أن حرف العلة إن کان ساکنا بعد حرکة تناسبه فهو حرف علة ، ومد ، ولین ؛ نحو مساعد ، ومسعود ، وسعید. وإن کان ساکنا بعد حرکة لا تناسیه فهو حرف علة ولین معا ، نحو : - جوهر ، وزین. وإن کان متحرکا فهو حرف علة فقط ؛ مثل : حور ، وهیف ... (راجع الخضری ج 2 فی بابی الترخیم والإعلال بالنقل.) وعلی هذا تکون الألف دائما حرف علة ، ومد ، ولین. ویتردد فی کلام النحاة : «الحرف المعل» یریدون به الحرف الذی یخضع لأحکام الإعلال ، وتجری علیه ضوابطه ، - کقلب الیاء المتطرفة بعد الألف الزائدة همزة ... و.. - فإن لم یخضع لتلک الأحکام فهو حرف علة فقط ؛ کالفعل الماضی : عور ، أو : هیف ... وستجیء إشارة لهذا فی ج 2 هامش ص 86 م 67.

الهدی ، الحمی ...) وأیضا (الهادی ، الداعی ، المنادی ، المرتجی ...) وأیضا (أدکو (1) طوکیو (2) ، سمندو (3) قمندو (4) ...) وهذا النوع المعتل ثلاثة أقسام علی حسب حرف العلة الذی فی آخره :

أولها ؛ المقصور (5) : وهو : الاسم المعرب الذی فی آخره ألف (6) لازمة (7). وحکمه: أن یعرب بحرکات مقدرة علی هذه الألف فی جمیع صوره ؛ رفعا ؛ ونصبا ، وجرّا ؛ إذ لا یمکن أن تظهر الفتحة أو الضمة أو الکسرة علی الألف. ومن أمثلته «إنّ الهدی هدی الله». «اتّبع سبیل الهدی». فکلمة : «الهدی» الأولی ، اسم

ص: 170


1- اسم بلد مصری علی الساحل الشمالی.
2- حاضرة بلاد الیابان.
3- اسم طائر ، واسم حصن فی (بلغراد).
4- اسم طائر.
5- مما یلاحظ أن النحاة لا یطلقون اسم المقصور والممدود علی الاسم إلا إذا کان معربا. بخلاف اللغویین والقراء فإنهما یطلقونهما علی المعرب والمبنی ولذا یقولون فی : (أولی وأولاء ، اسمی إشارة) إن الأول مقصور ، والثانی ممدود مع أن الاسمین مبنیان. فالاصطلاح مختلف عند الفریقین ، کما سیجیء فی باب اسم الإشارة ، - رقم 4 من هامش ص 291) وفی رقم 1 من هامش ص 310 وکذا فی رقم 1 من هامش ص 450 م 170 ج 4.
6- وهذه الألف یکون قبلها فتحة دائما کشأن جمیع الألفات. فإن جاء بعدها تاء التأنیث مثل : فتاة ، ومباراة .. و.. زال عنه اسم المقصور وحکمه ، وصار إعرابه علی التاء - کما فی : «و» من ص 172 - وسیجیء البیان والإیضاح فی الباب الخاص به من الجزء الرابع ص 461 م 171.
7- لا تفارقه فی حالة من حالات إعرابه الثلاث ؛ الرفع ، والنصب ، والجر ، إلا إذا وجدت علة صرفیة تقضی بحذفها ؛ فتحذف لفظا ، ولکنها تعتبر موجودة تقدیرا : لأن المحذوف لعلة کالثابت ؛ وذلک کحذفها عند التنوین فی مثل : فتی ، علا ، رضا ؛ فإنها موجودة تقدیرا. وهذا معنی قولهم : إن ألف المقصور موجودة دائما ، إما لفظا وإما تقدیرا. وعند الوقف یحذف التنوین فی الشائع ، فترجع الألف ، ویکون الإعراب مقدرا علیها. وهذا هو الشائع فی الإعراب الیوم ، ولا بأس به ، بل فیه تیسیر. وإذا کانت الألف لا تفارقه وعلامة الإعراب لا تظهر علیها مطلقا ؛ کما أوضحنا ؛ فلم لا یعتبر مبنیا؟ تقدم جواب هذا فی «و» من ص 92.

«إن» ؛ منصوبة بفتحة مقدرة علی الألف ؛ وکلمة : «هدی» الثانیة خبر «إن» ، مرفوعة بضمة مقدرة علی الألف أیضا. وکلمة : «هدی» الثالثة مضاف إلیه ، مجرورة بکسرة مقدرة علی الألف (1).

ومن أمثلته : رضا الله أسمی الغایات. وإن رضا الناس غایة لا تدرک ، احرص علی رضا الله ... فکلمة : «رضا» مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة بحرکة مقدرة علی الألف ... وهکذا کل الأسماء المقصورة (2).

ولیس من المقصور ما یأتی :

(ا) الأفعال المختومة بألف لازمة ، مثل : دعا ، سعی ، یخشی ، ارتقی. وإنما هی نوع من الأفعال التی تسمی ناقصة. (ویراد بهذه التسمیة هنا : أنها معتلة الآخر).

(ب) الحروف المختومة بألف لازمة ، مثل : إلی ، علی ... لأن هذه کتلک لیست أسماء.

(ح) الأسماء المبنیّة المختومة بهذه الألف ؛ مثل : «ذا» و «تا» من أسماء الإشارة. ومثل «إذا» الظرفیة و «ما» الموصولة ، وغیرها من الأسماء المبنیة.

(د) الأسماء المعربة التی فی آخرها واو ، أو یاء ، مثل : «أدکو» ، «الهادی» ، لأنها لیست معتلة الآخر بالألف.

(ه) المثنی فی حالة الرفع مثل : سافر الوالدان ، والأسماء الستة فی حالة النصب ، مثل : رأیت أباک ؛ لأن الألف فیهما غیر لازمة ، إذ تتغیر وتجیء مکانها

ص: 171


1- وهی تکتب یاء هنا ، وتکتب فی مواضع أخری ألفا ؛ تبعا لقواعد الإملاء التی تقضی بأن ألف المقصور الثلاثیة إن کان أصلها یاء کتبت یاء ، وإن کان أصلها واوا کتبت ألفا ؛ فلا بد من إرجاع الألف الثلاثیة إلی أصلها. أما التی تزید علی ثلاثة فإنها تکتب یاء دائما. وسواء أکتبت ألف المقصور یاء أم ألفا - فإنها فی جمیع أحوالها تسمی : ألفا ، ما دام قبلها فتحة. وهذا الرأی هو الشائع الیوم فی رسم الحروف. وللکوفیین رأی آخر یجیز کتابة المقصور الثلاثی بالألف أو الیاء إن کان الاسم مضموم الأول أو مکسوره ... ولا نتعرض لبیان أن هذا أنسب أم ذاک ، ولکن الذی لا شک فیه أن قواعد رسم الحروف معقدة مضطربة ، فی حاجة إلی ضبط وتحدید وتیسیر. وهذا من أخص خصائص المجمع اللغوی ؛ لأنه - فی هذه الناحیة - یمثل الهیئات العلمیة مجتمعة ، والبلاد العربیة کلها.
2- مع ملاحظته أن الکلمة إن کانت ممنوعة من الصرف - مثل موسی - علی اعتباره ممنوعا من الصرف - فإنها تخضع لأحکام المنع المختلفة. ومنها الجر بالفتحة المقدرة بدلا من الکسرة المقدرة ، إن لم یکن هناک مانع.

الیاء مع المثنی فی حالة نصبه وجره ؛ مثل : أکرمت الوالدین ، وأصغیت إلی الوالدین. وتجیء مکانها الواو أو الیاء مع الأسماء الستة فی حالة رفعها وجرها ؛ مثل : أبوک کریم ، استمع إلی أبیک.

(و) أشرنا (1) إلی أن المقصور إذا زیدت بعد ألفه تاء التأنیث - نحو : فتاة ، مباراة ، مستدعاة - یفقد اسمه وحکمه بسبب هذه التاء ، ولا یسمی مقصورا ، لأنه لا یکون مقصورا إلا بشرط انتهائه بألف تقع علیها الحرکات الإعرابیة مقدرة. ولا یتحقق هذا الشرط إذا وقعت بعد ألفه تاء التأنیث ، إذ تکون هی خاتمة أحرفه ، وعلیها تقع الحرکات الإعرابیة ظاهرة لا مقدرة ؛ ولذا تبقی عند تثنیته للدلالة علی تأنیثه ، وتحذف عند جمعه ، ویراعی فی الاسم بعد حذفها ما یراعی فی جمع المقصور (2) - ویجب التّنبه للفرق الواسع بین تاء التأنیث السّالفة والهاء الواقعة ضمیرا بعد ألف المقصور فی مثل : «من أطاع هواه أعطی العدو مناه ؛ فهذه الهاء کلمة مستقلة تماما.

* * *

ثانیها : المنقوص ؛ وهو : الاسم المعرب الذی آخره یاء لازمة (3) ، غیر مشددة ، قبلها کسرة ، مثل : العالی ، الباقی ، المرتقی ، المستعلی ...

وحکمه : أن یرفع بضمة مقدرة علی الیاء فی حالة الرفع ، وینصب بفتحة ظاهرة علی الیاء فی حالة النصب ، ویجر بکسرة مقدرة علیها فی حالة الجر ؛ مثل : الخلق العالی سلاح لصاحبه ، إن الخلق العالی سلاح لصاحبه ، تمسّک بالخلق العالی. فکلمة : «العالی» فی الأمثلة الثلاثة نعت (صفة) ، ولکنه مرفوع فی المثال الأول بضمة مقدرة ، ومنصوب فی المثال الثانی بالفتحة الظاهرة ، ومجرور فی المثال الثالث بالکسرة المقدرة. ومثله : الباقی للمرء عمله الصالح. إن الباقی للمرء عمله الصالح. حافظ علی الباقی من مآثر قومک. فکلمة : «الباقی» فی المثال الأول مبتدأ مرفوعة بضمة مقدرة ، وهی فی المثال الثانی اسم «إن» منصوبة بالفتحة الظاهرة ، وهی فی

ص: 172


1- فی رقم 6 من هامن ص 170 ویلاحظ آخر ما جاء فی «ا» ص 152
2- مما سیجیء بیانه فی الباب الخاص بتثنیة المقصور وجمعه فی الجزء الرابع.
3- إذا حذفت الیاء لعلة صرفیة کالتنوین ، أو علة أخری ، فهی فی حکم الموجودة. مثل هذا داع للخیر. ویکون الإعراب علی هذه الیاء المقدرة. ولماذا لا یعتبر المنقوص من المبنیات؟ سبق جواب هذا فی «و» من ص 92.

الثالث مجرورة بکسرة مقدرة ، وهکذا ، فالمنقوص یرفع ویجر بحرکة (1) مقدرة علی الیاء ؛ وینصب بفتحة ظاهرة علیها ، کما رأینا.

والمنقوص الذی تقدر الضمة والکسرة علی یائه وتظهر علیها الفتحة یجب إثبات یائه إن کان غیر منون - لسبب یمنع التنوین ؛ کإضافته ، أو اقترانه بأل ، أو تثنیته ، أو جمعه جمع مؤنث سالما (2) - فإن کان منونا لخلوه مما یمنع التنوین ؛ وجب حذف الیاء دون التنوین فی حالتی الرفع والجر ، مع تقدیر الضمة والکسرة علیها ، ویجب بقاء الیاء والتنوین فی حالة النصب ؛ نحو : خیر ما یحمد به المرء خلق عال - إن خلقا عالیا یتحلّی به المرء خیر له من الثروة والجاه - لا یحرص العاقل علی شیء قدر حرصه علی خلق عال یشتهر به. فیرفع بضمة مقدرة علی الیاء المحذوفة ، وینصب بفتحة ظاهرة علی الیاء الثابتة مع التنوین ، ویجر بکسرة مقدرة علی الیاء المحذوفة. وإنما حذفت الیاء لالتقائها ساکنة مع التنوین فی حالتی الرفع والجر ؛ إذ الأصل : (عالین) فی الرفع ، و (عالین) فی الجر ، استثقلت الضمة والکسرة علی الیاء ، فحذفتا ، فالتقی ساکنان ، الیاء والتنوین ، حذفت الیاء لالنقاء الساکنین ، فصارت الکلمة : عال ، فی حالتی الرفع والجر - کما سلف -. ومن أمثلة حذف الیاء من المنون المرفوع قول الشاعر یمدح کریما :

فهو مدن للجود - وهو بغیض -

وهو مقص للمال ، وهو حبیب

«ملاحظة» : إذا کانت لام المنقوص محذوفة بغیر تعویض همزة الوصل عنها (مثل : شج) فإنها ترجع أولا ترجع فی التثنیة وفی جمع المؤنث السالم طبقا للضابط الذی سبق (فی رقم 3 من هامش ص 102 وفی «ح» من ص 123 و 124).

ولیس من المنقوص ما یأتی :

(ا) الفعل بجمیع أنواعه ، ولا سیما المختوم بیاء لازمة ، مثل ینوی محمد التنقل ، ویجری وراء رزقه ، وکذلک الحرف ؛ ولا سیما المختوم بیاء لازمة ؛ مثل : فی.

ص: 173


1- فإن کان ممنوعا من الصرف ؛ مثل لیال - بواق ... جری علیه حکم الممنوع من الصرف کما شرحناه ص 37 وهامش 38 وإذا کان المنقوص ممنوعا من الصرف وسمی به ؛ مثل : جوار ، وقواض ، علمین مؤنثین - فلا تقدر الکسرة علی الرأی المشهور ، وإنما یجر بالفتحة ، لکن أتظهر الفتحة لخفتها فی حد ذاتها ، أم تقدر لنیابتها عن الکسرة الثقیلة؟ رأیان أشهرهما الثانی.
2- سیجیء فی الجزء الرابع الباب الخاص بتثنیته وجمعه.

(ب) الاسم الذی فی آخره یاء مشددة ؛ مثل : کرسیّ.

(ح) الاسم المختوم بیاء ولکنه مبنی ؛ مثل : الذی ، التی ... ذی (اسم إشارة).

(د) الاسم المعرب الذی آخر یاء ولکنها غیر ملازمة له فی کل حالاته ؛ کالأسماء الستة فی حالة جرها بالیاء ؛ مثل : أحسن إلی أخیک ؛ وکذلک المثنی وجمع المذکر السّالم فی حالة نصبهما وجرهما ؛ مثل : أکرم الوالدین ، واعتن بالوالدین ، وصافح الزائرین ، وأسرع إلی الزائرین ؛ فإن الیاء فی الأسماء الخمسة لا تثبت ؛ بل تتغیر ویحل محلها الواو رفعا ، والألف نصبا. کما أن الیاء فی المثنی وجمع المذکر تتغیر ، ویحل محلها الألف فی حالة رفع المثنی ، والواو فی حالة رفع جمع المذکر ...

(ه) الاسم المعرب الذی آخره یاء لازمة ، ولکن لیس قبلها کسرة ؛ مثل : ظبی وکرسی ؛ فالیاء فی الأولی قبلها سکون ظاهر علی حرف صحیح ، وفی الثانیة قبلها سکون ظاهر علی حرف معتل (1).

* * *

ثالثها : الاسم المعرب الذی آخره الحقیقی واو ساکنة لازمة قبلها ضمة. وهذا نوع لا تعرفه اللغة العربیة الأصیلة ؛ ولم یسمع عن العرب ، إلا فی بضع کلمات نقلوها عن غیرهم من الأجانب ، منها : «سمندو (2)» ، «قمندو (3)» ، لکن لا مانع من تسمیة بعض الأشخاص وغیرهم بأسماء مختومة بتلک الواو ؛ کتسمیة شخص أرسطو ، أو خوفو ، أو سنفرو (4) ، أو : یدعو ، أو : یسمو ، وتسمیة بلد : (أدفو ، وأدکو (5)) ، أرکنو (6) ، طوکیو (7) ، کنغو (8).

ص: 174


1- فکلمة کرسی وأشباهها - لیست من المنقوص لمانعین ، لا لمانع واحد.
2- سبق شرحهما فی هامش ص 170 - رقم 3 و 4 - ومنها : هندو ، کما جاء فی الهمع -
3- سبق شرحهما فی هامش ص 170 - رقم 3 و 4 - ومنها : هندو ، کما جاء فی الهمع -
4- «خوفو» اسم فرعون من فراعنة مصر فی الدولة الأولی القدیمة ، وهو بانی هرم الجیزة الأکبر. و «اسنفرو» واسم فرعون آخر.
5- بلدان أولادهما بصعید مصر والأخری بالساحل الشمالی
6- اسم واحة علی الحدود المصریة الغربیة.
7- اسم حاضرة الیابان - کما سبق -
8- إقلیم بوسط إفریقیة.

ولما کان هذا النوع غیر عربی فی أصله ، ونادرا فی استعمال العرب ، أهمله النحاة ، فلم یضعوا له اسما ، ولا حکما - فیما نعرف (1) ... - ولعل الحکم الذی یناسبه فی رأینا هو أن یعرب بحرکات مقدرة علی آخره فی جمیع حالاته (2) فیرفع بالضمة المقدرة علی الواو ، وینصب بالفتحة المقدرة علیها ، ویجر بالفتحة المقدرة علیها بدلا من الکسرة (3) ، تقول : کان «سنفرو» ملکا مصریّا قدیما ، إن «سنفرو» أحد الفراعین ، هل عرفت شیئا عن سنفرو؟. وهذا الحکم یسری علی الکلمات القلیلة التی أخذها العرب عن غیرهم ، کما یسری علی الأسماء التی لم یأخذوها ، وکذلک المستحدثة بعدهم للأشخاص والبلاد وغیرها (4) ...

ولیس من النوع الثالث ما یأتی :

(ا) الفعل الذی آخره واو ، مثل : یدعو ، یسمو ، یعلو ، لأن هذه لیست أسماء.

(ب) الاسم الذی لیس معربا ، مثل : هو ... وذو ، بمعنی الذی (نحو جاء ذو قام) (5) ...

(ح) الاسم المعرب الذی آخره واو ، ولکنها لیست فی الآخر الحقیقی بل فی الآخر العارض ؛ مثل : یا «ثمو» ویا «محمو» فی ترخیم کلمتی : «ثمود» و «محمود» حین النداء ؛ فإن الآخر الحقیقی هو الدّال ، لا الواو.

ص: 175


1- لم أجد له اسما ولا حکما فیما لدی من المراجع المختلفة ، إلا ما ذکره بعض النحاة ، کالصبان فی آخر باب الممنوع من الصرف ، عند الکلام علی المنقوص من الأسماء الممنوعة من الصرف ، فإنه قال ما نصه : «لو سمیت بالفعل یغزو ویدعو ، ورجعت بالواو للیاء ، أجریته مجری جوار وتقول فی النصب : رأیت یدعی ویغزی. قال بعضهم : ووجه الرجوع بالواو للیاء ما ثبت من أن الأسماء المتمکنة لیس فیها ما آخره واو قبلها ضمة ، فتقلب الواو یاء ویکسر ما قبلها. وإذا سمیت بالفعل : «یرم» من : «لم یرم» رددت إلیه ما حذف منه ؛ ومنعته من الصرف : تقول : هذا یرم ، ومررت بیرم ، والتنوین للعوض ، ورأیت یرمی. وإذا سمیت بالفعل : «یغز» من : «لم یغز» قلت : هذا یغز ، ومررت بیغز ، ورأیت یغزی. إلا أن هذا ترد إلیه الواو وتقلب یاء لما تقدم ثم یستعمل استعمال جوار) اه وفی هذا الکلام - فوق ما فیه من تخیل بعید - ما یستدعی التوقف والنظر ، کما قلنا فی ج 4 ص 161 ، 162 م 145) لأن الأخذ به یؤدی إلی تغییر صورة العلم تغییرا یوقع فی اللبس والإبهام. ویحدث لصاحبه مشقات فی معاملاته
2- لأن الاسم فی هذه الحالة یکون علما أعجمیا ؛ فیمنع من الصرف ، ویجر بالفحتة بدلا من الکسرة إن لم یمنع من ذلک مانع آخر. کالإضافة ، أو : أل ...
3- لأن الاسم فی هذه الحالة یکون علما أعجمیا ؛ فیمنع من الصرف ، ویجر بالفحتة بدلا من الکسرة إن لم یمنع من ذلک مانع آخر. کالإضافة ، أو : أل ...
4- وسیجیء حکمه الخاص عند إضافته لیاء المتکلم فی الباب الخاص بهذا - ج 3 ص 143 م 69 - کما سیجیء حکمه عند تثنیته وجمعه فی الباب الخاص بذلک ج 4.
5- أما «ذو» التی من الأسماء الستة فالواو فی آخرها غیر لازمة ، وأیضا لیست أصلیة.

(د) الاسم المعرب الذی آخره واو ، ولکنها لیست لازمة ؛ کالأسماء الخمسة فی حالة الرفع ، مثل : سعد أخوک (1) ... فإن هذه الواو تتغیر فی حالة النصب ، وتحل محلها الألف ؛ کما تتغیر فی حالة الجر وتحل محلها الیاء.

(ه) الاسم المعرب الذی آخره واو لازمة ، ولکن لیس قبلها ضمة ؛ مثل : حلو ، خطو ، صحو ، دلو ، صفو ، فإنه من المعتل الجاری مجری الصحیح (2) فی إعرابه بحرکات ظاهرة علی آخره رفعا ونصبا وجرا (3).

«ملاحظة» سیجیء فی ج 4 ص 457 م 171 باب خاص بطریقة تثنیة المقصور والمنقوص والممدود وجمعها جمع مذکر سالما وجمع مؤنث سالما.

ص: 176


1- ومثلها واو جمع المذکر السالم المضاف : مثل : جاء عالمو الهندسة ؛ فإن هذه الواو تتغیر ، ویحل محلها الیاء نصبا وجرا. هذا إلی شیء آخر ، هو : أنه یجوز اعتبار الواو فی الأسماء الستة وفی جمع المذکر خارجة عن أصول الکلمة ، وهذا یبعدها من النوع الثالث.
2- سبق تعریفه وحکمه فی ص 169.
3- وفیما سبق من المعتل وأحکام المقصور والمنقوص یقول ابن مالک : وسمّ معتلّا من الأسماء ما کالمصطفی ، والمرتقی مکارما فالأول الإعراب فیه قدّرا جمیعه ؛ وهو الّذی قد «قصرا» والثان «منقوص» ، ونصبه ظهر ورفعه ینوی ، کذا أیضا یجر

زیادة وتفصیل

(ا) عرفنا أن المنقوص تقدر علی آخره الضمة ، والکسرة ، وتظهر الفتحة ؛ مثل : أجبت داعی الحق. لکن إذا وقع المنقوص صدر مرکب مزجی (1) ، فإنه قد یجوز - عند بعض القبائل - فی هذا الصدر أن یعرب إعراب المضاف ، ویعرب ما بعده (وهو : العجز) مضافا إلیه ، ممنوعا من الصرف أو غیر ممنوع علی حسب حالته وما یستحقه. وفی هذه الحالة لا تظهر الفتحة علی یاء المنقوص - فی الأشهر (2) - ومن أمثلته عرفت «داعی سلم» ، أو : «معدی کرب» ، أو «صافی هناء» (أسماء أشخاص) ودخلت «سواقی خیل» ، أو : «مرامی سفر» أو «قالی قلا» (أسماء بلاد) فالصدر یعرب إعراب المنقوص من غیر أن تظهر علیه الفتحة فی حالة النصب. وهذا هو نوع المنقوص الذی لا تظهر علی یائه الفتحة فی حالة نصبه (3) ... ومع أن هذا هو المشهور - قدیما فی تلک اللغة - فالمناسب لنا الیوم ألا نلجأ إلی الإضافة ؛ لأن ترک الیاء فی حالة النصب بدون فتحة ظاهرة قد یدعو للحیرة والإیهام بغیر داع ، فالخیر ألّا نعربه إعراب المتضایفین ، وإنما الخیر أن نستعمله الاستعمال المشهور فی المرکب المزجیّ ؛ بأن یکون الإعراب علی آخر العجز وحده ، مع ترک الصدر علی حاله ، فلا نعربه إعراب المضاف مع المضاف إلیه لأن الإعراب علی آخر العجز وحده یدل علی أن اللفظ مرکب مزجیّ.

ومن العرب من یجیز فتح هذه الیاء کغیرها من المنقوص ، کما أن منهم من یسکن یاء المنقوص دائما. ولکن من المستحسن عدم الأخذ بهذین الرأیین ؛ للدواعی القویة التی نرددها ، والتی نردفها بأننا حین نذکر عدة آراء مختلفة نذکرها لا لنحاکیها ، - فالمحاکاة الیوم للأشهر وحده - وإنما نذکرها للمتخصصین ؛ لیستعینوا بها علی فهم النصوص القدیمة التی تشتمل علیها ، إلا إذا أشرنا إلی جواز استعمالها لسبب قوی.

ص: 177


1- تعریف المرکب المزجی وأحکامه وکل ما یختص به مدون فی باب العلم ، وسیأتی (ص 270 و 279 و 281 وما بعدهما)
2- ویحسن فی هذه الحالة کتابة الصدر منفصلا عن العجز ؛ لیکون هذا الانفصال دالا علی الإضافة ، وموجها إلیها ؛ إذ المضاف غیر المضاف إلیه ؛ فمن حقهما ألا یتصلان فی الکتابة. بخلاف حال المزج ؛ فإنه یقوم علی أنهما بمنزلة شیء واحد ؛ ولذا یتصلان کتابة فی الغالب (انظر ص 270 و 282
3- سیجیء البیان أیضا فی ص 282 ج 4 ص 176 م 147

وإذا ختم صدر المرکب المزجی بواو ، وأرید إضافة الصدر إلی العجز - اتباعا للرأی السالف - فإن الحرکات کلها تقدر علی الواو ؛ مثل : «نهرو هند» (1) و «مجدو ملوک» (2) والحکمة فی عدم ظهور الفتحة هو الحرص علی بقاء الاسم علی حالته الأصلیة ؛ لیبقی دالا علی صاحبه ، دلالة العلم ، لا دلالة المضاف والمضاف إلیه ، لأن الإضافة هنا ظاهریة شکلیة فقط. ولم أر من یجیز الإعراب علی آخر العجز وحده ، مع ترک الصدر علی حاله ، ولا من عرض حکما لهذا النوع من المعتل - کما أسلفنا (3) - لکن حمله علی نظیره المرکب المزجیّ المختوم صدره بالیاء قد یبیح هذا ، بل یجعله أفضل ؛ إذ یدل علی أن اللفظ مرکب مزجیّ ، مضاف فلا یقع فیه لبس.

(ب) إذا أضیفت کلمة «لدی» (4) للضّمیر فإن ألفها تقلب یاء ، مثل : زاد الخیر لدیک ، فکلمة : «لدی» ظرف منصوب بفتحة مقدرة. لکن أهذه الفتحة مقدرة علی الیاء الظاهرة ، أم مقدرة علی الألف التی کانت فی الأصل ، وانقلبت یاء؟ یفضل النحاة أن یقولوا منصوب بفتحة مقدرة علی الألف التی صارت یاء ، وذلک لسببین :

أولهما : أن الألف هی الاصل ، فلها الاعتبار الأول.

ثانیهما : أن الیاء فی آخر المعربات تظهر علیها الفتحة فی الأغلب ، فإذا جعلنا الفتحة مقدرة علی الألف ، بقیت القاعدة السابقة سلیمة مطردة ، بخلاف ما لو جعلناها مقدرة علی الیاء فیکون التقدیر مخالفا للأعم الأغلب ، من ظهور الفتحة مباشرة علی الیاء (5).

* * *

مواضع الإعراب التقدیری

(ح) فهمنا من المسائل السابقة (6) ، معنی الإعراب الظاهر ، والإعراب المقدر (أی : التقدیری) ، فی الأسماء والأفعال المضارعة. وسواء أکانت علامة الإعراب

ص: 178


1- نهرو : علم رجل. من زعماء الهند
2- اسم أمیر فارسی.
3- فی ص 174 ، النوع الثالث.
4- هی ظرف مکان معرب ، بمعنی : عند. وتفصیل الکلام علیهما فی «باب الظروف» ج 2 ص 222 م 79 وج 3 باب الإضافة ص 48 م 94.
5- وهذا من فلسفة النحاة. ولن یترتب علی الأخذ بالرأی الأول ضرر ؛ بل لعله الأوضح والأسهل ، ولا حاجة بنا إلی التشدد.
6- فی ص 67 و 80 وما بعدهما.

ظاهرة أم مقدرة - لا بد أن تلاحظ فی التوابع ، فیکون التابع مماثلا فی علامة إعرابه للمتبوع(1).

وبقی أن نشیر هنا إلی أن الإعراب التقدیری لا ینحصر فی تلک المواضع التی سبق الکلام علیها فی المضارع المعتل الآخر ، وفی الاسم المعتل الآخر ؛ لهذا کان من المستحسن أن نجمع هنا ما تفرق من مواضع الإعراب المقدر (2) (التقدیری) التی سبقت ، والتی لم تسبق ، وأن نرکزها فی موضع واحد ، لیسهل الرجوع إلیها.

فمن هذه المواضع ما تقدر فیه الحرکات (الأصلیة أو الفرعیة (3)) ، ومنها ما تقدر فیه الحروف النائبة عن الحرکات الأصلیة. (فالحروف تقدر کالحرکات). وإلیک البیان :

أولا - أشهر المواضع التی تقدر فیها الحرکات الأصلیة :

1 - تقدر الحرکات الثلاث (أی : الضمة ، والفتحة ، والکسرة) علی آخر الاسم المقصور ، - مثل المصطفی - فی کل حالاته الثلاث : الرفع ، والنصب ، والجر ، - کما سبق فی ص 170 - وکذلک علی آخر الاسم المعتل بالواو ، کما فی ص 175.

2 - تقدر حرکتان فقط هما : الضمة ، والکسرة ، علی آخر الاسم المنقوص ، فی حالة الرفع والجر ؛ کما سبق فی ص 172.

3 - تقدر الحرکات الثلاث علی آخر الاسم ، إذا سکن للوقف ، مثل جاء محمد. رأیت محمد (4) ، قصدت إلی محمد (بإعراب «محمد» مرفوعة ، أو منصوبة أو مجرورة ، بحرکة مقدرة ، منع من ظهورها السکون العارض للوقف). ومثل هذا یقال فی الفعل المضارع صحیح الآخر ، رفعا ، ونصبا ؛ مثل : علی یأکل ، علیّ لن یأکل ، : فالفعل

ص: 179


1- انظر رقم 2 من هامش ص 165 ؛ ففیه الإشارة لهذا. وفی ص 81 بیان آخر لفائدة الإعراب التقدیری والمحلی.
2- وهو غیر الإعراب المحلی الذی سبق بیانه فی : «ا» من ص 80 والذی ستجیء له إشارة فی ص 282 وأیضا فی ج 2 ص 320 م 89
3- کالفتحة المقدرة النائبة عن الکسرة فی الممنوع من الصرف ، مثل قبلت النصح من هدی (اسم امرأة).
4- عند الوقف فی حالة النصب - فقط - یقلب التنوین ألفا ، وهو المشهور ، فیکون منصوبا بفتحة ظاهرة علی الدال ، بعدها ذلک التنوین المنقلب ألفا. أما علی اللغة التی تقف بحذف التنوین مطلقا فتکتب «محمد» بسکون الدال.

(یأکل) مرفوع ، أو منصوب ، بحرکة مقدرة ، منع من ظهورها السکون العارض للوقف (1). ومن التیسیر فی الإعراب واختصار الکلام ، أن نقول فی إعراب «محمد» إنه : مرفوع أو منصوب ، أو مجرور بالحرکة الأصلیة ، وضبط بالسکون للوقف ؛ وکذلک نقول فی المضارع إنه : مرفوع ، أو منصوب بالحرکة الأصلیة ، وألزم السکون للوقف. ومثل هذا نقوله فی بقیة المواضع الآتیة :

4 - تقدر الحرکات الثلاث جوازا علی الحرف الأخیر من الکلمة ، إذا کان مما یدغم فی الحرف الأول من الکلمة التالیة ؛ مثال ذلک فی الاسم قراءة من قرأ : «وقتل داوود جالوت» بإدغام الدال فی الجیم ؛ ومثاله فی الفعل : یکتب بکر ، بإدغام الباءین فی بعض اللغات. ومن التیسیر لما سبق ، أن نقول : «داوود» ، و «یکتب» مرفوع ، وجاءه السکون العارض لأجل الإدغام.

5 - تقدر الحرکات الثلاث جوازا علی الحرف الأخیر من الکلمة ، إذا سکن للتخفیف (2) ؛ کتسکین الحروف الآتیة فی الکلام ، نثره ونظمه ، وفی بعض القراءات القرآنیة. فقد سکنت الهمزة المکسورة فی قوله تعالی : (فَتُوبُوا إِلی بارِئِکُمْ) وسکنت التاء المضمومة فی قوله تعالی : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) وسکنت السین المضمومة فی قوله تعالی : (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ).

وسکنت الهمزة المکسورة فی آخر کلمة السیّیء من قوله تعالی فی المشرکین : (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِیرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً ، اسْتِکْباراً فِی الْأَرْضِ وَمَکْرَ السَّیِّئِ ، وَلا یَحِیقُ الْمَکْرُ السَّیِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ).

وسکنت الراء المضمومة فی قوله تعالی : (إِنَّ اللهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلی أَهْلِها) وکذلک سکنت الراء المضمومة فی قوله تعالی : (وَما یُشْعِرُکُمْ أَنَّها إِذا

ص: 180


1- یکون هذا السکون أیضا فی الأسماء المبنیة ، والأفعال المبنیة ، إذا کان آخر کل منهما متحرکا ، وسکن للوقف ، مثل محمد قام ... إلی أین .. بل إنه یوجد فی الحروف المتحرکة الآخر. مثل. منذ ؛ باعتبارها حرف جر ، فتقول منذ.
2- الأصل فی ذلک أن الکلمة الواحدة - أو ما هو بمنزلة الکلمة الواحدة ، کالکلمة التی بعدها الضمیر المتصل - إذا اشتملت علی ثلاثة أحرف متحرکة ؛ نحو : عنق ، وفخذ ، وإبط ... أو أکثر ، جاز تسکین الحرف الثانی المتحرک ؛ تخفیفا ؛ أما التخفیف للوقف فیکون فی آخر الکلمة وقد یجری التخفیف بین هذه الحروف المتحرکة ، وبعض منها فی آخر کلمة سابقة وبعض آخر فی أول التی تلیها ؛ کالذی فی کلمة : «السییء» ویأمر ، ویشعر ... من الآیات. وهذا یسمی : «التخفیف مع الوصل علی نیة الوقف» ومن أمثلته الآیة التی فی «ج» ص 185 (ولهذا إشارة فی الهمع ج 1 ص 54 ، وفی الجزء الأول من الخضری والصبان ؛ آخر باب : «المعرب والمبنی». أما البیان والتفصیل ففی ص 6 ج 5 من کتاب إرشاد الأریب إلی معرفة الأدیب ، لیاقوت الرومی ، طبعة مرجلیوث.)

جاءَتْ لا یُؤْمِنُونَ) ومن التیسیر أن نقول فی کل کلمة من الکلمات السابقة وأشباهها : إنها مرفوعة ، أو منصوبة ، أو مجرورة ، بالعلامة الأصلیة وسکّنت للتخفیف.

6 - تقدر الحرکات الثلاث جوازا علی الحرف الأخیر من الکلمة ، إذا أهملنا حرکته الأصلیة ، وجعلناها مما ثلة لحرکة الحرف الذی یجیء بعده ، کقراءة من قرأ : «الحمدِ لله رب العالمین» ، بکسر الدال ، تبعا لحرکة اللام التی جاءت بعدها ، وتسمی هذه الحرکة حرکة الإتباع ؛ لأننا أتبعنا السابق للّاحق فیها ، ومن الممکن مراعاة التیسیر السابق.

7 - تقدر الحرکات الثلاث علی آخر العلم المحکی (1) من غیر تغییر فی حالة من أحواله ؛ رفعا ونصبا وجرّا ، کالعلم المرکب ترکیب إستاد ؛ مثل : «فتح الله» ، «نصر الله» ، «علیّ شاعر» (وکل هذه أعلام أشخاص). تقول : جاء «فتح الله». شاهدت «فتح الله» ذهبت إلی «فتح الله» ؛ فتبقی حرکة الکلمتین کما هی فی الأصل ، مع إعرابهما معا فی الحالة الأولی فاعلا مرفوعا بضمة مقدرة للحکایة ، وهی غیر هذه الضمة الظاهرة ... وإعرابهما فی الحالة الثانیة مفعولا به منصوبا بفتحة مقدرة ، منع من ظهورها ضمة الحکایة ، وفی الحالة الثالثة مجرورا ، وعلامة جره کسرة مقدرة علی آخره ، منع من ظهورها حرکة الحکایة. وکذا البقیة.

8 - تقدر الحرکات الثلاث علی آخر الاسم المضاف لیاء المتکلم (2) ،

ص: 181


1- الذی نرید أن نحاکی نطقه فی صورته الأصلیة التی جاءت علیها أولا. ومن صور الحکایة فی غیر العلم ما سبق فی «ج» ص 29
2- للإضافة إلی یاء المتکلم بحث مستقل شامل فی ج 3 ص 69 م 96 ونکتفی هنا بالإشارة إلی أن الإضافة إلی یاء المتکلم تشمل الإضافة الظاهرة إلی یاء المتکلم ، کما تشمل الإضافة المقدرة ، یریدون بالظاهرة ما کانت فیها الیاء نفسها ثابتة غیر محذوفة ، وغیر منقلبة حرفا آخر. مثل کتابی صاحبی. ویریدون بالمقدرة : (ا) ما کانت فیه الیاء محذوفة من غیر عوض عنها ، مع وجود ما یدل علیها ؛ کالکسرة قبلها ؛ مثل : یا رب ساعد ، وأصلها : یا ربی. (ب) ما کانت فیه الیاء محذوفة ولکن عوض عنها تاء التأنیث المبنیة علی الفتح أو علی الکسر ؛ مثل : یا أبت (أی یا أبی) فکلمة : «أب» من «أبت» منادی منصوب ؛ لأنه مضاف للیاء المحذوفة التی عوض عنها تاء التأنیث ؛ وتاء التأنیث حرف ، إذ الیاء لم تنقلب إلیها ، کما تنقلب إلی الألف ؛ ولهذا کانت کلمة «أب» منصوبة ، ولکن بفتحة مقدرة ، منع من ظهورها الفتحة التی جاءت لمناسبة - - تاء التأنیث ، لأن ثاء التأنیث تقتضی فتح ما قبلها. ذلک قولهم ، وهو صحیح دقیق. ولکن من الممکن الاختصار فنقول إنها منصوبة بفتحة ظاهرة. (ح) ما کانت فیه الیاء منقلبة ألفا ، مثل : یا «صاحبا» لا تترک زیارتی. فکلمة «صاحب» منادی مضاف ، منصوب بفتحة مقدرة ، منع من ظهورها الفتحة التی جاءت لمناسبة الألف ؛ ومن التیسیر أن نقول منصوب بالفتحة الظاهرة. ملاحظة : إنما تقدر الحرکات الثلاث علی المضاف إلی یاء المتکلم ، بشرط ألا یکون مثنی ، ولا جمع مذکر سالما ، ولا منقوصا ، ولا مقصورا. فإن کان مثنی وهو مرفوع ، فإن یاء المتکلم تثبت مفتوحة بعد ألف التثنیة الساکنة : نحو : جاء صاحبای. وإن کان مثنی وهو منصوب أو مجرور فإن یاء المتکلم تثبت فی الحالتین مدغمة فی یاء التثنیة ، ومفتوحة ، نحو رأیت صاحبیّ (وأصلها - کما سبق - صاحبین لی حذفت النون واللام للإضافة ، أو حذفت النون للإضافة ، واللام للتخفیف ، وأدغمت الیاء فی الیاء مع فتح الثانیة منهما). وإن کان جمع مذکر فإن واوه فی حالة الرفع والإضافة لیاء المتکلم موجودة ولیست مقدرة ، ولکنها تقلب یاء ، وتدغم الباءان ، مع کسر ما قبلهما ، وفتح یاء المتکلم ؛ مثل : جاء صاحبیّ ، (وأصله : صاحبون لی. حذفت النون واللام للإضافة ، أو حذفت النون للإضافة ، واللام للتخفیف - کما سبق - فصارت : «صاحبوی» اجتمعت الواو والیاء ، وسبقت إحداهما بالسکون ؛ قلبت الواو یاء ، وأدغمت الیاء فی الیاء ، وکسر ما قبلهما ؛ فصارت صاحبیّ. ویکون مرفوعا بالواو التی قلبت یاء کما سبق ؛ وإن کان منصوبا أو مجرورا فإن یاءه تدغم فی یاء المتکلم ، التی تتحرک بالفتح ، وقبلهما کسرة مثل أکرمت زائریّ ، وسلمت علی زائری ؛ فکلمة (زائریّ) (وأصلها : زائرین لی ..) منصوبة أو مجرورة ، وعلامة نصبها وجرها الیاء الأولی الساکنة ، المدغمة فی یاء لمتکلم المفتوحة ؛ وکلمة زائر : مضاف ، ویاء المتکلم : مضاف إلیه ، مبنیة - علی الفتح ، - فی محل جر. هذا والیاء الأولی فی مثل کلمة : «زائری» تختلف عن الیاء الأولی فی کلمة : «صاحبیّ» فی المثال السابق وهو : «جاء صاحبیّ» ، لأن الیاء الأولی فی کلمة : صاحبی ، منقلبة عن واو ، فهی علامة رفع ، بخلاف الأخری ، فهی یا الجمع ، علامة للنصب أو الجر. وإن کان منقوصا ، فإن یاءه تثبت فی کل أحواله ، وتدغم فی یاء المتکلم ، التی تتحرک بالفتح ؛ مثل : جاء هادیّ ، کلمت هادیّ ، استمعت إلی هادیّ. فکلمة : هادیّ مرفوعة ، أو منصوبة ، أو مجرورة ، بحرکة مقدرة علی الیاء الأولی ؛ منع من ظهورها السکون العارض للإدغام ؛ ولا یحسن أن یقال : منع من ظهورها اشتغال المحل بالسکون ، لأن السکون عدم الحرکة ، والعدمی عندهم لا یشغل ، إنما الذی یشغل هو الوجودی. وإن کان مقصورا ثبتت یاء المتکلم بعد ألفه دائما. وفی الباب الخاص بالمضاف إلی یاء المتکلم إیضاح لکل ما سبق - ومکانه ما أشرنا إلیه وهو ج 3 ص 69 م 96 -

مثل : هذا کتابی ، قرأت کتابی ، وانتفعت بکتابی. فکلمة : «کتاب» الأولی خبر مرفوع بضمة مقدرة ؛ منع من ظهورها الکسرة التی جاءت لمناسبة یاء المتکلم. «کتاب» مضاف ، و «یاء المتکلم» مضاف إلیه ، مبنی علی السکون فی محل جر. وکلمة : «کتاب» الثانیة. مفعول منصوب بفتحة مقدرة علی آخره ، منع

ص: 182

من ظهورها الکسرة التی جاءت لمناسبة یاء المتکلم ، و «یاء المتکلم» مضاف إلیه مبنی علی السکون فی محل جر. وکلمة : کتاب» الثالثة مجرورة بالیاء ، وعلامة جرها کسرة مقدرة منع من ظهورها الکسرة الظاهرة ، التی جاءت لمناسبة یاء المتکلم ، ویاء المتکلم مضاف إلیه ...

وبعض النحاة لا یوافق علی أن الکسرة فی حالة الجر مقدرة ، وإنما هی الکسرة الظاهرة وهو إعراب أحسن ، إذ لا داعی للتعقید والإعنات والتطویل ، ویجدر الأخذ بهذا وحده.

ولما کانت یاء المتکلم قد تنقلب ألفا أحیانا ، فتقول ، فی یا «صاحبی» ؛ و «صدیقی» : یا «صاحبا» ویا «صدیقا ... کانت کلمة : «صاحب» و «صدیق» منادی منصوب بفتحة مقدرة ، منع من ظهورها الفتحة التی جاءت لمناسبة الألف ، التی أصلها یاء المتکلم. وصاحب ، وصدیق : مضاف ، ویاء المتکلم المنقلبة ألفا : مضاف إلیه ، مبنی علی السکون فی محل جر. ومن الممکن فی هذه الحالة مراعاة التیسیر بأن نعرب کلمة «صاحب» و «صدیق» منادی منصوب بالفتحة الظاهرة ، مضاف ، ویاء المتکلم المنقلبة ألفا : مضاف إلیه ... وهو إعراب محمود ؛ لخلوه من الإطانة التی فی سابقه.

9 - یقدر السکون علی الحرف الأخیر من الفعل ، إذا تحرک للتخلص من التقاء الساکنین ؛ مثل ؛ لم یکن المحسن لیتأخر عن المعاونة. فقد تحرکت النون بالکسر ، مع أن الفعل مجزوم بلم ، لأن هذه النون الساکنة قد جاء بعدها کلمة أولها حرف ساکن ، وهو اللام ، فالتقی ساکنان لا یجوز التقاؤهما ، فتخلصنا من التقائهما بتحریک النون بالکسر ، کالشائع فی مثل هذه الحالة ؛ فکلمة : «یکن» مضارع مجزوم ب «لم» ، وعلامة جزمه سکون مقدر ، بسبب الکسرة التی جاءت للتخلص من الساکنین ... ومن الممکن مراعاة التیسیر هنا بأن نقول ، مجزوم وحرک بالکسر للتخلص من الساکنین.

10 - یقدر السکون علی الحرف الأخیر من الفعل ، إذا کان مجزوما مدغما فی حرف مماثل له ، نحو : لم یمدّ العزیز یده ، ولم یفرّ الشجاع. فکل من کلمة : «یمد» ، و «یفر» مجزوم الآخر ، وعلامة جزمه السکون المقدر ، منع من ظهوره

ص: 183

الفتحة التی جاءت للتخلص من الساکنین (1). ویمکن التیسیر بالاختصار هنا.

11 - کذلک یقدر السکون علی الحرف الأخیر من الفعل الذی حرک لمراعاة القافیة ، مثل قول الشاعر :

ومهما تکن عند امریء من خلیقة

وإن خالها تخفی علی الناس تعلم

فکلمة «تعلم» مضارع مجزوم فی جواب الشرط ، وعلامة جزمه السکون المقدر ، الذی منع من ظهوره الکسرة التی جاءت لمراعاة القافیة ؛ ذلک أن کل الأبیات التی قبل هذا البیت مختومة بمیم مکسورة ، فلم یکن بد من کسر آخر الفعل لمراعاة القافیة. ولا مانع من التیسیر بالاختصار ، بل إنه حسن کحسنه فی کل المواضع التی سبقت.

إلی هنا انته أظهر المواضع التی تقدر فیها الحرکات الإعرابیة.

* * *

ثانیا - أشهر المواضع التی تقدر فیها الحروف النائبة عن الحرکات الأصلیة هی : 1 - تقدر الحروف التی تعرب بها الأسماء الستة ، إذا جاء بعد تلک الحروف ساکن ، مثل : جاء أبو الفضل ؛ وذلک لحذفها فی النطق فقط - کما تقدم فی «ح» من ص 106 ؛ - أما فی الخط فلا بد من کتابتها. فإن روعی المکتوب فلا تقدیر. والأفضل فی النطق أن نقف - عند الإعراب - علی آخر کلمة : «أبو» فتظهر الواو ؛ فلا یکون هناک تقدیر فی الحالتین ، ونستریح من التشعیب فی القاعدة الواحدة. 2 - تقدر ألف المثنی المضاف إذا جاء بعدها ساکن ، مثل : ظهر نجما الشرق ، وذلک لحذفها فی النطق دون الکتابة - کما سبق (2) أما عند إعراب المکتوب فلا تقدیر. وهنا یقال ما قیل فی الحالة السابقة.

3 - تقدر واو جمع المذکر السّالم ویاؤه إذا کان مضافا ، وجاء بعدهما ساکن ؛ مراعاة لحذفهما فی النطق : مثل : تیقظ عاملو الحقل مبکرین ، ورأیت عاملی الحقل فی نشاط (3). ولا تقدیر عند إعراب المکتوب. وهنا یقال ما قیل فی الحالة الأولی. وشرط التقدیر أن یکون جمع المذکر غیر مقصور ؛ فإن کان مقصورا

ص: 184


1- ذلک أن الدال الأخیرة ، والراء الأخیرة فیهما مجزومة بحرف الجزم ، وکل منهما قبله حرف مماثل له ، ساکن بأصله ، وبطبیعته ، قبل الإدغام ، وقبل مجیء الجازم ، فالتقی ساکنان ، فتخلصنا من التقائهما هنا بالفتحة الظاهرة.
2- فی «ز» من ص 123 وفی «و» من ص 143.
3- سبقت الإشارة لهذا فی ص 144.

لم تحذف الواو ولا الیاء ، لأن ما قبلهما مفتوح دائما ، فلا توجد علامة مناسبة قبلهما ، تدل علی الحرف المحذوف ، ولهذا یتحرکان (1) فقط ؛ مثل : سافر مصطفو الفصل فی رحلة ؛ (جمع ؛ مصطفی) ، استقبلت مصطفی الفصل (2).

4 - تقدر واو جمع المذکر المضاف إلی یاء المتکلم فی حالة الرفع ؛ مراعاة لحذفها فی النطق ، مثل جاء صاحبیّ ؛ (وقد سبق) (3).

5 - تقدر النون فی الأفعال الخمسة عند تأکیدها ، مثل : لا تکتبنّ فالمضارع مسند إلی واو الجماعة المحذوفة ... وقد سبق التفصیل فی ص 88 وما بعدها.

(ح) قال تعالی : (إِنَّهُ مَنْ یَتَّقِ وَیَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ) فکلمة «من» هنا شرطیة ، والفعل «یتّق» ؛ مضارع مجزوم ؛ لأنه فعل الشرط ، وعلامة جزمه حذف الیاء ؛ «ویصبر» : مضارع مجزوم ، لأنه معطوف علیه ، وقرأ بعض القراء : (إنه من یتّقی ویصبر) بإثبات الیاء فی آخر : «یتقی» ، وإسکان الراء فی آخر «یصبر» ، مع عدم الوقف علیها (4). فإثبات الیاء إنما هو علی اعتبار «من» شرطیة و «یتقی» مضارع فعل الشرط مجزوم بحذف السکون المقدر علی الیاء تبعا لتلک اللغة ، التی لا تحذف حرف العلّة للجازم ، وإنما تبقیه ، وتحذف الحرکة المقدرة علیه فقط : و «یصبر» مضارع مجزوم معطوف علیه. ویصح أن یکون «من» اسم موصول والفعل «یتقی» مضارع مرفوع بضمة مقدرة علی الیاء ، و «یصبر» مضارع معطوف علیه مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها السکون العارض لأجل التخفیف ، أو لأجل نیة الوقف فی حالة الوصل (5) (أی : وصل : «یصبر» عند القراءة ، بالکلام الذی بعدها ، وعدم الوقف علیها). وهناک آراء أخری نری الخیر فی إهمالها.

ص: 185


1- وتکون الحرکة بالکسر لأنه الأصل من التخلص فی التقاء الساکنین ، وقد تکون بغیره ، کالضم مع الواو ، أحیانا ... تبعا لاعتبارات أخری ، مکان تفصیلها : التخلص من التقاء الساکنین.
2- راجع ص 144.
3- راجع ص 144.
4- أما عند الوقف علی «یصبر» فالتسکین هو الشائع ، فلا إشکال معه.
5- انظر رقم 2 من هامش ص 180.

المسألة 17: النکرة والمعرفة

اشارة

ا - فی الحدیقة رجل - تکلم طالب - قرأت کتابا - مصر یخترقها نهر.

ب - أنا فی الحدیقة - تکلم محمود - هذا کتاب - مصر یخترقها نهر النیل.

لکلمة. «رجل» - فی الترکیب الأول ، وأشباهها - معنی یدرکه العقل سریعا ، ویفهم المراد منه بمجرد سماعها ، أو رؤیتها مکتوبة ، لکن هذا المعنی العقلی المحض والمدلول الذهنی المجرد غیر معین ؛ ولا محدّد فی العالم الواقعی ، عالم المحسوسات والمشاهد ، وهو الذی یسمونه : العالم الخارجی عن العقل والذهن.

والسبب : أن ذلک المعنی الذهنی المجرد ؛ أی : «المعنی العقلی المحض» إنما ینطبق فی عالم الحس والواقع علی فرد واحد ،. ولکنه فرد له نظائر کثیرة تشابهه فی حقیقته (1) ، وتماثله فی صفاته الأساسیة ؛ فکأنه فرد واحد متکرر الصور والنماذج المتشابهة التی ینطبق علی کل منها معنی : «رجل» ومدلوله ؛ فإن معناه یصدق علی : محمد ، وصالح ، وفهیم .... ، وآلاف غیرهم. فهو خال من التحدید الذی یجعل المدلول مقصورا علی فرد متمیّز من غیره ، مستقل بنفسه ؛ لا یختلط وسط أفراد أخری تماثله. وهذا معنی قولهم : «مبهم الدّلالة» ؛ أی : أنه ینطبق علی فرد شائع بین أفراد کثیرة من نوعه ، تشابهه فی حقیقته ، یصح أن یطلق علی کل منها اسم : «رجل»

ص: 186


1- یراد بالحقیقة هنا ما أشرنا إلیه فی صفحتی 22 و 259 - : مجموعة الصفات الذاتیة ؛ أی «الأساسیة الأصلیة» التی یتکون منها الشیء ، وتمیز جنسا من جنس ، ونوعا من نوع : ولولاها لتشابهت أفراد کل ، واختلطت. فحقیقة الإنسان هی ؛ مجموعة الصفات الذاتیة الخاصة به ، والتی تمیز نوعه من نوع آخر کالطائر مثلا ، وتجعله نوعا مستقلا منفصلا. وتلک الصفات الذاتیة فی الإنسان هی : الحیوانیة والنطق معا. وحقیقیة الحیوان هی : صفاته الذاتیة الخاصة به ، والتی تفصل جنسه عن جنس آخر کالنبات ، وتفرق بینهما. وهکذا ... وتلک الصفات الذاتیة فی الحیوان هی : الحیاة التی مصدرها الروح ، والحرکة الاختیاریة ... ومن مجموع تلک الصفات الذاتیة تنشأ حقیقة الشیء ، وتتکون صورته فی الذهن أیضا. لکن کیف تنشأ تلک الصورة الذهنیة المحضة؟ یجیب عن هذا علماء المنطق بقولهم الذی أشرنا إلیه فی صفحتی 22 و 259 : إن الإنسان حین یری النخلة - مثلا - أول مرة فی حیاته ، یستخدم حواسه فی کشف حقیقتها ، - - ویسأل عنها غیره ؛ حتی یعرف أنها شجرة ، وأنها تسمی : النخلة ، ویراها مرات بعد ذلک فیقوی إدراکه لها. ثم یری شجرة «برتقال» علی النحو السالف ، وشجرة «لیمون» ، وشجرة «یوسفی» وشجرات أخری کثیرة ؛ فینته عقله إلی معرفة صفات ذاتیة مشترکة بین تلک الأشجار المختلفة النوع ، ویرسم العقل من مجموع تلک الصفات صورة خیالیة للشجرة - أیّ شجرة کانت - بحیث تنطبق تلک الصورة الخیالیة علی کل شجرة مهما کان نوعها. فهو قد اهتدی أولا إلی أن الصفات الذاتیة المشترکة بین الشجرات الکثیرة هی : الجذور ، والجذوع ، والفروع ، والثمر ... ثم أنشأ من مجموعها صورة خاصة لما یسمی : «شجرة». فحین یسمع المرء کلمة «شجرة» یسرع عقله فیدرک المراد منها ، وهو تلک الصورة التی سبق له أن رسمها من مجموع الصفات الذاتیة المشترکة ، ولا یدرک سواها ، ولا یخصص شجرة معینة ، کشجرة نخیل ، أو برتقال ، أو لیمون ، أو غیرها ، ولا یستحضر فی داخله - غالبا - غیر تلک الصورة الخیالیة التی ابتکرها ، وکوّنها من قبل ، والتی یسمیها العلماء حینا : «الصورة العقلیة المجردة» وحینا : «الصورة الذهنیة المجردة» أو : «الحقیقة الذهنیة المحضة» أی : التی لا یحتاج العقل فی إدراکها إلی استحضار صورة شجرة معینة ، أو استرجاع نموذج من الشجرات الأولی التی کانت أوصافها الذاتیة المشترکة سببا فی تکوین الصورة الذهنیة لما یسمی : «شجرة». فالصورة التی رسمها العقل هی صورة خیالیة محضة ، لا وجود لها فی عالم الحس والواقع علی الرغم من أنه انتزع عناصر تکوینها من نماذج وأشیاء محسوسة مشاهدة ، یستقل کل منها بنفسه ، وینفرد عن غیره ، لکنها تتشابه فی صفات ذاتیة مشترکة بین الجمیع - کما سبق. وکل واحد من تلک النماذج والأشیاء المتشابهة یسمی : حقیقة خارجیة : لأنه المدلول الحسی ، والمضمون الواقعی للحقیقة الذهنیة ، مع خروجه عن دائرة الذهن المجردة : بسبب وجوده فعلا فی دائرة الحس والمشاهدة ، فکل واحدة من شجر النخیل ، أو البرتقال ، أو اللیمون ، أو ... تصلح أن تکون المدلول الحسی المقصود من کلمة : «شجرة» التی هی حقیقة ذهنیة. وإن شئت فقل : إن کل واحد من تلک الأشیاء یصلح أن یکون الحقیقة الخارجیة التی هی مضمون الحقیقة الذهنیة ، ومدلولها المقصود ، وأن الحقیقة الذهنیة تنطبق فی خارج الذهن علی کل واحد من تلک الأشیاء ، وتصدق علیه. ومما سبق نعلم أن مجموع الصفات الذاتیة المشترکة بین أفراد الحقیقة الخارجیة هو الذی یکوّن الحقیقة الذهنیة المحضة ، وأن مدلول الحقیقة الذهنیة المحضة ینطبق علی کل فرد من أفراد الحقیقة الخارجیة ، ویصدق علیه ، دون تخصیص فرد أو تعیینه ؛ کما سیجیء فی هذا الباب عند الکلام علی اسم الجنس وعلم الجنس ص 259.

ویستحیل فی عالم الحس تعیین أحدها ، وتخصیصه وحده بهذا الاسم.

لکن إذا قلت : «أنا فی الحدیقة» ، فإن الشیوع یزول ؛ والإبهام یختفی ؛ بسبب تحدید المدلول ، وحصره فی واحد معین ؛ هو : المتکلم ؛ فلا ینصرف الذهن إلی غیره ، ولا یمکن أن ینسب الوجود فی الحدیقة لسواه.

وإذا قلنا : تکلّم طالب ؛ فإن کلمة : «طالب» اسم ، له معنی عقلی ، ومدلول ذهنی. ولکن مدلوله الخارجی «أی : الذی فی عالم الحس والواقع ؛ خارجا عن العقل والذهن وبعیدا منهما» ، غیر محصور فی فرد خاص یمکن تعیینه وتمییزه من أشباهه ؛ وإنما ینطبق علی : حامد ، وحلیم ، وسعد ، وسعید ... وآلاف غیرهم ممن یصدق علی کل واحد منهم أنه : «طالب» : ویشترک مع غیره فی هذا الاسم فهو اسم یدل علی فرد ، ولکنه فرد شائع بین أشباه کثیرة ، متماثلة فی تلک الحقیقة

ص: 187

التی أشرنا إلیها ، والتی یقال لکل فرد منها إنه : «طالب» فمعناه مبهم ؛ ودلالته شائعة ، کما سبق.

لکن إذا قلنا : «تکلم» محمود ؛ فإن الشیوع والإبهام یزولان ؛ بسبب کلمة : (محمود) التی تدل علی فرد بعینه ؛ والتی تمنع الاشتراک (1) التام فی معناها ومدلولها.

ومثل هذا یقال فی : «قرأت کتابا» ؛ فإن لفظ : «کتاب» اسم شائع الدّلالة ، غامض التعیین ؛ إذ لا یدل علی کتاب خاص یتجه الفکر إلیه مباشرة دون غیره من الکتب ؛ فهو یصدق علی کتاب حساب ، وکتاب هندسة ، وکتاب أدب ، وکتاب لغة ... ، کما یصدق علی کتاب محمود ، وکتاب فاطمة ، وغیرهما ... لکن إذا قلنا : «هذا کتاب» تعیّن الکتاب المراد ، وتحدد المطلوب ، بسبب الإشارة إلیه. وأنه هو المقصود دون غیره من آلاف الکتب.

وکذلک یقال فی المثال الأخیر : «مصر یخترقها نهر». فأی نهر هو؟ قد یکون نهر النیل ، أو دجلة ، أو الفرات ، أو غیرها من مئات الأنهار التی یصدق علی کل منها أنه : «نهر» ؛ لأن الاسم غامض الدلالة ؛ لانطباقه علی کل فرد من أمثاله فإذا قلنا : «مصر یخترقها نهر النیل» ؛ زال الشیوع ، واختفی الغموض ؛ بسبب الکلمة التی جاءت بعد ذلک ؛ وهی : «النیل».

فکلمة : رجل ، وطالب وکتاب ، ونهر ، وأشباهها ، تسمی : نکرة ، وهی : «اسم یدل علی شیء واحد ، ولکنه غیر معین» ؛ بسبب شیوعه بین أفراد کثیرة من نوعه تشابهه فی حقیقته ، ویصدق علی کل منها اسمه. وهذا معنی قولهم «النکرة شیء شائع بین أفراد جنسه» (2). ومن أمثلتها غیر ما سبق الکلمات التی تحتها خط : سمعت عصفورا - رکبت سفینة کتبت رسالة قطفت زهرة (3) ...

أما لفظ «أنا» و «محمود» ، و «هذا» ، و «نهر» ، «والنیل» وأمثال ما فی : «ب»

ص: 188


1- قد تکون کلمة : «محمود» مشترکة بین عدة أفراد ، ولکن هذا الاشتراک محدود ضئیل بالنسبة للشیوع والاشتراک فی النکرة ؛ لا یسلبه التعیین والتحدید جملة ، ولا یجعله غامضا مبهما کالغموض والإبهام اللذین فی النکرة المحضة ؛ مثل کلمة : رجل.
2- ویسمیها أیضا بعض العلماء : «اسم الجنس». وسیأتی تفصیل ذلک فی موضعه عند الکلام علی العلم.
3- مما یدخل فی حکم النکرة الجمل والأفعال - کما فی رقم 2 من هامش ص 45 وفی 1 من هامش ص 465 وفی 1 من هامش ص 192 -

فیسمی : معرفة ؛ وهی : «اسم یدل علی شیء واحد معین» ، لأنه متمیز بأوصاف وعلامات لا یشارکه فیها غیره من نوعه. ومن أمثلتها غیر ما سبق : سمعت تغرید «عصفوری» - «هذه» سفینة رکبتها ، کتبت «الرسالة» ...

وللنکرة علامة تعرف بها ؛ هی : أنها تقبل دخول : «أل» التی تؤثر فیها فتفیدها التعریف ، أی : التعیین وإزالة ما کان فیها من الإبهام والشیوع. وبهذه العلامة ندرک أن کل کلمة من الکلمات السابقة وهی : رجل ، طالب ، کتاب ...) ، نکرة ، لأنها تقبل دخول «أل» التی تکسبها التعریف. تقول : الرجل شجاع ، الطالب نافع ، الکتاب نفیس ... وقد صارت هذه الکلمات معارف بعد دخول : «أل».

وربما کانت الکلمة فی ذاتها لا تصلح لدخول «أل» علیها مباشرة ، وإنما تدخل علی کلمة أخری بمعناها ، بحیث تصلح کل واحدة منهما أن تحل محل الأخری ؛ فلا یتغیر شیء من معنی الجملة : مثل : کلمة «ذو» ، فإنها بمعنی : «صاحب» ، تقول : أنت رجل ذو خلق کریم ، والمحسن إنسان ذو قلب رحیم ، فکلمة : «ذو» نکرة لا شک فی تنکیرها ؛ مع أنها لا تقبل «أل» التی تفیدها التعریف. ولکنها بمعنی کلمة أخری تقبل «أل» ، وهی کلمة : «صاحب» (1) التی یصح أن تحل محل کلمة : «ذو».

ومن هنا کانت «ذو» نکرة ؛ لأنها - وإن کانت لا تقبل «أل» - یصح أن تحل محل کلمة ؛ «صاحب» التی تقبل «أل» ، وتقع فی الجملة مکانها ، من غیر أن یترتب علی ذلک إخلال بالمعنی (2).

ص: 189


1- کلمة : «صاحب» هنا لیست اسم فاعل بمعنی مصاحب ؛ لأن معناها الأصلی الدال علی التجدد والحدوث قد أهمل ، وغلبت علیها «الاسمیة» ؛ فصارت أشبه بالأسماء الجامدة ؛ ولذلک لا تعمل. «فأل» الداخلة علیها للتعریف ، ولیست الموصولة التی تدخل علی اسم الفاعل ونحوه من المشتقات التی تعمل. وجمیع المشتقات إذا صارت أعلاما ، فإنها تکون فی حکم الأسماء الجامدة. کما سبق فی رقم 2 من هامش ص 127 و...
2- ومثل : «ذو» کلمات أخری لا تقبل بنفسها «أل» ، ولکنها تقع موقع کلمات تقبلها ؛ من ذلک : «أحد» التی همزتها أصلیة ، ولیست منقلبة عن واو ، ومعناها : إنسان ؛ - وغیره - وهذه لا تستعمل إلا بعد نفی. أما التی همزتها منقلبة عن واو وأصلها : «وحد» التی منها کلمة : «واحد» أول الأعداد کالتی فی قوله تعالی : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) أی : واحد ؛ فإن هذه التی بمعنی «واحد» تقع بعد النفی والإثبات ، بخلاف کلمة : «أحد» التی همزتها أصلیة ، فإنها لا تقع إلا بعد نفی - کما تقدم - کما فی التصریح ج 1 - أول باب النکرة والمعرفة - ومن ذلک : «عریب» ، و «دیّار» تقول : ما فی البیت أحد ، أو عریب ، أو دیار. ومعنی الجمیع ما فی البیت أحد ؛ فهی کلمات لا تستعمل إلا بعد نفی فی الأغلب ، وهی متوغلة فی الإبهام ؛ فلا تکون معرفة ، ولا تقبل «أل» ، لکنها واقعة موقع ما یقبلها ؛ وهو : إنسان ، مثلا ... وکذا «من» و «ما ؛ إذا کانا بمعنی : شیء ، أی شیء ؛ سواء أکان ذلک الشیء إنسانا أم غیر إنسان ، تقول : سافرت إلی من مسرور بک ، أی : - إلی إنسان مسرور بک ، ولعبت بما مفید لی. أی : بشیء مفید لی ؛ فکلمة : «من» و «ما» ، وأشباههما - نکرات ؛ لأنها لا تقبل أل ، ولکنها واقعة موقع ما یقبلها ؛ وهو هنا : إنسان ، وشیء. والدلیل علی أن الکلمات الثلاث نکرات - وقوع کل منها موصوفة للنکرة فی الأمثلة السابقة. وقد تکون «من» و «ما» للشرط ، مثل : من یتقن عمله یدرک غایته. وما تفعل من خیر یرجع إلیک أثره. ومعناهما کل إنسان یتقن ... وکل شیء تفعله ... وقد یکونان للاستفهام ؛ مثل : من حضر؟ وما رأیک؟ ومعناهما أی إنسان حضر؟ وأی شیء رأیک؟ فالأصل فی أسماء الشرط والاستفهام أن تقع موقع ذات ، أو زمان ، أو مکان ، أما تضمنهما الشرط أو الاستفهام فأمر زائد علی أصل وضعهما - کما سبق فی ص 83 عند الکلام علی الحرف - ومن تلک الکلمات أیضا أسماء الأفعال النکرات ؛ مثل ؛ «صه» بالتنوین ؛ فإنه واقع موقع «سکوتا» أی موقع : المصدر الدال علی الأمر ، أو موقع : اسکت ، الدال علی ذلک المصدر ...

فعلامة النکرة - کما سبق - أن تقبل بنفسها «أل» التی تفیدها التعریف ، أو تقع موقع کلمة أخری تقبل : «أل» المذکورة (1).

وبدیه أن هذه العلامة لا تدخل المعرفة ، ولا توجد فیها ؛ لأن «أل» تفید التعریف ، کما أشرنا ، والمعرفة لیست فی حاجة إلیه ؛ فقد اکتسبته بوسیلة أخری سنعرفها. فإن ظهرت «أل» فی بعض المعارف فلیست «أل» التی تفید التعریف ، وإنما هی نوع آخر ؛ جاء لغرض غیر التعریف ، سیذکر فی مکانه (2).

والمعارف سبعة

1 - الضمیر ، مثل : أنا ، وأنت ، وهو ...

2 - العلم ، مثل : محمد ، وزینب ...

3 - اسم الإشارة : مثل : هذا ، وهذه ، وهؤلاء ...

4 - اسم الموصول ، مثل : الذی ، والتی ...

5 - المبدوء بأل المعرّفة (أی : التی تفید التعریف) ، مثل : الکتاب ، والقلم ، والمدرسة إذا کانت هذه أشیاء معینة ...

6 - المضاف إلی معرفة ؛ مثل : بیتی قریب من بیتک وکذلک نهر النیل فی أمثلة «ب» ... وهذا بشرط أن یکون المضاف قابلا للتعریف ؛ فلا یکون من الألفاظ المتوغلة فی الإیهام (3) التی لا تتعرف بإضافة ، أو غیرها ، کلفظ غیر ، ومثل - فی

ص: 190


1- علی الرغم من أن النحاة ارتضوا هذه العلامة فإن المحققین منهم انتهوا بعد مناقشات طویلة إلی أنها لیست صالحة أحیانا لتحقیق الغرض منها ، وأن العلامة الوافیة بالغرض هی استقصاء المعارف ، وما یکون خارجا من دائرتها فهو النکرة حقا ، لأن الوصول إلی النکرة من غیر هذا الطریق غیر مضمون فوق ما فیه من عسر وتکلف.
2- ستجیء أنواع «أل» فی ص 381 م 30.
3- اللفظ المتوغل فی الإبهام هو الذی لا یتضح معناه إلا بآخر ینضم له ، ویزاد علیه ، لیزیل إبهامه ، أو یخفف من شیوعه ؛ کإضافته إلی معرفة تعرفه أو تخصصه. ولکن الأغلب أنه لا یستفید التعریف من المضاف - - إلیه المعرفة. وستجیء لهذا إشارة فی : «ا» من ص 399 أما تفصیل الکلام علیه ففی باب الإضافة ج 3 م 93 ولا سیما رقم 3 من هامش ص 21.

أغلب أحوالهما -.

7 - النکرة المقصودة من بین أنواع المنادی (1). مثل : یا شرطیّ ، أو : یا حارس ؛ إذا کنت تنادی واحدا معینا (2) ، تتجه إلیه بالنداء ، وتقصده دون غیره ؛ ذلک أن کلمة : «شرطیّ» وحدها. أو کلمة : «حارس» وحدها ، نکرة ؛ لا تدل علی معین. ولکنها تصیر معرفة عند النداء ؛ بسبب القصد - أی : التوجه - الذی یفید التعیین. وتخصیص واحد بعینه ، دون غیره (3).

ص: 191


1- أنواع المنادی خمسة یتعرف منها بالنداء نوع واحد - فی الرأی الأرجح - هو : النکرة المقصودة دون غیرها. وسیجیء تفصیل الکلام علیها فی باب النداء أول الجزء الرابع.
2- وإلی ما سبق یشیر ابن مالک بقوله فی باب «النکرة والمعرفة» : نکرة قابل «أل» مؤثّرا أو واقع موقع ما قد ذکرا وغیره معرفة ؛ کهم ، وذی وهند ، وابنی ، والغلام ، والّذی یرید : أن النکرة اسم قابل «أل» أی : قابل لفظ «أل» الذی یؤثر فیها التعریف .. (واسم «أل» یراد به هنا : «اللفظ» فهو مذکر ، وقد یراد به فی صیغة أخری : «الکلمة» فیکون مؤنثا).
3- المعرفة تدل علی التعیین وفی هامش ص 266 بیان وزیادة إیضاح للمقصود من التعیین والتخصیص ؛ ولکن المعارف تختلف فی درجة التعیین والتعریف ؛ فبعضها أفوی من بعض. وآراء النحاة متضاربة فی ترتیبها من حیث القوة. وأشهر الآراء : أن أقواها بعد لفظ الجلالة وضمیره - هو : ضمیر المتکلم ، ثم ضمیر المخاطب ، ثم العلم ؛ وهو درجات متفاوتة القوة فی درجة التعریف. ویلحق بعلم الشخص فی درجة التعریف العلم بالغلبة ، ثم ضمیر الغائب الخالی من الإبهام ؛ (بأن یتقدمه اسم واحد معرفة أو نکرة ، نحو : حسین رأیته ، ورجل کریم لاقیته. فلو تقدمه اسمان أو أکثر ولم یتعین مرجعه بسبب هذا التعدد وعدم القرینة التی تحدده نحو : قام محمود وحامد فصافحته - تسرب إلیه الإبهام ، ونقص تمکنه من التعریف) ، ثم اسم الإشارة ، والمنادی (النکرة المقصودة) وهما فی درجة واحدة ؛ لأن التعریف بکل منهما یتم إما بالقصد الذی یعینه المشار إلیه ، وإما بالتخاطب کما سیجیء فی «ب» من ص 397 ثم الموصول ، والمعرف بأل ؛ وهما فی درجة واحدة ؛ أما المضاف إلی معرفة فإنه فی درجة المضاف إلیه. إلا إذا کان مضافا للضمیر ، فإنه یکون فی درجة العلم - علی الصحیح. وأقوی الأعلام أسماء الأماکن ، لقلة الاشتراک فیها ، ثم أسماء الناس ، ثم أسماء الأجناس. وأقوی أسماء الإشارة ما کان للقرب ، ثم ما کان للوسط ، ثم ما کان للبعد. وأقوی أنواع «أل» التی للعهد ما کانت فیه للعهد الحضوری ، ثم ما کانت فیه للنوعین الآخرین من العهد ، ثم للجنس. (راجع شرح التصریح وحاشیته ، ثم المفصل ح 5 ص 87).

حکم الجمل وأشباهها بعد المعارف والنکرات

إن الجملة بنوعیها (1) ، وشبه الجملة بنوعیه ، إذا وقع شیء منهما بعد النکرة المحضة (2) فإنه یعرب صفة ، وبعد المعرفة المحضة (3) یعرب حالا (4) ؛ فمثال الجملة الفعلیة بعد النکرة المحضة : حضر غنی «یحسن إلی المحتاج». ومثال الجملة الاسمیة حضر غنی «إحسانه غامر». ومثال الظرف : رأیت طائرا «فوق» الغصن. ومثال الجار مع المجرور : رأیت بلبلا «فی قفصه».

ومثال الجملة الفعلیة بعد المعرفة المحضة : أقبل خالد «یضحک». ومثال الاسمیة : أقبل خالد «وجهه مشرق». ومثال الظرف : أبصرت طائرتنا «فوق» السحاب. ومثال الجار مع المجرور : أبصرت طائرتنا «فی وسط» السحاب.

ص: 192


1- الجملة نوعان اسمیة وفعلیة ، وهی بنوعیها فی حکم النکرات - کما أشرنا فی 2 من هامش ص 45 وفی رقم 3 هامش ص 188 وکذلک الأفعال. وقد ورد هذا فی مراجع مختلفة ؛ منها : حاشیة یاسین علی التصریح ، أول هذا باب النکرة والمعرفة - حیث قال ما نصه : «أما الجمل والأفعال فلیست نکرات ، وإن حکم لها بحکم النکرات. وما یوجد فی عبارة بعضهم أنها نکرات فهو تجوز». ویقول شارح المفصل - ج 3 ص 141 ما نصه : «إن وقوع الجملة نعتا للنکرة دلیل علی أن الجملة نفسها نکرة ؛ إذ لا یصح أن توصف النکرة بالمعرفة ..» وسواء أکانت نکرة أم فی حکم النکرة فالخلاف شکلی لا أهمیة له. وقد أشرنا للمسألة السالفة فی مواضع مختلفة من أجزاء الکتاب - ومنها : ج 2 - رقم 3 من : هامش ص 311 م 84 ومنها : ج 3 ص 24 م 93 وص 349 و 354 م 114
2- النکرة المحضة : هی التی تکون شائعة بین أفراد مدلولها مع انطباقها علی کل فرد ، مثل کلمة «رجل» فإنها تصدق علی کل فرد من أفراد الرجال ، لعدم وجود قید یجعلها مقصورة علی بعضهم ، دون غیره. بخلاف : «رجل صالح» فإنها نکرة غیر محضة ؛ لأنها مقیدة تنطبق علی بعض أفراد من الرجال ؛ وهم الصالحون ، دون غیرهم. فاکتسبت بهذا التقیید شیئا من التخصیص ، والتحدید ، وقلة العدد بسبب الصفة التی یعدها ، والتی جعلتها أقل إبهاما وشیوعا من الأولی.
3- النکرة المحضة : هی التی تکون شائعة بین أفراد مدلولها مع انطباقها علی کل فرد ، مثل کلمة «رجل» فإنها تصدق علی کل فرد من أفراد الرجال ، لعدم وجود قید یجعلها مقصورة علی بعضهم ، دون غیره. بخلاف : «رجل صالح» فإنها نکرة غیر محضة ؛ لأنها مقیدة تنطبق علی بعض أفراد من الرجال ؛ وهم الصالحون ، دون غیرهم. فاکتسبت بهذا التقیید شیئا من التخصیص ، والتحدید ، وقلة العدد بسبب الصفة التی یعدها ، والتی جعلتها أقل إبهاما وشیوعا من الأولی. ومثل الصفة غیرها من کل ما یخرج النکرة من عمومها وشیوعها الأکمل إلی نوع من التحدید وتقلیل أفرادها ، کإضافة النکرة الجامدة إلی نکرة أخری - کما سیجیء فی باب الإضافة - وکوقوعها نعتا لنکرة محضة ، أو وقوعها حالا ، أو غیر هذا من سائر القیود. والمعرفة المحضة هی الخالیة من علامة تقربها من النکرة ، کوجود «أل الجنسیة» فی صدرها. وإذا کانت النکرة محضة سمیت : «نکرة تامة» ، أی : لا تحتاج لشیء بعدها من نعت أو غیره مما یقید إطلاقها ، ویخفف إبهامها. ومن النکرات التامة : «ما» التعجبیة - کما ستجیء فی باب التعجب ج 3 م 108 - وإذا کانت غیر محضة سمیت : «نکرة» ناقصة وعلی هذا فالنکرة إما تامة ، وإما ناقصة ؛ فهی قسمان من هذه الناحیة. وکذلک المعرفة قسمان : «تامة» : وهی التی تستقل بنفسها فی الدلالة الکاملة علی معین ، کضمیر المتکلم ، وکالعلم .. و.. وناقصة وهی التی تحتاج فی أداء تلک الدلالة الکاملة إلی شیء معها ؛ کاسم الموصول ؛ فإنه یحتاج للصلة دائما.
4- انظر التفصیل والبیان فی ص 194.

أما إذا کانت النکرة غیر محضة ، أو المعرفة غیر محضة ، فإنه یجوز فیما بعدهما من جمل وشبه جمل أن یعرب «صفة» أو «حالا» ؛ تقول فی الأمثلة السابقة بعد غیر المحضة : حضر غنی کریم «یحسن إلی المحتاج» ، وحضر غنی کریم «إحسانه غامر» ، ورأیت طائرا جمیلا «فوق» الغصن ، ورأیت بلبلا شجیّا «فی قفصه» ...

ومثال الجملة الفعلیة بعد المعرفة غیر المحضة : یروقنی الزهر یفوح عطره ، بإدخال «أل الجنسیة» علی الاسم. ومثال الاسمیة بعدها : یروقنی الزهر عطره فوّاح. ومثال الظرف : یروقنی الثمر فوق الأغصان. ومثال الجار مع مجروره : یسرنی الطیر علی الأغصان ، فوجود «أل» الجنسیة» فی أول الاسم جعله صالحا للحکم علیه بأنه معرفة أو نکرة ، علی حسب الاعتبار الذی یوجّه لهذا أو لذاک (1).

ص: 193


1- بیان «أل» الجنسیة وتوضیح أحکامها فی ص 385

زیادة وتفصیل

ا - یجوز اعتبار شبه الجملة بنوعیه (الظروف والجار مع مجروره) صفة بعد المعرفة المحضة علی تقدیر متعلقة معرفة. وقد نص علی هذا الصبان - ج 1 أول باب النکرة والمعرفة - حیث قال : «أسلفنا عن الدمامینی جواز کون الظرف (ویراد به فی مثل هذا التعبیر : شبه الجملة بنوعیه) بعد المعرفة المحضة صفة ، بتقدیر متعلقه معرفة). ا ه. أی : أن المتعلق المعرفة سیکون هو الصفة لمطابقته الموصوف فی التعریف. ولا مانع أن یکون شبه الجملة نفسه هو الصفة إذا استغنینا به عن المتعلّق تیسیرا وتسهیلا - طبقا لما سیجیء فی رقم 1 من هامش ص 347 وما بعدها وفی هامش ص 431 بالإیضاح والشرط المسجلین هناک

وإذا کان شبه الجملة بعد المعرفة المحضة صالحا لأن یکون صفة علی الوجه السالف ، وهو صالح أیضا لأن یکون حالا بعدها کصلاحه للوصفیة والحالیة أیضا بعد النکرة غیر المحضة - أمکن وضع قاعدة عامة أساسیة هی : «شبه الجملة یصلح دائما أن یکون حالا أو صفة بعد المعرفة المحضة وغیر المحضة ، وکذلک بعد النکرة بشرط أن تکون غیر محضة - أو یقال : إذا وقع شبه الجملة بعد معرفة أو نکرة فإنه یصلح أن یکون حالا ، أو صفة : إلا فی صورة واحدة هی أن تکون النکرة محضة ؛ فیتعین أن یکون یعدها صفة لیس غیر.

ومما هو جدیر بالملاحظة أن جواز الأمرین فیما سبق مشروط بعدم وجود قرینة توجب أحدهما دون الآخر ، حرصا علی سلامة المعنی. فإن وجدت القرینة وجب الخضوع لما تقتضیه ، کالشأن معها فی سائر المسائل. وإن لم توجد فالحکم بجواز الأمرین سائغ (1)

ب - من الأسماء ما هو نکرة فی اللفظ ، معرفة فی المعنی ؛ مثل : کان سفری إلی الشام عاما «أول». أی : فی العام الذی قبل العام الذی نحن فیه. ومنه کان وصولی هنا «أول» من أمسس. أی : فی الیوم الذی قبل أمس. فمدلول کلمة : «أول» - فی الأسلوب العربی السابق - لا إبهام فیه ولا شیوع ؛ ولکنه لا یستعمل فیه إلا نکرة ؛ محاکاة للأسالیب الفصیحة الناردة وتجری علیه أحکام النّکرة ، کأن یکون موصوفة نکرة (2) ...

ص: 194


1- أشرنا للحکم السالف فی باب «الحال» من الجزء الثانی ، ص 311 م 84 - وفی الجزء الثالث «باب النعت» ص 384 م 114.
2- سیجیء لها بیان آخر فی باب : «الظروف» ج 2 ص 228 ، 227 م 79 وفی ج 3 ص 123 و 125 م 94 باب : «الإضافة».

ومن الأسماء ما هو معرفة فی اللفظ ، نکرة فی المعنی ، مثل : «أسامة» «أی : أسد» : فهو علم جنس علی الحیوان المفترس المعروف ، وهو من هذه الجهة التی یراعی فیها لفظه ، شبیه بالعلم : «حمزة» - وغیره من الأعلام الشخصیة - فی أنه لا یضاف ، ولا تدخله «أل» ، ویجب منعه من الصرف ، ویوصف بالمعرفة دون النکرة ، ویقع مبتدأ ، وصاحب حال (1) ... ولکنه من جهة أخری معنویة غیر معین الدلالة ؛ إذ مدلوله شائع بین أفراد جنسه ، مبهم : فهو مثل کلمة : «أسد» فی الدلالة (2).

ح - ومن الأسماء صنف مسموع یصلح للحالین بصورته المسموعة عن العرب مثل کلمة : «واحد» فی قولهم : «واحد أمّه». ومثل کلمة : عبد ، فی قولهم : «عبد بطنه» ؛ فکل واحدة منهما یصح اعتبارها معرفة ؛ لإضافتها للمعرفة ، ویصح اعتبارها نکرة منصوبة علی الحال عند النصب. ومثلهما : المبدوء «بأل» الجنسیة (3) ؛ مثل : الإنسان أسیر الإحسان ، فهو من ناحیة المظهر اللفظی معرفة ؛ لوجود «أل» الجنسیة. ومن جهة المعنی نکرة ، لشیوعه ؛ ولأن معناه عام مبهم ؛ فکأنک تقول : کل إنسان ... وکل إحسان ... ؛ فلا تعیین ، ولا تحدید ، فهو صالح للاعتبارین کما سبق ، وستجیء إشارة لهذا فی باب الحال ج 2 ص 311 م 84؟ وفی باب النعت ج 3 ص 380 م 114 (4)؟

ص: 195


1- لأن الغالب علی المبتدأ وصاحب الحال أن یکونا معرفتین إلا فی مواضع محددة معروضة فی بابیهما.
2- سیجیء الإیضاح الوافی لعلم الجنس ومعناه وأحکامه - فی هذا الباب عند الکلام علی العلم بنوعیه ؛ الشخصی والجنسی. (ص 257 وما بعدها)
3- راجع أحکامها فی ص 385 وما بعدها
4- راجع حاشیة یاسین (ج 1) أول باب النکرة والمعرفة. وکذلک الهمع ح 1 ص 54 ، أول هذا الباب حیث قال بعد کلامه علی ما فیه : «أل الجنسیة» إنه : «من قبل اللفظ معرفة ، ومن قبل المعنی - لشیاعه - نکرة ، ولذلک یوصف بالمعرفة اعتبارا بلفظه ، وبالنکرة ؛ اعتبارا بمعناه ...» لکنه لم یقید نوع الوصف بمفرد أو غیر مفرد. فهل یجوز وصفه بالمفرد النکرة مع وجود «أل الجنسیة»؟ یبدو الأمر غریبا غیر معروف لنا. أما وصفه بالجملة أو شبه الجملة فجائز اتفاقا. کما یجوز اعتبارهما حالین. وقد سبق النص علی ذلک منقولا عن الصبان والمع وغیرهما. فلا اختلاف فی اعتبار الجملة وشبهها صفة أو حالا. ولعل الواجب الاقتصار فی الوصف علیهما ، دون الوصف بالمفرد لأسباب لغویة أخری.

المسألة 18: الضمیر

اشارة

(1) تعریفه ؛ اسم جامد یدل علی : متکلم ، أو مخاطب ، أو غائب. فالمتکلم مثل : أنا (2) ، ونحن ، والتاء ، والیاء ، ونا ، فی نحو : أنا عرفت واجبی - نحن عرفنا واجبنا ... وأدّیناه کاملا. والمخاطب مثل : أنت ... أنتما ، أنتم ، أنتن ، والکاف وفروعها فی نحو : إن أباک قد صانک ... والغائب (3) مثل : هی ، هو ، هما ، هم ، هن ، والهاء فی مثل : یصون الحر وطنه بحیاته (4) ... وکذا فروعها ...

ص: 196


1- الضمیر والمضمر : ، بمعنی واحد ، وقد یعبر عنهما فی بعض المراجع القدیمة : بالکنایة ، والمکنیّ ؛ لأنه یکنی به (أی : یرمز به) عن الظاهر ؛ اختصارا ؛ لأن اللبس مأمون - غالبا - مع الضمیر.
2- الغالب فی کتابة الضمیر : «أنا» إثبات ألف فی آخره. وأکثر القبائل العربیة یثبت هذه الألف أیضا عند الوقف ویحذفها عند وصل الکلام وفی درجه. ومنهم من یحذفها فی الوقف أیضا ، ویأتی بهاء السکت الساکنه بدلا منها ، فیقول عند الوقف : أنه. وقلیل منهم یثبت الألف وصلا ووقفا ، ففیها لغات متعددة أقواها وأشهرها إثباتها فی الکتابة دائما ، وعند الوقف ، وحذفها فی وسط الکلام. وقد أدی هذا الخلاف إلی البحث فی أصل الضمیر : «أنا» أثلاثی هو : لأن الألف فی آخره أصلیة ، أم ثنائی لأنها زائدة جاءت إشباعا للفتحة ، وتبیینا لها عند الوقف؟ رأیان. لکل منهما أثره فی نواح مختلفة ، منها : التصغیر والنسب.
3- إذا رفع اسم الفاعل - أو غیره من المشتقات العاملة - ضمیرا مستترا وجب أن یکون للغائب دائما ، ویعود علی غائب ؛ طبقا للبیان الآتی فی «ط» من ص 243.
4- لا بد فی الضمیر من أن یکون اسما ، وجامدا معا. أما أنه اسم فلأن هناک بعض ألفاظ قد تدل علی التکلم ؛ أو الخطاب أو الغیبة ولیست ضمیرا ؛ لأنها لیست اسما ؛ من ذلک قول العرب : «النّجاءک» بمعنی : النجاء لک ، أی : النجاة لک. (النجاء ، مفعول به لفعل محذوف تقدیره : اطلب. وسیجیء فی رقم 2 من هامش ص 217 أنه یجوز فیها أن تکون اسم فعل أمر بمعنی : أسرع) فهذه الکاف تدل علی الخطاب ، مع أنها لیست ضمیرا ؛ إذ لو کانت ضمیرا لکانت کالضمیر ، لها محل من الإعراب رفعا أو نصبا ، أو جرا ، وهی لا تصلح لشیء من ذلک ؛ إذ لا یوجد فی الکلام ما یقتضی أن تکون فی محل رفع مبتدأ ، أو خبرا ، أو فاعلا ، أو غیر ذلک مما یجعلها فی محل رفع ... ولیس فی الکلام کذلک ما یقتضی أن تکون فی محل نصب. ولا یصح أن تکون فی محل جر : إذ لا یوجد حرف جر یجرها ، ولا یوجد مضاف تکون بعده مضافة إلیه فی محل جر ؛ لاستحالة أن یکون مثل هذا المضاف مقرونا بأل ، ولا یوجد سبب آخر للجر. کالتبعیة. وإذا لیس لها محل من الإعراب. ویتبع هذا ألا تکون اسما ؛ لأن الاسم له - فی الغالب - محل إعرابی ؛ وکذلک لا تصلح أن تکون فعلا ؛ فلم یبق إلا أن تکون حرفا یدل علی الخطاب ، من غیر أن یسمی ضمیرا. ویقاس علی ما سبق : «النجائی» و «النجاءه» ؛ بمعنی : النّجاء لی ، والنجاء له ، أو تکون اسم فعل أمر بمعنی : أسرع ؛ أیضا. وما سبق یقال فی اسم الإشارة الذی فی آخره علامة للخطاب ؛ مثل : ذلک الکتاب ؛ فإن الکاف - - حرف خطاب ؛ ولیست اسما ؛ کالشأن فی کل علامات الخطاب التی فی أسماء الإشارة وبعض ألفاظ أخری (انظر ص 215 وما بعدها ، ورقم 1 من هامش ص 292 کما سیجیء التفصیل فی باب اسم الإشارة). وأما أنه جامد (أی : غیر مشتق) فلأن بعض الألفاظ المشتقة قد تدل بنفسها وبصیغتها مباشرة علی ما یدل علیه الضمیر ، مع أنها لیست ضمیرا. مثل : کلمة : متکلم ؛ فإنها تدل علی التکلم ، ومثل کلمة : مخاطب ؛ فإنها تدل علی التخاطب ، ومثل کلمة : غائب ؛ فإنها تدل علی الغیاب هذا والضمیر من الألفاظ التی لا تصلح أن تکون نعتا ولا منعوتا (کما سیجیء فی باب النعت ، ج 3 ص 347)

ویسمی ضمیر المتکلم والمخاطب : «ضمیر حضور» ؛ لأن صاحبه لا بد أن یکون حاضرا وقت النطق به (1).

والضمیر بأنواعه الثلاثة لا یثنی ، ولا یجمع. إنما یدل بذاته علی المفرد ، المذکر أو المؤنث - أو علی المثنی بنوعیه المذکر والمؤنث معا ، أو علی الجمع المذکر ، أو المؤنث ، کما یتضح من الأمثلة السالفة. ومع دلالته علی التثنیة أو الجمع فإنه لا یسمی مثنی ، ولا جمعا.

أقسامه : ینقسم الضمیر إلی عدة أقسام بحسب اعتبارات مختلفة :

(ا) ینقسم بحسب مدلوله إلی ما یکون للتکلم فقط ، وللخطاب. فقط ، وللغیبة کذلک. - وقد سبقت الأمثلة - ولما یصلح للخطاب حینا ، وللغیبة حینا آخر ؛ وهو ألف الاثنین ، وواو الجماعة ، ونون النهوة. فمثال ألف الاثنین : اکتبا یا صادقان ، والصادقان کتبا. ومثال واو الجماعة : اکتبوا یا صادقون ، والصادقون کتبوا. ومثال نون النسوة : اکتبن یا طالبات. الطالبات کتبن (2) ...

(ب) وینقسم بحسب ظهوره فی الکلام وعدم ظهوره إلی : بارز ومستتر ؛ فالبارز : هو الذی له صورة ظاهرة فی الترکیب ، نطقا وکتابة ، نحو : أنا رأیتک

ص: 197


1- إلی بعض ما سبق یشیر ابن مالک بقوله : فما لذی غیبة أو حضور کأنت ، وهو - سمّ یالضّمیر
2- وعلی ذکر نون النسوة کان القدماء یؤرخون فیقولون فی رسائلهم ومکاتباتهم مثلا. کتبت هذه الرسالة لسبع خلون من رمضان ، أو لخمس بقین منه. فهل یصح أن یقال فی هذا وفی نظائره : لسبع خلت ، أو لخمس بقیت؟ تفصیل هذا فی مکانه الأنسب (ج 4 ص 424 م. حیث بیان الاستعمال الفصیح فی طریقة التأریخ واستخدامه.

فی الحدیقة. فکل من کلمة : أنا ، والتاء ، والکاف - ضمیر بارز.

والمستتر (1) ، ما یکون خفیّا غیر ظاهر فی النطق والکتابة ؛ مثل : ساعد غیرک یساعدک ؛ فالفاعل لکل من الفعلین ضمیر مستتر تقدیره فی الأول : «أنت» وفی الثانی : «هو».

والبارز قسمان ، أولهما : المتصل ؛ وهو : «الذی یقع فی آخر الکلمة ، ولا یمکن أن یکون فی صدرها ولا فی صدر جملتها» ؛ إذ لا یمکن النطق به وحده ، بسبب أنه لا یستقل بنفسه عن عامله ؛ فلا یصح أن یتقدم علی ذلک العامل مع بقائه علی إعرابه السابق قبل أن یتقدم ، کما لا یصح أن یفصل بینهما - فی حالة الاختیار - فاصل من حرف عطف ، أو أداة استثناء ؛ کإلا ، أو غیرهما (2).

ومن أمثلة الضمائر المتصلة بآخر الأفعال ؛ التاء المتحرکة ، وألف الاثنین ، وواو الجماعة ، ونون النسوة ، وذلک کله فی مثل : سمعت النصح ، والرجلان سمعا ، والعقلاء سمعوا ، والفاضلات سمعن. فلیس واحد من هذه الضمائر بممکن أن یستقل بنفسه فیقع أول الکلمة قبل عامله ، ولا یتأخر عنه مع وجود

ص: 198


1- المستتر فی حکم الحاضر الملفوظ به ، مع أنه غیر مذکور فی اللفظ. ولا یسمی محذوفا ، لأن هناک فرقا بین الضمیر المستتر والضمیر المحذوف ؛ فالمستتر فی حکم الحاضر المنطوق به کما قلنا ، أما المحذوف فإن کان ملفوظا به ثم ترک وأهمل ، فلیس فی حکم الحاضر. یدلک علی هذا أنهم یقولون : لو سمیت شیئا بکلمة : «ضرب» التی استتر فیها الضمیر لوجب حکایتها مع الضمیر المستتر کما تحکی الجمل ، بغیر تغییر مطلقا ؛ ومنها : «ضربته» أما إذا سمیت بکلمة : «ضرب» المحذوف منها الضمیر اختصارا - والأصل ضربته - فإنها تعرب علی حسب الجملة - کما سیجیء فی باب العلم مفصلا (ص 273 ما بعدها ، وفی هامش ص 278) والمستتر لا یکون إلا من ضمائر الرفع ، فهو فی محل رفع دائما ، أما المحذوف فیکون فی محل رفع أو نصب أو جر. والصحیح أن المستتر نوع من الضمیر المتصل الذی سیجیء تفصیله : ولیس نوعا من المنفصل ، ولا نوعا مستقلا بنفسه یسمی : «واسطة» بین المتصل والمنفصل. (راجع الخضری وهامش التصریح عند الکلام علی الضمیر المستتر ... والمستتر رکن أساسی فی الجملة لا یتم معناها بغیره ؛ فلا بد منه ؛ لأنه «عمدة» کما یسمونه ، أی : لا یمکن الاستغناء عنه مطلقا ، (إلا فی بعض حالات قلیلة کالربط بین الخبر والمبتدأ) وأشباه ذلک وأما غیره فقد یستغنی منه إذا عدم من الجملة. وبهذه المناسبة یقول النحاة : إن الضمیر البارز له وجود فی اللفظ ولو بالقوة ، فیشمل المحذوف فی مثل : جاء الذی أکرمت. أی : أکرمته. لإمکان النطق به ، أو لأنه نطق به أولا ثم حذف. أما الذی استتر فأمره عقلی ؛ إذ لا یمکن النطق به أصلا ، وإنما یستعیرون له المنفصل فی مثل : قاتل فی سبیل الله ؛ فیقولون : إن الفاعل ضمیر مستتر تقدیره : أنت ؛ وذلک للتقریب. وبهذا یحصل الفرق بین المستتر والمحذوف. هذا إلی أن المستتر أحسن حالا من المحذوف ؛ لأنه یستدل علیه من اللفظ والعقل بغیر قرینة الموجود ؛ ولذلک کان خاصا بالعمد. أما المحذوف فلا بد له من القرینة. وهکذا قالوا!!
2- انظر أول الهامش فی ص 201.

فاصل بینهما (1).

ثانیهما : المنفصل ؛ وهو الذی یمکن أن یقع فی أول جملته ، ویبتدیء الکلام به ؛ فهو یستقل بنفسه عن عامله ؛ فیسبق العامل ، أو یتأخر عنه مفصولا بفاصل ؛ مثل ؛ أنا ، ونحن ؛ وإیاک ... فی مثل : أنا نصیر المخلصین. ونحن أنصارهم ، وإیاک قصدت ، وما النصر إلا أنا ، وما المخلصون إلا نحن.

هذا ، والضمائر کلها مبنیة (2) الألفاظ ؛ سواء فی هذا ما ذکرناه وما سنذکره بعد.

وینقسم المتصل بحسب مواقعه من الإعراب إلی ثلاثة أنواع :

أولها : نوع یکون فی محل رفع فقط ؛ وهو خمسة ضمائر : التاء المتحرکة للمتکلم ؛ نحو : صدقت. وکذلک فروعها (3). وألف الاثنین : نحو : المتعلمان صدقا ،

ص: 199


1- یقول ابن مالک : وذو اتّصال منه ما لا یبتدا ولا یلی إلّا اختیارا ، أبدا کالیاء ، والکاف ، من «: ابنی أکرمک» والیاء والها من «سلیه ما ملک» ما لا یبتدأ ، أی : ما لا یبتدأ به. ومثل للمتصل بما یأتی : لضمیر المتکلم المجرور المحل بالیاء فی «ابنی» ، وللمخاطب المنصوب المحل بالکاف فی : «أکرمک» وللمخاطب وللمرفوع المحل معا بیاء المخاطبة ، فی : «سلی». وللغائب المنصوب المحل بالهاء من : سلیه. وبمناسبة «الهاء «التی للغائب نقول إن الأشهر فی حرکتها أن تکون مبنیة علی الضم. إلا إذا کان قبلها کسرة ، أو یاء ساکنة ؛ فیجوز أمران ؛ الحجازیون یضمونها ، وغیرهم یکسرها. وبلغة الحجازیین قرأ القراء : (وما أنسانیه إلا الشیطان) (ومن أوفی بما عاهد علیه الله ...) (إذ قال لأهله امکثوا) وقرأ آخرون بالکسر. وهی فی جمیع أحوالها تکون مشبعة الحرکة إذا وقعت بعد متحرک ؛ فیمتد الصوت بحرکتها حتی یکاد یحدث حرف علة مناسبا تلک الحرکة ؛ فبعد الضمة الواو ، وبعد الکسرة الیاء. أما إذا کانت متحرکة بعد ساکن مطلقا ، إلا الیاء فالأحسن ضمها من غیر إشباع لحرکتها ؛ سواء أکان الساکن صحیحا ، نحو : منه ، أم معتلا بغیر الیاء ؛ مثل : أباه ، أبوه .. أما الساکن الیاء فقد سبق الکلام فیه.
2- یقول ابن مالک : وکلّ مضمر له البنا یجب ولفظ ما جرّ کلفظ ما نصب أی : المضمرات کلها مبنیة ، لا فرق فی ذلک بین ما یکون محله الجر ، أو محله النصب ، وترک ابن مالک ما یکون محله الرفع بسبب ضیق النظم - وهو مبنی أیضا. فکل ضمیر لا بد أن یکون لفظه مبنیا ؛ إما علی السکون ، وإما علی حسب حرکة آخره. ولا بد أن یکون بعد ذلک فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر علی حسب حاجة الجملة. وهذا معنی قولهم إن الضمیر مبنی اللفظ معرب المحل.
3- التاء المتحرکة التی للمتکلم هی الأصل ، وتبنی علی الضم ؛ مثل : صدقت ، وفروعها الخمسة هی : صدقت ؛ للمخاطب المذکر. صدقت ، للمخاطبة. صدقتما ، للمثنی المخاطب ، مذکرا ومؤنثا. صدقتم ، لخطاب جمع الذکور. صدقتن ، لخطاب جمع الإناث وهناک حالة یجب فیها - - بناء تاء المخاطبة علی الفتح دائما. وستجیء فی ص 215 وقد أشار ابن مالک إلی بعض هذه المواضع بقوله : وألف والواو ، والنون ، لما غاب وغیره ؛ کفاما ، واعلما والمراد بغیره : المخاطب ؛ لأنها تکون للغائب والمخاطب ، ولا تکون للمتکلم. ومن الأمثلة السابقة نعلم أن التاء التی هی ضمیر متصل مرفوع - تبنی علی الضم إذا کانت للمتکلم ، وتبنی علی الفتح إذا کانت للمخاطب المذکر ، وتبنی علی الکسر إذا کانت للمخاطبة ؛ وتلزم البناء علی الفتح فی الحالة المعینة التی أشرنا لها وستجیء فی ص 215 وتوصل وهی مبنیة علی الضم بمیم وألف ؛ للدلالة علی خطاب اثنین أو اثنتین. وکذلک توصل وهی مبنیة علی الضم ، بمیم ساکنة للدلالة علی خطاب جمع الذکور ، وبنون مشددة للدلالة علی خطاب جمع الإناث. (انظر إعراب الضمائر ص 213). وإذا ولی المیم الساکنة التی لجمع الذکور ضمیر متصل جاز ضم المیم وإشباعها حتی ینشأ : من الإشباع واو ؛ مثل : هذا ضیف أکرمتموه ، ومعی صدیق صافحتموه. وجاز إبقاء المیم ساکنة ولکن الأول هو الأکثر والأشهر. فیحسن الاقتصار علیه.

وواو الجماعة ، نحو : المتعلمون صدقوا (1). ونون النسوة ؛ نحو : الفتیات صدقن ، ویاء المخاطبة ، نحو : اصدقی یا متعلمة (2).

ثانیها : نوع مشترک بین محل النصب ومحل الجر ، إذ لا یوجد ضمیر متصل خاص بمحل النصب ؛ ولا ضمیر متصل خاص بمحل الجر. وهذا النوع المشترک بینهما ثلاثة ضمائر (3) ؛ یاء المتکلم ، وکاف المخاطب بنوعیه ؛ وهاء الغائب بنوعیه.

ص: 200


1- بعض القبائل العربیة یحذف واو الجماعة ؛ اکتفاء بالضمة التی قبلها. قال الفراء فی کتابه «معانی القرآن» ج 1 ص 91 ما نصه : «قد تسقط العرب الواو وهی واو جماعة. اکتفی بالضمة قبلها فقالوا فی ضربوا : قد ضرب ، وفی قالوا : قد قال. وهی فی هوازن وعلیا قیس ...» ثم استشهد أیضا بأبیات سمعها منهم کقول قائلهم ... فلو أن الأطبا کان عندی وکان مع الأطباء الأساءة ..... والأساة جمع آس ، وهو هنا من یعالج الجرح.
2- ولا تکون ضمائر إلا عند اتصالها بالأفعال : أما إذا اتصلت بالأسماء مثل : القائمان ، القائمون - فهی حروف دالة علی التثنیة والجمع.
3- هذه الضمائر لا تکون فی محل رفع ؛ کما ذکرنا ؛ ولکنها قد تقع أحیانا بعد «لو لا» التی للامتناع ؛ والتی لا یقع بعدها إلا المبتدأ ؛ فیقال : «لولای» لتعبت. «لولاک» لم أحتمل مشقة الحضور أو «لولاها» لضاعت فرصة المعاونة الکریمة. فکیف نعرب هذا الضمیر الواقع بعد «لو لا»؟ إن سیبویه یعرب : «لو لا» حرف جر شبیه بالزائد ، وما بعده مجرور لفظا فی محل رفع مبتدأ ، وخبره محذف - کما سیجی «فی ب من ص 218. وسیجیء عند الکلام علی إعراب الضمیر فی (ص 213 - وما بعدها) أن الأفضل اعتبار هذا النوع فی محل رفع فی حالة وقوعه بعد «لو لا» فقط ؛ فیکون مبتدأ مبنیا علی حرکة آخره فی محل رفع. ولا یجوز اعتباره ضمیر رفع إلا فی هذه الحالة فقط. وإذا وقع ضمیر من هذه الضمائر الثلاثة بعد عسی مثل : «عسانی وعسای أوفق» ؛ أو : عساک أن تفعل الخیر ؛ أو : عساه أن یجتنب الإساءة ؛ فإن خیر ما یقال هو اعتبار «عسی» حرفا بمعنی : «لعل» من أخوات «إن» والضمیر اسمها. کما سیجیء فی باب أفعال المقاربة ، والشروع ، والرجاء. - وبهذه المناسبة نذکر أن الیاء فی مثل : قومی یا هند ، تختلف عن الیاء فی نحو : ربی أکرمنی. لأن الیاء فی : «قومی» للمخاطبة ؛ فهی فاعل فی محل رفع. بخلافها فی المثال الأخیر الذی وقعت فیه للمتکلم فی محل جر بالإضافة ؛ وفی محل نصب مفعول به. کما أن الضمیر فی مثل : الرجلان عرفهما علی. الرجال عرفهم. المسافرات عرفهن - هو ضمیر بارز متصل ولا یصح التوهم بأنه هو الذی وقع فی ابتداء جملته ، أو وقع فیها بعد کلمة : «إلا» فی مثل : هما عرفا ، وهم عرفوا ، وهن عرفن ، وما عرف إلا هما ، أو هم ، أو هن ؛ لا نتوهم ذلک ؛ لأنه حین تقدم أو حین وقع بعد «إلا» لم یبق علی إعرابه الأول مفعولا لعامله ؛ وإنما صار مبتدأ أو : فاعلا ؛ فتغیر إعرابه بعد التقدم ؛ فصار نوعا آخر مخالفا للسابق ؛ طبقا لما تقدم فی تعریف المتصل - ص 198 -

فأما یاء المتکلم فمثل : ربی أکرمنی (فالیاء الأولی فی محل جر ، لأنها مضاف إلیه. والیاء الثانیة فی محل نصب ، لأنها مفعول به).

وأما کاف المخاطب فیهما فمثل : لا ینفعک إلا عملک ، (فالکاف الأولی فی محل نصب ، لأنها مفعول به ؛ والکاف الثانیة فی محل جر ، لأنها مضاف إلیه) (1).

وأما هاء الغائب (2) بنوعیه المذکر والمؤنث فمثل : من یتفرغ لعمله یحسنه.

ص: 201


1- قد تقع کاف الخطاب - أحیانا. حرفا مجردا للخطاب ؛ فلا یکون له محل من الإعراب ؛ کالتی فی آخر أسماء الإشارة وبعض الأسماء الأخری مما سبق (فی رقم 4 من هامش ص 196) ؛ ومما سنفصله عند الکلام علی إعراب الضمائر (ص 213 وما بعدها)
2- مما یجب التنبه له : أن هاء المفرد الغائب تکتب مفردة ؛ أی : لا یتصل بها حرف ناشیء من إشباع حرکتها ؛ تقول من یتفرغ لعمله یحسنه ، ویحمده الناس علی إحسانه وإجادته. أما إن کانت الهاء للغائبة المفردة فیجب فی الأفصح زیادة الألف بعدها متصلة بها ؛ نحو : من تتفرغ لعملها یحمدها الناس علی تفرغها ، وإحسانها ، وإجادتها. وکذلک یجب أن یزاد بعدها کلمة : «ما» إن کانت هذه الهاء لضمیر الغائب المثنی بنوعیه فی مثل : الوالد والجد هما أحق الناس بالرعایة ولهما أعظم الفضل علی أبنائهما. والوالدة والجدة أعطف الناس علی أطفالهما. وشفقتهما لا تعدلها شفقة. فالهاء هی الضمیر المتصل وبعدها «المیم» حرف عماد ، والألف حرف دال علی مجرد التثنیة. وکذلک یجب أن یزاد بها «المیم» الدالة علی جمع الذکور الغائبین ، والنون المشددة الدالة علی جمع الإناث الغائبات ، نحو : خیر الناس أنفعهم للناس ، وخیر النساء أحرصهن علی الکمال. لکن أیکون الضمیر هو الهاء فقط والحروف التی بعدها زائدة للفرق بین ضمیر المفردة والمفرد وغیرهما ، أم یکون الضمیر مجموع الاثنین ، «الهاء» والأحرف الزائدة؟ رأیان. والخلاف لفظی لا أثر له من الناحیة العملیة. والمستحسن مراعاة الأمر الواقع ؛ والأخذ بالرأی الذی یعتبر الضمیر هو مجموع الاثنین ؛ لأنه رأی عملی یراعی التفرقة الواقعة فعلا بین ضمیر المفردة الغائبة وضمیر المفرد الغائب - وغیرهما -. فوق أنه عملی واقعی فیه تیسیر. وعلی أساسه یقول أصحابه : الضمیر للمفرد المذکر الغائب هو : «الهاء» وحدها ؛ وللمفردة الغائبة «ها» وللمثنی بنوعیه : «هما» ولجمع الذکور : «هم» ولجمع الإناث : «هن» والفرق واضح بین الاثنین فی ثلاثة أمور فی النطق ، وفی الکتابة ، وفی المعنی. وعلیه العمل الآن. ولهذا نظیر فی ص 313 - وجدیر بالملاحظة أن الضمائر الثلاثة السالفة (هما - هم - هن) بالاعتبار السالف هی ضمائر متصلة حتما ، ولا یصح اعتبارها من نوع الضمائر المرفوعة المنفصلة أصالة ، لأن المرفوعة أصالة ، کالتی ستجیء فی «ح» - ص 204 - مرکبة البنیة فی أصلها ، ولیست مبنیة علی حرف واحد زید علی آخره حرف أو حرفان فالفرق بین النوعین کبیر برغم ظاهرهما ؛ فأحدهما قد نشأ فردی الصیغة والتکوین ، ثم زید علی آخره حرف أو حرفان ، والآخر قد نشأ من أول أمره مرکب الصیغة فهما مختلفان فی أصلهما کاختلافهما فی کثیر من الأحکام.

أو ؛ من تتفرغ لعملها تحسنه (فالهاء الأولی فی المثالین فی محل جر ، لأنها مضاف إلیه ، والثانیة فی محل نصب ؛ لأنها مفعول به).

ثالثها : نوع مشترک بین الثلاثة : وهو ؛ (نا) نحو : (ربّنا لا تؤاخذنا إن نسینا أو أخطأنا) فالأولی فی محل جر ، لأنها مضاف إلیه ؛ والثانیة فی محل نصب ، لأنها مفعول به (1) - کما سبق - والثالثة والرابعة فی محل رفع ؛ لأنها فاعل (2).

ومما سبق نعلم أن للرفع ضمائر متصلة تختص به ، ولیس للنصب وحده أو الجر وحده شیء خاص به.

ص: 202


1- إذا کانت «نا» فی آخر الفعل الماضی فقد تکون للفاعل ، ویبنی الفعل الماضی علی السکون وجوبا : نحو : خرجنا - حضرنا - کتبنا - فهمنا. وقد تکون للمفعول ؛ فلا یبنی آخره علی السکون لها ؛ نحو : أخرجنا الوالد من الحدیقة ، وأحضرنا إلی البیت ، وأفهمنا ما یجب عمله.
2- یقول ابن مالک : للرّفع والنّصب وجرّ : (نا) صلح کاعرف بنا : فإنّنا نلنا المنح والمعنی : صلح الضمیر (نا) للأمور الثلاثة ، أی : لأن یکون فی محل جر ، مثل : اعرف بنا (أی : اعترف بقدرنا ، أو : اشعر بنا). ولأن یکون فی محل نصب ، مثل : إننا .. ، ولأن یکون فی محل رفع ، مثل : نلنا. (ملاحظة) لا یقال : (إن الضمیر «الیاء» یصلح للأمور الثلاثة مع دلالته علی المتکلم فی کل حالة فیکون شبیها بالضمیر (نا) ؛ مثل ؛ یفرحنی کونی حریصا علی واجبی. فالیاء فی الجمیع للمتکلم ومحلها فی الأول نصب (لأنها مفعول به) وفی الثانیة رفع (لأنها اسم کون ؛ مصدر کان الناقصة) وفی الثالث جر لأنها مضاف إلیه. کذلک الضمیر : (هم) فی مثل : یفرحهم کونهم حریصین علی واجبهم ؛ فإنه ضمیر متصل فی الجمیع. ومحله نصب فی الأول (لأنه مفعول به). ورفع فی الثانی (لأنه اسم کون ، مصدر کان الناقصة) وجر فی الثالث لأنه مضاف إلیه ..) لا یقال إن الضمیرین السابقین مثل «نا» لأن «الیاء» و «هم» فی الأمثلة المذکورة وأشباهها وقعا فی محل رفع بصفة عارضة ، ناشئة من أن المضاف هنا کالفعل یطلب مرفوعا ؛ لا بصفة أصلیة ، والکلام فی الضمیر المشترک بین الثلاثة بطریق الأصالة.

زیادة وتفصیل

روی أبو علیّ القالی فی کتابه : «ذیل الأمالی والنوادر» ص 105 عن بعض الأعراب قول شاعرهم :

فها أنا للعشاق یا عزّ قائد

وبی تضرب الأمثال فی الشرق والغرب

والشائع (1) دخول : «ها» التی للتنبیه علی ضمیر الرفع المنفصل الذی خبره اسم إشارة ؛ نحو : «هأنذا» المقیم علی طلب العلوم. وغیر الشائع دخولها علیه إذا کان خبره غیر اسم إشارة ، نحو : هأنا ساهر علی صالح الوطن. وهو - مع قلته - جائز ، لورود نصوص فصیحة متعددة تکفی للقیاس علیها. منها قول عمر بن الخطاب یوم «أحد» حین وقف أبو سفیان بعد المعرکة یسأل : أین فلان ، وفلان ... من کبار المسلمین؟. فأجابه عمر. هذا رسول الله علیه السّلام ، وهذا أبو بکر ، وهأنا عمر ... (2) ومنها بیت لمجنون لیلی (3) ، ونصّه :

وعروة مات موتا مستریحا

وهأنا میّت فی کل یوم

کما روی صاحب الأمالی (4) أیضا البیت التالی لعوف بن محلّم ، ونصّه :

ولوعا ؛ فشطّت غربة دار زینب

فهأنا أبکی والفؤاد جریح

وقول سحیم من شعراء صدر الإسلام :

لو کان یبغی الفداء قلت له

هأنا دون الحبیب یا وجع

ویترتب علی الحکم الشائع ما صرحوا به من جواز الفصل بین : «ها» التی للتنبیه واسم الإشارة بضمیر المشار إلیه مثل : هأنذا أسمع النصح ، وهأنتذا تعمل الخیر ، وهأنتم أولاء تصنعون ما یفید. وقد یقع الفصل بغیر الضمیر قلیلا - مع جوازه - کالقسم بالله فی مثل : ها - والله - ذا رجل محب لوطنه ، و «إن» الشرطیة فی مثل : ها إن ذی حسنة تتکرّر یضاعف ثوابها. وقد تعاد «ها» التنبیه بعد الفاصل للتقویة ... ، نحو : هأنتم هؤلاء تخلصون.

ص: 203


1- کما جاء فی حاشیة الأمیر علی مقدمة کتاب. المغنی ولهذا إشارة فی ص 304.
2- النص فی ص 110 من کتاب تنزیل الآیات شرح شواهد الکشاف.
3- کتاب : الذخیرة ، لأبن بسام ، ج 2 القسم الثانی.
4- ج 1 ص 123.

وینقسم المنفصل بحسب مواقعه من الإعراب إلی قسمین : أولهما ؛ ما یختص بمحل الرفع ، وثانیهما ما یختص بمحل النصب (1).

فأما الذی یختص بمحل الرفع [فاثنا عشر] ، موزعة بین المتکلم ، والمخاطب ، والغائب ، علی الوجه الآتی :

(ا) للمتکلم ضمیران ، «أنا» للمتکلم وحده ، و «نحن» للمتکلم المعظّم نفسه ، أو معه غیره. (و «أنا» هو الأصل و «نحن» هو الفرع) (2).

(ب) للمخاطب خمسة ؛ أولها ؛ وهو الأصل : «أنت» ، للمفرد المذکر ، ثم الفروع : «أنت» للمخاطبة المؤنثة ، «وأنتما» للمذکر المثنی المخاطب ، أو المؤنث المثنی المخاطب ، «وأنتم» لجماعة الذکور المخاطبین ، «وأنتن» لجماعة الإناث المخاطبات.

(ج) للغائب خمسة ؛ أولها وأصلها : «هو» للمفرد الغائب. ثم فروعه : «هی» (3) ، للمفردة الغائبة ، و «هما» للمثنی الغائب : و «هم» لجمع الذکور الغائبین ، و «هن» لجمع الإناث الغائبات (4) ؛

فمجموع الضمائر المنفصلة المرفوعة اثنا عشر علی التوزیع السالف (5).

ص: 204


1- ولیس بین الضمائر المنفصلة ما هو مختص بمحل الجر أصالة. (انظر رقم 5 فی هذا الهامش)
2- المراد بالفرع هنا : أن یکون الضمیر دالا علی معنی زائد لا یوجد فی الأصل. ذلک أن الأصل فی الضمیر - عندهم - أن یکون لواحد مذکر ؛ سواء أکان الواحد متکلما ، أم مخاطبا ، أم غائبا ، مثل : (أنا) فما یکون دالا علی أکثر من واحد ، أو یکون دالا علی التأنیث فهو فرع.
3- الأصل أن تکون الهاء فی : «هو» مضمومة ، وفی : «هی» مکسورة. ویجوز تسکینهما بعد الواو ، أو : الفاء ، أو : ثم ، أو : اللام.
4- تجب ملاحظة الفرق الکبیر بین الضمائر الثلاثة (هما - هم - هن) التی هی مرکبة البنبة أصالة ، ومنفصلة للرفع حتما ونظائرها التی سبقت فی هامش ص 201
5- وهذه الضمائر الاثنا عشر لا تکون بالأصالة إلا مرفوعة. فأما استعمالها غیر مرفوعة فإنما هو بالنیابة عن ضمیر الجر أو النصب فی بعض أسالیب مسموعة یقتصر علیها ،. ومع أنها مسموعة یحسن ترک استعمالها ، لقبح وقعها علی السمع. فمن النیابة عن ضمیر الجر : «ما أنا کأنت» ، «ولا أنت کأنا» والقبح هنا بسبب وقوع الضمیر الخاص بالرفع فی محل جر. ومن النیابة عن ضمیر النصب وهو شاذ أیضا فولهم : «یا أنت» وللاضطرار لوزن الشعر فی مثل قول الشاعر : «یا لیتنی وهما نخلو بمنزلة ...» فقد عطف ضمیر «هما» الخاص بالرفع علی الیاء التی هی ضمیر نصب. لکن یکثر نیابتها عن الضمیر المنصوب أو المجرور فی حالة استعمالها للتوکید ؛ مثل : سمعتک أنت تخطب ، ومررت بک أنت. وهو استعمال قیاسی.

وأما الضمائر التی تختص بمحل النصب فاثنا عشر ضمیرا أیضا ، کل منها مبدوء بکلمة : إیّا (1).

فللمتکلم : «إیای» ، وهو الأصل ، وفرعه : «إیانا» للمتکلم المعظّم نفسه ، أو معه غیره.

وللمخاطب المفرد : «إیاک» ، وهو الأصل ، وفروعه : «إیاک» ، للمخاطبة ، و «إیاکما» ، للمثنی المخاطب ، مؤنثا ، أو مذکرا ، و «إیاکم» ؛ لجمع الذکور المخاطبین ، و «إیاکن» لجمع الإناث المخاطبات.

وللغائب : «إیاه» للمفرد الغائب ، وفروعه : «إیاها» للمفردة الغائبة ، و «إیاهما» للمثنی الغائب بنوعیه ، و «إیاهم» لجمع الذکور الغائبین ، و «إیاهن» لجمع الإناث الغائبات.

فللمتکلم اثنان ، وللمخاطب خمسة ، وللغائب خمسة. ولیس هناک ضمائر منفصلة تختص بمحل الجر.

هذا وجمیع الضمائر المنفصلة تشارک نظائرها المتصلة فی الدلالة علی التّکلم ، أو الخطاب ، أو الغیبة ، فلکل ضمیر منفصل نظیر آخر متصل یماثله فی معناه : فالضمیر «أنا» یماثل التاء ، والضمیر «نحن» یماثل «نا» ، وهکذا.

* * *

وینقسم المستتر إلی قسمین :

أولهما : المستتر وجوبا ، وهو الذی لا یمکن أن یحل محله اسم ظاهر (2) ، ولا ضمیر منفصل ؛ مثل : إنی أفرح حین نشترک فی عمل نافع. فالفعل المضارع : «أفرح» ، فاعله ضمیر مستتر وجوبا ، تقدیره : أنا. ولا یمکن أن یخلفه اسم

ص: 205


1- سیجیء الکلام علی إعراب «إیا» بملحقاتها المختلفة عند الکلام علی کیفیة إعراب الضمائر (ص 213 وما بعدها). وهی کثیرة الاستعمال فی أسلوب : «التحذیر» بصورة المتعددة التی ستجیء فی بابه الخاص - ج 4 ص 97 م 140 ، ومن أمثلته : إیاک والنمیمة ، فإنها تزرع الضغینة - إیاک مواقف الاعتذار فإنها مجلبة للذلة ، مضیعة للکرامة ... ویصح : إیاک من النمیمة - إیاک من مواقف الاعتذار ...
2- لا یحل محله اسم ظاهر یرتفع بعامله الذی فی الجملة نفسها قبل أن یحل هذا الاسم الظاهر محل الضمیر ؛ فلو قلنا : «نشترک محمد فی عمل نافع» لکان الکلام غیر صحیح فی ترکیبه ، لأن کلمة : «محمد» لا تقع فاعلا للفعل : «نشترک» ، الذی کان عاملا الرفع فی الضمیر السابق «نحن». ولو قلنا : «نشترک» «نحن» ، لکانت : «نحن» هذه توکیدا للضمیر المستتر ؛ ولا یصح أن تکون فاعلا مرفوعا بالعامل الموجود ، وهو الفعل «نشترک» فالضمیر المستتر وهو «نحن» لم یصلح أن یحل محله اسم ، ظاهر ولا ضمیر بارز بحیث یکون کل منهما معمولا للفعل : «نشترک».

ظاهر ولا ضمیر منفصل ، إذ لا نقول : أفرح محمد - مثلا - ولا أفرح أنا ، علی اعتبار «أنا» فاعلا ، بل یجب اعتبارها توکیدا للفاعل المستتر الذی یشابهها فی اللفظ والمعنی. کذلک الفعل المضارع : «نشترک» فاعله مستتر وجوبا تقدیره : «نحن» ولا یمکن أن یحل مکانه اسم ظاهر ولا ضمیر منفصل ؛ إذ لا نقول : «نشترک محمد» ولا نقول : «نشترک نحن» علی اعتبار کلمة : «نحن» فاعلا ؛ لأنها لو کانت فاعلا لوجب استتارها حتما. ولکنها تعرب توکیدا لضمیر مستتر یشابهها فی اللفظ والمعنی.

وثانیهما : المستتر جوازا ، وهو الذی یمکن أن یحل محله الاسم الظاهر أو الضمیر البارز ؛ مثل : الطائر تحرّک. النهر یتدفق. فالفاعل فیهما ضمیر مستتر جوازا تقدیره : هو ، إذ من الممکن أن نقول : الطائر تحرک جناحه ، والنهر یتدفق ماؤه : بإعراب کلمتی «جناح» و «ماء» فاعلا للعامل الموجود وهو : «تحرک» و «یتدفق». ومن الممکن کذلک أن نقول : الطائر ما تحرک إلا هو ، والنهر ما یتدفق إلا هو ... بإعراب الضمیر البارز : «هو» فاعلا للعامل الموجود. والمستتر بنوعیه لا یکون إلا مرفوعا متصلا کما سبق.

مواضع الضمیر المرفوع المستتر وجوبا. أشهر هذه المواضع تسعة (1) :

1 - أن یکون فاعلا لفعل الأمر المخاطب به الواحد المذکر ، مثل : أسرع لإنقاذ الصارخ ، وبادر إلیه. بخلاف الأمر المخاطب به الواحدة ، نحو : قومی ، أو للمثنی ؛ نحو : قوما ، أو الجمع ، نحو : قوموا ، وقمن. فإن هذه الضمائر تعرب

ص: 206


1- سرد ابن مالک من هذه المواضع أربعة فی قوله : ومن ضمیر الرفع ما یستتر کافعل ، أوافق ، نغتبط ، إذ تشکر ویقول فی الضمیر البارز المنفصل المرفوع المحل (وهو الذی یقابل السابق) : وذو ارتفاع وانفصال : «أنا» ، «هو» «وأنت» ... والفروع لا تشتبه أی لا تشتبه بغیرها بحیث یصعب تمییز بعضها من بعض. ویقول فی الضمیر البارز المنفصل المنصوب المحل : وذو انتصاب فی انفصال جعلا : «إیای» ، والتّفریع لیس مشکلا أی : جعل الضمیر «إیای» مثالا للضمیر السالف ، وهو للمتکلم ، أما باقی فروعه الخمسة فمعرفتها سهلة ولیست أمرا مشکلا.

فاعلا أیضا ، ولکنها ضمائر بارزة.

2 - أن یکون فاعلا للفعل المضارع المبدوء بتاء الخطاب للواحد ؛ مثل : یا بنیّ ، أتعرف متی تتکلم ومتی تسکت؟ بخلاف المبدوء بتاء الخطاب للواحدة ؛ مثل : تتعلمین یا زمیلة ، أو للمثنی بنوعیه ، مثل : أنتما تتعلمان ، أو للجمع بنوعیه مثل : أنتم تتعلمون وأنتن تتعلمن ؛ فإن هذه ضمائر رفع بارزة ، وبخلاف المبدوء بتاء الغائبة ، فإنه مستتر جوازا ؛ مثل : الأخت تقرأ (1).

3 - أن یکون فاعلا للفعل المضارع المبدوء بهمزة المتکلم ؛ مثل : أحسن اختیار الوقت الذی أعمل فیه ، وقول الشاعر :

لا أذود الطیر عن شجر

قد بلوت المرّ من ثمره

4 - أن یکون فاعلا للفعل المضارع المبدوء بالنون ؛ مثل نحب الخیر ، ونکره الأذی.

5 - أن یکون فاعلا للأفعال الماضیة التی تفید الاستثناء ؛ مثل : خلا - عدا - حاشا. تقول : حضر السیاح خلا واحدا - أو : عدا واحدا - أو : حاشا واحدا. ففاعل خلا وعدا وحاشا ضمیر مستتر وجوبا تقدیره : هو (2) ...

6 - أن یکون اسما مرفوعا لأدوات الاستثناء الناسخة ؛ (وهی : لیس ، ولا یکون) تقول : انقضی الأسبوع لیس یوما. انقضی العام لا یکون شهرا. فکلمة «یوما» و «شهرا» خبر للناسخ ، وهی المستثنی أیضا. أما اسم الناسخ فضمیر مستتر وجوبا تقدیره : هو.

7 - أن یکون فاعلا لفعل التعجب الماضی ؛ وهو : «أفعل» ؛ مثل : ما أحسن

ص: 207


1- إذا کان المضارع مبدوءا بتاء المخاطبة للمفردة ، أو لمثناها ، أو جمعها فلیست تاؤه للتأنیث وإنما هی علامة الخطاب المحض ، لوجود ما یدل علی التأنیث ، وهو الضمیر المتصل بالفعل. ومن الأمثلة أیضا : أنت یا زمیلتی لا تعرفین العبث - أنتما یا زمیلتیّ لا تعرفان العبث - أنتن یا زمیلاتی لا تعرفن العبث. بخلاف التاء التی فی أول المضارع الذی یکون فاعله اسما ظاهرا ، مؤنثا ، للمفردة ، أو لمثناها ، أو جمعها ، نحو : تتعلم عائشة - تتعلم العائشتان - تتعلم العائشات. وکذلک إن کان فاعله ضمیرا متصلا للغائبة المفردة ، أو لمثناها ؛ مثل : عائشة تتعلم - العائشتان تتعلمان. فإن کان فاعله ضمیرا متصلا لجمع الغائبات (أی : نون النسوة) فالأحسن - ولیس بالواجب - تصدیره بالیاء لا بالتاء ؛ استغناء بنون النسوة فی آخره ؛ نحو الوالدات یبذلن الطاقة فی حمایة الأولاد .. وسیجیء البیان فی ج 2 ص 65 م 66 ونائب الفاعل.
2- یعود علی بعض مفهوم من الکلام السابق ؛ أی : خلا هو ، أی : بعضهم. وسیجیء إیضاح هذا ، وبسط القول فی المراد منه عند الکلام علیه فی باب الاستثناء (ج 2).

الشجاعة. «فأحسن» فعل ماض للتعجب ، وفاعله ضمیر مستتر وجوبا تقدیره ؛ هو. «یعود علی : ما».

8 - أن یکون فاعلا لاسم فعل مضارع ، أو اسم فعل أمر ، مثل : أفّ من الکذب ، (بمعنی : أتضجر جدا). وآمین. (بمعنی : استجب.)

9 - أو فاعلا للمصدر النائب عن فعله الأمر ؛ مثل ؛ قیاما للزائر. فقیاما : مصدر ، وفاعله مستتر وجوبا ، تقدیره : «أنت» ؛ لأنه بمعنی : قم.

فهذه تسعة مواضع (1) ، هی أشهر المواضع التی یستتر فیها الضمیر وجوبا ، ولا یکون إلا مرفوعا متصلا - کما أشرنا من قبل. - أما الضمیر المستتر فی غیر تلک المواضع فاستتاره جائز ، لا واجب.

ص: 208


1- یزید علیها بعض النحاة : فاعل «نعم» و «بئس» وأخواتهما إذا کان ضمیرا مفسرا بنکرة ، مثل : نعم رجلا عمر. ففاعل نعم ضمیر مستتر تقدیره : هو ، تفسره النکرة التی تعرب بعده تمییزا ، وهی هنا : «رجلا». لکن المعروف أن «نعم» و «بئس» وأخواتهما قد یبرز فاعلهما الضمیر أحیانا ؛ مثل : نعمّا رجلین حامد وصالح ، ونعمّوا رجالا ؛ صالح ، وحامد ، وعلی. وقد یبرز وتجره الباء الزائدة نادرا - فلا یقاس علیه - ؛ مثل نعم بهم رجالا. فإن لاحظنا أن هذا الضمیر قد یبرز فی بعض الأحیان لم یکن من النوع المستتر وجوبا. وإن لاحظنا أن بروزه قلیل أو نادر أمکن الإغضاء عن هذا وعددناه من المستتر وجوبا. ولکن الأول أحسن.

زیادة وتفصیل

(ا) یعرب الضمیر المرفوع المستتر جوازا إمّا فاعلا إذا کان فعله لغائب أو غائبة ؛ کالأمثلة السابقة ، وإما فاعلا لاسم فعل ماض ؛ مثل : البحر هیهات. بمعنی : بعد جدّا ، أی : هو.

ومن أمثلة ذلک أیضا : شتان الصحة والضعف ، بمعنی : افترق الحال بینهما جدّا. فالصحة فاعل. وتقول الصحة والضعف شتان. أی : هما ، فالفاعل ضمیر ، تقدیره : هما. وتقول هیهات البحر هیهات. وشتان الصحة والضعف شتان. ففاعل «هیهات» الثانیة ضمیر مستتر جوازا تقدیره : «هو» یعود علی البحر ، بشرط أن تکون الجملة المکونة من : «هیهات» الثانیة وفاعلها توکیدا للجملة التی قبلها ، فیکون الکلام من توکید الجمل بعضها ببعض. أما لو جعلنا لفظة : «هیهات» الثانیة وحدها توکیدا للأولی فإنها لا تحتاج إلی الفاعل (1) ، ویکون الکلام من نوع توکید اسم الفعل وحده بنظیره. واسم الفعل ؛ کالفعل إذا وقع أحدهما - وحده بدون فاعل - توکیدا لفظیّا فإنه لا یحتاج لفاعل (2) ، وکذلک یقال فی : «شتان» فی الحالتین.

(ب) وإما مرفوعا لأحد المشتقات المحضة : (کاسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشبهة ، نحو : علی نافع ، أو مکرم ، أو فرح) ؛ ففی کل واحدة من هذه الصفات المشتقة ضمیر مستتر جوازا ، تقدیره : «هو» (3) ویکون الضمیر المرفوع بها فاعلا ، إلا مع اسم المفعول ، فیکون نائب فاعل.

أما المشتقات غیر المحضة (وهی التی غلبت علیها الاسمیة المجردة من الوصف بأن صارت اسما خالصا لشیء) فإنها لا تتحمل ضمیرا ؛ کالأبطح ، والأجرع أسماء أماکن ، ومثلهما : الأبیض ، والأرحب ، والمسعود ، والعالی ، أسماء قصور ، والمفتاح ، والملعقة ، والملعب ...

ومن المشتقات المحضة : «أفعل التفضیل» (4). والغالب فیه أنه یرفع الضمیر

ص: 209


1- سیجیء فی باب الفاعل (ح 2 ص 61 م 66) بیان أفعال لا تحتاج لفاعل.
2- کما سیجیء فی باب التوکید (ج 3)
3- ولا بد أن یعود علی غائب ؛ طبقا للبیان الذی فی «ط» من ص 243 - کما سبقت الإشارة فی رقم 3 من هامش ص 196 -.
4- تفصیل الکلام علیه وعلی أحکامه مدون فی بابه الخاص بالجزء الثالث ، م 112

المستتر ، ولا یرفع الظاهر - قیاسا - إلا فی المسألة التی یسمیها النحاة مسألة : «الکحل» وقد یرفعه نادرا - لا یقاس علیه - فی مثل : مررت برجل أفضل منه أبوه باعراب کلمة : «أبو» فاعلا (1). وکذلک یرفع الضمیر البارز نادرا فی لغة من یقول : مررت برجل أفضل منه أنت ، بإعراب «أنت» فاعلا ، حملا لها علی الفاعل الظاهر فی مسألة «الکحل». ولو أعرب «أنت» مبتدأ ، خبره : أفضل ، لجاز ولم یکن أفعل التفضیل رافعا للضمیر.

بناء علی ما تقدم لو لاحظنا أنه لا یرفع الظاهر إلا قلیلا ولا الضمیر البارز إلا نادرا فإن الضمیر المستتر فیه یکون من نوع المستتر وجوبا مع الإغضاء عن تلک القلة والندرة ، وإن لاحظنا الواقع من غیر نظر للقلة والندرة قلنا : إنه مستتر جوازا.

* * *

تلخیص ما سبق من أنواع الضمائر :

(ا) ینقسم الضمیر باعتبار مدلوله إلی ثلاثة أقسام : متکلم ، ومخاطب وغائب.

(ب) ینقسم الضمیر باعتبار ظهوره فی الکلام وعدم ظهوره إلی قسمین بارز ، ومستتر.

أقسام البارز

ینقسم الضمیر البارز إلی قسمین : منفصل. ومتصل.

- ا - ینقسم الضمیر البارز المنفصل باعتبار محله الإعرابی إلی :

1 - بارز منفصل فی محل رفع ، وهو : اثنا عشر ضمیرا ، للمتکلم اثنان ، هما : «أنا» وفرعه «نحن». وللمخاطب : «أنت» وفروعه الأربعة. وللغائب : «هو» وفروعه الأربعة.

2 - بارز منفصل فی محل نصب ، وهو اثنا عشر ضمیرا ؛ للمتکلم اثنان «إیای» وفرعه «إیانا». وللمخاطب «إیاک» وفروعه الأربعة. وللغائب «إیاه» وفروعه الأربعة.

ولا یوجد ضمیر بارز منفصل فی محل جر.

(ب) ینقسم الضمیر البارز المتصل باعتبار محله الإعرابی إلی ما یأتی :

1 - بارز متصل فی محل رفع ؛ وهو خمسة : التاء المتحرکة - ألف الاثنین -

ص: 210


1- أما بإعراب آخر صحیح فلا یکون نادرا.

واو الجماعة - یاء المخاطبة - نون النسوة.

2 - بارز متصل صالح لأن یکون فی محل نصب حینا ، وفی محل جر حینا آخر ، وهو ثلاثة : یاء المتکلم ، والکاف ، والهاء.

3 - بارز متصل ، صالح لأن یکون فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر ، هو : «نا».

ولا یوجد ضمیر بارز متصل فی محل نصب فقط ، أو فی محل جر فقط.

أقسام الضمیر المستتر

(ا) مستتر وجوبا وله جملة مواضع ، أشهرها : تسعة (1).

(ب) مستتر جوازا وله مواضع غیر السالفة.

* * *

ویتضمن الرسم الآتی کل ما سبق.

صورۀ

تقسیم آخر للضمیر بحسب محله الإعرابی :

ینقسم إلی خمسة أقسام. 1 - مرفوع متصل. 2 - مرفوع منفصل.

3 - منصوب متصل. 4 - منصوب منفصل. 5 - مجرور ، ولا یکون إلا متصلا.

ص: 211


1- سبقت فی ص 206.

المسألة 19: الضمیر المفرد

اشارة

(1)

، والضمیر المرکب

الغرض من الضمیر - کما عرفنا - الدلالة علی المتکلم ، أو المخاطب ، أو الغائب ، مع الدلالة علی الإفراد ، أو التثنیة ، أو الجمع ، والتذکیر ، أو التأنیث فی کل حالة.

غیر أن بعض الضمائر یقوم بهذه الدلالة مستقلا بنفسه ، معتمدا علی تکوینه وصیغته الخاصة به ، غیر محتاج إلی زیادة تلازم آخره ، لتساعده فی أداء مهمته ، فصیغته مفردة (بسیطة) وذلک کالیاء ، والتاء ، والهاء ، فی نحو : إنی أکرمت من أکرمت. فالیاء وحدها تدل علی المتکلم المفرد ، وکذلک التاء فی : «أکرمت» الأولی. أما التاء الثانیة فتدل علی المخاطب المفرد ، المذکر أو المؤنث علی حسب ضبطها ، وأما الهاء فتدل علی المفرد المذکر الغائب.

فکل ضمیر من الثلاثة - وأشباهها - کلمة واحدة ، انفردت بتحقیق الغرض منها ، وهو التکلم ، أو الخطاب ، أو الغیبة ، مع التذکیر أو التأنیث ، ومع الإفراد ، دون الاستعانة بلفظ یلازم آخرها.

ومثلها : «نحن» فی : نحن نسارع للخیرات - فإنها لفظة واحدة فی تکوینها ، وصیغة مستقلة بنفسها فی أداء الغرض منها ؛ وهو : «التکلم مع الدلالة علی الجمع ، أو علی تعظیم المفرد ، ولم یتصل آخرها اتصالا مباشرا بما یساعدها علی ذلک الغرض.

وبعضا آخر من الضمائر یقوم بتلک الدلالة ؛ ولکن من غیر أن یستقل بنفسه فی أدائها ، بل یحتاج لزیادة لازمة تتصل بآخره : لتساعده علی أداء المراد ؛ فصیغته مرکبة ، وتکوینه لیس مقصورا علی کلمة واحدة. وذلک مثل الضمیر : «إیا» فإنه لا یدل علی شیء مما سبق إلا بعد أن تلحقه زیادة فی آخره ؛ تقول : یای - إیاک - إیاکما - إیاکم - إیاکن ... ولو لا هذه الزیادة ما أدی مهمته ، ومثله : أنت ، نقول : أنتما ، أنتم ، أنتن ... وهکذا.

ص: 212


1- أی : أنه کلمة واحدة ، ولیس کلمتین أو أکثر. ویسمونه : «البسیط».

کیفیة إعراب الضمیر

بنوعیه : المستتر والبارز

قلنا : إن الضمائر کلها مبنیة ؛ فعند إعرابها لا بد أن نلاحظ أمرین :

أولهما : موقع الضمیر من الجملة ، أهو فی محل رفع ؛ کأن یکون مبتدأ فی مثل : أنت أمین ، أم فی محل نصب ، کأن یکون مفعولا به فی مثل : زارک الصدیق ، أم فی محل جر ؛ کأن یکون مضافا إلیه فی مثل : کتابی مثل کتابک؟

ثانیهما : حالة آخر الضمیر ؛ أساکنة هی ؛ مثل : أنا ، أم متحرکة مثل : التاء فی : أحسنت؟.

فإذا عرفنا هذین الأمرین أمکن إعراب الضمیر بعد ذلک ؛ فإذا کان الضمیر مبنیّا علی السکون فقد یکون فی محل رفع ؛ لأنه مبتدأ فی مثل : أنا مسافر ، أو لأنه فاعل فی مثل : «نا» من «سافرنا» وقد یکون فی محل نصب ؛ لأنه مفعول به. مثل : «نا» فی حامد «أکرمنا». وقد یکون فی محل جر فی مثل : «نا» من أقبل علینا ... وهکذا باقی مواضع الرفع ، والنصب ، والجر.

وإذا کان الضمیر متحرکا فإنه یبنی علی نوع حرکة آخره ؛ فیبنی علی الضم ، أو الفتح ، أو الکسر ، علی حسب تلک الحرکة. ویکون معها فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر ، علی حسب موقعه من الجملة - کما سبق - ، أهو مبتدأ ، أم فاعل ، أم مفعول ، أم مضاف إلیه ، أم غیر ذلک ، فکلمة : «نحن» فی مثل : نحن أصدقاء ، مبنیة علی الضم فی محل رفع ؛ لأنها مبتدأ. والکاف فی مثل : أکرمک الوالد ، مبنیة علی الفتح فی محل نصب ، لأنها مفعول به. والهاء فی مثل : محمد قصدت إلیه ؛ مبنیة علی الکسر فی محل جر ... وهکذا یقال فی کل ضمیر یتکون من لفظة واحدة لا یتصل بآخرها زیادة ، کالتی أشرنا إلیها من قبل.

فإن کان الضمیر غیر مقتصر علی نفسه بل فی آخره تلک الزیادة (1) اللّازمة مثل : (إیاک - إیاکما - إیاکم - إیاکن - أنت - أنتما - أنتم - أنتن) فإن

ص: 213


1- هی الزیادة التی تتصل بآخر الضمیر : «إیا». وسبق بیانها فی ص 205. ومثلها الزیادة التی تتصل بآخر الضمیر : «التاء» ، وسبق بیانها فی رقم 3 من هامش ص 199.

الأنسب الیوم إدماج الضمیر والزیادة الحتمیة معا عند الإعراب ، وعدّهما بمنزلة کلمة واحدة ، بحیث لا نعتبر أن الضمیر فی «إیاکما» و «أنتما» هو کلمة : «إیا» وحدها ، «وأن» وحدها .... وأن الکاف ، أو التاء ، حرف خطاب مبنی علی الفتح لا محل له من الإعراب ، وما بعدها حرف دال علی التثنیة ، أو علی جمع المذکر ، أو جمع المؤنث. فمن المستحسن رفض هذا التجزیء رفضا قاطعا ، وأن نتبع النحاة الداعین إلی اعتبار کلمة : «إیا» مع ما یصحبها لزوما هما معا : «الضمیر» ، وأنهما فی الإعراب کلمة واحدة. وکذلک : «أنتما» وباقی الفروع. وهذا الرأی الحسن یناسبنا الیوم ؛ لما فیه من تیسیر وتخفیف ، واختصار ، ولیس فیه ما یسیء إلی سلامة اللغة وفصاحتها ؛ فنقول فی کل من : أنت - أنتما - أنتم - أنتن - إیاک - إیاکما - إیاکم - إیاکنّ ، ونظائرها - إن الکلمة کلها بملحقاتها ضمیر مبنی علی کذا فی محل کذا (1).

ص: 214


1- لهذا نظیر فی رقم 1 من هامش ص 201.

زیادة وتفصیل

- ا - وقوع الکاف حرف خطاب :

قد یتعین أن تکون «الکاف» حرف خطاب مبنیّا ؛ فلا محل له من الإعراب (1).

أی : أنها لا تکون ضمیرا. وذلک فیما یأتی :

1- فی مثل : أرأیتک الحدیقة ، هل طاب ثمرها مبکرا؟ أرأیتک الزراعة ؛ أتغنی عن الصناعة؟ ومعنی «أرأیتک» : أخبرنی ، الحدیقة ... أخبرنی الزراعة ... وإلیک الإیضاح :

کاف الخطاب الحرفیة قد تتصل بآخر الفعل : «رأی» فیصیر «رأیت» بشرط أن تسبقه همزة الاستفهام ، وأن یجیء بعد الکاف اسم منصوب ، ثم جملة استفهامیة. وهو فعل ماض ، فاعله التاء المتصلة بآخره ، المبنیة علی الفتح دائما (2) ، فی محل رفع. لأنها فاعل. وتقع بعدها «الکاف» حرف خطاب ؛ یتصرف وجوبا علی حسب المخاطبین (3) ، ولا تتصرف التاء ... فنقول للمخاطبة : أرأیتک ، وللمثنی بنوعیه : أرأیتکما» ، وللجمع المذکر : أرأیتکم ، وللجمع المؤنث : أرأیتکن. ومعنی «أرأیتک : أخبرنی» ، کما سبق. وهی إما منقولة من : رأیت ، بمعنی : «عرفت» أو بمعنی : أبصرت ، فتحتاج لمفعول واحد فی الحالتین ، وإما منقولة من : «رأیت» بمعنی : علمت ؛ فتحتاج إلی مفعولین. وسواء أکانت منقولة من هذه أم من تلک فإنها فی أصلها جملة خبریة بمعنی ما تقدم ، ثم صارت بعد النقل وبعد أن لازمتها همزة الاستفهام جملة إنشائیة. طلبیة ، لها معنی جدید ؛ هو ؛ أخبرنی ، أی : طلب الاستخبار ، وهو : طلب معرفة الخبر. وعلی أساس هذین الاعتبارین یکون إعراب ما یأتی بعدها ؛ فإن لاحظنا أن أصلها : عرفت ، أو أبصرت - کان الاسم المنصوب بعدها مفعولا به لها ، وتکون الجملة الاستفهامیة بعدها مستأنفة. وعلی اعتبار أن أصلها : «علمت» یکون ذلک الاسم المنصوب بعدها مفعولا به أول ، وتکون جملة الاستفهام التی بعده فی محل نصب ، تغنی عن المفعول الثانی. وإن لاحظنا حالتها الحاضرة ، وأنها الآن جملة إنشائیة طلبیة ؛ بمعنی «أخبرنی» ،

ص: 215


1- کما سبقت الإشارة فی رقم 4 من هامش ص 196.
2- کما أشرنا لهذا فی رقم 3 من هامش ص 119.
3- راجع من هامش ص 292.

ولم نلتفت إلی الأصل الأول - فإن الاسم المنصوب بعدها یکون منصوبا علی نزع الخافض (1) ، والجملة الاستفهامیة بعده مستأنفة ؛ فکأنک تقول فی الأمثلة السابقة وأشباهها : أخبرنی عن الحدیقة ؛ هل طاب ثمرها مبکرا؟ أخبرنی عن الزراعة ؛ أتغنی عن الصناعة؟

وجدیر بالتنویه أن الاستعمال السابق لا یکون إلا حین نطلب معرفة شیء له حالة عجیبة ؛ وأن یکون بالصورة المنقولة عن فصحاء العرب ؛ فیبدأ الأسلوب - کما قلنا - بهمزة الاستفهام ؛ یتلوها جملة : «رأیتک» ؛ فاسم منصوب ؛ فجملة استفهامیة تبین الحالة العجیبة التی هی موضع الاستخبار. فلا بد أن یشتمل الأسلوب علی هذه الأمور الأربعة ، مرتبة علی حسب ما ذکرنا. غیر أن الاستفهام فی الجملة المتأخرة قد یکون ظاهرا کما مثل ؛ وقد یکون مقدرا هو وجملته ؛ کما فی قوله تعالی : (أَرَأَیْتَکَ هذَا الَّذِی کَرَّمْتَ عَلَیَّ ، لَئِنْ أَخَّرْتَنِ ...) إلخ ، فالتقدیر : «أرأیتک هذا الذی کرمت علیّ ، لم کرمته علی؟.

وقد یحذف الاسم المنصوب الذی بعد : «أرأیتک» إذا کان مفهوما ، نحو قوله تعالی : (قُلْ أَرَأَیْتَکُمْ إِنْ أَتاکُمْ عَذابُ اللهِ) أی : قل أرأیتکم المعارضین إن أتاکم عذاب الله.

هذا إن قصد الاستخبار والتعجب - أما إن بقی الفعل «رأی» من «رأیت» علی أصله اللغوی الأول بمعنی : «عرفت» أو بمعنی : «أبصرت» أو بمعنی : «علمت» وجاءت قبله همزة الاستفهام فی الحالتین فإن التاء اللاحقة به تتصرف ، وتعرب فاعلا ، وتعرب الکاف المتصلة به ضمیرا مفعولا به ، وتتصرف علی حسب حال المخاطب ؛ فتقول : «أرأیتک ذاهبا ، أرأیتک ذاهبة» أرأیتکما ذاهبین ، أرأیتکم ذاهبین ، أرأیتکن ذاهبات - فتکون «الکاف» وحدها ، أو هی وما اتصلت به من علامة تثنیة أو جمع - ضمیرا مفعولا به أول ، والاسم المنصوب بعد ذلک هو المفعول الثانی. هذا إذا کانت. «رأی» بمعنی : «علم» التی تنصب مفعولین. أما إذا کانت «رأی» تنصب مفعولا واحدا فالضمیر هو مفعولها ، والاسم المنصوب بعده حال.

ص: 216


1- توضیحه وبیان حکمه فی ج 2 ص 133 م 71 (طریقة تعدیة الفعل الثلاثی اللازم).

وسیجیء فی أول الجزء الثانی (1) تفصیل الکلام علی الفعل : «رأی» من ناحیة معناه وتعدیته إلی مفعول أو أکثر.

2 - فی اسم الفعل الذی یقوم معنی وعملا مقام فعل لا ینصب مفعولا به ، مثل : حیّهل ؛ بمعنی : أقبل. والنّجاء. بمعنی : أسرع ، وروید ، بمعنی تمهل ... ؛ فقد ورد عن العرب قولهم : حیّهلک ، والنّجاءک ، ورویدک ، فالکاف هنا حرف خطاب ؛ ولا یصح أن یکون ضمیرا مفعولا لاسم الفعل ؛ لأن أسماء الأفعال هذه لا تنصب مفعولا به ؛ لأنها تقوم معنی وعملا مقام أفعال لا تنصب مفعولا به. وکذلک لا یصح أن تکون الکاف ضمیرا فی محل جر مضافا إلیه ؛ لأن أسماء الأفعال مبنیة ، فلا یکون واحد منها مضافا (2).

3 - فی بعض أفعال مسموعة عن العرب یجب الاقتصار علیها ؛ مثل : «أبصر» فی : أبنصرک محمدا ، بمعنی : أبصر محمدا. ولا یمکن أن تکون الکاف هنا مفعولا به ؛ لأن هذا الفعل لا ینصب إلّا مفعولا واحدا ؛ وقد نصبه ؛ ونعنی به : «محمدا» ولأن فعل الأمر لا ینصب ضمیرا للمخاطب الذی یتجه إلیه الأمر. ومثل : «لیس» فی لستک محمدا مسافرا.

ومثل : نعم وبئس فی : نعمک الرجل محمود ، وبئسک الرجل سلیم ؛ وذلک لأن الفعل : «نعم» «وبئس» لا ینصب مفعولا به.

ومثل : حسب فی قولهم : جئت ، وما حسبتک أن تجیء ؛ لأن الکاف لو أعربت ضمیرا لکانت المفعول الأول «لحسب» ، ولکان المفعول الثانی هو المصدر المؤول (أن تجیء) ویترتب علی ذلک أن یکون المصدر المؤول خبرا عن الکاف ، باعتبار أن أصلهما المبتدأ والخبر (لأن مفعولی : حسب ؛ أصلهما المبتدأ والخبر) وإذا وقع المصدر المؤول هنا خبرا عن الکاف ترتب علیه الإخبار بالمعنی عن الجثة ؛ وهو ممنوع عندهم فی أغلب الحالات(3).

4 - بعض حروف مسموعة یجب الاقتصار علیها ؛ مثل : کلّا ، بلی ، تقول : کلّاک ، أنت لا تخالف الوعد؟. ویسألک سائل : ألست صاحب فضل

ص: 217


1- فی باب : «ظن وأخواتها» ص 5 م 10 مناسبة له ثم تتمة هامة فی ص 13 ثم فی باب : «أعلم وأری».
2- راجع ما سبق فی ص 73 وفی رقم 4 من هامش ص 196.
3- هو ممنوع علی سبیل الحقیقة ، لا المجاز.

علیک؟ فتجیب : بلاک. أی : بلی لک. (أنا موافق لک فی أنک صاحب فضل).

* * *

(ب) کیف نعرب الضمیر الواقع بعد : «لو لا» إذا کان من غیر ضمائر الرفع؟ وکیف نعرب الضمیر الواقع بعد : «عسی» إذا کان من فیر ضمائر الرفع أیضا؟ أشرنا فی رقم 2 من ص 211 إلی أن «یاء» المتکلم ، و «کاف» الخطاب ، و «هاء» الغالب ، ضمائر مشترکة بین محلی النصب والجر ، ولا تکون فی محل رفع. فما إعراب کل منها إذا وقع بعد کلمة : «لو لا» الامتناعیة التی لا یقع بعدها إلا المبتدأ ؛ مثل : لولای ما حضرت - لولاک لسافرت. -. الطائرة سریعة ؛ لولاها لتأخرت ، وفضل الطیران عظیم ؛ لولاه لاحتملنا مشقات عظیمة ... فما إعراب هذا الضمیر الواقع بعد : «لو لا» فی الأمثلة السابقة وأشباهها؟

نعید ما سبق (1) ، وهو أن أیسر وأوضح ما یقال فی الضمائر الثلاثة أنها - وإن کانت لا تقع فی محل رفع - تصلح بعد «لو لا» خاصة أن تقع فی محل رفع ، فیعرب کل ضمیر منها مبتدأ مبنیّا علی الحرکة التی فی آخره فی محل رفع ، وخبره محذوف. وهذا الرأی فوق یسره ووضوحه یؤدی إلی النتیجة التی ترمی إلیها الآراء الأخری ، من غیر تعقید - وفی مقدمتها رأی : سیبویه الذی یجعل : «لو لا» فی هذه الأمثلة وأشباهها حرف جر شبیه بالزائد ، وما بعدها مجرور بها لفظا مرفوع محلا ؛ لأنه مبتدأ ، ونکتقی بالإشارة إلی تعدد الآراء من غیر تعرض لتفاصیلها المرهقة المدونة فی المطولات. وکذلک قلنا فیما مضی (2) : إذا وقع ضمیر من تلک الثلاثة بعد «عسی» التی للرجاء ، والتی هی من أخوات کان ، ترفع الاسم وتنصب الخبر ، نحو : عسای أن أدرک المراد ، أو : عسانی ، أو : عساک أن توفق فی عمل الخیر. وعساه أن یرشد إلی الصواب ... فخیر ما یقال فی إعرابها : أن «عسی» حرف رجاء ؛ بمعنی : «لعل» تنصب الاسم وترفع الخبر ، ولیست فعلا من أخوات کان. وهذا أیسر وأوضح من باقی الآراء الأخری الملتویة.

ص: 218


1- فی رقم 3 من هامش ص 200.
2- فی رقم 3 من هامش ص 200.

ح - ضمیر الفصل :

من أنواع الضمیر نوع یسمی : «ضمیر الفصل» (1). وهو من الضمائر السابقة ، ولکن له أحکام خاصة ینفرد بها دون سواه. وإلیک أمثلة توضحه.

1 - «الشجاع الناطق بالحق یبغی رضا الله». ما المعنی الأساسی الذی نریده من هذا الکلام ، بحیث لا یمکن الاستغناء عنه؟ أهو : الشجاع یبغی رضا الله؟ فتکون جملة : «یبغی رضا الله» رکنا أساسیّا فی الکلام ؛ لأنها خبر ، لا یتحقق المعنی الأصلی إلا بوجودها ، وانضمامها إلی المبتدأ ، کلمة : «الشجاع» وما عداهما فلیس أساسیّا ، وإنما هو زیادة تخدم المعنی الأصلی وتکمله (فتعرب الناطق : صفة) ... أم المعنی الأساسی هو : «الشجاع ، الناطق الحق»؟ فکأننا نتحدث عن الشجاع ونعرفه بأنه : الناطق بالحق ؛ فتکون کلمة : «الناطق» ، هی الأساسیة والضروریة التی یتوقف علیها المعنی المطلوب ، لأنها خبر لا یستقیم المعنی الأصلی ولا یتمّ بدونه ، وما جاء بعدها فهو زیادة تکمیلیة ؛ تخدم المعنی الأصلی من غیر أن یتوقف وجوده علیها ، ومن الممکن الاستغناء عنها.

الأمران جائزان ، علی الرغم من الفارق المعنوی بینهما. ولا سبیل لتفضیل أحدهما علی الآخر ؛ لعدم وجود قرینة توجه لهذا دون ذاک.

لکن إذا قلنا : الشجاع - هو - الناطق بالحق ، یبغی رضا الله. فإن الأمر یتغیر ؛ بسبب وجود الضمیر : «هو» : فیتعین المعنی الثانی وحده ، ویمتنع الأول ، ویزول الاحتمال الذی کان قائما قبل مجیء الضمیر.

2 - «إن الزعیم الذی ترفعه أعماله تمجده أمته». ما المعنی الأساسی فی هذا الکلام؟ أهو تعریف الزعیم بأنه : «الذی ترفعه أعماله»؟ فیکون هذا التعریف رکنا أصیلا فی الکلام ، لا یمکن الاستغناء عنه بحال ، وما بعده متمم له ، وزیادة طارئة علیه ، یمکن الاستغناء عنها ، وتعرب «الذی» اسم موصول خبر «إن» ... أم هو القول بأن : «الزعیم تمجده أمته»؟ فتکون هذه الجملة الفعلیة هی عصب الکلام ، لا یقوم المعنی إلا بها ، «لأنها خبر» ولا یتحقق المراد إلا بوجودها مع کلمة الزعیم ، وما عداها فزیادة طارئة لا أصیلة (وتعرب کلمة : «الذی» اسم موصول ، صفة)؟

ص: 219


1- أو : ضمیر العماد ؛ کما سیجی فی ص 221.

الأمران متساویان ؛ یصح الأخذ بأحدهما أو بالآخر بغیر ترجیح. لکن إذا قلنا : «إن الزعیم - هو - الذی ترفعه أعماله» امتنع الاحتمال الثانی ، وتعین المعنی الأول بسبب وجود الضمیر الدال علی أن ما بعده هو الجزء الأساسی المتمم للکلام ، وأن الغرض الأهم هو الإخبار عن الزعیم بأنه : ترفعه أعماله. وما عدا ذلک فزیادة فرعیة غیر أصیلة فی تأدیة المراد. (فتکون کلمة : «الذی» هی الخبر ولیست صفة).

3 - «لیس المحسن المنافق بإحسانه ، یخفی أمره علی الناس». فما المعنی الأصیل فی هذا الکلام؟ أهو القول أن المحسن لا یخفی أمره علی الناس فیکون نفی «الخفاء» هو الغرض الأساسی ، وما عداه زیادة عرضیة (وتعرب کلمة : «المنافق» صفة)؟

أم القول بأنه : (لیس المحسن ، المنافق بإحسانه)؟ فمن کان منافقا بإحسانه فلن یسمی : محسنا. فقد نفینا صفة الإحسان عن المنافقین ، فتکون کلمة «المنافق» جزءا أصیلا فی تأدیة المعنی ؛ (لأنها خبر لیس) وما عداها تکملة طارئة.

الأمران جائزان ، إلا إذا قلنا لیس المحسن - هو - المنافق ؛ فیتعین المعنی الثانی وحده لوجود الضمیر : «هو» ، القاطع فی أن ما بعده هو الأصیل وهو الأساسی ؛ لأنه خبر.

4 - یقول النحاة فی تعریف الکلام : «الکلام اللفظ المرکب المفید ...» أتکون کلمة : «اللفظ» أساسیة فی المعنی المراد ؛ لأنها خبر ، أم غیر أساسیة ؛ لأنها بدل من الکلام ، وما بعدها هو الأساسی؟ الأمران متساویان. فإذا أتینا بکلمة - هو - تعین أن تکون کلمة «اللفظ» خبرا لا بدلا.

فالضمیر - هو - وأشباهه یسمی : «ضمیر الفصل» ؛ لأنه یفصل فی الأمر حین الشک ؛ فیرفع الإبهام ، ویزیل اللبس ؛ بسبب دلالته علی أن الاسم بعده خبر لما قبله ؛ من مبتدأ ، أو ما أصله المبتدأ ، ولیس صفة ، ولا بدلا ، ولا غیرهما من التوابع والمکملات التی لیست أصیلة فی المعنی الأساسی ، کما یدل علی أن الاسم السابق مستغن عنها ، لا عن الخبر. وفوق ذلک کله یفید فی الکلام معنی الحصر والتخصیص (أی : القصر المعروف فی البلاغة).

تلک هی مهمة ضمیر الفصل - لکنه قد یقع أحیانا بین مالا یحتمل شکّا

ص: 220

ولا لبسا ؛ فیکون الغرض منه مجرد تقویة الاسم السابق ، وتأکید معناه بالحصر. والغالب أن یکون ذلک الاسم السابق ضمیرا ؛ کقوله تعالی : (وَکُنَّا نَحْنُ الْوارِثِینَ) وقوله : (کُنْتَ أَنْتَ الرَّقِیبَ عَلَیْهِمْ) ، وقوله : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْکَ مالاً وَوَلَداً فَعَسی رَبِّی أَنْ یُؤْتِیَنِ ...) ففی المثال الأول قد توسط ضمیر الفصل (نحن) بین کلمتی «نا» و «الوارثین» ، مع أن کلمة : «الوارثین» خبر کان منصوبة بالیاء ولا یصح أن تکون صفة ، إذ لا یوجد موصوف غیر «نا» التی هی ضمیر ، والضمیر لا یوصف. وفی المثال الثانی توسط ضمیر الفصل (أنت) بین «التا» و «الرقیب» ، مع أن کلمة : «الرقیب» منصوبة ؛ لأنها خبر «کان» ولا تصح أن تکون صفة للتاء ، لأن الضمیر لا یوصف کما قلنا ، وکذلک الشأن فی المثال الثالث الذی توسط فیه ضمیر الفصل «أنا» بین «الیاء» (1) وکلمة : «أقل» التی هی المفعول الثانی للفعل : «تری» ولا یصح أن تکون صفة للیاء ، لأن الضمیر لا یوصف. و. و. وهکذا وقع ضمیر الفصل قبل مالا یصلح صفة ، بل قبل مالا یصلح صفة ، ولا تابعا من التوابع أو المکملات.

وإذا کان البصریون یسمونه : «ضمیر الفصل» فالکوفیون یسمونه بأسماء أخری تتردد أحیانا فی کتب النحو : فبعضهم یسمیه : «عمادا» ؛ لأنه یعتمد علیه فی الاهتداء إلی الفائدة. وبیان أن الثانی خبر لا تابع. وبعضهم یسمیه : «دعامة» ؛ لأنه یدعم الأول ، أی : یؤکده ، ویقویه ؛ بتوضیح المراد منه ، وتخصیصه وتحقیق أمره بتعیین الخبر له ، وإبعاد الصفة ، وباقی التوابع وغیرها ؛ إذ تعیین الخبر یوضح المبتدأ ویبین أمره ، لأن الخبر هو المبتدأ فی المعنی.

شروط ضمیر الفصل

یشترط فیه ستة شروط : (اثنان فیه مباشرة. واثنان فی الاسم الذی قبله ، واثنان فی الاسم الذی بعده) فیشترط فیه مباشرة :

1- أن یکون ضمیرا منفصلا مرفوعا.

2- أن یکون مطابقا للاسم السابق فی المعنی ، وفی التکلم ، والخطاب ،

ص: 221


1- هی محذوفة. والأصل : إن ترنی ...

والغیبة ، وفی الإفراد ، والتثنیة والجمع ،. وفی التذکیر ، والتأنیث ، کالأمثلة السابقة ، ومثل : «العلم هو الکفیل بالرقی ، یصعد بالفرد إلی أسمی الدرجات. والأخلاق هی الحارسة من الزلل ، تصون المرء من الخطل» - «النّیران هما المضیئان فوق کوکبنا ، یسبحان فی الفضاء» - «العلماء هم الأبطال یحتملون فی سبیل العلم ما لا یحتمله سواهم» - «الأمهات هن البانیات مجد الوطن یقمن الأساس ویرفعن البناء» ... وهکذا. فلا یجوز : کان محمود أنت الکریم ، ولا ظننت محمودا أنت الکریم : لأن الضمیر «أنت» لیس معناه معنی الاسم السابق «محمود» ، ولا یدل علیه ؛ فلا یکون فیه التأکید المقصود من ضمیر الفصل ، ولا یحقق الغرض. وکذلک لا یجوز کان المحمودان أنت الکریمان. ولا إن هندا هو المؤدبة ، وأمثال هذا مما لا مطابقة فیه ... ویشترط فی الاسم الذی قبله :

1- أن یکون معرفة.

2- وأن یکون مبتدأ ، أو ما أصله المبتدأ ؛ کاسم «کان» وأخواتها ؛ واسم «إن» وأخواتها ، ومعمول «ظننت» وأخواتها. کالأمثلة السابقة ، ومثل : «الوالد هو العامل علی خیر أسرته یراقبها ، والأم هی الساهرة علی رعایة أفرادها لا تغفل» - «کان الله هو المنتقم من الطغاة لا یهملهم» - «إن الصناعة هی العماد الأقوی فی العصر الحدیث تنمو عندنا» - «وما تفعلوا من خیر تجدوه عند الله هو خیرا وأعظم أجرا».

وسبب اشتراط هذا الشرط أن اللبس یکثر بین الخبر والصفة ؛ لتشابههما فی المعنی ؛ إذ الخبر صفة فی المعنی - بالرغم من اختلاف کل منهما فی وظیفته وإعرابه ، وأن الخبر أساسی فی الجملة دون الصفة -. فالإتیان بضمیر الفصل یزیل اللبس الواقع علی الکلمة ، ویجعلها خبرا ، ولیست صفة ، لأن الصفة والموصوف لا یفصل بینهما فاصل إلا نادرا. نعم قد یقع اللبس بین الخبر وبعض التوابع الأخری غیر الصفة ، ولکنه قلیل ، أما مع الصفة فکثیر.

ویشترط فی الاسم الذی بعده :

1- أن یکون خبرا لمبتدأ ، أو لما أصله مبتدأ.

2- أن یکون معرفة ، أو ما یقاربها فی التعریف «وهو : : أفعل التفضیل

ص: 222

المجرد من أل والإضافة. وبعده : من» فلا بد أن یتوسط بین معرفتین ، أو بین معرفة وما یقاربها. ومن أمثلة ذلک غیر ما تقدم.

1- العالم هو العامل بعلمه ؛ ینفع نفسه وغیره.

2- إن الثروة هی المکتسبة بأشرف الوسائل ؛ لا تعرف دنسا ، ولا تقرب خسة.

3- ما زالت الکرامة هی الواقیة من الضعة ، تدفع صاحبها إلی المحامد ، وتجنبه مواقف الذل.

ومن أمثلة توسطه بین معرفة وما یقاربها :

1- النبیل هو أسرع من غیره لداعی المروءة ، یلبی من یناد.

2- الشمس هی أکبر من باقی مجموعتها ؛ لا تغیب.

3- الموت فی الحرب أکرم من الاستسلام ، والاستسلام هو أقبح من الهزیمة ، لا یمحی عاره.

فلا یصح کان رجل هو سباقا ؛ لعدم وجود المعرفتین معا. ولا کان رجل هو السباق ؛ لعدم وجود المعرفة السابقة ؛ ولا کان محمد هو سباقا ؛ لعدم وجود المعرفة الثانیة ، أو ما یقاربها.

أما اشتراط أن یکون ما بعده معرفة فلأن لفظ ضمیر الفصل لفظ المعرفة ، وفیه تأکید ؛ فوجب أن یکون المدلول السابق الذی یؤکده هذا الضمیر معرفة ، کما أن التأکید کذلک ، ووجب أن یکون ما بعده معرفة أیضا ؛ لأنه لا یقع بعده - غالبا - إلا ما یصح وقوعه نعتا للاسم السابق. ونعت المعرفة لا یکون إلا معرفة. ولکل ما سبق وجب أن یکون بین معرفتین. أما ما قارب المعرفة - وهو أفعل التفضیل المشار إلیه - فإنه یشابه المعرفة فی أنه مع «من» لا یجوز إضافته ، ولا یجوز دخول «أل» علیه ؛ فأشبه العلم من نحو : محمد ، وصالح ، وهند ، فی أنه - فی الغالب - لا یضاف ، ولا تدخل علیه أل. هذا إلی أن وجود (من) بعده یفیده تخصیصا ، ویکسبه شیئا من التعیین والتحدید یقربه من المعرفة. هکذا قالوا ، ولا داعی لشیء من هذا ؛ لأن السبب الحقیقی هو استعمال العرب لیس غیر ، ومجیء کلامهم مشتملا علی ضمیر الفصل بین المعرفة وما شابهها.

ص: 223

إعراب ضمیر الفصل

انسب الآراء وأیسرها هو الرأی الذی یتضمن الأمرین التالیین :

1- أنه فی الحقیقة لیس ضمیرا «بالرغم من دلالته علی التکلم ، أو الخطاب ، أو الغیبة» ؛ وإنما هو حرف خالص الحرفیة ؛ لا یعمل شیئا ؛ فهو مثل «کاف» الخطاب فی أسماء الإشارة ، وفی بعض کلمات أخری ؛ نحو : ذلک ، وتلک ، والنجاءک «وقد سبقت الإشارة إلیها فی هذا الباب (1)» فمن الأنسب أیضا تسمیته : «حرف الفصل» ، ولا یحسن تسمیته «ضمیر الفصل» إلا مجازا : بمراعاة شکله ، وصورته الحالیة ، وأصله قبل أن یکون لمجرد الفصل.

2- أن الاسم الذی بعده یعرب علی حسب حاجة الجملة قبله ، من غیر نظر ولا اعتبار لحرف الفصل الموجود ؛ فیجری الإعراب علی ما قبل حرف الفصل وما بعده من غیر التفات إلیه ؛ فکأنه غیر موجود ؛ لأنه حرف مهمل لا یعمل ، والحرف لا یکون مبتدأ ولا خبرا ، ولا غیرهما من أحوال الأسماء. وإذا کان غیر عامل لم یؤثر فی غیره.

لکن هناک حالة واحدة یکون فیها اسما ، ویجب إعرابه وتسمیته فیها : ضمیر الفصل ؛ وهی نحو : «کان السّباق هو علیّ» (برفع کلمة : السبّاق ، وکلمة : علیّ).

لا مفر من اعتبار : «هو» ضمیرا مبتدأ مبنیّا علی الفتح فی محل رفع وخبره کلمة : «علیّ» المرفوعة ، والجملة من المبتدأ والخبر فی محل نصب خبر : «کان». وبغیر هذا الاعتبار لا نجد خبرا منصوبا لکان. ومثل هذا یقال فی کل جملة أخری لا یمکن أن یتصل فیها الاسم الثانی بالأول بصلة إعرابیة إلا من طریق اعتبار الفاصل بینهما ضمیرا مبتدأ علی نحو ما تقدم.

وإن اتباع ذلک الرأی الأنسب والأیسر لا یمنع من اتباع غیره -. لکنه یریحنا من تقسیم مرهق ، وتفصیل عنیف یردده أصحاب الآراء ، والجدل ، متمسکین بأنه ضمیر ، وأنه اسم إلا فی حالات قلیلة ، من غیر أن یکون لآرائهم مزیة تنفرد بها دون سواها ، وسنعرض بعض تفریعاتهم لیأخذ بها من یشاء ، ولنستعین بها علی فهم الأوجه الإعرابیة الواردة فی صور قدیمة مأثورة مشتملة علی ذلک الضمیر.

ص: 224


1- فی هامش ص 196 ، و 217

إنهم یقولون إن ضمیر الفصل اسم ؛ فلا بد له - کباقی الأسماء - من محل إعرابی ، إلا إذا تعذر الأمر ؛ فیکون اسما لا محل له من الإعراب کالحرف ، أو هو حرف. ویرتبون علی هذا الأصل فروعا کثیرة معقدة ، ویزیدها تعقیدا کثرة الخلاف فیها ، وإلیک بعض هذه التفریعات. (ونحن فی غنی عن أوضحها وغیر الأوضح بما اقترحناه من التیسیر المفید) :

1- «العقل هو الحارس» : إذا کان الاسم الواقع بعد ضمیر الفصل مرفوعا جاز فی الضمیر أن یکون مبتدأ خبره الاسم المتأخر عنه : «الحارس» والجملة منهما معا خبر المبتدأ الأول (العقل).

ویجوز عندهم إعراب آخر : أن یکون ضمیر الفصل اسما لا محل له من الإعراب - أو حرفا - فکأنه غیر موجود فی الکلام ، فیعرب ما بعده علی حسب حاجة الجملة من غیر اعتبار لوجود ذلک الضمیر ؛ فتکون کلمة : «حارس» هنا مرفوعة خبر المبتدأ. وهم یفضلون الإعراب الأول ؛ لکیلا یقع الضمیر مهملا لا محل له من الإعراب من غیر ضرورة.

ومثل ذلک یقال مع إن وأخواتها ؛ مثل : إن محمدا هو الحارس ، لأن الاسم الذی بعد الضمیر مرفوع.

2- «کان محمد هو الحارس» «ظننت محمدا هو الحارس». إذا وقع ضمیر الفصل بعد اسم ظاهر مرفوع ، وبعده اسم منصوب - لم یجز فی الضمیر عندهم إلا اعتباره اسما مهملا ، لا محل له من الإعراب ، کالحرف ، أو هو حرف وما بعده خبر کان أو مفعول ثان للفعل : «ظننت» أو أخواتهما. أما إذا کانت کلمة : «الحارس» وأشباههما مرفوعة (لأنه یجوز فیها الرفع) فالضمیر عندئذ مبتدا ، وما بعده خبر له ، والجملة منهما فی محل نصب خبر : «کان» ، أو مفعولا ثانیا للفعل : «ظننت» ، أو لأخواتهما (1).

3- «کنت أنت المخلص». إذا توسط ضمیر الفصل بین اسمین ، السابق

ص: 225


1- یقول سیبویه إن کثیرا من العرب یجعلون «هو» وأخواته فی هذا الباب اسما مبتدأ ، وما بعده مبنیا علیه (أی خبره) وحکی عن «رؤبة» أنه کان یقول : أظن زیدا هو خیر منک. وحکی أن کثیرا من العرب کانوا یقولون ؛ وما ظلمناهم ولکن کانوا هم الظالمون. (راجع کتاب سیبویه ، ج 1 ص 395).

منهما ضمیر متصل مرفوع ، والمتأخر اسم منصوب - جاز فی ضمیر الفصل أن یکون اسما لا محل له من الإعراب ، کالحرف أو هو حرف ، وما بعده یعرب علی حسب حاجة ما قبله ، فهو هنا منصوب خبر کان. وجاز فی ضمیر الفصل أن یکون توکیدا لفظیّا للتاء (لأن الضمیر المنفصل المرفوع یؤکد کل ضمیر متصل کما سبق) وتکون کلمة : «المخلص» خبرا لکان منصوبا.

4- إذا کانت کلمة «المخلص» فی المثال السابق مرفوعة ولیست منصوبة وجب فی ضمیر الفصل أن یکون مبتدأ خبره کلمة : «المخلص» ، والجملة منهما فی محل نصب خبر «کان». ومثل هذا یقال فی کل ما یشبه الفروع السابقة.

وهناک فروع وأحوال أخری متعددة ، نکتفی بالإشارة إلیها ، إذ لا فائدة من حصرها هنا بعد أن اخترنا رأیا سهلا یریحنا من عنائها. فمن شاء أن یطلع علیها فلیرجع إلیها فی المطولات (1).

* * *

(د) ضمیر الشأن ، أو : ضمیر القصة ، أو ضمیر الأمر ، أو ضمیر الحدیث ... أو ضمیر (2) المجهول ...

من الضمائر نوع آخر له اسم من الأسماء السالفة ، وأحکام محدودة ؛ والاسم أول أشهر فالذی یلیه. وبیانه :

العرب الفصحاء - ومن یحاکیهم الیوم - إذا أرادوا أن یذکروا جملة اسمیة ، أو فعلیة ، تشتمل علی معنی هام ، أو غرض فخم ؛ یستحق توجیه الأسماع والنفوس إلیه - لم یذکروها مباشرة ، خالیة مما یدل علی تلک الأهمیة والمکانة ؛ وإنما یقدمون لها بضمیر یسبقها ؛ لیکون الضمیر - بما فیه من إبهام (3) وترکیز ، وبخاصة إذا لم یسبقه مرجعه - مثیرا للشوق ، والتطلع إلی ما یزیل إبهامه ، باعشا للرغبة فیما یبسط ترکیزه ؛ فتجیء الجملة بعده ؛ والنفس متشوقة لها ، مقبلة علیها ، فی حرص ورغبة. فتقدیم الضمیر لیس إلا تمهیدا لهذه الجملة الهامة. لکنه یتضمن معناها تماما ، ومدلوله هو مدلولها ؛ فهو بمثابة رمز لها ، ولمحة أو إشارة موجّهة إلیها.

ص: 226


1- کشرح المفصل ج 5 ص 109 ، وکالهمع ج 1 ص 58 ، مبحث : «ضمیر الفصل» ، وکالمغنی : ج 2 ص 96 مبحث : «شرح حال الضمیر المسمی : فصلا وعمادا».
2- وانظر رقم 2 من ص 324 و 5 من هامش ص 230.
3- سبب الإبهام موضح فی رقم 5 من هامش ص 230.

ومن أمثلة ذلک :

1 - أن یتحدث فریق من الأصدقاء عن غنی افتقر ، فیقول أحدهم : وارحمتاه!! لم یبق من ماله شیء ؛ فیقول الثانی : حسبه أن أنفقه فی سبیل الخیر. ویقول الثالث : من کان یظن أن هذه القناطیر تنفد من غیر أن یدخر منها شیئا یصونه من ذل الفاقة ، وجحیم البؤس؟ فیقول الرابع متأوها : یا رفاقی ، «هو : الزمان غدار ، وهی : الأیام خائنة».

فالغرض الذی یرمی إلیه الرابع من کلامه : بیان غدر الزمان ، وخیانة الأیام. أو : تقلب الزمان. وهو غرض هام ؛ لما یتضمن من عبرة وموعظة والتماس عذر للصدیق. وقد أراد أن یدل علی أهمیته ، ویوجه النفس إلیه ؛ فمهد له بالضمیر ؛ «هو» و «هی» من غیر أن یسبقه شیء یصلح مرجعا ؛ فیثیر الضمیر بإبهامه هذا ، وغموضه ، شوق النفس ، وتطلعها إلی ما یجیء بعده. وتتجه بشغف إلی ما سیذکر. ولن یزیل غموض الضمیر ویوضح المراد منه إلا الجملة التی بعده ؛ فهی التی تفسره ؛ وتجلیه. فهو رمز لها ؛ أو کنایة عنها ، وهی المفسرة للرمز ، المبینة لمدلول الکنایة.

والرمز ومفسره ، والکنایة ومدلولها - من حیث المعنی شیء واحد (ولذلک یعرب الضمیر هنا مبتدأ ، وتعرب الجملة خبرا عنه من غیر رابط ؛ لا تحادهما فی المعنی). ومثل ما سبق نقول فی بیت الشاعر :

هو : الدّهر میلاد ، فشغل ، فمأتم

فذکر کما أبقی الصّدی ذاهب الصوت

2 - أن تسیر فی حدیقة ، فاتنة ، بهیجة ؛ فتستهویک ؛ فتقول : «إنه - الزهر ساحر» «إنها - الریاحین رائعة» ، أو : «إنه - یسحرنی الزهر» «إنها - تروعنی الریاحین». فقد کان فی نفسک معنی هام ، وخاطر جلیل - هو : «سحر الزهر» ، أو : «روعة الریاحین». فأردت التعبیر عنه بجملة اسمیة أو فعلیة ، ولکنک لم تذکر الجملة إلا بعد أن قدمت لها بالضمیر (إنه ... إنها ...) لما فی الضمیر - ولا سیما الذی لم یسبقه مرجعه - من إبهام وإیحاء مرکزین ؛ یثیران فی النفس شوقا وتطلعا إلی استیضاح المبهم ، وتفصیل المرکّز. وهذا عمل الجملة بعده ، فإنها تزیل إبهامه ، وتفسر إیحاءه ، وتبسط ترکیزه : فتقبل علیها النفس ، متشوقة ، متفتحة.

3 - یشتد البرد فی إحدی اللیالی ، وتعصف الریح ؛ فیقول أحد الناس : هذا برد قارس ، لم أشهده قبل الیوم فی بلادنا ، فیقول آخر : لقد شهدت مثله

ص: 227

کثیرا ، ولکن عصف الریح لم أشهده. ویجادلهما ثالث ، فیقول : «هو : نظام الکون ثابت» و «إنه ؛ الجو خاضع لقوانین الطبیعة» و «إنها ؛ الطبیعة ثابتة القوانین» فالضمیر (هو ... والهاء ... وها) رمز وإیحاء إلی الجملة الهامة التالیة التی هی المدلول الذی یرمی إلیه ، والغرض الذی یتضمنه. فکلاهما فی المعنی سواء.

فکل ضمیر من الضمائر التی مرت فی الأمثلة السابقة - ونظائرها - یسمی : «ضمیر الشأن» عند البصریین ؛ ویسمیه الکوفیون : «الضمیر المجهول» : لأنه لم یتقدمه مرجع یعود إلیه. وهو : «ضمیر یکون فی صدر جملة بعده تفسر دلالته ، وتوضح المراد منه ، ومعناها معناه».

وإنما سمی ضمیر الشأن لأنه یرمز للشأن ، أی : للحال المراد الکلام عنها ، والتی سیدور الحدیث فیها بعده مباشرة. وهذه التسمیة أشهر تسمیاته ، کما یسمی : «ضمیر القصة» ، لأنه یشیر إلی القصة «أی : المسألة التی سیتناولها الکلام.» ویسمی أیضا : ضمیر الأمر ، وضمیر الحدیث ؛ لأنه یرمز إلی الأمر الهام الذی یجیء بعده ، والذی هو موضوع الکلام والحدیث المتأخر عنه.

ولهذا الضمیر أحکام ، أهمها ستة ، وهی احکام یخالف بها القواعد والأصول العامة ؛ ولذلک لا یلجأ إلیه النحاة إذا أمکن اعتباره فی سیاق جملته نوعا آخر من الضمیر (1).

