ص: 2

وذکرنا فی الفصل الثانی وفودهم علی النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وإعجابه بهم .

وخصصنا الفصل الثالث ، لتاریخهم مع أهل البیت(علیهم السّلام) ، وحضورهم البارز فی حرب الجمل وصفین، وثورة المختار. وجعلنا الفصل الرابع لأهم أعلام النخعیین ، وفیهم الصحابة والقادة الشجعان ، والفقهاء الکبار ، والرواة الثقاة لأحادیث النبی وأهل بیته الطاهرین(علیهم السّلام) .

ونُلفت الی أن التاریخ ظلم بنی النخع کثیراً ، وحذف ما استطاع من دورهم فی فتوحات الإسلام ومعارکه ، بسبب کره الأمویین لرئیسهم بطل الإسلام مالک الأشتر (رحمه الله) الذی کانوا یسمونه «کبش العراق»

ویقول فیه شاعر العراقیین (وقعة صفین/396):

دعونا لها الکَبْشَ کَبْشَ العراق

وقد خالطَ العسکرَ العسکرُ

فرد اللواء علی عقبه

وفاز بحظوتها الأشترُ

کما کان یفعل فی مثلها

إذا ناب معصوصب منکر

فإن یدفع الله عن نفسه

فحظُّ العراق بها الأوفر »

ونرجو أن نکون أنصفناهم وکتبنا بعض سطورهم المشرقة ، والله ولی التوفیق .

کتبه: علی الکورانی العاملی

قم المشرفة – 22جمادی الثانیة 1431

ص: 4

انتخع من قومه أی بعد عنهم نزل بیشة .

ونزلوا فی الإسلام الکوفة ، ینسب إلیهم من العلماء الجم الغفیر منهم علقمة بن قیس بن یزید بن قیس بن عبد الله النخعی صاحب ابن مسعود روی عن ابن مسعود وهو أکبر أصحابه وعن علی وغیرهما . روی عنه الناس وکان أشبههم هدیاً وولاء بابن مسعود وتوفی سنة اثنتین وستین .

والأسود بن یزید بن قیس وهو أبن أخ علقمة بن قیس یروی عن ابن مسعود وعائشة وغیرهما . روی عنه الشعبی وإبراهیم النخعی وغیرهما . وإبراهیم بن یزید النخعی الفقیه المشهور ، وأمه ملیکة أخت الأسود بن یزید .

ومالک بن الحارث بن عبد یغوث المعروف بالأشتر النخعی أحمد الفرسان المعروفین ، له المقامات المشهودة فی فتح العراق وغیره ، وفی الجمل وصفین ، وکان من أصحاب علی رضی الله عنه . ومات بالقلزم مسموماً سنة سبع وثلاثین ، وضع علیه معاویة مَنْ سمه فی عسل فلما بلغه خبر موته قال: إن لله جنوداً من عسل »! (اللباب لابن الأثیر:3/ 430 ) .

ص: 6

وقد ولد النخع: «مالکاً وعوفاً وهو المِشْرُ الأحمُر. أُمهما عَزَّة بِنت مالک بن أَیْدَعَان بن إیَاد . فولد مالک بن النَّخَعُ: سَعْداً ، وعَمْراً بطنٌ ، أُمهما الرِبَابُ بِنْت الحارث بن کعب بن عَمْرو بن عُلَّة بن جلد ». (نسب معد/ابن الکلبی/128).

«وللنخع بطون عدیدة منها: صهُبان ، ووهبیل ، وجسر، وجذیمة ، وقیس ، وحارثة ، وصلاءة ، ورزام ، والأرت ، ومن الأرت بنو عبد المدان ». (المفصل فی تاریخ العرب قبل الإسلام/1989).

وذکروا من بطون النخع أیضاً: عَمْرو، وعامر ، وجُذَیمة ، وکعب وجُشم ، وبکر (العقد الفرید:1/410) . وبنو ألِیهة بن عوف بن النخع. (معجم قبائل العرب:1/40).

فقالوا: النخع بن عمرو بن علة بن جلد بن مالک بن أدد بن زید»

«الدَّثینة: بفتح أوله وکسر ثانیه ویاء مثناة من تحت ونون: ناحیة بین الجند وعدن ، وفی حدیث أبی سبرة النخعی قال: أقبل رجال من الیمن فلما کان ببعض الطریق نفق حماره فقام وتوضأ ثم صلی رکعتین ثم قال:اللهم إنی جئت من الدثینة مجاهداً فی سبیلک وابتغاء مرضاتک ، وأنا أشهد أنک تحیی الموتی وتبعث من فی القبور، لا تجعل الیوم لأحد علیَّ مِنَّة ، أطلب إلیک الیوم أن تحیی لی حماری . قال فقام الحمار ینفض أذنیه »!(معجم البلدان:2/440).

«وبیشة: من عمل مکة مما یلی الیمن ، من مکة علی خمس مراحل وبها من النخل والفسیل شئ کثیر ، وفی وادی بیشة موضع مشجر ، کثیر الأسْد » (معجم البلدان:1/529) .

وروی الحموی فی معجم البلدان:4/9، عن أبی صالح قال: « ذکرت ثقیف عند ابن عباس فقال إن ثقیفاً والنخع کانا ابنی خالة فخرجا منتجعین ومعهما أعنز لهما وجدیٌ ، فعرض لهما مُصَدٍّق لبعض ملوک الیمن (أی عشار) فأراد أخذ شاة منهما فقالا: خذ ما شئت إلا هذه الشاة الحلوب فإنا من لبنها نعیش وولدها، فقال: لا آخذ سواها ، فرفقا به فلم یفعل فنظر أحدهما إلی صاحبه وهما بقتله ، ثم إن أحدهما انتزع له سهماً فلق به قلبه فخر میتاً ، فلما

ص: 8

نظرا إلی ذلک قال أحدهما لصاحبه: إنه لن تحملنی وإیاک الأرض أبداً فإما أن تغرب وأنا أشرق وإما أن أغرب وتشرق أنت ، فقال ثقیف: فانی أغرب ، وقال النخع: فأنا أشرق ، وکان اسم ثقیف قسیاً واسم النخع جسراً ، فمضی النخع حتی نزل ببیشة من أرض الیمن ومضی ثقیف حتی أتی وادی القری فنزل علی عجوز یهودیة لا ولد لها..».

استقبلوا أبناءهم النخع بعد الإسلام ، وأسکنوهم الی جنبهم .

لهذا ، یجب البحث عن النخعیین فی بنی مذحج ، خاصة وانهم کانوا یتحفظون من إسم النخع وینتسبون الی مذحج عندما صاروا مستهدفین من الدولة الأمویة ، بسبب موقف الأشتر وموقفهم مع أمیر المؤمنین(علیه السّلام) ، ثم بسبب ثورة إبراهیم بن الأشتر علی بنی أمیة مع المختار ، ومع مصعب الزبیر.

ولهذا یجب التثبت فی نسبة بنی مالک الی مالک الأشتر (رحمه الله) ، وبنی إبراهیم الی ولده إبراهیم بن مالک (رحمه الله) .

ویوجد عدة قبائل فی العراق باسم بنی مالک فی العراق وإبراهیم ومنهم الذین یترأسون تجمع قبائل المنتفق . وقد نسبهم بعض الباحثین الی مالک الأشتر ، وخالفه الباحث العزاوی فقال فی کتابه عشائر العراق:1 /315: «وعشائر

المنتفق من حیث العموم عدنانیة سکنت العراق من القدیم...ویتخلل هذه عشائر قحطانیة من زبیدیة وحمیریة عاشت معها واکتسبت أوضاعها إلا أن الأکثریة الساحقة عدنانیة ویطلق علیها عشائر المنتفق... وعشائر بنی مالک مجموعة کبیرة لا تمتُّ الی جد ، وکانت بینها وحدة فی الثلث ، أیام الحروب وتوزیع بدل الإلتزام وجبایته أو أداء المقرر السنوی للسلطة . وأصلهم بنو مالک بن المنتفق ،

ص: 10

وانضمت الیهم عشائر کثیرة کما ألحقت أخری . ورئاسة بنی مالک فی آل خصیفة ثم صارت لآل رمیض . وعشیرتهم البو صالح ، وکانت لهم الرئاسة العامة علی العشائر الأخری المشترکة فی الثلث . وفی هذه الأیام زالت الرئاسة العامة بزوال الإمارة أو هی سائرة الی الزوال . والرئاسة الخاصة مائلة الی التحدید بما هو أشبه بمختاری المحلات أو القری ».

وأضاف العزاوی: «وجاء فی الروضة الخضریة ما نصه: آل علی العشیرة المعروفة ، وهی التی ضحت برجالها دون وطنها العزیز فی القضیة العراقیة ، وآل علی طائفة کبیرة فی نواحی الشامیة وبعض الحلة ، وهم من الموالک من

سکان البوادی ، یرجعون الی مالک الأشتر وهو شعارهم عند الحرب . کان مبدؤهم من الحلة والعذار، لأن مالکاً وولده ابراهیم من نخع الکوفة ، وسلسلة مالک ما زالت فی الکوفة ، فإن ابراهیم لما قتل تحت رایة مصعب بن الزبیر جلس مکانه خولان ثم جلس بعده حمدان . ثم تغیرت الامور فانتقل منهم الی الحجاز وبعض الیمن ، وبقیت منهم شرذمة قلیلة فی أطراف الکوفة منهم أبو النجم بن حمدان . ثم جاء المزیدی فعمر الحلة حتی صارت معدن العلماء والصلحاء ، فکان ممن انتقل الیها العالم النحریر الشیخ ورّام بن أبی فراس بن

ص: 11

عیسی بن أبی النجم بن حمدان بن خولان بن ابراهیم بن مالک الأشتر . ولم یعین مرجعاً ولا صلة تربط العشیرة به . وإن المؤلف أوضح أن آل الشیخ خضر ومنهم آل کاشف الغطاء من هذه العشیرة . ومر بنا الکلام علی عشیرة بنی زریج وأنها تنسب الی مالک . والملحوظ أن آل علی والعوابد وآل حسن ذکرناهم بین عشائر الصیامر . وهم فی عداد بنی مالک من عشائر المنتفق . وفی هذا ما یؤید أنهم من بنی مالک المنتفق .

وما جاء فی کتاب قائد القوات العلویة مالک الأشتر

النخعی، عدُّهم من آل ابراهیم باعتبار أنهم من إبراهیم بن مالک الأشتر . ومنها عشیرة آل بدران فی نواحی البصرة وفی المدینة التابعة للقرنة وفی قضاء أبی الخصیب فی ناحیة الهارثة ، وفی قریة الجبیلة التابعة للهارثة . قال: ومن بنی مالک بیت کاشف الغطاء ، وآل الشیخ راضی ، وآل الخضری . وعد بنی مالک منهم . وقال: بطون الرمیض یجزمون أنهم من الأشتر .

ولا یُعَوَّل علی مثل هذه الأقوال ، والمعروف أن آل کاشف الغطاء من جناجة أی قناقیا ، والشیخ جعفر معروف بالجناجی من آل علی ، من بنی مالک من المنتفق. وهذا لا یقبل التردد ولا یعرف مالک الأشتر منهم وهو نخعی من القبائل القحطانیة . ولا

ص: 12

شک أن بنی مالک المنتفق من العشائر الکبیرة والمهمة فی العراق ویفخر بالإنتساب الیها . وکان أملنا أن نعثر علی نصوص تنفی بدراً آل رمیض من مالک المنتفق ، کما قال صاحب مالک الأشتر الکتاب المعروف ، أو ما یؤکد النسبة الی مالک الأشتر ، فلم نعثر علی ما یؤید من دلیل . والأسرة العلمیة مثل آل کاشف الغطاء فخرها بالعلم . وتکون مقیدة بالنصوص التاریخیة أکثر .

وآل ابراهیم فی المنتفق لم یدَّعوا أنهم من مالک الأشتر ، وإنما هم من بنی مالک . وفی کتاب قلب الفرات الأوسط بیّن الإضطراب فی الآراء ، ورجح ما قاله الأستاذ الطریحی ، کما أنه ذکر تفصیلاً فی الفروع ، وفی رئاسة العشیرة ».

أقول: أقول: مادام النخعیون تحالفوا مع آل المهلب وخاضوا الی جنبهم معارک مع الدولة الأمویة فی جنوب العراق ، وفرت بقیتهم الی فارس والهند ، فإن وجودهم فی البصرة والمنتفق بین القبائل العدنانیة أمر طبیعی . ولا یتسع المجال لبحث نسبة بعض القبائل الی النخع ومالک وابنه إبراهیم رضی الله عنهما . ونکتفی بالإشارة الی أن النخع ومذحج واصلوا فی العراق معارضتهم للأمویین ، وتحالفوا مع آل المهلب فی ثورتهم علی آل مروان. ففی الأعلام للزرکلی:8/35: «النعمان بن إبراهیم بن الأشتر

ص: 13

النخعی: شجاع شریف ، من بیت مجد وریاسة . کان مع یزید بن المهلب فی وثوبه بالعراق علی بنی مروان، وقاتل معه إلی أن قتل یزید وتفرقت الجموع، فانصرف مع المفضل بن المهلب وجماعة من الفلول ، فلحقهم مدرک بن ضب الکلبی فقاتلوه وقتل النعمان ».

وفی تاریخ الطبری:5/337: «ثم دخلت سنة اثنتین ومائة.. أن یزید بن المهلب استخلف علی واسط حین أراد الشخوص عنها للقاء مسلمة بن عبد الملک...وسقط إلی یزید ناس من الکوفة کثیر ومن الجبال وأقبل إلیه ناس من الثغور، فبعث علی أرباع أهل الکوفة الذین خرجوا إلیه وربع أهل المدینة ، عبد الله بن سفیان بن یزید بن المغفل الأزدی ، وبعث علی ربع مذحج وأسد النعمان بن إبراهیم بن الأشتر النخعی ، وبعث علی ربع کندة وربیعة محمد بن إسحاق بن محمد بن الأشعث ، وبعث علی ربع تمیم وهمدان حنظلة بن عتاب بن ورقاء التمیمی ، وجمعهم جمیعاً مع المفضل بن المهلب...».

وذکر الطبری فی:5/346 ، هزیمة آل المهلب ، وقال: «وبعث مسلمة بن عبد الملک مدرک بن ضب الکلبی فی طلب آل المهلب وفی أثر الفل فأدرک مدرک المفضل بن المهلب وقد اجتمعت إلیه الفلول

ص: 14

بفارس (شیراز) ، فتبعهم فأدرکهم فی عقبة ، فعطفوا علیه فقاتلوه واشتد قتالهم إیاه فقتل مع المفضل بن المهلب النعمان بن إبراهیم ابن الأشتر النخعی...وهرب حتی انتهی إلی حلوان... ورجع ناس من أصحاب یزید بن المهلب فطلبوا الأمان فأومنوا منهم مالک بن إبراهیم بن الأشتر ، والورد بن عبد الله بن حبیب السعدی من تمیم ».

