بحوث فی القواعد الفقهیه المجلد 1

اشارة

سرشناسه:سند، محمد، 1962- م.

عنوان و نام پدیدآور:بحوث فی القواعد الفقهیه [کتاب]: تقریرات محمدالسند/ بقلم مشتاق الساعدی.

مشخصات نشر:قم: موسسه محکمات الثقلین؛ تهران: نشر صادق، 13 -

مشخصات ظاهری:5ج.

شابک:978-600-5215-35-9

یادداشت:عربی.

یادداشت:فهرستنویسی بر اساس جلد چهارم، 1437ق.= 2016م.= 1395.

یادداشت:کتاب حاضر بر اساس تقریرات محمد السند نوشته شده است.

موضوع:فقه -- قواعد

موضوع:Islamic law -- *Formulae

موضوع:اصول فقه شیعه

شناسه افزوده:ساعدی، مشتاق

رده بندی کنگره:BP169/5/س9ب3 1300ی

رده بندی دیویی:297/324

شماره کتابشناسی ملی:4803290

ص :1

اشارة

ص :2

بحوث فی القواعد الفقهیه المجلد 1

تقریرات محمدالسند

بقلم مشتاق الساعدی

ص :3

ص :4

ص :5

ص :6

توطئة

الحمد لله الأول بلا أول کان قبله والآخر بلا آخر یکون بعده، والصلاة والسلام علی خیر من وطأ الحصی واشرف من أظلته السماء محمد بن عبد الله المصطفی وعلی اله الأطهار خزان العلم ومنتهی الحلم .

هذه مجموعة من القواعد الفقهیة التی أنتجها الفکر الوقاد لسماحة الشیخ الأستاذ أیة الله محمد السند(دام ظله) فی أبحاث خارج الفقه والأصول ,والتی تمیزت بطابع التجدید والتحقیق کما عودنا الشیخ فی أکثر أبحاثه ومؤلفاته ,نطرحها بین یدی العلماء والباحثین والمتخصصین للارتشاف من نهل عذبها والتزود من دقیق أبحاثها راجین من الله جل جلاله القبول من سماحة الشیخ ومنا انه ولی التوفیق والتسدید.

وهذا الکتاب عبارة عن سلسلة فی القواعد الفقهیة سمیناه (بحوث فی القواعد الفقهیة) وقد بحث سماحة الشیخ الأستاذ فی هذا المجلد وهو (الجزء الأول) ثمانی عشرة قاعدة من هذه السلسلة نسأل الله تعالی ا تمامها.

والقواعد فی هذا الجزء هی:

1- قاعدة سوق المسلمین.

ص:7

2- قاعدة التقیة.

3- قاعدة الإمکان فی الحیض .

4- قاعدة حرمة إهانة المقدسات.

5- قاعدة نجاسة کل مسکر.

6- قاعدة الأصل فی الأموال الاحتیاط.

7- قاعدة إخبار ذی الید.

8- قاعدة الإقرار بحق مشاع.

9- قاعدة حق الله وحق الناس.

10- قاعدة فی المیتة.

11- قاعدة فی انفعال الماء القلیل.

12- قاعدة کل کافر نجس.

13 - قاعدة الإیمان والکفر.

14- قاعدة تکلیف الکفار بالفروع.

15- قاعدة التبعیة.

16- قاعدة فی عبادة الکافر والمخالف.

17- قاعدة عموم ولایة الأرحام.

18- قاعدة أصالة عدم التذکیة.

و آخِرُ دَعْواناْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمین

الشیخ مشتاق ألساعدی

النجف الاشرف/غرة محرم 1432

ص:8

مقدمة

الحمد لله رب العالمین، حمداً کثیراً أستتم به النعم وأستدفع به النقم، والصلاة والسلام علی خیر الأنام محمد المصطفی وآله الأطهار الکرام.

وقع الکلام بین الأعلام فی إبراز الضابط الموضوعی للتمییز بین القاعدة الفقهیة والأصولیة، لذا نشأت نظریات عدة فی ذلک، لعل أهمها:

النظریة الأولی: إن القاعدة الأصولیة علاقتها مع النتیجة علاقة استنباطیة بمعنی الاستکشاف والإثبات، وناظرة إلی الحکم الأولی الواقعی، بخلاف القاعدة الفقهیة فإن علاقتها مع النتیجة الفقهیة فی الاستدلال علاقة التطبیق المحض.

النظریة الثانیة: إن القاعدة الأصولیة سنخ الحکم فیها لیس حکماً فقهیاً مرتبطاً بعمل المکلف وإنما بعمل المجتهد، بخلاف القاعدة الفقهیة فإن الحکم فیها مرتبط بعمل المکلف.

النظریة الثالثة: إن الحکم والمحمول فی القاعدة الأصولیة حکم ظاهری استطراقی، بینما القاعدة الفقهیة سنخ الحکم فیها حکماً واقعیاً أولیاً.

النظریة الرابعة: إن القاعدة الأصولیة لا تختص بباب فقهی بحال من

ص:9

الأحوال، أما القاعدة الفقهیة فقد تختص فی بعض أمثلتها ببعض الأبواب الفقهیة، وإن اختلفت القاعدة الفقهیة عن المسألة الفقهیة من جهة عدم اختصاص القاعدة بمسألة فقهیة واحدة، بل تعم الکثیر من المسائل الفقهیة، بل فی کثیر من القواعد الفقهیة تعم أبواب فقهیة متعددة فضلا عن بعض المسائل.

النظریة الخامسة: إن القاعدة الأصولیة شأنها الجریان فی الشبهات الحکمیة بخلاف القاعدة الفقهیة فشأنها الجریان فی الشبهات الموضوعیة.

إلی غیر ذلک من الفوارق التی یجدها المتتبع فی کتب الأصول، علماً أن بعض الفوارق ترجع روحاً وجوهراً إلی تلک الفوارق المتقدمة فلاحظ.

بل إن تلک الفوارق المتقدمة ترجع إلی اختلاف الحیثیة التی تتمیز بها مسائل علم الأصول عن الحیثیة التی تمتاز بها مسائل علم القواعد الفقهیة.

وقد ذکر أستاذنا الشیخ السند (دام ظله) فی مواطن کثیرة من بحث خارج الأصول أن هناک ظاهرة ملفتة للنظر وهی وجود قواعد فقهیة تجری فی علوم ومعارف عقدیة کعلم الکلام وغیره، کما تجری فی أصول الفقه وفی علم الفقه، ومثل لذلک بقاعدة (لا ضرر) فقد استدل بها علماء الکلام علی أصل لزوم الفحص عن معرفة الله تعالی ومن ثم لزوم الإیمان به، وکذلک استدل بها علماء الأصول فی مقدمات حجیة الظن ألانسدادی ومنجزیة العلم الإجمالی ومسألة الملازمة بین حکم العقل وحکم الشرع وغیرها من المسائل، وأما استدلال الفقهاء بها فظاهر للعیان.

وکذلک قاعدة (العدل والإنصاف) فإن جذور هذه القاعدة یرجع إلی (حسن العدل وقبح الظلم) وقد استدل بها فی علوم مختلفة سواء علوم عقدیة أو عملیة.

ص:10

وکذلک قاعدة (لا تنقض الیقین بالشک بل انقضه بیقین آخر) فإن المتکلمین استدلوا بهذه القاعدة فی موارد عدیدة من مسائل العقیدة، کما استدل بها فی مسائل نظریة المعرفة لدفع شبهات السوفسطائیین. وکذلک استدل بها فی مسائل النبوة والإمامة والمعاد. وإن المحکم لا یرفع الید عنه بالتشابه.

وأما استدلال علماء أصول الفقه بها فظاهر فی باب الاستصحاب. وکذلک استدلال بها علی مسائل الفقه ظاهر إذ جعلوها کقاعدة فقهیة فی الشبهات الموضوعیة.

بل إن جملة من القواعد الأصولیة لوحظ أنها عملت فی الشبهات الموضوعیة بمثابة قواعد أو وظائف عملیة، کما فی قاعدة (دفع المفسدة أولی من جلب المصلحة).

إلی غیر ذلک من الأمثلة التی یجدها المتتبع للقواعد الکلامیة والحکمیة ومدی اشتراکها مع قواعد الفقه والأصول.

وحینئذٍ یتساءل ما هو الجامع فی معنی کل قاعدة من تلک القواعد المتوفر فیها حیثیّات علوم عدیدة.

فهل هناک وحدة ماهویة لها أو وحدة عنوانیة مع تباین الماهیات بحسب الموارد أو شیء آخر.

لاسیما وأن المعروف فی نظام العلوم وترتیبها أن علوم المعارف اسبق رتبة من علم الفقه والأحکام الفرعیة العملیة وعلومه المقدمیة.

کما أن هناک ظاهرة أخری تسترعی الانتباه وهی أن الأدلة الواردة فی القواعد الفقهیة قد یستفاد منها من العنوان الواحد فی لسانها سنخان من القواعد.

ص:11

فیلتزم بأن قاعدة ( لا حرج) مثلاً حکمة للتشریع وهذا نمط من ضابطة القاعدة کحدود لتشریع الأحکام، وکذلک یستفاد منها کقاعدة رافعة للأحکام التکلیفیة.

وقد فصل الشیخ الأستاذ الکلام فی ذلک حول قاعدة (لا حرج) فی کتابه (ملکیة الدولة الوضعیة) وبین أن هذه القاعدة وقاعدة (لا ضرر) علی نمطین ولسانین وسیأتی فی جزء لاحق إن شاء الله بیان ذلک تفصیلاً.

فإن قاعدة (لا ضرر) کذلک یستفاد منها أنها حکمة فی التشریع من جهة وأنها رافعة للتکالیف من جهة أخری.

وکذلک یلحظ ذلک فی قاعدة (البراءة) وکون الناس فی سعة مما لا یعلمون فإنها فی حین کونها رافعة للتکالیف، استدل بها الأصولیون فی مقدمات الانسداد بما أن مفادها محدد لفلسفة التشریع والجعل لا محدد للمجعول فقط.

إلی غیر ذلک من الأمثلة التی فیها تعدد سنخ القاعدة الواحدة إلی سنخین أو أکثر.

وربما ألجأت هذه الظاهرة جماعة کثیرة إلی تقریب التعارض بین ألسن الأدلة وترجیح أحد الوجهین علی الآخر مع أن الصحیح الموافق للمرتکز عند الکثیر - ولو بحسب ارتکازهم وسیرتهم فی الاستدلال لا بحسب تصریحاتهم وبلورتهم - عدم التنافی بین ذلک.

فلا بد من دراسة هاتین الظاهرتین ونظیرهما من الظواهر للوقوف علی حقیقة الحال.

وهناک ظاهرة ثالثة ایضا فی علم الأصول لطالما أشار إلیها الشیخ الأستاذ فی أبحاث الأصول، وهی وجود مسائل وقواعد أصولیة نظیر

ص:12

المسائل العقلیة الخمسة غیر المستقلة ونظیر قاعدة الملازمة بین حکم العقل والشرع، وکذلک بعض المسائل التی ذکرها صاحب الکفایة قبل مبحث الأوامر من قبیل بحث الصحیح والأعم وبحث المشتق. وکذلک مباحث مقدمات الانسداد وغیرها مما یجده المتتبع من المسائل التی حکموا بأنها من مسائل علم الأصول، إلا أن توسطها ککبری أصولیة للنتیجة لیس علی نمط الاستنباط الاستکشافی والاثباتی، بل بسنخ آخر من الاستنباط هو استخراج النتیجة التفصیلیة وتولیدها من حکم محمول الکبری الإجمالی، فنسبة القاعدة الأصولیة إلی النتیجة الفقهیة من قبیل نسبة المدمج الإجمالی إلی المفصل التفصیلی المتولد من ذلک المعنی المبهم کطی التفاصیل مجموعاً فی المعنی العام، لا کطی الأفراد جمیعاً فی المعنی الکلی الذی هو حقیقة التطبیق فی القواعد الفقهیة، بل هی تولد التفاصیل وتکثرها من المعنی الواحد البسیط، نظیر تولد معنی الجوهر الجسمانی النامی الحساس المتحرک بالإرادة الناطق المدرک للکلیات من معنی وحدانی بسیط مبهم صورةً هو الإنسان.

ونظیر تولد القوانین فی المجالس البرلمانیة (النیابیة) المتکاثرة التفصیلیة من قانون واحد دستوری، وتولد القوانین الوزاریة الکثیرة التفصیلیة من قانون نیابی واحد، وهکذا تولد القوانین فی البلدیة فی المحافظات والأقضیة من قانون وزاری واحد.

فإذا قسنا - فی نهایة المطاف - کیفیة تولد آلاف القوانین البلدیة والنیابیة والوزاریة من الدستور التفتنا إلی أن النسبة الاستنباطیة بین جملة من القواعد الأصولیة والنتائج الفقهیة لیست نسبة الاستنباط بمعنی الاستکشاف ولا نسبة التطبیق کما فی القواعد الفقهیة، وإنما هی نسبة

ص:13

الاستنباط الاستخراجی التولیدی الانشعابی التشجیری التفریعی من الأصل الواحد.

ومن هنا فالصحیح فی تعریف علم الأصول، لیس هو البحث عن دلیلیة الدلیل فقط، فإن هذا النصف المشاع الأول من هذا العلم، والنصف المشاع الثانی هو قواعد ممهدة لاستنباط الحکم الشرعی بنحو التولید والاستخراج.

فیکون التعریف الصحیح هو الجامع للسنخین من هذه القواعد وهما سنخ الاستنباط الاستکشافی الاثباتی وسنخ الاستنباط الاستخراجی التولیدی الثبوتی.

وبذلک تتضح العلاقة بین القاعدة الواحدة التی تجری تارة فی علم الکلام کقاعدة (لا ضرر) وتجری تارة فی علم الأصول وأخری فی علم الفقه.

فإنها بمثابة طبقات من أصل واحد تتوالد کل طبقة کنتیجة من الأخری بنحو الاستخراج المفصل من المجمل المدمج.

وعلی ضوء ذلک لابد من الالتفات إلی أن القاعدة الفقهیة وإن کانت علی تماس من العمل والانطباق والتطبیق علی الموارد العملیة للمکلف إلا أن لها أصلاً منحدرة منه، أصولیاً أو معرفیاً وهذا یلح علینا بشدة لدراسة علم أصول الأحکام المعبر عنه بالمبادی الاحکامیة وعند علماء القانون الوضعی ب--(علم أصول القانون) الذی اکتُشِفَ عندهم أخیراً ولا زال فی بدایاته من دون تنقیح.

وهذا یختلف عن علم القواعد الفقهیة، لکنه ضروری له، لأنه یرسم منظومة العلاقات الرابطة بین القاعدة الفقهیة والأصل الفوقی.

ص:14

وهذا منحی جدید فی علم القواعد الفقهیة یعطینا قراءة عمیقة للقاعدة الفقهیة من خلال ربطها بفلسفة التشریع ومقاصد التشریع وروحها. وینقح ضبط حدود القاعدة وآثارها وطبیعة علاقتها مع قاعدة فقهیة أخری.

هذا تمام ما أردنا ذکره فی المقدمة.

والحمد لله رب العالمین وصلی الله علی محمد وآله الطاهرین.

مشتاق الساعدی

النجف الأشرف

غرة محرم الحرام/1432ه--

ص:15

ص:16

قاعدة سوق المسلمین وأرضهم

اشارة

ص:17

ص:18

من قواعد باب الأطعمة والأشربة قاعدة سوق المسلمین وأرضهم

مفاد القاعدة:

ما یؤخذ من ید المسلم من لحم أو شحم مشکوک التذکیة محکوم بالطهارة ظاهرا بلا خلاف ظاهر فی الجملة .

وذهب الشیخ والفاضل والکرکی(1) إلی التقیید بغیر المستحل للمیتة بالدبغ، والشهید إلی التقیید بالإخبار فی المستحل(2)، وفی مقابل ذلک ذهب صاحب المدارک(3) وجماعة إلی کون الأصل عند الشک هو جواز الاستعمال حتی یعلم کونه میتة، لدلالة بعض النصوص أو لعدم جریان استصحاب عدم التذکیة.

ومقتضی القاعدة استصحاب عدم التذکیة(4)، ویترتب علیه أحکام المیتة، وأما الأمارات المثبتة للتذکیة فهی ید المسلم وسوق المسلمین

ص:19


1- (1) جواهر الکلام، ج36، ص138.
2- (2) الشهید الأول فی الذکری، ج3، ص29.
3- (3) مدارک الأحکام، ج2، ص387، وج3، ص385، طبعة آل البیت.
4- (4) سند العروة الوثقی - کتاب الطهارة - ج1، ص413،للشیخ الأستاذ محمد السند، قاعدة أصالة عدم التذکیة.

وأرضهم وهل هی فی عرض واحد أوطولیة، خلاف بینهم ذهب بعض المحققین منهم السید الخوئی(1) والسید البجنوردی(2) والسید الصدر(3) إلی أن اماریة السوق فی طول ید المسلم بمعنی أن السوق أمارة کاشفه عن ید المسلم وید المسلم هی أمارة التذکیة،فالسوق أمارة علی الامارة. وذهب بعض آخر(4) إلی کونها أمارة فی عرض أمارة الید.

وتحقیق الحال یتضح من خلال عرض أدلة القاعدة.

أدلة القاعدة:

استدل الفقهاء بعدة أدلة علی هذه القاعدة، منها الإجماع بین المسلمین، والسیرة المتشرعیة، ودلیل حفظ النظام. والکل کما تری.

والعمدة من الأدلة هی الأخبار وهی علی طوائف:

الطائفة الأولی: ما تدل علی أن الأصل التذکیة ما لم یعلم أنه میتة.

1. موثقة سماعة بن مهران انه سأل أبا عبدالله(علیه السلام) عن تقلید السیف فی الصلاة وفیه الفراء (الغرا) والکیمخت؟ فقال: لا بأس ما لم تعلم انه میتة(5).

ص:20


1- (1) التنقیح فی شرح العروة الوثقی - کتاب الطهارة المجلد الثانی، ص452، من موسوعة السید الخوئی(قدس سره)، تقریرات المیرزا الشهید الشیخ علی الغروی(قدس سره).
2- (2) القواعد الفقهیة للسید البجنوردی، ج4، ص160، الطبعة المحققة بتحقیق المهریزی والدرایتی.
3- (3) بحوث فی شرح العروة الوثقی، ج3، ص177، للسید الشهید محمد باقر الصدر(قدس سره).
4- (4) کما یظهر من السید الخمینی فی کتاب الطهارة، ج4، ص251، والسید الکلبایکانی فی تعلقیات العروة ج1، ص126، طبعة جماعة المدرسین
5- (5) وسائل الشیعة، ج3، ص493، باب من ابواب النجاسات، ح11، طبعة آل البیت.

والکیمخت کما فی بعض کتب(1) اللغة جلد الفرس أو الحمار المدبوغ مقابل الفرا، وهو یناسب المقابلة فی الروایة أیضا.

وفی مجمع البحرین(2) (بالفتح والسکون وفسّر بجلد المیتة المملوح وقیل هو الصاغری المشهور) والثانی هوالذی ذکرناه أولا، ولعل المتعارف فی جلود الدواب أخذها مما ماتت إذ لا یتعارف ذبحها للأکل فیکون المعنی واحداً. وسیأتی تفسیره من قبل السائل أیضا فی روایة البطائنی.

2. معتبرة ألسکونی عن أبی عبد الله(علیه السلام) أن أمیر المؤمنین(علیه السلام) سئل عن سفرة وجدت فی الطریق مطروحة کثیر لحمها وخبزها وجبنها وبیضها وفیها سکّین، فقال أمیر المؤمنین(علیه السلام): یقوّم ما فیها ثمّ یؤکل، لأنه یفسد ولیس له بقاء، فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن، قیل له یا أمیر المؤمنین(علیه السلام) لا یدری سفرة مسلم أم سفرة مجوسی؟ فقال: هم فی سعة حتی یعلموا(3).

حیث أن فرض السؤال هو تردد اللحم بین المذکی والمیتة.

3. روایة علی بن أبی حمزة البطائنی أن رجلا سأل أبا عبد الله(علیه السلام) - وأنا عنده - عن الرجل یتقلّد السیف ویصلّی فیه؟ قال: نعم، فقال الرجل: إن فیه الکیمخت قال:

وما الکیمخت؟ قال: جلود دواب منه ما یکون ذکیا، ومنه ما یکون میتة، فقال: ما علمت انه میتة فلا تصلّ فیه(4).

4. صحیحة جعفر بن محمد بن یونس الأحول أن أباه کتب إلی أبی

ص:21


1- (1) فرهنک فارسی عمید.
2- (2) مجمع البحرین، ج2، ص441، للعلامة الطریحی.
3- (3) وسائل الشیعة ج3، ص493، باب50 من أبواب النجاسات ح11. طبعة آل البیت.
4- (4) المصدر ح4.

الحسن(علیه السلام) یسأله عن الفرووالخف، ألبسه وأصلی فیه ولا أعلم انه ذکی؟ فکتب: لا بأس به(1).

وغیرها من الروایات إلا أنها أضعف ظهورا منها مع کونها فی موارد وجود الإمارات من السوق أوالید أو أثر الاستعمال الدال علی التذکیة وإن عدّت فی بعض الکلمات من الروایات المطلقة لکن سیأتی ضعفه.

الطائفة الثانیة: ما تدل علی أن الأصل عند الشک عدم التذکیة إلا أن تحرز:

1. موثقة ابن بکیر (... فان کان مما یؤکل لحمه فالصلاة فی وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وکل شیء منه جائز إذا علمت انه ذکی قد ذکّاه الذبح...)(2).

وکذا ما ورد(3) من لزوم العلم باستناد الموت فی الحیوان إلی سبب التذکیة من آلة صید أو ذبح، والبناء علی حرمة الأکل عند التردد فی استناده إلی السبب المحلل أو إلی غیره.

وأشکل: علی هذه الطائفة من الروایات أن مفادها البناء علی حرمة الأکل فی المشکوک وعدم جواز الصلاة ولیس هو البناء علی مطلق آثار المیتة حتی النجاسة(4).

وفیه: انه قد ذکرنا أن وجه عدم جواز الصلاة فی غیر المذکی هو النجاسة، وإن کان المراد التفرقة بین حرمة الأکل والأثرین الآخرین فمآله

ص:22


1- (1) المصدر ح4، ص456، باب 55، من ابواب لباس المصلی ح4، طبعة آل البیت.
2- (2) وسائل الشیعة ج4، ص345، باب2 من أبواب لباس المصلی ح1. طبعة آل البیت.
3- (3) الوسائل ابواب الصید، باب 14، 16، 18، 19.
4- (4) کتاب الطهارة، ج3، ص530، للسید الخمینی (قدس سره).

إلی أصالة الحرمة فی اللحوم فیکون أصلا حکمیا خاصا باللحوم وهوخلاف المنساق من الروایات من کونها من التعبد بالعدم فی الموضوع.

2. مصحح محمد بن الحسین الأشعری قال: کتب بعض أصحابنا إلی أبی جعفر الثانی(علیه السلام): ما تقول فی الفرو یشتری من السوق؟ فقال: (إذا کان مضمونا فلا بأس)(1) بتقریب دلالتها بالمفهوم علی ثبوت البأس بانتفاء الأمارة وهو إخبار ذی الید أو الثقة الذی هو معنی الضمان المذکور، إذ هو المناسب للطهارة لا الضمان المعاملی، فظاهرها دال علی ما ذهب إلیه الشهید - کما مر - من لزوم الإخبار وإن خصصها بالمستحل بمقتضی حجیة بعض الأمارات.

3. صحیح الحلبی عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: تکره الصلاة فی الفراء إلا ما صنع فی أرض الحجاز أوما علمت منه ذکاة(2).

والکراهة فی استعمال الروایات بمعنی الحرمة ما لم تقم قرینة علی الخلاف،

ومورد عموم المستثنی منه هو عند عدم العلم وانتفاء الأمارة، وظاهرها دال أیضا علی ما ذهب الیه الشیخ - کما مر - وجماعة من عدم حجیة ید المستحل کسوق العراق فی عصر الصدور.

4. روایة أبی بصیر قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الصلاة فی الفراء؟ فقال: کان علی بن الحسین(علیه السلام) رجلا صردا، لا یدفئه فراء الحجاز، لأن دباغها بالقرظ، فکان یبعث إلی العراق فیؤتی مما قبلکم

ص:23


1- (1) الوسائل، ج3، ص493، باب50 من أبواب النجاسات ح1. طبعة آل البیت.
2- (2) الوسائل، ج4، ص462، باب61 من أبواب لباس المصلی، ح1.

بالفرو، فیلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقی القمیص الذی یلیه، فکان یسأل عن ذلک؟ فقال: إن أهل العراق یستحلّون لباس الجلود المیتة، ویزعمون أن دباغه ذکاته(1).

وهی دالة علی ثبوت المانعیة الظاهریة والنجاسة بإلقائه(علیه السلام) إیاه والقمیص الذی یلیه عند الشک إذ المجلوب من العراق حینئذ غایة الحال فیه هو الشک أو الظن بعدم وقوع الذکاة علیه.

نعم یحتمل ان وجه إلقاء القمیص الذی یلیه لا للنجاسة بملاقاة الفرو بل لحمل القمیص أجزاء صغارا من الفرو إلا أنه تقدم أن وجه مانعیة غیر المذکی هو النجاسة.

وهی أیضا دالة علی عدم حجیة ید المستحل للمیتة، ولیس فی الروایة ما یدل علی وقوع الشراء وصحته المتوقفة علی التذکیة کی تکون دالة علی حجیة ید المستحل علی التذکیة مع رجحان الاحتیاط والاجتناب، اذ بعثه(علیه السلام) الی العراق لعله بالبذل فی مقابل رفع الید وحق الاختصاص، مع أن الصحیح جواز شراء المیتة بلحاظ المنافع المحللة کما أثبتنا فی کتاب البیع، وکذا الانتفاع بها.

مع أن اللازم التفکیک فی الاحتیاط بین الصلاة والاستعمال المجرد الذی هو متعلق الحرمة التکلیفیة علی القول بحرمة الانتفاع.

نعم الوجه فی تخصیص المشکوک بالمجلوب من العراق مع أن حکم المشکوک مطلقا واحد، هو الترکیز علی خطاء فهمهم للحدیث النبوی الوارد فی الشاة المهزولة لئلا تسری سنتهم الباطلة فی الأذهان، لاسیما فی

ص:24


1- (1) المصدر، ح2.

الخاصة، وإلا فبقیة الشروط المعتبرة فی التذکیة فیها ما هو معتبر مطلقا وان کان الذابح جاهلا بالحکم، ویشیر الی ذلک تعدد الروایات الواردة فی تخطئتهم فی معنی الحدیث النبوی.

الطائفة الثالثة: ما تدل علی البناء علی التذکیة فی المأخوذ من سوق المسلمین أو أرضهم أو ید المسلم:

1. صحیح الحلبی قالت: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الخفاف التی تباع فی السوق؟ فقال: اشتر وصلّ فیها حتی تعلم انه میت بعینه(1).

2. صحیح ابن أبی نصر قال: سألته عن الرجل یأتی السوق فیشتری جبة فرا لا یدری أذکیة هی أم غیر ذکیة أیصلی فیها؟ فقال: نعم، لیس علیکم المسألة، إن أبا جعفر(علیه السلام) کان یقول: إن الخوارج ضیّقوا علی أنفسهم بجهالتهم، إن الدین أوسع من ذلک(2).

3. ومثله صحیحه الآخر فی الخف(3).

4. ومثلهما روایة الحسن بن الجهم وفیها قول الراوی (إنی أضیق من هذا، قال(علیه السلام): أترغب عما کان أبو الحسن(علیه السلام) یفعله)(4).

5. معتبرة أبی الجارود قال: سألت أبا جعفر عن الجبن فقلت له: أخبرنی من رأی انه یجعل فیه المیتة؟ فقال: (... إذا علمت انه میتة فلا تأکله، وان لم تعلم فاشتر وبع وکل، واللهإنی لاعترض السوق فاشتری بها اللحم والسمن والجبن والله ما أظن کلهم یسمّون هذه البربر وهذه

ص:25


1- (1) وسائل الشیعة، ج3، ص490، باب50 من أبواب النجاسات ح2. طبعة آل البیت.
2- (2) المصدر، ح3.
3- (3) المصدر، ح6.
4- (4) المصدر، ح9.

السودان)(1).

6. موثق إسحاق بن عمار عن العبد الصالح(علیه السلام) انه قال: لا بأس بالصلاة فی الفرا الیمانی، وفیما صنع فی أرض الإسلام، قلت: فإن کان فیها غیر أهل الإسلام؟ قال: إذا کان الغالب علیها المسلمین فلا بأس(2).

والغالب إما بمعنی الکثرة کما هو مناسب فرض السؤال أو بمعنی القهر والخضوع لحکم المسلمین علی احتمال إذ فرض السؤال هو البلاد الخاضعة لحکم الإسلام حیث إن الضمیر عائد لذلک.

ودعوی: أن هذه الروایات مطلقة عند الشک وأن ذکر السوق فی السؤال کمورد حیث أن البناء علی التذکیة فی الجواب هو لمجرد عدم العلم)(3).

ضعیفة: بعد صلاحیة السوق للاماریة، غایة الأمر هی أمارة فعلیة بمنزلة الأصل العملی المحرز، ولذلک یذکر فیها العلم بالخلاف کغایة.

7. روایة عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): إنی أدخل سوق المسلمین ... اعنی هذا الخلق الذین یدّعون الإسلام- فأشتری منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها: ألیس هی ذکیة؟ فیقول: بلی، فهل یصلح لی أن أبیعها علی أنها ذکیة، فقال: لا، ولکن لا بأس أن تبیعها وتقول قد شرط لی الذی اشتریتها منه أنها ذکیة، قلت: وما أفسد ذلک؟ قال: استحلال أهل العراق للمیتة وزعموا أن دباغ جلد المیتة ذکاته،

ص:26


1- (1) المصدر، ج25، ص119، باب 61 من أبواب الأطعمة المباحة، ح1، طبعة آل البیت.
2- (2) وسائل الشیعة، ج3، ص491، باب50 من أبواب النجاسات ح5.
3- (3) کتاب الطهارة، للسید الخمینی (قدس سره)، ج3، ص535.

ثمّ لم یرضوا أن یکذبوا فی ذلک إلا علی رسول الله صلی الله علیه و آله (1).

8. صحیح الفضلاء أنهم سألوا أبا جعفر(علیه السلام) عن شراء اللحوم من الأسواق ولا یدری ما صنع القصابون فقال: کل إذا کان ذلک فی سوق المسلمین ولا تسأل عنه(2).

الصحیح إلی إسماعیل بن عیسی قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن الجلود الفرا یشتریها الرجل فی سوق من أسواق الجبل، أیسأل عن ذکاته إذا کان البائع مسلما غیر عارف؟ قال: علیکم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأیتموهم المشرکین یبیعون ذلک، وإذا رأیتم یصلّون فیه فلا تسألوا عنه(3).

وفی الفقیه(4) سأل (إسماعیل بن عیسی) والطریق حینئذ أیضا مشتمل علی (إسماعیل بن عیسی) کما لا یخفی وهو وان لم یوثق إلا انه روی عنه إبراهیم بن هاشم ومحمد بن علی بن محبوب وأحمد بن محمد بن عیسی عن أبنه سعد عنه، وفی کتاب الحدود من الکافی فی باب النوادر عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد فی مسائل إسماعیل بن عیسی عن الأخیر(علیه السلام) وفیه نحو إشارة إلی معروفیته وکونه معتمدا وصاحب مسائل معروفة کما ذکره الوحید فی تعلیقته هذا مع عمل مشهور القدماء بها.

وهی دالة علی حجیة السوق للمسلمین بالمفهوم أی فی فرض عدم

ص:27


1- (1) وسائل الشیعة، ج3، ص503، باب61 من أبواب النجاسات 4.
2- (2) المصدر، ج24، ص70، باب 29 من ابواب الذبائح، ح1. طبیعة آل البیت.
3- (3) وسائل الشیعة، ج3، ص492، باب50 من أبواب النجاسات ح7.
4- (4) الفقیه للشیخ الصدوق، ج1، ص258، الروایة رقم (792) (وسأل إسماعیل بن عیسی ابا الحسن الرضا(علیه السلام) عن الجلود والفراء یشتریه الرجل فی سوق من اسواق الجبل، أیسأل عن ذکاته إذا کان البائع مسلماً غیر عارف، قال(علیه السلام): علیکم ان تسالوا عنه إذا رأیتم المشرکین یبیعون ذلک، وإذا رأیتموهم یصلون فلا تسالوا عنه.

بیع المشرکین، کما أنها دالة علی حجیة ید المسلم وإخبار ذی الید بالمنطوق فی فرض عدم سوق المسلمین أی فرض بیع المشرکین.

وتقریب ذلک أن الراوی فرض أن البائع هو المسلم غیر العارف لا المشرک أو المشرکون، وتفصیل الجواب هو فی نفس الفرض حیث أن التعبیر عن المشرکین البائعین بالجمع للدلالة علی انتفاء سوق المسلمین وأنها سوق مشترکة بینهم وبین المشرکین أو أن الغالب فیها هم المشرکون.

فحینئذ لزم السؤال من البائع أو الاکتفاء بالاستعمال منه الکاشف عن التذکیة، ونکتة لزوم السؤال أو الاستعمال الکاشف کالصلاة فیه هو إما اماریة سوق المشرکین علی عدم التذکیة، فلا بد من قیام أمارة أقوی علی التذکیة فتکون الروایة دالة علی کل ذلک، واما أن وضع الید بمجردها لیس أمارة علی التذکیة کإماریتها علی الملکیة، بل لا بد من التصرف الکاشف عن ذلک.

نعم لو بنی علی حرمة بیع المیت لکان البیع بنفسه کاشفا عن التذکیة فیتعین حینئذ الاحتمال الأول، إلا أنه الظاهر تفاوت قیمة الجلد المذکی والمیت، فالبیع بقیمة الأول کاشف أیضا فلعله یبنی فی مفاد الروایة علی اماریة الید بمجردها إلا أن سوق الکفار أقوی اماریة علی عدم التذکیة.

ولا بد حینئذ من أمارة أقوی من سوق الکفار کاشفة عن التذکیة وهو إخبار ذی الید المسلم أوتصرفه المجرد المتوقف علی التذکیة، وأما الشق الآخر فی تفصیل الجواب فهو المفهوم وهو کون السوق للمسلمین فلیس علیه السؤال حینئذ، وتتمة الکلام فیها تأتی فی تنبیهات القاعدة.

9. صحیحة حفص بن البختری قال: قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): رجل ساق الهدی فعطب فی موضع لا یقدر علی من یتصدّق به علیه ولا

ص:28

یعلم انه هدی، قال: ینحره ویکتب کتابا انه هدی یضعه علیه لیعلم من مرّ به انه صدقة(1).

10. فی صحیح معاویة بن عمار عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: إذا أصاب الرجل بدنة ضالة فلینحرها ولیعلم أنها بدنة(2).

وغیرها من روایات باب الذبح فی الحج مما یدل علی حجیة إخبار ذی الید أوالأثر الدال علی التذکیة منه، حیث قد فرض عطب الهدی فی المکان الذی لا یعلم انه هدی، کما أنها تدل علی عدم أمارة الأرض مجردة عن الأثر.

محصّل مفاد الطوائف الثلاثة:

اختلفت الأنظار فی ذلک فقیل بوقوع المعارضة بین إطلاق الطائفتین الأولیتین، حیث أن الظاهر من الأولی هو جعل أصالة التذکیة بمجرد الشک وعدم العلم لا لوجود أمارة ولا انصراف فیها إلی ذلک بعد ما تقدم من الظهور، وعلی خلاف ذلک مفاد الطائفة الثانیة، فتحمل الثانیة علی استحباب الاجتناب ویشهد له صحیح الحلبی المتقدم فی الطائفة الثانیة حیث أن الکراهة فیه فی غیر ما صنع فی ارض الحجاز محمولة علی التنزیه بقرینة بقیة الروایات.

وکذا یشهد مصحح محمد بن الحسین الأشعری الدال علی ثبوت البأس إذا لم یکن مضمونا وان کان مأخوذا من السوق وهو محمول علی التنزیة أیضا بقرینة ما دل علی حجیة السوق، وترتفع الکراهة فی موارد

ص:29


1- (1) وسائل الشیعة، ج14، ص141، باب31 من أبواب الذبح، ح1.
2- (2) المصدر، ح2.

وجود الأمارة علی التذکیة الذی هو مفاد الطائفة الثالثة(1).

ولکن یرد:

أولا: إن سیاق موثق ابن بکیر الذی اشتمل علی أن الصلاة فاسدة (لا یقبل الله تلک الصلاة فیما لا یؤکل لحمها حتی یصلها فیما یؤکل لحمه اذا علمت انه ذکی) آب عن الحمل علی الاستحباب.

ثانیا: أن جعل عدّة من الأمارات بالخصوص علی التذکیة خاصة مع وجود أصالة التذکیة کوظیفة عملیة، لمجرد رفع الکراهیة والحزازة لا یلتئم مع مفهوم ذلک الجعل الذی هو أن الأصل العملی یقتضی المنع فی غیر موارد تلک الامارات.

ثالثا: أن جعل وظیفتین عند الشک کأصلین عملیین متقابلین محمول. أحدهما علی التنزیه هو طرح لمفاد المحمول، إذ الظاهر من مفاده البناء العملی علی طبقه تعیینا.

رابعا: وهو العمدة أن موارد الطائفة الأولی هی موارد الطائفة الثالثة ومجرد کون لسان من البناء علی التذکیة لمجرد الشک وعدم العلم بالمیتة لا یقضی بعدم وجود إمارة، إذ هو نظیر التعبیر فی معتبرة مسعدة بن صدقة عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: کلّ شیء هولک حلال حتی تعلم انه حرام بعینه فتدعه من قبل نفسک، وذلک مثل الثوب یکون علیک قد اشتریته وهو سرقة، أو المملوک عندک ولعله حرّ قد باع نفسه أو خدع فبیع أو امرأة تحتک وهی أختک أو رضیعتک والاشیاء کلها علی هذا حتی یستبین لک

ص:30


1- (1) کما ذهب الی ذلک جماعه منهم السید عبد الأعلی السبزواری فی مهذب الاحکام، ج1، ص325. والشیخ عبد الکریم الحائری، کتاب الطهارة، ج1، ص422.

غیر ذلک أو تقوم به البینة(1).

إذ مفادها علی التحقیق - وان کان تنظیر أصالة الحل بالأمارات الأخری کالید والاقرار والشک وغیرها - فی العمل بالحکم الظاهری حتی ینکشف خلافه، إلا أن سیاقها ولحنها، سیاق الطائفة الأولی فی المقام فی العمل بالظاهر حتی ینکشف الخلاف وعدم الاعتناء باحتمال الخلاف وعدم الحیرة والتردد.

فنکتة الترتب علی عدم العلم هو کونه مورد الامارة وموضوع الأصل، فصرف أخذه لا یعنی کونه موضوعا، ألا تری أنه أخذ فی لسان الطائفة الثالثة عدم العلم أیضا، مع أنه مورد للأمارات فیها لا موضوع لها، لاسیما معتبرة أبی الجارود المتقدمة فی السوق لشراء اللحم والسمن والجبن مع أن الروایات الأخری الواردة فی الجبن بلسان کل شیء لک حلال حتی تعلم انه حرام فلاحظ ذلک الباب.

کما أن الصحیح ان ما نحن فیه امارة فعلیة لا لفظیة، وهی من قبیل الأصل المحرز المأخوذ فی موضوعه الشک المغیی بالعلم لا الأمارة اللفظیة، فأخذ الشک أعم من الأمارة الفعلیة التی هی أصل عملی محرز والأصل الوظیفی غیر المحرز، کما هو الحال فی قاعدة الفراغ والتجاوز والصحة، وهو الوجه فی التثنیة فی التعبیر فی کثیر من موارد الأمارات الأفعالیة تارة بعنوانها وأخری بلسان الأصل العملی.

وبمقارنة لسانی الأولی والثالثة یظهر وحدة السیاق، وبملاحظة أن أسئلة الرواة فرضها فی الوقائع الخارجیة التی هی فی موارد الامارات من

ص:31


1- (1) تهذیب الاحکام، ج7، ص226 باب 21 من الزیادات، ح9.

السوق والید والأرض مع اثر الاستعمال فی الغالب الاکثر یتضح بعد استظهار جعل الأصل فی مفادها، الذی هو منشأ الانصراف.

ان قلت: کیف یفکک بین الطائفتین فیدعی الانصراف فی الأولی لموارد وجود الأمارات بخلاف الثانیة فإنها تبقی علی إطلاقها.

قلت: الفارق ظاهر حیث أن الفرض فی بعضها بلسان القضیة الکلیة الحقیقیة والآخر منها فی الصید والذبح مع التردد وفرض عدم وجود إمارة.

وأما معتبرة السکونی فی السفرة المطروحة فمورد السؤال وإن کان عن کل من التذکیة فی اللحم والطهارة فی البقیة، إلا أن مورد السؤال فی المطروحة فی الطریق من أرض المسلمین الغالب فیها أهل الإسلام مع أثر الاستعمال کما فی موثق إسحاق المتقدم، بعد کون السؤال أیضا عن واقعة خارجیة.

خامسا: أن النسبة منقلبة علی فرض إطلاق الطائفة الأولی کما هو الحال فی الثانیة، حیث أن الثالثة أخص مطلقا من الثانیة فتخصصها، فتنقلب نسبتها مع الأولی إلی العموم والخصوص المطلق فتکون دائرة الأولی فی موارد الثالثة فقط، ولک أن تقول أن منطوق الثالثة أخص مخالف مع الثانیة، ومفهوم الثالثة أخص مخالف مع الأولی، فیخصص بها منطوقا ومفهوما کل منهما بدون التوسّل بانقلاب النسبة فتدبر.

إن قلت: إن تخصیص الأولی بموارد وجود الأمارات یلزم منه لغویة الأصل العملی المجعول فیها.

قلت: إن الخاص والتخصیص به قرینة علی أن مفادها لیس هو جعل الأصل العملی، بل العمل بالحکم الظاهری مع عدم العلم وعدم کشف الخلاف.

ص:32

تنبیهات القاعدة

التنبیه الأول: عموم اماریة سوق المسلمین:

وقع الخلاف فی عموم اماریة السوق والید للمستحل للمیتة بالدباغة أو لذبائح أهل الکتاب(1) أو لفقدان بعض شرائط التذکیة بالصید والذباحة کالنحر والذبح مکان الآخر، والصید بغیر الکلب المعلّم وغیر ذلک من الاختلاف فی الشرائط.

ویدل علی العموم جعل أماریتها فی عصر صدور النص والذی کان الغالب فیه العامة بل فی الطائفة الثالثة المتقدمة تنصیص صحیح ابن أبی نصر بعدم السؤال (لیس علیکم المسالة) والحثّ فی روایة ابن الجهم، وإتیان لفظ العموم فی الصلة فی موثق إسحاق عطفا علی الفرا الیمانی، وخصوص روایة ابن الحجاج فی المأخوذ من المستحل وعدم البیع علی انها ذکیة أی عدم الشهادة بذلک کما لا یخفی.

فما فی الطائفة الثانیة من صحیح الحلبی من الکراهة فی غیر ما صنع فی أرض الیمن وثبوت البأس من دون إخبار البائع، وتعهده بالصدق فی التذکیة فی مصحح الأشعری، وإلقائه(علیه السلام) للفرا المجلوب من العراق فی روایة أبی بصیر، فکله محمول علی أولویة التنزه بعد کونه ظهورا لا یقاوم النص، کما قد تقدم وجه تخصیص الاجتناب بالمشکوک المجلوب من العراق.

والاعتماد: فی التعمیم علی ثبوت الملکیة فی المشکوک بالید والسوق،

ص:33


1- (1) خلافاً للشیخ فی النهایة، والعلامة فی التذکرة، ج1، ص94، والتحریر ج2، ص159. و الشهید فی الذکری، ص143، والقواعد ج1، ص42.و الکرکی فی حاشیة الشرائع، ص74 وغیرهم.

بالضرورة فی السیرة القائمة وثبوتها ملازم ومترتب علی التذکیة فتکون تلک الأمارات حجة فی ذلک(1).

ضعیف: حیث أنه مبنی علی عدم مالیة وملکیة الجلود من المیتة وسیأتی منعه، مضافا الی أن المالیة علی ذلک المبنی متصورة أیضا بالإضافة إلی حق الاختصاص، مع أن جریان الید فی الکشف عن الملکیة عند الشک فی کون ذات الشیء مما یتمول أم لا، محل نظر کما لو شک أن ما بیده جلد کلب أو جلد شاة.

هذا: وقد تقدم حاصل مفاد الصحیح إلی إسماعیل بن عیسی وانه لیس بصدد نفی تعمیم الحجیة، وکذا روایة أبی بصیر وغیرها مما یوهم ذلک، نعم البناء علی السوق والید من المستحل یکون حینئذ أقرب للأصل العملی منه إلی الأمارة بعد هذا الاختلاف فی شروط التذکیة، کما فی تعبیره(علیه السلام) فی معتبرة أبی الجارود (واللهما أظن کلهم یسمّون هذه البربر وهذه السودان).

إلا انه لا یخلو من کشف ما عن التذکیة الواقعیة بعد عدم کون ما یتفق وقوعه فی الغالب من موارد الاختلاف وأن بعض الشروط علمیة عمدیة کالاستقبال علی قول، غایة الأمر الکشف فی المقام کما هوالحال فی الأمارات الفعلیة، الذی هو بدرجة وبمنزلة الأصول المحرزة، ومن ذلک یحتمل مغایرتهما لأصالة الصحة فی الأفعال المعهودة.

التنبیه الثانی: السوق أماره فی عرض امارة الید:

الظاهر أن إماریة السوق والصنع فی أرض الإسلام ونحوه من

ص:34


1- (1) کتاب الطهارة، للسید الخمینی (قدس سره)، ج3، ص544.

الاستعمال فی أرضهم کاشفة مباشرة عن التذکیة کالید، لا أنها کاشفة عن الید أو إسلام ذی الید ومن ثمّ الید تکشف عن التذکیة خلافا لمشهور المتأخرین.

والوجه فی ذلک أن الید بمعنی الاستیلاء کما تقدم لا تکشف بمجردها عن التذکیة کما هو الحال فی الکشف عن الملکیة، بل لا بد أیضا من الاستعمال المتوقف علیها.

وحینئذ فالتسویق والصنع ونحوهما هی من مصادیق استعمال الید ونمط منه، ومن هنا ذکر غیر واحد أنه لولا مخالفة المشهور لألتزم بأن سوق المسلمین أمارة وأن کان البائع کافراً(1).

والظاهر أرادة المبیع الذی یسوق بین المسلمین وان وقع بید البائع الکافر، أی یکون مصدره التسویق والصنع من المسلمین، فتکون ید الکافر مسبوقة بالأمارة علی التذکیة والالتزام به غیر مخالف للمشهور کما یأتی.

ویشهد للمباشرة فی الکشف ان فرض السؤال فی الطائفة الثالثة لیس عن الشک فی البائع أوفی کون المبیع مأخوذا من ذی ید مسلمة، بل عن الشک فی أصل وقوع التذکیة بملاحظة عدم الالتزام من نوع العامة بشروط التذکیة.

نعم ذیل موثق إسحاق ظاهر فی أن منشأ الشک فی التذکیة هو الشک فی إسلام الصانع للجلد، لکنها أیضا لیست تجعل حجیة وکاشفیة الصنع

ص:35


1- (1) کما ذهب الی ذلک السید الکلبایکانی، فی تعلیقات علی العروة، ج1، ص126، فقال: الظاهر من الأخبار ان المأخوذ من سوق الاسلام ولو من ید الکافر - ان لم یعلم سبقه بسوق الکفر - محکوم بالطهارة، والمأخوذ من سوق الکفر ولو من مسلم - ان لم یعلم سبقه بسوق الاسلام - محکوم بالنجاسة ...).

فی أرض یغلب فیها المسلمون علی إسلام الصانع للجلد، ومن ثمّ یده کاشفة عن التذکیة، إذ لوکان مفادها ذلک لکانت من أدلة إماریة الغلبة علی إسلام مجهول الحال لترتیب مطلق الآثار کوجوب غسله وطهارته وغیر ذلک، مع أنهم لم یتمسکوا بها ولا بروایات المقام.

نعم ذکرها البعض فی بعض موارد الشک فی إسلام مجهول الحال لتأیید اماریة الغلبة فی السیرة المتشرعیة.

فتحصل أن مفادها أیضا التذکیة وان کان منشأ الشک فی وقوع التذکیة الجهل بالصانع، وکذا یظهر من معتبرة السکونی المتقدمة فی السفرة ان الشک هوفی إسلام صاحب اللحم والسفرة، ومقتضاها التعبد بإسلام صاحب اللحم حتی یعلموا انه مجوسی فتکون اماریّة الأرض مع وجود الأثر طولیة.

إلا أن الأظهر هو أماریتها علی التذکیة مباشرة لما تقدم من عدم کونها بصدد الکشف عن إسلام مجهول الحال ومن ثم تحرز موضوع حجیة ذی الید الکاشفة عن التذکیة کما لا یخفی، إذ هی فی صدد حلیة الموجود من جهة تذکیته، غایة الأمر منشأ الشک فی التذکیة یختلف بلحاظ شروطها من إسلام الذابح أوالتسمیة أوالاستقبال.

التنبیه الثالث: أماریة سوق الکفار:

ذهب الفقهاء إلی أن الأصل فی اماریة سوق الکفار وید الکافر غیر المسبوقتین بمثلهما من المسلمین هوعدم التذکیة.

والوجه فی ذلک: ما ذکرنا فی حجیة الید علی الطهارة، من أن الأمارات المعتبرة لیس فی الغالب مخترعة موضوعة من الشارع، بل

ص:36

الاعتبار الشرعی إنما هوفی المحمول والحجیة إمضاء، وقد تقدم هناک أن استعلام حال العین التی تحت ید شخص إنما هو من ذلک الشخص.

فکما أن الحال فی السوق والید من المسلمین فمن الکافر کذلک، وقد یتأمل فی کشفهما کما تقدم فی ید المسلم من دون استعمال، واستعمال الکافر لیس مبنی علی عدم التذکیة والمیتة، کی یکون کاشفا عن عدم التذکیة، نعم لوأخبر بحال ما فی یده یدخل فی البناء العقلائی القائم علی کاشفیة الید.

وقد یستدل أو یؤیّد اعتبارهما علی عدم التذکیة بما ورد(1) من النهی عن شرب العصیر الذی یؤخذ من المستحل للعصیر المغلی علی النصف أو الثلث إن لم یستظهر أن المنع لاستصحاب بقاء الحرمة، وبما فی الصحیح الی إسماعیل بن عیسی المتقدم فی السؤال إذا کان البائع مشرکا الدال علی حجیة أخباره وإلا للغی السؤال، لکنک عرفت أنه لیس من فرض الروایة فراجع.

نعم فی الروایة دلالة علی حجیة سوق المشرکین کما تقدم بیانه، حیث انها تدل علی سقوط ید المسلم فی سوق الکفار (إذ رأیتم المشرکین یبیعون ذلک) من دون إخبار بالتذکیة أو استعمال مجرد متوقف علیها کالصلاة مع أن بیع البائع المسلم غیر العارف کاشف عن التذکیة فی حدّ نفسه، لولا اماریة سوق الکفار إذ لو کان عدم التذکیة هو بمقتضی الأصل العملی لما کانت ید المسلم مع البیع ساقطة.

هذا وهل یؤخذ بإخبار ذی الید الکافر علی التذکیة، قد یستدل بروایة إسماعیل کما تقدم، والخدشة ما قد عرفت من مفاد الروایة، بل من

ص:37


1- (1) وسائل الشیعة، ابواب الأطعمة والاشربه، باب7، ح1، ح6.

روایات(1) النهی عن الاعتداد بإخبار المستحل للعصیر المغلی علی النصف والثلث بذهاب الثلثین، یظهر عدم الاعتداد بأمثاله من المقامات وان کان بین المقام ومورد النهی فرق، الا انه غیر مضر ملاکا کما یظهر بالتدبر.

التنبیه الرابع: تقدم ید الکافر أو تأخرها:

قد ظهر حال سبق ید الکافر وسوقه علی مثلهما من المسلم أو العکس من تضاعیف ما تقدم، ومجمل الکلام أن مع تقدم سوق الکافر أو یده علی ید المسلم أو سوقه فلا اعتداد بالأخیرین کما هو مفاد روایة إسماعیل بن عیسی وکما هو مقتضی القاعدة فی أمثال المقام مما لا تکون الأمارة المتأخرة زمانا معارضة للمتقدمة زمانا.

حیث أن الشیء لا تطرأ علیه حالة تبدل فتکون المتقدمة زمانا حاکمة أو واردة، وکذا الحال فی العکس، ولکنه لیس علی إطلاقه کما اختاره المیرزا النائینی(2) فی المقام بل فیما لم تکن المتأخرة ناظرة إلی أصل الوقوع المتقدم بل إلی الظرف الحالی وإلا فیقع التعارض وحینئذ التقدیم بالتعبد المستفاد من روایة إسماعیل بن عیسی کما إذا أخبر ذو الید المسلم أو استعمل فیما هو متوقف علی التذکیة بغض النظر عن البیع، فمقتضی روایة إسماعیل الأخذ بهما وتقدیمهما وله وجه من جهة اقوائیته من الید المجردة.

نعم ما ورد من عدم الاعتداد بإخبار ذی الید الذی یشرب العصیر

ص:38


1- (1) وسائل الشیعة، ابواب الاطعمة والاشربه، باب7.
2- (2) قال الشیخ النائینی معلقاً علی العروة (إذا علم انه عمل فی غیر بلاد الاسلام وبایدی غیر اهله ثم وقع فی أیدی المسلمین، فان علم سبق ید المسلم علیه فلا اشکال، والا فالحکم بتذکیته فی غایة الاشکال) تعلیقات العروة، ج1، ص126، طبعة جماعة المدرسین.

علی النصف وان کان من أهل المعرفة غیر المستحل له، یدل علی التقیید بذی الید غیر المتهمة، ووجود الفرق بین الموردین غیر مضر کما تقدم، ومنه یظهر الحال فی الید المشترکة بینهما بعد البناء علی اماریة ید الکافر.

التنبیه الخامس: ما یوجد فی أرض الإسلام:

فی أمارة أرض المسلمین علی التذکیة فقد تقرب بما فی ذیل الموثق لإسحاق المتقدم لجعل المدار فیها علی غلبة المسلمین، وکذا معتبرة ألسکونی المتقدمة فی السفرة.

لکنه ضعیف لان التعلیل لاماریة الصنع الواقع فی أرضهم وهو نحو استعمال، بخلاف المطروح ونحوه المجرد عن أثر الاستعمال، وکذلک الحال فی معتبرة ألسکونی حیث أن اللحم المطبوخ والسمن المعدّ للأکل نحو استعمال وصنع للأکل فی أرضهم فیشمله ما صنع فی أرض الإسلام.

بل قد استشکل غیر واحد فی کفایة هذا المقدار من الاستعمال الموجود فی مثال السفرة ولذلک حمل المعتبرة علی الشک فی النجاسة العرضیة أو اطراحها، وهذا مضافا الی المفهوم من روایات إعلام الهدی فی قارعة الطریق بکتاب ونحوه الکاشف عن وقوع التذکیة، أنه بدون ذلک وبمجرد کونه مطروحا فی أرض المسلمین لیس إمارة علی التذکیة.

التنبیه السادس: عدم مطهریة الدبغ:

وهو من خصائص المذهب وان ذهب إلیه قلة من العامة(1)، إلا ابن

ص:39


1- (1) ذهب اتباع المذهب الحنفی الی ان الدباغة تطهر جلود المیته إذا کانت تحمل الدبغ، ووافقهم الشافعی علی ذلک الا انه خصه بالدبغ المطهر الذی له لذع باللسان، وکذلک نسب هذا القول لبعض المالکیة، للتفصیل یراجع الفقه علی المذاهب الاربعة، ح1، ص26.

الجنید(1) فقد ذهب إلی الطهارة ووافقه الفیض فی مفاتیحه(2).

ومبدأ الخلاف فی المسألة هو خطأ العامة فی معنی الروایة النبویة الذی تشیر الیه عدة روایات(3) - کروایة علی بن أبی المغیرة - قال: قلت لأبی عبد الله(علیه السلام) جعلت فداک المیتة ینتفع منها بشیء؟ قال: لا، قلت: بلغنا أن رسول الله صلی الله علیه و آله مرّ بشاة میتة، فقال: ما کان علی أهل هذه الشاة اذ لم ینتفعوا بلحمها أن ینتفعوا باهابها؟ قال: تلک شاة لسودة بنت زمعة زوج النبی صلی الله علیه و آله ، وکانت شاة مهزولة لا ینتفع بلحمها فترکوها حتی ماتت، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : ما کان علی أهلها إذ لم ینتفعوا بلحمها أن ینتفعوا بإهابها أی تذکی.

وبنفس المضمون موثق أبی مریم وفی صحیح ابن مسلم قال: سألته عن جلد المیتة یلبس فی الصلاة إذا دبغ؟ قال: لا، وان دبغ سبعین مرة، وقد تقدم خبر أبی بصیر فی الفراء المجلوب من العراق وروایة عبد الرحمن بن الحجاج .

وجعل الأخیرتین دالتین بالصراحة علی النجاسة دون الباقی(4)، مبنی علی أن المانعیة للصلاة من جهة عدم التذکیة المغایرة لمانعیة النجاسة، وقد تقدم ضعفه، مع ان حسنة علی ابن المغیرة صریحة فی النجاسة أیضا لمقابلتها التذکیة مع المیتة جوابا علی فرض السائل وهو طهارة الجلد بالدباغة.وکذلک موثقة ابن مریم حیث إنها فی صدد نفی مقولة العامة بطهارته بالدباغة، فکیف لا تکون صریحة فی النجاسة، والجدیر بالالتفات ان المسألة مثارة بسخونة فی عصر الصدور بین العامة والخاصة، فکیف لا یکون فی الروایات العدیدة

ص:40


1- (1) کما حکاه عنه فی مختلف الشیعة، ج1، ص342.
2- (2) مفاتیح الغیب، ج1، ص68.
3- (3) الوسائل، ابواب النجاسات، باب 61.
4- (4) مستمسک العروة الوثقی، للسید الحکیم، ج1 ص276.

نظرا الی محل الخلاف.

هذا مع ورود روایات(1) اخری أیضا صریحة، کصحیحة علی بن جعفر، وفی قبال هذه الروایات والتسالم حسنة الحسین بن زرارة المتقدمة عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی جلد شاة میتة یدبغ فیصیب فیه اللبن أوالماء فأشرب منه وأتوضأ؟ قال نعم وقال: یدبغ فینتفع به ولا یصلی فیه(2)، وبعد ما عرفت أن وجه مانعیة المیتة هی النجاسة یظهر التدافع فی الروایة الدال علی صدورها تقیة.

مضافا الی ما تقدم فی مستثنیات المیتة مما لا تحله الحیاة من اضطراب متن الروایة المزبورة بحسب الراوین عن الحسین بن زرارة، ونظیرها صحیحة زرارة(3) بطریق الشیخ الواردة فی مستثنیات المیتة وفیها استثناء الجلد أیضا، إلا أنها بطریق الصدوق أسقط لفظ الجلد.

وأما مرسلة(4) الصدوق فی الفقیه فالظاهر انها خبر الحسین بن زرارة المتقدم، ومن ما تقدم ظهر ضعف أن مقتضی(5) الجمع بین تعارض الروایات هو المنع عن الصلاة مع طهارته بالدبغ، اذ المنع لیس إلا للنجاسة.

ص:41


1- (1) الوسائل، باب الاطعمة والاشربه، باب34.
2- (2) المصدر، ح7.
3- (3) المصدر، باب33، ج10.
4- (4) الوسائل، ج3، ص463، باب النجاسات، باب34، ح5.
5- (5) بحوث فی شرح العروة الوثقی، للسید الشهید الصدر، ج3، ص149.

ص:42

قاعدة التقیة

اشارة

ص:43

ص:44

من القواعد العامة قاعدة التقیة

مفاد القاعدة:

معنی التقیة لغة و شرعا، ففی لسان العرب(1) وقاه الله وقیا صانه، وقیت الشیء أقیه اذا صنته و سترته عن الأذی، و توقّ کرائم أموالهم أی تجنبها، وتوقی واتقی بمعنی، ووقاه حماه منه، و ما لهم من الله من واق ای من دافع، ووقاه الله وقایة بالکسر ای حفظه والتوقیة الکلاءة والحفظ. انتهی. و المعانی المذکورة کما تری متقاربة مترادفة واللفظة مستعملة بمعنی واحد سواء بالاضافة الی الله تعالی ای تقوی الله او بالاضافة الی غیره، غایة الامر ان المتحفظ عنه یختلف فی الخصوصیات وان اشترک فی الضرر ایضا، و المعروف فی کلمات متأخری الاعصار تقسیمها الی المعنی الاعم والاخص، وهی التقیة التی من العامة وقد یتأمل فی حدّ الثانیة بذلک وانها من مطلق من یخاف ضرره سواء و لو من الملل الاخری، بخلاف الأولی فانها من مطلق ما یخاف ضرره ولو مثل الامور التکوینیة.

ص:45


1- (1) لسان العرب، ج15، ص401.

أدلة القاعدة:

وأما عموم مشروعیتها فیدل علیه:

1.القران الکریم: حیث وردت أربع طوائف:

الأولی: قوله تعالی إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ... هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ... وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما یَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ فَأْوُوا إِلَی الْکَهْفِ ... فَابْعَثُوا أَحَدَکُمْ بِوَرِقِکُمْ هذِهِ إِلَی الْمَدِینَةِ فَلْیَنْظُرْ أَیُّها أَزْکی طَعاماً فَلْیَأْتِکُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَ لْیَتَلَطَّفْ وَ لا یُشْعِرَنَّ بِکُمْ أَحَداً إِنَّهُمْ إِنْ یَظْهَرُوا عَلَیْکُمْ یَرْجُمُوکُمْ أَوْ یُعِیدُوکُمْ فِی مِلَّتِهِمْ وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (1).

وقوله تعالی وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ یَکْتُمُ إِیمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ یَقُولَ رَبِّیَ اللّهُ وَ قَدْ جاءَکُمْ بِالْبَیِّناتِ مِنْ رَبِّکُمْ (2).

وقوله تعالی: لا یَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْکافِرِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ فَلَیْسَ مِنَ اللّهِ فِی شَیْ ءٍ إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَ یُحَذِّرُکُمُ اللّهُ نَفْسَهُ (3).

الثانیة: قوله تعالی: وَ لا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إِلَی التَّهْلُکَةِ (4) وقوله تعالی مَنْ کَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِیمانِهِ إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ (5) وقوله تعالی قُلْ لا أَجِدُ فِی ما أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّماً عَلی طاعِمٍ یَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ یَکُونَ مَیْتَةً .... فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَ لا عادٍ (6).

ص:46


1- (1) سورة الکهف، الآیة: (20 5).
2- (2) سورة غافر، الآیة: 28.
3- (3) سورة آل عمران، الآیة: 28.
4- (4) سورة البقرة، الآیة: 195.
5- (5) سورة النحل، الآیة: 106.
6- (6) سورة الانعام، الآیة: 145.

الثالثة: قوله تعالی - علی لسان ابراهیم و یوسف(علیهماالسلام) - کما اشارت الیه الروایات فَنَظَرَ نَظْرَةً فِی النُّجُومِ فَقالَ إِنِّی سَقِیمٌ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِینَ (1) وقوله تعالی قالَ بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ کانُوا یَنْطِقُونَ (2) وقوله تعالی: فَلَمّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقایَةَ فِی رَحْلِ أَخِیهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَیَّتُهَا الْعِیرُ إِنَّکُمْ لَسارِقُونَ ... کَذلِکَ کِدْنا لِیُوسُفَ ما کانَ لِیَأْخُذَ أَخاهُ فِی دِینِ الْمَلِکِ إِلاّ أَنْ یَشاءَ اللّهُ (3).

الرابعة: ما اشارت الیه الروایات من: قوله تعالی أُولئِکَ یُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَیْنِ بِما صَبَرُوا وَ یَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّیِّئَةَ (4) وقوله تعالی اِدْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ السَّیِّئَةَ (5) وقوله تعالی: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً (6) وقوله تعالی: اِدْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِی بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُ عَداوَةٌ کَأَنَّهُ وَلِیٌّ حَمِیمٌ (7) وقوله تعالی:إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاکُمْ (8).

ومفاد هذه الطوائف متعدد فان الثانیة دائرتها بمقدار الضرر والاضطرار، والثالثة مشروعیتها لاداء الواجب أو التوسل بها لإتیان الشیء الراجح، والرابعة مطلوبیتها فی مقام المعایشة صفة، والخلق والمداراة فی مطلق العشرة. کما ان من فوارق الدلالة فی ما بینها ان الأولی رافعة

ص:47


1- (1) سورة الصافات، الآیة: 89.
2- (2) سورة الانبیاء، الآیة: 63.
3- (3) سورة یوسف، الآیة 70.
4- (4) سورة القصص، الآیة: 54.
5- (5) سورة المؤمنون، الآیة: 96.
6- (6) سورة البقرة، الآیة: 83.
7- (7) سورة فصلت، الآیة: 34.
8- (8) سورة الحجرات، الآیة: 13.

للتکالیف الأولیة والثالثة فی التوریة اللسانیة و الرابعة اتخاذ الحسن فی الافعال فی ما بین الانسان وبین الاخرین الذین یسیئون الیه ولیس فیها نظر الی رفع حکم أولی، کما ان الثانیة قد تکون عزیمة اذا صدق علی ترک التقیة انه القاء فی الهلکة بخلاف الاخیرتین و اما مفاد الأولی فهو تشریع التقیة، نعم یستفاد منها تشریعها فی اعظم المحرمات وهو اظهار الکفر و الشرک فضلا عما هو دونه من المحرمات.

2. الروایات: وهی علی طوائف ایضا.

الأولی: ما کانت بلسان رفع الضرر والاضطرار مثل قوله صلی الله علیه و آله (رفع عن امتی تسعة اشیاء ... و ما اکرهوا علیه ... وما اضطروا الیه)(1) وقوله(علیه السلام) (و لیس شیء مما حرم الله الا و قد احلّه لمن اضطر الیه)(2) و مثل قوله صلی الله علیه و آله (لا ضرر و لا ضرار)(3)، وکذا ما فی صحیح الفضلاء (قالوا: سمعنا ابا جعفر(علیه السلام) یقول: التقیة فی کل شیء یضطر الیه ابن ادم فقد احله الله له)(4)، وصحیح زرارة عن ابی جعفر(علیه السلام) (قال التقیة فی کل ضرورة و صاحبها اعلم بها حین تنزل به)(5)، وصحیح الحارث بن المغیرة ومعمر بن یحیی بن سالم عن ابی جعفر(علیه السلام) (قال: التقیة فی کل ضرورة)(6).

الثانیة: ما کان بلسان انها جزء من الدین، کموثق ابی بصیر عن ابی

ص:48


1- (1) وسائل الشیعة، ج15، ص369، باب56 من ابواب جهاد النفس، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، ج5، ص482، باب1 من ابواب القیام، ح6.
3- (3) الکافی، ج5، ص280، باب الشفعة، ج4.
4- (4) وسائل الشیعة، ج16، ص214، باب25 من ابواب الامر بالمعروف، ح2.
5- (5) المصدر، ح1.
6- (6) المصدر، ح8.

عبد الله(علیه السلام) قال: (لا خیر فیمن لا تقیة له ولا ایمان لمن لا تقیة له)(1)، وفی مصحح ابن خنیس عنه(علیه السلام) (ان التقیة دینی و دین آبائی، ولا دین لمن لا تقیة له)(2)، ومثله صحیح معمر بن خلاد(3) وفی الصحیح الی ابی عمر الاعجمی عنه (علیه السلام) (ان تسعة اعشار الدین فی التقیة ....)(4) وفی کتاب مسائل الرجال عنه (علیه السلام) (ان تارک التقیة کتارک الصلاة)(5).

الثالثة: ما کان بلسان النفوذ الوضعی صریحا مثل ذیل صحیح الفضلاء المتقدم والصحیح الی ابی عمر الاعجمی المتقدم حیث فیه (والتقیة فی کل شیء الا فی النبیذ و المسح علی الخفین)، و مثله فی کیفیة الدلالة صحیح زرارة و موثق مسعدة بن صدقة عنه (علیه السلام) وفیه (فکل شیء یعمل المؤمن بینهم لمکان التقیة مما لا یؤدی الی الفساد فی الدین فانه جائز)(6)، وفی موثق سماعة عنه (علیه السلام) وفیه (ثم لیتم صلاته معه علی ما استطاع فان التقیة واسعة و لیس شیء من التقیة الا و صاحبها مأجور علیها ان شاء الله)(7).

الرابعة: ما کان بلسان المداراة و حسن العشرة معهم مثل صحیح هشام الکندی عنه (علیه السلام): (صلّوا فی عشائرهم و عودوا مرضاهم و اشهدوا جنائزهم و لا یسبقونکم الی شیء من الخیر فأنتم اولی به منهم)(8)،

ص:49


1- (1) وسائل الشیعة، ج16، ص212، باب24 من ابواب الامر والنهی، ح30.
2- (2) المصدر، ح24.
3- (3) المصدر، ح4.
4- (4) المصدر، ح3.
5- (5) الفقیه، ج2، ص127، باب صوم یوم الشک، ح5.
6- (6) وسائل الشیعة، ج16، ص216، باب25 من الامر والنهی، ح6.
7- (7) الکافی، ج3، ص380، باب الرجل یصلی وحده، ح7.
8- (8) وسائل الشیعة، ج16، ص219، باب26 من الامر والنهی، ح2.

ومثله صحیح زید الشحّام، ومثله صحیح عبد الله بن سنان وصحیح حماد بن عثمان عن ابی عبد الله (علیه السلام) انه قال (من صلّی معهم فی الصف الأول کان کمن صلّی خلف رسول الله صلی الله علیه و آله فی الصف الأول)(1)، ومثله صحیح الحلبی(2) وموثق اسحاق(3) وغیرها مما یأتی تفصیلا.

واختلاف المفاد بینها کالذی تقدم فی طوائف الآیات عدا الثالثة منها فانها بلسان الجواز الوضعی و الصحة و قد روی العامة عن النبی صلی الله علیه و آله انه قال (لا دین لمن لا تقیة له)(4) وروی البخاری عن الحسن البصری (التقیة الی یوم القیامة).

حکم التقیة:

تنقسم التقیة الی الاحکام التکلیفیة الخمسة ویتضح الحال فی ذلک بعد تنقیح حقیقة الحکم فی التقیة، وهو یحتمل:

أولا: أن یکون من العناوین الرافعة کالضرر والاضطرار والحرج ونحوها کما فی لسان عدة من الروایات انها رخصة فی ارتکاب ما هو عزیمة.

ثانیا: انه من قبیل وجوب دفع الضرر المحتمل ووجوب التحفظ والحیطة والاحتیاط فی ما یهمّ بقاؤه و وجوده و یشیر الیه التعبیر الوارد فی بعض الروایات التقیة جنة المؤمن وترس المؤمن وحرز المؤمن سواء بنی فیه

ص:50


1- (1) وسائل الشیعة، ج8، ص299، باب26 من ابواب صلاة الجماعة، ح1.
2- (2) المصدر، ح4.
3- (3) المصدر، ح7.
4- (4) کنز العمال، ج13، ص96، ح5.

علی الحکم الطریقی او النفسی.

ثالثا: انّه من باب التزاحم - کما ذکره بعض الاعلام - بین حکم العقل - الذی یترک فیما کان واجبا أو یؤتی به فیما کان محرما- و وجوب حفظ معالم الدین و المذهب الحق و النفوس والأموال والاعراض، لا انه حکم فی مقابل بقیة الاحکام.

رابعا: انّه رجحان حسن العشرة معهم لما فیه من اغراض شرعیة متعددة.

خامسا: انّه وجوب فی کیفیة اقامة الدین وشعائره وارکانه ونشره، بحسب دار الهدنة، وغیر ذلک من المحتملات التی ستأتی فی الامور اللاحقة بحسب اختلاف الابواب والموضوعات، والظاهر ان عنوانها جامع انتزاعی لهذا الموارد، وبحسب اختلاف ادلتها.

فمن ثم یصح تقسیم حکمها التکلیفی الی الاقسام الخمسة، فالواجب منها مثل کثیر من مواردها مما یترتب علی ترکها ضرر علی المذهب أو النفس او العرض، ولا یخفی ان ذلک بحسب بعض وجوه الحکم فیها المتقدمة وحیث انه حینئذ حکم کبقیة الاحکام فیفرض فیه التزاحم مع الاحکام الاخری، کما لو فرض ان فی ترک التقیة احیاء للحق ورسومه وان ترتب ضرر القتل أو نحوه من الاضرار کما فی زیارة الحسین(علیه السلام) حیث انه یظهر من الحثّ الاکید فی الروایات المتواترة(1) الصادرة عنهم(علیهم السلام) مع اشتداد التقیة حینها کما هو واضح تاریخیا وظاهر

ص:51


1- (1) وقد جمع صاحب الوسائل اکثر تلک الروایات فی ابواب المزار من وسائل الشیعة، ج14، ص319.

فی لسانها ومثل صحیحة معاویة بن وهب حیث استأذن علی ابی عبدالله(علیه السلام) فوجده یناجی ربه وهو یقول - وفیه الدعاء لزوار الحسین(علیه السلام) - ... (واصحبهم و اکفهم شرّ کل جبار عنید وکل ضعیف من خلقک او شدید وشر شیاطین الجن والإنس ... اللهم ان اعداءنا عابوا علیهم خروجهم فلم ینههم ذلک عن الشخوص الینا، وخلافا منهم علی من خالفنا)(1) وغیرها مما صرح فیه بذلک - ویظهر منها أهمیة هذه الشعیرة والشعائر التی تعقد لذکری سید الشهداء(علیه السلام) - ومن ثم افتی جماعة من اعلام العصر (قد هم) بجواز تحمل الضرر فیها، فان رافعیة الضرر والتقیة من باب واحد علی بعض الوجوه المتقدمة - علی الحفظ المتوخی من التقیة، نظیر نفس الجهاد بأقسامه فان اقامة مثل هذه الشعائر مقدمة علی حفظ النفس والعرض والمال.

وقد ألفت صاحب الکفایة(2) فی بحث العام والخاص الی ان رافعیة العناوین الثانویة هی من باب التزاحم الملاکی وان کان فی الصورة رافعیتها بالحکومة أو الورود. وعلی ذلک فقد تکون التقیة محرمة کما فی موارد تعین الجهاد والذبّ عن بیضة الدین ونحوها، وقد تکون مکروهة کما فی زیارة الحسین(علیه السلام) ونحوها من شعائر ذکراه(علیه السلام). و قد تکون راجحة مندوبة کما فی موارد عدم ترتب الضرر القریب ولا البعید علی ترکها، فی موارد العشرة معهم ومع من یتالف للدین، واما المحرمة تشریعا ففی موارد عدم ترتب ضرر علی ترکها بنحو یمکن تأدیها باظهار المتابعة لهم من دون الخلل

ص:52


1- (1) وسائل الشیعة، ج14، ص412، باب37 من ابواب المزار، ح7.
2- (2) کفایة الاصول، مبحث العام والخاص، ص224.

بحدّ الواجب کما فی الصلاة خلفهم مع نیة الاقتداء بهم حقیقة وترک القراءة مطلقا، اما المباحة فهی تتصور فیما کانت التقیة مجرد رخصة من عزیمة شدیدة کما فی الکفر و نحوه من الکبائر بناء علی عدم رجحان التقیة وان الحال حینئذ هو التخییر.

استثناءات من التقیة:

الموارد التی استثناها الاصحاب(1) من جواز التقیة.

منها: المسح علی الخفین ومتعة الحج وشرب المسکر تبعا لعدّة من الروایات، وقد تقدم توجیه ذلک بان المراد منه نفی السعة المشروعة فی التقیة فی هذه الموارد وأمثالها مما اشتمل علی نفس درجة الحکم او المراد نفیها موضوعا لقیام النص القرآنی علیها مع امکان اداء الواقع مع التستر کما فی الحج.

ومنها: القتل کما فی صحیح محمد بن مسلم عن ابی جعفر (علیه السلام) (قال: انما جعلت التقیة لیحقن بها الدم، فاذا بلغ الدم فلیس تقیة)(2).

ومثلها موثق(3) ابی حمزة الثمالی الا ان فیه (فلا تقیة). ویستفاد منها حرمة التقیة حینئذ وعدم مشروعیتها حیث ان التقیة فی الاصل هی وجوب الحفظ علی النفس فاذا بلغت الی ارتکاب اتلاف نفس اخری انتقض ولم یتأدَ ملاکها، و نفی مشروعیتها لحرمة الدم الاخر ولدلالة نفی

ص:53


1- (1) التنقیح فی شرح العروة، ج5، (موارد الاستثناء). ورسالة فی التقیة للسید الخمینی، ص12، (موارد لایجوز التقیة فیها).
2- (2) وسائل الشیعة، ج16، ص234، ابواب الامر بالمعروف والنهی عن المنکر، باب31، ح1.
3- (3) المصدر، ح2.

التقیة علی عدم جواز توجیه الضرر المتوجه للنفس الی الغیر.

و(دعوی) ان نفی التقیة هو مجرد عدم تشریعها بما لها من الحکم لا حرمة فعلها بعد کون الفرض من الدوران بین حفظ النفس وحفظ الغیر أو حفظ النفس وحرمة دم الغیر. وهما متساویان فی الملاک (ضعیفة).

اولا: لأن مقتضی النفی عدم مشروعیتها و عدم اباحتها لا مجرد نفی حکمها، مع ان حکمها رخصة ارتکاب ما کان عزیمة، ونفی الرخصة ابقاء للعزیمة الأولیة.

وثانیا: ان الفرض لیس من التزاحم و الدوران بل الفرض هو توجه الضرر الی النفس، او یدفعه الی الاضرار بالغیر وحفظ النفس المتوقف علی الاضرار بدم الغیر شمول دلیل وجوب حفظ النفس الیه اول الکلام، ومنها ما اذا اکره علی التبری من امیر المؤمنین (علیه السلام) بل وکذا اذا اکره علی التبری من الله ورسوله ودین الاسلام.

ومنها: ما اذا أکره علی التبرّی من أمیر المؤمنین (علیه السلام) بل الأولی تعمیم اللفظ لما اذا أکره علی الکفر کالبراءة من الله ورسوله أو من الدین أو اظهار عبادة غیر الله والتدین بغیر الاسلام، ویستدل لهذا الاستثناء من عموم وجوب التقیة.

أولا: بظاهر قوله تعالی مَنْ کَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِیمانِهِ إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ وَ لکِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْکُفْرِ صَدْراً فَعَلَیْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ (1) بتقریب ان الاستثناء فی الآیة من الحرمة فیکون رخصة لا عزیمة، وکذا دلالة عنوان الاکراه الذی هو من العناوین الثانویة

ص:54


1- (1) سورة النحل، الآیة: 106.

الرافعة للتنجیز أو للفعلیة التامّة، وکذا مورد نزول الآیة حیث أنّها فی عمار بخلاف ما جری علی أبویه.

وثانیا: ما یظهر من الروایات العدیدة المستفیضة(1) عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) أنّه خطب علی منبر الکوفة (أیّها الناس انّکم ستدعون الی سبّی فسبّونی، ثم تدعون الی البراءة منّی فلا تبرؤوا منّی أو (و إنی لعلی دین محمد صلی الله علیه و آله (2)، سواء کان بصورة النهی أو بصورة الجملة الحالیة التی بمنزلة الاستدراک و الاعتراض، فإنّه دالّ علی عدم لزوم التقیّة اذ علی الثانی فإن الاستدراک و الاعتراض - وکذا التشقیق والمقابلة بین الجملتین الشرطیتین السبّ والبراءة - کلّه دالّ علی عدم الأمر بها عزیمة فی البراءة وغیرها من الروایات فی الاکراه علی الکفر.

ثالثا: بالأولویة ممّا ورد من جواز مدافعة الانسان دون عرضه وماله وأنّه اذا قتل مات شهیدا، وقد یشکل بأن لازمه عدم لزوم مطلق التقیّة وهو ینافی ما ورد من انّه لا دین لمن لا تقیّة له ونحوه من ألسنة عزیمتها التی تقدمت الاشارة الیها، وقد یعمم هذا الاشکال لأصل الاستثناء المدعی - لا خصوص الدلیل الثالث علیه - حیث انّه مع عدم عزیمة التقیّة فی اظهار الکفر فکیف بما دونه ومع عدم الاکراه، والجواب عنه: ان الضرر فی ترک التقیّة تارة یعود الی الشخص خاصّة وأخری الیه والی اخوانه المؤمنین ولو مآلا وتدریجا واتباع مذهب أهل البیت(علیهم السلام) فضلا عن

ص:55


1- (1) ورد بهذا لمضمون روایات کثیرة تصل الی حد الاستفاضة بل التواتر الاجمالی، راجع وسائل الشیعة، ج16، ص225، باب19، من ابواب الامر والنهی. ومستدرک الوسائل، ج12، ص271، باب28. بحار الانوار، ج39، ص319، باب88.
2- (2) نهج البلاغة، ج4، ص106، فصل المنحرفین عن علی (علیه السلام) .

سمعة المذهب والدین وعزّته وعلوّه، کما انّ الخشیة والضرر المتوجه تارة: سبب الانتساب الی المذهب والدین وأخری لغیر ذلک من العداوات أو الاطماع الدنیویة، واذ اتّضح ذلک فنقول ظاهر أدلّة عموم التقیّة - التی تقدمت أنّها علی ألسن وطوائف - أن لسان العزیمة هو فی التقیّة الخاصّة أی فی القسم الثانی من التقسیم الأول - أی الراجعة الی المؤمنین عامّة والی المذهب - وفی القسم الأول من التقسیم الثانی - أی التی بسبب نسبته وانتمائه الی المذهب --، ومن ثمّ یتّضح الخلل فی الأولویة فی الدلیل الثالث والخلل فی الأولویة فی تعمیم الاشکال، فإن ترک اظهار الکفر یعود ضرره علی الشخص خاصّة وأمّا الموارد الأخری من التقیّة التی بسبب الانتماء الدینی والمذهبی فانّ ترکها ضرره عائد علی عموم افراد المذهب وشؤونه.

ثم انّه اختلف فی الکلمات فی کراهة التقیة فی هذا المورد أو رجحانها وذلک لاختلاف الظهور فی الأدلّة فإن مقتضی الآیة کما تقدم الرخصة فی اظهار الکفر وهو یعطی رجحان ترکه والصبر علی الاکراه فالتقیة بإظهاره مرجوحة، اذ فی موارد الرفع للتنجیز أو للفعلیة التامة الملاک والمقتضی علی حاله.

وکذا ما هو مستفیض عن الأمیر (علیه السلام) فإن ظاهره مرجوحیة البراءة سواء کان بلفظ النهی أو الاستدراک بلفظ الجملة الحالیة، کما هو مقتضی الاستدراک والمقابلة.

وکذا ما یظهر من روایات أخری(1) المتضمنة لأخباره (علیه السلام) أصحابه بما یجری علیهم ووعدهم إیّاه بالصبر ثم اخباره لهم بعلوّ الدرجات.

ص:56


1- (1) وسائل الشیعة، ج16، ابواب الامر بالمعروف، باب29.

الروایات الأخری المعارضة لذلک:

منها: صحیح هشام بن سالم عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: (انّ مثل أبی طالب مثل أصحاب الکهف أسرّوا الایمان وأظهروا الشرک فآتاهم الله أجرهم مرّتین)(1)، ومثلها روایات أخری(2) وکون الصحیح مما نحن فیه هو بتقریب ان خشیة أبی طالب علی النبی صلی الله علیه و آله وبنی هاشم بمنزلة الاکراه علی اظهار الکفر.

ومنها: موثّق مسعدة بن صدقة قال: (قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) انّ الناس یروون انّ علیّا (علیه السلام) قال علی منبر الکوفة: (أیّها الناس انّکم ستدعون الی سبّی فسبّونی، ثم تدعون الی البراءة منّی فلا تبرؤوا منّی، فقال: ما أکثر ما یکذب الناس علی علی (علیه السلام) ثم قال: انّما قال: انّکم ستدعون الی سبّی فسبّونی، ثم تدعون الی البراءة منّی و إنّی لعلی دین محمد صلی الله علیه و آله ، ولم یقل: ولا تبرؤوا منی، فقال له السائل: أرأیت ان اختار القتل دون البراءة فقال و ما ذلک علیه، و ماله إلا ما مضی علیه عمار بن یاسر أکرهه أهل مکّة و قلبه مطمئن بالایمان فأنزل الله عز و جل فیه [إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ ] فقال له النبی صلی الله علیه و آله عندها: یا عمار ان عادوا فعد، فقد أنزل الله عذرک و أمرک أن تعود إن عادوا) ورواه فی قرب الاسناد عن هارون بن مسلم(3)، ونظیره ما رواه صاحب کتاب الغارات عن الباقر (علیه السلام) والصادق(علیه السلام) (4) والظاهر انّهما علیهما السّلام

ص:57


1- (1) وسائل الشیعة، ج16، ص255، ابواب الامر بالمعروف، باب29، ح1.
2- (2) مستدرک الوسائل، ج12، ص271، باب28. بحار الانوار، ج35، ص72، باب3.
3- (3) وسائل الشیعة، ج16، ص225، ابواب الامر بالمعروف، باب29، ح2.
4- (4) قرب الاسناد، ص8.

فی صدد دفع توهّم النهی التحریمی، وإلا فظهور المقابلة فی کلام الأمیر (علیه السلام) ظاهرها مرجوحیة البراءة منه عند الاکراه، وأما قوله (علیه السلام) (وما ذلک علیه و ماله إلا) و(أمرک أن تعود ان عادوا) فهو نفی توهّم لزوم الصبر و ترک التقیّة بل رجحان التقیّة باظهار البراءة و ظهور (ماله) وإن کان فی عزیمة التقیّة، إلا انّه بقرینة ما تقدم و بالاستشهاد بالآیة التی عرفت ظهورها - هو ظاهر فی الرجحان. و تفسیره اللام بمعنی النفع لا یخلّ و لا یخدش فی ذلک لا سیّما وانّ السیاق فی الجواب هو لبیان رجحان التقیة، وکذلک ظهور (أمرک) بعد الحظر فی الرجحان لا مجرد الرخصة بقرینة بیان المتعلّق بالتفصیل و کذلک قوله صلی الله علیه و آله یاعمار إن عادوا فعد).

ومنها: بکر بن محمد عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: (انّ التقیّة ترس المؤمن ولا ایمان لمن لا تقیّة له فقلت له: جعلت فداک قول الله تبارک و تعالی إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ قال: و هل التقیّة إلا هذا)(1)، و صدرها و إن کان فی عزیمة التقیة إلا أن الذیل فی مطلق الرجحان بقرینة الآیة و بقرینة موردها، اذ إلحاق الذیل سئل عنه الراوی و قرره علیه(علیه السلام)، و مثلها روایات أخری(2) تبیّن ارادة الرجحان من الاستثناء فی الآیة و أنّه أحبّ الیه (علیه السلام) ذلک وأن الله یحبّ أن یؤخذ برخصه کما یؤخذ بعزائمه.

ومنها: روایة محمد بن مروان قال: (قال لی ابو عبد الله(علیه السلام): ما منع میثم رحمه الله من التقیة؟ فو الله لقد علم إنّ هذه الآیة نزلت فی عمار وأصحابه إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ (3).

ص:58


1- (1) وسائل الشیعة، ج16، ص227، باب29، من ابواب الامر والنهی، ح6.
2- (2) المصدر، ح20 13 12 11.
3- (3) المصدر، ح3.

وتحتمل قراءة الفعل مبنیّا للفاعل و ما استفهامیة أو للمفعول وما نافیة والظاهر انّ کلمة میثم ممنوعة من الصرف للعلمیة والعجمة، فلا تنوّن عند النصب برسم (میثما) فعلی الأول تکون دالّة علی رجحان التقیّة، وعلی الثانی تحتمل الرجحان أیضا ویکون الذیل استدلالا له، وتحتمل المدح لصبره أو بیان التخییر، ولکن سیاق الذیل وذکر عمار وأصحابه موردا لنزول الآیة یقرّب رجحان التقیّة، وکذا تسمیة البراءة فی الظاهر بعنوان التقیة ظاهر فی ذلک لأنه من اثبات الحکم باثبات موضوعه، نظیر ما فی موثّق لمسعدة بن صدقة عنه(علیه السلام) (فان کان لیس مما یمکن أن تکون التقیّة فی مثله .... لأن للتقیّة مواضع)(1).

ومنها: روایة عبد الله بن عطا فی رجلین أخذا علی ذلک قال أبی جعفر(علیه السلام) (أما الذی برأ فرجل فقیه فی دینه، وأما الذی لم یبرأ فرجل تعجّل الی الجنّة)(2).

ووجه الجمع بین الطائفتین من الأدلة ارجحیة التقیة وإن کان الصبر علی الأذیة فی نفسه راجح، وأما ما یظهر من المستفیضة عن الأمیر (علیه السلام) فلعله لخصوصیة الظرف الذی لأصحابه بعده کمعلومیة قتلهم من بنی أمیّة وإن أظهروا التقیّة کما تدلّ علیه بعض تلک الروایات و یشهد له التاریخ، ولعلّه یشیر الی الخصوصیة تفرقته(علیه السلام) بین السبّ و البراءة، و إلا فهما بحسب الظاهر الأولی من واد واحد إذ السبّ کما هو قول جماعة فی باب الحدود موجب للردة فهو قطع للانتماء للدین وبراءة منه، فالأوفق فی

ص:59


1- (1) المصدر، باب25، ح6.
2- (2) المصدر، باب29، ح4.

وجه التفرقة هو کون السبّ اشارة الی البراءة اللفظیة الصوریّة و(البراءة) اشارة الی المعنی القصدی القلبی والعملی و یشهد لذلک تعلیله(علیه السلام) بأنّه علی دین محمد صلی الله علیه و آله فانّه مناسب لعدم البراءة الواقعیة لا لعدم البراءة الصوریة کالسبّ إلا ان هذا المعنی لما خفی علی کثیر من الناس توهّموا انّه نهی عن البراءة الصوریة فی مقام التقیّة وتجویز للسبّ تقیّة، مع انّ هذا المعنی من التفرقة لا محصل له کما تبیّن، و لعلّ نفیهما الباقر و الصادق علیهما السّلام للنهی فی کلامه(علیه السلام) اشارة الی ذلک، وانّه(علیه السلام) انّما علل لأجل افهام ذلک، و یشهد لهذا المعنی أیضا قوله(علیه السلام) - بالعطف - (ثم تدعون الی البراءة منّی) المفید للتراخی، أی أنّ بنی أمیّة و أزلامهم سیدعونکم و یلجئونکم الی السبّ و النیل و البراءة منّی لسانا ثم یستدرجونکم الی البراءة عملا و قلبا بلوازم المجاراة لهم فی افعالهم و سیرتهم و أقوالهم، فالحذر من ذلک لأنّه براءة من دین النبی صلی الله علیه و آله ولعل هذا التدرج و التفرقة بین الشقّین فطن به خواص أصحابه(علیه السلام) من قبیل میثم وحجر بن عدی وکمیل وقنبر ورشید وغیرهم رضوان الله تعالی علیهم واعلموا من کلامه(علیه السلام) انّ بنی أمیّة لا یقنعون من اتباعه ومحبیه وشیعته بالنیل والسبّ والبراءة منه لسانا بل یلجئونهم علی دیانتهم من البراءة - العملیة و القلبیة - من علی(علیه السلام) وهدیه الذی هو دین محمد صلی الله علیه و آله .

ویحتمل أن تکون الخصوصیة هی تبین وتمیز اتباعه (علیه السلام) ووضوح المذهب والمفارقة مع العامّة، وعلی أیة حال فالمستفیضة ظاهر أنّها مقیّدة بواقعة خاصّة، وهی الظرف الذی تعقّبه (علیه السلام) بخلاف الطائفة الثانیة وبخلاف عموم الآیة. هذا کلّه لو کان الإکراه علی البراءة من الدین

ص:60

بحسب المکلّف نفسه و الفعل فی نفسه وإلا فقد تکون التقیّة عزیمة فیما اذا ترتّب علی ترکها الضرر علی عموم المؤمنین والمذهب، وقد تکون مرجوحة فیما اذا ترتّب علیها تزلزل اعتقاد المؤمنین و وهن المذهب ویمکن حمل کلّ من الطائفتین السابقتین علی اختلاف الموردین، وان کان الأقوی ما تقدم.

ومنها: ما اذا انتفی الضرر والخوف فإنّه لا مجال للتقیة موضوعا أو حکما و یشیر الی ذلک موثّق مسعدة بن صدقة عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی حدیث (انّ المؤمن اذا أظهر الایمان ثم ظهر منه ما یدلّ علی نقضه خرج مما وصف و أظهر وکان له ناقضا إلا أن یدعی أنّه انّما عمل ذلک تقیّة و مع ذلک ینظر، فإن کان لیس مما یمکن أن تکون التقیّة فی مثله لم یقبل منه ذلک، لأن للتقیة مواضع من أزالها عن مواضعها لم تستقم له و تفسیر ما یتقی مثل أن یکون قوم سوء ظاهر حکمهم و فعلهم علی غیر حکم الحقّ و فعله) الحدیث(1).

وهذا تام بلحاظ أدلّة التقیّة العامّة التی بلسان الضرر أو الاضطرار أو الأدلّة الخاصّة الآخذة للعنوانین موضوعا أیضا، أما أدلّة تقیّة المداراة وحسن العشرة والمجاملة معهم - کما ستأتی - فلم یؤخذ فیها ذلک، إلا انّه یلزم البحث فیها: هل انّ متعلّقها عموم حسن العشرة أو الشمول الی اتیان الأعمال العبادیة بصورتها عندهم؟ ثم انّه قد تخرج تلک الأدلّة علی التقدیر الثانی بأنّها بلحاظ الضرر النوعی التدریجی علی الطائفة و الخوف علیها اذ المقاطعة تولد الجفاء و الشحناء التی تلتهب یوما ما.

کما انّ أدلّة التقیّة العامّة الأولی التی بلحاظ الضرر - تقدم - أنّها اذا

ص:61


1- (1) وسائل الشیعة، ج16، ص216، ابواب الامر والنهی، ح6.

زاحمت ملاکا أولیا أهم منها فانّها لا ترفعه و هذا یعدّ کحکم انتفاء الضرر.

الأثار المرفوعة بتوسط التقیّة:

حیث أن عمومات التقیّة کما تقدم هی بعنوان الاضطرار سواء بلسان الرفع أو بلسان الحلّ والجواز، فالرفع بتوسط ذلک العنوان والصحیح لدینا تبعا لارتکاز المشهور هو کون الرفع للعزیمة أی للفعلیة التامّة للحکم فضلا عن التنجیز والمؤاخذة، لا لأصل الفعلیة ولو الناقصة أی لا بمعنی التخصیص الاصطلاحی، نعم بلحاظ اللسان الآخر منها مثل (لا دین لمن لا تقیّة له) أو (التقیة دینی ودین آبائی) یکون فعل التقیة واجب فیشکل حینئذ بقاء الحکم الأولی و لو بدرجة الفعلیة الناقصة وأصل ملاکه، إلا انّه مدفوع بأنّه من باب التزاحم الملاکی حینئذ نظیر موارد اجتماع الأمر و النهی بناء علی الامتناع الذی ذهب الیه مشهور الفقهاء و المحقق الآخوند، والحاصل أن الرفع هو تقیید فی مرحلة الفعلیة التامّة بلسان الرفع.

هذا کلّه فی الآثار والأحکام المرتبطة بالفعل کمتعلّق لها، وهو المتبادر من الرفع والحل.

وأمّا الآثار المرتبطة بالفعل کموضوع، فقد یتأمّل فی الشمول فی النظرة البدویة لکن الصحیح شمول الرفع لذلک فی الآثار المترتبة علی الفعل ذی الحکم بمرتبة الفعلیة التامّة أو المنجزة، فانّه بزوال تلک المرتبة ینعدم موضوع تلک الآثار. وأمثلة هذه الآثار هو الکفّارات ککفّارة افطار الصوم و کفّارة حنث النذر والیمین والحدّ الشرعی فی باب الحدود والتعزیرات و نحوها، ویتبیّن بذلک أنّ رفع هذه الآثار المترتّبة علی الفعل

ص:62

لموضوع هو بالتبع لا بالأصالة، فلا یرد الاشکال بتباین سنخ الرفع مع النمط الأول.

وأمّا الآثار المترتبة علی أصل الفعلیة والمشروعیة فارتفاعها غیر معلوم وذلک نظیر الضمان المترتب علی فعل الاتلاف ونحو ذلک وإن کان عدم ارتفاعه من جهة أخری أیضا وهی کون ذلک خلاف الامتنان.

ویعضد هذا التقریب للنمط الثانی من الآثار ما فی عدّة من الروایات:

منها: ما رواه الصدوق بالسند المعروف لشرائع الدین عن الأعمش عن جعفر بن محمد(علیه السلام) قال: (واستعمال التقیّة فی دار التقیّة واجب ولا حنث ولا کفّارة علی من حلف تقیّة یدفع بذلک ظلما عن نفسه)(1).

ومنها: ما فی صحیح صفوان وابن ابی نصر عن أبی الحسن(علیه السلام) (فی الرجل یستکره علی الیمین فیحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما یملک أیلزمه ذلک؟ فقال: لا، قال رسول الله صلی الله علیه و آله وضع عن أمتی ما أکرهوا علیه وما لم یطیقوا وما اخطؤوا)(2)، ویظهر منها رفع وجوب الوفاء بالیمین مباشرة بتوسط الاکراه علی الموضوع وإن کان بطلان هذا الحلف من جهات أخری أیضا ککونه حلفا بغیر الله تعالی، وکونه اکراهیا لیس باختیاره ورضاه وظاهرها أن الرفع تقیید فی أصل الفعلیة وأنّه ینعدم موضوع الحکم لا علی غرار رفع حکم المتعلّق أنّه قید فی الفعلیة التامّة والتنجیز.

ومنها: صحیح أبی الصباح قال: (والله لقد قال لی جعفر بن

ص:63


1- (1) الوسائل، ج16، ص210، باب24، ح22.
2- (2) وسائل، ج23، ص227، باب من ابواب الایمان، باب12.

محمد(علیه السلام) انّ الله علّم نبیّه التنزیل والتأویل فعلّمه رسول صلی الله علیه و آله علیّا(علیه السلام) قال: وعلّمنا واللهثم قال: ما صنعتم من شیء أو حلفتم علیه من یمین فی تقیّة فأنتم منه فی سعة)(1) بتقریب التوسعة بمنزلة الرفع للعزیمة و التنجیز.

فائدة:

اشارة

جریان الرفع فی الأوامر الضمنیة:

وأمّا الجزئیة و الشرطیة و المانعیة فهی أیضا من شؤون النمط الأول و هو الآثار التی ارتباطها بالفعل کمتعلّق لها، إلا أنّ التقیّة والاضطرار لیس فی ترک الفعل برمّته ولا الی ارتکاب فعل ممنوع عنه بنفسه مستقلا، ویستدلّ علی صحّة العمل الناقص المأتی به بوجوه:

الوجه الأول: حدیث الرفع المعروف:

حیث أن أحد العناوین التسعة فیه هو ما اضطروا الیه وکذا نفی الضرر ویشکل علیه - کما هو معروف فی کلمات الأعلام فی العصر المتأخر - :

أولا: بأن الاضطرار لایصدق إلا باستیعاب الوقت کلّه والاضطرار فی بعض الأفراد لیس هو الاضطرار فی ترک الکلی الطبیعی المأمور به، وحیث أن المرکب ارتباطی فترک بعضه ترک له کلّه فالاضطرار انّما هو فی رفع الأمر المتعلّق بالمجموع، فالرفع لیس مفاده اثبات الأمر للباقی الناقص.

ص:64


1- (1) وسائل، ج23، ص224، باب12، من ابواب الایمان، ح2.

وبعبارة مختصرة انّ الضمنی غیر مجعول بالذات و انّما المجعول الأمر المجموعی فهو المضطر الی ترکه المشمول لحدیث الرفع والباقی لا یثبته مفاد الرفع.

ثانیا: انّ الالتزام برفع الأوامر الضمنیة یلزم منه فقه جدید إذ یلزم تبعیض لا حصر له فی المرکبات العبادیة کالصوم و الاعتکاف وابعاض الحج والصلاة الی أنحاء ودرجات عدیدة.

ثالثا: ما سیأتی من الاشکال المشترک علی الوجوه الأخری.

والجواب عنه:

امّا الأول: فبما أشرنا الیه فی المسح علی الخفّ والحائل أن حدیث الرفع وإن کان بلسان الرفع إلا أنّه لبّا تخصیص و تقیید، فکما أن الأدلّة الواردة فی الاجزاء والشرائط تقید بعضها بعضاً وتخصصه من دون الایراد علیها بأن الأوامر الضمنیة غیر مجعولة، فان التخصیص فیها محمول علی بیان اعتبار حدود تعلّق الأمر المجموعی بالجزء أو الشرط ولو کان بلسان الجعل أو نفی الجعل أو الوضع و نفیه فانّه لا یتوقّف فی استظهار التخصیص أو التقیید بمجرد تلک الألسنة بدعوی انّ الجعل ورفعه أو الوضع ورفعه فی الجزء والشرط غیر معقول بنفسه بل بتوسط الأمر المجموعی، بل أنّه یحمل علی بیان حدود متعلّقة. کذلک الحال فی حدیث الرفع فانّه تارة یبین تقیید الأمر المجموعی بتمام المتعلّق بالعناوین التسعة أو الستة.

وأخری یبین تقیید حدود تعلّق الأمر المجموعی بالجزء أو الشرط بتوسط العناوین الطارئة، فحیث یکون طروّ العناوین علی الکل أو الأکثر یکون التقیید للأمر المجموعی بلحاظ کلّ المتعلّق.

ص:65

وحیث یکون طروّ العناوین الثانویة علی بعض الأجزاء أو الشرائط أو الموانع یکون تخصیصا لحدود تعلّق الأمر المجموعی بذلک الجزء أو الشرط أو المانع، فلسان الرفع لمعروض العناوین الطارئة تارة یکون الکل وأخری البعض، وفی الصورتین الرفع لبّا تخصیص وتقیید علی وزان الأدلّة المخصصة للأدلّة العامّة المتعرضة لاعتبار الأجزاء والشرائط، وکما لم یتوقّف فی استظهار تحکیم ظهور الرفع فی تقیید الأوامر الأولیة فی الأبواب المختلفة کذلک الحال فی تحکیمه علی ظهور أدلّة اجزاء و شرائط تلک الأبواب.

وکذلک الحال فی قاعدة الحرج والضرر کما هو مفاد حسنة عبد الأعلی مولی آل سام الواردة فی المسح علی المرارة الموضوعة علی الاصبع المقطوع اظفره المتقدمة فی مسألة المسح علی الحائل. والغریب التفکیک فی اجراء حدیث الرفع فی الاوامر الضمنیة بین فقرة (ما لا یعلمون) وبقیة الفقرات، ومن ثمّ اضطرّ ذلک بعض المحققین من السادة المشایخ الی التوسّل بالانحلال فی التنجیز الحکمی واجراء البراءة فی الأمر المجموعی المتعلّق بالأکثر المشکوک دون المتعلّق بالأقلّ للعلم بتنجزه علی کل حال، وإن کان هذا التقریب غیر تام کما حررناه فی محلّه.

أما عن الثانی: فقد أشرنا فیما سبق فی المسح علی الحائل عند الضرورة - أنّه غایة هذا المحذور هو عدم التمسّک باطلاق الرفع فی کل المرکبات ما لم یظهر من الأدلّة فی المرکب المعیّن ما یدلّ علی تعدد مراتب المطلوب فیه عند الشارع اجمالا، وهذا لا یعنی انتفاء فائدة حدیث الرفع کما لا یخفی، و بعبارة أخری بعض المرکبات هی کالوحدة البسیطة غیر قابلة للتفکک هیئة وملاکا، وبعضها هی فی عین وحدتها هی ذات درجات ائتلافا وترکبا،

ص:66

ویکفی ظهور بعض الأدلّة علی کون المرکب من النمط الثانی فی التمسّک بعموم الرفع، وان کانت تلک الأدلّة واردة فی اجزاء أو شرائط أخری غیر الجزء أو الشرط الذی یراد رفعه بطروّ العناوین الثانویة. وتأتی تتمّة ذلک فی الوجوه اللاحقة ثم انّه لا یخفی انّ التمسّک بحدیث الرفع انّما هو فی الاضطرار المستوعب لا مع المندوحة الطولیة.

الوجه الثانی: ما کان بلسان الاثبات کالحل والسعة ونحوهما:

1. ما فی صحیح الفضلاء قالوا: سمعنا أبا جعفر (علیه السلام) یقول: (التقیّة فی کلّ شیء یضطر الیه ابن آدم فقد أحلّه الله له)(1)، بتقریب أن الحلّ یتناول التکلیفی والوضعی، أو انّ الحلّیّة مقابل الحرمة التکلیفیة النفسیة والغیریة، أو أن الحلّیة مقابل التکلیفیة النفسیة المستقلّة والضمنیة، فالشیء بعمومه یتناول المرکب بتمامه و الفعل الواحد کما لو کان أصل الصیام یوم فطرهم یتخوّف منه أو أکره علی شرب النبیذ، ویتناول أبعاض المرکب من الجزء أو الشرط و ذلک بحسب تحقق طروّ العناوین التسعة أو الستة تارة علی الفعل والمرکب بتمامه وأخری علی الأبعاض فقط.

2. موثّق مسعدة بن صدقة عن أبی عبد الله(علیه السلام) - فی حدیث - (و تفسیر ما یتقی مثل أن یکون قوم سوء ظاهر حکمهم و فعلهم علی غیر حکم الحق و فعله. فکل شیء یعمل المؤمن بینهم لمکان التقیّة مما لا یؤدی الی الفساد فی الدین فانّه جائز)(2)، والتقریب کما سبق لاسیّما وأن الشیء فیه وصف بالعمل الذی یأتیه بینهم بصورة التقیّة وهو أصرح فی تناول

ص:67


1- (1) وسائل الشیعة، ج16، ص215، باب25 من ابواب الامر والنهی، ح2.
2- (2) المصدر، ح6.

الأبعاض للمرکب.

3. صحیح زرارة (قال: قلت له: فی مسح الخفّین تقیّة؟ فقال: ثلاثة لا أتقی فیهنّ أحدا: شرب المسکر، ومسح الخفّین، و متعة الحج، قال زرارة: و لم یقل الواجب علیکم أن لا تتقوا فیهنّ أحد)(1) ومثله صحیح هشام بن سالم عن أبی عمر الأعجمی عن أبی عبد الله(علیه السلام) - فی حدیث - (أنّه قال: لا دین لمن لا تقیّة له، و التقیّة فی کل شیء إلا فی النبیذ والمسح علی الخفّین)(2) وظاهرها عموم جریان التقیّة فی الأحکام النفسیة والغیریة أو الاستقلالیة والضمنیة بشهادة استثناء مثالا من کلا القسمین من العموم المقتضی لتناوله لهما.

4. صحیح أبی الصباح - المتقدم - عن أبی جعفر(علیه السلام) - وفیه - (ما صنعتم من شیء أو حلفتم علیه من یمین فی تقیّة فأنتم منه فی سعة)(3)، بتناول عموم الشیء لترک جزء وشرط أو اتیان مانع، أو بتناول (ما) للعمل الذی صنعه بنحو ناقص فاقد للجزء أو الشرط.

5. موثق سماعة قال: (سألته عن رجل کان یصلّی فخرج الامام وقد صلّی الرجل رکعة من صلاة فریضة؟ قال: إن کان اماما عدلا فلیصل أخری وینصرف ویجعلها تطوعا ولیدخل مع الامام فی صلاته کما هو، و إن لم یکن امام عدل فلیبن علی صلاته کما هو و یصلی رکعة أخری ویجلس قدر ما یقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له، و أشهد أنّ محمدا عبده ورسوله صلی الله علیه و آله ثم لیتمّ صلاته معه علی ما استطاع، فانّ التقیّة

ص:68


1- (1) المصدر، ح5.
2- (2) المصدر، ح3.
3- (3) وسائل الشیعة، ج23، ص224، باب12 من ابواب الایمان، ح2.

واسعة، ولیس شیء من التقیّة إلا وصاحبها مأجور علیها، إن شاء الله)(1).