أولها : أنه لا بد أن یکون مبتدأ ، أو أصله مبتدأ ، ثم دخل علیه ناسخ ، کالأمثلة السابقة. ومثل : (قُلْ هُوَ : اللهُ أَحَدٌ) ، فقد وقع فی الآیة مبتدأ.أو مثل قول الشاعر :

وما هو من یأسو الکلوم (2)

ویتّقی

به نائبات الدهر - کالدائم البخل

ص: 228


1- راجع المغنی ج 2 فی المواضع التی یعود فیها الضمیر علی متأخر. وشرح المفصل ج 2 ص 114 وکذلک حاشیة الصبان فی باب کان عند الکلام علی قول ابن مالک : ومضمر الشان اسما انو إن وقع موهم ما استبان أنّه امتنع
2- الکلوم : الجروح. المفرد : کلم.

فقد وقع اسما ل «ما» الحجازیة. ومثل قول الشاعر :

علمته «الحقّ لا یخفی علی أحد»

فکن محقّا تنل ما شئت من ظفر

ثانیها : أنه لا بد له من جملة تفسره ، وتوضح مدلوله ، وتکون خبرا له - الآن أو بحسب أصله (1) - مع التصریح بجزأیها ؛ فلا یصح تفسیره بمفرد ، بخلاف غیره من الضمائر ، ولا یصج حذف أحد طرفی الجملة ، أو تقدیره.

ثالثها : أن تکون الجملة المفسّرة له متأخرة عنه وجوبا ومرجعه یعود علی مضمونها (2) فلا یجوز تقدیمها کلها ، ولا شیء منها علیه ؛ لأن المفسّر لا یجیء قبل المفسّر (أی : أن المفسّر لا یجیء قبل الشیء الذی یحتاج للتفسیر).

رابعها : أن یکون للمفرد ؛ فلا یکون للمثنی ، ولا للجمع مطلقا. والکثیر فیه أن یکون للمفرد المذکر ، مرادا به الشأن ، أو : الحال ، أو : الأمر. ویجوز أن یکون بلفظ المفردة المؤنثة عند إرادة القصة ، أو : المسألة ؛ وخاصة إذا کان فی الجملة بعده مؤنث عمدة (3) ؛ کقوله تعالی : (فَإِذا هِیَ ؛ شاخِصَةٌ)(4) أَبْصارُ الَّذِینَ کَفَرُوا» ، وکقوله تعالی : (فَإِنَّها ؛ لا تَعْمَی الْأَبْصارُ ، وَلکِنْ تَعْمَی الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ) ومثل : «هی ؛ الأعمال بالنیات» و «هی ؛ الأم مدرسة».

خامسها : أنه لا یکون له تابع ؛ من عطف ، أو توکید ، أو بدل ، أما النعت فهو فیه کغیره من أنواع الضمیر ؛ لا یکون لها نعت ، ولا تکون نعتا لغیرها.

ص: 229


1- کأن یسبقها ناسخ. ومن هذه النواسخ «أن» المخففة من الثقیلة ، و «کأن» المخففة کذلک - کما سیجیء فی ص فی باب «إن».
2- من هنا نعلم أن : «ضمیر الشأن» لا یکون له مرجع متقدم یوضحه ؛ وإنما مرجعه یجیء بعده ، وهو مضمون الجملة التی تلیه : فهی التی توضحه وتفسره. فلو کان الذی یفسره مفردا لم یکن ضمیر الشأن. ففی مثل عرفته علیا ، أو : ربه طالبا - لا یکون الضمیر هنا للشأن. وعودته علی متأخر إحدی المسائل التی یصح فیها إرجاع الضمیر علی متأخر لفظا ورتبة ، وسیجیء بیانها ، فی ص 234.
3- وقد اشترط - بحق - أکثر البصریین هذا الشرط لتأنیثه. والعمدة - کما سبق فی ص 222 - : جزء أساسی فی الجملة لا یمکن الاستغناء عنه ؛ کالمبتدأ وکالخبر ، أو : ما أصله المبتدأ أو الخبر. وکالفاعل ونائبه.
4- متجهة فی الفضاء ممتدة ، لا تتحرک ولا تتغیر.

سادسها : أنه إذا کان منصوبا - بسبب وقوعه مفعولا به لفعل ناسخ ینصب مفعولین أصلهما المبتدأ والخبر - وجب إبرازه واتصاله بعامله ؛ مثل : ظننته ؛ «الصدیق نافع» - حسبته «قام أخوک» ، فالهاء ضمیر الشأن ، فی موضع نصب ، لأنها المفعول الأول لظننت. والجملة بعدها فی محل نصب ، هی المفعول الثانی.

أما إذا کان مرفوعا متصلا فإنه یستتر فی الفعل ، ویسنکنّ فیه ؛ مثل : لیس خلق الله مثله. ففی «لیس» ضمیر مستتر حتما ؛ لأن «لیس» و «خلق» فعلان ؛ والفعل لا یعمل فی الفعل مباشرة ؛ فلا بد من اسم یرتفع بلیس (1) فلذلک کان فیها الضمیر المستتر (2). ومثله : کان علی عادل. وکان أنت خیر من محمد. ففی «کان» فی الحالتین ضمیر مستتر تقدیره : «هو» ، أی : الحال والشأن ویعرب اسما لها. والجملة بعدها خبر ، ومفسرة له. وهکذا ... ومنه قول الشاعر :

إذا متّ کان الناس صنفان ؛ شامت

وآخر مثن (3). بالذی کنت

أصنع

ومثله :

هی الشفاء لدائی لو ظفرت بها

ولیس منها (شفاء الداء مبذول)

ففی «کان» و «لیس» ضمیر الشأن ، تقدیره : «هو» ، یفسره (الناس صنفان) و (شفاء الداء مبذول) (4).

* * *

(ه) مرجع الضمیر (5) :

الضمائر کلها لا تخلو من إبهام وغموض (6) - کما عرفنا - سواء أکانت

ص: 230


1- إلا علی اعتبارها حرف نفی لا یعمل ، وهو هنا حسن. ولهذا الأسلوب إیضاح یجیء فی باب «کان» حیث الکلام علی الفعل : «لیس»
2- ومن هذا ما مثل به «المبرد» من قولهم : «لیس لقدم العهد یفضل القائل ، ولا لحدثان عهد یهتضم المصیب. ولکن یعطی کل ما یستحقه». والمراد بقدم العهد : کبر السن. ومعنی یهتضم : یظلم.
3- مادح.
4- رفع کلمة : «صنفان» وکلمة : «مبذول» وعدم نصبهما - فی کلام العربی الفصیح - دلیل علی أنهما خبرا المبتدأ والجملة فی محل نصب خبر کان ، واسمها ضمیر الشأن.
5- قد یکون المرجع متعددا - کما سیجیء -
6- المراد بالإبهام هنا : معناه اللغوی ، وهو : الخفاء والغموض ؛ فإن من یسمع : «نحن» - - مثلا - لا یدری المدلول کاملا ؛ أهو : نحن العرب ، أم نحن الأدباء ، أم نحن الزراع ... وبسبب هذه الشائبة من الغموض ، ولا سیما إذا کان الضمیر للغائب ، ولم یوجد ما یوضحه ، وجب الاختصاص - أو غیره - لإزالتها ؛ وللاختصاص باب یجیء فی ج 4. أما النحاة فیطلقون الإبهام علی نوعین من الأسماء دون غیرهما ؛ هما : أسماء الإشارة ، وأسماء الموصول ، وله معنی خاص فیهما. وهم یفرقون بین الضمیر والمبهم ؛ علی الوجه الذی سنبینه فی «ح» من ص 305 ورقم 3 من هامش ص 306.

للمتکلم ، أم للمخاطب ، أم للغائب ؛ فلا بد لها من شیء یزیل إبهامها ، ویفسر غموضها. فأما ضمیر المتکلم والمخاطب فیفسرهما وجود صاحبهما وقت الکلام ؛ فهو حاضر یتکلم بنفسه ، أو حاضر یکلمه غیره مباشرة. وأما ضمیر الغائب فصاحبه غیر معروف ؛ لأنه غیر حاضر ولا مشاهد ؛ فلا بد لهذا الضمیر من شیء یفسره ، ویوضح المراد منه. والأصل فی هذا الشیء المفسّر الموضّح أن یکون - فی غیر ضمیر الشأن - متقدما علی الضمیر ، ومذکورا قبله (1)

ص: 231


1- الغالب أن یکون المتقدم المذکور هو - فی مکانه - أقرب شیء للضمیر یصلح مرجعا ؛ ولذا یقولون إن الضمیر یعود علی أقرب مذکور ، إلا أن کان قبله متضایفان والمضاف لیس کلمة «کل» ولا «جمیع» فالأکثر رجوعه إلی المضاف دون المضاف إلیه (راجع الصبان ج 1 ، باب المعرب والمبنی ، عند الکلام علی : «کلا وکلتا». فإن کان المضاف هو کلمة : «کل» أو «جمیع» فالغالب عودته علی المضاف إلیه ، کما نص علیه الصبان عقب الموضع السالف. ویشترط لعودته علی أقرب مذکور ألا تقوم قرینة تدل علی أن المرجع هو لغیر الأقرب ، فإن وجدت وجب النزول علی ما تقتضیه : کالشأن معها فی کل الحالات ، إذ علیها وحدها المعول. ولها الأفضلیة. ففی مثل : عاونت فتاة من أسرة تاریخها مجید ، یعود الضمیر علی : «أسرة» ؛ لأنها أقرب مرجع للضمیر ، ولا یصح بمقتضی الأصل السالف عودته إلی : «فتاة» بخلاف : عاونت فتاة من أسرة مجاهدة ، فقدت عائلها وهی طفلة فالضمائر عائدة علی : فتاة. مراعاة لما یقتضیه المعنی. ومثل : اعتنیت بغلاف کتاب تخیرته. فالضمیر عائد علی المضاف ؛ مراعاة للأکثر ، بخلاف : تخیرت غلاف کتاب صفحاته کثیرة ، لقیام القرینة الدالة علی عودته للمضاف إلیه .. وستجیء إشارة للحکم السالف فی مناسبة أخری من ص 236 عند الکلام علی تعدد المراجع. وإذا حذف المضاف الذی یصح حذفه ، جاز - وهو الأکثر - عدم الالتفات إلیه عند عودة الضمائر ونحوها مما یقتضی المطابقة ، فکأنه لم یوجد ، ویجری الکلام علی هذا الاعتبار. وجاز مراعاته کأنه موجود ، مع أنه محذوف. وقد اجتمع الأمران فی قوله تعالی : (وَکَمْ مِنْ قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَیاتاً ، أَوْ هُمْ قائِلُونَ) والأصل : وکم من أهل قریة ؛ فرجع الضمیر : «ها» مؤنثا إلی «القریة» ، ورجع الضمیر : «هم» مذکرا لاعتبار المحذوف وملاحظته ولا تناقض بین الاثنین ؛ لأن الوقت مختلف. وتفصیل هذا الحکم مع عرض أمثلته المختلفة مدون فی باب الإضافة ج 3 ص 139 م 96 ج 3 ص 139 م 96.

لیبین معناه أولا ، ویکشف المقصود منه ، ثم یجیء بعده الضمیر مطابقا له ؛ - فیما یحتاج للمطابقة ؛ کالتأنیث والإفراد وفروعهما .. - فیکون خالیا من الإبهام والغموض. ویسمی ذلک المفسر الموضّح : «مرجع الضمیر».

فالأصل فی مرجع الضمیر أن یکون سابقا علی الضمیر وجوبا. وقد یهمل هذا الأصل لحکمة بلاغیة ستجیء (1). ولهذا التقدم صورتان.

الأول : التقدم اللفظی أو الحقیقی ؛ وذلک بأن یکون متقدما بلفظه وبرتبته (2). معا ؛ مثل : الکتاب قرأته ، واستوعبت مسائله. والأخری : التقدم المعنوی ویشمل عدة صور ؛ منها :

1- أن یکون متقدما برتبته مع تأخیر لفظه الصریح ، مثل نسق حدیقته المهندس. فالحدیقة مفعول به ، وفی آخرها الضمیر ، وقد تقدمت ومعها الضمیر علی الفاعل مع أن رتبة الفاعل أسبق.

2- أن یکون متقدما بلفظه ضمنا ، لا صراحة ، ویتحقق ذلک بوجود لفظ آخر یتضمن معنی المرجع الصریح ، ویرشد إلیه ؛ ویشترک معه فی ناحیة من نواحی مادة الاشتقاق. مثل قوله : تعالی : (اعْدِلُوا ؛ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوی) فإن مرجع الضمیر : «هو» مفهوم من «اعدلوا» ؛ لأن الفعل یتضمنه ، ویحتویه ، ویدل علیه ، ولکن من غیر تصریح کامل بلفظه ؛ إنه «العدل» المفهوم ضمنا من قوله : «اعدلوا» واللفظان : «اعدلوا» و «العدل» مشترکان فی المعنی العام. وفی ناحیة من أصل الاشتقاق. ومثل هذا : «من صدق فهو خیر له. ومن کذب فهو شر علیه» فمرجع الضمیر فی الجملة الأولی «الصدق» ، وهذا المرجع مفهوم من الفعل : «صدق». کما أن مرجع الضمیر فی الجملة الثانیة هو : «الکذب» ، وهو مفهوم من الفعل : «کذب» وکلا الفعلین قد اشتمل علی المرجع ضمنا لا صراحة ، لاشتراکهما مع المرجع الصریح فی معناه وفی

ص: 232


1- فی ص 234.
2- التقدم اللفظی أن یکون المرجع مذکورا نصا قبل الضمیر ؛ مثل : الوالد فضله عمیم. والتقدم فی الرتبة أن یکون ترتیب المرجع فی تکوین الجملة متقدما علی الضمیر ، وسابقا علیه ؛ بحسب الأصول والقواعد العربیة ؛ فرتبة الفاعل متقدمة علی المفعول ، ورتبة المبتدأ سابقة علی الخبر ، ورتبة المضاف قبل المضاف إلیه .. وهکذا ..

ناحیة من أصل الاشتقاق ... ومن ذلک أن تقول للصانع : أتقن ؛ فهو سبب الخیر والشهرة. أی : الإتقان ، وتقول للجندی : اصبر ؛ فهو سبب النصر ، أی : الصبر (1).

3- أن یسبقه لفظ لیس مرجعا بنفسه ولکنه نظیر للمرجع (أی : مثیله وشریکه فیما یدور بشأنه الکلام) ، مثل : لا ینجح الطالب إلا بعمله ، ولا ترسب إلا بعملها. ومثل قوله تعالی : (وَما یُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا یُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِی کِتابٍ ... ،) أی : من عمر معمّر آخر.

4- أن یسبقه شیء معنوی (أی : شیء غیر لفظی) یدل علیه ، کأن تجلس فی قطار ، ومعک أمتعة السفر ، ثم تقول : یجب أن یتحرک فی میعاده. فالضمیر «هو» - فاعل المضارع : یجب - والضمیر «الهاء» لم یسبقهما مرجع لفظی ، وإنما سبقهما فی النفس ما یدل علی أنه القطار. وقد فهم من الحالة المحیطة بک ، المناسبة لکلامک ، وهذه الحالة التی تدل علی المرجع من غیر ألفاظ تسمی : «القرینة المعنویة» أو «المقام» (2).

ومثل هذا أیضا أن تقول لمن ینظر إلی مجلة حسنة الشکل : إنها جمیلة وقراءتها نافعة. فالضمیر «ها» راجع إلی المجلة ، مع أن هذا المرجع لم یذکر بلفظ صریح ، أو ضمنی ، أو غیرهما من الألفاظ ، ولکنه عرف من القرینة الدالة علیه. ومثله أن تتجه إلی الشرق صباحا فتقول : أشرقت ، أو تتجه إلی الغرب آخر النهار فتقول : غربت ، أو : توارت بالحجاب ، ترید الشمس فی

ص: 233


1- ومن ذلک قوله تعالی : (وَاسْتَعِینُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَکَبِیرَةٌ إِلَّا عَلَی الْخاشِعِینَ.) فالضمیر فی : «إنها» راجع إلی الاستعانة المفهومة من «استعینوا» عند من یری ذلک. ومنه قول الشاعر : إذا نهی السفیه جری إلیه وخالف ، والسفیه إلی خلاف أی : جری إلی السفه.
2- ومنها قول حاتم لامرأته ماویّة التی تلومه علی الکرم خوف الفقر : أماویّ ، لا یغنی الثّراء عن الفتی إذا حشرجت یوما ، وضاق بها الصدر أی : حشرجت النفس ؛ بمعنی حلول الوقت الذی تخرج فیه الروح.

الحالتین ، من غیر أن تذکر لفظا یدل علیها. ومثله : أن تقف أمام آثار مصریة فاتنة ، فتقول : ما أبرعهم فی الفنون. ترید قدماء المصریین ... وهکذا.

* * *

(و) عود الضمیر علی متأخر لفظا ورتبة :

عرفنا المواضع التی یکون مرجع الضمیر فیها لفظا متقدما ، ومعنویّا کذلک. غیر أن هناک حالات یجب فیها عود الضمیر علی متأخر لفظا ورتبة ؛ لحکمة بلاغیة (1). وتسمی : «مواضع التقدم الحکمی» (2) وأهمها ستة :

1 - فاعل نعم وبئس وأخواتهما ، إذا کان ضمیرا ، مستترا ، مفردا ، بعده نکرة تفسره ؛ أی : تزیل إبهامه ، وتبین المراد منه ؛ (لأنه لم یسبق له مرجع ولذا تعرب تمییزا) ؛ نحو : نعم رجلا صدیقنا. فنعم فعل ماض ، فاعله ضمیر مستتر تقدیره : هو یعود علی «رجلا» (3).

2 - الضمیر المجرور بلفظ : «رب». ولا بد أن یکون مفردا ، مذکرا ، وبعده نکرة تفسره (أی : تزیل إبهامه الناشیء (4) من عدم تقدم مرجع له (5) ، وتوضح

ص: 234


1- أهمها : الإجمال ثم التفصیل بعده ؛ بقصد التفخیم بذکر الشیء أولا مبهما ثم تفسیره بعد ذلک ؛ فیکون شوق النفس إلیه أشد ، وتطلعها إلی التفسیر أقوی ، فیکون إدراکه وفهمه أوضح ، بسبب ذکره مرتین مجملا فمفصلا ، أو مبهما فمفسرا.
2- لأن المرجع فیها تأخر لنکتة بلاغیة ، فهو فی حکم المتقدم. وهذه المواضع یذکرها بعض النحاة فی باب : «الفاعل» ، ولکن الأنسب ذکرها ، حیث الکلام علی الضمیر ، وکل ما یتصل به.
3- إنما یکون هذا حیث لا یوجد مرجع سابق ؛ فلو وجد مرجع (مثل : الأمین نعم رجلا) وجب أن یکون الفاعل ضمیرا مستترا (وجوبا أو جوازا ، طبقا لما سبق فی رقم 1 من هامش ص 208) یعود علی السابق وهو : «الأمین» فی المثال.
4- وبسبب إبهامه الناشیء من عدم تقدم مرجع له فإنه .. قد یسمی : «الضمیر المجهول» کما سیجیء فی ج 2 ص 400 م 90 عند الکلام علی الحرف «رب» فی باب حروف الجر - وانظر هذا الاسم فی ص 227 -.
5- هذا قول النحاة. والتعلیل الحقیقی هو السماع من أفواه العرب. وفی إعراب المثال المذکور أقوال أیسرها : أن «رب» ، حرف جر شبیه بالزائد ، و (الهاء) مجرورة به مبنیة ، وعلامة جرها کسرة مقدرة منع من ظهورها الضمة التی هی حرکة البناء الأصلی. فی محل رفع مبتدأ! (لأن «الهاء» ضمیر جر ینوب فی هذا الموضع «بعد رب» عن ضمیر رفع ؛ مثل : هو) «صدیقا» تمییز ، «یعین علی الشدائد». الجملة من الفعل والفاعل فی محل رفع خبر المبتدأ. أما بقیة الآراء فی هذا المثال وأشباهه وفی مجرور «رب» فمفصلة بوضوح فی آخر الجزء الثانی عند الکلام علی «رب» وأحکامها.

المقصود منه ، ولذا تعرب تمییزا) نحو : ربه صدیقا ؛ یعین علی الشدائد. فالضمیر «الهاء» عائد علی «صدیق». وإنما دخلت «ربّ» علی هذا الضمیر - مع أنها لا تدخل إلا علی النکرات - لأن إبهامه بسبب عدم تقدم مرجعه مع احتیاجه إلی ما یفسره ویبینه ، جعله شبیها بالنکرة.

3 - الضمیر المرفوع بأول المتنازعین ؛ مثل : یحاربون ولا یجبن العرب. فالضمیر فی : «یحاربون» (وهو الواو) عائد علی متأخر (وهو العرب). (وأصل الکلام : یحارب ولا یجبن العرب) : فکل من الفعلین یحتاج إلی کلمة : «العرب» لتکون فاعلا له وحده ، ولا یمکن أن یکون الفاعل الظاهر مشترکا بین فعلین. فجعلناه فاعلا للثانی ، وجعلنا ضمیره فاعلا للأول (1).

4 - الضمیر الذی یبدل منه اسم ظاهر لیفسره ؛ مثل : سأکرّمه ... السّبّاق فکلمة : «السّبّاق» - بدل من الهاء ، وجاءت بعدها لتفسرها. ومثل : احتفلنا بقدومه ... الغائب. فالغائب بدل من الهاء ؛ لتوضحها.

5 - الضمیر الواقع مبتدأ ، وخبره اسم ظاهر بمعناه ، یوضحه ، ویفسر حقیقته ؛ فکأنهما شیء واحد من حیث المعنی. مثل : هو النجم القطبی (2) ؛ أتعرف فائدته ؛ فکلمة «هو» مبتدأ ، خبره کلمة النجم المتأخرة عنه.

6 - ضمیر الشأن (3) ، والقصة ، مثل : إنه ؛ المجد أمنیة العظماء - إنها رابطة العروبة قویة لا تنفصم. فالضمیر فی «إنه» و «إنها» ضمیر الشأن أو القصة .... ومن کل ما سبق نعلم أن ضمیر الغائب لا بد أن یکون له مرجع ؛ وهذا المرجع

ص: 235


1- راجع هذا الحکم ج 2 ص 151 م 73 باب التنازع.
2- ومثله قول المتنبی : هو الحظّ ، حتی تفضل العین أختها وحتی یکون الیوم للیوم سیّدا وقوله : هو البین ، حتی ما تأنّی الحزائق ویا قلب ، حتّی أنت ممّن أفارق (ما تأنّی الحزائق : ما تتمهل الجماعات المرتحلة).
3- سبق شرحه فی ص 226 ..

- إن کان لفظیّا أو معنویّا - یتقدم علیه وجوبا. وإن کان حکمیّا یتأخر عنه وجوبا.

* * *

(ز) تعدد مرجع الضمیر :

الأصل فی مرجع ضمیر الغائب (أی : مفسّره) أن یکون مرجعا واحدا ، فإن تعدد الأصل فی ما یصلح لذلک ، واقتضی المقام الاقتصار علی واحد تعین أن یکون المرجع الواحد هو : الأقرب فی الکلام إلی الضمیر. نحو : حضر محمد وضیف ؛ فأکرمته. فمرجع الضمیر هو «الضیف» ، لأنه الأقرب فی الکلام إلیه ، ولا یمکن عودته علی المرجعین السابقین معا ؛ لأنه مفرد ، وهما فی حکم المثنی ؛ فالمطابقة الواجبة مفقودة - وسیجیء الکلام علیها - ونحو : قرأت المجلة ورسالة ؛ بعثت بها إلی صدیق. فمرجع الضمیر هو : «الرسالة» ، لأنها الأقرب ، وللسبب السالف أیضا ، وهو : فقد المطابقة. وإنما یعود الضمیر علی الأقرب فی غیر صورتین ؛ إحداهما : أن یوجد دلیل یدل علی أن المرجع لیس هو الأقرب ؛ مثل : حضرت سعاد وضیف فأکرمتها.

والثانیة : أن یکون لأقرب مضافا إلیه ؛ فیعود الضمیر علی المضاف (1) ، بشرط ألا یکون کلمة «کلّ» ، أو «جمیع» ، مثل : زارنی والد الصدیق فأکرمته. أی : أکرمت الوالد. إلا إن وجد دلیل یدل علی أن المقصود بالضمیر هو المضاف إلیه لا المضاف ؛ فیجب الأخذ بالدلیل ؛ مثل : عرفت مضمون الرسالة ثم طویتها ؛ لأن تأنیث الضمیر دلیل علی أن مرجعه هو المضاف إلیه المؤنث ، لا المضاف ، ومثله قرأت عنوان الکتاب ثم طویته ، أی : «الکتاب» ؛ لأنه الذی یطوی. وحصدت قمح الحقل ثم سقیته ؛ لأن الحقل هو الذی یسقی ، لا القمح المحصود. وأقبل خادم خی فأمره بالرجوع إلی السوق ؛ لشراء بعض الحاجات ؛ لأن الخادم لا یأمر ، وإنما یؤمر. وکذلک إن کان المضاف هو کلمة : «کل» أو «جمیع» فالأغلب عودته علی المضاف إلیه (2).

وإذا تعدد المرجع من غیر تفاوت فی القوة - وهو التفاوت الذی یکون بین المعارف فی درجة التعریف ، وشهرته - وأمکن عود الضمیر إلی مرجع واحد فقط ، وإلی

ص: 236


1- لأن المضاف إلیه لیس إلا مجرد قید فی المضاف - غالبا -.
2- سبقت الإشارة للحکم السالف فی رقم 1 من هامش ص 231.

أکثر ؛ من غیر أن یقتضی الأمر الاقتصار علی واحد ، نحو : جاء الأقارب والأصدقاء وأکرمتهم - فالأحسن عود الضمیر علی الجمیع ، لا علی الأقرب وحده. ومما تجدر الإشارة إلیه فی هذا الموضع - وفی غیره ، من سائر مسائل اللغة - أن الذی یجب الأخذ به أوّلا ، والاعتماد علیه ؛ إنما هو الدلیل الذی یعین مرجع الضمیر ویحدده ؛ فالدلیل - أی : القرینة - لها وحدها القول الفصل فی الإیضاح هنا ، وفی جمیع المواضع اللغویة الأخری.

وإذا کان للضّمیر مرجعان أو أکثر مع التفاوت فی القوة - وجب أن یعود علی الأقوی. طبقا للبیان المفضّل الذی سیجیء فی رقم 9 من ص 241.

* * *

(ح) التطابق (1) بین الضمیر ومرجعه (2) :

عرفنا أن ضمیر الغائب لا بد له من مرجع. وبقی أن نعرف أن التطابق واجب بین ضمیر الغائب ومرجعه. علی الوجه الآتی : - وهذا یراعی فی التطابق المطلوب فی صور کثیرة ؛ کالتی بین المبتدأ وخبره (3) ، والنعت ومنعوته ، والحال وصاحبها ... ونحو هذا مما یقتضی المطابقة -.

1 - إن کان المرجع مفردا مذکرا أو مؤنثا وجب - فی الرأی الأصح - أن یکون ضمیر الغائب مطابقا له فی ذلک ، نحو : النائم تیقظ ، أی : «هو». والغائب حضر أبوه ، کذلک. والغریبة عادت سالمة ، أی : «هی». والطالبة أقبل والدها ... فضمیر الغائب قد طابق مرجعه فی الأمثلة السابقة ؛ إفرادا وتذکیرا وتأنیثا.

وکذلک إن کان المرجع مثنی فی الحالتین.

2 - إن کان المرجع جمع مذکر سالما وجب فی الرأی الأغلب - أن یکون

ص: 237


1- التطابق أنواع مختلفة ؛ منها ما یکون بین الضمیر ومرجعه ؛ کالذی سیذکر هنا ، ومنها ما یکون بین المبتدأ وخبره ، وسیجیء فی بابهما - ص 410 وما بعدها - ومنها ما یکون بین النعت ومنعوته ، وسیذکر فی بابه أیضا ح 3 - ... وهکذا یذکر کل فی بابه.
2- فی ص 231.
3- فی هامش ص 314 مواضع یجوز فیها تأنیث الضمیر ، وتذکیره ؛ مراعاة للفظ الموصول أو معناه وکذلک تجیء أنواع هامة. من المطابقة بین المبتدأ والخبر فی الباب الخاص بهما - کما أشرنا - ص 410 م 34 - وما بعدها فی الزیادة والتفصیل.

ضمیره واو جماعة ؛ مثل : المخلصون انتصروا. ولا یصح أن یکون غیر ذلک ، کما لا یصح - فی الأفصح - أن یتصل بالفعل وشبهه علامة تأنیث ؛ فلا یقال المخلصون فازت ، ولا المخلصون تفوز ، ولا فائزة ، أی : «هی» ؛ بضمیر المفردة المؤنثة علی إرادة معنی : «الجماعة» من المخلصین. فکل هذا غیر جائز فی الرأی الأعلی. الذی یحسن الاقتصار علیه.

3 - إن کان المرجع جمع مؤنث سالما لا یعقل فالأفضل أن یکون ضمیره مفردا مؤنثا ؛ مثل : الشجرات ارتفعت. أی : «هی». والشجرات سقیتها ... وهذا أولی من قولنا : الشجرات ارتفعن ، والشجرات سقیتهن ، بنون الجمع المؤنث مع صحة مجیئها.

وإن کان المرجع جمع مؤنث للعاقل فالأفضل أن یکون ضمیره نون جمع المؤنث (أی : نون النسوة) فی جمیع حالاته (أی : سواء أکان المرجع جمع مؤنث سالما مثل : الطالبات حضرن ، وأکرمهن العلماء ، أم جمع تکسیر للمؤنث ؛ مثل : الغوانی تعلمن ؛ فزادهن العلم جلالا) (1) وکل هذا أولی من قولنا : الطالبات حضرت ، وأکرمها العلماء ، والغوانی تعلمت ؛ وزادها العلم جلالا. حیث یکون الضمیر مفردا مؤنثا ، مع صحة مجیئه بدلا من نون النسوة.

4 - إن کان المرجع جمع تکسیر مفرده مذکر عاقل - جاز أن یکون ضمیره واو جماعة ؛ مراعاة للفظ الجمع ، وأن یکون مفردا مؤنثا ، مع وجود تاء التأنیث فی الفعل وشبهه ؛ نحو : الرجال حضروا ، أو : الرجال حضرت ، أو الرجال حاضرة. ویکون التأنیث علی إرادة معنی الجماعة.

فإن کان مفرده مذکرا غیر عاقل ، أو مؤنثا غیر عاقل ، جاز فی الضمیر أن یکون مفردا مؤنثا ، وأن یکون «نون النسوة» الدالة علی جمع الإناث. نحو :

ص: 238


1- ذلک أن جمع المؤنث منه ما یکون سالما (أی : لم یتغیر مفرده عند جمعه) ویسمی : «جمع لمؤنث السالم» ، ویکون فی آخره الألف والتاء الزائدتان ، ومنه ما یتغیر مفرده عند الجمع ؛ فیکون جمع تکسیر للمؤنث ولا یکون فی آخره الألف والتاء ، الزائدتان. وبسبب ما تقدم اختلف النحاة فی مثل کلمة : «بنات» أهی جمع تکسیر ؛ لأن مفردها - وهو «بنت» یتغیر فیه حرکة أوله عند جمعه السالف - أم هو جمع مؤنث سالم ؛ لوجود الألف والتاء الزائدتین فی آخره؟ رأیان تفصیل الکلام علیهما فی ج 2 باب الفاعل ...

«الکتب نفعت» أو : نفعن ، والزروع أثمرت ، أو : أثمرن ، واللیالی ذهبت ؛ أو : ذهبن.

ومع أن الأمرین - فی صورتی المفرد غیر العاقل - جائزان فإن الأسالیب الفصحی تؤثر الضمیر المفرد المؤنث إذا کان جمع التکسیر دالّا علی الکثرة وتأتی بنون النسوة إذا کان دالّا علی القلة (1) ؛ فیقال : قضیت بالقاهرة أیاما خلت ؛ من شهرنا. إذا کان المنقضی هو : الأکثر. أو : خلون ، إذا کان المنقضی هو الأقل. ویقولون : هذه أقلام تکسرت ، وعندی أقلام سلمن إذا کان عدد المکسور هو الأکثر.

5 - إن کان المرجع اسم جمع (2) غیر خاص بالنساء ؛ مثل : «رکب وقوم» جاز أن یکون ضمیره واو الجماعة ؛ وأن یکون مفردا مذکرا. تقول : الرکب سافروا ، أو : الرکب سافر ، أو : الرکب مسافر - القوم غابوا ، أو : القوم غاب ، أو : القوم غائب. فإن کان خاصّا بالنساء - مثل : نسوة ، نساء - جری علیه حکم المرجع حین یکون جمع مؤنث للعاقل. - وقد سبق فی رقم 3 -

6 - وإن کان المرجع اسم جنس جمعیّا جاز فی ضمیره أن یکون مفردا مذکرا أو مؤنثا (3) ، نحو قوله تعالی : (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) أی : «هو». وقوله تعالی : (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِیَةٍ) ، أی : هی.

7 - إن کان مرجع الضمیر متقدما ، ولکنه یختلف فی التذکیر أو التأنیث مع ما بعده مما یتصل به اتصالا إعرابیّا وثیقا - جاز فی الضمیر التذکیر أو التأنیث ، مراعاة للمتقدم أو للمتأخر (4) ، مثل : الحدیقة ناضرة الزرع ، وهی منظر فاتن ، أو : وهو منظر فاتن ، ومثل : الزرع رعایته مفیدة ، وهو باب من أبواب الغنی ، أو : وهی باب من أبواب الغنی. وأسماء الإشارة تشارک الضمیر فی هذا الحکم

ص: 239


1- ومثل جمع القلة العدد الذی یدل علیها ، وکذلک مثل جمع الکثرة العدد الذی یدل علیها أیضا (وإیضاح هذا وبیان سببه ، فی ج 4 ص 424 م 167 - وراجع الصبان ج 4 فی آخر باب العدد).
2- وهو - کما سبق - فی ص 134 کلمة معناها معنی الجمع ولکن لیس لها مفرد من لفظها ومعناها معا ، ولیست علی وزن خاص بالتکسیر ، أو غالب فیه مثل : رکب ، رهط - قوم - نساء - جماعة - وفی هذا الحکم خلاف قوی ذکره «الصبان» فی باب العدد ج 4.
3- وقد سبقت إشارة وافیة لهذا وبیان مفید لا غنی عنه - مع بعض اختلاف - ، وذلک عند الکلام علی اسم الجنس الجمعی ص 21 وفی هذا الحکم - کسابقه - خلاف قوی أشار إلیه «الصبان» فی باب العدد ج 4.
4- وهذا فی غیر المتضایفین وقد سبق حکم الضمیر العائد علی أحدهما فی رقم 1 من هامش ص 231 وفی ص 236.

(کما سیجیء فی بابها (1). وفی باب (2) المبتدأ ...) نحو : الصناعة غنی وهذه مطلب حیویّ أصیل. أو : وهذا ...

8 - إذا کان المرجع : «کم» جاز أن یرجع إلیها الضمیر مراعی فیه لفظها ، أو مراعی فیه معناها (3).

بیان ذلک : أن لفظ : «کم» اسم مفرد مذکر ، ولکن یعبّر به عن العدد الکثیر ، أو القلیل ، المذکر ، أو المؤنث : فلفظها من ناحیة أنه مفرد مذکر - قد یخالف أحیانا معناها الذی یکون مثنی مؤنثا ، أو مذکرا ، وجمعا کذلک بحالتیه. فإذا عاد الضمیر إلی : «کم» من جملة بعدها جاز أن یراعی فیه ناحیتها اللفظیة ؛ فیکون مثلها مفردا مذکرا ، وجاز أن یراعی فیه ناحیتها المعنویة إن دلّت علی غیر المفرد المذکر ؛ فیکون مثنی ، أو جمعا ، مؤنثا ، أو مذکرا فیهما. تقول : کم صدیق قدم للزیارة! بإفزاد الضمیر وتذکیره ، مراعاة للفظ «کم». وتقول ؛ کم صدیق قدما ، أو : قدموا ؛ بتثنیة الضمیر ، أو جمعه ؛ مراعاة لما یقتضیه المعنی. وکذلک تقول : کم طالبة نجح ، بمراعاة لفظ : «کم» ، أو : کم طالبة نجحت ونجحتا ، ونجحن ؛ بمراعاة المعنی.

وهناک کلمات أخری تشبه «کم» فی الحکم السابق ، منها : «کلا» و «کلتا». وقد سبق الکلام علیهما من هذه الناحیة (4). ومنها «من» ، و «ما» و «کلّ» و «أیّ». وکذلک کلمة : «بعض» فی صور معینة. تقول : من سافر فإنه یفرح ، ومن سافرا ... ، ومن سافروا ... ، ومن سافرت ، ومن سافرتا ... ومن سافرن ... وکذلک : ما تفعل من خیر یصادفک جزاؤه - ... ما تفعلا ... ما تفعلوا ... ما تفعلی ... ما تفعلن ...

کل رجل سافر ، کل رجلین سافر ، أو : سافرا ، کل الرجال سافر ، أو : سافروا. کل متعلمة سافرت ، أو : سافر ، کل متعلمتین سافر ، أو : سافرتا. کل المتعلمات سافر ، أو : سافرن. ومن مراعاة الجمع قول جریر :

ص: 240


1- رقم 6 من هامش ص 289.
2- ص 410.
3- راجع الجزء الرابع من المفصل ص 132.
4- ص 115 وما بعدها.

وکلّ قوم لهم رأی ومختبر

ولیس فی تغلب رأی ولا خبر

أیّ رجل حضر. أیّ رجلین حضر ، أو : حضرا ... أیّ الرجال حضر ، أو : حضروا ، أیّ کاتبة حضر ، أو حضرت ، أیّ کاتبتین حضر ، أو حضرتا ، أیّ الکاتبات حضر ، أو : حضرن.

بعض الناس غاب ، أو : غابت ، أو ، غابا ، أو غابتا ، أو : غابوا - أو : غبن. وهکذا باقی الصور الأخری التی تدخل تحت الحکم السالف وینطبق علیها (1).

وکذلک یجوز اعتبار اللفظ أو المعنی فی المحکیّ بالقول ، ففی حکایة من قال : «أنا قائم» یصح : قال محمود أنا قائم ، رعایة للفظ المحکی ، کما یصحّ : «قال : محمود هو قائم» ؛ رعایة للمعنی وحال الحکایة ؛ لأن محمودا غائب وقت الحکایة. وکذا لو خاطبنا شخصا بمثل : أنت بطل ، وأردنا الحکایة فیصح : «قلنا لفلان أنت بطل» ، کما یصح : «قلنا لفلان هو بطل» (2).

ومع أن مطابقة الضمیر للفظ المرجع أو لمعناه جائزة ، وقیاسیة فی الحالات السابقة - فإن السیاق أو المقام قد یجعل أحدهما أنسب من الآخر أحیانا. والأمر فی هذا متروک لتقدیر المتکلم الخبیر ، وحسن تصرفه علی حسب المناسبات التی قد تدعوه لإیثار اللفظ أو المعنی عند المطابقة علی الرغم من صحة الآخر.

«ملاحظة» : بمناسبة الکلام علی مطابقة الضمیر للفظ المرجع أو لمعناه ، نشیر إلی ما سیجیء فی ص 314 وهامشها من صور هامة - غیر التی سبقت - یجوز فیها الأمران ، أو یتعین أحدهما دون الآخر ... أو ...

أما المطابقة بین المبتدأ وخبره فتجیء فی ص 410 م 34 - کما أشرنا فی رقم 1 من هامش ص 237 -.

9 - إذا کان للضمیر مرجعان أو أکثر مع التفاوت فی القوة ، عاد علی الأقوی (3). والمرد بالتفاوت فی القوة التفاوت الذی یکون بین المعارف فی درجة التعریف

ص: 241


1- کما یراعی اللفظ أو المعنی فی الضمیر یراعی أیضا فی الخبر ، والصفة ونحوهما - کما أشرنا -.
2- راجع الصبان ج 2 باب حروف الجر عند الکلام علی اللام.
3- وهذا ما سبقت الإشارة إلیه فی آخر «ز» ص 236.

وشهرته ؛ وهی التی أشرنا إلیها عند بدء الکلام علی المعرفة والنکرة. فالضمیر أعرف (1) من العلم ، والعلم أعرف من الإشارة ... وهکذا (2). بل إن الضمائر متفاوتة أیضا ؛ فضمیر المتکلم أعرف من ضمیر المخاطب. وضمیر المخاطب أعرف من ضمیر الغائب ...

فإذا صلح للضمیر مرجعان ؛ أحدهما ضمیر متکلم ، والآخر ضمیر مخاطب - قدّم المتکلم - فی الرّأی الأصح - ؛ مثل : أنا وأنت سافرنا ؛ ولا یقال : أنا وأنت سافرتما ؛ إلا قلیلا ، لا یحسن الالتجاء إلیه فی عصرنا. وإذا کان أحد المرجعین للمخاطب والآخر للغائب قدّم المخاطب ، نحو : أنت وهو ذهبتما ؛ ولا یقال : أنت وهو ذهبا ، إلا قلیلا یحسن البعد عنه.

وإذا کان أحدهما ضمیرا والآخر علما أو معرفة أخری روعی الضمیر ، نحو : أنا وعلی أکلنا ؛ ولا یقال - فی الرأی الأفضل - أکلا ، وتقول : أنا الذی سافرت ، وهو أفضل من : أنا الذی سافر ... وتتجه إلی الله فتقول : أنت الذی فی رحمتک أطمع ، وهو أفضل من : أنت الذی فی رحمته أطمع ، وهکذا (3). ولا داعی لترک الأفضل إلی غیره وإن کان جائزا هنا ؛ لأن الأفضل متفق علیه ؛ وفی الأخذ به مزیة التعبیر الموحّد الذی نحرص علیه لمزایاه ، إلا إن اقتضی غیره داع قویّ.

10- الغالب فی الضمیر بعد : «أو» التی للشک أو للإبهام أن یکون مفردا ؛ مثل : شاهدت المرّیخ أو القمر یتحرک. أما بعد «أو» التنویعیة (التی لبیان الأنواع والأقسام) ، فالمطابقة ، کقوله تعالی : (... إِنْ یَکُنْ غَنِیًّا أَوْ فَقِیراً فَاللهُ أَوْلی بِهِما)(4) ...).

وبهذه المناسبة نذکر أن للضمیر العائد علی المعطوف والمعطوف علیه معا ،

ص: 242


1- أی : أقوی درجة فی التعریف.
2- راجع رقم 3 من هامش ص 191.
3- لهذه الصورة الخاصة بالموصول إیضاح مفید ، وتفصیل هام یجیء فی بابه وفی 343 «ب».
4- سیجیء بیان هذا فی باب العطف ج 3 ص 489 م 118 عند الکلام علی : «أو» وقد سبقت له الإشارة فی رقم 3 من هامش صفحتی 196 و 209.

أو علی أحدهما ، أحکاما هامّة لا یمکن الاستغناء عن معرفتها ، وکلها مختص بالمطابقة وعدمها ، وهی موضحة تفصیلا فی باب العطف (ج 3 ص 525 م 122).

* * *

(ط) اختلاف نوع الضمیر مع مرجعه :

قد یختلف نوع الضمیر مع مرجعه فی مثل : أنا عالم فائدة التعاون ، وأنا مؤمن بحمید آثاره ، فالضمیر فی کلمتی : «عالم ومؤمن» مستتر یتحتم أن یکون تقدیره : «هو» فما مرجعه؟

یجیب النحاة : إن أصل الجملة : أنا رجل عالم فائدة التعاون ، وأنا رجل مؤمن بحمید آثاره ، فالضمیر للغائب وهو عائد هنا علی محذوف حتما ، ولا یصح عودته علی الضمیر «أنا» المتقدم ، کما لا یصح أن یکون الضمیر المستتر تقدیره : «أنا» بدلا من : «هو» ؛ لأن اسم الفاعل لا یعود ضمیره إلا علی الغائب (1) ، وهذا یقتضی أن یکون الضمیر المستتر للغائب أیضا.

وقد یختلف الضمیر مع مرجعه إذا کان الضمیر هو العائد فی الجملة الواقعة صلة. طبقا للتفصیل الذی سیجیء فی باب اسم الموصول ولا سیما الذی فی «ب» ص 343.

ص: 243


1- راجع حاشیة الخضری ج 1 باب : «ظن وأخواتها» عند الکلام علی أحکام : «التعلیق» وقد أشرنا لهذا (فی رقم 4 من هامش 21 م 21 ج 2) و (فی ص 191 ح 3 باب اسم الفاعل.102 ص 205 والظاهر أن هذا الحکم لیس مقصورا علی اسم الفاعل بل یسری علی غیره من باقی المشتقات المتحملة ضمیرا مستترا. فیجب أن یکون للغائب ، ویعود علی غائب.

المسألة 20: حکم اتصال الضمیر بعامله

اشارة

تقدم (1) أن للرفع ضمائر تختص به ؛ بعضها متصل ؛ کالتاء المتحرکة ؛ و «نا» فی مثل : سعیت إلی الخیر ، وسعینا. وبعضها منفصل ، ولکنه یؤدی ما یؤدیه المتصل من الدلالة علی التکلم ، أو الخطاب ، أو الغیبة ؛ مثل : «أنا» ؛ فإنها ضمیر منفصل یدل علی التکلم ، کما تدل علیه تلک «التاء» ، ومثل : «نحن» ؛ فإنها ضمیر منفصل یدل علی المتکلم المعظم نفسه ، أو جماعة المتکلمین ؛ کما یدل علیه : «نا» ، تقول : أنا أمین علی السر ، ونحن أمناء علیه ... وللنصب کذلک ضمائر تختص به ، منها المتصل ، کالکاف فی مثل : صانک الله من الأذی ، ومنها المنفصل الذی یؤدی معناه ؛ مثل : إیاک ، فی : نحو : إیاک صان الله ، ومنه : (إِیَّاکَ نَعْبُدُ وَإِیَّاکَ نَسْتَعِینُ) أما الجر فلیس له ضمائر تختص به - کما عرفنا -. لکن هناک ضمائر متصلة مشترکة بینه وبین غیره. کالکاف ، والهاء ... إلی غیر ذلک مما سبق إیضاحه وتفصیله ، ولا سیما ما یدل علی أن الضمیر مع اختصاره وقلة حروفه یؤدی ما یؤدیه الاسم الظاهر ، بأکثر.

ونزید الآن أن الکلام إذا احتاج إلی نوع من الضمیر - کالضمیر المرفوع ، أو المنصوب - وکان منه المتصل والمنفصل ، وجب اختیار الضمیر المتصل ، وتفضیله علی المنفصل الذی یفید فائدته ؛ ویدل دلالته ؛ لأن المتصل أکثر اختصارا فی تکوینه وصیغته ، فهو أوضح وأیسر فی تحقیق مهمة الضمیر ، فنقول : بذلت طاقتی فی تأیید الحقّ ، وبذلنا طاقتنا فیه ، ولا تقول : بذل «أنا.» ، ولا بذل «نحن». وتقول : کرّمک الأصدقاء ؛ ولا تقول : کرّم «إیاک» الأصدقاء. وتقول فرحت بک ، ولا تقول : فرح أنا بأنت.

فالأصل العام الذی یجب مراعاته عند الحاجة للضمیر هو : اختیار المتصل

ص: 244


1- فی ص 199 وما بعدها.

ما دام ذلک فی الاستطاعة ، ولا یجوز العدول عنه إلی المنفصل ، إلا لسبب (1). هذا هو الأصل العام الواجب اتباعه فی أکثر الحالات (2).

غیر أن هناک حالتین یجوز فیهما مجیء الضمیر «منفصلا» مع إمکان الإتیان به «متصلا».

الحالة الأولی : أن یکون الفعل - أو ما یشبهه (3) - قد نصب مفعولین (4) ضمیرین ، أولهما أعرف من الثانی ؛ فیصح فی الثانی أن یکون متصلا وأن یکون منفصلا. نحو : الکتاب أعطیتنیه ، أو : أعطیتنی إیاه ، والقلم أعطیتکه ، أو : أعطیتک إیاه. فالفعل : «أعطی» هو من الأفعال التی تنصب مفعولین ، وقد نصبهما فی المثالین ، وکانا ضمیرین ؛ یاء المتکلم ، وهاء الغائب فی المثال الأول ، وکاف المخاطب وهاء الغائب فی المثال الثانی. والضمیر الأول فی المثالین أعرف (5) من الثانی فیهما ؛ فصحّ فی الثانی الاتصال والانفصال. ومثل ذلک. أن تقول : الخیر سلنیه (6) وسلنی إیاه. والخیر سألتکه ، وسألتک إیاه.

وبهذه المناسبة نشیر إلی حکم هامّ یتصل بما نحن فیه ، هو : أنه إذا اجتمع ضمیران ، منصوبان ، متصلان ، وأحدهما أخصّ من الآخر (أی : أعرف منه ، وأقوی درجة فی التعریف). فالأرجح تقدیم الأخصّ منهما. تقول : المال أعطیتکه ، وأعطیتنیه ، فتقدم الکاف علی الهاء فی المثال الأول ؛ لأن الکاف للمخاطب ، والهاء للغائب ، والمخاطب أخصّ من الغائب. وکذلک تقدم الیاء فی المثال الثانی علی الهاء أیضا ؛ لأن الیاء للمتکلم وهو أخصّ من الغائب. ومن

ص: 245


1- وسنذکر هنا حالتان یجوز فیهما الاتصال والانفصال ، ثم نذکر - فی الزیادة والتفصیل ص 248 - أهم الأسباب. المجبة للانفصال فی ص 205 و
2- وفی هذا یقول ابن مالک : وفی اختیار لا یجیء المنفصل إذا تأتّی أن یجیء المتّصل
3- شبه الفعل (أی : المشتق) هو : ما یشترک معه فی أصل الاشتقاق ، ویعمل عمله - غالبا - کاسم فاعله ، واسم مفعوله و...
4- لأنه من الأفعال التی تنصب مفعولین ، مثل «ظن» وأخواتها .. (وانظر رقم 6 من هامش ص 247).
5- أی : أقوی منه فی درجة التعریف والتعیین. وقد عرفنا أن ضمیر المتکلم أعرف من ضمیر المخاطب ، وضمیر المخاطب أعرف من ضمیر الغائب ، وأوضحنا هذا بإسهاب. (فی رقم 3 من هامش ص 191).
6- أی : اسألنی إیاه.

غیر الأرجح أن تقول أعطیتهوک (1) وأعطیتهونی (2). فإن کان أحد الضمیرین مفصولا جاز تقدیم الأخص وغیر الأخص عند أمن اللبس ؛ تقول : الکتاب أعطیتکه أو أعطیته إیاک ، وأعطیتنیه أو أعطیته إیای. بخلاف : الأخ أعطیتک إیاه ، فلا یجوز تقدیم الغائب ؛ خشیة اللبس ، لعدم معرفة الآخذ والمأخوذ منهما ؛ فیجب هنا تقدیم الأخص ؛ لیکون تقدیمه دلیلا علی أنه الآخذ. فکأنه فی المعنی فاعل ، والأصل فی الفاعل أن یتقدم (3).

وقد اشترطنا فی الحالة الأولی أن یکون الضمیران منصوبین ، وأولهما أعرف من الثانی.

(ا) فإن لم یکن الضمیران منصوبین ؛ بأن کان أولهما مرفوعا والثانی منصوبا - وجب وصل الثانی بعامله إن کان عامله فعلا (4) ؛ نحو : النظام أحببته.

(ب) وإن کان أولهما منصوبا والثانی مرفوعا - وجب فصل المرفوع ؛ إذ لا یمکن وصله بعامله مع قیام حاجز بینهما ؛ وهو الضمیر المنصوب. نحو : ما سمعک إلا أنا.

(ح) وإن کانا منصوبین ، وثانیهما أعرف - وجب فصل الثانی ، مثل : المال سلبه إیاک اللص. وکذلک إن کان مساویا للأول فی درجة التعریف بأن وقع کل منهما للمتکلم ؛ مثل : ترکتنی لنفسی ؛ فأعطیتنی إیای ، أو :

ص: 246


1- الواو التی بعد الضمیر هی واو الإشباع التی تنشأ من إطالة الضمة. والغالب کتابة هذه الواو إذا وقع بعدها ضمیر آخر متصل ، کالذی هنا. وهذه اللغة - وإن کانت جائزة - لا یحسن استخدامها ، ولا ترک الأرجح الشائع فی الأسالیب العالیة ، لأجلها.
2- الواو التی بعد الضمیر هی واو الإشباع التی تنشأ من إطالة الضمة. والغالب کتابة هذه الواو إذا وقع بعدها ضمیر آخر متصل ، کالذی هنا. وهذه اللغة - وإن کانت جائزة - لا یحسن استخدامها ، ولا ترک الأرجح الشائع فی الأسالیب العالیة ، لأجلها.
3- وإلی ما تقدم یشیر ابن مالک بقوله : وقدّم الأخصّ فی اتّصال وقدّمن ما شئت فی انفصال
4- وجب وصله بعامله الفعل ، ولو کان المتقدم غیر الأعرف : مثل أکرمتک ، وأکرمونا فإن کان عامله اسما جاز الأمران ؛ سواء أکان الأول مرفوعا أو مجرورا ؛ کفرحت بإکرامیک أو إکرامی إیاک (لأن الیاء فاعل المصدر ، مجرور بالإضافة فی محل رفع). أو کان مرفوعا فقط ، ولا یکون إلا مستترا ؛ مثل : أنا المکرمک ، أو المکرم إیاک ؛ بناء علی أن الکاف مفعول به لا مضاف إلیه ، وإلا تعین الوصل ؛ لأن الضمیر المجرور لا یکون إلا متصلا. وکذلک یجب الوصل فی : «أنا مکرمه» من غیر أل ؛ لتعین الإضافة فیه. فإن دخل التنوین علی الوصف تعین الفصل ؛ مثل : أنا مکرم إیاه (راجع الخضری).

للخطاب ، مثل : أعطیتک إیاک ، أو للغائب مع اتفاق لفظمها ؛ مثل ؛ أعطیته إیاه (1) ، ولا یجوز اتصال الثانی ؛ فلا تقول أعطیتنینی ، ولا أعطیتکک ، ولا أعطیتهوه ، إلا إن کانا لغائبین واختلف لفظهما ؛ فیجوز وصل الثانی. نقول : سأل أخی عن القلم والکتاب فأعطیتهماه ، ومنحتهماه (2) ، أو أعطیتهما إیاه ، ومنحتهما إیاه (3) ...

الحالة الثانیة : أن یکون الضمیر الثانی منصوبا بکان أو إحدی أخواتها (4) (لأنه خبر لها) فیجوز فیه الوصل والفصل ؛ نحو ؛ الصدیق «کنته» أو : کنت إیاه ، والغائب لیسه محمد (5) أو لیس محمد إیاه (6).

ص: 247


1- یلاحظ أن أحد الضمیرین هو : «الهاء» ، والآخر هو کلمة : «إیاه» کلها علی الرأی الذی سبق تفصیله (فی ص و 205 فی آخر ص : 214). ولما کانت الهاء فی کلمة «إیاه» هی التی تدل وحدها علی الغیبة کان شأنها شأن الهاء الأولی فی الدلالة ، وکان لفظهما متفقا ولا أهمیة لزیادة «إیا» فی إحداهما ؛ إذ لا تؤثر هذه الزیادة فی دلالة الضمیر.
2- وإلی هذا یشیر ابن مالک بقوله : وفی اتّحاد الرّتبة الزم فصلا وقد یبیح الغیب فیه وصلا
3- إن لم یوجد فی الکلام إلا ضمیر واحد منصوب واستغنی عن الآخر باسم ظاهر فالأرجح وجوب الوصل : نحو : الکتاب أعطیته علیا.
4- سواء أکان الاسم ضمیرا کالمثال : (الصدیق کنته ، أو : کنت إیاه) أم غیر ضمیر ؛ نحو : الصدیق کانه محمد. ومحل جواز الوجهین فی کان وأخواتها مخصوص بغیر الاستثناء. أما فیه فیجب الفصل : نحو : الرجل قام القوم لیس إیاه ، ولا یکون إیاه (لأن لیس ویکون هنا فعلین للاستثناء ناسخین أیضا) فلا یجوز «لیسه» ولا «یکونه» کما لا یجوز : إلاه. فکما لا یقع المتصل بعد «إلا» لا یقع بعد ما هو بمعناها. أما تفصیل الکلام علی استعمال هذین الفعلین فی الاستثناء فموضعه : باب الاستثناء - ح 2 ص 276 م 83 -.
5- هذا المثال لیس من النوع الذی سبق الکلام علیه فی رقم 4 لأن «لیس» هنا لیست للاستثناء.
6- فی هذه المسألة والتی قبلها تختلف آراء النحاة ، وتتشعب من غیر داع ، ولا فائدة ؛ فمنهم من یقول بجواز الفصل والوصل علی السواء ، وذلک حین یکون العامل الناصب للضمیرین فعلا ، أو ما یشبهه ، غیر ناسخ ، فینصب مفعولین لیس أصلهما المبتدأ والخبر مثل : سأل ، سل ... أعطی - یعطی ... وهذا الرأی هو الأشهر. ومنهم من یقول إن الوصل واجب ، ولا یجوز الفصل إلا للضرورة. وکذلک یجیزون الأمرین ویختلفون فی الترجیح إن کان العامل الناصب للضمیرین فعلا - أو ما یشبهه - یتعدی إلی مفعولین ، الثانی منهما خبر فی الأصل ؛ مثل : ظن ؛ وخال ، وأخواتهما الناسخة. تقول : الصدیق ظننتکه ، أو ظننتک إیاه ، وخلتنیه ، وخلتنی إیاه ؛ فابن مالک ومن معه یختارون الاتصال ، وغیرهم یختار الانفصال. وکذلک اختلفوا فی الأرجح إن کان الضمیر الثانی منصوبا بکان أو إحدی أخواتها ... و... وکل هذا الخلاف لا خیر فیه ، وهو مرهق بغیر فائدة : فقد ثبت أن الوصل والفصل فی المسائل السابقة - - واردان عن العرب الفصحاء بکثرة تبیح القیاس ؛ فلا داعی لهذا التشعیب الذی أشار إلیه ابن مالک بقوله : وصل أو افصل هاء سلنیه ، وما أشبهه. فی : «کنته» الخلف انتمی کذاک : «خلتنیه». واتّصالا أختار ، غیری اختار الانفصالا فهو یقول : إنه یجوز الوصل والفصل فی «هاء» سلنیه ، وما أشبه سلنیه ؛ من کل فعل غیر ناسخ - أو شبهه - نصب ضمیرین ، أولهما أخص من الثانی ... ولم یبین ابن مالک الخلاف الذی فی المسألة السالفة ، واکتفی ببیان الخلاف فی مثل : کنته ، وأنه انتمی ، أی : اشتهر ، وکذلک فی خلتنیه من کل فعل ناسخ ینصب مفعولین. وصرح بأنه یختار الاتصال ، وأن غیره یختار الانفصال.

زیادة وتفصیل

عرفنا أن الغرض من الضمیر هو الدلالة علی المراد مع الاختصار ، ولذا وجب اختیار المتصل دون المنفصل الذی یؤدی معناه ؛ کلما أمکن ذلک. إلا فی حالتین سبق الکلام عنهما (1). وهما اختیاریتان ؛ یجوز فیهما الاتصال والانفصال.

لکن هناک حالات أخری یتعذر فیها مجیء الضمیر متصلا ؛ فیجیء منفصلا وجوبا. وتسمی حالات الانفصال الواجب. وأشهرها :

1 - ضرورة الشعر ؛ مثل قول الشاعر یتحدث عن قومه :

وما أصاحب من قوم فأذکرهم

إلا یزیدهم حبّا إلیّ هم (2)

2 - تقدیم الضمیر علی عامله لداع بلاغی ، کالحصر (القصر) والضمیر المتصل لا یمکن أن یتقدم بنفسه علی عامله ؛ فیحل محلّه المنفصل الذی بمعناه. ففی مثل : نسبحک ، ونخافک یا رب العالمین - لا نستطیع عند الحصر أن نقدم الکاف وحدها ، لذلک نأتی بضمیر منصوب بمعناها ، وهو : «إیاک» فنقول : إیاک نسبح ، وإیاک نخاف.

3 - الرغبة فی الفصل بین الضمیر المتصل وعامله بکلمة «إلا» ، لإفادة الحصر. وهذا الفصل لا یتحقق إلا إذا أتینا بالضمیر منفصلا ؛ مثل : ربّنا ما نعبد

ص: 248


1- فی ص 245.
2- المعنی : إذا سمع أصحابی صفات قومی ، مدحوهم ، وزادونی حبا فیهم (أی فی قومی). وقد اضطر الشاعر إلی أن یقول «یزیدهم حبا إلی هم» بدلا من أن یقول : «یزیدونهم حبا إلی» ؛ ففصل الضمیر «هم» الثانی ؛ - بدلا من واو الجماعة - لضرورة الشعر.

إلا إیاک ، ولا نهاب إلا إیاک.

وقد یکون الحصر بغیر «إلا» فلا یقع الفصل بکلمة توجب الانفصال ، ولکن ینفصل الضمیر ؛ مثال ذلک ، الحصر بإنما (1) فی قول الشاعر :

أنا الذائد الحامی الذّمار وإنما

یدافع عن أحسابهم أنا ، أو : مثلی

ومن أمثلة الفصل للقصر : إن الأبطال نحن ، «فنحن» ضمیر منفصل خبر إن ، ولا یمکن اتصاله بعامله (إن) ؛ وذلک لأن خبرها لا یتقدم علی اسمها.

4 - أن یکون عامله اللفظی محذوفا ؛ مثل : إیاک والکذب. فأصل : «إیاک» هو : أحذّرک ، أو : أخوّفک. حذف الفعل وحده ، وبقی الضمیر «الکاف» وهو ضمیر متصل لا یستقل بنفسه ؛ فحذفناه ، وأتینا مکانه بضمیر منفصل یؤدی معناه ، ویستقل بنفسه ، وهو : إیاک. وقد سبق (2) بیان إعرابه ، کما سبق (3) أنه وفروعه کثیر الاستعمال فی أسلوب : «التحذیر» بصوره المتعددة التی ستجیء فی بابه الخاص - ج 4 ص 97 م 140 -.

5 - أن یکون عامله معنویّا ؛ مثل : أنا صدیق وفیّ ، وأنت أخ کریم. فالضمیر : «أنا» ، و «أنت» ، مبتدأ مرفوع بالابتداء. والابتداء عامل معنوی ، لا وجود له فی اللفظ ؛ فلا یمکن وصل الضمیر به.

6 - أن یکون عامله حرف نفی ، مثل : الخائن غادر ؛ فما هو أهلا للصداقة. فالضمیر «هو» اسم «ما» الحجازیة ، وهی العاملة فیه الرفع ؛ ولکنها من الحروف التی لا یتصل بآخرها الضمیر ولا غیره (4) :

7 - أن یکون الضمیر تابعا لکلمة تفصل بینه وبین عامله ؛ مثل : نحن نکرم العلماء وإیاکم : فالضمیر : «إیاکم» معطوف ؛ فهو تابع یتأخر عن متبوعه ، والمعطوف علیه : «العلماء» هو المتبوع الذی یجب تقدمه علیه. وقد فصل المتبوع

ص: 249


1- سبق أن المحصور فیه بإنما هو المتأخر. أی : «أنا».
2- فی ص 213.
3- فی رقم 1 من هامش ص 205.
4- ومنه قوله تعالی : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ.) وقول الشاعر : فی «إن» النافیة التی تعمل عمل لیس : إن هو مستولیا علی أحد إلّا علی أضعف المجانین

بین الضمیر : «إیاکم» وعامله : «نکرم». ومثله قوله تعالی : (یُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِیَّاکُمْ) وقول القائل فی مدح عمر (1) رضی الله عنه :

مبرّأ من عیوب الناس کلّهم

فالله یرعی أبا حفص وإیّانا

8 - أن یقع الضمیر بعد واو المصاحبة (وتسمی : واو المعیة) مثل : حضر الرفاق ، وسأسافر وإیاهم إلی بعض الأقالیم.

9 - أن یکون فاعلا لمصدر مضاف إلی مفعوله (فیفصل المفعول به بین الضمیر الفاعل وعامله). مثل : بمساعدتکم نحن انتصرتم (2) ؛ فکلمة : «مساعدة» مصدر مضاف إلی مفعوله «الکاف». وفاعله کلمة : «نحن».

10 - أن یکون مفعولا به لمصدر مضاف إلی فاعله ؛ مثل : سررت من إکرام العقلاء إیاک.

11 - أن یقع بعد إما ، مثل کتب : إما أنت ، وإما هو.

12 - أن یقع بعد اللام الفارقة (3) ، مثل :

إن وجدت الصدیق حقّا لإیا

ک ، فمرنی ؛ فلن أزال مطیعا

13 - أن یکون منادی - عند من یجیز نداء الضمیر - مثل : یا أنت. یا إیاک.

14 - أن یکون الضمیر منصوبا وقبله ضمیر منصوب ، والناصب لهما عامل

ص: 250


1- وکنیته : «أبو حفص» وکلمة «أبا حفص» هی التی فصلت (فی البیت التالی) بین التابع المعطوف وعامله ، أی : بین الضمیر «إیانا» وبین عامله : «یرعی» الذی یجیء بعده المتبوع ، أی : المعطوف علیه.
2- أی : انتصرتم بسبب المساعدة التی قدمناها نحن.
3- إذا خففت إن المشدة فالأکثر إهمالها ؛ فلا تنصب الاسم ولا ترفع الخبر ، والأکثر أن یجیء بعدها اللام ، لتدل علی أنها المخففة المهملة ، ولیست المشددة العاملة ؛ مثل : إن صالح لقائم. وهذه اللام تسمی : «الفارقة» ؛ لأنها التی تفرق بین نوعی «إن» المشددة العاملة ، والمخففة المهملة ، وقد یجعلها بعض النحاة نوعا من لام الابتداء. وسیجیء الکلام علیها فی باب المبتدأ والخبر ، عند الکلام علی مسوغات الابتداء بالنکرة ، وأیضا فی آخر باب : «إن».

واحد مع اتحاد رتبتی الضمیر ؛ مثل : علمتنی إیای (1) ، علمتک إیاک ، وعلمته إیاه.

15 - أن یکون الضمیر مرفوعا بمشتق جار علی غیر من هو له ، مثل : محمد علیّ مکرمه هو (2).

ص: 251


1- یقال هذا فی معرض الفخر غالبا ؛ نحو : شعری شعری.
2- فهذا الضمیر البارز المنفصل کان مستترا قبل إبرازه ، والمستتر نوع من المتصل کما سبق. وسیجیء فی ص 420 شرح الضمیر الجاری علی غیر من هو له فی المکان الخاص به من باب المبتدأ والخبر.

المسألة 21: زیادة نون الوقایة

اشارة

(1)

من الضمائر المتصلة : «یاء المتکلم» ، وتسمی - أحیانا - : «یاء النفس» وهی مشترکة بین محلی النصب والجر ؛ مثل : زرتنی فی حدیقتی. فإن کانت فی محل نصب فناصبها إما فعل أو اسم فعل ، أو حرف ناسخ ؛ - مثل : «إن» أو إحدی أخواتها - وإن کانت فی محل جر فقد تکون مجرورة بحرف جر ، أو تکون مجرورة بالإضافة ، لأنها مضاف إلیه.

(ا) فإن کانت منصوبة بفعل ، أو باسم فعل ، أو بما الحق بهما - عند کثیر من النحاة (2) - وهو الحرف : «لیت» (وهذا حرف ناسخ من أخوات إنّ) وجب أن یسبقها مباشرة نون مکسورة تسمی : «نون الوقایة» (3). فمثال الفعل : ساعدنی أخی ، وهو یساعدنی عند الحاجة ، فساعدنی فما أقدرک علی المساعدة الکریمة. فقد توسطت نون الوقایة بین الفعل ویاء المتکلم ، ولا فرق بین أن یکون الفعل ماضیا ، أو مضارعا ، أو أمرا. ولا بین أن یکون متصرفا ، أو جامدا. ومثال اسم الفعل : «دراک» ، و «تراک» ، و «علیک» بمعنی : أدرک ، واترک ، والزم. فیجب عند مجیء یاء المتکلم أن نقول : دراکنی ، وتراکنی ، وعلیکنی. بمعنی أدرکنی ؛ واترکنی ، والزمنی. ومثال لیت : لیتنی أزور أنحاء الدنیا - لیتنی أستطیع معاونة البائسین جمیعا.

هذا حکم نون الوقایة فی الأحوال السابقة. وقد حذفت سماعا من آخر بعض الأفعال ، ومن آخر «ولیت» حذفا نادرا لا یقاس علیه : مثل ، هنا رجل لیسی ؛ أی : غیری. ولیتی أعاون کل محتاج ؛ بمعنی لیتنی. وقد تحذف فیهما للضرورة ، مثل قول الشاعر :

ص: 252


1- وقد تسمی : «نون العماد».
2- إلحاق نون الوقایة بالحرف «لیت» واجب عند هذا الفریق ، وشائع فی الغالب عند غیره.
3- لأنها فی استعمالها الغالب تقی الفعل الصحیح الآخر - أی : تصونه - من وجود کسرة فی آخره عند إسناده لیاء المتکلم أما المعتل الآخر ؛ مثل : دعا ، فإنه محمول علیه. وتقی کذلک ما تتصل به غیر الفعل من تغییر آخره عند اتصالها به. ولأنها تمنع اللبس ؛ فمثل : أکرمنی أخی ، أو یکرمنی ، أو : أکرمنی - لم توجد النون المتوسطة بینه وبین یاء المتکلم لقلنا : أکرمی أخی ، یکرمی أخی ، أکرمی. فیترتب علی ذلک وجود کسرة فی آخر الفعل ؛ والکسر لا یدخل الأفعال ؛ کما یترتب علی ذلک أن یلتبس - أحیانا - فعل الأمر المتصل آخره بیاء المتکلم بفعل الأمر المسند لیاء المخاطبة ؛ مثل : أکرمی. فلا ندری المراد. وقد یلتبس الفعل الماضی بالمصدر مثل : نظری محمود معافی ؛ فلا ندری أکلمة : «نظر» فعل ماض ، أم مصدر. وأصح تعلیل : أنه استعمال العرب.

عددت قومی کعدید (1)

الطّیس (2)

إذ ذهب القوم الکرام لیسی

وقول الآخر :

کمنیة جابر إذ قال لیتی

أصادفه (3) ، وأفقد کلّ

مالی

وإن کانت منصوبة بالحرف «لعل» جاز الأمران ، والأکثر حذف النون نحو : لعلی أدرک آمالی ، ولعلنی أبلغ ما أرید.

وإن کانت منصوبة بحرف ناسخ آخر (غیر : لیت ، ولعلّ) جاز الأمران علی السواء ، تقول : إننی مخلص ؛ وإنی وفیّ. لکننی لا أخلص للغادر. أو : لکنی لا أخلص للغادر. وتقول .. سررت من أننی سباق للخیر ، أو : من أنی سباق ... : وهکذا الباقی من الأحرف الناسخة الناصبة ...

(ب) وإن کانت یاء المتکلم مجرورة بحرف جر فإن کان حرف الجر «من» أو «عن» وجب الإتیان بنون الوقایة ، وحذفها شاذ أو ضرورة ؛ تقول منّی الصفح ، ومنّی الإحسان ، وعنّی یصدر الخیر والإکرام ، بخلاف «منی» ، و «عنی».

وإن کان حرف الجر غیرهما وجب حذف النون مثل : لی فیک أمل ، وبی نزوع إلی رؤیتک ، وفیّ میل لتکریمک (4).

(ح) وإن کانت الیاء مجرورة بالإضافة. والمضاف هو کلمة ساکنة الآخر ؛ مثل : «لدن» (بمعنی : عند) ، أو : کلمة «قد» ، أو : «قط» (وکلاهما بمعنی : حسب ، أی : کاف) (5) فالأصح إثبات النون ؛ مثل : قد

ص: 253


1- کعدد.
2- الرمل الکثیر.
3- الضمیر مذکر ، لأنه عائد علی عدو یتحدث عنه ، ویرغب فی مقاتلته.
4- وفیما سبق یقول ابن مالک مقتصرا علی الفعل وحده وبعض الحروف الناسخة : وقبل : «یا النّفس» مع الفعل التزم نون وقایة ، ولیسی قد نظم و «لیتنی» فشا. ولیتی ندرا ومع «لعلّ» اعکس ، وکن مخیّرا فی الباقیات ، واضطرارا خفّفا «منّی» و «عنّی» بعض من قد سلفا
5- تقول : قدنی المال ، وقطنی. أی : حسبی ؛ بمعنی : کافینی ، وتکون الدال مخففة بالسکون. وکذلک الطاء. وهما فی هذه الحالة اسمان ، مبنیان علی السکون فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر علی حسب حالة الجملة التی یقعان فیها. (أما «حسب» : فإنها معربة فی هذا المثال ، لامبنیة. وفی ج 3 ص 120 م 95 من باب الإضافة تفصیل الکلام علی أنواعها ، وأحکامها المختلفة). وإذا کانا اسمین - کما وصفنا - وأضیفا إلی یاء المتکلم ، فإن الأحسن الإتیان بنون الوقایة فاصلة - - بین المضاف والمضاف إلیه. وقد تکون کل منهما - وهی مخففة الآخر - اسم فعل مضارع ، مبنی علی السکون ، بمعنی : یکفی ، وفی هذه الحالة یجب الإتیان بنون الوقایة ؛ لتفصلهما عن یاء المتکلم ، نحو : قدنی ، وقطنی ... أما «قد» التی هی حرف فی مثل : قد اعتدل الجو ، و «قط» التی هی ظرف للماضی فی مثل : ما فعلته «قط» فلا یتصلان بیاء المتکلم ...

بلغت من لدنّی عذرا. ومثل ، قدنی من مواصلة العمل المرهق ، وقطنی من إهمال الریاضة المفیدة. ویجوز بقلة حذف النون فی الثلاثة ؛ تقول : لدنی ، قدی - قطی ؛ وهو حذف لا یحسن (1) بالرغم من جوازه.

فإن کان المضاف کلمة أخری غیر الثلاث السابقة وجب حذف النون ، مثل : هذا کتابی أحمله معی حینا ، وحینا أدعه فی بیتی فوق مکتبی.

* * *

یستخلص مما تقدم أن إثبات نون الوقایة وعدم إثباتها مرتبط بحالات یاء المتکلم المنصوبة محلا ، أو المجرورة محلا. وبنوع العامل الذی عمل فیها النصب ، أو الجر :

1- فإن کانت هذه الیاء منصوبة ، وناصبها فعل ، أو اسم فعل - وجب إثبات نون الوقایة قبلها.

2- وإن کانت هذه الیاء منصوبة وناصبها حرف ناسخ هو : «لیت» وجب إثبات النون. فإن کان الحرف الناسخ هو : «لعل» جاز الأمران ، والأفصح الإثبات ، وإن کان غیرهما جاز الأمران علی السواء.

3- وإن کانت الیاء مجرورة بحرف وعامل الجر هو : «من» ، أو : «عن» وجب إثبات النون. وإن کان حرفا آخر غیرهما وجب الاستغناء عنها بحذفها.

4- وإن کانت مجرورة بالإضافة والمضاف أحد الکلمات الثلاث : لدن - قد - قطّ - جاز الأمران ، ولکن الأفصح إثبات النون. وفی غیر هذه الثلاثة یجب الحذف.

ص: 254


1- وقد أشار ابن مالک إلی الحالة السابقة من ناحیة مجیء نون الوقایة وعدم مجیئها ، بقوله : وفی لدنّی : لدنی قلّ. وفی : «قدنی وقطنی» : الحذف أیضا قد یفی

زیادة وتفصیل

(ا) عرفنا مما سبق أن نون الوقایة واجبة فی آخر الأفعال الناصبة لیاء المتکلم. ومن تلک الأفعال المضارع ، سواء أکان فی آخره نون الرفع ؛ (وهی : نون الأفعال الخمسة) أم کان مجردا منها ؛ مثل : أنت تعرفنی صادق الوعد ، وأنتم تعرفوننی کذلک. ولم تعرفونی مخلفا. فإذا اجتمعت نون الأفعال الخمسة ونون الوقایة جاز أحد الأمور الثلاثة الآتیة :

1 - ترک النونین (نون الرفع ونون الوقایة) علی حالهما من غیر إدغام (1) ؛ تقول أنتما تشارکاننی فیما یفید - أنتم تشارکوننی فیما یفید - أنت تشارکیننی فیما یفید ، وهکذا ...

2 - إدغام النونین (2) ، تقول فی الأمثلة السابقة : أنتما تشارکانّی ... ، وأنتم تشارکنّی ، وأنت تشارکنی (3) ...

3 - حذف إحدی النونین ؛ تخفیفا ، وترک الأخری : تقول : أنتما تشارکانی وأنتم تشارکونی ... ، وأنت تشارکینی ؛ بنون واحدة فی کل ذلک (4).

(ب) هناک بعض أمثلة مسموعة ، وردت فیها نون الوقایة فی آخر اسم الفاعل ، واسم التفضیل ؛ فمن الأول قوله علیه السّلام للیهود : هل أنتم صادقونی؟ ولو حذف

ص: 255


1- وهو جعلهما نونا واحدة مشددة.
2- وهو جعلهما نونا واحدة مشددة.
3- بحذف واو الجماعة ، ویاء المخاطبة ، لالتقاء الساکنین. والأصل : تشارکونیّ وتشارکینیّ ، وحذف الضمیران للسبب الذی شرحناه تفصیلا فی ص 88 وما بعدها. مع مراعاة الهوامش هناک وما فیها من بیان ، وملاحظة ما یتصل بهذه المسألة فی فی «ح» من ص 48 وفی «ب» من ص 162.
4- فی تعیین نوع النون المحذوفة جدل طویل ؛ أهی نون الأفعال الخمسة أم نون الوقایة؟والأیسر - وهو الذی یسایر القواعد العامة أیضا - أن نقول عند الإعراب : إن النون الموجودة هی نون رفع الأفعال الخمسة ؛ بشرط أن یکون المضارع مرفوعا ؛ فیقال فی إعرابه إنه مرفوع بثبوت النون ... أما إذا کان منصوبا أو مجزوما فالنون الموجودة هی نون الوقایة ، والمحذوفة هی نون رفع الأفعال الخمسة حتما ؛ فیقال فیه منصوب أو مجزوم بحذف النون ، والنون الموجودة هی نون الوقایة. وفی غیر ما سبق یتساوی أن تکون المحذوفة هذه أو تلک ؛ فلا أثر لشیء من ذلک فی ضبط کلمات الجملة وفهم معناها. (انظر ص 163).

النون لقال صادقیّ (1). ومثله قول الشاعر :

ولیس الموافینی (2) - لیرفد (3) -

خائبا

فإنّ له أضعاف ما کان أمّلا

وقوله :

ولیس بمعیینی - وفی الناس ممتع -

صدیق إذا أعیا علیّ صدیق

ولو حذفت النون لقیل : الموافیّ والمعییّ ، ومثال اسم التفضیل قوله علیه السّلام : غیر الدجّال أخوفنی علیکم (4). وروی : أخوفی علیکم (أی : غیر الدجال أخوف الأمور التی أخافها علیکم ...)

والشائع أن هذه الأمثلة لا یقاس علیها ؛ لقلتها لکن الرأی السدید : أنه یجوز أحیانا إذا وجد داع (5).

(ح) إذا کان الفعل مختوما بنون النسوة لم یغیر ذلک من لزوم نون الوقایة قبل یاء المتکلم ؛ مثل : النساء أخبرننی الخبر ، هن یخبرننی. أخبرننی یا نسوة.

ص: 256


1- فیکون أصلها : صادقون لی ؛ حذفت اللام للتخفیف ، والنون للإضافة ؛ فصارت : صادقوی ، اجتمعت الواو والیاء ، وسبقت إحداهما بالسکون ؛ فقلبت الواو یاء ، وأدغمت الیاء فی الیاء ؛ فصارت صادقیّ ؛ ثم قلبت ضمة القاف ، کسرة لتناسب الیاء.
2- الذی یقصدنی ویأتی إلی.
3- لینال العطاء والهبة. (الرّفد : العطاء).
4- المعنی : غیر الدجال أخوف عندی من الدجال المعروف لدیکم بصفاته ، إذ یمکنکم أن تحترسوا منه ، وتتقوا ضرره. أما غیره فیستتر أمامکم ، فیخدعکم. (وفی الدجال وما یتصل بحقیقته ، وغیرها مطاعن کثیرة).
5- إن کانت تلک الأمثلة قلیلة لا تکفی للمحاکاة ، والقیاس علیها - فهناک اعتبار آخر له أهمیته ؛ هو : أن زیادة نون الوقایة فی بعض صور من اسم الفاعل واسم التفضیل قد تزیل - أحیانا - اللبس وتمنع الغموض ؛ وهذا غرض تحرص علی تحقیقه اللغة ، وتدعو إلیه. ففی مثل : «من صادقی؟» - إذا کانت مکتوبة - قد نقرؤها من إضافة المفرد إلی یاء المتکلم الساکنة ، أو من إضافة جمع المذکر إلی یاء المتکلم المدغمة فی یاء الجمع ؛ فتکون الیاء مشددة مفتوحة. ولا یزیل هذا اللبس إلا نون الوقایة ، فوق ما تجلبه من خفة النطق. وفی هذه الحالة وأشباهها تکون النون مرغوبة بل مطلوبة ؛ عملا بالأصل اللغوی العام الذی یدعو للفرار من کل ما یوقع فی لبس جهد الاستطاعة. أما فی صورها الأخری التی لا لبس فیها عند اتصال أحدهما بیاء المتکلم فلا داعی لنون الوقایة ، وبحب الأخذ بالرأی الذی یمنعها.

المسألة 22: «ب» العلم

اشارة

(ا) (محمود - إبراهیم) (فاطمة - أمینة) (مکة - بیروت) (بردی - دجلة).

(ب) رجل - شجرة - إنسان - حیوان - معدن ...

(ح) أسامة (للأسد). ثعالة (للثعلب). شیوة (للعقرب) ذؤالة (للذئب) ...

کل کلمة فی القسم الأول : (ا) تدل بنفسها مباشرة (1) علی شیء واحد ، معیّن بشکله الخاص ، وأوصافه المحسوسة التی ینفرد بها ، وتمیزه من باقی أفراد نوعه. فکلمة : «محمود» تدل بذاتها علی فرد واحد له صورة معینة ، ووصف حسیّ ینطبق علیه وحده دون غیره من أفراد النوع الإنسانی. وکذلک إبراهیم ، وفاطمة وأمینة ، وغیرها.

وکلمة : مکة ، أو : بیروت ، أو : أشباههما من البلاد - تدل علی شیء واحد محسوس ؛ هو : بلد معین ، له خصائصه ، وأوصافه الحسیة التی لا تنطبق علی سواه ، ولا تحمل إلی الذهن صورة غیره. وکذلک الشأن فی بردی ، ودجلة وغیرهما من الأنهار المعینة.

فکل کلمة من الکلمات السالفة إنما تدل بلفظها وبحروفها الخاصة بها علی معنی واحد ، معین ، ینطبق علی فرد واحد «أی : تدل علی مسمی بعینه» وهی لا تحتاج فی دلالتها علیه إلی معونة لفظیة أو معنویة تأتیها من غیرها ، بل تعتمد علی نفسها فی إبراز تلک الدلالة.

أما کلمات القسم الثانی فتدل الواحدة منها علی معنی معین ، ولکنه معنی غیر مقصور علی فرد واحد ینحصر فیه ؛ وإنما ینطبق علی أفراد کثیرة مشترکة معه فی النوع ، فهو صالح لکل منها ، لا یختص بواحد دون آخر ، أی : أنه شائع بینها ، کما سبق أن قلنا فی النکرة (2). فکلمة : رجل أو شجرة ... أو غیرهما

ص: 257


1- أی : من غیر حاجة إلی زیادة لفظیة أو معنویة.
2- ص 186.

من سائر النکرات تدل علی مدلول واحد ، لفرد واحد ، ولکن هذا الفرد شائع ، له نظائر وأشباه کثیرة قد تبلغ الآلاف ... ، ویصلح کل منها أن یکون هو المقصود ، ولیس بعضها أولی من بعض فی ذلک ، فإذا أردنا لهذه الکلمة أن تدل علی مدلول واحد معین لا ینطبق علی غیره وجب أن نضم إلیها زیادة لفظیة أو معنویة تجعل مدلولها مرکزا فیه وحده بغیر شیوع ، کأن تقول : رأیت رجلا فی النادی ، فصافحت الرجل. أو هذا رجل ، أو : أعجبنی هذا. مشیرا إلی شیء حسی أو معنوی معروف متمیّز ، أو : أکرمت الذی زارک. فوجود «أل» فی کلمة «الرجل» بالطریقة السالفة جعلتها تدل علی معین. ووجود الإشارة الحسیة أو المعنویة جعلت کلمة : «هذا» تدل علی معین. ووجود صلة الموصول - وهی لفظیة - جعلت کلمة : «الذی» تدل علی معین. ووجود قرینة التکلم أو الخطاب جعلت ضمیرهما یدل علی معین. وهکذا ؛ فلو لا الزیادة التی انضمت إلی کل واحدة ما حصل التعیین والتخصیص ... ومن هنا یتضح الفرق بین کلمات القسم الأول التی هی نوع من المعرفة یسمی : «العلم الشخصی» (1) أو «علم الشخص» وکلمات القسم الثانی التی هی نکرة قبل وجود الزیادة التی انضمت إلیها. ثم صارت بعدها نوعا من أنواع المعرفة. فکلمات القسم الأول تستمد من ذاتها وحدها التعیین والتحدید ، بخلاف الثانیة. وهذا معنی قولهم فی تعریف العلم :

«إنه اللفظ الذی یدل علی تعیین مسماه تعیینا مطلقا» ، أی : غیر مقیّد بقرینة تکلم ، أو خطاب ، أو غیبة ، أو إشارة حسیة ، أو معنویة ، أو زیادة لفظیة ؛ کالصلة ... او غیر ذلک من القرائن اللفظیة أو المعنویة التی توضح مدلوله ، وتحدد المراد منه. فهو غنی بنفسه عن القرینة ، لأنه علم (2) مقصور علی مسماه ، وشارة خاصة به وافیة فی الدلالة علیه. وکل کلمة من کلمات القسم الثانی

ص: 258


1- لأن مدلوله فی الغالب شیء مشخص ، أی : مجسم ، محسوس ، متمیز من غیره. وقد یکون شیئا ذهنیا ؛ کالعلم الذی یسمی به الجنین المنتظر ولادته ، وکالعلم الدال علی قبیلة معینة ؛ بحیث یراد به مجموع من وجد فیها ومن سیوجد ، فإن هذا المجموع لا وجود له إلا فی الذهن فقط ، ولا وجود له فی خارج الذهن ، إذ لا یقع تحت الحس. وهذا النوع یسمی : العلم الذهنی ، أی : الموضوع لمعین فی الذهن فقط ، متخیل وجوده فی خارجه.
2- علامة.

وأشباهها تسمی نکرة (1).

ص: 259


1- وقد سبق تعریفها وإیضاحها فی أول باب : «النکرة والمعرفة» ص 186 والنکرة تسمی أیضا : «اسم جنس» عند جمهرة کبیرة من النحاة لا تری فرقا بینها وبین اسم الجنس فإن کانت لمعین فهی النکرة المقصودة ؛ وإن کانت لغیر معین فهی النکرة غیر المقصودة - کما سیجیء فی باب «النداء» ج 4 - وفی هذا الرأی تخفیف وتیسیر من غیر ضرر ؛ فیحسن الأخذ به. أما غیرهم فیری فرقا بین الاثنین ، یوضحه بقوله الذی سبق أن لخصناه فی الباب الأول (فی ص 22) ، عند الکلام علی اسم الجنس ، وفی هذا الباب عند الکلام علی النکرة. (هامش ص 186). ومضمونه : أن النکرة هی نفس الفرد الشائع بین أشباهه ، وهی المدلول الحقیقی المراد من اللفظ ؛ ولیست معناه الخیالی المجرد ، القائم فی الذهن. وأما اسم الجنس فهو الاسم الموضوع لذلک المعنی الذهنی المجرد ؛ لیدل علیه من غیر تذکر - فی الغالب - لفرد من أفراده الخارجیة ، ولا استحضار لصورته فی دائرة الذهن ، ومن غیر ربط - فی الغالب - بین اللفظ ومدلوله الحقیقی ؛ فکلمة : «رجل» مثلا ، إن أرید منها الجسم الحقیقی المعروف ؛ المکون من الرأس ، والجذع ، والأطراف ، فهی النکرة ؛ وتنطبق علی کل جسم حقیقی به تلک الأجزاء الثلاثة بفروعها. أما إن أرید منها المعنی القائم فی الذهن لکلمة : «رجل» ، وهو المعنی الخیالی الذی یخلقه العقل ، ویتصوره بعیدا عن صورة صاحبه ، وعن استحضار هیئة فرد من الأفراد التی تنطبق علیها تلک الصورة - فهی اسم الجنس ، ومدلوله هو المعنی المجرد ، أو : الحقیقة الذهنیة المجردة ، أو : المعنی الخیالی العام. ویوضحون ذلک بأن المعنی المجرد ، أو : الحقیقة الذهنیة المجردة ، أو : المعنی الخیالی العام - متعدد الأصناف فی داخل الذهن ؛ فلا بد أن یکون لکل صنف اسم یمیز ، من الآخر ؛ فتلک الأصاف الذهنیة التی هی المعانی المجردة ... تسمی : الأجناس ، ویسمی الذی یمیز کل واحد : «اسما للجنس» أو «اسم الجنس» أی : الاسم الموضوع لهذا الجنس ؛ لیفرق بینه وبین جنس آخر ؛ کما وضع «رجل» اسما للصنف المعروف من المخلوقات ، لیتمیز من صنف آخر کالشجر ، والطیور. ولکن کیف ینشأ فی الذهن هذا المعنی المجرد؟ وکیف تتکون تلک الحقیقة الذهنیة فیه فتنطبق علی أفراد کثیرة؟ کیف یدرک العقل معنی : شجرة - مثلا - إدراکا مجردا؟ ومن أین یصل إلی هذا؟ وکیف؟ یقولون - کما أشرنا فی صفحتی 22 و 186 - إن أصناف النبات الکبیر متعددة ؛ کالنخل ، والبرتقال ، واللیمون ... وقد رأی المرء النخلة مرات ، وفی کل مرة یحس ویدرک شیئا من أوصافها. ثم رأی البرتقال کذلک ، ثم اللیمون ... ثم .. ثم. وبعد تعدد المرات فی أزمنة متباینة - کشف العقل فی تلک الأشیاء صفات مشترکة ، وانتزع من مجموع تلک الصفات المشترکة معنی مجردا واحدا ، ینطبق فی خارج الذهن علی کل فرد من الأفراد السابقة ، وعلی مئات وآلاف غیرها تشبهها فی تلک الأوصاف التی عرفها. فماذا نسمی المعنی العقلی الخالص؟ أو : ما اسم الحقیقة الذهنیة المحضة التی ولدتها تلک المشاهدات ، کی نمیزها من المعانی الذهنیة الأخری الکثیرة؟ سمیناها : «شجرة». فکلمة : «شجرة» هی اسم لشیء أدرکه الذهن من صفات مشترکة بین أفراد خارجة عنه ، لا وجود لها فی داخله ، وإنما هی فی خارجه ؛ فلیس فی الذهن شجرة حقیقیة لنوع من أنواع النبات ، وإنما هی - کما شرحنا - بارزة فی خارجه. فکلمه : «شجرة» اسم یدل علی جنس یدرک العقل معناه تخیلا. أما حقیقته الواقعیة المجسمة ، المنطبقة علی أفراده - فهی فی خارج الذهن. ومتی انتزع العقل المعنی المجرد أمکنه بعد ذلک أن یدرک مدلوله من غیر حاجة - فی الغالب - إلی استرجاع صورة حقیقیة لفرد من أفراده. وما یقال عن «شجرة» یقال عن کل معنی عام عقلی آخر ، أی : أن العقل یدرک المراد منه من غیر حاجة إلی استحضار صورة من صور أفراده. وإلیک کلمة : «إنسان» أیضا ، فقد رأی المرء محمودا ، وحاتما ، وأمینا ، وفریدة ، ومیة ... وتکررت مشاهدته لهذه الأفراد ، واستخدام حواسه فیها ؛ حتی استطاع العقل بعد ذلک أن ینتزع من الصفات المشترکة بینها معنی واحدا ذهنیا للإنسان ، له أفراده ومدلولاته الحقیقیة الکثیرة لیست فی داخل الذهن ؛ وإنما هی فی العالم الخارجی الحسی البعید عن النطاق الداخلی للذهن. فهو معنی واحد عام یدل علی - - جنس (أی : صنف) له أفراده المتعددة البعیدة عن داخل العقل ، وعن منطقة الذهن التی لا تحتوی فی داخلها شیئا حسیا وصار العقل بعد ذلک لا یحتاج - غالبا - فی إدراک المراد منه إلی استرجاع صورة لفرد من أفراده؟ فما اسم المعنی الذی انتزعه العقل ؛ لیمثل هذا الجنس ، ویدل علیه ، ویمیزه من الأجناس الأخری؟ اسمه : «إنسان». کذلک أدرک العقل مجموع الصفات المشترکة بین علی ، وأسد ، وعصفور ، وحصان ... وکون منها معنی ذهنیا واحدا ولکنه عام یمثل جنسا (أی : صنفا) له فی خارج العقل أفراد حقیقیة کثیرة ، وهذا المعنی العقلی العام یسمی : «حیوانا». وکذلک أدرک العقل من مجموع الصفات المشترکة بین حدید وذهب وفضة ... معنی ذهنیا عاما لجنس اسمه : «معدن». ومن ... و... وهکذا. فالمعانی الذهنیة العامة کثیرة ، وهی معان مجردة ؛ إذ لا یکون معها فی داخل الذهن مدلولاتها الحسیة الحقیقیة التی فی خارجه. فإذا کان الذهن یدرک معنی «رجل» و «إنسان» و «معدن» فهل یضم فی داخله نماذج حقیقیة لکل واحد من هذه؟ لا. ولما کانت المعانی الذهنیة التی تمثل الأجناس متراکمة ، متزاحمة فی داخله - وجب أن یکون لکل جنس اسم خاص به ، یمیزه من غیره ؛ فلهذا اسم : «شجرة» ، ولذاک اسم : «إنسان» ، ولثالث اسم : «حیوان» ، ولرابع اسم : «معدن» ولخامس اسم : «جماد» .. وهکذا .. فکلمة «شجرة» اسم لجنس معین ، أی : لمعنی ذهنی متمیز ، وکذا البواقی. فاسم الجنس اسم موضوع لیدل علی معنی ذهنی واحد ، ولکنه معنی عام ، مجرد ، له أفراد حقیقیة ، کثیرة فی خارج الذهن. وهذا معنی تعریفهم : «أنه یدل علی الماهیة بغیر نظر إلی أفرادها - غالبا -». یریدون بالماهیة : الحقیقة الذهنیة المجردة ، أو : المعنی العقلی الخالص. وبذلک الاسم تتمیز المعانی الذهنیة بعضها من بعض ؛ أی : یتمیز جنس من باقی الأجناس الأخری. من کل ما تقدم نعلم أن اسم الجنس عندهم هو اسم للمعنی الذهنی المجرد ، وأن النکرة هی مدلوله الخارجی الذی ینطبق علیه ذلک المعنی فعلا ؛ أی : هی نفس الفرد الشائع ... إلخ. هذا هو الفرق بینهما عند من یراه. وهو فرق فلسفی متعب فی تصوره ، لیس وراءه فائدة عملیة. واسم الجنس ثلاثة أقسام سبق الکلام علیها فی الباب الأول (ص 22 وما بعدها). ویسوقنا الکلام عن النکرة وعن اسم الجنس إلی شیء ثالث لا مناص من إیضاحه هنا ؛ وهو : «علم الجنس». فما المراد منه؟ وما مدلوله؟ وما أحکامه؟ أطلنا الکلام فی اسم الجنس ، وکررنا له الأمثلة ، وانتهینا من کل ذلک إلی أنه الاسم الموضوع للمعنی العقلی العام المجرد ، أی : للحقیقة الذهنیة المحضة ... وأننا حین نسمع ، أو نقرأ - کلمة «شجرة» ، أو : إنسان ، أو : معدن ... نفهم المراد منها سریعا من غیر أن یستحضر العقل - فی الغالب - صورة معینة للشجرة ؛ کالنخلة ، أو صورة معینة للإنسان ؛ کحسین ، أو : صورة معینة للمعدن ؛ کذهب ، فقد استغنی العقل عن تلک الصورة بعد مشاهداته الأولی الکثیرة ، وصار یدرک المراد حین یسمع اسم الجنس إدراکا مجردا ، أی : خالیا من استحضار صورة فرد من أفراد ذلک الجنس ومن غیر حاجة - فی الغالب - إلی استرجاع شکله وهیئته کما شرحنا. لکن هناک بعض الصور العقلیة (أی : الصور الذهنیة) لأجناس لا یمکن - بحال - أن یدرکها العقل وحدها من غیر أن یتخیل صورة فرد أی فرد - من ذلک الجنس - ، ولا یمکن - مطلقا - أن یفهم المراد منها من غیر أن یستحضر صورة لواحد - أیّ واحد - تنطبق علیه : مثال ذلک کلمة : أسامة ؛ فإن معناها «أسد» لکن لا یدرک العقل معناها إلا مصحوبة بصورة «أسد» ؛ فالحقیقة الذهنیة هنا لیست مجردة من صورة فرد ؛ وإنما یلازمها حتما صورة تنطبق علیه. وکذلک کلمة : «ثعالة» فإن معناها : «ثعلب» ولکن العقل لا یفهم هذا المعنی منعزلا ولا منفصلا عن مصاحبة صورة «لثعلب». وذلک علی خلاف کلمة «أسد» وثعلب وأشباههما ... وبعبارة أخری ؛ کلمة : «أسد» و «ثعلب» وأشباهها تدل فی - - عالم الحس والواقع علی مئات وآلاف من ذلک الحیوان المتوحش. فإذا تخیلنا صورة ذهنیة لواحد من فصیلة : الأسد - مثلا - وقد رسم العقل تلک الصورة فی دائرته ، بحیث جعلها رمزا یدل علی تلک الفصیلة ووضعنا للرمز علما خاصا به (أی : اسما مقصورا علیه) لیدل علیه ؛ وینطبق علی کل فرد من أفراد تلک الفصیلة ، فإن هذا العلم یسمی : «علم الجنس». أی : علما یدل علی ذلک الجنس ، ویرشد لکل فرد من أفراده. ومما یوضح هذا المعنی ویقربه إلی الفهم (وإن کان لیس علم جنس) ما نعرفه فی عصرنا الحالی من تمثال الجندی المجهول ؛ فإننا حین نسمع : «الجندی المجهول» یتجه عقلنا مباشرة إلی صورة ذلک الجندی ویستحضر الذهن تمثاله المعین الذی یرمز له ، وهو تمثال واحد ، ورمز مفرد. ولکنه ینطبق فی عالم الحس والواقع علی الآلاف من الجنود القتلی المجهولین. ویجب أن نتنبه إلی أن ذلک الفرد القتیل غیر معین وأنه شائع بین أفراد جنسه ؛ فهو فی المعنی کالنکرة. وفی هذا یقول بعض النحاة : إن علم الشخص واقع علی الأشخاص ؛ کمحمد ، وعلی ، فالعلم فیه یخص شیئا بعینه ، لا یشارکه فیه غیره. وعلم الجنس یخص کل شخص من ذلک الجنس یقع علیه ذلک الاسم ؛ نحو : أسامة ، وثعالة ؛ فإن هذین الاسمین یقعان علی کل ما یقال له : «أسد» و «ثعلب». وإنما کان العلم هنا للجنس ولم یکن کالأناسی لأن لکل واحد من الأناسی حالة مع غیره ؛ من بیع ، وشراء ، أو زراعة ، أو غیر ذلک ؛ فاحتاج إلی اسم یخصه دون غیره ، لیکون الاسم دلیلا علی صاحبه وممیزا له من غیره .. وأما هذه السباع التی لا تثبت ولا تستقر بین الناس - فلا تحتاج إلی أسماء ، أو ألقاب لتمیز أفراد الجنس الواحد بعضها من بعض. فإذا لحقها اسم ، أو لقب لم یکن ذلک خاصا بفرد دون آخر ، وإنما کان متجها لکل واحد من أشخاص ذلک الجنس ؛ فإذا قلت : أسامة أو ثعالة ... فکأنک قلت هذا الضرب ، أو هذا الجنس الذی رأیته أو سمعت به من السباع ... فهذه الألفاظ معارف ، إلا أن تعریفها أمر لفظی. وهی من جهة المعنی نکرات ؛ لشیوعها فی کل واحد من الجنس وعدم انحصارها فی شخص بعینه دون غیره. فکأن اللفظ موضوع لکل شخص من هذا الجنس ، فوضع اللفظ للفرد الشائع جملة بمنزلة العلم ، بالرغم من هذا الشیوع ... ومراعاة الواقع الصریح فی أن الفرد شائع غیر معین جعله بمنزلة النکرة. ومن هنا کان لعلم الجنس اعتباران أحدهما لفظی یدخله فی عداد العلم (والعلم هو نوع من المعارف) والآخر معنوی یدخله فی عداد النکرة. ولکل منهما آثاره التی ستعرفها وسیجیء إیضاح آخر عند الکلام علی القسم الثالث الذی فی رأس هذه الصفحة. (راجع المفصل ح 1 ص 34 وما بعدها).

ص: 260

أما أمثلة القسم الثالث فهی لنوع آخر یختلف فی دلالته عن النوعین السابقین ؛ یسمی : (علم الجنس) (1).

ولتوضیحه نقول ؛ إذا دخلت حدیقة الحیوان فرأیت الأسد ، ومنظره الرائع المهیب ، وشاهدت ما یغطی عنقه ، وینسدل علی کتفیه ؛ من شعر غزیر ، کثیف ، یسمی : اللّبد ، وما ینبت فوق فمه من شعر طویل ؛ کأنه الشارب ؛ فسمیت الأسد بعد ذلک : «صاحب اللّبد» أو «أبو الشوارب» ، فهذه التسمیة تحمل الذهن عند إطلاقها وعند سماعها علی تخیل صورة للأسد حتما ، وعلی تذکر مثال له ، من غیر أن تکون تلک الصورة أو المثال مقصورة علی الأسد الذی کان فی الحدیقة ؛ بل تنطبق علیه وعلی غیره من أمثاله. فهذا الاسم الذی وضعته للصورة هو علم یدل علیها ؛ وعلی کل صورة مثلها من أفراد صنفها. أی : أنه شارة

ص: 261


1- تکلمنا علیه بإضافة ، وبمعالجة آخری فی هامش الصفحة التی قبل هذه مباشرة.

ورمز لتلک الصورة التی لا تمثل فردا بعینه ، وإنما تمثل الصنف کله ، أی : تمثل ما یسمونه : «الجنس» کله ؛ فتنطبق علی کل فرد من أفراد ذلک الجنس ؛ وهذا معنی قولهم : «إنه علم للجنس» ، أو : «علم الجنس» ، ومثل هذا یقال یقال عن کلمة : «أسامة». فقد أطلقت أول مرة علی أسد معین لداع دعا إلی هذه التسمیة. فإذا قیلت بعد ذلک لم یفهم العقل معناها فهما مجردا من غیر تخیل صورة فرد - أیّ فرد - من ذلک الحیوان المفترس ، بل لا بد أن یحصل مع الفهم تخیل صورة تمثل أسدا غیر معین ، أی : لا بد مع الإدراک من ذلک التخیل الذی یعید إلی الذهن صورة تمثل المراد ، وینطبق علیها الاسم ، فهذا الاسم هو الذی یسمی : علما للجنس کله ، أو : علم الجنس.

ومثل هذا أن تری الفیل وخرطومه فتسمیه : (أبو الخرطوم) فهذا علم للفیل ینطبق علی الفرد الذی أمامک ، وعلی کل نظیر له ، فهو علم لواحد غیر معین من الأفیال. فإذا کان اسم الجنس هو اسم یدل علی الحقیقة الذهنیة المجردة أی : الخالیة من استرجاع الخیال لصورة فرد منها - کما سبق (1) - فإن علم الجنس یدل علی تلک الحقیقة ، مرکزة فی صورة کاملة ویقترن بها ، و؛ یستعیدها الخیال لفرد غیر معین من أفراد ذلک الجنس فهی تصدق علی کل فرد. فکأن هذا العلم موضوع لکل فرد من أفراد تلک الحقیقة الذهنیة العقلیة. ولذا قالوا فی تعریف علم الجنس ، إنه : اسم موضوع للصورة التی یتخیلها العقل فی داخله لفرد شائع من أفراد الحقیقة الذهنیة. ومن أمثلته أیضا - غیر ما سبق فی «ج» : «ابن دأیة» ؛ للغراب و «بنت الأرض» : للحصاة ، «وابنة الیم» ؛ للسفینة ...

ص: 262


1- فی هامش ص 259 وما بعدها.

المسألة 23: أقسام العلم

اشارة

له عدة أقسام باعتبارات مختلفة :

(ا) فینقسم باعتبار تشخص (1) معناه وعدم تشخصه إلی علم شخص ، وإلی علم جنس (2).

(ب) وینقسم باعتبار لفظه إلی علم مفرد ، وعلم مرکب.

(ح) وینقسم باعتبار أصالته فی العلمیة وعدم أصالته إلی مرتجل ، ومنقول.

(د) وینقسم باعتبار دلالته علی معنی زائد علی العلمیة أو عدم دلالته - إلی اسم ، وکنیة ، ولقب.

تلک هی أشهر أقسامه (3) ، ولکل منها أحواله الخاصة التی نفصلها فیما یلی :

التقسیم الأول :

یتضمن انقسام العلم باعتبار تشخص معناه وعدم تشخصه إلی علم شخص ، وعلم جنس.

علم الشخص :

«هو ، اللفظ الذی یدل علی تعیین مسماه تعیینا مطلقا» وقد شرحنا هذا شرحا وافیا (4) ، وأوضحنا المراد من «الإطلاق».

وله حکم معنوی وأحکام لفظیة. فأما حکمه المعنوی : فالدلالة علی فرد مشخص معین (5) - فی الغالب - ویکون هذا الفرد من بین ما یأتی من الأنواع :

ص: 263


1- أی : اعتبار أن مسماه شخص له وجود حقیقی ، محسوس ، ولیس أمرا ذهنیا بحتا (أی : أنه لا یکون حقیقة عقلیة مجردة) وهذا فی الغالب (انظر هامش ص 258 حیث البیان ثم ص 259).
2- وهناک نوع آخر من العلم یسمی : «العلم بالغلبة» ومکان الکلام علیه ص 393 وهو فی قوة العلم الشخصی من ناحیة التعریف. أما فی غیرها فبینهما نوع اختلاف أوضحناه هناک.
3- وهناک قسم العلم المقرون «بکلمة» : «أل» لزوما أو غیر لزوم ، وأحکام کل : وستجیء فی ص 389.
4- فی ص 257 وما بعدها.
5- والصحیح أن العلم لا یفقد علمیته عند تصغیره.

1 - أفراد الناس ، مثل علی ، وسمیر ، وشریف ، ونبیلة ، وغیرهم من أفراد الأجناس التی لها عقل ، وقدرة الفهم ، کالملائکة ، والجن ، مثل : جبریل ، وإبلیس ... 2 - أفراد الحیوانات الألیفة التی یکون للواحد منها علم خاص به ، مثل : «برق» ، علم لحصان ، و «بارع» علم لکلب ، و «فصیح» علم علی بلبل و «مکحول» علم علی دیک ...

3 - أشیاء أخری لها صلة وثیقة بحیاة الناس وأعمالهم : کأسماء البلاد ، والقبائل ، والمصانع ، والبواخر ، والطائرات ، والنجوم ، والعلوم ، والکتب ، وغیرها من کل ماله ارتباط قویّ بمعایش الناس ، وله اسم خاص به لا یطلق علی غیره ... مثل : مصر ، دمشق ، حلب (أسماء بلاد). ومثل : تمیم ، طیّ ، غطفان ، ... (أسماء قبائل عربیة قدیمة). ومثل : زامر ، وألبا ، وفرد (أسماء مصانع مسماة بأسماء أصحابها). ومثل : محروسة - عنایة - قاصد خیر ... (أسماء بواخر). وغیر ذلک مما یشبهها من کل مدرسة ، أو معبد ، أو ملجأ ، أو طائرة ، أو مؤسسة ... بشرط أن یکون لکل منها اسم خاص یعرف به ، ولا یشارکه فیه سواه. وهذه الأشیاء المعینة المحددة التی تدل علیها الأعلام تسمی : «المدلولات» ، أو : «الحکم المعنوی» لعلم الشخص (1).

وأما أحکامه اللفظیة فکلها أثر من آثار أنه معرفة ؛ فلذا لا یضاف ، ولا یعرّف بأل ، لعدم حاجته لشیء من ذلک (2). وهو یقع مبتدأ ؛ مثل :

ص: 264


1- وإلی بعض ما سبق یشیر ابن مالک إلی أنواع علم الشخص بقوله فی أول باب العلم. اسم یعیّن المسمّی مطلقا علمه ؛ کجعفر ، وخرنقا وقرن ، وعدن ، ولاحق وشذقم ، وهیلة ، وواشق فجعفر : علم رجل. وخرنق : علم امرأة. وقرن : علم قبیلة ، وعدن : علم بلد. ولا حق : علم فرس. وشذقم : علم جمل ، وهیلة : علم شاة ، وواشق : علم کلب. وسیجیء کلامه. علی علم الجنس بعد. فی ص 268
2- قد یکون من الدواعی البلاغیة ؛ (کالمدح والذم کما أشرنا فی رقم 2 من هامش ص 119) ما یقتضی تنکیر العلم ؛ إما تنکیرا صریحا ، نحو : رأیت محمدا من المحمدین ، و (ما من زید کزید بن ثابت) وإما تنکیرا ملحوظا ؛ أی : «مقدرا» کقول أبی سفیان : لا قریش بعد الیوم. وقول بعض العرب : (لا بصرة لکم). (فوقوعه فیهما اسم «لا» ، دلیل علی تنکیره ؛ لأن اسمها المفرد نکرة). وإذا نکر العلم جاز إضافته بشرط أن تکون الإضافة لغیر أبیه ؛ منعا للألباس ، وجاز أن – - تدخله «أل» المعرفة أو غیرها مما یعرفه ، وأن یثنی ، وأن یجمع ، من غیر أن تلحقه بعد التثنیة والجمع «أل» التی تعرفه ؛ فیبقی علی تنکیره. أما العلم الباقی علی علمیته فإنه عند تثنیته وجمعه یفقد التعریف ؛ لمشارکة غیره له فی اسمه ، وصیرورته بلفظ لم یقع به التسمیة فی الأصل ؛ فإذا أردنا إرجاع التعریف له زدنا علیه ما یفیده التعریف ، مثل : «أل» ؛ فکلمة مثل : محمد ، هی علم ؛ فهی معرفة. فإذا ثنی أو جمع قیل : محمدان ، محمدون - وکلاهما نکرة ؛ طبقا لشروط التثنیة والجمع فإذا أردنا تعیینه وتعریفه زیدت علیه «أل» - مثلا - کی تجعله معرفة. وقد أوضحنا هذا فی رقم 3 من ص 118 والأصل فی العلم الخاص أنه لا یجوز إضافته أیضا ؛ لأن الإضافة لا تفیده شیئا من التعریف أو التخصیص ، لأنه معرفة بنفسه ، فلیس فی حاجة جدیدة إلیها. ولا یجوز أن تدخله «أل» المعرفة ؛ ونحوها ، لأنه فی غنی عنها. لکن إذا وجد داع بلاغی - کما قلنا - فإنه یجری مجری النکرات ، وسائر الأسماء المبهمة الشائعة ؛ فتدخله «أل» المعرفة ، ویضاف ؛ کقول النابغة الجعدیّ یهجو الأخطل : ألا أبلغ بنی خلف رسولا أحقّا أنّ أخطلکم هجانی وقد یکون الغرض البلاغی تقلیل الاشتراک ، وزیادة التعین والتحدید والإیضاح ، ومنه قول الشاعر : علا زیدنا یوم النّقا رأس زیدکم بأبیض ماضی لشّفرتین یمانی وسیجیء کلام علی هذا البیت فی ج 3 باب الإضافة ص 38 م 93 وقول الآخر : : باعد أمّ العمرو من أسیرها حرّاس أبواب علی قصورها وأنشد ابن الأعرابی : یا لیت أمّ العمرو کانت صاحبی مکان من أنشا علی الرکائب وقول الأخطل : وقد کان منهم حاجب وابن أمّه أبو جندل والزّید زید المعارک وقول الآخر : بالله یا ظبیات القاع قلن لنا لیلای منکنّ أم لیلی من البشر وفیما سبق یقول شارح المفصل ج 1 ص 44 ، 45 ، ما ملخصه : (العلم الخاص لا یجوز إضافته ، ولا إدخال لام التعریف علیه ؛ لاستغنائه بتعریف العلمیة عن تعریف آخر. إلا أنه ربما شورک فی اسمه ، أو وقع الاعتقاد بذلک ؛ فیخرج عن أن یکون معرفة ، ویصیر من طائفة کل واحد منها له اسمه ، ویجری مجری الأسماء الشائعة التی تحتاج إلی إیضاح وتعیین. نحو رجل ، وفرس ؛ فحینئذ یمکن إضافته ، وإدخال الألف واللام علیه ؛ کما یقع ذلک فی الأسماء الشائعة. فالإضافة نحو : زیدکم وعمرکم. وعلا زیدنا یوم النقا رأس زید کم ... ونحو : یا لیت أم العمرو کانت صاحبی ... ونحو : یزید سلیم ، وعمر الخیر ، ومضر الحمراء ، وأنمار الشاة ، وربیعة الفرس ... وهذه الأعلام متی أضیفت فقدت التعریف بالعلمیة ؛ واکتسبت تعریفا آخر یفیدها الإیضاح ؛ هو التعریف بالإضافة ، وصارت مثل «أخیک» ، و «غلامک» فی تعریفها بالإضافة ... هذا - - إن أضیف العلم لمعرفة ، أما إذا أضیف إلی نکرة فهو نکرة ؛ نحو : مررت بمحمد رجل ، وعلی امرأة. إلا أنه یحدث فی المضاف عندئذ نوع تخصیص ؛ لأنک جعلته ، «محمد رجل» ، ولم تجعله «محمدا» شائعا فی المحمدین ، کما أنک إذا قلت ، «غلام رجل» - استفید منه أنه لیس لامرأة ... اه راجع - أیضا رقم 3 من هامش ص 285 الآتیة ، و - الخضری ، عند الکلام علی شروط المثنی. مما سبق یتبین أن الاستعمال الشائع الآن غیر صحیح ؛ حیث یضاف العلم إلی اسم الوالد ؛ والوالدة ، نحو : محمد علی ، ومحمود حامد ، وزینب صالح ، وفاطمة کامل ، وأمینة عائشة ... و. وأشباهها فالأعلام الأولی : هنا (محمد - محمود - زینب - فاطمة - أمینة ...) هی أعلام لأبناء مضافة إلی أعلام الوالد أو الوالدة. ومن المحتم أن تتوسط بینهما کلمة : «ابن» وابنة ، ولا یصح حذف إحداهما مطلقا ؛ ولو کان الحذف قائما علی اعتبار کل منهما مضافا محذوفا أقیم المضاف إلیه مقامه ؛ لأن هذا الحذف یوقع فی اللبس ؛ إذ لا دلیل معه یدل علی أن المضاف من أولاد المضاف إلیه ، ولهذا نصوا - فی باب الإضافة - علی منع حذف المضاف إذا کان لفظة «ابن» ومثلها : ابنة (راجع ج 4 م 96 ص 134). لکن ما المراد بالإیضاح فی جانب المعارف ، وبالتخصیص فی جانب النکرات؟ أشار لهذا صاحب «المفصل». فیما سبق وفیما یجیء. فالمراد بالإیضاح هو : رفع الاحتمال وإزالة والاشتراک فی المعرفة. والمراد بالتخصیص : تقلیل الاحتمال والاشتراک فی النکرة. بیان ذلک : أننا حین نقول : سافر محمود - مثلا - «فمحمود» علم یشترک فیه عدة أشخاص ؛ فلا ندری من منهم الذی سافر. فإذا قلنا : سافر «محمود الحدیقة» أو : «محمود البیت ، أو محمودنا» فقد زال الاحتمال ، وارتفع الاشتراک بسبب إضافته لمعرفة ؛ کما لو أتینا بعده بنعت - مثلا - فقلنا سافر محمود العالم. وإذا کانت إضافته إلی نکرة فإن الاحتمال لا ینقطع ، والاشتراک لا یزول ، وإنما یخف أمرهما ویقل کما سبق فی : محمد رجل ... وقد یحصل الاحتمال ویبقی الاشتراک بعد إضافة العلم إلی المعرفة ؛ ولکن هذا قلیل لا یلتفت إلیه (راجع التصریح وهامشه فی أول باب النعت). ثم قال صاحب شرح المفصل فی المکان السابق : وأما إدخال «أل» علی العلم فقلیل جدا فی الاستعمال ، وإن کان القیاس لا یأباه کل الإیاء ؛ لأنک إذا قدرت فیه التنکیر ، وأنه لیس له مزیة علی غیره من المسمین به جری مجری : «فرس» و «رجل» ، ولا تستنکر أن تدخل علیه «أل» وقد جاء فی الشعر وما أقله ... اه. هذا وقد ینکر العلم الممنوع من الصرف مثل : جاء أحمد - ، ورأیت أحمدا - ومررت بأحمد إذا کان هذا الاسم مشترکا بین عدة أفراد کل منهم یسمی : بأحمد ، ولا تقصد فردا معینا ، وقد سبق بیان هذا فی تنوین التمکین فی رقم 2 من هامش ص 32 و 3 من هامش ص 36. ، ویری بعض النحاة أن العلم إذا إضیف لا یفقد علمیته ؛ بل تبقی وإنما یکتسب من الإضافة زیادة إیضاح علی إیضاحه السابق ، تفیده تعیینا ، وتمنع أثر الأشتراک عنه ؛ کالذی فی قول العرب : هذا جمیل بثنیة وقیس لیلی. والخلاف لفظی شکلی ؛ لا أثر له. وإن کان الرأی الأول هو الذی یسایر القواعد النحویة العامة.

محمود نابه ، ویقع صاحب حال متأخرة عنه ومتقدمة ؛ مثل : جاء حامد مبتسما ؛

ص: 265

لأن الغالب فی المبتدأ وصاحب الحال أن یکونا معرفتین - ویمنع من الصرف إن وجد مع العلمیة سبب آخر للمنع ، کالتأنیث فی مثل : أصغیت إلی فاطمة. ویکون نعته معرفة مثله ، ولا یصح أن یکون نکرة.

* * *

علم الجنس

تعریفه

اسم موضوع للصورة الخیالیة التی فی داخل العقل ، والتی تدل علی فرد شائع

ص: 266

من أفراد الحقیقة الذهنیة (1).

حکمه المعنوی : أکثر ما یتجه إلیه معناه هو : الدلالة علی واحد غیر معین ؛ نشأنه فی هذه الدلالة کشأن النکرة. ولکن هذا الواحد الشائع یکون من بین الأشیاء الآتیة المسموعة عن العرب :

1 - حیوانات غیر ألیفة ؛ کالوحوش ، والحشرات السامة ؛ وجوارح الطیور ، ومنها : (أبو الحارث وأسامة) وهما : للأسد ، (وأبو جعدة وذؤالة) وهما : للذئب. (وشبوة وأمّ عریط) ، وهما : للعقرب (وثعالة ، وأبو الحصین) ، وهما : للثعلب.

2 - بعض حیوانات ألیفة (2) ؛ ومنها : هیّان بن بیّان ؛ للإنسان المجهول نسبه وذاته. ومثله : طامر بن طامر ، وأبو المضاء ، للفرس. وأبو أیوب ، للجمل وأبو صابر ، للحمار ، وبنت طبق ، للسلحفاة (3). وأبو الدّغفاء ، للأحمق ، من غیر تعیین شخص بذاته.

3 - أمور معنویة (4) (أی ؛ لیست محسوسة ؛ فهی تخالف النوعین السابقین) مثل : أم صبور ، علم للأمر الصعب الشدید. ومثل : سبحان ، علم للتسیج ، وأم قشعم ، علم للموت ، وکیسان ، علم للغدر ، ویسار (علی وزن : فعال ، وهو وزن للمؤنث هنا) علم للمیسرة ، أی : الیسر. وفجار ؛ علم للفجرة. (أی : الفجور ، وهو المیل عن الحق) وبرّة ؛ علم للمبرة. (أی : البرّ).

أحکامه اللفظیة

هی الأحکام اللفظیة الخاصة بقسیمه : «علم الشخص» ؛ فهما متشابهان فیها ؛ فلا یجوز (5) فی علم الجنس أن یضاف ، ولا أن تدخل علیه «أل»

ص: 267


1- سبق شرح هذا بإفاضة فی ص 260 وما بعدها.
2- مجیء علم الجنس من هذا النوع قلیل بالنسبة للنوعین الآخرین ؛ لأن الأشیاء المألوفة توضع الأعلام للفرد منها ، لا للجنس.
3- وقد تستعمل للحیة.
4- انظر ص 269.
5- الأشیاء التالیة کلها لا تجوز ؛ بشرط بقائه علی علمیته فإن. نکر جاز إضافته ، واقترانه بأل ، ووصفه بالنکرة ، وعدم منعه من الصرف. وهی أمور تجری فی علم الشخص ؛ طبقا لما بیناه عند الکلام علیه.

المعرّفة ؛ فلا تقول : أسامة الحدیقة فی قفص ، ولا الأسامة فی قفص. وهو یقع مبتدأ ؛ مثل أسامة مفترس ؛ ویکون صاحب حال متأخرة (1) عنه ؛ مثل : زأر أسامة غاضبا. ویمنع من الصرف إن وجدت علة أخری مع العلمیة ، کالتأنیث فی مثل : أسامة ملک الوحوش ؛ فتمتنع کلمة : «أسامة» من الصرف للعلمیة والتأنیث (2) ویجب أن یکون نعته معرفة مثل : أسامة القویّ ملک الوحوش. ولا یصح أن یکون نکرة (3). - فی الرأی الصحیح.

وفیما سبق من الأحکام المعنویة واللفظیة بیان وتفسیر لقول النحاة : حکم علم الجنس أنه نکرة معنی ، معرفة لفظا.

ص: 268


1- لأن مجیئها متأخرة عنه دلیل علی أنه معرفة ؛ إذ الحال المتأخرة لا یکون صاحبها نکرة - فی الغالب - إلا فی أحوال معینة. أما إذا تقدمت الحال فإن صاحبها قد یکون معرفة ؛ مثل : أقبل ضاحکا الضیف ، وقد یکون نکرة ؛ مثل : أقبل ضاحکا ضیف.
2- ومثلها : ثعالة للثعلب ، وبرة للمبرة. وسبحان وکیسان ، للعلمیة وزیادة الألف والنون وکلمة : «أوبر» فی «بنات أوبر» - نوع من الکمأة. - للعملیة ووزن الفعل .... وهکذا.
3- وإلی ما سبق یشیر ابن مالک بقوله فی آخر باب العلم. ووضعوا لبعض الأجناس علم کعلم الأشخاص لفظا وهو عمّ من ذاک : «أمّ عریط» للعقرب وهکذا : «ثعالة» للثّعلب ومثله : «برّة» ؛ للمبرّه کذا : «فجار» ، علم للفجره - أی : أن العرب وضعوا علم جنس لبعض الأجناس ، وهو کعلم الأشخاص لفظا ، أی : فی الأحکام اللفظیة. أما فی الحکم المعنوی فکلاهما یدل علی فرد واحد ، غیر أن علم الشخص یدل علی فرد واحد متعین ، وعلم الجنس یدل علی فرد واحد غیر متعین. وهذا هو المراد من قول ابن مالک أنه : عم. بصیغة الفعل الماضی ، یرید : أن مدلوله عم الأفراد : بحیث یصدق مدلوله علی کل فرد ، دون فرد بذاته ؛ فهو عام شائع من جهة مدلوله. و «فجار» علم للمؤنث ؛ ولذا قال علم : للفجرة ؛ لا الفجور ، فالتاء فیها لیست للمرة ، وتأنیث الوحدة ؛ وإنما هی التاء الدالة علی حقیقة الشیء ؛ أی : ذاته الأساسیة الشائعة فی ضمن أفراده.

زیادة وتفصیل

1 - استعمل العرب علم الجنس فی أمور معنویة - کما سبق (1) - غیر أن بعض تلک الأمور قد استعملوه حینا علم جنس ؛ فتجری علیه الأحکام اللفظیة الخاصة بعلم الجنس ؛ فهو معرفة من هذه الجهة ، وحینا استعملوه کالنکرة تماما ؛ فلا یلاحظ فیه تعیین مطلقا. والطریق إلی معرفة هذا النوع هو السماع المحض عن العرب. ومن أمثلته : فینة (بمعنی ؛ وقت) و «بکرة» و «غدوة» وهما بمعنی أول النهار ، و «عشیة» بمعنی آخر النهار. فهذه الکلمات تستعمل بغیر تنوین ؛ فتکون معرفة ؛ مثل : قضینا فینة فی الحدیقة أی : الفینة المعینة من یوم معین. وتقول ؛ فلان یتعهدنا بکرة : أی : البکرة المحددة الوقت والیوم.

وکذا. «غدوة وعشیة» بغیر تنوین ؛ ترید بکل منهما وقتها ویومها المحددین. فأنت تقصد الأوقات المعینة التی تبینها هذه الأسماء السابقة (2).

أما إذا قلتها بالتنوین فلست ترید واحدة ، معینة ، محددة فی یوم محدد - وإنما ترید «فینة» أیّ فینة ، من یوم أی یوم ، و «بکرة» أیّ بکرة أیضا ، وهکذا الباقی ...

وفی الأثر المروی : (للمؤمن ذنب یعتاده الفینة بعد الفینة) فدخول أل دلیل علی أن الکلمة قبلها کانت نکرة. ویترتب علی هذا الاختلاف فی المراد الاختلاف فی الأحکام اللفظیة التی عرفناها ، والتی تطبق علی الکلمات باعتبارها علم جنس ، ولا تطبق علیها باعتبارها نکرات ، ولا یعرف هذا فی النوعین الآخرین من علم الجنس ؛ فهما معرفتان ، وحکمهما من جهة اللفظ حکم علم الجنس.

ص: 269


1- فی رقم 3 من ص 267.
2- ولهذه الأسماء مزید إیضاح فی ج 2 - هامش ص 221 م 79.

التقسیم الثانی :

وهو یتضمن انقسام العلم باعتبار لفظه إلی علم مفرد ، وعلم مرکب. فالمفرد : ما تکوّن من کلمة واحدة ، مثل : صالح ، مأمون ، حلیمة ، (أعلام أشخاص). والمرکب : ما تکون من کلمتین أو أکثر. وهو ثلاثة أقسام :أولها : المرکب الإضافی : ویترکب من مضاف ومضاف إلیه ؛ مثل : عبد العزیز ، وسعد الله ، وعزّ الأهل ...

وثانیها : المرکب الإسنادی (1) : ویترکب إما من جملة فعلیة ؛ - أی : من فعل مع فاعله أو مع نائب فاعله - ، مثل : (فتح الله) و (جاد الحقّ) و (سرّ من رأی) وإما من جملة اسمیة ؛ أی : من مبتدأ مع خبره مثل : (الخیر نازل) و (السید فاهم) و (رأس مملوء) وکلها أسماء أشخاص معاصرین ، إلا (سرّ من رأی) فإنها اسم مدینة عراقیة.

وثالثها : المرکب المزجیّ : وهو ما ترکب من کلمتین امتزجتا (أی : اختلطتا ؛ بأن اتصلت الثانیة بنهایة الأولی.) حتی صارتا کالکلمة الواحدة (2) ؛ من جهة

ص: 270


1- المرکب الإسنادی هو : ما انضمت فیه کلمة إلی أخری علی وجه یفید حصول شیء أو عدم حصوله ، أو طلب حصوله - کما أوضحنا ذلک فی ص 27 - فالإسناد هو نسبة الحصول أو عدمه ، أو طلبه ، لشیء. أی : التحدث عن ذلک الشیء بما ینسب إلیه ؛ سلبا ، أو إیجابا ، أو طلبا. ولا یتأتی هذا إلا بجملة فعلیة أو اسمیة. - أو ما فی حکم کل منهما - وللأقدمین ومن جاء بعدهم أعلام کثیرة مرکبة ترکیبا إسنادیا. ونحن فی عصرنا الحاضر نحاکیهم فی ذلک ، بل نفوقهم فی الإکثار ؛ حتی لقد نعرف الیوم کتبا مختلفة من أسمائها : «یسألونک» و «اسألونی». و «المعرکة قادمة». و «جاء النصر» و «نحن هنا» ومن الأعلام : «حیدرأباد» لبلد فی الهند.
2- لا یکون المرکب المزجی إلا من کلمتین فقط ، کما یفهم من التعریف. ولا یصح مزج أکثر منهما ، ومتی امتزجتا صارتا کلمة واحدة ذات شطرین کل شطر منهما بمنزلة الحرف الهجائی الواحد من الکلمة الواحدة (کما نص علی هذا شارح المفصل ج 4 ص 116) والأصل قبل الترکیب أن یکون لکل واحدة منهما معنی معین یخالف معنی الأخری ، أما بعد الترکیب المزجی فإن کان هذا الترکیب من النوع الذی تترکز فیه علامات الإعراب أو البناء علی آخر الثانیة فقط (وسیجیء فی ص 278 وما بعدها ؛ کسیبوبه ، وبعلبک ، وغیرهما من الأمثلة المعروضة هنا ، ونظائرها) زال المعنی الأصلی لکل منهما نهائیا ، ولا یصح ملاحظته ، إذ ینشأ من المزج معنی جدید مستحدث لا صلة له بالمعنی السابق لهما أو لإحداهما. أما إن کان هذا المرکب. المزجی من النوع الذی سیجیء فی ص 281 وهو الذی یبنی علی فتح الجزأین ؛ (المرکبات العددیة ؛ مثل : ثلاثة عشر ، وأربعة عشر ... أو : المرکبات الظرفیة ، نحو صباح مساء ، .. أو : الحالیة ؛ نحو فلان جاری بیت بیت ، أی ملاصقا .. أو باقی المرکبات الأخری التی تبنی علی فتح الجزأین معا ؛ طبقا للأحکام المدونة فی أبوابها ...) فإن المعنی بعد الترکیب یرتبط ارتباطا وثیقا بالمعنی الذی کان لکل کلمة قبل مزجها بأختها ، إذ یتکون المعنی الجدید من معناهما - - السابق ، مع بعض زیادة تنضم إلیه دون إلغاء للسابق ، أو إهمال لملاحظته فی تکوین المعنی المستحدث ، فأساس المعنی الجدید هو معناهما القدیم مع ضم زیادة إلیه. وهذا النوع یلاحظ فیه قبل المزج أنه علی تقدیر : «واو العطف» بین الکلمتین وأنهما فی حکم المتعاطفین ؛ فمعناه بملاحظتها قبل الترکیب هو معناه الجدید بعد المزج ، ولکنه بغیر ملاحظتها (راجع شرح المفصل ج 1 ص 65 وج 4 ص 124).

أن الإعراب أو البناء یکون علی آخر الثانیة وحدها - غالبا - أمّا آخر الأولی فیبقی علی حاله قبل الترکیب (1). ومن أمثلته : بر سعید (اسم مدینة مصریة) رامهرمز ، وطبرستان ، وجردستان ؛ من أسماء البلاد الفارسیة (2) ومثل : نیویرک ، وقالیقلا (3) ، وجردنستی (4) وبعلبکّ (5) وسیبویه (6) ، وبرزویه (7) ونفطویه (8) ، وخالویه (9) ، ومثل (10) : (السّلاحدار ، والخازندار ، والبندقدار). فالعلم إما مفرد ، وإما مرکب ترکیب إضافة ، أو ترکیب إسناد ، أو مزج (11).

التقسیم الثالث :

هو یتضمن انقسام العلم باعتبار أصالته فی العلمیة وعدم أصالته ، إلی مرتجل ، ومنقول. فالمرتجل : ما وضع من أول أمره علما ، ولم یستعمل قبل ذلک فی غیر العلمیة. ومثاله : الأعلام التی اخترعها العرب أول مرة لمسمیات

ص: 271


1- سیجیء الکلام علی حکمه فی ص 279 و 281 وکذلک فی ج 4 باب الممنوع من الصرف ص 175 م 147.
2- فالأولی مکونة من : رام ، وهرمز ؛ وهی اسم مدینة فارسیة ، واسم رجل أیضا. والثانیة من : طبر ، وستان ، ومعنی ستان : مکان ، والثانیة من : جرد ، وستان.
3- اسم بلد بالشام.
4- اسم حی مشهور من أحیاء وسط القاهرة ، علی النیل.
5- بلد بلبنان الآن. وأصله : «بعل» (اسم صنم) و «بک» (اسم رجل یعبده) ، ثم صارا اسما واحدا للبلد.
6- کلمة فارسیة مرکبة من : «سیب» بمعنی : تفاح ، و «ویه» بمعنی : رائحة. فالمراد «رائحة التفاح» وقد تقدم المضاف إلیه علی المضاف ، کما هو الشأن فی اللغة الفارسیة وبعض اللغات الأعجمیة ، وصار مرکبا مزجیا ، علما علی الإمام النحوی الأکبر المتوفی حول سنة 180 ه.
7- لقب أحمد بن یعقوب الأصفهانی من أئمة الحدیث الشریف.
8- اسم عالم لغوی کبیر. وأصل «النفط» ما تسمیه العامة : «زیت البترول».
9- اسم عالم لغوی کبیر ، وأدیب نحوی ، فی القرن الرابع الهجری.
10- الأسماء الآتیة هی من الأعلام المشهورة فی عصرنا. وترجع فی أصلها إلی دولة «الممالیک» التی حکمت مصر سنوات طوالا. وکانت تطلق علی مکان السلاح ، أو المشرف علی شئونه اسم : «السلاحدار» وعلی المشرف علی شئون الخزن : «الخازندار» وعلی شئون البندق : «البندقدار» بتقدیم المضاف إلیه علی المضاف فی تلک الألفاظ کالشأن فی اللغة الفارسیة. وبعض اللغات الأخری - کما تقدم - إذ الأصل : دار السلاح ، ودار الخازن ، ودار البندق ... وعند تقدیم المضاف إلیه علی المضاف یصیر الترکیب مزجیا بعد أن کان إضافیا ، ویحسن فی الترکیب المزجی وصل الکلمتین خطا إن کان الحرف الأخیر من الصدر مما یوصل بغیره ، فیکون هذا الاتصال الخطی دلیلا علی المزج.
11- ولیس من أنواع المرکب هنا : العلم المرکب الوصفی ؛ وهو الذی یتألف من موصوف وصفة ؛ مثل : الطالب المؤدب ... ؛ فکلاهما یعد من قبیل المفرد فی أحکامه. - کما سیجیء بیانه فی رقم 1 من هامش ص 279 -

عندهم ؛ ومنها : أدد (علم رجل) وسعاد (1) (علم امرأة) وفقعس علم للأب الأول لقبیلة عربیة معروفة. ومثل : الأعلام التی یخترعها الناس لمسمیات خاصة عندهم ، من غیر أن یکون لها عند العرب الخلّص وجود سابق ، مثل : «جین» ، علم علی بلد. و «رسح» علم علی جبل. «وبحن» علم علی شجرة معینة. وغیر ذلک من الأعلام التی یبتکرونها فی عصر من العصور ، علی حسب رغبتهم وأذواقهم (2) ویریدون بالمنقول - وهو الأکثر - أحد شیئین :

أولهما : العلم الذی لم یستعمل لفظه أول الأمر علما مطلقا ؛ وإنما استعمل أوّلا فی شیء غیر العلمیة ، ثم نقل بعده إلی العلمیة ؛ مثل : حامد ، محمود فاضل ، أمین ... ؛ فقد کانت قبل العلمیة تؤدی معنی آخر ، ثم انتقلت منه إلی العلمیة.

وثانیهما : العلم الذی استعمل أول أمره علما لفرد فی نوع ، ثم صار علما لفرد فی نوع آخر یخالف الأول ؛ مثل : «سعاد» علم امرأة ؛ ثم صار علم قریة ، لا علم امرأة.

1 - والنقل قد یکون من اسم منفرد اللفظ ؛ فیشمل : ما هو منقول من معنی من المعانی العقلیة الخالصة التی یسمّون کلّا منها : (الحدث المجرد) مثل : فضل ، وسعود ، ومجد ، وهیبة ؛ أعلام أشخاص - وما هو منقول من اسم عین ، أی : من ذات مجسّمة محسوسة ؛ مثل : غزال ، وقمحة ، وزیتون وفیل ... أعلام أشخاص ... وما هو منقول من اسم مشتق ؛ مثل : صالح ، ونبیل ، ومحمد ، ومفتاح.

ص: 272


1- إذا کان العلم مرتجلا «کسعاد» مثلا - ثم سمیت به امرأة ثانیة وثالثة ... و... لم یخرج - بسبب تکرار التسمیة - عن أنه مرتجل ما دام النوع لم یختلف. أما إذا اختلف النوع فإن الاسم الثانی والثالث و... و... و... لا یکون مرتجلا ؛ بل یکون منقولا : کتسمیة إنسان بأسامة ؛ فإن «أسامة» مرتجل بالنسبة للأسد ، ومنقول بالنسبة للإنسان.
2- ومما یلاحظ أن وضع الأعلام المرتجلة لیس مقصورا علی العرب الخلص - وکذا المنقولة - وإنما هو حق لهم ولغیرهم ، فی کل زمان ومکان. وإذا صارت الکلمة علما مرتجلا أو منقولا ، خضعت للضوابط والأحکام العامة التی تجری علیه فی الإعراب أو البناء ، وفی التذکیر والتأنیث ، وفی منع الصرف وعدمه ، وفی الأفراد والتثنیة وجمع التصحیح ، وباقی الأحکام المختلفة ، ویجری علیها فی جموع التکسیر ما یجری علی نظائرها. فإن لم یکن لها نظائر فعل ما یقاربها ؛ طبقا لما تقضی به الضوابط العامة. وفی کتاب الهمع (ج 2 ص 183 باب التکسیر) طریقة جمع الأعلام المرتجلة والمنقولة ...

2 - وقد یکون النقل من الفعل وحده (1) ؛ من غیر أن یکون معه فاعل ظاهر ، أو ضمیر مستتر ، أو بارز ، ومن غیر أن یلاحظ الفاعل أو یقدّر بوجه من الوجوه ؛ فیشمل المنقول من فعل ماض مثل : شمّر ، وجاد وصفا ، (أسماء أشخاص). أو : من فعل مضارع ؛ مثل : یزید (2) ، وتمیس (3) ، وتعز (4) وتغلب (5) ، ویشکر (6). أو : من فعل أمر ، مثل : سالم ، وسامح (7).

3 - وقد یکون النقل من جملة ، إما اسمیة ؛ مثل : «علیّ أسد» ، و «ما شاء الله» (8)

ص: 273


1- النقل إذا کان من فعل مع فاعله الظاهر ، أو فاعله الضمیر المستتر ، أو البارز فإنه یعد نقلا من جملة فعلیة ؛ فتعرب إعراب المرکب الإسنادی ؛ حیث تخضع للحکایة التی سیجیء بیانها فی هذا الباب (ص 278) أما النقل من الفعل وحده فلیس نقلا من جملة. ویعرب الفعل فی هذه الحالة إعراب الممنوع من الصرف ، للعلمیة مع وزن الفعل مثلا ؛ کما هو الحال هنا ، أو : للعلمیة مع سبب آخر إن وجد. ومن أمثلة الفعل الماضی وحده : «شمر» علم علی شخص ، وعلم علی فرس أیضا. ومن أمثلة المضارع وحده «یشکر» علم نوح علیه السّلام ، وعلم قبیلة وجبل صغیر بالقاهرة عند القلعة. ومن أمثلة الأمر : «أسکت» بضم الهمزة علم علی صحراء عربیة. وهذه الهمزة للقطع ، مع أنها فی الأصل للوصل ؛ لأن همزة الوصل - کما سیجیء البیان فی ص 275 - وفی هامش ص 381 - إن وجدت فی لفظ لیس علما ثم صار علما - فإنها تصیر همزة قطع). فإن احتمل النقل أن یکون من جملة فعلیة ومن فعل وحده مثل : «أسکت» کان حمله علی الفعل وحده أولی ؛ لأن النقل من الجملة مخالف للأصل ؛ فلا یلجأ إلیه إلا بدلیل وقرینة ؛ کما فی کلمه «یزید» فی قولی الشاعر : نبّئت أخوالی بنی یزید ظلما علینا لهم فدید فإن رفع کلمة : «یزید» دلیل علی أن النقل من جملة فعلیة ، فعلها : «یزید» وفاعلها : ضمیر مستتر تقدیره ؛ هو. إذ لو کان النقل من الفعل وحده لوجب أن یقول : یزید ؛ فیکون مجرورا بالفتحة ؛ لأنه مضاف إلیه ، ممنوع من الصرف ؛ للعلمیة ووزن الفعل. (نبئت : أخبرت. أی : أخبرنی العارفون. «الفدید» : الصیاح. «ظلما» مفعول لأجله ، لفعل محذوف تقدیره : یصیحون «علینا» : جار ومجرور متعلق بالفعل المحذوف. «ولهم فدید» مبتدأ وخبر. والجملة فی محل نصب حال. و «نبئت» أصل فعله : «نبأ» فعل ماض ینصب ثلاثة مفاعیل : أولها قد صار نائب فاعل بعد حذف الفاعل وبناء الفعل للمجهول. وثانیهما «أخوالی». والثالث الجملة من الفعل المحذوف وفاعلها «وهی جملة : یصیحون».
2- علم علی رجل.
3- علم علی أمرأة.
4- علم لمدینة بالیمن.
5- علم لقبیلة عربیة.
6- علم لنوح علیه السّلام ، أو : لجبل کما سبق - فی رقم 1 من هذا الهامش - ولقبیلة عربیة هجاها الشاعر بقوله : «ویشکر» لا تستطیع الوفاء وتعجز یشکر أن تغدرا
7- کلاهما اسم رجل.
8- أی : الذی شاءه الله ، وأراده.

و «نحن هنا» اسم کتاب ... ، وإما جملة فعلیة ، مثل : فتح الله ، زاد الخیر ، وأطرقا (اسم بلد. وصحراء ببلاد العرب) والنقل هنا من جملة فعلیة ؛ لظهور الفاعل الضمیر البارز.

4 - وقد یکون النقل من حرف ؛ کتسمیة شخص بکلمة : «ربّ» ، أو : إن ... وقد یکون من حرفین ، مثل : ربما ، إنما.

5 - وقد یکون من حرف واسم مثل : بهناء ، ومثل : الحارث (اسم قبیلة عربیة).

6 - أو حرف وفعل مثل : الیزید (1) ...

ص: 274


1- وإلی بعض ما سبق یشیر ابن مالک بقوله : ومنه منقول ، کفضل ، وأسد وذو ارتجال ، کسعاد ، وأدد

زیادة وتفصیل

إذا کان العلم منقولا من لفظ مبدوء بهمزة وصل فإن همزته بعد النقل تصیر همزة قطع - کما أشرنا (1) - نحو : «إستقبال» علم امرأة ، و «أل» علم علی الأداة الخاصة بالتعریف أو غیره ، بشرط أن تکتب منفردة مقصودا بها ذاتها ؛ فنقول : «أل» کلمة ثنائیة ، و «أل» فی اللغة أنواع من حیث المدلول ... ، ومثل : یوم الإثنین ، بکتابة همزة : «إثنین» لأنها علم علی ذلک الیوم (2) ... ومثل : «أسکت» علم علی صحراء ...

ص: 275


1- فی رقم 1 من هامش ص 273 وهامش 381.
2- ولا التفات لما اشترطه بعضهم لإخراج نوع من الأسماء من هذا الحکم ؛ إذ الصحیح أن هذا الحکم عام یشمل الأسماء بأنواعها المختلفة ، کما یشمل غیر الأسماء من کل لفظ مبدوء بهمزة وصل قد سمی به وصار علما. - راجع حاشیة الصبان فی آخر باب النداء ، عند قول ابن مالک. وباضطرار خص جمع «یا» و «أل» ... وکذلک التصریح ، والخضری فی هذا الموضع نفسه. وللخضری تعلیل قوی نصه : «ما بدیء بهمزة الوصل فعلا کان أو غیره یجب قطعها فی التسمیة به : لصیرورتها جزءا من الاسم فتقطع فی النداء أیضا : ولا یجوز وصلها لأصالتها ، کما فی لفظ الجلالة ؛ لأن له خواص لیست لغیره ...» اه ... فلا التفات إلی ما نقله الصبان عن غیره فی موضع آخر.

التقسیم الرابع :

وهو یتضمن انقسام العلم باعتبار دلالته علی معنی زائد علی العلمیة أو عدم دلالته ، إلی : اسم ، ولقب ، وکنیة. فأما الاسم هنا (1) فهو : علم یدل علی ذات معینة مشخّصة ، دون زیادة غرض آخر من مدح ، أو ذمّ ... ، مثل : سعید ، کامل ؛ مریم ، بشینة ، وأشباهها ؛ من کل ما یکون القصد منه أمر واحد ؛ هو : مجرد الدلالة علی ذات المسمی وتعیینها وحدها ، دون غیرها ، ودون إفادة شیء یتصل بها ؛ کمدح أو ذم.

وأما اللقب فهو : علم یدل علی ذات معیّنة مشخصة ، مع الإشعار - بمدح أو ذمّ ؛ إشعارا مقصودا بلفظ صریح (2) ؛ مثل : (بسّام ، الرشید ، جمیلة) (السفاح ، صخر ، عرجاء).

ص: 276


1- أی : فی باب المعارف ، لا فی باب تقسیم الکلمة ؛ حیث الاسم یقابل هناک الفعل ، والحرف.
2- لأن کل واحد من القسمین الآخرین للعلم (وهما : الاسم والکنیة) لا یخلو من مدح أو ذم ، ولو من ناحیة بعیدة. غیر أن المعول علیه فی اللقب - فوق دلالته علی الذات المعینة - هو أن یدل علی المدح أو الذم بلفظ صریح یشعر بأحدهما إشعارا واضحا قریبا. فلیس المراد من اللقب مجرد الدلالة علی الذات ، وإنما المقصود منه أمران معا ؛ الدلالة علی المسمی المعین ، والإشعار بمدحه أو ذمه. وهذا أهم من تلک الدلالة ؛ إذ یمکن الوصول إلیها من طریق آخر ، هو طریق الاسم ؛ فإنه یکاد یکون مقصورا علیها وحدها ، ومختص بها. وأما الکنیة فإنها تدل علی المسمی ، وتدل معه علی المدح والذم کاللقب : - طبقا لما أسلفنا - ولکن من طریق التعریض ، لا من طریق التصریح ؛ لأن المتکلم حین یکنی عن شخص فیقول عنه : «أبو علی» - مثلا - أو : «أم هانئ» - .. ولا یصرح بالاسم أو باللقب ، فإنما یرمی من وراء ذلک إلی تعظیمه ، أو تحقیره بعدم ذکر اسمه ؛ تعظیما وتقدیسا ، أن یجری اللسان به ، أو : تحقیرا ، وزرایة ، وأنه لا یستحق الذکر. وقد یجیء التعظیم أو التحقیر ضمینا أیضا ، ولکن من ناحیة أن المضاف یکتسبه من المضاف إلیه ؛ مثل : أبو الفوارس ، وأبو لهب ، وأم الدواهی (القنبلة الذریة) فقد فهم المدح ، أو الذم ، فی الکنیة فهما ضمنیا ، کشف عنه المضاف إلیه. وقد یراد بالکنیة التفاؤل بأن یعیش صاحبها حتی یکون أبا أو أخا .. لفلان. وقد یراد التشاؤم ... ومما سبق نعلم أن کلا من اللقب والکنیة یؤدی أمرین معا ؛ هما : ا - الدلالة علی مسمی معین ب - والمدح أو الذم. غیر أن اللقب یدل علیهما بلفظ صریح مقصود ، وأن الکنایة تدل علیهما من طریق ضمنی ، فیه التعریض ، ولیس فیه التصریح المکشوف. وهذا هو الفارق بینها وبین اللقب. وشیء آخر ؛ هو : أن الاسم واللقب قد یدلان معا بلفظهما علی مدح ظاهر ، أو ذم واضح :نحو : الحسین الصادق - الحطیئة الأجرب - ومعنی الحطیئة : القصیر - وفی مثل هذه الصورة یکون الاسم هو ما وضعه الوالدان - ونحوهما - أولا دالا علی المسمی : لیکون اسما له ابتداء ، مهما کان ذلک. وما استعمل فی ذلک المسمی بعد وضع هذا الاسم الأول فإن کان مشعرا بمدح أو ذم فلقب ، وإن کان مصدرا باب أو أم ونحوهما مما سردناه فکنیة. فاعتبار الإشعار بالمدح أو الذم ، وملاحظة التصدیر بأب أو أم ، - - أو نحوهما مما ذکرناه إنما یکون بعد وضع اللفظ الدال علی الذات أولا ، أی : بعد وضع الاسم - راجع الصبان ، ج 1 أول باب الکلام وما یتألف منه عند قول ابن مالک : «قال محمد هو ابن مالک ...» فإن لم یعرف الموضوع ابتداء والسابق من الاسم واللقب فالأحسن اعتبار المتقدم هو الاسم والمتأخر هو اللقب ، والکنیة هی المصدرة بأحد الألفاظ المعروفة ، (أب - أم ...).

وأما الکنیة فهی علم مرکب ترکیبا إضافیّا (1) ، بشرط أن یکون صدره (وهو المضاف) کلمة من الکلمات الآتیة : (أب ، أمّ) ، (ابن ، بنت) (أخ ، أخت) (عمّ ، عمة) (خال ، خالة) ، مثل : الأعلام الآتیة : (أبو بکر ، أبو الولید) (أم کلثوم ، أمّ هانئ) ، (ابن مریم ، بنت الصدیق) (أخو قیس ، أخت الأنصار) ، وهکذا (2) ... ولیس منه : أب لمحمد ، وأم لهند ، وغیرهما من کل مالا إضافة فیه علی الوجه السابق.

وکل قسم من الأقسام الثلاثة السالفة قد یکون مرتجلا أو منقولا ، مفردا أو مرکبا ، إلا الکنیة فإنها لا تکون إلا مرکبة.

* * *

الأحکام الخالصة بالتقسیمات السالفة ، وتترکز فی النواحی الأربعة

الآتیة :

أولها : الأحکام الخاصة بإعراب العلم المفرد ، والعلم المرکب.

ثانیها : الأحکام الخاصة بالترتیب بین الاسم ، والکنیة ، واللقب ، إذا اجتمع من هذه الأعلام اثنان ، أو ثلاثة.

ثالثها : الأحکام الخاصة بإعراب ما یجتمع منها.

رابعها : الأحکام المعنویة وبقیة الأحکام اللفظیة الأخری التی تتصل بعلم الشخص وعلم الجنس.

ص: 277


1- والکنیة - مع ترکیبها الإضافی - معدودة من قسم العلم الذی معناه إفرادی ؛ فکل واحد من جزأیها لا یدل بمفرده علی معنی یتصل بالعلمیة. ولهذا حین یقع بعدها تابع کالنعت مثلا فی قولنا : جاء أبو الفوارس الشجاع ، فإن النعت ، وهو هنا کلمة : «الشجاع» - یعتبر فی المعنی نعتا للاثنین معا ، أی : للمضاف والمضاف إلیه ، ولا یصح أن یکون نعتا لأحدهما فقط ؛ وإلا فسد المعنی. ولکنه یتبع فی الإعراب المضاف وحده. أی : أن لفظه تابع فی حرکة إعرابه للمضاف ، وأما معناه فواقع علی المضاف والمضاف إلیه معا. - راجع التصریح ج 2 آخر باب الإضافة ، عند الکلام علی الشاهد الذی فی قول معاویة حین سلم من الطعنة ومات منها علی بن أبی طالب : نجوت وقد بلّ المرادیّ سیفه من ابن أبی شیخ الأباطح طالب - والمرادی هو قاتل علی رضی الله عنه.
2- وما سبق یقتضی أن یکون المضاف إلیه غیر لقب للمضاف ؛ فلا یصح فی الکنیة أن یکون عجزها (وهو المضاف إلیه) لقبا لصدرها ؛ (وهو المضاف) لأن الشیء لا یضاف إلی نفسه - فی الأغلب - کما سیجیء فی رقم 1 من هامش ص 285.

(ا) فأما العلم المفرد ، کحامد ، وسعید ، وسمیرة ، وعبلة ... فإنه یخضع فی إعرابه وضبط آخره لحاجة الجملة المشتملة علیه ؛ فقد یکون مبتدأ ، أو : خبرا ، أو فاعلا ... أو مفعولا ، أو مجرورا بالإضافة ، أو بالحرف ، أو غیر ذلک ؛ فیرفع ، أو ینصب ، أو یجر علی حسب ما تقتضیه الجملة. تقول : حامد أدیب ، إن حامدا أدیب. أعجبت بأدب حامد ؛ فتضبط کلمة : «حامد» بالضبط المناسب لموقعها (1) کالشأن فی کل الأسماء المنفردة.

وأما العلم المرکب : فإن کان ترکیبه إضافیا ، کعبد الله - أعرب صدره وهو المضاف - کإعراب المفرد السابق (أی : علی حسب حاجة الجملة ؛ فیکون مبتدأ ، أو خبرا ، أو فاعلا ، أو مفعولا ، أو غیر ذلک.) ویبقی المضاف إلیه علی حالته ؛ وهی الجر دائما. تقول : عبد الله شاعر ، فاز عبد الله ، صاحبت عبد الله ، سارعت إلی عبد الله ؛ فالمضاف - وهو کلمة : عبد - تغیرت حرکة آخره بتغیر حاجة الجمل ، وبقی المضاف إلیه مجرورا لم یتغیر.

وإن کان ترکیبه إسنادیّا (مثل : فتح الله ... - الخیر نازل) بقی علی حاله قبل التسمیة ؛ فلا یدخله تغییر مطلقا ، لا فی ترتیب حروفه ، ولا فی ضبطها ثم یجری علیه ما یجری علی المفرد فیعرب علی حسب حاجة الجملة التی تحتویه ؛ فیکون مبتدأ ، وخبرا ، وفاعلا ، ومفعولا ، وغیر ذلک علی حسب ما تقتضیه تلک الجملة. إلا أن آخره یظل علی حاله ملتزما حرکته الأولی قبل العلمیة فی جمیع تلک الحالات مهما تغیرت الجمل ؛ فکأنه کلمة واحدة تلازمها علامة واحدة للإعراب ، لا تتغیر فی الرفع ، ولا فی النصب ، ولا فی الجر ، تقول : «فتح الله» نشیط. جاء «فتح الله». صاحبت «فتح الله» رضیت عن «فتح الله». فالعلم : (فتح الله) فی الجملة الأولی : مبتدأ ، مرفوع ، وعلامة رفعه ضمة مقدرة علی آخره للحکایة (2).

ص: 278


1- هذا الحکم عام ؛ یشمل الکلمة المبینة إذا نقلت من معناها ، وصارت علما ، فقد جاء فی التصریح ، ج 2 أول باب المنادی ما نصه : «قال الرضی فی باب العلم إذا نقلت الکلمة المبنیة وجعلتها علما لغیر ذلک اللفظ فالواجب الإعراب» ثم قال صاحب التصریح ما نصه : «فعلی هذا تقول فی : کیف ، وهؤلاء ومنذ ، ... أعلاما : یا کیف ، ویا هؤلاء. ویا کم ، بضمة ظاهرة فهی متجددة للنداء)»
2- الحکایة الأصیلة معناها : أن نردد اللفظ بحالته الأصلیة ، ونعید نطقه أو کتابته بالصورة التی سمعناها أو قرأناها ، من غیر أن نغیر شیئا من حروفه أو حرکاته ، مهما غیرنا الجمل والتراکیب - - ویجوز أن نردده بمعناه إن لم تمنع مانع دینی أو غیره کإرادة النص علیه من غیر إدخال تغییر فیه. (راجع مزیة الحکایة فی رقم 1 من هامش ص 30 ثم من هامش : «ا» من ص 44 م 62 ح 2) حیث الإیضاح المناسب. وإنما کانت الضمة مقدرة هنا وفی کل حالات الرفع لأن الضمة الموجودة حالیا هی الضمة التی کانت فی العلم قبل أن یکون مبتدأ ؛ فلم تترک مکانها لتحل فیه الضمة الخاصة بالمبتدأ.

وفی المثال الثانی : فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة علی آخره للحکایة ، وفی الثالث : مفعول به ، منصوب ، وعلامة نصبه فتحة مقدرة للحکایة ، وفی الرابع : مجرور ، وعلامة جره کسرة مقدرة للحکایة ؛ فهو لا یتأثر بالعوامل تأثرا ظاهرا ، وإنما یتأثر بها تأثرا تقدیریا.

ویقال فی المثال الثانی : «الخیر نازل» حضر. إن «الخیر نازل» حضر ، سلّم علی «الخیر نازل» ، وهکذا فی کل مثال آخر من أمثلة المرکب الإسنادی ، وملحقاته (1) فإنه یکون معربا تقدیرا لأجل الحکایة (2).

وإن کان ترکیبه مزجیّا غیر مختوم بکلمة : (ویه) ، مثل : رامهرمز ونیویرک ... فإنه یعتبر کالکلمة الواحدة ؛ فیعامل من ناحیة الإعراب معاملة المفرد ، فیکون علی حسب جملته ؛ مبتدأ ، أو خبرا ، أو فاعلا ، أو مفعولا ، ... أو غیر ذلک ؛ لکنه یرفع بالضمة من غیر تنوین ، وینصب ویجر بالفتحة فی الحالتین من غیر تنوین (3). تقول : رامهرمز جمیلة ، إن رامهرمز جمیلة ، سمعت

ص: 279


1- یدخل فی هذه الملحقات : العلم المنقول من حرفین ؛ مثل : ربما ، إنما .. والعلم المنقول من حرف واسم ؛ مثل : إن الرجل ... ، أو : من حرف وفعل ؛ مثل : لن یسافر ؛ فکل علم من هذه الأعلام وأشباهها لیس مرکبا إسنادیا ؛ لأنه لیس جملة. ولکنه عند الإعراب یحکی کالمرکب الإسنادی. أما العلم المرکب من موصوف وصفة ؛ مثل : «محمد الفاضل» فقد اعتبره أکثر النحاة ملحقا بالمفرد ، فتجری علی الموصوف حرکات الإعراب علی حسب الجملة ، وتتبعه الصفة فی تلک الحرکات. ولعل الأفضل أن یکون ملحقا فی حکمه بالمرکب الإسنادی فیحکی ؛ منعا من اللبس ، ومنع اللبس محن أهم الأغراض التی تحرص علیها اللغة. وکذلک قالوا فی التمسیة بمثل : «عالم أبوه» ومثل (مکرم محمدا) فإن کلمة «عالم» و «مکرم» تعرب حسب العوامل التی قبلها أما کلمة : «أبوه» و «محمد» إبقیان علی حالهما. والأفضل أیضا أن یجری علی هذا النوع حکم المرکب الإسنادی ؛ منعا من اللبس. فلا إن کانت الأسالیب الصحیحة تخالفه ، فیجب اتباعها ، والقیاس علیها. ولکنی لم أهتد إلی شیء مسموع عن العرب من تلک الأسالیب ...
2- هناک آراء أخری فی طریقة إعرابه أهملناها ، لاعتبارات شتی ؛ فی مقدمتها ؛ أنها لا تلائم الحیاة الحاضرة ، ولا تسایر الأسالیب المنتشرة الیوم.
3- لأنه ممنوع من الصرف للعلمیة والترکیب المزجی ؛ فیرفع بالضمة ، وینصب بالفتحة ، ویجر بالفتحة أیضا ، من غیر أن یدخله التنوین مطلقا ؛ فی حالة من تلک الحالات ما دام علما. - کما سبق فی «ب» من ص 159 - فإن خرج من العلمیة جاز تنوینه علی الوجه الذی أوضحناه فی رقم 2 من هامش ص 32.

برامهرمز ، فتتغیر حرکة الحرف الأخیر وحده تبعا لحالة الإعراب ، ویبقی غیره علی حالته الأولی.

فإن کان ترکیبه مزجیّا مختوما بکلمة : «ویه» (مثل : حمدویه - خالویه) کان کسابقه خاضعا لحاجة الجملة ؛ فیکون مبتدأ ، أو خبرا ، أو فاعلا ، أو : مفعولا ... إلخ ، إلا أن آخره فی کل هذه الأحوال یکون مبنیّا علی الکسر - فی المشهور - تقول : خالویه - عالم جلیل - وإن خالویه عالم جلیل - ولخالویه شهرة فائقة ... فقد وقعت کلمة : «خالویه» مبتدأ ، واسما لإن ، ومجرورة باللام ، ولم تتغیر حالة آخرها بتغیر الجمل ؛ بل لزمت البناء علی الکسر ؛ فهی مبتدأ مبنیة علی الکسر فی محل رفع. وهی اسم إنّ مبنیة علی الکسر فی محل نصب ، وهی مجرورة باللام مبنیة علی الکسر فی محل جرّ (1) ... وهکذا فی الأحوال التی تشابه ما سردناه.

ص: 280


1- هذا الإعراب فی الحالات الثلاث هو الأوضح والأسهل - کما قلنا فی ص 120 ومعه إعراب آخر ؛ ففی حالة الرفع نقول : مرفوع بضمة مقدرة ، منع من ظهورها حرکة البناء الأصلی علی الکسر. وفی حالة النصب منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حرکة البناء الأصلی علی الکسر. وفی حالة الجر مجرور بفتحة مقدرة منع من ظهورها حرکة البناء الأصلی علی الکسر ... نقول هذه العبارات أو ما یماثلها فی تأدیة المراد.

زیادة وتفصیل

من أنواع المرکب المزجی ما یستعمل غیر علم ؛ کالمرکب العددی ، أی : الأعداد المرکبة ، وهی ؛ أحد عشر ، وتسعة عشر ، وما بینهما. فکل واحد منها مبنی دائما علی فتح الجزأین فی جمیع أحواله ، وفی کل التراکیب. ویقال فی إعرابه : مبنی علی فتح الجزأین فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر ، علی حسب حالة الجملة. ما عدا اثنی عشر ، واثنتی عشرة ؛ فإنهما یعربان إعراب المثنی. فاثنا واثنتا ترفعان بالألف فی حالة الرفع ، وتنصبان وتجران بالیاء فی حالتی النصب والجر. أما کلمة : «عشر ، وعشرة» فهی اسم مبنی علی الفتح لا محل له ، لأنها بدل من حرف النون فی المثنی. ویقال هذا فی إعرابهما - کما سبق (1) - وسیجیء تفصیل الکلام علی هذا فی الباب الخاص بالعدد ، بالجزء الرابع.

وکالظروف المرکبة ، مثل : (صباح مساء) فی مثل : (والدی یسأل عنا صباح مساء) أی : دائما. وکالأحوال المرکبة فی مثل : «أنت جارنا بیت بیت» ، أی : ملاصقا ، وهذه الأعداد ، والظروف ، والأحوال - مبنیة علی فتح الجزأین فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر ، علی حسب حالتها من الجملة ؛ تقول فی الأعداد : جاء أحد عشر رجلا ، وأبصرت أحد عشر رجلا ، ونظرت إلی أحد عشر رجلا. وتقول : أنا أسأل عنک «صباح مساء» أی : دائما. فهو ظرف مبنی علی فتح الجزأین فی محل نصب. وتقول : أخی جاری «بیت بیت» فهو مبنی علی فتح الجزأین فی محل نصب ، حال ، فیکون اللفظ المرکب مبنیّا علی فتح الجزأین فی محل رفع ؛ لأنه فاعل - مثلا ، أو شیء آخر یکون مرفوعا - ، وفی محل نصب لأنه مفعول به ، أو ظرف ، أو حال ، أو : شیء آخر منصوب ، وفی محل جر ؛ لأنه مجرور. فآخر کل کلمة من الکلمتین یلزم حرکة واحدة لا تتغیر ؛ هی الفتحة. وحکم هذا المرکب هو البناء علی الفتح ؛ فهو شبیه بالمرکب المزجی المختوم بکلمة (ویه) حیث یلزم آخره حرکة واحدة هی البناء أیضا ، ولکن علی الکسر - علی المشهور - فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر ، علی حسب حالة الجملة. وهذا الإعراب فی الأمثلة

ص: 281


1- فی «و» من ص 122 ، وفی : «د» من ص 141.

السابقة نوع مما یسمونه الإعراب : «المحلّی» (1) حیث یکون للکلمة حالة لفظیة ظاهرة ، حلت محل أخری غیر ظاهرة ، ولکنها ملحوظة برغم عدم ظهورها ؛ فتراعی فی التوابع وغیرها ، وهو غیر «الإعراب التقدیری» الذی سبق الکلام علیه (2).

وما ذکرنا من حکم المرکب المزجی بأنواعه المختلفة هو الذی یحسن الأخذ به ، والاقتصار علیه وحده فی استعمالنا ؛ لأنه أشهر الآراء وأقواها ... والاقتصار علیه یمنع الفوضی فی ضبط الکلمات ، ویریحنا من جدل أهل المذاهب المختلفة. وعلی الرغم من هذا سنذکر بعض الآراء الأخری ، لا لاستعمالها ؛ ولکن لیستعین بها من یشاء فی فهم النصوص القدیمة التی وردت بها ، واشتملت علیها.

فمن تلک الآراء أن المرکب المزجی غیر المختوم بکلمة : (ویه) یجوز فیه البناء علی الفتح فی جمیع حالاته. نقول : هذه بعلبکّ. إن بعلبکّ جمیلة. لم أسکن فی بعلبکّ ، فتکون مبنیة علی الفتح دائما فی محل رفع ، أو نصب ، أو جرّ.

ومنها : أنه یجوز إعرابه إعراب المتضافین (3) ؛ فیکون صدره - وهو المضاف - معربا علی حسب حالة الجملة ، ویکون عجزه - وهو المضاف إلیه - مجرورا أبدا ؛ تقول ؛ هذه بعل بک. إن بعل بکّ جمیلة. لم أسکن فی بعل بک.

وفی هذه الحالة - وحدها - یحسن فی الکتابة فصل المضاف من المضاف إلیه ، وعدم وصلهما خطّا. بخلاف أکثر الحالات الأخری. کما أن المضاف فی هذه الحالة إن کان معتل الآخر فإنه یظل ساکنا دائما ، ولا تظهر علیه الحرکة ؛ بل تقدر ؛ مثل : عرفت «معدی کرب» ، فکلمة «معدی» مفعول منصوب بفتحة مقدرة علی الیاء ؛ مع أن الفتحة تظهر علی الیاء دائما ، ولکنها لا تظهر هنا ، لثقلها مع الترکیب - کما سبق البیان (4) -.

ص: 282


1- ومن أنواعه أیضا جمیع الأسماء المبنیة ؛ کأسماء الإشارة ، والموصول ، والضمیر ، وبعض الأفعال المبنیة ، کالماضی الواقع فعل شرط أو جوابه ؛ فإنه مبنی فی محل جزم. وکذلک بعض الجمل کالتی تقع خبرا ، أو صفة ، أو حالا ... - انظر البیان فی ص 80 ثم 178
2- فی ص 178
3- والإضافة هنا غیر محضة للأسباب الموضحة فی موضعها الأنسب ، وهو باب الإضافة ، ج 3 ص 39 م 93 وفی باب الممنوع من الصرف 176 م 147
4- عند الکلام علی المنقوص فی ص 177.

أما المرکب المزجی المختوم بکلمة : (ویه) فقد أجازوا فیه حالة أخری غیر البناء علی الکسر ، هی إعرابه کالممنوع من الصرف ، فیرفع بالضمة ، وینصب ویجر بالفتحة ، من غیر تنوین فی الحالات الثلاث ؛ مثل : سیبویه إمام نحویّ کبیر ، عرفت سیبویه ، وتعلمت من سیبویه.

ص: 283

(ب) أما الترتیب بین قسمین (1) فیلاحظ فیه ما یأتی :

1 - لا ترتیب بین الاسم والکنیة ، فیجوز تقدیم أحدهما وتأخیر الآخر ، مثل : أبو الحسن علیّ بطل ، أو : علیّ أبو الحسن بطل.

2 - لا ترتیب بین اللقب والکنیة ؛ فیجوز تقدیم أحدهما وتأخیر الآخر ؛ مثل : الصّدّیق أبو بکر أول الخلفاء الراشدین ، أو : أبو بکر الصدیق أول الخلفاء الراشدین.

3 - یجب الترتیب بین الاسم واللقب ؛ بحیث یتقدم الاسم ویتأخر اللقب (2).

مثل : عمر الفاروق هو الخلیفة الثانی من الخلفاء الراشدین ، وهذا الترتیب واجب إن لم یکن اللقب أشهر من الاسم ؛ فإن کان أشهر جاز (3) الأمران ؛ مثل : المسیح (4) عیسی بن مریم رسول کریم ، أو : عیسی بن مریم المسیح رسول کریم. ذلک أن «المسیح» أشهر من «عیسی». ومثل : السفّاح عبد الله أول خلفاء العباسیین ، أو : عبد الله السفاح ... ومن أجل ذلک کثر تقدیم ألقاب الخلفاء والملوک علی أسمائهم.

ومما سبق نعلم أن الترتیب عند اجتماع قسمین (5) غیر واجب إلا فی حالة واحدة (6) هی حالة اجتماع الاسم واللقب ؛ فیجب تأخیر اللقب عنه بشرط ألا یکون أشهر من الاسم ؛ فإن کان أشهر جاز الأمران.

ص: 284


1- أما حکم الترتیب عند اجتماع الثلاثة فیجیء فی ص 287.
2- أما حکم الترتیب عند اجتماع الثلاثة فیجیء فی ص 287.
3- وتأخیر اللقب عن الاسم واجب - بشرطه - سواء أوجد مع الاسم کنیة أم لم توجد.
4- وهناک صورة أخری لا یجب فیها تقدیم الاسم وتأخیر اللقب ؛ هی : أن یکون اجتماعهما علی سبیل إسناد أحدهما للآخر. أی : الحکم علی أحدهما بالآخر سلبا أو إیجابا. ففی هذه الحالة یتأخر المحکوم به ، ویتقدم المحکوم علیه. فإذا قیل : من زین العابدین؟ فأجبت : زین العابدین علی - فهنا بتقدم اللقب ؛ لأنه المعلوم الذی یراد الحکم علیه بأنه علی ، ویتأخر الاسم ، لأنه محکوم به ... وإذا قیل : من علی الذی تمتدحونه؟ فأجبت : علی زین العابدین. فیتقدم الاسم هنا ؛ لأنه المعلوم الذی یراد الحکم علیه ، ویتأخر اللقب ، لأنه محکوم به. وهکذا - انظر رقم 7 من هامش ص 401 ورقم 2 من هامش ص 449. فعندنا صورتان لا یجب تأخیر اللقب فیهما.
5- معانی المسیح کثیرة : منها : أنه یمسح الباطل ویزیله.
6- وإلی ما سبق یشیر ابن مالک بقوله : واسما أتی ، وکنیة ، ولقبا وأخرن ذا إن سواه صحبا یرید : أن العلم ثلاثة أنواع ؛ فیأتی اسما ، أو : کنیة ، أو : لقبا. ثم أشار إلی أن هذا - - (أی : اللقب) یتأخر إن صحب سواه من القسمین الآخرین ؛ بأن اجتمع مع الاسم أو الکنیة. ولکن هذا الرأی یخالف المشهور ؛ من أن اللقب لا یتأخر إلا مع الاسم فقط ، دون الکنیة - بالشرط الذی قدمناه - ولو أنه قال : «وأخرن ذا إن سواها صحبا» لکان أحسن ، وأوفق فی بیان أن المراد تأخیر اللقب إن صحب شیئا سوی الکنیة.

(ح) أما إعراب قسمین عند اجتماعها فیتّبع فیه ما یأتی :

1 - إن کان القسمان مفردین (1) مثل : «علیّ سعید» جاز اعتبارهما متضابفین (2) فیکون الأول هو المضاف ، ویضبط ویعرب علی حسب حاجة الجملة. ویکون الثانی هو المضاف إلیه ، وهو مجرور دائما ؛ تقول : غاب علیّ سعید ، عرفت علیّ سعید ، وسألت عن علیّ سعید (3) ، وجاز عدم إضافتهما فیعرب الأول ویضبط علی حسب حالة الجملة ویکون الثانی ثابعا له (4) فی جمیع حرکات الإعراب ؛ فتکون کلمة : «سعید» مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة تبعا للکلمة

ص: 285


1- وفی هذه الحالة لا بد أن یکون أحدهما اسما والآخر لقبا ؛ إذ لا دخل للکنیة فی الإفراد ؛ لأنها لا بد أن تکون مرکبة ترکیبا إضافیا کما سبق فی ص 277. ولا بد أن یکون المضاف إلیه معها غیر لقب للمضاف ؛ إذ الشیء لا یضاف - فی الأغلب - إلی نفسه ، طبقا للبیان السابق فی رقم 2 من هامش ص 277.
2- بشرط ألا یمنع من الإضافة مانع. کوجود «أل» فی العلم الأول منهما ؛ مثل ؛ (السعد المقنع) اسم رجل ، ولقبه ؛ فلا یجوز إضافة «السعد» إلی المقنع ؛ لأن الإضافة المحضة تمتنع فیها «أل» من المضاف. کما تمتنع الإضافة إذا کان المضاف والمضاف إلیه بمعنی واحد ؛ کما یبدو هنا فی ظاهر الأمر ، ولکنهما مختلفان تأویلا ؛ فأحدهما یراد به الاسم المجرد ، والآخر یراد به المسمی ؛ - کما سیجیء فی باب الإضافة ج 3 ص 35 م 93 - والحاجة إلی هذا التأویل فی هذا الوجه جعلت الإعراب علی الوجه التالی أفضل ؛ لخلوه منه. وهذا النوع من إضافة الاسم إلی المسمی ؛ (أی : إلی اللقب).
3- جاء فی ص 23 ج 1 من شرح المفصل ما ملخصه : إذا لقبت علما مفردا بمفرد أضفت العلم إلیه ، نحو : سعید کرز. کان اسمه : «سعیدا» ، ولقبه «کرزا». فلما جمع بینهما أضیف العلم إلی اللقب. وکذلک. «قیس قفة ، وزید بطة». فإذا أضفت الاسم إلی اللقب صار کالاسم الواحد ، وسلب ما فیه من تعریف العلمیة ؛ کما إذا أضفته إلی غیر اللقب ؛ نحو : «زیدکم» ، فصار التعریف بالإضافة ، وجعلت الألقاب معارف ؛ لأنها جرت مجری الأعلام ، وخرجت عن التعریف الذی کان لها بالألف واللام قبل التلقیب - أی : إن وجدا من قبل - ؛ کما أنا إذا قلنا : «الشمس» کان معرفة بالألف واللام ، وإذا قلنا : «عبد الشمس» - کان من قبیل الأعلام. فالعلم یفقد التعریف بالعلمیة عند إضافته إلی اللقب ویکتسب تعریفا جدیدا بالإضافة. وکل هذا بشرط إضافته إلی اللقب) ... اه ثم راجع رقم 2 من هامش ص 264.
4- فیعرب الثانی بدلا من الأول ؛ بدل کل من کل ، أو یعرب عطف بیان ، أو توکیدا لفظیا بالمرادف ؛ فهذه الإعرابات الثلاثة جائزة. إلا إن منع من البدل مانع مما ذکروه فی فی بابه ؛ فیمتنع ویبقی الإعرابان الآخران. هذا وإعراب الثانی تابعا للأول علی وجه من الأوجه الثلاثة ، قوی لا تأویل فیه ، فهو خیر من الإعراب فی الحالة الأولی ؛ حالة اعتبارهما متضابقین لما فیها من التأویل الذی أشرنا إلیه فی رقم 2.

الأولی ؛ وهی علیّ. ولا دخل للکنیة هنا لأن الکنیة مرکبة ترکیبا إضافیّا ، فتدخل فی الأحوال الثلاثة الآتیة الخاصة بالمرکب الإضافی ، ولا تدخل فی المفرد الذی نحن بصدده - کما أشرنا من قبل -.

2 - وإن کان القسمان ، مرکبین معا ترکیب إضافة ؛ مثل : «عبد العزیز سعد الله» فإن المضاف الأول ، وهو : «عبد» یضبط ویعرب علی حسب حاجة الجملة ، ویکون المضاف الثانی ، وهو : «سعد» تابعا له (1) فی حرکات إعرابه.

3 - وإن کان الأول هو المفرد والثانی هو المرکب ترکیب إضافة ؛ مثل : «علی زین العابدین» - أعرب المفرد علی حسب حالة الجملة ، وجاء المضاف الذی بعده تابعا له فی حرکته ؛ تقول : علیّ زین العابدین شریف. إن علیّا زین العابدین شریف. وما ذا تعرف عن علیّ زین العابدین؟

ویجوز شیء آخر ؛ أن یکون الأول المفرد مضافا ؛ یضبط ویعرب علی حسب حاجة الجملة ، وأن یکون المضاف إلیه هو صدر الثانی ؛ تقول : علیّ زین العابدین شریف ، إن علیّ زین العابدین شریف. ماذا تعرف عن علیّ زین العابدین ؛ فتکون کلمة : «علیّ» معربة علی حسب العوامل ، ومضافة. وتکون کلمة : «زین» مضافة إلیها مجرورة.

4- إن کان الأول هو المضاف والثانی هو المفرد ؛ مثل : زین العابدین علیّ - فإن صدر الأول ؛ أی : المضاف ، یضبط ویعرب علی حسب حاجة الجملة ، ویعرب المفرد تابعا له ، تقول : زین العابدین علیّ شریف ، إن زین العابدین علیّا شریف ، عطفت علی زین العابدین علیّ.

أما المرکب المزجی وملحقاته ، والمرکب الإسنادیّ فلا یعتد بترکیبهما فی هذا الشأن وإنما یعتبر کل منهما بمنزلة المفرد عند اجتماعه بقسم آخر وتجری علیه أحکام المفرد السابقة (2).

ص: 286


1- فیعرب بدل کل من کل ؛ أو عطف بیان ، أو توکیدا لفظیا بالمرادف ؛ بالإیضاح الذی سبق فی رقم 4 من هامش الصفحة الماضیة.
2- مع ملاحظة الحالة الإعرابیة الخاصة بکل منهما - کما شرحناها فی ص 277 وما بعدها - فالمرکب الإسنادی یلزم آخره حرکة واحدة ؛ رفعا ، ونصبا. ، وجرا ، بسبب الحکایة. والمرکب - ... - المزجی المختوم بکلمة «ویه» یلزم آخره حالة واحدة ؛ وهی : البناء علی الکسر - فی الأغلب -. وإن لم یکن مختوما بکلمة «ویه» : رفع بالضمة من غیر تنوین ، ونصب وجر بالفتحة من غیر تنوین فیهما ؛ لأنه ممنوع من الصرف - فی الأشهر -. وهذه هی الأحکام الإعرابیة التی یجمل الاقتصار علیها الآن ، وترک ما عداها مما یدخل فی باب اللهجات التی لا تناسب حاضرنا ... ویلاحظ کذلک أن الثانی فی الصور السالفة کلها یجوز فیه «القطع» المشار إلیه فی رقم 1 من هامش ص 288

وإلی هنا ینته الکلام علی الترتیب والإعراب (1) بین قسمین عند اجتماعهما. أما إذا اجتمعت الأقسام الثلاثة : (الاسم ، والکنیة ، واللقب) فیراعی فی الترتیب بینها ما سبق إیضاحه ؛ حیث یجوز تقدیم بعضها علی بعض. إلا اللقب فلا یجوز تقدیمه - فی أکثر حالاته - علی الاسم (2) ؛ ففی مثل : عمر بن الخطاب الفاروق - یجوز أن تقدم أو تؤخر ما شئت من الاسم ، أو : الکنیة ، أو اللقب. إلا صورة واحدة لا تجوز ؛ وهی : تقدیم کلمة «الفاروق» علی «عمر».

ص: 287


1- وفی الإعراب یقول ابن مالک من غیر أن یتعرض للتفصیل والترتیب الذی سلکناه وإن یکونا مفردین فأضف حتما ، وإلّا أتبع الذی ردف یرید : إذا اجتمع قسمان من أقسام العلم ، وکانا مفردین ، مثل : سعید محمود - وجب عنده إعرابهما متضایفین ؛ فالأول - وهو المضاف - یعرب علی حسب حالة الجملة ، والثانی یعرب مضافا إلیه مجرورا. هذا رأی ابن مالک ، وقد عرفنا البیان الشافی فی ذلک ؛ حیث أوضحنا أن الإضافة لیست واجبة ، وإنما هی جائزة کالإتباع : بل الإتباع أفضل. ثم یقول : إن لم یکونا مفردین ؛ بأن یکونا معا مرکبین ترکیب إضافة ، أو یکون الأول مرکبا إضافیا والثانی مفردا ، أو العکس - فإن الأول یعرب علی حسب حاجة الجملة ، والثانی یکون تابعا له فی حرکة الإعراب (فیکون : بدلا ، أو عطف بیان ، أو توکیدا لفظیا بالمرادف) ومعنی «الذی ردف» أی : الذی جاء ردفا للأول ، أی : بعده ، متأخرا عنه. ثم أشار إلی نوعین من أنواع العلم ؛ هما : المرکب الإسنادی والمزجی ؛ فقال : وجملة ، وما بمزج رکّبا ذا إن بغیر : «ویه» تمّ - أعربا أی : أن الترکیب الأسنادی وهو المراد بقوله «جملة» وکذلک المرکب المزجی غیر المختوم بکلمة : «ویه» فإنهما یعربان علی حسب حاجة الجملة. وقد شرحنا طریقة إعرابهما ، وإن لم یوضحها الناظم ، کما شرحنا طریقة إعراب المرکب المزجی المختوم بویه. ثم أشار إلی المرکب الإضافی من غیر أن یذکر حکمه بقوله : وشاع فی الأعلام ذو الإضافة کعبد شمس ، وأبی قحافه وعبد شمس : علم علی جد معاویة ، وأبو قحافة : علم علی والد أبی بکر الصدیق. وفی هذا البیت والذی قبله إشارة إلی الأنواع الثلاثة للعلم المرکب ، وهی : العلم المنقول من جملة ، وهو المرکب الإسنادی ، والعلم المرکب ترکیبا مزجیا ، والعلم المرکب ترکیبا إضافیا.
2- إلا فی الصورتین الجائزتین ، وقد أوضحناهما فی (ص 284).

وکذلک یراعی فی الإعراب بین الأول والثانی ما سبق أیضا. أما الثالث فیکون تابعا للأول فی حرکاته (1).

* * *

د - هذا ، وما یخص الأقسام السالفة من الأحکام المعنویة وباقی الأحکام اللفظیة الأخری فقد سبق الکلام علیها (2).

ص: 288


1- ویجوز فیه أیضا ما یسمی : (القطع) وهو جائز فیه وفی غیره علی التفصیل الآتی : إذا اجتمع قسمان من أقسام العلم أو ثلاثة ، فإنه یجوز دائما فی الثانی والثالث - إن وجد - : (القطع) وهو المخالفة للأول فی حرکته ، والانفصال عنها إلی حرکة الرفع ، أو النصب ؛ بشرط أن یکون الرفع أو النصب غیر موجود فی الأول ؛ فإن کان الأول مرفوعا جاز أن تقطع ما بعده إلی النصب ، وإن کان منصوبا جاز أن تقطع ما بعده إلی الرفع. وإن کان الأول مجرورا جاز فیما بعده القطع إلی الرفع ، أو النصب ، زیادة علی الجر .. تقول فی : سعد زغلول : اشتهر سعد - زغلولا - بالخطابة ، فیجوز قطع کلمة : «زغلول» عن الرفع. أی : عن أن تکون مثل الأول فی حرکته ، وعن أن تکون تابعا له. وإنما تکون منصوبة ، مفعولا به لفعل محذوف تقدیره : أعنی ، أو : أرید ... أو نحو ذلک. وفی مثل : عرفت سعدا - زغلول - یجوز فی کلمة : (زغلول) الرفع ؛ فتکون مقطوعة عن حرکة الأول غیر تابعة له ؛ فتعرب خبرا لمبتدأ محذوف ، تقدیره : هو ، مثلا. وفی مثل : سمعت عن سعد - زغلول - یجوز فی کلمة (زغلول) الرفع ، أو النصب ، علی القطع السالف ، کما یجوز فیها الجر علی أنها تابعة له ... وملخص ما سبق فی القطع أنه : مخالفة الثانی والثالث لحرکة الاسم الأول. فإذا کان الأول مرفوعا جاز فی غیره النصب ، فقط علی القطع ، مع إعراب المقطوع مفعولا به لفعل محذوف. وإذا کان الأول منصوبا جاز فی الباقی الرفع مع إعرابه خبر مبتدأ محذوف. وإذا کان الأول مجرورا جاز فی الباقی الرفع أو النصب أو الجر مع إعرابه فی کل حالة بما یناسبها. أما الغرض من القطع ومن العدول عن الإعراب الذی أوضحناه للتابع - إلی الإعراب الآخر الذی أوضحناه هنا أیضا ، فغرض بلاغی ؛ هو بیان أن المقطوع یستحق اهتماما خاصا ؛ لرفعة شأنه ، أو حقارة منزلته. وقد أوضحنا القطع - بتفصیل مناسب - والغرض البلاغی منه فی باب المبتدأ والخبر لمناسبة أقوی ؛ وهی : مناسبة حذف المبتدأ وجوبا ص 463 م 39 أما موضعه الأصیل وبیانه الأکمل فباب النعت من الجزء الثالث. ص 375 م 115.
2- فی صفحتی 263 و 266 وما بعدهما.