والنعمان هو الإبن الأکبر لإبراهیم (رحمه الله) ، وبه یکنی ( ابن الأعثم:6/300).

وقال ابن الأعثم:8/231: «وتوافت عساکر أهل الشام فی عشرة آلاف ، فلما نظر إلیهم المفضل بن المهلب أقبل إلی إخوته وبنی عمه فقال: إعلموا أنه الموت فإن کان لا بد فموتوا کراماً ، قال: ثم دنا القوم بعضهم من بعض فاقتتلوا قتالاً شدیداً ، فأول من قتل منهم ممن کان مع المفضل بن المهلب النعمان بن إبراهیم بن الأشتر ومحمد بن إسحاق بن الأشعث بن قیس الکندی وجماعة من سادات أهل العراق . قال: وجعل آل المهلب خاصة یقاتلون قتالاً شدیداً قتال قوم قد یئسوا من الحیاة ، حتی قتلوا من أهل الشام مقتلة عظیمة ثم قتلوا بأجمعهم ، فما أفلت منهم إلا من هرب ودخل إلی غیاض بلاد الهند » .

أقول: هذایدل علی أن النخع ومذحج کانتا فی الکوفة الی بدایة

ص: 15

القرن الثانی ، وبعضهم هرب الی إیران والهند مع بقیة آل المهلب .

وقد روی الخطیب فی تاریخ بغداد:13/210، بواسطة واحدة عن: أبی المشهور معروف ، بن محمد ، بن معروف ، بن الفیض ، بن أیوب بن أعین ، بن عدی ، بن عبید الله، بن إبراهیم بن مالک الأشتر النخعی الواعظ الزنجانی ، نزیل الری ، قدم علینا فی سنة اثنتین وتسعین وثلاث مائة». ولعل أبا المشهور من ذریة الذین فروا الی إیران .

کما تدل روایة الصدوق فی کمال الدین:2/407 ، علی أن أبناء القاسم بن إبراهیم بن مالک الأشتر کانوا شیعة ، فهو یروی بواسطة واحدة عن: جعفر بن محمد بن عبد الله بن قاسم بن إبراهیم بن مالک الأشتر، وجعفر هذا یروی بواسطة واحدة عن الإمام العسکری(علیه السّلام) وأنه أراه ولده المهدی(علیه السّلام) « فخرج إلینا غلام خماسی له عشر أو ثمان أو نحو ذلک ، واضح الجبین ، أبیض الوجه ، دری المقلتین ، شثن الکفین ، معطوف الرکبتین ، فی خده الأیمن خال ، وفی رأسه ذؤابة فجلس علی فخذ أبی محمد(علیه السّلام) ثم قال لی: هذا صاحبکم».

کما ترجم فی أعیان الشیعة:9/379، للشیخ محمد بن عبد الحسن بن الحسن القرمیسینی النجفی الشهیر بالجزائری . له کتاب فتوحات عباسی مشتمل علی جمیع أسماء الله الحسنی وخواصها بالفارسیة ،

ص: 16

وجدنا منه نسخة فی همدان بخط فاخر لعله خط المؤلف ، وقد ذکر المؤلف فی آخره أنه من ذریة مالک الأشتر وکأنه ألفه باسم الشاه عباس الصفوی ».

وفی أنساب الأشراف/2150: « ومضی مالک بن إبراهیم بن الأشتر إلی الکوفة فطلب الأمان من مسلمة فأمنه ».

وفی خاتمة المستدرک:3/21: ورَّام بن حمدان بن عیسی بن أبی نجم بن ورام بن حمدان بن خولان بن إبراهیم بن مالک بن الحارث الأشتر النخعی ». وإکمال الکمال:1/82 .

وهذه النصوص المتفرقة تدل علی أن النخعیین والمذحجین کانوا فی الکوفة والبصرة وإیران ، ومن الطبیعی أن یتحالفوا مع قبائل أخری ، وأن یکون عدد منهم سکن فی جنوب العراق ، أو عاد الی الیمن ، أو هاجر الی غیرها ،وأن یکونوا انتسبوا الی مذحج ، إبعاداً لأنفسهم عن مرمی الحقد الأموی .

ویوجد فی عصرنا فی العراق وخارجه بطون عدیدة من مذحج ، کالزبیدیین ، والجعفیین ، والجشمیین ، والمرادیین ، والرهاویین ، والدهیین ، والخشانیین ، والرمانیین ، والقطیعیین ، والعنسیین قبیلة عمار بن یاسر ، والقرنیین بطن من مراد المذحجیة وهم قبیلة

ص: 17

أویس . وقد نص المؤرخون علی أن بعضها من بطون النخع کالصهبانیین والوهبیلیین والقیسیین ، وغیرها . والنخع ومذحج واحد ، لأن النخع بالأساس بطن من أصول مذحج .

ص: 18

الکلبی عن أبیه عن أشیاخ النخع قالوا: بعثت النخع رجلین منهم إلی النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وافدین بإسلامهم: أرطاة بن شراحیل بن کعب من بنی حارثة بن سعد بن مالک بن النخع ، والجهیش واسمه الأرقم من بنی بکر بن عوف بن النخع ، فخرجا حتی قدما علی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فعرض علیهما الإسلام فقبلاه ، فبایعاه علی قومهما فأعجب رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) شأنهما وحسن هیئتهما ، فقال: هل وراءکما من قومکما مثلکما ؟ قالا: یا رسول الله قد خلفنا من قومنا سبعین رجلاً کلهم أفضل منا ، وکلهم یقطع الأمر وینفذ الأشیاء ما یشارکوننا فی الأمر إذا کان . فدعا لهما رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ولقومهما بخیر وقال: اللهم بارک فی النخع ، وعقد لأرطاة لواء علی قومه ، فکان فی یدیه یوم الفتح وشهد به القادسیة ، فقتل یومئذ فأخذه أخوه درید فقتل رحمهما الله ، فأخذه سیف بن الحارث من بنی جذیمة فدخل به الکوفة .

ثم قال ابن سعد: قال أخبرنا محمد بن عمر الأسلمی قال: کان آخر من قدم من الوفد علی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وفد النخع وقدموا من الیمن للنصف من المحرم سنة إحدی عشرة ،وهم مائتا رجل فنزلوا دار رملة بنت الحارث ، ثم جاؤوا رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) مقرین بالإسلام ، وقد کانوا بایعوا معاذ بن جبل بالیمن فکان فیهم

ص: 20

زرارة بن عمرو قال أخبرنا هشام بن محمد قال هو زرارة بن قیس بن الحارث بن عداء وکان نصرانیاً ».والإصابة:1/ 625).

أقول: تعمد رواة السلطة القرشیة أن یحذفوا إسم مالک الأشتر (رحمه الله) من الوفدین النخعیین الی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! وستعرف أنه صحابی جلیل ، جاهد مع علی(علیه السّلام) فی الیمن کما نص ابن الأعثم والواقدی.

الخروج مع الناس إلی الشام... واجتمع بالمدینة نحو تسعة آلاف فلما تم أمرهم کتب أبو بکر کتاباً إلی خالد بن الولید یقول فیه... وقد تقدم إلیک أبطال الیمن وأبطال مکة ، ویکفیک ابن معدی کرب الزبیدی ومالک بن الأشتر».

لکن الأشتر والنخعیین شارکوا أولاً فی فتح العراق ونهضوا بثقل معارکه ، کما ذکر الواقدی:2/192، ثم ذهب مالک وهاشم المرقال ومجموعة فرسان ، لنجدة المسلمین فی الیرموک .

فقد ذکر ابن أبی شیبة:8/15، أن النخع کانوا فی القادسیة ألفین وأربع مئة ، أی ربع جیش المسلمین! « فقال عمر: ما شأن النخع أصیبوا من بین سائر الناس أفرَّ الناس عنهم؟ قالوا: لا بل وَلُوا أعظم الأمر وحدهم »! (ابن أبی شیبة:8/14، والإصابة:1/196).

وفی مصنف ابن أبی شیبة:7/718: «عن الأعمش عن مالک بن الحارث أو غیره قال: کنت لاتشاء أن تسمع یوم القادسیة: أنا الغلام النخعی ، إلا سمعته » .

وفی تاریخ الطبری:3/82 ، أنهم هاجروا من الیمن مع عوائلهم ، وزوجوا سبع مائة بنت الی المسلمین وخاصة الأنصار . (ونحوه فی تاریخ دمشق:65/100) .

ص: 22

ونزل النخع قبلی مسجد الکوفة: «وأنزل فی قبلة الصحن بنی أسد علی طریق ، وبین بنی أسد والنخع طریق ، وبین النخع وکندة طریق ، وبین کندة وأزد طریق».(تاریخ الکوفة/156).

وتدل روایة الحافظ الأصبهانی فی ذکر أخبار إصبهان:2/318 ، علی أن الأشتر وفرسان النخع شارکوا فی فتح أصفهان، قال: « مالک الأشتر بن الحارث بن عبد یغوث بن مسلمة بن ربیعة بن الحارث بن خزیمة بن سعد بن مالک بن النخع ، کان بإصبهان أیام علی بن أبی طالب فیما ذکر عن عمیر بن سعید قال: دخلت علی الأشتر بإصبهان فی أناس من النخع ، نعوده ».

وکان الأشتر قبلها بطل الیرموک ، قال الواقدی فی:1/163، ونحوه ابن الأعثم: «ثم إن الملک هرقل لما قلد أمر جیوشه ماهان ملک الأرمن وأمره بالنهوض الی قتال المسلمین ورکب الملک هرقل ورکب الروم وضربوا بوق الرحیل،وخرج الملک هرقل لیتبع عساکره... وسار ماهان فی أثر القوم بحیوشه والرجال أمامه ینحتون له الأرض ویزیلون من طریقهم الحجارة وکانوا لا یمرون علی بلد ولا مدینة إلا أضروا بأهلها ویطالبونهم بالعلوفة والإقامات ولا قدرة لهم بذلک فیدعون علیهم ویقولون: لاردکم الله سالمین . قال وجَبْلَة بن الأیْهم ( رئیس غسان وملک الشام) فی مقدمة ماهان ومعه

ص: 23

العرب المتنصرة من غسان ولخم وجذام...وجعل الجواسیس یسیرون حتی وصلوا الی الجابیة وحضروا بین یدی الأمیر أبی عبیدة وأخبروه بما رأوه من عظم الجیوش والعساکر، فلما سمع أبو عبیدة ذلک عظم علیه وکبر لدیه وقال:لاحول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم، وبات قلقاً لم تغمض له عین خوفاً علی المسلمین...قال عطیة بن عامر: فوالله ما شبهت عساکر الیرموک إلا کالجراد المنتشر، إذْ سدَّ بکثرته الوادی! قال:ونظرت الی المسلمین قد ظهر منهم القلق وهم لا یفترون عن قول لاحول ولاقوة إلا بالله العلی العظیم، وأبوعبیدة یقول:قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَیْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَی الْقَوْمِ الْکَافِرِینَ ».

ثم ذکر الواقدی/178، رسالة أبی عبیدة الی عمر فقال عمر: « ما تشیرون به علیَّ رحمکم الله تعالی ؟ فقال له علی بن أبی طالب: أبشروا رحمکم الله تعالی فإن هذه الوقعة یکون فیها آیة من آیات الله.. قال لعمر: یا أمیر المؤمنین أکتب الی عاملک أبی عبیدة کتاباً وأعلمه فیه أن نصر الله خیر له من غوثنا ونجدتنا ».

وکانت الآیة التی وعد بها النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) علی ید الصحابی البطل مالک الأشتر ، الذی قطف النصر للمسلمین فی الیرموک ، کما یأتی .

ص: 24

استشهد (رحمه الله) فی ضواحی القاهرة عندما بعثه أمیر المؤمنین(علیه السّلام) والیاً علی مصر . فحزن لشهادته وقال: رحم الله مالکاً وما مالک ، عزَّ علیَّ به هالکاً ! لو کان صخراً لکان صلداً ، ولو کان جبلاً لکان فنداً ، وکأنه قٌدَّ مِنِّی قَدّاً ). (معجم رجال الحدیث:15/168).

وفی حرب الجمل: « أمر أمیر المؤمنین(علیه السّلام) بتسویة الصفوف حتی إذا اعتدلت دفع الرایة إلی محمد بن الحنفیة وقال: تقدم بالرایة واعلم أن الرایة إمام أصحابک ، فکن متقدماً یلحقک من خلفک فإن کان لمن یتقدم من أصحابک جولة رجع إلیک. وجعل الناس أثلاثاً: مضر فی القلب ، والیمن فی المیمنة وعلیهم مالک الأشتر، وفی المیسرة عمار بن یاسر». (الجمل للمفید/191).

«وجالَ الأشتر بین الصفین وقتل من شجعان أهل الجمل جماعة، واحداً بعد واحد مبارزةً ، وکذلک عمار بن یاسر ، ومحمد بن أبی بکر...واحمرت الأرض بالدماء ، وعقر الجمل من ورائه ، فعج ورغی ، فقال علی(علیه السّلام) : عرقبوه فإنه شیطان! ثم التفت إلی محمد بن أبی بکر وقال: أنظر إذا عرقب الجمل فأدرک أختک فوارِها ، وقد عرقب الجمل فوقع لجنبه وضرب بجرانه الأرض ورغا

ص: 26

رغاء شدیداً ، وبادر عمار بن یاسر فقطع أنساع الهودج بسیفه ، وأقبل علی علی بغلة رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فقرع الهودج برمحه ، ثم قال: یا عائشة أهکذا أمرک رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ؟! فقالت عائشة: یا أبا الحسن قد ظفرت فأحسن وملکت فاسجح! فقال لمحمد بن أبی بکر: شأنک بأختک فلا یدنو أحد سواک ، فأدخل محمد یده إلی عائشة فاحتضنها ثم قال: أصابک شئ؟ قالت لا، ولکن من أنت ویحک فقد مسست منی ما لا یحل لک ؟ فقال محمد: أسکتی فأنا محمد أخوک، فعلت بنفسک ما فعلت وعصیت ربک وهتکت سترک وأبحت حرمتک وتعرضت للقتل ! ثم أدخلها البصرة وأنزلها فی دار عبد الله بن خلف » . (المناقب للموفق الخوارزمی/188).