فإن صلاته وإن لم تکن اقتداء بالامام منهم بل صورة اقتداء اذ هو یتابع ویبنی علی ما ابتدأ به، إلا أن قوله(علیه السلام) (لیتمّ صلاته معه علی ما استطاع) دال علی إجزاء صلاته وإن کانت ناقصة لبعض الاجزاء والشرائط أو مشتملة علی بعض الموانع، فانّه قیّد الأمر بإتمام بقیة اجزائها بالقدرة علیها وکلّما لم یقتدر علیه فهو غیر مخلّ بالصحّة.

ثمّ انّ مقتضی هذا اللسان وإن کان الاضطرار المستوعب لورود اللفظ به، إلا أن اشتماله علی عنوان التقیّة یظهر منه کفایة مطلق الاضطرار ولو فی الفرد لا بحسب کلّ الطبیعة، لما سیاتی من عدم اعتبار المندوحة فی عنوان التقیّة.

الإشکال علی هذا اللسان عموما.

أولا: بأن دلیل الاضطرار لا یحقق موضوعه و لازم دعوی شموله للأمر الغیری أو الضمنی هو ذلک، بیانه انّ الجزء و الشرط لما کان ارتباطیا فالعجز عنه عجز عن المرکب بتمامه، ولا محصل للاضطرار الی ترکه بخصوصه لأنه عین الاضطرار الی ترک الکل، فلا اضطرار الی الجزء والشرط بخصوصه، وهذا مقتضی الارتباطیة ووحدة الأمر المتعلّق بالاجزاء، نعم بحلّیة ترک الجزء أو الشرط ینفّک هذا الارتباط فینفّک الاضطرار الی ترک الجزء عن الاضطرار الی ترک الکل، ولکن هذا من تحقیق الحکم و الموضوع نفسه، و إلا فمع فرض الارتباطیة فالاضطرار هو

ص:69


1- (1) وسائل الشیعة، ج8، ص405، باب56 من ابواب صلاة الجماعة، ح2.

لترک الکل والحلّیة هی فی ترکه لا ترک خصوص الجزء(1)، و کذلک الحال فی لسان السعة التی موضوعها الضیق وفی لسان الجواز الذی موضوعه ما کان محرّما فی نفسه وفی لسان ما استطاع الذی موضوعه القدرة.

وفیه: إنّه وإن کان ترک الجزء ترکا للکلّ بمقتضی الارتباطیة والاضطرار الی ذلک اضطرار الی ترک الکلّ، إلا أن ذلک لا ینفی صدق تحقق عنوان الاضطرار الی ترک الجزء بشهادة صدق تعلیل عدم القدرة علی الکل بعدم القدرة علی ذلک الجزء فأحد الاضطرارین فی طول الاخر وأحد العجزین فی طول الآخر، ومع صدق ذلک لا حاجة الی التوسّل بالحکم - وهو حلّیة الترک - لتحقیق صدق الاضطرار الی ترک الجزء، ومن ثم تری اسئلة الرواة مفترضاً فیها الحرج أو الاضطرار فی خصوص جزء أو شرط ما کما فی أکثر الروایات الواردة فی الخلل فی المرکبات العبادیة، ومع جریان الرفع فی الاضطرار أو الحرج المتقدم رتبة لا تصل النوبة لجریانه فی الاضطرار الی ترک الکل أو الحرج فی المجموع. و هکذا الحال فی لسان الضیق أو الحرمة فانها صادقة علی الحرمة الضمنیة النفسیة.

ثانیا: بأن لازم اجراء حلّیة الاضطرار - ولو للتقیّة - فی اجزاء العبادات هو اجراؤها فی المعاملات بالمعنی الأعم کتطهیر الثوب المتنجس اذا اضطر الی غسله مرّة أو بغیر الماء أو الطلاق بغیر عادلین، وکذلک لازمه اجراء حلّیة الاضطرار فی التقیّة فی الموضوعات و عدم اختصاصها بالتقیّة فی الأحکام، کما اذا اعتقد بعض العامّة غیر الحاکم لدیهم بأن هلال شوال قد تولّد وأن غدا عید والظاهر عدم التزام الفقهاء بذلک.

ص:70


1- (1) التنقیح فی شرح العروة الوثقی، ج5، ص276.

وفیه: إن عدم جریان حلّیة الاضطرار و لو للتقیّة فی المعاملات بالمعنی الأعم فلوجوه: أما المعاملات بالمعنی الأخصّ الشاملة للایقاعات، فلأن جریانه فی السبب لا یثمر فی وجود المسبب الذی هو عبارة عن معنی المعاملة الذی یوجد بوجود بسیط اعتباری لا ترکیبی متدرج کالسبب - الایجاب والقبول - هذا بالنسبة الی لسان الرفع، وأما لسان الحلّ بالاضطرار فلعدم تصور تحقق عنوان الاضطرار و موضوعه أو أن الامتنان هو فی عدم نفوذ السبب لو أکره علیه، مضافا الی بقاء تأثیر السبب السابق علی حاله والفرض أن السبب اللاحق وجد ناقصا. وأما غیر المعاملات بالمعنی الأخص، فلأن مطلق الأسباب اذا لم توجد تامّة فلا یتحقق ما هو مضاد للسبب السابق، فمثلا ملاقاة النجس للثوب تسبب نجاسته وهذا السبب باق تاثیره حتی یرفعه سبب تام لاحق من التطهیر مرّتین مثلا، و الفرض عدم وجوده، وأما السبب الناقص فلا تجری فیه قاعدة الاضطرار سواء بلسان الحل الاثباتی أو الرفع النافی، لأن المفروض جریانها فی أفعال المکلف لا ما هو خارج عنها مترتب علی وجود أسباب لیست من افعاله کالأعیان أو الأوصاف الخارجیة، بخلاف ما لو اضطر الی الصلاة فی الثوب النجس أو شرب المتنجس.

وأما عدم جریان التقیة لدیهم فی الموضوعات التی لا تؤول الی الأحکام الکلیّة والخشیة من السلطان فلانتفاء الاضطرار والتقیّة حینئذ غالبا، لأنه من الاختلاف فی الاحراز فی طبیعة البشر و یمکن رفعه بالتنبیه و الإلفات، ولو افترض الاضطرار أو الاکراه نادرا فعدم جریان القاعدة حینئذ أول الکلام، اذا افترض انّ المورد من مواردها التی تتوفّر فیها بقیّة شرائط جریان القاعدة وقد تقدمت الاشارة الی بعضها فلاحظ.

ص:71

وأشکل علی خصوص موثّق مسعدة ثالثا: بضعف السند به و بأن الجواز مسند الی فعل فهو ظاهر فی الجواز النفسی لا الغیری، و الروایة متعرضة لحکم التقیّة نفسها لاحکم الفعل المتقی به بقرینة صدرها - الذی تقدم نقله فی الأمر الثالث.

وفیه: أما مسعدة فانّه و إن کان عامیا بتریا إلا انّه صاحب کتاب بل کتب معتمدة رواها عنه هارون بن مسلم الثقة، وقد اعتمدها المحدّثون فی الأبواب الروائیة المتعددة بل قد روی هو روایات عن الصادق فی الأئمّة الاثنی عشر وغیرها مما یدل علی تشیّعه إلا أنه کان مخالطا للعامّة للتقیّة، ومن ثمّ یسند روایات الصادق عن آبائه (علیهم السلام)، هذا مع قوّة القول باتّحاده مع مسعدة بن زیاد الربعی الموثّق لاتّحاد الطبقة والراوی عنهما واتّحاد اللقب واتّحاد ألفاظ روایتهما فی کثیر من الموارد.

وأمّا الجواز فاسناده الی عموم الفعل لا یوجب ظهور الجواز فی خصوص النفسی المستقل، إذ من الأفعال ما یکون مرکبا عبادیا ناقصا بعض أجزائه ومنها ما یکون فعلا ذا ماهیة واحدة کمتعلّق الحرمة التکلیفیة کمدح الظالمین واظهار تولیهم، والغالب فی ما یتقی به من الأعمال هو فی العبادات فکیف یدعی انصراف العموم عنه، وأما کون الحکم هو للتقیّة لا للفعل المتّقی به فغریب لأن التقیّة من المسببات التولیدیة أو العناوین الصادقة علی نفس الأفعال، و یشهد لذلک صدر الروایة حیث ذکر فیها الموانع التی لا تجوز فیها التقیة، والحرمة انما هو للافعال التی یتّقی بها أنّها باقیة علی حرمتها فی المواضع التی لا تشرع فیه التقیّة، و بعبارة أخری إن فی باب التقیة ثلاثة أمور:

أولها: موضوعها وهو ما یوجب الخوف أو الضرر علی النفس أو

ص:72

علی المؤمنین.

ثانیها: الفعل الذی یتّقی به و له حکم أولی، ثالثها: الوقایة کاسم مصدر الواجبة لحفظ النفس وصیانتها ونحوها، ومن الواضح أن الروایة متعرضة للأمرین الأولین لا للثالث، ومتعرضة للتقیة کمصدر حدثی یحصل بالفعل الذی یتّقی به، نظیر ما فی روایة أخری (إن التقیّة تجوز فی شرب الخمر)(1).

وأشکل علی خصوص روایة أبی عمر الاعجمی. رابعا: بضعف السند وبأنّ حمل الروایة علی هذا المعنی یستلزم استثناء شرب المسکر و المسح علی الخفّین من حکم التقیّة، و الحال أنهما لیس بأعظم من هلاک النفس فاذا اضطر الیهما یلزم ارتکابهما حفظا علیها، بل الصحیح فی معنی الاستثناء هو عدم تحقق موضوع التقیّة فیهما لأن حرمة المسکر بنص القرآن ولا یختلف فیه أحد، ومسح الخفّین غیر واجب عند العامّة بل مخیّر بینه و بین غسل الرجلین فیتعیّن الثانی للأمر به تقیّة وأقربیّته للوظیفة الأولیة من المسح علی الخفّ، فالروایة فی هذا الصدد لا فی ارتفاع أحکام الفعل المأتی به.

وفیه: أنّه علی المعنی الثانی أیضا لا یضرّ بالاستشهاد بالروایة لأنه أیضا تنصیص علی عموم مشروعیة التقیّة فی الأفعال ذات الحکم النفسی المستقل أو ذات الحکم الغیری والضمنی، إلا انّه استثنی هذین الموردین أو الثلاثة لانتفاء موضوعها بخلاف سائر الموارد، ولعلّ مراد المستشکل ما یرجع الی الاشکال الثالث من انّ الروایة متعرضة لحکم التقیّة لا لرفع

ص:73


1- (1) وسائل الشیعة، ج16، ص217، باب25 من ابواب الامر، ح7.

حکم الفعل الذی یتّقی به وقد تقدم الجواب عنه.

وأمّا ضعف السند فمضافا الی أن الروایة یمکن أن تعدّ حسنة، أن صحیحة زرارة بالطرق المتعددة متحدة المضمون معها.

وأشکل علی خصوص صحیحة أبی الصباح خامسا: بأن السعة انّما هی بلحاظ الأمور والآثار المترتبة علی العمل فی الخارج کالإلزام بالحرمة أو الحدّ أو الکفّارة والحنث ونحو ذلک، وأما الفساد المترتب علی ترک الجزء والشرط أو اتیان المانع فانّه أمر قهری تکوینی لیس من محل وضع أو رفع الشارع، کما أن وجوب الاعادة أو القضاء لیس من آثار العمل الخارجی و انّما هما بمقتضی الأمر الابتدائی.

وفیه: إن الوجوب أو الحرمة النفسیین لیسا مترتبین علی الوجود الخارجی للعمل کما هو الحال فی الکفّارة و الحدّ و نحوهما، بل ارتباطهما هو بنحو یکون الفعل متعلّقا لهما بوجوده الفرضی التقدیری کما هو الشأن فی سائر المتعلقات للاحکام، المغایر لکیفیة ارتباط الحکم بموضوعه فانّه مترتب علی وجوده الخارجی المتحقق لا مرتبط بوجوده الفرضی المقدّر إلا فی القضیة الانشائیة، واذا کان الحال کذلک کان تعلّق الحرمة الغیریة أو الضمنیة النفسیة أو الوجوب کذلک هو بالوجود الفرضی التقدیری للفعل لا بالترتب علی الوجود الخارجی، کما هو الحال فی الحرمة والوجوب النفسیین الاستقلالیین، غایة الأمر قد قدمنا أنّ قاعدة الاضطرار بلسان الرفع والنفی أو بلسان الحل و الاثبات إما ترفع حکم المتعلّق أعم من الاستقلالی أو الضمنی، ومن ثمّ ترتفع الأحکام الأخری التی نسبتها الی الفعل نسبة الموضوع الی حکمه تبعا لأنها مترتبة علی الفعل المنجز حکمه کما هو الحال فی الکفارة والحدّ، وإما ترفع القاعدة کل من الحکمین اللذین

ص:74

لهما ارتباط مختلف بالفعل سواء بنحو المتعلّق له أو بنحو الموضوع له کما هو مفاد صحیح صفوان وابن ابی نصر - المتقدم فی صدر الکلام فی الأمر الرابع - فی مثال الحلف بالطلاق و العتاق، حیث ان رفع الالزام والکفارة والحنث المرتبطة بالفعل بنحو الموضوع لهما ولیس من حکم مرتبط بنحو المتعلّق بالحلف المکره علیه.

وأشکل علی خصوص موثّق سماعة سادسا: بأن مفادها لیس هو الاقتداء بالامام الذی لیس بعدل بل هو اظهار الائتمام والاقتداء به بقدر یستطیعه من الاظهار والابراز لأن التقیّة واسعة، لا الاکتفاء فی الصلاة معهم بما یتمکّن منه من الاجزاء والشرائط کما صرّح بذلک صاحب الوسائل فی عنوان الباب باستحباب اظهار المتابعة فی أثناء الصلاة مع المخالف تقیّة، مضافا الی کونها مضمرة.

وفیه: انّ مفادها وإن لم یکن الاقتداء بالمخالف حقیقة، بل استحباب اظهار المتابعة معه إلا أن قوله(علیه السلام) (ثم لیتمّ صلاته معه علی ما استطاع فان التقیّة واسعة) ظاهر فی اتمام صلاته - التی یظهر المتابعة فیها - بقدر ما یستطیع من اتیان الاجزاء والشرائط، لأن المتابعة ولو الصوریة توجب تقیّد المصلی ووقوعه فی الضیق عن الفسحة و اتساع المجال لاتیان کلّ الأجزاء والشرائط بحدودها المقررة فی الوظیفة الأولیة، و أما المعنی الآخر المدعی لمفاد (علی ما استطاع) من أن اظهار المتابعة وابرازها هی بحسب قدرته لأن التقیّة واسعة، فلا محصل له، اذ أی معنی لتسویغ الاظهار للمتابعة الناقصة غیر الکاملة فی الصورة فانّ ذلک نقض لحصول التقیّة، و کیف تفسّر وسعة التقیة بمعنی شمولها للدرجات الناقصة للتقیة والدرجات التامّة، فانّ النقص فی اتیان التقیّة یخالف الغرض المطلوب من التقیة، بل المراد من سعة

ص:75

التقیّة تجویزها لکلّ صورة عمل تتحقق به التقیّة من دون تحدیده صورة معیّنة خاصّة لذلک العمل بل بحسب ظرف الشخص الذی تنزل به ویحلّ به الاضطرار، فالتعلیل شاهد آخر للمعنی الذی قرّبناه للروایة.

الوجه الثالث: لتصحیح العمل الناقص المأتی به:

هو السیرة المتشرعیة القائمة علی عدم اعادة ما أتی به تقیّة و القدر المتیقن منها ما کثر الابتلاء به کالتکتّف فی الصلاة وغسل الرجلین فی الوضوء، و قد یعدّ منه الصلاة علی ما لا تصحّ السجود علیه، وفیه نظر، اذ المساجد فی عصر النصّ کانت اما مفروشة بالحصی أو بالبواری والحصر مما یجوز السجود علیه، وکالوقوف بعرفات یوم المردد انّه الثامن أو التاسع من ذی الحجّة بحسب الواقع، وان کان بحسب الامارة الظاهریة هو الیوم الثامن من رؤیة الهلال، لکنّه محتمل تولده فی اللیلة السابقة ولم ترصد رؤیته، فان فی مثل هذه الموارد لو لم یکن العمل مجزئاً لورد ما یدل علی الاعادة ولم یکف للدلالة علیها الأدلة الأولیة علی الجزئیة و الشرطیة بعد قیام السیرة المتکررة لکثر الابتلاء،ولا سیما وان العمل صدر بتسبیب اوامر التقیة العامة - ولو بنی علی عدم استفادة الاجزاء منها - وأما ما یظهر من عدّة من الروایات(1) الامر بالصلاة فی المنزل قبل الصلاة معهم أو بعدها فسیاتی أنّها واردة فی التقیّة للمدارة والعشرة معهم لا التقیّة فی الخوف أو أنّها محمولة علی وجه آخر، ثمّ انّه یمکن جرد الوجوه الدالة علی اجزاء

ص:76


1- (1) وسائل الشیعة، ج8، ص302، الباب6 من ابواب صلاة الجماعة. التی منها: ما رواة الشیخ الصدوق باسنادة عن عمر بن یزید عن ابی عبد الله (علیه السلام) انه قال (ما منکم احد یصلی صلاة فریضة فی وقتها ثم یصلی معهم صلاة تقیه وهو متوضئ الا کتب الله له بها خمساً وعشرین درجة...) المصدر، ح1.

الوقوف مع العامّة فی یوم الشکّ علی النحو الآتی:

الأول: ما تقدم من السیرة المستمرة علی ذلک طوال ثلاثة قرون من عهد الحضور للمعصومین(علیهم السلام)، حیث لم یشیروا الی مخالفتهم فی الوقوف، ولو أمروا شیعتهم لتوفر النقل عنهم، وما قد یقال من رصد بعض کتب التاریخ للاختلاف فی الموقف بین العامّة أنفسهم فهو فی أواخر القرن الرابع، وهذا التقریب للسیرة لا یبعد تأتیه فی الیوم المعلوم انّه لیس التاسع من ذی الحجّة أی انّه إما الثامن وأما العاشر منه، والصورة الأولی وإن کانت نادراً وقوع العلم بها، لکن الصورة الثانیة ممکنة الوقوع بأن یتأخّر حکمهم بالهلال لیلة، اذ طوال القرون الثلاثة یبعد عدم تحقق الاختلاف المعلوم مع الواقع. ثمّ انّه هذا لا یفرق فیه بین حجّة الاسلام و غیرها، لاسیّما وأنّه بانشاء الحج یتولّد وجوب اتمامه صحیحا.

الثانی: ما یستفاد من صحیح زرارة المتقدم وصحیح هشام عن ابی عمر الاعجمی من استثناء خصوص المتعة للحج من عموم التقیّة، الظاهر فی تأتیها فی غیر المتعة من أجزاء وشرائط الحج کالوقوف معهم.

الثالث: معتبرة ابی الجارود قال: (سألت ابا جعفر(علیه السلام) أنّا شککنا سنة فی عام من تلک الأعوام فی الأضحی فلما دخلت علی أبی جعفر(علیه السلام) وکان بعض أصحابنا یضحی، فقال: الفطر یوم یفطر الناس والاضحی یوم یضحی الناس، و الصوم یوم یصوم الناس)(1).

ومعتبرته الأخری، قال: (سمعت أبا جعفر محمد بن علی(علیه السلام) یقول: صم حین یصوم الناس وافطر حین یفطر الناس، فان الله جعل

ص:77


1- (1) وسائل الشیعة، ج10، ص133، باب57 من ابواب ما یمسک عن الصائم، ح7.

الأهلة مواقیت)(1).

وظاهرهما الاعتداد بما یبنون علیه فی الهلال کإمارة ظاهریة - بقرینة الصوم - وهما انّ لم یعمل بهما فی هلال شهر رمضان و شوال فلا یخل فی دلالتهما علی هلال ذی الحجّة، - ان لم یحملا علی اشتهار الرؤیة ولو بقرینة لفظة (الناس) المراد بهم العامّة دون الخاصّة، وامّا توهم الاعتداد بحکمهم فی الهلال کبدل واقعی فلا یساعده الظهور بعد ما کان الحال فی شهر رمضان هو بحسب الواقع، وإن أمکن دفع الاشکال بأن عدم الاجزاء هو لعدم الاتیان وترک الفعل، لا أن الفعل الناقص للتقیّة غیر مجزئ.

الرابع: قاعدة الحرج بالمعنی الثانی - أی التی أدلّتها محمولة علی بیان نمط التشریع وحکمته انّه یسر ولیس بعسر وأن الشریعة سمحة سهلة بیضاء، فإنّها وإن لم تکن رافعة نظیر قاعدة الحرج بالمعنی الأولی المعروفة الدائرة مدار الحرج الشخصی، إلا ان مجموع أدلّتها تکون کالقرینة العامّة المنضمة الی أدلّة الأحکام الأولیة فی کلّ باب، فتکوّن دلالة اقتضائیة تحدد العموم و تقیده أو توسعه، بالقدر القطعی من مدلول الاقتضاء، ففی ما نحن فیه من الحج لعموم المکلفین المؤمنین لو یجعل الموقف هو بحسب الامارة المعتد بها شرعا، لکان فی ذلک من الحرج البالغ علی غالب المکلفین ولأدّی ذلک الی الفتنة علی الطائفة، والضرر البالغ، ولا یفرق فی ذلک بین صورة الشک فی یوم التاسع - بحسب الواقع - أو صورة العلم بمخالفته للواقع، وان کان فی الشقّ الأول الابتلاء أکثر شیوعا.

الخامس: أدلّة التقیّة العامّة من رفع الاضطرار.

ص:78


1- (1) وسائل الشیعة، ج10، ص292، باب12 من ابواب احکام شهر رمضان، ح5.

وقد یشکل علی الوجهین الأخیرین أولا بأن الوقت مقوم لماهیة الموقف الذی هو رکن کما فی ظهریة صلاة الظهر فبرفعه ترتفع الماهیة وثانیا بان الاضطرار غیر مستوعب لأن الحج لا یشترط فی صحّته وقوعه فی عام خاص بل یصحّ فی أی عام والجواب انّه لو کان النظر الی دلیل الموقف و قید الوقت فیه لکان الاشکال الأول فی محلّه، و لکن بالنظر الی دلیل جعل البدل الاضطراری للموقف کلیلة العاشر أو اختیاری المشعر وحده أو اضطراریه یظهر منها تعدد المطلوب فی الجملة فیحرز ما هو بمنزلة الموضوع لأدلة الرفع و أما الاستیعاب فیکفی فیه تحقق الضیق الناشیء من التکلیف المحض وان لم یکن من الوضع، وهو متحقق فی المقام لفوریة الحج.

وتوهّم سقوطها للعذر مدفوع بأنّه افتراض للاضطرار والضیق. مضافا الی تصور الضیق الوضعی علی مسلک ظاهر المشهور من أخذ الاستطاعة قیدا فی الوجوب وأن الحج بدونها لا یقع حجة الاسلام، حیث انّه لا تبقی الاستطاعة لمن انفقها فی عام استطاعته فی سفر الحج عند کثیر من المکلفین، فالحج فی القابل لا یقع مجزیا لانعدام الموضوع، وهکذا بالاضافة الی قاعدة الحرج بالمعنی الثانی فان الحکم بعدم اجزاء حج عامّة المؤمنین فی ذلک العام فیه من الحرج ما لا یخفی.

ثمّ انّه لا یخفی بأن مقتضی بعض الوجوه المتقدمة الاجزاء الظاهری فتختصّ بفرض الشک دون العلم بالخلاف، کما هو مقتضی الوجه الأول علی أحد تقریبیه والثالث بخلاف بقیّة الوجوه.

أقول: والمعروف فی الکلمات فی المقام أن التقیّة بالمعنی الأخص لما کانت فی الأحکام دون الموضوعات فیخص الاجزاء بصورة الشک مع

ص:79

حکم حاکمهم دون صورة العلم بالمخالفة ودون ما اذا لم یکن بحکمه، إلا اذا کان مذهبهم - ولو بعضهم - نفوذ حکمه حتی مع العلم بالمخالفة، لکن الظاهر عدم تمامیة هذا التفصیل، لأن الاختلاف وان رجع الی الموضوع فی بعض الصور و فی موارد اخری، إلا أن اتفاقهم علیه یؤدی الی نسبته الیهم کمذهب أو فرق، والی تمیزنا کفرقة ومذهب فیتأتی موضوع التقیّة مضافا الی أن ثبوت الهلال بالشهرة لدیهم علی وزان حکم حاکمهم، مضافا الی عموم الأدلة المتقدمة لهذه الصورة کما لا یخفی عند التدبّر، نعم لو انقسموا هم انفسهم لانتفی موضوع التقیّة.

الوجه الرابع: اقتضاء إطلاق الأمر الاضطراری ونحوه:

للاجزاء کما هو محرر فی علم الأصول بعد فرض تحقق موضوعه، ولیس هو من کشف الخلاف وتخیّل وجوده، وهو ظاهر فی الأوامر الخاصّة الواردة فی مثل الوضوء أو الصلاة فی موارد ونحوهما، وأما أوامر التقیّة العامّة فیستشکل فیها بأنّها لیست امرا بالعمل المتقی به، بل أمرا بالتقیّة، فیبقی الأمر الأولی علی حاله بلا امتثال وقد یدفع بأن ظاهر التعبیر المتکرر فی الروایات - (التقیّة دینی ودین آبائی) وفی صحیح هشام عن ابی عمر الأعجمی عن أبی عبد الله(علیه السلام) (انّ تسعة أعشار الدین فی التقیّة) و(التقیّة فی کل شیء) - هو کونها کیفیة فی العمل المأمور به و أن الأمر بها بتبع الأمر بالأولیّ عند تحقق ظرفها، وبعبارة أخری انّه لو کان الأمر فی التقیّة من باب وجوب حفظ النفس ونحوه فهو أجنبی عن الأمر بالصلاة وبالوضوء وغیرها من المرکبات وان انطبق علی العمل، وأما اذا کانت التقیّة من باب رفع ما اضطروا الیه وکل ما صنعتم فی دار التقیّة من عمل

ص:80

فأنتم منه فی سعة، فهو وزان الأدلّة الثانویة العامّة المحددة للأحکام فی الأبواب نظیر لا ضرر ولا حرج حیث أنها محددة لقیود الحکم فی کل باب باب لا أنّها حکم فی عرض الأحکام الأولیة.

موارد عموم التقیة:

الأول: الظاهر عموم التقیّة سواء أکانت من العامّة أو غیرهم کما هو مورد نزول الآیة إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ (1) الذی هو اتقاء عمّار من المشرکین، و کذا استشهادهم (علیهم السلام) بقوله تعالی عن أصحاب الکهف فَابْعَثُوا أَحَدَکُمْ بِوَرِقِکُمْ هذِهِ إِلَی الْمَدِینَةِ فَلْیَنْظُرْ أَیُّها أَزْکی طَعاماً فَلْیَأْتِکُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَ لْیَتَلَطَّفْ وَ لا یُشْعِرَنَّ بِکُمْ أَحَداً إِنَّهُمْ إِنْ یَظْهَرُوا عَلَیْکُمْ (2) ... الآیة بعد قولهم وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما یَعْبُدُونَ (3)، وکذا ما ورد من استشهادهم(علیهم السلام) - وقد تقدم - بقوله تعالی فی اتقاء ابراهیم(علیه السلام) ویوسف(علیه السلام)، وتعبیرهم(علیهم السلام) ابی الله إلا أن یعبد سرّا فانّه عام لا یختصّ بزمان أو مکان أو عن فئة خاصّة. وهذا العموم فی عدة ألسنة التقیة سواء التی بعنوانها، و أنّها دین یدان به أی أصل مشروعیتها أو التی بلسان الرفع بعنوان الاضطرار أو الضرر أو بلسان الحل بتلک العناوین، فالعموم فی حکمها التکلیفی والوضعی ثابت - بعد ما تقدم من تقریب اقتضاء الأدلّة العامّة للصحّة - نعم لو بنینا علی خصوص السیرة فی الحکم الوضعی - أی صحّة العمل - لأختصّ الحکم الوضعی فی التقیّة بخصوص جمهور العامّة

ص:81


1- (1) سورة النحل، الآیة: 106.
2- (2) سورة الکهف، الآیة: 19.
3- (3) سورة الکهف، الآیة: 16.

- دون شواذهم - الذین کانت مذاهبهم هی السائدة فی عصرهم(علیهم السلام)، نعم المندوحة الآتی الکلام عنها لا یبعد اختصاصها فی الأدلّة بخصوص ما کانت التقیّة من العامّة وإلا فأدلّة الاضطرار تقتضی الصحّة عند الاضطرار المستوعب.

الثانی: عمومها للتقیّة فی الموضوعات الخارجیة کما فی الأحکام، فقد عرفت عدم تحقق الخوف أو الاضطرار المأخوذ فی موضوعها لأنه یمکن التنبیه علی الخطأ فی الاحراز والإلفات الی الغفلة و إن لم یقنع المخالف بذلک نعم یستثنی من ذلک ما لو صدق مع ذلک الاضطرار أو الخوف نادرا، کما لو حمل المخالف الاختلاف معه، وفسّره علی اختلاف فی المذهب - وان کان ذلک لجاجا وعنادا - کما هو الحال لو ثبت الهلال لدیهم بشهرة مدعاة لدیهم فی موقف الحج أو نحوه مما لم یحکم حاکمهم بذلک فان مخالفة المؤمنین للعامّة حینئذ یتلوّن بصبغة المذهب والطائفة فیتحقق موضوع التقیّة وکذا الحال فی نحو ذلک من الموضوعات التی تکون عامّة شائعة الابتلاء بخلاف الموضوعات الفردیة.

الثالث: عمومها لغیر الأفعال أی موضوعات الأحکام الأخری، فلا مجال له لأن التقیّة هی فعل للمکلف و الاضطرار متعلّق بالفعل أیضا و أما الاسباب وترتب المسببات علیها فأجنبیة عن الأدلّة فی المقام، وذلک کترتب الجنابة علی التقاء الختانین والضمان علی تلف مال الغیر، وهذا حال الرفع مع بقیّة العناوین التسعة، التی هی کأوصاف لفعل المکلّف، نعم بالنسبة الی الأفعال المترتبة علی المسببات والمتعلّقة بها، اذا صدق علیها تلک العناوین أو عنوان الضرر تاتّی الرفع أو النفی فیها، و بعبارة جامعة أن التقیّة انّما تکون شاملة للموضوعات و المتعلقات للأحکام التی هی فعل

ص:82

للمکلّف دون الموضوعات والمتعلقات التی لیست بفعل له کالأعیان والأعراض الأخری.

الرابع: عمومها لترک الأفعال کما لو ترک الصیام تقیّة لکونه یوم فطر عندهم أو أنّه اخر شعبان أو کما فی المعاملات و الایقاعات، بأن یوقع الطلاق من دون شاهدین عدلین و نحو ذلک و من البین عدم عمومها الی ذلک لأن أدلّة الاجزاء المتقدمة انّما تصحح وضعا الامتثال و الوجود الناقص لا عدم الوجود من رأس، ففی المعاملات مثلا لم یوقع ما هو سبب شرعی، و ما أوقعه قد تقدم عدم تصحیح أدلّة الرفع أو الحلّ الاضطراریة له، حیث انّ رفع المسبب غیر مطلوب ورفع بعض أجزاء السبب لا یثبت وجود المسبب أو أنّه لا یتحقق عنوان الاضطرار موضوعا و هو الأصحّ أو الامتنان فی عدم الرفع لو کان مکرها علی السبب، ومنه یظهر عدم جریان الحلّ أیضا.

والی ذلک الاشارة فی روایتی رفاعة وداود بن حصین عن رجل عن أبی عبد الله(علیه السلام) (انّ افطاری یوما و قضاؤه أیسر علیّ من أن یضرب عنقی و لا یعبد الله)(1) عندما دخل(علیه السلام) علی أبی العبّاس فی شهر رمضان، و أما توهّم أن مجرد تناول الطعام و الشرب لفترة یسیرة من النهار لا یضرّ بالصیام و الشاهد علی ذلک عدم جواز تناوله بعد ذلک و لا قبل تلک الفترة التی یضطر الیها، ففیه: انّ عدم جواز تناوله بعد ذلک هو لحرمة الافطار فی شهر رمضان و هی حکم مغایر لوجوب الصیام وقد یفترق

ص:83


1- (1) الوسائل، ج10، ص131، باب57، من ابواب ما یمسک عنه الصائم، ح5. وقریب من مضمونه حدیث4 (افطر یوماً من شهر رمضان احب الیّ من ان یضرب عنقی).

عنه فی مقام الامتثال، کما لو عصی وجوب الصیام فان حرمة الافطار لبقیة الیوم من نهار شهر رمضان باقیة علی حالها، ومن ثم یتصور تکرر الکفارة فی الجماع، وتلازم الحکمین فی تحقق الموضوع لا یعنی تلازمهما فی الامتثال أو فی تنجیز الحکم، نعم لو لم یتحقق موضوع وجوب الصیام وانتفی لاختلال بعض قیوده مثلا لانتفی الحکم الآخر أیضا لما عرفت من وحدة موضوعهما، والحاصل انّ مثل هذا التناول و الامساک بقیة الیوم لا یعدّ امتثالا ناقصا لوجوب الصیام فالروایتان علی مقتضی القاعدة، و هذا بخلاف ما لو أمسک صائما حتی غیبوبة القرص دون الحمرة المشرقیة فانّه یعدّ من الامتثال الناقص برسم ما یاتی العامّة به من امتثال، وکذلک بالنسبة الی ما یمسک عنه الصائم فانّه یعدّ من امتثال الصیام بالنحو الذی هم یاتون به من الصیام، و مع ذلک ففی جریان أدلّة الاضطرار تأمّل، لما یظهر من أدلّته من الوحدة والبساطة وعدم التبعیض وعدم الابدال الناقصة من جهة الامساک، کما فی الشیخ و الشیخة وغیرهما، نعم قد یظهر مما ورد فی ذی العطاش أو الذی أفطر لظلمة أو بعد الفحص و نحوه من صحّة صومهما أنّه من تعدد المطلوب، ولکن هذا القدر فی مقابل ما تقدم من وجه البساطة غیر کاف.

الخامس: فی عمومها للمعاملات بالمعنی الأعم الشامل للایقاعات فقد تقدم - فی الرابع، وفی اجوبة الاشکالات فی الأمر الرابع - عدم تحقق الاضطرار فی المعاملات أو عدم کون الرفع أو الحل للنفوذ امتنانیا لو کان ایقاع السبب اکراهیا، ومن ثم فلا یتأتّی الحکم الوضعی فیها، نعم الحکم التکلیفی قابل للشمول بأن یوقع ما صورته نافذة عندهم من معاملة أو ایقاع کالطلاق من دون شاهدین أو فی العدّة ونحو ذلک ودلیل المندوحة

ص:84

یختصّ کما یأتی بالعبادات فلا یتحقق موضوع الاضطرار ما دامت المندوحة ممکنة، نعم قد أمضی الشارع موارد تحقق الاضطرار النوعی أو الشخصی فیها بأدلّة خاصّة کما فی امضاء التعامل المالی مع الدول الوضعیة القائمة غیر الشرعیة تسهیلا علی المؤمنین، فی حدود المعاملات المحللة فی نفسها، ومن ثم لا یکون ما بحوزة الدولة من أموال - ولو لم تکن من الانفال وکانت حصیلة التعامل مع الافراد - مجهول المالک، وکما فی ابتیاع أموال الخراج والمقاسمة وتأدیّ الزکاة به، واجارة أراضی الأنفال من الدول غیر الشرعیة، وتجویز القضاء أو الولایة فی الدول الجائرة مع امکان قضاء بعض الضرورات والحاجات للمؤمنین أو عند الخوف والاکراه علی ذلک.

فی اعتبار عدم المندوحة فی موارد التقیّة أو انها تعمّ موارد وجود المندوحة حکی الأول عن المدارک و جماعة من بعده، والثانی عن المحقق الثانی والشهیدین، نعم فی خصوص المسح علی الخفّین نسب غیر واحد الی الأصحاب تعیّن الغسل مقدما علی المسح، ولکن حکی عن العلّامة وجماعة أولویة ذلک. و قد فصّل کثیر من متأخری العصر بین الأحکام التکلیفیة من الحرمة والوجوب وبین الصحّة فی خصوص العبادات أو خصوص الصلاة باعتبار عدم المندوحة فی الأول دون الثانی.

و یستدلّ للأول بأن مقتضی ادلّة الاضطرار المعلل بها ما تقدم من ألسنة التقیّة هو استیعاب الاضطرار وعدم المندوحة وإلا لما صدق الاضطرار بلحاظ الطبیعی، وکذا ما یظهر من صحیح زرارة عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: (التقیّة فی کلّ ضرورة وصاحبها أعلم بها حین تنزل به)(1)،

ص:85


1- (1) وسائل، ج16، ص214، باب25 من ابواب الامر والنهی، ح1.

وصحیح الفضلاء عن أبی جعفر(علیه السلام) (التقیّة فی کلّ شیء یضطر الیه ابن آدم فقد أحلّه الله له)(1) وصحیح معمر بن یحیی بن سالم عنه (علیه السلام): (التقیّة فی کلّ ضرورة)(2) من حصرها فی الضرورة والاضطرار لإنفهام أنّها فی مقام التحدید للماهیة، ولعلّ هذا مراد من ادّعی انّ الحصر مستفاد من تقدیم ما حقّه التأخیر، وإلا فالظرف حقّه التأخیر و الخبریة، وتحویره الی (کلّ ضرورة فیها التقیّة) تغییر لقالب الجملة، و أما استثناء العبادات أو الصلاة فلما ورد(3) من الحث الشدید والندب الأکید علی الصلاة معهم وفی الصف الأول و انّها کمن صلّی خلف رسول الله صلی الله علیه و آله فی سیاق الأمر بحسن العشرة معهم و عیادة مرضاهم و تشییع جنائزهم وأداء الأمانة لهم، فمثل هذا الحثّ ترغیب فی ایقاع الصلاة معهم والتوسّل للمشارکة فضلا عن أخذ عدم المندوحة الطولیة أو العرضیة فی العمل فمثلا لو کان بإمکانه الصلاة علی ما یصحّ السجود علیه فی الصفوف المتاخرة بخلاف الصف الأول فإن مقتضی الندب لاختیاره وانّه کمن صلّی خلفه صلی الله علیه و آله هو عدم أخذ المندوحة العرضیة.

واستدلّ للثانی بأن لسان التقیّة دینی ودین آبائی وأن لا دین لمن لا تقیّة له، ظاهر فی الحثّ و التأکید بخلاف ألسنة الأضطرار والضرورة التی هی من نحو الاستثناء والطواریء المقدرة بقدرها، وکذلک لسان السعة الوارد فی موثّق مسعدة المتقدم، وموثق سماعة المتقدم أیضا حیث علل فیه (لیتمّ صلاته علی ما استطاع فانّ التقیّة واسعة) أی بکبر سعة التقیّة فی

ص:86


1- (1) المصدر، ح2.
2- (2) المصدر، ح8.
3- (3) وسائل، ج8، ص299، باب5 من ابواب الجماعة، ح1.

الابواب، و کذلک الروایات الواردة فی الحلف فانّها جلیّة فی عدم الاشتراط، ولو کان بتعریض نفسه لهم بأن یمرّ علیهم فیستحلفونه، ومما یدلّ علی ذلک أیضا ما فی صحیح زرارة وروایة ابی عمر الأعجمی من أن التقیّة فی کل شیء إلا المسح علی الخفّین وشرب النبیذ ومتعة الحج، فانّه مع الاضطرار وعدم المندوحة لا ریب فی تأتی التقیّة فی الموارد الثلاثة المستثناة کما هو مفاد حسنة ابی الورد، فیکون معنی الاستثناء - کما ذکرنا فی المسح علی الحائل - هو الاستثناء من التقیّة الموسعة المشروعة مع المندوحة.

والصحیح هو انّ المندوحة وعدمها وسعتها وضیقها طولا وعرضا، تابع لدرجة ملاک الحکم الأولی وأهمیته، نظیر اختلاف درجات الحرج والضرر الرافعین للأحکام، فانّه کلّما ازدادت أهمیة الملاک کلّما لزم درجة من الحرج أو الضرر الشدیدین لرفعه، وکلما لم تکن کذلک کلما کفی فی رفعه أدنی الحرج أو الضرر، فدرجة الحرج أو الضرر الرافع للوضوء یکفی فیه أدناه، بخلاف الضرر والاضطرار لأکل المیتة فانّه لا بد فیه من الخوف علی النفس من الهلاک، والوجه فی ذلک - بناء علی مسلک المشهور من کون العناوین الثانویة نسبتها مع الأحکام الأولیة نسبة التزاحم الملاکی لا التخصیص لبّا - هو قانون التزاحم.

وأما بناء علی مسلک المحقق النائینی ومن تابعه فلدعوی الانصراف أو عدم صدق الحرج و الضرر فی کل مورد الا بحسبه، فکذلک الحال فی أخذ عدم المندوحة فی موارد العناوین الثانویة التی منها الاضطرار فی التقیّة، فمن ثمّ لا یظن بأحد من الأصحاب القول بجوازها مع المندوحة العرضیة أو الطولیة فی موارد الأحکام البالغة الأهمیة کالمحرمات الکبیرة والواجبات الرکنیة فی الدین کما لا یظن بأحد القول بعدم جواز التقیّة مع

ص:87

وجود المندوحة فی مثل الإخبار بغیر الواقع لانقاذ المال أو دفع أدنی مزاحمة و مثل الصلاة معهم مع اخفات الصوت فی الصلاة الجهریة.

والوجه فی ذلک هو ما تقدم فی اختلاف مراتب الضرر والحرج بحسب کلّ حکم وملاک، فوجود المندوحة وعدمها الطولیة والعرضیة نحو من شدة الضرر وعدمها، فمن ثم أخذ ذلک فی قوله تعالی فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَ لا عادٍ (1) فی الاضطرار الی أکل المیتة، ای غیر باغ ولا ساع لإیقاع نفسه فی ذلک الظرف، ولا عاد متعدّ عن قدر ما یرفع الضرورة أی عدم المندوحة الطولیة والعرضیة کما هو أحد تفسیرات الآیة. وهو نظیر اختلاف العناوین التسعة الباقیة فی الموارد بحسب اختلاف درجة الحکم وملاکه، فالنسیان والخطأ وما لا یطیقون والاکراه، سواء من جهة المندوحة وعدمها أو من جهة الشدة والخفّة، ففی الموارد البالغة الأهمیة یتحفظ عن مقدمات النسیان والخطأ کی لا یقع بخلاف المتوسطة والقلیلة الأهمیة، فلا یتحفظ عن وقوع ووجود الضرورة والاضطرار والنسیان و الخطأ فیها وهو معنی وجود المندوحة وتقدم أن أحد تفسیرات استثناء الموارد الثلاثة هو ذلک حیث انّ کلا من حرمة شرب النبیذ ووجوب الحج ورکنیة الطهارة الحدثیة فی صحّة الصلاة هی علی درجة من الأهمیة.

نعم هناک فارق جوهری بین التقیّة فی عموم مواردها وبین بقیة الضرورات وهو أنّ التقیة من الوقایة والحیطة فهی بلحاظ عموم موارد المعرضیة والاحتمال، ولیس یلزم فیها الضرر المحقق، وهذا الشأن وإن کان فی کل ضرر معتد به إلا أن نمط وطبیعة المعرضیة والاحتمال فی موارد

ص:88


1- (1) سورة البقرة، الآیة: 73.

التقیّة هو ذو عرض عریض ومن ثم یتشابه مع وجود المندوحة، ومن ثمَّ ورد عن الصادق(علیه السلام) انه قال: (علیکم بالتقیة فإنّه لیس من لم یجعلها شعاره و دثاره مع من یأمنه لتکون سجیته مع من یحذره)(1).

وأما التشدد فی الحثّ علی التقیّة والعمل بها والتمسّک بها کدیدن، فلأجل الاهتمام بها وبیان أهمیتها لمصلحتها فی وقایة النفس والعرض والمال والمؤمنین عن أذی العامّة والسلطان، لکن حسب مواردها وتحقق موضوعها الذی عرفت اختلافه بحسب درجة الحکم وملاکه، لاسیّما وأن بعض أنواعها غیر مرتبط بصحّة الأعمال، أی ما هو من قبیل حسن العشرة معهم، ولین الکلام و طیبه و حفظ اللسان و عدم اذاعة اسرارهم ونحو ذلک، کما یشیر الی ذلک موثّق مسعدة المتقدم (إلا أن یدّعی انّه انّما عمل ذلک تقیّة، ومع ذلک ینظر فیه فإن کان لیس مما یمکن أن تکون التقیّة فی مثله لم یقبل منه ذلک، لأن للتقیّة مواضع من ازالها عن مواضعها لم تستقم)(2)، وکما فی روایة الاحتجاج عن العسکری(علیه السلام) أن الرضا(علیه السلام) أنّب جماعة من الشیعة قائلا لهم (وتتقون حیث لا تجب التقیّة، وتترکون التقیة حیث لا بد من التقیّة)(3).

روایات الصلاة معهم وهی علی طوائف:

الأولی: ما حثّ علی ذلک وهی علی ألسن تارة بفرض علمهم بکون المکلّف من الجعفریة، و اخری عدم التقیید بذلک وثالثة بالحثّ علی

ص:89


1- (1) وسائل، ج16، ص212، باب24 من ابواب الامر، ح29.
2- (2) وسائل، ج16، ص216، باب 25، ح6.
3- (3) المصدر، ح9.

خصوص الصف الأول ورابعة علی انّ ذلک للمداراة معهم والظهور بشاکلتهم، کصحیحة حماد بن عثمان عن ابی عبد الله(علیه السلام) أنّه قال: (من صلّی معهم فی الصف الأول کان کمن صلی خلف رسول الله صلی الله علیه و آله فی الصف الأول)(1) ومثلها صحیحة الحلبی، وکصحیحة حفص بن البختری عن ابی عبد الله(علیه السلام) قال: (یحسب لک اذا دخلت معهم وان کنت لا تقتدی بهم مثل ما یحسب لک اذا کنت مع من یقتدی به)(2) وصحیح عبد الله بن سنان قال (سمعت ابا عبد الله(علیه السلام) یقول اوصیکم بتقوی الله عزوجل ولا تحملوا الناس علی اکتافکم فتذلوا، ان الله تبارک وتعالی یقول فی کتابه وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً ثم قال: عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم وعلیهم، وصلّوا معهم فی مساجدهم)(3)، وصحیح زید الشحام عن أبی عبد الله(علیه السلام) انّه قال: (یا زید خالقوا الناس بأخلاقهم، صلّوا فی مساجدهم، وعودوا مرضاهم و اشهدوا جنائزهم، و ان استطعتم أن تکونوا الأئمة و المؤذنین فافعلوا فإنّکم اذا فعلتم ذلک قالوا: هؤلاء الجعفریة رحم الله جعفرا، ما کان أحسب ما یؤدب أصحابه واذا ترکتم ذلک قالوا: هؤلاء الجعفریة، فعل الله بجعفر ما کان أسوأ ما یؤدب اصحابه)(4) وروایة کثیر بن علقمة قال: (قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): أوصنی فقال: أوصیک بتقوی الله - الی أن قال - صلّوا فی عشائرکم و عودوا مرضاکم و اشهدوا جنائزکم، و کونوا لنا زینا و لا تکونوا علینا شینا، حببونا الی الناس و لا تبغضونا الیهم فجروا إلینا

ص:90


1- (1) الوسائل، ج8، ص299، باب5 من ابواب الجماعة، ح1.
2- (2) المصدر، ح3.
3- (3) المصدر، ح8.
4- (4) وسائل، ج8، ص430، باب75 من ابواب الجماعة، ح1.

کلّ مودة، و ادفعوا عنّا کلّ شرّ)(1) ومثلها صحیح هشام الکندی(2).

وقد استفاد المشهور من إطلاق الجماعة صحّة الصلاة مع الاخلال فیما اذا توقفت علیه اظهار المتابعة، واستفاد غیر المشهور من أعلام العصر من اطلاق الصلاة فی الصف الأول الصحّة مع الإخلال، ولو بالاجزاء و الشرائط التی لا تتوقف علیها المتابعة، کالصلاة علی ما لا یصح السجود علیه أو التکتف ونحوهما، وکذا استفید ذلک من دلالة الروایات علی کون غایة الجماعة معهم هو المداراة واظهار المشاکلة معهم.

الطائفة الثانیة: ما دلّ علی أنّ الصلاة معهم هی فی الصورة وأمّا فی الواقع فهو منفرد وظیفة، کصحیح زرارة قال: (سألت ابا جعفر (علیه السلام) عن الصلاة خلف المخالفین؟ فقال: ما هم عندی إلا بمنزلة الجُدُر)(3) وصحیح صفوان الجمال قال: (قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): ان عندنا مصلّی لا نصلّی فیه واهله نصاب وإمامهم مخالف فأءتمّ به؟ قال: لا، فقلت: ان قرأ، اقرأ خلفه، قال نعم قلت: فإن نفدت السورة قبل أن یفرغ؟ قال: سبّح وکبّر، انّما هو بمنزلة القنوت وکبّر وهلّل)(4)، وصحیح أبی بصیر(5) (قال: قلت لأبی جعفر (علیه السلام): من لا اقتدی به فی الصلاة قال: افرغ قبل أن یفرغ فانّک فی حصار، فان فرغ قبلک فاقطع القراءة و ارکع معه)(6)، ومعتبرة ابن ابی نصر عن أبی الحسن (علیه السلام) قال: (قلت له: انّی أدخل مع هؤلاء فی صلاة

ص:91


1- (1) وسائل الشیعة، ج12، ص8، باب1 من ابواب العشره، ح8.
2- (2) وسائل، ج16، ص219، باب26 من ابواب الامر، ح2.
3- (3) وسائل الشیعة، ج8، ص309، باب10 من ابواب الجماعة، ح1.
4- (4) المصدر، باب35، ح4.
5- (5) المصدر، باب6، ح1.
6- (6) المصدر، باب34، ج1.

المغرب فیعجّلونی الی ما أن أوذن و أقیم و لا أقرأ إلا الحمد حتی یرکع، أیجزینی ذلک؟ قال: نعم، تجزیک الحمد وحدها)(1) وغیرها.

الطائفة الثالثة: ما دلّ علی إیقاع الفریضة قبل الصلاة معهم أو بعدها کصحیح عمر بن یزید عن أبی عبد الله(علیه السلام) أنّه قال: (ما منکم أحد یصلّی صلاة فریضة فی وقتها ثم یصلّی معهم صلاة تقیّة و هو متوضیء إلا کتب الله له بها خمسا و عشرین درجة، فارغبوا فی ذلک)(2) وصحیح عبد الله بن سنان عن ابی عبد الله(علیه السلام) أنّه قال: (ما من عبد یصلّی فی الوقت ویفرغ ثم یأتیهم ویصلّی معهم وهو علی وضوء إلا کتب الله له خمسا و عشرین درجة)(3) وفی صحیحه الآخر (تحسب لک بأربع وعشرین صلاة)(4) وصحیح عبید بن زرارة عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: (قلت: انّی أدخل المسجد وقد صلّیت فأصلّی معهم فلا أحتسب بتلک الصلاة؟ قال: لا بأس، وأمّا أنا فأصلّی معهم وأریهم أنّی أسجد وما أسجد)(5).

المحصّل منها: أمّا ما اشتمل علی التقیّة للمداراة مع اطلاع العامّة علی انتماء المؤمن للمذهب الجعفری کما فی قوله (علیه السلام) (هؤلاء الجعفریة) أو (حببونا الی الناس) فلا دلالة فیها علی جواز الاخلال بشرائط الصلاة تقیّة لفرض اطلاعهم علی المذهب، وغایة التقیّة معهم هو فی احداث صورة الجماعة معهم دون الصلاة علی ما لا یصحّ السجود علیه أو التکتّف أو الوضوء بوضوئهم ونحو ذلک، نعم ما أطلق فیه الصلاة معهم قد یستظهر

ص:92


1- (1) المصدر، باب6، ح3.
2- (2) وسائل الشیعة، ج8، ص302، باب6 من ابواب الجماعة، ح1.
3- (3) المصدر، ح2.
4- (4) المصدر، ح3.
5- (5) المصدر، ح8.

منه ذلک، وأما الطائفة الثانیة فلا یستفاد منها إلا کون الصلاة منفردة المأتی بها ضمن الجماعة الصوریة، وأما الثالثة فلا یستفاد منها عدم اجزاء ما یأتی به من الصلاة معهم فی الصورة ولا لزوم ایقاع صلاة الفریضة قبلها أو بعدها بل غایة الأمر هو ندب ایقاع الصلاة معهم ولو کان قد صلی الفریضة قبل ذلک وحده، نعم یظهر منها مطلوبیة ایقاع الفریضة فی المنزل ثم ایقاع الصلاة معهم ولکن لا بنحو الظهور فی اللزوم مضافا الی قرینیة اطلاق الطائفة الأولی والثانیة. فلم یبق فی البین إلا ما أطلق فیه الصلاة معهم من الطائفة الأولی مما لم یقیّد بمعرفتهم له فی مذهبه، ولکن غایة ما یستفاد منه أیضا هو الحثّ علی التزام التقیّة معهم - إما للمداراة أو للخوف - فی اظهار الاعتداد بجماعتهم وصلاتهم، ولا یستفاد منها جواز ایقاع الصلاة فی فرض المداراة لمعاشرتهم - مختلّة الشرائط کالسجود علی ما لا یصحّ السجدة علیه، أو التکتّف فضلا عن الوضوء بوضوئهم، بل قد اشیر فیها بنحو التعریض بلزوم ایقاع الوضوء الصحیح قبل الصلاة معهم، و کیف یحصل المطلوب من لسان هذه الروایات الحاثّة علی مداراتهم واظهار الاعتداد بجماعتهم فی الصورة عندما یأتی من عرف لدیهم بالتشیّع - أی عرف أنّ شرائط صحّة الصلاة لدیه تختلف عنهم - بالصلاة بالنحو والنهج المقرر لدیهم، فانّه یظهر لدیهم انّها صلاة صوریة وهو خلاف المطلوب، بخلاف ما لو أوقعها بالنهج المقرر لدیه معهم جماعة فانه یظهر لدیهم انه قد اعتد بجماعتهم وصلاتهم بل انه یظهر من مطلقات تلک الروایات ان غایة التقیة المداراتیة معهم هو اعطاء صورة حسنة عن المذهب وهو لا یتمّ إلا باظهار العشرة والمتابعة فی الصلاة معهم علی انّه جعفری و ان لم یعلموا ابتداء بانتمائه، کما هو مفاد صحیح زید الشحام وعبد الله بن سنان(1)، نعم

ص:93


1- (1) تقدم ذکرهما قبل قلیل.

خصوص الجهر فی القراءة- مما یتقوّم اظهار الصلاة معهم بترکه- الروایات ناصّة علی الصحّة بدونه، و منه یظهر صحّة الصلاة معهم- فی فرض الخوف و التستر- مع التقیّة فی بقیّة الشرائط و لو مع المندوحة کقول آمین أو التکتّف أو فروض الالتحاق بصلاة الجماعة و نحوها، لکن حکی صاحب الجواهر عن التذکرة و نهایة الأحکام و النسبة الی المبسوط و النهایة عدم الاعتداد بالصلاة فیما لم یتمکن من اتمام قراءة الحمد و حکی عن التهذیب والروضة و الجعفریة و شرحها عدم وجوب اتمامها لو لم یتمکّن أو اتمامها أثناء الرکوع کما عن الموجز و الدروس و الذکری و البیان، و کذا لو اضطرّ الی القیام قبل التشهد انّه یأتیه وهو قائم حکاه عن الموجز والجعفریة و شرحها وعن علی بن بابویه، ثم قال انّ ظاهر النصوص والفتاوی عدم الاعادة لو راعی تلک الأمور من القراءة وغیرها و لو کان له مندوحة وفاقا للبعض وخلافا للآخر، والمحصّل انّ فتاوی المشهور علی جواز الخلل تقیّة فیما یتوقّف علی اظهار الجماعة والمتابعة لهم کما فی الأمثلة المحکیّة فی کلماتهم، وأما فتاوی عدة من الأعلام فی عصرنا فجواز الخلل فی الأکثر من ذلک ومشاکلة الصلاة معهم اذا توقّفّت المداراة علی ذلک أو توقفّت الصلاة فی الصف الأول معهم علی ذلک، لکن عرفت انّ المداراة والجماعة فی الصف الأول وتوقّفه علی الاتیان بها صحیحة فی حکمنا وإلا لإنتفت.

شمول الضرر والضرورة لکلّ من المال و العرض والنفس:

مقتضی التعلیل للتقیّة بالضرورة والاضطرار هو شمول الضرر والضرورة لکلّ من المال و العرض والنفس کما نصّ علیه فی روایات

ص:94

الحلف(1) تقیّة، بل فی بعضها شمولها لأموال الغیر من المؤمنین، و قد ذکر ذلک العدید من الروایات من انّ التقیّة تعمّ ما یکون لصالح بقیّة المؤمنین والمذهب والظاهر عدم اختصاص ذلک بباب التقیّة بل من عموم لا ضرر ورفع الاضطرار للضرر والاضطرار للغیر بسبب فعل النفس وهذا مغایر للبحث المعروف فی قاعدتی الضرر والحرج من الشمول للضرر والحرج النوعی، کما لا یخفی، نعم روایات الصلاة معهم وحسن العشرة والخلطة معهم بانحائها المختلفة - والتی تقدمت فی الأمر السابق - غیر مقیّدة بذلک وقد اصطلح علیها أخیرا بالتقیّة المجاملیة أو المداراتیة، لکنها مختصّة بصلاة الجماعة معهم وآداب العشرة معهم ولا تشمل بقیّة الأبواب. وقد تفسّر علی انّها تخرّج من باب الضرر أیضا إلا انّه الضرر علی المذهب أو الطائفة ولو بالتدریج، ولکن ظاهرها غیر مختص بذلک، لورود التعلیل فیها بإعطاء الصورة الحسنة عنهم(علیهم السلام) ونشر المحبّة لهم(علیهم السلام) فی قلوب الناس ونحو ذلک وإن لم یتخوّف من وقوع الضرر البعید علی الطائفة ویترتّب ما هو مضاد لتلک المنافع والمصلحة، بل یظهر منها أیضا التجنب عن تفردهم فی اقامة رموز الشعائر الدینیة. کما انّه لا مجال لتوهّم اختصاص أدلّة التقیّة الضرریة و الخوف بزمانهم (علیهم السلام) کما تردد هذا القول من بعض متأخری الأعصار، بدعوی انتشار المذهب الآن وذهاب داعی التخفّی او لان التقیة لاخفاء الانتماءوهو منتف موضوعا فی هذه الاعصار، وذلک لاختلاف نحو الضرر والخوف وبحسب الامکنة والأزمنة کما هو واضح لمن سبر ذلک خبرا، فلیس یقتصر فی أدلة التقیّة فی هذه الأعصار علی التقیّة

ص:95


1- (1) وسائل الشیعة، ج23، أبواب الأیمان.

المجاملیة والمداراة وذلک لاختلاف أنحاء التقیة ومواردها وکیفیاتها بحسب الظروف لاسیما انّ الجفاف معدّ لاشعال نار الفتنة، وفی موثّق محمد بن مسلم عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: (کلما تقارب هذا الأمر کان أشدّ للتقیّة)(1)، ومثله موثّق هشام بن سالم(2) وفی روایة الحسین بن خالد عن الرضا(علیه السلام) قال: (لا دین لمن لا ورع له ولا ایمان لمن لا تقیّة له، وانّ أکرمکم عند الله أعملکم تقیّة، قیل: یابن رسول الله الی متی؟ قال: الی قیام القائم، فمن ترک التقیّة قبل خروج قائمنا فلیس منّا ...)(3) وفی روایة العیّاشی قال: (وسألته عن قوله فَإِذا جاءَ وَعْدُ ربی جعله دکا قال: رفع التقیة عند الکشف فانتقم من أعداء الله)(4).

حرمة تسمیة القائم من موارد التقیة:

قد أدرج فی بعض الکلمات کما صنع الحرّ فی الوسائل(5) کلا من حرمة تسمیة القائم عجّل الله تعالی فرجه الشریف واذاعة أسرارهم فی وجوب التقیّة، وهما لیسا من التقیّة الاصطلاحیة التی ترفع بالاضطرار أو بالضرر، بل من التقیّة التکلیفیة بالمعنی اللغوی نعم هما یندرجان فی عموم أن تسعة أعشار الدین فی التقیّة وأن ما عبد الله بشیء أحبّ الیه من الخبأ وقد اشیر الیه فی روایاتهما، ولا یتوهّم زوال موضوع الحرمة الثانیة بعد انتشار کتب الإمامیة فی الحدیث والفقه والتفسیر وغیرها فلا اذاعة لما هو مکتوم حالیا،

ص:96


1- (1) الوسائل، ج16، ص207، باب24 من ابواب الامر، ج12.
2- (2) المصدر، ح26.
3- (3) المصدر، ح26.
4- (4) المصدر، 35.
5- (5) وسائل، ج16، ص237، باب33 من ابواب الجماعة.

وذلک لأن تعاطی الشیء تذکیر به وتفصیل وبسط له، ویقع الوقوف علی حاق المعانی فی الشرح ما لا یقف علیه فی صورة الاجمال، مضافا الی ما فیه من سعة دائرة النشر، ثم انّ موضوع الحرمة الثانیة لا تختص بالمخالف او غیر المسلم بل تعم المؤمنین بلحاظ درجات الفهم والمعرفة وقدرة التعقّل والتحمّل کما اشیر الی ذلک فی روایات الکشی فی ترجمة سلمان وأبی ذر.

کما هو دیدنهم (علیهم السلام) مع مختلف طبقات أصحابهم أما الحرمة الأولی فنسبت الی شهرة القدماء والعدم الی شهرة الطبقات المتأخرة وحمل النواهی علی لزوم الکتمان فی الغیبة الصغری وما قبلها لشدة الأمر، وان کان ظاهر العدید من النواهی الاطلاق وهو الأحوط. المتبع عملا فی السیرة لدی الخاصّة.

حکم من خالف التقیة:

اشارة

اذا خالف مقتضی التقیّة فهل یصحّ عمله أم لا، فتارة یخالفها ویخالف صورة العمل بحسب الوظیفة الأولیة و أخری یوافق الوظیفة الأولیة:

أما الفرض الأول:

فلا وجه للصحّة لعدم مطابقته للوظیفة الاضطراریة ولا للوظیفة الأولیة سواء بنی فی تصحیح عمل التقیة علی السیرة أو علی أدلّة الرفع العامّة أو الوجوه الأخری، وتوهّم أن مقتضی أدلّة الرفع هی رفع الجزئیة أو الشرطیة أو المانعیة من دون اثبات جزئیة أو شرطیة الفعل الذی یتّقی به المماثل لصورة عملهم، و مقتضی ذلک هو الصحّة فی هذا الفرض، مندفع بأن أدلّة الرفع وان کان مقتضاها الرفع دون الاثبات إلا انّه لا تحقق لموضوعها وهو الاضطرار لغیر العمل المماثل للعامّة، فالعمل فی الفرض لا

ص:97

یصدق بلحاظه تحقق الاضطرار، وذلک نظیر الدخول الی الدار الغصبیة لانقاذ الغریق فإن الدخول مع عدم التوصّل به للانقاذ لا یرفع الحرمة لعدم الاضطرار الی ذلک الدخول والتصرف - بغض النظر عن القول بالمقدمة الموصلة - لأن الضرورات تقدّر بقدرها.

اما الفرض الثانی:

فوجه البطلان یتصور علی نحوین:

الاول: انقلاب الوظیفة الأولیة وضعا الی الوظیفة الثانویة من حیث الاجزاء والشرائط، وهذا لیس بتام لما ذکرنا مرارا من أن الأدلّة الرافعة الثانویة لبّا لیست مخصصة للاحکام الأولیة کما ذهب الیه المحقق النائینی (قدس سره) وتلامیذه - بل من باب التزاحم الملاکی، فالوظیفة الأولیة باقیة علی مشروعیتها وانّما المرفوع عزیمتها.

الثانی: النهی التکلیفی لمخالفة التقیّة المستفاد إما من مثل التعبیر الوارد (لا دین لمن لا تقیّة له)، أو من حرمة الضرر المترتّب سواء علی الشخص نفسه أو غیره من المؤمنین أو علی المذهب والطائفة، وقد یدعم المنشأ الأول الصحیح إلی أبی عمرو الکنانی عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی حدیث - أنّه قال: (یا أبا عمر، أبی الله إلا أن یعبد سرّا، أبی الله عزّوجل لنا ولکم فی دینه إلا التقیّة)(1)، مما یظهر منه عدم قبول العبادة الجهریة فی مورد لزوم التقیّة.

لکن قد تقدم - فی الأمر الثانی - أن حقیقة الحکم فی التقیّة یؤول الی عدّة وجوه والنهی راجع الی حرمة الضرر، وقد یؤول الحکم الی وجوب

ص:98


1- (1) وسائل، ج16، ص206، باب24 من ابواب الجماعة، ح11.

الحفظ، ویراد به الحیطة فی معرض الضرر سواء الشخصی أو علی نوع المؤمنین، وهو المراد مما لسانه الوجوب وان تارکها کتارک الصلاة، وربّما یشکل بأن جعل الحکمین علی الضدین لغو، لا حاجة له، حیث یتوسّل بأحدهما عن الآخر، فلا محصّل لحرمة العقوق مع وجوب صلّة الرحم أو حرمة الهتک للشعائر أو للمقدسات الدینیة مع وجوب تعظیمها، أو حرمة الفواحش مع وجوب حفظ الفرج، أو مانعیة النجاسة وشرط الطهارة أو مانعیة الغصب و شرطیة اباحة المکان، أو مانعیة ما لا یؤکل لحمه وشرطیة ما یؤکل لحمه.

وفیه: انّ اللغویة أو الامتناع إن تمّت ففی الموانع والشرائط للمرکب الواحد وأما الأفعال ذات الأحکام التکلیفیة المجردة المستقلة کما فی العقوق وصلّة الرحم وفی الهتک والتعظیم وفی الفواحش والحفظ منها، ونحوها من الأفعال التکلیفیة، فلا مجال لدعوة اللغویة أو الامتناع، وذلک نظیر الأفعال فی الأحکام العقلیة فی باب التحسین والتقبیح العقلی فإنّه کما یحکم العقل بحسن فعل ما یحکم بقبح ضده فحکمه علی فعل فضیلی لا یمنع علی حکمه علی فعل مضاد له رذیلی بعد واجدیة کل من الفعلین المتضادین لملاک الحکم، فیحسّن الأول ویقبّح الثانی، ولا یعترض حینئذ علی ذلک بأن اللازم حصول مثوبتین علی الموافقة وعقوبتین علی المخالفة وذلک لما حرر فی محلّه فی الأحکام العقلیّة أن المثوبة هی علی المصلحة و الکمال الذی فی الفعل والعقوبة علی المفسدة التی فی الفعل، فلیست المثوبة علی عدم ارتکاب المفسدة بل علی حصول المصلحة ولیست العقوبة علی ترک المصلحة بل علی الوقوع فی المفسدة، ولا یتوهّم انّ اللازم علی ذلک عدم الاثابة علی ترک المحارم وعدم العقوبة علی ترک الفرائض، وذلک لما

ص:99

تبیّن من تلازم ترک المحارم لحصول افعال کمالیة کحفظ وعفّة الفرج وکصدق اللسان و الأمانة فی تأدیة حقوق الآخرین، و نحوها فمن ثم تقع المثوبة، وکذلک فی ترک الفرائض فانّه یلازم حصول أفعال ذات مفسدة کالوقوع فی المنکرات، والتسبب للضرر ومخالفة أمر المولی والتجری ونحو ذلک مما یوجب العقوبة، ویکفی فی المقام الالتزام بهذا التقریب فی خصوص الأفعال المتضادة الواجدة لملاک المصلحة فی أحدها و المفسدة فی الضد الآخر، وان لم یلتزم به فی کلّ الواجبات والمحرّمات، وهذا سواء بنینا فی العقوبة والمثوبة علی کونها جزائیة أو تجسم أعمال أو غیر ذلک من المسالک، فانّه عدا المسلک الأول هی مقتضیة للتفصیل المتقدم، وأما الاول فلا ینافیه بعد لزوم مطابقة الاعتبار للواقع التکوینی وکون الأحکام الشرعیة ألطافاً فی الأحکام العقلیة.

فتحصّل عدم منافاة حرمة الضرر لوجوب الحفظ فی موارد التقیّة، وعلیه تکون مخالفة التقیّة - التی فی مورد خوف الضرر لا المداراة والمجاملة - محرمة هذا مضافا الی انّه یکفی فی المقام فی بطلان العمل العبادی کونه سببا تولیدیا لمخالفة وعصیان وجوب التقیّة، إذ یکون بذلک تجریا لا تعبدا وطوعانیة، فهذا نحو وجه ثالث للبطلان.

ثم انّ المخالفة للتقیّة قد تکون جزءاً من العمل العبادی کالجهر بالبسملة وبأذکار السجود وکالسجدة علی التربة وکالمسح علی الرجلین، و قد تکون بکلها کما لو صلّی منفردا فی مورد اقتضاء التقیّة الصلاة جماعة، وقد تکون بالترک کترک قول آمین و ترک التکتّف. أما الصورة الأولی فانّ ذلک الجزء أو الشرط لا یؤدی به الامتثال لحرمته أو کونه تجریا، فحینئذ إن اعاده بنحو التقیّة، ولم تکن زیادة مبطلة فیه صحّ مجموع العمل، وإلا کما لو

ص:100

لم یعد أو کانت زیادته مبطلة کالسجدة الواحدة فإنه یبطل مجموع العمل، ولو سحب جبهته الی الأرض أو الفراش، فإن کان مما یصحّ السجود علیه أمکن تصحیحه صلاته، لا مکان منع صدق زیادة السجدة حینئذ بل هی من السجدة الواحدة التی تمّت شرائطها بقاء، وأما إن کان مما لا یصح السجود علیه لکنّه یوافق العامّة فقد یتخیّل تصحیحها أیضا، لکنه ضعیف لانتفاء موضوع التقیّة حینئذ.

وأما الصورة الثانیة فقد یتخیل انّ المخالفة هی بترک الصلاة جماعة لا الصلاة فرادی ولکنه أیضا ضعیف لأن اظهار المخالفة تحقق بالصلاة فرادی، لا الترک بما هو هو ولو لم یکن فی مکان واحد معهم، نظیر عنوان الهتک الحاصل بسبب صلاة الفرادی مع وجود صلاة الجماعة بإمام عادل - فی بعض الأوقات - ولک أن تقول انّ الکون فی ذلک المکان مع ترک الجماعة وان کان مخالفة للتقیّة أو هتکا إلا أن الصلاة فرادی أشدّ وأبین فی المخالفة وأوغل فی الهتک.

وأما الصورة الثالثة فلا یضر بالعمل العبادی بعد کون الترک لا صلة له به، إلا أن یتفقّ تسبب جزء من العمل لذلک الترک نظیر الصورة الثانیة.

عموم التقیّة للمندوب:

فی خصوص المسح علی الحائل قد تقدم اعتبار عدم المندوحة، فمع کون الوضوء مندوبا فیشکل استباحة الصلاة به، لفرض امکان اتیان الوضوء الواجب فی ظرفه، والمندوب للنافلة لا ضرورة تضطر المکلّف لایقاعه، فمن الغریب التفرقة بین لسان لاضرر وروایة أبی الورد المتقدمّة لأنّها أیضا فی مورد الضرورة ولو بقرینة الجمع بینها وبین صحیح زرارة

ص:101

النافی للتقیّة فیه، لکن یظهر من الماتن انّ صدق عنوان الضرورة والاضطرار والضرر انّما هو عند وبعد فرض ارادة الامتثال أی بمعنی اللابدیّة عند ارادة امتثال الأمر سواء الواجب والمندوب، فیکون بمعنی العجز فی ظرف الامتثال لا بمعنی اللابدیة المطلقة من جهة الالزام بالفعل ولزوم حفظ النفس أو العرض أو المال فیتحقق الاضطرار الی العمل الناقص الذی تتحقق به التقیّة، ای انّه لأجل اتیان العمل لا بد من اتیانه بصورة التقیّة ناقصا حفظا للنفس ونحوها عن الضرر کما هو الحال فی التیمم الثابت بالحرج لأجل العمل المندوب، والحلّیة فی قوله(علیه السلام) (التقیّة فی کل شیء یضطر الیه ابن آدم فقد أحلّه الله) أعمّ من الحلّیة التکلیفیة والوضعیة، فتعم الثانیة المندوبات، والمحصل فی هذا التقریب أنّه یکفی فی صدق الضرورة و الاضطرار لابدیّة تحقق الضرر مع فرض العمل، وإن لم یکن العمل لابدیّا إلزامیا، کما هو الحال فی صدق الوجوب الشرطی علی ما یؤخذ فی المرکبات الندبیة أی مما لا بد منه فی صحّتها فقاعدة الضرر والحرج والاضطرار صادقة بلحاظ أبعاض المرکب المندوب وان لم تکن صادقة بلحاظ أصل الحکم التکلیفی الندبی، ومن ثم یظهر العموم فی دلالة حسنة ابی الورد.

تخلف الخوف عن الواقع:

اذا اعتقد التقیة فمسح علی الحائل فبان عدمها او اخطأ فتخیل أن المورد من ما یخاف فیه علی نفسه، فظهر له خلاف ذلک لعدم کون الحاضر عدوّا بل من المؤمنین، والخطأ فی عدم اصابة خوفه للواقع من الضرر المترتّب من مسحه علی البشرة من قبیل مرض أو فتک سبع، فتارة خوفه و

ص:102

اعتقاده لیس فی محلّه بحسب الموازین المعتادة فلا یتخوّف فی مثل مورده، وأخری لا یصیب خوفه الواقع وان کانت خشیته فی محلّها، فأما الفرض الأول فلا وجه للاجزاء لعدم الخوف المأخوذ موضوعا فی الأدلّة وهو الخوف المتعارف، نعم قد یحقق مثل هذا الخوف الاعتقاد غیر المتعارف عجزا أو حرجا قد اخذ موضوعا فی بعض الأبواب الخاصّة کما قد یدعی ذلک فی التیمم، وأما الفرض الثانی فالخوف تارة یؤخذ طریقا وذلک فی الدلیل الآخذ لعنوان الضرر والاضطرار کما فی أحد الأدلّة العامّة للتقیّة، غایة الأمر قام الدلیل علی طریقیة واماریة الخوف لذلک الموضوع، وأخری یؤخذ موضوعا وهو الأصح فی أدلّة الاضطرار والضرر والحرج لکونها روافع للتنجیز وتمام الکلام فی محله وذلک کما فی الدلیل الذی لسانه التقیّة للتحفظ والحیطة فانّه ظاهر فی موضوعیة الخوف کما هو الحال فی باقی أدلّة التقیّة المتقدمة، هذا کلّه فی ما کانت التقیّة من الخوف - إذ قوام معناها من الوقایة والحیطة وملاکها فی التحفظ.

موارد التقیّة المجاملیة والمداراتیة:

هل هو کل العبادات أو خصوص الصلاة جماعة، أو بقیة الأبواب، الظاهر - کما تقدم - من أدلتها هو ما یتعلّق بحسن العشرة والآداب والإلفة معهم لا مثل الصیام والزکاة ونحوهما، وبعبارة أخری ما یتعلّق بالصورة الظاهریة للأعمال التی فیها جانب إئتلاف، لا کل عمل ولا ما یتعلّق بواقع تلک الأعمال.

اذا امکنت التقیه بغسل الرجل بدل المسح علی الحائل نسب الی جملة من الأصحاب تعیّن الغسل وعن التذکرة والذکری أولویته، ووجه

ص:103

التعیّن.

أولا: اقربیّته للوظیفة الأولیة وانّه المیسور منه اذ الوضوء نحو تنظیف و تطهیر لمواضع خاصّة.

ثانیا: انّه یمکن الجمع بین الغسل والمسح فیما اذا استخدم قلیلا من الماء الجدید، غایة الأمر قد أخلّ بقیدیّة کون المسح ببلّة الوضوء الثابتة من السنّة وهو معنی انّه المیسور.

ثالثا: مقتضی اطلاقات الأمر بالغسل الواردة(1) - المحمولة علی مورد التقیّة بضمیمة ما تقدم من أخذ عدم المندوحة فی المسح علی الخف والحائل - هو تعیّن الغسل وانّه مندوحة عن المسح علی الحائل، وهو مفاد نفی اطلاق التقیّة فی المسح، نعم بناء علی أخذ عدم المندوحة فی موارد التقیّة کل حکم بحسبه یکون کلّ منهما فی رتبة واحدة ویکفی الاطلاقان المزبوریان فی احتمال التعیّن والدوران بینه وبین التخییر ورفع الید عن استواء شمول الأدلّة العامّة لکلیهما، لاسیّما وان الترخیص فیه فی حسنة ابی الورد علی نحو الاستثناء.

تنبیه

قد تقدم فی - مسألة استثناء المسح عن عمومات التقیّة - أن مقتضی نفی التقیّة فیه فی الروایات الواردة حتی فی مثل حسنة أبی الورد، هو أخذ عدم المندوحة فی المسح علی الخف ونحوه من الحائل، فمع ارتفاع السبب قبل الصلاة سواء جفّت البلّة أم لم تجفّ، یعید الوضوء بنحو الوظیفة الأولیّة، بل لو جمد علی الاطلاق المزبور لاقتضی استیعاب العذر طوال

ص:104


1- (1) وسائل الشیعة، ج1، ص418، باب25 من ابواب الوضوء.

الوقت نظیر التیمم، لکان یرفع الید عنه فی هذه الصورة الأخیرة بمقتضی ما دلّ علی الاجزاء مع المندوحة فی الصلاة وکذا خصوص ما ورد(1) فی تقیّة الوضوء لداود بن زربی وعلی بن یقطین، نعم قد تقدم فی بحث المندوحة أنّ سبب التقیّة هو معرضیة و احتمال الضرر وهو ذا عرض عریض، مضافا الی کون معنی ومفهوم التقیّة هو الوقایة والتحفظ والحیطة وقد یکون تحری اتیان الوظیفة الأولیة یخلّ بقوام التقیّة، هذا کله فی التقیّة فضلا عن بقیة الضرورات فانّها مقیّدة بعدم المندوحة.

ثمّ انّه لو بنی علی المندوحة فی المسح، وحصول الطهارة، فالاقوی لزوم الاعادة أیضا قبل الصلاة وذلک لما یتّضح فی الوضوء الجبیری والتیمم بأن فی کلیهما تتحقق درجة من الطهارة ویستباح بهما الدخول فی الصلاة، إلا انها مرتبة ناقصة بمقتضی ان التراب طهور وانّه بدل طولی للوضوء لا عرضی من قبیل الحضر و السفر فی الصلاة، و هذا معنی انتقاض التیمم بوجدان الماء لا أنّه کالحدث رافع لأصل الطهارة، ویشیر الی ذلک أیضا ما ورد فی الغسل انّه کلّما جری علیه الماء طهر، أما کونه بدلا طولیا فبمقتضی ثانویة عنوان الموضوع ولذلک فانّ الوظیفة الأولیة التامّة باقیة علی مشروعیتها و ان امتنع تصحیح الامتثال بها فیما لو صدق علیه حرمة الإضرار.

ص:105


1- (1) وسائل الشیعة، ج1، ص443، باب32 من ابواب الوضوء.

ص:106

قاعدة الإمکان

اشارة

ص:107

ص:108

من قواعد باب الطهارة قاعدة الإمکان

مفاد قاعدة الإمکان:

من القواعد الفقهیة المعروفة بین الفقهاء قدیما وحدیثا قاعدة الإمکان والتی مفادها (أن کل دم أمکن أن یکون حیضا فهو حیض)، وهی تقدّر تارّة بمعنی الاحتمال وإن لم تتوفّر بقیة شروط الحیض ولم یحرز وقوعها ویطلق علیه الإمکان غیر المستقر کما فی بدء الرؤیة، وأخری بعد توفّر الشروط وإحرازها لکن یشکّ فی کونه مع ذلک دما آخر من استحاضة أو قرحة أو نحوهما ویطلق علیه الإمکان المستقر کما فی الدم بعد الثلاثة أو الذی یعلم استمراره، وثالثة بمعنی الشک فی أخذ شرط شرعی آخر فی حیضیّة الدم کما لو کان الشکّ فی الشبهة الحکمیة، ولا کلام فی القاعدة بالمعنی الثالث لوجود الإطلاقات و العمومات لا سیّما بعد کون الحیض حقیقة خارجیة، نعم فیما لم یصدق عرفا کما فی الفاقد ثلاثا لا بد من دلیل آخر، وأما المعنی الثانی وهو الدوران بینه وبین القرحة او بینه وبین العذرة او بینه و بین الاستحاضة فقد ذکرناه فی سند العروة کتاب الطهارة مسألة (5)، أما المعنی الأول فهو النافع فی المقام وقد استدلّ علیه بعدة أدلة.

أدلة القاعدة:

اشارة

استدل علی قاعدة الإمکان بعدة أدلة منها:

ص:109

الدلیل الأول: الإجماع.

کما ادعاه جمع من الفقهاء،منهم الشیخ و العلامة والمحقق وغیرهم بل أرسلوا القاعدة إرسال المسلمات. والیک بعض تلک الکلمات.

قال الشیخ فی الخلاف (الصفرة والکدرة فی أیام الحیض حیض، و فی أیام الطهر طهر، سواء کانت أیام العادة، أو الأیام التی یمکن أن تکون حائضا فیها ...دلیلنا علی صحّة ما ذهبنا إلیه إجماع الفرقة (1)).

وقال فی المبسوط (والصفرة والکدرة فی أیام الحیض حیض وفی أیام الطهر طهر سواء کانت أیام حیضها التی جرت عادة انّ تحیض فیه أو الأیام التی کان یمکن أن تکون حایضا مثال ذلک أن تکون المرأة المبتدئة إذا رأت الدم مثلا خمسة أیام ثم رأت الی تمام العشرة أیام صفرة أو کدرة فالجمیع حیض لأنه فی أیام الحیض، و کذلک إن جرت عادتها أن تحیض کل شهر خمسة ایام ثم رأت فی بعض الشهور خمسة أیام دما ثم رأت بعد ذلک الی تمام العشرة صفرة أو کدرة حکمنا بأنه حیض وکذلک إذا کانت عادتها أن تری أیاما بعینها دما، ثم رأت فی بعض الشهور فی تلک الأیام الصفرة أو الکدرة حکمنا بأنه من الحیض، وکذلک إذا رأت دم الحیض أیاما قد جرت عادتها فیه، ثم طهرت ومرّ بها أقلّ أیام الطهر وهی عشرة ایام ثم رأت الصفرة والکدرة حکمنا بانها من الحیض لانها قد استوفت اقل الطهر وجاءت الایام التی یمکن ان تکون حایضا فیها وانما قلنا بجمیع ذلک لما روی عنهم(علیهم السلام) من أنّ الصفرة فی أیام الحیض حیض ومن أیام الطهر طهر فحملناها علی عمومها)(2).

ص:110


1- (1) الخلاف ج1، ص235 المسالة (201).
2- (2) المبسوط للشیخ الطوسی ج1، ص43.

وذیل کلامه صریح فی قاعدة الإمکان بالمعنی الأول کما أنه صرّح بمستنده فی ذلک، وإن کان صدره یوهم نفی القاعدة المزبورة فتدبّر.

وقال المحقق الحلی فی المعتبر (وما تراه المرأة بین الثلاثة الی العشرة حیض إذا انقطع ولا عبرة بلونه ما لم یعلم أنه لقرح أو لعذرة وهو إجماع ولأنه زمان یمکن أن یکون حیضا فیجب أن یکون الدم فیه حیضا)(1).

وقال العلامة الحلی فی المنتهی (کل دم تراه المرأة ما بین الثلاثة الی العشرة ثم ینقطع علیها فهو حیض ما لم یعلم أنه لعذرة أو قرح، ولا اعتبار باللون، وهو مذهب علمائنا أجمع ولا نعرف مخالفا لأنه فی زمان یمکن أن یکون حیضا فیکون حیضا)(2) وقریب من ذلک عبارته فی النهایة(3).

وفی القواعد (وکل دم یمکن أن یکون حیضا فهو حیض و ان کان أصفر أو غیره فلو رأت ثلاثة ثم انقطع عشرة ثم رأت ثلاثة فهما حیضان ولو استمر ثلاثة وانقطع ورأته قبل العاشر وانقطع علی العاشر فالدمان وما بینهما حیض)(4).

وقال ابن إدریس الحلی فی السرائر (والصفرة فی أیام الحیض حیض، وفی أیام الطهر طهر، فإن کانت المرأة مبتدئة فی الحیض فأی دم رأته مع دوامه ثلاثة أیام متتابعات علی أی صفة کان فهو دم الحیض)(5).

وقال ایضا (فأما إذا لم یتصل بالعادة و کانت ثلاثة أیام متتابعات بعد

ص:111


1- (1) المعتبر فی شرح المختصر ج1، ص203.
2- (2) المنتهی ج2، ص287.
3- (3) النهایة ج1، ص118.
4- (4) قواعد الاحکام ج1، ص213.
5- (5) السرائر ج1، ص146.

أن مضی لها أقل الطهر وهو عشرة أیام نقاء فإنه حیض، لأنه فی أیام الحیض لقولهم(علیهم السلام): (الکدرة والصفرة فی أیام الحیض حیض وفی أیام الطهر طهر) علی ما حررناه فلیلحظ هذه الجملة فإنها إذا حصلت اطلع بها واشرف علی ما استوعب من دقائق هذا الکتاب)(1).

وقال الشریف المرتضی فی الناصریات (المسألة الستون: الصفرة إذا رؤیت قبل الدم الأسود فلیست بحیضة، و إن رؤیت بعده فهی حیضة و کذلک الکدرة. عندنا انّ الصفرة والکدرة فی أیام الحیض حیض، ولیستا فی أیام الطهر حیضا من غیر اعتبار لتقدیم الدم الأسود و تأخّره، وهو مذهب أبی حنیفة، ومحمد، ومالک والشافعی واللیث، وعبد الله بن الحسن. وقال أبو یوسف(2): لا تکون الکدرة حیضا إلا بعد أن یتقدمها الدم، وذهب بعض أصحاب داود الی أنّ الصفرة والکدرة لیستا بحیض علی وجه)(3) ونقل فی البحر الرائق(4) روایتین عن الناصر.

الأولی: أنها فی وقت إمکان الحیض حیض مطلقا.

والثانیة: مثل ما فی النسخة المطبوعة المتقدّمة، وفی المهذب لابن برّاج اقتصر علی ذکر العبارة ولم یذکر لها أمثلة. ثم أنه یستفاد من کلام المرتضی الاستدلال بالعموم المزبور للمعنی الثالث للقاعدة، اذ لو کانت الصفات شرائط واقعیة لما کانت الصفرة فی أیام الحیض حیضاً ومنه یظهر التلازم بین المعنی الثانی والثالث للقاعدة.

ص:112


1- (1) المصدر السابق ج1، ص148.
2- (2) المجموع ج2، ص295.
3- (3) الناصریات ص168.
4- (4) (البحر الرائق ج1، ص131).

وقال فی المبسوط: لو رأت ثلاثة عشرة بصفة الاستحاضة و الباقی بصفة الحیض واستمر، فثلاثة من أوله حیض، وعشرة طهر، وما رأته بعد ذلک من الحیضة الثانیة.

وحکی فی المعتبر عن علم الهدی فی المصباح: والجاریة التی یبتدیء بها الحیض ولا عادة لها لا تترک الصلاة حتی تستمر لها ثلاثة أیام، وعندی هذا أشبه، ثم استدلّ بقاعدة الاشتغال. ومثله فی کشف الرموز حکی قولین للأصحاب فی المبتدئة فی رؤیة الصفرة.

أقول: الظاهر من اتّفاقهم و إجماعهم أنه مستند الی العموم الوارد فی مثل معتبرة یونس عنه (علیه السلام) (وکل ما رأت المرأة فی أیام حیضها من صفرة أو حمرة فهو من الحیض، وکلّ ما رأته بعد أیام حیضها فلیس من الحیض)(1) وما فی مصحح علی بن جعفر (فلتتوضّأ من الصفرة وتصلّی ولا غسل علیها من صفرة تراها إلا فی أیام طمثها)(2).

ویلاحظ منهم استفادة الحکم الظاهری بالتحیّض منه تارة کما تقدم فی بعض الفروض کمبدأ رؤیة الصفرة التی ذکرها فی المبسوط، وأخری الحکم الواقعی بالتحیّض کما فی البعض الآخر من الفروض التی ذکرها فی المبسوط کالصفرة المتعقبة للدم أثناء العشرة و کما فی الصفرة المستمرة ثلاثة أیام أو أکثر کما فی کلام المرتضی والشیخ والحلّی والفاضلین إلا أن یحمل الحکم بالتحیّض فی القسم الثانی من الفروض علی الشبهة الموضوعیة فیکون الحکم أیضا ظاهریا، وهذا هو محصل الأقوال الثلاثة المتقدّمة.

ص:113


1- (1) وسائل الشیعة ج2، ص279، باب 4 من أبواب الحیض ح3.
2- (2) وسائل الشیعة ج2، ص280، باب 4 من أبواب الحیض ح8.
الدلیل الثانی: الأخبار الواردة فی أبواب متعددة:

منها: وهو العمدة فی کلمات المتقدمین ما ورد من أنّ الصفرة فی أیام الحیض حیض وفی أیام الطهر طهر. قد فسّرها الشیخ کما مرّ بما یمکن أن یکون حیضا فی مقابل ما یمتنع لکونه طهرا کما فی فصل أقلّ الطهر، و یظهر من المبسوط الاستشهاد لذلک بشمول العموم للصفرة فی موارد الحکم بالحیضیة بالصفات دون خصوص ایام العادة کالصفرة اللاحقة لأقل الحیض الواجد للصفات وکذلک للصفرة بعد أیام العادة قبل اتمام العشرة فإنه فی مثل ذلک لیس أیام الحیض بمعنی أیام العادة فلا محالة تکون بمعنی ما یمکن أن یکون حیضا.

وفیه: انّ غایة هذه القرائن کون الموضوع هو ما ثبت أنّه حیض فالصفرة فیه حیض، لا کلّ ما أمکن أن یکون لا سیّما وأنّ ظاهر العنوان هو التحقق و الثبوت لا الامکان و الاحتمال، و أما فی أیام الطهر فلا بدّ من حملها علی المقابل لذلک وهو ما لم یثبت کونه حیضا لا ما ثبت أنه طهرا وإلا فهو تحصیل الحاصل، هذا مع عدم ثبوت العموم بهذه الصیغة التی أرسلها الشیخ و جملة من المتقدّمین، بل ألفاظه هو ما مرّ فی معتبرة یونس و مصحح علی بن جعفر، و فی بعض الروایات الأخری(1) التقیید بأیام العادة أو تحقق الحیض بدلالة أکثر صراحة.

ومنها: ما دل علی إفطار المرأة برؤیة الدم فی نهار الصیام، و مفاد تلک الروایات لیس فی التحیّض بل هی منع الفراغ من ذلک فی صدد بطلان یوم الصیام بالحیض ولو بعد الزوال ولو مع طلوع الفجر علیها وهی طاهر.

ص:114


1- (1) وسائل الشیعة ج2، ص278، باب 4 من أبواب الحیض.

ومنها: صحیح عبد الله بن المغیرة (1) فی النفساء وقد جعل عمدة الروایات عند متأخری الأعصار، وقد عرفت ضعف دلالته علی القاعدة المزبورة.

ومنها: ما ورد (2) فی المبتدئة کموثّق سماعة وعبد الله بن بکیر، وفیه: أنّ غایة دلالتهما هو علی المعنی الثانی.

ومنها: ما ورد فیمن ینقطع دمها ثم یعود کصحیح یونس بن یعقوب قال: (قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) المرأة تری الدم ثلاثة أیام أو اربعة؟ قال: تدع الصلاة، قلت: فإنها تری الطهر ثلاثة أیام أو أربعة؟ قال: تصلّی، قلت: فإنها تری الدم ثلاثة أیام أو أربعة؟ قال: تدع الصلاة، قلت:

فإنها تری الطهر ثلاثة أیام أو أربعة؟ قال: تصلّی، قلت: فإنها تری الدم ثلاثة أیام أو أربعة؟ قال: تدع الصلاة، تصنع ما بینها وبین شهر، فإن انقطع الدم عنها وإلا فهی بمنزلة المستحاضة)(3) ومثلها معتبرة أبی بصیر إلا أن فی ذیلها (فإذا تمّت ثلاثون یوما فرأت دما صبیبا اغتسلت واستثفرت واحتشت بالکرسف فی وقت کل صلاة، فإذا رأت صفرة توضأت)(4) و کذلک روایة یونس بن یعقوب الأخری.

وفیه: ظهور کونهما فی حکم الدم بعد استمراره مع تکرره و عدم فصل أقلّ الطهر، نعم هو ظاهر فی أعمّیة الدم من الواجد و الفاقد کما ینصّ علیه الحدیث الثانی حیث فرض (علیه السلام) تقدیر کونه أحمر و أخری

ص:115


1- (1) وسائل الشیعة ج2، ص393، باب 5 من أبواب النفاس ح1.
2- (2) وسائل الشیعة ج2، باب 4 من أبواب الحیض ح1. وباب 8، ح5، ح6.
3- (3) وسائل الشیعة ج2، ص285، باب 6 من أبواب الحیض ح2 و ح3.
4- (4) وسائل الشیعة ج2، ص286، باب 6 من أبواب الحیض ح3.

صفرة. فإطلاق صدر الجواب الأول ظاهر بقوّة و دالّ علی القاعدة بالمعنی الثانی.

ومنها: الحدیث الصحیح والاخر الموثق عن محمد بن مسلم عنه (علیه السلام) (وإذا رأت الدم قبل عشرة أیام فهو من الحیضة الأولی، وإذا رأته بعد عشرة أیام فهو من حیضة أخری مستقبلة)(1).

وفیه: أنّ الروایتین فی صدد اشتراط الکون فی عشرة الدم للإلحاق بالحیض السابق لا التحیّض السابق لا التحیّض بمجرّد الرؤیة.

ومنها: ما ورد(2) فی تقدم الدم عن العادة أو تأخّره و تعلیله فی موثّق سماعة (فإنّه ربّما تعجّل بها الوقت)(3) بتقریب ظهور التعلیل فی مجرّد الاحتمال.

وفیه: أنّه تقدّم ظهور هذه الروایات فی توسعة إماریة العادة لا التحیّض بمجرّد الاحتمال و من ثمّ قیّد ذلک و أسند الی تعجّل العادة الوقتیة و لم یسند الی الحیض و الدم نفسه.

ومنها: ما ورد(4) فی الحبلی من التعلیل بالتحیّض بالرؤیة لاحتمال کونه حیضا، ففی صحیح ابن سنان (أنّ الحبلی ربّما قذفت بالدم)(5) وفی مرسل حریز (فإنه ربّما بقی فی الرحم الدم و لم یخرج)(6) ومثله صحیح أبی بصیر(7)

ص:116


1- (1) وسائل الشیعة ج2، ص296، باب 10، من أبواب الحیض ح11 و باب من ابواب الحیض ح3.
2- (2) وسائل الشیعة ج2، ص305، باب 15 من أبواب الحیض.
3- (3) المصدر السابق ح2.
4- (4) وسائل الشیعة ج2، ص329، باب 30 من أبواب الحیض.
5- (5) المصدر ح1.
6- (6) المصدر ح9.
7- (7) المصدر ح10.

وسلیمان بن خالد(1).

وفیه: انّ تلک الروایات مقیّدة فی موردها و هی الحبلی بروایات أخری دالّة علی شرطیة التحیّض امّا بمجیئه فی الوقت أو بصفات الحیض من الحمرة و الکثرة ونحوهما، فالتعلیل بالاحتمال وارد مقابل قول العامّة حیث انّ غالبهم علی منع اجتماع الحیض مع الحمل.

ومنها: وبما ورد(2) فی تمییز دم العذرة و القرحة عن الحیض بالاکتفاء بانتفاء صفاتهما.

وفیه: انّ التمییز وقع بالقلّة و الکثرة مع کون الدم حمرة فی غالب تلک الموارد ومن ثم استشکل الفاضلان و غیرهما فی الحکم بالحیضیة بمجرّد الانتفاء وإن کان الاشکال فی مورد الدوران مع طرف ثالث وهو الاستحاضة، وقد ذکرنا فی محله أنّ الکثرة علامة للحیض کما ورد ذلک فی روایات الحامل و مرسلة یونس.

ومنها: روایات(3) الاستظهار فی الدم المتجاوز للعادة.

وفیه: انّ ذلک غایته إثبات قاعدة الإمکان بالمعنی الثانی و الثالث لا الأول و هو التحیّض بمجرّد الرؤیة للاحتمال، و القاعدة بالمعنی الثانی و الثالث ثابتة من جملة من الروایات المتقدّمة کما مرّ فی عموم الصفرة و الکدرة فی أیام الحیض حیض وفی أیام الطهر طهر.

ومنها: صحیحة العیص بن القاسم قال: (سألت أبا عبد الله (علیه السلام)

ص:117


1- (1) المصدر ح14.
2- (2) وسائل الشیعة ج2، ص275، باب 16 من أبواب الحیض.
3- (3) وسائل الشیعة ج2، ص300، باب 13 من أبواب الحیض.

عن امرأة ذهب طمثها سنین ثم عاد إلیها شیء؟ قال: تترک الصلاة حتی تطهر)(1).

وفیه: ظاهر فرض السائل المفروغیة من حیضیة وطمث العائد وإنما سؤاله عن حکمه.

وغیرها من الروایات التی لا یخفی ضعف دلالتها بعد ما تقدّم.

هذا، مع أنه لو فرض عموم بعضها للتحیّض بمجرّد الرؤیة مع فقد الصفات، فیقع التنافی بینه و بین ما دلّ علی إماریة صفات الاستحاضة علیها، وهی أخص موردا، وقد یشکل علی ما دلّ علی التمییز أنه خاص بمستمرة الدم أو الحبلی أو النفساء وهما من قسم المضطربة لإنقطاع الدم وزوال انتظامه، وعلی ذلک فیبنی علی عموم قاعدة الإمکان و إن لم یکن عموم فی الروایات لکفایة استصحاب بقاء الدم ثلاثة أیام.

وفیه: أنه ذکرنا(2) فی قاعدة التمییز فی الصفات بأنّ بعض ما ورد لیس فی المضطربة کما فی ذات العادة التی تقدم رؤیتها للدم أو التی تأخّر عنها کما انّ بعضها ظاهر فی بیان طبیعة دم الاستحاضة فی نفسه حتی أوهم للبعض أنّ مفاده بیان الشروط الواقعیة.

الدلیل الثالث: أصالة السلامة:

واستدلّ ثالثا بأصالة السلامة ومقتضی الطبیعة المزاجیة عند النساء، حتی عدّ عدم الطمث عیباً فی الأمة کما ورد ذلک فی بعض الروایات، و لعلّه وجه دعوی السیرة المتشرعیة التی جعلت دلیلا مستقلاً رابعا.

ص:118


1- (1) وسائل الشیعة ج2، ص337، باب 32 من أبواب الحیض ح1.
2- (2) مسالة 15 من الحیض، العروة، کتاب الطهارة ج4.

وفیه: أنّ مقتضی الطبیعة هو إماریة الصفات أیضا کما ذکر ذلک علماء الطب ووظائف الأعضاء، وکما هو مفاد روایات التمییز نعم کثرة الصفرة- أی استقرار الإمکان و الاحتمال- یقتضی الحیضیّة فی الطبیعة من جهة الکثرة والاستمرار.

الدلیل الخامس: الاستصحاب:

وهو تمام فی نفسه إلا أنه لا مجال للتمسّک به مع إماریة الصفات، فتحصّل أنّ القاعدة ثابتة بالمعنی الثانی والثالث، ثمّ إنّ المعنی الثانی لا یتنافی مع قاعدة التمییز، لخصوص روایات القاعدة فی مورد المعنی الثانی ولأنه بعد استقرار الإمکان وثبوته بمثبت من عادة أو صفة کما فی المستمر ثلاثة فإنه متّصف بصفتین من الحیض أو ثلاث وهی الدوام ثلاثة أو الکثرة وفصل مقدار الطهر، ومن ذلک یظهر وجه مستقل للقاعدة وهو کونها موردا لإماریة صفات الحیض فی مورد المعنی الثانی، ویدلّ علی المعنی الثانی مضافا الی ما مرّ ما فی مرسل(1) یونس القصیر فی عدّة مواضع منه لا سیّما ذیله حیث یقول(علیه السلام) (فإن رأت الدم من أول ما رأته الثانی الذی رأته تمام العشرة أیام و دام علیها عدّت من أول ما رأت الدم الاول والثانی عشرة ایام ثم هی مستحاضة) وکذلک قوله(علیه السلام) قبل ذلک (فان استمر بها الدم ثلاثة ایام فهی حائض) وکذلک (فان رأت ... حتی یتمّ لها ثلاثة أیام ... هو من الحیض) ولفظ الدم و إن استعمل فی مقبل الصفرة فی جملة من الروایات إلا أن ذلک عند اجتماع استعمالهما إذ قد ورد فی جملة أخری استعمال الدم فی الأعمّ کمقسم للحمرة و الصفرة و منه یظهر التمسّک

ص:119


1- (1) وسائل الشیعة ج2، ص299، باب 12 من أبواب الحیض ح2.

بعمومات الدالّة علی حیضیّة الدم المستمر بقدر أقلّ الحیض و لم یتجاوز أکثره.

وکذلک موثّق الحسن بن علی بن زیاد الخزّاز (1) عن أبی الحسن(علیه السلام) قال: سألته عن المستحاضة کیف تصنع إذا رأت الدم، و إذا رأت الصفرة؟ و کم تدع الصلاة؟ فقال:

(أقلّ الحیض ثلاثة و أکثره عشرة و تجمع بین الصلاتین) وهو کمعتبرة أبی بصیر المتقدّمة ظاهرة بقوّة فی عموم الدم لکل من الحمرة و الصفرة فی أقلّ الحیض. ومن ذلک یظهر قوّة ما ذکر السید الیزدی (2) وغیره. هذا مضافا الی ما یمکن تأیید المقام بما لو رأته فی الیوم الأول واجدا للصفات ثم فقدها فی الیومین الآخرین فإنه یحکم بحیضیّته بلا ریب.

تنبیهات القاعدة

التنبیه الأول: النسبه بین التمییز بالصفات العادة وقاعدة الامکان:

وقع الکلام فی عموم موضوع التمییز بالصفات واماریتها والنسبه بینها وبین التمییز بالعادة وقاعدة الامکان وان کل ما لیس بحیض فهو استحاضة وان لم یکن بصفاتها، نعم الکلام فی العموم المزبور بعد امکان توفر قیود الحیض الواقعیة و الکلام فی المقام فی أصل وجود العموم الدالّ علی القاعدة المزبورة، و أنها تختص بالاشتباه مع الاستحاضة المتصلة بالحیض، أم هی أعم من التردید مع دم الاستحاضة و غیره فضلا عن موارد الدم المستمر، و یستدلّ له:

ص:120


1- (1) وسائل الشیعة ج2، ص291، باب 8 من أبواب الحیض ح4.
2- (2) العروة الوثقی ، کتاب الطهارة -- الحیض -- مسالة 15.

أولا: بروایات الحبلی کموثق اسحاق بن عمّار قال: (سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن المرأة الحبلی تری الیوم و الیومین؟ قال: إن کان دما عبیطا فلا تصلی ذینک الیومین، و إن کان صفرة فلتغتسل عند کل صلاتین)(1) فإنها بعد حملها علی التحیّض فی الظاهر فی الیوم الأول و الثانی و إن لم تعلم باستمراره ثلاثا، کما أنها مطلقة من جهة الوقت، و هی نص فی غیر مورد الدم المستمر، نعم هی خاصة بالتردید بین الحیض و الاستحاضة، و مثلها فی الدلالة صحیح أبی المغرا(2) إلا انّ التمییز فیها بکثرة الدم و قلّته، و کذلک روایة محمد بن مسلم(3) والتمییز فیها بکل من اللون و الکثرة وغیرها.

ثانیا: ما ذکر فی تعریف دم الحیض کما فی صحیح حفص الوارد فی مستمرة الدم حسب فرض السؤال لکن ظاهر الجواب أعم لظهوره فی بیان الطبیعة من حیث هی قال(علیه السلام): (ان دم الحیض حار عبیط أسود، له دفع وحرارة، ودم الاستحاضة أصفر بارد، فاذا کان ...)(4) فإن تفریع الحکم علی الدم فی مورد الاستمرار بحسب طبیعة کل من الدمین ظاهر فی العموم، و صحیح معاویة بن عمّار فإنه مطلق(5)، و موثق اسحاق بن جریر و هی و ان کانت بعض فقراتها فی المستمرة الدم إلا أن ذیلها فیمن یتقدم علیها الدم أو یتأخّر و هی غیر المستمرة الدم قال(علیه السلام): (دم الحیض لیس به خفاء، و هو دم حار تجد له حرقة، و دم الاستحاضة دم فاسد بارد)(6)

ص:121


1- (1) وسائل الشیعة ج2، ص331، باب 30 من أبواب الحیض ح6.
2- (2) المصدر ح5.
3- (3) المصدر ح16.
4- (4) وسائل الشیعة ج2، ص331، باب 30 من أبواب الحیض ح1.
5- (5) المصدر ح1.
6- (6) المصدر ح3.

وهی قویة الدلالة فی بیان طبیعة دم الحیض و الاستحاضة بما هی هی واما مصحح یونس فقد تعرض للتی قد جهلت واختلطت علیها ایام عادتها وانها تمیزها باقبال الدم وادباره وتغیر لونه، قال(علیه السلام): (اذا رأیت الدم البحرانی فدعی الصلاة ... البحرانی شبه قول النبی صلی الله علیه و آله أن دم الحیض أسود یعرف، و انما سمّاه أبی بحرانیا لکثرته ولونه)(1) والمراد من اقباله کثرته ومن ادباره قلّته، وهذه الروایة مختصة موردا بالناسیة و نحوها لعادتها الوقتیة لا من استمر دمها، ومجموع هذه الروایات وهذه الطائفة ما بین المطلق أو فی حکمه أو غیر المستمرة الدم، نعم هی فی التردید بین الحیض والاستحاضة.

ثالثا: ما دلّ علی أن الصفرة لا غسل فیها الا أیّام العادة، کمصحح علی بن جعفر عن أخیه(علیه السلام) قال: (سألته عن المرأة تری الدم - الی أن قال - قال(علیه السلام): ما دامت تری الصفرة فلتتوضأ من الصفرة و تصلی، ولا غسل علیها من صفرة تراها إلا فی أیام طمثها فان رأت صفرة فی أیام طمثها ترکت الصلاة کترکها للدم)(2) وفی صحیح محمد بن مسلم عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی حدیث قال(علیه السلام) (وان رأت الصفرة فی غیر أیّامها توضأت و صلّت)(3) وغیرها(4) و هذه أیضا فی التمییز بین الحیض و الاستحاضة و بعضها موردها مستمرة الدم.

رابعا: ما ورد فی حدّ الیأس کالصحیح الی ابن أبی عمیر عن بعض

ص:122


1- (1) وسائل الشیعة ج2، ص276، باب 3 من أبواب الحیض ح4.
2- (2) وسائل الشیعة ج2، ص280، باب 4 من أبواب الحیض ح8.
3- (3) المصدر ح1.
4- (4) المصدر باب 4.

أصحابنا عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: (اذا بلغت المرأة خمسین سنة لم تر حمرة) الحدیث(1).

فتحصّل عموم روایات الصفات فی المستمرة الدم و غیرها، إلا أنها فی صدد التمییز بین الحیض والاستحاضة وان کانت بعض ألسنتها توصیف دم الحیض فی نفسه، مضافا الی ما یأتی من عدم حصر صفاته فی المنصوصة لکن الأقرب أن عموم التمییز بالصفات لا ینحصر بموارد الاشتباه بالاستحاضة بل أعم منه و ذلک لعدة قرائن:

الأولی: ظهور التوصیف فی الصفات الطبیعیة للدم فی نفسه.

والثانیة: لقوله (علیه السلام) فی الطائفة الثانیة فی موثق اسحاق (دم الحیض لیس به خفاء ...) فی عموم تمیزه.

والثالثة: قوله (علیه السلام) فی صحیح یونس فی الطائفة الثانیة أیضا (وذلک انّ دم الحیض أسود یعرف)(2) والتعبیر ب--(یعرف) ظاهر بقوة فی عموم المعرفة و التمییز لا سیّما وان التعبیر المزبور أورده (علیه السلام) کتعلیل للتحیّض بناء علی فتح الراء لا ضمّها.

والرابعة: ما یأتی التنبیه اللاحق من صحیح ابن حمّاد(3) الظاهر فی عموم الطریق لاحراز دم الحیض ولو کان الدوران مع دم العذرة وهو بنفسه طائفة رابعة وکذا صحیح(4) زیاد بن سوقة.

