سند العروة الوثقی (کتاب الاجتهاد و التقلید) الجزء الثانی

اشارة

سرشناسه:سند، محمد، 1962- م.

عنوان قراردادی:العروة الوثقی .شرح

عنوان و نام پدیدآور:سندالعروةالوثقی (کتاب الاجتهاد والتقلید)/ تقریرا لابحاث محمد السند؛ بقلم زهیربن الحاج علی الحکیم.

مشخصات نشر:تهران: دارالکوخ، 2015 م.= 1394.

مشخصات ظاهری:2 ج.

شابک:دوره 978-600-6701-13-4 : ؛ ج.1 978-600-6701-14-1 : ؛ ج.2 978-600-6701-12-7 :

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 2015 م. = 1394).

یادداشت:کتاب حاضر در سالهای مختلف توسط ناشران متفاوت منتشر شده است.

یادداشت:عنوان دیگر: کتاب الاجتهاد والتقلید (سندالعروةالوثقی).

یادداشت:کتاب حاضر شرحی بر کتاب «العروةالوثقی» تالیف عبدالکاظم یزدی است.

یادداشت:کتابنامه.

عنوان دیگر:کتاب الاجتهاد والتقلید.

عنوان دیگر:کتاب الاجتهاد والتقلید (سندالعروةالوثقی).

موضوع:یزدی، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . العروه الوثقی-- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 14

موضوع:*Islamic law, Ja'fari -- 20th century

موضوع:اجتهاد و تقلید

موضوع:*Ijtihad and taqlid

شناسه افزوده:حکیم، زهیر

شناسه افزوده:یزدی، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقی. شرح

رده بندی کنگره:BP183/5/ی4ع402153 1394

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:4885843

ص :1

اشارة

سندالعروةالوثقی (کتاب الاجتهاد والتقلید)

تقریرا لابحاث محمد السند

بقلم زهیربن الحاج علی الحکیم

ص :2

(مسألة 22 ) : یشترط فی المجتهد أمور :

البلوغ(1)

المسألة الثانیة والعشرون: الشروط المعتبرة فی تصدی المجتهد:

اشارة

(1) الصحیح أنها شروط فی تصدی المجتهد للفتوی لا فی أصل الاجتهاد والفقاهة وإلا فغیر المتصدی لا یشترط فیه البلوغ ولا الرجولیة ولا العدالة... فیجوز له أن یعمل برأیه...

الشرط الأول: البلوغ ، وأدلته:

الدلیل الأول: حدیث رفع القلم وما فیه:

ویستدل علیه برفع القلم عن الصبی حتی یبلغ فهو لیس بمکلف بارادة تکلیفیة تامة مع بقاء أصل التشریع إلا أن فعلیته غیر تامة وإذا لم یکلف فکیف یکون الصبی متقلدا منصبا شرعیا له مسؤلیات وهو غیر مسؤول وغیر مدان فلابد من أن یکون بالغاً لکی یصح له أن یکون مرجعاً للتقلید.

ویرد علی هذا ثبوت النبوة والامامة قرآنیا فی سن مبکر و هذا یدل علی أن الصغر لا ینافی النبوة والامامة فکیف بما هو دون ذلک کالفقاهة وأیضاً الذی یری أن مقام الفتیا أمارة وکاشف فلا فرق عنده بین البالغ وغیره بخلاف من یراه سلطة وقدرة ومنصب وزعامة ونیابة عن المعصوم (علیه السلام) .

وفیه: أن ثبوت النبوة والامامة لفرض حصول الکمال بإرادة إلهیة فی

ص:3

الصغر فیمن یصطفیه الباری تعالی لذلک بخلاف ما نحن فیه مما هو مقام غیر اصطفائی والشاهد علی ذلک أن مقام النبوة والامامة یقتضی کمالاً ورشداً فوق الکمال والرشد الحاصل بطبیعة الامتداد الزمنی فی طبیعة بقیة البشر فإنه قد یقتضی رشداً لدنّیّا وهبیاً اصطفائیاً، وقد مرّ أن مقام الفتیا مقام سلطة وقدرة کما مرَّ ولیس إماریة محضة.

وأما بحسب الأدلة العامة : کأخبار رفع القلم فإن الصبی غیر مکلف فکیف یتحمل هذه المسؤولیة، هذا علی المشهور وأما علی ما ذهبنا إلیه من کونه مخاطبا ومکلفا وفاقاً للشهید الأول وجملة من الأعلام من أنه مکلف ومخاطب بالاحکام الشرعیة وإن لم یعاقب، و هذا یستلزم قصورا فیه وفی کونه حقیقاً بهذه المناصب محل تأمل؛ إذ حدیث الرفع سواء رفع قلم التشریع أو قلم المؤاخذة فإن وجه المبنیین أی مبنی رفع قلم التشریع أو مبنی رفع المؤاخذة یمنع من صلوح أهلیة غیر البالغ لمنصب المسؤولیة .

وبهذه الأحادیث فغیر البالغ غیر مسؤول وغیر مدان فکیف یتولی وتکون له مسؤولیة علی هذه المناصب الخطیرة وقد رفع الشارع عنه المسؤولیات والتقلید من أعظم المسؤولیات فمطلقات أدلة التقلید لا تنسجم مع من لا مسؤولیة له کغیر البالغ الذی رفعت عنه المسؤولیة .

فالتمسک بالاطلاق فرع تحدید معنی المطلق حتی یتمسک به فیما

ص:4

ینسجم مع معناه ولیس الاطلاق أمر عشوائی استرسالی من دون نظر إلی المعنی الذاتی للمطلق.

وبناء علی کون الاجتهاد والمرجعیة زعامة لا تنسجم مع رفع القلم عن الصبی لعدم مسؤولیته، نعم علی مسلک أن الفتیا أمارة محضة خالیة من أی سلطة ومنصب لا یتنافی - علی هذا المسلک - مع خصوص حدیث رفع القلم ولکنه یتنافی مع غیره من الأدلة کما سیأتی... .

الدلیل الثانی : قاعدة سلب الارادة التامة عن الصبی:

اشارة

وقد استدل بأمور:

منها صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «عمد الصبی وخطأه واحد»(1). وغیره من الاخبار وقد استفاد مشهور القدماء من هذه القاعدة أن الصبی مسلوب العبارة، وقد اعترض متأخرو الاعصار علیه بعدم الدلیل علی هذه القاعدة؟ .

والصحیح أن اخبار : «عمد الصبی وخطأه واحد» و «عمد الصبی وخطأه تحمله العاقلة» تدل علی سلب العبارة فیما یصلح منه التصدی لو أعتبر! إذ کیف یتصدی وهو مسلوب العبارة! فإن مسلوب العبارة لا تقبل رویاته ولا قوله ولا شیء منه فمعنی مسلوب العبارة أنه لا ارادة تامة له

ص:5


1- (1) - وسائل الشیعة: ج29 أبواب القصاص، ب 11 ص 400 ح 2 .

بل ارادة ناقصة لا أنه لا ارادة له بالمرة خلافاً لبعض المشهور من أنه مثل البهائم بل له ارادة ناقصة ولهذا تصح تصرفاته من عقود أو ایقاعات برعایة ولیه، فهذه القاعدة مهمة.

وقد أشکل بعض الأعاظم (قدس سره) وتلامیذته علی هذه القاعدة بأن هذا تعبد خاص فی باب القتل والدیات فلا یعمم إلی غیرهما کباب التقلید.

والجواب: أن الشارع لیس فی مقام تأسیس قاعدة تحمل العاقلة دیة القتل بل هذه قاعدة مفروغ عنها فی رتبة سابقة علی حکم الدیة والقصاص فإن الخطأ - بعد تقرره - یترتب علیه تحمّل العاقلة الدیة والقاعدة الثانیة - هی تنزیل عمد الصبی وخطأه منزلة واحدة - ثابتة بأخبار متعددة . فالقاعدة الاولی لا تخص الصبی بل تعم البالغ الکبیر، وإنما الشارع بصدد إثبات القاعدة الثانیة التی تنقح موضوع القاعدة العامة المفروغ عنها وهی تحمل العاقلة الفعل الخطئی، فإن الامور الخطئیة تتحملها العاقلة فعندنا قاعدتان الاولی تحمل العاقلة الفعل الخطئی.

قاعدة عمد الصبی خطأ:

بصدد اثبات أن أفعال الصبی العمدیة خطؤ تعبدأً وهذه القاعدة لا دخل لها بالقتل ولا بغیره بل القتل من مصادیقها؛ ولهذا الشارع لم یعبر بالقتل بل عبر بالعمد وهو أعم ومورد القتل تطبیق لهذه القاعدة فعندنا

ص:6

قاعدتان الأولی أن عمد الصبی خطأ والقاعدة الثانیة مباینة للأولی وهی تحمل العاقلة للدیة فی الأفعال الخطئیة المستفادة من أخبار کثیرة أخری والشارع المقدس لیس فی مقام التعبد بتشریع قاعدة تحمل العاقلة بل بصدد بیان و جعل أن عمد الصبی خطأ ولا علاقة له بخصوصیة القتل أو بغیره فالخطأ صفة للأرادة بالذات فإن الارادة هی التی تخطأ أو تتعمد فهذه صفات للإرادة. نعم هی صفة للفعل بالتبع.

فاخبار «عمد الصبی خطأ» أی إرادته ناقصة فتطبیقه علی مورد قتل الصبی لکونه فعل خطأ تعبداً وإذا کان فعلا خطئیا فتتحمله العاقلة.

ولهذا لا تشمل هذه القاعدة الاثار المترتبة علی طبیعة مطلق الفعل غیر المقید بالعمد ولا المقید بصفة الخطئیة ، مثل ضمان الاتلاف فإنه

مترتب علی نفس مطلق الفعل لا بصفة العمد ولا بصفة الخطأ.

الدلیل الثالث: قوله تعالی: (وَ ابْتَلُوا الْیَتامی )

قوله تعالی: (وَ ابْتَلُوا الْیَتامی حَتّی إِذا بَلَغُوا النِّکاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَیْهِمْ أَمْوالَهُمْ ) .

ولیس هذا العموم خاصا بالیتامی بل مطلق الصغیر فإنه لا یدفع إلیه المال لیتصرف فیه إلا بعد أن یبلغ رشده ، فتدل علی أن معاملاته الخاصة غیر نافذة فإذا کانت معاملاته الفردیة غیر معتبرة وغیر نافذة فکیف بما هو أخطر وإذا کان محجورا فی معاملاته الفردیة فکیف لا

ص:7

والعقل(1)..........................................................................................

یکون محجورا فی الأموال العامة الحظیرة للامة .

وکل ما استدل به من روایات وآیات - مذکورة فی محلها علی حجر الصبی فی معاملاته وایقاعاته وعدم استقلاله فی أقواله وتصرفاته - یدل علی ما نحن فیه بطریق أولی فإذا کان محجوراً وممنوعاً فی الاموال الخاصة فکیف بالمال العام فتدل علی الحجر والمنع فی الثانی بالأولویة القطعیة.

إلا أن هذا لا یعنی أنه مسلوب العبارة بل له ارادة إلا أنها إرادة ناقصة یمکن أن تتمم بالتوکیل مثلاً کما لو وکل فقط فی انشاء العقود أو الایقاعات فهذه الارادة تتمم من البالغ، و هذا البحث أیضا یجری فی القاضی إذ القضاء أحد شؤون المرجعیة والفقاهة.

الشرط الثانی: العقل ، وأدلته:

اشارة

(1) الشرط الثانی العقل ، واستدل علیه بأمور :

1- حدیث الرفع:

والمجنون ممن رفع القلم عنه .

2- أدلة الفقاهة:

فإنها تدل علی اعتبار العقل فإذا زال عقله لا یقال له فقیه ولا یقال: الکلام أنه لو استدل واستنبط المجنون قبل طرو الجنون وفرغ ثم عرض

ص:8

علیه الجنون فهل یجوز الرجوع له نظیر باب الرجوع إلی المیت فإنه یقال: قد تقدم أن الفتیا نوع تولیة وسلطة ومنصب إلهی لا یصح أن یناله المجنون إذ لا ولایة له بل لغیره الولایة علیه.

والمجنون الأدواری المستمر لا یبعد الحاقه بالمجنون المستمر إذ لا أهلیة له و للتأمل عقلائیا وعقلیا فی شمول الأدلة له بناءا علی أن المرجعیة زعامة وولایة کما هو الصحیح فإنها إنما تشمل الشخص الذی له الارضیة والقابلیة والأهلیة المستفادة منالأدلة للقیام بشؤون الولایة وتحمل مسؤولیتها.

3- الرشد والکفاءة فی المرجعیة:

فإذا کان الرشد شرطا فی نفوذ واستحقاق التصرفات الفردیة فی أقواله وأفعاله، فما بالک بشرطیة العقل عند العقلاء ولا سیما فی هذه المناصب الخطیرة التی ترجع إلی التصرفات العامة والأموال والاعراض والدماء وبهذا یتبین اشتراط الرشد أیضا بل یمکن أن یستدل علی اعتبار الرشد بصحیحة عهد أمیر المؤمنین (علیه السلام) لمالک الاشتر (قدس سره) : قوله (علیه السلام) «اختر للحکم بین الناس أفضل رعیّتک فی نفسک... » ، والأفضل هو صاحب الکفائة والرشد ولا یخفی أن الرشد فی وظیفة المرجعیة وسدة الفتیا أکبر من الرشد فی السلوک الفردی فإنه فی السلوک والفعل الاجتماعی والجماعی.

ص:9

4- أدلة القضاء:

والقضا شعبة من شعب المرجعیة والفتیا والبعض یفکک بین الفتیا والقضاء فیبنی أن علی الفتیا إخبار محض ، والقضاء منصب، والحال أن فی لسان الشارع والادلة الدالة علی نصب الفقیه أنهما منصب واحد له صلاحیات متعددة، والکثیر یهون من خطب الفتیا فینظر إلیها کمجرد إخبار محض بخلاف القضاء.

و هذا مسامحة فی التدبر وإعمال النظر أو غفلة ... إذ الواقع عکس ذلک فإن مقام الفتیا أشد خطورة من مقام القضاء المختص بالنزاعات لا سما الفردیة؛ و ذلک لما تقدم مجملاً ونذکره هنا بشیء من التفصیل :

وهو أن الفتیا باعتبار أنها منصب تشریعی بمعنی ابراز التشریع وبیانه ونطقه الرسمی وبصلاحیة من الشرع للفقیه کمنصب یکون الناطق الرسمی وصلاحیة النطق النیابی عنه تکون له سلطة تشریعیة والسلطة التشریعیة تهیمن علی السلطة القضائیة لا أنها دونها و ذلک لأنه بفتوی المفتی تتحدد صلاحیات القاضی والقضاء وتتحدد طبیعة النظام القضائی وموازینه بل علی فقهائهم محاکمة القضاة فکیف تکون الفتوی أهون من القضاء فإن الفتوی سلطة تشرعیة ولو بمعنی النطق الرسمی وهی ترسم کل أنظمة الدولة أو نظام الاجتماع التی منها نظام القضاء فخطب الفتیا أخطر من القضاء لکون حجیة الفتوی شاملة لحجیة القضاء وبغیر الفتیا لا

ص:10

یقرر للقضاء قرار فلا مباینة بین القضاء والفتیا.

ولتوضیح هذا المطلب بمثال وهو أن المحکمة الدرستویة - وهی محکمة قضائیة ، والتی تسمی فی بعض الدول بالمحکمة الدستوریة ، وهی أعلی المناصب القضائیة - یهیمن علیها القانون التشریعی فالتشریع یحکم علیها فضلا عن محکمة القضاة التی یحاکم فیها القضاة فإنها أیضا تنظم وتدار بالتقنین والقانون والتشریع فالسلطة التشریعة لها هیمنة واشراف تشریعی وحججی علی کل ناظم القضاء وعلیه فسلطنة القضاء دون حجیة الفتیا.

ومن ثم تکون دعوی عدم ارتباط الأدلة الواردة فی القضاء بالفتیا محل تأمل إذا لم ترجع تلک الأدلة إلی خصوصیات موازین التطبیق فی القضاء کما فی قوله (صلی الله علیه و آله) : «إنما أقضی بینکم بالبینات» ، فإنه خاص بآلیات تحدید موضوع القضاء لا بالفتیا .

وأما إذا کانت تلک الأدلة ترجع إلی الجهة الاستنباطیة العامة فهو أمر مشترک بین القضاء والفتیا کقوله (علیه السلام) فی صحیحة الاشتر (قدس سره) قوله (علیه السلام) : «اختر للحکم بین الناس أفضل رعیّتک فی نفسک ممّن لا تضیق به الأمور - إلی أن قال - أوقفهم فی الشبهات ، وآخذهم بالحجج ، وأقلهم تبرّماً بمراجعة الخصم ، وأصبرهم علی تکشّف الأمور ، وأصرمهم عند اتّضاح الحکم » ، یدل علی اعتبار الرشد فی حکم الفتیا

ص:11

أیضاً لعدم اختصاصه بالقضاء، فالرشد والکفاءة لیس لجهة خاصة بالقضاء بل للمنصب الالهی ، وبهذا یزاد فی اعتبار شروط التقلید الکفاءة والرشد فالفتیا لیست مجرد إخبار بل هی منصب وزعامة إلهیة وتربیة للامة واقامة لأغراض الشرع وملاکاته.

5- الساسیة التربویة فی الفتیا:

فلیس الفتوی صرف إخبار ولذلک تجد کثیرا من آکابر الفقهاء قد یتوصل فی حکم مسألة إلی الجواز بحسب الادلة ومع ذلک لا یفتی به و ذلک لعلمه بأن إعلام عامة الناس بالجواز یوجب تعدیهم من الحلال إلی الحرام و هذا ما یسمی بالسیاسة القانونیة وهی أن یکون المقنن عنده سیاسة تدبیر وتربیة فی کیفیة النطق بالقانون وبأی صیغة یصاغ القانون وقد ورد فیالروایات الاشارة إلی ذلک مثل قوله (صلی الله علیه و آله) : «أن العالم من لا یطمع الناس فی معاصی» بأن لا یقربهم من المعاصی أو یزینها لهم . فقد ورد عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال: «ألا أنبئکم بالعالم کل العالم من لم یزین لعباد الله معاصی الله ولم یؤمنهم مکره ولم یؤیسهممن روحه»(1).

ص:12


1- (1) - مستدرک نهج البلاغة : ص 169 ، عن العقد الفرید (لابن عبد ربّه) : ج ص .

وفی محسنة اسماعیل بن مهران، عن أبی سعید القماط، عن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «ألا أخبرکم بالفقیه حق الفقیه؟ من لم یقنط الناس من رحمة الله ، ولم یؤمنهم من عذاب الله ، ولم یرخص لهم فی معاصی الله ، ولم یترک القرآن رغبة عنه إلی غیره ، ألا لا خیر فی علم لیس فیه تفهم ، ألا لا خیر فی قراءة لیس فیها تدبر ، ألا لا خیر فی عبادة لیس فیها تفکر» . وفی روایة أخری: «ألا لا خیر فی علم لیس فیه تفهم ، ألا لا خیر فی قراءة لیس فیها تدبر ، ألا لا خیر فی عبادة لا فقه فیها ، ألا لا خیر فی نسک لا ورع فیه»(1).

وعن علی بن جعفر ، عن آبائه، عن علی بن أبی طالب (علیه السلام) عن النبی (صلی الله علیه و آله) أنه قال : «الا أخبرکم بالفقیه کل الفقیه قالوا بلی یا رسول الله ، قال : من لم یقنط الناس عن رحمة الله ومن لم یؤمنهم مکر الله ومن لم یرخص لهم فی معاصی الله ومن لم یدع القرآن رغبة إلی غیره لأنه لا خیر فی علم لا تفهم فیه ولا عبادة لا تفقه فیها ولا قراءة لا تدبر....» الخبر(2).

ص:13


1- (1) - الکافی: ج 1 کتاب فضل العلم، باب صفة العلماء، ص 36 ح 3 .
2- (2) - مستدرک الوسائل: ج 4 أبواب قراءة القرآن ولو فی غیر الصلاة، ب 3 ص 241 ح 9 .

فإن دور الفتیا ومسؤولیتها لیس صرف إخبار بل هی تربیة الناس علی الطاعة والبعد عن المعصیة ولهذا تری لسان الائمة (علیهم السلام) وبیاناتهم للأحکام لیس بلسان وبیان أنه حرام أو مکروه فقط بل بلسان تربوی وباعث أو رادع ، فتراه لما یبین حکم صلة الرحم - مثلا - والتی هی من الواجبات - یبینها بلسان یقرب منها ویبعد عن ترکها فلسان الاخبار فی بیان الأحکام الشرعیة لسان تربوی یقرب الناس إلی الطاعة ویبعدهم عن المعصیة بل حتی المکروهات، وأما المتن الفقهی الجاف کمتن قانونی تجریدی فهو بیان یختلف عن بیانات أهل العصمة (علیهم السلام) الذی یحتوی علی طراوة ونداوة .

فانظر - مثلا - إلی حکم صوم شهر رجب ، ففی جملة من المتون أنه مستحب أو من المستحبات بلسان تجریدی قانونی ، وانظر إلی بیانه فی لسان قول أبی الحسن موسی بن جعفر (علیه السلام) : «رجب نهر فی الجنة أشد بیاضا من اللبن ، وأحلی من العسل ، فمن صام یوما من رجب سقاه الله من ذلک النهر»(1).

وفی خبر آخر عنه (علیه السلام) قال : «رجب شهر عظیم یضاعف الله فیه الحسنات ، ویمحو فیه السیئات ، ومن صام یوما من رجب تباعدت

ص:14


1- (1) - وسائل الشیعة: ج10 أبواب الصوم المندوب، ب 26 ص 472 - 473 ح 3 .

عنه النار مسیرة سنة ، ومن صام ثلاثة أیام وجبت له الجنة»(1).

وکان بامکانه أن یقول: (صوم یوم من رجب مستحب ومندوب) ، إلا أنه یعبّر بصیاغة قانونیة تربویة تقرّب الناس من الطاعة وتبعدهم عن

المعصیة و هذا فی الحقیقة هو أصل هدف القانون وهو سلوک الناس الصراط المستقیم . واللازم مراعاة ذلک فی اسلوب التبلیغ فی بیان الأحکام الشرعیة فمثلا کون الفعل عندما یقترن غالباً بمحرم فلا یصح بیان الحکم بأن یقول: (یجوز إذا لم یؤدٍ إلی الحرام) مع أن طبعه یودی إلی الحرام نظیر المسائل المتعلقة بالجنس والاثارات الجنسیة والریبة .

فالمفروض فی أسلوب بیان حکمها أن یقال: (إنه شبهة أو فتنة) ، ویبین مضارها ومساوئها ؛ لکونه فی أغلب الموارد مرتبط بالحرام أو یوؤدی إلی الحرام فتشخیص الصغری یحتاج إلی صیاغة تربویة وهو ما یحتاج إلی مهارة واحاطة بالظروف الخاصة والنباهة لما یحوم بالفتاوی من الخصوصیات التی قد یکون ذکر الفتوی بصیاغتها الأولیة تضییعا للغرض وهو دفع الناس عن المفاسد وجلبهم للمصالح ، ولهذا جاء فی الخبر عن المفضل عن أبی عبد الله الصادق (علیه السلام) : «العالم بزمانه لا تهجم علیه اللوابس»(2). وعلیه فلابد من الرشد والکفائة والحداقة... .

ص:15


1- (1) - المصدر نفسه، ص 473 ح 4 .
2- (2) - الکافی: ج 1 باب العقل والجهل، ص 27 ح 29 .

والإیمان(1)، .....................................................................................

فمع التسلیم باشتراطها فی الامور الشخصیة الفردیة فبالأولویة القطعیة تشترط فی الامور العامة کالفتیا فإنها مسؤولیة عامة ورئاسة فی الدین فکیف لا یشترط فیها الرشد والکفائة.

ویمکن أیضا التمسک باطلاق قوله تعالی:(وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَکُمُ ) فإنها تشمل حتی الحقوق وغیرها من الأموال العامة وما هو أخطر منها کالدماء فالآیة شاملة للأموال الفردیة والعامة. والرشد هو بحسب موقعیة المجتهد فی تدبیره بحیث یکون له اطلاع ومراس وبصیرة بما هو نافع بهذا المنصب وما هو مضر فهو رشد لا بحسب الامور الشخصیة الفردیة بل فیما هو من وظائف منصبه وغیرها وهو یرجع إلی الکفاءة. وهناک أدلة غیر ما تقدم علی اعتبار الرشد والکفاءة.

الشرط الثالث: الایمان وأدلته:

اشارة

(1) الشرط الثالث: الایمان:

الدلیل الاول: الاخبار الواردة فی نصب الفقیه:

1- منها: ما ورد وفیه «انظروا إلی رجل منکم» کما فی معتبرة أبی خدیجة(1) وکمصححة عمر بن حنظلة: «ینظران من کان منکم»(2)، ومن

ص:16


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 1 ص 13 ح 5 .
2- (2) - المصدر نفسه، ب 11 ص 248 ح 36 .

الواضح أن «منکم» تعنی من المؤمنین ابتاع أهل البیت (علیهم السلام) .

وأیضا مکاتبة علی بن سوید - والظاهر أنها معتبرة؛ لإمکان استحسان حال محمد بن اسماعیل الرازی وعلی بن حبیب المداینی - قال : کتب إلی أبو الحسن (علیه السلام) وهو فی السجن : «و أما ما ذکرت یا علی ممن تأخذ معالم دینک ، لا تأخذن معالم دینک عن غیر شیعتنا ، فإنک إن تعدیتهم أخذت دینک عن الخائنین ، الذین خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم ، إنهم ائتمنوا علی کتاب الله ، فحرفوه وبدلوه فعلیهم لعنة الله ولعنة رسوله ولعنة ملائکة، ولعنة آبائی الکرام البررة ولعنتی ولعنة شیعتی إلی یوم القیامة... » الحدیث(1).

وواضح أنها خاصة بأخذ الاحکام عن خصوص المؤمنین.

2- منها: روایة أحمد بن حاتم بن ماهویه: قال: کتبت إلیه - یعنی أبا الحسن الثالث (علیه السلام) - أسأله عمن آخذ معالم دینی؟ وکتب أخوه أیضا بذلک، فکتب إلیهما: «فهمت ما ذکرتما، فاصمدا فی دینکما علی کل مسن فی حبنا ، وکل کثیر القدم فی أمرنا ، فإنهما کافوکما إن شاء الله تعالی»(2).

ص:17


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 11 ص 150 ح 42 .
2- (2) - المصدر نفسه، ص 151 ح 45 .

3- منها: معتبرة محمد بن صالح قال: کتبت إلی صاحب الزمان (علیه السلام) : إن أهل بیتی یقرعونی بالحدیث الذی روی عن آبائک (علیهم السلام) أنهم قالوا: «خدامنا وقوامنا شرار خلق الله» ، فکتب : «ویحکم ما تقرؤون ما قال الله تعالی: (وَ جَعَلْنا بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ الْقُرَی الَّتِی بارَکْنا فِیها قُریً ظاهِرَةً ) فنحن - و الله - القری التی بارک فیها ، وأنتم القری الظاهرة»(1).

فبین الائمة (علیهم السلام) وعموم الناس القری الظاهرة وهم علماء الشیعة.

4- ومنها: مرسلة الطبرسی عن أبی حمزة ، عن أبی جعفر (علیه السلام) فی حدیث أنه قال للحسن البصری: «نحن القری التی بارک الله فیها، و ذلک قول الله عز وجل ، لمن أقر بفضلنا حیث أمرهم الله أن یأتونا فقال: (وَ جَعَلْنا بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ الْقُرَی الَّتِی بارَکْنا فِیها قُریً ظاهِرَةً ) والقری الظاهرة الرسل والنقلة عنا إلی شیعتنا و [فقهاء] شیعتنا إلی شیعتنا وقوله: (وَ قَدَّرْنا فِیهَا السَّیْرَ) فالسیر مثل للعلم یسیر به لیالی وأیاما مثلا لما یسیر به من العلم فی اللیالی والأیام عنا إلیهم فی الحلال والحرام والفرائض، آمنین فیها إذا أخذوا عن معدنها الذی أمروا أن یأخذوا عنه ، آمنین من الشک والضلال والنقلة إلی الحرام من الحلال

ص:18


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 11 ص 151 ح 46 .

،فهم أخذوا العلم عمن وجب لهم بأخذهم عنهم المغفرة لأنهم أهل میراث العلم من آدم إلی حیث انتهوا ذریة مصفاة بعضها من بعض ، فلم ینته الاصطفاء إلیکم بل إلینا انتهی ، ونحن تلک الذریة ، لا أنت وأشباهک یا حسن»(1).

وأیضا الباب الاول من أبواب صفات القاضی وهو باب مستفیضیة أخباره کلها علی اعتبار الایمان وخصوصا خبر أبی خدیجة.

فکون المراد من حکام الجور غیر شیعتهم أمرا واضح الدلالة لا سترة تعتریه من الاخبار المستفیضة وأیضا المراد من أهل الایمان کذلک واضح الدالالة.

5- ومنها: صحیح عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال :«أیما مؤمن قدم مؤمنا فی خصومة إلی قاض أو سلطان جائر فقضی علیه بغیر حکم الله فقد شرکه فی الاثم»(2).

6- ومنها: صحیحة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال فی رجل کان بینه وبین أخ له مماراة فی حق فدعاه إلی رجل من إخوانه لیحکم بینه وبینه فأبی إلا أن یرافعه إلی هؤلاء : «کان بمنزلة الذین قال الله عز

ص:19


1- (1) - وسائل الشیعة: 27 أبواب صفات القاضی، ب 11 ص 152 ح 47 .
2- (2) - المصدر نفسه، ب 1 ص 11 ح 1 .

وجل : (أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَیْکَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِکَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاکَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ یَکْفُرُوا بِهِ )» (1).

7- منها محسنة أبی بصیر قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : قول الله (عز وجل) فی کتابه : (وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَی الْحُکّامِ ) ؟ فقال: «یا با بصیر ، إن الله (عز وجل) قد علم أن فی الأمة حکاما یجورون أما أنه لم یعن حکام أهل العدل ولکنه عنی حکام أهل الجور ، یا با محمد انه لو کان لک علی رجل حق فدعوته إلی حکام أهل العدل فأبی علیک إلا أن یرافعک إلی حکام أهل الجور لیقضوا له لکان ممن حاکم إلی الطاغوت وهو قول الله (عز وجل) : (أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَیْکَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِکَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاکَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ ) »(2).

8- ومنها: صحیحة عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجلین من أصحابنا بینهما منازعة فی دین أو میراث فتحاکما إلی السلطان أو إلی القضاة أیحل ذلک ؟ فقال : «من تحاکم إلیهم فی حق أو

ص:20


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 1 ص 12 ح 2 .
2- (2) - المصدر نفسه، ص 11 ح 3 .

باطل فإنما تحاکم إلی طاغوت وما یحکم له فإنما یأخذ سحتا وإن کان حقه ثابتا ، لأنه أخذه بحکم الطاغوت وقد أمر الله أن یکفر به قال الله تعالی : (یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاکَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ یَکْفُرُوا بِهِ ) (1) » الحدیث(2).

9- معتبرة أبی خدیجة قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) : «إیاکم أن یحاکم بعضکم بعضا إلی أهل الجور ولکن انظروا إلی رجل منکم یعلم شیئا من قضایانا فاجعلوه بینکم فأنی قد جعلته قاضیا فتحاکموا إلیه»(3).

10- ومنها مرسل محمد بن مسلم وهی کالمعتبرة قال : مر بی أبو جعفر (علیه السلام) أو أبو عبد الله (علیه السلام) و أنا جالس عند قاض بالمدینة ، فدخلت علیه من الغد فقال لی : «ما مجلس رأیتک فیه أمس ؟ » قال : فقلت : جعلت فداک، إن هذا القاضی لی مکرم فربما جلست إلیه . فقال لی : «و ما یؤمنک أن تنزل اللعنة فتعم من فی المجلس»(4).

ص:21


1- (1) - سورة النساء ، الآیة 60 .
2- (2) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 1 ص 13 ح 4 .
3- (3) - المصدر نفسه، ص 13 ح 5 .
4- (4) - المصدر نفسه، ص 15 ح 10 .

11- منها صحیحة الحلبی قال : قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : ربما کان بین الرجلین من أصحابنا المنازعة فی الشیء فیتراضیان برجل منا ، فقال : «لیس هو ذاک إنما هو الذی یجبر الناس علی حکمه بالسیف والسوط»(1).

فهذه الاخبار المستفیضة تبین أن المراد من (أهل الجور) الذین هم فی قبال أهل العدل هم غیر المؤمنین کما هو صریح بعضها وظاهر البعض الآخر.

والغریب من بعض الأعلام اشکاله علی دلالة هذه الروایات بحمل أهل العدل علی من یحکم بمیزانه وإن کان من المخالفین وأهل الضلالة! وهو مخالف لظاهر الأدلة إذ العدل فیها لیست صفة للحکم بل هو صفة لنفس الشخص الحاکم أی حکم من کان من أهل وأصحاب العدل وهم أهل الایمان.

ولهذا یقول الفقهاء من أخذ حقه من أهل الجور وإن کان حقا فهو سحت مع أن أخذه بالعدل إلا أنه لا یکفی فی حلیة الأخذ کونه بمیزان العدل فقط بل لابد أن یکون أخذ المال بتوسط أصحاب العدل والایمان إلا ما استثنی من انحصار الطریق فی استخلاصه عن طریقهم.

ص:22


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 1 ص 15 ح 8 .

فالاخبار دالة بوضوح علی أن المراد من أهل العدل لیس من حکم بالعدل بل أهل القول بالعدل وأهل الجور هم أهل القول بالجور.

إشکال آخر:

وحاصله: أن هذه روایات مختصة بباب القضاء فما ربطها بباب المفتی والجواب قد اسلفناها مرارا من جهة أن الشرائط المأخوذة فی القاضی ولا سیما من جهة فقاهته وعلمیته وغیرها هی مأخوذة أیضا فی المفتی فإن هذه الخصوصیات لا ترجع إلی خصوصیة قضائیة حتی تلغی فی الجهة الفتوائیة إذ القضاء فتوی وزیادة فالقاضی مفتی.

الدلیل الثانی الأولویة القطعیة :

اشارة

وهو دلیل الأولولیة القطعیة و ذلک لأن الشاهد فی القضاء یشترط فیه الایمان والعدالة وکذا امام الجماعة یشترط فیه الایمان والعدالة وهما منصبان یسیران فی الشرع ومع ذلک یشترط فیهما العدالة... فکیف بما هو أعظم منها منصبا وخطرا کمقام النیابة الالهیة حیث یتولی الفقیه النائب عن المعصوم فی العلم والعمل فهی أولی بأخذ العدالة فیها قطعا.

وأیضاً أن المرجعیة زعامة ومنصب ولیست مجرد إخبار وواضح أنها لا تعطی لغیر المؤمن إذ العقل یقضی بخطورتها ولزوم الحیطة فیها.

وقد اشکل علی ذلک بأن الفتوی اخبار محض مثل خبر الثقة فإن المخبر غیر مؤمن ومع ذلک قبلت روایاته فی الحکم فی الشبهة الحکمیة

ص:23

فما الفرق بینه وبین الاخبار فی الفتوی بل لعل قبول الخبر أعظم خطورة لأنه مصدر الاستنباط لاحکام کثیرة فالفتیا والروایة من باب واحد لکونهما طریق للحکم والعمدة فیه أنه من باب الوثاقة وأما الادلة اللفظیة فهی قاصرة.

والجواب أن هذا تقریب واهی و ذلک لأن الفتوی لیست اخباراً محضاً کالروایة بل هی منصب وزعامة وولایة وقیادة فهی لیست کالروایة.

ومع قطع النظر عن هذا الوجه فإن الاخبار والأدلة المتقدمة لیست بقاصرة بل تامة: مثل " انظروا إلی رجل منکم" وغیر ذلک ... وأما مسألة اختصاصها بالقضاء فقد ذکرنا جوابه.

وأیضا أن روایة الثقة وإن کانت حجة إلا أنها عند المجتهد البصیر الذی یطابق بین مضمون هذه الموثقة والاحکام الأخری و هذا بخلاف عامة الناس والمؤمنین الذین لایمکنهم أن یمیزوا مضمون الفتیا وعلی أی حال فمقایسة الفتوی بالروایة فی غیر محلها لأن الروایة محل ابتلاء المجتهد دون المقلد فکیف یؤمن علی عموم المؤمنین من فقهاء العامة فإنهم یخرجونهم من النور إلی الظلمات.

وأما الاخبار الدالة علی أختصاص التنصیب والزعامة بفقهاء المؤمنین - زیادة علی ما تقدم - فکثیرة :

ص:24

1- منها: صحیحة اسحاق بن یعقوب قال : سألت محمد بن عثمان العمری أن یوصل لی کتابا قد سألت فیه عن مسائل أشکلت علی ، فورد التوقیع بخط مولانا صاحب الزمان (علیه السلام) : «أمّا ما سألت عنه أرشدک الله وثبتک - إلی أن قال - وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلی رواة حدیثنا ، فإنهم حجتی علیکم و أنا حجة الله...»(1).

2- ومنها: مرسلة الطبرسی عن أبی محمد العسکری (علیه السلام) فی قوله تعالی :« (فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ یَکْتُبُونَ الْکِتابَ بِأَیْدِیهِمْ ثُمَّ یَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللّهِ ) (2) قال : هذه لقوم من الیهود - إلی أن قال - وقال رجل للصادق (علیه السلام) : إذا کان هؤلاء العوام من الیهود لا یعرفون الکتاب إلا بما یسمعونه من علمائهم ، فکیف ذمهم بتقلیدهم والقبول من علمائهم؟ و هل عوام الیهود إلا کعوامنا یقلدون علماءهم ؟ - إلی أن قال - فقال (علیه السلام) : بین عوامنا وعوام الیهود فرق من جهة وتسویة من جهة ، أما من حیث الاستواء فان الله ذم عوامنا بتقلیدهم علماءهم کما ذم عوامهم ، وأما من حیث افترقوا فإن عوام الیهود کانوا قد عرفوا علماءهم بالکذب الصراح وأکل الحرام والرشاء وتغییر الأحکام

ص:25


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 11 ص 140 ح 9 .
2- (2) - سورة البقرة ، الآیة 79 .

واضطروا بقلوبهم إلی أن من فعل ذلک فهو فاسق لا یجوز أن یصدق علی الله ولا علی الوسائط بین الخلق وبین الله فلذلک ذمهم ، وکذلک عوامنا إذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر والعصبیة الشدیدة والتکالب علی الدنیا وحرامها ، فمن قلد مثل هؤلاء فهو مثل الیهود الذین ذمهم الله بالتقلید لفسقة علمائهم ، فأما من کان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدینه مخالفا علی هواه ، مطیعا لأمر مولاه ، فللعوام أن یقلدوه ، و ذلک لا یکون إلا بعض فقهاء الشیعة لا کلهم ، فان من رکب من القبایح والفواحش مراکب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شیئا ولا کرامة ، وإنما کثر التخلیط فیما یتحمل عنا أهل البیت لذلک ، لأن الفسقة یتحملون عنا فیحرفونه بأسره لجهلهم ویضعون الأشیاء علی غیر وجهها لقلة معرفتهم ، و آخرون یتعمدون الکذب علینا...» الحدیث(1).

مقدار اعتبار تفسیر الامام العسکری (علیه السلام) :

و هذا الخبر من التفسیر المنسوب للامام العسکری (علیه السلام) ، وهو معتبر لدینا ؛ لأن الصدوق (قدس سره) یرویه عن المفسر محمد بن القاسم الاسترآبادی الذی یترضی علیه الصدوق (قدس سره) وقال عنه: خطیب من خطباء الأمامیة

ص:26


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 10 ص 130 ح 20 .

فی الاسترآباد وفاضل.. ، ومدحه بالوجاهة وترضی علیه ، وقد اعتمده فی روایة تفسیر العسکری - واعتمده فحول المتأخرین فی الحدیث کالمجلسی والفیض الکاشانی والحر العاملی والسید هاشم البحرانی - وهو یروی أیضاً عن الراویین الابنین التلمیذین للامام العسکری (علیه السلام) یوسف بن محمد بن زیاد وعلی بن محمد بن سیار .

والصدوق (قدس سره) ملأ کتبه من هذا التفسیر مثل الفقیه وعیون أخبار الرضا فکل کتبه نقل فیها من هذا التفسیر، نعم من یعتبر أن التوثیق والتضعیف صلاحیة حصریة فی النجاشی فلا یعتبره إلا أن اعتماد الصدوق مقدم علی ما یذکره النجاشی (قدس سره) و ذلک لکون الصدوق (قدس سره) عارف بالمصادر وناقد للأخبار ومتتبع لأحوال الرجال والمصادر، فأین النجاشی (قدس سره) من الصدوق (قدس سره) .

وقد ذکر صاحب القاموس (قدس سره) طعوناً کثیرة علی التفسیر، أجبنا عنها کلها بتفصیل فی کتاب الرجال .

فالصحیح هو الاعتماد علی هذا التفسیر ، غایة الأمر أن الاعتماد علیه حاله حال بقیة الکتب المعتمدة الروائیة إذ قد یبتلی بمعارض واجمال أو ختلاف النسخ وغیرها وهو یحتوی علی مضامین من الاحکام والمعارف العظیمة التی لا توجد فی غیره من المصادر.

3- ومنها : غیرها من الأخبار أیضاً ، فقوله (علیه السلام) : «جعلته علیکم» .

ص:27

والعدالة(1).....................................................................................................

وقوله:«الراد علیه کالراد علی رسول الله (صلی الله علیه و آله) » . وقوله: (وَ جَعَلْنا بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ الْقُرَی الَّتِی بارَکْنا فِیها قُریً ظاهِرَةً ) (1) دالة علی المنصب والنیابة.

الشرط الرابع: اعبتار العدالة:

اشارة

(1) الشرط الرابع: العدالة، وأدلته:

وهی جملة من الأخبار المعتبرة ، کقوله (علیه السلام) : «المأمون علی الدین والدنیا»(2)، وأیضا روایة العسکری (علیه السلام) : «مخالفاً لهواه مطیعا لأمر مولاه»(3)، فإنها تدل بوضوح علی اعتبار العدالة بل قیل أنها تدل علی ما یزید علیها . وأیضا یمکن أن یستدل بما فی التوقیع المبارک: «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلی رواة حدیثنا، فإنهم حجتی علیکم و أنا حجة الله»(4)، فإن مقام الحجیة لا یتصف به فاسق وأیضا بالأولیة القطعیة علی اعتبارها فی الامور الیسیرة کصلاة الجماعة فمن باب أولی أعتبارها فی النیابة عن المعصوم (علیه السلام) ومن الواضحات بمکان تناسب مقام الحجیة وأتساقه مع مقام العادلة...

ص:28


1- (1) - سورة سبأ، الآیة 18 .
2- (2) وسائل الشیعة: ج27 أبواب صفات القاضی، ب 11 ص 246 ح 27 .
3- (3) - المصدر نفسه، ص 131ح 20 .
4- (4) - المصدر نفسه، ص 240 ح 9 .

وأیضا مصححة عمر بن حنظلة: «الحکم ما حکم به أعدلهما...»(1)، تدل علی المفروغیة من اعتبار العدالة إلا أنه فی الترجیح یأخذ بمن تزید درجة عدالته.

وأما الاشکال علی اختصاصها بالقضاء وهو لا یعم الفتوی والافتاء فالجواب هو الجواب المتقدم وهو أن القضاء متقوم بالفتیا والاستنباط فما أخذ فی القضاء إن کان یتناسب مع خصوصیات میزان القضاء فهو خاص به وأما ما کان مرتبطا بأصل استنباط الحکم الکلی کحیثیة الفقاهة والاستنباط فی القاضی فهو عام للفقیه والقاضی.

وهناک روایات مستفیضة أخری ، حیث سُئل (علیه السلام) إلی من یرجع قال : (إلی حاکم أهل العدل) وهو فی قبال أهل الجور، وقد مر بنا سابقاً(2) أن المراد من أهل العدل هم أهل القول بالعدل ، و هذا یتناسب مع وصفه بأهل القول بالعدل وأهل العمل به فی قبال أهل الجور فی القول والعمل به، وأیضا مثل ما جاء فی صحیح عهد أمیر المؤمنین (علیه السلام) لمالک الأشتر (رحمه الله) : «أختر للحکم بین الناس أفضل رعیتک»(3)، وواضح أنه یشمل العدالة وغیرها .

ص:29


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 9 ص 106 - 107 ح 1 .
2- (2) - ما تقدم فی اخبار شرطیة الایمان.
3- (3) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 8 ص 224 ح 9 .

ولو یتصفح الباحث الباب التاسع والباب العاشر والحادی عشر یجد أخبارا کثیرة علی اعتبار العدالة وما ذکرناه فیه الکفایة .

ملاحظة ودفعها:

وقد أشکل علی أن المراد بالعدالة هی الوثاقة لا العدالة المصطلحة باعتبار ان الفتیا اخبار کما فی الروای فغایة ما یشترط الوثاقة اللسانیة لا الوثاقة فی الدین والعمل المعبر عنها بالعدالة، و مما یؤید ذلک وجود اخبار أخذت لفظ الوثاقة بدل العدالة....

والجواب عن هذ الاشکال: هو أنه کما مر أن الفتیا منصب وزعامة ولیست اخبار محض بل هی ولایة نیابیة وقدرة وسلطة فالوثاقة فی هذا المنصب هی الأمانة العامة والوثاقة بالقیام بالمسؤولیات الدینیة والدنیویة علی الوجه المطلوب شرعا وظاهر أنها لیست بوثاقة فی اللسان فحسب بل هی وثاقة فی کل المسؤولیات وهی عبارة أخری عن العدالة ، ولذلک ورد فی ما تقدم من الاخبار فی حق زکریاء ابن آدم فقال (علیه السلام) : «المأمون علی الدین والدنیا» ، وکل ذلک لأنه زعامة لیست فی مجرد استنباط الاحکام بل مرتبط بالامور المعاشیة باشراف التشریع الدینی فی نظم أمور المعاش ولذلک لم یقتصر علی کونه (مأموناً علی الدین) فقط بل قال (علیه السلام) : «علی الدین والدنیا» .

ص:30

فالصحیح لهذه المناصب عدم الاکتفاء بصرف الوثاقة اللسانیة .

و هذا بخلاف الراوی فإنه لیس له منصب حتی یؤخذ منه الدین کله بل یؤخذ منه الخبر فی مسألة وفرع من الفروع وأما أن یؤخذ منه باب کامل قد تفرد به فلا؛ و ذلک لأن الروایة لیست بمنصب یؤخذ منها الدین وأیضاً أغلب ما یرویه فی الأبواب له شواهد من المعتبرات والحسان.

فیفترق باب الروایة عن باب الفتیا لأن الفتیا استحفاظ للدین بتبع استحفاظ الانبیاء لأنه نیابة الهیة عن الانبیاء والاوصیاء کما دل علیه الآیة قوله تعالی: (إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِیها هُدیً وَ نُورٌ یَحْکُمُ بِهَا النَّبِیُّونَ الَّذِینَ أَسْلَمُوا لِلَّذِینَ هادُوا وَ الرَّبّانِیُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ کِتابِ اللّهِ وَ کانُوا عَلَیْهِ شُهَداءَ) (1)، فنفس الاستحفاظ یتطلب الأمانة وهی لیست فقط فی الإخبار بل فی کل أداء المسؤولیات التی هی عبارة أخری عن العدالة .

و هل یشترط فی العدالة الورع وعدم منافاة المروة أی التحرز عن منافی المروة؟

الصحیح أن العدالة معناها واحد إلا أنها ذات درجاتها و ذلک لأختلاف المسؤلیات فکل بحسبه فکلما تکثرت المسؤولیات والواجبات

ص:31


1- (1) - سورة المائدة ، الآیة 44 .

والرجولیة(1) .................................................................................................

والمحرمات اتسعت دائرة العدالة وکلما عظم المنصب کانت المسؤولیة أعظم وأکبر بحیث تراعی حتی جنبة نفس المنصب الذی ینافیه ما ینافی المروءة.

الشرط الخامس: الرجولة:

صلاحیات المرأة فی النظام الدینی:

(1) قد تقدم ما فی هذه العبارة من المسامحة فإن هذا شرط فی تصدی الفقیه وإلا فالمرأءة لها أن تکون مجتهدة وإن لم یکن لها الافتاء، و هذا الکلام سنبحثه بشکل مفصل فی بحث صلاحیات المرأة فی النظام الدینی وإن لم یکن بشکل مسهب إلا إنا سنذکره بشکل منقط ومفهرس:

فالبحث لا یقع فی منصب الافتاء فقط - نعم جملة من الاعلام تناولوا البحث وإن کانوا یجزمون باشتراط الرجولة إلا أنه فی البحث یخوضون فیها بشکل تردیدی فی دلالة الأدلة وفی الحقیقیة مقدار ما خاضوه من البحث مقتضب جداًً - بل یقع فیه وفی منصب القضاء ومنصب الولایة، وعدم تقلدها هذا المنصب عند الامامیة أمر متسالم علیه فی القضاء والفتیا والولایة، فالسلطة التنفیذیة والولایة التشریعة والسلطة القضائیة کلها مندرجة فی منصب الفتیا فالفتیا جامعة لهذه السلطات.

ص:32

وقد نقل فی المستمسک قولا عن متأخری علمائنا بجواز افتاء المرأة(1) إلا أنه خلاف المسلم عندنا.

فالمناصب العلیا لهذه السلطات والمناصب التی هی رأس الهرم قد حصل التسالم علی عدم تولیها لها وهی محل بحثنا.

وأما الطبقات المتوسطة لهذه السلطات - وهی المراتب الدونیة من مراتب القضاء والفتیا مثل استنطاق الشهود وغیرها فالقاضی والفقیه یستنطق الشهود واستنطاق المتخاصمین وتحریر مورد الدعوی والنزاع وتحدید المدعی من المنکر - فهل هذه المقدمات من أعمال القضاء تشارک المرأة الرجل أم لا؟

هذا أمر آخر ، فإن کثیراً من القضاة لیسوا بقضاة فی الأصل بل بالنیابة عن الفقیه - فیقضون بفتاوی الفقیه وسیأتی أن القضاء بالفتوی أو بالصلح - فهو بمنزلة النائب والید للفقیه فهو یحرر موضوع الدعوی - بحسب فتاوی الفقیه - ویقضی فهو لیس قاضیاً مستنبطاً بل هو من أعوان القاضی والقاضی فی الحقیقة هو الفقیه والکثیر ممن یتولی القضاء الآن لیس بمجتهد أصلا ومع ذلک یتولی القضاء بفتاوی الفقیه نعم له فضل لأنه یحرر محل الدعوی بضوابط وموازین وما أن یستعصی علیه جانب یرجع فیه إلی المجتهد الفقیه .

ص:33


1- (1) - مستمسک العروة ج1 ص43.

فادوار الفقیه کثیرة جداً ولیست خاصة بالمرجعیة العلیا بل لها تشعبات کثیرة جداً والفضلاء بدورهم یملؤون هذه الحاجات والتشعبات نیابة عنه ومن هنا أنبثق عند الأعلام بحث فی المسائل المستحدثة فی القضاء من أن القضاء وحل الخصومة خاص بالفقیه أو یوجد قضاء بالنیابة وقضاء بالفتوی وقضاء بالصلح وحل النزاع بالتراضی وتولی الفضلاء لهذه الأدوار نیابة عن الفقیه لاینافی اختصاص القضاء بالفقیه فهم فی الحقیقة تابعون لما یراه الفقیه.

و هذا شبیه بالقاضی فی محکمة کبیرة یدیر فیها جمیع شؤون البلد الکبیر فهو فی منصبه الأعلی لا یحرر جمیع القضایا بل یوجد عنده من یقوم بهذه الامور المقدمیة من مراهقین فیحرروا موضع النزاع علی وفق موازین قاضی المحکمة ثم هو بعد ذلک یقوم بالاشراف علی ما فعلوه، وأما فی الاشیاء التی لا یعلمونها فیرجعون إلیه ویعبر عن هذا بالتوکیل فی مقدمات القضاء وکذا أیضا فی المسائل والاستفتاءات من المقلدین الذین لا یمکنهم الوصول إلی مرجع التقلید فبواسطة المراهقین للاجتهاد ولاحاطتهم بمبانی الفقیه والمجتهد یوصلون الاحکام بتحدید موضوعاتها للناس وهکذا تترام القدرات التی هی فی طول قدرة الفقیه العلیا حتی تغذی کافة المجتمعات فی کافة المجالات.

وقد تبین أن هذه المناصب الثلاثة لها مراتب علیا ومتوسطة ودنیا

ص:34

وموقع البحث یختلف بحسب هذه المراتب.

وقبل الخوض فی البحث نذکر بعض أقوال الخاصة والعامة... ، ویمکن تحصیل الاجماع عند الخاصة بالنسبة إلی المرتبة العلیا أما بقیة المراتب فتحصیل الاجماع غیر واضح من عبائرهم ولاسیما فی القطاع الخاص، فمن باب المثال: کانت ابنة الشیخ الطوسی (قدس سره) مجتهدة وکذا ابنة العلامة الحلی (قدس سره) وابنة الشهید الأول (قدس سره) وکانت تسمی بسیدة النسوان ، وکانت تدرّس من وراء حجاب ، و کانوا یستجیزونها ، وکذا ابنة المجلسی (قدس سره) الأول - زوجة الملا صالح المازندرانی (قدس سره) - کانت مجتهدة ، بل إن السیدة حکیمة (علیها السلام) کانت نائبة عن الامام الحجة (علیه السلام) ، وکذا العقیلة زینب (علیها السلام) کانت نائبة عن الامام زین العابدین (علیه السلام) ، وکذا أم سلمة فقد استودعها الامام الحسین (علیه السلام) ودائع النبوة ، و هذا لیس بالامر الیسیر .

فبحسب سیرة علماء الأمامیة - فضلا عن سیرة المعصومین (علیهم السلام) - نری أنه یُقرُّ للمرأة دوراً فی غیر المناصب العلیا سواء فی جانب السلطة التشرعیة أوالقضائیة ولا یستفاد من أقوال الامامیة منع المرأة من الشعب النازلة ولا من سیرتهم العملیة فالقدر المتیقن من المتسالم علیه فی المنع عند الامامیة هی المناصب العلیا.

نعم ، توجد فی الشعب النازلة ضوابط مرعیة إذا لم تراع تفقد المرأة

ص:35

صلاحیاتها کما لو استلزم ذلک فقد حجابها ولو علی مستوی التعامل بحیث امتنع الحجاب أو العفة فی التعامل فإنها تفقد تلک صلاحیات، وإلا ففرق بین أن نقول لا أهلیة للمرأة أصلاً لهذه المناصب وبین أن نقول لها تلک الأهلیة ولکن بشروط مرعیة إذا فقدتها فقدت تلک الصلاحیات ولابد من إیقاع البحث علی حسب تدرج هذه المناصب.و هذا بالنسبة إلی أقوال الخاصة :

وأما أقوال العامة: فقال فی ابن قدامة: (إن المتسالم لدیهم فی الامامة العظمی بل عند المسلمین وحتی الولایة فی البلدان عدم تولی المرأة)(1).

وأما فی الافتاء فمتسالم عندهم جواز تصدی المرأة اللافتاء وأما تصدیها فی للقضاء فالمشهور شهرة کبیرة عندهم جوازه إلا من ابن جریر وأما أبو حنیفة فیجوّز لها القضاء أیضاً عدا الحدود.

هذا مع اعترافهم أن الفتیا منصب ومن ثم لدیهممنصب (مفتی الدیار) ، ومع ذلک یتعاملون مع الفتیا معاملة الامارة المحضة. والصحیح أنها ولایة وسلطة تشریعة فکما أنها ممنوعة من منصب الولایة فهی ممنوعة من منصب الافتاء.

ص:36


1- (1) - المغنی: ج 11 ص380 .

الآیات والأخبار الدالة علی عدم تولی المرأة:

والاستدلال بالآیات أو الأخبار علی منع المرأة من تولی هذه المناصب لا یقتصر فیه علی الدلالة المطابقیة والحرفیة بل یستدل علیه بما تدل علیه الآیات بالدلالة الالتزامیة کما هو منهج الاستدلال بصناعة التحلیل .

الآیات المستدل بها علی طوائف:

الطائفة الأولی :ما یدل علی ضعف المرأة ولیونتها:
اشارة

فما تدل علی ضعف المرأة ولیونتها المانع من تولیها هذه المناصب عدة آیات:

منها : (أَ لَکُمُ الذَّکَرُ وَ لَهُ الْأُنْثی ) (1).

ومنها : (إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَیُسَمُّونَ الْمَلائِکَةَ تَسْمِیَةَ الْأُنْثی ) (2).

ومنها : (إِنْ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِناثاً وَ إِنْ یَدْعُونَ إِلاّ شَیْطاناً مَرِیداً) (3).

ومنها : (فَلَمّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّی وَضَعْتُها أُنْثی وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما

ص:37


1- (1) - سورة النحم، الآیة 21 .
2- (2) - سورة النجم، الآیة 27 .
3- (3) - سورة النساء، الآیة 117 .

وَضَعَتْ وَ لَیْسَ الذَّکَرُ کَالْأُنْثی ) (1).

ومنها : (أَ فَأَصْفاکُمْ رَبُّکُمْ بِالْبَنِینَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِکَةِ إِناثاً إِنَّکُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِیماً) (2).

ومنها : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَ لِرَبِّکَ الْبَناتُ وَ لَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِکَةَ إِناثاً وَ هُمْ شاهِدُونَ * أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْکِهِمْ لَیَقُولُونَ * وَلَدَ اللّهُ وَ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ * أَصْطَفَی الْبَناتِ عَلَی الْبَنِینَ * ما لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ ) (3).

ومنها : (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَ لَکُمُ الْبَنُونَ ) (4).

ومنها : (وَ یَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَ لَهُمْ ما یَشْتَهُونَ * وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثی ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ کَظِیمٌ * یَتَواری مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ یُمْسِکُهُ عَلی هُونٍ أَمْ یَدُسُّهُ فِی التُّرابِ أَلا ساءَ ما یَحْکُمُونَ * لِلَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَ لِلّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلی وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ ) (5).

ص:38


1- (1) - سورة آل عمران، الآیة 37 .
2- (2) - سورة الإسراء، الآیة 40 .
3- (3) - سورة الصافات ، الآیات 149 - 154 .
4- (4) - سورة الطور، الآیة 39 .
5- (5) - سورة النحل، الآیات 57 - 60 .
إشکالیة استحقار الاسلام للمرأة:

هذه الآیات تشیر وتدل علی ضعف المرأة ولیونتها ونقصان قوتها لا علی سبیل ونهج ذمها واستحقارها فقبل الاستدلال بهذه الآیات الکریمة علی المطلوب نبین بعض ما أورد علی النصوص والتشریعات الأسلامیة منتقلیلها من شأن المرأة ووصفها بالضعف واللیونة المستوجب لذمها واستحقارها ولا یخفی أن منشأ هذه الاشکالیات قصور النظر وعدم القراءة الصحیحة للشریعة المقدسة کما یتبین.

فمِن قائل: إن الأسلام یستحقر المرأة ویستنقصها ولا یبالی بحقوقها و أن القرآن کتاب تاریخی خاص بحقبة زمنیة قد انقضت وتصرمت وغیرها من الترهات .

والجواب عن هذا: أن الاسلام جاء مربیاً ومعلماً ومخرجاًللناس من الظلمات إلی النور فلیست وظیفته التعییر والذم والاستحقار فمثله مثل الطبیب لما یبین مرض المریض أو خواص بدن ومزاج الشخص الذی هو نقص فی الواقع لکی یتفادی المریض ما یزید فی مرضه ونقصه أو یفعل ما یزیل ذلک النقص والمرض أو یبیّن خواص الطبیعة لما لها من نظام تعامل خاص یمکن استثماره إیجابیا من جهات ضعفه ونقصه إذ کل طبیعة لها جانب ایجابی وقوة ولها جانب سلبی وضعف فالشارع فی مقام الناصح الشفیق والمرشد المربی.

ص:39

فالقرآن والشارع المقدس یستعمل لفظ المرأة والانوثة بما هو مظهر للضعف واللیونة والعطوفة والرحمة من جانبین و ذلک فی قبال صفة الرجولة فإنها مظهر قوة وشدة وقساوة وجفاف قال بعض الحکماء : (الخالق رجل والمخلوقات إناث) ، یقصد أنه ذو قوة وغنیً بالذات وکل ما یذب فیه النقص فهو منفعل فسمی بالأنثی ؛ لأن الأنوثة فی اللغة العربیة وبقیة اللغات بمعنی الضعف والنقص.

و هذا لا یعنی استحقار المرأة وتنقیصها وتعییرها و ذلک لعدم الملازمة بین النقص والضعف وبین الاستحقار لاسیما و أن هذه الصفة لطبیعة المرأة هی ملازمة لصفة أخری إیجابیة عظیمة هی صفة الرحمة والعطف فبالنظر إلی مفاد سورة النحل فمع بیانها لضعف المرأة ولیونتها فهی تصرح أیضاً بعدم قبول استحقارها والنهی عن التبرم والتشائم منها وتذم الخجل منها حتی تدس فی التراب.

فذمهم فی هذه السورة علی ما یفعلونه عندما یبشرون بالأنثی فقال تعالی: :(أَلا ساءَ ما یَحْکُمُونَ ) . فالقرآن یدین ما یفعلونه فی الجاهلیة إلا أنه یبین أن المرأة ضعیفة من جانب البنیة البدنیة مثلاً مع أن القرآن والسنة یبینان أنها أقوی من الرجل من جهة الحنان والعطف والرحمة.

فالنقص والضعف شیء والذم شیء آخر فانظر إلی الکمال فی قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «کفی بی عزا أن أکون لک عبداً» ، فحدد الکمال

ص:40

فی عبودیة المخلوق للخالق وفی الحقیقة أن النقص خاضع للقابلیات والذم راجع للتقصیر والتمرد و هذا یغایر ما یتوهمه الحداثویون والعلمانیون بل حتی من تأثر بهذه الشبهة من الباحثین فی العلوم الدینیة.

فإن الشریعة قائمة علی الموازین والمعادلات الدقیقة فی نظامها واحکامها فتراها تجعلوتصب أحکاماً خاصة بالرجل تارة وأحکاماً خاصة بالمرأة تارة أخری وأحکاماً مشترکة بینهما أخری، و ذلک لقیام الاختلاف بین طبیعة المرأة وطبیعة الرجل فکما یوجد مشترکات بینهما توجد أیضاً خصوصیات وممیزات مختصة بکل منهما واحکام الشریعة تنصب علیهما بما یتناسب مع طبیعتهما.

ولابد فی فهم حقیقة الشریعة المقدسة من خلال قوانینها أن ینظر إلی جمیع أحکامها حتی تتضح الموازنة والمعادلة ولا یکفی فی الحکم بالحسن أو القبح علی شیء من قوانینها إلا بعد معرفة منظومتها القانونیة کلها حتی یعرف مقدار حکمتها من عدمها فهل الشارع حکیم فی تصرفاته أم تنظیمه تنظیماً عشوائیاً.

النصوص الشرعیة فی مکانة المرأة:

فلابد من النظر إلی جمیع مایتعلق بالمرأة عند الشارع حتی یعرف مدی احاطة الشارع بخصائصها الروحیة والجسدیة فکما أنه قد تعرض للمرأة فی جوانب الادارة والقیادة فقد تعرض لها فی جوانب أخری...

ص:41

کما تشیر إلیه النصوص المستفیضة بالتصریح أو التلمیح فی عظمة وفضل المراءة بأصنافها کبنت وأخت وزوجه وأم وأمرة، ونذکر بعض ما یدل علی مکانتها :

منها أنه(صلی الله علیه و آله) أبو البنات، ومنزلة وفضل البیت الذی فیه بنات:

منها: روایة حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «کان رسول الله (صلی الله علیه و آله) أبا بنات»(1).

ومنها: ما رواه القطب الراوندی عن النبی (صلی الله علیه و آله) أنه قال: «رحم الله أبا البنات البنات مبارکات محببات والبنون مبشرات وهن الباقیات الصالحات»(2).

ومنها: روایة الراوندی أیضاً عنه (صلی الله علیه و آله) قال: «من کان له ابنة فالله فی عونه ونصرته وبرکته ومغفرته»(3).

ومنها: ما روایته أیضاً عنه (صلی الله علیه و آله) قال: «من کانت له ابنة واحدة کانت خیرا له من ألف حجة وألف غزوة وألف بدنة وألف ضیافة»(4).

ص:42


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحکام الأولاد، ب 4 ص 361 ح 2 .
2- (2) - مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 3 ص 115 ح 3 .
3- (3) - المصدر نفسه، ح 5 .
4- (4) - المصدر نفسه، ح 7 .

ومنها: ما رواه فی الصدوق عن النبی (صلی الله علیه و آله) قال: «من کن له ثلاث بنات فصبر علی لأوائهن وضرائهن وسرائهن کن له حجابا یوم القیامة»(1).

ومنها: ما رواه فی جامع الاخبار عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال: «ما من بیت فیه البنات إلا نزلت کل یوم علیه اثنتا عشرة برکة ورحمة من السماء ولا تنقطع زیارة الملائکة من ذلک البیت یکتبون لأبیهم کل یوم ولیلة عبادة سنة»(2).

وصیته(صلی الله علیه و آله) بالاحسان للأنثی وتقدیمها علی الابن :

منها: ما رواه فی العوالی، عن النبی (صلی الله علیه و آله) قال: «من کان له أنثی فلم یبدها ولم یهنها ولم یؤثر ولده علیها أدخله الله الجنة»(3).

ومنها: روایة السکونی، قال دخلت علی أبی عبد الله (علیه السلام) وانا مغموم مکروب فقال لی: «یا سکونی مما غمک» . قلت: ولدت لی ابنة . فقال لی : «یا سکونی، علی الأرض ثقلها وعلی الله رزقها، تعیش فی غیر اجلک وتأکل من غیر رزقک» . فسری و الله عنی فقال (لی) : «ما

ص:43


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحکام الأولاد، ب 4 ص 362 ح 6 .
2- (2) - مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 3 ص 116 ح 12 .
3- (3) - المصدر نفسه، ب 5 ص 118 ح 2 .

سمیتها» . قلت: فاطمة . فقال: «آهٍ آه» ، ثم وضع یده علی جبهته - إلی أن قال - «أما إذا سمیتها فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها ولا تضربها»(1).

منها ما رواه فی العوالی، عن النبی (صلی الله علیه و آله) قال: «من کان له اختان أو بنتان فأحسن إلیهما کنت أنا وهو فی الجنة کهاتین وأشار بإصبعیه السبابة والوسطی»(2).

منها: ما رواه فی العوالی، عن النبی (صلی الله علیه و آله) قال: «من ابتلی بشیء من هذه البنات فأحسن إلیهن کن له سترا من النار»(3).

منها: ما رواه فی العوالی عن الصادق (علیه السلام) قال: «إذا أصاب الرجل ابنة بعث الله عز وجل إلیها ملکا فأمر جناحه علی رأسها وصدرها وقال ضعیفة خلقت من ضعف المنفق علیها معان»(4).

ومنها: ما رواه الطبرسی - من کتاب نوادر الحکمة - عن ابن عباس عن النبی (صلی الله علیه و آله) قال: «من دخل السوق فاشتری تحفة فحملها إلی عیاله کان کحامل صدقة إلی قوم محاویج ، ولیبدأ بالأناث قبل الذکور

ص:44


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحکام الأولاد، ب 87 ص 482 ح 1 .
2- (2) - مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 5 ص 118 ح 3 .
3- (3) - المصدر نفسه، ح 4 .
4- (4) - المصدر نفسه، ح 5 .

فإنه من فرح ابنته فکأنما أعتق رقبة من ولد إسماعیل ومن أقر عین ابن فکأنما بکی من خشیة الله ومن بکی من خشیة الله أدخله الله جنات النعیم»(1).

قوله(صلی الله علیه و آله) : «مبارکات» و «مؤنسات» و «ریحانة» :

منها: ما رواه فی الجعفریات - کما فی نسخة الشهید - بإسناده عن علی (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : نعم الولد البنات ملطفات مجهزات مؤنسات باکیات مبارکات»(2).

ومنها: روایة السکونی عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «نعم الولد البنات ملطفات مجهزات مؤنسات مبارکات مفلیات»(3).

ومنها: روایة الجارود بن المنذر قال: قال لی أبو عبد الله (علیه السلام) : «بلغنی أنه ولد لک ابنة فتسخطها وما علیک منها ، ریحانة تشمها وقد کفیت رزقها وقد کان رسول الله (صلی الله علیه و آله) أبا بنات»(4).

ومنها: روایة القطب الراوندی عن النبی (علیه السلام) قال: «نعم الولد البنات

ص:45


1- (1) - مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 5 ص 118 ح 1 .
2- (2) - المصدر نفسه، ب 3 ص 115 ح 2 .
3- (3) - وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحکام الأولاد، ب 4 ص 362 ح 4 .
4- (4) - المصدر نفسه، ب 5 ص 364 ح 3 .

ملطفات مؤنسات ممرضات مبدیات»(1).

ومنها: ما رواه فی الصدوق، عن إبراهیم بن هاشم، عن البرقی رفعه قال : «بشر النبی (صلی الله علیه و آله) بابنة، فنظر فی وجوه أصحابه فرأی الکراهة فیهم فقال: مالکم ! ریحانة أشمها ورزقها علی الله (عز وجل) »(2).

ومنها: ما فی الجعفریات بإسناده عن علی بن أبی طالب (علیه السلام) قال: «کان رسول الله (صلی الله علیه و آله) إذا بشر بجاریة قال: ریحانة ورزقها علی الله»(3).

ومنها: ما رواه الکلینی عن إبراهیم الکرخی عن ثقة حدثه من أصحابنا قال: تزوجت بالمدینة فقال لی أبو عبد الله (علیه السلام) : «کیف رأیت؟» . قلت: ما رأی رجل من خیر فی امرأة إلا وقد رأیته فیها ولکن خانتنی . فقال: «و ما هو؟» . قلت: ولَدَت جاریة . قال: «لعلک کرهتها !! إن الله (عز وجل) یقول: (آباؤُکُمْ وَ أَبْناؤُکُمْ لا تَدْرُونَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ لَکُمْ نَفْعاً) (4)»(5) .

ص:46


1- (1) - مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 3 ص 115 ح 8 .
2- (2) - المصدر نفسه، ب 4 ص 117 ح 4 .
3- (3) - المصدر نفسه، ب 3 ص 114 - 115 ح 1 .
4- (4) - سورة النساء، الآیة 11 .
5- (5) - وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحکام الأولاد، ب 5 ص 363 ح 1 .
عظمة ادخال السرور علی المرأة:

منها: روایة سلمان الجعفری، عن أبی الحسن الرضا (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : إن الله (تبارک وتعالی) علی الإناث أرأف منه علی الذکور ، وما من رجل یدخل فرحة علی امرأة بینه وبینها حرمة إلا فرحه الله تعالی یوم القیامة»(1).

البنات حسنات وجهات فضلهن علی الابناء:

منها: روایة أحمد بن عبد الرحیم ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «البنات حسنات والبنون نعمة فإنما یثاب علی الحسنات ویسأل عن النعمة»(2).

ومنها: روایة أحمد بن الفضل، عن الصادق (علیه السلام) قال: «البنون نعیم والبنات حسنات ، و الله یسأل عن النعیم و یثیب علی الحسنات»(3).

ومنها: روایة الکلینی عن الحسین بن سعید اللخمی، قال: ولد لرجل من أصحابنا جاریة فدخل علی أبی عبد الله (علیه السلام) فرآه متسخطا فقال له أبو عبد الله (علیه السلام) : «أرأیت لو أن الله (تبارک وتعالی) أوحی إلیک أن

ص:47


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحکام الأولاد، ب 7 ص 367 ح 1 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 2 .
3- (3) - المصدر نفسه، ح 3 .

أختار لک أو تختار لنفسک ما کنت تقول؟» . قال: کنت أقول: یا رب تختار لی . قال: «فإن الله قد اختار لک» . قال: ثم قال: «إن الغلام الذی قتله العالم الذی کان مع موسی (علیه السلام) وهو قول الله (عز وجل) : (فَأَرَدْنا أَنْ یُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَیْراً مِنْهُ زَکاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً) (1) أبدلهما الله به جاریة ولدت سبعین نبیا»(2).

ومنها: ما رواه الطبرسی، عن حذیفة الیمانی قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «خیر أولادکم البنات»(3).

ومنها: ما رواه فی روضة الواعظین، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «نِعْمَ الولد البنات المخدرات من کانت عنده واحدة جعلها الله له سترا من النار ومن کانت عنده اثنتان أدخله الله بهما الجنة ومن کانت له ثلث أو مثلهن من الأخوات وضع عنه الجهاد والصدقة»(4).

عظمة کفالتهن:

منها: ما رواه الصدوق ، عن یعقب بن یزید یرفعه إلی أحدهما

ص:48


1- (1) - سورة الکهف، الآیة 81 .
2- (2) - مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 4 ص 117 ح 2 .
3- (3) - المصدر نفسه، ب 3 ص 116 ح 11 .
4- (4) - المصدر نفسه، ص 117 ح 10 .

الإمامین الباقر أو الصادق (علیهما السلام) قال: «إذا أصاب الرجل ابْنَةً بعث الله إلیها ملکا فأمر جناحه علی رأسها وصدرها وقال : ضعیفة خلقت من ضعف المنفق علیها معان إلی یوم القیامة»(1).

ومنها: ما رواه الراوندی ، عن النبی (صلی الله علیه و آله) قال : «من عال ابنتین أو ثلاثا کان معی فی الجنة»(2).

ومنها: ما رواه الشریف الزاهد فی کتاب التعازی ، عن أصحابه ، عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنه قال فی حدیث : «و من عال واحدة أو اثنتین من البنات جاء معی یوم القیامة کهاتین وضم إصبعیه»(3).

ومنها: ما رواه الراوندی ، عن النبی (صلی الله علیه و آله) : «من ابتلی من هذه البنات باثنتین کن له براءة من النار ومن کانت له ثلاث بنات فأعینوه وأقرضوه وارحموه»(4).

ومنها: ما رواه الرواندی ، عن الصادق (علیه السلام) قال: «من عال ابنتین أو أختین أو عمتین أو خالتین حجبتاه عن النار»(5).

ص:49


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحکام الأولاد، ب 7 ص 368 ح 5 .
2- (2) - مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 3 ص 115 ح 4 .
3- (3) - المصدر نفسه، ب 3 ص 116 ح 13 .
4- (4) - المصدر نفسه، ح 9 .
5- (5) - جامع أحادیث الشیعة: ج أبواب أحکام الأولاد والاستیلاد، ص ح 12 .

ومنها: ما روایة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة . فقیل یا رسول الله ، واثنتین ؟ فقال: (واثنتین) فقیل: یا رسول الله وواحدة ؟ فقال: وواحدة»(1).

ومنها: ما رواه فی عدة الداعی ، النبی (صلی الله علیه و آله) قال: «من عال بنات أو مثلهن من الأخوات وصبر علی ایوائهن حتی یبن إلی أزواجهن أو یمتن فیصرن إلی القبور کنت أنا و هو فی الجنة کهاتین وأشار بالسبابة والوسطی». فقیل: یا رسول الله واثنتین ؟ و ذکر نحوه(2).

ومنها: ما رواه الراوندی ، عن النبی (صلی الله علیه و آله) قال: «من عال ثلاث بنات یعطی ثلاث روضات من ریاض الجنة کل روضة أوسع من الدنیا وما فیها»(3).

حق المرأة کأم ومکانتها:

منها: ما رواه الحسین بن سعید، عن علی بن الحسین (علیهما السلام)

ص:50


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحکام الأولاد، ب 4 ص 361 ح 3 .
2- (2) - المصدر نفسه، ص 362 ح 7 .
3- (3) - مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 3 ص 115 ح 6 .

قال : «جاء رجل إلی النبی (صلی الله علیه و آله) فقال : یا رسول الله ، ما من عمل قبیح إلا قد عملته ، فهل لی من توبة؟ فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : فهل من والدیک أحد حی؟» . قال: أبی ، قال : «فاذهب ، فبره» ، قال: فلما ولیّ ، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «لو کانت أمه ! »(1).

ومنها: ما رواه الصدوق فی (فقه الرضا) (علیه السلام) قال : «واعلم أن حق الأم أ لزم الحقوق وأوجب ، لأنها حملت حیث لا یحمل أحد أحدا ، ووقت بالسمع والبصر وجمیع الجوارح ، مسرورة مستبشرة بذلک ، فحملته بما فیه من المکروه الذی لا یصبر علیه أحد ، ورضیت بأن تجوع ویشبع ، وتظمأ ویروی ، وتعری ویکتسی ، وتظله وتضحی، فلیکن الشکر لها والبر والرفق بها علی قدر ذلک ، وان کنتم لا تطیقون بأدنی حقها الا بعون الله»(2).

ومنها: مارواه أبو القاسم الکوفی فی (کتاب الأخلاق) قال: قال رجل لرسول الله (صلی الله علیه و آله) : إن والدتی بلغها الکبر ، وهی عندی الآن ، أحملها علی ظهری ، وأطعمها من کسبی ، وأمیط عنها الأذی بیدی ، وأصرف عنها مع ذلک وجهی استحیاء منها واعظاما لها ، فهل کافأتها ؟ قال : «لا ؛ لأن

ص:51


1- (1) - مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 70 ص 179 ح 1 .
2- (2) - المصدر نفسه، ص 180 ح 2 .

بطنها کان لک وعاء ، وثدیها کان لک سقاء، وقدمها لک حذاء ، ویدها لک وقاء ، وحجرها لک حواء ، وکانت تصنع ذلک لک وهی تمنی حیاتک ، وأنت تصنع هذا بها وتحب مماتها»(1).

ومنها: ما رواه القطب الراوندی، عن النبی (صلی الله علیه و آله) ، أنه قال: «الجنة تحت أقدام الأمهات» . وقال (صلی الله علیه و آله) : «تحت أقدام الأمهات، روضة من ریاض الجنة» . وقال (صلی الله علیه و آله) : «إذا کنت فی صلاة التطوع ، فان دعاک والدک فلا تقطعها ، وان دعتک والدتک فاقطعها»(2).

ومنها: مارواه الفتّال عن الباقر (علیه السلام) قال: «قال موسی بن عمران (علیه السلام) : یا رب، أوصنی، قال: أوصیک بی، قال: فقال: رب أوصنی قال: أوصیک بی، ثلاثا . قال: یا رب أوصنی، قال: أوصیک بأمک، قال: رب أوصنی، قال: أوصیک بأمک، قال: رب أوصنی قال: أوصیک بأبیک، قال: (فکان یقال) لأجل ذلک أن للأم ثلثی البر وللأب الثلث»(3).

منها: ما رواه الطبرسی فی (المشکاة) عن الصادق (علیه السلام) ، قال : «جاء رجل فسأل رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، عن بر الوالدین ، فقال: أبرر أمک ، أبرر

ص:52


1- (1) - مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 70 ص 180 ح .
2- (2) - المصدر نفسه، ص 180 - 181 ح 4 .
3- (3) - المصدر نفسه، ص 181 ح 5 .

أمک ، أبرر أمک ، أبرر أباک ، أبرر أباک ، أبرر أباک ، وبدأ بالأم»(1).

ومنها: ما رواه قال : قلت للنبی (صلی الله علیه و آله) : یا رسول الله ، من أبرر ؟ قال : «أمک» قلت: ثم من؟ قال: «ثم أمک» قلت: ثم من؟ قال: «ثم أمک» قلت: ثم من ؟ قال : «ثم أباک ، ثم الأقرب فالأقرب»(2).

ومنها: ما رواه فی (العوالی) فی حدیث عنه (صلی الله علیه و آله) ، قیل: یا رسول الله ، ما حق الوالد؟ قال (صلی الله علیه و آله) : «أن تطیعه ما عاش» فقیل: وما حق الوالدة؟ فقال : «هیهات هیهات ، لو أنه عدد رمل عالج ، وقطر المطر أیام الدنیا ، قام بین یدیها ، ما عدل ذلک یوم حملته فی بطنها»(3).

ومنها: ما رواه (العوالی) أیضاً عنه (صلی الله علیه و آله) قال له رجل : یا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتی ؟ قال : «أمک» . قال : ثم من ؟ قال : «أمک» قال : ثم من ؟ قال : «أبوک» . وفی روایة أخری أنه جعل ثلاثاً للأم ، والرابعة للأب(4).

ومنها: ما رواه الکراجکی : أنّ رجلا قال للنبی (صلی الله علیه و آله) : یا رسول الله ،

ص:53


1- (1) - مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ص 181 ح 6 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 7 .
3- (3) - المصدر نفسه، ص 182 ح 8 .
4- (4) - المصدر نفسه، ح 9 .

أی الوالدین أعظم ؟ قال : «التی حملته بین الجنبین ، وأرضعته بین الثدیین ، وحضنته علی الفخذین ، وفدته بالوالدین»(1).

ومنها: ما رواه فی (المستدرک) : وقیل للامام زین العابدین (علیه السلام) : أنت أبر الناس، ولا نراک تواکل أمک ! قال : «أخاف أن أمد یدی إلی شئ ، وقد سبقت عینها علیه، فأکون قد عققتها»(2).

مکانة وشأن المرأة کزوجة وترک ضربها والعفو عن ذنبها:

منها: ما رواه عبد الرحمن بن کثیر ، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «فی رسالة أمیر المؤمنین (علیه السلام) إلی الحسن (علیه السلام) : لا تملک المرأة من الامر ما یجاوز نفسها فإن ذلک أنعم لحالها ، وأرخی لبالها ، وأدوم لجمالها ، فإن المرأة ریحانة ولیست بقهرمانة ولا تعد بکرامتها نفسها، واغضض بصرها بسترک واکففها بحجابک ولا تطمعها أن تشفع لغیرها فیمیل علیک من شفعت له علیک معها واستبق من نفسک بقیة فإن إمساکک نفسک عنهن وهن یرین أنک ذو اقتدار خیر من أن یرین منک حالا علی انکسار»(3).

ص:54


1- (1) - مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ص 182 ح 10 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 11 .
3- (3) - وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النکاح وآدابه، ب 87 ص 361 ح 1 .

ومنها: ما رواه الصدوق: سئل النبی (صلی الله علیه و آله) عن الرجل یقبّل امرأته وهو صائم ؟ قال : «هل هی إلا ریحانة یشمها»(1).

ومنها: ما رواه الصدوق: وقال (صلی الله علیه و آله) : «من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة» قیل: یا رسول الله واثنتین ، قال: «واثنتین» ، قیل : یا رسول الله وواحدة ؟ قال : «وواحدة»(2).

ومنها: ما رواه الصدوق: قال الصادق (علیه السلام) : «من عال ابنتین أو أختین أو عمتین أو خالتین حجبتاه من النار»(3).

ومنها: ما رواه الصدوق: قال الصادق (علیه السلام) : «إذا أصاب الرجل ابنة بعث الله (عز وجل) إلیها ملکا فأمرّ جناحه علی رأسها وصدرها، وقال: ضعیفة خلقت من ضعف، المنفق علیها معان»(4).

ومنها: ما رواه الصدوق : قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی وصیته لابنه محمد بن الحنفیة : «یا بنی إذا قویت فاقو علی طاعة الله، وإذا ضعفت فاضعف عن معصیة الله (عز وجل) ، وإن استطعت أن لا تملک من

ص:55


1- (1) - المصدر نفسه، أبواب وجوب الصوم، ب 33 ص 98 ح 4 .
2- (2) - من لا یحضره الفقیه، ج 3 ص 482 ح 1501 .
3- (3) - وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحکام الأولاد، ب 12 ص 527 ح 1 .
4- (4) - المصدر نفسه، ب 7 ص 368 ح 5 .

أمرها ما جاوز نفسها فافعل فإنه أدوم لجمالها وأرخی لبالها وأحسن لحالها ، فإن المرأة ریحانة ولیست ، بقهرمانة فدارها علی کل حال ، وأحسن الصحبة لها لیصفو عیشک»(1).

استحباب اکرام الزوجة وترک ضربها:

منها: روایة أبی مریم ، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : أیضرب أحدکم المرأة ثم یظل معانقها ! »(2).

ومنها: روایة السکونی ، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : إنما المرأة لعبة من اتخذها فلا یضیعها»(3).

ومنها: روایة سماعة ، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «اتقوا الله فی الضعیفین یعنی بذلک الیتیم والنساء»(4).

ومنها: روة ایة عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «أکثر أهل الجنة من المستضعفین النساء علم الله ضعفهن فرحمهن»(5).

ص:56


1- (1) - من لا یحضره الفقیه: ج 3 ص 556 ح 4911 .
2- (2) - وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النکاح وآدابه، ب 86 ص 167 ح 1 .
3- (3) - المصدر نفسه، ح 2 .
4- (4) - المصدر نفسه، ص 167 - 168 ح 3 .
5- (5) - المصدر نفسه، ص 168 ح 4 .

ومنها: ما رواه الصدوق ، وصیة أمیر المؤمنین (علیه السلام) لولده محمد بن الحنفیة ، قوله : «ولیست بقهرمانة ، فدارها علی کل حال ، وأحسن الصحبة لها لیصفو عیشک»(1).

ومنها: روایة اسحاق بن عمار، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : ما حق المرأة علی زوجها الذی إذا فعله کان محسنا ؟ قال : «یشبعها ویکسوها وان جهلت غفر لها» ، وقال أبو عبد الله (علیه السلام) : «کانت امرأة عند أبی (علیه السلام) تؤذیه فیغفر لها»(2).

ومنها: روایة محمد بن مسلم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : أوصانی جبرئیل بالمرأة حتی ظننت انه لا ینبغی طلاقها إلا من فاحشة مبینة»(3).

ومنها: ما رواه الصدوق: قال الصادق (علیه السلام) : «رحم الله عبدا أحسن فیما بینه وبین زوجته فإن الله (عز وجل) قد ملکه ناصیتها وجعله القیم علیها»(4).

ص:57


1- (1) - من لا یحضره الفقیه: ج 3 ص 556 ح 4911 .
2- (2) - وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النکاح وآدابه، ب 88 ص 169 ح 1 .
3- (3) - المصدر نفسه، ص 170 ح 4 .
4- (4) - المصدر نفسه، ح 5 .

ومنها: ما رواه الصدوق قال : قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «ملعون ملعون من ضیع من یعول»(1).

ومنها: ما رواه الصدوق قال : قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «خیرکم خیرکم لأهله و أنا خیرکم لأهلی»(2).

ومنها: ما رواه الصدوق قال : وقال (صلی الله علیه و آله) : «عیال الرجل اسراؤه وأحب العباد إلی الله عز وجل أحسنهم صنعا إلی اسرائه»(3).

وغیرها من الاخبار الدالة علی موضوعیة المرأة فی نفس المنظومة الدینیة بما هی أم وبما هی بنت وبما هی أخت وبما هی زوجة وبما هی مرأة . فلابد من الناظر والباحث أن لا ینظر نظرة دونیة وتجزئیة بدون الاطلاع علی تمامیة الاحکام المتعلقة بالمرأة وعظمتها وعدم الاطلاع علی خصائص المرأة التکوینیة .

فالآیات التی تذکر المرأة أو الأنثی لیست ذات نظرة دونیة ومنطلقة من نزعة ذکوریة تغالبیة ولا بصدد الذم والتنقیص والإزراء بل هی بصدد بیان طبیعة ترکیبة المرأة واختلافها عن ترکیبة وفسلجة وطبیعة الرجل

ص:58


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النکاح وآدابه، ب 88 ص 171 ح 6 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 8 .
3- (3) - المصدر نفسه، ح 9 .

وعلیه یکون تکامل کل نوع بحسب اختلاف طبیعته وبیئته ولیست الآیات بصدد بیان ذم واستحقار المرأة ومدح الرجل علی نحو الاطلاق کی یقال أن التشریع الاسلامی ذو نزعة دونیة ذکوریة.

و هذا مثل الطبیب یقول للرجل: أنت فیک الطبیعة المعینة أو المرض الفلانی أو طبیعتک ومزاجک حار لا یناسبک بعض الأغذیة وأنک تستطیع أن تتجنب الامراض مثلا بترکک کذا وکذا فإن الطبیب لیس فی مقام الذم وإنما هو فی مقام النصیحة التوصیة باراءة خصائص الواقع وزوایا الحقائق وبیان طبیعة هذا الانسان لأجل أن یتفادی الارتطام بالعوائق ولیس فی مقام الذم والتقریع.

فمثلاً قوله (علیه السلام) : «إن النساء نواقص الایمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول»(1)، لیس بمعنی لا عقل لها بل لها أصل وطبیعة العقل إلا أن الله زود المرأة بعاطفة جیّاشة وحیث إن ظروف الحیاة فیها الشدة والضعف والجانب الروحی والجانب الجسدی تمیز الرجل فی طبیعته بخصائص جسدیة وروحیة وتمیزت المرأة أیضا بخصائص جسدیة وروحیة، ولهذا عبر عنها النبی(صلی الله علیه و آله) أنها «ریحانه»(2).

والریحانة لابد منها فی نظام الحیاة الأسری والإجتماعی، ولهذا تبتلی

ص:59


1- (1) - نهج البلاغة ، الخطبة 80 .
2- (2) - مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 3 ص 117 ح 4 .

الأسرة التی لا مرأة فیها بصلافة الاخلاق والخشونة الشدیدة والبعد عن الحنان والعاطفة، بخلاف الأسرة التی یتواجد فیها إناث أکثر تتوفر فیها نعومة الأخلاق وکثرة العاطفة و ذلک لأن المرأة ینبوع الرحمة والعاطفة والحنان والشفقة فهی تفیض من رحمتها وعاطفتها وشفقتها علی الأولاد ومن فی البیت فتارة تزیل اتعاب الرجل حینما یأتی للبیت مع ماله من التعب الجسدی وعلیه ما علیه من أتعاب نفسیة وروحیة مما یلقاه خارج المنزل فبنعومة وعطوفة المرأة تزیل هذا کله عنه و هذا لیس فی الاسرة فقط بل فی المجتمع فإنها تجعل المجتمع متعادل حیث أن الطفل الذی لا یترعرع فی أحضان الأم ینشأ وحشی ومیهئ للاجرام و ذلک لما عنده من نقص فی الجانب العاطفی وهذه الآن بحوث وظواهر أصبحت مسلمة.

فهذ الآیات تبین وتکشف عن أن المرأة منبع روحی وعاطفی و أن جانب الصرامة والحسم والشدة فیها ضعیف فالشارع یقول للنساء والرجال بما أن طبیعة المرأة معبئة بطاقة روحیة عاطفیة فلابد أن توازن بین هذه الامور وبین العقل وکذا یقال للرجل أنه إنسان صلب شزر إذا استمر بهذا الحال فسیکون ذا أخلاق خشنة فلابد من التوازن ولا یکون التوازن إلا بأن تکون المرأة مستندة فیما هو ناقص من طبیعتها للرجل وهو یستند لها فیما هو ناقص من طبیعته لها فعن الصادق (علیه السلام) : «العبد

ص:60

کلما ازداد للنساء حبا ازداد فی الایمان فضلا»(1).

فمفاد الطائفة الأولی التی ذکرناها هو ضعف المرأة وأنها لیست بمظهر قوة ولا مظهر صلابة فلا یناسبها مظاهر السلطة العلیا التی تحتاج إلی طبیعة الصلابة والقوة والشدة والحزم.

ویدل علی هذه الحقیقة :

قوله تعالی: (أَ وَ مَنْ یُنَشَّؤُا فِی الْحِلْیَةِ وَ هُوَ فِی الْخِصامِ غَیْرُ مُبِینٍ ) (2) فإن الآیة تصرح بأن من یتربی فی الحلیة والزینة یعنی النساء لا یصلح للخصام والشدة والمجادلة فهی ضعیفة البیان فهذه الأیة واضحة الدلالة علی أن المرأة ترعرعها فی الدلال والنعومة یسلبها قوة المخاصمة والمجادلة و الحجاج والاحتجاج.

وقد ورد فی الاخبار عند الفریقین وبعضها صحیح ، منها : «إنما النساء عی وعورة ، فاستروا العورة بالبیوت ، واستروا العی بالسکوت»(3)، أی ضعیفة البیان عند الفریقین، والبعض یخدش فیها سندا أومضمونا ، والحال أنه مضمون القرآن الکریم .

فالآیة تفید : أن النساء علی الدوام اهتمامهن فی الزینة والجمال

ص:61


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النکاح وآدابه، ب 3 ص 23 - 24 ح 10 .
2- (2) - سورة الزخرف ، الآیة 18 .
3- (3) - وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النکاح وآدابه، ب 24 ص 65 - 66 ح 4 .

الجسدی فعقلهن منشد اهتمامه فی الجمال البدنی کما ورد عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «عقول النساء فی جمالهن ، وجمال الرجال فی عقولهم »(1). فکل مناشئها ماضمین قرآنیة وهو نفس مضموم الآیة (أَ وَ مَنْ یُنَشَّؤُا فِی الْحِلْیَةِ ) ، أی طبیعتها - دوما إلی أن تهرم - میّالة للزینة والحلیة وهو فی الخصام غیر مبین یعنی أن عیاء المرأة یمتد إلی المنطق وهذه صفة غالبة لا صفة دائمة.

فهذه الطائفة دالة علی ضعف المرأة حیث قرر القرآن ذلک فی قوله تعالی: (أَمِ اتَّخَذَ مِمّا یَخْلُقُ بَناتٍ وَ أَصْفاکُمْ بِالْبَنِینَ ) (2)، وتشیر إلی ضعف المرأة و أن البنات مظهر الضعف ، وکذا قوله تعالی: (وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ کَظِیمٌ ) (3) وغیرها من الآیات المتقدمة .

وقال بعضهم: إن هذا المضمون لیس مراداً للقرآن وإنما هو مجاراة لأعراف العرب أو أعراف البشریة الخاطئة آنذک، لا أنه یرید أن یبین أن المرأة ضعیفة واقعاً وحقیقة.

ص:62


1- (1) - الأمالی - الشیخ الصدوق - ص 298 .
2- (2) - سورة الزخرف ، الآیة 16.
3- (3) - سورة الزخرف ، الآیة 17 .

والبعض الآخر قال: إن القرآن یجادل العرب آنذاک بمنطقهم وبما یعتقدونه أو لأنه یجاریهم علی ما عندهم من اعراف فاسدة و هذا کله شطط من القول و ذلک لأن القرآن یعلل قوله: (وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ کَظِیمٌ ) بأمور تکوینیة فیقول تعالی: (أَ وَ مَنْ یُنَشَّؤُا فِی الْحِلْیَةِ وَ هُوَ فِی الْخِصامِ غَیْرُ مُبِینٍ ) فأن المرأة موضعها ومعیشتها علی الدوام فی النعومة والرقة واللیونة والدلال وبالتالی تکون عیاً فی المنطق والخطاب.

و هذا کله بحسب الغالب لا العموم الاستقصائی لتمام أفراد النساء وسیأتی توجیهه وهو خلاف نظرة الحداثویین إلی هذه الآیات بأن القرآن نظرته للمرأة دونیة واستحقاریة والصحیح أنه غیر ما ذهبوا إلیه بل الآیات فی وادی آخر وقد عزف بعض المحققین عن هذه الروایات واستنکرها أو شکک فی سندها أو مضمونها مع أنها کلها مضامین قرآنیة ففی الأحادیث المرأة عی وعورة" فالعی تثبته سورة الزخرف بقوله تعالی: وهو فی الخصام غیر مبین وأما أنها عورة فسیأتی فی طائفة أخر من الآیات تدل علی أن المرأة عورة لا بمعنی القباحة بل الإثار الجنسیة فهی کتلة ومنشأ لانشداد الغریزة الجنسیة.

فدعوة ونظرة القرآن تغایر النظرة الجاهلیة باجحاف المرأة کما یأتیک زیادة بیان والغریب من أهل التحصیل والبصیرة ترجلوا فی هذا البحث

ص:63

وتنکروا لهذه المضامین مع أنها مضامین قرآنیة إلا أن هناک من تجرأ وقال: إن القرآن یجاری الاعراف الفاسدة أو من باب الجدل وهذه أجوبة وتفسیرات زائغة عن الحقیقة والحق وغیر صحیحة و أن التفسیر الصحیح غیر هذا کما سیأتی مفصلا وکون القرآن یثبت أن من یعمل من ذکر وأنثی له جزاءه لا یتنافی مع هذه الأخبار.

فالطائفة الأولی من الآیات القرآنیة بما أنها من أصول القانون أو روح الشریعة تدل علی أن المرأة لیست مظهر القوة والبسالة والشدة بل مظهر الضعف والنقص واللیونة والنعومة فضعف فی جهات عدیدة، و هذا لا یعنی الدونیة للمرأة کما فی حدیث النبی (صلی الله علیه و آله) «المرأة ریحانة ولیست بقهرمانة»(1)، فإنه تعبیر دقیق - وهذه الطائفة من الآیات لا تدل علی عدم تولی المراة بالمطابقة وإنما تدل علیه بالالتزام، لأن المواقع الخطیرة فی النظام السیاسی أو الاجتماعی او القضائی أو النظام الفتوائی أو النظام الولائی تحتاج إلی ارادة وعزیمة وصلابة وشجاعة وجرأة وقوة شخصیة ومظهر اللیونة والرقة والنعمومة واللطافة والضعف لا یتناسب مع هذه المناصب.

ص:64


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النکاح وآدابه، ب 87 ص 361 ح 1 .
الطائفة الثانیة من الآیات التی ذکرت أن المرأة عورة وآیات الحجاب:
اشارة

أما الطائفة الثانیة من الآیات التی تعرضت لکون النساء عورة فآیات

الحجاب وغیرها من الاحادیث التی تأمر بستر المرأة و ذلک لما مرّ من أن الاسلام قائم علی نظام ومنظومة المعادلات فتارة ینظر إلی الصفات الروحیة للمرأة والرجل وتارة ینظر إلی صفاتهما البدینة فتراه یبین أحکام کل منهما بحسب ما لدیه من خصائص جسدسة وهو - کما تقدم - کبیان الطبیب للمریض خصائصه الجسدیة لیرتب علیها بعض العلاجات البدنیة أو یتفادی العوائق المرضیة وبالوجدان الذی لا ینکر أن طبیعة جسد المرأة جذاب وملفت ومغری فلا تکاد امرأة تبرز جسدها إلا أخذت بالانظار والافکار فجسدها بطبیعته فریسة، وهذه الآیات تبین أن المرأة عورة فیجب أن تحتجب فمجموع آیات الحجاب دالة علی ذلک و أن المرأة محل الافتراس.

ولهذا تکون الروایات - المصرحة بأن خیر للمرأة أن لا تری الرجال ولا الرجال یروها وغیرها من الاخبار - وإن کانت ضعیفة السند إلا أن مضمونها قرآنی مثل قوله تعالی: (یا نِساءَ النَّبِیِّ لَسْتُنَّ کَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الَّذِی فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلاً )

ص:65

(مَعْرُوفاً * وَ قَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی ) (1).

و هذا یبین شکل المرأة ومظهرها عورة ولیس العوار بمعنی القبح فی

المرأة - وقد تقدم دفع شبهة العلمانیین والحداثویین - بل بمعنی أنها معرضیة للافتراس لذوی الشهوات النزویة فلذا قال: فلا تخضعن بالقول فیطمع الذی فی قلبه مرض فإذا کان صوتها یطمع إلی هذه الدرجة فما بالک بجسدها فالعورة هی بمعنی وجود موجبات الانجذاب نحو المرأة من جهة صوتها أو جسدها لهجوم أو تعدی ذوی الافتراس علیها، فالاسلام وضع حجاب الرؤیة وحجاب السمع علیها لحفظها من کل ما یسوء لها فقال: (وَ قَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی ) .

فإذا کانت المرأة بهذه الموضعیة من الصون والحجاب فیجب علیها غض الصوت ویجب علیها القرار فی البیت فمع هذا کیف تقلد زمام الامامة العامة أو القضاء أو الزعامة حتی تتحاور وترتبط بالقاعدة الشعبیة الجماهریة... فطبیعة جسدها عائق لها عن ذلک. والقرار فی البیت هو حالة طبیعیة للمرأة و هذا لیس معنی حرمانها عن التعلم و رفع مستوی کفائتها وما اشبه ذلک، بل معنی أن المرأة وظیفتها الکبری هی تربیة الاسرة وبث روح العطف والحنان فی الاسرة ، فالقرار فی البیت یمثل أن

ص:66


1- (1) - سورة الأحزاب ، الآیة 33 .

دورها الأساسی هو الأسرة و هذا لا یعنی حرمانها من العلم والمواهب الأخری وإنما دورها الاساسی الاسرة فالبیوت هی الخلایا الأولیة التی ینتشر منها مکوّنات المجتمع.

وأیضا قوله: ( لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی ) ، فالبروز وخفض الصوت والحجاب الجید موانع تحول عن ارتباط المرأة مع الرعیة بینما الرئس والمفتی یخوض المیادین ویبرز فی المجالات المختلفة فلا تتناسب مع أدلة الاحتجاب بالنسبة إلی المرأة .

فخفض الصوت وعدم التبرج والبروز والقرار فی البیت تدل علی عدم تناسب المرأة مع تلک الوظائف المقررة لمنصب الافتاء.

وقوله تعالی: (وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِکُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِکُمْ ) (1). فإذا کان السؤال والتعاطی بالحدیث من وراء حجاب مع النساء فلا یتناسب مع تلک المقامات بل احتجاب النساء عن الرجال موجب لطهارة القلوب من النزوات والإثارات الجنسیة.

وهذه الآیات لیست خاصة بنساء النبی (صلی الله علیه و آله) باعتبار أنهن نساء زعیم الدین ، والبعض أراد أن یخص هذه الآیات بنساء النبی (صلی الله علیه و آله) باعتبارهن زوجات خلیفة الله فی ارضه دون باقی النساء.

ص:67


1- (1) - سورة الأحزاب ، الآیة 53 .

وهو غیر تام باعتبار أن تشریع الله لنساء النبی (صلی الله علیه و آله) قدوة لبقیة النساء فی الأخذ به فقوله تعالی : (لَسْتُنَّ کَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَّ ) فهذه التشریع تشریع قدوة لا انکن تختلفن عن بقیة النساء بل أولویة تقیدهن بالتشریع فالتشریع للجمیع وهن أولی بالتقید به لا أن هذه الآیات خاصة بهن دون غیرهن وفرق بین المقامین، فنفس التشریع التحریمی أو الالزامی فی قوله: (لَسْتُنَّ کَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَّ ) ثابت لجمیع النساء إلا أن نساء النبی (صلی الله علیه و آله) یتقرر علیهم التعامل مع التشریع بموجب أولویة أخذهن به لاضافتهن للنبی (صلی الله علیه و آله) بالمصاهرة ولهذا یختلف عقابهن قال تعالی: (یا نِساءَ النَّبِیِّ مَنْ یَأْتِ مِنْکُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ یُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَیْنِ وَ کانَ ذلِکَ عَلَی اللّهِ یَسِیراً) (1). مع أن هذا ثابت لغیر لنساء النبی (صلی الله علیه و آله) إلا أنه فی نساء النبی (صلی الله علیه و آله) فیه یضاعف أجرهن وعقابهن لا أن هذا التشریع خاص بنساء النبی (صلی الله علیه و آله) ولا یشمل غیرهن.