«ولما رأی علی لوث أهل البصرة بالجمل، وأنهم کلما کشفوا عنه عادوا فلاثوا به ، قال لعمار وسعید بن قیس

وقیس بن سعد بن عبادة والأشتر وابن بدیل ومحمد بن أبی بکر، وأشباههم من حماة أصحابه: إن هؤلاء لا یزالون یقاتلون ما دام هذا الجمل نصب أعینهم ، ولو قد عقر فسقط لم تثبت لهم ثابتة ، فقصد بذوی الجد من أصحابه قصد الجمل حتی کشفوا أهل البصرة عنه، وأفضی

ص: 27

إلیه رجل من مراد الکوفة یقال له أعین بن ضبیعة فکشف عرقوبه بالسیف فسقط وله رغاء ، فغرق فی القتلی ومال الهودج بعائشة ، فقال علی لمحمد بن أبی بکر: تقدم إلی أختک ، فدنا محمد فأدخل یده فی الهودج، فنالت یده ثیاب عائشة فقالت: إنا لله ، من أنت ثکلتک أمک ، فقال: أنا أخوک محمد !

ونادی علی رضی الله عنه فی أصحابه: لاتتبعوا مولیاً ولا تجهزوا علی جریح ، ولا تنتهبوا مالاً ، ومن ألقی سلاحه فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن . قال: فجعلوا یمرون بالذهب والفضة فی معسکرهم والمتاع ، فلا یعرض له أحد إلا ما کان من السلاح الذی قاتلوا به ، والدواب التی حاربوا علیها ، فقال له بعض أصحابه: یا أمیر المؤمنین ، کیف حل لنا قتالهم ولم یحل لنا سبیهم وأموالهم؟! قال علی رضی الله عنه: لیس علی الموحدین سبی ، ولا یغنم من أموالهم إلا ما قاتلوا به وعلیه ، فدعوا مالاتعرفون ، والزموا ما تؤمرون ». (الأخبار الطوال /150) .

«لما فرغوا یوم الجمل أمرنی الأشتر فانطلقتُ فاشتریت له جملاً بسبع مائة درهم من رجل من مَهَرة ، فقال: إنطلق به إلی عائشة

ص: 28

فقل لها بعث به إلیک الأشتر مالک بن الحارث ، وقال: هذا عوض من بعیرک ! فانطلقت به إلیها فقلت: مالک یقرؤک السلام ویقول إن هذا البعیر مکان بعیرک . قالت: لا سلم الله علیه إذ قتل یعسوب العرب ، تعنی ابن طلحة وصنع بابن أختی ما صنع! قال فرددته إلی الأشتر وأعلمته ، قال:

فأخرج ذراعین شعراوین وقال: أرادوا قتلی فما أصنع ؟! » . (الطبری:3/545).

أقول: ضرب مالک عبدالله بن الزبیر فی حرب الجمل وصرعه وجلس علی صدره لیقتله فأنقذوه منه ، لکنه لم یقتل محمد بن طلحة التیمی، ففی الطبقات:5/54: «قاتل ابن طلحة یوم الجمل قتالاً شدیداً ، فلما لَحُمَ الأمر وعُقر الجمل ، وقُتل کل من أخذ بخطامه ، فتقدم محمد بن طلحة فأخذ بخطام الجمل وعائشة علیه فقال لها: ما ترین یا أمه ؟ قالت أری أن تکون خیر ابنی آدم فلم یزل کافّاً ، فأقبل عبد الله بن مکعبر رجل من بنی عبد الله بن غطفان حلیف لبنی أسد فحمل علیه بالرمح فقال له محمد: أذکرک حم ، فطعنه فقتله . ویقال الذی قتله بن مکیس الأزدی ، وقال بعضهم معاویة بن شداد العبسی ، وقال بعضهم عصام بن المقشعر النصری». فقد قتل بعد المعرکة ، ولم یقتله الأشتر کما زعموا !

ص: 29

وفی مواقف الشیعة للأحمدی: 1/266: «دخل عمار بن یاسر ومالک بن الحارث الأشتر علی عائشة بعد انقضاء أمر الجمل فقالت عائشة: یا عمار من معک؟ قال: الأشتر . فقالت: یا مالک ! أنت الذی صنعت بابن أختی ما صنعت؟ قال: نعم ، ولولا أننی کنت طاویاً ثلاثاً لأرحت أمة محمد منه ! فقالت: أما علمت أن رسول الله قال: لا یحل دم مسلم إلا بإحدی أمور ثلاث: کفر بعد إیمان أوزناً بعد إحصان ، أو قتل نفس بغیر حق ؟ فقال الأشتر: علی بعض هذه الثلاثة

قاتلناه یا أم المؤمنین ! وأیم الله ما خاننی سیفی قبلها ، ولقد أقسمت ألا یصحبنی بعدها ! قال أبو مخنف: ففی ذلک یقول الأشتر من جملة هذا الشعر الذی ذکرناه:

أعائش لولا أننی کنت طاویاً

ثلاثا لألفیت ابن أختک هالکا

غداة ینادی والرجال تحوزه

بأضعف صوت اقتلونی ومالکا

فلم یعرفوه إذ دعاهم وغمه

خدب علیه فی العجاجة بارکا

فنجاه منی أکله وشبابه

وأنی شیخ لم أکن متماسکا

وقالت علی أی الخصال صرعته

بقتل أتی أم ردة لا أبا لکا

أم المحصن الزانی الذی حل قتله

فقلت لها لابد من بعض ذلکا».

ص: 30

ألوفاً، فقد قال ابن شیبة (8/15) إن عددهم کان فی القادسیة ألفین وخمس مئة ، فلا بد أن یکونوا بعد عشرین سنة أکثر من ذلک . ویساعد علیه الموقع الخاص لقائدهم مالک عند أمیر المؤمنین(علیه السّلام) فقد کان له عدة مسؤولیات ، وکان أبرز فرسانه ، وکان قادة جیش معاویة یهربون منه ولا یواجهونه !

قال ابن مزاحم فی وقعة صفین/172: «دعا الحارث بن همام النخعی ثم الصهبانی ، فأعطاه لواءه ثم قال: یا حارث ، لولاأنی أعلم أنک تصبر عند الموت لأخذت لوائی منک ، ولم أحْبُک بکرامتی . قال: والله یا مالک لأسرنک الیوم أو لأموتن فاتبعنی ، فتقدم باللواء وهو یقول:

یا أشتر الخیر ویا خیر النخع

وصاحب النصر إذا عم الفزع

وکاشف الأمر إذا الأمر وقع

ما أنت فی الحرب العوان بالجذع

قد جزع القوم وعموا بالجزع

وجرعوا الغیظ وغصوا بالجرع

إن تسقنا الماء فما هی بالبدع

أو نعطش الیوم فجند مقتطع

ما شئت خذ منها وما شئت فدع

فقال الأشتر: أدنُ منی یا حارث ، فدنا منه فقبل رأسه وقال: لا یتبع رأسه الیوم إلا خیر . ثم قام الأشتر یحرض أصحابه یومئذ ویقول: فدتکم نفسی ، شدوا شدة المحرج الراجی الفرج ، فإذا نالتکم الرماح فالتووا فیها ، وإذا عضتکم السیوف فلیعض الرجل نواجذه فإنه أشد لشؤون الرأس ، ثم استقبلوا القوم

ص: 32

بهاماتکم . قال: وکان الأشتر یومئذ علی فرس له محذوف أدهم کأنه حلک الغراب ».

وفی وقعة صفین/254: «کان یومئذ یقاتل علی فرس له ، فی یده صفیحة یمانیة إذا طأطأها خلت فیها ماء منصباً ، فإذا رفعها کاد یغشی البصر شعاعها ، ویضرب بسیفه قُدُماً وهو یقول:

غمراتُ ثم ینجلینْ...عنا وینزلن بآخرین...شدائد یتبعهن لین».

وخرج عمرو الضبی ، فبرز الیه الأشتر وهو یرتجز:

إنّی إذا ما الحربُ أبدتْ نابَها

ومزَّقَت من حَنَقٍ أثوابَها

وأغلقتْ یومَ الوغی أبوابَها

لیسَ العدوُّ دوننا أصحابَها

کنّا قُداماها ولا أذنابَها

مَنْ هابَها الیومَ فلن أهابَها

لاطعنَها أخشی ولا ضِرَابَها.

وقال یرد علی تخویف معاویة وقادته له (وقعة صفین/ 61):

لعمرک یا جریر لقولُ عمرو

وصاحبه معاویة الشآمی

وذی کلع وحوشب ذی ظلیم

أخف علی من زِفِّ النعام

إذا اجتمعوا علی فخلِّ عنهم

وعن باز مخالبه دوامی

فلست بخائف ما خوفونی

وکیف أخاف أحلام النیام

وهمهم الذین حاموا علیه

من الدنیا وهمی ما أمامی

فإن أسلم أعمهم بحرب

یشیب لهولها رأس الغلام

ص: 33

وإن أهلک فقد قدمت أمراً

أفوز بفلجه یوم الخصام

وقد زأروا إلی وأوعدونی

ومن ذا مات من خوف الکلام

ورووا عنه مواقف فریدة ، منها: «وأقبل الأشتر یضرب بسیفه فی أهل الشام وهو یقول :

أضربُهُمْ ولا أری معاویَهْ

,هوتْ بهِ فی النارِ أمٌّ هاویَهْ

الأخزَرَ العینِ العظیمَ الحاویَهْ

جاوره فیها کلابٌ عاویهْ

أغوی طَغاماً لا هَدَتْهُ هادیهْ. (شرح النهج: 1/224)

ومن أعجب بطولاته (رحمه الله) أن معاویة خاف أن یبرز الیه ف« دعا معاویة جندب بن ربیعة وکان خطب إلی معاویة ابنته فرده ، فقال له عمرو بن العاص: إن قتلت الأشتر زوجک معاویة ابنته رملة ! فبرز إلیه جندب فقال له الأشتر: من أنت وکم ضمن لک معاویة علی مبارزتی؟ قال: یزوجنی ابنته بقتلک فأنا الآن آتیه برأسک ، فضحک الأشتر ! وحمل علیه جندب برمحه فأخذه الأشتر تحت إبطه ، فجعل

جندب یجتهد فی جذبه فلم یمکنه ، حتی ضرب الأشتر رمحه فقده نصفین! وهرب جندب فضربه الأشتر بسیفه فصرعه ! ثم حمل الأشتر فضاربهم حتی أزال عمرو بن العاص عن موقفه وانکشف أهل الشام ، وأفضی الأشتر إلی معاویة ، فخرج رجل من بنی جمع فضارب عن معاویة حتی أنقذه ، وکاد الأشتر یصل إلیه وحجز بینهم اللیل» . (المناقب للخوارزمی/232).

ص: 34

هذا؟! فقال: أعتذر إلیک مما صنعت! فقال: لا بأس علیک، فوالله ما دخلت المسجد إلا لأستغفرن لک». (الکافی :2 /262) .

وبکی یوماً عند علی(علیه السّلام) فقال له:مایبکیک لا أبکی الله عینک؟ فقال:أبکی یا أمیر المؤمنین لأنی أری الناس یقتلون بین یدیک وأنا لا أرزق الشهادة! فقال(علیه السّلام) :أبشر بالخیر یا مالک.(الفتوح: 3/ 179).

أبی عبیدة ، فکتب أبو عبیدة الی عمر بالنصر .

ووصف الواقدی:1/224، معرکة الیرموک ونصیحة البطارکة لبطلهم وقائدهم ماهان: «أیها الملک لا تخرج الی الحرب حتی نخرج نحن الی القتال قبلک ، فإذا قُتلنا فافعل بعدنا ما شئت ! قال: فحلف ماهان بالکنائس الأربع لایبرز أحد قبله ! قال فلما حلف أمسکوا عنه وعن مراجعته ، ثم إنه دعا بابن له فدفع الیه الصلیب وقال: قف مکانی ! وقُدِّم لماهان عُدَّة فأفرغت علیه، قال الواقدی: وبلغنا أن عدته التی خرج بها الی الحرب تقومت بستین ألف دینار لأن جمیعها کان مرصعاً بالجوهر ! فلما عزم علی الخروج تقدم له راهب من الرهبان فقال: أیها الملک ما أری لک الی البراز سبیلاً ولا أحبه لک . قال: ولم ذلک؟ قال: لأنی رأیت لک رؤیا فارجع ودع غیرک یبرز . فقال ماهان: لست أفعل والقتل أحب الیَّ من العار ! قال فبخروه وودعوه . وخرج ماهان إلی القتال وهو کأنه جبل ذهب یبرق ، وأقبل حتی وقف بین الصفین ودعا إلی البراز وخوَّف باسمه ، فکان أول من عرفه خالد بن الولید فقال: هذا ماهان ، هذا صاحب القوم قد خرج ! ووالله ما عندهم شئ من الخیر ! قال وماهان یُرَعِّب باسمه ، فخرج الیه غلام من الأوس وقال: والله أنا مشتاق الی الجنة وحمل ماهان وبیده عمود من

ص: 37

ذهب ، کان تحت فخذه فضرب به الغلام فقتله وعجل الله بروحه الی الجنة! قال أبو هریرة: فنظرت الی الغلام عندما سقط وهو یشیر بإصبعه نحو السماء ولم یُهِلْهُ ما لحقه ، فعلمت أن ذلک لفرحه بما عاین من الحور العین .

قال: فجال ماهان علی مصرعه وقویَ قلبه ، ودعا الی البراز فسارع المسلمون الیه فکل یقول اللهم اجعل قتله علی یدی (!) وکان أول من برز مالک النخعی الأشتر وساواه فی المیدان ، فابتدر مالک ماهان بالکلام وقال له: أیها العلج لا تغتر بمن قتلته ، وإنما اشتاق صاحبنا الی لقاء ربه ، وما منا إلا من هو مشتاق الی الجنة ، فإن أردت مجاورتنا فی جنات النعیم ، فانطق بکلمة الشهادة أو أداء الجزیة وإلا فأنت هالک لا محالة !

فقال له ماهان: أنت صاحب خالد بن الولید؟ قال: لا أنا مالک النخعی صاحب رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! فقال ماهان: لا بد لی من الحرب ، ثم حمل علی مالک وکان من أهل الشجاعة فاجتهدا فی القتال ، فأخرج ماهان عموده وضرب به مالکاً علی البیضة التی علی رأسه فغاصت فی جبهة مالک فشَتَرتْ عینه ! فمن ذلک الیوم سمی بالأشتر ، قال: فلما رأی مالک ما نزل به من ضربة ماهان

ص: 38

عزم علی الرجوع ، ثم فکر فیما عزم علیه فدبَّرَ نفسه وعلم أن الله ناصره ، قال والدم فائرٌ من جبهته وعدو الله یظن أنه قتل مالکاً ، وهو ینظره متی یقع عن ظهر فرسه ! وإذا بمالک قد حمل وأخذته أصوات المسلمین یا مالک إستعن بالله یعنک علی قرینک ، قال مالک: فاستعنت بالله علیه وصلیت علی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وضربته ضربة عظیمة ، فقطع سیفی فیه قطعاً غیر موهن فعلمت أن الأجل حصین، فلما أحس ماهان بالضربة ولَّی ودخل فی عسکره! قال الواقدی: ولما ولی ماهان بین یدی مالک الأشتر منهزماً صاح خالد بالمسلمین: یا أهل النصر والبأس إحملوا علی القوم ما داموا فی دهشتهم (لقتل قائدهم) ثم حمل خالد ومن معه من جیشه ، وحمل کل الأمراء بمن معهم ، وتبعهم المسلمون بالتهلیل والتکبیر فصبرت لهم الروم بعض الصبر، حتی إذا غابت الشمس وأظلم الأفق انکشف الروم منهزمین بین أیدیهم ، وتبعهم المسلمون یأسرون ویقتلون کیف شاءوا ».