المسألة 24: اسم الإشارة

اشارة

(1)

تعریفه : اسم یعین مدلوله تعیینا مقرونا بإشارة حسیة إلیه ؛ کأن تری عصفورا فتقول وأنت تشیر إلیه : «ذا» رشیق ؛ فکلمة : «ذا» تتضمن أمرین معا ، هما : المعنی المراد منها : (أی : المدلول) ، وهو : : جسم العصفور ، والإشارة إلی ذلک الجسم فی الوقت نفسه. والأمران مقترنان ؛ یقعان فی وقت واحد (2) ؛ لا ینفصل أحدهما من الآخر.

والغالب أن یکون المشار إلیه (وهو : المدلول) شیئا محسوسا (3) کالمثال

السابق.

وکأن تشیر بأحد أصابعک إلی کتاب ، أو قلم ؛ أو سیارة ، وتقول : ذا کتاب - ذا قلم - ذی سیارة. وقد یکون شیئا معنویّا ، کأن تتحدث عن رأی ، أو : مسألة فی نفسک ، وتقول : ذی مسألة تتطلب التفکیر - ذا رأی أبادر بتحقیقه ...

تقسیم أسماء الإشارة

تنقسم أسماء الإشارة بحسب المشار إلیه إلی قسمین ؛ قسم یجب أن یلاحظ فیه المشار إلیه من ناحیة أنه مفرد ، أو مثنی ، أو جمع (4) ... ، مع مراعاة التذکیر ، والتأنیث ، والعقل (5) ، وعدمه فی کل ذلک (6). وقسم یجب أن یلاحظ فیه المشار إلیه أیضا ، ولکن من ناحیة قربه ، أو بعده ، أو توسطه بین القرب والبعد (7).

ص: 289


1- اسم الإشارة اسم مبهم کما سیجیء البیان فی «ج» من ص 305 وفی رقم 3 من هامش ص 306
2- انظر ص 86.
3- مما تجب ملاحظته أن الإشارة نفسها لا بد أن تکون حسیة. أما مدلولها - وهو المشار إلیه - فقد یکون حسیا وهو الأصل ، وقد یکون معنویا.
4- إذا کان المشار إلیه اسم جنس جمعیا فله حکم خاص سبق بیانه فی رقم 3 من هامش ص 21 وفی رقم 6 من ص 239.
5- والمراد بالعاقل : من له قدرة علی الفهم ، والتعلم والحکم ، بأصل طبیعته ؛ ولو فقد تلک القدرة لسبب عارض. وقد یعبر النحاة أحیانا «بالعالم» بدلا من : العاقل.
6- إذا اختلف المشار إلیه فی التذکیر والتأنیث مع المراد الأصیل منه جاز فی اسم الإشارة التذکیر والتأنیث ؛ مراعاة لأحدهما ؛ نحو : القطن محصول أساسی عندنا. وهذه الثروة یجب العنابة بها ، أو : وهذا ثروة یجب العنایة بها. ومثل : کتاب البخلاء للجاحظ زاد أدبی رائع وهذه مزیة یسعی وراءها الأدیب ، أو : وهذا مزیة یسعی وراءها الأدیب ومن الأمثلة قوله تعالی : (فَلَمَّا رَأَی الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّی هذا أَکْبَرُ) - وقد أشرنا لهذا فی رقم 7 من ص 239 وسیجیء فی ص 414.
7- تقدیر القرب والبعد والتوسط متروک للعرف الشائع عند المتکلم ومن معه.

فالقسم الأول خمسة أنواع :

(ا) ما یشار به للمفرد المذکر مطلقا ؛ (أی : عاقلا أو غیر عاقل) : وأشهر أسمائه «ذا» (1). نحو : ذا طیار ماهر - ذا بلبل صدّاح (2).

(ب) ما یشار به للمفردة (3) المؤنثة - عاقلة وغیر عاقلة - وهو عشرة ألفاظ ؛ خمسة مبدوءة بالذال هی : ذی - ذه - ذه - بکسر الهاء مع اختلاس (4) کسرتها - ذه - بکسر الهاء مع إشباع الکسرة (5) نوعا - ذات (6).

وخمسة مبدوءة بالتاء ، هی : تی - تا - ته - ته ، بکسر الهاء مع اختلاس الکسرة - ته (7) - بکسر الهاء مع إشباع الکسرة نوعا. تقول : ذی الفتاة

ص: 290


1- «ذا» هو الأشهر. ویحسن الاقتصار علیه حرصا علی التیسیر والإیضاح ، وترک ما عداه مما هو مسموع بقلة عند العرب ؛ مثل : «ذاء» ، بهمزة مکسورة. و «ذائه» بهمزة مکسورة دائما ، بعدها هاء مکسورة کذلک ، و «ذاؤه» بهمزة وهاء مضمومتین دائما. و «آلک» - للبعید - بهمزة ممدودة هی اسم الإشارة ، بعدها لام مکسورة للبعد ، فکاف للخطاب (أی : ذلک). فهذه الألفاظ الواردة لإشارة المفرد المذکر خمسة ؛ سردناها لنستعین بمعرفتها علی فهم ما ورد منها فی الکلام القدیم ، مثل قول القائل : هذلؤه الدّفتر خیر دفتر فی ید قرم ماجد مصدّر مع الاقتصار فی استعمالنا علی «ذا» کما سبق.
2- المفرد إما أن یکون مفردا حقیقة کالمثالین المذکورین ، أو حکما ؛ کالإشارة إلی جمع ، أو فریق ؛ مثل : هذا الجمع مسارع للخیرات ، هذا الفریق غالب. وأیضا فی مثل : الصیف حار ، والشتاء بارد. أما الخریف فبین ذلک : أی : بین المذکور من الحار والبارد. ومما وقعت الإشارة به للجمع حکما قول الشاعر : ولقد سئمت من الحیاة وطولها وسؤال هذا الناس کیف لبید
3- سواء أکانت مفردة حقیقة کما مثل ، أم حکما : مثل الفرقة والجماعة - علی الوجه المتقدم فی رقم 2 -
4- الاختلاس هو : النطق بالحرکة خفیفة سریعة ، مع عدم إطالة الصوت بها.
5- الإشباع إیضاح الحرکة ، مع تقویتها وإطالة الصوت بها ؛ حتی ینشأ من ذلک حرف علة مناسب لها ؛ - کالواو بعد الضمة ؛ والیاء بعد الکسرة - وهو حرف علة زائد یقال له : حرف إشباع. ویجوز کتابتها مع الإشباع هکذا : «ذهی» بإثبات الیاء الناشئة من إطالة الصوت بالکسرة.
6- ومن التیسیر أن نجعلها کلها اسم إشارة ، ولا نتابع الرأی القائل : إن اسم الإشارة هو «ذا» وحدها ، وإن التاء للتأنیث. والغالب فیها الضم ، فهی إشارة مبنیة علی الضم فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر علی حسب موقعها فی جملتها.
7- ویجوز إثبات الیاء الناشئة من الإشباع هکذا «ته».

شاعرة ... تی الفتاة محسنة ... وکذا الباقی منهما (1).

(ح) ما یشار به للمثنی المذکر مطلقا - أی : عاقلا وغیر عاقل - ، وهو لفظة واحدة : «ذان» رفعا ، وتصیر : «ذین» نصبا وجرّا (2). تقول : ذان عالمان ، إنّ ذین عالمان ، سلمت علی ذین ، فیعرب کالمثنی ، أی : «ذان» : مبتدأ مرفوع بالألف. «ذین» : اسم : «إنّ» منصوب بالیاء. «ذین» ، مجرور بعلی ، وعلامة جره الیاء أیضا.

(د) ما یشار به إلی المثنی المؤنث مطلقا ، وهو لفظة واحدة : «تان» رفعا «وتصیر : تین» نصبا وجرّا ؛ تقول : تان محسنتان ؛ إن تین محسنتان ، فرحت بتین المحسنتین. «تان» مبتدأ مرفوع بالألف. «تین» اسم : «إن» منصوب بالیاء. «تین» مجرور بالباء ، وعلامة جره الیاء.

(ه) ما یشار به للجمع مطلقا (مذکرا ومؤنثا ، عاقلا وغیر عاقل) هو لفظة واحدة : «أولاء» (3). ممدودة فی الأکثر ، أو : أولی مقصورة ؛ مثل : أولئک الصناع نافعون. ومثل : «إن السمع والبصر والفؤاد کلّ أولئک کان عنه مسئولا» (4).

ص: 291


1- یقول ابن مالک : بذا لمفرد مذکر أشر بذی ، وذه ، تی ، تا ، علی الأنثی اقتصر أی : أشر للمفرد المذکر بکلمة : «ذا» واقتصر فی الإشارة إلی الأنثی علی کلمة : «ذی» و «ذه» و «تی» و «تا». ولم یذکر الباقی.
2- یقول ابن مالک : و «ذان ، تان» ، للمثنّی المرتفع وفی سواه «ذین». «تین». اذکر تطع أی : للمثنی فی حالة رفعه صیغتان ؛ هما : ذان ، وتان ، ولم یوضح المشار إلیه بهما وقد عرفناه : («ذان» للمثنی المذکر المرفوع ، و «تان» للمثنی المؤنث المرفوع) ، وفی سوی الرفع یقال فیهما : «ذین» بالیاء والنون. ویجوز تشدید النون ، وعدم تشدیدها فی : (ذان ، وتان) وکذلک فی (ذین وتین) لکن عند تشدیدها فی الأخیرتین تتحرک الیاء بالفتحة. أی : أنها تتحرک بالفتحة فی حالتی نصبهما وجرهما إذا شددت النون - وستجیء الإشارة لهذا فی هامش ص 309.
3- یقول ابن مالک : وبأولی أشر لجمع مطلقا والمدّ أولی ...
4- المد والقصر عند اللغویین والقراء - کما سبق عند الکلام علی المقصور فی رقم 5 من هامش - - ص 170 وکما یجیء فی رقم 1 من هامش ص 310 وکذا رقم 1 من هامش ص 450 م 170 ج 4 - یکون فی المعرب وفی المبنی کما نری هنا فی کلمة : «أولاء» أما عند النحاة فمقصوران علی المعرب. والمقصود بالمد فی البیت السالف (فی رقم 3) الإشباع الذی شرحناه فی رقم 5 من هامش ص 290 وهو المد الصرفی الذی یقضی بوجود همزة فی آخر الکلمة بعد ألف المقصور. أما الهمزة التی فی أول کلمة : «أولی» فلا یصح إشباعها عند النطق بها ، بالرغم من أن قواعد الإملاء توجب زیادة واو بعدها فی الکتابة للفرق بینها وبین کتابة : «الأولی» التی هی اسم موصول - کما ستجیء فی رقم 1 من هامش ص 310 - وهذه العلة لا تثبت الیوم علی التمحیص. وقد آن الوقت لإعادة النظر فی قواعد الإملاء علی ید المختصین بهذه الشئون ولا سیما المجمع اللغوی.

أما القسم الثانی من أسماء الإشارة ، وهو الذی یلاحظ فیه المشار إلیه من ناحیة قربه ، أو بعده ، أو توسطه بین القرب والبعد ؛ فإنه ثلاثة أنواع :

(ا) الأسماء التی تستعمل فی حالة قربه. هی : کل الأسماء السابقة الموضوعة للمفرد ، والمفردة ، والمثنی والجمع ، بنوعیهما ، من غیر اختلاف فی الحرکات أو الحروف ، ومن غیر زیادة شیء فی آخرها.

(ب) الأسماء التی تستعمل فی حالة توسطه للدلالة علی أن المشار إلیه متوسط الموقع بین القرب والبعد ، هی : بعض الأسماء السابقة بشرط أن یزاد فی آخر اسم الإشارة الحرف الدال علی التوسط ، وهذا الحرف هو : «کاف الخطاب الحرفیة (1). فإنها وحدها - بغیر اتصال لام البعد بها - هی الخاصة بذلک. وهی تلحق الآخر من بعض أسماء الإشارة ، دون بعض آخر ؛ فتلحق آخر أسماء الإشارة التی للمفرد المذکر ، والتی للمثنی ، والتی للجمع بنوعیهما ؛ نحو : ذاک المکافح محبوب - ذانک المکافحان محبوبان - تانک الطبیبتان رحیمتان - أولئک المقاومون للظلم أبطال ، أو : أولاک (بمد کلمة : «أولاء» وقصرها).

ص: 292


1- هذه الکاف حرف مبنی ، ولیست ضمیرا ؛ فلا یصح أن یکون اسم الإشارة مضافا ؛ وهی مضاف إلیه ؛ لأنها حرف کما قلنا ؛ ولأن اسم الإشارة بجمیع أنواعه - حتی المثنی منه - لا یضاف ، لأنه (ما عدا المثنی) مبنی - کما سیجیء فی رقم 1 من هامش ص 301 - ، والمبنی فی أکثر حالاته لا یضاف. ومع أن هذه الکاف حرف خطاب فإنها فی غیر کلمة : «هنا» الآتیة فی ص 295 - تتصرف (کما تتصرف الکاف الاسمیة التی هی ضمیر خطاب علی حسب المخاطب) فتکون الحرفیة مبنیة علی الفتح للمخاطب المفرد ، المذکر ، وعلی الکسر للمخاطبة نحو : ذاک - ذاک. وتلحقها علامة التثنیة ، ومیم جمع المذکر ، ونون النسوة ؛ نحو : ذاکما - ذاکم - ذاکن. وهذا هو «التصرف الکامل» وهو أشهر اللغات وأسماها ، ویحسن الأخذ به وحده ؛ لأنه یساعد علی زیادة الإیضاح ومنع اللبس. وهناک لغة أخری لا تلحق بها علامة ، وتبنیها علی الفتح لکل أنواع المخاطب المذکر ، وعلی الکسر لکل أنواع المخاطب المؤنث. وهذا هو «التصرف الناقص». وهو فی درجته أقل من الأول. ویلی هذا «عدم تصرفها» مطلقا. فتبنی علی الفتح فی جمیع أحوال الخطاب.

وکذلک تلحق ثلاثة من أسماء الإشارة الخاصة بالمفرده المؤنثة ، هی : (تی - تا - ذی) ؛ نحو : تیک الدار واسعة ... ولا تلحق آخر السبعة الأخری التی للمفردة المؤنثة ، فباستبعاد هذه السبعة تکون بقیة أسماء الإشارة التی للقرب صالحة للتوسط أیضا

«ملاحظة» : هذه الکاف تلحق اسم إشارة للمکان وهو یعتبر فی الوقت نفسه ظرفا من ظروف المکان ؛ ونعنی به الظرف : «هنا» - وسیجیء أیضا إیضاحه قریبا (1) - ؛ نحو : هناک فی أطراف الحدیقة دوح ظلیل.

ولا تلحق آخر اسم الإشارة إذا کان مبدوءا بحرف التنبیه : «ها» وبینهما فاصل ؛ کالضمیر فی مثل : هأنذا محب للانصاف ؛ فلا یقال فی الأفصح : هأنذاک - کما سیجیء (2) -.

وخلاصة ما تقدم أن الأسماء التی للمتوسط هی الأسماء السابقة التی للقرب. ولکن بشرط زیادة «کاف» الخطاب الحرفیة فی آخر الاسم للدلالة علی التوسط ؛ تقول : ذاک الطائر مغرد ... ، تیک الغرفة واسعة ... وبشرط أن کاف الخطاب الحرفیة لا تدخل فی اسماء الإشارة الخاصة بالمفردة المؤنثة إلا فی ثلاثة : «تی» و «تا» و «ذی» ولا تدخل فی السبعة الأخری - علی الصحیح -. وهذا هو الموضع الثانی الذی لا تدخله تلک الکاف(3).

(ح) الأسماء التی تستعمل فی حالة بعده.

لا سبیل للدلالة علی أن المشار إلیه بعید إلا بزیادة حرفین فی آخر اسم الإشارة ، هما : لام فی آخره تسمی : «لام البعد» یلیها «کاف الخطاب» الحرفیة حتما ، ولا توجد «لام البعد بغیرها. وهذه اللام تزاد فی آخر بعض الأسماء دون بعض : فتزاد مع «الکاف» فی آخر أسماء الإشارة التی للمفرد ؛ نحو : ذلک الکتاب لا ریب فیه. وفی آخر ثلاثة من الأسماء التی لإشارة المفردة (وهی الثلاثة التی تدخلها «کاف» الخطاب الحرفیة دون السبعة الأخری التی لا تدخلها) ؛ نحو : تلک الصحاری میادین أعمال ناجحة. وتزاد فی آخر کلمة : «أولی» المقصورة التی هی اسم إشارة للجمع

ص: 293


1- ص 295.
2- ص 295.
3- وکذلک لا تدخل فی اسم الإشارة : «ثمّ» ، ولا اسم الإشارة المنادی ؛ نحو : یا هذا - کما سیجیء فی رقم 5 هامش ص 295 ، وفی باب المنادی ، ج 4.

مطلقا ، نحو : أولا لک المغتربون فی طلب العلم جنود مخلصون ، دون «أولاء» الممدودة التی اسم الإشارة للجمع - فی الرأی الأرجح - فلا یقال : أولاء لک (1) المغتربون مخلصو ...

ولا تزاد فی اسم الإشارة الذی للمثنی المؤنث أو المذکر. ولا فی اسم الإشارة المبدوء بحرف التنبیه : «ها» ، والمختوم ب «کاف» الخطاب الحرفیة ؛ فلا یصح فی مثل : «هذاک وهاتاک» أن یقال : هذا لک ، ولا هاتا لک ... علی اعتبار «اللام» فیهما للبعد ، و «الکاف» حرف خطاب.

ومما سبق یتبین أنه لا یجوز زیادة لام البعد وحدها بغیر «کاف» الخطاب الحرفیة بعدها ، ولهذا یمتنع زیادة «لام البعد : فی آخر الأسماء الخالیة من تلک «الکاف» إما لأن «الکاف» لا تدخلها مطلقا ؛ کالأسماء السبعة التی لإشارة المفردة ، وإما لأنها تدخلها ولکن اسم الإشارة خال منها عند الرغبة فی إلحاق لام البعد بآخرها. وإن شئت فقل : إن أسماء الإشارة التی تستعمل فی حالة البعد لا بد أن یزداد فی آخرها حرفان معا : لام تسمی : لام البعد (2) ، وحرف الخطاب (الکاف) بعدها ؛ نحو : ذلک السّبّاح بارع. وهذه اللام لا توجد وحدها بغیر کاف الخطاب ؛ فیجوز إلحاقها بآخر أسماء الإشارة التی للمفرد والمفردة بشرط وجود تلک الکاف. ویمتنع إلحاقها بأسماء الإشارة التی لا تدخلها الکاف مطلقا (3) ، أو التی تدخلها ، ولکنها غیر موجودة فیها عند الرغبة فی إلحاق اللام. وکذلک یصح إلحاق هذه اللام بکلمة «أولی» المقصورة ، دون الممدودة ، - علی الأرجح - ودون المثنی بنوعیه أیضا.

ویصح أن تدخل : «ها» التی هی حرف تنبیه (4) علی اسم الإشارة الخالی من کاف الخطاب ؛ مثل : هذا ، هذه ، هذان ، هؤلاء ... وقد تجتمع مع الکاف بشرط عدم الفاصل - کالضمیر - بین «ها» واسم الإشارة. ؛ نحو هذاک - هاتاک ... لکنهما إذا اجتمعا لم یصح مجیء لام البعد معهما ، فلا یجوز

ص: 294


1- هذه اللام تکسر إن کان قبلها ساکن ، نحو : «ذلک» و «تالک» ... وقد تسکن ؛ فیحذف ما قبلها من ساکن آخر ؛ کالیاء ، أو الألف فی اسمی الإشارة : تی وتا. تقول : تلک ، وتلک ...
2- هذه اللام تکسر إن کان قبلها ساکن ، نحو : «ذلک» و «تالک» ... وقد تسکن ؛ فیحذف ما قبلها من ساکن آخر ؛ کالیاء ، أو الألف فی اسمی الإشارة : تی وتا. تقول : تلک ، وتلک ...
3- وهی الأسماء السبعة التی أشرنا إلیها فی الحالة الثانیة «ب».
4- سمیت بذلک لأن المراد منها : إما تنبیه الغافل إلی ما بعدها ، وتوجیهه إلی ما سیذکر. وإما إشعار غیر الغافل إلی أهمیة ما بعدها ، وجلال شأنه ؛ لیتفرغ له ویقبل علیه.

هذا لک (1). وهذا موضع آخر من المواضع التی تمتنع فیها لام البعد (2).

وتمتنع الکاف إن فصل بین «ها» التنبیه واسم الإشارة فاصل (3) ؛ کالضمیر فی نحو : هأنذا (4) مخلص. فلا یصح الإتیان بالکاف بعد اسم الإشارة وهذا هو الموضع الثانی الذی لا تدخله کاف الخطاب (5) ، وإذا لا تدخله لام البعد أیضا.

بقی من أسماء الإشارة التی من القسم الثانی کلمتان : هنا ، و : «ثمّ» وکلتاهما تفید الإشارة مع الظرفیة (6) التی لا تتصرف (7). فأما : «هنا» فهی اسم إشارة إلی المکان القریب ، مثل : «هنا العلم والأدب». وقد یزاد فی أولها حرف التنبیه : «ها» نحو : هاهنا الأبطال ؛ فهی فی الحالتین سواء.

وبسبب دلالتها علی المکان مع الإشارة دخلت فی عداد ظروف المکان أیضا ، فهی اسم إشارة وظرف مکان معا وهی ظرف مکان لا یتصرف ، فلا تقع فاعلا ، ولا مفعولا ، ولا مبتدأ ، ولا غیر هذا مما لا یکون ظرف مکان. ولا تخرج عن الظرفیة إلا لشبه الظرفیة (8). وهو معها الجر بالحرف «من» أو «إلی» ، نحو : سرت من هنا إلی هناک.

ص: 295


1- یشیر ابن مالک إلی الکاف واللام فی البعد وعدمه قائلا : (مع العلم بأنه یقصر کلامه علی القریب والبعید ویهمل الوسط ؛ لأنه یدخله فی البعید) : ....... ولدی البعد انطقا بالکاف حرفا دون لام ؛ أو : معه واللّام إن قدّمت «ها» ممتنعه
2- المواضع التی تمتنع فیها اللام خمسة هی : (ا) أسماء الإشارة السبعة التی للمؤنث ، وهی التی لا تدخلها الکاف أیضا. (ب) أولاء ممدودة (ج) اسم الإشارة المثنی ؛ مذکرا ومؤنثا. (د) اسم الإشارة المبدوء بها التنبیه ، والمختوم بکاف الخطاب. (ه) اسم الإشارة الذی لیس فی آخره کاف الخطاب.
3- کما سبق فی ص 293.
4- أصله : (ها أناذا) ولکن قواعد رسم الحروف تقضی بکتابته متصل الحروف : «هأنذا».
5- والموضع الأول هو أسماء الإشارة السبعة التی للمؤنث ؛ وقد سبق الکلام علیها وکذلک لا تدخل علی اسم الإشارة : «ثمّ» - کما سیجیء - ولا علی اسم الإشارة المنادی : نحو : یا هذا ، کما هو مبین فی باب المنادی ، ج 4 ، وسبقت الإشارة إلیه فی رقم 2 من هامش 293.
6- إذا وقع الظرف : «ثم» خبرا یجب تقدیمه علی المبتدأ ، وکذلک الظرف «هنا» إذا سبقه حرف التنبیه «ها» کما سیجیء فی ص 453 - وهذا رأی صاحب الهمع (ح 1 ص 102 ، ومن نقل عنه - کالصبان - عند کلامهما علی تقدیم الخبر) بحجة أن «ها» التی للتنبیه واجبة الصدارة کما یقول «الهمع» والرأی وحجته ضعیفان مدفوعان بالأدلة القویة المؤیدة بالسماع أیضا وهی مدونة فی ص 55 من مجلة المجمع اللغوی القاهری الجزء الثامن عشر ، والظاهر : أن الأغلب - لا الواجب - فی الظرف «هنا» المسبوق بالتنبیه هو تقدیمه علی المبتدأ ، ویصح تأخیره کما سیجیء فی رقم 1 من هامش ص 304.
7- توضیحها فی رقم 1 من ص 302.
8- توضیحها فی رقم 1 من ص 302.

فإذا زاد علی آخرها الکاف المفتوحة للخطاب (1) وحدها أو مع «ها» التنبیه صارت مع الظرفیة اسم إشارة للمکان المتوسط ؛ مثل : هناک ، أو : «ها هناک» فی الحدیقة الفواکه. وإن اتصل بآخرها کاف الخطاب المفتوحة واللام صارت مع الظرفیة اسم إشارة للمکان البعید ؛ مثل : هنالک فی الصعید أبدع الآثار. وفی هذه الصورة تمتنع «ها» التنبیه ، لأن «ها» التنبیه لا تجتمع مع لام البعد - کما أشرنا -.

وقد یدخل علی صیغتها بعض تغییر ، فتصیر اسم إشارة للمکان البعید ؛ من ذلک : هنّا ، هنّا ، هنّت - هنّت ... فهذه لغات فیها ، وکلها تفید مع الظرفیة الإشارة للمکان البعید.

وأما الأخری : «ثمّ» فاسم إشارة إلی المکان البعید ؛ مثل : تأمل النجوم فثم الجلال والعظمة. وهی (2) کسابقتها ظرف مکان لا یتصرف ، إلا أن «ثمّ» للبعید خاصة ، ولا تلحقها «ها» التنبیه ، ولا کاف الخطاب ، وهما اللذان قد یلحقان نظیرتها. وقد تلحقها - دون نظیرتها - تاء التأنیث المضبوطة - غالبا - بالفتح ؛ فیقال ثمّة (3).

ص: 296


1- ولا بد أن تکون هذه الکاف معها مفردة ومفتوحة ، مهما تغیر المخاطب ؛ ولذلک یسمونها : کاف الخطاب غیر المتصرفة. أما الکاف مع غیرها فقد سبق فی رقم 1 من هامش ص 292 أنها تکون متصرفة کاملة التصرف ؛ وهذا هو الأحسن. وقد تکون ناقصة النصرف فی رأی آخر ، وقد تکون غیر متصرفة مطلقا فی رأی ثالث.
2- یشیر ابن مالک إلی ما سبق بقوله : وبهنا أو : ها هنا أشر إلی دانی المکان ، وبه الکاف صلا فی البعد. أو بثمّ فه ، أو : هنّا أو بهنالک ، انطقن ، أو هنّا یقول : أشر إلی المکان القریب بکلمة : هنا ، من غیر «ها» التی للتنبیه ، أو مع «ها» التنبیه ؛ فتقول : «ها هنا». أما عند الإشارة إلی البعد فصل الکاف بکلمة : «هنا». و «هاهنا» ، أو : جیء باسم إشارة آخر یفید البعد ؛ وهو : ثم ، أو : هنّا أو : هنالک .. ولا تخرج هذه الظروف (ثم وکذا هنا ، باستعمالاتها المختلفة) من الظرفیة إلا إلی شبه الظرفیة ، وهو : الجر بالحرف : «من» ، أو إلی (انظر رقم 1 من هامش ص 302.
3- من العرب من یسکن هذه التاء ، ومنهم من یستغنی عنها فی حال الوقف فقط. ومنهم من یستغنی عنها بهاء ساکنة یثبتها فی حال الوقف فقط : ویسمونها : «ها السکت». ومنهم من یبقی هاء السکت فی الوصل أیضا ؛ فیجعل الوقف والوصل سیان. وکل هذه لهجات نحن فی غنی عنها الیوم مکتفین بالکلمة مجردة من کل زیادة ، أو مع زیادة التاء المربوطة ، المتحرکة بالفتحة ؛ منعا للآراء الکثیرة التی لا داعی لها فی حیاتنا القائمة ، ولا أثر لها إلا العناء والإبهام. وحسب المتخصصین - وحدهم - أن یعرفوا هذه اللغات لفهم النصوص القدیمة دون استعمالها.

ومما تقدم نعلم أن المکان باعتباره وعاء ، أی : ظرفا - یقع فیه أمر من الأمور ومعنی من المعانی - قد اختص وحده باسمین من أسماء الإشارة ؛ فلا یشار إلیه باعتباره وعاء وظرفا إلا بواحد منهما. ومن أجل هذا کانا فی محل نصب علی الظرفیة (1) لا یفارقها أحدهما إلا إلی الجر بمن أو إلی. أما بقیة أسماء الإشارة فتصلح لکل مشار إلیه ، مکانا أو غیر مکان. إلا أن المشار إلیه إذا کان مکانا فإنه لا یعتبر ظرفا ؛ مثل هذا مکان طیب ، وتلک بقعة جمیلة ، فکل واحدة من کلمتی : «مکان». و «بقعة» مشار إلیه ، دال علی المکان ، ولکنه لا یسمی ظرفا.

وفی الجدول الآتی بیان أسماء الإشارة فی الأنواع الخمسة السابقة (2) ؛ وهی التی یلاحظ فیها المشار إلیه من ناحیة إفراده ، وتثنیته ؛ وجمعه ، مع التذکیر ، والتأنیث ، العقل ، وعدمه ، فی کل حالة ، وکذلک مع القرب ، والتوسط ، والبعد :

ص: 297


1- انظر رقم 1 من هامش ص 301.
2- فی ص 290 وما بعدها.

صورۀ

ص: 298

صورۀ

ص: 299

المسألة 25: کیفیة استعمال أسماء الإشارة ، وإعرابها

اشارة

عند اختیار اسم من أسماء الإشارة لا بد أن نعرف أولا : حالة المشار إلیه من ناحیة : (إفراده ، أو : تثنیته ، أو : جمعه) و (تذکیره ، أو تأنیثه) (عقله ، وعدم عقله) ثم نعرف ثانیا : حالته من ناحیة : (قربه ، أو توسطه ، أو بعده).

(ا) فإذا عرفنا حالته من النواحی الأولی تخیرنا له من أسماء الإشارة ما یناسب ؛ فالمشار إلیه إن کان مفردا مذکرا - عاقلا أو غیر عاقل - کرجل وباب ، نختار له : «ذا» ، مثل : ذا رجل أدیب ، ذا باب محکم. فکلمة «ذا» اسم إشارة ، مبنی علی السکون فی محل رفع ، لأنها مبتدأ فی هذه الجملة ، وقد تکون فی محل نصب أو جرّ فی جملة أخری ، فمثال محلها المنصوب : نجح العلماء فی إرسال القذائف إلی القمر ؛ فنزلت علی سطحه ، وإن ذا من عجائب العلم. وقول الشاعر :

أیها الناس ، إن ذا العصر عصر ال

علم ، والجدّ فی العلا ، والجهاد

ومثال محلها المجرور قول الآخر :

ولست بإمّعة (1) فی الرجال

أسائل عن ذا ، وذا ، ما الخبر؟

فهی مبنیة دائما. ولکنها فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر ، علی حسب موقعها من الجمل.

وإن کان المشار إلیه مفردة ، مؤنثة عاقلة أو غیر عاقلة - مثل : فتاة وحدیقة - فاسم الإشارة المناسب لها هو : «ذی» أو إحدی أخواتها مثل : ذی غرفة بدیعة - ذی فتاة ماهرة ... وهی اسم إشارة مبنیة دائما علی السکون فی محل رفع ، لأنها مبتدأ ، هنا ، أما فی جملة أخری فمبنیة أیضا ، ولکن فی محل رفع ، أو نصب ، أو جرّ ، علی حسب موقعها من الجملة.

وإن کان المشار إلیه مثنی مذکرا - للعاقل أو غیره - مثل : فارسین - وقلمین -

ص: 300


1- الإمعة : من لا أهمیة له ، ولا رأی ، وإنما یسأل غیره عن کل شیء ، ویتابعه بغیر تفکیر.

فاسم الإشارة المناسب له : «ذان» رفعا ، و «ذین» نصبا وجرا ؛ فیعرب (1) کالمثنی ؛ تقول : ذان فارسان ، حاکیت ذین الفارسین ، اقتدیت بذین الفارسین - ذان قلمان جمیلان ، اشتریت ذین القلمین ، کتبت بذین القلمین ؛ فاسم الإشارة هنا معرب مرفوع بالألف فی حالة الرفع ، ومنصوب ومجرور بالیاء فی حالتی النصب والجر. وکذا فی کل جملة تشبه هذه.

فإن کان المشار إلیه مثنی مؤنثا - للعاقل أو غیره - (ومنه : فصیحتان ، وردتان ...). فاسم الإشارة الذی یناسبه هو : «تان» رفعا ، و «تین» نصبا وجرّا ، فیعرب إعراب المثنی ؛ تقول : تان فصیحتان ، إن تین فصیحتان ، أصغیت إلی تین الفصیحتین. وتان وردتان - شممت تین الوردتین ، حرصت علی تین الوردتین ؛ فاسم الإشارة (2) هنا کسابقه - معرب إعراب المثنی. وکذا فی کل جملة أخری.

وإن کان جمعا للعاقل أو غیره مثل : الطلاب - الأبواب - أتینا باسم الإشارة المناسب ؛ وهو «أولاء» ممدودة أو مقصورة ، تقول : أولاء الطلاب نابهون ، أولاء الأبواب مفتحة. واسم الإشارة هنا ممدود مبنی علی الکسر فی محل رفع ؛ لأنه مبتدأ. أما فی جملة أخری فیکون مبنیّا أیضا ولکنه فی محل رفع ، أو نصب. أو جر علی حسب موقعه من الجملة التی یکون فیها. ومثله : «أرلی» المقصورة. إلا أنها فی جمیع أحوالها مبنیة علی السکون فی محل رفع أو نصب أو جر علی حسب موقعها من الجملة.

وإن کان المشار إلیه مکانا أتینا بکلمة : «هنا» وهی إشارة وظرف مکان معا

ص: 301


1- من الخیر التیسیر باتباع هذا الرأی القائل : بأنهما یعربان إعراب المثنی ، بالرغم من أن مفرد کل منهما مبنی قبل تثنیته ، والمبنی لا یثنی ولا یجمع ... وحجة هذا الرأی أن العرب الفصحاء أدخلت علیهما الألف والیاء ؛ وهما العلامتان الدالتان علی التثنیة ؛ فلا داعی لإغفال الواقع بجعل الکلمتین مبنیتین علی الألف رفعا ، وعلی الیاء نصبا وجرا ، کما یری فریق آخر من النحاة ؛ لأن الأخذ برأیه یبعدنا من مراعاة الظاهر السهل الذی یناسبنا الیوم. وإذا أخذنا بالتیسیر المشار إلیه وجب أن نلاحظ أن کل کلمة من الکلمات السابقة (أی : «ذان» ، و «ذین» ، و «تان» و «تین») لا یصح إضافتها إلی کلمة بعدها ؛ لأن الإضافة المحضة تفید المضاف تعریفا أو تخصیصا. واسم الإشارة معرفة ؛ فلا تفیده الإضافة شیئا. هذا ، إلی أن جمیع أسماء الإشارة - ما عدا المثناة - مبنیة ، والمبنی من أسماء الإشارة لا یضاف - غالبا -. فالکاف الواقعة فی مثل «ذانک» و «تانک» رفعا ، ونصبا ، وجرا حرف خطاب (وقد تکلمنا عنه فی رقم 1 من هامش ص 292) ، ولیست ضمیرا مضافا إلیه ؛ إذ لو کانت ضمیرا مضافا إلیه لحذفت نون المثنی من المضاف منهما ، ومن مثل قوله تعالی : (فَذانِکَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّکَ).
2- من الخیر التیسیر باتباع هذا الرأی القائل : بأنهما یعربان إعراب المثنی ، بالرغم من أن مفرد کل منهما مبنی قبل تثنیته ، والمبنی لا یثنی ولا یجمع ... وحجة هذا الرأی أن العرب الفصحاء أدخلت علیهما الألف والیاء ؛ وهما العلامتان الدالتان علی التثنیة ؛ فلا داعی لإغفال الواقع بجعل الکلمتین مبنیتین علی الألف رفعا ، وعلی الیاء نصبا وجرا ، کما یری فریق آخر من النحاة ؛ لأن الأخذ برأیه یبعدنا من مراعاة الظاهر السهل الذی یناسبنا الیوم. وإذا أخذنا بالتیسیر المشار إلیه وجب أن نلاحظ أن کل کلمة من الکلمات السابقة (أی : «ذان» ، و «ذین» ، و «تان» و «تین») لا یصح إضافتها إلی کلمة بعدها ؛ لأن الإضافة المحضة تفید المضاف تعریفا أو تخصیصا. واسم الإشارة معرفة ؛ فلا تفیده الإضافة شیئا. هذا ، إلی أن جمیع أسماء الإشارة - ما عدا المثناة - مبنیة ، والمبنی من أسماء الإشارة لا یضاف - غالبا -. فالکاف الواقعة فی مثل «ذانک» و «تانک» رفعا ، ونصبا ، وجرا حرف خطاب (وقد تکلمنا عنه فی رقم 1 من هامش ص 292) ، ولیست ضمیرا مضافا إلیه ؛ إذ لو کانت ضمیرا مضافا إلیه لحذفت نون المثنی من المضاف منهما ، ومن مثل قوله تعالی : (فَذانِکَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّکَ).

فهی مبنیة علی السکون - أو غیره علی حسب لغاتها - فی محل نصب (1) ؛ لأنها ظرف غیر متصرف - کما سلف - تقول ؛ هنا موطن العلم ؛ أی : فی هذا المکان. وقد یکون قبلها «ها» التی للتنبیه وحدها ، نحو : ها هنا ، أو هی والکاف المفتوحة نحو : ها هناک. وقد یلحقها الکاف واللام معا بشرط عدم وجود «ها» التی للتنبیه.

ومثلها. «ثمّ» فهی اسم إشارة للبعد وظرف مکان معا - ولا یتصرف - ، مبنیة علی الفتح فی محل نصب (2) تقول : ثمّ مقر السماحة. أی : هناک. ویجوز أن تلحقها تاء التأنیث المفتوحة فتقول : ثمّة میدان للتسابق الأدبی. ولما کانت «ثمّ» تفید البعد بنفسها لم یکن هنا داع لأن تلحقها الکاف ولا اللام.

ومما تقدم نعلم :

أن کل مشار إلیه له اسم إشارة یناسبه ؛ وکل اسم إشارة مقصور علی مشار إلیه بعینه ، وأن جمیع أسماء الإشارة مبنیة ؛ إما علی السکون أو غیره ، ولکنها فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر علی حسب تصرفها ، وموقعها من الجملة. ولیس فیها معرب إلا کلمتان ؛ هما : «ذان» للمذکر المثنی «وتان» للمؤنث المثنی ؛ فیعربان إعراب المثنی ؛ فیرفعان بالألف ، وینصبان ویجران بالیاء ، ومع أنهما معربان ، فإنهما لا یضافان - کما سبق (3) - فشأنهما فی ذلک کشأن المبنی من أسماء الإشارة ؛ لا یجوز إضافة شیء منه مطلقا.

(ب) وإذا عرفنا حالته فی ناحیة قربه أو بعده أو توسطه لم یتغیر شیء من طریقة إعراب الأسماء السابقة. فإن وجد فی آخر واحد منها کاف الخطاب الدالة علی التوسط (نحو ذاک ... هناک) قیل فیها : «الکاف» حرف خطاب ، مبنی لا محل له من الإعراب. وإن وجد معها لام البعد أحیانا ، مثل : «ذلک» - وهذه

ص: 302


1- بشرط ألا یسبقها حرف الجر «من» أو : «إلی» - کما تقدم فی ص 295 - ، فإن سبقها فهی فی محل جر ، لأنها لا تخرج عن الظرفیة إلا لشبه الظرفیة ، وهو الجر بالحرف : «من» أو : «إلی». ومن المعلوم أنها ظرف غیر متصرف. والظرف غیر المتصرف لا یترک النصب علی الظرفیة إلا إلی شبهها ، وهو الجر بالحرف : «من». لکن الظروف الثلاثة : (هنا - ثمّ - أین) قد تجر بالحرف : «إلی» أیضا. (راجع الصبان فی هذا الموضع). ویزاد علی الثلاثة السالفة الظرف : «متی» ، إلا أنه قد یجر بالحرف «حتی» أیضا - کما سیجیء فی رقم 3 من هامش ص 305 - وفی ح 2 باب الظرف م 79.
2- بالشرط السالف فی رقم 1 من هذا الهامش ، فهو یسری علیها کزمیلتیها.
3- فی رقم 1 من هامش ص 292.

اللام لا توجد منفردة عن الکاف - کما أشرنا (1) - قیل فیها : اللام حرف للبعد ، مبنی علی الکسر فی نحو : ذلک ، وعلی السکون فی نحو : تلک ... لا محل لها من الإعراب. وإن وجد فی أول اسم الإشارة «ها» التی للتنبیه ؛ مثل : «هذا» قیل فیها : حرف تنبیه مبنی علی السکون لا محل له. (مع ملاحظة أن الکاف بعد کلمة : «هنا» حرف خطاب لا یتصرف مطلقا فهو مبنی علی الفتح دائما ، أما بعد غیرها فیجوز أن تتصرف(2).

ص: 303


1- فی «ج» من ص 293.
2- راجع رقم 1 من هامش ص 292 ...

زیادة وتفصیل

(ا) للمناسبة هنا وللأهمیة نلخص ما ذکرناه وأیدناه بالنصوص المسموعة الصحیحة فی ص 203 وهو أنه : یجوز الفصل بین : «ها» التی للتنبیه واسم الإشارة بضمیر المشار إلیه ؛ مثل : هأنذا أسمع النصح ، وهأنت ذا تعمل الخیر ، وهأنتم أولاء تصنعون ما یفید ... وقد یکون الفصل بغیر الضمیر قلیلا ؛ کالقسم بالله ؛ نحو : ها - والله - ذا الرجل محب لوطنه. وکذلک «إن» الشرطیة - مثل ها - إن - ذی حسنة تتکرر یضاعف ثوابها ... وقد تعاد «ها» التنبیه بعد الفصل ، لتوکید التنبیه وتقویته ؛ مثل : ها أنتم هؤلاء تحبون العمل النافع.

والشائع هو دخول : : «ها» التی للتنبیه علی ضمیر الرفع المنفصل الذی خبره اسم إشارة ، نحو : هأنذا المقیم علی طلب العلوم. ومن غیر الشائع - مع صحته طبقا للبیان والأمثلة المتعددة التی فی ص 203 - دخولها إذا کان خبره غیر اسم إشارة ، نحو : هأنا ساهر علی صالح الوطن.

ویستأنس لهذا أیضا - وإن کان فی غنی عنه لکنه فی معرض التخصیص - بما جاء فی الصبان والخضری معا فی باب الحال عند الکلام علی العامل المضمن معنی الفعل ، کتلک ، ولیت ، وکأن ، وحرف التنبیه ... حیث قالا فی التمثیل لحرف التنبیه : (هأنت زید راکبا ...) ا. ه وهذا لمجرد الاستئناس فقط فقد سقت الأمثلة الفصحة الواردة عمن یستشهد بکلامه من العرب.

«ملاحظة» یتعین أن یکون اسم الإشارة المبدوء بکلمة : «ها» التی للتنبیه مبتدأ فی مثل : هذا أخی. لأن «ها» التنبیهیة لها الصدارة (1) بشرط أن تنصل باسم الإشارة مباشرة لا یفصل بینهما ضمیر ، فإن فصل الضمیر بینهما فی مثل : «هأنذا» فالضمیر هو المبتدأ ، واسم الإشارة هو الخبر. ویجوز : «هذا أنا» ولکن الأول

ص: 304


1- قلنا فی رقم 6 من هامش ص 295 إن هذا رأی صاحب الهمع (ج 1 ص 102 ومن ردده ؛ کالصبان) وإن الحکم بتقدیم اسم الإشارة المبدوء بحرف التنبیه «ها» ، تقدیما واجبا علی الخبر هو حکم مدفوع بأدلة قویة یؤیدها السماع ؛ طبقا للبیان والإیضاح المذکورین هناک. والظاهر أن تقدیمه علی الخبر أکثر لا واجب.

أحسن وأسمی فی الأسالیب الأدبیة العالیة - کما ستجیء الإشارة لهذا فی رقم 8 من ص 454 ، وتکملتها فی رقم 3 من هامش ص 455.

(ب) عرفنا (1) أن کلمة «هنا» اسم إشارة للمکان القریب ، وظرف مکان معا. وقد تقع : «هناک» و «هنالک» و «هنّا» المشددة - أسماء إشارة للزمان ؛ فتنصب علی الظرفیة الزمانیة ؛ مثل قول الشاعر :

وإذا الأمور تشابهت وتعاظمت

فهناک یعترفون أین المفزع

أی : فی وقت تشابه الأمور. وکقوله تعالی عن المشرکین (2) : (یَوْمَ نَحْشُرُهُمْ ...) إلی أن قال : (هُنالِکَ تَبْلُوا کُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) ، أی : فی یوم حشرهم.

وکقول الشاعر :

«حنّت نوار ولات هنّا حنّت

وبدا الذی کانت نوار أجنت».

أی : ولات فی هذا الوقت حنین (3).

(ح) یطلق النحاة علی أسماء الإشارة وأسماء الموصول اسما خاصّا ؛ هو «المبهمات» ، لوقوعها علی کل شیء ؛ من حیوان ، أو نبات ، أو جماد ، وعدم دلالتها علی شیء معین ، مفصّل مستقل إلا بأمر خارج عن لفظها ؛ فالموصول لا یزول إبهامه إلا بالصلة ، نحو : رجع الذی غاب ، کما سیجیء (4). واسم. الإشارة لا یزول إبهامه إلا بما یصاحب لفظه من إشارة حسیة کما عرفنا. ولذلک یکثر بعده مجیء النعت ، أو البدل ، أو عطف البیان ؛ لإزالة إبهامه ، ومنع اللبس عنه ؛ تقول ؛ جاء هذا الفضل. جاء هذا الرجل (5).

ص: 305


1- فی ص 295.
2- فی سورة : یونس ، ورقم الآیة 28 ، وما بعدها.
3- «لات» فی الشاهد : مهملة ، لا تعمل عمل «لا». بسبب تقدیم الخبر وهو : «هنا». ولا یصح أن تکون : «هنا» اسمها : لأنها ظرف غیر متصرف - کما سبق فی ص 295 - ولا تخرج عن الظرفیة إلا لشبهها ، وهو هنا الجر بالحرف «من» أو : «إلی» ... فلا تکون اسما لناسخ ، ولا غیر ذلک ، ولانها معرفة ، و «لات» لا عمل لها فی المعرفة. (ومما یلاحظ أن خروجها عن الظرفیة قد یکون إلی الجر بالحرف «إلی» وهذا لا یکون فی غیرها وغیر «ثم» ، و «أین» ومثلها : «متی» لکن هذا الظرف قد یجر بالحرف : «حتی» أیضا - دون بقیة الظروف غیر المتصرفة ؛ فإنها - غالبا - لا تخرج إلی الجر بهذا الحرف کما سبق فی رقم 1 من هامش ص 302). وسیجیء الکلام علی هذا الشاهد عند الکلام علی : لات ص 548.
4- فی رقم 3 من هامش ص 306.
5- إذا کان ما بعد اسم الإشارة مشتقا فإعرابه نعتا هو الأفضل. أما إذا کان جامدا فالأفضل إعرابه بدلا ، أو عطف بیان - لما سیجیء فی بابهما ج 3 - کل ذلک ما لم یوجد مانع.

المسألة 26: الموصول

اشارة

الموصول قسمان : اسمی ، وحرفی. وسنبدأ بالأول (1).

تعریفه : نقدم له بالأمثلة الآتیة :

(ا) فرح الذی ... - سمعت الذی ... - أصغیت إلی الذی ...

(ب) فرح الذی (حضر والده) - سمعت الذی (صوته مرتفع) - أصغیت إلی الذی (فوق المنبر).

(ح) وقفت التی ... - احترمت التی ... - لم أشهد التی ...

(د) وقفت التی (تخطب) - احترمت التی (خطبتها رائعة) - لم أشهد التی (أمام المذیاع).

فی کل جملة من جمل القسم الأول : «ا» کلمة : «الذی» فما معناها؟ وما المراد منها؟ إنها اسم مسماه ومدلوله غیر واضح : فلا ندری أهو : سعد ، أم علی أم ، سمیر ، أم غیرهم من الرجال؟ ولا نعرف أهو حیوان آخر؟ أم نبات ، أم جماد؟ وما عسی أن یکون بین أفراد الحیوان ، أو النبات ، أو الجماد؟ إذا هو اسم غامض المعنی (2) ، مبهم (3) الدلالة. ولهذا الغموض والإبهام أثرهما فی غموض المعنی الکلیّ للجملة وإبهامه.

ص: 306


1- لأنه أحد المعارف التی نحن بصددها. أما الثانی فحرف ؛ لا دخل له بالمعارف ، فلیس مجال الکلام علیه هنا. ولکنه یذکر للمناسبة بینه وبین الأول. وسیجیء فی ص 368.
2- خفی المعنی.
3- أشرنا فی رقم 1 من هامش ص 31 إلی أن المراد بالمبهم فی باب الموصولات هو : المجمل الذی لا تفصیل فیه ولا استقلال ، ولا تعیین ، ولا تحدید. (کما جاء فی حاشیة التصریح) وقد سبق فی «ج» من آخر الصفحة الماضیة أن أسماء الإشارة تسمی هی والموصولات : «الأسماء المبهمة» ، وأوضحنا هناک سبب التسمیة ، وأنه وقوعها علی کل شیء ؛ من الحیوان ، أو النبات ، أو الجماد ، من غیر تعیین وتفصیل لذلک الشیء إلا بأمر خارج عن لفظها. جاء فی المفصل ج 5 ص 86 ما ملخصه : إنه حین یقال بین المعارف أسماء مبهمة فالمراد بها ضربان فقط ؛ أسماء الإشارة والموصولات - کما ألمحنا فی رقم 5 من هامش ص 230 ... والفرق بین المضمر والمبهم أن ضمیر الغائب یبین بما قبله فی الغالب - وهو الاسم الظاهر الذی یعود علیه المضمر ؛ نحو قولک : محمد مررت به. - والمبهم الذی هو اسم الإشارة - - یفسر بما بعده ، وهو : الجنس. کقولک : هذا الرجل ، وهذا الثوب ، ونحوه. والمعنی بالإبهام : وقوعها علی کل شیء من حیوان ، ونبات ، وجماد ، وغیرها ، ولا تخص مسمی دون مسمی. هذا معنی الإبهام فیها. لا أن المراد به التنکیر ؛ ألا تری أن هذه الأسماء معارف ؛ لما ذکرناه. والقسم الثانی من المبهمات هو : اسم الموصول کالذی ، والتی ، ومن ، وما ... وکلها معارف بصلاتها ؛ فبیانها بما بعدها أیضا. إلا أن أسماء الإشارة تبین باسم الجنس. والموصولات تبین بالجمل بعدها - أو أشباه الجمل -. والذی یدل علی أنها معارف أنه یمتنع دخول علامة النکرة علیها ؛ وهی : «رب» وأنها توصف بالمعارف ؛ نحو : جاءنی الذی عندک العاقل ، وتقع أیضا وصفا للمعارف نحو : جاءنی الرجل الذی عندک. وکلها مبهمة ؛ لأنها لا تخص مسمی دون مسمی کما کانت أسماء الإشارة کذلک ... ا ه. والاسم المبهم کما أوضحناه هنا - یختلف عن اسم الزمان المبهم الذی یجیء إیضاحه فی مکانه المناسب من الأجزاء التالیة ، ومنها ج 2 ص 205 م 78 وکذلک یختلف عن المنادی المبهم والمراد به نداء «أی» وأیة» و «اسم الإشارة - کما سیجیء فی باب المنادی ج 4

لکن حین أتینا بعد ذلک الاسم المبهم الغامض بجملة اسمیة ، أو فعلیة تشتمل علی ضمیر یعود علیه ، أو بشبه جملة (1) - رأینا المعنی قد اتضح ، وزال الغموض والإبهام عنه ، کما فی القسم الثانی «ب».

وکذلک الشأن فی قسم «ج» حیث اشتملت کل جملة فیه علی اسم غامض مبهم هو : «التی» ؛ وقد امتد الغموض منه إلی المعنی الکلی للجملة ؛ فجعله غامضا. لکن هذا العیب اختفی حین أتینا بعد الاسم : (التی) بجملة مشتملة علی ضمیر یعود علیه ، أو بشبه جملة ؛ فزال عنه الإبهام أولا ، وعن الجملة تبعا له ، کما فی القسم «د».

فکلمة «الذی» و «التی» وأشباههما تسمی : «اسم موصول». وهو : اسم مبهم یحتاج - دائما (2) - فی تعیین مدلوله ، وإیضاح الماد منه - إلی أحد شیئین بعده ؛ إما : جملة (3) وإما شبهها ، ولا بد فی الجملة من ضمیر یعود علیه ، أو ما یغنی عن الضمیر.

ألفاظ الموصول الاسمی :

ألفاظه قسمان : مختص ، وعام (ویسمی : مشترکا).

ص: 307


1- شبه الجملة هو : الظرف والجار مع مجروره. وهنا نوع خاص آخر سیجیء فی ص 347 هو الصفة الصریحة وتکون صلة «أل» الموصولة. ولا تکون صلة لغیرها ولا تدخل فی شبة الجملة إلا فی هذه الصورة. انظر رقم 2 من هامش ص 321
2- فتخرج - مثلا - النکرة الموصوفة بجملة ؛ نحو : «واتقوا یوما ترجعون فیه إلی الله» ؛ لأن حاجتها إلی الجملة لیست دائمة : وإنما هی مؤقتة بمدة وصفها فقط ، لا فی سائر أحوالها.
3- وهذه الجملة أو ما یقوم مقامها توصل به ؛ ولذلک سمی موصولا ؛ فهو موصول بها ، أو وهی مصولة به.

فالمختص : ما کان نصّا فی الدلالة علی بعض الأنواع دون بعض ، مقصورا علیها وحدها ، فلنوع المفرد المذکر ألفاظ خاصة به ، ولنوع المفردة المؤنثة ألفاظ خاصة بها ، وکذلک للمثنی بنوعیه ، وللجمع بنوعیه.

والعام أو المشترک : ما لیس نصّا فی الدلالة علی بعض هذه الأنواع دون بعض ، ولیس مقصورا علی بعضها ؛ وإنما یصلح للأنواع کلها.

وأشهر الألفاظ الخاصة ثمانیة ، موزعة علی الأنواع الآتیة :

اللفظ المختص

النوع الذی یستعمل فیه

1 - الذی (1) .....

ویختص بالمفرد المذکر ؛ سواء أکان عاقلا ، أم غیر

عاقل ؛ تقول : الذی کتب الرسالة منشئ - الذی یتلألأ فی السماء نجم.

وکلمة : «الذی» مبنیة علی السکون دائما فی کل

أحوالها. غیر أنها تکون فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر ، علی حسب موقعها من

الجملة.

2 - التی (2) .....

وتختص بالمفردة المؤنثة ، عاقلة کانت أم غیر عاقلة

؛ تقول : التی رسمت الصورة بارعة - التی أنارت الکون شمس کبیرة.

وکلمة «التی» مبنیة علی السکون دائما فی کل أحوالها

؛ وتکون فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر ، علی حسب موقعها من الجملة.

3 - اللّذان .....

واللّذین (3)

ویختص بالمثنی المذکر ؛ عاقلا أو غیر عاقل.

ففی حالة الرفع تحذف الیاء من الاسم المفرد وهو : «الذی»

ونجیء بعلامتی التثنیة (الألف والنون المکسورة). وفی حالة النصب والجر نحذف

الیاء أیضا من ذلک المفرد ، ونجیء بعلامتی التثنیة ؛ وهی : الیاء المفتوح ما

قبلها والنون المکسورة بعدها ؛ نحو : نجا اللذان استعدا.

ص: 308


1- تکتب بلام واحدة وتحذف الثانیة ؛ لأن کثرة الاستعمال لا تجعل القارئ یشتبه فی حقیقتها.
2- تکتب بلام واحدة وتحذف الثانیة ؛ لأن کثرة الاستعمال لا تجعل القارئ یشتبه فی حقیقتها.
3- کلتاهما تکتب بلامین.

اللفظ المختص

النوع الذی یستعمل فیه

عاونت اللّذین استعدا ، قصدت إلی اللّذین استعدا.

ونحو : العلم والمال هما اللذان یبنیان الأمم - إن اللّذین شاهدتهما صدیقان

کریمان - بادرت إلی اللّذین شاهدتهما.

والأحسن أن تکون «اللذان» و «اللتان» معربتان إعراب

المثنی ، وأن تکون نونهما مکسورة من غیر تشدید فی جمیع أحوالها (1) -

رفعا ونصبا ، وجرا

ص: 309


1- هذا هو الأشهر الذی یحسن الاقتصار علیه. ویجوز أن تکون مکسورة أیضا مع التشدید ، ولکنها فی حالة النصب والجر تقتضی فتح الیاء قبلها ؛ تقول : اللذانّ ، اللّذینّ .. فتکون فی التشدید وعدمه کنون «ذان» و «تان» اسمی الإشارة حیث یصح فیهما الأمران کما أسلفنا. - فی رقم 2 من هامش ص 291 - تقول فی حالة الرفع : ذان - تان - أو : ذانّ - تانّ. وفی حالتی النصب الجر : ذین - تین - أو ذینّ - وتینّ. فالنون فی کل الأمثلة السابقة صالحة للتشدید وعدمه لکنها عند النصب والجر تستلزم عند التشدید فتح الیاء قبلها. وإلی ما سبق یشیر ابن مالک. موصول الاسماء : الّذی ، الأنثی : الّتی والیا إذا ماثنیا لا تثبت بل ما تلیه أوله العلامه والنّون إن تشدد فلا ملامه والنّون من ذین وتین شدّدا أیضا وتعویض بذاک قصدا یقول : ألفاظ الموصول الاسمی هی : «الذی». ولم یذکر أنها للمفرد المذکر ، مکتفیا بالمقابلة التالیة ؛ حیث یقول إن الأنثی : (أی : المفردة) لها : «التی». ثم أوضح أن الیاء فی کلمتی : «الذی» و «التی» لا تثبت ، ولا تبقی عند تثنیتهما فتحذف ، ویجیء بعد الحرف الذی ولیته - أی : جاءت بعده - علامتا التثنیة ؛ وهما الألف والنون رفعا ، أو الیاء والنون نصبا وجرا. وصرح بأن تشدید النون فی التثنیة لا لوم فیه ، وکذلک تشدید النون فی «ذین» و «تین» اسمی إشارة جائز أیضا - کما سبق فی - فی رقم 2 من هامش ص 291 - وأن التشدید فی هذه النونات کلها هو تعویض عن الیاء التی حذفت من غیر داع لأجل التثنیة. وهذا تعلیل یجب إهماله. لأن العلة الصحیحة هی استعمال العرب لیس غیر.

اللفظ المختص

النوع الذی یستعمل فیه

4 - اللتان - اللتین

ویختص بالمثنی المؤنث ؛ عاقلا : وغیر عاقل.

وینطبق علیه کل ما سبق فی : «اللذان» ؛ من حیث حذف

یاء المفرد ، وزیادة علامتی التثنیة وإعرابه إعراب المثنی ، ومن حیث تشدید النون

وعدم تشدیدها ؛ تقول ؛ اللتان تحسنان عملهما تفوزان - أعرف اللتین فازتا - أکبرت

شأن اللتین فازتا ...

5 - الألی (1) ، مقصورة او

: الألاء. ممددوة

للعقلاء من جمعی المذکر والمؤنث ، تقول : سرنی

الألی هاجروا فی طلب العلم ، أو الألاء .... وراقتنی «الألی» ، خدمن بلادهن

بإخلاص ... أو : الألاء. ومن أمثلتها لجمع المذکر قول الشاعر یمدح :

هم الألی وهبوا للمجد أنفسهم فما یبالون مالاقوا

إذا حمدوا ...

والألی بالقصر مبنیة علی السکون. أما الممدودة فمبنیة علی الکسر ، وکلاهما فی

محل رفع ، أو نصب ، أو جر ، علی حسب الجملة.

6 - الّذین (2)

للجمع المذکر العاقل ؛ تقول : الذین ینقادون للغضب

یلاقون شر العواقب.

وکلمة : «الذین» لا تتغیر حالتها رفعا ولا نصبا ولا

جرّا ؛ لأنها اسم مبنی علی الفتح دائما فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر علی حسب

موقعها من الجملة. وهذا الرأی وحده هو الأولی بالاتباع (3).

ص: 310


1- من الواضح أن :» الألی «اسم جمع (وهو ما یدل علی معنی الجمع ولیس له مفرد من لفظه ... - انظر رقم 1 من هامش ص 134) ولیست جمعا ، إذا لا ینطبق علیها شروطه. وتکتب بغیر واو بعد الهمزة. بخلاف» أولی «اسم إشارة ؛ فإن الواو تلزمها بعد الهمزة - کما فی هامش ص 292 -. وقد سبق القول : - فی رقم 5 من هامش ص 170 ورقم 4 من هامش ص 291 وکذا رقم 1 من ص 450 م 170 ج 4 - أن النحاة لا یطلقون المقصور والممدود إلا علی الأسماء المعربة وحدها من هذین النوعین. أما اللغویون والصرفیون فیطلقونهما علی المعرب وعلی المبنی منهما. وبرأیهم جری التعبیر هنا وفی اسم الإشارة أیضا.
2- لیست جمع مذکر لأنها لا تنطبق علیها شروطه فهی ملحقة به ، وتکتب بلام واحدة.
3- یحسن إهمال الرأی الآخر الذی یعربها إعراب جمع المذکر فی کل حالاتها ؛ فیرفعها بالواو والنون (اللذون). وینصبها ویجرها بالیاء والنون ؛ فیقول ندم اللذون أهملوا - ورأیت الذین انتصروا یسخرون من الذین هزموا.

اللفظ المختص

النوع الذی یستعمل فیه

7 ، 8 - الّلات ، أو : الّلاتی.

والّلاء ، أو : اللائی

وتختص بجمع المؤنث للعاقلة وغیر العاقلة ، تقول :

الّلات سبقن فی المیدان العملی کثیرات ، ومنهن اللّاء اشتهرن بالاختراع ... أو

اللاتی أو : اللائی. وامتلأ البحر بالسفن اللات تشقه طولا وعرضا ، وهی محملة

بالبضائع المتنوعة اللاء تنتقل بین أطراف المعمورة ... أو اللاتی أو : اللائی (1).

(واللات واللاء مبنیتان علی الکسر. أما اللاتی

واللائی فمبنیتان علی السکون). وکلها فی محل رفع ، أو : نصب ، أو : جرّ ، علی

حسب موقعها من الجملة

وإلی هنا انته الکلام علی المشهور من الألفاظ المختصة الثمانیة. ویلاحظ أن کل واحد منها مبدوء «بأل» الزائدة لزوما ؛ فلا یمکن الاستغناء عنها (2) وأنها جمیعا مبنیة ما عدا ألفاظ التثنیة ؛ فیحسن إعرابها.

ص: 311


1- وإلی ما سبق فی 4 ، 5 یقول ابن مالک. جمع الّذی : «الألی» ، «الّذین» مطلقا وبعضهم بالواو رفعا نطقا یرید : أن کلمة «الذی» تجمع جمعا لغویا - وهو الذی یدل علی مطلق التعدد ، ولو لم تنطبق علیه شروط الجمع النحویة - علی «ألی» ، وعلی «الذین». «فالذی» یستعمل للمفرد المذکر ، ویقابل المفرد المذکر جمع المذکر ، وله کلمتان : «الألی» و «الذین» ولم یتعرض لتفصیل ما یختص به کل اسم منهما ، واکتفی بأنهما للجمع. وزاد أن «الذین» للجمع مطلقا ؛ أی : فی جمیع حالاتها من الرفع ، والنصب ، والجر ، وأن بعض العرب یجعله کجمع المذکر السالم ؛ فیأتی فیه بالواو رفعا ، ویعربه فی هذه الحالة ، وکذا فی حالتی النصب والجر ، وعلامتهما موجودة وهن الیاء والنون. ویقول ابن مالک مشیرا ؛ إلی ما مر فی 7 و 8 : باللّات واللّاء : «التی» قد جمعا والّلاء کالّذین نزرا وقعا أی : أن «التی» وهی اسم موصول للمفردة المؤنثة مطلقا تجمع علی «اللات» ، «واللاء» جمعا لغویا یدل علی مجرد التعدد - کما سبق - ، لا جمعا نحویا ، إذ أنها لیست مستوفیة لشروط الجمع النحوی. فإذا کانت کلمة : «التی» للمفردة المؤنثة فالذی یقابلها ویحل محلها فی جمع المؤنث هو : «اللات» و «اللاء». ولم یذکر أنهما بالیاء فی آخرهما وبغیر الیاء أیضا. ثم بین أن کلمة : «اللاء» قد تستعمل - قلیلا - للعقلاء مکان کلمة : «الذین» وتحل محلها لجمع المذکر من الناس فتقول : جاء اللاء زرعوا الحقل ؛ أی : الذین.
2- فی الأشهر الأفصح ویقول شارح المفصل : (ج 1 ص 413) ما نصه : - باختصار قلیل - (... إذا ثبت أن : «أل» لا تفید هنا - فی باب اسم الموصول - التعریف کان زیادتها – - لضرب من إصلاح اللفظ ؛ وذلک أن : «الذی» وأخواته مما فیه «أل» إنما دخل توصلا إلی وصف المعارف بالجمل ، وذلک أن الجمل نکرات ، ألا تری أنها تجری أوصافا علی النکرات ، نحو قولک : مررت برجل أبوه زید ، ونظرت إلی غلام قام أخوه ، وصفة النکرة نکرة. فلما کانت تجری أوصافا علی النکرات لتنکرها أرادوا أن تکون فی المعارف مثل ذلک ؛ فلم یسغ أن تقول : مررت بزید أخوه کریم ، وأنت ترید النعت لزید لأنه قد ثبت أن الجمل نکرات ، والنکرة لا تکون وصفا للمعرفة. ولم یمکن إدخال «أل» التی للتعریف علی الجملة لأن «أل» هذه من خواص الأسماء ، والجملة لا تختص بالأسماء إلا أن لفظ «الذی» قبل دخول «أل» لم یکن علی لفظ أوصاف المعارف فزادوا فی أوله «أل» لیحصل لهم بذلک لفظ المعرفة الذی قصدوه ، فیتطابق اللفظ والمعنی ...)» اه. وقد سبقت الإشارة لبعض ما سبق فی هامش ص 101. وکل ما تقدم فخیالی محض لا یعرف العربی الأصیل عنه شیئا. أما التعلیل الحق فهو کلام العرب وحده.

أما ألفاظ القسم العام (وهو المشترک) فأشهرها : ستة ، لا یقتصر واحد منها علی نوع مما سبق فی القسم الخاص ؛ وإنما یصلح لجمیع الأقسام من غیر أن تتغیر صیغته اللفظیة (1). فکل اسم من الموصولات المشترکة ثابت علی صورته ، لا یتغیر مهما تغیرت الأنواع التی یدل علیها ؛ لأنه مبنی ، وبناؤه علی السکون ، إلا لفظة : «أیّ» فإنها قد تبنی ، وقد تعرب ، - کما سیجیء فی ص 327 -

ولما کان کل اسم من هذه الأسماء المشترکة صالحا للأنواع المختلفة کان الذی یوضح مدلوله ویمیز نوع المدلول هو ما یجیء بعده من الضمیر ، أو غیره من القرائن التی تزیل أثر الاشتراک (2).

وإلیک الألفاظ الستة ، ونواحی استعمالها :

(ا) من (3) : أکثر استعمالها فی العقلاء ، نحو : خیر إخوانک من واساک ، وخیر منه من کفاک شرّه. وقول الشاعر :

ولا خیر فیمن لا یوطّن نفسه

علی نائبات الدهر حین تنوب

وتکون للمفرد بنوعیه ، والمثنی والجمع بنوعیهما : تقول : غاب من کتب ، ومن کتبت - ومن کتبا ، ومن کتبتا ، ومن کتبوا ، ومن کتبن.

وقد تستعمل فی غیر العقلاء فی الأحوال الآتیة :

(ا) إذا کان الکلام یدور فی شیء له أنواع متعددة ، مفصلة بکلمة :

ص: 312


1- أی : مادته المکونة من الحروف وضبطها ...
2- سیجیء توضیح هذا وتفصیله عند الکلام علی صلة الموصول ، والرابط ص 337 م 27 -
3- یتردد ذکرها أحیانا فی اصطلاح النحاة باسم «من» المعرفة الناقصة ، یریدون : «من التی هی اسم موصول. ومثلها : «ما» الموصولة ؛ حیث یطلق علیها اسم. - ما» المعرفة الناقصة ، - کما سیجیء فی رقم 1 من هامش ص 316 -

«من» وفی تلک الأنواع العاقل وغیره ، مثل : الحیوانات کثیرة مختلفة ؛ فیها من ینطق بفصیح الکلام ؛ کالإنسان ، ومن یغرد بصوت عذب ؛ کالبلبل ، ومن یصیح بصوت منکر ؛ کالبومة ....

(ب) إذا وقع من غیر العاقل أمر (1) لا یکون إلا من العقلاء ، فعندئذ نشبهه بهم ، وننزله منزلتهم (2) فی استعمال : «من». کأن تسمع البلبل یشدو بلحن شجیّ واضح التنغیم ، فتقول : أطربنی «من» یغنی فی عشه بأطیب الأناشید. وکأن تری القمر یشرف علیک کإنسان ینظر إلیک : فتقول : إن من یطل علینا من برجه العالی بین الکواکب والنجوم یصغی إلی مناجاتی وهمسی ... وکالغریب الذی یقول للطیور المسافرة : هل فیکن من یحمل سلامی إلی أهلی وخلّانی ...

(ح) أن یکون مضمون الکلام متجها إلی شیء یشمل العاقل وغیره ، ولکنک تراعی أهمیة العاقل ؛ فتغلبه علی سواه. مثل : أیها الکون العجیب ، من فیک ینکر قدرة الله الحکیم؟

ص: 313


1- ولو تخیلا منا ، وتنزیلا له منزلة الذی یحصل ...
2- لبیان ذلک : أنه متی نسب إلی غیر العاقل شیء لا ینسب (نفیا أو إثباتا) إلا إلی العاقل أجرینا علیه حکمه من غیر نظر لرأی المتکلم ، أو المخاطب ، أو غیرهما.

زیادة وتفصیل

کلمة : «من» سواء أکانت موصولة أم غیر موصولة ؛ من الکلمات المفردة المذکرة من ناحیة لفظها ، ولکنها من ناحیة معناها قد تکون غیر ذلک. ومن هنا یصح أن یعود الضمیر علیها مفردا مذکرا (1) ، مراعاة للفظها - وهو الأکثر (2) -. ویجوز فیه مراعاة المعنی المراد وهو کثیر (3) ؛ فمن الأول قوله تعالی : (وَمِنْهُمْ مَنْ یُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا یُؤْمِنُ بِهِ)

ص: 314


1- سبقت مواضع التطابق بین الضمیر ومرجعه فی «ج» من ص 236 وتجیء لها بقیة فی ص 410 وما بعدها. وإذا کانت «من» موصولة ومعناها هو المفرد المذکر ، فهی مثل : «الذی»» إلا أن «من» لا تکون - فی أحد الآراء القویة - صفة ، ولا موصوفة ؛ بخلاف «الذی» ؛ تقول : رجع الطائر الذی هاجر ، وجاء الذی رحل الظریف ، فتقع کلمة : «الذی» صفة وموصوفة ؛ بخلاف. «من». - راجع ص 340
2- (کما سبقت الإشارة فی رقم 1 من هامش ص 116 وفی رقم 8 من ص 236). وإنما یکون الأکثر فی الضمیر مراعاة لفظها فی غیر الحالات الآتیة : - وسیشار إلی بعضها فی رقم 1 من هامش ص 340 - : ا - أن یحصل لبس من مراعاة لفظها ؛ نحو : أعط من سألتک ؛ فلا یجوز من سألک. ب - أن یکون فی مراعاة اللفظ وقوع فی قبح ؛ نحو : من هی حمراء خادمتک. بمعنی : «من هی حمراء - هی خادمتک» فیجب مراعاة المعنی ؛ فلا یقال : من هو حمراء جاریتک ، لکیلا تکون کلمة : «حمراء» المؤنثة خبرا عن الضمیر المذکر. وکذلک العکس فی نحو : من هو أحمر «جاریتک» ؛ فلا یقال : من هی أحمر جاریتک ؛ لکیلا یکون الخبر (وهو کلمة أحمر) مذکرا ، والمبتدأ الضمیر مؤنثا. وکذلک لا یجوز : من - هو أحمر - جاریتک ؛ لأن المبتدأ والخبر : (هو أحمر) متطابقان فی التذکیر وهما صلة الموصول. ولکن اسم الموصول (من) مفرد مذکر ، وخبره «جاریة» مؤنث. ولا مانع من هذا. لو لا أن الموصول مع صلته کالشیء الواحد ، والصلة هنا متطابقة فی التذکیر لکن خبر الموصول مؤنث وهو بمنزلة الخبر عن الصلة ؛ فیقع التخالف الممنوع : فکأنک أخبرت عن المذکر بمؤنث.
3- وقد یراعی المعنی کثیرا بعد مراعاة اللفظ ؛ نحو قوله تعالی : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْیَوْمِ الْآخِرِ ، وَما هُمْ بِمُؤْمِنِینَ). وقد یراعی اللفظ ، ثم المعنی ، ثم اللفظ ؛ نحو قوله تعالی : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِ اللهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ ، وَیَتَّخِذَها هُزُواً ، أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِینٌ. وَإِذا تُتْلی عَلَیْهِ آیاتُنا وَلَّی مُسْتَکْبِراً کَأَنْ لَمْ یَسْمَعْها ، کَأَنَّ فِی أُذُنَیْهِ وَقْراً. فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِیمٍ) - وستجیء الإشارة لهذا فی رقم 1 من هامش ص 340 أما مراعاة المعنی أولا ثم اللفظ فالأفضل اجتنابه.

ففاعل «یؤمن» مفرد مذکر ؛ مراعاة للفظ «من». ومن الثانی قوله تعالی : (وَمِنْهُمْ مَنْ یَسْتَمِعُونَ إِلَیْکَ) وقول الفرزدق :

تعال ، فإن عاهدتنی لا تخوننی

نکن مثل من - یا ذئب - یصطحبان

فالفاعل فی الآیة واو الجماعة ، وفی البیت ألف الاثنین وکلاهما ضمیر عائد إلی «من» مراعاة لمعناها :

وقد اجتمع الأمران فی قوله تعالی : (بَلی مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ، فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ، وَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ ، وَلا هُمْ یَحْزَنُونَ.) فالضمائر فی الشطر الأول من الآیة مفردة مذکرة ؛ مراعاة للفظ : «من». بخلافها فی الشطر الثانی فإنها للجمع ؛ مراعاة لمعنی : «من» وقوله تعالی : (وَمَنْ یَقْنُتْ مِنْکُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَیْنِ ...)

ففاعل الفعل : «یقنت» ؛ ضمیر مفرد ، مذکر ؛ مراعاة للفظ : «من» أما الضمائر بعده فللجمع المؤنث : أو للمفردة ؛ مراعاة لمعنی : «من».

ص: 315

2 - «ما» وأکثر استعمالها فی غیر العاقل (1) ، وتکون للمفرد بنوعیه ، والمثنی والجمع بنوعیهما (2) ؛ تقول : أعجبنی ما رسمه «علیّ» وما رسمته «فاطمة» - وما رسماه - وما رسمتاه - وما رسموه - وما رسمنه. وقد تکون للعاقل فی مواضع :

(ا) إذا اختلط العاقل بغیره ، وقصد تغلیب غیر العاقل لکثرته : نحو قوله تعالی : (یُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِی السَّماواتِ وَما فِی الْأَرْضِ) وقول الشاعر :

إذا لم أجد فی بلدة ما أریده

فعندی لأخری عزمة ورکاب

(ب) أن یلاحظ فی التعبیر أمران مقترنان ؛ هما : ذات العاقل ، وبعض صفاته ، معا ؛ نحو أکرم ما شئت من المجاهدین والأحرار. فکأنک تقول : أکرم من الرجال من کانت ذاته موصوفة بالجهاد ، أو بالحرّیة ؛ فأنت ترید أمرین مجتمعین : الذات ، ووصفا آخر معها ، ولا ترید أحدهما وحده. ومثل : صاحب ما ترید من الطلاب ؛ العالم ، والمخلص ، والصالح. ترید أن تقول : صاحب من کانت ذاته موصوفة بالعلم ؛ ومن کانت ذاته موصوفة بالإخلاص ، ومن کانت ذاته موصوفة بالصلاح. فالمقصود أمران : الذات ومعها شیء آخر من الأوصاف الطارئة علیها.

(ح) المبهم أمره ؛ کأن تری من بعد شبحا لا تدری أهو إنسان أم غیر إنسان ؛ فتقول : إنی لا أتبین ما أراه ، أو لا أدرک حقیقة ما أراه ... وکذلک لو علمت أنه إنسان ولکنک لا تدری أمؤنث هو أم مذکر؟ ومنه قوله تعالی علی لسان مریم : (إِنِّی نَذَرْتُ لَکَ ما فِی بَطْنِی مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّی ...)

ص: 316


1- قد یتردد ذکرها فی اصطلاح النحاة أحیانا باسم : «ما» المعرفة الناقصة ؛ یریدون التی هی اسم موصول. کما یطلق علی «من» الموصولة اسم المعرفة الناقصة أیضا - کما سبق فی رقم 3 من هامش ص 312 - وهی غیر «ما» التی تعدّ حرف موصول (انظر ص 371 ورقم 2 من هامش ص 372).
2- لما کانت «ما» من الموصولات المشترکة التی لفظها مفرد مذکر ، ومعناها قد یکون غیر ذلک جاز فی الضمیر العائد إلیها أن یکون مطابقا للفظها أو لمعناها ، کالذی سبق فی - من» الموصولة - ص 314 -.

زیادة وتفصیل

(ا) تصلح (من) و (ما) للأمور الخمسة الآتیة :

1 - اسم موصول : مثل : قوله تعالی : (ما عِنْدَکُمْ یَنْفَدُ ، وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ.)

وقول الشاعر :

إن شرّ الناس من یبسم لی

حین ألقاه ، وإن غبت شتم

2 - اسم استفهام ، مثل : من عندک؟ ما معک من المال؟

3 - اسم شرط ، مثل : من یعمل سوءا یجز به - وما تصنع من خیر تجد جزاءه خیرا.

4 - نکرة موصوفة ، مثل : رب من نصحته استفاد من نصحک (أی : ربّ إنسان نصحته استفاد ...) ورب من معجب بک ساعدک. ورب ما کرهته تحقق فیه نفعک (أی : رب شیء کرهته) وربّ ما مکروه أفاد (1) ... ومن هذا قول الشاعر :

الصّدق أرفع ما اعتزّ الرّجال به

وخیر ما عوّد ابنا فی الحیاة أب

والغالب : فی «من» إذا کانت نکرة موصوفة أن تصلح لأن یحل محلها کلمة : «إنسان» ، ولا بد أن یقع بعدها صفة ، فإن لم یقع بعدها صفة فهی نکرة غیر موصوفة ، وتسمی : تامة. وتکون أیضا - بمعنی : إنسان.

کما أن الغالب فی «ما» التی هی نکرة موصوفة أن تصلح لأن یحل محلها کلمة : «شیء» ولا بد أن یقع بعدها صفة لها. وإن لم یقع بعدها صفة فهی نکرة غیر موصوفة ، بمعنی : شیء ، أیضا ، وتسمی : تامة.

5 - نکرة تامة (أی : غیر موصوفة) - وهی التی سبقت الإشارة إلیها - مثل.

رب من زارنا الیوم. ربّ ما غرّد مساء. أی : ربّ إنسان زارنا ، ورب شیء غرّد. فالجملة الفعلیة - فی المثالین فی محل رفع ، خبر.

ص: 317


1- والدلیل علی أن «من» و «ما» فی الأمثلة السابقة نکرة موصوفة أنهما مجرورتان برب ؛ وهی لا تجر - غالبا - إلا النکرات. وبعدها جملة ، والجملة بعد النکرة صفة (هذا ولا توصل کلمة «ما» النکرة الموصوفة بکلمة : «رب» فی الکتابة).

(ب) تختص «ما» دون «من» بمعان أخری ؛ منها السبعة الآتیة :

1 - التعجب ؛ مثل : ما أحسن الدین والدنیا إذا اجتمعا.

2 - النفی ؛ مثل : ما الخائن صدیق ، أو : صدیقا. وقول العرب : ما ذهب من مالک ما وعظک (1).

3 - أن تکون کافة ؛ وهی التی تدخل علی العامل فتکفّه (أی : تمنعه عن العمل ، وتترکه معطلا) کأن تدخل علی حرف جر ، أو علی ناسخ ، أو نحوهما ، فلا یعمل ؛ مثل : ربما رجل زارنا نفعناه - ربما یود المهمل لو کان سبّاقا. إنما الأمم الأخلاق. ویجب فی الکتابة وصل «رب» بکلمة : «ما» الکافة ؛ لأن الذی یفصل هو «ما» النکرة الموصوفة ؛ کما سبق.

4 - أن تکون زائدة (أی : یمکن حذفها فلا یتأثر المعنی) وتقع کثیرا بعد : «إذا» الشرطیة ؛ مثل : إذا ما المجد نادانا أجبنا ... أو بعد غیرها مثل : قوله تعالی : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) وقوله : «مما (2) خطیئاتهم أغرقوا ... 5 - مصدریة ظرفیة (أی : تسبک مع ما بعدها بظرف ومصدر معا کما سیجیء البیان آخر هذا الباب) (3) ، مثل : الصانع یربح ما أجاد صناعته. أی : مدة إجادته صناعته. وقول الشاعر یفتخر :

تری الناس ما سرنا یسیرون خلفنا

وإن نحن أومأنا إلی الناس وقّفوا

أی : مدة سیرنا.

6 - أن تکون مصدریة غیر ظرفیة (أی : تسبک مع ما بعدها بمصدر فقط کما سیجیء فی آخر الباب) (4). مثل : کوفئ المخلصون بما أخلصوا ، أی : بإخلاصهم. 7 - أن تکون مهیئّة. (وهی التی تدخل علی کلمة غیر شرطیة. فتهیئها وتعدها لمعنی الشرط وعمله) کدخول «ما» علی «حیث» ، فی مثل : حیثما تصدق تجد لک أنصارا.

8 - أن تکون مغیّرة ... (وهی التی تدخل علی أداة شرطیة ؛ فتغیرها إلی

ص: 318


1- «ما» الأولی نافیة أما الأخیرة فتصلح موصولة ، ونکرة موصوفة ، والکلام مثل قدیم ، یقال للحزبن الذی أضاع ماله ؛ سدی ؛ فیتعلم بعد ذلک الحذر ، ویبالغ فی الحیطة ؛ فلا یضیع منه شیء ویحافظ علی ماله. فضیاع ماله بسبب إهماله کان الوسیلة الناجحة لصیانته ؛ فکأنه لم یضیعه سدی
2- أی : بسبب خطئیاتهم.
3- ص 371.
4- ص 372

غیر الشرط ، کدخول «ما» علی «لو» فی مثل : «لوما» تحافظ علی المیعاد. فقد تغیرت «لو» بسبب : «ما» ، وانتقلت هنا من الشرط إلی التحضیض.

9 - أن تقع صفة ، مثل : لأمر ما غاب القائد. فالمراد ؛ لأمر أیّ أمر. وهذه قد یعبر عنها : «بالإبهامیة». ویتفرع علی الإبهام إما الحقارة ؛ نحو : أعط فلانا شیئا ما. ترید شیئا تافها حقیرا ، وإما التفخیم ؛ نحو : لأمر ما ، هرب الحارس ، ترید لأمر عظیم هرب ... وإما النوعیة ؛ نحو : عاون علیّا معاونة ما. ترید : نوعا من المعاونة.

ویقول بعض المحققین من النحاة : إنها فی کل المواضع السابقة الخاصة بالصفة لیست صفة ؛ وإنما هی زائدة ؛ تفید التنبیه ؛ وتقویة المعنی ، ویری أن هذا أولی. وحجته : أنه لیس فی کلامهم نکرة جامدة وقعت نعتا إلا وبعدها کلمة تماثل الموصوف تماما ؛ نحو : مررت برجل أیّ رجل ، وأکلنا فاکهة أیّ فاکهة. فالحکم عندهم علی «ما» المذکورة بالاسمیة واقتضاء الوصفیة - حکم بما لا نظیر له ؛ فیجب اجتنابه ؛ کما یقولون.

وهذا الخلاف شکلی ، لا قیمة له. والرأیان سیان ، وما دامت تؤدی غرضا معینا. فلا أهمیة بعد ذلک لجعلها حرفا زائدا - وهو الأسهل - أو اسما یعرب صفة.

ص: 319

3 - ... «أل» وتکون للعاقل وغیره (1) ؛ مفردا وغیر مفرد ؛ نحو : جاءنی الکاتب ، أو : الکاتبة ؛ أو : الکاتبان ، أو الکاتبتان ، أو : الکاتبون ، أو : الکاتبات. ولا تکون موصولة إلا إذا دخلت علی صفة صریحة (2) ؛ فتکون

ص: 320


1- ولفظها مفرد مذکر ولکن معناها قد یکون غیر ذلک. ولا یراعی فی الضمیر العائد علیها إلا المعنی ؛ خوفا من اللبس.
2- لیست «أل» هذه للتعریف - فی الأشهر ؛ وإنما هی لضرب من إصلاح اللفظ وتزیینه ؛ لأن اسم الموصول یتعرف بصلته. وکثیر من أسماء الموصول مجرد من «أل» مع أنه معرفة ؛ فتعریفه جاء من صلته ؛ لا من «أل». ولو کانت للتعریف لمنعت من إعمال اسمی الفاعل والمفعول إذا کانا بمعنی الحال أو الاستقبال ؛ إذ تبعدهما - کما یقولون - عن شبه الفعل ؛ وتقربهما من الجوامد ؛ لأنها من خصائص الأسماء» ؛ والأصل فی الأسماء الجمود ؛ بسبب وضعها للذوات والجامد لا یعمل بخلاف الفعل وما یشبهه. لکن یقول شارح المفصل (ج 6 ص 61) إنها اسم موصول تفید التعریف مع کونها بمعنی : «الذی» - کما سنشیر فی رقم 1 من هامش ص 334. - ولیست حرف موصول ؛ لأنها لا تؤول مع ما بعدها بمصدر ؛ ولأنها قد تدخل قلیلا علی الجملة : و «أل» المعرفة لا تدخل علی الجملة. هذا إلی أمور أخری دعت إلی اعتبارها اسم موصول ؛ أهمها أمران : أولهما : وجود ضمیر بعدها لا مرجع له سواها ؛ والضمیر لا یعود إلا علی اسم ؛ نحو : قد أفلح المؤمن ؛ وخاب الجاحد. ففی کلمة : «المؤمن» ضمیر تقدیره : «هو» ؛ لا مرجع له إلا (أل) التی : بمعنی «الذی» هنا. وکذلک تقدیره فی کلمة : «الجاحد» .. وکقوله تعالی : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ..) وقوله : (وَالْعادِیاتِ ضَبْحاً ..) ففی : «المؤمنون» ضمیر تقدیره : «هم» یعود علی «أل». وفی «العادیات» ضمیر تقدیره : «هی» أو «هن» ، یعود علی «أل». ولا مرجع لکل ضمیر سوی «أل». ولا یمکن أن یکون اسم الفاعل فی الأمثلة السابقة وأشباهها خالیا من الضمیر لأسباب قویة دونها النحاة ، وأثبتوا بها أن أکثر المشتقات یحمل ضمیرا مستترا. (کما سبقت الإشارة فی رقم 2 من ص 28). ثانیهما : أن هذه الأسماء التی دخلت علیها «أل» قد یعطف علیها الفعل أحیانا ؛ نحو قوله تعالی : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِینَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً ...) وقوله تعالی : (وَالْعادِیاتِ ضَبْحاً) إلی قوله : (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً.) فالفعل : «أقرض» فی المثال الأول معطوف علی «المصدقین». والفعل : «أثار» فی الجملة الثانیة معطوف علی «العادیات». والفعل لا یعطف إلا علی فعل مثله ، أو علی ما یشبه الفعل - کما سیجیء فی ج 4 باب العطف - والمعطوف علیه هنا لیس بفعل ؛ فلم یبق إلا أنه یشبه الفعل ، لأنه أحد مشتقاته ... ومن ثم کانت «أل» الداخلة علی المشتقات الصریحة المشبهة للفعل اسم موصول - ولیست حرفا - لیعود علیها الضمیر من المشتق. والمراد هنا بالمشتقات الصریحة : «اسم الفاعل ، واسم المفعول ، اتفاقا ؛ لأنهما یدلان علی الحدث والتجدد کالفعل. أما الصفة المشبهة وباقی المشتقات فتدل علی الثبوت ؛ فهی بعیدة من الفعل ، قریبة من الأسماء الجامدة. ومن ثم کانت «أل» الداخلة علی «أفعل التفضیل» للعهد ، ولیست موصولة ، کما ستجیء الإشارة فی رقم 3 من هامش ص 383 ویجیء البیان فی باب أفعل التفصیل ج 3 م 112 هذا ، ولا تکون «أل» اسم موصول إذا وجد فی الکلام ما یدل علی أنها «للعهد» فتکون حرف تعریف ، لا اسم موصول ؛ مثل : قابلت مخترعا ؛ فأکبرت المخترع. واستشرت طبیبا ؛ فعملت بمشورة الطبیب. فکلمة : «أل» فی «المخترع» و «الطبیب» للعهد ؛ فهی أداة تعریف فقط. وتفصیل الکلام علی «أل» التی للعهد فی ص 381 أما الداخلة علی المشتقات التی تعمل عمل الفعل فهی اسم موصول کما سبق - إذ لو کانت حرفا لکانت من خواص الأسماء کما یقولون ، فلا یکون المشتق بعدها شبیبا بالفعل یعمل عمله ، وإنما یکون مجرد اسم فقط ، یدل علی الذات وحدها.

الصفة مع مرفوعها هنا من قسم شبه الجملة الواقع صلة ؛ کما مثل ، ونحو : إن العاقل الأریب (1) یحتال للأمر حتی یفوز به ، والعاجز الضعیف یتوانی ویتردد حتی یفلت منه.

هذا ، ومع أن «أل» اسم موصول ، وتعتبر کلمة مستقلة - فإن الإعراب لا یظهر علیها ؛ وإنما یظهر علی الصفة الصریحة المتصلة بها (2) ، التی تعرب مع مرفوعها صلة لها.

4 - «ذو» وتکون للعاقل وغیره ؛ مفردا وغیر مفرد (3) ؛ نحو : زارنی ذو تعلّم

ص: 321


1- العاقل.
2- أطال النحاة القول فی إعراب : «أل» الموصولة التی هی اسم مستقل ؛ أتکون مبنیة علی السکون فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر ، علی حسب جملتها؟ أم تکون : «أل» معربة بحرکات مقدرة ولیست مبنیة؟ وما إعراب الصفة بعدها فی الحالتین؟ وما نوع صلتها کذلک؟ ... وخیر ما انتهوا إلیه. أنها مع الصفة التی بعدها بمنزلة الشیء الواحد ؛ فکأنهما المرکب المزجی ؛ یظهعر إرابه علی الجزء الأخیر منه (راجع هامش التصریح فی هذا الموضوع ، والخضری عند الکلام علی بیت ابن مالک : وصفة صریحة صلة «أل» ... إلخ). أما صلتها فقد اختاروا إدخالها فی نوع الشبیه بالجملة ، واعتبارها منه ولیست من نوع الجملة. وبهذا الرأی یوجد نوع جدید من شبه الجملة ، خاص بصلة : «أل» وحدها ، إذ المعروف أن شبه الجملة - کما أشرنا فی رقم 1 من هامش ص 307 نوعان فقط ، هما : الظرف ، والجار مع مجروره. فهذا الرأی یحدث قسما ثالثا لشبه الجملة. وهو - علی ما به - أیسر الآراء ، وأنسبها وأقلها مغامز. - کما سیجیء فی ص 351
3- وهی نوع آخر یخالف «ذو» التی بمعنی «صاحب» ، إحدی الأسماء الستة ، والتی سبق الکلام علیها فی ص 100. وتستعمل «ذو» اسم موصول ، مبنی علی السکون المقدر علی الواو فی محل کذا - وهذا عند بعض القبائل العربیة ، ومنها ؛ طی ، دون بعض آخر. ومن أمثلتها قول معدان الطائی : فقولا لهذا المرء ذو جاء ساعیا هلمّ ، فإن المشرفیّ الفرائض أظنک - دون المال - ذو جئت تبتغی ستلقاک بیض للنفوس قوابض (المشرفی : السیف - الفرائض : المطایا المفروضة.) ولفظها مفرد مذکر فی جمیع حالاته ، لکن معناها قد یکون غیر ذلک ؛ فیراعی فی الضمیر العائد علیها لفظها أو معناها. وللقبائل التی تستعملها مذاهب مختلفة ؛ أشهرها ما ذکرنا هنا. ومنهم من یجعل واوها ألفا ، ویزید علیها تاء التأنیث فتصیر : «ذات» ؛ لتکون بعد الزیادة مثل : «التی» فی الدلالة علی المفردة المؤنثة. ولکن تمتاز : «ذات» بأنها تدل بصیغتها الحالیة علی المثنی المؤنث أیضا ، وبأنها تجمع علی : «ذوات» لتدل علی الجمع المؤنث کما تدل علیه : «اللواتی». وهی فی الحالات السابقة کلها مبنیة علی الضم. وفی هذا یقول بن مالک : وکالّتی أیضا لدیهم : «ذات» وموضع «اللّاتی» أتی «ذوات» ومن المستحسن. ترک «ذو» بلهجاتها المختلفة ؛ لغرابتها فی عصرنا ، وعدم الحاجة الحافزة لاستعمالها وحسبنا أن نذکرها هنا لندرکها حین تتردد فی النصوص القدیمة. وقد وردت فی بعض تلک النصوص مستعملة استعمالا دقیقا أوضحناه فی باب الإضافة ج 3 م 93 ومثلها : «ذات» وکذلک فی ج 2 باب الظرف ص 210 و 215 و 219 م 79.

وذو تعلمت. وذو تعلّما. وذو تعلمتا ، وذو تعلموا ، وذو تعلّمن (1). وهی مبنیة علی السکون المقدر علی الواو ، فی محل رفع ، أو نصب ، أو جرّ. علی حسب موقعها من جملتها

5 - «ذا». وتکون للعاقل وغیره. مفردا وغیر مفرد (2) ؛ نحو : ماذا رأیته؟ ماذا رأیتها؟ ماذا رأیتهما؟ ماذا رأیتهم؟. ماذا رأیتهن؟. ویصح وضع : «من» مکان : «ما» فی کل ما سبق ، ومنه قول الشاعر :

من ذا یعیرک عینه تبکی بها

أرأیت عینا للبکاء تعار؟

وقول الآخر (3) :

من ذا نواصل إن صرمت حبالنا

أو من نحدّث بعدک الأسرارا

فکلمة : «ما» أو : «من» اسم استفهام مبتدأ. مبنی علی السکون فی محل رفع. و «ذا» اسم موصول بمعنی : الذی - أو غیره - خبر ، مبنی علی السکون فی محل رفع. ولا تکون ذا موصولة إلا بثلاثة شروط :

أولها : أن تکون مسبوقة بکلمة : «ما» أو : کلمة : «من» الاستفهامیتین ؛ کما فی الأمثلة السابقة. فلا یصح : ذا رأیته ، ولا ذا قابلته ... ویغلب أن تکون للعاقل إذا وقعت : بعد «من» ولغیر العاقل إذا وقعت بعد : «ما».

ثانیها : أن تکون کلمة «من» أو «ما» مستقلة بلفظها وبمعناها - وهو الاستفهام غالبا (4) - ، وبإعرابها ؛ فلا ترکّب مع «ذا» ترکیبا یجعلهما معا کلمة واحدة فی إعرابها (وإن کانت ذات جزأین) وفی معناها أیضا - وهو الاستفهام غالبا (5) - کما فی نحو : ماذا السدیم؟ ماذا عطارد؟ من ذا الأول؟ من ذا النائم؟ فکلمة :

ص: 322


1- یقول ابن مالک فیما سبق. و «من» و «ما» و «أل» ، تساوی ما ذکر وهکذا «ذو» عند طیّئ شهر أی : أن کل واحد من هذه الأسماء (من - ما - أل) یساوی الثمانیة الماضیة کلها فی الاستعمال من ناحیة أنه وحده صالح لکل ما صلحت له الثمانیة من الأنواع مع عدم تغیر لفظه وکذلک «ذو» عند بعض القبائل التی منها طییء - کما سبق. ثم قال عن طییء : وکالّتی أیضا لدیهم : «ذات» وموضع «اللّاتی» أتی : «ذوات» وقد أوضحنا معنی البیت عند الکلام علی «ذو».
2- فهی من الألفاظ المفردة المذکرة ، ولکن معناها قد یکون غیر ذلک ؛ فیجوز فی الضمیر العائد علیها مراعاة هذا أو ذاک.
3- عمر بن أبی ربیعة.
4- انظر «ب» من ص 325.
5- انظر «ب» من ص 325.

«ماذا» کلها - اسم استفهام ومثلها کلمة : «من ذا» (1).

وفی حالة الترکیب التی وصفناها تسمی : «ذا» ملغاة إلغاء حکمیا (2) لأن وجودها المستقل قد ألغی - أی : زال - بسبب الترکیب مع «ما» أو «من» الاستفهامیتین ، وصارت جزءا من کلمة استفهامیة بعد أن کانت وحدها کلمة مستقلة تعرب اسم موصول.

ثالثها : ألا تکون «ذا» اسم إشارة ، فلا تصلح أن تکون اسم موصول ؛ لعدم وجود صلة بعدها ، وذلک بسبب دخولها علی مفرد ؛ نحو : ماذا المعدن؟ ماذا الکتاب؟ من ذا الشاعر؟ من ذا الأسبق (3)؟

ترید : ما هذا المعدن؟ ما هذا الکتاب؟ من هذا الشاعر؟ من هذا الأسبق؟

ص: 323


1- فتعرب کل کلمة بجزأیها فی الأمثلة السالفة ، مبتدأ مبنی علی السکون فی محل رفع ، أو خبرا مقدما.
2- انظر البیان الآتی فی : «ا» من الزیادة والتفصیل
3- وفی هذا یقول ابن مالک ومثل «ما» : «ذا» بعد : «ما» استفهام أو «من» إذا لم تلغ فی الکلام أی : أن «ذا» تشبه «ما» فی أنها صالحة لجمیع الأنواع مع عدم تغیر لفظها ، وذلک بشرط أن تقع بعد «ما» التی للاستفهام ، أو : «من» التی للاستفهام أیضا. واکتفی بهذا الشرط ، وترک باقی الشروط لضیق النظم ، وقد ذکرناها.

زیادة وتفصیل

(ا) عرفنا أن «ذا» قد ترکب مع «ما» أو «من» الاستفهامیتین ، فینشأ من الترکیب کلمة واحدة فی إعرابها - وإن کانت ذات جزأین - وفی معناها وهو الاستفهام غالبا ، مثل : ماذا الوادی الجدید؟ من ذا المنشئ لمدینة القاهرة؟ وتسمی «ذا» : الملغاة إلغاء حکمیّا ؛ لا حقیقیّا ؛ لأنها من حیث الحقیقة والواقع موجودة فعلا. ولکن من حیث اندماجها فی غیرها ، وعدم استقلالها بکیانها ، وبإعراب خاص بها - تعدّ غیر موجودة.

أما إلغاؤها الحقیقی فیکون باعتبارها کلمة مستقلة بنفسها ، زائدة ، یجوز حذفها وإبقاؤها. ویترتب علی تعیین نوع الإلغاء بعض أحکام ؛ منها :

أن کلمة : «ذا» فی الإلغاء الحقیقی لا یکون لها محل من الإعراب ، فلا تکون فاعلا ، ولا مفعولا ، ولا مبتدأ ، ولا غیر ذلک ؛ لأنها لا تتأثر بالعوامل ؛ ولا تؤثر فی غیرها - شأن الأسماء الزائدة عند من یجیز زیادتها ، وهم الکوفیون وتبعهم ابن مالک - بخلافها فی الإلغاء الحکمی ؛ فإنها تکون جزءا أخیرا من کلمة ، وهذه الکلمة کلها - بجزأیها - مبنیة علی السکون دائما فی محل رفع - أو نصب ، أو : جر ، علی حسب موقعها من الجملة ، (مبتدأ ، وخبرا ، وفاعلا ، ومفعولا ... إلخ). ومما تصلح فیه لنوعی الإلغاء قول الشاعر :

من ذا الّذی ما ساء ق

طّ ومن له الحسنی فقط

وفی الإلغاء الحقیقی یجب تقدیم «من» و «ما» الاستفهامیتین فی أول جملتهما حتما ، کالأمثلة السابقة ؛ لأن الاستفهام الأصیل له الصدارة فی جملته. بخلاف الإلغاء الحکمی ، فیجوز معه الأمران : إمّا تقدیم الاستفهام بکامل حروفه فی جزأیه علی عامله ، وإما تأخیره عنه ، فلا یکون للاستفهام وجوب الصدارة ؛ وفی هذه الصورة یعرب معمولا متأخرا لعامل متقدم علیه ؛ تقول : ماذا صنعت ، أو صنعت ما ذا؟ (1) ...

ص: 324


1- راجع الصبان ، ج 1 ، باب الموصول ، عند الکلام علی : «ذا» الموصولة. وجاء فی حاشیة یاسین علی التوضیح ج 2 باب النواصب ، عند الکلام علی : «کی» ما نصه : (قال ابن مالک : إن «ما» الاستفهامیة إذا رکبت مع : «ذا» لا یلزم صدریتها ؛ فیعمل ما قبلها فیما بعدها ؛ رفعا نحو : کان ما ذا؟ أو نصبا کقول أم المؤمنین أقول ما ذا؟ ...». وفی هذا النص اقتصار علی الترکیب مع «ما» الاستفهامیة. أما النصوص الأخری - کالتی فی الصبان - فصریحة فی : «من» و «ما» الاستفهامیتین ، وغیرهما مما سیجیء فی : «ب».

وفی الإلغاء الحقیقی تحذف ألف «ما» الاستفهامیة فی حالة الجر مثل : عمّ «ذا» سألت؟ تطبیقا للقاعدة المعروفة ؛ (وهی : حذف ألف «ما» الاستفهامیة عند جرها). بخلاف الإلغاء الحکمی لأن أداة الاستفهام فیه هی «ماذا» ولیست «ما».

(ب) لا یقتصر إلغاء «ذا» علی ترکیبها مع «ما» أو «من» الاستفهامیتین فذلک هو الغالب - کما قلنا (1) - ؛ فقد یقع الإلغاء بترکیبها مع «ما» أو «من» الموصولتین ، أو النکرتین الموصوفتین ؛ فتنشأ کلمة واحدة هی : «ماذا» أو : «من ذا» فنعربها اسم موصول ، أو نکرة موصوفة. فالأولی مثل قول الشاعر :

دعی ما ذا علمت سأتقیه

ولکن بالمغیّب خبّرینی

فماذا ، کلها اسم موصول مفعول «دعی». وصلته جملة : «علمت» لا محل لها. ویری «الفارسی» وأصحابه أن «ماذا» نکرة موصوفة. مفعول «دعی» ولیست موصولة : لأن «ماذا» کلمة واحدة ، ولکنها مرکبة من شطرین ؛ والترکیب کثیر فی أسماء الأجناس - ومنها النکرة الموصوفة - ، قلیل فی أسماء الموصول ، وتکون جملة : «علمت» فی محل نصب صفة النکرة. أی : دعی شیئا علمته.

مما تقدم نعلم أننا إذا أردنا إعراب مثل : «ماذا رأیته فی المعرض»؟ أو : «من ذا رأیته؟» جاز لنا أن نجعل «ماذا» و «من ذا» بشطریهما کلمة واحدة ، اسم استفهام مبتدأ. وأن نجعل «ما» أو «من» استفهام مبتدأ و «ذا» زائدة لا محل لها من الإعراب. ویجوز أن تکون «ذا» فی الحالتین السالفتیین اسم موصول بمعنی الذی ، خبر. ویجوز فی أمثلة أخری أن تکون «ماذا» و «من ذا» بشطریهما موصولتین أو نکرتین موصوفتیین علی حسب ما أوضحنا ... و... و...

ویظهر أثر الإلغاء وعدمه فی توابع الاستفهام ؛ کالبدل منه ؛ وفی الجواب عنه. ففی مثل : ماذا أکلت؟ أتفاحا أم برتقالا؟ بنصب کلمة ؛ «تفاح» یکون النصب دلیلا علی أن الإلغاء هنا حکمی (2) ؛ لأن «ماذا» مفعول مقدم «لأکلت». أما لو قلنا : ماذا أکلت؟ أتفاح أم برتقال؟ فإن کلمة «التفاح»

ص: 325


1- فی ص 322.
2- ویصح أن یکون حقیقیا.

المرفوعة یصح أن تکون بدلا من «ذا» الواقعة خبرا عن کلمة : «ما» فلا یکون هنا إلغاء.

وکالمثال السابق فی صحة الرفع والنصب کلمّة : «نحب» فی قول الشاعر :

ألا تسألان المرء ما ذا یحاول؟

أنحب فیقضی ، أم ضلال وباطل؟

ومثله من ذا أکرمت؟ أمحمدا أم محمودا؟ ، بنصب الاسمین أو برفعهما علی الاعتبارین السالفین.

أما الجواب عن الاستفهام ففی مثل : ماذا کتبت فی الرسالة؟ فتجیب : خیرا ، أو : خیر. فالنصب علی البدلیة من «ماذا» التی هی مفعول به مقدم لکتبت ، ویکون فی الکلام إلغاء. والرفع علی البدلیة من کلمة «ذا» بمعنی «الذی» علی اعتبارها خبر «ما» فلا یکون فی الکلام إلغاء. ومنه قوله تعالی : (یَسْئَلُونَکَ : ما ذا یُنْفِقُونَ؟ قُلِ : الْعَفْوَ) - أی : الزیادة - بالنصب وبالرفع وقوله تعالی : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّکُمْ؟. قالُوا : خَیْراً ،) أو خیر.

(ح) فی نحو قوله تعالی : (مَنْ ذَا الَّذِی یُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَیُضاعِفَهُ لَهُ ...) یصح فی کلمة : «ذا» الإلغاء الحقیقی أو الحکمی. وفی الحالتین تکون کلمة : «الذی» خبرا. ویصح أن تکون «ذا» اسم موصول بمعنی «الذی» خبر «من». وتکون کلمة : «الذی» الموجودة توکیدا لفظیّا لکلمة : «ذا» التی هی اسم موصول بمعناها.

«ملاحظة» : یصح فی بعض الصور التی سبقت (فی : ا وب وج) إعرابات أخری لا حاجة إلیها هنا.

ص: 326

6 - «أیّ» وتکون للعاقل وغیره. مفردا ، وغیر مفرد ؛ تقول ؛ یسرنی أیّ هو نافع. یسرنی أیّ هی نافعة. یسرنی أیّ هما نافعان. یسرنی أیّ هما نافعتان. یسرنی أیّ هم نافعون. یسرنی أیّ هن نافعات.

وتختلف «أیّ» فی أمر البناء والإعراب ؛ عن باقی أخواتها من الموصولات المشترکة ، فأخواتها جمیعا مبنیة ، أما هی فتبنی فی حالة واحدة ، وتعرب فی غیرها. فتبنی إذا أضیفت (1) وکانت صلتها جملة اسمیة ، (2) صدرها - وهو المبتدأ - ضمیر محذوف ؛ نحو : یعجبنی أیّهم مغامر. سأعرف أیّهم مغامر. سأتحدث عن أیّهم مغامر. والأصل : أیهم هو مغامر. فإن لم یتحقق شرط من شروط بنائها وجب إعرابها. ولهذا تعرب فی الحالات الآتیة.

(ا) إذا کانت مضافة ، وصلتها جملة اسمیة ، بشرط أن یکون صدر هذه الجملة (وهو ؛ المبتدأ) ضمیرا (3) مذکورا ؛ نحو : سیزورنی أیّهم (هو أشجع) - سأصافح أیّهم (هو أشجع) - وسأقبل علی أیّهم (هو أشجع).

(ب) إذا کانت غیر مضافة وصلتها جملة اسمیة ذکر فی الکلام صدرها الضمیر ، مثل : سیفوز أیّ (هو مخلص) - سنکرم أیّا (هو مخلص) - سنحتفی بأیّ (هو مخلص).

(ح) إذا کانت غیر مضافة ، وصلتها جملة اسمیة لم یذکر صدرها الضمیر ؛ نحو : سیسبق أیّ خبیر ، وسوف نذکر بالخیر أیّا محسن ، ونعنی بأیّ بارع (4).

ص: 327


1- لیس بین الأسماء الموصولة المشترکة وغیر المشترکة ما یجوز إضافته إلا «أی». فی بعض حالاتها. وسیجیء فی الزیادة - ص 329 - بعض الأحکام الخاصة بها.
2- وهی المبتدأ مع خبره ، أو ما یغنی عن الخبر.
3- لا فرق فی هذا الحکم وما بعده بین أن یکون صدرها ضمیرا کما مثلنا - أو غیر ضمیر - کما سیجیء فی «د» - ؛ نحو : سیزورنی أیهم محمود خیر منه. ولکن الضمیر هو الأعم الأغلب ؛ حتی اقتصر علیه أکثر النحاة.
4- وفی «أی» وأحوالها یقول ابن مالک. «أیّ» کما ، وأعربت ما لم تضف وصدر وصلها ضمیر انحذف ومعنی البیت : «أی» مثل «ما» الموصولة فی أن کلا منهما اسم موصول. صالح للمفرد وغیر المفرد ، والعاقل وغیره. لکن الحقیقة أن بینهما بعض فروق ؛ منها : أن «ما» مبنیة دائما ، وأنها لغیر العاقل فی الأغلب. أما «أی» فتبنی فی حالة واحدة وتعرب فی عدة حالات غیرها ، وأنها للعاقل وغیر العاقل ...

(د) وتعرب أیضا إن کان صدر صلتها اسما ظاهرا ؛ نحو : تزور أیّهم (محمد مکرمه). أو : فعلا ظاهرا ، نحو : سوف أثنی علی أیّهم یتسامی بنفسه ، أو فعلا مقدرا ، نحو : سأغضب علی أیّهم عندک (1).

ص: 328


1- والفعل هنا مقدر : لأن «عند» ظرف ، ولا یتعلق الظرف - وکذا والجار مع مجروره - فی باب الموصول إلا بفعل محذوف تقدیره : «استقر» - مثلا - ، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها صلة. وإنما وجب أن یکون المحذوف - فی باب الموصول - فعلا لتکون الصلة جملة فعلیة ؛ إذ لا بد أن تکون جملة فعلیة. إلا صلة «أل» فإنها لا تکون إلا صفة صریحة مع مرفوعها - کما سبق فی رقم 2 من هامش ص 320 - وصلة «أل» هذه تعد قسما من أقسام الشبیه بالجملة ، وهو قسم خاص بها وحدها. أما فی غیر باب الموصول فیکون الشبیه بالجملة أمران. الظرف والجار مع مجروره. ویکون کلاهما عند التعلق إما متعلقا بفعل محذوف وإما باسم مشتق بمعنی ذلک المحذوف ، کما سیجیء هنا فی هامش ص 347 باب المبتدأ والخبر ص 431.

زیادة وتفصیل

اشارة

یسوقنا الکلام علی «أیّ» إلی سرد أنواعها المختلفة (1). وهی ستة - کلها معربة إلا «أیّ» التی تکون وصلة للنداء ، وإلا واحدة من حالات «أیّ» الموصولة ، وقد سبقت.

1 - موصولة. والمستحسن أن یکون عاملها مستقبلا ، ومتقدما علیها. ویجب أن تضاف لفظا ومعنی ، معا ، أو معنی فقط - بأن یحذف المضاف إلیه بقرینة ، طبقا للبیان الذی فی باب الإضافة (2) - ، وأن تعرب أو تبنی ، علی حسب ما شرحنا. وإذا أضیفت فإضافتها إلی المعرفة أقوی وأفضل. ویحسن الاقتصار علی هذا الرأی. وتجب مراعاة لفظها فی الضمیر العائد إلیها ، وفی کل ما یتعلق بالمطابقة.

2 - أن تکون اسم شرط معربة ؛ فتضاف إما للنکرة مطلقا (3) ؛ نحو : أیّ حکیم تصادق أصادق ، وأیّ رفاق تصاحب أصاحب .... وإما لمعرفة بشرط أن تکون المعرفة دالة علی متعدّد صراحة أو تقدیرا أو عطفا بالواو (4) ؛ فمثال التّعدد الصریح : أیّ الأشراف تسایر أسایر. ومثال التعدد المقدّر - وهو الذی یلحظ فیه ما یکون فی الفرد الواحد من أجزاء متعددة (5) ، مثل : أیّ محمد تستحسن أستحسن. ترید : أیّ أجزاء محمد تستحسن أستحسن. ومثل التعدد بالعطف بالواو : أیی وأیک یتکلم یحسن الکلام ، بمعنی : أینّا ...

وإضافتها واجبة لفظا ومعنی معا ، أو معنی فقط ، لحذف المضاف إلیه بقرینة - طبقا لما سیجیء فی باب الإضافة (6).

3 - أن تکون اسم استفهام ، معربة ، فتضاف إما للنکرة مطلقا (7) ؛ نحو : أیّ کتاب تقرؤه؟ وأیّ صحف تفضلها؟ ... وإما لمعرفة بشرط أن تکون المعرفة دالة علی متعدد صریح ، أو مقدر ، أو عطفا علیها بالواو معرفة مفردة (8) ؛ نحو : أیّ

ص: 329


1- سیجیء الکلام مفصلا هاما علی الاستفهامیة ، والشرطیة ، والنعتیة ، والحالیة فی المکان المناسب لها من ج 3 باب الإضافة ، م 95 - أما التی تکون وصلة للنداء ففی باب النداء أول الجزء الرابع.
2- سیجیء الکلام مفصلا هاما علی الاستفهامیة ، والشرطیة ، والنعتیة ، والحالیة فی المکان المناسب لها من ج 3 باب الإضافة ، م 95 - أما التی تکون وصلة للنداء ففی باب النداء أول الجزء الرابع.
3- أی : سواء أکانت للمفرد ، أم لغیره.
4- المراد : عطف معرفة مفردة - وهی التی لا تدل علی متعدد - علی نظیرتها.
5- وکذلک ما قد یکون له من أنواع مختلفة ، مثل : أی المعدن تتخیره أوافق علیه. ترید : أی أنواع المعدن ...
6- سیجیء الکلام مفصلا هاما علی الاستفهامیة ، والشرطیة ، والنعتیة ، والحالیة فی المکان المناسب لها من ج 3 باب الإضافة ، م 95 - أما التی تکون وصلة للنداء ففی باب النداء أول الجزء الرابع.
7- أی : سواء أکانت للمفرد ، أم لغیره.
8- المراد : عطف معرفة مفردة - وهی التی لا تدل علی متعدد - علی نظیرتها.

الرجال أحق بالتکریم؟ ونحو : أیّ علیّ أجمل؟ ترید : أیّ أجزاء علیّ أجمل؟ ونحو : أبی وأیک فارس الأحزاب؟.

وإضافة «أیّ» الاستفهامیة واجبة لفظا ومعنی معا ، أو معنی فقط ؛ بحذف المضاف إلیه ؛ لقرینة ، کما سیجیء فی ج 3 - باب الإضافة.

4 - أن تکون اسما معربا ، نعتا یدل علی بلوغ المنعوت الغایة الکبری فی مدح أو ذم ، ویشترط أن یکون المنعوت نکرة - فی الغالب (1) - وأن تکون «أیّ» مضافة لفظا ومعنی إلی نکرة مذکورة بعدها ، مشارکة للمنعوت فی لفظه ومعناه ، نحو : استمعت إلی عالم أیّ عالم. فإذا أضیفت إلی نکرة وکانت هذه النکرة اسما مشتقّا کان المدح المقصود أو الذم هو المعنی المفهوم من المشتق ؛ أی : المعنی المجرد الذی یدل علیه هذا المشتق ؛ فإذا قلنا : رأینا فارسا ، أیّ فارس ... فالمعنی المقصود من المدح ، هو : «الفروسیة» المفهومة من المشتق (فارس) وإذا قلنا : احترسنا من خائن أیّ خائن ... فالمعنی المراد من الذم هو «الخیانة» المفهومة من المشتق (خائن). أما إذا أضیفت إلی نکرة غیر مشتقة فإن المدح أو الذم یشمل جمیع الأوصاف التی یصح أن توصف بها هذه النکرة ؛ فمن یقول لآخر : إنی مسرور بک ؛ فقد رأیتک رجلا أیّ رجل ، ... فکأنما یقول : رأیتک رجلا جمع کل الصفات التی یمدح بها الرجل. ومن یقول عن امرأة أساءت إلیه : إنها امأة أیّ امرأة .. فإنما یقصد أنها جمعت کل الصفات التی تذم بها المرأة.

والأغلب فی النکرة التی هی المضاف ، والتی لیست مصدرا - لأن المصدر قد یحذف وتنوب عنه صفته - أن تکون مذکورة فی الکلام ، ومن الشاذ الذی لا یقاس علیه ورود السماع بحذفها فی قول القائل : إذا حارب الحجاج أیّ منافق ... یرید : منافقا أیّ منافق.

ص: 330


1- لأنه یصح - مع قلته - أن یکون معرفة. ویترتب علی هذا أن یتبعه فی التعریف المضاف إلیه بعد «أی» فیکون معرفة مثله ولا یصح أن یتخالفا فی هذا وسیجیء البیان فی ح 3 - باب الإضافة والنعت ص 91 و 99 م 95 وما بینها ، ثم فی ص 378 م 114 و 394 م ومنه یتضح صحة الأسلوب الشائع فی مثل : استراح المسافر أی استراحة ، وتمتع أی تمتع ، بشرط أن یکون المصدر محذوفا فی هذه الأسالیب وثابت عنه «أی» التی کانت فی الأصل نعتا له. وهو : استراحة أی استراحة ، وتمتعا أی تمتع - کما سیجیء فی ج 2 ص 175 م 75 فی بیان حذف المصدر.

ویقول النحاة : «إن هذا فی غایة الندور» (1) فلا یصح محاکاته ، ثم یزیدون التعلیل : أن الغرض من الوصف «بأیّ» هو المبالغة فی المدح أو الذم ، والحذف مناف لهذا فمن المحتم عندهم ذکر الموصوف ، الذی لیس بمصدر ، وإضافتها لفظا ومعنی معا.

5 - أن تکون حالا بعد المعرفة ، دالة علی بلوغ صاحبها الغایة الکبری فی مدح أو ذم. ویشترط أن تکون مضافة لنکرة مذکورة بعدها ؛ نحو : أصغیت إلی علیّ أیّ خطیب ، فلا بد من إضافتها لفظا ومعنی معا.

6 - أن تکون وصلة لنداء ما فیه «أل» ، نحو : یأیها الإنسان ما غرّک بربک الکریم. وهذه مبنیة قطعا.

* * *

ولکل نوع من الأنواع السابقة أحکام هامة - لفظیة ومعنویة - مفصلة فی الأبواب الخاصة به ، ولا سیما بابی «الإضافة والنداء» غیر أن الذی عرضناه الآن للمناسبة العابرة هو أحکام موجزة ، عرفنا منها : أن «أیّا» الشرطیة والاستفهامیة یضافان إلی النکرة تارة کما یضافان إلی المعرفة تارة أخری. ولکن بشرط.

کما عرفنا أن کلمة : «أی» الواقعة نعتا ، أو حالا تضاف للنکرة دون المعرفة فی الأغلب (2) نحو : فرحت برسالة أیّ رسالة. انتصر محمود أیّ قائد. وأما التی هی وصلة لنداء ما فیه «أل» فلا تضاف مطلقا ، وهی مبنیة. وکذلک «أی» الموصولة فإنها مبنیة فی إحدی حالاتها التی أوضحناها. أما بقیة أنواع «أی» ؛ من شرطیة ، واستفهامیة ، ... و... فمعربة.

ولما کانت «أی» الشرطیة والاستفهامیة تضاف للنکرة حینا وللمعرفة حینا آخر علی الوجه السالف - کانت عند إضافتها للنکرة بمنزلة کلمة : «کل» المراد منها المضاف إلیه کاملا ؛ فیراعی فیما یحتاج معها للمطابقة - کالخبر ، والضمیر ... عود الضمیر علیها مراعاة المعنی - غالبا - فیطابق المضاف إلیه ، تذکیرا ، وتأنیثا ؛ وإفرادا ، وتثنیة ، وجمعا ؛ تقول ؛ أی غلام حضر؟ أی غلامین

ص: 331


1- الهمع ح 1 باب الموصول ص 93.
2- قد تضاف «أی» النعتیة للمعرفة قلیلا کما سبق فی هامش الصفحة الماضیة. وکما یجیء فی الجزء الثالث ، بابی الإضافة والنعت.

حضرا؟ أی غلمان حضروا؟ أی فتاة سافرت؟ أی فتاتین سافرتا؟ أی فتیات سافرن؟

أما عند إضافتها إلی معرفة فتکون بمنزلة کلمة : «بعض» ، المراد منها بعض أجزاء المضاف إلیه ؛ فیراعی فی عود الضمیر علیها وفی کل ما یحتاج للمطابقة معها أن یکون مطابقا للفظ المضاف ، وهو : «أی» فیکون مفردا ، مذکرا کلفظها. وهذا هو الغالب : فنقول : أی الغلامین حضر؟ ... أی الغلمان حضر؟ وهکذا الباقی (1). کما تقول ذلک عند الإتیان بلفظ : «کل وبعض» ...

ویری بعض النحاة أنه لا مانع فیهما من مراعاة اللفظ أو مراعاة المعنی ، فیجوز عنده الأمران. وفی هذا تیسیر محمود لا یمنع من الأخذ به مانع ، فنستریح من التقسیم وآثاره إلا أن الأول أفصح وأقوی.

ص: 332


1- إیضاح هذا کله - ولا سیما تذکیر لفظة «أی» وتأنیثها - فی موضعه المناسب ، وهو باب الإضافة ج 3 ص 91 م 94 م 954.

وإلی هنا انته الکلام علی الألفاظ الستة العامة (أی : المشترکة).

ویتلخص کل ما سبق من الألفاظ المختصة والمشترکة فی الجدول الآتی :

* * *

(ا) الألفاظ المختصة الثمانیة

اللفظ المختص

النوع الذی یصلح له

حکمه من ناحیة الاعراب والبناء

1 – الذی ....

المفرد المذکر مطلقا (أی : عاقلا ، وغیر عاقل)

مبنی علی السکون فی محل ...

علی حسب جملته.

2 – الذی ....

المفردة المؤنثة ، مطلقا

مبنی علی السکون فی محل ...

علی حسب جملته

3 – اللذان - الذین

المثنی المذکر ، مطلقا

الأحسن أن یعرب إعراب المثنی

4 – اللتان – اللتین

المثنی المؤنث مطلقا

الأحسان أن یعرب اعراب المثنی

5 – الألتی أو : الألاء

الجمع المذکر والمؤنث مطلقا

مبنی علی السکون فی محل ...

علی حسب جملته

6 – الذین

الجمع المذکر العاقل

مبنی علی الفتح فی محل ...

علی حسب جملته.

7 – اللات ، اللاتی واللأء – اللأئی

الجمع المؤنث بنوعیه

اللات. واللاء مبنیتان علی الکسر فی محل ... علی

حسب الجملة.

واللاتی وللأئی مبنیتان علی السکون فی محل ... علی

حسب الجملة.

فللمفرد المذکر لفظة واحدة ، وکذلک لمثناه ، وکذلک جمعه ، فالمجموع ثلاثة ألفاظ.

وللمفردة المؤنثة لفظة واحدة ، وکذلک مثناها. أما جمعها فله لفظتان مختومتان بالیاء ، أو غیر مختومتین. فهذه أربعة.

وللجمع بنوعیه لفظة واحدة ، تستعمل مقصورة أو ممدودة. فمجموع الألفاظ کلها ثمانیة.

ص: 333

(ب) الألفاظ الستة العامة

، (أی : المشترکة)اللفظ العام

النوع الذی یصلح له

حکمه من ناحیة الاعراب والبناء

1 – من ....

أکثر استعماله فی العقلاء أفرادا ، وتثنیة ، وجمعا وقد

یستعمل فی غیرهم أیانا

مبنی علی السکون فی محل ... علی حسب الجملة.

2 – ما ....

أکثر استعماله فی غیر العقلاء إفرادا ، وتثنیة ،

وجمعاً. وقد یستعمل فی غیرهم

مبنی علی السکون فی محل ... علی حسب الجملة.

3 – أل (1) ....

یستعمل فی جمیع الأنواع ، ویشترط فی صلته أن تکون

صفة صریحة : (اسم فاعل أو : اسم مفعول فقط) (2)

مبنی علی السکون. ولکن یحسن إعرابه ، وألا یظهر

الإعراب علیه ، وانما یکون علی الصفة الصریحة المتصلة به. باعتبارها بمنزلة کلمة

واحدة – کما شرحنا – (3)

4 – ذو ....

یستعمل فی جمیع الأنواع

مبنی علی السکون فی محل ... علی حسب الجملة.

5 – ذا ....

یستعمل فی جمیع الأنواع بثلاثة شروط

مبنی علی السکون فی محل علی حسب الجملة.

6 – أیّ ....

یستعمل فی جمیع الأنواع

مبنی علی الضم فی حالة واحدة ویعرب فی غیرها.

ص: 334


1- هی اسم موصول. وهل تفید ما دخلت علیه التعریف أولا تفیده؟ رأیان سبق بیانهما فی رقم 2 من هامش ص 320 ، فصاحب المفصل (ج 6 ص 61) یقول إنها تفید التعریف ، وغیره یخالفه. وهی مغایرة للنوع الداخل علی أسماء الموصول ، - کالذی ، والتی - فهذا النوع زائد زیادة لازمة ، کما یقول صاحب المفصل وغیره وکما جاء بتفصیل أشمل فی حاشیة یاسین علی التصریح ، أول باب النکرة والمعرفة
2- وهذان النوعان متفق علیهما. أما الصفة المشبهة ففیها خلاف شدید. وسیجیء بیان لهذا فی ص 347.
3- فی رقم 2 من هامش ص 321 وفی ص 351.

کیفیة إعراب أسماء الموصول

(ا) جمیع الأسماء الموصولة المختصة مبنیة ، إلا اسمین للمثنی ؛ هما : «اللذان» «واللتان». وما عدا هذین الاسمین یلاحظ فی إعرابه موقعه من الجملة ، أفاعل هو ، أم مفعول به ... ، أم مبتدأ ، أم خبر ... أم غیر ذلک؟ فإذا عرفنا موقعه ، وحاجة الجملة إلیه - نظرنا بعد ذلک إلی آخره ؛ أساکن هو أم متحرک؟ فإذا اهتدینا إلی الأمرین ؛ (موقعه من الجملة ، وحالة آخره) قلنا فی إعرابه : اسم موصول مبنی علی السکون ، أو علی حرکة کذا ، فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر ، علی حسب الجملة ؛ «فالذی» مبنیة علی السکون دائما ، ولکنها فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر علی حسب موقعها من الجملة ؛ ففی مثل : سافر الذی یرغب فی السیاحة ، مبنیة علی السکون فی محل رفع ، لأنها فاعل. وفی مثل : ودعت الذی سافر - مبنیة علی السکون فی محل نصب ؛ لأنها مفعول به. وفی مثل : أشرت علی الذی سافر بما ینفعه - مبنیة علی السکون فی محل جر بعلی.

ومثل هذا یقال فی باقی الأسماء الموصولة المختصة ؛ سواء منها ما کان مبنیّا علی السکون أیضا ؛ وهو : «التی» ، و «أولی» مقصورة ، واللاتی ، واللائی. أو مبنیّا علی الکسر ؛ وهو : «أولاء» ، و «اللات» و «اللاء «. أو مبنیّا علی الفتح وهو : «الذین (1)».

أما الاسمان الخاصّان بالتثنیة ؛ وهما : «اللّذان» و «اللّتان» ، رفعا. و «اللّذین» و «اللّتین» ، نصبا وجرا ، فالأحسن - کما سبق - أن یکونا معربین کالمثنی ؛ فیرفعان بالألف ، وینصبان ویجران بالیاء.

(ب) وجمیع الأسماء الموصولة العامة (أی : المشترکة) مبنیة کذلک ؛ إلا (أیّ) ؛ فإنها تکون مبنیة فی حالة ، وتکون معربة فی غیرها ، علی حسب ما أوضحنا. والأساس الذی نتبعه فی الموصولات العامة هو الأساس الذی بیناه فی الموصولات المختصة ؛ بأن ننظر أوّلا إلی موقع اسم الموصول المشترک من جملته ؛ أمبتدأ هو ، أم خبر ، أم فاعل ، أم مفعول ... أو ...؟ فإذا عرفنا موقعه

ص: 335


1- ومن ینطقون بها بالواو رفعا یعربونها ویجعلونها فی حکم الملحق بجمع المذکر ، فیقولون : اللذون حضروا کرماء. إن الذین حضروا کرماء. أسرعت إلی الذین حضروا. فهی فی المثال الأول مبتدأ مرفوع بالواو ، وفی المثال الثانی اسم «إن» منصوب بالیاء ، وفی الثالث مجرور بإلی ، وعلامة جره الیاء ...

نظرنا إلی آخره ؛ أساکن هو أم متحرک؟ فإذا أدرکنا الأمرین قلنا عنه : إنه مبنی علی السکون أو علی حرکة «کذا» فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر. لأنه مبتدأ ، أو خبر ، أو فاعل ، أو مفعول به ، أو مضاف إلیه ... أو ... أو ...

فکلمة «من» مبنیة علی السکون دائما ، ولکن فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر ، ففهی فی مثل ، قعد «من» حضر - مبنیة علی السکون فی محل رفع ؛ لأنها فاعل. وهی فی مثل : آنست «من» حضر - مبنیة علی السکون فی محل نصب ؛ لأنها مفعول به. وهی فی مثل : سعدت «بمن» حضر - مبنیة علی السکون فی محل جر ؛ لأنها مجرورة بالیاء.

وهکذا یقال فی : «ما» و : «ذو» وفی : «ذا» الواقعة بعد «ما» أو «من» الاستفهامیتین (1).

أما «أل» الموصولة (2) فالأحسن ألا نطبق علیها الأساس السابق ؛ فلا ندخل فی اعتبارنا أنها مبنیة ، ولا ننظر إلی آخرها ؛ وهو اللام - وإنما ننظر معها إلی الصفة الصریحة التی بعدها ، ونجری علی الصفة وحدها حرکات الإعراب ؛ ففی مثل : إن الناصح الأمین خیر معوان فی ساعات الشدة ، یلجأ إلیه المکروب فینقذه بصائب رأیه - نقول : «الناصح» اسم إن منصوب ، «الأمین» صفة منصوبة. «المکروب» فاعل مرفوع (3).

ص: 336


1- نحو : ماذا قرأته؟ من ذا رأیته؟ فما أو من ، اسم استفهام مبتدأ مبنی علی السکون فی محل رفع ، وذا : اسم موصول خبر مبنی علی السکون فی محل رفع - کما قلنا آننا (ص 322 وما بعدها).
2- وقد سبق أنها لا بد أن تتصل بصفة صریحة ، تکون هی ومرفوعها ، صلة «أل» وفی هذه الحالة تعتبر الصلة من قسم شبه الجملة. کما تعتبر «أل» مع الصفة بمنزلة «المرکب المزجی» یجری الإعراب علی آخر الجزء الثانی منه.
3- ولا داعی لأن نعتبر «أل» فی مثل هذه المواضع کلمة مستقلة بنفسها ؛ کی لا نقع فی کثیر من التعقید المرهق أشرنا إلی بعضه فیما سلف وسیجیء أیضا فی 348.

المسألة 27: صلة الموصول ، والرابط

اشارة

الموصولات کلها - سواء أکانت اسمیة أم حرفیة - مبهمة (1) المدلول ، غامضة ، المعنی ، کما عرفنا. فلا بد لها من شیء یزیل إبهامها وغموضها ، وهو ما یسمی : «الصلة». فالصلة هی التی تعین مدلول الموصول ، وتفصّل مجمله ، وتجعله واضح المعنی ، کامل الإفادة. ومن أجل هذا کله لا یستغنی عنها موصول اسمی ، أو حرفی. وهی التی تعرّف الموصول الاسمی. - فی الصحیح -

شروطها

الصلة نوعان : جملة (اسمیة أو : فعلیة) وشبه جملة. والجملة هی الأصل (2).

فأما النوع الأول - وهو الجملة بقسمیها - فمن أمثلتها قول الشاعر یصف إساءة أحد أقاربه :

ویسعی إذا أبنی لیهدم صالحی

ولیس الذی یبنی کمن شأنه الهدم

ولا یتحقق الغرض منها إلا بشروط ، أهمها :

1 - أن تکون خبریة (3) لفظا ومعنی ، ولیست للتعجب ؛ نحو ؛ اقرأ الکتاب

ص: 337


1- أی : لا تدل علی شیء مفصل معین (وقد سبق توضیح معنی المبهم فی «ج» ص 305 وفی 3 من هامش ص 306
2- لما سیجیء فی رقم 1 من هامش ص 347.
3- وهی الجملة التی یکون معناها صالحا للحکم علیه بأنه صدق أو کذب ؛ من غیر نظر لقائلها ، من ناحیة أنه معروف بهذا أو بذاک. ومن أمثلتها أن یقول قائل : نزل المطر أمس. أو حضر والدی الیوم. أو یحضر الغائبون غدا. فکل جملة من هذه الجمل عرضة لأن توصف بأنها صادقة أو کاذبة فی حد ذاتها ، أی : بإغفال قائلها ؛ فکأنه مجهول تماما من ناحیة اتصافه بالصدق والکذب. وهذا معنی قولهم : إن الجملة الخبریة هی التی تحتمل الصدق والکذب لذاتها. أی : بدون نظر لقائلها ؛ فلا نحکم علی جملة خبریة بأنها صادقة فقط ، لأن قائلها معروف بالصدق ، ولا کاذبة فقط ؛ لأن قائلها مشهور بالکذب. ویقابلها الجملة الإنشائیة ، وهی التی یطلب بها إما حصول شیء ، أو عدم حصوله ، وإما إقراره والموافقة علیه ، أو عدم إقراره. فلا دخل للصدق والکذب فیها. وهی قسمان : إنشائیة طلبیة ؛ أی : یراد بها طلب حصول الشیء أو عدم حصوله. ویتأخر تحقق وقوع معناها عن وجود لفظها. وتشمل الأمر ، والنهی ، والدعاء ، والاستفهام. والتمنی (مثل : لیت) ، والعرض ، والتحضیض ... - کما هو مدون فی المصادر الخاصة بالبلاغة. وإنشائیة غیر طلبیة ؛ وتشمل جملة التعجب - عند من یری أنها لیست خبریة - وجملة المدح أو - - الذم ، وجملة القسم نفسه ، لا جملة جوابه ، و «رب» ، و «کم الخبریة» ، وصیغ العقود التی یراد إیقاعها ، وإقرارها ؛ کقولک لمن طلب منک أن تبیع أو تهب له کتابا - مثلا - : بعت ، أو وهبت لک ما ترید .. کما یشمل الترجی ؛ مثل : لعل ، وأفعال الرجاء ؛ مثل : عسی. ولکن الصحیح وقوع «عسی» فعل صلة وأکثر أنواع الإنشاء غیر الطلبی یتحقق معناه بمجرد النطق بلفظه ، ومنه ألفاظ البیع والهبة .. والجملة الخبریة التی تقع صلة إنما تسمی خبریة بحسب أصلها الأول فقط ، قبل أن تکون صلة ، فإذا صارت صلة فلا تسمی خبریة ، لخلوها من المعنی المستقل بنفسه ؛ إذ لا یکون فیها حکم مستقل بالسلب أو الإیجاب یقتصر علیها وحدها ؛ بل هی لذلک لا تسمی : «کلاما» ، أو «جملة» مطلقا ، فعدم تسمیتها جملة خبریة من باب أولی. ومثلها الجملة الواقعة صفة ، أو خبرا ، أو حالا ؛ فکل واحدة من هذه الجمل تسمی : «جملة» حین تکون فی أول أمرها مستقلة بنفسها ، وبمعناها المقصود لذاته. فإذا فقدت استقلالها وصارت متممة معنی فی غیرها (بأن تقع صلة ، أو صفة ، أو خبرا ، أو حالا ، أو ...) فلا تسمی جملة ، ولا کلاما ؛ کما سبق - فی رقم 1 من هامش ص 15 - : إذ لیس لها کیان معنوی مستقل. هذا ومن الجمل التی تصح أن تقع صلة ، الجملة الخبریة الواقعة جوابا للقسم ، بشرط أن تکون - کغیرها من الجمل - مشتملة علی رابط یربطها بالموصول ، کما سیجیء - نحو : أحب الذی أقسم بالله - بالله - لقد ساعد الضعیف. وکذلک الجملة الخبریة الواقعة جوابا للشرط ؛ نحو : أکرم الذی إن تکرمه یعرف فضلک. بشرط وجود رابط فیها ، أو فی الجملة الشرطیة ، أو فیهما معا. فمثال الرابط فی الجملة الجوابیة فقط : الصاحب النبیل الذی إن یتغیر الزمن لا یتغیر خلقه. ومثال الرابط فی الجملة الشرطیة فقط : اعمل الذی إن تعمله یفرح العقلاء. ومثال الرابط فیهما : لیس الناصح الذی إن ینصح یعلن أمام الناس العیوب. نعم إن جملة القسم نفسها إنشائیة ، فلا تکون صلة ؛ إنما الصلة هی الجملة الواقعة جوابا له ؛ فإنها خبریة ، دون جملة القسم ؛ فإنها - کما سبق - إنشائیة ، لمجرد التأکید. (انظر رقم 2 من ص 341 حیث بیان الأشیاء التی یجوز أن تفصل بین الموصول وصلته).

الذی «یفیدک». بخلاف : اقرأ الکتاب الذی «حافظ علیه» لأن جملة ؛ «حافظ علیه» ، إنشائیة ، ولیست خبریة. وبخلاف : مات الذی «غفر الله له» لأن جملة : «غفر الله له» خبریة فی اللفظ دون المعنی ؛ إذ معناها طلب الدعاء للمیت بالغفران ؛ وطلب الدعاء إنشاء ، لا خبر. وبخلاف : هنا الذی «ما أفضله» ؛ لأن الجملة التعجبیة إنشائیة - فی رأی کثیر من النحاة - برغم أنها کانت خبریة قبل استعمالها فی التعجب. ویلحق بالخبریة - هنا - الإنشائیة التی فعلها : «عسی».

وقد یصح فی : «أن» - وهی من الموصولات الحرفیة - وقوع صلتها جملة طلبیة : نحو : کتبت لأخی بأن داوم. علی أداء واجبک. وهذا مقصور علی «أن» (1) دون غیرها من الموصولات الاسمیة والحرفیة.

2 - أن یکون معناها معهودا مفصلا للمخاطب (2) ، أو بمنزلة المعهود المفصّل.

ص: 338


1- کما سیجیء فی ص 369 عند الکلام علی الموصول الحرفی (أن).
2- أی : معروفا له ، تفصیلا ، لا إجمالا ، وأنه یختص بشیء معین ، کما سبق ؛ لأن الغرض من الصلة أن توضح للمخاطب اسم الموصول المبهم بما کان یعرفه قبل مجیء اسم الموصول ، من اتصافه بمضمون الجملة. - مع ملاحظة الفرق بین هذا وما فی رقم 4 من ص 343 -

فالأولی مثل : أکرمت الذی قابلک صباحا ؛ إذا کان بینک وبین المخاطب عهد فی شخص معین. ولا یصح غاب الذی تکلم ، إذا لم تقصد شخصا معینا عند السامع.

والثانیة : هی الواقعة فی معرض التفخیم ، أو معرض التهویل ؛ مثل : یا له من قائد انتصر بعد أن أبدی من الشجاعة ما أبدی!! ویا لها من معرکة قتل فیها من الأعداء من قتل!!. أی : أبدی من الشجاعة الشیء الکثیر المحمود. وقتل فی المعرکة الکثیر الذی لا یکاد یعد. ومثل هذا قوله تعالی : (فَأَوْحی إِلی عَبْدِهِ ما أَوْحی.) أی : الکثیر من العلم والحکمة ... وقوله تعالی : (فَغَشِیَهُمْ مِنَ الْیَمِّ ما غَشِیَهُمْ.) أی ؛ الهول الکثیر ، والبلاء العظیم.

والمعول علیه فی ذلک کله هو الغرض من الموصول ؛ فإن کان الغرض منه أمرا معهودا للمخاطب جاءت صلته معهودة مفصلة. وإن أرید به التعظیم أو التهویل جاءت مبهمة بمنزلة المفصلة.

3 - أن تکون مشتملة علی ضمیر یعود علی اسم الموصول - غالبا (1) - ویطابقه ؛ إما فی اللفظ (2) والمعنی معا. وإما فی أحدهما فقط علی التفصیل الذی سنعرفه. وهذا الضمیر یسمی : «العائد ، أو : الرابط» لأنه یعود - غالبا - علی الموصول ، ویربطه بالصلة. ولا یکون إلا فی الموصولات الاسمیة دون الحرفیة (3) ، ویجب أن تکون مطابقته تامة ؛ بأن یوافق لفظ الموصول ومعناه. وهذا حین یکون الموصول اسما مختصّا ؛ فیطابقه الضمیر فی الإفراد ، والتأنیث ، وفروعهما ؛ نحو : سعد الذی أخلص ، واللذان أخلصا ، والذین أخلصوا. والتی أخلصت ، واللتان أخلصتا ، واللاتی أخلصن. ومن هذا قول الشاعر :

أمنزلتی منیّ. سلام علیکما

هل الأزمن اللّاتی مضین رواجع

أما إن کان الاسم الموصول عامّا (أی : مشترکا) فلا یحب فی الضمیر

ص: 339


1- لأنه قد یعود علی غیره جوازا فی نحو : أنا الذی سافرت - کما سیجیء البیان فی «ب» من الزیادة - ص 343.
2- وذلک بأن یکون لفظ الموصول خاصا بنوع واحد یقتصر علیه ، کأن یدل علی المفرد المذکر وحده ، أو علی المفردة وحدها ، أو مثنی أحدهما ، أو جمعه. وعند ذلک یطابقه الضمیر ، فیکون مثله للمفرد المذکر ، أو المفردة المؤنثة أو لمثنی أحدهما ، أو لجمع أحدهما.
3- لأن الموصول الحرفی یحتاج إلی صلة حتما ، ولا یحتاج إلی رابط.

مطابقته مطابقة تامة : لأن اسم الموصول العام : لفظه مفرد مذکر دائما ، کما أسلفنا (مثل : من - ما - ذو ...) ولکن معناه قد یکون مقصودا به. المفردة ، أو المثنی ، أو الجمع. بنوعیهما ، ولهذا یجوز فی العائد (أی : الرابط). عند أمن اللبس ، وفی «غیر أل» : مراعاة اللفظ ، وهو الأکثر ، ومراعاة المعنی وهو کثیر (1) أیضا - بالتفصیل الذی عرفناه - تقول شقی من أسرف ... فیکون الضمیر مفردا مذکرا فی الحالات کلها ؛ مراعاة للفظ «من» ، ولو کان المراد المفردة ، أو المثنی ، أو الجمع بنوعیهما. وإن شئت راعیت المعنی ، فأتیت بالرابط مطابقا له ؛ فقلت : من أسرفت. من أسرفتا - من أسرفوا - من أسرفن. فالمطابقة فی اللفظ أو فی المعنی جائزة فی العائد علی اسم الموصول المشترک. إلا إن کان اسم الموصول المشترک «أل» فتجب المطابقة فی المعنی وحده ؛ لخفاء موصولیتها بغیر المطابقة - کما سبق عند الکلام علیها.

وقد یغنی (2) عن الضمیر فی الربط اسم ظاهر یحل مکان ذلک الضمیر ، ویکون بمعنی الموصول ؛ نحو : اشکر علیّا الذی نفعک علم علیّ ، أی : علمه. ونحو قول الشاعر العربی :

فیا ربّ لیلی أنت فی کلّ موطن

وأنت الّذی فی رحمة الله أطمع

أی : فی رحمته أطمع (3).

ص: 340


1- ویجوز مراعاة المعنی بعد مراعاة اللفظ ، ویجوز العکس ، کما یجوز مراعاة اللفظ ، ثم المعنی ، ثم اللفظ - کما فی رقم 2 من هامش ص 314 - ... کل ذلک مع أمن اللبس. فإن حصل لبس من مراعاة اللفظ وجب مراعاة المعنی ؛ نحو : أنصف من أنصفتک. فلا یصح من أنصفک إذا کان المراد أنثی. ومثل اللبس. قبح الإخبار بمؤنث عن مذکر ، نحو : من - هی حمراء - أمتک. وکذا فی باقی المواضع الأخری التی سبقت إلیها الإشارة التفصیلیة فی رقم 2 من هامش 314.
2- لسبب بلاغی : کالاستعطاف ، أو التلذذ ، أو زیادة الإیضاح.
3- ویصلح أن یکون منه قول الشاعر البحتری : صنت نفسی عمّا یدنّس نفسی وترفّعت عن جدا کلّ جبس (أی : عن عطاء کل لئیم دنیء.) والأصل عما یدنسها. وهذا علی اعتبار «ما» موصولة. ویری بعض النحاة : أن جملة الصلة قد تخلو من الرابط إذا عطفت علیها بالفاء أو الواو ، أو ثم - جملة أخری مشتملة علیه ؛ مثل. الذی یشتد الکرب فیصبر شجاع - التی یتحرک القطار وتجلس عاقلة - الذی لاحت الفرصة ثم اغتنمها ، حازم. فجملة الصلة فی هذه الأمثلة خالیة من الرابط : اکتفاء بوجوده فی الجملة المتأخرة المعطوفة علی الأولی. وهذا رأی مقبول تؤیده الأسالیب الکثیرة المسموعة. (راجع الصبان ج 1 ، باب المبتدأ ، عند الکلام علی الخبر الجملة ، ورابطه).

زیادة وتفصیل

(ا) هناک شروط أخری فی جملة الصلة ؛ أهمها :

1 - أن تتأخر وجوبا عن الموصول (1) ؛ فلا یجوز تقدیمها ، ولا تقدیم شیء منها علیه.

2 - أن تقع بعد الموصول مباشرة ؛ فلا یفصل بینهما فاصل أجنبی ؛ (أی : لیس من جملة الصلة نفسها). وألا یفصل بین أجزاء الصلة فاصل أجنبی أیضا ؛ ففی مثل : اقرأ الکتاب الذی یفیدک فی عملک ، وأرشد إلیه غیرک ... ، لا یصح اقرأ الکتاب الذی - غیرک - یفیدک فی عملک ، وأرشد إلیه ، لوجود فاصل أجنبی بین الموصول وصلته ، وهو کلمة : «غیر» التی هی من جملة أخری غیر جملة الصلة. ولا یصح اقرأ الکتاب الذی یفیدک - غیرک - فی عملک ، وأرشد إلیه ، لوجود فاصل أجنبی لم یفصل بین الموصول وصلته ؛ وإنما تخلل جملة الصلة ، وفصل بین أجزائها مع أنه لیس منها ... وهکذا.

لکن هناک أشیاء یجوز الفصل بها بین الموصولات الاسمیة وصلتها إلا «أل» فلا یجوز الفصل بینها وبین صلتها مطلقا. وکذلک یجوز الفصل بها بین الموصول الحرفی «ما» وصلته - فی رأی قویّ - دون غیره من باقی الموصولات الحرفیة.

فأما الأشیاء التی یجوز أن تفصل بین هذه الأنواع من الموصولات وصلتها فهی : جملة القسم ؛ نحو غاب الذی «والله» قهر الأعداء (2). أو جملة النداء بشرط أن یسبقها ضمیر المخاطب ؛ نحو : أنت الذی - یا حامد - تتعهد الحدیقة ، أو بالجملة المعترضة ؛ نحو : والدی الذی - أطال الله عمره - یرعی شئونی ، أو بجملة الحال ، نحو : قدم الذی - وهو مبتسم - یحسن الصنیع.

وکذلک یجوز تقدیم بعض أجزاء الصلة الواحدة علی بعض بحیث یفصل المتقدم بین الموصول وصلته ، أو بین أجزاء الصلة ، إلا المفعول به ؛ فلا یصح تقدیمه علی عامله إن کان الموصول حرفیا غیر : «ما» (3) تقول : تفتح الورد الذی - العیون - یسرّ

ص: 341


1- سواء أکان اسمیا أم حرفیا.
2- انظر آخر رقم 3 من هامش ص 337 ورقم 1 من ص 611.
3- إذا اشتملت صلة الموصول الحرفی علی مفعول به ففی تقدیمه علی عامله خلاف رددته المطولات : -

ببهائه. أو تفتح الورد الذی - ببهائه - یسرّ العیون. ترید فیهما : تفتح الورد الذی یسر العیون ببهائه.

والفصل بتلک الأشیاء علی الوجه الذی شرحناه - جائز فی الموصولات الاسمیة إلا «أل» ، غیر جائز فی الموصولات الحرفیة (1) إلا «ما» ؛ کما قلنا ؛ فیصح أن تقول : فرحت بما الکتابة أحسنت ، أی : بما أحسنت الکتابة. (بإحسانک الکتابة).

ولما کان الفصل بین الموصول وصلته غیر جائز إلا علی الوجه السالف امتنع مجیء تابع للموصول قبل مجیء صلته ؛ فلا یکون له قبلها نعت ، ولا عطف بیان ، أو نسق ولا توکید ، ولا بدل ، وکذلک لا یخبر عنه قبل مجیء الصلة وإتمامها. لأن الخبر أجنبی عن الصلة ، وکذلک لا یستثنی من الموصول ؛ فلا یصح : (رجع الذی - غیر الضار - ینفع الناس) ؛ ولا یصح : (یحترم العقلاء الذی محمدا - یفید غیره) ، ولا : (نظرت إلی الذی - والحصن - سکنته) ، ولا : (رأیت التی - نفسها فی الحقل) ، ولا : (جاء الذین - الذی فاز - فازوا). ولا : (الذی سباح ماهر - عبر النیل) ولا : (وقف الذین - إلا محمودا - فی الغرفة) ترید : رجع الذی ینفع الناس غیر الضار. ویحترم العقلاء الذی (أی : محمدا) یفید غیره. ونظرت إلی الذی سکنته والحصن ، ورأیت التی فی الحقل نفسها. وجاء الذی فاز. والذی عبر النیل سباح ماهر - ووقف الذین فی الغرفة إلا محمودا.

ویفهم من الشرط السابق شیء آخر. هو : أنه لا یجوز تقدم الصلة ولا شیء من مکملاتها علی الموصول ، وهذا صحیح ، إلا أن یکون المکمل ظرفا ،

ص: 342


1- سبب ذلک هو : النهج العربی المسموع ، الذی یجعل «أل» مع صلتها (وهی : الصفة الصریحة) کالکلمة الواحدة. وکذلک الموصولات الحرفیة - غیر ، «ما» فی رأی قوی - لشدة امتزاج الموصول الحرفی بصلته ؛ لتأویله معها بمصدر ؛ فهو مع صلته أقوی امتزاجا من الاسمی. أما الموصول الحرفی : «ما» فقد وردت منه أمثلة تبیح الفصل عند فریق کبیر.

أو جارّا مع مجروره - فیجوز التقدیم عند أمن اللبس (1) نحو : أمامنا الذی قرأته رسالة کریمة. أی : الذی قرأته أمامنا رسالة کریمة. ومثل : الغزالة هی - فی حدیقتک - التی دخلت. أی : الغزالة هی التی دخلت فی حدیقتک.

3 - ألا تستدعی کلاما قبلها ؛ فلا یصح : کتب الذی لکنه غائب ، ولا : تصدّق الذی حتی ما له قلیل ؛ إذ «لکن» لا یتحقق الغرض منها (وهو : الاستدراک) إلا بکلام مفید سابق علیها ، وکذلک : «حتی» لا بد أن یتقدمها کلام مفید تکون غایة له.

4 - ألا تکون معلومة لکل فرد ؛ فلا یصح شاهدت الذی فمه فی وجهه ، ولا حضر من رأسه فوق عنقه (2).

(ب) إذا کان اسم الموصول خبرا عن مبتدأ ، هو ضمیر متکلم أو مخاطب ، جاز أن یراعی فی الضمیر الرابط مطابقته للمبتدأ فی التّکلم أو الخطاب ، وجاز مطابقته لاسم الموصول فی الغیبة ؛ تقول : أنا الذی حضرت ، أو : أنا الذی حضر. وأنت الذی برعت فی الفن ، أو : أنت الذی برع فی الفن ؛ فالتاء فی الصورة الأولی یراد بها المبتدأ : (أنا) ولا تعود علی اسم الموصول. وهو فی هذه الحالة یعرب خبرا ؛ ولا یحتاج لرابط یعود علیه من الصلة ؛ اکتفاء واستغناء بالتاء المراد بها المبتدأ ؛ فیکون المبتدأ والخبر هنا کالشیء الواحد. أما فی الصورة الثانیة فالضمیر فی الصلة للغائب فیعود علی اسم الموصول. ومثل ذلک یقال فی

ص: 343


1- فقد وردت أمثلة لذلک فی الکلام الفصیح - وفی مقدمته القرآن الکریم - تؤید هذا الرأی الکوفی الذی یرتضیه بعض أئمة البصریین ، کالمازنی والمبرد ، وتخالف الرأی الذی یعارضه معارضة أساسها التکلف فی التأویل. ومنها قوله تعالی : (وَکانُوا. فِیهِ مِنَ الزَّاهِدِینَ) وقوله تعالی : (وَقاسَمَهُما إِنِّی لَکُما لَمِنَ النَّاصِحِینَ) وقوله تعالی : («وَأَنَا عَلی ذلِکُمْ مِنَ الشَّاهِدِینَ) فکلمة «أل» فی الآیات السالفة ، اسم موصول ، صلته المشتق ، وقد تقدم علی اسم الموصول الجار والمجرور وهما من مکملات الصلة. وقد أول کثیر من النحاة تلک الآیات ونظائرها ، فجعلوا الجار والمجرور متعلقان بمحذوف متقدم علیهما یشبه الموصول وصلته المذکورین بعد ؛ فقالوا إن التقدیر هو : (وکانوا من الزاهدین فیه من الزاهدین) (وقاسمها إنی من الناصحین لکما من الناصحین) (وأنا من الشاهدین علی ذلکم من الشاهدین) وهذا التأویل مرفوض ، إذ لا حاجة تضطرنا إلیه وإلی إخراج الآیات المتعددة. وغیرها - عن ظاهرها الترکیبی العالی. وقد قال المبرد فی الکامل (ج 1 .. ص 29) «إنی أختار هذا الرأی ، وإنه رأی المازنی أیضا».
2- مع ملاحظة الفرق بین هذا وما سبق فی رقم 2 من ص 338.

الحالتین اللتین وقع فیهما المبتدأ ضمیر المخاطب ، وخبره اسم موصول. کما یقال أیضا فی حالة ثالثة ؛ هی : أن یکون المبتدأ ضمیر متکلم أو مخاطب ، وله خبر موصوف باسم موصول ؛ فیجوز فی الرابط أن یکون للتکلّم أو للخطاب ؛ مراعاة للمبتدأ ، ویجوز فیه أن یکون للغیبة ؛ مراعاة لاسم الموصول. تقول : أنا الرجل الذی عاونت الضعیف ، أو أنا الرجل الذی عاون الضعیف - وأنت الرجل الذی سبقت فی میدان الفنون ، أو : أنت الرجل الذی سبق فی میدان الفنون (1).

وإنما یجوز الأمران فی الحالات السابقة ونظائرها بشرطین :

أولهما : ألا یکون المبتدأ الضمیر مشبها بالخبر فی تلک الأمثلة ؛ فإن کان مشبّها بالخبر لم یجز فی الربط إلا الغیبة ؛ نحو : أنا فی الشجاعة الذی هزم الرومان فی الشام. وأنت فی القدرة الذی بنی الهرم الأکبر ؛ ترید ؛ أنا فی الشجاعة کالذی هزم الرومان فی الشام ، وأنت فی القدرة کالذی بنی الهرم الأکبر. فالمبتدأ فی المثالین مقصود به التشبیه ، لوجود قرینة تدل علی ذلک ؛ هی : أن المتکلم والمخاطب یعیشان فی عصرنا ، ولم یدرکا العصور القدیمة.

وثانیهما : ألا یکون اسم الموصول تابعا للمنادی : «أیّ» ، أو : أیّة ، فی مثل : یأیّها الذی نصرت الضعیف ستسعد ، ویأیتها التی نصرت الحق ستفوزین فلا یصح أن تشتمل الصلة علی ضمیر خطاب فی رأی بعض النحاة ، دون بعض آخر. وملخص المسألة - کما سیجیء فی ج 4 ص 36 م 30 باب أحکام تابع المنادی - هو أنه لا بد من وصف ؛ «أی وأیّة» ، عند ندائهما بواحد من أشیاء معینة محددة ، منها : اسم الموصول المبدوء «بأل» وقد اشترط الهمع (ج 1 ص 175) أن یکون الموصول مبدوءا بأل ، وأن تکون صلته خالیة من الخطاب ، فلا یقال یأیها الذی قمت. فی حین نقل الصبان (ج 3 أول باب تابع المنادی) - صحة ذلک قائلا ما نصه : (ویجوز یأیها الذی قام ، ویأیها الذی قمت) ، والظاهر أن الذی منعه الهمع لیس بالممنوع ، ولکنه غیر الأفصح الشائع فی الکلام المأثور ؛ بدلیل ما قرره النحاة ونقله الصبّان فی الموضع المشار إلیه ونصّه : (الضمیر فی تابع

ص: 344


1- راجع ما سبق فی هذا عند الکلام علی تعدد مرجع الضمیر رقم 9 من ص 241)

المنادی یجوز أن یکون بلفظ الغیبة ؛ نظرا إلی کون لفظ المنادی اسما ظاهرا ، والاسم الظاهر من قبیل الغیبة ، وبلفظ الخطاب نظرا إلی کون المنادی مخاطبا ، فعلمت أنه یجوز أیضا : یا زید نفسه أو نفسک. قاله الدمامینی. ثم قال : ویجوز یأیها الذی قام ، ویأیها الذی قمت) اه کلام الصبان نصا.

وکل ما سبق تقریره فی العائد من حیث التکلم أو الخطاب أو الغیبة یثبت لکل ضمیر قد یجیء بعده ویکون بمعناه ؛ نحو : أنا الذی عاهدتک علی الوفاء ما عشت. أو أنا الذی عاهدک علی الوفاء ما عاش (1) ، وقد یختلفان کما فی قول الشاعر :

نحن الذین بایعوا محمدا

علی الجهاد ما بقینا أبدا

هذا ، وبالرغم من جواز المطابقة وعدمها فی الصور السابقة - فإن مطابقة الرابط لضمیر المتکلم أفصح ، وأوضح ؛ فهی أولی من مراعاة الموصول الغائب ، وکذلک مطابقته للمخاطب أولی من اسم الموصول الغائب ؛ وزیادة الإیضاح غرض لغویّ هامّ لا یعدل عنه إلا لداع آخر أهم.

وسیجیء فی باب أحکام تابع المنادی (فی الجزء الرابع) أن الضمیر المصاحب لتابع المنادی یصح فیه أن یکون للغائب أو للمخاطب ، وأن هذا الحکم عام یسری علی توابع المنادی المنصوب اللفظ وغیر المنصوب ، إلا صورة واحدة مستثناة وقع فیها الخلاف. وتطبیقا لذلک الحکم العام نقول : یا عربا کلکم ، أو : کلهم ... ویا هارون نفسک ، أو : نفسه ، خذ بید أخیک - یا هذا الذی قمت أو قام أسرع إلی الصارخ.

أما الصورة المستثناة التی وقع فیها الخلاف فهی التی یکون فیها المنادی لفظ. (أیّ ، أو : أیة) والتابع اسم موصول ، فلا یجوز عند فریق من النحاة أن تشتمل صلته علی ما یدل علی خطاب ؛ فلا یصح : یأیها الذی حضرت ، ویصح عند غیره - کما سلف -

ح - یجیز الکوفیون جزم المضارع الواقع فی جملة بعد جملة الصلة ، بشرط أن تکون الجملة الفعلیة المشتملة علی هذا المضارع مترتبة علی جملة الصلة کترتب

ص: 345


1- وکما یراعی هذا فی رابط جملة الصلة یراعی بصورة أقوی فی رابط جملة الخبر ، والنعت والحال - کما سیجیء فی ص 332 وما بعدها.

الجملة الجوابیة علی الجملة الشرطیة حین توجد أداة الشرط التی تحتاج للجملتین ، فکأن الموصول بمنزلة أداة الشرط ، والجملتان بعده بمنزلة جملة الشرط وجملة الجواب. ففی مثل : من یزورنی أزوره ... یجیزون ؛ من یزورنی أزره ؛ بجزم المضارع : «أزر» علی الاعتبار السالف. لکن حجتهم هنا ضعیفة ، والسماع القوی لا یؤیدهم ، ولهذا یجب إهمال رأیهم ، والاکتفاء من معرفته بفهم المسموع الوارد ، دون محاکاته - کما سیجیء فی الجوازم (1).

ص: 346


1- ج 4 ص 350 م 157

وأما النوع الثانی وهو : «شبه الجملة» فی باب الموصول فثلاثة أشیاء (1) : الظرف - والجار مع المجرور - والصفة (2) الصریحة. ویشترط فی الظرف والجار مع المجرور أن یکونا تامّین ، أی : یحصل بالوصل بکل منهما فائدة (3) ؛ تزیل إبهام الموصول ، وتوضح معناه من غیر حاجة لذکر متعلقهما ؛ نحو : تکلم الذی

ص: 347


1- کل واحد من هذه الثلاثة یسمی : شبه جملة ، ولا یسمی جملة. - وفی ص 431 وهامشها بیان واف بسبب التسمیة - والأصل فی صلة الموصول أن تکون جملة - کما سبق فی ص 337 - ؛ سواء أکانت فعلیه أم اسمیة ؛ لأن الجملة وحدها هی التی تزیل الإبهام ؛ فتحقق الغرض من الصلة. ولیس واحد من الثلاثة التی تشبهها - بجملة حقیقیة. ولهذا وجب فی الظرف وفی الجار مع مجروره إذا وقع أحدهما صلة أن یکون متعلقا بفعل محذوف ؛ لیکون الفعل مع فاعله الذی استقر فی شبه الجملة - بعد حذف الفعل - هما الصلة فی الحقیقة ؛ وإن کان الأیسر والأسهل اعتبارهما الصلة الملحوظة. أو الصلة بحسب الأصل ، مع اعتبار الظرف والجار مع مجروره الصلة بحسب الواقع الحالی. ولا ضرر فی هذا الاعتبار ما دامت الجملة الفعلیة عند حذفها قد ترکت اختصاصها لشبه الجملة بعدها ، فحمل الضمیر الذی کان فیها ، وغیره مما قرره النحاة علی الوجه الذی سردناه (فی ص 431). وعلی هذا یکون ما یدور علی الألسنة الیوم عند الإعراب من أن الظرف ، أو الجار مع مجروره ، هو الصلة ، أمرا سائغا مقبولا - فوق أنه رأی لبعض القدامی أیضا ، یحمل طابع التیسیر والاختصار. فإن وقع أحدهما خبرا ، أو نعتا ، أو حالا ، جاز تعلقه بمحذوف هو فعل ، أو اسم مشتق استقر مرفوعه فی شبه الجملة بعد حذف هذا المشتق ؛ فلا یتحتم تعلقه بفعل محذوف مع فاعله ؛ کما یتحتم فی الصلة وکما یتحتم فی القیسم الذی یحذف عامله - کما سنعرف - ویجوز التیسیر والاختصار أیضا بجعل شبه الجملة نفسه هو الخبر ، أو النعت ، أو الحال أما الصفة الصریحة فهی اسم مشتق بمعنی الفعل ، وله مرفوع خاص به ، یجیء بعده ، کما أن الفعل کذلک. ولکن المراد بالصفة الصریحة هنا لا یشمل - کما سیجیء البیان فی ص 349 - إلا نوعین من الأسماء المشتقة ؛ هما : اسم الفاعل مع مرفوعه ، واسم المفعول مع مرفوعه کذلک ؛ ؛ فکلاهما یشبه الفعل فی المعنی وفی الاحتیاج إلی مرفوع بعده ، ولهذا سمی شبیها بالجملة. والنحاة یقولون : إن الصفة الصریحة مع مرفوعها لا تسمی شبیهه بالجملة إلا حین تقع صلة «أل». وبالرغم من أنها تسمی شبیهة بالجملة - هنا فقط - فإنها فی قوه الجملة معنی ، أی : من جهة المعنی - وهذا الرأی هو الذی رجحه الصبان - کما تکون فی قوة الجملة حین تقع خبرا. ویعدها بعض النحاة جملة حین تکون خبرا ، کما سیجیء فی باب المبتدأ - رقم 5 من هامش ص 404 - وهذه الصفة مع مرفوعها لا محل لها من الإعراب - علی الصحیح - حین تکون صلة «أل» ؛ کما أن جملة الصلة لا محل لها من الإعراب. وعلی هذا ؛ إذا ذکر شبه الجملة فی غیر باب الموصول لم ینصرف إلا للظرف ، والجار مع مجروره ، دون الصفة الصریحة.
2- سیجیء فی باب المبتدأ رقم 5 من هامش ص 404 أن بعض النحاة یعدها جملة ، کما أشرنا هنا فی رقم 1.
3- أوضح علامة تدل علی وجود الفائدة المطلوبة من الظرف ومن الجار مع مجروره هی أن یفهم متعلقهما المحذوف بمجرد ذکرهما. ویتحقق هذا فی صورتین. الأولی : أن یکون هذا المتعلق المحذوف شیئا یدل علی مجرد الوجود العام ، والحضور المطلق دون زیادة معنی آخر. ویسمون هذا : «الاستقرار العام». أو «الکون العام» ومعناهما مجرد الوجود ففی نحو : (تکلم الذی عندک) لا یفید الظرف : «عند» شیئا أکثر من الدلالة علی وجود الشخص وجودا مطلقا ؛ من غیر زیادة شیء آخر علی هذا الوجود ؛ کالأکل ، أو الشرب ، أو القراءة ، أو غیرها. وهذا هو : «الاستقرار العام» أو الکون العام ، کما قلنا. ولا یحتاج فی فهمه إلی قرینة أو غیرها. - وکذلک نحو : (سکت الذی فی الحجرة) أی : الموجود فی الحجرة وجودا مطلقا ، غیر مقید بزیادة شیء آخر ؛ کالنوم ، أو الضحک ، أو المشی ... وکذلک غیرهما من الأمثلة. ولما کان هذا الکون العام واضحا ومفهوما بداهة وجب حذفه إن وقع صلة : لعدم الحاجة إلیه فی کشف المراد ؛ فهو محذوف کالمذکور. وکذلک یحذف وجوبا إن وقع خبرا ، أو صفة. أو حالا ، کما سنعرف. الثانیة : أن یکون متعلقهما أمرا خاصا محذوفا لوجود ما یدل علیه. ویظهر المتعلق الخاص فی المثالین السابقین بأن نقول : «تکلم الذی وقف عندک» و «سکت الذی نام فی الحجرة». فکلمة : «وقف» أو «نام» تؤدی معنی خاصا ؛ هو : الوقوف ، أو : النوم ، ولا یمکن فهمه إلا بذکر کلمته فی الجملة ، والتصریح بها ؛ فلیس هو مجرد حضور الشخص ووجوده المطلقین ؛ وإنما هو الوجود والحضو المقیدان بالوقوف أو بالنوم ... ولهذا لا یصح حذف المتعلق الخاص إلا بدلیل یدل علیه ؛ مثل : قعر صالح فی البیت ، ومحمود فی الحدیقة ؛ فتقول : بل صالح الذی فی الحدیقة. ترید : بل صالح الذی قعد فی الحدیقة. فإن حذف المتعلق الخاص بغیر دلیل کان الظرف والجار مع المجرور غیر تأمین ؛ فلا یصلحان للصلة ؛ مثل : هدأ الذی أمامک ، أو : منک. ترید : هدأ الذی غضب أمامک ، أو غضب منک ... ومثل غاب الذی الیوم ... أو الذی بک ... ترید : غاب الذی حضر الیوم ، والذی استعان بک ... هذا وظرف المکان هو الذی یکون متعلقه فی الصلة کونا عاما واجب الحذف ، أو کونا خاصا واجب الذکر إلا عند وجود قرینة فیجوز معها حذفه أو ذکره. أما ظرف الزمان فلا یکون متعلقه إلا خاصا ؛ فلا یجوز حذفه إلا بقرینة ، وبشرط أن یکون الزمن قریبا من وقت الکلام ؛ نحو : نزلنا المنزل الذی البارحة ، أو أمس ، أو آنفا ، (أی : فی أقرب ساعة ووقت منا) ترید : الذی نزلناه البارحة ، أو أمس أو آنفا. فإن کان زمن الظرف بعیدا من زمن الإخبار بمقدار أسبوع مثلا ، لم یحذف العامل. فلا تقول : نزلنا المنزل الذی یوم الخمیس أو یوم الجمعة. إذا کان قد مضی نحو أسبوع ... ولم یحدد النحاة الزمن القریب أو البعید ؛ ولکن قد یفهم من أمثلتهم أن القریب : ما لم یتجاوز یومین ، وأن البعید ما زاد علیهما. وربما کان عدم التحدید مقصودا منه ترک الأمر للمتکلم والسامع. وشبه الجملة بنوعیه یسمی : «مستقرا» - بفتح القاف - حین یکون متعلقه کونا عاما ، ویسمی : «لغوحین یکون متعلقة کونا خاصا مذکورا ، أو محذوفا لقرینة - وشرح هذا فی ص 432 -

عندک ، وسکت الذی فی الحجرة. فکل من الظرف : (عند) والجار مع المجرور : (فی الحجرة) ، تام. وکلاهما یتعلق حتما (1) بفعل لا بشیء

ص: 348


1- لأن الصلة - لغیر أل - کما قلنا لا بد أن تکون جملة (للسبب الذی فی رقم 1 من هامش الصفحة السابقة) ، ووقوع الظرف أو الجار مع المجرور لیس قائما علی أساس أنه بنفسه الصلة ، وإنما علی أساس تعلقه بفعل یکون هو وفاعله الصلة فی الحقیقة. ولا یصح فی هذه الصلة التی لغیر : «أل» أن یکون الظرف أو الجار مع المجرور متعلقا باسم مشتق أو شبهه یکون خبرا لمبتدأ محذوف ؛ ویکون التقدیر مثلا : تکلم الذی هو کائن عندک ، أو فی الحجرة ؛ لا یصح ذلک لأن شرط الحذف من الصلة - کما هو مدون فی ص 355 و 357 - ألا یصلح الباقی بعد الحذف لأن یکون صلة. والباقی هنا - وهو الظرف أو الجار مع المجرور - صالح لذلک. أما فی غیر الصلة فالظرف والجار مع مجروره إذا تعلقا بمحذوف ، جاز أن یکون فعلا وأن یکون مشتقا مع مرفوعه ؛ کما إذا وقعا خبرا ، أو صفة ، أو حالا ... وفریق من النحاة یری أن الظرف وحده ، أو الجار مع المجرور ، هو الصلة دون الحاجة إلی متعلقهما. لکن إذا عرفنا أن وظیفتهما المعنویة فی الجملة لا تتحقق إلا مع قیام عامل فیهما یکملان معناه - أمکننا أن نستریح إلی ما یقوله أصحاب الرأی الأول من وجود عامل محتوم لهما» وأن هذا العامل المحتوم هو فی الصلة فعل یتعلقان به ، فیحذف حینا ، أو یذکر حینا علی حسب أحکامه الخاصة به. - وقد أوضحنا هذا فی باب حروف الجر فی الجزء الثانی. - غیر أننا فی عصرنا نعرب الظرف أو الجار - - مع المجرور صلة ، وخبرا ، وحالا ، وصفة ، من غیر أن نذکر فی الکلام أن کلا منهما متعلق بمحذوف ، ومن غیر إنکار لأمر هذا المحذوف ، وإنما نهمله اعتمادا علی شهرته ومعرفته ، وأنه لا حاجة لتردیده مع الاقتناع بوجوده. وهذا حسن مقبول ، ویتفق مع رأی بعض الأئمة ممن یقولون إن اختصاص الفعل فی الصلة قد انتقل لشبه الجملة کما انتقل إلیه أیضا ضمیر الفعل. (وقد أشرنا لهذا فی هامش ص 347 وسیجیء تفصیله فی هامش ص 431 حیث قلنا فی تلک الصفحة لا غنی عن الرجوع إلی الإیضاح التام الذی فی ج 2 ص 203 م 78 وص 343 وما بعدها م 89).

آخر ، وهذا الفعل محذوف وجوبا - لأنه کون عامّ (1) - تقدیره : استقرّ ، أو حلّ ، أو نزل ... وفاعله ضمیر مستتر یعود علی اسم الموصول ، ویربط بینه وبین الصلة. فالأصل فی المثالین السابقین : تکلم الذی استقر عندک ، وسکت الذی استقر فی الحجرة. وهکذا ...

«ملاحظة» ؛ إذا وقع الظرف نفسه صلة «أل» - بأن دخلت علیه مباشرة ، کصنیع بعض القبائل العربیة فی مثل قولهم : سررت من الکتاب المعک ؛ یریدون : الذی معک - فإنّ تعلق الظرف فی هذه الحالة لا یکون إلّا بصفة صریحة ، تقدیرها : «الکائن» ، أو : نحو هذا التقدیر. لأن صلة : «أل» لا بد أن تکون صفة صریحة ، ولا یصح التعلق بفعل - کما سنعرف (2) - ...

أما الصفة (3) الصریحة فالمراد بها : الاسم المشتق الذی یشبه الفعل فی التجدد

ص: 349


1- سبق - فی رقم 1 من هامش ص 347 - أنه لا بد أن یکون العامل المحذوف «فعلا» إذا تعلق به شبه الجملة الواقع صلة لموصول غیر «أل» کما یجب تقدیره فعلا فی جملة القسم ، لأن جملة الصلة لموصول غیر «أل» وجملة القسم لا یکونان إلا فعلیتین - کما سیجیء فی وج 2 باب الظرف ص 202 م 78
2- هنا وفی ص 350.
3- لا یراد بالصفة هنا النعت ، وإنما یراد بها الاسم المشتق من المصدر للدلالة علی شیئین معا ؛ هما : ذات ، وشیء فعلته تلک الذات ، أو وقع علیها من غیرها ، أو اتصل بها بنوع من الاتصال نحو : قائم ، مکرم ، ملعب. فکلمة : «قائم» تدل علی شیئین : (ذات) (فعلت القیام) ، وکلمة : «مکرم» تدل علی شیئین أیضا : (ذات) (حصل لها الإکرام) ... و «ملعب» تدل علی شیئین : (ذات ، أی : مکان) (حصل فیه اللعب) وهکذا ... والأحسن أن یقال : «معنی وصاحبه» لأن صاحبه فی أحیان قلیلة یکون غیر ذات ولا مشخص. وعلی ضوء ما تقدم نفهم معنی قولهم : إن المشتق هو ما دل علی ذات وصفة ، أی : ذات ؛ وشیء آخر اتصفت به تلک الذات ؛ بأن فعلته هی مباشرة ، أو لم تفعله هی وإنما وقع علیها ، أو التصق بها بطریقة ما ، کما أشرنا. والمشتقات الأصیلة ثمانیة ، (یجیء شرحها فی الجزء الثالث ص 73 م 97 وما بعدها) ؛ اسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشبهة ، وأفعل التفضیل ، واسم الزمان ، واسم المکان ، واسم الآلة ، والمصدر المیمی. (ومنها ؛ الأفعال أیضا.) ولکل مشتق باب یحوی أحکامه المختلفة. والذی یعنینا الآن أن کل واحد من هذه المشتقات یشبه - فی الغالب - الفعل المضارع الذی یشترک معه فی الاشتقاق من مصدره ؛ «فقائم» یشبه «یقوم» وکلاهما مشتق من «القیام». و «مکرم» یشبه «یکرم» ؛ وکلاهما مشتق من «الإکرام» و «ملعب» یشبه «یلعب» وکلاهما مشتق من «اللعب» وهکذا. والمشتق –

والحدوث (1) ، شبها صریحا ؛ أی : قویّا خالصا (بحیث یمکن أن یحل الفعل محله) ولم تغلب علیه الاسمیة الخالصة. وهذا ینطبق علی اسم الفاعل - ومثله صیغ المبالغة - واسم المفعول ؛ لأنهما - باتفاق - یفیدان التجدد والحدوث ؛ مثل قارئ ، فاهم : ، زرّاع ، مقروء ، مفهوم (2) ... ، وتکون الصفة الصریحة مع فروعها صلة «أل» خاصة ؛ فلا یقعان صلة لغیرها ، ولا تکون «أل» اسم موصول مع غیرهما علی الأشهر (3). تقول : انتفع القارئ - سما الفاهم - اغتنی

ص: 350


1- لذلک یقولون عنها إنها اسم فی اللفظ ، فعل فی المعنی ، ویعطف علیها الفعل ؛ مثل قوله تعالی : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِینَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ ...)
2- أما الصفة المشبهة ففیها خلاف عنیف - عرضوه فی أول باب : «الإضافة» عند الکلام علی المضاف الذی یشبه : «یفعل» ، والإضافة المحضة وغیر المحضة. ووجه منعها أن تکون صلة : «أل» ومخالفتها لاسم الفاعل واسم المفعول الأصلیین أنها لا تؤول بالفعل ، لأنها للثبوت ، والفعل للتجدد والحدوث ومن ثم کانت «أل» الداخلة علی اسم التفضیل لیست موصولة. ووجه الجواز مشابهتها الفعل فی رفعها الاسم الظاهر.
3- بشرط دلالتهما علی الحدوث. فلو قامت قرینة علی أنهما للدوام وجب اعتبار «أل» التی فی صدرهما للتعریف ؛ لأنهما مع الدوام یعتبران «صفة مشبهة» ؛ کالمؤمن ، والمهندس ، والصانع. وإنما قلنا : «علی الأشهر» ، لأن بعض القبائل العربیة قد یدخل «أل» علی الجملة المضارعیة ؛ فتکون هذه الجملة هی الصلة. ومن أمثلتها ؛ قول الشاعر : ما أنت بالحکم الترضی حکومته ولا الأصیل ولا ذو الرّأی والجدل أی : الذی ترضی حکومته. (مع ملاحظة أن «أل» الداخلة علی تاء المضارع یجوز إدغامها فی التاء وعدم إدماغها ، بخلاف «أل» الحرفیة - وسیجیء الکلام علیها فی ص 383 - فإنها تدغم فی التاء عند دخولها علیها فی مثل : التمر - التراب - التبر ... وغیرها من الأسماء أو الأفعال ، کدخولها علی مضارع مبدوء بالتاء ، وقد صار علما مجردا. (أی : اسما محضا لا یدل علی معنی الفعل ، ولا علی زمنه) مثل الأعلام «تشکر» و «تسعد» و «تعز» نقول : التشکر ، والتسعد ، والتعز ...). ومنهم من یدخلها علی الجملة الاسمیة ویجعل هذه الجمله صلة ، مثل : قول الشاعر : من القوم الرّسول الله منهم لهم دانت رقاب بنی معدّ أی : من القوم الذین رسول الله منهم. أو علی الظرف ویجعله صلة ، نحو قول الشاعر : من لا یزال شاکرا علی المعه فهو حر بعیشة ذات سعه أی : الذی معه. والظرف «مع» متعلق هنا بصفة صریحة ، محذوفة تقدیرها : «الکائن» معه ؛ لأن صلة «أل» لا بد أن تکون کذلک ، ولا یصح تعلقه فی هذا المثال وأشباهه بفعل محذوف للسبب السالف ؛ فهو مستثنی من وجوب تعلق شبه الجملة بفعل محذوف یکون مع فاعله صلة - کما أشرنا فی ص 349 -. «وأل» فی الأمثلة السابقة کلها اسم موصول بمعنی الذی - أو أحد فروعه - مبنی علی السکون فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر ، علی حسب موقعه من الجملة (فهی مثل «الذی» تماما أو «التی» وفروعهما ، فی أمثله أخری) وما بعدها من جملة فعلیة أو اسمیة هو صلة الموصول لا محل له. فإن جاء بعدها ظرف فهو متعلق بصفة صریحة محذوفة ، هی مع فاعلها صلة الموصول لا محل له ، ولا یصح تعلقه بفعل - لما قلنا - وقد ذکرنا هذه الأمثلة وإعرابها ، والأحکام الخاصة بها - لا لنستعملها ولکن لنفهم نظائرها التی قد تمر بنا فی النصوص القدیمة ، من غیر أن یکون ذلک داعیا للرضا عن استعمالها الیوم ؛ لقلة (المأثور) منها ، ونفور الذوق البلاغی الحدیث من استعمالها ، وانصراف الکثرة عنها قدیما وحدیثا فالخیر فی ترکها مهجورة.

الزّراع ، المقروء قلیل ، ولکن المفهوم کثیر ... ومثل المرتجی والخائب فی قول الشاعر :

الصدق یألفه الکریم المرتجی

والکذب یألفه الدنیء الخائب

ولما کانت الصفة المشبهة الصریحة مع مرفوعها (1) هی التی تقع صلة «أل» وتتصل بها اتصالا مباشرا ولا ینفصلان حتی کأنهما کلمة واحدة - کان المستحسن إجراء الإعراب بحرکاته المختلفة علی آخر هذه الصفة الصریحة دون ملاحظة «أل» ؛ فهو یتخطاها ؛ برغم أنها اسم موصول (2) مستقل ، وأن صلته هی شبه الجملة المکون من الصفة الصریحة مع مرفوعها. فالصفة وحدها هی التی تجری علیها أحکام الإعراب ، ولکنها مع مرفوعها صلة لا محل لها. والأخذ بهذا الإعراب (3) أیسر وأبعد من التعقید الضارب فی الآراء الأخری.

فإن غلبت الاسمیة علی الصفة صارت اسما جامد ، ولم تکن «أل» الداخلة علیها اسم موصول ، مثل الأعلام : المنصور ، والهادی ، والمأمول ، والمتوکل ... من أسماء

ص: 351


1- لا بد أن یرفع اسم الفاعل فاعلا ، وأن یرفع اسم المفعول نائب فاعل ، وقد یحتاج کل منهما بعد ذلک إلی مفعول به أو أکثر. وربما لا یحتاج فشأنهما فی الحاجة إلی المفعول کشأن فعلهما. وبیان هذا وتفصیله مدون فی بابهما ج 3
2- وهل تفید التعریف أو لا تفیده؟ رأیان سبق تفصیل الکلام علیها فی رقم 2 من هامش ص 320 ورقم 1 من هامش ص 334
3- وقد سبق هذا فی رقم 2 من هامش ص 321 وفی 3 من ص 334 ... وهو رأی لبعض النحاة القدامی.

الخلفاء العباسیین ؛ ومثل : الحاجب ؛ لما فوق العین. والقاهرة ، والمنصورة ، والمعمورة ، من أسماء البلاد المصریة (1).