وأیضاً قوله تعالی: (یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِأَزْواجِکَ وَ بَناتِکَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِینَ یُدْنِینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلاَبِیبِهِنَّ ذلِکَ أَدْنی أَنْ یُعْرَفْنَ فَلا یُؤْذَیْنَ وَ کانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِیماً) (2).

ص:68


1- (1) - سورة الأحزاب ، الآیة 30 .
2- (2) - سورة الأحزاب ، الآیة 59 .

فالآیة تأمر بوضع اللباس وما شابهه لإقامة الجدار العازل بینهن وبین الرجال فکل هذه التشریعات للحجاب فی موارد عدیدة دالة علی عدم امکان تولی المرأة مناصب الزعامة لممانعة الحجاب لها؛ و أن وظائف الأمهات الأصلیة فی المنزل کما یبینه قوله: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ کُرْهاً...) (1).

مضامین أخبار النساء عی وعورة مضامین قرآنیة وبیان عدم کونه نقصا وازدراءا:

فهذه الآیات وغیرها من آیات الحجاب دالة علی عدم تولی المرأة بالدلالة الالتزامیة، فالطاعن فی مضمون أخبار أن النساء (عی) و (عورة) یطعن فی القرآن لأنها مضامین قرآنیة وأما مسألة أن القرآن یتأثر بالتاریخ فهو تاریخی ومراده من کون أن القرآن تاریخی أن الوحی لما یتنزل ببئیة یتأرخ ویفقد وحیانیته ویتلون بلون تلک البئیة التاریخیة بما هی علیه من علاتها ، وحیث کانت تلک البئیة آنذاک تحتقر المرأة فکذا القرآن حیث إنه عبر عن اغراضه بتلک اللغة المبنیة علی تلک الثقافة بعلاتها.

فجوابه هو ما تقدم من أن المرأة عورة لیس نقصاً فضلا عن کونه إذماً بل إن هذه الخطابات الشرعیة لبیان حقیقة أن جسم المراة طبیعته مثیرة للطرف الآخر فهو یسبب فتنة وغیرها... فالقرآن یبین أهمیة

ص:69


1- (1) - سورة الأحقاف ، الآیة 15 .

قیمة جسد المراة فالشارع بصدد أن لجسد المرأة قیمة ، حتی جاء أن أکثر جند الشیطان المرأة و ذلک باعتبار أن بدن المرأة بما له من خصوصیات تفتن به بحیث یجعل النفس تنجدب وتمیل إلیه ولهذا تجد الدول الاجنبیة تروج لبضائعها بواسطة المرأة بإبداء محاسنها ، فالمرأة لدیهم سمسار یعرض بها البضائع ویسوق به کل ما یراد تسویقه بل حتی ثقافاتهم یروجونها بجسد المرأة ، فالغرب لا یقرر حقوق المرأة حقیقة بل هو فی الواقع استغلال المرأة وجهل بقیمة بدنها حتی جعله مبتذل یروج به ما یرید ترویجه . وإذا ما هرمت وکبرت تعزل جانباً ولاقیمة لها لا فی الاسرة ولا فی المجتمع وما ذلک إلا لأنهم یتعاملون مع جسد المرأة معاملة الجسد بلا روح فإذا ما ذهب جمال جسدها انتهت صلاحیتها وبار سوقها وکسدت تجارتها، وبخلافهذا، الحضارة الأسلامیة فإن الاسلام کرم الانسان وأعطی کل ذی حق حقه فیتعامل مع المرأة بما لها من روح وجسد وبما هی بنت وأخت وزوجة وأم بل وبما هی أمرة ذات خصائص تکوینیة ... ولا یستغل جسدها لأشباع الملذات بل یحترمها ویقدرها بما لها من روح وجسد بحیث یحافظ علی جسدها من الأجانب الذین همهم من المرأة اشباع غرائزهم فقط وفقط ویبیح لها إشباع غرائزها بما یتناسب مع طبیعتها بنحو منظم مقنن بدون إنفلات فالأمر بالحجاب والتحجب هو صون وحفظ لها وللمجتمع من

ص:70

الانحطاط لما لبدنها من التأثیر الکبیر فی زلق المجتمع ولهذا یبین أن طبیعة المرأة عورة - لا ذمّا لها- إذ إثارة جسد المرأة للفتنة والریبة من الأمور الوجدانیة التی لا ینکرها جملة العقلاء.

وبعد ذهاب زهرة بدنها وکبرها یزداد وقارها واحترامها فتحترم أکثر فأکثر فإنها تکون أم البیت وجدة الأسرة وغیرها من عناوین الافخام والاجلال والاعظام فالمرأة کل ما تزداد سنا تزداد شخصیتها أو قیمتها بروحیتها وکمالها لا بجسدها بینما فی الغرب إذا ما کبرت کأنها علک عُلٍکَ ویُتفَل؛ وما ذلک إلا لأنهم جعلوا قیمتها فی جسدها، ولیس لها کوافل أسریة بل هی تتکفل نفسها بنفسهاوبشأنها .

وأما عند الاسلام فلیس من وظیفتها ودورها الکوافل الامالیة بل دورها الکوافل الروحیة فالمتکلف بالتوازن الروحی والعاطفی فی البیت فالشارع جعل وظیفتها بما یتناسب مع طبیعتها فالاسلام قائم علی الدقة فی توزیع الوظائف، فتری وظائف المرأة هی کل ما یتناسب مع طبیعتها من الحنان فکل ما یوجب الهدوء والروحیة والعاطفیة فهو من وظائفها الأولیة فقد جاء عن النبی (صلی الله علیه و آله) : «جهاد المرأة حسن التبعل»(1)، وأیضا کل ما یوجب الشدة والکلفة والحزم کحفظ الأسرة وإیجاد الأمان فهو من وظائف الرجل ، وما ذلک إلا لأن الاسلام یتعاطی مع الطبائع البشریة

ص:71


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 15 أبواب جهاد العدو، ب 4 ص 23 ح 2 .

بحسبها لا بحسب الملذات التی هی لطرف علی حساب طرف آخر.

وقد صدر تقریر عن نساء انجلترا أنهن أعلنَّ بأن المسؤولیة علیهن تزداد و ذلک لأنهن یتولین مسؤولیة الدار وخارجه ، و هذا ما قضی به النبی (صلی الله علیه و آله) وأخذته سیدة النساء فاطمة الزهراء الحجة علی الخلق سلام الله علیها: کما فی أکثر من خبر بهذا المضمون، فعن أبی جعفر ع(علیه السلام) قال: «إن فاطمة (علیها السلام) ضمنت لعلی (علیه السلام) عمل البیت والعجین والخبز وقم البیت وضمن لها علی (علیه السلام) ما کان خلفالباب من نقل الحطب و أن یجئ بالطعام»(1).

فدور المرأة فی البیت دور آخر فهو دور تربوی ، وأما هؤلاء الغرب ومن حدا حدوهم باسم المراة سلبوها حقوقها حتی استعملت کدابةٍ تمتطئ وسلعة تشتری وتباع إلی أن تکسد وتبور فأعطوها دور الحمل ودور البیت ومع ذلک أعطوها دور الخارج فتکون لعبة بأیدی الأجانب من الرجال فیهتکون سترها ویتلاعبون بشرفها، فالقرآن حینما یعبر عنها بألفاظ متعددة مضمونها أنها عی وعورة فلیس بصدد ذم المرأة بل بصدد اثارة الحفظیة لحمایة المرأة وللاهتمام بها .

ص:72


1- (1) - مستدرک الوسائل: ج 13 أبواب مقدمات (التجارة) ، ص 25 ح 11 .

فهذه الطوائف من الآیات لیست بصدد تنقیص المراة أو النظرة الدونیة والتحقیر أبدا بل هی بصدد تشخیص طبیعة المراة وفسلجتها وهندستها التکوینیة لتتعاطی مع ما یناسبها، ولهذا أمرها بعدم التشبه بالرجال کما نهی الرجل عن التشبه بها فذم الرجل المتخنث وهو من یتشبه بالنساء .

وکما مرّ أن هذه الاخبار لا تقتضی التنقیص والازدراء والتحقیر والسخریة بالمرأة بل هی لبیان طبیعتها الفسلوجیة مثل نصیحة وارشاد الطبیب لما یحدد ویبین مزاجک و هذا هو ما یقتضیه اختلاف الطبائع والوظائف فانظر فی هذه الأزمنة التی بدأ فیها تعین الوظائف الصناعیة بحسب أمزجة البشر فالطیار لابد أن من تتوفر فیه بعض الخصوصیات وکذا الطبیب وکذا مطفئ الحریق وأیضا مجری للعملیات الجراحیة وقیادة الجیوش فإنهم لا یولونها المرأة فلا یقوم بها إلا الرجال لما تحتاجه من قسوة وشدة وجسارة لا تتناسب مع عاطفتها وروحیتها وطبیعتها بل تتناسب مع طبیعة الرجل و هذا لا یعنی أن المرأة مذمومة ومحقرة.

فالشارع لو لم یبیّن هذه الفوارق الطبیعیة بین الجنسین لما کان هادیاً ومرشداً لأتباعه کما أن الطبیب لو لم یخبر مرضاه بطبائعهم التی یتعرفون من خلالها علی ما ینفعهم ویضرهم لکان مقصرا فی وظیفته، فبیان طبایع

ص:73

البشر لمعرفة خواصها لا یعنی الذم مثل بیان أقسام وأنواع الدم التی بعضها لا یتناسب مع بعض أنواع الدم الأخری وأیضا مثل معرفة المعادن وأنواعها لمعرفة قیمتها وآثارها کلها معادن إلا أن الذهب لیس بالحدید وغیرها من الخصوصیات التی هی ثمرة معرفة طبائع الاشیاء مع أن ذلک لا یعنی التنقیض والحط من شأنها.

و هذا نظیر ما جاء عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال : «المرأة شر کلها وشر ما فیها أنه لا بد منها»(1).

فکونها شر أی کل ممیزاتها یمکن أن تستغل وتستخدم للشر بحیث تکون من حبائل الشیطان وجهة الشر أن التی تحتوی علی هذه الصفات لابدّ منها فالحاجة إلی المرأة ضروریة لا یستغنی عنها بحال ولها هذه الصفات وبسبب الاضطرار والحاجة إلیها یمکن أن یسیطر أصحاب السوء علی الانسان فلابد من الحذر فإن الهدایة والتوصیة الدینیة مربیة و هذا فی مقام التحذیر لا فی مقام التنقیص والذم ، فإن قوله: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِکُمْ وَ أَوْلادِکُمْ عَدُوًّا لَکُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ) (2)، لیس فی مقام الاغراء بالزوج علی معاداة زوجته وأولاده ، وإنما الاسلام

ص:74


1- (1) - نهج البلاغة : ص 53 ، الخطبة 238 .
2- (2) - سورة التغابن ، الآیة 14 .

فی مقام بیان الوظیفة التی یتفادی بها عداوة الزوجة والأولاد وتحثه علی حسن التدبیر والادارة کی لا یؤدی الحال بالاسرة إلی التفکک والطلاق وضیاع الأولاد ، و هذا ما یفصح عنه ذیل قوله تعالی: (وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ ) (1).

فلابد من أن ننظر إلی توجیه الدین کمربی مثل قوله (صلی الله علیه و آله) : «من زوج ابنته شارب خمر فقد قطع رحمه»(2) فهو لیس فی مقام ذم وتنقیص وازدراء بل فی مقام تعلیم وتربیة. ولهذا لما تراه یأمر المرأة بالستر فلسفته هو تعقیم الجو العام عن الامراض الاخلاقیة. ومن هذا حین یأمر بالستر عن الفواحش وعدم اشاعة الفحشاء فهو تعقیم للجو العام أیضا عن مثل هذه الامراض لأنها تسقط بالفرد وبالمجتمع فتسقط الفرد بالفضیحة والرذیلة وتسقط المجتمع فی الکادورات وعدم صفاءه من المظاهر السیئة التی تقود المجتمع إلی السوء والنقص بحیث یتفشی وینتشر ذلک الوباء ولهذا تراه یأمر بالعفو وهو شیء وبالصفح وهو شیء آخر وبالغفران وهو شیء ثالث وهذه الآیة یمکن الاستدلال بها علی ولایة الزوج علی الزوجة أیضاً.

وأما أن فی المرأة صفات خیر وکمال فهذا لا تنکره الشریعة و أن کل

ص:75


1- (1) - سورة التغابن ، الآیة 14 .
2- (2) - وسائل الشیعة: ج 25 أبواب الأشربة المحرمة، ب 11 ص 312 ح 7 .

صفاتها یمکن أن تستخدم للخیر فهی خیر کله إلا أن الشارع إذا کان فی مقام التحذیر لابد له من أن یبین الجانب السلبی الذی یحذر منه وإذا کان فی مقام الاغراء والبعث إلی الجانب الایجابی تراه یقول: أحب من دنیاکم ثلاث منها النساء وغیرها من الاخبار المادحة.

مسألة غلبة طابع الذکوریة فی القوانین الالهیة وعدم مساوة المرأة للرجل:

وأما مسألة أن الغرب والعلمانیین فهم لایفقهون مثل هذه الحقائق إلا أن هذا لا یسبب مشکلة فی المبادئ وإنما هو نقص التوجیه الاعلامی الذی ینصب علی بیان الحقائق الطبیعیة الخاضة للموازین العقلیة والعقلائیة، فهذا البیان للطبائع لیس تنقیصاً بل هو لتکامل الادوار فکون المرأة ناقصة للعقل لزیادة العاطفة لدیها لا لخلل فی أصل العقل فیها فلابد أن تُکمِّله بالرجل وکما أن الرجل عنده نقص فی العاطفة فیتکامل بالمرأة فتجد التکافل بین الجنسین.

والعجیب من الغرب الذی یدعی بأنه رائد المجتمعات وهو ینتکس ویتردی فی حضارته فتراه یقرأ القوانین الدینیة بتشویش والخطأ عند من یتأثر به فی قراءته لهذه العناوین بدون تفهم لحقیقة النظرة الدینیة، فقوله تعالی : (وَ لَیْسَ الذَّکَرُ کَالْأُنْثی ) - مثلاً - أمر واقعی وجدانی من وجود

ص:76

الاختلافات بین الرجل والمرأة بحیث یتمیز کل منهما عن الآخر والاسلام یتعامل مع هذه الخصوصیات بنظام دقیق وعادل لا یشوبه أی خلل وتخلخل فی نفس النظام الطبیعی .

والدلیل الواضح - الذی یرد مزاعم الغرب المدعی لانفتاح المرأة علی کل شیء وأنها تصلح لمنصب الوزارات وکل شیء ویترنمون بهذا الانفتاح - أنک تری أن عدّة النساء اللواتی یشغلن هذه المناصب فعلاً بالنسبة للوظائف الوزاریة لا تصل خمسة فی المائة من تلک الوظائف بل غالبا یشغلها الرجال و ذلک لأنهم بوجدانیاتهم یدرکون عدم تناسب هذ المناصب مع العنصر النسوی بل یتولها العنصر الذکوری لما له من الحزم والشدة فانظر إلی جمیع الوزارات - التی تتکون أفرادها مثلا من العشرات أو المئات - لا تجد إلا امرأة واحدة أو امرأتین یشغل منصب وزیر فی تلک الوزارات وبقیة مناصب الورزاء یشغلها رجال وما ذلک إلا لأن طبیعة ادارة الولایات والشوؤن یحتاج إلی حزم وربط لا تتوفر فی طبیعة المرأة العاطفیة والروحیة.

فأین من ینادنی بالمساواة - لا بالعدل - بین الرجل والمراة ؟ ولماذا لا یجعل نصف الوزراء نساء ونصف البرلمان ونصف مجلس النواب أو المجلس البلدی الذی هو أقل بکثیر؟ فإنک لم تجد ولا تجد بل ولن تجد حتی خمسة بالمائة فضلاً عن النصف.

ص:77

وقد جاء فی عدة من التقریرات الاستراتیجیة الأمنیة أن المرأة أکبر خطراً وطعمة للأختراق الأمنی فهذه بحوثهم تؤید ما یذکره القرآن الذی هو یناغی الطبیعة والوجدان السلیم فالاسلام یعین ویحدد ما هو صالح للمرأة وأنها لو جعلت فی غیر موضعها ومکانها ستکون طعمة وضحیة وسلعة مبتدلة.

فتشریعات الغرب دائماً تصب فی ابتذال وحط وإزراء واثقال واشقاء المرأة ، بینما تشریعات الدین رحمة وعنایة وحمایة وکرامة للمرأة .

القول بتاریخیة القرآن:

فقول الحداثیین بأن القرآن تاریخی بمعنی أن الوحی حینما ینزل یفقد ما هو علیه فیکون مواکباً وجاریاً لتلک الحقبة الزمنیة فحسب، فیتأثر القرآن بالبیئة التاریخیة فیفتقد روحانیته ویتکیف بتلک البئیة بعلاتها، فتکون صیاغته صیاغة تابعة لتلک الثقافات بعلاتها کما لو کانت معلوماتها خاطئیة فالنبی یصیغ القرآن علی حسب تلک الثقافة بما هی وعلی علاتها واخطائها إذ الغرض یتحقق و أن کانت تلک المفاهیم خاطئة مادام الناس یعتقدون صحتها إذ الغرض هو التمثیل لبیان الغرض الالهیة فیمکن أیبرز ذلک الغرض کبیان قدرة الله بقوله (فَکَسَوْنَا الْعِظامَ

ص:78

لَحْماً) (1) فإنه یصح علی حسب اعتقادهم السائد آنذاک وإن کان فی نفسه خطأ ، و هذا النظریة الغربیة هی التی تفسر النبوة بأنها تجربة بشریة مثلها مثل بقیة التجارب استهلکت وأکل علیها الدهر وشرب، فالأسلام خاص بتلک الحقبة الزمنیة لا یتعداها . و هذا غیر صحیح لأن هذا مصادم لأصول ثابتة قام علیها الدلیل بأن الوحی شامل لکل البیئات ولیست الأعراف التاریخیة تکبله ببیئاتها وثقافتها بعلاتها و ذلک لأن الوحی شیء شفاف لا ینحبس بظرف خاص، فمن باب المثال لدفع هذه الشبهة فی توجیه هذه الآیات - و هذا القول ینظر لقدسیة القرآن - فالثابت فرضه لیس بمحال والبشریة دوماً فی البحث والسیرة العلمیة لکافة العلوم فی السعی للوصول إلیه کمعادلات ثابتة إلا أنها لم تصل إلیه لقصورها وعدم اطلاعها علی حقائق الاشیاء الجسمیة والروحیة.

إلا أننا لو فرضنا أن آخر جیل بشری تکاملت فیه مسیرة العقل البشری ولدیه النوابغ بحیث یحمل جمیع الجهود البشریة والاکتشافات

ص:79


1- (1) - وکل الاشکالات الموجهة تجاه القرآن من جهة علمیة کلها ناتجة من الخلط بین الحقیقة العلمیة وبین النظریة العلمیة والفرضیة العلمیة بل والخیال العملی فیشکل بالنظریة أو الفرضیة مع انها لیست حقیقة حتی تصلح للاشکال بها أو للخلط فی الفهم کفهم العظام فی قوله تعالی: فَکَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً غیر المراد القرأنی.

والعلوم عبر التاریخ باعتباره آخر جیل وبالتالی یتوصل إلی قوانین عامة ومعادلات کلیة شاملة ومعالجات لجمیع الامور ولجمیع البیئات لفرض أنه توصل إلی کل ما یمکن أن یتوصل إلیه البشر فإذا کان هذا حال القدرة البشریة فکیف بک بالله خالق الخلق!!

وعلیه فالله خالق الکون بما یحوی من اسرار مادیة وروحیة محیط بتلک الامور و تلک الأسس وخواصها بحیث یقدر علی أن یوحیها إلی أحد من خلقه فتکون هذه الأسس التابعة لواقعیة الاشیاء عامة لجمیع الاجیال فلا قصور فیها عن الشمولیة والعمومیة ولا تتغیر بل هی ثوابت لکل المتغیرات إذ الواقعیات العامة ثابتة لا تغیّر ولاتبدل فیها .

والبشریة - کما مرَّ - فی حالة سعی فی مسیرة العلوم حتی تصل إلی ثابت تندرج تحته المتغیرات إذ المتغیر قیمته وقتیة فقط وفقط وبحث البشر وتنقیبه فی البحث العلمی فی کل علم فی کل مسألة عن الثابت و هذا یدل بوضوح علی ما هو فی قرار وجدانهم وبدیهیة عقلهم من وجود ثابت شمولی وعلیه کیف یستنکرون علی الدین من ثبات قوانینه وأنها لا تتغیر . ففطرة البشریة فی کل مساراتها العلمیة لأجل الوصول للمعادلة العلمیة الثابتة فالقول بامتناع کون القرآن ثابتاً لکل الأزمان ساقط. فالذی تبنته النظرة الغربیة - حول الدین والذی یترجمه جملة من الحداثویین والعلمانیین بکون القرآن تاریخی - خاطئ بل هو عام ومعالج

ص:80

للجمیع الأزمنة إذ هو لیس بولید التاریخ حتی یفقد شفافیته الوحیانیة بتصرم تلک الحقبة من الزمن.

قول بتوجیه هذه الآیات التی تضع الفوارق بین الرجل والمرأة وما فیه:

حاصله: أن القرآن لا یقر تلک الفوارق بین الرجل والمرأة ولکن بیئة البشر فی ذلک الزمان کانت قائمة علی التفریق والتمییز، والشرع یجادلهم

بمرتکزاتهم من باب المجاراة فهذه الآیات التی تذکر تلک الخصوصیات للمرأة مثل کونها عورة وغیرها بأن الشارع استعمل هذه الامور مجاراة لتلک البیئة البشریة آنذاک القائمة علی التفریق والاستحقار والتمییز فالقرآن یخاطبهم علی حسب اعرافهم من أن المرأة نقص وعورة وغیرها فهو یخاطبهم بحسبما یعتقدونه لا أنه فی الواقع یقر ذلک فهو من باب الجدال بالتی هی أحسن.

ولیس هذا بصحیح لأن جملة من الآیات تعلل نقص المرأة مثلاً بأمور تکوینیة ولیست مرتبطة بالاعراف مثل قوله تعالی: (أَ وَ مَنْ یُنَشَّؤُا فِی الْحِلْیَةِ وَ هُوَ فِی الْخِصامِ غَیْرُ مُبِینٍ ) . فالذی یکون ناشئاً فی الدلال والعاطفة والنعومة لا یتناسب مع الصلابة والجسارة .

وجاء فی (الشافی) : فقال النبی (صلی الله علیه و آله) : «هلکت الرجال حیث أطاعت النساء».

ص:81

ومن طرق القوم ألسنةٌ متعددة عنه (صلی الله علیه و آله) : «لا یفلح قوم تملکهم امرأة»(1)، أو «و لوا أمرهم امرأة»(2)، أو «یلی أمرهم إلی امرأة»(3).

واضح أن القیادة لا تتناسب مع العطوفة والرأفة والحنان وکذا قوله تعالی: (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ ) (4).

والتفضیل منه تعالی ههنا یشیر إلی المیزان التکوینی فی الخلقة مما یتناسب مع الصفات المطلوبة فی القیادة لا مطلق الصفات الأخری.

الطائفة الثالثة الآیة التی تجعل شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل:

ما دلت علی أن شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل وعللت ذلک بامکان نسیان المرأة أی أن قدرتها علی الضبط تقل عن ضبط الرجل قال تعالی: (وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِیدَیْنِ مِنْ رِجالِکُمْ فَإِنْ لَمْ یَکُونا رَجُلَیْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَکِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْری ) .

ص:82


1- (1) - صحیح البخاری ج8 ص97.
2- (2) - سنن الترمیذی ج3 ص360.
3- (3) - مسند أحمد ج5 ص50.
4- (4) - سورة النساء ، الآیة 34 .

جعلت هذه الآیة شهادة المرأة نصف شهادة الرجل - فی غیر الحدود وإلا فالحدود لا تقبل شهادتها أصلا - معللا بالنقص التکوینی البدنی و هذا مؤید للاستدلال بالطائفة الاولی التی مرت من أن الضعف التکوینی منشأ لعدم اعطاء الصلاحیات الخطیرة للمرأة وقد علل بالنسیان أو الغفلة إذ فی الغالب المرأة ترکیزها غیر ترکیز الرجل و ذلک لطبیعتها التی لا تتناسب مع الامور الجافة مثل الأمور النظریة التی تخلو من روح العاطفة والتی لا تتناسب مع طبیتعها من النعومة والرأفة فلا تضبط تلک الموارد بخلاف الرجل وتخلف عدم النسیان فی غیر موارد الغالب لا یسمح بتنصیب المرأة باعتباره علة تشریع لا علة حکم .

ووجه الاستدلال بهذه الطائفة أنه إذا کانت المرأة کمستند توثیق لا یجعلها الشارع فی الوثاقة والضبط بمنزلة الرجل بل اثنتین بمنزلة الرجل الواحد فهو یدل علی عدم اسناد واستناد الصلاحیات الخطیرة للمرأة لأنها تحتاج إلی ضبط أکثر، طبعا هذا فی غیر الحدود وأما فیها فلا یقبل منها أصلاً فإذا کان لا یعول علیها فی الشهادة بمفردها فکیف بالمناصب الخطیرة کالزعامة والمرجعیة والقضاء والولایة العامة؟

وقد استدل لعدم صلاحیتها للقضاء بعدم قبول شهادتها فی الحدود أصلا - مع عدم الاضطرار - فکیف تکون قاضیة .

ص:83

الطائفة الرابعة: الآیات الدلالة علی ولایة الرجل علی المرأة :
اشارة

منها: قوله تعالی: (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَیْبِ بِما حَفِظَ اللّهُ وَ اللاّتِی تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِی الْمَضاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَکُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَیْهِنَّ سَبِیلاً إِنَّ اللّهَ کانَ عَلِیًّا کَبِیراً) (1).

ومنها: قوله تعالی: (وَ الْمُطَلَّقاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا یَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ یَکْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِی أَرْحامِهِنَّ إِنْ کُنَّ یُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِی ذلِکَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِی عَلَیْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجالِ عَلَیْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ اللّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ ) (2).

ومنها: قوله تعالی: (وَ لَنْ تَسْتَطِیعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَیْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِیلُوا کُلَّ الْمَیْلِ فَتَذَرُوها کَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللّهَ کانَ غَفُوراً رَحِیماً) (3).

ومنها: قوله: (وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِکُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ

ص:84


1- (1) - سورة النساء ، الآیة 34 .
2- (2) - سورة البقرة ، الآیة 228 .
3- (3) - سورة النساء ، الآیة 129 .

أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ لا تُمْسِکُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَ لا تَتَّخِذُوا آیاتِ اللّهِ هُزُواً وَ اذْکُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَیْکُمْ وَ ما أَنْزَلَ عَلَیْکُمْ مِنَ الْکِتابِ وَ الْحِکْمَةِ یَعِظُکُمْ بِهِ وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ بِکُلِّ شَیْ ءٍ عَلِیمٌ) (1).

ومنها: قوله تعالی: (وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ یَنْکِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَیْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِکَ یُوعَظُ بِهِ مَنْ کانَ مِنْکُمْ یُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ ذلِکُمْ أَزْکی لَکُمْ وَ أَطْهَرُ وَ اللّهُ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (2).

ومنها: قوله تعالی: (نِساؤُکُمْ حَرْثٌ لَکُمْ فَأْتُوا حَرْثَکُمْ أَنّی شِئْتُمْ وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِکُمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّکُمْ مُلاقُوهُ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ ) (3).

ومنها: قوله تعالی: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَ أَهْلِیکُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ عَلَیْها مَلائِکَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا یَعْصُونَ اللّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ یَفْعَلُونَ ما یُؤْمَرُونَ ) (4).

ص:85


1- (1) - سورة البقرة ، الآیة 232 .
2- (2) - سورة البقرة ، الآیة 233 .
3- (3) - سورة البقرة ، الآیة 223 .
4- (4) - سورة التحریم ، الآیة 6 .

فهذه الآیات کلها تدل علی قیومیة الرجل علی المرأة فکونه قواما علیها وکونه یمسکها أو یسرحها وکونها حرث له کأن یملک بضعها وما أشبه ذلک وکونه مامورا بوقایتها وحفظها فللرجل ولایة علیها ولو علی سلطنة البضع ولهذا استدل کثیر بالمنع من تزویج الکافر بالمسلمة بقوله

تعالی: (وَ لَنْ یَجْعَلَ اللّهُ لِلْکافِرِینَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ سَبِیلاً) باعتبار أن النکاح سلطنة وولایة من الزوج علی زوجته. بل یستفاد من قوله تعالی : (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ) ، أن عنوان الرجل طبیعته سواء کان زوجاً أو غیره قوام علی عنوان النساء ولذلک لم یأخذ عنوان الزوج والزوجة بل لو کانت خاصة بالزوج والزوجة فإذا کان هذا حال المرأة فی الامور المحدودة وهی خصوص الجو الأسری وإذا کانت المرأة فی المجتمع الصغیر وهو الاسرة لا قوامیة لها فکیف بالمناصب العظیمة والخطیرة فبالاولویة القطعیة لا تتسنم ذلک المنصب الخطیر الذی هو أکبر وأعظم من ادارة ذلک المجتمع الصغیر وإن کان لها دور فی جوانب أخری. و هذا لیس معناه ازدراء بالمرأة بل هی معادلة فسیلوجیة وهو بما یتناسب وطبیعتها ومع أن هذه المناصب بحسب القوانین فی الغرب مفتوحة ومع ذلک لا یولون المرأة تلک المناصب إلا أقل من خمسة فی المائة.

ووجه عدم کونه ازدراء بها هو أن الرئاسة لیست فضیلة بل هی

ص:86

خدمة فی المنطق الدینی و أن القیمة والفضیلة للتقوی نعم هی فی منطق الغرب فضیلة لکونها قوة للبطش والفتک.

فهذه الآیات تدل علی منع المرأة من تولی تلک المناصب بالالتزام أو بالمطابقة کما فی آیة (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ) وإن سلمت أنها خاصة بالزوجین أو الاسرة فیتعدی إلی المناصب العظمیة بالأولویة القطعیة وإن تنزلنا بدون أولویة وحصرناها فی الاسرة فإن هذه المناصب لا تتناسب مع المراة المولی علیها تربیة الرجل لها بالتأدیب والهجران والحجر من الخروج من البیت بحیث تکون إرادتها مبتزة ومسلوبة ومتخلخلة بحیث لا تتناسب مع هذه المناصب الخطیرة.

تناسب طبیعة الأحکام مع الطبیعة التکونیة للمرأة والرجل:

فطبیعة وفسلجة المرأة روحا وبدنا تحتاج إلی حام یحمیها لا أنها تحمی نفسها بنفسها فمثلاً بمجرد أن تترک المرأة فی المنزل بدون رجل یختل أمن المنزل فالمرأة بدون رجل لا آمان لها بخلاف طبیعة الرجل فإنه بنفسه أمان لنفسه ولغیره و هذا أمر عقلائی تکونی فالمرأة کطبیعة فریسة أی طبیعتها أن تکون فریسة إلا أن تحمی ، و هذا یقر به حتی دعاة الحداثة من الغرب وغیرهم و أنهم یطالبون بحمایة المرأة ولو إدعاءاً إلا أنهم یختلفون مع النظام الاسلامی فی نفس ما هو المحقق لحمایتها ولهذا ینادون بحمایة المرأة بالاسالیب المتطورة مع أن الاسلام لا یمنع

ص:87

من التطور والرقی بل یحث ویشجع علیه کما قال تعالی: (أَنِّی لا أُضِیعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْکُمْ مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی ) (1)، و أن أکرمکم عند الله أتقاکم لیس هو الرجل بل التقی سواء امرأة أو رجل، أما التسویة فی البدن والنزعات الروحیة وما یناسبها وما یلائمها فالاسلام عادل یعطی کلاً حسب طبیعته وفسلجته مع مراعاة کلا الجانبین ولا ینظر الاسلام إلی المتطلبات الذاتیة التی تکون علی حساب النظام القائم بین الرجل والمرأة ولأجل التفریط فی طبیعة ترکیب وتوازن الأسرة نری أغلب البلدان الاوربیة مهددة حالیاً بالشیخوخة ومستقبلاً بالانقراض بعد عقود من الزمن وکل ذلک لعدم النظم فی الأسرة و ذلک لکون الهم الأکبر عندهم الترکیز علی ملذات الذات فإن الحمل وتربیة الاطفال عبأ وثقل وبتقنیاتهم لا یحافظون علی المسؤولیة تجاه المجتمع بقدر الترکیز علی افراط ملذات الذات بقطع النظرعن المجتمع فإن الحمل وتربیة الأولاد والمسؤولیة الزوجیة یعیق عن افراط تلذذ المرأة بالرجل وبالعکس فالمنطق المحکم هو منطق الشهوة والذاتیة فالجیل الراهن لا یضحی لأجل الأجیال الآتیة وبذلک أن یتهدد النسل البشری عندهم بالانقراض وسبب ذلک هو عدم معرفتهمبالطبیعة البشریة.

ص:88


1- (1) - سورة آل عمران ، الآیة 195 .

وکلامنا لیس مع الشرق والغرب بل الکلام مع النظام الغربی وفی الوقت الحاضر تشیر احصایئات فی العالم الأعم من الشرقی والغربی تبین أن تسعین بالمائة من النساء اللواتی یعملن فی القطاعات العامة والخاصة یتعرض لتحرش الرجال بالعین أو بالید إلی أن یصل إلی ما یصل إلیه و هذا مؤشر برهانی دامغ دال علی تکوینیة قانون قوله تعالی: (وَ قَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ ) (1)، فإن قیمتها فی روحها ونفسها وعاطفتها وبدنها أما غیر النظام الأسلامی فقیمتها عندهم فی بدنها وجمالها فقط وعندما یذهب جمال بدنها تسقط قیمتها لدیهم من رأس.

بینما الشارع یعادل فی توزیعه للوظائف کل حسب فسلجته وطبیعته ، وإلی هذا یشیر أمیر المؤمنین (علیه السلام) بقوله: «خیار خصال النساء شرار خصال الرجال : الزهو والجبن والبخل فإذا کانت المرأة مزهوة لم تمکن من نفسها، وإذا کانت بخیلة حفظت مالها ومال بعلها . وإذا کانت جبانة فرَّت من کل شیء یعرض لها»(2).

فانظر إلی هذه الصفات التی یختلف موطنها فی الرجل عنه فی المرأة وما ذلک إلا بحسب ما یناسب طبیعة الرجل والمرأة فتری الاسلام یعین الجهاد للرجل فی الحروب وأما المرأة ، فجهادها هو حسن التبعل

ص:89


1- (1) - سورة الأحزاب ، الآیة 33 .
2- (2) - نهج البلاغة: ص 52 الخطبة 234 .

لزوجها وأما جهاد الرجل یختلف موطنه وموضوعه بحسب طبیعته وفسلجته، وأحد الاخطاء المصیریة هو الخلط بین طرق تحصیل الکمالات لکل صنف فأن طرق الکمالات للمرأة تختلف عن طرق وشاکلة العمل الذی یصل به الرجل إلی کمالاته ومن الخطأ الفاضح أن یجعل طریقهما واحد مع اختلاف طبیعتهما فالخطأ الذی یقع فیه المشرع والمقنن الغربی هو أنه یجعل کل صفة للرجل والمرأة تجعل بشکل وزیٍّ واحد ، فارد فیجعل اظهار قوة المرأة بمظهر قوة الرجل ویجعل مظهر کمالات المرأة بمظهر کمالات الرجل و هذا خطأ واضح بعد معرفة اختلاف الطبیعتین وأما الاسلام فتراه یجعل الجبن فی المرأة من الکمالات ومن النقائص فی الرجل والبخل للمرأة من کمالاتها ومن نقائص الرجل وهکذا کل تکامله علی حسب وظیفته و هذا مثل اللباس فإن وظیفة اللباس هو ستر البدن إلا أنه یختلف زیه عن زین الآخر فالهدف واحد إلا أن الصورة تختلف وتفترق بین الرجل والمرأة. فمن الغلط الفاضح هو مساواة وجعلهما نسخة طبق الاصل فی توحید ازیاء الرجال والنساء فإنه هذا لیس منالمساواة الموصلة کل إلی کماله فی شیءإذ المساواة والعدل هو بأن یخالف کل صاحبه علی حسب طبیعته فی السلوک العملی لا أن تشابه وتطابق.

ص:90

فبیان ضعف المرأة لبیان صورة ما یناسبها فی التکامل بأنه یختلف عن صورة ما یتکامل به الرجل ، فهذه الاخبار تفسر وتبین فلسفة الطائفة الأولی والطائفة الثانیة.

منها: موثقة السکونی عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «إنما المرأة لعبة ، من اتخذها فلا یضیعها»(1).

وروی الکلینی بثلاثة طرق مسندة و هذا یوجب الوثوق بصدورها - عن عبد الرحمن بن کثیر ، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «فی رسالة أمیر المؤمنین (علیه السلام) إلی الحسن (علیه السلام) : لا تملک المرأة من الامر ما یجاوز نفسها فإن ذلک أنعم لحالها ، وأرخی لبالها ، وأدوم لجمالها ، فإن المرأة ریحانة ولیست بقهرمانة ولا تعد بکرامتها نفسها، واغضض بصرها بسترک واکففها بحجابک ولا تطمعها أن تشفع لغیرها فیمیل علیک من شفعت له علیک معها واستبق من نفسک بقیة فإن إمساکک نفسک عنهن وهن یرین أنک ذو اقتدار خیر من أن یرین منک حالا علی انکسار»(2).

فقوله (علیه السلام) هذا جامع من جومع الکلم یبین فلسفة منظومة التشریع فی الاسلام، فالاسلام فی مقام بیان نعومتها ورحمتها ولیس فی مقام التنقیص والحط من شأنها، والبیان النبوی یفلسف کل منظومة التشریعفی

ص:91


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النکاح وآدابه، ب 86 ص 167ح 2 .
2- (2) - المصدر نفسه، ب 87 ص 168 ح 1 .

تلک الجملتین فإذا کانت المرأة ریحانة من النعومة والخضوع فالولایة والسیطرة تتنافی مع أصل خلقتها إذ خلقتها ریحانیة حتی قال (صلی الله علیه و آله) : «رفقا بالقواریر»(1)، فالقاروریة بمعنی ظرافة الخلقة لما فیها من النعومة والنزاکة فلیس نظرة الاسلام نظرة منطلقة من اضطهاد المرأة أو الازراء بها بل هو نوع من الحمایة للمرأة لأنها موجود ذو نعومة وریحانیة فهی مثل الوردة التی لیست لها خشونة الغصون فضعفها لیس بمعنی الازراء بل لزوم الصیانة والحمایة والوقایة بأن لا تستهدف وتبتز وتکسر فانظر کیف اختلاف حمایة الورد عن حمایة الاشجار الصلبة فالورود تحتاج إلی حمایة أکثر وأشد عنایة وجهد.

فانظر إلی دقة التعبیر النبوی وإعجازه فإنه ینظر بنظرة اکرام واعزاز واحترام وعنایة بحالها لا بمثل النظرة الیهودیة المنحرفة والمسیحیة المنحرفة من أن المرأة نجسة أو أنها شؤم أو أنها قاذورة أو یتطیر منها ویتشائم بل المرأة ریحانیة فینظر لها نظرة احترام وعنایة .

الطائفة الخامسة الآیات الدالة علی أنهن نواقص حظوظ:

قوله تعالی: (یُوصِیکُمُ اللّهُ فِی أَوْلادِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ ) فهذه الآیة تدل علی أن المرأة حقها أنقص من حق الرجل فلامعنی لرد

ص:92


1- (1) - المجازات النبویة ص30 .

الاخبار التی تدل علی أن النساء نواقص حظوظ ونواقص إیمان أو دین إذ أن کونها ناقصة حظ ودین مضامین قرآنیة کما هو فی آیات الارث وآیات اسقاط الصلاة عن النساء فی الحیض، والسبب عند هؤلاء المعترضین أو المشتبهین هو عدم فهمهم لما یصبو إلیه القرآن الکریم من بیان طبیعة المرأة والرجل واعطاء کل علی حسب طبیعته کما تقدم بیان ذلک فی طوائف الآیات المتقدمة، ولیس هو فی مقام الازدراء والتشنیع والذم بل هو دائما فی مقام التربیة والتهذیب، فلا معنی لرد الأخبار بعد تضمنها هذه المضامین القرآنیة .

ومن خطبة لأمیر المؤمنین (علیه السلام) بعد حرب الجمل: «معاشر الناس إن النساء نواقص الإیمان، نواقص الحظوظ نواقص العقول . فأما نقصان إیمانهن فقعودهن عن الصلاة والصیام فی أیام حیضهن. وأما نقصان حظوظهن فمواریثهن علی الانصاف من مواریث الرجال . وأما نقصان عقولهن فشهادة امرأتین کشهادة الرجل الواحد . فاتقوا شرار النساء . وکونوا من خیارهن علی حذر ولا تطیعوهن فی المعروف حتی لا یطمعن فی المنکر»(1).

فأمیر المؤمنین (علیه السلام) یرجع هذه المضامین إلی مضامین قرآنیة .

ص:93


1- (1) - نهج البلاغة: ص 129 - 130 الخطبة 80 .

والصلاة اطلق علیها (ایمان) فی القرآن: (وَ ما کانَ اللّهُ لِیُضِیعَ إِیمانَکُمْ ) (1)، ولیس المقصود أن الرجل لا یفعل المعروف بل یفعله ولکن بدون أن یکون فعله للمعروف مستنداً إلی أمر المرأة وطلبها وتحکیم سلطنة المرأة وسیطرتها لکی لا تطمع فی أمره بالمنکر.

ویمکن أن یقرب الاستدلال بهذه الطائفة بأن المرأة إذا کانت ناقصة حظ فی المجتمع الأسری الصغیر فکیف بها فی المجتمع الکبیر الذی هو أکبر بکثیر فنقصان حظها بطریق أولی فلا ترقی إلی درج حظ الرجل من تلک المناصب بحسب طبیعتها.

وبتقریب آخر إذ کان حظ المرأة أنقص من الرجل لکونها مکفولة للرجل فی الجانب الأسری فکیف تکون کافلة للجوانب العظیمة والخطیرة. فهی لم تولَّ مسؤولیة الکفالة الخاصة بل کانت مکفولة لما تحتاجه فالکفالة من الوظائف التی لا تتناسب مع طبیعة المرأة فکیف تتولی کفالة المجتمعات ذات المسؤلیات الخطیرة التی تحتاج إلی حزم وشدة وقوة لا یستهان بها.

وأیضا من جهة أنها ناقصة إیمان ودین بمعنی أن مسؤولیتها أخف من الرجل باعتبار طبیعتها فکیف تولی المناصب ذات المسؤلیات الثقیلة

ص:94


1- (1) - سورة البقرة ، الآیة 143 .

والخطیرة وهذه مثل غیر البالغ الذی لا ذمة له فکیف یسلم المناصب التی تحتاج إلی تحمل وذمة ، خصوصاً أن هذه الرئاسة وظیفة وخدمة لا

أنها سلطنة تجبر وتکبر وبطش حتی یتهافت علیها ذو القابلیة وغیره حتی تعرض هذه الولایة علی الجمیع فیقال: إن للمرأة نصیب کما للرجل نصیب.

الطائفة السادسة: الآیات التی تعرض لملکة سبأ:

قوله تعالی: (إِنِّی وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِکُهُمْ وَ أُوتِیَتْ مِنْ کُلِّ شَیْ ءٍ وَ لَها عَرْشٌ عَظِیمٌ * وَجَدْتُها وَ قَوْمَها یَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللّهِ وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِیلِ فَهُمْ لا یَهْتَدُونَ ) (1).

وتقریب الاستدلال أن القرآن صور وقرر ما جری بین الهدهد وبین النبی (علیه السلام) حیث رکز تقریره عن قوم سبأ بالاهم والغریب وهو أن امرأة تملکهم وقدم المرأة لما فی ذلک من الغرابة والعجب والاستنکار فترک تقدیم خبر الشرک بالله ورکز علی ما هو عجیب ومستنکر فطریاً من أن المرأة تملک أمر القوم.

ویؤید ما ذکرناه ما جاء عن الامام الحسین (علیه السلام) : «ولقیه أبو هرة الأسدی فسلم علیه ثم قال : یا ابن رسول الله ، ما الذی أخرجک عن

ص:95


1- (1) - سورة النمل ، الآیتان 23 - 23 .

حرم جدک محمد (صلی الله علیه و آله) . فقال (علیه السلام) : ویحک یا أبا هرة إن بنی أمیة اخذوا مالی وشتموا عرضی فصبرت وطلبوا دمی ، فهربت وأیم الله لتقتلنی الفئة الباغیة ولیلبسنهم الله ذلا شاملا وسیفا قاطعا ولیسلطن الله علیهم من یذلهم حتی یکونوا أذل من قوم سبا إذ ملکتهم امرأة فحکمت فی أموالهم ودمائهم»(1).

وبلسانها ما جاء عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی ذم من خرج مع عائشة من أهل البصرة : «کنتم جند المرأة . وأتباع البهیمة»(2).

وقد أشکل البعض علی هذا : بأنه مجرد سرد خبری لا یستفاد منه تنقیص وحط لولایة المرأة بل هو حکایة عما هو موجود فی الخارج.

وفیه: أنه تقریر لکلام الهدهد وإن کان سردا خبریاً إلا أن التقریر لصاحب الشأن یرکز فیه علی الجوانب ذات الأهمیة والحساسة والغریبة وأکثر هذه الجوانب غرابة هو ما قدمه علی جمیع الاخبار والحوادث التی صادفها من کون المرأة تملکهم وهو جانب ازدراء وتنقیص وذم لتولیة المرأة علیهم و هذا مثل ما جاء فی الخبر: «ما ولی قوما امرأة إلا ذلوا» . وسنبین أن هذا الخبر یوجد بطریق صحیح.

ص:96


1- (1) - اللهوف فی قتلی الطفوف: ص43 ، مثیر الأحزان : ص 33 .
2- (2) - نهج البلاغة : ص 44 الخطبة 13 .

والقرآن حینما نقل الاحداث والمشاهد البشریة لا یستعرض کل ما هب ودب بل یرکز علی الأمور المهمة التی فیها حکمة وعبرة فلا یقتطع مقطوعة من تلک الأحداث إلا لما لها من الخصوصیة والأهمیة فی بیان الحکمة التی یرید إیصالها.

ولهذا ینقل القرآن بعض أقوال أهل النار و ذلک لما فی تلک الأقوال من حکمة وعبرة للغیر و هذا لا یدل علی أن أهل النار أناس معتبرون حتی یقال هل کلام الهدهد معتبر أم لا؟ فترکیز القرآن الکریم علی ما قیل لا علی من قال!. ولم یفند القرآن ما ذکره الهدهد أو أقوال أهل النار فهذا یدل علی أن القرآن یعتبرها.

وهنا نکتة لابد من الالتفات إلیها حاصلها أن غیر المعصوم لیس المیزان علی شخصه بل علی الدلائل بحیث یخضع کلامه للموازین والأدلة بخلاف المعصوم فإن المیزان فی حجیة کلامه هو شخصه.

فالهدهد کان بصدد تحفیز سلیمان (علیه السلام) علی اقامة الحق فی القضیة التی یذکرها له بذکر الموجبات لقیامه قبال بلقیس وقومها باعتبار أن وظیفة النبی سلیمان (علیه السلام) الاصلاح واقامة النظام العادل ومن تلک الامور التی توجب له الخروج : کون المالک لأمر هؤلاء امرأة ، ولکونه (علیه السلام) بصدد العلاج واقامة الحق ، لذا (قالَ سَنَنْظُرُ أَ صَدَقْتَ أَمْ کُنْتَ مِنَ الْکاذِبِینَ ) .

ص:97

والقرینة أخری أن الولایة لو کانت للرجل والمراة سیان فلم التعجب

الدال علی أن ولایتها من الامور غیر الطبیعیة.

ومع رجحان عقلها وجزالته ومع ذلک لم یرتضها لهذه المنصب.

فانظر إلی ما یدل علی رجحان عقلها من خلال ما تعرضه الآیات المبارکة: (قالَتْ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ إِنِّی أُلْقِیَ إِلَیَّ کِتابٌ کَرِیمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَیْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ * أَلاّ تَعْلُوا عَلَیَّ وَ أْتُونِی مُسْلِمِینَ * قالَتْ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِی فِی أَمْرِی ما کُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتّی تَشْهَدُونِ ) (1).

فمن رجحان عقلها - مع کون الادارة بیدها فقط کملکة وحاکمة - إلا أنها تستشیر قومها - و ذلک لأن الاستشارة لا تنافی الامارة بل هی صاحبة الأمر الأول - لتکامل النظرة والحصول علی الرأی الجامع الجازل فالاستشارة هی مداولة الرأی للوصول للقول الصائب فهذا معنی الاستشارة عند الامامیة وأما عند العامة فهی تحکیم رأی الأکثر وإن کان خلاف الواقع ولهذا جعلوا شق عصا الجماعة مخالفة للدین وإن کان خلاف الواقع بل خلاف الدین نفسه. فهذه ثمرة من ثمار وفوائد الاستشارة .

ص:98


1- (1) - سورة النمل ، الآیات 29 - 33 .

ومن فوائدها أیضا غیر الوصول والاستکشاف، بل تأثر المستشارین لیتفاعلوا مع قائدهم ، فهکذا کان یستشیر النبی (صلی الله علیه و آله) لا أنه یستشیر إلی الوصول للصواب، وأیضا متعلق الشوری هو الفعل لا الفاعل والحکم لا الحاکم فیستشار فی الفعل وفی الحکم ولا یستشار فی الحاکم وتحدیده وتحدید ارادته و ذلک لکونه صاحب الاردة والعزم فالشوری لا تحد الارادة ، ولهذا قال تعالی: (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ کُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِی الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الْمُتَوَکِّلِینَ ) (1).

و مما یدل علی رجحان عقلها أیضا أنه لما استفتتهم عرضوا لها قوتهم وشدتهم فلم تسمع بکلامهم وإنما تعاملت بحنکة ورجحان لمعرفة أحوال النبی سلیمان (علیه السلام) وارسلت طعماً - کما هو مضمون الأخبار - لکی تستکشف إن کان ملکاً أو نبیاً (قالَتْ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِی فِی أَمْرِی ما کُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتّی تَشْهَدُونِ * قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِیدٍ وَ الْأَمْرُ إِلَیْکِ فَانْظُرِی ما ذا تَأْمُرِینَ * قالَتْ إِنَّ الْمُلُوکَ إِذا دَخَلُوا قَرْیَةً أَفْسَدُوها وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَ کَذلِکَ یَفْعَلُونَ * وَ إِنِّی مُرْسِلَةٌ إِلَیْهِمْ بِهَدِیَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ یَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ) (2).

ص:99


1- (1) - سورة آل عمران الآیة 159 .
2- (2) - سورة النمل ، الآیات 32 - 35 .

فلما عرضوا علیها الشدة والقوة لم تتسرع بل ذکرت لهم ما هو أنفع ومع هذا القرآن لم یرتض ولایتها ولهذا عد من المؤاخذات علی قوم سبأ تولی امرأة علیهم بحیث خصه بالذکر فی بدایة کلامه بطریقة تعجبیة وأنه أمر غیر طبیعی حتی قدمه علی محذور الشرک وعبادة الشمس وغیره والقرآن الکریم إذا لم یرد ولم یدفع ما جاء به الهدهد من تعجبه واستغرابه فهو یُقرُّه ویثبته، ولیس الأمر أنه من باب سرد الأمر الواقع فی الخارج فحسب.

وأیضاً ما یدل علی رجحان عقلها فی جوابها للنبی سلیمان (علیه السلام) لما أوهم لها قصرها فأجابت بالایهام. فالقرآن مع مایراه من عدم تولی المرأة لهذه المناصب بمقتضی طبیعتها إلا أنه لا ینکر رشادتها ورجحانها بل یقر صفات الکمال فیها - لو وجدت - ولا ینکرها بل یشید بها .

والبعض یشکل بأن القرآن مع اقراره برشادتها وحنکتها لماذا ینکر ولایتها وقیادتها.

والجواب: أن القیادة لا تحتاج إلی العلم والرشادة فقط بل تحتاج إلی صفات أخری من الحزم والشدة والصلابة وعدم اللیونة.

وقد أشکل البعض: بأن هناک أخبار تدل علی أن النبی سلیمان (علیه السلام) أقرّ بلقیس علی ولایتها ولم یعزلها ، و هذا یدل علی جواز تولی المرأة

ص:100

لهذه المناصب .

وفیه : أن هذه الاخبار لم تثبت ذلک وإنما الثابت منها أنه (علیه السلام) تزوجها وکان یذهب إلیها ، و هذا لایدل علی عدم عزلها.

خلاصة ما تقدم من هذه الطوائف:

أن الطائفة الأولی من الآیات تدل علی أن فسلجة وطبیعة المرأة من الضعف والنعومة واللیونة والرقة لا تتناسب مع تولی هذه المناصب التی تحتاج إلی القوة والبأس والحزم والشدة التی تتنافی مع طبیعتها فشأن المرأة لیس شأن الولایة والسلطة بحسب ما یتناسب ویتناغم مع طبیعتها.

والطائفة الثانیة وهی آیات الحجاب والتستر وهی دالة علی وضع السیاج بین اختلاط المرأة بالرجال و أن المرأة طبیعتها من جهة بدنها وروحها فریسة وطعم تحتاج إلی حمایة وعزل عن الرجال فلا یناسبه المناصب التی تحتاج إلی مباشرة الأمور والاطلاع علیها فالقرآن یجدر الأعراف التی تتناسب مع طبیعتها حفاظاً علیها مع أنه لا یمنعها من المشارکة فی القطاعات الأهلیة مثل التجارة بأموالها لأنه أمر خاص بها بخلاف السلطنة العامة علی المجتمع.

والطائفة الثالثة وهی الدالة علی عدم مساواة شهادة المرأة لشهادة الرجل وإنها فی التوثیق الخبری لا کفاءة لها بمفردها فکیف تکون لها الکفاءة فی ادارة الأمور الخطیرة التی تقوِّم مصیر الأمة.

ص:101

والطائفة الرابعة وهی الآیات الدالة علی قیومیة الرجل علی المرأة فی غیر الاسرة بل أنه لو دلت علی عدم قیومیتها علی الرجال فی الاسرة فنفی ولایتها علیه فی غیرها بالأولویة القطعیة فی الامور الخطیر.

والطائفة الخامسة الدالة علی أن النساء نواقص حظوظ وإیمان: فهی تدل علی أنها مکفولة فکیف تکفل غیرها ؟ وأیضا تدل علی أن مسؤولیتها ضعیفة فکیف تولی المناصب ذات المسؤویات الخطیرة کالقیادة والسلطنة.

والطائفة السادسة وهی ما تقدم قریباً فی سورة سبأ.

و هذا ما توصلنا إلیه بحسب استقرائنا من الآیات القرآنیة، ولعل الباحث یصل إلی بعض آیات أخر لم نقف علیها.

وقد قلنا: إن هذه الطوائف لا تدل علی تنقیص المرأة وتحقیرها وإنما هو بیان طبیعتها التی لا تتناسب مع هذه المناصب وإلا فالقرآن لا یمنع من تکامل المرأة بل هی مع الرجل فی التکامل علی حد سواء .

قال تعالی: (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّی لا أُضِیعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْکُمْ مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی بَعْضُکُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِینَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیارِهِمْ وَ أُوذُوا فِی سَبِیلِی وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُکَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ اللّهُ

ص:102

عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ ) (1).

وقوله تعالی: (وَ مَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا یُظْلَمُونَ نَقِیراً) (2).

وقوله تعالی: (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیاةً طَیِّبَةً وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما کانُوا یَعْمَلُونَ ) (3).

وقوله تعالی: (مَنْ عَمِلَ سَیِّئَةً فَلا یُجْزی إِلاّ مِثْلَها وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ یُرْزَقُونَ فِیها بِغَیْرِ حِسابٍ ) (4).

وقوله تعالی: (یا أَیُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثی وَ جَعَلْناکُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاکُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ) (5).

فهی دالة علی أن التکامل - بالنسبة للرجل والمرأة - علی حد سواء ولا یتمیز الرجل عن المرأة ولا هی تتمیز علیه فی التکامل فی شیء ، بل

ص:103


1- (1) - سورة آل عمران الآیة 195 .
2- (2) - سورة النساء ، الآیة 124 .
3- (3) - سورة النحل ، الآیة 97 .
4- (4) - سورة غافر ، الآیة 40 .
5- (5) - سورة الحجرات ، الآیة 13 .

کلیهما سواء إلا أن طریق التکامل بالنسبة للرجل یختلف عنه بالنسبة للمرأة وهو مقتضی العدل ووضع الشیء فی موضعه بأن ینصب لکل طریق یتناسب ویتناغم مع طبیعته البدنیة والروحیة ومن هنا یتضح قوله تعالی: (وَ لَیْسَ الذَّکَرُ کَالْأُنْثی ) (1)، و هذا حتی لو کان من قول مریم علیها السلام فالقرآن أقره ولم یرده وهو ناظر إلی الاختلاف الطبیعی الذی تختلف لأجله الوظائف الملقاة علی عاتق الرجل والمرأة من خدمة المعبد إذ النساء تمنع من الدخول فی أوقات طمثها دون الرجال.

طوائف الاخبار:

اشارة

وهی أحادیث مستفیضة عند الفرقین ومتواترة تواترا اجمالیا أو معنویاً وهی علی طوائف مثل طوائف الآیات المبارکة المتقدمة فمنها ما یدل علی ضعف المرأة ومنها ما یدل علی صون المرأة بالحجاب والحفاظ ومنها ما یدل علی عدم ضبط المرأة مثل شهادة امرأتین بمنزلة شهادة رجل ومنها ما یدل علی أن الرجال قوامون علی النساء ومنها ما یدل علی أنهن نواقص حظوظ ونواقص دین ومنها ما یدل علی ذم تولی المرأة لهذه المناصب الموافقة للطائفة السادسة.

ص:104


1- (1) - سورة آل عمران الآیة 36 .

وحیث إن مضامین الاخبار مضامین آیات قرآنیة ومع تعددها وتعاضدها فلا معنی للبحث عن صحة وضعف السند لکون مضامینها مضامین قرآنیة والاخبار بمنزلة الشرح للمتن القرآنی ولهذا قدمنا بحث الآیات ثم عقبناه بالاخبار لکی یتنبه لما فی الأخبار إذ الشرح لا یوقف علی مفاده الصحیح والدقیق إلا بعد ملاحظة المتن الذی هو بصدد بیانه.

الطائفة الأولی: الموافقة للطائفة الرابعة من الآیات الدالة علی ولایة الرجل علی المرأة :
أنها لا تتولی القضاء:

1- ما رواه الصدوق بإسناده عن جعفر بن محمد ، عن آبائه (علیهم السلام) فی وصیه النبی (صلی الله علیه و آله) لعلی (علیه السلام) - قال: «یا علی، لیس علی النساء جمعة ولا جماعة، ولا أذان ، ولا إقامة ، ولا عیادة مریض ، ولا اتباع جنازة، ولا هرولة بین الصفا والمروة ، ولا استلام الحجر ، ولا حلق ، ولا تولی القضاء ، ولا تستشار، ولا تذبح إلا عند الضرورة، ولا تجهر بالتلبیة، ولا تقیم عند قبر ، ولا تسمع الخطبة ، ولا تتولی التزویج بنفسها ، ولا تخرج من بیت زوجها إلا بإذنه ، فان خرجت بغیر اذنه لعنها الله (عز وجل) وجبرئیل ومیکائیل ، ولا تعطی من بیت زوجها

ص:105

شیئا إلا باذنه، ولا تبیت وزوجها علیها ساخط وإن کان ظالما لها»(1).

و هذا الخبر فیه جملة غیر موثقین وهو یدل علی أن المرأة إذا لم تول القضاء لم تول ما هو أعظم منه مثل الفتیا بالأولویة القطعیة، وهذه الطائفة موافقة لطائفة آیات : (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ) (2).

وأما مسألة إن کان ظالماً لها، فلابد من الالتفات إلی أن الإسلام علاجاته حیثیة فمنبع الفساد هو ما یغلق لا أنه یسقط حقوق الزوج بمجرد ظلم الزوج لزوجته کما أن حقوق المرأة لا تسقط بمجرد ظلم المرأة لزوجها، فحین تراه یؤکد علی طاعة المرأة لزوجها یؤکد علی معاملة الزوج لزوجته کما فی الآیات والروایات إلا أنها تدل علی أن حق الزوج أعظم من حق الزوجة علی زوجها باعتبار مسؤولیته تجاهها.

2- مارواه الکلینی بثلاثة طرق عن کل من عمرو بن أبی المقدام ، عن أبی جعفر (علیه السلام) ، وعن عبد الرحمن بن کثیر ، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: فی رسالة أمیر المؤمنین (علیه السلام) إلی الحسن (علیه السلام) . وعن الاصبغ بن نباته، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال: «لا تملک المرأة من الامر ما یجاوز نفسها فإن ذلک أنعم لحالها، وأرخی لبالها، وأدوم لجمالها، فإن المرأة

ص:106


1- (1) - الخصال للصدوق : وضع عن النساء تسعة عشر شیئا ص511 ح2.
2- (2) - سورة النساء ، الآیة 34 .

ریحانة ولیست بقهرمانة ، ولا تعد بکرامتها نفسها ، واغضض بصرها بسترک واکففها بحجابک ولا تطمعها أن تشفع لغیرها فیمیل علیک من شفعت له علیک معها واستبق من نفسک بقیة فإن إمساکک نفسک عنهن وهن یرین أنک ذو اقتدار خیر من أن یرین منک حالا علی انکسار»(1).

و هذا الخبر له ثلاثة طرق متباینة تماماً وهو موجب للوثوق بالصدور لتعاضدها وهو نص فی المطلوب وأیضا لتشاهد مضمونه مع روایات أخری ولوجود هذا المضمون فیها، ووجه الاستدلال أن المرأة إذا کانت لا تملک من الامر ما یجاوز نفسها فلا تملک أمر غیرها فمن باب أولی أن لا تولی الامور العامة، فهی مثل الاخبار التی وردت فی القضاء.

فهذه الاخبار تدرج فی الطائفة الرابعة من الآیات القرآنیة التی هی نص فی المطلوب وهی کون الرجال قوامون علی النساء ولا یخفی أن استدلال أمیر المؤمنین (علیه السلام) بقول النبی (صلی الله علیه و آله) : «المرأة ریحانة ولیست بقهرمانیة» هو استدلال بضعف المرأة ولیونتها علی عدم تولیها هذه المناصب فهو استدلال بلسان الطائفة الأولی علی الرابعة ، وأیضا یحتوی هذا الخبر علی الاستدلال بطائفة الحجاب علی مفاد الطائفة الرابعة ایضاً فهذا الخبر فیه استدلال بطوائف من الاخبار علی الطائفة الرابعة.

ص:107


1- (1) - الکافی للکلینی أبواب المتعة باب حق المرأة علی الزوج ح3.

3- ما جاء فی صحیحة سلیمان بن خالد عن أبی عبد الله (علیه السلام) : «أن قوماً أتوا رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقالوا : یا رسول الله إنا رأینا أناسا یسجد بعضهم لبعض فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : لو أمرت أحدا أن یسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»(1).

فهذه یمکن أن تعد نصاً فی المطلوب لکونها مأمورة بطاعة زوجها فهو ولیها وهی تابعة له فی أمورها.

ولا یخفی أن طرق الاستدلال علی المطلوب تارة بالآیات والروایات الدالة مطابقةً بالمباشرة وحرفیة النص ، وتارة بالملازمات والتحلیل کما فی (الخلاف) حیث قال : (لا یجوز أن تکون المرأة قاضیة فی شئ من الأحکام، وبه قال الشافعی . وقال أبو حنیفة: یجوز أن تکون قاضیة فیما یجوز أن تکون شاهدة فیه ، وهو جمیع الأحکام إلا الحدود والقصاص . وقال ابن جریر: یجوز أن تکون قاضیة فی کل ما یجوز أن یکون الرجل قاضیا فیه ، لأنها تعد من أهل الاجتهاد. دلیلنا : أن جواز ذلک یحتاج إلی دلیل، لأن القضاء حکم شرعی ، فمن یصلح له یحتاج إلی دلیل شرعی .

وروی عن النبی (صلی الله علیه و آله) قال: «لا یفلح قوم ولیتهم امرأة»(2).

ص:108


1- (1) - الکافی للکلینی أبواب المتعة باب حق المرأة علی الزوج ح6.
2- (2) - المستدرک علی الصحیحین (الحاکم النیسابوری) : ج 4 ص 39 .

وقال (صلی الله علیه و آله) : «أخروهن من حیث أخرهن الله»(1) فمن أجاز لها أن تلی القضاء فقد قدمها وأخر الرجل عنها . وقال : من فاته شئ فی صلاته فلیسبح ، فإن التسبیح للرجال والتصفیق للنساء، فإن النبی (صلی الله علیه و آله) منعها من النطق لئلا یسمع کلامها ، مخافة الافتتان بها ، فبأن تمنع القضاء الذی یشتمل علی الکلام وغیره أولی)(2) أنتهی کلامه .

4- منها ما جاء بالفاظ متعددة عند الفریقین :

عن النبی (صلی الله علیه و آله) : «لن یفلح قوم یدبر أمرهم امرأة»(3).

وعن أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «کل امرئ تدبره امرأة فهو ملعون»(4).

وعنه (علیه السلام) قال : «طاعة المرأة ندامة»(5).

وروی أحمد بن حنبل ، عن أبی بکرة بکار بن عبد العزیز ابن أبی بکرة قال : سمعت أبی یحدث عن أبی بکرة انه شهد النبی (صلی الله علیه و آله) أتاه بشیر یبشره بظفر جند له علی عدوهم ورأسه فی حجر عائشة ، فقام فخر ساجدا ، ثم أنشأ یسائل البشیر فأخبره فیما أخبره أنه ولی أمرهم

ص:109


1- (1) - عمدة القاری: ج ص ، المصنف (لعبد الرزاق) ج ص .
2- (2) - الخلاف (للشیخ الطوسی) : ج 6 ص 213 - 214 .
3- (3) - مستدرک سفینة البحار (للشیخ النمازی) : ج 5 ص 99 .
4- (4) - المصدر نفسه ، وأیضاً ج 3 ص 255 .
5- (5) - بحار الأنوار: ج 100 ص 227 ح 22 .

امرأة فقال النبی (صلی الله علیه و آله) : «الآن هلکت الرجال إذا أطاعت النساء ، هلکت الرجال إذا أطاعت النساء ثلاثا»(1).

وما رواه البخاری عن أبی بکرة قال: لقد نفعنی الله بکلمة سمعتها من رسول الله (صلی الله علیه و آله) أیام الجمل بعد ما کدت ان الحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال لما بلغ رسول الله (صلی الله علیه و آله) أن أهل فارس قد ملکوا علیهم بنت کسری قال: «لن یفلح قوم ولوا امرهم امرأة»(2).

وما رواه الترمیذی عن أبی بکرة قال : عصمنی الله بشئ سمعته من رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، لما هلک کسری قال: «من استخلفوا ؟» قالوا: ابنته . فقال النبی (صلی الله علیه و آله) : «لن یفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» . قال فلما قدمت عائشة - یعنی البصرة - ذکرت قول رسول الله (صلی الله علیه و آله) فعصمنی الله به . هذا حدیث صحیح(3).

وهذه الطائفة من الطائفة الرابعة من طوائف الآیات ومفادها نص فی المقام ولها طرق متعددة عند الفریقین وقد وقفت علی طریق معتبر فی الوسائل لم یذکره الأعلام ولا الشیخ .

ص:110


1- (1) - المسند: ج 5 ص 45 .
2- (2) - صحیح البخاری: ج 5 ص 136 وأیضاً ج 8 ص 97 .
3- (3) - سنن الترمذی: ج 3 ص 360 .

5- صحیحة عبد الصمد قال: دخلت امرأة علی أبی عبد الله (علیه السلام) فقالت: أصلحک الله إنی امرأة متبتلة فقال : «و ما التبتل عندک ؟» . قالت: لا أتزوج ، قال : «و لم ؟» قالت : ألتمس بذلک الفضل، فقال : «انصرفی، فلو کان ذلک فضلا لکانت فاطمة (علیها السلام) أحق به منک إنه لیس أحد یسبقها إلی الفضل»(1).

و هذا الخبر یدل أن من کمال المرأة أن یکون علیها ولایة من الزوج.

6- موثقة السکونی عن أبی عبد الله (صلی الله علیه و آله) قال : «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : إنما المرأة لعبة ، من اتخذها فلا یضیعها»(2).

وهذه أیضا تدرج فی الطائفة الاولی والطائفة الرابعة، ولیس المراد من قوله: «المرأة لعبة» وصف عقلها وروحها بل بدنها وهذه حقیقة یثبتها الشارع فهو یبین جسد المرأة وکیفیته فالمراد باللعب ببدنها کونه بطبعه جذاباً وموضوع لاستلذاذ الزوج ؟ فالشارع لایستهین بها بل المراد أن بدنها ینفس به الزوج ویرتاح إلیها ویستلد بها ویلهو بها ولهذا ورد لهو المؤمن فی ثلاثة حتی تحضره الملائکة إذا جاءها... فی أخبار متعددة :

ص:111


1- (1) - الکافی للشیخ الکلینی باب اکرام الزوجة ج5 ص509 ح3.
2- (2) - الکافی للشیخ الکلینی باب حق المرأة علی الزوج ج5 ص510 ح2 .

7- ما رواه الشیخ الصدوق بسنده عن أبی جعفر (علیه السلام) قال : «لهو المؤمن فی ثلاثة أشیاء: التمتع بالنساء ومفاکهة الاخوان والصلاة باللیل . من اجتمعت له ثلاث خصال فکأنما حیزت له الدنیا»(1).

8- مرفوعة علی بن اسماعیل عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) - فی حدیث قال : «کل لهو المؤمن باطل إلا فی ثلاث : فی تأدیبه الفرس ، ورمیه عن قوسه ، وملاعبته امرأته فإنهن حق»(2).

9- محسنة أبی بصیر عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «لیس شیء تحضره الملائکة إلا الرهان وملاعبة الرجل أهله»(3).

فالمدابع أهله له من الأجر ما له لأنه فی طاعة الله فیلتذ کل بالآخر وبه یبتعد عن الحرام ولیس کما یفعله الغرب من التلاعب بالمراة بحیث یجعلها رخیصة کآلة النفایات یروج بها سلعاته وثقافته، ولهذا جاء أن لهو المؤمن فی التمتع بالنساء وملاعبتهن وهو من الحق لا من الباطل ، وتحضره الملائکة و ذلک لما فیه من حالة نورانیة فیها اقبال علی حلال الله وابتعاد وصد عن حرامه.

ص:112


1- (1) - الخصال للصدوق ص161 ح 2210.
2- (2) - الکافی للکلینی باب ارباض الخیل ج5 ص50 ح13 .
3- (3) - نفسه ح 10.

10- معتبرة ضریس الکناسی - علی الأصح - عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إن امرأة أتت رسول الله (صلی الله علیه و آله) لبعض الحاجة فقال لها : لعلک من المسوفات ، قالت : وما المسوفات یا رسول الله؟ قال : المرأة التی یدعوها زوجها لبعض الحاجة فلا تزال تسوفه حتی ینعس زوجها وینام فتلک لا تزال الملائکة تلعنها حتی یستیقظ زوجها»(1).

وقد عقد الکلینی (قدس سره) باباً فی حق المراة علی زوجها : وهیتبین حقوق المولی علیه للولی وذکر فیه أخباراً:

11- موثقة إسحاق بن عمار قال : قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : ما حق المرأة علی زوجها الذی إذا فعله کان محسنا ؟ قال : «یشبعها ویکسوها وإن جهلت غفر لها»، وقال أبو عبد الله (علیه السلام) : «کانت امرأة عند أبی (علیه السلام) تؤذیه فیغفر لها»(2).

12- مارواه الکلینی بسنده عن عمرو بن جبیر العزرمی ، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «جاءت امرأة إلی النبی (صلی الله علیه و آله) فسألته عن حق الزوج علی المرأة، فخبرها، ثم قالت: فما حقها علیه؟ قال: یکسوها من العری ویطعمها من الجوع وإن أذنبت غفر لها، فقالت: فلیس لها علیه

ص:113


1- (1) - الکافی للکلینی باب کراهة أن تمنع النساء أزواجهن ج5 ص508 ح2.
2- (2) - نفسه باب حق المرأة علی الزوج ج5 ص510 ح1.

شیء غیر هذا ؟ قال : لا ، قالت : لا و الله لا تزوجت أبدا ، ثم ولت ، فقال النبی (صلی الله علیه و آله) : ارجعی فرجعت ، فقال : إن الله (عزّ وجل) یقول : (وَ أَنْ یَسْتَعْفِفْنَ خَیْرٌ لَهُنَّ ) (1) »(2).

وظاهرأن لسان هذین الخبرین لسان حق المولی علیه للولی فهی ترجع إلی الطائفة الرابعة وأما الاستعفاف فهو مطلوبلکن لا بالاعتزال عن الزواج. وقد عقد الشیخ الکلینی (قدس سره) بابا بعنوان : (ما یجب عن طاعة الزوج علی المرأة ) وذکر أخباراً من هذه الطائفة .

14- معتبرة عبد الله بن سنان -علی الأصح - عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «إن رجلا من الأنصار علی عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله) خرج فی بعض حوائجه فعهد إلی امرأته عهدا ألا تخرج من بیتها حتی یقدم قال : وإن أباها مرض فبعثت المرأة إلی النبی (صلی الله علیه و آله) فقالت : إن زوجی خرج وعهد إلی أن لا أخرج من بیتی حتی یقدم وإن أبی قد مرض فتأمرنی أن أعوده ؟ فقال : رسول الله (صلی الله علیه و آله) : لا اجلسی فی بیتک وأطیعی زوجک، قال: فثقل فأرسلت إلیه ثانیا بذلک، فقالت: فتأمرنی أن أعوده؟ فقال: اجلسی فی بیتک وأطیعی زوجک ، قال: فمات أبوها

ص:114


1- (1) - سورة النور ، الآیة 60 .
2- (2) - الکافی للکلینی باب حق المرأة علی الزوج ج5 ص510 ح1.

فبعثت إلیه أن أبی قد مات فتأمرنی أن أصلی علیه ؟ فقال : لا اجلسی فی بیتک وأطیعی زوجک ، قال : فدفن الرجل فبعث إلیها رسول الله (صلی الله علیه و آله) إن الله قد غفر لک ولأبیک بطاعتک لزوجک»(1) .

و هذا محمول علی الاستحباب أو أن الرجل کان متشدداًوبمخالفته تحصل فتنة، وإلا فلیس للزوج أن یمنع المرأة من صلة الأرحام وهو من العشرة بالمعروف نعم فیما لا ینافی حقه.

15- معتبرة أبی بصیر قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول : «خطب رسول الله (صلی الله علیه و آله) النساء فقال : (یا معاشر النساء تصدقن ولو من حلیکن ولو بتمرة ولو بشق تمرة فإن أکثر کن حطب جهنم إن کن تکثرن اللعن وتکفرن العشیرة ، فقالت امرأة من بنی سلیم لها عقل : یا رسول الله ألیس نحن الأمهات الحاملات المرضعات ، ألیس منا البنات المقیمات والأخوات المشفقات فرق لها رسول الله(صلی الله علیه و آله) فقال : حاملات والدات مرضعات رحیمات ، لولا ما یأتین إلی بعولتهن ما دخلت مصلیة منهن النار) »(2).

والطریق وإن أشتمل علی البطائنی إلا أن روایته هذه قبل انحرافه

ص:115


1- (1) - الکافی للکلینی باب ما یجب من طاعة الزوج علی المرأة ج5 ص513 ح1.
2- (2) - الکافی للکلینی باب ما یجب من طاعة الزوج علی المرأة ج5 ص513 ح2.

لأنه فی أیام انحرفه قاطعته الشیعة وکون الروای عنه أحد الأجلاء مثل علی بن الحکم الامامی دلیل علی أن الروایة عنه قبل انحرافه.

فمع هذا الدور الانسانی العظیم لولا ما یأتین من المعاصی، فیلاحظ أن نظرة الشارع العظیمة مجانبة للنظرة الدونیة للمرأة فهی نظرة منصفة تبین القوة فی المرأة کما تبیّن جهات الضعف فیها وکل ذلک للحذر عن استغلالها فی الشرور أو انزلاقها فیه و هذا مخالفلمن یتعامل مع المرأة باسم حریة المرأة بحیث جعل قیمتها فی بدنها لا فی عقلها ولهذا تری المرأة مثلاً فی الفضائیات والأعلام لا یستعمل عقلها لأنه لا یشتریه أحد من تلک الشعوب بفلس فهو غیر تجاری وغیر مربح إذ المربح فیها - بنظرتهم الدونیة - هو بدنها وجمالها وما إن تذهب نظارتها تلقی فی الحضیض.

16- موثقة السکونی عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : (أیما امرأة خرجت من بیتها بغیر إذن زوجها فلا نفقة لها حتی ترجع) »(1).

وهذه لیست بصدد حق الزوج من الجانب الجنسی بأنه إذا لم تنافِ استمتاعاته الجنسیة فإنه یصح لها الخروج ؛ إذ إن عقد النکاح الذی یقرّه

ص:116


1- (1) - الکافی للکلینی باب ما یجب من طاعة الزوج علی المرأة ج5 ص514 ح5.

العرف والعقلاء والشرع لیس مقتصرا فی الحقوق علی الاستمتاع الجنسی بل لأمر آخر کسکون النفس إذ وجود المرأة فی بیتها سکون نفسی للزوج ولهذا یستوحش الزوج بدون زوجته.

فنفس الکون فی المنزل بل حتی لو لم یکن الزوج فی البیت إذ بمجرد کون المرأة فی بیته یوجب قرار نفسی له، هذا لو سلمنا صغرویاً أن الخبر بلحاظ المنافع وإلا فالخبر مطلق.

17- منها صحیحة عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «لیس للمرأة أمر مع زوجها فی عتق ولا صدقة ولا تدبیر ولا هبة ولا نذر فی مالها إلا بإذن زوجها إلا فی زکاة أو بر والدیها أو صلة قرابتها»(1).

وقد اختلف فی مفادها الفقهاء هل یشترط فی هذه الامور أذن الزوج وممانعته تنفسخ أو فیما زاحم حقه وعلی أی فهو یدل علی قیمومة الزوج علی تصرفات زوجته.

18- ومنها ما رواه الشیخ الکلینی عن الجعفی ، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال : «خرج رسول الله (صلی الله علیه و آله) یوم النحر إلی ظهر المدینة علی جمل عاری الجسم فمر بالنساء فوقف علیهن ، ثم قال : (یا معاشر النساء ،

ص:117


1- (1) - نفسه ح4.

تصدقن و أطعن أزواجکن فإن أکثرکن فی النار فلما سمعن ذلک بکین ، ثم قامت إلیه امرأة منهن فقالت : یا رسول الله فی النار مع الکفار ؟ ! و الله ما نحن بکفار فنکون من أهل النار ، فقال لها رسول الله (صلی الله علیه و آله) : إنکن کافرات بحق أزواجکن) »(1).

وهذه الاخبار من الطائفة الرابعة الدالة علی أن قیمومة الزوج علی زوجته.

19- صحیح ابن أبی عمیر ، عن غیر واحد، عن الصادق ، عن أبیه ، عن آبائه (علیهم السلام) ، قال: «شکا رجل من أصحاب أمیر المؤمنین (علیه السلام) نساءه ، فقام (علیه السلام) خطیبا، فقال : (معاشر الناس، لا تطیعوا النساء علی حال، ولا تأمنوهن علی مال، ولا تذروهن یدبرن أمر العیال ، فإنهن إن ترکن وما أردن أوردن المهالک ، وعدون أمر المالک، فإنا وجدناهن لا ورع لهن عند حاجتهن، ولا صبر لهن عند شهوتهن، البذخ لهن لازم وإن کبرن، والعجب بهن لا حق وإن عجزن، لا یشکرن الکثیر إذا منعن القلیل، ینسین الخیر ویحفظن الشر، یتهافتن بالبهتان، ویتمادین بالطغیان، ویتصدین للشیطان، فداروهن علی کل

ص:118


1- (1) - الکافی للکلینی باب ما یجب من طاعة الزوج علی المرأة ج5 ص514 ح3.

حال ، وأحسنوا لهن المقال ، لعلهن یحسن الفعال) »(1).

والخبر صحیح أعلائی؛ لأن المراد من «وغیر واحد» : مشایخ ابن أبی عمیر وجلهم أجلاء ولیست هذه من مراسیله ، وهو نص فی عدم ولایتهن وقد تقدم جملة من الاخبار الصحیحة السند المعتبرة و ذلک لأن من خصائص القضاء والطاعة ثبوت الولایة وقد نهینا عن طاعتهن.

وفیها نهی بقوله (علیه السلام) : «معاشر الناس لا تطیعوا النساء علی حال» وبقوله: «و لا تأمنوهن علی مال ، ولا تذروهن یدبرن أمر العیال» ، فالنهی عن ادارتهن للبیت وشؤونه فیکون النهی عن ادارتهن لما هو أخطر کادارة المجتمع من باب أولی . فقوله: «وجدناهن لا ورع لهن عند حاجتهن ، ولا صبر لهن عن شهوتهن ، البذخ لهن لازم وإن کبرن ، والعجب بهن لاحق وإن عجزن ، لا یشکرن الکثیر إذا منعن القلیل، ینسین الخیر ویحفظن الشر ، یتهافتن بالبهتان ، ویتمادین بالطغیان ، ویتصدین للشیطان ، فداروهن علی کل حال ، وأحسنوا لهن المقال ، لعلهن یحسن الفعال» تعلیل للطائفة الرابعة بالطائفة الأولی الدالة علی ضعفهن ولیونتهن مما یوجب علیهن الحذر لکی لا یقعن فی هذه المهالک.

ص:119


1- (1) - الأمالی ص 274 ، علل الشرائع ج 2 - ص 512 .

والغریب من بعض المعاصرین أنه ذهب إلی عدم تسریة احکام باب النکاح إلی باب الفقه السیاسی مع أنه إذا کانت الولایة الضعیفة لم تجعل للمرأة کولایة التدبیر فی الأسرة والأحوال الشخصیة بل جعلت مولی علیها ومدبر أمرها فلا تولاها لضعفها وغیره من خصائصها الطبیعیة فلئن لا تولی الامور السیاسیة الاجتماعیة مما لا شک فیه ولا ریب.

هذا لو فرضنا أن مسألة الرجال قوامون علی النساء خاصة بالازواج وإلا فالدلالة مطابقیة علی المطلوب فهی عامة بلفظ المرأة والرجل أو النساء.

وقوله: «یردن المهالک» موافق للطائفة الثالثة من ضعف رأیهن.

وکما قلنا إن الشارع لما کانت وظیفته تربویة فإنه حینما یبین هذه الخصائص والنقائص لکی یتفاداها المبتلی بها وهکذا ما ورد فی الاکراد وغیرهم فإنه یبین أن هذه الخصائص لابد من ملاحظتها والحذر منها وکل ذلک لأن الشارع لیس بصدد الإزدراء والذم وإنما هو بصدد حث هؤلاء القوم علی معالجة تلک الامور ببیان مقتضیاتها فإن لسان الشارع لسان الطبیب المرشد الذی لا یعلاج إلا بعد تشخیصه حالة المریض.

فالشارع بصدد أن البیئة المعینة تحمل هذا الموروث فیجب علی المبتلی مراعاتها حتی لا ینزلق فی مهاویها ، فالخطأ فی الفهم عند بنی

ص:120

البشر إنهم إذا رأوا نقصا اعتقدوا أنه التقدیر الذی لا یتغیر کما قد یتوهم ذلک أیضاَ من ما ورد من أن المرأة مثل الضلع الأعوج إن أقمته أنکسر وهکذا وما ورد : شر لابد منه، فإنه محمول علی طبیعة المرأة العاطفیة فلا یمکن ازالة أصل طبیعتها ومعنی أنها شر لابد منه أی أن خیرها أکثری و ذلک لأن الشر أکثریاً لا یکون لابد منه وإنما الذی لابد منه هو الخیر الأکثری غایة الأمر یلازم ویصاحب شر قلیل وإلا لو کان شرها أکثر فالمفروض تبعد وتقصی، فخیرها کثیر نظیر کونها ریحانه ومراح ومنها النسل وبها سکون النفس وغیر ذلک من المصالح والمنافع العظیمة.

فبیانات الشارع بیان لطبیعتها التکوینیة لما لها من تداعیات لابد من تفادیها من جهة الرجل والمرأة فالشارع فی مقام العلاج وتفادی هذه السلبیات ، وإلا فإنه قد ورد علی لسان الشارع: «حُبب لی من دنیاکم ثلاث»(1)، وورد: «کلما ازداد العبد إیماناً ازداد حباً للنساء»(2) وغیرها. فیعرف أن الشارع بصدد بیان الجهات القلیلة من الشر التی یجب تفادیه علی المرأة والرجل.

قوله: «العجب لهن لاحق» هو عدم الاتزان فی الصفات العملیة .

ص:121


1- (1) - وسائل الشیعة: ج أبواب آداب الحمام والتنظیف، ب 89 ص 144 ح 12 .
2- (2) - المصدر نفسه، ج 20 أبواب مقدمات النکاح وآدابه، ب 3 ص 21 - 22 ح 1 .

وقوله: «لا یشکرن الکثیر إذا منعن القلیل» عد الاتزان فی الصفات العملیة والعلمیة

وقوله: «ینسین الخیر ویحفظن الشر» و هذا من ضعف الرأی الموافق لطائفة الشهادة.

وقوله: «یتهافتن بالبهتان» فإذا تفادین هذه الظواهر نجینَ.

وقوله: «ویتصدین للشیطان» یعنی سریعات للانزلاق لأبواب المعاصی .

وقوله: «داروهن علی کل حال» هذا العلاج فلا یتشدد معهن، لأن الشدة قسوة علیها فإن لهذه الطبائع السلبیة تداعیات فإذا لم تدبر ولم تنظم تنشط هذه التداعیات ولهذا یأتی العلاج بقوله (علیه السلام) : «وداروهن» واحسنوا إلیهن الفعال لا تحتدوا معهن فی القول، و هذا موافقة للطائفة الرابعة (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ) ، والنتیجة ایجابیة ولعلهن یحسن الفعال.

و هذا الخبر جمعَ کل الطوائف وهو لا یقصر عن لسان الاخبار النبویة: «لن یفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»(1) بل لعل هذا الخبر أصرح فلا معنی لأشکال بعضهم : بأن هذا ارشاد إلی عدم حسن تولیة المرأة

ص:122


1- (1) - صحیح البخاری ج5 ص136.

للأمور لا أنه منع وتحریم.

وإن کان هذا الاشکال غیر صحیح لان المفروض فی الوالی أن یجعل وینصب بغایة تحصیل مصلحة الولایة والتدبیر فإذا کانت نتائجه سلبیة لم تؤهله سلبیاته لذلک.

و هذا الخبر یمکن أن یعترض علی دلالته بما ذکر بل أن ما تقدم من الاخبار التی منها لا تطیعوا النساء علی حال وغیرها أصرح منه.

وواضح أن من آثار الحاکمیة الطاعة فإذا لم تطع فکیف تقلد منصب الطاعة، أو قوله: ولا تأمنوهن علی مال " فإن الوالی من وظائفه حفظ الأمور فإذا لم تأمن علی الاموال کیف تدبر الأمور. وهذه أکثر نصوصیة ووضوحا.

وعدم ذکر الاعلام هذه الاخبار لعدم نقل صاحب الوسائل لها فی باب القضاء وذکرها فی باب العشرة والتتبع لازم فی الفقه والاستنباط إذ الاعتماد علی تبویب صاحب الوسائل وتتبعه فیه مخاطر کثیرة لأن هذا کله اجتهاده واستنباطه ولایصح متابعته فی استنباطاته إقتصاراً.

20- معتبرة أبی الجارود - الذی وإن کان زیدیا ملعونا إلا أن له وثاقة لسانیة - عن أبی جعفر، عن أبیه ، عن جده (علیه السلام) قال : قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «اتقوا شرار النساء وکونوا من خیارهن علی حذر ،

ص:123

إن أمرنکم بالمعروف فخالفوهن کیلا یطمعن منکم فی المنکر»(1).

21- صحیح عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «ذکر رسول الله (صلی الله علیه و آله) النساء فقال : اعصوهن فی المعروف قبل أن یأمرنکم بالمنکر وتعوذوا بالله من شرارهن وکونوا من خیارهن علی حذر»(2).

ومفادهما یدل علی عدم ولایتها وآمریتها لأنه لا یؤمن جانب المنکر منها فهذه من الاخبار التی بینت أن من خصوصیات النساء ما یتنافی مع الولایة وهذه الطائفة تندرج فی لسان الطائفة الرابعة والثالثة وهو عدم متانة رأیهن.

22- موثقة مسعدة بن صدقة، قال: حدثنی جعفر بن محمد، عن أبیه (علیهما السلام) قال: «من اتخذ نعلا فلیستجدها ، ومن اتخذ ثوبا فلیستنظفه ، ومن اتخذ دابة فلسیتفرهها ، ومن اتخذ امرأة فلیکرمها ، فإنما امرأة أحدکم لعبته فمن اتخذها فلایضعها...» الحدیث(3).

فلیس إکرام المرأة بأن تجعل ادوارها کأدوار الرجل فهذه توصیات من الشارع بمعنی أن نعومتها ولیونتها العاطفیة تذهب بالتعکیر فی الخلق

ص:124


1- (1) - الأمالی (للصدوق) : ص282 ح 483 .
2- (2) - وسائل الشیعة: ج أبواب مقدمات النکاح، باب 94 ص ح 1 .
3- (3) - وسائل الشیعة: ج 5 أبواب أحکام الملابس، باب 32 ص 61 ح 4 .

فبلیونتها تمتص اعباء التعب واللعبیة هی ما یسبب سرور الخاطر فهی تشارک فی ترویح الرجل من هذه الزاویة فالمرأة فیها کمالات یحتاج إلیها الرجل وفی الرجل کمالات تحتاج إلیها المرأة، فالحزم من شؤون الرجل وفی موضوع الحزم یحتاج إلی الرجل فمن الوهم الکبیر أن نصور المرأة بأنها رجل تماماً أو الرجل امرأة تماماً أونتصور أن طبیعتهما واحدة حتی نجری ونوحد الاحکام بینهما و هذا غفلة وخلط بین هاتین الطبیعتین.

و هذا المفاد یندرج فی الطائفة الرابعة من ولایة الرجل علی المرأة. ومن جهة أنها لعبة بمعنی ضعیفة ورقیقة فتندرج فی الطائفة الأولی.

23- موثقة مسعدة، عن جعفر ، عن آبائه (علیهم السلام) : «إن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال: أصناف لا یستجاب لهم: منهم من ادان رجلا دینا إلی اجل فلم یکتبعلیه کتابا ولم یشهد علیه شهودا، ورجل یدعو علی ذی رحمورجل تؤذیه امرأته بکل ما تقدر علیه، وهو فی ذلک یدعو الله علیهاویقول: اللهم أرحنی منها . فهذا یقول الله له: عبدی، أوما قلدتک أمرها، فإنشئت خلیتها، وإن شئت أمسکتها...» الحدیث(1).

فقوله: «قلدتک أمرها» دال علی أن المرأة مولی علیها وتقلید أمرها

ص:125


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 7 أبواب الدعاء، باب 50 ص 127 ح 7 .

بید الرجل، فبیده الطلاق وغیره من شؤونها فهی تندرج فی الطائفة الرابعة.

24- ما رواه الشیخ بسنده: أن النبی (صلی الله علیه و آله) قال : «إن أکمل المؤمنین إیمانا أحسنهم خلقا، وخیارکم خیارکم لنسائه»(1).

فمفاده رعایة الزوج أی ولایة الزوج علی زوجته.

25- موثقة غیاث، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «إن المرأة خلقت من الرجل وإنما همتها فی الرجال فأحبوا نساءکم ، وإن الرجل خلق من الأرض فإنما همته فی الأرض»(2).

و هذا المضمون مستفیض فی الاخبار وهو یدل علی تبعیة المرأة للرجل ومنشأ کون الرجال قوامین علی المرأة.

26- ومنها ما رواه الشریف الرضی، عن أمیرالمؤمنین (علیه السلام) إنه قال: «معاشر الناس ، إن النساء نواقص العقول ، فأما نقصان إیمانهن فقعودهن عن الصلاة والصیام فی أیام حیضهن ، وأما نقصان عقولهن فشهادة امرأتین منهن کشهادة الرجل واحد ، وأما نقصان حظوظهن فمواریثهن علی الانصاف من مواریث الرجال ، فاتقوا شرار النساء

ص:126


1- (1) - الأمالی (للطوسی) : ص393 ح 227 .
2- (2) - علل الشرائع باب 245 ح1.

وکونوا من خیارهن علی حذر ، ولا تطیعوهن فی المعروف حتی لا یطمعن فی المنکر»(1).

ومضمونه مطابق للطائفة الثالثة وهی نواقص عقول ومضمون الطائفة الخامسة وهی نقص الحظوظ فإنه (علیه السلام) جعل هاتین الطائفتین تفید مضمون الطائفة الرابعة فقال (علیه السلام) : «فاتقوا شرار النساء وکونوا من خیارهن علی حذر ولا تطیعوهن فی المعروف فیطمعن فی المنکر» .

27- مصحح خلد بن نجیح عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : تذاکروا الشوم عند أبی عبد الله (علیه السلام) فقال: «الشوم فی ثلاث: فی المرأة والدابة والدارفأما شوم المرأة فکثرة مهرها وعقم رحمها»(2).

فثبوت عقوق الزوجة لزوجها دال اقتضاءا علی أن له ولایة علیها وهو مفاد الطائفة الرابعة.

28- روایة أنس بن محمد، عن أبیه، عن جعفر بن محمد، عن أبیه، عن جده، عن علی بن أبی طالب (علیهم السلام)قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) فی وصیته لی: یا علی، أربعة من قواصم الظهر: إمام یعصی الله ویطاع أمره ، وزوجة یحفظها زوجها وهی تخونه ، وفقر لا یجدصاحبه له

ص:127


1- (1) - سائل الشیعة: ج 2 أبواب الحیض، ب 39 ص 344 ح 4 .
2- (2) - سائل الشیعة: ج 2 أبواب مقدمات النکاح، باب 51 ص 53 ح 2 .

مداویا ،وجار سوء فی دار مقام) »(1).

وهی دالة أیضا علی أن حفظ الزوجة وتدبیر شؤونها من مسؤولیة الزوج فهو مولی علیها.

29- موثقة السکونی عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : من أطاع امرأته أکبه الله علی وجهه فی النار، قیل: وما تلک الطاعة؟ قال: تطلب منه الذهاب إلی الحمامات والعرسات والعیدات والنیاحات والثیاب الرقاق»(2).

وهذه لها عدة طرق فی هذا الباب .

ولا یتوهم حمل الطاعة فی الروایات التی تقدمت بالنهی عن طاعة المرأة خاصة بهذه الأمور فیحمل المطلق علی هذا المقید؟ و ذلک للتصریح فی کثیر منها بعدم طاعتهن فی المعروف فضلاً عن مطلق المنکر لا خصوص الأربعة.

30- روایة الحسین بن یزید، عن الصادق عن أبائه (علیهم السلام) أن النبی (صلی الله علیه و آله) : «ونهی أن تخرج المرأة من بیتها بغیر إذن زوجها ، فإن خرجت لعنها کل ملک فی السماء وکل شئ تمر علیه من الجن والإنس حتی

ص:128


1- (1) - الخصال للصدوق باب الاربعة ح24.
2- (2) - الکافی للکلینی باب ترک طاعتهن ج5 ص517 ح3.

ترجع إلی بیتها . ونهی أن تتزین المرأة لغیر زوجها ، فإن فعلت کان حقا علی الله عز وجل أن یحرقها بالنار . ونهی أن تتکلم المرأة عند غیر زوجها وغیر ذی محرم منها أکثر من خمس کلمات مما لابد لها منه . ونهی أن تحدث المرأة بما تخلو به مع زوجها»(1).

و ذلک باعتبار أنها فریسة یطمع فی أنوثتهاحتی فی حدیثها فإن کثرة الحدیث یسقط جدار الحشمة کما فی قوله تعالی :«فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الَّذِی فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ» .

31- ما رواه الصدوق عن النبی (صلی الله علیه و آله) : «ونهی أن یدخل الرجل حلیلته إلی الحمام»(2).

32- ما رواه الصدوق عن النبی (صلی الله علیه و آله) : «أیما امرأة آذت زوجها بلسانها لم یقبل الله منها صرفا ولا عدلا ولا حسنة من عملها حتی ترضیه وإن صامت نهارها وقامت لیلها وأعتقت الرقاب وحملت علی جیاد الخیل فی سبیل الله وکانت أول من یرد النار ، وکذلک الرجل إذا کان لها ظالما»(3).

ص:129


1- (1) - الأمالی (للصدوق) : ص 510 فی حدیث المناهی .
2- (2) - المصدر نفسه .
3- (3) - المصدر نفسه .

33- ما رواه الصدوق عن النبی (صلی الله علیه و آله) : «ألا ومن صبر علی خلق امرأة سیئة الخلق واحتسب فی ذلک الاجر أعطاه الله ثواب الشاکرین فی الآخرة، ألا وأیما امرأة لم ترفق بزوجها وحملته علی ما لا یقدر علیه وما لا یطیق لم تقبل منها حسنة وتلقی الله وهو علیها غضبان»(1).

34- مصحح علی بن جعفر، عن أخیه (علیه السلام) قال :«سألته عن المرأة العاصیة لزوجها هل لها صلاة وما حالها ؟ قال : لا تزال عاصیة حتی یرضی عنها»(2).

34- مصحح علی بن جعفر، علی عن أخیه (علیه السلام) قال : وسألته عن المرأة هل لها أن تعطی من بیت زوجها بغیر إذنه ؟ قال : «لا ، إلا أن یحلها»(3).

فهذه کلها تدل علی أن المرأة مولی علیها فتندرج فی الرابعة.

35- معتبرة ضریس، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إن الله (تبارک وتعالی) جعل الشهوة عشرة أجزاء تسعة منها فی النساء وواحدة فی

ص:130


1- (1) - الأمالی (للصدوق) : ص 510 فی حدیث المناهی .
2- (2) - قرب الإسناد: ص 226 ح 884 .
3- (3) - المصدر نفسه، ح 885 .

الرجال ، ولولا ما جعل الله (عزّ وجل) فیهن من أجزاء الحیاء علی قدر أجزاء الشهوة لکان لکل رجل تسع نسوة متعلقات به»(1).

36- مارواه الراوندی باسناده، عن موسی بن جعفر ، عن آبائه (علیهم السلام) قال : «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : (اضربوا النساء علی تعلیم الخیر) » (2).

37- صحیح محمد بن مسلم ، عن الباقر (علیه السلام) قال : «جاءت امرأة إلی رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقالت : یا رسول الله، ما حق الزوج علی المرأة ؟ فقال لها : تطیعه ولا تعصیه ولا تتصدق من بیته بشیء إلا باذنه ولا تصوم تطوعا إلا باذنه ولا تمنعه نفسها وإن کانت علی ظهر قتب ، ولا تخرج من بیته إلا باذنه ، فان خرجت بغیر إذنه لعنتها ملائکة السماء وملائکة الأرض وملائکة الغضب وملائکة الرحمة حتی ترجع إلی بیتها . فقالت: یا رسول الله، من أعظم الناس حقا علی الرجل؟ قال: والده، قالت: فمن أعظم الناس حقا علی المرأة؟ قال: زوجها . قالت: فما لی علیه من الحق مثل ما له علی؟ قال: لا، ولا من کل مائة واحد . فقالت : والذی بعثک بالحق لا یملک رقبتی رجل أبدا»(3).

ص:131


1- (1) - الخصال للصدوق باب العشرة ح28.
2- (2) - نوادر الراوندی ص118.
3- (3) - الکافی للکلینی باب حق الزوج علی المرأة ج5 ص507 ح1.

38- ما رواه العلامة المجلسی وقال النبی (صلی الله علیه و آله) : «إنی أتعجب ممن یضرب امرأته وهو بالضرب أولی منها ، لا تضربوا نساءکم بالخشب فإن فیه القصاص ، ولکن اضربوهن بالجوع والعری حتی تربحوا فی الدنیا والآخرة ، وأیما رجل تتزین امرأته وتخرج من باب دارها فهو دیوث ولا یأثم من یسمیه دیوثا . والمرأة إذا خرجت من باب دارها متزینة متعطرة والزوج بذلک راض یبنی لزوجها بکل قدم بیت فی النار . فقصروا أجنحة نسائکم ولا تطولوها فإن فی تقصیر أجنحتها رضی وسرورا ودخول الجنة بغیر حساب ، احفظوا وصیتی فی أمر نسائکم حتی تنجوا من شدة الحساب ، ومن لم یحفظ وصیتی فما أسوء حاله بین یدی الله» . وقال (صلی الله علیه و آله) : «النساء حبائل الشیطان»(1).

39- ما رواه الصدوق، قال: خطب النبی (صلی الله علیه و آله) فقال : «یا أیها الناس، إن النساء عندکم عوار لا یملکن لأنفسهن ضرا ولا نفعا أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بکلمات الله، فلکم علیهن حق، ولهن علیکم حق، ومن حقکم علیهن أن لا یوطؤوا فرشکم ولا یعصینکم فی معروف ، فإذا فعلن ذلک فلهن رزقهن وکسوتهن بالمعروف ولا

ص:132


1- (1) - بحار الأنوار: ج 100 ص 249 .

تضربوهن»(1).

40- منها مارواه الصدوق بسند معتبر علی الأصح، عن أبی عبد الله عن آبائه (علیهم السلام) عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «جهاد المرأة حسن التبعل» ، وقال : «لتطیب المرأة المسلمة لزوجها»(2).