أقول: معنی الروایة أن مالکاً ضرب قائدهم ماهان ففرَّ جریحاً ، ثم مات ، فذهل الروم وتغیرت کفة المعرکة لصالح المسلمین ! وبرز بعد ماهان الی مالک بضعة من قادة جیش الروم فقتلهم ! فقد روی الکلاعی فی الإکتفاء:3/273، واصفاً الأشتر: «کان من جلداء

ص: 39

الرجال وأشدائهم ، وأهل القوة والنجدة منهم ، وأنه قتل یوم الیرموک قبل أن ینهزموا أحد عشر رجلاً من بطارقتهم ، وقتل منهم ثلاثة مبارزة » !

ونص الطبری:3/74 ، علی أن ماهان أو باهان قُتل أی من ضربة الأشتر: «فهزمت الروم وجموع هرقل التی جمع، فأصیب من الروم أهل أرمینیة والمستعربة سبعون ألفاً ، وقتل الله الصقلار وباهان ، وقد کان هرقل قدمه مع الصقلار » .

وقد أخفی أکثر رواة السلطة قتل مالک لماهان ، فلم یذکر بعضهم من قتله ، ونسبه بعضهم الی مجهول ! أو قال اختلف فی الذی قتله ! وکذلک طمسوا بطولة مالک فی قتل قادة الروم الذین قتلهم مبارزة ، أو قصدهم فی مراکزهم فی الحرب وقتلهم!

ووصف ابن العدیم فی تاریخ حلب:1/569 ، توغل الأشتر بعد الیرموک فی أرض الروم فقال: « وحدثنی الحسن بن عبد الله أن الأشتر قال لأبی عبیدة: إبعث معی خیلاً أتبع آثار القوم وأمضی نحو أرضهم ، فإن عندی جزاءً وغناءً . فقال له أبو عبیدة: والله إنک لخلیق لکل خیر ».

ص: 40

وقال ابن العدیم فی:1/156: «وأول من قطع جبل اللکام وصار إلی المصیصة: مالک بن الحارث الأشتر النخعی ، من قبل أبی عبیدة بن الجراح » .

وفی تاریخ الیعقوبی: 2/141، أن أباعبیدة أرسل الأشتر الی جمع إلی الروم وقد قطعوا الدرب ، فقتل منهم مقتلة عظیمة ، ثم انصرف وقد عافاه الله وأصحابه . وقال: لقد اتفق المؤرخون والمحدثون علی أنه: لما بلغ هرقل خبر أهل الیرموک وإیقاع المسلمین بجنده ، هرب من أنطاکیة إلی قسطنطینیة ، فلما جاوز الدرب قال: علیک یا سوریة السلام ، ونعم البلد هذا للعدو ، یعنی أرض الشام ، لکثرة مراعیها ! وکانت وقعة الیرموک فی رجب سنة خمس عشرة .

کما وصف الواقدی (2/5) انهیار جیش الروم وهروب هرقل من أنطاکیة إلی القسطنطینیة ، فقال: إن الملک هرقل لما رکب البحر وخرج من أنطاکیة ووصل إلی قسطنطینیة ، قصدته الروم من کل مکان من المنهزمین وغیرهم ، وبلغه أن أنطاکیة قد فتحت صلحاً، وأنه قتل من کان فیها من المقاتلة ، فصعب علیه وبکی ثم قال: السلام علیک یا أرض سوریا إلی یوم اللقاء ! وقد تجمع عنده من البطارقة والحجاب وغیرهم خلق کثیر فقال لهم: إنی

ص: 41

أخاف من العرب أن ترسل فی طلبنا ، ثم إنه جهز ثلاثین ألفاً مع ثلاثة بطارقة ، وأمرهم أن یحفظوا له الدروب !

«وتوجه (الأشتر) مع خالد فی طلب الروم حین انهزموا ، فلما بلغوا ثنیة العقاب من أرض دمشق وعلیها جماعة من الروم عظیمة ، أقبلوا یرمون المسلمین من فوقهم بالصخر ، فتقدم إلیهم الأشتر فی رجال من المسلمین ، وإذا أمام الروم رجل جسیم من عظمائهم وأشدائهم ، فوثب إلیه الأشتر لما دنا منه فاستویا علی صخرة مستویة فاضطربا بسیفیهما فضرب الأشتر کتف الرومی فأطارها وضربه الرومی بسیفه فلم یضره شیئاً ، واعتنق کل واحد منهما صاحبه ، ثم دفعه الأشتر من فوق الصخرة فوقعا منها ، ثم تدحرجا والأشتر یقول وهما یتدحرجان: إِنَّ صَلاتِی وَنُسُکِی وَمَحْیَایَ وَمَمَاتِی للهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ . لا شَرِیکَ لَهُ وَبِذَلِکَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِینَ. فلم یزل یقول هذا وهو فی ذلک ملازم العلج لا یترکه حتی انتهیا إلی موضع مستو من الجبل ، فلما استقرا فیه وثب الأشتر علی الرومی فقتله ، ثم صاح فی الناس أن جوزوا ! فلما رأت الروم أن صاحبهم قد قتله الأشتر خلوا سبیل العقبة للناس ثم انهزموا ». (الکلاعی فی الإکتفاء:3 /273).

ص: 42

وروی الواقدی:2/240، نداء مالک فی المسلمین فی معرکة فتح مصر: «لاتولُّوا فراراً من الموت! أتریدون أن تکونوا عاراً عند العرب! فما عذرکم غداً بین یدی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! أما سمعتم قول الله عز وجل: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذَا لَقِیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ . وَمَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلَی فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِیرُ » !

ما کان الرفق أبلغ. (الطبری:5/95 ، وأمالی المفید/79).

وکتب(علیه السّلام) الی أهل مصر: « أما بعد، فقد بعثت إلیکم عبداً من عباد الله ، لاینام أیّام الخوف ، ولا ینکُلُ عن الأعداء ساعات الرّدع ، أشدّ علی الفجّار من حریق النار ، وهو مالک بن الحارث أخو مَذْحِج ، فاسمعوا له وأطیعوا أمره فیما طابق الحق، فإنّه یف من سیوف الله لا کلیل الظُّبّة ولا نُابی الضّریبة » (نهج البلاغة /الکتاب38).

جعل فیها سماً ، فسقاه إیاه فلما شربها مات .

وأقبل معاویة یقول لأهل الشام: إن علیاً وجه الأشتر إلی مصر فادعوا الله أن یکفیکموه ! قال: فکانوا کل یوم یدعون الله علی الأشتر ، وأقبل الذی سقاه إلی معاویة فأخبره بمهلک الأشتر ، فقام معاویة فی الناس خطیباً فحمد الله وأثنی علیه وقال: أما بعد فإنه کانت لعلی بن أبی طالب یدان یمینان قطعت إحداهما یوم صفین یعنی عمار بن یاسر ! وقطعت الأخری الیوم یعنی الأشتر» ! (ونحوه الغارات:1/263، وتاریخ دمشق:56/376، وجمهرة خطب العرب:1/430 ، وشرح النهج:6/76 ، وأمالی المفید/82 ، وفیه: وبلغ معاویة خبره فجمع أهل الشام وقال لهم: أبشروا فإن الله تعالی قد أجاب دعاءکم وکفاکم الأشتر وأماته ، فسُرُّوا بذلک واستبشروا به. وفی البدء والتاریخ:5/226، وطبعة440: فقال معاویة لما بلغه: ما أبردها علی الفؤاد ! إن لله جنوداً من عسل ! وفی ثقات ابن حبان:2/298: «وکتب إلی دهقان بالعریش إن احْتَلْتَ فی الأشتر فلک علیَّ خراجک عشرین سنة». (وطبقات الأطباء/154، ونهایة الإرب/4465 ، وفی آثار البلاد للقزوینی/180: فما استقر فی جوفه حتی تلف ! فأتی من کان معه علی الدهقان وأصحابه وأفنوهم) .

ص: 45

لکان صلداً (لصلابته ویقینه) ولو کان جبلاً لکان فنداً (ممیزاً عن الجبال) وکأنه قُدَّ منی قدا ». (اختیار معرفة الرجال:1/283).

وأعظم منها شهادة رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی حق المقداد (رحمه الله) ! « کان عظیم الشأن ، کبیر المنزلة ، حسن الرأی ، قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) : قُدَّ منِّی قَدّاً ». (نهج الحق للعلالمة الحلی/ 304).

کبعض بنیَّ . سبحان الله ، بینا نحن نرجو أن نغلب القوم علی ما فی أیدیهم ، إذ غلبونا علی ما فی أیدینا !

وأنا أکتب لکم کتاباً فیه تصریح ما سألتم إن شاء الله تعالی، فدعا کاتبه عبید الله بن أبی رافع فقال له: أدخل علی عشرة من ثقاتی، فقال: سمهم یا أمیر المؤمنین، فقال: أدخل أصبغ بن نباتة ، وأبا الطفیل عامر بن واثلة الکنانی ، وزر بن حبیش الأسدی ، وجویریة بن مسهر العبدی ، وخندف بن زهیر الأسدی ، وحارثة بن مضرب الهمدانی ، والحارث بن عبد الله الأعور الهمدانی ، ومصابیح النخع: علقمة ابن قیس ، وکمیل بن زیاد ، وعمیر بن زرارة ، فدخلوا إلیه فقال لهم: خذوا هذا الکتاب ولیقرأه عبید الله بن أبی رافع وأنتم شهود ، کل یوم جمعة ، فإن شغب شاغب

علیکم فأنصفوه بکتاب الله بینکم وبینه:

بسم الله الرحمن الرحیم . من عبد الله علیٍّ أمیر المؤمنین ، إلی شیعته من المؤمنین والمسلمین فإن الله یقول: وإن من شیعته لإبراهیم ، وهو إسم شرفه الله تعالی فی الکتاب ، وأنتم شیعة النبی محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کما أنه من شیعة إبراهیم ، إسم غیر مختص ، وأمر غیر مبتدع . وسلام الله علیکم ، والله هو السلام ، المؤمن أولیاءه من العذاب المهین ، الحاکم علیکم بعدله .

ص: 49

أما بعد ، فإن الله تعالی بعث محمداً (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأنتم معاشر العرب علی شر حال ! یغذو أحدکم کلبه ، ویقتل ولده ! ویَغِیرُ علی غیره فیرجع وقد أغیر علیه ! تأکلون العلهز والهبید والمیتة والدم! تنیخون علی أحجار خشن ، وأوثان مضلة ، وتأکلون الطعام الجشب ، وتشربون الماء الآجن ! تسافکون دماءکم ، ویسبی بعضکم بعضاً ! وقد خص الله قریشاً بثلاث آیات ، وعمَّ العرب بآیة ، فأما الآیات اللواتی فی قریش فهی قوله تعالی: وَاذْکُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِیلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِی الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ یَتَخَطَّفَکُمُ النَّاسُ فَآوَاکُمْ وَأَیَّدَکُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَکُمْ مِنَ الطَّیِّبَاتِ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ .

والثانیة: وَعَدَ اللهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضَی لَهُمْ وَلَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئًا وَمَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذَلِکَ فَأُولَئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .

والثالثة: قول قریش لنبی الله تعالی حین دعاهم إلی الإسلام والهجرة ، فقالوا: وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَی مَعَکَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا فقال الله تعالی: أَوَلَمْ نُمَکِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا یُجْبَی إِلَیْهِ ثَمَرَاتُ کُلِّ شَئْ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ .

وأما الآیة التی عم بها العرب فهی قوله تعالی: وَاذْکُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَیْکُمْ إِذْ

ص: 50

کُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِکُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَکُنْتُمْ عَلَی شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَکُمْ مِنْهَا کَذَلِکَ یُبَیِّنُ اللهُ لَکُمْ آیَاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ .

فیا لها من نعمة ما أعظمها إن لم تخرجوا منها إلی غیرها ، ویا لها من مصیبة ما أعظمها ، إن لم تؤمنوا بها وترغبوا عنها . فمضی نبی الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وقد بلغ ما أرسل به ، فیا لها مصیبة خصت الأقربین وعمت المؤمنین ، لن تصابوا بمثلها ، ولن تعاینوا بعدها مثلها ! فمضی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لسبیله وترک کتاب الله وأهل بیته ، إمامین لا یختلفان وأخوین لایتخاذلان ، ومجتمعین لا یتفرقان .

ولقد قبض الله محمداً نبیه (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ولأنا أولی الناس به منی بقمیصی هذا ، وما ألقی فی روعی ولا عرض فی رأیی أن وجه الناس إلی غیری ، فلما أبطأوا عنی بالولایة لهممهم ، وتثبط الأنصار وهم أنصار الله وکتیبة الإسلام وقالوا: أما إذا لم تسلموها لعلی فصاحبنا أحق بها من غیره ! ( یقصد(علیه السّلام) أن هذا کان أمراً غیر معقول ، لا یتصوره ، وإلا فقد أخبره النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بما سیجری ، وصرح هو بذلک مراراً ) .

الی أن قال: فأتانی رهط یعرضون علی النصر ، منهم ابنا سعید ، والمقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاری ، وعمار بن یاسر ، وسلمان الفارسی ، والزبیر بن العوام ، والبراء بن عازب ، فقلت لهم: إن عندی من النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عهداً وله إلی وصیة لست أخالفه عما أمرنی

ص: 51

به ، فوالله لو خزمونی بأنفی لأقررت لله تعالی سمعاً وطاعة ، فلما رأیت الناس قد انثالوا علی أبی بکر بالبیعة أمسکت یدی ، وظننت (علمت) أنی أولی وأحق بمقام رسول الله

(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) منه ومن غیره ، وقد کان نبی الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أمر أسامة بن زید علی جیش وجعلهما فی جیشه وما زال النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) إلی أن فاضت نفسه یقول: أنفذوا

جیش أسامة أنفذوا جیش أسامة !