ص: 352


1- وفی الصلة وشروطها وما یتصل بها یقول ابن مالک بإیجاز : وکلّها یلزم بعده صله علی ضمیر لائق مشتمله وجملة أو شبهها الذی وصل به ؛ کمن عندی الذی ابنه کفل وصفة صریحة صلة : «أل» وکونها بمعرب الأفعال قل أی : کل الموصولات یحتاج بعده إلی صلة دائما ؛ ولا فرق فی هذا بین الموصولات الاسمیة ، والحرفیة. ثم قال : إن الصلة لا بد أن تشتمل علی ضمیر لائق ؛ أی : مطابق للموصول. وقد عرفنا أن هذا الرابط خاص بصلة الموصول الاسمی دون الحرفی. ثم بین أن الذی یوصل به (أی : الذی یکون صلة) هو الجملة ، أو شبه الجملة. وأتی بمثال واحد فیه موصولان ؛ أحدهما صلته شبه جملة ، والآخر صلته جملة. والمثال هو : «من عندی الذی ابنه کفل» ، أی : الذی عندی هو الذی ابنه کفل (أی : کان موضع الرعایة). فکلمة «من» اسم موصول مبتدأ ، وصلته شبه الجملة : «عند» ، وخبره : الذی ، اسم موصول أیضا. وصلته جملة اسمیة هی : (ابنه کفل). ثم أشار فی البیت الثالث إلی أن صلة «أل» لا تکون إلا الصفة الصریحة. وقد شرحناها - وأن دخولها علی الفعل المعرب ؛ وهو المضارع - قلیل ؛ فیکون هو وفاعله صلة. ومن أمثلته البیت الذی سبق فی هامش ص 350 - وهو : ما أنت بالحکم الترضی حکومته ولا الأصیل ولا ذی الرأی والجدل

زیادة وتفصیل

یقتضی المقام أن نعرض لمسائل هامة تتصل بما نحن فیه. منها : تعدد الموصول ، والصلة - حذفها - حذف الموصول - اقتران الفاء بخبر اسم الموصول ، والتفریعات المتصلة بذلک - حذف العائد (ولهذا بحث مستقل فی 357).

وإلیک الکلام فی هذه المسائل.

(ا) تعدد الموصول والصلة :

1 - قد یتعدد الموصول (1) من غیر أن تتعدد الصلة ؛ فیکتفی موصولان أو أکثر بصلة واحدة. ویشترط فی هذه الحالة أن یکون معنی الصلة أمرا مشترکا بین هذه الموصولات المتعددة ، لا یصح أن ینفرد به أحدها ، دون الآخر ، وأن یکون الرابط مطابقا لها باعتبار تعددها. مثل : فاز بالمنحة «الذی» «والتی» أجادا ، وأخفق «الذین واللاتی» أهملوا. ففی المثال الأول وقعت الجملة الفعلیة : (أجادا) صلة لاسمی الموصول : «الذی» و «التی». ولا یصح أن تکون صلة لأحدهما بغیر الآخر ؛ لاشتراکهما معا فی معناها ؛ ولأن الرابط مثنی لا یطابق أحدهما وحده ، وإنما لوحظ فیه أمرهما معا (2). وکذلک الشأن فی المثال الآخر.

2 - قد تتعدد الموصولات وتتعدد معها الصلة ؛ فیکون لکل موصول صلته ؛ إما مذکورة فی الکلام ، وإما محذوفة (3). جوازا ، وتدل علیها صلة أخری مذکورة ، بشرط أن تکون المذکورة صالحة لواحد دون غیره ؛ فلا تصلح لکل موصول

ص: 353


1- بنوعیه الاسمی والحرفی.
2- مع مراعاة التغلیب فی بعض نواحی المطابقة ؛ کالتذکیر فی المثالین المذکورین. والتغلیب جائز عند وجود قرینة ، (کما أوضحنا فی رقم 4 من هامش ص 109 وفی رقم 1 من هامش ص 127).
3- لا یجوز حذف صلة الموصول الحرفی إلا إذا بقی معمولها ؛ مثل : أما أنت منطلقا انطلقت ، أی : لأن کنت منطلقا انطلقت. فحذفت «کان» وبقی معمولها ... کما هو موضح فی آخر باب کان عند الکلام علی حذفها ص 526 - ومثل قولهم : «کلّ شیء مهه ما ، النساء وذکرهنّ» أی : ما عدا النساء وذکرهن. یرید کل شیء سهل یسیر ، قد یحتمله الحر ، ویصبر علیه - ما خلا التعرض لنسائه ، والتحدث عنهن ... وهذه أمثلة مسموعة بکثرة تبیح القیاس علیها ؛ بقرینة تدل علی المحذوف ، ولا تدع مجالا لخفائه - کما سنعرف - فکلمة : «ما» هنا موصول حرفی.

من تلک الموصولات المتعددة ؛ نحو : عدت «الذی» و «التی» مرضت. وسارعت بتکریم «اللائی» و «الذین» أخلصوا للعلم. فالصلة فی کل مثال صالحة لأحد الموصولین فقط ؛ بسبب عدم المطابقة فی الرابط ؛ فکانت صلة لواحد ، ودلیلا علی صلة الآخر المحذوفة جوازا. فأصل الکلام عدت الذی مرض ، والتی مرضت. وسارعت بتکریم اللائی أخلصن ، والذین أخلصوا. وهذا نوع من حذف الصلة جوازا ، لقرینة لفظیة تدل علیها(1) ...

وقد تحذف الصلة لوجود قرینة لفظیة أیضا ولکن من غیر أن یتعدد الموصول ؛ مثل : من رأیته فی المکتبة؟ فتجیب : محمد الذی ... أو : سعاد التی ...

وقد تحذف الصلة من غیر أن یکون فی الکلام قرینة لفظیة تدل علیها وإنما تکون هناک قرینة معنویة یوضحها المقام ؛ کالفخر ، والتعظیم ، والتحقیر ، والتهویل ... فمن أمثلة الفخر أن یسأل القائد المهزوم البادی علیه وعلی کلامه أثر الهزیمة ، قائدا هزمه : من أنت؟ فیجیبه المنتصر : أنا الذی ... أی : أنا الذی هزمتک. فقد فهمت الصلة من قرینة خارجیة ، لا علاقة لها بألفاظ الجملة. ومثل : أن یسأل الطالب المتخلف زمیله الفائز السابق بازدراء : من أنت؟ فیجیب الفائز : أنا الذی ... أی : أنا الذی فزت ، وسبقتک ، وسبقت غیرک ... ومنه قول الشاعر یفاخر :

نحن الألی ... فاجمع جمو

عک ثمّ وجّههم إلینا

أی : نحن الذین اشتهروا بالشجاعة ، والبطولة ، وعدم المبالاة بالأعداء.

ومن التحقیر أن یتحدث الناس عن لص فتاک ، أوقعت به حیلة فتاة صغیرة وغلام ، حتی اشتهر أمرهما. ثم یراهما اللص ؛ فیقول له أحد الناس : انظر إلی التی والذی ... أی : التی أوقعت بک. والذی أوقع بک ...

وقد وردت أسالیب قلیلة مسموعة عند العرب ، التزموا فیها حذف الصلة ؛

ص: 354


1- وما ذکرناه فی النوعین السالفین یوضح قول النحاة : (قد ترد صلة بعد موصولین أو أکثر ، مشترکا فیها ، أو مدلولا بها علی ما حذف. فالاشتراک فیما إذا ناسبت الصلة جمیع ما قبلها من الموصولات. والدلالة فیما إذا لم تناسب إلا واحدا منها). ثم قالوا : إن القسم الأول یدخل فی قسم الصلة الملفوظة وإن الثانی یدخل فی قسم الصلة المحذوفة أو التی فی النیة.

کقولهم : عند استعظام شیء وتهویله : «بعد اللّتیا (1) والّتی ، یریدون بعد اللتیا کلّفتنا ما لا نطیق ، والتی حملتنا مالا نقدر علیه - أدرکنا ما نرید.

مما تقدم نعلم أن حذف الصلة فی غیر الأسالیب المسموعة جائز عند وجود قرینة لفظیة ، أو معنویة ؛ سواء أکانت الموصولات متعددة ، أم غیر متعددة بشرط ألا یکون الباقی بعد حذفها صالحا لأن یکون صلة.

3 - یجوز حذف الموصول الاسمی غیر «أل» إذا کان معطوفا علی مثله ، بشرط ألا یوقع حذفه - فی لبس ؛ کقول زعیم عربیّ : «أیها العرب ، نحن نعلم ما تفیض به صدور أعدائنا ؛ من حقد علینا ، وبغض لنا ، وأن فریقا منهم یدبر المؤامرات سرّا ، وفریقا یملأ الحواضر إرجافا (2) ، وفریقا یعد العدة للهجوم علینا ، وإشعال الحرب فی بلادنا ، ألا فلیعلموا أن من یدبّر المؤامرات ، ویطلق الإشاعات. ویحشد الجیوش للقتال - کمن یطرق حدیدا باردا. بل کمن یضرب رأسه فی صخرة عاتیة ، لیحطمها ؛ فلن : یخدشها وسیحطم رأسه».

فالمعنی یقتضی تقدیر أسماء موصولة - محذوفة - ؛ وإلا فسد ؛ فهو یرید أن یقول : من یدبّر المؤمرات ، ومن یطلق الإشاعات ، ومن یحشد الجیوش ... ذلک لأنهم طوائف متعددة ، ولن یظهر التعدد إلا بتقدیر «من». ولولاها لأوهم الکلام أن تلک الأمور کلها منسوبة لفریق واحد ؛ وهی نسبة فاسدة. ولهذا یجب عند الإعراب مراعاة ذلک المحذوف ، کأنه مذکور ، ومثله قول حسان فی أعداء الرسول علیه السّلام :

فمن یهجو رسول الله منکم

ویمدحه وینصره سواء

فالتقدیر ؛ من یهجو رسول الله ، ومن یمدحه : ومن ینصره سواء. ولو لا هذا التقدیر لکان ظاهر الکلام أن الهجاء والمدح والنصر - کل أولئک من فریق واحد. ومن هذا قوله تعالی (3) : (قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْنا وَأُنْزِلَ إِلَیْکُمْ) ، أی : والذی أنزل إلیکم ، لأن المنزل إلی المسلمین لیس هو المنزّل إلی غیرهم من أهل الکتاب.

ص: 355


1- اللتیا (بضم اللام المشددة أو فتحها) تصغیر : «التی» .. سماعا ....
2- هو : إذاعة الأخبار السیئة الکاذبة لیضطرب الناس ، ویثوروا.
3- علی لسان المسلمین حین یخاطبون غیرهم من أهل الکتاب.

أما الموصول الحرفی فلا یجوز حذفه. إلا «أن» فیجوز حذفها ؛ مثل قوله تعالی : (یُرِیدُ اللهُ لِیُبَیِّنَ لَکُمْ) وقد یجب. ولهذا الحذف - بنوعیه - تفصیلات موضعها الکلام علی «أن» الناصبة (1).

ب - قد یقترن الخبر الذی مبتدؤه اسم موصول بالفاء وجوبا أو جوازا ، أو الذی مبتدؤه متصل باسم الموصول بنوع من الاتصال علی الوجه الذی یجیء بیانه وتفصیله فی مکانه المناسب من باب المبتدأ والخبر تحت عنوان : مواضع اقتران الخبر بالفاء ص 484 م 41 وما بعدها. ومنها نعلم مواضع زیادة «الفاء» فی صلة الموصول بنوعیه بسبب إبهامه وعمومه.

ص: 356


1- فی الجزء الرابع ، باب : إعراب الفعل «النواصب».

المسألة 28: حذف الرابط

اشارة

(أی : العائد)

لا بد لکل موصول من صلة. فإن کان اسمیّا وجب أن تشتمل صلته علی رابط ؛ هو : الضمیر ، أو ما یقوم مقامه ، کما أسلفنا.

وهذا الضمیر الرابط قد یکون مرفوعا ؛ مثل «هو» فی نحو : خیر الأصدقاء من هو عون فی الشدائد ... ، أو منصوبا ، مثل «ها» فی نحو : ما أعجب الآثار التی ترکها قدماؤنا ، أو مجرورا ؛ مثل : «هم» فی نحو : أصغیت إلی الذین أصغیت إلیهم.

والرابط فی کل هذه الصور - وأشباهها - یجوز ذکره فی الصلة کما یجوز حذفه ، بعد تحقق شرط عام ، هو : وضوح المعنی بدونه ، وأمن اللبس (ومن أهمّ مظاهر أمن اللبس ألا یکون الباقی بعد حذفه صالحا صلة) (1). غیر أن هناک شروطا خاصة أخری تختلف باختلاف نوع الضمیر یجب تحققها قبل حذفه ، سواء أکان اسم الموصول هو «أیّ» أم غیرها. وفیما یلی التفصیل :

(ا) إن کان الضمیر الرابط مرفوعا لم یجز حذفه إلا بشرطین : أن تکون الصلة جملة اسمیة ، المبتدأ فیها هو الرابط ، وأن یکون خبره مفردا (2). کأن یسألک سائل.

ص: 357


1- وقد یصح الاستغناء عنه ، فی بعض حالات کما سبق فی «ب» من ص 343 وکما سیجیء فی «ا» من ص 363. والمراد بالاستغناء هنا : أنه غیر ملاحظ مطلقا ؛ لا لفظا ولا تقدیرا بخلاف العائد المحذوف أو المستتر فإنه ملاحظ.
2- لأن الخبر المفرد لا یصلح أن یکون صلة بعد حذف المبتدأ ، وأیضا لأنه یدل علی المحذوف ، ویرشد إلیه. هذا ویختلف معنی الإفراد باختلاف موضوعات النحو ؛ فیراد به فی موضوع الخبر : ما لیس جملة ، ولا شبه جملة. وقد اقتصرنا علی أهم الشروط لحذف العائد المرفوع. وهناک شروط أخری لحذفه ؛ منها ألا یکون معطوفا ؛ مثل : رأیت الذی حامد وهو صدیقان. فالمعطوف هنا لیس مبتدأ ولکنه معطوف علی المبتدأ ؛ فهو فی حکمه. وحذف المعطوف یؤدی إلی بقاء الحرف العاطف بدون المعطوف ؛ وهو ممنوع - إلا فی مسائل معدودة ، سردناها فی - ج 3 - باب العطف ، وهی غیر التی نحن بصددها ، کما یؤدی حذف العاطف والمعطوف معا ، إلی إظهار الکلام بصورة الإخبار بالمثنی عن المفرد ؛ وهی صورة معیبة فی مظهرها ، کما یقولون!! ومنها : ألا یکون معطوفا علیه ، نحو : تکلم الذی هو وحامد عالمان ؛ کی لا یقع حرف العطف - - فی الصدارة ، وفوق ذلک لیس له معطوف علیه ظاهر ، ولکیلا. یقع المثنی خبرا عن مفرد ، فی الصورة الظاهریة إن حذف حرف العطف مع الضمیر الرابط ؛ وهو أمر یستقبحونه من حیث الشکل والمظهر کما سبق. ومنها : ألا یکون بعد «لو لا» ؛ نحو : حضر الذی لو لا هو لخرجت ؛ لوجوب حذف الخبر العام بعد «لو لا» فأصل الکلام : لو لا هو موجود ؛ فإذا حذف معه المبتدأ کان الحذف کثیرا مجحفا ؛ لشموله الجملة کاملة. ومنها : ألا یکون بعد حرف نفی ؛ نحو : سکت الذی ما هو جاهل. ومنها : ألا یکون محصورا بإلا أو إنما ؛ نحو : کتب الذی ما فی الغرفة إلا هو ، أو : کتب الذی إنما فی الغرفة هو. فمجموع الشروط سبعة.

کیف نفرّق بین ماء النهر وماء البحر؟ فتجیب : الأنهار التی عذبة الماء ، والبحار التی ملحیّة الماء. ترید : الأنهار ، التی هی عذبة الماء ، والبحار التی هی ملحیة الماء. ومثل : أن یسأل : ما أوضح فارق بین النجم والکوکب؟ فتقول : النجم الذی مضیء بنفسه ، والکوکب الذی مستمد نوره من غیره. أی : النجم الذی هو مضیء بنفسه ... والکوکب الذی هو مستمد ...

فإذا استوفی الضمیر المرفوع الشرطین الخاصّین ومعهما الشرط العام جاز حذفه (1) ، والأحسن عند الحذف أن تکون صلته طویلة (أی : لیست مقصورة علیه وعلی خبره المفرد ، وإنما یکون لها مکملات ؛ کالمضاف إلیه ، أو المفعول ، أو الحال ، أو النعت ، أو غیر ذلک ...) ، نحو : نزل المطر الذی مصدر میاه الأنهار ، ونحو : برعت مصانعنا التی الرجاء العظیم. أو التی رجاؤنا فی الغنی قریبا ... ونحو : اشتد الإقبال علی التعلیم الذی کفیل بإنهاض الفرد والأمة ... ویجوز أن

ص: 358


1- وإذا لا یصح الحذف فی الحالات الآتیة : ا - أن تکون الصلة جملة فعلیة ، أو شبه جملة ؛ مثل : أشرق الذی یملأ نوره الفضاء. ومثل : سقی النهر النبات الذی فی الحقول ؛ لأن کلا منهما صالح لأن یقع بنفسه صلة ، مع خلوه مما یدل علی أن هناک مبتدأ محذوفا. بخلاف الخبر المفرد ؛ فإنه غیر صالح أن یکون صلة ، ولأنه یشعر بحذف المبتدأ ، کما سبق. ب - أن تکون الصلة جملة اسمیة لکن الرابط فیها لیس مبتدأ ؛ مثل : یتحرک الکوکب الذی إنه القمر ؛ لأن الرابط فیها اسم «إن» المنصوب. ومثل : یتحرک الکوکب الذی شکله مستدیر ؛ لأن الرابط مجرور بالإضافة فلیس مبتدا ... ح - أن تکون الصلة جملة اسمیة ، الرابط فیها مبتدأ ضمیر ، ولکن خبره لیس بمفرد : بأن یکون الخبر جملة فعلیة ؛ مثل : دهشت من القرود التی هی «تحاکی الإنسان». أو جملة اسمیة ، مثل : دهشت من القرود التی هی حرکاتها کحرکة الإنسان. أو شبه جملة ؛ مثل : دهشت من التی هی أمامک. فکل ذلک لا یجوز فیه حذف الرابط ؛ لأن الخبر یصلح أن یکون صلة بعد حذف المبتدأ الرابط ، ولیس فی الخبر ما یدل علی المحذوف. بخلاف المفرد ، لأنه لا یصلح أن یکون صلة ، ولأنه یشعر بحذف المبتدأ ، کما عرفنا.

نقول : نزل المطر الذی حیاة ، وبرعت مصانعنا التی الأمل ، واشتد الإقبال علی التعلیم الذی سعادة.

والأسالیب العالیة لا تجنح کثیرا إلی حذف العائد المرفوع ؛ فإن جنحت إلیه اختارت - فی الغالب - طویل الصلة (1).

(ب) إن کان الرابط ضمیرا منصوبا لم یجز حذفه إلا بثلاثة شروط خاصة - غیر الشرط العام - هی : أن یکون ضمیرا متصلا (2) ، وأن یکون ناصبه فعلا تامّا ، أو وصفا تامّا ، وأن یکون هذا الوصف لغیر صلة : «أل» (3) التی یعود علیها الضمیر ؛ مثل : رکبت القطار الذی رکبت ، أی : رکبته ، وقرأت الصحیفة التی قرأت ، أی : قرأتها وقول الشاعر یصف مدینة :

بها ما شئت من دین ودنیا

وجیران تناهوا فی الکمال

أی : ما شئته : وقول الآخر :

ومن ینفق الساعات فی جمع ماله

مخافة فقر فالذی فعل الفقر

أی : فعله ... ومثل : اشکر الله علی ما هو مولیک ، واحمده علی ما أنت المعطی. أی : مولیکه (والأصل : مولیک إیاه) ، والمعطاه (4).

ومثل : الذی أنا معیرک - کتاب. والذی أنت المسلوب - المال. أی : الذی أنا معیرکه کتاب ، والذی أنت المسلوبه - المال (5).

ص: 359


1- إلا الأسلوب الذی یشتمل علی : «لا سیما» ؛ فیجب فیه حذف صدر الجملة ولو کانت قصیرة ؛ فی نحو ؛ أنزلوا الناس منازلهم ، ولا سیما العالم ؛ إذا کانت «ما» اسم موصول ، «العالم» خبرا لمبتدأ محذوف تقدیره : هو. أی : ولاسی الذی هو العالم. (وسیجیء فی ص 363 الإیضاح التام فی إعراب لا سیما ، وأسلوبها).
2- ولو جوازا کبعض الأمثلة التالیة. فالمراد ألّا یکون واجب الانفصال.
3- منصوب صلة «أل» لا یجوز حذفه إن عاد إلیها ؛ لأنه یدل بوجوده علی اسمیتها الخفیة. ففی حذفه ضیاع الدلیل. فإن عاد إلی غیرها جاز حذفه ؛ کما سیجیء فی «د» من رقم 5.
4- إذا حذف العائد المنصوب (المستوفی للشروط) فلا مانع من توکیده ؛ نحو : شربت الماء الذی أحضرت نفسه ؛ أی : أحضرته نفسه. أو من العطف علیه ؛ نحو : سافر الذی ودعت وصالحا. أو مجیء الحال منه متأخرة أو متقدمة مثل : هند التی کلمت واقفة ، أو : هند التی واقفة کلمت. أی : کلمتها.
5- من : أعارک محمود کتابا. فالذی هو معیرکه : کتاب. وسلب اللص علیا المال ، فالذی علیّ مسلوبه : المال. (کتاب : خبر للمبتدأ «أنا». المال : خبر للمبتدأ «الذی»). ومما سبق تعلم أنه لا یصح الحذف فی الحالات الآتنة : ا - أن یکون الضمیر المنصوب منفصلا. نحو : أقبل الربیع الذی إیاه أحب. بتقدیم الضمیر ؛ لأنه لو تأخر لا تصل بالفعل وجوبا. فصار : أحبه ؛ (تطبیقا لقاعدة عدم فصل الضمیر الذی یمکن وصلة - وقد سبقت فی ص 243) ولو حذف وهو متقدم لالتبس بالمحذوف المتأخر ، لعدم القرینة الدالة علی تقدمه. ب - أن یکون الضمیر منصوبا بفعل ناقص ؛ مثل : قابلت الذی کانه محمود (الهاء خبر مقدم - - ولیست اسم کان ؛ لأن اسم کان مرفوع ، والهاء لا تکون مرفوعة ؛ لأنها لیست من ضمائر الرفع). أو بوصف ناقص ؛ مثل : حضر الذی أنا کائنه ؛ لعدم وجود ما یدل علی المحذوف ویعینه. ح - أن یکون الضمیر منصوبا بحرف ؛ مثل : اشتد الحر الذی کأنه اللهب ؛ لأنه الضمیر اسم کأن. د - أن یکون اسم الموصول الذی یعود علیه الرابط هو «أل» نحو : المکرمها علیّ فاطمة. فإن عاد علی غیرها جاز حذفه ؛ نحو : جاءت التی أنا المکرم ، أی : المکرمها. ه - أن یکون حذفه سببا فی اللبس وغموض المعنی ؛ نحو : رأیت من عرفته فی القطار ؛ فلو قلنا : رأیت من عرفت فی القطار لم یعرف المحذوف أهو : ضمیر للغائب المذکر أم المؤنث؟ أهو للمثنی أم الجمع ...؟ فقد یکون أصل المحذوف واحدا مما یأتی : عرفته ، عرفتها. عرفتهما. عرفتهم. عرفتهن. ومثله : رأیت من کلمته فی داره ؛ فلو حذف الضمیر المنصوب لکان فی الکلام ضمیر آخر یتم به الربط ، ولکن یقع بسببه اللبس والغموض ؛ فلا ندری أهناک حذف أم لا. هذا وحذف العائد المنصوب بالفعل أکثر فی الأسالیب الأدبیة المأثورة من المنصوب بالوصف.

فإن فقد شرط لم یصح الحذف (1).

(ح) وإن کان الرابط ضمیرا مجرورا - والشرط العام متحقق - فإما أن یکون مجرورا بالإضافة ، أو بحرف جر ؛ فالمجرور بالإضافة یجوز حذفه إن کان المضاف اسم فاعل ، أو اسم مفعول (2). وکلاهما للحال أو الاستقبال (3) ؛ مثل :

ص: 360


1- وقد أشار ابن مالک إلی حذف العائد المرفوع والمنصوب إشارات موجزة بعد کلامه علی «أی» الموصولة ، وأنها مثل «ما» الموصولة ، وأنها تعرب إلا إن أضیفت ، وحذف صدر صلتها الضمیر فتبنی. ثم قال : إن من العرب من یعربها فی کل الحالات ، وإن باقی الموصولات یقتفی «أیا» فی الحذف. أی : یتبعها ویکون مثلها فی حذف صدر صلتها الضمیر ، وإن هذا الحذف کثیر إن استطالت الصلة ، ونزر (أی : قلیل عنده إن لم تستطل. کل ذلک بشرط ألا یصلح الباقی لأن یکون صلة. یقول : أیّ «کما» وأعربت ما لم تضف وصدر وصلها ضمیر انحذف وبعضهم أعرب مطلقا. وفی ذا الحذف أیّا غیر أیّ یقتفی (یرید : غیر أی یقتفی أیا ، ویتبعها فی حذف صلتها) ... إن یستطل وصل ، وإن لم یستطل فالحذف نزر ، وأبوا أن یختزل (الوصل هنا : هو الصلة. یختزل : یختصر بسبب الحذف). إن صلح الباقی لوصل مکمل ... ثم انتقل فی الشطر الثانی من البیت السابق إلی الکلام علی حذف العائد المنصوب قائلا : .... والحذف عندهم کثیر منجلی فی عائد متّصل ، إن انتصب بفعل ، أو وصف ، کمن نرجو یهب أی : من نرجوه یهب.
2- مما ینصب فعله مفعولین فی الأصل ، لیکون أحدهما نائب فاعل لاسم المفعول ، والثانی هو المضاف إلیه لفظا.
3- مع استیفائه بقیة الشروط اللازمة لإعماله ، وهی مدونة فی بابه - ج 3 -

یفرح الذی أنا مکرم الآن أو غدا ، (أی : مکرمه). ویرضینی ما أنا معطی الآن أو غدا (أی : معطاه (1)) ومثلهما : جادت مصنوعاتنا ، فالبس منها ما أنت لابس غدا (2) ، واطلب منها ما أنت طالب بعد حین ، (أی : لابسه ... وطالبه) - إن یسلبنی اللص بعض المال أتألم لما أنا مسلوب (أی : مسلوبه).

والمجرور بالحرف یجوز حذفه بشرط أن یکون اسم الموصول مجرورا بحرف یشبه ذلک الحرف (3) فی لفظه ، ومعناه ، ومتعلّقه (4). وإذا حذف الرابط حذف معه الحرف الذی یجره ؛ مثل : سلّمت علی الذی سلّمت ، (أی : سلّمت علیه وانتهیت إلی ما انتهیت. (أی : إلی ما انتهیت إلیه.)

وقد یکون حرف الجر غیر داخل علی اسم الموصول وإنما علی موصوف باسم الموصول. نحو : مشیت علی البساط الذی مشیت ؛ أی : علیه ، وسرت فی الحدیقة التی سرت ؛ أی : فیها (5).

ص: 361


1- فلا یجوز الحذف فیما یأتی : ا - المضاف غیر الوصف (المشتق) ؛ نحو : تألم الذی غاب أهله. ب - المضاف الذی هو اسم فاعل ، أو اسم مفعول ، وکلاهما للماضی ؛ فلا یعمل ، نحو : أکملت بالأمس ما کنت بانیه : ومثل فرح السائل بما کان معطاه.
2- الدلیل علی أن اسم الفاعل للمستقبل هنا وجود فعل الأمر قبله : وهو للمستقبل. وأیضا وجود کلمة : «غدا» بعده. کما أن أداة الشرط دلیل علی الاستقبال فی المثال الذی بعده ؛ إذ أدوات الشرط الجازم تجعل زمن الفعل بعدها مستقبلا حتما ولو کان الفعل الواقع بعدها ماضیا. (ما لم یمنع من ذلک مانع مما تقدم عند الکلام علی زمن الفعل المضارع ص 54.
3- لأن اسم الموصول هو نفس ضمیره فی المعنی ؛ فإذا حذف الضمیر ومعه حرف الجر کان فی الکلام ما یدل علیهما.
4- وهو العامل فیهما ؛ یحیث یکون المتعلق فی کل منهما مشابها الآخر ، إما فی لفظه ومعناه معا ؛ کالأمثلة المذکورة ، وإما فی معناه فقط ؛ مثل : فرحت بالذی سررت. أی : به. ویجوز أن یکون أحد المتعلقین فعلا ماضیا والآخر مضارعا من مادته أو أمرا کذلک ... ویجوز أن یکون أحدهما فعلا ، والآخر وصفا (مشتقا) من المادة نفسها بمعناه ...
5- وقد یکون داخلا علی مضاف إلی اسم الموصول نحو سلمت علی صدیق الذی سلمت. أی : الذی سلمت علیه. أو داخلا علی مضاف للموصوف باسم الموصول ؛ نحو : سلمت علی صدیق الرجل الذی سلمت. أی : علیه ... وقد اکتفینا بذکر أشهر الشروط ، وبقی منها : ألا یکون الضمیر عمدة (لأن العمدة لا یمکن الاستغناء عنه) فلا حذف فی مررت بالذی مرّ به (لأن الجار والمجرور نائب فاعل ؛ ونائب الفاعل عمدة لا تستغنی عنه الجملة) وألا یکون الضمیر محصورا ؛ فلا تحذف فی : مررت بالذی ما مررت إلا به. وألا یکون حذفه موقعا فی لبس (وهذا شرط عام فی جمیع ما یحذف - کما سبق - فلا حذف فی مثل رغبت فی الذی رغبت فیه ، لأن الکلام مع الحذف یصیر رغبت فی الذی رغبت. فلا ندری المقصود بعد الحذف ؛ أهو : رغبت فیه أم عنه. والمعنیان مختلفان. فمجموع شروط حذف العائد المجرور بالحرف خمسة ؛ هی : (ا) أن یکون الموصول مجرورا بحرف جر. – (ب) وأن یکون هذا الحرف الجار کالحرف الذی یجر الرابط لفظا ، ومعنی ، ومتعلقا ؛ (والمتعلق هو : العامل ، ویکفی فیه هنا التشابه) فلا یجوز حذف الرابط عند اختلاف حرفی الجر. فی شیء من هذا ؛ کاختلاف لفظهما ومعناهما معا ؛ نحو : رغبت عن الذی أنت راغب فیه ؛ أو : فی لفظهما دون معناهما ؛ نحو : جلست بالحجرة التی أنت جالس فیها (لأن معنی «الباء» و «فی» الظرفیة) أو فی معناهما دون لفظهما ؛ نحو : مررت بالذی مررت به علی محمود. والمراد : مررت بالذی مررت معه علی محمود ؛ فالباء الأولی بمعنی : الإلصاق ، والثانیة بمعنی المصاحبة (مع) ، أو اختلاف متعلقهما ، نحو رغبت فی الذی أنت زاهد فیه. (ح) ألا یکون الرابط عمدة. (د) ألا یکون الرابط محصورا. (ه) ألا یکون حذفه موقعا فی لبس. هذا ، ویجیز بعض النحاة حذف الرابط المجرور إذا تعین المحذوف ولم یوقع فی لبس ، تطبیقا للقاعدة العامة التی تنص علی أن ما لا ضرر فی حذفه لا خیر فی ذکره. ویکتفون من الشروط بهذا ، ویذکرون من أمثلته قوله تعالی : (ذلِکَ الَّذِی یُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ) ، أی : به. وقول الشاعر : ومن حسد یجور علی قومی وأی الدهر ذو لم یحسدونی أی الذی لم یحسدونی فیه ... وهذا رأی حسن والأخذ به فی جمیع الشئون اللغویة مقصد بلاغی قویم.

تلک حالة حذف العائد المجرور ، وهی کثیرة فی الأسالیب العالیة (1).

ص: 362


1- وفی حذف العائد المجرور یقول ابن مالک : کذاک حذف ما بوصف خفضا کأنت قاض. بعد أمر من : قضی کذا الّذی جرّ بما الموصول جرّ کمرّ بالذی مررت ؛ فهو برّ أی : کذلک یجوز حذف الرابط المجرور إذا کان عامله وصفا (بالتفصیل الذی سبق) ومن أمثلته ، کلمة : «قاض» الواقعة بعد فعل أمر ، ماضیه «قضی» یشیر إلی قوله تعالی : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) ، أی : ما أنت قاضیه. وهذا هو النوع الأول من العائد المجرور الذی یکون عامله وصفا مضافا. أما النوع الثانی فهو العائد المجرور بما جر الموصول ، أی : بحرف جر کالذی جر الموصول : لفظا ، ومعنی ، وتعلقا ... إلخ. نحو : مر بالذی مررت : أی به ...

زیادة وتفصیل

ا - قد یستغنی الموصول عن العائد کما فی بعض الصور التی سلفت (1).

ب - الکلام فی : «ولا سیما (2) ، وأخواتها» معناها ، وإعرابها فی جملتها. یتضح معنی «ولا سیما» من الأمثلة التالیة :

المعادن أساس الصناعة ؛ ولا سیما الحدید. - تجود الزروع بمصر ؛ ولا سیما القطن - نحتقر الأشرار ؛ ولا سیما الکذّاب ...

فالمثال الأول یتضمن : أن الصناعة تقوم علی أساس ؛ هو : المعادن ؛ کالنحاس ، والرصاص ، والفضة ... وکالحدید أیضا. فالحدید یشارکها فی وصفها بأنها : «أساس». ولکنه یختلف عنها فی أن نصیبه من هذا الوصف أکثر وأوفر من نصیب کل معدن آخر.

وفی المثال الثانی حکم بالجودة علی ما ینبت فی مصر ، من قمح ، وذرة وقصب ، و... ومن قطن أیضا ؛ فهو یشارکها فی الاتصاف بالجودة ؛ ولکنه یخالفها فی أن نصیبه من هذه الجودة أوفی وأکبر من نصیب کل واحد من تلک الزروع.

وفی المثال الثالث نحکم بالاحتقار علی الأشرار ؛ ومنهم اللص ، والقاتل ، والمنافق ... ومنهم الکذاب - أیضا - فهو شریکهم فی ذلک الحکم ، وینطبق علیه الوصف مثلهم. ولکن نصیبه منه أکبر وأکثر من نصیب کل فرد منهم.

مما سبق نعرف أن الغرض من الإتیان بلفظ : (ولا سیما) هو : إفادة أن ما بعدها وما قبلها مشترکان قی أمر واحد ، ولکن نصیب ما بعدها أکثر وأوفر من نصیب ما قبلها. ولذا یقول النحاة : إن «لا سیّ» ، معناها : لا مثل (3) ... یریدون : أن ما بعدها لیس مماثلا لما قبلها فی المقدار الذی یخصه من الأمر المشترک

ص: 363


1- فی «ب» من ص 343 ، وفیها إشارة لهذا الحکم. وقد سبق معنی الاستغناء فی رقم 1 من هامش ص 357.
2- مرکبة من کلمتین هما : (سی) بمعنی مثل - کما سیجیء ، و (ما) ، وتتصل فی الکتابة بکلمة (سی) کما یری علماء الرسم (الإملاء).
3- وهذه یعدها النحاة من أخوات : «لا سیما» التی سیجیء الکلام علیها فی ص 366.

بینهما ؛ وإنما یزید علیه فی ذلک المقدار ؛ سواء أکان الأمر محمودا ، أم مذموما (1).

أما إعرابها فی جملتها وإعراب الاسم الذی بعدها فقد یکفی جمهرة المتعلمین علمها أن : «ولا سیّما» لا تتغیر حرکة حروفها مهما اختلفت الأسالیب ، وأن الاسم الذی بعدها یجوز فیه الأوجه الثلاثة : «الرفع ، والنصب ، والجر» سواء أکان نکرة أم معرفة (2). وأن فیها عدة لغات صحیحة (3) لا یمنع من استعمال إحداها مانع. ولکن أکثرها فی الاستعمال الأدبی هو : (ولا سیّما) ؛ فیحسن الاقتصار علیه ؛ لما فی ذلک من المسایرة للأسالیب الأدبیة العالیة التی تکسب اللفظ قوة فی غالب الأحیان ، وفی هذا القدر کفایة لمن یبتغی الوصول إلی معرفة الطریقة القویمة فی استعمالها ، من غیر أن یتحمل العناء فی تفهم الإعرابات المختلفة. أما من یرغب فی هذا فإلیه البیان :

الاسم الواقع بعد : (ولا سیما) إما أن یکون نکرة ، وإما أن یکون معرفة ؛ فإن کان نکرة جاز فیه الأوجه الثلاثة کما سبق ، تقول :

1 - اقتنیت طرائف کثیرة ، ولا سیّما : أقلام ، أو أقلاما ، أو أقلام.

2 - اشتریت طیورا بدیعة ، ولا سیما ؛ عصفور ، أو : عصفورا ، أو : عصفور.

3 - قصرت ودی علی المخلصین ؛ ولا سیّما واحد ، أو واحدا ، أو : واحد.

وإن کان الاسم الواقع بعدها معرفة فالصواب جواز الأوجه الثلاثة أیضا ، کما فی الأمثلة التالیة :

1 - أتمتع برؤیة الأزهار ، ولا سیما : الورد ، أو : الورد ، أو : الورد.

2 - شاهدت آثارا رائعة ، ولا سیما : الهرم ، أو : الهرم ، أو : الهرم.

3 - ما أجمل الکواکب فی لیل الصیف : ولا سیما : القمر ، أو : القمر أو : القمر.

ص: 364


1- وبسبب هذه المخالفة فی المقدار یذکر بعض النحاة لفظ «ولا سیما» فی باب المستثنی ؛ لما فی الاستثناء من مخالفة ما بعد الأداة لما قبلها فی إثبات الحکم ، أو نفیه. فبین المخالفتین نوع تشابه من بعض الوجوه دون بعض ؛ إذ المخالفة بعد «ولا سیما» تکون فی المقدار وحده. مع الاشتراک فی الأمر نفسه. أما فی الاستثناء فالمخالفة تقع فی الحکم کله ؛ نفیا أو إیجابا. ولا مشارکة فیه بین ما وقع بعد الأداة وما وقع قبلها. وبعض آخر یذکرها (أی : ولا سیما) فی باب الموصول ؛ لاشتمالها علی «ما» التی یصح أن تکون اسم موصول.
2- یعارض فریق من النحاة فی نصب المعرفة ، ومن التیسیر الأخذ بالرأی الآخر. راجع المطولات ؛ ومنها شرح الکافیة ، ج 1 ص 249 ، وحاشیة الصبان ، ج 2 - فی آخر باب الاستثناء عند الکلام علی «لا سیما» - والهمع. فی هذا الباب أیضا (ج 1 ص 234).
3- منها الاستغناء عن الواو فقط ، أو الاستغناء عنها وعن «لا» معا. ومنها تخفیف الیاء فی کل لغاتها.

وفیما یلی الإعراب تفصیلا :

الکلمة

إعرابها فی حالة الرفع

فی حالة النصب

فی حالة الجر

و

للاستئناف (1) ...

«و» کالسابق ...

«و» کالسابق

لا

نافیة للجنس ، حرف لا محل لها من الإعراب.

«لا» کالسابق ...

«لا» کالسابق

سیّما

سیّ :

سیّ : اسم لا مبنی (2)

علی الفتح فی محل نصب

(سیّ) اسم «لا» منصوب لأنه مضاف فی هذه الصورة «ما»

زائدة (أفلام) : مضاف إلیه مجرور

اسمها منصوب ، لأنه مضاف - «ما» اسم موصول (3) ،

مبنی علی السکون فی محل جر مضاف إلیه. (ویحتاج لصلة)

«ما» زائدة حرف مبنی علی السکون لا محل له من

الإعراب

أقلام

خبر لمبتدأ محذوف وجوبا (4)

تقدیره : «هو» والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول

وخبر «لا» محذوف ، تقدیره مثلا : موجود ؛ ...

أفلاما : تمییز (5) منصوب أما

خبر «لا» فمحذوف تقدیره : موجود ... أو ما یشبه هذه الکلمة

وخبر لا محذوف ، تقدیره:

موجود ، أو ما یشبهها

ص: 365


1- وهذا أیسر الآراء وأوضحها. ویصح أن تکون للحال والجملة بعدها (من لا واسمها وخبرها) فی محل نصب حال. کما یصح أن تکون عاطفة ، والجملة بعدها معطوفة علی الجملة قبلها. لکن لا داعی للإعرابات المختلفة ؛ ففی الأول الکفایة والسهولة.
2- مبنی ولیس معربا ؛ لأنه غیر مضاف ولا شبیه بالمضاف. واسم «لا» یکون معربا فی هاتین الحالتین فقط.
3- وکما یصح هنا أن تکون «ما» اسم موصول ، یصح أن تکون نکرة موصوفة بمعنی : «شیء» ، والجملة بعدها صفة لها فی محل جر. والخبر محذوف
4- سبق (فی رقم 1 من هامش ص 359) عند الکلام علی حذف العائد أنه واجب الحذف فی (لا سیما) ولو لم تطل الصلة.
5- لکلمة : (سی) أو لکلمة : «ما» علی أنها نکرة تامة ، ولیست زائدة ، وهو الأحسن. والنکرة التامة لا تحتاج إلی صفة بعدها. لکونها بمعنی : شیء ، أی شیء ؛ وهذا یجعلها صالحة لأن یراد منها : رجل - عصفور - طائر - أسد .. وغیر ذلک مما یناسب جملتها. علی الوجه السابق فی ص 317.

ولا سیما کلمة : عصفور وکلمة : واحد ...

کالذی سبق فی نظائرها تماما.

یجری علیهما الإعراب السابق فی کلمة : «أقلام» رفعا ، ونصبا ، وجرّا.

وإعراب المعرفة فی حالتی الرفع والجر کإعراب النکرة فیهما. أما فی حالة النصب فتعرب النکرة تمییزا کما أوضحنا ، وتعرب المعرفة مفعولا به. ففی مثل : أتمتع برؤیة الأزهار ولا سیما الورد - یصح أن یکون الإعراب کما یلی :

الواو للاستئناف. (لا) نافیة للجنس. (سیّ) اسمها منصوب ومضاف. (ما) نکرة تامة بمعنی : شیء ، وهی مضاف إلیه. مبنیة علی السکون فی محل جر. وخبر لا محذوف تقدیره : موجود مثلا - و (الورد) مفعول به لفعل محذوف تقدیره : أخص : أو : أعنی ... والفاعل مستتر وجوبا تقدیره : أنا. ومثل هذا یقال فی کلمة : الهرم ، والقمر ، وأشباههما.

وقد تقع الحال المفردة أو الجملة بعد : (ولا سیما) نحو : أخاف الأسد ، ولا سیما غاضبا ، أو : وهو غاضب ... وقد تقع الجملة الشرطیة بعدها ، وغیر الشرطیة ، أیضا ؛ نحو : النمر غادر ، ولا سیما إن أبصر عدوه (1).

أما أخوات : «ولا سیما» (2) فقد نقل الرواة منها : «لا مثل ما» و «لا سوی ما ...» - فهذان یشارکان : «لا سیما» فی معناها ، وفی أحکامها الإعرابیة التی فصّلناها فیما سبق.

ص: 366


1- وقد یقع بعدها الظرف والجملة الفعلیة مطلقا ؛ الشرطیة ، وغیر الشرطیة أیضا - کما جاء فی حاشیة الجزء الأول من الأمیر علی المغنی ، عند الکلام علی : «أی» - الشرطیة - والذی یعنینا من الأمثلة السابقة وأشباهها هو النص علی جواز وقوع الحال المفردة والحال الجملة بعدها ، وکذلک وقوع الجمل ، ومنها : جملة الشرط ، أما الإعراب فأمر ثانوی عرضت له المطولات. وملخص ما قالوا فی الحال : «سی» اسم : «لا» مبنیة علی الفتح فی محل نصب ، ولا تحتاج إلی خبر ؛ (کشأنها فی مثل : ألا ماء ، أی : أتمنی ماء) و «ما» کافة. «غاضبا» حال من مفعول الفعل المقدر هنا ؛ وهو : أخصه (لأن معنی «سیما» هنا : خصوصا) أی : أخصه بزیادة الغضب فی هذه الحالة. ومثل ذلک فی الحال الجملة. أما فی الجملة الشرطیة فجواب الشرط مدلول علیه بالفعل المقدر ؛ أی : إن غضب أخصه بزیادة خوفی. (راجع الصبان ج 2 فی آخر باب المستثنی - کما قدمنا - ففیه التفصیل). وبقیة المراجع التی أشرنا إلیها فی رقم 2 من هامش ص 364.
2- ما یأتی مذکور بمناسبة أخری فی الجزء الثانی ص 274 م 83.

ومنها : «لا تر ما ...» و «لو تر ما ...» وهما بمعناها ، ولکنهما یخالفانها فی الإعراب ، وفی ضبط الاسم بعدهما ، فهذان فعلان لا بد من رفع الاسم الذی یلیهما. ولا یمکن اعتبار «ما» زائدة وجر الاسم بعدها بالإضافة ؛ لأن الأفعال لا تضاف. والأحسن أن تکون : «ما» موصولة وهی مفعول للفعل : «تر» وفاعله ضمیر مستتر ، تقدیره : أنت. والاسم بعدها مرفوع - وهذا هو الوارد سماعا - علی اعتباره خبر مبتدأ محذوف ، والجملة صلة.

وإنما کان الفعل مجزوما بعد : «لا» - لأنها للنهی. والتقدیر فی مثل : «قام القوم لا تر ما علیّ» ... ، هو : لا تبصر أیها المخاطب الشخص الذی هو علیّ فإنه فی القیام أولی منهم.

أو تکون : «لا» للنفی ، وحذفت الیاء من آخر الفعل سماعا وشذوذا ، وکذلک بعد «لو» سماعا. والتقدیر : لو تبصر الذی هو علیّ لرأیته أولی بالقیام. والجدیر بنا أن نقتصر فی استعمالنا علی «ولا سیما» لشیوعها قدیما وحدیثا.

ص: 367

المسألة 29: الموصولات الحرفیة

اشارة

عرفنا أن الموصولات قسمان ؛ اسمیة وقد سبق الکلام علیها ، وحرفیة وهی خمسة (1) : «أن» ، (مفتوحة الهمزة ، ساکنة النون أصالة (2).) و «أنّ» الناسخة (المشددة النون ؛ أو الساکنة النون للتخفیف) و «ما» ، و «کی» ، و «لو». وکلا القسمین لا بد له من صلة متأخرة عنه ، لا یصح أن تتقدم علیه هی أو شیء منها - ، - کما أوضحنا -. أما الفصل بین الموصول الحرفی ، أو الاسمیّ ، وصلته ، وکذا الفصل بین أجزاء الصلة فقد سبق الکلام علیه (3) (وهو بحث هام).

ولکن بین الموصول الاسمی والحرفی فروق ، أهمها ستة :

الأول : أن الموصولات الاسمیة - غیر أیّ - لا بد أن تکون مبنیة (4) فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر ، علی حسب موقعها من الجملة ؛ وذلک شأن کل الأسماء المبنیة. بخلاف الموصولات الحرفیة ، فإنها مبنیة أیضا ؛ ولکن لا محل لها من الإعراب ؛ - شأن کل الحروف - فلا تکون فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر ؛ مهما اختلفت الأسالیب.

الثانی : أن صلة الموصول الاسمی لا بد أن تشتمل علی العائد ؛ أما صلة الحرفی فلا تشتمل علیه مطلقا.

الثالث : أنّ الموصول الحرفیّ لا بد أن یسبک مع صلته سبکا ینشأ عنه مصدر یقال له : «المصدر المسبوک» أو «المصدر المؤول» ، یعرب علی حسب حاجة الجملة - کما سنبینه بعد (5) -. ولهذا تسمی الموصولات الحرفیة : «حروف السبک» وتنفرد به دون الموصولات الاسمیة.

ص: 368


1- غیر همزة التسویة التی یجیء بیانها فی ص 374.
2- أی : أنها لیست مخففة من (أنّ) المشددة الناسخة.
3- فی ص 341.
4- أما : (أی) فتعرب فی بعض أحوالها - کما سبق فی ص 327.
5- فی «ب» من ص 374.

الرابع : أن بعض الموصول الحرفیّ (وهو الحرف المصدری) لا یوصل بفعل جامد - کما سیجیء (1) - مثل : «لو» ، وکذلک : «ما» المصدریة ، إلّا مع أفعال الاستثناء الجامدة الثلاثة ؛ وهی : (خلا - عدا - وکذا : حاشا ، فی رأی) فهذه الثلاثة مستثناة من الحکم السالف ، أو لأنها متصرفة بحسب أصلها فجمودها عارض طارئ لا أصیل. والمصدر المؤول معها مؤول بالمشتق ، ... أی : مجاوزین (2). الخامس : أن الموصول الاسمی - غیر «أل» یجوز حذفه علی الوجه الذی قدّمناه (3) ، أما الحرفیّ فلا یحذف منه إلا : «أن» الناصبة للمضارع ، فتحذف جوازا أو وجوبا ، طبقا لما هو مبین عند الکلام علیها فی النواصب (ج 4) وهی فی حالتی حذفها تسبک مع صلتها کما تسبک فی حالة وجودها(4) .....

السادس : أن الموصول الحرفی «أن» یصح - فی الرأی المشهور - وقوع صلته جملة طلبیة ، دون سائر الموصولات الاسمیة والحرفیة (5).

وفیما یلی شیء من التفصیل الخاص بالموصولات الحرفیة الخمسة :

(ا) أن. - ساکنة النون أصالة - ولا تکون صلتها إلا جملة فعلیة ، فعلها کامل التصرف ؛ سواء أکان ماضیا ؛ نحو : عجبت من أن تأخر القادم. أم مضارعا ؛ نحو : من الشجاعة أن یقول المرء الحقّ فی وجه الأقویاء ، وقول الشاعر :

إنّ من أقبح المعایب عارا

أن یمنّ الفتی بما یسدیه

أم أمرا (6) ، نحو : أنصح

لک أن

بادر إلی ما یرفع شأنک ،

وهی فی کل الحالات تؤول مع صلتها بمصدر یستغنی به عنهما ، ویعرب علی حسب حاجة الجملة ، فیکون مبتدأ ، أو فاعلا أو مفعولا به ، أو غیر ذلک ، طبقا لتلک الحاجة وقد

ص: 369


1- فی رقم 4 و 5 من هامش ص 372.
2- راجع الصبان عند الکلام علیها فی باب الاستثناء. وسیجیء هذا فی ج 2 باب الاستثناء - م 83 وباب الحال م 84.
3- فی ص 355.
4- وقد یتعین تقدیرها فی بعض الأسالیب السماعیة ، حیث لا مفر من التقدیر ، مثل : یعجبنی یحضر الأخ. وهو ترکیب له بعض نظائر نادرة مسموعة ، لا یقاس علیها ، لندرتها. فلو لم تقدر «أن» لوقعت جملة : «یحضر الأخ» فاعلا للفعل «یعجب» ، أو لکان الفاعل مقدرا بقول ، أو غیره وکلا الأمرین لا یرضاه جمهور النحاة.
5- کما سبق فی ص 338.
6- وفی هذه الحالة تکون جملة الصلة قد وقعت طلبیة. وهو جائز فی : «أن» وحدها من الموصولات الحرفیة. أما الموصولات الاسمیة فیشترط فی صلتها أن تکون خبریة - کما سبق هنا وفی رقم 3 من ص 337) وعلی هذا لیس من الموصولات بنوعیها ما یجوز أن تکون صلته طلبیة إلا : «أن» مفتوحة الهمزة ساکنة النون أصالة ، کما تبین فی الفرق السادس.

یسد مسد المفعولین أیضا. ولکنها لا تنصب إلا المضارع (1) ، وتخلص زمنه للاستقبال المحض ولا تنفصل منه بفاصل .. (2). ولا تغیر زمن الماضی ولا تکون للحال فدلالتها الزمنیة إما للماضی وإما للمستقبل (3) ...

ولیس من هذا النوع ما یقع بعده جملة اسمیة (4) مسبوقة بما یدل علی یقین ، نحو : علمت «أن» ؛ محمد لقائم ، أو جملة فعلیة فعلها جامد : نحو : أعتقد أن لیس الظالم بمستریح النفس ، فإنّ هذین من النوع الثانی (الذی تکون فیه «أن» مخففة من «أنّ» المشددة النون) (5) ...

ص: 370


1- أما الماضی والأمر فلا تنصبهما لفظا ولا محلا. بخلاف (إن) الشرطیة : فإنها لما قلبت الماضی إلی الاستقبال ناسبها أن تعمل فی محله. فأن المتصلة بالماضی أو الأمر هی الناصبة للمضارع وإن کانت بقیة النواصب لا تدخل إلا علی المضارع. ووصل «أن» بالماضی ، وعدم تغییرها زمنه أمر متفق علیه ؛ أما وصلها بالأمر ففیه خلاف ؛ فسیبویه یجوزه ؛ بدلیل دخول الجار علیها فی نحو : کتبت إلیه بأن قم ، أو : کتبت إلیه بألا تقم (أصلها : «أن لا» ثم أدغمت «النون» فی «لا» الناهیة) وحرف الجر لا یدخل إلا علی الاسم فتؤول (أن) مع صلتها بمصدر طلبی ؛ أی : بمصدر یفید الأمر أو النهی ... فیکون التقدیر : کتبت إلیه بالأمر بالقیام ، أو بالنهی عن القیام ... وغیر سیبویه یقول إن کل موضع وقع فیه الطلب (سواء أکان أمرا أم غیره) ، هو صالح لأن تکون «أن» فیه تفسیریة ؛ بمعنی : «أی» المفسرة. وذلک إذا لم یوجد حرف جر ظاهر قبل «أن» ؛ کقوله تعالی : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلی قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَکَ ...) وقوله تعالی : (فَأَوْحَیْنا إِلَیْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْکَ ...) وقوله : (وَإِذْ أَوْحَیْتُ إِلَی الْحَوارِیِّینَ أَنْ آمِنُوا بِی وَبِرَسُولِی ...) فهی فی کل هذه الأمثلة تفسیریة إن لم یقدر قبلها الجار ؛ لانطباق وصف التفسیریة علیها (ذلک الوصف الذی یتلخص فی أمور ثلاثة مجتمعة ؛ هی : وقوعها مسبوقة بجملة فیها معنی القول دون حروفه ، وخلوها من حرف جر ، ووقوع جملة بعدها) ولا حاجة إلی تقدیر حرف الجر عند عدم وجوده ظاهرا فی الکلام ؛ إذ ما الداعی لتقدیره ، واعتبارها مصدریة لا مفسرة؟ أما إن وجد قبلها حرف جر ظاهر فهی زائدة عند أصحاب الرأی السالف ، ففی مثل کتبت إلیه بأن قم أو بألا تقم. (أصلها : أن لا تقم ...) یکون أصل الکلام کتبت إلیه «بقم» أو بلا «تقم» ؛ زیدت «أن» منعا لصورة ظاهریة شکلیة مکروهة وهی : دخول حرف الجر علی الفعل ظاهرا : وإن کان فی الواقع اسما بسبب قصد لفظه ... (اه ، نقلا عن الخضری ج 1 أول باب الموصول ، بتصرف یسیر). والخلاف بین الرأیین شکلی لا أثر له فی تکوین المفرد ، أو الجملة ، أو ضبط حروفهما ، فکلا الرأیین یبیح هذا الاستعمال ، ویرضی عن الأسلوب ، ویعده فصیحا ؛ وهذا هو الأهم. فلا مانع یمنع بعد ذلک من الأخذ بأحد الرأیین عند الإعراب إذ لا ترجیح بینهما.
2- انظر رقم 1 من هامش ص 518.
3- کما سیجیء البیان فی ج 3 باب إعمال المصدر ص 176 م 99.
4- تکون هی الصلة وتسبک معه بمصدر.
5- «ملاحظة» - یقول النحاة : لم یرد فی الکلام الفصیح وقوع «أن» المصدریة بنوعیها المخففة والناصبة للضارع مع صلتها مبتدأ یستغنی عن الخبر بحال سدت مسده. ولا بعد «کان» «وإن» الناسختین بغیر فاصل من خبرهما. ولا بعد «لا» النافیة للجنس غیر المکررة. وهذا الحکم ینطبق علی «ما» المصدریة وصلتها أیضا وسیجیء البیان فی ج 3 باب إعمال المصدر. م 99 ص 177.

(ب) «أنّ» المشددة النون. وتتکون صلتها من اسمها وخبرها ؛ نحو : سرّنی أنّ الجو معتدل ، ویستغنی عن الثلاثة بعد صوغ المصدر المنسبک بطریقته الصحیحة. ومثلها : (أن) المخففة النون الناسخة (1) ؛ حیث تتکون صلتها من اسمها وخبرها. ولکن اسمها لا یکون - فی الأفصح - إلا ضمیرا محذوفا ، وخبرها جملة ؛ نحو : أیقنت أن علیّ لمسافر (2) ؛ (ومنه المثالان السالفان فی الکلام علی «أن»). ویستغنی عن الثلاثة بعد صوغ المصدر المؤول بطریقته الصحیحة ، ویعرب المصدر فی النوعین علی حسب الجملة ؛ فیکون فاعلا ، أو مبتدأ ، أو مفعولا به ، أو غیر ذلک ... وقد یسدّ مسد المفعولین إن وجد فی الجملة ما یحتاج لهما.

(ح) «کی» (3). وصلتها لا تکون إلا جملة مضارعیة (وتنصب المضارع) نحو : أحسنت العمل لکی أفوز بخیر النتائج. ومنها ومن صلتها معها یسبک المصدر المؤول الذی یستغنی به عنهما ، ویعرب علی حسب حاجة الجملة ، وحاجتها لا تکون هنا إلا لمجرور باللام دائما ...

(د) «ما» ، وتکون مصدریة ظرفیة (4) ؛ نحو : سأصاحبک ما دمت مخلصا ، أی : مدة دوامک مخلصا ، وسألازمک ما أنصفت ، أی : مدة إنصافک. وقول الشاعر :

ص: 371


1- انظر رقم 5 من الصفحة السابقة.
2- الأصل : أیقنت أنه علی لمسافر. وهذا الضمیر هو ضمیر «الشأن» أو ضمیر «القصة» الذی سبق الکلام علیه تفصیلا فی الضمائر ، ص 226 - «وأن» المخففة لها مواضع وأحکام مکان الکلام علیها باب «إن وأخواتها» ومن أشهر مواضعها أن تقع بعد ما یدل علی الیقین ... أو یقع بعدها فعل جامد .. أو فعل للدعاء ... أو ... ص 613.
3- وهی مثل «أن» المصدریة عملا ومعنی ، ولکن لا بد أن یسبقها لام الجر لفظا أو تقدیرا لکی نعتبرها مصدریة خالصة. (إذ یجوز حذف حرف لام الجر قبلها ، فتکون مقدرة). وسیجیء تفصیل الکلام علی «کی» وأنواعها وأحکامها فی ج 4 ص 227 م 148.
4- وهی المصدریة الزمانیة : لأن الزمان یقدر قبلها ؛ فیذکر قبلها کلمة : «زمان» أو مدة ... أو وقت ... أو نحو ذلک من کل ما یفید معنی الزمن. ویری فریق من النحاة أن الأفضل تسمیتها بالمصدریة الزمانیة ، بدلا من تسمیتها المشهورة (المصدریة الظرفیة). وحجته : أن التسمیة الأولی وحدها هی التی تشمل نحو قوله تعالی : (کُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِیهِ) إذ التقدیر : کل وقت أضاءته لهم ... فالزمان المقدر «مضاف» إلیه مجرور ، والمجرور بالإضافة لا یسمی ظرفا. ومن المضاف إلیه - وهو المصدر المؤول - اکتسب المضاف ، وهو کلمة : «کل» الظرفیة الزمانیة. وکلمة : «کل» منصوبة بجوابها : «مشوا» وسیجیء فی باب «کان» ص 510 إیضاح أکمل ، یتناول «ما» المصدریة الظرفیة بمناسبة الکلام هناک علی : «ما دام».

المرء ما عاش ممدود له أمل

لا تنته العین حتی ینته الأثر (1)

ومصدریة غیر ظرفیة (2) ، مثل : : فزعت مما أهمل الرجل ؛ أی : من إهمال الرجل ... ودهشت مما ترک العمل ، أی : من ترکه العمل. وقول العرب : «أنجز حرّ ما وعد (3) ،

وکلاهما تکون صلته فعلیة ماضویة (4) ؛ کالأمثلة السابقة ، أو مضارعیة (5) ؛ نحو : لا أجلس فی الحدیقة ما لم تجلس فیها. أی : مدة عدم جلوسک فیها. وإنی أبتهج بما تکرم الأخوان ، أی : بإکرامک الإخوان ومثل قول الشاعر :

ص: 372


1- أی : لا تنته العین من التطلع إلی الأشیاء التی تدعو للأمل إلا بانتهاء الأجل.
2- علامتها أن یصلح فی مکانها «أن» المصدریة. لکنها لا تنصب المضارع کما تنصبه (أن) و «أن» المصدریة الداخلة علی الماضی لا تغیر زمنه ، بل تترکه علی حاله ، وتخلص زمن المضارع للمستقبل. ولا تدل علی الحال مطلقا. بخلاف «ما» المصدریة بتوعیها فتصلح للأزمنة الثلاثة علی حسب المعنی والقرینة. ، والأکثر أن تکون للحال. وراجع الملاحظة رقم 5 من هامش ص 370 - والبیان فی رقم 3 من هامش ص 379) وقد یختلط الأمر - علی غیر الفطن - بین «ما» التی هی اسم موصول والتی هی حرف موصول فی مثل : أعجبنی ما صنعت! وسرنی ما لبست : إذ یجوز أن تکون «ما» اسم موصول فیهما ، والعائد محذوف تقدیره : ما صنعته ، وما لبسته ، کما یجوز أن تکون «ما» حرف موصول ، ولا شیء محذوف ، والتقدیر ؛ أعجبنی صنعک ، وسرنی لبسک. وهذا صحیح فی المثالین السابقین وأشباههما ؛ حیث یجوز الأمران عند عدم وجود قرینة توجه إلی أحدهما دون الآخر ؛ کأن یکون المصنوع والملبوس أمرا معینا معروفا ، والحدیث متجه إلی ذاته ومادته ؛ فتکون «ما» اسم موصول. أما إن کان المراد التحدث عن المعنی المجرد ، أی : الحدث ، وهو الصنع نفسه ، أو اللبس - فإن «ما» حرف موصول. وهناک حالة یتعین فیها أن تکون «ما» حرف موصول ؛ هی : أن یکون الفعل بعدها لازما ، أو یکون متعدیا قد استوفی مفعوله ؛ مثل : (وضاقت علیهم الأرض بما رحبت) و (یسرّ المرء ما ذهب اللیالی ...) لأن الفعل بعدها لازم ؛ فلو کانت اسم موصول لم نجد عائدا ، ولا یصح تقدیر ضمیر. ومثله : أعجبنی ما قمت ؛ للسبب السابق أیضا ، ومثل : سرنی ما قرأت الصحف - وما کتبت الرسائل ؛ فالفعل فیهما متعد قد استوفی مفعوله ، ولا یصح فیه تقدیر ضمیر مفعول آخر. (وسیجیء فی باب : «کان» ص 510 - کلام عن «ما» المصدریة الظرفیة بمناسبة البحث فی : ما دام ، کما أشرنا فی رقم 4 من هامش الصفحة السابقة).
3- أی : وعده. وهذا مثل قدیم یقال بهذه الصیغة الخبریة لمدح من وعد فأنجز کما یقال لمن وعد ولم ینجز ، یقصد تحریضه وحثه علی الإنجاز.
4- إذا وقعت صلة : «ما» المصدریة الظرفیة جملة ما ضویة فعلها : «دام» الناسخ وجب أن تکون هی وصلتها معمولة لفعل مضارع قبلها - کما سیجیء البیان عند الکلام علیها فی ص 510
5- بشرط أن یکون الفعل الماضی والمضارع متصرفین ولو تصرفا ناقصا کما فی الفعل : «دام» عند من یقول بأن لها مضارعا ومصدرا ناسخین مثلها ، وهو قول مرجوح یحسن إهماله ، لضعفه - کما سیجیء عند الکلام علی شروط عملها فی موضعها الأصیل ، وهو باب «کان» - وإذا ارتضینا الرأی القائل بعدم تصرفها مطلقا وجب عدها من الأفعال القلیلة الجامدة التی تلزم المضی وتدخل علیها «ما المصدریة غیر الظرفیة» و «ما المصدریة الظرفیة» فإنهما قد یوصلان بالفعل الجامد (خلا - عدا - ومثلهما : «حاشا» فی رأی.) فی الاستثناء - کما سبق فی ص 370 - أما وصلهما بالأمر فممتنع.

والمرء ما لم تفد نفعا إقامته

غیم حمی الشمس ؛ لم یمطر ولم یسر

أو جملة اسمیة (1) ؛ نحو : أزورک ما الوقت مناسب ، ویرضینی ما العمل نافع ؛ أی : أزورک مدة مناسبة الوقت ، ویرضینی نفع العمل. ولکن الأکثر فی المصدریة الظرفیة أن توصل بالجملة الماضویة ، أو بالمضارعیة المنفیة بلم ؛ کالأمثلة السابقة. ویقلّ وصلها بالمضارعیة التی لیست منفیة بلم ؛ مثل : لا أصیح ما تنام ، أی : لا أصیح مدة نومک.

ومن الحرف المصدری «ما» وصلته ینشأ المصدر المؤول الذی یستغنی به عنهما.

ویصح الفصل - مع قلته - بین «ما» المصدریة بنوعیها ، وما دخلت علیه (2) دون غیرها من الموصولات الحرفیة.

(ه) «لو» (3) ، وتوصل بالجملة الماضویة ، نحو : وددت لو رأیتک معی فی النزهة. وبالمضارعیة : نحو : أود لو أشارکک فی عمل نافع (4) ، ولا توصل بجملة فعلیة أمریة. ولا بد أن یکون الفعل الماضی أو المضارع تام التصرف. ومنها ومن صلتها یسبک المصدر المؤول الذی یستغنی به عنهما.

ص: 373


1- بشرط ألا تکون مبدوءة بحرف مصدری آخر لأن الحرف المصدری لا یدخل علی نظیره لغیر توکید لفظی - کما سیجیء فی رقم 4 من هذا الهامش وفی رقم 3 من هامش ص 582 - أما مثل : لا أخون الأمانة ما أن فی السماء نجما ؛ فإن المصدر المؤول من أن ومعمولیها فی محل رفع فاعل لفعل محذوف تقدیره : ثبت. أی : ما ثبت وجود نجم فی السماء ، والفعل والفاعل صلة : «ما». والتقدیر مدة ثبوت نجم فی السماء. وقد یجوز - فی رأی - أن یکون «أن» وصلتها فی محل مصدر مؤول مبتدأ ، خبره محذوف ، تقدیره : ثابت. والمبتدأ والخبر صلة ما.
2- وفی الفصل بالمفعول به خلاف ما تقدم فی ص 141 و 142.
3- الأکثر فی «لو» المصدریة أن تقع بعد «ود» و «یود» ، وما بمعناهما ؛ کأحب ، ورغب ، واختار. ولا تحتاج لجواب ؛ کما سیجیء فی بابها الخاص - ح 4 - وتخلص زمن المضارع بعدها للمستقبل المحض ولکنها لا تنصبه - کما سیجیء فی ص 379 -.
4- وقد توصل بالجملة الاسمیة ؛ نحو قوله تعالی : (وَإِنْ یَأْتِ الْأَحْزابُ یَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِی الْأَعْرابِ) ولکن وصلها بالجملة الاسمیة - علی جوازه - قلیل بالنسبة لوصلها بالماضی والمضارع المتصرفین .. وقد توالی فی الآیة السابقة - وأشباهها - حرفان مصدریان ، وهما لا یتوالیان إلا لتوکید لفظی - کما سبق فی رقم 1 ، وهو غیر متحقق هنا - ولذا یعرب المصدر المؤول من : «أن ومعمولیها» فاعلا لفعل محذوف تقدیره : «ثبت» - مثلا - کما یعرب المصدر المؤول من : «لو» والفعل : «ثبت» وفاعله ، مفعولا للفعل : «یود» قبله. ویجوز غیر هذا مما یحال الکلام علیه باب : «لو» ج 4.

زیادة وتفصیل

(ا) من حروف السّبک - عند فریق کبیر من النحاة - «همزة التسویة» وهی التی تقع بعد کلام مشتمل علی لفظة : «سواء» ، ویلی الهمزة جملتان ، ثانیتهما مصدرة بکلمة : «أم» الخاصة بتلک الهمزة. ومن الأمثلة قوله تعالی : (إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ، لا یُؤْمِنُونَ ،) فالهمزة مسبوکة مع الجملة التی بعدها مباشرة بمصدر مؤول یعرب هنا فاعلا ، والتقدیر : إن الذین کفروا سواء - بمعنی : متساو - إنذارک وعدمه علیهم ؛ فهم یعربون کلمة : «سواء» خبر : «إن» «والمصدر المؤول» فاعل لکلمة : سواء ، التی هی بمعنی اسم الفاعل : «متساو». وقیل إن الجملة تسبک هنا بمصدر من غیر سابک ؛ کما سبکوه فی المثل العربی : «تسمع بالمعیدی خیر من أن تراه» ؛ برفع المضارع «تسمع» فی إحدی الروایات ؛ فقالوا فی سبکه : سماعک بالمعیدی ... من غیر تقدیر «أن» قبل السبک ، وکما یقدرون فی کل ظرف زمان أضیف إلی جملة بعده ، کالذی فی قوله تعالی : (وَیَوْمَ نُسَیِّرُ الْجِبالَ وَتَرَی الْأَرْضَ بارِزَةً ... ،) فقد قالوا : التقدیر : «ویوم تسییر الجبال» - من غیر وجود حرف سابک (1) ...

(ب) کیف یصاغ المصدر المنسبک من حرف مصدری مع صلته؟

للوصول إلی المصدر المؤول نتبع الخطوات الأربع التالیة إن کان الحرف المصدری هو : «أن» ، أو : «أنّ» ، کما فی الأمثلة المعروضة ، أما إن کان غیرهما فیجری علیه ما جری علی هذین تماما ، وفیما یلی البیان :

ص: 374


1- راجع الصبان ج 2 أول باب الاستثناء. وسیجیء البیان فی ج 3 ، باب العطف عند الکلام علی : «أم» ص 471 م 118 - ولها إشارة فی ج 3 - ص 26 م 93 و 68 م 94.

1 - نستخرج المصدر الصریح لخبر «أنّ» فی الجمل

المشتملة علی «أنّ» ، أو للفعل الذی بعد «أن» الناصبة فی الجمل المشتملة علی

الفعل ؛ فنجده فی الأمثلة المعروضة : «کثرة» - «نهضة» - «نفع».

شاع (أنّ الفواکه کثیرة فی بلادنا) شاع (أن تکثر ،

الفواکه) فی بلادنا

عرفت (أن الصناعة ناهضة) بمصر عرفت (أن تنهض

الصناعة) بمصر

2 - نضبط ذلک المصدر الصریح علی حسب حاجة الجملة

هکذا : «کثرة» .. (مرفوعة فی القسم الأول) ، «نهضة» ..

(منصوبة القسم الثانی) ، «نفع» (مجرورة فی القسم

الثالث) ؛ لأن الأول محتاج لفاعل. والثانی محتاج لمفعول به ، والثالث محتاج إلی

مجرور.

آمنت ب (أن الإذاعة نافعة) آمنت ب (أن تنفع الإذاعة)

3 - نذکر بعده اسم «أنّ» فی الجمل التی کانت مشتملة

علی «أنّ». و : نذکر الفاعل فی الجمل التی کانت مشتملة علی «أن» الناصبة والفعل

؛ فیکون : کثرة الفواکه ، نهضة الصناعة ، نفع الإذاعة.

4 - نضبط ذلک الاسم الذی وضعناه بعد المصدر الصریح

- بالجر ، ونعربه مضافا إلیه ؛ فتکون الجمل بعد السبک : شاع کثرة الفواکه - عرفت

نهضة الصناعة بمصر - آمنت بنفع الإذاعة!.

وبإتمام الخطوة الرابعة تتم عملیة سبک المصدر

المؤول ؛ وتظهر الجملة فی شکلها الجدید ؛ فتغنی عن «أنّ» و «أن» وعن صلتهما

السابقة.

وعند السبک لا ندخل تغییرا فی الباقی من الجملة إلا علی اسم «إنّ» أو فاعل الفعل بالطریقة التی أوضحناها. أما ما عداهما مما لم یحذف فیبقی علی حالته الأولی.

ومثل هذا یتبع حین یکون الحرف المصدری هو : «أن» المخففة من الثقیلة أو : «لو» ، أو : «کی» ، أو : «ما».

ص: 375

وقد یقتضی الأمر فی بعض الأمثلة عملا زائدا علی ما سبق ؛ ففی مثل : سرنی أن تسبق ... تنته الجملة بعد إجراء الخطوات الأربع السابقة إلی : سرنی (سبق أنت) فیقع فاعل الفعل المضارع «مضافا إلیه» بعد استخراج المصدر الصریح - کما قدمنا - ولما کان هذا الفاعل (الذی صار مضافا إلیه) ضمیرا مرفوعا دائما ، ولا یمکن أن یکون مجرورا - وجب أن نضع بدله ضمیرا بمعناه ؛ یصلح أن یکون مجرورا ، هو : کاف المخاطب ، فنقول ، سرنی سبقک ... وهکذا ... یجری التغییر والتبدیل علی کل ضمیر آخر لا یصلح للجرّ کالذی فی قول الشاعر :

ومن نکد الدنیا علی الحرّ أن یری

عدوّا له ما من صداقته بدّ

حیث یکون المصدر المؤول المضاف : (رؤیة هو) ، ثم یقع التبدیل المشار فیصیر : رؤیته ... مسألة أخری ؛ قلنا فی تحقیق الخطوة الأولی : إننا نأتی بمصدر صریح لخبر الناسخ (أنّ) أو بمصدر الفعل الذی دخلت علیه «أن» ... فإن کان خبر الحرف المصدری : (أن) اسما جامدا ؛ نحو : عرفت أنک أسد ، أو ظرفا ، أو جارا مع مجروره ؛ نحو : عرفت أنک فوق الطیارة ، أو عرفت أنک فی البیت - فإننا نأتی فی الجامد بلفظ مصدر عام هو : «الکون» ، مثبتا ، أو : قبله کلمة : «عدم» التی تفید النفی ، إن کان الکلام منفیا ، ویحل لفظ «الکون» محل المصدر الصریح المطلوب ویقوم مقامه ، ویتم باقی الخطوات ؛ فنقول : عرفت کونک أسدا. ونأتی بالاستقرار أو الوجود فی الظرف والجار مع المجرور ؛ أی : عرفت استقرارک فوق الطیارة ، أو فی الدار.

ویصح فی الجامد شیء آخر هو : أن نزید علی آخره یاء مشددة مع التاء فتکون هذه الزیادة مفیدة للمصدریة ، وتجعله بمنزلة المصدر الصریح ، فنقول ؛ عرفت أسدیّتک ، کما نقول : فروسیّتک ووطنیّتک ، وهو ما یسمی المصدر الصناعی (1) ...

وإن کان الفعل الذی فی الجملة جامدا لیس له مصدر صریح : مثل «عسی» فی قولنا : (شاع أن یتحقق الأمل ، وأن عسی الکرب أن یزول) ففی هذه الحالة یؤخذ المصدر الصریح من معنی الفعل الجامد : «عسی» (ومعناها

ص: 376


1- للمصدر الصناعی بحث مستقل فی الجزء الثالث - ص 156 م 98 -

الرجاء) أو مما بعده ویضاف إلی ما یناسبه ؛ فنقول : شاع تحقق الأمل ، ورجاء زوال الکرب.

وإذا کان الفعل بنوعیه الجامد وغیر الجامد - للنفی مثل قوله تعالی : (وَأَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعی) أتینا بما یفید النفی ؛ ککلمة : «عدم» فنقول : وعدم کون شیء للإنسان إلا سعیه.

وهکذا نحتال للوصول إلی المصدر الصریح مثبتا أو منفیّا ، علی حسب ما یقتضیه الکلام : بحیث لا یفسد المعنی ، ولا یختل ولا یتغیر ما کان علیه قبل السّبک من نفی أو إثبات.

* * *

(ج) لماذا نلجأ فی الاستعمال إلی الحرف المصدری وصلته ، ثم نؤولهما بمصدر - ولا نلجأ ابتداء إلی المصدر الصریح؟ لم نقول - مثلا - : یحسن أن تأکل ، ولا نقول : یحسن أکلک؟

إن الداعی للعدول عن المصدر الصریح إلی المؤول أمور هامة تتعلق بالمعنی أو بالضوابط النحویة. فمن الأولی :

1 - الدلالة علی زمان الفعل ؛ سواء أکان ماضیا نحو : الشائع ان حضرت ، أم مستقبلا ؛ نحو : الشائع أن تحضر. فلو قلنا - أول الأمر - الشائع حضورک ، لم ندر زمن الحضور ؛ أمضی ، أم لم یمض؟ - کما سیجیء فی «د» -

2 - الدلالة علی أن الحکم مقصور علی المعنی المجرد للفعل ؛ من غیر نظر لوصف یلابسه ، أو لشیء آخر یتصل به ؛ نحو : أعجبنی أن أکلت ، أی مجرد أکلک لذاته ؛ لا لاعتبار أمر خارج عنه ؛ ککثرته ، أو قلته ، أو : بطئه ، أو سرعته ، أو حسن طریقته ، أو قبحها ... ولو قلنا : أعجبنی أکلک ... لکان محتملا لبعض تلک الأشیاء والحالات.

3 - الدلالة علی أن حصول الفعل جائز لا واجب ، نحو : ظهر أن یسافر إبراهیم. فالسفر هنا جائز. ولو قلنا : ظهر سفر إبراهیم لساغ أن یسبق إلی بعض الأذهان أن هذا الأمر واجب.

4 - الحرص علی إظهار الفعل مبنیا للمجهول ؛ تحقیقا للغرض من حذف فاعله. وذلک عند إرادة التعجب من الثلاثی المبنی للمجهول ؛ ففی مثل : عرف الحق ، یقال : ما

ص: 377

أحسن ما عرف الحق. وکذلک فی حالات أخری من التعجب یجیء بیانها فی بابه - ح 3 -

ومن الثانیة الفروق الآتیة بین المصدر المؤول والمصدر الصریح :

1 - أنه لا یصح وقوع المصدر المؤول من «أن» والفعل مفعولا مطلقا مؤکدا للفعل ؛ فلا یقال : فرحت أن أفرح. فی حین یصح أن یؤکّد الفعل بالمصدر الصریح ؛ مثل : فرحت فرحا.

2 - لا یصح أن یوصف المصدر المؤول ؛ فلا یقال : یعجبنی أن تمشی الهادئ ، ترید : یعجبنی مشیک الهادئ. مع أن الصریح یوصف.

3 - قد یسد المصدر المؤول من «أن» والفعل مسد الاسم والخبر فی مثل : عسی أن یقوم الرجل ؛ علی اعتبار «عسی» ناقصة (1) ، والمصدر المؤول من «أن» والمضارع وفاعله یسد مسد اسمها وخبرها معا. ولیس کذلک الصریح.

4 - قد یسد المصدر المؤول من «أن» والفعل مسد المفعولین فیما یحتاج إلی مفعولین ؛ مثل : «حسب» فی قوله تعالی : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا ..) ولیس کذلک الصریح. ومثل هذا یقال فی : «أنّ» و «أن» الناسختین - أی :المشدّدة والمخففة - مثل قول الشاعر :

فإنک کاللیل الذی هو مدرکی

وإن خلت أن المنتأی (2)

عنک واسع

5 - یصح أن یقع المصدر المؤول خبرا عن الجثة من غیر تأویل فی نحو : علیّ إما أن یقول الحق وإما أن یسکت ؛ لاشتماله علی الفعل والفاعل والنسبة بینهما بخلاف المصدر الصریح.

* * *

(د) من المعلوم (3) أن المصدر الصریح (مثل ، أکل - شرب - قیام - قعود) لا یدل علی زمن مطلقا ، وکذلک المصدر المؤول الذی یکون نتیجة سبک الحرف المصدری وصلته ؛ فإنه - وقد صار مصدرا - لا یدل بنفسه علی زمن

ص: 378


1- فی رأی فریق کبیر من النحاة ، دون فریق - کما سیجیء فی رقم 2 من هامش ص 563 - ورأیه أنسب.
2- المنتأی : النأی والبعد ، أو مکانهما. والبیت من قصیدة للنابغة الذبیانی یمدح بها النعمان ویعتذر له عن وشایة وصلته ، ویصفه هنا بأنه واسع السلطان والنفوذ ، لا یستطیع أحد أن یخرج من دائرة نفوذه ، أو یفر من سطوته ، کاللیل لا یفر منه أحد.
3- مما سبق فی رقم 1 ص 377.

مطلقا. ولکن تبقی الدلالة علی الزمن ملحوظة ، ومستفادة من العبارة الأصلیة التی سبک منها ؛ فکأنه یحمل فی طیه الزمن الذی کان فی تلک العبارة قبل السبک. أما هو فلا یدل بذاته المجردة علی زمن. وبالرغم من هذا لا یمکن معه إغفال الزمن السابق علی السبک ، وخاصة بعد أن عرفنا أن ذلک الزمن قد یکون سببا من أسباب اختیار المصدر المؤول دون الصریح ؛ ففی نحو : شاع أن نهض العرب فی کل مکان - نقول : «شاع نهوض العرب فی کل مکان» ، فیکون زمن النهوض ماضیا علی حسب الزمن الذی فی الأصل قبل التأویل ، لا علی حسب المصدر المؤول ذاته ؛ فإنه مجرد من الزمن. أما فی مثل : «الشائع أن ینهض العرب فی کل مکان» فیکون المصدر المؤول هو : «الشائع نهوض العرب» ، أیضا فیکون زمن النهوض هنا مستقبلا ؛ مراعاة للزمن الذی فی العبارة الأولی. لهذا کان المصدر المؤول من «أن» وصلتها ملاحظا فیه الزمن الماضی أو المستقبل علی حسب نوع الفعل الذی دخل فی السبک ؛ أماض هو فیلاحظ المضی بعد التأویل؟ أم مضارع فیلاحظ الزمن بعد التأویل مستقبلا؟ ولا یکون للحال ، لأن المضارع المنصوب «بأن» یتخلص للاستقبال ، ولا یکون للحال (1). ومثلها : «لو» المصدریة فإنها بمعناها تخلص زمنه للاستقبال وإن کانت لا تنصبه - کما تقدم عند الکلام علیها (2) - وکذا : «ما» المصدریة فإنها لا تنصبه ، وإذا دخلت علی جملة مضارعیة کان المصدر المنسبک منها ومن صلتها للحال - غالبا - وقد تکون لغیره (3).

أما «کی» فالمصدر المنسبک منها ومن صلتها مستقبل الزمن ، وذلک علی

ص: 379


1- وقد سبق أن النواصب والجوازم والسین وسوف ... تخلص المضارع للاستقبال (راجع ص 55).
2- فی ص 373.
3- جاء فی شرح المفصل ج 8 ص 144 ما یقطع بأن زمن المصدر المنسبک من «أن» وصلتها الجملة الفعلیة یکون إما ماضیا ، وإما مستقبلا علی حسب نوع الفعل الذی فی صلتها. أما زمن المصدر المنسبک من «ما» وصلتها فمعناه الحال. فهل یکون للحال دائما ولو کان الفعل ماضیا؟ الأمر غامض. والرأی أنه للحال ما لم تقم قرینة علی غیره ، فیراعی ما تدل علیه القرینة وهذا یوافق ما جاء فی الجزء الثانی من حاشیتی الصبان والخضری ، أول باب : «إعمال المصدر» ففی الخضری - وهو مضمون کلام الصبان أیضا - ما نصه : (مقتضی کلام الشارح أن : «ما» لا تقدر مع الماضی ولا المستقبل ، ولیس کذلک. بل هی صالحة للأزمنة الثلاثة) وهذا نص کلام الصبان - ثم قال الخضری : (إلا أن یقال إنهم خصوها. بذکر الحال ، لتعذره مع «أن» ولأن دلالة : «أن» مع الماضی علی المضی ومع المضارع علی المستقبل أشد من دلالة : «ما» علیهما).

أساس أنها لا تدخل إلا علی المضارع فتنصبه - وتخلصه للزمن المستقبل فقط ، وذلک شأن النواصب کلها - فیلاحظ الاستقبال فی المصدر المؤول منها ومن صلتها.

وأما «أنّ» (المشددة النون) فالمصدر المنسبک منها ومن صلتها یکون علی حسب دلالة الصلة ؛ فقد یکون مستقبلا إذا کان خبرها دالا علی ذلک ؛ کالمضارع الخاص بالاستقبال لوجود قرینة ، فی مثل ؛ أعرف أن محمدا یسافر غدا ؛ وهی کلمة ؛ «غد» وقد یکون دالا علی الحال لوجود قرینة ؛ فی مثل : أعرف أن عالما یقرأ الآن ؛ وهی کلمة : «الآن» وقد یکون دالا علی الماضی نحو شاع أن العدو انهزم. وقد یکون خالیا من الدلالة الزمنیة فی مثل : المحمود أن الجو معتدل والمعروف أن الصدق فضیلة.

ص: 380

المسألة 30: المعرّف بأل

اشارة

(1)

1 - زارنی صدیق - زارنی صدیق ؛ فأکرمت الصدیق.

2 - اشتریت کتابا - اشتریت کتابا ؛ فقرأت الکتاب.

3 - تنزهت فی زورق - تنزهت فی زورق ؛ فتهادی الزورق بی.

کلمة : «صدیق» فی المثال الأول مبهمة : لأنها لا تدل علی صدیق معین معهود ؛ فقد یکون محمدا ، أو : علیّا ، أو : محمودا ، أو : غیرهم من الأشخاص الکثیرة التی یصدق علی کل واحد منهم أنه : «صدیق» ، فهی نکرة. لکن حین أدخلنا علیها «أل» دلت علی أن صدیقا معینا - هو الذی سبق ذکره - قد زارنی دون غیره من باقی الأصدقاء.

ومثلها کلمة : «کتاب» فی المثال الثانی ، فإنها مبهمة لا تدل علی کتاب معیّن ؛ بل تنطبق علی عشرات ومئات من الکتب ؛ فهی نکرة ؛ والنکرة لا تدل علی معین - کما عرفنا - لکن حین أدخلنا علیها : «أل» وقلنا : «الکتاب» صارت تدل علی أن کتابا معینا - هو الذی سبق ذکره - قد اشتریته. ومثل هذا یقال فی کلمة : «زورق» ؛ فإنها نکرة لا تدل علی زورق معروف.

وحین أدخلنا علیها «أل» صارت تدل علی واحد معین تنزهت فیه. فکل کلمة من الکلمات الثلاث وأشباهها کانت فی أول أمرها نکرة ، ثم صارت بعد ذلک معرفة ؛ بسبب دخول : «أل» علیها. لهذا قال النحاة : إن «أل» التی من الطراز السابق أداة من أدوات التعریف ؛ إذا دخلت علی النکرة

ص: 381


1- إذا کانت «أل» مستقلة بنفسها کما فی هذا العنوان الذی لم تتصل فیه باسم بعدها - کانت همزتها همزة قطع ؛ یجب إظهارها نطقا وکتابة ؛ لأن کلمة «أل» فی هذه الحاله تکون علما علی هذا اللفظ المعین. وهمزة العلم قطع - فی الرأی الأنسب - ولو کان العلم منقولا من لفظ آخر بشرط أن تصیر جزءا ملازما له ؛ مثل : الرجل مسافر ، علم علی إنسان - کما نصوا علی هذا فی باب النداء ، (وکما سبق فی باب العلم - رقم 1 من هامش ص 273 ، والبیان فی رقم 2 من هامش ص 275).

جعلتها (1) معرفة ؛ کالأمثلة السابقة ونظائرها.

ولیس مما یناسبنا الیوم أن نذکر آراء القدماء فی کلمة «أل» التی هی حرف للتعریف ؛ أهی کلها التی تعرّف ، أم اللام وحدها ، أم الهمزة وحدها ...؟ فإن هذا التردید لا طائل وراءه بعد أن اشتهر الرأی القائل بأنهما معا (2). ولکن الذی یناسبنا تردیده هو ما یقولونه من أن کلمة «أل» عدة أقسام (3) منها :

ص: 382


1- هناک نکرات لا تتعرف ؛ بل تبقی علی تنکیرها ؛ ومنها : کلمة : «غیر» ، و «مثل» وأشباههما مما یسمی : «نکرات متوغلة فی الإبهام» (انظر رقم 5 من هامش الجدول الذی فی ص 78 و 79). ویجیء الکلام علیها فی باب الإضافة أول الجزء الثالث.
2- دفعنا إلی هذه الإشارة الموجزة ، والاکتفاء بها - ما نجده فی بعض المراجع المطولة - ومنها المراجع اللغویة التی لا غنی لجمهرة المثقفین عنها - أنها تقول : «اللام» بدلا من : «أل» فلا یدری غیر الخبیر ما تریده من «اللام». فالقاموس - مثلا - یقول فی مادة. «الجرول» ما نصه : (والجرول کجعفر : الأرض ذات الحجارة و.. و.. و.. وبلا «لام» لقب الحطیئة العبسی). فأی لام یقصد؟ أهی الأولی أم الأخیرة؟ إنه یقصد الأولی التی للتعریف والتی قبلها همزة الوصل. ولا یدرک هذا إلا اللغوی ... ومن أراد معرفة تلک الآراء مفصلة فلیرجع إلی مظانها ، فی مثل : حاشیة الصبان ، والتصریح ، وغیرهما ، وهی آراء لا جدوی وراءها الیوم ، کما قلنا. وإلی ما سبق یشیر ابن مالک بقوله : «أل» حرف تعریف ، أو : «اللّام» فقط فنمط عرّفت ، قل فیه : النّمط یرید : أن «أل» للتعریف إذا کانت مرکبة من الهمزة واللام معا ؛ أو : أن التعریف یکون باللام وحدها ، والهمزة للوصل. فإذا أردت تعریف کلمة : «نمط» التی هی نکرة فقل فیها : النمط ؛ بإدخال «أل» علیها. والنمط : بساط کالنوع الذی یسمیه العامة «الکلیم». وکذلک الجماعة من الناس تتشابه فی الأمر ... أما کلمة : «فقط» فقد قال «الخضری» فی هذا الموضع ما نصه : «الفاء» لتزیین اللفظ ، «قط» بمعنی : حسب. وهی حال من «اللام» فی بیت ابن مالک. أی حال کونها حسبک ، أی : کافیتک عن طلب غیرها. وقیل الفاء فی جواب شرط مقدر ، و «قط» خبر لمحذوف (فالتقدیر : إن عرفت هذا فقط ، أی فهی حسبک. أو اسم فعل ؛ بمعنی : «انته» أی : إذا عرفت ذلک فانته عن طلب غیرها.) فهی مبنیة علی السکون فی محل نصب ، حال ، أو : فی محل رفع ، خبر ، أو : لا محل لها ؛ لأنها اسم فعل. وجاء فی ص 21 من حاشیة الألوسی علی القطر ، ما نصه :(«فقط ، أی : «فحسب» ولم تسمع منهم إلا مقرونة بالفاء ، وهی زائدة ، وکذا ، فحسب .... وفی المطول : أن «قط» من أسماء الأفعال بمعنی : انته. وکثیرا ما تصدر بالفاء تزیینا للفظ ، وکأنه جزاء شرط محذوف. وفی کتاب المسائل لابن السید : وإنما صلحت الفاء فی هذه لأن معنی : أخذت درهما فقط ، أخذت درهما فاکتفیت به ا ه ومنه یعلم أنها عاطفة ، ومن المطول أنها فصیحة ؛ ولکل وجهة. اه)» أما : «حسب» فتفصیل الکلام علیها فی الجزء الثالث ؛ باب الإضافة ص 120 م 94 حیث البیان الکامل لأحکامها.
3- إذا ذکرت «أل» فی الکلام مطلقة (أی : لم یذکر معها ما یدل علی نوعها). کان المراد منها : «أل المعرفة» لأنها المقصودة عند الإطلاق. أما إذا أرید غیرها فلا بد من التقیید ، وترک الإطلاق ؛ فیقال : «أل» «الموصولة» - مثلا - أو : الزائدة ...

الموصولة وهی اسم - فی الرأی الأرجح - وقد سبق الکلام علیها فی الموصولات (1). ومنها المعرّفة ، ومنها الزائدة. وفیما یلی بیان هذین القسمین.

(ا) «أل» المعرّفة ؛ (أی : التی تفید التعریف).

وهی نوعان ؛ نوع یسمی : «أل» العهدیة (أی : التی للعهد) ونوع یسمی : «أل» الجنسیة ، وکلاهما حرف (2).

فأما «العهدیة (3)» فهی التی تدخل علی النکرة فتفیدها درجة من التعریف تجعل مدلولها فردا معینا بعد أن کان مبهما شائعا. وسبب هذا التعریف والتعیین یرجع لواحد مما یأتی :

1 - أن النکرة تذکر فی الکلام مرتین بلفظ واحد (4) ، تکون فی الأولی مجردة من «أل» العهدیة ، وفی الثانیة مقرونة «بأل» العهدیة التی تربط بین النکرتین ، وتحدد المراد من الثانیة : بأن تحصره فی فرد واحد هو الذی تدل علیه النکرة الأولی (5). کالأمثلة الأولی ، ونحو : نزل مطر ؛ فأنعش المطر زروعنا. أقبلت سیارة ، فرکبت

ص: 383


1- فی ص 320.
2- ویجب إدغامه فی التاء إذا وقعت بعده ، طبقا للبیان الذی سبق فی رقم 3 من هامش ص 350.
3- من هذا النوع «أل» الداخلة علی «أفعل التفضیل» فإنها لا تکون إلا للعهد - کما سیجیء البیان فی بابه - ج 3 م 112 ص 336 عند الکلام علی القسم الذی به «أل». وکما سبقت الإشارة فی رقم 2 من ص 320 -
4- قد یکون اللفظ السابق مذکورا صراحة کالأمثلة المعروضة ، وقد یکون کنایة ؛ نحو قوله تعالی فی سورة مریم : (وَلَیْسَ ، الذَّکَرُ کَالْأُنْثی.) فالذکر تقدم قبل ذلک مکنیا عنه بقول مریم (إِنِّی نَذَرْتُ لَکَ ما فِی بَطْنِی مُحَرَّراً ...) أی : منقطعا لخدمة بیت المقدس - علی حسب ما کان شائعا فی زمنها. وهذا النذر خاص بالذکور عندهم إذ ذاک.
5- فإن النکرة الثانیة بمنزلة الضمیر ، والأولی مرجع الضمیر ، و «أل» هی الرابطة بینهما ، الدالة علی اتصال الثانیة بالأولی اتصالا معنویا. ویدل علی أن الثانیة بمنزلة الضمیر والأولی بمنزلة مرجعه أنک فی مثل : نزل مطر فأنعش المطر زروعنا - قد تستغنی عن : «أل» وعن کلمة : «مطر» الثانیة ؛ اکتفاء بالضمیر المستتر فی الفعل ، والذی قد یغنی عنهما ؛ حیث تقول : نزل مطر فأنعش زروعنا. لهذا یقول النحاة : إن فائدة «أل العهدیة» التنبیه علی أن مدلول ما دخلت علیه هو مدلول النکرة السابقة ، المماثلة لها فی لفظها ، الخالیة من «أل». فلو قلنا : نزل مطر فأنعش مطر زروعنا ؛ بتنکیر کلمة : «مطر» فی الحالتین لوقع فی الوهم أن المراد من کلمة : «مطر» الثانیة ، مطر آخر غیر الأول ، مع أن المراد منهما واحد. ولذلک لا ینعت الاسم المعرف بأل العهدیة ؛ لأنه یشبه الضمیر ، وواقع مع «أل» موقعه کما سبق. وما قیل فی کلمتی «مطر» یقال فی کلمتی : «سیارة» ، وکلمتی : «رسول». ونظائرها ... ولما کانت الثانیة بمنزلة الضمیر ، والأولی بمنزلة مرجعه ساغ اعتبار الثانیة معرفة ، مع أن الأولی نکرة : کالشأن فی مثل : جاء ضیف فأکرمه الوالد. فکلمة : «ضیف» نکرة ، لا تدل علی واحد معین ، أما الضمیر : «الهاء» فمعرفة تدل علی معین ، مرجعه النکرة ، برغم أن معنی الضمیر هو معنی مرجعه تماما ، ولم یمنع ذلک أن یکون الضمیر معرفة ، ومرجعه نکرة. وذلک أن الضمیر قد أوصلنا إلی شیء واحد مع أن هذا الشیء الواحد ینطبق علی أفراد کثیرة. ومثل هذا یقال فیما دخلت علیه «أل» العهدیة التی نحن بصددها ؛ فإن الاسم الأول نکرة ؛ فهی لا تدل علی معین ، أما الاسم الثانی الذی دخلت علیه فمعرفة ؛ لأن معناها مراد به الاسم الأول ، ومحصور فیه ، برغم أنه نکرة تدل علی أفراد متعددة.

السیارة. وقوله تعالی : (کَما أَرْسَلْنا إِلی فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصی فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ). فکل کلمة من الثلاث : (مطر - سیارة - رسول) وأشباهها قد ذکرت مرتین ؛ أولاهما بغیر «أل» فبقیت علی تنکیرها ، وثانیتهما مقرونة بأل العهدیة التی وظیفتها الربط بین النکرتین ربطا معنویّا یجعل معنی الثانیة فردا محدودا محصورا فیما دخلت علیه وحده ، والذی معناه ومدلوله هو النکرة السابقة ذاتها. وهذا التحدید والحصر هو الذی جعل الثانیة معرفة ؛ لأنها صارت معهودة عهدا ذکریّا ، أی : معلومة المراد والدلالة ؛ بسبب ذکر لفظها فی الکلام السابق ذکرا أدی إلی تعیین الغرض وتحدیده بعد ذلک ، وأن المراد فی الثانیة فرد معین (1) ؛ هو السابق ، وهذا هو ما یسمی : «بالعهد الذّکری».

2 - وقد یکون السبب فی تعریف النکرة المقترنة بأل العهدیة هو أن «أل» تحدد المراد من تلک النکرة ، وتحصره فی فرد معین تحدیدا أساسه علم سابق فی زمن انته قبل الکلام ، ومعرفة قدیمة فی عهد مضی قبل النطق ، ولیس أساسه ألفاظا مذکورة فی الکلام الحالی. وذلک العلم السابق ترمز إلیه «أل» العهدیة وتدل علیه ، وکأنها عنوانه. مثال ذلک ؛ أن یسأل طالب زمیله : ما أخبار الکلیة؟ هل کتبت المحاضرة؟ أذاهب إلی البیت؟ فلا شک أنه یسأل عن کلیة معهودة لهما من قبل ، وعن محاضرة وبیت معهودین لهما کذلک. ولا شیء من ألفاظ السؤال الحالیة تشیر إلی المراد إلا : «أل» ؛ فإنها هی التی توجه الذهن إلی المطلوب. وهذا هو ما یسمی : «العهد الذهنی» أو : «العهد العلمی».

3 - وقد یکون السبب فی تعریف تلک النکرة حصول مدلولها وتحققه فی وقت الکلام ، بأن یبتدئ الکلام خلال وقوع المدلول وفی أثنائه ؛ کأن تقول : (الیوم یحضر والدی). - (یبدأ عملی الساعة) - (البرد شدید اللیلة) ... ترید من «الیوم» و «الساعة» و «اللیلة» ؛ ما یشمل الوقت الحاضر الذی أنت فیه خلال الکلام. ومثل ذلک : أن تری الصائد یحمل بندقیته فتقول له : الطائر. أی : أصب الطائر الحاضر وقت الکلام. وأن تری کاتبا یحمل بین أصابعه قلما فتقول له : الورقة. أی : خذ الورقة الحاضرة الآن. وهذا هو «العهد الحضوری» (2).

ص: 384


1- لهذا إیضاح فی رقم 3 من هامش ص 393.
2- وأکثر ما تقع «أل» التی للعهد الحضوری بعد أسماء الإشارة ؛ نحو : جاءنی هذا الرجل. أو بعد «أی» فی النداء ؛ نحو : یأیها الرجل. وقد تقع فی غیرهما کالأمثلة التی عرضناها من قبل.

فأنواع العهد ثلاثة : «ذکریّ» ، و «ذهنیّ أو علمیّ» ، و «حضوری». وللثلاثة رمز مشترک یدخل علی کل نوع منها هو : «أل». وتسمی : «أل» التی للعهد ، أو : «أل» العهدیة (1). فإذا دخلت علی النکرة جعلتها تدل علی فرد معین دلالة تقترب من دلالة العلم الشخصی بذاته لا برمز آخر (2). ولهذا کانت «أل» العهدیة تفید النکرة درجة من التعریف تقربها من درجة العلم الشخصی ، وإن لم تبلغ مرتبته وقوته ؛ وإنما تجعلها فی المرتبة التی تلیه مباشرة.

* * *

وأما : «أل الجنسیة» فهی الداخلة علی نکرة تفید معنی الجنس المحض من غیر أن تفید العهد (3). ومثالها ؛ النجم مضیء بذاته ، والکوکب یستمد الضوء من غیره ... فالنجم ، والکوکب ، والضوء ، معارف بسبب دخول «أل» علی کل منها ، وکانت قبل دخولها نکرات (وشأن النکرات کشأن اسم الجنس (4) ، لا تدل علی واحد معین) ولیس فی الکلام ما یدل علی العهد.

ولدخول «أل» هذه علی الأجناس سمیت : «أل» «الجنسیة». وهی أنواع من ناحیة دلالتها المعنویة ، ومن ناحیة إفادة التعریف.

ص: 385


1- أی : التی لتعریف صاحب العهد ؛ وهو : الشیء المعهود ؛ سواء أکان واحدا أم أکثر ؛ ففی الترکیب کلمتان محذوفتان. بقی شیء یتعلق بإفادتها التعریف وهو فی رقم 3 من هامش ص 393
2- لأن علم الشخص معرفة بصیغته ؛ لا برمز آخر ، ولا بشیء خارج عن مادته. بخلاف النکرة التی جاءها التعریف من «أل» فإن «أل» أجنبیة منها ، وخارجة عن صیغتها.
3- یقول النحاة : إذا دخلت «أل» علی اسم مفرد أو غیر مفرد ، وکان هناک معهود مما شرحناه فهی للعهد. وإن لم یکن هناک معهود فهی للجنس. (انظر رقم 3 من هامش ص 388).
4- إیضاح ذلک : أن کلمة : «نجم» - مثلا - تدل علی معنی شائع مبهم ؛ یصدق وینطبق علی کل جرم سماوی مضیء ؛ من غیر حصر النجم فی واحد معین ، فهو یصدق علی هذا ، وذاک ، وعلی آلاف غیرهما. وهذا معنی النکرة واسم الجنس (کما سبق إیضاحه بإسهاب فی ص 22 وهامش ص 186 و 259) فهی تدل علی واحد غیر معین ولا محدد ، أی : علی واحد شائع بین أمثاله ، لا یمکن تخصیصه بالتعیین ، من بین أفراد جنسه. (أی : أفراد صنفه ونظائره) فإذا أدخلنا «أل» علی کلمة : «نجم» وهو فرد من أفراد جنسه کانت لتعریف الجنس کله ، لا لتعریف ذلک الفرد الواحد ؛ لأن تعریف الفرد الواحد یقتضی أن تری النجوم کلها واحدا واحدا ، وتری إضاءة کل واحد بذاته ، ثم تقول بعدها : النجم مضیء بذاته. ولما کانت تلک الرؤیة الشاملة المحیطة بکل النجوم أمرا مستحیلا لا یقدر علیه مخلوق - کان دخول «أل» علی کلمة : «نجم» وقولنا : «النجم» معناه أن کل واحد من هذا الجنس الذی عرفناه بعقولنا دون أن تحیط بأفراده الحواس - مضیئا بذاته ؛ فکأنها تعرف الجنس ممثلا فی فرد واحد من أفراده ، یغنی تعریفه عن تعریفها ، وینوب عنها فی ذلک. أو کأنها تعرف فردا یدل علی الجنس کله ، ویرمز إلیه. وهکذا یقال فی باقی الأمثلة - راجع رقم 3 من هامش ص 388.

1 - فمنها التی تدخل علی واحد من الجنس فتجعله یفید الشمول والإحاطة بجمیع أفراده إحاطة حقیقیة ؛ لا مجازا ولا مبالغة (1) ، بحیث یصح أن یحل محلها لفظة «کل» فلا یتغیر المعنی ؛ نحو : النهر عذب ، النبات حی ، الإنسان مفکر ، المعدن نافع ... فلو قلنا : کل نهر عذب ، کل نبات حی ، کل إنسان مفکر ، کل معدن نافع ... بحذف «أل» فی الأمثلة کلها ووضع کلمة : «کلّ» مکانها - لبقی المعنی (2) علی حالته الأولی.

وما تدخل علیه «أل» من هذا النوع یکون لفظه معرفة ؛ تجری علیه أحکام المعرفة (3) ، ویکون معناه معنی النکرة المسبوقة بکلمة : کل ؛ فیشمل کل فرد من أفراد مدلولها ، مثل کلمة «الملک» فی قول الشاعر :

إذا الملک الجبّار صعّر خدّه (4)

مشینا إلیه بالسیوف نعاتبه

2 - ومنها التی تدخل علی واحد من الجنس ، فتجعله یفید الإحاطة والشمول ؛ لا بجمیع الأفراد ، ولکن بصفة واحدة من الصفات الشائعة بین تلک الأفراد ؛ وذلک علی سبیل المجاز والمبالغة ؛ لا علی سبیل الحقیقة الواقعة ؛ نحو : أنت الرجل علما ، وصالح هو الإنسان لطفا ، وعلیّ هو الفتی شجاعة. ترید : أنت کل الرجال من ناحیة العلم ، أی : بمنزلتهم جمیعا من هذه الناحیة ، فإنک جمعت من العلم ما تفرق بینهم ؛ ویعدّ موزعا علیهم بجانب علمک الأکمل المجتمع فیک ؛ فأنت تحیط بهذه الصفة (صفة العلم) إحاطة شاملة لم تتهیأ إلا للرجال کلهم مجتمعین. وکذلک صالح من ناحیة الأدب ؛ فهو فیه بمنزلة الناس کلهم ؛ نال منه ما نالوه مجتمعین. وکذلک علی ؛ بمنزلة الفتیان کلهم فی الشجاعة ؛

ص: 386


1- وعلامتها : أن یصح الاستثناء مما دخلت علیه ؛ لأن المستثنی لا بد أن یکون أقل أفرادا من المستثنی منه ؛ نحو (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِی خُسْرٍ إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا) ومن العلامات أیضا أن یصح نعته بالجمع ؛ نحو ؛ قوله تعالی : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِینَ لَمْ یَظْهَرُوا عَلی عَوْراتِ النِّساءِ ،) ونحو قولهم : أهلک الناس الدینار الحمر ، والدرهم البیض ، فکأنه قال : الدنانیر والدراهم.
2- وهذه تسمی : «أل الاستغراقیة» ؛ لأنها تدل علی أن المعنی یستغرق جمیع أفراد الجنس أی : یحیط بأفراده إحاطة شاملة حقیقیة. ومثلها «أل» فی النوع الثانی ، الدالة علی أن الجنس یستغرق صفة من الصفات علی سبیل المجاز والمبالغة - کما سیجیء فی هامش الصفحة التالیة -.
3- فیکون مبتدأ ، ویکون نعتا للمعرفة ، ویکون صاحب حال. وغیر ذلک مما یغلب علیه أن یکون معرفة لا نکرة ...
4- صعّر خده : أماله وحوله عن ناحیة الناس ؛ کی لا یراهم ؛ ترفعا منه ، وکبرا.

أدرک وحده من هذه الصفة ما توزع بینهم ، ولم یبلغوا مبلغه إلا مجتمعین. وکل هذا علی سبیل المبالغة والادعاء (1).

وحکم ما تدخل علیه «أل» من هذا النوع کحکم سابقه لفظا ومعنی.

3 - ومنها التی لا تفید نوعا من نوعی الإحاطة والشمول السابقین ؛ وإنما تفید أن الجنس یراد منه حقیقته القائمة فی الذهن ، ومادته التی تکوّن منها فی العقل بغیر نظر إلی ما ینطبق علیه من أفراد قلیلة أو کثیرة ، ومن غیر اعتبار لعددها. وقد یکون بین تلک الأفراد ما لا یصدق علیه الحکم. ، نحو : الحدید أصلب من الذهب ، الذهب أنفس من النحاس. ترید : أن حقیقة الحدید (أی : مادته وطبیعته) أصلب من حقیقة الذهب (أی : من مادته وعنصره) من غیر نظر لشیء معین من هذا أو ذاک ؛ کمفتاح من حدید ، أو خاتم من ذهب ؛ فقد توجد أداة من نوع الذهب هی أصلب من أداة مصنوعة من أحد أنواع الحدید ؛ فلا یمنع هذا من صدق الحکم السالف الذی ینص علی أن الحدید فی حقیقته أصلب من الذهب فی حقیقته من غیر نظر إلی أفراد کل منهما - کما سبق - إذ أنک لا ترید أن کل قطعة من الأول أصلب من نظیرتها فی الثانی ؛ لأن الواقع یخالفه ومثل هذا أن تقول : الرجل أقوی من المرأة ، أی : أن حقیقة الرجل وجنسه من حیث عنصره المتمیز - لا من حیث أفراده - أقوی من حقیقة المرأة وجنسها من حیث هی کذلک ، من غیر أن ترید أن کل واحد من الرجال أقوی من کل واحدة من النساء ، لأنک لو أردت هذا لخالفک الواقع. وهکذا یقال فی : الذهب أنفس من النحاس ، وفی : الصوف أغلی من القطن ، وفی : الفحم أشد نارا من الخشب ... وفی الماء ، والتراب ، والهواء ، والجماد ، والنبات. تقول : الماء سائل : أی : أن عنصره وطبیعته من حیث هی مادة تجعله فی عداد السوائل ، من غیر نظر فی ذلک إلی أنواعه ، أو أفراده ، أو شیء آخر منه ؛ فتلک حقیقته ؛ أی : مادته الأصلیة التی قام علیها. وتقول : التراب غذاء النبات ، أی : أن عنصره وطبیعته کذلک ؛ فهی حقیقته الذاتیة ، وماهیته التی عرف بها من حیث

ص: 387


1- ولذا یصح إحلال کلمة : «کل» محل «أل» علی سبیل المجاز - کما سبق فی رقم 2 من هامش ص 386 «والحصر» هو الذی یفید أنهم جمیعا لم یبلغوا درجته فی الصفة.

هی. وتقول : الهواء لازم للأحیاء ؛ أی : أن عنصره ومادته وحقیقته کذلک ... وهکذا.

وتسمی «أل» الداخلة علی هذا النوع «أل» التی للحقیقة ، أو : للطبیعة ، أو للماهیة (1) فلا علاقة لها بالإحاطة بالأفراد ، أو بصفاتهم ، أو بعدم الإحاطة.

وتفید ما دخلت علیه نوعا من التعریف یجعله فی درجة علم الجنس (2) لفظا ومعنی.

فمعانی «أل الجنسیة» إما إفادة الإحاطة والشمول بکل أفراد الجنس حقیقة ، لا مجازا ، وإما إفادة الإحاطة والشمول لا بأفراد الجنس ؛ وإنما بصفة من صفاته وخصائصه علی سبیل المبالغة والادعاء (3) والمجاز ، وإما بیان الحقیقة الذاتیة ، دون غیرها.

ص: 388


1- وعلامتها : ألا یصلح وضع کلمة : «کل» بدلها ، لا حقیقة ولا مجازا ، لأن المقصود من الحقیقة لیس الدلالة علی الأفراد ، قلیلة کانت الأفراد أم کثیرة ، وإنما المقصود شیء آخر هو ما ذکرناه.
2- قد سبق الکلام علی علم الجنس ودرجته (فی ص 266 وما بعدها).
3- راجع رقم 4 من هامش ص 385 - وقد جاء فی کلیات أبی البقاء ص 66 عند الکلام علی «أل» ما نصه : إذا دخلت «أل» فی اسم ، فردا کان أو جمعا وکان ثمة معهود ، فإنها تصرف إلیه. وإن لم یکن ثمة معهود فإنها تحمل علی الاستغراق عند المتقدمین (یرید أنها تشمل جمیع أفراد الجنس فردا فردا ، أو صفة شاملة من صفاته - کما شرحنا - ، وعلی) الجنس عند المتأخرین (یرید أنها تدل علی صنف من الجنس یکون کافیا للدلالة علی باقی الجنس ، ونموذجا یغنی عن رؤیة الباقی ؛ فکأنه نموذج - عینة - للجنس) إلا أن المقام عندهم إذا کان خطابیا یحمل علی کل الجنس وهو الاستغراق. وإذا کان استدلالیا أو لم یمکن حمله علی الاستغراق فإنه یحمل علی أدنی الجنس (یرید علی فرد واحد فقط) ، حتی یبطل الجمعیة ، ویصیر مجازا عن الجنس کله. فلو لم نصرفه إلی الجنس وأبقیناه علی الجمعیة یلزم إلغاء حرف التعریف من کل وجه ؛ إذ لا یمکن حمله علی بعض أفراد الجمع ، لعدم الأولویة ؛ إذ التقدیر أن لا عهد ؛ فیتعین أن یکون للجنس. فحینئذ لا یمکن القول بتعریف الجنس مع بقاء الجمعیة ؛ لأن الجمع وضع لأفراد الماهیة ، لا للماهیة من حیث هی ، فیحمل علی الجنس من طریق المجاز. وجاء فی شرح المفصل - ج 9 ص 19 ، عند الکلام علی : «أل» وأقسامها - ما نصه (فأما تعریف الجنس فأن تدخل اللام (أی : «أل) علی واحد من الجنس لتعریف الجنس جمیعه ، لا لتعریف الشخص منه - أی : الفرد الواحد منه - وذلک نحو قولک : الملک أفضل من الإنسان ، والعسل حلو ، والخل حامض ، و «أهلک الناس الدرهم والدینار» فهذا التعریف لا یکون عن إحاطة ؛ لأن ذلک متعذر ؛ لأنه لا یمکن أحدا أن یشاهد جمیع هذه الأجناس (أی : جمیع أفرادها) وإنما معناه أن کل واحد من هذا الجنس المعروف بالعقول دون حاسة المشاهدة أفضل من کل واحد من الجنس الآخر ، وأن کل جزء من العسل الشائع فی الدنیا حلو ، وأن کل جزء من الخل حامض) اه.

المسألة 31: «أل» الزائدة

اشارة

هی التی تدخل علی المعرفة أو النکرة فلا تغیر من تعریفها أو تنکیرها (1). وربما أفادتها شیئا آخر ، - کما سیجیء -. فمثال دخولها علی المعرفة : المأمون بن الرشید من أشهر خلفاء بنی العباس. فالکلمات «مأمون» ، و «رشید» و «عباس» ، معارف بالعلمیة قبل دخول «أل». فلما دخلت علیها لم تفدها تعریفا جدیدا. ومثال دخولها علی النکرة ما سمع من قولهم : «ادخلوا الأول فالأول ...» وأشباهها. فکلمة «أول» نکرة لأنها حال (2) ولم تخرجها «أل» عن التنکیر.

و «أل الزائدة» نوعان ، کلاهما حرف ؛ (3) نوع تکون فیه زائدة لازمة وهی التی اقترنت باسم معرفة کبعض الأعلام منذ استعماله علما ؛ فلم یوجد خالیا منها منذ علمیته ... (4) ولا تفارقه بعد ذلک مطلقا. (برغم زیادتها) کبعض أعلام مسموعة عن العرب لم یستعملوها بغیر «أل» ؛ مثل : السموءل (5) ، والیسع (6) ، واللات (7) والعزّی (8). وکبعض الظروف المبدوءة بأل ، مثل : «الآن» (9) للزمن الحاضر ، وبعض

ص: 389


1- لأن المراد بالزائدة هنا ما لیست موصولة ، ولیست للتعریف ، ولو کانت غیر صالحة للسقوط.
2- «أول» السابقة ، حال منصوبة ، والثانیة معطوفة علیها بالفاء التی تفید الترتیب. وزیدت فیها «أل» شذوذا فی النثر ؛ کما تزاد فی النظم للضرورة. والأصل ادخلوا أول فأول ، أی : ادخلوا مرتّبین - کما سیجیء فی رقم 5 من هامش الصفحة التالیة -.
3- ویجب إدغامه فی التاء إذا وقعت بعده مباشرة ؛ طبقا للبیان الذی سبق فی رقم 3 من هامش ص 350.
4- وهذا یشمل ما وضع من أول أمره علما مقرونا «بأل» ، ولم یستعمل فی غیر العلمیة ؛ من قبل ؛ کالسموءل ، وما کان مجردا فی أصله من «أل» ثم صحبته عند انتقاله إلی العلمیة ولازمته معها من أول لحظة - ؛ کالنضر والنعمان.
5- اسم شاعر جاهلی ، مشهور بالوفاء.
6- اسم نبی.
7- اسم صنم للعرب فی الجاهلیة.
8- اسم صنم للعرب فی الجاهلیة (وهی ؛ مؤنث أعز).
9- ظرف زمان منصوب. وقد یجر بمن قلیلا ؛ فهو معرب. وهذا الرأی أوضح وأیسر من الرأی القائل بأنه مبنی علی الفتح دائما. وإذا کان معربا ومعناه الزمن الحاضر فکلمة «أل» فیه للعهد الحضوری ؛ فتکون معرفة ، ولیست زائدة (راجع ص 384). وإیضاح الکلام علی هذا الظرف مدون فی باب الظرف ، ج 2 ص 226 م 79.

أسماء الموصولات المصدرة بها ، کالتی ، والذی ، والذین ، واللاتی ... ومن الزائدة اللازمة «أل» التی للغلبة ، وسیجیء بیانها (1) ...

ونوع تکون فیه زائدة عارضة (أی : غیر لازمة) فتوجد حینا وحینا لا توجد ؛ وهذا النوع ضربان : ضرب اضطراری یلجأ إلیه الشعراء وحدهم عند الضرورة ؛ لیحافظوا علی وزن الشعر وأصوله ؛ کقول القائل :

ولقد جنیتک (2) أکمؤا

وعساقلا

ولقد نهیتک عن بنات الأوبر (3)

فقد أدخل الشاعر «أل» علی کلمة : «أوبر» مضطرا ؛ مع أن العرب حین تستعملها علم جنس تجردها من «أل» ؛ فتقول : بنات أوبر. ومثل قول الشاعر :

رأیتک لمّا أن عرفت وجوهنا

صددت وطبت النفس یا قیس عن عمر (4)

فقد أدخل الشاعر «أل» علی کلمة : «النفس» التی هی تمییز ، والتمییز - علی المشهور - لا تدخله «أل» ، وکان الأصل أن یقول : طبت نفسا. ولکن الضرورة (5) الشعریة قهرته (6).

وضرب اختیاری یلجأ إلیه الشاعر وغیر الشاعر لغرض یرید أن یحققه هو : لمح الأصل ؛ وبیانه : أن أکثر الأعلام منقول عن معنی سابق کان یؤدیه قبل

ص: 390


1- فی ص 393.
2- «جنیتک» ؛ أی : جنیت لک ، وجمعت. «الأکمؤ» : جمع ، مفرده : کمء ؛ وهو نبات فی البادیة ، له ثمر یجنیه العرب. وقد سبق أول الکتاب - ص 21 - أن کلمة : «کمء» تکون مفردا أیضا لکلمة : «کمأة» التی هی اسم جنس جمعی. ولکن هنا لم یفرق بینه وبین واحده بالتاء فی المفرد کما هو الکثیر ، وإنما وقعت التاء فی اسم الجنس الجمعی. «العساقل» : جمع مفرده : عسقول (علی وزن عصفور) نوع أبیض ، کبیر من الکمأة ، ویسمیه بعض الناس : شحمة الأرض.
3- بنات «أوبر» علم علی نوع من الکمأة ، ردیء الطعم. له زغب کلون التراب.
4- یقول لما رأیت - یا قیس - وجوهنا (أی : زعماءنا) وأکابرنا ، تسلیت عن صدیقک عمرو الذی قتلناه ، وطبت نفسا.
5- ویلحق بهذا النوع زیادتهما فی النثر شذوذا ، فی مثل : ادخلوا الأول فالأول ، کما سلف فی ص 389.
6- وفیما سبق من الزیادة اللازمة وغیر اللازمة یقول ابن مالک : وقد تزاد لازما کاللّات والآن ، والّذین ، ثمّ الّلاتی ولاضطرار ، کبنات الأوبر کذا ، وطبت النفس یا قیس السّری والسری أصلها : السریّ : بتشدید الیاء ، ومعناها الشریف.

أن یصیر علما ، ثم انتقل إلی العلمیة ، وترک معناه السابق ؛ مثل : عادل ، ومنصور ، وحسن ؛ فقد کان المعنی السابق لها - وهی مشتقات - : ذات فعلت العدل. أو وقع علیها النصر ، أو اتصفت بالحسن ، ولا دخل للعلمیة بواحد منها ... ثم صار کل واحد بعد ذلک علما یدل علی مسمّی معین ، ولا یدل علی شیء من المعنی السابق ؛ فکلمة : عادل ، أو : منصور ، أو : حسن ، أو : ما شابهها - قد انقطعت صلتها بمعناها السابق بمجرد نقلها منه إلی الاستعمال الثانی.

وهو : العلمیة ، وصارت بعد العلمیة اسما جامدا لا ینظر إلی أصله المشتق.

فإذا أردنا ألا تنقطع تلک الصلة المعنویة ، وأن تبقی الکلمة المنقولة مشتملة علی الأمرین معا ، وهما : معناها الأصلی السابق ، ودلالتها الجدیدة وهی : العلمیة ، فإننا نزید فی أولها : «أل» لتکون رمزا دالا علی المعنی القدیم تلمیحا ؛ فوق دلالته علی المعنی الجدید ، وهو : العلمیة مع الجمود ؛ فنقول : العادل ، والمنصور ، والحسن ، فتدل علی العلمیة بذاتها وبمادتها واعتبارها جامدة ، وتدل علی المعنی القدیم «بأل» التی تشیر وتلمح إلیه. ولهذا تسمی : «أل التی للمح الأصل». ومن هنا دخلت فی کثیر من الأعلام المنقولة الصالحة لدخولها ؛ لتشیر إلی معانیها القدیمة التی تحوی المدح أو الذم ، والتفاؤل ، أو التشاؤم ؛ نحو ؛ الکامل ، المتوکل ، السعید ؛ الضحاک ، الخاسر ، الغراب ، الخلیع ، المحروق ... وغیر ذلک من الأعلام المنقولة قدیما وحدیثا (1).

والنقل قد یکون من اسم معنوی جامد ؛ کالمصادر فی مثل : الفضل ، والصلاح والعرفان ... وقد یکون من اسم عین جامد ؛ کالصخر ، والحجر ، والنعمان (2) ، والعظم ... وقد یکون من کلمات مشتقة فی أصلها کالهادی ، والحارث ، والمبارک والمستنصر ، ویهمل هذا الاشتقاق بعد العلمیة فتعدّ من الجامد - کما سبق - فالأعلام السابقة یجوز أن تدخلها «أل» عند إرادة الجمع بین لمح الأصل والعلمیة ، کما یجوز حذفها عند الرغبة فی الاقتصار علی العلمیة وحدها. والأعلام فی الحالتین جامدة.

ص: 391


1- لا خیر فی الأخذ بالرأی القائل إن زیادة «أل» للمح الأصل سماعیة ؛ لأن الأخذ به یضیع الغرض من زیادتها ؛ وهو غرض تدعو إلیه الحاجة فی کل العصور.
2- أصله : اسم للدم.

أما من ناحیة التعریف والتنکیر فوجود «أل» التی للمح الأصل وحذفها سیان.

- کما تقدم (1) -.

والأعلام کلها صالحة لدخول «أل» هذه ، إلا العلم المرتجل (2) ؛ کسعاد ، وأدد ، وإلا العلم المنقول الذی لا یقبل «أل» بحسب أصوله ؛ إما لأنه علی وزن فعل من الأفعال ؛ والفعل لا یقبلها ؛ مثل : یحین ، یزید ، تعز ، یشکر ، شمّر ... ، وإما لأنه مضاف ؛ والمضاف لا تدخله «أل» ؛ نحو : عبد الرءوف ، وسعد الدین ، وأبو العینین.

من کل ما سبق نعلم أن أشهر أنواع «أل» هو : الموصولة ، والمعرفة بأقسامها ، والزائدة بأقسامها.

* * *

ص: 392


1- أول البحث (ص 389).
2- سبق شرحه فی ص 271.

المسألة 32: العلم بالغلبة

اشارة

(1) المعارف متفاوتة فی درجة التعریف - کما سبق (2) - ؛ فبعضها أقوی من بعض وعلم الشخص أقوی من المعرف «بأل» العهدیة ، وأقوی من المضاف لمعرفة. غیر أن کل واحد من هذین قد یصل فی قوة التعریف إلی درجة علم الشخص ، ویصیر مثله فی الأحکام الخاصة به ، ولبیان ذلک نقول :

إن کلّا من المعرف «بأل» العهدیة والمضاف قد یکون ذا أفراد متعددة ؛ فالکتاب - مثلا - ینطبق علی عشرات ، ومئات وألوف من الکتب (3) ، وکذلک النجم ، والمنزل ، والقلم ... وکتاب سعد ، یصدق علی کل کتاب من کتبه المتعددة ، ومثله : قلم عمرو ، وثوب عثمان ...

غیر أن فردا واحدا من أفراد المعرف «بأل» أو المضاف قد یشتهر اشتهارا بالغا دون غیره من باقی الأفراد ؛ فلا یخطر علی البال سواه عند الذکر ؛ بسبب شهرته التی غطت علی الأفراد الأخری ، وحجبت الذهن عنها. ومن أمثلة ذلک : المصحف ، الرسول ، السّنّة ، ابن عباس (4) ، ابن عمر ، ابن مسعود ؛ فالمراد الیوم من المصحف : کتاب الله وقرآنه الکریم ... ومن الرسول : النبی محمد

ص: 393


1- هو أن یغلب معنی اللفظ عند إطلاقه علی فرد من مدلولاته ، دون یاقی الأفراد ؛ بسبب شهرة الأول ، کما سنشرحه. وهو یعد من ناحیة التعریف فی درجة العلم الشخصی ، کما فی الصفحة التالیة ، وکما سبق فی رقم 2 من هامش ص 263.
2- فی رقم 3 من هامش ص 191.
3- المراد من «أل» العهدیة هذه أنها کانت عهدیة بحسب أصلها قبل أن تکون للغلبة ، أما بعد أن تصیر للغلبة فزائدة لازمة. وقد یقال : إن : «أل» العهدیة أداة تعریف فکیف یکون مدلولها متعددا حین تکون للعهد؟ أجاب النحاة : (إن «أل» العهدیة تدخل علی کل فرد عهد بین المتخاطبین علی البدل - أی : علی التبادل - فمصحوبها کل فرد بینهما علی البدل ، فمثلا لفظ «العقبة» المعرف بأل العهدیة وضع فی الأصل لیستعمل فی کل فرد عهد بینهما علی البدل فخصصته الغلبة بعقبة : «أیله» - وهی علی الحدود الشرقیة لمصر -) راجع الصبان فی هذا.
4- کانت کلمة : «ابن» فی هذه الأمثلة وأشباهها ، معرفة ؛ لأنها مضافة إلی معرفة. ولکن العلم بالغلبة (الشهرة) هو مجموع الکلمتین المضاف والمضاف إلیه معا ، وصار تعریفه بالعلمیة الغالبة ، - کما سیجیء فی رقم 3 من هامش الصفحة التالیة - وزال التعریف السابق.

علیه السّلام ، ومن السنة : ما ثبت عنه من قول ، أو فعل ، أو تقریر (1). کما أن المراد من : ابن عباس هو : عبد الله ، بن عباس ، بن عبد المطلب (2) ... دون باقی أبناء العباس. وکذلک المراد من : ابن عمر ، هو : عبد الله بن عمر بن الخطاب ، دون إخوته من أولاد عمر. وکذلک المراد من : ابن مسعود ، هو : عبد الله بن مسعود أیضا دون إخوته. وکانت تلک الکلمات فی الأصل قبل اشتهارها ، معرفة ؛ لاشتمالها علی نوع من التعریف ، ولکنها لا تبلغ فیه درجة العلم الشخصیّ ؛ إذ لیست أعلاما شخصیة. فلا تدل علی واحد بعینه ؛ إذ الأصل فی کلمة : «المصحف» أن تنطبق علی کل غلاف یحوی صحفا. وفی کلمة : «الرسول» أن تنطبق علی کل إنسان أرسل من جهة إلی جهة معینة. وفی کلمة : «السنة» أن تنطبق علی کل طریقة مرسومة ، وفی کلمة : «ابن فلان» أن تنطبق علی کل ابن من أبناء ذلک الرجل. لکن اشتهرت کل کلمة مما سبق - بعد التعریف - فی فرد ، واقتصرت علیه ؛ بحیث إذا أطلقت لا تنصرف لغیره ؛ فقوی التعریف فیها ، وارتفع إلی درجة أرقی من الأولی ؛ تسمی : درجة العلم بالغلبة (أی : التغلب بالشهرة) وهی درجة تلحقه بالعلم الشخصی (3) فی کل أحکامه. فمظهر الکلمة أنها معرفة «بأل» أو بالإضافة ، ولکن حقیقتها أنها معرفة بعلمیة الغلبة. وهی فی درجة علم الشخص - کما قلنا - وتلغی معها الدرجة القدیمة. ومن أمثلة العلم بالغلبة : المدینة (4) ، العقبة (5) ، الهرم (6) ... مجلس

ص: 394


1- ما یقره (أی : یوافق علیه) بالسکوت ؛ کأن یری شخصا یقول قولا ، أو یعمل عملا بشرط أن تکون الأقوال أو الأعمال من الشئون المتصلة بالدین - ؛ فیسکت ، ولا یظهر ما یدل علی المعارضة ؛ فیکون سکوته موافقة ضمنیة ؛ تسمی : «تقریرا».
2- جد الرسول علیه السّلام.
3- قال النحاة ؛ إن العلم قسمان ؛ علم بالوضع ؛ فیشمل علم الشخص وعلم الجنس ، وعلم بالغلبة ، وهو ما شرحناه وأهم فارق بینهما أن العلم الوضعی یعین مسماه تعیینا مطلقا من أول لحظة وضع فیها علی مسماه ، ووقع فیها الاختیار علی لفظه لیکون رمزا علی ذلک المسمی ؛ مثل إبراهیم ، فإنه یدل علی صاحب ذلک الاسم ابتداء من تلک اللحظة التی وقع علیه الاختیار فیها لیدل علی إبراهیم. أما العلم بالغلبة فقد کان أول أمره معرفة «بأل» العهدیة ، أو بالإضافة ولم یکن علما فی ابتداء أمره فنزلت غلبته (أی : شهرته) منزلة الوضع ؛ فصار بها علما شخصیا. وحین تصل الکلمة إلی درجة العلم بالتغلب تلغی درجة التعریف السابقة وتحل محلها الدرجة الجدیدة.
4- مدینة الرسول علیه السّلام.
5- اسم بلد علی الحدود الشرقیة المصریة.
6- بناء بمصر ، أثری ، ضخم ، مرت علیه آلاف السنین من غیر أن تؤثر فیه تأثیرا یذکر.

الأمن (1) ، جمعیة الأمم (2) ، إمام النحاة (3) ... وغیرها مما هو علم بالغلبة (4) : کالنابغة ، أو الأعشی ، أو الأخطل ... وأصل النابغة : الرجل العظیم ، وأصل الأعشی : من لا یبصر لیلا ، وأصل الأخطل : الهجّاء ، ثم غلب علی کل ما سبق الاستعمال فی العلمیة وحدها.

و «أل» فی الأعلام السابقة - ونظائرها - قسم من «أل» الزائدة اللازمة - کما أشرنا - (5) ولکنه قسم مستقل ، یسمی : «أل» التی للغلبة ، وبالرغم من من أنها زائدة ، ولازمة لا تفارق الاسم الذی دلت علیه - فإنها تحذف وجوبا عند ندائه ، أو إضافته ؛ مثل : یا رسول الله قد بلغت رسالتک. هذا مصحف عثمان ؛ یا نابغة ، أسمعنا من طرائفک ... فشأنها فی الحالتین المذکورتین من جهة الحذف وعدمه شأن «أل» المعرفة (6) - فی الرأی الأرجح -

أما العلم بالغلبة إذا کان مضافا ، فإن إضافته تلازمه ولا تفارقه فی نداء ، ولا فی غیره : تقول فی النداء : یابن عمر قد أحسنت ، ویا بن عباس قد

ص: 395


1- مؤسسة عالمیة قائمة الآن ، تضم مندو بین رسمیین عن الدول الکبیرة ، ینظرون فی الشئون الدولیة الهامة.
2- مؤسسة عالمیة قائمة الآن ، تضم مندو بین رسمیین عن الدول الکبیرة ، ینظرون فی الشئون الدولیة الهامة.
3- سیبوبة (توفی حول سنة 180 ه).
4- ویراد به - کما قلنا - کل اسم معناه متعدد بحسب وضعه الأصلی ، ثم غلب استعماله فی فرد معین من أفراد ذلک المعنی المتعدد ، لا یراد غیره عند الإطلاق ؛ فصار خاصا بسبب ذلک التعیین الناشیء من الشهرة.
5- فی ص 389 وفی رقم 3 من هامش ص 393.
6- ف «أل» المعرفة لا تبقی کذلک عند الإضافة أو النداء لکن یجب ملاحظة أن : «أل» التی للغلبة لا تثبت مطلقا مع حرف النداء ، فلا یتوصل لنداء ما هی فیه بکلمة : «أی» أو : کلمة : «ذا» کما یتوصل لنداء ما فیه «أل» الجنسیة مما لیس علما بالغلبة ، فلا یصح : یأیها النابغة ولا یاذا النابغة کما یصح یأیها الرجل ویاذا الرجل (راجع حاشیة الصبان ج 1 فی هذا الموضع). وفی العلم بالغلبة یقول ابن مالک : وقد یصیر علما بالغلبه مضاف أو مصحوب «أل» ؛ کالعقبه وحذف «أل» ذی ، إن تناد أو تضف أوجب. وفی غیرهما قد تنحذف أی : قد یصیر «المضاف» أو : «المعرف بأل» علما بالغلبة ، لا بکونه علم شخص ولا علم جنس. (وهذا نوع آخر من العلم یخالفهما کما سبق أن أشرنا). وحذف «أل» ذی (أی : هذه) واجب فی حالتین : إذا نودی الاسم المبدوء بها ، أو أضیف. وأشار بقوله : «وفی غیرهما قد تنحذف» إلی أن «أل» الدالة علی العلم بالغلبة وردت محذوفة فی غیر الحالتین السابقتین : (النداء ، والإضافة) فقد قال بعض العرب : هذا عیّوق طالعا. وهذا یوم إثنین مبارکا ، بدلا من «العیوق» علم علی نجم خاص ، و «الإثنین» علم علی الیوم الأسبوعی المعروف. وهذا الحذف شاذ لا یصح القیاس علیه.

أفدت الناس بفقهک ، ویا بن مسعود قد حققت لنا کثیرا من أحادیث الرسول ...

وإذا اقتضی الأمر إضافته (1)

فإنه یضاف مع بقائه الإضافة

الأولی (2) ، تقول : أنت ابن عمرنا العادل ، وهذا ابن عباسنا زعیم الفتوی.

ص: 396


1- أشرنا فی باب العلم (رقم 2 من هامش ص 264) إلی أن علم الشخص قد یکون متعددا یشترک فی التسمیة به عدد کثیر ؛ فمثل : محمد ، ومحمود ، وصالح ، وغیرهم من الأعلام الشخصیة قد یسمی بکل منها عدة أفراد - ونقول هنا إن العلم بالغلبة قد یقع فیه ذلک ؛ مثل ابن زیدون ... وابن خلدون ... وابن هانئ ؛ والنابغة ... فإن کل واحد منها علم بالغلبة علی شاعر معین ، أو عالم کبیر. وقد یشترک معه فی التسمیة آخرون. وهذا الاشتراک والتعدد فی الأعلام بنوعیها یجعلها غامضة نوعا ، ویجعل تعیین المراد بها غیر کامل ، وفی هذه الحالة یجوز إضافة العلم إلی معرفة - إن لم یمنع من الإضافة مانع - ؛ رغبة فی الإیضاح وإزالة کل أثر للغموض والإبهام. فمن إضافة علم الشخص. ما ورد عن العرب من قولهم جمیل بثینة ، وعمر الخیر ، ومضر الحمراء ، وربیعة الفرس ، وأنمار الشاة ، ویزید سلیم ، وقول الشاعر : بالله یا ظبیات القاع قلن لنا لیلای منکنّ أم لیلی من البشر وقول الآخر : علا زیدنا یوم النّقا رأس زیدکم بأبیض ماضی الشّفرتین یمانی ومن إضافة العلم بالغلبة ؛ أهلا بابن عمرنا. ومرحبا بابن عباسنا. وقد أدخلو «أل» علی العلم المضاف إلیه قلیلا ، ومع قلته یجوز إذا قدرت فیه التنکیر - کما سبق - لأن الأصل فی المعارف ألا تضاف. قالوا : یا لیت أم العمرو کانت بجانبی ... فالغرض من إضافة العلم : هو الإیضاح ، (ویراد به إزالة الاشتراک اللفظی الناشیء من إطلاق العلم علی أفراد کثیرة : بحیث لا یطلق بعد الإیضاح إلا علی واحد فی الغالب. وقد سبق أن ألمحنا لهذه المسألة فی رقم 2 من هامش ص 117 ثم فصلنا الکلام علیها فی رقم 2 من هامش ص 264. وبهذه المناسبة نعید ما قلناه هناک من أن الإضافة إلی المعرفة تفید الإیضاح علی الوجه الذی شرحناه ؛ وهو : رفع الاحتمال والاشتراک فی المعرفة ، أما الإضافة إلی النکرة فإنها تفید التخصیص. ویراد به تقلیل الاشتراک فقط ، ولا تفید إزالته ورفعه ؛ فإذا قلت : «کتاب رجل» فإن الذی ینطبق علیه هذا المعنی أقل کثیرا مما ینطبق علیه لفظ : کتاب ، بغیر إضافة. (راجع ما سبق فی تلک الصفحات).
2- إن لم یمنع من الإضافة مانع ؛ کأن یکون المضاف الجدید منونا ، أو فیه «أل» فإن کان کذلک وجب حذفها قبل الإضافة ...

زیادة وتفصیل

إذا أرید تعریف العدد «بأل» فإما أن یکون مضافا (1) ، أو مرکبا (2) ، أو مفردا (3) ، أو معطوفا (4). فإذا کان العدد مضافا وأردنا تعریفه «بأل» فالأحسن إدخالها علی المضاف إلیه وحده - أی : علی المعدود - ؛ نحو : عندی ثلاثة الأقلام ، وأربع الصحف ، ومائة الورقة ، وألف (5) القرش. وعندئذ یکتسب المضاف التعریف من المضاف إلیه فی هذه الإضافة المحضة (6). والکوفیون یجیزون إدخال «أل» علیهما معا ویحتجون بشواهد متعددة ، تجعل مذهبهم مقبولا ، وإن کان غیر فصیح (7) ...

ص: 397


1- ویسمیه بعض النحاة «مفردا» وهذه التسمیة أحسن من تسمیته : «مضافا» وهو یشمل : «ثلاثة» وعشرة وما بینهما. ویضاف غالبا لجمع مجرور ؛ کما یشمل مائة ، وألفا ، ومرکباتهما ، وتضاف غالبا لمفرد مجرور (والأحکام المفصلة الخاصة بالعدد مسجلة فی بابه بالجزء الرابع).
2- وهو یشمل : «أحد عشر وتسعة عشر» وما بینهما. وهما کلمتان بمنزلة کلمة واحدة ؛ یقال فی إعرابها : مبنیة علی فتح الجزأین فی محل رفع ، أو نصب أو جر ؛ علی حسب حالة الجملة. إلا اثنی عشر ؛ واثنتی عشرة : فیعربان کالمثنی دائما. وقد سبقت طریقة إعرابهما فی ص 122 و 141 ،
3- ویسمیه بعض النحاة «عقدا» وهذه أفضل من تسمیته : «مفردا». وهو 20 ، 30 ، 40 ، 50 ، 60 ، 70 ، 80 ، 90.
4- وهو یشمل کل عدد مکون من اسمین ؛ أحدهما ؛ معطوف علیه ، والآخر معطوف بالواو مثل : واحد وعشرون ... سبع وثلاثون ... خمس وأربعون.
5- جری بعض الکتاب علی إدخال : «أل» علی العدد دون المعدود ؛ فیقولون : الألف قرش مثلا. وقد أعلنت الحکومة عن مشروع رسمی لنشر بعض الکتب القدیمة النفیسة ، أسمته : «مشروع الألف کتاب» ویدور جدل قدیم وحدیث حول صحة هذا الاستعمال أو خطئه. وقد ورد مثله فی أحادیث للرسول علیه السّلام. منها قوله : «... وأتی بالألف دینار» ونقل الصبان (فی الجزء الأول من حاشیته آخر باب المعرف بأل) نص الحدیث. وورد غیره فی شواهد : «التوضیح لمشکلات الجامع الصحیح» - باب : الاستعانة بالید .. - قوله علیه السّلام : «ثم قرأ العشر آیات» .. کما ورد فی نصوص أخری تصلح للاستشهاد ، وورد فی استعمال کثیر ممن یستأنس بکلامهم وإن لم یکونوا من أهل الاستشهاد ... فلکل ما سبق یجوز قبوله مع الاعتراف بأنه غیر مستحسن ، وأن الخیر فی ترکه. ویقول الشهاب الخفاجی فی حاشیته علی «درة الغواص» إن ابن عصفور قال : «هو جائز علی قبحه» ، وجاء فی حاشیة ابن سعید علی الأشمونی : رفضه «الألف دینار» قائلا بأنه مرفوض وإن أجازه قوم من الکتاب کما نقل ابن عصفور ، هذا والذین یرفضونه یتأولون النصوص الواردة به بتکلف ظاهر لا داعی له.
6- فی ح 3 ص 12 م 93 تفصیل الکلام علی : الإضافة المحضة وغیر المحضة ، وأن الکوفیین یجیزون فی الإضافة المحضة إدخال «أل» علی المضاف إذا کان عددا بشرط دخولها علی المضاف إلیه (أی : علی المعدود) أیضا مع إیضاح ذلک کله والرأی فیه.
7- فی ح 3 ص 12 م 93 تفصیل الکلام علی : الإضافة المحضة وغیر المحضة ، وأن الکوفیین یجیزون فی الإضافة المحضة إدخال «أل» علی المضاف إذا کان عددا بشرط دخولها علی المضاف إلیه (أی : علی المعدود) أیضا مع إیضاح ذلک کله والرأی فیه.

وإذا کان العدد مرکبا فالأحسن إدخالها علی الجزء الأول منه ؛ نحو : قرأت الأحد عشر کتابا ، وسمعت الخمس عشرة أنشودة ...

وإذا کان مفردا - أی : أنه من العقود - دخلت علیه مباشرة ؛ نحو : فی حدیقتنا العشرون کرسیّا ، والثلاثون شجرة ، والأربعون زهرة ...

وإذا کان معطوفا فالأحسن دخولها علی الاسمین لتعریفهما معا ؛ نحو : أنفقت الواحد والعشرین درهما ، وکتبت الخمسة والعشرین سطرا ...

وإذا کان المضاف إلیه - وهو المعدود - معرفا «بأل» فإن المضاف یکتسب منه التعریف فی الإضافة المحضة کما سبق ، سواء أکانا متصلین لا فاصل بینهما ، نحو : هذه ثلاثة الأبواب ، ومائة الیوم ، وألف الکتاب (1) - أم فصل بینهما اسم واحد ؛ نحو : هذه ثلاث قطع الأبواب ، وخمسمائة الألف - أم اسمان ، نحو : هذه ثلاث قطع خشب الأبواب ، وخمسمائة ألف الدرهم - أم ثلاثة أسماء ؛ نحو : هذه ثلاث قطع خشب صنوبر الأبواب ، وخمسمائة ألف درهم الرجل - أم أربعة ، نحو : هذه ثلاث قطع خشب صنوبر صناعة الأبواب ، وخمسمائة ألف درهم صاحب البیوت ... ویسری التعریف من المضاف إلیه الأخیر إلی ما قبله مباشرة ، فالذی قبله ... وهکذا حتی یصل إلی المضاف الأول ، فیکون معرفة کالمضاف إلیه ، وما بینهما. وهذا حکم کل إضافة محضة ؛ طالت بسبب الفواصل المضافة أم قصرت ، فإنک تعرّف الاسم الأخیر ؛ فیسری تعریفه إلی ما قبله ، فالذی قبله ، ... وهکذا حتی یصل إلی المضاف الأول (2). غیر أن کثرة الإضافات المتوالیة معیبة من الناحیة البلاغیة ؛ فلا نلجأ إلیها جهد استطاعتنا.

* * *

ص: 398


1- انظر رقم 5 من هامش الصفحة السابقة.
2- الأشمونی ، آخر باب أداة التعریف. وکذا شرح المفصل ج 6 ص 43 فی الکلام علی تعریف العدد. وعلی هذا یمتنع تعریف المضاف إلیه فی مثل : «المال عشرون ألف دینار» ؛ لأنه لو عرف لانتقل التعریف منه إلی المضاف قبله ، والمضاف هنا تمییز ؛ لا یکون معرفة إلا عند الکوفیین.

الاسم النکرة المضاف إلی معرفة - المنادی النکرة المقصودة

بقی من أنواع المعارف السبع نوعان ، سبق الکلام علیهما (1) بما ملخصه :

ا - أن النکرة التی تضاف لمعرفة - مثل : قلمی شبیه بقلمک - قد تکتسب منها التعریف ، وتصیر فی درجتها. أی : أن المضاف قد یکتسب التعریف من المضاف إلیه ، ویرقی فی التعریف إلی درجته. إلا إذا کانت النکرة مضافة إلی الضمیر فإنها تکتسب منه التعریف ، ولکنها ترقی فی التعریف إلی درجة : «العلم» - فی الرأی الصحیح - لا إلی درجة الضمیر.

وإنما یکتسب المضاف من المضاف إلیه التعریف علی الوجه السالف إذا کان المضاف لفظا غیر متوغل فی الإبهام ؛ فإن کان متوغلا فیه لم یکتسب التعریف - فی أکثر حالات استعماله - بإضافة ، أو غیرها ؛ کالأسماء : مثل - غیر - حسب (2) ...

ب - أن من أنواع المنادی نوعا واحدا یکتسب التعریف بالنداء ، وهذا النوع الوحید ، هو : «النکرة المقصودة ، مثل : یا شرطی ، أو یا حارس ... إذا کنت تنادی واحدا منهما معینا تقصده دون غیره. ذلک أن کلمة : «شرطیّ» وحدها ، أو : کلمة ، «حارس» وحدها نکرة ، لا تدل فی أصلها قبل النداء علی فرد معین» ، ولکنها تصیر معرفة بعد النداء ، بسبب القصد الذی یفید التعیین ، وتخصیص واحد بعینه ، دون غیره.

ودرجة هذا المنادی فی التعریف هی درجة اسم الإشارة ؛ لأن تعریف کل منهما یتم بالقصد الذی یعینه المشار إلیه فی اسم الإشارة والتخاطب فی المنادی النکرة المقصودة - کما سبقت الإشارة فی هامش رقم 1 من ص 142.

ص: 399


1- ص 190.
2- سبقت الإشارة لهذا فی رقم 6 من ص 190 أما تفصیل الکلام علیه ففی ج 3 م 93 باب الإضافة.

المسألة 33: المبتدأ والخبر ، وما یتصل بهما تعریفهما

اشارة

(ا) الشموس متعددة - الأقمار کثیرة - المحیطات خمس.

(ب) أمرتفع البناء - ما حسن الظلم - ما مکرم الجبان.

فی القسم الأول : (ا) کلمات تحتها خط ، کل واحدة منها اسم ، مرفوع ، فی أول الجملة ، خال من عامل (1) لفظی أصیل ، وبعده کلمة تتمم المعنی الأساسی للجملة : (أی : تتضمن الحکم بأمر من الأمور لا یمکن

ص: 400


1- العامل هو : ما یدخل علی الکلمة فیؤثر فی آخرها ؛ بالرفع ، أو النصب ، أو الجر ، أو الجزم ؛ کالفعل فإنه یؤثر فی آخر الفاعل ؛ فیجعله مرفوعا ، وفی آخر المفعول فیجعله منصوبا ، وکالجازم ؛ فإنه یؤثر فی آخر المضارع ؛ فیجعله مجزوما. وکحرف الجر ؛ فإنه یؤثر فی آخر الاسم ؛ فیجعله مجرورا ، وهکذا. (انظر ما سبق فی ص 67). والعامل ثلاثة أنواع : ا - أصلی لا یمکن الاستغناء عنه ؛ وإلا فسد المعنی المقصود. ومن أمثلته : المضارع ، وأدوات النصب ، والجزم ، وبعض حروف الجر ... ب - زائد ؛ وهو الذی یمکن الاستغناء عنه من غیر أن یترتب - فی الغالب - علی حذفه فساد المعنی المقصود ؛ کبعض الحروف الزائدة فی الجر ؛ مثل «الباء» و «من» وغیرهما من باقی الحروف التی لا تجیء بمعنی جدید ، وإنما تزاد لمجرد تقویة المعنی ، وتوکیده (کما سبق فی ص 65) ولا یحتاج حرف الجر الزائد مع مجروره إلی متعلق. ح - شبیه بالزائد ؛ وینحصر فی بعض حروف الجر ؛ ویؤدی معنی خاصا لا یمکن الاستغناء عنه. ولکنه مع ذلک لا یحتاج مع مجروره إلی متعلق. بخلاف حروف الجر الأصلیة ؛ فإن کل حرف منها لا بد له مع مجروره من متعلق. ومن أمثلة الشبیه بالزائد : «رب» ؛ وهی تفید التقلیل أو التکثیر. و «لعل» ؛ وهی تفید الترجی ، «ولو لا» - فی رأی - وهی تفید الامتناع ... فحرف الجر الأصل یؤدی معنی جدیدا خاصا لا یمکن الاستغناء عنه ؛ ولا بد له مع مجروره من متعلق یتعلقان به. وحرف الجر الزائد لا یؤدی معنی خاصا جدیدا ، وإنما یفید تقویة المعنی القائم ، ولا یحتاج مع مجروره إلی متعلق ؛ فهو مخالف للأصلی من ناحیتین أما حرف الجر الشبیه بالزائد فیشبه الأصلی من ناحیة أنه یؤدی معنی خاصا جدیدا ، ویخالفه من ناحیة أنه مع مجروره لا یحتاجان إلی متعلق یتعلقان به ؛ کما أنه یشبه الزائد من ناحیة عدم التعلق ، ویخالفه من ناحیة أنه یؤدی معنی خاصا جدیدا ، والزائد لا یؤدی معنی خاصا جدیدا ولا یحتاج لتعلیق (وتفصیل هذا یجیء فی مکانه الأنسب ، وهو حروف الجر ، آخر الجزء الثانی ص 320 م 89). ومن العوامل ما هو لفظی ؛ أی : یظهر فی النطق وفی الکتابة ؛ کالعوامل التی سبقت ، ومنها ما هو معنوی یدرک بالعقل لا بالحس ؛ کالابتداء. والعوامل بنوعیها اللفظیة والمعنویة لیست فی الحق والواقع هی التی تؤثر بنفسها ؛ وإنما الذی یؤثر ویحدث حرکات الإعراب هو المتکلم. ولکن النحاة نسبوا إلیها العمل والتأثیر ؛ لأنها المرشدة إلی تلک الحرکات اللازمة لکشف المعانی (کما أوضحنا هذا بتفصیل تام فی هامش ص 47) ولا بأس بما صنعوا.

أن تستغنی الجملة عنه فی إتمام معناها الأساسی ، کالحکم علی الشموس بالتعدد ؛ وعلی الأقمار بالکثرة ، وعلی المحیطات بأنها خمس ...) ذلک الاسم یسمی : «مبتدأ» والکلمة الأخری تسمی : «خبر» المبتدأ.

وفی القسم (ب) أمثلة لمبتدأ أیضا ، ولکنه غیر محکوم علیه بأمر ؛ لأنه وصف (1) یحتاج (2) إلی فاعل بعده ، أو نائب فاعل ؛ یتمم الجملة ، ویکمل معناها الأساسی ؛ مثل : کلمتی : «البناء» «والظلم» فإنهما فاعلان للوصف (3) ومثل کلمة : «الجبان» ؛ فإنها نائب فاعل له (4). وقد استغنی الوصف بمرفوعه عن الخبر.

مما سبق نعرف أن المبتدأ : اسم مرفوع فی أول جملته (5) ، مجرد من العوامل اللفظیة الأصلیة ، محکوم علیه بأمر. وقد یکون وصفا مستغنیا بمرفوعه فی الإفادة وإتمام الجملة. والخبر هو : اللفظ الذی یکمل المعنی مع المبتدأ (6) ، ویتمم (7)

ص: 401


1- کررنا أن المراد بالوصف هنا : «المشتق» وهو : ما أخذ من کلمة أخری - یغلب أن تکون مصدرا - وتفرع منها ، مع تقارب بینهما فی المعنی والحروف. ویجب أن یکون فی هذا الباب نکرة ؛ لأنه بمنزلة الفعل ، والفعل فی حکم النکرة - کما رددنا فی رقم 1 من هامش ص 192 وغیرها - وهناک ما یقوم مقام الوصف وسیذکر فی ص 406.
2- ذلک لأن بعض أنواع الوصف یشبه الفعل فی أنه یرفع بعده فاعلا أو نائب فاعل ؛ وذلک بشروط معینة ... فاسم الفاعل یرفع فاعلا ، واسم المفعول یرفع نائب فاعل ، وهکذا ... مثل أحاضر ضیفک؟ أمحبوس اللص؟
3- الوصف فی الأول اسم فاعل ، وفی الثانی صفة مشبهة.
4- لأن الوصف اسم مفعول ؛ فهو یحتاج إلی نائب فاعل - کما سبق فی رقم 2 وکما سیجیء فی رقم 3 من هامش ص 410 -.
5- غالبا.
6- أین الخبر فی قولهم : فلان. وإن کثر ماله - لکنه بخیل ..؟ انظر الإجابة فی : «و» من ص 408.
7- وإنما کان الخبر متمما المعنی الأساسی للجملة ، لأنه حکم صادر علی المبتدأ. أی : أن المبتدأ هو الشیء المحکوم علیه ، والخبر هو الشیء المحکوم به (أی : هو الحکم) وهذا یقتضی - فی الغالب - أن یکون المبتدأ معلوما للمتکلم وللسامع معا قبل الکلام ؛ لیقع الحکم علی شیء معلوم ، وأن الخبر یکون مجهولا للسامع ، لا یعرفه إلا بعد النطق به ، أو أنه هو موضع الاهتمام به والتطلع إلیه دون المبتدأ. والرغبة فی إعلان هذا المجهول ، وکشف أمره ، ونسبته إلی المبتدأ - هی الداعیة للنطق بالجملة الاسمیة کلها. ولذا یقول المحققون : إن الأساس الصحیح بین المبتدأ والخبر والاهتداء إلی تمییز کل منهما بدون خلط إنما یقوم بینهما علی الفارق المعنوی السابق ؛ فما کان منهما معلوما قبل الکلام ، ولا یساق الحدیث لإعلانه وإبانته للسامع فهو المبتدأ (أی : المحکوم علیه) ولو جاء لفظه متأخرا فی الجملة ، وما کان منهما مجهولا للسامع ، ویرید المتکلم إعلامه به وإذاعته له فهو الخبر أی : المحکوم به ، ولو جاء لفظه متقدما. فإن لم یوجد عند السامع علم سابق بأحدهما ، ولم توجد قرینة دالة علی التمییز بینهما وجب تقدیم المبتدأ ، وتأخیر الخبر ، لیکون الترتیب دالا ومرشدا علی کل منهما ویرتفع اللبس. ولزیادة الإیضاح نسوق المثال الآتی : أن یعرف المخاطب شخصا مثل : إبراهیم بعینه واسمه ، ولکنه - - لا یعرف أنه زمیله فی الدراسة ؛ فتقول : إبراهیم زمیلک ، جاعلا المبتدأ هو المعروف له ، والخبر هو المجهول له ، المحکوم به - وذلک شأن الخبر فی الأغلب کما قدمنا ؛ أن یکون هو الشیء المجهول للمخاطب وأنه المحکوم به - فلا یصح أن تقول : زمیلک إبراهیم بغیر قرینة تدل علی تقدیم الخبر. أما إذا عرف زمیلا له ولکنه لا یعرف اسمه وأردت أن تعین له الاسم فإنک تقول : زمیلک إبراهیم ؛ جاعلا المعلوم له هو المبتدأ ، والمجهول له المحکوم به هو الخبر ، فلو عکس الأمر فی إحدی الصورتین السالفتین لانعکس المعنی تبعا لذلک واختلف المراد ؛ إذ یصیر المحکوم به محکوما علیه والعکس. - راجع ج 3 ص 154 من شرح المفصل. ولما سبق إشارة موجزة فی رقم 2 من هامش ص 449 - ومن شروط الخبر ألا یکون معلوما من المبتدأ وتوابعه ؛ فلا یقال : والد محمد والد ، ولا کتاب علی صاحبه علی ... - راجع حاشیة یاسین علی التوضیح ج 2 باب الترخیم عند الکلام علی المحذوف للترخیم - لما سبق لا یصح أن یکون معنی الخبر المفرد هو معنی المبتدأ ، سواء أکان موافقا له فی اللفظ أم غیر موافق. لکن إذا دل الخبر علی زیادة معنی لیست فی المبتدأ ، وقامت القرینة علی هذه الزیادة - صح وقوعه خبرا ولو کان مماثلا للمبتدأ فی لفظه ، فیصح أن یقال : والد محمد والد ، إذا قامت القرینة علی أن المراد : أنه والد عظیم ، أو رحیم ، أو نحو ذلک ، کما یصح أن یقال : کتاب علی صاحبه علی ، إذا قامت القرینة علی أن المراد : أنه علی العالم ، أو الخبیر ، أو غیر هذا مما یجعل معنی الخبر جدیدا لیس مستفادا من المبتدأ وتوابعه. وعلی هذا الأساس یقال : المال مال - الحرب حرب ، الجد جد - الشمس منیرة - کل هذا بشرط قیام القرینة علی أن المراد من الخبر معنی جدید - کما قلنا - غیر معنی المبتدأ وتوابعه. ویصح أن یکون من هذا قول الشاعر یحن إلی وطنه : بلاد کما کنّا وکنّا نحبها إذ الأهل أهل والبلاد بلاد وقول الآخر : الحرّ حرّ عزیز النّفس ثوی والشمس فی کل برج ذات أنوار «ملاحظة» : قد یتمم الخبر - بنفسه - الفائدة مع المبتدأ ، وهذا هو الأصل الأغلب ؛ لأنه المحکوم به علی المبتدأ ؛ کما عرفنا. وقد یتممها فی بعض الأحیان بمساعدة لفظ آخر یتصل به نوع اتصال ، کالنعت فی قوله تعالی یخاطب المعارضین : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) أی : ظالمون. وقوله : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) وقول الشاعر : نقول فیرضی قولنا کلّ سامع ونحن أناس نحسن القول والفعلا فالذی تمم الفائدة الأساسیة هو النعت ، لا الخبر ، لأن معنی الخبر معلوم بداهة فی الأمثلة السالفة من ضمیر التکلم أو التخاطب ، فکلاهما قد دل بذاته وبصیغته المباشرة علی حقیقة صاحبه وهی : «قوم» أو : «أناس» فهذ الخبر من النوع الذی یکمل هو وتابعه مجتمعین الفائدة الأساسیة مع المبتدأ علی الوجه المشار إلیه فی : «ا» و «ب» من ص 484 وتجیء له إشارة أخری فی ج 3 باب النعت ومثل البیت السابق قول الآخر : ونحن أناس نحبّ الحدیث ونکره ما یوجب المأثما وما ینطبق علی خبر المبتدأ ینطبق علی خبر النواسخ أیضا ، کقول الشاعر : ولا خیر فی رأی بغیر رویّة ولا خیر فی رأی تعاب به غدا إذ لا تتحقق الفائدة من : «نحن أناس» - ولا من : «لا خیر فی رأی» فهذا فی البیت غیر صحیح المعنی بغیر انضمام الصفة إلیه ، - وهی شبه الجملة فی الشطر الأول ، والجملة فی الشطر الثانی.

ص: 402

معناها الأساسی. (بشرط أن یکون المبتدأ غیر وصف). ومن هنا کان المبتدأ نوعین ؛ نوعا یحتاج إلی خبر حتما - وقد یتحتم أیضا أن یکون هذا الخبر جملة أو شبهها کما سیأتی (1) - ، ونوعا لا یحتاج إلی خبر (2) ، وإنما یحتاج إلی مرفوع بعده یعرب فاعلا أو نائب فاعل (3). ولا بد فی هذا النوع أن یکون وصفا (4) منکّرا (5) ، وأن یکون رافعا لاسم بعده (6) یتمم المعنی (7) ؛ فإن لم یتمم المعنی لم یعرب الوصف مبتدأ مستغنیا بمرفوعه بالصورة السالفة ؛ ففی مثل : ما حاضر والده علیّ - لا یتم المعنی بالاقتصار علی الوصف مع مرفوعه ؛ أی : ما حاضر والده. وفی هذه الحالة یعرب الوصف (وهو کلمة : «حاضر»)

ص: 403


1- ومن النوع الذی نحن بصدده : المبتدأ اسم الشرط ؛ فإن خبره - فی الارجح - هو الجملة الشرطیة. وهذه لا تتمم المعنی إلا بالجملة الجوابیة المترتبة علیها کما أشار لهذا «الصبان» فی ج 1 باب الکلام وما یتألف منه عند بیت ابن مالک : والأمر إن لم یک النّون محل فیه ، هو اسم ، نحو : صه وحیّهل وسیجیء عنه البیان فی ج 4 ص 337 م 157 باب الجوازم والأحکام الخاصة بحملتی الشرط والجواب.
2- لا یحتاج المبتدأ إلی خبر إن کان هذا المبتدأ وصفا ناسخا یعمل ؛ لأن اسم الناسخ یغنی عن خبر هذا المبتدأ الناسخ (انظر البیان فی رقم 1 من هامش ص 511. وسیجیء فی رقم 3 من هامش ص 406 صورة أخری هی أن الناسخ «مثل : «لیس» ویحتاج لخبر منصوب فیغنی عنه - أحیانا اسم مرفوع وسنشیر لهذا فی «ه» من ص 408.
3- وقد یکون نائب الفاعل شبه جملة.
4- ولو تأویلا - کما سیجیء فی «ب» من ص 406 وفی «د» من ص 407 حیث بعض الصور الأخری -.
5- ولا یحتاج تنکیره لمسوغ (کما سیجیء فی رقم 2 من هامش ص 440).
6- سواء أکان ظاهرا ؛ نحو أمقاتل علی؟ أم ضمیرا بارزا - کما سیجیء فی ص 412 - نحو أمقاتل أنت؟ أم ضمیرا متصلا مجرورا بحرف جر ؛ نحو : فلان مغضوب علیه. فالضمیر المجرور نائب فاعل فی محل رفع. وعند التساهل والتیسیر یقال فی الإعراب : الجار والمجرور نائب فاعل - کما فی رقم 4 من هامش ص 420 - أما رفعه الضمیر المستتر فکثیر من النحاة یمنعه : نحو أقائم محمد أم قاعد؟. وذلک علی اعتبار أن کلمة «قاعد» معطوفة علی قائم ؛ فهی مبتدأ مثلها ، یحتاج إلی فاعل یکون ضمیرا بارزا ، وهو هنا غیر بارز. وفریق آخر یجیزه مستترا ، ورأیه أحسن. لأن الأخذ به - هنا - أیسر ، ولا ضرر فیه ولا تکلف.
7- لأن الوصف هنا بمنزلة الفعل ، والاسم المرفوع به بمنزلة الفاعل أو نائب الفاعل ؛ وکلاهما یتمم معنی الجملة. ودلیل المشابهة بین الوصف والفعل أن الوصف لم یرد مصغرا ، ولا منعوتا ولا معرفا. وکذلک لم یرد فی الأعم الأغلب - مثنی أو مجموعا - وإن کان من القلیل الجائز إعمالها ، کما سیجیء فی ج 3 ص 205 م 102 باب اسم الفاعل

إعرابا آخر ؛ کأن نجعله خبرا مقدما ، و «والده» فاعله ، و (علی) مبتدأ (1) مؤخر ...

والأکثر فی الوصف الواقع مبتدأ أن یعتمد علی نفی ، أو استفهام ؛ بأن یسبقه شیء منهما کالأمثلة السالفة فی «ب» (2) ویجوز - بقلة - ألا یسبقه شیء منهما ؛ نحو : نافع أعمال المخلصین ، وخالد سیر الشهداء.

ولا فرق بین أن یکون المبتدأ اسما صریحا ؛ کالأمثلة السالفة - وأن یکون اسما بالتأویل ؛ نحو «أن تقتصد» أنفع لک ، «وأن تجنتب» الغضب أقرب للسلامة. أی : اقتصادک ... واجتنابک (3) ، وکقول الشاعر :

فما حسن أن یعذر (4)

المرء نفسه

ولیس له من سائر الناس عاذر

هذا ، والمبتدأ مع خبره أو مع مرفوعه الذی یستغنی به عن الخبر نوع من الجملة الاسمیة (5).

ص: 404


1- ویصح إعراب «علی» مبتدأ مؤخر ، و «والده» مبتدأ ثان ، والوصف : «حاضر» خبر مقدم للمبتدأ الثانی ، والمبتدأ الثانی وخبره خبر الأول.
2- تقییدهم الاعتماد بالنفی والاستفهام یدل علی أن الاعتماد علی غیرهما لا یکفی فی تحقیق الأکثر والأفصح : کما فی مثل : محمود قائم أبواه فإعراب «قائم» مبتدأ ، غیر فصیح ، بالرغم من اعتماده علی المبتدأ المخبر عنه ؛ کما قال صاحب المغنی - راجع حاشیة الصبان ، ج 1 فی هذا الموضع - أما الاعتماد فی باب اسم الفاعل - وأمثاله - فیختلف عما هنا فی أسبابه وأنواعه وأحکامه ، کما سیجیء فی بابه ج 3
3- فالمصدر المؤول من أن والفعل والفاعل فی محل رفع مبتدأ.
4- المصدر المؤول المبتدأ هو ؛ عذر المرء نفسه ، ویصح إعرابه فاعلا للوصف «حسن» : قبله. ویصح أیضا إعرابه خبرا للوصف.
5- الجملة - کما سبق فی الباب الأول - ما ترکبت من جزأین أساسیین یؤدیان معنی مفیدا. وهما یسمیان : طرفی الجملة ، أو رکنیها. (راجع ص 15) والجملة قسمان : ا - اسمیة ، وهی : التی تکون مبدوءة باسم بدءا أصیلا ؛ کالجملة المکونة من المبتدأ مع خبره ، وکالمبتدأ الوصف مع مرفوعه الذی یغنی عن الخبر ، وکاسم الفعل مع مرفوعه أیضا. وبهذه المناسبة یقول النحاة : إن الوصف مع مرفوعه ولو کان اسما ظاهرا ، یعد من قبیل المفرد ، لا الجملة ، إلا الوصف الواقع مبتدأ مستغنیا بمرفوعه عن الخبر فإنه فی حکم الجملة ، وأما الوصف الواقع صلة : «أل» فالأرجح أنه شبه جملة ، (کما سبق عند الکلام علی صلة الموصول رقم 1 من هامش 347) ولیس جملة ، ولکنه فی قوتها معنی. والخلاف لفظی ؛ لا أثر له من حیث المعنی ؛ فلا داعی للاهتمام به. وقد سبق بیان لهذا فی الموضع المشار إلیه ب - فعلیة وهی التی تکون مبدوءة بفعل ؛ (ومنها الجملة المبدوءة بحرف النداء). وقد أشار ابن مالک إلی کثیر من الأحکام السابقة الخاصة بالمبتدأ بقوله فی باب عنوانه : المبتدأ والخبر : مبتدأ زید ، وعاذر خبر إن قلت : زید عاذر من اعتذر وأوّل مبتدأ والثانی فاعل أغنی ؛ فی : أسار ذان؟ وقس ، وکاستفهام النفی ، وقد یجوز نحو : فائز أولو الرشد أی : إن قلت : (زید عاذر من اعتذر ؛ بمعنی ؛ أنه قابل عذر من اعتذر) فزید مبتدأ ، و «عاذر» خبر. وإن قلت : (أسار هذان؟ فإن : «سار» - وهو الاسم الأول ، مبتدأ ، و «ذان» - وهو الاسم الثانی - فاعل أغنی عن الخبر ؛ لأن المبتدأ وصف مسبوق هنا باستفهام. ثم قال : قس علی هذا المثال أشباهه ؛ من کل وصف معتمد علی استفهام ، أو نفی ویجوز - بقلة - ألا یسبقه شیء منهما ؛ نحو : فائز أولو الرشد ؛ فلا یتغیر الإعراب

زیادة وتفصیل

(ا) عرفنا أن العوامل الأصلیة لا تدخل علی المبتدأ ، أما غیر الأصلیة (وهی الزائدة وشبه الزائدة) فقد تدخل ؛ فمثال الزائدة «من» فی قوله تعالی : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَیْرُ)(1) اللهِ) ، ومثال شبه الزائدة : «ربّ» فی مثل : ربّ قادم غریب أفادنا. فکلمة : «من» حرف جر زائد ؛ دخل علی المبتدأ ؛ فجرّه فی اللفظ ، دون المحل. ولذلک نقول فی إعرابه : إنه مبتدأ مجرور بمن فی محل رفع (2).

وکذلک کلمة : «قادم» فإنها مبتدأ مجرور فی اللفظ بحرف الجر الشبیه بالزائد ، وهو : «ربّ» - فی محل رفع (3).

ص: 405


1- یعرب النحاة کلمة «غیر» فی هذه الآیة إما صفة لخالق ، (التی هی مبتدأ مجرورة فی اللفظ ، مرفوعة فی المحل) والخبر محذوف ؛ فالتقدیر : هل من خالق غیر الله «لکم» ، وإما خبر المبتدأ ولا یعربونها فاعلا یغنی عن الخبر ؛ بحجة أن الوصف الذی له فاعل یغنی عن الخبر بمنزلة الفعل ، والفعل لا تدخل علیه «من» الزائدة ؛ فکذا ما هو بمنزلته. وهذا رأی أساسه التخیل والتوهم ؛ فلا داعی للأخذ به ؛ کی لا تخرج هذه الحالة من القاعدة العامة بغیر حجة مقبولة.
2- ومن أمثلة ذلک : (بحسبک علم ، فإنه أمضی سلاح ، وکافیک بحسن الخلق ؛ فإنه غنی دائم) فالباء فی کلمتی : «حسب» و «حسن» حرف جر زائد ، وما بعدها مجرور بها فی محل رفع مبتدأ. «وحسبک» بمعنی «کافیک» وکلاهما بمعنی : یکفیک. وقد سبقت إشارة إلی استعمال : «فحسب» فی هامش ص 382 أما تفصیل الکلام علیها ففی ج 3 باب الإضافة ، ص 120 م 94. ومن الأمثلة أیضا : ناهیک بدین الله ؛ فالباء حرف جر زائد ، و «دین» مجرور بها فی محل رفع مبتدأ ، وخبره کلمة : «ناهی ...» والمعنی دین الله ناهیک عن طلب غیره ؛ لکفایته. وهذه الکلمة متوغلة فی الأبهام (انظر ج 3 م 93) وفی الأمثلة السابقة إعرابات أخری لیس مکانها هنا. ومن مواضع زیادة «باء الجر دخولها علی المبتدأ بعد «إذا» الفجائیة ، نحو خرجت فإذا بالصدیق قادم - کما جاء فی المغنی عند الکلام علی : «باء الجز» وکذلک دخولها علی المبتدأ الضمیر فی مثل : کیف بک عند اشتداد الکرب. والأصل کیف أنت ... فلما زیدت الباء وجب تغییر الضمیر «أنت» لأنه ضمیر مقصور علی الرفع. فأتینا بدله بضمیر یؤدی معناه ویصلح لدخول حرف الجر ، وهو : «کاف» المخاطب ، مجروره بالباء لفظا فی محل رفع مبتدأ - وسیجیء البیان فی باب حروف الجر ج 2 م 90 عند الکلام علی الباء.
3- تقدم فی هامش 400 الکلام علی حرف الجر الأصلی ، والزائد ، والشبیه بالزائد.

(ب) الوصف الذی له مرفوع یستغنی به عن الخبر هو الوصف المشتق الجاری مجری فعله فی کثیر من الأمور ، وأوضحها : المشارکة فی الحروف الأصلیة ، وحرکاتها وسکناتها ، وفی عمله ومعناه ... کاسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشتبهة ، وکذا اسم التفضیل ؛ فإنه قد یرفع الظاهر فی مثل : ما رأیت ورقة أحسن فی سطورها الخطّ منه فی ورقة محمود. فیقال هنا عند وقوعه مبتدأ : هل أحسن فی سطور هذه الورقة الخطّ منه فی سطور غیرها؟

ویلحق بالوصف ما أوّل به ؛ من کل جامد تضمن معناه ؛ مثل : أأسد الرجلان؟

بمعنی أشجاع الرجلان؟. والمنسوب ؛ نحو : أعربیّ الشاعران. أی : أمنسوب الشاعران للعرب؟ و «ذو» بمعنی صاحب ؛ نحو : أذو علم القادمان؟ بمعنی : أصاحب علم القادمان؟ والمصغر ؛ نحو : أصخیر المرتفعان ؛ لأنه بمعنی : صخر صغیر. فکل هذه الأنواع المؤولة تجری مجری المشتق فی أن لها مرفوعا فی بعض الأحیان (1) تستغنی به عن الخبر(2)

(ح) قلنا إن الوصف یسبقه فی الأکثر نفی ، أو استفهام ؛ فالنفی قد یکون بالحرف ؛ نحو : ما غائب الشاهدان ، أو بالفعل ؛ نحو : لیس محبوب الغادرون (3).

ص: 406


1- انظر رقم 6 من هامش ص 403
2- انظر رقم 5 من هامش ص 419.
3- «لیس» فعل ماض. «محبوب» اسمها مرفوع ، وأصله مبتدأ ، «والغادرون» نائب فاعل «لمحبوب» ، مرفوع بالواو ، ویغنی عن خبر لیس (فهو من المواضع التی یغنی فیها المرفوع - مع بقائه مرفوعا - عن المنصوب - وقد أشرنا لهذا فی آخر رقم 2 من هامش ص 403 - کما أشرنا هناک إلی صورة أخری ، هی : أن المبتدا لا یحتاج إلی خبر إن کان هذا المبتدأ وصفا ناسخا یعمل علی الوجه الذی یوضحه المثال الذی فی رقم 2 من هامش ص 514. جاء فی حاشیة الصبان هنا - عند الکلام علی إعراب الوصف الواقع بعد أداة النفی «لیس» - ما یقرب نصه «(إدخال اسم «لیس» فیما نحن فیه هو باعتبار کونه مبتدأ فی الأصل. وکذا یقال فی خبر «ما» الحجازیة. وکذلک إدخال الفاعل - ونائبه - فیما نحن فیه ، هو باعتبار کونه مغنیا عن خبر مبتدأ فی الأصل. وکذا یقال فی خبر «ما» الحجازیة ، ثم فی إغناء الفاعل - أو نائبه - عن خبر «لیس» أو «ما» إغناء مرفوع عن منصوب. ولا ضرر فی ذلک. ویظهر أنه لا یقال : هذا الفاعل أو نائبه - فی محل نصب باعتبار إغنائه عن خبر : «لیس» ، او «ما» ، لأنه لیس للأداة «ما» أو «لیس» فی هذه الحالة خبر حل محله الفاعل - أو نائبه - ، بل الذی تستحقه بعد اسمها فاعل - أو نائبه - لاسمها). اه بتصرف قلیل یوضح ما غمض من بعض ألفاظ قلیلة.

أو بالاسم ؛ نحو : غیر نافع (1) مال حرام. وغیرها من أدوات النفی التی تدخل علی الأسماء. بخلاف ما لا یدخل علیها ؛ مثل : لم ، ولمّا ، ولن ، فإنها أدوات نفی مختصة بالمضارع. وقد یکون النفی لفظیا ؛ لوجود لفظه کما سبق ، أو معنویا فی نحو : إنما قائم الحاضرون ، لأنه فی قوة : ما قائم إلا الحاضرون. وإذا نقض النفی بإلا لم یتغیر الحکم السابق ؛ نحو : ما قائم إلا الحاضرون.

وکذلک الاستفهام قد یکون بالحرف نحو : أحافظ الصدیقان العهد؟ هل عالم أنتما الخبر؟ أو بالاسم ؛ نحو : کیف جالس الضیوف؟ ومن مکرم الآباء! ومتی قادم السائحون؟.

وقد یکون الاستفهام مقدرا یدل علیه دلیل ؛ نحو : واقف الرجلان أم قاعدان؟ فوجود «أم» دلیل علی أنها مسبوقة باستفهام ؛ شأن «أم» التی لطلب التعیین. (وکلمة «کیف» حال من الفاعل وهو «ضیوف». مبنیة علی الفتح فی محل نصب (2). و «من» مفعول به لکلمة : مکرم ، مبنی علی السکون فی محل نصب. و «متی» ظرف لکلمة «قادم» مبنی علی السکون فی محل نصب).

(د) سبق أن المبتدأ الذی یستغنی بمرفوعه عن الخبر مقصور علی نوع معین من المشتقات (أی : من الوصف) ؛ وعلی الجامد المؤول بالمشتق وقد سبقت أمثلته. ومن أمثلته أیضا بعض أسالیب سماعیة وقع فیها المبتدأ اسما جامدا لیس له خبر ؛ وإنما له اسم مرفوع یغنی عن الخبر ؛ وذلک لتأول الجامد بالمشتق ،

ص: 407


1- «غیر» مبتدأ ، مضاف. «نافع» مضاف إلیه مجرور. «مال» فاعل ، لنافع ، یغنی عن الخبر ، لأن المعنی : ما نافع مال حرام ، فأنزلنا : «غیر نافع» منزلة : «ما نافع» ؛ لأن المضاف والمضاف إلیه بمنزلة الشیء الواحد ، ولهذا لا یقال : إن الوصف هنا - وهو کلمة : «نافع» لیس مبتدأ ومثل ما ورد من قول الشاعر : غیرلاه عداک فاطّرح الله و ، ولا تغترر بعارض سلم * فغیر مبتدأ مضاف ، و «لاه» مضاف إلیه مجرور ، و «عدا» فاعل للوصف : «لاه» یغنی عن الخبر : ومثل قوله : غیر مأسوف علی زمن ینقضی بالهم والحزن فالجار والمجرور (علی زمن) ذئب فاعل للوصف (مأسوف ، اسم المفعول) یغنی عن الخبر.
2- فی رقم 3 من هامش ص 461 أوجه إعراب : «کیف».

کقولهم : لا نولک أن تفعل کذا ... یریدون : ما متناولک أن تفعل ... أی : لیس متناولک هذا الفعل ، فلیس هو الذی تتناوله. والمراد لا ینبغی ولا یلیق بک تناوله. فکلمة : «نول» جامدة ؛ لأنها مصدر بمعنی : التناول ، ولکنها مؤولة بالمشتق ؛ إذ معناها : متناول ، فهی بمعنی اسم المفعول ، وتعرب مبتدأ ، بمعنی : متناول ، والمصدر المؤول من أن والفعل والفاعل : (أن تفعل) فی محل رفع نائب فاعل لها. ولا مانع من أن تکون کلمة «نول» مبتدأ والمصدر المؤول فی محل رفع خبره. وبهذا لا تحتاج إلی تأویل.

وکذلک وردت أسالیب أخری قلیلة (لا یجوز القیاس علیها) وقع فیها المبتدأ وصفا لا خبر له ، ولا مرفوع یغنی عن الخبر ، منها ؛ أقل رجل یقول ذلک. والمراد ؛ قلّ رجل یقول ذلک (1) ؛ أی : صغر شأنه وحقر. فقیل إن المبتدأ لا یحتاج هنا إلی خبر ، وجملة : (یقول ذلک) صفة «لرجل» النکرة ؛ لأن حاجة النکرة إلی الصفة أشد من حاجة المبتدأ إلی الخبر ؛ فتفضّل الصفة علی الخبر ؛ فتغنی عنه. وقیل السبب هو : أن المبتدأ لیس مبتدأ فی المعنی ؛ إذ الکلام لیس مقصودا به التفضیل ؛ وإنما المعنی : قلّ رجل یقول ذلک ؛ فهو مبتدأ فی ظاهره ، فعل فی معناه وحقیقته ؛ فیکتفی بالمضاف إلیه الذی هو فاعل فی الأصل ، ویستغنی به عن الخبر. وقیل : إنه مبتدأ والجملة هی الخبر ؛ والأخذ بهذا الرأی وحده أوفق ؛ لمسایرته الأصل العام الذی یقضی بأن للمبتدأ خبرا ، أو مرفوعا یغنی عنه. علی أن هذا الأسلوب سماعی لا یجوز القیاس علیه ، فذکره لیفهمه من یراه فی النصوص المسموعة ؛ فیقتصر علیها فی الاستعمال.

ه - أشرنا فی (رقم 2 من هامش ص 403) إلی المبتدأ الذی لا یحتاج لخبر إن کان هذا المبتدأ وصفا ناسخا یعمل ؛ کالمثال الذی فی رقم 1 من هامش ص 511 کما أشرنا فی رقم 3 من هامش ص 406 إلی الناسخ الذی یحتاج لخبر منصوب فیستغنی عنه بمرفوع.

و - إذا کان الخبر هو الذی یتمم الفائدة مع المبتدأ - علی الوجه المشروح

ص: 408


1- ومن معانیه أیضا نفی الجنس ، أی : لا رجل یقول ذلک وهو من الألفاظ الملازمة للابتداء - کما سیجیء فی «ج» من هامش ص 495 -.

فیما تقدم (1) فأین الخبر فی مثل : فلان - وإن کثر ماله - لکنه بخیل؟ وهذا تعبیر یتردد علی ألسنة بعض السابقین من المولدین الذین لا یستشهد بکلامهم ، ومثله : فلان - وإن کثر ماله - إلا أنه بخیل. وکلا التعبیرین ظاهر القبح والفساد بالرغم مما حاوله بعض متأخری النحاة - کما نقل الصبان (2) - من تأویله تأویلا غیر مستساغ ، لیصحح الأول علی أحد اعتبارین :

أولهما : أن جملة الاستدراک هی الخبر ، بشرط اعتبار المبتدأ مقیدا بالقید المستفاد من الجملة الشرطیة التی بعده ، فکأن المراد : فلان مع کثرة ماله بخیل ... أو فلان الکثیر المال بخیل ، والتکلف المعیب ظاهر فی هذا.

ثانیهما : أن یکون الخبر محذوفا والاستدراک منه ، أی : فلان دائب العمل وإن کثر ماله لکنه بخیل. وهذا الوجه المعیب ینطبق علی المثال الثانی أیضا (3).

ص: 409


1- ص 401.
2- (ج 1) أول باب المبتدأ والخبر عند تعریف الخبر.
3- سیجیء لهذا البحث بیان آخر فی رقم 2 من هامش ص 428 ، وإشارة أخری عند الکلام علی : «لکن» ، ص 570 - وکذلک فی ج 4 ص 328 ، م 155 حیث نجد وجها ثالثا هو زیادة «إن» وهو معیب هنا.

المسألة 34: تطابق

اشارة

(1)

المبتدأ الوصف مع مرفوعه ، وعدم تطابقه ...

إذا کان المبتدأ وصفا متقدما (2) فله مع مرفوعه حالتان ؛ إحداهما : أن یتطابقا فی الإفراد ، والتثنیة ، والجمع ، والأخری : ألا یتطابقا.

(ا) فإن تطابقا فی الإفراد مع تقدم الوصف (مثل : أحاضر القلم؟ - ما مهزوم الحقّ) جاز أن یعرب الوصف المتقدم مبتدأ والاسم المرفوع به فاعلا ، أو نائب فاعل ، علی حسب نوع الوصف (3) ، وجاز أن یعرب الوصف خبرا مقدما. والاسم المرفوع بعده مبتدأ مؤخرا. ففی المثال الأول یجوز أن تکون کلمة : «حاضر» مبتدأ ، وکلمة : «القلم» فاعل أغنی عن الخبر. ویجوز أن تکون کلمة : «حاضر» خبرا مقدما. والقلم مبتدأ مؤخرا.