41- معتبرة عبد العظیم الحسنی، عن محمد بن علی الرضا، عن أبیه الرضا، عن أبیه موسی بن جعفر، عن أبیه جعفر بن محمد، عن أبیه محمد بن علی، عن أبیه علی بن الحسین، عن أبیه الحسین بن علی، عن أبیه أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (علیه السلام) قال: «دخلتُ أنا وفاطمة علی رسول الله (صلی الله علیه و آله) فوجدته یبکی بکاءً شدیدا ، فقلت: فداک أبی وأمی یا رسول الله ! ما الذی أبکاک ؟ فقال: یا علی ، لیلة أسری بی إلی السماء رأیت نساء من أمتی فی عذاب شدید فأنکرت شأنهن فبکیت لما رأیت من شدة عذابهن ، ورأیت امرأة معلقة بشعرها یغلی دماغ رأسها، ورأیت امرأة معلقة بلسانها والحمیم یصب فی حلقها، ورأیت امرأة معلقة بثدییها ، ورأیت امرأة تأکل لحم جسدها والنار توقد من تحتها ، ورأیت امرأة قد شد رجلاها إلی یدیها وقد سلط

ص:133


1- (1) - الخصال: ص468 .
2- (2) - الخصال: ص621 فی حدیث الاربعمائة

علیها الحیّات والعقارب، ورأیت امرأة صمّاء عمیاء خرساء فی تابوت من نار یخرج دماغ رأسها من منخرها، وبدنها متقطع من الجذام والبرص، ورأیت امرأة معلقة برجلیها تنور من نار، ورأیت امرأة تقطع لحم جسدها من مقدمها ومؤخرها بمقاریض من نار، ورأیت امرأة تحرق وجهها ویداها وهی تأکل أمعائها، ورأیت امرأة رأسها رأس الخنزیر وبدنها بدن الحمار وعلیها ألف ألف لون من العذاب، ورأیت امرأة علی صورة الکلب والنار تدخل فی دبرها وتخرج من فیها و الملائکة یضربون رأسها وبدنها بمقامع من نار فقالت فاطمة (علیها السلام): حبیبی وقرّة عینی، أخبرنی ما کان عملهن وسیرتهن حتی وضع الله علیهن هذا العذاب!! فقال: یا بنیتی، أما المعلقة بشعرها فإنها کانت لا تغطی شعرها من الرجال، وأما المعلقة بلسانها فإنها کانت تؤذی زوجها، وأما المعلقة بثدییها فإنها تمتنع من فراش زوجها، وأما المعلقة برجلیها فإنها کانت تخرج من بیتها بغیر اذن زوجها، وأما التی تأکل لحم جسدها فإنها کانت تزین بدنها للناس، والتی شد یداها إلی رجلیها وسلط علیها الحیّات والعقارب فإنها کانت قذرة الوضوء قذرة الثیاب وکانت لا تغتسل من الجنابة والحیض ولا تتنظف وکانت تستهین بالصلاة ، وأما الصماء العمیاء

ص:134

الخرساء فإنهاکانت تلد من الزنا فتعلقه فی عنق زوجها وأما التی تقرض لحمهابالمقاریض فإنها کانت تعرض نفسها علی الرجال وأما التی کانت تحرق وجههاوبدنها وتأکل أمعائها فإنها کانت قوّادة وأما التی کان رأسها رأسالخنزیر وبدنها بدن الحمار فإنها کانت نمامة کذابة وأما التی کانت علی صورة الکلب والنار تدخل فی دبرها وتخرج من فیها فإنها کانت قینة نواحة حاسدة ثم قال (علیه السلام): ویل لامرأة أغضبت زوجها وطوبی لامرأة رضی عنهازوجها»(1).

42- معتبرة سعد الجلاب، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «إن الله تعالی لم یجعل الغیرة للنساء ، إنما تغار المنکرات منهن ، فاما المؤمنات فلا ، وإنما جعل الله تعالی الغیرة للرجال لأن الله قد أحل تعالی له أربعا ، وما ملکت یمینه ولم یجعل للمرأة إلا زوجها وحده ، فان بغت معه غیره کان زانیة»(2).

43- ما فی تفسیر القمی: (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ) (3)، یعنی فرض الله

ص:135


1- (1) - عیوان أخبار الرضا(علیه السلام) : ج1 ص13 ح24 .
2- (2) - علل الشرائع: ب272 ح1 .
3- (3) - النساء: 34.

علی الرجال أن ینفقوا علی النساء ثم مدح النساء فقال: (فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَیْبِ بِما حَفِظَ اللّهُ ) ، یعنی تحفظ نفسها إذا غاب عنها زوجها، وفی روایة أبی الجارود، عن أبی جعفر (علیه السلام) فی قوله (قانِتاتٌ ) «أی مطیعات»(1).

44- منها صحیح الولید بن صبیح، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «أی امرأة تطیبت ثم خرجت من بیتها فهی تلعن حتی ترجع إلی بیتها متی رجعت»(2).

45- موثقة أو قویة موسی بن بکر، عن أبی إبراهیم (علیه السلام) قال: «جهاد المرأة حسن التبعل»(3).

46- معتبرة سلمان بن خالد، عن أبی عبد الله (علیه السلام) : «أن قوما أتوا رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقالوا: یا رسول الله إنا رأیناأناسا یسجد بعضهم لبعض فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : لو أمرت أحدا أن یسجد لأحد لأمرتالمرأة أن تسجد لزوجها»(4).

ص:136


1- (1) - تفسیر القمی: ص137.
2- (2) - ثواب الأعمال للصدوق عقاب الشک والمعصیة ص259.
3- (3) - الکافی: کتاب الجهاد ج5 ص9 ب وجوب الجهاد ح1 .
4- (4) - الکافی: باب حق الزوج علی المرأة ج5 ص 506 ح 6 .

47- ما رواه الطبرسی عن النبی (صلی الله علیه و آله) قال: «من صبر علی سوء خلق امرأته أعطاه الله من الاجر ما أعطاه داود (علیه السلام) علی بلائه ، ومن صبرت علی سوء خلق زوجها أعطاها مثل ثواب آسیة بنت مزاحم»(1).

و هذا الباب هو مضمون روایات الکافی ومعزز ومثبّت لاستفاضتها فکون بعض ما مر ضعیف السند یجبره تکاثرها ویعضد بعضها بعضا فتولد وثوق بالصدور وتصب فی الدلالة علی قیمومة الزوج للزوجة.

48- صحیحة معاویة بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «انصرف رسول الله (صلی الله علیه و آله) من سریة قد کان أصیب فیها ناس کثیر من المسلمین، فاستقبلته النساء یسألنه عن قتلاهن، فدنت منه امرأة . فقالت: یا رسول الله، ما فعل فلان؟ قال: وما هو منک؟ قالت: أبی قال: احمدی الله واسترجعی فقد استشهد، ففعلت ذلک، ثم قالت: یا رسول الله ما فعل فلان؟ فقال: وما هو منک؟ فقالت أخی، فقال: احمدی الله واسترجعی فقد استشهد، ففعلت ذلک، ثم قالت: یا رسول الله، ما فعل فلان؟ فقال: وما هو منک؟ فقالت: زوجی، قال: احمدی الله واسترجعی فقد استشهد ، فقالت : واویلی . فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : ما

ص:137


1- (1) - بحار الأنوار: ج 100 ص 247 ح 30 .

کنت أظن أن المرأة تجد بزوجها هذا کله حتی رأیت هذه المرأة»(1).

49- ما رواه الطبرسی عن النبی (صلی الله علیه و آله) قال: «کان إبراهیم أبی غیورا و أنا أغیر منه، وأرغم الله أنف من لا یغار من المؤمنین»(2).

50- ما رواه المجلسی عن جامع الأخبار عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال: «من قذف امرأته بالزنا خرج من حسناته کما تخرج الحیة من جلدها ، وکتب له بکل شعرة علی بدنه ألف خطیئة»(3).

51- ما رواه الطبرسی عن النبی (صلی الله علیه و آله) قال: «لا تقذفوا نساءکم بالزنا فإنه شبه بالطلاق ، وإیاکم والغیبة فإنها شبه بالکفر، و اعلموا أن القذف والغیبة یهدمان عمل مائة سنة»(4).

52- ما رواه الطبرسی عن النبی (صلی الله علیه و آله) قال: «من قذف امرأته بالزنا نزلت علیه اللعنة ولا یقبل منه صرف ولا عدل»(5).

53- ما رواه الطبرسی عن النبی (صلی الله علیه و آله) قال : «لا یقذف امرأته إلا

ص:138


1- (1) - الکافی: ج5 باب حق الزوج علی المرأة ص 506 ح 1 .
2- (2) - بحار الأنوار: ج 100 ص 248 ح 33 .
3- (3) - المصدر نفسه، ح 34 .
4- (4) - المصدر نفسه، ح 35 .
5- (5) - المصدر نفسه، ح 36 .

ملعون أو قال : منافق ، فإن القذف من الکفر والکفر فی النار ، لا تقذفوا نساءکم فإن فی قذفهن ندامة طویلة وعقوبة شدیدة»(1).

و هذا المفاد بمثابة تحذیر الرجل عن التمادی فی استغلال موقعه ومقامه لظلم المرأة.

54- ما رواه المجلسی عن نوادر الراوندی باسناده عن موسی بن جعفر، عن آبائه (علیهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : (اضربوا النساء علی تعلیم الخیر) »(2).

فمن شعب القیّومیة هو تولیته تربیتها اخلاقیاً فی محیط الجو الأسری .

55- ما رواه المجلسی عن الراوندی بالاسناد نفسه، قال: «إن فاطمة دخل علیها علی بن أبی طالب (علیه السلام) وبه کآبة شدیدة فقالت فاطمة (علیها السلام) : یا علی ما هذه الکآبة ؟ فقال علی (علیه السلام) سألنا رسول الله (صلی الله علیه و آله) عن المرأة ما هی ؟ فقلنا عورة ، فقال فمتی تکون أدنی من ربها ؟ فلم ندر فقالت فاطمة لعلی (علیه السلام) : ارجع إلیه فأعلمه أن أدنی ما تکون من ربها أن تلزم قعر بیتها ، فانطلق فأخبر رسول الله (صلی الله علیه و آله) ما

ص:139


1- (1) - بحار الأنوار: ج 100 ص 249 ح 37 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 39 .

قالت فاطمة (علیها السلام) ، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : إن فاطمة بضعة منی»(1).

و هذا مفاد آیة الحجاب الذی تقدم تقریب دلالتها وأما قوله (علیه السلام) : «فلم ندر» فبحسب ظاهر الحال وحال الآخرین وبغیة ظهور شأن فاطمة سلام الله علیها و أن حالهم (علیهم السلام) علی حسب مراتب أبدانهم ونفوسهم النازلة یختلف عن شأنهم بحسب مراتب نورهم (علیهم السلام) والاشارة إلی هذا الاختلاف کثیر فی الروایات.

56- ما رواه المجلسی عن الراوندی بالاسناد نفسه: قال علی (علیه السلام) : «أقبلت امرأة إلی رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقالت : یا رسول الله (صلی الله علیه و آله) إن لی زوجا وله علی غلظة وإنی صنعت به شیئا لأعطفه علی فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : أفٍّ لک کدرت دینک ، لعنتک الملائکة الأخیار ، لعنتک ملائکة السماء ( لعنتک ) ملائکة الأرض فصامت نهارها وقامت لیالیها ولبست المسوح ثم حلقت رأسها فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : إن حلق الرأس لا یقبل منها إلا أن یرضی الزوج»(2).

ص:140


1- (1) - بحار الأنوار: ج 100 ص 250 ح 40 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 41 .

57- ما رواه المجلسی عن الراوندی بالاسناد نفسه: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «إنما المرأة لعبة فمن اتخذها فلیبضعها»(1).

والاتخاذ دال علی تملکه أمرها فی الجملة.

58- ما رواه المجلسی عن الراوندی بالاسناد نفسه: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «النساء عورة احبسوهن فی البیوت و استعینوا علیهن بالعری»(2).

و هذا مما یقتضی قیمومته علیها.

59- روایة أبی عبیدة الحذاء، عن أبی عبد الله (علیه السلام) ، قال: «أتی النبی (صلی الله علیه و آله) بأساری فأمر بقتلهم خلا رجل من بینهم، فقال الرجل: بأبی أنت وأمی - یا محمد - کیف أطلقت عنی من بینهم؟ فقال: أخبرنی جبرئیل عن الله (عزّ وجل) أن فیک خمس خصال یحبها الله عز وجل ورسوله : الغیرة الشدیدة علی حرمک، والسخاء، و حسن الخلق، وصدق اللسان، والشجاعة، فلما سمعها الرجل أسلم و حسن إسلامه، وقاتل مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) قتالا شدیدا حتی استشهد»(3).

وفی روایة قال (صلی الله علیه و آله) : «إن الغیرة من الایمان»(4).

ص:141


1- (1) - بحار الأنوار: ج 100 ص 250 ح 42 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 43 .
3- (3) - الأمالی (للصدوق) : ص 435 ح 417 .
4- (4) - من لا یحضره الفقیه: ج 3 ص 444 ح 4541 .

وفی روایة: «غیرة المرأة کفر وغیرة الرجل إیمان»(1).

فغیرة الرجل علی امرأته تقتضی اشرافه علیها وتولّیه تدبیر شؤونها.

60- ما رواه المجلسی عن الراوندی بالاسناد المتقدم: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «کتب الله الجهاد علی رجال أمتی والغیرة علی نساء أمتی فمن صبر منهم واحتسب أعطاه أجر شهید»(2).

وکتب بمعنی ابتلی واختصاص الرجل بالجهاد الذی هو من الشأن العام دون المرأة.

61- ما رواه المجلسی عن الراوندی بالاسناد نفسه: قال علی (علیه السلام) : «أتی النبی (صلی الله علیه و آله) رجل من الأنصار بابنة له فقال: یا رسول الله إن زوجها فلان بن فلان الأنصاری فضربها فأثر فی وجهها فأقیده لها ؟ فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : لک ذلک فأنزل الله تعالی قوله: (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ) فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : أردت أمرا وأراد الله تعالی غیره»(3).

واختلاف الارادتین اشارة إلی تعدد مراتب الارادة الالهیة نظیر

ص:142


1- (1) - خصائص الأئمة: ص100 .
2- (2) - بحار الأنوار: ج 100 ص 251 ح 45 .
3- (3) - المصدر نفسه، ص 252 ح 46 .

القضاء والقدر وحصول البداء أو البداء الأعظم.

62- ما رواه المجلسی عن الراوندی بالاسناد المتقدم: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «أیما رجل رأی فی منزله شیئا من الفجور فلم یغیر بعث الله تعالی طیرا أبیض یظل علیه أربعین صباحا فیقول کلما دخل وخرج غیر غیر فإن غیر وإلا مسح رأسه بجناحیه علی عینیه ، فإن رأی حسنا لم یستحسنه وإن یری قبیحا لم ینکره»(1).

وتولیة الرجل التغییر تقتضی قیمومته فی الاسرة علی المرأة.

63- صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : النساء عی وعورة فاستروا العورات بالبیوت واستروا العی بالسکوت»(2).

ومفاده مطابق لمفاد الطائفة الأولی من الآیات.

64- روایة أبی المفضل بن عمر عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «سألَتْ أم سلمة رسول الله (صلی الله علیه و آله) : عن فضل النساء فی خدمة أزواجهن ، فقال (صلی الله علیه و آله) : ما من امرأة رفعت من بیت زوجها شیئا من موضع إلی موضع ترید به صلاحا إلا نظر الله إلیها، ومن نظر الله إلیه لم یعذبه . فقالت

ص:143


1- (1) - بحار الأنوار: ج 100 ص 251 ح 47 .
2- (2) - الکافی: ج 5 باب الغیرة ص 535 ح 4 .

أم سلمة: زدنی فی النساء المساکین من الثواب بأبی أنت وأمی . فقال: یا أم سلمة، إن المرأة إذا حملت کان لها من الاجر کمن جاهد بنفسه وماله فی سبیل الله (عزّ وجل) ، فإذا وضعت قیل لها: قد غفر لک ذنبک فاستأنفی العمل، فإذا أرضعت فلها بکل رضعة تحریر رقبة من ولد إسماعیل»(1).

و هذا النوع من الاخبار فیه دلالة واضحة علی أن منشأ ولایة الرجل علی المرأة هو ضعف المرأة وکون بدنها فتنة.

65- روایة تحف العقول: من وصیة أمیر المؤمنین (علیه السلام) لابنه الامام الحسن المجتبی (علیه السلام) : «وإیاک ومشاورة النساء فإن رأیهن إلی أفن وعزمهن إلی وهن واکفف علیهن من أبصارهن بحجبک إیاهن فإن شدة الحجاب خیر لک ولهنولیس خروجهن بأشد من إدخالک من لا یوثق به علیهن وإن استطعت أن لا یعرفن غیرک فافعل ولا تمک المرأة من أمرها ما جاوز نفسها ، فإن ذلک أنعم لحالها و أرخی لبالها وأدوم لجمالها، فإن المرأة ریحانة ولیست بقهرمانة ولا تعد بکرامتها نفسها ولا تطمعها أن تشفع لغیرها فتمیل مغضبة علیک معها، ولا تطل

ص:144


1- (1) - الأمالی (للطوسی) : ص 612 ح9 .

الخلوة مع النساء فیملنک أو تملهن . واستبق من نفسک بقیة من إمساکک فان إمساکک عنهن وهن یرین أنک ذو اقتدار خیر من أن یظهرن منک علی انتشار وإیاک والتغایر فی غیر موضع غیرة فإن ذلک یدعو الصحیحة منهن إلی السقم ولکن أحکم أمرهن ، فإن رأیت ذنبا فعاجل النکیر علی الکبیر والصغیر...»(1).

ومضمون هذا الخبر یحوی مفاد عدة طوائف متقدمة فقوله (علیه السلام) : «واکفف علیهن من أبصارهن بحجابک إیاهن فان شدة الحجاب أبقی علیهن ، ولیس خروجهن بأشد من إدخالک من لا یوثق به علیهن ، وإن استطعت أن لا یعرفن غیرک فافعل» .

و هذا مضمون طائفة الحجاب وهو یبیّن کونها فریسة تنتهز وتصطاد برمق العین بنظرة تخدع توقع فی هتک عرضها فالحجاب هو أن لا توضع أمام الرجال لأنها دوماً فریسة وضحیة ولهذا قال (علیه السلام) : «إن شدة الحجاب أبقی علیهن» والمراد بالخروج هو الذی تکون فیه المرأة فی معرض الرجال لا صرف الخروج و هذا لیس سجناً وحبساً بل المرأة لها أن تنطلق فی مجالاتها النسویة أومع مراعاة الحجاب فهو لا مانع منه فالتشریع الاسلامی لا یحضر علی المرأة التواجد الحیوی فی مجال

ص:145


1- (1) - تحف العقول: ص 86 - 87 .

السیاسة والعلم کما فعلته السیدة خدیجة (سلام الله علیها) من الاتجار وغیره والادوار السیاسیة التی قامت بها سید النساء فاطمة الزهراء (علیها السلام) وابنتها زینب (سلام الله علیها) وإنما یحضر ویمنع من البئیة الإثاریة الجنسیة التی تهدم الاسرة وتفسد الأولاد فالشراع علی الدوام ینهی عن التبرج ونحوه ویأمر بالحجاب ولیس حبساً لها کما یصورها العلمانیون والحداثویون لأنهم نظروا إلی المرأة کجسد یتمتع بها ویأخذ منه اللذات ولم یرع فیها الجانب الروحی والفکری بخلاف نظرة الشارع لها وللمجتمع فهو یقیها وینشلها من البیئة الجنسیة الهدامة التی همها الإنفلاتی الارتباط ببدنها وجمالها بل یراعی بدنها ویوفر له الأمان أولاً وثانیا لا یحصر دورها بالارتباطات البدنیة بل یقیّمها بالارتباط العلمی... فالشارع یرفعها عن الانزلاق فی البیئة المثیرة الجنسیة الهدامة ویقرر ویثبت البیئة النظیفة الطاهرة.

وقوله (علیه السلام) : «رأیهن إلی أفن» مضمون الطائفة الثالثة، وهذه الخطابات إلی الرجل فهو المولی علیها والقائم بشؤونها، وهو مضمون الطائفة الرابعة وکذا قوله (علیه السلام) : «و لا تملک من أمرها ما یجاوز نفسها» .

66- مصحح یونس بن یعقوب، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «ملعونة ملعونة امرأة تؤذی زوجها وتغمه، وسعیدة سعیدة امرأة تکرم زوجها

ص:146

ولا تؤذیه وتطیعه فی جمیع أحواله»(1). ومفاده من الطائفة الرابعة:

67- روایة الکراجکی: من کلام أمیر المؤمنین (صلوات الله علیه وآله) فی ذکر النساء : «إیاک ومشاورة النساء إلا من جربت بکمال عقلها فإن رأیهن یجر إلی الأفن وعزمهن إلی وهن وقصر علیهن أجنحتهن فهو خیر لهن ولیس خروجهن باشد علیک من دخول من لا یوثق به علیهن وان استطعت ان لا یعرفن غیرک فافعل لا تملک المراة امرها ما یجاوز نفسها فإن ذلک أنعم لبالها وبالک وإنما المراة ریحانة ولیست بقهرمانة ولا تطعها ان تشفع لغیرها ولا تطیلن الخلوة مع النساء فیمللنک وتملهن واستبق من نفسک بقیة وإیاک والتغایر فی غیر موضع غیره فإن ذلک یدعو الصحیحة إلی السقم وان رأیت منهن ریبة فعجل النکیر وأقل الغضب علیهن الا فی عیب أو ذنب» .

وقال: «لا تطلعوا النساء علی حال ولا تأمنوهن علی مال ولا تثقوا بهن فی الفعال فإنهن لا عهد لهن عند عامدهن ولا ورع لهن عند حاجتهن ولا دین لهن عند شهوتهن یحفظن الشر وینسین الخیر فالطفوا لهن علی کل حال لعلهن یحسن الفعال»(2).

ص:147


1- (1) - کنز الفوائد(للکراجکی) : ص63 .
2- (2) - کنز الفوائد: ص66 .

والاستثناء بقوله: «إلا فی عیب أو ذنب» دال علی عدم امتناع تکامل المرأة رغم أن طبیعتها فی الخلقة الاولیة مفطورة لوظائفها الخاصة فی التربیة وخدمة الاسرة داخلیاً.

68- روایة محمد بن مسلم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : أوصانی جبرئیل (علیه السلام) بالمرأة حتی ظننت أنه لا ینبغی طلاقها إلا من فاحشة مبینة»(1).

فالطلاق الذی بید الرجل فرع تملک أمرها.

69- روایة شهاب بن عبد ربه قال: قلت له: ما حق المرأة علی زوجها؟ قال: «یسد جوعتها ویستر عورتها ولا یقبح لها وجها فإذا فعل ذلک فقد و الله أدی إلیها حقها» . قلت : فالدهن؟ قال: «غبا یوما ویوما لا» . قال: قلت: فاللحم ؟ قال : «فی کل ثلاثة أیام مرة، فی الشهر عشر مرات لا أکثر من ذلک» ، قلت: فالصغ؟ قال: «فی کل ستة أشهر، ویکسوها فی کل سنة أربعة أثواب ثوبین للشتاء وثوبین للصیف، ولا ینبغی أن تقفر بیتک من ثلاثة أشیاء: الخل والزیت ودهن الرأس ، وقوتهن بالمد فانی أقوت عیالی بالمد ، ولیقدر کل انسان

ص:148


1- (1) - الکافی: ج 5 باب حق المرأة علی الزوج، ص 512 ح 6 .

منهم قوته فان شاء اکله وان شاء وهبه وان شاء تصدق به ، ولا یکون فاکهة عامة إلا أطعم عیاله منها ، ولا یدع أن یکون للعیدین من عیدهم فضلا من الطعام ان ینیلهم من ذلک شیئا لا ینیلهم فی سائر الأیام»(1).

ومفاده تولیه شأن المرأة، وهذه تصب فی مفاد الطائفة الرابعة وهی ولایة الرجل علی المرأة.

وقد أورد المجلسی (قدس سره) باباً تحت عنوان (جوامع احکام النساء ونوادرها) وذکر أخباراً ، منها:

70- روایة جابر بن یزید الجعفی قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علی الباقر (علیهم السلام) یقول : «لیس علی النساء أذان ولا إقامة ، ولا جمعة ، ولا جماعة ، ولا عیادة المریض ، ولا اتباع الجنائز ، ولا إجهار بالتلبیة ، ولا الهرولة بین الصفا والمروة ، ولا استلام الحجر الأسود ، ولا دخول الکعبة ، ولا الحلق إنما یقصرن من شعورهن ، ولا تولی المرأة القضاء ، ولا تولی الامارة ، ولا تستشار ، ولا تذبح إلا من اضطرار ، وتبدء فی الوضوء بباطن الذراع و الرجل بظاهره ، ولا تمسح کما یمسح الرجال بل علیها أن تلقی الخمار من موضع مسح

ص:149


1- (1) - تهذیب الأحکام: ج 7 ص 457 - 458 ح 38 .

رأسها فی صلاة الغداة والمغرب ، وتمسح علیه وفی سائر الصلوات تدخل إصبعها فتمسح علی رأسها من غیر أن تلقی عنها خمارها فإذا قامت فی صلاتها ضمت رجلیها و وضعت یدیها علی صدرها ، وتضع یدیها فی رکوعها علی فخذیها ، وتجلس إذا أرادت السجود سجدت لاطئة بالأرض ، وإذا رفعت رأسها من السجود جلست ثم نهضت إلی القیام، وإذا قعدت للتشهد رفعت رجلیها وضمت فخذیها ، وإذا سبحت عقدت بالأنامل لأنهن مسؤولات ، وإذا کانت لها إلی الله عز وجل حاجة صعدت فوق بیتها وصلت رکعتین وکشفت رأسها إلی السماء فإنها إذا فعلت ذلک استجاب الله لها ولم یخبها ، ولیس علیها غسل الجمعة فی السفر، ولا یجوز لها ترکه فی الحضر ، ولا یجوز شهادة النساء فی شئ فی الحدود ، ولا یجوز شهادتهن فی الطلاق ، ولا فی رؤیة الهلال ، وتجوز شهادتهن فیما لا یحل للرجل النظر إلیه ، ولیس للنساء من سروات الطریق شیء ولهن جنبتاه ، ولا یجوز لهن نزول الغرف، ولا تعلم الکتابة، ویستحب لهن تعلم المغزل ، وسورة النور ، ویکره لهن تعلم سورة یوسف ، وإذا ارتدت المرأة عن الاسلام استتیبت ، فإن تابت وإلا خلدت فی السجن ، ولا تقتل کما یقتل الرجل إذا ارتد ، ولکنها تستخدم خدمة شدیدة ، وتمنع من

ص:150

الطعام والشراب إلا ما تمسک به نفسها ، ولا تطعم إلا جشب الطعام ولا تکسی إلا غلیظ الثیاب وخشنها، وتضرب علی الصلاة و الصیام، ولا جزیة علی النساء ، وإذا حضر ولادة المرأة وجب إخراج من فی البیت من النساء کیلا یکن أول ناظر إلی عورتها ، ولا یجوز للمرأة الحائض ولا الجنب الحضور عند تلقین المیت لان الملائکة تتأذی بهما ، ولا یجوز لهما إدخال المیت قبره ، و إذا قامت المرأة من مجلسها فلا یجوز للرجل أن یجلس فیه حتی یبرد ، وجهاد المرأة حسن التبعل وأعظم الناس حقا علیها زوجها ، وأحق الناس بالصلاة علیها إذا ماتت زوجها ، ولا یجوز للمرأة أن تنکشف بین یدی الیهودیة والنصرانیة ، لأنهن یصفن ذلک لأزواجهن ، ولا یجوز لها أن تتطیب إذا خرجت من بیتها ، ولا یجوز لها أن تتشبه بالرجال لان رسول الله (صلی الله علیه و آله) لعن المتشبهین من الرجال بالنساء ولعن المتشبهات من النساء بالرجال ، ولا یجوز للمرأة أن تعطل نفسها ولو أن تعلق فی عنقها خیطا ، ولا یجوز أن تری أظافیرها بیضاء ، ولو أن تمسحها بالحناء مسحا ، ولا تخضب یدیها فی حیضها لأنه یخاف علیها الشیطان ، وإذا أرادت المرأة الحاجة وهی فی صلاتها صفقت بیدیها والرجل یومی برأسه وهو فی صلاته ویشیر بیده و یسبح ، ولا یجوز

ص:151

للمرأة أن تصلی بغیر خمار إلا أن تکون أمة فإنها تصلی بغیر خمار مکشوفة الرأس ، و یجوز للمرأة لبس الدیباج والحریر فی غیر صلاة وإحرام ، وحرم ذلک علی الرجال إلا فی الجهاد ، ویجوز أن تتختم بالذهب وتصلی فیه ، وحرم ذلک علی الرجال [إلا فی الجهاد] ، قال النبی (صلی الله علیه و آله) : (یا علی لا تتختم بالذهب فإنه زینتک فی الجنة، ولا تلبس الحریر فإنه لباسک فی الجنة) ، ولا یجوز للمرأة فی مالها عتق ولا بر إلا بإذن زوجها، ولا یجوز لها أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها ، ولا یجوز للمرأة ان تصافح غیر ذی محرم إلا من وراء ثوبها ، ولا تبایع إلا من وراء ثوبها ، ولا یجوز أن تحج تطوعا إلا بإذن زوجها ، ولا یجوز للمرأة أن تدخل الحمام فان ذلک محرم علیها، ولا یجوز للمرأة رکوب السرج إلا من ضرورة ، أو فی سفر ، ومیراث المرأة نصف میراث الرجل ، ودیتها نصف دیة الرجل وتقابل المرأة الرجل فی الجراحات حتی تبلغ ثلث الدیة فإذا زادت علی الثلث ارتفع الرجل وسفلت المرأة ، وإذا صلت المرأة وحدها مع الرجل قامت خلفه ولم تقم بجنبه ، وإذا ماتت المرأة وقف المصلی علیها عند صدرها ومن الرجل إذا صلی علیه عند رأسه ، وإذا دخلت المرأة القبر وقف زوجها فی موضع یتناول ورکها ، ولا شفیع للمرأة أنجح عند ربها من

ص:152

رضا زوجها ، ولما ماتت فاطمة (علیها السلام) قام علیها أمیر المؤمنین (علیه السلام) وقال : (اللهم إنی راض عنه ابنة نبیک، اللهم إنها قد أوحشت فأنسها، اللهم إنها قد هجرت فصلها ، اللهم إنها قد ظلمت فاحکم لها وأنت خیر الحاکمین) »(1).

فقوله: «و لا تولی القضاء ولا تستشار» صریح فی المطلوب وهی من الطائفة الرابعة والمقصود بالمشاورة لیس مطلق المشورة بل المشورة فی المواضع التی تحتاج إلی صلابة وجرأة وشجاعة و ذلک لضعفها وعدم حزمها، نعم لو جربت وعرف فهمها ودقتها فلا مانع من الاسشتارة ففی الاخبار أن النبی (صلی الله علیه و آله) کان یستشیر خدیجة (علیها السلام) فی أمور مهمة فی الإسلام وقبوله مشورة أم سلمة (علیها السلام) فی قضیة عصیان وتمرد الصحابة فی صلح الحدیبیة فی حلق الرؤوس والتحلل من إحرام العمرة... ونفس الاستشارة من المعصوم لا یدل علی نقص فیه کما حققناه فی موراد کثیرة... .

ویوجد فی هذا الخبر عدة سنن منها ما هو بلسان الطائفة الثالثة کقوله: «و لا تجوز شهادة النساء فی شئ من الحدود ولا یجوز شهادتهن فی الطلاق ، ولا فی رؤیة الهلال» .

ص:153


1- (1) - الخصال: ص 585 ح 12 .

ومنها بلسان الطائفة الرابعة کقوله: : «وجهاد المرأة حسن التبعل وأعظم الناس حقا علیها زوجها ، وأحق الناس بالصلاة علیها إذا ماتت زوجها» . وقوله: «و لا یجوز للمرأة فی مالها عتق ولا بر إلا بإذن زوجها ، ولا یجوز أن تخرج من بیتها إلا بإذن زوجها ، ولا یجوز لها أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها» .

ومنها بلسان الطائفة الثانیة کقوله (علیه السلام) : «و لا یجوز للمرأة أن تصافح غیر ذی محرم إلا من وراء ثوبها، ولا تبایع إلا من وراء ثوبها، ولا یجوز لها أن تحج تطوعا إلا بإذن زوجها».

71- ما رواه الصدوق، عن أنس بن محمد أبی مالک ، عن جعفر بن محمد، عن أبیه ، عن جده ، عن علی بن أبی طالب (علیهم السلام) عن النبی (صلی الله علیه و آله) أنه قال فی وصیته له: «یا علی، لیس علی النساء جمعة ولا جماعة، ولا أذان، ولا إقامة، ولا عیادة مریض، ولا اتباع جنازة، ولا هرولة بین الصفا والمروة، ولا استلام الحجر، ولا حلق، ولا تولی القضاء، ولا تستشار، ولا تذبح إلا عند الضرورة، ولا تجهر بالتلبیة، ولا تقیم عند قبر، ولا تسمع الخطبة، ولا تتولی التزویج، ولا تخرج من بیت زوجها إلا بإذنه، فإن خرجت بغیر إذنه لعنها الله وجبرئیل ومیکائیل ولا تعطی من بیت زوجها شیئا إلا بإذنه ، ولا تبیت وزوجها علیها

ص:154

ساخط وإن کان ظالما لها»(1).

قوله (علیه السلام) : «و لا تولی القضاء، ولا تستشار» فإنه من لسان الطائفة الرابعة».

72- منها ما فی تفسیر الإمام العسکری (علیه السلام) عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی قوله (عز وجل) : (فَإِنْ لَمْ یَکُونا رَجُلَیْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ ) (2) قال: «عُدلت امرأتان فی الشهادة برجل واحد، فإذا کان رجلان، أو رجل وامرأتان، أقاموا الشهادة قضی بشهادتهم . قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : کنا نحن مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) وهو یذاکرنا بقوله تعالی: (وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِیدَیْنِ مِنْ رِجالِکُمْ ) ، قال: أحرارکم دون عبیدکم فان الله تعالی قد شغل العبید بخدمة موالیهم عن تحمل الشهادات وعن أدائها، ولیکونوا من المسلمین منکم فان الله (عز وجل) إنما شرف المسلمین العدول بقبول شهاداتهم، و جعل ذلک من الشرف العاجل لهم، ومن ثواب دنیاهم قبل أن یصلوا إلی الآخرة إذ جاءت امرأة، فوقفت قبالة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وقالت: بأبی أنت وأمی یا رسول، الله أنا وافدة النساء إلیک، ما من امرأة یبلغها مسیری هذا إلیک إلا سرها ذلک، یا رسول

ص:155


1- (1) - الخصال: ص 511 ح 12 .
2- (2) - سورة البقرة ، الآیة 282 .

الله، إن الله (عز وجل) رب الرجال والنساء، وخالق الرجال والنساء، ورازق الرجال والنساء، وإن آدم أبو الرجال والنساء، وإن حواء أم الرجال والنساء، وإنک رسول الله إلی الرجال والنساء . فما بال امرأتین برجل فی الشهادة والمیراث ؟ فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : یا أیتها المرأة إن ذلک قضاء من ملک عدل، حکیم لا یجور، ولا یحیف، ولا یتحامل، لا ینفعه ما منعکن، ولا ینقصه ما بذل لکن، یدبر الامر بعلمه، یا أیتها المرأة لأنکن ناقصات الدین والعقل . قالت: یا رسول الله وما نقصان دیننا؟ قال: إن إحداکن تقعد نصف دهرها لا تصلی بحیضة، وإنکن تکثرن اللعن، وتکفرن النعمة تمکث إحداکن عند الرجل عشر سنین فصاعدا یحسن إلیها، وینعم علیها، فإذا ضاقت یده یوما، أو خاصمها قالت له: ما رأیت منک خیرا قط . فمن لم یکن من النساء هذا خلقها فالذی یصیبها من هذا النقصان محنة علیها لتصبر فیعظم الله ثوابها ، فأبشری...»(1).

و هذا التفسیر معتمد عندنا اجمالاً، ومفاد هذه الروایة هو اعتبار تکامل طبیعة المرأة بالرجل فهی مندرجة فی الطائفة الرابعة.

ص:156


1- (1) - تفسیر الإمام العسکری(علیه السلام) : ص 658 - 659 ح 374 .

73- روایة عبد الله بن سلیمان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : لیأتین علی الناس زمان یظرف فیه الفاجر ویقرب فیه الماجن ویضعف فیه المنصف ، قال : فقیل له : متی ذاک یا أمیر المؤمنین ؟ فقال : إذا اتخذت الأمانة مغنما . والزکاة مغرما . والعبادة استطالة . والصلة منا ، قال : فقیل : متی ذلک یا أمیر المؤمنین ؟ فقال : إذا تسلطن النساء وسلطن الإماء وأمر الصبیان»(1).

و هذا ظاهر فی الطائفة الرابعة من ذم تولی المرأة وسلطنتها.

74- صحیحة حمران، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «فإذا رأیت الحق قد مات وذهب أهله، ورأیت الجور قد شمل البلاد، ورأیت القرآن قد خلق واحدث فیه ما لیس فیه ووجه علی الأهواء، ورأیت النساء وقد غلبن علی الملک وغلبن علی کل أمر لا یؤتی إلا ما لهن فیه هوی»(2).

فهذا من لسان الطائفة الرابعة وهو ذم غلبة النساء «علی الملک» وأیضا اللسان الثالث وهو قوله: «لا یؤتی إلا ما لهن فیه هوی» یعنی رأیهن تابع للشهوة والعاطفة لا للحذر والجزم. ومثلها الروایة الآتیة:

ص:157


1- (1) - الکافی: ج 8 ص 69 ح 25 .
2- (2) - الکافی: ج 8 ص 36 ح 7 .

75- روایة عطا بن أبی رباح، عن عبد الله بن عباس قال: حججنا مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) حجة الوداع فأخذ بحلقة باب الکعبة ثم أقبل علینا بوجهه فقال : «ألا أخبرکم بأشراط الساعة؟» ، وکان أدنی الناس منه یومئذ سلمان (رحمة الله علیه) ، فقال: بلی یا رسول الله، فقال (صلی الله علیه و آله) : «إن من اشراط القیامة إضاعة الصلوات واتباع الشهوات ، والمیل إلی الأهواء وتعظیم أصحاب المال، وبیع الدین بالدنیا، فعندها یذوب قلب المؤمن فی جوفه کما یذاب الملح فی الماء مما یری من المنکر فلا یستطیع أن یغیره» ، قال سلمان وإن هذا لکائن یا رسول الله؟ قال إی والذی نفسی بیده - إلی قوله - یا سلمان، فعندها تکون امارة النساء ومشاورة الإماء وقعود الصبیان علی المنابر...»(1).

وتوجد أخبار کثیرة ومستفیضة بهذه المضامین فالقول بعدم صحة السند إما للغفلة عن استفاضتها بل لا یکون مجازفا من ادعی تواترها مع وجود الصحاح أو للغفلة عن دلالة النص القرآنی بمضمون هذه الطوائف الست.

والأخبار کثیرة موزعة فی الأبواب، ومن تلک: ما جاء فی أبواب مقدمات النکاح.

ص:158


1- (1) - تفسیر القمی: ج 2 ص 303 .

76 - معتبرة محمد بن سنان قال: إن أبا الحسن علی بن موسی الرضا (علیه السلام) کتب إلیه فیما کتب من جواب مسائله قال: «علة المهر ووجوبه علی الرجال ولا یجب علی النساء أن یعطین أزواجهن، قال: لان علی الرجال مؤنة المرأة، لأن المرأة بایعة نفسها، والرجل مشتری ، ولا یکون البیع بلا ثمن ولا شراء بغیر اعطاء الثمن مع النساء محظورات عن التعامل والمتجر مع علل کثیرة»(1).

وکون المرأة بایعة نفسها هو لسان الطائفة الرابعة بأن له الولایة علیها ویمتلک بعض شؤون المرأة، وقوله مع أن النساء محظورات عن التعامل والمتجر هو اللسان الثانی وهو الحجاب والقرار فی البیوت.

77- مرسلة یعقوب بن یزید، عن رجل من أصحابنا (یکنی أبا عبدالله) ، رفعه إلی أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : فی خلاف النساء البرکة»(2).

فما تبدیه المرأة من آراء - باعتبار ما فیها من العواطف - مشوب بالضعف والعجز .

78- وبالاسناد المتقدم أیضاً عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «قال أمیر

ص:159


1- (1) - علل الشرائع: ج 2 ص 500 ، ورواه عنه فی عیون أخبار الرضا بأکثر من طریق .
2- (2) - الکافی: ج 5 باب التستر، ص 517 ح 9 .

المؤمنین (صلوات الله علیه) : کل امرء تدبره امرأة فهو ملعون»(1).

ومفادها نفی تولیتة المرأة أمر الرجل، فکیف بتولیتها أمر الرجال؟!

79- صحیحة معاویة بن عمار، عن الحسن بن عبد الله عن آبائه عن جده الحسن بن علی بن أبی طالب (علیهم السلام) قال : «جاء نفر من الیهود إلی رسول الله (صلی الله علیه و آله) فسأله اعلمهم عن مسائل، فکان فیما سأله ان قال له: ما فضل الرجال علی النساء؟ فقال النبی (صلی الله علیه و آله) : کفضل السماء علی الأرض، وکفضل الماء علی الأرض، فالماء یحیی الأرض، وبالرجال تحیی النساء لولا الرجال ما خلقت النساء یقول الله (عز وجل) : (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ) ، قال الیهودی: لأی شئیء کان هکذا ؟ فقال النبی (صلی الله علیه و آله) : خلق الله تعالی آدم من طین، ومن فضلته وبقیته خلقت حواء، وأول من أطاع النساء آدم، فأنزله الله تعالی من الجنة، وقد بین فضل الرجال علی النساء فی الدنیا ألا تری إلی النساء کیف یحضن ولا یمکنهن العبادة من القذارة والرجال لا یصیبهم شیء من الطمث، قال الیهودی: صدقت یا محمد»(2).

ص:160


1- (1) - الکافی: ج 5 باب التستر، ص 517 ح 10 .
2- (2) - علل الشرائع: ج 2 ص 512 ح 1 .

ففی الروایة دلالة واضحة علی أن النساء لا تطاع ولاویة لها علی الرجل وهی تندرج فی الطائفة الربعة وهی تبین الوجه فی کون الرجل قوام علی المرأة وهی العلة التکونیة وهی کونها مخلوقة من الرجل.

80- قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «یأتی علی الناس زمان لا یقرب فیه إلا الماحل ، ولا یظرف فیه إلا الفاجر ، ولا یضعف فیه إلا المنصف ، یعدون الصدقة فیه غرما ، وصلة الرحم منا ، والعبادة استطالة علی الناس ، فعند ذلک یکون السلطان بمشورة النساء وإمارة الصبیان وتدبیر الخصیان»(1).

ومن الاخبار التی یستدل بها علی المطلوب مباشرة: أخبار عدم امامة المرأة فی الصلاة، فإنها وإن کانت من المناصب الیسیرة إلا أنهاتدل علی أن الرجل یؤم المرأة وهی لا تؤمه ففیه بیان القوامیة و أن المرأة لا یمکن أن تکون فی عرض الرجل.

وأیضا یستدل بالاخبار الدالة علی قصور المرأة عن ولایة الصبی والمجنون، فکیف بالولایة العظمی؟! فهذه کأصول مسلّمة فی عدم امامة المرأة للرجل.

هذا مضافا إلی الروایات الدالة بالنص علی المطلوب:

ص:161


1- (1) - نهج البلاغة ص 22 الخطبة 102 .
روایات ضعف المرأة المعبر عنها بالطائفة الأولی:

ومن هذه الطائفة اخبار غیرة النساء وحسدها، وقد عقد لها الشیخ الکلینی (قدس سره) بابا مستقلاً ، منها:

1- مرسلة یوسف بن حماد: عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبی عبد الله ، عن محمد بن الحسن، عن یوسف بن حماد، عمن ذکره، عن جابر قال: قال أبو جعفر (علیه السلام) : «غیرة النساء الحسد والحسد هو أصل الکفر، إن النساء إذا غرن غضبن وإذا غضبن کفرن إلا المسلمات منهن»(1).

ودلالتها بتقریب عدم توازن قرار رأیها لنشوّه من هیجان العاطفة المنافی لشأن التوازن المطلوب فی الولایة.

2- مرسلة عثمان بن عیسی عن بعض أصحابه عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «لیس الغیرة إلا للرجال وأما النساء فإنما ذلک منهن حسد والغیرة للرجال ولذلک حرم الله علی النساء إلا زوجها وأحل للرجال أربعا وإن الله أکرم أن یبتلیهن بالغیرة ویحل للرجال معها ثلاثا»(2).

وهذه الاخبار تدل اجمالاً علی بیان فسلجة وطبیعة المرأة بنقص

ص:162


1- (1) - الکافی: ج 5 باب غیر النساء، ص 505 ح 4 .
2- (2) - المصدر نفسه، ص 504 ح 1 .

عقلها بسبب هیجان العواطف والغرائز ولیس هذا بذم کما تقدم مرارا وتکرارا بل بیان حالها من عدم التوازن فی العاطفة ولهذا تخرج عن ضبط العقلاء انفسهم.

3- مرفوعة عبد الرحمن بن الحجاج قال : «بینا رسول الله (صلی الله علیه و آله) قاعد إذ جاءت امرأة عریانه حتی قامت بین یدیه، فقالت: یا رسول الله إنی فجرت فطهرنی قال: وجاء رجل یعد وفی إثرها وألقی علیها ثوبا، فقال: ما هی منک؟ فقال: صاحبتی یا رسول الله، خلوت بجاریتی فصنعت ما تری، فقال: ضمها إلیک، ثم قال: إن الغیراء لا تبصر أعلی الوادی من أسفله»(1).

وهذه الاخبار تبین ضعف المرأة فلم تخاطب بالغیرة کما خاطب الرجل ولم یجعل للمراة زوجاً إلا زوجها.

4- معتبرة أبی بکر الحضرمی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إن الله (عز وجل) لم یجعل الغیرة للنساء وإنما تغار المنکرات منهن، فأما المؤمنات فلا، إنما جعل الله الغیرة للرجال؛ لأنه أحل للرجال أربعا وما ملکت یمینه ولم یجعل للمرأة إلا زوجها، فإذا أرادت معه غیره کانت عند الله زانیة»، ورواه القاسم بن یحیی عن جده الحسن بن راشد

ص:163


1- (1) - الکافی: ج 5 باب غیر النساء، ص 505 ح 3 .

عن أبی بکر الحضرمی عن أبی عبد الله (علیه السلام) إلا أنه قال : «فإن بغت معه غیره»(1).

والجعل للرجل بمعنی تملّکه شأنهن بخلافهن و جعل الغیرة له بنفس المفاد.

5- مصححة خالد القلانسی قال: ذکر رجل لأبی عبد الله (علیه السلام) امرأته فأحسن علیها الثناء فقال له أبو عبد الله (علیه السلام) : «أغَرْتَهَا؟» قال: لا، قال: «فأغرها» ، فأغارها فثبتت، فقال لأبی عبد الله (علیه السلام) : إنی قد أغرتها فثبتت ، فقال : «هی کما تقول»(2).

ومفاده أن حسن المرأة فی التسلیم للرجل لا التمرد علیه، فإن هذا الخبر یدل علی أن طبیعة المرأة هی الغیرة غیر المتّزنة وإن کان منشأ هذه الغیرة هو الحب کما جاء فی موثق اسحاق بن عمار، قال : قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : «المرأة تغار علی الرجل تؤذیه، قال : ذلک من الحب»(3).

ص:164


1- (1) - الکافی: ج 5 باب غیر النساء، ص 505 ح 2 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 5 .
3- (3) - المصدر نفسه، ص 506 ح 6 .
حسد المرأة وحق الزوج علیها:

وقد عقد الشیح الکلینی (قدس سره) باباً آخر فی حسد المرأة وباباً فی حق الزوج علی المرأة، وهذه الطوائف من الاخبار لا تدل علی ذم المرأة وإنما تدل علی اختلاف الأدوار علی حسب اختلاف طبیعة کل من الرجل والمرأة. منها:

1- صحیحة محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال : «جاءت امرأة إلی النبی (صلی الله علیه و آله) فقالت: یا رسول الله، ماحق الزوج علی المرأة؟ فقال لها: أن تطیعه ولا تعصیه ولا تصدق من بیته إلا بإذنه ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن کانت علی ظهر قتب، ولا تخرج من بیتها إلا بإذنه وإن خرجت من بیتها بغیر إذنه لعنتها ملائکة السماء وملائکة الأرض وملائکة الغضب وملائکة الرحمة حتی ترجع إلی بیتها، فقالت: یا رسول الله من أعظم الناس حقا علی الرجل؟ قال والده، فقالت: یا رسول الله، من أعظم الناس حقا علی المرأة؟ قال: زوجها، قالت: فمالی علیه من الحق مثل ماله علی؟ قال: لا، ولا من کل مائة واحدة، قال: فقالت: والذی بعثک بالحق نبیا لا یملک رقبتی رجل أبدا»(1).

ص:165


1- (1) - الکافی: ج 5 باب حق الزوج علی المرأة، ص 506 ح 1 .

ومفاده جامع لأکثر مضامین الطوائف المتقدمة کما لا یخفی.

2- معتبرة سعد بن أبی عمرو الجلاب قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «إیما امرأة باتت وزوجها علیها ساخط فی حق لم تقبل منها صلاة حتی یرضی عنها وأیما امرأة تطیبت لغیر زوجها لم تقبل منها صلاة حتی تغتسل من طیبها کغسلها من جنابتها»(1).

والمتأخرون یحملون هذه الاخبار علی الاستمتاع وأما المتقدمون فیحملونها علی حسن العشرة بما تداریه وکذا الرجل مأمور بحسن العشرة لها مع الحفاظ علی قیمومته الاداریة للأمر.

مدارة المرأة:

وقد عقد الکلینی (قدس سره) فی الکافی بابا فی مداراة الزوجة، منها:

1- موثقة أو صحیحة اسحاق بن عمار - علی الاختلاف فی الصیرفی الامامی أو السباطی الفطحی - عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «إنما مثل المرأة مثل الضلع المعوج إن ترکته انتفعت به وإن أقمته کسرته . وفی حدیث آخر : استمتعت به»(2).

ص:166


1- (1) - الکافی: ج 5 باب حق الزوج علی المرأة، ص 507 ح 2 .
2- (2) - الکافی: ج 5 باب مداراة الزوجة، ص 513 ح 1 .

ولیس المراد الذم والاستنقاص من المرأة بل بیان هندسة المرأة وطبیعتها من أنها مشتملة علی تجاذبات متعاکسة .

2- روایة محمد الواسطی قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «إن إبراهیم (علیه السلام) شکا إلی الله (عز وجل) ما یلقی من سوء خلق سارة، فأوحی الله تعالی إلیه: إنما مثل المرأة مثل الضلع المعوج إن أقمته کسرته وإن ترکته استمتعت به، اصبر علیها»(1).

فالمقصود أن المرأة طبیعتها وفسلجتها التکوینیة لها تداعیات سلبیة وتجاذبات متعددة فإذا استطاع الزوج أن یتفادی هذه التداعیات السلبیة یستطیع أن یحصل علی التوفیق بین تلک الجهات والجانب الایجابی فی المرأة، و هذا مثل قوله: «شر لابد منه» أی نقصها لابد منه لیکمل الرجل ما عنده من الجانب العاطفی فلابد منه لأن المرأة عنصر ضروری وکمال للرجل إلا أنها تحوی علی نقائص فالمراد من الاعوجاج هو الخاصیات الایجابیة فی المرأة لها تداعیات سلبیة فتستغل من أجل عاطفیتها وتستثمر من قبل الشیطان ومن قبل أصحاب الاغراض السیئة کاصحاب الشرکات الدعائیة والافلام وغیرها فتستعمل المرأة کطعم وسلعة تروّج بها بضاعتها وترویج ثقافات الدول وسیاساتها

ص:167


1- (1) - الکافی: ج 5 باب مداراة الزوجة، ص 513 ح 2 .

ذلک لسبب ما للمرأة من جذابیة من جهة بدنها وروحها وعطفها وحنانها... فالقرآن والتشریع الاسلامی لا یستغل جانب الشر وإنما ینبه علیه ویحذر منه فینبه المرأة ویحذرها لکی لا تنساق مع تلک التداعیات ولهذا بیَّن طبیعة المرأة حتی بالنسبة إلی طبیعة سارة تلک المرأة التی هی زوجة نبی ومن بنات الانبیاء وأم الانبیاء.

وهذه الطائفة تندرج فی الطائفة الأولی من کون المرأة ضعیفة لابد من مراعاتها.

3- معتبرة اسحاق بن عمار، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «من أخلاق الأنبیاء (صلی الله علیهم) حب النساء»(1).

4- روایة عمر بن یزید، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال :«ما أظن رجلا یزداد فی هذا الامر خیرا إلا ازداد حبا للنساء»(2).

5- روایة حفص البحتری، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «ما أحب من دنیاکم إلا النساء والطیب»(3).

6- روایة الراوندی : قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «أعطینا أهل البیت سبعة

ص:168


1- (1) - الکافی: ج 5 باب حب النساء، ص 320 ح 1 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 5 .
3- (3) - المصدر نفسه، ص 321 ح 6 .

لم یعطهن أحد کان قبلنا ولا یعطاهن أحد بعدنا: الصباحة والفصاحة والسماحة والشجاعة والعلم والحلم والمحبة للنساء»(1).

7- فی الجعفریات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثنی موسی قال: حدثنا أبی، عن أبیه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبیه، عن جده علی بن الحسین ، عن أبیه، عن علی (علیهم السلام) ، قال : «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : کلما ازداد العبد إیمانا ، ازداد حبا للنساء»(2).

8- وبالاسناد المتقدم قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : أعطینا أهل البیت سبعة لم یعطهن أحد قبلنا ولا یعطاها أحد بعدنا: الصباحة، والفصاحة والسماحة، والشجاعة، والحلم، والعلم، والمحبة من النساء»(3).

9- قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال: «المرأة عقرب حلوة اللبسة»(4).

وهی تدل علی أن المرأة فیها نزعات لابد من أن یحذر منها ویجب علیها أن تحذر من نفسها لئلا تستثمر فی غیر الخیر.

ص:169


1- (1) - النوادر: ص 123 .
2- (2) - مستدرک الوسائل: ج 14 ص 157 ح1 .
3- (3) - المصدر نفسه، ح 2 .
4- (4) - نهج البلاغة، الخطبة ح 61 .
قلة الصلاح فی المرأة:

وقد عقد الکلینی (قدس سره) باباً آخر تحت عنوان قلة الصلاح فی النساء، وهذه الطائفة من الروایات تندرج فی الطائفة الاولی التی تبین جهات ضعف فی المرأة، منها:

1- روایة الثمالی عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «الناجی من الرجال قلیل ومن النساء أقل وأقل، قیل: ولم یا رسول الله ؟ قال: لأنهن کافرات الغضب مؤمنات الرضا»(1).

أی حین الغضب یکفرن و حین الرضا یؤمنًّ إذ عند الغضب ینکرن حق الله أو حق الزوج فهن عند الغضب لایمسکن انفسهن اندفاعیات علی الدوام، و هذا یدل علی عدم تماسک المرأة نتیجة الجانب العاطفی.

2- معتبرة سعد الجلاب، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال لامرأة سعد: «هنیئا لک یا خنساء، فلو لم یعطک الله شیئا إلا ابنتک أم الحسین لقد أعطاک الله خیرا کثیرا، إنما مثل المرأة الصالحة فی النساء کمثل الغراب الأعصم فی الغربان وهو الأبیض إحدی الرجلین»(2).

وهو یدل علی الأقلة و أن تکامل المرأة لیس ممتنعاً بل صعباً.

ص:170


1- (1) - الکافی: ج 5 باب قلة الصلاح فی النساء، ص 514 ح 1 .
2- (2) - المصدر نفسه، ص 515 ح 2 .

3- صحیحة حفص البختری، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «مثل المرأة المؤمنة مثل الشامة فی الثور الأسود»(1).

وهو یدل علی قلة الصلاح الکامل فی النساء.

4- معتبرة محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام): «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «إنما مثل المرأة الصالحة الغراب الأعصم الذی لا یکاد یقدر علیه، قیل: وما الغراب الأعصم الذی لا یکاد یقدر علیه؟ قال: الأبیض إحدی رجلیه»(2).

5- مرسلة الواسطی، عن أبی جعفر (علیه السلام) : «إن المرأة إذا کبرت ذهب خیر شطریها وبقی شرهما، ذهب جمالها وعقم رحمها واحتد لسانها»(3).

وهی تدل علی ضعف المرأة وعدم تماسکها وخصوصاً إذا کبرت .

6- صحیحة عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: ذکر رسول الله (صلی الله علیه و آله) النساء فقال: «اعصوهن فی المعروف قبل أن یأمرنکم بالمنکر وتعوذوا بالله من شرارهن وکونوا من خیارهن علی حذر»(4).

ص:171


1- (1) - الکافی: ج 5 باب قلة الصلاح فی النساء، ص 515 ح 3 .
2- (2) - المصدر نفسه، ص 518 ح 4 .
3- (3) - المصدر نفسه، ح 6 .
4- (4) - المصدر نفسه، ح2.

و هذا اللسان یندرج فی الطائفة الأولی ویندرج فی طائفة شهادة المرأة نصف شهادة الرجل فإن هذا یدل علی ضعف قول المرأة وتصرفاتها و هذا لیس بذم وإنما هو لأجل بیان مواطن الضعف عند المرأة لکی تکون المرأة والرجل علی حذر.

تأدیب النساء:

عقد الکلینی (قدس سره) باباً بعنوان (تأدیب النساء)(1)، وهو نوع من التعالیم للمرأة، وتندرج فی الطائفة الرابعة وتندرج فی الأولی باعتبار ضعف طبیعتها لدلاتها علی مواقع الضعف فی المرأة وکذا الطائفة الثانیة.

ترک طاعة النساء:

وقد عقد الشیخ الکلینی باباً فی ترک طاعتهن:

1- منها موثق اسحاق بن عمار، قال : قلت لأبی الحسن (علیه السلام) وسألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الاسلام فتقول لزوجها : أحجنی من مالی، أله أن یمنعها؟ قال : «نعم، و یقول : حقی علیک أعظم من حقک علی فی هذا»(2).

ص:172


1- (1) - الکافی: ج 5 ص 515 .
2- (2) - الکافی: ج 5 باب ترک طاعتهن، ص 516 ح 1 .

2- وموثقة السکونی عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «من أطاع امرأته أکبه الله علی وجهه فی النار، قیل: وما تلک الطاعة ؟ قال: تطلب منه الذهاب إلی الحمامات والعرسات والعیدات والنیاحات و الثیاب الرقاق»(1).

فهذه الاخبار تبین أن لا طاعة للمرأة فی المعاصی - والنهی عن الطاعة فی المعاصی لا یدل علی سلب وعدم الطاعة إن لم یدل علی ثبوت الطاعة - ومفادها النهی عن طاعتها فی المعاصی ولا دلالة فیها علی النهی مطلقا لأن هذا اللسان ورد فی قوله تعالی فی طاعة الأبوین علی المعاصی: ولا تطعهما وقل لهما قولا معروفا .

3- منها موثقة السکونی بإسناده قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «طاعة المرأة ندامة»(2).

وهذه الروایة مطلقة فلا تجعل لها الولایة. وهی أیضاً من الاخبار التی هی نص فی المطلوب.

4- مرسلة الحسین بن المختار - بارسالة خفیف - عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی کلام له : اتقوا شرار النساء

ص:173


1- (1) - الکافی: ج 5 باب ترک طاعتهن، ص 516 ح 3 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 4 .

وکونوا من خیارهن علی حذر وإن أمرنکم بالمعروف فخالفوهن کیلا یطمعن منکم فی المنکر»(1).

5- مرفوعة أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «ذکر عند أبی جعفر (علیه السلام) النساء فقال: لا تشاوروهن فی النجوی ولا تطیعوهن فی ذی قرابة»(2).

لأن النجوی إشارة إلی الأمور الخطیرة التی من شأنها أن تکتم فلا تشاور النساء فیها لأنهن تفشین السر ولا تمسکن ألسنتهن.

6- مرفوعة المطلب بن زیاد، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «تعوذوا بالله من طالحات نسائکم وکونوا من خیارهن علی حذر ولا تطیعوهن فی المعروف فیأمرنکم بالمنکر»(3).

7- روایة سلمان بن خالد - وهی قابلة للاعتبار - قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «إیاکم ومشاورة النساء فإن فیهن الضعف والوهن والعجز»(4).

8- مرفوعة محمد بن یحیی قال : «کان رسول الله (صلی الله علیه و آله) إذا أراد

ص:174


1- (1) - الکافی: ج 5 باب ترک طاعتهن، ص 517 ح 5 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 6 .
3- (3) - المصدر نفسه، ح 7 .
4- (4) - المصدر نفسه، ح 8 .

الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن»(1).

و ذلک لأن موطن الحرب مورد قوة وشدة لا یتناسب مع لیونة طبیعة المرأة.

9- مرسلة عمرو بن عثمان، عن الصادق (علیه السلام) قال: «استعیذوا بالله من شرار نسائکم وکونوا من خیارهن علی حذر ولا تطیعوهن فی المعروف فیدعونکم إلی المنکر» ، وقال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : النساء لا یشاورن فی النجوی ولا یطعن فی ذوی القربی ، إن المرأة إذا أسنت ذهب خیر شطریها وبقی شرهما و ذلک أنه یعقم رحمها ویسوء خلقها ویحتد لسانها و أن الرجل إذا أسن ذهب شر شطریه وبقی خیرهما و ذلک أنه یؤوب عقله ویستحکم رأیه ویحسن خلقه»(2).

وبهذه الاخبار یتضح أن النهی عن استشارة المرأة مقیدة بالامور الخطیرة ویدل علیه قوله : «فی النجوی» أی الأمور التی تحتاج إلی الکتم والمواطن التی تتطلب القوة والشدة وهی الامور الخطیرة الهامة.

فهذا الباب یندرج فی الطائفة الاولی لدلالتها علی ضعف المرأة وفی الطائفة الثالثة وهی عدم الاعتداد بقولها خصوصاً فی الموارد الخطیرة

ص:175


1- (1) - الکافی: ج 5 باب ترک طاعتهن، ص 518 ح 11 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 12 .

والتی تتطلب قوة وشدة و ذلک لأن هذه الموارد لیست من شؤونها ولا من طبیعتها بل هو خلاف طبیعتها.

10- منها روایة غیاث بن إبراهیم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبیه، عن جده (علیهم السلام) ، قال: «قال علی بن أبی طالب (علیه السلام) : عقول النساء فی جمالهن ، وجمال الرجال فی عقولهم»(1).

هذا بیان الخاصیة فی طبیعة الجنسین وهو أن من خصوصة المرأة أن یکون إهتمامها فی الجمال فتجعل هذه الروایة فی الطائفة الأولی الدالة علی ضعف المرأة أو تضاف إلی الطائفة الثالثة من عدم متانة رأی المرأة فیما لها من عقل إلا أنها ترکزه فی جانب الجمال دون غیره.

11- روایة الحسین بن علوان، جعفر الصادق، عن أبیه قال : «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : اتقوا الله ، اتقوا الله فی الضعیفین : الیتیم ، والمرأة ، فإن خیارکم خیارکم لأهله»(2).

ومفادها قصور المرأة علی حذو قصور الیتیم فی الولایة.

12- موثقة سماعة - لورود علی بن السندی فیها، وهو وإن لم یرد فیه توثیق إلا أنه یمکن اعتباره - عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «اتقوا الله

ص:176


1- (1) - الأمالی (للصدوق) : ص 298 ح 9 .
2- (2) - قرب الاسناد: ص 92ح 306 .

فی الضعیفین یعنی بذلک الیتیم والنساء»(1).

وهذه الاخبار مرت عن الکافی وهی تندرج فی الطائفة الأولی بل یمکن من جهة القصور أن تندرج فی الطائفة الرابعة.

13- معتبر الاصبغ بن نباته قال: «قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : الفتن ثلاث: حب النساء وهو سیف الشیطان، وشرب الخمر وهو فخ الشیطان وحب الدینار والدرهم وهو سهم الشیطان، فمن أحب النساء لم ینتفع بعیشه، ومن أحب الأشربة حرمت علیه الجنة، ومن أحب الدینار والدرهم فهو عبد الدنیا، وقال: قال عیسی بن مریم (علیه السلام) : الدینار داء الدین، والعالم طبیب الدین فإذا رأیتم الطبیب یجر الداء إلی نفسه فاتهموه ، واعملوا أنه غیر ناصح لغیره»(2).

وکیف یکون حب النساء هو سیف الشیطان مع أنه ورد عنه (صلی الله علیه و آله) : «حبب لی من دنیاکم ثلاث»(3)، وورد: «کلما ازداد العبد إیماناً ازداد حباً للنساء»(4) وغیرها، فلیس مثل هذا مناقضاً لما تقدم و ذلک لأن المقصود ان حب النساء سیف الشیطان هو ما کان من طریق الحرام وأما

ص:177


1- (1) - الخصال: ص 37 ح 13 .
2- (2) - الخصال: ص 113 ح 91 .
3- (3) - وسائل الشیعة: ج أبواب آداب الحمام والتنظیف، ب 89 ص 144 ح 12 .
4- (4) - المصدر نفسه، ب 3 ص 21 - 22 ح 1 .

من طریق الحلال أو لأجله فهو من علامات الایمان ویمکن أن المراد بالحب هنا هو اتباع المرأة فی نزعاتها العاطفیة التی تکون صد له عن أهله وارحامه، وأما حبها لدفع الحرام عن نفسه فهو من الایمان والمقرب لله تعالی فهذا هو الجمع بین هذه الطوائف.

14- مرفوعة البرقی الأب إلی أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال: «خمس من خمسة محال: النصیحة من الحاسد محال، والشفقة من العدو محال، والحرمة من الفاسق محال، والوفاء من المرأة محال، والهیبة من الفقیر محال»(1).

وهذه أیضاً تندرج فی الطائفة الأولی وهی بیان ضعف المرأة المنافی لقوة شخصیة الولی.

15- موثقة السکونی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قال رسول الله (علیه السلام) أو قال أمیر المؤمنین (صلوات الله علیه) : «النساء أربع : جامع مجمع وربیع مربع وکرب مقمع وغل قمل»(2).

وقال الصدوق (قدس سره) : «جامع مجمع» أی کثیر الخیر مخصبة، و «ربیع مربع» التی فی حجرها ولد وفی بطنها آخر، و «کرب مقمع» أی سیئة

ص:178


1- (1) - الخصال: ص 269 ح 5 .
2- (2) - الکافی: ج 5 باب أصناف النساء ص 322 ح1 .

الخلق مع زوجها، و «غل قمل» أی هی عند زوجها کالغل القمل، وهو غل من جلد یقع فیه القمل فیأکله فلا یتهیأ أن یحل منه شیء، وهو مثل للعرب(1).

وهذه تدل علی أن النساء یستطعن أن یتغلبن علی تلک صفات ونزعات النقص التی یحملنها وتبلغ درجات الکمال.

وقد ذکر صاحب البحار باباً فی صفات النساء بحاره یبین دور المرأة فی الأسرة وتصنیف انماط النساء فجل ما فی هذا الباب یندرج فی الطائفة الأولی والثانیة فلا حاجة لاستعراضه وتفسیره وهو الباب الثالث من أبواب النساء.

16- روایة مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبیه (علیهما السلام) قال : «إن الله (تبارک وتعالی) جعل للمرأة صبر عشرة رجال، فإذا حملت زادها قوة صبر عشرة رجال أخری»(2).

17- منها موثقة اسحاق بن عمار- عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «سمعته یقول : إن الله (عز وجل) جعل للمرأة صبر عشرة رجال فإذا هاجت کان لها قوة عشرة رجال»(3).

ص:179


1- (1) - الخصال: ص 241 - 242 ح 92 .
2- (2) - الخصال: ص 439 ح 31 .
3- (3) - الخصال: ص 439 ح 32 .

و هذا بیان لجهات القوة فی المرأة تتمیز بها علی الرجل فإن هذه الاخبار تبین مدی تحمل المرأة وأنها أقوی من الرجل فی تحمل آلام البدن بل هی أقوی من عشرین رجل فإن الولادة والحمل شبیه بنزع الروح من شدته وأما مسألة الولادة بالسقوط - فما بالک بالاسقاط - کما یقال إنه یعادل عشر ولادات من شدته - لعن الله الظالمین لک یا فاطمة - لأنه ینزع من الجوف نزعا وقلعا، فهذه من الاخبار المادحة والمبینة لکمال من کمالات المرأة.

تکامل الرجل والمرأة بالآخر:

فالمرأة أعطیت قوة فی الدور الذی وظفت له بینما لم تعط القوة فی الادوار التی وظف لها الرجل کما أن الرجل عنده قوة فی الادارة التی وظف لها وهو ضعیف فی الأدوار التی وظفت لها المرأة.

ولا یخفی أن هذه القوة تدریجیة لا دفعیة ولنمثل لتنوع نماذج القوی فی الاصناف فإن سرعة النمر کما یقولون تقارب خمسین أو ستین کیلو متر فی الساعة ولکنها لا تستمر إلا دقائق وبعدها تنهار وتضعف وأما الجمل فإنه لا سرعة له ولکن له قوة علی تحمل قطع المسافات تدریجیة أقوی بکثیر من النمر فقوة النمر فی السرعة قوة وهی أقوی من الجمل ولکنها دفعیة . وأما الجمل فقوته الدفعیة ضعیفة إلا أن قوته

ص:180

التدریجیة أقوی بکثیر من النمر فکذا قوة المرأة علی تحمل المتاعب بالاستمرار والتدرج أقوی بکثیر من الرجل فإن قوة الرجل الدفعیة أقوی بکثیر من المرأة فکل بحسب فسلجته وطبیعته.

والبیانات الشرعیة تبین التوازن بین الرجل والمرأة و ذلک لأن الشارع المقدس صاحب منظومة متکاملة ومتوازنة فلابد من النظر إلی جمیع الجوانب وعلیه فلیس من الصحیح النظر إلی جنبة واغفال الآخری..

18- روایة عنبسة عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «فی کتاب علی (علیه السلام) الذی املی رسول الله (صلی الله علیه و آله) (إن کان الشوم فی شئ ففی النساء) »(1).

وهذه تندرج فی الطائفة الأولی وهی الضعف فالخوف یکون من جهة المرأة فهی نافذة من نوافذ تخویف وتهدید الرجل أی یمکن اختراقه والنفوذ إلی استهدافه من خلالها.

الطائفة الثالثة: ضعف الرأی:

1- محسنة عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : إن أول ما عصی الله (عز وجل) به ست: حب الدنیا ، وحب الرئاسة وحب الطعام، وحب النوم، وحب الراحة، وحب النساء»(2).

ص:181


1- (1) - بصائر الدرجات: ص 185 ح 15 .
2- (2) - الکافی ج 2 باب فی أصول الکفر وأرکانه ص 289 ح 3 .

والمراد من «حب النساء» هو ما یودی إلی المعصیة لا ما یودی إلی العفاف والطهارة فإنه زیادة فی الایمان.

2- روایة أبی المجبر قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «أربع مفسدة للقلوب: الخلوة بالنساء، والاستماع منهن، والأخذ برأیهن ، ومجالسة الموتی» ، فقیل له: یا رسول الله وما مجالسة الموتی؟ قال: «مجالسة کل ضال عن الإیمان وجائر فی الأحکام»(1).

وهی تندرج فی الطائفة الأولی والثالثة وهی ضعف الرأی.

3- منها موثقة سماعة - وعلی بن السندی وإن لم یرد فیه توثیق إلا أنه یمکن اعتباره - عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «اتقوا الله فی الضعیفین یعنی بذلک الیتیم والنساء»(2).

و هذا الخبر یندرج فی الطائفة الأولی - وهی ضعف المرأة - والثانیة والرابعة باعتبار أنها مولی علیها من الرجل.

4- مصحح عمر بن یزید، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «جاءت امرأة من أهل البادیة إلی النبی (صلی الله علیه و آله) ومعها صبیان حاملة واحدا و آخر یمشی ، فأعطاها النبی (صلی الله علیه و آله) قرصا ففلقته بینهما ، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله)

ص:182


1- (1) - الأمالی (للشیخ المفید) : ص 315 .
2- (2) - الخصال: ص 37 ح 13 .

:الحاملات الرحیمات لولا کثرة لعبهن لدخلت مصلیاتهن الجنة»(1).

فإنها من الاخبار الدالة علی خصائص المرأة الایجابیة من کونها من ینابیع الرحمة.

5- ما رواه فی مستطرفات السرائر: عن أبی عبد الله (صلی الله علیه و آله) قال: «کل من اشتد لنا حبا ، اشتد للنساء حبا وللحلواء»(2).

فحبها موجب للعفاف والطهارة وهو نوع من المدارة والحنان علیها .

6- مرفوعة اسحاق بن عمار قال: «کان رسول الله (صلی الله علیه و آله) إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن»(3).

وهی تندرج فی الطائفة الثالثة الدالة علی ضعف رأیهن.

7- معتبرة المحاربی، عن جعفر بن محمد، عن أبیه، عن آبائه (علیهم السلام) عن علی (علیه السلام) قال: «قال النبی (صلی الله علیه و آله) : ثلاث یحسن فیهن الکذب : المکیدة فی الحرب، وعدتک زوجتک ، والاصلاح بین الناس . وثلاث یقبح فیهن الصدق: النمیمة، وإخبارک الرجل عن أهله بما یکرهه . وتکذیبک الرجل عن الخبر . قال: وثلاثة مجالستهم تمیت القلب :

ص:183


1- (1) - علل الشرائع: ج 2 ص 598 ح 47 .
2- (2) - السرائر: ص 635 - 636 .
3- (3) - الکافی ج 5 باب التستر، ص 518 ح 11 .

مجالسة الأنذال والحدیث مع النساء ، ومجالسة الأغنیاء»(1).

و هذا لیس خاصا بالمرأة بل یشمل الاغنیاء والانذال فهذه الروایة تندرج فی الطائفة الثالثة بأن رأیها غیر حازم وأنها ذات انجذاب إلی الحرص المادی أیضا باعتبار أن کثرة الحدیث معهن تدخله الأمور العاطفیة حتی ینجر إلی شؤونها وخواصها من ضعف الرأی.

8- موثق بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبیه (علیهما السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «أربع یُمتْن القلب : الذنب علی الذنب ، وکثرة مناقشة النساء - یعنی محادثتهن - ومماراة الأحمق تقول و یقول ولا یرجع إلی خیر أبدا، ومجالسة الموتی ، فقیل له : یا رسول الله (صلی الله علیه و آله) وما الموتی ؟ قال کل غنی مترف . لا تخلو الأرض من أربعة من المؤمنین»(2).

9- معتبرة عامر بن عبد الله قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : إن امرأتی تقول بقول زرارة ومحمد بن مسلم فی الاستطاعة وتری رأیهما ؟ فقال : «ما للنساء وللرأی والقول لها (أو بهما أو بقولهما) ، انهما لیسا بشیء فی ولایة ، قال : فجئت إلی امرأتی فحدثتها ، فرجعت عن ذلک

ص:184


1- (1) - الخصال: ص 87 ح 20 .
2- (2) - الخصال: ص 228 ح 65 .

القول»(1).

و هذا الخبر قابل للاعتبار وهو مما یندرج فی اللسان الثالث بعدم الاعتبار بقولها.

10- موثقة مسعدة بن صدقة بن زیاد قال: سمعت أبا الحسن (علیه السلام) یقول لأبیه: «یا أبة، إن فلانا یرید الیمن، أفلا أزود ببضاعة لیشتری لی لها عصب الیمن؟ فقال له: یا بنی، لا تفعل . قال: ولم؟ قال: لأنها إن ذهبت لم تؤجر علیها ولم تخلف علیک، لان الله (تبارک وتعالی) یقول: (وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَکُمُ الَّتِی جَعَلَ اللّهُ لَکُمْ قِیاماً) فأی سفیه أسفه - بعد النساء - من شارب الخمر ؟! »(2).

11- موثقة السکونی، عن جعفر بن محمد، عن أبیه، عن آبائه (علیهم السلام) قال: قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «المرأة لا یوصی إلیها لأن الله تعالی یقول : (وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَکُمُ ) » .

قال محمد بن الحسن: هذا الخبر محمول علی ضرب من الکراهیة

ص:185


1- (1) - اختیار معرفة الرجال: ج 1 ص 392 ح 282 .
2- (2) - قرب الاسناد: ص 314 ح 1222 .

لأنا قد بینا فیما تقدم جواز الوصیة إلی النساء . أنتهی کلامه(1).

قال الشیخ الصدوق: وفی خبر آخر: سئل أبو جعفر (علیه السلام) عن قول الله (عز وجل) : (وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَکُمُ ) قال: «لا تؤتوها شارب الخمر ولا النساء، ثم قال: وأی سفیه أسفه من شارب الخمر». قال: إنما یعنی کراهة اختیار المرأة للوصیة، فمن أوصی إلیها لزمها القیام بالوصیة علی ما تؤمر به ویوصی إلیها فیه إن شاء الله تعالی . أنتهی(2).

وهی محمولة علی الکراهة عند المشهور وإن عمل بظاهرها جماعة وعلی کلا التقدیرین فهی دالة علی المطلوب لأن الکراهة فی تولیتها الأمور الشخصیة یلزم منه الکراهة فی الأمور العامة.

12- ما قاله الشیخ الحویزی: اختلف فی المعنی بالسفهاء علی أقوال، أحدها: انهم النساء والصبیان، رواه أبو الجارود عن أبی جعفر (علیه السلام) . وثالثها: انه عام فی کل سفیه من صبی أو مجنون أو محجور علیه للتبذیر وقریب منه ما روی عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال : «إن السفیه شارب الخمر ، ومن جری مجراه»(3).

ص:186


1- (1) - تهذیب الأحکام: ج 9 ص 245 - 246 ح 953 .
2- (2) - من لا یحضره الفقیه: ج 4 ص 226 ح 5534 .
3- (3) - تفسیر نور الثقلین: ج 1 ص 442 ح 54 .

وهاتان الموثقتان تندرجان فی الطائفة الثالثة الدالة علی ضعف الرأی.

13- ما فی روایة أبی الجارود عن أبی جعفر (علیه السلام) فی قوله (وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَکُمُ ) قال: «فالسفهاء النساء والولد، إذا علم الرجل ان امرأته سفیهة مفسدة وولده سفیه مفسد لا ینبغی له یسلط واحدا منهما علی ماله الذی جعله الله له»(1).

و هذا بمقتضی سعة اطلاع الرجل وتجاربه وطبیعته وأما قوتها وحنکتها فدونه.

و هذا الخبر مسند فی الکافی إلا أنه مقتطع متنه وهو یدل علی أن ضعف الرأی من طبیعة الولد والمرأة إلا أن یزول عن الطفل بکبره وعن المرأة بکمالها.

14- قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «و إن النساء همهن زینة الحیاة الدنیا والفساد فیها»(2).

وقد تقدم أن هذا لیس بلسان ذم بل تحذیر لکی لا تقع النساء فی تداعیات سلبیة لطبیعتها.

ص:187


1- (1) - تفسیر القمی: ج 1 ص 131 .
2- (2) - نهج البلاغة، من الخطبة رقم 153 ص 43 .

15- عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «و أما فلانة فأدرکها رأی النساء»(1).

16- روایة الشیخ الطبرسی، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «و أما عائشة فأدرکها رأی النساء، ولها بعد ذلک حرمتها الأولی والحساب علی الله یعفو عمن یشاء ، ویعذب من یشاء»(2).

وهو یدل علی أن طبیعة النساء رأیهن ضعیف لا اعتبار به.

17- عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «و لا تهیجوا النساء بأذی وإن شتمن أعراضکم وسببن أمراءکم ، فإنهن ضعیفات القوی والأنفس والعقول، إن کنا لنؤمر بالکف عنهن وإنهن لمشرکات. وإن کان الرجل لیتناول المرأة فی الجاهلیة بالفهر أو الهراوة فیعیر بها وعقبه من بعده»(3).

فإنه (علیه السلام) یعلل بأمور تکوینیة فی المرأة موجبة لمراعاتها، فالشارع المقدس یحذر تحذیراً شدیداً من الاعتداء الجسدی علی المرأة وإنما هو بالتسییس والتدبیر ومع ذلک یأمره بأن لایحکم صفات المرأة فی الأسرة والمجتمع فأنظر أی حمایة للمرأة وأی صیانیة لها وللمجتمع والتشریع الاسلامی ینظم کل ذلک لها مع ما مرّ منه (صلی الله علیه و آله) من بیان جهات

ص:188


1- (1) - نهج البلاغة، خطبة رقم 156 ج2 ص47 فی کلامه لأهل البصرة .
2- (2) - الاحتجاج: ج 1 ص 248 .
3- (3) - نهج البلاغة، باب المختار من کتبه ورسائله، ج3 ص15 ح14 .

النقص فإن الدین یحمل الزوج أعباء المرأة ونفقتها ویأمره بأن لا یتعدی علیها.

الطائفة الثانیة: الآمرة بالحجاب:
ستر المرأة:

1- موثقة الصدوق بالاسناد قال قال علی (علیه السلام) : «للمرأة عشر عورات فإذا زوجت سترت لها عورة واحدة وإذا ماتت سترت عوراتها کلها»(1). وهذه تندرج فی الطائفة الثانیة أیضاً وقد مر أن العورة هنا لیس معناها الازدراء والقباحة بل هی مواضع الضعف والانتهاز من الآخرین لهاوفریسة لابد من الحفاظ علیها.

2- موثقة السکونی عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «لا تنزلوا النساء بالغرف ولا تعلموهن الکتابة وعلموهن المغزل وسورة النور»(2).

والمراد ب(الغرف) أماکن الفتنة کما هو الحال فی الطابق الثانی من البناء للاستشراف ، فهذه دالة علی مسألة الحجاب وان النساء موراد للفتنة الجنسیة.

ص:189


1- (1) - عیون أخبار الرضا: ج 1 ص 42 ح 116 .
2- (2) - الکافی: ج 5 باب فی ترک طاعتهن، ص 516 ح 1 .

3- مرفوعة یعقوب بن سالم قال : قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «لا تعلموا نساءکم سورة یوسف ولا تقرؤوهن إیاها فإن فیها الفتن وعلموهن سورة النور فإن فیها المواعظ»(1).

4- روایة ابن القداح عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «نهی رسول الله (صلی الله علیه و آله) أن یرکب سرج بفرج»(2).

ومفاده فی محدودیة حرکة المرأة جسمانیاً.

5- منها روایة الحارث الأعور قال: قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «لا تحملوا الفروج علی السروج فتهیجوهن للفجور»(3).

وهذه تدل علی حرمة الاستمناء بالأولویة لکون النهی عن الرکوب للتهییج فما بلک بالاستمناء.

وهی دالة علی ولایة الرجل علی المرأة بسلطنته علیها بحیث لا یرکَّبها السروج فالروایة من الاخبار الدالة علی ولایة الرجل علی المرأة إذ هو الذی یقوم بمنعها عن هذه الأمور و أن أمرها بیده.

6- منها مرسلة ابن سنان عن أبی جعفر (علیه السلام) ، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) :

ص:190


1- (1) - الکافی: ج 5 باب فی ترک طاعتهن، ص 516 ح 2 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 3 .
3- (3) - المصدر نفسه، ح 4 .

«ما لإبلیس جند أعظم من النساء والغضب»(1).

و هذا لیس بتنقیص للمرأة وإنما هو باعتبار ما لها من جذابیة فی جمال بدنها وصوتها وروحیتها من مصیدة قد تستغل ویوقع الشیطان الآخرین فهذه الاخبار من باب التحذیر وفهذا الخبر یندرج فی الطائفة الثانیة. وقد عقد الشیخ الکلینی باباً فی التستر، وهو موافق للطائفة الثانیة وهی الحجاب والعزلة، منها:

7- صحیح الولید بن صبیح عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : لیس للنساء من سروات الطریق شیء ولکنها تمشی فی جانب الحائط والطریق»(2).

8- صحیحة الولید بن صبیح، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : أی امرأة تطیبت ثم خرجت من بیتها فهی تلعن حتی ترجع . إلی بیتها متی ما رجعت»(3).

ومفادها النهی عن الخروج التبرجی لا مطلق الخروج حتی العبادی .

ص:191


1- (1) - الکافی: ج 5 باب فی ترک طاعتهن، ص 516 ح 5 .
2- (2) - الکافی: ج 5 باب فی التستر، ص 518 ح 1 .
3- (3) - المصدر نفسه، ح 2 .

9- موثق ابن بکیر عن رجل، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «لا ینبغی للمرأة أن تجمر ثوبها إذا خرجت من بیتها»(1).

10- منها صحیحة هشام بن سالم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «لیس للنساء من سراة الطریق ولکن جنبیه»(2). ومعنی سراة : وسط .

11- صحیحة حفص البحتری، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «لا ینبغی للمرأة أن تنکشف بین یدی الیهودیة والنصرانیة فإنهن یصفن ذلک لأزواجهن»(3).

وهذه تندرج فی الطائفة الثانیة الدالة علی حجاب المراة المانع من اتصالها المجتمعی .

12- معتبرة مسمع أبی سیار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «فیما أخذ رسول الله (صلی الله علیه و آله) من البیعة علی النساء أن لا یحتبین ولا یقعدن مع الرجال فی الخلاء»(4).

ص:192


1- (1) - الکافی: ج 5 باب فی التستر، ص 519 ح 3 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 4 .
3- (3) - المصدر نفسه، ح 5 .
4- (4) - المصدر نفسه، ح 5 .

ومفاده دال علی ما ذهبنا إلیه من أن الخلوة المحرمة خلوة التعداد القلیل من الرجال بالنساء کخلوة ثلاثة رجال أجانب بنساء أو رجلین بنساء خلوة منقطعة فإنه یشکل الحال فإنها تلحق بخلوة الرجل والمرأة الواحدة. فإن جملة من أدلة حرمة الخلوة لا تحصر الخلوة بالرجل والمرأة منفردین بل حتی إذا کان ثلاثة رجال ونساء فی موضع مریب .

مصافحة النساء:

ویدل علی مضمون الطائفة الثانیة أیضا ما رواه الکلینی (قدس سره) تحت عنوان مصافحة النساء، منها:

1- موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن مصافحة الرجل المرأة ، قال: «لا یحل للرجل أن یصافح المرأة إلا امرأة یحرم علیه أن یتزوجها : أخت أو بنت أو عمة أو خالة أو ابنة أخت أو نحوها فأما المرأة التی یحل له أن یتزوجها فلا یصافحها إلا من وراء الثوب ولا یغمز کفها»(1).

2- صحیحة أبی بصیر قال : قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : «هل یصافح الرجل المرأة لیست بذی محرم ؟ فقال: لا ، إلا من وراء الثوب»(2).

ص:193


1- (1) - الکافی: ج 5 باب مصافحة النساء، ص 525 ح 1 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 2 .

3- روایة سیعدة وآمنة ابنتا أبی عمید بیاع السابری قالتا: دخلنا علی أبی عبد الله (علیه السلام) فقلنا: تعود المرأة أخاها؟ قال:«نعم» ، قلنا: تصافحه؟ قال: «من وراء الثوب» ، قالت إحداهما: إن أختی هذه تعود إخوتها !! قال : «إذا عدت إخوتک فلا تلبسی المصبغة»(1).

کیفیة مبایعة النبی(صلی الله علیه و آله) للنساء:

وعقد بابا لروایات بعنوان (صفة مبایعة النبی (صلی الله علیه و آله) النساء) ، منها:

1- معتبرة سعدان بن مسلم: قال : قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «أتدری کیف بایع رسول الله (صلی الله علیه و آله) النساء ؟» ، قلت: الله أعلم وابن رسوله أعلم، قال: «جمعهن حوله ثم دعا ب(تور برام)(2) فصب فیه نضوحا ثم غمس یده فیه ، ثم قال : اسمعن یا هؤلاء أبایعکن علی أن لا تشرکن بالله شیئا ولا تسرقن ولا تزنین ولا تقتلن أولادکن ولا تأتین ببهتان تفترینه بین أیدیکن وأرجلکن ولا تعصین بعو لتکن فی معروف، أقررتن؟ قلن : نعم . فأخرج یده من التور . ثم قال لهن : اغمسن

ص:194


1- (1) - الکافی: ج 5 باب مصافحة النساء، ص 525 ح 3 .
2- (2) - التور: اناء یشرب فیه. و ویرام جبل فی بلاد بنی سلیم عند الحرة من ناحیة البقیع. (المراصد) .

أیدیکن، ففعلن فکانت ید رسول الله (صلی الله علیه و آله) الطاهرة أطیب من أن یمس بها کف أنثی لیست له بمحرم»(1).

فقوله : «و لا تعصین بعو لتکن فی معروف» واضح فی ولایة الزوج .

النهی عن الدخول علی النساء:

وقد عقد الشیخ الکلینی (قدس سره) باباً فی الدخول علی النساء:

1- روایة جعفر بن عمر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «نهی رسول الله (صلی الله علیه و آله) أن یدخل الرجال علی النساء إلا بإذنهن»(2).

2- منها بالاسناد المتقدم: «أن یدخل داخل علی النساء إلا بإذن أولیائهن»(3).

وهی تندرج فی الطائفة الثانیة، إذ أن هذه الاخبار دلت علی أن الدخول علی النساء لیس کیفما کان بل له مقدمات لتأخذ المرأة حجابها.

السلام علی النساء:

وقد عقد الشیخ الکلینی بابا فی التسلیم علی المرأة بروایات، منها :

ص:195


1- (1) - الکافی: ج 5 باب مصافحة النساء، ص 525 ح 1 .
2- (2) - الکافی: ج 5 باب الدخول علی النساء، ص 528 ح 1 .
3- (3) - المصدر نفسه، ح 2 .

1- موثقة مسعدة بن صدقة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : لا تبدؤوا النساء بالسلام ولا تدعوهن إلی الطعام فإن النبی (صلی الله علیه و آله) قال : النساء عی وعورة فاستروا عیهن بالسکوت واستروا عوراتهن بالبیوت»(1).

فالعی هو الضعف عن منطق الاحتجاج والحجة والسکوت والستر هوالحجاب، و هذا الخبر فیه دلالة علی الطائفة الأولی والثالثة.

2- موثقة غیاث بن ابراهیم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لا تسلم علی المرأة»(2).

المیزان فی درجات حکم الاختلاط:

3- صحیحة ربعی بن عبد الله، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «کان رسول الله (صلی الله علیه و آله) یسلم علی النساء ویرددن علیه وکان أمیر المؤمنین (علیه السلام) یسلم علی النساء وکان یکره أن یسلم علی الشابة منهن ویقول: أتخوف أن یعجبنی صوتها فیدخل علی أکثر مما طلبت من الاجر»(3).

ص:196


1- (1) - الکافی: ج 5 باب التسلیم علی المرأة، ص 534 ح 1 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 2 .
3- (3) - المصدر نفسه، ص 535 ح 3 .

و هذا الصحیح یشیر إلی أن الخلطة والاختلاط بالنساء علی درجات بحسب درجات الاثارة و الفتنة وبحسب عمر المرأة وبحسب الملابسات الأخری فالحکم یختلف بحسب ذلک ولیس علی نمط واحد، و هذا میزان عام فی باب العلاقة بین الجنسین.

4- صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبد الله (علیه السلام) : «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : النساء عیٌّ وعورة، فاستروا العورات بالبیوت واستروا العیَّ بالسکوت»(1).

وهی تندرج فی الطائفة الثانیة.

5- ما رواه المجلسی عن الراوندی عن جعفر الصادق (علیه السلام) عن أمه (رضی الله عنها) : «إن فاطمة (علیها السلام) دخل علیها علی بن أبی طالب (علیه السلام) وبه کآبة شدیدة فقالت فاطمة (علیها السلام) : یا علی ما هذه الکآبة ؟ فقال علی (صلوات الله علیه) : سألنا رسول الله (صلی الله علیه و آله) عن المرأة ما هی؟ فقلنا: عورة، فقال: فمتی تکون أدنی من ربها؟ فلم ندر فقالت فاطمة لعلی (علیه السلام) : ارجع إلیه فأعلمه أن أدنی ما تکون من ربها أن تلزم قعر بیتها . فانطلق فأخبر رسول الله (صلی الله علیه و آله) بما قالت فاطمة (علیها السلام) : فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : إن فاطمة بضعة

ص:197


1- (1) - الکافی: ج 5 باب التسلیم علی المرأة، ص 535 ح 4 .

منی»(1).

وقد تقدم مفاد هذه الروایة، وهی تندرج فی الطائفة الثانیة.

6- موثقة سماعة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال :«اتقوا الله فی الضعیفین - یعنی بذلک الیتیم والنساء - وإنما هن عورة»(2).

و هذا الخبر له لسانان الأول وبیان ضعف المرأة واللسان الثانی بکون المرأة عورة لا بمعنی النقص وإنما لکون طبیعتها فریسة للرجال فهی موضوع طمع لهم.

7- ما رواه الشیخ الطبرسی: قال (صلی الله علیه و آله) : «صلاة المرأة وحدها فی بیتها کفضل صلاتها فی الجامع خمسا وعشرین درجة»(3).

بعض الأدلة التی استدل بها علی ولایة المرأة:
1- منها: الاطلاقات:

والجواب أولا بالاجمال وهو أنه لو وجدت اطلاقات دالة علی تولی هذه المناصب للأعم من الرجل والمرأة فهذه الطوائف الست مقیدة لها

ص:198


1- (1) - بحار الأنوار: ج 100 ص 250 ح 40 .
2- (2) - الکافی: ج 5 باب حق المرأة علی الزوج، ص 511 ح 3 .
3- (3) - مکارم الأخلاق ص 233 .

وإن کانت الأدلة هی الاخبار الخاصة علی فرض وجودها فتصل النوبة إلی التعارض والتنافی والترجیح لجانب تلک الطوائف الست لتواترها.

2- منها: الأصل العملی:

إذ الأصل عدم التقیید بالذکورة.

و هذا التقریر خاطئ جداً لأنه یوجد فرق بین جریان الاصل العملی فی الاحکام التکلیفیة وبین جریانه فی الاحکام الوضعیة کالاسباب والمسببات

فالشک فی الشرط فی باب الواجبات التکلیفیة مثل الأقل والأکثر الارتباطی فتجری البراءة فی الزیادة أما فی الاسباب والمسبابات الوضعیة کالعقود والایقاعات فالشک فی أخذ شیء فی السبب یوجب الشک فی المسبب وجریان البراءة فی أخذه شیء فی السبب لا یثبت وجود المسبب إلا بالأصل المثبت.

فمثلا الشک فی اشتراط عقد البیع بالعلم بالعوض فلو اجرینا البراءة فی هذا الشرط لا یرفع الشک فی تحقق البیع المسبب والنقل والانتقال.

فالبیع غیر محرز وجوده لا بدلیل لفظی لکونه خلاف فرض الشک لعدم الدلیل اللفظی إذ لا تأتی النوبة للأصل معه ومجری الاصل العملی هو العقد اللفظی السبب وهو لاثبت البیع المسبب إلا بالأصل المثبت فجریان الاصول فی الأسباب لا یوجب ثبوت المسببات إلا علی القول

ص:199

بالأصل المثبت.

فالشک فی نفوذ ولایة تصرف المرأة یحتاج إلی دلیل فی النفوذ

والاصل الجاری هو عدم النفوذ.

وجریان البراءة فی فعل المرأة لا یثبت نفوذ تصرفاتها إلا بالاصل المثبت.

3- منها: الأخبار الواردة:

وقد استدل علی ذلک بما جاء فی صحیحة عمر بن حنظلة من قوله الصادق (علیه السلام) : «انظروا إلی رجل منکم روی حدیثنا»(1).

وما فی معتبرة أبی خدیجة قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) : «إیاکم أن یحاکم بعضکم بعضا إلی أهل الجور ولکن انظروا إلی رجل منکم یعلم شیئا من قضایانا فاجعلوه بینکم فأنی قد جعلته قاضیا فتحاکموا إلیه»(2).

ووجه الاستدلال بقوله «انظروا إلی رجل منکم» أن تخصیصه بلفظ الرجل مثبت ولیس فیه نفی، واثبات شیء لشیء لا ینفی ما عداه فإن قوله (علیه السلام) : «رواة حدیثنا» یشمل النساء إلا أن التذکیر للتغلیب، وأیضا

ص:200


1- (1) - وسائل الشیعة: ج27 أبواب صفات القاضی ، ب 11 ص 13 ح 7 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 5 .

قوله تعالی: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا...) (1) یشمل النساء . فمع وجود هذه المطلقات لا تصلح کلمة رجل فی هذه الاخبار للتقیید.

فطائفة من الأدلة تبین صلاحیة الرجل وطائفة آخری تبین صلاحیة کل من یکون فقیها ولا تنافی بینهما و هذا موافق للدلیل الأول .

والجواب: أنه توجد أدلة کثیرة مخصصة ونافیة لولایة المرأة کما تقدم من الطائفة الرابعة.

4- منها: الاستدلال بآیة ملک بلقیس لقوم سبأ

والجواب قد تقدم من أن ذکر الخبر الفظیع والعجیب الذی قدمه الهدهد حتی علی الشرک بالله تعالی هو قوله تعالی: (وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِکُهُمْ ) (2).

وأما مدح القرآن الکریم لها بما یدل علی رجحان عقلها فهذا أدل دلیل علی عدم تولیها هذه المناصب وسلب صلاحیة الملک فإنه مع رجحان عقلها ومع ذلک ذم أولئک القوم الذین خالفوا السیر الفطریة العقلائیة وأمّروا امرأة علیهم.

ص:201


1- (1) - سورة التوبة ، الآیة 122 .
2- (2) - سورة النمل ، الآیة 23 .

وأما أن النبی سلیمان (علیه السلام) قد أثبتها فی الملک ، فهذا لم یثبت بدلیل

معتبر من طرقنا.

5- منها: الاستدلال بمواقف السیدة الزهراء (علیها السلام)

فموقفها (علیها السلام) ومواقف أمها السیدة خدیجة (سلام الله علیها) وابنتها عقلیة الطالبیین زینب (علیها السلام) وما صدر منهن من الوقوف ضد الظالمین.

والجواب:

أولاً: أن هذا خاص بهذه النساء الکاملات فالتعدی إلی غیرهن یحتاج إلی احراز درجة کمال وعقل فی المرأة لا عموم المرأة .

وثانیاً: أن الزهراء (سلام الله علیها) لم تتقلد منصب الأمامة السیاسیة وإن کان لها ولایة الأمر الالهی کما نص القرآن فمع حجیتها حتی علی جمیع الانبیاء کما نصت علیه الروایات بل وآیات أیضا إلا أنی ذهبت إلی أکثر من ذلک وهو أن الزهراء علیها السلام لها ولایة وحقیبة وزاریة فی حکومة الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) بدلیل آیة الفیء وآیة الخمس وسورة الروم وسورة الاسراء: (وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ ) (1)، وقد ذکرت ذلک فی کتاب (مقامات فاطمة (علیها السلام) ) ، ولیس هذا بمقام الامامة السیاسیة

ص:202


1- (1) - سورة الإسراء ، الآیة 26 .

والرئاسة وإن کان فی بعص المناصب الثانویة التبعیة للمرأة کبعض الادوار السیاسیة کسیرة بعض النساء مثل الزهراء (سلام الله علیها) وأمها خدیجة وأبنتها زینب وآسیا ومریم (علهن السلام) فإنه قد یجب کما لو وصل الامر إلی ضعف المسلمین وتوقف ذلک علی تصدی النساء وجب کما هو فتوی الفقهاء حتی علی الصغار فالمقصود أن القیام بالدور السیاسی أو الامر بالمعروف والنهی عن المنکر إذا وصل إلی دور المرأة وجب علیهن مع الاحتفاظ والاحتشام فإن هذا أحد الموارد التی للمرأة فیه صلاحیة غیر صلاحیة الفتیا والتشریع والولایة العامة بل هو من قبیل المناصب الحسبیة الثانویة التی أشرنا إلیها مثل دور التبشیر الدینی.

6- منها: الاخبار الدالة علی تولی المراة هذه المناصب:

1- معتبرة حمران بن أعین، عن أبی جعفر (علیه السلام) أنه قال: «کأننی بدینکم هذا لا یزال متخضخضا یفحص بدمه ، ثم لا یرده علیکم إلا رجل منا أهل البیت فیعطیکم فی السنة عطاءین ، ویرزقکم فی الشهر رزقین، وتؤتون الحکمة فی زمانه حتی أن المرأة لتقضی فی بیتها بکتاب الله تعالی وسنة رسول الله (صلی الله علیه و آله) »(1).

ص:203


1- (1) - کتاب الغیبة (للنعمانی) : ص 244 ح 30 .

وفیه:

أولاً: أن التعبیر بأن المرأة تقضی فی بیتها لا یدل إلا علی أهلیتها للقضاء، والمحتمل أن المراد هو علو مقام المرأة العلمی بحیث تصل إلی علم القضاء وکون لها علم بالقضاء لا یعنی نفوذ حکمها وإمضاءه.

وثانیاً: یحتمل کما ذکره بعضهم أن المراد بالقضاء هنا هو قضاء التحکیم وهو من باب الصلح إذ لیس فیها اجبار وارغام علی الأخذ بحکمه وقد ذکر بعضهم أیضا أن قاضی التحکیم لا یشترط فیه الاجتهاد - وقد یدعی أن هذا هو قول الأکثر - بل یعمل ویفصل بین الناس بمیزان شرعی وإن کان عن تقلید وثبوت هذه الأنماط والصلاحیات للمرأة لا مانع منه.

والذی یؤید أنها من باب الصلح: أن کون قضاءها فی بیتها بُعْدُه فردی غیر عام بخلاف ولایة الفتیا والقضاء التی ترجع للشؤون العامة . و أن دلالة هذا الخبر خاص بما بعد الظهور لا قبله.

2- روایة مصادف، قال : سألت أبا عبد الله (علیه السلام) : «أتحج المرأة عن الرجل ؟ قال نعم ، إذا کانت فقیهة مسلمة ، وکانت قد حجت ، رب امرأة خیر من رجل»(1).

ص:204


1- (1) - وسائل الشیعة ج 11 أبواب النیابة فی الحج، باب 8 ص177 ح7 .

وفیه دلالة علی امکانیة تکامل المرأة وتفوقها علی الرجل وإن نذر ذلک.

3- صحیحة الحلبی، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : جعلت فداک إنی لما قضیت نسکی للعمرة أتیت أهلی ولم اقصّر، قال: «علیک بدنة» ، قال: قلت: إنی لما أردت ذلک منها ولم یکن قصرت امتنعت، فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها، فقال: «رحمها الله کانت أفقه منک، علیک بدنة ولیس علیها شیء»(1).