فلما رأیت راجعة من الناس قد رجعت عن الإسلام تدعو إلی محو دین محمد وملة إبراهیم (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، خشیت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله ، أن أری فیه ثلماً وهدماً ، تکون المصیبة علیَّ فیه أعظم من فوت ولایة أمورکم ، التی إنما هی متاع أیام قلائل ثم تزول وتنقشع کما یزول وینقشع السحاب ! فنهضت مع القوم فی تلک الأحداث حتی زهق الباطل ، وکانت کلمة الله هی العلیا وإن رغم الکافرون....

الی أن قال: فبایع عمر دون المشورة ، فکان مرضی السیرة من الناس ، حتی إذا احتضر قلت فی نفسی لیس یعدل بهذا الأمر عنی ، للذی قد رأی منی فی المواطن وسمع من رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، فجعلنی سادس ستة ! وأمر صهیباً أن یصلی بالناس ، ودعا أبا طلحة زید بن سعد الأنصاری فقال له: کن فی خمسین رجلاً من

ص: 52

قومک فاقتل من أبی أن یرضی من هؤلاء الستة!... وقال: هؤلاء الرهط الذین قبض رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهو عنهم راض ، فکیف یأمر بقتل قوم رضی الله عنهم ورسوله ، إن هذا لأمر عجیب...!

فأجمعوا علی إجماع رجل واحد ، حتی صرفوا الولایة عنی

إلی عثمان ، رجاء أن ینالوها ویتداولوها فی ما بینهم... فدعونی إلی بیعة عثمان فبایعت مستکرهاً وصبرت محتسباً... فقال عبد الرحمن بن عوف: یا ابن أبی طالب إنک علی هذا الأمر لحریص ! فقلت: لست علیه حریصاً ، وإنما أطلب میراث رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وحقه وأن ولاء أمته لی من بعده ، وأنتم أحرص علیه منی ، إذ تحولون بینی وبینه وتضربون وجهی دونه بالسیف .

اللهم إنی أستعدیک علی قریش ، فإنهم قطعوا رحمی وأضاعوا أیامی ، ودفعوا حقی ، وصغروا قدری وعظیم منزلتی ، وأجمعوا علی منازعتی حقاً کنت أولی به منهم فاستلبونیه ، ثم قالوا إصبر مغموماً أو مُتْ متأسفاً ! وأیم الله لو استطاعوا أین یدفعوا قرابتی کما قطعوا سببی فعلوا ولکنهم لن یجدوا إلی ذلک سبیلاً ! وإنما حقی علی هذه الأمة کرجل له حق علی قوم إلی أجل معلوم ، فإن أحسنوا وعجلوا له حقه قبله حامداً ، وإن أخروه إلی أجله أخذه غیر حامد ، ولیس یعاب المرء بتأخیر حقه ، إنما یعاب من أخذ ما

ص: 53

لیس له ، وقد کان رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عهد إلی عهداً فقال: یا ابن أبی طالب لک ولاء أمتی فإن ولوک فی عافیة وأجمعوا علیک بالرضا فقم بأمرهم ، وإن اختلفوا علیک فدعهم وما هم فیه ، فإن الله سیجعل لک مخرجاً . فنظرت فإذا لیس لی رافد ولا معی مساعد إلا أهل بیتی فضننت بهم عن الهلاک ، ولو کان لی بعد رسول الله عمی حمزة وأخی جعفر لم أبایع مکرهاً ، ولکنی بلیت برجلین حدیثی عهد بالإسلام العباس وعقیل ، فضننت بأهل بیتی عن الهلاک ، فأغضیت عینی علی القذا وتجرعت ریقی علی الشجی ، وصبرت علی أمرِّ من العلقم ، وآلم للقلب من حز الشفار .

الی أن قال (علیه السّلام) : وأما أمر عثمان... وأنا جامع لکم أمره: إستأثر فأساء الأثرة ، وجزعتم فأسأتم الجزع ، والله یحکم بینکم وبینه . والله ما یلزمنی فی دم عثمان تهمة ما کنت إلا رجلاً من المسلمین المهاجرین فی بیتی ، فلما قتلتموه أتیتمونی تبایعونی فأبیت علیکم وأبیتم علی فقبضت یدی فبسطتموها وبسطتها فمددتموها ثم تداککتم علی تداک الإبل الهیم علی حیاضها یوم ورودها ، حتی ظننت أنکم قاتلیَّ وأن بعضکم قاتل بعض !

فبایعتم علی کتاب الله وسنة نبیه (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) دعوت الناس إلی بیعتی فمن بایعنی طائعاً قبلت منه ، ومن أبی ترکته ، فکان أول من

ص: 54

بایعنی طلحة والزبیر فقالا: نبایعک علی أنا شرکاؤک فی الأمر! فقلت: لا ، ولکنکما شرکائی فی القوة ، وعونای فی العجز ، فبایعانی علی هذا الأمر ، ولو أبیا لم أکرههما کما لم أکره غیرهما ! وکان طلحة یرجو الیمن ، والزبیر یرجو العراق ، فلما علما أنی غیر مولیهما استأذنانی للعمرة یریدان الغدرة ، فأتیا عایشة واستخفَّاها مع کل شئ فی نفسها علی...وقادهما عبد الله بن عامر إلی البصرة ، وضمن لهما الأموال والرجال ، فبیناهما یقودانها إذ هی تقودهما ، فاتخذاها فئة یقاتلان دونها ! فأی خطیئة أعظم مما أتیا ، أخرجا زوجة رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) من بیتها فکشفا عنها حجاباً ستره الله علیها ، وصانا حلائلهما فی بیوتهما ، ولا أنصفا الله ولا رسوله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) من أنفسهما ! فمنیتُ بأطوع الناس فی الناس عایشة بنت أبی بکر ، وبأشجع الناس الزبیر ، وبأخصم الناس طلحة بن عبید الله ، وأعانهم علی یعلی بن منیة بأصوع الدنانیر ! والله لئن استقام أمری لأجعلن ماله فیئاً للمسلمین !

ثم أتوا البصرة وأهلها مجتمعون علی بیعتی وطاعتی ، وبها شیعتی خزان بیت مال الله ومال المسلمین ، فدعوا

الناس إلی معصیتی وإلی نقض بیعتی وطاعتی ، فمن أطاعهم أکفروه ومن عصاهم قتلوه ! فناجزهم حکیم بن جبلة فقتلوه فی سبعین رجلاً

ص: 55

من عباد أهل البصرة ومخبتیهم ، یسمون المثفنین کأن راح أکفهم ثفنات الإبل ، وأبی أن یبایعهم یزید بن الحارث الیشکری فقال: إتقیا الله ، إن أولکم قادنا إلی الجنة فلا یقودنا آخرکم إلی النار ، فلا تکلفونا أن نصدق المدعی ونقضی علی الغائب ، أما یمینی فشغلها علی بن أبی طالب ببیعتی إیاه ، وهذه شمالی فارغة فخذاها إن شئتما ! فخنق حتی مات (رحمه الله) .

وقام عبد الله بن حکیم التمیمی فقال: یا طلحة هل تعرف هذا الکتاب؟ قال: نعم هذا کتابی إلیک . قال: هل تدری ما فیه؟ قال: إقرأه علیَّ، فقرأه فإذا فیه عیب عثمان ودعاؤه إلی قتله ! فسَیَّروه من البصرة ، وأخذوا عاملی عثمان بن حنیف الأنصاری غدراً فمثلوا به کل مثلة ، ونتفوا کل شعرة فی رأسه ووجهه ! وقتلوا شیعتی طائفة صبراً ، وطائفة غدراً ، وطائفة عضوا بأسیافهم حتی لقوا الله ! فوالله لو لم یقتلوا منهم إلا رجلاً واحداً لحل لی به دماؤهم ودماء ذلک الجیش لرضاهم بقتل من قتل ! دع أنهم قد قتلوا أکثر من العدة التی قد دخلوا بها علیهم !

وقد أدال الله منهم ، فبعداً للقوم الظالمین . فأما طلحة فرماه مروان بسهم فقتله ، وأما الزبیر فذکَّرته قول رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) إنک تقاتل علیاً وأنت ظالم له ! وأما عایشة فإنها کانت نهاها رسول الله

ص: 56

(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عن مسیرها ، فعضت یدیها نادمة علی ما کان منها !

الی أن قال (علیه السّلام) :وکانت عایشة قد شکت فی مسیرها وتعاظمت القتال ، فدعت کاتبها عبید الله بن کعب النمیری فقالت أکتب: من عایشة بنت أبی بکر إلی علی بن أبی طالب ، فقال: هذا أمر لا یجری به القلم . قالت: ولم ؟ قال: لأن علی بن أبی طالب فی الإسلام أول وله بذلک البدء فی الکتاب. فقالت: أکتب: إلی علی بن أبی طالب من عایشة بنت أبی بکر ، أما بعد فإنی لست أجهل قرابتک من رسول الله ، ولا قدمک فی الإسلام ، ولا غناءک عن رسول الله ، وإنما خرجت مصلحة بین بنیَّ لا أرید حربک إن کففت عن هذین الرجلین ، فی کلام لها کثیر ، فلم أجبها بحرف ، وأخرت جوابها لقتالها .

فلما قضی الله لی الحسنی سرت إلی الکوفة ، واستخلفت عبد الله بن عباس علی البصرة ، فقدمت الکوفة وقد اتسقت لی الوجوه کلها إلا الشام ، فأحببت أن أتخذ الحجة وأفضی العذر ، أخذت بقول الله تعالی: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِیَانَةً فَانْبِذْ إِلَیْهِمْ عَلَی سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لا یُحِبُّ الْخَائِنِینَ ، فبعثت جریر بن عبد الله إلی معاویة معذراً إلیه ، متخذاً للحجة علیه، فرد کتابی وجحد حقی ودفع بیعتی، وبعث إلی أن ابعث إلی قتله عثمان ، فبعثت إلیه ما أنت وقتلة عثمان؟

ص: 57

أولاده أولی به ، فادخل أنت وهم فی طاعتی ثم خاصم القوم لأحملکم وإیاهم علی کتاب الله ، وإلا فهذه خدعة الصبی عن رضاع الملی ! فلما یئس من هذا الأمر بعث إلی أن اجعل الشام لی حیاتک ، فإن حدث بک حادث من الموت لم یکن لأحد علی طاعة ، وإنما أراد بذلک أن یخلع طاعتی من عنقه فأبیت علیه ، فبعث إلی إن أهل الحجاز کانوا الحکام علی أهل الشام ، فلما قتلوا عثمان صار أهل الشام الحکام علی أهل الحجاز ! فبعثت إلیه إن کنت صادقاً فسم لی رجلا من قریش الشام تحل له الخلافة ، ویقبل فی الشوری ، فإن لم تجده سمیت لک من قریش الحجاز من یحل له الخلافة ویقبل فی الشوری .

ونظرت إلی أهل الشام فإذا هم بقیة الأحزاب ، فراش نار

وذباب طمع ، تجمع من کل أوب ، ممن ینبغی أن یؤدب ویحمل علی السنة ، لیسوا مهاجرین ولا أنصار ، ولا تابعین بإحسان ، فدعوتهم إلی الطاعة والجماعة فأبوا إلا فراقی وشقاقی ، ثم نهضوا فی وجه المسلمین ینضحونهم بالنبل ویشجرونهم بالرماح !

فعند ذلک نهضت إلیهم ، فلما عضهم السلاح ووجدوا ألم الجراح ، رفعوا المصاحف فدعوکم إلی ما فیها ، فأنبأتکم أنهم لیسوا بأهل دین ولا قرآن ، وإنما رفعوها مکیدة وخدیعة فامضوا

ص: 58

لقتالهم ، فقلتم إقبل منهم واکفف عنهم فإنهم إن أجابوا إلی ما فی القرآن ، جامعونا علی ما نحن علیه من الحق، فقبلت منهم وکففت عنهم، فکان الصلح بینکم وبینهم علی رجلین حکمین لیحییا ما أحیاه القرآن ، ویمیتا ما أماته القرآن ، فاختلف رأیهما واختلف حکمهما ، فنبذا ما فی الکتاب ، وخالفا ما فی القرآن ، وکانا أهله !

ثم إن طائفة اعتزلت فترکناهم ما ترکونا ، حتی إذا عاثوا فی الأرض یفسدون ویقتلون ، وکان فیمن قتلوه أهل میرة من بنی أسد ، وخباباً وابنه وأم ولده ، والحارث بن مرة العبدی ، فبعثت إلیهم داعیاً فقلت ادفعوا إلینا قتلة إخواننا ،

فقالوا: کلنا قتلتهم ، ثم شدت خیلهم ورجالهم ، فصرعهم الله مصارع الظالمین !

فلما کان ذلک من شأنهم ، أمرتکم أن تمضوا من فورکم ذلک إلی عدوکم فقلتم: کلت سیوفنا ونصلت أسنة رماحنا وعاد أکثرها قصیداً ، فأذن لنا فلنرجع ولنستعد بأحسن عدتنا ، وإذا نحن رجعنا زدنا فی مقاتلتنا عدة من قتل منا ، حتی إذا أظللتم علی النخیلة أمرتکم أن تلزموا معسکرکم، وأن تضموا إلیه نواصیکم وأن توطنوا علی الجهاد نفوسکم ، ولا تکثروا زیارة أبناءکم ونساءکم ، فإن أصحاب الحرب مصابروها ، وأهل التشمیر فیها

ص: 59

الذین لا یتوجدون من سهر لیلهم ولا ظمأ نهارهم ، ولا فقدان أولادهم ولا نساءهم !

فأقامت طائفة منکم معدة وطائفة دخلت المصر عاصیة ، فلا من دخل المصر عاد إلی ، ولا من أقام منکم ثبت معی ولا صبر، فلقد رأیتنی وما فی عسکری منکم خمسون رجلاً ، فلما رأیت ما أنتم علیه دخلت علیکم فما قدر لکم أن تخرجوا معی إلی یومکم هذا ! لله أبوکم ألا ترون إلی مصر قد افتتحت ، وإلی أطرافکم قد انتقصت ، وإلی مسالحکم ترقی ، وإلی بلادکم تغزی ، وأنتم ذووا عدد جم وشوکة

شدیدة ، وأولوا بأس قد کان مخوفاً !

الی أن قال (علیه السّلام) :ولقد أنهی إلی أن ابن النابغة لم یبایع معاویة حتی شرط له أن یؤتیه أتیة هی أعظم مما فی یدیه من سلطانه ، فصفرت ید هذا البائع دینه بالدنیا ، وخزیت أمانة هذا المشتری بنصرة فاسق غادر بأموال المسلمین ، وأی سهم لهذا المشتری بنصرة فاسق غادر ، وقد شرب الخمر وضرب حداً فی الإسلام ، وکلکم یعرفه بالفساد فی الدین ، وإن منهم من لم یدخل فی الإسلام وأهله حتی رضخ له علیه رضیخة !