وفی المثال الثانی یصح أن تکون کلمة : مهزوم ؛ مبتدأ «والحق» نائب فاعل أغنی عن الخبر. کما یجوز أن تکون کلمة : «مهزوم» خبرا مقدما و «الحق» مبتدأ مؤخرا.

والمطابقة فی الإفراد علی الوجه السابق الذی یبیح الإعرابین المذکورین تقتضی المطابقة فی التذکیر والتأنیث حتما ؛ فإن اختلفت فی مثل : «أمغرد فی الحدیقة عصفورة»؟ وجب إعراب الوصف مبتدأ ، والاسم المرفوع بعده فاعله أو نائب فاعل علی حسب نوع الوصف (4) ، ولا یصح إعراب الوصف خبرا مقدما

ص: 410


1- المراد به : التماثل فی الإفراد ، والتثنیة ، والجمع ، وما یصحب ذلک من التأنیث ، والتذکیر وقد سبقت صور هامة منه (فی : «ح» من ص 236) وهی غیر الآتیة هنا ، وفی ص 411. والتطابق أنواع : یذکر کل نوع فی الباب الذی یناسبه ، کما قلنا فی 2 من هامش ص 237.
2- لأن الوصف المتأخر لا یصح أن یسبقه مرفوعه ، إذ الوصف بمنزلة الفعل فی هذا ؛ والفعل لا یتقدم علیه مرفوعه (الفاعل ، أو نائب الفاعل).
3- فالاسم المرفوع باسم الفاعل وصیغ المبالغة ، أو بالصفة المشبهة ، أو بأفعل التفضیل - یعرب فاعلا ، والمرفوع باسم المفعول یعرب نائب فاعل - کما سبق فی رقم 2 من هامش ص 401 - ولا یجیزون تطبیق هذا الحکم علی نحو : (هل من خالق غیر الله ..) لما تقدم فی رقم 1 من هامش ص 405 - وهناک الرد علیه.
4- ویعرب نائب فاعل حین یکون الوصف اسم مفعول - کما أشرنا فی رقم 3 -

والاسم المرفوع مبتدأ مؤخرا ؛ وذلک لعدم تطابقهما فی التأنیث ؛ إذ لا یصح أن نقول : أعصفورة مغرد فی الحدیقة.

ومما یجوز فیه الأمران أیضا : أن یکون الوصف أحد الألفاظ التی یصح استعمالها بصورة واحدة فی الإفراد والتأنیث وفروعهما من غیر أن تتغیر صیغتها ؛ مثل کلمة : «عدو (1)» ، فیصح : اللص عدو - اللصان عدو - اللصوص عدو - اللصة عدو - اللصتان عدو - اللصات عدو ... فمثل هذه الکلمة التی یصح فیها أن تلزم صورة واحدة فی جمیع الأسالیب یجوز فیها إذا وقعت مبتدأ وبعدها اسم مرفوع : (مثل : أعدو اللص - أعدو اللصان - أعدو اللصوص - ....) أن یکون هذا الاسم المرفوع بها فاعلا لها أو نائب فاعل ، علی حسب نوع الوصف. کما یجوز أن یکون الوصف خبرا مقدما والمرفوع بعده مبتدأ مؤخرا. فهذه مسألة أخری یجوز فیها الأمران (2). ومثلها المصدر الذی یصح أن یستعمل بلفظ واحد فی استعمالاته المختلفة ؛ مثل : أحاضر عدل - أحاضران عدل - أحاضرون عدل ... و...

وإن تطابقا فی التثنیة أو الجمع (مثل : ما السابحان المحمدان - ما السابحون المحمدون) ، فالأحسن - فی رأی جمهرة النحاة (3) - أن یعرب الوصف خبرا مقدما والاسم المرفوع بعده مبتدأ مؤخرا (4).

ص: 411


1- ومن الکلمات التی قد تستعمل بلفظ واحد فی الأسالیب المختلفة : صریح ، ومحض (فی مثل : هذا عربی محض ، أی : خالص العروبة ، وعربیان محض ، وعرب محض) ورسول ، وصدیق - وقنعان ، بضم القاف وسکون النون (رجل قنعان ، أی : یقنع الناس بکلامه ، ویرضون برأیه) وامرأة قنعان ، ونسوة قنعان .. کل ذلک بغیر تثنیة ولا جمع ، ولا تأنیث ..) ودرع دلاص ، أی : براقة ، بلفظ واحد فی الاستعمالات کلها إلی غیر ذلک من الألفاظ التی ورد کثیر منها فی آخر الجزء الثانی من : «المزهر» للسیوطی.
2- ومن الکلمات التی قد تستعمل بلفظ واحد فی الأسالیب المختلفة : صریح ، ومحض (فی مثل : هذا عربی محض ، أی : خالص العروبة ، وعربیان محض ، وعرب محض) ورسول ، وصدیق - وقنعان ، بضم القاف وسکون النون (رجل قنعان ، أی : یقنع الناس بکلامه ، ویرضون برأیه) وامرأة قنعان ، ونسوة قنعان .. کل ذلک بغیر تثنیة ولا جمع ، ولا تأنیث ..) ودرع دلاص ، أی : براقة ، بلفظ واحد فی الاستعمالات کلها إلی غیر ذلک من الألفاظ التی ورد کثیر منها فی آخر الجزء الثانی من : «المزهر» للسیوطی.
3- وقیل هو واجب ؛ لما سیجیء فی رقم 3 بعد هذا مباشرة.
4- وفی هذا الرأی یقول ابن مالک : والثّان مبتدأ وذا الوصف خبر إن فی سوی الإفراد طبقا استقر یرید بالثانی : الاسم المرفوع بعد الوصف ؛ فیعرب مبتدأ مؤخرا ، ویعرب الوصف خبرا مقدما بشرط أن یکون ذلک الاسم طبقا ، (أی ؛ مطابقا) للوصف فی غیر الإفراد ، بأن یطابقه فی التثنیة والجمع. ونحن لا نوافق النحاة القدامی علی رأیهم هذا ؛ لأن حجتهم واهیة ؛ فهم یقولون إن الوصف فی هذه الصورة لو أعرب مبتدأ وما بعده فاعله أو نائب فاعله ؛ لترتب علی ذلک أن یکون الوصف مثنی ، أو مجموعا ، والوصف عندهم إذا رفع اسما بعده ، یکون بمنزلة الفعل ؛ والفعل لا یثنی ولا یجمع ؛ فکذلک ما هو بمنزلته. ونقول هنا ما قلناه من قبل - فی رقم 1 من هامش ص 405 - ؛ وهو أن أساس - - رأیهم التوهم والتخیل : والقیاس الجدلی ، لا الیقین ، ولا الظن القوی ، أو ما یدانیه ، ولا القیاس الحقیقی علی ما نطقت به العرب ، ففیه ما فیه من تحکم لا داعی له ؛ فقد تکلم العرب الفصحاء بمثل هذا الأسلوب کثیرا ، ولم یقولوا لأحد إن الوصف مبتدأ أو غیر مبتدأ ، ولم یقولوا فی المرفوع بعده إنه یجب أن یکون مبتدأ والوصف خبره ... لم یقولوا شیئا من ذلک ولم یتعرضوا للناحیة الإعرابیة. فکل حقهم وحق اللغة علینا ألا نخالف نهج هذا الأسلوب عند الصیاغة کما ورد عنهم. وألا نخرج عن طریقتهم فی تکوینه. وضبط مفرداته. أما ما عدا ذلک من الأسماء ، والتسمیات والإعرابات - فلا شأن لهم به ، وإنما هو شأن المعنیین بالدراسات اللغویة والنحویة فی العصور المختلفة. وقد ترتب علی رأی النحاة القدامی تعدد التقسیم فی مطابقة الوصف ، وکثرة الأحکام ، فکان هناک التطابق فی الإفراد ، وله حکمان ، وهناک التطابق فی التثنیة والجمع ، ولکل حکمه. والرأی السمح الذی یرتضیه العقل أن التطابق فی الإفراد کالتطابق فی التثنیة وفی الجمع ؛ فما یجوز فی حالة الإفراد یجوز فی غیره عند التطابق. وبذلک ندخل التطابق کله فی قسم واحد متفق فی حکمه ، ونستغنی عن التطابق فی حالتی التثنیة والجمع وعن حکمه المستقل. ولن یترتب علی ذلک ضرر فی طریقة صوغ الأسلوب ، ولا فی ضبط کلماته وحروفه ، ولا فی معناه ، کما قلنا. وفوق هذا فرأینا یسایر بعض اللهجات الصحیحة التی تناقض حجة النحاة فی قولهم : «إن الفعل لا تلحقه علامة تثنیته ولا جمع ، وأن ما یشبهه یسیر علی منواله» ذلک أن بعض القبائل العربیة الفصیحة یخالف هذا ؛ فیلحق بالفعل علامة التثنیة والجمع. - کما سیجیء فی ج 2 باب الفاعل وأحکامه - فالرأی بتوحید التطابق رأی فیه تیسیر فوق مسایرته للعقل والنقل.

(ب) وإن لم یتطابقا فإن کان الوصف مفردا ومرفوعه مثنی أو جمعا (مثل : أعالم المحمدان؟ أمحبوب المحمدون؟) صح الترکیب فی هذه الصورة الخالیة من المطابقة ، ووجب إعراب الوصف مبتدأ ، وإعراب مرفوعه فاعلا أو نائب فاعل - علی حسب حاجة الوصف - أغنی عن الخبر ، ولا یجوز أن یکون مرفوعه مبتدأ لئلا یترتب علی ذلک أن یکون المبتدأ مثنی أو جمعا والخبر مفردا ؛ وهذا لا یجوز ویتساوی فی هذا الحکم أن یکون مرفوع الوصف اسما ظاهرا. وضمیرا بارزا (1) ...

أما فی غیر هذه الصورة فلا یصح الترکیب ؛ ویکون الأسلوب فاسدا. فمن الصور الفاسدة : أن یکون الوصف مثنی والاسم المرفوع مفردا ؛ مثل : ما قائمان محمد ، أو یکون الوصف مثنی والاسم المرفوع جمعا ؛ نحو : أقائمان المحمدون؟. أو یکون الوصف جمعا ، والاسم المرفوع مفردا ، مثل : أحاضرون محمد؟ أو یکون الوصف جمعا والاسم المرفوع مثنی ؛ نحو : أحاضرون

ص: 412


1- ومن أمثلة الضمیر البارز قول الشاعر : خلیلیّ ، ما واف بعهدی أنتما إذا لم تکونا لی علی من أقاطع فلیس من اللازم أن یکون مرفوع الوصف اسما ظاهرا ، فقد یکون ضمیرا مستترا أو بارزا ، وقد یکون ضمیرا متصلا مجرورا بحرف جر ؛ کالمثال الذی سبق فی رقم 6 من هامش ص 403 و 4 من هامش ص 420.

الرجلان ... وهکذا کل صورة تخلو من المطابقة الصحیحة.

من کل ما تقدم یمکن تلخیص الحالات الإعرابیة الخاصة بالمبتدأ الوصف فی ثلاث(1):

الأولی : وجوب إعرابه مبتدأ یرفع فاعلا ، أو نائبه - إذا لم یطابق ما بعده. وهذه الحالة مقصورة علی أن یکون الوصف المتقدم مفردا ، والاسم المرفوع بعده مثنی أو جمعا ؛ نحو : أسابح المحمودان؟ - أسابح المحمودون؟

الثانیة : وجوب إعرابه خبرا (2) مقدما والاسم المرفوع بعده مبتدأ مؤخرا ، وذلک عند تطابقهما فی التثنیة أو فی الجمع ؛ نحو : أنائمان الرجلان؟ أنائمون الرجال؟

الثالثة : جواز الأمرین إن تطابقا فی الإفراد ، وما یقتضیه. (3) مثل أقاریء الجندیّ؟ وفی بعض مسائل سبقت الإشارة إلیها (4).

ص: 413


1- مع مراعاة المحکوم علیه والمحکوم به ، فهذه المراعاة واجبة دائما ولها الاعتبار الأول ، وتقضی بأن یکون المحکوم علیه هو المبتدأ ، والمحکوم به هو : الخبر - وقد شرحنا هذا فی هامش ص - 401
2- وذلک رأی کثیر من النحاة ، ورأینا جواز الأمرین ؛ لما بسطناه فی رقم 3 من هامش ص 411
3- ما لم یمنع مانع آخر کما سبق توضیحه فی ص 410. وکمراعاة المحکوم والمحکوم علیه.
4- فی ص 411.

زیادة وتفصیل

(ا) هناک أنواع أخری من المطابقة الواجبة ، أو الجائزة ، أو الممنوعة فیجب أن یکون الخبر مطابقا للمبتدأ فی الإفراد ، والتذکیر ، وفروعهما (1) ؛ بشرط أن یکون الخبر مشتقّا لا یستوی فیه التذکیر والتأنیث ، وأن یکون جاریا علی مبتدئه. ومن الأمثلة : محمود غائب ، المحمودان غائبان ، المحمودون غائبون. فاطمة غائبة. الفاطمتان غائبتان ، الفاطمات غائبات ... فلا تطابق فی مثل : زینب إنسان ، ولا مثل : أتعرف الدنیا خداعة؟ وهی إقبال وإدبار ؛ لعدم اشتقاق الخبر. ولا فی : هذا جریح ؛ لأن الخبر وصف یستوی فیه المذکر والمؤنث (وسیجیء فی باب التأنیث من الجزء الرابع تفصیل هذه المسألة) ولا فی : سعاد کریم أبوها ؛ لأن الخبر جار علی غیر مبتدئه.

وإذا کان المبتدأ جمعا لما لا یعقل جاز فی خبره أن یکون مفردا مؤنثا ، أو جمعا سالما مؤنثا ، أو جمع تکسیر للمؤنث ، أو جمع تکسیر للمذکر ؛ مراعاة لمفرده المذکر غیر العاقل - إن لم یمنع من الجموع السالفة مانع آخر - نحو : العقوبات رادعة ، أو رادعات ، أو روادع - البیوت عالیة ، أو عالیات ، أو عوال ، أو : أعال ، جمع أعلی.

فإن کان المبتدا جمع مؤنث للعاقل جاز فی خبره أن یکون مفردا مؤنثا ، أو جمع مؤنث سالما ، أو جمع تکسیر للمؤنث ؛ نحو المتعلمات نافعة ، أو نافعات ، أو نوافع. وقد سبق لهذا - ولحالات أخری - بیان عند الکلام علی تطابق الضمیر ومرجعه (2).

وقد یذکّر المبتدأ لمراعاة الخبر ؛ کقوله تعالی : (فَذانِکَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّکَ)

ص: 414


1- وکذلک تسری المطابقة وجوبا علی المبتدأ المتعدد - مثنی ؛ أو جمعا - إذا کان تعدده بطریق التفریق ؛ أی عطف بعض الأفراد علی بعض ؛ نحو : الأرض والقمر کوکبان فی المجموعة الشمسیة ؛ ونحو : محمود وعلی وصالح مخترعون ... ومن التثنیة بالتفریق قول الشاعر : الکبر والحمد ضدّان. اتفاقهما مثل اتفاق فتاء السّنّ والکبر (الفتاء : الشباب). وقد یکون تعدد المبتدأ بمراعاة معطوف محذوف ، نحو : راکب الناقة طلیحان - بالبیان الذی فی أول ص 453.
2- فی ص 237 ثم فی ص 314 وهامشها. ویجیء له بیان أیضا فی ج 3 ص 362 - باب النعت - وفیه بیان بعض المراجع التی أخذ منها.

والإشارة المثناة راجعة إلی الید والعصا قبل هذه الآیة (1) ، وهما مؤنثتان ، ولکن المبتدأ هنا مذکر لتذکیر الخبر ، ومثله قوله تعالی : (فَلَمَّا رَأَی الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّی هذا أَکْبَرُ ...) فاسم الإشارة : (هذا) مذکر ، مع أن المشار إلیه - وهو : الشمس - مؤنث ، فحق الإشارة إلیها أن تکون باسم إشارة للمؤنث مثل : «هذه». قال الزمخشری : «فإن قلت : ما وجه التذکیر؟ قلت : جعل المبتدأ مثل الخبر ، لکونهما عبارة عن شیء واحد ؛ کقولهم : «ما جاءت حاجتک»؟ (2) أی : ما صارت حاجتک؟ - ومن کانت أمّک؟ ... - ومثل هذا ینطبق علی الآیة السابقة وهی : (هذا ربی). علی أن التذکیر فی هذه الآیة واجب ، لصیانة «الرب» عن شبهة التأنیث لو قیل : «هذه ربی». ألا تراهم قالوا فی صفة «الله» : «علّام» ، ولم یقولوا : «علّامة» - وإن کان «العلّامة» أبلغ - ؛ احترازا من علامة التأنیث. اه ببعض اختصار

ومن تأنیث المبتدأ المذکر مراعاة لتأنیث الخبر قراءة من قرأ قوله تعالی : (ثُمَّ لَمْ تَکُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما کُنَّا مُشْرِکِینَ) بالتاء فی أول المضارع : «تکن» لتأنیث اسم الناسخ ؛ وهذا الاسم هو المصدر المنسبک المتأخر ، وهو فی أصله مذکر ، ولکنه أنّث موافقه للخبر المتقدم ، وبسبب تأنیث هذا الخبر أنّث الفعل «تکن».

وإذا کان الخبر دالّا علی تقسیم أو تنویع جاز عدم مطابقته للمبتدأ فی الإفراد وفروعه ؛ نحو : الصدیق صدیقان ، مقیم علی الود والولاء ، وتارک لهما ، والإخاء إخاءان ، خالص لله ، أو لمغنم عاجل. وکقولهم : المال أنواع ؛ محمود الکسب ، محمود الإنفاق ؛ وهذا خیرها. وخبیث الثمرة خبیث المصرف ؛ وهذا شرّها ، وما اجتمع له أحد العیبین وإحدی المزیتین ؛ وهو بمنزلة بین المنزلتین السالفتین.

وقد تختلف المطابقة بین المبتدأ المتعدد الأفراد والخبر المفرد إذا کان المبتدأ متعدد الأفراد حقیقة ، ولکنه ینزّل منزلة المفرد ؛ بقصد التشبیه ، أو المبالغة ، أو نحوهما ؛ سواء أکان بمنزلة المفرد المذکر أم المؤنث ، وقد اجتمعا فی قولهم :

ص: 415


1- راجع ما قاله أبو حیان فی البحر عند تفسیره الآیة ، ح 7 ص 118
2- بیان هذا الأسلوب وإعرابه فی هامش رقم 1 من ص 505

المقاتلون فی سبیل الله رجل واحد وقلب واحد ، وهم ید علی من سواهم ، وقولهم : التجارب مرشد حکیم ، والمنتفعون بإرشاده قلعة ترتدّدونها الشدائد ، ومن أمثلة التعدّد الحقیقی أیضا ، قول الشاعر :

المجد والشّرف الرّفیع صحیفة

جعلت لها الأخلاق کالعنوان

وقد یختلفان تذکیرا وتأنیثا ، ولکن مع إفراد المبتدأ وعدم تعدده وسبب الاختلاف - کسابقه - المبالغة ، أو التشبیه ونحوهما ؛ مثل : الشدة مرب حازم ، والتجربة معلم نافع ، واللص هیابة ، والمؤرخ نسّابة. وقد یختلفان کذلک إذا کان المبتدأ اسم جنس جمعیّا علی الوجه الذی سبق تفصیله (1)

ومن الخبر الذی یجوز فیه التذکیر والتأنیث کلمتا : «أحد. وإحدی» المضافتین ، إذا کان المضاف إلیه لفظا یخالف المبتدأ فی التذکیر أو التأنیث ؛ فیجوز فی الکلمتین موافقة المبتدأ ، أو الخبر ، مثل : المال أحد السعادتین ، أو : إحدی السعادتین ، بتذکیر «أحد» مراعاة للمبتدأ المذکر (المال) وبالتأنیث مراعاة للمضاف إلیه المؤنث ، وهو کلمة : السعادتین. ومثل : الکتابة أحد اللسانین ، أو إحدی اللسانین ، بالتأنیث أو التذکیر ، طبقا لما سلف (2).

وقد یکون الخبر مؤنثا والمبتدأ مذکرا مضافا إلی مؤنث ؛ فیستفید التأنیث من المضاف إلیه ، أو العکس ؛ (بأن یکون الخبر مذکرا والمبتدأ مؤنثا مضافا إلی مذکر ؛ فیستفید منه التذکیر). ویشترط فی الحالتین أمران (3)

ا - أن یکون المبتدأ المضاف صالحا للحذف ، وللاستغناء عنه بالخبر من غیر أن یفسد المعنی.

ب - وأن یکون المبتدأ المضاف کلّا للمضاف إلیه ، أو جزءا منه ، أو مثل الجزء ... و...

ومن أمثلة اکتساب المضاف من المضاف إلیه التأنیث قول الشاعر :

وما حبّ الدیار شغفن قلبی

ولکن حبّ من سکن الدیارا

ص: 416


1- فی ص 21 و 239.
2- راجع رقم 7 من 239 ورقم 6 من هامش 289 ففیهما بعض إیضاح لهذه المسألة والتی تلیها.
3- راجع البیان والتفصیل الخاص بهذا الحکم فی ج 3 ص 55 م 93 باب الإضافة.

ومن أمثلة اکتساب المضاف التذکیر من المضاف إلیه قولهم : رؤیة الفکر عواقب الأمور مانع له من التسرع

وهناک حالات هامة من المطابقة وأحکامها المختلفة أشرنا إلیها فیما سبق (1).

ح - الغالب أن البدل یرتبط به ما بعده ، ویعتمد علیه ، فیطابقه فی حالتی التذکیر والتأنیث وغیرهما ، نحو : إن الغزال عینه جمیلة ، وإنّ الفتاة جفنها فاتر ، بنصب کلمتی «عین» و «جفن» - وهما بدلان - وتأنیث خبر «إن» فی المثال الأول ، وتذکیره فی الثانی. ولو لا أن الملاحظ هو البدل - وأنه بمنزلة المبدل منه - لوجب التذکیر فی الأول ، والتأنیث فی الثانی. ولا مانع من العدول عن البدل فیما سبق إلی المبتدأ فی الکلمتین ، ولعله الأحسن ؛ لبعده عن اللبس الناشئ من البدل. ولا بد عند مراعاة الغالب من عدم وجود قرینة تمنع منه ، وتدل علی غیره. ومن غیر الغالب قول الشاعر :

إن السیوف غدوّها ورواحها

ترکت هوازن مثل قرن الأعضب (2)

فقد جاء الفعل «ترک» مؤنثا مراعاة لاسم : «إن» ، لا للبدل (3) ...

ص: 417


1- فی رقم 2 من هامش ص 414 بیان مواضعها.
2- الأعضب : الحیوان المکسور قرنه.
3- راجع فی هذه المسألة الصبان ج 3 آخر باب البدل والخضری ج 2 أول ذلک الباب. وستجیء فی الجزء الثالث من النحو الوافی ص 537 م 126 باب البدل.

وبمناسبة الکلام علی المبتدأ والخبر وأنهما مرفوعان ، بحث النحاة - کعادتهم - عن العامل الذی یوجد الضمة فی کل منهما. ولما لم یجدوا قبل المبتدأ عاملا لفظیّا یوجدها ، قالوا إن العامل معنوی ؛ هو ؛ وجود المبتدأ فی أول الجملة ؛ لا یسبقه لفظ آخر ؛ وسموا هذا العامل المعنوی : الابتداء. فالمبتدأ عندهم مرفوع بالابتداء. أما الخبر فعامل الرفع فیه هو : المبتدأ ؛ أی : أن الخبر مرفوع بالمبتدأ. هذا رأی من عدة آراء لا أثر لها فی ضبط کل منهما ، ولا فی وضوح معناهما ، ومعنی الکلام. فالخیر فی إهمالها ، وتناسیها ، والاقتصار علی معرفة أن المبتدأ مرفوع ، والخبر مرفوع کذلک (1).

ص: 418


1- یقول ابن مالک فی تلک القاعدة التی لا فائدة منها الیوم : ورفعوا مبتدا بالابتدا کذاک رفع خبر بالمبتدا

المسألة 35: أقسام الخبر

اشارة

عرفنا أن الخبر جزء أساسیّ فی الجملة ؛ یکملها مع المبتدأ الذی لیس بوصف (1) ویتمم معناها. وهو ثلاثة أقسام : مفرد ، وجملة. وشبه جملة (2).

القسم الأول : الخبر المفرد :

وهو ما کان کلمة واحدة ، أو بمنزلة الواحدة (3) (أی : لیس جملة ، ولا شبه جملة) وهو إما جامد (4) ، فلا یرفع ضمیرا مستترا (5) فیه ، ولا بارزا ، ولا اسما ظاهرا ؛ مثل : کلمتی : «کرة» و «نهر» فی قولنا : الشمس کرة ، الفرات نهر ، ومثل کلمتی «إقبال» «وإدبار» فی قول الشاعر یصف ناقته التی فقدت ولیدها :

ص: 419


1- لأن الجزء الذی یکمل الجملة مع المبتدأ الوصف لا یسمی خبرا ؛ وإنما یسمی - کما سبق - مرفوع الوصف ؛ سواء أکان المرفوع فاعلا ، أم نائب فاعل. ویقول ابن مالک فی الخبر : والخبر الجزء المتمّ الفائده کالله برّ والأیادی شاهده (الله بر) مبتدأ وخبر ، وکذلک : «الأیادی» مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة علی الیاء «وشاهدة» خبر مرفوع. ولم یصرح ابن مالک بأن الخبر یکمل الجملة بشرط أن یکون مع المبتدأ ؛ لضیق النظم ، والاکتفاء بالمثالین.
2- یراد به فی هذا الباب أمران ، هما : الظرف والجار مع مجروره ، أما فی صلة الموصول فیراد به هذین ، وأمر ثالث ، هو : الصفة الصریحة التی تقع صلة «أل» علی التفصیل الذی ذکرناه فی ص 347 و 431.
3- ما هو بمنزلة الواحدة یشمل أنواع الاسم المرکب ؛ کالمرکب المزجیّ والعددی الذی یلحق به فی مثل : هذه نیویورک - أنتم أحد عشر ، والإسنادی فی مثل : هذا (جاد ، الله) .. ولا یدخل الإضافی.
4- أی : لیس مشتقا. ویذکر هنا کثیرا : الوصف بمعنی : المشتق.
5- إلا عند التأویل ، مثل : قلب الظالم حجر. أی : قاس لا یلین. ید الشجاع حدید. أی : قویة. ولا یصح التأویل بالمشتق إذا أرید بالجامد ذاته الأصلیة حقیقة أو مبالغة ؛ کأن تری أسدا حقیقیا فتقول : هذا أسد ، أو : تری شجاعا فتقول علی المبالغة والأدعاء المجازی : هذا أسد. کما لا یجوز التاویل إذا أرید التشبیه البلیغ فی : هذا أسد ؛ أی : هذا کالأسد فی الشجاعة. وقد سبق بیان الجاری مجری المشتق ، وأنه مثل : هذا أسد ، أی : شجاع ، وکذا المنسوب ، و «دو» بمعنی : صاحب ، والمصغر .. راجع «ب» من ص 406 هذا ویجری علی الجامد المؤول بالمشتق کثیر من أحکام المشتق ، لا تجری علیه إلا بعد التأویل ...

ترتع (1) ما رتعت ،

حتّی إذا ادّکرت (2)

فإنما هی إقبال وإدبار (3)

فالخبر فی الأمثلة السابقة فارغ من الضمیر المستتر ، وغیر رافع لضمیر بارز أو لاسم ظاهر بعده.

وإما مشتق (4) (وصف) فیرفع ضمیرا مستترا وجوبا ، أو یرفع ضمیرا بارزا ، أو : اسما ظاهرا بعده ؛ مثل : الهرم مرتفع - الآثار غالیة. أی : مرتفع هو. وعالیة هی (5) ، فقد تحمل المشتق ضمیرا مستترا وجوبا یعود علی المبتدأ ؛ لیربط الخبربه ارتباطا معنویا. ومثل : ما راغب أنتم فی الظلم؟ فقد رفع الوصف ضمیرا بارزا بعده. ومثل : الورد فاتن ألوانه ، ساحر أنواعه. فکل من الوصفین : (فاتن ، وساحر) قد وقع خبرا ، ورفع بعده اسما ظاهرا. فلا بد فی الخبر المشتق من أن یرفع ضمیرا مستترا وجوبا ، أو ضمیرا بارزا (6) أو یرفع اسما ظاهرا بعده.

ص: 420


1- ترعی
2- تذکرت
3- یرید ، مقبلة ومدبرة ، من شدة الحزن علیه.
4- المشتق الذی یتحمل الضمیر. هو ما سبقت الإشارة إلیه فی ص 406 - من أنه الذی یجری مجری فعله فی کثیر من أموره ، کالمشارکة فی حروفه الأصلیة وفی حرکاته ، وسکناته ، وعمله ؛ کاسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشبهة ، وأفعل التفضیل ... وکذلک ما تضمن معنی ذلک المشتق ؛ کالمنسوب ، والمصغر ، و «ذی» بمعنی : صاحب - کما فی ص 406 -. أما المشتق الذی لا یجری مجری الفعل ولا یتأول به فإنه لا یتحمل ضمیرا ؛ کاسم الآلة ، واسم الزمان ، أو المکان ؛ فکلمة «مفتاح» اسم مشتق من الفتح ، فإذا وقع خبر فی مثل قول الشاعر : الرفق یمن. وخیر القول أصدقه وکثرة المزح مفتاح العداوات لم یتحمل ضمیرا. وکذلک ما کان علی صیغة الزمان أو المکان ، نحو : ملعب ، ومطعم ، ومجلس ، وموعد ... فإنه لا یتحمل الضمیر إذا وقع خبرا ... إنما یتحمله المشتق الجاری مجری الفعل کما قلنا وذلک بشرط ألا یرفع اسما ظاهرا بعده ، نحو : أصالح غائب والده؟ أو ضمیرا بارزا ، نحو : أصالح ذاهب أنت إلیه؟ ففی الحالتین لم یرفع الوصف ضمیرا مستترا ؛ لوجود فاعله منطوقا به فی اللفظ ، والوصف لا یرفع فاعلین مطلقا. وکذلک إذا رفع ضمیرا متصلا مجرورا ؛ مثل : الخائن مغضوب علیه ؛ فالضمیر المجرور بحرف الجار فی محل رفع نائب فاعل ، برغم أننا - للتیسیر کما أشرنا فی رقم 6 من هامش ص 403 - نقول : الجار مع مجروره نائب فاعل ، والمشتق : «مغضوب» فارغ من الضمیر ؛ إذ لیس للمشتق إلا مرفوع واحد ، وقد استوفاه ، وهو : البارز. والضمیر المستتر فی الوصف واجب الاستتار کما قلنا. إلا فی الصور الأخری التی توجب إبرازه ؛ کالحصر فی مثل : علی ما قائم إلا هو ، وکجریان الوصف علی غیر ما هو له مع عدم أمن اللبس. کما سیجیء فی ص 421 - ویعرب فی هاتین الحالتین فاعلا أو نائب فاعل علی حسب نوع المشتق.
5- إذا ظهر مثل هذا الضمیر بعد المشتق فالأحسن إعرابه توکیدا للضمیر المستتر لا فاعلا.
6- إن وجد داع یقتضی إبرازه کما سبق.

ومن المشتق (الوصف) ما یعرب علی حسب الظاهر خبرا للمبتدأ ، مع أن معناه فی الواقع لا ینصبّ علی ذلک المبتدأ ، ولا ینسب إلیه مباشرة : مثل : البنت الأب مکرمته هی. «فالبنت» مبتدأ أول. و «الأب» : مبتدأ ثان. «مکرمة» خبر المبتدأ الثانی ، مع أن معنی هذا الخبر منصبّ علی المبتدأ الأول وحده ، لأن البنت هی المکرمة ؛ أی : المنسوب لها الإکرام ، دون المبتدأ الثانی.

ومثل : الشفیق الأمّ مساعدها ، هو. فکلمة «الشفیق» : مبتدأ أول ، و «الأم» مبتدأ ثان. و «مساعد» : خبر المبتدأ الثانی. مع أن معنی هذا الخبر - وهو : مساعد - واقع علی الأول ، ولا حق به دون المبتدأ الثانی ... ، وهکذا کل وصف وقع خبرا عن مبتدأ غریب عن معنی ذلک الخبر ، وعن مدلوله. وهذا الخبر یقول عنه النحاة : «إنه جار علی غیر صاحبه. أو : جار علی غیر من هو له».

ولما کان هذا الخبر مشتقّا کان لا بد أن یرفع ضمیرا أو اسما ظاهرا. غیر أن الضمیر هنا یجوز إبرازه ، کما یجوز استتاره ، بشرط أن یکون المبتدأ المنسوب إلیه الخبر والمحکوم علیه حقیقة ، واضحا لا یشتبه بغیره عند الاستتار ؛ أی : بشرط أمن اللبس ، کما فی الأمثلة السابقة.

وهناک أمثلة للوصف الواقع خبرا یصلح فیها أن یکون جاریا علی من هو له وعلی غیر من هو له ، فیقع اللبس فی المراد : نحو : (الفارس الحصان متعبه) فکلمة : «الفارس» مبتدأ ، و «الحصان» مبتدأ ثان «ومتعب» خبر الثانی وفیه ضمیر مستتر ، والجملة منهما خبر الأول. فما المراد من هذا المثال؟ أترید الحکم علی الحصان بأنه یتعب الفارس ؛ فیکون الخبر جاریا علی من هو له ، أم نرید الحکم علی الفارس بأنه یتعب الحصان ؛ فیکون الخبر جاریا علی غیر من هو له؟ الأمران محتملان مع اختلافهما فی المعنی. وهذه هی حالة اللبس ، حیث لا قرینة ترجح أحدهما علی الآخر. فإن کان المراد هو المعنی الأول الذی یقتضی جریان الخبر علی من هو له وجب استتار الضمیر مراعاة للأصل السابق ؛ لیکون استتاره دلیلا علی ذلک المعنی ؛ فنقول : «الفارس الحصان متعبه». وإن کان المراد هو المعنی الثانی الذی یقتضی

ص: 421

جریان الخبر علی غیر من هو له وجب إبراز الضمیر منفصلا ؛ لیکون إبرازه دلیلا علی جریانه علی غیر من هو له ؛ فنقول (الفارس الحصان متعبه هو) (1). فالضمیر : «هو» عائد علی الفارس ، المنسوب إلیه «أنه متعب» ، والمحکوم علیه بذلک الحکم. والضمیر : «الهاء» المتصل بالخبر. وهو الهاء فی آخر کلمة : «متعبه» عائد إلی المبتدأ الثانی).

ومثل : الکلب الثعلب مخیفه. «الکلب» ؛ مبتدأ ؛ أول. «الثعلب» : مبتدأ ثان ، «مخیف» : خبر الثانی ، وهو مضاف ، والهاء مضاف إلیه. فما المراد؟ قد نرید الحکم علی الثعلب بأنه یخیف الکلب ؛ فیکون الخبر جاریا علی صاحبه ، ویجب استتار الضمیر ؛ مراعاة للأصل السابق ؛ لیکون استتاره دلیلا علی جریانه علی صاحبه. وقد نرید المعنی الثانی ؛ وهو جریانه علی غیر صاحبه ؛ فیجب إبراز الضمیر منفصلا ؛ لیکون إبرازه شارة علی هذا المعنی ؛ فنقول : الکلب الثعلب مخیفه هو. ویکون الضمیر البارز عائدا علی «الکلب» وهو المحکوم علیه حقیقة بالخبر ؛ أی : بأنه المخیف. أما الضمیر الثانی (وهو الهاء المتصلة بالخبر) فعائدة علی المبتدأ الثانی (2).

وخلاصة ما تقدم :

1 - أن الخبر الجامد لا یتحمل الضمیر إلا عند التأویل الذی یقتضیه السیاق (3) ؛ وأما المشتق فیتحمله.

ص: 422


1- فی حالة اللبس وجریان الخبر علی غیر من هو له ، یتعین أن یکون الضمیر البارز فاعلا أو نائب فاعل علی حسب نوع الوصف ؛ لأن جریانه علی غیر صاحبه یمنع استتاره ، ویوجب إبرازه منفصلا ؛ فیستمر فاعلا أو نائب فاعل کما کان قبل إبرازه ؛ إذ لیس للوصف إلا مرفوع واحد ، فإذا کان ضمیرا مستترا وطرأ ما یوجب إبرازه منفصلا بقیت له حالة الفاعلیة أو النیابة عن الفاعل ، ولا یعرب توکیدا للضمیر المستتر. ولا مانع أن یحل اسم ظاهر محل الضمیر لیمنع اللبس ، نحو : الفارس الحصان متعبه الفارس.
2- مثل هذا : قائد الجیش راجیه هو - ... ساکن الحصن حارسه هو - ... زمیلة البنت مرشدتها هی - ... معلمة الطفلة محبوبتها هی ... فالضمیر البارز فی الأمثلة السابقة أصله مستتر ، مرجعه المضاف أو المضاف إلیه ، فیحصل اللبس ، لعدم تعیین المرجع. ولذا یجب إبراز الضمیر لمنع ذلک اللبس. نعم الأکثر فی الضمیر أن یعود للمضاف ، لکن ، قد یعود للمضاف إلیه أحیانا کما سبق فی «ز» من ص 235 فإذا برز الضمیر تعین إرجاعه للمضاف.
3- علی الوجه الذی سبق فی ص 406 و 407.

2 - إذا جری الخبر المشتق علی غیر من هو له وکان اللبس مأمونا جاز استتار الضمیر وجاز إبرازه.

3 - وإن لم یؤمن اللبس وجب إبرازه (1).

هذا ، ومن المستحسن عدم محاکاة الأسالیب المشتملة علی النوع الأخیر ، وعدم صیاغة نظائر لها ؛ منعا لاحتمال ألا یفهم المراد منها ؛ بالرغم من کثرة ورودها فی الکلام العربی الأصیل ، کما یستحسن إهمال الرأی الذی یوجب إبراز الضمیر فی حالة أمن اللبس ، لمجافاته الأصول اللغة العامة.

* * *

القسم الثانی الخبر الجملة (2) :

الجملة : کلمتان أساسیتان لا بد منهما للحصول علی معنی مفید ؛ کالفعل مع فاعله أو نائب فاعله ؛ فی مثل : فرح الفائز ، وأکرم النابغ. وتسمی هذه الجملة : «فعلیة» ؛ لأنها مبدوءة - أصالة - بفعل. وکالمبتدأ مع خبره ، أو ما یغنی عن الخبر فی مثل : المال فاتن. وهل الفاتن مال؟ وتسمی هذه الجملة : «اسمیة» «لأنها مبدوءة» أصالة (3) باسم ؛ فالجملة إما «اسمیة» ، وإما «فعلیة» وکل واحدة منهما قد تقع خبرا (4) ؛ فتکون هنا فی محل رفع (5) ؛ نحو : الصیف

ص: 423


1- إلا إن حل محله اسم ظاهر یزیل اللبس. - کما سبق فی رقم 1 من هامش الصفحة الماضیة - ومما یلاحظ أن وجوب الإبراز لیس خاصا بضمیر الخبر المفرد عند اللبس. بل یشمل ضمیر الخبر الواقع جملة ؛ نحو : محمد صالح أکرمه. کذلک ما یحتمل أن یکون مفردا أو جملة (کمتعلق الظرف والجار مع مجروره) ، نحو : حامد محمود عنده ، أو فی حدیقته. کما أن اللبس وإبراز الضمیر لیس مقصورا علی الخبر ؛ بل یشمل أشیاء أخری ، کالحال فی مثل : رکب عادل الحصان متعبه هو ، وکالنعت ؛ فی مثل : مر عادل بصدیق مکرمه هو ، وکالصلة فی مثل : عادل الحصان النافعه هو. وإذا وقعت جملة فعلیة مکان واحد من الثلاثة کان الفعل فی کل منها کالوصف الواقع خبرا ...
2- سبق فی ص 403 أن الخبر یکون جملة أو شبهها وجوبا فی مسائل معینة سیجیء بیانها فی «ج» من ص 430.
3- بأن یکون تقدمه أصلیا لا طارئا لسبب بلاغی : کتقدم المفعول علی فعله فی مثل : محمدا أکرمت ؛ فإن هذا التقدم لیس أصیلا.
4- وإذا صارت خبرا لم یصح تسمیتها جملة إلا علی حسب أصلها السابق ، (طبقا للبیان الذی سبق فی رقم 1 من هامش ص 15 ورقم 3 من هامش ص 337) ، هذا ولا یخرج الکلمة عن الصدارة الأصلیة أن یسبقها حرف عامل ؛ مثل : «ما» الحجازیة ، و «لا» النافیة للجنس ، و «إن» ، أو غیر عامل مثل : «ما» و «لا» النافیتین ... فالعبرة بما یقع بعد هذه الأدوات من فعل ، فتکون الجملة فعلیة ، أو اسم ، فتکون اسمیة.
5- إذا وقعت الجملة خبرا کانت نائبة عن المفرد ؛ لأنها واقعة موقعه ؛ إذ المفرد هو الأصل ، - - والمرکب فرع منه. لذلک یحکم علی موضعها هنا بالرفع ؛ علی معنی أنه لو وقع المفرد - الذی هو الأصل - موقعها لکان مرفوعا. فعند الإعراب نقول : (الجملة من : «المبتدأ والخبر» أو من «الفعل والفاعل» - فی محل رفع خبر المبتدأ) ...

یشتد حره. الشتاء یقسو برده. الربیع جوّه معتدل. الخریف جوه متقلب. وقد اجتمعت الجملتان فی قول الشاعر :

البغی یصرع أهله

والظلم مرتعه وخیم (1)

ویشترط فی الجملة الواقعة خبرا أن تشتمل علی رابط (2) یربطها بالمبتدأ ، إلا إن کانت بمعناه ، کما سیجیء (3). وهذا الرابط - کالضمیر فی الجمل السالفة - ضروری ؛ ولولاه لکانت جملة الخبر أجنبیة عن المبتدأ ، وصار الکلام مفککا لا معنی له ؛ لانقطاع الصلة بین أجزائه ؛ فلا یصح أن نقول : محمد یذهب علیّ ، وفاطمة یجیء القطار ... لفساد الترکیب ، واختلال المعنی بفقد الرابط. والروابط أنواع کثیرة منها :

1 - الضمیر الراجع إلی المبتدأ ، وهو أصل الروابط وأقواها (وغیره خلف عنه) ، سواء أکان ظاهرا ؛ مثل : الزارع «فضله کبیر» أم مستتر (أی : مقدر) مثل : الأرض ، تتحرک» ، وقولهم : مخالفة الناصح الأمین تورث الحسرة ، وتعقب الندامة ، أم محذوفا (4) للعلم به مع ملاحظته ونیته ؛ مثل :

ص: 424


1- المرتع هنا : المرعی ، أی : النبات الذی ترعاه الحیوانات. والأصل : مکان الرعی. الوخیم. السییء الضار.
2- هناک شروط أخری ستجیء فی الزیادة ص 428 وفی تلک الصفحة نص صریح علی جواز وقوع الجملة الإنشائیة خبرا.
3- فی ص 426.
4- بشرط أن یکون معلوما. ومن المعلوم ما ینصب بفعل ؛ نحو : الطیور الألیفة جمیلة ، وکل أحب ، أی : أحبه. وما ینصب بوصف ؛ نحو : الکتاب أنا معطیک ، أی : معطیکه. ومن المعلوم ما یجر بمشتق ؛ کاسم الفاعل فی نحو : الآثار أنا زائر ؛ أی : زائرها ، وما یجر بحرف جر یدل علی التبعیض ، ولا یبقی بعد حذف الضمیر المجرور ؛ نحو : السکر رطل بدرهمین ؛ أی : رطل منه. أو یدل علی الظرفیة ؛ نحو : الدهر یومان ؛ فیوم نفرح ، ویوم نحزن ؛ أی : نفرح فیه ، ونحزن منه. وقد یکون الضمیر المجرور محذوفا مع حرف الجار ؛ لوجود نظیر لهما یسبقهما فیدل علیهما ؛ نحو : اعمل بنصحی ؛ فإن الذی أنصحک به أنت مفلح. أی : مفلح به. ومن المعلوم ما یکون ضمیرا مرفوعا ؛ نحو : قراءة من قرأ قوله تعالی : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ ..) علی اعتبار : «إن» مخففة من الثقیلة ، واسمها محذوف وخبرها جملة : أی : إن هذان لهما ساحران. - والذی دعا لذلک دخول اللام علی کلمة : «ساحران» التی هی الخبر ؛ فلو کانت ، «إن» حرفا بمعنی نعم - کما یقول بعضهم - وهذان مبتدأ مرفوع بالألف و «لساحران» خبره مرفوع بالألف - لترتب علی ذلک دخول اللام علی خبر المبتدأ ؛ وهو ضعیف عندهم. بخلاف دخولها علی المبتدأ نفسه ؛ فقدروا دخولها علی مبتدأ محذوف ضمیر. إلی غیر ذلک من کل موضع یحذف فیه الضمیر ؛ لوجود ما یدل علیه. هذا والضمیر المحذوف غیر الضمیر المستتر کما أوضحنا ذلک من قبل - فی هامش ص 198 -

الفاکهة «أقه بعشرة قروش» أی : أقة منها. وحجارة الهرم «حجر بوزن عشرة» أی : حجر منها. والورق «اللون لون اللبن». اللون منه. والثوب «الرائحة رائحة الزهر» أی : الرائحة منه.

ویشترط فی الضمیر أن یکون مطابقا للمبتدأ السابق فی التذکیر ، والتأنیث والإفراد ، والتثنیة ، والجمع (1).

2 - الإشارة إلی المبتدأ السابق ؛ نحو : الحریة «تلک» أمنیّة الأبطال ، والإصلاح «ذلک» مقصد المخلصین (2). ومنه قوله تعالی : (وَالَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَاسْتَکْبَرُوا عَنْها أُولئِکَ أَصْحابُ النَّارِ ...)

3 - إعادة المبتدأ السابق ؛ بقصد التفخیم ، أو التهویل ، أو التحقیر. والإعادة قد تکون بلفظه ومعناه معا ؛ نحو : الحریة ما الحریة (3)؟ والحرب ما الحرب؟ والسارق من السارق؟ وقد تکون بمعناه فقط ؛ نحو : السیف ما المهند؟ والأسد ما الغضنفر؟ وعلیّ من أبو الحسین؟ بشرط أن یکون أبو الحسین کنیة علیّ. والمراد بهما شخص واحد.

4 - أن یکون فی الجملة الواقعة خبرا ما یدل علی عموم یشمل المبتدأ السابق وغیره ؛ نحو : أما جبن المحارب فلا جبن فی بلادنا ، وأما هربه فلا هرب عندنا. والعربیّ نعم البطل ... فعدم الجبن أمر عام یشمل جبن المحارب وغیر المحارب ، وکذلک

ص: 425


1- مع مراعاة صور المطابقة المختلفة التی تکلمنا علیها فی «ح» من ص 237 ، وفی هذا الباب ص 410 و 411 وما بعدها. ومع مراعاة ما سبق أن أشرنا إلیه - فی رقم 1 من هامش ص 345 - إذا کان المبتدأ ضمیرا للمتکلم - أو للمخاطب - متعدد الأخبار ، وأحد الأخبار جملة فعلیة ؛ فإن الضمیر الرابط یصح أن یکون للمتکلم ، أو للغائب ؛ مثل : أنا صادق أحب الإنصاف ، أو یحب الإنصاف. ولا یتغیر الحکم إن جعلنا الفعلیة السابقة - ونظائرها - نعتا ، لا خبرا. وکذلک لا یتغیر إن جعلناها حالا ، بشرط أن یکون صاحب الحال معرفة ، مثل : أنا الصادق أحب الإنصاف ، وأنت الصادق تحب الإنصاف ومراعاة التکلم والخطاب فی کل الصور السالفة هی الأبلغ والأسمی.
2- وبشرط إعراب اسم الإشارة مبتدأ ثانیا. ویجوز فیه إعرابات أخری لا یکون فیها الخبر جملة.
3- «الحریة» : مبتدأ أول : «ما» اسم استفهام ، مبتدأ ثان ؛ مبنی علی السکون فی محل رفع «الحریة» : خبر الثانی ، والجملة من الثانی وخبره فی محل رفع خبر المبتدأ الأول.

عدم الهرب فی بلادنا یشمله ویشمل غیره ... والبطل الممدوح بکلمة : «نعم» یشمل العربی وغیره.

5 - أن یقع بعد جملة الخبر الخالیة من الرابط جملة أخری معطوفة علیها بالواو ، أو الفاء ، أو ثم ، مع اشتمال المعطوفة علی ضمیر یعود علی المبتدأ السابق ؛ فیکتفی فی الجملتین بالضمیر الذی فی الثانیة (1) فمثال الواو : الزارع نبت الزرع وتعهده - الطالب بدأت الدراسة واستعد لها (2) ... ومثال الفاء : الصانع تیسرت أسباب الصناعة فأقبل غیر متردد ، والعامل کثرت میادین العمل فوجد الرزق مکفولا (3). ومثال ثمّ : القمر طلعت الشمس ثم اختفی نوره ، والنجوم انقضی النهار ثم أشرق ضوءها.

6 - أن یقع بعد جملة الخبر الخالیة من الرابط أداة شرط حذف جوابه لدلالة الخبر علیه ، وبقی فعل الشرط مشتملا علی ضمیر یعود علی المبتدأ ؛ مثل الوالد یترک الأولاد الصیاح إن حضر - الضیف یقف الحاضرون إن قدم.

تلک أشهر الروابط. ویجوز أن تستغنی جملة الخبر عن الرابط إن کانت هی نفس المبتدأ فی المعنی (4) ؛ بحیث یتضمن أحدهما المعنی الذی یتضمنه الآخر تماما (5) ؛ کأن یقول رجل لزمیله ؛ ما رأیک فی التجارة؟ فیجیب : رأیی. «التجارة

ص: 426


1- ومثل هذا یصح فی کل جملة أخری تحتاج للرابط ؛ کالصلة ، والصفة ، والحال.
2- وقد تکون الجملة الخبریة الخالیة من الرابط مشتملة علی اسم قد عطف علیه بالواو اسم آخر یشتمل علی ضمیر یعود علی المبتدأ الأول. نحو الضیعة شرب القمح وزرعها. الورد تحرکت فروع الأشجار وفروعه ... وقد تکون الجملة الثانیة نعتا وفیها الضمیر : نحو : الورد قطفت واحدة أحبها. وقد تکون مشتملة علی عطف بیان فیه الضمیر ؛ نحو : علی صاحبت محمودا أخاه. وإنما کان العطف بالواو غالبا لأنها هی التی تفید مطلق الجمع دون حروف العطف الأخری.
3- أما العکس وهو عطف جملة بالفاء خالیة من الضمیر علی جملة الخبر المشتملة علیه - فجائز ؛ نحو : قوله تعالی : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً). برغم أن الجملة المعطوفة علی جملة الخبر بمنزلة الخبر تستحق الضمیر.
4- هذا الاستغناء جائز لا واجب کما قلنا ؛ فلا مانع أن یکون فی هذه الجملة المتفقة فی معناها مع معنی المبتدأ رابط ، إن أمکن ، سواء أکان ضمیرا ... وهو الغالب - أم غیر ضمیر.
5- کل خبر ولو کان مفردا ، هو فی الحقیقة نفس المبتدأ فی المعنی ؛ کما یتبین من مثل : «المطر نازل» ؛ فإن النازل هو : المطر ، والمطر هو : النازل ، فکلاهما یتضمن الآخر من جهة المعنی ، غیر أن المقصود بالخبر الواقع جملة تتحد مع المبتدأ فی المعنی - هو : کل جملة مخبر بها عن مبتدأ مفرد ، یدل علی معنی تلک الجملة ، ویحوی مضمونها ؛ فهو فی ظاهره لفظ مفرد ، ولکنه ینطوی علی معنی الجملة وعلی مضمونها. ومن أمثلته : قول ، کلام ، حدیث ، نطق ... وأیضا ضمیر الشأن .. وقد تقدم موضوعه فی ص 226.

غنی» (1). فالجملة الواقعة خبرا مطابقة فی معناها للمبتدأ فی معناه ومدلوله ؛ فکلاهما مساو للآخر فی المضمون ؛ فالرأی هو : «التجارة غنی» و «التجارة غنی» هی : «الرأی». ومن أمثلة ذلک : أن یتکلم متکلم فیسأله الآخر ما ذا تقول؟ فیجیب : قولی «الذلیل مهین» (2). کلامی «الکرامة تأبی المهانة» فجملة الخبر فی کل مثال هی نفس المبتدأ السابق فی المعنی ، والمبتدأ السابق فی کل مثال یتضمن معنی الجملة الواقعة خبرا ، فکلاهما یتضمن معنی الآخر ، ودلالته (3).

ص: 427


1- سیجیء فی الزیادة والتفصیل طریقة إعراب هذا المثال وأشباهه. («ب» من 428).
2- سیجیء فی الزیادة والتفصیل طریقة إعراب هذا المثال وأشباهه. («ب» من 428).
3- یشیر ابن مالک إلی تقسیم الخبر إلی مفرد وجملة ؛ فیقول : ومفردا یأتی ، ویأتی جمله حاویة معنی الّذی سیقت له وإن تکن إیّاه معنی اکتفی بها ؛ کنطقی : الله حسبی ، وکفی أی : أن الخبر قد یکون مفردا ، وقد یکون جملة. ویشترط فی الجملة أن تکون حاویة معنی المبتدأ الذی سیقت لإتمام الفائدة معه. أی : تکون مشتملة علی معناه ... ویتحقق هذا الشرط بالربط بینهما بالضمیر ، أو ما یخلفه. فإن کانت الجملة هی المبتدأ فی المعنی (بالطریقة التی شرحناها) اکتفی بها من غیر رابط ؛ مثل : (نطقی ؛ الله حسبی) فالمبتدأ یتضمن معنی الخبر الجملة - والخبر الجملة یتحد فی المعنی مع المبتدأ. وفی مثل هذه الصورة یصح الاستغناء عن الرابط. (وکلمة : «معنی» فی بیت ابن مالک منصوبة علی أنها : تمییز أی : من جهة المعنی. وکلمة : «کفی» المراد منها : وکفی به ؛ أی : بالله. حذف الجر الزائد وحده وهو «الباء» فانفصل الضمیر الذی کان مجرورا فی محل رفع ، ثم استتر مرفوعا فی الفعل «کفی» ، وصار تقدیره : هو.) ثم قال : والمفرد الجامد فارغ ، وإن یشتقّ فهو ذو ضمیر مستکن أی : أن الخبر المفرد نوعان ؛ فالجامد منه فارغ من الضمیر ، والمشتق لیس بفارغ ؛ بل فیه ضمیر مستکن ؛ أی : مستتر. ثم قال : وأبرزنه مطلقا حیث تلا ما لیس معناه له محصّلا أی : أبرز الضمیر الرابط مطلقا (سواء أمن اللبس أم لم یؤمن. وهذا مذهب البصریین) إن وقع الخبر بعد مبتدأ لیس معنی الخبر محصلا له ؛ بأن یکون الخبر جاریا علی غیر من هو له. فالمراد من کلمة : «ما» المبتدأ. والضمیر فی : «معناه» یعود علی الخبر. أی : أبرز الضمیر مطلقا حیث یقع الخبر بعد مبتدأ لا یکون هذا الخبر محصّلا له. أی : لا یکون حاویا لمعناه ، ولا جاریا علیه. ومذهب البصریین فیه تضییق من غیر داع ؛ حیث یوجب إبراز الضمیر مطلقا ، مع أنه لا داعی لوجوب الإبراز عند أمن اللبس.

زیادة وتفصیل

(ا) اشترطنا (1) فی جملة الخبر وجود رابط ، - بالتفصیل الذی أوضحناه - ویشترط فیها أیضا أن تکون غیر ندائیة ؛ فلا یصح : محمد (یا هذا ...). وأن تکون غیر مبدوءة بکلمة «لکن» : أو «حتی» : أو «بل» ؛ لأن کل واحدة من هذه الکلمات تقتضی کلاما مفیدا قبلها ، فالاستدراک بکلمة : «لکن» (2) لا یکون إلا بعد کلام سابق. وکذلک الغایة بکلمة : «حتی» والإضراب بکلمة : «بل» (3).

ویجوز فی جملة الخبر أن تکون قسمیة (4) ؛ نحو : القوی والله لیهزمن عدوه ، وأن تکون إنشائیة ؛ سواء أکانت إنشائیة طلبیة ؛ نحو : الحدیقة نسقها ، أم غیر طلبیة مثل : الصدیق لعله قادم. العادل نعم الوالی ، والظالم بئس الحاکم.

(ب) فی الأسالیب التی یکون فیها الخبر جملة معناها هو معنی المبتدأ مثل : (لامی : «الجو معتدل») (حدیثی : «یجیء الفیضان صیفا»). (قولی : «نشر التعلیم ضروری») ، (خطبتی : «التوحد قوة»). (مقامی : «احذروا الخائنین») ... یجوز إعرابان :

أولهما : أن تعرب الجملة الاسمیة أو الفعلیة مجزأة علی حقیقتها جزأین (مبتدأ : وخبرا ، أو فعلا وفاعلا) ثم یکون مجموع الجزأین فی محل رفع خبر

ص: 428


1- فی ص 424.
2- بسکون النون ؛ فتکون للاستدراک والابتداء ؛ ولا تعمل شیئا : أما بتشدید النون فتکون للاستدراک ، وتعمل عمل «إن». وفی کلتا الحالتین لا بد أن یسبقها کلام یحصل بسببه الاستدراک. وقد وردت بعض أسالیب قلیلة وقعت فیها لکنّ (بالتشدید) فی صدر جملة الخبر ؛ مثل : «محمود وإن کثر ماله لکنه بخیل». فقیل لا مانع أن تکون الجملة خبرا مع تصدرها بلکن ، وقیل إن الخبر محذوف والاستدراک منه ؛ وأصل الکلام مثلا : محمود وإن کثر ماله لا یتوانی ، لکنه بخیل. والأسلوب علی کلا الإعرابین معیب - کما سبق البیان فی : «و» من ص 408 - بعید من الأسالیب الصحیحة. الواردة فی الکلام الفصیح : فلا یقاس علیه.
3- وفی هذا یقول السیوطی فی الهمع (ج 1 ص 96) ما نصه : («لا یسوغ الإخبار بجملة ندائیة ، نحو : زید یا أخاه ، ولا مصدرة بلکن ، أو : بل ، أو : حتی ، بالإجماع فی کل ذلک)».
4- إذا کانت الجملة القسمیة ذاتها نوعا من الإنشاء غیر الطلبی تبعا للرأی القائل بهذا - دخلت فی عداد هذا النوع الآتی بعد.

المبتدأ السابق ؛ ففی مثل : (کلامی : الجو معتدل) نقول : «کلام» مبتدأ مضاف ، والیاء مضاف إلیه مبنی علی السکون فی محل جرّ ، «الجو» مبتدأ ثان. «معتدل» خبره ، والجملة من الجزأین فی محل رفع خبر المبتدأ الأول. وفی مثل : (حدیثی : یزداد الفیضان صیفا) نقول : «یزداد» مضارع مرفوع. «الفیضان» فاعل مرفوع «صیفا» ظرف منصوب ، والجملة من الجزأین (الفعل والفاعل) فی محل رفع خبر المبتدأ. فلکل جزء من أجزاء الجملة وجود مستقل ، وإعراب خاص به وحده ؛ ثم یکون مجموع الجزأین معا هو خبر المبتدأ السابق.

ثانیهما : أن ننظر إلی تلک التی کانت فی الأصل جملة نظرتنا إلی شیء واحد لیس مجزأ ، ولیس له کلمات مفردة ؛ فکأنه کتلة واحدة لیس لها أجزاء ، أو أنه کلمة واحدة مهما تعددت الکلمات ، فهی من قبیل المرکب الإسنادی الذی ننطق فیه بالألفاظ علی حسب ضبطها الأصلیّ - قبل أن تکون خبرا أو شیئا آخر - ؛ من غیر تغییر شیء من حروفها أو ضبطها. ثم نقول عنها کلها الآن : إنها خبر مرفوع بضمة مقدرة علی آخره لأجل الحکایة ؛ (وهی - کما سبق (1) تردید اللفظ الأصلی وترجیعه علی حسب هیئته الأولی - غالبا - ؛ حروفا وضبطا). ویکون الخبر فی هذه الحالة من قبیل الخبر المفرد. لا الجملة ؛ فنقول فی إعراب : (کلامی : «الجوّ معتدل» «کلام» مبتدأ مضاف. والیاء مضاف إلیه. «الجوّ معتدل» کلها خبر مرفوع بضمة مقدرة. علی آخره (2) ، منع من ظهورها حرکة الحکایة). ونقول فی مثل : (حدیثی «یظهر الفیضان صیفا») حدیث» مبتدأ مضاف ... الیاء مضاف إلیه ... «یظهر الفیضان صیفا» کلها خبر مرفوع بضمة مقدرة علی آخره ؛ منع من ظهورها حرکة «الحکایة» ... وهکذا.

وقد یقع العکس کثیرا ؛ فیکون المبتدأ جملة بحسب أصلها (3) ، ولکنها

ص: 429


1- فی رقم 2 من هامش ص 278.
2- نقول : إنها مقدرة مع وجود ضمة ظاهرة فی آخر کلمة : «معتدل» ؛ لأن هذه الضمة الموجودة لم تجیء لأجل الخبر المحکی ؛ وإنها کانت قبل مجیئه. وستبقی فی باقی الأحوال ؛ کجالتی النصب ، والجر ، فالضمة الخاصة بالخبر المحکی غیر ظاهرة فی النطق ؛ وإنما هی مقدرة.
3- مثل هذا المبتدأ لا یعد جملة ؛ فإن المبتدأ فی أصله لا یکون جملة ؛ وإنما یعد علی إرادة لفظه المحکی. أما الخبر إذا کان جملة هی نفس المبتدأ فی المعنی فیجوز فیها إعرابان کما عرفنا ؛ - - أحدهما : اعتبار الجملة مجزأة جزأین ، کل منهما له إعرابه ، ومجموع الجزأین هو الخبر. وثانیهما اعتبارها جملة محکیة ؛ لا ینظر فیها إلی تجزئة ؛ فتعرب کلها خبرا محکیا.

صارت محکیة. والخبر مفرد یتضمن معناها ، کأن یقول قائل : أرید أن تدلنی علی آیة قرآنیة ، وعلی مثل قدیم ، وعلی حکمة مأثورة. فتجیب : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَیْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ یَتْبَعُها أَذیً) آیة قرآنیة. (إن أخاک من واساک) مثل قدیم. (ربّ عیش أهون منه الحمام) حکمة من حکم المتنبی. فالآیة کلها من أولها إلی آخرها مبتدأ مرفوع ، بضمة مقدرة منع من ظهورها حرکة الحکایة. وکلمة : «آیة» هی الخبر. وکذلک (إن أخاک من واساک) کلها من أولها إلی آخرها مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة علی آخره ، منع من ظهورها حرکة الحکایة ، والخبر کلمة : «مثل» وکذا یقال فی : «رب عیش أهون منه الحمام».

وکما تتکون الجملة المحکیة من مبتدأ وخبره تتکون من فعل وفاعله ، ومن غیر ذلک. والمهم فی الألفاظ المحکیة أن تکون دائما بصورة واحدة فی جمیع الحالات الإعرابیة ، ولکنها مع ذلک فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر ؛ علی حسب موقعها الإعرابیّ.

ح - أشرنا (1) إلی أنواع من المبتدأ تحتاج إلی خبر حتما وإلی وجوب أن یکون هذا الخبر جملة - ویلحق بها نوع یجب أن یکون خبره شبه جملة (جارّا مع مجروره) - وأشهر تلک الأنواع المحتاجة لجملة : أسماء الشرط الواقعة مبتدا (2) ، وکذا : ضمیر الشّان (3) ، و «کأیّن (4) الخبریة الشبیهة بکم الخبریة ، والمخصوص بالمدح والذم إذا تقدّم ، والمنصوب علی الاختصاص ؛ فإنه یجب فیه أن یتقدم علیه اسم بمعناه یعرب مبتدأ ، ویعرب الاسم المنصوب علی الاختصاص مفعولا به لفعل محذوف تقدیره : أخصّ - مثلا - والجملة خبر عن ذلک المبتدأ. ویجب أن یکون خبر «ما» التعجبیة جملة ، وکذلک خبر المبتدأ الملازم للابتداء سماعا ؛ نحو : طوبی للمؤمن ؛ فإن خبره لا یکون إلا جارا مع مجروره وهما شبهیان بالجملة ... - ومثله وقولهم فی المدح : لله درّ فلان ... وغیر هذین مما سیجیء (5).

ص: 430


1- فی ص 403 ، وفی رقم 2 من هامش ص 433.
2- تفصیل الکلام علیها فی الباب الخاص بالجوازم ج 4.
3- سبق الکلام علیه مفصلا فی ص 226.
4- بیانها وتفصیل أحکامها فی ج 4 الباب الخاص بکم وکأین ، فی الصبان ، هناک أن خبرها جملة فعلیة - فی الأکثر - ماضویة ، أو مضارعیة.
5- فی ص 436 وفی «ج» من هامش ص 495.

القسم الثالث - الخبر شبه الجملة :

یرید النحاة بشبه الجملة هنا أمران (1) ؛ أحدهما : الظرف بنوعیه الزمانیّ والمکانیّ ، والآخر : حرف الجر مع مجروره. فالخبر قد یکون ظرف زمان ؛ نحو : الرحلة «یوم» الخمیس. والرجوع «لیلة» السبت. وقد یکون ظرف مکان ؛ نحو : «الحدیقة «أمام» البیت ، والنهر «وراءه» ؛ فکلمة «یوم». و «لیلة» وما یشبههما ظرف زمان ، منصوب ، فی محل رفع (2) ؛ لأنه خبر المبتدأ. وکلمة

ص: 431


1- أما فی اسم الموصول فشبه الجملة ثلاثة أشیاء سردنا تفصیلها فی ص 347 وسیجیء کلام خاص بالجار مع مجروره ، فی باب الحال ج 2 ص 100 م 68.
2- وهذا رأی حسن بارع - أشرنا إلیه فی رقم 1 من هامش ص 347 - سجله شارح کتاب المفصل فی ج 1 ص 90 ، 91 عند الکلام علی أقسام الخبر. وإنما کان فی محل رفع لأن الأصل أن یکون الخبر مفردا مرفوعا ، إذ المفرد «بسیط» و «البسیط» أصل المرکب ؛ فجاء الظرف والجار مع المجرور وحلا فی محل ذلک الأصل ؛ فمجیئها طارئ عرضی والمسألة شکلیة ، بحتة ، ولا أثر لها من الناحیة العملیة التحقیقیة : فلو قلنا : «ظرف منصوب خبر المبتدأ» أو جار مع مجروره خبر المبتدأ ، من غیر أن نزید شیئا - ما حصل قصور ، ولا وقعنا فی خطأ. لکن قد یکون الأخذ بالإعراب الأول أنسب ؛ لأنه أوضح ظهورا ، لمراعاة الأصل ، والغالب فیه .. وإلیک النص الذی سجله شارح المفصل : (اعلم أنک لما حذفت الخبر الذی هو : «استقر» أو «مستقر» ، وأقمت الظرف مقامه - علی ما ذکرنا - صار الظرف هو الخبر ، والمعاملة معه (أی : أن الآثار اللفظیة والمعنویة فی الجملة قد انتقلت إلیه) وهو مغایر المبتدأ فی المعنی ، ونقلت الضمیر الذی کان فی الاستقرار إلی الظرف ، وصار مرتفعا به ، کما کان مرتفعا بالاستقرار ، ثم حذفت الاستقرار ، وصار أصلا مرفوضا لا یجوز إظهاره ؛ للاستغناء عنه بالظرف. وقد صرح ابن جنی بجواز إظهاره. والقول عندی أنه بعد حذف الخبر الذی هو الاستقرار ، ونقل الضمیر إلی الظرف. لا یجوز إظهار ذلک المحذوف ؛ لأنه قد صار مرفوضا. فإن ذکرته أولا وقلت : زید استقر عندک - لم یمنع منه مانع. «واعلم أنک إذا قلت : «زید عندک» فعندک ظرف منصوب بالاستقرار المحذوف ؛ سواء أکان فعلا أم اسما ، وفیه ضمیر مرفوع ، والظرف وذلک الضمیر فی محل رفع بأنه خبر المبتدأ. وإذا قلت : «زید فی الدار» أو : «من الکرام» فالجار والمجرور فی موضع نصب بالاستقرار ، علی حد انتصاب «عندک» إذا قلت : زید «عندک». ثم الجار والمجرور والضمیر المنتقل فی موضع رفع بأنه خبر المبتدأ ..) اه هذا ، وهو یشیر بقوله (الجار والمجرور فی موضع نصب بالاستقرار ... إلخ) إلی ما هو معروف فی الاصطلاح النحوی من أن المجرور أصله مفعول به فی المعنی ، وحرف الجر أداة لتوصیل أثر الفعل إلیه. فاعتبار الظرف هو الخبر من غیر أن یتعلق بشیء آخر وکذلک اعتبار الجار مع مجروره هو الخبر - مذهب قدیم من عدة مذاهب (سجلتها المراجع النحویة ؛ کالمفصل والصبان) وقد سجلنا رأی صاحب المفصل. والأخذ به یریحنا من بحوث جدلیة مضنیة ، وتقسیمات متعددة ؛ لا نفع لها الیوم ولیس فیها إلا العناء العقلی الذی تضیق به الناشئة. وسنعرض لبعض تلک البحوث بقلیل من التفصیل ؛ لا للأخذ بها ، ولکن لیقف عندها المتخصصون وقفة الفاحص. شبه الجملة - فی هذا الباب - هو الظرف والجار مع مجروره. وسمی «شبه جملة» ، لأن کلا منهما قد یدل علی جملة ومعناها. وأساس هذا التعلیل عندهم أن الظرف أو الجار الأصلی مع مجروره لیس هو الخبر فی الحقیقة ، وإنما الخبر الحقیقی لفظ آخر محذوف ، یتعلق به الظرف ، والجار الأصلی مع المجرور ، إذ لا بد أن یتعلقا بفعل أی فعل (لا فرق بین المتعدی واللازم ، والجامد والمتصرف ، والتام والناقص - - کما سیجیء البیان فی ج 2 - باب حروف الجر) أو بما یشبه الفعل ؛ من اسم فعل ، أو من مشتق یعمل عمل الفعل ، أو من جامد مؤول بالمشتق. وبهذا التعلق الواجب یتم المعنی. (وقد یتعلقان - أحیانا - بالنسبة أی : بالإسناد طبقا لما هو مبین فی : «ب» من الزیادة ص 436). والمحذوف قد یکون فعلا مع فاعله ، وهذا أمر متعین متحتم إذا وقع شبه الجملة فی جملة الصلة لموصول اسمی غیر «أل» ، أو لجملة القسم لأن جملة الصلة للموصول الاسمی غیر «أل» وکذا جملة القسم لا بد أن تکون کل واحدة منهما فعلیة - کما سبق فی رقم 1 من هامش صفحتی 347 و 348 ، وکما سیجیء فی ج 2 باب الظرف ص 200 م 78 وباب حروف الجر ص 325 م 89 - لکن التعلق یکون بالفعل وحده ، وقد یکون فی غیرهما شیئا آخر مما سبق ، ففی مثل «الکتاب فوق الکتب» و «الولد فی البیت» - یکون تقدیر الکلام مثلا : الکتاب «استقر» ، أو : «مستقر» فوق المکتب. والولد «استقر» أو : «مستقر» فی البیت ، ونحو ذلک من فعل محذوف ، أو غیره مما تقدم ، فیدل علی مجرد الوجود والاستقرار ، من غیر معنی زائد علی هذا الوجود المطلق. الذی یسمونه : «الکون العام». أی : الوجود العام الخالی من شیء آخر معه ؛ کالنوم ، أو : القراءة ، أو اللعب ... فلا یصح عندهم أن یکون التقدیر : الولد نام - أو : ناثم - فی البیت. ولا : الکتاب تحرک أو متحرک فوق المکتب ، لأن کل واحد من هذه الألفاظ یدل علی الوجود مع زیادة شیء آخر ؛ کالوجود ومعه النوم للولد ، والوجود ومعه التحرک للکتاب وهکذا ... أی : أنه وجود مقید بشیء آخر یزید علیه ، ولیس بالوجود المطلق المجرد. مثل هذا الوجود ، المقید یسمی : «کونا خاصا» یجب ذکره : إلا أن دلت قرینة علیه عند الحذف. وقد دفعهم إلی هذا التقدیر للکون العام المحذوف ، واعتباره کالملفوظ - ما یتمسکون به - بحق - من أن الظرف والجار الأصلی مع المجرور لا بد أن یتعلقا بعامل - کما قلنا - یتممان معناه ، ویعمل فیهما. فأین العامل الذی یؤثر فیهما ، ویتعلقان به إذا کان المبتدأ جامدا فی نحو : الغزال فی الحدیقة ، وکثیر من الأمثلة المشابهة؟ لذلک یقولون فی الإعراب : الظرف أو الجار الأصلی مع مجروره متعلق بمحذوف خبر ؛ سواء أکان المحذوف فعلا مع فاعله (أی : جملة فعلیة) مثل استقر ، أو أو ثبت ، أو : کان التی بمعنی : و «وجد» : وهی ، کان التامة - أم کان مفردا أی : اسما مشتقا ؛ مثل : مستقر ، أو : کائن (المشتقة من «کان» التامة) أو موجود - أو شیئا آخر یصلح عاملا - فلیس الخبر عندهم فی أصله هو الظرف نفسه ، أو الجار الأصلی مع المجرور مباشرة ، وإنما الخبر فی الأصل هو المحذوف الذی ینوونه ، ویتعلق به کل واحد من هذین. ولما کان کل منهما صالحا لأن یتعلق بالفعل المحذوف ، ویدل علیه بغیر خفاء ولا لبس - کان شبه الجملة بمنزلة النائب عنهما ، والقائم مقامهما. والفعل مع فاعله جملة ؛ فما ناب عنها وقام مقامها فهو شبیه بها ؛ لذلک أسموه : «شبه الجملة». وأوجبوا حذف متعلقه إن کان کونا عاما وقع خبرا ، أو صفة. أو حالا ، وکذلک إن کان صلة موصول اسمی غیر «أل» لکن یجب مع الصلة - لغیر «أل» - ان یکون المحذوف فعلا ولا یصح أن یکون اسما مشتقا - أو غیره مما یشبه الفعل - کما عرفنا عند الکلام علیها ؛ لأن صلة الموصول الاسمی غیر - «أل» - یجب أن تکون جملة فعلیة ، ومثلها جملة القسم التی حذف منها عاملها ...) ثم زادوا فقسموا کلا من الظرف والجار الأصلی مع المجرور إلی مستقر : (بفتح القاف) وإلی : «لغو» یریدون بالمستقر : ما کان متعلقه المحذوف کونا عاما یفهم بدون ذکره. وسمی «مستقرا» لأمرین ؛ لاستقرار معنی عامله فیه ، أی : فهمه منه. ولأنه حین یصیر خبرا - مثلا - ینتقل إلیه الضمیر من المحذوف ویستقر فیه. وبسبب هذین الأمرین یجب حذفه حتما. ویریدون باللغو : ما کان کونا خاصا. وسمی کذلک لأن وجوده ضئیل الأثر مع وجود عامله ؛ إذ لا یستقر فیه معنی ذلک العامل. ولا یتحمل ضمیره. وفی هذه الحالة یکون العامل الملفوظ به فی الجملة هو الخبر حتما ویجب ذکره ، ولا یجوز حذفه إلا لقرینة - کما فی الأمثلة - التی ستجیء -. ولو حذف لوجودها لکان هو الخبر أیضا مع حذفه ؛ فلا یصح فی حالتی ذکره أو حذفه أن یکون الظرف أو الجار مع مجروره خبرا ، ولا فی موضع رفع خبرا. وهذا نوع من التشدد لا داعی له إذ لا مانع أن نعرب الظرف اللغو خبرا فی الحالة التی یحذف فیها عامله المعروف کما أعربنا زمیله المستقر. والکون العام واجب الحذف ؛ إذ لا فائدة من ذکره ؛ لوجود ما یدل علیه غیر خفاء ولا لبس ، ولانتقال - - الضمیر منه إلی شبه الجملة - کما قلنا - کما أن الکون الخاص یجب ذکره حتما لعدم وجود ما یدل علیه عند حذفه ؛ فإن وجدت قرینة تدل علیه وتعینه صح حذفه ، مثل : الفارس فوق الحصان ، أی راکب. فوق الحصان ، ومن لی بفلان؟ أی : من یتکفل لی بفلان. والبحتری من الشعراء ؛ أی : معدود منهم. ومثل قوله تعالی فی القصاص : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) علی تقدیر : «مقتول» لأن تقدیر الکون العام فی الأمثلة السالفة لا یؤدی المعنی المراد. والمتعلق الخاص المحذوف لوجود قرینة تدل علیه هو عندهم الذی یعرب خبرا - کما سبق - لا شبه الجملة. وبالرغم من حذفه فإنه لا یخرج الظرف - فی رأیهم - عن اعتباره لغوا ، ولا یتنافی مع ما هو ثابت له من أنه : «کون خاص» ؛ فالمعول علیه عندهم فی الحکم باللغو راجع إلی خصوص الکون ، وأنه لیس بعام ؛ سواء ذکر الکون الخاص أم حذف ، وفی الاستقرار إلی عموم الکون ، وأنه لیس بخاص ، وینتقلون بعد هذا إلی تقسیمات ، وتفریعات شاقة ، وأدلة جدلیة مرهقة فی إثبات تلک الأقسام والفروع ، وفی المفاضلة بین أن یکون المتعلق المحذوف فعلا أو اسما .. وغیر هذا مما لا حاجة إلیه الیوم ، ولا ضرر من إهماله. بل الخیر فی إهماله وفی ترک ما نقلناه عنهم ، وما لم ننقله ، وفی الاقتصار علی إعراب الظرف والجار الأصلی مع المجرور خبرا فی محل رفع ، کما شرحنا أول هذا الموضوع وکما هو رأی بعض السابقین. ولا داعی للتشدد فی البحث عن العامل مع عدم الحاجة إلیه ؛ ولا فی الخضوع له ، ورکوب الشطط لإظهار آثاره ؛ لأن المعنی جلی کامل بدونه. إذ ذلک التشدد وذلک الخضوع هو الجانب المعیب فی نظریة العامل النافعة الجمیلة. وإذا أخذنا بهذا الرأی السهل الیسیر کان تسمیة الظروف والجار مع مجروره : شبه جملة ، إنما هی من قبیل الإبقاء علی التسمیة القدیمة ، ومراعاة أصلها السابق ، أو لأن کلا من الظرف والجار الأصلی مع مجروره لیس مفردا فی الحقیقة بل هو مرکب ؛ إذ یحمل معه الضمیر المستتر الذی انتقل إلیه من المحذوف علی الوجه الذی بسطناه. وإتماما للبحث ، وإنصافا للنحاة نذکر أن رأیهم فی وجوب تعلق «شبه الجملة» سدید ، وأن حجتهم فی تحتیم ذلک التعلق قویة - وإیضاحها فی ج 2 ص 203 م 78 وص 343 وما بعدها م 89 وتتخلص هنا فی أن الخبر هو المبتدأ معنی وکذلک المبتدأ هو الخبر معنی ؛ کما فی مثل : «علی الخطیب» فالخطیب فی هذه الجملة هو علی ، وعلی هو الخطیب ، فکلاهما من جهة المعنی هو الآخر ، وکذلک الشأن فی کل مبتدأ وخبر علی النسق السالف الوارد فی الاستعمال العربی. فلو أردنا بغیر تعلق تطبیق هذا الضابط العام الصحیح علی الخبر شبه الجملة لم ینطبق ، بل یفسد المعنی معه ولا یصلحه إلا التعلق علی الوجه الذی یذکره النحاة ؛ ففی مثل : علی أمامک لا یصح أن یکون الظرف (أمام) هو علی ولا أن یکون علی هو : «الأمام» نفسه إذا المعنی فی کل منهما مخالف للآخر تمام المخالفة ولا یصلحه إلا أن یکون الظرف متعلقا بشیء آخر غیر المبتدأ ؛ هو «کائن» ، أو «موجود» أو نحوهما. وما یقال فی الظرف یقال فی الجار الأصلی مع المجرور إذ لا فائدة منهما الا بمتعلقهما : کالظرف بنوعیه فإنه لا یستقل بنفسه فی إحداث معنی جدید ، لأنه وعاء - کالوعاء الحسی - لا بد له من مظروف ، (أی : من شیء یقع فیه) وهذا المظروف هو ما یسمی : «المتعلق» وهو الذی لا بد أن یقع فی الظرف ، وإلا فسد المعنی بغیره تماما. وقد أوضحنا هذا بإسهاب وتفصیل فی مکانه المناسب - ج 2 ص 203 م 78 باب الظرف وکذلک فی ص 343 وما بعدها م 89 واستیفاء الموضوع علی الوجه الحمید یقتضی الرجوع إلی ذنبک الموضعین.

«أمام» و «وراء» وما یشبههما - ظرف مکان منصوب فی محل رفع ؛ لأنه خبر

ص: 432

المبتدأ. وقد یکون الخبر جارّا مع مجروره ؛ نحو ، النشاط فی السباحة. السکّر من القصب ؛ فالجار مع المجرور فی محل رفع خبر المبتدأ. ومنه قول الشاعر :

للعید یوم من الأیام منتظر

والناس فی کل یوم منک فی عید

ویشترط فی الظرف الواقع خبرا ، وفی الجار مع المجرور کذلک - أن یکون تامّا ، أی : یحصل بالإخبار به فائدة بمجرد ذکره. ویکمل به المعنی المطلوب

ص: 433

من غیر خفاء ولا لبس ، کالأمثلة السابقة. فلا یصلح للخبر منهما ما کان ناقصا ؛ مثل : محمود الیوم .. أو حامد بک ؛ لعدم الفائدة. أما حیث تحصل الفائدة فیصح وقوعهما خبرا ؛ ویکون کل منهما هو الخبر مباشرة ؛ أی : أن شبه الجملة نفسه یکون الخبر (1) - فی الرأی المختار.

بقیت مسألة تتعلق ببیان نوع الظرف التام الذی یصلح أن یکون خبرا. فأما ظرف المکان فیصلح - فی الغالب - أن یقع خبرا عن المبتدأ المعنی وعن المبتدأ الجثة (2) ؛ فمثال الأول ؛ العلم عندک - الحق معک. ومثال الثانی : الکتاب أمامک - الشجرة خلفک. ولا بد فی ظرف المکان أن یکون خاصّا (3) لکی یتحقق شرط الإفادة ؛ کالأمثلة السالفة ؛ فلا یصح أن یکون عامّا ؛ مثل : العلم مکانا ، أو الکتب مکانا ؛ لعدم الإفادة.

وأما ظرف الزمان فیصلح أن یقع خبرا عن المبتدأ المعنی فقط ، بشرط أن تتحقق الإفادة ؛ کأن یکون الزمان خاصّا (4) ، لا عامّا ؛ مثل : السفر صباحا ، والراحة لیلا. بخلاف : السفر زمانا ، الفضل دهرا ، الأدب حینا ، لعدم الإفادة.

ص: 434


1- یقول ابن مالک : وأخبروا بظرف أو بحرف جر ناوین معنی کائن أو استقر أی : أن الظرف والجار مع مجروره قد یقع کل منهما خبرا لا بنفسه ، ولکن بمتعلقه علی حسب رأیهم الذی تناولناه بالبحث والتمحیص فی هامش ص 431 ، فلا بد من تعلقه - عندهم - بعامل یحذف - فی الأغلب - ، وهذا العامل قد یکون فعلا ؛ مثل : «استقر» أو : «ثبت» أو «وجد» - أو «کان ؛ (بمعنی : وجد ... ولا تکون هنا إلا تامة) وقد یکون المحذوف اسما مشتقا ؛ مثل : مستقر ، أو کائن (بمعنی موجود ، من «کان» التامة). فإذا وقع الخبر شبه جملة فلیس هو الخبر فی رأیهم وإنما الخبر ما قبله من جملة فعلیة ، فعلها محذوف ، وفاعلها ضمیر استقر فی شبه الجملة ، أو من مفرد مشتق. علما بأن العامل فی الخبر إنما هو الفعل وحده من غیر فاعله ، وکذلک هو المشتق من غیر الضمیر المستتر فیه الذی استقر فی شبه الجملة بعد حذف المشتق مع أن المحذوف هو الفعل مع فاعله ، والمشتق مع ضمیره.
2- هذا تعبیر النحاة یریدون بالمعنی : الأمر غیر المحسوس ، أی : الذی لا یکون جسما نحسه بإحدی الحواس الخمس ، کالبصر ... ، وإنما یکون شیئا مفهوما بالعقل ، مثل : العلم ، الذکاء ، الأدب ، النبل ، الشرف ... أما الجثة فالجسم الذی نحسه بالبصر ، أو بغیره من الحواس ؛ ومنه. الشجرة المنزل ، القلم .. ویشترط کثیر من النحاة فی الظرف أن یفید فائدة جدیدة إذا وقع خبرا عن المبتدأ المعنی. ویریدون بالفائدة الجدیدة : ألا تکون أمرا معروفا للمخاطب ، أو مستمرا ، فالجدید مثل : المقابلة ظهرا. وغیره مثل : طلوع الشمس یوم الجمعة ، لعدم استفادة السامع شیئا جدیدا کان جاهلا به. وفریق لا یشترط ذلک فی الظرف ولا فی الخبر عامة : بل یکتفی بمجرد الإفادة ولو کانت معلومة قبل سماع الخبر ؛ مثل الشمس منیرة. وقد یکون الرأی الأول هو المقبول ؛ لأن الغرض من الکلام الإفادة الجدیدة وإلا کان عبثا.
3- وذلک بتحدیده ، أو : بتقییده بقید بعده. مما هو مذکور فی «ج» من ص 436
4- وذلک بتحدیده ، أو : بتقییده بقید بعده. مما هو مذکور فی «ج» من ص 436

وهو لا یصلح أن یکون خبرا عن الجثة إلا قلیلا ؛ وذلک حین یفید أیضا ؛ فلا یصح : الشجرة یوما - البیت غدا ؛ لعدم الإفادة. ویصح : القطن صیفا. القمح شتاء ، لتحقق الفائدة ؛ إذ المراد : ظهور القطن صیفا. وظهور القمح شتاء. ومنه قولهم : الهلال اللیلة. والرطب شهری ربیع.

ومجمل الأمر أن ظرف المکان یصلح - فی الغالب - خبرا للمبتدأ بنوعیه : المعنی والجثة ، وأن ظرف الزمان یصلح فی الغالب خبرا للمبتدأ المعنی دون الجثة ، إلا إن أفاد ؛ وهذه الإفادة تحقق فی الظرف بنوعیه حین یکون خاصّا لا عامّا. فالمعول علیه فی الإخبار بالظرف هو الإفادة (1).

ص: 435


1- وسیجیء توضیحها فی «ح» من الصفحة التالیة. وفی هذا یقول ابن مالک باختصار : ولا یکون اسم زمان خبرا عن جثّة. وإن یفد فأخبرا «ملاحظة» : بهذه المناسبة نشیر إلی موضع آخر من المواضع التی یصح أن یقع المعنی فیها خبرا عن الجثة ، هو : خبر أفعال الرجاء ، وبعض أخواتها من أفعال المقاربة ؛ مثل : الوالد عسی أن یحضر ...

زیادة وتفصیل

ا - من الألفاظ الملازمة للابتداء (1) کلمة : «طوبی (2) ، وهذه الکلمة لا یکون» خبرها إلا الجار مع مجروره ، - کما سبق (3) - نحو طوبی : للصّالح.

ب - شبه الجملة لا بد أن یتعلق بعامله علی الوجه الذی شرحناه (4). فإن لم یوجد فی الکلام عامل یصح التعلق به صح أن یکون تعلقه بالإسناد نفسه (أی : بالنسبة الواقعة بین رکنی الجملة) ، کقول ابن مالک فی باب «الاستثناء» من ألفیته. خاصا بالأداتین «خلا وعدا» :

وحیث جرّا فهما حرفان

فالظرف : «حیث» متعلق بالنسبة (أی : بالإسناد) المأخوذة من قوله : «فهما حرفان» ، أی : تثبت حرفیتهما حیث جرّا.

أما وجود الفاء هنا فله بیان أوضحناه عند إعادة الکلام فی هذه المسألة فی الجزء الثانی : (بابی الظرف وحروف الجر).

(ح) قلنا : إن ظرف الزمان لا یقع خبرا عن الذات (الجثة) إلا بشرط أن یفید (5) ، وهذه الإفادة تتحقق بأحد الثلاثة الآتیة :

الأولی : أن یتخصص ظرف الزمان إما بنعت ؛ مثل : نحن فی یوم طیب ، أو : نحن فی أسبوع سعید. وإما بإضافة ؛ مثل : نحن فی شهر شوال ... وإما بعلمیة مثل : نحن فی رمضان ؛ ویجب جر الظرف الزمانی فی هذه الصور الثلاث بفی ؛ ویکون الجار مع المجرور فی محل رفع خبرا. ولا یسمی فی حالة جره - أو رفعه - ظرفا. کما سیجیء.

ص: 436


1- سیجیء بعض هذه الألفاظ فی : «ج» من هامش ص 495.
2- بمعنی الجنة ، أو : السعادة.
3- فی «ح» ص 430. وکما یجیء فی «ح» من هامش ص 495
4- فی رقم 2 من هامش ص 431. ویشترط فی تعلق الجار ومجروره أن یکون الجار أصلیا.
5- وکذلک لا یقع صفة ، ولا صلة ، ولا حالا ، إلا مع إفادته ؛ لأنها کالخبر فی المعنی.

الثانیة : أن یکون المبتدأ الذات مما یتجدد ؛ بأن یظهر فی بعض الأوقات دون بعض ؛ فله مواسم معینة یظهر فیها ثم ینقطع ، ثم یظهر ... وهکذا ... فیکون شبیها بالمعنی ، مثل : البرتقال شهور الشتاء ، والبطیخ شهور الصیف. الهلال اللیلة. وفی هذه الحالة یجوز نصب ظرف الزمان ، أو جره بفی. وهو فی الحالتین فی محل رفع خبر.

الثالثة : أن یکون المبتدأ الذات صالحا لتقدیر مضاف قبله تدل علیه القرائن ؛ بحیث یکون ذلک المضاف أمرا معنویّا مناسبا ؛ کأن یلازم المرء بیته یوما للراحة ، فیعرض علیه صدیقه الخروج لنزهة بحریة ، فیعتذر قائلا : البیت الیوم ، والبحر غدا.أی : ملازمة البیت الیوم ، ونزهة البحر غدا. ومثله : الکتاب الساعة ، والحدیقة عصرا. أی : قراءة الکتاب الساعة ، ومتعة الحدیقة عصرا ... وفی هذه الصورة یکون الظرف منصوبا فی محل رفع خبرا.

والحالات الثلاث (1) السابقة قیاسیّة ؛ یصح محاکاتها ؛ وصوغ الأسالیب الحدیثة علی مقتضاها.

لکن کیف نعرب الظرف الزمانی فی غیر تلک الأحوال الثلاثة؟ وکیف نعرب المکانی؟ وکیف نضبطهما؟

إن الأصل فی الظرف أن یکون منصوبا مباشرة ، أو فی محل نصب (2) :

1 - فإن کان الظرف للزمان ووقع خبرا عن معنی لیس للزمان - جاز رفعه ، ونصبه ، وجره بفی ، ویکون المرفوع هو الخبر مباشرة ، ویکون المنصوب ، أو المجرور مع حرف الجر ، فی محل رفع ، هو : الخبر. تقول : الصوم شهر ، أو : شهرا ، أو فی شهر. والراحة یوم ، أو یوما ، أو فی یوم. والأکل ساعة ، أو ساعة ، أو فی ساعة. (أی : زمن الصوم ... وزمن الراحة ... وزمن الأکل) لکن

ص: 437


1- زاد بعض النحاة علی الأمور الثلاثة السابقة أمورا أخری ؛ نری من المیسور إدخالها وإدماجها فیما سبق. من ذلک أن یکون اسم الزمان «مضافا إلیه» ، والمضاف اسم معنی یفید العموم ؛ مثل أکلّ یوم ثوب تلبسه. أو یکون اسم الزمان خاصا ، والمبتدأ المعنی عاما ؛ مثل نحن فی شهر کذا ؛ أو یکون المبتدأ عاما والزمان مسئولا به عن خاص مثل : فی أی الشهور نحن ...
2- الظرف الذی یکون فی محل نصب هو الظرف المبنی أصالة ؛ مثل : «حیث» أو المبنی فی بعض الحالات ؛ مثل : قبل ، وبعد ..

الأحسن الرفع مباشرة إن کان الزمان نکرة والمبتدأ المعنی یعم ذلک الزمان کله أو أکثره ؛ نحو : الصوم یوم ، والسهر لیلة.

2 - إن کان الظرف زمانیّا من أسماء الشهور ووقع خبرا عن مبتدأ هو معنی وزمان ، تعین رفع الخبر ، مثل : أول السنة المحرم ، وشهر الصوم رمضان.

3 - وإن لم یکن هذا الخبر الظرف من أسماء الشهور. ولکنّ المبتدأ یتضمن عملا - جاز الرفع والنصب ؛ مثل : الجمعة الیوم ، أو السبت الیوم ، أو العید الیوم ، لتضمنها (1) معنی الجمع ، والقطع ، والعود. ومنه : الیوم یومک ؛ لتضمنه معنی : شأنک الذی تذکر به. فإن لم یتضمن عملا ؛ کالأحد.

والاثنین ، والثلاثاء ، والأربعاء ، والخمیس - کان الرفع أحسن.

4 - وإن کان الظرف للزمان ، ووقع خبرا للمبتدأ الذات فی الحالات التی یصح وقوعه خبرا فیها ؛ لإفادته ، وقد سبقت فی «ا» - فحکمه کما سبق هناک.

5 - وإن کان الظرف للمکان ، ووقع خبرا عن ذات ، أو معنی. وکان متصرفا (2) - جاز رفعه ونصبه ؛ مثل : الکبار جانب ، أو : جانبا ، والأطفال جانب ، أو جانبا. (برفع کلمة : «جانب». أو : نصبها) والرجل أمامک ، والدار خلفک (برفع أمام ، وخلف ، أو نصبهما) ومثل : العلم ناحیة والعمل ناحیة ، برفع کلمة : «ناحیة» أو نصبها.

ص: 438


1- لأن فی الجمعة معنی الاجتماع ، وفی السبت معنی : القطع ، وفی العید معنی العود ؛ أی : الرجوع ؛ لأنه یرجع کل عام ، وفی الأضحی معنی ؛ التضحیة ... وفی الفطر معنی : الإفطار ... یکون العمل واقعا فی الظرف.
2- الظرف المتصرف هو : ما یترک النصب علی الظرفیة إلی حالات إعرابیة أخری غیر الجر بالحرف ؛ فکأن یکون مبتدأ ، أو فاعلا ، أو مفعولا به .. مثل یوم ، وشهر ، وساعة ... تقول : یوم العید قریب ، وجاء یوم الصوم ، وانتظر یوم النصر ... وغیر المتصرف هو : الذی بترک لا الظرفیة أبدا ؛ (مثل ؛ قط ؛ وهی ظرف یستغرق الزمن الماضی بعد نفی. ومثل : عوض ، وهی ظرف یستغرق الزمن المستقبل بعد نفی) أو : یترکها إلی حالة تشبهها ؛ وهی : الجر بمن - غالبا - مثل : النصر من عند الله أو بالحرف : «إلی» أیضا ؛ مثل کلمة : أین ، ومثل «هنا» - وهی اسم إشارة وظرف مکان معا کما تقدم فی أسماء الإشارة - فی نحو إلی هنا تتجه الأنظار ومثلها : ثم ، وهی إشارة للبعید وظرف مکان فهذه الظروف الثلاثة تجرها «من» أو إلی -.

فإن کان غیر متصرف مثل «فوق» وجب نصبه (1) ؛ نحو : الکتاب فوق المکتب.

6 - إذا قلت : ظهرک خلفک ، جاز رفع الظرف المکانی : «خلف» ونصبه. أما الرفع فلأن الخلف فی المعنی هو : الظهر. فالخبر هو اسم محض معناه معنی المبتدأ ، وأما النصب فعلی الظرفیة الواقعة خبرا. وکذلک ما یشبه ما سبق من الظروف المکانیة ، نحو : نعلک أسفل رجلک ، والرکب أسفل منک. وقد سبق أن الظرف المکانیّ المخبر به إذا کان غیر متصرف ، یجب نصبه ؛ مثل : رأسک فوقک ، ورجلاک تحتک ؛ لأن «فوق» و «تحت» ظرفین للمکان غیر متصرفین.

7 - إذا کان الظرف الزمانی غیر متصرف : مثل : «ضحوة» یراد بها ضحوة معینة لیوم معین - وجب النصب ؛ مثل : العمل ضحوة.

8 - إذا کان الظرف بنوعیه متصرفا ، محدود المقدار ، ووقع خبرا عن المبتدأ الذات - جاز فی الظرف الرفع ، والنصب ، بشرط أن یکون المبتدأ الذات علی نیة تقدیر مضاف قبله ، یدل علی البعد والمسافة ، مثل : المدرسة منی میل أو میلا.

المدینة منی یوم أو یوما ، أی : بعد المدرسة ... وبعد المدینة ... ، إذا قلت هذا - مثلا - قبل ابتداء السیر. فإن کان المقصود أن المدرسة أو المدینة من أشیاء تبعد عما سرنا میلا تعین النصب علی الظرفیة ، وکان الخبر هو الجار والمجرور : «منی» بخلاف الرفع فإنه علی تقدیر : بعد مکانها منی میل ، مثلا ...

9 - من الأسالیب الواردة عن العرب : حامد وحده. یریدون : أنه فی موضع التفرد ، وفی مکان التوحد ؛ فیجوز إعراب : «وحد» ظرفا منصوبا فی محل رفع خبر (2).

«ملاحظة» : إذا ترک الظرف النصب علی الظرفیة ، إلی الرفع أو إلی الجر فإنه لا یکون ظرفا ، ولا یسمی بهذا الاسم.

ص: 439


1- إلا عند بنائه علی الضم فی الحالة المذکورة فی باب الإضافة (وهی : أن یضاف ، ویحذف المضاف إلیه ، وینوی معناه).
2- مع أن الأصل : «وحد» مصدر للفعل وحد (کعلم وکرم) ویجوز إعراب «وحد» حال مؤولة بمعنی : منفردا ... علی التفصیل الذی سیجیء فی باب الحال.

المسألة 36: المبتدأ المعرفة ، والمبتدأ النکرة

اشارة

إذا قلنا : الطیار شجاع - الوطنی مخلص - العربیّ کریم ... حکمنا علی الطیار بالشجاعة ، وعلی الوطنی بالإخلاص ، وعلی العربی بالکرم. أی : حکمنا علی المبتدأ بحکم معین ؛ هو : الخبر. فالمبتدأ فی هذه الجمل الاسمیة - و - نظائرها محکوم علیه دائما بالخبر ، والمحکوم علیه لا بد أن یکون معلوما ، ولو إلی حدّ مّا ، وإلا کان الحکم لغوا لا قیمة له ؛ لصدوره علی مجهول (1) ، وصارت الجملة غیر مفیدة إفادة تامة ، مثل : زارع فی القریة ... صانع فی المصنع ... ید متحرکة ... جسم مسرع ... وغیرها مما لا یفید الإفادة الحقیقیة المطلوبة ؛ بسبب عدم تعیین المبتدأ ، أو عدم تخصیصه. أی : بسبب تنکیره تنکیرا تامّا ؛ لهذا امتنع أن یکون المبتدأ نکرة (2) إذا کان غیر وصف ، لأنها شائعة مجهولة فی الغالب. فلا یتحقّق معها الغرض من الکلام ؛ وهو : الإفادة المطلوبة ، فإن هذه الإفادة هی السبب أیضا فی اختیار المعرفة لأن تکون هی المبتدأ حین یکون أحد رکنی الجملة معرفة والآخر نکرة (3) ؛ مثل : شجرة المتحرکة. لکن إذا أفادت النکرة الفائدة المطلوبة صح وقوعها مبتدأ.

وقد أوصل النحاة مواضع النکرة المفیدة حین تقع مبتدأ إلی نحو أربعین موضعا. ولا حاجة بنا إلی احتمال العناء فی سردها ، واستقصاء مواضعها ، ما دام الأساس الذی تقوم علیه هو : «الإفادة» فعلی هذا الأساس وحده یرجع الحکم علی صحة الابتداء بالنکرة ، أو عدم صحته ، من غیر داع لحصر المواضع أو

ص: 440


1- سبق إیضاح هذا فی رقم 7 من 401
2- إنما یمتنع أن یکون المبتدأ نکرة إذا کان له خبر. أما إذا کان وصفا له فاعل أو نائب فاعل یغنی عن الخبر فلا یکون إلا نکرة (کما سبق فی ص 403) ، ولا یحتاج لمسوغ ؛ لأن المبتدأ فی هذه الحالة یکون محکوما به ، بمنزلة الفعل ، لا محکوما علیه. والفعل فی مرتبة النکرة کما فی هامش ص 188 و 401.
3- إلا فی مسألتین یجوز فی کل منهما الابتداء والخبریة ؛ هما : «کم». و «أفعل التفضیل» ، فی مثل کم مالک؟ وخیر من علی محمود.

عدّها (1) هذا إلی أن تلک المواضع الکثیرة یمکن تجمیعها وترکیزها فی نحو أحد عشر تغنی عن العشرات التی سردوها. وإلیک الأحد عشر.

1 - أن تدلّ النکرة علی مدح ، أو ذم ، أو تهویل ؛ مثل : (بطل فی المعرکة. خطیب علی المنبر) - (جبان مدبر. جاسوس مقبل) - (بلاء فی الحرب ، جحیم فی الموقعة).

2 - أن تدل علی تنویع وتقسیم ؛ مثل رأیت الأزهار ، فبعض أبیض ، وبعض أحمر ، وبعض أصفر ... عرفت فصل الخریف متقلبا ؛ فیوم بارد ، ویوم حارّ ، ویوم معتدل. وقول الشاعر :

فیوم علینا ، ویوم لنا

ویوم نساء ، ویوم نسرّ

3 - أن تدل علی عموم ؛ نحو : کلّ محاسب علی عمله. وکلّ مسئول عما یصدر منه ؛ فمن (2) یعمل مثقال ذرّة خیرا یره. ومن یعمل مثقال ذرة شرّا یره.

4 - أن تکون مسبوقة بنفی ، أو استفهام ؛ مثل : ما عمل بضائع ، ولا سعی بمغمور. فمن (3) منکر هذا؟ وقول من طالت غربته :

وهل داء أمرّ من التّنائی؟

وهل برء أتمّ من التّلاقی؟

5 - أن تکون النکرة متأخرة ، وقبلها خبرها ؛ بشرط أن یکون مختصّا (4) ؛

ص: 441


1- وکذلک فعل سیبویه والمتقدمون ؛ ولهذا یری بعض النحاة بحق ألا داعی لهذا الشرط ؛ لأنه مفهوم بداهة ، إذ لا یتکلم عاقل بغیر ما یفید ، وإلا عرض نفسه وکلامه للحکم علیه بما لا یرضاه. أما المتأخرون فتوقعوا أن یخطیء کثیر مواضع الإفادة فحاولوا أن یدلوهم علیها ؛ بحصر مواضعها ، واستقصائها ؛ فأطالوا بغیر حاجة ، أو اختصروا مع الإخلال.
2- «من» شرطیة. وهی تفید العموم ؛ کباقی أدوات الشرط ، وکأسماء الاستفهام التی تقع مبتدأ ، مثل : أی جاء؟ - من هنا؟ ومثل هذا الشرط والاستفهام یدل علی العموم بنفسه مباشرة ؛ لا بکلمة أخری سبقته.
3- المبتدأ هنا اسم استفهام نکرة ، فلا یحتاج لمسوغ آخر. ولا مانع أن تکون أداة النفی ناسخة فیصیر المبتدأ النکرة اسمالها ، ولهذا یصح اعتبارا «ما» و «لا» اللتین فی هذا المثال عاملتین ومثلهما «لیس» فی قول الشاعر : لیس شیء أعزّ عندی من العل م ؛ فما أبتغی - سواه أنیسا هذا ، ومن مسوغات الابتداء یا لنکرة أن یدخل علیها ناسخ - أی ناسخ - فتصیر اسما له ، ولا تسمی مبتدأ - کما سیجیء فی رقم 11 من وص 443 ص 492. وص 495
4- المقصود بالاختصاص هنا : أن یکون المجرور فی الخبر الواقع جارا مع مجروره ، وأن یکون المضاف إلیه فی الخبر الواقع ظرفا ، وأن یکون المسند إلیه فی الخبر الواقع جملة ، أن یکون کل واحد مما سبق صالحا بنفسه لأن یکون مبتدأ ؛ فلا یجوز فی إنسان ترفع. ولا عند عند رجل إباء ، ولا ولد له ولد رجل ...

سواء أکان ظرفا ، أم جارّا مع مجروره أم جملة ، ؛ مثل : عند العزیز إباء ، وفی الحرّ ترفع وقول الشاعر :

وللحلم أوقات ، وللجهل (1)

مثلها

ولکنّ أوقاتی إلی الحلم أقرب

ومثل : نفعک بره والد ، وصانک حنانها أمّ.

6 - أن تکون مخصّصة بنعت (2) ، أو بإضافة ، أو غیرهما مما یفید التخصیص ؛ نحو : نوم مبکر أفضل من سهر ، ویقظة البکور أنفع من نوم الضحا ، وقول العرب : أحسن الولاة من سعدت به رعیته ، وأشقاهم من شقیت به ، وشر البلاد بلاد لا عدل فیها ، ولا أمان ، وقولهم : ویل للشّجیّ من الخلیّ (3).

7 - أن تکون دعاء ؛ نحو : سلام علی الخائف - شفاء للمریض - عون للبائس ؛ بشرط أن یکون القصد من النکرة فی کل جملة هو الدعاء.

8 - أن تکون جوابا ؛ مثل : ما الذی فی الحقیبة؟ فتجیب : کتاب فی الحقیبة.

9 - أن تکون فی أول جملة الحال ، سواء سبقتها واو الحال ، مثل : قطعت الصحراء ، ودلیل یهدینی ، ورکبت البحر لیلا وإبرة ترشد الملاحین. أم لم تسبقها ؛ نحو کلّ یوم أذهب للتعلم ، کتب فی یدی.

10 - أن تقع بعد الفاء الداخلة علی جواب الشرط ؛ وهی التی تسمی : فاء

ص: 442


1- الغضب والانتقام.
2- إذا لم یکن النعت مخصصا نحو : واحد من الناس فی الحدیقة - لم یکن مسوغا. والنعت قد یکون ملفوظا به نحو : زائر کریم أمامنا. وقد یکون مقدرا لقرینة معنویة تدل علیه ؛ مثل : أنتم أیها الحاضرون - فزتم جمیعا بالبطولة ، وطائفة لم تفز بها. أی : طائفة من غیرکم .. وقد یکون معنویا ؛ بألا یقدر فی الکلام ، وإنما یستفاد من نفس النکرة بقرینة لفظیة ؛ نحو : ولید نابغ ؛ لأن التصغیر فی کلمة : «ولید» یقوم مقام النعت ؛ إذ معنی التصغیر : ولد صغیر. ومثله صیغ التعجب ، نحو : ما أحسن الدین والدنیا إذا اجتمعا ... ؛ لأنه بمنزلة شیء عظیم حسّن الدین والدنیا. لهذا کان التعجب من المسوغات. وقد أدمج بعضهم الإضافة فی نوع آخر ؛ هو : العمل ، وسیجیء (فی رقم 12 من ص 444) ؛ لأن المضاف یعمل الجر فی المضاف إلیه.
3- هذا مثل من أمثال العرب یقال لفارغ البال ، المرتاح الخاطر ، الذی یسخر بالحزین ، أو یزید آلامه. (والویل : الهلاک. والشجی : الحزین المهموم. والخلی : الخالی من الهموم). المبتدأ النکرة هو کلمة : «ویل» ، وخبره شبه الجملة (للشجی) ، وقد تعلق شبه الجملة الأخیر (من الخلی) بالمبتدأ : «ویل» بمعنی : «هلاک» فهو فی حکم المصدر معنی ؛ فیصح التعلق به ؛ ویستفید بالتعلق نوعا من التخصیص یبیح الأبتداء به. ویصح أن یکون المسوغ للابتداء به هو التهویل أو التعمیم.

الجزاء ؛ مثل : مطالب الحیاة کثیرة ؛ إن تیسّر بعض فبعض لا یتیسّر ، والآمال لا تنفد ؛ إن تحقق واحد فواحد یتجدد.

11 - أن یدخل علیها ناسخ - أیّ ناسخ - وفی هذه الحالة لا تکون مبتدأ ، وإنما تصیر اسما للناسخ ، ومن ثم یصحّ فی أسماء النواسخ أن تکون فی أصلها معارف أو نکرات - کقولهم : کان إحسان رعایة الضعیف ، وإنّ یدا أن تذکروا الغائب (1) ...

ص: 443


1- سبقت الإشارة لهذا فی رقم 3 من ص 441 - وستجیء إشارة أخری عند الکلام العام علی النواسخ ص 495.

زیادة وتفصیل

(ا) قلنا إن مسوغات الابتداء بالنکرة کثیرة ؛ أوصلها النحاة إلی أربعین ، بل أکثر. وبالرغم من کثرتها بقیت نکرات أخری قد تعرب مبتدأ ، مع أنها لا تدخل تحت مسوغ مما ذکروه ؛ نحو : «مذ» و «منذ» فهما نکرتان فی اللفظ ؛ فی نحو : ما رأیته «مذ» أو «منذ» یومان ، وإن کان بعض النحاة یعتبرهما معرفتین معنی ؛ إذ المعنی : أمد انقطاع الرؤیة یومان مثلا (1) ..

علی أن تلک الکثرة من المسوغات قد فتحت الباب أمام کل نکرة لتدخل منه إلی الابتداء ، حتی صار من العسیر الحکم علی نکرة ، أیّ نکرة ، بأنها لا تصلح أن تکون مبتدأ. کما صار الرأی القائل : «إن المبتدأ لا یکون نکرة إلا إن أفادت» - رأیا لا جدید فیه ؛ لدخوله تحت أصل لغوی عام : هو : «ما یستحدث معنی أو یزید فی غیره لا یطعن فی وجوده ، ولا یستغنی عنه ، وما لا فائدة منه لا خیر فی ذکره».

وتأییدا لکلامنا وتوفیة للبحث - نذکر أهم تلک المسوغات ؛ لیؤمن المتردد أنها أبواب مفتوحة تتسرب منها النکرات کلها إلی الابتداء. وقد سبق منها أحدی عشر. وفیما یلی الباقی مع الاقتصار علی ما یغنی عن غیره ، وما یمکن إدماج غیره فیه. (2)

12 - أن تکون النکرة عاملة ؛ سواء أکانت مصدرا ؛ نحو : إطعام مسکینا طاعة ، أم وصفا عاملا (3) ، نحو : متقن عمله یشتهر اسمه. ومن العمل أن تکون مضافة ؛ لأن المضاف یعمل الجر فی المضاف إلیه ؛ مثل : کلمة خیر تأسر النفس ...

13 - أن تکون النکرة أداة شرط ؛ نحو ؛ من یعمل خیرا یجد خیرا.

ص: 444


1- راجع الخضری عند الکلام علی الموضع الرابع من مواضع تأخیر الخبر. وستجیء لهذا إشارة فی ص 453 و 457 وفی رقم من ص 460 - وکذلک فی ج 2 ص 377 و 397.
2- ومن شاء مزیدا فلیرجع إلی حاشیتی الصبان والخضری ، وإلی الهمع ...
3- عند من یقول بأنه یعمل بغیر أن یسبقه نفی أو استفهام. أما من یشترط للعمل تقدم النفی أو الاستفهام فإن وجود أحدهما مسوغ للابتداء بالنکرة.

14 - أن یکون فیها معنی التعجب - کما سبق (1) - ؛ نحو : ما أبرع جنود المظلات.

15 - أن تکون محصورة ؛ نحو : إنما رجل مسافر.

16 - أن تکون فی معنی المحصور - بشرط وجود قرینة تهیّیء لذلک - نحو : حادث دعاک للسفر المفاجئ ، أی : ما دعاک للسفر المفاجئ إلا حادث. ویصح فی هذا المثال أن یکون من قسم النکرة الموصوفة بصفة غیر ملحوظة ، ولا مذکورة ... أی : حادث خطیر دعاک إلی السفر.

17 - أن تکون معطوفة علی معرفة ؛ نحو : محمود وخادم مسافران.

18 - أن تکون معطوفة علی موصوف ، نحو : ضیف کریم وصدیق (2) حاضران.

19 - أن یکون معطوفا علیها موصوف ، نحو : رجل وسیارة جمیلة أمام البیت.

20 - أن تکون مبهمة قصدا ، لغرض یریده المتکلم ؛ نحو : زائرة عندنا.

21 - أن تکون بعد لو لا ؛ نحو : لو لا صبر وإیمان لقتل الحزین نفسه.

22 - أن تکون مسبوقة بلام الابتداء ؛ نحو : لرجل نافع (3).

ص: 445


1- فی رقم 2 من هامش ص 442
2- هذه لیست مبتدأ ولکنها معطوفة علی المبتدأ ، فهی بمنزلته.
3- هی لام مفتوحة فائدتها توکید مضمون الجملة المثبتة ، وإزالة الشک عن معناها المثبت. ولذلک لا تدخل علی حرف النفی ، ولا فعل النفی ، ولا علی المنفی بأحدهما : (وإن کانت تدخل علی المنفی باسم ؛ نحو : إن المنافق لغیر مأمون الصداقة) وسمیت لام الابتداء لأن أکثر دخولها علی المبتدأ ، أو علی ما کان أصله مبتدأ ؛ نحو لوالدک أشفق الناس علیک ، وإن عنده لخبرة لیست لک ؛ فاستعن برأیه. وإذا دخلت هذه اللام علی الخبر فقد یسمیها النحاة : «اللام المزحلقة» ؛ لأنها زحلقت من مکانها الذی تکثر فیه إلی مکان بعده غالبا. أما أثرها النحوی فهو : أن لها الصدارة فی جملتها - غالبا - ، وأنها إذا دخلت علی المضارع خلصته للزمن الحالی ؛ نحو : إن العصفور لیغرد ، أی : الآن. هذا إن لم توجد قرینة علی الاستقبال کالتی فی قوله تعالی : (وَإِنَّ رَبَّکَ لَیَحْکُمُ بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ) وقوله تعالی فی سورة یوسف علی لسان والده : (إِنِّی لَیَحْزُنُنِی أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ ...) فالمضارع للاستقبال فی المثالین ؛ لوجوده قرینة تحتم ذلک ؛ هی أن یوم القیامة لم یجیء بعد ؛ وأن والد یوسف علیه السّلام قال الجملة السابقة لأبنائه قبل أن یذهبوا بأخیهم یوسف. وهذا معنی قول النحاة : (لام الابتداء الداخلة علی المضارع تعینه للحال إن کان مبهما أی : خالیا من قرینة ، تدل علی أنه للمستقبل أو غیره). ولها مواضع تدخلها جوازا. وکثیر منها یدور حوله الخلاف. والذی نستصفیه من کل تلک المواضع الجائزة هو ما یأتی : - وهو تلخیص لما سیجیء مفصلا فی مکانه من باب «إن»؟ ا - المبتدأ ، نحو : (ولعبد مؤمن خیر من مشرک) (ولأنتم أشد رهبة). وقول الشاعر : وللکف عن شتم اللئیم تکرّما أضرّ له من شتمه حین بشتم ب - الخبر المتقدم علی المبتدأ ، نحو : لحاضر جوابک ، ولصائب رأیک. ح - خبر إن المشددة دون أخواتها ؛ بشروط أربعة : أن یتأخر عن اسمها ، وأن یکون مثبتا ، وأن یکون غیر ماض متصرف ، وغیر جملة شرطیة. فیصح أن یکون مفردا ؛ نحو : إن الکلام لدلیل علی عقل صاحبه. ونحو : إن ربی لسمیع الدعاء ... ویصح أن یکون جملة مضارعیة نحو : إن السیاحة لتفید علما ، وخلقا ، وتجربة. ومنه قوله تعالی فی أهل الدیانات المختلفة : (وَإِنَّ رَبَّکَ لَیَحْکُمُ بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ ...) وقوله علیه السّلام. «إن العجب لیأکل الحسنات کما تأکل النار الحطب» والأولی - وقیل الواجب - أن یکون المضارع خالیا من حرف تنفیس (السین ، أو سوف) لکیلا یقع التعارض بین ما تدل علیه لام الابتداء - وهو حالیة المضارع - وما یدل علیه حرف التنفیس - وهو الاستقبال - ولهذا بیان آخر سیجیء فی ص 599 فإن وجدت اللام مع حرف التنفیس فهی للقسم غالبا. ویصح أن یکون جملة ما ضویة فعلها غیر متصرف - (إلا «لیس» ؛ لأنها للنفی) مثل : إن الأمین لنعم الرجل ، وإن الخائن لبئس الإنسان ، وإن المتوانی لعسی أن ینشط. فإن کان فعلها متصرفا صح دخولها ؛ بشرط أن یکون مقترنا بکلمة : «قد» ؛ لأنها تقرب الماضی من الحال وإلا کانت اللام للقسم ؛ نحو : إن القدماء من العرب لقد قاموا بأعظم الرحلات نفعا ، وإنهم لقد أفادوا من جاء بعدهم. والمشهور عند النحاة أن لام الابتداء لا تدخل علی الجملة الفعلیة إلا فی خبر إنّ (المشددة النون المکسورة الهمزة) دون غیرها ودون الجمل الفعلیة الأخری التی لیست خبرا لها ، إذ تکون فیها للقسم غالبا ، أو للزیادة أو غیرها ... ویصح أن یکون جملة اسمیة ، فتدخل علی المبتدأ فیها - وهو الأحسن - أو علی الخبر ؛ نحو : إن البحر لهو عالم کعالم الجو والیابسة ، أو : إن البحر هو لعالم .... ویصح أن یکون شبه جملة ظرفا أو جارا مع مجروره) نحو : إن الذخیرة الأدبیة لعندک ، وإن القلم لفی یدک. د - اسم «إن» إذا تقدم علیه الخبر ؛ نحو : إن عند الکهول لتجربة ، وإن فیهم لحکمة. وإذا دخلت علی الاسم المتأخر لم یجز دخولها علی الخبر. ه - معمول خبر «إنّ» بشروط أربعة مجتمعة ؛ أن یتوسط هذا المعمول بین الاسم والخبر : نحو : إن الصدیق لنصحک سامع ؛ وأن یکون الخبر صالحا لدخول اللام کالمثال السابق ؛ فإن لم یکن صالحا لم یجز ؛ نحو : إن الصدیق لینصحک سمع ، وأن یکون الخبر خالیا منها ، وألا یکون هذا المعمول حالا أو تمییزا ؛ فلا یصح إن الطائر لمتلفتا واقف ، وإن وجهک لسرورا فیاض ... و - ضمیر الفصل (ویسمی عمادا ، وقد سبق تفصیل الکلام علیه فی الضمائر ص 219) نحو : إن هذا لهو القصص الحق ؛ بإعراب کلمة : «هو» ضمیر فصل ولیست مبتدأ. وإذا دخلت علی ضمیر الفصل لم یصح دخولها علی الخبر. وقد أشار ابن مالک - فی باب إن وأخواتها - إلی بعض الصور السالفة بقوله : وبعد ذات الکسر تصحب الخبر لام ابتداء : نحو : إنّی لوزر أی : بعد «إن» ذات الکسر (وهی : المکسورة الهمزة المشددة النون) - تصحب لام الابتداء الخبر ؛ نحو : إنی لوزر للمحتاج ؛ أی : ملجأ ، وناصر له. فکلمة «وزر» خبر إن المکسورة ، وقد دخلت علیها لام الابتداء. ثم قال : ولا یلی ذی اللام ما قد نفیا\z ولا من الأفعال ما کرضیا\z وقد یلیها مع «قد» ؛ کإنّ ذا\z لقد سما علی العدا مستحوذ یقول : إن هذه اللام لا یلیها الکلام المنفی ، ولا یلیها من الأفعال ما هو مثل : «رضی». یرید به الفعل الماضی ، المتصرف ، غیر المسبوق ب «قد» ، فإن سبق «بقد» جاز أن یلیها ؛ مثل : إن ذا (أی : هذا) لقد سما علی العدا مستحوذا ؛ أی : مستولیا علی کل ما یریده ... وأشار إلی مواضع أخری بقوله : وتصحب الواسط معمول الخبر والفصل ؛ واسما حلّ قبله الخبر أی : أن لام الابتداء تدخل فی معمول الخبر إذا کان المعمول واسطا (أی : متوسطا بین الخبر والاسم). وکذلک تدخل علی ضمیر الفصل الواقع بین اسم «إن» وخبرها وکذلک تدخل فی اسم «إن» إذا تقدم علیه الخبر. وقد تقدم شرح ذلک کله والتمثیل للحالات المختلفة جمیعا. علی أننا سنعود إلیه مرة أخری فی موضعه الخاص من باب : «إن» کما أشرنا.

ص: 446

23 - أن تکون مسبوقة بکلمة : «کم» الخبریة ؛ نحو : کم صدیق زرته (1) فی العطلة فأفادنی کثیرا.

24 - أن تکون مسبوقة بإذا الفجائیة ؛ نحو : غادرت البیت فإذا مطر.

25 - أن یکون مرادا بها حقیقة الشیء وذاته الأصلیة ، نحو : حدید خیر من نحاس (2).

ص: 447


1- أصل الکلام : صدیق زرته کم زورة! فکم : مفعول مطلق واجب الصدارة مبنی علی السکون فی محل نصب ، و «صدیق» مبتدأ. أما «کم» الاستفهامیة فداخلة فی مسوغات الاستفهام
2- وفی الابتداء بالنکرة ومسوغاته یقول ابن مالک : ولا یجوز الابتدا بالنّکره ما لم تفد : کعند زید نمره وهل فتی فیکم؟ ، فما خلّ لنا ورجل من الکرام عندنا ورغبة فی الخیر خیر ، وعمل برّ یزین ، ولیقس ، ما لم یقل یشیر بالمثال الأول : (عند زید نمرة) إلی جواز وقوع المبتدأ نکرة ؛ (والنمرة ؛ ما نسمیه الآن : الشال من الصوف.) ، والمسوغ هو تقدیم الظرف المختص : «عند». ویشیر فی البیت الثانی إلی مسوغ الاستفهام فی : «هل فتی»؟ والنفی فی «ما خل لنا». والنعت فی «رجل من الکرام» ویشیر فی البیت الأخیر إلی النکرة العاملة مثل : «رغبة فی الخیر» «فرغبة» : مصدر «فی الخیر» : متعلق به ؛ فهو بمنزلة معموله ، أی : بمنزلة مفعوله. أی : «من رغب الخیر» أو تکون مضافة ؛ مثل : عمل بر ... ثم یشیر بقیاس ما لم یذکر علی ما ذکره.

المسألة 37: تأخیر الخبر ، جوازا ووجوبا

اشارة

للخبر من ناحیة تأخّره عن المبتدأ وتقدمه ثلاث حالات ، أن یتأخر وجوبا ، وأن یتقدم وجوبا ، وأن یجوز تأخره وتقدمه.

فأما تأخره وتقدمه جوازا فهو الأصل الغالب ؛ نحو : السحاب بخار متکاثف - البرق شرارة کهربیة - الکتاب صدیق أمین - قول الشاعر :

أفی کل عام غربة ونزوح

أما للنّوی من ونیة فتریح

ففی هذه الأمثلة وأشباهها یصح تقدیم الخبر وتأخیره (1) ...

أما تأخره وجوبا ؛ ففی مواضع أشهرها :

1 - أن یکون المبتدأ والخبر معا متساویین (2) أو متقاربین فی درجة تعریفهما أو تنکیرهما ، بحیث یصلح کل منهما أن یکون مبتدأ ؛ نحو : أخی شریکی -

ص: 448


1- ومما یجوز فیه الأمران مخصوص «نعم وبئس» فی مثل : نعم الفارس علی ، فیجوز تأخیر «علی» عن الجملة الفعلیة التی قبله وإعرابه مبتدأ خبره تلک الجملة الفعلیة السابقة ، ویجوز تقدیمه علیها مع إعرابه مبتدأ وهی خبره. ویشترط فی هذا المخصوص وفی إعرابه السالف شروط تفصیلیة مکانها ج 3 ص 307 م 109 - باب نعم وبئس.
2- سبق فی باب المعارف أن أنواعها تتفاوت فی درجة التعریف وقوته ؛ فنوع أقوی من نوع آخر ؛ فالضمیر أقوی من العلم ، والعلم أقوی من اسم الإشارة ... وهکذا. بل إن النوع الواحد قد یتفاوت فی درجة تعریفه وقوته ؛ فضمیر المتکلم أقوی من ضمیر المخاطب ، وضمیر المخاطب. أقوی من ضمیر الغائب ... وهکذا علی الوجه المفصل هناک (فی رقم 2 من هامش ص 191) ... کذلک النکرة تتفاوت فی درجة التنکیر وقوته ؛ فالنکرة المحضة (وهی المتوغلة فی التنکیر ؛ أی : فی الإبهام والشیوع) إذا لم تخصص بوصف ، أو بإضافة ، أو بغیرهما - أقوی فی التنکیر من المختصة ؛ لأن الاختصاص یضعف التنکیر ، إذ یقرب النکرة من المعرفة بعض التقریب. والمراد من تساوی المعرفتین هنا أن یکونا فی درجة واحدة فی التعریف - ولو کانا من نوعین مختلفین کالعلم بالغلبة ، مع علم الشخص - کأن یکونا ضمیرین معا للمتکلم ، أو للمخاطب ، أو للغائب ، أو یکونا علمین أو اسمی إشارة. والمراد من تساوی النکرتین أن تکونا محضتین معا ... وأما تقارب المعرفتین - وقد یسمی أحیانا تفاوتهما فی الدرجة ؛ لما بینهما من اختلاف غیر واسع - فمعناه أن یکونا من نوع واحد مع اختلافهما فی درجة ذلک النوع ؛ کضمیر المتکلم مع ضمیر المخاطب. أو ضمیر المخاطب مع ضمیر الغائب ، أو أن یکونا من نوعین مختلفین ولکنهما متقاربان ؛ کالعلم مع ضمیر المخاطب ؛ فإن العلم یقاربه ، أو کالعلم الشخصی مع المعرف «بأل العهدیة» فإن المعرف بها یقاربه. وتقارب النکرتین معناه أن إحداهما مختصة والأخری غیر مختصة ؛ فهی قریبة من أختها إلی حد ما. (قد یسمی أیضا تفاوتا ؛ لوجود اختلاف بینهما وإن کان یسیرا).

أستاذی رائدی فی العلم - مکافح أمین جندی مجهول - أجمل من حریر أجمل من قطن ...

ففی هذه الأمثلة وأشباهها یجب تأخیر الخبر ؛ لأن تقدیمه یوقع فی لبس ؛ إذ لا توجد قرینة (1) تعینه ، وتمیزه من المبتدأ ؛ فیختلط المحکوم به بالمحکوم علیه ؛ ویفسد المعنی (2) تبعا لذلک. فإن وجدت قرینة معنویة أو لفظیة تدل علی أن المتقدم هو الخبر ولیس المبتدأ جاز التقدیم ؛ فمثال «المعنویة» : أبی أخی فی الشفقة والحنان ... فکلمة : «أب» خبر مقدم ؛ ولیست مبتدأ ؛ لأن المراد : أخی کأؤ ... ، أی : الحکم علی الأخ بأنه کالأب فی الشفقة والحنان ، ولا یعقل العکس. فالمحکوم علیه هو : «الأخ» ؛ فهو المبتدأ ، والمحکوم به هو : «الأب الذی یشابهه الأخ. فالأب هو الخبر ولو تقدم ؛ لأن القرینة المعنویة تمیزه وتجعله هو الخبر ؛ فصح التقدیم لوجودها.

ومثل : الجامعة فی التعلیم البیت. «فالجامعة» خبر مقدم ، «والبیت» مبتدأ مؤخر ؛ فهو المحکوم علیه بأنه مشابه للجامعة ؛ إذ لا یعقل العکس. ومثل : نور الشمس نور الکهربا. ضوء القمر ضوء الشموع ... الأسد فی الغضب القطّ فی الثورة. الجبل الهرم فی الضخامة. هذا العالم فی براعته هذا الطالب فی

ص: 449


1- کررنا أن القرینة هی العلامة التی تدل علی المعنی وتوجه إلیه ، وتزیل عنه الغموض واللبس فإن کانت لفظا سمیت : لفظیة. وإن کانت غیر لفظ سمیت معنویة أو عقلیة. وقد تقسم فی مواضع أخری إلی حسیة ؛ وهی : التی تدرک بإحدی الحواس ؛ فتشمل اللفظیة ، وإلی غیر حسیة وهی التی تدرک بالعقل ... کما سیجیء فی رقم 1 من هامش ص 460 -
2- أوضحنا أول هذا الباب - رقم 7 من هامش ص 401 - معنی المحکوم علیه ، والمحکوم به. ولما کان الغالب فی الأول - وهو المبتدأ - أن یکون شیئا معلوما للسامع ، وأن یکون الثانی - وهو الخبر - مجهولا له ، وجب عند اللبس تأخیر الثانی (أی : الخبر) ، إذ لو تقدم وأعربناه مبتدأ لا نقلب المحکوم به المجهول محکوما علیه معلوما. وصار المعلوم مجهولا ، وجاء الحکم فی الحالتین مخالفا للمراد ، وهذا فساد معنوی. وفی الموضع السالف بیان شاف مفید. ولزیادة الإیضاح نسوق المثال الآتی ، أن یعرف المخاطب شخصا مثل : «إبراهیم» بعینه واسمه ، ولکنه لا یعرف أنه زمیله فی الدراسة ؛ فتقول : إبراهیم زمیلک. جاعلا المبتدأ هو المعروف له ، والخبر هو المجهول له ، المحکوم به. وذلک شأن الخبر غالبا - کما قدمنا - أن یکون هو الشیء المجهول للمخاطب ، وأنه المحکوم به ؛ فلا یصح أن تقول ؛ زمیلک إبراهیم ، بغیر قرینة تدل علی تقدیم الخبر. أما إذا عرف زمیلا له ، ولکنه لا یعرف اسمه ، وأردت أن تعین له الاسم ، فإنک تقول : زمیلک إبراهیم. جاعلا المعلوم له هو المبتدأ ، والمجهول له المحکوم به هو الخبر. فلو عکس الأمر فی إحدی الصورتین لانعکس المعنی ؛ تبعا لذلک ، واختلف.

تعلمه ... وهکذا ... ومثال القرینة «اللفظیة» : حاضر رجل أدیب. فکلمة «حاضر» هی الخبر ؛ لأنها نکرة محضة (1) والنکرة التی بعدها (وهی : رجل) نکرة غیر محضة ؛ لأنها مخصصة بالصفة بعدها ؛ فهی أحق بأن تکون المبتدأ بسبب تخصصها (2).

2 - أن یکون الخبر جملة فعلیة. فاعلها ضمیر مستتر یعود علی المبتدأ : نحو : الکواکب «تتحرک» ، فالجملة الفعلیة المکونة من الفعل المضارع وفاعله. خبر المبتدأ. فلو تقدم الخبر وقلنا : تتحرک الکواکب - لکانت «الکواکب» فاعلا ، مع أننا نریدها مبتدأ ، ولیس فی الکلام ما یکشف اللبس. بخلاف ما لو کان الفاعل اسما ظاهرا أو ضمیرا بارزا ، نحو : تتحرک کواکبها السماء - قد أضاءا النجمان ... ؛ فتعرب الجملة الفعلیة هنا ؛ (تتحرک کواکبها) خبرا متقدما ؛ لاشتمالها علی ضمیر یعود علی المبتدأ «السماء» فرجوع الضمیر إلی کلمة : «السماء» دلیل علی أنها متأخرة فی الترتیب اللفظی فقط ، دون الترتیب الإعرابی (وهذا یسمی : الرتبة (3)) ؛ لأن الضمیر لا یعود علی متأخر لفظا ورتبة إلا فی مواضع (4) لیس منها هذا الموضع. فکلمة : «السماء» متأخرة فی اللفظ. لکنها متقدمة فی الرتبة. وأصل الکلام : السماء تتحرک کواکبها ؛ فکلمة : «السماء» مبتدأ. وحاز تقدیم الخبر علیها مع أنه جملة فعلیة لأن اللبس مأمون ؛ إذ فاعلها اسم ظاهر. ولیس ضمیرا مستترا یعود علی ذلک المبتدأ (5) ...

وتعرب الجملة الفعلیة الثانیة خبرا مقدما ، والنجمان مبتدأ. ولا لبس فیه ، لأن وجود الضمیر البارز (وهو ألف الاثنین) وإعرابه فاعلا - فی اللغات الشائعة

ص: 450


1- أی : غیر متخصصة بنعت ، أو إضافة ، أو نحوهما - کما سبق.
2- لما عرفناه من أن المبتدأ یکون هو المعرفة ، أو النکرة المتخصصة عند اجتماع أحدهما مع النکرة المحضة. وهذا بشرط ألا تقوم قرینة تعارضه.
3- الترتیب الإعرابی أو الرتبة ، یجعل لبعض الألفاظ الأسبقیة فی الجملة دون بعض ؛ فالمبتدأ أسبق من الخبر ، والفعل أسبق من الفاعل ، والفاعل أسبق من المفعول ، والمضاف أسبق من المضاف إلیه .. ، وهکذا. وقد تکون هناک أسباب لمخالفة هذا الأصل أحیانا. علی حسب ما هو موضح فی مواضعها.
4- سردناها عند الکلام علی الضمیر فی ص 233.
5- وتنطبق هذه الصورة علی قول حسان : قد ثکلت أمّه من کنت واحده أو کان منتشبا فی برثن الأسد

عند العرب - أوجب أن یکون «النجمان» مبتدأ ، لا غیر ؛ إذ لا یوجد ما یحتاج إلی فاعل ، ومن ثمّ کان اللبس مأمونا (1) ...

وکما یقع اللبس بین المبتدأ والفاعل الضمیر المستتر علی الوجه السابق ، یقع بین المبتدأ ونائب الفاعل إذا کان ضمیرا مستترا أیضا ؛ نحو : البیت أقیم. وکذلک بین المبتدأ وفاعل اسم الفعل. إذا کان الفاعل ضمیرا مستترا ؛ نحو : القمر هیهات. وقد یلتبس المبتدأ لو تأخر بالتوکید ؛ نحو : أنا سافرت ؛ فلو تأخر المبتدأ الضمیر لکان توکیدا للتاء. فبسبب اللبس یمتنع التقدیم فی کل ما سبق (2) ...

3 - أن یکون الخبر محصورا فیه المبتدأ (3) بإنما ، أو إلا ؛ مثل : إنما البحتریّ شاعر - إنما المتنبی حکیم - ما النیل إلا حیاة مصر - ما الصناعة إلا ثروة. فلا یجوز تقدیم الخبر ؛ کی لا یزول الحصر ، فلا یتحقق المعنی علی الوجه المراد.

4 - أن یکون الخبر لمبتدأ دخلت علیه لام الابتداء (4) ؛ نحو : لعلم مع تعب خیر من جهل مع راحة ؛ لأن لام الابتداء لها الصدارة فی جملتها ؛ فیجب تقدیمها مع ما دخلت علیه ؛ وهو المبتدأ.

5 - أن یکون المبتدأ اسما مستحقّا للصدارة فی جملته ؛ إما بنفسه مباشرة ،

ص: 451


1- ومن نوع الخبر الذی یجب تأخیره الجملة الفعلیة الواقعة خبرا «عن ما» التعجبیة - کما سیجیء فی ص 452
2- وهذا علی اعتبار أن الفعل - فی اللغات الشائعة - لا تلحقه علامة تثنیة ولا جمع ، وأن حمل الکلام علی الکثیر الشائع أحسن وأصح. أما علی اللغة القلیلة التی تجیز إلحاق هذه العلامة به فاللبس مخوف غیر مأمون ، فلا یجوز التقدیم ، والخیر فی ترک التقدیم فی هذه الصورة ، مبالغة فی الابتعاد عن شبهة اللبس.
3- أی : أن المبتدأ یکون منقطعا للخبر ، محصورا فیه وحده. وقد یختصرون فیقولون «محصورا» فقط. وبیان الحصر یتضح من التمثیل الآتی : إذا أردنا قصر شیء علی شیء ؛ بحیث یکون أحدهما مختصا بالآخر ؛ منقطعا له. أی : متفرغا له کل التفرغ - سمیت هذه العملیة : «حصرا» ، أو «قصرا». کأن ترید قصر «البحتری» علی الشعر ، وانقطاعه له فتقول : إنما البحتری شاعر. فقد قصرنا «البحتری» علی الشعر ؛ أی : جعلناه مختصا به منقطعا له دفن غیره من العلوم والفنون الأخری. ولا بد فی الحصر (القصر) من شیء محصور ، ومن محصور فیه ذلک الشیء ، ومن علامة حصر. فالبحتری فی المثال السابق هو «المحصور» ، ویسمی «المقصور» أیضا. والشعر هو المحصور فیه ، ویسمی : «المقصور علیه». کل ذلک ما لم تمنع قرینة. وعلامة الحصر هی : «إنما». وقد تکون «إلا» کما فی المثالین الآخرین أو غیرهما ، وقد یختصرون أحیانا فیقولون المحصور ؛ یریدون : المحصور فیه ؛ بشرط أن یکون الغرض واضحا لا لبس فیه. وللقصر طرق معینة متعددة ، وعلامات خاصة ، لها موضعها فی «علم المعانی». وإذا کانت أداة الحصر (القصر) «إنما» فالمقصور علیه هو المتأخر فی جملتها ؛ وإذا کانت الأداة «إلا» فالمقصور علیه هو الواقع بعدها مباشرة.
4- سبق الکلام علیها فی هذا الباب ص 445 ولها باب خاص فی ص 595 و 597

کاسماء الاستفهام ، وأسماء الشرط ، وما التعجبیة ، وکم الخبریة (1) ... ؛ مثل : من القادم؟ وأیّ شریف تصاحبه أصاحبه - ما أطیب خلقک!! کم صدیق عرفت فیه الذکاء!! وإما بغیره ؛ کالمضاف إلی واحد مما سبق ؛ فالمضاف إلی اسم استفهام نحو : صاحب من القادم؟ والمضاف إلی اسم شرط نحو : غلام أیّ رجل شریف تعاونه أعاونه. والمضاف إلی کم الخبریة نحو : خادم کم صدیق عرفت فیه الذکاء (2).

ص: 452


1- أما الاستفهامیة فداخلة فی أسماء الاستفهام التی لها الصدارة أیضا.
2- وإلی المواضع السابقة یشیر ابن مالک بقوله. والأصل فی الأخبار أن تؤخّرا وجوّزوا التّقدیم إذ لا ضررا فامنعه حین یستوی الجزءان عرفا ونکرا عادمی بیان أی : امنع التقدیم إذا استوی المبتدأ والخبر فی التعریف والتنکیر ، وعدما البیان الذی یوضح أن أحدهما هو المبتدأ ، وأن الآخر هو الخبر. («وعرفا ونکرا» ، منصوبین علی نزع الخافض - أو علی التمییز) ثم قال : کذا إذا ما الفعل کان الخبرا أو قصد استعماله منحصرا أو کان مسندا لذی لام ابتدا أو لازم الصّدر ؛ کمن لی منجدا؟ ومعنی البیت الأخیر : أن الخبر یمتنع تقدیمه إذا کان مسندا لصاحب لام ابتداء ؛ أی : إذا کان مسندا ، والمسند إلیه مبتدأ مصدرا باللام التی تدخل علی المبتدأ للدلالة علی الابتداء. وکذلک یمتنع تقدیمه إذا کان المبتدأ لازم الصدارة ؛ أی : لا یکون إلا فی صدر جملته.

زیادة وتفصیل

(ا) هنا مواضع أخری یجب فیها تأخیر الخبر ؛ أشهرها ما یأتی :

1 - ما ورد مسموعا من مثل : راکب الناقة طلیحان (1). (أی : متعبان ؛ أصابهما الإعیاء والإرهاق ، وأصله : راکب الناقة والناقة طلیحان ؛ من کل مبتدأ مضاف ، أخبر عنه بخبر مطابق فی التثنیة أو الجمع للمضاف مع المضاف إلیه من غیر عطف شیء ظاهر علی المبتدا ؛ کالمثال السابق. ونحو : مهندس البیت جمیلان - ونحو : خادم الطفلین لاعبون ؛ أی : مهندس البیت والبیت جمیلان ، وخادم الطفلین والطفلان لاعبون. فالمعطوف علی المبتدأ محذوف لوضوح المعنی. والخبر هنا واجب التأخیر. لکن أیجوز القیاس علی تلک الأسالیب التی حذف فیها حرف العطف والمعطوف علی المبتدأ ؛ لوضوح المعنی؟ الأحسن الأخذ بالرأی القائل بجوازه بشرط وجود قرینة واضحة تدل علی المحذوف : لأن هذا الرأی یطابق الأصول اللغویة العامة التی تقضی بجواز الحذف عند قیام قرینة جلیة تدل علی المحذوف ، وتمنع خفاء المعنی ؛ کما رددنا هذا کثیرا (2) ...

2 - أن یکون الخبر مقرونا بالفاء (3) ؛ نحو : الذی ینصحنی فمخلص. فإن تقدم الخبر وجب حذف الفاء.

3 - أن یکون الخبر مقترنا بالباء الزائدة ؛ نحو : ما شریف بکاذب.

4 - أن یکون الخبر طلبا ؛ نحو : المحتاج عاونه ، والبائس لا تؤلمه.

5 - أن یکون الخبر عن «مذ» أو «منذ» ، بجعلهما مبتدأین معرفتین فی المعنی ؛ نحو : ما سافرت مذ أو منذ شهران ؛ (إذ المعنی : زمن انقطاع الرؤیة شهران (4).

6 - ضمیر الشأن الواقع مبتدأ ؛ نحو : قل (هو : الله أحد).

7 - المبتدأ المخبر عنه بجملة هی عینه فی المعنی نحو : (کلامی : «السفر مفید») (قولی : «العمل نافع»).

8 - اسم الإشارة المبدوء بکلمة : «ها» التنبیه ، فی جملة اسمیة ؛ نحو : هذا أخی. وهذا رأی کثیر من النحاة ، ومن المیسور رفضه بالأدلة التی

ص: 453


1- سیجیء لهذا المثل بیان فی ج 3 باب العطف ، عند الکلام علی حذف واو العطف
2- انظر رقم 1 من هامش ص 460
3- سیجیء فی ص 487 بیان المواضع التی یقترن فیها الخبر بالفاء ...
4- کما سبق فی ص 444 وکما یجیء فی ص 457 وفی ج 2 باب الظرف ، وباب حروف الجر

سبقت (1) والتی تجعل تقدیم المبتدا هنا مستحسنا ، لا واجبا. وإنما یتعین - عند أصحاب ذلک الرأی - أن یکون اسم الإشارة فی الجملة الاسمیة هو : المبتدأ ولا یکون خبرا ، بحجة أن : «ها» التنبیه تتطلب الصدارة ، بشرط أن تتصل باسم الإشارة مباشرة ، لا یفصل بینهما ضمیر ، فإن فصل بینهما الضمیر فی مثل ؛ «هأنذا» فالضمیر هو المبتدأ واسم الإشارة هو الخبر. ویجوز : هذا أنا. ولکن الأول أحسن وأولی ؛ لکثرة الأسالیب الأدبیة الواردة به (2).

9 - المبتدأ الذی للدعاء ؛ نحو : سلام علیکم ، وویل للأعداء.

10 - المبتدأ الذی له خبر متعدد یؤدی مع تعدده معنی واحدا ؛ مثل : الفتی نحیف سمین - الرمان حلو حامض ؛ لأنه لا یجوز تقدیم الخبر المتعدد الذی یؤدی معنی واحدا ، ولا تقدیم واحد مما تعدد (3).

11 - المبتدأ التّالی : أمّا : نحو : أما صالح فعالم ؛ لأن الفاء لا تقع بعد «أما» مباشرة. ولأن الخبر الذی تدخل علیه لا یتقدم علی المبتدا - کما سلف -

12 - المبتدأ المفصول من خبره بضمیر الفصل ، نحو : الشجاع هو الناطق بالحق غیر هیاب :

13 - المبتدأ إذا کان ضمیر تکلم أو خطاب ، وقد أخبر عنه بالذی وفروعه مع وجود بعده الضمیر مطابقا للتکلم ، أو الخطاب ؛ نحو : أنا الذی أساعد الضعیف. أنتما اللذان تساعدان الضعیف.

14 - ویجب تقدیم المبتدأ وتأخیر الحبر فی باب الإخبار عن : «الذی» ، نحو : الذی صافحته محمد.

15 - المبتدأ إذا کان ضمیر متکلم أو مخاطب ، وقد أخبر عنه بنکرة معرفة بأل ، بعدها ضمیر مطابق للمبتدأ فی التکلم والخطاب ، نحو : أنا السیف أمزق الضلال ، أنت الجندی تدافع عن الوطن.

16 - إذا کان المبتدا اسم موصول وجب تأخیر الخبر عنه وعن الصلة معا (4).

ملاحظة : یجب تقدیم کل اسم أو فعل سبقته أداة عرض ، أو تمن ، أو رجاء ، أو نفی ، أو طلب.

ص: 454


1- فی رقم 6 من هامش ص 295 وله إشارة فی رقم 1 من هامش ص 304.
2- کما سبق فی «ا» من ص 304 وکما سیجیء فی رقم 4 من هامش الصفحة التالیة :
3- کما سیجیء فی موضع تعدد الخبر ص 480.
4- کما فی ص 342.

17 - ویجب تأخیر الخبر ، إذا کان جملة فعلیة ماضویة والمبتدأ «ما» التعجبیة ؛ نحو : ما أقدر الله أن یدنی المتباعدین (1).

(ب) أثار النحاة والبلاغیون جدلا مرهقا حول بعض الحالات التی یکون فیها المبتدأ والخبر متساویین فی التعریف والتنکیر ، أو متقاربین فیهما ؛ من غیر لبس فی المعنی. ویدور الجدل حول معرفة الأحق منهما بأن یکون المبتدا. وإذا ظهر الأحق فهل یجوز الإغضاء عن أحقیته بجعله خبرا وجعل الخبر مبتدأ؟ وقد سبق (2) بیان المراد من التساوی والتقارب فی التعریف والتنکیر.

بالرغم من جدلهم المرهق (3) ؛ فإن الجواب السدید یتلخص فی أن المعوّل علیه فی جواز تقدیم المبتدأ علی الخبر لیس التساوی أو التقارب فی درجة التعریف والتنکیر ؛ وإنما المعول علیه وحده هو وجود قرینة تدل علی أن هذا هو المحکوم علیه ، (أی : أنه المبتدأ) ، وذلک هو المحکوم به ، أی : الخبر ، علی حسب المعنی ؛ بحیث یتمیز کل من الآخر ، دون خلط أو اشتباه. فمتی وجدت القرینة التی تمنع الخلط واللبس جاز تقدیم أحدهما وتأخیر الآخر علی حسب الدواعی (4). وإن لم توجد القرینة وجب تأخیر الخبر حتما من غیر أن یکون للتساوی أو التقارب دخل فی الحالتین. فلا بد من مراعاة حال السامعین من ناحیة قدرتهم علی إدراک أن هذا محکوم علیه فیکون مبتدأ ، وأن ذاک محکوم به فیکون خبرا. فإذا وقع فی وهم المتکلم أن التمییز غیر ممکن ، وأن اللبس محتمل - وجب إزالته ؛ إما بالقرینة التی تبعده وتبدده ، وإما بالتزام الترتیب ؛ فیتقدم المبتدأ ویتأخر الخبر ؛ لیکون هذا التقدم دلیلا علی أنه المبتدأ ، ووسیلة إلی تعینه ؛ لموافقته للأصل الغالب فی المبتدأ.

ص: 455


1- سبقت الإشارة لهذا فی ص 452
2- فی هامش ص 448.
3- وقد عرض لبعضه صاحب المفصل ، وکذا الصبان بإیجاز فی الجزء الأول باب المبتدأ والخبر عند الکلام علی مواضع تأخیر الخبر وجوبا. وکذلک التصریح وهامشه فی الموضع السابق أیضا : وکذلک المغنی أول الباب الرابع.
4- إلا فی الحالة التی أشرنا إلیها فی رقم 8 من ص 453 وهی حالة اسم الإشارة المقرون بکلمة «ها» التنبیه ، مع معرفة أخری إذ یتعین أن یکون اسم الإشارة هو المبتدأ ؛ لأن حرف التنبیه لا بد أن یتصدر - عند فریق من النحاة دون فریق ، طبقا للبیان المفصل الذی فی رقم 6 من هامش ص 295 - إلا إن کانت المعرفة الأخری ضمیرا ؛ ففی هذه الحالة یحسن أن یکون هو المبتدأ الذی تسبقه (ها) التنبیه ، واسم الإشارة یجیء بعده خبرا نحو : «هأنذا». وقد یجوز مراعاة القاعدة العامة بتقدیم الإشارة أیضا فی هذه الصورة مع تأخیر الضمیر ؛ نحو : هذا أنا ، ولکن الأول أکثر فی الأسالیب الأدبیة المعروفة. (انظر ص 304).

المسألة 38: یتقدم الخبر وجوبا فی مواضع

اشارة

تقدیم الخبر وجوبا

(وهی الحالة الثالثة له)

؛ أهمها :

1 - أن یکون المبتدأ نکرة محضة ، ولا مسوغ للابتداء به إلا تقدم الخبر المختص ؛ ظرفا کان ، أو حارّا مع مجروره (1) ؛ أو جملة ؛ فمثال شبه الجملة : عندک کتاب - علی المکتب قلم ... فإن کان للمبتدأ مسوغ آخر جاز تقدیم الخبر وتأخیره ؛ نحو : عندک کتاب جمیل - علی المکتب قلم نفیس ؛ ویجوز : کتاب جمیل عندک ، وقلم نفیس علی المکتب. ومثال الجملة : قصدک ولده محتاج. فلا یجوز تقدیم المبتدأ ؛ وهو : «محتاج» ؛ لأنه نکرة محضة ، ولأن المبتدأ النکرة إذا تأخر عنه خبره الجملة أو شبه الجملة فقد یتوهم السامع أن المتأخر صفة ، لا خبر (2).

3 - أن یکون المبتدأ مشتملا علی ضمیر یعود علی جزء (3) من الخبر ؛ نحو :فی الحدیقة صاحبها. فکلمة : «صاحب» مبتدأ ، خبره الجار مع المجرور السابقین ؛ (فی الحدیقة). وفی المبتدأ ضمیر یعود علی الحدیقة التی هی جزء من الخبر. ولهذا وجب تقدیم الخبر ؛ فلا یصح : صاحبها فی الحدیقة ؛ لکیلا یعود الضمیر علی متأخر لفظا ورتبة ؛ وهو ممنوع هنا. ومثل ذلک : «فی القطار رکّابه» فکلمة : «رکاب» مبتدأ خبره الجار مع المجرور السابقین. وفی المبتدأ ضمیر یعود علی : «القطار» وهو جزء من الخبر. ویجب تقدیم الخبر ؛ فلا یصح :

ص: 456


1- سبق الکلام علی النکرة المحضة فی رقم 2 من هامش 192 وعلی الظرف المختص ، وکذا الجار مع مجروره فی ص 433 وفی رقم 4 من هامش 441. وکذا الرأی فی المبتدا النکرة فی ص 444
2- کل هذا کلام القائلین بأن المبتدأ لا یکون نکرة إلا بمسوغ. وسردوا عشرات من المسوغات لا تترک نکرة بغیر أن تصلح للابتداء ؛ کما أوضحنا فیما سلف (ص 440 وما بعدها) ، وانتهینا منه إلی أنه لا قیمة لهذا التوهم ولا داعی لبقاء تلک القاعدة ، وعندئذ یکون الموضع الأول من مواضع تقدیم الخبر هو : (أن یکون المبتدأ نکرة محضة ، ویراد تخصیصه ، بتقدیم خبره الظرف أو الجار مع المجرور المختصین ، أو الجملة). أما دعوی التوهم فخیالیة لا مجال لها ما دامت الجملة الاسمیة قد أدت الفائدة.
3- عبارة النحاة : «یعود علی الخبر». ولکن الصحیح أنه یعود علی جزء من الخبر کما فی المثال ، إذ الضمیر عائد علی المجرور وحده ، وهو جزء من الخبر ؛ لأن الخبر الجار مع مجروره.

رکّابه فی القطار ؛ لئلا یعود الضمیر علی متأخر لفظا ورتبة ؛ وهو ممنوع هنا کما قلنا. وهکذا ...

3 - أن یکون للخبر الصدارة فی جملته ؛ فلا یصح تأخیره. ومما له الصدارة أسماء الاستفهام ؛ نحو : أین العصفور؟ فکلمة : «أین» اسم استفهام ، مبنی علی الفتح فی محل رفع ، خبر مقدم ، و «العصفور» مبتدأ مؤخر. ونحو : متی السفر؟ فکلمة : «متی» اسم استفهام مبنی علی السکون فی محل رفع خبر مقدم ، و «السفر» مبتدأ مؤخر. ومثل هذا : کیف الحال؟ من القادم؟ ...

وکذلک الخبر الذی لیس اسم استفهام بنفسه ولکنه مضاف إلی اسم استفهام ؛ نحو ؛ ملک من السیارة؟ ؛ وصاحب أیّ اختراع أنت؟

ومما له الصدارة «مذ ومنذ» عند إعرابهما ظرفین خبرین متقدمین فی مثل : ما رأیت زمیلی مذ أو منذ یومان. ولو أعربناهما مبتدأین لوجب تقدیمهما أیضا (1).

4 - أن یکون الخبر محصورا (2) فی المبتدأ بإلا أو إنما ؛ نحو : ما فی البیت إلا الأهل ، إنما فی البیت الأهل ؛ فلا یجوز تأخیر الخبر وتقدیم المبتدأ ، لکیلا یختل الحصر المطلوب ، ویختلف المراد (3).

ص: 457


1- سبقت الإشارة لهذا فی ص 444 و 453 - وسیجیء البیان عنهما فی ج 2 باب الظرف وحروف الجر.
2- وقد أشرنا باختصار إلی الحصر وطریقته فی رقم 2 من هامش ص 451.
3- وقد أشار ابن مالک إلی المواضع الأربعة السابقة بقوله : ونحو عندی ادرهم ولی وطر ملتزم فیه تقدم الخبر ویشیر بهذا البیت إلی الموضع الأول. (والوطر هو : الغرض والحاجة) ثم قال : کذا إذا عاد علیه مضمر ممّا به عنه مبینا یخبر یشیر إلی الموضع الثانی ، وهو : تقدیم الخبر إذا عاد علیه مضمر (أی : ضمیر) من المبتدأ الذی یخبر عنه بخبر ، وهذا الخبر یبیّن ویفسر الضمیر العائد إلیه (وفی البیت کثیر من التعقید ، والضمائر الملتویة فی مراجعها.) و «مما» أی : من المبتدأ الذی .. و «به» بالخبر - حالة کون الخبر مبینا - وعنه : (عن المبتدأ ..) ثم أشار إلی الموضع الثالث فالرابع بقوله : کذا إذا یستوجب التّصدیرا کأین من علمته نصیرا؟ وخبر المحصور قدّم أبدا کما لنا إلّا اتّباع أحمدا یرید أن یقول : کذلک یجب تقدیم الخبر إذا کان من الألفاظ التی تستوجب التصدیر ، أی : تستحقه وجوبا ؛ نحو : أین من علمته نصیرا؟ «فأین» : اسم استفهام خبر مقدم ... إلخ. «من» : اسم موصول مبنی علی السکون فی محل رفع مبتدأ مؤخر ... وکذلک یجب تقدیم خبر المحصور فیه ، أی : خبر المبتدأ الذی وقع فیه الحصر (فالخبر محصور ، والمبتدأ محصور فیه) مثل : ما لنا إلا اتباع أحمد.

زیادة وتفصیل

(ا) من المواضع التی یجب فیها تقدیم الخبر :

1 - أن یکون لفظة «کم» الخبریة (1) ؛ نحو : کم یوم غبابک!! أو أن یکون مضافا إلیها ، نحو : صاحب کم کتاب أنت!!

2 - أن یکون قد ورد عن العرب متقدما فی مثل من أمثالهم ؛ نحو : فی کل واد بنو سعد ؛ لأن الأمثال الواردة لا یصح أن یدخلها تغییر مطلقا ، (لا فی حروفها ، ولا فی ضبطها ، ولا فی ترتیب کلماتها). - کما سیجیء فی ص 471 -

3 - أن یکون المبتدأ مقرونا بفاء الجزاء ؛ نحو : أمّا عندک فالخیر.

4 - أن یکون الخبر اسم إشارة ظرفا للمکان ؛ نحو : هنا (2) وثمّ فی مثل : هنا النبوغ ؛ وثمّ العلم والأدب.

5 - أن یکون تأخیر الخبر مؤدیا إلی خفاء المراد من الجملة ، أو مؤدیا إلی الوقوع فی لبس ؛ فمثال الأول : لله درک (3) ، عالما ، فالمراد منها : التعجب. ولو تأخر الخبر وقلنا : درک لله - لم یتضح التعجب المقصود. ومثال الثانی : عندی أنک بارع ، من کل مبتدأ یکون مصدرا مسبوکا من «أنّ» (مفتوحة الهمزة مشدودة النون) ومعمولیها : وهی «أنّ» التی تفید التوکید. فلو قلنا : أنک بارع عندی - لکان التأخیر سببا فی احتمال اللبس فی الخط بین «أنّ» المفتوحة الهمزة المشددة النون و «إنّ» المکسورة الهمزة المشددة النون ، وسببا فی احتمال لبس آخر أقوی ، بین «أنّ» المفتوحة الهمزة المشددة التی معناها التوکید ، والتی تسبک مع معمولیها بمصدر مفرد - و «أن» التی بمعنی «لعل» ، وهذه مع معمولیها جملة فلا تسبک معهما بمصدر مفرد ، وفرق کبیر فی الإعراب بین المفرد والجملة ، وفی

ص: 458


1- أما الاستفهامیة فلها الصدارة أصالة کأسماء الاستفهام السابقة. فکم بنوعیها واجبة الصدارة.
2- هذا ما صرح به فریق من النحاة ، کصاحب «الهمع» - ج 1 ص 102 - ولکن السماع الکثیر یخالفه فی الظرف : «هنا». - کما أوضحنا هذا بإضافة فی رقم 6 من هامش ص 295 -
3- الدر : اللبن. والمقصود من هذه الجملة المدح والتعجب معا ؛ بسبب ما یدعیه المتکلم من أن اللبن الذی ارتضعه المخاطب ونشأ علیه هو لبن خاص من عند الله هیأه خاصة لإعداد هذا المخاطب إعدادا ممتازا ینفرد به (راجع ج 2 رقم 2 من هامش ص 18 م 60). وهذا الأسلوب قد التزم فیه العرب تقدیم الخبر ؛ فلا یصح تأخیره

المعنی بین التوکید ، والترجی أو الظن ... فقد صار اللبس محتملا لفظا وکتابة ومعنی بسبب تأخیر الخبر ، ولو تقدم لامتنع اللبس ، إذ الحکم الثابت «لإن» المکسورة الهمزة المؤکّدة ، و «أنّ» المفتوحة الهمزة التی بمعنی «لعل» أن کلا منهما مع معمولیه جملة ، وأن کلا منهما لا یجوز تقدیم معمول خبره علیه ؛ سواء أکان المعمول ظرفا أم غیر ظرف (1). ولهذا یسهل الاهتداء إلی إعراب الظرف فی المثال السابق ، وأشباهه ، وأنه خبر ولیس معمولا للخبر متقدما علیه ؛ إذ لو لم نعربه خبرا واعتبرنا الحرف : «أنّ» توکید (وهی المفتوحة الهمزة ، المشددة النون) لکان المصدر المؤول منها ومن معمولیها مبتدأ ، ولا نجد له خبرا ؛ وهذا لا یصح. ولو اعتبرناها بصورتها هذه بمعنی : «لعل» لم یصح تعلیق الظرف المتقدم بخبرها إذ لا یجوز تقدیم شیء من معمولات خبرها علیها - کما قلنا -. وکذلک لو اعتبرناها «إن» المکسورة الهمزة ، المشددة النون ، للتوکید. فلم یبق بدّ من إعراب ذلک الظرف خبرا متقدما. فتقدمه - أو غیره من المعمولات - یحتم أمرین :

(ا) تعیین نوع «أنّ» التی بعده ؛ فتکون للتوکید ، مفتوحة الهمزة مشددة النون.

(ب) أنه خبر متقدم ولیس معمولا لخبرها.

کما أن تأخیره یوجب أمرین :

(ا) اعتبار «أن» (مفتوحة الهمزة ، مشددة النون) بمعنی «لعل» أو کسر همزتها مع تشدید نونها لتکون للتوکید.

(ب) إعرابه فی الصورتین معمولا للخبر ولیس خبرا.

ولا شک أن کل اعتبار من الاعتبارات السالفة یؤدی إلی معنی یخالف الآخر.

هذا وإنما یکون تقدیم خبر «أنّ» واجبا علی الوجه الذی شرحناه بشرط عدم وجود «أما» الشرطیة. فإن وجدت جاز تأخیر الخبر (2). إذ المشددة المکسورة الهمزة. وکذا التی بمعنی : «لعل» لا یقعان بعدها (3) ...

وغایة القول : أنه یجب تقدیم الخبر فی کل موضع یؤدی فیه تأخیره إلی لبس ، أو خفاء فی المعنی أو فساد فیه.

ص: 459


1- کما هو مبین فی رقم 3 من هامش ص 576 - وفی «و» من ص 587
2- تقول : أما عندی فأنک فاضل. أو : أما أنک فاضل فعندی.
3- لأنه لا یجوز الفصل بینها وبین الفاء التی بعدها بجملة اسمیة مصدرة ب «إن» مکسورة الهمزة ولا «أنّ» التی بمعنی : «لعل» - کما سیجیء فی رقم 3 من هامش ص 574 وسیجیء فی ج 4 ص 379 م 161 تفصیل الکلام علی : «أما» وأحکامها.

المسألة 39: حذف المبتدأ والخبر

اشارة

یحذف کل منهما جوازا أو وجوبا فی مواضع معینة ؛ فیجوز حذف أحدهما إن دل علیه دلیل ، ولم یتأثر المعنی بحذفه (1) ؛ فمثال حذف المبتدأ جوازا أن یقال : أین الأخ؟ فیجاب : فی المکتبة. فالجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف تقدیره : «الأخ». وأصل الکلام : «الأخ فی المکتبة». حذف المبتدأ جوازا ؛ لوجود ما یدل علیه ، مع عدم تأثر المعنی بحذفه. ومن الأمثلة أیضا أن یقال : کیف الحال؟ فیجاب ... «حسن». فکلمة : «حسن» خبر لمبتدأ محذوف تقدیره : «الحال». وأصل الجملة : «الحال حسن» حذف المبتدأ جوازا ؛ لوجود ما یدل علیه ، مع عدم تأثر المعنی بحذفه ... وهکذا (2).

ومثال حذف الخبر جوازا أن یقال : من فی الحقل؟ فیجاب : «علیّ». فکلمة «علی» مبتدأ مرفوع ، والخبر محذوف تقدیره : «فی الحقل». وأصل الکلام. «علیّ فی الحقل». حذف الخبر جوازا لوجود ما یدل علیه ، مع عدم تأثر المعنی بحذفه. ومثله : ماذا معک؟ فیقال : «القلم» ، فکلمة : «القلم» مبتدأ مرفوع ،

ص: 460


1- هذا الحذف تطبیق لقاعدة لغویة عامة ، تشمل المبتدأ والخبر وغیرهما ؛ ومضمونها. أن الحذف جائز فی کل ما یدل الدلیل علیه ؛ بشرط ألا یتأثر المعنی أو الصیاغة بحذفه تأثرا یؤدی إلی عیب وفساد. ویریدون بالدلیل : القرینة الحسیة (ومنها اللفظیة) أو العقلیة التی ترشد إلی لفظ المحذوف ومعناه ، وإلی مکانه فی جملته. وقد سبقت الإشارة لهذا فی رقم 1 من هامش ص 449 - ویریدون بعدم تأثر المعنی : بقاءه علی حاله قبل الحذف ؛ فلا ینقص ، ولا یصیبه لبس ، أو خفاء - انظر «ا» من ص 444.
2- یکثر حذف المبتدأ جوازا فی جواب الاستفهام ؛ نحو : ما الحدید؟ فیقال : معدن. أی : هو معدن. ومنه قوله تعالی : (ما أَدْراکَ ما هِیَهْ؟ نارٌ حامِیَةٌ) أی : هی نار حامیة ... وقوله : (أَفَأُنَبِّئُکُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِکُمُ؟)(... النَّارُ ...) أی : هو النار. وکذلک بعد الفاء الداخلة علی جواب الشرط ؛ نحو : من یعمل صالحا فلنفسه ... أی : فعمله لنفسه. وکذلک بعد القول : مثل : الآیة الکریمة التی تسجل کلام الکفار عن القرآن بأنه أساطیر الأولین وهی : (قالُوا : أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ ..) أی : (هو : أساطیر الأولین). وقد یحذف جوازا فی غیر هذه المواضع ؛ مثل قوله تعالی : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها.) وقوله : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ...) أی : هذه ...

والخبر محذوف تقدیره : «معی». وأصل الکلام : «القلم معی» ، ومثل : خرجت فإذا الوالد (1).

وقد یحذف المبتدأ والخبر معا بالشرط السابق ؛ نحو : المحسنون کثیر ؛ فمن یساعد محتاجا فهو محسن ، ومن یساعف مستغیثا فهو محسن ، ومن یشهد شهادة الحق ... أی : من یشهد شهادة الحق فهو محسن. فجملة : (هو محسن) مبتدأ وخبر وقد حذفا معا. جوازا (2). ومن ذلک : من یخلص فی أداء واجبه فهو عظیم ، ومن ینفع وطنه فهو عظیم ، ومن یخدم الإنسانیة ... أی : فهو عظیم (3).

ص: 461


1- «إذا» هنا للمفاجأة ، أی : للدلالة علی هجوم الشیء ، ووقوعه بغتة. و «إذا الفجائیة» لا بد أن یسبقها کلام ، ولا تحتاج إلی جواب ، ولا بد أن تکون المفاجأة فی الزمن الحالی ؛ (لا المستقبل ولا الماضی) ، وأن تقترن بها الفاء الزائدة للتوکید. والمراد بالزمن الحالی أن وقوع المعنی بعدها ووقوع المعنی قبلها مقترنان ، بأن یتحقق وقوعهما معا فی وقت واحد ، ولو کان ماضیا ؛ نحو : خرجت أمس فإذا النسیم منعش (وسیجیء کلام علی إعراب «إذا» فی ص 592 - ثم راجع ج 2 ص 225 م 79) فتقدیر المثال : خرجت فإذا الوالد موجود ؛ وهذا علی اعتبار أن «إذا» الفجائیة حرف. - مراعاة للأسهل - أما علی اعتبارها ظرف زمان أو مکان فهی الخبر ؛ أی : ففی الوقت أو فی المکان الوالد.
2- فکلمة : «من» اسم شرط جازم مبنی علی السکون فی محل رفع مبتدأ. «یشهد» فعل مضارع فعل الشرط مجزوم ، والفاعل ضمیر مستتر جوازا تقدیره : هو ؛ والجملة من الفعل والفاعل فی محل رفع خبر المبتدأ. «شهادة» مفعول مطلق منصوب ، ومضاف ، «الحق» مضاف إلیه مجرور «فهو محسن» الفاء داخلة علی جواب الشرط. «هو» مبتدأ مبنی علی الفتح فی محل رفع ، «محسن» خبره مرفوع ، والجملة من المبتدأ والخبر فی محل جزم جواب الشرط. وفی هذا المثال یصح أن یکون المحذوف هو الخبر وحده ، والتقدیر ، «ومن یشهد شهادة الحق محسن». فتکون کلمة : «محسن» خبر «من» ولا تکون «من» الشرطیة ؛ وإنما تکون اسم موصول مبتدأ ، مبنی علی السکون فی محل رفع «یشهد» مضارع مرفوع ، وفاعله ضمیر مستتر جوازا تقدیره : هو .. والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول والخبر محذوف. تقدیره «محسن»
3- وقد أشار ابن مالک إلی الحذف السابق فقال : وحذف ما یعلم جائز ؛ کما تقول : زید ، بعد : من عندکما؟ وفی جواب : کیف زید؟ قل ، دنف فزید استغنی عنه إذ عرف ومعنی البیت الأول : أن الحذف جائز فی کل ما یعلم ؛ فیشمل حذف المبتدأ وحده ، وحذف الخبر وحده ، وحذفهما معا ، وغیرهما. والشرط فی ذلک کله أن یکون المحذوف معلوما ؛ ولن یکون معلوما إلا إذا وجد دلیل یدل علیه مع عدم تأثر المعنی بحذفه ، ولم یذکر ابن مالک هذا الشرط اکتفاء بشرط العلم ؛ لأن المحذوف لن یکون معلوما حقا إلا إذا وجد الشرط المذکور. وضرب مثالا لحذف – - الخبر هو : أن یسأل سائل : من عندکما؟ فتقول : «زید». التقدیر «زید عندنا» ؛ فحذف الخبر وهو «عندنا» ؛ للعلم به علی الوجه السالف. وأتی فی البیت الثانی. بمثال لحذف المبتدأ ؛ أن یسأل سائل : کیف زید؟ فیکون الجواب : «دنف» أی : شدید المرض «فدنف» خبر المبتدأ الذی استغنی عنه فحذف ، وأصل الجملة : زید دنف. وقد ردد فی کلامه اسم : «زید» علی عادة قدامی النحاة فی کثرة تردیده خلال أمثلتهم ، هو ، وعمرو ، وبکر ، وخالد .. حتی صار التمثیل بهذه الأسماء بغیضا ؛ لابتذاله. یتحاشاه - بحق - أهل البلاغة والمقدرة الفنیة. وبهذه المناسبة نشیر إلی أن کلمة : «کیف» أو «کی» - کما ینطقها بعض العرب - هی فی أکثر استعمالاتها : إما اسم مبنی علی الفتح ، معناه الاستفهام عن حالة الشیء ، والسؤال عن هیئته الطارئة علیه ، دون السؤال عن ذاته وحقیقته ، وإما اسم معرب ، لا یدل علی استفهام ، وإنما یدل علی الحال المجردة ، والهیئة المحضة ، بأن یکون بمعنی «الکیفیة». وإما شرطیة غیر جازمة. فلها حالات ثلاث لا تکاد تخرج عنها. ولکل حالة أحکامها التی نوضحها فیما یلی. ا - فالاستفهامیة لها الصدارة فی جملتها. وهی مبنیة علی الفتح وجوبا فی کل مواقعها المختلفة باختلاف الأسالیب التی تحتویها. وضابط إعرابها أن ننظر إلی العامل بعدها ؛ فإن کان محتاجا إلیها باعتبارها جزءا أساسیا لا یستغنی عنه فإنها تعرب علی حسب حاجته ، فتکون خبرا فی مثل : کیف أنت؟ لأن العامل الذی بعدها مبتدأ یحتاج للخبر ؛ فهی الخبر له ، مبنیة علی الفتح فی محل رفع. وکذلک هی الخبر فی مثل : کیف بک ؛ وکیف به ، - بالإیضاح الذی سبق فی رقم 2 من هامش ص 405 - وفی مثل : کیف کنت؟ تعرب خبرا «لکان» ، مبنیة علی الفتح أیضا فی محل نصب ؛ لاحتیاج «کان» لخبر. وفی مثل : کیف ظننت الضیف؟ تکون مبنیة علی الفتح فی محل نصب ، مفعولا ثانیا للفعل : «ظن» - وهو من الأفعال التی تحتاج لمفعولین ، أصلهما المبتدأ والخبر - فإن کان ما بعدها غیر محتاج لها احتیاجا أساسیا علی الوجه السالف بقیت مبنیة علی الفتح أیضا. ولکن فی محل نصب دائما ؛ إما لأنها حال ؛ نحو : کیف حضر الضیف (أی : حضر الضیف فی أی حال ؛ وعلی أی هیئة) وإما لأنها مفعول مطلق ؛ نحو (أَلَمْ تَرَ کَیْفَ فَعَلَ رَبُّکَ بِأَصْحابِ الْفِیلِ؟) «فکیف» مفعول مطلق. والمعنی : فعل ربک بأصحاب الفیل أیّ فعل ... فهی فی کل ما سبق اسم استفهام مبنی علی الفتح فی محل رفع ، أو نصب علی حسب حاجة العامل ، ولا تکون فی محل جر مع بقائها استفهامیة إلا سماعا فی بعض أمثلة نادرة لا یقاس علیها ؛ منها قولهم : علی کیف تبیع الأحمرین؟ ولسیبویه رأی آخر حسن فی معنی «کیف» الاستفهامیة ، وفی إعرابها. وقد اضطرب النحاة فی شرحه إلی أن تناوله «الخضری» فی حاشیته فأزال عنه الغموض والخفاء ، وکشف بشرحه السبب فی استحسان صاحب «المغنی» وتأییده لذلک الرأی. وملخصه : أن معنی : «کیف» الاستفهامیة عند سیبویه شیء واحد ، هو السؤال عن الحال والهیئة الطارئة علی الأمر المسئول عنه ، وأن من یقول : کیف محمد؟ وکیف الجو؟ یرید : فی أی حال ؛ محمد؟ وعلی أی حال الجو؟ فمعناها اللفظی الدقیق هو : - فی أی حال؟ ، أو : علی أی حال ؛ بحیث تستطیع أن تحذف لفظها وتضع مکانه هذا الذی بمعناه ، فلا یتأثر المراد. وهذا معنی قول سیبویه إنها : «ظرف» مبنی علی الفتح ؛ - لأن کلمة : «ظرف» یراد منها أحیانا الجار مع مجروره. ثم هو یرید الظرفیة المجازیة ؛ کالتی فی مثل : فلان فی حالة حسنة. ولا یرید الظرفیة الحقیقیة النحویة التی تقتضی أن یکون الظرف منصوبا علی الظرفیة ؛ إذ لا تدل هنا علی زمان أو مکان ، وإنما یرید ما قدمناه من نحو : فی أی حال - وعلی أی هیئة ... وبهذا تکون «کیف» عنده مبنیة علی الفتح فی محل رفع أو نصب ، علی حسب حاجة العوامل ، ولا تکون فی محل جر ، ولا مقصورة علی النصب للظرفیة أو لغیرها. وهذا الرأی قریب من سابقه ، وحسن أیضا - کما قلنا - وفی کل ما تقدم راجع المغنی والهمع ، فی مبحث : «کیف» وکذا الصبان والخضری وحاشیة یاسین فی باب المبتدأ والخبر - ج 1 - عند بیت ابن مالک : وفی جواب : کیف زید؟ قل : دنف ... ثم فی أول باب «أعلم وأری» ب - والتی تجردت عن الاستفهام ، وتخلصت لمعنی الحال المجرد (أی : کانت بمعنی : «الکیفیة») لا تکون اسما مبنیا ، وإنما تکون اسما معربا مفعولا به - فقط - مجردا عن معنی السؤال ، ولیس له وجوب الصدارة فیعرب مفعولا به منصوبا لعامل قبله کالذی قیل أیضا فی آیة : (أَلَمْ تَرَ کَیْفَ فَعَلَ رَبُّکَ بِأَصْحابِ الْفِیلِ) حیث أعربها بعض النحاة مفعولا به منصوبا ، مضافا إلی الجملة الفعلیة بعده ، ثم تأویل هذه الجملة الفعلیة بالمصدر - طبقا لما هو موضح فی باب الإضافة ج 3 خاصا بالجملة الواقعة مضافا إلیه - کتأویل الجملة بالمصدر فی قوله تعالی (هذا یَوْمُ یَنْفَعُ الصَّادِقِینَ صِدْقُهُمْ) بإضافة کلمة «یوم» إلی الجملة بعده. فالمعنی : أرنی کیفیة فعل ربک بأصحاب الفیل. ومثله التأویل فی الآیة الأخری وهی : قوله تعالی : (رَبِّ أَرِنِی کَیْفَ تُحْیِ الْمَوْتی ..؟) وفی الآیتین آراء أخری ولکن ما عرضناه أوضح وأیسر تطبیقا ، ولیس فیه ما یعارض حکما مطردا ، أو قاعدة أصیلة. أی : أرنی کیفیة إحیائک الموتی. ج - والشرطیة : اسم شرط غیر جازم - علی الأرجح - یقتضی بعده فعل شرط وجوابه. ولا بد أن یکون الفعلان متفقین فی اللفظ والمعنی بعدها. نحو : کیف تکتب أکتب ، ولا یجوز : کیف تکتب أقرأ ... وتفصیل الکلام علی هذا الاستعمال وحکمه مدون فی موضعه الخاص من الجزء الرابع - باب الجوازم ص 334 م 156.

ص: 462

ذاک هو الحذف الجائز (1) ، أما الواجب فللمبتدأ مواضع ، وللخبر أخری. وفیما یلی البیان :

مواضع حذف المبتدأ وجوبا ، أشهرها أربعة :

(ا) المبتدأ الذی خبره فی الأصل نعت ثم ترک أصله وصار خبرا. بیان هذا : أن بعض الکلمات یکون نعتا خاصّا بالمدح کالذی فی نحو : ذهبت إلی الصدیق الأدیب ، أو بالذم کالذی فی ، نحو : ابتعدت عن الرجل السفیه ، أو : بالترحم (2) کالذی فی نحو : ترفق بالضعیف البائس. فکلمة «الأدیب» و «السفیه» و «البائس» نعت مفرد (3) ، تابع للمنعوت فی حرکة الإعراب ، مجرور فی الأمثلة السابقة.

لکن یجوز إبعاده عن الجرّ إلی الرفع أو النصب بشروط (4). وعندئذ لا یسمی

ص: 463


1- ویمتنع حذف الجزأین معا ، أو أحدهما إذا وقعت جملتهما خبرا عن ضمیر الشأن (وقد سبق تفصیل الکلام علیه فی الضمائر - ص 226 - نحو : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ.)
2- إظهار الرحمة والحنان
3- النعت المفرد کالخبر المفرد ، وکالحال المفردة - ما لیس جملة ، ولا شبه جملة.
4- ستجیء مفصلة فی موضعها الأنسب ، وهو : باب النعت ، ج 3 ص 375 م 15.

ولا یعرب فی حالته الجدید «نعتا» (1) وإنما یکون فی حالة الرفع خبرا لمبتدأ محذوف وجوبا تقدیره : هو - مثلا - فیکون المراد : ذهبت إلی الصدیق ؛ «هو الأدیب» ابتعدت عن الرجل ؛ «هو السفیه. ترفق بالضعیف «هو البائس».

ویکون فی حالة النصب مفعولا به لفعل محذوف وجوبا مع فاعله ، تقدیره : «أمدح» ، أو : «أذم» ، أو : «أرحم» ، علی حسب معنی الجملة. والفاعل فی هذه الأمثلة ضمیر مستتر وجوبا تقدیره : أنا. فالمراد : أمدح الأدیب ... أذم السفیه ... أرحم البائس.

ومن الأمثلة : أصغیت إلی الغناء الشجیّ (2) ، فزعت من رؤیة القاتل الفتاک ، أشفقت علی الطفل الیتیم. فکلمة «الشجیّ» نعت مفرد مجرور ؛ تبعا للمنعوت. وتفید المدح. وکلمة : «الفتاک» نعت مفرد مجرور ؛ تبعا للمنعوت ، وتفید الذم. وکذلک : «الیتیم» ، إلا أنها تفید الترحم. فتلک الکلمات الثلاث وأشباهها - من کل نعت مفرد مجرور یفید المدح ، أو الذم ، أو الترحم - قد یجوز إبعادها عن الجر ، إلی الرفع أو : النصب ؛ فلا تعرب نعتا مفردا مجرورا ؛ وإنما تعرب فی حالة الرفع خبرا لمبتدأ محذوف وجوبا تقدیره : «هو» ویکون المراد : «هو الشجی». «هو الفتاک». «هو الیتیم» کما تعرب فی حالة النصب مفعولا به لفعل محذوف وجوبا مع فاعله ، تقدیره : أمدح ... أو : أذم ... أو : أرحم ... ، علی حسب الجملة ؛ فالمراد : أمدح الشجیّ ... أذمّ الفتاک ... أرحم الیتیم(3).

ص: 464


1- قد یسمی نعتا مقطوعا ، أو : منقطعا ؛ بمعنی : أنه منقطع عن أصله ، وتارک لاسمه الأول وحکمه السابق. انظر ما یأتی فی رقم 3 من الهامش
2- الذی یسر ویفرح.
3- قلنا : إن تلک الکلمات وأشباهها لا تعرب نعتا إلا حین تکون تابعة للمنعوت فی حرکة إعرابه. أما حین تخالفه إلی الرفع أو النصب فلا تکون نعتا ؛ لأن صلتها الإعرابیة به تنقطع ؛ لدخولها فی جملة جدیدة مستأنفة فی الرأی الشائع ؛ لا صلة بینها وبین الجملة السابقة من ناحیة الإعراب ؛ فکلتاهما مستقلة بنفسها فیه. نعم إن تلک الکلمة التی کانت فی الأصل : «نعتا» قد تسمی : «النعت المقطوع» أو : «المنقطع» ولکن تسمیتها بالنعت لم یلاحظ فیها حالتها الجدیدة ؛ وإنما لوحظ فیها حالتها القدیمة التی ترکتها ؛ فهی تسمیة مجازیة باعتبار ما کان ، لا باعتبار ما هو متحقق الآن. أما الوصف بالمقطوع ، أو : المنقطع فملاحظ فیه أنها صارت فی حالتها الجدیدة ، وإعرابها المستحدث - مقطوعة عن إعرابها السابق ، وعن حرکتها الأولی. بل إن جملتها الجدیدة مستأنفة لا محل لها من الإعراب کما أسلفنا ؛ فلیس بین الجملتین صلة إعرابیة ؛ بالرغم من أن الغرض من الجملة الجدیدة هو إنشاء المدح ، أو الذم ، أو الترحم. أو غیره مما کان یدل علیه النعت قبل قطعه ... - - أما السبب فی تحویلها من نعت مفرد فی جملة إلی خبر مرفوع ، أو إلی مفعول به ، فی جملة جدیدة مستقلة بنفسها ، لا صلة فی الإعراب بینها وبین سابقتها. فسبب بلاغی ؛ ذلک أنهم حین یرون أهمیة هذه الکلمة ، وجلال معناها ، وأن هذا المعنی جدیر بالتنویه ، وتوجیه الأبصار والأسماع إلیه یحولونها عن سیاقها المألوف ، وإعرابها الطبیعی ؛ بقطعها وجوبا من جملتها ، وإدخالها فی جملة جدیدة ؛ الغرض منها إنشاء المدح ، أو الذم ، أو الترحم ؛ فتکون دلالة الجملة الجدیدة علی تحقیق المراد أقوی وأظهر من دلالة الکلمة المفردة. وقد یکون القصد من القطع تقویة التخصیص ؛ إذا کان وقوعه بعد نکرة ؛ نحو : مررت بأسد فی قفصه زائر أو زائرا. أو : تقویة الإیضاح إذا کان وقوعه بعد معرفة ؛ نحو : أصغیت لعلی الشاعر ؛ فیکون الحذف فیهما جائزا. هذا ولیس من اللازم فی النعت المنقطع أن یکون مجرورا فی الأصل تبعا للمنعوت ، بل یجوز أن یکون مرفوعا فی حالته الأولی ، أو منصوبا ؛ تبعا لذلک المنعوت. فإن کان المنعوت مرفوعا جاز فی نعته المرفوع النصب علی القطع ، ولا یجوز الرفع ؛ منعا للالتباس ؛ لأنه إن رفع فلن یعرف أنه مقطوع. وإن کان المنعوت منصوبا جاز قطع النعت إلی الرفع فقط ؛ ولا یجوز قطعه إلی النصب : منعا للالتباس کذلک. أما إذا کان المنعوت مجرورا فیجوز قطعه إلی الرفع ، أو النصب ، کما سبق ؛ إذ لا لبس مع أحدهما. وقد قلنا : إن المنصوب بعد القطع لا یعرب نعتا ؛ فقد دخل فی جملة جدیدة مستقلة بإعرابها ؛ لأنها - فی الرأی الشائع - جملة مستأنفة إنشائیة (من نوع الإنشاء غیر الطلبی). فلو ظهر الفعل المحذوف حذفا واجبا لأوهم أن الکلام خبری. وقد حمل علی حذف الفعل وجوبا ، حذف المبتدأ ... وجوبا أیضا.) ولا یجوز القطع إلا إذا کان المنعوت معرفة ، أو نکرة خاصة. کما أن الفعل والمبتدأ یکون حذفهما واجبا مع النعت المقطوع الذی أصله للمدح أو الذم أو الترحم. أما غیره فالحذف جائز ، لا واجب - کما تقدم ، وکما سیجیء فی باب النعت ، وقد سبقت إشارة لبعض هذا فی رقم 1 من هامش 288 عند الکلام علی بعض أحکام العلم.