وفیه:

أن هذین الخبرین یدلان علی وصول المرأة إلی مرتبة الفقاهة ولا دلالة علی تولیها مقام ومنصب الفقاهة، فکونها تصل لمقام الفقاهة شیء وأنها تتولی هذه المناصب شیء آخر ولیس ما ذکرناه یمنع من وصولها إلی مرحلة الفقه والفقاهة تکویناً نعم من الصلاحیات الثابتة للمرأة أنها إذا وصلت إلی مرحلة الفقاهة یحرم علیها التقلید ویجب علیها العمل علی وفق رأیها لأنها عالمة ولیست جاهلة کی ترجع إلی غیرها.

وأیضا لها مقام ومنصب حجیة الروایة فإنها مع وثاقتها یؤخذ بخبرها و هذا کله بخلاف ما نحن فیه من تولی منصب القضاء والفتیا.

ص:205


1- (1) - وسائل الشیعة ج 13 أبواب کفارات الاستمتاع فی الاحرام، باب 5 ص508 ح7 .

4- مصححة أحمد بن إبراهیم ، قال: دخلت علی حکیمة بنت محمد بن علی الرضا، أخت أبی الحسن صاحب العسکر (علیهم السلام) فی سنه اثنتین وستین ومائتین فکلّمتها من وراء حجاب وسألتها عن دینها فسمّت لی من تأتم بهم، ثم قالت: والحجة ابن الحسن بن علی، فسمته . فقلت لها: جعلنی الله فداک، معاینة أو خبرا؟ فقالت: خبرا عن أبی محمد (علیه السلام) کتب به إلی أمه . فقلت لها : فأین الولد ؟ فقالت : مستور . فقلت : إلی من تفزع الشیعة ؟ فقالت: إلی الجدة أم أبی محمد (علیه السلام) . فقلت لها: أقتدی بمن وصیته إلی امرأة ؟! فقالت: اقتداءً بالحسین بن علی (علیهما السلام) فإن الحسین بن علی (علیهما السلام) أوصی إلی أخته زینب بنت علی فی الظاهر، فکان ما یخرج عن علی بن الحسین (علیهما السلام) من علم ینسب إلی زینب سترا علی علی بن الحسین (علیهما السلام) ، ثم قالت: إنکم قوم أصحاب أخبار، أما رویتم أن التاسع من ولد الحسین بن علی (علیهما السلام) یقسم میراثه وهو فی الحیاة...(1).

وأیضا ما فی باب الحجج، فقد وردت عدة نصوص قابلة للاعتبار :

8- صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) :

إن معنا صبیا مولودا فکیف نصنع به ؟ فقال: «مر أمه تلقی حمیدة

ص:206


1- (1) - کمال الدین وتمام النعمة : باب 45 ص 507 ح 36 ومثله فی ص 501 ح 27 .

فتسألها کیف تصنع بصبیانها» ، فأتیتها فسألتها کیف تصنع، فقالت : إذا کان یوم الترویة فأحرموا عنه وجردوه وغسلوه کما یجرد المحرم وقفوا به المواقف فإذا کان یوم النحر فارموا عنه وأحلقوا عنه رأسه ومری الجاریة أن تطوف به بین الصفا والمروة . قال : وسألته عن رجل من أهل مکة یخرج إلی بعض الأمصار ثم یرجع إلی مکة فیمر ببعض المواقیت أله أن یتمتع ؟ قال : «ما أزعم أن ذلک لیس له لو فعل وکان الاهلال أحب إلی»(1).

فقولها : (إلی الجدة أم أبی محمد) تعنی أم الامام العسکری (علیه السلام) .

وقد ورد عن حکیمة (علیها السلام) أنها کذلک تجیب المسائل.

وکذا ما یروی عن فاطمة المعصومة (علیها السلام) بنت الامام الکاظم (علیه السلام) کما هو مسموع وإن لم نتتبع الوقوف علی مصدره.

وفی بعض الروایات أن فاطمة الزهراء (علیها السلام) کانت تفتی الناس ، وقد ذکرنا مفصلاً فی کتاب (مقامات فاطمة (علیها السلام) ) أنه قد ثبت لها ما هو أعظم من ذلک وأنها حجة علی الائمة (علیهم السلام) فإن لها مقام الحجیة والعصمة وولایة التشریع بعد الله ورسوله ووصیه.

وأما بالنسبة للاخبار الدالة علی أن الجدة والدة الامام العسکری (علیه السلام)

ص:207


1- (1) - الکافی: ج 4 باب کیفیة حج الصبیان والحج بهم، ص 300 ح 5 .

أو حکمیة أو زینب (علیهما السلام) فهذه مناصب خاصة بل ورد أن أم سلمة (رضوان الله علیها) قد أوصاها الامام الحسین (علیه السلام) بمواریث الامامة أی أنه أودعها عندها فهذه مناصب خاصة لبعض النساء دل علیها الدلیل ولا ننکرها وما مر فی الأدلة لیس امتناع عقلی بل هو شرعی وتطابقه مع الحکمة التکونیة غالباً.

بل إن بعض النساء یتکاملن إلی مقامات عالیة کأن تکون من الأوتاد والارکان کتکامل خدیجة وزینب (علیهما السلام) ، فإن هذه الاستثناءات لا ننکرها إلا أنه لا یستفاد منها دلیل عام.

و مثل هذا ما جاء أن من اصحاب الامام العسکری (علیه السلام) خمسون امرأة . و هذا أیضا استثناء خاص مثل بقیة الاستثناءات، وزیادة علی ذلک أن هذه الموارد - عدا فاطمة الزهراء (علیها السلام) - لیست من موارد المناصب بل هی ولایات خاصة من قبیل التبشیر بالایمان وغیرها من المناصب الخاصة المندرجة تحت ولایة الامام العامة.

وقد حملت هذه الاخبار علی الروایة أی ثبوت حجیة روایة النساء .

والصحیح أنها مناصب خاصة دون الفتیا والقضاء عدا مقام فاطمة الزهراء وابنتها زینب الکبری (علیهما السلام) .

ص:208

والحریة، علی قول(1) .......................................................................................

8- منها: الاستدلال بالسیرة وما فیه:

والجواب: أنه لا توجد سیرة فی تلک الأمور العلیا . نعم توجد سیرة فی الصلاحیات المتوسطة، أی دون تلک الولایات العامة.

الشرط السادس: الحریة :

(1) شرط الحریة وأکثر من علق علی العروة لم یرتضها إذ لا دلیل علی اعتبارها فمع امکان أن یکون العبد فقیها وأعلم ولا یوجد ما یمنع منه، مع قیام اطلاق السیرة العقلائیة وکذا اطلاق الأدلة اللفظیة کقوله تعالی : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا...) (1).

والصحیح - خلافا للمحشین (قدس الله اسرارهم) - أنه یعتبر فیه الحریة و ذلک لأن منصب الفتیا والولایة هی قدرة تصرف وسلطنة وصلاحیة فکیف تعزی إلی شخص محجور علیه فإذا کان هو محجور علیه وتحت ولایة مولاه فکیف یکون والیاً علی مولاه وغیره مثل ما تقدم فی الزوجة .

نعم تقبل روایته لأن الروایة أخبار محض وأما الفتیا فلیست اخبارا محضا کما تقدم مرارا بل هی منصب وزعامة وولایة وسلطنة وإلا لو کانت اخبارا محضا لکانت المرأة کذلک.

ص:209


1- (1) - سورة التوبة ، الآیة 122 .

وکونه مجتهدا مطلقا ، فلا یجوز تقلید المتجزی(1) ..................................

الشرط السابع: الاجتهاد المطلق:

اشارة

صلاحیة القضاء والفتیا للمتجزئ وفیه أقوال:

(1) وفیه ثلاثة أقوال:

القول الأول: اشتراط الاجتهاد المطلق:

فلا یکفی تقلید المتجزئ وهو قول صاحب العروة.

القول الثانی: کفایة تقلید المتجزئ مطلقا:

اشارة

وهو مختار صاحب الجواهر (قدس سره) حیث یصر علی اجزاء قضاء المتجزئ وفتیاه.

القول الثالث: کون المدار علی صدق عنوان الفقیه:

فسواء کان متجزءا أو مطلقا ولو لم یتصف بالفقاهة لما صح تقلیده والمراد بالفقیه هو من له ممارسة فی الاستنباط وقد استنبط فعلا.

أدلة القول الأول والثانی:
الدلیل الأول ظهور الأدلة فی اختصاصها بالمجتهد المطلق:

فظاهر الأدلة اختصاصها بالمجتهد المطلق مثل: «انظروا إلی رجل نظر فی حلالنا وحرامنا» ظاهرة فیمن نظره مستوعب للنظر فی حلالهم وحرامهم فالنظر مسند إلی مطلق ما یصدق علیه حلالنا وحرامنا من دون

ص:210

تخصیص بالبعض أو من نظر إلی غالب حلالنا وحرامنا فیکون رجوعه واجتهاده إلیهم مطلق ولیس خاصا بباب دون باب.

الدلیل الثانی: عدم شمول الدلیل لتقلید المتجزئ وما فیه:

لعدم ما یدل علی شمول هذه الادلة للمتجزئ ولیس فیها اطلاق والقدر المتیقن منها هو کون المجتهد مطلقا وهو مقتضی الأصل العملی فی الدوران بین التعیین والتخییر.

الاشکال علی اختصاص الادلة بالمجتهد المطلق دون المتجزئ:

وقد أجیب:

أولاً: بأن أختصاص بعض الأدلة بالمطلق لا یعنی اختصاص الأدلة الأخری به فإن بعض الأدلة اللفظیة والسیرة العملیة مطلقة لشمولها لمن کان متجزئا متخصصاً فی بابه فهو أقدر من غیره بل قد یکون أقدر من المجتهد المطلق الذی لم یکن له ذلک الاختصاص فالمتخصص فی باب قد یستند إلیه أکثر من استنادهم إلی المجتهد المطلق؛ و ذلک لأن المتخصص لدیه ترکیز فیما هو متخصص أکثر من غیره.

وثانیاً: الأدلة اللفظیة الدالة علی ذلک وهی اطلاقات بعض الأدلة مثل:

معتبرة أبی خدیجة قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) : «إیاکم أن یحاکم بعضکم بعضا إلی أهل الجور ولکن انظروا إلی رجل منکم یعلم شیئا من قضایانا فاجعلوه بینکم فأنی قد جعلته

ص:211

قاضیا فتحاکموا إلیه»(1).

وقد اختلف الأعلام فی مفادها فقال بعضهم: «شیئا من قضایانا» نص فی التجزّی، وأما القائلون باشتراط الاطلاق فی الاجتهاد وعدم الاکتفاء بالتجزی فقالوا : بأن هذه الروایة لا دلالة فیها علی التجزی؛ لأن قضایاهم لا یدرکها ولا یحیط بها إلا هم (علیهم السلام) وما ذلک إلا لکون علمهم وقضایاهم بحر لا ینزف فالمطلق لایکاد یسمی بأنه عرف شیئا من قضایاهم.

فهذا صاحب الجواهر (قدس سره) عند وفاته سمع منادیا أو عبر الرؤیا أن هذا الرجل یعلم شیئا یسیرا من علم جعفر بن محمد الصادق(علیهم السلام) مع أن الجواهر کما یقال فیه أثنان وستین ألف فرع فقهی. فبملاحظ علم أهل البیت (علیهم السلام) لا یکون العالم إلا المجتهد المطلق العالم بأغلب الاحکام إذ لا یصدق علی المتجزئ أنه یعلم شیئا من قضایانا.

وأیضا یمکن أن یراد من قوله: «شیئا من قضایانا» أن «من» بیانیة حیث إن المتوهم یتوهم أنها تدل علی التبعیض فذهب إلی أن «شیئا من قضایانا» تعنی بعض قضایانا، و هذا لیس متعینا بل یحتمل أن «من» فی المقام بیانیة أی شیئا من جنس علم هو قضایانا وعلیه فلا احتمال

ص:212


1- (1) - وسائل الشیعة: ج27 أبواب صفات القاضی، ب1 ص13 ح 5 .

للتبعیض أو الاجمال فیقتصر علی المتیقن من تعین الرجوع إلی المجتهد المطلق.

وأجیب: أنه هذا یسلم لو کان تعبیر الروایة کما ذکره إلا أن التعبیر هو: «شیئا من قضائنا» کما هو روایة الشیخ الکلینی وعلیه فلا یأتی هذا الاشکال؛ لأن ما رواه الکلینی (قدس سره) هو «شیئا من قضائنا» ، وباب القضاء محدود ولیس ببحر طمطام، فإذا باب القضاء یکفی فیه التجزئ فما بالک بغیره من الأبواب فالتجزئ فی أکثر من باب کباب الصوم والصلاة والخمس وغیرها من باب أولی.

ارتباط القضاء بالفتوی:

وفی هذا الجواب تأمل ونظر؛ و ذلک لأن باب القضاء یعتبر من أجمع وأصعب أبواب الفقه فلا یکفی فیه الاحاطة ببعض مسائلة بل لابدّ من الوصول إلی جمیع مسائله و ذلک لأن باب القضاء یحتاج إلیه کل باب من أبواب الفقه فإن القضاء یتوقف علی معرفة جمیع أبواب الفقه ولهذا قال (صلی الله علیه و آله) : «اقضاکم علی» (علیه السلام) ؛ لان القاضی لابد له من معرفة جمیع موازین الأبواب الفقهیة لکی یتمکن من صغرویات القضاء وتشخیصها، فلو أراد أن یقضی فی المعاملات لابد له من معرفة موازینها من کون الأصل مع من أو الظاهر مع من، وکی یحدد المدعی من المنکر

ص:213

مثلاً وغیرها من القواعدة التی یحتاج إلیها الفقیه فی نفس أبواب العبادات والمعاملات .

وللسید الکلبیکانی (قدس سره) نکتة من نفائس النکات - وقد أشار إلیها صاحب الجواهر (قدس سره) - وهی أن الأصل الأولی فی باب القضاء أن یقضی بعموم أدلة حجیة الفتوی إلا أن یأتی دلیل حکم قضائی خاص یعدل به عن هذا الأصل ، ففی کل مورد فی القضاءیحتاج إلی المیزان القضائی والفتوائی، فالمیزان الفتوائی له عمومیة وشمولیه لجیمع أبواب الفقه.

ومثله لو تنازع الزوج والزوجة فی الدخول وعدمه فهو یتوقف علی تحقیق الخلوة هل هی أمارة علی الدخول أو لا؟ وعلیه فلابد من مراجعة الاخبار والأدلة فی الحکم فی المسألة الفتوائیة فی النزاع والشک الموضوعی لکی علی طبقها یفتی ویقرر وإلا لما أستطاع أن یقضی مع عدم ملاحظة الاخبار والمعارضة بینهما.

هذا فی الشبهة الموضوعیة وأما لو کان فی الشبهات الحکمیة فواضح أن المیزان فی القضاء فتوائی. ففصّل باب القضاء عن الأبواب الفقهیة غیر معقول بل هو مرتبط بها ومتوقف علیها. وکما لو مات الزوج قبل الدخول فهل یثبت لها نصف المهر أو کله وعلیه لو تنازع ورثة الزوج مع الزوجة إلی الحاکم فإنه لایقضی إلا بالموازین الفتوائیة فی حکم ما یثبت للمراة المتوفی عنها زوجها قبل الدخول.

ص:214

........

وکذا لو اختلف جماعتان فی زید من الناس أو سعد للصلاة جماعة فهل یثبت أن الامام الراتب استحقاق أو لا؟ وما هو الفرق بین الامام الراتب وغیره؟ فالنتیجة القضائیة تختلف علی وفق تحدید هذه الموازین الفتوائیة قبل القضاء. فالقضاء مرتبط بجمیع أبواب الفقه، ولهذا قالوا : إن أصعب الأبوابباب القضاء ؛ و ذلک لارتباطه بجمیع أبواب الفقه.

ما استدل به للقول الثالث:

الصحیح أن هذه الاخبار تدل علی اجزاء تقلید المتجزئ ولکن لیس المتجزئ مطلقا بل المتجزئ الفقیه فالرجوع إلیه من حیث الفقاهة فحتی لو کان مجتهدا مطلقا ولم یمارس الفقه والاستنباط فإنه لایصح تقلیده.

فمعتبرة أبی خدیجة تدل علی ذلک، فإن قوله (علیه السلام) : «من علم شیئا من قضایانا» هو من استنبط بالفعل وإلا لولم یستنبط شیئا لا یقال له : «علم شیئاً من قضایانا» ، وأیضا فإن نفس التعبیر بالفقیه لا یختص بالمجتهد المطلق فإنه ینطبق علی من مارس الاستنباط ولو فی عدة من الابواب فیصدق علیه أنه فقیه و هذا شبه التحلیل العقلی للعنوان فی لسان الشارع وهو أن المجتهد إذا لم یستنبط فهو غیر عالم وإذا لم یکن عالما بالفعل کیف یفتی؟!

فالتعبیر فی الروایة: «نظر فی حلالنا وحرامنا» النظر فی الشیء یغایر

ص:215

والحیاة(1) ............................................................................................................

النظر إلی الشیء، والتعبیر فی الآیة الکریمة: (لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ ) أی لیفهموا باعمال النظر والتفقه والتدبر وإمعان التحلیلوهو غیر الروایة. ولا یمکن الاعتماد علی مجرد السیرة و ذلک لأن السیرة ناظرة إلی الطریقیة المحضة ومقامنا لیس بطریق محض بل هو منصب والمنصب لا یعتمد فیه علی السیرة إذ السیرة لیست لها صلاحیة التنصیب والولایة فلابد من الرجوع إلی من له صلاحیة التنصیب والولایة وهو المعصوم (علیه السلام) ویتعبد بمقدار ما نصب.

والحاصل أنه لا یکفی فی التقلید صرف الاجتهاد - وهو الملکة - بل لابد من الفقاهة التی هی الممارسة العملیة لاستنباط الاحکام... والفقاهة لا تتقید بالاطلاق بل تتحقق فی التجزئ أیضاً بعد فرض تحقق بقیة الشرائط والممارسة فعلا للاستنباط.

الشرط الثامن: الحیاة:

(1) مر البحث مفصلا فی عدم جواز تقلید المیت ابتدءا وقد ذکر بعض الأعلام تنبیهاً حاصله أنه مع اشتراط الحیاة لو فرض عدم وجود الفقیه الحی أو عدم التمکن من الوصول إلیه فهل یبقی اعتبار الحیاة فی هذه الفروض أو یتعین علیه تقلید المیت ابتداء.

هناک جملة من الأعلام قالوا بسقوط شرطیة الحیاة، فیصح له تقلید

ص:216

المیت ابتداءاً غایة الامر ینظر أعلم الأموات وإن لم یحرز الأعلم یحتاط .

وفی الحقیقة أن هذا نوع من الاحتیاط فی التقلید ولیس احتیاطاً ابتداءا وخصوصا إذا لم یستطع أن یشخص الأعلم من الأموات فإنه یجمع بین أقوال الأموات ویعمل بأحوطها وهو نمط من الاحتیاط فی التقلید ولیس فیه اسقاط لشرطیة الحیاة فی التقلید.

وتصویر وتقریب عدم سقوط شرطیة الحیاة - مع أنه باطلاق شرطیة الحیاة یسقط التقلید عن الاعتبار ویتعین الاحتیاط - بأن الأدلة المطلقة فی حجیة التقلید قیدت بأمور جملة منها مقیدات عقلیة وهی فی ظرف امکان ذلک القید وأما فی ظرف عدم امکانه وتعذره فتبقی تلک الأدلة علی اطلاقها. إلا أن هذا التصویر والتقریب الصحیح فی المقام غیر ما ذکر من تصویر وتقریب حرفی بل لنا تصویر وتقریب تحلیلی لمفاد الأدلة وهو أنه إذا ما نظرنا إلی حقیقة الفتوی وحللناها وجدناها مشتملة علی حیثیات عدیدة کحیثیة الاماریة وحیثیة الولایة وإن کانت متلازمة غیر منفکة کما لا یخفی فأما بالنسبة إلی أدلة اماریة الفتوی فهی غیر مقیدة بالحیاة کحجیة الروایة وأما بالنسبة إلی حیثیة الولایة والسلطة التشریعیة وهی سلطة لا تکون إلا للحی .

وعلیه ، فإذا تعذرت جنبة الولایة لا دلیل علی سقوط جنبة الاماریة والکاشفیة ، فلا مانع من الرجوع إلی فتوی الاموات من هذه الجنبة مع

ص:217

فلا یجوز تقلید المیت ابتداء، نعم یجوز البقاء کما مرو أن یکون أعلی فلا یجوز علی الأحوط تقلید المفضول مع التمکن من الأفضل(1)، و أن لا یکون متولدا من الزنا(2).......................................................................

تعذر جنبة الولایة التی لا بد فیها من الحیاة فالجنبة التی تعالج الکشف عن الحکم الشرعی لا یشترط فیها الحیاة وأما الجنبة التی تعالج الجنبة الولایة والسلطة التشرعیة فهی مقیدة بالحیاة فتعذر قید هذه الجنبة لا یسقط جنبة الکاشفیة ففی الاموات تبقی جنبة الحجیة الاماریة علی ما هی علیه. فهذا معنی أن بعض الأدلة مطلق شامل لصورة التعذر وبعضها مقید . نعم قد یقرر ذلک بتحقق بقیة الشرائط مع الاختلاف .

الشرط التاسع: الرجوع للأفضل :

(1) الاحتیاط فی مورد الوفاق لتمامیة أدلة الحجیة بالنسبة للجمیع لیس علی نحو الاستغراق فحسب بل علی نحو العموم المجموعی بحیث تتشکل حجیة أقوی للفتوی مکونها من حجج متعددة وله أیضا آثار عملیة فی مسألة البقاء علی تقلید المیت والاستئذان وأما فی مورد المخالفة فیتعین الرجوع إلی الأعلم کما تقدم.

الشرط العاشر: أن لا یکون متولداً من الزنی:

(2) ما ورد من أدلة مانعیة التصدیة لابن الزنا خاصة بصلاة الجماعة ولم یرد فی المقام شیء منها ، إلا أنه من باب الأولویة القطعیة تسریتها

ص:218

و أن لا یکون مقبلا علی الدنیا وطالبا لها ، مکبا علیها ، مجدا فی تحصیلها ففی الخبر: «من کان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدینه ، مخالفا لهواه ، مطیعا لأمر مولاه فللعوام أن یقلدوه»(1).

إلی المقام من حیث أنه إذا کان هذا المنصب فما بالک بالمنصب الذی هو أوقع مکانا منه إلا أن الصحیح أنه یمکن أن یستدل علی شرطیتها أیضاً بما مورد من اخبار فی بیان شأن ابن الزنا فإن فیها دلالة عامة لعدم تولی ابن الزنا للمناصب الدینیة هذا مع قطع النظر عن البحث الکلامی من کونه حرمانا ومخالفا للعدل الالهی ، إذ مثله ابن الحلال الذی فقد بعض الکفاءات المأخوذة فی الزعامة الدینیة ... ونستطیع أن نستدل أیضا علی ذلک بما ورد فی مقامات الأمامة الالهیة العظمی دلیلا علی اعتبار الطهارة والنجابة فی هذه المناصب الالهیة.

الشرط الحادی عشر: أن لا یکون مقبلا علی الدنیا:

اشارة

(1) ظاهر الماتن (قدس سره) أن المقصود بهذا الشرط غیر العدالة بل المقصود به الحرص والعکوف علی الدنیا وإلا فالائمة (علیهم السلام) ممن اشتغلوا بالتجارة وکذا اصحابهم کصفوان الجمال والحلبیون الذین هم کوفیون إلا أنهم لتجارتهم سموا بالحلبیین لتجارتهم .

وقد استظهر منه الماتن وبعض المحشین علی العروة انه یشترط ما هو زائد عن العدالة کالسید الخمینی فی تحریر الوسیلة والسید الخوانساری کالورع وما شابهة ذلک، زائدا علی أصل اعتبار العدالة.

ص:219

وقد ناقش جملة آخرون فی هذا الاشتراط تارة بعدم اعتبار هذا الخبر من جهة السند وأخری من جهة الدلالة لعدم کونه مغایراللعدالة.

أما السند فإن هذا الخبر وارد فی تفسیر الامام العسکری (علیه السلام) و هذا التفسیر تام سنده اجمالاً وقد ذکرنا ذلک مفصلاً فی بحث علم الرجال من جهة ما وصلنا إلیه من توثیق الصدوق (قدس سره) له وأیضا اعتماد الراویین الأخوین بعد اعتماد نفس المفسر واعتماد الصدوق (قدس سره) .

اختلاف العدالة سعة وضیقاً باختلاف حجم المسؤولیة:

وأما الدلالة فالعدالة تتفاوت علی حسب سعة وضیق المسؤولیات فکلما زادت واتسعت المسؤولیات زادت التکالیف نحوها فتحتاج إلی عدالة بشکل أشد بل حتی فی الأمر الواحد تختلف العدالة باختلاف مرتبة ذلک الموضوع فإن مرتبة العدالة المطلوبة فی إمام الجماعة لقریة تختلف عنها بما إذا کانت لمدینة فالعدالة لم تختلف إلا أن مقوماتها ومحققاتها تختلف بالنسبة من شخص إلی آخر فإمام الجماعة لحی مؤنة العدالة عنده أشد من أحد أهل الحی ومؤنة إمام الجماعة لمدینة أکثر من مؤنة امام جماعة تلک القریة الصغیرة إذ المطلوب یکثر ویشتد، فنفس اشکال من اشکل علی هذه الروایة (بأنها لا تزید شیئاً علی معنی العدالة) فیه اعتراف ضمنی علی أن العدالة المعتبرة فی الزعامة والادارة

ص:220

الدینیة تستلزم صفات أخر ملازمة معها کالورع والعفة وصون النفس فإن تلک الصفات لو لم تکن مصاحبة أو متوفرة لم تتحق العدالة فی مقام الزعامة الدینیة فبقاء العدالة بنفس بقاء هذه الصفات فإذا اردنا معرفة توفر العدالة فی الزعیم فعلینا بمعرفة وجود هذه المؤشرات التی هی صون النفس والعفة وعدم الحرص علی الدنیا وغیرها مما یلازم العصمة... .

وعلیه فکلما أزدادت المسؤلیات زادت القیود المعتبرة فی العدالة فإن المؤمن العادی الذی لا مسؤلیة له إلا علی نفسه لا یحتاج إلی هذه الأمور من عدم الحرص علی الدنیا وصون النفس و ذلک لعدم ابتلاءه بمسؤولیات کثیرة حتی یطالب بأن یرسم لنا نظام اقتصادی عادل أو قضائی وغیرهما من الامور التی خارجة عن محل ابتلاءه وهی تستلزم أمور لا تستلزمها عدالة المؤمن صاحب المسؤولیة الخفیفة.

تنبیهات:

التنبیه الأول: اعتبار شروط الفقیه حدوثا وبقاء أو حدوثا فقط؟:

وقد ذکر هذا التنبیه بعض الأعلام وحاصله أن هذه الشروط غیر شرطیة الحیاة هل هی شروط فی مرحلة الحدوث والبقاء أو فی مرحلة الحدوث فقط ، والمراد بالحدوث هو أنه حین استنباط المجتهد وافتاءه

ص:221

وتقلید الملکف له - سواء عرف التقلید بالأخذ أو بالالتزام أو غیرها من التعاریف التی تقدمت - لا بد من توفرها فی ذلک الحین فقط ولا یشترط بقاءها بعدُ أو یشترط؟ ولا ریب من اعتبار توفرها حدوثا أما اعتبارها بقاءا بحیث لو انتفی شیئا منها فهل یختل التقلید أم لا؟

فمبدئیا لتصورها حدوثا فقط وجه و ذلک لو بنینا علی حجیتها من باب الأمارة لکان للحجیة بقاء بعد فقد شرط من شروط المجتهد نظیر حجیة روایة الراوی فإن أخذ الروایة منه یشترط فیه توفر شروط مقررة وأما بعد الأخذ لا یشترط بقاءها کالأخذ بروایة علی بن حمزة البطائنی لعنه الله قبل انحرافه وکذا أحمد العبرتائی.

فلو بنینا هنا علی حجیة الفتوی من باب الامارة فلا أثر لتخلف الشرط أما لو بنینا علی أن الفتوی لیست بأمارة محضة بل أمارة ممتزجة بالولایة والصلاحیة کما هو الصحیح فالصحیح اعتبار الشرائط حدوثا وبقاءا لأنها ولایة ومنصب فینتفی بانتفاء أحد تلک الشروط.

التنبیه الثانی: فی اختصاص منشأ اعتبار علم الفقیه بخصوص الکتاب والسنة أو غیرهما :

إن فقاهة الفقیه التی هی منشأ لحجیة الفتاوی والزعامة هی التی یستقی علمها من الکتاب والسنة ولا عبرة بالذی یستنبط علمه من الجفر

ص:222

والمکاشفات و هذا هو مفاد الآیات (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ ...) فلا بدّ من کون مصدر علمه هم أهل العصمة (علیهم السلام) إذ هم مصدر التشریع والتفقه حتی لو قطع بتلک الامور من دونهم لأن حجیة القطع کما بیّناه فی محله لیست بذاتیة بل هی تابعة لمنشأه. هذا علی مبنی الانفتاح وأما علی مبنی الانسداد بأنه لم یثبت للفقیه الاعتماد علی طرق مثبة للکتاب والسنة فهل هذا یعد فقیها ویقلد أم لا؟

فالصحیح جوازه و ذلک ؛ لان قوله : (بالانسدد) لا یعنی ترکه للکتاب والسنة ورفضهما بل مبناه یشملهما فهو یستند إلی حجیة الامارات الکاشفة عن دلالة الکتاب لا من دلیلها الخاص بل من جهة اعتبار مطلق الظن وهو الدلیل العام فالاستشکال علیه بأن الفقیه الانسدادی یعترف بأنه جاهل بالاحکام فکیف یسوغ للجاهل الرجوع له فهو من رجوع الجاهل للجاهل» لا محل له، لأن الفقیه الانسدادی حینما یقول بالانسداد فهو لا یقتصر علی نفسه بل یعممه لکل العلماء فإذا کان هو الأعلم فهو یخطأ الانفتاحی فیتعین تقلیده هذا شیء والشیء الآخر أنه حینما یقول: « لا طریق للاحکام» یقصد به لا دلیل خاص، لا أنه لا دلیل أصلا حتی الدلیل العام وهو الظن المعتبر بالانسداد.

فعدم الدلیل عندهأی الدلیل الخاص لا أنه ینکر أصل الدلیل حتی الدلیل العام سواء کان باعتبار کشف العقل عن اعتبار الطرق علی الحکم

ص:223

الشرعی وهو الانسداد علی الکشف أو حکم العقل باجزاء العمل بالظنون وهو المعبر عنه بالانسداد الحکمی.

التنبیه الثالث: شبهة العلمانین بوصف الفقیه بالعلم مع أنه ظان لا علم له؟ :

وذکروا تنبیها آخر لدفع شبهة العلمانیین وحاصله: أن العالم بالدین منشأ علمه کله ظنون وأمارات ظاهریة فمستقی علمه ظنون التی یعبرون عنها بالتراث البشری وجهد بشری لا تراث وحیانی.

وعلیه فإذا کان مستقی الفقیه الظنون کیف یعبر عن الفقیه بالعالم بالاحکام وهو غیر عالم بل ظان بالاحکام و هذا خاص بمن فسر الحجیة بجعل الحکم المماثل أو جعل المؤدی أو التنجیز والتعذیر وأما لو فسرناها بجعل الطریقیة وهو العلم التعبدی فلا یرد الاشکال.

و هذا البحث بحث فی الاجتهاد والتقلید فی الاصول .

الاجتهاد منهج علمی للحقیقة أم تراث ومنتج بشری:

وقد أجاب عنها الآخوند الخرسانی والمحقق الاصفهانی :

الجواب الأول: وهو أن العالم بالحکم بمعنی العالم بالحجة علی الحکم الشرعی فالفقیه مهمته تحصیل المؤمّن الشرعی باعتبار أن الانسان مخلوق ومملوک فلابد من تحصیل المؤمّن من مخالفة مولاه ، فمن ثم

ص:224

نحن ملزمین باستنباطات علم الفقه.

والجواب الثانی: أن الفقیه لیس جمیع ما لدیه ظنون بل توجد ضروریات وبدیهیات فی الفقه لا یلتفت إلیها إلا الفقیه و ذلک لوجود کثرة التواتر والاستفاضة وغیرها من الامور التی لا یطلع علیها عموم المسلمین بل هی خاص بمن خاض فی الفقه فالفقیه والباحث یطلع علی أمور مستفیضة أو آیات الاحکام الموجبة للیقین لم یطلع علیها غیره وهکذا فعند الفقیه کثیر من الامور القطعیة الحاصلة له بأدلة نظریة ولهذا یعبر عن بعض الضرورات بالضرورات الخاصة کالضرورة عند المفسرین أو المحدثین أو الفقهاء و ذلک لعدم اطلاع غیرهم علیها .فالفقیه لدیه خاصیة علم وجدانی لا یمکن أن یحصل عند غیره. فکثیر

من الضرورات الفقهیة عند الفقیه نعم لا نسلم أنها ضرورات عند عامة المکلفین لکنها ضرورات خاصة باصحاب العلوم بل القدماء یقولون بأن الفقه مبنی علی خصوص العلم وإن خالفهم المتأخرون فقالوا بجواز ابتناءه علی الظن وهو لا یدل علی أن الفقه کله أو جله مبتنی علیه فعلاً .

والجواب الثالث: أن کل العلوم البشریة علی أقسام منها ما هو فی دائرة البدیهات وقسم منها فی دائرة قریبة من البدیهیات وقسم منها متوسط ومنها نظری فالعلم الواحد له هذه التقسیمات فقسم البدیهات منه أکثر من النظریات ثم هذا لا یختص بعلم الفقه بل کل العلوم

ص:225

المنسوبة إلی الحقیقة الکونیة(1).

ص:226


1- (1) - أقول: الجواب الرابع أنه لابد من اعتبار الموازنة بین الکاشف ومن المنکشف أی بین الإراءة والواقع فجمیع المنظومات ذات القوانین الوضعیة والألزامیة بعد الفراغ من اثبات تلک القوانین واعتبارها یأتی دور اعتبار الکاشف عنها فإن واضعی القانون لا یخلو أما أن یعتبروا القطع والیقین طریقا لقانوانینهم وأما أن یعتبروا الاطمئنان وأما أن یعتبروا الظن أو یعتبر الجمیع مطلقا أو علی تفصیل فی بعضها... .ولا یخفی أن القطع لا یصح أن یکون بمفرده هو الطریق إلی تلک القوانین و ذلک لأن القطع مع قلته وسعت القوانین تکون دائرته ضیقة من جهة کشفه عن الواقع هذا مع ملاحظة أن القطع لیس دائما مصیب فی نفسه للواقع و أن کان مصیبا دائما بنظر القاطع... فلو اعتبر القطع لکان اخلالا بالمنظومة القانونیة لعدم امکان الوصول إلیها بالقطع ومعه لا یثبتها علی نحو الدوام... . وأما أن نعتبر الاطئمنان فهو لا یخلو أما الاطمئمنان الشخصی أو النوعی والاول قلیل أیضا بالنسبة إلی المنظومة الدینیة والثانی بانضمامه إلی القطع والإطمئنان الشخصی یفی بأغلب القانونین الوضعیة.... ویمکن للواضع أن یعتبر بعض الطرق إلتی یراها تودی للوصول إلی اغلب أحکامه ولها منافع أخری کالتسهیل وغیره و أن کان یفوت منها بعض مصالح الواقع ... إلا أن یتدارک ... و هذا ما یذکر من الوجوه فی الجمع بین الحکم الظاهری والواقعی... فیکون الواضع والمقنن قد وازن بین مصالحه والحفاظ علی قوانینه وبین الطرق إلیها وهذه طرق متبعة عند العقلاء... والمخالف لها خارج عن السیر والمرتکزات العقلائیة... فلیس عدم قطعیة الطریق تعنی الجهل وضیاع المنظومة القانوین بل العکس هو الصحیح فإن اعتبار قطعیة الطریق فقط وفقط یؤدی إلی ضیاع المنظومة القانوینیة بحجة عدم القطع بها فاعتبار الطرق غیر القطعیة اعبتار عقلائیة قائم علیها العقلاء وله مناشئ ومنطلقات فی مرتکزاتهم فالمشکل بذلک أما جاهل أو غافل عن المرتکزات العقلائیة . من المقرر.

(مسألة 23 ) : العدالة عبارة عن ملکة إتیان الواجبات وترک المحرمات ، وتعرف بحسن الظاهر الکاشف عنها علما أو ظنا وتثبت بشهادة العدلین، وبالشیاع المفید للعلم(1).

المسألة الثالثة والعشرون: حقیقة العدالة وما قیل فی تعریفها:

اشارة

(1) فی تعریف العدالة أقوال:

التعریف الأول: هی ملکة اتیان الواجبات وترک المحرمات.

و هذا تعریف المشهور ومرادهم لیس الاقتصار علی صرف الملکة بدون عمل، بل بما هی داعیة فعلا لإتیان الواجبات وداعیة فعلاً لترک المحرمات. فلیس المراد الملکة المجردة عن العمل.

التعریف الثانی: هی الاستقامة فی العمل وکون الاعمال علی جادة الشریعة .

و هذا التعریف یرکز علی العمل.

التعریف الثالث: هی حسن الظاهر، وظاهر هذا القول أن المراد من حسن الظاهر هو حسن السلوک المعلن للأنسان هو العدالة. ویرد علیه أن من کان فی سلوکه العملی الخفی الباطنی خبث یتصف بالعدالة .

و هذا التعریف کما تری .

ص:227

التعریف الرابع: هی الاسلام أو الایمان مع عدم احراز الفسق أو عدم احراز الآخرین العمل المخالف للشریعة . ونسب السید الخوئی (قدس سره) هذا إلی الشیخ الطوسی والعلامة الحلی (رحمهما الله) ، وقد بیّنّا فی مباحث الرجال عدم تمامیة هذه النسبة، وبیّنّا أن مسلک الشیخ والعلامة هو القول الثالث لکن لا فی حقیقة العدالة، بل فی احرازها بالقول الثالث.

الفرق بین التعریفین الثالث والرابع:

أن الثالث لابد فیه من احراز حسن السلوک الظاهری وأما فی القول الرابع فلا یشترط فیه إلا عدم احراز الفسق لا احراز عدمه .

و هذا نظیر الشروط والموانع فالأولی یجب احرازها لکونها شروط وجودیة والثانیة یکفی عدم الاحراز لکونها أموراً عدمیة.

فیُتأمل فی عد القول الرابع قولاً فی العدالة إذ لعله وسیلة لاحراز العدالة، بل حتی القول الثالث یوجد من یتبنی أنه وسیلة احراز فی قبال من یتبنی أنه بنفسه عدالة.

ولنذکر من باب الاجمال بعض الاعتراضات، وبعد ذلک ننطلق من معطیات لابد من التوفیق بینها.

فهناک ثوابت تتنافی مع هذه الأقوال فلابد لکل قول من هذه الأقوال من التوفیق بینه وبین تلک الثوابت :

ص:228

فمن تلک الثوابت: أنه إذا ارتکب المؤمن کبیرة من الکبائر ولو مرة واحدة فإنه یخرج من العدالة مع بقاء الملکة فاصحاب القول بالملکة کیف یوافقون بأن العدالة هی الملکة مع ارتکاب الکبیرة.

ومن تلک المعطیات التی یعترض بها علی القول الثانی أنه لو حصلت الاستقامة من دون الوثوق بالاستقامة المعلنة لا تتحقق العدالة، فمن قال: بأن العدالة هی الاستقامة فإنه مع تحقق الاستقامة من دون الوثوق النوعی السلوکی فی البیئة الظاهرة لا یوجب العدالة، فالوثوق باستقامة الشخص وراء استقامته.

و هذا ما ذکر فی بعض الصحاح مثل: «لا تصلِّ إلا خلف من تثق بدینه»(1)، وما فی صحیحة عبد العزیز بن المهتدی: فممن آخذ معالم دینی؟ قال: «من زکریا بن آدم المأمون علی الدین والدنیا»(2)، وکذا «العمری وابنه ثقتان...»(3) وأیضا «خذ عن یونس بن عبد الرحمن»(4).

وقد یقال : إن مجرد صرف السلوک - من دون انبعاثه عن ملکة بارزة فی الظاهر وموجبة للوثوق - لا یحقق الائتمان المأخوذ فی العدالة

ص:229


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 8 أبواب صلاة الجماعة، ب 12 ص 319 ح 1 .
2- (2) - وسائل الشیعة: ج27 أبواب صفات القاضی، ب 11 ص 246 ح 27 .
3- (3) - المصدر نفسه، ص 236 ح 4 .
4- (4) - المصدر نفسه، ص248 ح 34 .

فصرف السلوک لا یوجب العدالة.

فهاتان نقطتان ثابتتان موجبتان لتعدیل القول الأول والثانی.

وأیضا هناک ثوابت لابد أن تعالج مع هذه الأقوال مثل أن العدالة تنقطع بالمعصیة وتعود بالتوبة فما هو تعریف العدالة الذی یتناسب مع هذه الثوابت.

فالتعریف الثانی وهو الاستقامة لا توجد عند أحد فی طول عمره ... وعلیه فلا یمکن تعریف العدالة بالاستقامة علی جادة الشرع بقول مطلق إذ یلزم منه عدم وجود العادل إلا النادر بحیث لا ینحرف عنها أصلاً.

فالجواب: أن العدالة بهذه الدرجة غیر مطلوبة وإنما یکفی أنها تذهب وتعود هذا ما ذکره الأعلام ویمکن أن نجیب بجواب آخر وهو أن العدالة علی درجات.

والمستفاد من الاخبار أن العدالة هی تحقق الاستقامة من الانسان فی السلوک الظاهری. ومن تلک الاخبار:

معتبرة علقمة قال: قال الصادق (علیه السلام) وقد قلت له : یا ابن رسول الله أخبرنی عمن تقبل شهادته ومن لا تقبل فقال : «یا علقمة، کل من کان علی فطرة الإسلام جازت شهادته» . قال: فقلت له: تقبل شهادة مقترف بالذنوب ؟ فقال : «یا علقمة ، لو لم تقبل شهادة المقترفین للذنوب لما

ص:230

قبلت إلا شهادة الأنبیاء والأوصیاء (علیهم السلام) ، لأنهم المعصومون دون سائر الخلق فمن لم تره بعینک یرتکب ذنبا أو لم یشهد علیه بذلک شاهدان ، فهو من أهل العدالة والستر ، وشهادته مقبولة وإن کان فی نفسه مذنبا ، ومن اغتابه بما فیه فهو خارج من ولایة الله ، داخل فی ولایة الشیطان»(1).

و هذا الاستدلال من المعصوم (علیه السلام) عقلی أی أنه لو کان معنی العدالة عدم اقتراف الذنوب لما قبلت شهادة أحد قط إلا المعصومین (علیهم السلام) ، فقوله: «من أهل العدالة والستر» یدل علی أنها السلوک الظاهری لأن العادلة تارة بلحاظ البیئة العامة وتارة بلحاظ البیئة الخاصة الأسریة وتارة بلحاظ الشخص ونفسه فالعدالة علی درجات فالمتهتک حتی فی البیئة الظاهریة یفقد العدالة فی البیئة العامة فالمحافظة علی العدالة فی البیئة الظاهریة العامة هی درجة من الملکة ودرجة من الاستقامة ودرجة من البناء وتکوین الشخصیة لا أنها أمارة علی العدالة الخاصة فقط فلیس السلوک الظاهری مجرد امارة بل هو ملکة فی حدودها العام فالانسان الذی یستطیع أن یحافظ علی توازنه فی البیئة الظاهریة عنده نوع من القدرة والملکة لا تنکر.

ص:231


1- (1) - وسائل الشیعة: ج27 أبواب الشهادات، ب 41 ص 349 ح 13 .

فإذا عرفنا أن للعدالة درجات منها عدم مخالفة الشارع قط حتی سهوا وغفلة ولو جهلاً فی جمیع البیئات العامة والخاصة وهی المساویة للعصمة ومنها عدم معصیته فی الامور المنجزة وهی مع الالتفات وتارة عدالة فی أکثر شؤون حیاته لا یعصی - إلا نادرا وإذا عصی تاب - وفی جمیع البیئات الاجتماعیة العامة والاسریة والفردیة وتارة عدالة فی البیئة العامة والاسریة فقط دون الفردیة فهذه نمط من العدالة فهی درجة من الاستقامة وقدر من قدرات العدالة فحفاظه علی شخصیته فی هذه البئیة العامة والاسریة قد یکفی فی قبول الشهادة منه وهو ما عبر عنه (علیه السلام) : «فمن لم تره بعینک یرتکب ذنبا أو لم یشهد علیه بذلک شاهدان ، فهو من أهل العدالة والستر ، وشهادته مقبولة وإن کان فی نفسه مذنبا ، ومن اغتابه بما فیه فهو خارج من ولایة الله ، داخل فی ولایة الشیطان» .

فقوله (علیه السلام) : «فشهادته مقبولة» فسرّها المشهور بالقبول الظاهری لا الواقعی وإن کان ظاهر الروایة هی القبول الواقعی.

وقوله (علیه السلام) : «و من اغتابه بما فیه فهو خارج من ولایة الله ، داخل فی ولایة الشیطان» أی ما دام قد بنی علی عدالته الظاهریة وحافظ علی طهارة شحصیته فی البیئة الظاهرة فلا یجوز هدمها. فالروایة تنفی العدالة بالمعنی الأول والثانی ولکن لا تعیّن المعنی الثالث.

ص:232

وقد اشکل علی سندها من جهة أحمد بن محمد العطار ومحمد العطار من مشایخ الکلینی وأما أحمد فهو ممن استجازه الصدوق ومراجع الطائفة فی الکتب المهمة فکیف یستجیزه کبار الطائفة مع عدم وثاقته لا معنی له وهو ابن أحد الکبار فله موقعیة ومعروفیة، ویکفی فی سلوکهم العملی باعتمادهم علیه تدلیلا علی موقفهم منه ونحن بنینا علی أن الاعتماد العملی من المتقدمین أقوی من توثیق النجاشی والشیخ الطوسی لأنهم معاصرون ومطالسون لهم من دون اسناد ووسائط والاعتماد العملی علی الشخص غیر الروایة عنه کالاعتماد علیه فی مهمات کتب الاصحاب فلا یقبل القدح من المتأخرین مع اعتماد المتقدمین فمثلا الحسن بن محبوب یعتمد بکثرة الروایة وفی ابواب مهمة علی راوٍ ما، بینما الشیخ النجاشی یضعفه فیکون هذا تعارض بین اعتماد الحسن بن محبوب المعاصر له والجهبذ الرکن من فقهاء الرواة وبین تضعیف النجاشی وأین هذا من ذاک و هذا المبنی هو مبنی المتقدمین.

فعلی کل حال لابد من الصیاغة المأخوذة للعدالة التی تنظر إلی نوع من المعالجة لهذه الثوابت التی منها ارتکاب الکبیرة فحین الارتکاب یتحقق الخروج عن العدالة؟ مثل عدة من الذنوب عبر عنها فی القرآن بأنها فسق وعلیه لا یمکن الاقتصار علی تجرید الملکة ، مع أنه لا یمکن

ص:233

الاقتصار علی السیرة العملیة بلحاظ أن مجرد السیرة العملیة - مع عدم الوثوق فی الدین کما فی جملة من الاخبار - لا تکفی وعلیه فلا یمکن الاقتصار علی صرف الاستقامة فالأوفق أنها ملکة ذات تأدیة فعلیة علی الاستقامة علی جادة الشریعة.

وهناک ثابت آخر غیر هذین الثابتین وهو أن عدم ارتکاب الذنب وعدم العصیان قط، لا یمکن أخذه فی العدالة المعتبرة فضلا عن عدم المخالفة غیر المعلومة نعم هذه رتبة من العدالة ولکنها منصب للمعصوم (علیه السلام) وهی عدم مخالفة غیر المعلوم فضلا عن العصیان.

فالمراد مرتبة من العدالة وهی المرتبة الرابعة أو الثالثة وهی التستر والحفاظ علی الاعتدال والاتزان فی البیئة الاجتماعیة فهی فی ذاتها عدالة لا أن أخذها علی أنها کاشفة عن رتبة من العدالة النفسیة بل هی فی نفسها رتبة من العدالة فالعدالة ماهیة واحدة ولکنها مشککة تختلف باختلاف الرتب بحسب اختلاف البیئات والامتحانات وغیرها من الأسباب.

فلابد من أن یقع البحث عن أی درجة اعتبرت من العدالة فی هذه المقامات، هل هی علی درجة واحدة أو علی درجات؟ إذ فی الامامة العظمی اعتبرت تلک العدالة الکبری وهی عدم ارتکاب مخالفة قط فضلا عن الذنب.

ص:234

و مما تقدم ثبتت شواهد علی القول الثالث و أن الاشکال علیه بلزومه اجتماع الفسق والعدالة کما لو ارتکب کبیرة فی الباطن وهو مع ذلک عادل لاتصافه بحسن الظاهر فیلزم اجتماعهما وعلیه لا یکون حسن الظاهر إلا کاشفا وامارة علی العدالة الباطنیة.

والجواب: هو أنهم ذکروا أنهم لا یعتبرون العدالة المطلقة التی لا یقع معها ذنب بل العدالة التی یمکن أن یقع معها الذنب ولو وقع منه ذنب ثم تاب فإنه لا یتصف بالعدالة فی حالة وقوع الذنب منه ولکنه یتصف بالفسق ویصدق علیه أنه فاسق ولکنه صدق مقید بوقت وهو لا یتنافی مع العدالة الموقتة بغالب الأوقات فإنهما اجتمعا فی محل واحد ولکن بقید ظرفین من الأوقات وإن کان هذا الفسق الموقت الذی صدق مع العدالة المؤقتة لا یصدق مع العدالة المطلقة. فهکذا یمکن أن یقرب المعنی الثالث بأن العدالة بقول مطلق غیر صادقة وغیر معتبرة إلا أن الفسق بلحاظ الباطن یجتمع مع العدالة التی هی ستر العیوب بلحاظ الظاهر و هذا یتم إذا لم یجعل حسن الظاهر أمارة.

ومنها صحیحة ابن أبی یعفور، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : بم تعرف عدالة الرجل بین المسلمین حتی تقبل شهادته لهم وعلیهم؟ فقال: «أن تعرفوه بالستر والعفاف وکف البطن والفرج والید واللسان ویعرف باجتناب الکبائر التی أوعد الله علیها النار من شرب الخمر، والزنا والربا

ص:235

وعقوق الوالدین، والفرار من الزحف، وغیر ذلک، والدلالة علی ذلک کله أن یکون ساترا لجمیع عیوبه، حتی یحرم علی المسلمین ما وراء ذلک من عثراته وعیوبه وتفتیش ما وراء ذلک، ویجب علیهم تزکیته وإظهار عدالته فی الناس، ویکون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب علیهن وحفظ مواقیتهن بحضور جماعة من المسلمین، و أن لا یتخلف عن جماعتهم فی مصلاهم إلا من علة، فإذا کان کذلک لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه فی قبیلته ومحلته قالوا: ما رأینا منه إلا خیرا مواظبا علی الصلوات متعاهدا لأوقاتها فی مصلاه فان ذلک یجیز شهادته وعدالته بین المسلمین، و ذلک أن الصلاة ستر وکفارة للذنوب، ولیس یمکن الشهادة علی الرجل بأنه یصلی إذا کان لا یحضر مصلاه ویتعاهد جماعة المسلمین ، وإنما جعل الجماعة والاجتماع إلی الصلاة لکی یعرف من یصلی ممن لا یصلی، ومن یحفظ مواقیت الصلاة ممن یضیع ، ولولا ذلک لم یمکن أحد أن یشهد علی آخر بصلاح، لأن من لا یصلی لا صلاح له بین المسلمین، فان رسول الله (صلی الله علیه و آله) همّ بأن یحرق قوما فی منازلهم لترکهم الحضور لجماعة المسلمین، وقد کان فیهم من یصلی فی بیته فلم یقبل منه ذلک، وکیف یقبل شهادة أو عدالة بین المسلمین ممن جری الحکم من الله (عز وجل) ومن رسوله (صلی الله علیه و آله) فیه الحرق فی جوف بیته بالنار، وقد کان یقول : لا صلاة لمن لا یصلی فی المسجد مع المسلمین إلا

ص:236

من علة»(1).

وفی هذه الصحیحة قوله (علیه السلام) : «أن تعرفوه بالستر والعفاف» فإن هذه الفقرة دالة علی أن نفس ستر العیوب هو نفس متن العدالة ویحتمل أن تکون أمارة علی العدالة الباطنیة وأما قوله (علیه السلام) بعد ذلک : «والدلالة علی ذلک کله أن یکون ساتراً لجمیع عیوبه» فظاهر فی الأماریة إلا أن قوله (علیه السلام) : «و ذلک أن الصلاة ستر وکفارة للذنوب» ظاهرة أن نفس الصلاة و هذا المظهر یکفر الذنوب الباطنیة فنفس الستر الظاهر رتبة من العدالة تمحی ما بطن من الذنوب فالساتر لظاهره یسبب ارعواء عن الذنوب وواعزاً لاستقامة المرئ فی الباطن لأن هذه الملکة فی الظاهر موجبة لتوبة الانسان.

فالقول الثالث له عدة تفسیرات :

التفسیر الأول: المشهور أنه امارة.

التفسیر الثانی: ان الستر الظاهری هو درجة من درجات العدالة.

التفسیر الثالث: أن یقال أن الستر فی الظاهر ماحی لما قد یقع فی الباطن من الفسق فحکمة کون العدالة هی الستر فی الظاهر لأنه موجب لمحو الذنوب الباطنیة.

ص:237


1- (1) - وسائل الشیعة: ج27 أبواب الشهادات، ب 41 ص 391 ح 1 .

التفسیر الرابع: أن الفسق فی الباطن لا أثر له ما لم یبرز لا من جهة الاثبات، فحسب بل لأن المقدار اللازم من العدالة المأخوذة فی الشاهدین أو أمام الجماعة أوغیرها ، هی تلک الدرجة من العادلة التی فی الظاهر . نعم لو برز شیئ من الباطن للظاهر أخل بالعدالة لأنه تجاوز سطح الباطن إلی الظاهر وأما لو لم یتجاوزه فلا أثر له إلا إذا برز، فالفسق غیر مخل ما لم یبرز.

وربما یتوهم دلالة صحیحة عبد الله بن المغیرة علی القول الرابع، قال: قلت لأبی الحسن الرضا (علیه السلام) : رجل طلق امرأته وأشهد شاهدین ناصبین ، قال :«کل من ولد علی الفطرة وعرف بالصلاح فی نفسه جازت شهادته»(1).

و هذا التوهم مدفوع باعتبار أنه قید بقوله :" وعرف بالصلاح" فلیس المعیار هو أن یولد علی الفطرة فحسب بل لابد من معرفته بالصلاح فاعتبار حسن الظاهر لابد منه کما هو فی صحیحة ابن أبی یعفور.

تفسیر الفسق:

وأما مقتضی التعریف اللغوی للعدالة - وهو شاهد أیضا للقول الثالث - فقد یقال فی تعریفها أنها تقابل الظلم والفسق، والفسق فی اللغة

ص:238


1- (1) - وسائل الشیعة: ج27 أبواب الشهادات، ب 41 ص 393 ح 5 .

هو الخروج یقال فسد الرطبة إذا خرجت عن قشرها فکأنما یقال الفاسق للذی یخرج عن ستر عیوبه فالفسق هو الجهار بالمعصیة لا مجرد نفس ارتکاب المعصیة.

قال الزبیدی: الفسق - بالکسر - الترک لأمر الله عز وجل والعصیان والخروج عن طریق الحق سبحانه ، قاله اللیث . أو هو الفجور، کالفسوق بالضم . وقیل: هو المیل إلی المعصیة... ویقع بالقلیل من الذنوب والکثیر... (1).

إلا أن ما یظهر من بعض الآیات أن نفس ارتکاب الکبیرة فسق کشرب الخمر وأکل المیتة قوله:(إِلاّ أَنْ یَکُونَ مَیْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِیرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً) (2)، وقوله تعالی: (وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِکُمْ فِسْقٌ ) (3)، فالفسق ظاهر بلحاظ نفس فعل الکبیرة وإن لم یرتکبه فی الظاهر وقوله: (وَ لا تَأْکُلُوا مِمّا لَمْ یُذْکَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَیْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ ) (4)، وقد یخدش فی دلالة هذه الآیة بارتباطها بالعقیدة وهی ذکر غیر اسم الله علیها.

ص:239


1- (1) - تاج العروس: ج 13 ص 401 مادة (فسق) .
2- (2) - سورة الانعام ، الآیة 145 .
3- (3) - سورة المائدة ، الآیة 3 .
4- (4) - سورة الانعام ، الآیة 121 .

وما جاء فی تحف العقول فی تفسیره (علیه السلام) للفسق : (صفة الخروج من الایمان)(1)، وقد یخرج من الایمان بخمس جهات من الفعل کلها متشابهات معروفات: الکفر والشرک والضلال والفسق ورکوب الکبائر... ، ومعنی الفسق فکل معصیة من المعاصی الکبار فعلها فاعل ، أو دخل فیها داخل بجهة اللذة والشهوة والشوق الغالب فهو فسق وفاعله فاسق خارج من الایمان بجهة الفسق فإن دام فی ذلک حتی یدخل فی حد التهاون والاستخفاف فقد وجب أن یکون بتهاونه واستخفافه کافرا .

فإنه (علیه السلام) فسر الفسق بکل معصیة من الکبائر فعلها فاعل أعم من کونها فی الظاهر أو فی الباطن فحاصل هذا الخبر أنه حدُّ وتعریف شرعی مؤید بالآیات التی جعلت الفسق نفس ارتکاب المعاصی.

فالتقریب اللغوی مناف لظاهر الشرع ففی اللغة فسق فجر والفجور هو البزوغ والظهور ففجر عن أمر ربه أی خرج إلا أنه یمکن أن یجاب أن الفسق قد استخدم کثیرا فی الآیات مقابلاللایمان لا فی مقابل العدالة بینما العدل فی مقابل الظلم أو یکون المراد من الفسق فی الآیات هو عدم المحافظة علی السلوک الایمانی فی الظاهر و هذا کله محتمل.

وعلیه فالفسق هو البروز والظهور للمعصیة وعلیه فتحمل الآیات

ص:240


1- (1) - تحف العقول: ص 330 - 331 .

علی عدم المحافظة علی السلوک الایمانی فی الظاهر، فلو کنا والمعنی اللغوی فإنه قابل لتقریب المعنی الثالث إذ إن الفسق هو ظهور المعصیة.

المتحصل من الوجوه فی تعریف العدالة وبیان المختار:

فالمحصل مما استعرضناه من الوجوه أن العدالة ذات درجات ویمکن أن یقرب المعنی الثالث بأخذ الشارع بعض درجات العدالة کحسن الظاهر وقد یأخذ ما هو أعلی درجة... إلا أن اطلاق الأدلة القرآنیة والروائیة مثبتة للأعم .فالقول الثالث له تقریب وتوجیه وشواهد لا أنه غیر قابل للتوجیه فلو اعتبرت هذه الدرجة من العدالة فیکون الفسق بحسب الباطن غیر مؤثر فی عدالة الشهود مثلا.

والصحیح - کما مر بنا - من هذه الاقوال لا القول الثانی ولا الثالث ولا الاستقامة العملیة ولا الملکة بل هو خصوص الملکة المؤدیة للاستقامة العملیة فعلا کما هو الحال فی بقیة الصفات العملیة التی هی هیئات نفسانیة تؤدی إلی حسن السلوک العملی فلا السلوک العملی من دون الملکة، ولا الملکة من دون السلوک العملی لما مرّ من أن جملة من الروایات آخذة للوثوق کقوله (علیه السلام) : «المأمون علی الدنیا والدین» فصفة الأمان تکون من الهیئة النفسانیة الباعثة والزاجرة ولیس من السلوک العملی فقط فأخذ الوثوق بالایمان - فی قوله (علیه السلام): «المأمنون علی الدین والدنیا» یدل علی اعتبار الهیئة والملکة، ووجود الملکة مع ارتکاب

ص:241

ارتکاب الکبیرة یدل علی أن الملکة فحسب لیست هی العدالة بل لابد من الاستقامة العملیة ولا یکفی وجود الملکة الباعثة علی السلوک العملیة.

فتحصل أن اختلال السلوک فی الظاهر مخل بالعدالة و أن الاطلاقات الشرعیة بأن الفسق ظاهرا وباطنا مانع من العدالة. ولکنه حیث ثبت بأن العدالة ذات درجات فلا مانع من أخذ العدالة فی بعض الأبواب بدرجة نازلة کما لا یمنع أخذها فی بعض آخر بدرجة عالیة، فالعدالة لها معنی وحدانی ولکنه مشکک فیه قوة وضعف فاعتبارها مثلا فی الفقیه لیس کاعتبارها فی امام الجماعة وهکذا ولا یمتنع أخذ الشارع بعض الدرجات فی بعض المناصب دون بعض.

فالعدالة هی ملکة وصفة نفسانیة ثابتة اجمالاً باعثة فعلا علی الاستقامة علی جادة الشریعة فلا ینافی ثبوتها الجواد قد یکبو والسیف قد ینبو.

تاثیر الصغائر فی العدالة وعدمه والتحقیق فی أصل وجودها:

المشهور علی عدم أخذ ترک الصغائر فی العدالة فما لم یصر علی الصغیرة فهو عادل وهومخالف لمشهور المعاصرین.

وقد استدل مشهور المتقدمین علی عدم أخذ اجتناب الصغائر فی العدالة للآیات الدالة علی العفو عن الصغائر، هذا دلیلهم اجمالاً.

ص:242

و هذا البحث فیه جدل صناعی عمیق إلا أن الالتزام بعدم أخذ ترک الصغایر فی العدالة من مؤیدات القول الثالث - لا من أدلته - لأن الصغائر غالباً تکون خفیة غیر ظاهرة.

وقد وقع الخلاف فی وجود ذنوب صغائر وکبائر أو کلها کبائر فذهب الشیخ الصدوق (قدس سره) إلی عدم وجود الصغائر: انظر إلی من تعصی ومعصیة العظیم عظیمة .

إلا أن الاخبار مستفیضة بوجود الصغائر وکذا الآیات وهی دالة علی العفو عن الصغائر وهی دالة علی اعتبار ترکها فی العدالة قال تعالی: (إِنْ تَجْتَنِبُوا کَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ ) (1)، وقوله تعالی: (الَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ ) (2).

فاللمم غیر کبائر الاثم وغیر الفواحشن - مع أن حقیقة هذه المفرادت لم تبحث ولم تحقق لا عند علماء الاخلاق والتفسیر إذ القرآن والسنة تارة یعبر بالسیئة وأخری بالمعصیة وتارة بالاثم وتارة بالذنب وتارة بالتبعة وتارة بالخطیئة وتارة بالفسق وتارة بالکبائر وتارة بکبائر الأثم فهذه أقسام عدیدة من تجسم الأعمال فلم تحقق معانی هذه الاقسام، إذ لکل مفردة من هذه تشخیص خاص وعلاج خاص - .

ص:243


1- (1) - سورة النساء ، الآیة 30 .
2- (2) - سورة النجم ، الآیة 32 .

نعم الجرأة علی الله من الکبائر بل أعظم لأنها تفضی إلی الکفر الخفی ولهذا جاء فی الکافی الفرق بین ترک الصلاة وإنه کفر - وهو سلب الایمان - وبین الزنی وأنه لیس بکفر لما فی ترک الصلاة من استخفاف وتجرؤ علی الله بخلاف الزنا فإنه بداعی غلبة الشهوة والمیول وقد جاء فی الدعاء: «اِلهی لَمْ اعْصِکَ حینَ عَصَیْتُکَ وَاَنَا بِرُبُوبِیَّتِکَ جاحِدٌ... لکِنْ خَطیئَةٌ عَرَضَتْ وَسَوَّلَتْ لی نَفْسی»(1)، فارتکاب الانسان الصغیرة وهو مستخف سالب للایمان.

وقضیة الجمع بین ما تقدم من الآیتین وبین قوله: « فلا صغیرة مع الاصرار ولا کبیرة مع استغفار » فإن الاصرار هو عدم الاستغفار فإذا لم یستغفر من الصغیرة کان اصرارا وهو من الکبائر.

اشکال فی کلام المفسرین وجوابه:

وعلیه فالعفو عن الصغائر مع اجتناب الکبائر من دون الاستغفار أین مورده؛ لأنه بالاستغفار تغفر الذنوب لا باجتناب الکبائر؟

وقد أجیب بجوابین والجواب الأول ذکر فی الجواهر:

بأن الصغائر مع عدم الاستغفار لا نسلم أنها تکون اصرارا لأن الاصرار هو أما أن یعاود أو ینوی المعاودة.

ص:244


1- (1) - لاحظ دعاء أبی حمزة الثمالی فی أعمال أسحار شهر رمضان .

أما إذا ارتکب الصغائر ولم یصر بحیث لم ینوِ المعاودة فالصغیر التی ارتکبها بداعی شهوی ومیل أو غضب حتی غفل عنها ولم یستغفر منها فباجتنابه الکبائر تغفر له الصغائر.

شرطیة التوسل بالنبی(صلی الله علیه و آله) فی الغفران والتوبة:

والجواب الثانی هو أن لغفران الذنوب أسباب ومن اسبابها الاجتناب عن الکبائر: أن هذا لا یعنی أنه لا یستغفر بل الاستغفار من أسباب الغفران ولکن بشرط توسط شفاعة النبی(صلی الله علیه و آله) لقوله: (وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ ....) (1)، ولم ینبه علی ذلک فقهاؤنا ، وقد حققنا هذا المطلب فی کتاب (التوسل) وبعد ذلک وقفت فی کلمات الآلوسی علی کلام ینقله عن بعض العلماء: (أنه یلتزم أن من شرائط التوبة التوسل بالنبی (صلی الله علیه و آله) وإلا فلا تصح التوبة) .

وتوجد روایات صحیحة فی باب الصلاة تصرح بأن الدعاء لا یرتفع حتی یصلی علی النبی وآله (صلوات الله علیه وعلیهم أجمعین) وهو نمط من التوسل والاستغفار.

والآیات القرآنیة دالة علی ذلک أیضاً فمنها قوله تعالی: (إِنَّ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ اسْتَکْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا یَدْخُلُونَ

ص:245


1- (1) - سورة النساء ، الآیة 64 .

اَلْجَنَّةَ حَتّی یَلِجَ الْجَمَلُ فِی سَمِّ الْخِیاطِ وَ کَذلِکَ نَجْزِی الْمُجْرِمِینَ ) (1)، فلاستکبارهم علی آیات الله وقطیعتهم وجفائهم لأهل البیت (علیهم السلام) لا یغفر الله لهم بل لا یقبل منهم شیئا حتی عقائدهم ولهذا ذهبنا بأن التوسل من شروط الایمان.

وحاصل هذا الجواب أن اجتناب الکبائر احد اسباب غفران الذنوب وحتی تغفر الذنوب من هذه الجهة لابد من اجتناب جمیع الکبائر ولا یخفی أن لاجتنابه إیاها شیئا فشیئا آثاراً عظیمة فإنها وإن لم توجب النجاة إلا أنها تخفف العذاب أو توجب عدم الخلود فی النار وغیرها فیوجد ترابط بین التوبة وغفران الذنوب فأی خطوة حسنة توجب التخفیف و هذا البحث لم یتعرض له الفقهاء لأنه بحث کلامی.

وفی الجملة أن مشهور المتقدمین لم یأخذوا اجتناب الصغائر قیدا فی العدالة للآیتین المتقدمتین.

اشکالان علی عدم تأثیر الصغائر فی العدالة وما فیهما:

وقد اشکل مشهور المتأخرین علی الاستدلال بهاتین الآیتین:

الإشکال الأول: أن غایة هذا الدلیل القرآنی هو العفو عن الذنوب لا نفی کونها ذنوبا فغایة هذا الدلیل هو العفو والتکفیر أما أنها لیست

ص:246


1- (1) - سورة الأعراف، الآیة 40 .

بمعاصیوأنها لا تعتبر خروجاً عن الجادة فهذا أمر آخر والحاصل أن العفو أمر والخروج عن طاعة المولی أمر آخر.

والاشکال الثانی: اثباتی وحاصله أن مرتکب الصغائر من أین یُعلم أنه لا یرتکب الکبائر کی یحرز أنها معفو عنها وغیر مخلة بالعدالة؟ فلا طریق لاثبات العدالة.

وهذان الاشکالان غیر تامین:

أما الاول: فلإنه مع وجود العفو لا ذنب ومع عدم الذنب کیف یکون فاسقا من لا ذنب له فثبوت العفو عنه له مدخل فی الاستقامة فإن "التائب من الذنب کمن لا ذنب له" فنفس التوبة صمام أمان من الانزلاق فکذلک عفو الله صمام أمان من الانزلاق وخصوصا بأن الآیة وصفته من الذین أحسنوا الحسنی.

ووصف مجتنبی الکبائر إلا اللمم بأنهم أحسنوا بالحسنی مع ما عندهم من الصغائر واللمم یدل علی عدم تأثرهم وبقاءهم علی ما هم علیه قبل الارتکاب.

وأما الثانی: فإن وجود حسن الظاهر باجتنابه الکثیر من الصغائر وعدم اصراره علی ما ارتبکه منها موجب للاطمئنان بعدم عمله للکبائر .

وانقلاب الصغیرة إلی کبیرة بالاصرار له مصادیق منها عدم التوبة ومنها المعاودة علیها بشکل متکرر ، وفُسّر بأنه تکرار الصغائر وإن لم

ص:247

تکن من نوع واحد، ومنها ارتکاب الصغیرة مع الاستخفاف والتجری.

ولا یخفی وجود أسباب أخری لمغفرة الذنوب منها الشفاعة والتوبة واجتناب الصغائر منها ولا یخفی أن کل معصیة إذا قیست إلی العظیم تکون عظیمة إلا أن الکبائر فی المقام هی لبیان وتمییز بین التکالیف الشرعیة من أن بعضها رئیسیة ولها من الخطورة ما لها وبعضها غیر رئیسیة ولیس له تلک المرتبة من الخطورة.

فالاستدلال بالآیات تام إجمالا وإن خدش فیه أعلام العصر. هذا کله مع عدم صدق الکبیرة علی الصغیرة وإلا فهو خارج عما نحن فیه.

الاستدلال بالاخبار علی عدم اعتبار الصغایر :

إن جمیع ما صرحت به الروایات من مصادیق الکبائر ولم تذکر للصغائر مصداقاً و هذا یدل اجمالا علی عدم اخلال الصغائر بالعدالة.

منها صحیحة ابن أبی یعفور، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : بم تعرف عدالة الرجل بین المسلمین حتی تقبل شهادته لهم وعلیهم؟ فقال: «أن تعرفوه بالستر والعفاف وکف البطن والفرج والید واللسان ویعرف باجتناب الکبائر التی أوعد الله علیها النار من شرب الخمر ، والزنا والربا وعقوق الوالدین والفرار من الزحف، وغیر ذلک، والدلالة

ص:248

علی ذلک کله...»(1). فإنه (علیه السلام) خص اجتناب الکبائر بالذکر ولهذا التخصیص بالکبائر دون الصغائر مفهوم وهو أن ارتکاب الصغائر ما دامت صغائر لا تکون مخلة بالعدالة، و هذا تقریب الاستدلال اجمالا.

وقد أشکل علی هذا الاستدلال بعدة صیاغات:

الصیاغة الاولی: بأن هذا المفهوم من قبیل مفهوم اللقب وهو محل کلام فی دلالته.

و هذا الاشکال مدفوع لأنه لیس من الاستدلال بمفهوم اللقب بل هو من أقوی المفاهیم وهو مفهوم التحدید وهو ما یکون النص فیه بصدد بیان تحدید وتعریف حقیقة الشیء فکل ما یؤخذ فی هذا المقام من قیود له مفهوم بل هو أقوی من مفهوم التعلیل ومفهوم الشرط ویعبر عنه بأنه أقوی المفاهیم لأنه فی مقام ذکر القیود الجامعة والمانعة.

والثانیة: عدم صحة دعوی عدم ذکر الصغائر فی صحیحة ابن أبی یعفور؟ باعتبار قوله (علیه السلام) بأنه ساتراً لجمیع عیوبه وهو یشمل حتی الصغائر و ذلک لأن الستر هو ستر لکل المخالفات الشرعیة التی منها الصغائر.

و هذا الاشکال أیضا مدفوع بأمرین:

ص:249


1- (1) - وسائل الشیعة: ج27 أبواب الشهادات، ب 41 ص391 ح 1 .

الأول: أن العمدة فی صدق هذه العناوین والصفات کما فی تقریب الآیتین هو اجتناب الکبائروتعبیر الخبر أیضا عند قوله(علیه السلام):«ویعرف باجتناب الکبائر» وإلا لقال(علیه السلام): «ویعرف باجتناب المعاصی»، نعم صدقها علی درجات. فهذه القرینة لفظیة لمنع التمسک بالاطلاق.

والثانی: أن کل ما ذکر فی الروایات أو فی جلها من المعاصی هی مصادیق الکبائر مثل الخیانة والکذب وشرب الخمر والزنی وهذه أمثلة لاجنتاب الکبائر لا الصغائر فلو کان ملتزما بترک الکبائر تصدق علیها العدالة وهذه القرینة اللفظیة صالحة لمنع الاطلاق الشامل للصغائر، فاختلال العدالة بصدور صغیرة منه مرة واحدة مع بقاء عنوان الصغیرة علیها فیه تأمل واضح.

وقد نُسب إلی المحقق الهمدانی (قدس سره) تقریب بتفصیل من عدم أخذ الصغائر فی العدالة، وحاصله:

أن الصغائر تارة ترتکب عن غفلة وسهواً وشهوة وغیرها من الاعذار العرفیة وتارة ترتکب عن استخفاف واصرار ومکابرة وعن عمد ففرق بین النمطین فإن الأول لا یعده عرف المتشرعة مخلا بالعدالة ولا موجبا للخروج عن جادة الاستقامة بخلاف النمط الثانی فلو صدرت عن استخفاف وتجرّی فإنها تعد مخلة بالعدالة بحسب ارتکاز المتشرعة.

ص:250

وقد اشکل علیه بأن هذا هو مقصودکم: «من صدورها عنه بعذر» فإن کان العذر ینتهی إلی الشرع فهو جائز ولا موضوع للمعصیة وإن لم ینته إلیه فهو حرام ولیس بعذر بل هو تذرع بالعذر فالتفصیل لا یرجع إلی محصل.

إلا أن الصحیح الذی یرومه المحقق الهمدانی شیئاً آخر - وإن کانت عبارته قاصرة عن تأذیته - وهو أن الصغیرة من حیث هی غیر مخلة بالعدالة کصدورها عن شهوة وغفلة فهی لا تخل بکونه مأمونا علی دینه ولا بکونه ذا عفاف وستر وغیرها من العناوین الواردة فی الاخبار ما دامت صغیرة نعم تخل بالعدالة لو اقترنت بالاستخفاف والاستهزاء والتجری والتحدی بحیث لم تبق علی کونها صغیرة.

فتفصیل الهمدانی (قدس سره) لیس تفصیلا فی الحقیقة بین الصغائر بل هو یشیر إلی ما أشارت إلیها الروایات(1) الدالة علی أن الزنا تارة یؤتی به عن شهوة جامحة وملحة لیس فیها مکابرة ومعاندة فإن هذه الروایات یستفاد منها أن الاستخفاف والعناد هو بنفسه عنوان یزید الکبیرة کبیرة فکیف بالصغیرة ومع عدم وجود الاستخفاف یخفف الکبیرة ، فإن الاستخفاف

ص:251


1- (1) - وسائل الشیعة: ج أبواب جهاد النفس، باب 45 ص ح 7 وغیره ، وهی فی کتاب الکافی المجلد الثانی فی کتاب الایمان والکفر .

عنوان من عناوین الکبائر وقد ذکر هذا فی باب التجری فی علم الاصول.

ویستدل للمشهور أیضاً بذیل صحیحة ابن أبی یعفور قال (علیه السلام) : «ویکون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب علیهن وحفظ مواقیتهن بحضور جماعة من المسلمین، و أن لا یتخلف عن جماعتهم فی مصلاهم إلا من علة ، فإذا کان کذلک لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه فی قبیلته ومحلته قالوا : ما رأینا منه إلا خیرا مواظبا علی الصلوات متعاهدا لأوقاتها فی مصلاه فان ذلک یجیز شهادته وعدالته بین المسلمین ، و ذلک أن الصلاة ستر وکفارة للذنوب...» . فإن الصلاة ماحیة لذنوبه فهو کمن لا ذنب له فإن الصلاة ترجعه إلی جادة الشرع لانحرافه عن جادة الشرع بما صدر منه. وهذه موافقة لمفاد آیة نکفر عنه سیئاته فالصلاة امارة توجب الرجوع والأوبة إلی جادة الشرع.

وبتقریب أخر لهذا الذیل : أن الاتیان بالصلاة من ترک الکبائر الذی هو یکفر الذنوب ویرجع إلی جادة الشرع وهو مفاد الآیة.

فهذا مجمل استدلال المشهور وهو وجیه متین؛ لعدم اخذ اجتناب الصغائر فی العدالة وإن کان الأحوط اعتباره فیها إما من جهة الشبهة

ص:252

الموضوعیة إذ کثیر من الصغائر تتلبس بعنوان من عناوین الکبائر فیحصل الاشتباه و إما من جهة الشبهة الحکمیة فإن أخذ الاجتناب عن الصغائر فی العدالة ممکن، فإن منع أطلاق المعصیة - وشمولها لصغیرة لوجود المقیدات - لا یرفع احتمال اعتبار الاجتناب عن الصغائر فمورد الاحتیاط متحقق فی الشبهة الموضوعیة والحکمیة.

اعتبار المروءة فی العدالة:

اشارة

ویقع الکلام فی أن عدم المروءة هل یتنافی مع العدالة أم لا؟

الدلیل الاول: اعتبارها فی مفهوم العدالة:

اشارة

فقد ذهب مشهور المتقدمین إلی أخذ موجبات المروة فی مفهوم العدالة بخلاف غالب المتأخرین فإنهم ذهبوا إلی عدم أخذها فی مفهوم العدالة فتجتمع العدالة مع منافیات المروة.

ویمکن الاستدلال علی ذلک بنفس الروایات الواردة فی باب41 کصحیحة أبی یعفور فقوله (علیه السلام) : «ساترا لجمیع عیوبه» بتقریب أن العیوب عامة وشاملة للعیوب الشرعیة والعرفیة ، مع ملاحظة أن المراد من العرفیة خصوص العیوب العرفیة التی لا تتقاطع ولا تتنافی مع المقررات الشرعیة کما لو کانت فی منطقة المباحات ، فإن هذا العیب العرفی مندرج فی الروایة لصدق العیب علیه.

وقد ناقش کثیر من الأعلام بأن العیب العرفی ما دام لیس بعیب عند

ص:253

الشارع فلا یعتنی به؛ لأن المدار علی ما هو موجود عند الشرع أما ما هو المرجوح عند العرف فقط فلا یعتد به، وواضح أن الامام (علیه السلام) الذی هو ناطق عن الشرع لا عن العرف یرید بالعیوب بنظر الشارع لا بنظر غیره.

وحاصل الجواب عن هذا: هو أن الخدشة اجمالاً مبنیة علی نقاش موضوعی حول حقیقة منافیات المروة وهو أن القبیح العرفی الذی لا یتقاطع ولا یتنافی مع الشرع هل یقتصر وینحصر حکمه فی العرف أو مآله إلی شیء آخر؛ إذ فی الحقیقیة القبیح العرفی - إذا لم یتقاطع مع الشرع - یندرج تحت أحد العناوین العامة الشرعیة.

وبعبارة أخری أن ما عرف من وجود منطقة المباحات هی فی النظرة الاولی مباحة أما مآلاً فهی تندرج تحت أحد العناوین الراجحة لزوما أو ندبا أو المرجوحة شرعا.

ضابطة حاکمیة العرف فی الموضوعات:

ففی الحقیقة الحسن والقبح - فی هذه الموضوعات أو المصادیق العرفیة للحسن والقبح - یرجع إلی منطلقات واسس أولیة للمحاسن والقبائح فتنزل هذه العناوین علی المصادیق شیئا فشیئا بحسب الآلیات المستخدمة عند العرف فإذا لم یهدم الشارع هذه الآلیات والتطبیقات العرفیة لعناوین الحسن والقبح تظل هذه التطبیقات علی هذه المصادیق

ص:254

متبعة ومعول علیها شرعا ، ففی الحقیقیة الاعراف العقلائیة التی لا تتنافی ولا تتقاطع مع الحدود الشرعیة ترجع مآلا إلی تطبیقات أسس فطریة - التی هی نفس الشریعة التی هی الفطرة التی فطر الله الناس علیها - و هذا بحثناه بحثا مفصلاً فی علم أصول الفقه فی أصول القانون وقلنا إن کثیرا من العمومات الفوقیة لا یتصرف الشارع فیها ویترک تطبیقها بید العرف فالعرف یستحدث لها مصادیق وآلیات تنطبق علیها تلک العمومات.

فهنا نکتة مهمة وهی أن طبیعة کل عموم شرعی إذا لم یتکفل الشارع بتحدید آلیات مصادیقه بحدوده الخاصة له فإنه یعد ترخیص من الشارع للعرف بأن یطبق ذلک العموم بحسب سعة طبیعته.

ومثال هذا احترام الوالدین فإن عموم أو اطلاق (وَ صاحِبْهُما فِی الدُّنْیا مَعْرُوفاً) ، ولم یحدده الشارع المصاحبة و جعل التطبیق بید العرف، فتری فی زمن یکون الاحترام بالقیام لهما وتارة بتقبیل یدیهما وغیر ذلک... ، وکذا ما جاء فی صلة الرحم فالعرف تارة یراه بارسال هدیة وأخری بالزیارة وتارة بکذا... وغیرها من المصادیق و هذا لیس ببدعة بل هو کما عبرنا عنه فی الشعائر الحسینة بالعناوین الثانویة فی الموضوعات فإن الحکم أولی والموضوع العام أولی أیضا ولکن تعنون المصادیق الخاصة بذلک العنوان العام ثانوی ، فإرسال الهدیة للرحم بعنوانها الاولی هی ارسال هدیة ، وأیضا یصدق علیها عنوان صلة الرحم

ص:255

وحکمه الاستحباب وبلحاظ انطباق عنوان صلة الرحم علیه بالعنوان الثانوی فهو من مصادیق القضیة الواجبة فانطباق عنوان صلة الرحم علی ارسال الهدیة من العناوین الثانویة فی الموضوعات إلا أن هذه العنوان الثانوی فی نفسه عنوان أولیلقضیة أولیة نعم مصادیق هذا العنوان الأولی ثانویة أی مستجدة ومستحدثة ولذلک إذا لم یحدد الشارع حدود المصداق بل ترکه للعرف فهذا ترخیص من الشارع للعرف فی تحدید آلیات ومصادیق ذلک العنوان العام ولیس هو من الأمر البدعی فی شیء لأنه بترخیص الشارع نعم لو حدد الشارع حدود المصداق مثل باب الصلاة تری الشارع حددها من المبتدأ إلی المنتهی وغیرها من الامور العبادیة.

تطبیق بعض العناوین بید العرف أم بید الفقهاء ورجحان أو مرجوحیة منطقة المباحات:

کثیر من العمومات الشرعیة لم یحددها الشارع بل جعل للعرف الرخصة فی تطبیق تلک العمومات علی المصادیق مثل آلیات الحزن ومصادیقه فی الاخبار الصحیحة الآمرة بالحزن علی مصائب أهل البیت (علیهم السلام) لم یعین الشارع لها مصادیق... فتعین هذه المصادیق لا صلة له لا بالفقهاء، ولا بالاطباء، ولا بالفلاسفة، ولا المتکلمین ولا غیرهم، وإنما لها

ص:256

صلة بالأعراف فالاعراف تستحدث مصادیقها فتارة تطبیقها علی آلیات مثل البکاء تارة أو لبس السواد أخری أو اللطم أو اظهار الکآبة وأخری بالرثاء وغیرها ما دامت تلک المصادیق والآلیات مباحة...

فمعنی عدم تحدید الشارع خصوصیة لهذه العناوین هو أن هذا عنوان مرسل من الشارع تطبیقه علی مصادیقه تخییرا عقلیا و هذا مثل اقیموا الصلاة فإن عدم تحدید الشارع لها من جهة المکان مرسل ومطلق بید المکلف تطبقه فی أی مکان فله أن یطبقه فی المسجد أو فی البیت أو فی البر أو بالسفینة فی البحر أو بهذا اللباس أو بذلک اللباس.

فلا یقال کیف أن هذا العموم ینطبق علی مصادیق جدیدة ومستجدة فیشکل بالبدعة؟(1)

و هذا ما أخطأ فیه کثیرون - کالسلفیة - وکل ذلک للاشتباه بین ما هو

ص:257


1- (1) - أقول: من الغریب جدا الاشکال بالبدعیة علی بعض الافعال أو العادات أنها لم تکن فی زمن النبی(صلی الله علیه و آله) أو أحد المعصومین(علیه السلام) مع أن هذا یناسب الاستدلال بسیرة العقلاء أو المتشرعة لانها هی التی یشترط فیها المعاصرة وإلا فان الادلة علی مثل هذه العادات وغیرها مثل سفرة أم البنین علیها السلام بالعمومات والاطلاقات کاطعام الطعام واهداء ثوابه للاموات والتحلیلات الموضوعیة لبعض موضوعات ومتعلقات الادلة الاجتهادیة والفقاهتیة کتحلیل حقیقة المودة فی آیة المودة مثلا وبیان اندراج سفرة أم البنین مثلا فیها ... فالاشکال بالبدعیة بعدم وجود الفعل فی زمن المعصوم(علیه السلام) ناشئ من جهل أو غفلة. من المقرر

ترخیص فی المطلق والمرسل وبین غیره من الامور المحدودة التی إذا تجوزت تکون بدعة.

فإذا لم یحدد الشارع تلک المصادیق کما لو رتب الحکم علی هذا الموضوع بسعته فمعناه ترخیصه بتطبیقه علی أی مصداق من مصادیقه ولا یخفی أن بعض العناوین تکوینیة مثل شرب الخمر فلا دخل للعرف فی تطبیقها وأما بعض العناوین فهی فی طبیعتها انشائیة بید المکلف یطبقها مثل صلة الرحم والحزن و مثل النفقة علی الزوجة مثل لباسها ومطعمها فهو مخیر فی تطبیقه علی أی آلیة ومصداق فنفس تعمیم الشارع وارساله هو ترخیص شرعی فی التطبیق، و مثل قوله تعالی (وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسی بِآیاتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَکَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ وَ ذَکِّرْهُمْ بِأَیّامِ اللّهِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِکُلِّ صَبّارٍ شَکُورٍ) (1)، فأیام الله تطبق علی کل ما تنطبق علیه الأیام ذات المشهد والحدث الإلهی.

فمن أعظم أیام الله یوم عاشورا یوم شهادة سید الشهداء (علیه السلام) و یوم وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله) و یوم مولده فأحیاء هذه الذکری بأسالیب متعددة ومتنوعة من الألیات المباحة التی یتفاعل بها المجتمع مثل انشاء قرص أو برنامج وغیرها من الآلیات.

ص:258


1- (1) - سورة إبراهیم ، الآیة 5 .

عود إلی أنه لیس هناک منطقة مباحة بل کل منطقة للمباحات تندرج بشکل وبآخر تحت عناوین فوقیة موجبة لرجحانها أو مرجوحیتها.

فقوله (علیه السلام) : «ساترا لعیوبه» کیف تندرج منافیات المروة فیه بصدق العیوب علیها، ففی الحقیقة أن المروة تعنی نوع من اندراج الطریقة المعیشیة السلوکیة للفرد تحت ضوابط عامة سواء عقلیة کانت أم شرعیة بحیث المصادیق المستجدة وإن لم یرد دلیل فیها بخصوصیها إلا أنها تندرج بشکل أو بآخر تحت عمومات فوقانیة عقلیة أو شرعیة راجحة لزوما أو ندبا أو مرجوحة کذلک بحیث إن الذی یحرز کیفیة انطباقها واندراجها هو العرف.

و هذا مرتکز حتی عند المتأخرین ولهذا قالوا: إن منافیات المروة لو کانت شدیدة بحیث توجب الهتک والمهانة العرفیة لأخلت بالعدالة مع أن هذا الهتک لیس بشرعی خصوصی.

إذن، نلاحظ أن آلیات المروة ومصادیقها تؤول إلی ادراج الأفعال بتواضع العرف تحت عناوین الزامیة فالقبائح المنافیة للمروة أو المحاسن الموجبة لها وإن لم تکن هی موارد خاصة بتحدید الشارع لها بعنوانها الأولی إلا أنها تندرج تحت عناوین آخری والمحدد لذلک الاندراج هو العرف.

فمنافیات المروءة الشدیدة منافیة للعدالة ، وأما إذا کانت یسیرة فهی

ص:259

داخلة فی الصغائر أو فی العیوب المرجوحة فلا مانع من تحدید العیوب فی الروایة للعیوب الشرعیة وإن کان الناطق والمتکلم هو الناطق الشرعی فهو لا ینافی دخول المصادیق العرفیة.

الدلیل الثانی: الاخبار الدالة علی اعتبار المرؤة:

اشارة

1- روایة محمد بن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائی، عن الرضا ، عن آبائه، عن علی (علیهم السلام) قال : «قال رسول (صلی الله علیه و آله) : من عامل الناس فلم یظلمهم، وحدثهم فلم یکذبهم، ووعدهم فلم یخلفهم، فهو ممن کملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت اخوته، وحرمت غیبته»(1).

2- معتبرة عبد الله سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «ثلاث من کن فیه أوجبت له أربعا علی الناس : من إذا حدثهم لم یکذبهم ، وإذا وعدهم لم یخلفهم وإذا خالطهم لم یظلمهم: وجب أن یظهروا فی الناس عدالته، وتظهر فیهم مروءته و أن تحرم علیهم غیبته، و أن تجب علیهم اخوته»(2).

3- ما روی بعدة طرق: تذاکر الناس عند الصادق (علیه السلام) أمر الفتوة فقال: «تظنون ان الفتوة بالفسق والفجور إنما الفتوة والمروة طعام موضوع

ص:260


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 کتاب الشهادات، ب41 ص 396 ح 15 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 16 .

ونائل مبذول بشیء معروف، وأذی مکفوف، وأما تلک فشطارة وفسق» ، ثم قال: «ما المروة؟» فقال الناس: لا نعلم، قال: «المروءة و الله أن یضع الرجل خوانه بفناء داره ، والمروءة مروءتان : مروءة فی الحضر ، ومروءة فی السفر ، فأما التی فی الحضر تلاوة القرآن ، ولزوم المساجد ، والمشی مع الاخوان فی الحوائج ، والنعمة تری علی الخادم أنها تسر الصدیق، وتکبت العدو، وأما التی فی السفر، فکثرة زاد وطیبه وبذله لمن کان معک، وکتمانک علی القوم أمرهم بعد مفارقتک إیاهم وکثرة المزاح فی غیر ما یسخط الله (عز وجل) » ، ثم قال (علیه السلام) : «والذی بعث جدی (صلی الله علیه و آله) بالحق نبیا ، إن الله (عز وجل) لیرزق العبد علی قدر المروءة ، وإن المعونة تنزل علی قدر المؤنة ، وإن الصبر ینزل علی قدر شدة البلاء»(1).

4- ما روی بأکثر من طریق: قال الصادق (علیه السلام) : «لیس من المروءة أن یحدث الرجل بما یلقی فی السفر من خیر أو شر»(2).

5- روایة عمرو بن عثمان التمیمی، قال: خرج أمیر المؤمنین (علیه السلام) علی أصحابه وهم یتذاکرون المروءة ، فقال : «أین أنتم من کتاب الله !!»

ص:261


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 11 أبواب آداب السفر إلی الحج وغیره، ب 49 ص 432 ح1 .
2- (2) - المصدر نفسه، ص 433 ح2.

قالوا: یا أمیر المؤمنین ، فی أی موضع ؟ فقال: «فی قوله : (إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ ) فالعدل الانصاف ، والاحسان التفضل»(1).

6- مرفوعة عبد الرحمن (بن العباس) : سأل معاویة الحسن بن علی (علیه السلام) عن المروءة فقال (علیه السلام) : «شح الرجل علی دینه ، وإصلاحه ماله ، وقیامه بالحقوق»(2).

7- روایة علی بن حفص، عن رجل قال: سئل الحسن (علیه السلام) عن المروءة، فقال: «العفاف فی الدین، و حسن التقدیر فی المعیشة والصبر علی النائبة»(3).

8- روایة الحارث الاعور: قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) للحسن ابنه (علیه السلام) : «یا بنی ما المروءة؟ قال: العفاف وإصلاح المال»(4).

9- روایة أبان بن تغلب، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال : «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : المروءة استصلاح المال»(5).

ص:262


1- (1) - المصدر نفسه، ص 434 ح 5 .
2- (2) - المصدر نفسه، ص 435 ح 6 .
3- (3) - المصدر نفسه، ح 9 .
4- (4) - المصدر نفسه، ح 8 .
5- (5) - المصدر نفسه، ص 436 ح 10 .

10- مرفوعة عبد الله بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «تعاهد الرجل ضیعته من المروءة»(1).

11- روایة عبد الله النهدی ، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «المروءة مروءتان: مروءة فی السفر، ومروءة فی الحضر ، فأما مروءة الحضر ، فتلاوة القرآن وحضور المساجد وصحبة أهل الخیر والنظر فی الفقه ،

وأما مروءة السفر فبذل الزاد والمزاح فی غیر ما یسخط الله (عز وجل)، وقلة الخلاف علی من صحبک وترک الروایة علیهم إذا أنت فارقتهم»(2).

12- روایة أبی قتادة، رفعه إلی أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «ما المروءة؟» فقلنا: لا نعلم . فقال: «المروءة أن یضع الرجل خوانه بفناء داره، والمروءة مروءتان...» وذکر نحو الحدیث الذی تقدم(3).

13- ما رواه الصدوق بأسانیده عن الرضا، عن آبائه (علیهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : ستة من المروءة ، ثلاثة منها فی الحضر، وثلاثة منها فی السفر، فأما التی فی الحضر، فتلاوة کتاب الله، وعمارة مساجد الله

ص:263


1- (1) - المصدر نفسه، ح 11 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 12 .
3- (3) - المصدر نفسه، ح 13 .

واتخاذ الاخوان فی الله، وأما التی فی السفر فبذل الزاد، و حسن الخلق ، والمزاح فی غیر المعاصی»(1).

14- روایة حماد بن عیسی، عمن ذکره، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) لمحمد بن الحنفیة: واعلم أن مروءة المرء المسلم مروءتان: مروءة فی حضر ، ومروءة فی سفر ، فأما مروءة

الحضر ، فقراءة القرآن، ومجالسة العلماء، والنظر فی الفقه والمحافظة علی الصلوات فی الجماعات، وأما مروءة السفر ، فبذل الزاد، وقلة الخلاف علی من صحبک، وکثرة ذکر الله فی کل مصعد ومهبط ونزول وقیام وقعود»(2).

15- روایة حفص بن غیاث، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول : «لیس من المروءة أن یحدث الرجل بما یلقی فی سفره من خیر أو شر»(3).

16- روایة الحسن بن الحسین العلوی، قال: قال أبو الحسن (علیه السلام) : «من مروءة الرجل أن تکون دوابه سمانا ، قال : وسمعته یقول : ثلاث

ص:264


1- (1) - المصدر نفسه، ح 14 .
2- (2) - المصدر نفسه، ص 437 ح 15 .
3- (3) - المصدر نفسه، ح 16 .

من المروءة: فراهة الدابة، و حسن وجه المملوک، والفرس السری»(1).

17- عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) ، قال : «قدر الرجل علی قدر نعمته، وصدقه علی قدر مروءته، وشجاعته علی قدر أنفته، وعفته علی قدر غیرته»(2).

18- روایة زیاد بن أبی سلمة، قال: دخلت علی أبی الحسن موسی (علیه السلام) فقال لی: «یا زیاد إنک لتعمل عمل السلطان؟» ، قال: قلت: أجل ، قال لی : «ولم؟» قلت: أنا رجل لی مروءة وعلی عیال ولیس وراء ظهری شیء . فقال لی: «یا زیاد، لئن أسقط من حالق فأتقطع قطعة أحب إلی من أن أتولی لاحد منهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم إلا لماذا ؟ قلت: لا أدری جعلت فداک، قال: إلا لتفریج کربة عن مؤمن، أو فک أسره، أو قضاء دینه...» الحدیث(3).

19- روایة عبد الله بن سلیمان النوفلی، عن الصادق(علیه السلام) قال: «یا عبد الله... حدثنی أبی، عن آبائه، عن علی (علیه السلام) أنه قال: (من قال فی مؤمن ما رأت عیناه وسمعت أذناه ما یشینه ویهدم مروءته فهو من

ص:265


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 11 أبواب أحکام الدواب فی السفر وغیره، ب 6 ص 472 ح 1 .
2- (2) - وسائل الشیعة: ج 15 أبواب جهاد النفس، ب 24 ص 215 ح 1 .
3- (3) - وسائل الشیعة: ج 17 أبواب ما یکتسب به، ب 46 ص 215 ح 9 .

الذین قال الله (عز وجل) : (إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ ) (1) »(2).

20- روایة النوفلی عن الصادق (علیه السلام) قال: «یا عبد الله... وحدثنی أبی، عن آبائه، عن علی (علیه السلام) قال: من روی عن أخیه المؤمن روایة

یرید بها هدم مروءته وثلبه أوبقه الله بخطیئته حتی یأتی بمخرج مما قال ، ولن یأتی بالمخرج منه أبدا...» الحدیث(3).

21- روایة سلیمان بن جعفر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : من لم یحسن وصیته عند الموت کان نقصا فی مروءته وعقله، قیل: یا رسول الله کیف یوصی المیت؟ قال: إذا حضرته وفاته واجتمع الناس إلیه قال: (اللهم فاطر السماوات و الأرض عالم الغیب والشهادة الرحمن الرحیم ، اللهم إنی أعهد إلیک فی دار الدنیا أنی أشهد أن لا إله إلا أنت وحدک لا شریک لک، و أن محمداً عبدک ورسولک...» الحدیث(4).

ص:266


1- (1) - سورة النور ، الآیة 19 .
2- (2) - وسائل الشیعة: ج 17 أبواب ما یکتسب به، ب 49 ص 211 ح 1 .
3- (3) - المصدر نفسه .
4- (4) - وسائل الشیعة: ج 19 کتاب الوصایا، ب3 ص 260 ح1 .

22- ما روی باسانید متعددة، عن الصادق (علیه السلام) قال: «مدمن الخمر کعابد وثن یورثه الارتعاش، ویذهب بنوره، ویهدم مروءته، ویحمله علی أن یجسر علی المحارم من سفک الدماء، ورکوب الزنا، ولا یؤمن إذا سکر ان یثب علی حرمه وهو لا یعقل ذلک، والخمر لا یزداد شاربها الا کل ش»(1).

مفاد الاخبار فی العلاقة بین المروءة والعدالة:

فمن هذه الروایات یتبین أنه یوجد تلازم بین المروءة وبین العدالة وهو إما تلازم ثبوتی أو إثباتی فإن کان ثبوتیا کأن تأخذ المروءة فی العدالة بحیث یکون من لا مروءة له لا عدالة له، وإن کان اثباتیا - کما هو أحد وجوه أخذ المروءة فی العدالة- هو من باب أن المروءة أمارة علی العدالة ومنافیات المروءة أمارة علی نفی العدالة.

و هذا توجیه أخر للمشهور خلاصته أن المروءة وإن لم تکن دخیلة فی العدالة لکنها جعلت امارة شرعیة نفیا وأثباتا علیها.

فهذه الاخبار التی تدل علی التلازم بین العدالة وبین موجبات المروءة إما أن تدل علی التلازم الثبوتی فیکون للمروءة دخالة فی العدالة و إما تدل علی التلازم الاثباتی فهو أیضا نافعا فی المقام لاعتبارها حینئذٍ

ص:267


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 24 أبواب الاطعمة المحرمة، ب 1 ص 100 ح1 .

فی الاماریة الاثباتیة للعدالة.

و هذا المفاد فی الواقع یقرّب ویحقق لنا دلیل آخر غیر الدلیل الروائی وهو أن العرف عندما یشاهدون شخصاً متهتکاً فی القیود العرفیة لا یکون لدیهم وثوق باستقامته واتزانه وثباته علی الجادة فهذا البیان إما اثباتی أو ثبوتی.

فهذا التقریب هو مفاد الروایات وهو یفتح الوجه العقلی بأن من لا مروءة له لا یحصل الوثوق به وما ذلک إلا لکون مرتکب منافیات المروءة یعتبره العرف رذیئا ومهینا وهاتکا لنفسه فلا یؤمن شره.

وبهذا نستطیع أن نستدل علی اعتبار المروءة بالروایات الواردة فی الجماعة وهی (أن تثق بدینه)(1) أی مأمونا علی دینه، ومرتکب منافیات المروءة لیس بمأمون .

أو ما ورد فی أبواب صفات القاضی بباب 9 و 11 ، وهی: «المأمون علی الدنیا والدین» ، وأیضا ما مر من مرسلة یونس - وهی کالصحیحة - قال: سألته عن البینة إذا أقیمت علی الحق، أیحل للقاضی أن یقضی بقول البینة؟ فقال: «خمسة أشیاء یجب علی الناس الأخذ فیها بظاهر الحکم : الولایات، والمناکح، والذبایح، والشهادات ، والأنساب ، فإذا

ص:268


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 8 أبواب صلاة الجماعة، ب 10 ص 309 ، و ب 12 ص 319 .

کان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا ، جازت شهادته ، ولا یسأل عن باطنه»(1).

وأیضا یمکن الاستدلال بما ورد فی أبواب الشهادة من أن بعض الافعال التی توجب اسقاط النفس واهانتها تمنع من قبول الشهادة ولا وجه له إلا لأنها تخل بالمروءة أو أمارة کاشفة عن إثبات العدالة أو نفیها ومن ثم نستطیع أن نستدل باخبار ما فی صفات القاضی، ومنها:

1- ما عن العسکری (علیه السلام) : «من کان من الفقهاء صائنا لنفسه»(2).

2- موثقة أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال :«لا بأس بشهادة الضیف إذا کان عفیفا صائنا الحدیث»(3).

فإن صون النفس هو جعل الوقار لها بحیث لا یفعل مع ما یتنافی مع وقاره، فهذه وإن کانت واردة فی باب الشهادة إلا أنها من جهة کشفها عن العدالة لا الشهادة فلیست أجنبیة عما نحن بصدده.