فهؤلاء قادة القوم ، ومن ترکت لکم ذکر مساویة أکثر وأبور ! وأنتم تعرفونهم بأعیانهم وأسمائهم کانوا علی الإسلام ضداً ،

ص: 60

ولنبی الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) حرباً ، وللشیطان حزباً ، لم یقدم إیمانهم ولم یحدث نفاقهم ! وهؤلاء الذین لو ولوا علیکم لأظهروا فیکم الفخر والتکبر ، والتسلط بالجبریة والفساد فی الأرض ! وأنتم علی ما کان منکم من تواکل وتخاذل خیر منهم وأهدی سبیلاً ، منکم الفقهاء والعلماء والفهماء ، وحملة الکتاب والمتهجدون بالأسحار، ألا تسخطون وتنقمون أن ینازعکم الولایة السفهاء البطاء عن الإسلام ، الجفاة فیه ».

( نهج السعادة للمحمودی :5/194 ، و: 5 / 258 ، وذکر من مصادره: کشف المحجة /173، والمسترشد/77 . وابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة/154، ط مصر . بعنوان: ماکتبه علی لأهل العراق قبل بیان مقتله . والثقفی فی الغارات ، وبحار الأنوار:8/615 ، وأشار إلیه البلاذری فی أنساب الأشراف/400 .

ص: 61

صفین مع علی، وکان شریفاً مطاعاً ثقة قلیل الحدیث ، ووثقه ابن معین وجماعة . وقال ابن عمار: کان من رؤساء الشیعة . وأخرج بن أبی الدنیا من طریق الأعمش قال: دخل الهیثم بن الأسود علی الحجاج فقال له: ما فعل کمیل بن زیاد؟ قال: شیخ کبیر فی البیت . قال: فأین هو؟

قال: ذلک شیخ کبیر خرف ! فدعاه فقال له: أنت صاحب عثمان قال ما صنعت بعثمان! لطمنی فطلبت القصاص ، فأقادنی فعفوت ! قال: فأمر الحجاج بقتله . وقال جریر عن مغیرة: طلب الحجاج کمیل بن زیاد فهرب منه فحرم قومه عطاءهم ، فلما رأی کمیل ذلک قال: أنا شیخ کبیر قد نفد عمری ، لا ینبغی أن أحرم قومی عطاءهم! فخرج إلی الحجاج ، فلما رآه قال له: لقد أحببت أن أجد علیک سبیلاً . فقال له کمیل: إنه ما بقی من عمری إلا القلیل، فاقض ما أنت قاض ، فإن الموعد الله ! وقد أخبرنی أمیر المؤمنین علی أنک قاتلی . قال: بلی ، قد کنت فیمن قتل عثمان ! إضربوا عنقه فضربت عنقه ».(الإصابة:5/486).

وقال فی تهذیب الکمال:24/219: «وقال محمد بن عبد الله بن عمار: کمیل بن زیاد رافضی ، وهو ثقة من أصحاب علی. وقال فی موضع آخر: کمیل بن زیاد من رؤساء الشیعة ، وکان بلاء من البلاء »!

أقول: یظهر من نصوصهم أنهم لایحبونه ، لکنهم لا یجدون مجالاً لذمه ، فهم کالحجاج لم یجد علیهم سبیلاً فاتهمه بأنه کان حاضراً یوم قتل عثمان

ص: 63

فلا بد أنه شارک فی قتله ! وقد کان المسلمون کلهم من أهل المدینة وغیرهم حاضرین ، فلا بد أنهم شارکوا فی قتله !

مکابراً وأخذ یفتخر ویهدد : «فوثبوا علیه فأخذوا برأسه ولحیته!

فقال: مهْ إن هذه لیست بأرض الکوفة ، والله لو رأی أهل الشأم ما صنعتم بی وأنا إمامهم ما ملکت أن أنهاهم عنکم حتی یقتلوکم ، فلعمری إن صنیعکم لیشبه بعضه بعضاً ! ثم قام من عندهم فقال: والله لا أدخل علیکم مدخلاً ما بقیت . ثم کتب إلی عثمان: لعبد الله عثمان أمیر المؤمنین من معاویة بن أبی سفیان ، أما بعد یا أمیر المؤمنین فإنک بعثت إلیَّ أقواماً یتکلمون بألسنة الشیاطین وما یُمْلون علیهم ، ویأتون الناس زعموا من قبل القرآن فیشبهون علی الناس...! ولست آمن إن أقاموا وسط أهل الشأم أن یغروهم بسحرهم وفجورهم، فارددهم إلی مصرهم ، فلتکن دراهم فی مصرهم الذی نجم فیه نفاقهم ، والسلام . فکتب إلیه عثمان یأمره أن یردهم إلی سعید بن العاص بالکوفة فردهم إلیه ، فلم یکونوا إلا أطْلَقَ ألسنةً منهم حین رجعوا ! وکتب سعید إلی عثمان یضجُّ منهم ، فکتب عثمان إلی سعید أن سیِّرْهُمْ إلی عبد الرحمن بن خالد بن الولید، وکان أمیراً علی حمص . وکتب إلی الأشتر وأصحابه: أما بعد ، فإنی قد سیرتکم إلی حمص ، فإذا أتاکم کتابی هذا فاخرجوا إلیها فإنکم لستم تألون الإسلام وأهله شراً، والسلام. فلما قرأ الأشتر الکتاب قال: اللهم أسوأنا نظراً للرعیة ، وأعملنا فیهم بالمعصیة ، فعجل له النقمة » ! «فکتب سعید بن العاص إلی عثمان یخبره بأمرهم فکتب إلیه أن سیرهم إلی الشام وألْزِمْهُمْ الدروب...».

(الطبری:3/367). ویقصد عثمان: إبعثهم فی غزو الروم من جهة حمص

ص: 65

لعلهم یقتلون! ولهم قصص مع والی حمص کقصصهم مع معاویة فی النفی الأول حتی اضطر لإرجاعهم الی الکوفة ! فعادوا وهم أقوی بالتفاف المسلمین حولهم ، ثم ذهب وفدهم بشکایة أهل الکوفة الی المدینة برئاسة مالک یطالبون عثمان بإصلاح الوضع وتغییر الوالی الأموی فلم یستجب لهم ، وکان الوالی سعید فی المدینة فرجع مالک قبله الی العراق: «فسبق سعیداً ، وصعد المنبر وسیفه فی عنقه ما وضعه بعد ، ثم قال: أما بعد فإن عاملکم الذی أنکرتم تعدیه وسوء سیرته ، قد رُدَّ علیکم وأمر بتجهیزکم فی البعوث! فبایعونی علی أن لایدخلها فبایعه عشرة آلاف من أهل الکوفة ، وخرج راکباً متخفیاً یرید المدینة أو مکة فلقی سعیداً بواقصة فأخبره بالخبر فانصرف إلی المدینة !

وکتب الأشتر إلی عثمان: إنا والله ما مَنَعْنَا عاملک الدخول لنفسد علیک عملک ، ولکن لسوء سیرته فینا وشدة عذابه! فابعث إلی عملک من أحببت! فکتب إلیهم: أنظروا من کان عاملکم أیام عمر بن الخطاب فولوه فنظروا فإذا هو أبو موسی الأشعری فولوه».(مروج الذهب/582).

قال البلاذری فی أنساب الأشراف/473: « وکان کمیل بن زیاد النخعی علی هیت فی جند من شیعة علی ، فلما أغار سفیان بن عوف علی الأنبار ، کان کمیل قد أتی ناحیة قرقیسیا لمواقعة قوم بلغه أنهم قد أجمعوا علی أن یغیروا علی هیت ونواحیها فقال: أبدأهم قبل أن یبدؤنی فإنه یقال: إبدأه بالصراخ یفر . فاستخلف علی هیت وشخص بجمیع أصحابه ، فلما قربهم جیش سفیان عبر أهل هیت ومن بقی بها من أصحاب کمیل وکانوا خمسین رجلا ، فأغضب ذلک علیاً وأحفظه فکتب إلیه: إن تضییع المرء ما ولی وتکلفه ما کفی عجز حاضر ! وإن ترکک عملک وتخطیک إیاه إلی قرقیسیا خطأ وجهل ورأی شعاع !

ووجد علیه وقال إنه لا عذر لک عندی ، فکان کمیل مقیماً علی نجوی وغم لغضب علی(علیه السّلام) ، فبینا هو علی ذلک إذ أتاه کتاب شبیب بن عامر الأزدی من نصیبین ، فی رقعة کأنها لسان کلب ، یُعلمه فیه أن عیناً له کتب إلیه یعلمه أن معاویة قد وجه عبد الرحمن بن قباث نحو الجزیرة ، وإنه لا یدری أیرید ناحیته أم ناحیة الفرات وهیت . فقال کمیل: إن کان ابن قباث یریدنا لنتلقینه ، وإن کان یرید إخواننا بنصیبین ، لنعترضنه فإن ظفرتُ أذهبتُ موجدة أمیر المؤمنین فأعتبت عنه ، وإن استشهدت فذلک الفوز العظیم ، وإنی لممن رجوت الأجر الجزیل ، فأشیر علیه باستیمار علی(علیه السّلام) فأبی ذلک ، ونهض یرید ابن قباث فی أربع مأة فارس، وخلف رجالته وهم ست مئة فی هیت ، وجعل یحبس من لحقه لیطوی الأخبار عن عدوه ، وأتاه الخبر بانحیازه من الرقة نحو رأس العین ومصیره إلی کفرتوثا

ص: 67

وکان ینشد فی طریقه کثیراً:

یا خیر من جرَّ خیر القدر

فالله ذو الآلاء أعلی وأبر

یخذل من شاء ومن شاء نصر

ثم أغذ السیر نحو کفرتوثا ، فتلقاه ابن قباث ومعن بن یزید السلمی بها فی أربع مئة وألفین ، فواقعهما کمیل ففض عسکرهما وغلب علیه ، وقتل من أصحابهما بشراً ، فأمر أن لا یتبع مدبر ولا یجهز علی جریح ، وقتل من أصحاب کمیل رجلان ، وکتب بالفتح إلی علی (علیه السّلام) ، فجزاه الخیر وأجابه جواباً حسناً » .

مقسوم له فی لیلة النصف من شعبان ، إلی آخر السنة فی مثل تلک اللیلة المقبلة . وما من عبد یحییها ویدعو بدعاء الخضر(علیه السّلام) إلا أجیب له .

فلما انصرف طرقته لیلاً فقال(علیه السّلام) : ما جاء بک یا کمیل؟ قلت: یا أمیر المؤمنین ، دعاء الخضر . فقال: أجلس یا کمیل ، إذا حفظت هذا الدعاء فادع به کل لیلة جمعة أو فی الشهر مرة أو فی السنة مرة ، أو فی عمرک مرة تکف وتنصر وترزق ، ولن تعدم المغفرة . یا کمیل أوجب لک طول الصحبة لنا أن نجود لک بما سألت ، ثم قال: أکتب: اللهم إنی أسألک برحمتک التی وسعت کل شئ ، وبقوتک التی قهرت بها کل شئ ، وخضع لها کل شئ ، وذل لها کل شئ ، وبجبروتک التی غلبت بها کل شئ ، وبعزتک التی لایقوم لها شئ ، وبعظمتک التی ملأت أرکان کل شئ . وبسلطانک الذی علا کل شئ ، وبوجهک الباقی بعد فناء کل شئ ، وبأسمائک التی غلبت أرکان کل شئ ، وبعلمک الذی أحاط بکل شئ ، وبنور وجهک الذی أضاء له کل شئ ، یا نور یا قدوس، یا أول الأولین ویا آخر الآخرین .

اللهم اغفر لی الذنوب التی تهتک العصم ، اللهم اغفر لی الذنوب التی تنزل النقم ، اللهم اغفر لی الذنوب التی تغیر النعم، اللهم اغفر لی الذنوب التی تحبس الدعاء ، اللهم اغفر لی الذنوب التی تنزل البلاء ، اللهم اغفر لی

ص: 69

کل ذنب أذنبته وکل خطیئة أخطأتها..الی آخر الدعاء وهو طویل وبلیغ ». (إقبال الأعمال:3/331).

والجوهرة الثانیة: وصیة أمیر المؤمنین(علیه السّلام) لکمیل (رحمه الله) ، فهی ملیئة بالفوائد ، ونورد فقرات منها من تحف العقول:

«یاکمیل: سَمِّ کل یوم باسم الله وقل لاحول ولا قوة إلا بالله وتوکل علی الله ، واذکرنا وسمِِّ بأسمائنا وصل علینا. وأدِرْ بذلک علی نفسک وماتحوطه عنایتک ، تُکْفَ شر ذلک الیوم إن شاء الله .

یاکمیل: إن رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أدبه الله ، وهو(علیه السّلام) أدبنی ، وأنا أؤدب المؤمنین ، وأورث الآداب المکرمین .

یاکمیل: ما من علم إلا وأنا أفتحه ، وما من سر إلا والقائم یختمه . یا کمیل ، ذریة بعضها من بعض والله سمیع علیم .

یاکمیل: لا تأخذ إلا عنا ، تکن منا . یا کمیل ما من حرکة إلا وأنت محتاج فیها إلی معرفة .

یا کمیل: زد قرابتک المؤمن علی ما تعطی سواه من المؤمنین ، وکن بهم أرأف وعلیهم أعطف . وتصدق علی المساکین .

یا کمیل: أحسنُ حلیة المؤمن التواضع ، وجماله التعفف ، وشرفه التفقه ، وعزه ترک القال والقیل .

ص: 70

یا کمیل: إن أحب ما تمتثله العباد إلی الله بعد الإقرار به وبأولیائه: التعفف والتحمل والإصطبار .

یا کمیل: قل عند کل شدة : لا حول ولا قوة إلا بالله ، تکفها وقل عند کل نعمة : الحمد لله ، تزدد منها . وإذا أبطأت الأرزاق علیک فاستغفر الله ، یوسع علیک فیها .

یاکمیل: أنج بولایتنا من أن یشرکک الشیطان فی مالک وولدک.

یاکمیل: لیس الشأن أن تصلی وتصوم وتتصدق ، الشأن أن تکون الصلاة بقلب نقی، وعمل عند الله مرضی، وخشوع سوی، وانظر فیمَ تصلی وعلی مَ تصلی ، إن لم یکن من وجهه وحله فلا قبول .

یا کمیل: إفهم واعلم أنا لا نرخص فی ترک أداء الأمانة لأحد من الخلق . فمن روی عنی فی ذلک رخصة فقد أبطل وأثم وجزاؤه النار بما کذب . أقسم لسمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یقول لی قبل وفاته بساعة مراراً ثلاثاً: یا أبا الحسن أدِّ الأمانة إلی البر والفاجر ، فیما جل وقل ، حتی الخیط والمخیط .