وإذا کان النعت مرفوعا فی الأصل جاز قطعه إلی النصب ، ذا کان منصوبا جاز قطعه إلی الرّفع وإذا کان مجرور جاز قطعه للرفع أو النصب ، والذی یتصل بموضوعنا هو : النعت المقطوع إلی الرفع حیث یعرب بعد القطع خبرا لمبتدأ محذوف وجوبا ولا یجب الحذف إلا بشرظ أن یکون أصل النعت للمدح ، أو الذم ، أو الترحم ، دون غیرها - کما سبق -.

2 - المخصوص بالمدح أو الذم.

وبیانه : أن فی اللغة أسالیب للمدح ، وأخری للذم ، وکلاهما یؤلّف بطریقة معینة ، وصور مختلفة ، مشروحة فی أبوابها (1) النحویة. فمن أسالیب المدح : أن تقول فی مدح زارع اسمه حلیم : «نعم الزارع حلیم». وفی ذم صانع اسمه سلیم : «بئس الصانع سلیم» ... فالممدوح هو «حلیم» ویسمی : «المخصوص بالمدح» والمذموم هو : «سلیم» ویسمی : «المخصوص بالذم». ومثلهما : «نعم الوفی

ص: 465


1- مثل باب نعم وبئس وما جری مجراهما. وسیجیء فی الجزء الثالث.

حامد» أو : «بئس المختلف وعده زهیر». فالممدوح هو : «حامد» ، ویسمی ، «المخصوص بالمدح» والمذموم هو : «زهیر» ویسمی : «المخصوص بالذم» فالمخصوص - فی الحالتین - یقع بعد جملة فعلیة ، مکونة من فعل خاصّ - یدل علی المدح ، أو علی الذم ، - وفاعله. وقد یتقدم المخصوص علیهما ؛ فنقول : «حلیم نعم الزارع» ... «سلیم بئس الصانع». وله صور وإعرابات مختلفة ؛ یعنینا منها الآن إعرابه إذا وقع متأخّرا ؛ فیجوز إعرابه خبرا ، مرفوعا ، لمبتدأ محذوف وجوبا تقدیره : «هو» (1) فیکون أصل الکلام : «نعم الزارع هو حلیم». «بئس الصانع هو سلیم».

3 - أن یکون الخبر صریحا فی القسم (الحلف). وصراحته تتحقق بأن یکون معلوما فی عرف المتکلم والسامع أنه یمین ؛ نحو : فی ذمتی لأسافرن. - بحیاتی لأخدمن العدالة. ترید : فی ذمتی یمین (2) ، أو عهد ، أو میثاق ... بحیاتی یمین ، أو عهد ، أو میثاق ...

4 - أن یکون الخبر مصدرا یؤدی معنی فعله ، ویغنی عن التلفظ بذلک الفعل - فی أسالیب معینة ، محدّدة الغرض ؛ محاکاة للعرب فی ذلک - ؛ کأن یدور بینک وبین طبیب ، أو مهندس ، أو زارع ... کلام فی عمله ، فیقول عنه : «عمل لذیذ». أی : عملی عمل لذیذ. وهذه الجملة فی معنی جملة أخری (3) فعلیة ، هی : «أعمل عملا لذیذا». فکلمة : «عملا» مصدر ، ویعرب مفعولا مطلقا للفعل الحالی : (أعمل) وقد حذف الفعل وجوبا ؛ للاستغناء عنه بالمصدر الذی یؤدی معناه ، وللتمهید لإحلال جملة اسمیة محلّ هذه الجملة

ص: 466


1- هذا هو الشائع. ولنا رأی أیسر وأوضح وسنذکره فی مکانه من باب نعم وبئس ... - ج 3 -
2- المراد : فی ذمتی وفی رقبتی ما یتعلق بالیمین ، ویتصل بالقسم ؛ کالسفر مثلا ، أو خدمة العدالة ؛ لأن کلا منهما هو مضمون الیمین والقسم ، والغرض منها ؛ ولذلک یسمی : «جواب الیمین» أو «جواب القسم». وهو الذی یستقر فی الذمة ، ویتعلق بالرقبة ، ولیس الیمین أو العهد أو المیثاق. وإنما کان حذف المبتدا واجبا هنا لأنه واجب التأخیر بسبب تنکیره ، وقد وجد ما یدل علیه عند حذفه ؛ وهو : جواب القسم.
3- یوضح هذا الحکم ما سیجیء فی ج 2 م 76 ص 178 - موضوع حذف عامل المصدر وإقامة المصدر المؤکد مکانه. علی الرغم من أن المصدر هناک منصوب فی أکثر حالاته ، وهو هنا مرفوع.

الفعلیة ... (1) وصار المصدر مرفوعا بعد أن کان منصوبا ؛ لیکون خبرا لمبتدأ محذوف ؛ فتنشأ جملة اسمیة تؤدی المعنی الأول تأدیة أقوی وأبرع من السابقة (2). ومن الأمثلة أن یقول السباح وقد قطع أمیالا : «سباحة شاقة» أی : سباحتی سباحة شاقة. وهذه الجملة فی معنی : أسبح سباحة شاقة. فکلمة : «سباحة» مصدر منصوب ، لأنه مفعول مطلق للفعل : «أسبح» ، ثم حذف الفعل وجوبا ؛ استغناء عنه بوجود المصدر الذی یؤدی معناه ؛ ثم رفع المصدر لیکون خبرا لمبتدأ محذوف ؛ فتنشأ جملة اسمیة جدیدة ، تکون أقوی وأبرع فی تأدیة المعنی من الجملة الفعلیة الأولی.

ومن الأمثلة أیضا أن یقول السعید : شکر کثیر. حمد وافر ... وأن یقول المریض أو المکدود : صبر جمیل -. أمل طیب ... وأن یقول الولد لوالده الذی یطلب شیئا : سمع وطاعة ... أی : أمری وحالی سمع وطاعة (3).

ص: 467


1- قلنا «فی معنی جملة أخری» ، لنفر من قول القائلین : إن أصل الکلام «أعمل عملا لذیذا» ثم تناولوا هذا الأصل بالحذف والزیادة والتأویل ... مما لم یعرفه العرب ، ولم یخطر ببالهم. فلکی یکون الکلام صادقا صائبا معا قلنا : فی معنی جملة أخری.
2- لأن هذه جملة اسمیة ؛ والجملة الأسمیة تفید الثبوت والدوام. بخلاف الأولی.
3- إنما یکون المحذوف وجوبا هو المبتدأ حین یکون المقصود هو قیام المصدر مقام فعله نهائیا علی الوجه السالف. ووجود قرینة تدل علی هذا. فإن لم یکن المقصود ما سبق نحو : صبر جمیل ، وأمل طیب ، وباقی الأمثلة الأخری - تغیر الحکم فجاز أن یکون المحذوف هو المبتدأ ؛ أی : صبری صبر جمیل ... وأن یکون المحذوف هو الخبر ؛ أی : صبر جمیل أحسن من غیره ، أو أنسب لی ، أو ألیق بک ... وإذا جاز فی المحذوف أن یکون هو المبتدأ أو الخبر فأیهما أولی بالذکر؟ أطال النحاة من غیر داع ؛ والأولی بهذا أو ذاک ما له سبب لذکره ، أو لحذفه.

زیادة وتفصیل

(ا) هناک مواضع أخری - غیر الأربعة السالفة - یجب فیها حذف المبتدأ ؛ منها :

1 - الاسم المرفوع بعد «لا سیما» ؛ فی مثل : أحب الشعراء ، ولا سیما «شوقیّ» بإعراب «شوقیّ» خبرا لمبتدأ محذوف وجوبا تقدیره : هو (1).

2 - بعد المصدر النائب عن فعل الأمر : من مثل : «سقیا لک» (2) ... و «رعیا لک» ... ومثلهما فی قول الشاعر :

نبّئت نعمی علی الهجران عاتبة

سقیا ورعیا لذاک العاتب الزاری

وغیرهما من کل مصدر ینوب عن فعل الأمر نیابة تغنی عن لفظه ومعناه ، وبعد المصدر ضمیر مجرور لمخاطب. فأصل : «سقیا لک» «اسق یا رب» ... «الدعاء لک یا فلان». وأصل «رعیا لک» «ارع یا رب» ... «الدعاء لک یا فلان» ، فالمصدر نائب عن لفظ فعل الأمر وعن معناه ، وبعده المخاطب المجرور. والجار مع المجرور خبر لمبتدأ محذوف. ولا یصح أن یکون هذا الجار مع مجروره متعلقا بالمصدر : (سقیا ورعیا) ، لأن هذا التعلق مخالف للأصول العامة

ص: 468


1- سبق فی آخر باب الموصول (ص 363) ، التفصیل فی إعراب : «لا سیما - وأخواتها - وإعراب الاسم الذی بعدها ، وطریقة استعمال أسلوبها. ومن ذلک التفصیل نعلم أن الاسم الذی بعدها یجوز فیه الرفع والجر إن کان معرفة - ویجوز فیه الرفع ، والنصب ، والجر ، إن کان نکرة. وقلنا هناک التحقیق : أن الأوجه الثلاثة جائزة فی الاسم الذی بعدها ؛ سواء أکان معرفة ، أم نکرة .. کما قلنا أیضا : إذا کان الاسم الذی بعدها یجوز فیه الأوجه الثلاثة فما الداعی إلی کد الذهن بمعرفة إعراباتها ، وتفصیل کل إعراب؟ الحق أنه لا داعی لذلک ؛ فالمهم - وهو حسبنا - أن نعلم الغرض الصحیح من أسلوبها ، وطریقة استعمالها ، وأن کل اسم بعدها یجوز فیه الحرکات الثلاث ، من غیر تعرض لتوجیه کل حرکة ، أو إعراب ذلک الاسم وإعرابها.
2- «سقیالک». هو : دعاء موجه لله أن یسقی المخاطب. ولیس الغرض أن یسقیه بالماء حقا وإنما الغرض من السقی الإنعام الغامر ، والرضا الأکمل. «والرعی» دعاء بالرعایة. وهذه اللام فیهما ، تسمی : «لام التبیین» ، لأنها تبین أن ما بعدها مفعول معنوی - لا نحوی - کهذا المثال ، وأن ما قبلها فاعل معنوی کذلک. وقد تبین العکس ؛ (أی : أن ما بعدها فاعل معنوی - لا نحوی - وما قبلها مفعول کذلک ؛ نحو : قولک للحاقد : بؤسا لک ، - کما سیجیء فی هامش الصفحة التالیة ، وفی ج 2 باب حروف الجر عند الکلام علی اللام -.

فی تکوین الجملة (1).

ص: 469


1- تقضی تلک الأصول بأن الجملة الواحدة لا یصح أن تجمع فی وقت واحد بین صیغتین مختلفتین لخطاب اثنین مختلفین ؛ کأن تکون إحدی الصیغتین فعل أمر ، أو ما ینوب عنه ، والخطاب فیها متجها لشیء ، وتکون الصیغة الأخری مخالفة للأولی فی لفظها وفی المخاطب الذی تتجه إلیه. فلو تعلق الجار والمجرور بالمصدر لفسد المعنی ؛ لأن المصدر فی مثل : «سقیا» نائب عن فعل الأمر : «اسق» - وله فاعل کفعل الأمر ، وفاعله مستتر فیه تقدیره : «أنت» ویصح أن یقال : أنه محذوف تقدیره : «أنت» طبقا للبیان الذی سنذکره بعد ؛ فهو یتضمن کفعله مخاطبة «الله» بالدعاء ، فی الوقت الذی یتضمن فیه الضمیر المجرور مخاطبة شیء آخر تدعو الله له ، وبهذا تشتمل الجملة الواحدة علی الخطابین اللذین لا یجتمعان ؛ لأن اجتماعهما یفسد المعنی (إذ یکون التقدیر : اسق یا ألله لک. فیؤدی هذا إلی أن : الله منه السقی ، وله السقی ، والشطر الثانی فاسد) ولهذا قالوا - بحق - : إن «سقیالک» وما هو علی نمطها لیس جملة واحدة ، وإنما هو جملتان ؛ إحداهما : «سقیا» ؛ فکلمة : «سقیا» مصدر نائب عن فعل الأمر ویعرب مفعولا مطلقا منصوبا ، وفاعله مستتر فیه أو محذوف - کما تقدم ، وکما یجیء - وتقدیره فی الحالتین : «أنت» والأخری : «لک». فالجار : مع مجروره خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقدیره : الدعاء ... وأصل الجملة الثانیة : الدعاء لک ؛ وأصل الکلام کله : سقیا (بمعنی : اسق یا ألله) الدعاء لک أیها المخاطب الذی أدعو الله لک. ومما یستحق التنویه أن الضمیر الواقع بعد ذلک المصدر (وهو ضمیر الخطاب المجرور) له اتصال معنوی بالجملة الأولی ، مع أنه فی جملة بعدها مستقلة عنها فی الإعراب ، وسبب ذلک الاتصال المعنوی : أنه قد یکون هو المقصود من الأولی ، والذی ینصبّ علیه ما فیها من دعاء أو غیره ؛ فکأنه من جهة المعنی - لا من جهة الإعراب - مفعول به. فمعنی «سقیا لک». اسق یا رب فلانا ... فمن فلان هذا؟ أین هو فی الکلام؟ لا یتحقق إلا فی المخاطب الواقع بعد اللام. فظاهره أنه مجرور باللام ، ولکنه فی حقیقته المعنویة بمنزلة المفعول به ؛ مع أنه لا یعرب مفعولا به ؛ إذ لا بد من اعتبار الکلام جملتین عند الإعراب - کما أوضحنا -. کذلک : «رعیا لک» معناها : ارع یا رب فلانا. فمن فلان؟ أین هو فی الکلام؟ لا وجود له من حیث المعنی إلا فی الضمیر المخاطب بعد اللام ؛ فظاهره أنه مجرور بها ، ولکنه فی حقیقته المعنویة بمنزلة المفعول به ، مع أنه لا یعرب مفعولا ... إذ لا بد من اعتبار الکلام جملتین عند إعرابه ، کما سبق ... وفی بعض الأسالیب الأخری قد یکون ذلک الضمیر المجرور بمنزلة الفاعل من جهة المعنی مع أنه لا یصح إعرابه فاعلا ؛ نحو : «بؤسا لک» أیها العدو ، أو :. «سحقا لک» ، أو : «بعدا لک». تخاطب عدوا ، أو من یخون أمانته ، مثلا ... وتدعو علیه. وأصل الکلام : «أبؤس» ؛ فی الدعاء علیه بالبؤس ؛ - وهو : المرض والفقر -. و «اسحق» ؛ فی الدعاء علیه بالسّحق ، وهو : الهلاک. وابعد ، فی الدعاء علیه بالبعد : وهو ؛ الهلاک أیضا. فکأنک تقول بؤست ، وسحقت وبعدت ، أی : صرت بائسا ، ساحقا ، باعدا ؛ فالضمیر المجرور بعد اللام هو الذی حل محل الفاعل فی المعنی لا فی الإعراب وصار مؤدبا معناه. غیر أنه فی مثل هذه التراکیب التی یکون فیها الضمیر المجرور فاعلا فی المعنی لا یکون الترکیب مشتملا علی خطابین لمخاطبین مختلفین ، وإنما یکون مشتملا علی خطابین بلفظین مختلفین ، - - والمخاطب واحد فیهما ، فإن. «بؤسا» لک «سحقا» لک «وبعدا» لک - معناها (بؤست ، الدعاء لک). (سحقت. الدعاء لک) (بعدت - الدعاء لک) فتاء الخطاب وکاف الخطاب فی کل جملة هما لمخاطب واحد ، مع اختلاف صیغتهما فی اللفظ ، بخلاف : «سقیا» ؛ فإن المخاطب فیها غیر المخاطب فی الضمیر المجرور ، وهو الکاف بعدها. وبالرغم من اتحاد الخطابین فی مثل : «بؤسا» ... فإن الجار والمجرور بعدها یعرب خبرا لمبتدأ محذوف ، وجوبا ، تقدیره : الدعاء .. والکلام یشتمل علی جملتین ؛ لا جملة واحدة. ولیس الجار مع المجرور هنا متعلقا بکلمة : «بؤسا» ، أی : بالمصدر ؛ لأن التعدی باللام یکون للمفعول به ، ولا یکون للفاعل المعنوی ، کالذی هنا. فالمانع هنا من التعلیق مخالف للمانع مع الضمیر الذی یکون بمعنی المفعول به ، وفی الحالتین لا بد أن یکون الکلام جملتین عند الإعراب. وما سبق من التفصیل مقصور علی المصدر النائب عن فعل الأمر ، وبعده المجرور ضمیر المخاطب. فإن ناب المصدر عن غیر الأمر ، نحو : شکرا لک کثیرا ، أی : أشکر لک شکرا ، أو کان المجرور اسما ظاهرا ، أو ضمیرا غیر ضمیر المخاطب ، نحو : سقیا للأمین ورعیا له - فاللام حرف لتقویة العامل ؛ فتکون حرف جر زائد ، وما بعدها مجرور بها فی محل نصب ؛ لأنه مفعول للمصدر. أو لیست بزائدة فالجار بالمجرور متعلقان بالمصدر ، فکأنک تقول : اسق یا رب الأمین ، وارعه. وللبحث تتمة وتقسیم لیس مکانه هنا ؛ وإنما مکانه : باب المفعول المطلق - ج 2 - وباب حروف الجر - ج 2 - عند الکلام علی لام الجر التی معناها : «التبیین». ومن کل ما تقدم یتضح ما ذکرناه من سبب تسمیة تلک اللام : «لام التبیین». بقی إیضاح ما أشرنا إلیه من فاعل المصدر النائب عن فعل الأمر ؛ کالمصدر : «سقیا» ونظائره ... أفاعله ضمیر مستتر فیه تقدیره : هو؟ أم فاعله محذوف ...؟ قال الصبان ، ج 2 - أول باب إعمال المصدر - إن فاعله هنا ضمیر مستتر تقدیره : «أنت». مع أنه سجل فی باب الفاعل - ج 2 - عند الکلام علی مواضع حذف الفاعل - أن الفاعل یحذف جوازا «حین یکون عامله مصدرا ؛ مثل : ضربا زیدا ، وقوله تعالی : (أَوْ إِطْعامٌ فِی یَوْمٍ ..) بناء علی ما ذکروه من عدم تحمله الضمیر لجموده ،. ثم فال : «وذهب السیوطی إلی أنه فی مثل ذلک یتحمل الضمیر لأن الجامد إذا تأول بالمشتق تحمل الضمیر. وضربا زیدا فی معنی : «اضرب» و «إطعام» فی معنی : «أن تطعم». وهذا تأویل بالمشتق.» اه. فالمفهوم أن هناک رأیین أقواهما أن فاعله مستتر فیه کفاعل فعل الأمر تماما والآخر أنه محذوف ، وأن المصدر نائب عن فعل الأمر وفاعله معا ، والخلاف شکلی.

3 - بعد ألفاظ مسموعة عن العرب مثل : (من أنت؟. محمد) وهو أسلوب یقال حین یتحدث شخص حقیر بالسوء عن شخص عظیم اسمه : محمد ... والتقدیر : من أنت؟ مذکورک محمد ... أو : مذمومک محمدّ. أی : من أنت؟ وما قیمتک بالنسبة للشخص الذی تذکره بالسوء ؛ وهو محمد؟. فالمثل یتضمن تحقیرا للمغتاب ، وتعظیما لمحمد. فمحمد خبر لمبتدأ محذوف تقدیره : مذکورک ... أو مذمومک (أی : الشخص الذی تذکره فی حدیثک أو تذمه فیه). ولما کان هذا الأسلوب قد ورد بغیر مبتدأ صار من الواجب التزامه

ص: 470

والإبقاء علیه بغیر زیادة أو نقص ؛ لأنه بمنزلة المثل ؛ والأمثال لا تتغیر مطلقا (1). وقد ورد ذلک الأسلوب بالنصب أیضا : (من أنت؟ محمدا). التقدیر : (من أنت؟ تذکر محمدا ، أو تذم محمدا) ؛ فتکون الکلمة المنصوبة مفعولا به لفعل محذوف.

ومن الأسالیب المسموعة أن یقال : «لا سواء» عند الموازنة بین شیئین. والتقدیر : لا هما سواء ، أو : هذان لا سواء ؛ بمعنی : لا یستویان. فکلمة : «سواء» خبر مبتدأ محذوف وجوبا تقدیره : «هما» أو : «هذان».

ویری فریق من النحاة أن الحذف فی المسألتین جائز لا واجب. والأخذ بهذا الرأی أنسب فیما نصوغه من أسالیبنا. أما الوارد المسموع عن العرب نصّا علی أنه مثل من أمثالهم فیجب إبقاؤه کما ورد عنهم.

ص: 471


1- لا فی حروفها ، ولا فی ضبطها ، ولا فی ترتیب کلماتها کما سبق فی رقم 2 من ص 458.

مواضع حذف الخبر وجوبا ، أشهرها خمسة :

1 - أن یقع الخبر کونا عامّا (1) والمبتدأ بعد «لولا (2) الامتناعیة» ، نحو : لو لا عدل الحاکم لقتل الناس بعضهم بعضا. ولو لا العلم لشقی العالم. ولو لا الحضارة ما سعد البشر ... أی : لو لا العدل موجود ... لو لا العلم موجود ... لو لا الحضارة موجودة ... فالخبر محذوف قبل جواب : «لو لا» ...

ومن هذه الأمثلة وأشباهها یتضح أن الخبر یحذف وجوبا بشرطین : وقوعه کونا عامّا ، ووجود لو لا الامتناعیة قبل المبتدأ. فإن لم یتحقق أحد الشرطین أو هما معا تغیر الحکم ؛ فإن لم توجد «لو لا» فإنّ حکم الخبر من ناحیة الحذف وعدمه کحکم غیره من الأخبار کلها ؛ وقد سبق الکلام علیها. وإن لم یقع کونا - عامّا بأن کان خاصّا - وجب ذکره ؛ نحو : لو لا السفینة واسعة ما حملت مئات الرکاب. لو لا الطیار بارع ما نجامن العاصفة ؛ فکلمة : «واسعة» وکلمة : «بارع» - خبر من نوع الکون الخاص الذی لا دلیل یدل علیه عند حذفه ، فیجب ذکره ؛ فإن دل علیه دلیل جاز فیه الحذف والذکر ؛ نحو : الصحراء قحلة لعدم وجود الماء بها ؛ فلولا الماء معدوم لأنبتت - دخل اللص الحدیقة لغیاب حارسها ؛ فلولا الحارس غائب لخاف اللص. - اضطرب البحر من شدة الهواء. فلولا الهواء شدید ما اضطرب. فکل من : «معدوم» و «غائب» و «شدید» قد وقع خبرا ، وهو کون خاص ، فیجوز ذکره وحذفه ؛ لوجود ما یدل علیه عند الحذف (3).

2 - أن یکون لفظ المبتدأ نصّا فی القسم (4) ، نحو : لعمر الله (5) لأجیدنّ عملی - لأمانة الله لن أهمل واجبی - لحیاة أبی لا أنصر الظالم - لأیمن الله لأسرعنّ للملهوف ... فالخبر محذوف فی الأمثلة کلها قبل جواب القسم. وأصل

ص: 472


1- أی : یدل علی مجرد الوجود العام من غیر زیادة علیه. وقد سبق شرح هذا فی ص هامش 431.
2- «لو لا» التی هی حرف امتناع لوجود ، بخلاف «لو لا التحضیضیة» ، فلا یلیها المبتدأ. ومثل : «لو لا» الامتناعیة : «لو لا» التی تفید الامتناع أیضا ، فیجب حذف الخبر بعدها.
3- ما ذکرناه من حکم الخبر بعد : «لو لا» هو أصفی مذاهب النحاة ، وأحقها بالقبول ؛ لمسایرته الأصول اللغویة العامة.
4- بحیث یغلب استعماله فی القسم غلبة واضحة فی الاستعمال ؛ فیدرک السامع أنه قسم قبل أن یسمع المقسم علیه.
5- لحیاة الله : فهو حلف بوجود الله.

الکلام لعمر الله قسمی ... لأمانة الله قسمی ... لحیاة أبی قسمی ...

لأیمن الله قسمی (1) ... ومن الأمثلة قول الشاعر :

لعمرک ما الأیام إلا معارة (2)

فما اسطعت (3) من معروفها

فتزوّد

فالمبتدأ فی کل مثال کلمة صریحة الدلالة علی القسم ، غلب استعمالها فیه فی عرف السامع لها ، ولذلک حذف خبرها ؛ (وهو : قسمی) لأنها تدل علیه ، وتغنی عنه ، ولا یصح أن یکون المحذوف فی الأمثلة السابقة هو المبتدأ.

وهناک سبب آخر قوی یحتم أن یکون المحذوف هو الخبر ؛ ذلک السبب وجود لام الابتداء فی أول کل اسم ؛ إذ یدل وجودها علی أن المذکور هو المبتدأ دون الخبر ؛ لأن الغالب علیها أن تدخل علی المبتدأ لا علی الخبر ؛ لیکون لها الصدارة الحقیقیة. فإن لم یکن المبتدأ نصّا فی الیمین ، أو لم توجد لام الابتداء - لم یکن حذف الخبر واجبا ، وإنما یکون جائزا ، نحو : عهد الله قسمی لا أرتکب ذنبا. أمر الدین قسمی لا أفعل إساءة ؛ بإثبات الخبر أو حذفه.

3 - أن یقع الخبر بعد المعطوف بواو تدل دلالة واضحة علی أمرین مجتمعین ، هما : العطف ، والمعیة (4) ؛ نحو : الطالب وکتابه ...

ولبیان هذا نسوق المثال الآتی : إذا أقمت فی بلد تراقب أهله ؛ فرأیت الفلاح یلازم حقله ، والصانع یلازم مصنعه ، والتاجر متجره ، والملّاح سفینته ، والطالب معهده ، وکل واحد من أهلها یتفرغ لشأنه ، لا یکاد یترکه. ثم أردت أن تصفهم. فقد تقول : شاهدت أهل البلد عاکفین علی أعمالهم ، منصرفین لشئونهم ؛ (الفلاح وحقله) - (الصانع ومصنعه) - (التاجر ومتجره) - (الملاح وسفینته) - (الطالب ومعهده) - (کل رجل وحرفته) (5). فما معنی کل جملة من

ص: 473


1- أیمن الله : برکته. (انظر «ج» من هامش ص 494).
2- سلفة ترجع لصاحبها بعد حین.
3- أی : استطعت.
4- معنی المعیة هنا : مشارکة ما بعد الواو (وهو المعطوف) لما قبلها (وهو المعطوف علیه) فی أمر بحیث یجتمعان فیه ، ولا یراد أن ینفرد أحدهما به. وعلامة الواو التی تفید الأمرین معا : (العطف والمعیة) وتکون نصا فی المعیة - أن یصح حذفها ، ووضع کلمة «مع» مکانها فلا یتغیر المعنی ؛ بل یزداد وضوحا. والواو هنا غیر التی ینصب الاسم بعدها علی أنه مفعول معه طبقا لما سیجیء فی بابه - ج 2 - وهی غیر «واو المعیة» المشار إلیها فی رقم 1 من هامش الصفحة الآتیة.
5- نشیر هنا إلی إشکال یورده النحاة فی مثل هذا الترکیب ویجیبون عنه ؛ هو : أنه لا یصح عود الضمیر إلی «کل» وإلا صار المعنی کل رجل وحرفة کل رجل مقترنان ، وهذا یؤدی إلی : کل رجل یقارن حرفة - کل رجل) کما لا یصح عودته إلی «رجل» ؛ وإلا کان المعنی : (کل رجل یقارن حرفة رجل واحد ، أی : کل رجل وحرفة رجل واحد مقترنان) والمعنیان فاسدان. والجواب أن کلمة : «کل» فی قوة افراد متعددة ؛ فکأنک تقول : أفراد متعددة. فالضمیر العائد علیها أو علی ما أضیفت إلیه (مثل : رجل) یکون من مقابلة الجمع بالجمع ، ومقابلة الجمع بالجمع تقتضی القسمة آحادا ، کما فی قولک رکب القوم دوابهم ؛ إذ معناه رکب کل واحد من القوم دابته. فکذلک هناک ؛ ویکون المعنی : کل فرد وحرفته مقترنان. أو : محمد وحرفته ، وعلی وحرفته ، وهکذا.

هذه الجمل؟ معناها (الفلاح وحقله متلازمان) - (الصانع ومصنعه متلازمان) وهکذا الباقی ...

وإذا تأملت ترکیب واحدة منها (مثل : الفلاح وحقله) عرفت أنها مرکبة من مبتدأ ؛ هو : «الفلاح». بعده واو تفید أمرین (1) معا ، هما : العطف ، والمعیة ، وبعد هذه الواو یجیء المعطوف علی المبتدأ ، ویشارکه فی الخبر ، ثم یجیء بعده الخبر. لکن أین الخبر الواقع بعد المعطوف؟ إن الخبر محذوف نفهمه من الجملة ؛ وهو کلمة : «متلازمان» أو : «متصاحبان» أو : «مقترنان» أو : ما یدل علی الملازمة والمصاحبة التی توحی بها الواو التی بمعنی : «مع» وتدلّ علیها فی وضوح ظاهر للسامع. ومثل هذا یقال فی الأمثلة الأخری. فإن لم تکن الواو نصّا فی المعیة لم یکن حذف الخبر واجبا ؛ وإنما یکون جائزا عند قیام دلیل یدل علیه ؛ نحو : الرجل وجاره مقترنان ، أو : الرّجل وجاره ، فقط ؛ لأن الاقتصار علی المتعاطفین یفید الاشتراک والاصطحاب. أما جواز ذکر المحذوف فلأن الواو هنا لیست نصّا فی المعیة ، إذ الجار لا یلازم جاره ، ولا یکون معه فی الأوقات کلها ، أو أکثرها.

4 - الخبر الذی بعده حال تدل علیه ، وتسد مسده ، من غیر أن تصلح فی المعنی لأن تکون هی الخبر ؛ نحو : «قراءتی النشید مکتوبا». وذلک فی کل خبر لمبتدإ ، مصدر ، وبعد هذا المصدر معموله ، ثم حال ، تدل علی الخبر المحذوف وجوبا ، وتغنی عنه ، ولا تصلح (2) فی المعنی أن تکون خبرا لهذا المبتدأ ... (3) ؛ کالمثال

ص: 474


1- وهذه الواو التی للمعیة والعطف معا لا تدخل هنا إلا علی الاسم المعطوف بها ، ولا تدخل علی فعل ، فهی غیر نظیرتها الأخری التی تفید المعیة والعطف مجتمعین مع دخولها علی مضارع یجب نصبه بأن مضمرة بشرط أن یکون مسبوقا بنفی أو طلب محض علی الوجه الموضح فی ج 4 باب إعراب الفعل - مثل لم یتصدق النبیل فیفتخر. وهی غیر «واو المعیة» المشار إلیها فی رقم 4 من هامش الصفحة السابقة.
2- حقیقة لا مجازا ؛ لأنها قد تصلح من باب المجاز إذا وجدت له علاقة وقرینة.
3- تتخلف الشروط المذکورة فی حالة تجیء فی «ب» من ص 478.

السالف. فکلمة «قراءة» مبتدأ ، وهی مصدر مضاف ، والیاء مضاف إلیه ، «النشید» مفعول به للمصدر ، فهو المعمول للمصدر - «مکتوبا» حال منصوب ولا تصلح أن تکون خبرا لهذا المبتدأ ؛ إذ لا یقال : قراءتی مکتوب. وإنما الخبر ظرف محذوف مع جملة فعلیة أضیف لها ، والتقدیر ؛ قراءتی النشید إذا کان مکتوبا ، أو إذ کان مکتوبا (1) وقد حذف الخبر الظرف بمتعلّقه ، ومعه المضاف إلیه ؛ لوجود ما یدل علیه ، ویسد مسده فی المعنی ؛ وهو ؛ الحال التی صاحبها الضمیر ، الفاعل ، المحذوف مع فعله.

ومثله : مساعدتی الرجل محتاجا ، أی : إذا کان أو إذ کان محتاجا. «فمحتاجا» حال لا تصلح من جهة المعنی أن تکون خبرا لهذا المبتدأ ، إذ لا یقال : مساعدتی محتاج (وصاحب هذه الحال هو الضمیر الفاعل المحذوف مع فعله). و «الرجل» مفعول به للمصدر - فهو معموله - ومثل هذا یقال فی شربی الدواء سائلا ، وأکلی الطعام ناضجا - .. و...

فإن کانت الحال صالحة لوقوعها خبرا للمبتدأ المذکور وجب رفعها لتکون هی الخبر ؛ فلا یصح إکرامی الضیف عظیما ، بل یتعین أن نقول : إکرامی الضیف عظیم ... بالرفع علی الخبر (2) ...

ص: 475


1- نجیء بکلمة : «إذ» حین یکون الغرض من الکلام الزمن الماضی ؛ لأن «إذ» تستعمل فی الغالب ظرفا للماضی. ونجیء بکلمة «إذا» حین یکون الغرض الزمن الحالی ، أو المستقبل ، أو المستمر ، لأن «إذا» تستعمل ظرفا فی کل هذا - غالبا - «وکان» فی المثالین تامة ، وفاعلها مستتر تقدیره : «هو» صاحب الحال. والخبر المحذوف هو الظرف : «إذ أو إذا» وهو مضاف والجملة الفعلیة التی بعده مضاف إلیه ، وقد حذفت معه.
2- قد یخطر علی البال السؤال عن السبب فی استعمال هذا الأسلوب ، وإیثاره ، مع أنه قد یبدو غریبا. ویجیب کثرة النحاة بأنه یفید معنی دقیقا خاصا ؛ هو قصر هذا المبتدأ علی الحال - غالبا - أی : حصر معنی هذا المبتدأ فی الحال ؛ فکان الناطق بمثال من تلک الأمثلة السالفة - ونظیرتها - یقول : قراءتی النشید لا تکون إلا فی حال کتابته ، أما فی غیرها فلا أقرؤه - مساعدتی الرجل مقصورة علی حالة احتیاجه ، أما فی غیرها فلا أساعده. وهکذا ... وعندهم أننا لو لم نصطنع هذا الأسلوب بطریقته المأثورة عن العرب لحرمنا ما یحققه من الغرض المعنوی السالف الذی یقررونه فی أکثر الصور. أما إعراب هذا الترکیب فموضع جدل عنیف یثیر الدهش والأسف ، لعدم جدواه. ویقول صاحب الهمع (ج 1 ص 104) إن مسألة الحال التی تسد مسد الخبر : (مسألة طویلة الذیول ، کثیرة الخلاف ، وقد أفردتها قدیما بتألیف مستقل) ، ثم عرض - کغیره - للقلیل من تلک الآراء المختلفة فلم یزدنا بسردها وبجدل أصحابها إلا دهشا ، وأسفا بل استنکارا لطول الذیول ، وکثرة الخلاف ، والتألیف المستقل فیما لا غناء فیه. لنترک هذا لنقول إن الإعراب الذی ذکرناه هو أحد تلک الآراء المتعددة والذین ارتضوه أکثر من غیرهم ، ویوجبون أن یکون الظرف (إذ - أو : إذا) متعلق بمحذوف هو الخبر الأصیل. - - وأن هذا الظرف مضاف إلی جملة فعلیة بعده ، وهو والجملة محذوفان وجوبا ؛ لدلالة الحال علی ذلک المحذوف وسدها مسد الخبر ؛ فلا حاجة لذکره معها. ولا یقبلون أن یکون الظرف بمتعلقه هو الخبر مع وجود الحال ولا یقبلون شیئا یکون هو الخبر بل یحتمون أن تقوم الحال مقام الخبر المحذوف وتغنی عن ذکره ؛ زاعمین أنه لو کان فی الجملة خبر أصیل واقتصرت الحال علی إعرابها حالا مجردة لیست قائمة مقام الخبر لترتب علی هذا أن یفصل الخبر بین هذه الحال وعاملها المبتدأ المصدر ، والفصل بین المصدر وعامله بأجنبی - وهو هنا الخبر - ممنوع عندهم ، ویضمون إلی هذا أدلة جدلیة وهمیة نری الخیر فی إهمالها وفی إعراب الظرف المحذوف بمتعلقه هو الخبر مباشرة ، أو الخبر لفظ آخر محذوف یناسب السیاق وتدل علیه القرینة مع إعراب الحال المذکورة حالا أصیلة لا تسد مسد الخبر ولا غیره. وهذا رأی کثیر من الکوفیین وبعض البصریین کالمبرد ؛ فقد جاء فی کتابه «الکامل» (ج 2 ص 78) حین قال الفرزدق لآخر : «حکمک مسمّطا» - وهذه الجملة ، کما یقول النحاة من الأمثلة التی وقعت فیها الحال سادة مسد الخبر سماعا ، لأن هذه الحال صالحة لوقوعها خبرا - ما نصه : «إعرابه أنه أراد : لک حکمک مسمطا» واستعمل هذا فکثر حتی حذف - أی : الخبر ، وهو لک - استخفافا ، (أی : للخفة) لعلم السامع بما یرید القائل ؛ کقولک : الهلال والله. أی : هذا الهلال. وأغنی عن قوله : «هذا» - القصد والإشارة. وکان یقال لرؤبة : کیف أصبحت؟ ویقول : خیر عافاک. الله. فلم یضمر حرف الخفض ولکنه حذف لکثرة الاستعمال. والمسمط : المرسل غیر المردود ...) اه ... فنری من هذا أنه قدر الخبر المحذوف لکثرة الاستعمال جارا ومجرورا ، ولم یجعل الحال سادة مسده ولعل هذا الرأی هو الأفضل ، لیسره ووضوحه وخلوه من التکلف والتعقید ، ولا مانع من قبول ما ارتضوه علی أن یکون رأیهم فی المنزلة الثانیة بعد الرأی الذی عرضناه. ومن تکلفهم وتعقیدهم أنهم یوجبون أن یکون صاحب الحال هو الضمیر فاعل الفعل المحذوف (کان التامة ، أو ما یماثلها) وهذا الضمیر عائد علی معمول المصدر. فلم لا یکون صاحب الحال هو معمول المصدر مباشرة بدلا من الضمیر العائد علی المعمول (الذی هو کلمة : النشید - الرجل - الدواء .. فی الأمثلة السالفة وأشباهها)؟ یمنعون هذا الإعراب السهل الواضح بحجة أضعف مما سبق ، فیقولون : لو کان صاحب الحال هو المعمول للمصدر مباشرة لأدی ذلک إلی أن تجیء الحال فی ترتیبها المکانی بعد ذلک المعمول ؛ ان یکون المصدر متقدما ، یلیه معموله ، وبعدهما الحال ؛ لأن الثلاثة کتلة متماسکة ، تلتزم الترتیب السابق ، ولا یفصل بینها فاصل ، وهذا الترتیب والتماسک یوجبان - عندهم - أن یجیء الخبر بعدها جمیع ... فکیف تسد الحال مسد خبر ذکرت قبله ، ولم یحذف قبل مجیئها لیخلی مکانه لها فتحل به؟ یتعللون بهذا مع أن الضمیر ومرجعه بمثابة شیء واحد. ذلک بعض جدلهم بإیجاز کبیر ، وهو نوع من الجدل الذی یضیع فیه الوقت والجهد بغیر طائل. وقد حل وقت نبذه. ومن شاء أن یلم به فلیرجع إلی المطولات التی اشتملت علیه کالهمع (ج 1 ص 104) ولا علینا أن نعرب الحال فی الأمثلة السالفة ونظائرها «حالا» مستقلة بنفسها لیست قائمة مقام الخبر ، - کما قلنا - وأن الخبر هو الظرف بمتعلقه أو : هو لفظ غیر الظرف یصلح خبرا ، وقد حذف للعلم به ، وأن صاحب الحال هو معمول المصدر مباشرة ، ولیس الضمیر العائد علی ذلک المعمول. ولا داعی لبذل الجهد الضائع فی إخضاع کلام عربی بلیغ لضوابط لا تنطبق علیه ؛ ولسیطرة «العامل» فیما لا نفع فیه ، علی حین یجب أن تخضع الضوابط والعوامل لفصیح الکلام العربی المسموع عنهم فی هذا الأسلوب.

هذا ، وتتلخص جمیع مواضع حذف الخبر - التی سبقت - فی العلم بالمحذوف لوجود ما یدل علیه ، أو ما یغنی عنه فی المعنی لا فی الإعراب.

5 - حذفه من بعض أسالیب مسموعة عن العرب ؛ منها : حسبک ینم الناس (1).

ص: 476


1- أصل الکلام ، حسبک السکوت ینم الناس. (ومعنی حسبک : «کافیک» ، فتکون اسما - - عادیا معربا ، أو بمعنی : «یکفیک» فتکون : اسم فعل مضارع - (وقد تقدم الکلام علیها فی الضمیر ص 253 وسیجیء البیان الأوضح فی ج 3 ص 60 م 94 باب الإضافة) وفی هذا المثال یصح أن تکون اسما مبتدأ مرفوعا ، مضافا ، والکاف مضاف إلیه ؛ مبنی علی الفتح فی محل جر - السکوت خبر مبتدأ.

«ملاحظة» : بقیت حالة سبقت الإشارة إلیها (1) ، وهی التی یکون فیها المبتدأ متقدما - مباشرة - علی أداة شرطیة ، فإن اقترن ما بعدهما بالفاء ، أو صلح لمباشرة الأداة الشرطیة - کان هو الجواب للأداة الشرطیة - فی الرأی الأرجح - وکان خبر المبتدأ محذوفا وجوبا ؛ نحو : الطفل إن یتعلم فهو نافع ، - الصانع إن یتقن صناعته یستفد مالا وجاها.

فدخول «الفاء» علی الجملة الاسمیة دلیل علی أن هذه الجملة جواب للشرط ، ولیست خبرا ؛ لکثرة دخول الفاء علی الجملة الجوابیة دون الخبریة. ، وجزم المضارع : «یستفد» دلیل علی أنه جواب الشرط وعلی صلاحه لمباشرة الأداة ، وأن الجملة المضارعیة لیست خبرا (2) ...

فإن لم یقترن ما بعدهما بالفاء ، أو لم یصلح لمباشرة الأداة ، کان خبرا ، والجواب محذوفا ؛ نحو : الطفل إن یتعلم هو نافع - الصانع إن یهمل صناعته لیس یستفید.

ص: 477


1- فی هامش ص 64 حیث البیان وما فیه من خلاف.
2- راجع حاشیتی الصبان والخضری ج 1 باب الکلام ، وما یتألف منه ، عند بیت بن ابن مالک : والأمر - إن لم یک للنون محل فیه ، هو اسم ؛ نحو : صه ، وحیّهل

زیادة وتفصیل

لا فرق فی المصدر الواقع مبتدأ بین أن یکون صریحا کالأمثلة السابقة وأن یکون مؤولا ؛ مثل : أن أقرأ النشید مکتوبا. أن أساعد الرجل محتاجا. وکذلک لا فرق فی الحال بین المفردة کالتی سبقت ، والظرف ، نحو : قراءتی النشید مع الکتابة - أکلی الطعام مع النضج - ، والجملة الاسمیة نحو : قراءتی النشید وهو مکتوب ، أو : الفعلیة مضارعیة وغیر مضارعیة ؛ نحو : مساعدتی الرجل یحتاج ، أو : مساعدتی الرجل وقد احتاج.

ولیس من اللازم أن یکون المبتدأ نفسه هو المصدر فقد یکون المبتدأ أفعل تفضیل مضافا إلی المصدر - الصریح ، أو المؤول - الذی وصفناه ، نحو : أحسن قراءتی النشید مکتوبا. أکمل مساعدتی الرجل محتاجا. أحسن ما أقرأ النشید مکتوبا - أکمل ما أساعد الرجل محتاجا.

(ب) من الأسالیب الصحیحة محمد والفرس یباریها ، أو : محمد وهند تسابقه ... ونحو هذا من کل أسلوب یشتمل علی مبتدأ ، بعده معطوف بواو العطف ، ثم یجیء بعد ذلک المعطوف شیء ینسب حصوله للمعطوف ، أو المعطوف علیه ، ویقع أثره المعنوی علی الآخر الذی لم ینسب له الحصول ، ففی المثال الأول نری المبتدأ هو : «محمد» ، وبعده المعطوف بالواو هو : «الفرس» ، وبعده الفعل «یباری» الذی ینسب حصوله للمبتدأ «محمد» ، ولکن یقع أثره علی الفرس ، فکأنک تقول : محمد یباری الفرس ... وفی المثال الثانی : المبتدأ هو «محمد» أیضا ، وبعده المعطوف بواو العطف ؛ وهو : «هند» والفعل الذی بعده هو : «تسابق» وینسب حصوله للمعطوف «هند» ، ولکن یقع أثره المعنوی علی المبتدأ ؛ فکأنک تقول : هند تسابق محمدا ... فأین خبر المبتدأ فی المثالین السابقین وأشباههما؟

خیر الآراء فی ذلک أن الخبر محذوف ، والتقدیر والفرس یباریها - مسرعان ... محمد وهند تسابقه متنافسان ... ویجوز أن تکون الواو واو الحال والجملة بعدها حال أغنت عن الخبر (1) ...

ص: 478


1- هذا الإعراب - کما سیجیء هنا - یؤدی إلی إهمال الشروط التی اشترطها ، أکثر النحاة فی المبتدأ الذی یستغنی بالحال عن خبره. وقد عرفناها فی رقم 4 من ص 474.

والأول أحسن ؛ لاعتبارین ؛

«أولهما» : مطابقته لقاعدة عامة ؛ هی : أن الأصل فی المبتدأ أن یکون له خبر أصیل ، لا شیء آخر - کالحال - یسدّ مسدّه ، وأن هذا الخبر الأصیل یصح حذفه لدلیل.

«ثانیهما» : أنه یصلح لکل التراکیب التی تتصل بموضوعنا. ومن هذه التراکیب ما یکون فیه المبتدأ غیر مستوف للشروط التی تجعله یستغنی بالحال عن الخبر کالمثالین المعروضین هنا ، وأشباههما .... (1)

ص: 479


1- لم یتعرض ابن مالک فی ألفیته لمواضع حذف المبتدأ - وقد ذکرناها من قبل فی ص 460 و 463 - واقتصر علی مواضع حذف الخبر الواجب حیث یقول : وبعد «لو لا» غالبا - حذف الخبر حتم ، وفی نصّ یمین ذا استقر فهذا البیت یتضمن موضعین من مواضع حذف الخبر وجوبا ؛ أحدهما : بعد. «لو لا» والآخر الخبر الذی یکون مبتدؤه نصا فی الیمین. ویرید بقوله : «غالبا» ، أی فی أغلب الآراء وأکثرها ؛ لأن هناک آراء أخری غیر هذا. ففی الآراء الغالبة لکثرة النحاة أن حذفه «حتم» ، أی : واجب. وهذا الحکم بالوجوب استقر ؛ أی : ثبت فی حالة أخری هی حالة الخبر الذی یکون لمبتدأ نص فی الیمین. ثم قال : وبعد واو عیّنت مفهوم مع کمثل : کلّ صانع وما صنع وقبل حال لا یکون خبرا عن الّذی خبره قد أضمرا یرید بالبیت الأخیر : أن الخبر یحذف وجوبا قبل حال لا تصلح أن تکون خبرا للمبتدأ الذی خبره قد أضمر .. أی : قد حذف وقدّر ، وضرب مثالین لتلک الحال ؛ أحدهما فیه المبتدأ مصدر .. والآخر فیه المبتدأ أفعل التفضیل المضاف. فیقول : کضربی العبد مسیئا ، وأتم تبیینی الحقّ منوطا بالحکم أی : أتم .....

المسألة 40: تعدد الخبر

اشارة

(1)

یکثر أن یکون للمبتدأ الواحد خبران أو أکثر (2) ؛ مثل : المتنبی شاعر ، حکیم. فکلمة «المتنبی» مبتدأ ، و «شاعر» خبر ، و «حکیم» خبر ثان. وکذلک : «شوقیّ» شاعر ، ناثر ، حکیم ؛ فکلمه «شوقیّ» مبتدأ و «شاعر» خبر ، و «ناثر» خبر ثان ، و «حکیم» خبر ثالث. وهکذا یتعدد الخبر.

غیر أن هذا التعدد ثلاثة أنواع :

أولها : أن یتعدد الخبر لفظا ومعنی ، بحیث یکون کل واحد مخالفا للآخر فی هذین الأمرین ؛ نحو : بلدنا زراعیّ ، صناعیّ - صحیفتنا علمیة ، أدبیة ، سیاسیة ... فکلمة «بلد» مبتدأ ، بعده خبران ، مختلفان ، لفظا ومعنی ، وکل معنی مقصود لذاته. وکلمة «صحیفة» مبتدأ ، وبعدها ثلاثة أخبار ؛ کل واحد منها علی ما وصفنا. ونحو قوله تعالی : (وَهُوَ الْغَفُورُ ، الْوَدُودُ ، ذُو الْعَرْشِ ، الْمَجِیدُ ، فَعَّالٌ لِما یُرِیدُ.)

وحکم هذا النوع أنه یجوز فیه عطف الخبر الثانی (3) وما بعده علی الخبر الأول ، فیصح فی الأمثلة السابقة أن نقول : بلدنا زراعیّ وصناعیّ - صحیفتنا علمیة ، وأدبیة ، وسیاسیة ... - معهدنا علمیّ ، وأدبیّ ، وریاضیّ ، وثقافیّ ... بإثبات حرف العطف أو حذفه فی کل الأمثلة ؛ فعند إثباته یعرب ما بعده معطوفا علی الخبر الأول (4) دائما. ومع أنّ ما بعد الخبر الأول هو خبر فی المعنی والتقدیر فإننا

ص: 480


1- سیجیء (فی «ب» من ص 485) تعدد المبتدأ ، وإن کان ابن مالک لم یتعرض له.
2- لأن الخبر حکم علی المبتدأ ؛ ولا مانع أن یحکم علی الشیء الواحد بحکم أو حکمین أو أکثر.
3- بواو العطف أو بغیرها من أدوات العطف علی حسب المعنی. وعند تعدد الأخبار بغیر عطف ، یجوز - عند عدم المانع - تقدیمها کلها أو بعضها ، علی المبتدأ. أما مع العطف فیجوز تقدیمها جمیعا أو تاخیرها جمیعا.
4- کما هو حکم المعطوف بالواو ، ولهذا الحکم تفضیل مدون فی مکانه من باب العطف ج 3.

لا نسمیه عند الإعراب (1) خبرا. أما عند حذف العطف فیسمی اللفظ المتعدد : خبرا ، ویعرب خبرا.

ثانیها : أن یتعدد الخبر فی اللفظ فقط وتشترک الألفاظ المتعددة فی تأدیة معنی واحد ، هو المعنی المقصود ، وذلک بأن تکون الألفاظ مختلفة ؛ لکل منها معنی خاص یخالف معنی الآخر -. ولکنه معنی غیر مقصود لذاته ؛ وإنما المعنی المقصود لا یتحقق إلا بأن تنضم هذه المعانی المتخالفة ، بعضها إلی بعض ، لتؤدی وهی مجتمعة معنی جدیدا لا ینشأ إلا من مجموعها ، کأن تری رجلا لیس بالقصیر ولا الطویل. فتقول : (الرجل طویل قصیر) ترید أنه «متوسط» فکل من کلمتی : «طویل» و «فصیر» لها معنی خاص یخالف الآخر ، ولکنه لیس مقصودا لذاته ؛ وإنما المقصود منه أن ینضم إلی المعنی الآخر لینشأ عن انضمامهما معنی جدید ، هو : «متوسط» وهو المعنی المراد ، الذی لا یفهم من إحدی الکلمتین منفردة ؛ وإنما یفهم منهما معا ؛ برغم أن کل واحدة منهما تسمی : خبرا (2) ، وتعرب خبرا ، ولها معنی خاص ، ولکنه غیر مقصود ، کما قلنا. ومثل : الطفل سمین نحیف ، أی : معتدل. ومثل : الفاکهة حلوة مرة ، أی : متغیرة الطعم ، أو متوسطة ، بین الحلاوة والمرارة ، وهکذا ...

ولهذا النوع ضابط یمیزه ؛ هو : أن المعنی المراد یتحقق ویصلح حین نجعل الألفاظ المتخالفة کتلة واحدة هی الخبر ، ویفسد إذا جعلنا بعضها هو الخبر دون بعض.

علی أننا عند الإعراب لا بد أن نعرب کل واحد خبرا ، ونسمیه خبرا ، - کما قلنا - ونعلم أنه (3) یشتمل علی ضمیر مستتر یعود علی المبتدأ ، وهو غیر الضمیر المستتر الذی یحویه المعنی الجدید الناشیء من المعانی الفردیة غیر المقصودة.

ص: 481


1- یسمی فی الإعراب معطوفا ، لتوسط حرف العطف بینه وبین المعطوف علیه الخبر الأول. لکنه من ناحیة المعنی - لا الإعراب - یعتبر خبرا ، لأن المعطوف علی الخبر خبر ، وعلی المبتدأ مبتدأ ، وعلی الصلة صلة ، وهکذا. إلا لمانع.
2- وذلک من باب المجاز.
3- إذا کان مشتقا أو مؤولا به.

وحکم هذا النوع أنه لا یجوز فیه العطف ؛ لأن الخبرین أو الأخبار شیء واحد من جهة المعنی ، والعطف یشعر بغیر ذلک (1). کما لا یجوز أن یفصل فیه بین الخبرین أو الأخبار فاصل أجنبی ، ولا أن یتأخر (2) المبتدأ عن تلک الأخبار أو یتوسط فیها.

ثالثها : أن یتعدد الخبر فی لفظه ومعناه ولکن تعدده فی هذه الحالة یکون تابعا لتعدد المبتدأ فی نفسه حقیقة أو حکما. ویوصف المبتدأ بأنه متعدد فی نفسه حقیقة حین یکون ذا فردین أو أفراد ، أی : حین یکون مثنی أو جمعا ؛ نحو : الصدیقان مهندس ، وطبیب. ونحو : السباقون غلام ، وشاب ، وکهل. ففی المثال الأول تعددت أفراد الخبر فکانت فردین ، یستقل کل منهما عن الآخر ؛ تبعا لتعدد أفراد المبتدأ المثنی ؛ إذ یشمل فردین. وفی المثال الثانی تعددت أفراد الخبر فکانت ثلاثة أفراد - علی الأقل - تبعا للأفراد المقصودة من المبتدأ الجمع. فالمبتدأ المثنی فی المثال السابق فی قوة مبتدأین لکل منهما خبر ، والمبتدأ الجمع فی قوة ثلاث مبتدءات لکل منها خبر ... وهکذا.

ویوصف المبتدأ بأنه متعدد حکما حین یکون منفردا (أی : شیئا واحدا) ولکنه ذو أجزاء وأقسام ؛ نحو : جسم الإنسان رأس ، وجذع ، وأطراف. ونحو : البیت غرفة للضیوف ، وغرفة للأکل ، وغرفة للقراءة ، وغرف للنوم. ونحو : حدیقة الحیوان جزء للوحوش ، وجزء للطیور ، وجزء للقردة ... و... و...

والفرق بین هذا النوع وسابقه أن المبتدأ فی النوع السابق لا بد أن یکون ذا فردین أو أفراد ، وکل فرد له کیان مستقل کامل ، یترکب من أجزاء متعددة. أما فی هذا النوع فالمبتدأ فرد واحد ، لکن له أجزاء ، ومن هذه الأجزاء مجتمعة یتکون الفرد الواحد.

وحکم هذا النوع أنه یجب فیه عطف الخبر الثانی والثالث وما بعدهما ، علی الأول (3) ؛ بشرط أن یکون حرف العطف الواو ، ومتی عطف الخبر زال عنه اسم

ص: 482


1- لأن العطف - غالبا - یقتضی المغایرة ؛ فالمعطوف غیر المعطوف علیه من جهة المعنی ، إلا حین تقوم قرینة قویة علی توافقهما فی المعنی ، وأن العطف للتفسیر.
2- سبقت الإشارة لهذا فی رقم 10 من مواضع وجوب تأخیر الخبر ص 454.
3- مع صحة تقدیم الأخبار کلها علی المبتدأ وتأخیرها کلها عنه ، وإلی تعدد الخبر یشیر ابن مالک إشارة مختصرة بقوله : - وأخبروا باثنین أو بأکثرا عن واحد ؛ کهم سراة شعرا ... یرید : أن العرب أخبروا بخبرین أو أکثر عن مبتدأ واحد ؛ کما فی المثال الذی ساقه ، فکلمة «هم» مبتدأ «سراة» خبر أول : «شعرا» ، أی : شعراء ، خبر ثان ، مرفوع بضمة مقدرة علی الألف. والسراة : جمع سریّ ؛ وهو : الشریف.

الخبر ، وسمی عند الإعراب معطوفا (1).

هذا وتعدد الخبر لیس مقصورا علی نوع الخبر المفرد ؛ بل یکون فیه (نحو : المجلات طبیة ، هندسیة ، زراعیة ، تجاریة ، ...) ویکون فی الجملة ؛ (نحو : العصفور یغرد ، یتحرک ؛ یطیر ، یتلفت - الصیف نهاره طویل ، لیله قصیر). وفی شبه الجملة ؛ (نحو : الطائر أمامک ؛ قربک.) وقد یکون مختلطا ؛ (نحو : هو أسد یزأر). فکلمة : «أسد» خبر. وکذلک جملة : «یزأر» ، (ونحو : الأسد یکشر عن أنیابه ، غاضب ، عابس). فجملة ؛ (یکشر ...) خبر ، وکذلک کلمة : غاضب ، وکلمة : عابس.

نستخلص من کل ما سبق أن الأخبار المتعددة

- ا - وقد تکون واجبة العطف.

- ب - وقد تکون ممتنعة العطف.

- ح - وقد یجوز فیها العطف وعدمه.

ص: 483


1- مع أنه فی المعنی خبر ؛ لما سبق من أن المعطوف علی الخبر خبر ... ویصح فی مثل هذه الجملة أن تکون نعتا - کما سیجیء فی الزیادة التالیة :

زیادة وتفصیل

(ا) من الأخبار المتعددة ما لا یصلح أن یکون نعتا للخبر الأول ؛ نحو : المجلات طبیة ، هندسیة ، زراعیة ؛ لأن المعنی یفسد مع النعت ، إذ یؤدی إلی أن الطیة صفتها هندسیة ، زراعیة ؛ وهو غیر المقصود. ومثل : الأسد یکشر عن نابه ، غاضب ؛ إذ لا یوجد فی الکلام ما یصلح أن یکون منعوتا. وکثیر من الأخبار المتعددة یصلح أن یکون نعتا للخبر الأول ؛ مثل : هو أسد یزأر ؛ فجملة : «یزأر» تصلح أن تکون فی محل رفع خبرا ثانیا ، أو نعتا للخبر الأول. ومثلها : الحطیئة شاعر مخضرم (1) ، هجّاء. فیجوز فی کل من «مخضرم» و «هجاء» أن تکون خبرا ، وأن تکون نعتا لکلمة : «شاعر».

ونحو : ولّادة [الأندلسیة] أمیرة شاعرة ، کاتبة ، موسیقیة ؛ فیجوز فی کل واحدة من الکلمات الثلاث الأخیرة أن تکون خبرا بعد الخبر الأول ، وأن تکون نعتا للخبر الأول.

ومن الألفاظ ما یجب أن یکون نعتا ولا یصلح خبرا ؛ وذلک حین یمنع مانع معنوی أو لغویّ ، نحو : حامد رجل صالح ، أو علیّ رجل یفعل الخیر ؛ لأن الخبر لا بد أن یتمم الفائدة الأساسیة - کما عرفنا - ولم یتممها هنا لعدم إفادة الإخبار بالأول إلا مع النعت ؛ لأن رجولته مستفادة من اسمه ، لا من الخبر وهذا من نوع الخبر الذی یتمم الفائدة بتابعه (2) ... ولذلک کان الأحسن فی قوله تعالی : (کُونُوا قِرَدَةً خاسِئِینَ) أن تکون کلمة : «خاسئین» خبرا ثانیا ، لا نعتا ؛ لان جمع المذکر السالم لا یکون نعتا لغیر العاقل إلا بتأول لا داعی له هنا ...

ومثل قول النحاة : الفاعل ، اسم ، مرفوع ، متأخر عن فعله ، دال علی من فعل ذلک الفعل ، أو قام به ... فیجب أن یکون الخبر هو کلمة : «اسم» فقط ، وما بعده صفات له ، ولیست أخبارا ؛ لأن الخبر یجب أن یتم به المعنی الأساسی

ص: 484


1- المخضرم : من أدرک عصرین مختلفین من العصور التاریخیة. لکن أکثر استعماله فی کل من أدرک الجاهلیة وأول الإسلام. والحطیئة من هذا النوع.
2- راجع هامش 402. حیث الکلام علی الخبر المحتاج للنعت. وفیها إشارة إلی صورة تدخل فی نوع الخبر الذی یتمم الفائدة بتابعه هی صورة المبتدأ الذی یکون اسم شرط ، فالراجح أن خبره هو الجملة الشرطیة.

مع المبتدأ ، وهنا لا یتم بواحد مما جاء بعد الخبر الأول ، إذ الفاعل لا یتم معناه ولا تتضح حقیقته بأنه مرفوع فقط ، أو متأخر فقط ... أو ... فقط. وإنما یتم معناه وتتضح حقیقته بأنه اسم موصوف بصفات معینة ؛ مجتمعة هی : الرفع ، مع التأخیر ، مع الدلالة ... فکلمة : «اسم» هی التی تعرب وحدها خبرا ؛ لأنها مع تلک القیود التی نسمیها نعوتا - تکمل المعنی مع المبتدأ ، وتتمم الفائدة. ومثل هذا یقال فی تعریف المبتدأ ، وتعریف الخبر ، والمفعول ، وکل تعریف من التعریفات العلمیة المشتملة علی ألفاظ وقیود تصلح أن تکون أخبارا أو نعوتا لو لا المانع السابق.

(ب) قد یتعدد المبتدأ. وأکثر ما یکون ذلک فی صورتین : یحسن عدم القیاس علیهما فی الأسالیب الأدبیة والعلمیة التی تقتضی وضوحا ودقة ؛ لأنهما صورتان فیهما تکلف ظاهر ، وثقل جلیّ. وقیل إنهما موضوعتان (1) فلا یصح القیاس علیهما.

الأولی : صالح ، محمود ، هند ، مکرمته من أجله. حیث تعددت المبتدءات متوالیة ، مع خلو کل منها من إضافته لضمیر ما قبله. ثم جاءت الروابط کلها متوالیة بعد خبر المبتدأ الأخیر. ولإرجاع کل ضمیر إلی المبتدأ الذی یناسبه نتبع ما یأتی :

1 - أن یکون أول خبر لآخر مبتدأ ، ویکون الضمیر البارز فی هذا الخبر راجعا إلی أقرب مبتدأ قبل ذلک المبتدأ الذی أخبر عنه بأول خبر.

2 - ثم یکون الضمیر البارز الثانی للمبتدأ الذی قبل ذلک. وهکذا ... فترتب الضمائر مع المبتدءات ترتیبا عکسیّا. ففی المثال السابق نعرب کلمة «مکرمته» خبرا عن «هند» ، والضمیر الذی فی آخر : «مکرمته» وهو الهاء یعود إلی : «محمود» ، والضمیر الذی فی آخر : «أجله» ، وهو : الهاء أیضا یعود إلی : «صالح» ، ویکون المراد : محمود هند مکرمته من أجل صالح ، أو ؛ هند

ص: 485


1- نقل السیوطی فی الجزء الأول من کتابه : «الهمع» - ص 108 - ، عند الکلام علی تعدد الخبر والمبتدأ ما قاله أبو حیان فی هذه الصور وأمثالها من : (أنها من وضع النحاة ، للاختبار والتمرین ، ولا یوجد مثلها فی کلام العرب البتة) اه. ولهذا یحسن عدم استخدامها.

مکرمة محمود من أجل صالح. وذلک بوضع الاسم الظاهر مکان الضمیر العائد إلیه.

الثانیة : فی مثل محمد ، عمه ، خاله ، أخوه قائم ، حیث تعددت المبتدءات وکان الأول منها مجردا من إضافته للضمیر. أما کل مبتدأ آخر فمضاف إلی ضمیر المبتدأ الذی قبله. فمعنی الجملة السابقة ، أخو خال عم محمد - قائم - فنضع مکان کل ضمیر الاسم الظاهر الذی یفسر ذلک الضمیر العائد علیه.

وفی الأمثلة السابقة للصورتین ما ینهض دلیلا علی أن استعمال هذه الأسالیب معیب ، والفرار منها مطلوب.

ص: 486

المسألة 41: مواضع اقتران الخبر بالفاء

اشارة

الخبر مرتبط بالمبتدأ ارتباطا معنویّا قویّا (1). ویزیده قوة بعض الروابط اللفظیة ؛ کالضمیر العائد علیه من الخبر ، وکغیره مما عرفناه ، ولهذا کان الغالب علیه أن یخلو من الفاء التی تستخدم للربط (2) فی بعض الأسالیب الأخری. فمن أمثلة الخبر الخالیة من الفاء : العمل وسیلة الغنی - النظافة وقایة من المرض - التجارة باب للثروة ...

ومن الألفاظ التی لیست خبرا ولکنها تحتاج - أحیانا - إلی الفاء الرابطة بینها وبین ما سبقها : جواب اسم الشرط (3) المبهم (4) الدال علی العموم ؛ (لکونه لا یختص بفرد معین ؛ وإنما هو شائع) ؛ مثل : من یعمل خیرا فجزاؤه خیر. فکلمة «من» اسم شرط ، یدل علی العموم ، وبعده فعل الشرط مستقبل الزمن ؛ وهو (5) : (یعمل) ، ثم یلیه جملة اسمیة هی جواب الشرط ، أی : نتیجته المترتبة علیه ، التی یتوقف حصولها فی المستقبل أو عدم حصولها علی وقوعه أو عدم وقوعه ، وهی : «جزاؤه خیر». وقد اقترنت هذه الجملة الاسمیة بالفاء ؛ فربطت بینها وبین جملة الشرط. ودل هذا الارتباط علی اتصال بین الجملتین ، وأن الثانیة منهما نتیجة للأولی. ولو لا الفاء الرابطة لکان الکلام جملا مفککة ، لا یظهر بینها اتصال. ومثل هذا کل أسماء الشرط الأخری الدالة علی الإبهام والعموم ، والتی لها جملة شرطیة ، تلیها جملة جواب مقرون بالفاء ...

ص: 487


1- لأن الخبر محکوم به ، والمبتدأ محکوم علیه ، کما عرفنا ؛ فلا وجود لأحدهما - من هذه الناحیة - بدون الآخر.
2- لأنها تدل علی السببیة والتعقیب.
3- فی هامش ص 64 و 477 الکلام علی المبتدأ الذی یلیه أداة شرط. وبیان الخبر والجواب.
4- فی ص 186 معنی : «الإبهام» - ثم فی ص 305 و 306 وهامشهما بیان المبهم من الأسماء خاصة ، ومعنی إبهامه.
5- فعل أداة الشرط الجازمة مستقبل الزمن دائما ، ولو کان فعلا ماضیا فی اللفظ ؛ لأن کل أدوات الشرط الجازمة - وبعضا من الشرطیة غیر الجازمة - تجعل فعل الشرط الماضی فی اللفظ مستقبل الزمن من حیث معناه ، وکذلک فعل الجواب. (راجع ص 56).

والخبر - مفردا أو غیر مفرد - قد یقترن بالفاء وجوبا فی صورة واحدة ، وجوازا فی غیرها (1) ، إذا کان شبیها بهذا الجواب الشرطی ، بأن یکون نتیجة لکلام قبله ، مستقبل الزمن ، وفی صدر هذا الکلام مبتدأ یدل علی العموم والإبهام ؛ نحو : الذی یصادقنی فمحترم : «فالذی» اسم موصول مبتدأ ، وهو یدل علی الإبهام والعموم ، وبعده «یصادفنی» کلام مستقبل المعنی (2) ، له نتیجة مترتبة علی حصوله وتحققه ، هی الخبر : (محترم) وقد دخلت الفاء علی هذا الخبر ؛ لشبهه بجواب الشرط فی الأمور الثلاثة السالفة التی هی : (وجود مبتدأ دال علی الإبهام والعموم ، کما یدل اسم الشرط المبتدأ علی الإبهام والعموم) و (وجود کلام بعد المبتدأ مستقبل المعنی ؛ کوجود جملة الشرط بعد أداة الشرط) و (ترتّب الخبر علی الکلام السابق علیه ؛ کترتب جواب الشرط علی جملة الشرط - وهذا مهم).

ومن الأمثلة : رجل یکرمنی فمحبوب - من یزورنی فمسرور ... وهکذا کل خبر تحققت فیه الأمور الثلاثة ؛ سواء أکان خبرا مفردا ، أم جملة ، أم شبه جملة. فالقاعدة العامة فی اقتران الخبر بالفاء هی : مشابهته لجواب الشرط فی فی تلک الأمور الثلاثة ، مع خلو الکلام من أداة شرط بعد المبتدأ ، لکبلا یلتبس الخبر بجواب الشرط.

وقد تتبع النحاة مواضع المشابهة فوجدوها تترکز فی موضعین لا تکاد تخرج عنهما ، مع خلو کل موضع من أداة شرط بعد المبتدأ.

الأول : کل اسم موصول عامّ وقعت صلته جملة فعلیة مستقبلة المعنی ، أو وقعت ظرفا ، أو جارّا مع مجروره بشرط أن یکون شبه الجملة بنوعیه متعلقا

ص: 488


1- کما سیجیء فی ص 490.
2- لیس من اللازم أن یکون مستقبل اللفظ أیضا کالأمثلة الماضیة ؛ وإنما یکفی أن یکون مستقبل المعنی فقط دون اللفظ ؛ نحو : قوله تعالی : (وَما أَصابَکُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ فَبِما کَسَبَتْ أَیْدِیکُمْ) و «ما» فی الآیة موصولة ، ولیست شرطیة ؛ بدلیل قراءة من قرأ : (وما أصابکم من مصیبة بما کسبت أیدیکم) فالفعل. «أصاب» ماض فی اللفظ ، مستقبل فی المعنی ، لأن المراد أن کل شیء یصیبنا فی المستقبل هو نتیجة لعملنا ، ولیس المراد الکلام علی شیء سبق.

بمضارع مستقبل الزمن (1).

الثانی ؛ کل نکرة عامة ، وصفت بجملة فعلیة ، مستقبلة المعنی ، أو بظرف ، أو بجار مع مجروره علی الوجه السالف الذی یقضی بتعلیق شبه الجملة بمضارع مستقبل الزمن.

وإذا اقترن الخبر بالفاء وجب تأخیره عن المبتدا ؛ کالأمثلة التی أوضحناها ، فإن تقدم وجب حذف الفاء (2).

ص: 489


1- والصلة بالظرف والجار مع مجروره لیست فعلا ملفوظا دالا علی المعنی المستقبل ، ولکنها تتضمن فعلا مقدرا ؛ لأن کلا منهما - بحسب الأصل - متعلق بفعل محذوف یمکن تقدیره فعلا مضارعا مستقبلا ، مثل : «یستقر» أو ما بمعناه. وبعد حذف هذا المتعلق حل الظرف أو الجار مع مجروره محله ، فکلاهما بمنزلة الفعل (راجع المفصل ج 1 ص 100 وکذا سبق هنا فی شبه الجملة ص 340) ، وقد یکون فی الکلام قرینة أخری تدل علی أن معناه لا یتحقق إلا فی المستقبل.
2- کما سبق فی رقم 2 من ص 453.

زیادة وتفصیل

لم یکتف النحاة بالترکیز الذی أشرنا إلیه وإنما عرضوا للتفصیل ، وعدّ المواضع المختلفة التی تقع فیها المشابهة - بشرط استیفاء کل منها الشروط الثلاثة السالفة ، مبالغة منهم فی الإبانة والإیضاح. وإلیک بیانها بعد التنبیه إلی أن کثیرا منها مع صحته لا تستسیغه أسالیبنا الحدیثة العالیة. فخیر لنا ألا نستعمله قدر الاستطاعة ، وأن نعرف هذه المواضع لنفهم بها کلام السابقین.

1 - خبر المبتدأ الواقع بعد «أمّا» الشرطیة. نحو : أما الوالد فرحیم. وهذا الموضع یجب فیه اقتران الخبر بالفاء دون باقی المواضع (1) ؛ فیجوز فیها الاقتران وعدمه ، والاقتران أکثر.

2 - أن یکون المبتدأ اسم موصول صلته جملة فعلیة زمنها مستقبل ، تصلح أن تکون جملة للشرط (2) : نحو : الذی یستریض فنشیط.

3 - أن یکون المبتدأ اسم موصول صلته ظرف ؛ نحو : الذی عندک فأدیب.

ولا بد أن یکون شبه الجملة فی هذه الصورة وفیما یلیها متعلقا بمضارع مستقبل الزمن کما سلف (3)

4 - أن یکون المبتدأ اسم موصول صلته جار مع مجروره ، نحو الذی فی الجامعة فرجل.

5 - أن یکون المبتدأ نکرة عامة بعدها جملة فعلیة زمنها مستقبل ، صفة (4) لها ؛ نحو : رجل یقول الحق فشجاع.

6 - أن یکون المبتدأ نکرة عامة ، بعدها ظرف ، صفة لها ؛ نحو : طالب مع الأستاذ فمستفید.

ص: 490


1- هذا الموضع لا یذکره بعض النحاة هنا ؛ لأن اقتران الخبر فیه بالفاء إنما هو لأجل : «أمّا» المتضمنة معنی الشرط ، ولیس لشبه المبتدأ بأداة الشرط فی الإبهام والعموم.
2- الجملة الفعلیة التی تصلح أن تکون للشرط هی التی لا یکون فعلها فعل طلب - کالأمر أو النهی - ولا فعلا جامدا ؛ مثل : لیس أو عسی ، ولا فعلا مسبوقا بأداة شرط نحو قوله تعالی : (وَإِنْ کانَ کَبُرَ عَلَیْکَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِیَ ...) ولا بما ؛ ولا لن ، النافیتین ، ولا قد ، ولا السین ، ولا سوف ، ولا رب ، ولا القسم ... ولا غیر هذا یجیء مما تفصیله فی مکانه الخاص ؛ وهو باب الجوازم. (ج 4).
3- انظر الإیضاح فی رقم 2 من هامش ص 488.
4- بشرط أن تکون الجملة الفعلیة مستقبلة الزمن ، صالحة لأن تقع شرطیة.

7 - أن یکون المبتدأ نکرة عامة ، بعدها جار ومجرور ، صفة لها ؛ نحو : طالب فی المعمل فمنتفع.

8 - أن یکون المبتدأ مضافا إلی موصول صلته جملة فعلیة مستقبلة الزمن ، تصلح أن تکون جملة للشرط ؛ نحو : کتاب الذی یتعلم فمصون.

9 - أن یکون المبتدأ مضافا إلی موصول صلته ظرف ؛ نحو قلم الذی أمامک فجید.

10 - أن یکون المبتدأ مضافا إلی موصول صلته جار مع مجروره ؛ نحو : مرشدة التی فی البیت فخبیرة.

11 - أن یکون المبتدأ لفظ «کل» (أو ما بمعناها ؛ مثل جمیع) مضافا إلی نکرة موصوفة بجملة (1) فعلیة بعدها ، نحو : کل رجل یهمل فصغیر.

12 - أن یکون المبتدأ لفظ «کل» (أو ما بمعناها) ، مضافا إلی نکرة موصوفة بظرف ، نحو : کل وطنی أمام الوطن فمخلص. وقول الشاعر :

کلّ سعی سوی (2) الذی یورث

الفو

ز فعقباه حسرة وخسار

13 - أن یکون المبتدأ لفظ «کل» (أو ما بمعناها) مضافا إلی نکرة موصوفة بجار ومجرور ؛ نحو : کل فتاة فی العمل فنافعة.

14 - أن یکون المبتدأ موصوفا باسم موصول صلته جملة فعلیة مستقبلة الزمن تصلح للشرط ، نحو : الزمیل الذی یعاونک فریاضی.

15 - أن یکون المبتدأ موصوفا باسم موصول صلته ظرف : نحو : الزائرة التی معک فمثالیّة.

16 - أن یکون المبتدأ موصوفا باسم موصول صلته جار مع مجروره ؛ نحو : الرائد الذی فی الرحلة فأمین.

17 - أن یکون المبتدأ مضافا إلی اسم موصوف بموصول صلته جملة (3) فعلیة ؛ نحو : خادم الرجل الذی یزرع فنافع.

ص: 491


1- بشرط أن تکون الجملة الفعلیة مستقبله الزمن ، وصالحة لأن تقع شرطیة. (انظر ما یختص بإضافة «کل» فی الصفحة الآتیة)
2- علی اعتبار «سوی» ظرفا ، طبقا لما سیجیء فی ج 2 باب الاستثناء.
3- بشرط أن تکون الجملة الفعلیة مستقبله الزمن ، وصالحة لأن تقع شرطیة.

18 - أن یکون المبتدأ مضافا إلی اسم موصوف بموصول صلته ظرف ؛ نحو : کاتب الرسالة التی معک فقدیر.

19 - أن یکون المبتدأ مضافا إلی اسم موصوف بموصول صلته جار مع مجروره ؛ نحو : مؤلف الکتب التی فی الحقیبة فعظیم.

وفی جمیع الأمثلة السابقة یجوز أن یکون الخبر مفردا ، أو جملة ، أو شبه جملة. ولا بد من خلو الجملة بعد المبتدأ من أداة شرط - کما سبق.

تلک هی أشهر الصور التی یقترن فیها الخبر بالفاء - وجوبا فی واحدة. وجوازا فی الباقی - لغرض هام ، هو : النص علی مراد المتکلم من ترتب الخبر علی الکلام الذی قبله ، وإبانة أن الخبر نتیجة مترتبة علی ما سبقه.

ولو فقد شرط من الثلاثة التی بیناها لامتنع دخول الفاء علی الخبر ؛ فمثال فقد العموم : سعیک الذی تبذله فی الخیر محمود. ومثال فقد الاستقبال. الذی زارنی أمس مشکور. ومثال الجملة الفعلیة الواقعة صلة أو صفة وهی غیر صالحة لأن تقع شرطیة لاشتمالها علی ما ، أو : لن ، أو : قد ، أو ... أو : إلخ. الذی لن یزورنی مسیء ... ومثل هذا یقال فی الصفة أو الصلة التی لم تستوف الشروط.

وقد تدخل الفاء جوازا - ولکن بقلة - فی الخبر الذی مبتدؤه کلمة «کل» إما مضافة لغیر موصوف أصلا ؛ نحو : کل نعمة فمن الله ، وقول الشاعر (1) :

وکلّ الحادثات وإن تناهت

فمقرون بها الفرج القریب

وإمّا مضافة لموصوف لکن غیر ما سبق (2) نحو : کل أمر مفرح أو مؤلم فنتیجة لعمل صاحبه.

وإذا کان المبتدأ «أل» الموصولة وصلتها (3) صفة صریحة مستقبلة الزمن - جاز الإتیان بالفاء فی الخبر نحو : الصانع والصانعة فنافعان. المخترع والمخترعة فمفیدان. ومنه قوله تعالی : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُما ...) وفریق من النحاة منع دخول الفاء فیما سبق ، وأوّل الآیة. وهذا رأی لا یصح الأخذ به مع وجود آیة کریمة تعارضه ، کما لا یصح تأویل الآیة لتوافقه. فالصحیح دخولها علی الخبر ولو کان أمرا أو نهیّا.

ص: 492


1- البیت الآتی نقله صاحب الأمالی (ج 2 ص 307 عن ابن درید).
2- فی رقم 11 ، 12 ، 13.
3- فی ص 336 و 349 طریقة إعراب «أل» مع صلتها.

بقی أن نعرف أن المبتدأ الذی یشبه اسم الشرط فیما سبق إذا دخل علیه ناسخ - غیر إنّ ، وأنّ ، ولکنّ - فإن الناسخ یمنع دخول الفاء علی خبره. أما إنّ ، وأنّ ، ولکنّ ، فلا تمنع ؛ فیجوز معها دخول الفاء : مثل قوله تعالی : (إِنَّ الَّذِینَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ یَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) وقوله تعالی : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) وقول الشاعر :

فو الله ما فارقتکم قالیا (1)

لکم

ولکنّ ما یقضی فسوف یکون

وإذا عطفت علی المبتدأ الذی خبره من الأنواع السابقة المقرونة بالفاء ، أو علی ما یتصل به من صلة ، أو صفة ، ونحوها - وجب تأخیر المعطوف عن الخبر ؛ إذ لا یجوز الفصل بینه وبین مبتدئه بالمعطوف ، ففی مثل : الذی عندک فمؤدب ، لا یصح أن یقال : الذی عندک والخادم فمؤدب ، أو فمؤدبان ، وهکذا ...

ص: 493


1- کارها.

المسألة 42: نواسخ الابتداء

اشارة

کان وأخواتها (1) ...

معنی الناسخ : الجملة الاسمیة فی مثل «الریاحین متعة» - تتکون من اسمین مرفوعین ، یسمی أولهما : المبتدأ ، وله الصدارة فی جملته - غالبا -. ویسمی الثانی : خبرا کما هو معروف. ولکن قد یدخل علیهما ألفاظ معینة تغیر اسمهما ، وحرکة إعرابهما ، ومکان المبتدأ من الصدارة فی جملته ، ومن هذه الألفاظ : کان ، إنّ ... ظنّ ... مثل : کان العامل أمینا ، وقول الشاعر :

وإذا کانت النفوس کبارا

تعبت فی مرادها الأجسام

فیصیر المبتدأ اسم «کان» مرفوعا ولیس له الصدارة ، ویصیر خبره خبر کان منصوبا (2). ومثل ؛ إنّ العامل أمین ؛ فیصیر المبتدأ اسم «إن» منصوبا ، ولیس له الصدارة ، ویصیر خبره خبر «إن» مرفوعا. ونقول : ظننت العامل أمینا فیصیر المبتدأ والخبر مفعولین منصوبین للفعل : «ظننت» ولیس للمبتدأ الصدارة. وتسمی الکلمات التی تدخل علی المبتدأ والخبر فتغیر اسمهما وحرکة إعرابهما ومکان المبتدأ : «النواسخ» ، أو : نواسخ الابتداء ؛ لأنها تحدث نسخا ، أی : تغییرا

ص: 494


1- المراد بأخواتها : نظائرها من الکلمات التی تشابهها فی العمل ، وتخالفها فی اللفظ ؛ سواء أکانت مع أختها من جنس واحد ، فهما فعلان ؛ مثل : کان - أضحی - ظل ... أم کانتا من جنسین مختلفین. فإحداهما فعل ، مثل : «کان» و «لیس» والأخری حرف ؛ مثل : «ما» الحجازیة التی تعمل عملها.
2- التسمیة بالاسم وبالخبر هی مجرد اصطلاح نحوی ؛ لا مناسبة له فی الجملة ؛ فمثل : «کان علی غائبا» ، نعرب کلمة : «علی» اسم «کان» ، مع أنه فی الحقیقة اسم للذات المعینة ؛ ولیس اسما «لکان». ولا علما علیها ؛ لأننا لا نسمیها باسم جدید خاص. کما نعرب «غائبا» خبر «کان» مع أنه فی الحقیقة والواقع خبر عن :. «علی» ، ولیس خبرا عن : «کان» لأنها لیست مبتدأ فنجیء لها بخبر. غیر أن الاصطلاح النحوی جری بما سبق. وقد یکون المراد. الاسم المصاحب لکان ، الملابس لها ، والمراد بالخبر : أنه خبر بحسب الأصل. و «کان» الناسخة وأخواتها من الأفعال التی تعمل عملها لا ترفع فاعلا ، ولا تنصب مفعولا به ، ولا تحتاج لأحدهما ما دامت ناسخة. غیر أن هذه الأفعال الناسخة تؤنث لتأنیث اسمها ، بالشروط والطرق التی یؤنث بها الفعل التام لتأنیث فاعله. وقد ذکرناها فی موضعها الخاص من ج 2 ص 65 م 66.

علی الوجه الذی شرحناه (1) ولا مانع من دخولها علی المبتدأ النکرة (2) ... فیصیر اسما لها ؛ إذ لا یشترط فی اسمها أن یکون معرفة فی الأصل.

ومما سبق یتبین أن النواسخ بحسب التغییر (3) الذی تحدثه ثلاثة أنواع : نوع یرفع اسمه وینصب خبره - فلا یرفع فاعلا ، ولا ینصب مفعولا - مثل : «کان

ص: 495


1- لا تدخل النواسخ. علی المبتدأ إذا کان واحدا مما یأتی : ا - المبتدأ الذی له الصدارة الدائمة فی جملته بحیث لا یصح أن یتقدم علیه شیء ؛ کأسماء الشرط ، وأسماء الاستفهام ، وکم الخبریة ، والمبتدأ المقرون بلام الابتداء ... ویستثنی من هذا النوع الذی له الصدارة فی جملته - ضمیر الشأن فیجوز أن تدخل النواسخ علیه (وقد تقدم علیه الکلام فی باب الضمیر ص 226). وکذلک یستثنی المبتدأ إذا کان اسم استفهام أو مضافا لاسم استفهام ؛ فیجوز أن تدخل علیه «ظن وأخواتها» مع استیفائهما الفاعل ، ومع تقدیم اسم الاستفهام وجوبا علی الناسخ ، نحو : أیّهم ظننت أفضل ، وغلام أیّهم ظننت أفضل. ولا تدخل هنا ، «کان» ، ولا «إن» ولا أخواتهما ؛ لأن الاسم فی بابی «کان وإن» لا یتقدم علی العامل ، وأما الخبر فیجوز أن یتقدم فی بابی «کان وظن» وأخواتهما إذا کان اسم استفهام ، أو مضافا إلی اسم استفهام ، نحو : أین کنت؟ وأین ظننت محمودا ... ، بشرط ألا یمنع من التقدم مانع سیجیء عند الکلام علی تقدم خبر «کان». أما خبر «إن» وأخواتها فلا یتقدم. ب - المبتدأ الذی یجب حذفه ، وخبره نعت مقطوع. وقد تقدم الکلام علیه فی ص 463. ج - کلمات معینة لم تقع إلا مبتدأ فی الأسالیب الواردة التی لا یجوز تغییر هیئتها ؛ لأنها جرت مجری الأمثال ، والأمثال لا تتغیر ؛ کالکلمات الملازمة للابتداء. فی نحو : لله در الخطیب ، ونحو أقل رجل یفعل ذلک ، (وقد سبق الکلام علیهما فی باب المبتدأ - ص 430 و 408) ، ونحو : «ما» التعجیبة. فی مثل ما أحسن الدین والدنیا إذا اجتمعا. وهذا النوع یسمی : «اللازم للابتداء بنفسه» (أی : بسبب مزیة فی نفسه امتاز بها ؛ وهی : أن العرب خصته بالابتداء فلم تستعمله إلا مبتدأ). وکل هذا یسمی : «الاسم غیر المتصرف فی استعماله ؛» لأنه مقصور علی ضبط واحد ، وطریقة واحدة فی الاستعمال ، لا یتجاوزها. ولیس من اللازم أن یکون مرفوعا ، فمن أنواعه ما هو مقصور علی النصب - أو غیره - کالمنصوب علی المصدریة لداع ؛ کنیابته عن فعل الأمر فی مثل : «سقیا ورعیا» ، (وقد سبق الکلام علیهما فی ص 469) ، فلیس أصله المبتدأ الذی یصلح لدخول النواسخ علیه. ومما یتصل بهذا المبتدأ : «المقصور - فی الغالب - علی معنی واحد لا یستعمل فی غیره» ؛ کالدعاء أو القسم ، أو غیرهما ، مع ملازمته صیغة واحدة لا تتغیر صورتها ، ومع ملازمته الإفراد ؛ فلا یکون مثنی ، ولا جمعا ؛ کقولهم فی الدعاء : طوبی للأمین ، ولا یکون الخبر لکلمة : «طوبی» إلا الجار مع مجروره ، (کما سبق فی ص 436) - ومن أمثلته أیضا قول علی - رضی الله عنه - طوبی لمن شغله عیبه عن عیوب الناس. وویل للخائن ، وسلام علی المصلح ، واللفظان الأخیران یستعملان فی غیر الابتداء أحیانا - کما سیجیء البیان فی موضعه المناسب ، ج 2 ص 188 م 86 - وقولهم فی القسم : أیمن الله لألتزمن الإنصاف - ولهذا القسم بیان یتصل بترکیبه فی رقم 2 من ص 472 -. د - اللازم للابتداء بسبب غیره ، کالاسم الواقع بعد «لو لا» الامتناعیة ، وإذا الفجائیة ... فإنهما لا یدخلان إلا علی المبتدأ ؛ مثل : لو لا العلوم ما تقدمت الحضارة ، ومثل : خرجت فإذا الأصدقاء.
2- کما سبق فی رقم 3 من هامش ص 441 وفی رقم 11 من ص 443.
3- أما النواسخ بحسب صیغتها وتکوینها اللفظی فثلاثة أنواع أیضا ، أفعال ، مثل : کان وأخواتها ، وأسماء وهی المشتقات من مصادر تلک الأفعال التی یمکن الاشتقاق منها ؛ مثل کان ، وأصبح ، وأمسی ... وحروف مثل : «ما» الحجازیة من أخوات کان ... ومثل إن وأخواتها.

وأخواتها» ، ونوع ینصب اسمه ویرفع خبره ؛ مثل : «إن وأخواتها» ، ونوع ینصب الاثنین ولا یستغنی عن الفاعل ؛ مثل : «ظن وأخواتها». ولکل نوع أحواله وأحکامه المفصلة فی بابه الخاص. وکلامنا الآن علی : «کان» وأخواتها من الأفعال الناسخة التی تعمل عملها (1) ، وتسمی أیضا : الأفعال الناقصة (2).

وفیما یلی بیان أشهرها ، وشروط عمله ، ومعنی کل فعل :

إنها ثلاثة عشر فعلا (3) ؛ کان - ظل - بات - أصبح - أضحی - أمسی - صار - لیس - زال - برح - فتئ - انفک - دام. وکل هذه الأفعال تشترک فی أمور عامة ، أهمها :

أنها لا تعمل إلا بشرط أن یتأخر اسمها عنها (4) ، وأن یکون خبرها غیر إنشائی ؛ فلا یصح : کان الضعیف عاونه (5). وأن یکون الاسم والخبر مذکورین معا ،

ص: 496


1- ولها نظائر أخری من الحروف تعمل عملها سیجیء الکلام علیها فی ص 537.
2- سمیت «ناقصة» لأن کل فعل منها یدل علی حدث ناقص (أی : معنی ناقص) لأن إسناده إلی مرفوعه لا یفید الفائدة الأساسیة المطلوبة من الجملة الفعلیة إلا بعد مجیء الاسم المنصوب ، فالاسم المنصوب هو الذی یتمم المعنی الأساسی الناقص ، ویحقق الفائدة الأصلیة للجملة. وهذا یخالف الأفعال التامة ؛ فإن المعنی الأساسی یتم بمرفوعها ؛ «فکان» الناقصة مثلا تدل مع اسمها علی حصوله ووجوده وجودا مطلقا (وهو ضد العدم) وهذا معنی غیر مراد ، ولا مطلوب ، فإذا جاء الخبر تعین المعنی المطلوب ، وتحدد. و «صار» مع اسمها تدل علی تحوله ، وانتقاله من حالته ، من غیر بیان لحالته الجدیدة. ولا توضیح لما انته إلیه أمره ، والخبر هو الذی یعین ویوضح. و «أصبح» مع اسمها تدل علی دخوله فی وقت الصباح ، ولیس هذا هو المقصود ، فإذا جاء الخبر کان کفیلا بتحقیق المراد. وهکذا ... ولیس السبب فی تسمیتها «ناقصة» أنها تتجرد للزمان وحده ، ولا تدل معه علی حدث (معنی) کما یقول بعض النحاة ، فهذا الرأی مدفوع بأدلة کثیرة جاوزت العشرة وسجلتها المطولات (وقد أشار إلی بعضها بإیجاز محمود ، ومنطق سلیم صاحب حاشیة الأمیر علی المغنی فی الباب الثالث من المجلد الثانی عند الکلام علی تعلق الظرف والجار والمجرور بالفعل الناقص).
3- غیر الأفعال التی بمعنی : «صار» ، وستذکر بعدها فی ص 505 ، وغیر «أفعال المقاربة» وما یتصل بها. ولها باب مستقل - فی ص 556 - ، وغیر أفعال أخری قلیلة الشهرة ؛ لقلة استعمالها فی الأسالیب الناقصة ؛ مثل : أفتأ ؛ بمعنی : فتیء ... هذا والأفعال السبعة الأولی کاملة التصرف نسبیا - إذ یجیء من مصدرها أکثر المشتقات - «ولیس» جامدة بالاتفاق ، و «دام» جامدة علی الأصح. والأربعة الباقیة ، ناقصة التصرف کما سیجیء فی ص 513.
4- وسیأتی هذا عند الکلام علی حکم معمولیها من ناحیة التقدیم والتأخیر - ص 515.
5- لا فرق فی المنع بین الإنشاء الطلبی ؛ مثل : کان والدک احترمه ، وغیر الطلبی مثل : کانت صحتی «یحفظها الله «أو : یکون مالی» أدامه الله» علی أن تکون الجملة الأخیرة فی المثالین دعائیة : فهذه الأمثلة واشباهها مما وقع فیها الخبر جملة. إنشائیة - لا یصح اعتبار «کان» فیها ناسخة. وللإنشاء بنوعیه إیضاح فی رقم 3 من هامش ص 337.

ولا یصح - مطلقا - حذفهما معا ، ولا حذف أحدهما. إلا «لیس» ، فیجوز حذف خبرها ، وإلا «کان» فیجوز فی أسلوبها أنواع من الحذف. وسیجیء البیان عند الکلام علیهما.

وألا یتقدم الخبر علیها إذا کان اسما متضمنا معنی الاستفهام ؛ وهی مسبوقة بأحد حرفی النفی : «ما» أو : «إن» ؛ فلا یقال : أین ما یکون الصدیق؟ ولا أین إن یکون الصدیق؟ ولا أین ما زال العمل؟ لأنّ «ما» و «إن» النافیتین لهما الصدارة فی کل جملة یدخلان علیها ؛ فلا یصح أن یسبقهما شیء من تلک الجملة ، وإلا کان الأسلوب فاسدا(1) ...

وأن صیغتها حین تکون بلفظ الماضی ، وخبرها جملة فعلیة مضارعیة - لا بد أن یماثلها زمن هذا المضارع ؛ فینقلب ماضیا (2) - عند عدم وجود مانع - ؛ ففی مثل : أصبح العصفور یغرد - یکون زمن المضارع «یغرد» ماضیا ، مع أن الفعل مضارع ، ولکنه - هو وکل الأفعال المضارعة - یتابع زمن الفعل الماضی الناسخ ، بشرط عدم المانع الذی یعینه لغیره - کما أشرنا -.

وأن أخبارها لا تکون جملة فعلیة ماضویة ، ما عدا «کان» فإنها تمتاز بصحة الإخبار عنها بالجملة الماضویة (3) ...

ص: 497


1- راجع منع هذا التقدم فی ص 516.
2- کما سبق هذا عند الکلام علی أحوال المضارع من ناحیة دلالته الزمنیة - ص 58 -.
3- راجع حاشیة الألوسی علی «القطر» ص 34. غیر أن المراجع الأخری تضطرب فی هذا الحکم ، وتختلف اختلافا واسعا (تبدو صور منه فی حاشیة یاسین علی التصریح ، ج 1 ، أول هذا الباب ، وفی الهمع ج 1 ص 113 ...) وخیر ما یستخلص من تلک الآراء هو : ا - ما قاله الهمع ؛ ونصه (شرط ما تدخل علیه : «صار» وما بمعناها ، و «دام» و «زال» وأخواتها - ألا یکون خبره فعلا ماضیا (یرید جملة ماضویة) فلا یقال : صار زید علم ، وکذا البواقی ... ؛ لأنها تفهم الدوام علی الفعل ، أو اتصاله بزمن الإخبار ، والماضی یفهم الانقطاع ؛ فتدافعا. وهذا متفق علیه ...) اه. ب - أما فی غیر تلک الأفعال فالمستحسن غایة الاستحسان - وإن لم یبلغ حد الوجوب - هو اقتران الخبر بالحرف : «قد» إن کان الفعل الناسخ وفعل الخبر ماضیین معا ، أو مضارعین معا. فمتی تماثل فی نوعهما الفعلان - الفعل الناسخ والفعل الذی فی خبره - فالمستحسن تصدیر الخبر بالحرف ، «قد». وتمتاز «کان» بجواز مجیء «قد» وعدم مجیئها فی الحالات السالفة ، کما تشهد بهذا النصوص العالیة الفصیحة.

أما فی غیر الأمور المشترکة السالفة فلکل فعل معناه الخاص مع معمولیه (1) وشروطه الخاصة التی سنعرضها فیما یلی :

کان : نفهم معناها من مثل : کان الطفل جاریا ؛ فهذه الجملة یراد منها إفادة السامع أن الطفل موصوف بشیء ؛ هو : «الجری» ، وأن الجری فی زمن ماض ؛ بدلیل الفعل : «کان».

ولو قلنا : یکون الطفل جاریا - لکان المراد إفادة السامع أن الطفل موصوف بشیء ؛ هو : «الجری» ، وأن الجری فی زمن حالی أو مستقبل ، بدلیل الفعل المضارع : «یکون».

ولو قلنا : کن جاریا - لکان المراد إفادة السامع أن المخاطب موصوف بتوجه طلب معین إلیه ؛ هو ؛ مباشرة الجری ، أی : مطالبته بالجری فی المستقبل ؛ بدلیل فعل الأمر : «کن».

مما سبق نفهم المراد من قول النحاة : «کان» مع معمولیها تفید مجرد اتصاف اسمها بمعنی خبرها اتصافا مجردا (2) فی زمن یناسب صیغتها. فإن کانت صیغتها فعلا ماضیا فالزمن ماض ، بشرط ألّا یوجد ما یجعله لغیر الماضی. ، وإن کانت صیغتها فعلا مضارعا فالزمن صالح للحال والاستقبال (3) بشرط لا یوجد ما یجعله لغیرهما ، وإن کانت صیغتها فعل أمر فالزمن مستقبل ؛ إن لم یوجد ما یجعله لغیره -.

وقد تستعمل «کان» الناسخة بمعنی : «صار» (4) فتأخذ أحکامها ، وتعمل

ص: 498


1- لأن الفعل وحده بدون معمولیه لا یحقق الغرض ؛ لأنه یدل علی مجرد حصول شیء غیر معین ولا محدد - فی زمن خاص! ولا یدل علی أکثر من هذا ؛ کالصبح فی : أصبح ، والمساء فی ، أمسی ، والضحا : فی أضحی ... ویکون الزمن ماضیا أو حالا أو مستقبلا علی حسب نوع الفعل الناسخ. أما الفعل مع معمولیه فیدل علی اتصاف الاسم بمعنی الخبر فی زمن معین ، انصافا ینشأ عنه أن تؤدی الجملة معناها المطلوب کاملا واضحا.
2- اتصافا مجردا ؛ أی : لا زیادة معه ؛ لأنها لا تدل بصیغتها علی نفی ، أو دوام ، أو تحول ، أو زمن خاص ؛ کالصباح ، والمساء ، والضحا ، ولا علی غیر ذلک مما تدل علیه أخواتها. حقا إنها تدل علی الزمن الماضی أو غیره ، ولکن دلالتها علیه مطلقة ؛ إذ لا تقیید. فیها بالصباح ، أو المساء ، أو غیرهما.
3- بشرط أن یکون المضارع حقیقیا ؛ أی : غیر مصحوب بما یجعل زمنه للماضی فقط : مثل :«لم» ، أو للمستقبل فقط ؛ مثل : سوف ، أو للحال مثل : «ما» النافیة.
4- سیجیء فی ص 504 الکلام علی «صار» ، وشروطها ، ومعنها الذی هو : التحول والانتقال من حالة إلی أخری ...

عملها بشروطه ؛ مثل : جمد الماء فکان ثلجا - احترق الخشب فکان ترابا (1).

وقد تستعمل بمعنی : «بقی علی حاله ، واستمر شأنه من غیر انقطاع ولا تقیّد بزمن (2)» نحو : کان الله غفورا رحیما.

وقد تستعمل تامة (3) ، وتکثر فی معنی : حصل وظهر (أیّ : وجد) فتکتفی بفاعلها ؛ نحو : أشرقت الشمس فکان النور ، وکان الدفء ، وکان الأمن. أی : حصل وظهر.

وما تقدم من الأحکام للفعل الماضی : «کان» یثبت لباقی أخواته المشتقات ؛ کالمضارع ، والأمر ، واسم الفاعل. و. و..

هذا ، وتضم الکاف من الفعل الماضی : «کان» عند اتصاله بضمائر الرفع المتحرکة ؛ کالتاء ، ونون النسوة ، طبقا للبیان الذی سلف مفصلا (4).

وبقی من أحکام «کان» أربعة أخری سیجیء الکلام علیها مفصلا فی موضعه من آخر هذا الباب ؛ وهی : أنها تقع زائدة (5) ، وأن الحذف یتناولها کما یتناول أحد معمولیها (6) ، أو هما معا ، وأن نون مضارعها قد تحذف (7) ، وأن خبرها قد ینفی. وهذا الأخیر یجیء الکلام علیه مع باقی الأخبار الأخری المنفیة (8).

ص: 499


1- ومنه قوله تعالی (وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَکانَتْ أَبْواباً ، وَسُیِّرَتِ الْجِبالُ فَکانَتْ سَراباً ،) أی :«صارت» فیهما ؛ لأن المعنی یقتضی هذا.
2- سبقت إشارة لهذا فی ص 52.
3- الفعل التام - کما سبق فی رقم 2 من ص 496 - هو ما یکتفی بمرفوعه فی إتمام المعنی الأساسی للجملة.
4- فی رقم 1 من هامش ص 150.
5- ص 524.
6- ص 527.
7- ص 532.
8- ص 534.

زیادة وتفصیل

(ا) إذا وجد نفی قبل «کان» الماضیة والمضارعة وکان خبرها جملة مقترنة «بإلا» الاستثنائیة الملغاة - جاز أن یقترن بالواو ؛ کقول الشاعر :

ما کان من بشر إلا ومیتته

محتومة ؛ لکن الآجال تختلف

لأن النفی قد نقض هنا ب «إلا». والنفی ونقضه شرطان - علی الصحیح - لزیادة الواو فی الجملة الواقعة خبر : «کان» أو مضارعها - کما تقدم -.

وهذه الواو تسمی «الواو الداخلة علی خبر الناسخ» وتدخل أیضا فی خبر «لیس بالشرط السالف کما سیجیء (1). وقد سمعت (2) قلیلا فی خبر غیرهما من النواسخ. ولا یصح القیاس علی هذا القلیل.

وبرغم أن وجودها جائز فی غیر القیل مما ذکرناه. فإن الخیر - کما یری کثیر من النحاة - فی العدول عنها ؛ حرصا علی الدقة فی التعبیر ، وبعدا عن اللبس الذی قد ینشأ بین هذه الواو والواو الأخری التی للحال - أو غیره -. ولکل منهما معنی یخالف معنی الأخری (3). والبراعة تقتضی الإبانة التامة. وتجنب أسباب اللبس والاشتباه ؛ نزولا علی حکم البلاغة.

ص: 500


1- جاء فی الصبان ج 2 باب : «لا» النافیة للجنس عند بیت ابن مالک : «ورکب المفرد فاتحا ...» ما نصه : (قال الرودانی : قولهم إن خبر الناسخ تدخله الواو ... ، غیر مسلم علی إطلاقه. وحاصل ما فی التسهیل والهمع أن الخبر إن کان جملة بعد «إلا» لم یقترن بالواو ، إلا بعد «لیس وکان» المنفیة ، دون غیرهما من النواسخ. وبغیر «إلا» یقترن بالواو بعد «کان» وجمیع أخواتها ، لا بعد جمیع النواسخ. هذا عند الأخفش وابن مالک. وغیرهما لا یجیز اقتران الخبر بالواو أصلا. وحملوا ما ورد من ذلک علی أنه حال ، والفعل تام لا ناقص ، أو محذوف الخبر للضرورة) اه.
2- راجع الصبان ج 1 فی هذا الموضع آخر باب «کان» وفی ج 2 منه ، أول باب : لا» ، النافیة للجنس.
3- ولعل هذا کان السبب فیما ذهب إلیه بعض النحاة الأقدمین من عدم إباحة استعمال هذه الواو ، وفی تأویل النصوص القدیمة المشتملة عیها تأویلا یتجه مرة إلی اعتبار الواو للحال ، والجملة بعدها فی محل نصب حال ، وخبر الناسخ محذوف. ومرة إلی أنها زائدة شذوذا ... و... و... ونحن فی غنی عن هذا کله بترکها ، وعدم القیاس علی المسموع منها. (راجع ص 508 ورقم 1 من هامش ص 626).

(ب) من الأسالیب الأدبیة الشائعة : «کائنا ما کان» ، و «کائنا من کان» ؛ فی مثل : سأفعل ما یقضی به الواجب ؛ کائنا ما کان. وسأحقق الغرض الکریم کائنا ما کان ... أی : سأفعل ذلک مهما جدّ وکان ذلک الواجب ؛ وذلک الغرض. ومثل : سأرد الظالم : «کائنا من کان» - سأکرم النابغ «کائنا من کان» ... أی : سأفعل ذلک مهما کان الإنسان الظالم ، أو النابغ.

أما إعرابه فمتعدد الأوجه : وأیسر ما یقال وأنسبه هو : «کائنا» حال منصوب ، واسمه (1) ضمیر مستتر تقدیره : «هو» یعود علی الشیء السابق ، و «ما» أو «من» نکرة موصوفة مبنیة علی السکون فی محل نصب خبر «کائن».

و «کان» فعل ماض تام ، وفاعله ضمیر مستتر یعود علی «ما» أو «من» والجملة من الفعل والفاعل فی محل نصب صفة «ما» أو «من». والتقدیر النحویّ : سأفعل ذلک کائنا شیئا کان. أو : کائنا إنسانا کان. أی : سأفعل ذلک کائنا أیّ شیء وجد أو أیّ إنسان وجد.

ومن الأسالیب المرددة فی کلام القدامی الفصحاء - برغم غرابتها الیوم - قولهم : «ربما اشتدت وقدة الشمس علی المسافر فی الفلاة ؛ فکان مما یغطیّ رأسه وذراعیه ، وربما ثارت الرمال ؛ فکان مما یحجب عینیه ومنخریة ...» یریدون : فکان ربما یغطی رأسه - وکان ربما یحجب عینیه ومنخریه ، أی : یغطیهما (2) ...

ص: 501


1- لأنه اسم فاعل من «کان» الناقصة فیعمل عملها.
2- تصدی لهذا الأسلوب عالم جلیل معاصر من تونس - هو : الأستاذ محمد الطاهر عاشور العضو المراسل بالمجمع اللغوی القاهری - وخصه ببحث فی الجزء التاسع من مجلة المجمع (ص 116) عرض فی الجلسة الحادیة عشرة من الدورة الثامنة عشرة ووافق علیه المجمع وقرر أن ذلک أسلوب لغوی یراد منه الکثرة ، وقد یدل علی القلة أحیانا. والبحث نفیس هام وملخصه مع الإیجاز هو : أن بعض المرکبات استعملت استعمال کلمة مفردة ؛ کالذی ورد فی صحیح البخاری عن ابن عباس ونصه : «کان رسول الله یعالج من التنزیل شدة إذا نزل علیه الوحی ، وکان مما یحرّک لسانه وشفتیه ...) وقد أهمل ابن الأثیر فی کتابه : «النهایة» ، معنی قوله : «مما یحرک لسانه وشفتیه» وفسره عیاض فی کتابه : «المشارق» بأن معناه : «کثیرا ما یحرک به لسانه وشفتیه» وبعد أن فسره روی عن أحد الأئمة من شراح الحدیث ما یأتی : «فی مثل هذا کأنه یقول : هذا من شأنه ودأبه ؛ فجعل «ما» کنایة عن ذلک ، ثم أدغم «النون» ، وروی عن آخر أن (معنی : «مما» هنا هو : «ربما» وهذا من معنی ما تقدم ؛ لأن «ربما» تأتی للتکثیر أیضا. وفی مسلم ، فی حدیث : النجوم أمنة السماء : «وکان کثیرا مما یرفع رأسه إلی السماء» ... تکون «مما» هنا بمعنی : «ربما» التی للتکثیر ، وقد تکون فیها زائدة) اه. ثم قال الباحث المعاصر : 1 - وشواهد هذا الاستعمال کثیرة فی الحدیث والشعر ؛ منها - غیر ما تقدم - قول رافع فی البخاری فی باب الحرث والزرع :(«کنا نکری الأرض بالناحیة ، منها مسمی لسیّد الأرض ، قال فمما یصاب ذلک وتسلم الأرض ، ومما تصاب الأرض ویسلم ذلک ...). ومنها قول ابن عباس الوارد فی صحیح مسلم فی کتاب تعبیر الرؤیا («إن رسول الله کان مما یقول لأصحابه : «من رأی منکم رؤیا فلیقصّها أعبرها له»). ومنها قول البراء بن عازب :(«کنا إذا صلینا خلف رسول الله مما نحب أن نکون عن یمینه.») ومنها : وإنّا لممّا نضرب الکبش ضربة علی رأسه تلقی اللسان من الفم ثم قال الباحث : تعرض لهذا اللفظ السیرافی فی شرح کتاب سیبویه بما نصه : (قال سیبویه : اعلم أنهم مما یحذفون الکلم وإن کان أصله فی الکلام غیر ذلک ...) ، قال السیرافی : (أراد : ربما یحذفون ... وهو یستعمل هذه الکلمة کثیرا فی کتابه. والعرب تقول : أنت مما تفعل کذا ... أی :ربما تفعل. وتقول العرب أیضا : «أنت مما أن تفعل. أی : أنت من الأمر أن تفعل ؛ فتکون «ما» بمنزلة الأمر - أی : الشیء - و «أن تفعل» بمنزلة الفعل ؛ (أی : مصدر تقدیره : «فعل» ، أی : بمنزلة هذا اللفظ) ویکون «بأن تفعل» ، فی موضع رفع بالابتداء ، وخبره : «مما» وتقدیره : أنت فعلک کذا وکذا من الأمر الذی تفعله ...») اه. وکلام السیرافی - کما نقله الباحث - لم یوضح الأسلوب الأخیر المشتمل علی : (أن تفعل) 2 - ومن السیرافی أخذ ابن هشام فی کتابه المغنی عند الکلام علی معانی : «من» ، فقال عن العاشر من معانیها (مرادفة : «ربما» وذلک إذا اتصلت «بما» کما فی قول الشاعر أبی حیة النمیری : وإنا لمما نضرب الکبش ضربة علی رأسه تلقی اللسان من الفم قاله السیرافی وفریق غیره من النحاة وخرجوا علیه قول سیبویه : «واعلم أنهم مما یحذفون الکلم ...». والظاهر أن «من» فیهما ابتدائیة ، و «ما» مصدریة ، وأنهم جعلوا کأنهم خلقوا من الضرب مثل خلق الإنسان من عجل.) اه. وفی کلامه هذا احتمال مخالفتهم فی أن جعلوها بمنزلة : «ربما» ، لأن : «ربما» لا تتعین للتکثیر ، واحتمال أنه فسر کلامهم بحمله علی إرادة التکثیر کما فسر آخرون. وقد أشار ابن هشام - کبعض من سبقوه - إلی کیفیة الحذف التی اعتورت هذا الترکیب ، وأبقت فیه معنی التکثیر ، أو معنی «ربما» ، أو غیر ذلک ، کما هو واضح من کلامهم حیث یظهر ترددهم فی منشأ معنی التکثیر ؛ أمنشؤه الحرف «من» کما یری ابن هشام ، أم الحرف («ما» کما یری غیره؟ 3 - وینبغی التنبه إلی أن هذا الترکیب إذا استعمل هذا الاستعمال یجیء فی موضع خبر المبتدأ ویجیء فی موضع خبر «کان» ؛ .... ویکون فی موضع الحال .... و... فمن ظن اختصاص ذلک بخبر «کان» فقد وهم. والتنبه إلی أن أصل استعماله فی هذا المعنی ألا یصرح معه بلفظ الکثرة ، فما وقع فیه لفظ کثیر فهو جار مجری التفسیر من الراوی ، أو مجری التأکید من القائل ؛ لخفاء دلالة الترکیب علی التکثیر ، ومثاله قول سمرة بن جندب : «کان رسول الله مما یکثر أن یقول لأصحابه هل رأی أحد منکم رؤیا ...؟» ، وقول أبی موسی : «وکان رسول الله کثیرا مما یرفع رأسه إلی السماء». والتنبه إلی أن قول السیرافی : وتقول العرب أیضا «أنت مما أن تفعل ...» - غریب ، لا یعرف شاهده من فصیح الکلام ؛ فضلا عن کون الحرف «أن» فیه غیر واقع موقعا ، مع ما فیه من اجتماع ثلاثة أحرف متوالیة من أحرف المعانی ، وهی : «من» و «ما» و «أن» سواء أجعلت «ما» مصدریة أم زائدة. وإلی هنا انته کلام الباحث ، بعد الاستغناء عن بضع کلمات منه. هذا ویوضح ما سبق أیضا ما جاء فی کتاب سیبویه - ج 1 ص 476» - أن «من» الجارة إذا کفّت بالحرف «ما» الزائد قد تکون بمعنی : «ربما» واستشهد بالبیت السالف.

ص: 502

ظل : تفید مع معمولیها اتصاف اسمها بمعنی خبرها طول النهار ، فی زمن یناسب صیغتها (1). نحو : ظل الجو معتدلا

وتستعمل کثیرا بمعنی : «صار» عند وجود قرینة ؛ فتعمل بشروطها (2) ؛ نحو قوله تعالی : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثی ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا ،) أی : صار (3). وقد تستعمل تامة فی نحو : ظل الحر ؛ بمعنی : دام وطال ...

شروط عملها : لا یشترط لها وللمشتقات أخواتها سوی الشروط العامة التی سلفت.

أصبح : تفید مع معمولیها اتصاف اسمها بمعنی خبرها صباحا ، فی زمن یناسب صیغتها. مثل أصبح الساهر متعبا. وتستعمل کثیرا بمعنی : «صار» فتعمل بشروطها (4) ؛ مثل : أصبح النّفط دعامة الصناعة ؛ وإنما کانت بمعنی : «صار» فی هذا المثال وأشباهه لأن المراد لیس مقصورا علی وقت الصبح. وإنما المراد التحول من حالة قدیمة إلی أخری جدیدة لیست خاصة بالصباح.

وقد تستعمل - بکثرة - تامة فی نحو : أیها الساری (5) قد أصبحت. أی : دخلت فی وقت الصباح (6). وشروط عملها هی الشروط العامة ؛ فهی مثل : «ظل».

أضحی : تفید مع معمولیها اتصاف اسمها بمعنی خبرها وقت الضحا ، فی زمن یناسب صیغتها ... مثل : أضحی الزارع منکبّا علی زراعته. وتستعمل کثیرا بمعنی : «صار» فتعمل بشروطها (7) فی مثل : أضحی المیدان الصناعی مطلوبا. وإنما کانت بمعنی : «صار» لأن المعنی لیس علی التقید بوقت الضحا أو غیره - وإنما علی التحول والانتقال من حالة إلی أخری.

وقد تستعمل تامة فی مثل : أضحی النائم ؛ أی : دخل فی وقت الضحا.

شروط عملها : هی الشروط العامة التی سبقت ؛ فهی مثل : «ظل».

ص: 503


1- شرحنا معنی مناسبة الزمن للصیغة فی ص 498.
2- وهی الصفحة التالیة.
3- لأن وجهه لم یکن مسودا قبل البشری ؛ وإنما تحول من لونه الأصلی إلی السواد بعد ولادة البنت.
4- وهی الصفحة التالیة.
5- المسافر لیلا.
6- وقد وردت زائدة هی «وأمسی» فی کلام عربی قدیم نصه : الدنیا ما أصبح أبردها ، وما أمسی أدفأها والمراد : ما أبردها ، وما أدفاها. وهذا لا یقاس علیه کما سیجیء فی رقم 1 من هامش الصفحة الآتیة وفی ص 526 ؛ وإنما نذکره لنفهمه ونفهم نظیره مما قد یمر بنا فی أثناء قراءة النصوص القدیمة.
7- وهی الصفحة التالیة.

أمسی : تفید مع معمولیها اتصاف اسمها بمعنی خبرها ، مساء فی زمن یناسب صیغتها ؛ مثل : أمسی المجاهد قریرا. وتکون کثیرا بمعنی : «صا» فتعمل بشروطها ؛ مثل : اقتحم العلم الفضاء المجهول : فأمسی معلوما ؛ أی : صار معلوما ؛ لأن المراد لیس التقید بوقت المساء ، وإنما المراد التحول والانتقال. وتستعمل تامة فی مثل : أمسی الحارس. أی : دخل فی وقت المساء (1).

شروط عملها هی الشروط العامة : کظل :

بات : تفید مع معمولیها اتصاف اسمها بمعنی خبرها طول اللیل ؛ فی زمن یناسب صیغتها ؛ مثل : «بات القادم نائما ، وقول الشاعر.

أبیت نجیّا للهموم کأنّما

خلال فراشی جمرة تتوهّج

وتکون تامة ، فی مثل : بات الطائر ؛ بمعنی : نزل لیقضی اللیل فی بعض الأمکنة.

صار : تفید مع معمولیها تحوّل اسمها ، وتغیّره من حالة إلی حالة أخری ینطبق علیها معنی الخبر ؛ مثل : صارت الشجرة بابا. أی : تحولت الشجرة (وهی اسم : صار) من حالتها الأولی إلی حالة جدیدة ، سمیت فیها باسم جدید ، هو :«باب» (وهو ؛ الخبر) ، ومثل : صار الماء بخارا ؛ فقد تحول الماء (وهو : اسم : صار) ، من حالته الأولی إلی حالة جدیدة یسمی فیها : «بخارا» وهو الخبر. وتستعمل تامة فی مثل : صار الأمر إلیک ؛ بمعنی ؛ انتقل إلیک. وفی مثل : إلی الله تصیر الأمور ، أی : ترجع ...

شروط عملها : یشترط فیها وفی الأفعال التی بمعناها :

1- الشروط العامة.

2- ألا یکون خبرها جملة فعلیة فعلها ماض ، فلا یصح صار الجالس وقف ، ولا صار المتکلم سکت (2).

ص: 504


1- قلنا فی رقم 5 من هامش الصفحة السالفة عند الکلام علی «أصبح» : إنها هی «وأمسی» قد تزادان کما فی العبارة القدیمة ، «الدنیا ما أصبح أبردها ، وما أمسی أدفأها» ، وقلنا : إن هذا لا یقاس علیه ... کما سیجیء فی ص 526
2- لأن خبر «صار» لا بد أن یکون معناه متصلا وممتدا إلی وقت الکلام ؛ فإذا قلنا : صار الماء بخارا ، وصار السباح یقفز. فلا بد أن یکون البخار والقفز موجودین عند النطق بهذا الکلام. فلو کان الخبر جملة ماضویة لدل علی انقطاع المعنی قبل النطق بهذا الکلام ؛ فیفسد المراد. (انظر ما یتصل بهذا فی رقم 3 من هامش ص 497).

زیادة وتفصیل

ویشترک مع صار فی المعنی. والعمل ، والشروط ، أفعال أخری - غیر التی سبقت - أشهرها أحد عشر ، کل منها یصح أن تحل «صار» محله ، واستعماله قیاسیّ مثلها.

1 - آض ، مثل : آض الطفل غلاما. وآض الغلام شابّا : بمعنی : «صار» فیهما.

2 - رجع ، مثل : قوله علیه السّلام : «لا ترجعوا بعدی کفارا یضرب بعضکم رقاب بعض».

3 - عاد ، مثل :

عاد البلد الزراعی صناعیّا.

4 - استحال ، مثل : استحال الخشب فحما.

5 - قعد ، مثل : قعدت المرأة مکافحة فی المیادین المختلفة. 6 - حار ، مثل :

وما المرء إلا کالشّهاب وضوئه

یحور رمادا بعد إذ هو ساطع

7 - ارتد ، مثل قوله تعالی : (أَلْقاهُ عَلی وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِیراً.)

8 - تحول ، مثل : تحول القطن نسیجا ، وتحول النسیج ثوبا رائعا.

9 - غدا : مثل غدا العمل الحرّ مرموقا. وقول الشاعر :

إذا غدا ملک باللهو مشتغلا

فاحکم علی ملکه بالویل والحرب (1)

10 - راح : مثل : راح المرء مقدّرا بما یحسنه.

11 - جاء ، فی مثل : ما جاءت حاجتک؟ فقد ورد هذا الأسلوب فی الأسالیب الصحیحة المأثورة بنصب کلمة : «حاجة» ، ومعناه : ما صارت حاجتک.؟ والمراد : أیّ حاجة صارت حاجتک؟ وإنّما نصبت کلمة «حاجة» لأنها خبر «جاء» التی بمعنی : صار ، واسمها ضمیر یعود علی «ما» الاستفهامیة التی تعرب مبتدأ مبنیة علی السکون فی محل رفع ، والجملة من «جاء ومعمولیها» فی محل رفع خبرها (2).

ص: 505


1- الخراب والنهب.
2- ویصح القیاس علی هذا الأسلوب فیقال : ما جاءت رسالتک - ما جاءت سفارتک ومفاوضتک ... من غیر التقید بکلمة «حاجة» ؛ فیصح إحلال کلمة أخری محلها علی حسب المعنی ، کما یجوز ضبط «حاجة» ونظائرها بالرفع فتکون اسم «جاء» و «ما» الاستفهامیة خبرها ، مقدما فی محل نصب. والمعنی أی شیء صارت إلیه حاجتک.

وقد سبق بیان الأفعال الأخری الناسحة التی یکثر استعمالها بمعنی : «صار» وبشروطها (وهی : کان - ظل - أصبح - أضحی - أمسی).

لیس : تفید مع معمولیها نفی اتصاف اسمها بمعنی خبرها فی الزمن الحالیّ (1) نحو : لیس القطار مقبلا. فالمراد نفی القدوم عن القطار الآن. ولا تکون للنفی فی الزمن الحالی إلا عند الإطلاق ، أی : عند عدم وجود قرینة تدل علی أن النفی واقع فی الزمن الماضی ، أو فی المستقبل : فإن وجدت قرینة تدل علی أنه واقع فی أحدهما وجب الأخذ بها ؛ نحو : لیس الغریب مسافرا أمس ، أو : لیس سافر (2) الغریب ، أو : زرعت الحقول لیس حقلا ... (3) فوجود کلمة : «أمس» ، أو. وجود الفعل الماضی (4) بعدها ، أو قبلها - دلیل علی أن النفی للماضی ... أما فی نحو : لیس الغریب مسافرا غدا ، أو قوله تعالی فی عذاب الکافرین یوم القیامة : (أَلا یَوْمَ یَأْتِیهِمْ لَیْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ ،) فیکون النفی متجها للمستقبل ؛ لوجود قرینة لفظیة فی المثال ؛ وهی کلمة : «غد» الدالة علیه ولوجود قرینة عقلیة فی الآیة تدل علیه أیضا ، هی : أن یوم القیامة لم یأت حتی الآن. وقد یکون المراد منها نفی الحکم نفیا مجردا من الزمن ؛ کقول العرب : لیس لکذوب مروءة ، ولا لحسود راحة ، ولا لسیئ الخلق سؤدد.

ص: 506


1- الحال ، هو زمن الکلام. وبالرغم من أنها لنفی الحال کثیرا - وقد تکون لنفی الزمن الماضی أو المستقبل بقرینة - فإنها عند الإعراب تعرب فعلا ماضیا فی کل أحوالها ، وکذلک لو کانت للنفی المجرد من الزمن.
2- هذا الأسلوب غیر شائع فی الکلام القدیم ، فلا داعی لمحاکاته ، والفعل والفاعل فیه ، فی محل نصب خبر «لیس» ، واسمها ضمیر الشأن محذوف - وقد سبق هذا عند الکلام علی ضمیر الشأن ؛ ص 230 - وقلنا الأحسن فی هذا الأسلوب ونظائره مما یقع فیه فعل بعد «لیس» مباشرة أن تکون هی حرف نفی مهمل (أی لا یعمل ؛ فلیس له اسم ، ولا خبر) وهذا الإعراب أیسر وأنسب لمثل هذه الصیغة ؛ لأن وقوع الفعل تالیا الفعل الذی من نوعه قلیل فی الکلام الفصیح إذا کان التالی لغیر توکید لفظی. وإهمالها فی هذه الصورة یوافق لغة تمیم التی تهملها فی کل الأحوال ، وبلغتهم : «لیس الطیب إلا المسک». ولکن لا یحسن الأخذ الیوم برأی تمیم ، إلا فی الصورة التی أشرنا إلیها. ویری القرطبی : (فی مقدمة تفسیره فی باب الرد علی من طعن فی القرآن ، ص 70) أن الترکیب السابق ضعیف ؛ لأن «لیس» لا تنفی الماضی ، والوارد منه هو قولهم : «ألیس قد خلق الله مثلهم» ، بدخولها علی الماضی المقرون بقد ، و «قد» تقربه من الحال.
3- «لیس فی هذا المثال فعل من أفعال الاستثناء ، کما سیجیء فی بابه ج 2.
4- ویفهم من هذا صحة وقوع الفعل الماضی فی خبرها. ولکنه قلیل - کما سلف فی رقم 2 - ویستحسن أن یکون هذا الماضی مقرونا لتقربه من الحال ، کما سبق فی رقم 3 من هامش ص 497 ، أما الاعتراض. بأن : «لیس» لنفی الزمن الحالی ، فیلزم من الإخبار عنها بالماضی تناقض - فقد أجاب «النحاة» عنه بأنها تکون لنفی الحال فی الجملة غیر المقیدة بزمان ، أما المقیدة به فنفیها علی حسب القید.

شروط عملها ؛ وأحکامها :

1- هی الشروط العامة.

2- لا تستعمل تامة.

3- لا یجوز تقدم خبرها علیها فی الرأی الأرجح (1).

4- یجوز حذف خبرها ، إذا کان نکرة عامة ؛ نحو : لیس أحد. أی : لیس احد موجودا ، أو نحو ذلک .... ویجوز جره بالباء الزائدة ، بشرط ألا تکون أداة استثناء (2) ؛ وبشرط ألا ینتقض النفی بإلا ؛ نحو : لیس الغضب بمحمود العاقبة. وقول الشاعر :

ولیس بمغن فی المودة شافع

إذا لم یکن بین الضلوع شفیع

فإن نقض النفی بإلا لم یصح جر الخبر بالباء الزائدة ؛ فلا یجوز لیس الغثی إلا بغنی النفس ... (3)

5- لا یصح وقوع «إن» الزائدة بعدها (4) ...

وبقی من أحکام «لیس» حکم یتعلق بخبرها المنفی ، سیجیء الکلام علیه مع بقیة الأخبار المنفیة (5) ...

ص: 507


1- راجع مواضع تقدم الخبر هنا فی ص 515.
2- لأنها لو کانت أداة استثناء لکانت بمعنی : «إلا» ، والمقترن «بإلا» لا یزاد فی أوله «الباء» - کما سیجیء فی رقم 2 من هامش 550 ، ومثلها «لا یکون» الاستثنائیة.
3- انظر رقم 3 من هامش ص 406 حیث الکلام علی الناسخ (مثل : لیس) الذی یحتاج إلی خبر منصوب فیستغنی عنه بمرفوع.
4- راجع الصبان ، والهمع - أول باب «ما» الحجازیة.
5- ص 534.

زیادة وتفصیل

(ا) أشرنا فیما سبق (1) إلی أنه یجوز فی خبر «لیس» ما جاز فی خبر «کان» الماضیة والمضارعة المسبوقة بالنفی ، من اقترانه بالواو حین یکون جملة موجبة (2) ، بسبب اقترانها بکلمة : «إلا» ؛ کقول الشاعر :

لیس شیء إلّا وفیه إذا ما

قابلته عین البصیر اعتبار

وتسمی هذه الواو : خ خ الواو الداخلة علی خبر الناسخ کما - عرفنا.

ونقول هنا ما قلناه فی «کان» : من أن الأحسن العدول عن زیادتها ، برغم أن وجودها جائز ؛ حرصا علی دقة التعبیر ، وبعدا عن اللبس الذی قد ینشأ بین هذه الواو والأخری التی للحال أو لغیره ... فلکل واحدة موضع تستعمل فیه ومعنی تؤدیه ، وترکها یریحنا مما قال بعض النحاة الأقدمین من تأویل للنصوص المشتملة علیها ، وتکلف لا داعی له.

(ب) لا تقع «إن» الزائدة بعد «لیس» (3) - کما أشرنا فی الصفحة السالفة - فلا یصح أن یقال : لیس إن الکذوب محترما ، مع أنه یجوز زیادتها بعد «ما» النافیة المهملة التی معناها معنی «لیس» ، مثل : ما إن الضعف محمود. أما وقوعها بعد «ما» الحجازیة فیبطل عملها (4).

(ح) قد یقع بعد خبر «لیس» و «ما» معطوف مشتق ، له أحکام مختلفة تجیء فی «ب» من ص 554.

ص: 508


1- فی ص 500. ویجیء فی رقم 1 من هامش ص 626.
2- لأن «لیس» تفید النفی ، والاستثناء ینقض النفی.
3- صرح بهذا الصبان وصاحب «الهمع» فی أول باب : «ما» الحجازیة.
4- کما سیجیء فی ص 537.

زال : تدل بذاتها وصیغتها علی النفی ، وعدم وجود الشیء ؛ من غیر أن تحتاج فی هذه الدلالة للفظ آخر ؛ فإذا وجد قبلها نفی أو شبهه (وهو النهی والدعاء) انقلب معناها للإثبات (1) ؛ مثل : ما زال العدو ناقما. أی : بقی واستمر ناقما. وفی هذه الحالة تفید مع معمولیها اتصاف اسمها بمعنی الخبر اتصافا مستمرّا لا ینقطع ، أو مستمرّا إلی وقت الکلام ، ثم ینقطع بعده بوقت طویل أو قصیر ؛ کل ذلک علی حسب المعنی. فمثال المستمر الدائم : ما زال الله رحیما بعباده - ما زال الفیل کبیر الأذنین ... ومثال الثانی : لا یزال الحارس واقفا. لا یزال الخطیب متکلما.

ومثالها مع النهی : لا تزل (2) بعیدا عن الطغیان. ومع الدعاء (وأدواته هنا : «لا» ، أو : «لن») لا زال الخیر منهمرا علیک فی قابل أیامک - لا یزال التوفیق رائدک فی کل ما تقدم علیه - لن تزال عنایة الله تحرسک فیما یصادفک من مکاید ... ، بشرط أن یکون القصد من کل ذلک الدعاء للمخاطب ...

ولا تستعمل زال تامة (3) ... ویشبهها فی الدلالة علی النفی بذاتها ، وصیغتها ، وفی اشتراط أداة نفی قبلها ، أو شبهه للعمل - أخوات لها فی هذا ، هی : (فتئ - برح - انفک (4) وسیأتی الکلام علی الثلاثة).

شروط إعمالها :

1 - یشترط فیها الشروط العامة.

ص: 509


1- لأن نفی النفی إثبات. والنهی والدعاء یتضمنان فی المعنی نفیا ؛ لأن المطلوب بهما ترک شیء ؛ وهذا الترک نفی.
2- فی هذا المثال وأشباهه تکون «لا» ناهیة مع تضمنها معنی النفی - کما سبق فی رقم 1 - وهی لا تدخل إلا علی المضارع دائما ، فإذا کان المضارع بعدها فعلا ناسخا من هذه الأربعة (زال - فتیء - برح - انفک) کان متضمنا للنفی مع تضمنها للنهی ؛ فیصیر المعنی فی المثال : أنهاک عن عدم البعد عن الطغیان. أی : أنهاک عن الطغیان. ومثلها «لن» التی للدعاء فإنها خاصة بالمضارع. بخلاف «لا» الدعائیة ؛ فإنها تدخل علی الماضی والمضارع.
3- انظر رقم 7 من هامش ص 514 حیث الکلام علی مبتدا ناسخ (مثل : زائل) لا یحتاج إلی خبر إن کان هذا المبتدأ وصفا ناسخا یعمل : لأن اسم الناسخ یغنی عن خبر المبتدأ ...
4- ومثلها : (وإن کان قلیل الاستعمال) «ونی» ، و «رام» التی مضارع «یریم» وکلاهما بمعنی : «زال» الناسخة. ومن شواهد استعمالها : لا ینی الحبّ شیمة ، الحبّ ما دا م ؛ فلا تحسبنّه ذا ارعواء وقوله : إذا رمت ممّن لا یریم متیّما سلوّا فقد أبعدت من رومک المرمی

2 - أن یسبقها نفی (1) أو نهی أو دعاء ؛ کالأمثلة التی سبقت. ولا فرق فی النفی بین أن یکون ظاهرا ؛ مثل : لا زال الغنی ثمرة الجدّ ، وأن یکون مقدرا لا یظهر فی الکلام ، ولکن المعنی یکشف عنه ، والسیاق یرشد إلیه ؛ مثل : تالله یزال الشحیح محروما متعة الحیاة حتی یموت. أی : تالله لا یزال. وحذف النفی قیاسی بشرط أن یکون بالحرف : «لا» وأن یکون الفعل مضارعا فی جواب قسم (2).

3 - ألا یکون خبرها جملة فعلیة ماضویة ؛ فلا یصح : ما زال المسافر غاب : لأن زال تفید مع معمولیها استمرار المعنی إلی وقت الکلام ثم ینقطع بعده - کما سبق - أولا ینقطع. والخبر إذا وقع جملة فعلیة ماضویة کان منافیا هذا ، ومعارضا له : لدلالته علی الماضی وحده دون اتصال بالحال أو المستقبل (3).

4 - ألا یقع خبرها بعد : «إلا» ؛ فلا یصح ما زال النجم إلا بعیدا : لأن النفی نقض وزال بسبب : «إلا».

5 - أن یکون مضارعها هو : «یزال» التی لیس لها مصدر مستعمل. أما : «زال» التی مضارعها : «یزیل» ومصدرها «زیل» - فلیست من الأفعال الناسخة ، وإنما هی فعل تام ، متعد ، إلی مفعول به ، ومعناها : میز وفصل. تقول «زال» التاجر بضاعته زیلا : أی : میّزها وفصلها من غیرها. وکذلک : «زال»

ص: 510


1- سواء أکان النفی بالحرف مثل «ما» أم بفعل موضوع للنفی ، مثل «لیس» ؛ تقول : لیس ینفک العزیز مکرما ، أو بفعل طارئ علیه النفی ؛ مثل : «قلّما» ؛ فی نحو : قلما یبرح الأنبیاء لوامر الله. فکلمة : «قلما» هنا ترکت معنی التقلیل ، وصارت ، بمعنی «ما» النافیة ، لوجود قرینة أدل علی ذلک ؛ هی : أن الأنبیاء لا تبرح مطلقا ؛ إذ لا یصح أن یقال : إنها قد تترک أوامر الله تبعض الأحیان. أو بفعل یتضمن معنی النفی ویستلزمه ؛ کالفعل ؛ «أبی» ؛ بمعنی : امتنع وکره ، مثل أبیت أزال أستغفر الله ؛ لأن معنی : «أبیت» لم أفعل ، أو باسم مثل : غیر ، فی نحو : غیر منفک العالم أسیر علمه.
2- یصح أن تحذف أداة النفی قبل «زال» وأخواتها الثلاث بالشرطین المذکورین ؛ لأن العرب تحذف أحیانا «لا» النافیة فی جواب القسم ، مع ملاحظتها وتقدیرها فی المعنی ؛ لأن اللبس عندئذ بین المنفی والموجب ، مأمون. إذ لو کان الجواب غیر منفی فی المعنی والتقدیر لوجب أن یکون المضارع مؤکدا باللام والنون معا ؛ جریا علی الأغلب والأقوی فی جواب القسم. ومن أمثلة حذف «لا» قوله تعالی : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْکُرُ یُوسُفَ ...) أی : لا تفتأ. جاء فی أمالی أبی القاسم الزجاجی - ص 50 - فی بیت لیلی الأخیلیة ترثی توبة ، وصدره : «أقسمت أبکی بعد توبة هالکا ...» ما نصه : «(ترید : لا أبکی بعد توبة هالکا ...) والعرب تضمر «لا» النافیة فی جواب القسم مع ملاحظتها فی المعنی ؛ لأن الفرق بینه وبین الموجب قد وقع بلزوم الموجب اللام والنون ؛ کقولک : والله الأخرجن. قال الله عز وجل : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْکُرُ یُوسُفَ ..) أی : لا تفتأ تذکر یوسف)» اه.
3- راجع ما یتصل بهذا فی رقم 3 من هامش ص 497.

التی مضارعها : «یزول» ومصدرها : «الزوال» فإنها لیست من النواسخ ؛ وإنما هی فعل لازم ، معناه : هلک وفنی ... مثل : زال سلطان الطغاة زوالا ؛ بمعنی : هلک وفنی هلاکا ، وفناء. وقد یکون معناها : انتقل من مکانه ، مثل : زال الحجر ؛ أی : انتقل من موضعه ...

وسیجیء آخر هذا الباب حکم خاص بخبرها المنفی ، وخبر أخواتها عند الکلام علی الأخبار المنفیة عامة (1).

فتئ : تشترک مع «زال» فی کل أحکامها ، أی : فی معناها ، وفی شروطها. إلا الأخیر ؛ - لاختلاف المضارع فیهما وإلا وقوع : «فتیء» تامة فی بعض الأسالیب - دون زال - ومنها : فتئ الصانع عن شیء. بمعنی : نسیه.

برح : تشترک مع «زال» فی کل أحکامها ، أی : فی معناها ، وفی شروطها. إلا الأخیر ؛ لاختلاف المضارع فیهما ؛ وإلا وقوع «برح» تامة ؛ مثل قوله تعالی : (وَإِذْ قالَ مُوسی لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ ... ،) أی : لا أذهب ، ولا أنتقل.

انفکّ : تشترک مع «زال» فی کل أحکامها إلا فی الشرط الأخیر ؛ لاختلاف المضارع فیها. وإلا استعمال : «انفک» تامة. بمعنی : انفصل ؛ مثل : فککت حلقات السلسلة فانفکت ، أی : انفصلت ...

دام : تفید مع معمولیها استمرار المعنی الذی قبلها مدة محددة ؛ هی مدة ثبوت معنی خبرها لاسمها ؛ نحو : یفید الأکل ما دام المرء جائعا : ویضر ما دام المرء ممتلئا. ففائدة الأکل تدوم بدوام وقت معین ، محدد ، هو : وقت جوع المرء. والضرر یدوم کذلک بدوام وقت معین ، محدود ، هو : وقت الامتلاء ، ولا بد فی دوام ذلک الوقت المحدد من أن یستمر ویمتد إلی زمن الکلام.

شروط إعمالها :

1 - یشترط فیها الشروط العامة.

2 - أن تکون بلفظ الماضی (2) - فی الرأی الأرجح - وقبلها ما المصدریة الظرفیة (3). وإذا أسندت لضمیر رفع متحرک وجب ضم الدال ، وحذف الألف

ص: 511


1- ص 534.
2- تبعا للرأی الأرجح ، کما سیتضح فی رقم 1 من هامش الصفحة التالیة.
3- هی التی تؤول مع ما بعدها بمصدر ، مع نیابتها عن ظرف زمان بمعنی : «مدة» أو وقت - - أو زمن ، او نحو هذا من کل ما یدل علی الزمان ، ویکون هذا المصدر المؤول معمولا للمضارع الذی قبلها ؛ مثل : أشارکک ما دمت أمینا. وقد سبق الکلام علیها وعلی المصدر المؤول ، فی الموصول الحرفی (ص 373) ولتقریب فهمها یفترضون أن أصل الجملة : أشارکک مدة ما دمت أمینا ، فکلمة «مدة» ظرف زمان مضاف. وکلمة «ما» مصدریة تسبک مع الجملة التالیة لها بمصدر ؛ تقدیره «دوامک». وهذا المصدر المؤول هو المضاف إلیه. ثم حذف الظرف المضاف ، وناب عنه المضاف إلیه ، وهو : «ما» مع الجملة التی تلیها ، وصار هذا المضاف إلیه منصوبا علی الظرفیة ؛ لنیابته عن الظرف المحذوف ، کما ناب ، المصدر الصریح عن الظرف فی مثل. قابلتک غروب الشمس ؛ أی : وقت غروب الشمس ، فقد حذف الظرف المضاف ، وناب المصدر المضاف إلیه عنه ؛ فصار منصوبا. فإن تقدم علی «دام» «ما» المصدریة فقط کانت فعلا تاما ، بمعنی : بقی واستمر. نحو : یسرنی ما دمت ، أی : دوامک. ومثله : یسرنی ما دمت شجاعا ، أی : یسرنی دوامک شجاعا. ولا یصح أن تکون «ما» مصدریة ظرفیة فی هذا المثال ؛ فلیس المراد یسرنی المدة ، وإنما المراد : یسرنی الدوام ، وفرق کبیر بین الاثنین : لأن الذی یسر هو الدوام ، لا المدة ... وکذلک إن سبقتها «ما» النافیة کانت فعلا تاما ، بمعنی : بقی واستمر طویلا. نحو : ما دام الضیف. أی : لم یبق ولم یستمر. وکذلک إن لم تسبق مطلقا بلفظة «ما» النافیة أو غیر النافیة ، نحو : دام الظلم فأهلک أعوانه ، ونحو : دام محمد صحیحا (صحیحا حال منصوبة ، ولیست خبرا). ومن المفید أن نشیر إلی أن الفعل «دام» قد یکون ناقصا أو غیر ناقص مع تقدم «ما» المصدریة الظرفیة علیه ؛ فلیس من اللازم نقصانه عند وجودها ؛ فقد یکون تاما لا یعمل کما فی قوله تعالی : (خالِدِینَ فِیها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ ، *) فالمعول علیه فی الحکم بالنقصان أو عدمه هو السیاق والقرینة. واشتراط «ما» المصدریة الظرفیة إنما هو لصحة العمل لا لوجوب العمل ؛ بمعنی أنها لا یمکن أن تعمل بغیر أن یتحقق الشرط. لکن وجود الشرط لا یستلزم حتما أن تعمل ، فمع وجوده یجوز إهمالها وإعمالها علی حسب المعنی ؛ إذ لا یلزم من وجود الشرط وجود المشروط (کما یقول علماء المنطق) ، ولکن لا یوجد المشروط بدون وجود الشرط ؛ کالرؤیة لا تکون إلا بوجود العین. لکن وجود العین لا یقتضی الرؤیة ؛ إذ یصح أن تکون العین مغلقة ، أو نائمة ، أو محتجبة عن الإبصار لسبب ..

3 - أن یسبقهما معا کلام تتصل به اتصالا معنویا ، بشرط أن یکون جملة فعلیة مضارعیة (1).

4 - ألا یکون خبرها جملة فعلیة ماضویة ؛ لأن دام مع معمولیها تفید استمرار المعنی إلی وقت الکلام ، والجملة الماضویة تفید انقطاعه فیقع التنافی (2).

5 - ألا یتقدم خبرها علیها وعلی «ما» ؛ لأن «ما» المصدریة الظرفیة لا یسبقها شیء من صلتها التی تسبک معها بمصدر. أما توسطه بینها وبین «ما» فجائز.

ص: 512


1- هذا الشرط نص علیه صاحب شرح المفصل فی ص 114 من الجزء السابع حیث قال : (أما : «دام» فلا تستعمل إلا بلفظ الماضی ؛ کما کانت «لیس» کذلک ، ولا یتقدمها إلا فعل مضارع ؛ نحو : لا أکلمک ما دام زید قائما) اه. أما قوله تعالی : (وَأَوْصانِی بِالصَّلاةِ وَالزَّکاةِ ما دُمْتُ حَیًّا) فلهم فیه کلام یخرجه عما نحن فیه - ویمد أشرنا لهذا الشرط فی رقم 4 من هامش ص 372. واشتراط مضیها هو الأرجح - کما قلنا - ویعارض فیه بعض النحاة ، محتجا بأن لها مضارعا ناسخا هو : «یدوم» ولها مصدر ناسخ کذلک. (راجع الصبان فی هذا الموضع). وهذا الرأی ضعیف مردود ، لقیامه علی فهم نظری محض لا تؤیده الشواهد والصحیح أنها فعل ماض جامد إذا سبقته «ما» المصدریة.
2- راجع ما یتصل بهذا فی رقم 3 من هامش ص 497.

ومما سبق نعلم أن جمیع أفعال هذا الباب تستعمل ناقصة وتامة إلا ثلاثة أفعال تلتزم النقص ؛ وهی : فتئ - زال - لیس - کما نعلم أن کل فعل ناقص (ناسخ) لا یعمل إلا بشروط مفصّلة ؛ فلا یکفی الاقتصار علی ما یذکره کثیر من النحاة من تقسیم هذه الأفعال الناسخة ثلاثة أقسام مجملة ؛ بحسب ما یلزم لها من شروط أولا یلزم ، حیث یقولون :

(ا) قسم یعمل بدون شرط وهو ثمانیة أفعال :

کان - أصبح - أضحی - أمسی - ظل - بات - صار - لیس.

(ب) قسم یعمل بشرط أن یسبقه نفی ، أو شبه نفی ، وهو أربعة أفعال : زال - برح - فتئ - انفک.

(ح) قسم یعمل بشرط أن یسبقه «ما» المصدریة الظرفیة وهو فعل واحد : «دام» ... لأن هذا التقسیم غیر سلم ، لاعتباره القسم الأول غیر محتاج إلی شروط ، ولأنه ترک فی القسمین الأخیرین شروطا هامة لا یصح إهمالها. وقد عرفنا تفصیلها (1).

بقی أن نعود إلی مسألة أشرنا إلیها من قبل ؛ هی : أن النسخ لیس مقصورا علی الأفعال الماضیة وحدها ، بل یشملها ویشمل ما قد یکون معها من مشتقات إن وجدت ؛ فتعمل بالشروط التی للماضی.

وتفصیل هذا أن الأفعال الناسخة ثلاثة أقسام :

(ا) قسم جامد ، أی : لا یتصرف مطلقا ، ولا یوجد منه غیر الماضی ،

ص: 513


1- ویشیر ابن مالک إلی عمل «کان» بقوله : ترفع کان المبتدا اسما والخبر تنصبه ؛ ککان سیّدا عمر أی : کان عمر سیدا ، ویذکر أخواتها بقوله : ککان : ظلّ ، بات ، أضحی ، أصبحا أمسی ، وصار ، لیس ، زال ، برحا فتئ ، وانفکّ ، وهذی الأربعه لشبه نفی ، أو لنفی متبعه أی : أن الأربعة الأخیرة فی الترتیب تتبع نفیا أو شبه نفی ، ومعنی تتبعه : تلیه وتجیء بعده ؛ (فلا بد أن نتبعها النفی ، أی : نذکرها بعده) ثم قال : ومثل کان : «دام» مسبوقا بما کأعط - ما دمت مصیبا درهما أی : أن الفعل : «دام» فی العمل مثل «کان» فی عملها بشرط أن یسبقه «ما» المصدریة الظرفیة ، ولم یذکر أنها «مصدریة ظرفیة» لضیق الوزن الشعری ؛ فاکتفی بمثال یحویها ؛ وهو : أعط درهما - - ما دمت مصیبا ، أی : مدة دوامک مصیبا الدرهم ، أو مصیبا المحتاج.

وهو فعلان : «لیس بالاتفاق ، و «دام» (1) فی أشهرها الآراء.

(ب) قسم یتصرف تصرفا شبه کامل ؛ فله الماضی ، والمضارع ، والأمر ، والمصدر ، واسم الفاعل ، دون اسم المفعول وباقی المشتقات ؛ فإنها لم ترد فی استعمال الفصحاء. ؛ وهو سبعة : (کان - أصبح - أضحی - أمسی - بات - ظل - صار) فمن أمثلة «کان» للماضی : کان الوفاء شیمة الحر ، وللمضارع : یکون الکلام عنوان صاحبه ، وللأمر : کونوا أنصار الله. وللمصدر قول العرب : کونک شریفا مع الفقر خیر من کونک دنیئا مع الغنی. وقول الشاعر :

ببذل وحلم ساد فی قومه الفتی

وکونک إیّاه علیک یسیر

ولاسم الفاعل :

وما کلّ - من یبدی البشاشة کائنا

أخاک إذا لم تلفه لک منجدا

وهکذا. وبقیة الأفعال السبعة مثل «کان» فی هذا التصرف الشبیه بالکامل والذی یسمونه أحیانا : «الکامل نسبیّا».

(ح) قسم یتصرف تصرفا ناقصا ؛ وهو الأربعة المسبوقة بالنفی ، أو شبهه. (أی : زال - برح - فتئ - انفک) فهذه الأربعة لیس لها إلا الماضی ، والمضارع ، واسم الفاعل ؛ مثل : لا زالت الأمطار مورد الأنهار. ولا تزال الأنهار عماد الحیاة. ولیس النیل زائلا (2) عماد الزراعة فی بلادنا (3).

ص: 514


1- انظر رقم 1 من هامش ص 512.
2- لو قلنا : ما زائل النیل عماد الزراعة فی بلادنا - فأین خبر المبتدأ الذی هو کلمة «زائل»؟ أیکون خبره الاسم والخبر معا أم أحدهما؟ الراجح - عند الصبان - أن خبره هو اسمه فقط ؛ فتکون کلمة «النیل» اسم «زائل» وفی الوقت نفسه خبر له باعتباره مبتدأ. ولا اعتراض بأن خبر المبتدأ لم یتمم الفائدة الأساسیة ، لأن عدم إتمامه الفائدة ناشیء من أمر عرضی هو نقصان المبتدأ. (راجع الصبان فی هذا الباب عند بیت ابن مالک : «وغیر ماض مثله قد عملا ...») فهذا نوع من المبتدأ الناسخ ؛ یستغنی عن خبر المبتدأ ؛ اکتفاء باسم الناسخ مع بقاء خبر الناسخ علی حاله من الضبط الذی یستحقه باعتباره خبر الناسخ. وقد أشرنا لهذه الصورة فی رقم 3 من هامش ص 509.
3- وفی هذا یقول ابن مالک : وغیر ماض مثله قد عملا إن کان غیر الماض منه استعملا أی : أن الفعل غیر الماضی إن وجد واستعمل من الماضی فإنه یعمل مثله ؛ فغیر الماضی یشمل المضارع والأمر وکذا یشمل ما یوجد من المشتقات الأخری. هذا الأصل وأنه لا یصح فی کلمة : «مثل» النصب علی أنها حال من من فاعل : «عمل» إلا للضرورة ، أو رأی ضعیف ، لما یترتب علی هذا من تقدیم معمول الفعل المسبوق بالحرف : «قد» وهو ممنوع فی القول الأصح کما سبق فی رقم 4 هامش ص 49 نقلا عن الخضری.

المسألة 43: حکم الناسخ ومعمولیه من ناحیة التقدیم والتأخیر

اشارة

الترتیب - فی هذا الباب - واجب بین الناسخ واسمه ؛ فلا یجوز تقدیم الاسم علی عامله (1). أما الخبر فإن کان جملة خالیة من ضمیر یعود علی اسم الناسخ ، فالأحسن تأخیره عن الناسخ واسمه ؛ ذلک لأن تقدمه - فی هذه الصورة - علی الناسخ أو توسطه بین الناسخ واسمه ، غیر معروف فی الکلام العربی الفصیح (2).

ویجب تأخیره عنهما إن کان جملة مشتملة علی ضمیر یعود علی اسم الناسخ ؛ کالضمیر الذی فی الجملة الفعلیة : «توسعه» من قول أعرابی ینصح صدیقه : «دع ما یسبق إلی القلوب إنکاره ، وإن کان عندک - اعتذاره (3) فلیس من حکی عنک نکرا (4) توسعه فیک عذرا (5)».

وأما الخبر الذی لیس جملة (وهو المفرد وشبه الجملة) فله ست حالات :

الأولی : وجوب التأخر عن الاسم ، وذلک :

1 - حین یترتب علی التقدیم لبس لا یمکن معه تمییز أحدهما من الآخر (6) نحو : کان شریکی أخی - صار أستاذی رفیقی فی العمل - باتت أختی طبیبتی ... فلو تقدم الخبر لأوقع فی لبس لا یظهر معه الاسم من الخبر. والفرق بینهما کبیر ؛ لأن أحدهما محکوم علیه ؛ وهو : الاسم ، والآخر محکوم به ، وهو : الخبر.

2 - حین یکون الخبر واقعا فیه الحصر ؛ کأن یکون مقرونا بإلا المسبوقة بالنفی ؛ نحو : ما کان التاریخ إلا هادیا. أو «بإنما» ؛ مثل : إنما کان التاریخ

ص: 515


1- کما أشرنا فی ص 496.
2- هذا کلامهم. وبالرغم من أنه غیر معروف فی الکلام المأثور ، یجیز بعض النحاة تقدیمه المبتدأ. لکن القیاس غیر مستحسن بعد أن تبین لهم أن الکلام العربی لم یرد به تقدم الخبر الجملة. قیاسا علی خبر
3- العذر لفعله.
4- أمرا مستقبحا.
5- تزیده ما یقنعه ویرضیه.
6- بأن یکونا معرفتین معا أو نکرتین معا ... علی الوجه الذی تقدم فی المبتدأ والخبر ص 448).

هادیا ؛ لأن المحصور فیه : «بإلا» یجب اتصاله بها متأخرا عنها ، والمحصور فیه : «بإنما» یجب تأخیره. فلو تقدم المتأخر فی الصورتین تغیر المقصود ، وفات الغرض الهام من الحصر.

الثانیة : وجوب التقدم علی الاسم فقط ، (فیتوسط الخبر بینه وبین العامل الناسخ) وذلک حین یکون الاسم مضافا إلی ضمیر یعود علی شیء متصل بالخبر ؛ مع وجود ما یمنع تقدم الاسم علی الأداة ؛ مثل یعجبنی أن یکون للعمل أهله (1) فلا یصح : (یعجبنی أن یکون أهله للعمل) ؛ لما فی هذا من عود الضمیر علی متأخر لفظا ورتبة ، وهو ممنوع فی مثل هذا.

الثالثة : وجوب التقدم علی العامل الناسخ وذلک حین یکون الخبر اسما واجب الصدارة ؛ کأسماء الاستفهام و «کم» الخبریة ... نحو : أین کان الغائب؟ وقول الشاعر :

وقد کان ذکری (2) للفراق

یروعنی

فکیف أکون الیوم؟ وهو یقین

وکم مرة کانت زیارة المعالم المشهورة!! ویشترط فی هذه الحالة ألا یکون العامل الناسخ مسبوقا بشیء آخر له الصّدارة مثل : «ما» النافیة ... لأن الخبر الذی له الصدارة لا یدخل علی ماله الصدارة (3) ، فلا یصح : أین ما کان الغائب؟ ولا : أین ما زال البستانی؟ وکذلک لا یصح أن یکون العامل الناسخ «لیس» ؛ لأنّ خبرها لا یجوز أن یسبقها فی الرأی الأرجح (4).

ص: 516


1- هذا المثال هو الذی یوضح الحالة الثانیة توضیحا دقیقا ؛ لوجود «أن» المصدریة فیه ؛ لأن وجودها یمنع تقدیم شیء علیها من جملتها التی تلیها ، کما تمنع تقدیم شیء یفصل بینها وبین الفعل الذی دخلت علیه لتنصبه ؛ فلا یصح تقدیم الخبر علیها ، أو علی الفعل الذی تنصبه ، کما لا یصح تأخیره عن الاسم ؛ لأن فی الاسم ضمیرا یعود علی شیء متصل بالخبر ؛ فتقدیمه ممنوع ، وتأخیره ممنوع ؛ فلم یبق إلا توسطه بین الاسم وعامله الناسخ. أما أمثلة النحاة من نحو : کان غلام هند بعلها) فلا یوجب الاقتصار علی توسط الخبر : (غلام) بین الاسم والعامل الناسخ لجواز أن یتقدم الخبر علی الناسخ فی هذا المثال وأشباهه من غیر ضعف. فأمثلتهم المشار إلیها لا تصلح للتوسط الواجب وحده
2- تذکری.
3- لکیلا یجتمع شیئان لکل منهما الصدارة ؛ فیقع بینهما التعارض ، ولا یمکن تفضیل أحدهما علی الآخر. و «ما» النافیة من الأدوات التی لها الصدارة - کما سیجیء فی رقم 3 من هامش ص 517 - ؛ فلا یحوز تقدیم الخبر ولا غیره من جملتها علیها. وکذا کل ماله الصدارة کالاستفهام ؛ وأسماء الشرط ؛ وغیرهما. هذا ما یقوله النحاة. ولکن السبب الحقیقی هو عدم استعمال العرب الفصحاء للأسلوب المشتمل علی أداتین لهما الصدارة. (راجع رقم 3 من هامش الصفحة الآتیة)
4- کما أشرنا فی ص 507 وفی رقم 3 من هامش ص 519 وإذا کانت للاستثناء مع النسخ لم یجز تقدیم خبرها علیها بالاتفاق. ومثلها : «لا یکون» الناسخة الاستثنائیة.

الرابعة : وجوب التوسط بین العامل الناسخ واسمه ، أو التأخر عنهما معا ؛ وذلک حین یکون العامل مسبوقا بأداة لها الصدارة ، ولا یجوز أن یفصل بینها وبین العامل الناسخ فاصل. ومن أمثلته : الاستفهام «بهل» فی : هل أصبح المریض صحیحا؟ فیجب تأخره کهذا المثال ، أو توسطه فنقول : هل أصبح صحیحا المریض.

الخامسة : وجوب التوسط بین الناسخ واسمه ، أو التقدم علیهما ، وذلک :

1 - حین یکون الاسم مضافا لضمیر یعود علی شیء متصل بالخبر ؛ فمثال التوسط : أمسی (فی البستان) حارسه ، وبات (مع الحارس) أخوه (1). ومثال التقدم علیهما (2) : فی البستان أمسی حارسه ، ومع الحارس بات أخوه. فقد توسط الخبر أو تقدم ؛ لکیلا یعود الضمیر الذی فی الاسم علی شیء متأخر لفظا ورتبة ، وهو لا یجوز هنا.

2 - حین یکون الاسم واقعا فیه الحصر کأن یکون مقرونا بإلا المسبوقة بالنفی ؛ فمثال التوسط ؛ ما کان حاضرا إلا علی ، ومثال التقدم علی العامل ما حاضرا (3) کان إلا علی : لأن تقدیم المحصور فیه یفسد الحصر.

السادسة : جواز الأمور الثلاثة (التأخر ، والتقدم علی العامل ، والتوسط بینه وبین الاسم) فی غیر ما سبق ؛ نحو : کان الخطیب مؤثرا. أو کان مؤثرا الخطیب ، أو مؤثرا کان الخطیب. ومثله : کان خلق المرء سلاحه ، ویجوز : کان

ص: 517


1- لیس فی هذه الحالة ما یمنع من تقدیم الخبر علی الناسخ. ولهذا صح توسطه وتقدمه. بخلاف الحالة الثانیة التی سبقت ؛ وهی التی یجب فیها تقدم الاسم علی الخبر وحده ؛ إذ لا بد فیها من وجود مانع یمنع تقدم الخبر علی الناسخ.
2- بشرط ألا یکون قبل العامل شیء له الصدارة ؛ فإن وجد شیء له الصدارة وجب تقدیم الخبر علی العامل وحده دون أن یتقدم علی ماله الصدارة ، إلا أن یکون هناک ما یمنع توسط الخبر بین العامل وماله الصدارة ، کحالة الاستفهام بهل ؛ فی مثل : هل کان السفر طیبا.
3- إذا کان العامل مسبوقا «بما» النافیة فإنه لا یجوز تقدیم الخبر علیها وعلی العامل معا ؛ لأن لها الصداره. لکن یجوز تقدیمه علی العامل وحده دون «ما» ، أی : یجوز أن یتوسط بینهما کما سبق - فی رقم 3 من هامش الصفحة السالفة - فإن کان النّانی حرفا آخر ، مثل : «لم» أو «لا» أو «لن» أو غیرها جاز أن یتقدم علیه الخبر ؛ نحو مستریحا لم یصبح السهران - منصورا لا یزال الحق - مخلصا لن یکون الکذاب. متقنا لن یکون المهمل.

سلاحه خلق المرء (1) ، کما یجوز : سلاحه کان خلق المرء.

فأحوال الخبر الستة تتلخص فیما یأتی إذا کان غیر جملة :

1 - وجوب تأخیره عن الناسخ واسمه معا.

2 - وجوب تقدیمه علیهما معا.

3 - وجوب توسطه بینهما.

4 - وجوب تقدیمه علی العامل الناسخ أو التوسط بینه وبین الاسم.

5 - وجوب توسطه ، أو تأخره.

6 - جواز تأخره ، أو تقدمه ، أو توسطه.

وتلک الأحوال والأحکام تنطبق علی جمیع أخبار النواسخ فی هذا الباب إلا الأفعال التی یشترط لإعمالها أن یسبقها نفی ، أو شبهه ، وإلا «دام» التی یشترط لإعمالها أن یسبقها «ما» المصدریة الظرفیة ، وإلا «لیس» کما سبقت الإشارة إلیها. فهذه ثلاثة أشیاء لکل واحد منها صور ممنوعة ، وإلیک البیان.

فأما الأفعال التی یشترط أن یسبقها نفی أو شبهه فتنطبق علیها الأحکام السابقة إلا حالة واحدة هی وجود النافی «ما» ، فلا یجوز تقدیم الخبر علیه ؛ لأن «ما» النافیة لها الصدارة کما سبق (2) ؛ فلا یصح : متکلما ما زال محمود ، ولکن یصح تقدمه علی العامل الناسخ وحده دون حرف النفی : «ما» فیصح : ما متکلما زال محمود. کما یصح تقدمه علی حروف النفی الأخری ؛ (مثل. لا ، ولم ، ولن ...) أما بقیة الصور الأخری من التقدیم والتأخیر فشأن هذه الأفعال التی لا تعمل إلا بسبق نفی أو شبهه ، کشأن غیرها.

وأما «دام» فتنطبق علیها الأحوال والأحکام السابقة إلا حالة واحدة لا تجوز ؛ وهی تقدم الخبر علیها وعلی «ما» المصدریة الظرفیة ، ففی مثل : «سأبقی فی

ص: 518


1- والضمیر هنا عائد علی متأخر لفظا فقط. دون رتبة ، لأنه عائد علی : «خلق» الذی هو اسم : «کان» والاسم متقدم علی الخبر فی الرتبة.
2- فی رقم 3 من هامش ص 517 ومثلها : «إن» فی أرجح الآراء. ومنع تقدیم الخبر علی أحد حرفی النفی : «ما» و «إن» عام ، یشمل خبر الأفعال الناسخة التی لا بد أن یسبقها نفی أو شبهه ، مثل. زال ، کما یشمل خبر الأفعال الناسخة التی لا یشترط أن یسبقها ذلک ، مثل : «کان» المسبوقة بأحد حرفی النفی ، بل إنه یشمل کل جملة أخری مبدوءة بأحدهما فلا یجوز تقدیم شیء من هذه الجملة علی أحدهما.

البیت ما دام المطر منهمرا» لا یصح أن یقال : (سأبقی فی البیت منهمرا ما دام المطر) ؛ لأن «ما» المصدریة الظرفیة لا یصح أن یتقدم علیها شیء من الجملة التی بعدها (وهی الجملة التی تقع صلة لها) لکن یجوز أن یتقدم الخبر علی «دام» وحدها فیتوسط بینها وبین «ما» المذکورة (1) ؛ ففی المثال السابق یصح أن نقول : سأبقی فی البیت ما منهمرا دام المطر. وفی مثل ؛ اقرأ فی الکتاب ما دامت النفس راغبة ؛ لا یصح أن نقول : اقرأ فی الکتاب راغبة ما دامت النفس ، ویصح أن نقول ، اقرأ فی الکتاب ما راغبة دامت النفس ... وهکذا (2).

وأما «لیس» فتنطبق علیها جمیع الأحوال والأحکام السابقة أیضا (3) إلا حالة واحدة وقع فیها الخلاف بین النحاة وهی الحالة التی یتقدم فیها الخبر علیها ؛ ففریق منع ، وفریق أجاز (4) والاقتصار علی المنع أولی.

ص: 519


1- فی ص 370 وفی رقم 1 من هامش ص 515 و... أنه لا یجوز الفصل بالخبر - أو بغیره - بین أن المصدریة والفعل الذی تنصبه ؛ فی حین یجوز الفصل به بین «ما المصدریة الظرفیة» والفعل الذی دخلت علیه ؛ (طبقا لما سلف فی 341) مع أن کل واحد منهما حرف مصدری لا یجوز أن یسبقه شیء من الجملة التی یدخل علیها - وهی الجملة التی یسبک معها بمصدر. هذا وبینهما فرق من جهة أخری : فأن المصدریة تنصب المضارع ؛ فلا یجوز الفصل بینهما بالخبر أو بغیره ، محاکاة للوارد الفصیح من کلام العرب وما المصدریة لا تنصبه إن دخلت علیه ؛ فیجوز الفصل بینهما بالخبر.
2- إلی بعض ما سبق یشیر ابن مالک بقوله : وفی جمیعها توسّط الخبر أجز ، وکلّ سبقه دام حظر کذاک سبق خبر : «ما» النّافیه فجئ بها متلوّة لا تالیه یرید : أن جمیع النواسخ السابقة یجوز فیها توسط الخبر بین الناسخ واسمه. ولم یذکر شروط ذلک ، ولا تفصیله. ثم قال : إن کل النحاة حظر (أی : منع) سبق خبر «دام» علیها ، ولم یبین أهذا المنع خاص بتقدیمه علیها وحدها دون «ما» المصدریة الظرفیة التی تسبقها ، أم بتقدیمه علیهما معا؟ وقد أسلفنا أن الممنوع هو تقدیمه علیهما معا. أما توسطه بینهما فلیس بممنوع. ثم قال : کذلک منع کل النحاة سبق الخبر وتقدمه علی «ما» النافیة ؛ لأن لها الصدارة فی جملتها ؛ فلا یسبقها شیء منها. ویجب أن تکون متلوة ؛ أی : سابقة ، یتلوها غیرها ، ویجیء بعدها. ولا یصح أن تکون تالیة غیرها ، ولا أن تجیء بعده.
3- بشرط ألا تکون للاستثناء ؛ فإن کانت للاستثناء لم یجز تقدیم خبرها علیها اتفاقا. ومثلها : «لا یکون» الناسخة الاستثنائیة. - کما سبق فی رقم 4 من هامش ص 516.
4- حجة الفریق الأولی أنه لم یرد علی ألسنة العرب التقدیم ؛ فلا یسوغ لنا مخالفتهم. وحجة الفریق الثانی أنه ورد تقدیم معمول الخبر علیها فی الکلام الفصیح ، ومنه قوله تعالی عن عذاب الکفار : (أَلا یَوْمَ یَأْتِیهِمْ لَیْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ). فکلمة «یوم» ظرف للخبر : «مصروفا» فهذا الظرف المعمول للخبر قد تقدم علی «لیس» ؛ فتقدمه یشعر بجواز تقدم الخبر!! وهذا کلام غیر مقبول بعد الاعتراف بأن الکلام العربی لم یرد به تقدیم. - - ویقول ابن مالک فی منع تقدم خبر «لیس» ، وأن المنع هو المختار ، وفی تعریف الفعل التام (أی : الذی لیس بناسخ) وفی بیان الأفعال التامة. ومنع سبق خبر «لیس» اصطفی وذو تمام ما برفع یکتفی وما سواه ناقص ، والنقص فی «فتیء» ، «لیس» ، «زال» ، دائما قفی اصطفی : اختیر ... أی : أن المختار منع تقدیم خبر «لیس» علیها. وأن الفعل التام هو : الذی یکتفی بمرفوعه ، والناقص هو : الذی لا یکتفی بمرفوعه. وجمیع أفعال هذا الباب تستعمل تامة وناقصة إلا ثلاثة لیس ، فتیء ، زال ؛ فإن النقص فیها لازما قفی ، أی : تبعها ، ولازمها ، ولا یترکها وقد سبق التفصیل. (هذا وکلمة : «لیس» الأولی مقصود لفظها ، وهی مفعول به للمصدر : «سبق» وهذا المصدر مضاف لفاعله : خبر).

ص: 520

زیادة وتفصیل

(ا) عرفنا مما تقدم حکم الخبر المفرد وشبه الجملة ، من حیث تقدمه وحده علی عامله الناسخ ، أو توسطه بینه وبین اسمه ، أو تأخره عنهما ، وبقی للموضوع بقیة تتصل بتقدیم معمول هذا النوع من الأخبار علی عامل الخبر ؛ وهی أن الخبر یمتنع تقدیمه وحده علی الناسخ إذا کان الخبر قد رفع اسما ظاهرا ؛ ففی مثل : «کان الرجل نبیلا مقصده» و «بات المغنی ساحرا صوته» لا یصح : «نبیلا کان الرجل مقصده» - ولا ساحرا بات المغنی صوته (1) ؛ لأنه لا یجوز تقدیم الخبر وحده دون معموله المرفوع - کما قلنا - فإن تقدم مع معموله المرفوع جاز ؛ فیصح : «نبیلا مقصده کان الرجل». «ساحرا صوته بات المغنی» فإن کان معمول الخبر منصوبا نحو : «أضحی الرجل راکبا الطیارة» جاز تقدیم الخبر وحده علی العامل الناسخ لکن مع قبح (2). نحو : الطیارة أضحی الرجل راکبا.

وإن کان المعمول ظرفا أو جارّا مع مجروره جاز تقدیم الخبر وحده بغیر قبح ، ففی مثل ؛ ظل الفتی عاملا یوما ، وأمسی قریر العین فی بیته - یقال : یوما ظل الفتی عاملا ، وفی بیته أمسی قریر العین.

(ب) یتصل بمسألة تقدیم معمول الخبر مسألة توسط هذا المعمول بین الناسخ واسمه ، ففی مثل : کان القادم راکبا سیارة : وکان المسافر راکبا سفینة ... نعرب کلمة : «سیارة» وکلمة : «سفینة» - وأمثالهما - مفعولا به لخبر : «کان» فکل واحدة منهما معمولة لذلک الخبر ، ولیست معمولة للفعل «کان». فهل یجوز تقدیم ذلک المعمول وحده علی الاسم بحیث یتوسط بینه وبین کان ؛ فنقول : کان سیارة القادم راکبا؟ وکان سفینة المسافر راکبا؟ لا یجوز ذلک ، لأنه مخالف للنهج العام الذی تسیر علیه الجملة العربیة فی نظام تکوینها المأثور ، وطریقة ترتیب

ص: 521


1- لأن المأثور من الفصیح لم یقع فیه الفصل بین الوصف ومرفوعه بأجنبی عنهما.
2- لقلة شیوعه فی الأسالیب الفصیحة القدیمة.

کلماتها. وذلک النهج یقتضی ألا یقع بعد العامل - مباشرة معمول لغیره (1) ، مثل :أقبل القطار یحمل الرکاب ، نعرب کلمة : «الرکاب» مفعولا به للفعل : «یحمل» وهذا الفعل هو ، عاملها ؛ فهی وثیقة الصلة به ، ولیست أجنبیة منه ، فلا یصح أن نقدمها ونضعها بعد عامل آخر ؛ هو : «أقبل» لأنها أجنبیة عنه ؛ فلو قلنا : أقبل الرکاب القطار یحمل - لکان هذا الأسلوب بعیدا عن الصواب ؛ مخالفته النسق الصحیح الوارد فی ترکیب الجملة ؛ وهو النسق الذی تدل علیه تلک القاعدة العامة التی أشرنا إلیها ، والتی ملخصها : «أنه لا یجوز أن یلی العامل - مباشرة - معمول لعامل آخر». أو : «لا یصح أن یلی العامل - مباشرة - معمول أجنبی عنه».

ولا فرق فی المعمول المتقدم بین أن یکون معمولا لخبر «کان» ، أو لغیرها من النواسخ ، وغیر النواسخ ، ولا بین أن یکون المعمول مفعولا أو غیر مفعول ... إلا الظرف والجار مع مجروره ، فإنه یجوز أن یلی عاملا آخر غیر عامله. والقاعدة - کما أسلفنا - لا تختص بعامل ، ولا تقتصر علی معمول ، وهی مستمدة من الأسالیب الکثیرة الفصیحة وعلی أساسها بنی الحکم السابق.

هذا إذا تقدم المعمول وحده بدون الخبر کالأمثلة السابقة ، أو تقدم ومعه الخبر ، وکان المعمول هو السابق علی الخبر ؛ ففی مثل : کان الطالب قارئا الکتاب ، لا یصح أن یقال : کان الکتاب الطالب قارئا. أما لو تقدما معا وکان الخبر هو السابق فالأحسن الأخذ بالرأی الذی یبیحه ؛ لمسایرته الأسالیب الفصیحة المأثورة (2) فیصح أن نقول : کان قارئا الکتاب الطالب.

غیر أن هناک حالة واحدة یصح فیها تقدیم معمول الخبر وحده ، أو مع الخبر ، متقدما علیه ، أو متأخرا عنه ؛ هی - کما سبق - : أن یکون المعمول شبه جملة (أی : ظرفا ، أو : جارا مع مجروره) ، نحو : بات الطیر نائما علی الأشجار ؛ وأصبح الطّلّ مترا کما فوق الغصون ، فیصح أن یقال :

ص: 522


1- وبناء علی هذه القاعدة العامة لا یصح فی باب : «کان» وأخواتها أن یتوسط بین العامل (الناسخ) واسمه المرفوع - معمول لعامل آخر إذا کان المعمول لیس شبه جملة. وإنما قلنا : العامل ومرفوعه ؛ إذ لا یمکن أن یتم التوسط الممنوع هنا إلا بین العامل ومرفوعه ؛ لأنهم یشترطون أن یقع التوسط الممنوع بعد العامل مباشرة ، وهذا لا یتأتی إلا إذا کان الفاصل الأجنبی بین الناسخ واسمه المرفوع.
2- وقد تستدعیه بعض الحالات البلاغیة. کل ذلک مع مراعاة الأحوال والشروط العامة لتقدیم خبر الناسخ ، وقد اوضحناها فی ص 515.

بات علی الأشجار الطیر نائما - وأصبح فوق الغصون الطّلّ مترا کما ... وهکذا (1). وقد وردت أمثلة قلیلة مسموعة تقدم فیها معمول الخبر وحده ، مع أنه لیس شبه جملة ؛ فتناولها النحاة بالتأویل والتکلف لإدخالها تحت قاعدة عامة تصونها من مخالفة القاعدة السابقة. والأحسن إغفال ما قالوه ، - إذ لا یرتاح العقل إلیه (2) - والحکم علی تلک الأمثلة القلیلة بالشذوذ ؛ فلا یصح القیاس علیها.

ص: 523


1- وفیما سبق بقول ابن مالک : ولا یلی العامل معمول الخبر إلّا إذا ظرفا أتی ، أو : حرف جر أی : أن معمول الخبر لا یتقدم وحده أو مع الخبر فیقع بعد العامل مباشرة ؛ لأن هذا التقدم ممنوع ، إلا فی حالة واحدة ، هی : أن یکون المعمول ظرفا أو حرف جر مع مجروره ، و (ظرفا أتی - أی : أتی ظرفا ، بمعنی : وقع ووجد). والمراد بحرف جر : أن یکون مع مجروره لأن حرف لجر وحده لا أثر له فی الجملة.
2- إذا رأوا فی الکلام المسموع أسلوبا مثل : صار - الصحف - المتعلمة تقرأ ، أعربوها بتقدیرات مختلفة : أشهرها ما یأتی : «صار» فعل ماض. اسمه ضمیر الشأن المستتر ، وهو کالظاهر فی الفصل. «الصحف» مفعول به للفعل «تقرأ». وبهذا الإعراب لا یکون المعمول عندهم قد وقع بعد العامل مباشرة ؛ لوجود ضمیر الشأن المستتر فاصلا بینهما ، کما قلنا. «المتعلمة» مبتدأ مرفوع. «تقرأ» : فعل وفاعل. وهذه الجملة الفعلیة خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ والخبر فی محل نصب خبر الناسخ : صار. وفی هذا تکلف ظاهر ، وإضعاف لبناء الجملة. وکان الواجب أن یقبلوا مثل هذا الأسلوب ، أو یرفضوه. أما التکلف والتأویل فلا یعرفه العرب علی هذه الطریقة ، ولا محل له الیوم. والأحسن أن نختار رفضه. وفیما سبق یقول ابن مالک : ومضمر الشّأن اسما انو إن وقع موهم ما استبان أنّه امتنع یرید : آنو ضمیر الشأن وقدره بعد الناسخ مباشرة ، إن وردت لک بعض أمثلة توهمک ، وتخیل لک أنها التی استبان منعها ؛ أی : ظهر منعها.

المسألة 44: «کان» وبعض أخواتها

زیادة

«کان» ثلاثة أنواع : تامة ، وناقصة ، وقد عرفناهما - وزائدة ، وقعت فی کثیر من الأسالیب المأثورة بلفظ الماضی ، مع توسطها بین شیئین متلازمین (1) ؛ کالمبتدأ والخبر فی مثل : القطار - کان - قادم. أو الفعل والفاعل فی مثل : لم یتکلم - کان - غیرک ، أو الموصول وصلته فی مثل : أقبل الذی - کان - عرفته ، أو الصفة والموصوف فی مثل : قصدت لزیادة صدیق - کان - مریض ، أو المعطوف والمعطوف علیه فی مثل : الصدیق مخلص فی الشدة - کان - والرخاء ، أو حرف الجر ومجروره فی مثل : القلم علی - کان - المکتب ، أو بین «ما» التعجبیة وفعل التعجب (2) فی مثل : ما - کان - أطیب کلامک ، وما - کان - أکرم فعلک ... وقول الشاعر :

ما کان أسعد من أجابک آخذا

بهداک ، مجتنبا هوی وعنادا

وقد وردت زیادتها بلفظ المضارع قلیلا مع توسطه بین شیئین متلازمین فی مثل ؛ أنت - تکون - رجل نابه الشأن ... غیر أن هذه القلة لم تدخل فی اعتبار النحاة ؛ فقد اشترطوا للحکم بزیادة : «کان» شرطین ؛ أن تکون بصیغة الماضی ، وأن تکون متوسطة بین شیئین متلازمین ، علی الوجه السالف.

لکن إذا وقعت : «کان» زائدة ، فما معنی زیادتها؟ وکیف نعربها؟ وأ قیاسیه تلک الزیادة ، أم الأمر مقصور فیها علی السماع؟

أما معنی زیادتها فأمران ؛ أولهما ؛ أنها غیر عاملة ، فلا تحتاج إلی معمول من فاعل ، أو مفعول أو اسم وخبر ، أو غیرهما ؛ إذ لیس لها عمل (3) ؛ ولیست

ص: 524


1- أی : لا یوجد أحدهما بدون الآخر - ولو تقدیرا - إذ لا یمکن أن یستقل بنفسه واحد منهما وتوسطها بینهما یقتضی أنها لا تقع فی أول الجملة أو آخرها ؛ فلا بد أن تکون حشوا بین متلازمین.
2- سیجیء فی : «باب التعجب» إشارة لزیادتها - ج 3 ص 118 م 108.
3- یری بعض النحاة أنها لیست بزائدة ، وإنما هی ملغاة فقط. - انظر هامش ص 62 ولا أثر لهذا الخلاف اللفظی فی التسمیة ، إذ لا یترتب علیه شیء فی المعنی والصیاغة.

معمولة لغیرها. وهذا شأن کل فعل زائد.

وثانیهما : أن الکلام یستغنی عنها ، فلا ینقص معناه بحذفها ، ولا یخفی المراد منه ، وکل فائدتها أنها تمنح المعنی الموجود قوة ، وتوکیدا ؛ فلیس من شأنها أن تحدث معنی جدیدا ، ولا أن تزید فی المعنی الموجود شیئا إلا النقویة. فحین نقول : الوالد عطوف ، فإننا نرید من هذه الجملة نسبة العطف والحنان إلی الوالد ، وإلصاقهما بذاته : فلو قلنا ؛ والله الوالد عطوف. أو ، إن الولد عطوف ... لم یزد المعنی شیئا ، ولم ینقص ؛ ولکنه استفاد قوة وتمکنا ؛ بسبب القسم ، أو : «إنّ» وأشباههما. ومثل هذا یحصل من زیادة «کان» حین نقول : الوالد - - کان - عطوف. وفرق کبیر بین کلمة تنشئ معنی جدیدا ، أو تزید فی المعنی القائم. وکلمة أخری لا تنشئ معنی جدیدا ولا تزید فی المعنی الموجود ، ولکنها تقتصر علی تأکیده وتقویته. لهذا تجردت کلمة : «کان» عند زیادتها من الحدث الذی یکون فی الفعل ؛ فلا تحتاج إلی فاعل ، ولا إلی اسم ، وخبر ، ولا لشیء آخر مطلقا ؛ لأن الذی یحتاج لذلک إنما هو الفعل الذی له حدث ، ومنه : «کان» التامة أو الناقصة. أما الزائدة فمخالفة لهما فی ذلک ؛ فهی مقصورة علی نفسها حین تکون بصیغة الماضی.

والراجح أنها تدل علی الزمن الماضی إذا کانت بصیغته. ولا سیما إذا توسطت بین «ما» التعجبیة وفعل التعجب ؛ فی مثل : ما - کان - أحسن صنیعک. وما - کان - أرقّ حدیثک ؛ فإنها فی هذه الصورة تدل علی الزمن الماضی (1). إذ المراد أن الحسن والرقة کانا فیما مضی (2) ولا تدل علی غیره ، ولا تحتاج لفاعل. ولا لشیء آخر ، کما لا یحتاج إلیها عامل لیؤثر فیها.

أما قیاسیة استعمالها أو الاقتصار فیها علی السماع فالأنسب الأخذ بالرأی

ص: 525


1- والسبب هو أن فعل التعجب لا یکون إلا بصیغة الماضی ، ومع أنه بصیغة الماضی لا یدل علی زمن المضی ؛ لأنه صار مع التعجب إنشاء لمجرد التعجب ، مسلوب الدلالة علی الماضی ، ولا أثر للزمن فیه. فلما دخلت علیه : «کان» بقیت محتفظة بدلالتها الزمنیة الأولی ، وصار فعل التعجب معها واقعا فی الماضی دالا علیه وإن سلب بغیرها المضی.
2- راجع شرح المفصل ج 7 ص 105 وقد سبق - فی هامش ص 62 - أن نقلنا کلامه الخاص بزیادة «کان».

القائل بقیاسیتها فی التعجب وحده ، دون غیره من باقی الحالات ؛ منعا للخلط ، وفرارا من سوء الاستعمال (1) ، وهذان عیبان یتوقاهما الحریص علی لغته ، الخبیر بأسرارها.

وقد وردت زیادة بعض أخواتها ، کأصبح ، وأمسی ، فی قولهم : الدنیا ما أصبح (2) أبردها ، وما أمسی - أدفأها. یریدون : ما أبردها وما أدفاها ... والأمر فی هذا وأشباهه مقصور علی السماع لا محالة.

ص: 526


1- وقد أشار ابن مالک إلی زیادتها حیث قال مختصرا : وقد تزاد «کان» فی حشو ؛ کما کان أصحّ علم من تقدّما یرید بالحشو : التوسط بین شیئین متلازمین.
2- سبقت الإشارة لهذا فی رقم 5 من هامش ص 503 وفی رقم 1 من هامش 504.

المسألة 45: حذف «کان» وحذف معمولیها

اشارة

، وهل یقع ذلک فی غیرها؟

لیس بین «کان» وأخواتها ما یجوز حذفه وحده ، أو مع أحد معمولیه ، أو معمولیه معا - إلا : «لیس» «وکان». فأما «لیس» فیجوز حذف خبرها علی الوجه الذی شرحناه عند الکلام علیها (1).