3- صحیح العلاء بن سیابة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أن أبا جعفر (علیه السلام) قال : «لا تقبل شهادة سابق الحاج ، لأنه قتل راحلته، وأفنی زاده ، وأتعب نفسه ، واستخف بصلاته قلت : فالمکاری والجمال والملاح؟

ص:269


1- (1) - وسائل الشیعة: ج27 أبواب صفات القاضی، ب 41 ص 392 ح 3 .
2- (2) - المصدر نفسه، ب 10 ص 131 ح 20 .
3- (3) - المصدر نفسه، ب 41 ص 395 ح 10 .

فقال: وما بأس بهم تقبل شهادتهم إذا کانوا صلحاء»(1).

4- موثق محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «رد رسول الله (علیه السلام) شهادة السائل الذی یسأل فی کفه» ، قال أبو جعفر (علیه السلام) : «لأنه لا یؤمن علی الشهادة، و ذلک لأنه إن أعطی رضی ، وإن منع سخط» ، ورواه الشیخ عن أحمد بن محمد بن خالد، إلا أنه قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : شهادة السائل الذی یسأل فی کفه لا تقبل...» الحدیث(2).

فروایة (سابق الحاج) من جهة أن الذی لا یؤتمن علی حیوان بحیث یعذبه فإنه لا یؤتمن علی غیره ، وأما الخبر الثانی واضح بأن هذه الامور تؤثر فی عدم الوثوق بالعدالة.

فالصحیح - وفاقاً للمشهور - هو اعتبار بعض مراتب المروءة فی العدالة إما ثبوتا أو اثباتا.

خلاصة ما تقدم فی المسألة 23 أمور:

الأمر الأول: تعریف العدالة والصحیح أنها ملکة باعثة علی الاستقامة العملیة فعلاً لا صرف الملکة ولا صرف الاستقامة العملیة.

ص:270


1- (1) - المصدر نفسه، ب 34 ص 381 ح 1 .
2- (2) - المصدر نفسه، ب 35 ص 382 ح 2 .

الأمر الثانی: أن ترک الصغائر لم یؤخذ فی ماهیة العدالة وإن کان أحوط، هذا إذا لم تتبدل الصغیرة إلی کبیرة.

الأمر الثالث: هو أن ترک منافیات المرؤة الشدیدة أخذت فی العدالة إما ثبوتا أو اثباتا وفاقا للمشهور لنکتة مرّ ذکرها .

الأمر الرابع - وهو ما نبحثه - : اعتبار حسن الظاهر فی العدالة ، و هل هو معتبر فیها ثبوتا أو اثباتاً بحیث یکون کاشفا عن العدالة.

اعتبار حسن الظاهر فی العدالة:

توجد جملة من الروایات أخذت حسن الظاهر مثل قوله (علیه السلام) «إذا سئل عنه فی محلته قالوا ما رأینا منه إلا خیرا» ، فقوله : «رأینا» أی ما ظهر لنا منه «إلا خیرا» .

وقوله (علیه السلام) : «مواظبا علی الصلوات متعاهدا لأوقاتها» وبعضها الستر والعفاف وغیرها... وفی صحیحة ابن ابی یعفور قال (علیه السلام) : «والدلالة علی ذلک کله أن یکون ساترا لجمیع عیوبه... » .

و هذا معناه حسن الظاهر .

وأیضا توجد أخبار متعددة أخری وقوله (علیه السلام) : «فهو مما کملت مروءته وظهرت عدالته» فظهور العدالة بهذه العلامات ومعناه کون حسن الظاهر من أمارات العدالة کما فی أبواب الشهادات ، ومنها : «فهو

ص:271

من أهل العدالة والستر»(1).

ومصححة یونس: «إذا کان ظاهرا مأمونا جازت شهادته» ، فجملة من الاخبار دالة علی کفایة حسن الظاهر .

بحث حس الظاهر فی مقامین:
المقام الأول: فی اعتبار المعاشرة فی حسن الظاهر أم لا؟ :

فجملة من الأعلام بل الکثیر منهم بنوا علی اعتبار العشرة وبعبارة أخری أن البحث عن اعتبار العشرة هو لأجل أن حسن الظاهر هوالظاهر

البیئی فی السلوک فالعشرة هی الموضوع لتواجد وتحقق حسن الظاهر.

وفی قبال هذا القول قول السید الخوئی (قدس سره) الذی لا یشترط العشرة بل یکفی عنده أنهم یقولون أنه لم یظهر منه سوء فیفسر حسن الظاهر بعدم بروز سوء منه فحسن الظاهر عنده أمر عدمی لا وجودی ومن ثمّ أشکل علی الشیخ الطوسی والعلامة فی ذهابهم إلی أصالة العدالة حیث فسروها بعدم احراز الفسق منه، مع أن السید الخوئی (قدس سره) لم یکتف فی الرجال بعدم احراز الفسق بل شدّد علی اعتبار احراز الوثاقة فهو ممن یراها أمرا وجودیاً فیشترط فیه احرازها باحراز الوثاقة التی هی شعبة من شعب العدالة مع أنه فی باب الشهادة والتقلید هنا لا یشترط عنوانا

ص:272


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 کتاب الشهادات، ب 41 ص 395 ح 13 .

وجودیا لکی یحرز بالعشرة بل یکفی العنوان السلبی وهو عدم احراز السوء منه. و هذا المعنی هو الوارد فی الصحیحة بقوله (علیه السلام) «لا نعلم منه إلا خیرا» أی لیس لنا علم بسوءه.

هکذا بنی فی باب الشهادة والقضاء مع أنه یصر فی الرجال علی لابدیة احراز الجنبة الوجودیة فی سلوکیاته وهنا یکفی عنده العنوان السلبی أی عدم العلم لا العلم بالعدم. فلا یشترط العشرة مع أنا نشترطها ولا نوافقه ونتأمل فی ما نسبه للشیخ الطوسی والعلامة الحلی من أنهما بنیا علی أصالة العدالة بالمعنی الذی یفسره ب(أن تثبت اسلامه وایمانه ولم نعلم منه سوء) و هذا مسلک موجود إلا أنه لیس بمسلک للعلامة الحلی والشیخ الطوسی بل العلامة الحلی یشترط فی أصالة العدالة (أنه بعد احراز شخصیة الراوی من أنه أمامی وأنه لیس بشخصیة نکرة فی البیئة الروائیة بین الرواة وفحصنا ولم نحرز الطعن علیه) فمعناه احرازنا سلوکیاته الثبوتیة و هذا المقدار السید الخوئی فی الرجال لا یقبله مع أنه قَبل ما دونه فی باب الشهادة والقضاء.

فأصالة العدالة - وهی امارة علی العدالة - تفسر تارة بأنهاعدم احراز السوء من المسلم والمؤمن وتفسر أخری بأنهااحراز سلوکیات وجودیة وثبوتیة للمسلم والمؤمن فیشترط الفحص فی بیئته بحیث لا یری طعنا فیه ، ولا یشترط القطع بعدم الطعن بل الفحص فی حدود بیئته الروائیة ،

ص:273

فلیس قول العلامة (قدس سره) باصالة العدالة علی اطلاقه بل یشترط أولا احراز شخصیة الراوی وأنه أمامی و أن لا یکون نکرة فی البئیة الروائیة واحراز عدم الطعن فیه الذی یتحقق بمقدار الفحص فی بیئته الروائیة.

فحسن الظاهر بهذه الدرجة - کما فی علم الرجال - لا یقبله السید الخوئی (قدس سره) ، فهو یشترط العلم بالقرائن الموجبة للعلم حسا بعدالته کالمعاشرة مثلاً وهذه درجة أخری شدیدة من درجات احراز الوثاقة فحسن الظاهرة تارة یکتفی فیه بالدرجة الاولی وهی عدم احراز الفسق والسوء منه والثانیة کفایة احراز العدالة عن طریق الفحص فی بیئته الروائیة وعدم وجود ما یطعن به علیه وثالثة بما ذهب إلیه السید الخوئی(قدس سره) فی الرجال وهو مغایر تماما لما التزم به هنا علی ما قرره المیرزا علی الغروی(قدس سره) فی باب التقلید.

و هذا بخلاف ما التزم به المشهور من الاکتفاء بحسن الظاهر - الذی تقدم ذکره بأن المحافظة علی حسن الظاهر هو درجة من العدالة - سواء بمعاشرة نفس الموثق مباشرة للروای أو بالامارة المعاشرة للراوی فالمراد من اثبات حسن الظاهر بالمعاشرة هو أن یکون مستند الاحراز هو المعاشرة لنفس الموثق أو بالامارة المعاشرة - بالکسر - ففی جمیع الابواب - کباب الشهادة وغیرها بخلاف باب الجماعة - حیث وردت روایات فی التخفیف من الاکتفاء بأدنی ظن فی امام الجماعة.

ص:274

فالصحیح أن حسن الظاهر هو أمر وجودی عشروی لابد فی احرازه من الفحص بمقدار أنه لا یکون فی بیئته متهتکاً وهذه النکتة مهمة فی باب العدالة ومهمة أیضا فی علم الرجال وهی أن وثاقة الراوی تحرز بهذا المقدار فاحراز أن الراوی امامی له تعاطی علمی ودینی وأحراز هذا المقدار میسور باحراز أنه شیخ اجازة و أن له کتاباً و أن الروایة عنه کثیرة وأنه ممن لم یطعن علیه فی بیئته الروائیة و هذا المقدار یثبت الآثار فی التعامل الدینی والعلمی مع هذا الراوی... ولیس ما یدرک بالمعاشرة غیر هذا !!

فحقیقة حسن الظاهر لا افراط ولا تفریض فیه معناه فلیس کالقول الأول الذی یکتفی فیه بعدم العلم بالسوء وهو ما نسبه للعلامة(قدس سره) ولا القول الثالث الذی یشترط العلم الوجدانی أو التعبدی باحراز الوثاقة بل هو القول الثانی وهو احراز عدم السوء بالفحص فی بئیته العملیة والمعیشیة بحیث لا یوجد فیها علیه طعن .

مثل أحمد بن محمد بن یحیی العطار الذی هو شیخ الصدوق ووالده شیخ الکلینی وهو واقع فی کثیر من کتب الاصحاب، وأحمد بن محمد بن الحسن بن الوالید وهو شیخ المفید ووالده شیخ الصدوق فابنه أحمد شیخ إجازة مع أنه لم یرد فیه توثیق مثل أحمد بن محمد بن یحیی العطار ، فکثیر من الرواة وشیوخ الاجازة ، والطرق للشیخ الطوسی

ص:275

وغیرهم لکتب الاصحاب مثل جعفر المؤدب فإنه عالم بالنحو والأدب وله مکانته العلمیة ولکن لا توثیق له بخصوصه والسیرة السلوکیة لیست بأزید من هذا.فهو لیس بشخص نکرة بل هو معروف وله مکانته ولم یطعن علیه أحد فهذا هو معنی حسن السیرة وهو ما رأینا منه إلا خیراً أی لم نری منه سوء. فهذا من امارات الوثاقة وهو ظن معتبر بالعدالة وقد ذکرنا هذ المطلب فی بحث الرجال فی الجزء الأول بأن الخبر الحسن أو الشخص الممدوح الذی لم یطعن علیه یلحق تعبداً باماریة حسن الظاهر فیندرج تحت الخبر الصحیح وهو الحاق صغروی تعبدی باعتبار أن حسن الظاهر امارة علی العدالة. ومن ثم نبنی علی حجیة خبر الحسن کما یذهب إلیه السید الخوئی (قدس سره) أیضا وهو ما یعبر عنه بالخبر المعتبر - إذ فی الاصطلاح یعبر عن الخبر الحسن بالمعتبر فی قبال الخبر الصحیح والموثق - وهو ما قامت الامارة التعبدیة علی حجیته . وحجیته لکون حسن الظاهر امارة علی العدالة . فالعشرة فی حسن الظاهر لیست بشرط ولکن الشرط هو رجوع حسن الظاهر إلی العشرة ولا یعتبر لابدیة العلم الوجدانی فی اثباتها أو اشتراط المباشرة للمعاشرة.وإنما اللازم أن ینتهی إلی العشرة ولا یبرز منه فی بئیته السلوکیة سوء، ولیس هو صرف عدم العلم بالسوء کالقول الأول، و هذا المبحث مهم جداً فی احراز العدالة فی الابواب الفقهیة وفی التوثیقات الرجالیة.

ص:276

المقام الثانی: هل یعتبر فی حسن الظاهر افادته الظن أو الاطمئنان؟

وهذ أیضاً موجود فی بعض الروایات کما فی صحیحة ابن أبی یعفور، قال (علیه السلام) : «والدلالة علی ذلک کله أن یکون ساترا لجمیع عیوبه، حتی یحرم علی المسلمین ما وراء ذلک من عثراته وعیوبه وتفتیش ما وراء ذلک»(1)، فهی ظاهرة بأن المدار علی ظاهر حاله لا علی الاطلاع علی واقعه. وقوله (علیه السلام) : «فإذا کان ظاهر الرجل مأمونا جازت شهادته ولا یسئل عن باطنه»(2)، إذ جعل المعول علی الظاهر لا الباطن فلا عبرة بالعلم، فالظاهر من الاخبار عدم اشتراط العلم بالباطن بل یکتفی بحسن الظاهر، فالعدالة إما أن تعرف بالاستقامة فی الاعمال وهی الأعم من الظاهرة والباطنة فإذا قلنا أن حسن الظاهر أمارة علی العدالة فهو امارة علی الاستقامة الباطنة والظاهریة فالذی أحرز وجداناً هو الظاهر ولیس هو کل العدالة، ولا یشترط العلم بالعدالة بدائرتها الوسیعة حتی العلم بالاستقامة فی الباطن، وهذه الروایات تنفی اشتراط العلم بالاستقامة الباطنیة ، فلا حاجة للعلم بالعدالة بهذا المقدار وإلا لکان

ص:277


1- (1) - وسائل الشیعة: ج27 أبواب الشهادات، ب 41 ص 391 ح 1 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 3 .

اشترط فیها العلم بالاستقامة الباطنیة، وکذا لو عرفت العدالة بالملکة فی الظاهر والباطن فالعلمبذلک أیضا غیر لازم کما هو مفاد الروایات.

ویؤید ذلک : روایة علقمة بل یمکن اعتبارها أیضاً : «کل من کان علی فطرة الاسلام جازت شهادته... فمن لم تره بعینک یرتکب ذنبا أو لم یشهد علیه بذلک شاهدان فهو من أهل العدالة والستر»(1).

فکلمة الستر قرینة علی حسن الظاهر لیس بأمر عدمی بل هو أمر وجودی أی یشترط احراز الستر باستقامته الظاهریة ولیست بصدد تفسیر العدالة بعدم الاحراز وإن کان صدر الروایة یوهم تفسیر العدالة بعدم العلم بالسوء إلا أن کلمة الستر قرینة علی ما ذکرناه .

وتوجد أخبار فی أبواب صلاة الجماعة وباب 10 وباب 11 من أبواب صفات القاضی إلا أن عمدتها هی هذه الاخبار التی وردت فی أبواب الشهادات.وهی تامة الدلالة علی عدم اعتبار العلم الشخصی أو الظن الشخصی بل الاکتفاء بالظن النوعی.

مناقشة السید الخوئی فی اعتباره کفایة حسن الظاهر فی ثبوت مرجع التقلید، وعدم عتباره فی توثیق الرواة؟

إلا أن الکلام مع السید الخوئی (قدس سره) الذی اکتفی بالظن النوعی أیضا

ص:278


1- (1) - وسائل الشیعة: ج27 أبواب الشهادات، ب 41 ص 396 ح 13 .

إلا أنه فی علم الرجال وفی تطبیقاته لم یکتف بالظن به بل یقید اعتبار حسن الظاهر بالموجب للعلم ومن ثم فی موراد عدیدة من علم الرجال لم یعتبر قرائن عدیدة من قرائن حسن الظاهر المفیدة للظن النوعی و ذلک باعتبارها لم توجب العلم بالوثاقة والعدالة بل ذهب إلی أن بعضهاموجب للمدح وبعضها وإن کانت صفة صلاح إلا أنها لا دلالة علی التوثیق أو المدح بالمرة . و هذا تدافع بین ما التزم به هنا وبین ما التزم به فی علم الرجال والأبواب الفقیه ، وهذه ملحوظة کبرویة... ،

وملحوظة أخری فی صغرویات حسن الظاهر فإنه فی علم الرجال وأبواب الفقه یفند القرینة الواحدة تلو الأخری بأنها لا تفید حسن الظاهر والحال أن حسن الظاهر لیس شیء آخر وراء هذه الأمور فصغرویاً حسن الظاهر لیس وراء کونه شیخ اجازة وصاحب کتاب ومتتلمذا علی الأکابر ووکیلاً لمعصوم ومعروفاً غیر نکرة فی بیئته الدینیة والعلمیة ولم یقدح ویطعن علیه... ، وهو لا یقبل أی شیء من ذلک حتی بدرجة قلیلة مع أن حسن الظاهر لیس وراء هذه الامور فمثلا عمرو بن شمر فأهل العامة کالذهبی وغیرها قالوا : عنه أنه رافضی مع أنه من المختصین بجابر بن یزید الجعفی الذین تعاطوا روایاته ولم یطعن علیه بشیء، وأیضا قالوا عنه: (کان أمام مسجد النخع صاحبته ثلاثین أو عشرین عاماً فما سبقته إلی المسجد ولم أخرج من المسجد بعده) .

ص:279

والسید الخوئی (قدس سره) لا یقبل شیء من ذلک، إلا أن یحصل العلم بذلک، أو یعتمد علی مثل الشیخ النجاشی (قدس سره) التی توثیقاته بحسب مسلکه المتشدد ضدّ روایات المعارف وخلاف مسلک المشهور الموافق للاخبار الصحیحة المتقدمة فحسن الظاهر امارة قویة فلا یعتبر معه العلم الشخصی . نعم لا نشترط التسیب إلا أنا لا نتشدد بحیث یصل إلی الافراط باشتراط العلم أو التفریط بحیث یکتفی باصالة العدالة حتی یعلم بصدور السوء منه مع ما تقدم منا.

والصحیح أن هذه القرائن تؤخذ علی نحو الحجج الانضمامیة ومن مجموع هذه القرائن یثبت المطلوب لا بنحو القرینة المستقلة فی اثبات الوثاقة فمثلا مع ورود اسمه بکثرة فی البیئة الروائیة ومع کونه یدخل المسجد قبل الفجر ویخرج آخر الناس وکونه صاحب کتاب وکونه مثلا وجه أصحابنا وکونه المقدم من اصحابنا فی علم الکلام ولسان اصحابنا فی الخصومة مع أهل الخلاف وکثیر الروایة التی تعنی التبادل العلمی مع الأکابر ومع عدم العلم بصدور السوء منه فإن هذه کلها لا تدل علی حسن الظاهر عند السید الخوئی (قدس سره) ومن تبعه مع أن حسن الظاهر لیس شیئاً آخرا وراء هذه الأمور. فبون کبیر بین ما اختاره هنا السید الخوئی ومعظم من جاء بعده وبین ما اختاروه فی علم الرجال وفی الأبواب الفقهیة، حتی عبروا فی علم الرجال عن هذا المسلک ب(مسلک

ص:280

المتساهل فی التوثیق) ، مع أنه هنا أعظم فإنه مقام مرجعیة ونیابة وولایة فهو منصب إلهی بخلاف الروایة وعلی الأقل یکون مساویا لمقام الروایة ومع ذلک قبلوا حسن الظاهر هنا ولم یقبلوه فی قبول الروایة.

ثبوت العدالة بالبینة وخبر الواحد:

تثبت العدالة بشهادة العدلین ویدل علی حجیتها مضافا إلی التسالم بین المسلمین هو ماورد من النبوی المستفیض فی القضاء عند الفریقین :«إنما اقضی بینکم بالبینات والأیمان» فالبینة لها استعمال سابق علی استعمالها فی القضاء لا أن البینة کانت معتبرة لاعتبارها فی باب القضاء بل البینة التی هی فی نفسها بینة والمفروغ عن کونها بینة وحجة فی القضاء ... نعم قد أعطیت صلاحیة زائدة فی باب القضاء من حیث الحکم علی وفقها مع وجود المنافی لها فلسان النبوی هو اعطاء البینة اعتبارا فی باب القضاء زائداً علی اعتبارها فی نفسها وفی کل الابواب و ذلک لأن باب القضاء موضوع تصادم الأدلة وتزاحمها ومع ذلک قد اعتبرت البینة فی موضع النزاع والتصادم زائدة علی اعتبارها فی نفسها.

وبعض الأعلام قال بأنه لا ینحصر فی البینة بل یکفی فی ثبوت العدالة أو فی الشاهد خبر العدل بل خبر الثقة لقیام السیرة العقلائیة علی حجیته فی الموضوعات . إلا أن الصحیح أن خبر العدل الواحد أو الثقة لیس حجة فی الموضوعات فی کل الابواب وإنما هو حجة فیما لم یکن

ص:281

فی معرض النزاع وبعبارة أخری فی غیر الموضوعات التی یترتب علیها حق لشخص علی شخص آخر لو لم یکن فی المقام نزاع، و ذلک لأن ترتب الآثار لطرف علی طرف آخر یتشدد فیه عند العقلاء نعم ورد لدینا من خصائص مذهب أهل البیت (علیهم السلام) التی هی سیرة الرسول (صلی الله علیه و آله) التی سنّها أنه ورد عنه (صلی الله علیه و آله) أنه «یقضی فی الاموال بشهادة العدل الواحد ویمین المدعی» .

فتثبت بخبر العدل إلا أنه غیر مستقل، والصحیح أن خبر العدل الواحد لم یقبل مستقلاً مطلقاً خلافاً للسید الخوئی (قدس سره) ومن بعده فلا یقبل خبر العدل الواحد فی التحاقّ أی اثبات حق لطرف علی طرف.

والصحیح أن خبر الواحد لا یقبل فی الموضوعات مطلقا وعلیه فلا تثبت العدالة بخبر الواحد. نعم قد یقال: إلا أنه لا ربط لها فی موراد التحاقّ أی اثبات حق لشخص علی آخر بل هو ثبوت تلک العدالة التی تثبت بحسن المعاشرة فاثبات العدالة شیء واثبات التحاق شیء آخر .

ثبوت العدالة بالشیاع:

من المتسالم علیه الاعتداد بالشیاع فی اثبات موضوعات عدیدة من موارد عدیدة؛ لکونه وسیلة من الوسائل التی یحصل بها الاطمئنان، ویعبرون عنه ب(الاطمئنان المستند إلی الشیاع) ، وهو من أبرز مناشیء

ص:282

الاطمئنان المعتبر والشیاع تارة مباشرة مثل الشیاع علی نفس رؤیة الهلال أی شیاع بنفس الرؤیة أی بتعدد الرؤیة علی نحو الشیاع وتارة شیاع بالاخبار عن وقوع الرؤیة عند من یکتفی به.

الشیاع من مناشئ غیر مستقلة فی الحجیة وقیمة الخبر الضعیف:

ولابد فی ثبوت البینة بالشیاع من تحدید معقد اعتبار الشیاع هل هو نفس الموضوعات أو علی الامارة علی الموضوعات أو علی الامارة علی الامارة علی الموضوعات؟

فهنا لابد من الاشارة إلی نکتة تفید فی علم الرجال وهی تفسیر المراد من الشیاع والاطمئنان فی قبال الظن الخاص المعتبر کالامارات الخاصة المعتبرة وقد بسطنا البحث عن هذا مفصلا فی حجیة خبر الواحد من علم الاصول وهو خبر الثقة الذی هو فی قبال الخبر الموثوق به وکلاهما حجة.

والفرق هو أنه یوجد تارة منشأ نوعی منضبط یسمی بالظن الخاص کخبر الثقة والظهور وقاعدة الید وهی امارات منضبطة نوعیة وهی تفید ظناً عند نوع العقلاء وتسمی بالظن الخاص أی الظن المعتبر.

وتارة تکون هناک مناشئ للظن متعددة کل واحد من تلک المناشئ ضعیفة غیر معتبرة فی نفسها إلا أنه إذا انضم إلی مناشئ أخری بضم بعضها إلی بعض یعتد بها؛ لأن قیمة الاحتمال هنا تتصاعد کمّاً وکیفاً إلی

ص:283

درجة الاطمئنان... فإن تلک الظنون لیست خاصة ولیست معتبرة فی نفسها إلا أنها لا تلغی بل تتراکم حتی تولد العلم و هذا هو ما یشیر إلیه من قال بتراکم الاحتمالات کالمحقق التستری وتابعه الشیخ الأعظم الانصاری (قدس سره) علیه فی الرسائل قال: إن الاجماع المنقول لیس بحجة إلا أنه جزء حجة بمعنی أنه إذا انضم إلی غیره من القرائن یفید الاطمئنان. و هذا نفس التواتر فإنه أقوی من خبر الثقة وهو یتولد وینشأ من أخبار کثیرة وإن کانت ضعافا، فالکثیر یُخطئ ویظن أن التواتر لا یحصل إلا من تراکم اخبار صحیحة أو علی الأقل من أنضمام أخبار صحیحة وغیر صحیحة ، والصحیح أن التواتر یحصل حتی من ضعاف الاخبار ولیس هو من ضم اللاحجة إلی الحجة. نعم هو من ضم اللاحجة إلی اللاحجة المستقلة بل هو من ضم الحجة غیر المستقلة إلی الحجة غیر المستقلة فهذا برهان ریاضی وهی نظریة قدیمة فی بحث الریاضیات والمقصود علی أی حال أنّ النتیجة تابعة لأخس المقدمتین لا ینطبق علی ما نحن فیه لأن ما نحن فیه النتیجة تابعة لمجموع المقدمات فیتصاعد الظن حتی یتولد الوثوق أو الاستفاضة أو التواتر.

ومن هنا نعرف أهمیة الاخبار الضعاف وما یترتب علیها ؛ إذ یحصل من جمعها الخبر المتواتر المفید للقطع والخبر المستفیض والخبر الموثوق الذی قد لا یحصل من الخبر الصحیح، فالخبر الذی بهذه المثابة

ص:284

لا یمکن الاستغناء عنه لا کما یقول بعض من هو فی غفلة عن البحوث العلمیة: لابد من تصفیة کتبنا من الاخبار الضعاف!!

وقد ذکرنا أن لهذا الخبر الضعیف فوائد کثیرة لا یستهان بها وأقلها أنه یفید الاحتمال ، ونفس الاحتمال موجب للفحص ، کما أنه یوجب للباحث التصور وهو من الفوائد العظیمة لدی الباحث إذ بالتصور یرتفع عنده الجهل المرکب، ولا یخفی وجود الخلط بین الخبر الضعیف وبین الخبر المکذوب والمدسوس والموضوع، فالمراد من الخبر الضعیف هو الذی لم یُعلم دسه ووضعه، وإنما هناک کلام فی سنده، وهذه الخاصیة موجودة فی الخبر الصحیح أیضا، إذ یحتمل فیه الوضع، فالاحتمال لا یوجب نعته بالدس، لأن المدسوس هو ما علم دسه ووضعه.

ومن ثم یجب أن لا نفرط فی الظنون غیر المعتبرة استقلالا و ذلک لاعتبارها انضماماً ومن هنا تعرف المؤاخذة علی متأخری هذه العصر من عدم قبولهم الظنون ذات القیمة الاحتمالیة فی التوثیق ککون الروای شیخ اجازة وصاحب کتاب وکونه وکیلا وکونه کثیر الروایة وغیرها من القرائن التی لیست بحجة مستقلة إلا أنها بانضمام بعضها لبعض تولد التواتر أو الاستفاضة أو الاطمئنان بالوثاقة فهذه الغفلة الخطیرة المطبقة من کثیر اعلام العصر فی التوثیق الرجالی.

ص:285

منهج الحجیة الانضمامیة:

والحاصل أن کون هذه القرینة غیر حجة مستقلة لا ینفی کونها ذات قیمة احتمالیة فبانضمامها إلی غیرها تولد القطع أو الاطمئنان. والشیاع من هذه القبیل فإن من ثبت عنده الشیاع الذی لایثبت من واحد واحد من الناقلین بمعنی عدم اعتبار الخصوصیات بما هی مفردة بل یعتمد علیها بما هی مجموع خصوصیات الناقلین بما یحمله کل واحد من قیمة احتمالیة.

فکون هذا النمط من الشیاع یقبل هنا ولا یقبل فی الرجال فیه تأمل وکذا الشهرة . نعم فی طیات کلمات السید الخوئی(قدس سره) فی علم الأصول قال بأن الشهرة مثلاً لیست بحجة إلا إذا افادت الاطمئنان و هذا یرجع إلی تراکم الاحتمالات و هذا بعینه المفروض یجریه فی علم الرجال، و أن ما نقاشه به من الظنون بأنها لیست بظنون خاصة ولم یقم دلیل علی اعتبارها بما هی مستقلة عن بعضها وأما لو لاحظها منضمة مع بعضها البعض وولدت الاطمئنان لکانت حجة لافادتها الاطمئنان و هذا هو مراد المتقدمین الذین اعتمدوا علی هذه الظنون لا بعنوان أنها ظنون خاصة بل بمجموعها، فکلام المتأخرین وأهل هذا العصر فی وادٍ وبحث القدماء فی وادٍ آخر إذ مراد القدماء لیس أنها قرائن خاصة بل المراد بها قرائن لا یُعتد بها فی کل مجال بما هی حجج غیر مستقلة إلا بانضمامها

ص:286

(مسألة 24 ) : إذا عرض للمجتهد ما یوجب فقده للشرائط یجب علی المقلد العدول إلی غیره(1).

إلی بقیة الظنون کما ذکرنا عن صاحب المقابس والشیخ الأعظم من أن الاجماع المنقول لیس بحجة بل جزء حجة، أی الحجة الانضمامیة وما تحمله من قیمة احتمالیه، ولابد من وزن القیمة الاحتمالیة التی تحمله تلک القرینة حتی یعرف قدر ما یحتاج إلیه من القرائن المولدة للاعتبار.

المسألة الرابعة والعشرون: اعتبار الشروط حدوثا وبقاءا أو حدوثا؟

(1) تقدم فی (المسألة 22 ) أن هذه الشروط مأخوذة حدوثا وبقاء .

نعم لو کانت الفُتیا صرف أمارة کالروایة لکفت تلک الشروط حدوثا دون البقاء إلا أنها لیست کذلک لأن الفتیا والمرجعیة والفقاهة لیست امارة محضة بل هی منصب وزعامة وولایة وسلطة تشریعیة وقد بینا أن الولایة والسلطة التشریعة یلزمها أخذ الشرائط حدوثا وبقاء، و هذا بیان عام .

والبیان الخاص: هو أنا قد بینا فی کل دلیل دلیل من الأدلة بوجود قرائن علی أن تلک الشرائط شرائط استمراریة - کما ذکرنا فی الموت من أن الأصل انقطاع الولایة إلا أن المجتهد یعتمد بعض الأدلة، کالاستصحاب فی اثبات خصوص مسألة البقاء علی تقلیده - هذا إذا لم

ص:287

(مسألة 25 ) : إذا قلد من لم یکن جامعا ، ومضی علیه برهة من الزمان کان کمن لم یقلد أصلا ، فحاله حال الجاهل القاصر أو المقصر(1).

یدل الدلیل الاجتهادی علی أخذها حدوثا وبقاءا والصحیح أن بعضها کذلک مثل قوله (علیه السلام) «من کان من الفقهاء صائنا لنفسه مخالفاً لهواه مطیعا لأمر مولاه» ، وقوله (علیه السلام) : «المأمون علی الدین والدنیا» ، وقوله (علیه السلام) : «انظروا إلی رجل نظر فی حلالنا وحرامنا» ، وقوله (علیه السلام) - فی مرسلة الاحتجاج والمسند فی غیبة الشیخ الطوسی - : «و أما الحوادث فارجعوا فیها إلی رواة حدیثنا فإنهم حجتی علیکم و أنا حجة الله» ، وقول أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی عهده لمالک الأشتر (قدس سره) : «فانظر للحکم أفضل رعیتک» وغیرها من الأدلة الواضحة فی الاستمرار، فکونه مخالفا لهولاه وکونه مطیعا لمولاه وکونه مأمونا علی الدین والدنیا وکونه عارفاً وناظراً للحلال والحرام وکونه الحجة علیکم وله الولایة وکونه افضل الرعیة دال علی أخذ هذه القیود حدوثا وبقاء.

المسألة الخامسة والعشرون حکم التقلید بدون مراعاة الشروط :

(1) و ذلک لأن رجوعه إلی غیر الواجد للشرائط باطل کمن لم یقلد، نعم بالنسبة إلی شرطیة الأعملیة غیر معتبر إلا فی مورد تخالف الفتاوی أما فی مواردها فالرجوع إلی الجمیع بل إلی المجموع ولا معنی لاستناده

ص:288

لواحد دون الآخر؛ لأن التقلید هو الأخذ والتعلم للفتوی فإذا أخذها وهو عالم بالاتفاق علیها فهو أخذ بقول الجمیع لا بقول دون آخر.

ویترتب علی هذا ثمرات عملیة:

منها: أنه فی بعض الامور لابد أن یتعاطی فعلا مع مقلده، فإذا قلنا یصح الرجوع للجمیع صح له التعاطی مع أی واحد منهم مثلاً فیعطی الخمس لأیِّهم وإن منعنا فلا یعطیه إلالواحد وهو من قلده .

ومنها: أنه یفید عند من یری التقلید صرف الالتزام وقد رجع له فی

مسألة البقاء فیصح الرجوع - إذا مات الجمیع - إلی أیهم مع تعذر فتوی البقیة لعدم افتاءهم مثلاً فلا یکون من التقلید الابتدائی.

فلا معنی لتخصیص التقلید بواحد دون الآخر فی صورة الموافقة مع شمول الدلیل للجمیع علی حد سواء مثل الاستناد فی الاستنباط إلی الاخبار المتوافقة فهو استناد إلی المجموع دون الفرد لأن المجموع هو درجة عالیة ومتینة من الحجیة ومع وجود الدرجة العالیة منها لا معنی للاستناد إلی الأقل لأن الاستناد إلی الأعلم - فی حال انضمام غیره له - أقوی وأمتن من الاستناد له فقط.

وتوجد أیضاً مضامین أخبار بهذا المعنی، کقول الراوی: (ذهبت إلی أصحابنا فی الکوفة وکلهم أجابونی بکذا وکذا).

ص:289

(مسألة 26 ) : إذا قلد من یحرم البقاء علی تقلید المیت فمات ، وقلد من یجوز البقاء ، له أن یبقی علی تقلید الأول فی جمیع المسائل إلا مسألة حرمة البقاء(1).

المسألة السادسة والعشرون: البقاء علی المیت الذی لا یجوز البقاء

(1) الوجه فی ذلک هو أن فتاوی الأول فی نفسها لیست بحجة وإنما حجیتها بواسطة فتوی الحی وفتوی الحی تکون امارة علی ابقاء کل فتاوی المیت السابقة علی حجیتها عدا مسألة حرمة البقاء وعدم شمول فتوی الحی لهذه المسألة للتناقض؛ و ذلک لأنه یلزم من نفس مسألة جواز البقاء علی تقلید المیت عدم جواز البقاء علی تقلیده وما یلزم من وجوده عدمه غیر مشمول للدلیل.

وقد تقدم منا فی أصل مسألة تقلید المیت أن هذا الاشکال یرد علی جمیع مسائل المیت المخالفة للحی و ذلک لأن من سوَّغ البقاء علی تقلید المیت حتی فی المسائل التی تخالفه والتی یفتی بنقیضها یلزم منه هذا المحذور، فشمول مسألة الحی لمسائل المیت المخالفة لفتاواه تهافت لأن تقلید الحی فی البقاء علی من یخالف رأیه تناقض.

والجواب عنه: أنه عندما یفتی بتقلید المیت فهو لا یعین مصداق المیت ومن هو الأعلم ومن هو غیر أعلم فلا تکون فتاواه حجة فی بقیة

ص:290

الأبواب إلا إذا کان هو الأعلم بتشخیص المکلف وأما لو کان المیت هو الأعلم بتشخیص نفس الحی ففتاوی الحی - غیر مسألة جواز أو وجوب البقاء - الخلافیة لا تفعّل وما یفعّل هو خصوص فتواه بالبقاء علی تقلید المیت ففتوی الحی هی الفتوی التی لا مانع یعارضها ویناقضها وأما بقیة فتاواه فمشروطة بأن لا تتعارض مع فتاوی غیره الأعلم، نعم فتوی الأعلم المیت فی مسألة البقاء علی تقلید المیت لا یمکن الرجوع فیها إلی المیت الأعلم لأنه یلزم منه الدور.

وأما بقیة الأبواب فبمسألة جواز البقاء علی تقلیده یدخل المیت فی دائرة المقلدین الذین منهم الأحیاء وفی مورد المخالفة یتعین الرجوع إلی أعلم من یصح تقلیده فی دائرة المقلدین فتوجد طولیة - بالنسبة إلی المکلف المقلد لا بلحاظ الثبوت فلابد من لحاظ الحیثیات والجهات لمعرفة التراتب بین شؤون الاحکام الشرعیة فإن باب الفتاوی مثلا فی حکم القاضی مقدم علی حکم القاضی هذا بالنسبة إلی القاضی نفسه لأن قضاءه یتولد من الفتاوی وأما بالنسبة للمکلفین فحکم القاضی مقدم رتبة علی باب الفتاوی - بین البقاء علی تقلیده وبین بقیة الأبواب فمسائل التقلید لیست فی عرض بقیة الأبواب الفقهیة و ذلک نظیر تأخر باب القضاء والحکم القضائی علی الفتاوی فی الأبواب الأخری فالفتاوی فی باب التقلید متقدمة رتبة علی الفتاوی فی الأبواب الأخری ، فأولاً یجب

ص:291

(مسألة 27 ) : یجب علی المکلف العلم بأجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ومقدماتها ، ولو لم یعلمها لکن علم إجمالا أن عمله واجد لجمیع الأجزاء والشرائط وفاقد للموانع صح وإن لم یعلمها تفصیلا(1).

اعتبار الاستناد فی الاحکام إلی باب التقلید ثم بعد ذلک یستند إلی الأبواب الأخری. وتسمی هذه الحالة بالورود والتوارد یعنی أن فتوی الحی فی مسألة تقلید المیت الأعلم تسد باب تقلید الحی فی بقیة الأبواب لأن الفتوی الأولی تدخل المیت فی دائرة المقلدین ویتعین تقلیده باعتبار أعلمیته.

والحاصل أن التشخیص لیس بید المجتهد بل هو من صلاحیات المقلد فهو یطبق مسألة البقاء فیرجع إلی الحی فی جواز تقلید المیت وبهذه الفتوی یدخل المیت فی دائرة التقلید ویتعین تقلیده إذا کان هو الاعلم.

المسألة السابعة والعشرون: وجوب تعلم اجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ومقدماتها

اشارة

(1) هذه الفتوی مخالفة لمشهور الفقهاء سیما المتقدمین من عدم صحة العبادة إلا بالعلم التفصیلی باجزاءها وشرائطها وقد عبّر المتأخرون عن هذا بقصد الوجه وقصد التمییز إلا أن المتقدمین لهم وجه آخر...

ص:292

وقد نقل الشیخ الانصاری (قدس سره) بأن السید الرضی سأل أخاه: هل أن عمل تارک تعلّم المسائل باطل؟

هذا، فکیف من قصر فی مورد التمام وأتم فی مورد القصر!! فقد أفتوا بصحة صلاته مع أن العبادة إذا لم تعلم کیف تصح و هذا مما یدل علی اعتبار العلم التفصیلی.

کفایة العمل بالاحتیاط عن تعلم اجزاء العبادات وشرائطها

وقد أشرنا إلی هذا المطلب فی الاحتیاط مع التمکن من الاجتهاد والتقلید وقلنا إن الاحتیاط علی ستة أقسام:

والأول منها: الاحتیاط الکبیر وهو ما وقع عدلا للاجتهاد والتقلید ، و هذا ما استشکله المتقدمون والمتأخرون فی أنه هل فی عرض الإجتهاد والتقلید أو فی طولهما ، وقد افتی بذلک بعض المتأخرون ومنهم المیرزا القمی (قدس سره) والمیرزا النائینی (قدس سره) ، من أن الاحتیاط المطلق ولا سیما فی العبادة لیس فی عرض الاجتهاد والتقلید وعبارتهم فی ذلک: (تارک الاجتهاد والتقلید عمله باطل أو احتیاطه باطل) . نعم الاحتیاط الذی هو تابع للتقلید لا اشکال فیه لأنه تابع للتقلید أو الاجتهاد فالتقلید والاجتهاد الاحتیاطیان لا اشکال فیهما.

الوجوه التی اشکل بها علی قیام الاحتیاط مقام التعلم :

اشارة

وإنما الاشکال یقع فی الاحتیاط الکبیر وهو الذی لیس بتابع طولی

ص:293

لهما بل هو فی عرضهما وقد ذکر لذلک وجوه:

الوجه الأول: أن الفراغ الیقینی یقتضی الفراغ الیقینی وجوابه:

إن الفراغ الیقینی یقتضی الفراغ الیقینی ولا یتحقق الفراغ الیقینی إلا بالامتثال الیقینی والامتثال الاجمالی لا یقین بتحقیقه للفراغ فکما یلزم العقل بأصل الامتثال فإنه أیضا یلزم باحراز الطاعة وهذه من مراحل الحکم التی هی متأخرة عن مرحلة التنجیز والامتثال إذ ربما یمتثل الانسان ویطیع ویسقط الامر إلا أنه لم یحرزه فالعقل حاکم بوجوب الاحراز فیمکن التفکیک بین أصل الطاعة وبین احرازها.

وفیه: أن احرازها کما یتحقق بالامتثال التفصیلی یتحقق بالامتثال الاجمالی فهذا الوجه غیر تام لأن احراز الامتثال لا یتوقف علی الامتثال التفصیلی بل یتحقق حتی بالامتثال الاجمالی فلا یثبت المطلوب.

الوجه الثانی: أن العلم التفصیلی مقدمة وجودیة للامتثال وجوابه:

إن العلم التفصیلی مقدمة وجودیة لتحقق الامتثال فبدون العلم تفصیلاً لا یوجد الامتثال ، فمثلا من لم یتعلم حروف سورة

الفاتحة وکیفیة النطق بها أو بقیة ما یجب قراءته فی الصلاة فإنه لا یمکنه أن یحقق الصلاة فالتعلم مقدمة وجودیة للصلاة.

ص:294

وفیه أنه أخص من المدعی إذ کثیر من الأمور لا یکون العلم التفصیلی بها مقدمة وجودیة إذ یمکن تحققه بالعلم الاجمالی بل هو مقدمة علمیة لا وجودیة لأن کل عمل یأتی به یحتمل موافقته للواقع وعلیه فیمکن أن یوجد الواقع بدون تعلم نعم لا یمکن العلم بالتحقق إلا بالتعلم.

الوجه الثالث: عموم أدلة التعلم:

عموم أدلة التعلم وأنه الحجة البالغة له تعالی وما أورده الصدوق فی باب البیان وأنه الحجة البالغة لله حیث یسئل المکلف یوم القیامة لما لم تعمل فیقول لم أعلم فیقال هلا تعلمت. فقال هذه الحجة البالغة لله تعالیوتوجد أدلة متعددة من آیات وروایات قد أستدل بها علی وجوب التعلم وهذه الأدلة مبنائیة . فمنهم من ذهب إلی أنها وجوب ارشادی أو وجوب تکلیفی طریقی أی لیس المدار علیه بل المدار علی المطروق والمنکشف .

ولا یخفی الفرق بین الحکم الطریقی والحکم الظاهری فالطریقی لیس بمعنی الظاهری إذ قد یکون حکم واقعی إلا أنه طریقی إلی غیره وهو قد یتشابه مع الحکم الظاهری من حیث الخواص إلا أنه قد یکون واقعیا وقد یکون ظاهریاً.

ص:295

فملاک الحکم الطریقی فی غیره لا فی نفسه, والبحث فی أدلة وجوب التعلم مبنائیاً فمنهم من یستفید الوجوب النفسی ومنهم الوجوب الطریقی ومنهم من یستفید الغیری... فالاستدلال علی وجوب التعلم نفسیا بهذه الأدلة النقلیة أول الکلام وإن کنا نحن نبنی علی أنه حکم واقعی ونفسی طریقی ولیس بارشادی وقد ذکرناه فی محله.

الوجه الرابع: عدم تحقق الامتثال والطاعة:

إنه یشکل فی أصل الامتثال ونفس الطاعة لا احرازهما بدون علم تفصیلی فالاشکال لا من حیثیة الاحراز ولا من حیثیة فوات قصد الوجه والتمییز بل من باب أن الامتثال والطاعة عبارة عن مثول العبد أمام ارادة مولاه والمثول وهو نوع حضور - والحضور بالنسبة إلی الباری لیس بحضور جغرافی وجسمانی - وإنما هو حضور بتوسط العلم بارادته.

و إما الامتثال الاجمالی هو عزوب وانصراف عن ارادة المولی فالحضور أمام ارادة مولاه یتحقق بالعلم بارادته والعلم بسبیل ربه فالحضور یتحقق بنفس العلم بالارادة وهو مقابل للتجری لأنه ابتعاد عن ساحته تعالی، فالطوعانیة لیست صرف هذه الطقوس بل هو مثول وحضور وهو لا یتحقق إلا بالعلم بارادة المولی والاکتفاء بالامتثال الاحتمالی بالعلم الاجمالی مع التمکن من الامتثال بالعلم بالتفصیلی نوع

ص:296

من التجری والتمرد والابتعاد عن ساحته تعالی . نعم ، لو لم یتمکن من الحضور کما لو عجز عن العلم التفصیلی اکتفی بالامتثال الاحتمالی للعلم الاجمالی.و هذا ما ذکرناه من عدم الاکتفاء بالاحتیاط الکبیر الذی لا علم فیه بتوسط الاجتهاد أو التقلیدوإنه لیس فی عرض الاجتهاد والتقلید فلابد من التعلم تفصیلاً باجزاء وشرائط العبادات.

فماهیة الامتثال والطاعة تقتضی بنفسها أن یطلع الممتثل علی ارادة مولاه فعدم الاطلاع فیه نوع من الابتعاد عن ارادته والتمرد علیه والدلیل هو أن ماهیة الامتثال عقلا وعقلائیا قوامها فی فرض التمکن بالمثول والحضور المتحقق بالاطلاع علی ارادة المولیفتحقق الامتثال والطاعة التی یترتب علیها الثواب بنفس العلم والاطلاع علی ارادة المولی ، وأما مسألة الاکتفاء بدون علم تفصیلی لا یحقق الامتثال والطاعة سواء فی العبادات أو التوصلیات إلا أنه فی التوصلیات لم یلزم الشارع بالامتثال ولهذا فی التوصلیات إذا لم یقصد الامر لا یتحقق الامتثال ولکن یتحقق ترک المعصیة بالاداء ولو بنیة غیر قصد الأمر فیتحقق الأمر التوصلی بصرف ترک الترک یعنی بصرف الأداء ولهذا یفرق بین عنوان الاداء والامتثال إذ الامتثال لابد من قصد الامر والثواب مترتب علی الامتثال لا علی الأداء فالثواب مترتب علی الامتثال فی العبادیات والتوصلیات .

نعم، سقوط العقوبة فی التوصلیات علی نفس الأداء وهو صرف ترک

ص:297

ترک المأمور به مثل النفقة علی الزوجة والوالدین فإنه نفق لا بقصد الأمر فإنه وإن لم یکن عاصیاً إلا أنه لیس بممتثل ففرق بین الاداء والامتثال فالاداء یعدم المعصیة ولکن لا یحقق الامتثال لأنه یحتاج إلی قصد الأمر.

ففی التوصلیات لدینا دلیل علی الاکتفاء بصرف ترک المعصیة وهو الاداء وأما فی العبادیات فلا یکتفی بالأداء فلو افترضنا أمکان التفکیک بین الأداء والامتثال لما کفی الاداء عن الامتثال بل لابدّ فی العبادیات من قصد الأمر لأجل حصول الامتثال وعنوان الامتثال وماهیته متقومه بمثول العبد وحضوره أمام ارادة مولاه وهو لا یحصل إلا بالعلم والعلم بحکم المولی وارادته هو نفس الوصول إلی ارادته.

ومثال تقریبی أنه لو قیل لعبد أن مولاک فی القصر یرید شیئا منک فقال أنا لا أذهب إلیه وإنما أحقق مطلوبه لأنه اجمالا یرید هذا أو هذا وبخلافه عبد آخر قیل له أن مولاک یرید منک شیئا فتوجه العبد إلی مولاه - مع علمه الاجمالی بمراده - فنفس الحضور للتعلم والاکتشاف والاطلاع علی ارادته القاهرة نفس التعلم والحضور انقهار وامتثال وخضوع وطوعانیة فهو دخیل فی نفس الطاعة بخلاف الأول فإنه وإن أدی الفعل إلا أنه عنده نوع من التمرد وجموح وانفلات، ولهذا أخذ المتأخرون فی المذهب الکلامی فی النیة قصد الوجه وإن کنا لا نوافق علیه إلا أن ارجاع قصد الوجه والتمییز إلی المثول هو ما نعتمده.

ص:298

(مسألة 28 ) : یجب تعلم مسائل الشک والسهو بالمقدار الذی هو محل الابتلاء غالبا ، نعم لو اطمأن من نفسه أنه لا یبتلی بالشک والسهو صح عمله وإن لم یحصل العلم بأحکامهما(1).

ولهذا ذهبنا إلی اشتراط العلم التفصیلی باجزاء وشرائط العبادات ولا یکفی الامتثال الاجمالی بدون تعلم أصلا فإنه امتثال ناقص للمتمکن من التعلم فلا یساوی الامتثال مع العلم فضلاً عن کونه أکثر امتثالاً لأنه تمرد علی طاعة المولی فنفس المثول والحضور أمام ارادة المولی داخل فی نفس عنوان الامتثال والطاعة للمتمکن منه، نعم الامتثال الاجمالی مع العلم التفصیلی من الاجتهاد والتقلید لا مانع منه وهو الاحتیاط المتولد من الاجتهاد والتقلید وقد تقدم تفصیل ذلک فی المسائل الاولی.

المسألة الثامنة والعشرون: وجوب تعلم مسائل السهو والشک وماذکره الشیخ الأعظم(قدس سره)

(1) و هذا هو البحث المتقدم فی مسألة 27 - ولعل سبب فرد هذه المسألة عن المسألة السابقة هو ما ذکره الشیخ الانصاری(قدس سره) من أن ترک تعلم مسائل الشک والسهو فی الصلاة موجب للفسق - غایة الأمر أن البحث هنا فی الشرائط والأجزاء حال الشک والتردید بالکیفیة. والتقیید بمحل الابتلاء غالبا باعتبار ما یکلف به فلابد أن یتعلم وظیفته حال الشک والسهو.

ص:299

والوجه عندنا هو ما قدمناه فی المسألة السابقة من أن عدم التعلم والاکتفاء بالامتثال الاجمالی عزوف وتمرد أمام ارادة المولی.

نعم لو غفل ودخل فی الصلاة وشک، فعلی ما نبنی علیه من حرمة قطع الصلاة - للخبر الصحیح تحریمها التکبیر وتحلیلها التسلیم أنه قبل السلام یحرم علیه قطعها - فیدور الأمر بین الحرمة وبین الاتیان بالامتثال الاجمالی فهو غیر متمکن من الامتثال التفصیلی لوجود المانع الشرعی وهو حرمة قطع الصلاة فینتقل للامتثال الاجمالی أما ولو دخل الصلاة وهو ملتفت ومتعمد ویعلم بابتلائه بالوظیفة والشکفیشکل الاکتفاء بهذه الصلاة لأنه من الامتثال الاجمالی مع التمکن من الامتثال التفصیلی.

وما ذکره الشیخ الاعظم (قدس سره) فی رسالته العملیة من (أن تارک مسائل الشک والسهو فی الصلاة فاسق وإن لم یبتلِ) ، لا یختص بالصلاة بل یشمل الصیام والحج وغیرها من العبادات ولا بمسائل الشک!.

وقول الشیخ (قدس سره) بفسق تارک التعلم - لو بنینا علی عدم الاکتفاء بالامتثال الاجمالی - واضح ، وکذا لو بنینا علی أن وجوب التعلم وجوب نفسی طریقی کما بنینا علیه فیکون تارک التعلم فاسقا و هذا لا اشکال فیه ، إلا أنه قد یوجه کلامه (قدس سره) - حتی مع اکتفاءه بالامتثال الاجمالی وکون وجوب التعلم لیس بنفسی - بوجهین آخرین:

ص:300

الوجه الأول: أن تارک التعلم متجری والتجری محرم شرعاً وقد نسب إلی الشیخ الانصاری(قدس سره) حتی من تلامذته عدم القول بحرمة التجری وهو غیر صحیح فإن ما أنکره هو حرمته العقلیة لا الشرعیة وإلا لو بادر علی مقدمات الفعل المحرم الأولیة فهو حرام بحسب الجمع بین الروایات الواردة فی باب التجری فیمکن الحکم بالفسق لارتکاب هذا المحرم الشرعی.

الوجه الثانی: أن التجری قبیح عقلاً وإن لم یکن معصیة علی القول بعدم حرمته مطلقاً إلا أنه لا یحقق الوثوق بدینه فلا یصدق علیه أنه عادل، هکذا ذکره السید الخوئی (قدس سره) مع أنه فی باب المروءة استغرب من المشهور بأن الصغائر غیر خادشة فی العدالة للعفو عنها مع أن المروءة التی هی لیست بتکلیف الزامی تخدش بالعدالة وتوجب الفسق .

وقد قال: إن هذه من الغرائب إذ کیف یکون الشیء موجباً للفسق وهو غیر الزامی، وهنا نفس السید یلتزم بعدم حرمة التجری مع أنه خادش فی العدالة ولهذا التزم بفسق حالق اللحیة فقد التزم فی مسألة حلق اللحیة احتیاطاً وجوبیا ولو حلقها شخص یعتبر فاسق مستدلا علیه بأن التجری وإن لم یکن معصیة - أی أمر غیر الزامی - إلا أنه یوجب الفسق لأنه مأخوذ فی العدالة والوثوق بالدین وبهذا یندفع ما استشکله السید الخوئی (قدس سره) فی المروءة فی (المسألة 23 ) علی المشهور؛ لأن ما

ص:301

(مسألة 29 ) : کما یجب التقلید فی الواجبات والمحرمات یجب فی المستحبات والمکروهات والمباحات بل یجب تعلم حکم کل فعل یصدر منه، سواء کان من العبادات أو المعاملات أو العادیات(1).

ذکره هنا هو ما ذکره المشهور .

وأیضا یرد علی أعلام العصر - من قبولهم أن التجری لا ینسجم مع الاستقامة علی جادة الشریعة - : أنه کیف ینسجم مع العبادة أی أن الفعل الصادق علیه عنوان التجری کیف یصدق علیه أنه عبادة ومثول وخضوع وحضور أمام ارادة المولی، وقد تبین أن اعلام العصر ارتکازا یبنون علی ما یبنی علیه القدماء وإن لم یقروه صریحاً.

المسألة التاسعة والعشرون: وجوب التقلید فی الاحکام الالزامیة وغیر الالزامیة

(1) فیجب التقلید فی کل الافعال سواء الالزامیة أو غیر الالزامیة وبعبارة أخری الاحکام إما أن یعلم بها بالضرورة فلا تقلید فیها أو لا یعلم بها فلا محالة لابد فی بنائه الالتزامی علی الاباحة أو الحرمة أوغیرها من الاحکام من توسط التقلید . کما یمکن أن یستدل علی وجوب التقلید فی جمیع هذه الامور باطلاقات أدلة وجوب التعلم، وبالعلم الاجمالی بوجود الاحکام الالزامیة فی کل باب فیلزمه أن یتعلم مسائل ذلک الباب لینحل العلم بجمیع الالزامیات.

ص:302

وأیضا یستفاد من کلمات الأعلام وجهان آخران :

قال السید الگلپایگانی (قدس سره) تعلیقا علی هذه المسألة: وجوبه (التقلید) فیما احرز عدم وجوبه وعدم حرمته غیر معلوم، نعم یجب احراز ذلک عند احتماله کما یحرم التشریع مع الجهل. فعنده یجب التقلید لأمرین:

الأول: ما یحتمل کون الحکم الزامیاً .

والثانی: فیما لا یحتمل کونه حکما الزامیاً لکنه یرید البناء الالتزامی علی ذلک.

فالأول: ما یحتمل کون الحکم الزامیا فهنا یجب علیه أن یؤمن نفسه من احتمال العقوبة بالتقلید ولا تجری البراءة قبل الفحص والفحص عن الدلیل الاجتهادی بالنسبة إلی العامی هو التقلید وفتاوی المجتهد. فحاصل هذا الوجه أنه یجب علی المکلف التقلید من جهة تأمین العقوبة فی العمل.

والثانی: ما لا یحتمل کونه الزامیا فإنه من جهة العمل لا یحتاج إلی تقلید لعلمه بعدم لزومه والعلم بعدم لزومه علم بنوع الحکم ولکنه لو أراد أن یبنی علی أن هذا الفعل حکمه مستحب أو مکروه أو مباح فهو راجع إلی مسألة الالتزام البنائی کأن یرید أن یبنی علی أن الفعل الفلانی حکمه کذا - مثلا - فهو غیر مرتبط بجهة العمل ، بل من جهة البناء علی

ص:303

الحکم واسناده إلی المولی فلابد من التقلید لأن البناء تشریع وهو محرم.

إلا أن الکلام فی تحصیل العلم بعدم الحکم الالزامی فإنه لو استند إلی السرعة والعفویة فإنه لیس بمعذر و ذلک لما نبنی علیه من أن حجیة القطع لیست ذاتیة وإنما الحجیة للیقین والیقین لیس عبارة عن حالة جزمیة وإنما الیقین هو نفس المقدمات المنتجة سواء حصلت الجزم أو لم تحصله؟ فلنفرض شخصاً حصلت عنده مقدمات منتجة ولکنه لم یحصل له الجزم لعارض کمرض أو تشتت بال او حالة غضب فإنه ملزم بالأخذ بمؤدی المقدمات المنتجة وغیر معذور أو بالعکس فإنه لو جزم من منشأ غیر منتج فإنه لا یعذر، فالصحیح أن القطع لیست حجیته ذاتیة وإنما الحجیة لنفس الیقین والیقین هو نفس المقدمات المنتجة لا الجزم.

نعم لو کان جزمه من مقدمات عن قصور فهو معذور ولکنه لا من جهة جزمه بل من جهة قصوره.

ص:304

(مسألة 30 ) : إذا علم أن الفعل الفلانی لیس حراما ، ولم یعلم أنه واجب أو مباح أو مستحب أو مکروه ، یجوز له أن یأتی به ، لاحتمال کونه مطلوبا وبرجاء الثواب ، وإذا علم أنه لیس بواجب ، ولم یعلم أنه حرام أو مکروه أو مباح ، له أن یترکه لاحتمال کونه مبغوضا(1).

المسألة الثلاثون: الاتیان بالافعال غیر المحرمة مع احتمال الأمر بها:

(1) هذه المسألة مغایرة لفرض المسألة السابقة فإن المسألة السابقة فرضها العلم بعدم الالزامین الوجوب والحرمة وأما هذه المسألة فهی عدم العلم بأحد الالزامین واحتمال الالزام الآخر .

فتارة ینظر إلیها بالنسبة للمکلف غیر المقلد وتارة ینظر إلیها بالنسبة إلی فتوی الفقیه بالنسبة لمقلدیه لو صادفتهم مثل هذه المسالة فبالنسبة إلی الأول فإن المتعین هو الاحتیاط بالاتیان علی المکلف غیر المقلد وبالنسبة للثانی - کما هو ظاهر الماتن - هو جواز الفعل رجاءاً و ذلک لفتوی الفقیه بالجواز... وبهذا یکون استشکال المیلانی (قدس سره) محمولاً علی هذا الفرع بالنسبة للمکلف غیر المقلد فإن وظیفته الاحتیاط بالاتیان رجاءا لا جوازاً . ومع فتوی الفقیه بالجواز یکون الاحتیاط بلحاظ الواقع لاحتمال الوجوب ولکنه جائز بالمعنی الأعم بلحاظ فتاوی المجتهد ، کما هو فی موارد جریان البراءة فی موارد الشبهة الوجوبیة ، ففی هذه

ص:305

(مسألة 31 ) : إذا تبدل رأی المجتهد لا یجوز للمقلد البقاء علی رأیه الأول(1).

الموارد یجوز للمقلد الاتیان لاحتمال المطلوبیة وبرجاء الثواب وکذا جریان البراءة فی موارد الشبهة التحریمیة یترکه لاحتمال کونه مبغوضاً.

المسألة الحادیة والثلاثون: عدم جواز البقاء علی رأی المجتهد إذا تبدل

(1) لا یقال إن الفتوی السابقة کالفتوی اللاحقة و ذلک لأنه قد یقال إن الفتوی اللاحقة کاشفة علی أن الفتوی السابقة غیر واجدة للشرائط بقاءا لا حدوثاً وإلا فهی حدوثاً واجدة للشرائط ومن هنا تأتی مسألة الاجزاء لکون الاعمال السابقة واجدة لشرائط حجیتها السابقة ومخالفة للحجة اللاحقة، والصحیح هو الاجزاء لأن الفتوی السابقة فی ظرفها واجدة للشرائط وبالتالی عمله فی ذلک الظرف واجداً للشرائط لاستناده لما ثبت توفره علی الشرائط فهو نظیر حالة تبدل التقلید من فقیه إلی آخر فصحیح أن الفتوی اللاحقة بنحو کلی وغیر مختصة بزمن دون آخر ویفید مدلولها عدم صحة الاعمال السابقة إلا أن اعتبارها متأخر عن اعتبار صحة الأعمال السابقة فإن الاعمال السابقة صحیحة بالفتوی الأولی إلی أن خرجت الفتوی الثانیة فمن حین زمن خروج الثانیة - وهو زمن مغایر لزمان حجیة الفتوی الأولی التی هی حجة فی ذلک الزمان إلی

ص:306

ابتداء الحجیة الثانیة - لا تکون حجة فی زمن الحجة الاولی بل فی خصوص الزمان التی انتهت صلاحیة الأولی وهو مثل البیع الفضولی فإنه علی الانکشاف الحکمی تکون الملکیة للمالک الأول وبعد الاجازة یکون الاعتبار بالملکیة الثانیة من حین زمن الاجازة فتکون ملک للمشتری فیه، فیکون اعتباران یتواردان علی معتبر واحد فی زمان واحد فما قبل الاجازة الاعتبار للمالک الأول وما بعد الاجازة الاعتبار بملکیة المالک الثانی فی ظرف الزمان السابق علی الاجازة فالمعتبر واحد إلا أن الاعتبارین ظرفهما مختلف فلا تناقض لأنه یعتبر فی التناقض وحدة الاعتبار ووحدة المعتبر ووحدة الزمن و هذا خاص بکشف الخلاف التعبدی لا الوجدانی ولهذا قالنا بالاجزاء لاندراج کل فتوی تحت عموم أدلة حجیة الفتوی فالسابقة مندرجة واللاحقة کذلک.

والکلام لیس فی الاجزاء بل فی عدم جواز التعویل علی فتواه السابقة ولزوم العمل باللاحقة. والوجه فی ذلک بناءا علی الاجزاء بالفتوی الأولی لأعماله السابقة خلافا لبعض أعلام العصر من أن مقتضی القاعدة هو عدم الاجزاء إلا أن یدل دلیل کحدیث لا تعاد... وأما بالنسبة إلی المشهور فذهبوا إلی الاجزاء لشمول أدلة الحجیة لها فلماذا لا تبقی تلک الفتوی السابقة فیما لم یحرز مخالفته للواقع؟

ص:307

امتزاج الفتوی من الاخبار والتعهد ومن فوائده أن الاخبار عن المخبر بدون تعهد منه کذب فی الجملة:

والوجه فی ذلک هو أن الفتوی لیست امارة محضة والاخبار لیست مجرد حکایة محضا بل هو ممزوج بتعهد والتزام فهو شبیه الشهادة التی هی التزام من الشاهد بمضمون ما یشهد به وفی الحقیقة أن کل مخبر لیس هو مخبر فقط بل مخبر ومنشأ لمضمون آخر وهو انشاء تعهده بأن الواقع هو ما أخبر به ولهذا دائما الاخبار متضمنا اخبار وتعهد. و هذا نظیر ما ذکر فی البلاغة من أن کل الاخبارات فیها اخبار بالواقع وهو المعنی المطابقی واخبار بکون المخبر عالم بما أخبر به وهو لازم الخبر.

فالاخبار لیس هو مجرد حکایة فقط بل یشتمل علی تعهد بمضمون الخبر ولهذا تختلف معانی الصدق والکذب فی الآیات القرآنیة وروایات أهل البیت (علیهم السلام) وقلما التفت إلیها فإن لها معانی عجیبة غریبة فمثلاً من ضمن المعانی فی أخبار أهل البیت (علیهم السلام) وفی القرآن بشکل خفی فإن المخبر إذا لم یکن له قدرة علی أن یتعهد بمطابقة هذا الخبر للواقع فإنه یعد کاذباً وفعلاً إذا دققنا بتحلیل هذا المضمون فإنه یکون کاذباً .

وذکر هذا فی الکتاب وعلی لسان أهل العصمة (علیهم السلام) فیه دلالة علی أحاطتهما بالواقع ، ومن هذا القبیل لو أخبر أحد المعصومین (علیهم السلام) أحداً

ص:308

بمعارف ولم یتعهد الامام (علیه السلام) إلا له بهذا الخبر فلو ذهب وأفشاه فقد ارتکب المفشی کذباً من عدة نواحی ومن تلک النواحی التی تصدق علی المذیع بأنه کاذب هو اخبار بأن الامام قال کذا فإنه کاذب لأن الامام لم یتعهد للکل بل تعهد لخصوص المذیع فقط ولم یتعهد لغیره فاخبار المذیع بأن الامام متعهد للجمیع کذب لم یقله الامام (علیه السلام) .

وقد ذکرنا فی (الجزء الثانی من کتاب الرجال) ما یقارب عشر معانی للصدق والکذب فی روایات أهل البیت (علیهم السلام) ، فالخبر یصح الاعتماد علیه بالتعهد وإلا لو رجع المخبر عن تعهده فإنه لا یصح الاعتماد علیه.

وکذا الکلام فی الفتوی والروایة والشهادة فیما لو رجع الشاهد قبل انفاذ القاضی حکمه ولا یکفی فی هذه الامور إلا مع التعهد بالمطابقة ولهذا لو اطلع المکلف علی رأی المجتهد والفقیه من خلال مبانیه ولکن المجتهد لم یبرزه ولم یتعهد به فلا یصح للمکلف الاعتماد علیه لأنه لا تعهد به ولا مسؤولیة بمطابقة تلک الفتوی للواقع ، ولهذا تختلف الکتب العلمیة والمبنائیة عن الکتب الفتوائیة لأن الکتب العلمیة لا تعهد فیها بل هی موضوع للنقض والابرام ولیس فی مقام التعهد بالواقع . ولهذا تری کثیراً یحتاطون فی الفتوی دون المبنی ، فتری البعض فی المبنی یقول:

ص:309

(مسألة 32 ) : إذا عدل المجتهد عن الفتوی إلی التوقف والتردد یجب علی المقلد الاحتیاط، أو العدول إلی الأعلم بعد ذلک المجتهد(1).

(مسألة 33 ) : إذا کان هناک مجتهدان متساویان فی العلم کان للمقلد تقلید أیهما شاء، ویجوز التبعیض فی المسائل(2).......................

الأقوی الارجح وغیرها من الاعتبارات فإنها لا تصب فی التعهد بالفتوی بل من جهة المیزان العلمی والمعطیات التی یتعاطاها فهو یخبر عن مقتضی الصناعة العلمیة ویتعهد بتلک الصناعة فقط ولیس بصدد التعهد بمطابقة الفتوی للواقع.

المسألة الثانیة والثلاثون: العدول من الفتوی إلی الاحتیاط

(1) و هذا من قبیل المسألة السابقة فإن الفقیه إذا تردد سحب تعهده فیتعین علی المکلف أحد الطریقین إما التقلید مع مراعاة الأعلم فالأعلم أو الاحتیاط.

المسألة الثالثة والثلاثون: الوظیفة عند تساوی المجتهدین

اشارة

(2) أصل المسألة هو أن یتخیر بینهما فی الجملة إلا أن المکلف تارة لا یعلم الاختلاف بینهما وتارة یعلم، فإن کان لا یعلم تخیر أو بعّض بینهما و ذلک لأن عدم علمه بوجود مسائل خلافیة فهو غیر عالم بالتعارض بین المجتهدین، فتکون الامارتان حجتین فعلیتین ، فیجوز له

ص:310

التخییر أوالتبعیض، وأما لو علم بوجود اختلاف بین الفقیهین ، فهو ممن علم بالتعارض والأقوی مع التعارض لیس هو التساقط کما یذهب إلیه السید الخوئی (قدس سره) وتلامیذه کما تقدم سابقاً بل هو التخییر فأحوط القولین هو نوع من الاحتیاط فی التقلید ولیس هو سقوط للفتویین مع أن السید الخوئی (قدس سره) یصوره بأنه نوع من تعارض الفتویین فمآله إلی التساقط وعلیه فلابد من العمل بالاحتیاط إلا أنه لایکون إلا احتیاطاً فی جمیع الفتاوی الموجودة أو الاحتیاط الکبیر لکنه یقول إنه احتیاط بین القولین، مع أن أحوط القولین لیس اسقاطا للامارة بالتعارض بل هو اقرار ببقاء الامارتین علی الحجیة وإلا فکیف یخیّر بینهما وقد تقدم مفصلاً أنه لا تساقط بل ابقاء علی حجیتیهما فالتخییر بین الفتویین علی مقتضی القاعدة کما ذهبنا إلیه فی التعارض وقد تقدم کل ذلک.

مسألة جواز التبعض فی التقلید:

والأمر الجدید فی هذا البحث هو جواز التبعیض فی التقلید هل هو علی اطلاقه أو مخصوص بما إذا لم یلزم منه القطع بالمخالفة العملیة وما لا یلازم القطع بالمخالفة العملیة تارة یکون فی مرکب واحد وتارة فی موضوعات متعددة ومثاله ما سأله أحد الفضلاء فی الحج فإن بعض الفقهاء المعاصرین یحتاط بعدم الاکتفاء بالوقوف معهم فیرجعون إلی غیره ویقلدونه فی بقیة اعمال الحج ومن یرجعون إلیه فی مسألة الاکتفاء

ص:311

بالوقوف معهم یخالف ذلک الفقیه فی بضع أعمال الحج فالحج لیس بصحیح لا بالنسبة إلی الفقیه الأول ولا الفقیه الثانی فالعمل بنظرهما باطل ومن هنا استشکل السید المیلانی (قدس سره) فی هذا النوع من التبعیض.

وقد أجبت ذلک الفاضل بجواب، واعتمد أیضاً وهو: أنه فرق بین العمل الرکنی وغیر الرکنی إلا أنه فی العمل الواحد مثل مسألتین فی السعی مختلفتین أو فی الطواف فهل یصح له أن یبعض فی التقلید بل بعض الفقهاء قال لیس الکلام فی العمل الواحد بل حتی فی الباب الواحد و ذلک لأن طبیعة المسائل فی الباب الواحد متشابکة ومترابطة باعتبار ما تندرج تحته من مسائل الأم الکلیة فالتبعیض فی التقلید مع الاختلاف هو نوع من التناقض لأنه بحسب الفرض یقلد فی کتاب الصلاة مسألة مجتهدا وفی مسألة أخری مجتهداً آخر فصورتهما مسألتان ولکنهما فی الحقیقة یعتمدان علی مسألة أخری فوقانیة وهی أم فی الباب فلا یصح التبعیض فی هاتین المسألتین لأنه تقلید لمبنیین مختلفین فی مسألة واحدة؟

ویمکن الاجابة عنه - إذا لم یکن فی عمل واحد - بأن هذه المسألة المشترکة هی فتاوی عدیدة و ذلک لانحلال المسألة الأم بحسب تطبیقاتها الاستنباطیة التی بید الفقیه علی المسائل الفرعیة فیکون استنباط واجتهادوعلیه فکل فرع من مسألة الأم خاضع للاستنباط وله أن یقلد فی

ص:312

کل فرع من فروع مسألة الأم فقیهاً إلا إذا علم بالمخالفة العملیة وله أن یقلد فی تطبیق مجتهداً وفی تطبیق آخر مجتهداً غیره ولا تناقض بینهما فی الواقع لأن تطبیقاتها مختلفة فیجوز تعدد التقلید فی التطبیقات الاستنباطیة وإن اتحدت المسألة الأم الکلیة. فمبدئیا وصناعیاً یصح ولا مانع منه بل لولم یصح لما صح التبعیض أصلاً لکون غالبیة الاختلاف فی التطبیقات لا فی المسائل الأم کدلالة صیغة الأمر علی الوجوب وإنما الخلاف فی تطبیقها هل تدل علی الوجوب هنا أم لا ؟ فلا تقلید فی هذه المسألة بل فی التطبیقات الاستنباطیة.

وقد عبّر عن هذه الضابطة فی عدم المخالفة فی خصوص العمل الواحد بأکثر من تعبیر فمن تلک العبائر:ما ذکره بعض المعلقین علی العروة من أن تقلیدهما فی العمل الواحد یشترط أن لا یکون باطلاً بنظرهما بحسب الواقع، مثل لو افتی زید بأن الطواف یبطل بلیّ العنق إلی الخلف وإذا قطع الطواف لابد من أکماله من محل القطع وافتی عمرو بأن لیّ العنق لا یبطل ولکن لو قطع طوافه لابد من الاتیان به من الحجر الأسود فقلد هذا المکلف زیدا فی الابتداء لمن قطع طوافه من محل القطع وقلد عمراً من بأن لیّ العنق لا یبطل ثم عمل فلوی عنقه وقطع طوافه وابتداه من محل القطع فهذا الطواف باطل بنظرهما وبطلانه مبطل للعمرة أو الحج سواء کان جاهلا أو عالما.

ص:313

وإذا کان أحدهما أرجح من الآخر فی العدالة أو الورع أو نحو ذلک فالأولی بل الأحوط اختیاره(1).

وما ذکره بعضهم: من أن تقلیدهما فی العمل الواحد یشترط أن لا یکون العمل باطلا بنظرهما بحسب الوظیفة الأولیة وإن کانت صحیحة بحسب الوظیفة غیر الأولیة فمثلاً لو کان زیداً یفتی بعدم وجوب السورة ویفتی بوجوب الاتیان بثلاث تسبیحات فی الأخریتین والآخر یفتی بعدم وجوب التسبیحات الثلاث ویفتی بوجوب السورة و هذا المقلد قلد الأول فی عدم وجوب السورة وقلد الثانی فی عدم وجوب الثلاث تسبیحات فالصلاة بنظر الأول باطلة لخلوها من التسبیحات الثلاث وباطلة أیضا عند الآخر لخلوها من السورة لکن هذا بحسب الوظیفة الأولیة وإلا فباعتبار الوظیفة غیر الأولیة ککونه جاهلا جهلا قصوریا فیمکن جریان قاعدة لا تعاد فی حقه فیصح عمله.

الترجیح بالأعدلیة:

(1) مر سابقا أن جملة من المعلقین علی العروة ذهبوا إلی أن هذا الاحتیاط لا یترک وذکرنا أن مصححة عمر بن حنظلة رجحت بالأعدلیة أو الاورعیة وغیرها من الاخبار المتعاضدة، وقلنا: إن المراد بالأعدلیة هی التی لها ارتباط بالعلم والاستنباط ولیس المراد بالأعدلیة بحسب سلوکه العملی کقیامه بصلاته وصیامه وبقیة أعماله الفردیة ، بل المراد بالأعدلیة

ص:314

(مسألة 34 ) إذا قلد من یقول: بحرمة العدول حتی إلی الأعلم ، ثم وجد أعلم من ذلک المجتهد فالأحوط العدول إلی ذلک الأعلم وإن قال الأول بعدم جوازه (1).

بحسب عمله الفقاهتی کأن یکون أکثر عناءا وجهداً من غیره فی الوظیفة الفقهیة حیث ذکرت الاخبار الترجیح بالأفقهیة وهی الملکة العلمیة وبالأعدلیة والاورعیة فی التطبیق والجری علی وفق تلک الملکة العلمیة وعلیه فالمتعین هو الرجوع إلی الأعدل والاورع .

أما قوله : (فالأولی) أی الأفضل . وقوله : (بل الأحوط) باعتبار مرعاة

احتمال الواقع، وقد یستظهر منها أن الاحتیاط وجوبی والأول استحبابی.

المسألة الرابعة والثلاثون: مسألة العدول إلی الأعلم

(1) قد أوجب جملة من المعلقین العدول إلی الأعلم لأن مسائل التقلید لا یرجع فیها إلی من هو مشکوک الحجیة بل یتعین الرجوع إلی الأعلم لأن غیر الاعلم مفضول وعند وجود الفاضل مختلف فی حجیة المفضول فلا یرجع إلیه فی المسائل التقلیدیة مع وجود الفاضل لأنه دور واضح بخلاف قول الفاضل فإنه لا خلاف فی حجیته، نعم بعضهم أوجب العدول فی خصوص ما لو أفتی الأعلم بوجوب العدول لأنه من موارد التخالف بین الفاضل والمفضول باعتبار أنه فی موارد العلم بالمخالفة یتعین الرجوع إلی الأعلم.

ص:315

(مسألة 35 ) : إذا قلد شخصا بتخیل أنه زید ، فبان عمروا ، فإن کانا متساویین فی الفضیلة ولم یکن علی وجه التقیید صح ، وإلا فمشکل(1).

المسألة الخامسة والثلاثون: مسألة إذا قلد زیدا فبان عمراً وضوابط الفرق بین الداعی والتقیید وما فیها:

(1) وقد ذکرت فی بیان الداعی والتقیید ضوابط متعددة، والصحیح أنها تختلف بحسب اختلاف الموراد والابواب، فقد ذکر السید الخوئی (قدس سره) ضوابط لمعرفة الداعی من التقیید:

فمنها: أن القصد تارة یکون مقوماً للعناوین فهذا لا محالة یکون بنحو التقیید مثل قصد التأدیب من الضرب فإنه إذا لم یقصد لا یتحقق التأدیب وغیرها فی الانشاءات فلو قصد الهبة لا یکون بیعاً، و هذا مخدوش بموارد تعدد المطلوب کما هو فی موارد الوقف إذا تعذرت الجهة الموقوف علیها قالوا بأنه یصرف فی الأقرب فالاقرب فإن أصل مطلوب الواقف هو خیری ولکنه قیده بقید آخر وبجهة خاصة من باب تعدد المطلوب، فإذا انتفی ما قصده بخصوصیته ینتقل إلی الأقرب مع الغاء الخصوصیة لأنها علی الفرض مطلوب ثانی لم یتمکن منه فیبقی المطلوب الأول علی ما هو علیه. فالامور القصدیة لا یلزم منها أن تکون دائما وأبداً بنحو التقیید؛ لأن نحو التقیید تارة یکون بنحو تعدد المطلوب

ص:316

وتارة بنحو وحدة المطلوب فلیس التقیید دائما ینتفی بانتفاء القید و ذلک لاحتمال أن یکون القید بنحو تعدد المطلوب.

ومنها: ما ذکره أیضا من أنه إذا تعلق القصد بأمر خارجی خالٍ من الجهة الاعتباریة فهو دائما بنحو الداعی لا التقیید لاستحالة تقیید الامور الجزئیة الخارجیة نعم لو کان فیه جهة اعتباریة فتلک الجهة قابلة للتقیید وقابلة أن تکون بنحو الداعی کما لو باع هذا الکتاب علی أنه نسخة النجف وتبین علی أنه نسخة لبنان فهنا فیه جهة اعتباریة وهی الالتزام المعاملی علی أمر غیر اختیاری یمکن أن یقید فالالتزام المعاملی یقید علی أن هذه العین هی العین الفلانیة وإلا فهو لا یلتزم بالعقد ... فله الخیار، بخلاف لو علق علی أمر اختیاری یکون من باب تخلف الداعی ولا یؤثر فی لزوم العقد لأنه یکون من قبیل التزامین التزام بأصل البیع والالتزام بتحقیق الشرط.

وعلی کل حال لا توجد ضابطة لجمیع الموارد یتمیز بها التقیید من الداعی إلا بحسب الموارد المختلفة حیثیاتها وجهاتها إذ لکل باب وموضوع جهات وحیثیات مختلفة.

فالکلام فی التقلید یقع فی تصویر القابلیة فیه للتقیید أو هو بنحو الداعی ؟

والصحیح أنه بحسب اختلاف التعاریف یکون بنحو الداعی علی

ص:317

بعض وعلی نحو التقیید علی بعض آخر.

فالتقلید إذا عرف بأنه أخذ الفتوی والتعلم والاستناد فالقصد یکون بنحو الداعی و ذلک لأن التقلید هنا - بمعنی الاستناد أو العمل - حاصل و ذلک القصد لا یغیر معنی التقلید فهو باقی علی أنه عمل علی طبق قول الغیر فقصد زیدیة زید أو عمریة عمرو لا تدخل لها فی الاستناد والعمل، نعم لو عرف التقلید بالالتزام کان للتقید وجه بأن یقال: إنه بنحو التقیید لأن الالتزام بقول زید غیر الالتزام بقول عمرو إلا أن الأقوی أنه بنحو الداعی أیضاً لأن الأسم الشخصی - وهو زید أوعمرو - لیست من الامور الدخیلة فی التقلید مثل لو قال: أبیعک هذا البیت و النهار موجود فإن وجود النهار لا دخل له فی حقیقة البیع فلو تبین أن البیع وقع فی اللیل فإنه لایؤثر فی صحة البیع نعم لو علق البیع علی وجود النهار لأثر تخلفه فی صحته البیع، نعم النهاریة واللیلیة لها دخل فی الاجارة فی المتعلق فالضابطة التی یمکن أن تذکر هی أن بعض الامور مقومة للمأمور به فیؤثر تخلفها مثل الزمان بالنسبة للاجارة وبعضها لیست کذلک فلا یؤثر تخلفها مثل الزمان بلحاظ البیع، فهنا کذلک فالعنصر المنوی والمقصود إذا لم یکن له دخل فهو من الدواعی وإن کان له دخل فهو من القیود فإن شراء اللحم لأجل الضیوف لیس من عناصر البیع فهو داعی وأما کون اللحم لحم جمل أو لحم غنم مثلاً ، من عناصر البیع فهو من القیود

ص:318

(مسألة 36 ) : فتوی المجتهد تعلم بأحد أمور: الأول: أن یسمع منه شفاها. الثانی: أن یخبر بها عدلان. الثالث: إخبار عدل واحد ، بل یکفی إخبار شخص موثق یوجب قوله الاطمئنانوإن لم یکن عادلا. الرابع: الوجدان فی رسالته، ولا بد أن تکون مأمونة من الغلط(1).

فإنا إذا عرفنا التقلید بالالتزام بقول المجتهد فاسمه الشخصی عنصر من العناصر المقومة للتقلید نعم ذکوریته وعدالته وغیرها عنصر من العناصر فلو قصد تقلید العادل فبان فاسقاً لکان من باب التقیید فیبطل التقلید لتخلف ما قصده.

والضابطة عند السید الیزدی (قدس سره) یکمن فی الداعی والتقیید ولیس تمام الفرق بل هی جزء الفرق وهو أن التقیید بأنه لو علم أنه کذا لما أقدم فإنه قلد زیدا باعتباره عمرو ولو علم أنه زیدا لما أقدم علی تقلیده بخلاف الداعی فإنه لو علم أنه زیداً لأقدم أیضا علی تقلیده إلا أن هذه الضابطة لیست تمام الفرق لعدم کونها سیالة فی جمیع الأبواب.

والخلاصة أن زیدیة زید وهو الشخص لیست دخیلة فی تحقیق عنوان التقلید والاستناد وعلیه فلا أثر لتخلفها وجودا أو عدما فی تحقق تقلید نعم أوصافه من العدالة والرجولیة دخیلة فی تحقق التقلید.

المسألة السادسة والثلاثون: طرق الوصول إلی الفتوی

اشارة

(1) إن الوصول إلی فتوی المجتهد بطرق متعددة :

الطریق الأول: السماع:

ص:319

السماع باعتبار أنه الحجیة علی قوله، وبعض الأعلام صوّر أن رأیه حجة وقوله حجة علی الحجة فیکون حجة علی الحجة والصحیح أن قول الفقیه وفتواه - التی هی اخبار عن الرأی - حجة وما لم یبرزها لا تکون حجة فالاخبار والقول فیه انشاء التزام وتحمل المسؤلیة بهذه الفتوی فحجیة الفتوی متقوم بالابراز والاخبار فنفس اخباره وقوله حجة لا رأیه فالسماع طریق وعلم وجدانی للفتوی التی هی نفس ابراز الرأی ولهذا لا یکفی العلم بنفس الرأی.

الطریق الثانی: البینة:

أی أن یخبر بها عدلان وقد تقدم الکلام مفصلا فی حجیة البینة .

الطریق الثالث: اخبار الثقة:

اشارة

اخبار مطلق الثقة للسیرة العقلائیة علی قبولها فی الشبهة الموضوعیة فکما أن خبر الثقة حجة فی أصل ثبوت مدرک الفتوی فهو مقبول فی نفس الفتوی وبنفس الملاک. وقد قید الماتن (قدس سره) بکون خبره موجباً للاطمئنان .

والصحیح أن المعتبر لیس هو الاطمئنان الشخصی بل النوعی وهو یحصل بمجرد کونه خبر ثقة وإن لم یکن عادلاً، نعم لو لم یکن ثقة اشترط أن یتولد الاطمئنان ویتحقق بالفعل کأن تنظم إلیه بعض القرآئن

ص:320

کما هو الصحیح عندنا من أن حجیة الخبر أما لکونها خبر الثقة أو لحصول الوثوق بالصدور، فما ذهب إلیه الماتن (قدس سره) من اعتبار الوثاقة والوثوق قول متشدد.

تنبیه: فی أن البحث المضمونی للخبر موضوع لبقیة الجهات المبحوثة فیه وثمرات ذلک:

أن الخبر یدرس من عدة جهات منها المضمون وهو بحث ثبوتی ومنها الطریق والدلالة وجهة الصدور وهی ابحاث اثباتیة فهذه أربع جهات تدرس حجیتها فی الخبر وکل الجهات الاثباتیة ما هی إلا وسیلة للجهة الأم والاصل وهی الجهة المضمونیة فجمیع الجهات ضروریة لا یستغنی عنها إلا أنها توابع لبحث تلک الجهة.

فالبحث المضمونی هو بمثابة الموضوع لتلک الابحاث الاثباتیة فإن

البحث عن امکان المضمون وعدم تنافیه وتضاربه مع الخطوط العامة بالمذهب وهو ما یتمکن منه بسبب الاحاطة باسس الشریعة من النظرة الشمولیة بین هذا المضمون وبین بقیة الخطوط العامة فی الشریعة والتنسیق بینها ثبوتا إذ لعله یکفی فی اثبات هذا المضمون بمجرد الاطلاع علی مضمونه لکونه موافقاً للکتاب مثلاً... وبعد الفراغ عن هذه الجهة تأتی مرحلة البحث الاثباتی کالبحث الصدوری وجهة الصدور والدلالة وأهم تلک المباحث مبحث المضامین وقد أهمل! فصار البحث

ص:321

مباشرة عن الصدور وجهته والدلالة کأن یکون عاما أو خاصا أو له مفهوم أم لا... وغیرها من أبحاث الدلالة . وهذه تعد مشکلة وهی ما وقع فیه الحشویة من أخذهم بالاخبار بمجرد الفراغ من الجهات الاثباتیة بدون نظرهم للمضمون بل ترک هذا البحث وسخف بدعاوی، منها أنه بحث تحلیلی وغیر عرفی وذوقی. مع أن عمدة الروایات العلاجیة باب التعارض تُرکز علی هذا کالعرض علی الکتاب وغیرها ولهذا تری کتب الفقهاء واساطین القدماء کالشیخ المفید (قدس سره) وغیره یؤکدون عملیا علی هذا البحث ودوره. و هذا بخلاف الکتب المتأخرة فإنها ترکز علی الابحاث الاثباتیة، ومع ذلک فأنظر إلی مثل الجواهر والمسالک والمبسوط والحلی فی نقل الآراء وتحلیلها ومقارنتها واستخراج الشروط والاجزاء والموانع، فالکثیر من هذه النتائج هو ثمرة البحث المضمونی .

و هذا لا یعنی أن الصدور وجهته والدلالة لا دخل لها بل لها دخل ولکن لیست بمثابة البحث المضمونی فتری الباحث فی الاخبار المعرفیة العقائدیة یرید أن یبحث عن الصدور مع أنه لابد أن ینظر نظرة أولیة إلی المضمون ثبوتاً حتی تأتی النوبة الاثباتیة ولهذا أول بحث فی مباحث التعارض هو العرض علی الکتاب والسنة أی موافقة مضونها أو مخالفته للضروریات فالبحث الثبوتی مقدم فی الدرجة الاولی علی البحث الاثباتی و ذلک لأنه یمکن أن یستغنی عن الطرق بالوثوق بالصدور ولکن

ص:322

(مسألة 37 ) إذا قلد من لیس له أهلیة الفتوی، ثم التفت وجب علیه العدول، وحال الأعمال السابقة حال عمل الجاهل غیر المقلد(1).

وکذا إذا قلد غیر الأعلم وجب علی الأحوط العدول إلی الأعلم. وإذا قلد الأعلم ، ثم صار بعد ذلک غیره أعلم ، وجب العدول إلی الثانی علی الأحوط.

لا یمکن أن یستغنی عن البحث المضمونی إذ هو العمدة ککیفیة انسجام هذا المضمون مع مضمون آخر وبیان لوازمه وتدعیاته وماهیته وتحلیلها لاستخراج الاجزاء والشرائط والموانع فإن هذه کلها ترجع إلی البحث المضمونی کما اشرنا إلیه.

الطریق الرابع: الکتابة المأمونة من الخطأ:

هو انشاء الفتوی بالکتابة المأمونة من الاخطاء والوجه فی ذلک السیرة العقلائیة .

المسألة السابعة والثلاثون: من قلد من لیس أهلا وصحة أعماله

(1) و هذا تقدم وأما أن حاله حال الجاهل فباعتبار أنه لا امارة شرعیة علی صحة أعماله وعلیه فلا یجتزأ بما جاء به من أعمال إلا إذا طابقت من یجب علیه تقلیده وإلا فلا.

ص:323

(مسألة 38 ) إن کان الأعلم منحصرا فی شخصین، ولم یمکن التعیین، فإن أمکن الاحتیاط بین القولین فهو الأحوط، وإلا کان مخیرا بینهما (1).

فما ذکره الماتن (قدس سره) من الاحتیاط فی تقلید الأعلم هو علی مبناه من أن تقلید الأعلم من باب الاحتیاط الوجوبی حتی فی موارد عدم العلم بالمخالفة . ولکنه فی المقام یخالف مبانیه (قدس سره) ، و ذلک لأنه لم یجزم بمسألة تقلید الأعلم فالمحتمل عنده لو قلد أحدهما باختیاره یدور أمره بین وجوب العدول ووجوب البقاء لاحتمال تعیین تقلید غیر الأعلم باختیاره سابقاً فمقتضی الاحتیاط أن یحتاط بین قولیهما لا أنه یحتاط بالعدول فإنه خلاف الاحتیاط - علی مبانی الماتن (قدس سره) - فالکلام فی مسألة إذا قلد غیر الأعلم ثم وجد الأعلم فإن من یبنی فی العدول علی الاحتیاط یحتمل التخییر بینهما ابتداءا وبعد اختیار أحد الطرفین یحتمل التعین فی غیر الأعلم فلا جزم بالعدول إلی الأعلم وعلیه یتعین الاحتیاط بالأخذ بأحوط القولین.

المسألة الثامنة والثلاثون: العلم بانحصار الاعلمیة فی أحد الشخصین

(1) هذا فی مورد العلم بالمخالفة ؛ لدورانه بین الحجة واللاحجة فیتعین علیه العلم بأحوط القولین وإذا لم یتمکن من العمل بأحوطهما یتعین العمل بمظنون الأعلمیة ؛ و ذلک لأنه إذا تعذرت الموافقة القطعیة

ص:324

(مسألة 39 ) : إذا شک فی موت المجتهد ، أو فی تبدل رأیه ، أو عروض ما یوجب عدم جواز تقلیده ، یجوز له البقاء إلی أن یتبین الحال(1).

(مسألة 40 ) : إذا علم أنه کان فی عباداته بلا تقلید مدة من الزمان ، ولم یعلم مقداره(2) ......................................................................

تصل النوبة إلی الموافقة الظنیة وإلا تعین بمن کان احتمال أعلمیته أقوی وعند التساوی یتخیر.

المسألة التاسعة والثلاثون: الشک فی زوال ما یعتبر فی مرجع التقلید

(1) و ذلک للعلم التعبدی ببقاء تلک الشروط المعتبرة بالاستصحاب.

المسألة الاربعون: عمل العامی بلا تقلید ولا احتیاط

اشارة

(2) هذا من فروع مسألة عمل العامی بلا تقلید واحتیاط باطل، وهو ناظر لعدم العلم بمقدار تلک الفترة التی عمل فیها بلا تقلید أی بالفترة التی کانت أعماله غیر مجزیة... فإن علم بمطابقة ما أتی به لفتاوی من یجب الرجوع إلیه صحت، وإن لم تکن مطابقة... فلا یخلو: إما أن یکون الخلل فی الارکان فیجب القضاء ، و إما أن یکون فی غیرها وکان جاهلاً بسیطا فیجب القضاء وأما بالنسبة إلی الجاهل غیر البسیط کالجاهل المرکبوالناسی فهل تجری لا تعاد وغیرها فی الصلاة والحج أو لا تجری إلا فی خصوص الناسی أو هو الجاهل القاصر أو الأعم، فالکلام یقع فی

ص:325

لا تعاد وذکر الوجوه التی بها تحرر بها حکم هذه الفروع.

الفرق فی جریان البراءة بین القاصر والمقصر:

أما بالنسبة إلی جریان البراءة فی الشک فی الاقل والاکثر فالسید الخوئی (قدس سره) یجری البراءة عن الزائد، أما المحقق التقی الأصفهانی (قدس سره) صاحب (هدایة المسترشدین) فذهب - کما هو الصحیح - فی خصوص الجاهل المقصر إلی عدم جریان البراءة لا العقلیة ولا الشرعیة و ذلک لأن التکلیف المنجز الذی فرط فیه المکلف إلی أن جهله غیر معذور فیه فإن الجهل والنسیان بسبب التفریط فی التکلیف المنجز لا تجری فیه البراءة لعدم قبح عقابه... فلابد من الیقین بفراغ ذمته لعدم المؤمن من احتمال العقاب فی الواقع للمفرط والمقصر الذی طرأ علیه الجهل والنسیان فبقرینة کون البراءة الشرعیة امتنانیة لا تجری فی حق مثل هؤلاء وکذا البراءة العقلائیة فإن مثل هذا الشخص لا یقال فی حقه قبح العقاب بلا بیان ولا یشمله دلیل رفع عن أمتی ما لایعلمون الامتنانی فالبراءة لا تجری إلا فی الشک فی أصل التکلیف لا فی التکلیف المنجز الذی ارتفع العلم به بسبب التفریط فإنه قد کلف وکان ملتفتاً ولکنه فرط وقصر إلی أن جهل أو نسی مقدار ما کلف به فلا تجری البراءة بأقسامها. فمثلاً لو کلف بقضاء صلواته وکان ملتفتاً ولکنه قصر وفرط إلی أن جهل مقدار القضاء فإن المقدار الزائد لا تجری فیه البراءة ، فمن

ص:326

کان عالماً بالتکلیف وفرط، أو احتمل أنه عالم وفرط، فهو غیر معذور بجهله ونسیانه ولا یکون عقابه قبیحا فالمحتمل أیضا حاله حال المفرط فلم یحرز مورد جریان البراءة العقلیة فی حقه لاحتمال تفریطه وتقصیره بما کان واصلاً له ولا البراءة الشرعیة لأنها امتنانیة فلا تتناسب مع المفرط والمقصر بأداء وظیفته فالشک والنسیان فی التکلیف إذا کان بسبب التفریط والتقصیر أو احتمالهما لا تجری فیه البراءة بخلاف الموراد التی یکون الشک فی التکلیف والجهل به لا عن تقصیر وتفریط فإنه مجری البراءة.

وزیادة علی هذا فقد وقفتُ علی نص - ولعله فی تنبیهات البراءة أو تنبیهات القطع لمناسبة معینة فی باب قضاء الصلاة لکنی لم أجده فی هذه العجالة - یدل علی لزوم قضاء الأکثر وعدم جریان البراءة فی مثل هذه الموارد ، والمیرزا النائینی (قدس سره) یتبنی الوجه الذی ذکره صاحب الهدایة (قدس سره) وقد بینه ببیان أکثر مما بینه المحقق التقی (قدس سره) فی بحث الحجج کتنبیهات القطع بمناسبة تنجیز العلم الاجمالی أو تنبیهات البراءة من عدم جریان البراءة فی موارد التفریط ، وقد اشار المیرزا النائینی (قدس سره)

فإن علم بکیفیتها وموافقتها للواقع أو لفتوی المجتهد الذی یکون مکلفا بالرجوع إلیه فهو ، وإلا فیقضی المقدار الذی یعلم معه بالبراءة علی الأحوط، وإن کان لا یبعد جواز الاکتفاء بالقدر المتیقن .

ص:327

(مسألة 41 ) : إذا علم أن أعماله السابقة کانت مع التقلید ، لکن لا یعلم أنها کانت عن تقلید صحیح أم لا، بنی علی الصحة(1).

إلی أن بعض الاخبار یدل علی ذلک - وفاقاً للمشهور - وإن کان بعض المتأخرین یحملها علی الاستحباب.

ویؤید هذا: ما ذکره بعضهم وجهاً لما قال به لمشهور من أن جریان البراءة - مع التفریط فی الصیام والصلاة والدیون وغیرها حتی نسی - یوجب العلم بالوقوع فی المخالفة أو الاطمئنان بها.

المسألة الحادیة والاربعون: صور الشک فی صحة التقلید بعد العمل

اشارة

(1) الشک تارة یقع فی صحة التقلید وأخری فی صحة العمل المستند إلی التقلید و الشک فی التقلید تارة یقع بنحو استجماع الفقیه للشرائط وأخری یعلم باستجماعه للشرائط ولکنه یشک هل کان بحجة شرعیة أو لا.

الصورة الأولی: الشک فی صحة التقلید والشک فی مطابقة اعماله لفتوی الفقیه الجامع للشرائط لکن شکه فی أن رجوعه إلیه عن حجة أو غیر حجیة کأن استند إلی موازین غیر صحیحة.

وفی هذه الصورة تصح اعماله لأن ما اعتمد علیه من الامارة - التی هی فتوی المجتهد - واجدة لشرائط الحجیة بل ذهب بعضهم إلی أن هذا یجری حتی فی العقائد الحقة ، فمثلاً: لو اعتمد علی غیر الحجة فی

ص:328

العقائد الحقة لکان من الناجین إلا أنه یمکن أن یؤاخذ علی ترک البرهان لاثبات ما عنده من الحق لأن الطریق البرهانی للهدی واجب ولو لأجل تثبیت ما عنده من الحق من اللوابس والشکوک إلا أنه من أهل النجاة.

الصورة الثانیة: أنه لیس من الشک فی الأعمال لکون صورة عمله محفوظة ومطابقة لمن یرجع إلیه وإنما هو الشک فی صحة تقلیده بسبب الشک فی واجدیته للشرائط فهذا الشک ساری إلی أصل صحة أعماله.

وبعض من علق علی العروة یُلزم مثل هذا المکلف بالفحص عن واجدیة الفقیه للشرائط فإن کان واجداً لها صحت أعماله وإلا جری علیه من علم ببطلان تقلیده وإن شک ولم یحرز الواجدیة ولا عدمها فهل تجری فی حقه قاعدة الفراغ أم لا؟

وجریان قاعدة الفراغ واضحة الثمرة علی مبنی المشهور الذین یفتون بصحة أعماله مع صحة تقلیده ظاهرا وإن کان عمله مخالف للفقیه اللاحق والتقلید عمل من الاعمال فتجری قاعدة الفراغ ؛ لتصحیح التقلید المشکوک ، وأما علی مبنی أعلام العصر فتوجد ثمرة أخری بتصحیح التقلید ؛ لأن العبرة بالفتوی الواجدة للشرائط ، فإن کانت اعماله السابقة مخالفة لمن یجب الرجوع إلیه فی غیر الأرکان تجری لا تعاد لتصحیح عمله بشرط أن یکون قاصرا غیر مقصر وقاعدة الفراغ تثبت صحة تقلیده

ص:329

فتجری قاعدة لا تعاد فی غیر الارکان إذا کان قاصرا غیر مقصر فالثمرة فی جریان الفراغ عند المتأخرین اضیق منها عند المتقدمین .

نعم هذه الثمرة إذا کان یعلم بالتفاته ویشک فی تقصیره وإلا فمع علمه بقصوره فهذه الثمرة لیست تامة و ذلک لأن لا تعاد تجری فی حقه إذا کان تقلیداً باطلاً أیضا وکان قاصراً فلا معنی لصحة تقلیده لقاعدة الفراغ لأن الاثار المترتبة علی صحة تقلیده مع المخالفة ببرکة لا تعاد إذا کان قاصرا فی غیر الارکان تثبت تلک الاثار مع القطع ببطلان تقلیده إذا کان قاصراً أیضا ببرکة لا تعاد.

ولا یخفی أن التردید بین وجوب الفحص بالنسبة إلی الاعمال السابقة وبین جریان قاعدة الفراغ مع التسلیم بوجوب الفحص للأعمال اللاحقة ، فهل الکلام فی جریان القاعدة فی طول الفحص أم فی عرضه؟ فإنه مع عدم امکان الفحص تجری القاعدة فی تقلیده بلا کلام.

وأما مع امکان الفحص الذی لا مؤنة ولا کلفة فیه فالفحص متعین أیضا ، وأما فی الموارد التی یحتاج الفحص فیها إلی مؤنة زائدة ، فظاهر جملة من الأعلام - ومنهم الماتن (قدس سره) - جریان الفراغ وعدم أیجاب الفحص الذی فیه مؤنة ؛ بشهادة أن الأعلام فی الفراغ والتجاوز - ولیس البحث فی الاستظهار من کلامهم وإنما الکلام فی الاستظهار من الدلیل مع منبّه من کلام الأعلام علی ما نقوله من عدم جریان الفراغ مع کون

ص:330

الفحص یحصل بأدنی التفات فإن الاصول العلمیة منصرفة عنه ؛ إذ أن

موضوعها الشک الذی فی رفعه کلفة ومؤنة - یذهبون إلی أن الشک إذا کان یزول بالتروی والتأنی وجب علیه التروی والتأنی فلا یترتب علی شکه أثر بل لابدّ من التروی وأما الشک الذی لا یرتفع إلا بالفحص مع المؤنة فتجری فیه قاعدة الفراغ وهو مقتضی ظهور اطلاق أدلتها.