واشکل علی دلالتها:

ص:123


1- (1) وسائل الشیعة ج2، ص335، باب31 من أبواب الحیض ح2.
2- (2) وسائل الشیعة ج2، ص276، باب3 من أبواب الحیض ح4.
3- (3) وسائل الشیعة ج2، ص272، باب2 من أبواب الحیض ح1.
4- (4) المصدر ح3.

أولا: بعدم کون مفادها التعبّد بالصفات لاحراز الحیض، وانما ترشد الی حصول العلم باجتماع الصفات.

وفیه: أنه لیس المراد من اماریة الصفات التعبّدیة هو التأسیس، بل الامضاء کما هو الحال فی أغلب الامارات، وامّا التقیید بالاطمئنان فالنوعی منه صحیح لا الشخصی، والأول هو بحسب اعتبار الظن الحاصل من المنشأ الخاص لدی السیرة العقلائیة، والفرض امضاء ذلک المنشأ.

ثانیا: انّها واردة فی مستمرة الدم، لا مطلقا مضافا الی دلالة عنوان الاستحاضة لغة علی ذلک بعد کون الصفات للتمییز بینها وبین الحیض، وفیه: انّ فی العدید منها تنصیص علی غیرها من الموارد و منه یظهر استعمال الاستحاضة فی الأعم فی الدم الذی یقابل الحیض وان لم یکن مستمرة الدم، کما یأتی فی الروایات استعماله کثیرا فی ذلک، هذا وفی مرسل یونس الوارد فی استبرائها (فان خرج علی رأس القطنة مثل رأس الذباب دم عبیط لم تطهر)(1).

ثالثا: منافاتها لقاعدة الامکان و انّ کلّ ما لم یکن حیضا فهو استحاضة وإن کان بصفات الحیض و لعدم الأخذ بها من قبلهم فی موارد أخری، وفیه: انّ البحث فی المقام اقتضائی و اجمالی، و فی وجود عموم یتمسک به ما لم یکن فی البین دلیل أقوی یتمسک به، وبقیة الجهات تم تنقیحها بعض مسائل الحیض من العروة.

التنبیه الثانی: الاختبار إذا اشتبه دم البکارة بدم الحیض:

لم یحک مخالف فی الاختبار --(وهو إدخال قطنه فی الفرج والصبر قلیلا

ص:124


1- (1) وسائل الشیعة ج2، ص309، باب17 من أبواب الحیض ح2.

ثم إخراجها فان کانت مطوقة فهو بکارة وان انغمست فهو حیض) - غیر ما عن المقدس الاربیلی من الرجوع الی الصفات و الفاضلین فی الحکم بالحیضیة فی التقدیر الثانی، ففی المسألة أمور:

الأمر الأول: یدل علی الاختبار المزبور صحیح خلف بن حمّاد الکوفی - فی حدیث - قال: (دخلت علی أبی الحسن موسی بن جعفر (علیه السلام) بمنی فقلت له: ان رجلا من موالیک تزوج جاریة معصرا لم تطمث، فلما افتضّها سال الدم فمکث سائلا لا ینقطع نحوا من عشرة أیّام، و أن القوابل اختلفن فی ذلک، فقالت بعضهن: دم الحیض، و قالت بعضهنّ: دم العذرة، فما ینبغی لها أن تصنع؟ قال: فلتتق الله، فإن کان من دم الحیض فلتمسک عن الصلاة حتی تری الطهر، ولیمسک عنها بعلها، وإن کان من العذرة فلتتق الله ولتتوضأ ولتصلّ، ویأتیها بعلها إن أحب ذلک، فقلت له: وکیف لهم أن یعلموا ما هو حتی یفعلوا ما ینبغی؟ قال: فالتفت یمینا وشمالا فی الفسطاط مخافة أن یسمع کلامه أحد، قال: ثم نهد إلیّ فقال: یا خلف، سرّ الله سرّ الله فلا تذیعوه، ولا تعلموا هذا الخلق أصول دین الله، بل ارضوا لهم ما رضی الله لهم من ضلال، قال ثم عقد بیده الیسری تسعین ثم قال: تستدخل القطنة ثم تدعها ملیا ثم تخرجها اخراجا رفیقا، فان کان الدم مطوقا فی القطنة فهو من العذرة، وان کان مستنقعا فی القطنة فهو من الحیض) الحدیث(1).

وفی طریق الشیخ صورة السؤال (طمثت أو لم تطمث أو فی أول ما طمثت)(2) وظاهر صدر الروایة تقریر حجیة قول القوابل کما هو ظاهر

ص:125


1- (1) وسائل الشیعة ج2، ص272، باب2 من أبواب الحیض ح1.
2- (2) المصدر ح3.

الجواب فی الصدر بل انّ الظاهر منه اطلاق الطریق المحرز للدمین و اطلاق الصفات المعتد بها فی التمییز، کما انّ ظاهر هذا الاختبار هو تمییز الحیض بالکثرة و دم العذرة بالقلّة، ویشیر الی ذلک ما فی الفقه الرضوی فإنه بعدما ذکر الاختبار المزبور ذیّله ب--(و اعلم انّ دم العذرة لا یجوز الشفرتین)(1) ومثل صحیح حمّاد صحیح زیاد بن سوقة(2). فیتحصل من الاختبار المزبور أنه نحو من التمییز بصفات الحیض.

الأمر الثانی: المدة التی تصبر فیها بوضع القطنة فإنّه عبّر فی صحیح حمّاد (تدعها ملیا ثم تخرجها اخراجا رفیقا) بینما عبّر السید الیزدی بالقلّة لکن جعلها وصفا للصبر(3)، و المراد أدنی المقدار المعتاد عند النساء فی وضع القطنة ثمة بحیث ینغمس الدم فیها علی تقدیر الحیض بخلاف العذرة. کما أنه قیّد الاخراج برفق لئلا یقع ضغط بالقطنة علی الموضع فیسبب انغماس للدم بالعلاج لا من جهة الکثرة.

الأمر الثالث: المحکی عن الفاضلین کما تقدم و غیرهما الاشکال فی دلالة الانغماس علی الحیضیة بل غایة الأمر هو نفی دم العذرة، وظاهر الاشکال فی مورد کون التردید ثلاثیا ونحوه لا ما اذا کان ثنائیا بین الحیض والعذرة، و إلا لما کان له مجال، و أجیب بأن اطلاق الصحیحین بالحکم بالحیضیة یقتضی نفی احتمال الاستحاضة لا سیّما صحیح زیاد حیث لم یذکر فیه حصر التشقیق والتردید بین الاثنین، والاطلاق المزبور موافق لقاعدة الامکان، واشکل علیه: بأن مورد کلا الروایتین فی المرأة المردد

ص:126


1- (1) مستدرک الوسائل ج2، ص6. وبحار الانوار ج78، ص93. وفقه الرضا، ص194.
2- (2) وسائل الشیعة ج2، ص272، باب2 من أبواب الحیض ح2.
3- (3) العروة الوثقی - کتاب الطهارة - فصل الحیض مسالة 15.

امرها بین الاحتمالین لا مع احتمال ثالث للاستحاضة، و بأن الکثرة الملازمة للانغماس لم تجعل علامة للحیض فی روایات التمییز بین الحیض والاستحاضة عند التردد بینهما، هذا، والصحیح أن الکثرة صفة مذکورة للحیض فی روایات التمییز کما تقدم بخلاف القلّة، فالإطلاق فی علامیة الکثرة للحیض فی محلها. فإفادة الإطلاق المزبور لقاعدة الإمکان یتم بتفسیرها إطلاق اماریة الصفات بضمیمة السلامة کما مر، وقد تقدم عموم قاعدة الصفات لموارد الشک فی الحیض.

الأمر الرابع: وجوب الاختبار هل هو شرطی فی صحّة الصلاة أو نفسی مستقل من سنخ المجعول فی باب الفحص کوجوب التعلم أو کلیهما أو إرشادی لإحراز الموضوع، قد یستشهد للأولین مضافا الی ظهور الأمر و تشدیده بلزوم تقوی الله تعالی، بامتناع الاحتیاط لدوران الصلاة بین الوجوب والحرمة الذاتیة للصلاة وهی منجزة بالاحتمال لعدم جریان الأصول بعد جعل إماریة الاختبار، فلا یصح التقرب وان لم تکن حائضا فی الواقع لقبح التجری المنافی للتقرب سواء بنی علی حرمته أم لا، و یعضد ذلک أن جوابه (علیه السلام) فی مقابل فتوی فقهاء العامّة حیث أمروها کما فی صدر الروایة بالصلاة «فسئلوا عن ذلک فقهائهم فقالوا هذا شیء قد اشکل علینا و الصلاة فریضة واجبة فلتتوضأ ولتصلی ولیمسک عنها زوجها متی تری البیاض فان کان دم الحیض لم تضرها الصلاة و ان کان دم العذرة کانت قد أدت الفریضة ففعلت الجاریة ذلک)(1) فابتداء جوابه(علیه السلام) الأمر بتقوی الله تعالی ظاهر فی الامساک عن الاحتیاط الذی

ص:127


1- (1) الکافی ج3، ص92، باب معرفة دم الحیض والعذرة والقرحة.

أمروها به، و انّه ان کانت حائضا فعلیها أن تمسک عن الصلاة، و کون هذا الصدر لم یذکره الراوی فی السؤال للامام(علیه السلام) وانّما ذکره الراوی لغیره، لا یخلّ بذلک الظهور، فإن الابتداء بالأمر بتقوی الله تعالی وبترتیب آثار الواقع من دون الجمع بین آثار الموضوعین المتباینین ظاهر فی لزوم احراز الواقع، هذا وقد حررنا فی محلّه(1) أن الفحص فی الشهبة الموضوعیة فی ما أخذ فی الحکم تقدیر خاص و نحوه لازم - کما ذکرنا(2) - موثق عمّار بن موسی الساباطی فی المرأة التی تظن انها حاضت فامر(علیه السلام) بان تدخل یدها فتمس الموضع لتبین وجود الدم و عدمه، لا سیّما فیما هو مثل المقام ممّا لا یستلزم الفحص إلا الالتفات الیسیر، وذکرنا(3) انّ الحرمة الذاتیة لصلاة الحائض لا تخلو من وجه، ویتحصل انّ فی موارد امکان الفحص عند الاشتباه بالحیض لا یشرع الاحتیاط بالصلاة بعد عدم جریان الأصول، و تقدم الإمارات الخاصة المجعولة فی الباب علیها، و قد یؤید ذلک بترک الصلاة أیام الاستظهار، بل قد عبّر فی بعضها عن ترک الصلاة ب--(تحتاط بیوم أو یومین).

الأمر الخامس: الظاهر عموم اماریة الاختبار لموارد سبق الحیض أو سبق العذرة وان کان مورد الصحیحین سبق الطهر، وذلک لظهور الاختبار المزبور فی کونه لتبین الکثرة أو القلّة والأولی من صفات الحیض والثانیة من صفات غیره کدم العذرة، وقد تقدم عموم اماریة الصفات للحیض عند الشک.

ص:128


1- (1) سند العروة الوثقی، صلاة المسافر (المسالة 5).
2- (2) مسالة 4 من سند العروة للشیخ الأستاذ السند،کتاب الطهارة، فصل الحیض.
3- (3) (3) المصدر نفسه.

الأمر السادس: عند تعذر الاختبار یرجع الی مقتضی الأصول العملیة فی المقام، وینبغی تفسیر التعذر بتعذر استعلام الکثرة من القلّة، لا بتعذر خصوص القطنة لما عرفت من أن القطنة مقدمة لذلک، فما یحکی عن الروض(1) من التخییر بین الأصبع والکرسف فی الاختبار متین و إن کان ظاهر المحکی عنه أنه استند فی ذلک الی تعدد لسان الروایات الواردة، و هو من اقحام ما ورد فی القرحة مع المقام إلا أن یکون قد فهم وحدة الموضوع عرفا بین القرحة و العذرة، و علی أیة تقدیر فالمدار علی تبین القلّة و الکثرة، و قد مرّ فی الفقة الرضوی (أن دم العذرة لا یجوز الشفرتین) فالتمثیل للتعذر بفوران الدم فی غیر محله فإنه علامة الکثرة وکذلک عدم خروجه من الموضع علامة قلّته، وانما یفرض فیما کان یخرج بتدریج متوسطا فانّه یتردد بین الصفتین، وعلی کل تقدیر فإن کانت الحالة السابقة معلومة فتستصحب، واما ان کانتا مجهولتی التاریخ أو انقضاء الحیض السابق مجهولا فیحتمل مجیء الدم المشکوک قبل تصرم العشرة فقد یقال باستصحاب العدم الأزلی سواء فی صفة الدم بأنه لیس حیضا أو فی عنوان الحیض حیث أنه عنوان وجودی، لکنه لا یخلو من إشکال لاحتمال کون هذا الدم استمرارا للحیض السابق فیکون العدم الازلی منتقضا بالیقین السابق و کذا عنوان الحیض فلیس إلا حالة الحیض سواء أرید منها الحدث المسبب أو حیضیة الدم السبب، و أما الاحتیاط ففی خصوص الصلاة والصوم یدور الأمر بین محذورین ویتعین الترک والاستظهار وقعودها وقد یقال بأن اطلاق الصحیحین یقضی بعدم الرجوع الی الأصول.

ص:129


1- (1) روض الجنان فی شرح إرشاد الاذهان، ج1، ص171. للشهید الثانی العاملی.

وفیه: انّه موردهما عند توفر الأمارة المزبورة مضافا الی أن الوجوب کما مرّ طریقی للإحراز فمع العجز عنه تصل النوبة الی الوظیفة الظاهریة اللاحقة کما هو الشأن فی الوظائف الظاهریة المترتبة طولا والامارات و الأصول لأنها للتوظّف الفعلی الرافع للتحیّر. نعم لو ثبتت قاعدة الإمکان بأوسع من قاعدة الصفات لکانت مقدمة علی الأصول العملیة أو الاحتیاط وأما بالنسبة الی تروک الحائض الأخری فتجری فیها البراءة و لا تعارض بأصل آخر لکون نجاسة الدم قدراً متیقناً بین الطرفین.

الأمر السابع: هل یختص الاختبار المزبور بالدوران بین دم الحیض والعذرة فلا یعم ما لو دار بین دم الحیض و القرحة أو بین الثلاثة أو لو کان دم الاستحاضة طرفا ثالثا أو رابعا، الظاهر العموم فی جانب صفات الحیض نفیا أو اثباتا، و أما الدوران بین البقیة فعموم صفات الاستحاضة لا یخلو من قوّة کما مرّ، کما انّ حکم الشک فی أصل الافتضاض کذلک بالأولویة أو المساواة.

التنبیه الثالث: اشتباه القرحة بالحیض:

حکی عن الصدوقین و الشیخ فی النهایة والمبسوط وابن براج وابن ادریس وابن حمزة وابن سعید و العلّامة والمحقق الثانی وغیرهم مطابقا لروایة الشیخ فی التهذیب من ان الدم اذا خرج من الطرف الایسر فحیض والا فمن القرحة، لکن ظاهر الکلینی فی روایته العکس ومال الیه الشهید(1) وحکاه عن ابن طاووس(2) وزعم أن أکثر نسخ التهذیب کالکافی، و توقّف

ص:130


1- (1) فی الدروس، ج1، ص97.
2- (2) حکاة فی الذکری، ص28.

جماعة فی الحکم کالمحقق الحلی فی الشرائع(1) وعن المعتبر انّ الروایة مقطوعة مضطربة لا أعمل بها.

هذا، وقد روی الشیخ عن محمد بن یحیی رفعه عن أبان قال: (قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): فتاة منّا بها قرحة فی جوفها والدم سائل لا تدری من دم الحیض أو من دم القرحة فقال: مرها فلتستلق علی ظهرها وترفع رجلیها وتستدخل اصبعها الوسطی فإن خرج الدم من الجانب الأیسر فهو من الحیض وان خرج من الجانب الایمن فهو من القرحة)(2) ورواه فی الکافی بعین لفظه إلا انّه عکس الایمن و الایسر. وقال فی الوافی بعدما نقل الاختلاف فی النسخ وکلام ابن طاووس وان نسخ الفقیه مطابقة للتهذیب قال: و علی هذا یشکل العمل بهذا الحکم و ان کان الاعتماد علی الکافی أکثر. وذکر صاحب الجواهر ان المحکی عن کثیر من النساء العارفات أن مخرج الحیض من الأیسر، ولعلّ المراد فی حالة الاستلقاء علی الظهر، ولا ینافیه ما ذکره النراقی من نفی النساء ذلک بمسائلتهن، فلعلهن لم یقفن علی ذلک بالتجربة، والحاصل أن ذلک یرجع الی التمییز بالصفات من حیث المخرج، ففیه تقریر لحجیة التمییز بالصفات وقد تقدم فی التمییز بین الحیض والعذرة أنه بالکثرة والقلّة وأن العذرة نمط من الجرح و القرحة کما استظهره فی الروض و جعل روایات المقامین متحدة کما تقدم موثق عمّار فی امتحان وجود الحیض بادخال الید فتمس الموضع. کما تقدم عموم حجیة التمییز بالصفات للحیض، کما أن المجرب فی القرحة قلّة الدم

ص:131


1- (1) الشرائع، ج1، ص33.
2- (2) وسائل الشیعة ج2، ص307، باب16 من أبواب الحیض ح1.

حسبما یحکی عن النساء، وهو یعضد عموم ما تقدم من التمیز بالکثرة والقلّة بالاختبار بالقطنة، اذ غایة مفاد الروایة فی المقام ظهورها فی تعیین هذه الطریقة من التعیین و یرفع الید عن التعیین بالقرائن الآنفة.

التنبیه الرابع: لو اشتبه الحیض بغیر هذه الدماء:

فمع الجهل بالحالة السابقة فالحکم هو عدم الحیضیه ما لم توجد امارات وجود الحیض کالعادة أو الصفات ولم یبن علی عموم قاعدة الامکان، وکانت الحالة السابقة هی الطهارة و إلا فیتعین الاحتیاط فی غیر العبادة. و کذلک الحال فی سبق الحیضیة فتستصحب.

ص:132

قاعدة حرمة إهانة المقدسات

اشارة

ص:133

ص:134

من القواعد العامة حرمة إهانة المقدسات

اشارة

ذهب الفقهاء الی حرمة اهانة المقدسات الدینیة وطبقوا ذلک فی موارد عدیدة، ولعل اهم تلک الموارد (المساجد والمراقد والمصاحف):

اولا: المساجد:

اشارة

فقد تسالم الفقهاء اجمالا(1) علی وجوب تطهیر المساجد، و الظاهر ان الوجوب المزبور یرجع الی وجوب تجنیبها عن النجاسة حدوثا و بقاء دفعا و رفعا، فحرمة التنجیس و وجوب الازالة صورتان لحکم واحد ذی ملاک واحد، و کم له من نظیر من ملاکات المفسدة اللازم عدمها حدوثا و بقاء.

کما ان الظاهر رجوع حرمة ادخال النجاسة فی المساجد إلیهما أیضا غایة الامر انه درجة من تجنیبها اشد و دائرة اوسع، و من ثم اتحد الدلیل فی المسائل الثلاث فی عدّة من الکلمات، و یدل علیه:

أوّلا: الآیة الکریمة:

إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ (2)، وقد بحثنا

ص:135


1- (1) خلافاًَ لصاحب المدارک، ج2، ص305 وج4، ص339. وصاحب الحدائق، ج5، ص294، حیث ذهب الی جواز تنجیسها.
2- (2) سورة التوبة، الآیة: 28.

مبسوطا(1) تقریب دلالة الآیة علی النجاسة الخبثیة فی نجاسة الکافر و دفع الاشکالات المعترضة.

هذا مع ان النجاسة لو کانت بلحاظ الشرک معنویة فقط لما ناسب التفریع علی النجاسة بل لکان الشرک وحده کافیاً للتفریع، اذ التفریع علی تقدیر کبری موضوعها المفرّع علیه ومحمولها الحکم المفرّع و حینئذ تکون المقدرة تدور مدار النجاسة لا الشرک.

وأما تقریب دلالتها علی المقام فالتفریع بالفاء دال علی تقدیر کبری کما تبین وهی حرمة وجود النجاسة فی المسجد الحرام فضلا عن التنجیس.

وأما: النقض علی الدلالة بجواز دخول المستحاضة وان کان دمها سائلا وموجبا لتلوث بدنها حیث یجوز الطواف لها، و کذا جواز اجتیاز الحائض و الجنب و ان کان علی بدنهما نجاسة کما هو مقتضی الاخبار، و کذا الحال فی صاحب الدمل و القروح، و قیام السیرة علی دخول من یتنجس بدنه او ثیابه بغیر ذلک(2).

فغیر وارد: ولا یشکل قرینة مخالفة دلالیا، اذ الموارد المزبورة ما بین کون النجاسة متبوعة للشخص أو غیر مسلمة، لان ما ورد من الجواز کالذی ورد فی جواز الطواف المستحب للمحدث بالاصغر غیر متعرض لحالة تلوث البدن بالبول مثلا، ان لم نقل انه وارد فی الطواف الواجب اللازم فیه مراعاتها ما تراعیه فی الصلاة من تبدیل القطنة و طهارة البدن و تجدید الوضوء مع اتصال ذلک بالطواف کالصلاة.

ص:136


1- (1) سند العروة الوثقی، کتاب الطهارة، ج2، ص34، لسماحة الاستاذ السند ().
2- (2) التنقیح، ج2، ص259، ط مؤسسة السید الخوئی (قدس سره).

وما ورد فی الحائض والجنب کذلک لا تعرض فی الاطلاق لحیثیة الخبث، ولم یرد نص فی دخول صاحب الدمل والقروح لاسیما وان فیه معرضیة لتنجیس المسجد، ولا اتصال فی السیرة المدعاة، کیف ومثل العلامة یفتی فی التذکرة (لوکان معه خاتم نجس وصلی فی المسجد لم تصح صلاته)، وکذا المحقق (تجب ازالة النجاسات عن الثیاب والبدن للصلاة و للطواف ولدخول المساجد).

ثم انه بالبیان المتقدم اتضح عموم الحکم فی النجاسات، کما ان عدم دخول المشرکین عمم لکل مسجد بدلالة عدة من الآیات قد تعرضنا لها فی ذیل الآیة فی نجاسة الکافر، الدال علی عموم الحکم فی المساجد، بل حرمة دخولهم فی المساجد حکم آخر مستقل دلت علیه تلک الآیات وان غض الطرف عن نجاستهم فلا تغفل، نعم حدود دلالة الآیة هو فی اعیان النجاسات وأما المتنجس فسیأتی الکلام عن اندراجه فیها.

ثانیا: الآیة الکریمة:

وَ عَهِدْنا إِلی إِبْراهِیمَ وَ إِسْماعِیلَ أَنْ طَهِّرا بَیْتِیَ لِلطّائِفِینَ وَ الْعاکِفِینَ وَ الرُّکَّعِ السُّجُودِ (1)، وفی الآیة نحو دلالة علی عموم الموضوع لکل مسجد لمکان الاضافة فی الموضوع الی الذات المقدسة الالهیة والغایة المذکورة للحکم.

ودعوی اختصاص الحکم بابراهیم واسماعیل(علیهماالسلام)، موهونة بأن الغایة من حکایة ذلک الامر هو الدلالة علی عموم الغرض والحکم لکل المخاطبین.

ص:137


1- (1) سورة البقرة، الآیة: 125.

واعترض باشکالات اخری مشترکة مع المتقدمة فی الآیة السابقة، وتمام الکلام فی الدلالة قد بحثناه فی نجاسة الکافر، کما انه یدعم دلالتها ما ورد فی ذیلها من الروایات(1) فلاحظ.

ثم ان فی الآیة عموما للنجس والمتنجس وکذا الادخال بقرینة مورد الخطاب بتنحیة المشرکین عنه بجانب تنظیفه من القاذورات.

ثالثا: ما ورد فی الآیات العدیدة والروایات الکثیرة من تعظیم المساجد وتوقیرها:

ما ورد فی الآیات العدیدة والروایات الکثیرة من تعظیم المساجد وتوقیرها وانها بیوت الله تعالی المنافی ذلک مع تنجیسها، اذ القذارة علی طرف تضاد وتناقض مع القدسیة والعظمة.

وهو تام اجمالا حتی فی المتنجس، الا انه لا عموم فیه کالآیتین السابقتین، کما ان المطرد فی کل عنوان تشکیکی هو کون الالزامی منه هو ادنی المصادیق وهو فی المقام ما یلزم من عدمه عنوان الهتک والاهانة، کما هو الحال فی برّ و احترام الوالدین انه ما یلزم منه العقوق.

رابعا: الروایات الواردة فی ذلک:

الاولی: صحیحة علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر(علیه السلام) قال: سألته عن الدابة تبول فیصیب بولها المسجد او حائطه، أیصلی فیه قبل ان یغسل؟ قال: (اذا جف فلا بأس)(2).

وتقریب الدلالة ان المرتکز لدی الراوی هو لزوم غسل النجاسة

ص:138


1- (1) تفسیر البرهان، ذیل الآیة المبارکة.
2- (2) الوسائل، ج3، ص411، ابواب النجاسات، باب9، ح18.

عن المسجد او حائطه، غایة الامر سؤاله عن الفوریة فی ذلک، و کون مورد السؤال تنزیهیا وهو بول الدابة غیر ضار بعد اولویة الحال فی ما هو نجس و بعد کون تطبیق الکبری علی المورد ندبیا، و لذلک فصّل بین صورة الرطوبة والجفاف واحتمال ان المرکوز عند الراوی هو تعظیم المساجد عما یشینها لا وجوب تطهیرها (1) غیر مناف للمدعی، اذ قد تقدم ان ملاک وجوب التطهیر او حرمة التنجیس هو التعظیم المزبور، نعم المدلول التزاما أو اقتضاء لیس بأوسع دائرة من الوجه الثالث.

الثانیة: صحیحة علی بن جعفر الاخری (عن الجص یطبخ بالعذرة، أیصلح ان یجصص به المسجد؟ قال: لا بأس)(2).

و هذه الصحیحة و ان ذکرناها سابقا فی أدلة اشتراط طهارة موضع الجبهة، الا انّ التدبر فی متن المروی یظهر انها روایة مستقلة عن الصدر و الذیل الذی ذکره صاحب الوسائل، فانه فی کل من کتاب قرب الاسناد و کتاب علی بن جعفر جعلها روایة مستقلة بل قد ادرجها فی الاول فی احکام المساجد، وأما الثانی فصدّرها ب--(وسألته) مما یشیر الی بدء روایة مستقلة، بل ان فی الوسائل(3) قد فصل بینهما ب--(عن) و فصل بینه و بین الذیل بجعله له روایة مستقلة.

وتقریب الدلالة کالسابقة مع ضمیمة ما تقدم من تقریب فی مسجد الجبهة من تصویر الطبخ بالعذرة.

ص:139


1- (1) بحوث فی شرح العروة الوثقی، ج4، ص307.
2- (2) الوسائل، ج5، ص291، باب65 من احکام المساجد، ح2.
3- (3) وسائل الشیعة، ج3، ص411. ط آل البیت.

الثالثة: ما ورد من جواز اتخاذ الکنیف مسجدا(1) شریطة تنظیفه، ففی بعضها (اذا نظّف و اصلح فلا بأس)(2)، وآخر (یطرح علیه التراب حتی یواریه لانه یطهّره)(3)، والتساؤل عند الرواة دال علی الارتکاز المزبور، کما ان الاشتراط بالتطهیر أو المواراة بالتراب دال بالمطابقة صریحا علیه.

ومن ذلک: یظهر النظر فی ما قیل(4) من ان هذه الروایات تقصر وجوب التطهیر علی ظاهر المساجد دون باطنها، فلا یحرم تنجیس باطنها، اذ الطم للکنیف لا یطهّره بل یقطع الرائحة والسرایة للنجاسة کما انه لیس فی الأدلة ما یعم تنجیس الباطن، ویترتب علیه جواز اتخاذ بیوت الخلاء بحفر سرادیب وطوابق تحت ارض المساجد.

وجه النظر: هو ما عرفت من ظهور الروایات فی لزوم قطع النجاسة عن بواطنها والتوسل الی استحالة النجاسات السابقة لو حملنا التطهیر فیها علی التنظیف العرفی، فالمنفهم منها هو الحیلولة دون بقاء النجاسات فی الباطن فکیف یدعی قصرها ذلک علی الظاهر.

ودعوی: لزوم منع إنشاء الوقف حتی یطهر الباطن علی تقدیر حرمة تنجیسه، فجواز الانشاء وصحة الوقف مع هذا الحال وهو نجاسة الباطن دال علی عدم الحرمة(5).

ممنوعة: اذ هو لا یزید عما لو طرأ تنجیس الباطن بعد المسجدیة. ولیس فی إنشاء الوقف حینئذ تنجیس للمسجد أو تسبیب لنجاسته بل

ص:140


1- (1) وسائل الشیعة، ج5، ص209، باب11 من ابواب المساجد.
2- (2) المصدر، ح2.
3- (3) المصدر، ح1.
4- (4) التنقیح، ج3، ص254، ط مؤسسة السید الخوئی (قدس سره).
5- (5) دلیل العروة، ج2.

تسبیب للمسجدیة لا للتنجیس الحاصل والمحرم هو الثانی لا الأول، و لا یحرم ایجاد موضوع وجوب التطهیر بعد ما لم یکن ذلک ایجاداً للتنجیس. وبقاء التراب الباطن علی نجاسته و ان استحیلت عین النجاسة الی تراب غیر ضائر فی حصول التطهیر، لما ستعرف فی المطهرات فی الاستحالة والتبعیة کما هو الحال فی التراب المحیط بالغائط علی وجه الارض أو الکلب المستحیلان ترابا.

الرابعة: صحیحة رفاعة بن موسی قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الوضوء فی المسجد؟ (فکرهه من البول والغائط)(1).

ویقرب من مضمونه صحیح بکیر بن اعین عن احدهما(علیه السلام) قال: (اذا کان الحدث فی المسجد، فلا بأس بالوضوء فی المسجد)(2)، والکراهة ومفهوم البأس وان کانا ظاهرین فی الکراهة الاصطلاحیة تحفظا لما عسی ان تکون الیدان متنجستین، الا انه حینئذ دال بالاقتضاء علی محذور تنجیس المسجد بغسالة المتنجس.

وقریب من مفادهما ما رواه عبد الحمید عن أبی ابراهیم (علیه السلام) قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله - فی حدیث - واجعلوا مطاهرکم علی ابواب مساجدکم ...(3).

الخامسة: ما ورد فی تطهیر الارض باطن القدم فی الطریق الی المسجد:

کصحیح الحلبی قال: نزلنا فی مکان بیننا و بین المسجد زقاق قذر، فدخلت علی ابی عبد الله(علیه السلام) فقال: این نزلتم؟ فقلت نزلنا فی دار فلان،

ص:141


1- (1) وسائل الشیعة، ج1، ص492، باب57 من ابواب الوضوء، ح1.
2- (2) المصدر، ح2.
3- (3) التهذیب، ج3، ص254.

فقال: ان بینکم وبین المسجد زقاقا قذرا، أو قلنا له: ان بیننا وبین المسجد زقاقا قذرا، فقال: لا بأس، الارض تطهّر بعضها بعضا، قلت: السرقین الرطب اطأ علیه، فقال: لا یضرک مثله ... (1).

ومثله ما رواه فی المستطرفات عنه(2) الا ان فیه (ان طریقی الی المسجد ... فربما مررت فیه و لیس علیّ حذاء فیلصق برجلی من نداوته قال: (أ لیس تمشی بعد ذلک فی ارض یابسة ... (وذیلها) لا بأس انا واللهربما وطئت علیه ثم اصلی ولا اغسله) وعلی صورة المتن الثانیة یمکن استظهار ان المحذور فی ارتکاز الراوی هو دخول المسجد برجله المتنجسة مما یؤدی الی تنجیسه، وصدر المتن الاول یفیده أیضا بالتدبر حیث ان التعرض الی البین مع المسجد ظاهر فی ذلک.

ولا ینافیه ما فی ذیل المتن الثانی من ترتیبه (علیه السلام) صلاته علی مطهریة الارض فانه قد یکون استشهاداً لتحقق الطهارة، کما ان ظهورها فی بیان التطهیر بالارض التی قبل المسجد معاضد للاستظهار المزبور.

السادسة: ما رواه الشیخ فی الحسن - کالمصحح -

عن عبدالله بن میمون عن جعفر بن محمد عن أبیه(علیه السلام) قال: قال النبی صلی الله علیه و آله : تعاهدوا نعالکم عند ابواب مساجدکم ... الحدیث)(3).

ورواه الطبرسی فی مکارم الاخلاق(4) مرسلا فی ذیل آیة خُذُوا زِینَتَکُمْ عِنْدَ کُلِّ مَسْجِدٍ ، والنبوی المرسل المذکور فی کلمات الاصحاب

ص:142


1- (1) الوسائل، ج3، ص458، باب32 من ابواب النجاسات، ح4.
2- (2) مستطرفات السرائر، ص556.
3- (3) وسائل الشیعة، ج3، ص255، باب25 من احکام النجاسات، ح29.
4- (4) مکارم الاخلاق، ص123، فی کیفیة الانتعال.

(انه قال: جنبوا مساجدکم النجاسة)(1)، والروایة الاولی یمکن الاستظهار منها سواء کان الغرض من التعاهد هو مراعاة نظافة المساجد من القذارات العرفیة أو الشرعیة، لانه علی الاول یکون دالاعلی اولویة التوقی من الثانیة و اشتداد الحکم فیها، وأما الثانیة فهی وان احتملت إرادة المساجد السبعة فی الصلاة لاستعمال هیئة الجمع فیها کما فی الآیة، ولکن الانصراف الاولی الی بیوت العبادة وعلی أیة حال ففی ما تقدم من الروایات والآیات کفایة.

وهل تلحق الاطراف الخارجیة للمسجد بالمسجد؟

وجهان: وجه عدم الالحاق دعوی الانصراف أو ما یستظهر من روایات جعل ارض الکنیف مسجدا من قصر التطهیر علی الظاهر دون الباطن المساوی للداخل بالنسبة الی الخارج، ویدفعهما التشدید فی الآیة الاولی عن الاقتراب، واطلاق التطهیر فی الآیة الثانیة ومنافاة التعظیم فی الجملة، وتنصیص صحیح علی بن جعفر علی الحائط الخارج حیث لا تدخل الدواب فی المسجد، وکذلک روایات اتخاذ المسجد علی الکنیف حیث اشترطت قطع النجاسة والتطهیر للباطن.

وهل وجوب الازالة فوری؟

نعم فوری لما عرفت من ان الظاهر من الادلة هو تجنیبها النجاسات المنافیة لتعظیمها و من ثم کانت حرمة التنجیس ووجوب التطهیر بل و حرمة ادخال النجاسة ترجع الی حکم واحد وملاک واحد کالتعبیر بوجوب الصلاة وحرمة ترکها، ومن الواضح ان مثل هذا الملاک استغراقی

ص:143


1- (1) الوسائل، ج5، ص229، باب24 من احکام المساجد، ح2.

بلحاظ افراد الزمان کاستغراقه بلحاظ افراد النجاسات.

وهل یجوز ادخال عین النجاسة وان لم تکن منجسة(ملوثة) او یشترط فی الحرمة التنجیس؟

یدل علی عدم الجواز بنحو الاطلاق الآیة الاولی والثانیة أیضا بلحاظ ما ورد بطریق معتبر فی تفسیرها من تنحیة المشرکین، وکذا فی فرض الهتک الوجه الثالث وکذا بنحو الاطلاق علی وجه صحیحة ابن جعفر الثانیة، والمحکی عن متأخری المتأخرین تقییدها بالملوّثة، کما انک عرفت اندفاع النقوض - بأمثلة ادخال النجاسات فی المسجد - علی دلالة الآیات فلاحظ.

وهل یجوز ادخال المتنجس مع عدم استلزام الهتک؟

قولان: الجواز بعد قصور الادلة المتقدمة عن صورة عدم الهتک وعدم التلویث، واستدل فی الجواهر علی العموم بأن التقسیم الی نجس ومتنجس اصطلاحی وأما فی الاستعمال الروائی فالنجس یطلق علی کل منهما وفیه ان اللازم وجود دلیل مطلق من هذه الجهة أیضا ولا یکفی صدق العنوان، ولسان الادلة الواردة لبی تقدیری غیر مصرح کی یتمسک بإطلاقه.

نعم لو بنی علی طهارة اهل الکتاب لکان التمسک بالآیة الاولی فی محله لکنک عرفت ضعف القول المزبور، وقد یستظهر الاطلاق من الآیة الثانیة بلحاظ معنی التطهیر، بل وخصوص صحیحة علی بن جعفر الثانیة بلحاظ موردها وهو الجص المتنجس وهو محتمل فیهما وأحوط.

وهل وجوب الازالة کفائی او یختص بمن نجسها ؟

نعم کفائی بعد کون الملاک و الامتثال فی الموضوع الواحد غیر قابل

ص:144

للتعدد مع استواء نسبة الطلب الی الجمیع.

واستشهد لعدم الاختصاص بأن کیفیة الطلب بعد العصیان لم تختلف عما قبل، مضافا الی ان اللازم علی الاختصاص اما عدم وجوبه علی البقیة الا فی فرض عصیانه مرة اخری او وجوب حیلولته دون اتیان الآخرین، والا فنسبته مع الآخرین سواء وهو معنی الکفائیة، هذا مع عدم وجه للاختصاص.

وفیه: ان استناد التنجیس إلیه بالتسبب بقاء محقق ویلزمه استمرار العصیان واللازم عقلا المبادرة علیه عینا وشخصا رفع الاستمرار فبلحاظ حرمة التنجیس بقاء الحکم عینی وبلحاظ طبیعی الازالة الحکم کفائی فتتداخل الجهتان، وأما تقیید الحکم للآخرین بعدم امتثاله او حیلولته دون امتثالهم فغیر لازم کما هو الحال فی وجوب تجهیز المیت علی الولی عینا - علی قول أو تقدیر - وکفائیته علی المکلفین.

فرع:

لو رای النجاسة فی المسجد وقد دخل وقت الصلاة تجب المبادرة الی ازالتها قبل الصلاة مع سعة وقت الاخیرة وذلک لدرک کلا ملاکی المضیق الفوری والموسع بخلاف العکس. نعم مع ضیق وقت الصلاة یقدمها لأهمیة ملاکها اذ انها رکن الدین وعموده المتین .

ولکن لوترک الازالة مع سعة وقت الصلاة اثم وصحة صلاته علی الاقوی لعدم اقتضاء الامر بالشیء النهی عن ضده شرعا، بل عقلا بمعنی ان النهی من الاطوار العقلیة للامر فلا اجتماع للامر بالصلاة مع النهی عنها، کما ان التزاحم وان کان حاصلا بین الموسع و المضیق کما هو الاصح

ص:145

کالمضیقین الا ان التنافی هو فی فاعلیة الحکمین أو الفعلیة التامة لا فی اصل الفعلیة فلا حاجة للترتب بل یتم التصویر لکلا الفعلیتین بالتوفیق العقلی بین الفاعلیتین کما حررناه مفصلا فی الاصول.

هذا مع صحة الترتب لو سلمنا ان التنافی فی الفعلیة، بل لو منعنا الترتب فالملاک مصحح بعد بقاء الحکم الانشائی ومرحلة التشریع الکاشفة عنه، ومنه یعرف الحال فی کثیر من الصور.

ولو اشتغل غیره بالازلة لا اشکال فی جواز البدار الی الصلاة کما هو الحال فی کلیة الواجبات الکفائیة من ان تصدی البعض للامتثال مسقط ظاهری للتکلیف فی العدید من الموارد أو مسقط لوجوب المبادرة و للتکلیف بنحو مراعی کما هو محرر فی الواجب الکفائی، لا ان التکلیف دلیله منصرف کما قد یتسامح فی التعبیر.

فرع:

لو بادر للصلاة ثم ظهر نجاسة المسجد فان صلاته صحیحة، لما عرفت من الوجوه الاربعة لتصحیح الصلاة مع العمد فکیف بما دونه، نعم علی اقتضاء الامر النهی عن ضده شرعا یتأتی التفصیل بین العمد و الغفلة و النسیان علی ما هو الصحیح المنصور المشهور من التفصیل فی اجتماع الامر و النهی بین موارد التقصیر والقصور بعد عدم لزوم التعارض کما هو الصحیح علی الامتناع لعدم کون التنافی بین الجعلین بل بین الفعلیین، فالملاک محفوظ غایة الامر لا یمکن التقرب به مع التقصیر.

فرع:

اذا التفت للنجاسة حال الصلاة فهل یجب اتمامها ثم الازالة او قطعها والمبادرة للازالة ؟ وجوه لاغبار علی ابطالها بعد جواز القطع لموارد

ص:146

الحاجة الراجحة فلا تعارض و لا تزاحم، ولو اغمض عن ذلک فقد عرفت دلالة الآیتین علی الفوریة لدلالة کل من النهی ومتعلقه وهو القرب علی الاستغراق الزمانی وکذا دلالة الاقتضاء فی الامر بالتطهیر، وکذا بعض الروایات مثل ما اشترط التطهیر و قطع النجاسة عن الارض التی یراد وقفها مسجدا وکذا بقیة الروایات حیث ان محصل دلالة الکل هو منافاة النجاسة للمسجدیة وهو یناسب الاستغراق الزمانی.

هذا من ناحیة أدلة الازالة، وأما أدلة حرمة قطع الصلاة فان استند الی الاجماع فهو لبی قد لا یحرز شموله لموارد الابتلاء بواجب آخر، وان احرز فقد یقدم فی مقام التزاحم اطلاق ادلة الازالة علیه لکشف الاهمیة من الاطلاق کما حرر فی بحث التزاحم بعد عدم کون التنافی فی مقام الجعل فلا تعارض اصطلاحی فی البین.

وان استند - الی ما ورد فی الموارد المتفرقة(1) - بعد عدم حمل جمیعه علی الارشاد - من الامر بالتمام أو البناء أو النهی عن القطع أو الصبر والاستمرار، وما ورد فی التسلیم(2) من انه تحلیل للکلام وأمن مما یفسد الصلاة، الظاهر فی التحلیل التکلیفی المغایر للوضعی بقرینة العطف فیکون معنی تحریم التکبیر الاعم من الوضع والتکلیف غایته خروج النافلة ان قام دلیل علی استثنائها.

والمفهوم(3) من الشرطیة الدالة علی موارد جواز القطع، والمدلول الاقتضائی للمضی(4) للمتیمم بعد رکوعه اذا وجد الماء فی الاثناء حیث ان

ص:147


1- (1) الوسائل، ابواب نواقض الوضوء، باب19، ح3 وح4، وغیرها.
2- (2) المصدر، ابواب التسلیم، باب2.
3- (3) الوسائل، ابواب قواطع الصلاة، باب21.
4- (4) الوسائل، ابواب التیم، باب21.

القطع لو کان جائزا لکان متعینا مراعاة للطهارة المائیة فالاطلاق المتحصل فی الازالة اقوی دلالة فیقدم فی مقام التزاحم بالبیان المتقدم فی مقام الکشف عن اهمیة الملاک لا التنافی المقرر فی باب التعارض.

فرع:

لو توقف تطهیر المسجد علی حفر ارضه جاز بل وجب بعد دخوله فی اعماره وصیانته، اذ ما یکون لمصلحة المسجد والجهة الموقوف علیها یعدّ عرفا عمارة فی جهة الوقف لاتخریبا، فالمدار علی ذلک لا علی الیسیر دون الکثیر کما قیل، فتصویر الدوران بین حرمة الاضرار والتخریب وبین وجوب التطهیر لا مجال له، اذ ابعاد النجاسة عنه انما هو بملاک تعظیمه وتوقیره فکیف یصادم ویضادد حرمة تخریبه وهدمه.

فالصحیح ان الدوران فی المقام هو فی الملاک الواحد وجهاته وایها الغالب منها، ولعله یستفاد مما ورد من اشتراط تطهیر ارض الکنیف و قطع مادة النجاسة و طمّها بالتراب کیما تتخذ مسجدا، انه لو وصلت النوبة الی توقف قطع النجاسة الی تخریبه - کالنجاسة فی المثال التی تنافی اصل المسجدیة - جاز بل لزم، لحصول المهانة مع بقائه علی تلک الحال مع النجاسة الشدیدة، والحاصل انه لا بد من ملاحظة الجهات المختلفة المؤدیة الی تعظیم المسجد وعمارته.

وهل یجب طم الحفر وتعمیر الخراب بعد الازالة؟

قال بعض الفقهاء لایجب واستدل علیه تارة بکون التطهیر لمصلحة المسجد فلا یضمن الفاعل ما یسببه التطهیر من نتائج تلف(1)، و اخری

ص:148


1- (1) المستمسک، ج1، ص430.

بعدم تحقق الضمان باتلاف ابعاض المسجد لعدم کونه مملوکا بل محررا(1).

وفی کلا الوجهین نظر، لان مجرد کون الفعل لمصلحة مالک العین لا ینفی الضمان اذا لم یکن مأذونا منه او من الشارع ما دام یعدّ اتلافا، و ان کون المسجد محررا غیر مملوک لا ینفی الضمان کما سیأتی.

ومن الغریب التفرقة بین المسجد وآلاته المملوکة له کما سیأتی بیان ذلک، بل الوجه هو تحقق الاذن من الشارع فی الفعل الذی یعود نفعه للمسجد لا الفاعل، فیکون بذلک محسنا لاسبیل علیه.

لکن: قد یقرّب الوجوب بأن التطهیر حیث کان من مصادیق تعظیم المسجد وعمارته کما ان اللازم مجانبة تخریبه فیجمع بین الامرین بالتعمیر لما قد حصل اتلافه، وبعبارة اخری ان ما یصور فی المقام من دوران الامر والتزاحم بین وجوب التطهیر وحرمة التخریب.

ممنوع: بعدم الدوران بین الامرین وعدم التنافی فی الامتثال، حیث ان بالامکان امتثالهما طولا و تدریجا فأولا یمتثل التطهیر ثم یزال التخریب المسبب من الفاعل للتطهیر بالتعمیر، ولک ان تقول ان التطهیر المتعقب بالتعمیر لا یزاحم حرمة التخریب، نعم لو کان التعمیر یتوقف علی بذل مال حرجی أو ضرری وکان وجوبه مرفوعا بقاعدتیهما فیتعین اتیان تلک الحصة ویکون التعمیر مقدمة متأخرة.

هذا کله فیما لم یکن الفاعل للتطهیر مسببا للتنجیس، والا وجوب التعمیر علیه حینئذ اقوی وجها، حیث ان تنجیسه بمنزلة التخریب للتسبیب عرفا، ومنه یتضح وجوب رد الآجر ونحوه مضافا الی لزوم ابقاء الوقف علی

ص:149


1- (1) التنقیح، ج3، ص294.

الجهة التی اوقف علیها، والغریب التمسک للزوم الرد بالوجه الاخیر، مع عدم التمسک به فی مثل الطم والتعمیر، اذ الموضوع أیضا باق فیهما.

فرع:

اذا تنجس حصیر المسجد یجب تطهیره لعدّه عرفا من أجزائه أو توابعه وظهور ما ورد من توقیته وتجنیبه النجاسات فی التوسع فی العنوان او الاسناد، بقرینة ان جدران المساجد او سقوفها أو ابوابها تجدد أو یجدد اطلاؤها و تطیینها ولا ریب فی شمول محصل ما تقدم من الادلة له مع انه من الوقف اللاحق للمسجدیة و کذا ما یستحدث فیها من احواض أو اعمدة ونحوها، وأما دوران الامر بین تطهیر الموضع أو قطعه واتلافه فهو تابع للمصلحة بحسب الموارد.

فرع:

لا یجوز تنجیس المسجد حتی لو صار خرابا ویجب تطهیره اذا تنجس لبقاء الموضوع فتشمله الادلة، لاسیما وان اطلاق المسجدیة ینحفظ ولو بمثل صف قلیل من الاحجار أو الآجر علی سوره.

فرع:

اذا توقف تطهیر المسجد علی تنجیس بعض الاماکن الطاهرة منه - کما لو طهره بالماء وسال الماء النجس الی المکان الطاهر - فلا مانع من التطهیر مع امکان تطهیر کل النجاسة لأرجحیة تطهیر الموضع المفروض علی التنجس الموقت فکأنما الدوران بین التنجس الدائم والمؤقت، لاسیما وان التطهیر وحرمة التنجیس بملاک واحد کما عرفت، فیکون الرجحان بلحاظ الکم الزمانی أو المقداری.

ص:150

فرع:

اذا کان تطهیر المسجد قد توقف علی بذل مال وجب من باب مقدمة الواجب وقیّد فی بعض الکلمات(1) بالیسیر والا کان حرجیا أو ضرریا مرفوعا بالقاعدة استشهادا بما ذکره الاصحاب فی کفن وغسل المیت اذا استلزم مالا فانه یدفن عاریا أو بدون غسل علی طبق القاعدة مع ان بدن المؤمن من أعز المخلوقات . ولکن الصحیح ان قاعدتی الرفع المزبورتین حیث کان الوجه فی تقدیمهما علی الاحکام هو التزاحم الملاکی وان کان بصورة الحکومة أو الورود - کما صرح بذلک صاحب الکفایة (قدس سره) فی مبحث العام و الخاص - کان اللازم ملاحظة کل مورد بحسبه فلیس کل حرج یسیر أو ضرر کذلک رافعا لاهم الملاکات للاحکام، ولذا تری ان الحرج الرافع للوضوء غیر الحرج الرافع للتصرف فی مال الغیر أو لأکل المیتة.

الضمان فی المساجد:
اشارة

اختلف الفقهاء فی ضمان وعدم ضمان من کان سببا فی نجاسة المسجد اذا بذل مال فی تطهیره علی قولین استدل علی الثانی:

تارة: بأن الاوصاف التالفة فی الاعیان لا تضمن مثلیا بل قیمیا ای مالیة النقص الحاصل فی العین بسبب تلف الوصف فلا تضمن فی المقام قیمة اجرة عملیة التطهیر - أی اعادة الوصف --.

واخری: بان المسجد حیث کان من الاعیان المحرّرة لوجه الله تعالی

ص:151


1- (1) التنقیح، ص3، ص299.

غیر المملوکة فلا یضمن عینه ولا وصفه بخلاف آلاته من فرشه وسراجه ومنبره و نحوها فانها مملوکة لعنوان المسجد.

وثالثة: بان وجوب التطهیر کفائی کما تقدم، ولیس مختصا بمن تسبب فکیف یختص الحکم الوضعی به.

لکنک عرفت ضعف الوجه الثالث، وأما الاول فمورد تأمل فی الاوصاف المطلوبة لذاتها من الاعیان و التی کونها محط الاغراض من الاعیان، وبعبارة اخری ان البیان المذکور لضمان المثلی فی الاعیان من کون المالک المضمون له مالکا لشخص العین واوصافها و للطبیعة الکلیة فیها و للمالیة التی هی من اوصافها و انه کلما امکن رد مرتبة من المراتب الثلاث فلا تصل النوبة للرتبة اللاحقة فیجب تسلیم العین الشخصیة مع وجودها فان لم یمکن فمثلها فان لم یمکن فالقیمة فکذلک فی الاوصاف، ودعوی أن البناء و الجعل الوضعی العقلائی علی القیمة مطلقا فی الاوصاف مدفوعة بتعلق الاغراض العقلائیة فی بعض الاوصاف بذات الاوصاف لابمالیتها فقط کما هو الحال فی الاعیان.

وأما الثانی: فیرد علیه ان کون المسجد محررا وغیر مملوک لا یعنی انه صار من المباحات وخرج من الوقفیة وعموماتها کما یشیر الی ذلک التزام التفکیک بین حیثیة المسجدیة والوقفیة فی العدید من الکلمات فی المسألة اللاحقة، والتی منها کونها صدقة جاریة وتسبیل للمنفعة مع بقاء رقبة العین کما ورد ان المساجد بنیت للقرآن(1) وعلل النهی عن سل السیف فیها وبری النبل لانها بنیت لغیر ذلک و کذا علل النهی عن انشاد الضالة، و

ص:152


1- (1) الوسائل، ابواب احکام المساجد، باب14، 117، 28، 38.

یشیر إلیه ما ورد من ضرب أمیر المؤمنین(علیه السلام) الرجل القاص فی المسجد بالدرة وطرده ایّاه، فمنافعه لها جهة خاصة و هی العبادات وهی من المنافع العامة للکل کالموقوفات للمصالح العامة کالمدارس العامة والعمران الموقوف للزوار والحجیج.

ودعوی: عدم الضمان کالاراضی المفتوحة عنوة بغصب مطلق منافع هذه الاعیان.

ممنوعة: اذ ای فارق بینها وبین ما یعتبر ملکا لعنوان المسلمین مما یصرف مصالحه فی منافعهم اذ لیس هو علی نسق الملکیة الشخصیة بل اشبه شیء بالوقف الذی هو تحبیس العین وتسبیل المنفعة فی المصالح العامة، و مجرد تسمیته بالملک لهم لا یخرج العین عن الحبس ومنع الانتقال و کون المنافع مسبّلة، فکما قیل بالضمان فی الغصب فیها فکذلک الحال فی الوقف علی الجهات العامة، وهذا مقرر فی الجعل والبناء العقلائی غیر المتشرعی، مما یدل علی صحة ذلک الاعتبار وملکیة الجهة بمعنی من معانی الاختصاص والاضافة.

ولک ان تقول ان للمساجد نحو اضافة اعتباریة للّه تعالی سبحانه کما ورد انها بیوت الله تعالی عزّ اسمه فی الارض کاضافة تشریفیة لا تمنع من الاختصاص الاعتباری أیضا، نعم لو قیل ان الاضافة فیها بمعنی تشعیرها مشاعرا کعرفات و منی، کما ذهب إلیه الشیخ کاشف الغطاء (قدس سره) لافترقت عن الاوقاف العامة و لکانت محررة صرفة، الا ان کونها من الصدقة یدفعه.

والغریب ان یصار الی ضمان آلات المسجد و توابعه لانها مملوکات للمسجد دونه فکأنه زیادة للفرع علی الاصل، اذ فی الاعتبار العقلائی انما

ص:153

یعتبرون ملکیة العنوان بلحاظ انه ینتهی الی سلطة الاشخاص بنحو ما، نعم لو بنی علی ان التوابع موقوفة علی المصلین والمسلمین لاتجه الفرق بینها وبین المسجد، وهذا مشعر بما ذکرناه فی المسجدیة.

بل لو سلمنا التحریر فی وقف المسجدیة فدعوی عدم الضمان حینئذ ممنوعة حیث ان الجعل الاعتباری العقلائی فی الملل والنحل المختلفة علی التضمین فی اتلاف بیوت العبادة کل ملّة بحسبها، أفتری لو ان مجمع قوم جمعوا المال من آحادهم وبنوا دارا لعبادتهم وطقوسهم الخاصة مما تفک رقبة العین فی ذلک الوقف ثم اتلفها متعدٍ انهم لایضمنونه، هذا مع ان الحکم التکلیفی من حرمة تخریب المساجد ملائم لامضاء مثل هذا البناء العقلائی.

ومنه یظهر قوة الوجه الاول خلافا للماتن، نعم بالنسبة الی غصب بعض منافع الموقوفات العامة التی لم یسلبها الواقف وظلت مهملة یتوجه عدم الضمان وان تحقق الاثم بوضع الید علی العین، کما قد یفصل فی ضمان العین المزبورة بین ما اذا تلفت تحت ید الغاصب من دون تسبیب وبین ما اذا کان هناک تسبیب واتلاف فی الارتکاز العقلائی ولعله للفرق بین العین المملوکة بملکیة شخصیة و مثل تلک الاعیان الموقوفة فی الجهات العامة، و لتتمة الکلام محل آخر.

فرع:

اذا تغیر عنوان المسجد بأن غصب وجعل دارا أو صار خرابا، بحیث لا یمکن تعمیره و لا الصلاة فیه وقلنا بجواز جعله مکانا للزرع ففی جواز تنجیسه وعدم وجوب تطهیره - کما قیل - اشکال والاظهر عدم جواز الاول، بل وجوب الثانی أیضا.

ص:154

الکلام فی هذا الفرع ضمن نقاط:

الاولی: إن بقاء المسجدیة بعد الخراب و انتفاء العنوان انما یتصور فی الارض المملوکة للواقف وأما فی الاراضی المفتوحة عنوة او فی الانفال بناء علی عدم القول بالملک بالاحیاء فیها بل بمجرد الحق أو بناء علی زوال الملک فیها بالموات و الاعراض، ففی بقاء المسجدیة نظر وان بقیت الوقفیة اذ رقبة الارض لیست موقوفة بل الموقوف ذلک الحق مع البناء علی القول بکفایة ذلک فی وقف المسجدیة، ونظیر ذلک ما لو قیل بصحة وقف الطابق العلوی فی العمارة مسجدا دون الطابق الارضی، فانه مع خراب العمارة یشکل بقاء المسجدیة وان بقیت الوقفیة.

الثانیة: انه لا ملازمة بین عدم ضمان منافع المسجد المغصوبة وبین عدم صحة اجارتها کما تقدم، لان اهمال المنافع غیر المقصودة من جهة الوقف موجب لعدم الضمان، ولکن لایلزم منه عدم صحة تملیکها بالاجارة نظیر منافع الحر غیر الکسوب والتعبیر بانها مسلوبة المنفعة فلا تصح الاجارة فی الاوقاف العامة لا محصل له، اذ لیست کل المنافع مسلوبة نظیر العین المستأجرة اذا بیعت. نعم بناء علی کونها مشاعر فلا تصح اجارتها لتحریر المنافع تبعا لاعیانها بنحو لاتدخل فی ملک احد، هذا والمراد بالتصرفات الجائزة هی غیر المنافیة للمسجدیة کما لا یخفی.

الثالثة: قد یقرّب عدم حرمة التنجیس و ترک التطهیر بأن للمسجد حیثیتین احداهما المسجدیة والمعبدیة وهی تنتفی بالخراب وزوال الموضوع، والاخری حیثیة الوقف والحبس العام للعرصة وهی باقیة، و موضوع الادلة هو الاول المعدوم دون الثانی.

وقد یشکل علیه بان الحیثیة الثانیة لا بقاء لها دون الاولی ویجاب بأنه

ص:155

نظیر ما لو وقف عرصة حماما فخرب، ونظیر ما اذا انتفت المنفعة المقصودة من جهة الوقف.

وقد تقرب الحرمة بأن المسجدیة غیر متقومة بالبناء فی الاعتبار الانشائی والشرعی وان تقوّم فی الصدق العرفی، والموضوع اذا کان بحسب الاولی فهو باق بعد الخراب.

لکن قد یدعی انصراف الادلة السابقة عن صورة زوال آثار المسجد وصار بهیئة المزرعة أو الارض الخربة، و لا یجری الاستصحاب وان کان تنجیزیا بلحاظ کلا من حرمة التنجیس ووجوب التطهیر لما عرفت من کونهما بملاک واحد وهو تجنیب المسجد النجاسة وذلک لتبدل الموضوع عرفا فی مثل الفرض.

نعم الانصراف لا یتأتی فیما لو نقض بناؤه فقط مع عدم تبدل عنوانه عرفا، غیر ان بقاء الحکم مع کل ذلک احوط، ولا یخفی التدافع بین الالتزام بحرمة اجارته فی الموارد المنافیة للمسجدیة کحظیرة الدواب ونحو ذلک، مع جواز التنجیس وعدم وجوب التطهیر استنادا الی انعدام حیثیة المسجدیة دون الوقفیة، ویمکن توجیهه بأن اللازم فی الوقف حینئذ صرف منافعه فی الاقرب فالاقرب من المسجدیة لا فی ما هو مباین.

فرع:

اذا رأی الجنب نجاسة فی المسجد فان امکنه ازالتها بدون المکث فی حال المرور وجب المبادرة إلیها و إلا فالظاهر وجوب التأخیر الی ما بعد الغسل، لکن یجب المبادرة إلیه حفظا للفوریة بقدر الامکان، وان لم یمکن التطهیر الا بالمکث جنبا فلا یبعد جوازه، بل وجوبه و کذا اذا استلزم التأخیر الی ان یغتسل هتک حرمته.

ص:156

الکلام فی هذا الفرع یقع فی اربع صور:

الاولی: امکان الازالة حال المرور و لزومها واضح بعد عدم التزاحم مع حکم آخر.

الثانیة: عدم امکان الازالة الا بالمکث مع امکان الاغتسال مع عدم لزوم الهتک فالزم بالغسل أولا بالمبادرة إلیه ثم التطهیر و هذا اذا کان مقدار وقت الغسل لا ینافی الفوریة العرفیة لا غبار علیه لمراعاة کل من وجوب التطهیر و حرمة المکث جنبا.

الثالثة: وهی ما تقدم مع لزوم الهتک بالتأخیر وها هنا یقع التزاحم بین کل من وجوب التطهیر ووجوب تعظیم المساجد و الشعائر مع حرمة المکث جنبا والظاهر رجحان الاولین، بعد قرب کون الحرمة أیضا لاجل التعظیم، وملاکه فی طرف الازالة اقوی لکن الصحیح حینئذ کما ذکره غیر واحد هو تعین التیمم ان امکن لتعین الغایة و هی الکون فی المسجد مع الطهارة للازالة المتعینة علیه، مع عدم التمکن من الماء لضیق الوقت کما هو الحال فی من احدث بالاکبر وهو فی المسجدین من انه یتیمم و یخرج.

بل قد الحق بهذه الصورة صورة اخری وهی ما اذا کان التأخیر غیر موجب للهتک ولکنه ینافی الفوریة کأن یلزم من التأخیر مدة طویلة، فان التدافع کما ذکره غیر واحد هو بین فوریة وجوب التطهیر ووجوب الغسل والثانی مقید بالقدرة فیرتفع ویتعین التیمم حینئذ.

ومن الغریب الالتزام هاهنا بتقدیم الفوریة علی المقید بالقدرة الشرعیة کالطهارة المائیة ذات البدل، وعدم الالتزام بذلک فی مثل وجوب الحلق أو التقصیر فی الحج المقید بیوم العید مع اشتراطه بترتبه علی الذبح بتقدیمه علی شرطیة کون الذبح فی منی بناء علی الالتزام بکونه عند القدرة

ص:157

لقصور ادلة الشرطیة المزبورة عن الشمول لموارد الاضطرار، فان الفوریة فی المقامین واحدة مقدمة عند التزاحم مع الواجب الآخر ذی البدل هذا و ان بنی علی تصور الدوران بینهما فی الحج للعلم بعدم سقوط اصل وجوب المرکب فی الحج.

الرابعة: ما اذا لم یمکن الغسل و لم یلزم الهتک فمن الواضح مما تقدم تعین التیمم والمبادرة ثم للتطهیر، وان لم یمکن التیمم فیقع التزاحم بین الوجوب و حرمة المکث، و یمکن ترجیح الثانی علی الاول بوجود الاطلاق اللفظی بناء عن کشفه علی اهمیة الملاک، بخلاف الاول فانه بنحو الدلالة الالتزامیة لکن یمکن ان یقال ان النهی عن اقتراب المشرکین هو الآخر دال علی التشدد فی ذلک الحکم ولا یبعد تقارب ملاک الحکمین أو وحدته فیلحظ حینئذ الامتداد و القصر الزمانی.

فرع:

فی عدم جواز تنجیس مساجد او معابد الیهود والنصاری ومساجد المسلمین. اما الاول فمن جهة کونها معابد لله تعالی کما تشیر إلیه الآیة وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِیَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ یُذْکَرُ فِیهَا اسْمُ اللّهِ کَثِیراً (1)، ومما ذکروه من جواز نقضها الی مساجد دون غیر ذلک کما ورد النص بالنقض، وکما ان عدة من المساجد کمسجدی الکوفة والسهلة وکذا الاقصی وغیرها کانت من الوقف من الشرائع السابقة، الا ان کل ذلک لا یعدو تقریبا للاحتمال اذ الحکم یدور مدار العنوان المغایر لها کما هو مفروض الوجوه المتقدمة أیضا مضافا الی

ص:158


1- (1) سورة الحج، الآیة: 40.

السیرة المستمرة من تعاطیهم الخمر و غیره فیها.

اما الثانی (مساجد فرق المسلمین) فالاتفاق قائم علی عدم الجواز وقد ورد الترغیب فی الصلاة(1) فیها لکون کل مسجد یبنی علی قطرة دم نبی أو وصی، نعم قد ورد فی بعضها انها ملعونة وانها بنیت فرحا لقتل الحسین(علیه السلام)(2)، و لعله یشکل صحة وقفها کمسجد ضرار الذی هدم.

فرع:

قال بعض الفقهاء اذا علم عدم جعل الواقف صحن المسجد أو سقفه أو جدرانه جزءا من المسجد لا یلحقه الحکم من وجوب التطهیر وحرمة التنجیس، بل وکذا لو شک فی ذلک وان کان الاحوط اللحوق ولکن فی کلامه نظر عدا المثال الاول حیث انه جزء فی تقرر الماهیة الخارجیة للعنوان فیقال بنی المسجد ونحو ذلک الا ان تبنی الجدران محیطة بأرض المسجد بنحو أوسع خارجة عنها، بل قد عرفت ان تخریبها نحو ازالة لآثار المسجدیة کما فی کلمات الاصحاب فکیف تعدّ خارجة عنه، أما المشکوک فیتبع العلامات لکبری، حجیة الاطمینان الحاصل من الاسباب النوعیة المتعارفة کما تقدم.

فرع:

هل یجب اعلام الغیر اذا لم یتمکن من الازالة؟ استدل له بأن الاعلام لیس بتسبیب و انما هو ایجاد للداعی لدی مکلف آخر فلیس هو امتثال

ص:159


1- (1) الوسائل، ابواب احکام المساجد، باب21.
2- (2) المصدر، باب43.

مباشر و لا تسبیبی لیکون واجبا، کما ان حفظ الغرض علی درجات ولا یعلم ان الاهتمام الشرعی به اعم من التسبیب و المباشرة و ایجاد الداعی(1).

وفیه: ان الواجب فی المقام حیث انه من الواجبات الکفائیة و طبیعة الملاک فیها نوعا هو قیام الغرض بحصولها فی الخارج بأی نحو من الانحاء علی السواء بل ان عدم توجه الخطاب بالنهی عن قرب المشرکین من المسجد الی الاشخاص ولا الی العموم فی ظاهر اللفظ یدل علی اهمیة وقیام الغرض بمطلق حصوله، مع ان ایجاد الداعی ممن یعلم بانبعاثه نحو تسبیب وکذا اعلام من یحتمل فیه ذلک، اذ هو من احتمال التسبیب لایجاد الفعل، کما أن توصلیة الواجب فی المقام المستفادة من الاطلاق اذا انضمت الی الکفائیة کان الاطلاق فی المتعلق شاملاً لهذا النحو من التسبیب الموجود فی الاعلام، هذا فضلا عما اذا کان هتکا مما لا یرضی الشارع به لحرمته مطلقا.

ثانیا: المشاهد المشرفة:

وقع الکلام فی الحاق المراقد المشرفة بالمساجد بلحاظ حرمة التنجیس ووجوب التطهیر ویستدل له:

أولا: بوجوب تعظیمها بعد ما کانت مضافة إلیهم(علیه السلام)، ووجوب التعظیم اجمالا عقلی لکل ما هو رفیع الشأن و المنزلة والقدسیة وهذه کبری مطردة شرعیة وعقلیة فی المقدسات فی الشریعة وهی بمقتضی خضوع وتبعیة الشخص لما یذعن به من حقیقة وحقانیة شیء، ولذا کانت القدسیة والتقدیس رهینة الحق والحقیقة، ومن ثم یحکم بارتداد الهاتک للمقدسات

ص:160


1- (1) بحوث فی العروة الوثقی، ج4.

فی بعض الصور بحسب درجات الهتک وبحسب الشیء الذی وقع علیه ذلک الفعل.

نعم لما کان التعظیم من العناوین التشکیکیة کالطاعة للوالدین وبرّهما کان المقدار الواجب هو الادنی والزائد راجحاً غیر لازم کما هو مطرد فی متعلقات الاحکام ذات المصادیق التشکیکیة، وعلی ذلک فما یلزم من ترک تعظیمه الاهانة أو الهتک یکون عزیمة، ولا یخفی ان عنوان الاهانة اعمّ من الهتک.

هذا من حیث الکبری وأما الصغری فی المقام فلا ریب فی صدق الاهانة فی التنجیس باعیان النجاسة، وکذا بالمتنجس بعد ما کان التنجیس به تقذیرا فی الشرع فیلزمه الاستهانة.

وثانیا: بما ورد من تنزیلها منزلة المساجد فی کثیر من الاحکام مثل حرمة دخول أو مکث الجنب فیها - علی القول بها ولو احتیاطا - حیث ان ما ورد فی ذلک دال علی المحافظة علی طهارتها، نظیر ما دل علی ذلک فی المساجد، وکذلک ما ورد من افضلیة الصلاة فی بیت فاطمة(علیهم السلام) من الصلاة فی الروضة(1)، و ما ورد من استحباب کثرة التطوع فی الحائر(2)، معتضدا بما ورد من التخییر بین الاتمام و القصر فی الصلاة فی السفر و افضلیة الاول وانه من المذخور وکذا ما ورد(3) من استحباب عمارة قبورهم (علیهم السلام) وان ذلک کعمارة بیت المقدس أو ما ورد من تضاعف ثواب الصلاة عند قبورهم (علیهم السلام) وفی ذلک قال السید فی منظومته:

ص:161


1- (1) الوسائل، ج5، ابواب المساجد، باب59.
2- (2) الوسائل، ابواب المزار، باب69، وابواب صلاة المسافر، باب26.
3- (3) المصدر، ابواب المزار، باب25، 26.

فالسعی للصلاة عندها ندب وقربها فی اللصوق قد طلب

وما ورد فی ذیل الآیة فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ من انها بیوتهم (علیهم السلام).

ثم انک عرفت ان حرمة التنجیس مع وجوب التطهیر بملاک واحد وقد استدل علی ذلک أیضا بان وقفها مأخوذ فیه الطهارة فلا یصح التصرف فیه علی غیر جهة الوقف.

واشکل: بأن قبور مثل الکاظم و الجواد علیهما السلام کانت وقفا قبل ذلک کمقبرة لقریش و ان تلک البقاع لم تکن مملوکة کی توقف من مالکها.

الا: انه یدفع بزوال رسوم المقبرة و تبدلها الی هیئة المشهد، و انه ببناء ما حولها یصدق علیه نحو احیاء و وقف بنحو الترتب.

ولکن: الصحیح انها اشبه بالمشاعر بعد الحث الاکید من الدین فی عمارتها وزیارتها وتعاهدها.

ثالثا: المصحف الشریف:

اشارة

ذهب الفقهاء الی وجوب ازالة النجاسة عن ورق المصحف وخطه للکبری المتقدمة فی المسألة السابقة وکذا الصغری، مضافا الی ما یذکر فی المس بالعضو المتنجس. ویحرم کتابة المصحف بالنجس او بمرکب نجس ولو کتبه وجب محوه بعد حصول المهانة بل الهتک بذلک.

وکذا یحرم مس المصحف بالعضو المتنجس لاریب فی ذلک مع الاهانة کما اشار بعض الفقهاء، و أما مع العدم فمن حرمة مس المحدث بعد ما کانت متعلقها المس بالعضو مضافا الی قوله تعالی لا یَمَسُّهُ إِلاَّ

الْمُطَهَّرُونَ 1 وهو وان کان فی الکتاب المکنون لا المصحف الا ان فیه اشعارا قویا بحکم المصحف أیضا، ولذا ورد الاستدلال علی الحرمة السابقة بالآیة2، یستفاد بالاولویة العرفیة الحرمة فی المس بالخبث لاسیما وان الطهارة الحدثیة تعتبر اشد من الخبثیة فافهم.

ص:162

الْمُطَهَّرُونَ (1) وهو وان کان فی الکتاب المکنون لا المصحف الا ان فیه اشعارا قویا بحکم المصحف أیضا، ولذا ورد الاستدلال علی الحرمة السابقة بالآیة(2)، یستفاد بالاولویة العرفیة الحرمة فی المس بالخبث لاسیما وان الطهارة الحدثیة تعتبر اشد من الخبثیة فافهم.

وهل یجوز اعطاؤه بید الکافر؟

لا اشکال فی الحرمة مع المهانة وأما مع العدم فقد یدرج أیضا بالحرمه مع عدم الامن من معرضیته للنجاسة، وأما الاعطاء التملیکی فمحرر حکمه فی باب البیع.

فرع:

اذا وقع ورق القرآن أو غیره من المحترمات فی بیت الخلاء أو بالوعته وجب اخراجه ولو بأجرة لتوقف الواجب علیه وعدم جریان لا ضرر لما حرر فی محله من کون القاعدة وان کانت حاکمة فی صورة الدلالة الا ان المناط فی تقدیمها لبا هو التزاحم الملاکی، ومن الواضح أهمیة ملاک الواجب فی المقام بالنسبة الی البذل للمقدار المعتاد.

واما اذا لم یمکن الخراج فالاحوط سد بابه و ترک التخلی فیه الی ان یضمحل، وذلک لحصول المهانة الزائدة عرفا بالتدبر ولا محل للتأمل فی ذلک، لاسیما وان السدّ هو نحو علاج للاستحالة.

ص:


1- (1) سورة الوقعة، الآیة: 79.
2- (2) الوسائل، ابواب الوضوء، باب12.

فرع: فی ضمان المصحف:

تنجیس مصحف الغیر موجب لضمان نقصه الحاصل بتطهیره والضمان تارة یفرض لنقص الوصف وهو الطهارة وطرو النجاسة، واخری لعملیة التطهیر، وثالثة للنقص الحاصل فی العین بعد التطهیر، أما الاول فلا اشکال فی ثبوته لصدق الاتلاف، وأما الثانی فقد تقدم فی تنجیس المسجد وجه قوته، بتقریب ان اللازم فی الاوصاف هو اعادتها کالضمان فی المثلیات فی الاعیان وان لم یمکن اعادتها یضمن قیمتها فی الرتبة الثانیة فراجع، وأما الثالث فحیث ان النقص الطارئ هو بتوسط إرادة اخری فلا حکم للسبب بل یسند الی المباشر.

وقیل: بان الإرادة المتوسطة الاختیاریة مقهورة بالالزام الشرعی کما هو الحال فی الحاکم اذا قضی بالمال لغیر صاحبه بشهادة مدلس فتلف، وقد یفرّق بحصول التغریر فی المثال دون المقام.

والصحیح: ان وجوب التطهیر المفروض فی المقام یقتضی اعتبار العرف المتشرعی لنقص المالیة - الحاصل بعد التطهیر - منذ حدوث النجاسة، لعدم حصول التطهیر الموجب للنقص فی الاوصاف لاحقا، مفروض ومفروغ عنه، وهذا مطرد فی الاعتبار العرفی فی مثل هذه الموارد مما کان التلف بتوسط إرادة اخری منبعثة من حکم الزامی شرعی او عقلائی انهم یعتدون بالنقص المالی قبل حدوثه ویفرضونه حاصلا.

فرع:

وجوب تطهیر المصحف کفائی لا یختص بمن نجسه .تقدم فی تنجیس المسجد ان حکم التطهیر وان کان کفائیا الا ان حرمة التنجیس بقاء مستندة الی من نجّس حدوثا فابقاء النجاسة ابقاء للمعصیة فیتعین

ص:164

عقلا علیه رفعها، فبالنسبة إلیه هناک جهتان من الحکم حرمة التنجیس ووجوب التطهیر بخلاف بقیة المکلفین، و ان کان ملاک الحکمین واحدا فی الطبیعة.

وهل یضمنه من نجسه اذا لم یکن لغیره ؟ کلا لایضمن، نعم تقدم الکلام فیه فی المسألة السابقة، و وجه عدم الضمان بالنسبة الی النقص الحاصل فی العین فواضح لکونه ملکا لمن نجس، و أما عدم الضمان للمال المبذول فی عملیة التطهیر فلان التسبب مع توسط إرادة مختارة لا حکم له کما تقدم.

لکن حیث قد تبین ان وجوب التطهیر له جهة اختصاص زائدة بمن نجّس، فللحاکم ان یجبره علی التطهیر وبذل الأجرة لا من باب الضمان الوضعی بل القهر علی الواجب التکلیفی، لکن ذلک فیما لو راجع المباشر الحاکم فی ذلک وأما لو اقدم علی التطهیر ابتداءً فلا یرجع، لعدم کون بذل المال فی عهدة من نجّس وضعا بل تکلیفا وقد سقط.

نعم قد یوجّه الرجوع فی الصورة المزبورة أیضا وهی رجوع المحسن بما انفق مع نیة الرجوع الی الغیر بمثل رجوع من بذل الطعام و القوت لدابة الغیر المشرفة علی التلف أو لعیاله واجبی النفقة مع نیة الرجوع علی المالک، فان وجوب النفقة و ان کان تکلیفیا محضا لا دینا، إلا ان مقتضی الالزام أو الترخیص شرعا بحفظ مال الغیر مع نفی السبیل عن المحسن ونفی الضرر هو ثبوت حق الرجوع له بما انفق کما ذهب إلیه جماعة من المتأخرین.

رابعا: التربة الحسینیة:

یجب ازالة النجاسة عن التربة الحسینیة بل عن تربة الرسول وسائر الائمة (صلوات الله علیهم) المأخوذ من قبورهم، ویحرم تنجیسها، ولا

ص:165

فرق فی التربة الحسینیة بین المأخوذ من القبر الشریف، أو من الخارج اذا وضعت علیه بقصد التبرک، والاستشفاء، وکذا السبحة والتربة المأخوذة بقصد التبرک لأجل الصلاة وذلک لوجود المقتضی للتعظیم باضافتها إلیه(علیه السلام) وورود النقل المستفیض بل المتواتر علی آثار السجود علیها و التسبیح بها و الاستشفاء بها ووضعها فی القبر وغیر ذلک(1) من خواص التبرک بها، مما یشهد بقدسیتها.

ولا یخفی تفاوت ذلک فیها بحسب القرب والبعد من القبر الشریف وکذا الحال فی التفاوت مع بقیة تربهم - صلوات الله علیهم - نعم روی محمد بن سلیمان زرقان عن علی بن محمد العسکری (علیه السلام) قال قال لی: یا زرقان ان تربتنا کانت واحدة، فلما کان ایام الطوفان افترقت التربة فصارت قبورنا شتی والتربة واحدة(2)، وان مواضع(3) قبورهم بقاع من الجنة.

ص:166


1- (1) راجع کامل الزیارات.
2- (2) الوسائل، ج14، ص561، باب83 من المزار، ح1.
3- (3) المصدر، ابواب المزار، باب78.

قاعدة فی نجاسة الخمر وکل مسکر

اشارة

ص:167

ص:168

من قواعد باب الطهارة فی نجاسة الخمر وکل مسکر

اشارة

لم یحک الخلاف فی نجاسة الخمر من الفریقین الا عن قلیل(1)، کالصدوقین(2) والجعفی(3) وابن أبی عقیل(4) من المتقدمین، والمقدس الاردبیلی(5) وصاحب المدارک(6) وشارح الدروس(7) من متأخری المتأخرین، وعن اللیث وربیعة احد قولی الشافعی وداود من العامة(8).

دلالة الآیة علی النجاسة:

والمعروف عدم دلالة الآیة إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ

ص:169


1- (1) قال الشیخ البهائی فی الحبل المتین ، ص 102، (اطبق علماء الخاصة و العامة علی نجاسة الخمر الا شرذمه منا و منهم لم یعتد الفریقان بمخالفتهم ).
2- (2) الصدوق فی الفقیه ، ج1، ص 43، و فی المقنع ، ص 453، و نقل السید الجکیم فی المستمسک عن والد الصدوق فی الرسالة الخلاف ایضا، رجع مستمسک العروة ، ج1، ص 339.
3- (3) نقله عنه فی الذکری ، ج1، ص 114، ط الحدیثة ، ص 13، السطر27، ط الحجریة .
4- (4) نقله عنه فی المعتبر، ج1، ص 422.
5- (5) مجمع الفائدة و البرهان ، ج1، ص 310.
6- (6) مدارک الاحکام ، ج2، ص 292، ط آل البیت .
7- (7) مشارق الشموس فی شرح الدروس للخونساری، ج4، ص 215، حیث عقد بحثا مفصلا غایة فی الروعة و الإبداع الاستدلالی فلیراجع .
8- (8) راجع أحکام القرآن ، ج2، ص 656، المیزان للشعرانی، ج1، ص 105، المجموع للنووی،ج2، ص 562، و الفقه علی المذاهب الاربعة ، ج1، ص 15.

رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ (1).

لوجوه:

الاول: ان تطبیق الرجس علی البقیة بلحاظ الخباثة المعنویة والقبح المادیة.

الثانی: التقیید ب--(من عمل الشیطان) فانه یتناسب مع المعنویة.

الثالث: ان الظاهر المحتمل ان الموصوف بالرجس هوالاعمال المضافة لتلک العناوین المقدّرة بقرینة التقیید المزبور الدال علی أن تلک الاعمال هی من جنس عمل الشیطان.

لکن تقریب دلالتها متجه حیث ان الرجس کما هوالأصل من مفاده اللغوی کما تقدم فی المیتة والدم هوالنجس والخبث، غایة الأمر اذا کان الموصوف به من الاعیان المادیة تکون النجاسة والخباثة مادیة، وان کان من الافعال الجارحیة أو الجانحیة کالاعتقادات فهو استقذار ونجاسة وخباثة معنویة، ولکن ذلک لا یوجب اختلافا فی المعنی المستعمل فیه، وانما یکون قرینة علی نحووجود المعنی علی صعید المراد الجدی.

وبذلک یندفع الاشکال الأول ونظیره مما یقال انه لم یثبت ان استعمال اللفظة المزبورة منحصر فی النجاسة الاعتباریة بل فی مطلق الخبث العرفی أو المعنوی، حیث ان ارادة العرفی من الشارع اعتبار له عند الشارع ایضا کما هو الحال فی المسببات العرفیة فی باب المعاملات.

وأما التقیید المزبور فانما یتم الاشکال بناءا علی کونه قیدا للرجس لا خبر ثان عن العناوین، مع ان الثانی اظهر، بل علی الاول ایضا ینسجم مع

ص:170


1- (1) سورة المائدة، الآیة: 90.

المادیة بالالتفات الی ما ورد من الاحادیث عن منشأ تحریمه ونجاسته فی قصة آدم(علیه السلام) مع ابلیس (لع) فی عذق العنب.

ومنه یندفع الاشکال الثالث کما یدفعه ایضا الذیل (فاجتنبوه) لعود الضمیر الی تلک الذوات فیدل اطلاق الاجتناب علی الابتعاد عن کل من التناول والملاقاة، فان الاجتناب المطلق لا یلزم الا لذلک.

وبعبارة اخری: ان التشدید فی الحرمة انما یتم بالتقذر منه لانه زیادة اجتناب من الشیء، وهذا نظیر ما یقال فی باب المعاملات من عموم الحل لکل من التکلیفی والوضعی، ویؤید أویدل علی دلالتها روایة خیران الخادم فی الثوب الذی أصابه الخمر لا تصل فیه، فانه رجس (1).

الروایات فی حکم الخمر وأما الروایات فعلی مفادین النجاسة والطهارة إلا ان الأولی ضعف الثانیة أوأکثر، وهی متفرقة فی ابواب المیاه(2)، وأبواب النجاسات(3)، وابواب الاطعمة المحرمة(4)، وابواب الاشربة المحرمة(5)، وابواب ما یکتسب به(6)، وغیرها مما یجده المتتبع.

کروایة ابی بصیر عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی حدیث النبیذ قال: ما یبل المیل ینجس حبّا من ماء، یقولها ثلاثا(7).

وروایة زکریا بن آدم قال: (سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن قطرة خمر أونبیذ

ص:171


1- (1) وسائل الشیعة، ابواب النجاسات، باب38، ح4.
2- (2) المصدر، ابواب الماء المطلق، باب15، 16.
3- (3) المصدر، ابواب النجاسات، باب14، 30، 38، 51، وغیرها.
4- (4) المصدر، ابواب الاطعمة المحرمة، باب54، 62، 32.
5- (5) المصدر، باب18، 27، 20، 21، 37.
6- (6) المصدر، ابواب ما یکتسب به، باب35.
7- (7) المصدر، ج3، ص38، من ابواب النجاسات، ح6.

مسکر قطرت فی قدر فیه لحم کثیر ومرق کثیر، قال: یهراق المرق أویطعمه أهل الذمة، أو الکلب واللحم اغسله وکله ... الحدیث)(1)، وغیرها مما فیه الامر باعادة الصلاة أو الغسل للاناء ثلاثا مع الدلک وغیر ذلک.

وأما الدالة علی الطهارة فمثل صحیح الاجلاء الاربعة عن الباقر والصادق علیهما السّلام انها سئلا: (انا نشتری ثیابا یصیبها الخمر وودک الخنزیر عند حاکتها، أنصلی فیها قبل أن نغسلها؟

فقالا: نعم، لا بأس، انما حرم الله أکله وشربه ولم یحرم لبسه ومسه والصلاة فیه)(2).

وروایة علی الواسطی قال: (دخلت الجویریة وکانت تحت عیسی بن موسی علی أبی عبد الله(علیه السلام) وکانت صالحة فقالت: انی اتطیب لزوجی فیجعل فی المشطة التی امتشط بها الخمر وأجعله فی رأسی قال: لا بأس)(3).

وروایة حفص الأعور عن أبی عبد الله(علیه السلام) (انی آخذ الرکوة فیقال: انه اذا جعل فیها الخمر وغسلت ثم جعل فیها البختج کان اطیب له، فنأخذ الرکوة فنجعل فیها الخمر فنخضخضه ثم نصبّه فنجعل فیها البختج قال: لا بأس)(4) وغیرها من الروایات.

علاج التعارض فی الروایات:

والعلاج لتعارضهما بتقدیم الأولی لوجوه:

الاول: ان ما دلت علی النجاسة موافقة للکتاب علی ما تقدم من

ص:172


1- (1) المصدر، ح8.
2- (2) المصدر، ح13.
3- (3) المصدر، ابواب الاطعمة المحرمة، باب54، ح62.
4- (4) المصدر، ح32.

تقریب دلالة الآیة، بل لا یبعد الترجیح به وان بنی علی اجمال کلمة (الرجس) فی الآیة بعد الموافقة لاطلاق الامر بالاجتناب فیها.

الثانی: تضمن روایات الطهارة ما یدل علی الخلل فی جهة الصدور مثل طهارة ودک الخنزیر، وجواز استعمال الرکوة المغسولة بالخمر قبل جفافها مما یؤدی الی امتزاج البختج بالقطرات المتبقیة من الخمر ولیس ذلک من الاستهلاک الرافع لموضوع الحرمة کما لا یخفی.

وکذلک کون الجاریة السائلة عن حکم التمشط بالخمر الذی یجعله زوجها فی المشط هی زوجة عیسی بن موسی المحتمل لکونه الوالی العباسی المشار الیه(1)، فی خروج محمد بن عبد الله بن الحسن، کما ان بعضها الآخر مشتمل علی الخلل فی الدلالة علی الطهارة لکون جهة السؤال محتملة انها عن أصل جواز اللبس للثوب المصاب بالخمر.

الثالث: ورود روایات حاکمة علی جهة الصدور فی روایات الطهارة بانها غیر صادرة لبیان المراد الواقعی.

مثل صحیحة علی بن مهزیار قال: قرأت فی کتاب عبد الله بن محمد الی ابی الحسن(علیه السلام): جعلت فداک روی زرارة عن أبی جعفر وأبی عبد الله صلوات الله علیهما فی الخمر یصیب ثوب الرجل أنهما قالا: لا بأس بأن یصلی فیه انما حرّم شربها وروی غیر زرارة عن أبی عبد الله(علیه السلام) انه قال: (اذا اصاب ثوبک خمر أو نبیذ - یعنی المسکر - فاغسله ان عرفت موضعه وان لم تعرف موضعه فاغسله کله وان صلیت فیه فأعد صلاتک، فأعلمنی ما آخذ به؟ فوقع بخطّه (علیه السلام): خذ بقول أبی عبد الله)(2)، حیث ان افراد

ص:173


1- (1) الکافی، ج1، ص364.
2- (2) الوسائل، ابواب النجاسات، باب38، ح2.

قول ابی عبد الله(علیه السلام) هو فی مقابل قوله(علیه السلام) مع قول ابی جعفر (علیه السلام) کما هوظاهر.

ومثلها ما رواه سهل بن زیاد عن خیران الخادم قال: (کتبت الی الرجل(علیه السلام) اسأله عن الثوب یصیبه الخمر ولحم الخنزیر ایصلّی فیه أم لا؟ فان أصحابنا قد اختلفوا فیه، فقال بعضهم: صلّ فیه فان الله انما حرّم شربها، وقال بعضهم: لا تصل فیه، فکتب (علیه السلام): لا تصل فیه، فانه رجس ... الحدیث)(1).

والحال فی سهل سهل کما هو معروف، نعم احتمل ان فی السند ارسالاً بعد خیران الخادم لانه من أصحاب الجواد والهادی (علیهماالسلام)، لا سیما وان فی تتمة الحدیث فی الکافی(2) وقال: وسألت أبا عبد الله(علیه السلام)...، و(الرجل) کما هو کنیة للکاظم (علیه السلام) هو کنیة للعسکری (علیه السلام)، بل أطلق ایضا علی الهادی (علیه السلام) کما فی روایة محمد بن عیسی عن محمد بن الریان(3)، فاحتمال الارسال ضعیف.

وعلی ایة حال فان السائل فی فرضه لاختلاف الاصحاب ناظر لمنشئه وهو اختلاف الروایة کما هوعین لفظ الروایات، مضافا الی ان فی التعلیل (فانه رجس) اشارة الی الآیة الکریمة.

والاشکال علی ذلک: بأن مفاد الروایتین یحتمل کونه تکذیبا لروایة الطهارة وحینئذ لا تکونان حاکمتین علیها بل طرف معارضة، لاسیما وان الحمل علی التقیة ضعیف بعد کون اکثر العامة قائلین بالنجاسة(4).

ص:174


1- (1) المصدر، ح4.
2- (2) الکافی، ج3، ص405.
3- (3) التهذیب، ج4، ص84، باب کمیة الفطرة.
4- (4) بحوث فی شرح العروة الوثقی، للشهید الصدر، ج3، ص347.

مدفوع: بأن الحکومة تامة سواء فرض نظرهما الی الصدور او الی جهة الصدور، وذلک لکون روایات الطهارة ناظرة الی حکم الخمر أی الحکم الفقهی، بینما الروایتان ناظرتان الی صغری الحکم الاصولی وهو الحجیة، وإلا فما الفرق بین کون النظر متوجهاً الی الصدور وبین ما اذا توجّه الی جهة الصدور.

وأما التکاذب الذی یقال عند تعارض الاخبار فلیس هو فی المفاد الاصلی بل بمعنی التساقط بسبب العلم بعدم مطابقة احدهما للواقع، هذا مع ان الحکومة هی فی الجهة بعد عدم النفی لصدور روایات الطهارة فیهما ولیس یتعین الحمل علی التقیة بمعنی موافقة العامة عند الحکم بالخلل فی جهة الصدور.

الرابع: ان الاولی اکثر عددا، وبعبارة اخری هی من السنة القطعیة صدورا بل ودلالة - علی وجه - بعد وجود ما هو آب عن الحمل علی التنزه فیها کما یظهر للمتصفح بخلاف الثانیة، وهذا من باب الترجیح فیما اذا کان القطع فی الصدور فقط.

الخامس: الحمل لروایات الطهارة علی التقیة کما افاده الشیخ فی التهذیب، وتشیر الیه روایة الجویریة المتقدمة، نعم قد یتأمل فیه من جهة عدم فتوی العامة بذلک کما تقدم إلا الشاذ، وأما الاتقاء من الحکّام فهو وان کان احد درجات الترجیح بالموافقة للعامة کما هو منصوص بل هو مقدم علی فتوی فقهائهم، إلا ان ما ورد عنهما (علیه السلام) من عدم الاتقاء فی تحریم الخمر یبعد ذلک لأن الحرمة أهم من النجاسة.

لکن ما ورد من التشدد فی ردع تناولها یظهر منه تفشی ارتکابه تبعا للسلاطین وان منهم من یشکک فی حرمتها کما یظهر من سؤال المهدی

ص:175

العباسی عن حرمتها من کتاب الله تعالی من الکاظم (علیه السلام)، فقد یفرق فی التقیة بین التحریم والنجاسة، لاسیما وان النجاسة فی غیره من المسکرات لا یقول بها جمهور العامة لعدم تحریمها بل کل مسکر مائع بالاصالة ، عندهم، وان بعضهم لا یقول بالتحریم فی القلیل الذی هو مورد الروایات فی اصابة الثوب، وفی بعض الروایات یسئل الراوی عن تناول النبیذ عند مجالسة العامة علی عشائهم خوفا من قولهم انه رافضی، فیعلم من ذلک ان روایات الطهارة توافق العامة فی کثیر من اقسام المسکر وکذا ممارساتهم فی استخدام العطور المخمرة.

قاعدة: فی نجاسة کل مسکر:

اشارة

کما هو المعروف بین کل من قال بنجاسة الخمر، واستدل علیه تارة باندراج المسکرات تحت عنوان الخمر حقیقة لغویة أو شرعیة، واخری للتعلیل الوارد والحکم علیه بعنوانه بالنجاسة.

الوجه الأول (کل مسکر خمر):

فتارة یدعی: ان الخمر غیر مختص بالمتخذ من عصیر العنب بل من غیره أیضا، فهذا لا یدل علی أن کل مسکر خمر بل غایته عدم حصر الخمر بالمتخذ من عصیر العنب، وأخری یدعی ان الخمر هو کل اسکار یتسبب من الاختمار فهو حینئذ ینتج الکلیة المزبورة، وظاهر بعض ما استدل علیه فی الوجه الاول هو من القبیل الاول وبعضه من القبیل الثانی.

واستدل علی ذلک- کل مسکر خمر- بثلاث صیاغات:

الاولی: الوضع اللغوی.

الثانیة: الوضع الشرعی.

ص:176

الثالثة: عموم الماهیة حقیقة، غایتة ان الشارع ارشد أو تعبّد احرازا بوجود الماهیة فی کل مسکر، معتضدا ذلک بدوران اسم الخمر مدار الکحول الموجودة فی کل المسکرات.

1- معنی الخمر لغة:

اما الاولی: فقد ذهب بعض اللغویین(1) الی ان الخمر کل ما أسکر من عصیر کل شیء، ذهب الی ذلک الفیروز آبادی فی القاموس(2)، وهو المنسوب الی جمهور العامة کما فی التاج، ویؤیده ان الاصل فی المادة هو الستر کما حکی التنصیص علیه من الراغب والصاغانی، وفی اللسان خصّ تعریفة(3) تارة وعممه اخری.

ویؤیده أو یدل علیه ما هو المرتکز من معناه فی عرف اهل اللسان هذا الیوم من عموم اطلاقه علی الاعم من المتخذ من کل عصیر، فبأصالة عدم النقل یتم اثبات المعنی وقت الصدور، وهذا هو المحکی عن متخصصی علم العناصر (الکیمیاء) فی العصر الحاضر.

2- دائرة الخمر شرعا:

واما الثانیة: ما رواه أبو الجارود عن أبی جعفر (علیه السلام) فی قوله تعالی إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ ... الایة أما الخمر فکل مسکر من الشراب اذا أخمر فهو خمر، وما اسکر کثیره فقلیله حرام، وذلک ان أبا بکر شرب قبل ان تحّرم الخمر فسکر - الی ان قال - فأنزل الله تحریمها بعد ذلک وانما کانت

ص:177


1- (1) مجمع البحرین، ج3، ص291.
2- (2) نقله عنه فی مجمع البحرین، ج3، ص291.
3- (3) لسان العرب، ج4، ص254.

الخمر یوم حرمت بالمدینة فضیخ البسر والتمر، فلما نزل تحریمها خرج رسول الله صلی الله علیه و آله فقعد فی المسجد، ثم دعا بآنیتهم التی کانوا ینبذون فیها فأکفاها کلها، وقال: (هذه کلها خمر حرمها الله، فکان اکثر شیء اکفی فی ذلک الیوم الفضیخ، ولم أعلم اکفیء یومئذ من خمر العنب شیء، الا اناء واحد کان فیه زبیب وتمر جمیعا، فأما عصیر العنب فلم یکن منه یومئذ بالمدینة شیء ... الحدیث)(1).

وعدة من الروایات مثل صحیح الحجاج عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: (قال رسول الله صلی الله علیه و آله الخمر من خمسة العصیر من الکرم والنقیع من الزبیب والبتع من العسل، والمرز من الشعیر، والنبیذ من التمر)(2).

وکذا روایة عطاء بن یسار عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: (قال رسول الله صلی الله علیه و آله : کل مسکر حرام، وکل مسکر خمر)(3).

وما ورد فی تحریم النبیذ والفقاع(4)، مثل ما رواه زید بن علی عن آبائه عن النبی صلی الله علیه و آله (ان الصغیر علیهم حرام - یعنی النبیذ - وهو الخمر وکل مسکر علیهم حرام)(5).

وفی مصحح الو شاء عن الرضا (علیه السلام) عن الفقاع (حرام وهو خمر)، وفی الموثق (هو الخمر وفیه حد شارب الخمر)، وفی ثالث (هی الخمر بعینها)، ورابع (فانه خمر مجهول)، وکذا ما ورد (ان الله عز وجل لم یحرم

ص:178


1- (1) الوسائل، ابواب الاشربة المحرمة، باب1، ح5.
2- (2) المصدر، ح1.
3- (3) المصدر، باب15، ح5.
4- (4) المصدر، باب15، ج30.
5- (5) المصدر، ابواب الاشریه، باب27.

الخمر لاسمها ولکن حرمها لعاقبتها، فما کان عاقبته عاقبة الخمر فهو الخمر)(1).

وفی قبال ذلک: اعترض علی الصیاغتین بما ورد من الروایات المستفیضة من أن الله تعالی حرّم الخمر بعینها، وأن رسول الله صلی الله علیه و آله حرم کل مسکر، مما یدل علی المغایرة، وکذا عدم إلتزام جماعة العامة بحرمة بقیة المسکرات، لعدم عموم المعنی اللغوی فی ارتکازهم، وکذا ما ورد من عدم تنبّه جماعة من أصحاب الائمة لحرمة عدة من مصادیق المسکرات، دال علی عدم ارتکاز عموم المعنی، وما فی بعض الروایات المتقدمة (لم یحرم الخمر لاسمها ولکن حرمها لعاقبتها) شاهد علی العکس، وما ورد فی العدید من الروایات من المقابلة بین عنوان الخمر وعنوان المسکر أو النبیذ أو الفقاع مما یشهد بالتغایر.

والصحیح: ان المعنی اللغوی هو أعم من المتخذ من عصیر العنب بل هو المتخذ من کل عصیر، لکن لا أن کل مسکر هو خمر لغة بل هو شرعا تنزیلا، وهذا توسط بین القولین وأدلة الطرفین تلتئم علیه کما لا یخفی.

مضافا الی شهادة الارتکاز اللغوی القائم فی هذه الاعصار حیث انهم لا یطلقون علی الفقاع خمرا، وان کان خمرا، فی التنزیل الشرعی، کما انهم لا یخصّونه بالمتخذ من العنب کما هو واضح فی الاستعمالات الجاریة علی وجه الحقیقة.

3- عموم ماهیة الخمر:

واما الثالثة: فهو التعمیم بلحاظ أصل معنی المادة المتقدم وانه بسبب

ص:179


1- (1) المصدر، باب19.

الاختمار وتحوّل المادة السکریة والحلاء الی مادة الکحول، وما ثبت فی التحلیل الکیمیاوی - من تکونها من الخمیرة (الکحول) المضاف الی الماء والسکر فی درجة الحرارة الخاصة - له وجه، غایة الأمر غفلة العرف عن انطباق الحقیقة اللغویة علی المصادیق، ویکون تحریم الرسول صلی الله علیه و آله بمعنی التعبد أو الارشاد علی تحقق المصداق، حیث انه مع خفاء المصداق لا یکفی التعبد بالمجعول الکلی بنحو القضیة الحقیقیة، بل لا بد من تتمیمه بالتعبد أو الارشاد فی المصداق.

وعلی أیة تقدیر فانه علی التنزیل ایضا یتوجه الاستدلال علی النجاسة، من دون تخصیص کون التنزیل بلحاظ الحرمة، لان تنزیله منزلة الخمر یکون بلحاظ الامر بالاجتناب المطلق فی الآیة والذی قد مرّ عمومه لمفاد الحرمة والنجاسة کعموم الحل الوضعی والتکلیفی، ویأتی فی العصیر العنبی تتمة الکلام فی التنزیل.

الوجه الثانی (کل مسکر نجس):

فتارة یقرّب فی خصوص النبیذ، وهو نفس الوجوه المتقدمة فی ترجیح روایات النجاسة فی الخمر کما لا یخفی، وأخری فی عموم المسکر وما یدل علیه.

فالاول: یدل علیه موثق عمار عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی الاناء یشرب فیه النبیذ فقال: (تغسله سبع مرات وکذلک الکلب - الی ان قال - ولا تصل فی بیت فیه خمر ولا مسکر، لان الملائکة لا تدخله، ولا تصل فی ثوب أصابه خمر أو مسکر حتی یغسل)(1)، فان النهی مطلق عن الصلاة فی الثوب

ص:180


1- (1) الوسائل، ابواب الاشربة المحرمة، باب35، ح2.

المصاب به حتی لصورة جفافه وذهاب عینه عن الثوب، مضافا الی جعل غایة النهی هی الغسل لا زوال العین.

وقد یشکل علی دلالتها تارة: بأن النهی المتقدم فیها عن الصلاة فی بیت فیه خمر أو مسکر التنزیهی قرینة علی التنزیه فی النهی عن الصلاة.

وفیه: ان اقتران المسکر بالخمر مع کون النهی فی الخمر لزومیا - لما تقدم فی حکمه - أدل علی اللزوم مما ذکر، وکذا الفقرة المتقدمة فی النبیذ، مضافا الی أن النهی عن الصلاة فی بیت فیه الخمر والمسکر معلل بما یصلح للتنزیه بخلاف النهی الاخر.

وأخری: بأنها معارضة بما دل علی طهارة المسکر، مثل موثقة ابن بکیر قال: (سأل رجل أبا عبد الله(علیه السلام) وأنا عنده عن المسکر والنبیذ یصیب الثوب قال: لا بأس)(1)، وما تقدم من ترجیح ما دل علی النجاسة فی الخمر أو النبیذ لدلالة صحیحة ابن مهزیار المتقدمة فانما هی فی غیر مطلق المسکر، ولا یمکن الترجیح بموافقة العامة لعدم کون المسکرات غیر المتعارفة شربها کالکحول الموجودة فی هذا الیوم (کالاسبرتو) مورد العمل العامة علی طهارتها(2).

وفیه: ان اقتران ما دل علی الطهارة بالنبیذ - الذی قد دلت صحیحة ابن مهزیار علی عدم کون ما دل علی طهارة فی مقام بیان الواقع - قرینة علی الخلل فی جهة روایة الطهارة، لاسیما وان عطف النبیذ علی المسکر ظاهر فی عطف الخاص علی العام ووحدة الحکم بل ووحدته مع الخمر حیث ان

ص:181


1- (1) المصدر، ابواب النجاسات، باب38، ح11.
2- (2) التنقیح، للشیخ الغروی، ج98/3.

الموجب لعدم بیان نجاسته هو بنفسه موجب لعدم بیان نجاسة المسکر بعد کونه احد مصادیقه.

ومع الغض عن ذلک کله فالترجیح لروایة النجاسة لبناء العامة علی طهارة المسکرات غیر الخمر، وأما عدم عملهم علی الطهارة فی المسکرات غیر المتعارفة فهولا یعدم الترجیح فی المسکرات المتعارفة، مع ان مفاد الادلة علی نهج القضایا الحقیقیة فاذا تم الترجیح فی المتعارف فلا یبعّض فی سقوط ما دل علی الطهارة بین الافراد.

والثانی: بصحیحة عمر بن حنظلة قال: (قلت لابی عبد الله(علیه السلام): ما تری فی قدح من مسکر یصب علیه الماء حتی تذهب عادیته، ویذهب سکره؟ فقال: لا والله، ولا قطرة قطرت فی حب الا اهریق ذلک الحبّ)(1)، حیث ان القطرة فی الحب مستهلکة فی الماء فلولا نجاسته لما أهریق.

واشکل علیها أیضا: تارة بضعف السند لعدم توثیق ابن حنظلة، وما ورد من روایة الوقت وانه لا یکذب فضعیفة السند ایضا.

وفیه: انه من وجوه الطائفة واجلائها من اضراب محمد بن مسلم، کما تشیر الی ذلک صحیحة محمد بن مسلم(2) الوارد فی الحلف عند ابتلاء امرأة من آل المختار بمسألة فیه وهو من البیوت المرموقة الشیعیة فی الکوفة، حیث جعل المتصدی لحلها والوسیط الی المعصوم (علیه السلام) عمر بن حنظلة، وهذا کان شأن فقهاء الطائفة، وقد قام محمد بن مسلم بنقل الواقعة تلک وهو مما یدل علی اعتداده بجلالته ومکانته فی الطائفة.

ص:182


1- (1) الوسائل، ابواب الاشربة المحرمة، باب26، ح2.
2- (2) المصدر، ابواب الایمان، باب11، ح10.

کما ان الروایة المزبورة دالة علی کونه من خصیصی الباقر(علیه السلام)، اذ ان ابن مسلم من ابرز أصحابه(علیه السلام) فکیف بمن یقدم علی ابن مسلم فی التوسیط کما تشیر الیه الروایة.

هذا مضافا الی أن طریق روایة الوقت الدالة علی صدقه حسنة أو معتبرة، بعد کون الراوی یزید بن خلیفة ممن یروی عنه ثلاثة من أصحاب الاجماع وخصوص تلک الروایة هی عن یونس عنه، وروی عنه غیرهم من الثقات ایضا، مضافا الی ورود المدح فیه من المعصوم(علیه السلام) ولا یضر بکل ذلک وقفه.

هذا مضافا الی روایة خمسة من أصحاء الاجماع مباشرة عن ابن حنظلة وأربعة اخرین عنه بالواسطة، وکذا روی عنه قرابة عشرین من الثقات غیرهم علاوة علی ذلک أن نمط روایاته کالتی رویت فی الاخبار العلاجیة مما یدل علی علومکانته الفقهیة(1).

وأخری: انها لیست فی صدد الحکم بالنجاسة بل الحرمة وذلک لکونه محط نظر السائل فمقتضی المطابقة بینه وبین الجواب ذلک، وأما الاستهلاک فمضافا الی انه لیس انعداما حقیقیا انه یتفاوت نظر العرف فی موارده لاسیما فی مثل المسکرات المحرمة المشدّد حکمها والمؤکد علی الاجتناب عنها.

وفیه: ان الحکم بالنجاسة فی الجواب لا یتغایر مع محط السؤال لانه یترتب علیها الحرمة المسؤول عنها، وأما الاستهلاک فسیأتی فی المطهرات انه علی مقتضی القاعدة بعد کونه انعداما فی نظر العرف المحکم فی باب

ص:183


1- (1) راجع کتاب هیویات فقهیة لسماحة الشیخ الاستاذ السند، ص182.

الطهارة فی وجود الموضوع لاسیما مع ضئالة القطرة وامتلاء الحبّ ماءً.

والثالث: ما ورد من نجاسة النبیذ مع تقییده بالمسکر مما یشعر بالعلیة وان منشأ الحرمة هو منشأ النجاسة، وکذا ما ورد فی نجاسة الفقاع مع کون جهة حرمته هی اسکاره الخفی.

ثم انه بعد البناء علی نجاسة المسکر هل یفصل بین المعدّ للشرب والمتعارف شربه وبین غیر المعدّ لذلک، الصحیح هو ذلک حیث ان المادة الکحولیة التی هی عبارة عن اجزاء معینة من الکربون المتأکسد - ای المتحد مع ذرات من الاکسجین والهیدروجین کما ثبت فی علم الکیمیاء الحدیثة ویطلق علیه الکربوهیدر وجینیة ای المتأکسدة والتی یتم حصولها بتوسط التخمر مع نسبة من الهواء المؤلف من الهیدروجین والاکسجین - هی مختلفة(1) الانواع بحسب الترکیب للاجزاء والذرات، وبحسب الترکیز الموجود منها فی المواد فتختلف تأثیراتها الطبیعیة الفیزیائیة والحیویة والکیمیائیة فمنها سام وغیر ذلک.