وأما «کان» فقد اختصت - وحدها - من بین أخواتها بأنها تعمل وهی مذکورة أحیانا ، أو محذوفة أحیانا أخری. والأصل أن تذکر مع معمولیها لیقوم کل واحد من الثلاثة بنصیبه فی تکوین الجملة وتأدیة المعنی المراد. لکن قد یطرأ علی هذا الأصل ما یقتضی العدول عنه ، لأسباب بلاغیة تدعو إلی حذف واحد أو أکثر. وصور الحذف أربعة ؛ حذف «کان» وحدها ، أو حذفها مع اسمها فقط ، أو حذفها مع خبرها فقط ، أو حذفها مع معمولیها. وهذه الصور الأربع شائعة فی الکلام الفصیح شیوعا متفاوتا یبیح لنا محاکاته ، والقیاس علیه. (ومن تلک الصور صورتان تحذف : «کان» فیهما وجوبا ، لوجود عوض عنها ؛ کما سنعلم).

وبقی حذف خبرها وحده أو اسمها وحده ، وکلاهما وهذا ممنوع فی الرأی الأصح عند جمهرة النحاة.

1 - فأما حذفها وحدها دون معمولیها أو أحدهما فبعد «أن» المصدریة فی کل موضع أرید فیه تعلیل شیء بشیء ؛ مثل. «أمّا أنت غنیّا فتصدّق» ؛ فأصل هذه الجملة فیما یتخیلون لتوضیحها (2) : تصدّق ؛ لأن (3) کنت غنیّا.

ص: 527


1- ص 507.
2- إنما کان ذلک - وهو حسن - من تخیل النحاة بقصد الإیضاح والتقریب ؛ لأن العرب الأوائل حین تکلموا بمثل هذا الأسلوب لم یدر بخلدهم شیء من هذا الحذف والتقدیر والتعلیل ؛ إنما نطقوا سلیقة وطبعا ، بغیر اعتماد علی تحویل وتأویل ، أو مراعاة لقواعد المنطق ، وغیره مما لم یعرفوه فی عصورهم السابقة علی وضع القواعد النحویة.
3- فاللام هنا لبیان العلة والسبب ، فما بعدها علة وسبب لما قبلها. فکأن السبب فی أمرک الشخص بالصدقة هو : غناه.

ثم حذفت اللام الجارة ، تخفیفا ؛ لأن هذا جائز وقیاسی قبل «أن» (1) ؛ فصارت الجملة : تصدق أن کنت غنیّا. ثم تقدمت «أن» وما دخلت علیه (أی : تقدمت العلة علی المعلول) فصارت الجملة : «أن کنت غنیّا تصدّق». ثم حذفت : «کان» وأتینا بکلمة : «ما» عوضا عنها ، وأدغمناها فی «أن» ؛ فصارت : «أمّا». والحذف هنا واجب ، لوجود العوض عن «کان». وبقی اسم «کان» بعد حذفها ؛ وهو : تاء المخاطب. ولما کانت التاء ضمیرا للرفع متصلا ؛ لا یمکن أن یستقل بنفسه - أتینا بدله بضمیر منفصل ، للرفع ، یقوم مقامه ، ویؤدی معناه ؛ وهو : «أنت» فصارت الجملة : أما أنت غنیّا فتصدق. ثم زیدت : «الفاء» فی المعلول (2) ؛ فصارت الجملة : أما أنت غنیا فتصدق. ومثلها : أما أنت قویّا فاعمل بجدّ. وأما أنت شابّا فحافظ علی شبابک بالحکمة (3) ...

ویجب عند محاکاة هذا الأسلوب - اتباع طریقته فی ترکیب الجملة ، وترتیبها ، ولا سیما مراعاة الخطاب (4).

2 - وأما حذفها مع اسمها دون خبرها فجائز وکثیر بعد «إن» و «لو» الشرطیتین ، فمثاله بعد «إن» : المرء محاسب علی عمله ؛ إن خیرا یکن الجزاء خیرا ، وإن شرّا یکن الجزاء شرّا (5) ؛ فالأصل : المرء محاسب علی عمله ؛ إن کان العمل خیرا یکن الجزاء خیرا ، وإن کان العمل شرّا یکن الجزاء شرا ؛ فقد حذفت «کان» مع اسمها.

ص: 528


1- یجوز حذف حرف الجر قیاسا مطردا قبل : «أنّ وأن» عند أمن اللبس ... - وتفصیل الکلام علی هذا الحذف فی موضعه المناسب وهو باب تعدی الفعل ولزومه (ج 2 ص 135 م 71).
2- تشبیها له بجواب الشرط فی ترتبه علی ما قبله.
3- من هذه الأمثلة وما سبقها من الشرح والتحلیل یتضح أن شروط حذف «کان» ستة شروط مجتمعة : ان تقع صلة لأن المصدریة ، وأن تسبق «أن» المصدریة بحرف الجر الذی یفید التعلیل (کاللام) ، وأن یحذف حرف الجر ، وأن تتقدم العلة علی المعلول مع اقترانه بالفاء ، وان تجیء «ما» عوضا عن «کان» المحذوفة ، ثم تدغم فی أن ... ثم نجیء بضمیر منفصل للمخاطب یحل محل الضمیر المتصل ، ویکون بمعناه ، ویغنی عنه.
4- بالرغم من قیاسیة هذا الأسلوب وإیضاح مرماه بعد ذلک الشرح ، یحسن اجتنابه فی عصرنا الذی لا یستسیغ مثله ؛ لغرابته ، وتعقیده.
5- لا فرق فی الحذف بین «إن» التی تدل علی : «التنویع» (أی : تعدد الأنواع بعدها) کما فی المثال. والتی لا تدل علی تنویع ؛ مثل قولک للعابس : تبسم ، وإن حزینا ، أی : وإن کنت حزینا ولکن الحذف بعد «التنویعیة» أشهر وأوضح. ویحسن الاقتصار علیه لذلک ، مع أن الثانی صحیح أیضا.

ومثال حذفهما «لو» الشرطیة : تعود الریاضة ولو ساعة فی الیوم ، واحذر الإرهاق ولو برهة قصیرة. فالأصل : تعود الریاضة ولو کانت الریاضة ساعة فی الیوم ، واحذر الإرهاق ، ولو کان الإرهاق برهة قصیرة ... فحذفت «کان» مع اسمها وبقی الخبر (1).

3 - وأما حذفها مع خبرها دون اسمها فجائز - مع قلته ، بالنسبة للحالة السالفة - بعد : «إن» و «لو» الشرطیتین أیضا ؛ فمثاله بعد «إن» (2) : المرء محاسب علی عمله ؛ إن خیر فخیر (3) وإن شرّ فشرّ. الأصل : المرء محاسب علی عمله ؛ إن کان فی عمله خیر فجزاؤه خیر ، وإن کان فی عمله شرّ فجزاؤه شر ... ومثاله بعد «لو» : أطعم المسکین ولو رغیف. أی : ولو کان فی بیتکم رغیف ، أو : ولو یکون عندکم رغیف.

4 - وأما حذفها مع معمولیها فواجب بعد «إن الشرطیة» أیضا ، ولکن فی أسلوب معین ، مثل : «اذهب إلی الریف صیفا ، إمّا لا». والأصل : «اذهب إلی الریف صیفا إن کنت لا تذهب إلی غیره». حذفت «کان» وهی فعل الشرط ، مع اسمها ، ومع خبرها ، دون حرف النفی الذی قبله ، وأتینا بکلمة : «ما» عوضا عن «کان» وحدها (4) ؛ وبسبب العوض کان حذفها واجبا ؛ فلا تجتمع مع کلمة : «ما». وأدغمت فیها النون من «إن» الشرطیة ؛ فصار الکلام :

ص: 529


1- «کان» فیهما بلفظ الماضی. ویصح أن تکون فیهما أو فی أحدهما بلفظ المضارع ، علی تقدیر : إن یکن العمل خیرا یکن الجزاء خیرا ، وإن یکن العمل شرا یکن الجزاء شرا ، وهکذا فی کل مثال ، علما بأن الماضی إذا وقع فعل شرط جازم ، أو جوابه فإنه یکون للزمن المستقبل ؛ فظاهره أنه ماض لکن زمنه مستقبل - کما عرفنا فی ص 51 -.
2- وهذه تخالف «إن» التفصیلیة التی یجیء الکلام علیها فی ج 3 ص 597 ج م 125.
3- فی مثل هذا الترکیب یصح فی الاسمین بعد «إن» أربعة أشیاء ؛ رفعهما معا نحو : إن خیر فخیر ؛ أی : إن کان فی عمله خیر فجزاؤه خیر ، ویصح نصبهما معا علی تقدیر : إن کان عمله خیرا فهو یلاقی خیرا ، ویصح نصب الأول ورفع الثانی ، أی کان عمله خیرا فجزاؤه خیر ، ویصح رفع الأول ونصب الثانی ، أی : إن کان عمله خیرا فالجزاء یکون خیرا ... وهذا الوجه أضعف الأربعة لکثرة الحذف فیه ... ومن الممکن التخفیف والتیسیر والاختصار بمعرفة الأوجه الأربعة مجملة دون احتمال العناء فی الإعراب التفصیلی لکل حالة ، فیکفی أن یقال إن الاسمین یجوز رفعهما معا ، أو نصبهما معا ، أو رفع الأول ونصب الثانی أو العکس ؛ إذ الغرض من الإعراب التفصیلی هو الوصول إلی سلامة النطق ، وصحة الضبط المؤدی إلی صحة المعنی المراد وهذا یتحقق بمعرفة القاعدة الإجمالیة التی ذکرناها.
4- أما اسمها وخبرها فقد حذفا بغیر تعویض.

«إمّا (1) لا». وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله علیه ، وتقدیره : «فافعل هذا».

ومثل ما سبق أن تقول لآخر : «ساعد المحتاج ببعض المال» ؛ فیجیب : «لیس عندی ما یزید علی حاجتی». فتقول : «ساعده بالمعاملة الکریمة إما لا». فأصل الکلام : ساعده بالمعاملة الکریمة إن کنت لا تملک غیرها ... وجری علی الجملة من الحذف والتقدیر ما جری علی سابقتها ، مما یفترضونه للتیسیر والإیضاح کما بیناه ...

وحذف «کان» هنا واجب کما سلف ؛ لوجود عوض عنها ؛ فهو الموضع الثانی من موضعی الحذف الواجب بسبب العوض ، ولا یصح الجمع بین العوض ، والمعوّض عنه - والموضع الأول بعد «أن» المصدریة السابقة - أما فی غیرهما فالحذف جائز.

ومن الأمثلة الشائعة لحذف کان مع معمولیها - بعد «إن» من غیر تعویض ؛ قولک لآخر : أتسافر وإن کان البرد شدیدا؟ فیجیب : نعم ، وإن ... أی : أسافر وإن کان البرد شدیدا. ومثله : أتعطی السائل وإن کان أجنبیّا؟ فتجیب : وإن ... أی : أنا أعطیه ، وإن کان أجنبیّا (2).

ص: 530


1- یری بعض النحاة أن الأصل فی هذه الجملة وأشباهها لا یشتمل علی : «کان» ولا معمولیها ، وإنما أصل الترکیب : افعل هذا إما لا تفعل غیره ... فلفظ «إما» مرکب من إن الشرطیة المدغمة فی «ما» الزائدة للتأکید ، و «لا» نافیة لفعل الشرط. ثم حذف فعل الشرط وفاعله وحذف الجواب أیضا لدلالة ما قبله علیه ، وصارت الجملة افعل هذا إما لا ... هذا إن کانت الهمزة مکسورة ، أما إن کانت مفتوحة فأصل الکلام : اذهب إلی الریف لأن کنت لا تذهب إلی غیر الریف ، ثم جری التأویل الذی أشرنا إلیه فی القسم الأول (رقم «ا» من الحذف الواجب). وسواء أکانت التقدیر هذا أم ذاک أم غیرهما ، وسواء أکانت الهمزة مکسورة أم مفتوحة فالذی یجب الالتفات إلیه أن هذه التأویلات والتقدیرات - علی تعقیدها - لا أهمیة لها ؛ وإنما المهم هو معرفة الأسلوب من ناحیة صیاغته ، وطریقة ترکیبه ، ودقة استعماله فی موضعه الذی استعمله العرب فیه ؛ بحیث لا نخطیء فی صیاغته ، ولا طریقة استعماله ، ولا فهم المراد منه ، وهذا أمر یسیر لا نحتاج معه إلی شیء من ذلک الإرهاق.
2- وقد أشار ابن مالک إلی بعض مواضع الحذف باختصار قائلا : ویحذفونها ویبقون الخبر وبعد : «إن» و «لو» ، کثیرا ؛ ذا اشتهر أی : إنهم یحذفون «کان» مع اسمها ویبقون الخبر ، وهذا الحذف قد اشتهر بعد «إن» و «لو» الشرطیتین علی الوجه الذی فصلناه. ثم أشار إلی موضع آخر بقوله : وبعد أن تعویض : «ما» عنها ارتکب کمثل : أمّا أنت برّا فاقترب - - یرید : قد ارتکب (أی : حصل) تعویض : «ما» عن : «کان» المحذوفة الواقعة بعد : «أن» المصدریة. وضرب لها مثلا هو : «أما أنت برا فاقترب» أصله : اقترب لأن کنت برا. أی : صاحب خیر ومعروف ، ثم جری الحذف ، والتعویض ، والتقدیم ، والتأخیر ، والزیادة کما شرحنا.

ومما سبق نعلم : أنّ «کان» تحذف جوازا فی حالتین ، ووجوبا فی حالتین أخریین ، تجیء «ما» عوضا عنها فی کل منهما ، ولا یجوز إرجاع «کان» مع وجود العوض عنها فی حالتی حذفها وجوبا. أما فی الحالتین الجائزتین فحذفها وإرجاعها سواء.

زیادة وتفصیل

(ا) ورد فی الکلام القدیم حذف کان مع اسمها بعد : «لدن» : کأن یسألک سائل : متی کان الاجتماع؟ فتجیب : یوم الخمیس من لدن عصرا إلی المغرب. أی ؛ من زمن کان الوقت عصرا إلی المغرب ... وهذا حذف لا یقاس علیه. وإنما عرضناه هنا لیفهم حین یرد فی کلام القدماء.

(ب) قد وردت کان وحدها محذوفة فی کلام قدیم مع بقاء اسمها وخبرها ومنه :

أزمان «قومی» والجماعة کالذی

لزم الرّحالة أن تمیل ممیلا

أی : أزمان کان قومی مع الجماعة. فکلمة : «قوم» اسم «کان» المحذوفة و «الجماعة» مفعول معه ، و «کالذی» خبرها. والسبب فی تقدیر «کان» أن المفعول معه لا یقع - فی الأکثر - إلا بعد جملة مشتملة علی لفظ الفعل وحروفه ، أو علی معناه دون حروفه (1).

ص: 531


1- قالوا : إن مراد الشاعر هو وصف ما کان من استواء الأمور واستقامتها قبل عثمان رضی الله عنه. فشبه حال قومه فی تماسکهم وتلازمهم ، وعدم تنافرهم - بحال راکب لزم الرحالة (وهی : سرج من جلد لا یخالطه خشب) خوف أن یمیل ممیلا ، أی : میلا.

المسألة 46: حذف «النون» من مضارع

اشارة

«کان»

إذا دخل جازم علی الفعل المضارع من : «کان» فإنه : یجزمه ، وتحذف الواو التی قبل النون (1). نحو : لم أکن من أعوان الشر ، ولم تکن من أنصاره ، وکقول علیّ : لا تکن عبد غیرک ، وقد جعلک الله حرّا. وأصل الفعل بعد الجازم : لم أکون - لم تکون - لا تکون فهو مجزوم بالسکون علی النون ؛ فالتقی ساکنان ؛ الواو والنون ؛ فحذفت الواو - وجوبا - للتخلص من التقائهما ؛ فصار الفعل ؛ لم أکن - لم تکن - لا تکن ... ومثل هذا یقال فی الفعل : «یکن» من قول القائل :

إذا لم یکن فیکنّ ظلّ ولا جنی

فأبعد کنّ الله من شجرات

ویجوز بعد ذلک حذف النون : تخفیفا ؛ فنقول : لم أک - لم تک ، وکقول الشاعر :

فإن أک مظلوما فعبد ظلمته

وإن تک ذا عتبی فمثلک یعتب (2)

وهذا الحذف جائز کما قلنا ؛ سواء أوقع بعدها حرف هجائی ساکن (3) ؛ نحو : لم أک الذی ینکر المعروف ، ولم تک الصاحب الجاحد - أم وقع بعدها حرف هجائی متحرک ، نحو : لم أک ذا منّ ، ولم تک مصابا به. إلّا إن کان الحرف المتحرک ضمیرا متصلا فیمتنع حذف النون ؛ نحو : الشبح المقبل علینا یوحی بأنه صدیقی الغائب ؛ فإن یکنه فسوف نسعد بلقائه ، وإن لم یکنه فسوف نأسف. أی : إن یکن إیاه ... وإن لم یکن إیاه (4).

ص: 532


1- وهی الواو التی أصلها عین الکلمة.
2- البیت من قصیدة للشاعر الجاهلی : «النابغة الذبیانی» یمدح بها النعمان بن المنذر» ویعتذر له عن وشایة بلغته. (العتبی : الرضا. - یعتب : یزیل أسباب العتاب بالرضا ، وقبول العذر)
3- عند من یبیح ذلک ، کابن مالک ، ومن معه. ورأیه أنسب.
4- ملخص شروط حذف النون ستة : کونها فی مضارع ، مجزوم ، وجزمه بالسکون عند اتصاله فی النطق بما بعده (أی : فی حالة الوصل ، لا الوقف ؛ لأنها فی حالة الوقف ترجع وتظهر). ولیس بعده ساکن عند من یشترط هذا ؛ - کسیبویه. وغیره لا یشترط هذا - ولا ضمیر متصل.

وتسری الأحکام السالفة علی المضارع الذی ماضیه «کان» الناقصة ، کالأمثلة التی سبقت ، والذی ماضیه «کان» التامة ؛ نحو : صفا الجو ، واعتدل ، فلم تکن سحب ، ولم یکن برد ... بإثبات النون أو حذفها. أی : لم توجد سحب ... و (1) ...

وبهذه المناسبة نشیر إلی أمرین :

أولهما : ما تقتضیه القواعد اللغویة من حذف «الألف» من عین الفعل : «کان» ، ومن حذف «الواو» من عین مضارعه وأمره ، بشرط أن تکون الأفعال الثلاثة ساکنة الآخر ؛ کقوله تعالی : (کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.) وقوله تعالی : (إِنْ یَکُنْ مِنْکُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ یَغْلِبُوا مِائَتَیْنِ) وقوله تعالی (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ ، وَکُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ.) وقول الشاعر :

إذا کنت ذا رأی فکن ذا عزیمة

فإنّ فساد الرأی أن تتردّدا

ثانیهما : وجوب ضم الکاف من الماضی عند إسناده لضمیر رفع متحرک (2) ، کما فی بعض الأمثلة السالفة ، وتطبیقا للبیان الذی سبق من قبل (3).

ص: 533


1- وفی هذا یقول ابن مالک : ومن مضارع لکان منجزم تحذف نون ، وهو حذف ما التزم یرید : أن المضارع من : «کان» مطلقا (سواء أکانت تامة. أم ناقصة) عند جزمه تحذف منه النون ؛ حذفا غیر ملتزم ، أی : لم تلتزمه العرب ولم تتمسک به باطراد. وإنما فعلته حینا وترکته حینا. ونحن نتابعها فیما فعلت.
2- کالتاء ، ونون النسوة.
3- فی رقم 1 من هامش ص 150.

المسألة 47: نفی الأخبار

اشارة

فی هذا الباب وحکم زیادة «باء الجر» فیها وفی الأسماء

إذا دخلت أداة نفی علی فعل من أفعال هذا الباب (غیر «لیس» ، و «زال» وأخواتها الثلاثة) فإن النفی یقع علی الخبر ؛ فتزول نسبته الراجعة إلی الاسم ؛ ففی مثل : ما کان السارق خائفا - وقع النفی علی الخوف ، وسلبت نسبته الراجعة إلی السارق ؛ فإذا أردنا إثبات هذا الخبر ، وجعل نسبته موجبة مع وجود أداة النفی (1) - أتینا قبله بکلمة : «إلّا» فنقول : ما کان السارق إلا خائفا ؛ لأنها تنقض معنی النفی ، وتزیل أثره عن الخبر متی اقترنت به. وفی مثل قول الشاعر :

لم یک معروفک برقا خلّبا (2)

إن خیر البرق ما الغیث معه

وقع نفی خلابة البرق علی المعروف. فإذا أرید إثباتها قیل : لم یک معروفک إلا برقا خلّبا. کل هذا بشرط ألا یکون الخبر من الکلمات التی ینحصر استعمالها فی الکلام المنفی وحده ، مثل : یعیج (3) ؛ فإن کان منها لم یجز اقترانه بکلمة : «إلا» ؛ ففی مثل : ما کان المریض یعیج بالدواء ، لا یقال : ما کان المریض إلا یعیج بالدواء. وفی : ما کان مثلک أحدا (4) ، لا یقال : ما کان مثلک إلا أحدا.

فإن کان الفعل الناسخ هو : «لیس» (وهی معدودة من أدوات النفی) (5) فالحکم لا یتغیر (من ناحیة أن المنفی بها هو الخبر ، وأنه إذا قصد إیجابه وبقاء نسبته إلی الاسم وضعنا قبله : «إلا» ، وأنه إذا کان من الألفاظ التی لا تستعمل إلا فی

ص: 534


1- بسبب بلاغی ؛ کالحصر مثلا.
2- البرق الخلب : الذی لا مطر بعده. وهذا لا خیر فیه للبلاد التی ترتوی بالمطر.
3- بمعنی : ینتفع ؛ نحو : ما یعیج فلان بالدواء ، أی : ما ینتفع به. لا التی بمعنی : أقام ، أو وقف أو رجع ، أو غیرها مما لا یلازمه النفی. ومثل : «یعیج» کلمة : أحد ، ودیّار ، وکلاهما بمعناها ، وکذا : عریب ... فهذه کلها لا تستعمل إلا فی کلام منفی ؛ نحو : ما فی البیت أحد ، أو : ما فیه دیار ، أو : ما فیه عریب.
4- بشرط أن تکون الهمزة أصلیة ... وهذا غالب فی غیر کلمة «أحد» بمعنی «واحد» التی یصح استعمالها فی الإثبات والنفی. (راجع رقم 2 من هامش ص 189 حیث الإیضاح لکلمة : أحد).
5- الکلام علیها فی ص 506.

کلام منفی لم یجز اقترانه بإلا). ومن الأمثلة : لیس الخطیب عاجزا ؛ فقد انصب النفی علی «العجز» وزالت نسبته الراجعة إلی الخطیب. فإذا أردنا إبطال النفی عن الخبر ، ومنع أثره فی معناه - أتینا قبله بکلمة : «إلا» فقلنا : لیس الخطیب إلا عاجزا ، لأنها تنقض النفی ، وتوقف أثره ؛ فیصیر المراد معها هو الحکم علی الخطیب بالعجز ، وهو حکم یناقض السابق. أما فی مثل : لیس المریض یعیج بالدواء ، فلا یصح اقتران الخبر بإلا ؛ فلا یقال : لیس المریض إلا یعیج بالدواء. فشأن «لیس» کشأن «کان» المسبوقة بالنفی ؛ حیث لا یصح أن یقال فیها : ما کان المریض إلا یعیج بالدواء ؛ کما سبق.

فإن کان الفعل الناسخ هو : «زال» أو إحدی أخواتها الثلاث ، (وکلها لا بد أن یسبقه (1) نفی ، أو شبهه) - فخبرها مثبت غیر منفی ؛ لأن کل واحدة منها تفید النفی وقبلها نفی ، ونفی النفی إثبات ؛ فمثل : ما زال المال قوة ، فیه إثبات لاستمرار القوة للمال ، وحکم موجب بنسبتها إلیه ، یمتد من الماضی إلی وقت الکلام ؛ فالنفی : فی کلمة : «زال» وأخواتها مسلوب ومنقوض بالنفی الذی قبلها مباشرة. والمعنی فی جملتها موجب ، وخبرها مثبت ، کما قلنا - فلا یقترن بکلمة «إلا» ؛ فلا یصح ما زال المال إلا قوة ؛ فشأنه شأن خبر : «کان» الخالیة من نفی قبلها ؛ فکلا الخبرین موجب (مثبت).

وإذا کان خبر الناسخ منفیّا علی الوجه السالف جاز أن یدخل علیه حرف الجر الزائد : «الباء» نحو : لیس الحلم ببلادة (2) ، وما کان الحلیم ببلید یحتمل المهانة ، أی : لیس الحلم بلادة ، وما کان الحلیم بلیدا ؛ یحتمل المهانة. فزیدت «باء الجر» فی أول الخبر المنفی فی المثالین - وأشباههما - لغرض معنوی ؛ هو : توکید النفی وتقویته (3).

ص: 535


1- انظر رقم 4 من هامش ص 509.
2- وتعرب کما یأتی : «الباء» حرف جر زائد. «بلادة» مجرورة بحرف الجر الزائد وعلامة جرها ، الکسرة فی محل نصب ؛ لأنها خبر «لیس» أیضا ؛ فکلمة : «بلادة» مجرورة فی اللفظ بحرف الجر الزائد ، ومنصوبة محلا أو تقدیرا ؛ لأنها خبر أیضا. والجار الزائد مع مجروره لا یتعلقان بشیء.
3- ذلک أن باء الجر لا تزاد هنا إلا فی الخبر المنفی ؛ فوجودها دلیل علی وجود النفی وإعلان عنه ، وإزالة شبهة غیابه. فکأن النفی بها قد تکرر. هذا وقد سبق فی أول الکتاب فائدة الحرف الزائد ص 65.

ولیست زیادتها مقصورة علی أخبار بعض النواسخ دون بعض ، وإنما هی جائزة فی جمیع تلک الأخبار ؛ بشرط أن تکون منفیة (1) ، فلا یصح زیادتها فی خبر : «زال» وأخواتها الثلاث ؛ لأن الخبر فیها موجب (أی : مثبت) کما عرفنا.

ومع أن زیادتها مباحة بالشرط السالف فإنها متفاوتة فی الکثرة بین تلک الأخبار فتکثر فی خبر : «لیس» ، نحو قوله تعالی : (أَلَیْسَ اللهُ بِعَزِیزٍ ذِی انْتِقامٍ؟) وقول الشاعر :

ولست بهیّاب لمن لا یهابنی

ولست أری للمرء مالا یری لیا

ثم فی خبر : «ما» الحجازیة ؛ نحو قوله تعالی : (وَما رَبُّکَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ) وقوله : (وما ربک بغافل عما یعمل الظالمون) ثم فی خبر «کان».

وإذا تقدم الخبر فتوسط بین الناسخ واسمه جاز إدخال ؛ «باء» الجر الزائدة علی الاسم المتأخر ؛ ففی نحو : لیس الشجاع متهورا - یصح أن یقال : لیس متهورا بالشجاع. وفی نحو : ما کان الجود إسرافا - یصح أن یقال : ما کان إسرافا بالجود.

ومن المستحسن ألا نلجأ لهذه الزیادة فی اسم الناسخ إلا حیث یتضح أمرها ، وتشتد الحاجة إلیها.

ص: 536


1- زیادتها جائزة فی المنفی من أخبار بعض الأفعال النواسخ ؛ فتدخل أخبار «کان» وأخواتها إلا «لا یکون» الاستثنائیة ، وإلا «زال» ، و «فتئ» و «برح» ؛ و «انفک» ؛ لأن أخبار هذه الأربعة موجبة - کما تقدم - ا ، وتزاد فی مضارع : «کان» بشرط أن یکون منفیا بحرف النفی : «لم» ؛ نحو : کلمتنی فلم أکن بمشغول عنک ؛ ولم تکن بمنصرف عنی. فالباء حرف جر زائد ، وما بعدها مجرور بها فی محل نصب - کما سیجیء البیان فی ص 550 - وتزاد أیضا فی أخبار «ما» الحجازیة وأخواتها - وتزاد فی المفعول الثانی من مفعولی : «ظن وأخواتها» ، نحو : ما ظننت المؤمن بجبان. أما زیادتها فی غیر هذه المواضع ، فالأحسن البعد عن استخدامه ، والاقتصار فیه علی المسموع دون محاکاته ، أو القیاس علیه. (انظر ص 550).

المسألة 48: الحروف التی تشبه لیس فی المعنی والعمل

اشارة

(ما - لا - لات - إن)

من الحروف نوع یشبه الفعل : «لیس» فی معناه ، وهو : النفی (1) ، وفی عمله ؛ وهو : النسخ (2) فیرفع الاسم وینصب الخبر. وبهذه المشابهة یعد من أخوات : «لیس». مع أنها فعل وهو حرف ، کما یعد من أخوات : «کان» لمشابهته إیاها فی العمل فقط. وأشهر هذه الحروف أربعة : ما - لا - لات - إن.

فأما الحرف الأول : «ما» فبعض العرب - کالحجازیین - یعمله ، وبعض آخر - کبنی تمیم - یهمله (3). وهو یفید عند الفریقین نفی المعنی فی الزمن الحالی عند الإطلاق (4). تقول : ما الشجاع خوافا ، أو ما الشجاع خواف ؛ بالإعمال أو الإهمال. ومثل هذا فی قول الشاعر :

وما الحسن فی وجه الفتی شرفا له

إذا لم یکن فی فعله والخلائق

وقول الآخر :

لعمرک ما الإسراف فیّ طبیعة

ولکنّ طبع البخل عندی کالموت

لکن الذی یحسن الأخذ به فی عصرنا هو الإعمال ، لأنه اللغة العالیة ، لغة القرآن ، وأکثر العرب ، ولا داعی للأخذ باللغة الأخری ؛ منعا للبلبلة ، وتعدد

ص: 537


1- سبق فی ص 506 أن «لیس» فعل ینفی المعنی فی الزمن الحالی عند الإطلاق ، أی : عند عدم وجود قرینة تبین نوع الزمن أو التجرد منه ؛ فإن وجدت لزم الأخذ بمدلولها. ومثلها الحروف : «ما» و «إن» ؛ و «لات» ، و «لا» العاملة عمل : «لیس» ؛ أما المهملة فیجیء تفصیل الکلام علیها فی هامش ص 544. فالحروف الأربعة تشبه «لیس» فی أمر معنوی مشترک ؛ وهو نفی المعنی فی الزمن الحالی عند الإطلاق.
2- سبق شرح النسخ ومعناه عند بدء الکلام علی النواسخ ، ص 494.
3- وسواء أکان عاملا أم مهملا فله الصدارة فی جملته بشرط دلالته علی النفی - راجع الصبان فی باب ظن وأخواتها عند الکلام علی الأدوات التی یقع بها التعلیق ؛ لصدارتها - وسیجیء البیان فی ج 2 ص 24 م 61 -.
4- انظر ص 50 وهامشها رقم 1 حیث البیان الذی یوضح معنی «ما» النافیة وأثرها فی الزمن الحالی وغیره ، وکلام صاحب المفصل فی هذا.

الآراء من غیر فائدة (1) ...

وتشتهر العاملة باسم : «ما الحجازیة». ویشترط لإعمالها خمسة شروط مجتمعة(2) :

(ا) ألا تقع بعدها کلمة : «إن» الزائدة (3) ؛ فیصح الإعمال فی مثل : ما الحق مغلوبا ، ولا یصح فی مثل : ما إن الحق مغلوب (4).

(ب) ألا ینتقض نفیها عن الخبر بسبب وقوع «إلا» بعدها (5) ؛ فتعمل فی مثل : ما الجو منحرفا ، ولا تعمل فی مثل : ما الجو إلا منحرف ؛ وقول الشاعر :

إذا کانت النعمی تکدّر بالأذی

فما هی إلا محنة وعذاب

لأن الخبر مثبت هنا بسبب «إلا» التی أبطلت النفی عنه ، ولا یضر نقضه عن المعمول ؛ نحو : ما أنت متکلما إلا بصواب.

(ح) التزام الترتیب بین اسمها وخبرها الذی لیس شبه جملة ، فلا یصح تقدیم الخبر الذی لیس شبه جملة علی الاسم ؛ ولهذا تعمل فی مثل : ما المعدن حجرا ، وتهمل فی مثل : ما حجر المعدن ؛ لتقدم خبرها علی اسمها. فإن کان الخبر شبه جملة جاز إعمالها وإهمالها عند تقدمه ومخالفته الترتیب ؛ مثل : ما للسرور «دواما ،» وقول الشاعر :

ص: 538


1- وإنما أشرنا إلی الرأی الآخر هنا لینتفع به المتخصص فی فهم ما یصادفه من النصوص القدیمة التی تطابقه.
2- هناک بعض شروط أخری ترکناها ؛ إما لاندماجها فی غیرها ؛ وإما لأنها متکلفة غیر مقبولة ؛ فلا داعی للإعنات بها. من ذلک اشتراطهم ألا یبدل من خبرها المنفی بدل «موجب» بسبب اصطحابه «إلا» نحو : ما العدو شیء إلا شیء لا یعبأ به. فکلمة «شیء» الأولی خبر المبتدأ ، والثانیة بدل منها. مرفوع. وهو موجب لوقوعه بعد «إلا». ووقوع البدل موجبا یقتضی عندهم أن یکون المبدل منه موجبا أیضا. ثم یقولون ، کیف یکون المبدل منه موجبا مع أنه خبر «ما» النافیة التی تنفی معنی الخبر؟ فیقع التناقض الذی لا مفر منه إلا باشتراط ذلک الشرط الذی نری إهماله ، وعدم التعویل علیه ؛ لأمرین : أولهما. أن دلیلهم منقوض بدلیل جدلی مثله ، لا نرید أن نعرضه ؛ منعا لإطالة المناقشة الجدلیة بغیر فائدة. وثانیهما - وهو الأهم - أن بعض أئمة النحاة - کسیبویه - لم یشترطه ؛ لأن صورا کثیرة من الکلام الفصیح تخلو منه. وهذه هی حجة قاطعة ، وفیها تیسیر.
3- سبقت الإشارة لهذا فی «ب» من ص 508.
4- إن کانت «إن» لیست زائدة وإنما هی لتأکید النفی لم یبطل العمل ، بشرط وجود فاصل لفظی بین الحرفین ، أو قرینة أخری تدل علی أنها للتأکید ؛ طبقا للبیان الذی فی رقم 4 من هامش الصفحة الآتیة. وقد سبق فی ص 508 أنه لا یصح وقوع «إن» الزائدة ، بعد «ما» النافیة العاملة ولا بعد «لیس» کما صرح بهذا الصبان وصاحب الهمع فی أول باب : «ما» الحجازیة.
5- أو وقوع «لکن» ، أو : «بل» ، کما سیجیء ، فی ص 539 ، وخرج النقض بکلمة «غیر» فإنه لا یبطل عمل : «ما» ؛ نحو : ما الإساءة غیر بلاء لصاحبها ، (بنصب کلمة «غیر»).

وما للمرء خیر فی حیاة

إذا ما عدّ من سقط المتاع (1)

بالإعمال أو الإهمال فی کل ذلک ؛ فعند الإهمال یکون شبه الجملة فی محل نصب ؛ خبر «ما» ، وعند الإهمال یکون فی محل رفع ؛ خبر المبتدأ (2).

(د) ألا یتقدم معمول الخبر علی الاسم ، بشرط أن یکون ذلک المعمول المتقدم غیر شبه جملة ؛ ففی مثل : ما العاقل مصاحبا الأحمق - لا یصح الإعمال مع تقدم کلمة : «الأحمق» علی الاسم ؛ لأنها معمول للخبر ، ولیست شبه جملة ، فیجب الإهمال فتقول : ما ، الأحمق - العاقل مصاحب ، فإن کان المعمول المتقدم شبه جملة جاز الإعمال والإهمال ، نحو : ما فی الشرّ أنت راغبا وما عندک فضل ضائعا ، ویجوز ... راغب ، وضائع (3).

(ه) ألا تتکرر «ما» ، فلا عمل لها فی مثل : «ما» «ما» الحرّ مقیم علی الضیم ؛ لأن کلمة : «ما» الأولی للنفی ، وکلمة «ما» الثانیة للنفی أیضا ؛ فهی قد نفت معنی الأولی ، ونفی النفی إثبات (4) فتبتعد «ما» الأولی عن النفی ، وینقلب معنی الجملة إلی إثبات ، وهو غیر المراد (5).

ص: 539


1- سقط المتاع : هو المتاع المهمل المتروک ، لعدم فائدته.
2- لا یظهر للإعمال أو الإهمال أثر فی هذه الأمثلة وأشباهها ، وإنما یظهر الأثر فیما یجیء بعدها من توابع ؛ - کالعطف مثلا ، علی الخبر - فعند الإعمال یکون التابع منصوبا کخبر «ما» المنصوب ، وعند الإهمال بکون التابع مرفوعا کخبر المبتدأ.
3- للسبب العام الموضح فی رقم 2 من هامش 521. کذلک یمتنع تقدیم معمول الخبر علی الخبر ؛ ومعمول الاسم علی الاسم إذا کان المعمول فی الصورتین غیر شبه جملة ؛ فلا إعمال فی نحو : ما العاقل - الصواب - تارک ، ولا فی نحو : ما الشطط راکب «آمن» والأصل : ما العاقل تارک الصواب. وما راکب الشطط آمن. فإن کان شبه جملة جاز تقدیمه.
4- فإن تکررت وکانت لتأکید النفی فی الأولی ، لا لإزالته صح الإعمال - مع ضعفه ، حتی قیل بشذوذه - وذلک بأن تکون «ما» الثانیة توکیدا لفظیا للأولی یقوی نفیها ، ولا یزیله مع ملاحظة أن هذا التوکید اللفظی ضعیف أو شاذ ، کما قلنا ، لعدم وجود فاصل بین حرفی النفی ، کما تقتضی ضوابط التوکید اللفظی - التی منها : أن توکید الحروف التی لیست للجواب یقتضی تکرار الحرف الأول ومعه لفظ آخر یفصل بینه وبین الثانی الذی جاء للتوکید - وستأتی فی ج 3 ص 430 م 116 - هذا ، والذی یدل علی أن الثانیة تفید نفیا جدیدا یزیل الأول أو أنها تفید نفیا یؤکد الأول - إنما هو القرائن اللفظیة - ومنها الفاصل اللفظی - أو المعنویة. هذا ، ومع التکرار لا یصح أن توجد «ما» فی الجملة الواحدة أکثر من مرتین ؛ إحداهما : الأولی ، والثانیة تکرار لها.
5- وقد عرض ابن مالک لبعض ما سبق من الشروط تارکا بعضا آخر حیث یقول : إعمال لیس أعملت : «ما». دون : «إن مع بقا النّفی ، وترتیب زکن سجل فی هذا البیت ثلاثة شروط لإعمال : «ما» عمل لیس ؛ وهی : ألّا توجد بعدها «إن» - - الزائدة ، وألا ینتقض النفی بسبب تکرارها نافیة ، أو بوقوع حرف نفی آخر بعدها یزیل عن خبرها معنی النفی ، أو بدخول إلا - أو غیرها - علی الخبر مما یزیل عنه النفی ، وأن یبقی الترتیب بین اسمها وخبرها ؛ فلا یتقدم الخبر علی الاسم. (وکلمة زکن معناها : علم) ، ثم یقول : وسبق حرف جرّ أو ظرف کما بی أنت معنیّا أجاز العلما أی : أن العلماء أجازوا تقدیم الخبر إذا کان حرف جر مع مجروره ؛ مثل : ما بی أنت معنیا ، ومثاله هذا یصلح لتقدیم شبه الجملة المعمول للخبر ، لا لتقدیم الخبر لکن جواز تقدیمه یؤذن بصحة تقدیم الخبر شبه الجملة أیضا. أو کان ظرفا ، مثل : ما عند العاجز حیلة ، وذلک بناء علی ما استنبطوه من کلام العرب.

حکم المعطوف علی خبرها

(ا) إن کان حرف العطف مما یقتضی أن یکون المعطوف موجبا (أی : مثبتا) مثل : «لکن» و «بل» - وجب رفع المعطوف (1) ؛ مثل : ما الفضل مجهولا لکن معروف ؛ وما الإحسان منکورا بل مشکور ؛ فیجب الرفع فی کلمتی : «معروف» و «مشکور» وأشباههما ؛ محاکاة لنظائرهما فی الکلام الفصیح المأثور (2). وتعرب کلا منهما خبرا لمبتدأ محذوف ؛ فکأن أصل الکلام. ما الفضل مجهولا لکن هو معروف. وما الإحسان منکورا بل هو مشکور. ویتعین فی هذه الحالة إعراب کل واحدة من «لکن» و «بل» حرف ابتداء ،

ص: 540


1- تفصیل ذلک : أن «لکن» تکون حرف عطف بثلاثة شروط ؛ أن یسبقها نفی ، أو نهی. وألا تکون مقترنة بالواو قبلها ، وأن یکون معطوفها مفردا ، لا جملة. ومثالها : ما أغضبت السباق ، لکن المتأخر. فإذا کان ما قبلها منفیا کالمثال السابق ترکته منفیا علی حاله ، وأقرت معناه المنفی ، ولم تغیره ، وأثبتت نقیضه لما بعدها ؛ ففی العبارة السابقة انتفی الحکم بالغضب علی السباق ، ووقع الحکم بالغضب علی المتأخر. وفی مثل : ما غابت فاطمة لکن زینب - انتفی الحکم بغیاب فاطمة ، وثبت الحکم بغیاب زینب. وهکذا نری الحکم المنفی قبل : «لکن» یبقی منفیا علی حاله ، ویثبت نقیضه لما بعدها ... و... و... فإن فقد شرط لم تصلح عاطفة ، ووجب أن تکون حرف ابتداء محض ، واستدراک وأن تدخل علی جملة جدیدة لا علی مفرد. وأما «بل» فإنها تکون حرف عطف بعد النفی وغیره ولا تعطف إلا المفردات علی الصحیح. فإذا کانت بعد نفی ، أو نهی کان شأنها شأن : «لکن» فی أنها تترکه علی حاله فیما قبلها ؛ أی : تقر معناه المنفی ولا تغیره ، وتثبت نقیضه لما بعدها ؛ نحو : ما أهنت نبیلا بل حقیرا. فقد انتفی حکم الإهانة عن النبیل وثبت حکم الإهانة للحقیر. أما إن کانت بعد کلام موجب ، أو بعد أمر ، فإنها تفید الإضراب أی العدول عن الحکم السابق ، ونقله إلی ما بعدها ، وترک ما قبلها کالمسکوت عنه ، أی : ترکه غیر محکوم علیه بشیء ، نحو : غرد العصفور ، بل البلبل. وفی ص 542 ما یزید الأمر وضوحا.
2- هذا هو التعلیل الصحیح لوجوب الرفع. أما ما زاد علیه من أنه خبر مبتدأ محذوف ، وأنه لا یصح العطف و... و... مما قیل بعد ذلک فهو تحلیل وتعلیل منطقی ؛ ابتکره النحاة : لإیضاح الحکم السابق ، وضبط حدوده ؛ منعا للخطأ. وقد أحسنوا فیه ، وإن لم یعرف العرب الأوائل شیئا عنه.

ولا یصح إعرابها حرف عطف ، لما یترتب علی ذلک من أن یکون المعطوف جملة علی حسب التقدیر السابق ، ولا یصح أن یکون المعطوف بهما جملة.

ولو جعلنا المعطوف بهما مفردا ولم نلاحظ التقدیر السابق لوجب أن یکون منصوبا ومنفیّا ، تبعا للخبر المعطوف علیه ؛ لأن المعطوف المفرد یشابه المعطوف علیه فی حرکات الإعراب ، وفی النفی ، والإثبات ، والعامل فیهما واحد ، وهنا یقع التعارض بین المعطوف علیه والمعطوف ؛ فالأول منفی «بما» ومعمول لها. والثانی معمول لها أیضا وموجب ؛ لوقوعه بعد : «لکن» أو : «بل». المسبوقین بنفی. و «ما» لا تعمل فی الموجب ، ومن هنا یجیء التعارض أیضا ؛ وهو یقضی بمنع العطف ولو کان عطف مفرد علی مفرد (1) ، ویقضی بالرفع. والأحسن أن یکون رفعه خبرا لمبتدأ محذوف.

ومما تقدم نعلم أن الکلام فی حالة : «ا» لا یشتمل علی عطف مطلقا ؛ فلا عاطف ، ولا معطوف علیه ، ولا حرف عطف (2).

(ب) أما إن کان حرف العطف لا یقتضی أن یکون المعطوف موجبا وإنما یقتضی أن یشابه المعطوف علیه فی حرکات إعرابه ، ونفیه ، وإثباته : کالواو والفاء ... فإنه یجوز فی هذه الحالة نصب المعطوف ورفعه ، مثل : ما أنت قاسیا وعنیفا علی الضعیف ، أو : «عنیف» بنصب کلمة : «عنیفا» ؛ لأنها معطوفة علی خبر «ما» المنصوب. وبرفعها لأنها معطوفة علی خبر «ما» باعتبار

ص: 541


1- إذا کان خبر «ما» مجرورا بالباء الزائدة مثل : ما النجم بمظلم ، لکن مضیء - أو بل مضیء - وجب الرفع أیضا دون النصب والجر. ویقول النحاة : لا یصح الجر عطفا علی لفظ الخبر المجرور بالباء الزائدة. ولا النصب ، عطفا علی محله. وحجتهم أن الباء «عملت» الجر فی المعطوف علیه ، فهی العاملة أیضا فی المعطوف تبعا لذلک ؛ لأنه یشابه المعطوف علیه فی حرکات الإعراب. فالعامل فیهما واحد ، والمعطوف هنا موجب کما سبق. وهی لا تدخل علی الموجب وإنما تزاد بعد النفی. وهذا کلام مردود ، لأنه نظری فقط ، فوق أنهم یغتفرون فی الثوانی ما لا یغتفرون فی الأوائل. وسجل النحاة هذا فی مواضع متعددة ، کالذی فی الصبان ، ح 2 باب «الاستثناء عند الکلام علی تعذر البدل من اللفظ فی الاستثناء التام غیر الموجب. وکالذی فی همع الهوامع ج 1 ص 215 ، وقد أشرنا لهذا فی ج 2 ص 247 م 81. والواجب أن یرجعوا للکلام العربی ، ویعرضوا لحالته ، ثم یستنبطوا منه الحکم الواقع. ولا نعرف أنهم فعلوا. ولهذا نجیز الجر والنصب ، وإن کان الرفع هو الأقوی.
2- وقد کان التعبیر فی أول الأمر بحرف العطف والمعطوف علیه تعبیرا مجازیا ؛ روعی فیه الأصل والصورة الظاهریة التی تشبه صورة العطف ، وإن کان الواقع والحقیقة أنه لا أثر للعطف هنا.

أصله الأول قبل مجیء «ما» ؛ فقد کان خبرا مرفوعا للمبتدأ (1). ویحسن الاقتصار علی الأول ؛ لیکون الأسلوب متّسقا مؤتلفا ... (2)

وتلخیص ما تقدم فی : «ا وب» هو : أن رفع المعطوف جائز مع کل عاطف وأما نصبه فمقصور علی بعض حروف العطف دون بعض آخر یقتضی إیجاب المعطوف مثل : لکن وبل ... (3)

ص: 542


1- وإلی ما سبق یشیر ابن مالک بقوله : ورفع معطوف بلکن ، أو : ببل من بعد منصوب ب «ما» الزم - حیث حل ومعنی البیت واضح بعد تقدیره علی الوجه التالی : والزم رفع معطوف بلکن أو ببل من بعد منصوب «بما» حیث وجد ذلک المنصوب. والمراد بمنصوب «ما» خبرها. و («من بعد منصوب» ؛ جار ومجرور متعلقان بکلمة. «رفع»).
2- ما سبق هو حکم العطف علی خبر «ما» فی نوع من الأسالیب. وهناک أسالیب أخری تشمل علی : «ما» ، أو «لیس» ، لها أحکام خاصة بالمعطوف بعد الخبر ، ستجیء فی : «ب» من ص 554
3- ما سبق هو حکم العطف علی خبر «ما» فی نوع من الأسالیب. وهناک أسالیب أخری تشمل علی : «ما» ، أو «لیس» ، لها أحکام خاصة بالمعطوف بعد الخبر ، ستجیء فی : «ب» من ص 554

زیادة وتفصیل

(ا) إنما عرض النحاة للعطف علی خبر «ما» دون العطف علی أخبار غیرها من النواسخ الأخری التی لا یشترط فیها عدم نقض النفی ، لأن «ما» یشترط فی عملها ألا ینتقض نفی خبرها. فإن انتقض لم تعمل کما سبق. والحرفان («لکن» ، و «بل») من حروف العطف ، ینقض کل منهما النفی عن المعطوف بعده. ویجعله موجبا ، مع أن المعطوف علیه منفی. ولما کان المعطوف علی خبر «ما» بمنزلة خبرها - وجب أن یکون ذلک المعطوف منفیّا کالخبر المعطوف علیه ؛ لکی تعمل فیه «ما» النصب. غیر أن المعطوف هنا موجب لوقوعه بعد «لکن» ، أو «بل» فالنفی منقوض عنه ، وصار موجبا. ولهذا لم یصح نصبه ، لأنه بمنزلة الخبر - کما قلنا - و «ما» لا تعمل فی الموجب.

وقیاسا علی ما سبق (1) یجری هذا الحکم علی کل ناسخ آخر ، (مثل : إن - لا ، وسیجیء الکلام علیهما) مما یشترط فی إعماله ألا ینتقض النفی عن خبره فعند العطف علی خبره ینطبق علیه الحکم السالف.

(ب) أنسب الآراء ، أنه لا یجوز حذف «ما» الحجازیة وحدها ، أو مع أحد معمولیها ، أو معهما. کما لا یجوز حذف معمولیها ولا أحدهما.

(ح) إذا دخلت همزة الاستفهام علی «ما» الحجازیة لم تغیر شیئا من أحکامها السابقة.

* * *

ص: 543


1- لم أر فی الکتب المتداولة نصا علی هذا القیاس ، ولکنه الذی یسایر الأصل العام الذی عرضوه.

وأما الحرف الثانی - : «لا» فهو للنفی (1). وفریق من العرب - کالحجازیین - یعمله عمل : «لیس» ویجعل النفی به منصبّا مثلها علی الزمن الحالی عند عدم قرینة تدل علی زمن غیره. وفریق آخر - کالتمیمیین - یهمله. تقول : لا معروف ضائعا ، أو : لا معروف «ضائع» ، بالإعمال أو الإهمال. والمهم عند إعمالها هو فهم معناها ، وإدراک أثرها المعنوی فی الجملة ، لیحسن استخدامها علی الوجه الصحیح (2) وفیما یلی الإیضاح.

(ا) لا رجل غائبا - تشتمل هذه الجملة علی کلمة : «لا» النافیة وبعدها اسم مفرد مرفوع ، وبعده اسم منصوب. فما الذی تفیده هذه الجملة؟

تفید هذه الجملة التی یکون فیها اسم : «لا» مفردا - أی : غیر مثنی وغیر مجموع - احتمال أمرین : نفی الخبر (وهو : الغیاب) عن رجل واحد ، ونفی الغیاب عن جنس الرجل کله ؛ فردا فردا ؛ فلا غیاب لواحد أو أکثر.

ولو قلنا : لا رجلان غائبین ، ولا رجال غائبین - لکان الأمر محتملا نفی الغیاب عن اثنین فقط ، أو عن جماعة فقط ، ومحتملا أیضا نفی الغیاب عن جنس الرجل کله ؛ فردا فردا ؛ بحیث لا یخلو واحد من الحکم علیه بعدم الغیاب.

(ب) لا طائر موجودا - تفید هذه الجملة التی یکون فیها اسم «لا» مفردا أی : غیر مثنی وغیر مجموع - ما أفادته التی قبلها من احتمال أمرین ؛ نفی وجود طائر واحد ، ونفی وجود جنس الطائر کله ؛ فردا فردا ؛ فلا وجود لطائر واحد ، ولا أکثر. ولو قلنا : لا طائران موجودین ، ولا طیور موجودة - لکان النفی

ص: 544


1- إذا کانت مثل : «لیس» فی معناها وعملها أفادت النفی فی الزمن الحالی إلا إن دلت قرینة علی أن النفی لزمن آخر - کما تقدم فی رقم 1 من هامش ص 537 -. أما المهملة فإن دخلت علی فعل ماض فإنها تنفی معناه فی زمنه الخاص به وإن دخلت علی مضارع فإنها - فی الرأی الراجح - تخلص زمنه للمستقبل ، وتنفی معناه فی هذا الزمن المستقبل.
2- «لا» المهملة من ناحیة أثرها المعنوی فی الجملة تشبه «لا» العاملة عمل «لیس» ؛ فهما متشابهان فی المعنی مختلفان فی العمل ؛ فإحداهما تعمل ، والأخری لا تعمل ، وسواء أکانت «لا» عاملة أم مهملة فهی من أدوات النفی التی لها الصدارة فی جملتها - فی الرأی الصحیح - بشرط ألا تکون زائدة. - راجع الصبان ، ج 2 باب : ظن وأخواتها ، عند الکلام علی الأدوات التی یقع بسببها التعلیق لصدارتها ، وسیجیء هذا فی ج 2 ص 24 م 61.

إمّا واقعا علی طائرین فقط ، وإما واقعا علی جماعة فقط ، وإما علی الجنس کله واحدا واحدا ؛ بحیث لا یخلو طائر من الحکم علیه بعدم الوجود.

مما سبق نعلم أن : «لا» النافیة التی تعمل عمل : «کان» لا تدل علی نفی الجنس کله فرد فردا دلالة قاطعة لا تحتمل معها أمرا آخر ؛ وإنما تدل - دائما - علی احتمال أمرین (1) ، فإن کان اسمها مفردا دلت علی نفی الخبر عن فرد واحد ، أو علی نفیه عن کل فرد من الأفراد. وإن کان اسمها مثنی أو جمعا دلت أیضا علی احتمال أمرین ؛ إمّا نفی الخبر عن المثنی فقط ، أو عن الجمع فقط ، وإمّا نفیه عن کل فرد من أفراد الجنس. فدلالتها علی نفی الخبر تحتمل هذا ، وتحتمل ذاک فی کل حالة. ولیست نصّا (2) فی أمر واحد.

ومن أجل أنها تحتمل نفی الخبر عن الفرد الواحد إذا کان اسمها مفردا سمیت : «لا» التی لنفی الواحد ، أو : «لا» التی لنفی الوحدة ، أی : الواحد أیضا.

والذین یعملونها یشترطون لذلک شروطا خمسة (3).

أولها : أن یکون اسمها وخبرها نکرتین ؛ مثل : لا مال باقیا مع التبذیر.

فإن کان أحدهما معرفة أو کلاهما - لم تعمل (4).

ثانیهما : عدم الفصل بینها وبین اسمها وهذا یستلزم الترتیب بین معمونیها ،

ص: 545


1- ما لم توجد قرینة تمنع الاحتمال ، وتعین أحدهما.
2- إذا أردنا النص علی أن النفی یقع علی کل فرد من أفراد اسم «لا» أی : یقع علی أفراد الجنس واحدا واحدا ، من غیر احتمال آخر - أتینا بالحرف الذی یدل علی ذلک ، وهو : «لا» النافیة للجنس ؛ بشرط أن یکون اسمها مفردا. وهی من أخوات «إنّ» تنصب مثلها الاسم وترفع الخبر. (وسیجیء الکلام علیها فی بابها الخاص ، آخر هذا الجزء ص 622) ، فإن لم یکن اسمها مفردا بأن کان مثنی أو جمعا کانت فیهما هی و «لا» العاملة عمل لیس - سواء ؛ فیقع الاحتمال بین أن یکون الخبر منفیا عن الاثنین فقط ، أو عن الجماعة فقط ، وأن یکون منفیا عن کل فرد من أفراد الجنس. فالفرق بین نوعی «لا» العاملة إنما یتحقق حین یکون اسمهما مفردا.
3- مع ملاحظة ما لا یصح أن یدخل علیه الناسخ ، وقد سبق فی رقم 3 من هامش ص 495.
4- فلا یصح : لا السلاح مأمونا فی ید الطائش. لا سلاح المأمون فی ید الطائش ، لا السلاح المأمون إذا کان فی ید الطائش ... فمثل هذه تراکیب غیر صحیحة ؛ بسبب إعمال «لا» مع فقدها شرطا من شروط الإعمال. إلا عند الکوفیین ؛ فإنهم لا یشترطونه ، وبمذهبهم قال المتنبی : إذا الجود لم یرزق خلاصا من الأذی فلا الحمد مکسوبا ولا المال باقیا ویجوز أن یکون خبرها جملة فعلیة أو شبه جملة ؛ لأنهما یکونان فی حکم النکرة - کما سبق فی رقم 1 من هامش ص 46 وفی 1 من هامش ص 192 وفی 3 من هامش ص 188 ...

فیجب تأخیر الخبر ، وکذلک تأخیر معموله عن الاسم ، کی لا یفصل بینها وبین اسمها فاصل ؛ نحو : لا حصن واقیا الظالم (1).

ثالثها : ألا ینتقض النفی بإلا ؛ تقول ؛ لا سعی إلا مثمر ، ولا یصح نصب الخبر(2).

رابعها : عدم تکرارها ؛ فلا تعمل فی مثل : لا ، لا مسرع سبّاق. إذا کانت «لا» الثانیة لإفادة نفی جدید (3).

خامسها : ألا تکون نصّا فی نفی الجنس (4) - کما شرحنا - وإلا عملت عمل : «إنّ» :

تلک هی الشروط الحتمیة لعمل «لا» وهی نفسها شروط لعمل «ما» مع زیادة شرطین فی عمل «لا» وهما : أن یکون اسمها وخبرها نکرتین ، وألا تکون نصّا فی نفی الجنس (5).

وحذف خبرها کثیر فی جید الکلام ؛ ومنه أن تقول للمریض ؛ لا بأس ؛ أی : لا بأس علیک. وفلان ودیع لا شکّ. أی : لا شکّ فی ذلک ، أو فی وداعته ...

«ملاحظة» : لا یتغیر شیء من الأحکام السالفة إذا دخلت همزة الاستفهام علی «لا» سواء أکان الاستفهام باقیا علی حقیقته ، أم خرج إلی معنی آخر

ص: 546


1- فلا یصح : «لا واقیا حصن الظالم» لتقدیم الخبر. ولا یصح : لا - الظالم - حصن واقیا ؛ لتقدیم معموله وحده. ولا یصح : لا - واقیا الظالم - حصن بتقدیمهما معا. إلا أن کان معمول الخبر شبه جملة فیجوز تقدیمه وحده ؛ نحو : لا - فی العمل حازم مهملا. - ولا ساعة الجد عاقل متوانیا.
2- ومن أثر هذا أنه إذا عطف علی خبرها بالحرف ، «لکن» أو : «بل» لم یجز العطف بالنصب ووجب رفع المعطوف لما سبق بیانه فی ص 540 وفی الزیادة ص 543.
3- فإن تکررت وکانت الثانیة مفیدة لنفی جدید یزیل النفی السابق ، ولیست توکیدا للأولی - فإنها لا تعمل ؛ لأن نفی النفی إثبات ؛ فتبتعد عن معناها الأساسی فی مثل : لا لا مکافح مسرور. وإن کانت الثانیة توکیدا للأولی - مع قلته ، بسبب عدم الفاصل بینهما جاز إعمالها : نحو : لا لا حاسد مستریحا. وقد عرفنا أن الذی یدل علی أن الثانیة للتوکید أو لإفادة نفی جدید - هو : القرائن اللفظیة أو المعنویة. ولا تتکر إلا مرة واحدة بحیث لا تشتمل الجملة منها علی أکثر من اثنین. (انظر رقم 4 من هامش ص 539 ففیه ما یتصل بهذا).
4- راجع «لا» النافیة للجنس آخر هذا الجزء 622.
5- لم یذکر من شروط «لا» عدم وقوع : «إن» الزائدة بعدها کاشتراطه فی «ما» لما هو معروف من عدم وقوع : «إن» الزائدة بعد «لا» والصحیح أنّ «لا» بنوعیا العاملة والمهملة ، هی من حروف النفی التی لها الصدارة - (راجع الصبان فی باب ظن وأخواتها عند الکلام علی أدوات التعلیق التی لها الصدارة). وسیجیء البیان فی ج 2 ص 24 م 61.

کالتوبیخ .. أو الإنکار ... ، مثل : ألا إحسان للفقیر من هذا الرجل الغنی (1) ...

* * *

أما الحرف الثالث : «إن» فهو لنفی الزمن الحالی عند الإطلاق ، وإعماله وإهماله سیّان (2). ولکن الذین یعملونه یشترطون الشروط الخاصة بإعمال «ما» (3) النافیة إلا الشرط الخاص بعدم وقوع «إن» الزائدة بعدها ؛ إذ لا تقع «إن» الزائدة بعد «إن» النافیة أیضا ؛ نحو : إن الذهب رخیصا (بمعنی : ما الذهب رخیصا) أو : إن الذهب رخیص. ففی المثال الأول تعرب «إن» حرف نفی ناسخ بمعنی : ما ، وبعدها اسمها وخبرها. وفی المثال الثانی : «إن» حرف نفی مهمل ، وبعدها مبتدأ مرفوع ، ثم خبره المرفوع (4). ومن أمثلة إعمالها ، قول الشاعر :

إن المرء میتا بانقضاء حیاته

ولکن بأن یبغی علیه فیخذلا

وهی فی حالتی إعمالها وإهمالها لنفی الزمن الحالی ، ما لم تقم قرینة علی غیره. - کما تقدم -

* * *

وأما الحرف الرابع : «لات (5)» فهو لنفی الزمن الحالی عند الإطلاق

ص: 547


1- راجع الخضری ج 1 باب : «لا النافیة» للجنس عند بیت ابن مالک وأعط «لا» مع همزة استفهام ما تستحقّ دون الاستفهام حیث صرح بأن دخول همزة الاستفهام علی «لا» بنوعیها لا یغیر من أحکامهما ، علی الوجه الآتی : فی ص 642.
2- إذا کانت عاملة وجب دخولها علی جملة اسمیة - کالشأن فی النواسخ کلها - أما إذا کانت مهملة فیجوز دخولها علی الاسمیة والفعلیة ؛ فمن أمثلة المهملة الداخلة علی الاسمیة قوله تعالی : (إِنِ الْکافِرُونَ إِلَّا فِی غُرُورٍ) ومن أمثلة الداخلة علی الفعلیة قوله تعالی : (إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ،) وقوله : (إِنْ یَقُولُونَ إِلَّا کَذِباً).
3- ویراعی فی العطف علی خبر «إن» ما سبق فی العطف علی خبر «ما» (ص 539 والزیادة التی فی ص 542).
4- ویجوز هنا ما یجوز فی «ما» من صحة نقض النفی عن معمول الخبر ، دون الخبر ، نحو : ما أنت قارئا کتبا إلا النافعة.
5- یقول النحاة : إن أصلها «لا» ثم زید علیها التاء لتأنیث اللفظ ؛ کالتاء فی «ربت» و «ثمت». غیر أن التاء فی «لات» متحرکة بالفتح دائما. وزیادتها تفید مع تأنیث اللفظ توکید النفی وتقویته. هذا کلام النحاة ملخصا من آراء متعددة لا یستریح العقل لواحد منها ، ولا إلی أن التاء زیدت علی کلمة : «لا» ؛ لأن العرب الأوائل نطقوا بکلتا الکلمتین (لا ، ولات) مستقلة ، ولم یذکروا - - أن إحداهما أصل للأخری ، ولم یکن لهم علم بشیء مما اصطلح علیه النحاة بعدهم ، وبنوا علیه أحکامهم ، فمن الخیر ترک الآراء المتشعبة ، والاقتصار علی اعتبار : «لات» کلمة واحدة معناها النفی ، وعملها هو عمل «کان» ولیس فی هذا ما یسیء إلی اللغة فی ترکیب کلماتها ، ولا ضبط حروفها ، ولا أداء معانیها علی الوجه الصحیح المأثور الذی یجب الحرص علیه وحده أشد الحرص ، ولا سیما إذا کان فی اتباعه تیسیر ومسایرة للعقل والواقع. وقد آن الوقت للتحرر من تلک الآراء الجدلیة التی لا حاجة إلیها الیوم.

ویشترط لعملها (1) :

(ا) الشروط الخاصة بعمل «ما» (2) إلا الشرط الخاص بعدم وقوع : «إن» الزائدة بعدها ؛ إذ لا تقع «إن» الزائدة بعد : «لات».

(ب) ثلاثة شروط أخری ؛ هی : أن یکون اسمها وخبرها کلمتین دالتین علی الزمان (3) ، وأن یحذف أحدهما دائما ، والغالب أنه الاسم. وأن یکون المذکور منهما نکرة ؛ مثل : سهوت عن میعادک ، ولات حین سهو. أی : ولات الحین (4) حین سهو. وإعرابها : «لا» نافیة ؛ تعمل عمل : «لیس». التاء للتأنیث اللفظی (5) واسمها محذوف تقدیره : الحین ، أو : الوقت ، أو : الزمن ... «حین» خبرها ، منصوب بالفتحة الظاهرة ، مضاف. «السهو» مضاف إلیه مجرور. ومثل : تسرعت فی الإجابة ، ولات حین تسرّع. أی : ولیس الحین حین تسرّع ، أو لیس الوقت وقت تسرع. والإعراب کالسابق.

ص: 548


1- مع ملاحظة ما لا یصح أن یدخل علیه الناسخ. - وقد سبق بیانه فی رقم 3 من هامش ص 392 -
2- وقد سبقت فی ص 537 - ویراعی فی العطف علی خبرها ما سبق فی العطف علی خبر «ما» (ص 539 وفی الزیادة ص 532).
3- مثل کلمة : «حین» - وهی أکثر الکلمات التی استعملها العرب معمولة للحرف : «لات» ومثل : «ساعة» و «أوان» و «ووقت» وغیرها مما یدل علی الزمن.
4- کلمة : «الحین» هنا معرفة (مع أن : «لات» لا تعمل إلا فی النکرات) لأن المنفی فی المثال هو «حین» معین ، معروف ؛ وهو الذی سها فیه المخاطب. فالتقدیر : لات حین سهوک حین سهو : أی : لیس زمن سهوک زمن سهو : بمعنی : أن زمن سهوک لا یصح ولا یصلح أن یکون زمن سهو. فاشتراط التنکیر فی معمولیها معا - کما ینص علیه أکثر النحاة - إنما یتحقق فی الترکیب اللفظی الذی یشتمل علی المعمولین مذکورین فیه صراحة ؛ أما فی التقدیر فلا یشترط ذلک (کما فی تقدیر المثال السابق). وخیر من هذا کله أن یکون الشرط هو : تنکیر ما یذکر صریحا من معمولیها ؛ وهذه عبارة بعض النحاة الأقدمین ؛ وتریحنا من الجدل الذی لا داعی له ، ومن تحقق الشرط فی الترکیب اللفظی ، دون التقدیری ، وأمثال هذا ...
5- أو : لات - کلها - حرف نفی مبنی علی الفتح لا محل له ، وهذا أحسن ... ، اعتمادا علی ما تقدم فی رقم 5 من هامش الصفحة السابقة.

زیادة وتفصیل

(ا) وردت «لات» فی بعض الکلام العربی القدیم مهملة لا عمل لها ؛ فهی متجردة للنفی المحض. ومنه قول الشاعر :

ترک الناس لنا أکنافهم

وتولّوا ، لات لم یغن الفرار

فهی هنا حرف نفی ، مؤکد بحرف نفی آخر من معناه ، هو : «لم» وهذا الاستعمال مقصور علی السماع لا یجوز الیوم محاکاته. وإنما عرضناه لنفهم نظائره فی الکلام القدیم حین تمر بنا ، ومنه قول القائل :

لهفی علیک للهفة من خائف

یبغی جوارک حین لات مجیر

فهی حرف نفی مهمل. «ومجیر» فاعل لفعل محذوف أو مبتدأ خبره محذوف

(ب) حکم العطف علی خبر : «لات» نفسه کحکم العطف علی خبر «ما». وقد تقدم (فی ص 540 و 543) فیتعین الرفع إن کان حرف العطف یقتضی إیجاب ما بعده ، (مثل : لکن وبل) ، تقول : سئمت ولات حین سآمة ، بل حین صبر ، أو لکن حین صبر. فإن کان حرف العطف لا یقتضی إیجاب ما بعده (کالواو) جاز النصب والرفع ، تقول : رغبت فی الراحة أیاما ، ولات حین راحة ، وحین استجمام ، بنصب کلمة «حین» المعطوفة أو رفعها.

(ح) من أسماء الإشارة : «هنّا» وهی فی أصلها ظرف مکان کما عرفنا فی باب أسماء الإشارة (1). وقد وقعت فی الکلام العربی القدیم بعد کلمة : «لات» کقول القائل : (حنّت نوار ولات هنّا حنّت) (2) ... وخیر ما یقال فی إعرابها : إن «لات» حرف نفی مهمل (أی : لا عمل له) و «هنا» اسم إشارة للمکان ، منصوب علی الظرفیة ، خبر مقدم «حنت» حن : فعل ماض ، قبله «أن» مقدرة. والتاء للتأنیث ، والفاعل مستتر تقدیره : هی. والمصدر المؤول من الفعل والفاعل و «أن» المقدرة قبل «حنت» فی محل رفع مبتدأ مؤخر. وخبره اسم الإشارة الظرف المتقدم. (هنّا). وهذا أسلوب یحسن الوقوف فیه عند السماع ، والبعد عن محاکاته.

ص: 549


1- ص 305.
2- عرضنا لهذا الشاهد وإتمام البیت فی ص 305 وذکرنا هناک الرأی القائل إن : «هنّا» قد تکون ظرف زمان.

المسألة 49: زیادة باء الجر فی خبر هذه الأحرف

اشارة

تقدم أن «باء» الجر تزاد فی مواضع (1) ، منها : أخبار الأفعال الناسخة إذا کانت تلک الأخبار منفیة ؛ (فلا تزاد فی أخبار «ما زال» وأخواتها الثلاثة ؛ لأن أخبارها موجبة) وأن الغرض من تلک الزیادة هو تأکید النفی وتقویته ، کما عرفنا.

ومن تلک المواضع : خبر «لیس» (2) ؛ ویکثر فیه زیادة الباء ؛ نحو : لیس الحازم بمتواکل. فالباء زائدة ، «ومتواکل» مجرورة بها فی محل نصب خبر «لیس». ومنها. «ما» العاملة والمهملة ، فیکثر فی خبرها المنفی زیادة الباء ؛ نحو : ما العربی ببخیل ، وما العربی بهیاب الشدائد. وأصل الکلام ما العربی بخیلا. ما العربی هیابا ، فالباء حرف جر زائد ، وما بعدها مجرور فی محل نصب خبر : «ما» إن کانت عاملة ، أو فی محل رفع خبر المبتدأ ، إن کانت : «ما» مهملة (3). ومن الأمثلة ، قوله تعالی : (وَما رَبُّکَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ ،) وقول الشاعر :

أقصر - فؤادی - فما الذکری بنافعة

ولا بشافعة فی ردّ ما کانا

ص: 550


1- فی ص 535 إیضاح مناسب لبعض مواضع زیادة الباء ، وسبب الزیادة ، وأنها قد تزاد فی الاسم إذا توسط الخبر بینه وبین الناسخ.
2- بشرط ألا تکون أداة استثناء وألا ینتقض النفی «بإلا» ؛ فإن کانت أداة استثناء فهی بمعنی «إلا» فلا یزاد فی خبرها الباء. ومثلها «لا یکون» أداة الاستثناء. - کما سبق فی ص 507 -
3- بشرط ألا یکون إهمالها بسبب نقض النفی فی خبرها ، فإن کان بسببه لم تدخل علیه الباء الزائدة ؛ لأن الکلام یصیر مع نقض النفی موجبا ؛ فلا یصح زیادة الباء فی مثل : ما أنت إلا ناصح. وهناک شرط آخر لزیادة : «الباء» فی خبر «ما» ؛ هو : أن یکون الخبر من الألفاظ التی تقبل الإیجاب والتی لا یقتصر استعمالها علی المعانی المنفیة ؛ فلا تزاد «البا» فی کلمة أحد ، وعریب ودیّار ، فی نحو : ما مثلک أحد ... فلا بد لزیادة الباء فی خبر «ما» من تحقق الشرطین السابقین. (انظر ص 534 و 535 وهامشهما). هذا ، والذی یدل علی أن زیادة «الباء» هی فی خبر العاملة أو المهملة ما یکون للخبر من توابع فإن ضبط التابع بغیر الجر یدل علی نوع الخبر ، وأنه خبر للعاملة أو للمهملة.

وقد تزاد أحیانا بعد خبر : «لا» (1) ، نحو : لا جاه بخالد. ولا سلطان بباق. وأصل الکلام : لا جاه خالدا ، ولا سلطان باقیا. (والإعراب کالسابق) ...

وقد تقدم (2) أنها تزاد فی خبر المضارع من «کان» (3) ، بشرط أن یکون منفیّا بحرف النفی : «لم» ؛ نحو : کلمتنی فلم أکن بمشغول عنک ، ولم أکن بمنصرف عن حدیثک. أی : لم أکن مشغولا عنک ، ولم أکن منصرفا عن حدیثک. فالباء حرف جر زائد ، وما بعدها مجرور بها فی محل نصب : خبر «أکن» ، وأنها قد تزاد أیضا فی المفعول الثانی من مفعولی : «ظن وأخواتها» ، نحو : ما ظننت المؤمن بجبان.

أما زیادتها فی بقیة الأفعال والحروف الناسخة ، أو فی خبر المبتدأ ، أو فی غیر ما سبق - فمقصور علی السماع (4).

ص: 551


1- سواء أکانت عاملة عمل «لیس» أم عاملة عمل» إن.
2- فی رقم 1 من هامش ص 536.
3- ما عدا (لا یکون) الاستثنائیة ؛ لأن الباء لا تزاد فی خبرها ، ولأنها لا بد أن تکون للغائب ، وقبلها : «لا» النافیة.
4- یقول ابن مالک فی کل ما سبق من زیادة الباء ومن الکلام علی : (لا - ولات) ما یأتی باختصار : (وقدم الکلام علی زیادة الباء قبل أن یتکلم علی لا - ولات ، وکان الواجب التأخیر عنهما). وبعد : «ما» و : «لیس» جرّ البا الخبر وبعد : «لا» ونفی : «کان» قد یجر أی : جرت «الباء» الخبر بعد : «ما» وبعد : «لیس». ثم قال : وقد یجر الخبر بعد «لا» التی هی من أخوات «لیس» وبعد : «کان» المنفیة ؛ لأن نفیها ینصب علی خبرها (بشرط أنها غیر الاستثنائیة) - کما شرحنا - ثم قال : فی النکرات أعملت کلیس ، «لا» وقد تلی : «لات» و «إن» ذا العملا أی : أعملت : - «لا» فی النکرات عمل «لیس» ؛ فترفع الاسم وتنصب الخبر ؛ بشرط أن یکونا نکرتین معا. ثم قال : وقد تتولی : «لات» و «إن» هذا العمل ؛ فترفع کل منهما الاسم ، وتنصب الخبر ولم یذکر شروطا. ثم عاد فقال : وما للات فی سوی حین عمل وحذف ذی الرّفع فشا. والعکس قل یرید : أن : «لات» لا تعمل فی سوی «الحین» ، أی : الزمن ، فلا بد أن یکون اسمها وخبرها لفظین دالین علی الزمن ، ولا بد من حذف أحدهما. کما عرفنا ، ولکن حذف الاسم صاحب الرفع هو الفاشی ؛ أی : الشائع ، والعکس قلیل ؛ وهو حذف الخبر ، وبقاء الاسم.

زیادة وتفصیل

یتردد فی مواطن مختلفة من کتب النحو ما یسمی ؛ «العطف علی التوهم» ؛ وهو نوع یجب الفرار من محاکاته (1) - قدر الاستطاعة - ولتوضیحه نسوق المثالین التالیین :

(ا) «لیس المؤمن متأخرا عن إغاثة الملهوف». فکلمة : «متأخرا» خبر «لیس» ، وهو منصوب. ویجوز - کما عرفنا (2) - أن تزاد باء الجر فی أول الخبر ؛ فنقول : «لیس المؤمن بمتأخر عن إغاثة الملهوف». ؛ فتکون کلمة : «متأخر» فی الظاهر مجرورة بالباء الزائدة ، لکنها فی التقدیر فی محل نصب ، لأنها خبر «لیس».

فإذا عطفنا علی الخبر المجرور بالباء الزائدة کلمة أخری. بأن قلنا : لیس المؤمن بمتأخر وقاعد عن إغاثة الملهوف - فإنه یجوز فی المعطوف - وهو کلمة : «قاعد» مثلا - الجر تبعا للمعطوف علیه المجرور فی اللفظ ، کما یجوز نصبه ، تبعا للمعطوف علیه المنصوب محلا ، لأنه خبر «لیس». فالمعطوف فی المثال السابق یجوز نصبه تبعا لمحل الخبر. کما یجوز جره تبعا للفظ الخبر المجرور بالباء الزائدة المذکورة فی الجملة ، والتی یجوز زیادتها فی مثل هذا الخبر.

لکن إذا خلا الخبر منها فکیف نضبط المعطوف علیه؟ أیجوز النصب والجر مع عدم وجودها کما کانا جائزین عند وجودها؟ یقول أکثر النحاة : نعم. ففی المثال السابق یصح أن نقول : لیس المؤمن متأخرا وقاعدا عن إغاثة الملهوف. أو : لیس المؤمن متأخرا وقاعد ... بنصب کلمة : «قاعد» أو جرها ؛ فالنصب لأنها معطوفة علی الخبر المنصوب مباشرة ؛ ولا عیب فی هذا. والجر لأنها معطوفة علی خبر منصوب فی التقدیر ؛ علی تخیل وتوهم أنه مجرور بالباء الزائدة ؛ فکأن المتکلم قد تخیل وجود الباء الزائدة مع أنها غیر موجودة بالفعل. وتوهم أنها

ص: 552


1- سیجیء نوع منه - فی ج 4 باب النواصب ما ص 270 م 149 ، عند الکلام علی فاء السببیة ، وکذلک فی باب : «العطف» ج 3 ص 484 م 122 - یقتضیه وضوح الکلام ، واستقامة معناه ، مع تقدیر «أن» المضمرة وجوبا.
2- فی ص 549.

ظاهرة فی أول الخبر ؛ مع أن توهمه غیر صحیح. ومن العجب أن یتوهم ویتخیل ما لا وجود له ، ویبنی علیه آثارا. وهذا أمر یجب الفرار منه - کما قلنا - ؛ لما فیه من البعد ، والعدول عن الطریقة المستقیمة الواضحة إلی أخری ملتویة ، لا خیر فیها. فإن قهرتنا بعض الأسالیب القدیمة علی الالتجاء إلیه وجب أن نقتصر علیه فی الوارد ، ونحصر أمره فی المسموع من تلک الأسالیب ، دون أن نتوسع فیها بالمحاکاة والقیاس ، إذ لا ضرورة تلجئنا إلی محاکاتها. وهذا الرأی السدید لبعض النحاة الأقدمین (1) تستریح النفس إلیه وحده ، ولا فرق فیه بین العطف علی خبر «لیس» أو «ما» أو غیرهما من الأخبار التی تزاد فی أولها الباء جوازا (2) ...

مثال آخر :

ما المحسن منانا بإحسانه. کلمة : «منانا» - خبر «ما» منصوبة ، ویجوز أن تزاد «باء» الجر فی خبر : «ما» الحجازیة علی الوجه المشروح فی زیادتها - فیقال : ما المحسن بمنان بإحسانه. فتکون کلمة : «منان» مجرورة فی الظاهر بالباء الزائدة ، ومنصوبة المحل ، لأنها خبر «ما» ؛ فإذا عطفنا علی هذا الخبر المجرور کلمة أخری (3) ، جاز فی المعطوف إما الجر تبعا للخبر المجرور لفظه ، وإما النصب أیضا تبعا للخبر المنصوب محله ؛ فیقال ما المحسن بمنان وذاکر إحسانه أو : «ذاکرا» إحسانه ؛ بجر کلمة : «ذاکرا» ، أو نصبها.

فإذا لم تکن «باء» الجر الزائدة مذکورة فی أول الخبر فکیف نضبط

ص: 553


1- وقد تردد فی مراجع وأبواب مختلفة ، منها شرح الأشمونی ، آخر باب حروف الجر ، ومنها کتاب تنزیل الآیات ، شرح شواهد الکشاف ص 16 عند بیت الشاعر : مشائیم ، لیسوا مصلحین عشیرة ولا ناعب إلا بیین غرابها حیث عطف : «ناعب» بالجر علی : «مصلحین بتوهم أو المعطوف علیه مجرور بالباء ، وأن التقدیر بمصلحین وأیضا ورد هذا البیت ومعه آخر فی «الکامل للمبرد» ج 1 ص 279 للاستشهاد بکل منهما علی الحکم السالف.
2- والکلام علی هذا النوع من الجر یذکرنا نوعا آخر من الجر یجب التشدد فی إهماله ، وفی ترک استعماله والاقتصار فیه علی المسموع وحده ، لوضوح فساده وإفساده ؛ هو الجر بالمجاورة. وسیجیء تفصیل الکلام علیه (فی ح 2 ص 272 م 82 وفی ص 338 م 89 باب حروف الجر) (وفی ج 2 ص 8 م 93 باب الإضافة).
3- وکان حرف العطف غیر : «لکن» و «بل» ... (راجع ص 540 السابقة ...).

المعطوف؟ یقول أکثر النحاة : إن العسطف عند عدم وجود باء الجر الزائدة فی الخبر کالعطف مع وجودها ، فیجوز النصب فی المعطوف تبعا للنصب اللفظی فی الخبر المعطوف علیه ؛ کما یجوز الجر فی المعطوف تبعا لتوهمهم الجر فی الخبر المعطوف علیه ، وافتراضهم أن ذلک الخبر مجرور بالباء الزائدة ؛ مع أنها غیر موجودة ، فی الکلام.

وهو توهم لا یصح الالتفات إلیه الیوم ، ولا الأخذ بما یرتبونه علیه ... لما أوضحناه. ویتساوی فی هذا خبر «لیس» وخبر «ما» وغیرهما من الأخبار التی یجوز فی أولها زیادة باء الجر ؛ کما قلنا.

(ب) إذا وقع بعد خبر «لیس» أو خبر «ما» - مشتق معطوف ، فکیف نضبطه؟ لهذا صور یعنینا منها ما (1) یأتی :

أولا : أن یکون المشتق المعطوف علی خبرها وصفا (2) عاملا وبعده اسم مرفوع ، سببیّ (3) له ، نحو : «لیس المستعمر أمینا ، ولا صادقا وعده» أو : «ما المستعمر أمینا ولا صادقا وعده». فیجوز فی الوصف المعطوف وهو کلمة : «صادق» ما یجوز فیه لو کان غیر رافع اسما بعده ؛ وعلی هذا یصح فی کلمة : «صادق» النصب بعطفها علی الخبر المنصوب مباشرة وهو کلمة : «أمینا» کما یصح فیها الجر عطفا علی الخبر المجرور علی حسب توهم النحاة أن الخبر مجرور بباء زائدة غیر ظاهرة فی اللفظ ... وهو توهم وتخیل سبق رفضه فی : «ا» أما الاسم السببی المرفوع بعد الوصف المعطوف فیعرب فی الحالة السالفة فاعلا (4) له (وقد یعرب أحیانا نائب فاعل فی جملة أخری إذا کان الوصف الرافع له اسم مفعول). وفی المثال السابق بصورتیه یلتزم الوصف الإفراد فلا یثنی ولا یجمع - فی رأی أکثر النحاة - ...

ویصح أن یکون الوصف مرفوعا مبتدأ - لا معطوفا - وأن یکون السببی بعده مرفوعا به یغنی عن الخبر (سواء أکان المرفوع فاعلا أو نائب فاعل) ، وفی هذه الصورة یلتزم الوصف الإفراد أیضا. ویکون الوصف مع مرفوعه معطوفا علی الجملة قبله (5).

ص: 554


1- مع ملاحظة الصور التی سبقت فی ص 540.
2- اسما مشتقا.
3- السببی هنا : ما له صلة وارتباط بالوصف کقرابة ، أو صداقة ، أم عمل ، أو شیء متصل به. ویربط بینهما الضمیر ونحوه مما یعود علی ذلک الوصف.
4- والعطف فی المثال السابق بصورتیه عطف مفرد علی مفرد.
5- والعطف علی هذا الإعراب عطف جملة علی جملة.

ویصح أن یکون السببی مبتدأ متأخرا والوصف خبرا مرفوعا متقدما - لا معطوفا وفی هذه الحالة یتطابقان ؛ إفرادا وتثنیة وجمعا ، وتذکیرا ، وتأنیثا ؛ نحو : لیس علیّ مهملا ولا مقصر أخوه - لیس علی مهملا ولا مقصران أخواه - لیس علی مهملا ولا مقصرون إخوانه (1) ... - وکذلک لو کان الناسخ «ما» بدلا من «لیس» ، ثانیا : أن یکون المعطوف وصفا أیضا وقبله : «لیس» ومعمولاها ولکن بعده اسم أجنبی. فیعطف الأجنبی علی اسمها ، ویرفع مثله. ویعطف الوصف علی خبرها ، وینصب مثله ، تقول لیس محمود حاضرا ، ولا غائبا (2) حامد ، فکلمة : «حامد» معطوفة علی الاسم : «محمود» مرفوعة مثله. وکلمة «غائبا» معطوفة علی الخبر «حاضر» منصوبة مثله.

فإن کان خبر «لیس» مجرورا بالباء الزائدة جاز أیضا جر الوصف ؛ تقول : لیس محمود بحاضر ، ولا غائب حامد ؛ بجر کلمة : «غائب» لأنها معطوفة علی الخبر المجرور لفظه بالیاء الزائدة ؛ ویجوز فی الحالتین السالفتین رفع الأجنبی علی أنه مبتدأ ، خبره الوصف المتقدم ؛ فیتطابقان. وتکون الجملة الثانیة معطوفة علی الأولی ثالثا : أن یکون المعطوف وصفا قبله «ما» ومعمولاها ؛ وبعده اسم أجنبی ؛ فیجب رفع الوصف الواقع بعد خبرها ؛ سواء أکان خبرها منصوبا ، أم مجرورا بالباء الزائدة ؛ نحو : ما محمود حاضرا ولا غائب حامد (3). أو : ما محمود بحاضر ولا غائب حامد.

ص: 555


1- ویتعین العطف فی هذه الصورة ، وأن یکون عطف جملة علی جملة.
2- فی هذا المثال معطوفان ، ومعطوفان علیهما ؛ وحرف عطف واحد ، هو : الواو ، وهذا عطف جملة علی جملة - أی : لیس محمود حاضرا ولیس حامد غائبا. أو : عطف مفردین بالواو علی نظیرین لهما سابقین ، فتکون کلمة : «غائبا» معطوفة بالواو علی کلمة : «حاضرا» وکذلک کلمة : «حامد» معطوفة بالواو أیضا علی کلمة ، «محمود» ، ومن اختصاص الواو أن تعطف معطوفین بالصورة السابقة. لکن من أی أنواع العطف هذا؟ أعطف مفرد علی مفرد أم جملة علی جملة؟ قولان ، سنوضح أمرهما والصواب منهما فی باب العطف - ح 3 - ولکن المناسب هنا أن العطف عطف جملة علی جملة ...
3- السبب الحقیقی هو أن أسالیب العرب الفصحاء جرت علی هذا. لکن النحاة یذکرون السبب أن خبر : «ما» لا یتقدم علی اسمها ؛ فکذلک خبر ما عطف علی اسمها ، لأن کلمة : «حامد» معطوفة علی : «محمود» التی هی اسم «ما» فکأن کلمة : «حامد» اسم : «ما» بسبب أنها معطوفة علی الاسم ، وکلمة «غائب»» معطوفة علی کلمة : «حاضر» التی هی خبر «ما» ؛ فإنها خبر بسبب ذلک العطف. وقد تقدم ما هو بمنزلة الخبر علی الاسم فلا تعمل فیه : «ما» ؛ لفقد الترتیب. فالأحسن فی إعراب الوصف فی هذه الحالة أن یکون خبرا مقدما والمرفوع بعده مبتدأ ، والجملة معطوفة علی الجملة التی قبلها ، فهی عطف جمل.

المسألة 50: أفعال المقاربة ، وأفعال الشروع ، وأفعال الرجاء

اشارة

أفعال المقاربة - معناها :

فی جملة مثل : «الماء یغلی» ، یفهم السامع بسبب وجود الفعل المضارع : أن الماء فی حالة غلیان الآن (1) ، أو : أنه سیکون کذلک فی المستقبل (2). فإذا قلنا : «کاد الماء یغلی» - اختلف المعنی تماما ؛ إذ نفهم أمرین ، أن الماء اقترب من الغلیان اقترابا کبیرا ، وأنه لم یغل بالفعل ، أی : أنه فی حالة إن استمرت زمنا قلیلا فسیغلی. والسبب فی اختلاف المعنی الثانی عن الأول هو وجود الفعل : «کاد» فی الجملة الثانیة ، وأنه ماض (3).

وکذلک الشأن : فی : «القطار یتأخر» إذ نفهم من الجملة أن القطار یباشر التأخر الآن ، أو فی المستقبل. فإذا قلنا : «کاد القطار یتأخر ...» تغیّر المعنی ، وفهمنا أمرین ؛ أنه اقترب من التأخر جدّا ، وأنه - بالرغم من ذلک - لم یتأخر فی الواقع. أی : أنه فی حالة ، إن طال زمنها قلیلا یقع فی التأخر. والسبب فی اختلاف المعنی الثانی عن الأول وجود الفعل الماضی : «کاد».

ومثل ما سبق : «الکأس تتدفق ماء» فالمعنی : أن الماء یفیض منها الآن. أو مستقبلا. فإذا قلنا : «کادت الکأس تفیض ماء» تغیر المعنی ، وانحصر فی أنها اقتربت کثیرا من التدفق ، وأنها لم تتدفق بالفعل ، وهذا التغیر بسبب وجود الفعل الماضی : «کاد».

ص: 556


1- وقت الکلام ، وهو : الزمن الحالی.
2- الزمن بعد الکلام.
3- یلاحظ هنا أن المضارع فی خبرها ینقلب زمنه قریبا جدا من الحال - کما سبق فی ص 54 وسیجیء فی رقم 6 من هامش ص 557 - ، کما أن زمنها الماضی ینقلب ماضیا قریبا من الحال ؛ لیتوافق زمن الفعل مع زمن خبره ؛ فإذا قلت : کاد المطر ینزل ، فالمراد قرب زمن نزوله من الحال ، وأنه لم ینزل فعلا. وقد یکون الزمن فی : «کاد» وفی خبرها مقصورا علی الماضی وحده ، أو علی المستقبل ، حین تقوم القرینة القاطعة علی أن المراد المقاربة فیما مضی ، أو فیما یستقبل ، مثل : کاد القطار یتأخر أمس - یکاد المریض یغادر المستشفی غدا (راجع فی کل ما سبق ج 7 ص 115 من شرح المفصل : الأفعال المقاربة).

من الأمثلة السابقة - وأشباهها - یتبین أن الفعل : الماضی «کاد» یؤدی فی جملته معنی خاصّا ، هو الدلالة علی التقارب بین زمن وقوع الخبر والاسم (1) ، تقاربا کبیرا مجردا ؛ (أی : لا ملابسة (2) فیه ، ولا اتصال). ومن أجل ذلک سمیت «کاد» (3) فعل : «مقاربة». ولها إخوة تشارکها فی تأدیة هذا المعنی. ومن أشهر أخواتها - کرب - أوشک (4) - مثل : کرب اللیل ینقضی - أوشک الصبح یقبل ، بمعنی : «کاد» فیهما. وکلها بمعنی : «قرب».

عملها :

أفعال المقاربة أفعال ناقصة (أی : ناسخة) ترفع المبتدأ اسما لها ، وتنصب الخبر ، فلا ترفع فاعلا ، ولا تنصب مفعولا ما دامت ناسخة (5) ، فهی من أخوات «کان». غیر أن الخبر فی أفعال المقاربة لا بد أن یشتمل علی :

1- فعل مضارع (6) ، ومرفوعه (من فاعل ، أو نائبه ...) ضمیر فی الغالب.

2- وأن یکون هذا المضارع مسبوقا بأن المصدریة (7) مع الفعل :

ص: 557


1- هما هنا : اسمها وخبرها ، وسنعرفهما. فهذه الأفعال جاءت لتفید قرب زمن وقوع الخبر من الاسم قربا کبیرا - وقد یقع الخبر أو لا یقع ، بل قد یستحیل وقوعه ، نحو قوله تعالی : (یَکادُ زَیْتُها یُضِیءُ ...)
2- أی : أن کلا منهما یظل منفصلا عن الآخر ؛ لا یخالطه ، ولا یصل به فعلا ، ولا یندمج فیه مباشرة.
3- التی مضارعها : «یکاد» ، لا التی مضارعها : یکید ؛ بمعنی یمکر ویسیء.
4- ومنها : «ألمّ» وقد ورد فی الأثر : لو لا أنه شیء قضاه الله لألم أن یذهب بصبره. ومنها : «أولی» ... ولا داعی لاستعمال الغریب من أفعال هذا الباب من غیر حاجة.
5- مع ملاحظة أنها لا تدخل علی الأشیاء التی لا تدخل علیها النواسخ ، وقد سبق بیانها فی رقم 1 من هامش ص 495.
6- یکون زمن هذا المضارع ماضیا قریبا من الحال عند استعمال «کاد» أو إحدی أخواتها بلفظ الماضی - کما سبق فی رقم 3 من هامش ص 556 - ؛ فهو مضارع فی اللفظ وفی الإعراب ، ماض قریب من الحال فی الزمن ، مثلها ؛ لأن المضارع الواقع مع مرفوعه فی خبر کاد الماضیة أو إحدی أخواتها یکون زمنه مثلها ، - کما سبق - بالرغم من إعرابه فعلا مضارعا.
7- نترک للنحاة اختلافهم فی نوع «أن» الداخلة فی أخبار هذا الباب کله (کأخبار أفعال الرجاء والمقاربة ...) فأکثرهم یمیل إلی أنها حرف نصب غیر مصدری ، وأن فائدته تخلیص المضارع للزمن المستقبل ، دون زمن آخر. فهم یرفضون أن تکون مصدریة ؛ بحجة أنها لو کانت - - مصدریة لوجب أن تسبک مع الجملة المضارعیة بعدها بمصدر مؤول یکون خبرا للناسخ ، فیترتب علی ذلک الإخبار بالمعنی عن الجثة ، وهو ممنوع. ففی مثل : عسی محمود أن یجود ، یقع المصدر المؤول من أن والمضارع وفاعله خبر «عسی» فی محل نصب ؛ فیکون التقدیر : عسی محمود جوده. فیقع «جود» - وهو أمر معنوی - خبرا عن «عسی» ، وهو فی الحق خبر عن محمود ؛ لأن اسم عسی وخبرها أصلهما المبتدأ والخبر ، ولا یجوز أن یکون المبتدأ جثة وخبره امرا معنویا ، ولا یبیح ذلک ناسخ قبلهما. وقال فریق آخر : لا مانع من اعتبار «أن» الداخلة فی أخبار هذا الباب هی الناصبة المصدریة ، والمصدر المنسبک منها ومن المضارع مع فاعله - هو خبر الناسخ ؛ إما علی سبیل المبالغة ، وإما علی تقدیر مضاف قبله ، أو قبل اسم الناسخ ، فیکون التقدیر فی المثال السابق : عسی محمود صاحب جوده ، أو عسی حال محمود جوده ... هذا کلام السابقین. وخیر منه أن تکون «أن» مصدریة ناصبة ویغتفر فی هذا الباب کله الإخبار بالمعنی عن الجثة فنستریح من تکلف التأویلات البصریة السالفة ، کما نستریح من تکلف التأویلات الکوفیة التی تجعل المصدر المؤول بدل اشتمال من الاسم المرفوع السابق ، ویجعلون : «عسی» فعلا تاما معناه : «التوقّع». ففی مثل : عسی علی أن یحضر ... یکون التقدیر : عسی علی حضوره ، أی : یتوقع علی حضوره ویکون الغرض من «البدل» هو التفصیل بعد الإبهام الداعی للتشویق.

«أوشک» وغیر مسبوق بها مع الفعل : «کاد» أو : «کرب» ، نحو : أوشک المطر أن ینقطع ، وکاد الجو یعتدل ، وکرب الهواء یطیب. ویجوز - قلیلا - العکس ، فیتجرد خبر : «أوشک» ، من «أن» ویقترن بها خبر «کاد» و «کرب» ، ولکن الأول هو الشائع فی الأسالیب العالیة التی یحسن الاقتصار علی محاکاتها. ومن النادر أن یکون الخبر غیر جملة مضارعیة. ولا یصح محاکاة هذا النادر ، بل یجب الوقوف فیه عند المسموع (1).

وعمل أفعال المقاربة لیس مقصورا علی الماضی منها : بل ینطبق علیه وعلی المشتقات الأخری ، وهی محدودة ؛ أشهرها ثلاثة ؛ مضارع للفعل : «کاد» ، ومضارع للفعل : «أوشک» ، واسم فاعل له ، نحو : یکاد العلم یکشف أسرار الکواکب - یوشک القمر أن یتکشف للعلماء - أنت موشک أن تنته إلی خیر.

والأکثر أن تستعمل «کاد» و «کرب» ناسختین (2). أما «أوشک» فیجوز

ص: 558


1- ومنه قول الشاعر : فأبت إلی فهم وما کدت آیبا وکم مثلها فارقتها وهی تصفر (أبت) رجعت (فهم) : اسم قبیلة. (تصفر) ، أی : تخلو من کل شیء فیها ... والنادر المسموع هو مجیئه مفردا. أما الجملة الماضویة ، أو الاسمیة ، أو شبه الجملة - فلم یسمع عن العرب.
2- عند وقوعهما تامتین لا یصح إسنادهما إلی «أن» والمضارع ؛ أی لا یکون فاعلهما أو مرفوعهما مصدرا مؤولا فی الفصیح.

أن تقع تامة ؛ بشرط أن تسند إلی «أن» والفعل المضارع الذی فاعله (أو مرفوعه) ضمیر مستتر : نحو : القویّ أوشک أن یتعب ؛ فالمصدر المؤول من «أن» والفعل المضارع وفاعله فی محل رفع فاعل «أوشک» التامة (1). ومثله قول الشاعر :

إذا المجد الرفیع تواکلته (2)

بناة السّوء أوشک أن یضیعا (3)

وهی فی حالة تمامها تلزم صورة واحدة لا تتغیر ، مهما تغیر الاسم السابق علیها فلا یتصل بآخرها ضمیر رفع مستتر أو بارز : تقول : القویان أوشک أن یتعبا. الأقویاء أوشک أن یتعبوا. القویة أوشک أن تتعب. القویتان أوشک أن تتعبا. القویات أوشک أن یتعین ... بخلاف ما لو کانت ناقصة ؛ فیجب أن یتصل بآخرها ضمیر رفع یطابق الاسم السابق فی التذکیر ، والتأنیث ، وفی الإفراد ، وفروعه : فتقول فی الأمثلة السابقة : (أوشک) - (أوشکا) - (أوشکوا) - (أوشکت) - (أوشکتا) - (أوشکن) فإن وقع بعد المضارع اسم مرفوع ظاهر نحو : أوشک أن یفوز القویّ - جاز فی أوشک أن تکون تامة ، وأن تکون ناقصة (4).

* * *

ص: 559


1- ویجوز - فی هذا المثال - أن تکون ناقصة ، اسمها ضمیر یعود علی «القوی» وخبرها المصدر المؤول بعدها.
2- اتکل بعضهم علی بعض فی إقامته وحراسته ، أو : أهملوه.
3- الألف زائدة فی آخر المضارع ، للشعر.
4- فعلی اعتبارها تامة تکون کلمة : «القوی» فاعلا للمضارع ، والمصدر المؤول فاعلا «لأوشک» وعلی اعتبارها ناقصة ، یکون الاسم الظاهر المرفوع : «القوی» ، اسمها ، والمصدر المؤول خبرها. ویجوز إعرابات أخری. وستجیء لهذا إشارة عند الکلام علی أفعال الرجاء ، ص 563.

زیادة وتفصیل

(ا) «کاد» کغیرها من الأفعال فی أن معناها ومعنی خبرها منفی إذا سبقها نفی ، ومثبت إذا لم یسبقها نفی ، خلافا لبعض النحاة ؛ فمثل : «کاد الصبی یقع» معناه : قارب الصبی الوقوع. فمقاربة الوقوع ثابتة. ولکن الوقوع نفسه لم یتحقق. وإذا قلنا : ما کاد الصبی یقع. فمعناه : لم یقارب الوقوع فمقاربة الوقوع منتفیة. والوقوع نفسه منفی من باب أولی ، ومثل هذا یقال فی بیت المعرّی :

إذا انصرفت نفسی عن الشیء لم تکد

إلیه بوجه - آخر الدهر - تقبل (1)

(ب) تعد أفعال المقاربة من أخوات «کان» الناسخة کما عرفنا. ولکن أفعال المقاربة تخالفها فیما یأتی :

1 - خبرها لا بد أن یکون مصدرا مؤولا من جملة مضارعیة - فی الأصح - مسبوقة بأن أو غیر مسبوقة ، علی التفصیل السابق ، وفاعل المضارع لا بد

أن یکون - فی الأرجح - ضمیرا یعود علی اسمها : وقد ورد رفعه السببیّ (2) فی حالات قلیلة ، لا یحسن القیاس علیها ، مثل : کاد الطلل تکلمنی أحجاره.

2 - خبرها لا یجوز أن یتقدم علیها.

3 - إذا کان الخبر مقترنا «بأن» لم یجز - فی الأشهر (3) - أن یتوسط بینها

ص: 560


1- وقد قالوا فی بیت ذی الرمة : إذا غیّر النأی المحبین لم یکد رسیس الهوی من حبّ میّة یبرح إنه صحیح بلیغ. لأن معناه : إذا تغیر حب کل محب لم یقترب حبی من التغیر ، وإذا لم یقاربه فهو بعید منه ، فهذا أبلغ من أن یقول : «لم ییرح» ، لأنه قد یکون غیر بارح مع أنه قریب من البراح ، بخلاف المخبر عنه بنفی مقاربة البراح. (رسیس الهوی : أوله وشدته). وکذا قوله تعالی : (إِذا أَخْرَجَ یَدَهُ لَمْ یَکَدْ یَراها :) هو أبلغ فی نفی الرؤیة من أن یقال لم یرها. لأن من لم یر ، قد یقارب الرؤیة. بخلاف من لم یقارب ... (راجع الأشمونی والصبان).
2- أی : الاسم الظاهر ، المضاف لضمیر اسمها.
3- فی هذا الرأی المنسوب للشلوبین ومن معه - تضییق ، بالرغم من أنه الأفصح. وهناک رأی للمبرد ، والفارسی ، والسیرافی ، ومن معهم - یبیح التوسط. وفی هذا الرأی تیسیر ، وإزالة للتفرقة بین الخبر المقرون ، وغیر المقرون بها ، ولکنه غیر الأفصح ، وسیجیء الإشارة لهذا فی رقم 1 من هامش ص 563.

وبین اسمها ، أما غیر المقترن فیجوز کما فی خبر کان.

4 - یجوز حذف الخبر إن علم ، نحو : من تأنی أصاب أو کاد ، ومن عجل أخطأ أو کاد ، وهو کثیر فی خبر «کاد» قلیل فی خبر «کان» ومع قلته جائز بالتفصیل الذی سبق فی موضعه (1) ...

5 - لا یقع فعل من أفعال المقاربة زائدا.

(ح) یری بعض النحاة أن «أوشک» لیست من أفعال المقاربة ، وإنما هی من أفعال الرجاء التی سیجیء الکلام علیها فی هذا الباب (2). مستشهدا ببعض أمثلة مأثورة تؤیده. ولا داعی للأخذ برأیه الیوم ، بعد أن شاع اتباع الرأی الآخر الذی یخالفه ، وتؤیده أیضا شواهد فصیحة قدیمة ، تسایرها أسالیبنا الحدیثة. وإنما ذکرنا الرأی الأول لیستعین به المتخصصون علی فهم النصوص القدیمة.

ص: 561


1- ص 526.
2- ص 563.

أفعال الشروع

- معناها

ما معنی کلمة : «شرع» و «أخذ» فی مثل : شرع المغنّی یجرّب صوته ، ویصلح عوده ، وأخذ یوائم بین رنات هذا ، ونغمات ذاک؟

معنی : «شرع» أنه ابتدأ فعلا فی التجربة ودخل فیها ، وباشرها ، وکذلک معنی کلمة «أخذ» فهی تفید أنه ابتدأ فعلا فی المواءمة والتوفیق بین الاثنین. وکذلک فی مثل : أعدّ الطعام : فشرع المدعوون یتوجهون إلی غرفته ، وأخذ کل منهم یجلس فی المکان المهیأ له ... أی : ابتدءوا فی الذهاب إلی الغرفة ، وباشروا الانتقال إلیها فعلا ، کما ابتدءوا فی الجلوس ومارسوه. ومرجع هذا الفهم إلی الفعل : «شرع» ، «وأخذ» ، فکلاهما یدل علی ما سبق ، ولهذا یسمیه النحاة : «فعل شروع» یریدون : أنه الفعل الذی یدل علی أول الدخول فی الشیء (1) ، وبدء التلبس به ، وبمباشرته.

وأشهر أفعال الشروع : شرع - أنشأ - طفق - أخذ - علق - هبّ - قام - هلهل - جعل (2) ...

عملها

هذه الأفعال جامدة لأنها مقصورة علی الماضی (3) ، إلا «طفق» (4) و «جعل» فلهما مضارعان. وعملها الدائم هو رفع المبتدأ ونصب الخبر بشرط أن یکون المبتدا مما یدخل علیه النواسخ (5) ، فلا ترفع فاعلا ولا تنصب مفعولا ما دامت ناسخة ؛ فهی من أخوات «کان» الناقصة. ولا تکون تامة حین إفادتها معنی : «الشروع» - کما أوضحناه - إلا أنّ خبر أفعال الشروع لا بد أن یکون :

ص: 562


1- أی : دخول الاسم فی الخبر.
2- هذا الفعل قد یکون بمعنی الظن ، أو : التحویل ، فینصب مفعولین. وقد یکون بمعنی : خلق ، وأوجد ؛ فینصب مفعولا به واحدا ؛ کما سیجیء فی ج 2 م 60 باب ظن وأخواتها.
3- لما کانت هذه الأفعال الماضیة دالة علی الشروع ، کانت ماضیة فی الظاهر فقط ، ولکن زمنها للحال ، وزمن المضارع الواقع فی خبرها مقصور علی الحال أیضا ؛ لیتوافقا فیتلاءم معناهما. ویقول النحاة : إن هذا هو السبب فی عدم اقتران خبرها «بأن» المصدریة ؛ إذ «أن» المصدریة تخلص زمن المضارع للاستقبال ، وأفعال الشروع تدل علی الزمن الحالی : فیقع التعارض بین زمنیهما.
4- من باب ضرب وعلم وفرح.
5- سبق - فی رقم 3 من هامش ص 495 ما لا تدخل علیه.

1- جملة مضارعیة فاعلها (أو : مرفوعها) ضمیر.

2- المصارع فیها غیر مسبوق «بأن» المصدریة ، کالأمثلة السابقة.

3- لا یجوز فی هذه الأفعال تقدم الخبر علیها ، کما لا یجوز توسطه بینها وبین الاسم (1).

4- ویجوز حذف خبرها إن دل علیه دلیل.

* * *

أفعال الرجاء

(2)

- معناها :

یتضح معناها من مثل : اشتد الغلاء ؛ فعسی الله أن یخفف حدّته - زاد شوق الغریب إلی أهله ، فعسی الأیام أن تقرب بینهم - تطلّع الرحالة إلی کشف المجاهل ؛ فعسی الحکومة أن تهیئ له الوسائل ...

ففی المثال الأول : رجاء وأمل فی الله أن یخفف شدة الغلاء. وفی الثانی : رجاء وأمل أن تقرب الأیام بین الغریب وأهله. وفی الثالث کذلک : أن تعدّ الحکومة للرحالة الوسائل ... ففی کل مثال رجاء وأمل فی تحقیق شیء مطلوب یفهم من الفعل المضارع مع مرفوعه ، والکلمة التی تدل علی الرجاء والأمل هی : «عسی». ولهذا تعد من أفعال الرجاء التی یدل کل فعل منها علی : «ترقب الخبر ، والأمل فی تحققه ووقوعه». (والخبر المرتقب هنا هو : ما یتضمنه المضارع مع مرفوعه ، کما سبق). ومن أشهرها : عسی - حری - اخلولق.

عملها :

هی أفعال ماضیة فی لفظها (3) ، جامدة (4) ، الصیغة والأغلب أنها ترفع الاسم وتنصب الخبر - إن کانا صالحین لدخول النواسخ - فهی من الأفعال الناقصة

ص: 563


1- هذا رأی الشلوبین ومن معه ، وفیه تضییق. والأنسب الأخذ بالرأی الآخر الذی یبیح التوسط ، وهو منسوب للمبرد ، والسیرافی والفارسی - کما سبق فی رقم 3 من هامش ص 560 -.
2- الرجاء أو الأمل ، معناه : الطمع فی إدراک شیء محبوب ، مرغوب فیه ، وانتظار وقوعه ، وهو الرجاء المتوقع. وقد یدل بعض الأفعال علی الإشفاق ، وهو : الخوف من أمر مکروه ، ومنه ، (وعسی أن تکرهوا شیئا وهو خیر لکم) - کما سیجیء ، فی ص 568 - وإذا وقعت عسی ولعل فی کلام الله کان لها معنی آخر هو المذکور فی رقم 1 هامش ص 575.
3- هی ماضیة فی اللفظ ولکن زمنها هنا مستقبل ، إذ لا یتحقق معناها إلا فی المستقبل ولذلک کان زمن المضارع الواقع فی خبرها مستقبلا فقط ، لیتوافقا.
4- فی آخر الزیادة والتفصیل - ص 569 - بیان عن : «حری».

(أی : الناسخة) أخوات «کان». وخبرها - فی الأفصح - مضارع مسبوق : بأن (1) ، وفاعله ضمیر ، لکن یجوز فی خبر «عسی» أن یکون مضارعه غیر مسبوق بأن ، نحو : عسی الأمن یدوم. کما یجوز أن یکون فاعل هذا المضارع سببیّا ، أی : اسما ظاهرا مضافا لضمیر اسمها ؛ نحو : عسی الوطن یدوم عزّه.

المکتوب بالأخر هو :

حکمها (2) :

یجب تقدیم هذه الأفعال علی معمولیها. کما یجب - فی رأی دون (3) آخر - تأخیر الخبر المقرون بأن عن الأسم. ویجوز حذف الخبر لدلیل وقد تقدم أن والأغلب فی استعمال هذه الأفعال أن تکون ناقصة. لکن یجوز فی «عسی» «واخلولق» أن تکونا تامتین ، بشرط إسنادهما إلی «أن» والمضارع الذی مرفوعه ضمیر یعود علی اسم سابق. دون إسنادهما إلی ضمیر مستتر أو بارز ؛ فلا بد لتمامهما أن یکون فاعلهما مصدرا مؤولا من «أن» وما دخلت علیه من جملة مضارعیة ، ولا یصح أن یکون ضمیرا ، نحو : الرجل عسی أن یکون. ونحو : الزرع اخلولق أن یتفتح ، فالمصدر المؤول فی المثالین فاعل (4) وفی هذه الحالة لا یکون فی «عسی» و «اخلولق» ضمیر مستتر. (وهذا التمام خاص بهما وبأوشک من أفعال المقاربة ، کما سبق). وفی حالة التمام تلزم «عسی» وأختها حالة واحدة لا تتغیر مهما تغیر الاسم السابق - لأن فاعلهما مذکور بعدهما - ... نقول : الرجل عسی أن یقوم - الرجلان عسی أن یقوما - الرجال عسی أن یقوموا ... وهکذا.

أما عند النقص فی : «عسی» و «اخلولق» ، فلا بد أن یتصل بآخرهما ضمیر مطابق للاسم السابق فتکونا ناقصتین. فإن لم یتصل بهما ضمیر ، وأسندتا إلی : «أن» والمضارع الذی فاعله ضمیر ، فهما تامتان ، - کما سلف -

ص: 564


1- صرح الصبان فی آخر باب التعجب - ج 3 - بأنه لا یصح إحلال «أن» (مفتوحة الهمزة ، مشددة النون) محل «أن» ساکنه النون فی خبر «عسی». مع أن کلا منهما حرف مصدری. والظاهر أن الأمر یسری علی «عسی» وأخواتها.
2- انظر رقم 1 من هامش الصفحة الآتیة ، و «ب» من ص 568.
3- انظر رقم 1 من هامش الصفحة الآتیة ، و «ب» من ص 568.
4- ویری بعض النحاة فی الثلاثة أن المصدر المؤول سد مسد المعمولین ، فهی عنده - دائما - أفعال ناقصة.

والمصدر المؤول فاعلهما. ففی حالة النقص نقول : الرجل عسی أن یقوم - الرجلان عسیا أن یقوما - الرجال عسوا أن یقوموا. البنت عست أن تقوم. البنتان عستا أن تقوما - النساء عسین أن یقمن ... و...

فإن کان فاعل المضارع (أو مرفوعه) اسما ظاهرا جاز فی کل منهما أن تکون تامة ، وأن تکون ناقصة ؛ فعند التمام یکون المصدر المؤول من «أن» والمضارع مع مرفوعه الظاهر - فاعلا للناسخ ، وعند النقص لا یکون الاسم الظاهر المتأخر مرفوعا للمضارع ، بل یصیر هو اسم الناسخ ویکون الخبر هو : المصدر المؤول من «أن» والمضارع مع مرفوعه (1) الفاعل أو ما یغنی عن الفاعل.

ص: 565


1- وهذا الإعراب مبنی علی رأی المبرد ، والسیرافی ، والفارسی ، وغیرهم من القائلین بجواز توسط الخبر بین فعل الرجاء واسمه. وفی الأخذ به توسعة وتیسیر ، دون رأی الشلوبین وغیره ممن یمنعون التقدیم وإن کان المنع هو الأفصح. وهناک إعرابات أخری فی الحالتین سیجیء بعضها فی الزیادة ، وفیما سبق یقول ابن مالک : ککان «کاد» و «عسی» لکن ندر غیر مضارع لهذین خبر وکونه بدون «أن» بعد «عسی» نزر ، و «کاد» الأمر فیه عکسا أی : أن «کاد» و «عسی» مثل : کان فی العمل ، کلاهما یرفع الاسم وینصب الخبر ، لأنهما من الأفعال الناقصة. ومن النزر ، (أی : من القلیل جدا) أن یکون خبرهما غیر جملة مضارعیة. ثم بین أن الجملة المضارعیة الواقعة خبرا عن «عسی» - لا تخلو من «أن» المصدریة - فیکون المصدر المؤول هو الخبر - والعکس فی الجملة المضارعیة الواقعة خبرا عن کاد. فالأکثر عدم اقترانها «بأن» ، ثم قال : وکعسی «حری». ولکن جعلا خبرها حتما بأن متّصلا وألزموا اخلولق : «أن» مثل : حری وبعد : «أوشک» انتفا : «أن» نزرا یرید : أن «حری» کعسی ، کلاهما من أفعال الرجاء معنی وعملا. غیر أن «حری» لا یخلو خبرها من «أن» المصدریة ، فمن المحتم أن یتصل بها. وکذلک «اخلولق» ؛ فقد «أوجبوا» اتصالها «بأن» مثل ؛ «حری». أما «أوشک» فیلزمها «أن» وقد تحذف نادرا ، ولا یقاس علی هذا النادر ، کما لا یقاس علی النزر فی کل ما سبق (هذا ، والألف فی آخر الفعل : «جعل» - زائدة). ثم قال : ومثل «کاد» فی الأصح «کربا» وترک «أن» مع ذی «الشروع» وجبا کأنشأ السائق یحدو ، وطفق کذا : «جعلت» ، و «أخذت» و «علق» یرید : أن «کرب» مثل : «کاد» فی معناها ، وهو : المقاربة ، وفی عملها ، وفی عدم اتصال خبرها «بأن» فی الأغلب. ثم عرض لترک «أن» مع ذی الشروع ؛ أی : مع الفعل صاحب الشروع ؛ - - فأوجب الحذف ، وعد من أفعال الشروع ، أنشأ ، وطفق : وجعل ، وأخذ ، وعلق ، ومثل للأول بقوله : أنشأ السائق یحدو ؛ أی : یغنی. ثم قال : واستعملوا مضارعا «لأوشکا» و «کاد» لا غیر ، وزادوا «موشکا» أی : أفعال هذا الباب کلها جامدة ، لیس لها مشتقات ، إلا «کاد» فلها مضارع وإلا «أوشک» فلها مضارع أیضا. وقد ورد لها اسم فاعل قلیلا حیث سمع : موشک ، ولا مانع من استعماله.

وکل هذا یصح فی : «اخلولق» أیضا (1).

ص: 566


1- وهذا هو ما قصد إلیه ابن مالک بقوله : بعد عسی ، اخلولق ، أوشک ، قد یرد غنی ب «أن یفعل» عن ثان فقد یرید «بأن یفعل» کل جملة مضارعیة مسبوعة بأن المصدریة ؛ فهو لا یرید «أن یفعل» ذاتها ، وإنما یرید ما هو علی صیاغتها ونمطها ، فتستغنی بها تلک الأفعال الثلاثة عن الثانی اللازم لها ؛ وهو الخبر. فالمراد أنها تستغنی بالمصدر المؤول عن الخبر ، فلا تحتاج إلیه ؛ فهی تکتفی بمرفوعها ، وتکون تامة لا ناقصة.

زیادة وتفصیل

إذا وقعت «عسی» ومثلها : «اخلولق» و «أوشک» بعد اسم ظاهر مرفوع (1) ولیس بعدها فی الجملة اسم ظاهر ولا ضمیر بارز ؛ مثل : الصدیق عسی أن یحضر.

جاز أمران :

ا - أن تخلو «عسی» من ضمیر مستتر فیها أو بارز ، فتکون تامة. فاعلها هو المصدر المؤول بعدها من «أن» والمضارع مع مرفوعه المستتر ، والجملة من «عسی» ومرفوعها فی محل رفع خبر المبتدأ الذی قبلها وهو : (الصدیق). ونحو : المحمدان عسی أن یتقدما. المحمدون عسی أن یتقدموا. البنات عسی أن یتقدمن.

ب - وجاز أن تکون ناقصة ، فتشتمل علی ضمیر مستتر أو بارز هو اسمها یعود علی المبتدأ السابق علیها ویطابقه فی التذکیر والتأنیث ، وفی الإفراد وفروعه ، وخبرها هو المصدر المؤول من «أن» والمضارع مع مرفوعه المستتر أو البارز. والجملة منها ومن اسمها وخبرها فی محل رفع خبر المبتدأ الذی قبلها (2) ؛ مثل : محمد عسی أن یحضر - المحمدان عسیا أن یحضرا - المحمدون عسوا أن یحضروا - النساء عسین أن یحضرن ... - کما تقدم -.

أما إذا تأخر ذلک الاسم المرفوع بحیث یقع بعد المضارع المسبوق بأن المصدریة کما فی المثال : عسی أن یحضر الوالد - فیجوز أربعة أوجه (3).

الأول - أن یکون الاسم المتأخر مبتدأ (وهو مع تأخره فی اللفظ متقدم فی الرتبة). «عسی» فعل ماض تام ، وفاعله هو المصدر المؤول من «أن» ومن المضارع مع مرفوعه المستتر ، والجملة من «عسی» وفاعلها فی محل رفع خبر المبتدأ المتأخر.

الثانی : أن یکون الاسم المتأخر مبتدأ مع تأخره. «عسی» فعل ماض ناقص ، اسمها ضمیر مستتر تقدیره : «هو» یعود علی المبتدأ ، المتأخر فی اللفظ ، المتقدم فی الرتبة ، ویطابقه ؛ وخبرها هو المصدر المؤول من «أن» والمضارع

ص: 567


1- بأن کانت مسندة إلیه مع مرفوعها.
2- وإلی هذه الحالة ویشیر ابن مالک بقوله : وجرّدن «عسی» أو ارفع مضمرا بها إذا اسم قبلها قد ذکرا
3- ومع أن هذه الأوجه جائزة من الناحیة الإعرابیة فلکل منها معنی قد یختلف عن الآخر بعض الاختلاف من الناحیة البلاغیة. والأوجه الأربعة إنما تجوز فی غیر الحالة : «ه» الآتیة فی ص 569.

مع مرفوعه المستتر. والجملة من «عسی» واسمها وخبرها فی محل رفع خبر المبتدأ المتأخر.

الثالث : أن تکون «عسی» تامة وفاعلها هو المصدر المؤول بعدها من «أن» والفعل المضارع مع مرفوعه ، ومرفوعه هو الاسم الظاهر بعده. (الوالد).

الرابع : أن تکون «عسی» ناقصة واسمها هو : الاسم الظاهر المتأخر (الوالد).

وخبرها هو المصدر المؤول من أن والفعل المضارع ومرفوعه المستتر.

وتشترک «اخلولق» و «أوشک» مع «عسی» فی کل ما سبق من الحالات (1) ...

(ب) سبق أنه (2) لا یجوز فی أفعال الرجاء أن یتقدم خبرها علیها ، کما لا یجوز (3) - فی رأی - أن یتوسط بینها وبین اسمها إن کان المضارع مقترنا «بأن». ویجوز حذف خبرها للعلم به.

والأکثر فی «عسی» أن تکون للرجاء. وقد تکون للإشفاق (أی : الخوف من وقوع أمر مکروه) مثل قوله تعالی : (وَعَسی أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئاً وَهُوَ خَیْرٌ لَکُمْ) - کما سبق فی رقم 2 من هامش ص 563 وکما یجیء فی رقم 1 من هامش ص 575.

(ح) إذا أسند الفعل : «عسی» لضمیر رفع لمتکلم أو لمخاطب جاز فتح السین وکسرها ؛ نحو : عسیت (4) أن أسلم من المرض ، وعسیت أن تفوز بالغنی ، وعسیتما ... وعسیتم ... وعسین ... والفتح أشهر (5).

(د) فی مثل : عسانی أزورک - عساک تزورنی ، عساه یزورنا من کل ترکیب وقع فیه بعد «عسی» الضمیر : «الیاء» أو «الکاف» أو «الهاء» وهی ضمائر لیست للرفع - تکون : «عسی» حرفا للرجاء (6) ، بمعنی : «لعل» وتعمل

ص: 568


1- انظر رقم 3 من هامش ص 564 ، ورقم 1 من هامش ص 565 خاصا بهذا الإعراب.
2- فی ص 564.
3- وهذا علی غیر الرأی الذی أشرنا إلیه فی رقم 1.
4- وإسناده لهذه التاء التی هی ضمیر - دلیل من الأدلة التی یعتمد علیها أصحاب الرأی القائل بأن «عسی» فعل ماض ، ولیست حرفا. أما بقیة أفعال هذا الباب فلا خلاف فی أنها فعل.
5- وفی هذا یقول ابن مالک : والفتح والکسر أجز فی السّین من نحو : عسیت ، وانتقا الفتح زکن أی : أن الفتح والکسر جائزان فی مثل : «عسیت» حین یتصل بها ضمیر رفع المتکلم ، أو المخاطب کما شرحنا ، «زکن» انتقاء الفتح (بمعنی : علم اختیاره عن العرب) ، وأنه أفضل عندهم من الکسر.
6- وفی هذه الحالة لا تقع بعدها «ما» الزائدة.

عملها ، وهذا أیسر الآراء کما سبق (1). ویجوز اعتبار «عسی» من أخوات «کان» وهذا الضمیر فی محل رفع اسمها. ولا یکون کذلک فی غیر هذا الموضع والأفضل الإعراب الأول ، والاقتصار علیه أحسن.

(ه) فی مثل : عسی أن یتلطف الطبیب مع المریض - یوجب النحاة إعراب کلمة : «الطبیب» فاعلا للفعل : «یتلطف». ولا یجیزون أن تکون مبتدأ متأخرا ، ولا اسما لعسی الناقصة ، ولا غیر ذلک (2). وحجتهم فی المنع أن إعرابها بغیر الفاعلیة للفعل : «یتلطف» یؤدی إلی وجود کلمة أجنبیة فی وسط صلة «أن» فمن الخطأ إعراب أن «مصدریة» «یتلطف» مضارع منصوب بها ، وفاعله ضمیر مستتر تقدیره : «هو» یعود علی «الطبیب» المتأخر فی اللفظ ؛ دون الرتبة ؛ وعلة الخطا أن کلمة : «الطبیب» سواء أکانت مبتدأ متأخرا ، أم اسما لعسی ، قد وقعت غریبة بین أجزاء صلة «أن» لأنها لیست من تلک الصلة ، وفصلت بین تلک الأجزاء. ولا یجوز الفصل بأجنبی فی تلک الصلة. ومثل هذا قالوا : فی إعراب کلمة : «ربّ» ، فی قوله تعالی : (عَسی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً) مع إعراب : «مقاما» ظرف.

و - من الاستعمالات الصحیحة وقوع اللفظ : «حری» اسما منونا مع ملازمته الإفراد والتذکیر فی جمیع حالاته ؛ نحو : الصانع حری أن یکرم - الصانعان حری أن یکرما - الصانعون حری أن یکرموا - الصانعة حری أن تکرم - الصانعتان حری أن تکرما - الصانعات حری أن یکرمن ... ولفظ : «حری» فی کل الاستعمالات السابقة مصدر معناه : جدیر وحقیق ؛ فهو مصدر بمعنی الوصف ، والأحسن أن یکون مصدرا لفعل تام متصرف لیس من «أفعال الرجاء» هو الفعل : حری - یحری - حری. وقد یجیء من هذا الفعل التام المتصرف وصف مشتق علی : «حریّ» (وزان : غنیّ) ، وعلی : حر (وزان : صد بمعنی : ظمآن) وهذان الوصفان هما صفتان مشبهتان ولا یلتزمان صیغة واحدة ، وإنما تلحقهما علامة التثنیة والجمع ، والتذکیر والتأنیث فیقال : المکافح حریّ أو حر أن یفوز - المکافحان حریّان ، أو حریان أن یفوزا - المکافحون حریّون أو حریون أن یفوزوا - المکافحة حریّة أو حریة ... المکافحتان حرّیتان أو حریتان ... المکافحات حریّات أو حریات ...

ص: 569


1- فی رقم 3 من هامش ص 200 وستجیء لها إشارة فی رقم 2 من هامش ص 570.
2- وهذه هی الحالة المستثناة التی أشرنا لها فی رقم 3 من هامش ص 567.

المسألة 51: الحروف الناسخة

اشارة

(1)

: «إنّ» ، وأخواتها

یراد بالحروف الناسخة هنا - سبعة أحرف (2) لا شک فی حرفیتها ، وهی :

(3)

(4)

(5)

(6)

(7)

ص: 570


1- تقدم معنی الناسخ فی أول باب : «کان» وأخواتها ص 494. وبیان ما لا یصح دخول الناسخ علیه.
2- یزاد علیها : «عسی» بشرط أن تکون للرجاء (أی : بمعنی : «لعل») وبشرط أن یکون اسمها ضمیرا ، وقد سبق تفصیل الکلام علیها فی أفعال الرجاء ص 563 و 568.
3- یجوز تخفیف النون فی الحروف الأربعة : المختومة بالنون المشددة ، (وهی : إنّ - أنّ - - کأن - لکن) ویترتب علی هذا التخفیف أحکام تنشأ عنه. وسیجیء ذکرها تفصیلا فی بحث خاص بها ، ص 610.
4- مع اعتبار الأداة کلها کلمة واحدة ، ولا التفات لما یقال عن أصلها : «الکاف ، وأن».
5- تختص «لیت» و «لعل» دون أخواتهما بأنهما لا یکونان إلا فی أسلوب إنشائی کما سبق فی رقم 3 من هامش ص 337 وکما یجیء عند الکلام علیهما فی رقم 1 و 3 من هامش 574.
6- تختص «لیت» و «لعل» دون أخواتهما بأنهما لا یکونان إلا فی أسلوب إنشائی کما سبق فی رقم 3 من هامش ص 337 وکما یجیء عند الکلام علیهما فی رقم 1 و 3 من هامش 574.
7- ص 262.

وکل واحد من هذه السبعة یدخل علی المبتدأ والخبر بأنواعهما وأحوالهما ؛ فیتناولهما بالتغییر فی اسمهما ، وفی شیء من ضبط آخرهما ؛ إذ یصیر المبتدأ منصوبا ، ویسمی : اسم الناسخ ، ویبقی الخبر مرفوعا ، ویسمی ؛ خبر الناسخ ، کالأمثلة المذکورة (1).

ولکل واحد من تلک الحروف معنی خاص یغلب فیه ؛ فالغالب فی : «إنّ» و «أنّ» : التوکید (2) ، وفی : «لکنّ» الاستدراک (3) ولا بد أن

ص: 571


1- تختلف هذه النواسخ عن «کان : وأخواتها» فی أمور ثلاثة : أولها : أن هذه النواسخ حروف : أما «کان» وأخواتها فمنها الأفعال ، مثل : کان ، وأصبح ، وأضحی ... ومنها الحروف مثل : ما - لا - لات ، إن ... ومنها الأسماء وهی المشتقات التی تعمل عمل تلک الأفعال. ثانیها : أن هذه النواسخ تنصب الاسم وترفع الخبر. أما تلک فترفع الاسم ، وتنصب الخبر. ثالثها : أن هذه الحروف لازمة التصدیر ؛ (أی : لا بد أن تکون فی صدر جملتها) إلا «أنّ» (المفتوحة الهمزة المشددة النون) ؛ فیجوز أن یسبقها شیء من جملتها ؛ - کما سیجیء - فی ص 576 وفی «ب» من ص 583 ، ویجب أن تکون مع معمولیها جزءا فی الإعراب من جملة أخری. أما «کان» وأخواتها فلیست لازمة التصدیر ...
2- المراد : توکید النسبة ، أی : توکید نسبة الخبر للمبتدأ ، وإزالة الشک عنها أو الإنکار ؛ فکلا الحرفین فی تحقیق هذا الغرض بمنزلة تکرار الجملة ، ویفید ما یفیده التکرار ؛ ففی مثل : إن المال عماد العمران ؛ تغنی کلمة «إن» عن تکرار جملة : «المال عماد العمران» ، ومن الخطأ البلاغی استخدامها إلا حیث بکون الخبر موضع الشک أو الإنکار. والتأکید بهما یدل علی أن خبرهما محقق عند المتکلم ، ولیس موضع شک. ولا یستعملان إلا فی تأکید الإثبات. (انظر ما یقتضیه معنی التوکید فی «أن» - ص 583 «ا») وقد تکون «أن» - مفتوحة الهمزة - للترجی مثل ... «لعل» فی معناها وسیجیء الکلام علی حکمها فی رقم 3 من هامش فی ص 576. وقد تکون «إن» - مکسورة الهمزة - بمعنی : «نعمء» ، فتعتبر حرف جواب محض لا یعمل شیئا ، کقول الشاعر : قالوا : کبرت. فقلت : «إنّ» ، وربما ذکر الکبیر شبابه فتطرّبا أی : فحزن - وقول الآخر : ویقلن شیب قد علا ک ، وقد کبرت. فقلت : إنّه الهاء لسکت. ویجوز أن یقع المصدر المنسبک من «أن» (المفتوحة الهمزة المشددة النون) ومعمولیها اسما لهذه الأحرف الناسخة ، بشرط أن یتأخر ؛ ویتقدم علیه الخبر شبه الجملة ؛ نحو : إن عندی أنک مخلص ، وکأن فی نفسی أنک تشعر بهذا ، ولعل فی خاطرک أنک أحب الأصدقاء إلی ... ، وهکذا. فالمصدر المؤول هو اسم للحرف الناسخ (کما سیجیء فی «ب» من ص 583). بقی السؤال عن معنی : «مما» وإعرابها فی قول الشاعر : وإنّا لممّا نضرب الکبش ضربة علی رأسه تلقی اللّسان من الفم والإجابة عن هذا موضحة مفصلة فی ص 501 وهامشها.
3- هو إبعاد معنی فرعی یخطر علی البال عند فهم المعنی الأصلی لکلام مسموع أو مکتوب ، - - ومثال ذلک قولنا : «هذا غنی» فیخطر بالبال أنه محسن بسبب غناه ، فإن کان غیر محسن أسرعنا إلی إزالة الخاطر بمجیء ما یدل علی ذلک ، مثل کلمة : «لکن» وبعدها المعمولان ، فنقول : «هذا غنی لکنه غیر محسن». ومثل : الکتاب رخیص ، فیقع فی الخاطر أنه قلیل النفع. فإن کان غیر ذلک بادرنا بمجیء کلمة : «لکن» مع معمولیها لإزالة هذا الوهم ؛ فنقول : «الکتاب رخیص ، لکنه کبیر النفع ...» وهکذا ، فلا بد أن یکون قبلها کلام یتضمن معنی أصلیا یوحی بمعنی فرعی ناشیء منه. وهذا المعنی الفرعی هو الذی یراد إبعاده بکلمة : «لکنّ» ، ویعبر النحاة عن هذا بقولهم فی الاستدراک إنه : «تعقیب الکلام برفع ما یتوهم ثبوته ، أو إثبات ما یتوهم نفیه». وهذا یقتضی أن یکون المعنی بعدها مخالفا للمعنی الفرعی الذی یفهم مما قبلها ، ومغایرا له. وتقع بعد النفی والإثبات. فإن کان المعنی الفرعی الذی قبلها موجبا کان ما بعدها منفیا فی معناه ، وإن کان المعنی الفرعی قبلها منفیا فی معناه کان ما بعدها موجبا ، فمعناها ینبئ عن المغایرة والمخالفة بین ما بعدها وما قبلها. من غیر حاجة إلی أداة نافیة فی أحدهما ولا یصح أن تکون الجملة الاسمیة بعدها خبرا عن مبتدأ أو عن ناسخ قبلها - ولا غیر خبر أیضا - کما سنعرف. واستعمال «لکنّ» فی الاستدراک هو الأعم الأغلب. ومن الجائز استعمالها فی بعض الأحیان لمجرد تأکید المعنی ، کما کان یستعملها الفصحاء ؛ مثل : «لو اعتذر المسیء لتناسیت إساءته ؛ لکنه لم یعتذر» فهی هنا لتأکید عدم الاعتذار ، وهو مفهوم بدونها من کلمة : «لو» التی تفید نفی معنی الکلام المثبت بعدها. ومن الآیات المشتملة علی «لکن» قوله تعالی : (لکِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّی) وأوضح الآراء فیها أن تقدیر الکلام : لکن (بسکون النون) أنا هو الله ربی. فحذفت الهمزة تخفیفا ، وأدغمت النون فی النون ؛ فصارت : لکنا - (بنون مشددة بعدها ألف). و «لکن» مشددة النون - هی التی تعد من أخوات «إن» فی العمل. أما : «لکن» مخففة النون (أی : الساکنة النون) فلیست من أخوات «إن» ولا من النواسخ. بالرغم من أن معناها : «الاستدراک» أیضا. کما سیجیء فی ج 3 باب العطف.

یسبقها کلام له صلة معنویة بمعمولیها (1). وفی : «کأن» : التشبیه (2) ؛ وفی :

ص: 572


1- أی : لا بد أن تتوسط بین جملتین کاملتین ، بینهما نوع اتصال معنوی ، - لا إعرابی - بحیث تکون فی صدر الثانیة منهما ، ولا یصح فی الجملة الثانیة المصدرة بها أن تقع خبرا - أو غیره - عن شیء سابق علی «لکنّ» ، کما أشرنا - راجع رقم 3 من هامش ص 571 - أما ما ورد فی کلام السابقین المولدین من نحو : فلان وإن کثر ماله - لکنه بخیل ، أو : إلا أنه بخیل فقد سبق بیان الرأی فیه (وص 408).
2- المراد : تشبیه اسمها بخبرها فیما یشتهر به الخبر. والتشبیه بها أقوی من التشبیه بالکاف ؛ فمثل : کأن الجمل فیل فی الضخامة ، أقوی فی التشبیه من : «الجمل کالفیل فی الضخامة». ولا یلیها - فی الغالب - إلا المشبه. أما «الکاف» و «مثل» .. و... وأضرابهما فیلیها المشبه به فی الأکثر ، علی الصورة التی فصلها البیانیون فی کل ذلک. واستعمالها فی التشبیه مطرد فی سائر أحوالها عند جمهرة النحاة. ولکن فریقا یقول : إنها لا تکون للتشبیه إلا حین یکون خبرها اسما أرفع من اسمها قدرا. أو أحط منه ؛ نحو : کأن الرجل ملک. أو : کأن اللص قرد. أما إذا کان خبرها جملة فعلیة ، أو ظرفا ، أو جارا مع مجروره ، أو صفة من صفات اسمها - فإنها للظن ؛ نحو : کأن محمودا وقف ، أو واقف ، أو عندک ، أو فی الدار ... لأن محمودا هو نفس الواقف ، ونفس المستقر عندک ، أو فی الدار ... والشیء لا یشبه بنفسه. ویقول الذین یرونها للتشبیه باطراد : إنها فی الأمثلة السابقة ونظائرها - جاریة علی أداء مهمتها الأصلیة ؛ وهی : التشبیه باعتبار أن المشبه به محذوف ، فالأصل : کأن محمودا شخص وقف ، أو شخص واقف ، أو شخص عندک ، أو شخص فی البیت ... أو باعتبار المشبه به هو نفس المشبه ، ولکن فی حالة أخری له. ولا مانع عندهم من تشبیه الشخص فی حالة معینة - بنفسه فی حالة أخری تخالفها ، فیکون المراد : کأن محمودا فی حاله وهو غیر واقف شبیه بنفسه وهو واقف ... والخلاف شکلی ، ولکن هذا الرأی أنسب لأنه عام ینطبق علی کل الحالات ، ویریحنا من التشتیت والخلاف ، وتشعیب القواعد. والأخذ بهذا الرأی أو ذاک إنما یکون حیث لا توجد القرینة التی تعین المراد. فإن وجدت وجب الأخذ بها. - - ومن الأسالیب الفصیحة المسموعة قولهم : «کأنک بالفرج آت ؛ وبالشتاء مقبل». «وکأنک بالدنیا لم تکن ، وبالآخرة لم تزل» وقد تعددت الآراء فی المراد. ومنها فی الأسلوب الأول : التعبیر عن قرب مجیء الفرج ، وقرب إقبال الشتاء. وفی الثانی خطاب متجه إلی المحتضیر : کأن الدنیا لم تکن (أی : لم توجد) أو کأنک لم تکن بالدنیا ، لقصر المدة فیها فی الحالتین ، وکأنک فی الآخرة - تتوهم أنک لم تزل عن الدنیا ولم تبارحها. وقد اختلف النحاة کذلک فی إعراب تلک الأسالیب إعرابا یسایر معنی واضحا ؛ ومما ارتضوه فی الأسلوب الأول أن یکون معنی «کأن» هنا : التقریب. والکاف اسمها. وأصل الکلام. کأن زمانک آت بالفرج. ثم حذف المضاف ، وهو کلمة : «زمان». أما الخبر فهو کلمة : «آت» مرفوع بضمة مقدرة علی الیاء المحذوفة. والجار والمجرور : (بالفرج) متعلق بالخبر : (آت). وبالشتاء - الواو حرف عطف ، والجار مع مجروره متعلق بکلمة : مقبل ؛ المعطوفة علی کلمة «آت» السابقة ؛ فأصل الکلام : کأنّ زمانک آت بالفرج ، ومقبل «بالشتاء». وارتضوا فی الأسلوب الأخیر أن یکون الخبر محذوفا فیهما. وجملة : «لم تکن» ، وکذلک جملة. «لم تزل» فی محل نصب حال. والأصل : کأنک تبصر بالدنیا حالة کونک لم تکن بها (لأنک تبصرها فی لحظة مغادرتها) وکأنک تبصر بالآخرة فی حالة کونک لم تزل (أی : فی حالة لم تزل عن الدنیا ، ولم تغادرها نهائیا). وهناک إعرابات أخری کل منها یسایر معنی معینا ، فتختلف الإعرابات باختلاف المعانی التی یتضمنها کل أسلوب. (راجع حاشیة الصبان ج 1 عند الکلام علی : کأن). ولعل الإعراب الواضح الذی یسایر معنی واضحا فی المثالین الأولین هو : افتراض أصلهما : کأنک آت بالفرج ومقبل بالشتاء ، وهذا مع مسایرته المعنی یفید القرب الذی سیق الأسلوب شاهدا علیه. لأن المخاطبة دلیل القرب. ولا مانع من اعتبار : کأن للقرب أو للشعیه. فإن کانت للقرب فمعناها ظاهر ، وإن کانت للتشبیه فالمراد «کأنک شخص أو شیء آت بالفرج ، ومقبل بالشتاء. فالمشبه به محذوف. وعلی هذا أو ذاک - «الکاف» اسمها : «آت» خبرها. ب «الفرج» جار ومجرور متعلق بالخبر. و «مقبل» «الواو» - حرف عطف «مقبل» معطوف علی : «آت». وب «الشتاء» جار ومجرور متعلق بکلمة : «مقبل» وما یقولونه فی تأیید إعرابهم المخالف مردود وضعیف (کالذی ورد فی المغنی والتصریح وحواشیهما عند الکلام علی : کأن). کما یصح فی المثال الأخیر : اعتبار کلمة «کأن» للتشبیه (تشبیه المخاطب فی هذه الحالة بنفسه فی حالة أخری ؛ فالمشبه والمشبه به شخص واحد ، ولکن فی حالتین مختلفین ، وهذا أمر جائز عندهم کما أسلفنا. أی : کأنک فی حالة وجودک بالدنیا شبیه بنفسک فی حالة عدم وجودک بها.) «فالکاف» اسمها ، والجار والمجرور ؛ (بالدنیا) متعلق بالفعل : «تکن» فکلمة : «لم» حرف جزم. «تکن» تامة بمعنی «توجد» فعل مضارع مجزوم بها. والفاعل : أنت ، والجملة فی محل رفع خبر : «کأن». (فالمراد : کأنک عند الاحتضار لم توجد بالدنیا ، فأنت فی حالتک هذه تشبه نفسک فی حالة عدم وجودک فیها ؛ فالحالتان سیان). و «بالآخرة» الواو حرف عطف. الجار والمجرور حال مقدم من الضمیر فاعل الفعل المضارع : «تزل» المجزوم بالحرف : «لم» (فالمراد : کأنک لم توجد بالدنیا ولم تزل عنها فی حالة وجودک بالآخرة ؛ لأنک علی بابها. والجملة الفعلیة الثانیة معطوفة علی الجملة الفعلیة السابقة). ویری فریق آخر قصر التشبیه فی : «کأن» علی الحالة التی یکون فیها خبرها جامدا ؛ مثل : «کأن البخیل حجر». أما فی غیره فهی للتحقیق ، أو : التقریب ، أو الظن ... ومن أمثلة التحقیق عندهم قوله تعالی : (وَیْکَأَنَّهُ لا یُفْلِحُ الْکافِرُونَ ،) إذ المعنی هنا محقق قطعا. ولا مجال فیه للتشبیه. ومثله قول الشاعر المتغزل : کأننی حین أمسی لا تکلمنی متیّم أشته ما لیس موجودا وهذا رأی حسن ولکن جمهرتهم لا یخرجونها عن التشبیه ، وحجتهم ما ذکرنا من أن المشبه به قد یکون محذوفا. وقد یکون هو المشبه أیضا ، ولکن فی حالة أخری کما سبقت الإشارة ؛ ففی مثل : «کأن علیا -. - یلعب» : المراد : کأن علیا شخص یلعب ، أو : کأن علیا فی حال عدم لعبه یشبه علیا فی حالة لعبه. أی : کأن هیئته فی غیر لعبه کهیئته فی اللعب (راجع الجزء الأول من الهمع ص 133) ، وقد قلنا : إن الأخذ بهذا الرأی أحسن عند عدم القرینة ، إبعادا للخلاف ، واختصارا نافعا فی القواعد. أما مع القرینة فلا ، کالآیة. والتأویل فی الآیة - ونظائرها - عسیر ، لأن القرینة تدل علی أنها للتحقیق. قد یکون أصل المضارع فی : (کأنک فی الدنیا لم تزل ...) هو : «یزول» من «زال» التامة ، بمعنی ؛ فنی وذهب. فالزای مضمومة. وقد یکون أصله : «یزال». من : «زال» ، یزال» الناسخة مثل : لا یزال الحر مکرما ، بمعنی : بقی واستمر ، فالزای مفتوحة. والمعنی منها یخالف ما سبق ، وفیه بعد ، أی : أن الآخرة باقیة خالدة تنتظر

ص: 573

«لیت» التمنی (1). وفی : «لعل» (2) الترجی (3) والتوقع. وقد تکون للإشفاق.

ص: 574


1- هو الرغبة فی تحقق شیء محبوب حصوله ؛ سواء أکان تحققه ممکنا مثل : لیت الجو معتدل ، أم غیر ممکن ؛ مثل : لیت القتیل یعود حیا. ولا یصح أن یکون فی أمر محتوم الوقوع ؛ مثل : لیت غدا یجیء. والتمنی معنی إنشائی. ولهذا کان الأسلوب الذی تتصدره «لیت» إنشائیا کما سبق - فی رقم 3 من هامش 337 -. وتختص «لیت» بأسلوب یلتزم فیه العرب حذف خبرها ، هو قولهم : «لیت شعری ......» ومع حذفهم الخبر فیه باطراد یلتزمون أن یذکروا اسمها وأن یکون هذا الاسم ؛ کلمة : «شعر» مضافة إلی یاء المتکلم ، وبعدها الخبر المحذوف وجوبا ثم تذکر بعده جملة مصدرة باستفهام ؛ نحو : لیت شعری ... أمقیم أخی أم ظاعن؟ لیت شعری أراغب صدیقی فی الزیارة أم کاره؟ ... یریدون ، لیت شعری عالم بجواب هذا السؤال .... أو : مخبرا بجوابه. أما فی غیر تلک الحالة وکذا فی باقی الأخبار فیجوز حذف الخبر وحده لدلیل ؛ عملا بالقاعدة اللغویة التی تبیح عند أمن اللبس - حذف ما لا یتأثر المعنی بحذفه - کما سیجیء فی ص 580. وتختص «لیت» - کذلک - بالاستغناء عن اسمها وخبرها إذا دخلت علی «أن» (المفتوحة الهمزة المشددة النون) إذ یسد المصدر المؤول من «أن» ومعمولیها مسد معمولی «لیت» ، مثل : لیت أن الصحة دائمة. وقیل : إنّ الخبر محذوف ، والتقدیر : لیت دوام الصحة حاصل ... وسواء أکان هذا أم ذاک فالذی یعنینا أنها تدخل علی «أن» ومعمولیها ؛ فیتم الکلام ، ویستقیم المعنی من غیر حاجة إلی زیادة أخری ؛ فلا أهمیة للخلاف فی الإعراب ؛ إذ الغرض الوصول إلی التعبیر السلیم الذی یؤدی إلی المعنی المقصود ، وهو هنا غیر متوقف علی طریقة الإعراب. وکذلک تختص - فی الرأی الأرجح - بعدم دخول «سوف» علی خبرها ؛ فلا یصح : لیت الصحة سوف تدوم ؛ لأن سوف لا تدخل إلا علی ما یمکن تحقیقه وإدراکه من کل شیء لیس فیه استحالة ، ولا بعد ، وهذا نقیض ما تفیده «لیت» - فی الغالب -.
2- فی «لعل» المسندة لسیاء المتکلم لغات کثیرة ، ولهجات متعددة نقلها صاحب الأمالی (أبو علی القالی فی الجزء الثانی - ص 136 -) ، قال ما نصه : بعض العرب یقول لعلی ، وبعضهم لعلی ، وبعضهم علیّ ، وبعضهم علنیّ ، وبعضهم لعنیّ ، وبعضهم لعنّنی ، وبعضهم لعلنا ، وبعضهم لأننی ، وبعضهم لأنی ، وبعضهم لونّی) اه ، وفی لسان العرب لغات أخری.
3- معنی الترجی : انتظار حصول شی مرغوب فیه ، میسور التحقق. ولا یکون إلا فی - الأمر الممکن. ومثله التوقع. أما الإشفاق فلا یکون إلا فی الأمر المکروه المخوف ؛ مثل : لعل النهر یغرق الزرع والبیوت. وخبرها غیر مقطوع بوقوعه ، ولا متیقن ، فهو موضع شک ؛ بخلاف خبر «إن» و. «أن» - کما سبق - وقد تکون للتعلیل ؛ کقوله تعالی : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَیِّناً لَعَلَّهُ یَتَذَکَّرُ ...). وقول الشاعر : تأنّ ولا تعجل - بلومک صاحبا لعلّ له عذرا وأنت تلوم وقد تکون للاستفهام ؛ کقوله تعالی : (وَما یُدْرِیکَ لَعَلَّهُ یَزَّکَّی.) وقد تکون للظن ... وجمیع هذه - - المعانی قیاسیة الاستعمال وإن تفاوتت فی الکثرة. والأسلوب الذی تتصدره «لعل» إنشائی ، شأنها فی هذا شأن : «لیت» دون باقی إخواتهما - کما سبق فی رقم 3 هامش ص 337 ورقم 5 من هامش ص 570.

شروط إعمالها

(1) :

ا - یشترط لعملها ألا تتصل بها : «ما» الزائدة. فإن اتصلت بها «ما» الزائدة (2) - وتسمّی : «ما» الکافّة - منعتها من العمل ، وأباحت دخولها علی الجمل الفعلیة بعد أن کانت مختصة بالاسمیة. إلا : «لیت» فیجوز إهمالها وإعمالها (3) عند اتصالها بکلمة «ما» السالفة ؛ فیجب الإهمال فی مثل : إنما الأمین صدیق (4) ، ولکنما الخائن عدوّ ، وفی مثل قول الشاعر یصف حصانا ببیاض وجهه ، وسواد ظهره :

وکأنما انفجر الصباح بوجهه

حسنا ، أو احتبس الظلام بمتنه (5)

ویجوز الأمران مع : «لیت» مثل : لیتما علیّ حاضر ، أو : لیتما علیا حاضر ، وهی فی الحالتین مختصة بالجمل الاسمیة.

ص: 575


1- یشترط فی اسمها وخبرها ما یشترط فی اسم کان وخبرها مما تقدم ذکره من شروط عامة فی ص 498 ؛ مع زیادة شروط أخری. سنذکرها هنا. وینفرد خبر «لعل» بجواز تصدیره «بأن» المصدریة ؛ نحو : لعل أحدکم أن یسارع فی الخیرات فیلقی خیر الجزاء ... (ولا مانع فی هذه الحالة أن یقع المعنی خبرا عن الذات کوقوعه خبرا لعسی ... وقد سبق الکلام علیها فی باب أفعال المقاربة رقم 7 من هامش ص 557). وإذا وقعت «لعل» أو «عسی» فی کلام الله تعالی لا یکون معناها الرجاء ، أو الإشفاق ؛ لاستحالة ذلک علیه. وإنما یکون معناها التحقیق حینا ، وحینا الرجاء أو الاشفاق منسوبا إلی الذی یدور بصدده الکلام ، لا إلی المولی جل شأنه. (انظر رقم 2 من هامش 563).
2- یشترط أن تکون «ما» حرفا زائدا لیمنع هذه الحروف الناسخة من العمل. فإن لم یکن حرفا زائدا لم یمنعها مثل «ما» الموصولة فی نحو : إن ما فی القفص بلبل. (أی : إن الذی فی القفص بلبل) ومثل «ما» الموصوفة فی نحو : إن ما مطیعا نافع ، أو إن ما یطیع نافع ، (أی : إن شیئا مطیعا أو یطیع - نافع. فکلمة : «ما» فی المثالین لیست کافة (أی : لیست مانعة) للحرف الناسخ عن العمل ، ویجب فصلها فی الکتابة منه. بخلاف الزائدة فیجب وصلها بآخره فی الکتابة.
3- وفی هذا یقول ابن مالک فی بیت سیجیء فی ص 601. ووصل «ما» بذی الحروف مبطل إعمالها. وقد یبقّی العمل أی : أن اتصال «ما» الزائدة بهذه الحروف یبطل عملها. وقد یبقی العمل - اختیارا - فی «لیت» وحدها دون أخواتها ، فی الرأی الأحسن.
4- إذا اتصلت - ما» الزائدة بأحد الحرفین الناسخین : «إن» أو «أن» ، منعتهما من العمل ، وصار کل واحد منهما بعد هذه الزیادة أداة من أدوات الحصر ؛ تزید توکید المعنی قوة وضوحا. (وقد سبقت الإشارة للحصر فی ص 451) مثل : إنما أنت کبیر الهمة ، أو : عرفت أنما أنت کبیر الهمة ؛ فقد قصرنا المخاطب علی صفة معینة ؛ هی کبر الهمة ؛ وحصرنا أمره فیها. وتأویل «أن» (المفتوحة الهمزة المشددة النون) مع معمولیها بمصدر مؤول تختفی عند ظهوره لا یمنع من إفادتها الحصر عند اتصالها بما الزائدة ، لأن إفادة الحصر تتم قبل التأویل وسبک المصدر. (راجع الصبان ج 1 عند الکلام علی «ما» الزائدة المتصلة بهذه الحروف).
5- بظهره.

ب - یشترط فی اسمها شروط ، أهمها :

ألا یکون من الکلمات التی تلازم استعمالا واحدا ، وضبطا واحدا لا یتغیر ؛ کالکلمات التی تلازم الرفع علی الابتداء ، فلا تخرج عنه إلی غیره ؛ ککلمة : «طوبی» وأشباهها (1) - فی مثل : طوبی للمجاهد فی سبیل الله. - فإنها لا تکون إلا مبتدأ.

وألا یکون من الکلمات الملازمة للصدارة فی جملتها ، إما بنفسها مباشرة ؛ کأسماء الشرط ، و : «کم» ... ، وإما بسبب غیرها (2) ؛ کالمضاف إلی ما یجب تصدیره ؛ مثل : صاحب من أنت؟ فکلاهما لا یصلح اسما.

والسبب : هو أن هذه الحروف الناسخة ملازمة للصدارة فی جملتها (ما عدا «أنّ» (3) فإذا کان اسم واحد منها ملازما للصدارة وقع بینهما التعارض. ولهذا کان من شروط إعمالها - أیضا - أن یتأخر اسمها وخبرها عنها.

وألا یکون اسمها فی الأصل مبتدأ واجب الحذف ؛ کالمبتدأ الذی خبره فی الأصل نعت ، ثم انقطع عن النعت إلی الخبر (4) ؛ نحو : عرفت محمودا

ص: 576


1- وکالکلمات التی تلازم النصب علی المصدریة ، أو الظرفیة. وقد مر بیانها فی بدء الکلام علی «کان» وأخواتها ص 494.
2- مما مر بیانه فی بدء الکلام علی «الکلام علی «کان» وأخواتها ص 495.
3- إذا کانت «أنّ» للترجی - أی : مثل : «لعل» التی تفید هذا المعنی - وجب أمران ؛ أن تلازم صدر جملتها ، وأن تکون الجملة فی هذه الصورة اسمیة حتما ، ولا یصح اعتبار «أنّ» حرفا مصدریا یؤول مع معمولیه بمصدر مفرد. کما لا یصح - وهی بمعنی : «لعلّ» - أن یتقدم علیها أحد معمولیها ، ولا معمول أحدهما - وقد سبق هذا فی ص 485.
4- سبق أن أوضحنا المراد بالنعت المقطوع وسببه ... فی ص 463 ، وسیجیء تفصیل الکلام علیه فی الباب الخاص بالنعت ح 3 - ویستثنی من المبتدأ الواجب الحذف ضمیر الشأن فی مثل : «إن من یرض عن الشر یلق سوء الجزاء» إذ الأصل : إنه من یرض ... أی : إنه الحال والشأن (وقد تقدم الکلام علی ضمیر الشأن ص 226) فهذه الهاء فی الأصل نائبة عن مبتدأ هو : الحال والشأن. ولا یصح أن تکون کلمة «من» اسم «إن» لأن «من» شرطیة ؛ والشرط له الصدارة ، فلا یسبقه ناسخ ، هذا إلی أن المضارعین بعدها مجزومان. ومثله قول الشاعر : إنّ من یدخل الکنیسة یوما یلق فیها جآذرا وظباء أی : إنه من یدخل یلق .... وحذف ضمیر الشأن فی هذا الباب کثیر بقرینة تدل علیه وعلی المراد ؛ (کما هو مشروط عند کل حذف) ومنه الحدیث ... إن من أشد الناس عذابا یوم القیامة المصورون. أی : إنه ....

العالم (1).

ح - ویشترط فی خبرها ألا یکون إنشائیّا (2) ، (إلا الإنشاء المشتمل علی : «نعم» و «بئس» وأخواتهما من أفعال المدح والذم) فلا یصح : إن المریض ساعده. ولیت البائس لا تهنه ... ویصح : إن الأمین نعم الرجل ، وإن الخائن بئس الإنسان.

وکذلک یشترط فی خبرها إذا کان مفردا أو جملة - أن یتأخر عن اسمها ، فیجب مراعاة الترتیب بینهما ؛ بتقدیم الاسم وتأخیر الخبر ، نحو : إن الحقّ غلّاب - إن العظائم کفؤها العظماء - إن کبار النفوس ینفرون من صغائر الأمور ، وقول الشاعر :

إن الأمین - إذا استعان بخائن -

کان الأمین شریکه فی المأثم

فلو تقدم هذا الخبر لم تعمل ، بل لم یکن الأسلوب صحیحا. وهذا الشرط یقتضی عدم تقدمه علی الناسخ من باب أولی.

أما إذا کان الخبر غیر مفرد وغیر جملة ، بأن کان شبه جملة : (ظرفا أو جارا مع مجروره). فیجوز أن یتقدم علی الاسم فقط ، فیتوسط بینه وبین الناسخ عند عدم وجود مانع : نحو ؛ إن فی السماء عبرة (3) ، وإن فی دراستها عجائب. وقول الشاعر :

إنّ من الحلم ذلّا أنت عارفه

والحلم عن قدرة فضل من الکرم

ص: 577


1- برفع کلمة : «العالم» علی أنها خبر مبتدأ محذوف. وکانت فی الأصل نعتا ثم ترکته ، وصارت خبرا ؛ إذا الأصل «عرفت محمودا العالم» بنصب العالم علی أنها صفة ، ثم قطعت عن النعت إلی الخبر للأسباب التی أشرنا إلیها فی ص 463.
2- سواء أکان الإنشاء طلبا أم غیر طلب (راجع رقم 3 من هامش ص 337 ویجوز فی خبر «أن» المخففة أن یکون جملة دعائیة - کما سیجیء فی ص 615 - کقراءة من قرأ بتخفیف النون (أی : تسکینها) ، قوله تعالی : (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَیْها) ویقول «الرضی» لا أری مانعا من وقوع الجملة الطلبیة خبرا عن «إنّ» و «لکنّ» مع قلته. ولا داعی للأخذ برأیه القلیل.
3- فیما سبق یقول ابن مالک فی باب عنوانه : إن إخواتها : لإنّ أنّ ، لیت ، لکنّ ، لعل کأنّ - عکس ما لکان من عمل کإنّ زیدا عالم بأنّی کفء ، ولکنّ ابنه ذو ضغن یقول : لإن - وما تبعها من الحروف المذکورة بعدها - عکس ما ثبت من العمل لکان وأخواتها «فکان» ترفع الاسم وتنصب الخبر وهذه الحروف تعمل عکسها : تنصب الاسم وترفع الخبر ، ووضح - - هذا بأمثلة فی البیت الثانی ، هی : إن زیدا عالم بأنی کفء ، ولکن ابنه ذو ضغن (أی : حقد) فعرض أمثلة لحروف ثلاثة هی : إن ، أن ، لکن ... هذا ویتردد فی کلام النحاة القدماء - وغیرهم - اسم «زید» «عمرو» «بکر» «خالد» ، وهی أسماء عربیة صحیحة ، ولکنها شاعت فی استعمالاتهم حتی صارت مبتذلة ؛ فیحسن العدول عنها فی استعمالنا قدر استطاعتنا ، کما أشرنا لهذا کثیرا. ثم قال : وراع ذا الترتیب. إلا فی الّذی کلیت فیها ، أو : هنا - غیر البذی یرید : أن مراعاة هذا الترتیب الوارد فی أمثلته بین المعمولین أمر واجب ؛ فیتقدم الاسم ویتأخر الخبر وجوبا إلا فی مثل ؛ لیت فی الدار غیر البذی (أی : البذیء ؛ وهو : الوقح) ، ومثل : لیت هنا غیر البذیء ؛ من کل ترکیب یقع فیه خیر إن وأخواتها ظرفا أو جارا مع مجروره. وقد اقتصر علی بیان هذه الحالة التی یجوز فیها التقدیم ، ولم یذکر تفصیل المواضع التی یجب فیها التقدیم والتی یجب فیها التأخیر ...

ومثل : إن هنا رفاقا کراما ، وإن معنا إخوانا أبرارا. وقولهم فی وصف رجل : کان والله سمحا سهلا ، کأنّ بینه وبین القلوب نسبا ، أو : بینه وبین الحیاة سببا. فإن وجد مانع لم یجز تقدمه ؛ کوجود لام الابتداء فی نحو : إن الشجاعة لفی قول الحق : حیث لا یجوز تقدیمه وفیه لام الابتداء (1) ...

وهناک حالة یجب فیها تقدیمه ؛ هی : أن یکون فی الاسم ضمیر یعود علی شیء فی الخبر الجار والمجرور ؛ مثل : إن فی الحقل رجاله ، وإن فی المصنع عماله. فاسم الناسخ (رجال وعمال) مشتمل علی ضمیر یعود علی بعض الخبر (2) ؛ (أی : علی الحقل ، والمصنع) ، ولو تأخر الخبر لعاد ذلک الضمیر علی متأخر فی اللفظ وفی الرتبة معا ؛ وهو ممنوع هنا (3).

ومما تقدم نعلم أن للخبر - فی هذا الباب - ثلاثة أحوال من ناحیة تقدیمه ، أو تأخیره علی الاسم.

ص: 578


1- ومن الموانع أن یکون الحرف الناسخ هو : «عسی» (التی بمعنی : لعل) أو الحرف : لا» - کما سیأتی فی بابها ص 626 - فلا یجوز تقدیم خبر هذین الحرفین مطلقا.
2- لأن الخبر هو الجار مع مجروره ، والضمیر عائد علی المجرور وحده ؛ فهو عائد علی بعض الخبر - کما سبق أن أوضحناه.
3- وهناک حالة أخری یجب فیها تقدیم خبر أن (المفتوحة الهمزة المشددة النون) ستجیء فی : «ب» من ص 583. وإذا وقع المصدر المؤول من «أن مع معمولیها» مبتدأ ؛ وکان تأخیر خبره فی هذه الصورة مؤدیا إلی اللبس ، وجب تقدیم هذا الخبر ؛ مثل : عندی أنک فاضل. أما سبب اللبس وما یترتب علیه فقد تقدم فی رقم 5 من ص 458 حیث مواضع تقدیم خبر المبتدأ وجوبا.

الأولی : وجوب تأخیره إذا لم یکن شبه جملة. وکذلک إن کان شبه جملة جارا مع مجروره ، ولا یعود علی المجرور ضمیر من الاسم.

الثانیة : وجوب تقدیمه إذا کان شبه جملة ، جارا مع مجروره ، وکان الاسم مشتملا علی ضمیر یعود علی المجرور (أی : علی بعض الخبر الجار مع مجروره).

الثالثة : جواز الأمرین إذا کان شبه جملة ، - غیر ما سلف - ولم یمنع من التقدم مانع.

أما معمول الخبر (مثل : إن المتعلم قارئ کتابک ، وإنه منتفع بعلمک ،) فلا یجوز تقدمه علی الحرف الناسخ ، لکن یجوز تقدمه علی الخبر مطلقا (أی : سواء أکان المعمول شبه جملة ، أم غیر شبهها ، فتقول : إن المتعلم - کتابک - «قارئ ، وإنه - بعلمک - منتفع. ففی الجملة الأولی تقدم المعمول : «کتابک» ولیس بشبه جملة ؛ وفی الثانیة تقدم المعمول شبه الجملة ، وهو الجار والمجرور : «بعلم».

کما یصح تقدیم معمول الخبر علی الاسم والتوسط بینه وبین الناسخ فی حالة واحدة ، هی : أن یکون المعمول شبه جملة ؛ نحو : إن فی المهد الطفل نائم - إن بیننا الودّ راسخ.

ویؤخذ من کل ما سبق : أنه لا یجوز أن یفصل بین الحرف الناسخ واسمه فاصل إلا الخبر شبه الجملة الذی یصح تقدیمه ، أو معمول لخبر إذا کان المعمول شبه جملة أیضا الجملة کذلک ، کما لا یجوز أن یتقدم علی الحرف الناسخ اسمه ، أو خبره ، أو معمول أحدهما.

ص: 579

زیادة وتفصیل

ا - قد یحذف الحرف الناسخ مع معمولیه أو أحدهما ، ویظل ملحوظا تتجه إلیه النیة ؛ کأنه موجود. وأکثر ما یکون الحذف فی إنّ (المکسورة الهمزة المشدّدة النون) ، ومنه قول تعالی : (أَیْنَ شُرَکائِیَ الَّذِینَ کُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) بناء علی أن التقدیر : تزعمون أنهم شرکائی. وقد تحذف مع الخبر ویبقی الاسم ، وقد تحذف وحدها ویبقی اسمها وخبرها ، وقد یحذف أحدهما فقط (1) ، وکل ذلک مع ملاحظة المحذوف ولا یصح شیء مما سبق إلا إذا قامت قرینة تدل علی المحذوف مع عدم تأثر المعنی بالحذف ، وهذه قاعدة لغویة عامة أشرنا إلیها من قبل (2)) ؛ هی جواز حذف ما لا یتأثر المعنی بحذفه. بشرط أن تقوم قرینة تدل علیه).

وقد یجب حذف خبر «إن» إذا سدّ مسده واو المعیة ، نحو : إنک وخیرا ، أی : إنک مع خیر ، أو سد مسده الحال ، نحو : قول الشاعر :

إنّ اختیارک ما تبغیه ذا ثقة

بالله مستظهرا بالحزم والجدّ

أو مصدرا مکررا ؛ نحو : إن الفائدة سیرا سیرا.

وتختص : «لیت» بالاستغناء عن معمولیها ، وبأحکام أخری سبقت شروطها وتفصیلاتها فی رقم 1 من هامش ص 574.

ب - الأنسب الأخذ بالرأی القائل بجواز تعدد الخبر فی هذا الباب علی الوجه الذی سبق إیضاحه فی تعدد خبر المبتدأ ص 480 ؛ لأن التعدد هنا وهناک أمر تشتد إلیه حاجة المعنی أحیانا.

ح - من العرب من ینصب بهذه الحروف المعمولین ؛ کما تنطق الشواهد الواردة به. لکن لا یصح القیاس علیها فی عصرنا ؛ منعا لفوضی التعبیر والإبانة ، وإنما نذکر رأیهم - کعادتنا فی نظائره - لیعرفه المتخصصون فیکشفوا به ، فی غیر حیرة ولا اضطراب - ما یصادفهم من شواهد قدیمة وردت مطابقة له مع ابتعادهم عن محاکاتها.

ص: 580


1- راجع ج 8 من 85 من شرح المفصل. وفیه الأمثلة. وکذلک حاشیة الألوسی علی شرح القطر ج 1 ص 268 وکذا فی هامش ص 603 الآتیة.
2- فی رقم 1 من هامش ص 574.

المسألة 52: فتح همزة «إنّ» وکسرها

اشارة

لهمزة «إنّ» ثلاثة أحوال ، وجوب الفتح ، ووجوب الکسر ، وجواز الأمرین.

الحالة الأولی

اشارة

یجب فتحها فی موضع واحد ، هو : أن تقع مع معمولیها جزءا من جملة مفتقرة إلی اسم مرفوع ، أو منصوب ، أو مجرور ، ولا سبیل للحصول علی ذلک الاسم إلا من طریق مصدر منسبک من «أنّ» مع معمولیها. ففی مثل : شاع أن المعادن کثیرة فی بلادنا. سرنی أنک بارّ بأهلک - لا نجد فاعلا للفعل : «شاع» ولا للفعل : «سرّ» مع حاجة کل فعل للفاعل ، ولا وسیلة للوصول إلیه إلا بسبک مصدر مؤول من : «أنّ» مع معمولیها ؛ فیکون التقدیر : شاع کثرة المعادن فی بلادنا - سرنی برّک بأهلک (1) وکذلک الفعل : «زاد» فی قول القائل :

لقد زادنی حبّا لنفسی أننی

بغیض إلیّ کل امرئ غیر طائل (2)

وفی مثل : عرفت أن المدن مزدحمة - سمعت أن البحار ممتلئة بالأحیاء ... نجد الفعل : «عرف» محتاجا لمفعول به ، وکذلک الفعل : «سمع». فأین المفعولان؟ لا نتوصل إلیهما إلا بسبک مصدر مؤول من : «أن» مع معمولیها ؛ فیکون التقدیر : عرفت ازدحام المدن - سمعت امتلاء البحار بالأحیاء.

وفی مثل : تألمت من أن الصدیق مریض - فرحت بأن العربیّ مخلص للعروبة ... ، نجد حرف الجر : «من» لیس له مجرور ، وکذلک حرف الجر : «الباء» وهذا غیر جائز فی العربیة. فلا مفر من أن یکون المصدر المنسبک من «أنّ» مع معمولیها فی الجملة الأولی هو المجرور بالحرف : «من» وفی الجملة الثانیة هو المجرور «بالباء». والتقدیر : تألمت من مرض الصدیق - وفرحت

ص: 581


1- المصدر الذی تقدر به «أن» مع معمولیها هو المصدر الصریح المأخوذ من خبرها إن کان اسما مشتقا ، أو فعلا متصرفا. أو من الاستقرار والوجود إن کان الخبر ظرفا أو جارا مع مجروره. أو هو الکون المضاف لاسمها إن کان الخبر جامدا. وتفصیل هذا وإیضاحه قد سبق فی باب الموصول ص 374.
2- رجل غیر طائل : حقیر خسیس.

بإخلاص العربیّ للعروبة ... وهکذا کل جملة أخری تتطلب اسما لها ، ولا سبیل لإیجاده إلا من طریق مصدر منسبک من «أنّ» مع معمولیها.

ومن الأمثلة غیر ما سبق : «حقا ، أنک متعلم رفع لقدرک» - «المعروف أن التعلم نافع». فالمصدر المؤول فی الجملة الأولی مبتدأ ، والتقدیر : تعلمک رفع لقدرک ، أما فی الجملة الثانیة فهو خبر ، والتقدیر : المعروف نفع التعلم.

ومثله المصدر المؤول بعد : «لو لا» حیث یجب فتح همزة «أنّ» نحو : لو لا أنک مخلص لقاطعتک. والتقدیر : لو لا إخلاصک حاصل لقاطعتک.

ومما سبق نعلم أن المصدر المؤول یجیء لإکمال النقص ، فیکون فاعلا ، أو نائبه ، أو مفعولا به (1) ، أو مبتدأ ، أو خبرا (2). وقد یکون غیر ذلک (3).

کما نفهم المراد من قول النحاة : یجب فتح همزة : «أن» إذا تحتم تقدیرها مع معمولیها بمصدر یقع فی محل رفع ، أو نصب ، أو جر (4).

ص: 582


1- بشرط أن یکون المفعول به غیر محکی بالقول.
2- عن اسم معنی ... (راجع الزیادة والتفصیل فی ص 583).
3- مما سیجیء فی ص 583 ، وما بعدها. إلا فی أشیاء یأتی توضیحها هناک فی : «ج».
4- وفیما سبق یقول ابن مالک : وهمز : «إنّ» افتح لسدّ مصدر مسدّها ، وفی سوی ذاک اکسر أی : افتح همزة «إن» لسد المصدر مسدها مع معمولیها.

زیادة وتفصیل

ا - «أنّ» - مفتوحة الهمزة ، مشددة النون - معناها التوکید - کما شرحنا (1) - وهی مع اسمها وخبرها تؤول بمصدر معمول لعامل محتاج له ، فمن الواجب أن یکون الفعل - وغیره مما هی معمولة له - مطابقا لها فی المعنی ؛ بأن یکون من الألفاظ الدالة علی العلم والیقین (2) ؛ لکیلا یقع التعارض والتناقض بینهما (أی : بین ما یدل علیه العامل ، وما یدل علیه المعمول) وهذا هو ما حرت علیه الأسالیب الفصیحة حیث یتقدمها ما یدل علی الیقین والقطع : مثل : اعتقدت ، علمت ، ووثقت ، تیقنت ، اعتقادی ... ولا یقع قبلها شیء من ألفاظ الطمع ، والإشفاق ، والرجاء ... مثل : أردت ، اشتهیت ، وددت ... وغیرها من الألفاظ التی یجوز أن یوجد ما بعدها أو لا یوجد ؛ والتی لا یقع بعدها إلا «أن» الناصبة للمضارع. وهذه لا تأکید فیها ولا شبه تأکید ؛ فتقول أرجو أن تحسن إلی الضعیف ، وأرغب أن تعاون المحتاج. وکالتی فی الآیة الکریمة : (وَالَّذِی أَطْمَعُ أَنْ یَغْفِرَ لِی خَطِیئَتِی یَوْمَ الدِّینِ.)

وما ذکرناه فی «أنّ» المشدّدة یسری علی : «أنّ» المفتوحة الهمزة المخففة من الثقیلة ؛ فکلاهما فی الحکم سواء ، نحو قوله تعالی : (عَلِمَ أَنْ سَیَکُونُ مِنْکُمْ مَرْضی.)

ومن الألفاظ ما لا یدل علی الیقین ولا علی الطمع والإشفاق ولکن یقع بعده «أن» المشددة والمخففة الناسختان کما یقع بعده «أن» التی تنصب الفعل المضارع.

وذلک النوع من الألفاظ هو ما یدل علی الظن ؛ مثل : ظننت ، وحسبت ، وخلت.

ومعنی الظن : أن یتعارض الدلیلان ، ویرجح أحدهما الآخر. وقد یقوی الترجیح فیستعمل اللفظ بمعنی الیقین ؛ نحو قوله تعالی : (الَّذِینَ یَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ،) وقد یضعف حتی یصیر مشکوکا فی وجوده : کأفعال الرجاء والطمع وألفاظهما الأخری (3) ...

ب - لا تکون «أنّ» (المفتوحة الهمزة. المشدة النون) مستقلة بنفسها مع معمولیها : فلا بد أن تکون معهما جزءا من جملة أخری (4) ... غیر أنه لا یجوز

ص: 583


1- فی رقم 2 من ص 571 ثم 715 راجع تفصیل هذا فی ص 615. وقد سبقت الإشارة إلی «أن» المصدریة مع نظائرها من الحروف المصدریة فی ص 368.
2- کما سبق فی رقم 2 من هامش ص 571.
3- کما أوضحنا فی ص 581.
4- کما أوضحنا فی ص 581.

أن یقع المصدر المؤول من : «أن ومعمولیها» اسما لأختها المکسورة الهمزة (1). فإذا أرید ذلک وجب الفصل بینهما بالخبر ، فیتقدم بشرط أن یکون شبه جملة (2). نحو : إن عندی أن التجربة خیر مرشد. إن فی الکتب السماویة أن الرسل هداة للناس ... وقد سبق أنه یجوز وقوع «أنّ» مع معمولیها اسما للأحرف الناسخة - ومنها : أن - (أی : أن یکون المصدر المؤول اسما للحرف الناسخ) بشرط أن یتقدم علیه الخبر شبه الجملة.

ح - أشرنا - فی ص 181 - إلی بعض مواضع المصدر المؤول من «أنّ ومعمولیها». وقد یقع فاعلا لفعل ظاهر کما رأینا أو مقدر ؛ نحو : اسمع ما أنّ الخطیب یخطب. أی : ما ثبت أن الخطیب یخطب ، (مدة ثبوت خطبته) وذلک لأن «ما» المصدریة الظرفیة لا تدخل - فی أشهر الآراء - علی الجملة الاسمیة المبدوءة بحرف مصدری (3). ومثلها العبارة المأثورة : «لا أکلم الظالم ما أنّ فی السماء نجما. أی : ما ثبت أن فی السماء نجما ...»

ومن الفعل المقدر أیضا أن یقع ذلک المصدر المؤول بعد : «لو» الشرطیة ؛ نحو : لو أنک حضرت لأکرمتک. فالمصدر المؤول فاعل محذوف ، والتقدیر : لو ثبت حضورک ... لأن «لو» شرطیة لا تدخل إلا علی الفعل فی الرأی المشهور. والأخذ به أولی من الرأی القائل : إن المصدر المؤول مبتدأ خبره محذوف وجوبا ، أو مبتدأ لا یحتاج إلی خبر. لأن فیهما تکلفا وبعدا (4).

وقد یقع ذلک المصدر نائب فاعل ، نحو قوله تعالی : (قُلْ أُوحِیَ إِلَیَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ... ،) وقد یقع خبرا عن مبتدأ الآن ، کالأمثلة

ص: 584


1- أشرنا لهذا فی رقم 2 من هامش ص 571.
2- راجع شرح المفصل ج 8 ص 71. ویذکرون فی سبب المنع أن کل واحدة منهما تفید التوکید وحرف التوکید لا یدخل مباشرة علی نظیره. هذا إلی أن دخول إن المکسورة علی أختها قد یوقع فی الوهم أن المفتوحة الهمزة أضعف فی إفادة التوکید من المکسورة الهمزة ؛ فجیء بهذه لتجبر الضعف ، مع أنهما متساویان وکل هذا تعلیل متکلف ومصنوع ، وإنما التعلیل الحق هو محاکاة العرب الفصحاء ...
3- إذ الحرف المصدری لا یدخل علی نظیره لغیر توکید لفظی. (کما سبق فی رقم 1 من هامش ص 373).
4- بیان الأسباب فی ج 2 ص 122 م 69 باب : «الاشتغال» - وفی باب : «لو» من الجزء الرابع.

السالفة ، أو بحسب الأصل : نحو : کان عندی أنک مقیم. لکن یشترط فی المبتدأ الذی یقع خبره هذا المصدر المؤول ، ثلاثة شروط :

1 - أن یکون اسم معنی ؛ نحو : الإنصاف أنک تسوّی بین أصحاب الحقوق ؛ فلا یصح : الأسد أنه ملک الوحوش ، بفتح الهمزة. بل یجب کسرها - کما سیجیء (1) -.

2 - وأن یکون غیر قول (2) ؛ فلا یجب الفتح فی مثل : قولی : أن البطالة مهلکة.

3 - وأن یکون محتاجا للخبر المؤول من «أنّ» ومعمولیها لیکمل معه المعنی الأساسی للجملة ، من غیر أن یکون المبتدأ داخلا فی معنی الخبر ؛ (أی : من غیر أن یکون معنی الخبر صادقا علیه) ، نحو : اعتقادی أنک نزیه. فکلمة : اعتقادی. مبتدأ یحتاج إلی خبر یتمم المعنی الأساسی. فجاء المصدر المؤول لیتممه. والتقدیر : «اعتقادی نزاهتک» ، فالخبر هنا یختلف فی معناه عن المبتدأ اختلافا واضحا. فإن کان المصدر المؤول من : «أن مع معمولیها» لیس هو محط الفائدة الأصلیة ، (أی : لیس المقصود بتکملة المعنی الأساسی ؛ کأن یکون معناه منطبقا علی المبتدأ وصادقا علیه) فإنه لا یعرب خبرا ، بل الخبر غیره. کما فی المثال السابق وهو : «اعتقادی أنک نزیه» إذا لم یکن القصد الإخبار بنزاهته والحکم علیه بها ، وإنما القصد الإخبار بأن ذلک الاعتقاد حاصل واقع ؛ فیکون المصدر المؤول مفعولا به للمبتدأ ، والخبر محذوف ؛ والتقدیر - مثلا - اعتقادی نزاهتک حاصل أو ثابت ... ، والمصدر المؤول فی هذا المثال ینطبق علی المبتدأ ، ویصدق علیه ؛ لأن النزاهة هنا هی : الاعتقاد ، والاعتقاد هو النزاهة ... و...

وقد یقع المصدر المؤول مفعولا لأجله ؛ نحو : زرتک أنی أحبک ، أو مفعولا معه ، نحو : یسرنی قعودک هنا ، وأنک تحدثنا. أو مستثنی ؛ نحو : ترضینی أحوالک ، إلا أنک تخلف المیعاد. ویقع مضافا إلیه بشرط أن یکون المضاف مما یضاف إلی المفرد ، لا إلی الجملة ؛ مثل : سرنی عملک غیر أن خطک ردیء. أی : غیر رداءة خطک. فإن کان المضاف مما یضاف إلی الجملة وحدها وجب کسر الهمزة ؛ مثل : حضرت حیث إنک دعوتنی ، بکسر همزة : «إن»

ص: 585


1- فی رقم 6 من ص 590.
2- حکم لواقعة بعد قول موضح فی رقم 4 من ص 289 و 5 من ص 594.

مراعاة للرأی الذی یحتم إضافة «حیث» للجمل ، دون الرأی الآخر الذی یبیح إضافتها لغیر الجملة.

ومثل المواضع السابقة ما عطف علیها ؛ نحو قوله تعالی : (..... اذْکُرُوا نِعْمَتِیَ الَّتِی أَنْعَمْتُ عَلَیْکُمْ ، وَأَنِّی فَضَّلْتُکُمْ ...) فالمصدر المؤول وهو «تفضیلی» معطوف علی المفعول به : «نعمة» ، وکذلک ما أبدل منها ؛ نحو قوله تعالی : (وَإِذْ یَعِدُکُمُ اللهُ إِحْدَی الطَّائِفَتَیْنِ ، أَنَّها لَکُمْ ... ،) فالمصدر المؤول ، وهو : استقرارها وکونها ... بدل من إحدی. وهکذا ...

ولا یکون هذا المصدر المؤول مفعولا مطلقا ، ولا ظرفا ، ولا حالا ، ولا تمییزا ولا یسد مسد «مفعول به» أصله خبر عن ذات (1) ، نحو : ظننت القادم إنه عالم. فلو فتحت الهمزة لکان المصدر المؤول من : «أنه عالم» ؛ مفعولا ثانیا للفعل : «ظننت» مع أن أصل هذا المفعول خبر عن کلمة : «القادم» فیکون التقدیر «القادم علم» فیقع المعنی خبرا عن الجثة (2) ، وهذا مرفوض هنا إلا بتأویل لا یستساغ مع أنّ.

د - من الأسالیب الفصیحة : «أحقّا أنّ جیرتنا استقلّوا (3) ... یریدون ؛ أفی حق أن جیرتنا استقلوا. فکلمة : «حقّا» ظرف زمان (4) - فی الشائع - ، والمصدر المنسبک من «أنّ» مع معمولیها مبتدأ مؤخر. ولهذا وجب فتح همزة «أن». أی : أفی حق استقلال جیرتنا.

ویصح أن تکون کلمة ؛ «حقّا» ، مفعولا مطلقا لفعل محذوف تقدیره : حقّ (بمعنی : ثبت) والمصدر المنسبک فاعله ، أی : أحق حقّا استقلال جیرتنا؟ وأحیانا یقولون : «أما أنّ جیرتنا استقلوا». فکلمة : «أما» (بتخفیف المیم) (5) بمعنی : حقّا ، ویجب فتح همزة «أن» بعدها.

ص: 586


1- جثة.
2- المانع الحق : هو استعمال العرب الفصحاء ، وکراهتهم فتح الهمزة فی مثل هذا الموضع.
3- بمعنی : أحقا أن جیراننا ارتحلوا. والجیرة جمع : جار.
4- کما فی الخضری والتصریح ، آخر باب الظرف - والظرفیة هنا مجازیة. وبیان هذا فی باب الظرف ج 2 ص 221 م 79.
5- إذا کانت «أما» - مخففة المیم - حرف استفتاح وجب کسر همزة : «إن» بعدها. - کما سیجیء فی ص 588 وفی رقم 3 من ص 595.

وخیر ما ارتضوه فی إعرابها : أنها مرکبة من کلمتین ؛ فالهمزة للاستفهام. «ما» ظرف ، بمعنی : شیء. ویراد بذلک الشیء : «حق» فالمعنی : «أحقّا» وکلمة : «أما» مبنیة علی السکون فی محل نصب ، وهی خبر مقدم ، والمصدر المؤول مبتدأ مؤخر (1).