الصورة الثالثة: وفیه ثلاثة فروع:

وهی ما إذا کان الشک فی الأعمال المسندة إلی تقلید مشکوک الصحة فالأعمال - التی وقعت عن تقلید مشکوک - غیر محفوظة صورتها فهل هی مطابقة للتقلید الجدید أم لا؟

وبعبارة أخری : هی نفس الصورة السابقة بضمیمة الشک فی موافقة الاعمال للتقلید الجدید .

وعلیه فتوجد ثلاثة فروع:

الفرع الأول:

أنه یعلم بموافقة الأعمال التی وقعت عن تقلید مشکوک للتقلید الجدید فهذه تصح بلا کلام.

الفرع الثانی:

أن یعلم بمخالفتها للتقلید الجدید فیفصل بین صحة تقلیده السابق

ص:331

فتصح أعماله کما هو رأی المشهور وهو الصحیح وبین رأی المتقدمین الذین یفصلون فی غیر الأرکان بین القاصر والمقصر وقد تقدم بیانه.

الفرع الثالث:

أن یجهل صورة الأعمال التی صدرت منه بتقلید مشکوک مع موافقتها لتقلیده الجدید، وفی هذا الفرع تارة یعلم بکونه مقصرا وأخری یشک فی کونه مقصرا فإن کان قاصراً فتصح إذا کانت المخالفة فی غیر الارکان وأما إذا کان مقصراً فلا تصح عند جملة من الأعلام وأما فی صورة الشک فی کونه مقصراً فیجری استصحاب عدمه لأنه عنوان وجودی مسبوق بالعدم فیثبت موضوع لا تعاد بالاستصحاب و هذا عند متأخری الاعصار وأما علی رأی مشهور المتقدمین فإن هذا الفرع من هذه الصورة لا یختلف عن الصورة الثانیة لأنه إذا صح التقلید بقاعدة الفراغ صحت الأعمال التی وقعت عنه وهو مختارنا .

والکلام فی جریان قاعدة الفراغ فی موراد التقصیر أو الشک فی التقصیر أو هی خاصة بموراد القصور وهذه النکتة لم تبحث فی کلماتهم.

و هذا مشابه لما تقدم من جریان البراءة مع التفریط حتی حصل الجهل بالتکلیف .

ص:332

(مسألة 42 ) : إذا قلد مجتهدا ، ثم شک فی أنه جامع للشرائط أم لا ، وجب علیه الفحص(1).

(مسألة 43 ) : من لیس أهلا للفتوی یحرم علیه الإفتاء وکذا من لیس أهلا للقضاء یحرم علیه القضاء بین الناس، وحکمه لیس بنافذ، ولا یجوز الترافع إلیه ولا الشهادة عنده، والمال الذی یؤخذ بحکمه حرام وإن کان الآخذ محقا، إلا إذا انحصر استنقاذ حقه بالترافع عنده(2).

والصحیح لدینا عموم لا تعاد للمقصر غیر الملتفت للعموم نظیر الجهر فی موضع الاخفات تقصیراً.

المسألة الثانیة والاربعون: إذا قلد مجتهدا ثم شک فی توفر الشرائط

(1) للشک الساری فی شرائط اعتبار الامارة فیجب علیه الفحص، وأما لو کان شکاً فی بقاء الشروط لا شکا ساریا، فله أن یستصحب بقاءها.

المسألة الثالثة والاربعون: حرمة الافتاء والحکم القضائی ممن لیس أهلا للفتوی والقضاء

اشارة

(2) من لیس أهلاً للإفتاء فلیس له الافتاء مطلقاً ، وقد قیل فی وجه حرمة افتاء غیر الفقیه وغیر العالم بأن فتاواه افتراء علی الله ؛ لأنه إسناد

ص:333

إلیه بغیر علم.

ویرده أنه لیس دائما افتراء علی الله کما لو تصدی للافتاء مستنداً فی ذلک للتقلید إلا أنه لا یظهر أنه مقلد فهو غیر مفتری لأنه استند إلی أمارة شرعیة فی فتواه للأخرین فلو کانت جهة الحرمة هی الاخبار والافتراء لکان أخص من المدعی فالتأمل فی هذا الوجه واضح، حتی أن جملة من الأعلام کما فی الجواهر فی بحث القضاء ذکر أن قضاء المقلد المستند إلی تقلیده قضاء وحکم بالعدل لکون مستنده التقلید فیصدق علیه أنه حکم بحکمنا.

والصحیح هو عدم الجواز مطلقا؛ و ذلک لأن من جوز الافتاء من الأعلام اعتمادا واستنادا للتقلید بنی علی أن الافتاء امارة محضة کالروایة فالراوی الذی لا یعلم مضمون الروایة لکن یعلم أنها لیست بکذب یصح له أن ینقلها ، وکذا لو تراضی به اثنان علی أن یفصل بینهما بالتراضی والصلح لا من باب الفصل وهو یعلم صاحب الحق بالتقلید لا مانع من ذلک.

إلا أن الصحیح أن الافتاء لیس إمارة محضة بل إمارة بالکسر وأمارة بالفتح أی فیه جنبة کاشفیة وجنبة ولائیة وزعامة وسلطة ونفوذ فهی منصب والمنصب یحتاج إلی أذن ولهذا قالت الآیة (قُلْ أَ رَأَیْتُمْ ما أَنْزَلَ

ص:334

اَللّهُ لَکُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَ حَلالاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَکُمْ أَمْ عَلَی اللّهِ تَفْتَرُونَ ) (1), فقرینة مقابلة الافتراء بالاذن تدل علی أن المقصود من الافتراء غیر مجرد الکذب. فلو قال: آلله أعلمکم أو أخبرکم أم علی الله تفترون لکان المعنی واضحا فی الکذب کما هو فی الآیة من أنهم یحللون ویحرمون رزق الله فقال: آلله أذن لکم أم علی الله تفترون فالأذن فی المقام ظاهر فی المنصب والولایة لا یناله ولا یرتقیه إلا بالأذن وحیث أن هذا المقام منصب وولایة فلا یکفی العلم بالتقلید کما لم یکف العلم بالاجتهاد مع اختلال أحد الشرائط فهو منصب لا یؤذن إلا لواجد الشرائط من العدالة والعلم والایمان والفقاهة فاختلال شرط من تلک الشروط یرجع إلی اختلال شروط ذلک المنصب الالهی .

فحتی لو کان من أهل العلم والفقاهة إلا أنه لیس بمؤمن فإنه لا ینال ذلک المنصب وما ذلک إلا لاختلال شروط ذلک المنصب وعلی هذا لا یناسب أن یجاب بأنه یلزم التغریر بالناس بأنه عالم وفقیه وغیرها فإن هذه التعلیلات لا تکون مطردة.

وأما علی مبنی من یقول بأن الفتوی أخبار محض فأیضاً لا یصح ؛ لأن الافتاء اخبار ، والاخبار فیه جنبتان:

ص:335


1- (1) - سورة یونس ، الآیة 59 .

الأولی: الاراءة والکاشفیة والجنبة .

والأخری: الالتزام والتعهد ، وهو أمر انشائی . فنقل الخبر عن آخر مع کون صاحب الخبر الاصلی لا یلتزم لأی أحد من الآخرین بهذا الخبر یُعدُّ کذباً علی صاحب الخبر الأصلی فکل خبر تسمعه لا تستطیع أن تخبر به إلا مع الارادة الجدیة للمخبر ومع عدم الارادة الجدیة لا تستطیع الاخبار، والارادة الجدیة هی التزام وتعهد بمطابقة الخبر للواقع وعلیه یعتمد علی الخبر .

فلو أمره الامام (علیه السلام) بعدم الاخبار وقد أخبر فهو یخبر بأن الامام الصادق (علیه السلام) التزم بمضمون الخبر للناس مع أن معنی أمر الامام ووصیته بأن لا یخبر به أحداً هو عدم التزامه وتعهده بمطابقة خبره لغیر السامع منه ولیس ذلک بمعنی أن الواقعیة نسبیة أی لهذا هو واقع ولهذا لیس بواقع فتحدید الواقعیة للاشخاص یختلف باختلاف الصورة فهذا یحدد له الواقعیة بتمامها مثلاً والآخر تحدد له اعراض الواقعیة والاخبار تعدد له لوازم الواقعیة وهکذا فالواقعیة نسبیة فی تصورها وتحدیدها بل أن المطلوب فی الاخبار لیس صرف الارادة بل التعهد بایفاء التحری الکافی فخبر الامام (علیه السلام) لخصوص زید لا یسوغ الاخبار للناس لأنه یعد من الاخبار بالتزام الامام (علیه السلام) للجمیع مع أنه التزم لواحد فقط.

ص:336

ومن هذا القبیل: إذا رجع الشاهد عن شهادته عند القاضی قبل الحکم فلا یحکم علی وفقها لأنه لایلتزم بها وکذا الراوی إذا رجع فی روایته، وکل ذلک لخلوها عن الالتزام والتعهد بمضمونها، فحقیقة الاخبار هی الکاشفیة مع التعهد والالتزام، وهو مفاد الدلالة الجدیة وأما لو اقتصر فیه علی الدلالة التصوریة أو التفهمیة دون الجدیة فإنه لا یعد اخباراً ولهذا إذا اخبر بأمر یعتقد أنه غیر مطابق للواقع وتبین موافقته فهو أیضا کذباً لأنه خلاف ما یلتزم به.

ومن باب أن الشیء بالشیء یذکر أن جملة ممن یسمون بالغلاة لعنوا إلا أن لعنهم لیس لأجل أن ما قالوه زیفاً، نعم هو زیف بمعنی آخر وهو عدم الأذن، فإذا لوحظ ما ورد فی المغیرة بن سعید قال (علیه السلام) : «لعن الله المغیر بن سعید کذب علی أبی وأذاع سره» فما هو الربط بین الکذب واذاعة السر وکذا ابن أبی الخطاب وبنان وغیرهم فی عدة موارد کذب وأذاع سری فإن الکذب بمعنی أخبر بالسر الذی لا التزام به للآخرین .

وقد ذکرنا ذلک مفصلاً فی الجزء الثانی من کتاب الرجال، وقد احصینا فیه ما یقارب أثنی عشر قسماً من الکذب وإن شاء الله نذکر تتمة هذا البحث فی باب القضاء.

ص:337

التفصیل بین افتاء الفاقد لشرطیة غیر العلم وبین غیره فیجوز للاول دون الثانی:

إن من لیس أهلا للفتوی تارة الخلل من جهة أنه غیر واجد للفقاهة وتارة لعدم أهلیته من جهة اختلال العدالة أو غیرها من بقیة الشروط فإن کان من جهة العدالة ونحوها فعند الأعلام بمقتضی القاعدة الجواز إذا لم یلزم منه عنوان محرم آخر لأنه یخبر عن علم، وأما إذا لم یکن فقیها فلا یجوز له الافتاء لانه کذب علی الله ونسبة الاحکام من غیر علم.

إلا أن هذا مبنی علی أن الفتوی أمارة محضة أما بناءا علی أن الفتوی منصب وولایة ومن سنخ السلطة التشریعیة فنفس التصدی لها لا یجوز إلا بأذن من الشارع والمفروض أنهم (علیهم السلام) لم یأذنوا بالفتیا إلا للفقیه الجامع للشرائط... وإلا لو کان عدم العلم هو المحذور لأمکن تجاوزه بالافتاء بواسطة التقلید فلم یکن افتاء بغیر علم بل افتاء بالاحکام الشرعیة عن مستند وأمارة شرعیة إلا أن هذا المنصب یحتاج فی النطق به إلی اذن شرعی وهو ما یعبر عنه بالناطق الرسمی بل حتی لو کانت کاشفة محضة کما تقدم بیانه.

وأما حرمة القضاء فهی کذلک ؛ لأنه مقام ومنصب شرعی ولایته بید الله تعالی وخلفائه (علیهم السلام) ، فهو یحتاج إلی أذن شرعی فالقاعدة الأولیة أنه

ص:338

ملک للغیر فلا یسوغ اقتحامه إلا بمسوغ شرعی، مضافا إلی ما أورده صاحب الوسائل من الاخبار الدال علی ذلک.

1- معتبرة اسحاق بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) لشریح: یا شریح ! قد جلست مجلسا لا یجلسه إلا نبی أو وصی نبی أو شقی»(1).

وفی سندها أبو جملیة وهو المفضل بن صالح، فقد ضعفه النجاشی بقوة وابن الغضائر والفضل بن شاذان إلا أن الوحید البهبهانی (قدس سره) وثقه باعتبار أن تضعیف النجاشی له من جهة اتهامه بالغلو، وکذا الشیخ النمازی (قدس سره) وغیرهما وقالوا بأن روایته سدیدة فی خصوص معارف أهل البیت (علیهم السلام) غایة الامر أنه یوجد فی أخباره المعرفیة ما یصعب هضمه فی ذاک الزمان ، أما الآن فقد اتسعت المباحث العقلیة بشکل دقیق وعمیق بحیث لیس بالسهل رد الدعوی بمجرد استکبارها واستنکارها لغرابتها بل المعول علی الدلیل فی النفی والاثبات.

وأما دلالتها فهی ظاهرة فی الحصر فغیرهما شقی إلا أن تکون ولایته فی طول ولایة الانبیاء والاوصیاء لا فی عرضهما.

2- روایة معاویة بن وهب، قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) یقول : «أی

ص:339


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 3 ص 17 ح 2 .

قاض قضی بین اثنین فأخطأ سقط أبعد من السماء»(1).

وفیه سهل والأمر فیه سهل، وأما عبد الله المؤمن فهو زکریا بن محمد وقد روی عنه الکثیر من الأجلاء والثقات، وعلی فرض أنه واقفی فالثابت أنه ثقة .

3- موثقة سلیمان بن خالد، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «اتقوا الحکومة فان الحکومة إنما هی للإمام العالم بالقضاء، العادل فی المسلمین لنبی أو وصی نبی»(2).

4- صحیحة أبی عبیده، قال: قال أبو جعفر (علیه السلام) : «من أفتی الناس بغیر علم ولا هدی من الله لعنته ملائکة الرحمة وملائکة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتیاه»(3).

5- معتبرة المفضل بن مزید، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «أنهاک عن خصلتین فیهما هلک الرجال: أنهاک أن تدین الله بالباطل، وتفتی الناس بما لا تعلم»(4).

.

ص:340


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 5 ص 32 ح 4 .
2- (2) - المصدر نفسه، ب 3 ص 17 ح 3 .
3- (3) - المصدر نفسه، ب 4 ص 20 ح 1 .
4- (4) - المصدر نفسه، ح 2 .

6- صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قال لی أبو عبد الله (علیه السلام) : «إیاک وخصلتین ففیهما هلک من هلک : إیاک أن تفتی الناس برأیک ، أو تدین بما لا تعلم »(1). وهذه واردة فی الافتاء إلا أن القضاء - کما مرَّ - هو افتاء وزیادة، فتشمله هذه الاخبار.

7- موثقة السکونی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : یعذب الله اللسان بعذاب لا یعذب به شیئا من الجوارح فیقول : أی رب عذبتنی بعذاب لم تعذب به شیئا، فیقال له: خرجت منک کلمة، فبلغت مشارق الأرض ومغاربها فسفک بها الدم الحرام وانتهب بها المال الحرام وانتهک بها الفرج الحرام، وعزتی لأعذبنک بعذاب لا أعذب به شیئا من جوارحک»(2).

8- مرفوعة محمد بن خالد، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «القضاة أربعة ثلاثة فی النار وواحد فی الجنة: رجل قضی بجور وهو یعلم فهو فی النار ، ورجل قضی بجور وهو لا یعلم فهو فی النار ، ورجل قضی بالحق وهو لا یعلم فهو فی النار ورجل قضی بالحق وهو یعلم

ص:341


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 4 ص 21 ح 3 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 4 .

فهو فی الجنة»(1). فهی وإن کانت مرفوعة إلا أنها مشهورة عند الفقهاء ولأن أحد طرقها هی مرسلة ابن ابی عمیر.

وهناک أخبار کثیرة بهذا المضمون إلا أن المعروف عن صاحب الجواهر (قدس سره) فی باب القضاء أنه ذهب إلی جواز قضاء المقلد بفتوی من یقلده علی فرض معرفته بموارد تطبیق فتاوی مقلده، واستدل (قدس سره) بأنه حکم بالحق کما فی معتبرة أبی خدیجة ومصححة ابن حنظلة فقوله: «انظرا إلی رجل» یصدق علی المقلد أنه استقی علمه من أهل البیت (علیهم السلام) فیصدق أنه حکم بحکمهم، وتمسک بقوله تعالی: (وَ إِذا حَکَمْتُمْ بَیْنَ النّاسِ أَنْ تَحْکُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمّا یَعِظُکُمْ بِهِ ...) (2). فهذا حکم بالعدل واقامة العدل والقسط فإنها کلها تنطبق علی حکم المقلد.

واستدل بصحیحة الحلبی قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : ربما کان بین الرجلین من أصحابنا المنازعة فی الشیء فیتراضیان برجل منا، فقال: «لیس هو ذاک إنما هو الذی یجبر الناس علی حکمه بالسیف والسوط»(3).

وقوله : «لیس هو ذاک» أی أنهما یریدان أن یتحاکما إلی الطاغوت ،

ص:342


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 4 ص 22 ح 6 .
2- (2) - سورة النساء ، الآیة 58 .
3- (3) - المصدر نفسه، ب 1 ص 15 ح 6 .

والطاغوت من یجبر الناس علی حکمه بالسیف والسوط ، أی لیس هو قاضی الحکم وإنما من عنده سلطة إجبار .

ویشمله أیضا قوله (علیه السلام) : «رجل قضی بالحق وهو یعلم» ، فالافتاء بواسطة التقلید علم، فصاحب الجواهر (قدس سره) یقول: إن الأدلة الناهیة عن الافتاء بغیر علم، وأنه حکم طاغوت، والتحاکم إلی حکام الجور - الذین لا یحکمون بحکم أهل البیت (علیهم السلام) - لیست بصدد اشتراط الفقاهة فالتمسک تام بالمطلقات من الآیات والرویات فی شمولها الحکم بواسطة التقلید فالاعتماد علیه نوع من اقامة القسط والعدل فمثل "أقیموا العدل" وغیرها تشمل الحکم بین الناس بواسطة التقلید.

وأما السید الگلپایگانی (قدس سره) فیخرجه بوجه آخر لا بالمطلقات التی اعتمدها صاحب الجواهر (قدس سره) ، إلا أن الصحیح هو أن هذا لیس بکاشف محض بل ولایة منصب وزعامة فتحتاج إلی أذن وهو لا یتوقف علی العلم فحسب .

9- محسّنة أبی بصیر، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : قول الله (عز وجل) فی کتابه: (وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَی الْحُکّامِ ) ، فقال : «یا أبا بصیر، إن الله (عز وجل) قد علم أن فی الأمة حکاما یجورون، أما إنه لم یعن : حکام أهل العدل ولکنه عنی حکام أهل الجور، یا أبا محمد انه لو کان لک علی رجل حق فدعوته إلی

ص:343

حکام أهل العدل ، فأبی علیک إلا أن یرافعک إلی حکام أهل الجور لیقضوا له، لکان ممن حاکم إلی الطاغوت وهو قول الله (عز وجل) : (أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَیْکَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِکَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاکَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ ) (1)»(2).

10- صحیحة عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «أیما مؤمن قدم مؤمنا فی خصومة إلی قاض أو سلطان جائر فقضی علیه بغیر حکم الله ، فقد شرکه فی الاثم»(3).

11- معتبرة أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال فی رجل کان بینه وبین أخ له مماراة فی حق ، فدعاه إلی رجل من اخوانه لیحکم بینه وبینه ، فأبی إلا أن یرافعه إلی هؤلاء : «کان بمنزلة الذین قال الله (عز وجل) : (أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَیْکَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِکَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاکَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ ...) الآیة»(4).

ص:344


1- (1) - سورة النساء ، الآیة 60 .
2- (2) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 4 ص 21 ح 3 .
3- (3) - المصدر نفسه، ب 1 ص 11 ح 1 .
4- (4) - المصدر نفسه، ح 2 .

12- صحیحة ابن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجلین من أصحابنا بینهما منازعة فی دین أو میراث فتحاکما إلی السلطان أو إلی القضاة أیحل ذلک؟ فقال: «من تحاکم إلیهم فی حق أو باطل فإنما تحاکم إلی طاغوت وما یحکم له فإنما یأخذ سحتا وإن کان حقه ثابتا، لأنه أخذه بحکم الطاغوت وقد أمر الله أن یکفر به قال الله تعالی: (یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاکَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ یَکْفُرُوا بِهِ ) » الحدیث(1).

13- معتبرة أبی خدیجة، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) : «إیاکم أن یحاکم بعضکم بعضا إلی أهل الجور ولکن انظروا إلی رجل منکم یعلم شیئا من قضایانا فأجعلوه بینکم فإنی قد جعلته قاضیا ، فتحاکموا إلیه»(2).

وروایات کثیرة ذکرها صاحب الوسائل منها الصحیحة والموثّقة، ومفادها إذا کان غیر مؤمن فهو مورد هذه الاخبار، وأما لو کان مؤمنا ولکنه غیر عادل مع کونه ذا فقاهة أو عادل مؤمن ولکنه غیر واجد لبقیة الشرائط إلا أن الکلام فی کونه مصداقا لهذه الآیة وهو کلام آخر.

ص:345


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 1 ص 13 ح 4 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 5 .

والکلام فی أن التحاکم له غیر جائز لأنه غیر مأذون شرعاً ولیست له صلاحیة، فالترافع إلیه یکون من تولیة الامور من لیس أهلاً لها، ویمکن شمول آیة التحاکم إلی الطاغوت لأن الطاغی هو کل من لم یکن علی الموازین وهی تارة من جهة فقدان ما یحکم وتارة من جهة تولیه منصبا لیس له، فتشمله أیضا عمومات التحریم مثل الاعانة علی الاثم وغیرها نعم لو أذن له الفقیه بالفصل بفتواه کان إذناً.

فرع فقهی: أخذ المال بحکم من لیس أهلا للفتوی:

أن المال الذی یؤخذ بحکم من لم یکن أهلا للفتوی حرام وإن کان الآخذ محقاً إلا إذا توقف وانحصر استنقاذ حقه بالترافع عند من لم تتوفر فیه الشروط، ومقتضی اطلاق حرمة المال یشمل ما لو کانت العین شخصیة، هکذا ذکر الماتن (قدس سره) ، ولم یوافقه جملة من المحشین منهم السید محمود الشاهرودی (قدس سره) حیث ذهب إلی حرمة نفس المال إذا کان اثبات الحق بحکم من لیس أهلاً للحکم، وأما لو کان الحق ثابتا بطریق آخر کالبینة فإن کان المأخوذ عین ماله الشخصیة فالأخذ حراما دون المال وإن کان کلیاً وکان هو القاضی المباشر للتعیین فالتصرف فیه غیر جائز - لأن تعیین الجائر لغو - وإن کان المدیون ممتنعاً ، فیثبت له حق الاقتصاص؛ لأن المفروض عدم انحصار تخلیص حقه بالرجوع إلی من لم یکن أهلا للفتوی.

ص:346

وأما السید الگلپایگانی (قدس سره) : فقد ذهب إلی الحرمة إلا أن یکون المأخوذ عین أمواله، فالظاهر حینئذ حرمة نفس الأخذ لا المال.

وذهب السید الهادی المیلانی (قدس سره) إلی حرمة غیر عین ماله وإلا فهو ماله وملکه وإن عصی فی طریق الوصول إلیه، فجملة من المحشین أمضوا نفس هذه العبارة.

وأما السید الخوئی (قدس سره) فتفصیله غیر ما تقدم فقد ذهب إلی أن الحرمة فی خصوص ما إذا کان المال کلیا فی الذمة ولم یکن للمحکوم حق تعیینه خارجاً، وأما لو کان عیناً خارجیة أو کان کلیاً وکان له حق التعیین بالاقتصاص مثلاً فلا یکون أخذه حراماً.

والکلام یقع فی الروایات الواردة فی هذه المسألة ومنها:

1- صحیحة ابن حنظلة المتقدمة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «من تحاکم إلیهم فی حق أو باطل فإنما تحاکم إلی طاغوت وما یحکم له فإنما یأخذ سحتا وإن کان حقه ثابتا، لأنه أخذه بحکم الطاغوت وقد أمر الله أن یکفر به قال الله تعالی: (یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاکَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ یَکْفُرُوا بِهِ ) » الحدیث(1).

ص:347


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 1 ص 13 ح 4 .

اعتبار عمر بن حنظلة وفتح باب الاجتهاد فی الرجال:

والسید الخوئی (قدس سره) لا یبنی علی وثاقة عمر بن حنظلة، والحال أنّا وجدنا قرائن حسّیة بلغت إحدی عشرة قرینة، ذکرناها فی مسائل (هیویات فقهیة) أنه من الأجلاء ومن نظائر محمد بن مسلم وزرارة، ومنها: صحیحة محمد بن مسلم فی مسألة لامرأة من آل المختار - وهو من البیوتات الشیعیة الکبیرة فی الکوفة - فاستفتوا فیها عمر بن حنظلة فذهب إلی المدینة وسأل الامام الصادق (علیه السلام) فأجابهم بالجواب(1).

فمثل الفقیه محمد بن مسلم یستشهد علی حکم المسألة أو یفتی استناداً لما رواه ابن حنظلة عن الصادق (علیه السلام) ، فهذا یدل علی مکانته. فرجوع أهل الکوفة إلیه و أخذ ابن مسلم عنه یدل علی أنه من المراجع .

وأیضا أخوه علی بن حظلة، مع أنه ثقة، فإن الاصحاب إذا أرادوا تعریفه یعرفونه بأخیه عمر بن حنظلة وأکثر روایاته مثل روایات زرارة وأضرابه متینة ودقیقیة سؤالا وجوابا، ونقیة الالفاظ و هذا یدل علی فقاهته وجزالته فی الفهم والحفظ والضبط فالفقاهة مما تؤثر فی الضبط لکون الفقیه یلتفت إلی زوایا وقیود وفروق ونکات لها مساس بالجانب الاستدلالی وأما بالنسبة إلی غیر الفقیه فإنه لا یلتفت إلی تلک الامور کما

ص:348


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 23 کتاب الجعالة، ب 11 ص 220 ح 10 .

فی العلوم الطبیعیة... فمثلاً تری المتخصص یحفظ تلک القوانین بخصوصیاتها وشروطها فالتخصص فی الشیء یؤثر فی الضبط.

فمثلا: نقلُ الفقیه لروایة فی الفروع یکون اضبط من غیره، ولهذا نقول فی مثل رواة المعارف: إن مثل محمد بن سنان و مثل جابر بن یزید الجعفی وأبو جمیلة: إنهم أکثر ضبطا من غیرهم فی باب المعارف من مثل معاویة بن وهب وهو راوی روایات باب الحج فسأل مسألة فی أوصاف الله تعالی فقال له الامام (علیه السلام) : «ما أسوء حالک لو مت علی هذا الحال» مع أن هذه المسائل سهلة لا کلفة فیها عند مثل محمد بن سنان وجابر الجعفی والنوفلی والنخعی وهو موسی بن عمران النخعی راوی زیارة الجامعة الثقة وغیرهم فهذه المطالب المعرفیة سهلة عند مثل هؤلاء لتخصصهم فی هذا المجال... فالتخصص یؤثر کثیراً فی النقل والحفظ والنقل بالمعنی وغیرها من القرائن.

فالنکتة المهمة هی أن باب الاجتهاد مفتوح فی علم الرجال، وذکرنا اربعة عشر منهجاً فی التوثیق وزدنا علیها ثلاثة فی الجزء الثانی فالمجموع سبعة عشر منهجا، فالاستناد مثلا إلی توثیق النجاشی مستقلاً نحواً من تقلید، نعم یمکن جعله جزء قرینة من الاجتهاد، ففرق بین التقلید فی علم الرجال وبین الاجتهاد فیه، فروایة ابن حنظلة صحیحة ولیست بمقبولة فقط.

ص:349

وأما الدلالة فقوله (علیه السلام) : «فإنما تحاکم إلی طاغوت وقد أمروا أن یکفروا به» ، فنفس الترافع حرام .

وقوله (علیه السلام) : «ما یحکم له سحتا» فالأخذ أیضا حرام ونفس المال حرام ابتداء وبقاءا، وباطلاقه لا یختص بالکلی أو الشخصی وقد قیل فی وجه التعمیم قوله (علیه السلام) : «دَین أو میراث» فإن الدین کلی فی الذمة والمیراث عین شخصیة وسیأتی بیان ذلک فی جواب الاشکال الثالث، فدلالتها علی الحرمة مطلقافتشمل أخذ المال ونفس المال ولا فرق بین العین الشخصیة والکلی فی الذمة فالحرمة شاملة.

وقد ذکر السید الگلپایگانی (قدس سره) فی بحث القضاء أن مورد الروایة - علی ما ببالی - فی قوله (علیه السلام) : «و إن کان حقه ثابتا» هو مورد الحق وهو الکلی فقط، لأن الحق یطلق علی الکلی فی الذمة وأما العین الشخصیة لا یقال لها حق ثابت بل مال وملک . فالتعبیر بالحق الثابت ظاهر فی الکلی الذی یعین فی مصداق، فلا یسوغ تعیینه فی مصداق بحکم الحاکم الجائر لأن حکمه وتعیینه غیر نافذ، فلا تشمل الروایة العین الشخصیة.

والجواب: أن المراد من الحق ما فی قبال البطلان وعدم الواقعیة والکذب ، والمراد من الحق هو الواقعیة والموافقة للشریعة ، ولا ننکر استعمال الحق فی الکلی ، إلا أن المراد منه فی المقام الواقعیة والصدق

ص:350

فی قبال عدم الواقعیة والکذب بقرینة صدر الروایة قوله (علیه السلام) : «حق أو باطل» وعلیه فلا یصح أن یکون ماذکره (قدس سره) مانعا من شمول الروایة للعین الشخصیة وأیضا لما سیأتی فی جواب الاشکال الثالث.

وذکر السید الخوئی(قدس سره) قرینة علی جواز أخذه من باب الاقتصاص و لو کان کلیاً من جهة أن الاقتصاص سبب سابق علی حکم الحاکم الجائر فلا یکون سحتاً فالمال مباح والأخذ محرم.

فهذه الصحاح هی من أبین روایات الباب دلالة، وهی:

1- صحیحة ابن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : «أیما مؤمن قدم مؤمنا فی خصومة إلی قاض أو سلطان جائر فقضی علیه بغیر حکم الله ، فقد شرکه فی الاثم»(1).

فقوله (علیه السلام) : «بغیر حکم الله» یندرج فیه غیر حکم أهل البیت (علیهم السلام) والحکم الذی علی غیر الموازین من کونه غیرواجد للشرائط، وهذه مطلقة من جهة أن المال المأخوذ حرام أم لا؟ فربما یقال إنها ساکتة عن التعرض إلی ذلک بخلاف صحیحة ابن حنظلة فإنها صریحة فی ذلک.

2- معتبرة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله (علیه السلام) ، قال فی رجل کان بینه وبین أخ له مماراة فی حق، فدعاه إلی رجل من اخوانه لیحکم بینه وبینه

ص:351


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 1 ص 11 ح 1 .

فأبی إلا أن یرافعه إلی هؤلاء : «کان بمنزلة الذین قال الله (عز وجل) : (أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَیْکَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِکَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاکَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ ...) الآیة»(1) .

وبقیة الروایات فیها إجمال وإن کانت نقیة الاسناد مثل معتبر أبی خدیجة عن الصادق (علیه السلام) : «إیاکم أن یحاکم بعضکم بعضا إلی أهل الجور ولکن انظروا إلی رجل منکم یعلم شیئا من قضایانا فأجعلوه».

الإشکالات المطروحة علی صحیحة ابن حنضلة

اشارة

وقد اشکل علی صحیحة ابن حنظلة بعدة إشکالات:

الاشکال الأول وجوابه:

ضعف السند ، وقد تقدم الجواب عنه.

الاشکال الثانی وجوابه:

أن استفادة حرمة المال بقوله: «سحت» غیر تامة و ذلک لأن هذه الکلمة فی المقام مجملة فحملها علی الحرمة غیر ثابت و ذلک لأن السحت بمعنی الحرمة استعمل فی الکسب الحرام کالربا والقمار ، أو ما یکون المال نفسه خبیثاً کالمیتة والخنزیر والخمر ، وأما ما لم یکن خبیثا

ص:352


1- (1) - المصدر نفسه، ح 2 .

ولا بکسب حرام فکیف یسمی سحتاً ؟ فالسحت هنا مجمل لا ینطبق علیه المعنی المعهود فلا یعلم ما المراد منه فلا یتم الاستدلال بهذه الفقرة.

و هذا الاشکال مدفوع :

أولاً: بکون المراد من الکسب الحرام ما هو سبب للتملیک الحرام فهنا أیضا الکلام فی سبب التملیک إلا أنه سبب اثباتی لاجل ثبوت حقه فی مقام الاثبات بحکم الحاکم الجائر بل حتی ثبوتا إذ لم یستطع أن یسترد حقه إلا بواسطة حکم الحاکم.

وثانیاً: أن المال الحلال ذاتا لا مانع أن یطرأ علیه عنوان یجعله مالا خبیثاً فطرو عنوان أن هذا مال مأخوذ بواسطة الجائر قابل أن یکون حراما فحلیته الطبعیة موجودة ولکن بعنوان أخر یطرأ علیه کعنوان المأخوذ بواسطة الجائر یکون حراماً فهذه الحرمة العرضیة لا تتنافی مع الحرمة الطبعیة مثل الماء المغصوب فإن غصبیته لا تتنافی مع حلیته الذاتیة، فیکون هذا المال حلال ذاتا باعتباره مالاً وحراما عرضا باعتبار أنه مأخوذ بواسطة الحاکم الجائر فلا مانع من أن یکون الشیء فی نفسه حلال ویکون حراما بعارض علیه فالمال من حیث انه ملک حلال ومن حیث أنه مأخوذ بواسطة الحاکم الجائر فهو حرام .

و هذا لا ینافی استعمال السحت فی الامر الدنیء والمکروه بقرینةٍ

ص:353

وإلا فالاصل أن السحت هو المحرم.

الاشکال الثالث وجوابه:

بعد التسلیم بصحة سندها وعدم اجمال کلمة (السحت) - أن المراد من (السحت) هو الکلی فلا تشمل الروایة العین الشخصیة فإن الدین کلی لأنه فی الذمة وأما المیراث فهو من حیث یحتاج إلی التقسیم فهو لیس بعین شخصیة بل هو عین مشترکة فالقسمة والتعیین للمال المشترک یحتاج إلی قاضٍ عدل لا قاضی جور بل مورد الروایة هو التنازع فی الشبهة الحکمیة فی المیراث لا الشبهة الموضوعیة فصدر الروایة مورده التنازع فی حکم المیراث، ففی تتمة الروایة قال: (فإن کان کل واحد اختار رجلا من اصحابنا فرضیا أن یکونا ناظرین فی حقهما واختلفا فیما حکما وکلاهما اختلافا فی حدیثکم) ، فهذا فی الشبهة الحکمیة.

والجواب: أن مورد السؤال الدین وهو کلی والمیراث من جهة الشبهة الحکمیة وهو کلی أیضا إلا أن هذه موارد للروایة والمورد لا یقید الوارد فقوله (علیه السلام): «من تحاکم إلیهم فی حق أو باطل فإنما تحاکم إلی طاغوت وما یحکم له فإنما یأخذ سحتا وإن کان حقه ثابتا ، لأنه أخذه بحکم الطاغوت» مطلق، فما هو المخصص لها بالکلی دون العین الشخصیة ؟

ص:354

ولهذا ذهب جملة من الأعلام إلی أن نفس المال - وإن کان شخصیاً فأخذه - حرام مع أنه لیس مورداً للروایة ولا مانع من طرو عروض الحرمة التکلیفیة - وهی لا تنافی الحلیة الوضعیة وهی الملکیة - علی المال الحلال بواسطة أخذه بواسطة الظالم، وتوجد اخبار تبین تلون المال الواحد بألوان متعددة بحسب الاسباب الطارئة علیه فید الحاکم الجائر عنوان موجب للحرمة التکلیفیة فانظر مثلاً إلی طرو عنوان البرکة أو عنوان زیادة البرکة .

فعن أبی عبد الله (علیه السلام) ، عن أبیه قال : «جاء رجل إلی أمیر المؤمنین (علیه السلام) فقال: یا أمیر المؤمنین، بی وجع بطن؟ فقال له أمیر المؤمنین (علیه السلام) : لک زوجة؟ قال: نعم . قال: استوهب منها طیبة نفسها من مالها، ثم اشتر به عسلا، ثم أسکب علیه من ماء السماء ، ثم اشربه، فإنی أسمع الله یقول فی کتابه: (وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَکاً) ، وقال: (یَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِیهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ ) ، وقال: (فَإِنْ طِبْنَ لَکُمْ عَنْ شَیْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَکُلُوهُ هَنِیئاً مَرِیئاً) (1) ، قال: یعنی بذلک أموالهن التی فی أیدیهن مما ملکن»(2).

ص:355


1- (1) - الآیات بالترتیب: سورة ق ، الآیة 9 . سورة النحل ، الآیة 69 . سورة النساء، الآیة 4 .
2- (2) - وسائل الشیعة: ج 21 أبواب المهور، ب 26 ص 285 ح 4 .

وعنه (علیه السلام) قال: «اشتکی رجل إلی أمیر المؤمنین (علیه السلام) فقال له: سل من امرأتک درهما من صداقها فاشتر به عسلا فاشربه بماء السماء . ففعل ما أمر به فبرئ، فسأل أمیر المؤمنین (علیه السلام) عن ذلک ، أشیء سمعته من النبی (صلی الله علیه و آله) ؟ قال: لا، ولکنی سمعت الله یقول فی کتابه: (فَإِنْ طِبْنَ لَکُمْ عَنْ شَیْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَکُلُوهُ هَنِیئاً مَرِیئاً) ، وقال : (یَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِیهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ ) ، وقال : (وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَکاً) فاجتمع الهنیء والمریء والبرکة والشفاء ، فرجوت بذلک البرء»(1).

وروی البرقی، عن بعض أصحابنا قال: دفعت إلی امرأة غزلا فقالت: ادفعه بمکة لیخاط به کسوة للکعبة قال : فکرهت أن أدفعه إلی الحجبة و أنا أعرفهم ، فلما صرت إلی المدینة دخلت علی أبی جعفر (علیه السلام) وحکیت له ذلک فقال: «اشتر به عسلا وزعفرانا وخذ من طین قبر الحسین (علیه السلام) واعجنه بماء السماء واجعل فیه شیئا من عسل وزعفران وفرقه علی الشیعة لیداووا به مرضاهم»(2).

وشبیه هذا اختلاط الحلال والحرام فإنه یوجب سلب البرکة، فسبب الملکیة موجود ولکن عروض عنوان آخر یسلب طبیعة البرکة أو یزیلها.

ص:356


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 21 أبواب المهور، ب 26 ص 285 ح 5 .
2- (2) - وسائل الشیعة: ج 25 أبواب الأطعمة المباحة، ب 49 ص 100 ح 13 .

الاشکال الرابع: بوجود المعاوض لمصححة ابن حنظلة وجوابه:

أن فی هذا الباب روایات متعددة معارضة لروایة ابن حنظلة دالة علی التفصیل بین کون دعوی المحق ودعوی المبطل فی حلیة المال لا فی الأخذ وإلا فالأخذ حرام فإن کانت دعواه کاذبة فالمال حرام لأنه غصب وإن کانت دعواه صادقة ومحقة فالمال حلال لأنه ماله.

فنفس مصححة ابن حظلة ومعتبرة أبی خدیجة دلالتهما موافقة لما دلت علیه الآیة : (أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَیْکَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِکَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاکَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ یَکْفُرُوا بِهِ وَ یُرِیدُ الشَّیْطانُ أَنْ یُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِیداً) .

ومن تلک الروایات التی یمکن أن تعارض صحیحة ابن حنظلة:

محسّنة أبی بصیر، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : قول الله (عز وجل) فی کتابه: (وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَی الْحُکّامِ ) ، فقال : «یا أبا بصیر، إن الله (عز وجل) قد علم أن فی الأمة حکاما یجورون، أما أنه لم یعن: حکام أهل العدل ولکنه عنی حکام أهل الجور، یا أبا محمد انه لو کان لک علی رجل حق فدعوته إلی حکام أهل العدل، فأبی علیک إلا أن یرافعک إلی حکام أهل الجور لیقضوا له، لکان ممن حاکم إلی الطاغوت وهو قول الله (عز وجل) : (أَ لَمْ تَرَ إِلَی

الَّذِینَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَیْکَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِکَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاکَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ ) »1.

ص:357

الَّذِینَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَیْکَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِکَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاکَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ ) »(1).

وقد وصف بالضعف وجمیع رواته ثقات إلا عبد الله بن بحر فإنه لم یضعف وروی عنه الحسین بن سعید والحسن بن علی بن النعمان علی کلام ومحمد بن خالد والعباس بن معروف فتثبت وثاقته.

فقوله تعالی: (وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَی الْحُکّامِ لِتَأْکُلُوا فَرِیقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) ، غیر الآیة المتقدمة فی صحیحة ابن حنظلة المتعرضة للترافع والتحاکم وبالتبع متعرضة للمال، أما هذه الآیة فهی متعرضة مباشرة ومطابقة لنفس حکم المال وهو قوله تعالی (وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ ...) .

ومورد خبر أبی بصیر هو النهی عن التحاکم إلی الطاغوت فیما إذا کان مبطلاً لا ما إذا کان محقاً، فالمبطل حرام علیه حیث توسل إلی باطله بحکم الطاغوت، فالحرمة منصبة علی المبطل دون المحق ولا أقل لو اشکل بعمومآیة التحاکم إلی الطاغوت بأن نهیهاشاملللمحق والمبطل، فآیة :(وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَی الْحُکّامِ لِتَأْکُلُوا فَرِیقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) أی بحکم الحاکم

ص:


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 4 ص 21 ح 3 .

بما إذا کان مبطلاً فلهذا قالوا بأنها معارضة لروایة ابن حنظلة فی المال فإن نفس حرمة المال مخصوصة بالمبطل دون المحق فالمال حلال کما لو أخذ حقه فإنه لیس أکلا للمال بالباطل. هکذا قرروا المعارضة بین هذه الروایة وصحیحة ابن حنظلة؟

وفیه :

أن مورد الآیة التی فی خبر أبی بصیر مخالف لمورد صحیحة ابن حنظلة بل أن البحث أجنبی عما نحن بصدده فهذه الآیة من سورة البقرة متعرضة للحرمة الوضعیة التی لازمها التکلیفیة للمبطل من حیثیة بطلان عقد البیع مثلاً وما نحن فیه من سورة النساء متعرضة للحرمة التکلیفیة لأخذ المال من قبل الجائر تکلیفاً فصحیحة ابن حنظلة متعرضة للحرمة التکلیفیة وخبر أبی بصیر متعرض للحرمة الوضعیة .

فلیست سورة البقرة بصدد أن المتحاکم للطاغوت هو المبطل فقط بل ناظرة للحرمة الوضعیة التی لازمها الحرمة التکلیفیة، و هذا لا ینافی أن الآیة من سورة النساء متعرضة للحرمة تکلیفیة بلحاظ عدم نفوذ حکم الحاکم وعدم تعینه للکلی فی المصداق مثلاً ... فلا معارضة.

وصحیحة عبد الله بن سنان المتقدمة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «أیما مؤمن قدم مؤمنا فی خصومة إلی قاض أو سلطان جائر فقضی

ص:359

علیه بغیر حکم الله ، فقد شرکه فی الاثم»(1).

فهذه لا تحصر حلّیة التحاکم بکونه بحکم الله، فهی عامة للتحاکم عنده، وأما إذا کان بغیر حکم الله فتزداد الحرمة؛ لکونه تحاکماً للطاغوت ولکونه بغیر حکم الله . وواضح أن الحرمة مختصة بکونها بغیر حکم الله وأما لو قلنا أن لهذا مفهوم فیکون مفهوم قوله (علیه السلام) : «بغیر حکم الله» أنه إذا کان حکم الجائر بحکم الله لکان جائزاً.

وموثقة الحسن بن علی بن فضال، قال: قرأت فی کتاب أبی الأسد إلی أبی الحسن الثانی (علیه السلام) وقرأته بخطه سأله ما تفسیر قوله تعالی: :(وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَی الْحُکّامِ ) ، فکتب بخطه : «الحکام القضاة ثم کتب تحته : هو أن یعلم الرجل أنه ظالم فیحکم له القاضی ، فهو غیر معذور فی أخذه ذلک الذی قد حکم له إذا کان قد علم أنه ظالم»(2).

أما السند، فجهالة أبی الأسد لا تضر ؛ لأن ابن فضال یشهد أن الخط خط الامام الهادی (علیه السلام) ، وأما الدلالة فمن جهة حصر حرمة الأخذ بکون الآخذ ظالماً ، فهو یدل علی أن الآخذ لو کان محقاً لا مانع من تحاکمه

ص:360


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 1 ص 11 ح 1 .
2- (2) - المصدر نفسه، ص 15 ح 9 .

وأخذه للمال فالتحاکم إلی الحکام - المقصود بهم حکام الجور بقرینة خبر أبی بصیر: «أنه علم أنه سیکون حکام جور» فبقرینة خبر أبی بصیر تکون هاتین الروایتین مفادهما معارض لصحیحة ابن حنظلة.

والجواب: أنه لا معارضة؛ و ذلک لأن هذه الموثقة بصدد تفسیر الآیة

من سورة البقرة فی الحرمة الوضعیة والحرمة الوضعیة دائرة مدار کون الانسان مبطلا لا محقا، فالحرمة الوضعیة متحققة لتحقق اسبابها وإلا فالمحق لیس معه بطلان وضعی... فالثابت علیه هی الحرمة التکلیفیة بصحیحة ابن حنظلة.

فالترافع حرام والأخذ حرام والتصرف فی المال الشخصی أیضا حرام وحرمته الوضعیة تابعة لعدم تحقق السبب الشرعی وهو بحث آخر، و لو کان السبب الشرعی متحقق مثل ثبوت التقاص إلا أنه لا یرفع الحرمة التکلیفیة.

جواز الترافع عندهم والتصرف فی المال الشخصی بانحصاره بذلک ویستدل علی ذلک بأمور:

اشارة

ولا یخفی أن هذه الحرمة التکلیفیة مقیدة بعدم انحصار استنقاذ الحق بطریق غیر مشروع ویدل علی ذلک أمور:

ص:361

الأمر الأول: دلالة الآیات والاخبار:

دلالة الآیات والروایات - الناهیة عن التحاکم إلی حکام الجور - علی انحصار ذلک بتمکنهم من الرجوع إلی النبی (صلی الله علیه و آله) ، ومع ذلک یتحاکمون إلی غیره من حکام الجور فلا تشمل موراد انحصار استنقاذ الحق بالحکام الجور.

الأمر الثانی: ما ورد فی بیان کیفیة صیاغة الشهادة:

وجود نصوص فی أبواب الشهادة تبین کیفیة صیاغة شهادة الحق مع المخالفین - مع أن الشهادة حق وصدق - لاستنقاذ حقوق المؤمنین و ذلک لأن کیفیة صیاغة شهادة الشاهدین لها تأثیر کبیر فی اثبات الحق أو عدمه مثلا بدل أن یقول إن زیداً استدان منی - فیکون مدعیاً فیطالب بالبینة - یقول: إن زیداً لم یسدد لی دینی فیکون منکراً فلا یطالب بالبینة وأیضا فی أرث البنت فإنه عندهم ترث النصف، فالامام (علیه السلام) یقول له: لا تشهد بأن هذا إرث، فإنها لا تعطی حقها کاملاً بل اشهد بأن هذا المال کله لها بدون ذکر السبب حتی یثبت لها حقها کاملاً، وحیث أن الشهادة عند هؤلاء ترافع إلی حکام الجور فهذه الاخبار تدل علی جواز استنقاذ حقوق المؤمنین بالترافع عند الظلمة لاستنقاذ الحقوق.

ص:362

والاخبار الدالة بطریق أولی علی جواز رجوع المدعی أو المنکر تدل علی أن الترافع لاستنقاذ الحقوق إذا انحصر لا مانع منه، ومنها:

1- معتبرة داوود بن حصین، سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول : «إذا أشهدت علی شهادة فأردت أن تقیمها فغیرها کیف شئت ورتبها وصححها بما استطعت حتی یصح الشیء لصاحب الحق بعد أن لا تکون تشهد إلا بحقه ، ولا تزید فی نفس الحق ما لیس بحق، فإنما الشاهد یبطل الحق ویحق الحق ، وبالشاهد یوجب الحق، وبالشاهد یعطی، و أن للشاهد فی إقامة الشهادة بتصحیحها - بکل ما یجد إلیه السبیل من زیادة الألفاظ والمعانی، والتفسیر فی الشهادة ما به یثبت الحق ویصححه ولا یؤخذ به زیادة علی الحق - مثل أجر الصائم القائم المجاهد بسیفه فی سبیل الله»(1).

2- روایة داود بن الحصین، قال : سمعت من سأل أبا عبد الله (علیه السلام) - و أنا حاضر - عن الرجل یکون عنده الشهادة، وهؤلاء القضاة لا یقبلون الشهادات إلا علی تصحیح ما یرون فیه من مذهبهم، وإنی إذا أقمت الشهادة احتجت إلی أن أغیرها ، بخلاف ما أشهدت علیه وأزید فی الألفاظ ما لم أشهد علیه ، وإلا لم یصح فی قضائهم لصاحب الحق ما

ص:363


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 کتاب الشهادات، ب 4 ص 316 ح 1 .

أشهدت علیه، أفیحل لی ذلک؟ فقال: «إی والله، ولک أفضل الأجر والثواب، فصححها بکل ما قدرت علیه مما یرون التصحیح به فی قضائهم »(1).

3- مرسلة عثمان بن عیسی، عن بعض أصحابنا عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قلت له: تکون للرجل من إخوانی عندی الشهادة لیس کلها تجیزها القضاة عندنا، قال: «إذا علمت أنها حق فصححها بکل وجه حتی یصح له حقه»(2).

4- معتبرة المفضل بن عمر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) - فی کتابه إلیه قال: «و أما ما ذکرت أنهم یستحلون الشهادات بعضهم لبعض علی غیرهم فان ذلک لا یجوز ولا یحل، ولیس هو علی ما تأولوا إلا لقول الله (عز وجل) - وذکر حکم الوصیة - ثم قال: وکان رسول الله (صلی الله علیه و آله) یقضی بشهادة رجل واحد مع یمین المدعی، ولا یبطل حق مسلم، ولا یرد شهادة مؤمن، فإذا أخذ یمین المدعی وشهادة الرجل الواحد قضی له بحقه، ولیس یعمل بهذا، فإذا کان لرجل مسلم قبل آخر حق

ص:364


1- (1) - المصدر نفسه، ح 2 .
2- (2) - المصدر نفسه، ص 317 ح 2 .

فجحده ولم یقضوا له شاهد غیر واحد، فهو إذا رفعه إلی بعض ولاة الجور أبطل حقه ولم یقضوا فیه بقضاء رسول الله (صلی الله علیه و آله) کان فی الحق أن لا یبطل حق رجل مسلم فیستخرج الله علی یدیه حق رجل مسلم، ویأجره الله (عز وجل) ویحیی عدلا کان رسول الله (صلی الله علیه و آله) یعمل به»(1).

أما سندها فمعتبر وأیضاً وجدنا قرائن وشواهد تدل علی توثیق القاسم بن الربیع، وهذه الروایة لها شواهد عجیبة .

والمتصفح فی أبواب الأخبار یجد موارد عدیدة بجواز الشهادة عند حکام الجور لاحقاق الحق مما یدل علی أن عدم المنع من الترافع عندهم فی ظرف الانحصار.

والأمر الثالث: قاعدة الحرج والضرر

فإن مقتضی قاعدة الحرج والضرورة ارتفاع هذه الحرمة و مما یعضد ارتفاعها ما ورد - فی أبواب ما یکتسب به باب الولایة - من جواز تولی ولایة حکام الجور لدفع الضرر عن المؤمنین أو تخفیف الضرر عنهم فیجب، ولهذا یقال إن الأحکام الشرعیة لیست مستعصیة بل فیها مرونة بحسب الظروف والعناوین الطارئة.

ص:365


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 کتاب الشهادات، ب 18 ص 339 ح 3 .

(مسألة 44 ) : یجب فی المفتی والقاضی العدالة(1).......................

المسألة الاربعة والاربعون: اشتراط العدالة فی المفتی والقاضی

اشارة

(1) تقدمت أدلة اعتبار العدالة فی المفتی، وقلنا إن النیابة المجعولة من الشارع مجعولة للفقهاء بشروط منها العدالة وهو ما تدل علیه جملة من الاخبار المعتبرة(1) الدالة علی الایمان، کقوله (علیه السلام) : «المأمون علی الدین والدنیا» ، وروایة الإمام العسکری (علیه السلام) المعتبر اجمالاً: «مخالفا لهواه مطیعا لأمر مولاه» ، فإنها دالة بوضوح علی اعتبار العدالة بل قیل إنها تدل علی ما یزید علی العدالة، وأیضا یمکن أن یستدل بما فی ا التوقیع المبارک: «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلی رواة حدیثنا، فإنهم حجتی علیکم و أنا حجة الله» ، فمن الواضح أنه إذا کانت الامور الیسیرة کصلاة الجماعة مثلاً یشترط فیها ذلک فمن باب أولی اشتراط ذلک فی النیابة عن المعصوم (علیه السلام) بشکل واضح لأن مقام الحجیة لا یتناسب إلا مع مقام العدالة وأیضا صحیحة ابن حنظلة: «الحکم ما حکم به أعدلهما وأورعهما» ، فإن العدالة مفروغ عنها إلا أن فی الترجیح یأخذ بمن تزید عدالته. والفاسق لا تشمله المطلقات لأنه مقام من ینوب عن الحجة الذی هو خلیفة الله .

.

ص:366


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 11 ص 136 - 153 .

وهذه الاخبار لا تختص بالفتیا ولا بالقضاء لأنها من صلاحیة من حاز النیابة عن المعصوم وأیضا نفس التعبیر بحرمة الذهاب إلی حکام الجور والمقابل لحکام الجور هم حکام العدل ولهذا ذکر صاحب الوسائل فی عنوان الباب اشتراط العدالة والایمان فی القضاء، وذکر نفس أدلة النهی عن التحاکم إلی حکام الجور لأن هذهالاخبار فی مقام ذکر صفات القاضی الذی لا یتحاکم عنده فهی فی مقام التحدید فیثبت ذلک بمفهوم التحدید، مثل قوله (علیه السلام) : «إیاکم أن یتحاکم بعضکم بعضا إلی حکام أهل الجور» ، فلابد من التحاکم عند أهل العدل اعتقاداً وعملاً .

و مثل موثقة سلیمان بن خالد المتقدمة المرویة بطریقین: عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «اتقوا الحکومة فان الحکومة إنما هی للإمام العالم بالقضاء، العادل فی المسلمین لنبی أو وصی نبی» . فلابد من العدالة .

وقد تقدمت جملة من الادلة فی المفتی... وهی تدل علی اعتبار العدالة مضافا إلی القرینة الارتکازیة عند المتشرعة وهی أن هذا المقام خطیر والغایة منه احقاق العدل فکیف تشمل أهل الفسق الذین لا یوثق بالتزامهم وتقیدهم فکیف یقیم الحق من هو لا یقیم الحق علی نفسه حتی یقیمه علی غیره.، وقد ذکرنا أن فی الآیات دلائل کثیرة یمکن أن یقف علیها المتتبع بلحاظ أنها من نوع الدلالة بالالتزام أو الإیماء والتنبیه

ص:367

وتثبت العدالة بشهادة عدلین وبالمعاشرة المفیدة للعلم بالملکة، أو الاطمئنان بها، وبالشیاع المفید للعلم(1).

علی اعتبار العدالة، وأیضاً بحسب الموازین العرفیة لدیهم من کون المتصدی لمثل هذه المقامات أمین وحفیظ.

الطرق التی تثبت بها العدالة:

(1) وشهادة العدلین بینة قد مر بیان اعتبارها وبالمعاشرة المفیدة للعلم بالملکة وهی شهود حسی ، وأیضا الاطمئنان بها ، ولابد أن یکون من منشأ معتبر کالمنشأ الحسی لا الحدسی .

وظاهر الأعلام هو الاعتداد بمطلق الاطمئنان ولکن الصحیح أن الاطمئنان یعتبر إذا کان من منشأ أو مناشئ معتد بها عند العقلاء.

أما ما کان من مناشئ غیر المعتد بها فلا یکون معتبرا وقد اشرنا إلی هذه النکتة المهمة فی أصول الفقه فی الحجج، ویثبت أیضا بالشیاع المفید للعلم ولا یثبت بخبر الثقة لأن خبر الثقة لا یقبل فی الحقوق لطرف علی طرف فضلاً عن مقام فصل النزاعات والخصومات فلابد من البینة.

ص:368

(مسألة 45 ) : إذا مضت مدة من بلوغه ، وشک بعد ذلک فی أن أعماله کانت عن تقلید صحیح أم لا(1) یجوز له البناء علی الصحة فی أعماله السابقة، وفی اللاحقة یجب علیه التصحیح فعلا.

المسألة الخامسة والاربعون: الشک فی الاعمال السابقة عن تقلید صحیح

(1) ولا تجری قاعدة الفراغ فی الاعمال السابقة و ذلک لأن صورة العمل علی حسب الفرض محفوظة إلا أنه یشک فی مطابقتها لتقلیده أم لا وهذه الضابطة یذکرها المحقق العراقی فی کل فرض تکون صورة العمل محفوظة والواقع المأمور به غیر معلوم فإنه لیس مجری قاعدة الفراغ ومجری قاعدة الفراغ عکس هذا الفرض وهو ما إذا کان الواقع المأمور به معلوما إلا أن صورة العمل المأتی به مشکوک فی مطابقته للمأمور به أم لا .

فتجری قاعدة الاشتغال فی الوقت والبراءة عن القضاء بعده.

هذا لو أردنا أن نصحح العمل بالفراغ والتجاوز. نعم، تجری فی نفس التقلید کعمل کما مرَّ. وأما لو أردنا تصحیحها بلاتعاد فیصح العمل باعتبار عدم اختصاصها بالناسی فتعم الجاهل القاصر بل والمقصر الغافل لو کان الخلل فی غیر الارکان أما لو کانت صورة العمل مشکوکة فتجری قاعدة الفراغ والتجاوز .

ص:369

(مسألة 46 ) : یجب علی العامی أن یقلد الأعلم فی مسألة وجوب تقلید الأعلم أو عدم وجوبه(1)، ولا یجوز أن یقلد غیر الأعلم إذا أفتی بعدم وجوب تقلید الأعلم ، بل لو أفتی الأعلم بعدم وجوب تقلید الأعلم یشکل جواز الاعتماد علیه، فالقدر المتیقن للعامی تقلید الأعلم فی الفرعیات(2).

المسألة السادسة والاربعون: وجوب تقلید الأعلم فی مسألة تقلید الاعلم

(1) وعدم جوازه للزوم الدور، و ذلک لأن حجیة غیر الأعلم مع وجود الأعلم مختلف فیها فلا یمکن الرجوع إلیه فیها وترجیح جانب القول بجواز تقلیده بالرجوع إلیه لأنه یلزم توقف حجیة فتوی غیر الأعلم علی فتوی غیر الأعلم فلابد من الرجوع إلی فتوی الأعلم التی لا خلاف فی حجیتها فیتعین الرجوع إلیه.

(2) و هذا یشکل الاعتماد علیه فی خصوص مسألة عدم وجوب تقلید الأعلم و ذلک للأدلة التی تعین تقلید الأعلم.

وقد أشکل علیه جملة من المحشین بأن رجوعه لغیر الأعلم مستندهنفس فتوی الأعلم و ذلک لأن مستند تقلید الأعلم عند العامی هو الاحتیاط فإذا أفتی الأعلم بجواز الرجوع إلی غیر الأعلم فیجوز.

وفیه : أن العامی تارة یستند فی تقلید الأعلم إلی الاحتیاط ، فالقول

ص:370

(مسألة 47 ) : إذا کان مجتهدان أحدهما أعلم فی أحکام العبادات، والآخر أعلم فی المعاملات، فالأحوط تبعیض التقلید وکذا إذا کان أحدهما أعلم فی بعض العبادات مثلا، والآخر فی البعض الآخر(1).

(مسألة 48 ) : إذا نقل شخص فتوی المجتهد خطأ یجب علیه إعلام من تعلم منه ، وکذا إذا أخطأ المجتهد فی بیان فتواه یجب علیه الإعلام(2).

کما قاله بعض المحشین. وتارة یکون مستند العامی هو الدلیل الاجتهادی کأن یعتمد علی ارتکازیة أن نسبة غیر الاعلم إلی الأعلم نسبة الجاهل إلی العالم فلا یجوز الرجوع إلی غیر الأعلم وعلیه فیشکل تقلید غیر الأعلم بفتوی الأعلم لأن العامی علی الفرض مجتهد ولیس بعامی فلا یصح له الرجوع إلی الأعلم فی هذه المسألة.

المسألة السابعة والاربعون: نقل الفتوی خطأ

(1) تقدم البحث فیه مفصلاً فی مسألة الثلاثة والثلاثین.

المسألة الثامنة والاربعون: الوظیفة عند الاشتباه فی نقل الفتوی

اشارة

(2) ذهب البعض إلی عدم وجوب الإعلام فیما إذا أخبر باللزوم والفتوی هی الاباحة .

ص:371

نعم، یجب الإعلام فی خصوص ما لو کانت الفتوی اللزوم وأخبر بالاباحة أو الاستحباب أو الکراهة.

والصحیح أنه یجب الاخبار فی کلا الصورتین سواء صورة الاخبار باللزوم والفتوی علی الاباحة والعکس .

والوجه فی ذلک: هو الاستناد إلی قاعدة وجوب تعلیم الجاهل وارشاده التی استدل بها علی حرمة أخذ الأجرة علی تعلیم الواجبات بناء علی أن التعلیم واجب ولا یسوغ أخذ الأجرة علی الوجبات، ویستدل بهذه القاعدة فی جملة من الأبواب الفقهیة ویمکن أن یستدل لهذه القاعدة بآیة النفر من سورة البقرة: (وَ ما کانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا کَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ ) ، وبقوله تعالی: (الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ یَعْرِفُونَهُ کَما یَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِیقاً مِنْهُمْ لَیَکْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ یَعْلَمُونَ ) ، وبقوله تعالی: (إِنَّ الَّذِینَ یَکْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَیِّناتِ وَ الْهُدی مِنْ بَعْدِ ما بَیَّنّاهُ لِلنّاسِ فِی الْکِتابِ أُولئِکَ یَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَ یَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ ) (1)، وغیرها مما استدل به علی وجوب تعلیم العالم الجاهل وهی قاعدة مسلمة.

ص:372


1- (1) - سورة البقرة، الآیات 122 و 146 و 159 .

وقد وقع الکلام فی اختصاص هذه القاعدة بکون متعلق التعلیم هو خصوص الاحکام الالزامیة مع وجود أدلة علی التعمیم، مثل قوله تعالی: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَیِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَکُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لا یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ ) (1).

وقوله تعالی: (قُلْ أَ رَأَیْتُمْ ما أَنْزَلَ اللّهُ لَکُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَ حَلالاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَکُمْ أَمْ عَلَی اللّهِ تَفْتَرُونَ ) (2).

وقوله تعالی: (قُلْ لا أَجِدُ فِی ما أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّماً عَلی طاعِمٍ یَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ یَکُونَ مَیْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِیرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَیْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ رَبَّکَ غَفُورٌ رَحِیمٌ ) (3).

وزیادة علی ذلک أن الظاهر من الآیات والرویات هو انشاء المنظومة الشرعیة وهی تعم الالزامیات وغیرها، وأیضا من الأدلة ما یدل علی عدم طمس الأحکام... .

فقوله تعالی: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ ) فإن النفر والتفقه فی الدین واجب بلحاظ کونه تفقه ونفر قبل مرحلة الانذار ، فإن نفس أعلاء الدین یتحقق بنفس التفقه .

ص:373


1- (1) - سورة المائدة، الآیة 87 .
2- (2) - سورة یونس، الآیة 59 .
3- (3) - سورة الأنعام، الآیة 145 .

وأیضا غرض الشارع هو حفظ الدین وحفظ القرآن وحفظه یکون بمدارسته والحفظ مطلوب قرآنی فإن من الاغراض الشرعیة هی حفظ القرآن فقال تعالی:(إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ ) .

فمن الاغراض الشرعیة : حفظ القرآن ، فیجب حفظه علی المکلفین ویتحقق حفظ القرآن بالحفاظ علی تعلم اللغة العربیة وعلی مدارسته وعلی تلاوته فکلها هذه العناوین من مصادیق الحفظ .

ومسألة الحفظ وإن کان الله هو المتکفل بها إلا أنه غرض شرعی فیجب المحافظة علیه ونظیر ذلک استدلال الفقهاء بقوله تعالی: (هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَکُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً) ، فی باب المشترکات العامة.

وقد خصصوا بهذه الآیات بقاعدة (من حاز ملک) ، حیث إن بعض أصحاب الثروات الذین یستطیعون أن یحوزا الکثیر من المشترکات مما یمنع بقیة الناس من أخذ حقهم مما خلقه الله لهم فیفوتون غرض الشارع من خلقه للجمیع فقیدوا الحیازة من حیث حدها بأن لا تنافی حق الجمیع أی یحوز بمقدار ما لا یتنافی مع حق الجمیع.

فمن ثمرات ذکر الأغراض الشرعیة فی القرآن الکریم - مع کونه مصدر تشریع - أن تصبح تلک الاغراض عزیمة علی المکلفین لا یجوز تضییعها.

ص:374

ونفس اقامة الدین من الاغراض الشرعیة وهو لا یمکن إلا بابقاء معارف الدین بواسطة مدارسة الاحکام وما شابه ذلک ولذلک أحد اهداف الحوزات العملیة نفس اقامة الدین وابقاءه من جیل إلی جیل ومن ید إلی ید، فیجب الاعلام فی جمیع الموارد لعموم هذه القاعدة.

أما المقدار اللازم فی التعلیم هو جعل العلم فی متناول الجمیع إلا أن هذا لیس له ربط بالاشکال، فلیس قول الماتن (قدس سره) (یجب الإعلام...) هو الذهاب لکل فرد فرد بل هو بالکیفیات المتعارفة فی الایصال کالایصال عبر الرسائل العملیة.

ویستثنی من هذا الوجوب: ما عدل عنه من الوجوب إلی الاستحباب مثلاً مع وجود جماعة تفتی بالوجوب أو یفتی بالحرمة ثم یعدل إلی الکراهة مع وجود جماعة تفتی بالحرمة ومع ذلک لا یُعلم ولا یخبر بالتغییر ویبینه و هذا ما علیه دیدن الفقهاء إلا أن هذا المقام لا یعبر عنه بالفتوی بالالزام بل یعبر عنه بأنه مبرء للذمة.

وبعبارة أخری: أن الفقیه فی بعض الأحیان یکون بصدد بیان الحکم والفتوی وتارة بصدد بیان العمل المبرء فیمزج بین الاحتیاطات والفتاوی مثل کثیر من الاحتیاطات الوجوبیة. فهنا - بقاءً - لا یلتزم بالاخبار بالاحکام الالزامیة ولکن یلتزم ببیان طرق الاحتیاط لا بیان الفتیا و ذلک لوجود موضوع حسن الاحتیاط کأن توجد محتملات بحسب الأقوال أو

ص:375

الواقع للحکم الالزامی سواء کان وجوبا أو حرمة فابقاء الفتوی بصورة الوجوب أو الحرمة لیس من باب الفتوی بالوجوب أو الحرمة بل لوجود الداعی للاحتیاط لا الفتیا. و هذا ملحوظ کثیراً عند القدماء من أنهم یفتون بالالزام ولیس مقصودهم الاخبار بالافتاء بل مقصودهم بیان الوظیفة العقلیة اللازمة لابراء الذمة. و هذا الاستثناء لیس من موراد العدول القطعیة حتی یلزم طمسها وکتمها بل من موراد العدول الظنیة النظریة لأنه فی موارد العدول الظنیة تشمله عموم أخبار الاحتیاط .

وقد تلخص أن قاعدة وجوب تعلیم الجاهل تقتضی لزوم اعلام الجاهل بالاحکام الشرعیة علی وفق الحجة فإذا تغیر الحکم لابد من الاعلام وفقا للحجة الجدیدة، و أن الاعلام یکون بالنحو المتعارف کأن یجعل المسائل وفتاوه فی معرض الوصول إلیها ویستثنی من وجوب الاعلام موراد العدول الظنی النظری لعدم منافاته للاحتیاط ولا یکون من الاخبار المخالف للواقع لأن المجتهد فی مقام تبرئة الذمة ولیس بصدد الاخبار عن الواقع حتی یکون کذباً نعم لو کان فی موارد الاخبار عن الواقع وجب الأعلام بالمقدار المتقدم.

والکلام یقع فیما لو أخبر مکلف خاص خطأ:

فتارة یخبره بالالزام والواقع الاباحة ، فهذا لا یجب علیه الأعلام إلا بالمقدار الذی یتوقف علیه تعلیم الجاهل وعدم الکتمان وهو جعله فی

ص:376

معرض الوصول هذا ما تقتضیه قاعدة تعلیم الجاهل وعدم الکتمان ولا دلیل علی وجوبه له بتتبعه وایصاله له هذا ما تقتضیه هذه القاعدة من وجوب اصل الاعلام إلا ما استثنی من موارد وجوب الاحتیاط فی المسائل الظنیة النظریة وکان الداعی ابراءة الذمة أما فی الموارد القطعیة فیجب الأعلام لحرمة الکتمان وطمس العلم.

وتارة یخبر هذا الشخص بالاباحة وهو فی الواقع الالزام فیجب اخبار هذا الشخص لأنه من باب التسبیب للحرام و هذا الدلیل خاص بصورة الاخبار بالاباحة والفتوی اللزوم.

فقاعدة التسبیب إلی الحرام توجب زیادة علی ما تقدم من لزوم اخبار واعلام نفس الشخص بالفتوی لأنه تغریر من نفس المخبر والمفتی وقد تعرضنا لها فی بحث الطهارة.

وتعضد هذه القاعدة باخبار تصرح بأن المفتی ضامن :

1- صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: کان أبو عبد الله (علیه السلام) قاعدا فی حلقة ربیعة الرأی، فجاء أعرابی، فسأل ربیعة الرأی عن مسألة، فأجابه، فلما سکت قال له الأعرابی : أهو فی عنقک ؟ فسکت عنه ربیعة ولم یرد علیه شیئا، فأعاد المسألة علیه، فأجابه بمثل ذلک، فقال له الأعرابی: أهو فی عنقک؟ فسکت ربیعة، فقال أبو عبد الله (علیه السلام) : «هو فی

ص:377

عنقه قال أو لم یقل، وکل مُفتٍ ضامن»(1).

2- صحیحة أبی عبیدة، قال: قال أبو جعفر (علیه السلام) : «من أفتی الناس بغیر علم، ولا هدی من الله، لعنته ملائکة الرحمة، وملائکة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتیاه»(2).

والافتاء لغة هو الاخبار بالحکم وأیضاً بقرینة ما جاء فی تقلیم الاظفاره فی الحج، ومنها:

3- روایة اسحاق الصیرفی، قال: قلت لأبی إبراهیم (علیه السلام) : إن رجلا أحرم فقلم أظفاره، فکانت له إصبع علیلة فترک ظفرها لم یقصه ، فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه ، فقال : «علی الذی أفتی شاة»(3).

ولا یخفی أن هذه الروایات بصدد من أخبر بالفتوی متهاون ونحن بصدد المراعی للموازین فهی أجنبیة عما نحن بصدده.

أما قاعدة التسبب فلا تجری فی کل حرام - کما نقحوا ذلک - وإنما تجری فی موارد کون الحرام مبغوض عند الشراع بدرجة یفهم أن الشاع لا یرضی حتی بتسبیبه مثل شرب الخمر ، فقد وردت روایات کثیرة من

ص:378


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب آداب القاضی، ب 7 ص220 ح 2 .
2- (2) - المصدر نفسه، ح 7 .
3- (3) - وسائل الشیعة: ج 13 أبواب بقیة کفارات الإحرام، ب 13 ص 164 ح 1 .

سقی صبیا أو غافلاً خمرا فعلیه وزر بل حتی لو سقی دابة، ومنها:

1- صحیح حفص البحتری، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «یقول الله (عز وجل) : (من شرب مسکرا أو سقاه صبیاً لا یعقل سقیته من ماء الحمیم مغفورا له أو معذبا ومن ترک المسکر ابتغاء مرضاتی أدخلته الجنة وسقیته من الرحیق المختوم وفعلت به من الکرامة ما فعلت بأولیائی) »(1).

2- منها روایة أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سألته عن البهیمة البقرة وغیرها تسقی أو تطعم ما لا یحل للمسلم أکله أو شربه أیکره ذلک؟ قال: «نعم یکره ذلک»(2).

وغیرها من الذنوب التی لا یرضی الشارع بوقوعها ک الزنا، والربا فی حرمة کل مسبب کالکاتب والشاهد والمعطی، وکذا الخمر حاملها وشاربها وغیرها، ففی جملة من المحرمات یستفاد أن المبغوضیة بدرجة سواء من الفاعل أو من المسبب .

ففی مثل هذه الموارد تجری قاعدة حرمة التسبیب للحرام فلا مجال لتعمیمها لکل محرم أو ترک واجب وترک الواجب یعبر عنه محرم عقلاً ، مع أن السید الخوئی (قدس سره) قد ذهب إلی عدم عمومها فی موارد مثل باب

ص:379


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 25 أبواب الاشبربة المحرمة، ب 10 ص 308 ح3 .
2- (2) - المصدر نفسه، ص 309 ح 5 .

الطهارة إلا أنه فی المقام قد عمم .

فالتام من الأدلة هو قاعدة البیان والارشاد فإنها عامة لجمیع الموارد.

قاعدة حفظ الاحکام بإقامتها:

وتوجد قاعدة أخری أشرنا إلیه اجمالاً لوجوب الأعلام وهی قاعدة اقامة الاحکام وهی واجب کفائی وهو ارشاد الناس وهو لا ینحصر بالنظام السیاسی فی الدولة أی لا ینحصر بآلة الدولة، فالتبلیغ المتمثل فی تربیة الناس علی الاحکام وازالة العوائق التی تعیق الناس عن التمسک بالاحکام وارشاد الناس و هذا کله وجوب کفائی. کما جاء عنهم (علیهم السلام) : «أشهد أنک أقمت الصلاة» لا بمعنی فعلت الصلاة بل معنی تجذیرها وترسخها فی المجتمع الاسلامی، ولهذا لما سئل الامام السجاد (علیه السلام) : مَن هو المنتصر؟ قال: «إذا أذن المؤذن تعرف من هو المنتصر» .

فنفس اقامة الاحکام هی مطلوبة کفائیاً فهذا عنوان أخر قد یقتضی أزید مما ذکره السید الخوئی(قدس سره) من أن وظائف الفقهاء خاص بجعل الاحکام فی متناول الناس . بل إن ما یفعله العلماء ارتکازاً ومنهم السید الخوئی (قدس سره) انطلاقاً من هذه النکتة من نشر المبلغین فی جمیع انحاء العالم لاقامة أحکام الله بجمیع الاشکال کالتبلیغ والتعلیم والارشاد وتربیتهم علی الالتزام بالاحکام الشرعیة وحلحلة بؤر الفساد ودفع الفتن

ص:380

العقائدیة والاخلاقیة، فلا ینصرف أن أقامة الدین منحصرة بالنظام السیاسی وجهاز الدولة إذ کثیر من علمائنا أقاموا مجتمعات مؤمنة ببث المبلغین ووسائل الارشاد والتثقیف علی أثر مذهب أهل البیت (علیهم السلام) وإن کانت هذه أخص من المدعی إذ مواردها جزئیة مخصوصة بما إذا وصل تبلیغ الاحکام إلی مرحلة اقامتها فإنه یجب علی الفقهاء ازید من الاعلام بالطرق المتعارفة.

فلیس معنی أنها لا تجب ایصالها إلا بجعلها فی معرض البیان مطلقاً بل هذا مقیداً بما إذا لم یجب اقامتها فیجب بما هو أزید مما ذکر، ولهذا ذهب الأعلام إلی أن وجوب القضاء واجب کفائی و ذلک لأنه من اقامة الاحکام الشرعیة.

فتوجد عندنا ثلاثة قواعد للبیان والایصال للمکلفین، الأولی قاعدة حفظ الدین والاحکام من الاندراس وهی أصل التنظیر من المُدارسة والتفقه ، والثانیة قاعدة بیان وتعلیم الاحکام الشرعیة وهی بیان التنظیر، الثالثة قاعدة اقامة احکام الدین وهی اقامة التنظیر وتثبیته.

فکل واحدة من هذه القواعد قد تقتضی شیئا لا تقتضیه الأخری وإن مواردها فی مسألتنا جزئیة إلا أن معرفة القواعد أهم بکثیر من الفرع الذی نحن بصدده.

ص:381

(مسألة 49 ) : إذا اتفق فی أثناء الصلاة مسألة لا یعلم حکمها یجوز له أن یبنی علی أحد الطرفین بقصد أن یسأل عن الحکم بعد الصلاة ، وأنه إذا کان ما أتی به علی خلاف الواقع یعید صلاته ، فلو فعل ذلک وکان ما فعله مطابقا للواقع لا یجب علیه الإعادة(1).

المسألة التاسعة والاربعون: حکم من احتاج إلی مسألة اثناء الصلاة

(1) قال جملة من الأعلام: یبنی علی أحد الطرفین إذا لم یعلم وجه الاحتیاط ومع علمه بوجهه یتعین العمل به، ولا یکتفی بأحد الطرفین، والغایة من تقیید الماتن (قدس سره) ب(قصد السؤال) هی لأجل عدم الاکتفاء بالامتثال الاحتمالی إلا مع الفحص بمطابقة ما أتی به للواقع، فإنه لو لم یقصد یستشکل فی فعله لما فیه من التجری والابتعاد عن أمر المولی لأن عدم الوقوف والعلم بأمر المولی تفصیلاً والاکتفاء بالجهل والاتیان بالمحتمل الآخر بدون سؤال ابتعاد عن ساحة المولی بخلاف العلم بأمر المولی فهو انقیاد وتقرب للمولی وقد تقدم ذلک مفصلاً فی الاحتیاط مع امکان الاجتهاد والتقلید فراجع، وایضا لأنه مع امکان القطع بالامتثال لا یؤمن له الاکتفاء بالاحتمال إذ لو خالف الواقع فللمولی عقابه فلو اقتصر علی الامتثال الاحتمالی وصادف الواقع لکان متجریاً.

هذا مجمل ما ذکره الماتن (قدس سره) ، وهناک تفصیل للسید الخوئی (قدس سره)

ص:382

وحاصله:

أن أمکن الاحتیاط تعین وإن لم یمکنه فلا یخلو أما أن تنجز علیه وجوب التعلم فیجب علیه أن یبنی علی أحد الطرفین فیسأل بعد ذلک فإن خالف وجب علیه الاعادة ولا یجوز له رفع یده عن صلاته لحرمة الابطال، وأما لو لم یتنجز علیه وجوب التعلم فیخیر بین الاتیان بأحد المحتملات والسؤال بعد ذلک وبین رفع یده عن هذه الصلاة واعادتها و ذلک لأن حرمة الابطال دلیلها لبی وهو الاجماع فیقتصر علی القدر المتیقن وهو خصوص من تنجزتفی حقه الحرمة فهی غیر شاملة للحرمة غیر المنجزة.

وفیه أن الصحیح حرمة ابطال الصلاة مطلقا لما استظهرناه وقد وقفنا بعد ذلک علی نفس استظهار الشیخ جعفر کاشف الغطاء (قدس سره) فی رسالته الفوائد الستة عشر فقدأشار إلی أن الصلاة تحریمها التکبیر وتحلیلها التسلیم والمتأخرون وقفوا علی الدلیل ولکن لم یقبلوه لأنهم حملوا التحلیل والتحریم علی التحریم والتحلیل الوضعی لا التکلیفی بمعنی إذا شرعت فی الصلاة حرم علیک الکلام والالتفات بمعنی أنها مبطلات للصلاة وتحلیلها التسلیم بمعنی أنه یحل لک وضعا أن تأتی بمنافیات الصلاة.

ص:383

و هذا الاستظهار متین إلا أنه لا ینافی حمله أیضا علی التحریم والتحلیل التکلیفی بالجامع بین موارد الحرمة التکلیفیة والوضعیة الذی هو المنع والجامع بین الحلیتین التکلیفیة والوضعیة الذی هو الاطلاق والنفوذ مثل ما جاء (وَ حَرَّمَ الرِّبا) بمعنی الحکم التکلیفی والوضعی وکذا أحل الله البیع فهی حلیة تکلیفیة ووضعیة معاً ففی أی مورد استعملت الحرمة أو الحلیة فهی تعنی کلا الحرمتین الوضعیة والتکلیفیة إلا أن تقوم قرینة علی أرادة أحدهما دون الأخری والجامع بین الحرمتین هو المنع وبین الحلیتین هو الاطلاق.

و هذا الاستظهار متین قد دأب علیه المتقدمون حتی أن العلامة الحلی (قدس سره) استفاد نجاسة المیتة من قوله تعالی: (حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ ) (1)؛ لأن اطلاق الحرمة المستند إلی الذات وحذف المتعلق یشمل کل فعل بارز فهو یشمل حرمة البیع والأکل وملابسة المیتة للصلاة لأنه ابرز الافعال المتعلقة بالمیتة.

و هذا نظیر ما ذکرناه فی قوله تعالی: (وَ الَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ) (2) ، إذ إنأبرز الافعال المتعلق بحفظ الفرج لیس الفاحشة فقط

ص:384


1- (1) - سورة المائدة ، الآیة 3 .
2- (2) - سورة المؤمنون ، الآیة 5 .

(مسألة 50 ) : یجب علی العامی فی زمان الفحص عن المجتهد أو عن الأعلم أن یحتاط فی أعماله(1).

بل حتی حفظه من التنسیل بماء رجل آخر بتزریق نطفة ذلک الرجل فی رحمها لأن من ابرز المنافع للفرج هی الالتذاذ الجنسی أو التنسیل المعبر عنه فی بقوله تعالی: (نِساؤُکُمْ حَرْثٌ لَکُمْ ) وهما أبرز فعلین من الافعال المتعلقة بالزوجة وقد حررناه مفصلاً فی باب لباس المصلی.

فتحریمها التکبیر یشمل کلا الحرمتین، فالصحیح أنه لا یجوز له قطع الصلاة إذا أمکنه الاحتیاط، وأما إذا لم یمکنه فیتعین علیه البناء علی الاحتمال ویعیدها مرة أخری علی الاحتمال الأخر، وهنا لا تجری قاعدة لاتعادة لأنها لا تصحح العمل المأتی به حال الشک الذی هو فرض المسألة، فالصحیح هو تفصیل کثیر من المعلقین علی العروة خلافا للسید الخوئی (قدس سره) لعموم تکبیرها التحریم للحرمة التکلیفیة والوضعیة.

المسألة الخمسون: وجوب الاحتیاط اثناء الفحص

(1) تقدم عدم جواز الاحتیاط المقابل للاجتهاد والتقلید . نعم، یجوز له الاحتیاط الراجع إلی التقلید وهو الأخذ بأحوط الأقوال، فیکون تقلیداً نحو الاحتیاط مضافا إلی تعذر الاحتیاط الواقعی لعدم الاحاطة بالواقع کما هو الغالب.

فالصحیح أن المتعین هو الأخذ بأحوط الأقوال.

ص:385

(مسألة 51 ) : المأذون والوکیل عن المجتهد فی التصرف فی الأوقاف أو فی أموال القصر ینعزل بموت المجتهد ، بخلاف المنصوب من قبله ، کما إذا نصبه متولیا للوقف ، أو قیما علی القصر فإنه لا تبطل تولیته وقیمومته علی الأظهر(1).

المسألة الحادیة والخمسون: عدم انقاطع الولایة والقیومیة لمن أعطی الولایة من الفقیه بموته

اشارة

(1) الولایة والقیمومیة لا تنقطع ولا تنعدم بالموت؛ لأن التولیة تنصیب لا ربط له بالمُولِّی - بالکسر - بل هی راجعة لإذن الشارع له بتولیة غیره فی غیر شؤونه، بخلاف الإذن؛ فهی قائمة بوجود الآذن وترتفع وتنعدم بانعدامه .

الفرق بین منصب الفقیه وشخص الفقیه:

وبیان ذلک یرجع فی الحقیقة إلی بیان ماهیة منصب الفقیه وبیان شخص الفقیه فما یفعله الفقیه باعتبار منصبه فهو راجع إلی نفس المنصب والمنصب هو المقام الذی یعطیه الله تعالی للفقهاء بواسطة منصب الامامة فطبیعة بعض الافعال مرتبطة بالنظام کما هو فی النظم الوضعیة القانونیة وتوجد افعال مرتبطة بنفس المنظم - بالکسر - وبشخصه، فتری الدیون علی الدول تتحملها حتی لو جاء رئیس جدید غیر السابق ، بخلاف المخالفة الشخصیة الخاصة بنفس الرئیس مثل قتله

ص:386

لفلان ظلماً فتحمل الحکومة الجدیدة الدیون التی علی الدولة، وکذا ما یفعله رئیس الوزراء من تنصیب طاقم الوزراء فهذا یرجع إلی شخصه فبانعزاله ینعزل هذا الطاقم، وأما ما یفعله باعتبار النظام العام الذی لایخص الرئیس نفسه بل راجع إلی النظام الاجتماعی فهذا یبقی وتبقی آثاره حتی بعد انعزاله، فتری مدیر البلدیة ومدیر الداخلیة والخارجیة لا یتبدل؛ لأن هذا راجع إلی النظام العام للدولة لا لخصوصیة الوزیر نفسه، بخلاف طاقم ریئس الجمهوریة ورئیس الوزاء فإن بانعزاله ینعزل هذا الطاقم الراجع بخصوصیته إلیه، و هذا لا یعنی أن الریئس الجدید لا یستطیع أن یعزل من فی المناصب المتعلقة بالنظام العام فإنه له ذلک إلا أن بانعزال الریئس الأول لا تنعزل صلاحیتهم .

وکذا توجد فی الشرع المقدس افعال بطبیعتها تنسب إلی منصب الفقاهة وتوجد أفعال تنسب لنفس الفقیه فبطبیعة الحال ما ینسب ویسند إلی شخص الفقیه من الاجازات ینتفی بموت الفقیه نفسه وما ینسب إلی منصب الفقاهة من الافعال التی ترجع إلی المجتمع الایمانی فإنها تبقی لبقاء المنصب .

ونظیر هذا ما جاء عن أبی الحسن الثالث (علیه السلام) قال: «ما کان لأبی (علیه السلام) بسبب الإمامة فهو لی، وما کان غیر ذلک فهو میراث علی کتاب

ص:387

(مسألة 52 ) : إذا بقی علی تقلید المیت من دون أن یقلد الحی فی هذه المسألة کان کمن عمل من غیر تقلید(1).

الله وسنة نبیه»(1).

فدلیل هذا المعنی هو حقیقة وماهیة انماط الافعال الصادرة عن الفقیه، وقد ذکرنا فی کتاب ملکیة الدولة ما هو شبیه بهذا من أن المال تارة للشعب وتارة مال الدولة ، فما کان للدولة فلها التصرف بنقل عینه کیف تشاء، وأما ما کان للشعب فلا یحق لها التصرف فیها، وبتحلیل طبیعة وماهیة ما للدولة یتبین مدی صلاحیتها فیه، وبتحلیل ماهیة ما للشعب بالنسبة إلی الدولة یتبین مدی وحدود صلاحیتها بالتصرف فیه.

فالحاکم الذی جعله الامام (علیه السلام) بقوله: «فانی قد جعلته علیکم حاکما» ، فهذا الحکم المجعول من قبل الامام من بعض أفعاله باعتبار شخصه وبعض أفعاله باعتبار ولایته فما کان من الإذن والوکالة فهو باعتبار شخصه وما کان من جهة تولیته فهو باعتبار حاکمیته فما کان راجعاً إلی شخصه من الاجازات والوکالات ینعدم بموته وما کان راجعاً إلی ولایته ومنصبه یبقی حتی بعد موته.

المسألة الثانیة والخمسون: البقاء علی تقلید المیت بدون تقلید

(1) الصحیح ما ذکره بعض الأعلام من التفریق بین العمل بلا تقلید

ص:388


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 9 أبواب الأنفال وما یختص الإمام، ب 2 ص 537 ح 6 .

(مسألة 53 ) إذا قلد من یکتفی بالمرة مثلا فی التسبیحات الأربع ، واکتفی بها ، أو قلد من یکتفی فی التیمم بضربة واحدة ، ثم مات ذلک المجتهد فقلد من یقول بوجوب التعدد ، لا یجب علیه إعادة الأعمال السابقة . وکذا لو أوقع عقدا أو إیقاعا بتقلید مجتهد یحکم بالصحة ثم مات وقلد من یقول بالبطلان، یجوز له البناء علی الصحة. نعم، فیما سیأتی یجب علیه العمل بمقتضی فتوی المجتهد الثانی . وأما إذا قلد من یقول بطهارة شیء کالغسالة ثم مات وقلد من یقول بنجاسته، فالصلوات والأعمال السابقة محکومة بالصحة، وإن کانت مع

وبین أنه قلد بلا تقلید، وتظهر الثمرة بناء علی مشهور القدماء من أن المدار علی صحة التقلید فلو تبین له مخالفة أعماله لفتوی من یجب الرجوع إلیه فتصح لو کان تقلیده موافق لمن یجب الرجوع إلیه فمثلاً من قلد المیت ابتداءا وکانت فتاواه مخالفة لمن یجب الرجوع إلیه إلا أنه یفتی بجواز تقلید المیت ابتداءا فتصح أعماله لصحة تقلیده .

و هذا خلاف لو عمل بلا تقلید فإن عمله باطل إذا خالف من یجب الرجوع إلیه، فالفرق فارق علی مبنی مشهور الفقهاء هذا فی غیر صورة عدم تقلید الأعلم بفتوی الأعلم لما فیه من التأمل لکون العامی مجتهداً فی هذه المسألة.

استعمال ذلک الشیء ، وأما نفس ذلک الشیء إذا کان باقیا فلا یحکم بعد ذلک بطهارته . وکذا فی الحلیة والحرمة ، فإذا أفتی المجتهد الأول

ص:389

بجواز الذبح بغیر الحدید مثلا، فذبح حیوانا کذلک، فمات المجتهد وقلد من یقول بحرمته، فإن باعه أو أکله حکم بصحة البیع وإباحة الأکل، وأما إذا کان الحیوان المذبوح موجودا فلا یجوز بیعه ولا أکله وهکذا(1).

المسألة والثالثة الخمسون: إجزاء التقلید الأول مع مخالفته للتقلید الثانی

اشارة

(1) خلاصة هذه المسألة فی إجزاء تقلیده الأول فی صورة مخالفته لتقلیده الثانی کمن قلد من یفتی بالتسبیحات مرة واحدة ثم مات وقلد من یفتی بالثلاث أو قلد من یفتی بالاکتفاء فی التیمم بضربة واحدة وقلد من لا یکتفی بالضربة أومن قلد من یقول بصحة عقد ثم مات وقلد من یقول بالبطلان وفی جمیع هذه الصور یحکم بالإجزاء کما هو مشهور الفقهاء علی تفصیل خلافاً لأکثر فقهاء العصر الذین قصروا الاجزاء علی ما دل علیه الدلیل کموارد قاعدة لا تعاد.

وحاصل تفصیل مشهور الفقهاء: هو الحکم بالاجزاء فیما انعدم موضوعه وبینما إذا کان الموضوع باقیا کما لو قال الأول یجوز الذبح بالاستیل والثانی بعدم الجواز مع وجود اللحم فإنه یحکم بحرمة اللحم و ذلک لبقاء الموضوع فیترتب علیه أثره بخلاف لو انعدم الموضوع، و هذا جاری فی العقود أیضا فتارة یکون الموضوع باقیا وتارة منعدما ومتصرما فإن کان المبیع مثلاً تصرم فیجزی فلا ضمان ولا غیره ، وإن کان المبیع

ص:390

بعدُ باقیا والزوجة أیضا بعد باقیاً فلا یجزی.

والوجه فیما ذهب إلیه المشهور: هو دعوی الاجماع والسیرة والاخبار الخاصة التی استعرضناها سابقاً وقد ذکرنا أن ارجاعات الأئمة (علیهم السلام) للفقهاء من الرواة من دون بیان التبدیل وغیره وما شابه ذلک ودفعنا ما اشکل به من الموانع کعدم حدوث التبدل.

وقد ذکرنا شواهد علی تبدل الرأی وأیضا الروایات العلاجیة تدل علی وجود التعارض وغیرها... ویوجد وجه صناعی مهم قد اعتمدنا علیه وهو الخدشة فی الدلیل الذی اعتمده فی عدم الاجزاء و أن حجیة هذا الظن الأول الموجود قد تبدلت وصار کانکشاف الواقع بالخلاف وبالتالی یترتب علیه آثار الخطأ علی الظن السابق.

وفیه: أن حجیة الظن الأول علی الموازین فی ظرفه ولیس کلامنا فی الحجیة التخیلیة کما لو تبدل الاجتهاد أو تبدل التقلید فهنا یثبت الاجزاء و ذلک لأن المیزان هو حجیة الامارة اللاحقة و هل یتعدی إلی الحجیة فی ظرف تلک الحجة السابقة أم لا؟ فهو أول الکلام لأن حجیتها الفعلیة من الآن. نعم، وإن کان مفادها أعم من السابق واللاحق إلا أن الکلام فی اعتبارها هل هو أعم. وهو أول الکلام .

ص:391

الاعتبار وسعة المعتبر:

و هذا مثل البیع الفضولی إذا اجاز المالک فهنا القائلین بالکشف البرزخی أو الکشف الانقلابی کما هو رأی أکثر المحققین وقلیل من یقول بالکشف الحقیقی، والکشف البرزخی یعنی أنه حینما تصدر الاجازة بالبیع یخرج من ملکیة البائع إلی ملکیة المشتری إلا أن خروجه حین الاجازة إلا أن الخارج وهو المبیع فهو من حین العقد فالخروج الآن والخارج من حین العقد، فلا یتقاطع مع الحکم السابق بکونه علی ملک البائع وله أثاره التکلیفیة کما لو حصل وط ءٌ .

وأیضا فی الاثار الوضعیة فالاعتبار من الآن والمعتبر أعم بخلاف الکشف الحقیقی من کون المکشوف فی السابق وتوجد آثار تترتب علی تأخر الاعتبار وتوجد آثار تترتب علی سعة المعتبر فلابد من لحاظها.

فالکشف البرزخی یعنی أنه حین تصدر الاجازة یخرج المبیع من ملکیة البائع ویدخل فی ملکیة المشتری إلا أن اعتبار الخروج فعلا من الآن إلا أن المعتبر وهو الخارج وهو المبیع فهو من حین صدور العقد إلا أن اعتبار خروج المبیع من حین العقد الآن و هذا لا یتقاطع مع الحکم السابق بکون المبیع علی ملک البائع و هذا له أثر فی الاثار التکلیفیة کما لو حصل وطئ الجاریة والآثار الوضعیة فالکشف الآن والمکشوف أعم.

ص:392

و هذا یفترق عن الکشف الحقیقی فإنه الکشف والمکشوف سابقا فالاعتبار والمعتبر من حین صدور العقد بخلاف الکشف البرزخی، فإن الاعتبار من الآن والمعتبر عام للآن وللسابق.

وتوجد آثار تترتب علی تأخر الاعتبار وآثار تترتب علی سعة المعتبر ولهذا لم یقبلوا الکشف الحقیقی وبقطع النظر عن الکشف والمکشوف أن النظر علی الاعتبار وبالدقة ما نحن فیه من هذا القبیل و ذلک لأن الامارة اعتبارها الأخیر من الآن و ذلک لأنه لا وجود لها بدون اعتبار والبعض الآخر یری لها وجود إلا أنها لیست فعلیة وعلی کل تقدیر الوصول له دخالة فی الحجیة فلا فرق بینهما لأنه لا تنافی مع وجود أمارة واصلة فی ظرفها ووجود أمارة مخالفة واصلة فی ظرف آخر فلنا أن نقول: إن فی ظرف الحجیة اللاحقة أن الحجیة السابقة واجدة لشرائط الحجیة فی ظرفها فاندراج الحجتین تحت أدلة الحجیة لا تنافی بینهما لأن کلا الحجتین ظنیتین، فکما أن أدلة الحجیة تشمل هذه الحجیة فی هذا الظرف، فهی شاملة للحجیة السابقة فی ظرفها، ولیس المقام من مقامات التخیل والوهم بالحجیة السابقة . ومع اندراج الحجتین علی حسب الموازین تحت أدلة الحجیة فلا وجه لتقدیم أحدهما علی الأخری.

وببیان آخر : أن هذه الحجیة الثانیة الجدیدة فی اندراجها تحت أدلة

ص:393

الحجیة من الآن وإن کان المکشوف بها سعته أوسع وإذا کانت من الآن مندرجة فلا معنی لأن نقول أن لها عمومیة للأعمال السابقة وکون الاعتبار من الآن والمعتبر وسیع ویشمل السابق إلا أن نفسالاعتبار لا یمتد للسابق.

وببیان ثالث: هو أن أدلة الحجیة شاملة للحجیة السابقة فی ظرفها السابق کما هی شاملة للحجیة اللاحقة فی خصوص هذا الظرف.

فتقدیم هذه علی تلک أول الکلام ولا تعارض فی البین وهو شبیه بالانقلاب أو الکشف البرزخی لاختلاف زمن الاعتبار وإن إتحد زمن المعتبر، ولهذا قالوا: لا توجد منافاة . فقبل اجازة المالک یحکم بأن المبیع علی ملک البائع فی هذه الفترة وبعد الاجازة یحکم بأنه فی نفس تلک الفترة ملک للمشتری ولا مانع من اختلاف زمن الاعتبار وإن أتحد زمن المعتبر ، فلا تناقض لعدم اتحاد زمن الاعتبار ، فهنا کذلک فإن الاعتبار للحجیة الجدیدة متأخر عن الاعتبار السابق فالآن نقول بأن الاعتبار السابق صحیح مع اختلاف الزمن فلنا أن نقول إن کلا الإعتبارین مندرجان فی أدلة الحجیة فلا تنافی.

ومعناه: أن نأخذ بآثار الاعتبار السابق فی ظرفه ونأخذ بآثار الاعتبار اللاحق فی الظرف اللاحق کما لو وطئ البائع الأمة وهی المبیعة بالعقد الفضولی ؛ لعدم اطلاعه علی البیع الفضولی فهو حلال ، وبعد الاجازة لا

ص:394

(مسألة 54 ) : الوکیل فی عمل عن الغیر کإجراء عقد أو إیقاع أو إعطاء خمس أو زکاة أو کفارة أو نحو ذلک یجب أن یعمل بمقتضی تقلید الموکل لا تقلید نفسه إذا کانا مختلفین ، وکذلک الوصی فی مثل ما لو کان وصیا فی استئجار الصلاة عنه یجب أن یکون علی وفق فتوی مجتهد المیت(1).

نقول أن وطئه حرام بل یبقی علی الحلیة لأنه وطئ فی ملکه لترتب الآثار السابقة علی الاعتبار السابق فالصحیح هو الاجزاء، مضافا للاجماع والسیرة. نعم، لو کان الموضوع لازال باقیاً فهو کالابتلاء الجدید وهو بحث آخر إلا أن البعض کالشیخ کاشف الغطاء (قدس سره) فی حاشیته علی المتن ناقش فی بعض الامثلة بأنها من الموضوعات المتصرمة، ومن قال بالتصرم له وجه إلا أن الصحیح أنه من زاویة أخری الموضوع باقی وفعلی فلابد من الأخذ بالحجة اللاحقة.

المسألة الرابعة الخمسون: عمل الوکیل بمقتضی تقلیده أو تقلید الموکل

(1) ذهب بعضهم - کالاستاذ السید الروحانی - إلی العمل بأحوط بأحوط الأقوال وفاقاً لاستاذه الشیخ محمد رضا آل یاسین (قدس سره) ، وقد فصل السید الخوئی (قدس سره) بین الولی وبین المتبرع فإنه یعمل بوظیفة نفسه لأنه ملزم بالعمل ووظیفته بمقتضی تکلیف نفسه بخلاف من کان وکیلا

ص:395

أو نائبا أو مأذونا ، إلا أنه فی خصوص المستأجر عن المیت فإنه یعمل بمقتضی تقلید المؤجر وهم المورث والورثة أولیاءه.

والوجه فی ذلک: أنه إذا کان أجیرا أو وکیلاً وعمل بمقتضی تقلید نفسه فهو خلاف مقتضی الوکالة والاجارة من کون من وکلّه للإتیان بالعمل بحسب ما یریده الموکل والمؤجر فلا یستحق الأجرة ...وکذا الوصی فقد أوصی إلیه بأن یعمل بما رسمه له الموصی فوجوب مراعاة تقلید الموکل أو الموصی أو المؤجر واضح ولکنه یبقی اشکال وهو أنه لو راعی نظر الموکل أو المؤجر أو الموصی بالکسر مع أنه هذا العمل فی نظر الوکیل والأجیر والوصی باطل ففی الاجارة یفصل بین ما إذا کان العمل باطلا فلابد أن یأتی به صحیحا بنظرهما والنتیجة أنه یأتی بالوظیفة الاحتیاطیة لعدم تحقق قصد القربة فی الأعمال العبادیة وعدم المالیة فی الأعمال التوصلیة بنظر الاجیر، وتارة لا یکون العمل بنظره باطلا بل محتمل الصحة والعمل المحتمل الجدوائیة له مالیة.

والصحیح هو الذهاب إلی العمل بأحوط الأقوال.

فصحیح أن وظیفة الولی والوصی والوکیل العمل بلحاظ تکلیفهما إلا أن وظیفتهم بلحاظ تفریغ ذمة المیت بتقریب من الاستاذ السید الروحانی (قدس سره) ، وحاصله: أن الخطاب الموجه له لیس بمعزول ومقطوع

ص:396

عن وظیفة المیت فالخطاب الموجه لهؤلاء ملحوظ فیه تفریغ ذمة المیت فالعمل الناقص لو کان فی الوقع غیر مجزی لم تفرغ ذمة المیت والمفروض أن الولی والمتبرع یرید ان تفریغ ذمة المیت ولهذا یأتی بالعمل نیابة عن المیت لا عن نفسه وعلی فرض أن تقلید المیت مطابق للواقع فلا یکون عملهما مجزیا عن المیت فلا یتحقق فراغ ذمته إلا بالاتیان بأحوط الأقوال ففی الولی والمتبرع أیضا لابد من ملاحظة تقلید المیت ایضا کما یلاحظ تقلید نفسه لأن وظیفتهما ممزوجة بلحاظ عملهما وبلحاظ عمل المیت نفسه والمفروض أن هذا الزائد غیر مبطل لعمل المتبرع أو النائب فیتعین الفتوی بالاحتیاط.