بل حتی الکحول النقی الذی یستعمل فی المجالات الطبیة الذی بعضه فی الاصل غیر سام انما یضاف الیه مواد سامة لحصره فی الاستعمالات الطبیة، تتغیر نوعیته بتلک الاضافة بل هی فی بعض درجاته منتشرة فی کثیر من الاغذیة والاشربة المحللة أو المحکوم بطهارتها فی النصوص کالغرا (المادة التی تستخدم فی اللصق)، فلیس المادة بکل أنواعها ودرجات ترکیزها موضوع ادلة النجاسة بتوسط عنوان الاسکار أو الخمرة

ص:184


1- (1) یطق علی بعضها الکحول الاثیلی وعلی بعضها الاخر الکحول المثیلی وغیرها من الانواع، حتی عدها بعض اهل الاختصاص إلی ثمانیة أنواع.

وإلا فهناک مواد اخری غیر الکحول (وهو ما یسمی بالغول) توجب التخدیر أو الاسکار وربما السام ایضا کالبنزین (النفط الاسود) المحکوم بطهارته فی عصر المعصومین(علیهم السلام) والایثر وغیرها.

وکذا الحال فی انواعها الموجودة فی العطور المصنّعة، انها غیر مندرجة فی موضوع الدلیل بعد اختصاصه بالمسکر المشروب وهو ذو درجات ترکیز معینة من ذرات الکحول تقع بین حدود معینة یذکرها اهل الاختصاص، لا المواد السمیة أو العلاجیة وغیرها مما یشترک فی التسمیة الکیمیائیة الحدیثة تحت عنوان الکحول، مع اختلاف تراکیبها ودرجات ترکیز الذرات فی المواد.

عموم النجاسة للمسکر الجامد بالعرض:

بعد عدم کون الجمود موجبا لاستحالة وتبدل ذات الشیء، فیبقی الحکم ببقاء الموضوع وان تغیرت حالته.

نعم قد یقال: ان المسکر بالتبرید والتجمید تتطایر المادة الکحولیة التی فیه، فثم لا تبقی الذات، فاما ان تستحیل اولا اقل تکون المادة الجدیدة متنجسة لا انها عین النجاسة لبقاء ذرات یسیرة من الکحول فیها اخیرة عند التطایر.

وهذه: الدعوة تحتاج الی مزید من الفحص الموضوعی.

عدم نجاسة المسکر الجامد بالأصالة:

إما لمنع عموم کبری المسکر النجس للجامد بالاصالة کما هو المعروف فی الکلمات فی المقام، وإما لمنع الصغری فی الجوامد کما عن بعض

ص:185

الاجلة(1) وسیتضح الحال فی المنع الثانی.

اما اختصاص الکبری بالمائع بالاصالة فقد قرب بوجود قرائن متعددة علی اختصاص مورد الاسئلة والاجوبة فی الروایات بالمائع کالتعبیر باصابة الثوب وما یبل المیل والقطرة، وکونه فی اوانی الشرب کالقدح ونحوه، أو الخلط بالماء للتخفیف، وغیرها من القرائن المحتفة المانعة من الاطلاق فی الاجوبة المذکور فیها کبری نجاسة المسکر.

ودعوی تنقیح المناط فی المقام، غیر مسموعة بعد عدم کون قید المیعان ملغی فی الظهور العرفی.

ویمکن تقریب التعمیم بالاستئناس بما ورد من ان کل مسکر خمر، وان تحریم الخمر لعاقبتها فما ادی عاقبتها فهو خمر، مع ضمیمة ان الامر بالاجتناب فی الخمر مطلقه متناول للشرب والملاقاة کما تقدم أضف الی ذلک دعوی عموم عنوان الاصابة ونحوه للمایع بالعرض من المسکر الجامد. لکن حیث کان المتیقن من التنزیل - حیث ان الموضوع تکوینی لا اعتباری - هو الحرمة التکلیفیة لا الامر بالاجتناب المطلق، ولا یتوهم ان الالحاق فی الروایة بلحاظ الحکم الوارد فی القران للخمر، لان المصرح به فی الروایة هو بعنوان (حرّم الله الخمر لعاقبتها) ونحوه مما ذکر فیه عنوان الحرمة التی هی عند الاطلاق متعینة فی التکلیف لا الاعم منه ومن الوضع فتدبر.

وأما عموم کبری نجاسة کل مسکر للمائع بالعرض، فلا تتم الا برفع الید عن قیود المورد من دون مساعدة الظهور علی ذلک بعد احتمال الفرق

ص:186


1- (1) السید الشهید محمد باقر الصدر، فی بحوث فی شرح العروة الوثقی، ج3، ص367.

بنحو معتد به.

ان قلت: ألم یتقدم الکلام فی التنزیل فی خصوص عنوان الخمر من کونه بلحاظ التحریم الوارد فی الکتاب، وحیث انه الامر بالاجتناب المطلق فیعمّ التنزیل حینئذ کل من الاجتناب عن الشرب والملاقاة، فکذلک الحال فی ما هو مسکر جامد بالاصالة.

قلت: لا منافاة بین ما تقدم وما نحن فیه، حیث ان کون المدار فی النجاسة علی الاسکار انما استفید من الروایات، والموضوع فیها مرکب من جزأین المائع المسکر وحینئذ فالتنزیل الوارد فی لسانها انما یتکفل من جهة الاشتراک فی أحد الجزأین وهو الاسکار والذی هو مدار الحرمة التکلیفیة کما هو واضح، مضافا الی تضمن ذلک اللسان فیها عنوان التحریم المنصرف للتکلیف کما قدمنا بخلاف ما لو کان تنزیلا غیر مقید. هذا کله فی اختصاص الکبری.

وأما منع الصغری فی الجوامد بالاصالة فقیل (من جهة ان الجوامد هی من المخدرات وهی مغایرة للمسکرات فی الاصطلاح العلمی الحدیث، حیث ان المسکر یتقوم بمادة الکحول وهی تخترق المعدة فی اتجاه الدماغ راسا، بخلاف المخدرات فانها تنتشر فی الجسم عبر الهضم ثم الدم، ولذلک امکن التخدیر الموضعی دون الاسکار الموضعی.

وکذا التغایر فی الارتکاز العرفی فلیس ما یقابل الصحو هو سکر بل ان کان مهیجا نوعا فهو السکر وان کان الخمود فهو الخدر، إلا فی الحشیشة فان الحال فیها مشابه للسکر وعلی ذلک لا یکون المخدر محرما ذاتا کالمسکر بل بعنوان الضرر فلا یحرم الجزء الضئیل منه غیر المضر)(1) انتهی.

ص:187


1- (1) بحوث فی شرح العروة الوثقی، ج3/ 367 .

اقول: اما دعوی نسبة التغایر الی البحث العلمی الحدیث فلیست فی محلها، اذ التفریق عندهم وان کان قائما بین حالة السکر فی الخمر والتخدیر الحاصل من تعاطی المخدرات، من کون الاول موجباً لتعطیل القوة العاقلة دون الشهویة والغضبیة والوهمیة والتخیلیة، ویعبرون عنه بتعطیل الارادة العقلیة دون بقیة الغرائز.

الا انهم فی الوقت نفسه یثبتون:

اولا: تعطّل الاعصاب فی کلا الحالتین وفقدان السیطرة من العقل علی الاعصاب وانعدام التوازن العام لحرکة الانسان.

وثانیا: قد نصّ فی بعض کلماتهم علی عدم حصر الاسکار بمادة الکحول بل السکر یحصل من مادة البنزین، وکذا من مادة اول اکسید الازون، ومن مادة الایثر والکلوروفورم التی توجد فی العدید من المخدرات الطبیعیة غیر المصنعة کیمیائیا.

وثالثا: ما ذکروه ایضا من تواجد مواد اخری(1) فی شجرة مواد المخدرات الطبیعیة توجب الهلوسة وبحالة شبیهة بالجنون ونحوه.

ورابعا: ان تعامل المخدرات بجرعات کبیرة یوجب نحوا من انعدام الارادة العقلیة تماما کما فی الکحول والا فما الفرق بین الحشیشة وبقیة المخدرات کالهیروئین والکوکائین وغیرها بعد اشتراک جمیعها فی مشجرة مادة الاپیون (الافیون).

وخامسا: ان التخدیر الموضعی لیس بسبب افتراق السکر عن التخدیر، اذ هو انما یتم بتزریق العضو المراد تخدیره، بخلاف المسکر فانه

ص:188


1- (1) کمادة (إل إس دی) وما فی مادة (الکوکائین).

یتعاطی من خلال الشرب.

وسادسا: ان السکر یتم ایضا بانتشار بعضه عبر الهضم ثم الدم ومن ثم الی الدماغ کما هو الحال فی الکحول.

وسابعا: أن المشروبات المسکرة لیس کلها موجبة للهیجان اذ هو یتسبب من المادة التی صنع الخمر منها، فبعضها حار الطبع وبعضها بارد، فما کان من القسم الثانی یوجب الفتور والبرودة نحو ما یحصل فی التخدیر.

والظاهر ان منشأ توهم التغایر هو المقارنة بین المخدر الصناعی الطبی والمسکر، حیث ان الاول وان کان من جنس المخدر الا انه یراعی فیه درجة ترکیز معینة مع مراعاة منطقة التخدیر فی اعضاء البدن، مع کونها مصفاة من المواد الاخری التی تتواجد فی المخدرات الطبیعیة الموجبة لحالة الهذیان وفقد الشعور.

ویشهد لذلک ما ذکره ابن سینا فی القانون فی تعریف البنج (انه یعرض لشاربه ان تسترخی اعضاؤه ویرم لسانه ویخرج الزبد من فمه وتحمّر عیناه ویحدث به دوار وغشاوة وضیق نفس وصمم وحکاک بدن ولثة وسکر واختلاط عقل، وربما صرع وربما حکوا اصواتا مختلفة، وربما نهقوا وربما صهلوا وربما نعقوا).

وفی اللسان (البنج ضرب من النبات وانه مما ینتبذ او یقوی به النبیذ)، وفی المصباح نبت له حب یخلط بالعقل ویورث الخبال وربما اسکر اذا شربه الانسان بعد ذوبه ویقال انه یورث السبات، وفی معجم الوسیط المخدر لفظة محدثة وهی المادة تسبب فی الانسان والحیوان فقدان الوعی بدرجات متفاوتة کالحشیش والافیون. وفیه ایضا (خدّره ستره ویقال خدر المرأة الزمها الخدر. وتخدّر استتر).

ص:189

فاللفظة مع کونها محدثة الا انها تعطی مفاد لفظة السکر، اذ هو فی اللغة ایضا حالة تعترض بین المرء وعقله ویقال سکّر الباب سده وسکر بصره حبس عن النظر، وکذا فی لفظة الخمر خامر الشیء قاربه وخالطه، وما اسکر من عصیر العنب لانها خامرت العقل والتخمیر التغطیة.

فظهر ان الجامد والمائع فی اللغة ایضا یشترکان فی سکر العقل والاعصاب، نعم قد یطلق فی العرف المستحدث السکر ویراد به خصوص الکحول، لکن لا من باب اختصاص من الوضع اللغوی به کما لا یخفی.

ثمّ انه علی تقدیر ان المخدرات الطبیعیة لا تندرج فی المسکر بل هی محرمة من باب الضرر، فان ذلک لا یستلزم جواز تناول الاجزاء الضئیلة لدعوی عدم اضرارها، اذ هی مع کونها غیر مضرّة بنفسها إلا انها موجبة لمعرضیة الاعتیاد علی تلک المواد فتکون من موارد الضرر المحتمل، مع کون الضرر فی بعض أنواعها موجبا لهلکة النفس.

بحثان استطرادیان:

الأول: إلحاق العصیر العنبی بالخمر من حیث النجاسة.

ألحق المشهور- کما هو ظاهر العلامة فی المختلف(1) - بالخمر العصیر العنبی اذا غلی قبل أن یذهب ثلثاه ، الا ان الشهید فی الذکری(2) قال (انه لم یقف لغیر الفاضلین وابن حمزة علی قول بالنجاسة، ولا نصّ علی نجاسة غیر المسکر وهو منتف هنا(3)).

ص:190


1- (1) مختلف الشیعة، ج1، ص469. حیث نسب القول بالنجاسة الی اکثر العلماء.
2- (2) الذکری، ج1، ص115.
3- (3) وکذا عبر فی البیان، ص91.

والحال کما ذکره(قدس سره) ففی المبسوط والنهایة والکافی والمهذب والسرائر اقتصر فی تعداد النجاسات علی الخمر أو الشراب والمسکر والفقاع، الا ان یحمل کلامهم علی دخول العصیر المغلی فی المسکر بناءً علی کون ذلک وجه تحریمه وان کان اسکاره خفیا.

وقیّده فی المعتبر بالاشتداد، وکذا غیره من القائلین بالنجاسة وفسّر الاشتداد بالثخانة(1) والغلظة واخری بالغلیان نفسه، وهو خلاف الظاهر، وثالثة بقذف الزبد(2)، ورابعة بالشدة المطربة(3)، وهو علی الاخیرین یکون مسکرا ولو بدرجة ابتدائیة، اذ هو یزداد بالترک جودة کما فی الروایة ونقل المخللین.

الاقوال فی المسألة:
اشارة

اما الاقوال عند الطبقات المتأخرة:

فالاول: النجاسة مطلقا سواء غلی بالنار أو بنفسه، اما لدعوی کونه مسکرا خفیا - وانه مفاد أدلة تحریمه کما مال الیه صاحب الجواهر - أوللروایات الخاصة ویطهر بذهاب ثلثه.

الثانی: نجاسة خصوص الغالی بنفسه والذی نشّ بحرارة الهواء أو الشمس دون المغلی بالنار، کما ذهب الیه ابن حمزة فی الوسیلة ویظهر من عبارة النهایة والسرائر، لاطلاق تحریم الذی غلی بنفسه وتخصیص المغلی بالنار بالجواز عند ذهاب ثلثه، وذهب الیه ایضا بعض الفضلاء المعاصرین

ص:191


1- (1) المسالک، ج1، ص123.
2- (2) کما فسره الفخر فی الارشاد نقله عنه کشف اللثام، ج1، ص397.
3- (3) کما نسبه الفخر فی الارشاد الی الجمهور.

کما فی الحدائق وأصرّ علیه شیخ الشریعة الاصفهانی فی رسالته.

الثالث: الطهارة مطلقا ما لم یسکر، لدعوی انفکاک الغلیان مطلقا عن الاسکار وان استعدّ العصیر بالغلیان للاختمار وحصول الاسکار، ومن ثمّ فتنفکّ الحرمة عن النجاسة ویکفی فی الحکم بالطهارة عدم العلم بالاسکار، وهذا هو المشهور بین المتأخرین وعلیه التزموا بالحلیة مع ذهاب الثلثین سواء فی الذی غلی بالنار أو بنفسه.

أدلة القول الأول:

أولها: الاجماع المحکی فی مجمع البحرین(1) علی حرمته ونجاسته بعد غلیانه واشتداده وهو المحکی عن التنقیح(2) وغیرها(3).

وفیه: أنک قد عرفت خلو عبائر القدماء عن الحکم بنجاسته، مع ان التقیید بالاشتداد الذی هو الحدّة فی الطعم والرائحة ملازم للتغیر الموجب للاسکار ولوفی درجاته الابتدائیة، وهو غیر ما نحن فیه.

ثانیها: ما ورد من الروایات، مثل صحیحة معاویة بن عمار، قال: (سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحق یأتینی بالبختج ویقول: قد طبخ علی الثلث، وأنا أعرف انه یشربه علی النصف، أفأشربه بقوله، وهو یشربه علی النصف؟ فقال: خمر لا تشربه ...الحدیث)(4)، ومقتضی التنزیل کونه بلحاظ الحکم فی الآیة وهو الأمر باجتنابه المطلق للشرب والملاقاة.

ص:192


1- (1) مجمع البحرین، للعلامة الطریحی، ج3، ص407.
2- (2) التنقیح، ج4، ص368.
3- (3) الفقه الرضوی، ص280.
4- (4) التهذیب، ج9، ص122.

وأما ما فی الوسائل والوافی من عدم وجود لفظة (خمر) مع روایتهما لها عن التهذیب، فلا یشهد بعدم اللفظة فی نسخ التهذیب بعد کون روایتهما لها عن الکافی، غایة الامر أردنا سند التهذیب لها أیضا من دون التنبیه علی اختلاف اللفظ کما هو واقع کثیرا من صاحب الوسائل، ویشهد بوجودها ما حکاه صاحب الحدائق من استدلال الاسترابادی بها وتعجب صاحب الحدائق من غفلة المحدثین عن التنبیه علی الاختلاف.

وعلی هذا فلیس المقام من تردد النسخ بین ما هو حجة ولا حجة، نعم الظاهر من اشتراک طریق الشیخ والکلینی الی أحمد بن محمد (سواء کان البرقی أو الاشعری) الی باقی السند هو انهما استخرجاها من کتابه ولذا ابتدأ الشیخ فی التهذیب به الدال علی ذلک، فرجال السند قبله فی الکافی أو مشیخة التهذیب هو مشیخة وطریق الاجازة، فحینئذ تتردد نسخة کتاب أحمد بن محمد بین نسختین فتکون من موارد الاشتباه علی ذلک.

نعم لو امکن تصویره خبرین عن أحمد بن محمد لإملائه ذلک لتلامیذه مثلا لم یکن حینئذ من ذلک، وعلی ایة حال فعلی فرض عدم ذلک، فانه لیس من التعارض المستقر بین روایة الکافی والتهذیب کی تتساقطا(1) لأن التعارض انما یکون فی مورد التکاذب، وأما مع امکان تخریج الاختلاف علی الغفلة المحتملة المتعارفة کما فی الزیادة والنقیصة فلا تندرج فی التعارض.

وبعبارة اخری: ان المورد من تعارض اصالتی عدم الغفلة لا اصالتی

ص:193


1- (1) التنقیح، ج3، ص108.

الصدق اللتین هما معنی الحجیة فی الخبرین، والبناء العقلائی علی اصالة عدم الزیادة أی علی أن من حفظ حجة علی من لم یحفظ.

أضبطیة الکافی من التهذیب فی الاسانید والمتون، مقولة مشهورة لم نتحققها بل المشاهد کثرة التقطیع فی الکافی بالنسبة الی متون التهذیب فانه غالبا ما یذکر المتن کاملا ویکرره فی الابواب المناسبة له ایضا کرّات، هذا مع ما هو علیه الشیخ الطوسی من مقام فقهی یقتضی الحداقة فی ترکیب المتون نظرا لاختلاف الدلالة.

هذا کله فی صورة المتن، وأما الدلالة فیقرّب عموم التنزیل ما تقدم من کون الملحوظ هو الأمر الوارد فی الکتاب بالاجتناب المطلق عن الشرب والملاقاة، معتضدا بما ورد فی الفقاع من تنزیله منزلة الخمر فی الروایات، مع ترتیب آثار الخمر علی الفقاع فی روایات اخر من النجاسة والحدّ.

بل قد یقرّب دلالتها علی الاشارة الی کون العصیر المغلی من افراد المسکر الخفیة، کما یلوح ذلک من صحیحة عمر بن یزید قال: (قلت لابی عبد الله(علیه السلام): الرجل یهدی الیّ البختج من غیر أصحابنا فقال: ان کان ممن یستحل المسکر فلا تشربه وان کان ممن لا یستحل فاشربه)(1).

حیث انها وان کانت فی مقام الحکم الظاهری کصحیحة معاویة بن عمار، إلا ان المتحصل من مفادها بعد إلغاء اماریة خبر ذی الید هو اجتناب العصیر لاحتمال کونه مسکرا لکون ذی الید ممن یستحل المسکر، وهذا هو مفاد الصحیحة المتقدمة، فکونهما متعرضتین للحکم الظاهری غیر ضائر

ص:194


1- (1) الوسائل، ابواب الاشربة المحرمة، باب7، ح1.

بالاستدلال.

ثالثها: وقد یعاضد مفاد الصحیحین بل هو ثالث الأدلة بأن التحریم الوارد فی العصیر المغلی ملاکه هو حرمة المسکر وان لم یسکر بالفعل بقرینتین:

القرینة الاولی: ان الفرق بین العصیر المغلی والخمر والمسکر، هوان الخمر قد تغیرت جمیع کمیة الحلاوة فیها وتبدلت الی المادة المسکرة (الکحول)، بخلاف العصیر المغلی فان کمیة الحلاوة لم تتبدل کلها الی المادة المسکرة (الکحول) ولذلک اذا استمر فی الطبخ والغلیان یثخن ویصیر دبسا شدید الحلاوة لتبخر المادة المسکرة (الکحول) باستمرار الطبخ.

وأما الخمر والمسکرات فلا تتحول الی الدبس بالغلیان بالنار ولا تصیر ذات حلاء، وکذا الحال فی الخل فانه لا یتحول بالطبخ المستمر الی دبس حلو، وذلک لکونه مستحیلا من الخمر التی قد فسدت مادة الحلاوة فیها، ولهذا الفرق فان العصیر یحلّ ویطهر بذهاب الثلثین بخلاف الخمر والمسکر، والا فهما موضوع واحد فی ملاک الحرمة والنجاسة.

وحیث ان المادة المسکرة تحصل فی العصیر تدریجا - إذ لا شیء من الاستحالات تحصل دفعة، بل بالتدریج - فکذلک استحالة مادة الحلاء فی الاشربة الحلوة الی المادة المسکرة (الکحول) وکما هو الحال فی استحالة الخمر الی الخلّ، وکان علامة بدء الاستحالة المزبورة هو الغلیان والنشیش، وحیث کان الحال ذلک فقد جعل فی الشرع حداً تعبدیاً لموضوع احکام الخمر، کما هو الحال فی سائر الحدود التی جعلها الشارع فی الموضوعات، نظیر الاقامة والسفر والوطن والرضاع.

فکذلک فیما نحن فیه جعل حد العصیر المستعدّ لان یستحیل خمرا

ص:195

مسکرا هو اول غلیانه، فهو نحو تعیین وحد فاصل بین الحل والحرمة، لأن المادة المسکرة انما تحصل تدریجا بنحو غیر ظاهر للحس إلا بعد تکاملها کحموضة الخلّ، فأول الغلیان ملحق بالخمر کحدّ لابتداء الموضوع، سواء غلی بالنار أو بنفسه، وان کان الثانی اکثر استحالة وکمیة المادة المسکرة فیه اکبر.

فظهر أن ذهاب الثلثین محلل للعصیر المغلی لا لعدم کونه مسکرا بل لعدم کونه مسکرا بدرجة الخمر، ولذلک یدبس ویزداد حلاوة ویخضب بذهاب الثلثین، وبالجملة العصیر حریم للخمر، ومسکر فی الادلة إلا انه یطهر بذهاب ثلثیه لحفظ الحلاوة ولا تطهر الخمر لعدم حصول الحلاء فیها(1)، انتهی.

القرینة الثانیة: ان مسألة غلیان العصیر العنبی اصل ابتداء حدوثها هی فی قصة الطلاء المعروفة التی حکم عمر بحلیته فی الشام، ثم حدث ان سکر بعض من تناوله فحرمه بعض وأحلّه آخرون، وتدوّلت المسألة وانتشرت بین الفریقین وروایات التحریم ناظرة الیها، فتکون قاطعة للجدال المثار حوله بجعلها حدا فاصلا بین الحل والحرمة وهو الغلیان، ومعینة لموضوع الاسکار کحدّ واقعی شرعی لا ظاهری اماری.

تنظّر فی الادلة السابقة:

وفی الادلة الانفة نظر وذلک: لان الصحیحتین بعد کونهما فی فرض الشک والحکم الظاهری ان مفادهما وان کان الاجتناب عن العصیر المغلی

ص:196


1- (1) هذا ما أفاده الفاضل ذو الفنون المیرزا ابو الحسن الشعرانی فی حاشیة الوافی، مع تلخیص وتوضیح وزیادة.

لاحتمال مسکریته، ولکن هذا الاحتمال ناشیٌ ء من جهة ان ذا الید حیث انه غیر ملتزم بذهاب الثلثین عملا فهو یبقی العصیر علی الاکثر من الثلث وهذا مما یتسارع الیه الاسکار والخمریة، فالحکم علیه باحتمال الخمریة والمسکریة نتیجة بقائه علی الاکثر من الثلث، لا من حیث انه مغلی فقط لم یذهب ثلثاه بل لتخمره بالبقاء مع ذلک، لاسیما وان الاشربة او العصیر المغلی یبقونه بعد غلیانه مدة مدیدة یتناولون منه شیئا فشیئا.

ومنه یظهر الخلل فی دعوی التنزیل المطلق أو الاشارة الی الصدق الحقیقی حیث انهما فی الباقی المتخمر مع ذلک، مضافا الی ان ما ذکرنا من خصوصیة التنزیل فی المقام من کونه بلحاظ الآیة التی أنشأت الحرمتان فیها بالامر الواحد بالاجتناب المطلق انما هو اذا کان التنزیل مطلقا غیر مقید وفی الروایة وقع مقیدا بتخریج (لا تشرب).

وأما الثالث (القرینة الاولی): فأدلة تحریمه وتدریجیة الاستحالة وکونه حدا لبدء تواجد المادة المسکرة، فهو وان کان تاما- کما یشهد بذلک أهل الاختصاص الکیمیائی فی باب التخمیر- إلا انه لیس لدینا عموم فی کبری نجاسة المسکر شامل لکل درجات المسکر حتی الموارد التی لا یحکم بوجوده وصدقه فی النظر العرفی، بل ما ورد من تحدید ضابطة المسکر انه ما اسکر کثیره فقلیله حرام، ینفی الحدّ فی المقام، ولا یمکن الاستئناس بما ورد فی الفقاع بعد کون اسکاره بدرجة خفیفة خفیة، حیث انه بالالحاق لا عموم الکبری المزبورة والالحاق فیما نحن فیه لا یعدو عن الحدس الظنی.

ومن کلا الخدشتین یظهر التأمل فی القرینة الثانیة وهی الاستشهاد بناظریة روایات التحریم للمسألة المعروفة حیث انه وان کان تاما ایضا إلا ان النظر المزبور لایفید ان الاسکار هو بدرجة الخمر والمسکرات المرکّزة بل

ص:197

المستفاد من النظر المزبور هو کون حرمة العصیر حریما للخمر وهو یعطی التفاوت لا العینیة.

رابعها: بعض ما یأتی من وجوه القول الثانی، الا انهم یعممونه للمغلی بالنار ویرفعون الید عن اطلاق التحریم والنجاسة بقاءً بما دل علی الحلیة والطهارة بذهاب الثلثین، والوجه فی الالتزام بعموم الغایة فی المغلی بالنار أو بنفسه هو اطلاق الدلیل کما یأتی، وتأیید الاعتبار کما تقدم بیانه فی الدلیل السابق فی الفرق بین العصیر العنبی المغلی مطلقا والخمر والمسکر.

اقول: لو تمت الوجوه الاتیة لکان المتعین ذلک دون القول الثانی کما سیتضح.

أدلة القول الثانی:

وهو التفصیل بین المغلی بالنار والذی غلی أونش بنفسه من حرمة الاول وطهارته حتی ذهاب الثلثین، ونجاسة الثانی وحرمته مطلقا کالخمر، وقد أصرّ علیه شیخ الشریعة الاصفهانی فی رسالته بوجوه:

الوجه الاول دعوی الفرق الموضوعی بین الغلیانین کما احتمله صاحب الجواهر فی بحث العصیر الزبیبی والتمری، فان الغلیان بالنار لا یسمح لطهور المادة المسکرة إلا إذا أبعد عن النار بعد ذلک قبل ذهاب الثلثین لان ارتفاع الحرارة الدفعی مانع عن تولد مادة الکحول، وهذا بخلاف الغلیان بنفسه حیث انه تدریجی فانه یساعد علی تحول الحلاوة الی مادة مسکرة کحولیة، وعلامة ذلک هو ظهور الحموضة علیه وفساده فلا ینقلب الی الدبس، ولعل هذا الوجه هو الذی بعث علی استظهار بقیة الوجوه الآتیة.

ص:198

وفیه: منع ذلک بشهادة عدّة من صنّاع الخلّ وذکروا انه بمجرد النشیش وظهور الحموضة یبقی امکان تحویل العصیر الی الدبس، نعم ذکروا انه اذا طبخ قبل النشیش تکون حلاوة الغلیظ الدبسی المتبقی أشد حلاوة وأجود طعما، وانه کلما تأخّر طبخه عن النشیش مدة اطول کلما قلّت حلاوة الدبس المصنوع بذهاب الثلثین.

وهذا التأخیر والمدة اذ طالتا کثیرا تصل الی حدّ بعد ذلک یوجب عدم حلاوة العصیر اذا طبخ وثخن وغلظ فیصیر کهیئة الدبس لکن من دون حلاوة بتاتا، وهذا بخلاف الخمر والخل فانه کلما طبخا فانهما لا یثخنان ولا یغلظان، وهذا اذا کان مکثه فی معرض الهواء وأما اذا عزل عن الهواء بأن سدّ رأس الظرف الذی یوضع فیه، أوکان الجدار الداخلی للظرف مطلیا بمادة مساعدة، أووضع فیه العکرة ونحو ذلک فانه یسرع نشیشه ویشتد بمدة اقصر، فتفسد مادة الحلاوة کلها فیه فی وقت اسرع فهذه اسباب مختلفة للاسراع فی غلیانه بنفسه وفی اشتداد تغیره.

والمحصل من ذلک ان مجرد الغلیان بنفسه لا یصیّر العصیر العنبی خمرا بل یحتاج مع ذلک الی طول مکث أوأسباب کیفیة اخری لتحوّله الی مادة مسکرة بنحو متکامل، نعم قد تقدم فی الوجه الثانی من القول الاول ان ظهور المادة المسکرة المستحیلة من مادة الحلاوة فی العصیر هو تدریجی وذلک معنی ما یقال ان حرمة العصیر المغلی حریم للخمرة، الا انه تقدم ایضا ان ذلک المقدار من الظهور لا یدرج العصیر المغلی فی ماهیة الخمر والمسکر کی یحرم وینجس مطلقا ولو طبخ وصار دبسا.

الوجه الثانی ان الروایات المتضمنة لحرمة العصیر المطبوخ کلها مغیّات بذهاب الثلثین، فلم یرد التحدید المزبور إلا فی فرض فیه لفظ

ص:199

الطبخ أو ما یدل علیه کلبختج والطلا، بخلاف الروایات التی اطلق فیها الغلیان فانها لم تحدد بذهاب الثلثین، ولیس ذلک من باب الاتفاق بل الوجه فیه ان الغلیان اذ اسند الی ذات العصیر فانه یفید انه غلی بنفسه واذا ارید غلیانه بسبب مفتعل کالنار فلا بد من التقیید وانه غلی بالنار، وعلی ذلک فیکون الاختلاف المزبور فی لسان الروایات دالاً علی التفصیل المزبور، وان المغلی بنفسه حرمته مطلقة ولا یکون ذلک الا لخمریته کما اشار الیه ایضا صاحب الجواهر فی بحث العصیر التمری والزبیبی.

وفیه:

اولا: منع انصراف اسناد الغلیان المطلق الی خصوص الذی غلی بنفسه، ویشهد للمنع موثق ذریح قال: (سمعت ابا عبد الله(علیه السلام) یقول: اذا نشّ العصیر أو غلی حرم)(1)، فانه قد اسند الغلیان المطلق الی العصیر مع وضوح ارادة المغلی بالنار فی مقابل النشیش وهو المغلی بنفسه، کما ان الروایة شاهدة علی دفع استظهار التفصیل فی الغایة بین الغلیانین، اذ هی اطلقت الحرمة من دون جعل الغایة للمغلی بالنار.

وأما دعواه (قدس سره) ان النسخة الصحیحة هی بالواو فهی نظیر دعوی اجمال الروایة وسیأتی ضعف کلا الدعویین فی مسألة ذهاب الثلثین.

وکذا ما رواه حماد بن عثمان عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: (سألته عن شرب العصیر، قال: تشرب ما لم یغل، فاذا غلی فلا تشربه، قلت: ای شیء الغلیان؟ قال: القلب (2).

ص:200


1- (1) الوسائل، ابواب الاشربة المحرمة، باب3، ح4.
2- (2) المصدر، ح3.

الظاهر منها هو ارتفاع الاسفل وهبوط الأعلی من العصیر الحاصل فی الغلیان بالنار أو بنفسه، لا التغیر فی الطعم أو الرائحة، والا لکان الانسب التعبیر بمادة التغیّر کما فی روایات اخری، فتکون الروایة ناصة علی عموم المعنی المراد من العنوان فی بقیة الروایات، کما انها علی ذلک دافعة للتفصیل فی الغایة بین الغلیانین وان اطلاق الحرمة مقیّد بما حدّ بالغایة فی غیرها.

وکذا معتبرته الاخری عن الصادق(علیه السلام) قال: (لا یحرم العصیر حتی یغلی)(1)، وکیف یمکن دعوی انصرافها الی المغلی بنفسه إذ اطلاق نفی الحرمة المؤکد بجعل الغایة التی هی خصوص الغلیان یفید، الحصر فلا یلائم حمله علی الغلیان بنفسه، للزوم ارتکاب التخصیص المنافی حینئذ للحصر بخلافه ما اذا حملناه علی الاعم.

وثانیا: ان الغایة وهی ذهاب الثلثین مطلقة للذی غلی بالنار أو للذی غلی بنفسه، کما فی صحیح ابن سنان وروایة محمد بن الهیثم وروایات تقسیم سهم آدم عن سهم إبلیس فی الکرم کما یأتی مفصلا.

الوجه الثالث التقیید المستفاد من صحیحة عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: (کل عصیر اصابته النار فهو حرام، حتی یذهب ثلثاه ویبقی ثلثه)(2)، حیث ان التقیید فی مقام اعطاء الضابطة والقاعدة موضوعا ومحمولا لیس الا لدخله فی الحکم، والا لعمم الموضوع لو فرض عمومه واقعا.

ص:201


1- (1) المصدر، ح1.
2- (2) المصدر، باب2، ح1.

وفیه: انه اما یقرّب بمفهوم الوصف أوالتحدید أوالشرط المضمّن المدلول علیه (بالفاء).

فأما الاول فالمفهوم الحجة بمقدار احترازیة القیود مقابل طبیعة العصیر المجردة فلا ینفی ثبوت الحکم المزبور وهی الحرمة المغیاة للطبیعة بقید آخر وهو الغلیان بنفسه، وأما الثانی ولعله مقصوده (قدس سره) من الاستدلال بالصحیحة فهو وان کان حجة إلا ان المقام لیس صغری له بعد عدم دال ما علی مقام التحدید کالفاظ التعریف ونحوها کحصر الماهیة، وأما الثالث فهو لیس من الشرط التعلیقی کما لا یخفی بل الثبوت عند ثبوت الذی مفهومه لیس بحجة.

الوجه الرابع ما دلت علیه موثقة عمار الواردة فی کیفیة طبخ العصیر الزبیبی من محذوریة النشیش بنفسه حیث فیها (وصف لی ابو عبد الله(علیه السلام) المطبوخ کیف یطبخ حتی یصیر حلالا فقال تأخذ ربعا من زبیب ثم تصب علیه اثنا عشر رطلا من ماء ثم تنقعه لیلة فاذا کان ایام الصیف وخشیت ان ینش فاجعله فی تنور مسجور قلیلا حتی لا ینش - الی ان قال - ثم تغلیه بالنار فلا تزال تغلیه حتی یذهب الثلثان ویبقی الثلث ... الحدیث)(1)، حیث انه لوکان محذور النشیش یرتفع بذهاب الثلثین لما کان وجه للتخوّف من وقوعه.

وفیه:

أولا: ابتناء مجموع الاستدلال علی حرمة العصیر الزبیبی ای ان الخشیة فی الروایة یجب ان تفسر بمعنی الحرمة کی یتم الاستدلال.

ثانیا: ابتناء علی ان المغلی الزبیبی بالنار یحرم حتی ذهاب الثلثین

ص:202


1- (1) الوسائل، ابواب الاشربة، باب5، ح2.

لتصویر التفرقة بین الغلیانین.

ثالثا: ان النشیش یصیّر العصیر ردیئا کما هوالحال فی الدبس المتخذ من العنبی أو الزبیبی أوالتمری، حیث انه کلما تحفّظ عن نشیشه قبل إذهاب الثلثین کلما کانت حلاوته أشد، کما تقدم تفسیر ذلک فی الوجه الثانی للقول الاول، فالخشیة هی من فساد جودته ویشهد لذلک ما فی ذیلها من ذکر امور هی لجودة وطیبة الطعم ونکهته، فلاحظ.

الوجه الخامس تبعا لما ذکره صاحب الجواهر فی العصیر التمری والزبیبی ایضا، ما ورد فی أحادیث(1) متعددة من جعل المدار علی الاسکار عند السؤال عن حلیة وحرمة النبیذ والذی کان یغلی بنفسه کما هو المعتاد فی صنع الانبذة فی ذلک الوقت کما فی حدیث وفد الیمن وغیره، فلو کان حرمة المغلی بنفسه مغیاة بالذهاب وانها غیر حرمة المسکر، لما کان وجه لحصر المحرمة فیه دائرة مدار الاسکار، لاسیما ان بعضها فی وقت الحاجة فهومما یدل علی حصر حرمة الغلیان بنفسه فی الاسکار.

وفیه: ان النبیذ هو الماء الذی ینبذ فیه الزبیب أو التمر والرطب أو البسر ونحوها، وهو انما یحرم بالاسکار فقط ولا یحرم بمجرد الغلیان بنفسه من دون اشتداده وتغیره بناء علی حلیة العصیر الزبیبی والتمری المغلی مطلقا، ما لم یشتد ویتغیر فیتحول الی المسکر، هذا وقد استدل بوجوه اخری لا یخفی ضعفها وکونها مجرد احتمال لا ظهورا متعینا الاخذ به.

الثانی: حرمة شرب العصیر العنبی اذا غلی:

بلا خلاف محکی انه بمجرد الغلیان یحرم، نعم ما فی بعض الکلمات

ص:203


1- (1) المصدر، باب22، 24، 17.

کما عن القواعد وغیرها من التقیید بالاشتداد یوهم الخلاف الا انه غیر مراد، اذ هو اما بلحاظ النجاسة وقد مرّ تفسیر الاشتداد وإما بلحاظ الحرمة الخمریة.

واحتمال: ان التحریم ظاهری طریقی لحرمة المسکر، أوان الموضوع مقید بالاسکار، لا ان مجرد الغلیان سبب للحرمة بقرینة ناظریة روایات التحریم الی المسألة المعروفة بین الفریقین وهی الطلاء والبختج، حیث أن النزاع الدائر فیها انما هوفی تحدید ضابطة وحدّ المسکر منه(1).

ضعیف: لمخالفته للعدید من وجوه الدلالة فی الروایات کما لا یخفی مضافا الی ان الاعتبار مؤید لکون الغلیان مطلقا حدا واقعیا للحرمة کما تقدم فی الوجه الثانی للقول الاول فی نجاسة العصیر المغلی فلاحظ.

حلیته اذا ذهب ثلثاه:

یقع الکلام تارة فی عموم موضوع الحلیة بالذهاب للذی غلی بالنار أوبنفسه، وأخری فی عموم سببیة الاذهاب وعدم اختصاصها بالنار.

عموم موضوع الحلیة أما المقام الاول: فقد عرفت ان ابن حمزة فی الوسیلة قد خصّه بالمغلی بالنار وهو الترآی بدوا من عبارة اطعمة النهایة للشیخ والسرائر والمهذب، وتحتمل عبائرهم ارادة صورة الاشتداد وهو التغیّر فی الطعم والرائحة بنحو بدایات الاسکار ولاسیما وان الغایة للحرمة جعلت صیرورته خلا.

لکن المشهور علی التعمیم کما نص علیه فی اطعمة الشرائع والدروس وغیرها.

ص:204


1- (1) بحوث فی شرح العروة الوثقی، ج3، ص377 374.

ویدل علیه: صحیحة عبد الله بن سنان قال: (ذکر أبو عبد الله(علیه السلام): ان العصیر اذا طبخ حتی یذهب ثلثاه ویبقی ثلثه فهو حلال)(1).

وتقریب الدلالة: ان الموضوع فیها مطلق غایة الامر هو مقید بمطلقة الغلیان من الخارج، وشرط الحلیة فیه هو الطبخ المستمر لذهاب الثلثین.

واشکل: علی الدلالة بان الغلیان بالطبخ مفروض فی الموضوع وانما الشرط هو استمرار الطبخ الی ذهاب الثلثین، ویعضد ذلک ان مفهوم القضیة الشرطیة هو الحرمة مع انتفاء الشرط وهی انما تکون فی المغلی والغلیان مشار الیه بالطبخ، وبعبارة اخری هو من تقسیم المطبوخ الی حلال والی حرام.

وفیه: ان ظاهر الشرط هو الطبخ المذهب للثلثین، أو فقل الطبخ المستمر لذهاب الثلثین، وهذا بخلاف جعل الشرط استمرار الطبخ، فانه علی الاول المفهوم منه أعم من انتفاء الطبخ أوانتفاء الاستمرار، وأما علی الثانی فان الاستمرار الذی هو شرط یکون موضوعه الطبخ فلا اطلاق فیها حینئذ.

مضافا الی أن ما یأتی فی المقام الثانی من عموم السبب المذهب للثلثین یکون قرینة علی أن ذکر الطبخ کسبب للذهاب من باب المثال الغالب للسبب، نعم علی مسلک اشتراط انتفاء القدر المتیقن فی محل التخاطب لاجراء الاطلاق لا یکون الاطلاق هاهنا جاریا.

وبنفس التقریب: مصحح ابی بصیر قال: (سمعت ابا عبد الله(علیه السلام)، وسئل عن الطلا، فقال: إن طبخ حتی یذهب منه اثنان ویبقی واحد فهو

ص:205


1- (1) الوسائل، ابواب الاشربة المحرمة- باب5، ح1.

حلال، وما کان دون ذلک فلیس فیه خیر)(1).

وروایة: محمد بن الهیثم عن رجل عن ابی عبد الله(علیه السلام) قال: (سألته عن العصیر یطبخ بالنار حتی یغلی من ساعته ایشربه صاحبه؟ فقال: اذا تغیّر عن حاله وغلی فلا خیر فیه، حتی یذهب ثلثاه ویبقی ثلثه)(2).

وتقریب الدلالة: ان مورد فرض الروایة هووان کان طبخه بالنار کی یتم الغلیان من ساعته بسرعة، الا ان الغلیان المفروض فی السؤال هو بنفسه کما فی الطریقة المذکورة فی روایة وفد الیمن اذ قد فرض غایة الطبخ فیغایره مع کون الطبخ نحواً من الغلیان، مضافا الی عموم الجواب المطلق الذی غلی واطلاق الغلیان فی الجواب مع خصوص الفرض فی السؤال نحو اضراب عن الخصوصیة وتأکید للکلیة، وهی تفید العموم فی المقام الاول والثانی کما هوواضح.

وکذا فی العموم فی المقامین کروایة ابی الربیع الشامی وابراهیم وصحیح زرارة وغیرها(3) من الروایات الواردة فی کون نصیب ابلیس من الکرم هو الثلثین ونصیب آدم أو نوح علیهما السّلام هو الثلث، وهذه الروایات لا یتوهم انها سرد قصص بل المغزی منها تحدید السهم المحلل والسهم المحرم، وهی لیست فی المتخمر بل فی خصوص المغلی فیظهر منها الاطلاق لکون المدار علی السهم.

ففی صحیح زرارة (فاذا اخذت عصیرا فطبخته حتی یذهب الثلثان

ص:206


1- (1) المصدر، باب2، ح6.
2- (2) المصدر، ح7.
3- (3) المصدر، باب2.

نصیب الشیطان فکل واشرب)(1)، ویظهر منها ومن روایات اخری ان المدار علی ذهاب الثلثین فتکون عامة لکلا المقامین معا بعد ظهور (حتی) فی ان الغایة للطبخ هو ذهاب الثلثین بضمیمة صدر الروایة المحدد للنصیب المحرم، والتقریب فیها هو ما تقدم فی مصحح ابن سنان.

وکذا ایضا ما ورد فی کون مدار الحلیة فی العصیر علی الحلاوة(2) وکونه یخضب الاناء، وهی وان کان بعضها فی مورد الشک الا انه لم یفصل فیها بین ما اذا غلی اولا بالنار أو بنفسه لاسیما وان العصیر العنبی ینشّ بسرعة وکثیرا ما یکون نشیشه قبل طبخه حتی یذهب ثلثاه.

عموم سبب الحلیة أما المقام الثانی: وهو عموم سبب ذهاب الثلثین، فلم یقید الذهاب بالنار فی العدید من العبائر وکاد ان یکون هو المشهور وان قید بذلک فی بعضها الآخر، ویدل علی العموم - مضافا الی ما تقدم فی المقام الاول من عموم ثلاثة ألسن من الادلة علی کلا المقامین معا - صحیح لعبد الله بن سنان عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: (کل عصیر اصابته النار فهو حرام، حتی یذهب ثلثاه ویبقی ثلثه)(3)، حیث اطلق الذهاب للثلثین من دون التقیید بالنار.

ودعوی: انه فی مورد المطبوخ فالقدر المتیقن هو الذهاب بالنار.

مدفوعة: لابتنائها علی منع القدر المتیقن فی مورد التخاطب عن اجراء الاطلاق، مع ان الروایة فی صدد بیان الغایة وهی غیر مقیدة.

ومثلها روایة مستطرفات السرائر عن کتاب مسائل الرجال عن أبی

ص:207


1- (1) المصدر، ح4.
2- (2) المصدر، باب5، ج5، 6. باب7، ح2،ح3.
3- (3) المصدر، باب2، ح1.

الحسن علی بن محمد(علیه السلام): (ان محمد بن علی بن عیسی کتب الیه: عندنا طبیخ یجعل فیه الحصرم، وربما یجعل فیه العصیر من العنب، وانما هو لحم یطبخ به، وقد روی عنهم فی العصیر: انه اذا جعل علی النار لم یشرب حتی یذهب ثلثاه، ویبقی ثلثه ... الحدیث)(1) بتقریب ما سبق.

هذا: وقد یعارض الاطلاق المزبور بدعوی وجود المقید وهو صحیح عبد الله بن سنان المتقدم فی المقام الاول، حیث انه بلسان الشرطیة (ان العصیر اذا اطبخ حتی یذهب ثلثاه ویبقی ثلثه فهو حلال)، ومفهومه الحرمة اذا لم یکن الذهاب بالنار وهو اخص من الاطلاق المزبور فیقیده.

ونظیره الصحیحة المزبورة روایة عبد الله بن سنان الاخری عن الصادق(علیه السلام) قال: (العصیر اذا طبخ حتی یذهب منه ثلاثة دوانیق ونصف، ثم یترک حتی یبرد فقد ذهب ثلثاه، وبقی ثلثه)(2).

ومصحح ابی بصیر «ان طبخ حتی یذهب منه اثنان ویبقی واحد فهوحلال، وما کان دون ذلک فلیس فیه خیرة (3).

وفیه:

أولا: ان کون القید (الغلیان) یقرب وروده للغلبة لا الاحتراز فلا یقوی علی تقیید المطلقات حیث ان ذهاب الثلثین لا یتفق عادة الا بالنار وان امکن ذهابه بالشمس بتعریضه لها مع کشف رأس الاناء الذی یوضع فیه لیحصل تبخیره مع مساعدة الریح، غیر انه تطول مدته فمن ثمّ لم تکن طریقة متبعة.

ص:208


1- (1) المصدر، باب 4، ح1. المستطرفات، ص584.
2- (2) المصدر، باب5، ح7.
3- (3) المصدر، باب2، ح6.

ثانیا: ان ذیل مصحح ابی بصیر ناصّ علی کون المدار علی ذهاب الثلثین لا الطبخ مع ان التعبیر ورد فیها بالشرطیة، وبعبارة اخری انه قد خصّ فیها المفهوم بانتفاء المقدار اللازم ذهابه دون انتفاء سبب الذهاب.

ثالثا: ما تقدم من الوجوه الدالة علی ان المدار علی ذهاب المقدار وان الطبخ بالنار لاجله کما فی روایات نصیب ابلیس یکون ناظراًً لالغاء خصوصیة السبب.

ویؤید ذلک ما ورد فی روایة عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: (العصیر اذا طبخ حتی یذهب منه ثلاثة دوانیق ونصف، ثم یترک حتی یبرد فقد ذهب ثلثاه وبقی ثلثه)(1).

حیث لم یشترط ذهاب تمام الثلثین وهوعلی النار فتأمل، اذ قد یقال انه مجموع الذاهب علی ایة حال هو بسبب النار، نعم لو یحرر البحث بصورة اخری وهو لزوم اتصال ذهاب المقدار المزبور بالغلیان الموجب للحرمة لکان وجه للتخصیص بالنار من جهة تحقق ذلک الاتصال بها.

والظاهر من الادلة انه لا بد من الاتصال المزبور، ولعله لتحوله بدونه الی المسکر ولو بدرجاته الابتدائیة کما هو عادة صنّاع الخمر کما تشیر الیه روایة وفد الیمن، نعم لا یتحقق الاتصال المزبور بالشمس فی العادة للتراخی الممتد ومن ثمّ یتحول الی الخمر أو الخل قبل ذهاب المقدار.

وعلی أیة حال فلا خصوصیة للنار بناء علی ذلک ایضا کما لو اذهب بتوسط الحرارة الشدیدة الحاصلة من الکهرباء أومن الطاقة الشمسیة المرکزة بالوسائل الحدیثة وغیرها من الاسباب التی یتحقق بها الاتصال بین ذهاب المقدار والغلیان المحرم.

ص:209


1- (1) المصدر، باب5، ح7.
حرمة العصیر العنبی بمجرد النشیش:

ذهب بعض الفقهاء الی حرمة العصیر العنبی بمجرد النشیش استنادا لموثق ذریح قال: (سمعت ابا عبد الله(علیه السلام) یقول: اذا نش العصیر أو غلی حرم)(1)، والنشیش کما فی القاموس صوت الماء اذا غلی، وعن شیخ الشریعة ان النسخة الصحیحة للکافی هی بالواو فیتحد المعنی، لکن المحکی عن المرآة والوسائل والحدائق والمستند وفی الجواهر، وعن طهارة الشیخ ومجمع البحرین وغیرها هی ب--(أو).

والصحیح ان المراد به هو صوت الشی اذا غلی بنفسه وان ذکر فی اللغة انه صوت الشیء اذا أخذ فی الغلیان من دون تقییده ب-(بنفسه) الا أن المنصرف منه ذلک أولا.

وثانیا: ان الاستعمال فی روایات الباب فی ذلک ایضا.

وثالثا: دلالة المقابلة علی ذلک.

ورابعا: ان کثیرا من اللغویین قیدوا الصوت بکونه اما صوت الغلیان واما صوته اذا أخذ فی الغلیان ونحو ذلک، ای لیس مطلق الصوت قبل الغلیان.

وخامسا: تنصیص عدة من الروایات بان حدّ الحلیة غایته الغلیان فأخذ الصوت الحادث قبله غایة یلغیه فتکون الموثقة معارضة وهی أضعف ظهورا لاحتمالها الغلیان بنفسه.

لا فرق بین العصیر ونفس العنب:

ذکره جماعة ویعطیه کلام الشهیدین فی ما ذکراه من حلیة الزبیب

ص:210


1- (1) المصدر، باب3، ح4.

المطبوخ لانه قد ذهب ثلثاه بالشمس، والمحکی عن المحقق الاردبیلی منعه، والصحیح التفصیل کما ذکره غیر واحد، من أن الماء الخارج من العنب لا یشترط فیه وسیلة خاصة للاخراج سواء بالعصر أو بتوسط التفسخ بالغلیان فی الماء أو المرس فیه أو النبذ فیه کالنقیع حتی یظهر طعمه فیه، فانه فی مطلق الصور یکون الخارج عصیراً حقیقة.

وأما غیر الخارج فان کان فی حبات العنب السالمة غیر المدلوکة ولا الذابلة المستویة فان الماء الموجود فی لحم الحبة - ای الیافها - لا یطلق علیه عصیر ولو طبخت تلک الحبات فی الماء ما لم تتفسخ ویخرج ماؤها، نعم اذا ضغطت ودلکت أو ذبلت ولو لم یخرج الماء فان ماء العنب یکون منحازا داخل الحبة عن اللحم والألیاف فیها، فیصدق العنوان (ماء العنب) فیحرم بالطبخ.

هذا ولکن الظاهر الحرمة فی الصورة المتوسطة ایضا لکون الغلیان والحرارة موجبین لانحیاز الماء فی داخل الحبة عن الألیاف اللحمیة کما هو المجرب، اذ الذبول فی الغالب یحدث بسبب الحرارة الشدیدة للشمس والجو.

الثانی: حکم التمر والزبیب وعصیرهما:
اشارة

التمر والزبیب وعصیرهما لا یحرمان، اجماعا فی الاول، وشهرة فی الثانی، لکن عن الفاضلین فی کتاب الحدود التردد مع تقویة العدم، کما ان عدة عبائر من المتقدمین فی کتاب الاطعمة قد یظهر منها الحرمة الا انها بعنوان التغییر، نعم مقتضی ما تقدم فی بعض وجوه القول الثانی فی العصیر العنبی من جعل المغلی بنفسه من المسکر هو التحریم هاهنا فی المغلی بنفسه.

ص:211

وقد ذهب الی التحریم فیهما جماعة من هو من الطبقات المتأخرة بل نسب العلامة الطباطبائی الشهرة فی تحریم الثانی الی الاصحاب وان تأمل غیر واحد فی تلک النسبة.

أدلة الحرمة فیهما:

وعمدة ما یستدل للتحریم فیهما معا أوفی احدهما خاصة:

أولا: عموم تحریم العصیر المغلی الشامل لهما.

واشکل علیه: تارة بالانصراف الی العنبی، واخری بعدم الالتزام بحرمة مطلق العصیر وتخصیص الثلاثة تحکّم فیبقی العنبی قدرا متیقنا وثالثة: بمعهودیة الاختصاص فی الاستعمال الروائی، ویشهد لاختصاص المراد بالعنبی ما ذکره صاحب الحدائق من روایات باب ما یکتسب به فی الوسائل(1) من ارادة العصیر الذی یتحول الی الخمر وهو متعین او منصرف الی العنبی، وکذا ما هومعروف من الخلاف التاریخی الدائر فی العصیر العنبی المطبوخ، قرینة حالیة علی نظر الروایات - مثل صحیح ابن سنان المشتمل علی لفظ (کل عصیر) - الی العصیر المزبور ولذلک کان تفسیر البختج والطلا به ایضا.

ولا ینافی ذلک ما فی عدة من الروایات من اذهاب الثلثین فی نبیذ الزبیب ونقیع التمر، اذ هو کالذی ورد فی مطلق الرُبْ من الفواکه من إذهاب الثلثین، فهو نحو استفادة من العلاج لموارد اخری حیطة عن التخمر وحصول المسکر، نعم سیأتی تقریب آخر اوجه لا یرد علیه الاشکلات المتقدمة مع توضیح فیه.

ص:212


1- (1) الوسائل، ابواب ما یکتسب به، باب59.

ثانیا: ما ورد فی التمر من روایات ظاهرة فی استوائه مع العصیر العنبی فی لزوم اذهاب الثلثین للحلّ:

منها: روایة ابراهیم عن أبی عبدالله(علیه السلام) - فی قصة تحریم المسکر - وفیها مصّ ابلیس للتمر کما مصّ العنب، ثم ان ابلیس ذهب بعد وفاة آدم فبال فی أصل الکرمة والنخلة، فجری الماء (فی عودهما ببول) عدو الله فمن ثمّ یختمر العنب والکرم، فحرم الله علی ذریة آدم کل مسکر، لان الماء جری ببول عدو الله فی النخلة والعنب وصار کل مختمر خمرا، لان الماء اختمر فی النخلة والکرم من رائحة بول عدو الله(1)، بتقریب ان النخل والکرم مشترکان فی التغیر العارض علیهما.

وفیه: ان الاستواء المشار الیه فی الروایة هو فی المسکر منهما والمختمر کما فی ذیل الروایة لا المغلی بمجرد الغلیان.

ومنها: صحیحة زرارة(2) حیث ذکر فیها غرس نوح(علیه السلام) للنخلة ومنازعة ابلیس ایاه فیها واعطاه نصیبا منها فلذلک یذهب بثلثلی العصیر المطبوخ.

وفیه: ان فی نسخة الکافی الموجودة (الحبلة) وهی شجرة العنب، وقد اشار صاحب الوسائل فی هامش المخطوط الی وجود تلک النسخة ویرجح النسخة الثانیة ان فی بقیة روایات الباب فی المنازعة المزبورة هی فی شجرة الکرم.

ومنها: موثقة عمار بن موسی عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی حدیث انه

ص:213


1- (1) الوسائل، ابواب الاشربة المحرمة، باب2، ح3.
2- (2) المصدر، ح4.

سئل عن النضوح المعتق کیف یصنع به حتی یحل؟ قال: (خذ ماء التمر فاغله، حتی یذهب ثلثا ماء التمر)(1).

ونظیره موثقه الآخر الا ان فیه (ویبقی ثلثه، ثم یمتشطن)(2)، ونظیرهما روایة عیثمة قال: دخلت علی أبی عبد الله(علیه السلام) وعنده نساؤه قال: (فشم رائحة النضوح فقال: ما هذا؟ قالوا: نضوح یجعل فیه الضیاح، قال: فأمر به فأهرق فی البالوعة)(3)، والنضوح طیب له رائحة تفوح، والظاهر صنعه من ماء التمر کما تشیر الیه الروایات.

وقد وقع السؤال فی الموثق الاول عن کیفیة حلّه فأجاب(علیه السلام) بجعل موضوع الحلیة ذهاب الثلثین، وفی الثانیة التقیید للتمشط بذلک، وهو یفید ان الطهارة ایضا منوطة به، اذ المحذور المفروض فی التمشط هو الابتلاء بالنجاسة کما فی صحیحة علی بن جعفر عن أخیه (علیه السلام) عن النضوح یجعل فیه النبیذ ایصلح للمرأة ان تصلی وهوعلی رأسها؟ قال (علیه السلام): (لا)، حتی تغتسل منه(4).

وفیه: ان الظاهر من تقیید النضوح بالمعتق هو ابقاؤه وتخمره، کما ذکر ذلک فی مجمع البحرین (من انه طیب مائع ینقعون به التمر والسکر والقرنفل والتفاعل والزعفران واشباه ذلک فی قارورة فیها قدر مخصوص من الماء، ویشد رأسها ویصبرون ایاما حتی ینشّ ویتخمر، وهو شائع بین نساء الحرمین الشریفین)، فیکون فرض الروایات خارجاً عن فرض المقام.

ص:214


1- (1) المصدر، باب32، ح2.
2- (2) المصدر، ح1.
3- (3) المصدر، باب33، ح1.
4- (4) المصدر، باب37، ح3.

ویشهد ما فی صحیح علی بن جعفر من جعلهم النبیذ فیه لکی یسرع فی التخمر، وکذا جعلهم الضیاح فیه فکأنه لاجل حموضته الموجبة لذلک ایضا، وکذا تقیید التمشط به الظاهر فی نجاسته قرینة علی ارادة المسکر منه، اذ مجرد غلیانه لا یوجب نجاسته بالاتفاق، فاذهاب الثلثین هو علاج مانع عن التخمر فقول السائل فی الموثق الاول (کیف یصنع به حتی یحل) معناه کیف یصیّر ویصنع حتی یحل مع البقاء ولا یحرم بطول المکث ولا یتخمر فیحرم، فالمحصل انه کیف یصنع حتی یکون نضوحا حلالا لا حراما.

مضافا الی ما تقدم فی العصیر العنبی عند استعراض ادلة القول الثانی من ان ظاهر أدلة تحریم النبیذ المستفیضة جدا هو کون مدارها الاسکار، والنبیذ کما تقدم هوما یصنع من نبذ الزبیب أو التمر أو الرطب والبسر ونحوها فی الماء فلها دلالة علی نفی حرمة غیر المسکر وان غلی.

بل ان بعض الروایات خاص فی الدلالة علی حلیة النبیذ الذی غلی ولم یسکر کصحیح صفوان قال: کنت مبتلی بالنبیذ معجبا به فقلت لابی عبد الله(علیه السلام) أصف لک النبیذ؟ فقال بل أنا أصفه لک قال رسول الله صلی الله علیه و آله : کل مسکر حرام وما أسکر کثیره فقلیله حرام، فقلت: هذا نبیذ السقایة بفناء الکعبة فقال: لیس هکذا کانت السقایة انما السقایة زمزم، افتدری اول من غیرها فقلت: لا قال: العباس بن عبد المطلب کانت له حبلة افتدری ما الحبلة؟ قلت لا قال: الکرم فکان ینقع الزبیب غدوة ویشربون بالعشی، وینقعه بالعشی ویشربونه غدوة، یرید به ان یکسر غلظ الماء علی الناس، وان هؤلاء قد تعدوا فلا تقربه ولا تشربه(1).

ص:215


1- (1) المصدر، باب17، ح3.

ونقلناها بطولها لاشتمال الصدر علی الحصر لترکه صریحا الاستفصال من الراوی بذکر الضابطة للحرمة الدال علی الحصر فیها، ثم تعرض فی الذیل الی تعدی هؤلاء عن الحد فی النبیذ أن یبقونه فیصیر مسکرا، فهو ینهی عن النبیذ المذکور فی الذیل بنفس الضابطة المذکورة فی الصدر فلو کان جهة النهی فی الذیل هی مجرد النشیش والغلیان بنفسه لما حصر الحرمة فی الصدر بالاسکار.

واصرح منها بنفسها التقریب السابق صحیح عبد الرحمن بن الحجاج (عن النبیذ فقال (علیه السلام) حلال فقال اصلحک الله انما سألتک عن النبیذ الذی یجعل فیه العکر، فیغلی حتی یسکر، فقال أبوعبد الله(علیه السلام) قال رسول الله صلی الله علیه و آله کل ما اسکر حرام ... الحدیث)(1)، فان الراوی قد صرح بالغلیان مع قید استمراره حتی یسکر، فلوکان الغلیان بنفسه محرماً لنبّه علیه ایضا، ولما اقتصر علی حرمة المسکر فقط.

ومثلهما روایة وفد الیمن الذین وصفوا لرسول الله صلی الله علیه و آله کیفیة صنعهم للنبیذ وانه یغلی اولا ثم یبقوه حتی یسکر فذکر لهم ان المدار فی الحرمة علی اسکاره(2).

وکذا موثق حنان بن سایر حیث فیه بیان الحلال من النبیذ والحرام منه(3)، وذکر(علیه السلام) ضابطة الحرام هو الاسکار، ثم استعرض کیفیة اتخاذ المحلل وان عدم مراعاة تلک الکیفیة یوقع فی المحرم وهو المسکر الذی ذکره فی صدر الروایة مع أنه فی ذلک الفرض ینش اولا ثم یغتلم ویسکر.

ص:216


1- (1) المصدر، ح7.
2- (2) المصدر، باب24، ح6.
3- (3) المصدر، باب23، ح5.

وعلی هذا فلو سلم دلالة الروایات الخاصة فی ماء التمر علی حرمة المغلی، تکون هذه الروایات الخاصة الدالة علی حلیة المغلی ما لم یسکر معارضة لها، کیف وهی لم تتم دلالتها علی الحرمة، ومن ذلک یتضح ان هذه الروایات الخاصة علی الحلیة تکون مخصصة لعموم صحیح ابن سنان فی کل عصیر لو سلم عمومه للتمری والزبیبی.

ولک ان تقول: ان ما ورد فی النبیذ التمری والزبیبی قرینة علی أن السؤال فی التمری فی الروایات الخاصة، وکذا فی الزبیبی فی روایاته الخاصة الآتیة (کیف یطبخ حتی یحل) هو عن کیفیة العلاج عن التخمر بالبقاء لا عن المحلل للحرمة بالغلیان المجرد، ومنشأ ذلک السؤال کثرة التشدد الوارد فی الروایات فی النبیذ المتعارف شربه عند العامة، وهو مسکر بدرجات مختلفة تقلّ عن درجة اسکار الخمر، کما تذکر بعض الموسوعات الحدیثة المختصة ان نسبة الکحول هی عشرون جزءاً من مائة جزء أو ما یقرب من ذلک، بخلافها فی الخمر فانها خمسون أو سبعون جزءاً من مائة جزء فتکرر السؤال عن کیفیة صنعه وتفادی الوقوع فی التخمر والمسکر.

ثالثا: ما ورد فی الزبیب من روایات اخری استدل بها علی الحرمة:

منها: روایة عمار الاولی قال: وصف لی أبوعبد الله(علیه السلام) المطبوخ کیف یطبخ حتی یصیر حلالا، فقال لی(علیه السلام): (تأخذ ربعا من زبیب وتنقیه - الی ان قال - ثم تغلی الثلث الآخر حتی یذهب الماء الباقی ثم تغلیه بالنار، فلا تزال تغلیه حتی یذهب الثلثان ویبقی الثلث ...الحدیث)(1).

وفی موثقة الآخر عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: (سئل عن الزبیب کیف

ص:217


1- (1) المصدر، باب5، ح2.

یحل طبخه حتی یشرب حلالا؟ قال: تأخذ ربعا من زبیب فتنقیه - الی ان قال - ثم تغلیه بالنار غلیة، ثم تنزع ماءه، فتصبه علی الاول، ثم تطرحه فی اناء واحد، ثم توقد تحته النار حتی یذهب ثلثاه ویبقی ثلثه وتحته النار، ثم تأخذ رطل عسل - الی ان قال - ثم تضع فیه مقدارا وحدّه بحیث یبلغ الماء ... ثم توقد تحته بنار لینة حتی یذهب ثلثاه ویبقی ثلثه)(1).

وفیه: ان التعبیر فی السؤال عن کیفیة الطبخ لصیرورته حلالا لا عن کمیة ما یطبخ، نعم فلا یتعین مفاده فی الحلیة بعد الحرمة بالغلیان بل ظاهر انطباقه علی ما تقدم من عمار نفسه فی سؤاله المتقدم فی روایة النضوح المعتق کیف یصنع به حتی یحل، ای عن کیفیة طبخه کی لا یصیر بالبقاء بعد الطبخ حراما متخمرا (یصیر حلالا وان بقی ما بقی).

ویشهد للاحتمال الثانی انه(علیه السلام) تصدی لذکر قیود عدیدة غیر دخیلة فی اذهاب الثلثین، بل فی طول مکثه سالما عن التغیّر مع طیبة نکهته فلا حظ الروایتین بتمامهما، فیظهر منهما تمرکز الجوب والسؤال عن الشراب المصنوع المطبوخ والذی یحتفظ به مدة مدیدة یتناول منه شیئا فشیئا کیف یصنع کی یصیر حلالا ولا یتحول الی الخمر.

کما یشهد لذلک ایضا ما یظهر من روایتی ابن الفضل وابن عمار الآتیتین من کون جهة السؤال هی کیفیة تجنب التغیّر فی النبیذ الموجب للحرمة، لا کیفیة ازالة الحرمة الحاصلة بالغلیان، مضافا الی غرابة السؤال لوکان عن الثانی، اذ هو معروف فی العصیر العنبی بخلاف ما لوکان عن الاول، اذ بناءً علی عدم حرمة النبیذ بمجرد الغلیان والنشیش بل عند

ص:218


1- (1) المصدر، باب5، ح3.

اسکاره یتوجه حینئذ السؤال عن کیفیة صنع النبیذ کشراب لا یسکر بالبقاء، ویأتی فی صحیح ابن جعفر ما یشیر الی ذلک.

هذا: مضافا الی ما قدمناه من حصر المستفیضة الواردة فی النبیذ الحرمة فی المسکر منه، الدال علی نفی الحرمة بمجرد الغلیان، بل فیها الصریح موردا فی النبیذ الزبیبی انه لا یحرم الا بالاسکار لا بمجرد الغلیان بنفسه.

ومنها: روایة اسماعیل بن الفضل الهاشمی قال: (شکوت الی أبی عبد الله(علیه السلام) قراقر تصیبنی فی معدتی، وقلّة استمرائی الطعام، فقال لی: لم لا تتخذ نبیذا نشربه نحن، وهو بمریء الطعام - الی أن قال: تأخذ صاعا من زبیب ... ثم تنقعه فی مثله من الماء ... ثم طبخته طبخا رقیقا، حتی یذهب ثلثاه ویبقی ثلثه ثم تجعل علیه نصف رطل عسل، وتأخذ مقدار العسل، ثم تطبخه حتی تذهب الزیادة ... فاذا برد صفیته واخذت منه علی غذائک وعشائک، قال: ففعلت فذهب عنی ما کنت اجده، وهو شراب طیب، لا یتغیر اذا بقی ان شاء الله)(1).

ومثلها روایة اسحاق بن عمار قال: (شکوت الی أبی عبد الله(علیه السلام) بعض الوجع، وقلت له: ان الطبیب وصف لی شرابا آخذ الزبیب واصب علیه الماء الواحد اثنین، ثم أصب علیه العسل، ثم أطبخه حتی یذهب ثلثاه، ویبقی الثلث، قال ألیس حلوا؟ قلت: بلی، قال اشربه ولم اخبره کم العسل)(2).

ص:219


1- (1) المصدر، باب5، ح4.
2- (2) المصدر، ح5.

وفیه: ان فیهما عدة قرائن علی کون جهة اذهاب الثلثی هو لتجنب تغیره، ولذلک قال الراوی انه شراب طیب لا یتغیر اذا بقی، وفی الثانیة سؤاله(علیه السلام) (ألیس حلوا) صریح فی ذلک ایضا وانه طریق علاج عن التخمر، لا انه مزیل للحرمة الحاصلة بالغلیان.

ان قلت: ان کون اذهاب الثلثین طریقا وعلاجا عن التخمر بالبقاء لا ینافی کونه مزیلا للحرمة الحاصلة بالغلیان، کما هوالحال فی العصیر العنبی کما یشهد للجمع بین المعنیین ما ورد فی روایات اخبار(1) ذی الید عن الشراب انه علی الثلث والامتحان بکونه حلوا أو یخضب، بل قد یشهد ما ورد فی تلک الروایات علی کون المراد للشراب فی تلک الروایات هو الاعم من العصیر العنبی أو الشراب المتخذ من الزبیب والتمر.

الا تری انه فی روایتی عمار المتقدمتین عبّر عنه بالشراب والمطبوخ، وکذا فی روایة اسماعیل بن الفضل، وکذا التعبیر فی سؤاله(علیه السلام) فی روایة اسحاق ألیس حلوا، الذی ورد نظیره فی موثق لعمار فی روایات اخبار ذی الید عن الشراب یقدمه علی الثلث انه یمتحنه بالحلاء، بل فی صحیح ابن جعفر(2) عطف الشراب علی النبیذ وانه یشربه ما لم ینکره - ای ینکر طعمه بالتغیر - ومنه یظهر شمول عموم صحیح ابن سنان المتقدم فی الدلیل الاول «کل عصیر اصابته النار فهوحرام حتی ...).

قلت: لیس لدعوی المنافاة وجه کما ذکر، إلا ان تعدد الحیثیة والجهة لا ینکر ایضا، فالفارق بینهما وبین العنبی هو وجود الدلیل فیه دونهما، ولا

ص:220


1- (1) المصدر، ح6.
2- (2) المصدر، باب6.

تکون الدلالة المتکفلة لجهة علاج البقاء عن التخمر متکفلة ایضا للجهة الاخری.

واما روایات اخبار الید بان الشراب علی الثلث فقد تقدم ان موردها فی الغالب هو فی العصیر المغلی الباقی لا مجرد الغالی، ولذلک نهی فی بعضها عن الاعتماد علی خبر غیر الملتزم بذلک لانه خمر وانه لا یعتمد علی خبر من یستحلّ أو یشرب المسکر، فتلک الروایات ناظرة الی کون ذهاب الثلثین موجبا لتفادی الاسکار لا إزالة الحرمة الحاصلة من الغلیان.

ومنه یظهر ان عموم الموضوع فیها للزبیبی والتمری لا یشهد بعموم لفظ العصیر فی صحیح ابن سنان، ویعضد تغایر دائرة الموضوعین ان فی روایتی عمار السابقتین اذهاب الثلثین من زیادة العسل ایضا، مع انه لا یتوهم شمول العصیر لشراب العسل، بل ان من سؤال الرواة عن کیفیة طبخ الزبیب والتمرکی یحل- مع معروفیة ان اذهاب الثلثین محلل للعصیر الذی حرم بالغلیان لا سیما من مثل عمار الساباطی الذی هی علی مکانة من الفقه - شاهد علی عدم کون السؤال هو عن المحلل للحرام بسبب الغلیان بل عن عدم کیفیة صیرورة النبیذ مسکرا، وشاهد ایضا علی ارتکاز حلیة ماء الزبیب والتمر المطبوخین ما لم یسکرا.

هذا: مضافا الی ما ذکرنا مرارا من کون المستفیضة الواردة فی النبیذ حاصرة لحرمته فی الاسکار، والنسبة بینهما وبین صحیح ابن سنان علی تقدیر عمومها اما الخصوص المطلق أومن وجه، فیخصص علی الاول ویرجع الی عموم الحل أوأصالته علی الثانی، بل قد ذکرنا ورود روایات خاصة فی حلیة المغلی ما لم یسکر ونسبتها الخصوص المطلق والمعارضة لما یتوهم من امر الروایات الخاصة فی الحرمة.

ص:221

اضف الی ذلک: ما قد یستظهر من مباینة عنوان العصیر لعنوان النبیذ والنقیع، حیث ان المتکرر فی استعمال الروایات فی الابواب للثانی فی ماء التمر والزبیب بخلاف الاول، والاول وان توسع استعماله مطلقا بحسب اللغة واصل الوضع الا ان اطلاقه منصرف عنهما بدوا وارادتهما منه انما هی بلحاظ المدقوق منهما ونحوه، ولذلک شاع اطلاق النبیذ علیهما أو الشراب دون العصیر، بل ان التتبع فی ألسن الروایات شاهد علی عدم اطلاق العصیر علیهما، بل غیره من العناوین وتکرار ارادة العنبی منه وهو مطابق لما یوجد من التکلف فی التعبیر بعصیر الزبیب أو التمر.

ومنها: مصحح علی بن جعفر عن أخیه موسی أبی الحسن (علیه السلام) قال: (سألته عن الزبیب هل یصلح ان یطبخ حتی یخرج طعمه، ثم یؤخذ الماء فیطبخ، حتی یذهب ثلثاه، ویبقی ثلثه، ثم یرفع فیشرب منه السنة؟ فقال: لا بأس)(1).

وفیه: ان ذیل السؤال ظاهر فی انه محط وغایة السؤال هو عن بقائه مدة طویلة یخشی فیها تخمره، ولذلک أضاف قید البقاء سنة فهو عن کون الاذهاب المزبور علاجاً من التخمر والاسکار.

ومنها: روایة زید النرسی وصورتها کما ذکرها فی الهامش صاحب الوسائل(2) زید عن ابی عبد الله(علیه السلام) فی الزبیب یدق ویلقی فی القدر ویصب علیه الماء قال: «حرام حتی یذهب ثلثاه قلت: الزبیب کما هو یلقی فی القدر، قال: هو کذلک سواء اذا أدّت الحلاوة الی الماء فقد فسد کلما غلا

ص:222


1- (1) المصدر، باب8، ح2.
2- (2) المصدر، باب5، ح7.

بنفسه أو بالنار فقد حرم الا ان یذهب ثلثاه.

لکن فی البحار لیس فیه لفظة (حرام) بل (لا تأکله حتی یذهب الثلثان ویبقی الثلث، فان النار قد أصابته) وفی ذیله (کذلک هوسواء اذا أدت الحلاوة الی الماء وصار حلوا بمنزلة العصیر ثم نش من غیر ان تصیبه النار فقد حرم وکذلک اذا اصابته النار فأغلاه فقد فسد)(1).

وفیه: ان الاصل المزبور وان حقق انه غیر موضوع من محمد بن موسی السمان کما ادعاه ابن الولید شیخ الصدوق (قدس سره) للروایة عنه فی الکافی وغیره فی الصحیح عن ابن أبی عمیر وغیره عن زید، الا ان النسخ الواصلة الی المحدثین المتأخرین أصحاب المجامیع کالبحار والوسائل والمستدرک لم تصل بسند صحیح، ومجرد ورود روایات عدیدة فی تلک النسخة واردة فی کتب اخری معتبرة عن زید النرسی لا یحصل القطع بتطابق جمیع روایات النسخة الواصلة مع النسخة الاصلیة للاصل المسندة عند الشیخ والنجاشی.

هذا مع ما حکی من التصحیف فی غیر واحدة من روایات النسخة الواصلة هذه، فکیف یرکن الی صورة المتن والواصلة مع اختلاف ما نقله صاحب الوسائل مع البحار، وقد قال فی هامش الاول «ولتضعیف بعض علمائنا لذلک الکتاب لم أورده فی هذا الباب.

رابعا: الاستدلال بالاستصحاب التعلیقی، بتقریب ورود القضیة التعلیقیة فی العنب فتستصحب عند تغیره الی الزبیب، الا انه یضعّف بناء علی جریانه کبرویا ان الموضوع فی المقام هو عصیر العنب لا ذات العنب

ص:223


1- (1) البحار، ج66، ص506.

کی یتحد فی النظر العرفی مع الزبیب، وهو مغایر لعصیر الزبیب أولک ان تقول ان الموضوع للحکم التعلیقی هو العصیر ولم یتحقق الموضوع کی یستصحب سابقا، اذ الزبیب متخذ من العنب لا من عصیره، فلا یقین سابق کی یستصحب.

هذا مضافا الی عدم ورود قضیة تعلیقیة فی أدلة الحرمة اذ التعبیر ب-(اذا) لفرض الثبوت عند الثبوت ظرفیة لا تعلیقیة (کإن) ونظیراتها، نعم قد تضمّن الشرطیة، الا انه لا یستفاد ذلک فی المقام.

ص:224

قاعدة الأصل فی الأموال الاحتیاط أو الحرمة الظاهریة

اشارة

ص:225

ص:226

من القواعد العامة الأصل فی الأموال الاحتیاط أو الحرمة الظاهریة

تحریر البحث:

قسم البحث فی الماء المشکوک ملکیته بینه وبین الغیر الی حکم التصرفات المجردة وحکم التصرفات المتوقفة علی الملک، فالجواز فی الأولی و العدم فی الثانیة ما لم یکن هناک محرز لها، و لتنقیح البحث نمهد له بمقدمة فی الفرق بین الحلیلة المالکیة و المجردة.

ان الشک لیس فی حکم التصرف کالشرب و الغسل به الواقع علیه بعنوانه الأولی أی مائیته فی قبال العناوین المحرمة کالخمریة و المتنجس ونحوها، بل فی الإباحة المالکیة و السلطنة فی التصرفات المتفرعة عن الملکیة و فی ملک الانتفاع، فالتصرف المجرد فی المقام متوقف أیضا علی الملک بعد فرض عدم اذن الغیر فیما لو کان الشیء ملکه فی الواقع.

فالحلیة التکلیفیة المشکوکة فی المقام لیست الحلیة المجردة عن الحلیة الوضعیة، و لو احرزت الحلیة المزبورة بأصالة الحل لأحرز جواز

ص:227

التصرفات المتوقفة علی مثل الملک، سیما علی القول برجوع قیدیة الملک فی صحة تلک التصرفات الی سلطنة التصرف بالنقل أی الی نفوذ التصرفات.

وبعبارة أخری: لا حاجة لاحراز الموضوع لنفوذ التصرفات، بعد کون مؤدی الأصالة المزبورة ثبوت النفوذ و الحکم اذ لیس ذلک من التمسک بالعموم فی الشبهة المصداقیة بل من جریان الأصل الحکمی.

والذی یقرب لک ان الشک فی الحلیة فی المقام لیست المجردة المترتبة علی العنوان الأولی، هو بالتأمل فی الأمثلة ذات الخطورة المالیة کالدار والدابة والآلات الغالیة، فهل یصار الی جواز التصرف المجرد فیها ما دام عمر تلک الاشیاء عند الدوران بین ملکه لها و ملک الغیر.

أدلة عدم جریان الحل أو البراءة:

اذا اتضح ذلک فالصحیح عدم جریان أصالة الحل أو البراءة(1) خلافا لمشهور متأخری العصر(2) للوجوه الآتیة:

الأول: ما هو محرر فی الکثیر من الکلمات فی نظیر المقام فی بحث

ص:228


1- (1) وفاقاً لبعض الفقهاء منهم الشیخ الانصاری(رضی الله عنه) کما ذکره فی ذیل تنبیهات البراءة حیث حکم بان الاصل فی الاموال حرمة التصرف حتی یعلم حلیته واستدل علیه بالاجماع وبراویة محمد بن زید الطبری (لا یحل مال الا من وجه احله الله). فوائد الاصول، ج1، ص371.
2- (2) کما فی العروة واکثر المعلقین والمحشین علیها، کالسید الخوئی حیث قال -- معلقاً علی القائلین بعدم جریان اصالة الحل -- (ولکن الصحیح ان الاموال کغیرها فتجری فیها اصالة الحل ما لم یعلم حرمتها ...) لاحظ التنقیح، ج2، ص335، موسوعة السید الخوئی.

الخمس(1) فی المال المختلط بالحرام هو القول بالقرعة أو التوزیع لقاعدة العدل و الانصاف أو الصلح، فمع تنقیح الحال فی ملکیة الشیء المشکوک لا تصل النوبة لأصالة الحل ولا للبراءة، اذ بجریان الاصل الموضوعی لا تصل النوبة الی الاصل الحکمی کما هو مقرر فی بحث الاصول.

الثانی: أنه من القریب جدا فی مفاد الاصل المزبور اختصاصه بموارد الشک فی الحلیة المجردة لا الحلیة المالکیة، اذ دلیل اصالة الحل هو معتبرة مسعدة بن صدقة عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: سمعته یقول: (کل شیء هو لک حلال حتی تعلم انه حرام بعینه فتدعه من قبل نفسک، و ذلک مثل الثوب یکون علیک قد اشتریته وهو سرقة، أو المملوک عندک و لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبیع أو قهر أو امرأة تحتک وهی اختک أو رضیعتک، و الاشیاء کلها علی هدا حتی یستبین لک غیر ذلک أو تقوم به البینة(2)).

وصحیح عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: کل شیء یکون منه حرام و حلال فهو لک حلال ابدا حتی تعرف الحرام منه بعینه فتدعه(3).

وروایة عبد الله بن سلیمان عند سؤاله أبا جعفر(علیه السلام) عن الجبن قال (ساخبرک عن الجبن وغیره کل ما کان فیه حلال وحرام فهو لک حلال حتی تعرف الحرام بعینه فتدعه)(4).

ص:229


1- (1) لاحظ کتاب الخمس من العروة والتعلیقات علیه (کتاب العروة مع تعالیق بعض الفقهاء، ج4، ص256، طبعة جماعة المدرسین).
2- (2) وسائل الشیعة، ج17، ص89، باب4، من أبواب ما یکتسب به، ح4.
3- (3) المصدر، ح1.
4- (4) وسائل الشیعة، ج25، ص177، باب61 من أبواب الاطعمة المباحة، ح1.

ومفادها(1) الحلیة التکلیفیة المجردة المترتبة علی العناوین الاولیة للاشیاء من حیث هی، أی الحلیة الفعلیة الظاهریة الطبعیّة للاشیاء.

ویدل علی ذلک مضافا الی کونه مورد السؤال فیها أن فی التنظیر فی الروایة الأولی تقابلاً بین أصالة الحل و بقیة الامارات فی الامثلة المذکورة بعدها من الید والاقرار والشهرة والاستفاضة فی النسب، حیث جعلت الغایة فی اصالة الحل العلم بالحرام الشامل للتعبدی، بینما حصرت غایة الجواز المستفاد من الامارات المزبورة الاستبانة و هی العلم الوجدانی و البینة إذ مورد الشک فی تلک الامارات لیست الحلیة المجردة، وان کان الاصل لولاها فی مواردها مقتضاه الفساد.

الثالث: أن اصالة الحل والبراءة عند الشاک فی مطلق التصرفات المجردة تنافی الحل والبراءة عند الغیر فیما لو فرض شکه أیضا، فلا بد من المصیر الی تعیین الملک بالطرق المتقدمة.

الرابع: وتقرب أصالة الحرمة فی الاموال بأن أصالة عدم ملک الغیر معارضة باصالة عدم الملک عند الشاک، و قد عرفت أن جواز التصرف المجرد مترتب فی الواقع علی الملک بعد فرض عدم اذن الغیر علی تقدیر کون الشیء ملکه واقعا.

الخامس: عموم لا یحل مال امرئ مسلم إلا بطیب نفسه(2).

ص:230


1- (1) ورد (لسان کل شیء لک حلال) فی اربعة روایات، ذکر سماحة الشیخ الأستاذ ثلاثاً منها فی المتن، والرابعة رواها صاحب الوسائل فی باب الاطعمة والاشربه عن معاویة بن عمار، باب 61، ح7 وهی مرسله.
2- (2) هذا اللسان ورد فی روایات عدیدة منها وسائل الشیعة، ج14، ص572، ووسائل الشیعة، ج27، ص156، ووسائل الشیعة، ج9، ص572، وغیرها...

بتقریب عموم الموضوع غایة الأمر خرج منه مال النفس، فبأصالة عدم الملک أی عدم المخصص یحرز موضوع العموم، ولا یعارض بأصالة عدم ملک الغیر، لعدم ترتب الأثر علیه بالخصوص بحسب مفاد هذا الدلیل، بل الحرمة و الاثر مترتب علی مطلق مال المسلم من دون التقیید بالغیر.

السادس: التقریب فی عموم لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ (1).

علی تقدیر کون (بالباطل) من المحمول فی العموم المزبور کأن یؤول معناه ب (فانه) باطل نحو ذلک.

السابع: روایة محمد بن زید الطبری قال: کتب رجل من تجار فارس من بعض موالی أبی الحسن الرضا(علیه السلام) یسأله الاذن فی الخمس فکتب الیه:بسم الله الرحمن الرحیم ان الله واسع کریم ضمن علی العمل الثواب، و علی الضیق الهمّ، لا یحل مال إلا من وجه أحله الله، ان الخمس عوننا علی دیننا ...(2)، و رواه المفید فی المقنعة(3) والشیخ فی التهذیب(4) لکن بعنوان (محمد بن یزید) و لیس هو ابن جریر الکبیر الثقة لاختلاف الطبقة، بل هو الکوفی الاصل الذی ذکره الشیخ فی رجاله من اصحاب الرضا(5).

واشکل علی دلالتها: بأن موضوع عدم الحل فیها مال الغیر لا مطلق المال بقرینة تطبیقه(علیه السلام) علی الخمس فیکون المفاد نظیر آیة لا تأکلوا، من لزوم سبب محلل، و بأن أصالة الحل وجه من وجوه و أسباب الحل من

ص:231


1- (1) سورة النساء، الآیة 29.
2- (2) وسائل الشیعة، ج9، ص538، ابواب الانفال، باب3، ح2.
3- (3) المقنعه، ص283.
4- (4) التهذیب، ج4، ص139، باب الزیادات، ح17.
5- (5) رجال الطوسی، ص365، أصحاب الامام الرضا (علیه السلام)، حرف میم، رقم 16، طبعة جماعة المدرسین.

الله، فیکون المستثنی متحققا، هذا إذا ارید الحلیة الظاهریة من العموم، و ان ارید الواقعیة فلا بد من الاستعانة بأصالة عدم السبب المخصص، ومعها لا حاجة للعموم المزبور(1).

وبأن استصحاب العدم لا یحرز موضوع العموم اذ قد یکون السبب المحلل عنوانا عدمیا کعدم حیازة الغیر(2).

وفیه: ان التقیید بمال الغیر خلاف الاطلاق و التطبیق لا شهادة فیه علی ذلک، للانطباق مع الاطلاق ایضا، مع انه تقدم التقریب فی الآیة ایضا.

وأما الجمع بین اصالة الحل فی الشق الاول من التردید و أصالة عدم سبب الحل فی الشق الثانی، فتهافت حیث أن الأصل العدمی حاکم أو وارد علی أصالة الحل، وإلا فحکم التصرف المجرد و المشکوک ان کان یستفاد من أصالة الحل فاستصحاب عموم الملک أو عدم السبب لا تترتب علیه الحرمة بناء علی التفکیک المزعوم فی المقام بین الحکم التکلیفی وتجرده عن الوضعی وملک الانتفاع.

وأما الإشکال الأخیر فهو خلاف الفرض من العلم بعدم بقاء الملک علی الإباحة الأصلیة و عدم فائدة الحیازة الجدیدة فبضمها مع أصالة عدم حیازة الغیر لا ینتج الملک الجدید، نعم ذلک فیما کان فی الشبهة البدویة فی المباح الاصلی.

هذا کله عند الدوران بین ملکه و ملک الغیر من غیر فرق بین ان

ص:232


1- (1) التنقیح فی شرح العروة، ج2، ص335، من موسوعة السید الخوئی تقریرات الشهید علی الغروی. وکذا دلیل العروة، ج1، ص303.
2- (2) بحوث فی شرح العروة، للشهید السید محمد باقر الصدر، ج2، ص216.

تکون حالته السابقة من المباحات الأصلیة أو من ملک شخص ثالث سابق أو توارد علیه ملکیته و ملکیة غیره فی زمانین مجهولین أو لم تکن له حالة سابقة، اذ قد عرفت عدم إنتاج أصالة عدم حیازة الغیر فی التملک بالحیازة الجدیدة بعد العلم بخروجه عن المباح الأصل فی الصورة الأولی.

نعم لا بأس بعموم آیة لا تأکلوا، و لا یحل مال امرئ، مع أصالة عدم الملک المنقحة للموضوع بناء علی التقریب السابق فیهما من عموم موضوعهما فی کل الصور لا خصوص الصورة الثانیة کما فی المتن وإلا لجرت أصالة الحل فی الجمیع بناءً علی مفادها عند المتأخرین.

وأما لو دار بین کونه مباحا أصلیا أو ملک الغیر بالحیازة فقد اتضح جریان أصالة عدم حیازة الغیر، و لو دار بین کونه ملکا له أو للغیر مع العلم بکونه للغیر فی السابق فاستصحاب البقاء لا کلام فیه.

ص:233

ص:234

قاعدة إخبار ذی الید

اشارة

ص:235

ص:236

من قواعد المعاملات إخبار ذی الید

کلمات الأصحاب:

ذهب المشهور کما عن مصباح الفقیه(1) واتفاقهم ظاهرا کما عن الحدائق(2) خلافاً للمحقق الخونساری(3) الی حجیة إخبار ذی الید بالنجاسه، و لا ینبغی الشک فی قبول خبره بذلک و بالتطهیر کالإباحة و الحظر ونحوهما من الأحکام المشترط فیها العلم عن کشف الغطاء، و تردد بعض متأخری المتأخرین فیه أو فی مدرکه.

والصحیح هو تعمیم کاشف الغطاء(قدس سره) للأحکام المتعلقة بالعین، کما ذهب الی ذلک المحقق الهمدانی(قدس سره)(4) من استقرار طریقة العقلاء

ص:237


1- (1) مصباح الفقیه، ج8، ص132.
2- (2) الحدائق، ج5، ص252، فقال (ظاهر الاصحاب بالاتفاق علی قبول قول المالک فی طهارة ثوبه وإنائه ونحوها ونجاستهما...)
3- (3) قال الخونساری کما حکاة الحدائق (واما قبول المالک عدلاً کان أو فاسقاً فلم نظفر له علی حجه.
4- (4) مصباح الفقیه، ج8، ص172، فقال (وعمدة المستند فی اعتبار قول ذی الید هی السیرة القطعیة واستقرار طریقة العقلاء علی استکشاف حال الاشیاء وتمییز موضوعاتها بالرجوع الی من کان مستولیاً علیها متصرفاً فیها).

القطعیة علی استکشاف حال الأشیاء و تمییز موضوعاتها بالرجوع الی من کان مستولیا علیها متصرفا فیها، و جعل البناء العقلائی المزبور منشأ و مدرکا و دلیلا علی قاعدة من ملک شیئا ملک الاقرار به لا العکس کما قد یتوهم(1).

أدلة دعواهما:

الأول: ما ورد مستفیضا من اعتبار سوق المسلمین وارضهم فی الکشف عن التذکیة، علی ما هو الصحیح کما ذکرنا- عند بحث القاعدة- من کون السوق و الأرض فردا من أفراد ید المسلم أو إمارة علی یده و استعماله، مع أنه بثبوت التذکیة تثبت الطهارة و الحلیة و غیرهما.

ووجه الدلالة: هو أن إماریة الید المزبورة لیست من مخترعات الشارع من ناحیة الموضوع بل الشارع امضی حجیتها، کما انها لیست من مخترعات عرف المتشرعة بما هم متشرعة و إلا لکان من مخترعات الشرع، بل بما هم عقلاء تطبیقا للکبری الارتکازیة المزبورة فی المورد، فما ورد من الروایات امضاء مع ترصیف وتهذیب لهذا البناء فی المورد.

الثانی: ما ورد مستفیضا من نفوذ اقرار صاحب الید لغیره بالعین، فانه من الاخبار لا الاقرار المصطلح اذ حدّ الثانی فی ما کان ضررا و هو مجرد عدم ملکیته للعین، و أما ثبوتها للغیر فمتمحض فی حجیة الاخبار ذی الید.

ودعوی: انه من مقتضی مالکیة الید، حیث ان لها مدالیل التزامیة منحلّة وهی عدم ملکیة فرد فرد من مصادیق غیر ذی الید، ومدلولاً

ص:238


1- (1) بحوث فی شرح العروة، ج2، ص103، للسید الشهید الصدر (قدس سره).

مطابقیاً وهو ملکیة ذی الید، فبالاقرار لزید یسقط المدلول المطابقی وخصوص المدلول الالتزامی فی مورد زید دون بقیة مصادیق غیر ذی الید، فیکون زید مدعیا بلا معارض، کما ان القاعدة المزبورة انما هی فی خصوص الاثر التحمیلی علی المقرّ لا فی مثل الطهارة والنجاسة.

ضعیفة: بما حرر فی محلّه من عدم اقتضاء مالکیة الید لذلک حیث انه بالاقرار تختل کاشفیة الید عن الملکیة، و بالتالی یختل الکشف عن المدلول الالتزامی وجودا، و بذلک یندفع کونه من مقتضیات نفوذ تصرفات المالک ذی الید باعتبار الاقرار المزبور نحو تصرف.

هذا فضلا عن سقوط حجیة المدلول الالتزامی فی مثل هذه الموارد مما کانت الدلالة علیه غیر مستقلة جدا فی اللب، مع أن دعوی زید لا تکون بلا معارض ولو سلم بقاء المدلول الالتزامی فی بقیة مصادیق غیر ذی الید، اذ وجود إمارة لدی أحد المتخاصمین لا تسقط دعوی الآخر ولا تسدّ باب الترافع لاقامة البینة.

وأما تخصیص القاعدة فی الاثر التحمیلی الضرری، فممنوع بل هی فی غیر الاثر المزبور کما تقدم اذ الضرر حدّ نفی ملکیة ذی الید لا ثبوت ملکیة الغیر، نعم قد یقال بتخصیصها بالاخبار الصادر ممن یقع الضرر علیه لا من مثل الوکیل والولی.

الثالث: ما ورد من اعتبار قول ذی الید فی ذهاب ثلثی العصیر(1).

کصحیح معاویة بن عمار (عن الرجل من أهل المعرفة بالحق یأتینی بالبختج و یقول: قد طبخ علی الثلث. و أنا أعرفه انه یشربه علی النصف،

ص:239


1- (1) الوسائل، ج25، ص294، ابواب الاشربه المحرمة، باب7.

فاشربه بقوله و هو یشربه علی النصف؟ فقال(علیه السلام): لا تشربه، قلت: فرجل من غیر أهل المعرفة ممن لا نعرفه انه یشربه علی الثلث، و لا یستحله علی النصف یخبر ان عنده بختجا علی الثلث قد ذهب ثلثاه و بقی ثلثه یشرب منه؟ قال(علیه السلام): نعم)(1).

وصدره لا ینافی ذلک بل دال علی اشتراط عدم التهمة، و لیس فی ذیله اشتراط الوثوق إذ لم یقل نعرفه بکذا، بل نفی معرفة موجباً التهمة، نعم فی عدة منها حصر الاعتبار بالمسلم أو المؤمن العارف أو بما اذا کان العصیر یخضب الدال علی کثرة غلیانه.

لکن بقرینة مثل الصحیح المتقدم یکون ظهور الشروط و العناوین المزبورة فی أخذ الوثاقة، بل من القوة بمکان ظهور الصحیح المزبور فی مجرد نفی موجب التهمة، اذ نفی معرفة دیدنه العملی علی غیر مفاد اخباره کما نفی بناءه الاعتقادی المخالف، و هو بمثابة أخذ عدم المظنة بالخلاف و هو القدر المتیقن من البناء العقلائی فی قول ذی الید.

الرابع: معتبرة عبدالله بن بکیر قال: (سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل اعار رجلا ثوبا فصلی فیه، و هو لا یصلی فیه قال: لا یعلمه، قال: قلت: فإن اعلمه قال: یعید)(2)، و الظاهر منها فرض الذیل فی عین المورد الذی هو فرض الصدر الی الاعلام حین الإعارة و الاعطاء لا بعد الاستعمال، و لا یخفی نکتة التعبیر بالعلم والاعلام عن الاخبار.

الخامس: روایة اسماعیل بن عیسی: قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن

ص:240


1- (1) المصدر، ح4.
2- (2) وسائل الشیعة، ج3، ص488، باب47 من أبواب النجاسات ح3.

جلود الفراء یشتریها الرجل فی سوق من اسواق الجبل، أیسأل عن ذکاته اذا کان البائع مسلما غیر عارف؟ قال: «علیکم أنتم أن تسألوا عنه اذا رأیتم المشرکین یبیعون ذلک، و اذا رأیتم یصلّون فیه فلا تسألوا عنه(1).

وموضع الاستشهاد صدره حیث أن الذیل من الطائفة الأولی المتقدمة، بتقریب أن الأمر بالسؤال فی فرض بیع المشرکین للجلد فی السوق دال علی حجیة الاخبار وإلا لکان لغوا، بل یمکن الاستظهار من الذیل کالصدر لا کالطائفة الأولی الواردة فی سوق المسلمین، لإرادة سوق الدیلم أو المنطقة الغربیة الجبلیة من ایران أو جبل الریّ من سوق الجبل و لم یکن الغلبة فیها للمسلمین.

ولا ینافیه ما فی بعض النسخ (الخیل) لأن سوقهم من أهل الجبل کما قیل، غایة الأمر یکون من حجیة فعل ذی الید، و بطریق أولی حجیة قوله.

والتفرقة: بینه و المقام حیث لا یکتفی بالفعل(2).

ضعیفة: بعد رجوع الموردین الی البناء العقلائی الواحد.

وقد یخدش الاستدلال بها: بأن السؤال کنایة عن الفحص لتحصیل العلم وبأنه فی مورد التذکیة لا الطهارة(3).

وفیه: أن (السؤال) فی الجواب هو (السؤال) المفروض فی سؤال الراوی وهو الاستخبار من البائع و الذی هو الدیدن العقلائی للاستعلام من ذی الید کما مرّ فی معتبرة ابن بکیر.

السادس: ما ورد فی متفرقات الابواب. من طهارة ما یؤخذ من ید

ص:241


1- (1) وسائل الشیعة، ج3، ص492، باب50 من أبواب النجاسات ح7.
2- (2) بحوث فی شرح العروة، للشهید الصدر، ج2، ص112.
3- (3) مستمسک العروة، للسید الحکیم، ج1، ص174.

المسلم(1)، مثل ما ورد فی الحجام انه مؤتمن علی تطهیر موضع الحجامة(2).

السابع: ما ورد من الأمر باعلام البائع للمشتری بنجاسة الدهن کی یستصبح به، بتقریب ما تقدم فی معتبرة ابن بکیر.

واشکل علیها: بأنه الأمر بالاعلام للخروج عن التدلیس والغش المحرم، أو لکون الغالب حصول الاطمینان من اخبار البائع برداءة المبیع و أن موردها من نمط الاقرار وهو غیر المقام.

ویرده: أن جعل الغایة استصباح المشتری ظاهر فی مفروغیة اعتبار الاخبار، و انه ایجاد للعلم و أعلام، وحصول الاطمینان فی الغالب فی الدیدن العقلائی من منشأ امارة ما هو معنی الإماریة النوعیة، و موردیة رداءة المبیع موجب لنفی حصول مظنة الخلاف والتهمة، وکونه من الاقرار المصطلح لا یخفی ضعفه ثم ان للبحث تتمة ذکرناه فی فصل طرق ثبوت النجاسة (من طهارة سند العروة، ج2.

تنبیهات قاعدة الید

الأول: عمومها لموارد الاستیلاء:

کما لو حصل بملک أو إعارة أو إجارة أو أمانة و یشهد له ما قدمناه من کون البناء علی استخبار حال الاشیاء و الأعیان من من هی تحت تصرفه لأخبریته فتعم الموارد، و کذا الأدلة الامضائیة کإخبار السوق و العصیر و غیرها.

ص:242


1- (1) الوسائل، ج3، باب50 من أبواب النجاسات ح1.
2- (2) المصدر، باب 56.

الثانی: عمومها لمورد الغصب:

تعمه القاعدة ما لم یکن المورد موجب للتهمة، اذ قد تقدم ان روایات العصیر المطبوخ ترشد الی اعتبار عدم التهمة فی اخبار ذی الید، و هو کذلک فی البناء العقلائی لغرض انتفاء الوثوق النوعی حینئذ المتحصل من الاخبریة المزبورة، ان جلّ الامارات العقلائیة منشأ اعتبارها عندهم هو ایجابها للوثوق النوعی.

الثالث: الحال فی اقرار الکافر:

یؤخذ بإقراره للغیر ما لم یکن موردا للتهمة، کما انه لا یخفی ان اشتراط عدم التهمة لیس اشتراطا لوثاقة ذی الید.

وقد یستدل لاعتبار اخبار ذی الید الکافر بروایة اسماعیل بن عیسی المذکورة فی قاعدة سوق المسلمین علیکم انتم ان تسألوا عنه اذا رأیتم المشرکین یبیعون ذلک للغویة السؤال مع عدم اعتبار الاخبار، الا انه قد تقدم ان مقتضی فرض السؤال فیها هو فی البائع المسلم غیر العارف، کما ان الذیل فیه فرض فیه صلاتهم.

کما انه قد یستدل للردع عن العمل باخباره بما ورد من التقیید فی أخبار ذی الید بالمسلم فی العصیر المطبوخ، و کذا ما ورد من عدم الاعتداد بقول الکافر فی تذکیة السمک، لکن فیهما نظر لکون کلا المورد موضع التهمة، حیث انه فی الاول یحتمل ان غرضه تناول المسلم العصیر و قبوله لهدیته أو لضیافته، و فی الثانی بیع السمک من المسلم هذا فلا بد من التثبت فی الموارد بلحاظ مظنة التهمة و نحوها مما یجهل الکافر جهات المخبر به.

ص:243

الرابع: عدم اعتبار کینونة العین فعلا تحت تصرف ذی الید:

کینونة العین فعلا تحت تصرف ذی الید غیر معتبرة ما دام مفاد اخباره انما هو عن الظرف الذی هو تحت تصرفه، لوحدة ملاک البناء العقلائی، و لما یستفاد من بعض أدلة الامضاء کروایات الأمر باعلام البائع للمشتری بنجاسة الدهن کی یستصبح به، وکذا روایات العصیر المطبوخ و الجلود المشتراة، حیث ان الاخبار هو بعد خروجها عن صاحب الید و هی شاملة لصورة ما اذا تمادت المدة الفاصلة بین خروج العین عنه و بین اخباره.

الخامس: هل یعتبر الإخبار بالنجاسة قبل الاستعمال:

ذهب العلامة فی التذکرة و صاحب الجواهر و جماعة الی انه یعتبر فی اخباره عن النجاسة أن یکون قبل الاستعمال و أما بعده فلا، و لعله لبنائه علی التعارض بین اخباره و قاعدة الفراغ فی الصورة الثانیة، لکن لو تمّ هذا التعارض فیما مضی من الاعمال فلا یتم فیما یأتی منها، و لعل مقتضی التقیّد بحرفیة القبلیة والبعدیة هو ذلک، لکن الظاهر هو ارادة تحدید الغایة و انقطاع الحجیة بالاستعمال، وعلی أیة حال الصحیح هو التعمیم لما فی اطلاق بعض أدلة الامضاء المشار الیها فی المسألة السابقة.

وقد یستدل له بمعتبرة ابن بکیر عن رجل اعار رجلا ثوبا فصلی فیه، وهو لا یصلی فیه قلت فان اعلمه قال(علیه السلام): یعید، باستظهار ان الاخبار و الاعلام هو بعد الاستعمال، لکن الصحیح ما قربناه فی حجیة اخبار ذی الید من کون الظاهر منها أن فرض الذیل هو عین المورد الاول أی الاعلام حین الاعارة و الاعطاء لا بعد الاستعمال، مضافا الی ان النجاسة المجهولة

ص:244

غیر مبطلة.

نعم لو کان مستند الحجیة لاخبار ذی الید منحصراً فی قاعدة اقرار صاحب الید لغیره بالعین لکان للتقیید بصورة ما قبل الاستعمال وجه، حیث ان الحجیة فیها محدودة بالید الفعلیة، و أما المعارضة المزبورة فلا مجال لها بعد کون الاخبار امارة لفظیة و کون قاعدة الفراغ امارة فعلیة أی ناشئة من الفعل، لتقدم اللفظیة علی الافعالیة.

هذا کله فیما کان ظرف مفاد الاخبار فی مدة فعلیة یده السابقة، ویحتمل ضعیفا ان تفصیل العلامة (قدس سره) هو بلحاظ ظرف المفاد.

السادس: هل یشترط استقلالیة الید لاجراء القاعدة:

الظاهر عدم الفرق بین کون الید مستقلة أو مشترکة بعد وقوع العین تحت التصرف بعموم الأدلة، نعم لو شک فی طروّ التطهیر أو التنجیس من ذی الید الآخر، لا بد من ضمّ الاستصحاب لبقاء الحکم السابق الثابت باخبار الید الاولی.

السابع: شرطیة البلوغ فی اجراء القاعدة:

فی عموم جلّ الأدلة السابقة للصبی الممیز تأمل ظاهر عدا السیرة العقلائیة، نعم بناءا علی سلب عبارة الصبی کما هو منسوب الی المشهور فلا اعتداد باخباره مع یده، و البحث مطرد فی مطلق الاخبار فی الامارات والشهادات ما لم یأت دلیل مقید کالعدالة بناء علی عدم تصورها فی الصبی.

ص:245

ص:246

قاعدة فی إقرار أحد الشرکاء بحق مشاع أو معیّن

اشارة

ص:247

ص:248

من قواعد باب الشرکة فی إقرار أحد الشرکاء بحق مشاع أو معیّن

اشارة

وأمثلة القاعدة کثیرة لا تنحصر فی الأمثلة التی ذکرها بعض المتاخرین کالسید الیزدی فی العروة (مسالة 85) من الحج. إذ قد یفرض شرکاء فی عین ومال یقرّ أحدهم بأنّهم قد باعوا مقدارا من المال بنحو الکلّی فی المعین أو المشاع لمشترٍ ما.

وقد یفرض بأن یقرّ أحد الورثة بخمس أو زکاة وغیرها من الصور.

والجامع بینها ما ذکرناه فی عنوان القاعدة إذ قد یکون الإقرار بملک أو بحقّ وکل منهما أمّا بنحو الإشاعة أو کلّی فی المعین وقد ذهب المشهور أنّ المقرّ فی کلّ تلک الصور إنّما یلتزم بالنسبة أی بنسبة مال المقرّ من ملک فی المجموع.

ومستند المشهور فی ذلک أخبار سیأتی التعرّض إلیها مفصّلا إلّا أنّ الکلام یقع فی ما هو مقتضی القاعدة إمّا لأجل أنّه لو کان مفادها علی خلاف مفاد الأخبار فاللازم الاقتصار علی موارد النصّ دون بقیّة الموارد.

وإمّا لأجل أنّ الأخبار غیر تامّة دلالة أو سندا.

فیقع الکلام فی القاعدة من جهتین:

ص:249

الجهة الاولی: فی مقتضی القاعدة:

اشارة

فقد یقرب أنّ مقتضاها فیما إذا أقرّ أحد الشرکاء فی الإرث أو غیره بالدین و هو مثال الإقرار بالملک أو الحقّ بنحو الکلّی فی المعیّن أنّه یجب علی المقرّ إعطاء تمام الدین من سهمه لأنّ المفروض أنّ الدین مقدّم علی الإرث فی الأدلّة و کذلک الملک بنحو الکلّی فی المعیّن فإذا ورد تلف أو غصب علی المال فإنّ درکه یکون علی الورثة دون الدین بالإجماع و کذلک فی الأمثلة الاخری کمال المشاع بین شرکاء إذا ورد تلف فإنّه لا یرد بنقص علی من له معهم ملک بنحو الکلّی فی المعیّن، کما لو افترضنا أنّ مشتریاً اشتری منهم صاعا من صبرة فکذلک الحال فی المقام حیث إنّ إنکار بقیّة الورثة غایته أن یکون کالغصب أو التلف فلا یرد علی الدین کما هو مقتضی الکلّی فی المعیّن.