یا کمیل: لاغزو إلا مع إمام عادل، ولانفل إلا من إمام فاضل .

یا کمیل: لو لم یظهر نبی وکان فی الأرض مؤمن تقی لکان فی دعائه إلی الله مخطئاً حتی ینصبه الله لذلک ویؤهله له.

یا کمیل: الدین لله ، فلایقبل الله من أحد القیام به ، إلا رسولاً أو نبیاً أو

ص: 71

وصیاً . یا کمیل: أحمد الله علی توفیقه وعلی کل حال. إذا شئت فقم». (تحف العقول لابن شعبة الحرانی/171).

والجوهرة الثالثة: الکلام الذی خصه به أمیر المؤمنین(علیه السّلام) عندما أخذه معه الی وادی السلام . ففی خصائص الأئمة للشریف الرضی/105، والخصال للصدوق/186: « عن أبی صالح ، عن کمیل بن زیاد النخعی قال: أخذ بیدی أمیر المؤمنین(علیه السّلام) فأخرجنی إلی الجبان ، فلما أصحر تنفس الصعداء ثم قال: یا کمیل بن زیاد ، إن هذه القلوب أوعیة فخیرها أوعاها فاحفظ عنی ما أقول لک: الناس ثلاثة ، فعالم ربانی ، ومتعلم علی سبیل نجاة ، وهمج رعاع أتباع کل ناعق ، یمیلون مع کل ریح ، لم یستضیئوا بنور العلم ولم یلجؤوا إلی رکن وثیق .

یا کمیل: العلم خیر من المال ، العلم یحرسک و أنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم یزکو علی الإنفاق .

یا کمیل محبة العالم دین یدان ، به یکسب الطاعة فی حیاته وجمیل الأحدوثة بعد وفاته . ومنفعة المال تزول بزواله .

یا کمیل: مات خزان الأموال وهم أحیاء ، والعلماء باقون ما بقی الدهر ، أعیانهم مفقودة ، وأمثالهم فی القلوب موجودة .

ص: 72

هاه ! إن هاهنا - وأشار بیده إلی صدره- لعلماً جماً لو أصبت له حملة ! بلی أصبت لَقِناً غیر مأمون علیه ، یستعمل آلة الدین للدنیا ویستظهر بحجج الله علی ولیائه، وبنعمه علی عباده ، لیتخذه الضعفاء ولیجة من دون ولی الحق. أو منقاداً لحملة العلم لابصیرة له فی أحنائه ، ینقدح الشک فی قلبه بأول عارض من شبهة ! ألا لاذا ولا ذاک .

أو منهوماً باللذة سلس القیاد للشهوة ، أو مغرماً بالجمع والإدخار ، لیسا من رعاة الدین فی شئ ، أقرب شئ شبهاً بهما الأنعام السائمة ، کذلک یموت العلم بموت حاملیه !

اللهم بلی لا تخلو الأرض من قائم بحجة ، ظاهر مشهور ، أو خائف مغمور ، لئلا تبطل حجج الله وبیناته .

وکم ذا وأین أولئک؟ أولئک الأقلون عدداً الأعظمون خطراً ، بهم یحفظ الله حججه حتی یودعوها نظراءهم ، ویزرعوها فی قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم علی حقائق الأمور ، فباشروا روح الیقین ، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا الدنیا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الاعلی ، یا کمیل أولئک خلفاء الله والدعاة إلی دینه آه آه شوقاً إلی رؤیتهم ! إنصرف إذا شئت ».

ص: 73

الأمیر شیخ کبیر، قال : لا بیعة لکم عندی ولا تقربون حتی تأتونی به ! قال: فأتوه به منعوشاً فی سریر حتی وضعوه إلی جانب المنبر، فقال: ألا لم یبق ممن دخل علی عثمان الدار غیر هذا ، فدعا بنطع وضربت عنقه » .

وفی تاریخ الذهبی:6/177:«فقال الحجاج: یا أهل الشام هذا کمیل الذی قال لعثمان أقدنی من نفسک! فقال کمیل: فعرف حقی فقلت: أما إذ أقدتنی فهو لک هبة ، فمن کان أحسن قولاً أنا أو هو، فذکر الحجاج علیاً فصلی علیه کمیل ! فقال الحجاج: والله لأبعثن إلیک إنساناً أشد بغضاً لعلی من حبک له ، فبعث إلیه ابن أدهم الحمصی فضرب عنقه. وقال المدائنی: مات کمیل سنة اثنتین وثمانین ، وهو ابن تسعین سنة ».

وفی التنبیه والإشراف للمسعودی /274: «وکان عدة من قتله الحجاج صبراً سوی من قتل فی زحوفه وحروبه مائة ألف وعشرین ألفاً ! منهم سعید بن جبیر صاحب عبد الله بن العباس».

وفی الإرشاد للمفید:1/327: « لما ولی الحجاج طلب کمیل بن زیاد فهرب منه ، فحرم قومه عطاءهم، فلما رأی کمیل ذلک قال: أنا شیخ کبیر قد نفد عمری ، لاینبغی أن أحرم قومی عطیاتهم ، فخرج فدفع بیده إلی الحجاج ، فلما رآه قال له: لقد کنت أحب أن

ص: 75

أجد علیک سبیلاً ، فقال له کمیل: لاتصرف علی أنیابک ولاتهدم علی، فوالله ما بقی من عمری إلا مثل کواسل الغبار ، فاقض ما أنت قاض، فإن الموعد الله وبعد القتل الحساب ، ولقد خبرنی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السّلام) أنک قاتلی . قال فقال له الحجاج: الحجة علیک إذن ! فقال کمیل: ذاک إن کان القضاء إلیک ! قال: بلی قد کنت فیمن قتل عثمان بن عفان ، إضربوا عنقه فضربت عنقه » .

أقول: یتضح لک أن الحجاج قتل کمیلاً (رحمه الله) لمجرد تشیعه ، وقد اعترف أتباع السلطة بأن الحجاج اتهمه جزافاً بدون حجة بأنه شارک فی قتل عثمان. بل کانت الحجة لکمیل لأن عثمان لطمه ذات یوم بدون حق ، فلم یرفع یده علیه مع أنه أقوی منه وأشجع، وإنما طالبه بالقصاص فرضخ عثمان ، فعفی عنه کمیل !

لکنهم اخترعوا قصة رکیکة لاتقبل التصدیق ، تزعم أن کمیلاً

قصد المدینة لیقتل عثمان فشک به عثمان ولطمه ، فحلف له کمیل أنه لم یکن یقصد قتله فقبل منه وأقاده ، فعفی کمیل عنه! (تاریخ الطبری:3/431).

ص: 76

أخی فی النوم فقلت له: یا أخی ماذا قدمتم علیه؟ فقال: التقینا نحن والقوم فاحتججنا عند الله عز وجل فحججناهم. فما سررت بشئ مذ عقلت کسروری بتلک الرؤیا ». (وقعة صفین لنصر بن مزاحم/286). وقد وثقه علماؤنا (معجم السید الخوئی:12/199).

ومع ذلک أجمع علماء السنة علی إمامته ووثاقته ، قال الذهبی فی تذکرة الحفاظ:1/48، وسیر النبلاء:4/53: «فقیه العراق الإمام أبو شبل النخعی الکوفی خال إبراهیم النخعی، وعم الأسود..

سمع من عمر وعثمان وابن مسعود وعلی وأبی الدرداء ، وجوَّد القرآن علی ابن مسعود ، وتفقه به ، وکان أنبل أصحابه . قال عبد الرحمن بن یزید قال ابن مسعود : ما أقرأ شیئاً وما أعلم شیئاً إلا وعلقمة یقرؤه ویعلمه . قال قابوس بن أبی ظبیان: قلت لأبی: لأی شئ کنت تدع الصحابة وتأتی علقمة ؟ قال أدرکت ناساً من أصحاب رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهم یسألون علقمة ویستفتونه ». «الامام ، الحافظ ، المجود ، المجتهد الکبیر..عاش تسعین سنة ».

وقال ابن حجر فی تهذیب التهذیب:7/244: « روی عنه الستة ، ولد فی حیاة رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . وروی عن عمر وعثمان وعلی وسعد وحذیفة وأبی الدرداء وابن مسعود وأبی مسعود وأبی موسی وخباب وخالد بن الولید وسلمة بن یزید الجعفی ومعقل بن سنان وعائشة وغیرهم . وعنه ابن أخیه

ص: 79

عبد الرحمن بن یزید ابن قیس وابن أخته إبراهیم بن یزید النخعی وإبراهیم بن سوید النخعی وعامر الشعبی وأبو الرقاد النخعی وأبو وائل شقیق بن سلمة وسلمة بن کهیل...قال مغیرة عن إبراهیم: کان علقمة عقیماً . وقال أبو طالب عن أحمد: ثقة من أهل الخیر.. وقال إسحاق بن منصور عن ابن معین ثقة... وقال الأعمش عن عمارة بن عمیر قال لنا أبو

معمر: قوموا بنا إلی أشبه الناس هدیاً وسمتاً ودَلاً بابن مسعود ، فقمنا معه حتی جلس إلی علقمة . وقال داود بن أبی هند قلت لشعبة أخبرنی عن أصحاب عبد الله؟ قال: کان علقمة أنظر القوم به...وقال منصور عن إبراهیم: کان أصحاب عبد الله الذین یقرئون الناس ویعلمونهم السنة ویصدر الناس عن رأیهم ستة: علقمة ، والأسود ، وذکر الباقین . وقال غالب أبو الهذیل: قلت لإبراهیم: أعلقمة کان أفضل أو الأسود ؟ فقال: علقمة ، وقد شهد صفین . قال أبو نعیم مات سنة إحدی وستین وقال ابن معین وغیر واحد مات سنة 62... وکان قد غزا خراسان ، وأقام بخوارزم سنتین ، ودخل مرو فأقام بها مدة ».

أقول: رووا عن علقمة (رحمه الله) روایات فی أن أمیر المؤمنین(علیه السّلام) مدح أهل السقیفة وفضل بعضهم علی نفسه ، وهذا لا یتناسب مع ما صح عنه (رحمه الله) من تشیعه ، ولا مع الأحادیث الصریحة التی رواها فی ظلامة أمیر المؤمنین(علیه السّلام) . ولا یتسع المجال لبحث ذلک .

ص: 80

رُکب منهم ما قد علمت وحُرموا ومُنعوا حقهم ، وصاروا إلی ما رأیت ، وقد کتب إلیک المهدی کتاباً وهؤلاء الشهود علیه . فقال یزید بن أنس الأسدی ، وأحمر بن شمیط البجلی ، وعبد الله بن کامل الشاکری ، وأبو عمرة کیسان مولی بجیلة: نشهد أن هذا کتابه قد شهدناه حین دفعه إلیه ، فقبضه إبراهیم وقرأه ثم قال: أنا أول من یجیب ، قد أمرنا بطاعتک ومؤازرتک ، فقل ما بدا لک وادع إلی من شئت».

وفی نهایة الإرب/4575 ، وغیره ، أنه شهد علی صحة الکتاب : عبد الرحمن بن شریح ، وابن النفیة ، والشعبی ، وأبوه ، وبضعة عشرمن أصحابه ، ثم قال: «فلما فرغ من قراءته تأخر (إبراهیم) عن صدر الفراش وأجلس المختار علیه وبایعه ، وصار یختلف إلی المختار کل عشیة ، یدبرون أمورهم».

وقد کتبنا عن ثورة المختار وابن الأشتر فی المجلد الرابع من جواهر التاریخ ، وبینا مکذوبات رواة السلطة لتشویه شخصیة المختار (رحمه الله) .

قال الدکتور إبراهیم بیضون فی کتابه:التوابون/181: «وعند نهر الخازر اشتبک الجیشان فی ملحمة عظیمة بذل فیها الشیعة جهوداً عظیمة للسیطرة علی زمام الموقف ، وقامت فرقة انتحاریة منهم باختراق صفوف العدو مستهدفة عبید الله بن زیاد فتمکنت من الوصول الیه وقتله . ثم قتل غیره من القواد الکبار الأمر الذی أحدث بلبلة وفوضی وأدی إلی هزیمة ساحقة للجیش الأموی » .

وفی تاریخ دمشق:58/235:« فتراشقوا بالنبل ساعة ، وتشاولوا بالرماح ، ثم صاروا إلی السیف فاقتتلوا أشد القتال ، إلی أن ذهب ثلث اللیل ، وقُتل أهل الشام تحت کل حجر ، وهرب من هرب منهم ، وقُتل عبید الله بن زیاد والحصین بن نمیر فی المعرکة ، وبعث بالرؤوس إلی المختار ».

وفی نهایة ابن کثیر:8/315: «ثم اتفق خروج ابن الأشتر إلیه فی سبعة آلاف وکان مع ابن زیاد أضعاف ذلک ، ولکن ظفر به ابن الأشتر فقتله شرَّ قتلة ، علی شاطئ نهر الخازر قریباً من الموصل بخمس مراحل . قال أبو أحمد الحاکم: وکان ذلک یوم عاشوراء. قلت:وهو الیوم الذی قتل فیه الحسین».

وفی أصدق الأخبار فی قصة الأخذ بالثار للسید الأمین/81: «

فسار إبراهیم حتی وصل إلی أرض الموصل وجعل لایسیر إلا علی تعبیة ، حتی وصل إلی نهر الخازر ، فنزل قریة یقال لها باربیثا بینها وبین الموصل خمسة فراسخ ، وجاء ابن زیاد حتی نزل قریباً منهم علی شاطئ نهر الخازر... ودعا ابن الأشتر بفرس له فرکبه ، ثم مر بأصحاب الرایات کلها فکلما مر

ص: 84

علی رایة وقف علیها ثم قال: یا أنصار الدین وشیعة الحق ، هذا عبید الله بن مرجانة قاتل الحسین بن علی بن فاطمة بنت رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) حال بینه وبین بناته ونسائه وشیعته وبین ماء الفرات أن یشربوا منه ، وهم ینظرون إلیه ، ومنعه الذهاب فی الأرض العریضة حتی قتله وقتل أهل بیته ! فوالله ما عمل فرعون بنجباء بنی إسرائیل ما عمل ابن مرجانة بأهل بیت رسول الله الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیراً ، فوالله إنی لأرجو أن یشفی الله صدورکم بسفک دمه علی أیدیکم ، فقد علم الله أنکم خرجتم غضباً لأهل بیت نبیکم (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ».