وهکذا لو دار الأمر بین الأقل والأکثر ولهذا لو کان المتبرع والولی هو المخاطب بالأکثر دون المیت فإنه یجب مراعاة تقلید نفسه أیضا ولا یکفی الاتیان بالأقل بلحاظ تقلید المیت لأن هذا العمل بنظره غیر مجزئ فلا علم باجزاءه إلا بفعل الأکثر فلابد من مراعاة کلا الحیثیتین فی النائب والمنوب عنه فحیثیة العمل عن نفسه وحیثیة علم المنوب عنه، فمدرک المسألة یعین الفتوی بالاحتیاط بلحاظ کلا الوظیفتین فکما أنه یراعی المیت أیضاً یراعی تقلید نفسه لامتزاج الحیثیتین.

ولا ینقض علی هذا بأنه لو خوطب المیت بالطهارة الترابیة فهل یجب علی النائب المتمکن من الطهارة المائیة أن یصلی بالطهارة الترابیة؛

ص:397

لأنه توجد بعض الشرائط والاجزاء الملحوظ فیها الأداء وبعض الشرائط الملحوظ فیها الماهیة الکلیة فالطهارة مأخوذة فی الطبیعة الکلیة وأما کونها ترابیة أو مائیة فالملحوظ فیها مرحلة الأداء مثل الستر مأخوذ فی الطبیعة ولکن نوعه بلحاظ المؤدی للصلاة فلو کانت المرأة تصلی عن الرجل فلابد لها من ستر المرأة وکذا بالنسبة إلی الجهر والاخفات والعکس لو کان النائب هو الرجل عن المرأة.

وما نحن فیه هو اختلاف الطبیعة الکلیة کأن یری هذا الفقیه أن الصلاة عشرة والآخر یراه تسعة والعاشر مستحب.

فالصحیح أن التکلیف النیابی سواء کان بالتبرع أو بغیره فلابد من ملاحظة تقلید المیت والنائب لامتزاج العمل بالحیثیتین و هذا بالنسبة إلی الوکیل غیر متصور و ذلک لان عمله هو عمل المنوب عنه وإنما هو بمثابة الآلة فهذا متعین فی النیابة بجمیع أسبابها سواء بالتبرع أو النیابة أو الوصایة أو الولایة أما لو دار الأمر بین المتباینین فالمتعین هو عمل المنوب عنه أو النائب أو الاحتیاط بالتکرار.

ص:398

(مسألة 55 ) : إذا کان البائع مقلدا لمن یقول بصحة المعاطاة مثلا أو العقد بالفارسی، والمشتری مقلدا لمن یقول بالبطلان، لا یصح البیع بالنسبة إلی البائع أیضا ، لأنه متقوم بطرفین ، فاللازم أن یکون صحیحا من الطرفین. وکذا فی کل عقد کان مذهب أحد الطرفین بطلانه ، ومذهب الآخر صحته(1).

المسألة الخامسة والخمسون: أختلاف البائع والمشتری تقلیدا فی صحة العقد وبطلانه:

(1) قد صرح الماتن (قدس سره) فی المکاسب بالتلازم فی الفساد وفی قباله المحقق الاصفهانی (قدس سره) علی التلازم فی الصحة وأما الشهید الثانی فقد ذکر احتمالاً فی اللمعة بالصحة من طرف والفساد من الطرف الآخر.

وقد ناقش جملة من الأعلام المعلقین علی المتن بأن التلازم فی الصحة والفساد الواقعی وأما الفساد والصحة الظاهریین فلا تلازم بینهما إذ النظر إلی الظاهر ویمکن فی الظاهر التفریق بینهما فالحکم الظاهری مخالف للماتن (قدس سره) وللمحقق الاصفهانی (قدس سره) ؛ لأن الصحة الظاهریة لیست هی الصحة بل هی احراز الصحة وعین الصحة شیء واحرازها شیئ آخر والاحراز یمکن أن یفکک فیه بأن یحرز أحدهما الصحة والآخر یحرز الفساد فلا ملازمة بین القطع فضلا عن الظن فلا یأتی ما ذکره الماتن من الملازمة فی الفساد وما ذکره المحقق الاصفانی (قدس سره) من

ص:399

الملازمة فی الصحة . نعم، الملازمة خاصة فی نفس الصحة الواقعیة.

ولکن یمکن أن یقال إنه فرّق بین الافعال الازدواجیة وبین الافعال المجردة ففی الصحة الظاهریة لا یمکن أن یعبد الشارع بها الشخصین بحیث یلزم أحدهما بوجوب الوفاء والآخر بعدم الوفاء فلا یمکن للشارع أن یتعبد بالتفکیک علی مستوی الظاهر فلا یمکن فی الافعال الازدواجیة تصویر التفکیک بین الصحة فی الجنبتین الازدواجیتین أو الفساد فیهما بحیث یبنی أحدهما علی الصحة والآخر علی الفساد وعلی هذا یبقی ما ذکره السید الماتن (قدس سره) والشیخ الاصفهانی (قدس سره) من أن التلازم هو المتعین وعلیه فإما أن نحکم بالتلازم فی الفساد أوفی الصحة.

وقد ورد التلازم فی الصحة فی موارد فهل تعمم تلک الأدلة أو هی خاصة بمواردها ولا یصح الاعتماد علیها فی کل الموارد فیتعین البناء علی المصالحة القهریة بعد عدم امکان حل المسألة بالموازین الظاهریة ولو بالرجوع إلی الحاکم الشرعی إلا أنه توجد جملة من الموراد فی العقود الفاسدة ولکن لصحتها من جانب،یبنی علی صحتها من الجانب الآخر، فإذا خاطب الشارع أحد الطرفین بالصحة والالزام واللزوم یعلم بالدلالة الالتزامیة حکمه بالصحة والالزام والتلازم للطرف الآخر مثل لکل قوم نکاح، وفی إمام الجماعة بحیث أن الصحة منوطة بالصحة عند الامام (علیه السلام) وغیرها من الموارد التی ادُّعی فیها هذا التلازم .

ص:400

(مسألة 56 ) : فی المرافعات اختیار تعیین الحاکم بید المدعی، إلا إذا کان مختار المدعی علیه أعلم، بل مع وجود الأعلم وإمکان الترافع إلیه الأحوط الرجوع إلیه مطلقا(1).

وعلی کل حال ، فإن استطعنا أن نقرب التلازم فی خصوص الصحة فبها ، أو التلازم فی الفساد فبها وإلا فیصار إلی الصلح القهری لعدم امکان التفکیک - کما ادعی الأعلام - لکونه من الافعال الازدواجیة حتی فی مرحلة الظاهر ولعلنا نقف علی وجه لتقریب أحد المتلازمین بعد الفراغ من أن تقریب التلازم هو المتعین.

المسألة السادسة الخمسون: تعین الحاکم بید المدعی إلا إذا کان ما اختاره المنکر أعلم:

اشارة

(1) قدم الماتن (قدس سره) قول المدعی إلا إذا کان من اختاره المنکر أعلم، وقد فصل عدة من المعلقین بما إذا کان منشأ النزاع هو الشبهة الحکمیة فیتعین الرجوع للأعلم، وکأن هذا عملاً بمفاد مصححة عمر بن حنظلة باعتبار أن موردها النزاع فی الشبهة الحکمیة وقد أرجعت إلی الأصدق والأورع والأفقه. واستدل البعض بأن مورد النزاع بین الطرفین هو من جهة أن المدعی یدعی حقاً له فهو مخیر باثبات حقه بأی طریق معتبر وأما المنکر فلا یطالب بشیء غیر الرفض لأن الحق المتنازع فیه بین المدعی والمنکر هو حق للمدعی فله استرجاعه بأی کیفیة شاء.

ص:401

وقد یعارض هذا الوجه بأن المنکر أیضا من حقه أن یدفع عن نفسه الظلامة کیفما یشاء و هذا من حقه فلا ترجیح لتقدیم حق المدعی علی حق المنکر.

وقد استدل بوجه آخر حاصله : أن للمدعی حق بما أنه صاحب دعوی أن یقیم الدلیل علی مدعاه بأیّ کیفیة... وأحد آلیات اثبات الدلیل هو الحاکم ولا یشترط فی الآلیة التی یقیمها المدعی أن تثبت ما یدعیه فلا یشکل بأن الحاکم یمکن أن یحکم علی خلاف دعوی المدعی.

ویمکن التأمل أیضا فی هذا الاستدلال بأن یقال إن کون الاستدلال بید المدعی شیء وتعین الحاکم الشرعی شیء آخر إذ الحاکم هو میزان لتقویم الدلیل الذی یأتی به المدعی، ولیس نفسه هو دلیل وإن کان بعد تقییم الدلیل یثبت الحاکم الدعوی أو ینفیها فالحاکم میزان لتمییز المحق من المبطل وبعد ذلک یکون حکمه أمارة أو غیرها سواء کانت للمنکر أو للمدعی فلیس الحاکم من الأدوات المنصوبة للاستدلال للمدعی دون المنکر فالقاضی لیس بمستند ودلیل نعم تنقیح المستند والدلیل قبولا أو رفضا بیده.

ولا یشکل بما جری فی المباهلة من جهة دلالتها علی صدق صاحب الدعوی بنفس الانتساب للحاکم والقاضی وهو الله، فهو دلیل یثبت المحق من المبطل وعلیه ، فالحاکم والقاضی هو نفسه الدلیل علی

ص:402

صدق المدعی لا میزان دلیل ؛ إذ الجواب أن المباهلة باعتبار فی انتساب شیء إلی الله وعدم انتسابه فالله یکون هو الدلیل علی صاحب النسبة والدعوی الصادقة.

ویمکن أن یقال أن ما أفاده الماتن (قدس سره) مسلماً فی السیرة العقلائیة بشکل ارتکازی من أن التعیین بید المدعی لکون الشکوی حق بیده ، وأنه بحسب الظاهر أن المنکر - کما یعرف - من ترک ترک بخلاف المدعی هو الذی یقیم المخصومة ولو ترک لم یترک فالمبقی والمقیم للخصومة هو المدعی لا المنکر وبالتالی تکون طریقة استرجاع حقه بیده وبحسب ظاهر الحال یکون حکم الحاکم آلة وأداة من أدوات المتابعة والملاحقة لتخلیص الحق من المنکر فمن یرید الخصومة هو نفس المدعی وإلا فالمنکر لا غرض له فی اقامة الحکومة. نعم، للمنکر أن یخدش فی الدلیل کما لو أدعی المنکر عدم توفر بعض شروط الحاکم الذی عیَّنه المدعی فلا یلزم المنکر بحکم الحاکم، نعم لو کان الحاکم معیناً من قبل الوالی الشرعی فلیس للمنکر حق الخدشة فی أهلیته.

وبعد التحقیق والتأمل والتدبر ننتهی إلی هذه البلورة التی حاصلها أن القضاء ومنصبه سلطة، فبدءاً من الله تعالی ثم رسوله (صلی الله علیه و آله) ثم المعصومین (علیهم السلام) ثم من ینوبون منابهم، وهی کذلک فی الانظمة الوضعیة، فالقضاء عندهم هو سلطة ، والمنصب لا یعزی إلی أی أحد، وعلیه یکون منصب

ص:403

القاضی عند الاعلام منصبا مفروضا أنه من صلاحیات المعصوم (علیه السلام) وعلیه فیکون القضاء منصبا من قبلهم (علیهم السلام) فأصل النصب والتعیّن من قبل من له الولایة لا من قبل المتخاصمین.

وعلیه فما ذکر من بناء السیرة عند العقلاء علی أن صاحب الدعوی هو من یرید أن یبادر لیشکو المنکر و أن المدعی بنکتة أنه فی مقام الشکوی واقامة الدعوی لاستخلاص حقه فله المبادرة لتخلیص حقه بأی طریق شاءو هذا هو منشأ الارتکاز العقلائی لکون تحدید القاضی بید المدعی.

الفرق بین قاضی التحکیم والقاضی التنصیب:

إلا أنه بالتأمل - کما اشارنا إلیه - بکون الرجوع إلی الحاکم لا یخلو أما أنه منصوب أو لا؟ فإن کان منصوباً من قبل الامام فلا یجوز للمنکر التخلف عنه لکونه منصوبا من قبله(علیه السلام) فالزام المنکر بالحضور لیس لأنه حق للمدعی بل من جهة أن هذا القاضی منصوب ممن هل الولایة فتجب طاعته... ومن هذا یتبین عدم اختصاص رفع الخصومة وانهاءها بالمدعی إذ لو کان المنکر هو الشاکی علی المدعی لکونه یرعبه ویقلقه ویهدده ویزاحمه - مع أن المدعی لم یقم شکوی - فللمنکر الذهاب للقاضی لیفصل بینهما حتی یخلصه من دعوی المدعی و رفع الخصومة

ص:404

بینهما، فإنه یتعین علی المدعی الحضور والمثول أمام القاضی الذی ذهب إلیه المنکر لکونه منصوباً من قبل الامام (علیه السلام) فالسابق إلی القاضی معین له، ولکن یجوز للمدعی لو سبق المنکر للقاضی أو للمنکر لو سبق المدعی أن یتقاضی إلی حاکم آخر قبل صدور الحکم، فرفع الخصومة مشترک بین المدعی والمنکر فیجوز لکل منهما الذهاب إلی أی قاضی علی حده قبل أن ترفع الخصومة عند أحد القاضیین ولهذا قال: (أختار کل منهما رجلا من اصحابنا) أی أن المنکر أختار شخصا والمدعی أختار شخصا آخر، وعند المخالفة تأتی مسألة الترحیج بالافقهیة والورع وغیرها من صفات الراجعة للأعلمیة.

هذا فی القاضی المنصوب وأما فی قاضی التحکیم غیر المنصوب فکما هو فی کلمات الاصحاب أنه لابد أن یکون ممن یتراضی به الطرفان معاً لفصل الخصومة لأنه أما أن حقیقة التحکیم صلح والصلح عقد من الطرفین فهو مشروط بالتراضی وأما أنه غیر صلح بل هو قضاء وحسم خصومة ولابد فیه من التراضی أیضا لأن قوام التحکیم بهما وإذا رضی به أحدهما ولم یرضی به الأخر لم یکن تحکیم من الطرفین بل من طرف، حتی قال صاحب الجواهر (قدس سره) الاصل فی القضاء التحکیم أی إلی التراضی من الطرفین. وإن کان الصحیح أن القضاء لیس بتحکیم بل هو سلطة من قبل المعصوم (علیه السلام) کما تقدم ، وأما الترجیح بالأعلم کما

ص:405

(مسألة 57 ) : حکم الحاکم الجامع للشرائط لا یجوز نقضه ولو لمجتهد آخر إلا إذا تبین خط(1).

هو مذهب السید المرتی (قدس سره) فی الذریعة علی ما نسب إلیه ونسب أیضا للمحقق الثانیض (قدس سره) فی حاشیته علی الشرائع فی کتاب الجهاد، والصحیح أن النص من المعصوم (قدس سره) عام ولیس خاصا بالأعلم والترجیح بالأعلم مخصوص بصورة التعارض فی نفس الحکم القضائی وعلی نحو التعارض فی الفتوی فلا یتعین الرجوع إلی الأعلم ابتداءً ؛ و ذلک لأن الأعلمیة میزان ترجیح لا شرط صلاحیة فی القضاء.

المسألة السابعة الخمسون: نقض حکم الحاکم:

اشارة

(1) وهذه المسألة ذات جهات:

الجهة الأولی: فی نقض الحکم القضائی وغیره:

الکلام تارة فی نقض الحکم القضائی وتارة غیر القضائی مثل اثبات الهلال أو نصب القیم علی الاوقاف أو الاجتهاد أو نقض الفتوی بالقضاء أو بالعکس فهل یجوز لمن یقلد فتوی مجتهدمخالفة حکم القاضی أن یعمل بفتوی مقلده أو بحکم الحاکم ؟

الجهة الثانیة: الفرق بین حرمة نقض حکم الحاکم وبین ترتیب آثار الواقع علیه:

وتوجد فی المقام مسألتان:

ص:406

المسألة الأولی: وهی حرمة نقض حکم الحاکم.

والمسألة الثانیة: وهی ترتیب آثار الواقع علی حکم الحاکم. وهی شبیهة بالأولی.

والتمییز بین هاتین المسألتین دقیق جداً؛ لما فیه من اختلاف الانظار.

الجهة الثالثة: جواز ترتیب آثار الواقع مع تبین الخطأ:

أن حرمة نقض حکم الحاکم أو جواز ترتیب الاثار مع تبین الخطأ إما بنحو قطعی ضروری تارة أو نظری أخری أو بنحو ظنی معتبر أو إحتمالی فی صورة وجود اجتهاد مخالف مع عدم اطلاع الاجتهاد الثانی علی مدرک ومستند الاجتهاد الأول فلم یتبین الخطأ إذ لو اطلع علی مدرکه لاحتمل أن یکون الاجتهاد الثانی هو الخطأ دون الأول.

الجهة الرابعة: الخطأ تارة فی میزان الحکم وتارة فی نفس الحکم:

تارة یکون الخطأ فی میزان الحکم وأخری أن یکون فی نفس الحکم کما لو حکم القاضی بکون العین لزید و أنا فیما بینی وبین الله أعلم أن المال لیس له... فإنه مع العلم بکون الحکم علی الموازین إلا أنی أعلم أن زیدا کاذب والمال لیس له وأخری یکون الخطأ فی شرائط الحاکم کما لو فرضنا أن المیزان صحیح والحکم صحیح إلا أن الحاکم غیر واجد للشرائط.

ص:407

الجهة الخامسة: أن النقض تارة من الحاکم نفسه وتارة من غیره:

فالنقض نفسه فتارة یکون من نفس الحاکم کأن ینقض الحاکم حکم نفسه وأخریینقضه مجتهد آخر وتارة ینقضه المتخاصمان أو أحدهما وتارة من طرف ثالث لا من حاکم آخر ولا من الطرفین بل من حاکم آخر والحاکم تارة یکون أعلم ممن تولی الحکم وتارة یکون غیر أعلم وفی جمیع هذه الصور النقض أما فی الحکم أو فی ترتیب آثار الواقع.

الأقوال فی المسألة متعددة:

القول الأول: التفصیل بین تبین الخطأ بنحو قطعی فیجوز وبغیره فلا یجوز:

اشارة

فما حکی اجمالا عن العلامة الحلی (قدس سره) فی الارشاد والقواعد: أن تبین الخطأ إما بشکل قطعی أو ظنی معتبر فیجوز النقض وأما الاحتمالی بالمعنی المتقدم فلا.

والأدلة التی تدل علی حرمة نقض حکم الحاکم علی طائفتین:

الطائفة الأولی: اخبار کثیرة فی أبواب متفرقة تدل علی أن الواقع لا یتغیر عما علیه بحکم القاضی مثل: «أیما رجل اقتطعت له من أخیه قطعة فهی من النار» ، ومثله أیضا ما ورد فی بعض الاخبار من أن حکم القاضی لیس لحل الخصوم والنزاع فقط بل هو لاحقاق الحق ، فلا یتغیر

ص:408

الواقع عما هو علیه.

والطائفة الثانیة: تدل علی أن حکم الحاکم لا یتغیر عما هو علیه وتوجد أدلة علی حرمة الرد علی القاضی الشرعی وحرمة نقض حکمه فالجمع بین هاتین الطائفتین هو الذی یقع فیه الکلام.

وقد ذهب صاحب الجواهر (قدس سره) إلی أنه لو تراضی المترافعان علی تجدید الحکم جاز لهما الترافع إلی قاضٍ آخر.

و هذا کأنه استثناء من حرمة نقض الحکم الحاکم الأول فی صورة تراضی المترافعین وإن کان الشیخ الانصاری (قدس سره) وتلمیذه الأشتیانی (قدس سره) فی کتابیهما القضاء استغربا مما ذهب إلیه صاحب الجواهر (قدس سره) أنه کیف یکون ما ذهب إلیه موافقاً للقاعدة!! .

ویمکن رفع الاستغراب بأن القضاء والتحاکم من باب الصلح ولا مانع من المصالحة علیه فهو من الصلح علی الصلح فیتصالحون بأن المنتفع بحکم الحاکم الأول یتصالح معه علی الحق الذی ثبت له بحکم حاکم ثانی فلیس هو من باب نقض حکم الحاکم الاول بل حکم الحاکم الأول موضوع للتصالح فهذا موافق للقاعدة وإلا لوکان یرید رفع حکم القاضی أولاً وابتداءاً حکم جدید لکان الاستغراب فی محله .

وقد احتمل الاشتیانی (قدس سره) - کما لعل صاحب الجواهر (قدس سره) أحتمله أیضاً - أن تحریم الرد علی القاضی هل هو موجه لکلا الطرفین أو هو

ص:409

خاص بالمحکوم علیه ، وأما المحکوم له لا مانع من امتناعه عن العمل بحکم الحاکم الشرعی.

فتارة یکون تنازل من المحکوم له للمحکوم علیه بأن یهبه أو یتراضی بأن یأخذ المحکوم علیه ما ثبت له، فهذا لا اشکال فیه؛ لأنه غیر النقض بل هو اقرار لحکم الحاکم الأول، فهذا راجع للعمل بالتراضی بخلاف حکم القاضی لا بنقض حکمه .

وأخری لا یقبل حکم الحاکم ویرفضه فلا یرتب علیه آثاره فهذا هو الممنوع لکونه ردّاً ونقضاً لحکم الحاکم بخلاف الأول فإنه یرتب علیه آثاره ویتراضی بخلاف حکم الحاکم إذ التراضی بعد الفراغ والتسلیم بحکم الحاکم فهذا العمل من المحکوم له لیس ردّاً علی القاضی لأنه لیس ملزوما بأخذ حقه فله أن یتنازل فعدم العمل من المحکوم له لیس بنقض بخلافه عدم العمل من المحکوم علیه فالمشهور یعتبره نقضا له کما سیتبین ذلک مفصلا.

ویوجد دلیلان آخران غیر الأدلة المتقدمة لحرمة نقض حکم القاضی، ذکرهما صاحب الجواهر (قدس سره) :

الأول: اطلاق أدلة النفوذ وهی أدلة نصب القاضی ونفوذ قضائه وهی شبیه بأصالة اللزوم فی المعاملات التی حاصلها لزوم العقد المشکوک لزومه ؛ إذ الأعلام یتمسکون بأصالة اللزوم، ومن أدلتهم علی ذلک اطلاق

ص:410

أدلة النفوذ أی اطلاق أدلة الصحة لأن مقتضی اللزوم أن العقد بعد الفسخ فی مورد لم یثبت الخیار یبقی ولا یرتفع فحقیقة الصحة هی وجود العقد وبقاءه فالتمسک بأدلة الصحة هو التمسک بالأدلة التی تقول بوجود العقد و هذا هو معنی اللزوم أو مساوق له و هذا تقریب ذکره الأعلام فی باب المعاملات وإن کان مفاد المحمول والموضوع یختلف عن أدلة الصحة... فرغم أن المفادین مختلفین فإن ما هو محمول فی أدلة الصحة هو موضوع فی أدلة اللزوم وما هو محمول فی أدلة اللزوم هو شیء آخر فمع اختلاف أدلة اللزوم والصحة قرر الأعلام فی البیع أن اطلاق أدلة الصحة بمثابة أدلة لزوم.

وهنا یجری ذلک أیضاً فإن أدلة صحة وصلاحیة حکم القاضی ونفوذه تفید باطلاقها مفادًا آخرا غیر الصحة وهو اللزوم وعدم جواز النقض فنفس أدلة نصب القاضی ونفوذ قضاءه التی لتشریع نفوذ حکمه یتمسک باطلاقها الزمانی للبقاء حتی بعد الفسخ لمفاد آخر وهو اللزوم وعدم امکان رفعه الذی هو عبارة عن حرمة النقض فهیکأدلة حرمة نقض البیع ورفعه.

و هذا الوجه متین من جهة الإطار مضافاً إلی ما ذکره السید الخوئی من أن مفاد القضاء الذاتی حل الخصومة وقطع النزاع فلا معنی لمعاودة النزاع والخصومة وإلا لما کان القضاء حل الخصومة و رفع النزاع فمفهوم

ص:411

القضاء بذاته یقتضی عدم جواز النقض فما یذکره صاحب الجواهر (قدس سره)هو وجه دلائلی أی یدلل علیه بأصل أدلة نفوذ القضاء وأدلة التنصیب، وأما ما یذکره السید الخوئی (قدس سره) فهو وجه مدلولی یرجع لنفس مدلول الدلیل وحقیقته ففرق بین الاستدلال الدلائلی والاستدلال المدلولی المضمونی إلا أنهما لبّاً شیء واحد.

ودیدن الفقهاء فی المنهج الفقهی یعتبرون أن الأدلة المدلولیة أقوی عتبارا من الادلة الدلائلیة وإن کان الخاص مقدما علی العام والحاکم علی المحکوم والوارد علی المورود إلا أن هذا التقدیم فی عالم الدلالة وکذا الاصول العملیة فمتأخرة عن الادلة الاجتهادیة کما أن الادلة القائمة فی المدلول هی مقدمة علیها فی مرحلة الدلالة مع أن المدلول متأخر أثباتاً عن الدلالة إلا أنه ثبوتا متقدم علی الأدلة ولأنه ثبوتا متقدم فالنکات الذاتیة المتقومة فیه تقدم فی عناصر البحث والاستنتاج علی الدلالة فإن الاطلاق والعموم وغیرها من صفات الدلالة کلها صفات من الدلالة بخلاف صفات ذات الشیء ونفس الشیء، وذاتیات الشیء متقدمة علی صفاته بحسب الدلالة لأنه قبل تحدید ذات الشیء لا یعرف هل أنه قابل للاطلاق أم لا. ولهذا قرروا أن الاطلاق الذاتی مقدم علی الاطلاق اللحاظی والاطلاق الدالی.

ص:412

و هذا بحث مهم إلا أنه فی هذه الازمنة مهمش إلی درجة ضئیلة بخلاف المتقدمین فإنهم یتعمقون فی ذات المدلول أکثر،... و هذا التهمیش تسطیح للبحوث الاجتهادیة حیث یقتصرون علی أطر الدلالة کالاطلاق والتقید والخاص...وغیرها، وأیضا هو أهمال لذلک البحث ذی الأهمیة لرجوعه إلی صناعة التحلیل والترکیب.

الدلیل الثانی: استصحاب حکم القاضی، فإنه واجد للشرائط، فهل یسوغ نقضه من القاضی نفسه أو من قاضٍ آخر، سواء بحکم أو بفتوی - کما تقدم من نقض الفتوی بالفتوی کما لو تبدل رأی المجتهد أو الحکم بالحکم أو الفتوی بالحکم أو بالعکس - فبعد النقض بهذه الأمور نشک فی زوال حکم القاضی فنستصحب أثر الحکم السابق و هذا أیضا ذکروه فی المعاملات فی اصالة اللزوم فی العقود فإن الاستصحاب کما ذکروا عوضاً وبدیلاً عن الاطلاق الزمانی لأنه یبقی الشیء فی عمود الزمان.

وقد اشکل علیه الشیخ الاعظم (قدس سره) : بأن هذا من الشک فی المقتضی وعلی مبناه لا یجری الاستصحاب فیه، فإنه من أول الأمر یشک فی صلاحیة حکم القاضی هل هی ممتدة أو غیر ممتدة ، أو أنها مغیاة بنقض قاضی آخر أو فتوی أخری فهذا من الشک فی المقتضی فلا یجری الاستصحاب ، بل ولو کانت هناک فتوی أو حکم آخر فإن الشک

ص:413

یرجع إلی الشک الساری الراجع لقاعدة الیقین لأنه لما حکم القاضی الثانی بحکم مخالف للأول فأنه یسری لنا الشک بحصول الخلل فی حکم القاضی الأول فهو مشکوک الحجیة من حیث حدوثه لا فی بقاءه بعد القطع بحدوثه، فلا یقین سابق حتی یجری الاستصحاب.

إلا أن الصحیح هو ما ذهب إلیه صاحب الجواهر (قدس سره) وإن کان ما ذکره الشیخ الأعظم (قدس سره) صحیح إلا أنه خارج عما نحن فیه تخصصاً لأن موضوع الکلام فی حرمة نقض حکم القاضی الواجد للشرائط ومیزان الحکم أما فی موارد الخلل بشکل قطعی أو ضروری فهو شیء آخر، فلیس مما نحن فیه من الشک الساری، وأیضا لیس هو من قبیل الشک فی المقتضی لأن المفروض أن نقضه رافع وهو حکم القاضی الآخر بعد القطع بحدوثه واستمراره - لا باختلال نفس الحکم الأول - وإنما الشک فی أن حکم القاضی الثانی هل هو رافع له أم لا، ولیس الشک من جهة قابلیة الحکم الأول بل الشک من جهة أن حکم القاضی الثانی بعد وجوده هل أزال الحکم الأول أم لا ؟ فلیس الشک من جهة اختلال ذات الحکم الأول ودلیله بل من جهة رافعیة الحکم الثانی له فمنشأ الشک لیس فی قابلیة دلیل الحکم الأول بل فی رافعیة الحکم الثانی الأول بعد ثبوته ولهذا لو لم یقض الحاکم الثانی فالحجیة الاقتضائیة للحکم الأول موجودة.

ص:414

ویوجد دلیل ثالث للشیخ الأعظم (قدس سره) ، وحاصله: أنه توجد موارد ینقض فیها نفس القاضی أو قاضٍ آخر الحکم... یعنی نقض الحکم بالحکم أو بالفتوی أما من نفس القاضی أو من قاضٍ آخر وکان فی خصوص ما إذا تبین أن النقض ظنی من جهة الموازین المعتبرة فاستدل بعین ما ذکره فی تبدل الاجتهاد من اجتهاد صحیح علی اجتهاد صحیح آخر أو تبدل التقلید من تقلید صحیح علی تقلید صحیح آخر فالمشهور المتقدمون قالوا باجزاء الاجتهاد الأول والتقلید الأول بالنسبة للأعمال التی وقعت علی وفقهما، ودلیلهم هو أن هذا الاجتهاد والتقلید الأولیین یندرجان فی الحجیة کما یندرج الاجتهاد والتقلید الجدیدان ولیس اندراج أحد الامارتین فی ظرفها أولی من الأخری ولا قصور من الاندراج تحت أدلة الحجیة لعدم تنافیهما إذ کل منها حجة فی ظرفها ولو سلم التنافی بین الامارتین یکون ترجیح أحد الامارتین علی الأخری أول الکلام لأنه ترجیح بلا مرحج وعلی حسب تعبیر القدماء أن اطلاق أدلة حجیة الامارة الثانیة لموارد الامارة الأولی أول الکلام و ذلک لکون الاعتبار الفعلی للامارة الثانیة فی الزمن الثانی فتسریتها للزمن الأول محل کلام وإن کان المکشوف بها أمر کلی إلا أن اعتبارها فی الزمن الثانی والعمل بکلا الامارتین بلحاظ اختلاف الظرفین لا یلزم منه التنافی والتقاطع بین الامارتین ، ففی ظرف الامارة الثانیة لنا أن نقول : إن الامارة

ص:415

الأولی کانت فی ظرفها حجة واقعا وتبدل الکشف ظنیاً لا قطعیاً ولهذا احتمال أن الأولی هی المصیبة وعلی هذا ذهب المتقدمون إلی أن الاعمال السابقة علی وفق الاجتهاد أو التقلید الأول صحیحة وإن کانت مخالفة للاجتهاد والتقلید الثانیین و لو کان فی الارکان.

والشیخ (قدس سره) یعمم هذه النکتة لباب القضاء فیثبت استمرار الحکم الأول الذی هو علی الموازین الظنیة فلماذا یقدم الحکم الثانی علی الحکم الأول فلا یتعلق الحکم الثانی بما تعلق به الحکم الأول بل فی باب القضاء أوضح لکونه إلی الآن الحکم الأول واجد للشرائط وباقی تحت الحجیة ولقصور أدلة حجیة القضاء الثانی لشمولها لما تعلق به القضاء الأول. نعم، القضاء الثانی یتعلق بمالم یتعلق به القضاء الأول.

و هذا الوجه من الشیخ(قدس سره) لا بأس به وعلیه فلا یجوز نقض حکم القاضی مطلقا حتی لو تبین لنا أنه مخالف للواقع بالفتوی أو بالحکم وعلی جمیع الصور التی مرَّ ذکرها مادام الحکم الأول واجدا لموازین القضاء، فجمیع الشقوق السابقة لا یجوز فیها نقض حکم الحاکم إذا کانت موافقة للموازین الظنیة المعتبرة وإن کان الحکم الناتج عن تلک الموازین الظنیة والمعتبرة مخالفا للواقع، کما لو کان أحد المتخاصمین یعلم بمخالفة الحکم للواقع أو مخالفته لفتوی مقلده فإنه یجب التعبد بحکم الحاکم ، ولا فرق بین تقدم الفتوی وتأخرها علی صدور الحکم

ص:416

لأن الحکم ینقض الفتوی ولا عکس لأن الفتوی لا ترفع التنازع والمخاصمة .

نعم لو تبین أن الموازین مخالفة للواقع فیجوز النقض.... فالعبرة بالنقض هو القطع بمخالفة الموازین للواقع لا بمخالفة الحکم للواقع إذا کان علی وفق الموازین المعتبرة فلا ینقض الحکم بالحکم فضلاً عن نقضه بالفتوی .

نعم ذکر السید الگلپایگانی (قدس سره) تبعاً لصاحب الجواهر (قدس سره) : أنه فی أی مورد تقصر أدلة القضاء سواء کانت شبهة حکمیة أو موضوعیة فیحسم ذلک النزاع بالفتوی لعموم أدلة حجیة الفتوی بالنسبة إلی القاضی لعدم قصورها عن موارد المخاصمة والنزاع إلا أنه بدلیل القضاء قیدت تلک العمومات بقدر وسعة أدلة حجیة القضاء فإذا قصرت تلک الأدلة لم یکن هناک مانع من شمول وعموم أدلة الفتوی لموارد النزاع التی قصرت عنها أدلة القضاء.

والظاهر أن التقریبین متنافیان فما ذکرناه أولاً من عدم صلاحیة الفتوی لحسم النزاع بل هو من صلاحیات القضاء ولهذا لا تنقض الحکم والحکم ینقضها .

ص:417

وما ذکره السید الگلپایگانی (قدس سره) أنه فی مورد قصور أدلة القضاء تأتی النوبة إلی أدلة الفتوی ففی الوهلة الأولی یظهر التدافع بین هذین التقریبین إلا أنه بالتأمل لا تنافی بینهما و ذلک لأنه تارة البحث یقع فی صلاحیة منصب المفتی للقضاء وتارة فی موازین مستند القضاء هل یعم موازین مستند الفتیا إذا ما قصرت موازین القضاء أم لا؟

وبعبارة أخری فی المقام الأول کان الکلام فی أن الفتوی بما لها من أماریة لا تقف أمام أماریة حکم القاضی بل هو مقدم علیها وفی المقام الثانی یبحث فی أن دلیل أماریة الفتوی شامل لموارد القضاء کمستند فیما إذا قصرت أدلة القضاء فلو لم یکن للقاضی امارات القضاء مثل البینة أو الیمین وغیرها فیستند إلی أمارات وأدلة الفتیا لأنها شاملها بعمومها لموارد النزاع إلا ما خرج بأمارات القضاء فیستند إلی حجیة خبر الثقة - مثلاً - وغیرها من أمارات الفتیا. فالتقریب الثانی للسید الگلپایگانی (قدس سره) وصاحب الجواهر (قدس سره) فی وادی وهو من اسرار باب القضاء - وإن کان صاحب الجواهر (قدس سره) فیما قربنا من عدم نقض الحکم بالفتیا یخالف المشهور - وما قربناه من عدم نقض الحکم بالفتیا فی وادٍ آخر.

فجعل حکم المفتی أمارة لا یعنی جعل حکمه فاصل للنزاع وجاریا فی موارد القضاء و رفع الخصومة فلا ملازمة بین اماریة حکم المفتی

ص:418

وبین جریانه فی مورد القضاء نعم موازین أدلة الفتیا عامة لموازین القضاء فیما قصرت عنه موازین القضاء لأن القضاء هو فتوی وزیادة فلابد للقاضی أن یستند إلی مستندات الفتیا زیادة فإن القاضی لا یستطیع أن ینقح الشبهة الحکمیة إلا بموازین الفتیا وینقح الشبهة الموضوعیة بموازین القضاء وإن کان للفتیا موازین موضوعیة فی الشبهات الموضوعیة إلا أن القاضی یترکها لتخصیصها بموازین القضاء فی الشبهة الموضوعیة . نعم، إذا قصرت موازین القضاء فی الشبهة الحکمیة والموضوعیة تأتی النوبة لموازین الفتوی فی الشبهة الحکمیة والموضوعیة لحسم الخصومة والنزاع. فمثلا: تعیین المدعی من المنکر بموازین فتوائیة فی الشبهة الموضوعیة فمثلا المدعی من کان قوله مخالف للأصل فینظر إلی الحالة السابقة وتستصحب عدم ما یدعیه المدعی فیعین المدعی مثلا بموازین فتوائیة وهی مختلفة بحسب اختلاف الموارد، فتارة بالاستصحاب وتارة بغیره.

فالکلام عند قصور موازین القضاء تأتی موازین الفتیا ولیس کلامنا فی قصور أماریة القضاء إذ هو مقدم علی الفتوی کما تقد... فقصور أماریة الفتوی لا تقدم علی القضاء أصلا، بخلاف قصور موازین القضاء فیستند إلی موازین الفتیا.

ص:419

والخلاصة : أن الوجه فی عدم نقض الفتوی للحکم القضائی هو أن أماریة القضاء لا تنقض بأماریة الفتوی لتخصیص أدلة أماریة الفتوی عن الشمول باماریة القضاء وإن کانت موازین الفتوی لیست بقاصرة عن الشمول لموارد مستند القضاء؛ و ذلک لما تقدم مرارا وتکرارا من أن الفتیا لیس امارة محضة بل فیها زعامة وولایة وأیضا القضاء لیس ولایة وزعامة محضة بل فیه أماریة فلا یغیر الواقع عما هو علیه فکل من سدة ومنصب الفتیا والقضاء فیه جنبة ولایة وزعامة وجنبة أماریة وکاشفیة، غایة الأمر أن ولایة القضاء تختلف عن ولایة الفتیا واتحاد موازین الفتوی والقضاء لا یعنی أن الفتوی عامة لموارد القضاء فلا ینقض الحکم القضائی بالفتوی لقصورها بخلاف الفتوی فإنها تنقض بالحکم القضائی و ذلک لأن الحکم القضائی کامارة یجری فی الموارد الخاصة لأنه مشرع ومقنن لرفع النزاع. فحکم القاضی لا ینقض بالحکم فضلاً عن نقضه بالفتوی حتی بفتوی القاضی نفسه لو تبدل اجتهاده فضلا عن قاضی آخر هذا فی صورة کون الحکم القضائی علی الموازین فی ظرفه وإن کانت موازین الفتوی شاملة لمستند القضاء .

فنکتة الشیخ الأعظم (قدس سره) من أن الکشف الظنی فی الموازین بخلاف الحکم الواجد لموازینه فی ظرفه، لا یسوغ رفع الید عنه والأخذ بالحکم اللاحق حتی لو کان الاختلاف بین القاضی الثانی وبین القاضی الأول فی

ص:420

نفس الموازین اجتهاداً فإنه لا یرفع الحکم الظنی بحکم قطعی آخر إذا کان علی الموازین فضلاً عن رفعه بحکم ظنی.

بل مرّ بأنه لو کان لنا قطع بکون الحکم الذی هو علی الموازین خالف الواقع نتیجة فلا یصح نقضه أیضاً وأما مسألة التوفیق بأن الواقع لا یتغیر عما هو علیه وبین عدم جواز النقض حتی مع انکشاف الواقع فمسالة أخری.

حدود حرمة نقض الحکم فی نفسها:

النسبة بین حرمة نقض حکم الحاکم ومسألة التعامل مع الواقع علی ما هو علیه أنه قد مرّ أن الاخبار، مثل صحیحة هشام بن الحکم عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : إنما اقضی بینکم بالبینات وبعضکم ألحن أو أفطن بحجته من البعض فایما رجل قطعت له من مال أخیه شیئا فإنما قطعت له قطعة من النار»(1).

فإن لسان هذه الاخبار خاصة بالنسبة إلی المحکوم له المبطل بأن لا یستحل الحرام فی الواقع بحکم القاضی ، فیتعامل مع الواقع بما هوَ هوَ ، أما المحکوم له المحق فهذه الاخبار ساکتة عنه .

فالکلام یقع فی النسبة بین هاتین المسألتین، وقد تقدم سابقاً أنه هل

ص:421


1- (1) - وسائل الشیعة ج27 أبواب کیفیة الحکم، ب 2 ص 232 ح 1 .

یمکن أن یقال باختصاص حرمة نقض حکم القاضی بالمحکوم علیه باعتباره المتضرر بحکمه؟ بخلاف المحکوم له، وأما التعامل مع الواقع بما هوَ هوَ الذی هو عکس حکم القاضی فإنه خاص بالمحکوم له.

القول الثانی: التفصیل فی حرمة النقض بین النقض المعلن وبین ترتیب آثار الواقع:

إن المحرم هو النقض المعلن وکل ما یخالفه ظاهرا ولکن یجوز له أن یتقید بآثار الواقع وقد ذهب إلیه السید الخوئی (قدس سره) بحرمة ارجاع النزاع والخصام لأنه نقض لحکم القاضی لکونه قد فصل الخصومة والنزاع وأما ما وراء الاعلان والظاهر من دون شعور الطرف الآخر فله التعامل بالواقع بما هو هو بحیث لا یؤدی إلی النزاع وإلا حرم، فالبعض یفسر الانقیاد والانصیاع بالنسبة للمحکوم علیه بخوض الظاهر الرسمی وعدم احداث خصومة وأما الواقع بما هو علیه فلا مانع من التعامل معه بما هو واقع و هذا الوجه بقطع النظر عن صحته وفساده له شواهد وأمثله من الشارع حیث أنه یرتب علیه أثار کثیرة علی البیئة المعلنة والبئیة الظاهرة غیر احکامه المرتبطة بالاعمال الخفیة مثل الإیمان یرتبط بین الانسان وربه وأما الاسلام فالمعتبر وما یترتب علیه الاثار هو الظاهر الرسمی المعلن للأفراد.

ص:422

القول الثالث: التفصیل بین حرمة نقض الحکم فی مورد القضاء واقعا وظاهرا وبین ملازمات مورد القضاء:

فیقال - وربما نسب للمشهور- إن النسبة بین الحکمین لمقام الظاهر والباطن، فحرمة نقض حکم القاضی شامله لمقام الباطن ومقام الظاهر الرسمی المعلن عنه ولکن بخصوص مورد القضاء وأما ملازمات مورد القضاء وتداعیاته وما أشبه ذلک التی هی خارجة عن محل قضاء القاضی فیتعامل معها معاملة الواقع بما هو هو بخلاف نفس مورد القضاء.

القول الرابع: التفصیل بین حرمة النقض لو استحلف المدعی المنکر وبین غیره:

هو مخصوص بحکم القاضی بما إذا استحلف المدعی المنکر وأما غیره فیجوز نقضه.

ومن أبرز ما یدل ویسهم فی توضیح الحال فی تعیین أحد هذه الأوجه الثلاثة - ویوجد أکثر هذه الأوجه فی بحث القضاء - مثال الأموال، فقد ورد فی أبواب متعددة من الروایات، وهی علی طوائف:

طائفة تدل علی حرمة استعمال المال للمحکوم علیه، وهو القول الثالث الذی ینسب للمشهور أو الاشهر .

وطائفة تقول : یجوز له - فیما بینه وبین الله - أن یقتص من الأموال،

ص:423

وهی دالة علی القول الثانی.

وطائفة ورادة فی (الباب التاسع من أبواب کیفیة الحکم، باب من رضی فحلف له فلا دعوی له بعد الیمین وإن کانت له بینة) ، وقد أفتی بهذا العنوان الشیخ الکلینی (قدس سره) ، ومن تلک الروایات:

1- صحیحة ابن أبی یعفور - المرویة فی التهذیب ورواها الصدوق بزیادة والکلینی بنقصان مع ما فی الکافی من التقطیع وهو قلیل عند الصدوق - عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا رضی صاحب الحق بیمین المنکر لحقه فاستحلفه ، فحلف أن لا حق له قبله ، ذهبت الیمین بحق المدعی فلا دعوی له ، قلت له : وإن کانت علیه بینة عادلة ؟ قال : نعم وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسین قسامة ما کان له ، وکانت الیمین قد أبطلت کل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه علیه»1.

فقوله: «ذهبت بحق المدعی» أی المال، وقوله: «فلا دعوی له» أی لا یمکن أن یخاصمه مرة أخری، فهی تدل علی ذهاب الحق بحکم الحاکم إذا استحلف فحلف.

2- روایة الخضر النخعی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی الرجل یکون له علی الرجل المال فیجحده، قال: «إن استحلفه فلیس له أن یأخذ شیئا ،

ص:424

وإن ترکه ولم یستحلفه ، فهو علی حقه» . ورواه الصدوق باسناده عن إبراهیم بن عبد الحمید وزاد: «و إن احتسبه فلیس له أن یأخذ منه شیئاً»(1).

فسندها صحیح إلی الخضر النخعی، فصحة کثیر من رجالها یعطیها نوع من الاعتبار لأنه قرینة فلها درجة الاعتبار والوثوق بالصدور بخلاف لو لم یکن رجالها ثقات، وهو مبنی مشهور المتقدمین.

إلا أن هذه الاخبار هل هی مختصة بحکم القاضی مطلقا أو بخصوص ما لو کان حکم القاضی بیمین أو بخصوص الاستحلاف بقطع النظر عن مقام القضاء وحکم القاضی؟

والمشهور قالوا: إنها خاصة بالاستحلاف بما هو هو ولا شأن له بالقضاء ولهذا قال: ذهبت الیمین وإلا لو کان للمدعی بینة فلا تذهب الیمین بها... وهناک تخریج فقهی لهذا المطلب أیضا بأنه من باب الصلح، فطلب الحلف من باب الصلح والتراضی واسقاط الحق.

فعندما یطلب من القاضی استحلافه... معناه قبول حلفه عن حقه فإن حلف فلا ینازعه ولا یطالبه وجملة من المشهور الذین قالوا بأن هذه الاخبار فی مقامالصلح ؛ لأن الاستحلاف عبارة عن الصلح کأن المدعی یقول للمنکر احلف لی فأرضی بیمینک، ولیس هو بطلب القاضی.

ص:425


1- (1) - وسائل الشیعة ج27 أبواب کیفیة الحکم، ب 10 ص 244 ح 1 .

وبناء علی هذا المبنی من تفسر هذه الاخبار بهذا المعنی الثالث، فإن قوله (علیه السلام) : «إذا رضی» أی تصالح وإلا فلا معنی فی القضاء للتقید بالرضا و هذا موافق للقول الرابع فیکون عدم ترتیب آثار الواقع وسقوط الحق علی مقتضی القاعدة مع أن کون الصلح مسقطا للحق فیه تفصیل، لأنه قابل لأن یکون قد أسقط حقه لکونه مکرها وغیرها فلیس اسقاط الحق دال علی الصلح مطلقا.

3- مرسلة ابراهیم بن عبد الحمید، عن بعض أصحابنا: فی الرجل یکون له علی الرجل المال فیجحده إیاه فیحلف یمین صبرٍ أنْ (لیس له) علیه شیء، قال: «لیس له أن یطلب منه وکذلک ان احتسبه عند الله فلیس له ان یطلبه منه»(1).

4- منها روایة عبد الله بن وضاح ، قال : کانت بینی وبین رجل من الیهود معاملة فخاننی بألف درهم ، فقدمته إلی الوالی فأحلفته فحلف، وقد علمت أنه حلف یمینا فاجرة، فوقع له بعد ذلک عندی أرباح ودراهم کثیرة، فأردت أن أقتص الألف درهم التی کانت لی عنده وأحلف علیها ، فکتبت إلی أبی الحسن (علیه السلام) فأخبرته أنی قد أحلفته فحلف، وقد وقع له عندی مال فان أمرتنی أن آخذ منه الألف درهم التی

ص:426


1- (1) - وسائل الشیعة ج23 أبواب الإیمان، ب 48 ص 286 ح 1 .

حلف علیها فعلت، فکتب: «لا تأخذ منه شیئا إن کان ظلمک فلا تظلمه ، ولولا أنک رضیت بیمینه فحلفته لامرتک أن تأخذ من تحت یدک ، ولکنک رضیت بیمینه، وقد ذهبت الیمین بما فیها، فلم آخذ منه شیئا ، وانتهیت إلی کتاب أبی الحسن (علیه السلام) »(1).

ونکتة الخلاف فی أسانیدها: فی معنی الضعیف (أبو عبد الله الجامورانی) مع أن الوحید البهبهانی والمجلسی الأول ذکرا شواهد علی أن الضعیف غیر الضابط لا أنه کذوب وغیر ثقة، و هذا هو الصحیح وعلیه شواهد کثیرة، فمع ضم بعض الاخبار وملاحظة ضبطها فحینئذ یمکن حصول الوثوق بصدورها بخلاف ما لو کان الضعیف بمعنی کذاب وغیر ثقة، فقوله (علیه السلام) : «و لولا أنک رضیت بیمینه فحلفته» فإنها ظاهرة فی الصلح، وهذه الاخبار الموجودة فی الباب التاسع والعاشر مستفیضة لأنها ثلاث روایات متطابقة بطرق متعددة وفیها الصحیح والمعتبر علی أن الرضا نوع من الصلح و هذا المفاد علی مقتضی القاعدة.

5- ما ورد فی (الباب التاسع) من (أبواب کیفیة الحکم) ، بعنوان: (باب من رضی فحلف له فلا دعوی له بعد الیمین وإن کانت له بینة) .

ص:427


1- (1) - وسائل الشیعة: ج27 أبواب کیفیة الحکم، ب 10 ص 246 ح 2 .

قال صاحب الوسائل (قدس سره) : تقدم مثلها فی (باب الایمان) و (باب ما یکتسب به) کروایة أبی بکر الارمینی قال: کتبت إلی العبد الصالح (علیه السلام) : جعلت فداک ، انه کان لی علی رجل دراهم فجحدنی فوقعت له عندی دراهم فأقتصُّ من تحت یدی ما لی علیه، وان استحلفنی حلفت ان لیس لیس له علی شیء؟ قال: «نعم، فاقبض من تحت یدک وان استحلفک فاحلف له انه لیس له علیک شیء»(1).

وهذه الروایة لا یوجد فیها تحاکم ودعوی ولا استحلاف ولا غیره من خصائص القضاء والصلح بل هو استحلاف بعد وقوع حقه عنده، فلا ربط لها بما نحن فیه من جهة القضاء وإن استشهد بها صاحب الوسائل .

وذکر أیضاً روایة خضر النخعی وهی من الطائفة الأولی الدالة علی الحرمة، ومرسلة ابراهیم بن عبد الحمید المتقدمة، وهی من الطائفة الدالة علی المنع أیضاً.

وأما الاخبار التی توهم أنها معارضة للأخبار المانعة فمتعددة، منها:

1- روایة مسمع بن سیار قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : إنی کنت استودعت رجلا مالا فیجحدنیه وحلف لی علیه ثم إنه جاءنی بعد ذلک بسنتین بالمال الذی أودعته إیاه ، فقال : هذا مالک فخذه ، وهذه أربعة

ص:428


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 23 أبواب الإیمان، ب 47 ص 284 ح 1 .

آلاف درهم ربحتها فهی لک مع مالک واجعلنی فی حل ، فأخذت منه المال وأبیت ان آخذ الربح منه ورفعت المال الذی کنت استودعته وأبیت اخذه حتی استطلع رأیک فما تری؟ فقال: «خذ نصف الربح واعطه النصف وحلله فإن هذا رجل تائب، و الله یحب التوابین»(1).

وفیها القاسم بن الجوهری والمعروف تضعیفه وتضعیفه لیس تکذیبا لاسیما أن الراوی عن القاسم بن محمد الجوهری رؤساء القمیین، فالشیخ الصدوق (قدس سره) یروی کتاب مسمع أبی سیار عن أبیه عن سعد ابن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عیسی الأشعری عن الحسین بن سعید عن القاسم بن محمد الجوهری فالرواة عن القاسم رؤساء القوم وقد ذکرنا أن التضعیف لیس بمعنی عدم الوثاقة وبهذا المقدار أن الروایة غیر ساقطة کما یتوهم.

وأما من جهة الدلالة فهی فی تراضی الخصمین فیما بینهما فلیس فیه دلالة علی جواز نقض حکم الحاکم لأن موردها مورد تراضی نفس المحکوم له ونقض حکم الحاکم هو معاودة المنازعة خلافاً لحکم الحاکم فلا تکون معارضة کما ربما یظهر من السید الخوئی (قدس سره) للروایات الدالة علی عدم جواز الرجوع بعد الاستحلاف.

ص:429


1- (1) - المصدر نفسه، 48 ص 286 ح 3 .

وبعبارة أخری إن روایة مسمع لا تدل علی المعارضة خلافا لبعضهم لأنها فی مقام التراضی لتحلیل ذمة المحکوم له المبطل ولیس هذا محط کلامنا فإن موضوع الکلام هو ارجاع التنازع بعد حکم الحاکم وفصله فلا معارضة.

2- صحیحة علی بن جعفر (علیه السلام) قال : سألته عن رجل کان له علی آخر دراهم فجحده ثم وقعت للجاحد مثلها عند المجحود، أیحل له أن یجحده مثل ما جحده ؟ قال : «نعم، ولا یزداد»(1).

فإنها غیر معارضة أیضا لعدم کونها فی مورد القضاء ولیس فیه حلف ولا یمین، فإلی الآن روایات المنع لا معارض لها.

3- ما جاء فی (أبواب ما یکتسب به) - و هذا الباب وارد فی باب الاقتصاص لا المنازعة وإن کانت الروایة الأولی فی النزاع إلا أنها لیست محلا لما نحن فیه، مثل روایة الارمینی المتقدمة، وقد رواها الشیخ الطوسی (قدس سره) بسند صحیح مع اختلاف فی المتن - عن أبی بکر قال : قلت له: رجل لی علیه دراهم فجحدنی وحلف علیها، أیجوز لی إن وقع له قبلی دراهم أن آخذ منه بقدر حقی؟ قال: فقال: «نعم، ولکن لهذا کلام» ، قلت: وما هو؟ قال: تقول: «اللهم إنی لا آخذه ظلما ولا خیانة

ص:430


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 23 أبواب الإیمان، ب 47 ص 287 ح 4 .

وإنما أخذته مکان مالی الذی أخذ منی لم أزدد علیه شیئا»(1). وأبو بکر هذا هو الحضرمی؛ لانصرافه للمشهور عند الاطلاق.

وقوله: «جحدنی وحلف علی» لا دلالة فیه علی أن الاستحلاف عند القاضی أو فی مقام آخر فلا دلالة لها علی ما هو محل کلامنا، والاستحلاف غیر الحلف وهذه الروایة واردة مورد الحلف الابتدائی دون الاستحلاف حتی تعارض الروایات السابقة الدالة علی المنع! .

4- صحیحة أبی بکر الحضرمی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قلت له: رجل کان له علی رجل مال فجحده إیاه وذهب به، ثم صار بعد ذلک للرجل الذی ذهب بماله مال قبله، أیأخذه مکان ماله الذی ذهب به منه ذلک الرجل؟ قال: «نعم، ولکن لهذا کلام، یقول: اللهم إنی آخذ هذا المال مکان مالی الذی أخذه منی وانی لم آخذ الذی أخذته خیانة ولا ظلما»(2).

وهذه أیضا لا تُعارض ما تقدم؛ لعدم ورودها مورد الاستحلاف وحکم القاضی.

ص:431


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 17 أبواب ما یکتسب به، ب 83 ص 273 ح 4 .
2- (2) - المصدر نفیه، ح 4 .

5- موثقة سلیمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل وقع لی عنده مال فکابرنی علیه وحلف، ثم وقع له عندی مال، آخذه لمکان مالی الذی أخذه وأجحده وأحلف علیه کما صنع؟ قال (علیه السلام): «إن

خانک فلا تخنه ولا تدخل فیما عتبه علیه»(1).

وهذه لیس فیها استحلاف بل هو لیس عند القاضی لأن مجرد الحلف لا یدل علی أنها عند القاضی مع أنها من روایات المنع لا الجواز حتی تعارض ماتقدم.

فالصحیح ما ذهب إلیه المشهور من عدم جواز الاقتصاص فی موارد الحلف عند القاضی فی مورد استحلاف بعضهم البعض عند غیر القاضی أیضا لتراضی صاحب الحق باسقاط حقه بالحلف؛ لتعلیله فی الاخبار بأنه رضی بیمینه فهو من باب التراضی باسقاط صاحب الحق حقه وهو خاص بمقام الحلف والاستحلاف ولا یعم مقام البینة.

إذن فهذه الروایات - مع ذهابنا إلی ما ذهب إلیه المشهور من أن الحلف والاستحلاف نوع من الصلح والتراضی - مقتضاها سقوط الحق إلا أنه یأتی ذلک فیسترضیه.

فالسید الخوئی (قدس سره) لو أراد أن یجعل معارضة من تلک الروایات التی

ص:432


1- (1) - المصدر نفسه، ص 274 ح 7 .

ذکرناها فی أبواب الایمان کروایة مسمع بن أبی یسار وغیرها فلا دلالة فیها علی جواز الرجوع فی حکم الحاکم حتی تکون معارضة، فلا روایة أبی مسمع مع وجود القاسم بن محمد الجوهری ولا صحیحة أبی بکر الحضرمی معارضة للأخبار الدالة علی المنع.

أما فی مورد البینة فهذه الروایات قاصرة إلا روایات الرد، لقوله (علیه السلام) «فإن الراد علیه راد علی الله» فلا بد من البحث فی معنی الرد لأن هذه الروایات المتقدمة لم تحسم البحث فی البینة لاختصاصها بالاستحلاف سواء فی المال أو غیر المال، وأما موراد البینة أو میزان آخر قضائی فتارة یکون الحدیث عن المحکوم له وتارة عن المحکوم علیه أما المحکوم له فالمانع المتصور هو روایة الرد فإن الراد علیه کالراد علی الله إلا أنها لا تشمله لأن رجوعه لیس فی حکم الحاکم حتی یکون نقض وردّا لحکمه بل رجوعه من باب أرجاع الحق إلی مستحقه والعمل بالواقع والتوبة ؛ لقوله (صلی الله علیه و آله) : «أیما رجل حکمت له من أخیه قطعة ربما اقتطعت له قطعة من النار» .

وأما بالنسبة إلی المحکوم علیه فلا یجوز له الرجوع لروایات الرد إلا أنه فیما لا یصدق علیه رد لحکم الحاکم کترتیب آثار الواقع فی غیر مورد النزاع فله ترتیب الواقع - کما ذهب إلیه المشهور - وأما فی مورد

ص:433

القضاء فیتعین علیه الالتزام فی العلن والظاهر حتی لا یکون ردا وارجاعا للخصومة ونقضا لحکم الحاکم وأما فی موارد الخفاء وفیما بینه وبین الله، فهل هذا رد أم لا؟ فمع اطلاق أدلة الرد وعمومها لا یوجد مجال للرد وعلیه فلابد أن لا یخالف سواء کان فی معرض ارجاع الخصومة أو فی غیرها.

نعم، لو قیدنا عنوان الرد فی سیاقه بلحاظ الخصومة أی فالراد علیه کالراد علی الله أی فی الخصومة ففی غیر مورد الخصومة لا یصدق الرد وعلیه فقد یتأمل فی اطلاق الرد لأن رد الحکم المفروض بلحاظ مورده وهو حکم الحاکم فی الخصومة وفصل النزاع، و ذلک لأن الحکم فی القضاء متضمن للولایة ولا یغیر الواقع عما هو علیه ففیه الجنبتان جنبة الولایة لحل الخصومة ومن جهة الکاشفیة والامارة فلا یغیر الواقع علی ما هو علیه.

وعلیه فإذا کان التعامل مع حکم القاضی معاملة الواقع ینشأ منه الخصومة فلا یجوز لانه نوع من الرد وعدم الاستجابة ، وأما إذا کان فی غیر مورد الرد وعدم الاستجابة کمورد الخفاء وعدم الظهور فیما بینه وبین الله فلا یغیر الواقع علی ما هو علیه لعدم کونه رداً ولکونه انصیاعاً لحکم القاضی فی الظاهر المعلن.

ص:434

(مسألة 58 ) : إذا نقل ناقل فتوی المجتهد لغیره ، ثم تبدل رأی المجتهد فی تلک المسألة لا یجب علی الناقل إعلام من سمع منه الفتوی الأولی ، وإن کان أحوط، بخلاف ما إذا تبین له خطأه فی النقل فإنه یجب علیه الإعلام(1)

فتحصل فی النسبة بین حرمة نقض حکم القاضی ومسألة التعامل بالواقع علی ما هو علیه فی موارد الاستحلاف أنه لا یجوز لأنه اسقاط سواء علی حق أو مال أو أی شیء ، وأما فی مورد غیر الاستحلاف وهو مورد القضاء فلا یجوز الرد فی متعلق الخصومة فیما إذا کان فی العلن أو معرض ارجاع الخصومة وأما فی غیرها کمورد الخفاء فلا بأس.

المسألة الثامنة والخمسون: وظیفة المکلف عند تبدل الفتوی بعد نقلها أو اشتباه الناقل

(1) یوجد فی هذه المسالة شقان:

الشق الأول: فی الناقل الوسیط بین المفتی والمقلد وقد تبدل رأی المجتهد بعد النقل.

الشق الثانی فی اشتباه الناقل فی الفتوی ، وقد فرق الماتن (قدس سره) بین الشقین فأوجب الاعلام فی الثانی ولم یوجبه فی الأولوالصحیح هو التفریق بین الشق الاول ففی صورة تبدل الرأی من الالزامی إلی غیره فقال: یجب لأنه لا یوجب مخالفة الواقع ، وأما فی صورة تبدله من غیر

ص:435

الازامی إلی الالزامی فیجب الاعلام لأدلة وجوب تعلیم الجاهل وارشاده والقدر المتیقن منها فی خصوص الالزامیات، وأما مسألة مقدار الایصال والتعلیم فلا یجب بنحو شخصی بحیث یوصل الفتوی إلی ذلک المکلف بشخصه بل یکفی أن یجعل التنبیه علی تبدل رأی المجتهد فی معرض الوصول وفی متناول الأیدی.

وأما الاستدلال علی وجوب التعلیم بالتغریر إلی الحرام والتسبیب فغیر صحیح لأن المخالفة للواقع لیست بفعل الناقل فلا هو مغرر ولا مسبب لأنه مخبر عن الواقع بل هو راجع لتبدل فتوی الفقیه نفسه وأما بالنسبة إلی الفقیه فقد تقدم الکلام فیه مفصلاً بأن الفقیه ضامن وأدلة التسبیب وغیرها . وعلیه فالناقل لیس بمسبب ولا مغرر إلا أنه یجب علیه تعلیم وارشاد الجاهل فی خصوص الالزامیات، وهو الناقل بالطرق المتعارفة لا بالایصال الشخصی.

أما الشق الثانی وهو ما إذا تبین له خطأ فی النقل وقد بنی الماتن علی وجوب الاعلام لکون الخطأ بسسبب الناقل حیث أوقع المکلف فی الحرام وترک الواجب علی ما فی قاعدة التسبیب من التأملولوجوب ارشاد الجاهل ویجب الأعلام الشخصی إلی نفس المکلف المنقول إلیه الفتوی الأولی أو الخطأ ؛ و ذلک لتسبیب الوقوع فی الحرام ، وأما فیما ما لو نقل الحرمة أو الوجوب اشتباها - والواقع الاباحة - فلا یجب لأنه غیر

ص:436

(مسألة 59 ) : إذا تعارض الناقلان فی نقل الفتوی تساقطا ، وکذا البینتان . وإذا تعارض النقل مع السماع من المجتهد شفاها قدم السماع وکذا إذا تعارض ما فی الرسالة مع السماع. وفی تعارض النقل مع ما فی الرسالة قدم ما فی الرسالة مع الأمن من الغلط(1).

مسبب للوقوع فی الحرام أو ترک الواجب ووجوب الارشاد والأعلام خاص بالالزامیات ولا یجب منه إلا مقدار ما هو فی معرض الوصول وأما التغریر إلی الحرام فمنفی لأنه تغریر لما هو خیر.

وعند بعض الفقهاء أن التسبیب إلی الحرام لیست حرمته علی اطلاقها بل هو خاص بالتسبیب للکبائر إذ حرمة الکبائر تدل علی أن نفس هذه الافعال مبغوضة للشارع سواء صدرت من الانسان نفسه أو بتسبیب صدورها من الأخرین علی نحو العلم أو الجهل والخطأ، أما فی الصغائر فأول الکلام وقد تقدم الکلام فیها مفصلاً فی العدالة فراجع.

فضابطة هذه المسالة هی أن الإعلام والارشاد سواء من المفتی أو من الناقل هو جعل الفتوی فی معرض الوصول ومتناول الأخرین وأما الایصال الشخصی فلا لدلیل علیه إلا إذا صدق التسبیب فی الوقوع فی الحرام وترک الواجب.

المسألة التاسعة والخمسون: تعارض النقلین والبیّنتین للفتوی

(1) تعارض الناقلین والبینتین موجب للتساقط مع عدم المرحج وإلا

ص:437

فیتعین العمل بالراجح .

وقد قدم الماتن (قدس سره) السماع علی النقل فی المعارضة بل وقدمه علی ما فی الرسالة العلمیة وقد استشکل السید الخوئی (قدس سره) وغیره - بمقتضی الخبرة العملیة فی هذا المجال - أن التحریر فی الرسائل العملیة لا یکون

إلا بعد التمحیص والتدقیق فی جزالة العبارة الجامعة والمانعة فالنقل بتوسط الرسالة العملیة أو بالرجوع إلی الرسالة العملیة یختلف عن السماع من المرجع الفقیه مباشرة لاحتمال عدم استحضاره غفلة وتشتت البال لخصوصیات مجلس السؤال مثلاً وغیرها فعلیه فالموارد تختلف بحسب اختلاف خصوصیاتها، ویمکن فی النقل عن الرسالة کما لو کان المحرر للرسالة شخص غیر الفقیه وقد استجازه فی ذلک ، فلیس ما ذکره الماتن (قدس سره) علی اطلاقه لاختلاف هذه الطرق بحسب الخصوصیات والموارد والقرآئن التی ربما توجب تقدیم أحدها علی الآخر. وإلا ففی بعض الموراد یقدم النقل علی ما فی الرسالة العملیة و ذلک کما لو کان الناقل من الفضلاء والمتصلین بالمرجع فإنه بعد طبع الرسالة یقدم علی الرسالة العملیة کما ینقل الشیخ - الملازم للمرجعوالمطلع علی مبانیه ، بل تغیر مبانیه التی تؤثر فی الفتاوی - ما هو مخالف للاستفتاءاتأنه قد تبدل رأیه. نعم، ما ذکره الماتن (قدس سره) هو الغالب وهو لا ینافی الاستثناءات التی تعکس تقدیم الطرق بالقرائن.

ص:438

(مسألة 60 ) : إذا عرضت المسألة لا یعلم حکمها ، ولم یکن الأعلم حاضرا(1) ، فإن أمکن تأخیر الواقعة إلی السؤال وجب ذلک(2)،

المسألة الستون: الوظیفة عند الابتلاء بمسألة لا یعلم حکمها

اشارة

(1) أی لم یمکن الوصول إلی رأیه لعدم توفر رسالته العملیة أو من ینقل عنه أو غیرهما فحق العبارة : ولم یمکن الوصول إلیه.

(2) لا یجب التأخیر إلا مع العلم بالاختلاف ولو اجمالاً وإلا لم یجب التأخیر لجواز الرجوع إلی غیر الأعلم ، والماتن (قدس سره) لم یذکر هذه القیود لاحتیاطه بتعین الرجوع إلی الأعلم مطلقاً حتی فی الوفاقیات وقد مر منا أنه فی الوفاقیات یتعین الرجوع إلی الجمیع.

ومع امکان الاحتیاط فی التقلید لا یجب علیه التأخیر لادراک الواقع، بل یثبت التخییر - فی مورد العلم الاجمالی بالخلاف فضلا عن الشک - بین الاحتیاط وبین الرجوع إلی غیر الأعلم و ذلک لسقوط الحجیة لفتوی الأعلم بعدم التمکن من الرجوع إلیه فلا معین للاحتیاط مع سقوط حجیة فتوی الأعلم، لحجیة فتوی غیر الأعلم فی صورة عدم التمکن من فتوی الأعلم فلا موجب لتعین الاحتیاط أما فی صورة العلم التفصیلی بالمخالفة فللعلم بسقوط حجیة غیر الأعلم عن الحجیة للعلم بمعارضتها للحجیة. فالمتعین هو الرجوع إلی الأعلم إن أمکن وإلا فالاحتیاط، وأما فی مورد العلم الاجمالی بالخلاف وعدم التمکن من الرجوع إلی الأعلم

ص:439

فإن الأعلم تسقط حجیته لعدم التمکن ، وأما فتوی غیر الاعلم فلم یعلم بمخالفتها لفتوی الأعلم حتی تسقط عن الحجیة فلا موجب للاحتیاط لعدم التمکن من فتوی الأعلم ولم یقم دلیل علی سقوط حجیة فتوی غیر الأعلم لعدم العلم بمخالفة هذه الفتوی بخصوصها لفتوی الأعلم.

والحاصل أن عموم واطلاق أدلة حجیة قول المفتی شاملة لفتوی غیر الأعلم واحتمال معارضة فتوی الأعلم غیر مانع ولا مرجح لعدم العلم بالمعارضة أولاً ولسقوطه فی نفسه لعدم القدرة علیه . نعم، فی مورد العلم التفصیلی بالمخالفة تکون فتوی الأعلم حجة ومرحج ومسقط لحجیة قول غیر الأعلم فیکون للاحتیاط لادراک فتوی الأعلم وجه بخلاف فی مورد العلم الاجمالی بالخلاف فإن قول غیر الأعلم لم یعلم سقوطه فی هذه الفتوی لعدم العلم بمخالفتها لفتوی الأعلم ومع العجز عن تحصیل فتوی الأعلم لا مانع من الرجوع إلی غیر الأعلم لعموم أدلة الحجیة فلا معین للاحتیاط.

وأما هل أن التمسک بعموم أدلة الحجیة فی المقام من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة! فغیر مانعة من التمسک بعموم الأدلة؛ لکون الشبهة المصداقیة للخاص لا للعام وإلا فإن غیر الأعلم فقیه ومجتهد وعادل... ، فهو داخل فی عموم أدلة الحجیة إلا أنه یحتمل معارضة قوله للأعلم فهو شبهة مصداقیة للخاص وهی غیر مانعة من التمسک بالعام.

ص:440

وإلا فإن أمکن الاحتیاط تعیّن(1) ..............................................................

فالصحیح ما ذهب إلیه بعض الأعاظم ممن علق علی العروة من جواز الرجوع إلی غیر الأعلم حتی مع امکان الاحتیاط ولا معین للاحتیاط.

(1) ومع امکان الاحتیاط فی التقلید لا یجب علیه التأخیر لادراک الواقع، بل یثبت التخییر - فی مورد العلم الاجمالی بالخلاف فضلا عن الشک - بین الاحتیاط وبین الرجوع إلی غیر الأعلم و ذلک لسقوط الحجیة لفتوی الأعلم بعدم التمکن من الرجوع إلیه فلا معین للاحتیاط مع سقوط حجیة فتوی الأعلم، لحجیة فتوی غیر الأعلم فی صورة عدم التمکن من فتوی الأعلم فلا موجب لتعین الاحتیاط أما فی صورة العلم التفصیلی بالمخالفة فللعلم بسقوط حجیة غیر الأعلم عن الحجیة، للعلم بمعارضتها للحجیة فالمتعین هو الرجوع إلی الأعلم إن أمکن وإلا فالاحتیاط، وأما فی مورد العلم الاجمالی بالخلاف وعدم التمکن من الرجوع إلی الأعلم فإن الأعلم تسقط حجیته لعدم التمکن وأما فتوی غیر الاعلم فلم یعلم بمخالفتها لفتوی الأعلم حتی تسقط عن الحجیة فلا موجب للاحتیاط ؛ لعدم التمکن من فتوی الأعلم ، ولم یقم دلیل علی سقوط حجیة فتوی غیر الأعلم لعدم العلم بمخالفة هذه الفتوی بخصوصها لفتوی الأعلم.

ص:441

والحاصل أن عموم واطلاق أدلة حجیة قول المفتی شاملة لفتوی غیر الأعلم واحتمال معارضة فتوی الأعلم غیر مانع ولا مرجح لعدم العلم بالمعارضة أولاً ولسقوطه فی نفسه لعدم القدرة علیه، نعم فی مورد العلم التفصیلی بالمخالفة تکون فتوی الأعلم حجة ومرحج ومسقط لحجیة قول غیر الأعلم فیکون للاحتیاط لادراک فتوی الأعلم وجه بخلاف فی مورد العلم الاجمالی بالخلاف فإن قول غیر الأعلم لم یعلم سقوطه فی هذه الفتوی لعدم العلم بمخالفتها لفتوی الأعلم ومع العجز عن تحصیل فتوی الأعلم لا مانع من الرجوع إلی غیر الأعلم لعموم أدلة الحجیة فلا معین للاحتیاط.

وأما مسألة أن التمسک بعموم أدلة الحجیة فی المقام من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة فغیر مانعة من التمسک بعموم الأدلة لکون الشبهة المصداقیة للخاص لا للعام وإلا فإن غیر الأعلم فقیه ومجتهد وعادل... وغیر ذلک، فهو داخل فی عموم أدلة الحجیة إلا أنه یحتمل معارضة قوله للأعلم فهو شبهة مصداقیة للخاص وهی غیر مانعة من التمسک بالعام.

فالصحیح ما ذهب إلیه بعض الأعاظم ممن علق علی العروة من جواز الرجوع إلی غیر الأعلم حتی مع امکان الاحتیاط ولا معین للاحتیاط.

ص:442

وإن لم یکن هناک مجتهد آخر الأعلم فالأعلم(1)، وإن لم یکن هناک مجتهد آخر ولا رسالته یجوز العمل بقول المشهور بین العلماء إذا کان هناک من یقدر علی تعیین قول المشهور(2)......................................

(1) تقدم أنه مع التمکن من الاحتیاط والعجز عن الاعلم فإنه یسوغ الرجوع إلی غیر الأعلم ولا موجب للتأخیر فضلاً عما لو لم یمکن التأخیر، ولا فرق بین إمکان الاحتیاط وعدمه .

(2) الاحراز تارة یکون راجعا إلی الحکم وتارة یکون راجعاً إلی الامتثال والأول مورده الشبهة الحکمیة والثانی مورده الشبهة الموضوعیة فما تقدم من الاجزاء فی مورد العمل بمخالفة التقلید الثانی للأول أو الاجتهاد الثانی للأول فإنها من موراد احراز الحکم وأما موارد احراز الامتثال وهی موارد الشبهة الحکمیة فإنه لا یجزء لأنه خطأ فی تطبیق الموضوعات ومتعلقات الاحکام الشرعیة فلا اجزاء إلا إذا دلّ دلیل خاص علی الاجزاء کلا تعاد .

والصحیح مع أنه من الاحراز فی الامتثال فإن الاحکام الظاهریة لبا وحقیقة ترجع إلی احراز الامتتثال للتنجیز والتعذیر؛ و ذلک لأن مرحلة انشاء الحکم ثبوتیة وکذا مرتبة فعلیته فجل الأحکام الظاهریة ترجع للتنجیز والتعذیر وهما یرجعان إلی مرتبة من مراتب الاجزاء فی الامتثال وإن کانت صورتها هی احراز الحکم ولکنه لبا وحقیقة یرجع إلی احراز الامتثال وفراغ الذمة ولا علاقة له ولا تصرف له بمتن الحکم ثبوتاً.

ص:443

وعلی ضوء هذا التقسیم إذا کان الظن الامتثالی الناتج من قول المشهور امارة موضوعیة فمع انکشاف الخلاف فالاعادة واضحة وکونها امارة موضوعیة لأنها ظن فی مقام الامتثال وأما إذا قلنا ظن فی مقام احراز الحکم کما فی الاجتهاد والتقلید فهو شبهة حکمیة فالاجزاء فیه متصور کما هو مذهب المشهور لما تقدم فی تبدل التقلید أو الاجتهاد.

فالامارة فی مقام الاحراز ترجع إلی الشبهة الحکمیة والامارة فی مقام الامتثال ترجع إلی الشبهة الموضوعیة إلا أن هذا الظن کفتوی المشهور أو غیر الأعلم أو فتوی المیت - ظن فی مقام الامتثال ولکن مرده إلی الشبهة الحکمیة لا الموضوعیة لأن منشأ الاشتباه فی المقام هو اشتباه فی الامتثال الذی منشأه اشتباه حکم الشارع لا فی الموضوع الخارجی مثل الظن فی باب الانسداد فصحیح هو ظن فی مقام الامتثال ولکنه یرجع إلی الشبهة الحکمیة فیشمله دلیل الاجزاء . نعم، لو کان الامتثال احتمالیا فلا تشمله أدلة الاجزاء لاختصاصها بالامارة والظن المعتبر و ذلک لأن العمل بالاحتمال أمر تخییری فی مقام العمل أی أخذا بأحد الاحتمالین لتقدم احتمال المصادفة علی القطع بعدمها.

وعلیه فمع عدم التمکن من الأعلم من الاحیاء یرجع إلی غیر الأعلم وإلا فإلی قول المشهور والکلام فی أنه مع التمکن من الاحتیاط هل یمکن الأخذ بقول المشهور مثلاً.

ص:444

وفی الاجابة عنه نقول: إن أدلة حجیة فتوی المفتی مطلقة وقد قیدت بأمور کالأعملیة والحیاة وکونها سلطة وولایة وزعامة ولیست أمارة محضة وغیرها من القیود، وقد قلنا بامکان انفاکاک تقلید العالم عن حیثیة الحیاة والأعلمیة والولایة والزعامة والسلطة ولکنه فی فرض تعذر هذه القیود، فمع تعذر الرجوع إلی الاحیاء أو الأعلم یرجع للمطلقات، و ذلک لعدم شمول أدلة المقیدات لموارد العجز عنها .

وبعبارة أخری: أنه إذا کان عندنا عام وأدلة مقیدة فتارة الادلة المقیدة لها اطلاق من جهة أن قیدیتها شاملة لحال العجز عن القید وفی حال عدم العجز عنه فهی قیود علی کل حال فمع هذا الاطلاق یسقط العام مع العجز عن هذه القیود فببرکة اطلاق دلیل التقید یکون شاملا لحالة العجز فیسقط دلیل العام فی مورد تخلف أحد تلک القیود وأما إذا لم یکن لدلیل التقیید اطلاق بحسب الحالات، فإذا لم یکن له إطلاق فقیدیته خاصة بحال التمکن منه وأما فی صورة العجز فیبقی دلیل العام بدون تقیید فیرجع إلی العام لعدم سقوطه بالعجز عن قیده لعدم اعتبار القید فی حال العجز عنه، وقد ذکر صاحب الکفایة (قدس سره) فی بحث البراءة أنه یمکن أن نرجع إلی العام دون البراءة إذا کان دلیل التقیید لا اطلاق له فلا یحتاج إلی البراءة ؛ لکون الحاجة للبراءة فیما لو لم یکن لدلیل العام اطلاق أو فیما لو کان دلیل العام له اطلاق إلا أن لدلیل التقیید اطلاق أیضاًُ

ص:445

وإذا عمل بقول المشهور ثم تبین له بعد ذلک مخالفته لفتوی مجتهده فعلیه الإعادة أو القضاء، وإذا لم یقدر علی تعیین قول المشهور یرجع إلی أوثق الأموات، وإن لم یمکن ذلک أیضا یعمل بظنه، وإن لم یکن له ظن بأحد الطرفین یبنی علی أحدهما، وعلی التقادیر بعد الاطلاع علی فتوی المجتهد إن کان عمله مخالفا لفتواه فعلیه الإعادة أو القضاء.

أی حتی فی صورة العجز عن القید.

أما فی صورة کون العام له اطلاق احوالی مع کون المقید لا إطلاق أحوالی له فإنه یتقاصر دلیل المقید عن تقیید العام.

فجملة من شرائط المجتهد لیس لها اطلاق لکونها أدلة لبیة فلا أطلاق أحوالی لها مع کون الدلیل العام له اطلاق أحوالی کقوله تعالی: (وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ ...) .

وباطلاق هذه الأدلة وقصور المقیدات فی حالة العجز لا یتعین الاحتیاط حتی مع أمکانه بل یجوز التقلید لفاقد الشرائط وخصوصاً بأن الاحتیاط لیس من مذاق الشارع، ففی موارد العجز والعذر لا یقوی القید علی تقیید العام وعلیه فمع العجز عن تقلید الاحیاء وعن التقیید بالأعلمیة یصح تقلید غیر الأعلم أو المشهور أوأحد الأموات... وقد نبهوا علی هذه النکتة فی تقلید المیت من أن هذا القید عند الامکان وأما عند

ص:446

(مسألة 61 ) : إذا قلد مجتهدا ثم مات ، فقلد غیره ثم مات ، فقلد من یقول بوجوب البقاء علی تقلید المیت أو جوازه ، فهل یبقی علی تقلید المجتهد الأول ، أو الثانی ؟ الأظهر الثانی ، والأحوط مراعاة الاحتیاط(1).

العجز فلا اعتبار به

المسألة الحادیة والستون: إذا قلد مجتهدین مترتبین فرجع لمن یوجب البقاء علی المیت أو جوازه فعلی من یرجع

(1) هذه المسألة تقدمت وهی محل ابتلاء فالماتن افتی بالبقاء علی الثانی و ذلک لان عدوله عن المیت بعد مماته إلی الثانی فالعدول حتی لو کان خطأ فهو قاطع عن التقلید فالرجوع إلیه من الرجوع الابتدائی الممنوع منه مع أن الأعلام فصلوا بین صحة العدول وبین خطأه وذکروا بأن الخطأ فی العدول کالعدم فهو غیر قاطع مع أن العدول علی مختارنا فی معنی التقلید رجوع ابتدائیا.

وتفسیرنا أن ابتداء التقلید لیس معناه الابتداء العرفی وهو الرجوع المسبوق إلی الفقیه بالعدم بل فسرناه بما هو شامل لعدم الاستمرار علی التقلید والوجه فی هذا التفسیر هو أن الدلیل الوحید علی بقاء تقلید المیت هو الاستصحاب ومع الانقطاع لا مورد للاستصحاب، و ذلک لأن بعض الاثار مترتبة علی نفس التقلید لا علی الفتوی التی هی امارة .

ص:447

(مسألة 62 ) : یکفی فی تحقق التقلید أخذ الرسالة والالتزام بالعمل بما فیها . وإن لم یعلم ما فیها ولم یعمل ، فلو مات مجتهده یجوز له البقاء وإن کان الأحوط(1)- مع عدم العلم بل مع عدم العمل و لو کان بعد العلم - عدم البقاء والعدول إلی الحی، بل الأحوط استحبابا - علی وجه - عدم البقاء مطلقا، و لو کان بعد العلم والعمل.

ومن تلک الاثار: البقاء علی تقلید المیت فمثلا التخییر بین الحجتین فإنه بعد التقلید لا یصح العدول عنه فإن هذا لیس بأثر لحجیة الفتوی، بل أثر لحجیة نفس التقلید و مثل اجزاء الاعمال لیست أثرا لحجیة الفتوی ، بل أثر من اثار حجیة التقلید و ذلک لوجود آثار عدیدة فی باب التقلید لیست بآثار حجیة الفتوی فحقیقة التقلید نوع من التولیة ولیس امارة محضة فهذه التولیة تنقطع بمجرد العدول فیکون ارجاعها للإبتداء ولا حالة سابقة حتی یجری الاستصحاب، بل أن هذه التولیة ترتفع بالتوقف والاحتیاط فلا یصح الرجوع بعدها للمیت.

المسألة الثانیة والستون: التخییر فی البقاء علی تقلید المیت

اشارة

(1) البقاء عند السید الماتن (قدس سره) جائز لا واجب وعلیه فهو مخیر بینه وبین العدول مطلقاً ، والتخییر لا ینافی أحوطیة العدول إلی الحی مطلقا سواء تعلم وعمل أو بدون العمل، و هذا یرجع إلی حقیقة التقلید وقد مر سابقا منا بأن التقلید هو التعلم لأجل الالتزام والعمل وإلا فصرف

ص:448

أخذ الرسالة أو الالتزام وغیرها من التعاریف العدیدة التی ربما تصل إلی ثمانیة وبتفاصیلها إلی خمسة عشر لیست بتعاریف بل جمیعها ملابسات للتقلید إذ الصحیح أن التقلید هو التعلم بداعی الالتزام المستفاد من معنی السؤال و الأخذ - وقد تقدم مفصلاً - الذی عبرت عنه الآیة والروایات کقوله تعالی :(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ) ، وقول السائل: (عمن آخذ معالم دینی؟) وغیرها ، فإن السؤال بمعنی التعلم لأجل العمل وکذا الأخذ .

نعم توجد تعابیر أخری غیر السؤال والأخذ ولکنها لا تخرج عن التعلم والتلقی فالتقلید تعلم بداعی العمل والالتزام، وعلی هذا لا یمکن أن یکون التقلید دفعیا بل هو تدریجی دائما ، فکلما تعلم الانسان للعمل

تحقق منه التقلید شیئا فشیء بخلاف من فسر التقلید بالالتزام فإنه یکون دفعیا فیتحقق منه التقلید لجمیع الفتاوی بمجرد أن یلتزم بجمیع فتاواه کأن یلتزم برسالته العملیة و هذا الاختلاف له أثار حساسة فإن من یقول التقلید هو نفس العمل فإنه لا یمکن أن یلتزم بالدفعیة وتحقق الرجوع المطلق لجمیع الأبواب. فلو نسی ما تعلمه وأراد أن یتعلم من جدید یکون ابتداء تقلید، وبخلافه لو کان یدارس المسائل ویراجعها لکی لا ینسی لأنه ابقاء للتقلید ولیس بتقلید ابتدائی، فیتضح جلیاً أن أثر الانقطاع وعدمه یختلف باختلاف التعاریف.

ص:449

فلیس التقلید هو العمل ولا صرف الالتزام. وقد مر أنه إذا کان المیت أعلم وجب البقاء علی تقلیده فی غیر المسائل مستحدثة أو ما یرتبط بالولایات غیر الراجعة لولایة المنصب بل الراجعة لشخص الفقیه.

إلا أن المهمهو التعرض للمکلف لو استطاع أن ینظر إلی مبانی مقلده بعد الموت فهل یصح له التطبیق والأخذ بالمسائل المستحدثة حتی بعد موته أم لا؟

فالجواب: أن هذه لیست بفتاواه لأن مقام الفتوی غیر مقام البناء فکثیر ما یتخلف المقامان والسبب فی ذلک أن فی مقام البناء کثیراً لا یستقصی کل واردة وشارده وإنما ینفع بذکر دلیله ویفند الموانع المتصورة لذلک الاصل الاصولی أو الفقهی .

وأما فی مقام الافتاء والاستنتاج فإنه یستقصی کل شاردة وواردة وینظر إلی أی قاعدة لها صلة من قریب أو بعید یستقصیها ویستقصی أیضاً النکات الموجودة فی الآراء الآخری فیراعی جمیع هذه الامور وبعد ذلک یفتی، وبخلافه فی المقام العلمی فی تأصیل الاصل وتأطیره فإنه لا ینظر إلا إلی مقتضیاته وشروطه وموانعه، ففرق بین المبانی الرسمیة وبین مقام الافتاء والتطبیق فتوجد فوارق کثیرة ومشهودة عند الجل إن لم تکن عند الکل، والرجوع له حتی فی تطبیق مبانیه من الرجوع الابتدائی.

ص:450

نعم، نُقل عن بعض الفقهاء ما توصلنا له من أن مقام الافتاء منظومة ذات دوائر لا یمکن للفقیه الأعلم احتواؤها بمفرده فما یشغله الفقیه الأعلم هی الدائرة الأولی التی تحتوی علی البنیة الاصلیة من صرح الاجتهاد کتشیید المبانی الاصولیة والفقهیة، وبناء الفروع الکلیة کبیان الاجزاء والشرائط الواقعیة والذکریة والعلمیة وغیرها. والدائرة الثانیة هی ما یشغلها غیر الأعلم من الفقهاء والمتجزئین وهی البنیة الدونیة والسهلة من القضایا التفصیلیة والاجتهادیة من تطبیق المبانی والنکات الاصلیة علی المسائل التفصیلیة الکثیرة والمتشعبة والمتکررة یوما بعد یوم التی هی خارجة عن نطاق الفقیه الأعلم لبعده عنها زمانا ومکانا ولکثرتها بحیث لا یستوعب وقتها لها ، والشاغل لهذه الدائرة هم غیر الأعلم من الفقهاء والوکلاء المتجزئین ولکن لیس من باب الاستقلال فی أقوالهم وحجتهم بل هو اجتهاد فی استخراج المسائل الفرعیة الکثیرة علی وفق تلک المبانی والاصول التی شیدها الفقیه الأعلم، فهو تقلید لهؤلاء فی هذه الدائرة ولکن لیس بتقلید مستقل عن الأعلم فیوجد تراتب فی التقلید.

وقد وُجّه ذلک بأنه من باب الشرح والتفسیر التفصیلی لفتوی الاعلم، إلا أنی لا أرجعها إلی التفسیر والشرح ، بل هی من باب تتمیم عملیة الاجتهاد واستنباط المسائل التفصیلیة التی یکون استنباط حکمها

ص:451

خارجاً عن قدرة الفقیه لکثرتها وعدم احاطته بها لضیق الوقت وبعد المکان وغیره ومع ذلک فهذه الدائرة لا تخرج عن الرجوع إلی الأعلم بل هی فی الاساس والدرجة الاولی معتمدة علی ما أعده وشیده الأعلم فی الدائرة الأولی فهی معتمدة اعتماداً رکنیا علی الأعلم إلا أن هذه الدائرة الثانیة تحتاج إلی بعض الخطوات الاجتهادیة الیسیرة الغیر متیسرة للعامی لکونها أمور اجتهادیة ولیست من وظیفته فتطبیق المبانی علی الصغرویات واستنباط أحکامها اجتهاد یحتاج إلی علم، ولیس بصرف تطبیق کتطبیق المسالة الفقهیة علی مصادیقها کی یمارسه العامی بل تطبیق فی عملیة الاستنباط فهو استنتاج واستنباط یمارسه المجتهد غیر الأعلم أو المتجزئی ولو فی بعض المسائل.

و هذا أمر تلقائی وسیأتی وجهه ولذا تری کثیرا من المجتهدین بالنسبة إلی مبانی استاذهم مرجع التقلید یمارسون الاستنباط لمقلدی استاذهم علی وفق مبانیه و هذا مشاهد وملحوظ کثیرا بحیث لو لم تکن هذه التغطیة منهم لهذه المساحة لما استطاع المرجع ولا وکلاءه ولا مکاتب الاستفتاءات هذه التغطیة لتمیز هؤلاء التلامیذ من المجتهدین بأعرفیتهم بالفذلکات العلمیة والنکات فی مبانی استاذهم لا یعرفها غیرهم للصوقهم وملازمتهم له، فهذا التراتب أمر ضروری لابد منه بل یمکن فرض أکثر من دائرة لسد تلک الفروع التفصیلیة.

ص:452

والحاصل أن المکلفین یقلدون أصحاب الدائرة الثانیة أو الثالثة التی تعتمد علی تقلید الأعلم، فقضیة التقلید تترکب من تقلیدین ولابد فی

التقلید فی تلک المرحلة مراعاة الأعلم فالأعلم أیضا لنفس النکتة.

و هذا ممارس بکثرة ویفرضه الواقع من الحاجة الماسة لتغطیة تلک المساحة الخارجة عن نطاق الفقیه الأعلم المتصدی وقدرته.

وقد شاهدناه کثیرا فی ذهابنا مع بعض بعثات الحج أن کثیرا من المسائل تعتمد علی قاعدة أوقاعدتین علی مبنی الفقیه مع سهولة الاستنتاج فتراهم یستنبطون ولا یرجعون إلی الفقیه نعم لو کانت من الصعوبة بمکان فتراهم یرجعون إلی الفقیه، بل کنتُ فی کثیر من الموارد - حینما یذکرون الاستنتاج - أورد علیهم بأن الفقیه عنده مبنی کذا وکذا فلماذا لا یراعی، وعلی اثره یغیر الاستنتاج بل فی بعض الاحیان ینقل أن الفقیه فی بعض الاستفتاءات المشابهة مع المسألة المبتلاة فأخبرهم بأن مبناه کذا وکذا فتمم مراجعته وعلی أثرها یغیر الاستنتاج فحتی الفقیه فی ممراساته فی المسائل التفصیلیة الفرعیة یمکن أن یجدد النظم.

بل فی الدائرة الأولی التی یقوم بها الأعلم تتضمن تقلید آخر وترکب من اجتهادین مع عدم منافاته لعنوان تقلید الأعلم ، أی مع بقاء أعلمیته علی غیره، فتری کثیراً من الفقهاء یتبنوا مبانی اساتذتهم تقلیداً، إذ لا یجهدون أنفسهم فی تتبع النکات وحل والاشکالات المصیریة فی

ص:453

هذه المبانی بل یکتفون بما ذکره استاذهم الأعلم والاقتناع به و هذا فی الحقیقة تقلید واتباع وکثیر من المسائل الرجالیة واللغویة والفقیهة والاصولیة الکلامیة لیس الکل له الأهلیة علی الوقوف علیها وحل عقدها والذّب عنها، مع أنها من النکات المصیریة التی تدور علیها نتیجة الاستدلال.

وقد تقدم منا أن جهات الأعلمیة کثیرة فبعضها یرجع إلی الصناعة الاصولیة وبعضها یرجع إلی الصناعة الفقهیة وبعضها یرجع إلی العارضة الفقهیة وبعضها یرجع إلی الذوق العرفی وبعضها یرجع إلی التتبع والممارسة وغیرها.

وعلیه فکثیر من الأعلام تراه وارداً وبارعاً فی جهة من هذه الجهات ویتابع غیره فی جهة أخری، فمثلا المحقق العراقی (قدس سره) له قدرة فی الصناعة الاصولیة عظیمة إلا أنه فی التتبعات الفقیهة أو الروائیة أو نکات التفاصیل الفقیهة فی الحقیقة یتابع فیها الآخرین ولیس المقصود أنه لا یعیها بل أنه لم یکن من أهل الابتکار والریادة فی هذه الجهات، فالأعلم بحسب هذه الجهات هو من له ریادة فیها فهو متبوع وفی الجهات الآخری تابع والمراد من التبعیة أنه لیس له القدرة علی تنقیح جمیع جوانب المسألة بعقدها وأدلتها .

ص:454

فکثیر ممن حضر درس استاذه - مثلاً - حتی اتقن مبانیه ونظریاته وتابعه فی ذلک وتبناها، فمالم یکن له القدرة علی حلحلة عقدها وتشیدها والذب عنها یکون فی الحقیقة مقلدا لاستاذه ولهذا تراه بمجرد ما یثار علیه أی اشکال تراه یتوقف ویتحیر.

ولا یخفی أنه لیس صرف الموافقة تقلیدا بل التقلید هو الموافقة مع عدم قدرة التابع للمتبوع فی تمحیص کل ما أسسه المتبوع من عقد البحث وعدم ابتکار شیء جدید و ذلک لصعوبة تلک الامور، فبعضهم یکتفی ببذل جهده فی الوصول إلی فهم ما أسسه ذلک المبتکر فقط إلا أنه لم یصل إلی محاکمة المبتکرات فضلا عن الابتکارات الجدیدة.

فعملیة الاجتهاد کثیرا ما تترکب من التقلید والاجتهاد و هذا ما سیأتی من التقلید فی مبادئ الاجتهاد، و هذا لا یضر بنسبة الفتوی له وأنه صاحبها، فمسألة أن التقلید فی الاجتهاد یؤثر فی الاعلمیة شیء وکونه لا یخل ولا یضر بالاجتهاد شیء آخر، و هذا من قبیل التقلید فی المسائل النحویة والتفسیریة والرجالیة والکلامیة وغیرها مما لها دخالة فی الاستدلال فإنه لا یضر فی نسبة الفتیا له؛ لکون بقیة مراحل الاستنتاج من قبله، وقد ذکروا بأن العمدة فی مرجع التقلید بحیث یکون صالحا للرجوع إلیه هو اجتهاده فی الفقه والاصول أما بقیة المبادئ لا مانع من عدم اجتهاده فیها، مع أن اجتهاده فیها یؤثر فی الأعلمیة ؛ إذ فی الحقیقة

ص:455

أن المجتهد فی هذه الجوانب أکثر جدارة من غیره. وما ذکروه فی مبادئ الاجتهاد وعلم أصول الفقه بعینه یجری فی مقدمات الاستنتاج فی نفس الفقه أو الاصول فیکون من ترکیب الفتیا من فتویین وتقلیدین فیکون المرجع الأعلم یعتمد فی أصوله علی مدرسة استاذه کالمحقق العراقی (قدس سره) ، وفی الفقه یعتمد علی مدرسة صاحب الجواهر (قدس سره) ولکن بشرط أن اعتماده وتقلیده هذا لا یخل بشرطیة أعلمیته.

و هذا ما یعبر عنه بالاجتهاد الجماعی وهو ما یطرح الأن باسم المرجعیة المجموعیة بحیث یکون تکامل العلوم بتجمیع کمالات النکات فی کل جهة حتی یتنامی فیرقی ویصل إلی کماله، کما هو فی العلوم الأخری فتری بعضهم یکون رائداً ومبتکراً فی جهة وغیره فی جهة أخری من نفس العلم ، وهکذا تتنامی العلوم شیئا فشئیا حتی تصل إلی کمالها .

فمسألة التقلید فی دائرة الاولی هی أمر تلقائی ومشاهد کثیراً ولیس المقام مقام طعن بل هو بیان حقیقة تکاملیة فإن کثیراً من الأعلام تراهم مقلدون لغیرهم فی کثیر من النظریات والمبانی فیبنون علیها ویسلکونها، وتراهم یتوقفون فیها بمجرد بروز عقدة من عقد ذلک المنبی مع أن هذه العقدة کؤود ومصیریة فی نتائج ذلک المسلک.

ص:456

فمن ذلک ما جری مع بعض الأعلام فی شرط النتیجة فذکر بعض العقد ودفعها ثم ذکرت له ما ذکره المحقق الاصفهانی(قدس سره) کأنه أول مرة تطرق سمعه فلم یکن قد استوفاها ...وأیضا نکات کثیرة ذکر بعضها استاذنا المیرزا هاشم آملی (قدس سره) فی لا تعاد ذکرتها لبعض الأعلام وکأنها لأول مرة تطرق مسامعهم مع أنها نکات مصیریة فی تغییر النتائج فی لا تعاد، وکذا ما ذکره لنا استاذنا السید الروحانی (قدس سره) فی حواشی المکاسب من النکات ونفائس مبثوثة فی تلک الحواشی، وهی مصیریة فی مثل قوله تعالی : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقوله تعالی: (وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ ) ، وقوله تعالی: (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) . فهذه الظاهرة لیست بغریبة بل هو الممشی الطبیعی و ذلک لأن التحقیق فی جمیع الموارد والجهات لا یصله إلا الأوحدی من الناس، فطبیعة العلوم فیها تکافل وتنامی ولهذا یکون الاجتهاد علی درجات حتی أن بعض المجتهدین قدرته علی فهم وتطبیق ما قاله الآخرون بجدارة ، أما أن یؤسس أو ینقض أو یذب عن تلک المبانی فأمر آخر وهکذا.

والخلاصة أن فی الدائر الأولی التی هی من وظائف الأعلم ترکیب من اجتهادین أو تقلیدین و هذا لا مانع منه ما لم ینافٍ أعلمیته علی غیره من الأحیاء لکونه الأعرف والأدق فی فهم مبانی الأعلم المتوفی .

ص:457

فقولهم - مثلاً - إن الشیخ الطوسی (قدس سره) کان یُقلد إلی مائة عام، لیس معناه عدم وجود فقهاء یُرجع إلیهم، بل کان هناک فقهاء ویرجع إلیهم ولکن هذه المدرسة صارت تعتمد علی غیرها حیث إن أعلم الاحیاء لم یتعدّ مبانی الشیخ الطوسی (قدس سره) .

فالمهم هو بیان فدلکة الصحة الصناعیة لهذا الأمر التلقائی فی جمیع العلوم مع أن علماء الحوزة أعظم مستوی من غیرهم من العلماء فی سائر التخصصات و ذلک لأن دأب علماء الحوزة التدقیق والتنقیب والابتکار والمداقة والمحاکمة لکل نظریة، وإلا فما رأیناه فی العلوم الأخری فهو أفضع بکثیر فی التقلید بل تجد الغالب هو المتابعة بلا درایة أصلا فلا یعنوون أنفسهم للفهم فضلا عن الابتکار فمثلا من الأطباء الماهرین تسأله عن بعض الفلسفات الطبیة تراه یترجل فیها ولا یعرف الخلفیة فی ذلک، ولیس له إلا التشخیص والتطبیق لما فهمه من آراء ونظریات ، وکذا فی الهندسة وغیرها ، وقد وقفنا علی الکثیر من هؤلاء فإنهم مع قدرتهم علی الفهم والتحری لا یعنوون أنفسهم علی الفهم والتخصیص، و هذا بخلافه فی الحوزات.

وعلیه فکما یوجد تقلید مرکب یوجد اجتهاد مرکب سواء فی الدائرة الأولی التی من مختصات الاعلم أو فی الدائرة الثانیة وهو شیء قهری وتلقائی. و هذا التراتب فی الدوائر موجود أیضا فی أصل الشریعة

ص:458

(مسألة 63 ) : فی احتیاطات الأعلم إذا لم یکن له فتوی یتخیر المقلد بین العمل بها وبین الرجوع إلی غیره الأعلم فالأعلم(1).