ولک أن تقول إنّ عموم تقدّم الدین والوصیة علی الإرث یقتضی تقدیمه علی إرث الوارث المقرّ به.

وبعبارة ثالثة: أنّ وظیفة المقرّ الواقعیة هی إخراج الدین أوّلا ثمّ أخذ ما بقی إرثا إنّ بقی شیء غایة الأمر یکون الورثة المنکرون قد غصبوا من سهم المقرّ من الإرث.

وکذلک الحال فیما کان الإقرار لوارث أو شریک وأنکر ذلک بقیّة الورثة أو الشرکاء فإنّ مقتضی الإقرار کون ما بید المقرّ شرکة مشاعة بینه وبین المقرّ له من الوارث والشریک. وأنّ القسمة التی وقعت والفرز للأسهم باطلة لأنّها إنّما تصحّ برضی جمیع الشرکاء والفرض أنّ المقرّ له لم یأذن بذلک فیکون ما بید المقرّ مالا مشترکا لم یقسم بعد وهذا تقریب رابع لمقتضی القاعدة.

ص:250

قول آخر فی مقتضی القاعدة:

هذا وقیل إنّ مقتضی القاعدة فی هذه الموارد إلزام المقرّ بنسبة ماله من ملک فی المال المشترک.

ویقرّب ذلک بوجوه:

الوجه الأوّل: إنّ وجوب أداء الدین أو حقّ الوارث لیس وجوبه کلّه متوجّها للمقرّ فالدین مثلا لیس وجوب إخراجه من الترکة متوجّها إلی کلّ واحد من الورثة علی نحو الاستقلال الاستغراقی أو البدلی بل الوجوب فیه مجموعی موزّع بالنسبة.

نعم الواجب المجموعی تارة یکون ارتباطیاً بحیث یسقط عن البعض بعصیان البعض الآخر و قد یکون استقلالیا لا یسقط عن البعض بترک البعض الآخر. وکذلک الحال فی الإرث.

وفیه: أنّ ذلک و إن کان محتملا ثبوتا إلّا أنّ عمومات من بعد وصیة أو دین و قوله(علیه السلام): (لیس للورثة شیءٌ حتی یؤدّوا) هو خلاف ذلک فهو من قبیل الواجب الکفائی والبدلی. و هو مقتضی الکلّی فی المعیّن کما أنّ مقتضی الإشاعة کذلک هو المشارکة فی کلّ جزء جزء.

الوجه الثانی: أن یقال فی خصوص الإقرار فی المشاع کما فی الإقرار بالوارث دون الکلّی فی المعیّن أنّ ما بید المقرّ حیث إنّه مشترک بینه وبین المقرّ له وبین المنکرین فشطر ممّا بیده له و شطر ممّا بیده للمقرّ له و شطر ممّا بیده للمنکرین فللمقرّ له أن یأخذ شطرا ممّا بید المقرّ بالنسبة وللمقرّ أن یأخذ شطره و شطر المنکرین مقاصة لأنّ ما بید المنکرین أیضا یشطر إلی ثلاثة أشطار فشطر منه یعود إلی المقر.

وفیه: أنّ التشطیر ان کان بمعنی القسمة فالمفترض أنّها باطلة لعدم

ص:251

الإذن من المقرّ له لأنّه أحد الشرکاء.

وإن لم یکن بمعنی القسمة فالمال مشترک مشاع فلیس المقرّ أولی من المقرّ له به.

الوجه الثالث: إنّ الإقرار بالدین أو الوارث ونحو ذلک من الکلّی فی المعیّن أو المشاع لا یثبت تمام الدین ولا تمام إرث الوارث المقرّ له وإنّما یثبته بنسبة ما للمقرّ من ملکیة مع بقیّة الورثة أو الشرکاء لأنّ إقراره غیر نافذ علی الآخرین وإنّما ینفذ علی نفسه أی بحسب ماله من نسبة فی المال فصورة إقرار المقرّ وإن کان بتمام الدین إلّا أنّ الدین حیث یفترض فیه تعلّقه بتمام الترکة أی یتعلّق بکلّ المال فإنّه لا ینفذ فی حصص الآخرین بل ینفذ بنسبة ما للمقرّ من حصّة.

وفیه: أنّ اللازم أوّلا تنقیح وظیفة المقرّ بحسب الواقع بغضّ النظر عن الإقرار و من ثمّة یتنقح مقدار ما یثبته الاقرار ویلزم بذلک المقرّ، والمفروض أنّ وظیفة المقرّ بحسب الواقع بمقتضی عمومات من وصیّة أو دین هو إخراج الدین بتمامه لأنّه مقتضی بعدیة الإرث وهو مقتضی الکلّی فی المعیّن وکذلک مقتضی إشاعة الإرث فیما لو أقرّ بوارث آخر والإقرار یلزم المقرّ بحسب وظیفته التی أقرّ بها فاللازم کون مقتضی القاعدة هو القول الأوّل لا الثانی.

والتحقیق:

أنّ مقتضی القاعدة هو القول الثانی دون الأوّل وهو ما ذهب إلیه المشهور.

بیان ذلک:

أنّ القسمة وإن کانت باطلة والدین والکلّی فی المعیّن وإن کانا

ص:252

متقدّمین علی الملکیة المشاعة إلّا أنّ إنکار بقیّة الورثة أو الشرکاء الذی هو بمنزلة التلف أو الغصب لیس عین التلف والغصب لأنّهما ضرر وخسارة ترد علی المال بجملته فتردّ علی الملک المشاع دون الکلّی فی المعیّن وهذا بخلاف إنکار المنکرین فإنّه غصبا وتلفا وضررا أو خسارة لا تردّ علی المال بجملته ولا علی نسبة مقدار ما یملک المقرّ فی المال وإنّما یرد هذا الضرر والغصب علی خصوص الدین أو علی إرث الوارث المقرّ له وهذا ممّا یشترک فیه الکلّی فی المعیّن والکلّی المشاع.

وبعبارة اخری: أنّ مجموع المال وإن لم تقع فیه القسمة إلّا أنّ مقدار مال المقرّ حیث أنّ المفروض ثبوته وعدم تعدّی أحد علیه بخلاف مال المقرّ له فإنّ إنکار بقیّة الشرکاء عدوانا علیه ولیس من الواجب علی المقرّ أن یتحمّل الضرر المتوجّه بالخصوص علی المقرّ له ولیس مقتضی بعدیة الإرث للدین هو تنزیل الضرر المتوجّه للدین بخصوصه وتوجیهه إلی الإرث.

ولک أن تسمّی ذلک الضرر المتوجّه إلی المقرّ له بالتلف الحکمی.

الجهة الثانیة: فی الأخبار الواردة:

وعمدتها موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی رجل مات فأقرّ ورثته لرجل بدین قال: یلزم ذلک فی حصّته(1).

وخبر أبی البختری وهب بن وهب عن جعفر بن محمّد عن أبیه(علیه السلام) قال: قضی علی(علیه السلام) فی رجل مات و ترک ورثة فأقرّ أحد الورثة بدین علی أبیه أنّه یلزم (یلزمه) ذلک فی حصّته بقدر ما ورث، و لا یکون ذلک فی ماله کلّه و إن أقرّ اثنان من الورثة و کانا عدلین اجیز ذلک علی

ص:253


1- (1) وسائل الشیعة، ج19، ص324، باب26، من ابواب الوصایا، ح3.

الورثة و إن لم یکونا عدلین الزما فی (من) حصّتهما بقدر ما ورثا و کذلک إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو اخت إنّما یلزمه فی حصّته)(1).

وظاهر الروایة الاولی: قابل للانطباق علی کل من قول المشهور والقول الآخر. وقد یقال بانطباقه علی القول الآخر بظهور عبارة یلزمه فی لزوم الدین کله لعود الضمیر إلی تمام الدین لا لبعضه.

وأمّا ظاهر الروایة الثانیة فقوله(علیه السلام): (بقدر ما ورث) استظهر منه الشیخ إرادة الکسر أو النسبة أی بنسبة ما ورث أی یلزمه من الدین بنسبة ماله من الإرث.

وقوله: (ولا یکون فی ماله کلّه ...) أی لا یکون من ماله الذی ورثه کلّه یمکن تضعیف هذا الاستظهار بأنّ الدین إذا کان مستوعبا أو زاد علی الترکة فلا مجال لتقدیر النسبة إذ یلزمه حینئذ دفع تمام ما ورث ومن ثمّة یمکن حمل قوله(علیه السلام) علی أنّه یلزم الوارث الدین فی حصّته لا فی حصص البقیة بالقدر الذی ورثه أی ما ورثه لا فی بقیّة أموال الوارث أو بعود الضمیر فی ماله إلی المیّت أی لا یکون فی مجموع الترکة و یعضد هذا الاحتمال ما فی ذیل الروایة من فرض إقرار اثنین من الورثة بالتفاصیل بین کونهما عدلین أو غیرهما ممّا هو مسوق لبیان متی یلزم الجمیع ومتی لایلزمهم.

و لکن الانصاف أنّ الاحتمال الأوّل أظهر و علی فرض الإجمال فالاحتمال الأوّل مطابق لمفاد القاعدة.

وروایة الفضل بن یسار قال: أبو جعفر(علیه السلام) فی رجل مات و ترک

ص:254


1- (1) المصدر، ح5.

امرأته وعصبته و ترک ألف درهم فأقامت المرأة البیّنة علی خمسمائة درهم، فأخذتها وأخذت میراثها ثمّ إنّ رجلا ادّعی علیه ألف درهم ولم یکن له بیّنة فأقرّت له المرأة فقال أبو جعفر(علیه السلام) (أقرّت بذهاب ثلث مالها ولا میراث لها تأخذ المرأة ثلثی الخمسمائة وتردّ علیه ما بقی لأنّ إقرارها علی نفسها بمنزلة البیّنة)(1).

ودلالة هذه الروایة نصّ علی ما ذهب إلیه المشهور، حیث إنّ فرض الروایة کون الزوجة (المرأة) وارثة مع عصبة المیّت.

مع فرض أنّ المرأة دینها بمقدار نصف الترکة، ثمّ إنّها أقرّت بدائن دینه بمقدار الترکة کلّها فإنّ مقتضی إقرارها أن لا ترث ولا یرث العصبة وتقسّم الترکة ثلثاها للمقرّ له وثلث لدینها فحینئذ یکون للمرأة ثلاثمائة وکسر وللمقرّ ستمائة وکسر إلّا أنّ المرأة إنّما تعطی المقرّ له ما زاد علی قدر ما تأخذه بالنسبة وهو مساوی ثلثی الخمسمائة.

تتمتان:

الأولی: إنّ ما تقدّم من اشتراک الکلّی فی المعیّن و الکلّی المشاع فی صورة الإقرار بهما من أحد الورثة أو الشرکاء و إنکار البقیّة من کون التلف حکمیا یرد علی خصوص الکلّی مطلقا المقرّ به لا ینافی افتراق الکلّی المعیّن والمشاع المقرّ بهما من جهة اخری وهی أنّ نسبة ما للدائن الکلّی فی المعیّن فی ما ورث المقرّ وإن کانت بنسبة ما ورث المقرّ إلّا أنّ هذا التعلّق للدین فی حصّة المقرّ یظلّ کلّیا فی المعیّن وإن لم یکن تمام الکلّی بل نسبة منه وکذا الحال فیما إذا کان المقرّ له وارثا آخر فإنّ نسبة ما للوارث الآخر فی حصّته المقرّ کلّی

ص:255


1- (1) المصدر، ح9.

مشاع وإن لم یکن تمام الکلّی فلو ورد تلف جدید علی حصّة المقرّ و ما بیده لو فرضنا أنّ التحاص والقسمة واقعة فإنّ هذا التلف المزبور لا یرد علی الکلّی فی المعیّن فی الصورة الأولی ولکنه یرد علی الکلی المشاع فی الصورة الثانیة ومنه یظهر أن صاحب العروة وتنزیله للإقرار بالدین منزلة الإقرار بالإرث مطلقا غیر تامّ.

الثانیة: وممّا تقدّم یتّضح الحال فیما لو کان الإقرار بالحجّ کان ما یجب علی الوارث المقرّ دفعه هو ما یخصّ حصّته بعد التوزیع.

وحینئذ فإن لم یف ذلک بالحجّ کما هو المفروض ولو المیقاتی فاللازم حفظه مع رجاء إقرار الورثة أو وجدان متبرّع لأنّ تعلّق الحجّ بذلک المقدار کحقّ ولا یسقط حینئذٍ بل لو یأس من ذلک فاللازم احتیاطا إعطاؤه لولی المیّت نظیر بقیّة الحقوق المالیة المتعلّقة بالمال.

ص:256

قاعدة تقدیم حق الناس علی حق الله

اشارة

ص:257

ص:258

من القواعد الحقوقیة العامة تقدیم حق الناس علی حق الله

اشارة

قد قیل بتقدیم الدین علی الحجّ الواجب(1) بمقتضی قاعدة تقدیم حقّ الناس علی حقّ الله، المنسوبة إلی المشهور، وقیل بالتخییر(2) لعدم ثبوت القاعدة بعد احتمال الأهمّیة فی کلّ من الطرفین فلا بدّ من البحث فی مقامین:

أوّلا: بحسب مقتضی القاعدة المدّعاة أو بحسب الأصل العملی.

ثانیا: بحسب الروایات الخاصّة.

أمّا الکلام بحسب قاعدة تقدیم حقّ الناس علی حقّ الله فقد عرفت نسبتها إلی المشهور، بل قیل إنّها من مرتکزات المتشرّعة، ولذا قیل بالتسالم علی عدم وجوب الحجّ و الصلاة أو الصوم إذا توقّف علی التصرّف فی مال الغیر کما ذکروا ذلک عند التوسّط فی دار غصبیة و لا یخدش فی دلالة هذا التسالم علی المطلوب وبالتسالم علی عدم وجوب أداء الزکاة أو الکفّارات أو

ص:259


1- (1) کما ذهب الی ذلک العلامة فی المنتهی، ج2، ص652، والشهید فی الدروس، ج1، ص310، وغیرهما.
2- (2) کما اشارة النراقی فی المستند، ج11، ص43.

الخمس إذا توقّفت علی ذلک لأنّ هذه الأمور الثلاثة لیست من حقّ الناس ابتداءً بل هی متفرّعة علی الحکم الشرعی بخلاف ما هو مورد البحث فإنّه فیما یتفرّع الحکم الشرعی علی حقّ الناس.

الاستدلالّ لهذه القاعدة بالروایات:

الطائفة الاولی: الروایات الواردة فی الکبائر(1) فإنّ فیها تعداد حقوق الناس من الکبائر فی مصاف الشرک أکثر من بقیّة الذنوب فلاحظ.

الثانیة: ما رواه الصدوق(2) باسناده فی عیون أخبار الرضا(3) - عن الرضا عن آبائه(علیهم السلام) - قال: (قال رسول الله صلی الله علیه و آله إنّ الله عزّ و جلّ غافر کلّ ذنب إلّا من أحدث دینا أو اغتصب أجیرا أجره أو رجل باع حرّا).

الثالثة: روایة سعد بن طریف عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: (الظلم ثلاثة: ظلم یغفره الله، و ظلم لا یغفره الله، و ظلم لا یدعه الله؛ فأمّا الظلم الذی لا یغفره فالشرک، و أمّا الظلم الذی یغفره فظلم الرجل نفسه فیما بینه و بین الله، و أمّا الظلم الذی لا یدعه فالمداینة بین العباد)(4).

و رویت فی نهج البلاغة(5) عن علیّ(علیه السلام) ونظیرها مصحّحة أبی عبید الحذّاء(6) قال: قال أبو جعفر(علیه السلام): قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من

ص:260


1- (1) الوسائل، باب 46، من ابواب جهاد النفس.
2- (2) وسائل الشیعة، ج16، ص55. طبعة آل البیت.
3- (3) عیون اخبار، الرضا (علیه السلام) ، ج2، ص33.
4- (4) وسائل الشیعة، ج16، ص53، باب78 ابواب جهاد النفس، ح1.
5- (5) نهج البلاغة، الخطبة 176.
6- (6) الوسائل، ج16، باب78، ح6.

اقتطع مال مؤمن غصبا بغیر حقّه (حلّه)(1) لم یزل الله معرضا عنه ماقتا لأعماله التی یعملها من البرّ و الخیر لا یثبتها فی حسناته حتَّی یتوب و یردّ المال الذی أخذه إلی صاحبه.

الرابعة: روایة دعائم الإسلام(2) روینا عن جعفر بن محمّد (علیه السلام) لام أنّ رجلا أتاه فقال:

أبی شیخ کبیر لم یحجّ فاجهّز رجلا یحجّ عنه؟ فقال: نعم إنّ امرأة من خثعم سألت رسول الله صلی الله علیه و آله أن تحجّ عن أبیها لأنّه شیخ کبیر فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : نعم فافعلی إنّه لو کان علی أبیک دین فقضیته عنه أجزأه ذلک.

ومثلها الروایة الثالثة فی نفس الباب إلّا أنّها مذیّلة بقوله: (فدین الله أحقّ)، و لکن قد یتنظّر فی دلالة هذه الروایات علی أهمّیة حقّ الناس علی حقّ الله حیث أنّ الطائفة الاولی لیست متعرّضة لعموم حقّ الناس بل لموارد خاصّة منه، بل هی متعرّضة أیضا لبیان أن بعض حقوق الله هو بدرجة من الأهمّیة یفوق بعضه حقوق الناس ویساوی بعضه الآخر بعض حقوق الناس المذکورة فی الروایة وبعبارة اخری، ظاهر أدلّة الکبائر أنّ ملاک کلّ حکم بحسبه من الأهمّیة بغضّ النظر عن کونه من حقوق الله أو حقوق الناس و لذا ذکر فیها بعض حقوق الله وبعض حقوق الناس و بترتیب خاصّ فهی دالّة علی أنّ مقتضی القاعدة فی تزاحم الحقّین إتباع أهمّیة الملاک لاجهة اخری.

ص:261


1- (1) فی نسخة عقاب الاعمال.
2- (2) دعائم الاسلام، ج1، ص336.

وأمّا الروایة الثانیة فمضافا إلی عدم ذکر عموم حقوق الناس بل خصوص بعضها - وإن کان قد یقال إن غصب الأجیر أجره کنایة عن مطلق المال - أنّ عدم الغفران هو لما یشترط فی غفران التوبة و هی یشترط فیها فی حقوق الناس ردّ حقوقهم ورضاهم، فلیست هی فی صدد بیان أهمّیة ملاک حقوق الناس کما فی الشرک، بل لبیان إناطة الغفران برضا الغیر کما هو صریح مفاد الروایة الثالثة أیضا.

مع أنّه قد وردت فی خصوص بعض أعمال البرّ أنّ الله عزّ و جلّ یرضی خصوم العامل بذلک البرّ یوم القیامة، فتأمّل.

وأمّا الرابعة فهی قد تقرب بأنّ المشبه به أقوی من المشبه و لکن ما فی بعض الطرق من مضمون هذه الروایة فی ذیلها انّ دین الله أحقّ بالقضاء فإنّها بصدد بیان إخراج حجّة الإسلام من أصل الترکة کما فی الدیون المالیة لا من الثلث، لا فی صدد بیان أهمیة ملاک الدیون. مع أنّ التعبیر ب--(أحقّ بالقضاء) وإن فسّر بغیر مقام المزاحمة مع دیون الناس بمعنی أنّه کما تقضی دیون الناس فکذلک دیون الله هی تقضی بل هی أولی بأن تقضی. إلّا أنّه لا یخلو من دلالة أیضا عل الترجیح فی مقام المزاحمة.

فتحصّل: أنّ المدار فی التقدیم هو علی أهمّیة الملاک کما هو مقتضی القاعدة الأوّلیة و کما دلّت علیه طائفة روایات الکبائر. نعم لو فرض فی مورد العلم بتساوی الملاکین حینئذ قد یقال بترجیح حقّ الناس بمقتضی أنّه لا یترک و لعموم أدلّة حرمة حقوقهم. لاسیّما مع ما ثبت فی بعض الموارد من أنّ الحرمة التکلیفیة لحقوقهم وإن ارتفعت بالمزاحم الأهمّ إلّا أنّ الحرمة الوضعیة باقیة کما فی أخذ المشرف علی الهلاک فی وقت المجاعة من مال غیره و مع الالتفات إلی أنّ التصرّف فی حقوقهم یحتاج إلی جعل

ص:262

الولایة و قد لا یتکلّفها مجرّد فرض التزاحم. ولعلّ إلی هذا الوجه الأخیر نظر المشهور فیما نسب إلیه من تقدیم حقوق الناس عموما و لا یخلو من قوّة فیما سوی الموارد التی یبلغ فیها حقّ الله درجة من الأهمّیة یعلم بعدم رفع الشارع یده عنها ولو بالابتلاء بالمزاحم.

فالنکتة هی أنّ مجرّد المزاحمة لا یسوّغ التصرّف فی حقوق الغیر لتوقّفه علی الولایة أو الإذن الشرعی الخاص. نظیر ما ورد من أنّ التقیّة إنّما شرعت لتحقن بها الدماء فإذا بلغت الدم فلا تقیّة، حیث استفاد منها المشهور أنّه لو دار الاکراه من الظالم بین قتل نفسه و دم الغیر أنّه یحرم علیه دم الغیر لکون النفی هنا لمشروعیة التقیّة و مؤدّاه حرمة دم الغیر علیه و إن کانت نفسه فی معرض الهلکة. هذا مؤیّد - إن لم یکن شاهداً - لما أسلفنا من النکتة. فلاحظ ما ذکروه فی فروعات التقیة إذا استلزمت اتلاف مال الغیر أو عرضه و نحو ذلک من لزوم أن یکون الطرف المقابل هو حفظ نفسه و نحو ذلک. و کذا لاحظ ما ذکروه من فروعات کتاب المشترکات عند تعارض الضررین و تزاحم الحقوق بین الشخص وجاره، فإنّه نافع فی المقام.

فتحصّل: قوّة ما ینسب إلی المشهور فیما سوی حقوق الله التی ثبتت أهمّیتها بنحو لا یرفع الشارع الید عنها. هذا إذا لم یثبت قاعدة أنّ دین الله أحقّ بالقضاء، فتأمّل.

کما یمکن توجیه هذه القاعدة المسنوبة إلی المشهور بأنّ حقوق الله التی هی من التکالیف المحضة مقیّد تنجیزها عقلا بالقدرة و أمّا حقوق الناس فالمفاد الوضعی فیها غیر مقیّد بالقدرة کما أنّ المفاد التکلیفی فیها لایرتفع تنجیزه إلّا بالاضطرار المعیّن إلیه بدرجة تفوق فی الملاک و مع ذلک

ص:263

لا ینتفی الحکم الوضعی حین الاضطرار المعیّن.

وبالجملة فما علیه المشهور تامّ فیما عدا حقوق الله التی ثبت عدم رفع ید الشارع عنها ممّا کان علی درجة من أهمّیة الملاک العالیة.

ومن ثمّ یتّضح ما حکی من تسالمهم المتقدّم فی صدر القاعدة.

فحینئذ فی المقام إن ثبتت أهمّیة الحجّ بنحو لا یرفع الشارع یده فیکون من مستثنی القاعدة المزبورة. وإلّا فتحکّم القاعدة.

ولو غضضنا النظر عن تلک القاعدة فهل مقتضی القاعدة حینئذ التخییر أو تعیین أحدهما؟

قال فی المستمسک (1) : انّ توزیع الترکة علی الحجّ والدین بعد الوفاة یدلّ علی عدم الأهمّیة للدین و إلّا لزم تقدّم الدین علی الحجّ و فی بعض الحواشی الإشکال علی ذلک: بأنّ الدین و الحجّ لما تعلّقا - بعد الموت - بأعیان الترکة لم یبق لرعایة الأهمّیة موقع.

وفیه: أنّه إذا کان الدین أهم کان اللازم أن لا یتعلّق الحجّ بالترکة مع المزاحمة بالدین کما لم یتعلّق المیراث مع المزاحمة للوصیة و لا الوصیة مع المزاحمة للدین و لا الدین مع المزاحمة لتجهیز المیّت فتعلّق الحجّ و الدین معا مع المزاحمة یدلّ علی عدم أهمّیة الدین من الحجّ، انتهی.

أقول: فی ما استشکله (قدس سره) علی المحشی نظر، أنّه قد وقع الخلط بین علل الجعل وعلل المجعول والأهمّیة فی المقام الأوّل مع الأهمّیة فی المقام الثانی.

بیان ذلک: أنّ تأخّر الوصیة و الإرث من الدین لیس للأهمّیة فی باب

ص:264


1- (1) مستمسک العروة الوثقی، ج10، ص99.

التزاحم وهی الأهمّیة فی مقام المجعول بل لتقیّد الموضوع شرعا بعدم الدین فتأخّرهما من باب ورود الدین علیهما. غایة الأمر هو کاشف عن أهمّیة الدین فی علل الجعل؛ إذ لم یقیّد موضوعه الشرعی بشیء بخلاف الوصیة والإرث. و أین هذا ممّا نحن فیه من التزاحم و عدم ورود أحدهما علی الآخر. نعم لو بنی فی باب الوصیة والإرث علی عدم تقیّد موضوعهما بعدم الدین کما هو قول بعض، وأنّ للورثة أن یؤدّوا دین المیّت من أموالهم و یرثوا ترکة المیّت فلهم نحو حقّ فی الترکة مع فرض الدین. غایة الأمر حقّ الغرماء مقدّم علی حقّهم فی الأهمّیة کان استشهاد الماتن وإشکال المستمسک علی المحشی فی محلّه، ولعلّ الماتن یبنی علی الثانی وکذا المستمسک.

هذا ومن ثمّ یتّضح تمامیة إشکال المحشی علی الماتن علی القول الأوّل حیث إن الواجبین قبل الموت لم یتعلّقا بعین المال فتعیّن ملاحظة الأهمّیة إن کانت وإلّا فالتخییر، و أمّا بعد الموت فکلّ منهما قد تعلّق بالعین بنحو الشرکة و لا یلحظ فی المشاع المشترک الأهمّیة التی فی باب التزاحم؛ لأنّ سنخ التعلّق واحد فی الشرکاء وهو تعلّق حقّ مالی أو إضافة ملکیة.

وعلی أیّة حال فمقتضی القاعدة عند الشکّ حینئذ التخییر للشکّ أو التخییر للتساوی فی الأهمّیة.

أمّا الروایات الخاصّة:

فقد یستشهد لتقدیم الحجّ بما تقدّم من روایات فی الشقّ الأوّل من المسألة لاسیّما صحیحة أبی الصباح الکنانی الظاهرة فی طروّ الدین بعد استقرار الحجّ. لکن قد ینتظر فی دلالتها بأنّها فی مورد من یستطیع أداء

ص:265

الدین بعد الحجّ أو لتقدّم الحجّ زمانا فی فرض الروایة و هو مرجّح فی باب التزاحم عند بعض.

لکن الانصاف أنّه لا تخلو الصحیحة من دلالة حیث أنّ الظاهر فرض الراوی کون الدین معجّلا ومن ثمّ مانع ذهابه لأداء الحجّ وإن کان هو یقدر علی وفائه فیما بعد إذ لافرق فی التزاحم فی فرض المقام بین فرض الروایة وفرض عدم تمکّنه من الوفاء بعد الحجّ؛ إذ المراد منه أیضا عدم تمکّنه من الوفاء به إلّا بعد مدّة غیر معلومة لا القطع بعدم التمکّن إلی آخر العمر.

لاسیّما ما فی دلالة بقیّة الروایات من تعلیل تقدیم الحجّ بأنّه سبب لقضاء الدین فکأنّه جمع بین الأدائین ولو مع تأخیر أحدهما. وهی وإن کانت فی موارد الندب لکن دلالتها علی المقام بالأولویة.

إن قلت: لازم ذلک تقدیم الحجّ علی الدین حتَّی فی عام الاستطاعة ورفع الید عن الروایات المعارضة المقیّدة للحجّ بالوثوق بأداء الدین بعد الحجّ.

قلت: فرق بین الفرضین کالفرق بین الورود والتزاحم والروایة المعارضة واردة فی الفرض الأوّل، أی فی عام الاستطاعة، بینما صحیحة أبی الصباح واردة فی الثانی والروایات الاخری الموافقة لها فی المضمون عامّة یرفع الید عنها فی خصوص عام الاستطاعة للمعارضة دون مورد المزاحمة بعد الاستطاعة.

وعلی أیّة حال ففی الصحیحة کفایة وغنی.

فتحصّل: أنّ الحجّ نظرا للصحیحة المزبورة ولسان الوعید بالکفر فیها یکون المورد من مستثنیات قاعدة تقدیم حقوق الناس.

ص:266

قاعدة المیتة وعدم المذکی

اشارة

ص:267

ص:268

من قواعد باب الطهارة والأطعمة المیتة وعدم المذکی

الأقوال فی المسألة:

المعروف المشهور فی کلمات الأصحاب(1) أن المیتة اعم مما مات حتف انفه او قتل او ذبح علی غیر الوجه الشرعی ، والقول الآخر هو أنها مطلق ما زهقت روحه بسبب شرعی أم لا أی بمعنی الموتان المقابل للحیّ، وقد حکاه فی العوائد عن بعض المشایخ فی شرحه علی النافع(2)، والقول الثالث أنه خصوص ما مات حتف أنفه فی قبال الحیّ والمذبوح بسبب شرعی أو غیر شرعی(3).

وقد حکاه شارح نجاة العباد (قدس سره) عن بعض المشایخ المتأخرین، کما حکی السید البروجردی عن بعض اختیاره، ومال إلیه موضوعا لا حکما

ص:269


1- (1) قال صاحب عوائد الایام، ص600 (وهو الظاهر من کلام الاکثر والمستفاد من تتبع کلمات الفقهاء ..).
2- (2) عوائد الأیام، ص600، ولعل مراده من بعض المشایخ السید صاحب الریاض، ریاض المسائل، ج2، ص279.
3- (3) هذا القول ظاهر من شرح المفاتیح للشیخ البهبهانی (مخطوط) مفتاح78.

فی المذبوح بسبب غیر شرعی هذا ولاصحاب القول الأول ثلاثة تفاصیل یأتی ذکرها.

ثمرة الأقوال:

ولا یخفی ظهور الثمرة بین الأقوال فی الحکم الواقعی والظاهری عند الشک.

فعلی الأول الحرمة والنجاسة تشمل المیت حتف أنفه والمذبوح بسبب غیر شرعی دون المذکی بالسبب الشرعی، وعند الشک فی وقوع التذکیة لا یمکن التمسک بعموم نجاسة المیتة، کما أن الاصل العدمی ناف لموضوع النجاسة فتجری قاعدة الطهارة.

وأما علی الثانی فالحرمة والنجاسة کالاول إلا أن خروج المذکی حکمیّ لا موضوعی، أی بالتخصیص لا بالتخصص، وحینئذ یفترق عن الأول عند الشک فی امکان التمسک بعموم نجاسة المیتة باستصحاب عدم المخصص أی أصالة عدم التذکیة، کما أن مقتضی الأصل العملی هو النجاسة حیث أن الموضوع مرکب من المیت الذی زهقت روحه ولیس بمذکی أولم تقع علیه التذکیة.

وأما علی الثالث فالحرمة کالاولین، وأما النجاسة فخاصة بما مات حتف أنفه وأما المذبوح بسبب شرعی أو غیر شرعی کذلک الصید بسبب شرعی أو غیر شرعی فطاهر واقعا، وأما عند الشک فی الموت حتف الأنف فأصالة عدم الموت حتف الأنف الذی هو عنوان وجودی - سواء قلنا بأن الموت حرکة الروح الی الخارج أو انعدام وانفصال الروح عن البدن - نافیة لموضوع النجاسة فتجری قاعدة الطهارة.

ص:270

هذا فضلا عن الشک فی وقوع التذکیة الشرعیة مع العلم بأصل الذبح أو الصید فانه طاهر واقعا، ثم انه لا یخفی افتراق الأقوال فی المانعیة للصلاة من جهة عنوان المیتة سواء کان وجه المانعیة فیها هو النجاسة أم هو نفس العنوان وذات الموتان مطلقا، وسواء عند العلم أو الشک. هذا محصّل الفرق بین الأقوال.

فی المسألة مقامان:

اشارة

الأول: تحدید المیتة التی هی الموضوع من بین الاقوال الثلاثة.

الثانی: تحدید ماهیة عنوان المیتة بحسب الحکم الظاهری.

المقام الأول:

فیمکن الاستدلال للقول الثالث بتنصیص بعض اللغویین کالفیومی فی المصباح(1) علی اختصاص وضعه اللغوی بذلک، ولم یثبت تصرف من الشرع فی معناه بل توجد شواهد نقلیة عدیدة علی ابقاء المعنی اللغوی علی حاله فی الاستعمالات الشرعیة:

منها: قوله تعالی حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِیرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَیْرِ اللّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّیَةُ وَ النَّطِیحَةُ وَ ما أَکَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَکَّیْتُمْ وَ ما ذُبِحَ عَلَی النُّصُبِ (2)، حیث أنه قابل بینها وبین بقیة العناوین المحرمة وبین المذبوح علی النصب أیضا فما أهل لغیر الله به والمذبوح علی النصب یغایر المیتة، وکذا قوله تعالی إِنَّما حَرَّمَ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةَ ... وَ ما أُهِلَّ بِهِ

ص:271


1- (1) نقل عنه الطریحی، فی مجمع البحرین ، ج2، ص 221.
2- (2) سورة المائدة ، الآیة : 3.

لِغَیْرِ اللّهِ (1)، وقوله تعالی إِنَّما حَرَّمَ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةَ ... وَ ما أُهِلَّ لِغَیْرِ اللّهِ بِهِ (2).

ومنها: مصحح عبد العظیم الحسنی عن أبی جعفر محمد بن علی الرضا(علیه السلام) أنه قال: سألته عما أهل لغیر الله به فقال: ما ذبح لصنم أو وثن أو شجر، حرّم الله ذلک کما حرم المیتة والدم ولحم الخنزیر، فمن اضطر غیر باغ ولا عاد فلا اثم علیه ان یأکل المیتة(3) حیث یظهر جلیا تغایر عنوان المذبوح بسبب غیر شرعی والمیتة.

ونظیرها روایة العلل (وذکر اسمه علی الذبائح المحللة ولئلا یسوی بین ما یتقرب به الیه وبین ما جعل عبادة الشیاطین ... لیکون ذکر الله وتسمیته علی الذبیحة فرقا بین ما أحل الله وبین ما حرم الله)(4).

ومنها: روایة الاحتجاج عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی سبب تحریم المیتة قال: فالمیتة لم حرّمها؟ قال: (فرقا بینها وبین ما ذکر اسم الله علیه والمیتة قد جمد فیها الدم وتراجع الی بدنها فلحمها ثقیل غیر مریء لأنها یؤکل لحمها بدمها)(5)، وهی ناصّة علی تغایر المذبوح مطلقا مع المیت حتف أنفه من غیر اخراج لدمه.

ومنها: روایة أبی بصیر قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل یشتری اللحم من السوق وعنده من یذبح ویبیع من اخوانه فیتعمد الشراء

ص:272


1- (1) سورة البقرة، الآیة: 173.
2- (2) سورة النحل، الآیة: 115.
3- (3) وسائل الشیعة، ج24، ص212، باب55 من ابواب الاطعمة المحرمة، ح1.
4- (4) المصدر، ح2، وعلل الشرائع، ج2، ص481.
5- (5) وسائل الشیعة، ج24، ص103، باب1 من ابواب الاطعمة المحرمة، ح5. والاحتجاج، ج2، ص347.

من النصاب فقال: أی شیء تسألنی أن أقول؟ ما یأکل الا مثل المیتة والدم ولحم الخنزیر قلت: سبحان الله مثل الدم والمیتة ولحم الخنزیر؟ فقال: نعم وأعظم عند الله من ذلک ثم قال:

ان هذا فی قلبه علی المؤمنین مرض(1)، فإن التمثیل بالمیتة دال علی المغایرة بین عنوانها وعنوان المذکی بغیر شرائط التذکیة.

ومنها: مصحح أبان عن أبی جعفر(علیه السلام) أنه قال فی قول الله تعالی حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِیرِ الآیة قال: المیتة والدم ولحم الخنزیر معروف، وما أهل به لغیر الله، یعنی ما ذبح للأصنام، وأما المنخنقة فان المجوس کانوا لا یأکلون الذبائح ویأکلون المیتة وکانوا یخنقون ... والنطیحة کانوا ...(2)، الی آخر العناوین ما أکل السبع وما ذبح علی النصب وان تستقسموا بالأزلام.

ومنها: ما فی التفسیر المنسوب الی العسکری(علیه السلام) فی قوله عزّ وجلّ إِنَّما حَرَّمَ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةَ التی ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حیث اذن الله فیها .... و ما أهل به لغیر الله ما ذکر اسم غیر الله علیه من الذبائح ...(3).

وکذا ما ورد من أن ذبیحة الیهود ذبیحة لا تؤکل(4)، وغیر ذلک مما هو مضاد لعنوان المیتة، وغیرها من الروایات الشاهدة علی اختصاص عنوان المیتة فی الاستعمال الشرعی بما مات حتف أنفه.

ص:273


1- (1) المصدر، ج24، ص67، باب28 من الذبائح، ح4.
2- (2) وسائل الشیعة، ج24، ص39، باب19 من الذبائح، ح7.
3- (3) مستدرک الوسائل، ج16، ص141، باب17 من ابواب الذبائح1.
4- (4) وسائل الشیعة، ج24، ص56، باب27 من الذبائح 14.
والصحیح:

أن غایة ما تقدم یشهد علی ورود الاستعمال لعنوان المیتة فی المعنی الخاص، وأما کون موضوع الحکم فی أدلة النجاسة هو خصوص ذلک المعنی فممنوع، کما هو الحال فی موضوع الحرمة فی الآیة حیث أنه أوسع من المعنی الخاص.

کما یأتی نقل ما ورد فی الأجزاء المبانة من الحیّ انها میتة، وان ما قطعته الحبالة من الصید فهو میتة حرام، وغیر ذلک مما یدل علی أقل تقدیر علی الالحاق الحکمی لکل غیر مذکی بالشرائط الشرعیة، ویأتی أیضا ما یدل علی عدم الواسطة فی الواقع بین العنوانین کموثقة سماعة وروایة الصیقل وغیرهما، وان قلنا باختصاص الموضوع.

بل ان الروایة الأخیرة (روایة التفسیر) شاهدة علی استعمال المیتة بالمعنی الأول أی مطلق غیر المذکی بالشرائط کما یفیده (بلا ذباحة من حیث اذن الله فیها)، وکذا الحال فی روایة الاحتجاج المتقدمة حیث جعل فیها کل ما لم یذکر اسم الله علیه أی لم یستوف الشرائط میتة.

غایة الأمر أحد أفرادها ما مات حتف أنفه، وأما استعمال المیتة فی قبال بقیة العناوین المحرمة فقد یکون من باب ذکر الخاص بعد العام للتنبیه علی مصداقیته وخطأ حساباتهم المغایرة، وسیأتی تتمة الکلام فی الآیة، مما یشهد علی ذلک فی مفادها ..

کما أنه وردت استعمالات فی المعنی الأول کما فی مصحح محمد بن سنان عن الرضا (علیه السلام) فیما کتب الیه من جواب مسائله: وحرمت المیتة لما فیها من فساد الأبدان والآفة ولما أراد الله عزّ وجلّ أن یجعل تسمیته سببا

ص:274

للتعلیل وفرقا بین الحلال والحرام(1)، وهی صریحة فی أن کل ما فقد الشرائط میتة.

هذا مع تنصیص العدید من اللغویین علی المعنی الأول، وهوان لم یثبت کونه حقیقة لغویة فلا ریب فی اثباته للحقیقة الشرعیة أو المتشرعیة فی عهد صدور النص، بل من ما تقدم تقریبه فی مسألة الشک فی التذکیة من کون التذکیة حقیقة عرفیة ممضاة، یتضح أن المعنی الأول حقیقة لغویة وان کان المعنیان الآخران أیضا من معانی اللفظة لغة، کل ذلک مع تنصیص الشارع علی میتیة الموارد العدیدة من الذبیحة أو الصید غیر المستوفی لشرائط التذکیة بقوله انها میتة کما یأتی.

القول الثانی: فقد یقرّب بکون مادة العنوان هی التی فی لفظة الموتان المصدریة مقابل الحیاة وقد استعملت فی المعنی الثانی، کما فی الروایات الواردة فی السمک الذکی حیّه ومیّته وفی ماء البحر الحلّ میتته وفی ما لا نفس له میتته طاهرة، وغیرها من الموارد.

إلا أنه بعد ثبوت الاستعمال اللغوی السابق علی الشرع المقابل لعنوان المذکی - غایة الأمر قد قیّد الشارع کیفیة التذکیة کما هو الحال فی کل الممضیات - وبعد ترتب الحرمة علی کل ما لم یذک، یظهر بوضوح أن الاستعمال الوارد فی باب الطهارة والاطعمة هو بالمعنی الأول لا الآخرین وان کانا من معانی اللفظة.

وحینئذ یظهر الحال فی کون عنوان المیتة- سواء کان منشأه حرکة

ص:275


1- (1) وسائل الشیعة، ج24، ص102، باب1 من ابواب الاطعمة المحرمة، ح3.

الروح الی خارج البدن أی ما هو مضاد الحیاة أو انفصال الروح عن البدن أی عدم وملکة مع الحیاة - عنوانا وجودیا، وان کان من قبیل الفوت، فبحسب الحکم الواقعی لا مغایرة مع القول الأول.

المقام الثانی: تحدید المیتة فی الظاهر:

تحدید ماهیة عنوان المیتة علی القول الأول لیتضح الحال بحسب الحکم الظاهری عند الشک، ولا یخفی أنه انما یتم الافتراق بین الأقوال الثلاثة السابقة بحسب الحکم الظاهری أیضا، بناء علی أخذ عنوان المیتة موضوعا للنجاسة والحرمة والمانعیة للصلاة.

إلا أنه ادعی تارة أن النجاسة موضوعها بحسب الادلة عنوان المیتة وأما الحکمان الآخران فموضوعهما غیر المذکی وعدم التذکیة.

ادعی تارة اخری أن موضوع الأحکام الثلاثة هو غیر المذکی وعدم التذکیة حیث انهما مرادفات فی الشرع للمیتة.

وادعی ثالثة أن موضوع الأحکام الثلاثة المیتة غایة الأمر قد تم إلحاق غیر المذکی اجماعا ونصوصا بالمیتة سواء کان الإلحاق حکمیا أو موضوعیا.

والأول ذهب الیه المحقق النراقی وجماعة ونسب الی الشهید فی الذکری إلا أنه بملاحظة الذکری یظهر ذهابه الی الثالث، وأما الثانی فذهب الیه المحقق الهمدانی وجماعة، ونسب الی شیخنا الانصاری التمایل إلیه، والثالث ذهب الیه المشهور المحصل وهو الأقوی کما سیظهر.

ولا یخفی مقتضی الأصل العملی عند الشک فی الأحکام الثلاثة للشک فی الموضوع علی الوجوه الثلاثة، حیث انه علی الاول مقتضی الأصل العدمی الطهارة والحرمة والمانعیة وعلی الاخیرین هو النجاسة والحرمة والمانعیة.

ص:276

وجه القول الأول:

أما وجه الاول: فلظاهر لسان أدلة النجاسة المتقدمة المأخوذ فیها عنوان المیتة وهو عنوان وجودی وان لازم عدم التذکیة فی الواقع، وأما أخذ غیر المذکی فی الحکمین الآخرین فهو مفاد الآیة إِلاّ ما ذَکَّیْتُمْ (1) حیث جعل موضوع الحرمة فیها أعم من المیتة بل مطلق ما لم یذک.

ومفاد موثق ابن بکیر (فإن کان مما یؤکل لحمه فالصلاة فی وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وکل شیء منه جائز إذا علمت أنه ذکی قد ذکّاه الذبح)(2)، فإن مفهومها مانعیة ما لیس بمذکی، وکذا روایة علی بن أبی حمزة (لا تصل فیها (الفراء) إلا فی ما کان منه ذکیا)(3)، وکذا حسنة علی بن جعفر (لا یلبس ولا یصلی فیه إلا أن یکون ذکیا)(4).

وکذا صحیحة ابن الحجاج قال: سألته عن اللحاف (الخفاف) من الثعالب أو الجرز منه أیصلی فیها أم لا؟ قال: إن کان ذکیا فلا بأس به (5)، واشتماله علی المأخوذ من الثعالب غیر مضر بعد سلامة الکبری والصغری فی المأخوذ من الجرز وهی الحواصل الخوارزمیة.

وفیه: إن أخذ عنوان المیتة لا ینفی تنزیل عدم المذکی منزلة المیتة دلالة أو مدلولا وجعلا کما یأتی.

وأما مفاد الآیة الکریمة فلیس موضوعها عدم المذکی کما قد یستظهر

ص:277


1- (1) سورة المائدة، الآیة: 3.
2- (2) وسائل الشیعة، ج4، ص345، باب2 من ابواب لباس المصلی، ح1.
3- (3) المصدر، ح2.
4- (4) المصدر، باب4، ح6.
5- (5) المصدر، باب7، ح11.

بل الأقرب فی مفادها هی أخذ عنوان المیتة وذکر بقیة العناوین من باب التنبیه علی الخاص بعد العام، والوجه فیه وفی الاستثناء بالمذکی هو أن بقیة العناوین قابلة للانقسام الی کل من المیتة والمذکی، حیث أن المراد بها هو المشارف للموت من المنخنقة والموقوذة والمتردیة والنطیحة وما أکل السبع، فإن ادرکت ذکیت بالذکاة الشرعیة فتکون مذکاة، وإلا فهی میتة أولک أن تقول إن ماتت بتلک الأسباب فهی میتة وإلا فان ادرکت ذکاته فهو مذکی حلال.

ویشهد لذلک العدید من الروایات مثل صحیح زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: (کل کلّ شیء من الحیوان غیر الخنزیر والنطیحة والمتردیة وما أکل السبع، وهو قول الله عزّ وجلّ إِلاّ ما ذَکَّیْتُمْ فان ادرکت شیئا منها وعین تطرف، أو قائمة ترکض، أو ذنب یمصع فقد أدرکت ذکاته فکله، قال: وان ذبحت ذبیحة فأجدت الذبح فوقعت فی النار وفی الماء أومن فوق بیتک أو جبل إذا کنت قد أجدت الذبح فکل)(1).

حیث أن الصحیحة وان کانت فی معرض نفی شرطیة استقلال الذبح فی الموت سواء تقدم علیه سبب آخر أو تأخر، إلا أنها مبیّنة لمفاد الآیة وأن العناوین المذکورة فیها الحیوان الذی وقعت علیه تلک الأسباب ولکن حیاته مستقرة، فان لم تقع علیه التذکیة فهو میتة حرام وإلا ان وقعت علیه فهو مذکی حلال، وکذا غیرها من الروایات(2) المصرح فیها بنفس المضمون.

ص:278


1- (1) الوسائل، ج24، ص37، باب19 من ابواب الذبائح، ح1.
2- (2) المصدر، باب19.

ویشهد لذلک أیضا عطف وما ذبح علی النصب والذی هو حرام أیضا علی ما سبق بعد ذکر الاستثناء فی الآیة، إذ ان المفروض فیه وقوع الذبح للنصب أی لا یمکن ادراک ذکاته کی یتأتی التفصیل فیه بالاستثناء کما فی العناوین السابقة.

وبذلک یتم ما ذکره غیر واحد من کون مفاد الآیة الحکم علی غیر المذکی بأنه میتة من باب الإلحاق الموضوعی وهو الوجه الثالث، لا التصرف فی المعنی الذی هو مدعی الوجه الثانی وهو وجه الحصر فی قوله تعالی قُلْ لا أَجِدُ فِی ما أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّماً عَلی طاعِمٍ یَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ یَکُونَ مَیْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِیرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَیْرِ اللّهِ بِهِ (1)، لا أن الآیة الثانیة المکیة منسوخة بالأولی المدنیة أو مخصصة بل من باب التوسعة فی الموضوع والإلحاق، والحکومة فی الموضوع.

نعم قد یقال أنه لیس من باب الحکم بأنه میتة والحکومة فی الموضوع، بل من باب التنزیل فی الدلالة فی الجملة بلحاظ الحرمة لا بالجملة بلحاظ کل الآثار وسیأتی دفعه.

وأما المانعیة وأن مفاد الروایات هو أخذ عدم المذکی لا المیتة.

ففیه: إن ما ذکر من الروایات لو أرید الجمود علی ظاهره فمفادها شرطیة التذکیة لامانعیة العدم، غایة الأمر فی المأکول مما تحلّه الحیاة وإن لم یضرّ ذلک بأصالة عدم التذکیة، حیث انها تحرز عدم الشرط الموجب لعدم الاکتفاء بالعمل فی مقام الامتثال.

لکن یمنع عن الوقوف علی ظاهره أمور:

ص:279


1- (1) سورة الانعام، الآیة: 145.

الأول: کثرة ما ورد(1) مما اعتبر مانعیة المیتة للصلاة فی لباس أو معیة المصلی، بألسنة متعدد بنمط المفهوم أو المنطوق.

الثانی: التکلّف فی مفاد شرطیة التذکیة حیث أنها ترجع الی الشرطیة المعلقة المقدرة علی کون اللباس أو ما مع المصلی حیوانیا بخلاف المانعیة فانها مطلقة.

الثالث: أن ما ورد مما ظاهره الاشتراط لیس مفادا أصلیا فی الکلام، حیث أن عمدته موثقة ابن بکیر وبالتدبر فیها یظهر أن صدر الروایة هو المدلول الأصلی المجعول وما بعده تفریع علی الخلل بما اعتبر فی الصدر الذی جعلت فیه المانعیة لما لا یؤکل لحمه، فلیس مأکولیة لحم الحیوان شرطا کی یکون ما ظاهره الاشتراط فیه وهو التذکیة شرطا أیضا.

الرابع: أن المیتة حیث أن الأقوی ان جهة مانعیتها هی النجاسة لا الوجوه الأخری، کان ما ظاهره اشتراط التذکیة هو لرفع مانعیة النجاسة، حیث أن بعض انواع النجاسة قد اعتبر مانعا حتی فی ما مع المصلی کالمیتة وکما دون الدرهم من الدماء الثلاثة، إذ لیس ذلک من اعتبار الطهارة الخبثیة.

وجه القول الثانی:

وأما وجه الثانی: فقد یستدل علیه بعدّة روایات مضافا الی ما تقدم فی تقریب الآیة.

الأولی: موثقة سماعة الواردة فی جلود السباع (إذا رمیت وسمیت

ص:280


1- (1) الوسائل، ابواب النجاسات، باب34، 33، 49، 50، 48. وابواب لباس المصلی، باب1، وابواب الاطعمة المحرمة، باب33، وابواب الذبائح، باب30.

فانتفع بجلده وأما المیتة فلا)(1)، حیث أن الذیل المذکور فیه عنوان المیتة تفریع علی انتفاء التذکیة بالشرائط فالعنوان فی الذیل هوبیان لمفهوم الشرطیة فی الصدر.

الثانیة: مکاتبة الصیقل قال: کتبت الی الرضا(علیه السلام): انی أعمل اغماد السیوف من جلود الحمر المیتة فتصیب ثیابی فأصلی فیها؟ فکتب(علیه السلام) إلی: اتخذ ثوبا لصلاتک، فکتبت الی أبی جعفر الثانی(علیه السلام): انی کتبت الی أبیک(علیه السلام) بکذا وکذا، فصعب علیّ ذلک، فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشیة الذکیة، فکتب(علیه السلام) إلیّ: کل أعمال البر بالصبر یرحمک الله، فإن کان ما تعمل وحشیا ذکیا فلا بأس(2) فإن المفهوم هو ثبوت البأس وهو النجاسة إذا لم یکن ذکیا.

الثالثة: صحیح عبد الله بن جعفر المتقدم فی الصلاة ومعه الفأرة؟ فکتب(علیه السلام): (لا بأس به إذا کان ذکیا)(3) بناء علی تفسیر التذکیة بالمأخوذ من المذکی شرعا سواء رجع الضمیر الی الظبی أو الفأرة، حیث أن المنع منها علی التفسیر المزبور لا یکون إلا للنجاسة کما تقدم.

الرابعة: روایة علی بن أبی حمزة (قال(علیه السلام): ما الکیمخت؟ فقال: جلود دواب منه ما یکون ذکیا ومنه ما یکون میتة، فقال: ما علمت أنه میتة فلا تصل فیه)(4) ونظیره صحیح(5) ابن أبی نصر عن جبة فراء لا یدری أذکیة

ص:281


1- (1) الوسائل، ج3، ص489، باب49 من ابواب النجاسات، ح2.
2- (2) المصدر، باب49، ح1.
3- (3) الوسائل، ج4، ص433، باب41 من ابواب لباس المصلی، ح2.
4- (4) المصدر، ج3، ص491، باب50 من ابواب النجاسات، ح4.
5- (5) المصدر، ح3.

هی أم غیر ذکیة، أیصلی فیها؟ فقال(علیه السلام): نعم لیس علیکم المسألة)، وغیرها من الروایات المقابلة بین العنوانین بحیث یظهر منها أن المیتة هو ما لیس بمذکی.

وأشکل علی دلالتها:

أولا: بأن الحصر فی کثیر منها اضافی بالنسبة الی ما کان السائل یبتلی به مما کان دائرا بین ما مات حتف أنفه وما کان مذکی، والشاهد علی ذلک هو فرض السائل فیها ذلک خارجا من حیوانات الصید التی یدور أمرها بین ذلک(1).

ثانیا: ان ما یستظهر منها أخذ عدم التذکیة موضوعا للنجاسة انما هو بالمفهوم والدلالة الالتزامیة، وهو یحتمل الارشاد الی ما هو موضوع النجاسة فی الأدلة الاخری وهو عنوان المیتة، هذا مع أنه لا بد من رفع الید عن ظهورها فی موضوعیة عدم التذکیة للنجاسة علی فرض دلالتها نظرا الی کثرة ما دل علی أخذ عنوان المیتة(2).

وهو محل نظر:

أما الاول: فلانه غیر مستبعد عن محط فرض السائل ما اختلت فیه شرائط التذکیة إذ مع فرض کل من الأولین یکون وقوع الثالث محتملا جدا، لاسیما فی قوله(علیه السلام) (إذا رمیت وسمیت) مما هوظاهر فی اعتبار کل شرائط التذکیة، وانه بنقص بعضها فهو من العنوان المضاد، وکذا ما فرض فیها اختلاط المذکی بالمیت من جلود الحمر فان المیت قد یکون لاصطیاده

ص:282


1- (1) التنقیح، ج2، ص535.
2- (2) بحوث فی شرح العروة، ج3، ص120.

فی بلاد الکفر واجتلابه منها.

مع أن دعوی استعمال المیتة عند السائل فی خصوص ما مات حتف أنفه لازمه ذلک أیضا فی أدلة نجاسة المیتة، فیدعی ندرة ما اختلت فیه شرائط التذکیة وان المراد فیها ما مات حتف أنفه.

والغریب: ان القائل بأن الحصر فی المقام اضافی، قد استدل بصحیحة عبد الله بن جعفر فی فأرة المسک بمفهومها علی نجاسة المأخوذة من غیر المذکی الذی هو مفهوم المنطوق فیها، معللا ذلک أن وجه البأس فی غیر المذکی لیس إلا لنجاسته، هذا مع أنه(قدس سره) یجعل المیتة موضوع النجاسة فما ذکره فی فأرة المسک نحو إذعان بالقول الثانی أو الثالث.

وأما الثانی: فلانه لا بد من المناسبة بین عدم التذکیة وعنوان المیتة کی یمکن توسیط المفهوم فی الروایات الذی فی المنطوق - فی الارشاد الی عنوان المیتة، وهذه المناسبة أو الملازمة عند القائل بالمسلک الثانی هی تدلیل علی المرادفة بین العنوانین، ومنه یظهر اندفاع التنافی بین أخذ عدم التذکیة فیها وبین ظهور أکثر أدلة النجاسة فی موضوعیة المیتة.

هذا مع أن ما ذکر من الارشاد الی عنوان المیتة هو بعینه وارد فی دلیل الحرمة والمانعیة فالتفکیک فی الاستظهار تحکّم، لاسیما بعد ما تقدم من ضعف استظهار ذلک من الآیة والروایات.

لکن الصحیح: أن هذا المقدار من مفاد الروایات المستدل بها علی الوجه المزبور لا یستفاد منها أکثر من الملازمة بین عنوان عدم التذکیة وعنوان المیتة.

وأما التعبد بالحکومة التفسیریة أو نحو جعل للحقیقة الشرعیة فی المعنی فلا، إذ ذلک یحتاج الی مؤونة لفظیة مثل أعنی أو توسیط (هو) ونحوها، نعم هذه الملازمة ستتضح فائدتها فی الاستدلال علی القول الثالث.

ص:283

وجه القول الثالث:

أما وجه الثالث فأمور:

الاول: هو ما ورد من طوائف الروایات التی مفادها الحکم شرعا وتعبدا علی عدم المذکی بأنه میتة من باب الإلحاق الموضوعی والحکومة والتوسعة فی الموضوع فی الجعل لا فی الدلالة، أو أن مفادها التنزیل والتشبیه بالمیتة من باب الإلحاق الحکمی المحمولی، والحکومة فی الدلالة، وان کان الصحیح هو الأول کما سیتضح وهی النکتة العمدة فی هذا القول، وهی:

الطائفة الاولی: ما دل علی أن ما یبان من أجزاء الحیوان الحیّ میتة لا ینتفع بها(1).

کصحیح الکاهلی عن قطع ألیات الغنم (ان فی کتاب علی(علیه السلام): أن ما قطع منها میّت، لا ینتفع به)(2)، وفی مصحح أبی بصیر (إنها میتة)(3).

فان الحکم بنجاستها فی طول الحکم تعبدا بانها میتة المترتب علی عدم تذکیة الحیوان، وإلا فالقطع یوجب إنهار الدم وعدم تخثره فی الجزء المقطوع الذی هو حکمة القذارة کما فی بعض الروایات وکذا فی صحیح أیوب بن نوح عن بعض أصحابنا عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: إذا قطع من الرجل قطعة فهی میتة(4).

الطائفة الثانیة: ما دل علی أن الأجزاء المقطوعة من الصید بالحبالة هو

ص:284


1- (1) الوسائل، ج24، ص71، ابواب الذبائح، باب30.
2- (2) المصدر، ح1.
3- (3) المصدر، ح3.
4- (4) المصدر، ج3، ص294، باب2 من ابواب غسل المس، ح1.

میتة(1).

کصحیح محمد بن قیس عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: (قال أمیر المؤمنین(علیه السلام) ما أخذت الحبالة من صید فقطعت منه یدا أو رجلا فذروه فانه میت)(2)، وفی صحیح زرارة عن أحدهما(علیه السلام) (فهو میتة أوما أدرکت من سائر جسده حیا فذکه ثم کل منه)(3) وغیرهما والتقریب ما سبق.

ونظیرها صحیح النضر بن سوید عن بعض أصحابه رفعه فی الظبی وحمار الوحش یعترضان بالسیف فیقدان، قال: (لا بأس بکلیهما ما لم یتحرک أحد النصفین، فاذا تحرّک أحدهما لم یؤکل الآخر لأنه میتة)(4).

وبمضمونها عدة معتبرات تحرّم الجزء الذی لا یتحرک وهو فی طول الاعتبار والحکم بکونه میتة مع انه لیس من ما مات حتف انفه بل مما اختلت فیه شرائط الصید والتذکیة، فعدمها محکوم شرعا بکونه میتة، فهو تعبد فی الموضوع لا انه مصداق حقیقی بحسب ما للعنوان من معنی لغوی.

الطائفة الثالثة: ما دل علی أن ما ذبحه المحرم من الصید هو میتة وکذا ما ذبح فی الحرم.

مثل موثق إسحاق عن جعفر(علیه السلام) ان علیا(علیه السلام) کان یقول: (إذا ذبح المحرم الصید فی غیر الحرم فهو میتة لا یأکله محل ولا محرم، وإذا ذبح

ص:285


1- (1) المصدر، ج23، ص376، باب24 من ابواب الصید.
2- (2) المصدر، ح1.
3- (3) المصدر، ح4.
4- (4) المصدر، باب35، ح3.

المحل الصید فی جوف الحرم فهو میتة لا یأکله محل ولا محرم)(1)، ومثله روایة وهب وغیرها مما دل علی حرمة أکله فی طول الحکم بأنه میتة.

والغریب: أن السید الخوئی(قدس سره) مع اختیاره للقول الأول، اشکل علی التردد فی نجاسة الصید المذبوح من المحرم - من جهة أن التنزیل فی الروایة هل هو مطلق لکل آثار المیتة أو لبعضها خاصة وهی الحرمة - أشکل بأن اطلاق المیتة لیس من باب التنزیل والتشبیه بل من باب الحکم تعبدا بانه میتة(2).

وجه الغرابة: أنه(قدس سره) یذعن أن ذلک من جهة اختلال بعض شرائط التذکیة وهو کون الذابح محلا أی من جهة عدم التذکیة فیکون عدم المذکی محکوما بانه میتة، ولا خصوصیة للمورد وانما هو مثال لإختلال بعض شرائط التذکیة.

ومثله صحیح مسمع عن أبی عبد الله فی رجل حلّ رمی صیدا فی الحل فتحامل الصید حتی دخل الحرم؟ فقال: لحمه حرام مثل المیتة(3).

فائدة: الفرق بین الحکومة والتنزیل:

هذا وأما أن مفادها هو الحکم شرعا بالمیتة لا التنزیل فیتضح ببیان مقدمة نافعة:

وهی التفرقة بین باب التنزیل وباب الحکومة الواقعیة، وبعبارة اخری الحکومة علی صعید الدلالة وعلی صعید المدلول، وذلک حیث أن

ص:286


1- (1) وسائل الشیعة، ج12، ص432، باب10 من ابواب ترک الاحرام، ح5.
2- (2) المعتمد، ج3، ص388.
3- (3) وسائل الشیعة، ج13، ص65، باب29 من ابواب کفارات الصید، ح2.

الأول تصرف علی صعید اللفظ وشأن من فنون الکلام، وهو ما یقال عنه فی علم البیان التشبیه، والذی یکون بین طرفین، اما مع ذکر أداة التشبیه ووجه الشبه أو مع عدمهما وفیه یقع التردید بین أن یکون التنزیل والتشبیه بلحاظ مطلق الآثار أو بعضها وأهمها کما فی الطواف بالبیت صلاة.

وهذا بخلاف الثانی فانه نحو من الجعل والانشاء وعلی صعید المدلول والمعنی، اما بتوسعة طبیعة الموضوع أو تضییقه، أی بالحکم علی الطرف الاول انه مصداق الطرف الآخر والطبیعة والعنوان، فیکون الفرد غیر التکوینی للطبیعة فردا جعلیا للطبیعة أی بالاعتبار والتقنیین، وبتوسط هذا الجعل تترتب جمیع آثار الطبیعة علی ذلک الفرد.

والعکس عند التضییق، أی الاخراج للفرد التکوینی للطبیعة عنها جعلا، کما فی لاربا بین الوالد وولده، فتنفی جمیع آثار طبیعة الربا عنه، ففی الحکومة الواقعیة - ای التی من سنخ الجعل والانشاء - لاتردید فی مقدار الاثار المترتبة عند التوسعة أو المنتفیة عند التضییق.

نعم یقع الاختلاف فی کثیر من الموارد أنه من قبیل التنزیل أو الحکومة، مثل ما فی (عمد الصبی خطأ تحمله العاقلة)(1)، اذ علی الأول القدر المتیقن من التنزیل هو فی باب القصاص والدیات فعمده کلا عمد، أوفیما کان للخطأ أثر فینزل العمد منزلته، بخلافه علی الثانی فانه من الحکم علی عمد الصبی بانه خطأ وهو یتناول کل الابواب فتصبح عبارته مسلوبة القصد فی باب الإنشاء فی المعاملات مطلقا، وهو ما ذهب الیه المشهور.

والضابطة فی معرفة النحو الأول من الثانی أن فی الأول قد یؤتی بأداة

ص:287


1- (1) التهذیب، ج10، ص233.

التشبیه، کما انه غالبا ما یکون فی الطرفین التکوینیین الذین یظهر منهما أن المناسبة المذکورة بینهما تنزیلیة لا جعل احدهما مصداقاً الآخر، وأما الثانی فانه کثیرا ما یکون فی الطرفین اللذین أحدهما وجوده اعتباری، متقوم بالانشاء فیکون الطرف الأول موضوعا والآخر الاعتباری محمولا مجعولا کقضیة شرعیة.

ویعد وضوح ذلک یظهر أن المقام من قبیل الثانی حیث أن التذکیة بمعنی المسببی أی النقاوة والطهارة الخاصة لما کانت من الاحکام الوضعیة، وکان لها موضوع وهو السبب للذکاة من فری الأوداج والتسمیة والاستقبال وغیر ذلک، کذلک ما هو ضد له وهو عنوان المیتة فهو من الأحکام الاعتباریة الوضعیة له موضوع وهو عدم وقوع سبب التذکیة فغیر المذکی بهذا المعنی موضوع لحکم الشارع بالمیتة، فی قبال التذکیة وموضوعها.

ولا یدفع ذلک ان المیتة معنی تکوینی خارجی لا اعتباری جعلی، اذ ان المعانی التکوینیة یلحظ بموازاتها وجودات اعتباریة لها کما هو الحال فی الطهارة والنجاسة والقذارة.

والمیتة بمعنی زهوق الروح مطلقا أو بنحو خاص وهو ما مات حتف أنفه وان کانت تحققها تکوینیاً، الا أنها بالمعنی المقابل للمذکی تحققها اعتباری کما قدمناه فی بحث التذکیة (فی بول وغائط مشکوک اللحم) وانها بالمعنی المزبور کانت متداولة فی البناء العقلائی کبناء قانونی لدیهم فی قبال المذکی لا کارتکاز لغوی بحت فقط.

فکما أن فی البناء العقلائی یوجد التقنین فی الحکم الاصولی کحجیة الظواهر وخبر الواحد والبراءة العقلیة، ویوجد الحکم الفقهی کثبوت

ص:288

الضمان بالاتلاف والتغریر، کذلک لدیهم مثل هذا الحکم الوضعی وهو الحکم بالتذکیة والمیتة، فلم تکن حقیقة شرعیة ولا بتأسیس من الشرع وانما هو امضاء غایة الأمر الامضاء غالبا فیه تقیید من جهة للاعتبارات القائمة عند العقلاء أو توسعة من جهة أخری.

إن قلت: علی القول بان التذکیة اسم السبب لا المسبب وتقابلها المیتة بمعنی زهوق الروح الخاص أی من غیر سبب شرعی تکون المیتة حینئذ ذات وجود تکوینی لا أمر اعتباری فلیس من موضوع ومحمول فی البین.

قلت: یرد علیه:

أولا: أن التذکیة بمعنی المسبب وهو النقاوة أو الطهارة الخاصة کما دللنا علیه سابقا، فما هو مضاد له فی رتبتها، ولیس هو الزهوق الخاص بل عنوان المیتة الاعتباری.

ثانیا: أن التذکیة حکم شرعی وضعی بالاتفاق، فکذا ما هو مضاد له کما هو ظاهر ألسنة الروایات المتقدمة.

ثالثا: أن المیتة اذا کانت بمعنی زهوق الروح الخاص فلا تضاد التذکیة بمعنی المسبب حیث أن السبب هو موجب القتل الخاص الشرعی من فری الأوداج وغیره.

وان جعلت التذکیة بمعنی زهوق الروح بالسبب الخاص الشرعی فهی وإن قابلت المیتة بمعنی زهوق الروح بغیر السبب الشرعی، إلا أنه علی ذلک لا تکون التذکیة مجعولة شرعا مع أن الفرض هوجعلها کما فی قوله (لا ذکاة إلا بحدیدة) (للبقر الذبح وما نحر فلیس بذکی) و(إذا تحرک الذنب أو الطرف أو الاذن فهو ذکی) (ذکاته (الجنین) ذکاة أمه) (إذا أرسلت الکلب المعلم فاذکر اسم الله علیه فهو ذکاته) (السمک ذکاته

ص:289

اخراجه حیا من الماء).

هذا مضافا الی ما دللنا علیه فی بحث التذکیة أنها والمیتة من الاحکام الوضعیة، ومن هنا کان کل من ذهب فی معنی المیتة الحرام والنجسة الی المقابل للتذکیة فیلزمه الالتزام بانها حکم وضعی موضوعه عدم وقوع سبب التذکیة.

الثانی: الحکم بأن کل ما اختلت شرائطه فهو میتة عند الجمیع ما عدا القائل بالمسلک الثالث فی معنی المیتة الذی تقدم فی المقام الأول بحسب الحکم الواقعی من اختصاص المیتة والنجاسة واقعا بما مات حتف أنفه دون مطلق المذبوح- مع أن أکثر أدلة شرائط التذکیة فی الذباحة والصید هی بلسان النهی عن أکل فاقد الشرط أو الحکم علی الفاقد بانه لیس بمذکی.

ومع ذلک فالکل فی مقام الحکم الواقعی استفاد منها الحکم تعبدا علی عدم المذکی واقعا بأنه میتة، وان کان مذبوحا بغیر الشرائط ولم یمت حتف أنفه، ولیس هذا إلا جعلاً وحکومة فی الموضوع بانه کل ما لیست بمذکی هو میتة.

الثالث: ما تقدم من روایات القول الثانی والتی کان المحصل من مفادها هو الملازمة بین عدم التذکیة وعنوان المیتة، حیث أن هذه الملازمة لیست عقلیة ناشئة من تلازم حکم الشارع بعدم التذکیة وبالمیتة فی عرض واحد علی الحیوان وان موضوع کلا العنوانین هو الحیوان، بل الملازمة شرعیة ناشئة من ترتب عنوان المیتة علی الحیوان غیر المذکی، فالطولیة محفوظة بین العنوانین بلا ریب.

إن قلت: ان ما تثبته الوجوه الثلاثة المتقدمة هو ارادة المعنی الأول من

ص:290

معانی المیتة المتقدمة فی صدر الکلام فی مقام الحکم الواقعی، وهو مطلق غیر المذکی فی قبال ما مات حتف أنفه أو مطلق ما زهقت روحه، غایة الأمر هو عنوان وجودی منتزع من عدم التذکیة، لا أن هناک ترتباً محمولاً وهی المیتة علی الموضوع وهو عدم التذکیة، فیکون عدم المذکی ملازما للمیتة لا عینها فلا تحرز بالاصل فی الأول بعد کون المیتة عنوانا بسیطا فی الماهیة المدرکة وحدانیا.

قلت: فیه:

أولا: انه مخالفة لظهور الادلة السابقة المرتبة لعنوان المیتة علی عدم السبب وعدم شرائط التذکیة من دون موجب لرفع الید عن ذلک.

ثانیا: هذا الانتزاع مقتضاه عدم جعل عنوان المیتة بالذات بل جعل منشأه، ومن ثم جعله بالتبع، وهذا مما لا یقرّه القائلون بالمثبتیة.

ثالثا: ان التذکیة کما تقدم هی اسم للمسبب وهی النقاوة الخاصة الحاصلة من السبب ذی الاجزاء، والمفروض أن المیتة حسب ما تقدم من الأدلة عنوان مضاد للتذکیة التی هی المسبب، وقد تقدم انهما عنوانان امضائیان لا تأسیسیّان غایة الأمر شأنهما شأن بقیة العناوین الامضائیة تقید أو توسّع.

وهما فی الاعتبار العرفی السابق علی الشرع مترتبان علی وجود السبب وعدمه، فکما أن التذکیة مسببة عن السبب الذی هو عبارة عن فری الأوداج والاستقبال والتسمیة وبقیة الشرائط، فکذلک المیتة مسببة عن عدم السبب، قضیة التضاد الذی بینهما فلیسا انتزاعیین بل مسببین عن السبب وعدمه.

فتفسیر المیتة بعدم التذکیة هو باللازم العقلی باعتبار ارادة المعنی

ص:291

المسببی من التذکیة المضاد وهو من تلازم عدم أحد الضدین مع الضد الآخر، وأما إن ارید المعنی السببی فعدمه موضوع المیتة وهما متلازمان بملازمة شرعیة هی ملازمة المحمول لموضوعه، لا بملازمة عقلیة بتبع جعل المیتة علی ذات الحیوان فی عرض اتصافه بعدم وقوع سبب التذکیة کما ذکر فی الاشکال السابق.

ونظیر: هذا الاشکال المزبور القول بأن عنوان المیتة مسبب عن الاسباب غیر الشرعیة فهو ملازم عقلا لعدم التذکیة.

ووجه الدفع: ان اعتبار عنوان المیتة علی السبب غیر الشرعی - ای علی عدم السبب الشرعی، ای علی عدم التذکیة بمعنی السبب - لیس تسببا تکوینیا بل بجعل الشرع، فعنوان المیتة مسبب شرعا عن ذلک، نعم هو ملازم لعدم التذکیة - بمعنی المسبب - بمقتضی التقابل، ومنشأ التلازم - التلازم العقلی - هو الجعل الشرعی المزبور، فحینئذ ینجع اجراء الاصل العدمی فی السبب.

وبذلک صحّ ما اطلق فی کثیر من کلمات المتأخّرین ومن بعدهم أن عدم المذکی بحکم المیتة فی النصوص، أی انه محکوم بالمیتة فتترتب علیه، ولیس بتنزیل کی یبحث أنه بلحاظ مطلق الآثار أو بعضها.

وأما مخالفة صاحب المدارک والحدائق فلیس فی ذلک وانما هو فی حجیة الاستصحاب فی نفسه أوفی مقابل أصالة الطهارة، وکل من الوجهین حرّر ضعفه فی محلّه.

ومن ذلک یتضح أن باصالة عدم التذکیة لا مجری لاصالة عدم المیتة لانه مسببی، هذا مع انه سیأتی تقریب إماریة سوق الکفار علی المیتة، لکنه فی خصوص المشکوک المجلوب من عندهم.

ص:292

قاعدة انفعال الماء القلیل بالنجس

اشارة

ص:293

ص:294

من قواعد باب الطهارة انفعال الماء القلیل بالنجس

کلمات الأصحاب:

إجماعا کما عبر الکثیر أو المشهور کما عبر بعض، واستثنوا الحسن بن أبی عقیل العمانی(1) من المتقدمین والفیض الکاشانی(2) والشیخ الفتونی(3) والسید عبدالله الشوشتری(4) من متأخری المتأخرین، لکن استظهر فی المقابیس ذلک أیضا من الکلینی فی الکافی والصدوق فی کتبه الفقیه والمقنع والهدایة، حیث أورد کل منهما کلا من روایات النجاسة وبعض روایات الطهارة، بل بعض ما أورده فی الفقیه وفی الاخرین بصورة الفتوی.

کلمات العامة:

وأما العامة فحکی فی الخلاف(5) عن الحسن البصری وابراهیم

ص:295


1- (1) کما حکاه فی المختلف، ج1، ص13.
2- (2) مفاتیح الشرائع، ج1، ص81.
3- (3) حکاه عنه العاملی فی مفتاح الکرامة، ج1، ص307.
4- (4) حکاه عنه فی مفتاح الکرامة، ج1، ص307.
5- (5) الخلاف، ج1، ص192.

النخعی ومالک القول بالطهارة، وحکی فی التذکرة ومفتاح الکرامة(1) ذلک عن داود وسعید بن المسیب وابی هریرة والاوزاعی والثوری وابن أبی لیلی وعکرمة وجابر بن زید وحذیفة، وفی المغنی والبدایة ذلک عن بعضهم وأما الباقی منهم فذهبوا الی النجاسة.

ادلة القولین:

اشارة

وروایات کل جانب فیها الصریح والظاهر والمتوسط بینهما، غیر أن ما دل علی الأول أکثر استفاضة.

أدلة القول بالنجاسة : روایات انفعال الماء القلیل:

وهی علی طوائف:

الأولی: مفهوم روایات الکر اذا بلغ الماء قدر کر لم ینجسه شیء(2).

وفیه نصوصیة علی انفعال وتنجس القلیل، سواء بنی علی عموم المفهوم أوعلی جزئیته لإثبات عنوان التنجیس بانتفاء الشرط وبعد کون مورد المنطوق ولو بالقرینة المنفصلة هو الملاقاة، والخدشة فی المفهوم یأتی دفعها فی الانفعال بالمتنجس.

الثانیة: روایات أسئار الاعیان النجسة کالکلب والخنزیر والکفار(3)، وهی علی حد الظهور فی الانفعال، إلا ان ما ورد فی الکلب من النهی عن

ص:296


1- (1) مفتاح الکرامة، ج1، ص308.
2- (2) وسائل الشیعة، ج1، ص158، باب9 من ابواب الماء المطلق، ح1، ح2، ح4، ح5، ح6. وغیرها.
3- (3) وسائل الشیعة، ج1، ص225، ابواب الأسئار باب1 نجاسة سؤر لکلب والخنزیر وباب3 نجاسة سؤر الکافر.

سؤره مؤکدا مشددا معللاً بانه رجس نجس اقوی ظهورا، وهذا سواء التی منها بلسان النهی عن تناول السؤر أو الأمر بغسل الاناء الذی تناول منه، حیث أن تنجس الاناء بتوسط الماء المتنجس وإلا لاقتصر فی الأمر بغسله علی الموضع الخاص من الاناء الملاقی للکلب أو الخنزیر.

نعم قد یتأمل فی الدلالة من جهة اشتمال السؤر علی اللعاب وهو عین النجاسة فتکون الدلالة علی ما نحن فیه بالاطلاق.

الثالثة: روایات النهی عن استعمال الأوانی المستعملة للخمر ونحوه من النجاسات قبل غسلها أو الآمرة بالغسل قبل استعمالها(1)، والتی تقدمت فی بحث انفعال المضاف، حیث أن النهی شامل لکل من استعمالها فی المطلق والمضاف، بل إن موثق عمار المتقدم ثمة نصّ فیه علی کل منهما، ووجه تقریب دلالتها أن النهی عن الاستعمال قبل الغسل أوالأمر بالغسل قبل الاستعمال انما هو لانفعال ما یستعمل بها بملاقاتها.

وهذه الطائفة دالة علی انفعال القلیل بالمتنجس کما تقدم فی المضاف، بل ولو بوسائط لمثل موثق عمار الآخر(2) عن الاناء القذر کیف یغسل، فبقدر وبمدی ما یدل الدلیل علی تنجس الاناء بوسائط تدل الموثقة علی تنجیسه هو أیضا للقلیل باستعماله وملاقاته له.

نعم دلالة هذه الطائفة علی حد الظهور القابل للحمل البعید علی الاستحباب.

الرابعة: الروایات الصحاح والموثقات الناهیة عن الوضوء من الماء

ص:297


1- (1) وسائل الشیعة، ابواب النجاسات، باب51، 52، 72، وابواب الاشریة المحرمة، باب6.
2- (2) وسائل الشیعة، ابواب النجاسات، باب53، ح1.

القلیل الذی اصابه قذر، أو لاقی الید القذرة(1) بأصابة البول أو المنی لها، بل المصرح فی بعضها بأهراق الماء والتیمم أی علی تحقق موضوعه وهو فقدان الماء الطاهر وإن لم یهرقه.

وهذه الطائفة اقوی ظهورا من السابقة لکون احتمال التأویل فیها ضعیف غایته، وان لم تصل الی درجة النصوصیة القطعیة کحمل الأمر بالاراقة علی الاستصحاب، ومن باب ایجاد موضوع التیمم، أوبحملها علی عدم طهوریته لرفع الحدث کالمستعمل فی رفع الخبث علی القول بطهارته مطلقا وعدم طهوریته، أوفی خصوص ماء الاستنجاء، وکما فی عرق الجنب من الحرام علی القول بطهارته وحمل النهی الوارد فیه علی مانعیته عن الصلاة.

کما انها دالة علی انفعاله بالمتنجس، کملاقاة الید التی اصابها قذر بول أوجنابة، کما فی موثق سماعة(2) وغیره، حیث ان الغالب فی الأول عدم بقائه فیکون انفعاله بالید المتنجسة.

الخامسة: الروایات الصحاح وغیرها الناهیة عن الشرب والوضوء معا کموثقی عمار(3) وصحیح علی بن جعفر(4) وموثقة سعید الاعرج(5) وغیرها، وهذه الطائفة أکثر بعدا عن التأویل من سابقتها.

السادسة: ما ورد من تعلیل اعتصام ماء البئر أو الحمام لان له مادة(6)،

ص:298


1- (1) وسائل الشیعة، ج1، ص150، باب8، من ابواب الماء المطلق.
2- (2) المصدر، باب8، ح4.
3- (3) وسائل، ج1، ص231، باب4، من ابواب الاسئار، ح2،ح3.
4- (4) وسائل، ج1، ص156، باب8، من ابواب الماء المطلق، ج16.
5- (5) المصدر، ح8.
6- (6) وسائل الشیعة، ج1، ص148، باب7 من ابواب الماء المطلق.

أو ما أخذ العنوان الخاص کالجاری والمطر أو الکثیر فی موضوع الانفعال، الدال علی عدم ممانعة طبیعة الماء من حیث هی عن الانفعال بالملاقاة.

السابعة: مقتضی أدلة النجاسات فی الاعیان المخصوصة(1) هو تنجیسها لملاقیها برطوبة مسریة اجمالا، وان کان کثیرا منها ورد فی تنجس الجوامد بها لدلالته بطریق الأولویة علی انفعال المایعات القلیلة.

الثامنة: ما ورد بألسنة متعددة متفرقة کتطهیر الأرض لباطن القدم المتنجس(2) بالماء المتصابب من الخنزیر، وان ما یبل المیل من النبیذ ینجس حبا من ماء(3)، وغیر ذلک.

أدلة القول بالطهارة: روایات عدم الانفعال:

وأما ما دل علی عدم انفعاله فعمدته روایات:

الاولی: حسنة محمد بن میسر قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن الرجل الجنب ینتهی الی الماء القلیل فی الطریق، ویرید أن یغتسل منه ولیس معه اناء یغرف به ویداه قذرتان قال: (یضع یده ثم یتوضأ ثم یغتسل، هذا، مما قال الله عز وجل ما جعل علیکم فی الدین من حرج)(4)، والتوضؤ فیها ظاهر فی المعنی اللغوی من التنظیف.

نعم الراوی عن محمد بن میسر هوابن مسکان الجلیل الذی روی عن أبی بصیر فی الصحیح عنه(علیه السلام) قال: ان کانت یده قذرة فأهرقه وان

ص:299


1- (1) وفی روایات کثیرة منتشرة فی ابواب النجاسات من الوسائل، ج1، ص395.
2- (2) وسائل، ج3، ص458، باب32 من ابواب النجاسات، ح3.
3- (3) المصدر، باب38، ح6.
4- (4) وسائل الشیعة، ابواب الماء المطلق، باب8، ح5.

کان لم یصبها قذر فلیغتسل منه هذا مما قال الله تعالی: ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ (1).

فجعل الحرج من جهة رفع المانعیة عن الماء القلیل الملاقی لبدن الجنب کالمستعمل وبقاء طهوریته، فان لم تکن الروایتان واحدة فالاجابة واحدة علی أیة حال عن سؤال متحد عن ملاقاة الماء لبدن الجنب وللید القذرة، والتعلیل واحد فلا یبعد السقط فی ذکر الشق الثانی فی روایة ابن میسرة، وان التعلیل له لا للشق الاول المذکور، لاسیّما وأن فیها الأمر بتنظیف الید قبل الاغتراف للاغتسال وهو ظاهر فی انفعال الماء.

الثانیة: روایة أبی مریم الانصاری قال: کنت مع أبی عبد الله(علیه السلام) فی حائط له فحضرت الصلاة فنزح دلوا للوضوء من رکی له فخرج علیه قطعة عذرة یابسة فأکفا رأسه وتوضأ بالباقی(2).

والعذرة تطلق علی البعرة ونحوها کما فی صحیحة لابن بزیع(3) فی روایات البئر، اذ القلیل الملاقی للخبث ولو سلم طهارته فلا تسلم طهوریته کالمستعمل فی رفع الخبث.

الثالثة: صحیحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الثوب یصیبه البول قال: (اغسله فی المرکن مرتین)(4)، حیث أن القلیل لو کان ینفعل لکان موجبا لانفعال المرکن ولکان المصبوب منه فی الغسلة الثانیة منفعلا بالمرکن فلا یطهّر به الثوب.

ص:300


1- (1) المصدر، ح11. والآیة78 من سورة الحج.
2- (2) وسائل الشیعة، ج1، ص154، باب8 من ابواب الماء المطلق، ح12.
3- (3) المصدر، باب14، ح21.
4- (4) وسائل الشیعة، باب2 من ابواب الماء النجاسات، ح1..

لکن یدفع بأن التسلیم بانفعال المرکن وانفعال القلیل لا یقضی بعدم مطهریة المصبوب ثانیا للثوب وللمرکن معا.

الرابعة: صحیح زرارة عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: سألته عن الحبل یکون من شعر الخنزیر یستقی به الماء من البئر هل یتوضأ من ذلک الماء؟ قال: لا بأس(1).

والظاهر انها هی حسنة الحسین بن زرارة عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: کنت عند أبی عبد الله(علیه السلام) وأبی یسأله عن اللبن من المیتة والبیضة من المیتة وانفحة المیتة، فقال: کل هذا ذکی قال: فقلت له: فشعر الخنزیر یعمل حبلا ویستقی به من البئر التی یشرب منها أو یتوضأ منها، قال: لا بأس به.

وزاد فیه علی بن عقبة وعلی بن الحسن بن رباط قال: الشعر والصوف کله ذکی، وفی روایة صفوان عن الحسین بن زرارة عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: والشعر والصوف والوبر والریش وکل نابت لا یکون میتا(2).

اقول: فظاهر من مساق الروایة انها فی صدد طهارة الشعر وانها من مصادیق کلیة طهارة ما لا تحله الحیاة (الشعر والصوف کله ذکی) لا أن المفروض فیها نجاسته والسؤال واقع عن انفعال ماء الدلو أو عدمه، بل العکس اذ هو یستعلم حکم شعر الخنزیر من انفعال الماء وعدمه والانفعال مفروغ عنه لو کان الشعر نجسا.

فتکون دالة علی ما ذهب الیه السید المرتضی من طهارة اجزاء ما لا

ص:301


1- (1) الوسائل، باب14، من المطلق،ح2.
2- (2) المصدر، ح3.

تحله الحیاة من الاعیان النجسة والکلام فیه الی محله.

الخامسة: صحیح علی بن جعفر عن اخیه(علیه السلام)، انه سأل عن الیهودی والنصرانی یدخل یده فی الماء ایتوضأ منه للصلاة؟ قال: (لا إلا ان یضطر الیه)(1)، وهو لیس بنص فی القلیل وان کان ظاهرا فیه، مع کونه من مدالیل بحث حکم الکتابی.

السادسة: مصحح زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: قلت له راویة من ماء سقطت فیها فأرة أو جرذ أو صعوة میتة، قال: (اذا تفسخ فیها فلا تشرب من مائها ولا تتوضأ وصبها، وإن کان غیر متفسخ فاشرب منه وتوضأ واطرح المیتة اذا أخرجتها طریة، وکذلک الجرة وحب الماء والقربة وأشباه ذلک من أوعیة الماء، قال: وقال أبو جعفر(علیه السلام): اذا کان الماء اکثر من راویة لم ینجسه شیء، تفسخ فیه أولم یتفسخ إلا أن یجیء له ریح تغلب علی ریح الماء)(2).

وتقریب الدلالة فیها أن التفسخ کنایة عن التغیر فالقلیل لا ینفعل إلا به، وأما اعتصام الکثیر وان تفسخ فیه فلعدم تغیره به لکثرته إلا أن یقوی التفسخ فیغیره، لکن ذلک یتهافت مع الشرطیة فی ذیل الخبر اذ المفهوم منها هو انفعال القلیل بالملاقاة، والرافع للتهافت هو بحمل الاشارة فی (کذلک) علی التشریع فی الحکم الأول لا الثانی من حکمی الراویة، مع حمل الراویة علی الکر والتعبیر بالاکثر من راویة متعارف لدخول الحدّ فما فوق فی الحکم.

ص:302


1- (1) الوسائل، باب النجاسات، باب14، ح9.
2- (2) رواه الکلینی والشیخ بطریقه، باب3 من ابواب المطلق، ح18.الا ان الکلینی اقتصر علی ذکر الذیل (اذا کان...).

السابعة: خبر زرارة قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن جلد الخنزیر یجعل دلوا یستقی به الماء؟ قال: (لا بأس)(1)، ونفی البأس لیس نصا فی الطهارة لاحتمال أن السؤال عن جواز الانتفاع بالجلد نظیر السؤال فی صحیحه المتقدم عن شعر الخنزیر یستقی به.

الثامنة: ما عن قرب الاسناد والمسائل عن علی بن جعفر (علیه السلام) قال: وسألته عن جنب أصابت یده من جنابة فمسحه بخرقة ثم أدخل یده فی غسله قبل أن یغسلها هل یجزیه ان یغتسل من ذلک الماء؟ قال: (ان وجد ماءً غیره فلا یجزیه ان یغتسل وان لم یجد غیره اجزأه)(2).

وهو وان تقرب دلالته علی التنزه فی صورة عدم الانحصار لکنه خلاف المستفاد من عدم الاجزاء، نعم یمکن تقریب دلالته انه مفصل فی الطهوریة لا الطهارة، ومع ذلک فالروایة لها صدر دال علی انفعال القلیل بلسان النهی عن التوضؤ إلا أن یکون الماء کثیرا قدر کر، هذا مضافا الی الروایات(3) العدیدة الواردة فی خصوص الفرض المعارضة لها.

التاسعة: خبر الأحول انه قال لأبی عبد الله(علیه السلام) - فی حدیث- الرجل یستنجی فیقع ثوبه فی الماء الذی استنجی به؟ فقال: لا بأس: فسکت فقال: أوتدری لم صار لابأس به؟ قال: قلت: لا والله، فقال: ان الماء أکثر من القذر(4)، حیث ان التعلیل یعمم لمطلق القلیل غیر ماء الاستنجاء، مؤیدا بثبوت الحکم فی ماء الاستنجاء، بل فی صحیحته

ص:303


1- (1) الوسائل، باب14 من ابواب الماء المطلق، ح16.
2- (2) بحار الانوار، ج80، ص14.
3- (3) وسائل الشیعة، ابواب الماء المطلق باب8.
4- (4) وسائل الشیعة، ابواب الماء المضاف والمستعمل باب13، ح2.

الاخری عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: قلت له: استنجی ثم یقع ثوبی فیه وأنا جنب؟ فقال: لا بأس به(1) ظهورا وایماءً الی طهارة القلیل الملاقی للمنی أیضا.

وفیه: انه سیأتی فی ماء الاستنجاء أن نفی البأس راجع الی الثوب وأن الاقوی نجاسته والعفو عن ملاقیه، وأما صحیحه الآخر فلا ظهور له فی الاستنجاء من المنی بل السؤال من جهة کونه ماءً مستعملا بملاقات بدن الجنب، ولذا أتی بالواو للجملة الحالیة ولو سلم ظهوره فسیأتی فی البحث عنه المعارض له فی المنی.

نعم یبقی سؤال الفرق بین ماء الاستنجاء وغیره علی القول بطهارته حیث انه ان کان لخصوصه مع أدلة الانفعال فبعض ما ورد فی عدم الانفعال هو من موارد خاصة أیضا مع أنه لم یؤخذ فی الحکم عنوانه الخاص، لکنک سمعت أن الصحیح نجاسته والعفو عن ملاقیه بعد أن کان منشأ للعسر والحرج ولذلک اختص بذلک.

العاشرة: مصحح عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: لا بأس بأن یتوضأ بالماء المستعمل فقال: الماء الذی یغسل به الثوب، أو یغتسل به الرجل من الجنابة لایجوز أن یتوضأ منه وأشباهه ... الحدیث(2).

حیث أن عطف الماء المستعمل فی رفع الحدث علی الغسالة من الخبث فیه دلالة علی کون القلیل طاهرا، غایة الأمر أنه لیس بطهور وإلا فلو کانت نجسة لما کان لتوهم طهوریتها مجال.

ص:304


1- (1) المصدر، ح4.
2- (2) الوسائل، ابواب الماء المضاف، باب9، ح13.

ومن ذلک یتوجه الاستدلال بالغسالة بناء علی طهارتها مع انها من القلیل، حیث انها لو کانت نجسة لما ازال القلیل خبثا إذ بمجرد الملاقاة ینفعل الماء، ولا فرق بین الوارد والمورود فی أدلة الانفعال، فالماء یکون نجسا قبل انفصاله عن المحل بل قبل ملاقاته للمحل بالنسبة الی الاجزاء اللاحقة غیر الأولی، ویؤید ذلک ما ورد فی ماء الاستنجاء.

وفیه: ان غایة ذلک هو الالتزام بطهارة الغسالة لما ذکر لا مطلق القلیل، مع أنه یمکن الالتزام بنجاستها غایة الأمر هی نظیر ماء الاستنجاء فی العفو عما یلاقیها، وأما ازالتها للخبث فلحمل قذارة المحل کما فی التنظیف فی القذارات التکوینیة.

واستدل أیضا بغیر ذلک مما هو مطلق قابل للتقیید بأدلة الانفعال، مثل ما ورد فی العدید من الروایات(1) أن الماء طاهر طهور ما لم یتغیر، أولا ینجسه شیء ما لم یتغیر، أو بما هو خاص لکنه غیر ظاهر فی عدم الانفعال أولا یأبی التأویل والحمل فی مقابل أدلة الانفعال.

فظهر ان ما استدل به علی الطهارة وعدم الانفعال إما غیر ظاهر فی ذلک مع التدبر والتروی وإن کان ظاهرا بدوا، بل قد یتخیل منه الصراحة أو مضطرب المتن والنسخة فضلا عن ضعف السند وقلة العدد فی قبال أدلة الانفعال، فیتحصل أن الشهرة بأقسامها فی طرف أدلة الانفعال.

أجوبة استحکام التعارض (بین الروایات):

ثم ان فی المقام اجوبة علی فرض استحکام التعارض:

الجواب الاول: ما فی المستمسک ان جماهیر الاصحاب اعرضوا عن

ص:305


1- (1) الوسائل، ابواب الماء المطلق باب3 وغیره.

روایات الطهارة وعدم الانفعال، ولیست هی إلا کورود غیرها فی مسائل اخری مما علم الخلل فیها إما فی الجهة أو النقل أو غیر ذلک.

وهذا الوجه تام ان استند الی استقراء للطبقات الأولی من الفقهاء وعصر الرواة الکاشف عن السیرة المتشرعیة الخاصة بالمذهب، أو کان منشأه استفاضة وتواتر أحد المتعارضین مع کون الطرف الآخر آحاد الروایات، ونظیر المقام مسألة ذبح اهل الکتاب، ویبقی سؤال الفرق مع نجاسة أهل الکتاب التی بنی فیها فی الفتوی علی الطهارة، مع انه لم ینقل فیها لأحد خلاف صریح.

الجواب الثانی: تنظیر المقام بما ورد فی البئر لولا ذهاب المعظم الی القول بالنجاسة، بالجمع بینها بالحمل علی مراتب الطهارة والقذارة أی الحمل علی الاستحباب أو الکراهة، نظیر ما قیل فی تحدید الکر انه للمعتاد تغیره وعدمه، أو بحمل النهی عن خصوص الوضوء والغسل أی سلب الطهوریة(1).

ولکنک عرفت مما تقدم فی طوائف الروایات أن بعضها ناصّ علی النجاسة لا یقبل التأویل.

الجواب الثالث: أن المقام من تقابل الحجة مع اللاحجة حیث أن التواتر الاجمالی یسقط اعتبار الآخر عن الحجیة(2)، وهذا الوجه یرجع الی الاول بعد فرض صراحة الطرفین واستحکام التعارض.

الجواب الرابع: لو فرض تساقطهما فتصل النوبة الی مطلقات طهارة

ص:306


1- (1) جامع المدارک، ج1، ص7.
2- (2) التنقیح فی شرح العروة، ح2، ص165.

الماء ما لم یتغیر، ومطلقات الانفعال کموثق عمار المتقدم وغیره، والنسبة بینهما التباین لکن تخصص أدلة الانفعال بمنطوق أدلة الکر فتنقلب النسبة الی العموم والخصوص المطلق فتختص أدلة الانفعال بالقلیل وتخصص مطلقات الطهارة(1).

ولکن هذا الوجه منظور فیه حیث أن القول بانقلاب النسبة- کما هو الصحیح- یعتمد علی قرینیة الخاص للعام بلحاظ المراد الجدی وان الخاص المنفصل کالمتصل فی الدلالة علی المراد الجدی.

وعلی هذا یکون العام المخصص بخاص کمنطوق الکر فی المقام یقابل الخاصین الآخرین وهما أدلة انفعال القلیل وأدلة عدم انفعاله وفی رتبتهما فیکون بمثابة أحد الخاصین وهو أدلة انفعال القلیل فی قبال الخاص الآخر وهو أدلة عدم انفعال القلیل، لا أن العام المخصص مرجع فوقانی بعد تساقط الخاصین.

ویشهد لذلک أنه لو فرض فی المقام عدم ما یدل علی انفعال القلیل وهو أحد الخاصین المتعارضین، وأن ما لدینا هو أدلة عدم انفعاله ومطلقات الانفعال ومنطوق أدلة الکر واعتصامه، فانه تقع المعارضة فی رتبة واحدة بین الخاص أی أدلة عدم انفعاله ومطلقات الانفعال المخصة بمنطوق الکر حیث أن مطلقات الانفعال لا تحمل علی الکثیر.

ومن ذلک نستخلص قاعدة وهی أن العمومات الفوقانیة اذا کانت النسبة بینها منقلبة فهی لا تصلح مرجعا فوقانیا بعد تعارض الأدلة الخاصة، اذ هی تکون طرفا للتعارض أیضا.

ص:307


1- (1) بحوث فقهیه فی شرح العروة، ج1، ص388.

فالصحیح فی مقتضی القاعدة عند التساقط فی المقام هو الرجوع الی مطلقات طهارة الماء ما لم یتغیر.

أدلة انفعال القلیل بالمتنجس:

ذهب المشهور الی انفعال القلیل بالمتنجس ویشمله اطلاقات الاجماعات المنقولة من الانفعال بالنجس والمتنجس، وخالف فی خصوص المتنجس من متأخری الاعصار المحقق الخراسانی(1) وهو المحکی عن تلمیذه المحقق الاصفهانی فی البحث أدلة الانفعال.

الدلیل الاول: مفهوم أخبار الکر(2)، حیث أن الشیء فی المنطوق مطلق شامل للنجس والمتنجس.

إلا انه: اشکل جماعة علی التمسک به بان نقیض السالبة الکلیة موجبة جزئیة لا الموجبة الکلیة والقدر المتیقن منه عین النجس، وأن الشرطیة من تعلیق العموم علی الشرط، أی تعلیق العموم المسلوب لا السلب العام کی یکون المفهوم کلیا، فالمفهوم حاصله اذا لم یبلغ قدر کر ینجسه شیء وهو صادق علی البعض، فهوعلی حد قول القائل (اذا جاءک زید فلا تکرم احدا) أو (حیث ما تراه تجده مشغولا) وأن (اذا) من أدوات الاهمال والظرفیة لا التعلیق.

وربما یقال: ان الاطلاق اذا کان واردا علی الجزاء المعلق فی الرتبة

ص:308


1- (1) نقله عنه فی مستمسک العروة، ج1، ص146، وکذا نقله عنه تلمیذه المحقق الاصفهانی فی محضر درسه الشریف وتبناه.
2- (2) وهی اخبار عدیده نقلها صاحب الوسائل، ج1، ص158، باب9 من ابواب الماء المطلق.

المتأخرة کما فی الاطلاق المستفاد من مقدمات الحکمة، فیکون للمفهوم حینئذ کلیة لأن المفهوم یدل علی انتفاء ذات الشیء لا انتفاء المطلق، أی انتفاء الجامع بین المطلق والمقید فیساوق الکلیة بخلاف ما اذا کان التعلیق واردا علی الاطلاق فی الجزاء کما فی الاطلاق المستفاد من الدوال اللفظیة فالمفهوم قضیة جزئیة حینئذ لکونه انتفاء المطلق، وحیث أن منطوق اخبار الکر الاطلاق مستفاد من وقوع النکرة فی سیاق النفی فالتعلیق وارد علیه فالمفهوم من النحو الثانی(1).

ویدفع کل ذلک: بأن لیس النقیض المنطقی هو النقیض العرفی للقضیة الشرطیة دائما، وبتعبیر أدق القضیة الشرطیة قد تکون منحلة الی شرطیات فیکون المفهوم المتحصل هو من المتحصل من المفاهیم المنحلة، وقد لا تنحل، والضابط هو أن العموم قد یلحظ اسمیا فیکون هو المعلق ویکون هناک تعلیق واحد فی القضیة.

وقد یلحظ آلیا فیکون المعلق هو الافراد فتکون هی المعلقة ویکون هناک تعلیقات لکل فرد فرد أی عموم فی التعلیق، وهو ما عبر عنه شیخنا المحقق الانصاری فی طهارته من کون الشرط تارة للحکم بوصف العموم واخری لافراد الحکم.

وحیث أن الشرطیة ههنا هی بلحاظ افراد الحکم اذ الکریة علة لعدم تنجس الماء من کل فرد فرد من النجاسات، سیّما وأن الاطلاق لیس مستفادا من الادوات الموضوعة للعموم بل من نفی النکرة الانحلالیة.

وتحصیل المفهوم بصیاغة قالب الجملة المستقلة لیس بصواب، اذ هو

ص:309


1- (1) بحوث فی شرح العروة، ج1، ص393 (للشهید الصدر).

تبعی الوجود للمنطوق أی أنه عین جملة المنطوق وعین حدودها إلا انه یخالفه فی السلب والایجاب، لا فی سور القضیة فاذا کان کلیا کان هو سور المفهوم أیضا، غایة الأمر أن الکلیة ان کانت ملحوظة اسمیا فی المنطوق کانت ملحوظة کذلک فی المفهوم فیکون بقوة القضیة الجزئیة، وإن آلیا فآلیا فی المفهوم.

والکلیة فی النحو الاول تکون قیدا بخلاف النحو الثانی فی المقام حیث أن الکلیة لیست قیدا فی السلب ولا المسلوب وانما هی آلة لانحلال النفی لکل فرد فرد من الاشیاء.

وأما: ان (اذا) من ادوات الاهمال والظرفیة لتحقق الجزاء فی فرض تحقق الشرط کما فصله المحقق التقی فی حاشیته علی المعالم بین ادوات الشرط.

ففیه: أن ادوات الشرط وان انقسمت الی ما هو موضوع لغة للتعلیق ک--(إن) ونحوها، وما هو موضوع لغیره کالظرف والاسم الموصول وغیره، إلا ان الثانی قد یضمّن التعلیق والشرطیة کما هومستعمل کثیراً فتفید فائدة التعلیق حینئذ علی مثل (من أتی المسجد أکرم).

ونظیر هذا الاشکال أن الشرطیة مسوقة لتحقیق الموضوع وهو نظیر ما ذکر فی آیة النبأ ودفعه ظاهر.

وأما النقض بالامثلة المزبورة فلا یتم لوجود القرینة المقامیة علی عدم ارادة الکلیة، مع أن الصحیح فی المثال الأول هو کلیة المفهوم وهو ارتفاع النهی عن اکرام کل الافراد ولیس المفهوم الامر باکرام الکل، والشرط فی المثال الثانی لیس شرطا حقیقة، وانما هو کنایة عن الاشتغال الدائم.

وأما: التفصیل بین ورود التعلیق علی الاطلاق أوالعکس.

ص:310

ففرض: محض وممنوع، حیث أن التعلیق دائم الورود علی جملة الجزاء بما لها من الحدّ والسور، أی ان التعلیق فی القضیة المرکبة دائم العروض علی العموم فی الجزاء (القضیة الثانیة التالی)، وانما المدار علی لحاظ العموم والسور اسمیا کقید أوآلیا لیکون فی قوة جمل جزائیة منحلة متعددة لیتعدد التعلیق، فالصحیح شمول المفهوم لکل من النجس والمتنجس کالمنطوق.

ویشهد لذلک وقوع نفس المنطوق فی الجواب عن اسئلة الموارد المتعددة التی منها ما هو شامل باطلاقه للمتنجس، کما فی السؤال عن الماء فی الرکی(1) انه اذا کان کرا لم ینجسه شیء، إذ انفعال مائها لمعرضیته لملاقاة المتنجس والنجس، کما فی السؤال عن الجنب یدخل اصبعه فی الرکوة وهی قذرة انه یهریقه(2)، المحمول علی ما دون الکر وکما فی صحیح ابن مسلم الوارد فی اغتسال الجنب(3) وأما السؤال عن دخول الدجاجة والحمامة(4) ففی اطلاقه للمتنجس نظر لا یخفی.

الدلیل الثانی: ما تقدم فی أدلة الانفعال من روایات النهی عن استعمال الاوانی المستعملة للخمر ونحوه من النجاسات قبل غسلها أوالأمر بغسلها قبل استعمالها، حیث أن الآنیة بنفسها لیست مما یستعمل فی ما یشترط فیه الطهارة، بل بلحاظ انفعال ملاقیها من الماء والمایع، فتکون دالة علی انفعال القلیل ولو بوسائط للکلیة المستفادة من مثل موثق عمار

ص:311


1- (1) وسائل الشیعة، ج1، ص160، باب9 من ابواب الماء المطلق، ح8.
2- (2) المصدر، باب8، ح11.
3- (3) المصدر، باب9، ح5.
4- (4) مستمسک العروة الوثقی، ج1، ص122 (للسید الحکیم).

المتقدم فراجع.

وأما: اشکال المحقق الهمدانی(قدس سره)علی دلالتها بأن مفادها هو حرمة استعمالها حال کونها متنجسة ولو بلحاظ تنفر الطبع من تناول ما فیها وهی قذرة لا تأثیرها فی نجاسة المایع المظروف الملاقی لها ولو بعد نقله الی مکان آخر، کما فی أمر المولی عبده بغسل أوانیه الوسخة(1).

فتکلف: فی الاستظهار بعید، سیّما وأن غسلها یتم باراقة الغسالة، وقیاس القذارة العرفیة علی الشرعیة فی المقام ممنوع بعد الالتفات الی السرایة التی حکم الشارع بالانفعال بتوسطها فی موارد، مع أن القذارة العرفیة فی المقام أیضا مسریة فانهم یرون تقذر الطعام ولوبعد انفصاله عن الاناء الوسخ القذر.

الدلیل الثالث: ما تقدم ایضا فی أدلة الانفعال من الروایات الناهیة عن الوضوء من القلیل الذی لاقی الید القذرة(2)، کموثق سماعة عن أبی بصیر عنهم(علیهم السلام) قال: اذا ادخلت یدک فی الاناء قبل أن تغسلها فلا بأس إلا ان یکون أصابها قذر بول أو جنابة، فإن أدخلت یدک فی الماء وفیها شیء من ذلک فأهرق ذلک الماء(3).

وصحیح شهاب بن عبد ربه (لا بأس اذا لم یکن أصاب یده شیء)(4)، ومثله موثقتا سماعة(5) إلا ان المفروض فیهما أصاب الید شیء من المنی

ص:312


1- (1) مصباح الفقیه، ص578.
2- (2) وسائل الشیعة، ج8، باب8 من ابواب الماء المطلق.
3- (3) المصدر، ح4.
4- (4) المصدر، ح3,
5- (5) المصدر، ح2 و ح9.

فتکونان دالتین بالاطلاق علی المتنجس ان لم یکن منصرفهما خصوص الید من حیث هی متنجسة.

وفی صحیح ابن أبی نصر قال سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن الرجل یدخل یده فی الاناء وهی قذرة؟ قال یکفی الاناء(1)، وکذا صحیح ابی بصیر الآخر(2) وغیرها من الروایات(3).

ثم انه یستفاد من مثل صحیح ابن أبی نصر انه کلما کانت الید متنجسة لا بد من غسلها فانها موجبة لانفعال القلیل، لکن ذلک تقذر للید وقذارة.

ودعوی: انصراف قذارة الید لصورة ملاقاتها لعین النجس أولا أقل لملاقاة المتنجس الأول(4).

مدفوعة: بأن منشأ المبدأ وهی القذارة هوحکم الشارع بالتنجس ونجاسة الید ولزوم غسلها وتطهیرها، وهذا نظیر ما تقدم فی الکلیة فی الاوانی فی الدلیل الثانی فلاحظ.