ه - قد یسدّ المصدر المؤول من أنّ ومعمولیها مسد المفعولین إن لم یوجد سواه ، نحو : ظننت أن بعض الکواکب صالح للسکنی. وکذلک فی کل موضع تحتاج فیه الجملة إلی ما یکمل نقصها فلا تجد غیره ، مع عدم مانع یمنع منه ...

و - أشرنا من قبل (2) إلی وقوع : «أنّ» المفتوحة الهمزة المشددة النون - للترجی ، فتشارک «لعل» فی تأدیة هذا المعنی وتحتاج إلی جملة اسمیة بعدها ؛ فترفع المبتدأ وتنصب الخبر ولا بد أن یکون لها الصدارة فی جملتها. ولا یصح أن تسبک مع ما بعدها بمصدر مؤول ؛ فهی تخالف «أنّ» المفتوحة الهمزة ، المشددة النون التی معناها التوکید فی أمور : فی المعنی ، وفی وجوب الصدارة ، وفی منع السبک بمصدر مؤول.

ص: 587


1- راجع الکلام علی هذا الأسلوب فی ج 2 ص 221 «و» م 79.
2- راجع رقم 5 من ص 458 حیث الإیضاح.

الحالة الثانیة

اشارة

یجب کسر همزة : «إن» فی کل موضع لا یصح أن تسبک فیه مع معمولیها بمصدر ؛ فیجب الکسر فیما یأتی :

1- أن تکون فی أول جملتها حقیقة ، نحو : (إِنَّا فَتَحْنا لَکَ فَتْحاً مُبِیناً ،) وقول الشاعر یمدح محسنا :

یخفی صنائعه ، والله یظهرها

إن الجمیل إذا أخفیته ظهرا

وتعتبر فی أول جملتها حکما إذا وقعت بعد حرف من حروف الاستفتاح (1) ؛ مثل : ألا ، وأما (2) ، نحو : ألا إن إنکار المعروف لؤم - أما إن الرشوة جریمة من الراشی والمرتشی. ومثلهما الواو التی للاستئناف ، کقول الشاعر :

وإنی شقیّ باللئام ولا تری

شقیّا بهم إلا کریم الشمائل

وکذلک کل واو أخری تقع بعدها جملة تامة.

فإن سبقها شیء من جملتها وجب الفتح ، نحو : عندی أن الدّین وقایة من الشرور.

2- أن تقع فی جملة الصلة ، بحیث لا یسبقها (3) شیء منها ؛ نحو : أحترم الذی (إنه عزیز النفس عندی.) ، وکذلک فی أول جملة الصفة التی موصوفها اسم ذات (4) ؛ نحو : أحبّ رجلا (إنه مفید). وفی : أول جملة الحال أیضا ؛ نحو : أجلّ الرجل (إنه یعتمد علی نفسه) وأکبره (وإنه بعید من الدنایا).

3- أن تقع فی صدر جملة جواب القسم وفی خبرها اللام ؛ سواء أکانت جملة القسم اسمیة ؛ نحو : لعمرک إن الحذر لمطلوب ، أم کانت فعلیة فعلها

ص: 588


1- حرف یدل علی بدء الکلام ، والتنبیه علی أن هذا الکلام هام ومؤکد عند المتکلم.
2- (انظر رقم 3 من ص 593) ، ثم «ب» من ص 644. وفی رقم 5 من هامش ص 4586
3- فإن وقعت حشوا (... کأن سبقها شیء من جملة الصلة) لم تکسر ؛ نحو : جاء الذی عندی أنه فاضل. ومنه : لا أفعله ما أنّ فی السماء نجما. أی : ما ثبت أن فی السماء نجما - وقد سبق بیان هذا فی «ح» من ص 584 - وکذا فی جملة الصفة والحال التالیین.
4- لأنها لو فتحت لوقع المصدر المؤول صفة لاسم الذات ؛ فیحتاج إلی تأویل لا داعی له لأنه لا یکون نعتا إلا بهذا التأویل المصنوع.

مذکور ؛ نحو : أحلف بالله إن العدل لمحبوب. أو غیر مذکور ، نحو : والله إن الظلم لوخیم العاقبة.

فإن لم تقع فی خبرها اللام لم یجب (1) کسر الهمزة إلا إذا کانت جملة القسم جملة فعلیة فعلها محذوف ؛ نحو : والله إن السیاحة مفیدة.

یتضح مما سلف أن الکسر واجب فی کل الحالات التی تظهر فیها اللام فی خبر «إنّ». وکذلک فی الحالة التی تحذف فیها تلک اللام من الخبر بشرط أن تکون جملة القسم فعلیة ، قد حذف فعلها.

4- أن تقع فی صدر جملة محکیّة بالقول (لأن المحکیّ بالقول لا یکون إلا جملة ، - فی الأغلب - بشرط ألا یکون القول بمعنی الظن) (2). فتکسر وجوبا فی مثل : قال علیه السّلام : (إن الدّین یسر). ویقول الحکماء : «إن المبالغة فی التشدد مدعاة للنفور» ، (فقل للمتشددین : «إن الاعتدال خیر») ، وکذلک فی الشطر الثانی من بیت الشاعر :

تعیّرنا أنّا قلیل عدیدنا

فقلت لها : إنّ الکرام قلیل

فإن وجد القول ولم تکن محکیة به بل کانت معمولة لغیره لم تکسر ، نحو : أیها العالم ، أخصّک القول ؛ أنک فاضل ؛ أی : لأنک فاضل ؛ فالمصدر المؤول معمول للام الجر ، لا للقول. وکذلک لا تکسر إن کان القول بمعنی : الظن ، بقرینة تدل علی هذا المعنی فیعمل عمله فی نصب مفعولین. - نحو : أتقول المراصد أن الجو بارد فی الأسبوع المقبل؟ أی : أتظن (3) (فتفتح مع أنها مع معمولیها معمولة للقول ؛ لأن القول هنا بمعنی «الظن» ینصب مفعولین فیکون المصدر المؤول منها ومن معمولیها فی محل نصب یسدّ مسدّ المفعولین) ...

5- أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب (4) وقد علّق عن العمل ، بسبب

ص: 589


1- وإنما یجوز الأمران ؛ طبقا للبیان الذی سیجیء فی مواضع الفتح والکسر ص 592.
2- ولا الاعتقاد أیضا. فلا بد من أمرین ؛ أن تکون الجملة معمولة للقول ، وأن «القول» لیس بمعنی : «الظن ولا الاعتقاد».
3- الدلیل علی أن القول هنا بمعنی «الظن» أن المراصد حین تتکهن بما سیقع فی المستقبل - ولا سیما المستقبل البعید - لا تملک الدلیل القاطع علی صحته ، وعلی أنه سیتحقق حتما ، فقد یقع أو لا یقع. أما تفصیل الکلام علی القول بمعنی الظن وأحکامه. فیجیء فی ج 2 باب ظن وأخواتها.
4- سیجیء فی باب ظن وأخواتها تفصیل الکلام علی أفعال القلوب التی تنصب مفعولین. والذی یعنینا الآن هو : «الأفعال القلبیة» المتصرفة التی یلحقها التعلیق ؛ (وهو ترک العمل لفظا دون معنی ، لمانع فتکون فی ظاهرها غیر ناصبة للمفعولین - أو لأحدهما - بسبب ذلک المانع. ولکنها فی الحکم والتقدیر - - ناصبة. نحو : «ظننت لطائر مفرد» فالجملة من : (طائر مغرد) مکونه من مبتدأ وخبر ، فی محل نصب. قد سدت مسد المفعولین للفعل : «ظننت» ولم ینصبهما لفظا لاعتراض ما له صدر الکلام وهو هنا : لام الابتداء. وأشهر أفعال القلوب التی یلحقها التعلیق : رأی - علم ، - وجد - دری ... وهذه أفعال تدل علی الیقین. وخال - ظن - حسب - زعم - عد - حجا - جعل ... وهذه أفعال تدل علی الرجحان.

وجود لام الابتداء فی خبرها ؛ نحو : علمت إن الإسراف لطریق الفقر. فإن لم یکن فی خبرها اللام (1) فتحت أو کسرت : نحو : علمت إن الریاء بلاء - بفتح الهمزة ، أو کسرها (2).

6- أن تقع خبرا عن مبتدأ اسم ذات ؛ نحو : الشجرة إنها مثمرة (3) وقد یدخل علی هذا المبتدأ ناسخ ؛ ومنه قوله تعالی : (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا ، وَالَّذِینَ هادُوا)(4) ، وَالصَّابِئِینَ (5) ، وَالنَّصاری ، وَالْمَجُوسَ (6) ، وَالَّذِینَ أَشْرَکُوا - إِنَ (7) اللهَ یَفْصِلُ بَیْنَهُمْ (8) ...»

ص: 590


1- یقول النحاة إن السبب فی التعلیق هو وجود لام الابتداء ؛ لأن لها الصدارة فی جملتها فتمنع ما قبلها أن یعمل فیما بعدها. وهنا تأخرت اللام عن مکانها ؛ لوجود «إن» التی لها الصدارة. والعلة الحقیقیة فی تأخیرها هی السماع عن العرب.
2- - کما سیجیء فی رقم 3 من ص 593 - فالفتح علی اعتبار الفعل غیر معلق ، والکسر علی اعتباره معلقا ، وأداة التعلیق هی : «إنّ» مکسورة الهمزة ، إذ لها الصدارة فی جملتها ، وکل ماله الصدارة یعد من أدوات التعلیق - کما عرفنا - راجع الصبان ج 2 فی هذا الموضع.
3- لو فتحت لکان المصدر المؤول خبرا عن الجثة ، والتقدیر ، الشجرة إثمارها. وهو غیر المعنی المطلوب ولا یتحقق هنا إلا بتکلف لا داعی له.
4- کانوا یهودا.
5- المتنقلین بین الأدیان ، أو : هم عبدة النجوم.
6- الذین یعبدون النار.
7- فکلمة «الذین» الأولی ، أصلها مبتدأ قبل دخول الناسخ : «إن» ثم صارت اسمه. وجملة إن الله یفصل بینهم ؛ (وهی مکونة من إن ومعمولیها) - فی محل رفع خبر «إن» الأولی.
8- وفی مواضع کسر همزة «إن» یقول ابن مالک : فاکسر فی الابتدا ، وفی بدء صله وحیث «إنّ» لیمین مکمله أی : اکسر همزة «إن» إذا وقعت فی ابتداء جملتها ، أو حیث تکون مکملة للیمین ، بأن تقع فی صدر جملة جواب القسم علی التفصیل الذی شرحناه. ثم قال : أو حکیت بالقول ، أو حلّت محل حال ؛ کزرته ، وإنّی لذو أمل وکسروا من بعد فعل علّقا باللّام ، کاعلم إنّه لذو تقی

زیادة وتفصیل

ا - یعدّ بعض النحاة مواضع أخری للکسر ، منها : أن تقع «إنّ» بعد کلمة «کلّا» التی تفید الاستفتاح ؛ نحو : قوله تعالی : (کَلَّا ، إِنَّ الْإِنْسانَ لَیَطْغی ، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنی ...)

أو یقع فی خبرها اللام من غیر وجود فعل للتعلیق ؛ نحو : إن ربک لسریع العقاب.

أو تقع بعد «حتی» التی تفید الابتداء نحو : یتحرک الهواء ، حتی إن الغصون تتراقص - تفیض الصحراء بالخیر ، حتی إنها تجود بالمعادن الکثیرة.

والتوابع لشیء من ذلک ؛ نحو : إن النشاط محمود وإن الخمول داء ... والحق أن هذه المواضع ینطبق علیها الحکم الأول ، وهو أنها واقعة فی صدر جملتها ؛ فلا یمنع من الحکم لها بالصداره أن یکون لجملتها نوع اتصال معنوی - لا إعرابیّ - بجملة قبلها ؛ کمثال : «حتی» السابق ... «وکلّا» ، فی بعض الأحیان. أما اتصالها الإعرابیّ فیمنع کسرها إن کان ما قبلها محتاجا إلی المصدر المؤول منها مع معمولیها احتیاجا لا مناص منه ، کما سبق.

ص: 591

الحالة الثالثة

جواز الأمرین

(أی : فتح همزة «إنّ» وکسرها.) وذلک فی مواضع ، أشهرها :

1- أن تقع بعد کلمة : «إذا» الدالة علی المفاجأة (1) ، نحو : استیقظت فإذا إن الشمس طالعة ، وفتحت النافذة ، فإذا إن المطر نازل. فالکسر علی اعتبار : «إذا» حرف - تبعا للرأی الأسهل - مع وقوع «إن» فی صدر جملتها الاسمیة المصرّح بطرفیها ؛ بأن یذکر بعدها اسمها وخبرها. والفتح علی اعتبار «إذا» حرف أیضا والمصدر المؤول من «أنّ» مع معمولیها فی محل رفع مبتدأ ، والخبر محذوف ، والتقدیر : استیقظت فإذا طلوع الشمس حاضر ، وفتحت النافذة فإذا نزول المطر حاضر ... ویجوز اعتبار «إذا» الفجائیة ظرف زمان أو مکان أیضا ، خبرا مقدما. والمصدر المنسبک من «أنّ» ومعمولیها مبتدأ مؤخر ، والتقدیر ففی المکان أو فی الوقت طلوع الشمس ، أو نزول المطر ...

2- أن تقع فی صدر جملة القسم ، ولیس فی خبرها اللام ؛ بشرط أن تکون جملة القسم اسمیة ؛ نحو : لعمرک إن الریاء فاضح أهله ، أو فعلیة فعلها مذکور ؛ نحو : أقسم بالله أن الباغی هالک ببغیه. بفتح الهمزة وکسرها فیهما ، (فإن کان فعل القسم محذوفا فالکسر واجب - کما سبق (2) - ؛ نحو : بالله إن الزکاة طهارة للنفس). فالکسر بعد جملة القسم الاسمیة فی المثال الأول هو علی اعتبار : «إنّ» فی صدر جملة ؛ لأنها مع معمولیها جملة الجواب لا محل لها من الإعراب. والفتح هو علی اعتبار المصدر المؤول منصوب علی نزع الخافض ، وشبه الجملة سد مسد جواب (3) القسم ، لا محل له. والتقدیر : لعمرک قسمی علی فضیحة الریاء أهله. وکذلک فی المثال الثانی بعد فعل القسم المذکور ، فالکسر علی اعتبار «إن»

ص: 592


1- أی : هجوم الشیء ووقوعه بغته. والکلام علی : «إذا» الفجائیة وشروطها مدون فی رقم 1 من هامش ص 461.
2- فی رقم 3 من ص 586.
3- إنما سد مسد الجواب ولم یکن الجواب مباشرة لأن جواب القسم لا یکون إلا جملة ولن یترتب علی الخلاف فی التسمیة أثر فی المعنی أو فی المعنی أو فی صیاغة الأسلوب ؛ فهو شکلی محض.

مع معمولیها جملة الجواب لا محل لها ، والفتح علی اعتبار المصدر المؤول مجرورا بحرف جرّ محذوف (1) ؛ والتقدیر : أقسم بالله علی هلاک الباغی ببغیه. ویکون الجار مع المجرور قد سد مسد جملة الجواب ؛ وأغنی عنه - کما سبق -.

3- أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب ، ولیس فی خبرها اللام ، - طبقا لما تقدم بیانه (2) - ؛ نحو : علمت أن الدّین عاصم من الزلل.

4- أن تقع بعد فاء الجزاء (3) ، نحو : من یرض عن الجریمة فإنه شریک فی الإساءة. فکسر الهمزة علی اعتبار «إنّ» مع معمولیها جملة فی محل جزم جواب أداة الشرط : «من». وفتح الهمزة علی اعتبار المصدر المؤول من أن ومعمولیها فی محل رفع مبتدأ ، خبره محذوف ، أو خبر مبتدؤه محذوف. والتقدیر : من یرض علی الجریمة فشرکته فی الإساءة حاصلة ، أو : فالثابت شرکته فی الإساءة ...

ص: 593


1- أی : بتقدیر حرف جر نزع من مکانه وحذف ؛ فنصب الاسم المجرور بعده ، لیکون نصبه بغیر عامل نصب دلیلا علی المحذوف ، هذا تقدیرهم الإعرابی الشائع. ولا مانع أن یکون المصدر المؤول مبتدأ خبره محذوف ، والجملة جواب القسم مباشرة. وأصل جواز الفتح والکسر راجع - کما جاء فی الهمع - إلی الخلاف فی جملة القسم والمقسم علیه ؛ أإحداهما معمولة للأخری فیکون المقسم علیه مفعولا به أو بمنزلة المفعول به لفعل القسم ، أم لا؟ فمن قال : «نعم» فتح ؛ لأن هذا حکم «إن» إذا وقعت مع معمولیها مفعولا به. ومن قال : «لا» ، وأن جملة القسم تأکید للمقسم علیه من غیر عمل فیه ، کسر. ومن جوز الأمرین أجاز الوجهین.
2- فی رقم 5 من ص 587.
3- هی الفاء الواقعة فی صدر جواب الشرط وجزائه ، (أی : فی صدر النتیجة المترتبة علی تحقق فعل الشرط). لیس من اللازم أن تکون هذه الفاء داخلة فی جواب أداة شرط ؛ فقد تکون داخلة علی شیء یشبه الجواب لأداة تشبه الشرط فی العموم والإبهام ؛ کاسم الموصول ، وغیره مما سبق بیانه (فی ص 356) ومن الأمثلة قوله تعالی : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ....) فیجوز فی «أن» الثانیة الفتح أو الکسر. و «ما» موصولة ولیست شرطیة : لأن الشرطیة لها الصدارة فلا تدخل علیها النواسخ ؛ والعائد محذوف ؛ والتقدیر : غنمتموه .. فعلی کسر همزة «إن» تکون جملتها هی الخبر ، وعلی الفتح یکون المصدر المؤول منها مع معمولیها. مبتدأ خبره محذوف ، أی : فکون خمسه لله ثابت ، أو یکون خبرا لمحذوف ، أی : فالواجب کون خمسه لله ، والجملة خبر «إن» الأولی (راجع حاشیة الخضری فی هذا الموضع).

5- أن تقع بعد مبتدأ هو قول ، أو فی معنی القول (1) ، وخبرها قول ، أو فی معناه أیضا ، والقائل واحد ، نحو : قولی : «إنی معترف بالفضل لأصحابه ، وکلامی : إنی شاکر صنیع الأصدقاء». فقولی - وهو المبتدأ - مساو فی مدلوله لخبر «إن» وهو : معترف بالفضل ، وخبر «إن» مساویه فی المدلول کذلک ؛ فهما فی المراد متساویان ، وقائلهما واحد ، وهو : المتکلم.

کذلک : «کلامی» ، مبتدأ ؛ معناه معنی خبر «إن» : (شاکر صنیع الأصدقاء) وخبر «إن» معناه معنی المبتدأ ؛ فالمراد منهما واحد ، وقائلهما واحد. وهمزة «إنّ» فیهما یجوز کسرها عند قصد الحکایة ؛ أی : تردید الألفاظ ذاتها فتکون «إن» مع معمولیها جملة. وقعت خبرا. ومع أنها محکیة بالقول نصا تعرب فی محل رفع خبر المبتدأ ، ویجوز فتح الهمزة ذا لم تقصد «الحکایة» ؛ وأنما یکون المقصود هو التعبیر عن المعنی المصدریّ من غیر تقید مطلقا بنصّ العبارة الأولی المعینة ، ولا بتردید الجملة السابقة بألفاظها الخاصة فیکون المصدر المؤول من أن مع معمولیها فی محل رفع خبر المبتدأ ، والتقدیر : قولی ، اعترافی بالفضل لأصحابه ، وکلامی ، شکری صنیع الأصدقاء.

فإن لم یکن المبتدأ قولا أو ما فی معناه وجب الفتح ، نحو : عملی أنی أزرع الحقل. والمصدر المنسبک خبر المبتدأ. ویجب الکسر إن لم یکن خبر «إن» قولا أو ما فی معناه ، مثل کلمة : «مستریح» فی نحو : قولی إنی مستریح. أو لم یکن قائل المبتدأ وخبر «إن» واحدا ؛ فلا یتساوی مدلول المبتدا والخبر ، ولا یتوافقان. ؛ نحو : کلامی إن المریض یصرخ. ففی هاتین الحالتین یجب کسر الهمزة ، وتکون «إنّ» مع معمولیها جملة فی محل رفع خبر المبتدأ (2) ...

ص: 594


1- الذی فی معنی القول هو ما یدل دلالته من غیر لفظه ؛ مثل : کلام .... ، حدیث ... ، نطق ، ... ولا یراد هنا «للقول» بمعنی : «الظن» وعمله ؛ فقد سبق حکمه فی ص 589 وأنه الفتح
2- ومما سبق نفهم کلام ابن مالک فی جواز الأمرین حیث یقول فی اختصار : بعد إذا فجاءة ، أو قسم لا لام بعده - بوجهین نمی (یرید : نمی (أی : نقل عن السابقین) الوجهان ، هما : لفتح والکسر) بعد إذا فجاءة ، وبعد قسم لالام فی جملة جوابه ، ثم قال : مع تدو «فا» الجزا وذا یطّرد فی نحو : «خیر» القول إنّی أحمد أی : ومع تلو فاء الجزاء ، فکلمة : «مع» معطوفة علی کلمة «بعد» ، التی فی أول البیت السابق بحرف العطف المحذوف ؛ وهو : الواو. یرید : بعد إذا فجاءة ، ومع تلو فاء الجزاء ، ثم قال : إن هذا الحکم بجواز الأمرین مطرد فی کل أسلوب علی شاکلة : «خیر القول إنی احمد» وهی الحالة الرابعة - التی شرحناها. ویلاحظ فی أمثاله أن المبتدأ کلمة ؛ خبر) لیس قولا ، ولکنه مضاف للقول فهو بمنزلته ..

زیادة وتفصیل

ا - سرد بعض النحاة مواضع أخری یجوز فیها الأمران ، ومن الممکن الاستغناء عن أکثرها ؛ لفهمها مما سبق. فمما سردوه.

1- أن تقع «أنّ» مع معمولیها معطونة علی مفرد لا یفسد المعنی بالعطف علیه. نحو : سرّنی نبوغک ، وإنک عالی المنزلة. فیجوز فتح همزة : «أنّ» فیکون المصدر المؤول معطوفا علی نبوغ ، والتقدیر : سرنی نبوغک وعلو منزلتک. والمعنی هنا لا یفسد بالعطف. ویجوز کسر الهمزة فتکون «إن» فی صدر جملة مستقلة. ومثال ما یفسد فیه المعنی بالعطف فلا یصح فتح الهمزة : لی بیت ، وإن أخی کثیر الزروع. فلو فتحت الهمزة لکان المصدر المؤول معطوفا علی «بیت» والتقدیر : لی بیت وکثرة زروع أخی ، وهو معنی فاسد ، لأنه غیر المراد إذا کان المتکلم لا یملک شیئا من تلک الزروع. ومثله ما نقله النحاة : «إن لی مالا. وإن عمرا فاضل» إذ یترتب علیه أن یکون المعنی : إن لی مالا وفضل عمرو. وهو معنی غیر المقصود.

2- أن تقع بعد «حتی» ، فتکسر بعد «حتی» الابتدائیة - کما سبق (1) - فی مثل : تتحرک الریح حتی إن الغصون تتراقص ... لوقوعها فی صدر جملة. وتفتح إذا وقعت بعد «حتی» العاطفة ، أو الجارة ، نحو : عرفت أمورک حتی أنک مسابق ، أی : حتی مسابقتک ، بالنصب علی العطف ، أو بالجر والأداة فیهما : «حتی».

3- أن تقع بعد «أما» (المخففة المیم) ، نحو : أما إنک فصیح ، فتکسر إن کانت «أما» حرف استفتاح وتفتح إن کانت بمعنی : «حقّا» - کما سبق (2) -.

4- أن تقع بعد. لا جرم ، نحو : لا جرم أن الله ینتقم للمظلوم (3).

ص: 595


1- فی ص 591.
2- فی «د» من 586 وفی رقم 5 من هامشها
3- فالفتح علی اعتبار «لا» زائدة ، أو لیست بزائدة ، وإنما هی حرف جواب لنفی المعنی السابق علیها إذا کان المتکلم غیر موافق علیه ، و «جرم» فعل ماض بمعنی : «وجب». والمصدر المؤول من - - أن مع معمولیها فاعل للفعل : «جرم». وهذا إعراب سیبویه وعلیه اقتصر. أما الفراء فیقول : معنی : «لا جرم» «لا بد» فلا نافیة للجنس و «جرم» اسمها ، مبنی علی الفتح فی محل نصب ، والمصدر المنسبک من «أن» ومعمولیها مجرور بحرف جر محذوف ، والخبر محذوف أیضا - وهو متعلق الجار ومجروره - والتقدیر : لا جرم من أن الله ... إلخ. وهو یجیز کسر الهمزة ویقول فی سببه : إن بعض العرب یجریها مجری الیمین ؛ بدلیل وجود اللام فی قولهم : «لا جرم لآتینک» والأحسن فی هذه الحالة أن نعرب «لا» نافیة للجنس و «جرم اسمها متضمنة القسم ، وجملة : «لآتینک» هی : جواب القسم ، وأغنت عن الخبر. (راجع حاشیة الصبان فی هذا الموضع من جواز فتح الهمزة وکسرها) ، وستجیء الإشارة لهذا والإفاضة فی القسم وجوابه - فی موضعه المناسب من الجزء الثانی وهو : باب حروف الجر عند الکلام علی حروف القسم.

5- أن تقع فی موضع التعلیل ، نحو قوله : (إنا کنا ندعوه من قبل ، إنه هو البر الرحیم) قرئ بفتح الهمزة ، علی تقدیر لام التعلیل ؛ أی : لأنه هو البر الرحیم. وقریء بکسر الهمزة علی اعتبار : «إن» فی صدر جملة جدیدة. ومثه قوله تعالی : (وَصَلِّ عَلَیْهِمْ. إِنَّ صَلاتَکَ سَکَنٌ لَهُمْ.) فالفتح علی تقدیر لام التعلیل ، أی : لأن صلاتک سکن لهم ، والکسر علی اعتبار : «إنّ» فی صدر جملة جدیدة ...

6- وقوعها بعد «أی» المفسرة ؛ نحو : سرنی ابتداعک المفید ، أی : أنک تبتکر شیئا جدیدا نافعا.

7- أن تقع بعد حیث الظرفیة ، نحو : أزورک حیث إنک مقیم فی بلدک بفتح الهمزة وبکسرها ، فالفتح علی اعتبار الظرف : «حیث» داخله علی الفرد المضاف إلیه وهو المصدر الأول. والکسر علی اعتبارها داخلة علی المضاف إلیه الجملة ، وهذا هو الأفصح ؛ إذ الأغلب فی «حیث» أن تضاف للجملة.

ص: 596

المسألة 53: لام الابتداء

(1)

، فائدتها ، ومواضعها

حین نقول : أصل الماس فحم ، أو : بعض الحیوانات برّیّ بحریّ - قد یشک السامع فی صدق الکلام ، أو ینکره ؛ فنلجأ إلی الوسائل التی ترشد إلیها اللغة لتقویة معنی الجملة ، وتأکید مضمونها ، وإزالة الشک عنها أو الإنکار. ومن هذه الوسائل تکرار الجملة. لکن التکرار قد تنفر منه النفس أحیانا. فنعدل عنه إلی وسائل أخری لها مزیة التکرار فی تأکید معنی الجملة ، کالقسم ، أو : «إنّ» فنقول : والله أصل الماس فحم. إن بعض الحیوانات برّی بحریّ. أو :لام الابتداء وتدخل علی المبتدأ کثیرا (ولهذا سمیت : لام الابتداء) ، نحو : لرجل فقیر یعمل ، أنفع لبلاده من غنی لا یعمل. لید کاسبة خیر من ید عاطلة. وتدخل علی غیره ، کخبر «إنّ» ، نحو : إنّ أبطال السّلام لخیر من أبطال الحرب. وهکذا باقی الوسائل التی تؤکد مضمون الجملة ، وتقوی معناها.

وهذه اللام مفتوحة ، وفائدتها : توکید مضمون الجملة المثبتة ، وإزالة الشک عن معناها المثبت ؛ بالتفصیل الذی أوضحناه فیما سبق (2) ، وأوضحنا معه آثارها النحویة ، والمعنویة.

ولها مواضع تدخلها جوازا ، وأشهرها ما یأتی :

1- المبتدأ ، کالأمثلة السابقة. وکقول الشاعر :

وللبین خیر من مقام علی أذی

وللموت خیر من حیاة علی ذلّ

2- الخبر المتقدم علی المبتدأ ؛ نحو : لصادق أنت.

3- خبر إنّ (المکسورة الهمزة ، المشددة النون) - دون أخبار أخواتها فی فی الرأی الأصح ؛ نحو : إن الشتاء لفصل النشاط (3) ، وإنه لموسم السیاحة فی بلادنا

ص: 597


1- سبقت الإشارة إلیها والتمثیل لها وبیان آثارها النحویة والمعنویة فی ص 445 لمناسبة طارئة ، ونعود لتفصیل الکلام علیها هنا ؛ مجاراة لکثیر من النحاة ، اختاروا هذا الموضع للتفصیل. ولکن لا غنی عن الرجوع إلی الموضع السابق الذی انفرد ببعض الأحکام.
2- سبقت الإشارة إلیها والتمثیل لها وبیان آثارها النحویة والمعنویة فی ص 445 لمناسبة طارئة ، ونعود لتفصیل الکلام علیها هنا ؛ مجاراة لکثیر من النحاة ، اختاروا هذا الموضع للتفصیل. ولکن لا غنی عن الرجوع إلی الموضع السابق الذی انفرد ببعض الأحکام.
3- قد تسمی فی نحو هذا المثال : باسم اللام «المزحلقة». ولا یعنینا بعد ذلک ما یقولونه فی سبب - - التسمیة من : أن مکانها فی الأصل الصدارة فی الجملة الاسمیة. فلما شغل المکان بکلمة : «إن». ولها الصدارة أیضا ؛ کلام الابتداء. وتفید التوکید مثلها ، وتمتاز بأنها عاملة - تقدمت وزحلقت اللام إلی الخبر. والسبب الحق هو استعمال العرب.

وقول الشاعر :

إنّا - علی البعاد والتّفرّق -

لنلتقی بالفکر إن لم نلتق (1)

ولکن یشترط فی خبر «إنّ» الذی تتصدره لام الابتداء ما یأتی :

أن یکون متأخرا عن الاسم ، فلا یجوز دخولها فی مثل : إن فیک إنصافا ، وإن عندک میلا للحق ؛ وذلک لتقدم الخبر (2).

وأن یکون مثبتا ؛ فلا یصح : إن العمل لما طال بالأمس. أو : إن العمل لما نفعه قلیل. بل یجب حذفها قبل «ما» النافیة وغیرها من أدوات النفی (3) الداخلة علی خبر «إن».

ألا یکون جملة فعلیة فعلها ماض ، متصرف. غیر مقرون بکلمة : «قد (4)» ؛ فلا یصح : «إن الطیارة لأسرعت ... (5)» بل یجب حذف لام الابتداء. فإن

ص: 598


1- وقد أشار ابن مالک إلی هذا الموضع بقوله : وبعد ذات الکسر تصحب الخبر لام ابتداء ، نحو : إنّی لوزر یرید «بذات الکسر» : صاحبة الکسر ، وهی : «إن» المکسورة الهمزة. و «وزر» أی : ناصر وملجأ لمن یستعین بی.
2- عرفنا (فی ص 577) أن الخبر فی هذا الباب لا یتقدم إلا إن کان شبه جملة.
3- مثل : لم ، لن ، لا ، لما ... فدخول لام الابتداء علیه غیر مسموع. وهذا هو التعلیل الصحیح. فوق أن دخولها علی هذه الأدوات المبدوءة باللام یثقل النطق بها.
4- یشترط فی الجملة أیضا ألا تکون شرطیة ؛ لأن هذه اللام لا تدخل علی أداة الشرط ولا علی فعله ولا علی جوابه.
5- فی هذا المثال : «إن الطیارة لأسرعت» یجب حذف اللام علی اعتبارها للابتداء ویجوز إبقاؤها علی أنها فی جواب قسم ، ویجب أن تقوم قرینة دالة علی هذا أو ذاک ، لأن بین المعنیین اختلافا واضحا ؛ وإلا کانت صیاغة الأسلوب غیر مسایرة للمعنی ، فیقع من الفساد فی التعبیر ما یجب توقیه. ویقول النحاة فی التفرقة بین اللامین : إذا جاءت «إن» وبعدها اللام المصاحبة لمضارع مؤکد بنون التوکید أو الداخلة علی الماضی المتصرف الخالی من : «قد». فإن هذه اللام تکون لام قسم مقدر داخلة علی جوابه ، ولیست لام ابتداء ؛ مثل : إن الحازم لیبتعدن عن المساوی - إن الکفء لنال جزاءه والسبب فی الحالة الأولی منع التعارض بین لام الابتداء التی تخلص زمن المضارع للحال - ونون التوکید التی تخلصه للمستقبل. والسبب فی الحالة الثانیة : أن لام الابتداء - والزمن معها للحال - لا تدخل علی الماضی المتصرف الخالی من «قد» ، منعا لتعارض الزمنین بینهما. أما المقترن «بقد» فإنها تقرب زمنه من الحال - کما عرفنا فی ص 49 - فلا یتعارض مع لام الابتداء وهاتان الصورتان یمتنع فیهما کسر همزة : «إن» إذا تقدم علیها عامل یطلب العمل فی موضعها مع معمولیها ؛ تقول : علمت أن الحازم لیبتعد - - عن المساوی. وعلمت أن الکفء لنال جزاءه. لأن هذه اللام - کما سبق - للقسم ، ولیست للابتداء ؛ فهی فی موضعها المتأخر المناسب لها ، غیر ملحوظ فیها التقدیم قبل مجیء : «إن» ذلک التقدیم الذی هو أصلها. بخلافها فی مثل : علمت أن الحازم لمبتعد عن المساوی ؛ فإنها تکسر معها ؛ لأن هذه اللام للابتداء ، وهی من الأدوات التی لها الصدارة ، فتعلق الفعل وتوجب کسر همزة «إن» کشأن ماله الصدارة. وهی مقدمة فی الأصل والنیة ، وإنما تأخرت للعلة السابقة ، وهی : أنها تفید توکید الجملة ، و «إن» کذلک ؛ فبقیت هذه ؛ لأصالتها وقوتها بالعمل ، وتأخرت تلک ؛ کما یقال ، .... وستأتی فروق أخری بین اللامین.

کان الخبر جملة فعلیة فعلها ماض غیر متصرف جاز - فی غیر لیس - دخول اللام وعدم دخولها ؛ نحو : إن القطار لنعم وسیلة السفر ، أو نعم وسیلة السفر ... وإن إسراع السائق لبئس العمل ، أو بئس العمل. بإدخال اللام علی «نعم» ، و «بئس» أو عدم إدخالها ...

وکذلک یجوز إن کان الفعل ماضیا متصرفا ، ولکنه مقرون بکلمة : «قد» فتصحبها اللام أو لا تصحبها ؛ نحو : إن العلم لقد رفع صاحبه ، أو : رفع ... أما إن کان الخبر جملة فعلیة فعلها مضارع مثبت (1) فیجوز دخول اللام علی المضارع المثبت سواء أکان متصرفا أم غیر متصرف تصرفا (2) کاملا ، إلا فی حالة واحدة وقع فیها الخلاف ؛ هی التی یکون فیها مبدوءا بالسین ، أو سوف. فلا یصح - فی الرأی الأحق - أن تقول : «إن الطائرة لستحضر ، أو : لسوف تحضر» بل یجب حذف اللام من هذا المضارع (3) المبدوء بالسین ، أو سوف

ص: 599


1- أما المنفی فالأکثر والأفصح الذی یجب الاقتصار علیه هو عدم دخولها علیه : کقوله تعالی (إِنَّ اللهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ.*)
2- غیر متصرف تصرفا کاملا مثل الفعل : یدع ویذر ، علی الرأی القائل : بأنه لا ماضی لهما ، ولا مصدر. أما المضارع الذی لا یتصرف مطلقا فلا وجود له.
3- لو دخلت علیه لوقع تعارض واضح ، لأن لام الابتداء تجعل زمن المضارع للحال. أما «السین» أو «سوف» فتجعل زمنه للمستقبل ؛ فلو اجتمعتا فی أول المضارع لاجتمع فیه علامتان متعارضتان ؛ إحداهما تدل علی زمنه للحال ، والأخری تدل - فی الوقت نفسه - علی أن زمنه للمستقبل. لکن قد یصح تلاقیهما معا واجتماعهما علی اعتبار آخر ؛ هو : أن تکون اللام للقسم ؛ ففی المثال السابق : إن الطائرة لستحضر ، أو لسوف تحضر ... یکون المعنی : إن الطائرة والله لستحضر ، أو لسوف تحضر ... فاللام لا تجعل زمن المضارع هنا للحال ، وإنما تجعله للمستقبل بقرینة السیاق ، فلا تعارض بینها وبین السین أو سوف - وهذا فرق آخر بین اللامین غیر ما فی الصفحة السابقة ، ومن المهم إدراک الفرق بین الأسلوبین ، فلکل منهما معنی یخالف الآخر ؛ فلیس الأمر مجرد احتیال لإدخال اللام أو عدم إدخالها ، وإنما الأمر الذی له الاعتبار الأول هو المعنی وحده ؛ فإن اقتضی أن یتضمن الکلام قسما جاز إدخال اللام علی الجملة المضارعیة المبدوءة بالسین أو سوف ، الواقعة جوابا. وإن لم یقتض قسما لم یجز إدخال اللام علی تلک الجملة ؛ وإلا کانت اللغة عبثا. وفی شروط الموضوع الثالث من مواضع لام الابتداء یقول ابن مالک باختصار : ولا بلی ذی اللام ما قد نفیا ولا من الافعال ما کرضیا وقد یلیها مه : «قد» ، کان ذا لقد سما علی العدا مستحوذا أی : لا یقع بعد هذه اللام الخبر المنفی ؛ سواء أکان جملة فعلیة أم اسمیة کما مثلنا. وکذلک لا یلیها الخبر إذا کان جملة فعلیة ، فعلها ماض ، مثل : «رضی» فی أنه ماض ، مثبت ، متصرف ، غیر مقرون بکلمة : «قد» فإن کان مقرونا بکلمة : «قد» جاز أن یلیها ؛ مثل : إن ذا لقد سما علی العدا مستحوذا ، أی : غالبا ، مستولیا علی ما یرید.

ومن أمثلة (1) دخولها قوله تعالی فی أهل الدیانات المختلفة : (وَإِنَّ رَبَّکَ لَیَحْکُمُ بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ فِیما کانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ ،) وقوله علیه السّلام : «إن العجب (2) لیأکل الحسنات کما تأکل النار الحطب).

وإن کان الخبر جمیلة اسمیة جاز دخول اللام علی مبتدئها - وهو الأنسب - أو علی خبره ؛ نحو : إنّ الکهربا لأثرها عمیق فی حیاتنا ... أو : إنّ الکهربا أثرها لعمیق فی حیاتنا.

4- معمول خبر «إنّ» بشرطین : أن یکون هذا المعمول متوسطا بین اسمها وخبرها (3) أو غیرهما من الکلمات الأخری التی دخلت علیها «إنّ» ، وأن یکون الخبر خالیا من لام الابتداء ، ولکنه صالح لقبولها. ففی مثل : إن الشدائد مظهرة أبطالا ، وإن المحن صاقلة نفوسا ، یصح تقدیم معمول الخبر مقرونا بلام الابتداء ؛ فنقول : إن الشدائد - لأبطالا - مظهرة ، وإن المحن - لنفوسا - صاقلة. فإن تأخر المعمول لم یجز إدخال اللام علیه ؛ کما فی المثالین السابقین قبل تقدیمه.

وکذلک لا یجوز إدخالها علیه إن کان الخبر مشتملا علیها ، ففی مثل : إن العزیز لیرفض هوانا - لا یصح : إنّ العزیز لهوانا لیرفض (4).

ص: 600


1- سبق بیان موجز عن لام الابتداء ، ومعه بعض هذه الأمثلة فی رقم 2 من هامش ص 445.
2- الکبر والاختیال.
3- سواء أتقدم الاسم کالأمثلة المذکورة ، أم تقدم الخبر شیه الجملة نحو : إن عندی لفی البیت ضیوفا ویجوز أن یتقدم علی المعمول المقرون باللام معمول آخر خال منها ؛ نحو : «إن عندی لفی الحدیقة ضیفا قاعد». فالمراد : أن یتوسط المعمول المقترن باللام بین الألفاظ الواقعة بعد «إن».
4- ولا یجوز دخولها أیضا علی المعمول المتقدم إن کان حالا ؛ ففی مثل : إن السائح قد عاد إلی بلده مسرورا ، لا یصح : إن السائح لمسرورا قد عاد إلی یلده. ومثله ، التمییز والمستثنی ، والمفعول معه دون باقی المعمولات. وکل هذا هو أنسب الآراء.

وکذلک لا یجوز إدخالها علیه إن کان الخبر الخالی منها غیر صالح لها ؛ کأن یکون جملة فعلیة ، فعلها ماض ، متصرف ، غیر مقرون بکلمة «قد» ؛ ففی مثل : إنّ الحرّ رضی کفاحا - لا یصح أن نقول : إن الحرّ لکفاحا رضی.

5- ضمیر الفصل (1) ؛ نحو : إن العظمة لهی الترفع عن الدنایا ، وإن العظیم لهو البعید عن الأدناس. وإذا دخلت علی ضمیر الفصل لم تدخل علی الخبر.

6- اسم «إن» بشرط أن یتأخر ویتقدم علیه الخبر (2) شبه الجملة ؛ مثل : إن أمامک لمستقبلا سعیدا ، وإن فی العمل الحرّ لمجالا واسعا ، وقول الشاعر یخاطب زوجته :

إن من شیمتی لبذل تلادی (3)

دون عرضی. فإن رضیت فکونی (4)

وإذا دخلت علی الاسم المتأخر لم تدخل علی الخبر (5).

ص: 601


1- سبق تفصیل الکلام علی معناه وحکمه وکل ما یتصل به فی باب الضمیر ص 226 وهو هنا یتوسط بین اسم «إن» وخبرها.
2- وقد یبقی الخبر متأخرا ولکن یتقدم معموله علی الاسم ، نحو : إن فی الدار لضیفا منتظر.
3- مالی الأصیل الذی لیس طارئا.
4- فداومی علی حیاتک معی.
5- وقد أشار ابن مالک إلی الموضع الرابع والخامس والسادس بقوله : وتصحب الواسط : معمول الخبر والفصل ، واسما حلّ قبله الخبر یرید أن لام الابتداء تدخل علی الواسط ؛ أی : المتوسط. إذا کان معمولا لخبر «إن» وبعباره أخری : تدخل لام الابتداء علی معمول الخبر إذا کان المعمول متوسطا بین اسم إن وخبرها ، أو بین غیرهما مما یقع بعدها. وکذلک تدخل الفصل ، أی : ضمیر الفصل ... وتدخل اسم «إن» بشرط أن یحل الخبر قبله ، بمعنی : یتقدم علیه. ثم أشار بعد ذلک إلی بیت سبق شرحه فی مکان أنسب (ص 575) هو : ووصل : «ما» بذی الحروف مبطل إعمالها. وقد یبقّی العمل یرید : أن اتصال : «ما» التی هی حرف زائد - بهذه الحروف الناسخة ، - غیر الحرف : لیت - یبطل عملها فقط دون معناها ، ومتی بطل عملها صارت غیر مختصة بالدخول علی الجمل الاسمیة ، فتصلح للدخول علیها وعلی الجمل الفعلیة أیضا. (ولا بد من وصلها فی الکتابة بالحرف الذی قبلها). ولکن العمل قد یبقی فی : «لیت» وحدها ، علی القول الأرجح الذی یحسن الاقتصار علیه ؛ فیجوز فی «لیت» التی بعدها «ما» الحرفیة الزائدة - أن تکون عاملة ، وأن تکون مهملة. وهی فی الحالتین لا تدخل إلا علی الجملة الاسمیة - کما سبق - و «ما» الزائدة هذه تسمی : «ما» الکافة. - لأنها کفت - أی : منعت - تلک الحروف عن العمل. ولا تقع بعد «لا» التی للجنس ، ولا «عسی» التی بمعنی : لعل.

المسألة 54: حکم المعطوف بعد خبر

اشارة

«إن» وأخواتها ،

وحکمه إذا توسط بین المعمولین

إن الأقمار دائرت فی الفضاء ، والشموس.

إنّ الشعر محمود فی مواطن - والنثر.

إنّ الإهمال مفسد للأعمال - والجهل.

إنّ الحدید دعامة الصناعة - والنّفط

کیف نضبط الأسماء التی تحتها خط ، وهی : (الشموس - النثر

- الجهل - النّفط ...) وأشباهها من کل اسم تأخر عن «إن» ومعمولیها ، وکان معطوفا

علی اسمها (1) ........

یجوز أمران ، النصب والرفع. ویکفی معرفة هذا الحکم من غیر تعلیل (2). وبالرغم من جواز الأمرین فالنصب هو الأوضح والأنسب (3) ؛ لموافقته الظاهریة لاسم «إنّ» ، أی : للمعطوف علیه ؛ فلا عناء معه ولا شبهة.

فإن تأخر خبر «إنّ» وتوسط ذلک المعطوف بینه وبین اسمها - فالأحسن اتباع الرأی القائل بجواز الأمرین أیضا ، وبعدم وجوب النصب (4). ومع عدم وجوبه فهو الأوضح والأنسب ؛ کما سبق.

ص: 602


1- قد یکون العطف علی غیر اسمها مع بقاء الحکم الآتی ؛ وهو ؛ جواز النصب والرفع کما سنعرف.
2- لا داعی للاهتمام بتعلیله ، وبمعرفة الآراء المختلفة فی سبب النصب والرفع ؛ إذ المقصود الأول من النحو ضبط الألفاظ ضبطا صحیحا یوافق المعنی. وهذا الغرض یتحقق هنا بمعرفة الحکم السالف ، والاکتفاء به ، لأنه مستنبط من الکلام العربی الأصیل. وحسب المتعلمین هذا.
3- وحبذا الاقتصار علیه فیما ننشیء من أسالیب ؛ فتسایر الضبط الواضح ، الذی یسهل إدراک سببه وتوجیهه. وما یقال فی عطف النسق من جواز الأمرین وإیثار النصب ، یقال فی النعت ؛ وعطف البیان ، والتوکید ، والبدل ؛ مثل : إن محمودا ، قائم الفاضل - أو : إن محمودا ، قائم أبو البرکات أو : أبا البرکات ، أو إن محمودا ، قائم نفسه ، أو : إن الرایتین قد استحسنتهما ، ألوانهما - بالنصب والرفع فی کل الأمثلة السالفة ؛ متابعة للرأی الأحسن.
4- وقد تعرض ابن مالک للحالة الأولی وحدها ؛ وهی حالة العطف بعد مجیء الخبر ، فقال وجائز رفعک معطوفا علی منصوب «إنّ» بعد أن تستکملا أی : إذا استکملت «إن» معمولیها جاز العطف علی اسمها - إن اقتضی المعنی ذلک - ویصح فی هذا المعطوف أن یکون منصوبا ، أو مرفوعا ، أما سبب النصب والرفع فیجیء اللام علیه فی هامش الصفحة التالیة.

وفیما یلی بعض الأمثلة :

إن القاهرة ودمشق حاضرتان عظیمتان إن مکة والمدینة

بلدان مکرّمان إنّ العدالة والنصفة کفیلتان بالأمن والرخاء إن الظلم والاستبداد

مؤذنان بخراب العمران

من التیسیر الحسن إجازة النصب والرفع فی کل کلمة من

: (دمشق - المدینة - النصفة - الاستبداد ...) وأشباهها ، مع الاقتصار ، علی

معرفة هذا الحکم دون تعلیله

فیکون الحکم فی الحالتین واحدا والقاعدة مطردة (1) ، سواء أکان المعطوف متقدما علی الخبر متوسطا بینه وبین الاسم ، کهذه الأمثلة ، أم متأخرا عنهما معا ، کالأمثلة الأولی.

ص: 603


1- فتنطبق - فی یسر ووضوح - علی الحالتین السالفتین ، وعلی أحوال أخری أتعبت کثرة النحاة فی توجیهها ، لعدم أخذهم بهذه القاعدة السلیمة ، فلو أن هذه الکثرة لم تشدد بغیر داع لاستراحت وأراحتنا من التعقید المتعب. ولم یختلف النحاة فی حکم الحالة الأولی التی یقع فیها المعطوف متأخرا عن : «إن» ومعمولیها ، وإنما اختلفوا فی تعلیل النصب والرفع ، وفی توجیه کل منهما ؛ وهو خلاف تشعبت الأدلة فیه. ولما کانت الغایة المقصودة هی - کما قلنا - معرفة الحکم نفسه ، وقد عرفناه ، فلا حاجة بعده لاحتمال مشقة التعلیل. وبالرغم من هذا نلخصه فی وضوح ودقة للمتخصصین : تعلیل النصب عند تأخر المعطوف عن الخبر والاسم معا : فی المثال الأول (إن الأقمار دائرات فی القضاء ، والشموس) یجوز أن تکون «الشموس» بالنصب معطوفة علی «الأقمار» منصوبة مثلها. و «دائرات» خبر عن المعطوف مع المعطوف علیه. فأصل الکلام «إن الأقمار والشموس دائرات فی الفضاء» فالعطف من نوع عطف الکلمة الواحدة علی الکلمة الواحدة ؛ ویسمونه : «عطف المفرد علی المفرد» ، کما فی نحو : «إن الرسم والتصویر لغتان عالمیتان» بعطف کلمة : «التصویر» علی کلمة الرسم. ویجوز أن یکون أصل الکلام : إن الأقمار دائرات ، فی الفضاء ؛ وإن الشموس دائرات ... فحذفت «إن» الثانیة مع خبرها لدلالة ما قبلها علیها (وقد سبق فی ص 580 الإشارة إلی هذا الحرف وصوره) أحواله) وکلمة : «الشموس» اسم «إن» المحذوفة مع خبرها ؛ فتکون الجملة الاسمیة الثانیة المکونة من «إن» المحذوفة ومن اسمها وخبرها ، معطوفة علی الجملة الاسمیة الأولی المکونة من «إن» المذکورة ومعمولیها. والعطف هنا عطف جملة علی جملة (راجع ص 67 من الجزء الثامن من شرح المفصل) وهذا هو الإعراب الدقیق. لکن من التیسیر فی مثل هذه الصورة إعراب «الشموس» معطوفة علی اسم «إن» مباشرة مع إرادة التقدیر السالف. وفی المثال الثانی : (إن الشعر محمود فی مواطن ، والنثر) - یجوز فی کلمة : «النثر» النصب ولکن علی اعتبار أنها اسم «إن» المحذوفة مع خبرها ؛ فأصل الکلام ؛ إن الشعر محمود فی مواطن وإن النثر محمود فی مواطن .. فحذفت «إن» الثانیة مع خبرها ، والعطف هنا عطف جملة اسمیة (مکونة من «إن» الثانیة ومعمولیها) علی الجملة الاسمیة السابقة المکونة من «إن» المذکورة ومعمولیها. ولا یصح فی هذا المثال ما صح فی سابقه من عطف المفرد علی المفرد (بعطف کلمة : «النثر» علی کلمة : «الشعر» التی هی اسم «إن») ؛ لأن العطف علی اسم «إن» مباشرة یؤدی هنا إلی تقریر مرفوض ، إذ یجعل أصل الکلام : إن الشعر والنثر محمود فی مواطن. فیقع الخبر غیر مطابق ؛ لأنه مفرد ، واسم إن مع ما عطف علیه متعدد فی حکم المثنی ، فتضیع المطابقة اللفظیة الواجبة بین المبتدأ والخبر ، أو : بین ما أصله المبتدأ والخبر ؛ إذ لا یصح أن یقال : «إن الهواء والماء ضروری للحیاة بإعراب کلمة : «الماء» معطوفة علی : «الهواء» - - عطف مفردات ... وهذا یقال أیضا فی المثال الثالث : (إن الإهمال مفسد للأعمال والجهل) فالنصب جائز علی اعتبار عطف الجملة علی الجملة ؛ فیکون التقدیر : إن الإهمال مفسد للأعمال وإن الجهل مفسد ... ولا یصح أن یکون عطف مفرد علی مفرد ؛ کی لا یؤدی إلی عدم المطابقة اللفظیة ؛ بجعل التقدیر : إن الإهمال والجهل مفسد للأعمال ... وهکذا کل أسلوب آخر یشبه هذا الأسلوب. أما حیث لا مانع من عطف المفردات فیجوز مراعاته ، أو مراعاة عطف الجمل کما فی المثال الأول ... تعلیل الرفع عند تأخر المعطوف أیضا عن الخبر والاسم معا : یری بعضهم أن سبب الرفع فی کلمة : (الشموس - النثر - الجهل - النفط) وأشباهها - هو اعتبار کل واحدة منها ، مبتدأ خبره محذوف ، یفسره خبر «إن» والجملة الاسمیة التالیة ، المکونة من المبتدأ وخبره المحذوف معطوف علی الجملة الاسمیة الأولی المکونة من «إن» ومعمولیها ، فأصل الکلام إن الأقمار دائرات (والشموس دائرات) - إن الشعر محمود فی مواطن (والنثر محمود فی مواطن ...) وهکذا ... فالعطف عطف جملة علی جملة. ویری آخرون أن هذه الکلمات المرفوعة معطوفة علی الضمیر المستتر فی خبر «إن» وخاصة إن کان الخبر مشتقا وبینه وبین المعطوف فاصل ، لأن الخبر المشتق یحوی الضمیر المستتر بغیر تأویل ، ولان وجود الفاصل یرضی القائلین بأنه : لا یجوز العطف علی الضمیر المرفوع المتصل - ومنه المستتر - المستر إلا مع فاصل بین المعطوف والمعطوف علیه (وهو الضمیر). فکلمة. «الشموس» یجوز رفعها ؛ لأنها معطوفة علی الضمیر المستتر فی «دائرات» وتقدیر الضمیر : هی. والفاصل بینهما موجود. وکلمة. «النثر» یجوز رفعها باعتبارها معطوفة علی الضمیر المستتر فی کلمة : محمود ، وتقدیره : هو. والفاصل موجود أیضا. وکلمة : «الجهل» معطوفة علی الضمیر المستتر فی کلمة : «مفسد». وتقدیره : هو ، والفاصل موجود ، وهکذا ... فالعطف عطف مفردات. ویری فریق ثالث أن العطف إنما هو علی اسم «إن» مباشرة ؛ باعتباره فی الأصل مبتدأ مرفوعا قبل مجیء الناسخ ؛ فیجوز الرفع مراعاة لذلک الأصل بشرط ألا یتعارض مع المطابقة المطلوبة بین معمولی إن. ولکل فریق من الثلاثة - وغیرهم - أدلة فی تأیید مذهبه ، وفی الرد علی معارضیه. لکن الحق أن کثیرا من الأسالیب العربیة الفصیحة ینطبق علیها بعض الآراء دون بعض. * * * ننتقل بعد ذلک إلی الحالة الثانیة التی یتأخر فیها الخبر ویتقدم علیه المعطوف ؛ فیتوسط بینه وبین اسم «إن». وقد قلنا : إنه یجوز فیها الرفع والنصب أیضا. ولو لم نأخذ بهذا الرأی لوقعنا فی لجة غامرة من التمحل ، والجدل ، والتأویل الذی لا خیر فیه ، والذی یمتد إلی القرآن الکریم ، والکلام الفصیح من غیر داع مستساغ. وتوجیه النصب هنا یحتاج لمزید من الیقظة والإدراک ، کما سیتبین مما یأتی : تعلیل النصب : فی مثل : (إن القاهرة ودمشق حاضرتان ...) یجوز نصب «دمشق» علی اعتبار واحد هو أنها معطوفة علی اسم «إن» المنصوب ، والخبر هو : «حاضرتان» فالعطف عطف مفرد علی مفرد ، ولا یجوز أن یکون عطف جملة علی جملة بإعراب «دمشق» منصوبة اسم «إن» المحذوفة مع خبرها الذی یدل علیه خبر «إن» الموجودة ؛ إذ یکون التقدیر : إن القاهرة حاضرتان - وإن دمشق حاضرة - فتختل المطابقة اللفظیة. هذا إلی أننا سنعطف جملة علی جملة لم تکمل ولم تتم. والأمران ممنوعان. ولو أعربنا کلمة «حاضرتان» خبر «إن» المحذوفة لکان التقدیر : «إن القاهرة حاضرة وإن دمشق - - حاضرتان» وهو فاسد ؛ لاختلال المطابقة اللفظیة ، کفساده فی مثل : محمود وصالح غائبان ، فلو أعربنا کلمة. «صالح» مبتدأ خبره محذوف - لکان التقدیر : محمود - وصالح غائب - غائبان ... والفساد واضح هنا کوضوحه لو أعربنا کلمة : «صالح» مبتدأ ، خبره کلمة : «غائبان» والتقدیر : محمود غائب وصالح غائبان. والأمر بالعکس لو قلنا : إن القاهرة ودمشق حاضرة ، إذ یصح أن تکون دمشق منصوبة إما : علی اعتبارها اسم «إن» المحذوفة ، وحدها ، وکلمة : «حاضرة» المذکورة خبرها. ویکون خبر «إن» المذکورة محذوف تقدیره : عاصمة. مثلا -. فالأصل : إن القاهرة عاصمة ... وإن دمشق حاضرة ؛ فالجملة الاسمیة الثانیة معطوفة علی الجملة الاسمیة الأولی. والعطف عطف جمل ، ولا یصح أن یکون عطف مفردات ؛ لما یترتب علیه من تقدیر یجعل أصل الجملة : «إن القاهرة ودمشق حاضرة» فتختل المطابقة اللفظیة - کما تختل فی مثل : حامد وأمین قائم - بعطف أمین علی : «حامد» - ؛ فیقع المفرد خبرا عن المثنی أو ما فی حکمه ؛ وهذا ممنوع. وإما علی اعتبارها اسم «إن» المحذوفة مع خبرها أیضا. وأصل الکلام : إن القاهرة حاضرة وإن دمشق «حاضرة» فتقدمت الجملة الثانیة ، واعترضت بین اسم «إن» الأولی وخبرها ، فهی جملة معترضة ، ولیست معطوفة ؛ إذ لا یصح عطف جملة علی جملة إلا بعد أن تتم الجملة الأولی ، وهی المعطوف علیها. ومما سبق نعرف أن النزول علی حکم المطابقة اللفظیة أمر محتوم ؛ فحیث تحققت وتحکمت - کالمثال الأولی - وجب اعتبار العطف عطف مفردات ، وحیث اختلت - کالمثال الثانی - وجب اعتباره عطف جمل ، أو اعتبار الجملة الثانیة غیر معطوفة ، وإنما هی جملة معترضة تقدمت من تأخیر ففصلت بین اسم إن وخبرها. وقد تکون مستأنفة إن اقتضی المعنی ذلک. تعلیل الرفع : فی المثال الأول ونظائره من نحو : إن العدالة والنصفة کفیلتان بالأمن والرخاء ، یجوز رفع کلمة : «النصفة» علی أنها معطوفة علی اسم «إن» باعتبار أصله مبتدأ مرفوعا قبل مجیء الناسخ ، والخبر هو کلمة «کفیلتان» ، فالعطف عطف مفردات لمطابقة الخبر لاسم «إن» مع المعطوف. ولا یصح أن یکون عطف جمل ، بإعراب کلمة : «النصفة» مبتدأ خبره محذوف ، لما یلزم علیه من فساد الأسلوب لفساد المطابقة ؛ کما شرحنا. ولما یلزم علیه أیضا من عطف جملة علی جملة أخری لم تکمل. فلو قلنا : إن العدالة والنصفة کفیلة بالأمن والرخاء ، لجاز الرفع علی اعتبار کلمة : «النصفة» مبتدأ خبره ، کلمة : «کفیلة» الموجودة ، وخبر «إن» محذوف. - بعد اسمها - تقدیره : کفیلة أو ضامنة ... أو ... ، وتقدیر الکلام : إن العدالة کفیلة بالأمن ، والنصفة کفیلة بالأمن. فیکون الکلام عطف جملة اسمیة لاحقة علی نظیرتها السابقة ، کما یجوز إعراب کلمة : «کفیلة» الموجودة خبر «إن». أما خبر المبتدأ فمحذوف تقدیره : کفیلة - مثلا - فتکون الجملة المکونة من المبتدأ والخبر جملة اعتراضیة بین اسم «إن» وخبرها ، ولا یجوز أن تکون معطوفة ؛ لما سبق من أنه لا یجوز عطف جملة علی جملة إلا بعد أن تتم الأولی وهی التی عطف علیها. هذا ولا اعتداد برأی من یرفض الرفع فی الصور التی لا مطابقة فیها - وغیرها - فیمنع أن یقال : إن العدالة والنصفة کفیلة ... کما یمنع أن یقال : إن محمدا وعلی قائم. فلو أخذنا برأیه لاعترضتنا أمثلة ناصعة الفصاحة من القرآن الکریم. والکلام العربی الصحیح ، ولم نجد بدا من التمحل المعیب ، والتأویل البغیض. وکیف یوجب کثیر من النحاة النصب. وحده - عند العطف بعد الاسم وقبل مجیء - - خبر «إن» مع مجیء الرفع فی قوله تعالی : (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا ، وَالَّذِینَ هادُوا ، «وَالصَّابِئُونَ ، وَالنَّصاری - مَنْ آمَنَ بِاللهِ ...؟) فکلمة الصابئون : وقعت بعد العاطف وقبل خبر «إن» وهو : «من آمن» واسم «إن» هو کلمة : «الذین» ومثلها قراءة من قرأ قوله تعالی : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَی النَّبِیِّ ...) برفع کلمة «ملائکة» بعد العاطف وقبل خبر «إن» وکذلک قول الشاعر : فمن یک أمسی بالمدینة رحله فإنّی وقیّار بها لغریب فکلمة «قیار» (وهی اسم حصان الشاعر) مرفوعة بعد العاطف وقبل خبر «إن». وغیر هذا من الشواهد المتعددة. کیف یقبلون أن تؤول الآیة لتطابق القاعدة ولا یتصرفوا فی القاعدة تصرفا صریحا یسایر الآیة ، مع اعتقادهم أن القرآن أفصح کلام عربی وأعلاه؟ ولم التمحل فی الأمثلة العربیة الأخری - وهی کثیرة - وترک القاعدة بغیر إصلاح؟ وهل یصیر الأسلوب الفاسد صالحا بمجرد التأویل والنیة الخفیة من غیر تغییر یطرأ علی ظاهره؟ ثم هم لا یبیحون التأویل إلا فی الأمثلة المسموعة التی تخالف قاعدتهم ، أما الأمثلة التی هی من کلام المحدثین ففاسدة - فی رأیهم - فسادا ذاتیا ؛ فلا یجوز قبولها ، ولا التماس التأویل فیها. وهم یؤولون المرفوع فی الأمثلة السالفة وأشباهها بما نعتبره حکما عاما غیر مقصور علی الوارد المسموع ، فیؤولون المرفوع فی الآیة الأولی وفی البیت بأنه مبتدأ - خبره محذوف ، والجملة معترضة - بین اسم إن وخبرها ، لتقدم المبتدأ وخبره عن مکانهما ، وتوسطهما بین اسم «إن» وخبرها. فأصل الآیة - عندهم : (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا) - (وَالصَّابِئُونَ) کذلک - (من آمن منهم) - وأصل البیت : فإنی - وقیار غریب - لغریب ویفضلون أن تکون الجملة فی المثالین اعتراضیة لا معطوفة ، فرارا من العطف قبل تمام الجملة المعطوف علیها ، إن جعل من عطف الجمل ، وفرارا من تقدم المعطوف علی المعطوف علیه إن عطف المرفوع علی الضمیر المستتر فی الخبر فهم یؤولون البیت بتأویل الآیة الأولی وحدها فیجعلون کلمة : «غریب» المشتملة علی لام الابتداء خبر «إن» ولا یجعلونها خبرا لکلمة «قیار» لأن دخول لام الابتداء علی خبر المبتدأ ضعیف. فخبره هنا محذوف ؛ والتقدیر «وقیار غریب» أو «وقیار مثلی» والجملة منهما اعتراضیة. أما فی الآیة الثانیة فیلتمسون تأویلا آخر ، فیجعلون خبر «إن» هو المحذوف ، ویجعلون الاسم المرفوع مبتدأ خبره المذکور بعده ، والتقدیر عندهم : إن الله یصلی علی النبی ، وملائکته یصلون علی النبی ، إذ لا یصلح فی هذه الآیة التقدیر الأول الذی صلح لسابقتها ، لما یترتب علیه من أن یکون التقدیر ؛ إن الله یصلون علی النبی ؛ فتختل المطابقة اللفظیة بین اسم «إن» وخبرها ، وهی لازمة کما قلنا ، فإن لم یوجد ما یعین أحد التأویلین فهما - عندهم - جائزان. کل هذا عناء لا مسوغ لاحتماله ، یریحنا منه الأخذ بالرأی الذی یبیح الأمرین الرفع والنصب بالتوجیه الذی شرحناه ، فوق ما فیه من راحة أخری ؛ إذ یجعل القاعدة واحدة مطردة ؛ فیسوی بین العطف بعد مجیء خبر «إن» وقبل مجیئه. علی أننا نقول : حسب الناس فی المسألة السابقة أن یحاکوا أسالیب القرآن ، والکلام العربی الفصیح ، فلا نرهقهم بالتأویلات المختلفة وفهمها. ومن شاء أن یؤول کلامهم بعد قبوله کما أؤل القرآن ، فلیفعل. وعلی ضوء ما سبق یمکن الوصول إلی حکمین : أولهما : فساد الترکیب فی مثل : «إن محمدا وإن علیا منطلقان ؛ لاشتماله علی خبر واحد لمتعاطفین ، تکررت فیهما «إن» فیکون معمولا لعاملین مختلفین ، هما : «إن» الأولی و «إن» الثانیة - - وهو بهذه الصورة غیر جائز (راجع الهمع ج 1 ص 135). ثانیهما - توجیه الأسلوب الآتی - تطبیقا علی سبق - : «إن رجلا وغلاما حاضران». فکلمة «غلاما» منصوبة علی أنها معطوفة عطف مفردات علی اسم «إن» المنصوب لفظه. ولو قلنا : إن رجلا وغلام حاضران ، لکانت کلمة «غلام» مرفوعة ؛ لأنها معطوفة عطف مفردات علی اسم «إن» باعتبار أصله المبتدأ قبل أن یصیر اسم «إن» وکلمة : «حاضران» هی الخبر فی الحالتین ؛ لأنها مثنی ؛ فهی مطابقة للمعطوف والمعطوف علیه معا. أما إذا لم تطابق فی مثل : إن رجلا وغلاما حاضر. ترید : إن رجلا حاضر ، وإن غلاما حاضر ، مع قیام قرینة تدل علی هذا المراد - فالأصول اللغویة العامة لا تمنع هذا الأسلوب ؛ وإن منعته طائفة نحویة - ؛ فیصح أن تکون کلمة. «حاضر» خبر «إن» المذکورة. وکلمة «غلاما» اسم «إن» المحذوفة مع خبرها ، والجملة الثانیة معترضة. وکذلک إن لم یتطابق فی مثل : إن رجلا وغلام حاضر. فکلمة «حاضر» خبر «إن» المذکورة «وغلام» مبتدأ خبره محذوف والتقدیر : إن رجلا حاضر ، وغلام حاضر ، وتکون الجملة الثانیة معترضة - أیضا - بین اسم إن وخبرها. ویجوز فی المثال الأول : (إن رجلا وغلاما حاضر) اعتبار کلمة : «حاضر» خبر «إن» محذوفة وحدها. وخبر المذکورة محذوف أیضا ، والجملة الثانیة معطوفة علی الأولی عطف جمل. ومما یجب التفطن له أن کل واحد من هذه الاعتبارات لا یصح الالتجاء إلیه بداعی التمحل المحض فی تصحیح کلمة لم یتضح فی السیاق مرماها المعنوی ، ولا مهمتها فی توضیح المراد ولا یصح ، تلمس التصویب لمن نطق بها عفوا ، علی غیر هدی لغوی یؤدی إلی المعنی المقصود ؛ وإلا صارت اللغة لعبا ولهوا. وإنما نلجأ إلیه حین یکون هو الوسیلة لتحقیق المعنی المراد ؛ لقیام قرینة تفرضه وتأبی سواء. وبالرغم من الاعتبارات السالفة فمن الحکمة ألا نلجأ إلی استعمال تلک الأسالیب ما وجدنا مندوحة للبعد عنها. ومن الخیر أن نکتفی فی العطف علی اسم «إن» بضبط المعطوف منصوبا فقط ، سواه. أکان العطف قبل مجیء الخبر أم بعده ، لأن هذا هو المسلک الظاهر ، والنهج الواضح الذی یعد اتباعه من أهم مقاصد البلغاء. ما لم یوجد مقصد أسمی یدعو للعدول عنه ؛ کاقتضاء المقام أن یکون العطف عطف جمل ، لا عطف مفردات ؛ لأن الأول یؤدی غرضا غیر الذی یؤدیه الثانی.

ص: 604

ص: 605

ص: 606

ص: 607

هذا (1) ، وکل ما قیل فی حکم المعطوف بعد استکمال «إن» خبرها ، وقبل استکمالها - یقال أیضا بعد حرفین من أخواتها ، هما : أنّ (المفتوحة الهمزة ، المشددة النون) و «لکنّ» المشددة النون ، سواء أکان العطف قبل استکمالهما الخبر أم بعده ، فالحروف الثلاثة الناسخة : (إنّ - أنّ - لکنّ) مشترکة فی الحکم السالف. تقول : علمت أنّ طائرة مسافرة وسیارة ، أو علمت أن طائرة وسیارة مسافرتان ، ینصب کلمة : «سیارة» ورفعها ، مع تقدمها علی الخبر وحده ، أو تأخرها عنه. کما تقول الفواکه کثیرة فی بلادنا ، لکنّ التفاح قلیل. والبرقوق. أو لکنّ التفاح والبرقوق قلیلان ، بنصب کلمة : «البرقوق» أو رفعها مع التقدم علی الخبر وحده أو التأخر عنه.

أما «لیت» و «لعل» و «کأن» فلا یجوز معها فی المعطوف إلا النصب ؛ سواء أوقع بعد استکمالها الخبر أم قبل استکمالها. مثل : لیت الأخ حاضر والصدیق ، أو لیت الأخ والصدیق حاضران ؛ بنصب کلمة : «الصدیق» فی الحالتین. ومثل : لعل العلاج مفید والدواء ، أو : لعل العلاج والدواء مفیدان. بنصب کلمة : «الدواء» فیهما. ومثل : لیت الصحة دائمة والثروة ، أو : لیت الصحة «والثروة» دائمتان. بنصب کلمة : الثروة فیهما (2).

ص: 608


1- فی المسألة التالیة ما فی سابقتها من کثرة الخلاف ، والتشعیب ؛ بحیث یصعب استخلاص حکم یسایر أصفی الأسالیب الفصیحة ، وأدق الأحکام اللغویة العامة ، وقد أثبتنا فی المسألتین ما استصفیناه.
2- وفیما سبق یقول ابن مالک : وألحقت بإنّ «لکنّ» ، و «أن» من دون «لیت» ، و «لعل» وکأن أی : ألحق «بإن» فی الحکم السابق الخاص بالعطف - حرفان من أخواتها ؛ وهما : «أن» (المفتوحة الهمزة ، المشددة النون) و «لکن» ، بتشدید النون ، وخالفها ثلاثة أخری ؛ هی : «لیت» و «لعل» ، و «کأن» وقد فصلنا ذلک الحکم. وفی بیت ابن مالک خففت النون فی «أن» و «کأن» لضرورة الشعر التی جعلت النون ساکنة فیهما.

ونستخلص مما تقدم :

ا - أن المعطوف علی اسم من أسماء هذه الحروف الناسخة یجوز فیه النصب مطلقا ، (أی : سواء أکان الحرف الناسخ هو : «إن» أم غیره من أخواته ؛ وسواء أکان العطف بعد استکماله الخبر أم قبل استکماله ومجیئه) إلا «لا» الجنسیة فللعطف علی اسمها أحکام خاصة تجیء فی بابها (1).

ب - امتیاز : إنّ ، وأنّ ، ولکنّ - دون أخواتها - بجواز شیء آخر هو صحة رفع المعطوف علی اسمها ؛ سواء أکان المعطوف متوسطا بین الاسم والخبر أم متأخرا عن الخبر.

ص: 609


1- ص 637.

المسألة 55: تخفیف الحروف المشددة الناسخة

اشارة

(1) : (إنّ ، أنّ ، کأنّ ، لکنّ)

فأما «إنّ» (المکسورة الهمزة ، المشددة النون) فیجوز فیها التخفیف بحذف النون الثانیة المفتوحة ، وإبقاء الأولی ساکنة. وعندئذ تصلح «إن» للدخول علی الجمل الاسمیة والفعلیة ، بعد أن کانت مع التشدید مختصة بالنوع الأول.

(ا) فإن خففت ودخلت علی جملة اسمیة جاز إبقاء معناها وعملها وسائر أحکامها التی کانت لها قبل التخفیف (2) ، وجاز إبقاء معناها دون عملها فتصیر مهملة ملغاة. مثل : إن جریرا لشاعر أمویّ کبیر ، أو : إن جریر لشاعر أموی کبیر. ومثل : إن أبا حنیفة لإمام عظیم ، أو : إن أبو حنیفة لإمام عظیم. بنصب کلمتی. جریرا و «أبا» علی الإعمال ، وبرفعهما علی الإهمال ... وإهمالها أکثر فی کلام العرب ، ویحسن - الیوم - الاقتصار علیه.

وإذا أهملت - مع دخولها علی جملة اسمیة - وجب مراعاة ما یأتی :

1- أن یکون اسمها قبل إهمالها - اسما ظاهرا لا ضمیرا ؛ مثل : إنّ بغداد لبلد تاریخی مشهور.

2- أن تشتمل الجملة التی بعدها علی لام الابتداء ؛ لتکون رمزا للتخفیف ، ودالة علی أنها لیست النافیة ، ولذا قد تسمی : اللام الفارقة (3) ؛ لأنها تفرق بین المخففة والنافیة ؛ مثل : إن تونس لرجالها عرب. ویجوز ترکها والاستغناء عنها متی وجدت قرینة واضحة تقوم مقامها فی تبیین نوع «إن» ، وأنها المخففة.

ص: 610


1- هذا هو البحث الذی أشرنا فی رقم 3 من هامش ص 570.
2- إلا العمل فی الضمیر ؛ فإن العمل فیه مقصور علی المشددة ؛ تقول : إنک عدو الطغیان بتشدید «إن». ولا یجوز التخفیف فی اللغة المستحسنة التی هی حسبنا الیوم.
3- هذه لام الابتداء فی الرأی الراجح ، وتجیء عند التخفیف. ولکن مکانها یختلف باختلاف التراکیب علی الوجه التالی: (ا) فعند دخول «إن» المخففة علی جملة اسمیة فإن اللام تدخل علی الخبر عند الإهمال. (ب) وعند دخول «إن» المخففة علی جملة فعلیة فإن الإهمال واجب ، ویکون الفعل بعدها ناسخا - - کما سیجیء فی ص 612 - وتدخل اللام علی خبره الحالی ، أو علی خبره. بحسب الأصل ؛ فالأول نحو : إن کنت لناصرا المظلوم. والثانی : إن ظننتک لطموحا. فإن کان غیر ناسخ - وهذا قلیل لا یصح القیاس علیه الیوم - دخلت علی فاعله إن کان اسما ظاهرا ، أو ضمیرا بارزا ؛ نحو : إن یزینک لنفسک ، وإن یشینک لهیه. (فکلمة : «نفس» اسم ظاهر ، فاعل للفعل : «یزین» ، وکلمة : «هی» ضمیر بارز فاعل للفعل یشین ، والهاء التی فی آخر الضمیر هاء للسکت. والمراد : إن نفسک هی التی تزینک ، وهی التی تشینک ، أی : تعیبک - انظر «ا» من ص 613 - فإن اجتمع الفاعل والمفعول به دخلت علی السابق منهما ، نحو : إن أحسن لکاتب عمله. أو : إن أحسن لعمله کاتب. وإنما تدخل علی السابق منهما بشرط ألا یکون ضمیرا متصلا (ظاهرا أو مستترا) فإن کان ضمیرا متصلا لم تدخل علیه اللام ودخلت علی المتأخر : مثل : إن عظمت لعالما نافعا ، وإن مدحت لإیاه ، والعاقل إن مدح لعظیما. (فقد دخلت اللام علی المفعول به مع تأخره) لأن الفاعل فی المثالین الأولین ضمیر متصل بارز ، وفی الأخیر ضمیر متصل مستتر.

ولیست النافیة ، لکن عدم ترکها أفضل (1). ولا فرق فی القرینة بین أن تکون لفظیة فی أو معنویة ، والمعنویة أقوی. ومن القرائن اللفظیة أن یکون الخبر فیها منفیّا مثل : إن المجاملة لن تضرّ صاحبها. فکلمة «إن» مخففة ، ولیست نافیة ؛ لأن إدخال النفی علی النفی لإبطال الأول قلیل فی الکلام الفصیح : إذ یمکن مجیء الکلام مثبتا من أول الأمر ، من غیر حاجة إلی نفی النفی المؤدی للإثبات بعد تطویل. ومثال القرینة المعنویة : إن العاقل یتبع سبیل الرشاد. إن المحسن یکون محبوبا. إن الاستقامة تجلب الغنی ؛ إذ المعنی یفسد علی اعتبار «إن» للنفی فی هذه الأمثلة .. ومن هذا النوع قول الشاعر :

أنا ابن أباة الضّیم من آل مالک

وإن مالک کانت کرام المعادن

فلو کانت «إن» للنفی لکان عجز البیت ذمّا فی قبیلة مالک ، مع أن صدره لمدحها (2).

(3) أن یکون الخبر من النوع الذی یصلح لدخول اللام علیه وقد سبق 3 بیانه.

ص: 611


1- إلا لمانع یمنع : کدخولها علی حرف نفی.
2- حذفت اللام هنا لعدم الحاجة إلیها ؛ لأن المقام للمدح ؛ وهو یقتضی الإثبات لا النفی. وفی هذه الحالة یجوز حذفها وإثباتها. ومما یلاحظ أننا لو أردنا إدخالها فی المثال السالف لکان الأنسب إدخالها علی کلمة : «کرام» دون الفعل : «کان» ؛ لأنها لا تدخل علی ماض ، متصرف ، خال من «قد» - کما سبق - فی ص 598 - سواء أکانت «إن» عاملة أم غیر عاملة. هذا وکلمة «أباة» جمع «آب» بمعنی : کاره. و «مالک» اسم قبیلة عربیة ؛ سمیت باسم زعیمها ، والشاعر یتباهی فی صدر البیت بأنه من أسرة ذلک الزعیم ، وأنها تکره الضیم ؛ (أی : الذل) وأنها قبیلة کریمة الأصول. فکلمة «مالک» الأولی اسم للزعیم ، والثانیة اسم القبیلة ؛ ولهذا أنث الفعل معها.
3- راجع ص 598.

(ب) وإن خفّفت ودخلت علی جملة فعلیة وجب الإهمال (1) ، وأن یکون الفعل بعدها ناسخا (2) ؛ مثل : الحریة عزة ، وإن کانت لأمنیة النفوس الکبیرة ، وقول أعرابیّ لأحد الفتیان : رحم الله أباک ، إن کان لیملأ العین جمالا ، والأذن بیانا ، ومثل : إن یکاد الذلیل لیألف الهوان. ومثل : إن وجدنا المنافق لأبعد من إکبار الناس وتقدیرهم (3).

ص: 612


1- ولا داعی للأخذ بالرأی القائل بأعمالها ، واعتبار اسمها ضمیر الشأن المحذوف. وهو رأی مقبول أیضا.
2- مثل کان وأخواتها. (ومن أخواتها : أفعال المقاربة وما یتصل بها ...) ومثل : ظن وأخواتها - ویشترط فی هذا الفعل الناسخ ألا یکون نافیا ؛ مثل : «لیس» ، ولا منفیا ؛ مثل : ما کان ، ما زال ، ما برح ، لن أبرح ، لن أفتأ ... وأن یکون غیر داخل فی صلة ، مثل : ما دام ، وتجیء اللام فی خبر الناسخ الحالی ، أو خبره بحسب الأصل (کما سبق فی ب من هامش ص 610).
3- وفیما سبق یقول ابن مالک : وخفّفت : «إنّ» فقلّ العمل وتلزم اللّام إذا ما تهمل وربّما استغنی عنها إن بدا ما ناطق أراده معتمدا أی : إذا خففت «إن» قل إعمالها وکثر إهمالها. وإذا أهملت لزم مجیء اللام بعدها ، وقد شرحنا ما یتعلق بمجیئها. ثم أوضح فی البیت الثانی أن هذه اللام قد یمکن ترکها ، والاستغناء عنها إن بدا (أی : ظهر) المراد الذی أراده المتکلم ، معتمدا فی ظهوره علی قرینة توضحه - ومعنی (بدا ما ناطق أراده) ظهر الذی أراده الناطق - ثم قال : والفعل إن لم یک ناسخا فلا تلفیه - غالبا - بإن ذی موصلا «ذی» بمعنی : هذه ، یرید : أن الفعل إن لم یکن من الأفعال الناسخة فإنک - غالبا - لا تلفیه (أی : لا تجده) فی الکلام الفصیح متصلا بالحرف «إن» المخففة فلا یقع بعدها مباشرة (وکلمة : «غالبا» تعرب ظرف زمان أو مکان. فالمعنی : انتفی فی غالب الأزمنة ، أو فی غالب التراکیب وجود الفعل غیر الناسخ متصلا مباشرة بالحرف «إن» المخففة).

زیادة وتفصیل

ا - من الأمثلة العربیة المسموعة : إن یزینک لنفسک ، وإن یشینک لهیه. وقد سبق (1) ، ومنها إن قنّعت کاتبک لسوطا (2). وقول الشاعر :

شلّت (3) یمینک إن

قتلت لمسلما

حلّت علیک عقوبة المتعمد

وهی أمثلة یستشهد بها النحاة علی وقوع الأفعال غیر الناسخة بعد «إنّ» إذا خففت. ولا داعی لمحاکاة هذه الأمثلة القلیلة. وحسبنا أن نتبین معناها ، والغرض الذی نستعملها فیه ، دون القیاس علیها من هذه الناحیة.

ب - بمناسبة تخفیف «إنّ» یعرض النحاة للقواءات التی فی قوله تعالی : (وَإِنَّ کُلًّا لَمَّا لَیُوَفِّیَنَّهُمْ رَبُّکَ أَعْمالَهُمْ ،) وتوجیه کل قراءة. وإلیک بعض ذلک.

1- (وَإِنَّ کُلًّا لَمَّا لَیُوَفِّیَنَّهُمْ رَبُّکَ أَعْمالَهُمْ) بتشدید النون ، وتخفیف «ما» ، فیکون الإعراب : «کلّا» اسم إن. «لما» ؛ اللام لام ابتداء ، «ما» زائدة ؛ لتفصل بین اللامین. (لَیُوَفِّیَنَّهُمْ) اللام للابتداء ؛ لتوکید الأولی ، والجملة بعدها خبر «إنّ».

ویصح إعراب آخر : «کلّا» اسم إن المشددة. «لما» اللام لام الابتداء.

«ما» : اسم موصول خبر «إنّ» مبنی علی السکون فی محل رفع. (لَیُوَفِّیَنَّهُمْ) اللام للقسم ، والجملة بعدها لا محل لها من الإعراب جواب قسم محذوف ؛ وجملة القسم وجوابه صلة «ما» ، والتقدیر : «لما والله لنوفّینّهم (4)». وجملة القسم وإن کانت إنشائیة - هی لمجرد التأکید. والصلة فی الحقیقة جوابه. أی : (وإنّ کلا للّذین والله لیوفینهم) لهذا لا یقال إن جملة القسم هنا إنشائیة مع أن جملة الصلة لا تکون إلا خبریة (5).

ص: 613


1- فی «ب» من هامش ص 610.
2- أی : إنک قنعت کاتبک سوطا ، بمعنی : ضربته علی رأسه بالسوط ، فأحاط به إحاطة القناع برأس المرأة.
3- یدعو علیه بشلل یمینه ؛ فالجملة دعائیة.
4- انظر ص 341 حیث الأشیاء التی یجوز الفصل بأحدها بین الموصول وصلته.
5- راجع الصبان فی هذا الموضع ، ثم ما یتصل بهذا فی ص 337 و 341 السابقتین.

2- (وَإِنَّ کُلًّا لَمَّا لَیُوَفِّیَنَّهُمْ رَبُّکَ أَعْمالَهُمْ) بتخفیف «إن» و «ما» مع إعمال «إن» کأصلها. والإعراب لا یختلف عما سبق ؛ فیصح هنا ما صح هناک.

3- (وإن کل لما لیوفینهم ...) بتخفیف «إن» و «ما». فکلمة «إن» مهملة. کل : مبتدأ. وما بعد ذلک یصح فیه الأوجه السالفة فی الصورة الأولی مع ملاحظة أن الأخبار هنا تکون للمبتدأ.

4- (وَإِنَّ کُلًّا لَمَّا لَیُوَفِّیَنَّهُمْ رَبُّکَ أَعْمالَهُمْ) بتخفیف «إن» وتشدید «لمّا» والإعراب یجری علی علی اعتبار «إن» حرف نفی ، و «لما» أداة استثناء بمعنی : «إلا» و «کلّا» مفعول به لفعل تقدیره : أری - مثلا - محذوف ، و (لَیُوَفِّیَنَّهُمْ) اللام للقسم ، والجملة ، بعدها جوابه ؛ أی : ما أری کلّا إلا والله لیوفینهم.

5- (وَإِنَّ کُلًّا لَمَّا لَیُوَفِّیَنَّهُمْ رَبُّکَ أَعْمالَهُمْ) بتشدید «إنّ» و «لمّا» والأحسن اعتبار «لما» حرف جزم ، والمجزوم محذوف ، والتقدیر : (وإن کلا لما یوفوا أعمالهم) .. (لَیُوَفِّیَنَّهُمْ) اللام للقسم ، والجملة بعدها جوابه ، والقسم وجوابه کلام مستأنف.

وعلی ضوء ما تقدم نعرب قوله تعالی : (وَإِنْ کُلٌّ لَمَّا جَمِیعٌ لَدَیْنا مُحْضَرُونَ) فعند تشدید «لما» تکون بمعنی «إلا» ، و «إن» المخففة حرف نفی. «کل» مبتدأ ، جمیع : خبره ، «محضرون» نعت للخبر ، مرفوع بالواو ، «لدی» ظرف متعلق به ، مضاف ، «نا» مضاف إلیه مبنی علی السکون فی محل جر. وعند تخفیف «ما» یکون الإعراب ، کما یأتی :

«إن» مهملة «کل» مبتدأ. «لما» اللام لام الابتداء ، «ما» زائدة ، «جمیع» مبتدأ ثان (1) «محضرون» خبر الثانی ، والثانی وخبره خبر الأول. «لدینا» «لدی» ظرف متعلق بکلمة «محضرون». «نا» مضاف إلی الظرف. ویجوز فی هذه الآیة وسابقتها إعرابات وتوجیهات أخری (2).

* * *

ص: 614


1- وإعرابها هنا مبتدأ أحسن من إعرابها خبرا ؛ لکیلا تدخل «لام الابتداء» علی الخبر.
2- سجلها الصبان والتصریح والخضری فی آخر باب «إن» وأخواتها عند الکلام علی تخفیف «إن».

وأما «أنّ» (مفتوحة الهمزة ، مشددة النون) فیجوز فیها التخفیف بحذف النون الثانیة المفتوحة ، وترک الأولی ساکنة ؛ نحو : أیقنت أن «(علیّ شجاع).

ویتحتم اعتبار «أن» مخفّفة من الثقیلة متی وجدت علامة مما یأتی :

1 - أن تقع بعد ما یدل علی الیقین (1) والقطع ، مثل : أیقن ، تیقّن ، جزم ، علم ، اعترف التی بمعنی : علم ، أو : أقرّ ، اعتقادی ، لا شکّ ... وغیرها من الأفعال أو الألفاظ التی تفید الیقین (2) ؛ نحو. أیقنت أن عدل من الله کلّ جزائه. وقول الشاعر :

أأنت أخی ما لم تکن لی حاجة؟

فإن عرضت أیقنت أن لا أخالیا

2 - أن تدخل علی فعل جامد ، أو ربّ ، أو حرف تنفیس ؛ نحو : اعتقادی أن لیس لشفقة الوالدین مثیل ؛ وقول الشاعر :

وإنی رأیت الشمس زادت محبة

إلی الناس أن لیست علیهم بسرمد

ومثل :

أجدّک ما تدرین أن ربّ لیلة

کأن دجاها من قرونک ینشر

وقول الناصح لسامعیه :

فإن عصیتم مقال الیوم فاعترفوا

أن سوف تلقون خزیا ظاهر العار

3 - أن یقع بعدها فعل دعاء ، نحو أطال الله عمرک ، وأن هیّأ لک المستقبل السعید.

4 - أن تکون داخلة علی جملة اسمیة مسبوقة بجزء أساسی من جملة - لا بجمله کاملة - بحیث یکون المصدر المؤول من : «أن» المخففة والجملة الاسمیة التی

ص: 615


1- انظر ص 583.
2- أما التی تقع بعد ما یدل علی الظن (مثل : ظن ، زعم ، خال ، ... والظن معناه : ترجیح أحد الأمرین) فإنها صالحة لأن تکون مخففة ، وأن تکون مصدریة ناصبة للمضارع بعدها. ویعینها لأحدهما وجود قرینة لفظیة تقضی بالتعیین ، فوجود الفاصل ، أو رفع المضارع بعدها - قرینة لفظیة علی أنها المخففة. ونصب المضارع بعدها قرینة لفظیة علی أنها المصدیة الناصبة له. فإن لم تکن مسبوقة بما یدل علی الیقین أو الظن فهی المصدریة الناصبة للمضارع حتما ؛ کالتی تقع بعد ما یفید الرغبة أو الإشفاق ، أو الطمع أو التوقع ؛ نحو : أود إن أشارک فی کل عمل نافع - أخشی أن یشتد البرد - أرجو أن أهنیء الزملاء بما یسرهم - یسرنی أن یزورنی العلماء. (انظر «ا وب» من ص 369 و 583 ، وستجیء لأنواع «أن» المختلفة بیان شامل فی باب النواصب (ج 4 ص 220 م 148).

دخلت علیها - مکملا أساسیا للجزء السابق. کقوله تعالی : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ.) فالمصدر المؤول خبر المبتدأ : «آخر» (1).

وقول الشاعر :

کفی حزنا أن لا حیاة هنیئة

ولا عمل یرضی به الله - صالح

فالمصدر المؤول فاعل : «کفی» (2).

ویترتب علی التخفیف أربعة أحکام ، یوجب أکثر النحاة مراعاتها :

أولها : إبقاء معنی : «أنّ» وعملها علی حالهما الذی کان قبل التخفیف.

ثانیها : أن یکون اسمها ضمیرا (3) محذوفا ، ویغلب أن یکون ضمیر شأن (4) محذوف کالمثال السابق ؛ وهو : أیقنت أن (علیّ شجاع) (5).

ثالثها : أن یکون خبرها جملة ؛ سواء أکانت اسمیة أم فعلیة ؛ نحو : علمت أن حاتم أشهر کرام العرب ، وأیقنت أن قد أشبهه کثیرون.

رابعها : وجود فاصل - فی الأغلب - بینها وبین خبرها إذا کان جملة (6) فعلیة ، فعلها متصرف ، لا یقصد به الدعاء. والفاصل أنواع.

(ا) إما «قد» (7) نحو : ثبت أن قد ازدهرت الصناعة فی بلادنا ، ونحو قول الشاعر :

شهدت بأن قد خطّ ما هو کائن

وأنّک تمحو ما تشاء وتشبت

(ب) وإما أحد حرفی التنفیس (8) مثل : أنت تعلم أن سأکون نصیر الحق.

ص: 616


1- سیجیء للآیة مناسبة أخری فی رقم : «ا» ص 617.
2- راجع ما سبق فی ص 583.
3- سواء أکان لمتکلم ، أم مخاطب ، أم غائب ، ومنه قوله تعالی : (أَنْ یا إِبْراهِیمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْیا) التقدیر عند سیبویه : أنک یا إبراهیم.
4- سبق الکلام علی ضمیر الشأن تفصیلا فی ص 226 وما بعدها.
5- اسم «أن» ضمیر محذوف تقدیره «هو». أی : الحال والشأن - والجملة الاسمیة بعده فی محل رفع ، خبر : «أن» المخففة.
6- هذا الفاصل قد یزید فی توضیح نوعها ، ویؤکد أنها المخففة من الثقیلة ، ولیست المصدریة الناصبة للمضارع.
7- تدخل هنا علی الماضی فقط.
8- وهما : «السین» و «سوف» ویدخلان علی المضارع المثبت فقط. وقد سبق الکلام علیهما فی ص 53.

قول الشاعر :

وإذا رأیت (1) من الهلال

نموّه

أیقنت أن سیصیر بدرا کاملا

وقول الآخر :

واعلم - فعلم المرء ینفعه -

أن سوف یأتی کل ما قدرا

(ح) وإما حرف نفی من الحروف الثلاثة التی استعملها العرب فی هذا الموضع ؛ وهی (2) : (لا - لن - لم). نحو : أیقنت أن لا (3) یغدر الشریف. وأن لن یحید عن الحق. ووثقت أن لم ینصر الله المبطلین. ومن الأمثلة قوله تعالی : (وحسبوا (4) أن لا تکون فتنة) فی قراءة من رفع «تکون». وقوله : (أَیَحْسَبُ أَنْ لَنْ یَقْدِرَ عَلَیْهِ أَحَدٌ ،) وقوله تعالی : (أَیَحْسَبُ أَنْ لَمْ یَرَهُ أَحَدٌ.)

(د) وإما «لو» والنص علیها فی کتب النحاة قلیل مع أنها کثیرة فی المسموع ؛ نحو : أوقن أن لو أخلصنا لبلادنا لم یطمع الأعداء فینا.

ومما تقدم (5) نعلم أن الفصل غیر واجب (6) فی الحالات الأخری التی منها :

(ا) أن یکون الخبر جملة اسمیة نحو قوله تعالی : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ)(7) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ» ، ونحو : الثابت أن انتقام من الله یحلّ بالباغی. إلا عند إرادة النفی نحو : عقیدتی أن لا کاذب محترم ؛ ومنه : أشهد أن لا إله إلا الله.

ص: 617


1- وفی بعض الروایات : إن الهلال إذا رأیت نموه ...
2- وتدخل «لا» علی الماضی والمضارع دون «لم» و «لن» فیختصان بالمضارع. وزاد الرضی «ما» وجعلها مثل «لا».
3- فی هذه الصورة - وأشباههما - یجب فصل «أن» ، وإظهار النون فی الکتابة دون النطق.
4- بشرط أن تکون بمعنی : اعتقدوا :
5- لخص بعض النحاة الفواصل السابقة ومواضعها فقال : (الفعل إما مثبت وإما منفی ، وکل منهما إما ماض ، وإما مضارع. فالمثبت إن کان ماضیا ففاصله : «قد» وإن کان مضارعا ففاصله أحد حرفی التنفیس. والمنفی. إن کان ماضیا ففاصله : «لا» فقط ، وإن کان مضارعا ففاصله : «لا» ، أو : «لن» أو : «لم». وأما «لو» فانها فی الامتناع شبیهة بالنافی فتدخل علی الماضی والمضارع). وقد سبق فی رقم 2 من هذا الهامش أن : «الرضی» جعل «ما» مثل «لا».
6- وإنما هو جائز فی الأنواع التی ستذکر : إن لم یوجد مانع ؛ إذ لا تدخل «أن» المصدریة الناصبة للمضارع علی هذه الأنواع ؛ فلا مجال لخوف اللبس بینها وبین المخففة ، ومتی أمن اللبس کان الفصل جائزا لا واجبا.
7- علی اعتبارها مخففة لا مفسرة وقد سبقت مناسبة أخری للآیة فی ص 616 م.

(ب) أن یکون الخبر جملة فعلیة فعلها جامد ؛ نحو قوله تعالی : (وَأَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعی) ونحو : وثقت أن لیس للکرامة مکان فی نفوس الأدنیاء.

(ح) أن یکون الخبر جملة فعلیة ؛ فعلها متصرف ، ولکن قصد به الدعاء (1) کالذی رواه أعرابی عن أخیه الواقف یدعو : أسأل ربی التوفیق لما یرضیه ، ودوام العافیة علیّ - ونظر إلیّ وصاح - : وأن کتب الله لک الأمن والسلامة ما حییت ، وأن أسبغ علیک نعمه ظاهرة وباطنة فی تابل أیامک ، وأن أهلک کلّ

باغ یتصدّی لإیذائک.

وفی الرسم التالی بیان للصور السالفة :

صورۀ

(2)

ص: 618


1- سواء أکان بخیر أم شر ؛ کما یتبین من المثال بعد.
2- وفی أحکام «أن» المخففة یقول ابن مالک : وإن تخفّف «أنّ» فاسمها استکن والخبر اجعل جملة من بعد «أن» تضمن هذا البیت حکمین من أحکامها الأربعة التی تترتب علی التخفیف ؛ أولهما : أن اسمها استکن أی : استتر واختفی ؛ لأنه لا یظهر فی الکلام ، وإنما یکون ضمیرا محذوفا. ولم یذکر أنه ضمیر ، لضیق الشعر. وثانیهما : أن خبرها یکون جملة ، وأوضح بعد ذلک ما یکون فی الجملة الفعلیة الواقعة خبرا ، حیث تکلم عن فعلها قائلا : وإن یکن فعلا ولم یکن دعا ولم یکن تصریفه ممتنعا فالأحسن الفصل بقد ، أو : نفی ، أو : تنفیس ، أو : لو. وقلیل ذکر «لو» أی : إن یکن صدر الجملة فعلا ، لا یراد منه الدعاء ، ولم یکن جامدا ، فالأحسن الفصل بینه وبین «أن» المخففة بفاصل من الفواصل التی سردها فی البیت الأخیر. (إن یکن فعلا ... یرید إن یکن الخبر فعلا. والفعل وحده لا یکون الخبر ، وإنما الخبر الجملة المکونة من الفعل والفاعل معا. ففی التعبیر تساهل. أو : المراد : إن یکن صدر الجملة فعلا).

زیادة وتفصیل

ورد فی بعض النصوص القدیمة - اسم «أن» المخففة من الثقیلة ضمیرا بارزا ، لا ضمیرا محذوفا. ومعه الخبر جملة فعلیة أو مفرد. من ذلک قول الشاعر یخاطب زوجته :

فلو أنک فی یوم الرّخاء سألتنی

طلاقک ، لم أبخل وأنت صدیق

فقد وقعت «الکاف» اسم : «أن» وخبرها جملة : سألتنی. ومثل قول الآخر :

لقد علم الضیف والمرملون (1)

إذا اغبرّ أفق (2) وهبّت شمالا (3)

بأنک ربیع (4) وغیث مریع

وأنک هناک تکون الثّالا (5)

ففی البیت الثانی تکررت «أن» المخففة مرتین ، واسمها ضمیر «بارز» فیهما ، وخبر الأولی مفرد ، وهو کلمة : «ربیع» ، وخبر الثانیة جملة فعلیة هی : «تکون الثمال». وقد وصفت هذه الأمثلة الشعریة بأنها شاذة ، أو بأنها لضرورة الشعر ، کما وصفت نظائرها النثریة بأنها شاذة. فالواجب أن نقتصر علی الکثیر الشائع الذی سردنا قواعده وضوابطه ، منعا للاضطراب فی التعبیر ، دون محاکاة هذه الشواهد التی تخالفها ، والتی نقلناها ، لیعرفها المتخصصون فیستعینوا بها علی فهم ما قد یکون لها من نظائر قدیمة. دون أن یحاکوها.

* * *

ص: 619


1- الفقراء. المفرد : مرمل.
2- المراد : اسودت الدنیا فی عین الإنسان : من شدة بؤسه وحاجته.
3- أی : هبت الریح شمالا. فکلمة : «شمالا» حال منصوبة. وصاحب الحال هو الضمیر المستتر ، فاعل الفعل : «هب». وهبوب الشمال البادرة العاصفة فی بعض المواسم والبقاع قد یکون باعث فزع ، ودلیل قحط.
4- کالربیع موسم النضرة ، والفواکه ، ونمو الزروع ، ونضجها ؛ فأنت - مثله - محبوب نافع. «مریع» خصیب. والغیث الخصیب ، هو : المطر الغزیر الذی یکون من آثاره إنبات الزرع ، والخصب الکثیر.
5- الثمال : الذی یغیث المحتاج ، ویعین من یستعین به.

وأما «کأنّ» فیجوز تخفیف نونها المشددة (بحذف الثانیة المفتوحة ، وإبقاء الأولی ساکنة) ویترتب علی التخفیف أمور ؛ منها :

(ا) أن معناها لا یتغیر ، وإعمالها واجب.

(ب) أن اسمها - فی الأغلب - یکون ضمیرا للشأن ، أو لغیر الشأن ؛ فمثال الأول. کأن عصفور سهم فی السرعة (1) ، أی : کأنه (الحال والشأن) عصفور سهم. ومثال الثانی : یدقّ البرد (2) النافذة ، وکأن حجر ، أی : کأنه حجر (3). ولو قلنا : یدق البرد النافذة وکأن «حجر» صغیر یدق - لجاز الاعتباران (4) وقد اجتمعت المشددة والمخففة فی قوله تعالی یصف المضلّل عن سبیله : (وَإِذا تُتْلی عَلَیْهِ آیاتُنا وَلَّی مُسْتَکْبِراً کَأَنْ لَمْ یَسْمَعْها ؛ کَأَنَّ فِی أُذُنَیْهِ وَقْراً)(5).

(ح) أن خبرها لا بد أن یکون جملة إذا وقع اسمها ضمیر شأن (6). فإن کانت اسمیة فلا حاجة لفاصل بینها وبین «کأن» مثل : کأن سّبّاح فی سباحته سمکة فی انسیابها. وإن کانت فعلیة (7) ، فالأحسن الفصل بالحرف : «قد» قبل الماضی المثبت ، وبالحرف : «لم» قبل المضارع المنفی ، نحو : کأن قد هوی الغریق فی البحر ؛ کصخرة هوت فی الماء ، وکأن لم یکن بین الغرق والنجاة وسیلة للإنقاذ.

ص: 620


1- فاسم «کأن» ضمیر الحال والشأن المحذوف. وخبرها الجملة الاسمیة بعدها. ولا یصح هنا أن یکون اسمها ضمیرا لغیر الحال والشأن ؛ لعدم وجود مرجع سابق یعود علیه.
2- ما جمد من قطرات المطر ، وصار قطعا ثلجیة صغیرة.
3- فاسم «کأن» ضمیر محذوف لیس ضمیر شأن ، لعدم وجود جملة بعده تفسره ، وهی جملة لازمة له کما سبق فی شرحه - ص 226 وما بعدها -.
4- أی : یجوز اعتبار الضمیر للشأن ؛ لوجود جملة بعده تفسره ، وعدم اعتباره للشأن ، لوجود ما یصلح قبله أن یکون مرجعا له.
5- الوقر هنا : ثقل السمع ، أو : الصمم. وأول الآیة : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِ اللهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ ، وَیَتَّخِذَها هُزُواً ، أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِینٌ. وَإِذا تُتْلی عَلَیْهِ آیاتُنا ...)
6- لأن ضمیر الشأن - کما قلنا - لا بد له من جملة بعده تفسره. وهذه الحالة وحدها هی التی یجب فیها وقوع خبر : «کأن» المخففة جملة. أما باقی الحالات فیجوز أن یکون جملة أو غیر جملة وفی بعض أمثلة قلیلة مسموعة جاء اسم «کأن» المخففة اسما ظاهرا ، کقول الشاعر : وصدر مشرق النّحر کأن ثدییه حقّان ولا یقاس علی هذا.
7- فعلها غیر جامد ، وغیر دعائی.

وأما «لکنّ» فیجوز تخفیف نونها المشددة (فتحذف الثانیة المفتوحة ، وتبقی الأولی ساکنة).

ویترتب علی التخفیف وجوب إهمالها ، وزوال اختصاصها بالجملة الاسمیة ؛ فتدخل علی الاسمیة ، وعلی الفعلیة ، وعلی المفرد ، ویبقی لها معناها بعد التخفیف وهو : الاستدراک (1). ومن الأمثلة قول الشاعر :

ولست أجازی المعتدی باعتدائه

ولکن بصفح (2) القادر

المتحلم

وأما «لعل» فلا یجوز تخفیف لامها المشددة (3).

ص: 621


1- قد سبق شرح معناه فی رقم 3 من هامش ص 571.
2- الجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقدیره : «أجازی» أو «أصافح» فتکون «لکن» داخلة علی جملة فعلیة. ویصح تعلقها بمصدر محذوف تقدیره : مجازاة - أی : ولکن مجازاته بصفح ... فتکون داخله علی جملة اسمیة. والأول أوضح.
3- وفی الأحکام السالفة کلها یقول ابن مالک : وخفّفت «کأنّ» فنوی منصوبها ، وثابتا أیضا روی فقد اقتصر علی الإشارة إلی تخفیفها وإلی أن اسمها ینوی ؛ أی : یطوی فی النفس ؛ فیکون ضمیرا ولا یکون ظاهرا. وقد یکون ظاهرا ثابتا فی الکلام. وهذا قلیل ، سبق مثاله.

المسألة 56: «لا»

اشارة

(1)

النافیة للجنس

نسوق بعض الأمثلة لإیضاح معناها :

حین نقول : لا کتاب فی الحقیبة ؛ بإدخال : «لا» علی جملة اسمیة - فی أصلها - ، ورفع کلمة : «کتاب» - التی للمفرد) یکون معنی الترکیب محتملا أمرین :

أحدهما : نفی وجود کتاب واحد فی الحقیبة ، مع جواز وجود کتابین أو أکثر فیها.

والآخر : نفی وجود کتاب واحد ، وما زاد علی الواحد ؛ فلیس بها شیء من الکتب مطلقا. فالترکیب محتمل للأمرین ، ولا دلیل فیه یعین أحدهما ، ویمنع الاحتمال.

وکذلک حین نقول : لا مصباح مکسورا ، (بإدخال : «لا» علی جملة اسمیة - فی أصلها - ورفع کلمة : «مصباح» التی للمفرد) فإن الترکیب یحتمل أمرین :

أحدهما : نفی وجود مصباح واحد مکسور ، ولا مانع من وجود مصباحین مکسورین ؛ أو أکثر.

والآخر : نفی وجود مصباح واحد مکسور وما زاد علی الواحد أیضا. فلا وجود لشیء من جنس المصابیح المکسورة. فالترکیب یحتمل نفی الواحد المکسور فقط ، کما یحتمل نفی الواحد وما زاد علیه.

ومثل هذا یقال فی : لا سیارة موجودة ، بإدخال «لا» علی جملة اسمیة الأصل ، ورفع کلمة : «سیارة» - التی للمفردة) حیث یحتمل الترکیب الأمرین : نفی وجود سیارة واحدة ، دون نفی سیارتین وأکثر ، ونفی وجود شیء من جنس السیارات مطلقا ، فلا وجود لواحدة منها ؛ ولا لأکثر.

مما سبق نعلم : أن ، «لا» فی تلک الأمثلة - وأشباهها - تدل علی نفی

ص: 622


1- یلاحظ ما لا یصح أن یدخل علیه الناسخ ، وقد سبق فی رقم 3 من هامش ص 495 - والصحیح أن «لا» ، النافیة غیر الزائدة لها الصدارة فی جملتها ، سواء أکانت نافیة مهملة ، أم نافیة عاملة عمل «لیس» أو عمل «إن» وقد سبقت الإشارة لهذا فی رقم 2 من هامش ص 544 وتجیء أیضا فی رقم 4 من هامش ص 625 وفی ج 2 ص 25 م 61.

یحتمل وقوعه علی فرد واحد فقط ، أو علی فرد واحد وما زاد علیه. ولمّا کان النفی بها صالحا لوقوعه علی الفرد الواحد سماها النحاة : «لا» - التی لنفی الوحدة (أی : الواحد) وهی إحدی الحروف الناسخة (1) التی تعمل عمل «کان» الناقصة.

فإذا أردنا أن تدل الأمثلة السابقة وأشباهها علی النفی الصریح (2) العام (3) وجب أن نضبط تلک الألفاظ ضبطا آخر ؛ یؤدی إلی هذا الغرض ؛ فنقول : لا کتاب فی الحقیبة ؛ - لا مصباح مکسور - لا سیارة موجودة ، فضبط تلک الکلمات المفردة بهذا الضبط الجدید - وهو بناء الاسم علی الفتح ، ورفع الخبر ، کما سیجیء - یجعل النفی فی کل جملة صریحا فی غرض واحد ؛ لا احتمال معه لغیره ، کما یجعله عامّا ؛ ینصبّ علی کل فرد ؛ فیقع علی الواحد ، وعلی الاثنین ، وعلی الثلاثة ، وما فوقها ، ولا یسمح لفرد أو أکثر بالخروج من دائرته.

ومثل هذا یقال فی نحو : لا مهملا عمله فائز - لا راغبا فی المجد مقصّر ... ونحوهما مما یقع فیه الاسم منصوبا بعد : «لا» ولیس مرفوعا ، والخبر هو المرفوع - علی الوجه الذی سنشرحه - فهی تنفی الحکم عن کل فرد من أفراد جنس الشیء الذی دخلت علیه نفیا صریحّا وعاما ؛ کما قلنا : وهذا مراد النحاة بقولهم فی معناها :

«إنها تدل علی نفی الحکم عن جنس اسمها نصّا (4)». أو : «إنها لاستغراق (5) حکم النفی لجنس اسمها کله نصّا.» ویسمونها لذلک ؛ «لا» - النافیة للجنس (6)». أی : التی قصد بها التنصیص علی استغراق النفی لأفراد الجنس

ص: 623


1- سبق تفصیل الکلام علیها مع أخواتها فی ص 544 وقد اقتضی المقام هناک الإشارة إلی «لا» النافیة للجنس ، دون التفصیل الذی مکانه هنا.
2- أی : القاطع الذی لا مجال معه للاحتمال السالف.
3- الذی یشمل نفی المعنی عن الفرد الواحد ، وعما زاد علیه.
4- أی : بغیر احتمال لأکثر من معنی واحد.
5- یراد بالاستغراق : الشمول الکامل الذی یتناول کل فرد من أفراد الجنس ، دون أن یترک أحدا.
6- ویسمیها بعضهم : «لا» التی للتبرئة ؛ لأنها تدل علی تبرئة جنس اسمها کله من معنی الخبر. وبهذا الاسم ترد فی بعض الکتب القدیمة ، وتختص به ، لقوة دلالتها علی النفی المؤکد أکثر من أدوات النفی الأخری. والنفی بها قد یکون مطلق الزمن أی : لا یقع علی زمن معین. وإنما یراد منه مجرد نفی النسبة بین معمولیها ، وسلب المعنی بغیر تقید بزمن خاص. نحو : لا حیوان حجر - لا وفاء لغادر ... وقد یراد بها نفی المعنی فی زمن معین حین تقوم قرینة کلامیة أو غیر کلامیة تدل علی نوع الزمن - ویکثر أن - - یکون الحال - کقوله تعالی : (لا عاصِمَ الْیَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ...) وکأن یسأل سائل : أفی المزرعة الآن أحد؟ فیجاب : لا أحد فیها. وقد یکون الزمن مستقبلا ، کقوله تعالی عن یوم القیامة (لا بُشْری یَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِینَ) أو ماضبا - کقول الشاعر : تعزّ فلا إلفین بالعیش متّعا ولکن لو رّاد المنون تتابع وغیر هذا من الأمثلة التی سیجیء بعض منها. فإن لم توجد قرینة فالغالب الحال.

کله. تمییزا لها من : «لا» التی لنفی الوحدة ؛ فلیست نصّا فی نفی الحکم عن أفراد الجنس کله ؛ وإنما تحتمل نفیه عن الواحد فقط ، وعن الجنس (1) کله ؛ علی ما عرفنا.

ص: 624


1- لهذا یصح أن یقال مع «لا» التی لنفی الوحدة حین یکون اسمها مفردا : لا کتاب فی الحقیبة ؛ بل کتابان ، أو : بل کتب فیها : فیکون القصد نفی المعنی عن الفرد الواحد دون ما عداه. ولا یصح أن یقال هذا مع «لا» النافیة للجنس حین یکون اسمها مفردا. وتسوقنا المناسبة إلی بیان أمر هام ؛ هو : أن المراد من النفی لا یختلف فی نوعی «لا» (النافیة للجنس ، والنافیة للوحدة) إذا کان اسمهما مثنی أو جمعا : نحو : لا صالحین خائنان ، أو ؛ لا صالحین خائنون. ونحو : لا صالحان خائنین ، ولا صالحون خائنین. فالنفی فی هذه الصور لا یختلف من جهة احتماله أن یکون واقعا فی کل صورة علی الجنس کله فردا فردا ، وأن یکون واقعا علی القید الخاص بالاثنینیة أو بالجمعیة. فالفرق الصحیح بین المراد من النفی فی نوعی : «لا» إنما یظهر فی موضع واحد ، هو الموضع الذی یکون فیه اسمها مفردا ؛ - لا مثنی ولا جمعا - فیکون النفی فی «لا» النافیة للجنس نصا وشاملا ، ویکون فی الأخری محتملا أمرین. أما عند تثنیة اسمیهما أو جمعه فالنفی لا یختلف باختلاف نوعهما ؛ فیکون محتملا فی کل منهما نفی الحکم عن الجنس کله ، ونفی قید التثنیة ، أو قید الجمع کما قلنا ، فمؤداه واحد عند تثنیة الاسم أو جمعه ، ولکنه مختلف عند إفراد الاسم. وصفوة القول فی هذا المقام. أن «لا» العاملة بنوعیها لا یختلف المراد منها إذا کان اسمها مثنی أو جمعا ؛ إذ یکون المراد محتملا نفی الحکم عن الجنس کله فردا فردا ، ونفی القید الخاص بالتثنیة أو بالجمع ، دون غیرهما. أما إذا کان الاسم مفردا فالفرق بین النوعین یکون کبیرا ، فالتی لنفی الجنس تنفی الحکم عن کل فرد من أفراده علی سبیل التنصیص والشمول ، والتی لنفی الوحدة یدور الأمر فیها بین نفی الحکم عن أفراد الجنس کله ، أو نفیه عن فرد واحد منه ؛ فالنفی فیها محتمل لأمرین ...

عملها وشروطه

«لا» النافیة للجنس حرف ناسخ من أخوات : «إنّ» (1) ینصب الاسم : ویرفع الخبر. ولکنها لا تعمل هذا العمل إلا باجتماع شروط ستة :

أولها : أن تکون نافیة. فإن لم تکن نافیة لم تعمل (2) مطلقا.

ثانیها : أن یکون الحکم المنفی بها شاملا جنس اسمها کله ، (أی : منصبّا علی کل فرد من أفراد ذلک الجنس). فإن لم یکن کذلک لم تعمل عمل «إنّ (3)» ، : نحو : لا کتاب واحد کافیا .... إذ أن کلمة : «واحد» قد دلت دلالة قاطعة علی أن النفی لیس شاملا أفراد الجنس کله. وإنما هو مقصور علی فرد واحد.

ثالثها : أن یکون المقصود بها نفی الحکم عن الجنس نصّا - لا احتمالا - فإن لم یکن علی سبیل التنصیص لم تعمل عمل «إنّ» (4) کالأمثلة السالفة أول البحث.

رابعها : ألا تتوسط بین عامل ومعموله (5) (بأن تکون مسبوقة بعامل قبلها یحتاج لمعمول بعدها) کحرف الجر فی مثل : حضرت بلا تأخیر (6) وقول الشاعر :

متارکة السّفیه بلا جواب

أشدّ علی السّفیه من الجواب

ص: 625


1- ومن الفوارق بینهما صحة وقوع : «ما» الزائدة بعد : «إن» وأخواتها علی الوجه السابق فی بابهما ، ولا یصح وقوعها بعد : «لا».
2- کأن تکون اسما بمعنی ، غیر ؛ نحو : فعلت الخیر بلا تردد ، أو : تکون زائدة ؛ فلا تعمل شیئا فی الحالتین ، ولا تختص بالدخول علی الجمل الاسمیة ؛ ومن الأمثلة للزائدة قوله تعالی مخاطبا إبلیس : (ما مَنَعَکَ أَلَّا تَسْجُدَ ...) وقوله : (لِئَلَّا یَعْلَمَ أَهْلُ الْکِتابِ ...) ومثل ؛ «لا» الثانیة فی قوله تعالی : (وَلا تَسْتَوِی الْحَسَنَةُ وَلَا السَّیِّئَةُ ...) أو تکون ناهیة فتختص بجزم المضارع.
3- وعملت عمل لیس ؛ نحو : لا قلم مکسورا ، أو أهملت وتکررت ، نحو : لا قلم مکسور ، ولا کتاب ضائع. (واختیار هذه أو تلک خاضع لما یقتضیه المعنی المراد).
4- وعملت عمل لیس ؛ نحو : لا قلم مکسورا ، أو أهملت وتکررت ، نحو : لا قلم مکسور ، ولا کتاب ضائع. (واختیار هذه أو تلک خاضع لما یقتضیه المعنی المراد).
5- فلها الصدارة المباشرة فی جملتها ، - کالشأن فی جمیع أنواع «لا» النافیة غیر الزائدة کما أشرنا فی رقم 1 من هامش ص 622 ورقم 4 من هامش 625.
6- تعرب «لا» اسم بمعنی : «غیر» مجرور بکسرة مقدرة علی الألف. و «لا» مضاف و «تأخیر» مضاف إلیه مجرور. وهذا أوضح إعراب. ویجوز أن تکون «لا» حرف نفی باقیة علی حرفیتها. وقد تخطاها حرف الجر «الباء». وعمل الجر مباشرة فی کلمة «تأخیر» التی بعدها. وهی فی هذه الصورة لیست بزائدة ، بالرغم من أن العامل تخطاها ، لأن المعنی یفسد علی زیادتها.

خامسها : أن یکون اسمها وخبرها نکرتین (1) فإن لم یکونا کذلک لم تعمل : مطلقا (2) ولا تعد من أحوات «إنّ» ولا «لیس» ؛ کالتی فی قول الشاعر :

لا القوم قومی ، ولا الأعوان أعوانی

إذا ونا (3) یوم تحصیل

العلا وانی

سادسها : عدم وجود ناصل بینها وبین اسمها. فإن وجد فاصل أهملت (أی : لم تعمل شیئا) وتکررت ؛ نحو : لا فی النبوغ حظ لکسلان ، ولا نصیب (4). وهذا الشرط یستلزم الترتیب بین معمولیها (5) فلا یجوز أن یتقدم

ص: 626


1- إلا فی أمثلة مسموعة یجیء الکلام علیها فی الزیادة والتفصیل (ص 631) ویدخل فی حکم النکرة أمران : (ا) شبه الجملة بنوعیه. (الظرف والجار مع مجروره) وذلک علی اعتبار شبه الجملة نفسه هو الخبر (کما تقدم فی ص 431 وما بعدها) أو علی اعتبار أن متعلقه نکرة محذوفة ، هی الخبر ، کقولهم : لا قوة فوق الحق ، ولا أمان مع الطغیان. وقول الشاعر : لا خیر فی وعد إذا کان کاذبا ولا خیر فی قول إذا لم یحن فعل (ویلاحظ هنا فی إعراب «لا» ومعمولیها ما یجیء فی رقم 3 من هامش الصفحة التالیة). وقول الآخر : فلا مجد - فی الدنیا - لمن قل ماله ولا مال - فی الدنیا - لمن قل مجده (ب) الجملة الفعلیة (لأنها فی معنی النکرة ، وبمنزلتها ؛ کما جاء فی التصریح فی هذا الباب ، عند آخر الکلام علی شروطها - وکما فی أبواب أخری ، والبیان فی رقم 1 من هامش ص 192) ، وقد اشتملت الأسالیب الفصحی علی أمثلة للجملة الفعلیة ، نقلوا منها البیت السابق (فی ص 624) : تعزّ فلا إلفین بالعیش متّعا ولکن لورّاد المنون تتابع ومنها : یحشر الناس لا بنین ولا آ باء إلا وقد عنتهم شئون فجملة «متعا» فی البیت الأول فی محل رفع خبر : «لا» ، وکذلک جملة : «عنتهم شئون» فی البیت الثانی. والواو التی قبل هذه الجملة هی التی تزاد فی خبر الناسخ. ما لم نأخذ بالرأی الذی یشترط فی «لا» العاملة عمل «إن» ألا ینتقض نفیها بإلا. فإن أخذنا به - وهو الأشهر ، کما سیجیء فی هامش الصفحة الآتیة - کانت الواو للحال ، والجملة بعدها حالیة. والخبر محذوف (وقد سبق فی ص 500 وفی 508 أن هذه الواو تدخل فی خبر «کان» المنفیة إذا سبقته «إلا» الناقصة للنفی ، ومثله خبر «لیس» المسبوق بإلا علی الوجه الذی أوضحناه. وقیل تدخل فی خبر غیرهما کالبیت السابق ، وکقول : الحماسی : «فأمسی وهو عریان.» وقولهم : «ما أحد إلا وله نفس إمارة».
2- لأن التعریف فیه تحدید وتعیین ؛ وهذا یناقض أنها لنفی الجنس کله بغیر تحدید ولا تعیین.
3- تباطأ وأهمل فإن لم یکن اسمها نکرة أهملت ووجب تکرارها : نحو لا علیّ مقصر ، ولا حامد. ومثل : لا البخل محمود ، ولا الإسراف مقبول ، وإن یکن لم خبرها نکرة وجب إهمالها ، والغالب تکرارها أیضا. نحو : لا إنسان هذا ولا حیوان.
4- ومع تکرارها وعدم إعمالها - بسبب وجود فاصل - یظل معناها هو نفی الجنس کله نصّا ، بشرط وجود النکرتین بعد هذا الفاصل ، فعدم إعمالها فی هذه الحالة لا یخرجها عن أنها من الناحیة المعنویة لنفی الجنس کله بشرط دخولها علی النکرتین ... بعد الفاصل.
5- لأن تقدیم الخبر أو معموله علی الاسم سیؤدی إلی الفصل بین «لا» واسمها وهو ممنوع. ومن باب أولی لا یصح تقدیم الخبر أو معموله علیها ؛ لأن ما یقع فی حیّز النفی (أی : فی مجاله ودائرته) لا یجوز أن بتقدم علی أداة النفی ؛ فلها الصدارة حتما - کما سبق فی ص 543 وفی رقم 1 من هامش ص 622 ، وفی رقم 4 من هامش ص 625 - لکن هل یجوز أن یتقدم معمول الخبر علی الخبر وحده؟ یجیب بعض النحاة : نعم.

الخبر - ولو کان شبه جملة - علی الاسم. فإن تقدم مثل : لا لهازل هیبة ولا توقیر - لم تعمل مطلقا.

وکذلک لا یجوز تقدم معمول الخبر علی الاسم ؛ ففی مثل : لا جندیّ تارک میدانه ... لا تعمل حین نقول ، لا میدانه جندیّ تارک.

فإذا استوفت شروطها وجب إعمالها (1) : (إن اقتضی المعنی ذلک ؛ سواء أکانت واحدة ، أم متکررة - علی التفصیل الذی سنعرفه).

* * *

حکم اسم «لا» المفردة ؛ (أی : المنفردة التی لم تتکرر). لهذا الاسم حالتان :

الأولی : أن یکون مضافا (2) أو شبیها بالمضاف (3). وحکمه وجوب إعرابه ، مع نصبه بالفتحة ، أو بما ینوب عنها. فمن أمثلة المضاف :

لا قول زور نافع ......

کلمة : (قول) اسم «لا» ، منصوبة بالفتحة ، لأنها

اسم مفرد : ومضاف.

لا أنصار خیر متنافرون ......

کلمة : (أنصار) اسم «لا» ، منصوبة بالفتحة لأنها

جمع تکسیر ، ومضاف.

لا ذا أدب نمام .....

کلمة : (ذا) اسم «لا» ، منصوبة بالألف نیابة عن

الفتحة ؛ لأنها من الأسماء الستة ، مضافة.

لا نصیحتی إخلاص أنفع من نصح الوالدین

کلمة : (نصیحتی ...) اسم «لا» ، منصوبة بالیاء

نیابة عن الفتحة ؛ لأنها ، مثنی مضاف.

لا خائنی وطن سالمون ....

کلمة : خائنی ...) اسم «لا» ، منصوبة بالیاء نیابة

عن الفتحة ، لأنها جمع مذکر ؛ مضاف

لا مهملات عمل مکرمات ..... کلمة : (مهملات) اسم «لا» ، منصوبة بالکسرة نیابة عن الفتحة : لأنها جمع مؤنث سالم مضاف.

ص: 627


1- الشروط الستة منها أربعة فی «لا» مباشرة ، هی : (کونها للنفی - للجنس - للتنصیص - عدم توسطها بین عامل ومعموله) وواحد فی معمولیها ؛ هو : (تنکیرهما معا) وواحد فی اسمها هو : اتصاله بها مباشرة). وزاد بعضهم شرطا فیها ، هو : ألا ینتقض نفیها بإلا - طبقا للأشهر - کما سبق فی رقم 1 من هامش ص 626 -
2- إما لنکرة وإما لمعرفة بشرط ألا یکتسب منها التعریف ؛ بسبب توغله فی الإبهام ؛ ککلمة : «مثل» نحو : لا مثل محمود مؤدب ... و «غیر» وسواهما مما لا یکتسب التعریف غالبا - کما أوضحنا فی رقم 5 من هامش الجدول الذی فی ص 78 و 79 ، وکذا فی رقم 1 من هامش ص 382 - لأن : «لا» لا تعمل فی معرفة.
3- هو الذی یجیء بعده شیء یکمل معناه ، بشرط أن یکون ذلک الشیء التالی : إما مرفوعا باسم «لا» ؛ نحو : لا مرتفعا شأن خامل ، وإما منصوبا به ؛ نحو : لا متعهدا أموره مقصر (ویلحق بهذا النوع : الأسماء المعطوف علیها التی لیست علما ، نحو لا سبعة وأربعین غائبون ، وتمییز العقود وغیرها. نحو : لا عشرین رجلا متکاسلون) وإما جارا ومجرورا متعلقین به ؛ نحو : لا متواکلا فی عمله محمود. فإن کان مجرورا بالإضافة فإنه یکون من المضاف لا من الشبیه بالمضاف ، کما عرفنا. والشبیه بالمضاف یجب أن یکون معربا ومنونا. إلا أن وجد مانع من التنوین. وأجاز فریق من غیر - - البصریین عدم تنوینه ؛ محتجا بقوله تعالی : (وَلا جِدالَ فِی الْحَجِّ) ، لأن المعنی عنده : «ولا جدال فی الحج مقبول» فالجار والمجرور من متممات اسم «لا» والخبر محذوف ؛ فلا تعلق للجار والمجرور به وکذلک قوله علیه السّلام : (لا مانع لما أعطیت ، ولا معطی لما منعت) لأن المعنی عنده علی حذف الخبر ، والجار والمجرور من متممات اسم «لا» فهما متعلقان به ، لا بالخبر - وقد أجیب عن هذین وأمثالهما بأن الخبر المحذوف ، موضعه قبل الجار والمجرور ، والأصل : «ولا جدال حاصل فی الحج» ، ولا مانع مانع لما أعطیت ؛ فالجار مع المجرور. متمم للخبر المحذوف ، متعلقان به. وهذا تکلف مردود ؛ لتکراره فی فصیح الکلام ، وبالرغم منه یحسن التزام التنوین - لأنه الأکثر والأشهر الذی تتوحد عنده الألسنة -. ولا یدخل شیء من التوابع الأربعة (کالنعت ما عدا صورة العطف السابقة ...) فی الأشیاء التی تکمل المعنی ؛ وتجعل الاسم بسببها شبیها بالمضاف : لأن الاسم غیر عامل فیها. - انظر رقم 2 من هامش ص 639 -

ومن أمثلة الشبیه بالمضاف :

لا مرتفعا قدره مغمور ...

کلمة (مرتفعا) اسم «لا» منصوبة بالفتحة

لا بائعا دینه بدنیاه رابح ...

" (بائعا) """

لا خمسة وعشرین غائبون ...

" (خمسة) """

لا ساعیا وراء الرزق محروم ...

" (ساعیا) """

لا قاعدا عن الجهاد معذور ...

" (قاعدا) """

لا سائقین طیارة غافلان ..."

(سائقین) "" بالیاء ؛ لأنها مثنی

لا حارسین باللیل نائمون

..." (حارسین) """ لأنها جمع

مذکر

لا راغبات فی الشهرة مستریحات

" (راغبات) "" بالکسرة ؛ لأنها جمع

مؤنث سالم

ومن الأمثلة السالفة یتضح الإعراب مع النصب بالفتحة مباشرة فی المفرد (1) وفی جمع التکسیر ، (ومثله : اسم الجمع ، کقوم ، ورهط (2). إذا کانا من الحالة الأولی المذکورة) ، وبما ینوب عن الفتحة وهو : الألف ، فی الأسماء الستة ، والیاء فی المثنی وجمع المذکر السالم ، والکسرة فی جمع المؤنث السالم.

الثانیة : أن یکون مفردا (ویراد بالمفرد هنا : ما لیس مضافا ولا شبیها بالمضاف ، واو کان مثنی ، أو مجموعا) وحکمه : وجوب بنائه علی الفتح (3)

ص: 628


1- الذی لیس بمثنی ولا جمع.
2- سبق - فی رقم 1 من هامش ص 134 - بیان موجز عن اسم الجمع ، وقلنا : إن البیان الوافی موضعه ج 4 ص 510 م 73 - باب جمع التکسیر.
3- وهناک حالة یبنی فیها علی الضم ستجیء فی «ب» من الزیادة - ص 631 - ویعللون سبب البناء علی الفتح بأنه ترکیب «لا» مع اسمها بحیث صارا کالکلمة الواحدة فأشبها الأعداد المرکبة ک (خمسة عشر وغیرها). لکن السبب الحق هو استعمال العرب. ومن المعلوم أنه حین بنائه علی الفتح لا یدخله التنوین. وأنه یکون دائما فی محل نصب : فلفظه مبنی علی الفتح أو ما ینوب عن الفتحة ، ومحله النصب. دائما. ولهذا یراعی المحل - أحیانا - فی التوابع - کما سیجیء -.

أو ما ینوب عنه (1) فیبنی علی الفتح مباشرة إن کان مفردا أو جمع تکسیر أو اسم جمع ؛ مثل : لا عالم متکبر - لا علماء متکبرون - لا قوم للسفیه.

ویبنی علی الیاء نیابة عن الفتة إن کان مثنی أو جمع مذکر سالما ؛ نحو : لا صدیقین متنافران - لا حاسدین متعاونون.

ص: 629


1- ولا تنوب الألف هنا عن الفتحة ؛ لأن الألف تنوب عنها فی نصب الأسماء الستة ، حین تکون مضافة. والإضافة - فی الأغلب - تتعارض مع حالة البناء التی نحن بصددها. ولهذا اضطربت آراء النحاة أمام الأسلوب الفصیح الوارد عن العرب من قولهم : لا أبالک ... حیث وقع اسم «لا» منصوبا بالألف مع أنه مفرد (أی : غیر مضاف) ؛ فقالوا فی تأویله : إن «أبا» مضاف للکاف ، منصوب بالألف بغیر تنوین ؛ لأنه مضاف ، واللام زائدة. والخبر محذوف. والتقدیر : لا أباک موجود. ومع أنه مضاف - لیس معرفة ؛ لأن إضافته غیر محضة ؛ فهی کالإضافة فی قولنا : «غیرک» ، و «مثلک» ، ونحوهما مما لا یفید المضاف تعریفا. وذلک القائل لم یقصد نفی أب معین ، وإنما یقصد نفیه ومن یشبهه ؛ إذ هو - غالبا - دعاء بعدم الناصر ، والإضافة غیر المحضة لیس مقصورة علی إضافة الوصف العامل إلی معموله ؛ فلم تعمل «لا» فی المعرفة. وإنما زیدت اللام بین المضاف والمضاف إلیه لکراهیة إدخال : «لا» علی المضاف إلیه الذی یشبه فی صورته الظاهریة المعرفة ، دون حقیقته المرادة. وهناک آراء أخری تقتضی الفائدة الإلمام بها (وقد ذکرناها تفصیلا عند الکلام علی هذا الأسلوب ومعناه فی ص 106) وکل رأی یواجه باعتراض. وانته الأمر إلی أن الأفضل اعتبار کلمة : «أبا» اسم «لا» مبنیة علی فتح مقدر علی الألف (کما جاء فی الخضری فی أول باب «لا») ، علی لغة القصر التی تلزم الألف فیها آخر الأسماء الستة. وعلی أساسها لا تکون کلمة «أبا» فی الأسلوب السالف معربة. أما الخبر فالجار والمجرور بعدها. ومن الأسالیب المسموعة - بکثرة - أیضا قولهم : «لا غلامی لک» «بالتثنیة» و «لا خادمی لک» (بالجمع) علی اعتبار أن نون المثنی ونون الجمع قد حذفت کلتاهما للإضافة ، وأن المثنی والجمع منصوبان ؛ لأنهما مضافان. فکیف یعدان من نوع المضاف مع وجود اللام فاصلة بین المضاف والمضاف إلیه ؛ وهذا لا یجوز فی رأی المعترضین ؛ وقد أجیب بأن النون لم تحذف للإضافة ، وإنما حذفت للتخفیف ؛ فالکلمتان مبنیتان علی الیاء ، لا معربتان ، والجار والمجرور بعدهما خبر. وقیل : إن الکلمتین شبیهتان بالمضاف بسبب اتصال «لک» بهما. والنون محذوفة للتخفیف. وخبرهما محذوف ... إلی غیر ذلک من الإجابات. ومن الواجب ألا نحاکی هذا الأسلوب برغم أن بعض النحاة یبیحه ، - کما سیأتی فی باب الإضافة (ج 3 ص 10 - م 93) لأن الأخذ به فی عصرنا یبعد اللغة عن خص خصائصهها ، وهو : الإبانة ، والوضوح ، والفرار من اللبس.

ویبنی علی الکسرة نیابة علی الفتحة إن کان جمع مؤنث سالما ، نحو : لا والدات قاسیات.

ومع أنه مبنی فی الحالات السالفة ، هو فی محل نصب دائما. أی : مبنی لفظا منصوب محلا (1).

ص: 630


1- وبهذه المناسبة نشیر إلی ما نسمعه الیوم من بعض الواهمین المتسرعین الذین یطلبون الأخذ برأی قدیم ضعیف ملخصه : وضع اسم «لا» بأنواعه الثلاثة (المفرد ، والمضاف ، والشبیه بالمضاف) تحت حکم واحد هو : «الإعراب والنصب» وأن یقال فی إعراب الاسم المفرد : «إنه منصوب بغیر تنوین» ویزعمون - خاطئین - أن فی هذا تیسییرا واقتصارا علی حکم واحد شامل بدل حکمین مختلفین. فکیف غاب عن بالهم ما فی هذا الرأی من الخطل والفساد؟ ذلک أن اللغة فی مصطلحاتها المشهورة ، لا تعرف اسما معربا بغیر تنوین ، إلا الممنوع من الصرف للأسباب المعروفة ، أو لداع آخر ؛ کالإضافة ، أو البناء أو بعض صور النداء ... فالأخذ بذلک الرأی یوجد فی اصطلاحات اللغة قسما جدیدا لا تعرفه من الأسماء المعربة الممنوعة من التنوین. علی أن هذا القسم الجدید یحتاج - کما یقولون - إلی التصریح بأنه : «معرب منصوب بغیر تنوین». وهذا حکم خاص به یختلف عن حکم النوعین الآخرین. فأین - إذا - الاختصار والاقتصار علی حکم واحد کما یتوهمون؟ وکیف خفی علیهم أن النصب هنا بغیر تنوین معناه «البناء» علی الفتح؟ وشیء آخر هام لم یفطنوا له ، هو أن بناء الاسم المفرد علی الفتح فی محل نصب یقتضی أن یراعی محله حتما فی بعض التوابع فیؤثر فیها کما عرفنا - وکما سیجیء فی ص 633 - فتصیر منصوبة منونة - عند عدم المانع - تبعا لمحله فقط وقد غاب عنهم هذا.

زیادة وتفصیل

(ا) سبق (فی ص 626) أن من شروط إعمالها : تنکیر معمولیها. وقد وردت أمثلة فصیحة وقعت فیها عاملة مع أن اسمها معرفة. من ذلک قوله علیه السّلام : إذا هلک کسری فلا کسری بعده ، وإذا هلک قیصر فلا قیصر بعده. ومن ذلک قولهم : قضیة ولا أبا حسن (1) لها. وقولهم : لا أمیّة (2) فی البلاد ، وقولهم : لا هیثم (3) اللیلة للمطیّ. وقولهم : یبکی علی زید ولا زید مثله ... وغیر هذا من الأمثلة المسموعة. وقد تناولها النحاة بالتأویل (4) کی یخضعوها لشرط التنکیر. وهو تأویل لا داعی لتکلفه مع ورود تلک الأمثلة الصریحة ، الدالة علی أن فریقا من العرب لا یلتزم التنکیر. فعلینا أن نتقبل تلک النصوص بحالها الظاهر دون محاکاتها ، ونقتصر فی استعمالنا علی اللغة الشائعة المشهورة التی تشترط الشروط التی عرفناها ؛ توحیدا لأداة التفاهم ، ومنعا للتشعیب بین المتخاطبین بلغة واحدة.

ب - قلنا إن حکم اسم «لا» المفرد هو البناء علی الفتحة ، أو ما ینوب عن الفتحة. وقد یصح بناؤه علی الضمة العارضة فی حالة واحدة ، هی أن یکون الاسم کلمة :

«غیر» - ونظیراتها - فتکون کلمة : «غیر» مبنیة علی الضمة الطارئة فی محل نصب ،

ص: 631


1- هی کنیة : علی بن أبی طالب ؛ والد الحسن والحسین. وهذه عبارة نثریة من کلام عمر بن الخطاب ، صارت مثلا فی الأمر العسیر یتطلب من یحله.
2- علم علی الرجل الذی تنسب إلیه الدولة الأمویة.
3- اسم لص ، أو اسم سائق إبل.
4- من ذلک قولهم : إن المراد من المعرفة هنا - نکرة ، فالمراد من : قیصر ، وأبا حسن ، وأمیة ، وهیثم ، وزید - شخص ، أی شخص ، مسمی بهذا الاسم. فحین تقول : لا کسری أو : لا قیصر بعده ، ترید : لا مسمی بهذا الاسم ، وحین نقول «لا أبا حسن لها : أی : لا مسمی بهذا الاسم لها ، أو لا فیصل لها ، وهکذا ... فالکلمة معرفة فی الظاهر ، ولکنها نکرة تأویلا. وهذا مسوغ لعمل «لا» عندهم. ومن تأویلاتهم : أن المعرفة کان قبلها مضاف محذوف ملحوظ ، وهو نکرة. ثم أقیم المضاف إلیه مقامه ؛ فیقدرون فی لا کسری ... أو : لا قیصر بعده ... لا مثل کسری ، ولا مثل قیصر ... لا مثل أبی حسن ... ولما حذف المضاف وأقیم المضاف إلیه مقامه صار الکلام : لا کسری ، لا قیصر ، لا أبا حسن ... وعلی کل تأویل اعتراض ، أو أکثر سجلته المطولات. والحق أن مثل هذا التأویل اتعال لا خیر فیه ، لعدم مسایرته الحقیقة الناطقة بأن بعض العرب قد یعمل : «لا» مع تعریف اسمها.

بشرط أن تکون مضافة مسبوقة بکلمة : «لا - أو : لیس» - وبشرط أن یکون المضاف إلیه محذوفا قدنوی معناه علی الوجه المفصّل فی مکانه من باب الإضافة (1) نحو : قطعت ثلاثة أمیال لا غیر - أو لیس غیر - أی : لا غیرها ، أو لیس غیرها مقطوعا.

والنحاة یقولون فی إعراب هذا : إنه مبنی علی فتح مقدر ، منع من ظهوره الضم العارض للبناء أیضا - فی محل نصب. وفی هذا تکلف وتطویل یدعوهم إلیه رغبتهم فی إخضاع هذا النوع لحکم المفرد بحیث یکون الحکم (وهو البناء علی الفتح فی محل نصب) عاما مطردا. لکن لا داعی لهذا التکلف ، إذ لا مانع من أن یقال : إنه مبنی علی الضمّ - مباشرة - فی محل نصب ، کما فی الصبان والخضری ، عند کلامها علی أحکام : «غیر» فی باب الإضافة وستجیء فی الموضع الذی أشرنا إلیه.

ص: 632


1- ج 3 ص 55 م 95.

المسألة 57: اسم «لا» المتکررة مع العطف

اشارة

صورۀ

(1)

یجوز فی هذا الاسم المفرد المعطوف أحد ثلاثة أشیاء (2) :

أولها : البناء (3) علی الفتح ، أو ما ینوب عن الفتحة ؛ فنقول فی المثال الأول : لا خیر مرجوّ ولا نفع. علی اعتبار «لا» المکررة نافیة للجنس. «نفع» اسمها ، مبنی علی الفتح فی محل نصب - وخبرها محذوف (4) تقدیره :

ص: 633


1- عرفنا - فی ص 628 - أن المراد بالمفرد هنا : ما لیس مضافا ولا شبیها بالمضاف ؛ فیدخل فی المفرد بهذا المعنی ، المثنی والجمع. وإذا تکررت والاسم غیر مفرد فالحکم یجیء فی رقم 1 من هامش ص 637
2- ولکل إعراب معنی خاص به.
3- وفی حالة البناء لا یدخله التنوین ؛ کالشأن فی کل مبنی.
4- ومما هو جدیر بالتنویه أن خبر المکررة قد یکون محذوفا کهذا المثال ، وأن العطف فیه من نوع عطف الجملة علی الجملة ، خضوعا لقاعدة المطابقة. وقد یکون الخبر مذکورا والعطف عطف جملة علی جملة کقولنا : لا خیر مرجو من الشریر ولا نفع مرجو منه ، ومثله : لا کرامة لمنافق ، ولا شرف لکذاب ، وقولهم : اللهم لا شکایة من قضائک ، ولا استبطاء لجزائک ، ولا کفران لنعمتک ، ولا مناصبة لقدرتک وقد یکون الخبر صالحا للاثنین معا کالمثال الثانی (لا تقدم ولا رقی مع الجهالة). فالظرف من حیث المطابقة صالح للاثنین ، فالعطف عطف مفردات إن جعلنا الظرف خبرا عن المعطوف علیه والمعطوف معا. أما إن جعلناه خبرا لأحدهما فقط ، وخبر الثانیة محذوفا فالعطف عطف جمل. فلا بد قبل الحکم علی نوع العطف (بإنه عطف جمل أو عطف مفردات) من النظر أولا إلی الخبر ، ومطابقته ، أو عدم مطابقته للمعطوف والمعطوف علیه معا ، وأنه صالح للإخبار به عنهما ، أو غیر صالح. وهذه من الأمور التی تتطلب یقظة وإدراکا تامین.

مرجوّ (1). - مثلا - والجملة الاسمیة الثانیة معطوفة علی الجملة الاسمیة الأولی ، فعندنا جملتان

ونقول فی المثال الثانی : لا تقدم ولا رقیّ مع الجهالة ؛ فتکون کلمة : «رقیّ» اسم ، «لا» الثانیة علی الاعتبار السابق ، ولکن خبرها وخبر الأولی هو الظرف : «مع» فإنه یصلح خبرا لهما.

ونقول فی الثالث : لا نهر فی الصحراء ولا بحر. فیجری علی هذا المثال ما جری علی الثانی.

ثانیها : الإعراب (2) مع نصبه بالفتحة أو ما ینوب عنها. فنقول فی المثال الأول : لا خیر مرجوّ من الشریر ، ولا نفعا ، بإعرابه منصوبا. وهذا علی اعتبار : «لا» الثانیة زائدة لتوکید النفی ؛ فلا عمل لها. وکلمة. «نفعا» معطوفة بحرف العطف علی محل اسم «لا» الأولی ؛ لأن محله النصب. (فهو مبنی فی اللفظ ، لکنه منصوب المحل ، کما سبق) (3).

ونقول فی المثال الثانی : لا تقدم ولا رقیّا مع الجهالة. علی الاعتبار السابق أیضا ؛ فتکون «لا» المکررة زائدة لتوکید النفی ، «رقیا» معطوفة علی محل اسم «لا» الأولی. وخبر «الأولی» هو الظرف : «مع».

ونقول فی المثال الثالث : لا نهر فی الصحراء ولا بحرا ؛ کما قلنا فی الأول تماما.

ثالثها : الإعراب مع رفعه (4) بالضمة ، أو بما ینوب عنها ؛ فنقول فی المثال لأول : لا خیر مرجوّ من الشریر ، ولا نفع. برفع کلمة : «نفع» علی اعتبار «لا» الثانیة زائدة لتوکید النفی ؛ فلا عمل لها. و «نفع» مبتدأ مرفوع ، خبره محذوف ، والجملة الاسمیة الثانیة معطوفة علی الجملة الاسمیة الأولی.

ویصح اعتبار «لا» الثانیة عاملة عمل «لیس» وکلمة : «نفع» اسمها

ص: 634


1- فی مثل هذا المثال وأشباهه لا یمکن اعتبار کلمة : «نفع» المبنیة معطوفة علی کلمة : «خیر» المبنیة ، واکتسبت منها البناء. لا یمکن ذلک ، لأن البناء لا ینتقل إلی التوابع ، ولا یراعی فیها إن کان سببه بناء المتبوع - کما فی «ح» من هامش ص 637 وفی «ا» من ص 638 -.
2- الإعراب یقتضی تنوینه. إلا إن وجد ما یمنع التنوین ، کمنع الصرف ..
3- فی ص 630.
4- ومع تنوینه أیضا ، إلا إن وجد ما یمنع التنوین ؛ کمنع الصرف.

مرفوع ، والخبر محذوف ، والجملة من «لا» الثانیة ومعمولیها معطوفة علی الجملة الأولی.

ویصح اعتبار «لا» الثانیة زائدة لتوکید النفی ، وکلمة : «نفع» معطوفة علی «لا» الأولی مع اسمها (1) ، لأنهما بمنزلة المبتدأ المرفوع : فالمعطوف علیهما معا یکون مرفوعا أیضا.

ویجری علی المثالین الأخیرین ما جری علی المثال الأول ؛ حیث یصح فی کلمتی رقیّ ، و «بحر» الرفع علی أحد الاعتبارات الثلاثة السابقة.

«ملاحظة» : إذا تکررت «لا» وکل واحدة مستوفیة الشروط ، مفردة الاسم ؛ وکانت الأولی لنفی الوحدة (أی : عاملة عمل لیس) جاز فی اسم المکررة بعد عاطف ، أمران : أن یکون معربا مرفوعا بالضمة أو بما ینوب عنها ، وأن یکون مبنیّا علی الفتح أو ما ینوب عن الفتحة ؛ مثل : لا قویّ ولا ضعیف أمام القانون. أو : لا قویّ ولا ضعیف أمام القانون.

(ا) فالرفع - فی هذا المثال - إما علی اعتبار «لا» المکررة زائدة لتوکید النفی ، والاسم بعدها معطوف علی اسم الأولی ؛ فالمعطوف مرفوع کالمعطوف علیه ، والخبر عنهما هو الظرف : (أمام). وإما علی اعتبار «لا» المکررة زائدة للنفی أیضا ، والاسم بعدها مبتدأ (2) ، وإما علی اعتبار «لا» المکررة عاملة عمل «لیس» والمرفوع بعدها اسمها (3).

وإنما جاز الرفع علی هذین الاعتبارین ، ولم یجز النصب لأن النصب إنما یجری علی اعتبار أن «لا» المکررة زائدة ، والاسم الذی بعدها معطوف علی محل اسم الأولی ، المبنی لفظا المنصوب محلا ، ولما کان اسم الأولی هنا مرفوعا ، ولیس مبنیّا علی الفتح

ص: 635


1- أو علی اسم : «لا» وحده عند بعض النحاة - فی هذه الصورة وأشباهها مما یأتی - باعتباره مبتدأ فی الأصل. ولا أثر للخلاف بین الرایین.
2- وخبره هو الظرف : «أمام» وخبر الأولی محذوف. أو العکس ؛ فیکون الظرف خبر الأولی وخبر الثانیة هو المحذوف. وعلی کلا الاعتبارین تکون الجملة الاسمیة الثانیة معطوفة علی الجملة الاسمیة الأولی.
3- والخبر هنا ونوع العطف کالحالة السابقة.

لفظا. کان غیر منصوب محلا ؛ فلا یجوز العطف علی محله (1).

ب - والبناء علی علی الفتح علی اعتبار «لا» المکررة نافیة للجنس ، إلی هنا انته الکلام علی أحکام اسم «لا» المکررة حین یکون مفردا بعد کل واحدة. وهی أحکام تسری علی اسم «لا» المکررة (2) مرة أو أکثر ، بشرط

ص: 636


1- إلی کل الأحکام السابقة یشیر ابن مالک إشارة موجزة بقوله : عمل «إنّ» اجعل «للا» فی نکره مفردة جاءتک ، أو مکرّره یرید : اجعل عمل «إن» من اختصاص «لا» النافیة للجنس المکررة وغیر المکررة ؛ فتعمل النصب فی الاسم ، والرفع فی الخبر ، بشرط أن یکون ما تعمل فیه نکرة ، فلا یجوز أن یکون اسمها أو خبرها معرفة ، ومن باب أولی لا یجوز أن یکونا معرفتین ، ثم قال : فانصب بها مضافا ، أو مضارعه وبعد ذاک الخبر اذکر رافعه ورکّب المفرد فاتحا ؛ کلا حول ، ولا قوّة. والثّان اجعلا مرفوعا ، أو منصوبا ، أو مرکّبا وإن رفعت أوّلا لا تنصبا - عرض فی هذه الأبیات لأحکام اسم «لا» فقال : انصبه بها ؛ (لأنها العامل الذی یعمل فیه النصب) وذلک حین یکون مضافا ، أو مضارعا له ، أی : مشابها للمضاف. وبعد ذلک الاسم المنصوب اذکر الخبر رافعا إیاه. ویؤخذ من هذا البیت أمران. أولهما : أن اسم : «لا» یکون معربا منصوبا حین یقع مضافا ، أو شبیها بالمضاف. وثانیها : أن الخبر یرفع بشرط أن یجیء بعد الاسم ، غیر متقدم علیه ، فلا بد من الترتیب بینهما بحیث یتقدم الاسم ویتأخر الخبر. ولم یتعرض لبقیة الشروط. وأوضح بعد ذلک حکم الاسم الذی لیس مضافا ولا شبیها به ؛ وهو : الاسم المفرد ؛ فقال : «رکب المفرد فاتحا» أی : رکبه مع «لا» ، فاتحا إیاه ، بأن تجعله مبنیا علی الفتح ؛ بسبب الترکیب. (لأنهم یجعلون سبب البناء هو ترکیبه مع «لا» ترکیبا جعل الکلمتین بمنزلة کلمة واحدة ؛ مثل : خمسة عشر ، وغیرها من الأعداد المبنیة علی الفتح ، من أجل ترکیبها) ومثال المفرد المبنی کلمة : «حول» ، وکلمة «قوة» فی نحو : لا حول ولا قوة أمام قدرة الله. وهو مثال أیضا لاسم «لا» المکررة. وبین أن حکم هذا الاسم الرفع أو النصب أو الترکیب مع «لا» فیکون مبنیا معها علی الفتح. (أی : أن اسم «لا» المکررة إذا کان مفردا یجوز فیه ثلاثة أشیاء الرفع ، أو النصب ، أو البناء علی الفتح). ثم أوضح أن هذه الثلاثة جائزة حین یکون اسم «لا» الأولی غیر مرفوع فإن کان مرفوعا - لأنها عاملة عمل «لیس ، أو مهملة ؛ لعدم استیفائها الشروط - لم یجز فی اسم «لا» المکررة إلا الرفع أو البناء علی الفتح ، ولم یجز فیه النصب ، وقد شرحنا ذلک کله وعرضنا لأسبابه.
2- فی مثل : قصدتک یوم لا حر ولا برد ... یجوز جملة إعرابات ، منها : رفع کلمتی : «حر ، وبرد» علی اعتبار «لا» ملغاة ، أو عاملة عمل «لیس». ومنها : بناء الکلمتین علی الفتح باعتبار «لا» عاملة عمل «إن» - والخبر فی فی کل الصور السالفة محذوف. ومنها جر الکلمتین باعتبار «لا» اسم بمعنی «غیر» وهو مضاف ونعت ، منعوته کلمة : «یوم» مع تنوین یوم. والمضاف إلیه هو الکلمتان المجرورتان. - راجع الصبان ج 2 باب الإضافة ، عند الکلام علی «إذ» -.

استیفاء کل واحدة شروط العمل ، وإفراد اسمها ؛ کما عرفنا (1).

* * *

حکم المعطوف علی اسم «لا» بغیر تکرارها (2) :

إذا لم تتکرر : «لا» الجنسیة وعطف علی اسمها جاز فی المعطوف النکرة الرفع أو النصب فی جمیع الحالات (أی : سواء أکان مفردا أم غیر مفرد ، وسواء أکان اسمها - وهو المعطوف علیه - ، مفردا أم غیر مفرد ، ومن أمثلة ذلک :

ص: 637


1- أما إذا تکرزت «لا» المستوفیة للشروط ولم یکن اسم کل واحدة مفردا فإن الحکم یختلف باختلاف الصور الناشئة من ذلک ؛ وأهمها : ا - أن تکون الأسماء کلها مضافة أو شبیهة بالمضاف ؛ نحو : لا زارع حقل ، ولا بستانی حدیقة هنا ، فیجوز فی الاسم بعد المکررة إما النصب علی اعتبارها نافیة للجنس ، وهو اسمها منصوب بها ، وخبرها محذوف ، أو : هو المذکور ، وخبر الأولی محذوف ، والجملة الاسمیة الثانیة معطوفة علی الأولی فی الحالتین. وإما النصب أیضا لکن علی اعتبارها زائدة لتوکید النفی ، وهو معطوف علی اسم الأولی المنصوب. والظرف ؛ «هنا» خبر عنهما (والعطف عطف مفردات ؛ لأن المعطوف لیس جملة ، وکذلک المعطوف علیه). وإما الرفع علی اعتبار «لا» مهملة : وبعدها مبتدأ. أو علی اعتبارها عاملة عمل : «لیس» وهو اسمها ، والخبر فی الحالتین محذوف أو هو المذکور. والجملة الاسمیة الثانیة معطوفة علی الجملة الاسمیة الأولی (وعند اعتبار المذکور خبرا یکون الخبر الآخر محذوفا). ب - أن یکون الاسم بعد الأولی مضافا أو شبیها بالمضاف ، وبعد المکررة مفردا مثل : لا عمل خیر ولا بر أولی من إکرام الوالدین ؛ فیجوز فی الاسم المفرد بعد المکررة أن یکون اسمها مبنیا علی الفتح ؛ لأنها نافیة للجنس وخبرها محذوف أو هو المذکور وخبر الأخری هو المحذوف ، والجملة الاسمیة الثانیة معطوفة علی الجملة الاسمیة الأولی. ویجوز فیه النصب عطفا علی اسم الأولی المنصوب (عطف مفردات) ویجوز فیه الرفع علی اعتبار» «لا» نافیة للوحدة وهو اسمها. أو علی اعتبارها مهملة وهو مبتدأ ، والخبر فی الحالتین محذوف أو هو مذکور وخبر الأخری هو المحذوف ، والجملة فیهما معطوفة علی الجملة الاسمیة الأولی. ح - أن یکون الاسم بعد الأولی مفردا وبعد المکررة مضافا أو شبیها به ، نحو لا بر ولا عمل خیر أولی من إکرام الوالدین ... فالاسم بعد الأولی مبنی وبعد المکررة یجوز فیه النصب عطفا علی محل اسم اسم الأولی ، وتکون «لا» المکررة زائدة لتوکید النفی ، أو : أن الثانیة نافیة للجنس والاسم بعدها منصوب بها ، والخبر محذوف أو مذکور وهی مع جملتها معطوفة علی الأولی مع جملتها. وهنا العطف عطف جمل. ویجوز رفعه علی أنه اسم لا العاملة عمل «لیس» ، أو علی أنه مبتدأ وهی مهملة ، وفی الحالتین یکون الخبر محذوفا أو مذکورا علی حسب الجملة ، والعطف فیهما عطف جمل. هذا ولا تراعی حالة البناء فی اسم الأولی لأن البناء لا یراعی فی التوابع - کما سبق. فی رقم 1 من هامش ص 634 ویأتی فی «ا» من ص 638 ومن المفید التنویه مرة أخری بأن اعتبار العطف عطف جمل أو عطف مفردات ، إنما یتوقف علی الخبر المذکور ، أهو خبر للأولی وحدها فیکون خبر الثانیة محذوفا ویکون العطف من نوع عطف الجمل ، أم أنه خبر للثانیة وحدها ؛ فیکون خبر الأولی هو المحذوف ، والعطف عطف جمل أیضا؟ أو أنه صالح لهما معا (کما إذا کان شبه جملة) فیصح أن یکون العطف عطف مفردات ، أو جمل ؛ نحو : لا سیارة ولا طیارة هنا. فإن جعلنا الظرف خبرا لأحدهما فقط فالعطف عطف جمل. فمن المهم التنبه لهذا کله ، وإلی مطابقة الخبر وعدم مطابقته.
2- وهذا الحکم خاص بالمعطوف علی اسم ب «لا» دون أخواتها من الحروف الناسخة فلهن أحکام أخری سبقت فی ص 602.

(ا) لا کتاب وقلم فی الحقیبة. أو : لا کتاب وقلما فی الحقیبة. فیجوز فی المعطوف أمران :

الرفع علی اعتبار أن کلمة : «قلم» ، معطوفة علی «لا» مع اسمها ، وهما بمنزلة المبتدأ المرفوع ، فالمعطوف علیهما مرفوع أیضا. أو : علی الاسم وحده باعتباره مبتدأ فی الأصل - وهذا أحسن -

والنصب علی اعتبار أن کلمة : «قلم» معطوفة علی محل اسم «لا» المبنی ، لأنه مبنی فی اللفظ لکنه منصوب المحل ، فیجوز العطف علیه بمراعاة محله ، لا لفظه (لأن البناء لا یراعی فی التوابع ، کما سبق) (1).

(ب) لا کتاب هندسة وقلم رصاص فی الحقیبة ، یجوز فی المعطوف الأمران : الرفع علی الاعتبار السالف ، والنصب علی العطف علی لفظ اسم «لا» المنصوب.

(ح) لا کتاب حساب وقلم أو قلما فی الحقیبة. یجوز فی المعطوف الأمران الرفع والنصب علی الاعتبارین السالفین فی : «ب».

(د) لا کتاب وقلم رصاص ، فی الحقیبة. یجوز فی المعطوف الأمران : الرفع أو النصب علی الاعتبارین السالفین فی : «ا».

فإن کان المعطوف معرفة لم یجز فیه إلا الرفع علی اعتباره مبتدأ (2) ...

وعلی ضوء الصور والأسالیب السالفة - إفرادا وترکیبا - تضبط الصور الأخری التی لم نعرضها هنا. ویجب مراعاة الخبر بدقة ، لیظهر المعنی ، ولیمکن تمییز نوع العطف إن وجد (3).

* * *

حکم المعطوف علی اسم «لا» المکررة :

یتبع المعطوف علیه ، (أی : یتبع اسمها) فی إعرابه رفعا ونصبا دون أن یتبعه فی البناء کما عرفنا.

ص: 638


1- فی رقم 1 من هامش ص 634 وفی آخر «ح» من هامش ص 637.
2- لأن اسم : «لا» بنوعیها لا یکون معرفة ، وعند عطفة علی اسم الأولی یکون بمنزلة الاسم مع عدم صلاحیته لذلک ؛ بسبب تعریفه. هکذا یعللون. والعلة الصحیحة هی نطق العرب ، واستعمالهم ؛ فلو لم یلتزم العرب الرفع لم یکن للتعلیل قیمة.
3- سیجیء فی هامش ص 640 بیت ابن مالک الخاص بهذا العطف.

المسألة 58 : حکم نعت اسم «لا»

اشارة

لا تاجر خداع ناجح

لا سیارة مسرعة مأمونة

لا کتابة ، ردیئة ممدوحة

کیف نضبط الکلمات التی تحتها خط وهی : (خدّاع - مسرعة

- ردیئة)

وأشباعها من کل کلمة وقعت نعتا ، مفردا ، لاسم : «لا»

النافیة للجنس ، المفرد ولم یفصل بین النعت والمنعوت فاصل (1)؟

یجوز فی ضبط هذا النعت أحد أمور ثلاثة :

(ا) بناؤه علی الفتح أو بما ینوب عن الفتحة ؛ کالشأن فی اسم : لا (2) ، فنقول : لا تاجر خداع ناجح - لا سیارة مسرعة مأمونة - لا کتابة ردیئة ممدوحة.

(ب) إعرابه منصوبا بالفتحة ، أو بما ینوب عنها ؛ مراعاة لمحل اسم «لا». فنقول : لا تاجر خداعا ناجح - لا سیارة مسرعة مأمونة - لا کتابة ردیئة ممدوحة.

(ح) إعرابه مرفوعا بالضمة أو بما ینوب عنها. علی اعتباره نعتا لکلمة : «لا» مع اسسها ؛ وهما معا بمنزلة المبتدأ المرفوع ؛ فنعتهما مرفوع کذلک. أو لاسمها وحده (3) تقول :

ص: 639


1- فالشروط ثلاثة. أن تکون الکلمة : نعتا مفردا (أی : لیست مضافة ، ولا شبیهة بالمضاف) - وأن یکون اسم : «لا» مفردا ، وألا یفصل بین النعت والمنعوت فاصل. هذا ، والنفی ینصب فی الحقیقة علی النعت. وسیجیء فی الزیادة : «ا» ص 643 - أسلوب خاص یشتمل علی نوع من النعت له حکم یختلف عما سیذکر هنا.
2- علی تخیل أنه رکب مع اسم «لا» قبل مجیئها کترکیب خمسة عشر ، وغیرها من الأسماء المرکبة التی صارت بمنزلة کلمة واحدة ، وبنیت علی فتح الجزأیین بسبب الترکیب. ولا یصح أن یکون بناء النعت هنا تبعا لبناء اسم «لا» ؛ لما تقرر من أن بناء المتبوع لا ینتقل إلی التابع. کما أن وجود نعت لاسم «لا» المفرد لا یخرج الاسم عن حالة الإفراد - کما سبق فی آخر رقم 3 من هامش ص 627 - ؛ لأنه لا عمل له فی النعت.
3- باعتبار أصله مبتدأ.

لا تاجر خداع ناجح - لا سیارة مسرعة مأمونة - لا کتابة ردیئة ممدوحة (1). فإن اختل شرط من الشروط السالفة لم یصح بناء النعت علی الفتح ، وصحّ أن یکون مرفوعا أو منصوبا. فإذا کان النعت غیر مفرد ، مثل : لا تاجر خدّاع الناس ناجح ، لا یجوز أن یکون النعت (وهو : خداع) مبنیّا علی الفتح (2) ویجوز أن یکون مرفوعا أو منصوبا علی الاعتبار الذی أوضحناه سالفا (فی : «ب وج») وإن کان المنعوت غیر مفرد ، مثل : لا تاجر خشب خداع ناجح ، لم یجز البناء علی الفتح أیضا (3) ، وجاز الرفع أو النصب کسابقه.

وکذلک الحکم إن وجد فاصل بین النعت والمنعوت ؛ مثل لا تاجر وصانع خدّاعان ناجحان. فلا یجوز بناء کلمة ، «خداعان» بل یجب رفعها أو نصبها. ومما یلاحظ أن المنعوت إذا کان غیر مفرد بأن کان مضافا أو شبیها بالمضاف) فإنه سیجیء بعده ما یفصل بینه وبین النعت حتما.

ص: 640


1- وفی هذه الأحکام یقول ابن مالک : ومفردا نعتا لمبنیّ یلی فافتح أو : انصبن ، أو : ارفع تعدل یرید : أن النعت المفرد ، الذی یلی اسم «لا» المبنی ، یجوز فیه الفتح ، أو النصب. وإن شئت ؛ فارفعه ؛ تکن بذلک عادلا بین الرفع وغیره. أو تکن عادلا بین الثلاثة (والفاء فی : «فافتح وائدة لتحسین اللفظ ، فلا تمنع من تقدم معمول ما دخلت علیه. مثل کلمة : «مفردا» هنا).
2- لأن بناءه علی الفتح یقوم علی تخیل أنه مرکب مع اسم «لا» کترکیب الأسماء التی یقتضی الترکیب بناءها علی فتح الجزأین ؛ کسبعة عشر ، وغیرها من الأعداد والأسماء المرکبة - کما أوضحناه فی رقم 2 من هامش الصفحة 639 - وهذا الترکیب لا یکون إلا بین کلمتین فقط. فإذا کان النعت غیر مفرد ، أو کان المنعوت غیر مفرد - ترتب علی هذا أن یقع الترکیب بین أکثر من کلمتین ، وهذا مرفوض. وکذلک الشأن لو وجد فاصل بین النعت والمنعوت ؛ فإنه سیؤدی إلی قیام الترکیب بین أکثر من کلمتین.
3- وإلی النعت غیر المستوفی للشروط یشیر ابن مالک بقوله : وغیر ما یلی ، وغیر المفرد لا تبن ، وانصبه ، أو الرّفع اقصد یقول : إذا کان النعت لا یلی المنعوت ؛ لوجود فاصل بینهما ، أو کان أحدهما أو کلاهما غیر مفرد - فلا تبن النعت ، بل انصبه ، أو اقصد إلی الرفع ؛ فأنت مخیر بین النصب والرفع - دون البناء. ثم أشار بعد ذلک إلی حکم العطف علی اسم «لا» التی لم تتکرر ؛ فقال : إن حکم المعطوف هو کحکم النعت المفصول. ذلک الحکم الذی یقضی باختبار النصب أو الرفع دون اختیار البناء. وقد شرحنا حکم ذلک العطف تفصیلا ، ویقول فیه ابن مالک : والعطف إن لم تتکرّر : «لا» احکما له بما للنعت ذی الفصل انتمی انتمی ، أی : انتسب. واحکما ، أصلها : احکمن ؛ بنون التوکید الخفیفة ، وقلبت ألفا عند الوقف.

زیادة وتفصیل

البدل النکرة (وهو الصالح لدخول : «لا») کالنعت المفصول ، نحو ؛ لا أحد ، رجلا ، وامرأة فیها. بالنصب أو الرفع ، ولا یجوز بناؤه علی توهم ترکبه مع المبدل منه ، لأن البدل علی نیة تکرار العامل : «لا» ، فیقع بین البدل والمبدل منه فاصل مقدر یمنع من ذلک الترکیب الوهمی. وأجازه بعضهم لأن هذا الفاصل - وهو «لا» - یقتضی الفتح (1).

فإن کان البدل معرفة وجب رفعه (2) ، نحو لا أحد محمد وعلیّ فیها. وکذا یقال فی عطف البیان.

وأما التوکید فالأفضل فی اللفظیّ منه أن یکون جاریا علی لفظ المؤکّد من ناحیة خلوه من التنوین. ویجوز رفعه أو نصبه. وأما المعنوی فیمتنع هنا تبعا للرأی الشائع القائل : إنه لا یتبع نکرة ؛ لأن ألفاظه معارف. أما علی الرأی القائل إنه یتبعها فیتعین رفعه ، لعدم دخول «لا» علی المعرفة (3).

ص: 641


1- ومن المستحسن هنا عدم الأخذ بهذا الرأی الذی یوقع فی لبس.
2- علی اعتباره بدلا من «لا» مع اسمها وهما بمنزلة المبتدأ المرفوع ... ، أو من اسمها بحسب أصله المبتدا.
3- حاشیة الخضری ج 1 باب «لا» عند الکلام علی تکرارها ووقوع اسمها بعد عاطف.

المسألة 59 : دخول همزة الاستفهام علی «لا» النافیة للجنس

اشارة

(ا) دخول همزة الاستفهام علی «لا» النافیة للجنس (1).

إذا دخلت همزة الاستفهام علی : «لا» النافیة للجنس صار الأسلوب إنشائیّا ، ولم یتغیر شیء من الأحکام السالفة کلها. - وهذا أوضح الآراء وأیسرها - یتساوی معه أن تکون «لا» مفردة ، ومکررة ، وأن یکون الاسم مفردا وغیر مفرد ، منعوتا وغیر منعوت ، معطوفا وغیر معطوف ... إلی غیر ذلک من سائر الأحکام التی أوضحناها.

ولا فرق فیما سبق بین أن تکون الهمزة للاستفهام الصریح عن النفی المحض (أی : دون قصد توبیخ أو غیره ...) ؛ نحو : ألا رجل حاضرا (2)؟ أو للاستفهام المقصود به التوبیخ (3) ؛ نحو : ألا إحسان منک وأنت غنی؟. أو للاستفهام المقصود به التمنی (4) ؛ نحو ألا مال (5) فأساعد - المحتاج (6)؟

ص: 642


1- وکذلک علی «لا» التی لنفی الوحدة کما تقدم فی رقم 1 من هامش ص 547 منقولا عن الخضری ...
2- إذا کان السؤال عن عدم حضور أحد من الرجال.
3- ولا یسمی الآن استفهاما ؛ فقد تحول عنه إلی الغرض الجدید ؛ (من التوبیخ ، أو التمنی ، أو : غیرهما) وتسمیته استفهاما إنما هی بحسب أصله قبل أن یتحول.
4- انظر الزیادة والتفصیل ص 643.
5- الخبر محذوف ؛ تقدیره ، موجود. (راجع ما یأتی فی الزیادة والتفصیل - 643 - خاصا بکلمة : «ألا» التی للتمنی).
6- وفیما سبق یقول ابن مالک : وأعط «لا» مع همزة استفهام ما تستحقّ دون الاستفهام

زیادة وتفصیل

(ا) من الأسالیب الصحیحة فی التمنی : «ألا ماء ماء باردا». فکلمة «ماء» الثانیة نعت (1) للأولی : فهو مبنی علی الفتح ، لأنه بمنزلة المرکب المزجیّ مع اسم «لا» ویجوز نصبه ، ولکن یمتنع رفعه عند سیبویه ومن معه - علی مراعاة محل (لا) مع اسمها ، وأنهما بمنزلة المبتدأ ، ویجوز عند المازنی ومن وافقه.

وعلی هذا ، تکون «ألا» التی : للتمنی محتفظة عند بعض النحاة - بجمیع الأحکام الخاصة التی کانت لکلمة : «لا» قبل دخول الهمزة. وقبل أن یصبرا کلمة واحدة للتمنی. وإذا لم یکن خبرها مذکورا فهو محذوف. ویخالف فی هذا فریق آخر کسیبویه فیری أنها حین تکون للتمنی - لا تعمل إلا فی الاسم ؛ فلا خبر لها ؛ لأنها صارت بمنزلة : أتمنی. فقولک : «ألا ماء» ، کلام تام عنده ؛ حملا علی معناه ، وهو : أتمنی ماء. فلا خبر لها لفظا ولا تقدیرا ، واسمها هنا یکون بمنزلة المفعول به. ولا یجوز إلغاء عملها فی الاسم ، کما لا یجوز الوصف ولا العطف بالرفع مراعاة للابتداء ؛ کما أشرنا. ولا یقع هذا الخلاف فی النعوت الأخری. التی سبق حکمها - فی ص 639 والرأی الأول - مع عیبه - أفضل ؛ لأنه مطرد یسایر القواعد العامة ؛ فلا داعی للأخذ بالرأی الثانی.

ویتعین تنوین کلمة : «باردا» ، لأن العرب لم ترکب أربعة أشیاء (2) ترکیبا مزجیا ، ولا یصح إعراب کلمة : «ماء» الثانیة توکیدا ولا بدلا ؛ إذ یکون مقیدا بالنعت الآتی بعده ، والأول مطلق ؛ فلیس مرادفا له حتی یؤکده ، ولا مساویا له حتی یبدل منه بدل مطابقة.

لکن جوز بعضهم التوکید فی قوله تعالی : «(لنسفعن بالناصیة ناصیة کاذبة) فکذا هنا. وجوز بعضهم أن یکون عطف بیان ؛ لأنه یجیز أنّ یکون أوضح من متبوعه (3).

ص: 643


1- لجواز النعت بالجامد الموصوف بالمشتق ، مثل : مررت برجل رجل صالح وهو من النعت الذی یسمی نعتا موطئا ؛ أی : ممهدا (إذ یحصل به التمهید للنعت بالمشتق الذی بعده) ، وسیجیء بیان هذا فی موضعه الخاص - وهو باب النعت ج 3 ص 370 م 114.
2- راجع ص 281 حیث المرکب المزجی.
3- الخلاف شدید بین النحاة فی کل إعراب من هذه الإعرابات (وتراه ملخصا فی آخر باب «لا النافیة للجنس» فی الجزء الأول من التصریح والصبان وموجزا فی حاشیة الخضری) والذی یمکن استصفاؤه من الجدل العنیف وما یتضمنه من اعتراضات ودفعها هو صحة الإعرابات - - السالفة کلها وأن أحسنها إعراب الکلمة الثانیة نعتا موطئا کما سیجیء فی باب النعت من الجزء الثالث ص 370 م 114 طبقا لما أشرنا.

(ب) قد ترد کلمة : «ألا» للاستفتاح والتنبیه (بقصد توجیه الذهن إلی کلام هام مؤکد عند المتکلم ؛ یجیء بعدها). وهی کلمة واحدة. لا عمل لها ، فتدخل علی الجملة الاسمیة والفعلیة ؛ نحو : (أَلا إِنَّ أَوْلِیاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلا هُمْ یَحْزَنُونَ) وقوله : (أَلا یَوْمَ یَأْتِیهِمْ لَیْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) فقد دخلت علی «لیس» کما تجیء وهی کلمة واحدة للعرض (1) ، والتحضیض ؛ فتختص بالجملة الفعلیة ؛ فمثال العرض : ألا تشارکنی فی الرحلة الجمیلة. ومثال التحضیض ألا تقاوم أعداء الوطن.

ح - یجری علی خبر «لا» ما یجری علی سائر الأخبار ، من جواز الحذف - وکثرته - إن دلّ دلیل. ولیس من اللازم لجواز الحذف أن یکون الخبر هنا شبه جملة فقد یکون شبه جملة کقول الشاعر :

إذا کان إصلاحی لجسمی - واجبا

فإصلاح نفسی لا محالة أوجب

ای : لا محالة فی ذلک. وقول الآخر :

لا یصلح الناس فوضی لا سراة لهم

ولا سراة (2) إذا جهّالهم

سادوا

أی : ولا سراة لهم إذا جهّالهم سادوا. وقد یکون جملة ؛ کان یقال : هل من جاهل یصلح للسیادة؟ فیجاب : لا جاهل. أی : لا جاهل یصلح للسیادة ... وقد یکون مفردا کالأمثلة الآتیة بعد :

والدلیل علی الحذف قد یکون مقالیا ؛ کأن یقال : من المسافر؟ فیجاب : لا أحد. أی : لا أحد مسافر. وقد یکون الدّلیل مفهوما من المقام والحالة الملابسة ؛ کأن یقال للمریض : لا بأس ، أی : لا بأس علیک. وللسارق : لا نجاة ، أی : لا نجاة لک. وبغیر الدلیل لا یصحّ الحذف (3) ...

ومن الأسالیب التی حذف فیها الخبر : «لا سیما» وقد سبق الکلام علیها. فی ص 363 -

ص: 644


1- العرض : طلب الشیء برفق ولین ، والحض : طلبه بشدة وقوة : وتفصیل الکلام علیهما فی الجزء الرابع : یاب : أما ، ولو لا ، ولوما.
2- جمع سری ، وهو : الشریف ، کریم الحسب.
3- وفی هذا یقول ابن مالک : وشاع فی ذا الباب إسقاط الخبر إذا المراد مع سقوطه ظهر

ومنها : لا إله إلا الله (1) ؛ ومنها : لا ضیر (2). ومنها : لا ضرر ولا ضرار (3).

ومنها : لا فوت (4) ...

وقد یحذف الاسم لدلیل ، نحو : لا علیک. أی : لا بأس علیک.

د - بمناسبة الکلام علی : «لا» یتعرض بعض النحاة لتفصیل الکلام علی الأسلوب الذی یشتمل علی : «لا جرم» واعتبار «لا» زائدة. أو غیر زائدة. وقد سبق تفصیل هذا فی رقم 4 من ص 595.

ه - إن جاء بعد «لا» جملة اسمیة صدرها معرفة ، أو صدرها نکرة لم تعمل فیها - بسبب وجود فاصل ، مثلا - أو جاء بعدها فعل ماض لفظا ومعنی (5) لغیر الدعاء - وجب تکرارها فی أشهر الاستعمالات. فمثال الاسمیة التی صدرها معرفة قوله تعالی : (لَا الشَّمْسُ یَنْبَغِی لَها أَنْ تُدْرِکَ الْقَمَرَ ، وَلَا اللَّیْلُ سابِقُ النَّهارِ)(6)

ص: 645


1- یصح فی کلمة : «الله» فی هذا المثال - کما سیجیء فی الصفحة التالیة ، الرفع ، إما باعتبار أنها بدل من «لا» مع اسمها ؛ لأنهما فی حکم المبتدأ ، إذ هما فی محل رفع بالابتداء عند سیبویه ... و... وإما باعتبار أنها بدل من اسم «لا» قبل دخول الناسخ علیه ، فقد کان فی أصله مبتدأ قبل مجیء «لا» وإما باعتبارها بدلا من الضمیر المستتر فی الخبر المحذوف - وهذا هو الرأی الشائع - وتقدیر الضمیر «هو» ؛ فتکون کلمة : «الله» بدلا منه : ویصح نصب کلمة : «الله» علی الاستثناء ؛ لأن الکلام تام غیر موجب ؛ فیجوز فیه البدلیة والنصب - کما هو معروف فی أحکام المستثنی - (راجع الصبان ج 2 أول باب الاستثناء. حیث عرض الآراء السالفة) وقالوا لا یجوز فی لفظة : «الله» وأشباهها - أن تکون بدلا من لفظ «إله» لأنه مستثنی منه منفی ، والمستثنی هنا موجب بسبب وقوعه بعد «إلا» ، والعامل المشترک الذی عمل فیهما معا هو : «لا». فیترتب علی هذا الإعراب أن تکون «لا» قد عملت فی الموجب - لأن العامل فی البدل هو العامل فی المبدل منه ، عند أکثرهم - ، وهی لا تعمل فی الموجب. هذا سبب المنع عند أکثرهم. لکن آخرین یقولون بالجواز ؛ بحجة أنه یغتفر فی الثوانی ما لا یغتفر فی الأوائل - طبقا للبیان الذی یجیء فی باب الاستثناء -.
2- لا ضرر.
3- لا ضرار : لا ضرر ولا معارضة ولا مخالفة بغیر حق.
4- لا فوات ، ولا ضیاع وقت أو غیره.
5- الماضی لفظا ومعنی هو - کما تقدم فی ص 49 - ما کانت صیغته کالماضی وکذلک معناه فإن کان زمنه للحال أو الاستقبال فهو ماضی اللفظ دون المعنی ، ومنه : لا غفر الله للقاتل : فإنه فعل ماض للدعاء ، والدعاء یجعل معناه مستقبلا وفی هذه الحالة لا یجب تکرار «لا».
6- إن کانت الجملة الاسمیة دعائیة لم یجب معها تکرار «لا» ولو کانت هذه الجملة مستوفیة للشروط ؛ کقولک للمحسن : لا فقر یصیبک.

ومثال النکرة التی لم تعمل فیها قوله تعالی : (لا فِیها غَوْلٌ)(1) وَلا هُمْ عَنْها یُنْزَفُونَ(2) ...)

ولم تعمل هنا لوجود فاصل. ومثال الماضی قوله تعالی : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّی ...) وفی الحدیث : إن المنبتّ (3) لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقی.

(و) إذا وقعت کلمة «إلّا» بعد «لا» جاز فی الاسم المذکور بعد «إلا» الرفع والنصب. نحو : لا إله إلا الله ، - بالرفع أو النصب ، ولا سیف إلا ذو الفقار. أو ذا الفقار فالنصب علی الاستثناء ، والخبر محذوف قبل «إلّا». والرفع علی البدل ؛ إما من محل «لا» مع اسمها ؛ وإما علی البدل من الضمیر المستتر فی الخبر المحذوف ، وإما من محل اسم «لا» بحسب أصله الأول ؛ فقد کان مبتدأ ، وقد أوضحنا هذا قریبا (4).

(ز) إذا لم تعمل : «لا» بسبب دخولها علی معرفة ، أو لوجود فاصل بینها وبین اسمها - فالواجب عند الجمهور تکرارها - کما تقدم -.

ویلزم تکرارها مع اقترانها (5) بالواو العاطفة إذا ولیها مفرد منفی بها وقع خبرا أو نعتا ، أو حالا ؛ نحو : علیّ لا قائم ولا قاعد ، ومررت برجل لا قائم ولا قاعد ، ونظرت إلیه لا قائما ولا قاعدا.

وتتکرر أیضا إذا دخلت علی الماضی لفظا ومعنی ، وکان لغیر الدعاء - کما سلف - ، نحو : محمود لا قام ولا قعد. وقد یغنی عن تکرارها حرف نفی آخر ؛ وهذا قلیل ؛ مثل لا أنت أبدیت رأیک ولم تظهر غرضک. ومنه وقول الشاعر : (... فلا هو أبداها ولم یتجمجم (6)) ولم تتکرر فی نحو : لا نولک أن تفعل کذا ... لأنه بمعنی : لا ینبغی (7) ...

ص: 646


1- صداع وضرر ، أو سکر.
2- تسلب عقولهم.
3- الذی انقطع عن رفاقه فی السفر ، بسبب إرهاقه دابته فی الإسراع حتی عجزت ، فسبقه الرفاق
4- فی رقم 1 من هامش الصفحة السالفة.
5- راجع الصبان أیضا ج 3 آخر باب النعت.
6- من کلام زهیر فی معلقته.
7- فکأنها دخلت علی المضارع ؛ فلا یجب تکرارها وقد سبق الکلام علی هذا الأسلوب ومعناه فی ص 407 وسیجیء أیضا فی الصفحة التالیة -

فلم یبق شیء لا تتکرر فیه وجوبا سوی المضارع ؛ نحو : حامد لا یقوم (1) ...

ص: 647


1- قال الرضی : (یجب تکریر «لا» المهملة الداخلة علی غیر لفظ الفعل إلا فی موضعین ؛ أحدهما : أن تکون داخلة علی الفعل تقدیرا. وکذلک إذا دخلت علی منصوب بفعل مقدر ؛ نحو : لا مرحبا أی : لا لقیت مرحبا. أو : لا رحب موضعک. أو علی اسمیة بمعنی الدعاء ؛ نحو : لا سلام علی الخائن لأن الدعاء بالفعل أولی ، فکأنه قیل «لا» لا سلم سلاما ، ولذا دخلت علی : «نولک» کما مر - یشیر إلی ما ذکر فی الصفحة السابقة ، وفی ص 407 من قولهم : لا نولک أن تفعل کذا ، بمعنی : لا ینبغی لک ، ... والنول : العطیة وهو مبتدأ وما بعده مصدر مؤول خبره. وقیل فاعل سد مسد الخبر علی اعتبار أن «النول» بمنزلة الوصف الذی له مرفوع یسد مسد الخبر - وإنما لم تتکرر «لا» فی هذه المواضع لأنها إذا دخلت علی الفعل لم یجب تکریرها إلا إذا کان الفعل ماضیا غیر دعاء ؛ نحو قوله تعالی : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّی.) وثانیهما : أن تکون بمعنی : «غیر» مع أحد ثلاثة شروط. أولها : أن تدخل علی لفظة : «شیء» سواء انجرت بالإضافة ؛ نحو : هو ابن لا شیء أو بحرف الجر ، أی حرف کان ، نحو : کنت بلا شیء ، وغضبت من لا شیء ، أو انتصبت ، نحو : نک ولا شیئا ، أو ارتفعت ، نحو أنت ولا شیء. وثانیها : أن ینجر ما بعد «لا» بباء الجر قبلها ، نحو : کنت بلا مال ، ولا ینجر إذا لم یکن «شیء» إلا بها من بین حروف الجر. وثالثها : أن یعطف ما بعد «لا» علی المجرور بکلمة «غیر» کقوله تعالی : (غَیْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ. وَلَا الضَّالِّینَ ...) اه. راجع التصریح هنا.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.