(مسألة 64 ) : الاحتیاط المذکور فی الرسالة إما استحبابی وهو ما إذا کان مسبوقا أو ملحوقا بالفتوی(2) و إما وجوبی وهو ما لم یکن

ففرائض الله دائرة أُولی وفرائض النبی (صلی الله علیه و آله) دائرة ثانیة وفرائض المعصومین (علیهم السلام) دائرة ثالثة

المسألة الثالثة والستون: التخیر بین العمل باحتیاط الأعلم والرجوع لغیره:

(1) و ذلک لأن الاحتیاط لیس بفتوی وعلیه فیصح له أن یبقی علی أحد الحالات الثلاث أما التقلید أو الاجتهاد أو الاحتیاط فی التقلید، وقد ذهب السید الخوانساری(قدس سره) إلی أن جمیع الاحتیاطات الوجوبیة فی رسالته العملیة لا یصح الرجوع فیها إلی الغیر ولعله یطبق علیه الفتوی بالاحتیاط لا الاحتیاط فی الفتوی کما یأتی الفرق بینهما لفظا ومعنی...

وقد تقدمت الاشارة إلیه فی أول المسائل.

المسألة الرابعة والستون: الاحتیاط لزومی وندبی والفرق بین الفتوی بالاحتیاط والاحتیاط فی الفتوی:

(2) ملاحظة الاحتیاط الاستحبابی من جهة المعنی تارة عقلی وتارة شرعی فمثلا توجد بعض الموارد ثبت فیها رجحان الحکم شرعا، إلا أنه

ص:459

معه فتوی ، ویسمی بالاحتیاط المطلق ، وفیه یتخیر المقلد بین العمل به والرجوع إلی مجتهد آخر . وأما القسم الأول فلا یجب العمل به ، ولا یجوز الرجوع إلی الغیر، بل یتخیر بین العمل بمقتضی الفتوی وبین العمل به(1).

مردد بین الوجوب والاستحباب فرجحانه لا کلام فیه، وکذا الکراهة کثبوت المرجوحیة فی بعض الموارد إلا أنها مرددة بین الحرمة والکراهة فهنا الداعویة الشرعیة للفعل أو الترک مسلمة ویترتب علیها ثواب ... والمفروض أن یُمیّز تحریرا بین الاحتیاط العقلی الذی محض هو تفریغ الذمة أو أصابة الواقع وبین الشرعی الذی فیه رجحان ذاتی فهو فتوی بأصل الرجحان فلا یجوز الرجوع للغیر فیه، وإن کان فهمه من عبارتهم یحتاج إلی دقة.

(1) هذا التقسیم - فی جهة اللفظ - هو المتبع الأکثر إلا أنه لابد من الترکیز فی المسألة ومعرفة مصب الاحتیاط هل هو نفس مصب الفتوی فیکون احتیاطاً مقروناً بالفتوی فهو استحبابی أو کانت فتوی واحدة ولکن مصب الاحتیاط فی جهة من جهات الفتوی لا فی أصل الفتوی فهو احتیاط وجوبی وإن کان مسبوقاً بفتوی إلا أن جهة الاحتیاط مغایر لجهة الفتوی. وأما الفارق بین الاحتیاط الوجوبی فی الفتوی وبین الفتوی بالاحتیاط فقد تقدم مفصلا ونشیر له علی نحو الاجمالی...

ص:460

فمن جهة اللفظ المفروض کاصطلاح فی الفتوی بالاحتیاط أن لا یؤتی بلفظ الاحتیاط ، بل مباشرة یجب کذا أو یجب الجمع بین الفعلین مثلاً لما یسببه من التشویش بین الاحتیاط فی الفتوی وبین الفتوی بالاحتیاط. مع أنه علی ما فی البال أن السید الخوئی (قدس سره) ذکر ضابطة فی التمییز اللفظی بینمها وحاصلها أن الاحتیاط إذا ورد علی الحکم فهو احتیاط فی الفتوی وإذا ورد علی الاحتیاط نفسه ففتوی بالاحتیاط، والمفروض کاصطلاح أن لا یذکر لفظ الاحتیاط فی الفتوی بالاحتیاط کأن یقول: یجب الجمع بین القصر والتمام لأنها فتوی ولا تحتاج لذکر منشأها إذ لا أثر لها بخلاف الاحتیاط فی الفتوی لوضوح أثرها فی جواز الرجوع للغیر فیها.

وأما من جهة المعنی فإذا کان مستند الاحتیاط هو العلم الاجمالی فی المورد الخاص فهو فتوی بالاحتیاط، ولیس احتیاط فی الفتوی وهو یقتضی التکرار تارة ولا یقتضیه أخری کما فی الأقل والاکثر الارتباطیین، وعلیه فمع ابرازه للفتوی بالاحتیاط وتصدیه لا یسوغ ولا یجوز الرجوع إلی غیره بخلاف الاحتیاط فی الفتوی فیجوز الرجوع للغیر لعدم تحقق التقلید و هذا بخلاف الاحتیاط الاستحبابی فلا یجوز الرجوع فیه إلی الغیر لکون مورده لا یخلو من الفتوی فیتخیر بین العمل بالاحتیاط الاستحبابی وبین العمل بالفتوی.

ص:461

(مسألة 65 ) : فی صورة تساوی المجتهدین یتخیر بین تقلید أیهما شاء، کما یجوز له التبعیض حتی فی أحکام العمل الواحد، حتی أنه لو کان مثلا فتوی أحدهما وجوب جلسة الاستراحة واستحباب التثلیث فی التسبیحات الأربع ، وفتوی الآخر بالعکس ، یجوز أن یقلد الأول فی استحباب التثلیث ، والثانی فی استحباب الجلسة(1).

المسألة الخامسة والستون: التخییر فی صورة تساوین المجتهدین

(1) تقدمت هذه المسألة فیما (لو کانا متساویین فهل مقتضی القاعدة العمل بأحوط الأقوال وهو احتیاط فی التقلید أو التخییر؟ ) ، وقد أفتی ولا یخفی أن هذا التخییر ابتدائی ولیس استمراری بحیث لو قلد بدون تبعیض أو بالتبعیض فلا یجوز له بعد ذلک العدول.

وأفتی البعض بالتخییر عند عدم العلم بالاختلاف الکثیر؛ إذ لا تعارض بین الامارتین ولو مع احتمال الاختلاف. نعم، هناک من یبنی علی التخییر - ولعله المشهور - حتی مع العلم بالاختلاف ولا یجب الاحتیاط بینهما، وقد مر أن الاحتیاط بینهما هو فی الحقیقة احتیاط فی التقلید ولیس مبنی علی التساقط، خلافاً لما قرره السید الخوئی (قدس سره) وتلامذته بأنه لیس بتساقط وإنما احتیاط فی التقلید واحتیاط فی العمل بالامارات فالصحیح هو التخییر کما تقدم أما أن التخییر خاص باحتمال

ص:462

المخالفة أو یعم العلم بالمخالفة فتقدم تحقیق ذلک مفصلا.

أما مسألة جواز التبعیض فلا اشکال فیها ولکن هل یجوز التبعیض فی العمل الواحد؟ فیه تفصیل من جوازه مع عدم العلم بالمخالفة الاجمالیة ولا یجوز معها. فإنه إذا کان هذا العمل بحسب فتوی المجتهدین لیس بصحیح لأنه أتی بتسبیحة واحدة وهی بنظر الآخر لا تجزی لأنه یری وجوب الثلاثة ولم یأتی بجلسة الاستراحة والأول یری العمل بدونها غیر صحیح فهذا العمل علی کلا الفتوییهما لیس بصحیح بمقتضی العلم التعبدی، هذا ما ذکروه.

وقد مر بنا أن الضابطة فی التفصیل غیر هذه بل الضابطة فی الارکان وغیرها فإذا رجع الاختلاف إلی ما هو رکن لا یصح العمل وأما إذا رجع إلی غیره مع وجود المصحح فیصح.

ولا یخفی أن هذا التخییر ابتدائی ولیس استمراری بحیث لو قد بدون تبعیض أو بالتبعیض فلا یجوز له بعد ذلک العدول.

ص:463

(مسألة 66 ) : لا یخفی أن تشخیص موارد الاحتیاط عسر علی العامی(1) إذ لا بد فیه من الاطلاع التام ، ومع ذلک قد یتعارض الاحتیاطان فلا بد من الترجیح ، وقد لا یلتفت إلی إشکال المسألة حتی یحتاط ، وقد یکون الاحتیاط فی ترک الاحتیاط ، مثلا : الأحوط ترک الوضوء بالماء المستعمل فی رفع الحدث الأکبر لکن إذا فرض انحصار الماء فیه الأحوط التوضؤ به ، بل یجب ذلک ، بناء علی کون احتیاط الترک استحبابیا ، والأحوط الجمع بین التوضؤ به والتیمم، وأیضا الأحوط التثلیث فی التسبیحات الأربع ، لکن إذا کان فی ضیق الوقت، ویلزم من التثلیث وقوع بعض الصلاة خارج الوقت فالأحوط ترک هذا الاحتیاط، أو یلزم ترکه، کذا التیمم بالجص خلاف الاحتیاط

المسألة السادسة والستون: تعذر تمییز موارد الاحتیاط

(1) و ذلک لامتناعه صغرویاً ممتنع فی کثیر من الموارد وقد مرّ فی المسألة الأولی والثانیة والثالثة بحث مفصلا أن العامی بالدقة لا یستطیع أن یمیز حتی فی المسائل البسیطة إلا بالتقلید بل ذکرنا أن المجتهد غیر الممارس وإن کان مطلقا بل الفقیه غیر الخائض فی بعض الأبواب الفقیه لا یستطیع ولا یلتفت إلی تحدید الاحتمالات الواقعیة التی بحسب الأدلة إلا بعد الخوض فیها، فهو تلقائیا یکون مقلدا للفتاوی لأن احتیاطه بحسب الفتاوی.

ص:464

لکن إذا لم یکن معه إلا هذا فالأحوط التیمم به ، وإن کان عنده الطین مثلاً فالأحوط الجمع ، وهکذا(1).

(مسألة 67 ) : محل التقلید ومورده هو الأحکام الفرعیة العملیة ، فلا یجری فی أصول الدین ، وفی مسائل أصول الفقه، ولا فی مبادئ الاستنباط من النحو والصرف ونحوهما ، ولا فی الموضوعات المستنبطة العرفیة أو اللغویة(2).

(1) فالاحتیاط علی مراتب فتحدید ما تقتضیه کل رتبة ومرحلة یحتاج إلی ممارسة ودقة فی الأدلة والأقوال.

المسألة السابعة الستون: التقلید فی أصول الدین وغیرها فی الموضوعات المستنبطة:

اشارة

(2) استشکل أکثر المحشین علی الماتن (قدس سره) عدم جواز التقلید فی الموضوعات المستنبطة العرفیة واللغویة بأنه لا فرق بینها وبین الموضوعات المستنبطة الشرعیة فلابد من الاجتهاد أو التقلید.

فقد ذکر الماتن (قدس سره) ستة أقسام: الاحکام الفرعیة العملیة وأصول العقائد وأصول الفقه ومبادی الاستنباط والموضوعات المستنبطة واقسامها من الشرعیة والعرفیة واللغویة والموضوعات الصرفة.

والقدر المتیقن من الادلة هو الاحکام الفعلیة العملیة إلا فی الضروریات إذ هی لیست مورد للتقلید بالضرورة.

ص:465

التقلید فی أصول الدین:

أما أصول الدین لو استبدله بقوله:" بالاحکام العقائدیة" لکان أنسب والمعروف أن عدم جواز التقلید فی الاحکام العقائدیة مخصوص بأصول الاعتقاد فلابد من الاستدلال.

والمراد من عدم الجواز لیس الحرمة الوضعیة بل الحرمة التکلیفیة و ذلک لأن الواجب تکلیفا أن یتحری الحقیقة عن دلیل... والوجه فی ذلک هو مطلوبیة ثبوت إیمانه ورسوخه وعدم تزلزله حتی لا یکون فی معرض الزوال فمن اعتقد الحق عن تقلید یکون قد وفی باعتقاد الحق وتحقق الایمان منه إلا أن ذلک لم یوف بوظیفة الطریق، فالموضوعیة للاستدلال فقط من جهة حسن الایمان وإلا فأصل الایمان یحقق بالاعتقاد بالحق و لو کان عن تقلید.

والواجب علیه هو تحری الحقیقة عن دلیل بسیطا بالاصول الحقة فلا یتطلب منه أکثر من ذلک ولا یجب علیه الخوض فی أعباب الأخذ والرد بما هو خارج عن قدرته ، بل المطلوب هو ما تتوفر له من الفطرة والبداهة العقلیة ؛ إذ فلسفة وجوب الدلیل والاستدلال هو ترسیخ ایمانه وتثبیته أمام الشبهات بحیث لا یکون فی معرض الزوال والتزلزل بحیث یکون عن بصیرة وإلا لو اعتقد بالحق عن تقلید لکان قد وفی بالحق إلا أنه لم یوف بوظیفة الطریق فالطریق له موضوعیة من جهة حسن الایمان

ص:466

الایمان بحیث یکون له وقایة وحصانة لتقویة الایمان وحفظه عن الزوال.

والکلام لیس فی کفایة الاعتقاد والتسلیم بالحق فإنه یتحقق بالتقلید ویکون قد وفی بوظیفته ولکن من جهة الطریق فرط وعصی ولم یوف بوظیفته من حیث الطریق لکون ما سلکه لیس بطریق صحیح، والمراد بالدلیل الصحیح هو المقدور السهل کما فی آیات النظر إلی الافاق والانفس التی لا تستعصی علی الصغیر والکبیر بل هی أمور سهلة التناول عند الکل وقد ذکرناه هذا مرارا فی الدورة الاصولیة السابقة بأن أدلة التوحید التکوینیة والفطریة أبین من دلائل النبوة ونبوة الخاتم (صلی الله علیه و آله) ، ودلائل نبوته أبین من دلائل الامامة، ودلائل الامامة أبین من بقیة المعارف والعقائد، فتوجد مراتب فی الوضوح والبیان.

فالباری (عز وجل) جعل دلائل التوحید فی متناول الجمیع بحیث لیس لأحد التنکر والاحتجاب وعدم الوصول بل امکان الوصول واضح ومتوفر وعلی کل تقدیر یجب الاستدلال تکلیفامن حیث الطریق.

العقائد علی أقسام:

القسم الأول: ما یجب فیه تکلیفا أن یکون بواسطة القطع وإن لم یکن شرطا فی حصوله:

أن وجوب الاعتقاد والتسلیم - المحقق للایمان - مطلق غیر مقید بالقطع، وهو فی أصول الاسس، وهی أصول الدین، ویدخل فیها القرآن

ص:467

ونبوات الانبیاء والملائکة... فیجب تکلیفاً أن یکون الاعتقاد بواسطة القطع نعم یکفی فیها الاحتیاط أیضاً، کما هو فی موارد قوة المحتمل و هذا ما ذکرناه خلافا للمشهور ووفاقاً للأدلة من امکان الاحتیاط فی العقائد ، فقوله تعالی: (وَ لَوْ یُعَجِّلُ اللّهُ لِلنّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَیْرِ لَقُضِیَ إِلَیْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ ) (1).

وقوله تعالی (وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُنا بَیِّناتٍ قالَ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَیْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما یَکُونُ لِی أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِی إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما یُوحی إِلَیَّ إِنِّی أَخافُ إِنْ عَصَیْتُ رَبِّی عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ ) (2).

وقوله تعالی :(إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ الَّذِینَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِی سَبِیلِ اللّهِ أُولئِکَ یَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ ) (3).

وغیرها من الآیات ، فإن الله تعالی رتب أموراً کثیرة علی مجرد الرجاء والاحتمال .

ص:468


1- (1) - سورة یونس، الآیة 11 .
2- (2) - سورة یونس، الآیة 15 .
3- (3) - سورة البقرة، الآیة 218 .

وأیضا قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) لابن أبی العوجاء: «إن یکن الامر کما تقول ولیس کما تقول نجونا ونجوت، وإن یکن الامر کما نقول وهو کما نقول نجونا وهلکت» .

فمبدأ الاحتیاط هو تنجیز قوة المحتمل حتی فی العقائد.

القسم الثانی: فی غیر أسس أصول الاعتقاد وهی ما قام الدلیل علی وجوب الاعتقاد والتسلیم وسکون النفس ویکفی فی حصول الاعتقاد العلم الوجدانی أو التعبدی هو الظن المعتبر و هذا لا مانع من التقلید فیه إلا إذا قام الدلیل علی عدم اعبار الظن.

القسم الثالث: ما کان وجوب الاعتقاد فیها مقید بحصول العلم سواء کان العلم الیقینی الوجدانی أو الظنی .

واجزاء الظن المعتبر فی غیر الأسس من المعارف أثبته جماعة من الأعلام ذکرناهم فی کتاب (الإمامة الالهیة) وفی بحث الاصول فی الجزء الأول، منهم: الشیخ الطوسی، والخواجة نصیر الدین، والشیخ البهائی، والاردبیلی، والمیرزا القمی، وصاحب المدارک... وغیرهم (رحمهم الله) .

فإذا بنیا علی إجزاء الظن المعتبر فی تفاصیل تفریعیة مترامیة فی العقائد لا فی الاسس والأصول - کما هو الصحیح - مثل تفاصیل البرزخ وتفاصیل الجنة والنار...

فالمعروف عندهم، بل الأکثر ، حتی من المکتفین بالظن ، لم یکتفوا

ص:469

بالظن فی هذه التفاصیل، إلا أنه یوجد قول قائله قلیل - وهو غیر بعید لدینا - : أن المفتی إذا کان مجتهداً فی العقائد - ولا یکفی اجتهاده فی الفروع - فربما یُدعی أن السیرة قائمة علی تبنی واتباع المتضلع وهو من تکون له ملکة قدرة التنقیب والاستنباط فی العقائد والفروع . فمثلا: إذا کان فلان من الأعلام أوحدیاً فی علم الفلسفة أو العقائد أو العرفان أو التفسیر أو الکلام تبنی هذا الرأی مع تعقید البحث فی حیثیاته وعقده، فتری الکثیر یتبنی نظریته و لو کان تبنیهم بدرجة الظن. فالقول باعتبار التقلید أو حجیة الاجتهاد ههنا غیر بعیدة .

عدم وجوب الیقین فی تفاصیل العقائد یبحث فی مقامین:

المقام الأول: تحریر واثبات عدم اشتراط تفاصیل العقائد وتفریعاتها بالیقین بل یکفی الظن فیها نعم اشتراط الیقین خاص بدائرة الأصول واسس العقائد.

المقام الثانی: فإنه بعد الفراغ عن عدم اشتراط الیقین فی تفاصیل العقائد والاکتفاء بالظن یقع الکلام فی الأدلة الدالة علی حجیة الظن المعتبر کالفتیا فی تفریعات العقائد وهی السیرة فی الرجوع إلی أهل الخبرة ولا سیما إذا کان متضلع کثیرا...

ص:470

وأیضاً عموم أدلة التفقه فی الدین إذ هو غیر خاص بالفروع، بل یعم العقائد... وأیضا عموم قوله تعالی: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) مع ورودها فی مقام المعارف والعقائد.

فالمقصود أن أدلة التقلید لا یبعد شمولها لهذه الدائرة من العقائد ... والارتکاز یساعد علیها.

وأما ما ذکره الأخوند (قدس سره) من أدلة ذم العمل بالظن ومع امکان الاعتقاد والجزم الاجمالی، فصحیح ومتین وفی محله إلا أنه لا یثبت مطلوبه و ذلک لأن الاعتقاد بما هو حق وواقع علی أجماله وبما هو عند أهل العصمة تساعد علیه الاخبار إلا أن هذا لایفید عند قیام الظن المعتبر علی تفاصیل العقائد ولا یسوّغالاعتقاد الاجمالی رد الظن التفصیلی المعتبر.

أما مسألة ذم العمل بالظن فخاص بالظن الذی لا یستند إلی یقین أو فی أسس العقائد والاصول، أما الظن الذی یستند إلی الیقین وفی غیر الأسس فغیر مذموم کما هو مقتضیحجیة الآیات القرآنیة التی لم تبلغ دلاتها إلا الظهور الظنی.

فهو یذهب إلی أن عقد القلب لا یتحقق إلا بالعلم مع أنا ذکرنا أنه لا یشترط فی عقد القلب العلم بل یکفی الاحتمال کما هو فی موارد قوة المحتمل .

ص:471

و هذا البحث ذکرناه مفصلا فی الفصل الأول کتاب (الامامة الالهیة) ، فتحصل أنه فی الاعتقادات فی غیر الدائرة المرکزیة یجزی الظن الحاصل من المتضلع وخصوصا البحوث المعقدة مثل البحث المتعلق بترک المعصوم (علیه السلام) للأولی وغیرها من البحوث المعقدة، وکدرجات الأولی، وکأقسام الوحی، والجبر والاختیار، علی کثرة الرویات الواردة فیها... فإن کثیراً من الفحول فی بحوث المعارف یتبنون نظریات المتضلعین ولا یشترط حیاة المقلد والمرجع؛ لأنها قائمة علی محض الخبرویة لا کما هو فی الفروع من أن المرجعیة زعامة ولایة نعم یشترط الأعملیة والعدالة والحیطة وغیرها لما للمعارف من الأهمیة البالغة طبعا مع الخطوط الحمراء وهی الأسس والاصول بحیث لا تتنافی المعرفة التقلیدیة مع الاصول والاسس.

أما ضروریات غیر الاسس کالصلاة والرجعة کما ذکره العلامة المجلسی (قدس سره) فإن من لم یعتقد بالرجعة غفلة - مثلاً - لا یؤثر فی اصل ایمانه. نعم، یکون ایمانه ناقصاً کما هو مشهور المتأخرین .

والصحیح أن انکار الضروریات داخل فی القسم الاول من کونه موجباً للکفر وإن کان عن غفلة فإن الضرویات بما لها من واقعیة فمنکرها وإن کان عن غفلة کافر، وأما منکر غیر الضروری فهو علی رتبة من الضلال ، وناقص الایمان ، ولا علاقة بین معذوریته فی الکفر

ص:472

ولا فی الموضوعات الصرفة(1).................................................................

وبین عدمها، إذ الکافر یمکن أن یکون معذوراً وعذره لا یخرجه عن کفره... ولا یخفی أن الکافر علی مراتب عند المتقدمین ولیس علی رتبة واحدة.

الموضوعات الصرفة تارة مرتبطة بالفرد وتارة مرتبطة بالجهة العامة فیرجع فی الثانیة دون الأولی:

(1) ما ذکره (قدس سره) لیس علی اطلاقه بل هو خاص بالموضوعات المرتبطة بالفرد وأما الموضوعات الصرفة المرتبطة بالجهة العامة والتی هی مظنة التنازع فاحرازها موکول للحاکم الشرعی و مثل تحدید موضوع الدفاع فالموضوع العام ذو الشأن العام لا علاقة له بالفرد بما هو لارتباطه بالنظام الاجتماعی وإذا ارتبط بالنظام الاجتماعی فولایته لمن تسند ولایة النظام الاجتماعی إلیه وهو الحاکم الشرعی.

الموضوعات المستنبطة:

وأما الموضوعات المستنبطة فهی التی یتوقف تحدیدها علی مقدمات استنباطیة واجتهادیة وهی المقدمات الاستنباطیة بعضها یرجع علی تحدید المفهوم وبعضها یرجع إلی غیر ذلک کما یتبین.

فالموضوعات المستنبطة الشرعیة تحتاج إلی مقدمات مستنبطة فی تحدید مفهومها ، کتحدید مفهوم الصلاة ومفهوم الصوم . فأصل المفهوم

ص:473

یحتاج إلی استنباط فإنه موضوع فرضه واعتبره الشارع فیحتاج إلی استنباط ذلک من الأدلة الشراعیة وهکذا جمیع الموضوعات التی اعتبرها الشارع.

والموضوعات المستنبطة اللغویة غیر الصرفة علی قسمین:

القسم الاول: وهی ما یکون الاستنباط فی ما یحققها خارجا لا فی أصل مفهومها بحیث یتدخل الشارع فی تحدید بعض القیود الخارجیة أی یتدخل الشارع فی وجودها لا فی مفهومها وإلا فمفهومها لغوی لا خلاف فیه مثل مزدلفة وعرفة وما هو خارج عن مکة وما هو داخل فیها فالشارع لا یتصرف فی المفهوم ولکن یتصرف فی بعض القیود الخارجیة مثل تحدید مزدلفة إلی المأزمین وعرفة کذا وکذا وفوق الجبل غیر مجزئ بناء علی أن عرفة وادی، فإن هذه أمور وحدود وقیود للوجود الخارجی مثل المسعی کان أوسع مما هو علیه الآن وقد ضیقه الناس و مثل الطلاق فإنه علی مفهومه فی اللغة واضح إلا أن الشارع اعتبر فی وجوده أن یکون مثلاً بلفظ طالق فقط دون غیره وأیضا الطواف بالبیت الحرام فإن خارج المقام عند البعض خارج المسجد فلا یتحقق فیه الطواف، فلیس الکلام فی مفهوم الطواف وإنما فی القیود التی یأخذها الشارع فی المحصل والمحقق للمفهوم خارجاً وإلا فالمفهوم واضح لا خلاف فیه.

ص:474

ومن ذلک العصیر العنبی فإن مفهومه واضح إلا أن موضوع الحلیة منه هو ما غلی بالنار وذهب ثلثاه... فالشارع لم یتدخل فی مفهوم العصیر العنبی وإنما تدخّل فی ما یحققه من شروط وقیود.

القسم الثانی: أن یکون المفهوم هو المفهوم اللغوی أو العرفی إلا أن الشارع قد أضاف قیدا استنباطیا إلی نفس المفهوم اللغوی فلیست هی بشبهة مفهومیة اصطلاحاً عند الاصولیین وأکثر الموضوعات المستنبطة التی یذکرونها هی من هذا القبیل إذ لا اجمال فی مفهومها لا لغة ولا عرفا ولیس للشارع فیها حقیقة شرعیة وإنما الشارع أضاف قیداً أو قیود وهذه القیود مختلف فیها بین الأعلام سعة وضیقاً.

والحاصل أن الموضوع إذا ارتکز واعتمد علی قید استنباطی لا یکون بید المکلف .

وبیان ذلک: أن الموضوع الذی یرتکز ویعتمد علی قید استنباطی فیه تفصیل؛ لأن القید تارة لا ینفک عن المفهوم فی الاحراز، فإحرازه مساوٍ لاحراز المفهوم، فلیس المفهوم بید المکلف.

وتارة یمکن انفکاکه عن المفهوم فی الاحراز کأن یثبت المفهوم بطریق ویثبت القید بطریق آخر فلا بأس بکون المفهوم بید المکلف والقید بید الفقیه ومن هذا القبیل الموراد الواضحة للمفهوم التی لا تحتاج

ص:475

إلی الرجوع إلی الفقیه، بخلاف بعض الجهات المبهمة والمجملة والخلافیة فیرجع فیها إلی المجتهد، وهکذا مثل الغناء حصة منه مفهومها واضح فتطبیقها بید المکلف ، وحصة أخری منه مجملة فلابد فیها من الرجوع للمجتهد. نعم، بعد الاستنباط لتلک المفاهیم والقیود یکون أمرها فی التطبیق موکول إلی المکلف ولعل المکلف فی تطبیقها أعرف بکثیر من المجتهد.

وکثیر من الموضوعات یظن بعض الأعلام انها موضوعات صرفة والصحیح أنها لیست کذلک وإن کان مفهومها واضحا لا تردد فیه ولکن من جهة اشتمالها علی قید أو قیود استنباطیة، واستشکالهم یرجع إلی أن رجوع المجتهد - إلی قیود غیر شرعیة کالرجوع إلی الرجالی تارة وإلی اللغة تارة وإلی الفلک أخری أو من جهة عالم التشریح وهکذا - لا دلیل فی حقه علی الأخذ منه مع أن الدلیل هو الرجوع إلی أهل الخبرة وشمول أدلة "فاسألوا أهل الذکر إن کنتم لا تعلمون" بناء علی أنها مشیرة للسیرة العقلائیة .

نعم لو بنینا علی أن التقلید زعامة وولایة فهی غیر شاملة لقول الرجالی ولا اللغوی... وغیرهما، وأما لو کانت من جهة الخبرویة فأدلة الرجوع إلی أهل الخبرة شاملة فیوجد تزاوج وتلفیق فی تحدید المفاهیم من جهتین ، فکما یرجع مجتهد لاصول الفقه فهو یرجع إلی أهل الخبرة

ص:476

فی المبادئ المتکررة کعلم الرجال والصرف واللغة... وغیرها، وهکذا بالنسبة إلی بعض الحیثیات فی موضوعات الأحکام غیر المتکررة فی الأبواب فکلها ترجع إلی الشبهة المفهومیة والحکمیة لا الموضوعیة کما توهمه بعض الأعلام.

فرجوع مجتهد إلی أهل الخبرة فی الفلک لتحدید بعض المباحث الفلکیة المرتبطة ببعض الأبواب الفقهیة وإلی عالم التشریح لتحدید الکعب فی المسح فی الوضوء من الشبهات الحکمیة لا کما توهم أنها من الشبهات الموضوعیة.

حجیة أهل الخبرة عام للحسیات والحدسیات أو خاص بالحسیات:

إلا أن الجدیر بالتنبیه هو أن حجیة قول أهل الخبرة فی خصوص العلوم التی تعتمد علی الحس خاص بالحسیات أو القریبة منها ولا حجیة لحدسیاتهم فیها.

فکون علم الرجال والأدب واللغة من العلوم الحسیة المنقولة مثل علم الحدیث فإنه نقلی فالعمدة فیه هو الحس کالنقل والسماع فاعمال الحدس فیه لیس بحجة وإذا کان عمال الحدس لیس بحجة فالتقلید لیس بحجة؛ لأن التقلید هو الاعتماد علی النتائج الحدسیة ، والمفروض أن هذه العلوم حسیة لا حدسیة .

نعم، الاعتماد علی النقول الحسیة هو حجة ولکنه لیس بتقلید بل من

ص:477

باب العمل بالاخبار الصحیحة فلا یُعبأ بالحدسیات فی العلوم الحسیة ولا یکون الحدس فی هذه العلوم مدارا فی الحجیة، فالتقلید فی هذه العلوم لیس بحجة، فلو أتی رجالی ووثق مفردة وکان ذلک التوثیق مبنی علی الحدس فلا یکون حجة ؛ لأن علم الرجال حسی فلا یعول فیه علی الحدس نعم لو کان ینقل التوثیق حسا فیقبل قوله وکذا اللغوی: لو أخبر بأن ظهور الآیة کذا وکذا فلا یقبل منه، إذ لا یقبل قوله إلا فی النقول الاستعمالیة عن العرب بما هی نقل حسی فلا یصح التقلید فی علوم اللغة والحدیث لأن التقلید مقصور علی النتائج الحدسیة. ولاختصاص أدلة التقلید کآیة النفرة أو آیة السؤال أو جملة من الروایات بموراد الشرعیات وأما السیرة العقلائیة فی التقلید فهی قائمة علی الرجوع لأهل الخبرة فی الموارد الحسیة لا الحدسیة.

هذا ملخص ما ذکره الأعلام .

وفیه تأمل ؛ لما بیّناه صغرویاً فی علم الرجال من أن جملة وافرة من کلمات الرجالین وأرباب الجرح والتعدیل مبنیة علی الحدس وإن کان قریباً من الحس إلا أنه حدس و ذلک لأن کثرة من توثیقاتهم لیست مستندة إلی مصدر حسی کملاحظة سلوک الروای الظاهری بل الجرح والتعدیل قائم علی مضامین الرویات التی یرویها الراوی .

ص:478

و هذا السلوک فی التوثیق متفشی عند الرجالیین من الفریقین فما یقال ویدعی من أن مصادر نقولات أقوال ارباب الجرح والتعدیل نقولات حسیة متواترة دعوی لا شاهد لها نعم فی جملة من الموارد لها مصدار حسیة إلا أنها غیر منقولة ولم یفصح عنها، فإن النجاشی والبرقی وابن الغضائری والشیخ الطوسی - مثلاً - فی أغلب الموارد لا یصرحون بمستند توثیقهم أو تضعیفهم نعم الکشی دابه یذکر ما یستند علیه، وکذا عند العامة.

فحجیتها من باب النقولات الحسیة إلا أنها مراسیل بالنسبة إلی من لم یدرکوا عصره - ولا یعنی أن المراسیل لا قیمة لها - والقول بأنها شهادات متواترة لیس بصحیح إذ کیف یصغی لهذه الدعوی مع کون الکتب الاربعة هی روایات ولم یصغ لدعوی التواتر فیها فکیف بالکتب الرجالیة التی المهم فیها أقل بکثیر من الکتب الروائیة فلا یصغی لدعوی أن جمیع التوثیقات الرجالیة حسیة، فکما أن فیها التوثیق الحسی فیها الحدسی أیضاً. وأیضا فی جملة من الموارد الحسیة ارسال . وعلیه فإذا کانت التوثیقات الرجالیة فیها ما هو حدسیّ وحسیّ مرسل فیقع الکلام فی تخریج حجیتها .

مشکلة توثیقات الرجالیین فیها الحسی والحدسی، وتخریج ذلک:

وقد ذکرنا فی علم الرجال ثلاثة تخریجات:

التخریج الأول: تجمیع القرائن لتحصیل الاطمئنان.

ص:479

التخریج الثانی: من باب الرجوع إلی أهل الخبرة.

التخریج الثالث: من باب الانسداد الصغیر الذی یرجع إلی حجیة أهل الخبرة والرجوع إلی أهل الخبر هو التقلید.

نعم، لا ینکر وجود التوثیقات الحسیة ولکن کثیر من التوثیقات باعتبار مضامین ما یرویه الروای فیشخصون مذهبه ووثاقته وغیر ذلک اعتماداً علی مضامین الروایات التی یرویها و هذا الاستنتاج حدسی وإن کان مبنی علی الحس.

هذا بالنسبة إلی معاصریهم فضلا عمن لم یعاصروه ، فإن رأی الفضل بن شاذان - مثلا - فی معاصریه مبنی علی ما یرونه من الروایات، حتی قال: (الکذابین المشهورین ستة) ، ومع ذلک لم یکن توثیقه وقدحه ناتجاً من ملاحظة سلوکهم العملی بل من جهة ما یرونه.

ومن هذا موقفه فی محمد بن سنان وجابر بن یزید الجعفی وأبی سمینة الصیرفی... وغیرهم، فهذه التوثقیات خاضعة لما یرونه من الاخبار وسلوکیاتهم المدرسیة ولیس القضیة حسیة محضة، بل أن جل مواقف أهل الجرح والتعدیل هی بسبب المسالک والمشارب الکلامیة ولیست مواقفهم راجعة للسلوک العملی والاخلاقی.

وعلی أی تقدیر فهذا علم الرجال لا یمکن أن ندعی أنه علم حسی بل هو علم تتدخل فیه الجوانب الحدسیة .

ص:480

ومن هنا تکون جل أقوال الأعلام فی الرجال فتاوی حدسیة ولیست نقولات حسیة فیشملها عموم أدلة التقلید کآیة النفر وآیة السؤال وغیرها الشاملة لغیر الشرعیات لکونها تشیر إلی سیرة ارتکازیة عن مسیرة السیرة العقلائیة من رجوع الجاهل إلی العالم ورجوعه إلیه - کما نبینه - لیس فقط فی الحدسیات و ذلک لان العلوم المتعمدة علی الحس کعلم الحدیث والعلوم التجریبیة وغیرها لا یخلو من الالمام والاحاطة الشاملة من الخبرویة بحیث توجد ملکة تکون الحسیات موضوعاً للاستنتاج والاستنباط لتلک الملکة، فالمیرزا النائینی (قدس سره) - مثلا - کان یعول کثیرا علی آراء المیرزا النوری (قدس سره) وکان معاصراً له؛ و ذلک لکون المیرزا النوری (قدس سره) محیطاً بالروایات ولحن الاستعمال الروائی ومعرفته بمضان وجود الأبواب وغیرها مع أنها أمور حسیة إلا أن الالمام المترامی فی ذلک المجال یحتاج إلی تخصص وخبرویة بحیث یرجع إلیهم ولا یسألون عن المستند وکیفیة التوفیق بین هذه المفردة وتلک. وعلیه فکون أن العلم حسیاً لا یعنی عدم وجود موضوع للتقلید؛ و ذلک لأن نفس الالمام والاحاطة والتطبیق یقتضی نوع من الخبرویة وهی مندرجة فی سیرة العالم للجاهل. نعم، لو ذکر المصدر الحسی فقد یکون الرجوع إلیه من جهة النقل الحسی إلا أنه لیس بالضروری أن الرجوع إلیه لأجل افصاحه وبیانه لمعتمده الحسی أو کیفیة ترتب مواد مستنده الحسی.

ص:481

فالامر فی الحسیات أما أنه لا یحتاج إلی الالمام والاحاطة أو یحتاج فإن کان من قبیل الأول فالقول کما قالوا وأما لو کان یحتاج إلی المام بالحسیات والتألیف بینها واستحضار ملازماتها ومعرفة خصوصیاتها فهذا مما یتوقف علی الخبرة والتضلع وملکة استنتاج الأمور الحسیة التی لا یصل ولا یطلع علیها إلا الخبیر و هذا لیس بالأمر الهین فلا یتسنی إلی کل أحد مع أنها توفیق بین الحسیات و ذلک لتوقفه علی الاحاطة الشاملة والالتفات إلی خصوصیاتها وملازماتها مما لا یتسنی إلا لأهل الخبرة فی ذلک المجال.

فالصحیح أن الرجوع إلی أهل الخبرة حتی فی الحسیات - کعلوم اللغة والحدیث والرجال وغیرها - مما قامت علیه السیرة من الرجوع فیها إلی أهل الخبرة، وعلیه فإنه بقدر ما یکون للباحث باع فی هذه العلوم لا یکون التقلید فی حقه فی هذا المقدار بحجة کما مرّ فی المتجزئ فإنه بقدر قدرته لا یصح له التقلید والتقلید فیما هو فیه عاجز.

ما تلخص من حسیة توثیقات الرجالیین:

الأول: أن النتائج الموجودة عند ارباب الرجال والحدیث والدرایة لیست حسیة کلها بل هی ممزوجة بین حس وحدس .

الثانی: أن الالمام بهذا الکم الکبیر یورث خبرة وتضلع.

ص:482

الثالث: أن أدلة التقلید سواء فی الآیات والروایات أو السیرة کلها تشیر إلی کبری واحدة وهی رجوع الجاهل إلی العالم وهی غیر مختصة بالشرعیات وذکر الشرعیات مورد لها ولیس بتخصیص، وغیر مختصة بالحدسیات المحضة بل تعم وتشمل درجات الحدس الممزوج بحس قوی إذا کان الحس مترامی الاطراف و مما یحتاج إلی تضلع ودرایة واحاطة .

الرابع: أن جواز الرجوع والتقلید فی هذه العلوم هو فی خصوص الدائرة التی لا قدرة له فیها کما فی المجتهد المتجزئ، لصدق رجوع الجاهل إلی العالم فیما هو عاجز لا فیما هو قادر و هذا هو المشاهد عند الأعلام، فإنه بقدر ما عنده من قدرة فی علم الرجال مثلاً تراه یتبنی ویبنی... وفیما لا قدرة له یقلد ویرجع... وهکذا فی بقیة العلوم تری المزاوجة غیر غریبة فی العلوم للفرد الواحد بین الاجتهاد والتقلید بقدر قدرته التی لا حرج فی اعمالها لعدم کونه جاهلاً فیما یقدر حتی یرجع إلی غیره.

التقلید فی أصول الفقه وعلم الکلام وغیرهما:

أما بالنسبة إلی أصول الفقه وعلم الکلام وما شابه ذلک من العلوم العقلیة فقد ذکر السید الخوئی (قدس سره) أنه یصح التلفیق من التقلید فی أصول الفقه - بل علم الکلام والفلسفة وغیرها - والاجتهاد ، فلو کان له قدرة

ص:483

علی الاستنباط فی الفروع وغیر قادر علی الاستنباط فی الأصول و ذلک لشمول الادلة له فلا مانع منه من حیث الکبری.

إلا أن الکلام فی تحققه صغرویا وخارجاً، فهل یوجد فی الخارج شخص متمکن من الاستنباط فی الفروع دون أن تکون له قدرة علی الاستنباط فی الأصول حتی یقلد فیها؟

الصحیح أن هذه المسألة لا صغری لها فی الخارج، و ذلک لحصول الملازمة فی العادة بین المتمکن من استنباط الفروع وبین القدرة علی استنباط الاصول وإن لم یمارس عملیة الاستنباط.

فکلامه فی الجملة صحیح لا بالجملة؛ لأنا نری بعض المسائل الأصولیة لا یحلها إلا أوحدی الفن إذ أنها لیست علی وتیرة واحدة من حیث التعقید والسهولة، وهکذا المسائل الکلامیة والفلسفیة فمسألة الابتکار لا تنافی الاجتهاد إلا أن کثیرا من المسائل فی فنون العلوم معقدة بحیث لا یحلها ویهذبها إلا أصحاب الابتکار والباقون علی أثرهم تابعون لهم، ومن تلک المسائل فی علم الاصول مسألة مجهولی التاریخ واجتماع الامر النهی واستصحاب العدم الأزلی وغیرها من المسائل المعقدة فی باب کل فصل، والبعض رسم له مبانیَ وتبعه فی ذلک البقیة.

فصغرویاً یوجد بکثرة من له قدرة استنباط الفروع والعجز عن استنباط الاصول فلا یسعه إلا التقلید فیها.

ص:484

وبعبارة أخری: توجد القدرة علی الاجتهاد فی بعض مقدمات کل مسألة مسألة، وبعضها الآخر لا قدرة علی الاجتهاد فیها أصلاً، ولهذا قال بعضهم: قد یوجد مجتهد مطلق ولکن لیس هناک محقق ومبتکر مطلق ، بل بعضهم لا یثبت الاجتهاد المطلق إلا إلی المحقق والمبتکر المطلق ، وعلی أی حال فمع اختلاف الانظار فی هذا المعنی لا منع من التزاوج بین الاجتهاد والتقلید فما أکثره وقوعاً من زوایا وحیثیات مختلفة، والضابطة فیها هی شمول السیرة فی رجوع الجاهل إلی العالم وعدم اقتصارها واختصاصها بالجاهل المطلق بل تشمل حتی المتجزئ وأیضا غیر مختصة بالرجوع فی الحدسیات المحضة بل تشمل العلوم الحدسیات القریبة من الحس أیضا بل فی کل علم یحتاج إلی خبرة وتضلع ومهارة وما شابه ذلک.

عدم اختصاص الموضوعات المستنبطة بالاستنباط الفقهی:

والجدیر بالتنبیه أن الموضوعات المستنبطة لا تختص بالاستنباط الفقهی الشرعی، فإذا کانت بعض الموضوعات تحتاج إلی استنباط من علوم وخبرات أخری فلابد من الرجوع إلی أهل الخبرة فی تلک العلوم إلا فیما ردع عنه الشارع، کما فی فقوله: «صم للرؤیة وافطر للرؤیة» فإنه ردع عن الرجوع إلیهم، فلا یعول علی قول الفلکیین فی ذلک. نعم یمکن الأخذ بقول الفلکیین - کما قال بعضهم - کقرینة مضادّة لا مثبتة.

ص:485

فلو شک المقلد فی مایع أنه خمر أو خل مثلا ، وقال المجتهد : إنه خمر ، لا یجوز له تقلیده ، نعم من حیث أنه مخبر عادل یقبل قوله ، کما فی إخبار العامی العادل ، وهکذا ، وأما الموضوعات المستنبطة الشرعیة کالصلاة والصوم ونحوهما فیجری التقلید فیها کالأحکام العملیة.

(مسألة 68 ) لا یعتبر الأعلمیة فی ما أمره راجع إلی المجتهد(1)

المسألة الثامنة والستون: عدم اعتبار الاعلمیة فی الولایة علی القصر والامور الحسبیة وغیرها من الامور الراجعة للمجتهد

اشارة

(1) أی الجامع للشرائط عدا الأعلمیة إلا فی التقلید فتعتبر الأعلمیة فمجال الولایة فی السلطة التشریعیة تعتبر الأعلمیة ولا تعتبر فی مجال الولایة فی السلطة التنفیذیة مثل الولایة علی الأوقاف والمجانین والقصر والوصایا التی لا وصی لها وغیرها من الامور الحسبیة، وأما الولایة فی السلطة القضائیة، فالأحوط عند الماتن (قدس سره) اعتبار الأعلمیة الاضافیة وهی الاعلمیة بالنسبة إلی ذلک البلد وغیرها مما لا یکون حرجا فی الترافع إلیه.

وبعضهم - کالسید الگلپایگانی والشیخ آل یاسین والمحقق النائینی (رحمهم الله) - خصوا اعتبار الأعلمیة فی السلطة القضائیة إلی الولایة التنفیذیة فیما کان النزاع فی الشبهة الحکمیة.

ص:486

بیان مباشرة الامام الحجة(علیه السلام) شؤون البشریة عامة:

وقد تقدم الکلام فی الافتاء والسلطة التشریعة أما بالنسبة الولایة النتفیذیة للفقیه فهی أولا بالنیابة عن المعصوم (علیه السلام) لا بالأصالة کما هو مذهب العامة، وبیّنّا ذلک مفصلاً فی الفصول الثانی والرابع والخامس والسابع والثامن من کتاب (الأمامة الالهیة) ، وبیّنا أیضاً فی ذلک أن الامام الحجة (علیه السلام) یباشر الآن بالخفاء شؤون الارض وشؤون البشریة لا المسلمین فقط، وبیّنّا الأوهام والأخطاء التی أثارها العامة من القدیم إلی الآن - کالفضل بن روزبهان - بأنه لا یدبر أمور الرعیّة ولا یحرک ساکناً ، حتی إنها سرت إلی أذهان بعض الشیعة، وقد جاء فی الاخبار کما فی قوله (عجل الله فرجه الشریف) : «إنا غیر مهملین لمراعاتکم ، ولا ناسین لذکرکم ، ولولا ذلک لنزل بکم اللأواء أو اصطلمکم الأعداء فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا علی انتیاشکم من فتنة قد أنافت علیکم یهلک فیها من حم أجله ویحمی عنها من أدرک أمله ، وهی أمارة لأزوف حرکتنا ومباثتکم بأمرنا ونهینا ، و الله متم نوره ولو کره المشرکون» .

بل فی أحادیث السنة من الفریقین مثل: «الخلفاء بعدی أثنا عشر» وهو مروی بکثرة وفیه تتمة، وقد حدث به النبی (صلی الله علیه و آله) فی مواطن کثیرة باختلاف الألفاظ، وفی بعضها: «ما زال أمر الناس فی خیر...» ، ولم یقل أمر المسلمین بل الناس، فإدارة أمر البشر وصلاحها مربوط به (علیه السلام) ،

ص:487

فانقلاع الکوارث العامة لا یعرف سببه ولا وجهه إلا أن هناک أصابع خفیة تدبر قامت بقلعه وکلما ازداد الجهاز المنظم خفیة ازداد قوة فالغیبة هی کینونة القدرة والسلطة والقوة لا کینونة الضعف وعدم التصدی کما یفهمه البعض حتی من الوسط الداخلی من أنه (علیه السلام) غیر متصدی بالفعل للتدبیر وفی علوم الأمنیة والسیاسیة والاکادیمیة بل إنه کلما أزداد التدبیر خفاءً ازداد قدرة وقوة، و هذا من معاجز علم أهل البیت (علیهم السلام) لان الغیبة عنصر قوة وتدبیر لا کما یفهمه البعض من أنه مغلول الیدین لا تدبیر ولا عمل له، وقد جمعنا فی کتاب (الامامة الألهیة) کثیراً من الآیات والروایات الدالة علی التدبیر الخفی لرسول الله (صلی الله علیه و آله) قبل بعثته وبعدها، وأیضاً تدبیر أمیر المؤمنین (علیه السلام) قبل خلافته الظاهریة وبعدها، وکذا باقی الأئمة (علیهم السلام) ، فما ورد فی روایة علی بن حمزة : لما أمر هارون العباسی بعض جنوده أن یقتلوا الامام الامام موسی بن جعفر (علیه السلام) ، قال: «کان یتقدم الرشید إلی خدمه إذا خرج موسی بن جعفر من عنده أن یقتلوه ، فکانوا یهمون به فیتداخلهم من الهیبة والزمع فلما طال ذلک أمر بتمثال من خشب و جعل له وجهاً مثل وجه موسی بن جعفر ، و کانوا إذا سکروا أمرهم أن یذبحوها بالسکاکین ، و کانوا یفعلون ذلک أبدا ، فلما کان فی بعض الأیام جمعهم فی الموضع وهم سکاری ، و أخرج سیدی

ص:488

إلیهم فلما بصروا به هموا به علی رسم الصورة، فلما علم منهم ما یریدون کلمهم بالخزریة والترکیة، فرموا من أیدیهم السکاکین، ووثبوا إلی قدمیه فقبلوهما، وتضرعوا إلیه، وتبعوه إلی أن شیعوه إلی المنزل الذی کان ینزل فیه فسألهم الترجمان عن حالهم فقالوا: إن هذا الرجل یصیر إلینا فی کل عام فیقضی أحکامنا ویرضی بعضا من بعض، ونستسقی به إذا قحط بلدنا، وإذا نزلت بنا نازلة فزعنا إلیه فعاهدهم أنه لا یأمرهم بذلک»(1).

وکذا أخبر الامام الکاظم (علیه السلام) أیضا أثناء رجوعه من المدینة إلی سجنه فی بغداد فلما کان عند الزوال صلی خلفه الکثیر والکثیر فقال له ابن المسیب: من هؤلاء؟ فقال (علیه السلام) : «هؤلاء أصفیاء الله جمعهم لی حتی نصلی» فللامام (علیه السلام) سواعد وأیدی تتحرک بأمره وتدبیره.

وکذا عتاب ابن أسید - وکان شاباً - لما فتح النبی (صلی الله علیه و آله) مکة جعله والیا علیها فسأل النبی (صلی الله علیه و آله) : کیف اقضی ولم أتعلم منک یارسول الله حکماً ؟ فقال (صلی الله علیه و آله) : «لا علیک، إذا عارک أمر فانظر فی یدک فستجد منا جوابه» ، وکان یحکم بذلک . ولیس ارتباطه بالرسول (صلی الله علیه و آله) مادیا بل هو ارتباط ، غیبی غیر مرئی ولیس حسیا اعتیادیا .

ص:489


1- (1) - مناقب آل أبی طالب: ج 3 ص 418 ، بحار الأنوار: ج 48 ص 140 .

وفی الروایة: «ثم إن أمیر المؤمنین (علیه السلام) أمر الریح فسارت بنا إلی جبل قاف ، فانتهینا إلیه ، وإذا هو من زمردة خضراء ، وعلیها ملک علی صورة النسر ، فلما نظر إلی أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال الملک: السلام علیک یا وصی رسول رب العالمین وخلیفته، أتأذن لی فی الکلام؟ فرد (علیه السلام) وقال له: إن شئت تکلم، و إن شئت أخبرتک عما تسألنی عنه . فقال الملک: بل تقول أنت یا أمیر المؤمنین، قال: ترید أن آذن لک أن تزور الخضر (علیه السلام) ، قال: نعم، فقال (علیه السلام) : قد أذنت لک . فأسرع الملک بعد أن قال: (بسم الله الرحمن الرحیم) ، ثم تمشینا علی الجبل هنیئة ، فإذا بالملک قد عاد إلی مکانه بعد زیارة الخضر (علیه السلام) ، فقال سلمان: یا أمیر المؤمنین، رأیت الملک ما زار إلی الخضر إلا حین أخذ أذنک . فقال (علیه السلام) : یا سلمان، والذی رفع السماء بغیر عمد، لو أن أحدهم رام أن یزول من مکانه بقدر نفس واحد لما زال حتی آذن له، وکذلک یصیر حال ولدی الحسن وبعده الحسین تاسعهم قائمهم». یدل علی سعة تدبیر الامام (علیه السلام) وعظمة البرنامج الذی یقوم به و أن الملائکة یتلقونه من خلیفة الله .

وأما مسألة عدم تصور هذه السلطة الالهیة فهذا لنقص العقول ومدرکاتها فلیس تدبیر الارض فقط للأمام (علیه السلام) بل تدبیر ملائکة السماوات - ولیس أی ملک من الملائکة بل المفاضل من الملائکة - هم من یأخذ الاوامر من الأئمة (علیهم السلام)، ومن ذلک قول الإمام الصادق (علیه السلام) فی

ص:490

جوابه لمقصّرة الشیعة: «ومقصرة شیعتنا تقول: معنی الرجعة أن یرد الله إلینا ملک الدنیا و أن یجعله للمهدی . ویحهم متی سُلبنا الملک حتی یرد علینا ...»(1).

وهنا تکمن العبودیة لهم بما أعطاهم الله من تلک السلطة الالهیة، ومع ذلک فهو عبد ذلیل بین یدی الله العزیز تعالی ویسلم بکل ما یجری علیه، ومن هذا القبیل کثیر من الاخبار فضلا عن الآیات، وإلا فالقرآن یثبت أن الله جعل ابراهیم (علیه السلام) أماماً ، ولم ینقل أنه تولی منصبا ظاهریاً، بینما ذکر التاریخ أنه (علیه السلام) صنع شیئا لا تصنعه الدول، فقد غیّر دین مجتمعات الشرق کلها من الوثنیة إلی التوحید، فما هی تلک القدرة؟!

وهذه الاشکالات القدیمة التی کنا نردّها علی العامة قد تسربت إلینا فصارت کأنها مسلّمات، فلابدّ من التأکد بقوة التنبیه علی أن المعصوم (علیه السلام) هو ولی بالفعل ومتصدٍ للتدبیر ولیس مجمّداً لا تدبیر له .

وقد ذکرنا آیات وروایات کثیرة فی کتاب (الامامة الالهیة) بشکل مفصل. فبحسب عقیدة الامامیة أن الولی بالفعل الامام المعصوم (علیه السلام) فی کل زمن، وإذا کان بحث فی البین ففی خصوص نیابة الفقیه ولیست ولایة الفقیه بالاصالة وإنما هی ولایة وصلاحیة نیابیة عنه (علیه السلام) ، و هذا

ص:491


1- (1) - الهدایة الکبری: ص 416 ، بحار الأنوار: ج 53 ص 26 .

مفترق بین الزیدیة والاسماعلیة والعامة وغیرهم هذا من جانب، وبین الامامیة من جانب آخر، فإنهم یقولون بالولایة الفعلیة لخصوص الأمام الثانی عشر (عجل الله تعالی فرجه) .

تبعیة نیابة الفقیه لولایة المعصوم(علیه السلام) وحدودها:

إن هذه النیابة والصلاحیة الممنوحة من المعصوم (علیه السلام) للفقیه تسلب المعصوم (علیه السلام) وظیفته، إلا أن هذه المؤاخذة لیست علی من یتوهم أن الولایة مأخوذة بالاصالة للفقیه بل هی واردة علی من تمسک بالحسبة کما هو عند المتأخرین لعدم وجود دلیل النیابة فقط من باب الاحتیاط والتقیّد... وغیرها، و أن الحسبة دالة علی أن الفقیه له قدرة وجواز تصرف وولایة إلا أن هذه الحسبة وللاسف علی منهج العامة فإنهم احتاطوا من جانب فی الولایة ولکنهم ارتکبوا خلاف الاحتیاط من جانب أخر؛ لأن الحسبة إذا تصاغ بهذه الکیفیة وهی أن الله یأذن ویجیز للفقیه أن یمارس التصرفات فی الشؤون العامة لضرورة تلک الموارد، و أن هناک إذن مباشر من الله للفقیه بأن یباشر هذه التصرفات ویقع السؤال والکلام حیئذ عن موقع الامام المعصوم (علیه السلام) أولیس أن کل الولایات بالفعل بحسب أدلة وبراهین معتقد الامامیة له (علیه السلام) فهذا الرأی فیه قفزة علی ولایة المعصوم (علیه السلام) فإن الحسبة بهذه الصیاغة قد استدل بها العامة والمفروض أن دلیل

ص:492

الحسبة لا یصاغ بهذه الکیفیة بل یصاغ بما یتفرع عن أذن المعصوم (علیه السلام) للفقیه، لا أن نقرر أن الله یأذن مباشرة حتی یستدل علی ذلک بأن هذه الامور ضروریة ولا یرضی الشارع بتفویتها ، فالله هو الآذن مباشرة ، و ذلک لما فیه من الالتفاف علی التنظیم الالهی، وهذه هی الصیاغة هی المقررة فی کتب العامة.

أما علی مسلک الامامیة فلا تصاغ إلا باستکشاف إذن المعصوم (علیه السلام) لأنه لا یمکن تخطیه لأن بیده مقالید الأمور عند الله ورسوله، وهذه الامور بنیویة عقائدیة تبتنی علیه هذه المباحث الفقیه فی الفقه السیاسی والسلطة التنفیذیة وحتی السلطة التشریعیة خلافا للعامة فإن الفقیه لا یستطیع فی الافتاء أن یتعدی ویتخطی المعصوم (علیه السلام) بل هو دائما یستقی منه (علیه السلام) لأن بیده (علیه السلام) الأمور، فتلک الصیاغة غفلة أخذت من العامة، نعم یمکن أن تصحح الصیاغة ویقال بأنا نستکشف من هذه الضرورة رأی المعصوم (علیه السلام) فالانسداد فی الموارد الحسبة یستکشف منه أذن المعصوم (علیه السلام) لأنه هو صاحب الولایة وصاحب الامر والنهی.

هذا لو اعتمدنا وانتهجنا دلیل الحسبة، وإلا فالروایات کما نبین تدل علی النیابة العامة للفقیه، وکذا الاستدلال بالآیات فإنها واضحة علی ولایة الفقهاء بالنیابة عن المعصوم (علیه السلام) لا بالاصالة لأن معنی النیابة عن المعصوم (علیه السلام) تقتضی أن تکون للمعصوم (علیه السلام) ولایة بالفعل ینوب عنه

ص:493

غیره وإلا لو لم تکن له ولایة بالفعل لما کان أحد نائبا عنه لعدم موضوع النیابة والأدلة الکثیرة تثبت النیابة الفعلیة للمعصوم (علیه السلام) من الآیات والروایات .

الآیات الدالة علی نیابة الفقیه:

والآیات الدالة علی نیابة الفقیه کثیرة، منها:

1- قوله تعالی: (إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِیها هُدیً وَ نُورٌ یَحْکُمُ بِهَا النَّبِیُّونَ الَّذِینَ أَسْلَمُوا لِلَّذِینَ هادُوا وَ الرَّبّانِیُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ کِتابِ اللّهِ وَ کانُوا عَلَیْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآیاتِی ثَمَناً قَلِیلاً وَ مَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِکَ هُمُ الْکافِرُونَ ) (1).

فإنها تدل علی أن التوراة یُحکم بها ولیس الحکم خاص بالسلطة القضائیة بل شامل، فلهم الولایة فی مطلق الحکم بجمیع مراتبه وقوله تعالی : (الَّذِینَ أَسْلَمُوا) أی فهذه سنة فی دین الاسلام فکل من أسلم من الانبیاء فهذه سنتهم فلیست بخاصة بانبیاء معینین ودین الانبیاء هو دین الاسلام، وقوله (لِلَّذِینَ هادُوا) أی أتباع موسی (علیه السلام) ، وقوله (وَ الرَّبّانِیُّونَ ) أی الاوصیاء، وقوله: (وَ الْأَحْبارُ) هم العلماء والفقهاء، الآیة تبین أن سلسلة مراتب ولایة الحکم ذات مراتب و أن المرتبة الأولی

ص:494


1- (1) - سورة المائة ، الآیة 44 .

للأنبیاء ثم للأوصیاء ثم للعلماء وهذه سنة فی دین الاسلام مضافا إلی أن قوله تعالی: (وَ مَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِکَ هُمُ الْکافِرُونَ ) یدل علی أنها سنة الهیة ولیست مخصوصة بالتوراة.

وقوله: (وَ مَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) وأیضا قوله: (وَ مَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِکَ هُمُ الظّالِمُونَ ) (1)، واردة فی موردین فی اقامة الحدود وشیئ آخر فهی فی اقامة حدود فی زنا یهودی ویهودیة ولیس هو جانب قضائی فی الأصل لأنه لیس فی مورد فصل خصومة بل هو مرتبط بجانب أمنی وتنفیذی فالکتب السماویة نزلت لیحکم بها فی جانب التشریع والسیاسة التنفیذیة والقضاء.

فالأیة دالة علی نیابة الفقهاء عن المعصوم (علیه السلام) تبعا للمعصوم (علیه السلام) فلیس لهأن یبدل أو یغیّر بل هو تابع مطلقا فلیس له أن ینشأ ویفتی من عند نفسه بل هو تابع فکذا فی القضاء والتنفیذ.

والقرائن الدالة علی التبعیة ثلاث، وهی:

أولاً: ذکر الاحبار فی طول الانبیاء والاوصیاء .

وثانیاً: المراد من الاحبار هم الفقهاء الذین یفهمون ویتعلمون ما عند الأنبیاء والاوصیاء، فمصدر علمهم هو ما یتلقونه من الاوصیاء والانبیاء.

ص:495


1- (1) - سورة المائة ، الآیتان 44 و 45 .

وثالثاً: التبعیة فی السلطة القضائیة والتنفیذیة إذ منصب الافتاء منبثق من سنن الله والرسول والاوصیاء ومنصب القضاء والتنفیذ متوقف علی الافتاء فالتبعیة فی جمیع المناصب فالسلطة الافتائیة والتشریعیة مهیمنة علی بقیة الولایات.

2- آیة النّفر وهی قوله: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ) (1) فالمتعارف فی الاستدلال بها علی خصوص السلطة الفتوائیة والتشریعیة التابعة للمعصوم لأن التفقه والفهم لابد له من مرجع لیفهم منه وکذا النفر لابد للنافرین من شخص ینفر ویتوجه ویرجع إلیه إلا أن الصحیح أنها أعم فی الدلالة من مورد الإفتاء.

وبیان ذلک: أن قوله: (وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ ) ، والانذار لیس وعظاً وارشاداً فقط بل الانذار نوع من التدبیر والنهی عن المنکر والأمر بالمعروف، والدین له دخالة فی جمیع جوانب الحیاة سواء القضائیة أو التنفیذیة فحکم الفقهاء وانذارهم یصل إلی تلک الجوانب فلهم الرقابة علی مسار الناس وشؤونهمونفس الانذار له هذه الشمولیة وقد استعمل الانذار فی وظیفة الانبیاء الذین لهم ولایة الحکم والتشریع والقضاء والتنفیذ.

ص:496


1- (1) - سورة التوبة، الآیة 122 .

وببیان آخر فی دلالة آیة النفر علی هذه التبعیة فی مراحل الحکم هو أن من یکون له سلطة تشریعیة تثبت له السلطة فی بقیة المراحل لأن السلطة التشریعیة والافتائیة لها هیمنة علی السلطة القضائیة والتنفیذیة.

وهناک غیرها من الآیات ذکرناها فی کتاب (الامامة الالهیة).

الروایات الدالة علی نیابة الفقیه:

فیمکن التمسک بجمیع الروایات الورادة فی جعل منصب القضاء للقاضی حیث تجعل منصب الحکم والنیابة للفقیه ومنها:

1- مصححة عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجلین من أصحابنا بینهما منازعة فی دین أو میراث فتحاکما إلی السلطان أو إلی القضاة أیحل ذلک ؟ فقال: «من تحاکم إلیهم فی حق أو باطل فإنما تحاکم إلی طاغوت وما یحکم له فإنما یأخذ سحتا وإن کان حقه ثابتا، لأنه أخذه بحکم الطاغوت وقد أمر الله أن یکفر به قال الله تعالی: (یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاکَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ یَکْفُرُوا بِهِ ) (1)، قلت: فکیف یصنعان؟ قال : «ینظران من کان منکم ممن قد روی حدیثنا ونظر فی حلالنا وحرامنا، وعرف أحکامنا فلیرضوا به حکما فانی قد جعلته علیکم حاکما ، فإذا حکم بحکمنا فلم یقبل منه ،

ص:497


1- (1) - سورة النساء ، الآیة 60 .

فإنما استخف بحکم الله، وعلیه رد، والراد علینا الراد علی الله ، وهو علی حد الشرک بالله»(1).

فقوله (علیه السلام) : «روی حدیثنا» بأن یکون مستقی علمه هم الائمة (علیهم السلام) فهو تابع لهم لا مستقلا عنهم بالاستحسان والتشهی بل تابع فی مستند حکمه لموازین الائمة (علیهم السلام) .

وقوله (علیه السلام) : «ونظر فی حلالنا وحرامنا» أی من تکون معرفته عن تدبر والنظر فی الحلال فلا تشمل من کانت معرفته عن تقلید.

وقوله: «فإنی جعلته علیکم حاکما...» و هذا نصب منه (علیه السلام) لنیابة الفقهاء عنهم بالشروط المتقدمة. ولیست هذه المصححة خاصة بالقضاء وإن أصرّ علیه جملة من المتأخرین إلا أن الصحیح أن الحکم هنا أعم من القضاء وغیره .

وقد تمسکنا سابقاً بقرینة أن هذا الحکم فی زمن صدور هذه الروایات عن المعصومین (علیهم السلام) کان یشمل ما کان العامة یتصدون إلیه من تقسیم الأرث والوصایا وجمیع الامور الحسبیة واقامة الحدود والقصاص مع أن هذه الأمور لیست أموراً قضائیة بحتة بل هی أمور ترتبط بالسلطة النتفیذیة.

ص:498


1- (1) - وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 1 ص 13 ح 4 .

وکذا استتباب الأمن وغیرها من الامور المرتبطة بالسلطة التنفیذیة و هذا یقرّب أن السلطة القضائیة شاملة للسلطة التنفیذیة وإن کانجملة من الأعلام یشکلون علی هذه القرینة بأن هذا فعل العامة ولا دلیل علی أن المعصوم (علیه السلام) یمضی فعلهم أو یشکل صغرویا ًبأن هذه القرینة خاصة بالقاضی الوالی لا القاضی غیر الوالی وإن کانت الخدشة الصغرویة أیضا غیر واردة ؛ لأن ما نشاهده فی کتب التاریخ أن القاضی یتولی شؤون الحسبة واقامة الحدود والقصاص والقضاء ولیس هو بمنصب آخر غیر منصب القضاء وهو أیضا وارد فی أسئلة الرواة فی روایاتنا حیث یسأل عن القیّم علی الایتام و أن القاضی لا یقبل أو تقسیم الأرث بلا منازعة وفی کثیر من الامور الحسبیة تتدخل فیها السلطة القضائیة وهذه فی الحقیقة لیست قضاءا بل بالدقة ترتبط بالسلطة التنفیذیة التی تنفذ الاحکام الصادرة عن السلطة القضائیة، و هذا مشهود من القضاة سواء نصبوا ولاة أو لا.

أما جواب الخدشة الأولی:

فأولاً: إنا لا نرید أن نقول من تقریر هذه القرینة فی مفاد وعنوان ومنصب القضاء:إن تشریعات الائمة تابعة لتشریع العامة وإنما المراد اثباته هو أن استعمال اللفظة بحسب زمن الصدور کان یستدعی هذه السعة و لو کان (علیه السلام) یرید غیر ذلک المعنی الواسع وتوابع شؤونه لنصب

ص:499

قرینة فإنه کما فی صحیحة ابن حنظلة : (منازعة فی دین أو إرث) فنزاع الارث یشمل مسألة القسمة ولذلک عمم (علیه السلام) بقوله: «من تحاکم».

وثانیاً: قرینة أخری وهی نفس کلمة ومادة حکم أعم فی الآیات والروایات واللغة ولیست خاصة بالقضاء وحل الخصومات بل هو أعم من التشریعیة والقضائیة والتنفیذیة کقوله تعالی : (یا داوُدُ إِنّا جَعَلْناکَ خَلِیفَةً فِی الْأَرْضِ فَاحْکُمْ بَیْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ ...) (1).

و هذا الجواب لیس بخاص بصحیحة بن حنظلة بل هذا البحث سیال فی کل ما نستعرضه من الروایات الواردة فی القضاء. فالاشکالات تکرر والأجوبة الثلاثة تدفعها.

وثالثاً: أنه لو سلمنا جدلاً أنها واردة مورد القضاء فإن أدلة الافتاء متوفرة ، ومقتضاها التزاماً أن من یسند إلیه باب القضاء والإفتاء تثبت له السلطة التنفیذیة بالنیابة أیضاً و ذلک لتقوم السلطنة التنفیذیة بالتشریعیة ماهیة وهیمنة التشریعیة علی التنفیذیة ذاتا فی تکوین النظام الحاکم ولا سیما أن الممارس والواقع فی القضاء ممجزوج بالتنفیذ والممارس من الافتاء والسلطة التشریعیة ممزوج بالتنفیذ.

ص:500


1- (1) - سورة ص ، الآیة 26 .

ورابعاً: أن قوله: «الراد علینا کالراد علی الله» وغیره من مثل أنا حجة الله وهم حجتی علیکم فإن ولایته متفرعة عن ولایة المعصومین (علیهم السلام) والتی ولایتهم متفرعة عن ولایة الله، وولایة الله عامة موردا وکذا ولایة المعصومین فکذلک ولایته المتفرعة عن تلک الولایة العامة فولایته عامة من حیث الموارد الثلاثة لا من حیث درجة الولایة سعة کالمعصوم (علیه السلام) ، ولکن لا تخرج عن حیز التبعیة والانقیاد للمعصومین (علیهم السلام) مع ما یتوفر علیه من الشروط کالایمان والعدالة وغیرها مما تقدم ذکره.

2- معتبرة أبی خدیجة قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) : «إیاکم أن یحاکم بعضکم بعضا إلی أهل الجور ولکن انظروا إلی رجل منکم یعلم شیئا من قضایانا فاجعلوه بینکم فأنی قد جعلته قاضیا فتحاکموا إلیه» ، وروی الکلینی مثله إلا أنه قال: «شیئا من قضائنا»(1).

فقوله (علیه السلام) : «إیاکم أن یحاکم بعضکم بعضا إلی أهل الجور ولکن انظروا إلی رجل منکم» هو تشدید علی المحافظة علی سلطة المعصوم (علیه السلام) عبر أیدیه وسواعده وهم الفقهاء الامامیة، و هذا ما یحتاج إلی التفات فإن التحاکم عندهم أو اجراء عقود الزواج مثلاً لابد أن تکون

ص:501


1- (1) - وسائل الشیعة: ج27 أبواب صفات القاضی، ب 11 ص 13 ح 5 .

مجلسها مختلفا عن مجلس العقود الرسمیة القانونیة و ذلک لأن انشاء العقود فی المجالس الرسمیة والدوائرة الحکومیة احیاء واظهار للدولة الوضعیة ولوجود تبعی لهم ولهذا لابد من اقامة مجلس شرعی غیر المجلس الرسمی التابع للدولة التی تحتم علیهم العقود الرسمیة، ولذلک لیستمر ولیبقی حکم وولایة المعصوم (علیه السلام) فمثلاً فی العراق وایران یقام مجلسین الشرعی والرسمی .

وقد تقدم الکلام فی هذه الروایة من عدم اختصاص دلالتها علی المتجزئ بل تعم المطلق؛ باعتبار أن علومهم لا تنضب فحتی الفقیه المطلق کل ما یعلمه هو شیء من قضایاهم مضافا إلی عدم حصول التحقیق فی جمیع الأبواب حتی مع وجود الملکة، إذ لا یحصل عادة.

فقوله: «فاجعلوه» أنتم أی مسؤولیة المؤمنین تمکینه وبسط یده نعم هنا تصریح بأنه قاضی إلا أنه قد مرت أجوبة متعددة لا تنافی عمومیة ولایته للتشریع والقضاء والتنفیذ.

فصلاحیة الفقیه النیابیة غیر خاصة بزمن الغیبة کما ذکرنا فی الجزء من کتاب دعوی السفارة فی آیة النفر بل هی عامة إلی زمن ظهور الامام مع التبعیة و ذلک لأن هذا النظام فی الحکم هو منظومة الهیة من الله ففی زمن النبی (صلی الله علیه و آله) للعلماء دور وکذا فی کل زمان من زمان المعصومین لهم

ص:502

ذلک الدور فهم جهاز للمعصوم و هذا الجهاز من تشکیل الله للمعصوم فهم اعوان للمعصوم وایدیه حسب ما رسم الله من تشکیلة النظام، فالفقهاء سواعد له (علیه السلام) فلیس للمعصوم أن یتخطأ هذا النظام المرسوم له من الله ولیس من صلاحیة المعصوم (علیه السلام) أن یجعل الجهلاء أعواناً له فی محل من نصبهم الله (عز وجل) من العلماء وکل ذلک مع حفظ التبعیة والانقیاد وعدم الحیاد عن المعصوم (علیه السلام) ، فهذا نص من الصادق (علیه السلام) علی أن من سنن المعصومین جعل الله لهم جهازاً تابعاً وعاماً لتلک الولایات.

3- موثقة داود بن الحصین - وهو واقفی من أصحاب الصادق والکاظم (علیهما السلام) - عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی رجلین اتفقا علی عدلین جعلاهما بینهما فی حکم، وقع بینهما فیه خلاف، فرضیا بالعدلین ، فاختلف العدلان بینهما ، عن قول أیهما یمضی الحکم ؟ قال : «ینظر إلی أفقههما وأعلمهما بأحادیثنا وأورعهما ، فینفذ حکمه ، ولا یلتفت إلی الآخر»(1).

ص:503


1- (1) - وسائل الشیعة: ج27 أبواب صفات القاضی، ب 9 ص 113 ح 20 .

إلا فی التقلید، وأما الولایة علی الأیتام والمجانین والأوقاف التی لا متولی لها، والوصایا التی لا وصی لها، ونحو ذلک، فلا یعتبر فیها الأعلمیة . نعم الأحوط فی القاضی أن یکون أعلم من فی ذلک البلد ، أو فی غیره مما لا حرج فی الترافع إلیه.

إلا أنه یمکن أن یقال فی هذه الروایة أنها واردة فی قاضی التحکیم لا القاضی المنصوب إلا أنه مع ذلک یستفاد منها أنه (علیه السلام) یمضی قاضی التحکیم إذا کان فقیها عالما بالاحادیث فهو (علیه السلام) یعطی الصلاحیة لقاضی التحکیم بشرط أختیار الطرفین له و هذا التنصیب مشمول للأدلة المتقدمة إذا أخذت الفقاهة فی قاضی التحکیم فی هذه الروایة ولهذا قال الشهید الثانی: إذا اشترطنا فی التحکیم الفقاهةَ یتطابق قاضی التحکیم مع قاضی التنصیب، ولا ملازمة بینهما علی رأینا، ولکن حیث افترض (علیه السلام) فی قاضی التحکیم الفقاهة والعلم بالأحادیث فهو (علیه السلام) یمضیه وینصبه.

4- التوقیع المبارک منه (علیه السلام) : «و أما الحوادث الواقعة فرجعوا إلی رواة حدیثنا»(1).

ص:504


1- (1) - المصدر نفسه، ب 11 ص 140 ح 9 .

(مسألة 69 ) :

المسألة التاسعة والستون: إذا تبدل رأی المجتهد هل یجب علیه إعلام المقلدین أم لا ؟

فیه تفصیل : فإن کانت الفتوی السابقة موافقة للاحتیاط فالظاهر عدم الوجوب، وإن کانت مخالفة فالأحوط الإعلام ، بل لا یخلوعن قوة(1).

(مسألة 70 ) : لا یجوز للمقلد إجراء أصالة البراءة، أو الطهارة ، أو الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة، وأما فی الشبهات الموضوعیة فیجوز بعد أن قلد مجتهده فی حجیتها ، مثلا إذا شک فی أن عرق الجنب من الحرام نجس أم لا، لیس له إجراء أصل الطهارة، لکن فی أن هذا الماء أو غیره لاقته النجاسة أم لا؟ .......................................................................

وقد تقدم صحة سند هذا التوقیع الوارد فی (کتاب الغیبة) ، وقوله: «رواة حدیثنا» لیس المراد به صرف الراوی لبیان أن مستقی علمه هو روایات أهل البیت (علیهم السلام) وإلا فکیف له أن یستعلم الحکم من الروایات فإن هذا بیان لفقاهته فموردها فی الفقاهة وقوله رواة حدیثنا أی من لهم احاطة والمام وخبرة بالروایات فهذه القرآئن ذکرها الفقهاء علی أعتبار الفقاهة ونعمت القرائن.

والتقریب هو التقریب المتقدم فی صحیحة ابن حنظلة وکون مصدر علمه ومستقاه هم أهل العصمة (علیهم السلام) .

(1) تقدم مفصلاً.

ص:505

یجوز له إجراؤها بعد أن قلد المجتهد فی جواز الإجراء(1).

المسألة السبعون: لا یجوز للعامی اجراء الاصول فی الشبهات الحکمیة

(1) و ذلک لأن جریان الاصول العلمیة فی الشبهة الحکمیة استنباط للحکم الشرعی وهو ما یحتاج إلی تشخیص موردها بواسطة الاطمئنان أو العلم بعدم وجود الأدلة الاجتهادیة ویحتاج أیضا إلی تعیین ما هو الجاری من الاصول دون غیره و ذلک لما للاصول العملیة والادلة بشکل عام تراتب فی الجریان کتقدم الاصول الموضوعیة علی الاصول الحکمیة وکتقدم الاصول السببیة علی المسببیة وکتقدم الاصل الحاکم علی الاصل المحکوم وکتقدم الاصل الوارد علی الاصول المورود وهکذا...

ومن الواضح:

أولاً: عدم قدرة العامی علی احراز موضوع الاصول وهو وقوفه ومعرفته علی عدم وجود الادلة الاجتهادیة لما یحتاج فی معرفته إلی سبر الادلة وتنقیحها والبحث فی عموماتها واطلاقاتها والبحث الموضوعی لموضوعات الاحکام ومتعلقاتها وتمیز العناوین ذات الموضوعیة وفرقها عن العناوین المشیرة والبحث أیضا فی هویة وحقیقة عناوین موضوعات الاحکام الشرعیة ومتعلقاتها إذ حقیقیة الدلیل الاجتهادی للحکم لا تتوقف فیها علی ثبوت الحکم للشی بعنوانه ، بل

ص:506

بعنوان آخر یندرج تحته ، و هذا لا تتأتی معرفته إلا بتحلیل عناوین موضوعات الاحکام ومتعلقاتها ، کالاستدلال علی الشعائر بقوله تعالی: (وَ ذَکِّرْهُمْ بِأَیّامِ اللّهِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِکُلِّ صَبّارٍ شَکُورٍ) ،والاستدلال علی استحباب زیارة المعصومین (علیهم السلام) بآیة المودة، وکل ذلک یتم بتحلیل حقیقة أیام الله وحقیقة المودة حتی تکون الشعائر داخلة تحت عنوان أیام الله فیشملها قوله تعالی: (وَ ذَکِّرْهُمْ بِأَیّامِ اللّهِ ) أو دخول الزیارة فی عنوان المودة فی القربی فتکون الزیارة مندرجة فی قوله تعالی: (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً ) وأنّی للعامی الإحاطة بکل هذه المباحث المصیریة حتی یتسنی له اجراء الاصول فی الشبهة الحکمیة؟! ولهذا لا تکون هذه العموامات وغیرها - المتوقفة علی هذه الجهات الاجتهادیة - مخاطب بها العامی.

وثانیاً: یحتاج للدقة فی تمیز مجاری الاصول وتعینها بحسب مراتبها و أن لا یجری الاصل المسببی مثلا مع وجود السببی وهکذا... .

نعم هناک تقریب لتصویر جریان الاصول فی الشبهات الحکمیة بالنسبة للعامی غیر المحض وهو المراهق للاجتهاد أو المتجزئ - الذی لم یستنبط - أن یجری الاصول العلمیة فی الشبهات الحکمیة لتصویر قدرته علی اجراء الاصول العملیة ، إلا أنه فی الحقیقة یرجع إلی التلفیق فی عملیة الاستنباط من تقلیده فی مقدمات الاستنباطیة وبعض آخر

ص:507

(مسألة 71 ) : المجتهد غیر العادل أو مجهول الحال لا یجوز تقلیده، وإن کان موثوقا به فی فتواه، ولکن فتاواه معتبرة لعمل نفسه. وکذا لا ینفذ حکمه ولا تصرفاته فی الأمور العامة، ولا ولایة له فی الأوقاف والوصایا وأموال القصر والغیب(1).

المقدمات التی یسهل علیه الوصول إلیها وتشخیصها فیتوصل للنتیجة بتلفیق من مقدمات قلد فیها ومقدمات وصل إلیها و هذا لا مانع تصویره إلا انه یرجع لبا إلی التقلید فی مقدمات الاستنباط ، وهو بمثابة التشخیص لمجاری الاصول ، وهو دون الاجتهاد التجزئی الذی یعتمد علی نفسه فی جمیع المقدمات ألا انه مختصة بباب دون باب.

وأما الشبهة الموضوعیة فهی مما یستوی فیه المجتهد والعامی إلا فی بعض الأحکام ذات الشأن العام التی لا تتعلق بالافراد فهنا لابد من الرجوع إلی الفقیه.... والبعض الآخر ما یکون موکل إلی الافراد لتساویهم مع المجتهد فی الاجراء کاستصحاب نجاسة هذا وطهارة کذاک فإن للعامی جریانها.

المسألة الحادیة والسبعون: عدم جواز تقلید المجتهد إلا باحراز عدالته والمعرفة بحاله

(1) أولاً: إن اشتراط العلم بالعدالة من جهة أن صلاحیة الفتوی منصب شرعی وولایة نیابة عن المعصوم (علیه السلام) - کما تقدم بیانه مفصلاً فی شرائط

ص:508

(مسألة 72 ) : الظن بکون فتوی المجتهد کذا لا یکفی فی جواز العمل ، إلا إذا کان حاصلا من ظاهر لفظه شفاها ، أو لفظ الناقل ، أو من ألفاظه فی رسالته ، والحاصل أن الظن لیس حجة ، إلا إذا کان حاصلا من ظواهر الألفاظ منه ، أو من الناقل(1).

المرجع - ولیست الفتیا أمارة محضة وإخبار حسی حتی تکون مثل الروایة یکفی فیها الوثوق النوعی ، بل هی منصب وزعامة ، فلابد فیه من من الوثوق بنفس بتوفر نفس صفة العدالة.

وثانیا: تقدم أن للمقدلین نوع تولیة وبسط لید المجتهد، وعلیه بما أن مقام الفتیا منصب وزعامة ، فلا یجوز لهم بسط ید أحد إلا بالعلم بتوفره علی الشرائط المعتبرة فیه ولا یکفی وجود العدالة واقعا بل لابد من احراز حتی یتسنی للمقلدین بسط یده والتعبد باحکامه وفتاواه...وبدون الاحراز لا ینفذ منه نعم بالنسبة لنفسه فیجوز له العمل بما توصله له لانه الحجة علیه وهو شی غیر تقلد منصب الافتاء والتصدی له کما تقدم فی أول بحث الشروط فی مسألة 22 من أن هذه شروط التصدی لا شروط فی الاجتهاد والفقاهة باعتبارها طریقا له وأما التقلید والرجوع إلیه أو تسلیمه الامور العامة فهی راجعة لما حررناه أکثر من مرة من أن هذا منصب ومقام الهی لابد من مرعاة ما یناسبه من العدالة والجلال والمعروفیة .....

المسألة الثالثة والسبعون: عدم کفایة مطلق الظن بالفتوی

(1) لا یخفی أن رجوع العامی لفتوی المجتهد واحرازها بالنسبة إلیه هو

ص:509

من أعمال الظن فی الشبهة الحکمیة لأن فتوی المجتهد فی حق العامی المکلف هی امارة فی الشبهة الحکمیة ، فالوصول إلی هذه الامارة طریق ولابد أن یکون الطریق علی هذا الطریق فی الشبهة الحکمیة - التی تحتاج إلی الفحص والتثبت من الطرق المعتبرة، کظواهر الالفاظ أو نقل الثقة أو الفاظ الرسالة العملیة مع الوثوق بصدورها وعلیه فلابد من اعتبار ألیة معتبرة للوصول إلی فتوی المجتهد فتشخیص العامی لفتوی المجتهد فی الشبهة الحکمیة لابد أن یکون أما بالیقین أو بالظن المعتبر...

نعم یمکن اعتبار مطلق الظن علی الانسداد إلا أنه لا یتصور الانسداد فی الفتاوی بالنسبة للعامی والانسدادی حینما قرر فقد خصه بالطرق الموصلة إلی أقوال المعصومین (علیهم السلام) لا فی أقوال الفقهاء إذ لا انسداد فیها فحتی علی القول بالانسداد تکون الطرق المعتبرة فی الوصول إلی فتوی المجتهد هی القطع والظن المعتبر لعدم انسداد الوصول إلی أقوال الفقهاء فلا وجه للاعتماد علی مطلق الظن، و هذا بخلافه فی الشبهات الموضوعیة لجواز الاعتماد علی الاصول العملیة بدون فحص.

ص:510

فهرس مطالب الکتاب

المسألة الثانیة والعشرون: الشروط المعتبرة فی تصدی المجتهد: 3

الشرط الأول: البلوغ ، وأدلته: 3

الدلیل الأول: حدیث رفع القلم وما فیه: 3

الدلیل الثانی : قاعدة سلب الارادة التامة عن الصبی: 5

قاعدة عمد الصبی خطأ: 6

الدلیل الثالث: قوله تعالی: (وَ ابْتَلُوا الْیَتامی ... ) 7

الشرط الثانی: العقل ، وأدلته: 8

1- حدیث الرفع: 8

2- الأدلة العقلائیة: 8

3- الرشد والکفاءة فی المرجعیة: 9

4- ادلة القضاء: 10

5- السیاسة التربویة فی الفتیا: 12

الشرط الثالث: الایمان وأدلته: 16

الدلیل الاول: الاخبار الواردة فی نصب الفقیه: 16

الدلیل الثانی: الاولویة القطعیة : 23

مقدار اعتبار تفسیر الامام العسکری * : 26

الشرط الرابع: اعبتار العدالة: 28

ملاحظة ودفعها: 30

ص:511

الشرط الخامس: الرجولة: 32

صلاحیات المرأة فی النظام الدینی: 32

الآیات والأخبار الدالة علی عدم تولی المرأة: 37

الآیات المستدل بها علی طوائف: 37

الطائفة الأولی: ما یدل علی ضعف المرأة ولیونتها: 37

إشکالیة استحقار الاسلام للمرأة: 39

النصوص الشرعیة فی مکانة المرأة 41

1- أنه أبو البنات، ومنزلة وفضل البیت الذی فیه بنات 42

2- وصیته (صلی الله علیه و آله) بالاحسان للأنثی وتقدیمها علی الابن : 43

3- قوله : «مبارکات» و «مؤنسات» و «ریحانة» 45

4- عظمة ادخال السرور علی المحارم: 47

5- البنات حسنة وجهات فضلهن علی الابناء: 47

6- عظمة کفالتهن: 48

7- حق المرأة کأم ومکانتها: 50

8- مکانة وشأن المرأة کزوجة وترک ضربها والعفو عن ذنبها: 54

9- استحباب اکرام الزوجة وترک ضربها: 56

الطائفة الثانیة من الآیات التی ذکرت أن المرأة عورة وآیات الحجاب:.................. 65

ص:512

مضامین أخبار النساء عی وعورة مضامین قرآنیة وبیان عدم کونه نقصا وازدراءا: 69

مسألة غلبة طابع الذکوریة فی القوانین الالهیة وعدم مساوة المرأة للرجل: 76

القول بتاریخیة القرآن: 78

القول الثانی: فی توجیه هذه الآیات القرآنیة التی تضع الفوارق بین الرجل والمرأة: 80

الطائفة الثالثة الآیة التی تجعل شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل: 82

الطائفة الرابعة: الآیات الدلالة علی ولایة الرجل علی المرأة : 84

تناسب طبیعة الأحکام مع الطبیعة التکونیة للمرأة والرجل: 87

الطائفة الخامسة الآیات الدالة علی أنهن نواقص حظوظ: 92

الطائفة السادسة: الآیات التی تعرض لملکة سبأ: 95

خلاصة ما تقدم من هذه الطوائف: 101

طوائف الاخبار: 104

الطائفة الأولی: الموافقة للطائفة الرابعة من الآیات الدالة علی ولایة الرجل علی المرأة : 105

أنها لا تتولی القضاء: 105

روایات ضعف المرأة المعبر عنها بالطائفة الأولی: 162

حسد المرأة وحق الزوج علیها: 165

مدارة المرأة: 166

قلة الصلاح فی المرأة: 170

ص:513

باب فی تأدیب النساء: 172

ترک طاعة النساء: 172

تکامل الرجل والمرأة بالآخر: 180

الطائفة الثالثة: ضعف الرأی: 181

الطائفة الثانیة: الآمرة بالحجاب: 189

ستر المرأة: 191

مصافحة النساء: 193

فی مبایعة النبی(صلی الله علیه و آله) للنساء: 194

الدخول علی النساء: 195

السلام علی النساء: 195

المیزان فی درجات حکم الاختلاط: 196

بعض الأدلة التی استدل بها علی ولایة المرأة: 198

1- منها: الاطلاقات: 198

2- منها: الأصل العملی: 199

3- منها: الأخبار الواردة: 200

4- منها: الاستدلال بآیة ملک بلقیس لقوم سبأ. 201

5- منها: الاستدلال بمواقف السیدة الزهراء (علیها السلام) . 202

6- منها: الاخبار الدالة علی تولی المراة هذه المناصب: 203

8- منها: الاستدلال بالسیرة: 209

ص:514

الشرط السادس: الحریة : 209

الشرط السابع: الاجتهاد المطلق: 210

القول الأول: اشتراط الاجتهاد المطلق: 210

القول الثانی: کفایة تقلید المتجزئ مطلقا: 210

أدلة القول الأول والثانی: 210

الدلیل الأول ظهور الأدلة فی اختصاصها بالمجتهد المطلق: 210

الدلیل الثانی: عدم شمول الدلیل لتقلید المتجزئ وما فیه: 211

الاشکال علی اختصاص الادلة بالمجتهد المطلق دون المتجزئ: 211

ارتباط القضاء بالفتوی: 213

ما استدل به للقول الثالث: 215

الشرط الثامن: الحیاة: 216

الشرط التاسع: الرجوع للأفضل : 218

الشرط العاشر: أن لا یکون متولداً من الزنی: 218

الشرط الحادی عشر: أن لا یکون مقبلا علی الدنیا: 219

اختلاف العدالة سعة وضیقاً باختلاف حجم المسؤولیة: 220

تنبیهات: 221

التنبیه الأول: فی اعتبار شروط الفقیه حدوثا وبقاء أو حدوثا فقط؟: 221

التنبیه الثانی: فی اختصاص منشأ اعتبار علم الفقیه خصوص الکتاب والسنة أو غیرهما... : 222

ص:515

التنبیه الثالث: شبهة العلمانین بوصف الفقیه بالعلم مع أنه ظان لا علم له...؟ : 224

الاجتهاد منهج علمی للحقیقة أم تراث ومنتج بشری: 224

حقیقة العدالة وما قیل فی تعریفها: 227

الفرق بین التعریفین الثالث والرابع: 228

تفسیر الفسق: 238

المتحصل من الوجوه فی تعریف العدالة وبیان المختار: 241

تاثیر الصغائر فی العدالة وعدمه والتحقیق فی أصل وجودها: 242

اشکال فی کلام المفسرین وجوابه: 244

شرطیة التوسل بالنبی(صلی الله علیه و آله) فی الغفران والتوبة: 245

اشکالان علی عدم تأثیر الصغائر فی العدالة وما فیهما: 246

الاستدلال بالاخبار : 248

اعتبار المروءة فی العدالة: 253

الدلیل الأول: أخذ المروءة فی مفهوم العدالة: 253

ضابطة حاکمیة العرف فی الموضوعات: 254

تطبیق بعض العناوین بید العرف أم بید الفقهاء ورجحان أو مرجوحیة منطقة المباحات: 256

الدلیل الثانی: الاخبار الدالة علی اعتبار المروءة: 260

مفاد الاخبار فی العلاقة بین المروءة والعدالة: 267

ص:516

خلاصة ما تقدم فی المسألة 23 أمور: 270

اعتبار حسن الظاهر فی العدالة: 271

بحث حس الظاهر فی مقامین: 272

المقام الأول: فی اعتبار المعاشرة فی حسن الظاهر أم لا؟ : 272

المقام الثانی: هل یعتبر فی حسن الظاهر افادته الظن أو الاطمئنان؟ 277

مناقشة السید الخوئی اعتباره کفایة حسن الظاهر فی ثبوت مرجع التقلید، وعدم اعتباره فی توثیق الرواة؟ 278

ثبوت العدالة بالبینة وخبر الواحد: 281

ثبوت العدالة بالشیاع: 282

الشیاع من مناشئ غیر مستقلة فی الحجیة وقیمة الخبر الضعیف: 283

منهج الحجیة الانضمامیة: 286

المسألة الرابعة والعشرون: اعتبار الشروط حدوثا وبقاءا أو حدوثا. 287

المسألة الخامسة والعشرون حکم التقلید بدون مراعاة الشروط: 288

المسألة السادسة والعشرون: البقاء علی المیت الذی لا یجوز البقاء . 290

المسألة السابعة والعشرون: وجوب تعلم اجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ومقدماتها. 292

کفایة العمل بالاحتیاط عن تعلم اجزاء العبادات وشرائطها... 293

الوجوه التی اشکل بها علی قیام الاحتیاط مقام التعلم : 293

الوجه الأول: أن الفراغ الیقینی یقتضی الفراغ الیقینی وجوابه: 294

الوجه الثانی: أن العلم التفصیلی مقدمة وجودیة للامتثال وجوابه: 294

ص:517

الوجه الثالث: عموم أدلة التعلم: 295

الوجه الرابع: عدم تحقق الامتثال والطاعة: 296

المسألة الثامنة والعشرون: وجوب تعلم مسائل السهو والشک وماذکره الشیخ الأعظم(قدس سره). 299

المسألة التاسعة والعشرون: وجوب التقلید فی الاحکام الالزامیة وغیر الالزامیة. 302

المسألة الثلاثون: الاتیان بالافعال غیر المحرمة مع احتمال الامر بها: 305

المسألة الحادیة والثلاثون: عدم جواز البقاء علی رأی المجتهد إذا تبدل. 306

المسألة الثانیة والثلاثون: العدول من الفتوی إلی الاحتیاط. 310

المسألة الثالثة والثلاثون: الوظیفة عند تساوی المجتهدین. 310

مسألة جواز التبعض فی التقلید: 311

الترجیح بالأعدلیة: 314

المسألة الرابعة والثلاثون: مسألة العدول إلی الأعلم. 315

المسألة الخامسة والثلاثون: 316

مسألة إذا قلد زیدا فبان عمراً وضوابط الفرق بین الداعی والتقیید وما فیها: 316

المسألة السادسة والثلاثون: طرق الوصول إلی الفتوی. 319

الطریق الأول: السماع: 319

ص:518

الطریق الثانی: البینة: 320

الطریق الثالث: اخبار الثقة: 320

تنبیه فی أن البحث المضمونی موضوع لبقیة الجهات التی تبحث فیه الخبر وثمرات ذلک: 321

الطریق الرابع: الکتابة المأمونة من الخطأ: 323

المسألة السابعة والثلاثون: من قلد من لیس أهلا ... وصحة أعماله. 323

المسألة الثامنة والثلاثون: العلم بانحصار الاعلمیة فی أحد الشخصین. 324

المسألة التاسعة والثلاثون: الشک فی زوال ما یعتبر فی مرجع التقلید. 325

المسألة الاربعون: عمل العامی بلا تقلید ولا احتیاط. 325

الفرق فی جریان البراءة بین القاصر والمقصر: 326

المسألة الحادیة والاربعون: صور الشک فی صحة التقلید بعد العمل. 328

الصورة الأولی. 328

الصورة الثانیة. 328

الصورة الثالثة: 331

المسألة الثانیة والاربعون: إذا قلد مجتهدا ثم شک فی توفر الشرائط. 333

المسألة الثالثة والاربعون: حرمة الافتاء والحکم القضائی ممن لیس أهلا للفتوی والقضاء. 333

التفصیل ببن افتاء الفاقد لشرطیة غیر العلم وبین غیره فیجوز للاول دون الثانی: 338

فرع فقهی: أخذ المال بحکم من لیس أهلا للفتوی: 346

ص:519

اعتبار عمر بن حنظلة وفتح باب الاجتهاد فی الرجال: 348

الإشکالات المطروحة علی صحیحة ابن حظلة 352

الإشکال الأول وجوابه: 352

الإشکال الثانی وجوابه: 352

الاشکال الثالث وجوابه: 354

الاشکال الرابع: بوجود المعاوض لمصححة ابن حنظلة وجوابه: 357

جواز الترافع عندهم والتصرف فی المال الشخصی... بانحصاره بذلک ویستدل علی ذلک بأمور: 361

الأمر الأول: دلالة الآیات والاخبار: 362

الأمر الثانی: ما ورد فی بیان کیفیة صیاغة الشهادة: 362

والأمر الثالث: قاعدة الحرج والضرر ... 365

المسألة الاربعة والاربعون: اشتراط العدالة فی المفتی والقاضی. 366

الطرق التی تثبت بها العدالة: 368

المسألة الخامسة والاربعون: الشک فی الاعمال السابقة عن تقلید صحیح ... 369

المسألة السادسة والاربعون: وجوب تقلید الأعلم فی مسألة تقلید الاعلم. 370

المسألة السابعة والاربعون: نقل الفتوی خطأ. 371

المسألة الثامنة والاربعون: الوظیفة عند الاشتباه فی نقل الفتوی. 371

ص:520

قاعدة حفظ الاحکام بإقامتها: 380

المسألة التاسعة والاربعون: حکم من احتاج إلی مسألة اثناء الصلاة. 382

المسألة الخمسون: وجوب الاحتیاط اثناء الفحص. 385

المسألة الحادیة والخمسون: عدم انقاطع الولایة والقیومیة لمن أعطی الولایة من الفقیه بموته. 386

الفرق بین منصب الفقیه وشخص الفقیه: 386

المسألة الثانیة والخمسون: البقاء علی تقلید المیت بدون تقلید. 388

المسألة الثالثة والخمسون: 389

المسألة الثالثة والخمسون: اجزاء التقلید الأول مع مخالفته للتقلید الثانی. 390

الاعتبار وسعة المعتبر: 392

المسألة الرابعة الخمسون: عمل الوکیل بمقتضی تقلیده أو تقلید الموکل. 395

المسألة الخامسة والخمسون: أختلاف البائع والمشتری تقلیدا فی صحة العقد وبطلانه: 399

المسألة السادسة الخمسون: تعین الحاکم بید المدعی إلا إذا کان ما اختاره المنکر أعلم: 401

الفرق بین قاضی التحکیم والقاضی التنصیب: 404

المسألة السابعة الخمسون: نقض حکم الحاکم: 406

الجهة الأولی: فی نقض الحکم القضائی وغیره: 406

ص:521

الجهة الثانیة: الفرق بین حرمة نقض حکم الحاکم وبین ترتیب آثار الواقع علیه: 406

الجهة الثالثة: جواز ترتیب آثار الواقع مع تبین الخطأ: 407

الجهة الرابعة: الخطأ تارة فی میزان الحکم وتارة فی نفس الحکم: 407

الجهة الخامسة: أن النقض تارة من الحاکم نفسه وتارة من حاکم غیره: 408

الأقوال فی المسألة متعددة: 408

القول الأول: التفصیل بین تبین الخطأ بنحو قطعی فیجوز وبغیره فلا یجوز: 408

حدود حرمة نقض الحکم فی نفسها: 421

القول الثانی: التفصیل فی حرمة النقض بین النقض المعلن وبین ترتیب آثار الواقع: 422

القول الثالث: التفصیل بین حرمة نقض الحکم فی مورد القضاء واقعا وظاهرا وبین ملازمات مورد القضاء: 423

القول الرابع: التفصیل بین حرمة النقض لو استحلف المدعی المنکر وبین غیره: 423

المسألة الثامنة والخمسون: وظیفة المکلف عند تبدل الفتوی بعد نقلها أو اشتباه الناقل. 435

المسألة التاسعة والخمسون: تعارض النقلین والبیّنتین للفتوی. 437

المسألة الستون: الوظیفة عند الابتلاء بمسألة لا یعلم حکمها. 439

ص:522

المسألة الحادیة والستون: إذا قلد مجتهدین بالترتیب فرجع لمن یوجب البقاء علی المیت أو جوازه فعلی من یرجع. 447

المسألة الثانیة والستون: التخییر فی البقاء علی تقلید المیت. 448

المسألة الثالثة والستون: التخیر بین العمل باحتیاط الأعلم والرجوع لغیره: 459

المسألة الرابعة والستون: الاحتیاط لزومی وندبی والفرق بین الفتوی بالاحتیاط والاحتیاط فی الفتوی: 459

المسألة الخامسة والستون: التخییر فی صورة تساوین المجتهدین. 462

المسألة السادسة والستون: تعذر تمییز موارد الاحتیاط. 464

المسألة السابعة الستون: التقلید فی أصول الدین و .... و ..... فی الموضوعات المستنبطة: 465

التقلید فی أصول الدین: 466

العقائد علی أقسام: 467

عدم وجوب الیقین فی تفاصیل العقائد یبحث فی مقامین: 470

الموضوعات الصرفة تارة مرتبطة بالفرد وتارة مرتبطة بالجهة العامة فیرجع فی الثانیة دون الأولی: 473

الموضوعات المستنبطة: 473

والموضوعات المستنبطة اللغویة غیر الصرفة علی قسمین: 474

حجیة أهل الخبرة عام للحسیات والحدسیات أو خاص بالحسیات: 477

مشکلة توثیقات الرجالیین فیها الحسی والحدسی، وتخریج ذلک: 479

ص:523

ما تلخص من حسیة توثیقات الرجالیین: 482

التقلید فی أصول الفقه وعلم الکلام وغیرهما: 483

عدم اختصاص الموضوعات المستنبطة بالاستنباط الفقهی: 485

المسألة الثامنة والستون: عدم اعتبار الاعلمیة فی الولایة علی القصر مثلا والامور الحسبیة وغیرها من الامور الراجعة للمجتهد.... 486

بیان مباشرة الامام الحجة (علیهم السلام) شؤون البشریة عامة: 487

تبعیة نیابة الفقیه لولایة المعصوم(علیه السلام) وحدودها: 492

الآیات الدالة علی نیابة الفقیه: 494

القرائن الدالة علی التبعیة. 495

الروایات الدالة علی نیابة الفقیه: 497

المسألة التاسعة والستون: إذا تبدل رأی المجتهد هل یجب علیه إعلام المقلدین أم لا ؟ 505

المسألة السبعون: لا یجوز للعامی اجراء الاصول فی الشبهات الحکمیة . 505

المسألة الحادیة والسبعون: عدم جواز تقلید المجتهد إلا باحراز عدالته والمعرفة بحاله... 508

المسألة الثالثة والسبعون: عدم کفایة مطلق الظن بالفتوی 509

*****

ص:524

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.