ویشیر الی عموم معنی قذارة الید صحیح زرارة فی الوضوء البیانی عن أبی جعفر(علیه السلام): ... فدعا بقعب فیه شیء من ماء، فوضعه بین یدیه، ثم حسر عن ذراعیه ثم غمس فیه کفه الیمنی ثم قال: هکذا، اذا کانت الکف طاهرة، ثم غرف ملأها ماء ... الحدیث(5)، وهی علی نسق دلالة

ص:313


1- (1) المصدر،، ح7.
2- (2) المصدر، ح11.
3- (3) المصدر، ح12، 13 وغیرهما.
4- (4) بحوث فی شرح العروة الوثقی، ج1، ص403.
5- (5) وسائل الشیعة، ابواب الوضوء، باب15، ح2.

الروایات السابقة الناهیة عن التوضؤ من القلیل المغموس فیه بید قذرة.

ومنه یتضح اندفاع احتمال أن الاشتراط فی الصحیح لعله لمکان عدم طهوریة المستعمل فی دفع الخبث وان کان طاهرا، لا انه منفعل.

نعم الذی یتحصل من الدلیل الثانی والثالث هو انفعال الماء بالمتنجس ولو بالواسطة، وأما اطلاق المتنجس منجس له فسیأتی ان شاء الله تعالی.

ثم قد یستدل علی عدم انفعال القلیل بالمتنجس بمعارضة روایات أخری لما تقدم.

أدلة عدم الانفعال بالمتنجس:

الدلیل الاول: موثقة أبی بصیر عنهم (علیهم السلام) قال: اذا أدخلت یدک فی الاناء قبل ان تغسلها فلا بأس الا ان یکون أصابها قذر بول أو جنابة، فان أدخلت یدک فی الماء وفیها شیء من ذلک فأهرق ذلک الماء(1).

حیث قید الانفعال بوجود القذر فی الید الظاهر فی عین النجس ولو احتمل اطلاق القذر علی المتنجس، فلا شک انه لا یطلق إلا علی المتنجس بعین النجس دون الذی بالواسطة، فتکون دالة علی أیة حال علی عدم انفعال القلیل بالمتنجس بالواسطة، مع ان الروایة ظاهرة فی الأول لفرض زوال بعض القذارة فیها ولا یکون ذلک إلا فی العینیة(2).

وفیه: ان الظاهر من الاصابة ومن اضافة القذر للبول هو جهة تنجس الید، سیما وأن البول لیس المعتاد بقائه فترة طویلة، واستظهار العینیة

ص:314


1- (1) الوسائل، ابواب الماء المطلق، باب8، ح4.
2- (2) بحوث فی شرح العروة، ج1، ص406.

من التبعیض فی الزوال مصادرة علی المطلوب، حیث أن فهم الزوال للبعض بعد استظهار التبعیض من (من) وإلا اذا کانت نشویة فلا یفهم الزوال.

نعم قد یستظهر من (فیها) الظرفیة وهو یناسب العینیة لا الحکمیة، ولکنه یقابله ما تقدم من القرائن من عموم الاصابة لبقاء العین وعدمه وظاهر الاضافة اللامیة لا البیانیة مع انه یصح استعمال الظرفیة للحکمیة.

فحاصل المعنی حینئذ (فیها قذارة من بول أو جنابة أی من اصابتهما) فالمشار الیه الاصابة و(من) نشویة مع انه لوسلمنا کون الظهور للعینیة وأنها شرط ذو مفهوم فان ذلک ینافی الصدر الذی یدل علی البأس بتوسط الاستثناء بمطلق الإصابة، ولا شک ان المقدم المنطوق للصدر علی المفهوم للذیل لأنه تابع له إذ الذیل منطوقه تفسیر للصدر لمکان الفاء التفریعیة أو التفسیریة.

فتکون الشرطیة فی الذیل علی استظهار العینیة، هی لتحقیق الموضوع کأن ولد لک ولدا فاختنه، لا للمفهوم.

ویؤیده ما جاء من الشرطیة فی نظیراتها من الروایات.

کموثق سماعة عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: ان اصاب الرجل جنابة فأدخل یده فی الاناء فلا بأس، اذا لم یکن أصاب یده شیء من المنی(1)، حیث أنا لو عملنا باطلاق المنطوق لکان المفهوم اشتراط الانفعال باصابة المنی، مع ان هذا الشرط مسوق لتحقیق الموضوع کما هو واضح.

الدلیل الثانی: صحیح زرارة عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: سألته عن

ص:315


1- (1) وسائل الشیعة، بواب الماء المطلق باب8، ح9.

الحبل یکون من شعر الخنزیر، یستقی به الماء من البئر، هل یتوضأ من ذلک الماء، قال: لا بأس(1)، حیث ان الظاهر من السؤال هوعن تقاطر القطرات من الحبل المبتل من ماء البئر عند شدّه والاخذ بسحبه الی الأعلی، والقطرات متنجسة.

ونفی البأس عن الماء الذی فی الدلو دال علی عدم انفعاله بها، وتعین هذا الاحتمال لکون الحبل عند الشد ینفصل عن ماء البئر قبل الدلو فیظل الدلو مغمورا بماء البئر.

وعلی أیة حال لو فرض اجمال السؤال واحتمل انه عن ملاقاة القلیل فی الدلو لعین النجس، فعدم الاستفصال دال علی اطلاق عدم الانفعال بکلیهما، فیقید فی خصوص عین النجس للأدلة الخاصة دون المتنجس، فتنقلب نسبته مع مطلقات أدلة الانفعال فیخصصها بعین النجس(2).

وفیه: انه تقدم فی بحث انفعال القلیل انه متحد مع موثق الحسین بن زرارة الحاکی لسؤال أبیه عن اجزاء المیتة وان ما لا تحل له الحیاة طاهر فعطف بالسؤال عن شعر الخنزیر، فنفی البأس هو عن حکم الشعر نفسه وانه طاهر لا عن انفعال القلیل بعد فرض نجاسته، لدخوله تحت الکلیة التی فی الروایة (کل شعر وصوف زکی)، وتحقیق تمامیة مفادها موکول لبحث النجاسات.

هذا مع ان اخراج صورة ملاقاة عین الشعر عن مفروض الروایة - مع کونه محط نظر السائل ایضا حیث ان تساقط اجزاء من الشعر المفتول

ص:316


1- (1) المصدر، باب14، ح2.
2- (2) بحوث فی شرح العروة الوثقی، ج1، ص405.

حبلا متعارف، مع تعارف ملاقاته لماء الدلوعند الاخراج من فمّ البئر ومحاولة إسکابه - بعیدة جدا، وکذا إلتزام التخصیص علی تقدیر اطلاقها، اذ هو من تخصیص المورد، ولذا ذکرت فی أدلة عدم انفعال القلیل بملاقاة عین النجس.

الدلیل الثالث: حسنة محمد بن میسر التی تقدمت فی بحث الانفعال عن أبی عبد الله(علیه السلام) عن الرجل الجنب ینتهی الی الماء القلیل فی الطریق، ویرید أن یغتسل منه ولیس معه اناء یغرف به ویداه قذرتان قال: «یضع یده ثم یتوضأ ثم یغتسل هذا مما قال الله عزّ وجل ما جعل علیکم فی الدین من حرج(1)، لکن تقدم احتمال التصحیف فیها بقرینة اتحاد الراوی عنه انه روی مضموناً مماثلاً لکن نفی الحرج متعلق بعدم مانعیة الملاقی لبدن الجنب وبقاء طهارته.

الدلیل الرابع: کما یمکن ان یستدل ایضا بمصحح عمر بن یزید قال: قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): اغتسل فی مغتسل یبال فیه ویغتسل من الجنابة، فیقع فی الاناء ماء ینزو من الأرض، فقال: لا بأس به(2)، لکن فی کون الذی ینزومن الأرض لاقی موضعاً متنجساً محل شک فی الفرض بعد افتراض اعتیاد الاغتسال من الجنابة فیه.

تنبیهات

الاول: انفعال القلیل بالدم الیسیر: ذهب الفقهاء الی انفعال القلیل بالدم الیسیر ولو کان رأس ابرة خلافا لما یظهر من الشیخ فی الاستبصار

ص:317


1- (1) المصدر، باب8، ح5.
2- (2) وسائل الشیعة، ابواب الماء المضاف باب9، ح7.

من حمل صحیح علی بن جعفر (المتقدم فی بحث الانفعال) عن اخیه موسی (علیه السلام) قال: سألته عن رجل رعف فامتخط فصار ذلک الدم قطعا صغارا فأصاب اناءه هل یصلح الوضوء منه؟ قال: (ان لم یکن شیء یستبین فی الماء فلا بأس وان کان شیئا بینا فلا توضأ منه)(1) علی ما لا یدرکه الطرف، وکذا ذکر فی المبسوط ملحقا به غیره من النجاسات وانها معفو عنه.

وقد ذهب عدة من متأخری العصر الی أن الاجزاء المدرکة عقلا لا بالحس أو بتوسط العین المسلحة لا اعتداد بها لعدم اندراجها فی موضوع الحکم بعد تقیّده بالمقدار المعتد به لدی العرف.

ومثّل له فی بعض الکلمات بالغبار المتولد من القذارة الجافة، وهو فی محله وان کان فی المثال نظر، کما ورد فی بعض الروایات من عدم الاعتداد باللون بعد ذهاب العین، الذی هو ذهاب حسی لا عقلی.

وأما الروایة فالاظهر فی مفادها أنها متعرضة لحالة الشک فی الأصابة والملاقاة للماء، کما هو الدارج فی استعمال مادة التبین وان اسند الی الشیء إلا انه نفی التبین کنایة عن العدم لا الوجود غیر المدرک، وأما فرضه لاصابة الاناء فبلحاظ الاحساس والتخیل لا القطع والجزم باعتبار أن بدء اتجاه حرکة المخاط من الانف محسوس الوجهة اجمالا حال الامتخاط وان جهل المنتهی وموضع اصابته تفصیلا.

الثانی: الاعتبار بوحدة الکم: کما ذهب الیه الکثیر أو الأکثر خلافا لصاحب المعالم (قدس سره)، ومنشأ النسبة الیه هوما ذکره فی مسألة اشتراط اتحاد

ص:318


1- (1) الوسائل، ابواب الماء المطلق، باب8، ح1.

سطوح ابعاض الکر دلیلا إذ قال: (من ان ظاهر اکثر الأخبار الکر الاجتماع فی الماء وصدق الوحدة والکثرة علیه)، لکن فی النسبة نظر حیث انه فی مقام اشتراط اتحاد السطوح فی مثل صورة الغدیرین ونحوه کمثال المتن.

وأیا ما کان فوجه الاکتفاء بالاتصال هو اطلاقات الکر وان غایة ما یستفاد منها هو اعتبار وحدة الکم لا الوحدة الظرفیة والمکانیة ،والاولی حاصلة مع اتصال السطوح فهو ماء واحد بلحاظها.

إلا انه قد یقال: بتهافت ما ذکروه فی المقام مع ما ذکروه فی تطهیر القلیل، من أن مقتضی القاعدة عدم تطهره بالاتصال بالکثیر، لتعدد الماء مع الاتصال فیتبعض الحکم فیهما ویتعدد.

وبعبارة أخری: ان ادلة اعتصام الکر لا تدل علی اعتصام المتصل به المتمیز موضوعا بل علی اعتصام خصوص ما هومن ابعاض الکر، وجه التهافت أن القلیل المتصل بالکر إن لم یکن من ابعاضه أی لم یکن له وحدة به فلا فرق بیّن فی عدم اعتصامه به بین کونه طاهرا أو متنجسا، فالطاهر المتصل ینجس بملاقاة النجاسة، وان کان من ابعاضه فلا بد من تطهر القلیل المتنجس المتصل.

ورفع التهافت: علی القول باشتراط الامتزاج فی التطهیر ولوفی الجملة کما هو الصحیح واضح، حیث انهم لم یذهبوا الی طهارة القلیل المتنجس المتمم کرا، فکذا فیما هومن ابعاضه الزائدة علی قدر الکریة عدم فرض الوحدة بالامتزاج وامکان تبعض الحکم فی الماء الواحد بالاتصال، ففی التطهیر للابعاض المتصلة مفقود شرط التطهر وهو الامتزاج وهذا بخلاف القلیل الطاهر المتصل فینسحب علیه حکم اعتصام الکر للوحدة

ص:319

الاتصالیة المحققة للوحدة الکمیة.

فمحصل الفرق ان عاصمیة الکر المستفادة من ادلته هی الدفعیة لا الرافعیة، وهذا الفرق متأت أیضا علی القول بکفایة مجرد الاتصال فی التطهیر.

الثالث: لا فرق بین الوارد والمورود قال اکثر الفقهاء لا فرق فی تنجس القلیل بین أن یکون واردا علی النجاسة أو مورودا.

خلافا للسید المرتضی وابن ادریس، ونسبه فی السرائر للمعروف من الاصحاب استنادا الی امتناع التطهیر لو بنی علی الانفعال وهو أحد وجوه القول بطهارة الغسالة.

وربما استدل له بعدم الاطلاق فی أدلة الانفعال بعد کونها فی الموارد الخاصة المفترض فیها مورودیة القلیل، وکذا مفهوم شرطیة الکر، فإنه لو بنی علی الموجبة الکلیة فیه فلا اطلاق احوالی فی الافراد من جهة الواردیة والمورودیة.

وفیه: عدم امتناع التطهیر لوقیل بنجاسة الغسالة کما سیأتی، وخصوصیة موارد الادلة مرفوع الید عنها عرفا، حیث أن کیفیة التقذر والتنجس موکول الیه بالاطلاق المقامی کما هو الحال فی عدم الفرق فی القذارات العرفیة بعد حصول الاجتماع بین القذار أو المتقذر مع الماء ولو آنا ما، مع أن بعض ادلة الانفعال المتقدمة کأوامر غسل الأوانی مفروض فیها واردیة الماء فتدبر.

وأما منع الاطلاق الاحوالی فی مفهوم اخبار الکر فمردود بما تقدم من ان المفهوم تابع للمنطوق فی حدوده وفی سور القضیة، ولیس له قضیة وجملة ملفوظة مستقلة، بل هی نفس جملة المنطوق بتغییر الکیف، والمفروض الاطلاق الاحوالی فی المنطوق.

ص:320

ثم انه قد یقال بتفصیل آخر وهوبین استقرار النجاسة وعدمه، استنادا لمصحح عمر بن یزید المتقدم(1) فی انفعال القلیل بالمتنجس المفروض فیه نزو الماء من الأرض التی یبال علیها ویغتسل من الجنابة فیها، وتقدم أن الفرض غیر ظاهر فی العلم بنجاسة الأرض بعد فرض الاغتسال فیها، فکون الماء لاقی موضعا متنجسا. محل شک فی فرض السائل.

ص:321


1- (1) کما حکی عن الشیخ مرتضی آل یاسین (قدس سره) .

ص:322

قاعدة فی الکفر

اشارة

ص:323

ص:324

من القواعد العقائدیة المتصلة بأبواب الفقه قاعدة فی الکفر

کلمات الأصحاب فی الکافر:

المتظافر حکایة الاجماع علی نجاسة الکافر(1) بل فی التهذیب فی ذیل شرح عبارة المقنعة (لا یجوز الطهارة باسئار الکفار) و(اجمع المسلمون علی نجاسة المشرکین والکفار اطلاقا)(2)، لکنّه محمول علی النجاسة بالمعنی الأعم من الحکمیة المعنویة، وإن کان بعیدا عن سیاق کلامه، وفی الانتصار(3) إجماع الشیعة علی نجاسة أهل الکتاب وکل کافر.

ص:325


1- (1) کما حکاه فی المعتبر عن الاصحاب، ج1، ص440، وابن ادریس فی السرائر، ج1، ص73 وص75،والشهید الثانی فی المسالک ج12 ص65 (نجاسق الکافر مطلقا - حربیاُ کان ام اهل ذمه - هو المشهور بین الاصحاب بل ادعی علیه جماعه - منهم المرتضی وابن ادریس - الاجماع ...) اما العامة فقد ذهب اکثرهم للطهارة ولم یخالف الا القلیل، راجع الفقه علی المذاهب الاربعة، ج1، ص11.
2- (2) التهذیب، ج1، ص223.
3- (3) الانتصار، ص88. طبعة المحقق، ص10، الطبعة القدیمة.

وفی المعتبر (1) : واما الکفار فقسمان یهود ونصاری ومن عداهما، أما القسم الثانی فالاصحاب متفقون علی نجاستهم سواء کان کفرهم أصلیا أو ارتدادا- إلی أن قال- وأمّا الیهود والنصاری فالشیخ قطع فی کتبه بنجاستهم وکذا علم الهدی والأتباع وابنا بابویه، وللمفید قولان أحدهما النجاسة ذکره فی أکثر کتبه والآخر الکراهیة ذکره فی الرسالة الغریة.

وهو یعطی الخلاف فی أهل الکتاب إلّا أنّه اقتصر فی نسبة الخلاف إلی المفید فقط، مع امکان حمل عبارته علی الحرمة، فنسبة الخلاف إلی ابن جنید وابن أبی عقیل لم نعثر علیها(2) فی المعتبر ولا الذکری ولا المختلف ولا المنتهی، وإن ذکرت فی کلمات متأخری المتأخرین من عدم تنجیس الثانی سؤرهم، وترجیح الأوّل اجتناب آوانیهم ما لم یتیقن الطهارة.

نعم فی المختلف(3) فی باب الذبح نسب إلی ابن أبی عقیل حلّیة ذبائحهم، وحکی(4) عن ابن الجنید أن الأحوط عنده اجتناب ذبائحهم وأوانیهم ما لم یتیقن الطهارة.

ثمّ ان تضمن معاقد الاجماع فی بعض کلمات القدماء عنوان المسوخ لیس قرینة علی التنزیه بعد ذهابهم إلی نجاستها کما هومعروف عن الشیخ وجماعة، کما أنّ قالب معقد الاجماع الذی هوبصورة النهی عن أسآرهم عن الانتفاع أو الوضوء بها کذلک(5) بعد وضوح أن النهی عنه فی ذلک الباب

ص:326


1- (1) المعتبر، ج1، ص95.
2- (2) لم نعثر فی کلمات الاصحاب نسبه ذلک الی ابن الجنید وابن ابی عقیل، نعم نسب الیهما ذلک الشهید الثانی، فی مسالک الافهام، ج12، ص66.
3- (3) مختلف الشیعة، ج8، ص316، الطبعة المحققة.
4- (4) المصدر، الصفحة ثم علق علی عبارة ابن الجنید ( وهذه العبارة لا تعطی التحریم).
5- (5) بحوث فی شرح العروة، للشهید الصدر، ج3، ص338.

للنجاسة إلا ما نصّ علیه بالتنزیه، کما استدلّ علی نجاسة بعض الأعیان بالنهی الوارد عن أسآرها وکما هو صریح صحیحة البقباق المتقدمة فیها.

نعم فی کلمات الشهید الثانی(1) التلویح بدلالة بعض الروایات علی الطهارة، وصرح المقدس الاردبیلی فی المجمع بأن العمدة فی النجاسة الاجماع(2) وهو الموجب لتأویل روایات الطهارة، ومن بعده تلمیذیه صاحب المعالم ویظهر من صاحب المدارک التوقف فی النجاسة فیهم بل فی مطلق الکافر(3)، وکذا حکی عن الفیض - فی اهل الکتاب --، وقد اختار الطهارة جماعة من متأخری هذا العصر علی اختلاف بینهم فی تصویرها.

الأقوال والمحتملات فی المسالة:

والمحصل من الأقوال والمحتملات المذکورة حینئذ هو:

الأول: النجاسة الذاتیة مع المنجسیة وهو قول المشهور شهرة قاطبة.

الثانی: النجاسة الذاتیة مع عدم المنجسیة.

الثالث: النجاسة الذاتیة المعفو عن تنجیسها نظیر ماء الاستنجاء عند الاضطرار وکثرة الابتلاء بهم والحاجة إلی معاشرتهم.

الرابع: النجاسة الذاتیة المعفو عنها نظیر الصدید.

الخامس: الطهارة الذاتیة مع أصالة النجاسة العرضیة عند الشک.

السادس: الطهارة الذاتیة مع البناء علی الطهارة العرضیة عند الشک لأصالتها.

ص:327


1- (1) المسالک، ج12، ص67.
2- (2) مجمع الفائدة والبرهان، المقدس الاردبیلی، ج1، ص322.
3- (3) مدارک الأحکام، ج2، ص298.

وأمّا العامّة فلم یحک خلاف بینهم علی طهارة الکافر مطلقا(1) إلّا ما عن الحسن(2) من متقدمیهم وأهل الظاهر(3) وبعض أئمة الزیدیة(4)، وقال فی الانتصار(5): (وحکی الطحاوی عن مالک فی سؤر النصرانی والمشرک أنّه لا یتوضأ به ووجدت المحصلین من أصحاب مالک یقولون أنّ ذلک علی سبیل الکراهة لا التحریم(6) لأجل استحلالهم الخمر والخنزیر ولیس بمقطوع علی نجاسته - یعنی السؤر--) فمذهبه الکراهة والتنزه لمعرضیتهم النجاسات العرضیة.

أدلة القول بالنجاسة:

أولا بالآیات الکریمات:

الأولی: قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ (7).

وتقریب الدلالة اجمالاً: أن فی حصر المشرکین فی النجاسة نحواً من التأکید والتشدید علی بالغ نجاستهم، مضافا إلی کون الأخبار بوصف

ص:328


1- (1) راجع المغنی لابن قدامه، ج1، ص49، التفسیر الکبیر، ج16، ص24. البحر الرائق، ج1، ص126. الفقه علی المذاهب الاربعة، ج1، ص11. وغیرها.
2- (2) حیث قال: (من صافح مشرکاً توضأ).
3- (3) نسب هذا القول للظاهریة، صاحب فتح الباری، ج1، ص129. ثم قال: (ولا عجب فی الدنیا اعجب ممن یقول فیمن نص الله انهم نجس: انهم طاهرون...)
4- (4) وهو قول الهادی من الزیدیة.
5- (5) الانتصار، ص88.
6- (6) احکام القرآن، للقرطبی، ج13، ص44.
7- (7) سورة البراءة، الآیة:28.

المصدر مبالغة فی اتصافهم بذلک کما فی زید عدل، أی عین العدل مبالغة.

وأما الموضوع فیعم أهل الکتاب، إمّا لصدق العنوان علیهم، أو لکونه کنایة عن مطلق الکفار لما یأتی من القرائن.

الإشکال علی دلالة الآیة: وأشکل تارة فی المحمول - مفاد النجاسة - وأخری فی عموم الموضوع.

أما المحمول (مفاد النجاسة):

فأولا: بأن المعنی الاصطلاحی للنجاسة لم یثبت وروده فی الآیة الکریمة ولم یتعارف استعماله، بل هو بالمعنی اللغوی وهو القذارة أی الشرک وهو المناسب للتفریع بمنعهم عن دخول المسجد الحرام لعدم حرمة ادخال الأعیان النجسة ما لم یکن هتکا، إذ المسجد محل عبادة وذکر للّه لا یناسب الشرک والکفر، ویعضد ذلک ندرة استعمال اللفظة فی الأحادیث النبویة(1).

ثانیا: أن حمل المصدر علی الذات لا یصحّ فلا بد من التقدیر ل--(ذو) أو استعمال المصدر بمعنی الصفة ویصح الاتصاف حینئذ لأدنی ملابسة، وهو عدم توقیهم من النجاسات والاحداث فالتوصیف بلحاظ ذلک.

ثالثا: لو کان المعنی الاصطلاحی هو المراد لاشتهر علما وعملا عند المشافهین بالنزول بل علی العکس فان المراد عندهم هو القذارة المعنویة ونحوها، إلا ما ینسب(2) إلی ابن عباس أنّ مفادها (أن أعیانهم نجسة

ص:329


1- (1) بحوث فی شرح العروة، السید الصدر، ج3، ص259، التنقیح، السید الخوئی، ج3، ص44.
2- (2) نسب ذلک لابن عباس الزمخشری فی تفسیره الکشاف.

کالکلاب والخنازیر)، ومن التابعین الحسن البصری (أن من صافح مشرکا توضأ) وعمر بن عبد العزیز وهو علی فرض صحة النبسة لا یشکل تبادرا فی الارتکاز العرفی المحاوری حینذاک(1).

رابعا: أن النجاسة عند ما تحمل علی شیء تارة تحمل علیه کصفة ابتدائیة للجسم، وأخری بما هو متصف بصفة قائمة بالجسم غیر قابلة للسریان بالملاقاة، وثالثة کصفة للنفس والمعنی.

ولک أن تقول أنها تارة قذارة حسیة للجسم، وثانیة قائمة بالجسم غیر قابلة للتعدی کالاسکار للخمر، وثالثة قائمة بالجسم والمعنی کالجنابة والحیض، حیث ورد التعبیر بأن تحت کل شعرة جنابة.

ففی الأولی القذارة تکون متعدیة، وفی الثانیة لا تتعدی کما ورد أن الثوب لا یسکر، وفی الثالثة لا تتعدی کما ورد أن الثوب لا یجنب وان الجنابة والحیض حیث وضعهما الله تعالی، ثمّ أن کلا من هذه الأقسام الثلاثة تنقسم إلی حقیقیة واعتباریة، والمناسب للحصر فی الآیة هو النجاسة الحقیقیة المعنویة لا الاعتباریة، مضافا إلی أن احتمال ارادة المعنی الحقیقی اللغوی أی القذارة والوساخة ممکن فلا موجب لحملها علی الاعتباریة(2).

دفع الإشکال الأول علی دلالة الآیة: وتدفع:

أما الأول: فبأن سورة التوبة المتضمنة للآیة من أواخر السور نزولا بل قیل أنّها نزلت بعد سورة المائدة عام تسع من الهجرة، وقد شرّع نجاسة البول والغائط والمنی وغیرها من النجاسات ولزوم الغسل منها کما یظهر

ص:330


1- (1) فقه الامامیة، ج1، ص331.
2- (2) بحوث فی شرح العروة، ج3، ص257، والمستمسک، ج1، ص310.

من الآیات والروایات فی تلک العناوین.

وأما ندرة استعمال اللفظة فلو سلّم ذلک فبعد تشریع المعنی هو کاف فی حدوث الاصطلاح، إذ المعنی المزبور له ألفاظ مترادفة قد یکثر استعمال بعضها ویقلّ الآخر، وهو غیر مضر بعد ترادفها فی المعنی، والوجه فی ذلک أنّ المعنی الاصطلاحی لیس یباین المعنی اللغوی فی الماهیة والذات المقررة کما قدمنا فی صدر کتاب الطهارة وانما الوضع الشرعی یتعلق بالمصادیق والتطبیق للمعنی الکلی، فلیس هومن أحداث أصل المعنی بل الجعل فی المصادیق.

کما تقدم فی طی مباحث التذکیة أنّ فی البناء العقلائی انحاء من الجعل المتفق علیه بینهم أی المتعلق بالحکم الوضعی والتکلیفی والطریقی الظاهری، والأول کالتذکیة والمیتة والطهارة والنجاسة والملکیة واللزوم العقدی والجواز وغیرها، والثانی الواجبات العقلیة فی العقل العملی، والثالث کحجیة خبر الواحد والظهور وغیر ذلک، وعلی هذا یکون الجعل الشرعی امضائیاً فی بعض موارده کما فی الغائط والبول ونحوهما من القذارات فی الجعل العقلائی، وفی البعض الآخر تأسیسیاً کالکلب والخنزیر والکافر والخمر ونحوها وستأتی تتمة لذلک فی الجواب عن الاشکال الرابع.

وبذلک یتضح أن الاستعمال الشرعی للفظة لا یغایر اللغوی فی المعنی المستعمل فیه بل فی مورد الاستعمال والمسند الیه فی بعض الموارد کما فی المقام.

ویتضح أن الشرک لم یکن من القذارات العرفیة کی تکون النجاسة حقیقیة لدیهم فلا بد ولا محیص عن کون الآیة فی صدد الجعل التأسیسی بعد کون الوصف علة منعهم من الاقتراب.

ص:331

إمضاء المعنی العرفی للنجاسة:

اشارة

هذا مع أنّ الصحیح کثرة ورودها فی الاستعمالات النبویة من طرق الخاصّة والعامّة فی القذارة المادیة، ویظهر من روایة القمی فی تفسیره آیة أَنْ طَهِّرا بَیْتِیَ ... (1) أن تنحیة المشرکین کان من شریعة ابراهیم (علیه السلام)، بل ان تشریع نجاسة المشرکین کان فی التوراة أیضا کأحد أحکام النجاسة.

فمن طرق الخاصة: قوله صلی الله علیه و آله (المیتة نجس وان دبغت)(2)، وقوله صلی الله علیه و آله (الماء لا ینجسه شیء)(3)، وقریب منه قوله (خلق الله الماء طهورا لا ینجسه شیء، الا ما غیر لونه أو طعمه أو ریحه)(4).

وما رواه فی البحار(5) عن الخرائج عن الصادق(علیه السلام) أنّه قال: (لما قتل علی(علیه السلام) عمرو بن عبد ود اعطی سیفه الحسن (علیه السلام) وقال: قل لأمک: تغسل هذا الصیقل فردّه وعلی(علیه السلام) عند النبی صلی الله علیه و آله وفی وسطه نقطة لم تنق، قال: ألیس قد غسلته الزهراء؟ قال: نعم قال: فما هذه النقطة؟ قال النبی صلی الله علیه و آله : یا علی سل ذا الفقار یخبرک، فهزّه وقال: ألیس قد غسلتک الطاهرة من دم الرجس النجس؟ ... الحدیث)، بل هذه الروایة شاهدة علی دلالة الآیة فی تمام مفادها کما لا یخفی حیث أنّه (علیه السلام) فی صدد بیان شدة التقذر من دمه بإضافته إلی نجاسته.

ص:332


1- (1) سورة البقرة، الآیة:125.
2- (2) مستدرک الوسائل، ج2، ص592. بحار الانوار، ج77، ص80. دعائم الاسلام، ج1، ص126.
3- (3) مستدرک الوسائل، ج1، ص179. المقنعه، ص63. عوالی اللآلی، ج1، ص76.
4- (4) وسائل الشعیة، ج1، ص135. مستدرک الوسائل، ج1، ص202. بحار الانوار، ج77، ص9.
5- (5) بحار الانوار، ج20، ص249.

وقوله صلی الله علیه و آله فی بیان انتقاله فی الأصلاب (ثم قذفنا فی صلب آدم ثمّ أخرجنا إلی أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، ولا یصیبنا نجس الشرک ولا سفاح الکفر)(1)، وما رواه فی البحار(2) عن الواقدی أنّ عبد المطلب أراد أن یمسح بدن النبی صلی الله علیه و آله بالات والعزی لتسکن دمدمة وغضب قریش لما رأوا من آیات ولادته فجذب من ورائه فالتفت إلی ورائه فلم یر أحدا، فتقدم ثانیة - وهکذا - ثمّ تقدم ثالثة فجذبه الجاذب جذبة شدیدة حتی أقعده علی عجزه وقال: یا أبا الحارث أتمسح بدنا طاهرا ببدن نجس؟، والنجاسة فی حجارة الأصنام بلحاظ ما یراق علیها من دماء القرابین لها أو ملاقاتها لأیدی المشرکین.

وما روی فیما امتن الله به علی أمّته کرامة له صلی الله علیه و آله فی الحدیث القدسی (وکانت الأمم السالفة إذا أصابهم أدنی نجس قرضوه من أجسادهم، وقد جعلت الماء طهورا لأمّتک من جمیع الأنجاس)(3).

وما روی فی خبر ولادته صلی الله علیه و آله (فأخذ جبرئیل رسول الله صلی الله علیه و آله وغسله ومیکائیل یصب الماء علیه فغسلاه وآمنة فی زاویة البیت قاعدة فزعة مبهوتة، فقال لها جبرئیل: یا آمنة لا نغسله من النجاسة فإنّه لم یکن نجسا ولکن نغسله من ظلمات بطنک)(4).

وقوله صلی الله علیه و آله إذا أراد دخول المتوضأ (اللهمّ انی أعوذ بک من الرجس النجس الخبیث المخبث الشیطان الرجیم، اللهمّ امط عنی الأذی

ص:333


1- (1) بحار الانوار، ج15، ص7. علل الشرائع، ص80.
2- (2) بحار الانوار ج15 ص 296.
3- (3) بحار ج77 ص150
4- (4) .بحار الانوار، ج15، ص287. الفضائل، ص18.

وأعذنی من الشیطان الرجیم)(1)، بناء علی أن الموصوف بالرجس النجس هو الغائط والتعوذ منه ومن الشیطان من دون ذکر حرف العطف، أوأن الموصوف هو الشیطان الا أن الوصفین الأولین وصفا له بلحاظ وجوده المادی والاخیرین بلحاظ مرتبة وجوده المجرد.

وقوله صلی الله علیه و آله (جنبوا مساجدکم النجاسة)(2)، وغیرها مما یجدها المتتبع.

وأما من طرق العامّة: فقد استفاض عندهم عنه صلی الله علیه و آله قوله (ان المؤمن لا ینجس وان المسلم لا ینجس)(3)، فی جوابه صلی الله علیه و آله لتوهم بعض الصحابة نجاسة بدن الجنب.

وکذا استفاض عندهم قوله صلی الله علیه و آله (ان الماء طهور لا ینجسه شیء)(4)، و(ان الماء لا ینجسه شیء)، وکذا استفاض عندهم قوله صلی الله علیه و آله (انّها لیس بنجس) عن الهرة جوابا لتوهم بعض النساء نجاسة سؤرها.

وکذا استفاض عندهم قوله صلی الله علیه و آله (إذا بلغ الماء قلتین لم ینجسه شیء)(5)، وتقریره صلی الله علیه و آله لسؤال السائل إنّا نرید المسجد فنطأ الطریق النجسة ثم قوله صلی الله علیه و آله (الارض یطهر بعضها بعضا)(6)، وما رووه عنه صلی الله علیه و آله فی النهی عن لحوم الحمر وتعلیلها ب--(فإنّها رجس

ص:334


1- (1) وسائل الشیعة، ابواب احکام الخلوه باب5، ح5
2- (2) الوسائل، ابواب احکام النجاسه، باب24، ح2.
3- (3) البخاری، کتاب الغسل، باب23. مسلم 556/29 وغیرهما.
4- (4) مسلم، کتاب الطهارة، باب30. وغیرها.
5- (5) ابن ماجه، کتاب الطهارة، 510/75.
6- (6) سنن الدارمی، 525/79.

أو نجس)(1)، وغیرها ممّا یعثر علیه بالفحص.

هذا فضلا عما یوجد فی کتب السیر والتواریخ عنه صلی الله علیه و آله ، وفضلا عما یوجد عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) سواء من طرقنا أو طرق العامّة، وکذا عن الصحابة فانه یتوفر بذلک کم هائل من استعمال اللفظة فی القذارة المادیة، بل بالامکان الحصول علی شواهد أنّ اللفظة مستعملة فی المادیة قبل الاسلام(2).

مضافا إلی کلّ ذلک أنّ استعمال اللفظة کما تقدم إنما هوفی ماهیة القذارة لا بما هی متقیدة برتبة وجود معین کالنفسی مثلا کما فی سائر ألفاظ الطبائع، فعند اسناد المصدر إلی الذات یعطی کما حرر فی البلاغة أنّ الذات متمثلة بقالب مجسم من أفراد المصدر کما فی زید عدل، والمفروض أن الذات لیس مقتصرة علی الروح والنفس بل مجموع مشتمل علیهما وعلی البدن، إذ لم یسند المصدر إلی الشرک بل إلی المشرک أی الذات المتصفة به، کما ان الاتیان باداة الحصر لحقیقة المشرک فی المصدر والصفة تأکید ومبالغة أخری فی کونهم بتمام ذاتهم قذرین فهل یتناسب کل ذلک مع الاسناد المجازی فیکون الاسناد لا إلی ذواتهم بل إلی نفوسهم.

وأمّا المناسبة المذکورة فلا تقتضی عدم نجاسة أبدانهم المعلولة للشرک، وعدم حرمة ادخال بقیة النجاسات ما لم یکن هتکا، فلا شهادة فیه علی ذلک بعد اختصاص کل عین نجسة بأحکام وان اشترکت کلها فی أحکام أخری، فالمناسبة المذکورة موجبة للاختصاص بالحکم المزبور لا

ص:335


1- (1) مسلم، کتاب الصید، باب40.
2- (2) کما هو فی التوراة.

لحصر القذارة بالمعنی، بل ان ارادة النجاسة المعنویة فی هذا التعبیر أی وصف ذواتهم بعین المصدر والقذارة مع حصر حقیقتهم بذلک هومن البشاعة بمکان کما قیل، إذ کیف تتناسب المبالغة فی وصف ذات شیء بأنّه عین القذر کما فی زید عدل ثم یقال بأن بدنه طاهر کسائر الأعیان الطاهرة.

دفع الإشکال الثانی:

أما الثانی: فقد حرر فی علم البلاغة أنّ الوصف بالمصدر أبلغ فلا حاجة للتأویل والتقدیر، ولذلک وقع الاصطلاح الفقهی علی اطلاق المصدر علی الأعیان النجسة والمشتق علی الأجسام المتنجسة بتلک الأعیان، هذا مضافا إلی مناسبة الحصر والمبالغة فی التوصیف بالمصدر إلی کون المشرکین کملا روحا وبدنا بذلک الوصف.

دفع الاشکال الثالث:

وأمّا الثالث: ففیه مضافا إلی ما تقدم فی دفع الأول أنّه لا اختلاف فی المعنی المراد من اللفظة کما تقدم، ویشهد لذلک ما یذکر عن کثیر من الصدر الأول(1) من أن مفادها هو القذارة المادیة، غایة الأمر لا یسندونها إلی أبدانهم بالذات بل یسندونها إلیهم بلحاظ تلوثهم ببقیة النجاسات وعدم توقّیهم عنها، وبلحاظ الحدث الذی لا یغتسلون منه من الجنابة وغیرها.

فالإختلاف عند الأکثر فی استظهار المسند إلیه هل هو النفس أو البدن بلحاظ الذات أوبلحاظ القذارات العرضیة، نعم اسنده البعض منهم إلی النفس بلحاظ الشرک وهو أیضا لیس قذارة عرفیة کما تقدم.

ص:336


1- (1) لاحظ تفسیر الطبری وغیره.

فالقذارة شرعیة عند الکل حتی لو کانت بلحاظ الشرک حیث أن الفرض انه رتب علیها حکم المنع من اقترابهم للمسجد الحرام.

ومما یشهد بأن الظهور یحتمل اسناد النجاسة إلی الأبدان ما رواه الطبری عن جماعة بقوله (وقال آخرون معنی ذلک ما المشرکون إلا رجس خنزیر أو کلب وهذا قول روی عن ابن عباس)، وحکاه عن الحسن البصری وغیره.

ولیس هذا الاختلاف فی هذا الجهة من الظهور فقط، فقد اختلف فی جهات أخری أیضا من عموم الدلالة لکل المساجد کما ذهب إلیه مالک من العامة خلافا لأبی حنیفة والشافعی، ومن عموم الدلالة لکل الکفار کما ذهب إلیه مالک والشافعی خلافا لأبی حنیفة، ومن عموم الدلالة لمطلق الدخول للمسجد الحرام خلافا لأبی حنیفة حیث ذهب إلی المنع عن خصوص الحج والاعتمار.

فهل تری أن هذا الاختلاف فی الاستظهار یسقط الظهور عن الحجیة أو ظهورها فی مفاد هذه الجهات ویصنفها فی المجملات، وکم من اختلاف فی مفاد الآی فی الکتاب العزیز مع کونها غیر محدودة فی المتشابه.

بل ان الباعث لهم علی تحویر الظهور فی الآیة هو توهم عامتهم دلالة آیة الطعام علی طهارتهم وحلّیة ذبائحهم، والثانیة من سورة المائدة التی عرفت بکونها ناسخة غیر منسوخة، فارتکبوا ذلک التأویل جمعا بین المفادین وابتعادا عن النسخ لحکم المنع عن اقترابهم، اذ هو بالاتفاق غیر منسوخ.

وهذا نظیر ما ارتکبوه من الخطأ فی فهم قول النبی صلی الله علیه و آله فی الشاة المیتة (هلّا انتفع أصحابها بجلدها) ان جلد المیتة یطهر بالدباغة مع

ص:337

انه صلی الله علیه و آله أراد بأن یذبحوها ویذکوها ومن ثم ینتفعون بها، وغیر ذلک من الموارد التی حرّفت فیها الأحکام، وسیأتی أن محط نظر الروایات علی اختلاف ألسنتها هی لتخطئتهم فی ذلک ومن ثم تخطئة ما بنوا علیه من تحویر آیة نجس المشرکین ومن قلب مفادها.

دفع الإشکال الرابع:

وأمّا الرابع: فقد تقدم فی دفع الاول والثالث أنّ الاطلاق والاستعمال لا یغایر المعنی اللغوی وانما یغایره فی المورد والتطبیق وأنّه شرعی علی کل حال، وأمّا التردید بین الاعتباری أو الحقیقی فهو نظیر التردید فی النجاسة فی حکم الشرع انها اعتبار أو حقیقة کشف عنها الشارع، فکذلک التردید فی حکم العرف، والصحیح انها مع الطهارة حکمان وضعیان فی البناء العقلائی وان کان منشأهما ما یوجب النفرة ونحوهما من الدنس أو الخلوص من ذلک وان کان لهما مصادیق حقیقیة تکوینیة، حیث أنک تری اختلافاً فی الانظار العرفیة فی مصادیقها وذلک حسب اعتباراتهم وحسب احراز ملاک الاعتبار المزبور، ویدل علی ذلک أیضا انهم یرتبون الآثار من التغسیل وغیره.

فکذلک فی المقام حیث رتب فی الآیة النهی عن اقترابهم، مع أن عنایة الحصر والمبالغة فی الوصف انما یتم بقذارتهم بنفوسهم وأبدانهم ولوبنی علی کونها فی المقام حقیقیة، حیث أنّه تقریر من الشرع بذلک.

وأمّا التقسیم الثلاثی المذکور فغیر مطرد فقد حکم علی البول والغائط من الحیوان الجلّال بالنجاسة المتعدیة وان کان الحیوان من الأنعام الثلاثة وغیره من مأکول اللحم بالذات، وکذا حکم علی عرق الجنب من

ص:338

الحرام وعرق الابل الجلالة بالنجاسة المتعدیة علی قول المشهور فیهما، ولا أقل من مانعیتهما للصلاة، وکذا علی المیتة الذی هو زهوق الروح، مع ان هذه الموارد لم یکن الحکم الا بتوسط صفة قائمة بالجسم غیر قابلة للسریان أو بالاسناد إلی النفس کما فی الجنب من الحرام، کما قد حکم علی ابن الزنا بالقذارة غیر المتعدیة مع أنّه یندرج فی القسم الأول.

هذا: مضافا إلی موافقة الاعتبار وتجویزه الحکم بنجاسة متعدیة فی القسمین الاخیرین فیما کانت شدیدة والعکس فی القسم الأول فیما کانت خفیفة.

المؤیدات للمختار:

ویمکن تأیید ما تقدم - من عموم القذارة للبدن والنفس - والاستئناس إلی ذلک بما یلی:

أولا: الحکم فی موارد أخری أیضا یظهر منها الارتباط بین القذارة المعنویة والقذارة البدنیة:

کغسل المیت من الحدث یطهّر بدنه، کما أن مسّه قبل غسله یوجب الحدث.

وکتنجس بدن الحیوان الآدمی وغیره مما له نفس سائلة بخروج الروح بخلاف ما لیس له نفس وبخلاف الذی خرجت روحه بالشهادة أو التذکیة.

وکغسل الجنب من الحرام رافع لنجاسة أو مانعیة عرقه للصلاة.

وکذا التعلیل الوارد فی غسل البدن من الجنابة (من أجل أنّ الجنابة من نفس الانسان بخلاف الغائط فان یدخل من باب ویخرج من باب)(1)

ص:339


1- (1) وسائل الشیعة، ابواب الجنابه، باب2، ح4.

أو لان فیه لذة وشهوة(1) وهما نفسیتان.

وکاستعمال الماء فی رفع الحدث الأکبر یسلب الماء طهوریته، وکذا لزوم طهوریة الماء للطهارة عن الحدث، وکذا عدم طهوریة الماء عن الحدث إذا کان مستعملا فی الخبث.

ثانیا: ما تقدم استظهار القذارة بما یشمل البدن من الآیة ما ورد التعبیر باللفظة المزبورة عن أهل الکتاب فی موثق ابن أبی یعفور(2) بمقتضی الاشتراک المفهوم فی مفاضلة الناصب والکلب علیهم.

ثالثا: ما تقدم فی مفاد اللفظة، وما ورد فی المقابل فی المؤمن فی روایات الوضوء (ان المؤمن لا ینجسه شیء انما یکفیه مثل الدهن)(3).

رابعا: قوله تعالی إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ التَّوّابِینَ وَ یُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِینَ (4)، فقد وردت الروایات المعتبرة ان سبب نزولها هو فی الانصاری الذی ابتدع الاستنجاء بالماء، فالاطلاق فی الآیة بلحاظ البدن، وأیضا کما فی روایات أخر بلحاظ النفس فلا غروان یکون کذلک فی المقابل وهو النجس.

خامسا: قوله تعالی أَنْ طَهِّرا بَیْتِیَ لِلطّائِفِینَ وَ الْعاکِفِینَ وَ الرُّکَّعِ السُّجُودِ (5)، ومثله قوله تعالی فی سورة الحج(6)، والمستفاد منها عموم الامر بالتطهیر سواء من الاشراک والاصنام أو المشرکین أومن بقیة القذارات

ص:340


1- (1) المصدر، باب1.
2- (2) وسائل الشیعة، ج1، ص220.
3- (3) وسائل الشیعة، ج1، ص438، باب31 من ابواب الوضوء، ح11.
4- (4) سورة البقرة، الآیة: 222.
5- (5) سورة البقرة، الآیة: 125.
6- (6) الحج: 26 وَ طَهِّرْ بَیْتِیَ لِلطّائِفِینَ وَ الْقائِمِینَ وَ الرُّکَّعِ السُّجُودِ.

حیث کان المشرکون یرمون فیه القذارات.

کما وقد دلت علی ارادة عموم الأمر بالتطهیر الروایات الصحیحة الواردة(1) فی ذیل الآیة وأنّه بمقتضی الأمر فیها ینبغی للعبد والمرأة أن لا یدخلا إلّا وهما طاهران قد غسلا عنهما العرق والاذی وتطهّرا.

بل عن تفسیر القمی قال الصادق (علیه السلام) یعنی نحّ عن المشرکین وقال: لما بنی إبراهیم (علیه السلام) البیت وحجّ الناس شکت الکعبة إلی الله تبارک وتعالی ما تلقی من أیدی المشرکین وأنفاسهم، فأوحی الله إلیها قرّی کعبتی فانی أبعث فی آخر الزمان قوما یتنظفون بقضبان الشجر ویتخللون(2).

ولا یتوهم اشعار ذیل الروایة بکون المفاد للآیة انهم ذو نجس لأجل عدم تطهرهم عن القذارات إذ اطلاق التوصیف فی الآیة یفید ثبوت الوصف مطلقا للذات، کما أن الموضوع هی ذواتهم بنحو مطلق، مع أنّه علی هذا المعنی لا موجب لاختصاصهم بالتنحیة، وکذلک صدر الروایة المزبورة حیث اطلق الأمر بتنحیة المشرکین، مضافا إلی اشتمال الذیل فی أحد متونه علی الشکوی من ملاقاة أیدیهم، مع أنّها تغسل فی العدید من الأوقات فهو کالصریح فی النجاسة الذاتیة.

أمّا الموضوع (مطلق الکافر):

فأشکل علیه:

أولا: أنّه أخص من المدعی للفرق بین عنوانه (المشرکین) وبقیة أفراد

ص:341


1- (1) البرهان فی تفسیر القرآن، ج1، ص326. التفسیر الصافی، ج1، ص187. تفسیر القمی، ج1، ص59. وغیرها.
2- (2) تفسیر القمی، ج1، ص59.

الکفار کأهل الکتاب والفرق المنتحلة للإسلام، فقد ورد التفریق بین عنوان المشرکین وأهل الکتاب من الیهود والنصاری والمجوس بل والصابئة أیضا فی العدید الکثیر من الآیات(1) والروایات، وقد اختص کل من العنوانین باحکام خاصة فی باب القتال والنکاح والهدنة وغیرها.

ثانیا: ان التمسک باطلاق العنوان مستلزم لشموله لکل مراتب الاشراک التی لا یخلو منها إلا المعصوم وبعض اولیاء الله تعالی، مثل المرائی المسلم والذی یسند الخیر فی کلامه إلی غیر الله ونحوهما(2).

ویدفع الأول: إن فی المقام قرائن عدیدة علی کون الموضوع هو مطلق الکافر نظیر الموضوع فی قوله تعالی وَ لا تَنْکِحُوا الْمُشْرِکاتِ حَتّی یُؤْمِنَّ وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَیْرٌ مِنْ مُشْرِکَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْکُمْ وَ لا تُنْکِحُوا الْمُشْرِکِینَ حَتّی یُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَیْرٌ مِنْ مُشْرِکٍ وَ لَوْ أَعْجَبَکُمْ أُولئِکَ یَدْعُونَ إِلَی النّارِ وَ اللّهُ یَدْعُوا إِلَی الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَ یُبَیِّنُ آیاتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ (3) کما یأتی توضیحه أیضا، واستعمال المشرکین فیه اما من باب عموم المعنی المستعمل فیه اللفظة وهو أی الکفر أحد المعانی المستعملة کما تستعمل فی خصوص الوثنیین کثیرا فی الاطلاقات القرآنیة والروائیة، أولا أقل من باب الکنایة عن مطلق الکافر کما أرید منها ذلک فی موارد.

القرائن علی ذلک هی:

ص:342


1- (1) سورة البقرة، الآیة: 105، قوله تعالی ما یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ وَ لاَ الْمُشْرِکِینَ أَنْ یُنَزَّلَ عَلَیْکُمْ مِنْ خَیْرٍ مِنْ رَبِّکُمْ وَ اللّهُ یَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ یَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ ، وآل عمران، الآیة: 186. المائدة، الآیة:82. والحج، الآیة17. وغیرها.
2- (2) التنقیح فی شرح العروة، ج3، ص44.
3- (3) سورة البقرة، الآیة: 211.

الاولی: ان الحکم بالنجاسة والمنع من الاقتراب من المسجد الحرام شامل جزما للدهریین والملحدین من الکفار مع کونهم لیسوا بثنویین، وکون ذلک الشمول بطریق الأولویة القطعیة لا بشمول اللفظة غیر ضائر بعد الالتفات إلی عدم تعدد الموضوع الکلی للحکم، فلا بد من عنوان جامع وهو مطلق الکفر.

واحتمال: ان الموضوع بعض درجات الکفر لا مطلقه ولذا لا یشمل کفران النعمة ونحوه مما یجتمع مع الاسلام.

مدفوع: بأن الظاهر أخذ الکفر الاصطلاحی وهو انکار أصول الدین الآتی الکلام عنها، لکونه محطا للعدید من الأحکام کحرمة الذبیحة کما یأتی ذلک فی المرتد والناصب والخوارج وأهل الکتاب والمجسمة والمشبهة وغیرهم من أصناف الکفار، وکبینونة الزوجة وحصول الردة وعدم الارث وغیرها.

الثانیة: أن الحکم بالنجاسة قد رتب - کما سیأتی الدلیل علیه - علی بعض العناوین والفرق المنتحلة للاسلام کالناصب الذی ورد التعلیل بالکفر لحرمة الزواج منه(1)، والخارجی الذی ورد التعبیر عنه بالمشرک کما یأتی، والظاهر مع القرینة المتقدمة هو اندراج الموارد تحت عنوان الکفر.

الثالثة: عموم الحکم وهو المنع من دخول المسجد الحرام لأهل الکتاب، قرینة علی عموم الموضوع وعلی عموم العلة وهی النجاسة، والدال علی عموم الحکم عدة من الآیات کقوله تعالی فی نفس السورة قبل هذه الآیة بعدة آیات ما کانَ لِلْمُشْرِکِینَ أَنْ یَعْمُرُوا مَساجِدَ اللّهِ شاهِدِینَ

ص:343


1- (1) و سائل ، ج20، ابواب ما یحرم بالکفر باب 10.

عَلی أَنْفُسِهِمْ بِالْکُفْرِ (1)، والنفی شامل للتولیة علی المسجد وللدخول والمکث فیه لأجل الذکر والصلاة أو الزیارة، کما هو أحد مصادیق عمارته فی المأثور والعرف الشرعی، والنفی موضوعه مطلق الکافر بمقتضی التعلیل، بل إن فی وحدة الآیتین فی الحکم والسورة قرینة قویة جدا علی عموم الموضوع وهو الکفر.

وکقوله تعالی وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أَنْ یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ وَ سَعی فِی خَرابِها أُولئِکَ ما کانَ لَهُمْ أَنْ یَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِینَ لَهُمْ فِی الدُّنْیا خِزْیٌ وَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِیمٌ (2)، سواء کان سبب النزول هو تخریب الروم لبیت المقدس وتلویثهم إیاه ومنعهم من دخوله، أو کان منع المشرکین رسول الله صلی الله علیه و آله من دخول المسجد الحرام عام الحدیبیة بعد عموم موضوع الإخافة بالطرد من المسجد، لاسیما وأن سیاق الآیات العدیدة قبل هذه الآیة هو فی أهل الکتاب، وکذا الوعید بالخزی فی الدنیا المحتمل انطباقه علی اعطاء الجزیة عن ید وهم صاغرون.

ولا ینافی ذلک تعقیب آیة المنع عن القرب من المسجد الحرام بحکم القتال الخاص لأهل الکتاب وأخذ الجزیة فانه حکم آخر، وإلا فقد تلی ذلک أیضا اسناد الشرک إلی أهل الکتاب.

الرابعة: ورود استعمال الشرک فی مطلق الکفر الاصطلاحی الالحادی أو الملیّ والنحلی وسواء بنحو الفعل أو الوصف أو غیرهما، کما فی قوله تعالی حکایة عن مؤمن آل فرعون وَ یا قَوْمِ ما لِی أَدْعُوکُمْ إِلَی النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِی إِلَی النّارِ، تَدْعُونَنِی لِأَکْفُرَ بِاللّهِ وَ أُشْرِکَ بِهِ ما لَیْسَ لِی بِهِ عِلْمٌ وَ أَنَا أَدْعُوکُمْ إِلَی

ص:344


1- (1) سورة التوبة، الآیة:17.
2- (2) سورة البقرة، الآیة: 114.

اَلْعَزِیزِ الْغَفّارِ، لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِی إِلَیْهِ لَیْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِی الدُّنْیا وَ لا فِی الْآخِرَةِ (1)، فأطلق الشرک علی الاعتقاد بأن فرعون رب الارباب وإله الآلهة مع عدم الاعتقاد بالله.

کما هو ادعاء فرعون فی الآیة الکریمة وَ قالَ فِرْعَوْنُ یا هامانُ ابْنِ لِی صَرْحاً لَعَلِّی أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلی إِلهِ مُوسی وَ إِنِّی لَأَظُنُّهُ کاذِباً (2)، وکما فی الآیة الاخری وَ قالَ فِرْعَوْنُ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرِی فَأَوْقِدْ لِی یا هامانُ عَلَی الطِّینِ فَاجْعَلْ لِی صَرْحاً لَعَلِّی أَطَّلِعُ إِلی إِلهِ مُوسی وَ إِنِّی لَأَظُنُّهُ مِنَ الْکاذِبِینَ (3).

والوجه فی استعمال المادة فی مطلق الکفر حتی الالحادی، هوأن الاعتقاد بغیر الله من دون الله هو فی واقعه شرک حیث انه یؤول إلی جعل الغیر ندا وضدا ومنتهی وغایة فی قبال الله تعالی والعیاذ بالله.

وکذا اطلق علی أهل الکتاب کما یأتی وکما فی قوله تعالی إِنَّ اللّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَ یَغْفِرُ ما دُونَ ذلِکَ لِمَنْ یَشاءُ (4) إذ هو شامل لمطلق الکفر بلا ریب، وکما فی روایة یونس بن ظبیان عن الصادق (علیه السلام) فی حدیث قال: (یا یونس من زعم أن للّه وجها کالوجوه فقد أشرک)(5).

اطلاق الشرک علی اهل الکتاب:

اشارة

القرینة الخامسة: اسناد واطلاق الشرک علی أهل الکتاب سواء بهیئة الفعل أو المصدر أو الصفة فی الاستعمالات القرآنیة والروائیة.

ص:345


1- (1) سورة غافر، الآیة:41.
2- (2) سورة القصص، الآیة:36.
3- (3) سورة القصص، الآیة:37.
4- (4) سورة النساء، الآیة:48.
5- (5) الوسائل، ج24، ص69، باب28 من ابواب الذباح، ح10.
اولا: اطلاق الشرک علیهم فی القرآن:

الأول: کما فی قوله تعالی عقیب الآیة إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ (1)اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ وَ الْمَسِیحَ ابْنَ مَرْیَمَ وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِیَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمّا یُشْرِکُونَ (2).

الثانی: قوله تعالی لَقَدْ کَفَرَ الَّذِینَ قالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ وَ قالَ الْمَسِیحُ یا بَنِی إِسْرائِیلَ اعْبُدُوا اللّهَ رَبِّی وَ رَبَّکُمْ إِنَّهُ مَنْ یُشْرِکْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَیْهِ الْجَنَّةَ ... لَقَدْ کَفَرَ الَّذِینَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ (3).

الثالث: قوله تعالی وَ إِذْ قالَ اللّهُ یا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِی وَ أُمِّی إِلهَیْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ ، قالَ سُبْحانَکَ (4).

الرابع: قوله تعالی إِنَّکُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ ، لَوْ کانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَ کُلٌّ فِیها خالِدُونَ ، لَهُمْ فِیها زَفِیرٌ وَ هُمْ فِیها لا یَسْمَعُونَ إِنَّ الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنی أُولئِکَ عَنْها مُبْعَدُونَ (5)، الذی هو خطاب الکافرین فنقضوا عموم الآیة بشموله للنبی عیسی(علیه السلام) حیث ان النصاری یؤلّهونه فنزلت الآیة إِنَّ الَّذِینَ سَبَقَتْ .... (6).

الخامس: وقوله تعالی وَ قالُوا کُونُوا هُوداً أَوْ نَصاری تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ

ص:346


1- (1) سورة التوبة ، الآیة :28.
2- (2) سورة التوبة ، الآیة 31.
3- (3) سورة المائدة ، الآیة 73 72.
4- (4) سورة المائدة ، الآیة : 116.
5- (5) سورة الانبیاء، الآیة : 101 98.
6- (6) سورة الانبیاء، الآیة : 101.

مِلَّةَ إِبْراهِیمَ حَنِیفاً وَ ما کانَ مِنَ الْمُشْرِکِینَ (1)، فههنا الاطلاق علیهم بصیغة الصفة.

ودفع ذلک: بأنه نظیر قوله ما کانَ إِبْراهِیمُ یَهُودِیًّا وَ لا نَصْرانِیًّا وَ لکِنْ کانَ حَنِیفاً مُسْلِماً وَ ما کانَ مِنَ الْمُشْرِکِینَ (2)، بیّن الحنف له (علیه السلام) وتبرءته من المیل عن حاق الوسط إلی أهل الکتاب أو الوثنیین وهو المراد من الآیة السابقة(3).

ممنوع: بأن السیاق لآیات السورة فی الآیة السابقة للرد علی اختلاف أهل الکتاب فیما بینهم بسبب ما ابتدعوه من الاعتقادات والاحکام الباطلة، وان ملّة ابراهیم (علیه السلام) هی الملة الحنیفیة الواحدة التی لا شرک فیها من المبتدعات وأنه سبب اختلافهم، بل ان السیاق فی الآیة الثانیة بلحاظ الآیات السابقة علیها فی السورة والمتعقبة لها فالخطاب موجّه لخصوص أهل الکتاب فالاستعمال فیها أیضا من اطلاق الوصف علیهم وان کان من اطلاق العام علی الخاص.

السادس: قوله تعالی شَرَعَ لَکُمْ مِنَ الدِّینِ ما وَصّی بِهِ نُوحاً وَ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ وَ ما وَصَّیْنا بِهِ إِبْراهِیمَ وَ مُوسی وَ عِیسی أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ کَبُرَ عَلَی الْمُشْرِکِینَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَیْهِ اللّهُ یَجْتَبِی إِلَیْهِ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِی إِلَیْهِ مَنْ یُنِیبُ ، وَ ما تَفَرَّقُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْیاً بَیْنَهُمْ وَ لَوْ لا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ وَ إِنَّ الَّذِینَ أُورِثُوا الْکِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِی شَکٍّ مِنْهُ مُرِیبٍ ، فَلِذلِکَ فَادْعُ وَ اسْتَقِمْ کَما أُمِرْتَ

ص:347


1- (1) سورة البقرة ، الآیة :135.
2- (2) سورة آل عمران ، الآیة :67.
3- (3) المیزان ، ج2، ص 202.

وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَ قُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللّهُ مِنْ کِتابٍ وَ أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَیْنَکُمُ اللّهُ رَبُّنا وَ رَبُّکُمْ لَنا أَعْمالُنا وَ لَکُمْ أَعْمالُکُمْ لا حُجَّةَ بَیْنَنا وَ بَیْنَکُمُ اللّهُ یَجْمَعُ بَیْنَنا وَ إِلَیْهِ الْمَصِیرُ (1).

ونقلنا الآیات المتقدمة والمتعقبة لقوله تعالی کَبُرَ عَلَی الْمُشْرِکِینَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَیْهِ (2) لیتضح أن المراد بهم بحکم السیاق هو أهل الکتاب أو ما یعمهم، حیث ان التفرق المذکور نظیر قوله تعالی وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْیاً بَیْنَهُمْ (3)، کما یشیر إلی ذلک أیضا بقیة الآیات المتعقبة بصراحة حیث ورد نظیره فیهم فی آیات أخری ویشیر إلی ذلک أیضا بدء الآیات بذکر الشرائع السابقة والأمر بعدم التفرق.

وإلی ذلک ذهب الطبری من العامّة فی تفسیره حیث قال: یقول تعالی ذکره وما تفرق المشرکون باللهفی أدیانهم فصاروا أحزابا الا من بعد ما جاءهم العلم بأن الذی أمرهم الله به وبعث به نوحا هو اقامة الدین الحق وان لا تتفرقوا فیه.

وهذا هو الاقرب فی مفاد الآیة وان اختلفت أقوال المفسرین فی مرجع الضمیر ووحدة السیاق کثیرا فلا حظ، وهو ناشیء من تفسیرهم للفظة بخصوص أصحاب الوثن.

وممن یظهر منه تفسیرها بما یعم أهل الکتاب تفسیر الجلالین والبیضاوی حیث فسرا الآیة بأنه عظم علی المشرکین ما تدعوهم الیه من التوحید وما تفرقوا - أی الأمم السالفة والکافرون - إلا من بعد ما جاءهم

ص:348


1- (1) سورة الشوری، الآیة: 15 13.
2- (2) سورة الشوری، الآیة: 13.
3- (3) سورة الشوری، الآیة: 19.

العلم بالتوحید، وهو قریب کما تقدم حیث ان من أهم ما دعا الیه صلی الله علیه و آله أهل الکتاب الانتهاء عن القول ببنوّة عیسی وعزیز(علیه السلام) والتثلیث إذ التوحید أصل فی الشرائع السابقة کما تشیر الیه الآیات.

ثانیا: اطلاق الشرک علیهم فی الروایات:

اشارة

وقد ورد الاطلاق علیهم فی الروایات أیضا بما یعزز ویشهد لاستعمال المشرکین فی التعبیر القرآنی بما یشمل أهل الکتاب فی ما أخذ ذلک العنوان موضوعا لحکم فی بعض الموارد منها:

الاولی: موثق الحسن بن الجهم، قال: قال لی أبو الحسن الرضا(علیه السلام): (یا أبا محمد ما تقول فی رجل تزوج نصرانیة علی مسلمة؟ قال: قلت: جعلت فداک وما قولی بین یدیک؟ قال:

لتقولنّ فان ذلک یعلم به قولی، قلت: لا یجوز تزویج النصرانیة علی المسلمة ولا غیر مسلمة، قال:

ولم ... قلت: لقول الله عز وجل وَ لا تَنْکِحُوا الْمُشْرِکاتِ حَتّی یُؤْمِنَّ قال: فما تقول فی هذه الآیة وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ مِنْ قَبْلِکُمْ قلت: فقوله [ولا تَنْکِحُوا الْمُشْرِکاتِ نسخت هذه الآیة فتبسم ثم سکت] (1).

فإنّه یظهر جلیا معهودیة استعمال اللفظة فی المعنی العام الشامل، کما یظهر من الروایة أنّ فهم العامّة الخاطیء لآیة المائدة فی حل طعامهم ونکاحهم بعد إشعار الأجر فیها بالعقد المنقطع، هو الذی أوجب مصیرهم إلی حلیة ذبائحهم ونکاحهم الدائم.

ص:349


1- (1) وسائل الشیعة، ج20، ص534، باب1 من ابواب الکفر، ح3.

الثانیة: صحیح الحلبی(1) - المعدودة من طائفة التقیة - التشریک فی نفی البأس عن ذبیحتهم ونسائهم، والنسخ فی الروایة لیس بمعناه الاصطلاحی، بل بالاصطلاح القرآنی والروائی العام الشامل للتخصیص، وإلا فآیة الحل من المائدة التی هی من آخر السور نزولا فلا تکون منسوخة بالمعنی الاصطلاحی.

وکروایة أبی الجارود عن أبی جعفر (علیه السلام) أنّه منسوخ بقوله تعالی وَ لا تَنْکِحُوا الْمُشْرِکاتِ حَتّی یُؤْمِنَّ و بقوله و لا تمسکوا بعصم الکوافر (2).

الثالثة: ما رواه النعمانی باسناده عن علی (علیه السلام) قال: (وأمّا الآیات التی نصفها منسوخ ونصفها متروک بحاله لم ینسخ وما جاء من الرخصة فی العزیمة فقوله تعالی وَ لا تَنْکِحُوا الْمُشْرِکاتِ حَتّی یُؤْمِنَّ ... وذلک أن المسلمین کانوا ینکحون فی أهل الکتاب من الیهود والنصاری وینکحونهم حتی نزلت هذه الآیة نهیا أن ینکح المسلم المشرک أو ینکحونه ... الحدیث)(3).

الرابعة: صحیحة منصور بن حازم قال: (سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل مجوسی أو مشرک من غیر أهل الکتاب کانت تحته امرأة فأسلم أو أسلمت ... الحدیث)(4).

الخامسة: کصحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: (کل ذبیحة المشرک إذا ذکر اسم الله علیها وأنت تسمع، ولا تأکل ذبیحة نصاری

ص:350


1- (1) وسائل الشیعة، من ابواب الذبائح، باب27، ح34.
2- (2) وسائل الشیعة، من ابواب ما یحرم بالکفر، باب1، ح7.
3- (3) وسائل الشیعة، ج20، ص538، باب2 ما یحرم بالکفر، ح6.
4- (4) المصدر، باب9، ح3.

العرب)(1)، فانّه ظاهر أنّ المراد من المشرک فی الروایة هو خصوص أهل الکتاب واستثناء نصاری العرب لعدم کونهم فی الأصل کذلک بل تنصروا فلا یقرّوا علی ذلک.

وکروایة الزهری عن علی بن الحسین (علیه السلام) قال: (لا یحلّ للاسیر ان یتزوج فی أیدی المشرکین مخافة أن یلد له فیبقی ولده کفارا فی أیدیهم ... الحدیث)(2) المراد منه خصوص أهل الکتاب أیضا، وإلا فالوثنیون لا یجوز نکاحهم من رأس.

السادسة: مصحح إسماعیل بن الفضل قال: (سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن سبی الأکراد إذا حاربوا ومن حارب من المشرکین هل یحل نکاحهم وشراؤهم؟ قال: نعم)(3) والتقریب کما سبق.

السابعة: صحیحة رفاعة النحاس قال: (قلت لأبی الحسن موسی (علیه السلام): ان القوم یغیرون علی الصقالبة والنوبة فیسرقون أولادهم من الجواری والغلمان فیعمدون إلی الغلمان فیخصونهم ثمّ یبعثون إلی بغداد إلی التجار، فما تری فی شراؤهم ونحن نعلم أنهم مسروقون انما أغار علیهم من غیر حرب کانت بینهم؟ فقال: لا بأس بشرائهم انما أخرجوهم من دار الشرک إلی دار الاسلام)(4)، وهذا قدر یسیر یجد المتتبع موارد أخری کثیرة.

ویتحصل من خصوص هذه القرینة وبعض ما تقدم أنّ إطلاق المشرکین بهیئة الصفة علی أهل الکتاب متعارف فی الاستعمال القرآنی

ص:351


1- (1) وسائل الشیعة، ابواب الذبائح، باب27، ح32.
2- (2) وسائل الشیعة، ج15، ص118، باب45 من ابواب الجهاد، ح2.
3- (3) المصدر، باب50، ح1.
4- (4) المصدر، باب50، ح6.

والروائی، وأنّه مع عنوان أهل الکتاب نظیر عنوانی المسکین والفقیر، إذا افترقا اتفقا فی المعنی وإذا اجتمعا اختلفا فی المعنی، خلافا لما یقال أنه خاص فی الوثنیین.

کما یتضح بقوة من مجموع القرائن أن الموضوع فی الآیة عام لمطلق الکافر.

وأما الاشکال الثانی فاندفاعه ظاهر فان فی العنوان ظاهر فی الشرک الذی هو موضوع الاحکام المختلفة.

الآیة الثانیة الدالة علی المختار:

الآیة الثانیة: فیما استدل به علی نجاسة الکافر مطلقا.

قوله تعالی: فَمَنْ یُرِدِ اللّهُ أَنْ یَهْدِیَهُ یَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ یُرِدْ أَنْ یُضِلَّهُ یَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَیِّقاً حَرَجاً کَأَنَّما یَصَّعَّدُ فِی السَّماءِ کَذلِکَ یَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَی الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ (1)، فإن الآیة فی سیاق الخطاب مع الکافرین سواء غیر المؤمنین به سبحانه أو بآیاته، وأن الهدایة فی الایمان فینشرح الصدر وأن الضلال فی الکفر فیضیق الصدر.

والرجس فی الأصل لغة النتن والقذر، وقد یطلق علی العذاب أو الشیطان ونحوه للمناسبة، وقد فسّر فی الآیة تارة بالشک کما هو مروی أیضا، وأخری بالشیطان، وثالثة بالعذاب، ورابعة بما لا خیر فیه، وخامسه بضیق الصدر أو الضلال وغیر ذلک.

لکن الأوّل لا ینافی الدلالة علی القذارة لانه من اطلاق المسبب علی السبب، إذ الشک موجب للکفر الموجب للنجاسة، وأمّا الثانی فلا شاهد له

ص:352


1- (1) سورة الانعام، الآیة: 125.

فی السیاق إذ لم یتقدم له ذکر ولا حدیث عنه، وأمّا الثالث فلا شاهد له أیضا إذ لیست الآیة فی مقام الوعید وجزاء الآخرة، بل بیان آثار الکفر فی الظرف الحال الدنیوی، کما أن الاستعلاء له علی الذین لا یؤمنون یفید الاحاطة وهو انما یناسب المعنی الاصلی للفظة وهو القذارة لمجموع الروح والبدن، ومنه یتضح عدم مناسبة تفسیره بخصوص الخامس، ویتضح تطابق مفادها مع الآیة السابقة فی المبالغة فی قذارة الکافرین.

آیات موهمة للطهارة:

اعترض علی الاستدلال بالآیتین المتقدمتین بقوله تعالی اَلْیَوْمَ أُحِلَّ لَکُمُ الطَّیِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ حِلٌّ لَکُمْ وَ طَعامُکُمْ حِلٌّ لَهُمْ (1)، بتقریب أن اطلاق الطعام شامل للمطبوخ(2) الذی هو ملاق لأبدان أهل الکتاب فی العادة فیدل علی طهارتها.

ولک أن تقول أن حلیة الطعام الجاف لیس محلا للشک کی تبیّن الآیة حلیته، وانما المشکوک هو ذبیحتهم وطعامهم المطبوخ فالحل نصّ فی ذلک، ویعضد ذلک الآیات المتقدمة إذ موردها الذبائح وأقسامها، هذا مع الالتفات إلی کون الآیة من سورة المائدة التی هی من أواخر السور، فقرینیتها علی صرف اللفظة فی الآیة الأولی للخباثة المعنویة ظاهرة.

وقد استدل فی کلمات العامة أیضا بالآیة علی جواز استعمال أوانیهم حیث أن جواز المظروف یلازم ذلک، ویؤیدون مجمل المفاد بروایات من طرقهم، وکذلک یستدلون بها علی نکاح الکتابیات الدائم.

ص:353


1- (1) سورة المائدة، الآیة: 5.
2- (2) التبیان، ج2، ص444.

وفیه: ان فی روایات الذباحة والنکاح اشارات عدیدة إلی خطائهم فی ذلک، بل ان لسان الباب الأول المشتمل علی طائفة من الصادر تقیة أیضا یشابه لسان روایات طهارتهم الآتیة، وبنحو متفق فی التعلیل واللحن کما یأتی توضیحه، بل أن استدلالهم بالآیة هو الموجب لورود روایات الطهارة مداراة معهم.

والوجه فی تخطئتهم مضافا إلی تلک الروایات هو أن الطعام کما فی لسان العرب عند أهل الحجاز إذا اطلقوا لفظه عنوا به البر خاصة، وقال الخلیل: الغالب (العالی) فی کلام العرب أن الطعام هو البر خاصة، وکذا باقی کلمات اللغویین فی ان أصل الطعام وان کان ما یؤکل الا انه یطلق علی البر خاصة أیضا بل یختص به عند أهل الحجاز، کما فی القاموس والاساس والتاج والمقاییس والصحاح وکذا عن المغرب.

مضافا إلی أنّ الاحلال المتقابل لا معنی له إن کان محطّ نظر الآیة إلی المطعوم، حیث انهم لا یدینون بالقرآن کی تخاطبهم الآیة، فمتعلق الحلّیة وموردها هو تبدیل الاضافة المالکیة بین الطرفین وتسویغ التعامل المالی.

لاسیما بعد انفهام المقاطعة والبراءة من الآیات السابقة نزولا کقوله تعالی لا یَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْکافِرِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ (1)، وکقوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْیَهُودَ وَ النَّصاری أَوْلِیاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ وَ مَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْکُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (2)، وقوله یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَکُمْ هُزُواً وَ لَعِباً مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ مِنْ قَبْلِکُمْ وَ الْکُفّارَ

ص:354


1- (1) سورة آل عمران، الآیة: 28.
2- (2) سورة المائدة، الآیة: 51.

أَوْلِیاءَ (1)، ومثل الآیة الأولی الدالة علی النجاسة وعلی مباعدتهم عن الحرام.

فآیة حل الطعام من الطرفین علی نسق قوله تعالی لا یَنْهاکُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقاتِلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَ لَمْ یُخْرِجُوکُمْ مِنْ دِیارِکُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ (2) فی سورة الممتحنة النازلة فی المدینة قبل الفتح.

ومن الغریب أن العدید من مفسری العامة(3) ذهبوا إلی أن معنی حلیة طعامنا لهم هی حلیة اطعامنا إیّاهم أی ان الحلیة الثانیة المقابلة لا ربط لها بالمطعوم، وانما متعلقها الاعطاء الاباحی أو التملیکی، فهلّا کان ذلک منبها علی متعلق الحلیة الأولی.

والعجب من بعضهم انه تمادی فی اطلاق الحلیة فی الذبیحة ولو علم انها علی غیر الشرائط المعتبرة، وکذا نکاحهم مع ان ذیل الآیة وَ مَنْ یَکْفُرْ بِالْإِیمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِی الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِینَ (4) فیه تحذیر من التمادی فی المخالطة والمعاشرة بنحو یتأثر بسلوکهم وطریقتهم فیؤول إلی الخروج من الایمان إلی الکفر وحبط العمل.

ولا یخفی ایماء الذیل إلی مذهب الأصحاب فی تخصیص نکاحهم بالمتعة دون الدائم الذی هوبناء یقام علی الخلّة والموادّة المتینة، وکذا

ص:355


1- (1) سورة المائدة، الآیة: 57.
2- (2) سورة الممتحنة، الآیة: 8.
3- (3) کما فی انوار التنزیل واسرار التاویل، ج2، ص116. وتفسیر روح البیان، ج2، ص349. وغیرهما.
4- (4) سورة المائدة، الآیة: 5.

ذبیحتهم حیث یذکرون علیها شرکهم فیتحصل ان لحن الخطاب فی آیة الطعام بالنظر إلی الذیل المزبور متطابق مع الآیتین السابقتین.

ثانیا الاستدلال بالروایات علی النجاسة:

الطائفة الاولی:

ثمّ أنّه بالإلتفات إلی الروایات الواردة فی ذیل الآیة والمتعرضة لذبائح أهل الکتاب یستفاد منها التعریض بنجاستهم، کما أنّها تشیر إلی السبب الخاطیء لذهابهم إلی طهارة أهل الکتاب، فلتکن هذه من الروایات الطائفة الأولی من السنة مما یستدل به علی النجاسة ویستشف منه وجه اختلاف الطوائف الاخری فی حکم أبدانهم وهی:

الاولی: حسنة حسین بن المنذر قال: قلت لأبی عبد الله علیه السّلام: - فی حدیث- أیّ شیء قولک فی ذبائح الیهود والنصاری؟ فقال: (یا حسین الذبیحة بالاسم، ولا یؤمن علیها إلا أهل التوحید)(1)، ولا یخفی ظهورها فی اشراک أهل الکتاب وانه الموجب لعدم حلّ ذبیحتهم، نظیر ما ورد فی المرتد کمعتبرة السکونی (المرتد عن الاسلام تعزل عنه امرأته، ولا تؤکل ذبیحته)(2)، فهو نحو تعریض بنجاستهم وعدم صحة اطلاق الطعام فی الآیة للذبیحة والمطبوخ کی تدل علی طهارتهم.

وفی روایة أخری عن حنان عنه (انهم أحدثوا فیها شیئا لا أشتهیه)(3)، أی تسمیتهم علیها باسم المسییح.

ص:356


1- (1) وسائل الشیعة، ج24، ص28، باب26 ابواب الذبائح، ح2.
2- (2) الفقیه، ج3، ص149.
3- (3) وسائل الشیعة، ج24، ص49، باب26 من ابواب الذبائح، ح3.

الثانیة: صحیحة قتیبة الأعشی انه سأل رجل أبا عبد الله(علیه السلام) وقال له الرجل: قال الله تعالی اَلْیَوْمَ أُحِلَّ لَکُمُ الطَّیِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ حِلٌّ لَکُمْ فقال له أبو عبد الله(علیه السلام):

(کان أبی(علیه السلام) یقول: انما هو الحبوب وأشباهها)(1)، فإن تخصیص الطعام بالجافّ فیه اشعار بدرجة الدلالة والتعریض بنجاستهم، وهذا المضمون مروی بالاستفاضة(2)، وفی بعضها عن طعام أهل الذمة ما یحلّ منه؟ قال(علیه السلام): (الحبوب)(3)، والتعریض المزبور فیها آکد، بل فی بعضها (انّما هی الحبوب وأشباهها)(4) وفسّر الاشباه فی آخر بالعدس والحمص(5)، ووجه الدلالة ما تکرر ذکره.

الثالثة: مصحح إسماعیل بن جابر قال: قال لی أبو عبد الله(علیه السلام): (لا تأکل ذبائحهم ولا تأکل فی آنیتهم - یعنی أهل الکتاب)(6)، وهی کالصریحة فی وحدة الموضوع لحرمة ذبیحتهم ونجاستهم، فبضمیمة ما تقدم فی الروایة الأولی من شرکهم الموجب لحرمة ذبیحتهم، یتقوی المفاد المزبور.

الرابعة: مصحح معاویة بن وهب، قال: (سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن ذبائح أهل الکتاب، فقال: لا بأس إذا ذکروا اسم الله، ولکن أعنی منهم: من یکون علی أمر موسی وعیسی(علیه السلام)(7)، وهی فی الدلالة

ص:357


1- (1) المصدر، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، ابواب الاطعمة والاشربة، باب51.
3- (3) وسائل الشیعة، ج24، ص203، باب51 من ابواب الذبائح، ح1.
4- (4) وسائل الشیعة، ج24، ص206.
5- (5) وسائل الشیعة، ج24، ص402.
6- (6) وسائل الشیعة، ابواب الذبائح باب27، ح1.
7- (7) المصدر، ح11.

کالروایة الأولی، حیث انه لیس فی الیهود والنصاری الذی أحدثوا الشرک وغیره من هو علی أمرهما (علیه السلام) إذ مقتضاه الدخول فی الاسلام.

ثم انه یعضد مفاد هذه الطائفة ما ورد من حرمة ذبیحة الناصب والحروری والمشبهة والمجسمة(1)، لاسیما التعلیل لذلک فی الأخیرین بالشرک والکفر، والوجه فی ذلک ظهورها فی وحدة الموضوع لحرمة الذبیحة والذی هو موضوع النجاسة.

هذا وقد اشتملت تلک الروایات الناهیة عن ذبیحتهم علی التعلیل بالجهة العرضیة وهی عدم التسمیة تقیة إذ قد ورد فیها النهی عن ذبیحتهم سمّوا أم لم یسمّوا(2)، وکما هو مفاد مصححة ابن وهب وصحیحة قتیبة الأعشی المتقدمتین، وهو مما ینبأ بشدة التقیة کما یشهد لها کثرة الروایات المجوّزة، ولذلک فرّق فیها بین المجوس وبینهم مع اندراجهم فی العنوان لذهاب العامة إلی حرمة ذبائح المجوس فلا مقتضی للتقیة فیهم، بخلاف النصاری والیهود، ولعل وجه اشتداد الحال فی المسألة هو تشبث العامة علی زعمهم بآیة حلّ الطعام.

الطائفة الثانیة:

ما ورد فی النهی عن المؤاکلة معهم(3)، وهی وان کان کثیر منها واردا فی حکم التعامل والمقاطعة وعدم التوالی معهم، إلا أن البعض متضمن للدلالة علی نجاستهم، تارة بدرجة الظهور، وأخری بدرجة الصراحة، وثالثة کالصریح، وهو کثیر بل لا یبعد فی النهی عن مؤاکلتهم من طعامهم

ص:358


1- (1) المصدر، باب28.
2- (2) المصدر، باب27، ح5.
3- (3) وسائل الشیعة، ج24، باب26 و27 من ابواب الذبائح.

هو أن یکون تعریضا بالعامة القائلین بحلیة وطهارة ذبائحهم، وفی النهی عن المؤاکلة فی قصعة واحدة التعریض بهم أیضا لقولهم بطهارة أبدانهم لاطلاق آیة الحل للطعام المماس لابدانهم.

کما انه من المحتمل - أوالظاهر-- أن من حکمة الحکم بنجاستهم- أو أحدها- مضافا إلی القذارة الواقعیة، هو مصلحة التدبیر فی المباعدة عنهم وعدم الانغماس فیهم والعشرة الوطیدة معهم، وعلی هذا فلا یصرف ظهور النهی عن الأکل معهم فی اناء واحد أومن طعامهم إردافه بالنهی عن مجالستهم ومخالطتهم، لاسیما ان العناوین المنهی عنها هی موارد موجبة للتلوث المادی فاختصاص النهی بها دون مطلق ألوان العشرة والمخالطة شاهد علی أنّ الحکم بلحاظ أبدانهم وان کانت الحکمة فیه تحدید العشرة، بل ان بعض تلک العناوین المنهی عنها - کما یأتی - خاص بحکم النجاسة المادیة کما فی النهی عن الأکل فی قصعة واحدة أوغسل الید من المصافحة ونحو ذلک.

حکم العشرة مع الکفار:

کما انه من المناسب التنبیه علی حکم العشرة والخلطة معهم توطئة للبحث فی مفاد الروایات الاتیة، والمحصل فی ذلک من مجموع الایات والروایات الواردة فی الکفار مطلقا هو انقطاع المودة معهم وکذا الموالاة من حیث انهم کفار أو مطلقا، نعم البر والاحسان لهم تألیفا لقلوبهم مع دیننا أومن جهة الرحم أو کنظیر فی الخلق لا حرمة فیه کما هو مفاد سورة الممتحنة(1).

ص:359


1- (1) سورة المممتحنة، الآیة: 8.

وقال الشیخ فی التبیان(1): (الذی علیه الاجماع والمفسرون بأن بر الرجل من شاء من أهل دار الحرب قرابة کان أوغیر قرابة لیس بمحرم)، وقد تعرض الأصحاب إلی حکم ذلک فی بحث الوقف علیهم، فلک ان تقول أن الموادّة بالمرتبة النازلة جدا من جهة غیر دینیة بل انسانیة سائغة.

وروایات هذه الطائفة هی:

الاولی: صحیح العیص قال: (سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن مؤاکلة الیهودی والنصرانی والمجوسی، أفآکل من طعامهم؟ قال: لا)(2)، وصدر السؤال وان کان یومی إلی حکم العشرة معهم، الا ان تخصیص النهی بطعامهم مع کونه یعم المشتمل علی اللحم وغیره من المطبوخ المباشر بأیدیهم یکون بذلک قوی الظهور فی النجاسة لوحدة النهی المتعلق بطبیعی الطعام سواء غیر المذکی أو غیره من المطبوخ.

ونظیره صحیحة هارون بن خارجة(3) وموردها المجوس.

الثانیة: صحیح علی بن جعفر عن أخیه أبی الحسن(علیه السلام) قال: (سألته عن مؤاکلة المجوسی فی قصعة واحدة، وأرقد معه علی فراش واحد، وأصافحه؟ قال: لا)(4)، والقصعة وعاء یؤکل فیه ویثرد، وکان یتخذ من الخشب غالبا کما فی المعجم الوسیط، والروایة وإن اشتمل السؤال فیها عن المعاشرة إلا انها مشتملة أیضا علی نجاسة أبدانهم کما یشیر إلیه فرض

ص:360


1- (1) التبیان فی تفسیر القرآن، ج9، ص583، تفسیر الآیة 8 من سورة الممتحنه.
2- (2) وسائل الشیعة ج24، ص209، باب53 من ابواب الاطعمة، ح3.
3- (3) المصدر، باب52، ح2.
4- (4) المصدر، ح1.

وحدة وعاء الأکل.

ومثله صحیح علی بن جعفر الآخر المروی بطریق آخر الا أنّ فیه (أوفی المسجد أو یصاحبه)(1)، ولا یخفی ظهور السؤال عن العناوین المتعددة فی استقذارهم وفی المباعدة عنهم لدی الراوی.

الثالثة: صحیح محمد بن مسلم قال: (سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن آنیة أهل الذمة والمجوس؟

فقال: لا تأکلوا فی آنیتهم، ولا من طعامهم الذی یطبخون، ولا فی آنیتهم التی یشربون فیها الخمر)(2)، ووحدة السیاق ظاهرة بقوة فی النجاسة کما هومقتضی آنیة الخمر وآنیة الطعام بالتقریب المتقدم.

فهی تردف الملاقاة لابدانهم ولذبائحهم وللخمر فی نهی واحد عن استعمال الملاقی لها، ثم ان تقیید النهی الثالث عن الآنیة بالتی یشرب فیها الخمر فیه رائحة التقیة من العامة إذ بعد اطلاق الآنیة فی النهی الأول الدال علی نجاسة أبدانهم یکون التقیید المزبور من قبیل تعلیل النهی والنجاسة بالأمر العارض مع وجود ما هو کالذاتی الغالب.

وهذا النمط من التقیة قد تکرر فی الروایات الواردة فی النهی عن ذبائحهم، إذ هی تارة تصرح بحرمة ذبائحهم سموا أم لم یسموا، واخری تعلل بأنهم لا یسمون بل یذکرون اسم المسیح، وثالثة بأنّ الاسم لا یؤمن علیه غیر المسلم وغیر ذلک من التعلیل بالأمر العرضی بدلا عما هو کالذاتی وهو کون الذابح من أهل الکتاب.

ص:361


1- (1) المصدر، ح4.
2- (2) وسائل الشیعة، ج3، ص419، باب4 من ابواب النجاسات، ح1.

وهو یظهر تشابه منشأ التقیة فی البابین وهو فهمهم الخاطیء لآیة حل الطعام فتشابه لسان التقیة لذلک، وهو نظیر التعلیل المحکی عن مالک فی الانتصار أن سؤر النصرانی والمشرک لایتوضأ به وان ذلک علی سبیل الکراهة لا التحریم لاستحلالهم الخمر والخنزیر من دون القطع بنجاسته.

الرابعة: صحیحته الاخری عن أبی جعفر(علیه السلام) فی رجل صافح رجلا مجوسیا، قال: (یغسل یده ولا یتوضأ)(1)، وهو ظاهر فی النجاسة کما انه یعیّن دلالة ما سبق من الروایات الناهیة عن المصافحة فی النجاسة أیضا.

والتأمّل: فی دلالته لاطلاق الأمر بالغسل لصورة الجفاف.

مدفوع: بأنّه نظیر ما ورد مما تقدم فی نجاسة الآدمی بالموت من اطلاق الأمر بالغسل بمماسته بالید کما فی روایة التوقیعین الواردة فی موت امام الجماعة فی الاثناء، حیث قد ذکرنا أن فی طبیعة بلد الراوی الحارة تکون الید فی الغالب رطبة بالعرق لاسیما وان المماسة بالمصافحة توجب مزیدا من الحرارة کما هو مجرب.

مضافا إلی أنّ الأمر بالغسل مع الجفاف لو سلم وکان ندبیا فهو لا یندب له الا فی ملامسة الأعیان النجسة کما ورد فی الکلب ونحوه.

ثمّ ان ذیل الروایة یفید وجود توهم ان مماسة أبدانهم توجب الحدث وکأنّ نفی الوضوء لذلک، وهو یعطی أن نجاسة أبدانهم کادت تعدّ وتقایس فی ارتکاز المتشرعة کبدن المیت من حیث ایجاب الحدث بعد اتحادهما فی نجاسة البدن.

فالصحیحة علی هذا من الروایات الناصة علی نجاستهم، کما أنّها

ص:362


1- (1) المصدر، ح3.

تدل علی مدی النفرة والاستخباث لهم لاسیما ان السائل هو مثل محمد بن مسلم من کبار فقهاء أصحابه(علیه السلام)، واین هذا الارتکاز الذی هو علی طرف نقیض من فتوی العامة قاطبة فقهائهم وحکامهم القائلین بطهارة أبدانهم وحل طعامهم ومؤاکلتهم.

الخامسة: مصحح أبی بصیر عن أحدهما(علیه السلام) فی مصافحة المسلم الیهودی والنصرانی، قال: (من وراء الثوب، فإن صافحک بیده فاغسل یدک)(1)، وهی وان احتملت ورودها فی حکم العشرة معهم وان ذلک نحو من التنفر منهم، إلا أن الجواب صریح فی حکم الملاقاة لأبدانهم، مع انه تقدم أن تعرّض الروایة لحکم التعامل معهم غیر صارف للأمر بالغسل عن الدلالة علی النجاسة.

وهذا المصحح شاهد علی ما تقدم من أن أحد وجوه الحکمة فی الحکم بنجاستهم هو المباعدة والنفرة عنهم، کما انه شاهد علی أن ما تقدم من النهی عن مصافحتهم فی الروایات متضمن للدلالة علی نجاستهم.

وأمّا الاشکال فی الدلالة: بأن التفرقة بین الملاقاة بالید أو الثوب لیدهم إذا کانت رطبة لا مجال لها مع نجاسة أبدانهم، فهی حینئذ شاهد الطهارة والتنزه.

فمدفوع: بأن المصافحة بالید أدعی للحرارة وبالتالی للعرق من الملامسة بالثوب کما هو مجرب، ولا یخفی أن السؤال عن المصافحة والتحرج منها شاهد علی ارتکاز النجاسة الذاتیة لدی الرواة - لاسیما من مثل أبی بصیر - کالروایة السابقة.

ص:363


1- (1) المصدر، ح5.

السادسة: صحیح علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر(علیه السلام) قال: (سألته عن فراش الیهود والنصرانی ینام علیه؟ قال: لا بأس، ولا یصلّی فی ثیابهما وقال: لا یأکل المسلم مع المجوسی فی قصعة واحدة ولا یقعده علی فراشه ولا مسجده ولا یصافحه، قال: وسألته عن رجل اشتری ثوبا من السوق للبس لا یدری لمن کان، هل تصح الصلاة فیه؟ قال: ان اشتراه من مسلم فلیصل فیه، وان اشتراه من نصرانی فلا یصلی فیه حتی یغسله)(1).

فان النهی عن الصلاة فی ثیابهم فی الصدر والذیل حتی یغسله لکثرة وغلبة تلوثها بابدانهم فکانت أصلا محرزاً للنجاسة فی ثیابهم وامارة فعلیه کما هو الحال فی النهی عن أوانیهم، مع أن الأصل فی باب الطهارة هو البناء علیها عند الشک، فکان الأصل فی الاشیاء التی لها تعلق وتناول کثیر منهم هوالنجاسة لنجاسة ظاهر ابدانهم الذاتیة لا العرضیة کما قد یرتکب جمعا مع ما استدل به علی طهارتهم، فان تلک الأدلة علی فرض التسلیم بتمامیتها تدل علی أصالة الطهارة فی الاشیاء المتعلقة بهم أیضا.

بل ان مساورة ثیابهم لابدانهم مع الرطوبة هی الغالبة إذ هم یحافظون علی نظافتها من فضلات أکلهم ومشروباتهم، وأما النهی عن الأکل معهم فی قصعة واحدة فقد مرّ تقریبه ونکتة التقیید بالقصعة الواحدة ناصة فی أن وجه النهی هو النجاسة لا أنه من حکم المعاشرة معهم.

وأما النهی عن اقعاده علی الفراش والمسجد الذی هو مکان صلاته فی البیت وعن المصافحة معه فهو وان ظهر فی حکم المعاشرة معهم إلا انه

ص:364


1- (1) المصدر، ح10.

مع عدم منافاته لحکم ظاهر أبدانهم، أن ظهوره فی استقذارهم والتحرز عن التلوث بهم کالتحرز عن الکلب والخنزیر قوی جدا لا یخفی علی المتمعن المتأمل فی تعاقب النواهی المزبورة عن موارد ومرافق قریبة لما یؤکل أویصلی فیه مما یشترط فیه الطهارة، ولیس النهی عن مطلق المعاشرة معهم ولولم توجب تلوّث البیئة المحیطة بالمکلف.

وبهذا التقیید لموارد النهی یتضح قوة دلالتها علی قذارتهم.

السابعة: مصحح زرارة عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی آنیة المجوس، قال: إذا اضطررتم إلیها فاغسلوها بالماء(1).

واطلاق الآنیة شامل لآنیة الشرب والأکل، ولما یوضع فیه عین نجاسة ولما لا یوضع فیه ذلک کآنیة شرب الماء وآوانی الفاکهة الجافة ونحوها.

ومن هنا حمل بعض متأخری العصر(2) - ممن یقول بالطهارة الذاتیة - الروایة علی أصالة النجاسة العرضیة فیهم عند الشک، وکذا اطلاق النهی أو الأمر بالغسل السابق.

لکنک عرفت قرائن قوة ظهورها فی النجاسة الذاتیة فان الجمع بین الحکم الواقعی والظاهری فی استعمال واحد - کما فی ارداف الخمر والطعام الشامل لغیر المذکی - وان لم یکن ممتنعا إلا انه محتاج إلی قرینة ودلالة علی أخذ الشک فی الموضوع، فالظهور وقوته علی حالهما.

الثامنة: مصحح إسماعیل بن جابر قال: قال لی أبو عبد الله(علیه السلام) (لا

ص:365


1- (1) المصدر، ح12.
2- (2) منهاج الصالحین (السید الحکیم) ج1، ص151 وغیره.

تأکل ذبائحهم، ولا تأکل فی آنیتهم، یعنی أهل الکتاب)(1)، ومثله مصححة الآخر(2) إلا أن فیه لا تأکل ذبیحة الیهودی ولا تأکل فی آنیته.

وهذه الروایة شاهد علی ما ذکرنا فی صدر هذه الطائفة من أنها للتعریض بالعامة القائلین بحلیة ذبائحهم وطهارة أبدانهم بدلالة اطلاق آیة حل الطعام، فمن البعید أو الممتنع بعد ذلک حمل النهی علی التنزیه لوجود معارض دال علی الطهارة علی فرض التسلیم بدلالته، حیث ان مقتضی الصناعة هو حمل المعارض علی التقیة، لکون المصحح دالا علی کون الطهارة من فتوی العامّة نظیر فتواهم بحلیة الذبائح، وعلی خطائهم فی ذلک ومن ثمّ یدل المصحح علی کون روایات الطائفة الثانیة بأسرها ناظرة إلی ذلک حیث انها تردف النهی عن آنیتهم بالنهی عن طعامهم.

کما یتضح بذلک أنها علی نسق مفاد الطائفة الأولی، وأن منشأ قولهم وذهابهم إلی طهارة أهل الکتاب هو خطائهم فی فهم آیة حل الطعام وحملهم آیة النجس علی الخباثة المعنویة.

الطائفة الثالثة من الروایات:

ما ورد فی نجاسة أسئارهم بالمعنی الاعم للسؤر وهی مختلفة فی درجات ظهورها، من هذه الروایات:

الاولی: صحیحة سعید الأعرج قال: (سألت أبا عبدالله علیه السّلام عن سؤر الیهودی والنصرانی فقال: لا)(3) وهی وان کانت ظاهرة محمولا

ص:366


1- (1) وسائل، ج3، ص518، باب72 من ابواب النجاسات، ح3.
2- (2) وسائل، ابواب الاطعمة المحرمة باب54، ح7.
3- (3) وسائل الشیعة، ج1، ص229، باب3 من ابواب الأسئار، ح1.

إلا أنّها کالصریحة فی الموضوع وانه عنوان ذواتهم بما هی لا الامر العارض.

الثانیة: صحیح الوشاء عمن ذکره عن أبی عبد الله(علیه السلام) انه کره سؤر ولد الزنا، وسؤر الیهودی والنصرانی، والمشرک، وکل ما خالف الاسلام، وکان أشد ذلک عنده سؤر الناصب(1).

والکراهة فی الروایات تستعمل فی الحرمة کثیرا، وخروج ابن الزنا بدلیل غیر رافع للظهور فی الحرمة، لاسیما وان الموضوع العام فیه هو کل ما خالف الاسلام ویندرج فیه کل العناوین فی الروایة ما عدا ابن الزنا وهو قرینة تغایر الحکم، واندراج الناصب تحت العنوان العام للموضوع یعین الکراهة فی الحرمة، وهو یوافق مفاد الآیة المتقدم.

الثالثة: صحیح علی بن جعفر انه سأل أخاه موسی بن جعفر(علیه السلام) عن النصرانی یغتسل مع المسلم فی الحمام، قال: (إذا علم انه نصرانی اغتسل بغیر ماء الحمام، الا ان یغتسل وحده علی الحوض فیغسله ثم یغتسل، وسأله عن الیهودی والنصرانی یدخل یده فی الماء أیتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا، الا أن یضطر إلیه)(2).

والاقرب فی مفاد السؤال الأول هو ارادة ماء الأحواض الصغار الذی ینفعل بالنجاسة عند انقطاع المادة عنه، فاذا اغتسل فیه النصرانی اغتسل بغیره من أحواض بیوت الحمام، الا ان یدع النصرانی یغتسل وحده فلا یغتسل المسلم معه، ثم یغسل الحوض المزبور فیطهره بوصله بالمادة ثم یغتسل، فیکون مقتضی هذا التأکید ناصا علی نجاسة الماء الملاقی لهم، نعم

ص:367


1- (1) المصدر، ح2.
2- (2) وسائل الشیعة، ج3، ص421، باب14 من ابواب النجاسات، ح9.

فی کون ذلک الانفعال بسبب نجاستهم أبدانهم الذاتیة هو بنحو الظهور.

فان قلت: ان ما ورد فی الجنب نظیر ذلک یستشف منه النجاسة العرضیة لا الذاتیة.

قلت:

أولا: قد افترق اللسان الوارد فیهما حیث ان فی الجنب قد ورد نفی البأس عن القطرات المنتضحة من جسده إذا طهّر فرجه ویدیه عن القذارة، وهذا بخلاف ما ورد فی أهل الکتاب فانه لم یستثن.

ثانیا: إلی أنّ روایات الحمام قد ورد فیها عدة من العناوین الأخر وهی ابن الزنا والناصب والزانی، فبعضها بلحاظ العناوین الذاتیة وبعضها بلحاظ العناوین العرضیة.

ثالثا: انه لو کان جهة النهی فی الماء الملاقی لبدن أهل الکتاب هو النجاسة العرضیة لما کان وجه لتخصیصهم بالذکر فی قبال الجنب والحائض وغیرهما ممن هو متلوّث بالنجاسة العرضیة.

وأمّا السؤال الثانی فالنهی ظاهر فی النجاسة، وأما الاستثناء فی حالة الاضطرار فنظیره قد ورد فی الماء القلیل الملاقی للید القذرة بالجنابة کحسنة محمد بن میسر(1)، ومثل ما رواه علی بن جعفر أیضا فی الجنب الذی أدخل یده القذرة واضطر إلی الاغتسال بذلک الماء(2)، فهو مطرح بعد البناء علی الأصح الاقوی من انفعال الماء القلیل وبعد معارضة الترخیص المزبور بالخصوص بالنهی(3) عن استعماله والتیمم، فلا دلالة له علی التنزیه کما قد قیل.

ص:368


1- (1) وسائل، ج1، ص152، باب8 من ابواب المطلق، ح5.
2- (2) بحار الانوار، ج8، ص14.
3- (3) وسائل، ج1، باب8 من الماء المطلق، ح4، 14، 10.

الرابعة: موثقة عبد الله بن أبی یعفور عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی حدیث قال: (وإیّاک ان تغتسل من غسالة الحمام ففیها تجتمع غسالة الیهودی والنصرانی والمجوسی والناصب لنا أهل البیت وهوشرهم، فإن الله تبارک وتعالی لم یخلق خلقا أنجس من الکلب وان الناصب لنا أهل البیت لأنجس منه)(1).

وفیها التصریح بالنجاسة وأن الشریة المتکرر ورودها فی روایات غسالة الحمام من أهل الکتاب والناصب هی القذارة.

وما یقال: من عدم ظهور النجاسة فی الحکمیة للتعبیر بالشریة المناسبة للمعنویة، ومقتضی التناسب بین التعلیل والمعلل هوکون التعلیل بالنجاسة والحزازة المعنویة ولا أقل من الاجمال(2)، بل هی لا تصل إلی حد الدلالة علی النجاسة ولو سلم فتحمل علی الکراهة کما فی ولد الزنا حیث ورد فی بعضها انه لا یطهر الی سبع آباء، أوعلی ابتلائهم بالنجاسات(3).

فضعیف: فإن النجاسة فی الکلب لا محمل لها علی المعنویة بل هی البدنیة فهی صریحة فی ذلک، نعم هی ظاهرة کما تقدم فی الآیة فی کون الموجب لنجاسة بدن الناصب وأهل الکتاب هو اعتقاداتهم المنحرفة، ولو کانت معنویة فأی ربط لها بانفعال الغسالة المائیة، واشتمال بعضها الاخر علی ابن الزنا أو الزانی مع انه غیر متضمن لأهل الکتاب لیس بمضر بالدلالة فی الموثقة بعد خلوها منهما، وبعد قیام الدلیل التام فی شرائط الحجیة سندا وجهة ودلالة علی الکراهة فی الأول بخلاف أهل الکتاب کما

ص:369


1- (1) وسائل، ج1، ص220، باب12 من ابواب المضاف، ح5.
2- (2) بحوث فی شرح العروة للشهید الصدر، ج3، ص286.
3- (3) کتاب الطهارة، للسید الخمینی، ج3، ص305.

یأتی بیان ضعف ما دل علی الطهارة، وأمّا الثانی فالمشهور ذهبوا إلی نجاسة عرقه.

ثمّ انه لا یخفی لحن التغلیظ الشدید فی الحکم بالنجاسة من عدة وجوه، کالتعبیر بأفعل التفضیل الدال علی ثبوت مادة المفاضلة فی الجمیع وانها الشریة المادیة المعلولة للوصف والعناوین، والتأکید باللام الداخلة علی الخبر، مع البدء بأن التحقیقیة، مضافا إلی التشبیه والمفاضلة علی نجاسة الکلب الموازیة للمفاضلة علی أهل الکتاب، مضافا إلی بیان کون المفضول وهو الکلب من أشد النجاسات علی الاطلاق بعبارة النفی المطلق المؤکد بالمصدر.

فهذه الغلظة فی الحکم کیف تتلائم مع الحمل علی الاستحباب ونحوه، کالعفو عن النجاسة کما فی الحدید، أو التجنب من باب الاحتیاط، أو النجاسة العرضیة مع أن المفاضلة قائمة علی النجاسة الذاتیة الخلقیة، وغیر ذلک من المحامل المخالفة لصریح الدلالة، فالحق أن الموثقة من الادلة الصریحة الآبیة عن التأویل.

الخامسة: الصحیح إلی أبی یحیی الواسطی عن بعض اصحابه عن أبی الحسن الهاشمی قال: (سئل عن الرجال یقومون علی الحوض فی الحمام، لا أعرف الیهودی من النصرانی، ولا الجنب من غیر الجنب؟ قال: تغتسل منه ولا تغتسل من ماء آخر فانه طهور)(1).

ونظیرها مصححة ابن أبی یعفور عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: (قلت: أخبرنی عن ماء الحمام، یغتسل منه الجنب والصبی والیهودی والنصرانی

ص:370


1- (1) وسائل الشیعة، ج1، ص149، باب7 من ابواب الماء المطلق، ح6.

والمجوسی؟ فقال: ان ماء الحمام کماء النهر یطهر بعضه بعضا)(1).

فإن ظاهر جوابه(علیه السلام) تقریر ما فی السؤال من نجاسة أهل الکتاب بعنوانهم لا بالنجاسة العرضیة وإلا لکان حالهم حال الجنب أوالصبی فی ذلک ولم یکن موجب لافرادهم بالذکر، والاجابة باعتصام ماء الحمام المراد به الحوض الذی له مادة لا الاحواض الصغار حال انقطاعها عن المادة.

والظاهر أن السائل فی الروایة الأولی اما هشام بن سالم إما حماد بن عثمان، إذ هما المصرح بهما فی ما یسنده الواسطی فی طرق اخری وان کان الغالب فی ما یسنده التعبیر المزبور، فمثل أحدهما مع ابن أبی یعفور مرتکز لدیهم النجاسة الذاتیة لأهل الکتاب.

السادسة: صحیح علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر(علیه السلام) فی حدیث قال: (سألته عن الصلاة علی بواری النصاری والیهود الذین یقعدون علیها فی بیوتهم أتصلح؟ قال: لا یصلی علیها)(2).

وهی ظاهرة أیضا فی النجاسة، والروایة وان سبق فیها نفی البأس عن الصلاة علی البواری التی أصابها البول بعد ما یجف، الا انها دالة علی تنجسها بالملاقاة لابدانهم حیث ان النهی وان کان تنزیهیا عن الصلاة علیها إلا انه فی مورد تنجس البواری بنجاسة أشد من البول بمقتضی الحکم السابق فی تنجسها بالبول، وعلی ذلک تزداد قوة دلالتها علی النجاسة.

السابعة: صحیح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: (انما الوضوء حدّ من حدود الله لیعلم الله من یطیعه ومن یعصیه، وان

ص:371


1- (1) المصدر، ح7.
2- (2) الوسائل، ابواب النجاسات باب73، ح4.

المؤمن لا ینجسه شیء، انما یکفیه مثل الدهن)(1)، ونظیره مروی بطرق مستفیضة عند العامّة کما مر، فقد استدل بمفهومها العلامة فی النهایة وان الوصف مشعر بالعلیة، لکن التقریب الأول دال علی المطلوب.

وأمّا الثانی فهو یعطی أن الحدث ینجس أبدانهم، غایة الأمر الحدث لا یرتفع لتوقفه علی النیة التی لا تصح منهم، نظیر الحال فی عرق الجنب من الحرام علی المشهور من النجاسة إذا لم یرتفع.

الثامنة: ما رواه درست بن أبی منصور فی کتابه عن أبی المعزا عن سعید الأعرج عن أبی عبد الله(علیه السلام) وأبی الحسن(علیه السلام) قال: (لا نأکل من فضل طعامهم ولا نشرب من فضل شرابهم)(2)، وهی نص من حیث المورد حیث ان النهی من جهة الفضل والسؤر أی الملاقاة لابدانهم.