وفی کامل ابن الأثیر:4/62: «وکان إبراهیم یقول لصاحب رایته: إنغمس برایتک فیهم ! فیقول: لیس لی مُتقدم ! فیقول: بلی ، فإذا تقدم شد إبراهیم بسیفه فلا یضرب رجلاً إلا صرعه ، وکرَّ إبراهیم والرجالة بین یدیه کأنهم الحِمْلان ، وحمل أصحابه حملة رجل واحد ، واشتد القتال فانهزم أصحاب ابن زیاد...فلما انهزموا قال إبراهیم: إنی قد قتلت رجلاً تحت رایة منفردة علی شاطئ نهرالخازر ، فالتمسوه فإنی شممت منه رائحة المسک ، شرَّقَتْ یداه وغَرَّبَتْ رجلاه ! فالتمسوه فإذا هو ابن زیاد قتیلاً بضربة إبراهیم ، قد قدَّته بنصفین وسقط » !

إبراهیم بن الأشتر یدعوه الی التحالف معه ضد بنی أمیة .

کما راسله عبد الملک بن مروان یدعوه الی الإنضمام الیه مقابل آل الزبیر، وعرض علیه کل منهما ولایة العراق ! فاختار إبراهیم الإنضمام الی مصعب ضد بنی أمیة ، لأن عداءه لبنی أمیة عقائدی وتاریخی .

وأخلص إبراهیم لمصعب فی معارکه مع بنی أمیة ، فانتصر مصعب وسیطر علی العراق نحو أربع سنین ، ثم قصد الشام لحرب عبد الملک .

« وکان قد کسر جیوش عبد الملک مراراً وأعیاه أمره ، فخرج إلیه من الشام بنفسه ».(شرح النهج:3/295).

وفی النهایة لابن کثیر:8/347: (وکان عَتَّاب بن ورقاء علی خیل مصعب ، فهرب أیضاً ولجأ إلی عبد الملک بن مروان ، وجعل مصعب بن الزبیر وهو واقف فی القلب یُنهض أصحاب الرایات ویحث الشجعان والأبطال أن یتقدموا إلی أمام القوم ، فلا یتحرک أحد ! فجعل یقول: یا إبراهیم ولا إبراهیم لی الیوم ، وتفاقم الأمر واشتد القتال وتخاذلت الرجال ، وضاق الحال وکثر النزال. قال المدائنی: أرسل عبد الملک أخاه إلی مصعب یعطیه الأمان فأبی وقال: إن مثلی لاینصرف عن هذا الموضع إلا غالباً أو مغلوباً.. فتقدم ابنه فقاتل حتی قتل وأثخن مصعب بالرمی فنظر إلیه زائدة بن قدامة وهو کذلک فحمل علیه فطعنه وهو یقول: یا لثارات المختار ! ونزل إلیه رجل یقال له عبید الله بن زیاد بن ظبیان التمیمی فقتله وحز رأسه وأتی به عبد الملک بن مروان ، فسجد عبد الملک » !

ص: 86

وقال البلاذری فی أنساب الأشراف/1695: « ووجه المصعب إلی إبراهیم بن الأشتر عتاب ورقاء الریاحی...وانهزم عتاب علی مواطأة منه لأهل الشام فوقعت الهزیمة..وانهزم الناس حتی أتوا مصعباً وصبر إبراهیم بن الأشتر حتی قتل » . « قتل (مصعب) یوم الخمیس للنصف من جمادی الأولی سنة اثنتین وسبعین» . (الطبقات:5/183) .

وقال فی مروج الذهب/752: «وصمدت الفرسان لإبراهیم ، واشتبکت علیه الأسنة فبری منها عدة رماح، وأسلمه من کان معه ، فاقتلع من سرجه ودار به الرجال وازدحموا علیه فقتل بعد أن أبلی ونکأ فیهم ».

أقول: یعزُّ علینا مقتل إبراهیم بن الأشتر (رحمه الله) لکن انتصار عبد الملک علی آل الزبیر کان لمصلحة المؤمنین بقانون:دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ . فبنو أمیة علی سیئاتهم ، أقلُّ سوءاً من عبدالله بن الزبیر وإخوته !

السلام علی أهل لاإله إلا الله من أهل لا إله إلا الله ، یا أهل لا إله إلا الله بحق لا إله إلا الله ، کیف وجدتم قول لا إله إلا الله من أهل لا إله الأ الله یا أهل لا إله إلا الله بحق لا إله إلا الله اغفر لمن قال لا إله إلا الله ، واحشرنا فی زمرة من قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله علی ولی الله ، السلام علیک أیها البطل المغوار، السلام علیک أیها الآخذ بالثار ، السلام علیک أیها المجاهد بین یدی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب یوم صفین ، السلام علیک یا من نهضت بک حمیتک لأخذ ثأر الغریب المظلوم الشهید بکربلاء حتی شفیت القلوب وأثلجت الصدور ، السلام علیک یا إبراهیم ابن البطل المشهور مالک الأشتر النخعی ، السلام علیک یا بن المفادی عن أمیر المؤمنین حتی قال فیه سید الوصیین(علیه السّلام) : کان لی مالک کما کنت لرسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ».01/09.html http://www.holykarbala.net/books/daerat-almaaref/maraqid

وقد قام الوهابیة بعد عدوانهم علی مشهد سامراء بتفجیره ، ثم أعید بناؤه والحمد لله. 45867http://www.alkafeel.net/forums/showthread.php?p=

ص: 88

وقال النجاشی/126: « قال ابن فضال: أبو محمد ، شیخنا ووجه الطائفة ، ثقة، روی عن أبی عبد الله وأبی الحسن(علیه السّلام) وأخذ عن زرارة . وأخوه نوح بن دراج القاضی کان أیضاً من أصحابنا، وکان یُخفی أمره ، وکان أکبر من نوح ، وعمیَ فی أخر عمره ومات فی أیام الرضا(علیه السّلام) . له کتاب رواه عنه جماعات من الناس وطرقه

کثیرة، وأنا علی ما ذکرته فی هذا الکتاب لا أذکر إلا طریقاً أو طریقین ، حتی لا یکبر الکتاب إذ الغرض غیر ذلک...

وله کتاب اشترک هو ومحمد بن حمران فیه رواه الحسن بن علی بن بنت إلیاس عنهما ، أخبرنا محمد بن جعفر التمیمی عن أحمد بن محمد بن سعید ، عن أحمد بن یوسف بن یعقوب الجعفی من کتابه وأصله ، فی رجب سنة تسع ومائتین ».

وأخوه نوح بن دراج ، کان أصغر منه سناً ، وقد وثقه علماؤنا، وکان مداریاً للسلطة ، وکان قاضیاً فی الکوفة ، ثم فی بغداد .

قال الکشی:2/521: «قال محمد بن مسعود: سألت أبا جعفر حمدان بن أحمد الکوفی عن نوح بن دراج فقال: کان من الشیعة وکان قاضی الکوفة فقیل له: لم دخلت فی أعمالهم؟ فقال: لم أدخل فی أعمال هؤلاء حتی سألت أخی جمیلاً یوماً فقلت له: لمَ لا تحضر المسجد ؟ فقال: لیس لی إزار » !

ص: 90

ومعنی ذلک أنه کان من الفقهاء المعروفین وأن الحاجة المالیة لأخیه الأکبر جمیل جعلته یقبل منصب القضاء . ولا بد أنه استجاز الإمام(علیه السّلام) ، لأن اعتقاده بالأئمة(علیهم السّلام) عمیق .

وذکر مبغضوه أنه فقد بصره واستمر فی منصبه سنتین وهو یخفی عماه حتی لایعزلوه ! واختلفت کلماتهم فیه فوثقه عدد منهم وذمه أکثرهم . فقال الرازی فی الجرح والتعدیل:8/484: «عن یحیی بن معین أنه قال: نوح بن دراج لیس بثقة ، کان کذاباً ضعیفاً... سألت أبا زرعة عن نوح بن دراج فقال: کان قاضی الکوفة ، وأرجو أن لا یکون به بأس ».

وقال ابن شاهین/243: « ونوح بن دراج لیس به بأس ».

وفی تاریخ بغداد:13/318:«وسألته یعنی محمد بن عبد الله بن نمیر عن نوح بن دراج فقال: ثقة ».

وفی إکمال الکمال:3/318: « وأبو عصمة ، نوح بن دراج قاضی بغداد ، مشهور ، کان من بخارا ».

وقال المزی فی تهذیب الکمال:30/46: «وسألته یعنی محمد بن عبد الله بن نمیر، عن نوح بن دراج فقال: ثقة . وقال عمر بن شبة:حکم ابن أبی لیلی بحکم ونوح بن دراج حاضر فنبهه نوح فانتبه ورجع عن حکمه ذلک، فقال ابن شبرمة :

ص: 91

کادت تزل به من حالق قدمٌ

لولا تدارکها نوحُ بن درَّاجِ

لما رأی هفوة القاضی أخرجها

من معدن الحکم نوحٌ أیَّ إخراج

وقال الذهبی فی میزان الإعتدال:4/276:«قال ابن معین: لیس بثقة. وقال النسائی وغیره: ضعیف. وقال أبو داود : کذاب یضع الحدیث.. قال ابن عدی: نوح لیس بالمکثر ، یکتب حدیثه ». وقال البخاری فی تاریخه:8/112: « نوح بن دراج لیس بذاک هو قاضی الکوفة ».

ولا عجب من تضعیفهم له (رحمه الله) لأن أحادیثه لا تطاق عندهم ، فیصفونها بأنها منکرة ! حتی لو کان رواتها ثقات ! قالوا: « نوح بن دراج قاض الکوفی ، حدث عن الثقات بالمناکیر». (الضعفاء لأبی نعیم/151).

مثلاً روی: « عن عدی بن حاتم قال: ما رحمت أحداً رحمتی علیاً حین أتیّ به ملبیاً فقیل له: بایع . قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: إذاً نقتلک ! قال: إذا تقتلون عبداً لله وأخاً لرسوله! فرفع رأسه إلی السماء ثم قال: اللهم اشهد ، ثم بایع کذا ، وضم یده الیمنی ». (الشافی:3 /244).

وروی أن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) حذر عائشة ولعن أصحاب الجمل وأن علیاً(علیه السّلام) کان یقول: «والله لقد علمت صاحبة الهودج أن أصحاب الجمل ملعونون علی لسان النبی الأمی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وقد خاب من افتری». (الشافی:4/332).

ص: 92

وأفضل منه ولده أیوب ، بن نوح بن دراج: قال النجاشی/102: «أیوب بن نوح بن دراج النخعی ، أبو الحسین ، کان وکیلاً لأبی الحسن وأبی محمد(علیه السّلام) ، عظیم المنزلة عندهما ، مأموناً ، وکان شدید الورع کثیر العبادة ، ثقة فی روایاته . و أبوه نوح بن دراج کان قاضیاً بالکوفة وکان صحیح الاعتقاد . وأخوه جمیل بن دراج ».

قال ابن حجر فی لسان المیزان:1/490: «روی عن علی بن موسی وولده أبی جعفر محمد بن علی بن موسی، والعباس بن عامر وکان یتوکل عن الرضا وعن ولده ، روی عنه محمد بن علی بن محبوب وأحمد بن محمد بن خالد وسعد بن عبد الله القمی وعبد الله بن جعفر الحمیری، ومحمد بن الحسن الصفار ، وأبو جعفر الرزاز وغیرهم ، قال الطوسی: له روایات کثیرة ومسائل فی اللغة وکان مأموناً شدید الورع کثیر العبادة ، وکان أبوه قاضیاً بالکوفة ».

الهیثم النخعی ، والحارث بن همام النخعی، ومحمد بن میسر، ومحمد بن میسر، ومحمد بن الخلیل بن أسد الثقفی، وداود بن عیسی النخعی ، وسکین بن إسحاق النخعی ، ونوح بن المختار ، وهارون بن عمیر ، وهاشم بن المنذر بن حسان، وحفص بن غیاث النخعی، وحفص بن غیاث النخعی ، والحسین بن یزید النخعی ومحمد بن مالک بن الأبرد ، وأحمد بن محمد بن رمیم ، وزکریا بن عبد الله:

بن یزید النخعی ، وسیف بن عمیرة النخعی ، وحضر بن عمرو، وعبد الملک بن عتبة الصیرفی النخعی ، والخرقانی من أولاد مالک بن الحارث الأشتر النخعی، والأمیر أبو الحسین ورام بن أبی فراس من أولاد مالک بن الأشتر النخعی، وإبراهیم بن یزید النخعی، وصارم الدین اسکندر: بن عکبر الورشیدی الخرقانی، وأسود بن یزید النخعی ، وبکیر بن أحمد النخعی ، وجابر بن أبحر النخعی، وجعفر بن الحارث أبو الأشهب ، والحارث بن همام النخعی صاحب لواء الأشتر یوم صفین ، حجاج بن أرطاة ، والحسین بن سیف بن عمیرة ، وداود بن عیسی النخعی ، وسنان بن مالک النخعی ، وعبد الرحمن بن وردان ..

وقد شرحت أحوالهم الکتب الرجالیة المختصة بالرواة .

ص: 94

واستشهد مالک الأشتر فی ضاحیةالقاهرة 44

الإمام (علیه السّلام) یرثی مالک الأشتر 46

مشهد الأشتر فی مصر................................. 47

مصابیح النخع .............................................. 48

کمیل بن زیاد النخعی (رحمه الله) 62

کمیل رافضی لکنه موثق عند علماء السلطة ! 62

کمیل مع مجموعة المعارضین لعثمان 64

کمیل الی جانب أمیر المؤمنین(علیه السّلام) 66

أشهر ما رواه کمیل عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام) 68

شهادة کمیل بید الطاغیة الحجاج 74

مشهد کمیل (رحمه الله) فی النجف 77

الفقیه الکبیر علقمة بن قیس النخعی 78

إبراهیم بن الأشتر (رحمه الله) ....................... 81

إبراهیم قائد ثورة المختار ............................. 82

بطولة إبراهیم فی معرکة الموصل 83

إبراهیم ینضم الی مصعب ضد بنی أمیة 85

قبر إبراهیم (رحمه الله) فی الدجیل 87

النخعیون من أصحاب الأئمة(علیهم السّلام) 89

عشرات الرواة والعلماء النخعیین 93

ص: 96

اسم الملف:قبیلة النخع نهائی.10

الدلیل: C: قبائل العرب فی العراق اللطباعة

القالب:Documents and Settings\SITE\Application

Data\Microsoft\Templates\Normal.dot

العنوان:قبیلة بنی طی

الموضوع:

الکاتب:LAM VU TUNG

کلمات أساسیة:

تعلیقات:

تاریخ الإنشاء:03/ 07/ 2010..: 37: 10ص

رقم التغییر:41

الحفظ الأخیر بقلم:Qom University

زمن التحریر الإجمالی:215دقائق

الطباعة الأخیرة: 14/ 08/ 2010..: 04: 08م

منذ أخر طباعة کاملة

عدد الصفحات:96

عدد الکلمات:400، 13(تقریبا)

عدد الأحرف:383، 76(تقریبا)

ص: 97