التاسعة: ما رواه فی الدعائم، قال: سئل جعفر بن محمد علیه السّلام عن ثیاب المشرکین أیصلّی فیها؟ قال: لا ورخصوا (صلوات الله علیهم) فی الصلاة فی الثیاب التی یعملها المشرکون ما لم یلبسوها أو یظهر فیه نجاسة(3).

العاشرة: ما رواه الدعائم أیضا عن رسول الله صلی الله علیه و آله انه نهی عن الصلاة فی ثیاب الیهود والنصاری والمجوس، یعنی التی لبسوها(4).

الحادیة عشر: موثقة - علی الاصح - مسعدة بن صدقة عن أبی عبد الله قال: (قال أمیر المؤمنین(علیه السلام): أیّها الناس ان الله تبارک وتعالی أرسل

ص:372


1- (1) الوسائل، ابواب الوضوء، باب52، ح1.
2- (2) مستدرک الوسائل، ابواب النجاسات، باب10، ح1.
3- (3) المصدر، ح2.
4- (4) المصدر، ح3.

الیکم الرسول صلی الله علیه و آله ... وأنتم أمیّون عن الکتاب ... علی حین فترة من الرسل ... حیّهم أعمی نجس، ومیتهم فی النار مبلس)(1)، وصفا للناس قبل بعثة الرسول صلی الله علیه و آله .

الثانیة عشر: ما رواه فی البحار عن الخرائج: روی عن الصادق(علیه السلام) انه قال: (لما قتل علی(علیه السلام) عمرو بن عبد ودّ أعطی سیفه الحسن(علیه السلام) وقال: قل لأمّک تغسل هذا الصیقل فردّه وعلی (علیه السلام) عند النبی صلی الله علیه و آله وفی وسطه نقطة لم تنق قال: ألیس قد غسلته الزهراء؟ قال: نعم، قال: فما هذه النقطة؟ قال النبی صلی الله علیه و آله : یا علی سل ذا الفقار یخبرک، فهزّه وقال: ألیس قد غسلتک الطاهرة من دم الرجس النجس؟ فانطق الله السیف فقال: بلی ...)(2).

الثالثة عشر: ما رواه فی العلل بسنده عن معاذ بن جبل فی حدیث خلقته وعلی (صلوات الله علیهما وآلهما) ... (ثمّ أخرجنا إلی أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ولا یصیبنا نجس الشرک ولا سفاح الکفر ...)(3).

ولا تخفی ان الاصابة فی الروایة مادیة بلحاظ الاصلاب والارحام، وکذا الروایة السابقة حیث انه فی مقام بیان شدة نجاسة الدم باضافته إلی نجاسة المشرک عمرو بن عبد ودّ، وکذا الروایة الأسبق علیهما، حیث ان وصف النجاسة للحیّ فی قبال المیت، أی بلحاظ البدن الحی بالروح وإلا فالنفس والروح هی هی قبل وبعد فلوکان الوصف لها دون البدن لم یقتصر الوصف علی الحیّ.

ص:373


1- (1) الکافی، ح1، ص49.
2- (2) بحار الانوار، ج30، ص249.
3- (3) بحار الانوار، ج15، ص7. علل الشرائع، ص80.

الرابعة عشر: حسنة عیسی بن عمر مولی الانصار انه سأل أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل یحلّ له أن یصافح المجوسی؟ فقال: (لا، فسأله أیتوضأ إذا صافحهم؟ قال: نعم، ان مصافحتهم تنقض الوضوء)(1).

المحمول علی غسل الید کما فی موثقة أبی بصیر (من مسّ کلبا فلیتوضأ)(2) ونقضه للوضوء بمعنی طهارة الید والسائل هو خادم للصادق (علیه السلام) سنینا، وقد روی عنه منصور بن حازم وکذا سیف بن عمیرة فی طریق هذه الروایة، وعلی کل تقدیر فی مفاد الروایة فانها تدل علی ارتکاز التقذر لدی أصحاب الأئمة (علیهم السلام) من أهل الکتاب وانهم بمنزلة الکلب أو المیت فی نجاسة أبدانهم.

الخامسة عشر: مصحح زرارة عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی آنیة المجوس فقال: (إذا اضطررتم الیها فاغسلوها بالماء)(3)، فان تقیید الاستعمال بالاضطرار ثم اشتراط الاستعمال بالغسل، یظهر مدی التقذّر من آوانیهم سواء المستعملة فی الأکل أو الشرب أو غیرهما مما یلاقی أبدانهم ویساورونه.

السادسة عشر: ما رواه علی بن إبراهیم فی تفسیر الآیة أَنْ طَهِّرا بَیْتِیَ لِلطّائِفِینَ وَ الْعاکِفِینَ وَ الرُّکَّعِ السُّجُودِ (4)، قال الصادق (علیه السلام): (یعنی نحّ عنه المشرکین، وقال: لما بنی إبراهیم علیه السّلام البیت وحج الناس شکت الکعبة إلی الله تبارک وتعالی ما تلقی من أیدی المشرکین وانفاسهم، فأوحی

ص:374


1- (1) وسائل الشیعة، ج1، ص275، باب نواقض الوضوء، باب11، ح5.
2- (2) المصدر، ح4.
3- (3) الوسائل، ابواب الاطعمة المحرمة، باب54، ح8.
4- (4) سورة البقرة، الآیة: 125.

الله الیها قرّی کعبتی فانی أبعث فی آخر الزمان قوما یتنظفون بقضبان الشجر ویتخللون)(1).

وتخصیص المشرکین بالتنحیة - مع اطلاق الأمر بتنحیتهم من دون التقیید بحال شامل لحال تنظفهم من القذارات العارضة، کما ان کون الشکوی من ملاقاة أیدیهم - مع کونها تغسل من القذارات العارضة عادة - دال علی کون النجاسة ذاتیة.

السابعة عشر: ما رواه السید بن طاووس فی مصباح الزائر عنهم(علیهم السلام) من الزیارة الجامعة للائمة علیه السّلام وفیها فی وصف أعدائهم (والقلوب المنتنة من قذر الشرک والأجساد المشحنة من درن الکفر).

الاستدلال بالسنة علی الطهارة:

هذا: وقد اعترض علی الاستدلال بالطوائف المزبورة بروایات دالة علی الطهارة، إلا أنّ الصحیح جعل العدید منها دالا علی النجاسة وبعضها الآخر لا دلالة له، وهی.

الأولی: صحیحة الکاهلی قال: (سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن قوم مسلمین یأکلون وحضرهم رجل مجوسی أیدعونه إلی طعامهم، فقال: أما أنا فلا أواکل المجوسی، وأکره أن أحرم علیکم شیئا تصنعونه فی بلادکم)(2).

فان الطعام یتلوث لو کان حکم أبدانهم النجاسة فیوجب الحرمة

ص:375


1- (1) تفسیر القمی، ح1، ص59.
2- (2) وسائل الشیعة، ابواب النجاسات، باب14، ح2.

فعدمها یلازم الطهارة، وأما عدم مؤاکلته هو علیه السّلام فلمقامه الشریف ومنصبه فی الدین.

وفیه:

أولا: کونها متعرضة لحکم العشرة معهم، الذی لا یرتضی القائلون بالطهارة انسجامه وارتباطه مع حکم ابدانهم وان کان الصحیح ارتباطه کما تقدم، بل ودلالته علی ارتکاز التقذر منهم لدی الراوی حیث عن سؤاله عن المؤاکلة معه مع کون الطعام من المسلم انما هولاجل التحرج منهم لقذارتهم.

ثانیا: قد فرض فیها الطعام من المسلمین لا من أهل الکتاب کی ینافی ما تقدم من النهی عن مطلق طعامهم المباشر بأبدانهم.

ثالثا: لم یفرض فی الروایة الاکل فی قصعة واحدة کما تقدم النهی عن خصوص ذلک فی أدلة النجاسة فغایة الأمر الاطلاق فی هذه الصحیحة یقید بما تقدم من النهی المزبور.

رابعا: أنّ المؤاکلة ان کانت حراما فلا مجال لکراهته (علیه السلام) الحکم بالتحریم، وان کانت حلالا فلا حرمة فی البین کی یکره (علیه السلام) الحکم بها.

فظاهر الکلام لا یستقیم الاخذ به إلا بحمل تعلیل عدم التحریم علی عدم بیان الحرمة لأجل التقیة والخشیة علی الراوی بعد کونه من شیعة الکوفة ویخشی علیهم الاشتهار بذلک کما یشیر الیه قوله (علیه السلام) (تصنعونه)، بعد بناء العامّة علی حلّ مطلق طعامهم ولو المباشر بأبدانهم استنادا إلی خطائهم فی فهم آیة المائدة، أی لان الاکل معهم شیء شائع یصنع فی الکوفة فتحریمه علی الشیعة موجب لاشتهارهم بذلک وتمیزهم

ص:376

عن العامّة(1).

وحمل: التحریم علی منصب الولایة والطاعة لا علی العنوان الأولی فیستقیم الظاهر حینئذ(2).

بعید: بعد کون السؤال عن الثانی وهو الظهور الاولی فی البیانات الشرعیة، فالاصح عدّ الروایة من أدلة النجاسة.

الثانیة: موثقة خالد القلانسی قال: (قلت لأبی عبد الله(علیه السلام) ألقی الذمی فیصافحنی، قال امسحها بالتراب وبالحائط. قلت: فالناصب؟ قال اغسلها)(3)، فان المسح فی الأول هو لاظهار النفرة منهم لا للتطهیر بخلاف الثانی، فهی مصرحة بطهارتهم بخلاف صحیح مسلم - المتقدم فی الأمر بالغسل بالمصافحة - فانه ظاهر فی النجاسة فیحمل علی التنزیه.

وفیه:

أولا: ان الأمر بالمسح بالتراب وبالحائط یحتمل کونه توطئة للغسل کما فی قول الراوی (انی أغدو الی السوق فأحتاج إلی البول ولیس عندی ماء، ثم أتمسح وانتشف بیدی ثم أمسحها بالحائط وبالأرض، ثم أحک جسدی بعد ذلک؟ قال: لا)(4).

وکما فی قول الآخر (أبول فلا أصیب الماء وقد أصاب یدی شیء من البول فأمسحه بالحائط والتراب ثم تعرق یدی ... الحدیث)(5)، وکما فی

ص:377


1- (1) مصباح الفقیهه للمحقق الهمدانی.
2- (2) غیر واحد من المتاخرین.
3- (3) وسائل الشیعة، ج3، ص420، باب14 من ابواب النجاسات، ح4.
4- (4) المصدر، باب26، ح13.
5- (5) المصدر، باب6، ح1.

قوله (علیه السلام) فی موثق عمار (قال سألته عن الدمل یکون بالرجل فینفجر وهو فی الصلاة؟ قال: یمسحه ویمسح یده بالحائط أو بالأرض، ولا یقطع الصلاة)(1).

وهو للتخلص من عین النجس وازالته کی یتخفف حکم الموضع الملاقی فی التطهیر والآثار، فیکون علی هذا کنایة عن الأمر بالغسل ومن التنوع فی التعبیر أو التشدد فی ازالة ما علق بسبب المصافحة، فالتنظیف بالتراب عنوانه فی عرف الروایة کالتنظیف بالصابون فی عرفنا یکون توطئة للغسل بالماء، ولا ینافی ما تقدم من انجسیة الناصب، حیث ان الأمر فی المقام مضمن لحکم العشرة أیضا من دون تدافع بینهما کما تقدم، فالاقرب جعل الروایة من أدلة النجاسة وانها شاهدة علی ارتکاز النجاسة لدی الرواة.

ثانیا: یحتمل فرض عدم الرطوبة والأمر بالمسح والغسل علی الاستحباب فلا ینافی صحیح ابن مسلم المتقدم المحمول علی فرض الرطوبة کما ذکره صاحب الوسائل، لاسیما وان القائلین بالطهارة یبنون علی تباین لسان حکم العشرة معهم مع لسان حکم أبدانهم إذ هم یحملون الأمر بالمسح علی اظهار النفرة منهم، لکن الاحتمال الأول أقرب.

الثالثة: صحیح علی بن جعفر المتقدم حیث فیه (وسأله عن الیهودی والنصرانی یدخل یده فی الماء أیتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا، الا ان یضطر إلیه)(2) حیث ان الترخیص عند الاضطرار دال علی الطهارة والا لم یصح

ص:378


1- (1) المصدر، باب22، ح8.
2- (2) المصدر، باب14، ح9.

الوضوء وعلی أن النهی للتنزیه.

وفیه:

أولا: ما تقدم من ورود نظیر هذا الاستثناء فی الجنب الذی غمس یده القذرة فی القلیل فدلالته علی عدم انفعال القلیل اشبه من طهارة المنی وأهل الکتاب، لکنه مطرح لما دل علی انفعاله، بل کما دل بالخصوص بالنهی عن استعماله والتیمم فلاحظ.

ثانیا: ان انحصار الماء به لا یصحح صدق الاضطرار إلی التوضؤ منه بعد امکان التیمم، وبعبارة أخری ان الظاهر من النهی المتقدم کونه قرینة علی معنی الاضطرار من انه اضطرار لمخالفة النهی ومنشئه وهو التقیة کما استظهره الشیخ.

ویشهد لذلک ان عنوان الاضطرار فی الروایات معهود بکثرة فی الاضطرار الرافع (کل شیء اضطر إلیه ابن آدم فقد أحله الله)، وهذا یعین ارادة اضطرار التقیة، بینما قد کثر التعبیر بالانحصار فی روایات الماء المکروه التوضوء به ب--(یتوضأ منه الا ان تجد ماء غیره فتنزه عنه) کما فی صحیح الحلبی(1)، أو(لیس یقدر علی ماء غیره) کما فی موثقتی سماعة(2) وعمار(3)، نعم فی مصحح زرارة المتقدم فی آنیة المجوس التعبیر ب--(إذا اضطررتم إلیها فاغسلوها بالماء)(4).

والاشکال: بأن التقیة رافعة للتکلیف لا للوضع فکیف یصح

ص:379


1- (1) وسائل الشیعة، ج1، ص128، باب2 من ابواب الماء المطلق، ح2.
2- (2) المصدر، باب8، ح2.
3- (3) المصدر، ح14.
4- (4) الوسائل، باب14 من ابواب النجاسات، ح12.

وضوؤه وصلاته وتتوفر طهارة أعضائه وثیابه.

مدفوع: بإمکان الالتزام بالعفو عن نجاسة أهل الکتاب عند الاضطرار بالتقیة أی عن انفعال الماء بهم، کما ورد نظیره فی الخمر بل سیأتی فی بقیة روایات المقام کروایة زکریا العفو عن نجاسة ذبائحهم، ونجاسة الخمر فی مورد الاضطرار وکما هو الحال فی تسویغ تغسیلهم للمسلم عند خصوص عدم المماثل المسلم لا مطلقا من کونه من باب العفو عن نجاستهم کما هو أحد وجوه الحکم المزبور.

ثالثا: ما ذکره صاحب الوسائل وهو قریب أیضا من الحمل علی کریة الماء أو ما فی حکمها من الاتصال بالمادة فی ماء الحمام، ووجه القرب ان ما تقدم فی السؤال هو عن اجتماع النصرانی مع المسلم فی الحمام والامر بالاغتسال بغیر الذی اغتسل النصرانی فیه من الماء القلیل الذی فی الاحواض الصغیرة الا ان یغسل الحوض ثم یغتسل.

الرابعة: صحیحة إبراهیم بن أبی محمود قال: (قلت للرضا (علیه السلام): الجاریة النصرانیة تخدمک وأنت تعلم أنّها نصرانیة لا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة، قال: لا بأس، تغسل یدیها)(1).

وتقریب دلالتها أن السؤال سواء کان عن الفرض الکلی بتمثیل کاف الخطاب عن مطلق المکلف کما فی قول الراوی نفسه فی روایة الآتیة (وأنت تعلم ...)، وکما فی قوله (علیه السلام) (فإن صافحک بیده فاغسل یدک)(2) بصورة کاف الخطاب مع أن السائل تعبیره بصورة الفرض الکلی (فی

ص:380


1- (1) المصدر، ح11.
2- (2) المصدر، ح5.

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

نجاستها مع عدم الاشارة فی النصوص المزبورة إلی ذلک.

وفیه:

أولا: ان المشهور علی عدم جواز العقد الدائم بها کما لعله الأقوی، کما أشرنا إلی وجهه فی آیة الطعام، بل خصوص المنقطع الذی هوقضاء وطرولیس باستقرار.

ثانیا: لو بنی علی جواز الدائم فإن عدم اشارة وتعرض النصوص هو لعدم کونها فی صدد البیان من هذه الجهة کما هو الحال بالنسبة إلی النجاسات العینیة العرضیة التی یدمن أهل الکتاب مساورتها والتلوث بها کشرب الخمر واکل الخنزیر، مضافا إلی تقیّدهم بأکل ذبائحهم، وکذا عدم توضائهم فی الخلاء وعدم اغتسالهم من الجنابة، وکذا الحیض واخواه، وکذا عدم توقیهم من النجاسات الاخری کالکلب وغیره، فهل سکوت الروایات عن کل ذلک دال علی طهارته أو العفو عنه، أوان جواز النکاح بهم یتدافع ویتهافت مع نجاسة تلک الأعیان.

وهذا هو الحال فی روایات جواز بیع کلب الصید أو آیة حلّ الصید بالکلب وروایاته، أو روایات جواز بیع لحم المیتة المختلط بالمذکی علی من یستحله، أو روایات استحباب الحجامة والفصد وغیرها من الروایات فی الابواب المختلفة إذ بقیة الجهات تتکفلها أدلة أخری.

ثالثا: ان فی الروایات المزبورة نحو اشارة کما فی صحیح معاویة بن وهب (واعلم أنّ علیه فی دینه غضاضة)(1)، وکما فی مصحح یونس (لا

ص:397


1- (1) المصدر، باب2، ح1.

ینبغی له ان یتزوج امرأة من أهل الکتاب الا فی حال ضرورة حیث لا یجد مسلمة حرة ولا أمة)(1)، وغیرهما سواء کان مفادها إرشادا إلی ذلک وغیره أو الکراهة، فانه علی الثانی أیضا الحکمة محتملة لذلک.

وکذا ذیل آیة حل المحصنات من أهل الکتاب وَ مَنْ یَکْفُرْ بِالْإِیمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِی الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِینَ (2) حیث انه وان کان فی صدد التحذیر من الموادة بالزواج منهم والمصاهرة والتمادی فی العشرة معهم حتی یؤول الأمر إلی الکفر مثلهم، إلا انه یفید طلب التجنب من مصاهرتهم، فلا یستفاد من جواز التزویج اطلاق العنان کی یکون مقتضاه طهارتهم، بل هو مع التنفیر من اتیانه والترغیب عنه.

هذا عمدة ما استدل به علی الطهارة وقد تبین وجوه الخلل:

إما: فی الجهة کما فی العدید منها حیث انها تضمنت قرائن التقیة، وان العمدة فی وقوعها بناء العامة علی استظهار حلیه ذبائح أهل الکتاب وما باشروه بابدانهم من الطعام المطبوخ من اطلاق الطعام فی آیة هل طعامهم، ویظهر من روایات الذبائح بشدة التقیة فی ذلک ولعله لزعمهم الاستناد إلی القرآن، فالحال فی البابین واحد.

کما انه اتحد نمط التلویح بالتقیة فیهما والتخالف فی اللسان بدوال متدافعة، وکذلک التعلیل للذاتی بالأمر العرضی فی روایات البابین، وهو نظیر ما یحکی عن مالک، قال فی الانتصار (وحکی الطحاوی عن مالک فی سؤر النصرانی والمشرک انه لا یتوضأُ به ووجدت المحصلین من أصحاب

ص:398


1- (1) المصدر، ح3.
2- (2) سورة المائدة، الآیة: 5.

مالک یقولون ان ذلک علی سبیل الکراهیة لا التحریم لأجل استحلالهم الخمر والخنزیر ولیس بمقطوع علی نجاسته)، فتری ان مذهبه التنزه لکونهم فی معرض النجاسات العرضیة وهو شاهد ان التعلیل المزبور موافقة لهم، بل ان فی العدید من الروایات التعرض فی جواب واحد لکل من الذبائح وحکم اسئارهم وأبدانهم.

وإما: الخلل فی الدلالة کما اتضح مفصلا.

وأمّا کونها أقرب فی الدلالة علی النجاسة منها فی الدلالة علی الطهارة، فما دل علی الطهارة فی نفسه غیر تام، فضلا عن معارضته لأدلة النجاسة والتی تقدم وجود الصریح فیها بکثرة والقوی الظهور، حتی أن بعض القائلین بالطهارة من هذا العصر لم یجد بدا من حملها علی أصالة النجاسة عند الشک تخصیصا لاصالة الطهارة، وهو شاهد علی استظهار اللزوم منها.

فارتکاب الجمع بالحمل لها علی التنزه طرح لها لا جمع دلالی، بل المتعین جعل أدلة النجاسة قرینة علی جهة الصدور فی أدلة الطهارة مع غض النظر عن قرائن التقیة التی تضمنتها ادلة الطهارة هی فی نفسها.

العلاج علی تقدیر التعارض:

ولو غضّ الطرف عن ذلک ووصلت النوبة للتعارض المستحکم، فالترجیح لأدلة النجاسة لموافقتها للکتاب کما تقدم تمامیة دلالة الآیة الأولی علی النجاسة فی عموم الکافر، بل وکذا الثانیة.

ولمخالفتها للعامة أیضا، حیث انهم ذهبوا إلی الطهارة حتی فی المشرک، وارتکبوا التأویل والتحویر فی الآیة فی المسند الیه عنوان النجاسة

ص:399

تارة النفس واخری القذارات التی یتلوّث بها المشرکون، والباعث لهم علی ذلک هو حسبانهم دلالة آیة حل الطعام وهی من سورة المائدة فلا بد أن حکم أبدانهم هو بمقتضی الآیة المتأخرة نزولا، ومن جهة أخری لا یمکنهم رفع الید عن الحکم فی آیة فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ فارتکبوا التأویل تفادیا للنسخ، وهذا الذی تشیر وتومی الیه کل من روایات النجاسة وروایات المستدل بها للطهارة.

وهذا هو وجه اطباق المتقدمین والمتأخرین علی النجاسة إلا ما شذّ علی تقدیر صحة نسبة الخلاف التی فی کلمات متأخری الأعصار.

واستبعاد: التقیة فی العدید من الروایات سواء فی مقام الحکم والاخبار لبعد تواجد من یتقون منه فی کل مجالسهم، أوفی مقام العمل إذ لم ینبهوا(علیه السلام) علی الآثار الوضعیة لتمکن المکلفین من العمل علی طبق الواقع ولو عند الرجوع إلی المنازل کما فی روایات الائتمام بالعامة.

فی غیر محله: اذ أولا: الکلام بعینه من روایات حلّ ذبائحهم الکثیرة مع کونها میتة نجسة وروایات طهارة الخمر العدیدة، وروایات جواز الصلاة فی بعض أصناف ما لا یؤکل لحمه کالثعالب والسمور والفنک والارانب ونحوها، وغیرها من الروایات فی الأبواب.

ثانیا: انه کفی فی التنبیه روایات النجاسة التی عرفت صراحة العدید منها، حتی ان عدة من الرواة لبعض ما یوهم الطهارة هو راوی روایات النجاسة أیضا.

ثالثا: ان بعض موارد التقیة لا تدرج فی القسمین المزبورین، إذ هو من التقیة علی مجموع الطائفة لا خصوص السائل فی مقام العمل، فلکی لا یشهّر علی الشیعة والمذهب، یجیبون (علیهم السلام) بما یوافق العامة أوبما یقرب منه،

ص:400

ثم إذا توفرت الظروف لتبیان الواقع تصدر الاجابة بما هو الواقع، کما فی جملة من الأحکام التی بیّنها متأخرو الأئمة (علیهم السلام) فی حین ان الروایات الصادرة من الصادقین علیهما السّلام هی بما یوافق العامة، والظاهر ان مثل هذا النمط من التقیة هو أحد علل التدرج فی بیان الأحکام.

هذا: وأما دعوی ان الارتکاز عند الرواة هو طهارة أهل الکتاب کما یوحی بذلک بعض اسئلتهم فقد تقدم الجواب مفصلا - فی ذیل الروایة التاسعة مما استدل به علی الطهارة - وان الارتکاز لدی اکثرهم فی کثیر من الروایات علی النجاسة الذاتیة، وأن ذکر النجاسة العرضیة فی ردیف الذاتیة هو لشدتها فی الآثار واسرعیة التلوّث بها، فراجع.

ثمّ انه قد تقدم ان موضوع الأدلة سواء فی الآیتین أو الروایات هو الکافر مطلقا، أما فی الآیة الأولی فعدة من الشواهد المتقدمة علی ارادة الکافر منها فلاحظ، وأما الآیة الثانیة فموضوعها الذین لا یؤمنون ولا یسلمون أی الکافرین،.

وأمّا الروایات فقد ورد فیها عدة بعنوان المشرک، وکذا أهل الکتاب وهو الأکثر، وکل ما خالف الاسلام، ومفهوم المؤمن وهو الکافر، کما ورد فی سیاق واحد الناصب وأهل الکتاب مما یعطی ان الجامع الموضوع هو الکافر، کما قد ورد النهی عن ذبائح أهل الکتاب فی سیاق واحد مع النهی عن مساورتهم، مما یدل علی وحدة الموضوع فی العدید من الروایات مع أنه علّل تحریم ذبائحهم بأن الحلیة فیها مناطها الاسلام وأهل التوحید، ومع انه ورد النهی عن ذبیحة الناصب والخوارج والمجسمة والمشبهة.

فمن مجموع ذلک یظهر وحدة الموضوع فی البابین، بل وباب النکاح أیضا غایة الأمر انه استثنی أهل الکتاب فی المنقطع عند المشهور أو الدائم أیضا عند متأخری العصر.

ص:401

حکم المرتد:

قد ظهر عموم ما اطلقه المشهور من نجاسة کل کافر سواء فی الآیتین أو الروایات بعد تعدد العناوین المشترکة فی عنوان الکفر، بل ودلالة بعضها علیه بالذات، مضافا إلی أرداف أحکام اخری مع الحکم المزبور من حرمة الذبیحة والمناکحة التی هی مترتبة علی عنوان الکفر.

اما المقام الثانی وهو البحث فی الموضوع فقد جعلناه قاعدةً مستقلةً اتیة.

ص:402

قاعدة الایمان والکفر

اشارة

(وهی بمثابة الموضوع للقاعدة السابقة)

ص:403

ص:404

من القواعد العقائدیة المتصلة بأبواب الفقه الإیمان والکفر

اشارة

(وهی بمثابة الموضوع للقاعدة السابقة)

المراد من الکافر من کان منکرا للألوهیة او التوحید او النبوة بلا خلاف فیه بین المسلمین وسواء رجع الانکار فی الأول الی الذات أو الصفات اجمالا، وسواء کان انکار التوحید فی المذکورین أوفی الأفعال أوفی العبادة، وسواء کان الانکار للرسالة العامة أوالخاصة وکذا انکار أبدیتها إلی یوم الحساب، أو انکار شمولیتها لکافة البشر، وأفرد جماعة انکار عدله وهو یندرج فی انکار الصفات.

قال الشیخ الکبیر فی أقسامه:

أولها: کفر الانکار بانکار وجود الآلهة أو اثباة أن غیر الله هو الله أو بانکار المعاد أو بنبوة نبینا، شرف العباد.

ثانیها: کفر الشرک باثبات الشریک للواحد القهار أوفی نبوة المختار.

ثالثها: کفر الشک بالشک فی احدی الثلاثة التی هی اصول الاسلام.

رابعها: کفر الهتک بهتک حرمة الدین بالبول علی المصحف أو فی

ص:405

الکعبة أو سب خاتم النبیین صلی الله علیه و آله .

خامسها: کفر الجحود بأن یجحد باللسان أصول الاسلام ویعتقدها بالجنان قال تعالی وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَیْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ (1).

سادسها: کفر النفاق بأن ینکر فی الجنان، ویقرّ فی اللسان کما قال تعالی وَ مِنَ النّاسِ مَنْ یَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ وَ بِالْیَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِینَ (2).

سابعها: کفر العناد بأن یقرّ بلسانه، ویعتقد بجنانه ولم یدخل نفسه فی ربقة العبودیة بل یتجری علی الحضرة القدسیة کإبلیس.

ثامنها: کفر النعمة بأن یستحقر نعمة الله، ویری نفسه کأنّه لیس داخلا تحت نعمة الله.

تاسعها: کفر الانکار للضروری.

عاشرها: اسناد الخلق إلی غیر الله علی قصد الحقیقة)(3) انتهی.

وفیه مواقع للبحث:

اولا: عده انکار المعاد من القسم الأول بناءً علی دخول الاقرار بالمعاد فی حدّ الاسلام الآتی الکلام فیه، وکذا جعل الاصول ثلاثة فی القسم الثالث والخامس.

ثانیا: تخصیص کفر الجحد بحالة الیقین الجنائی وهو محلّ نظر کما یأتی.

ثالثا: ان کفر الهتک هو ما یطلق علیه کفر الفعل وهو دال وامارة علی الکفر والردّة لا انه بنفسه کفر، وقد تأمّل جماعة منهم المجلسی(قدس سره)(4) فی

ص:406


1- (1) سورة النحل، الآیة: 14.
2- (2) سورة البقرة، الآیة: 8.
3- (3) منهج الرشاد، ص78، الطبعة الحجریة.
4- (4) رسالة فی الحدود والقصاص والدیات، ص50، الطبعة الحجریة.

حصول الردّة به وان کان حدّه القتل، ونصّ بعضهم بعدم کفر السابّ للّه تعالی وللنبی صلی الله علیه و آله وإن وجب قتله، لکنه خلاف ظاهر ما یأتی من الروایات.

نعم یظهر من بعضها التقیید بما إذا فعله عنادا ومکابرة فیکون بنفسه إنشاءً للکفر لا انه امارة، ثم ان هذا الکلام فیما کان یستوجب القتل وأما بقیة درجات الهتک التی توجب التعزیر فلا کما فی تمثیل الروایة بالبول فی المسجد الحرام.

رابعا: ان کفر النفاق هل هو الکفر الأکبر الذی ترتب علیه الأحکام الدینویة أوانه أحد الدرجات الاخرویة الذی هو کفر باطنی واخروی، وهو مترتب علی الاقوال فی الاقرار اللسانی بالشهادتین.

خامسا: ان کفر العناد المعروف بکفر إبلیس، هل هو مجرد ترک الطاعة والعمل عن عمد، أو إذا کان ناشئا عن الاستخفاف والتهاون الذی یؤول أو یتفق مع کفر الهتک، أوانه مع اعتقاد لغویة الأمر والنهی الالهی وعدم حکمته والعیاذ باللهمع الامتناع تکبّرا وردا علی الله تعالی مع الاستخفاف بنبی الله والازدراء به کما هو الحال فی کفر ابلیس لعنه الله تعالی.

سادسا: ان کفر النعمة وبمعناه الوسیع لیس من الکفر الأکبر إلا إذا آل إلی اعتقاد باطل.

سابعا: ان الظاهر من ما فی کشفه (قدس سره) ان کفر انکار الضروری من باب الاستلزام لانکار اصول الاسلام وهذا یخالف تقسیمه ههنا ظاهرا.

ثامنا: ان ما ذکره من القسم الأخیر هو انکار التوحید فی الأفعال، وقد تقدم ان اقسام الانکار اکثر من ذلک.

ثم انه بالتدبر والنظر یظهر حال الفرق والملل الکثیرة من جهة حقیقة

ص:407

اعتقاداتهم، انها هل ترجع إلی انکار التوحید فی المقامات الأربعة، أوالی انکار الرسالة من أحد جوانبها المقومة لها أم لا، وبسط ذلک تتکفله عدة رسائل وضعها غیر واحد من الفقهاء والمتکلمین ویأتی شیء من التفصیل لاحقا.

ثمّ ان الشیخ فی الاقتصاد ذکر فی تعریف الکفر (هو ما یستحق به عقاب عظیم وأجریت علی فاعله أحکام مخصوصة)، وفی تمهید الأصول (ما یستحق به العقاب الدائم الکثیر ویلحق بفاعله أحکام شرعیة نحو منع التوارث والتناکح)، وهو بلحاظ المقصّر دون القاصر المستضعف فی الاستحقاق کما عرّفه جماعة (بالاخلال بالمعرفة الواجبة فی الأصول) وهو غیر مانع کما سیتضح.

اخذ المعاد فی حد الإسلام:

ثمّ ان فی کلمات المشهور من کتب الأصول والفروع أخذ الاقرار بالمعاد فی حدّ الاسلام بخلاف جماعة منهم الماتن، فانهم اعتبروا الاصلین فقط مع اشتراط عدم انکار الضروری حینئذ فیندرج فی الشرط المزبور، غایة الأمر حقیقة الشرط اما بأخذه بنفسه فی الحدّ، وسببیة الانکار المزبور بنفسه للکفر، أو لاستلزام انکار الاصلین.

ووجه الثانی: ان الاسلام کما حدّ فی کثیر من الروایات هو الشهادتان کما فی موثق سماعة عن الصادق(علیه السلام) (الاسلام شهادة ان لا اله إلا الله والتصدیق برسول الله صلی الله علیه و آله به حقنت الدماء وعلیه جرت المناکح والمواریث وعلی ظاهره جماعة الناس)(1)، وغیرها من الروایات(2)، واطلاق

ص:408


1- (1) اصول الکافی، ج2، ص25.
2- (2) اصول الکافی، ج2، ص24-27.

هذه الروایات لم یقید بشیء عدا ما یأتی من جحد الضروریات.

وأما وجه الاول: فقد استدل علیه بما جاء متکاثرا فی الآیات من قرن الایمان باللهسبحانه مع الایمان بالمعاد والیوم الآخر(1).

ولکن: قد یشکل علی هذا التقریب بأن مجرد القرن فی الایمان لا یدل إلا علی وجوب ذلک الاعتقاد لا علی أخذه فی حدّ الاسلام، کما هوالحال فی الایمان بکتبه وملائکته ورسله وآیاته تعالی، لا سیما وانه مذکور فی کثیر من الآیات بما هومنشأ للعمل والطاعات فهودخیل فی درجات الایمان.

نعم بعد قیام العلم به یلزم الاعتقاد به وانکاره موجب للکفر للاستلزام کما فی بقیة الضرورات الاعتقادیة، فالمراد من عدم دخولها فی الحدّ هوکفایة الشهادة الاجمالیة بما جاء به الرسول صلی الله علیه و آله من دون لزوم التفصیل فی تحقق الاسلام.

فالأولی تقریب أخذه فی الحدّ: ان فی العدید من الآیات تارة الاشارة إلی الکفار بالأصلین الأولین بعنوان الذین لا یؤمنون بالآخر الظاهر منه ان انکاره موجب للکفر الأکبر وانه داخل فی الحدّ، وأخری بیان التلازم والتعلیل للکفر بالأصلین بالکفر به، وثالثة أن منشأ الجحد واللجاج من الکفار هو عدم الایمان بالآخرة، ورابعة انذار الکافر به بالعذاب المتوعدّ به فی الکفر الأصلی، وخامسة التعبیر عن انکاره بالکفر به.

ومادة الکفر وان کان الاستعمال القرآنی علی معانٍ متعددة بحسب درجات الکفر ولکن الاطلاق ینصرف إلی الکفر الاصطلاحی، لا سیما

ص:409


1- (1) التنقیح فی شرح العروة، ج25/3.

وان اطلاقه علی الکافرین بالأصلین.

فمن الأول: قوله تعالی وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَیْنَکَ وَ بَیْنَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (1)، وقوله إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَیُسَمُّونَ الْمَلائِکَةَ تَسْمِیَةَ الْأُنْثی (2).

ومن الثانی: قوله تعالی إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْکِرَةٌ وَ هُمْ مُسْتَکْبِرُونَ (3)، وقوله وَ هذا کِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَکٌ ... وَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ یُؤْمِنُونَ بِهِ (4)، وقوله وَ إِذا ذُکِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ (5).

ومن الثالث: قوله وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا هَلْ نَدُلُّکُمْ عَلی رَجُلٍ یُنَبِّئُکُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ کُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّکُمْ لَفِی خَلْقٍ جَدِیدٍ أَفْتَری عَلَی اللّهِ کَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِی الْعَذابِ وَ الضَّلالِ الْبَعِیدِ (6)، وقوله وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِیدَ هذِهِ أَبَداً وَ ما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلی رَبِّی لَأَجِدَنَّ خَیْراً مِنْها مُنْقَلَباً قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ یُحاوِرُهُ أَ کَفَرْتَ بِالَّذِی خَلَقَکَ مِنْ تُرابٍ (7)، وکأن الزامه بالکفر بالخالق لتلازم امکان وقوع العود مع وقوع البدء فانکاره انکار للمبدأ.

بل ان الدعوة من الانبیاء والرسل مبتدأة بالانذار والبشارة بالآخرة،

ص:410


1- (1) سورة الاسراء، الآیة: 40.
2- (2) سورة النجم، الآیة: 27.
3- (3) سورة النحل، الآیة: 22.
4- (4) سورة الانعام، الآیة: 92.
5- (5) سورة الزمر، الآیة: 45.
6- (6) سورة سبأ، الآیة: 7 -8.
7- (7) سورة الکهف، الآیة: 37.

ولذلک قال النراقی (قدس سره) وغیره ان المعاد یقرّ به کل الملیین وأصحاب الشرائع بل وبعض الملاحدة والدهریة (1)، وعن المحقق الدوانی فی العقائد العضدیة ان من انکره یکفر باجماع أهل الملل الثلاثة، وکذا توصیفه صلی الله علیه و آله بالبشیر النذیر وکذا ابتدأ الدعوة به منه صلی الله علیه و آله بل ان الدعوة للالتزام بالرسالة متقومة بالاقرار بالیوم الآخر.

وکذا المؤدی الذاتی للرسالة هو کونها طریق السلامة فی الآخرة وهو الغایة من البعثة وهو معنی الالتزام بالرسالة والاسلام کدین ذی حدود شرعیة منجزة علی العبادة أی انهم مأخوذون بالعقوبة الاخرویة علی ترکها، ولذلک استهلّ الرسل الانذار به فی الدعوة، وعلل الکفر بالاصلین بالکفر به، وهذا هو التفسیر للقرن الکثیر بین الاعتقاد به وبین الأصلین.

ومن الرابع: قوله إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَیَّنّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ یَعْمَهُونَ أُوْلئِکَ الَّذِینَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَ هُمْ فِی الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (2)، وقوله وَ أَنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِیماً (3).

ومن الخامس: قوله إِنِّی تَرَکْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا یُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ کافِرُونَ (4)، وقوله اَلَّذِینَ لا یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ کافِرُونَ (5)، وقوله اَلَّذِینَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ وَ یَبْغُونَها عِوَجاً وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ کافِرُونَ (6)، وقضیة الوجوه المزبورة اخذه فی الحدّ بل فی حد

ص:411


1- (1) أنیس الموحدین، ص228.
2- (2) سورة النمل، الآیة: 5.
3- (3) سورة الاسراء، الآیة: 10.
4- (4) سورة یوسف، الآیة: 37.
5- (5) سورة فصلت، الآیة: 7.
6- (6) سورة الاعراف، الآیة: 45.

الرسالة.

إلا ان الشهید الثانی وجماعة عبروا عنه بضروری الدین وان منکره فی رتبة الکفر وخارج عن عداد المسلمین، ویمکن توجیه التعبیر بأنّ الضروریات متفاوتة الدرجة فی البداهة والوضوح کما یأتی، والمعاد لوسلم عدم تقوم معنی الرسالة به فلا ریب فی کونه أبده الضرورات الدینیة التی لا یتعقل خفاؤها علی أیّ سامع بالأدیان السماویة، فمن ذلک اختلف حاله عن باقی الضرورات.

دخول الضروری فی حد الإسلام:

اختاره اکثر متأخری المتأخرین وأن تحقق الکفر به من جهة الاستلزام لانکار الرسالة، وذلک مع العلم بکونه مما جاء به صلی الله علیه و آله وعلی ذلک فلا یخصّ بالضروری علی هذا القول.

والقول الآخر: الذی نسبه فی مفتاح الکرامة إلی المشهور أن انکاره بنفسه سبب لتحقق الکفر، وهو ظاهر الکلمات حیث قیدوا بالضروری دون مطلق المعلوم انه من الدین والنسبة من وجه.

والثالث: انه امارة علی انکار الرسالة.

والرابع: ما ذکره شیخنا الانصاری من التفصیل بین المقصّر والقاصر فهو سبب فی الأول خاصة، أو التفصیل بینهما فی الأحکام العملیة دون الاعتقادیة.

والخامس: التفصیل فی ترتیب آثار الکفر بین الجاهل البسیط المعذور وغیره مع تحقق الموضوع فی کلا الصورتین.

ص:412

اقسام منکری الضروری:

والصور المهمة التی یمکن ان یشملها محل البحث:

الاولی: الداخل لتوه فی الاسلام ممن لم یطلع علی الدین.

الثانیة: صاحب الشبهة والتأویل، وهو علی اقسام:

فتارة: ینکر ضروری من الدعائم. وأخری: من غیر الدعائم.

وثالثة: ضرورة واحدة.

ورابعة : مجموعة کبیرة من الفرائض، کما فی بعض الصوفیة المتأولین للیقین المجعول غایة للعبادة فی الآیة بغیر الموت فلیس للواصل باصطلاحهم فریضة واجبة علی الجوارح سوی ذکر القلب.

وخامسة: فی فترة البحث والتنقیب والفحص فهو کالشاک.

وسادسة: یقیم علی الانکار ویتدین به أو یبتدع طائفة علی ذلک الانکار.

وسابعة: قد وصلت إلیه الحجة والبیان لکنه یتأوّلها ویقصّر فی موازین الاستدلال.

وثامنة: وأخری قاصر فی ذلک.

ویقع الکلام تارة فی مقتضی القاعدة، وأخری فی الأدلة الخاصة، وحریّ تقدیم بعض الکلمات فی انکار الضروری عن شبهة فی نظائر المقام.

کلام الاعلام فی منکری الضروری:

قال المفید فی أوائل المقالات: واتفقت الامامیة علی ان أصحاب البدع کلهم کفار، وان علی الامام ان یستتیبهم عند التمکن بعد الدعوة لهم واقامة البینات علیهم فان تابوا عن بدعهم وصاروا إلی الصواب، والا

ص:413

قتلهم لردتهم عن الایمان، ثم نقل عن المعتزلة انهم فساق ولیسوا بکفار(1).

وما ذکره المفید من استتابتهم ووجوب رفع شبهتهم بمقدار اقامة ما هو متعارف من البینات مع حکمه بکفرهم یحتمل التفصیل بین الحکم بکفرهم وبین ترتب احکام الکفر من القتل وغیره وهو الذی یظهر من عدة من روایات(2) الحدود.

أو یحتمل ذهابه إلی قول ابن جنید فی المرتد سواء کان فطریا أو ملیا من استتابته وإلا فیقتل، ومال إلیه الشهید فی المسالک فی قبول توبته، والمجلسی فی البحار وحق الیقین کما انه یظهر منه انه بعد قیام البینة لا یعذر ولو کان فی الظاهر علی الشبهة.

وقال فی الکتاب المزبور أیضا (واتفقت الامامیة علی أن الناکثین والقاسطین من أهل البصرة والشام أجمعین کفار ضلال بحربهم أمیر المؤمنین(علیه السلام) وانهم بذلک فی النار مخلدون)، ثم نقل عن المعتزلة انهم فساق أیضا لیسوا بکفار، ثمّ حکی اتفاق الامامیة علی ان الخوارج المارقین عن الدین کفار بخروجهم علی أمیر المؤمنین(علیه السلام) وانهم بذلک فی النار مخلدون.

وفی المنقذ من التقلید للحمصی فی محاربی علی(علیه السلام) قال: فان قیل لو تساوی حکم الحربین - أی حرب الرسول وحرب الأمیر(علیه السلام) - لغنم مال کل واحد منهما و...

قیل: الظاهر یقتضی ذلک لکن علمنا بالدلیل اختلافهما فی بعض

ص:414


1- (1) اوائل المقالات.
2- (2) الوسائل، ابواب حد المرتد، باب9، ح1. وابواب احکام شهر رمضان، باب2، ح3 وباب6، ح3.

الاحکام فأخرجناه بالدلیل وبقی ما عداه، ثم یقال للمعتزلة ألستم تحکمون بکفر المجبرة والمشبهة؟

أفیلزمکم ان یجری علیهم حکم الکفار من أهل الحرب؟ وبعد فان أحکام الکفار مختلفة ألا تری ان الحربی حکمه مخالف لحکم الذمی، والمرتد یخالف حکمه حکمهما وإذا کان أحکام الکفر مختلفة لم یمتنع ان یکون احکام البغاة مخالفة لأحکام سائر الکفار)، والذی ذکره مضمون ما ذکره الشیخ فی الاقتصاد.

والذی یظهر من الکلمات فی باب الجهاد ان البغاة علی الامام یجری علیهم فی دار الهدنة حکم المسلمین حتی تظهر دولة الحق فیجری علیهم حکم الکفار الحربیین.

نعم قد روی انه(علیه السلام) قال یوم البصرة واللهما قوتل أهل هذه الآیة حتی الیوم وتلا یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا مَنْ یَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ فَسَوْفَ یَأْتِی اللّهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَی الْکافِرِینَ یُجاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَ لا یَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ (1).

وقال فی کشف الغطا فی عداد الکفار: وکل مسبوق بالشبهة مع العذر فانکر والمتردد فی مقام النظر فی أمر اصول الدین یجری علیه أحکام النجاسة وان کان معذورا فی الاخرة وغیر المعذور یحکم علیه بالکفر الاصلی فی مقامه والارتدادی فی مقامه وما کان من القسم الثانی وهو ما تضمّن انکار الضرورة فقط فغیر المشتبه الخالی عن العذر کافر أصلی أو مرتد، ومن کان معذورا للشبهة لا یحکم علیه بالکفر بقسمیه، وغیر

ص:415


1- (1) تفسیر البرهان، ج479/1.

المعذور منه کاکثر المتصوفة یحکم علیهم بالتعزیر والتغریب لئلا یفسدوا العباد والبلاد ولا یحکم علیه بالارتداد فتقبل توبتهم).

وقال فی منکر(1) الضرورة (وهذه ان صرح فیها باللوازم أو اعتقدها کفر وجری علیه حکم الارتداد الفطری، وإلا فان یکن عن شبهة عرضت له واحتمل صدقه فی دعواها استتیب وقبلت توبته ولا یجری علیه حکم الارتداد الفطری، وان امتنع عزر ثلاث مرات وقتل فی الرابعة وان لم یمکن ذلک وترتبت علی وجوده فتنة العباد وبعثهم علی فساد الاعتقاد أخرج من البلاد ونادی المنادی بالبراءة منه علی رؤوس الاشهاد ویجری نحو ذلک فی حق المبدعین فی فروع الدین).

وفی مسألة من شرب الخمر مستحلا (استتیب فان تاب أقیم علیه الحد وان امتنع قتل کما عن المقنعة والنهایة والجامع وجماعة، وعلل لامکان الشبهة).

وقال شیخنا الانصاری - فی الطهارة(2) - فی معرض الاشکال علی سببیة انکار الضروری: انه لا وجه حینئذ لما اشتهر من اخراج صورة الشبهة فیظهر من الکلمات المتقدمة القول بإماریة انکار الضروری، ولذا أخرجوا صورة الشبهة عن الحدّ.

لکن قال فی الجواهر(3): لو أصرّ بعد الظهور والاطلاع وان کان لشبهة ألجأته الیه حکم بکفره، لعدم معذوریته، وظهور تقصیره فی دفع تلک الشبهة کمن انکر النبی صلی الله علیه و آله لشبهة.

ص:416


1- (1) کشف الغطاء، ج2، ص356. ط الحدیثة.
2- (2) کتاب الطهارة، ج5، ص133.
3- (3) جواهر الکلام، ج6، ص49.

فلعل المشهور یفصلون فی صاحب الشبهة بین من قامت لدیه الحجة والبیان وبین من لم تقم، فیکون التعبیر بالعذر وعدمه اشارة الی ذلک، وکذا التعبیر والتقیید بالعلم بمجی الرسول صلی الله علیه و آله به وعدمه اشارة الی قیام البینة وعدمها، لا الاشارة الی صفات الادراک النفسیة إذ بذلک یکشف عناده وجحوده.

وفی مسألة حکم من هو فی زمان مهلة النظر، فعن السید انه جزم بکفره، واستشکله جماعة منهم الشهید الثانی باعتبار تکلیف ما لا یطاق فکیف یخلد فی النار، واجیب بالتفرقة بین الحکم بالکفر وبین ترتب العقوبة، وذهب الشهید إلی ان حکمه حکم التابع کالاطفال أو الصبی الممیز.

مقتضی القاعدة فی منکر الضروری:

فاللازم بیان حدّ الاسلام کی یتضح انه متی یکون المنکر المزبور خارجا عن ذلک الحد.

ففی الاطلاق اللغوی هو التدین والانقیاد بالدین والشریعة کمجموع مسمی الاسلام إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ ولو اجمالا، وما تقدم من الروایات الجاعلة للشهادتین حدا للدخول فی الاسلام مطابقا لذلک، إذ الشهادة الأولی عبارة عن الاذعان بالتوحید، والثانیة عبارة عن الاقرار برسالته والالتزام الاجمالی بما جاء به صلی الله علیه و آله من الشریعة.

ومقتضی هذا الالتزام هو الاقرار تفصیلا بکل ما علم تفصیلا من تفاصیل الشریعة بعد قیام العلم المزبور، ولذلک جاء فی عدّة من الروایات فی حدّه زیادة اقامة الفرائض وهو کنایة عن الاقرار بها، إذ الایمان اقرار

ص:417

وعمل والاسلام اقرار بلا عمل، کما فی صحیح محمد بن مسلم(1).

کما یدل علیه ذیل روایة سفیان السمط عن أبی عبد الله(علیه السلام) (الاسلام هو الظاهر الذی علیه الناس: شهادة أن لا اله إلا الله وحده لا شریک له وان محمد عبده ورسوله وإقام الصلاة وایتاء الزکاة وحج البیت وصیام شهر رمضان فهذا الاسلام، وقال: الایمان معرفة هذا الأمر مع هذا، فان أقرّ بها ولم یعرف هذا الأمر کان مسلما وکان ضالا)(2).

وروایة أبی بصیر عن أبی جعفر(علیه السلام) (من شهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلّی الله علیه وآله وأقرّ بما جاء به من عند الله وأقام الصلاة وآتی الزکاة وصام شهر رمضان وحجّ البیت فهو مسلم)(3).

وروایة تحف العقول عن الصادق(علیه السلام) (وأما معنی الاسلام فهو الاقرار بجمیع الطاعة الظاهر الحکم والأداء له، فإذا أقرّ المقر بجمیع الطاعة فی الظاهر من غیر العقد علیه بالقلوب فقد استحق اسم الاسلام ومعناه، واستوجب الولایة الظاهرة واجازة شهادته والمواریث وصار له ما للمسلمین وعلیه ما علی المسلمین)(4).

فلیس مجرد الشهادتین حدّا لحدوث الاسلام، أوهما مع بقیة الضرورات للحدّ بقاء، بل تدور مدار تحقق العلم التفصیلی وعدمه، وقد عرّفه بذلک الشیخ فی الاقتصاد.

وعلی ذلک الحدّ فالمنکر للضروری مع الجهل المرکب داخل فی الحدّ

ص:418


1- (1) الوافی، ج79/3، ط الحدیثة.
2- (2) الکافی، ج2، ص24.
3- (3) البحار، ج68، ص270.
4- (4) البحار، ج68، ص277.

بعد عدم منافاة الانکار للالتزام والتسلیم الاجمالی، لکن ذلک لوکان بحیث لوکان بحیث لوعلم لرجع عن انکاره وأما لولم یکن کذلک فالمنافاة متحققة کما فی کلیة موارد قصد المتنافیین، ومثاله من کان حدیث الدخول فی الاسلام، أو بعید المسکن عن الحواضر الدینیة.

وأما الجاهل البسیط فقیل بعدم المنافاة أیضا ما لم یحصل العلم التفصیلی، وفی اطلاقه نظر، لأن الانکار ان کان مستندا إلی ما یراه دلیلا وحجة ولو کان ظنیا، وبعبارة جامعة ما کان معذورا من الحالات والصورة المختلفة - والمراد من المعذوریة الاشارة إلی عدم قیام الحجة والبیان أو عدم القدرة علیه - فعدم المنافاة واضحة.

وأمّا إذا کان الانکار مع عدم المعذوریة أو القدرة علی الفحص وتحصیل الواقع - والمراد الاشارة إلی البیان الواصل أو القدرة علی تحصیله - فان کان ناشئا من العناد أو الاستخفاف والاستهانة فهولا یلتئم مع الاقرار الاجمالی بمجموع الرسالة المقتضی للالتزام الاحتمالی فی الاطراف المحتملة لدائرة الشریعة، لاسیما فی الموارد التی یقیم فیها علی الانکار ویتدین به.

وتشیر إلی ذلک صحیحة عمر بن یزید قال: (قلت لأبی عبد الله(علیه السلام) أرأیت من لم یقرّ بما یأتیکم فی لیلة القدر کما ذکرت، ولم یجحده؟ قال: أما إذا قامت علیه الحجة ممن یثق به فی علمنا فلم یثق به فهو کافر، وأما من لم یسمع ذلک فهو فی عذر حتی یسمع ثم قال أبو عبد الله یؤمن باللهویؤمن المؤمنین)(1)، فهی وان کانت فی الکفر مقابل الایمان الا انه یتضح منها ضابطة تحقق الکفر من أی درجة کانت مع قیام ما هو حجة

ص:419


1- (1) وسائل الشیعة، ج1، ص38، ابواب العبادات، باب2، ح19.

وان لم تسکن الیه نفسه.

ثمّ ان المراد من الجهل هو عدم وصول البیان والدلائل المتعارفة، لاحالة عدم الاذعان وعدم السکون النفسی، وبذلک یتضح الحال فی صاحب الشبهة انه غیر خارج عن التقسیم، ففی موارد عدم المعذوریة فی المعنی المزبور لاسیما فی صورة انکار جملة من الفرائض الضروریة عن عامة المسلمین مع الاقامة علی فالمنافاة جلیة.

هذا ویمکن استجلاء المنافاة فی صورة الاقامة علی جملة من الفرائض بأن باب التذرع بالشبهة والتأول لو فتح لتأتی فی مجموع الضروریات ولما بقی للدین رسمه، مع ان فی العدید من الروایات(1) جعل بعض الضروریات دعائما واثافیا للاسلام، ففی بعضها انه بنی علی عشرة أسهم، ومقتضی الدعامة والرکنیة هو التلازم وعدم امکان التفکیک فی الاقرار بهما، ویؤید ذلک کله الحکم بکفر الخوارج ونحوها من الفرق مطلقا کما ذکره فی الجواهر.

ویمکن تفسیر المنافاة بما ذکر فی تعریف المرتد من انه من قطع الاسلام بالاقرار علی نفسه بالخروج منه، حیث ان الارتداد هو اقرار مخالف مضاد للاقرار الأول، وانکار الارکان یعدّ اقرارا بالخروج عن الدین فی العرف المتشرعی.

فظهران مقتضی القاعدة التفصیل بین الجهل وعدمه بالمعنی المزبور وبین کون الانکار لجملة منها وعدمه مع الاقامة وعدمها، وهو تحدید اجمالی لموارد المنافاة وتقریب للسببیة فی الجملة.

ص:420


1- (1) الکافی، ج2، ص18، وسائل الشیعة، مقدمات العبادات، باب1.

وأما الأدلة الخاصة:

فلا بد قبل ذکر الروایات من التنبیه إلی نکتة ذکرها أکثر المحققین المتأخرین، وهی أن کلا من الاسلام والایمان علی درجات، ولذلک تتعدد اطلاقاتهما الاستعمالیة وکذلک مقابلهما وهو الکفر فقد یطلق علی جحد لأصلین وعلی من ترک الطاعة کقوله فی فریضة الحج وَ مَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِیٌّ عَنِ الْعالَمِینَ (1)، وقوله إِنّا هَدَیْناهُ السَّبِیلَ إِمّا شاکِراً وَ إِمّا کَفُوراً (2)، وقوله تعالی قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا یَدْخُلِ الْإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ (3).

وأول درجات الاسلام وهو الانقیاد الظاهر اللسانی دون الجنانی وسیأتی تحقیق الکلام فیه، وأول درجات الایمان قد یطلق علی ذلک أیضا وقد یطلق الاقرار القلبی بالشهادتین اجمالا.

وکقوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِی السِّلْمِ کَافَّةً (4)، المراد منه الدرجة الثانیة أوما فوقها من التسلیم والانقیاد، وکذا قوله اَلَّذِینَ آمَنُوا بِآیاتِنا وَ کانُوا مُسْلِمِینَ (5)، حیث ان التسلیم فیهما بعد الایمان ومن ذلک قوله (علیه السلام) (لأنسبن الاسلام نسبة لم ینسبه أحد قبلی ولا ینسبه أحد بعدی: الاسلام هو التسلیم والتسلیم هو التصدیق والتصدیق هو الیقین والیقین هو الاداء والاداء هو العمل)(6) ولعله أکملها، وکقوله تعالی إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ

ص:421


1- (1) سورة آل عمران، الآیة: 97.
2- (2) سورة الانسان، الآیة: 3.
3- (3) سورة الحجرات، الآیة: 14.
4- (4) سورة البقرة، الآیة: 208.
5- (5) سورة الزخرف، الآیة: 69.
6- (6) البحار، ج68، ص309.

أَسْلِمْ ، قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِینَ (1).

وکذلک الشرک کقوله وَ ما یُؤْمِنُ أَکْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاّ وَ هُمْ مُشْرِکُونَ ، وکما ورد فی المرائی انه مشرک کافر(2)، وکذلک العبادة کقوله تعالی أَ فَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ 3 و اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ (3)، وحیث کثر الاطلاق علی الدرجات المختلفة فی لسان الشرع فلا یمکن الاعتماد علی اطلاق الکفر أوالشرک فی الأدلة ما لم تقم قرینة علی ارادة الکفر الأکبر.

أما الروایات فعمدتها طوئف:

الطائفة الاولی:

کصحیح أبی الصبّاح الکنانی عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: (قیل لأمیر المؤمنین(علیه السلام) من شهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلّی الله علیه وآله کان مؤمنا؟ قال: فأین فرائض الله؟ قال:

وسمعته یقول: کان علی(علیه السلام) یقول لو کان الایمان کلاما لم ینزل فیه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام، قال قلت لأبی جعفر(علیه السلام) ان عندنا قوما یقولون إذا شهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلی الله علیه و آله فهو مؤمن قال: فلم یضربون الحدود ولم تقطع أیدیهم وما خلق الله عز وجل خلقا أکرم علی الله عزوجل من المؤمن لان الملائکة خدام المؤمنین

ص:422


1- (1) سورة یوسف، الآیة: 106.
2- (2) الوسائل، ج1، ابواب العبادات، باب11.
3- (4) سورة التوبة، الآیة: 31.

وان جوار الله للمؤمنین وان الجنة للمؤمنین وان الحور العین للمؤمنین ثم قال: فما بال من جحد الفرائض کان کافرا)(1).

بتقریب: ان التشرع والتدین بالفرائض قد أخذ فی الایمان بمعنی الاسلام.

واشکل: بأن الایمان فی الروایة بقرینة ذکر العمل وثوابه ومقام من اتصف به بمعنی الاقرار القلبی.

إلا انه: لا یبعد أن یکون ابتداء کلامه(علیه السلام) فی الایمان المرادف للاسلام بقرینة ذیل الروایة حیث ذکرت الجحود، غایة الأمر انه فی الفقرة المتوسطة والحکایة الثانیة عن علی(علیه السلام) هی فی الاقرار القلبی، وعلی أیة حال فدلالتها بمقدار أخذ عدم الجحود وسیأتی الکلام فیه.

الطائفة الثانیة:

ما أخذ فیه عنوان الجحد، کصحیحة عبد الرحیم القصیر عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی حدیث قال: (الاسلام قبل الایمان وهو یشارک الایمان، فإذا أتی العبد بکبیرة من کبائر المعاصی أو صغیرة من صغائر المعاصی التی نهی الله عنها، کان خارجا من الایمان، وثابتا علیه اسم الاسلام، فان تاب واستغفر عاد إلی الایمان، ولم یخرجه إلی الکفر والجحود والاستحلال، وإذا قال للحلال: هذا حرام، وللحرام هذا حلال، ودان بذلک فعندها یکون خارجا من الایمان والاسلام إلی الکفر، وکان بمنزلة رجل دخل الحرم ثم دخل الکعبة فأحدث فی الکعبة حدثا فأخرج عن الکعبة وعن الحرم

ص:423


1- (1) الکافی، ج2، ص33.

فضربت عنقه وصار الی النار)(1).

ولعل العبارة مصحفة من النساخ (ولم یخرجه الی الکفر إلا الجحود والاستحلال)، أو أنها (إلی الکفر والجحود إلا الاستحلال)، والقرینة علی ذلک انه لو کانت الجملة مرتبطة بما قبل من أن العصیان لا یخرج إلی الکفر وانما یخرج عن الایمان، لم یکن لنفی الخروج إلی الجحود والاستحلال معنی، وربما تکون الواو زائدة التی بین لفظة (الاستحلال) وکلمة (إذا) فیکون نفی الکفر مرتبطاً بما قبل وعطف الجحود والاستحلال للاستئناف وما بعد تمثیلاً لهما، والذی یهوّن الخطب أنّ نسخة الکافی وهی غیر ما فی التوحید والوسائل، حیث تضمنت لفظة (إلا) قد اطلعت بعد ذلک علیها.

وعلی أیة حال فیکون المتیقن المحصل من مفادها هو کفر الجحود، والمعروف من کلمات اللغویین أن الجحود هو الانکار مع العلم، إلا ما ذکره فی تاج العروس انه قد یطلق علی مطلق الانکار، ویؤید ما حکاه ان الجحود یقال له المکابر أی الانکار الناشیء عن ذلک، وهو متصور متحقق فی حالة الشک فیما یکون الانکار الناشیء عن تقصیر عن مکابرة وتأوّل فیها.

واستدل لذلک بقوله تعالی وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَیْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ، وفیه نظر لأنّ التقیید بالیقین لا یدل علی عدم الاستعمال فی حالة الشک، بل ان فی التقیید ایماء علی الاعمیة کی یصح التقیید لاسیما وأنّه بالواو للحال، نعم فی روایة ابی عمرو الزبیری عنه(علیه السلام) (فأما کفر الجحود فهوالجحود بالربوبیة والجحود علی معرفة وهوان یجحد وهو یعلم انه حق قد استقر

ص:424


1- (1) الوسائل، ابواب العبادات، باب2، ح18.

عنده وقد قال الله تعالی وذکر الآیة المتقدمة ...)(1)، لکنه یحتمل الاختصاص بجحود الربوبیة حیث ان المعرفة بها ضرورة فطریة.

ویشهد للاستعمال فی الأعم قوله علیه السّلام فی صحیح محمد بن مسلم: (کنت عند أبی عبد الله(علیه السلام) جالسا عن یساره وزرارة عن یمینه فدخل علیه أبو بصیر فقال: یا أبا عبد الله ما تقول فی من شک فی الله؟ فقال: کافر یا ابا محمد قال: فشک فی رسول الله؟ فقال: کافر ثم التفت إلی زرارة فقال: انما یکفر إذا جحد)(2)، فانه استعمل الجحد فی الانکار مع الشک.

وقوله (علیه السلام) فی معتبرة زرارة (لوأن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم یجحدوا لم یکفروا)(3)، فإنّه اطلق الجحد علی الانکار فی ظرف الشک، إذ المراد بالجهل الجهل البسیط بقرینة القدرة علی التوقف عن الانکار، المتحققة فی ظرف الالتفات واحتمال الخلاف، وکذا ما تقدم من صحیحة عمر بن یزید حیث استعمل الجحد فی مطلق الانکار مقابل الاقرار.

ویؤید ذلک استعمال المادة المزبورة فی موارد العلم العادی الذی هو فی الواقع ظن تسکن إلیه النفس، نعم تختص موارد استعمالها بما إذا لم یکن هناک جهل مرکب ولم یکن احتمال الواقع ضعیف جدا لا یعتنی به، بخلاف موارد الاحتمال المعتد به.

ویزید ذلک وضوحا التمثیل بکفر الفعل والهتک فی ذیل الروایة الذی یتحقق الکفر به مطلقا بمقتضی ظاهر النصوص، لا انه من جهة

ص:425


1- (1) وسائل ج1 باب2 ح9
2- (2) وسائل الشیعة، ج28، ص356، باب10 من ابواب حد المرتد، ح56.
3- (3) وسائل، ج27، ص158، باب12، ح11.

الاستلزام لانکار النبی صلی الله علیه و آله الذی هومنفی مع الجهل کما نبّه علی ذلک فی الجواهر.

ومن تلک النصوص التی فی الفعل صحیحة أبی الصباح الکنانی عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی حدیث قال: (ما تقول فیمن أحدث فی المسجد الحرام متعمدا قال: قلت یضرب ضربا شدیدا قال: أصبت قال: فما تقول فی من أحدث فی الکعبة متعمدا؟ قلت: یقتل قال: أصبت الحدیث)(1).

ونظیر ذلک قوله(علیه السلام) فی موثقة سماعة (ولوان رجلا دخل الکعبة فبال فیها معاندا اخرج من الکعبة ومن الحرم وضربت عنقه)(2)، نعم قد یفرق بین القول والفعل بأن الثانی بلحاظ مورده مع فرض الالتفات، والعمد لا تدخله الشبهة بخلاف القول، علی انه لو سلم أخذ العلم فی الجحود فهل العلم الاجمالی بمجیئه صلی الله علیه و آله بجملة من الأحکام - یقع المشکوک فی دائرته کما فی موارد بالجهل البسیط التفصیلی - غیر کاف فی تحقیق العنوان المزبور لا سیما فی صاحب الشبهة الواصل لدیه البینة والدلالة.

فالمحصل من مفاد العدید من الروایات الآخذة لعنوان الجحد سببا للکفر هوما تقدم من مقتضی القاعدة من تحقق المنافاة بین الانکار والاقرار بالشهادتین فی موارد عدم العذر بالمعنی المتقدم، لا سیما فی صاحب الشبهة الذی قامت لدیه الحجة والبینة وبقی مصرا علیها.

ومثلها مصحح داود بن کثیر الرقی عنه(علیه السلام) (فمن ترک فریضة من

ص:426


1- (1) الکافی، ج2، ص26.
2- (2) الکافی، ج2، ص28.

الموجبات فلم یعمل بها وجحدها کان کافرا)(1)، کما ان مواردها فی دائرة الضروریات بقرینة عنوان الکبیرة التی هی کذلک فی الغالب وان الانکار للحکم بعنوانه لا مصادیقه.

الطائفة الثالثة:

ما أخذ فیه عنوان استحلال الحرام کصحیحة عبد الله بن سنان، قال: (سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل یرتکب الکبیرة فیموت هل یخرجه ذلک من الاسلام؟ وان عذّب کان عذابه کعذاب المشرکین أم له مدة وانقطاع؟ فقال: من ارتکب کبیرة من الکبائر فزعم انها حلال أخرجه ذلک من الاسلام، وعذّب أشدّ العذاب، وان کان معترفا انه ذنب، ومات علیها أخرجه من الایمان ولم یخرجه من الاسلام، وکان عذابه أهون من العذاب الأول)(2).

ومثلها موثقة مسعدة بن صدقة وفیها: (یخرج من الاسلام إذا زعم انها حلال ... وان کان معترفا بانها کبیرة فإنّه معذب علیها وهو أهون عذابا من الأول ویخرجه من الایمان ولا یخرجه من الاسلام)(3)، والتقریب فیهما ان الموضوع مطلق سواء کان عن علم بالضرورة والاستلزام أم لا فیکون انکار الضروری بنفسه سببا.

واشکل علی الدلالة تارة: بأن العمل بالإطلاق غیر ممکن وإلا لحکم بکفر المجتهدین فیما لو أخطأوا الواقع، وحینئذ فلا بد من التقیید اما

ص:427


1- (1) وسائل، ج1، ابواب العبادات، باب2، ح2.
2- (2) المصدر، ح11.
3- (3) المصدر، ح12.

بالضروری أوبالعلم ولیس الاول أولی من الثانی(1).

وأخری: بأن الکفر فیهما بعد شیوع استعماله فی الدرجات المقابلة للایمان فحمله علی مقابل الاسلام محتاج إلی قرینة مفقودة فی المقام(2).

وثالثة: بأن ذکر العقوبة قرینة علی التنجیز الذی هو فی مورد العلم(3).

وفیه: أن الظاهر من عنوان الکبیرة هی المنصوص علی عقوبتها والمتوعد علیها النار فی القرآن أو السنة والمغلظة النکیر علیها فی بیانات الشرع، فهی مساوقة لضروریات الشرع فی الأعم الأغلب، ولاسیما وأن الزعم للمرتکب واستحلالها بعنوانها لا بمصادیقها وتشقیقاتها التی هی نظریة محط الأنظار الاجتهادیة، وانهما ناصتان علی الخروج عن الاسلام لا علی عنوان الکفر، لاسیما الثانیة التی قابلت بینه وبین الایمان، وأن التنجیز أعم من العلم التفصیلی ومن التقصیر فی الملتفت الشاک فغایة الأمر خروج الجاهل المرکب کما استثناه المشهور.

هذا: وقد ذکر بعض المحققین (قدس سره) تقریبا آخر للاستدلال بهذه الروایات یقرب مضمونه مما تقدم، وهو ان اسناد حرمة الفعل إلی الدین أو الوجوب إلی الشریعة بقول مطلق لا یکون إلا فی البدیهیات والضروریات غیر المختلف فیها، وإلا فالنظریات ذات الاراء المختلفة لا تسند کحکم للشریعة بقول مطلق، بل مع التقیید وعند الامامیة أوعند المذهب الفلانی(4).

ص:428


1- (1) المستمسک، ج، ص219. للسید محسن الحکیم.
2- (2) التنقیح، ج3، ص63، تقریرات ابحاث السید الخوئی.
3- (3) بحوث فی شرح العروة، ج3، ص295 للسید الصدر.
4- (4) کتاب الطهارة، للشیخ الاراکی.

قال: فإطلاق الاسناد فی الطائفة المزبورة دال علی اختصاص موضوع الانکار بالضروری، کما ان مادة الزعم تستعمل فی اظهار الاعتقاد وابرازه لا فی الاعتقاد نفسه، وهی اما منحصر استعمالها فی موارد الجهل بقسمیه أو ما یعمه، کما یقال للذی یتخیل أمرا فیخبر عنه انه قد زعم ذلک الأمر فشموله له یقینی، فحیئذ تدل هذه الروایات علی کفر المنکر للضروری کسبب موضوعی مستقل، انتهی.

وما أفاده متین اجمالا ویأتی له نحو توصیف، ومن ذلک یتضح مطابقة مفادها مقتضی ما تقدم فی روایات الجحود والقاعدة الاولیة غایة الأمر فی خصوص الضروری.

الطائفة الرابعة:

ما ورد فی متفرقات بعض الأبواب فی منکر الاحکام الضروریة: کصحیح برید العجلی عن أبی جعفر فی من أفطر فی شهر رمضان، قال یسأل هل علیک فی إفطارک اثم فان قال: لا، فان علی الامام أن یقتله(1).

وصحیح علی بن جعفر عن أخیه موسی (علیه السلام) قال: (ان الله عز وجل فرض الحج علی أهل الجدة فی کل عام، وذلک قوله عز وجل وَ لِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً وَ مَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِیٌّ عَنِ الْعالَمِینَ .

قال: قلت: فمن لم یحج منّا فقد کفر؟ قال: لا ولکن من قال: لیس هذا هکذا فقد کفر)(2).

ص:429


1- (1) وسائل الشیعة، ابواب احکام شهر رمضان، باب2، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، ابواب وجوب الحج، باب2، ح1.

فانهما اطلقتا موضوع الحکم بالکفر، وهو انکار فریضة الصیام أو الحج، غایة الأمر قد خصص هذا الاطلاق فی الجاهل المرکب کما فی حدیث العهد بالدخول فی الاسلام.

نعم قد یحمل مفادهما علی اماریة انکار الفریضة الضروریة علی الکفر، والوجه فی ذلک ان الاسلام الذی هو مدار الاحکام الظاهریة حیث کان عبارة عن اقرار، کان التلفظ بالانکار اقرار علی النفس بالخروج منه.

قال فی الدروس فی تعریف المرتد: وهو من قطع الاسلام بالاقرار علی نفسه بالخروج منه، أوببعض أنواع الکفر سواء کان مما یقر أهله علیه أولا، أو بانکار ما علم ثبوته من الدین ضرورة، أو باثبات ما علم نفیه کذلک، أو بفعل دال صریحا کالسجود للشمس والصنم والقاء المصحف فی القذر قصدا والقاء النجاسة علی الکعبة أو هدمها واظهار الاستخفاف بها.

وفی ما ذکره من کفر الهتک الحاصل بالفعل تقریب للاماریة حیث ان الفعل لیس بنفسه کفر وانما هو دال علیه، وحینئذ یکون التلفظ بالانکار ممن نشأ فی دار الاسلام وترعرع فی الحاضرة الاسلامیة اقرارا عرفا بالردة والخروج من الاسلام.

حقیقة الشهادتین:

اشارة

هذا ولکن الصحیح سببیة الانکار للکفر علی نسق سببیة الشهادتین للاسلام، حیث ان التشهد بهما اقرار وهو نحو وجود انشائی باللفظ بداعی الحکایة عن الواقع، فالالتزام بالدین منشأ بالتشهد المتضمن

ص:430

للحکایة، فکما ان الاسلام الذی هو مدار الاحکام الظاهریة هو الالتزام بالدین - نحوالالتزام بالعقود - واقرار بالطاعة متضمن للاماریة والاخبار عن المشهود به کما فی بقیة الاقرارات.

ولذلک قال (علیه السلام) فی روایة تحف العقول (وأما معنی الاسلام فهو الاقرار بجمیع الطاعة الظاهر الحکم والاداء له، فاذا اقرّ بجمیع الطاعة فی الظاهر من غیر العقد علیه بالقلوب فقد استحق اسم الاسلام ومعناه واستوجب الولایة الظاهرة)(1).

ولذلک عبّر فی عدّة من الکلمات بأنه بهذا المعنی حقیقة اعتباریة أی انشائیة، وحینئذ لا یکون التلفظ بالشهادتین مجرد اخبار عن الدرجات الاخری للاسلام التی

هی وجودات تکوینیة عبارة عن عقد القلب والتسلیم الباطن والاذعان الجنانی، فکذلک ما یقابله من الکفر الأکبر عبارة عن الاقرار بالخروج منه، وهو نحو من الوجود الانشائی لا انه مجرد اخبار عن الوجود التکوینی للکفر الذی هو التغطیة وستر القلب عن حقیقة الحقائق وخالق المخلوقات وبعثة رسله.

وما تقدم تقریبه عن الشهید أدلّ علی الانشائیة منه علی مجرد الاخبار، وسیأتی فی التنبیه الثانی تقریب اندماج المضمونین فی التشهد بهما، حیث ان بالاقرار ینشأ تعهد المقرّ بما أقرّ به والمفروض انه اقرّ بالخروج وقد کان أقرّ بالدخول وما یترتب علیه من حکم الخروج.

وبذلک یمکن تخریج انکار الضروری انه اقرار مضاد فی المفاد

ص:431


1- (1) بحار الانوار، ج68، ص277.

العرفی، وان وجه أخذ الضروری فی کلام الأصحاب هوانه بذلک القید یتحقق انشاء الاقرار بالخروج بالتلفظ بالانکار عرفا، وبذلک یمکن صیاغة هذا وجها علی حدة والظاهر ارشاد بقیة الوجوه إلی ذلک فمن الغریب الالتزام بسببیة الشهادتین الموضوعیة مع اماریة انکار الضروری(1).

ثمّ انه یتضح بذلک أیضا وجه التفصیل بین القاصر والمقصر فی انکار الضروری بعد استغرابه فی بادئ النظر، حیث أن الشیء المأخوذ جزءا فی حدّ الاسلام لا یفرّق فیه بین القاصر والمقصر والجاهل والعالم کما هو الحال فی الشهادتین.

وجه الوضوح واندفاع الاستغراب هو أن انکار الضروری حیث ان اعتبار عدمه فی الحدّ من جهة منافاته للاقرار بالأصلین، ومن الواضح ان المنافاة تتحقق فی صورة التقصیر خاصة فی مورد الضروریات والدعائم مع أن الدلیل التعبدی من الروایات المتقدمة انما اقتصر فی أخذ عدم الانکار فی الحد علی ذلک خاصة والحد تعبدی.

الطائفة الخامسة:

قوله(علیه السلام) فی معتبرة زرارة (لوأن العباد إذا جهلو وقفوا ولم یجحدوا لم یکفروا)(2)، ویظهر وجه دلالتها مما تقدم- الذی هوفی الجهل البسیط- حیث ان الانکار اللسانی مؤثر فی الکفر الأکبر الاقراری دون الجنانی.

فتحصل ان مفاد هذه الطائفة من الروایات نظیر ما تقدمها، غایة الأمر استثناء الجاهل المرکب والقاصر المعذور بمقتضی روایات المعرفة(3)،

ص:432


1- (1) التزم بذلک السید الکلبایکانی فی تقریر ابحاثه (نجاسة الکفار).
2- (2) وسائل، ج27، ص158، باب12، ح11.
3- (3) الکافی، ج1، ص162-164.

وما ورد فی الحدود من دفعها عن الجاهل(1) ومن لم یکن قد أقرّ بحرمتها مما یدل علی تقریر اسلامه لا خصوص عدم عصیانه وإلا فعدم العصیان قد یتأمل فی ملازمته لعدم الکفر.

تنبیهات القاعدة

الاول: الوفاق بین ادلة الشهادتین وانکار الضروری:

انه لا معارضة بین مطلقات حصول الاسلام بالشهادتین وما دل علی کفر منکر الضروری المقصر الملتفت ولو التفاتة احتمالیة معتد بها، کما تقدم فی مقتضی القاعدة کی یتمحل الجمع بینهما، ولیس الموضوع فیهما متعدد بأن الاولی فی من کان ملیا والثانیة فی الفطری بل موضوعهما واحد، کما أن لیس إنکار امارة علی انکار الاصل الثانی، غایة الأمر أن الالتزام والاقرار بجمیع الاحکام واجب عند قیام العلم التفصیلی بل قد تقدم تقریب ان الالتزام الاجمالی ینجز الاطراف الاحتمالیة فینافیه الانکار.

الثانی: حقیقة درجات الاسلام:

قال الشهید الثانی فی حقائق الایمان بعد ما ذکر أن الاسلام الذی هو مدار الاحکام الظاهریة من الحقائق الاعتباریة للشارع (لوعلم عدم تصدیق من أقر بالشهادتین لم یعتبر ذلک الاقرار شرعا، ولم نحکم باسلام فاعله، لانه حینئذ یکون مستهزئا أو مشککا وانما حکم الشارع باسلامه ظاهرا فی صورة عدم علمنا بموافقة قلبه للسانه بالنسبة الینا تسهیلا ودفعا للحرج عنا حیث لا یعلم السرائر الا هو وأما عنده تعالی فالمسلم من طابق

ص:433


1- (1) الوسائل، ابواب مقدمات الحدود، باب14، ح1، 2، 3، 4، 5.

قلبه لسانه، کما قال تعالی إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ مع أن الدین لا یکون الا مع الاخلاص لقوله تعالی وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِیَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ إلی قوله تعالی وَ ذلِکَ دِینُ الْقَیِّمَةِ فالاسلام لا یکون الا مع الاخلاص أیضا).

ثم ذکر ان الاسلام والایمان لا یجتمع مع ضده الذی هوالکفر، مع أنّ الاقرار اللسانی یجتمع مع الکفر فلا یکون اسلاما حقیقة، ولذلک أحیل إلاخبار بالاسلام علی قول الاعراب دون قوله تعالی، وأمره لهم بالقول ارشادی بأن یخبروا بالاسلام الظاهری.

وربما استدل علی لزوم المطابقة أیضا بقوله صلی الله علیه و آله المروی عند العامة لأسامة لما قتل من تشهد بالشهادتین ظنا منه ان ذلک للتخلص (هلا شققت قلبه)(1).

الدرجة الاولی لکن قد تقدم ان الاسلام ذو درجات کما هو الحال فی الایمان والکفر، وأن أولی مراتب الاسلام هو الوجود الانشائی الحاصل بالاقرار بالشهادتین والطاعة، والوجه فی ذلک ما أشارت الیه الروایات المتقدمة فی حد الاسلام من أن الشهادتین اقرار بالطاعة.

وتفسیره ان الشهادة کما هو محرّر فی بابه متضمنة لامور:

الاول والثانی: الاخبار والانشاء معا فالمشهود به مخبر عنه، والشهادة کفعل یؤدی امر انشائی هذا فی کلیة موارد الشهادة.

الثالث: عند ما یکون المخبر به یترتب علیه آثار یلزم بهما المخبر یکون ذلک الخبر اقرار، والمفروض أن الشهادة والاخبار بوحدانیة الرب، وبالشهادة بالرسالة یلزمه الطاعة فیما جاء به صلّی الله علیه وآله من عند الله

ص:434


1- (1) بحار الانوار، ج66، ص140.

تعالی، فالمتشهد مأخوذ باقراره حیث انه ینشأ به الالتزام.

الرابع: للشهادة والاخبار مفاد ومدلول رابع هوالاخبار عن العلم والاذعان بالمخبر به، إذ الاخبار عن الشیء اخبار عن العلم به أیضا فکیف بالشهادة به، وبلحاظ ذلک المدلول قال تعالی فی شهادة المنافقین وَ اللّهُ یَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِینَ لَکاذِبُونَ (1) فکذبهم فی الاخبار عن الباطن لا ینافی قبول شهادتهم بلحاظ الالتزام الانشائی، ولذا یسمی بالظاهر لانه لیس بوجود حقیقی واقعی.

نعم یشترط فی هذه الدرجة شرائط الانشاء والاقرار الجدی بحسب الأصول اللفظیة الظاهریة، وعدم نقض هذا الالتزام والاقرار باقرار الخروج منه.

الدرجة الثانیة وثانی درجاته التسلیم والانقیاد القلبی والاذعان بمضمون الشهادتین، وهوما یعبر عنه فی الروایات بثبوت صفة الاسلام فی القلب، وهو أول درجات الایمان علی بعض الاطلاقات، وهو الذی تشیر الیه روایة سفیان بن السمط عنه (علیه السلام) (الاسلام هو الظاهر الذی علیه الناس ... فان أقر بها ولم یعرف هذا الأمر کان مسلما وکان ضالا)(2).

وموثقة سماعة عنه(علیه السلام) (الاسلام شهادة ... به حقنت الدماء ... وعلیه ظاهر جماعة الناس، والایمان الهدی وما یثبت فی القلوب من صفة الاسلام، وما ظهر من العمل به ... ان الایمان یشارک الاسلام فی الظاهر والاسلام لا یشارک الایمان فی الباطن وان اجتمعا فی القول والصفة)(3).

ولذلک قال (علیه السلام) فی صحیح أبی بصیر قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ

ص:435


1- (1) سورة المنافقون، الآیة: 1.
2- (2) الکافی، ج2، ص24.
3- (3) المصدر، ص25.

تُؤْمِنُوا وَ لکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا فمن زعم انهم آمنوا فقد کذب ومن زعم انهم لم یسلموا فقد کذب(1)، ولا یخفی رکاکة توجیه الشهید (قدس سره) لمفاد الآیة ولذلک اضطر إلی تفسیره بالاسلام الظاهری أی الانشائی والالتزامی والاقرار اللسانی دون الوجود الحقیقی.

نعم هذه الدرجة من الاسلام - الاولی - لیس لها إلا حظ دنیوی فی ترتیب بعض الآثار وأمدها مغیی بظهور دولة الحق کما اشار الیه (علیه السلام) (وان الدار الیوم دار تقیة وهی دار الاسلام لا دار کفر ولا دار ایمان(2)، فلا یترتب علیه نفع أخروی کما فی روایات مستفیضة (الاسلام یحقن به الدم وتؤدی به الامانة وتستحل به الفروج والثواب علی الایمان)(3).

ثم ان من لم یتمکن من اظهار الشهادتین إما للخوف أو لعدم وجود سامع أو لغیر ذلک مع تسلیمه وانقیاده قلبا واقامته للفرائض فهو مسلم حقیقة، إما لانصراف عموم الشهادتین للقادر علی ادائهما حیث لا یکلف الله نفسا الا وسعها، أو لشمول تلک العمومات لابراز الشهادتین خفیة مع قصد التوجه بهما إلی الله تعالی سامع الخفیات.

التنبیه الثالث: إنکار الضروریات عن غضب:

انه لا عبرة بالانکار الصادر عن غضب خارج عن الاختیار، وهذا الحدّ موضع وفاق، إلا ان فی فتاوی بعض أکابر العصر انه لا عبرة بالانکار الصادر عن غضب مطلقا(4)، بتوجیه عدم الارادة الجدیة.

ص:436


1- (1) المصدر والصفحة.
2- (2) عیون اخبار الرضا (علیه السلام)، ج2، ص124.
3- (3) الکافی، ج2، ص25.
4- (4) السید الخوئی (قدس سره).

ویمکن تقریبه: بأنه لا یکفی فی الانکار الارادة العمدیة الاختیاریة إذ هی تتلائم مع الارادة الاستعمالیة والتفهیمیة دون الارادة الجدیة کما فی الهازل، فلا بد من الارادة الجدیة أیضا دون الغصبیة أوالهزلیة فهما لا یریدان الانشاء الجدی لترتیب الآثار.

وهو: وان تمّ فی الانکار فلا یتم فی ما یستوجب کفر الهتک من قول أو فعل کالسبّ الذی یرتکبه کثیر من العوام فی بعض الامصار، إلا أن یقال ان الهتک کالسب علی قولین فی ایجابه الکفر، بل یظهر من روایاته المشار الیها فیما تقدم أخذ العناد فی ایجابه للکفر فیکون هو حینئذ انشاء بنفسه للکفر لا انه امارة علیه، لکن بشرط قصد المکابرة فیوخذ فیه شرائطه، نعم یجب حدّ القتل فقط علی القول بعدم ایجابه الارتداد.

التنبیه الرابع: انکار ملازم الضروری:

أن ما ذکر فی انکار الضروری لا یترتب علی انکار شیء یلازم انکار الضروری، وذلک لعدم تأتی الوجوه السابقة فیه سواء الادلة الخاصة للضروری بعنوانه، أولکونه منافیا للاقرار بالاصلین، لکون الضروری رکنا لا ینفک عن الاقرار بالاصل الثانی، کما لا یخفی ذلک وحینئذ لا یکون مستلزما إلا مع العلم الظاهر الموجب لظهوره فی الملازمة.

التنبیه الخامس: انتفاء آثار الایمان بانکار الضروری:

انه بناءً علی قول متأخری الأعصار- من عدم کون الانکار سببا بنفسه للکفر الا بالملازمة، لکنه سبب لعدم الایمان علی کل حال- فلا تترتب الآثار الشرعیة علیه دون مجرد الاسلام، کصحة صرف الزکاة وصحة النیابة فی العبادات ونحوها من الاحکام المأخوذة فیها الایمان.

ص:437

التنبیه السادس: حکم منکر ضروری المذهب:

ذهب المجلسی والقمی الی ردّة منکر ضروری المذهب اذا کان فی السابق من أهل المذهب(1)، وذلک بمقتضی ما ذکر فی وجه ردّة منکر الضروری من الاستلزام، حیث ان من کانت تلک حالته فهویعتقد بکونه من ضروریات الدین.

والصحیح انه علی القول بأن الردة للاستلزام فلا یفرق بین ضروری المذهب والدین وغیر الضروری أیضا عند العالم العامد الملتفت أوعند مطلق الملتفت المقصر حسب ما تقدم، وأما علی القول بالسببیة فالفرق متجه حیث ان الأدلة الخاصة موضوعها انکار ضروری الدین.

وقد یقال: ان انکار ضرورات المذهب لا توجب الردة وإلا لحکم برّدة کثیر من العامة ممن هوملتفت مقصر منذ الصدر الأول إلی الآن، مع أن السیرة الجاریة من المعصومین(علیهم السلام) علی معاملتهم بحکم ظاهر الاسلام، وان لم ینفع ذلک فی الحکم بالاسلام والایمان الحقیقیین، وبعبارة أخری لم لا یکون منکر الولایة التی هی من أهم الارکان کما فی المستفیضة بل المتواتر کمنکر بقیة الضرورات.

وفیه: انه علی الاستلزام عند العلم سواء القول به فی خصوص العالم العامد أو القول به فی مطلق الملتفت المقصر، ینافی الانکار المزبور الالتزام الاجمالی بالرسالة، وحینئذ لا یخلو اما ان یکون تکذیبا للرسول صلی الله علیه و آله واما جحودا للأداء فی المورد وکلاهما ردّة وخروج عن الملة.

وأما حال الکثیر من العامة لاسیما الطبقة الأولی منهم فقد قال

ص:438


1- (1) حق الیقین، ص571.

الشیخ: (ان الناس لم یکونوا بأسرهم دافعین للنص وعاملین بخلافه مع علمهم الضروری به، وانما بادر قوم من الانصار-- لما قبض الرسول صلی الله علیه و آله - إلی طلب الامامة واختلفت کلمة رؤسائهم واتصلت حالهم بجماعة من المهاجرین فقصدوا السقیفة عاملین علی ازالة الأمر من مستحقه والاستبداد به، وکان الداعی لهم إلی ذلک والحامل لهم علیه رغبتهم فی عاجل الریاسة والتمکن من الحل والعقد)(1).

ثم ذکر الدواعی الأخر من الحسد والعداوة ودخلت الشبهة بفعلهم علی بقیة الناس عدا جماعة بقوا علی الحق واستقاموا، علی انه لا استبعاد فی حصول الردة من الامة وقد ارتدت أمة موسی (علیه السلام) بعد مفارقته، وقد اخبر تعالی بانقلابهم علی اعقابهم بعد الرسول صلی الله علیه و آله .

وعلی أیة حال فقد یثار التساؤل حول اسلامهم بعد کون الولایة أیضا من أرکان الاسلام ودعائمه وبنیته کما فی الروایات المستفیضة وحینئذ یشمله الوجه المتقدم فی انکار الضروری.

التنبیه السابع: اختلاف الکافر والمرتد فی الاحکام:

عنوان الکافر تترتب علیه آثار متعددة فی الأبواب من النجاسة وحرمة النکاح والمنع فی الارث واحکام کیفیة الجهاد والقتال وغیرها من الأحکام النظامیة السیاسیة، لکن الظاهر أن الاحکام الثلاثة الأولی ونحوها مترتبة علی مطلق الکفر ولومن منتحلی الاسلام من الفرق.

بخلاف أحکام باب الجهاد والقضاء والحدود عند ارتکاب الموجب من أفرادهم أو عند ارتداد المسلم أو المؤمن الی القول بعقیدتهم کما یشهد

ص:439


1- (1) المفصح فی امامة امیر المومنین والأئمة، ص126.

لذلک سیرة الأمیر(علیه السلام) معهم فی الحرب والسلم، ونحو ذلک فانها فی الکفر الاصلی لا فی منتحلی الاسلام من الفرق وان کانت کافرة، وهذه ثمرة انتحال الاسلام کما عبر به فی بعض الکلمات.

التنبیه الثامن: اختلاف الضروری زمانا ومکانا:

ان الضرورات بحسب تطاول الأزمان فی تکثر واتساع وبعضها فی اندراس والعیاذ باللهتعالی، وذلک بحسب الجهود المبذولة فی نشر معالم الدین وأحکامه، ومثال الأول نفی الحیز والحدّ عنه تعالی فقد کان فی الصدر الأول نظری الا انه فی هذه الازمان أصبح یعدّ من الضروریات، نعم عدّه البعض من ضروریات المذهب دون الدین فلا یکون مما نحن فیه ومثال الثانی ولایة أمیر المؤمنین (علیه السلام) بالنسبة للطبقات المتأخرة من العامة.

وحینئذ یکون الموضوع علی الأول متحققا وان لم یکن کذلک فی الزمن الأول، ولا امتناع فی ذلک بعد عدم کون الحکم مختلفا فیه منذ الصدر الأول إلی حین انتشاره وتحقق ضرورته فلیس هوبنظری، غایة الأمر الانتشار والشیوع للاحکام تدریجی.

وأما المثال الثانی ففیه تأمل لا سیما فیما هومن الارکان لتأتی بعض الوجوه المتقدمة فیه من جهة رکنیته وان فرض طروالشبهة فیه من الضلال، نعم ما کان من غیر الارکان موضع توقف بعد صدق الاسناد المطلق انه من الدین والشریعة من دون تقیید بفرقة ومذهب خاص فیتناوله عموم موضوع روایات الاستحلال.

التنبیه التاسع: حکم الشک فی الضروری:

ان مجرد الشک من دون النفی والانکار لیس یندرج فی موضوع

ص:440

الجحد أو الاستحلال أو المنافاة ما دام لا یعقد البناء علی النفی، بل یکون موطنا نفسه علی تحری الواقع والحقیقة، نعم الاقامة علی الشک بنحو یؤدی فی البناء العملی مؤدی الانکار بذریعة عدم ثبوت ذلک لاسیما مع توفر القدرة علی تحصیل الأدلة أو تدبرها مع وصولها، فانه یعدّ والحال ذلک من الانکار.

التنبیه العاشر: دائرة الضرورة فی المعاد:

أن ما تقدم من کون المعاد مأخوذا فی حدّ الاسلام علی حذو ما عبّر فی الکلمات انه من أصول الدین، وهذا بالنسبة الی أصل المعاد وأما کونه جسمانیا بعین مواصفات وهیئة هذا الجسم فهو من الضروریات فیأخذ حکم بقیة الضرورات الدینیة، لما تظافرت الآیات والروایات فی جسمانیته.

وأما خصوصیات وتفاصیل الجسم من کونه الطف من الجسم الدنیوی أو بنفس الکثافة التی علیها، وکذا الحال فی الجسم البرزخی ونسبته مع الجسم الاخروی فی یوم القیامة ونسبتهما مع الجسم فی الجنة، فهذه لا یشملها دائرة الضرورة کما ذکر غیر واحد من الأعیان کالشیخ الکبیر فی کشفه قال: (والمقدار الواجب بعد معرفة أصل المعاد معرفة الحساب وترتب الثواب والعقاب ولا یجب المعرفة علی التحقیق التی لا یصلها الا صاحب النظر الدقیق کالعلم بأن الابدان هل تکون بذواتها أوانما یعود ما یماثلها بهیئاتها).

ص:441

ص:442

قاعدة تکلیف الکفار بالفروع

اشارة

ص:443

ص:444

من قواعد باب التکلیف تکلیف الکفار بالفروع

اشارة

نسب إلی المشهور المنصور تکلیف الکفار بالفروع(1)، واستدل علی القاعدة بعدة أدلة منها:

الدلیل الأول:

إطلاق الخطابات القرآنیة وإن قیّد بعضها ب-اَلَّذِینَ آمَنُوا أو بکاف الخطاب إلّا أنّ هناک ما یماثلها من الأمر بتلک المتعلّقات بنحو مطلق نظیر الخطاب فی قوله تعالی وَ لِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً وَ مَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِیٌّ عَنِ الْعالَمِینَ (2) المؤکّد عمومه بذیل الآیة عَنِ الْعالَمِینَ.

ص:445


1- (1) بل ادعی علیه الاجماع فی بعض کلمات علمائنا، واما اهل الخلاف فوقع الخلاف بینهم فی تلک المسالة، نعم خالف فی هذه المسالة بعض علمائنا المتأخرین کصاحب الحدائق والشهید قبله حیث توقف بالمسالة ومال صاحب الریاض الی ذلک ایضاً فقال (ظاهر شیخنا الشهید فی المسالک والروضة التوقف فی المسالة ولایخلو عن حجة مع انه احوط بالفتوی بلا شبهة) کما خالف فی المسالة من المتأخرین السید الخوئی فی غیر موضع من کتبه الفقهیة, منها ما فی معتمد العروة، ج1، ص210، المجلد26، من موسوعته الفقهیة.
2- (2) سورة آل عمران، الآیة: 97.

و کذلک قوله تعالی وَ أَذِّنْ فِی النّاسِ بِالْحَجِّ یَأْتُوکَ رِجالاً وَ عَلی کُلِّ ضامِرٍ یَأْتِینَ مِنْ کُلِّ فَجٍّ عَمِیقٍ (1) وهی بنحو القضیة الحقیقیة التی لم یخصّص الخطاب فیها بخصوص الکافر کی یستشکل بمانعیة الغفلة مع أنّه لو تمّ فهو وارد فی العصاة من المسلمین غیر المباین بالدین.

کما یستشهد لعموم التکلیف بالعدید من الآیات الدالّة علی مؤاخذة الکفّار بالفروع کالاصول والتی منها قوله تعالی وَیْلٌ لِلْمُشْرِکِینَ اَلَّذِینَ لا یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ کافِرُونَ (2) وقوله تعالی فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلّی (3) وقوله تعالی ما سَلَکَکُمْ فِی سَقَرَ قالُوا لَمْ نَکُ مِنَ الْمُصَلِّینَ وَ لَمْ نَکُ نُطْعِمُ الْمِسْکِینَ وَ کُنّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِینَ وَ کُنّا نُکَذِّبُ بِیَوْمِ الدِّینِ (4) وغیرها(5).

الدلیل الثانی: الروایات:

وهی طوائف:

الطائفة الأولی: الروایات الدالة علی کون التکلیف للعباد بمجموع الأرکان ومن ضمنها الشهادتین.

والتی منها: (روایة سُلَیْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ الله(علیه السلام) أَخْبِرْنِی عَنِ الْفَرَائِضِ الَّتِی فَرَضَ الله عَلَی الْعِبَادِ مَا هِیَ قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ

ص:446


1- (1) سورة الحج، الآیة27.
2- (2) سورة فصلت، الآیة 6-7.
3- (3) سورة القیامة، الآیة: 31.
4- (4) سورة المدثر، الآیة: 42-46.
5- (5) سورة الانفال، الآیة38. سورة التکویر، الآیة:8. سورة الحجر، الآیة: 92-94. سورة آل عمران، الآیة: 85.

إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله وَإِقَامُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَإِیتَاءُ الزَّکَاةِ وَحِجُّ الْبَیْتِ وَصِیَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالْوَلَایَةُ فَمَنْ أَقَامَهُنَّ وَسَدَّدَ وَقَارَبَ وَاجْتَنَبَ کُلَّ مُسْکِرٍ دَخَلَ الْجَنَّة)(1) وروایة (عَلِیِّ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ سَمِعْتُهُ یَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ الله(علیه السلام) عَنِ الدِّینِ الَّذِی افْتَرَضَ الله عَزَّ وَ جَلَّ عَلَی الْعِبَادِ مَا لَا یَسَعُهُمْ جَهْلُهُ وَلَا یَقْبَلُ مِنْهُمْ غَیْرَهُ مَا هُوَ فَقَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِیتَاءُ الزَّکَاةِ وَحِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیْهِ سَبِیلًا وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالْوَلَایَة)(2).

الطائفة الثانیة: بما دلّ من حدیث الجبّ (الإسلام یجب ما قبله)(3) المعبر عنها ب-(قاعدة الجب)(4) ممّا یقتضی ثبوت التکالیف علیه فی السابق وإلا فماذا یجب.

الطائفة الثالثة: الروایات الواردة من أنّ الناصب والضالّ لا یعید إعماله السابقة وما قد سمّاه بعض مشایخنا من السادة الجبّ الصغیر مع أنّ ألناصبی کافر واقعا وظاهرا، فهذه الأحادیث الدالّة علی الجبّ بعد استبصاره دالّة بالالتزام علی فعلیّة التکالیف بالفروع، ومن تلک الروایات

ص:447


1- (1) وسائل الشیعة، ج1، ص20، باب من ابواب العبادات، ح17.
2- (2) المصدر، ح12.
3- (3) ورد هذا المضمون فی روایات کثیرة منها ما فی مستدرک الوسائل، ج7، ص448. وبحار الانوار، ج9، ص222، تفسیر القمی، ج2، ص26، عوالی اللآلی، ج2، ص54.
4- (4) للاطلاع علی تفاصیل القاعدة، راجع کتب القواعد الفقهیة والاستدلالیة، منها عناوین الاصول، ج2، عنوان67، القواعد الفقهیة للشیخ اللنکرانی، ج1، ص257، القواعد الفقهیة للسید البجنوردی، ج1، ص64، القواعد الفقهیة للشیخ مکارم الشیرازی، ج2، ص171. وغیرها.

روایة (بُرَیْدِ بْنِ مُعَاوِیَةَ الْعِجْلِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ الله(علیه السلام) فِی حَدِیثٍ قَالَ کُلُّ عَمَلٍ عَمِلَهُ وَهُوَ فِی حَالِ نَصْبِهِ وَضَلَالَتِهِ ثُمَّ مَنَّ الله عَلَیْهِ وَعَرَّفَهُ الْوَلَایَةَ فَإِنَّهُ یُؤْجَرُ عَلَیْهِ إِلَّا الزَّکَاةَ فَإِنَّهُ یُعِیدُهَا لِأَنَّهُ وَضَعَهَا فِی غَیْرِ مَوَاضِعِهَا لِأَنَّهَا لِأَهْلِ الْوَلَایَةِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ وَالْحَجُّ وَالصِّیَامُ فَلَیْسَ عَلَیْهِ قَضَاءٌ)(1).

الطائفة الرابعة: روایات التعلّم التی بعضها بلسان (هلا تعلّمت) والتی منها ِروایة هارون عن ابن زیاد قال (سمعت جعفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (علیه السلام) وَقَدْ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَی فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَقَالَ إِنَّ الله تَعَالَی یَقُولُ لِلْعَبْدِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ أَکُنْتَ عَالِماً فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَهُ أَ فَلَا عَمِلْتَ بِمَا عَلِمْتَ وَإِنْ قَالَ کُنْتُ جَاهِلًا قَالَ لَهُ أَفَلَا تَعَلَّمْتَ حَتَّی تَعْمَلَ فَیَخْصِمُهُ وَذَلِکَ الْحُجَّةُ الْبَالِغَة)(2) اذ انها لم تقیّد بالمسلم.

الدلیل الثالث: الاجماع:

ویدلّ علی ذلک أیضا الإجماع المنقول علی أنّ المرتدّ مکلّف بالفروع، مع أنّ القول بأنّ الکفّار مکلّفون بالشهادتین فقط دون الفروع لا محصل له بالتدبّر؛ لأنّ الإلزام بالإقرار برسالة النبیّ صلی الله علیه و آله و بما جاء به صلی الله علیه و آله لیس إلّا إلزاما بکلّ ما جاء به و لا محصّل للتفکیک بین الالزام بالاقرار بما جاء به إجمالا وتفصیلا مع عدم إلزامه بما جاء به.

الروایات المعارضة (النافیة للقاعدة):

وأمّا ما استدلّ بما یعارض ذلک :

ص:448


1- (1) وسائل الشیعة، ج1، ص125، باب31 من ابواب مقدمات العبادات، ح1.
2- (2) بحار الانوار، ج1، ص177.

أوّلا: من الروایات الواردة(1) الدالّة علی أنّ الکافر لا یؤمر بأرکان الفروع إلّا بعد أن یؤمر بالتوحید و الشهادة، الثانیة وأنّه لا یجب علیه الفروع إلّا بعد إیجاب الاصول وامتثاله للاصول.

وثانیا: أنّه کیف یخاطب بها وأنّه لم یسلم؟

وثالثا: بأنّ روایات وجوب التعلّم مقیّدة بالمسلم.

وفیه أنّ غایة تلک الروایات علی الترتّب فی الخطاب بلحاظ الترتّب فی الامتثال لا تقیّد الخطاب بالفروع بمن امتثل خطاب الاصول نظیر ترتّب الخطاب بصلاة العصر علی من امتثل صلاة الظهر أو ترتّب الخطاب بالرکعات المتأخّرة فی الصلاة علی من أتی بالرکعات الاولی والقرینة علی ذلک أنّ العلّة المذکورة فی تلک الروایات من عدم قدرته لعدم معرفته أو من عدم إلزامه بما یتفرّع علی شیء لم یلتزم به انّ الترتّب واقع بین الشهادة الثانیة والاولی أیضا ممّا یدلّل علی أنّ المحظور فی عدم عرضیة الخطاب هو لزوم اللغویة ونحوً من القیود العقلیة للحکم لا الشرعیة.

تنبیه:

هذا ولا بدّ من الالتفات إلی أنّ النزاع فی تکلیف الفروع لا یشمل الأحکام الشرعیة الموازیة للأحکام العقلیة المستقلّة و الظاهر عدم النزاع فی تکلیفه بها.

وما قد یعبّر عنه بأنّه یؤاخذ بأحکام الدین التی هی من أحکام الفطرة.

ولا یبعد أیضا عدم الخلاف فی شمول الأحکام المرتبطة بباب الجنایات ولواحقها وباب المعاملات أیضا، کما أنّ الظاهر لا خلاف فی

ص:449


1- (1) الکافی، ج1، ص180. تفسیر القمی، ج2، ص162. الاحتجاج، ص379.

اختصاص أحکام النکاح ونحوها بالمسلم بعد ورود (لکلّ قوم نکاح)(1).

وبعبارة: أنّ النزاع إنّما هو فی التکالیف الفردیة کالعبادات وأمّا التکالیف الاجتماعیة و السیاسیة فأمّا معلومة الشمول أو معلومة الاختصاص، ولک أن تقول: بأنّ الأحکام الشرعیة الفرعیة المرتبطة بالآخرة هو مورد النزاع، و أمّا الأحکام الشرعیة الفرعیة التی ترتبط بعقد المدینة فلا تردید فیها.

وقفة مع حدیث الاسلام یجب ما قبله:

اشارة

روی هذا الحدیث فی مستدرک الوسائل والعوالی وغیرهما (کما أشرنا). فإن بنی علی تمام السند و لو بالانجبار بعمل القدماء، و قیل إنّه لم یرد فی ألفاظ عبائرهم فإن تمّ وإلّا فالسیرة القطعیة علی عدم مؤاخذة من أسلم بقضاء ما فات من الأعمال حتی فی مثل الزکاة والخمس. نعم بالنسبة إلی الأبواب الاخری من نمط التکالیف غیر الفردیة المرتبطة بالمعاملات بالمعنی الأعمّ ثبوتها محلّ تأمّل سوی الحدود فإنّها أیضا ملحقة بالتکالیف الفردیة فی عدم استتباعه بها. سوی ما استثنی.

نعم الکلام یقع فی أنّ حدود ما هو فی السیرة هو عدم الاستتباع بقضاء الفوائت فقط أم عدم استتباعه بکلّ سبب تکلیف وقع فی حال کفره و لم یبق إلی ما بعد إسلامه نظیر ما ذکرناه من قیامها فی عدم استتباعه بالزکاة والخمس، ولعلّ الأقوی کون السیرة علی الثانی أیضا ولا یتوهّم من شمول ذلک للأحکام الوضعیة؛ إذ هی خارجة عن مقتضی الجبّ کما لا یخفی.

ص:450


1- (1) التهذیب، ج7، ص274، حیث روی ابو بصیر قال سمعت ابا عبد الله (علیه السلام) یقول (نهی رسول الله من ان یقال للاماء یا بنت کذا کذا وقال لکل قومٍ نکاحٌ).

إذ الموضوع فی الأحکام الوضعیة قائم بحاله بالاضافة إلی ما بعد إسلامه، ومن ثمّ یتأمّل فی استقرار الحجّ علیه بعد فرض انتفاء الاستطاعة وإن أشکل بعض المحشین علی العروة من أنّ وجوب الحجّ بعد الاستطاعة هو نظیر ما إذا أسلم فی وقت الفریضة الیومیة، فإنّه یلزم بأدائها إذ لا وقت محدّد للحجّ و إن کان فوریا.

وما أفید متین لو لا الالتفات إلی أنّ استقرار الحجّ بعد فرض انتفاء الاستطاعة إنّما هو فی موارد عدم کون الترک عذریا شرعیا والمفروض أنّه باسلامه یعذر فیما قد ترک. فبانتفاء الاستطاعة ینتفی الوجوب حینئذ، وإن کان حکم استقرار الحجّ لیس حکما آخر قضائیا بل بقاء نفس الحکم لکنّه فی المقام لا بقاء له لما ذکرناه.

اشکال ودفعه:

قد یقال بعدم معقولیة الوجوب علی الکافر ؛ لعدم صحة أعماله .

وأجیب عنه بوجوه:

الأوّل: هو ما ذکرناه من أنّه لا امتناع للتکلیف من ناحیة القدرة و إن سقط عنه بعد إسلامه حیث أنّه نحو من التخفیف لا امتناع الامتثال. هذا إذا کان المراد عدم صحّة التکلیف لعدم القدرة وإنکان المراد من الإشکال لغویة التکلیف فهی مدفوعة بترتّب تسجیل العقوبة علیه فی ما لو لم یسلم. ولکن یتوهّم أنّ الغرض من التکلیف هو البعث و التحریک، و فی المقام ممتنع فإنّه یجاب بأنّ البعث والتحریک اللازم فی التکلیف هو بنحو الإمکان لا بدرجة الفعلیة وإلّا لانتقض فی عصاة المسلمین أیضا.

وکفی تحریکا فی المقام أنّه یدعو إلی امتثال مقدّمات الواجب وهو

ص:451

الاقرار بالإسلام وإن خفّف عنه بالسقوط فیما بعد ذلک.

الثانی: ما ذکره السیّد البروجردی(1) (قدس سره) فی الحاشیة من أنّ قاعدة الجبّ بعد جریانه بلحاظ التکالیف الفائتة فلا یتحقّق موضوع لوجوب قضاء الفوائت.

وبعبارة اخری: أنّ جریان الجبّ بلحاظ أداء التکالیف یتدارک الفوت فلا یجب القضاء. ولا یخفی أنّه مع تمامیة هذا الجواب لا تصل النوبة إلی سائر الأجوبة.

الثالث: ما ذکره السیّد الخوئی (قدس سره) فی المستند من أنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار فإنّه فی ظرف الأداء التکالیف کان قادرا مختارا علی أدائها وامتثالها إلّا أنّه بترک امتثال الأداء أوقع نفسه بالاختیار فی ذلک الامتناع الذی ذکره المستشکل فتصحّ العقوبة علیه.

الرابع: ما ذکره السید الیزدی من کون وجوب القضاء بنحو الواجب التعلیقی أو المشروط بشرط متأخّر أی أن یؤخذ الفوت إمّا قیدا فی الواجب المعلّق أو شرط الوجوب شرطا متأخّرا وهو مع أنّه خلاف الظاهر من أدلّة القضاء من أنّ کون الوجوب بنحو الشرط المقارن لا یدفع الإشکال ما لم یرجع إلی الجواب الثالث.

ص:452


1- (1) العروة الوثقی مع تعلیقات الفقهاء، ج4، ص446، ط جماعة المدرسین.

قاعدة التبعیة

ص:453

ص:454

من القواعد العامة الجاریة فی المعاملات بالمعنی الأعم التبعیة

دعوی الاجماع علی القاعدة:

ادعی الاجماع علی نجاسة ولد الکافر بالتبع(1) فی کتاب الطهارة (بحث تبعیة ولد الکافر لابیه فی النجاسة) وفی کتاب الجهاد وفی کتاب المواریث، فلا ینافیه عدم وجود المسألة فی کتاب الطهارة فی عدة من کتب المتقدمین، نعم عن العلامة فی النهایة(2) التعبیر بالأقرب المحتمل لوجود خلاف(3)، لکن قد تأمّل غیر واحد من متأخری الأعصار(4) فی اطلاق معقد الاجماع علی التبعیة بنحو یشمل المقام.

الأقوال فی المسألة:

وعلی أیة حال القدر المتفق علیه بین القائلین بالحکم هو فی الجملة،

ص:455


1- (1) قال فی معالم الدین (قسم الفقه)، ج2، ص539، (ظاهر کلام جماعة من الأصحاب ان ولد الکافرین یتبعهما فی النجاسة الذاتیة بغیر خلاف ...).
2- (2) نهایة الاحکام، ج1، ص274.
3- (3) نعم عبّر فی التذکرة، ج1، ص68 (أولاد الکافر حکمهم حکم آبائهم )بدون الاشارة الی وجود خلاف او تردد.
4- (4) کما یظهر من کلام السید الصدر فی بحوث العروة، ج3، ص376.

إذ هناک اختلاف فی صور.

قال فی ارث الجواهر(1) (ولا فرق فی ذلک وغیره بین الممیز وغیره والمراهق وغیره لعموم أدلة التبعیة من الاجماع وغیره، فولد الکافر کافر نجس تجری علیه أحکام الکفار وان وصف الاسلام واستدل علیه بالأدلة القاطعة وعمل بأحکامه، وولد المسلم تجری علیه أحکام المسلمین وان اظهر البراءة من الاسلام واستدل علی الکفر وشیّد أرکانه، ودعوی بعض الأجلاء ان ذلک مناف لقاعدة الحسن والقبح کما تری).

قال: (نعم عن الشیخ قول بصحة اسلام المراهق، بل عنه یحکم باسلامه اذا بلغ عشرا، بل قیل: انه قطع کالعلامة فی التحریر بأنه اذا وصف الاسلام حیل بینه وبین متبوعه، لکن ذلک کله مناف لما هوکالضروری من الدین من کون الصبی قبل البلوغ مرفوع القلم عنه، لا عبرة بقوله فی اسلام وکفر وعقد وایقاع ولیس اسلامه وکفره الا تبعیا کما لا یخفی علی من له أدنی خبرة بکلام الأصحاب فی جمیع المقامات) انتهی کلامه رفع مقامه.

وقد ذهب جملة من متأخری العصر منهم صاحب العروة(2) الی تحقق الاسلام والکفر من الممیز الصبی، وفصل بعض آخر بین تحقق الاسلام وعدم تحقق الکفر کما یأتی.

وهل الحکم بالتبعیة فی مطلق الکافر کالناصبی والخارجی وغیرهم

ص:456


1- (1) جواهر الکلام، ج39، ص24.
2- (2) العروة الوثقی، کتاب الطهارة، الثامن من الاعیان النجسة (الکافر)، فقال (وولد الکافر یتبعه فی النجاسه الا اذا اسلم بعد البلوغ او قبله مع فرض کونه عاقلاً ممیزاً وکان اسلامه عن بصیره علی الاقوی).

من الفرق المنتحلة للاسلام أو یقتصر علی المشرک والکتابی ونحوهما، أو یفصل بین ما اذا کان الکافر المنتحل وولده فی دار الاسلام التی یقطنها المسلمون، وبین ما اذا کان فی دار لا یقطنها إلا الفرقة المنتحلة بناء علی کون التبعیة غیر ناشئة عن التولد بل عن حکم المحیط والوسط المصاحب، نعم بناء علی هذا المعنی فی التبعیة فلا یحکم علی الولد بتبع والدیه إلا اذا کان مصاحبا لهما أوفی دار ملتهما دون ما اذا انفصل عنهما أوی عن دارهما.

أدلة القاعدة:

ویستدل علی التبعیة بأمور:

الاول: خبر حفص بن غیاث - بل معتبرته علی الاصح - قال: (سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل من أهل الحرب اذا أسلم فی دار الحرب فظهر علیهم المسلمون بعد ذلک؟ فقال: اسلامه اسلام لنفسه ولولده الصغار وهم أحرار، وولده ومتاعه ورقیقه له، فأما الولد الکبار فهم فیء للمسلمین الا أن یکونوا اسلموا قبل ذلک ... الحدیث)(1).

بتقریب ان التبعیة کما هی مدلول علیها فی المنطوق- وهی فی الاسلام کذلک- قد دلل علیها فی المفهوم بمقتضی تعلیق الحکم باسلام الصغار علی اسلام الاب، ویعضد ذلک المفهوم تفصیل الروایة بین عدم استرقاق الصغار معلقا علی اسلام الاب واسترقاق الولد الکبار، حیث فیه دلالة علی صحة استرقاقهم بکفر الاب أی الحکم بکفرهم.

کما أن تفریع حریتهم علی اسلامهم التبعی دال علی التبعیة بالذات وان عدم استرقاقهم أثر لها، وکذا فی العکس وهکذا حرمة أموالهم

ص:457


1- (1) وسائل الشیعة، ج15، ص117، باب43 من ابواب الجهاد، ح1.

وعدمها، ومنه یستفاد بقیة الآثار بعد وضوح ترتب بقیة الآثار من جواز النکاح والارث ونحوهما علی تحقق الموضوع تبعا وعدمها علی تحقق الموضوع المقابل تبعا.

التبعیة حکم لا تنزیل:

التبعیة حکم لا تنزیل فلا یصغی الی التأمل فی عموم التنزیل بعد ما تقدم مفصلا فی مبحث المیتة(1)، من الفرق بین التنزیل اللفظی الدلالی وبین الحکومة فی الجعل والحکم بتحقق الموضوع، من أن الاول شأن فی الدلالة فیکون تارة تشبیها بلحاظ بعض الآثار وأخری بلحاظ اکثرها، وهذا بخلاف الحکومة والحکم بالموضوع فانه تحقق للموضوع فی عالم الجعل فتترتب جمیع آثاره، ویظهر ذلک بوضوح فی ما کان الموضوع حکما وضعیا کالملکیة والزوجیة ونحوها.

وما نحن فیه وهو الاقرار بالاسلام أو الکفر قد تقدم انه عنوان وضعی انشائی هو أول درجات الموضوعات وان کان لهما درجات أخری تکوینیة حقیقیة.

ونظیر هذه الروایة خبر زید بن علی عن آبائه عن علی(علیه السلام) قال: (إذا أسلم الأب جرّ الولد الی الاسلام، فمن أدرک من ولده دعی الی الاسلام، فان أبی قتل، فإذا أسلم الولد لم یجرّ أبویه، ولم یکن بینهما میراث)(2)، والتقریب ما تقدم وفیها تصریح بأثر آخر وهوالارث وعدمه والتعبیر عن التبعیة بالجرّ الصریح فی اعتبار الموضوع.

ص:458


1- (1) سند العروة الوثقی (للشیخ الأستاذ محمد السند)، ج2، ص493.
2- (2) وسائل الشیعة، ج23، ص107، باب70 من البواب العتق، ح1.

الثانی: بما ورد فی إجزاء عتق الطفل فی الکفارات(1) غیر کفارة القتل الدال علی التبعیة فی کلا الحالتین بالمنطوق والمفهوم، مثل صحیحة معاویة بن وهب قال سألت أبا عبد الله(علیه السلام) - فی حدیث فی الظهار - قال (والرقبة یجزی عنه صبی ممن ولد فی الاسلام) الظاهر فی ترتیب آثار الموضوع الذی هو اجزاء العتق بتبع التولد، والمفهوم منه عدم ترتب الاثر بتبع انتفائه ومع ضمیمة انتفاء الواسطة بینه وبین مقابله یستشعر تحقق الموضوع المقابل تبعا.

الثالث: وبنفس التقریب تدل صحیحة عبید بن زرارة عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی الصبی یختار الشرک وهو بین أبویه قال: (لا یترک وذاک إذا کان أحد أبویه نصرانیا)(2)، وموثق أبان بن عثمان عن بعض أصحابه عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی الصبی اذا شبّ فاختار النصرانیة وأحد أبویه نصرانی أو مسلمین قال: (لا یترک، ولکن یضرب علی الاسلام)(3).

حیث ان مفادهما المطابقی وان کان فی تبعیة الولد لأشرف الابوین فی الملة الا انهما تدلان أیضا بالمفهوم ونحوه علی التبعیة أیضا فی حالة عدم اختلاف ملة الأبوین فی النصرانیة ونحوها.

الرابع: وکذا صحیح هشام بن سالم عن عبد الملک بن أعین و(أو) مالک بن أعین جمیعا عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: (سألته عن نصرانی مات وله ابن أخ مسلم، وابن أخت مسلم وله أولاد وزوجة نصاری، فقال: أری ان یعطی ابن أخیه المسلم ثلثی ما ترکه ویعطی ابن أخته المسلم ثلث ما ترک ان

ص:459


1- (1) وسائل، ج22، ص360، باب7 من ابواب الکفارات، ح3.
2- (2) وسائل ، ج28، ص326، باب2 من ابواب حد المرتد، ح1.
3- (3) المصدر، ح2.

لم یکن له ولد صغار، فان کان له ولد صغار فان علی الوارثین أن ینفقا علی الصغار مما ورثا عن أبیهم حتی یدرکوا، ... قیل له: فإن أسلم أولاده وهم صغار؟ فقال:

یدفع ما ترک أبوهم الی لامام حتی یدرکوا، فان أتموا علی الاسلام اذا أدرکوا دفع الامام میراثه الیهم وان لم یتموا علی الاسلام اذا أدرکوا دفع الامام میراثه الی ابن أخیه وابن أخته المسلمین ... الحدیث)(1).

حیث قد عمل بمضمونه جماعة کثیرة لاسیما المتقدمون، وبحکم تقابل الصورتین المفروضتین یظهر أن عدم إرثهم مع الوارث المسلم من الطبقة الثانیة فی الصورة الاولی للحکم علیهم بالکفر تبعا للأب المیت بخلاف الصورة الثانیة حیث أظهروا الاسلام.

الخامس: بما ورد فی حدّ المرتد من أن المولود علی غیر الملة الحنیفیة مرتد ملیّ یستتاب بخلاف المولود علی الفطرة(2)، مثل مرفوعة عثمان بن عیسی قال: (کتب عامل أمیر المؤمنین (علیه السلام) إلیه: انی أصبت قوما من المسلمین زنادقة، وقوما من النصاری زنادقة، فکتب الیه: أما من کان من المسلمین ولد علی الفطرة ثم تزندق، فاضرب عنقه، ولا تستتبه، ومن لم یولد منهم علی الفطرة فاستتبه، فان تاب، وإلا فاضرب عنقه ... الحدیث)(3).

حیث ان التقسیم فی الموضوع ناظر الی تبعیة المولود للأبوین فی الملة، ولذلک کان الاعتبار فی هذا التقسیم فی ذلک الباب بلحاظ ملة الابوین

ص:460


1- (1) وسائل، ج26، ص18، باب2 من ابواب موانع الارث، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، ج28، باب3 من ابواب المرتد، ح3.
3- (3) وسائل، ج28، ص333، باب5 من ابواب المرتد، ح5.

حین انعقاد النطفة أو الولادة لا بلحاظ ملة الولد نفسه حین بلوغه، فلوکان قبل بلوغه علی الاسلام حتی بلغ وارتد مع فرض انه ولد علی غیر الفطرة فهو مرتد ملی، أی ان حکمه وهو طفل بتبع ابویه علی غیر الفطرة، وقد تقدم ان اعتبار الموضوع ههنا لیس من باب التنزیل بل من باب الحکم والاعتبار للعنوان الوضعی.

وهذه الروایات معاضدة لما استظهره جماعة فی کتاب الجهاد من استفادة التبعیة مطلقا للابوین من الحدیث النبوی (ما من مولود یولد الا علی الفطرة فأبواه اللذان یهودانه وینصرانه ویمجسانه)(1)، بمعنی ان فطرته المخلوق علیها تهدیه اقتضاءً الی دین الفطرة الحنیفیة، الا انه بکفر الابوین یحکم علیه تبعا بالکفر وان استشهد بالحدیث المزبور فی الروایات الاخری لمعنی آخر وهو التسبیب الحقیقی للتهوید والتنصیر لا الاعتباری، ولا منافاة إذ لعله بیان لحکمة الاعتبار والحکم فی المعنی الأول لا انه یراد منه المعنی الثانی فتدبر.

ضعف الادلة الاخری وأما الاستدلال علیها بما ورد من الحاق أولاد الکفار بآبائهم واولاد المؤمنین بآبائهم وان اولاد الکفار کفار یلحقون بآبائهم کما فی صحیح عبد الله بن سنان(2)، فمضافا الی کونها فی صدد بیان الاحکام الاخرویة ان - کما قال المجلسی (قدس سره)(3) - الاظهر حملها علی التقیة لموافقتها لروایات المخالفین واقوال اکثرهم، ثم ذکر جملة من أقوالهم وروایاتهم ثم قال (فظهر ان تلک الروایات موافقة لما رواه

ص:461


1- (1) الوسائل، ابواب الجهاد باب 48، ح3.
2- (2) الفقیه، ج3، ص317.
3- (3) بحار الانوار، ج5، ص295.

المخالفون فی طرقهم وقد أوّلها أئمتنا (علیه السلام) بما مرّ فی الاخبار السابقة)، ویعضد ما ذکره (قدس سره) ان جملة منها لا یوافق ظاهرها مذهب العدل، نعم لواغمض النظر عن ذلک لکان فیها اشعار وایماء بالتبعیة، وکذا حال الاستدلال بقوله تعالی وَ لا یَلِدُوا إِلاّ فاجِراً کَفّاراً (1).

وکذا الاستدلال بانه متولد من نجسین کالمتولد من الکلب والخنزیر، حیث انه مع الفارق فان النجاسة فی المقام بلحاظ الوصف وفی المثال ذاتی، مع انه قد اشترط فیه ایضا صدق العنوان، ولکن بتقریب قد تقدم أو الاستدلال بصدق الکفر لکونه السلب المطلق للاسلام، اذ من الواضح تقوّم الوصفین بالادراک والتمییز، وکذا الاستدلال بالاستصحاب بتقریبات ضعیفة لتبدل الموضوع.

ثم ان الاظهر ان التبعیة فی الأدلة المتقدمة هی التولّدیة أی الناشئة من الولادة لا التربویة الناشئة من المحیط المصاحب المعاش.

هذا وقد یشکک فی عموم نجاسة الکافر بمقدار یشمل المقام وان سلمت التبعیة المتقدمة فی الموضوع الا انه لا عموم فی دلیل المحمول، لکن قد تقدم العموم فی الآیات والروایات، ومن ثم کان الحکم بتحقق الموضوع والذی هو من الاحکام الوضعیة کما تقدم ایجاد لفرد من موضوع العموم، اذ لیست التبعیة کما اتضح من باب التنزیل بل الحکم بالموضوع.

هل یعتد باسلام الممیز؟

ادعی صاحب الجواهر الاتفاق أو الشهرة علی عدم الاعتداد باسلام الممیز الصبی لو کان أبواه کافرین، ولا بکفره لو کان أبواه مسلمین أو

ص:462


1- (1) سورة نوح، الآیة: 27.

أحدهما کذلک، لکنه حکی عن الشیخ قول بصحة اسلام المراهق والمحکی انه عن الخلاف، وکذا العلامة فی التحریر وحکم بلزوم الحیلولة بینه وبین متبوعه، وفی الشرائع تردد فی قبوله فی کتاب الکفارات وذهب جماعة الی ان اسلامه مجازی غیر حقیقی لا یعتد به حتی یبلغ، أی انه مراعی بالبلوغ کما هو مفاد الروایة المتقدمة فی ارث صبیة النصرانی اللذین اظهروا الاسلام مع وجود الوارث المسلم.

وذهب جملة متأخری العصر الی صحة الاسلام من الممیز، وکذا تحقق الکفر منه مستقلا عن متبوعه استنادا الی عموم الادلة، وذهب بعض الی التفصیل بین تحقق الاسلام والی عدم الاعتبار بکفره مستقلا عن متبوعه استنادا الی رفع القلم عنه أوالی ان عمد الصبی خطأ.

اعتناق الممیز قاطع للتبعیة:

وتحقیق الحال ان الاسلام والایمان کما مرّ علی مراتب أولها المرتبة الانشائیة التی تتحقق بالاقرار اللسانی الانشائی، ومن ثمّ المراتب الأخری القلبیة والعملیة التی نحو وجودها حقیقی تکوینی، فالحال فی المرتبة الأولی هو الحال فی مطلق انشائیات الصبی من معاملاته وإیقاعاته.

أدلة بقاء التبعیة:

الدلیل الاول: ذهب المشهور الی سلب عبارته استنادا الی عموم عمد الصبی خطأ، بتقریب ان مفاده سلب الارادة العمدیة عن افعاله فلا یتکون لدیه قصد الی الافعال یعتد به، ذهبوا فی ظاهر عبائرهم فی المقام وکتاب الجهاد والارث الی عدم الاعتداد باقراره بالشهادتین.

الدلیل الثانی: ما ذهب الیه الکثیر منهم من عدم توجه قلم التکلیف

ص:463

علیه، فهو غیر مخاطب بالاقرار المزبور، لکن حیث کان المحرر فی محله عدم سلب عبارته فی الانشائیات وان کان غیر مستقل فی التصرف وأما عمد الصبی خطأ.

ففیه:

أولا: انه فی باب القصاص والافعال التی هی من الجنایات لا فی عموم لابواب.

ثانیا: ان الخطأ فی باب القصاص والدیات لیس بمعنی سلب الارادة والقصد، بل الخطأ المزبور یعمّ موارد الاشتباه فی التطبیق والمصداق والذی هویلائم عدم استقلالیته فی التصرف لا عدم القصد منه فی افعاله، وکذا الحال فی رفع القلم حیث انه رفع قلم المؤاخذة بقرینة اردافه مع النائم والمجنون ذی الدرجة القابل معه الخطاب، والا فذوالجنون غیر القابل للتکلیف عقلا لا رفع شرعی فی حقه والا فالتکلیف من جهة الموضوع فیهما فعلی إلا ان المؤاخذة والتنجیز مرفوعان، وکذا قرینیة الامتنان فانه فی رفع المؤاخذة خاصة دون التشریع الذی هو لطف، وغیر ذلک من القرائن، کان الصحیح هو صحة اقراره الانشائی بالشهادتین.

هذا: ولوسلم أن عمده خطأ بقول مطلق فیرد علیه ثالثا: ان فی الموارد التی یترتب علی العمد آثار الزامیة یؤاخذ بها کالجنایة والمعاملات وغیرها، لا فی مثل قبول الهدیة والحیازة للمباحات والتشرف باعتناق الملة الحنیفیة البیضاء ونحوها من الموارد التی یکون الاثر للعمد فی نفع ومصلحة الصبی، نعم بناءً علی العموم المزبور لا یعتد بکفر ولد المسلم.

محتملات قاعدة عمد الصبی خطأ:

ان فی قاعدة عمد الصبی خطأ أربع محتملات هی:

ص:464

الأول: قول المشهور من ان ارادة الصبی العمدیة هی کلا ارادة وکإرادة البهائم حتی فی الممیز، ومن ثم بنوا علی سلب عبارته.

الثانی: تخصیص التنزیل المتقدم فی القول السابق بموارد التی یترتب ضرر أو إلزام علی الصبی أی یکون التنزیل امتنانیا ولا یشمل الموارد التی فیها نفع الصبی.

الثالث: تخصیص التنزیل بباب القصاص الذی هو مورد تطبیق القاعدة فی الروایات ویشهد له ان الالحاق الموضوعی فیه لیس من باب الجعل فی الموضوع کی یکون الحاقا قانونیا عاما، بل هو الحاقا تنزیلیا دلالیا یقتصر علی القدر المتیقن، والقرینة علی ذلک ان الموضوع تکوینی لا یدور وجوده مدار الاعتبار.

الرابع: تعمیم القاعدة غایة الأمر بمعنی نقصان الارادة العمدیة للصبی لا إلغائها بالمرة بقرینة ان فی الخطأ الارادة غیر ملغاة وانما هی غیر تامة، أی لیس کل مقدماتها عمدیة ملتفت الیها کما هو الحال فی القتل الخطأ فی باب القصاص الذی نزل عمد الصبی خطأ فیه، وعلی ذلک لا تکون ارادته مسلوبة ولا عبارته کذلک، وانما هی ناقصة غیر مستقلة فیوافق مفاد بقیة الادلة الواردة فی حکم الصبی.

وقد عرفت ان الاقوی هو الوجه الثالث ثم الرابع ثم الثانی.

وعلی ما تقدم یتضح ان الکفر الانشائی أیضا یتحقق فی الفرض الآخر، الا انه لا یترتب حدّ الارتداد وان عزّر کما فی السرقة.

الدلیل الثالث: التأمّل فی عموم سبیة الاقرار بالشهادتین لتحقق الاسلام، فی شموله للمقام.

وهو: فی غیر محلّه بعد عموم مثل قوله (علیه السلام) (الاسلام شهادة أن لا

ص:465

إله إلا الله والتصدیق برسول الله صلی الله علیه و آله ، وقوله (الاسلام اقرار بلا عمل) وغیرهما، وهی وان کانت فی صدد تحدید الماهیة لا الموجب الا انه بعد کونه امرا انشائیا کانت شرائط الانشاء موکولة الی البناء العقلائی الجاری فی بابه.

الدلیل الرابع: ان الاقرار إلتزام تترتب علیه إلزامات کما فی بقیة الاقرارات وهی غیر متصورة فی غیر البالغ.

قلت: لا ضیر فی ذلک بناء علی الاصح فی حدیث رفع القلم حیث انه رفع المؤاخذة لا للتشریع والتنظیر ببقیة الاقرارات مع الفارق لکونه تصرفا من التصرفات المالیة ونحوها وهوغیر مستقل فی تلک التصرفات، کما لا ضیر لوبنی علی عموم عمده خطأ، حیث ان قسما آخر من آثار الاقرار بالشهادتین فی نفع الصبی من الارث وصحة النکاح وغیرهما.

وأما القسم الذی هومن قبیل الالزامات کالاحکام والتکالیف فعلی القول بان الکفار مکلفون بالفروع کالاصول، فتلک الآثار غیر مترتبة علی الاقرار المزبور، وأما علی القول بعدم تکلیفهم بالفروع وان الالزام بها مترتب علی الاسلام والاقرار فأیضا مثل هذا الالزام الذی هومن حق الله لا من حق الناس، هولطف ومنّة فی ترتبه لا فی ارتفاعه.

نعم تلک الإلزامات التی من القبیل الثانی کما فی باب المعاملات والایقاعات وباب الاحکام فی الفقه فالمنة فی اعتبار فعله العمدی کالفعل الصادر خطأ، هذا بناء علی عموم عمده خطأ للابواب مع تفسیره بسلب القصد والارادة، والا فقد عرفت انه لوبنی علی التعمیم فالصحیح حینئذ فی مفاده عدم الاعتداد بارادته المستقلة فی الفعل بل قدرته ناقصة تحتاج الی ضمیمة ارادة الولی.

ص:466

هذا کله مقتضی القاعدة فی المرتبة الأولی منهما وهی الانشائیة، وأما المراتب الاخری وهی القلبیة والعملیة التکوینیة فواضح انها مرهونة بالادراک والتمییز والعقل التی قد تسبق البلوغ کثیرا ما وقد تتأخر عنه، ومن ذلک یتضح صحة القول بتحقق المرتبة الأولی بعد کون الحکمة فیها الکشف عن المرتبة الواقعیة، فمع تحقق المنکشف لا محالة یکون الکاشف قابلا للتحقق أیضا.

الدلیل الخامس: ما قد یستظهر من بعض الروایات ان اسلام الصبی مراعی بحاله عند البلوغ وکذا کفره، کما فی صحیح هشام بن سالم المتقدم عن عبد الملک بن أعین ومالک بن أعین جمیعا، حیث فیه (فان اسلم أولاده - أی أولاد المیت النصرانی مع وجود وارث مسلم من الطبقة الثانیة - وهم صغار؟ فقال: یدفع ما ترک أبوهم الی الامام حتی یدرکوا فان أتموا علی الاسلام اذا أدرکوا دفع الامام میراثه الیهم، وان لم یتموا علی الاسلام اذا أدرکوا دفع الامام میراثه الی ابن أخیه وابن أخته المسلمین ... الحدیث)(1).

وکذا روایة زید بن علی المتقدمة (اذا اسلم الاب جرّ الولد الی الاسلام فمن أدرک من ولده دعی الی الاسلام فان أبی قتل)، حیث یظهر منها ان الاعتداد باسلامهم اذا ادرکوا وهو البلوغ بقرینة القتل عند الإبآء مضافا الی انه منصرف عنوان الادراک فی الروایات.

وکذا روایة الفضل بن المبارک عن أبیه عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: (قلت له: جعلت فداک، الرجل یجب علیه عتق رقبة مؤمنة فلا یجدها کیف یصنع؟ قال: فقال: علیکم بالأطفال فاعتقوهم، فان خرجت مؤمنة فذاک،

ص:467


1- (1) الوسائل، باب2، من ابواب موانع الارث، ح1.

والا لم یکن علیکم شیء)(1)، بتقریب مراعاة خروجها عند البلوغ مؤمنة کما هو منصرف التعلیق المتأخر عن الطفولة.

وموثق أبان بن عثمان المتقدم عن بعض أصحابه عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی الصبی اذا شبّ فاختار النصرانیة وأحد أبویه نصرانی أو مسلمین قال: (لا یترک ولکن یضرب علی الاسلام)(2)، ومثله صحیح عبید بن زرارة(3) المتقدم أیضا.

لکن: غایة ما یمکن دعواه من مثل هذه الروایات هو مراعاة بعض الاحکام کالارث واجزاء العتق باستمراره وبقائه علی الاسلام الی حین البلوغ، لا عدم تحقق الاسلام منهم بل ان التعبیر فیها ب--(أتموا) شاهد علی تحققه منهم وهم صغار، وکذا الأمر باعطاء الترکة الی الحاکم وعدم توریث الطبقة المتأخرة المسلمة دال علی الاعتداد به والا فلو اسلموا بعد البلوغ فانهم لا یورّثوا.

وأما عدم ترتب احکام الکفر أو الارتداد فلا یدل علی عدم تحققه، غایة الامر مقتضی رفع القلم أو عمده خطأ هو رفع آثار المؤاخذة والارتداد، بل ان التعزیر شاهد علی تحقق الکفر منه، والا فلو کان مسلوب العبارة فلا وجه له.

ثم: انه ربما یقال مع کل ما تقدم ان موضوع الحکم بالنجاسة هو التولد من الکافر فی الصبی لا الکفر کی ینتفی باسلام الصبی، وحینئذ یبقی حکم النجاسة ولا أقل من الشک فیستصحب بعد بقاء الموضوع

ص:468


1- (1) الوسائل، باب70، من ابواب العتق، ح2.
2- (2) الوسائل، باب2، من ابواب حد المرتد، ح1.
3- (3) المصدر، ح2.

عرفا.

وفیه: ان التبعیة للولادة انما هی فی الموارد التی لا استقلال للتابع فیها عن المتبوع والا فتنتفی، والتولد منشأ للتبعیة فی ذلک المورد لا مطلقا وان امتنعت التبعیة.

وبعبارة أخری: ان التبعیة موضوع ملحق بموضوع النجاسة أو الطهارة الأصلی وهو الکفر أو الاسلام، فاذا تحقق ما هو أصل فلا مجال للالحاق، هذا مضافا الی دلالة الروایات الخاصة المتقدمة الدالة علی اختلاف حکم المیت النصرانی عن صبیته الذین اظهروا الاسلام فی الحکم بتوریثهم غایة الأمر المراعی ببقائهم علیه حتی البلوغ.

لا فرق بین ابن الحلال وابن الزنا فی التبعیة:

کما صرح به جماعة من متأخری المتأخرین(1)، واستشکله آخرون منهم موضوعا لکون التبعیة فی الحکم ناشئة من التولد والفرض عدم الاعتداد به شرعا، ومحمولا لکون مدرک الحکم فی ولد الکافر هو الاجماع وهولا یعلم بشموله للمقام، ومن ثمّ لا یتمسک للتعمیم له بالاولویة لخباثة المولد، اذ الخباثة المزبورة تغایر الخباثة الذاتیة الناشئة من التولد، والفرض انه محکوم بالعدم، أی أن الخباثة الأولی معدمة لمقتضی الخباثة الثانیة.

والصحیح ما فی المتن، فأما الاشکال فی الموضوع فمن المناسب البحث فیما ادعی علیه الاجماع والتسالم من قطع النسب فی ولد الزنا، اذ الکلام آت کذلک فی ولد الزنا من المسلم .

ص:469


1- (1) کما فی العروة الوثقی، للسید الیزدی واکثر المحشین والمعلقین علیها.

ولتحقیق الحال نورد الیک عزیزی القارئ (رسالة فی نسب ابن الزنا وترتب أحکام الولد علیه)(1) هل أحکام الولد تترتب علی ولد الزنا مطلقا، أم انها منتفیة مطلقا، أو یقال بالتفصیل؟

لم یذهب الی الأول قائل، وکذا الثانی، وأما التفصیل فاختلفت کلماتهم فی مقداره، فمن قائل انه لم یتحقق النسب مطلقا، وان انتفاءه حقیقة شرعیة کثبوته فی المتولد من الحلال، وآخر الی انه معنی عرفی غایة الأمر ان الشارع نفی الارث عنه بلسان نفی الموضوع، وإلا فبقیة الاحکام تترتب علی العنوان العرفی، وثالث غیر ذلک کما یأتی بسطه.

کلمات الاصحاب فی المقام:

وفی البدء نستعرض کلمات الاصحاب فی الابواب المختلفة:

قال فی الشرائع(2) فی باب اسباب التحریم من النسب: (النسب یثبت مع النکاح الصحیح ومع الشبهة ولا یثبت مع الزنا، فلو زنی فانخلق من مائه ولد علی الجزم لم ینسب الیه شرعا، وهل یحرم علی الزانی والزانیة الوجه انه یحرم لانه مخلوق من مائه فهو یسمی ولدا لغة).

وقال فی القواعد(3): (والنسب یثبت شرعا بالنکاح الصحیح والشبهة دون الزنا، لکن التحریم یتبع اللغة فلو ولد له من الزنا بنت حرمت علیه وعلی الولد وطی أمه وان کان منفیا عنهما شرعا، وفی تحریم النظر اشکال

ص:470


1- (1) هذه الرسالة کتبها سماحة الشیخ الاستاذ قبل اکثر من عشرین سنة جواباً علی استفتاء رفعه الیه بعض المشایخ، ونحن اتماماً للفائدة ولتحقیق الموضوع الحقناها بالقاعدة.
2- (2) شرائع الاسلام، ج2، ص225.
3- (3) قواعد الاحکام فی معرفة الحلال والحرام، ج3، ص20.

وکذا فی العتق والشهادة والقود وتحریم الحلیلة وغیرها من توابع النسب)، ولعله یشیر بالتوابع الاخری الی شهادة الولد من الزنا علی أبیه، وعدم قصاص الاب بقتل ابنه من الزنا وغیر ذلک.

وقال فی کشف اللثام(1) استدلالا لکلام القواعد: (والدلیل علیه الاجماع کما هوالظاهر، وصدق الولد لغة، والاصل عدم النقل، وعلله ابن ادریس بالکفر، وفی تحریم النظر الی ابنته من الزنا أو نظر الابن من الزنا ... اشکال، من التولد حقیقة، وصدق الابن والبنت لغة، مع اصالة عدم النقل، ومن انتفاء النسب شرعا، مع الاحتیاط وعموم الأمر بالغض).

الی ان قال فی تفسیر قول العلامة السابق - وغیر من توابع النسب --: (کالارث وتحریم زوج البنت علی أمها والجمع بین الاختین من الزنا أو أحداهما منه ... الاب فی دین ابنه ان منع منه، والأولی الاحتیاط فیما یتعلق بالدماء أو النکاح، وأما العتق فالاصل العدم مع الشک فی السبب بل ظهور خلافه واصل الشهادة القبول).

وقال فی الجواهر(2) فی ذیل کلام المحقق المتقدم: (لا ینبغی التأمل فی أن مدار تحریم النسبیات علی اللغة، ولا یلزم منه اثبات أحکام النسب فی غیر المقام الذی ینساق من دلیله إرادة الشرعی لانتفاء ما عداه وهو قاض بعدم ترتب الاحکام علیه لان المنفی شرعا کالمنفی عقلا کما أومأ الیه النفی باللعان، فما فی القواعد من الاشکال ... فی غیر محله ... بل قد یتوقف فی جواز النظر بالنسبة الی من حرم نکاحه مما عرفت، لکن الانصاف عدم

ص:471


1- (1) کشف اللثام والابهام عن قواعد الاحکام (للفاضل الهندی) ج7، ص125.
2- (2) جواهر الکلام فی شرح شرائع الاسلام، ج29، ص258.

خلو الحل من قوة، بدعوی ظهور التلازم بین الحکمین هنا).

وقال فی الشرائع(1) فی باب الارث: (وأما ولد الزنا فلا نسب له ولا یرثه الزانی ولا التی ولدته ولا أحد من انسابهما، ولا یرثهم هو ومیراثه لولده ومع عدمهم فالامام(علیه السلام)، ویرث الزوج والزوجة نصیبهما الادنی مع الولد والاعلی مع عدمه، وفی روایة ترثه امه ومن یتقرب بها مثل ابن الملاعنة وهی مطرحة).

وکذا قال فی القواعد، وقال فخر المحققین فی ذیل کلامه(قدس سره) المتقدم فی النسب: (اجمع الکل علی أن النسب الشرعی یثبت بالاولین - ای النکاح الصحیح والشبهة - ولا یثبت بالزنا شرعا، لکن یثبت تحریم الوطی تبعا للغة باجماع الامامیة، وهل یحرم النظر اشکال).

الی أن قال: (وأما فی العتق فسیأتی وأما الشهادة والقود وتحریم الحلیلة وغیر ذلک من توابع النسب فمنشأه من ان لفظ الابن مثلا هل نقله الشارع أولا، یحتمل الأول لاشتراطهم ایاه فی لحوق النسب ومن اصالة عدم النقل والمجاز أولی، والاصح عندی انه لا یلحقه شیء من الاحکام غیر التحریم أی تحریم من یحرم علی الانسان نکاحه من جهة النسب وکذلک النظر الیهن، أما تحریم النکاح فلثبوت النسب حقیقة لغة وأما النظر لان الاصل تحریم النظر الی سائر النساء الا من یثبت النسب الشرعی الموجب للتحلیل بینهما ولم یثبت والاصل بقاء ما کان علی ما کان).

وقال فی التذکرة فی کتاب النکاح فی أسباب التحریم فی مسألة البنت المخلوقة من الزنا: (یحرم علی الزانی وطؤها وکذا علی ابنه وأبیه وجده

ص:472


1- (1) شرائع الاسلام، ج4، ص38.

وبالجملة حکمها فی تحریم الوطی فی حکم البنت عن عقد صحیح عند علمائنا أجمع وبه قال أبو حنیفة لقوله تعالی وَ بَناتُکُمْ وحقیقة البنتیة موجودة فیها فان البنت هی المتکونة من منی الرجل، ونفیها عنه شرعا لا یوجب نفیها حقیقة لان المنفی فی الشرع هو تعلق الاحکام الشرعیة من المیراث وشبهه ولانها متخلقة من مائه فی الظاهر فلم یجز له ان یتزوج بها لو وطئها بشبهة).

وقال السید الیزدی فی باب الزکاة من العروة فصل أوصاف المستحقین المسألة 4(1): (لا یعطی ابن الزنا من المؤمنین فضلا عن غیرهم من هذا السهم - أی سهم الفقراء الذی یشترط فیه الایمان - لعدم تبعیته فی النسب لیتبعه فی الحکم بالاسلام والایمان) وهویغایر ما یأتی فی المقام من حکمه بالطهارة إلا ان یحمل علی انه مقتضی الاصل لا التبعیة.

وقال أیضا فی المسألة 23 من الفصل المزبور(2): (یشکل اعطاء الزکاة غیر الهاشمی لمن تولد من الهاشمی بالزنا فالأحوط عدم اعطائه، وکذا الخمس فیقتصر فیه علی زکاة الهاشمی).

واستشکل غیر واحد من المحشین(3) علی الفرع الأول بانه لم یتضح اطلاق یتضمن انتفاء البنوة کی یعوّل علیه فی المقام وانه مبنی علی شرطیة الاسلام والا فلو کان الکفر مانعا فیجوز، وذکروا علی الفرع الثانی بأن دعوی انصراف عموم حرمة الاعطاء عنه غیر ظاهر ونفی ولد الزنا علی نحو یشمل المقام غیر متحصل اذ عدم التوارث أعم، وقاعدة (الولد

ص:473


1- (1) العروة الوثقی مع التعالیق، ج4، ص126. ط جماعة المدرسین بقم.
2- (2) المصدر ص138.
3- (3) کالشیح آقا ضیاء الدین العراقی، وغیره، راجع تعالیق العروة، ج4، ص126-127.

للفراش) قاعدة ظاهریة لا مجال لها فی ظرف العلم بالانتساب.

وقال فی باب الزکاة أیضا فی سهم الفقراء وولد الزنا من المؤمنین کولده من الکافرین لا تبعیة فیه لأحدهما، بناء علی کونها فی النکاح الصحیح فدفع الزکاة الیه حینئذ مبنی علی کون الایمان فعلا أو حکما شرطا فلا یعطی، أو أن الکفر فعلا أو حکما مانع فیعطی.

وقال فی ملحقات العروة فی کتاب الربا مسألة 51(1): (نفی الربا بین الولد والولد): ولا یشمل الولد الرضاعی وان احتمله بعضهم، وفی شموله للولد من الزنا اشکال.

وقال فی کتاب النکاح فی المحرمات بالمصاهرة المسألة (47): (لو کانت الاختان کلتاهما أو احداهما عن الزنا فالأحوط لحوق الحکم من حرمة الجمع بینهما فی النکاح والوطی اذا کانتا مملوکین).

والمعروف عند متأخری العصر ان الاقوی ثبوت النسب لانه لم ترد ولا روایة ضعیفة تنفی النسب عن المولود بالزنا، بل المذکور فیها نفی الارث خاصة وما ورد من قوله صلی الله علیه و آله (الولد للفراش وللعاهر الحجر)(2) ناظر الی مقام الشک وبیان الحکم الظاهری فلا یشمل صورة العلم والجزم بکون الولد للعاهر، فانه حینئذ لا یلحق بصاحب الفراش قطعا، بل مقتضی ما یفهم من مذاق الشارع وظاهر الادلة هو النسب العرفی.

هذا مجمل الکلمات فی الابواب وانما اطلنا نقلها لیتضح حال دعوی

ص:474


1- (1) العروة مع التعالیق، ج6، ص72. مسالة51.
2- (2) ورد هذا المضمون فی روایات عدیدة منها ما فی الوسائل، ج21، ص169وص173. و ج22، ص430. و ج26، ص274 وغیرها.

البداهة أو الضرورة الفقهیة فی نفی النسب شرعا.

تحقیق المسألة:

ینبغی البحث فی مقامین:

الاول: عن مقتضی القاعدة.

الثانی: الأدلة الخاصة الواردة فیها.

المقام الاول: مقتضی القاعدة فهو ترتب الاحکام والاثار المترتبة علی الولد علیه إلا ما أخذ فی موضوعها طهارة النسب وأنه من حلال بقرائن أوأدلة خاصة، وذلک لکون النسب لیس من الأمور الاعتباریة والعناوین الوضعیة المتمحضة فی الاعتبار، بل هو حقیقة خارجیة وهی تکوّن انسان من ماء انسان آخر کما تشهد به الضرورة الوجدانیة والآیات الکریمة أیضا.

بل ان التوالد حقیقة تکوینیة فی الحیوانات والنبات وکذا الجوامد فضلا عن الانسان، والنسب ما هو الا اخبار عن ذلک النشو والتولید التکوینی، وعلی ذلک فلیس النسب حقیقة عرفیة أو لغویة فی أفق الاعتبار العرفی کما قد یلوح من الکلمات المتقدمة بل هو حقیقة خارجیة تکوینیة.

ان قلت: ألیس قد تعارف الناس علی اتخاذ الابناء والتبنی کما یشیر الی ذلک قوله تعالی وَ ما جَعَلَ أَدْعِیاءَکُمْ أَبْناءَکُمْ (1) وکذا نفی الله تعالی عن اتخاذه ابنا أو الملائکة بناتا، ومن الواضح ان الاتخاذ فی کل هذه الموارد اعتباری لا حقیقی تکوینی، وربما یشهد لذلک انتفائه باللعان وثبوته بالاقرار.

ص:475


1- (1) سورة احزاب، الآیة: 4.

قلت: وجود مثل هذا الاعتبار المأخوذ من الوجود التکوینی الحقیقی المماثل له فی المعنی والمغایر له، حیث ان الاعتبار لا وجود حقیقی له بخلاف الثانی لا ینکر، وانما المراد اثباته هو کون هذا المعنی والماهیة سواء من مقولة الاضافة کانت أومن سنخ المفاهیم الوجودیة له وجود حقیقی خارجی لا انه اعتباری فی الاصل.

واعتبار کثیر من المعانی التی لها وجود حقیقی متعارف لدی العقلاء حسب حاجاتهم النظامیة والقانونیة، وأما قوله تعالی فهو یلغی اعتبارهم فی باب النسب ویثبت المعنی التکوینی له، وأما انتفاؤه باللعان وثبوته بالاقرار فهو فی مورد الشک وکإمارة نافیة أو مثبتة لا کسبب ثبوتی للنفی والتحقق کما صرح بذلک الاصحاب فی أحکام الاولاد، واتضح من ذلک أن النسب حقیقة خارجیة لا اعتباریة عرفیة أو شرعیة.

المقام الثانی: الأدلة الخاصة:

اشارة

فقد یستدل علی کون النسب اعتباره شرعیاً بعدة طوائف، جملة منها وردت فی باب الارث وباب أحکام الأولاد وغیرها من الابواب:

الطائفة الأولی:

کصحیحة الحلبی عن أبی عبد الله(علیه السلام): قال أیما رجل وقع علی ولیدة قوم حراما ثم اشتراها فادعی ولدها فانه لا یورث منه شیء، فان رسول الله صلی الله علیه و آله قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر، ولا یورث ولد الزنا الا رجل یدعی ابن ولیدته، وأیما رجل أقر بولده ثم انتفی منه

ص:476

فلیس له ذلک ولا کرامة، یلحق به ولده اذا کان من امرأته أو ولیدته(1).

وتقریب الاستدلال بها: ان الولد مع کونه منه من الزنا، لکن نفی عنه شرعا لقوله صلی الله علیه و آله (الولد للفراش وللعاهر الحجر).

وفیه: ان مورد السؤال هو عن الولیدة المملوکة لقوم آخرین والرجل وقع علیها حراما، فالولد الذی ادعاه مشکوک الانتساب له لا انه یعلم انه له، فهی واردة مورد الشک فی الانتساب، ولذلک قال(علیه السلام) انه لا یورث ولد الزنا إلا رجل یدعی ابن ولیدته، أی الرجل المالک للولیدة فهو یرث ابنها اذا ادعی واقرّ مالکها به لکونه صاحب فراش، فاذا زنی رجل آخر بهذه الأمة واحتمل کون هذا الولد منه وادعی مالکها الولد، فهو یلحق به وإن احتمل انه فی الواقع متولد من الزنا، فالمالک هو الذی یرثه کما فسر بذلک المجلسی(قدس سره) قوله(علیه السلام) (الا رجل یدعی ابن ولیدته).

الطائفة الثانیة:

کروایة علی بن سالم عن یحیی عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی رجل وقع علی ولیدة حراما، ثم اشتراها، فادعی ابنها، قال: فقال: (لا یورث منه، فان رسول الله صلی الله علیه و آله قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر، ولا یورث ولد الزنا الا رجل یدعی ابن ولیدته)(2).

وابن سالم یحتمل أن یکون البطائنی المعروف حیث انه اسم لابن أبی حمزة ویحتمل ان یکون أخ یعقوب وأسباط بنی سالم، وعلی الأول فیحیی هو أبی بصیر ابن أبی القاسم الاسدی.

ص:477


1- (1) الوسائل، ج26، ص274، باب8 من ابواب میراث ولد الملاعنه، ح1.
2- (2) المصدر، ح4.

محتملات (وللعاهر الحجر):

اشارة

وأیا ما کان فدلالة الروایة متحدة مع الروایة المتقدمة فی أن الولد غیر محرز النسبة وموردا للشک، فهو للذی یملک النکاح شرعا المعبر عنه بالفراش، وأن العاهر أی الزانی محجور علیه النسبة للولد فی مورد الشک کما هو أحد محتملات (وللعاهر الحجر) وهو اول المحتملات.

الثانی: انه قد یقال ان قاعدة الولد للفراش وللعاهر الحجر وان ورد تطبیقها فی مورد الشک بأن الولد لمن یملک النکاح الشرعی، وحینئذ یکون معنی وللعاهر الحجر انه لا ینسب للزانی عند الشک، ولکن ظاهر المشهور هو تفسیرها بأن العاهر أی الزانی مطرود ومقطوع عنه الولد مطلقا أی واقعا أیضا، خصوصا وان قوله (علیه السلام) (ولا یورث ولد الزنا) کالصریح فی ولد الزنا الواقعی، والتعبیر بالحجر مستعمل فی القطع والمنع کما فی القول المعروف (حجر محجورا).

الثالث: أن المراد بالعاهر هو الزانی المحصن والحجر هو الرجم وینافیه اطلاق الزانی الأعم من المحصن وغیر المحصن، ولاسیما مع الالتفات الی المقابلة مع نسبة الولد لمالک النکاح شرعا.

الرابع: ان المراد هو عدم المهر للزانیة وأن الحجر کنایة عن ذلک.

وهو ضعیف: اذ الظاهر تطبیق القاعدة منه (علیه السلام) صدرا وذیلا فی مورد السؤال ولم یکن الاستفسار عن المهر.

وعن المجلسی فی البحار(1) انه روی قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی جواب معاویة (وأما ما ذکرت من نفی زیاد فانی لم أنفه بل نفاه رسول

ص:478


1- (1) بحار الانور، ج44، ص115، والخصال، ح1، ص213.

الله صلی الله علیه و آله اذ قال الولد للفراش وللعاهر الحجر).

وأیضا کتب الحسن (علیه السلام) فی جواب زیاد - لما کتب زیاد الیه - من زیاد بن أبی سفیان الی حسن بن فاطمة (علیه السلام) یرید بذلک اهانته (علیه السلام): (من حسن بن فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله الی زیاد بن سمیة، قال رسول الله صلی الله علیه و آله الولد للفراش وللعاهر الحجر) حیث ان سمیة کانت زانیة معروفة فیظهر منها قوة الاحتمال الثانی ان لا نسبة من الزنا فتأمّل.

هذا وقد ورد الاستدلال من الاصحاب علی عدم المهر للزانیة ب--(للعاهر الحجر)، ویمکن توجیهه بأن الطرد والقطع لم یذکر متعلقة الآخر فیعمّ النسب والمهر وغیر ذلک.

وکذلک قد وردت فی عدة روایات فی مقام النزاع علی الولد وانه یلحق بالمالک للنکاح شرعا بشروط اشترطها الاصحاب فی اجرائها من الدخول مضی أقل الحمل، وان لا یکون الوضع أکثر من اکثر الحمل، ولکن ذلک کله من الاستدلال بصدر القاعدة لا عجزها المربوط بما نحن فیه، حتی انه طبقت القاعدة هناک فی موارد النزاع التی لیس فیها زنا، ولیس ذلک الا لأن البحث عن صدر القاعدة مع انه یمکن احتمال معنی آخر للصدر وهوان الولد للفراش بمعنی ان واقع النسبة لمالک النکاح لا للعاهر الزانی، وعلی ایة حال فقد ظهر قوة الاحتمال الاول وعدم تعین الظهور فی الاحتمال الثانی.

الطائفة الثالثة:

کالصحیح عن محمد بن الحسن الاشعری قال: کتب بعض أصحابنا الی

ص:479

أبی جعفر الثانی (علیه السلام) معی، یسأله عن رجل فجر بامرأة ثم انه تزوجها بعد الحمل، فجاءت بولد، هو أشبه خلق الله به، فکتب بخطّه وخاتمه: (الولد لغیة، لا یورث)(1)، وقد رواه الشیخ بطریقین الی محمد بن الحسن الاشعری وکذا الکلینی ورواه الصدوق أیضا بطریقه الیه.

والظاهر ان محمد بن الحسن الاشعری حسن حاله فقد عدّه الشیخ من أصحاب الرضا (علیه السلام)، وقال الوحید فی تعلیقته انه یظهر من غیر واحد من الاخبار کونه وصی سعد بن سعد الاشعری وهو دلیل الاعتماد والوثوق وحسن الحال وظاهر فی العدالة، وفی وجیزة المجلسی قیل ممدوح وله روایات فی میراث الاخوة مع الولد یظهر منها تشیعه.

وهذا لیس موردا للتردید، وروی فی الکافی سؤاله لابی جعفر الثانی(علیه السلام) عن روایة مشایخ الشیعة عن الصادقین وان التقیة کانت شدیدة فکتموا کتبهم فلم تروعنهم فلما ماتوا صارت الکتب الینا فقال(علیه السلام) (حدثوا بها فانها حق ثابت).

ونظیر هذه الروایة صحیحة عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : (اذا رأیتم الرجل لا یبالی ما قال ولا ما قیل له فانه لغیة أو شرک شیطان)(2). وروایة سلیم بن قیس عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) قال: (قال رسول الله صلی الله علیه و آله ان الله حرم الجنة علی کل فحّاش بذی قلیل الحیاء، لا یبالی ما قال ولا ما قیل له فانک ان فتشته لم تجده الا لغیة أو شرک شیطان ... الحدیث)(3).

ص:480


1- (1) الوسائل، باب8، من ابواب میراث ولد الملاعنه، ح2.
2- (2) الکافی، ج2، ص323.
3- (3) المصدر والصفحة.

وأما الدلالة فهی أحسن حال من الروایتین المتقدمتین من حیث مورد السؤال حیث انها عن المرأة الخلیة والتی حملت من الفجور مع الرجل بها، وقد حکم علی الولد بأنه لغیة - بالضم فالسکون - أی باطل ملغی النسب وکالعدم، فالانتساب والولدیة ملغاة فلا یورث.

لکن یمکن ان یضاف بطلان الولد وخیبته الی حظّه وعاقبته، من انه لا یفلح کما ورد فی روایات ابن الزنا وحینئذ لا تدل علی المطلوب.

وهذا کله علی تحریک کلمة لغیة - بضم اللام - لیکون بمعنی الملغی، وإلا فهو یحتمل معنی الخسّة قال فی القاموس (اللغاء کسماء التراب والقماش علی وجه الارض، وکل خسیس یسیر حقیر والغیی کالغنی: الدنی الساقط عن الاعتبار).

وأما علی تحریکها بکسر اللام فیکون المعنی الولد لامرأة غیّة أی زنیة کما فی القاموس (وولد غیّة ویکسر زنیّة) فلا یدل علی المطلوب، وهذا الاحتمال هو الاظهر فی الروایتین الاخریین.

هذا: وتوجد روایات معارضة لبعض مدلول هذه الروایات أی فی ناحیة ارث الام له:

منها: روایة یونس قال: (میراث ولد الزنا لقرابته من قبل امه علی نحو میراث ابن الملاعنة)(1)، وحملها الشیخ علی أنها رأی لیونس، وهو فی محله لعدم اسناده القول للمعصوم ولو علی نحو الضمیر الغائب.

ومنها: ما عن حنان عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال سألته عن رجل فجر بنصرانیة فولدت منه غلاما فأقرّ به ثم مات فلم یترک ولدا غیره أیرثه قال:

ص:481


1- (1) الوسائل، باب8 من ابواب ولد الملاعنة، ح6.

نعم)(1).

ومنها: موثقة حنان بن سدیر قال: (سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل مسلم فجر بامرأة یهودیة فأولدها ثم مات، ولم یدع وارثا، قال: فقال: یسلم لولده المیراث من الیهودیة، قلت: فرجل نصرانی فجر بامرأة مسلمة، فأولدها غلاما، ثم مات النصرانی وترک مالا، لمن یکون میراثه؟ قال یکون میراثه لابنه من المسلمة)(2).

وفی هذه الروایة عدة دلالات منها تحقق الانتساب لاطلاقه (علیه السلام) البنوة علیه بالاضافة الی الاب والام وتبعیته فی الملة للوالدین وان کان من زنا، وتبعیته لا شرف الابوین فی الملة، وارث ابن الزنا من أبیه النصرانی اما لقاعدة الالزام أو لقصور دلیل المنع عن هذا الفرض.

ومنها: موثق اسحاق بن عمار عن جعفر عن أبیه (علیه السلام): (ان علیا (علیه السلام) کان یقول: ولد الزنا وابن الملاعنة ترثه امه، وأخواله، واخوته لامه، أو عصبتها)(3).

وقد ذهب الی ارثه من الام ابن الجنید والصدوق والحلبی، ولکن المشهور أعرضوا عنها.

الطائفة الرابعة:

عدة من الروایات المستفیضة فی أن الناس لا یدعون بأسماء آبائهم یوم القیامة إلا الشیعة وقد عقد فی البحار(4) بابا لذلک:

ص:482


1- (1) المصدر، ح7.
2- (2) المصدر، ح8.
3- (3) المصدر، ح9.
4- (4) بجار الانوار، ج7، ص237.

منها: ما عن العلل للصدوق (قدس سره)(1) صحیحة أبی ولاد عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: (ان الله تبارک وتعالی یدعوا الناس یوم القیامة این فلان بن فلانة سترا من الله علیهم).

ومنها: ما عن أمالی الشیخ الطوسی(قدس سره)(2) مسندا عن جابر الجعفی عن الباقر(علیه السلام) عن جابر بن عبد الله(الانصاری) قال: (سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول لعلی(علیه السلام): ألا أسرّک؟

ألا أمنحک؟ ألا أبشرک؟ قال: بلی، قال: انی خلقت أنا وأنت من طینة واحدة وفضلت منها فضلة فخلق منها شیعتنا فاذا کان یوم القیامة دعی الناس بأسماء أمهاتهم سوی شیعتنا فانهم یدعون بأسماء آبائهم لطیب مولدهم).

ومنها: روایة المحاسن مثل صحیحة أبی ولّاد الا انه فیها تعلیل استثناء الشیعة (وذلک ان لیس فیهم عهر)(3) وکذلک روایتی بشارة المصطفی الا ان فی احداها التعلیل (لطیب موالیدهم)، وغیرها من الروایات.

والمترآی بدوا منها نفی النسبة ولکن امعان النظر یقتضی بخلافه وذلک لعدم نفی النسبة من طرف الام ولا قائل بالتفصیل، وأیضا التعلیل بطیب المولد یعطی ان ما عداهم خبیث مولدهم لا أن الولادة والتوالد التکوینی منفی.

ومنه یظهر العلة فی عدم تسمیة غیرهم بأسماء آبائهم هو حصول

ص:483


1- (1) علل الشرائع، ج2، ص564. بحار الانوار، ح7، ص238.
2- (2) بحار الانوار، ج7، ص237. امالی الطوسی، ص456.
3- (3) بحار الانوار، ج7، ص240.

العار علیهم حیث ینکشف ان النسب من طرف الاب هو غیر ما کان یعرف به فی النشأة الاولی.

الطائفة الخامسة:

ما ورد مستفیضا فی علّة تحلیل الخمس واباحته للشیعة لتطیب ولادتهم وأن ما عداهم هالک فی بطنه وفرجه، وفی بعضها لتطیب موالیدهم ولا یکون أولادهم أولاد حرام وأن ما عداهم أولاد بغایا(1).

مثل ما فی تحف العقول فی کلام الکاظم (علیه السلام) مع الرشید - فی حدیث طویل - قال هارون: من أین قلتم الانسان یدخله الفساد من قبل النساء ومن قبل الآباء لحال الخمس الذی لم یدفع الی أهله؟ فقال موسی (علیه السلام) (هذه مسألة ما سأل عنها أحد من السلاطین غیرک - یا أمیر المؤمنین - ولا تیم ولا عدی ولا بنو أمیة ولا سئل عنها أحد من آبائی فلا تکشفنیها).

والتقریب لدلالتها ما مرّ والخدشة کذلک، بل ههنا قد فرض آباء وأبناء ولکن من حرام، وکذا التعلیل کما فی بعضها لیزکوا أولادهم (أی الشیعة) فیکون المقابل لهم خبث أولادهم وعدم طهارة المولد.

الطائفة السادسة:

الاستدلال بالروایات الواردة فی کفره کالتی وردت فی نجاسته وفی عدم تصدیه للمناصب المشترط فیها العدالة وفی ان دیته کدیة الکتابی وفی عدم دخوله الجنة، وعلی هذا فلا تبعیة لوالده المسلم الذی تولد منه وانتفاء

ص:484


1- (1) الوسائل، ابواب الانفال باب 4.

التبعیة انتفاء للولدیة والنسب.

وفیه: ان الاستدلال لکفره بما تقدم مخدوش لأعمیة تلک الاحکام من الکفر، مع أن بعضها محلّ تأمل واعراض من المشهور کالحکم الاول والثالث، ولو سلم الکفر وعدم التبعیة فهو أعم أیضا من انتفاء الولدیة والنسب، فلعلها مترتبة علی طیب الولادة لا مطلق الولادة.

الطائفة السابعة:

ما ورد من اجتناب الرضاع منه(1)، مما یدل علی نجاسته وعدم تبعیته الکاشف عن انتفاء الولدیة والنسب.

وفیه: مضافا الی ما تقدم فی الجواب عن الطائفة السادسة، ان النهی عن الارتضاع منه لیس بکاشف عن النجاسة کما ان جواز الرضاع لیس بکاشف عن الطهارة، فلیس المدار علی ذلک بل لما ینتجه الرضاع من توریث الطباع والاخلاق، کما ورد انه لحمه کلحمة النسب، ولذلک ذکرنا فی نجاسة الکافر ان ما ورد من الاذن فی ارتضاع اهل الکتاب غیر کاشف عن الطهارة لوروده ایضا فی المشرکة علی کراهة فی الصنفین، حیث ان حکمه حکم البواطن کما تقدم فلذا لم یکن النهی عنه لذلک ایضا.

هذا ولو فرض بقاء التردد فی عدم دلالة هذه الروایات علی نفی النسب، أوانه نفی للاحکام الشرعیة المترتبة علیه فی الجملة کما سمعته عن التذکرة، فالمتعین فی الاستظهار هو الثانی وذلک لعدم کون النسب من الامور الاعتباریة والعناوین الوضعیة المتوغلة فی الاعتبار، بل هو حقیقة خارجیة وهی تکون انسان من ماء انسان آخر، کما تشیر الیه الآیات

ص:485


1- (1) الوسائل، ابواب احکام الاولاد باب76، ح6 ،و ح7.

الکریمة والضرورة الوجدانیة.

ولذا تری اجماع الکل علی اجراء أحکام النسب فی النکاح ولیس ذلک الا لوجوده الواقعی، وکذا بعض فتاواهم فی أبواب أخری، فالنفی بتلک القرینة لا بد أن یکون بلحاظ الآثار والاحکام المترتبة علی هذا العنوان، وحینئذ فلیس فیه اطلاق بل هواما بلحاظ الاحکام التی للوالد والنفقة لا الاحکام التی علیه وبضرره کوجوب النفقة ولا الاحکام التی لیست علیه ولا له وغیر ذلک وأما بلحاظ الارث وتوابعه.

والحاصل: ان التمسک فی الابواب المختلفة بعنوان النسب والذی هو امر تکوینی لا اعتباری لا غبار علیه، غایة الامر لا بد من ملاحظة مناسبات الحکم والموضوع العرفیة فی کل باب فقهی ومراعاتها، فمثلا الاحکام التی تنشأ من الاحترام والعنایة الخاصة تختلف مع التی تنشأ من محض التولد، ففی الاولی ربما یکون الارتکاز موجبا لظهور النسب فی الناشیء من الحلال بخلاف الثانی فهو الناشیء من الحلال أو الحرام، أی من مطلق التولد.

فبعض الاحکام بمعونة الارتکازات العرفیة ظاهرة فی ترتبها علی النسب من الحلال وطیب الولادة وبعضها فی الاعم، وهذا بحسب الظهورات المستفادة من الادلة، کما انه ربما تترتب الاحکام بتوسط عنوان علی النسب، فلا بد من ملاحظة مناسبة الواسطة کما مرّ فی مسألة الخمس والزکاة فلاحظ.

فاتضح بذلک:

أن الاشکال من ناحیة الموضوع غیر وارد حیث ان النسب وان خبث تابع للتولد التکوینی لا لطیب الولادة، وأما الاشکال من ناحیة

ص:486

المحمول فقد عرفت مما سبق فی أدلة التبعیة أن العمدة هی الروایات لا الاجماع کی یتمسک بالقدر المتیقن، وقد أخذ فی موضوعها (الولد) وهو صادق حقیقة فی الاعم کما عرفت ولیس من قرائن صارفة له فی النسب الطاهر والطیب الولادة، لاسیما وان هذا الحکم وهو التبعیة فی الکفر لیس من الاحکام الناشئة من الاحترام کی یصرف الی النسب الطاهر دون مطلق النسب.

تبعیات أخری:

1- قاعدة: تبعیة ولد الحلال لا شرف الابوین:

یدل علیها بالخصوص صحیحة عبید بن زرارة المتقدمة عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی الصبی یختار الشرک وهو بین أبویه قال: (لا یترک وذاک اذا کان أحد أبویه نصرانیا)(1).

ومثلها موثقة أبان بن عثمان عن بعض أصحابه عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی الصبی اذا شبّ فاختار النصرانیة وأحد أبویه نصرانی أو مسلمین قال: (لا یترک ولکن یضرب علی الاسلام)(2).

والمراد من (أحد أبویه نصرانی) هو کون الآخر مسلما، وتقریب دلالتهما ان ضرب الصبی علی الاسلام باعتبار ان تنصره أو شرکه ردة عن الاسلام المحکوم به علیه تبعا لأحد أبویه المسلم کما یشهد بذلک عطف صورة کون کلا الابوین مسلما حیث ان القلم مرفوع عنه حتی یبلغ، فهما تدلان علی تبعیة الولد لا شرف الابوین فی الملة.

ص:487


1- (1) الوسائل، ابواب حد المرتد، باب2، ح1.
2- (2) المصدر، ح2.

کما یدل علیه عموما اطلاق معتبرة حفص بن غیاث (اسلامه - أی الاب - اسلام لنفسه ولولده الصغار وهم أحرار)(1)، وکذا خبر زید بن علی (اذا اسلم الأب جرّ الولد الی الاسلام)(2)، حیث انه شامل لصورة بقاء الام علی النصرانیة وبضمیمة عدم القول بالفصل بین هذه الصورة وعکسها یتم المطلوب فافهم.

2-قاعدة تبعیة ابن الزنا لا شرف الابوین:

ثم انه یدل علی التبعیة لا شرف الابوین ولومن الزنا موثق حنان بن سدیر- المتقدم- قال: (سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل مسلم فجر بامرأة یهودیة، فأولدها ثم مات، ولم یدع وارثا، قال: فقال: یسلم لولده المیراث من الیهودیة، قلت: فرجل نصرانی فجر بامرأة مسلمة، فأولدها غلاما، ثم مات النصرانی، وترک مالا، لمن یکون میراثه؟ قال یکون میراثه لابنه من المسلمة)(3).

حیث انه فی الفرض الاول ورث المیت المسلم فیظهر منه الحکم باسلامه بالتبع، وفی الفرض الثانی ورث المیت النصرانی دون بقیة ورثة المیت النصاری للحکم باسلامه تبعا لامه، لکن حملها الشیخ علی الاقرار من المیت به، فإن لم یکن اعراض من المشهور عن العمل بها لکون الوارث ولد الزنا - ولو فی خصوص الفرض - فهو.

کما قد یظهر من الکلینی فی الکافی، ومن قال بتوریثه فی الجملة کما فی

ص:488


1- (1) الوسائل، ابواب جهاد العدو، باب43، ح1.
2- (2) الوسائل، ابواب العتق، باب70.
3- (3) الوسائل، ابواب میراث ولد الملاعنة، باب8، ح8.

طرف الام، وإلا فیبتنی العمل بها علی بقاء حجیة الدلالة الالتزامیة بعد سقوط المطابقیة عن الحجیة فتدبر وتأمل.

ولا یخفی ان البحث عن التبعیة أعم من البحث عن طهارة بدنه فلا یتحد البحث مع المسألة الاتیة عن طهارة ابن الزنا.

3- للتبعیة الولد البالغ مجنونا:

الظاهر عموم التبعیة له بشهادة الحکم علی انه منهم فی کتاب الجهاد، کما ورد من سقوط الجزیة(1) عنه المبتنی علی کونه منهم، وکذا فی النکاح والارث، وکذا الارتداد کما لو فرض جنونه منذ الولادة حتی البلوغ ثم أفاق واسلم وارتد فهو عن ملّة وقد تقدم ان صدق العنوان فی باب لیس من جهة التنزیل بلحاظ الآثار بل من الحکم بالموضوع.

4- ما لو بلغ عاقلا وکان فی فسحة النظر ثم جن:

فقد ذهب صاحب الجواهر الی طهارته استصحابا لطهارته وقت الفسحة، وقد تقدم فی مسألة انکار الضروری ان السید المرتضی ذهب الی کفر الشاک فی زمن المهملة للنظر، وأن الشهید الثانی ذهب الی الحکم بتبعیته کالصبی والمجنون، والصحیح ما ذهب الیه المرتضی ولا منافاة بین الحکم بکفره ومعذوریته، لان الکفر کما تقدم عدم الاقرار بالشهادتین، نعم من أقر بهما فلا یخرجه الشک عن الاسلام الا الاقرار بالخروج منه وهو الکفر، وهذا لا ینسحب علی من لم یدخل والفرق ظاهر.

وهذا مفاد روایة التمیمی عن الرضا عن آبائه عن علی (علیه السلام) قال:

ص:489


1- (1) الوسائل، باب جهاد العدو، باب51.

(قال النبی صلی الله علیه و آله أمرت ان اقاتل الناس حتی یقولوا لا اله الا الله، فاذا قالوها فقد حرم علیّ دماؤهم وأموالهم)(1).

وموثق مسعدة عن جعفر عن أبیه (علیه السلام) انه قال له: (ان الایمان قد یجوز بالقلب دون اللسان؟ فقال له: ان کان ذلک کما تقول فقد حرم علینا قتال المشرکین وذلک انا لا ندری بزعمک لعل ضمیره الایمان فهذا القول نقض لامتحان النبی صلی الله علیه و آله من کان یجیئه یرید الاسلام وأخذه ایاه بالبیعة وشروطه وشدة التأکید ... الحدیث)(2) وعلی ذلک لا تفترق هذه الصورة عن سابقتها.

5- المسبی من ولد الکفار اذا کان منفردا عن أبویه:

فقد حکی اتفاق العامة علی انقطاع تبعیته السابقة وحدوث التبعیة للسابی، وقد اختاره جماعة من القدماء منا، وتوقف فیه المحقق، واختار جماعة من المتأخرین بقاء التبعیة السابقة ولعله الاقوی نظرا لعموم أدلة التبعیة المتقدمة وانها بمعنی الولادة لا المصاحبة والعشرة کما تقدم، واختار جماعة من متأخری الاعصار الطهارة للاصل للشک فی بقاء التبعیة السابقة مع عدم البناء علی عموم نجاسة الکافر.

نعم قد یظهر من صحیحة رفاعة النخاس تبدل التبعیة، قال قلت لأبی الحسن موسی (علیه السلام) ان القوم یغیرون علی الصقالیة والنوبة فیسرقون أولادهم من الجواری والغلمان فیعمدون الی الغلمان فیخصونهم ثم یبعثون الی بغداد الی التجار، فما تری فی شرائهم ونحن نعلم انهم مسروقون انما

ص:490


1- (1) بحار الانوار، ج68، ص242.
2- (2) المصدر، ص241.

أغار علیهم من غیر حرب کانت بینهم؟ فقال لا بأس بشرائهم انما اخرجوهم من دار الشرک الی دار الاسلام)(1)، فان التعبیر بالاخراج من دار الی دار یلوح بذلک إذ هو لبیان ان فی السبی تلک الفائدة فالکون فی دار الاسلام أنفع لهم وهو یقضی بالتبعیة حینئذ.

استطراد: ابن الزنا طاهر أو نجس:

اشارة

ذهب الفقهاء إلی طهارة ابن الزنا خلافا للمحکی عن الصدوق من تحریم سؤره، والمرتضی من کفره، وابن ادریس من دعوی الاجماع علی کفره، وردّه فی المعتبر بعدم تحققه، فالحکم بنجاسته تارة لدعوی کفره واخری لقیام الادلة الخاصة علی ذلک.

نجاسة ابن الزنا لکفره:

واستدل للاول: بما ورد من نجاسته وسیأتی الکلام فی ذلک مع انه من أخذ المدعی فی دلیله.

وبما ورد من عدم صلاحیته للتصدی فی المواضع والمناصب التی اشترط فیها العدالة کالامامة فی الصلاة والشهادة، والقضاء ونحوها.

وفیه: ان عدم الصلاحیة أعم من الکفر والفسق ولذا ذکروا اشتراط طهارة المولد فی تلک المواضع زائدا علی شرطیة العدالة.

وبما ورد: من ان دیته کدیة أهل الکتاب(2)، وحکی عن الثلاثة (قدهم) العمل بمضمونها.

ص:491


1- (1) الوسائل، ابواب جهاد العدو، باب50، ح6.
2- (2) الوسائل، ابواب دیات النفس، باب15.

وفیه: انها معرض عنها بعد الحکم باسلامه.

وبما ورد: من انه لا یدخل الجنة وانه لا خیر فیه ولا فی بشره ولا فی شعره ولا فی لحمه ولا فی دمه ولا فی شیء منه ومن انه لا ینجو(1).

وفیه: ان عدم دخول الجنة أعم من الکفر، بل من التعلیل لذلک بعدم طیب الولادة یظهر عدم کفره کما نبّه علیه صاحب الحدائق.

وأما: الاخبار الاخری فالمحمل لها بما یوافق أصول العدلیة هو بیان جهة اقتضاء الشرّ التی یرثها من خبث ولادته، ولذا ورد ان حب علی(علیه السلام) علامة طیبة الولادة وبغضه علامة خبثها، لکن لا کلیة فی العکس من أن کل من خبث ولادته یبغضه.

ولذلک وردت روایات تخالف هذا الظهور البدوی المترائی من الروایات المزبورة کمصححة ابن أبی یعفور قال: (قال أبوعبد الله(علیه السلام) ان ولد الزنا یستعمل، ان عمل خیرا جزی به، وان عمل شرا جزی به)(2).

وصحیح أیوب بن حر عن أبی بکر (ولعله الحضرمی الثقة) قال: (کنّا عنده ومعنا عبد الله بن عجلان فقال عبد الله بن عجلان ومعنا رجل یعرف ما نعرف ویقال: انه ولد زناء، فقال: ما تقول؟ فقلت: ان ذلک لیقال له، فقال: ان کان ذلک کذلک بنی له بیت فی النار من صدر یردّ عنه وهج جهنم ویؤتی برزقه)(3)، والمراد بصدر جهنم اعلاها أوانه مصحّف صبر أی الجمد کما نبّه علیه المجلسی (قدس سره).

ص:492


1- (1) بحار الانوار، ج5، ص285.
2- (2) المصدر، ص287.
3- (3) المصدر والصفحة.

فالصحیح:

هو عموم ما دل علی تحقق الاسلام من المقرّ بالشهادتین کما تقدم تقریبه فی اسلام الصبی الممیز، ولعل ما ورد مما قد ینافی ذلک ناظر الی مراتب الایمان العلیا کما هو معهود فی الاستعمال الشرعی، ویعضد ذلک قبول اسلام العدید من هذا الصنف المعروفین فی صدر الاسلام، وقد ادعی الشیخ کما عن الخلاف الاجماع علی وجوب تغسیله والصلاة علیه.

الروایات الخاصة فی نجاسة ابن الزنا:

وأما الثانی: وهی نجاسته بالروایات الخاصة.

فقد استدل بمرسل الو شاء عمن ذکره عن أبی عبد الله(علیه السلام) انه کره سؤر ولد الزنا، وسؤر الیهودی والنصرانی والمشرک، وکل ما خالف الاسلام ... الحدیث(1) حیث انه ذکر فی سیاق الکفار والناصب المعین لارادة الحرمة من الکراهة کما فی کثیر من الاستعمالات الروائیة.

وروایة حمزة بن أحمد عن أبی الحسن الاول (علیه السلام) (ولا تغتسل من البئر التی یجتمع فیها ماء الحمام، فانه یسیل فیها ما یغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البیت وهو شرهم)(2)، فانه توسط النهی عن غسالته بین الجنب والناصب، اذ الاول نجاسة غسالته بلحاظ خبث المنی أیضا، والشریة فی روایات غسالة الحمام بمعنی النجاسة بقرینة عدّ الکلب فی بعضها والانجسیة فی بعض آخر.

وأما اشتمال بعض الروایات کروایة علی بن الحکم علی التعلیل بأن

ص:493


1- (1) الوسائل، باب ؟؟؟، باب3، ح2.
2- (2) الوسائل ابواب الماء المضاف والمستعمل، باب11، ح1.

فیه الغسالة من الزنا فی سیاق غسالة ابن الزنا، فغیر مضر اذ بناء علی نجاسة عرق الجنب من الحرام یکون بدن الزانی متنجس بعرقه فتنفعل الغسالة لاجل ذلک.

وأما مصحح ابن أبی یعفور المشتمل علی التعلیل للنهی عن غسالته بانه لا یطهر الی سبعة آباء فلیس بقرینة علی التنزه بعد کون ما یتولد من ظهره لیس بنجس، وذلک لان جعل غایة التطهیر الی سبعة ظاهر فی تخفف النجاسة والخباثة بالتدریج حتی تزول الی سبعة، فعدم اشتراک البقیة معه فی الحکم لا ینافی التعلیل، مع ان التعلیل من قبیل الحکمة.

وروایة العلل بسنده عن محمد بن سلیمان الدیلمی عن أبیه رفعه الی الصادق(علیه السلام) فیه (أنت رّ الثلاثة أذنب والداک فنبت علیهما وأنت رجس، ولن یدخل الجنة الا طاهر)(1)، لکن الظاهر أن المراد من الرجس هومرتبة تترتب علیها مثل هذا الحکم الاخروی فی مقابل الطهارة بتلک المرتبة، ولعل من ذلک مع ما سبق من التعلیل بانه لا یطهر الی سبعة آباء مع ما فی ذکر الآباء من اجمال إذ لعلها مصحفة (أبناء) الظاهر فی قذارة خاصة لا الاصطلاحیة وان ترتب علیها درجة من انفعال الماء بحدّ الکراهة کما فی سؤر الحائض کما تقدم فی الآسئار.

مع ما تقدم من حکایة الاجماع عن الشیخ علی وجوب تغسیله، وملازمة قبول اسلامه للطهارة کان الاقوی طهارته وان ثبتت له درجة من القذارة الشرعیة التنزیهیة الشدیدة لاقترانه فی السیاق مع الاسئار النجسة.

ص:494


1- (1) بحار الانوار، ج5، ص287.

قاعدة عدم صحة عبادات الکافر والمخالف

اشارة

ص:495

ص:496

من القواعد العقائدیة المتصلة بأبواب العبادات عدم صحة عبادات الکافر والمخالف

اشارة

المشهور و المعروف بین الفقهاء عدم صحة عبادة الکافر واستدلوا علیه بالقاعدة المعروفة أنّ العبادة لا تصحّ من الکافر.

أدلة القاعدة:

اشارة

ویستدلّ لهذه القاعدة بوجوه:

الوجه الأوّل: عدم إمکان تمشّی قصد القربة منه و الإتیان بداعی الأمر فلا تقع منه عبادة ومحصّل هذا الوجه دعوی الامتناع فی مرحلة الوقوع.

وأجیب عنه: بأنّه لیس مطلق الکافر ملحدا بالتوحید، فمثل أهل الکتاب والفرق المنتحلة للإسلام ممّا قد حکم بکفرها کالنواصب والخوارج یتأتّی منهم داعویة قصد الأمر، لکنّک ستعرف تمامیة هذا الوجه وعدم ورود هذا الإشکال وإن اشتهر عند متأخّری المتأخّرین.

الوجه الثانی: عدم حسن الفعل منه من حیث الاصدار وصدور الفعل عقلا، وهو شرط فی صحّة العبادة؛ إذ لا یکفی فیها الحسن الذاتی للفعل، بل لا بدّ من الحسن فی جهة الصدور، حیث أنّ العبادة تتقوّم بالنیّة،

ص:497

کما أنّ مقتضاها طوعانیة المکلّف لمولاه وکون ما یأتی به مقتضی للزلفی إلیه. هذا من جهة الکبری.

أمّا انتفاؤها صغرویا وعدم تحقّق الشرط فی عبادة الکافر فیقرب أمّا بأنّ وصف الکفر والجحود والعناد یضادد تحقّق الطوعانیة والانقیاد اللازم فی حیثیّة صدور الفعل ومن ثمّ لا تکون جهة صدور الفعل حسنة عقلا.

وإمّا یقرّب: بأنّ الامتثال لا عن حجّة ومحرز معذر ومن دون امارة منصوبة من قبل المعبود ولو بحکم العقل، یستلزم عدم تحقّق الانقیاد التامّ فی الفعل الصادر، و إن کان الفعل فی نفسه مطابقا للمأمور به فی الواقع، أی أنّ بدون الحجّة المحرزة لمحبوب المولی لا یکون هناک انقیاد تامّ فی صدور الفعل.

و هذا نظیر ما التزم به المیرزا النائینی تبعا للمیرزا القمّی من عدم صحّة عبادة تارک طریقی الاجتهاد والتقلید بما ذکره من تعدّد مراتب الامتثال وعدم تسویغ المرتبة اللاحقة مع إمکان المرتبة السابقة.

هذا وستعرف مزید بیان وعمق لهذا الوجه فی الوجه الروائی.

الوجه الثالث: ما دلّ علی عدم صحّة عبادات المخالف(1)، أی علی شرطیة الولایة فی الصحّة فیدلّ علی بطلان عبادات الکافر حینئذ لفقدان عبادته الشرط المزبور بالأولویّة.

وقد ذهب إلی اشتراط الصحّة جملة من المحدّثین ونسب إلی الشهرة العظیمة.

ص:498


1- (1) عقد صاحب الوسائل باباً عنونه ب-(بطلان العبادة بدون ولایة الائمة والاعتقاد بامامتهم) وذکر فیه تسع عشرة روایة منها عن الامام الباقر(علیه السلام) مخاطباً شیعته (ما لله عز ذکره حاج غیرکم ولایتقبل الا منکم).

وستعرف أنّ فی الروایات الواردة التعرّض لشرطیة الإسلام فی صحّة العبادة أیضا.

کما أنّ الروایات مشتملة علی الإشارة إلی عدّة وجوه للبطلان.

وهی علی ألسنة مختلفة:

اللسان الأول: ما کان نافیا للقبول:

وهی روایات مستفیضة بل متواترة(1) ففی صحیح زرارة: (ما کان له علی الله حقّ فی ثوابه)(2)، و فی صحیح یونس قول أبی عبد الله(علیه السلام) لعبّاد بن کثیر: (اعلم أنّه لا یتقبّل الله منک شیئا حتی تقول قولا عدلا)(3).

وفیها: ما یتقبّل الله منهم، کما فیها الحدیث المعروف: (إنّ أفضل البقاع ما بین الرکن و المقام وأعظمها، ولو أنّ رجلا عمّر ما عمّر نوح فی قومه ألف سنة إلّا خمسین عاماً یصوم النهار و یقوم اللیل فی ذلک المقام ثمّ لقی الله بغیر ولایتنا لم ینفعه ذلک شیئا)(4).

وتقریب الاستدلال فیها إجمالا:

أنّ الظاهر من نفی القبول لیس نفیا للصحّة لتغایرهما وتعدّدهما، کما قد ورد أنّ شارب الخمر لا تقبل منه صلاة أربعین یوما، وکذا عاقّ والدیه، وکذا المرأة المسخطة لزوجها(5)، وکذا أنّ الصلاة التی لا یقبل المصلّی فیها

ص:499


1- (1) حیث تواترت الروایات تواترا اجمالیا فی ذلک.
2- (2) وسائل، ج1، ص119، باب29 ابواب مقدمات العبادات، ح2.
3- (3) المصدر، ح4.
4- (4) المصدر، ح12.
5- (5) الکافی، ج5، ص507، عن ابی عبد الله الصادق (علیه السلام) (ثلاث لا تقبل لهم صلاة ... وامرأة باتت وزوجها علیها ساخط...).

بقلبه علی ربّه لاتقبل(1).

ولکن الصحیح تمامیّة دلالتها بتقریبین:

التقریب الأوّل: بالفرق بین نفی القبول المستند لوصف فی العمل وبین نفی القبول بسبب عمل آخر ذی ماهیة مباینة، فإنّه فی الأوّل دالّ بطبعه علی مانعیّة ذلک الوصف من الصحّة أو فاقدیّته للشرط بخلاف الثانی، فإنّه لا محصّل لاحتمال أخذ ماهیّة فی ماهیّة اخری مباینة، ومن ثمّ بنوا علی دلالة ما ورد فی الریاء علی البطلان مع أنّه بلسان نفی القبول مثل ما فی معتبرة أبی الجارود: (لا یقبل الله عمل مراء)(2) و(من عمل للناس کان ثوابه علی الناس)(3) وإلّا لإنتقض ذلک فی الریاء أیضا.

ولا یتوهّم أنّ استفادة البطلان فی الریاء لارتباط الریاء بالنیّة وشرائط قصد القربة، لا من جهة نفی القبول لوصف مانع فی العمل.

وذلک لأنّ انضمام البطلان فی الریاء لارتباط الریاء بالنیّة وشرائط قصد القربة، لا من جهة نفی القبول لوصف مانع فی العمل.

وذلک لأنّ انضمام داعی الریاء مع داعی القربة لیس إلّا کانضمام الدواعی المباحة مع داعی القربة فی قبول الاجتماع وإمکانه. غایة الأمر أنّ مثل تلک النیّة استفید عدم صحّتها بعدم القبول المدلول علیه فی تلک الروایات.

التقریب الثانی: ما ذکره السیّد الشاهرودی فی التقریرات من أنّ الصحّة مرتبة من مراتب القبول، فالنفی المطلق للقبول - أی نفی مطلق

ص:500


1- (1) مستدرک الوسائل، ج5، ص429. وبحار الانوار، ج81، ص252.
2- (2) وسائل الشیعة، ج1، ص68. بحار الانوار، ج69، ص297.
3- (3) الکافی، ج2، ص293.

القبول - ناف للصحّة أیضا.

أمّا أنّ الصحّة مرتبة من مراتب القبول فلحکم العرف والعقل بما هم عقلاء من أنّ العبد إذا أتی بالمأمور به العبادی صحیحا و کان صحیحا عند مولاه یترتّب علیه الحکم بحصول درجة من الزلفی والقبول عند المولی، وأنّها درجة من الطوعانیة.

هذا و یمکن أن یضمّ إلی ما ذکروه أنّ مقتضی العبادة حیث أنّها الماهیة المأتی بها بلون العبادة، أی الماهیة التی أوجدت بنیّة الخضوع والمتابعة. فالصحّة فی العبادة مشتملة علی الخضوع وهو مرتبة من مراتب القرب والزلفی ففی مطلق القبول نفی للصحّة.

فلا یقاس الصحّة فی العبادات بالصحّة فی التوصّلیات لکون بعض مراتب القبول لازماً ذاتیاً للصحّة فیها بخلافه فی التوصّلیات.

نعم قد یدلّ دلیل خاصّ علی أنّ نفی القبول إذا کان لوصف فی العمل کما فی عدم التوجه أثناء الصلاة بمبطل للعمل، وهذا لا ینافی ما ذکرناه إذ هو لأجل القرینة الخاصّة الدالّة علی عدم انتفاء مطلق القبول، بل انتفاء القرب التامّ حیث علّل بما مضمونه فی المثال بأنّه شدید ولا یطیقه أکثر الناس.

اللسان الثانی: ما دلّ علی وجود النقص فی العمل:

مثل صحیح محمّد بن مسلم عنه(علیه السلام) حیث فیه (فأعمالهم التی یعملونها کرماد اشتدّت به الریح فی یوم عاصف لا یقدرون ممّا کسبوا علی شیء ذلک هو الضلال البعید)(1) فإنّ التمثیل بالرماد فیه عنایة عدم المنفعة

ص:501


1- (1) الکافی، ج1، ص183.

وعدم السلامة وکذلک المشار إلیه فی اسم الإشارة، أمّا حالهم بلحاظ تلک الأعمال أو الأعمال وعلی کلا التقدیرین: فهو دالّ علی أنّ الأعمال قد أتی بها علی غیر الجادة الصائبة لوصف فی ذات العمل نظیر اللسان الذی ورد فی العمل الریائی، وهذا التعبیر متکرّر فی الروایات ونظیر هذا التعبیر ما ورد فی الصحیحة المزبورة أیضا (والله شانیء لأعماله) حیث أنّ الشنئان هو التوصیف بالنقص وإن کان یستعمل بمعنی البغض لملازمته للنفرة من النقص، وعلی التقدیر الثانی أیضا فإنّ منشأ البغض اسند إلی نفس العمل مما یدل علی وجود وصف نقص فی العمل الریائی لا من مثل عدم قبول الصلاة بدون الزکاة.

اللسان الثالث: ما ورد بلسان نفی ماهیّة العمل:

مثل لسان روایة إسماعیل بن نجیح: (الناس سواد وأنتم الحاج)(1) ولسان روایة الکلبی (ما یحجّ أحد للّه غیرکم)(2) وروایة مفضل بن عمر (لیس له صلاة وإن رکع وإن سجد ولا له زکاة ولا حجّ وإنّما ذلک کلّه یکون بمعرفة رجل منّ الله علی خلقه بطاعته)(3).

و دعوی أنّ النفی ههنا - وإن اسند إلی الماهیة - إلّا أنّه فی التقدیر (القبول) بقرینة الروایات الاخر کما فی (لا صلاة لجار المسجد إلّا فی المسجد)(4) مدفوعة بأنّ نفی القبول لو سلم أنّه أعمّ کما هو مبنی المستشکل فلا یعیّن مدلول الأخصّ بل یحمل علی ما یکون أخصّ دلالة لا سیّما و أنّ

ص:502


1- (1) وسائل الشیعة، ج1، ص120، باب29 من ابواب العبادات، ح7.
2- (2) المصدر، ح9.
3- (3) المصدر، ح18.
4- (4) التهذیب، ج1، ص92.

النفی هنا لیس بندبی.

اللسان الرابع: ما دلّ علی أنّ ولایتهم و معرفتهم قید تحقّق العبادة للّه:

مثل مصحّح جابر قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) یقول: (إنّما یعرف الله عزّ وجلّ ویعبده من عرف الله وعرف إمامه منّا أهل البیت، ومن لایعرف الله وما یعرف الإمام منّا أهل البیت فإنّما یعرف ویعبد غیر الله هکذا والله ضلالا)(1).

ونحوه روایات اخری لا حظها فی البحار، ولعلّ هذا اللسان هو أقوی ما ورد حیث إنّه یجعل الولایة نظیر الخلوص قواما فی عبادیة العبادة و النیّة العبادیة، وسیأتی التدلیل بالبیان العقلی علی ذلک فی اللسان اللاحق.

اللسان الخامس: ما قیّد فیه العمل أن یکون بدلالتهم والأخذ عنهم(علیهم السلام).

مثل صحیح زرارة: (لو أنّ رجلا قام لیله و صام ... و لم یعرف ولایة ولیّ الله فیوالیه و یکون جمیع أعماله بدلالته إلیه ما کان له علی الله حقّ فی ثوابه)(2).

ومثل صحیح عبد الحمید بن أبی العلاء عنه (علیه السلام): (فلن یقبل الله لهم عملا ولم یرفع له حسنة حتی یأتوا الله من حیث أمرهم ویتولّوا الإمام الذی امروا بولایته ویدخل من الباب الذی فتحه الله ورسوله لهم)(3).

ومثلها روایة مفضل بن عمر: (وإنّما ذلک کلّه یکون بمعرفة رجل

ص:503


1- (1) وسائل الشیعة، ج1، ص120، ح6.
2- (2) المصدر، ح2.
3- (3) المصدر، ح6.

منّ الله علی خلقه بطاعته وأمر بالأخذ عنه)(1).

ومثلها روایة محمّد بن مسلم عن أحدهما (علیهماالسلام) حیث فیه (إنّ عبدی أتانی من غیر الباب الذی اوتی منه إنّه دعانی وفی قلبه شکّ منک، فلو دعانی حتی ینقطع عنقه وتنتشر أنامله ما استجبت له ... کذلک نحن أهل البیت لا یقبل الله عمل عبد وهو یشکّ فینا)(2).

تقریب دلالة هذا اللسان بالبیان العقلی:

أنّه من الثابت المقرّر فی محلّه من مباحث النفس فی العقلیات أنّ أی عمل هو متفرّع من مبدأ نظری وأنّ العمل نحو متابعة من القوی العمالة للقوی النظریة هذا من جانب.

فمقتضی ذلک أنّ أی عبادة بحدّها الصحیح المرسوم فی التشریع الإلهی لا یمکن إصابتها إلّا بدلالة النبیّ صلی الله علیه و آله والأوصیاء (علیهم السلام) فمن لا یبنی علی وساطتهم - ولو إجمالا لا تفصیلا، ولو رجاء واحتمالا واحتیاطا - فإنّه سوف لن یذعن ولن یبن نظریا علی لزوم تلک الحدود لماهیة العمل العبادی فلن یأت بها، وبالتالی فهناک تلازم بین البناء ولو الرجائی الخوفی الاحتیاطی الذی هو أضعف الإیمان - علی وساطتهم و بین الإتیان بماهیة العمل العبادی بحدودها وهو التلازم الذی بین تفرّع العمل علی النظر کما أنّ النظر قد یتفرّع عن نظر أسبق منه، فمن ثمّ أشیر فی روایات هذا اللسان إلی تفرّع الأخذ عنهم(علیه السلام) والعمل بدلالتهم علی تولیتهم و معرفتهم و یترتّب علی ذلک أنّ ما قد افترض فی الکلمات فی

ص:504


1- (1) المصدر، ح18.
2- (2) مستدرک الوسائل، ج1، ص166.

نظائر المقام من البحث عن صحّة عبادة الکافر وأنّه هل یحصل منه التقرّب أو لا؟ فرض ممتنع فانه مع فرض مجیء الکافر بالعمل العباد علی حدوده المستلزم لاحتماله وساطة النبی الأکرم صلی الله علیه و آله حیث هو الدالّ علی تلک الماهیة، یکون ذلک عین فرض إیمانه و لو بدرجة الخوف الاحتمالی، الباعث له علی الاحتیاط فی العمل هذا بحسب القلب.

وأمّا بحسب القول و المبرز فإنّه یکتفی بما یتلفّظه من الشهادتین إن فرض أنّها صلاة أو یکتفی بمبرزیّة العمل الجارحی العبادی کإنشاء عملی للالتزام بالرسالة علی من بنی علی الاکتفاء بمطلق المبرز فی الإسلام کما هو الحال فی أولاد المسلمین عند البلوغ فإنّه قد اکتفی فیهم بمطلق المبرز العملی الدالّ علی التزامهم بالرسالة.

وهو ینسجم مع عموم تعریف (الإیمان ما وقّرته القلوب و صدّقته الأعمال) أو (إنّه إقرار باللسان وعقد بالقلب وعمل بالأرکان)(1) لو فسّر الاقرار بمطلق المبرز المؤدّی مؤدّی الشهادة والرسالة، ولذلک صحّحوا عبادة المرتدّ إذا تاب لقبول توبته بحسب الواقع وإن لم تقبل بحسب الظاهر ولم یحکم علیه بالإسلام. ولو بنی علی قیدیة الشهادتین اللفظیة فإنّ عمله هذا إنشاء عرفی للإسلام بناء علی ثبوت الواسطة بین الإسلام والکفر کما علیه الشهید الثانی.

وعلی أیّة حال فمع التحفّظ علی فرض الکفر والعناد یمتنع تأتی العبادة منه تقرّبا بحدودها وکذا الحال بنفس التقریب فی ماهیّة العمل

ص:505


1- (1) کما هو مضمون روایة مرویة فی کتب عدیدة منها، الکافی، ج2، ص27. بحار الانوار، ج5، ص32. مستدرک الوسائل، ج11، ص143.

العبادی بحدودها عند ما یأتی بها المخالف للحقّ المسلم بدلالتهم واحتمال وساطتهم (علیهم السلام) حیطة فإنّه نحو من الإیمان بولایتهم (علیهم السلام).

إن قلت: إنّه قد یفرض أنّ الکافر القاصر قد أطلعه أحد الأشخاص علی صورة العبادة من دون أن ینسبها إلی النبیّ صلی الله علیه و آله وکذا المخالف لو أتی بالعبادة علی طبق أحد المذاهب التی قد اتّفقت مطابقة صورة العمل فی فتواه لمذهب الإمامیة فإنّ العمل العبادی حینئذ بحدوده، یکون قد فرض الإتیان به من دون البناء علی وساطة الحجج (علیهم السلام) من العامل و هذا هو محلّ فرض المسألة.

قلت: إنّ هناک جانبا آخر ینضمّ إلی ما قدّمناه فیستوفی شقوق الفرض وهو لزوم الحسن العقلی فی صدور الفعل العبادی؛ إذ فی العبادة لا بدّ من حسنها الفعلی النفسی الذاتی وهو یتمّ بواجدیّتها لحدود الشرائط والأجزاء وهو الجانب الأوّل الذی قدّمناه آنفا.

کما لا بدّ من توفّر الحسن من جهة الصدور لا بمعنی الحسن الفاعلی کصفة من صفات الفاعل بل المراد الحسن الفاعلی فی حیثیّة فاعلیة و إیجاد الفاعل الذی هو عین فعله من جهة نسبة الفعل إلی الفاعل و مع فرض الآتی بالعبادة معاندا أو غر مسلّم لمعبوده فلا یکون فعله العبادی خضوعا و طوعانیة لمولاه.

وبعبارة اخری: إنّ الامتثال للفعل العبادی إن لم یکن بوساطة حجّة معتبرة، أی مع بناء المکلّف علی عدم الاعتماد علی حجّة معتبرة فی فراغ ذمّته، یکون حینئذ قائما مقام المتجرّی غیر الخاضع المستکین المتابع لطاعة مولاه، و من ثمّ استشکل غیر واحد من الأعلام فی عبادة غیر الموالین التارکین لطریق الاجتهاد و التقلید والاحتیاط التامّ. هذا مع الالتفات إلی

ص:506

اختلاف حجّیة الحجج شدّة و ضعفا و سبقا وتأخّرا، کما فی الفرق بین حجّیة النبوّة وحجّیة الإمامة وحجّیة فتوی الفقیه وإلی هذا الجانب الثانی یشیر بعض تعابیر هذا اللسان (حتی یأتی الله من الباب الذی أمره) فإنّ قوام العبادیة به.

إن قلت: هذا فی ما إذا کان الکافر أو المخالف مقصّرا وما ذا لو فرض قاصرا؟

قلت: إن القصور إنّما یستلزم العذر، وقد حرّرنا فی محلّه أنّ الأحکام العقلیة کالأحکام الشرعیة تتعدّد فیها المراحل الإنشائیة والفعلیة والتنجیزیة فغایة قصور القاصر عدم تنجیز القبح الفاعلی أی القبح فی جهة الصدور علیه لا عدم فعلیة ذلک القبح الفاعلی فإنّ من جعل الوسیط بینه وبین مولاه من هو عدوّ المولی الصادّ عنه المتکبّر عنه اللاحظ لنفسه باستقلال المستغنی بنفسه عن باریه تعالی، یکون متابعا حقیقة لذات الواسطة فیکون خاضعا و منصاعا لعدوّ المولی من حیث لا یشعر فهو وإن کان معذورا إلّا أنّه قد أتی بالقبح من جهة الصدور والایجاد الفاعلی وإن کان الفعل هو علی الحدود التی رسمها المولی نظیر ما إذا اعتقد القاصر حسن الریاء فأتی بالعمل ریاءً فإنّ ما أتی به لیس عبادة صحیحة و إن کان معذورا.

ونظیر أیضا ما إذا اعتقد قصورا أنّ فعلا محرّما هو حسن عند المولی فإنّ الفعل لا ینقلب عن قبحه الذاتی وإن کان معذورا. لاسیّما مع شدّة القبح کما هو الحال فی الواسطة و الحجّیة المتّبعة للدلالة علی العبادة فإنّ الواسطة إن لم تمحض فی العبودیة وکانت منصوبة من قبل ربّ العزّة فإنّ المتابعة لتلک الواسطة هی خضوع للکبر الموجود فی تلک الواسطة الذی

ص:507

هو جذر الشرک لدعوی المتکبّر الاستقلال عن الباری تعالی.

فتحصّل من هذا اللسان أنّ العبادة لا بدّ فیها من الحسن الفعلی بأن تکون مأتیاً بها علی حدودها کما أشارت إلیه عدّة من الروایات وأن یکون فیها حسنا من جهة الصدور الفاعلی الذی لا یتحقّق إلّا بمتابعة الحجّة المنصوبة من قبل المولی، کی یکون حینئذ عبادته أی خضوعه وتسلیمه فی خصوص ذلک الفعل تامّا وإلّا فلا تتحقّق العبادیة بل تکون ممزوجة مع الجرأة علی المولی أو متابعة ندّ مزعوم له.

اللسان السادس: ما ورد فی نفی استحقاق الثواب علی العمل:

مثل صحیح زرارة عن أبی جعفر (علیه السلام): (ما کان له علی الله حقّ فی ثوابه ولا کان من أهل الإیمان)(1) حیث أنّ هناک فرقا بین نفی الثواب الفعلی - أی نفی الإثابة الفعلیة و هو معنی عدم القبول الفعلی إجمالا - وبین نفی استحقاق الثواب حیث أنّ الصحیح فی تعریف استحقاق الثواب أنّه تفضّلی من الله بمعنی قابلیة وأهلیة المحلّ للإثابة.

فنفی استحقاق الثواب یلازم نفی الامتثال لأنّ التلازم بنیهما ذاتی وإن لم یکن هناک تلازم ذاتی بین الامتثال و الاثابة الفعلیة لا بمعنی خلف وعد الله لأنّ وعده تعالی بالاثابة الفعلیة مشروط بشرط زائد وهو عدم المجیء بالمحبطات التی اشترطها فی کتابه وعلی لسان نبیّه صلی الله علیه و آله .

فتحصّل: أنّ ولایتهم وولایة النبیّ صلی الله علیه و آله (2) والاقرار برسالته

ص:508


1- (1) وسائل الشیعة، ج1، ص119، باب29 من ابواب العبادات، ح2.
2- (2) هناک روایات کثیرة تدل اخذ ولایته منها ما فی البحار، ج27، ص170، ج43، ص187 و192 و201، وغیرها.

شرط فی صحّة العبادة فلا تصحّ من المخالف ولا الکافر فی فرض فعلیة هذین الوصفین، بلا فرق بین القاصر والمقصّر.

من قواعد باب التکلیف

قاعدة الجبّ الصغیر فی المخالف:

هذا کلّه بالنظر إلی مقتضی الأدلّة الأوّلیة أنّ ما یأتیانه من العبادات صورة باطلة وأمّا لو فرض استبصاره حیث قد وردت الروایات بعدم إعادة المخالف أعماله العبادیة السابقة.

أدلة عدم إعادة المخالف أعماله إذا استبصر:

منها: ما ورد فی صحیحة برید بن معاویة العجلی قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل حجّ وهو لا یعرف هذا الأمر ثمّ منّ الله علیه بمعرفته والدینونة به هل علیه حجّة الإسلام؟ أو قد قضی فریضته؟ فقال: (قد قضی فریضته ولو حجّ لکان أحبّ إلیّ)(1).

قال: وسألته عن رجل حجّ وهو فی بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدیّن ثمّ منّ الله علیه فعرف هذا الأمر یقضی حجّة الإسلام؟ فقال: (یقضی أحبّ إلیّ؟) وقال: (کلّ عمل عمله و هو فی حال نصبه و ضلالته ثمّ منّ الله تعالی علیه وعرفه الولایة فإنّه یؤجر علیه إلّا الزکاة فإنّه یعیدها؛ لأنّه وضعها فی غیر مواضعها؛ لأنّها لأهل الولایة، وأمّا الصلاة والحجّ والصیام فلیس علیه قضاء)(2).

ص:509


1- (1) وسائل الشیعة، ج11، ص61. نقل هذا المقطع من الحدیث.
2- (2) تهذیب الاحکام، ج5، ص10، نقل الحدیث کاملاً.

وصحیحة الفضلاء عن أبی جعفر وأبی عبدالله(علیهماالسلام) أنّهما قالا فی الرجل یکون فی بعض هذه الأهواء الحروریة والمرجئة والعثمانیة والقدریة ثمّ یتوب ویعرف هذا الأمر ویحسن رأیه أیعید کلّ صلاة صلّاها أو صوم أو زکاة أو حجّ أو لیس علیه إعادة شیء من ذلک؟ قال: (لیس علیه إعادة شیء من ذلک غیر الزکاة لا بدّ أن یؤدّیها لأنّه وضع الزکاة فی غیر موضعها و إنّما موضعها أهل الولایة)(1).

ومثلهما صحیح ابن اذینة(2) وغیرها من الروایات.

وهنا جهات من البحث:

الجهة الأولی: إنّ مفادها نفی الإعادة والقضاء وکتابة الأجر والثواب علی أعماله السابقة، ولکن هل هو من باب صحّة ما سبق أو التفضّل بالثواب مع عدم صحّته.

وجهان: تظهر الثمرة فی الأعمال اللاحقة و الآثار المترتّبة علی الوجود الصحیح السابق. فعلی الأوّل تترتّب و علی الثانی لا، فلا بدّ من إعادته کما لو توضّأ بوضوء أهل الخلاف أو اغتسل ثمّ استبصر فعلی الثانی لا بدّ من إعادة الوضوء للصلاة وإن کتب له الأجر علی الوضوء السابق.

نعم قد یقال بالتفصیل علی القول الثانی، ففی الأعمال اللاحقة التی اشترط فیها وجود العمل السابق کالعصر المشروط فیها الظهر، فإنّه لا إعادة لإطلاق نفی الإعادة فی الروایات، وأمّا فی الآثار الأخری اللاحقة

ص:510


1- (1) الکافی، ج3، ص545.
2- (2) المصدر، ص546.

التی لا یلزم بالإتیان بها فلا تترتّب.

وقد یدلّل علی القول الثانی بما رواه الشهید فی الذکری نقلا من کتاب الرحمة لسعد بن عبدالله مسندا عن رجال الأصحاب عن عمّار الساباطی قال: قال سلیمان بن خالد لأبی عبد الله(علیه السلام) وأنا جالس، إنّی منذ عرفت هذا الأمر اصلّی فی کلّ یوم صلاتین، أقضی ما فاتنی قبل معرفتی، قال: (لا تفعل فإنّ الحال التی کنت علیها أعظم من ترک ما ترکت من الصلاة)(1) ورواها الکشّی بإسناده المتّصل إلی عمّار الساباطی(2).

الجهة الثانیة: أنّ الظاهر انصراف هذه العمومات لنفی القضاء الاصطلاحی و إن کانت لفظة (القضاء) فی الروایات تستعمل فی الأعمّ من الأداء والقضاء إلّا أنّه فی المقام حیث أنّ محطّ السؤال هو علی ما تقدّم من أعمال فی عمره الذی مضی تکون قرینة علی ما قد انقضی وقته فالعمل فیها قد قیّد بکونه فی حال نصبه ب--(ثمّ منّ الله علیه) وطبیعة هذا القید متراخی الوجود.

وبعبارة أخری: أنّ الإطلاق حیث أنّه قیّد بهذا القید الذی هو لا أقلّ مجمل من حیث الوقوع دفعة أو التراخی ففی مثل الوضوء لا بدّ من إعادته لبقاء وقت الصلوات اللاحقة وکذا الغسل.

الجهة الثالثة: أنّ الظاهر شمول القاعدة للکافر المنتحل للإسلام کالناصبی والخارجی والمجسّم والمشبّه، کما تشمل المخالف المحکوم بإسلامه الظاهری وهل تشمل المرتدّ أو الکافر الأصلی فی العبادات التی

ص:511


1- (1) وسائل الشیعة، ج1، ص127.
2- (2) رجال الکشی، ص361، ما روی فی سلیمان ...

أتیا بها؟ ذهب الجواهر إلی عمومها فی المرتدّ، ولعلّ وجهه أنّ هذه الفروق المذکورة فی الروایات من الناصبی ونحوه کفرها من باب الارتداد.

أمّا الکافر الأصلی فلا مقتضی فی الدلالة للشمول بعد کون محطّ الأسئلة والأجوبة فی استبصار من کان من الطوائف الإسلامیة وأنّ الکافر الأصلی له حدیث الجبّ الکبیر.

الجهة الرابعة: هل تقیّد الصحّة أو عدم الإعادة بما إذا لم یخل بما هو رکن عندنا أو بما هو رکن عندهم؟

وبعبارة اخری: أنّ لعمله صورا فتارة یأتی بالعمل بما هو صحیح عندهم ولیس بصحیح عندنا للاخلال بالرکن، وتارة یأتی بالصحیح عندنا وإن أخلّ بالرکن عندهم، وثالثة یأتی بما هو لیس صحیحا لا عندنا ولا عندهم.

ظاهر عبارات الأصحاب تقیید الصحّة بما إذا لم یخل بالرکن عندنا إلّا أنّ الجواهر وجماعة حملوا عبارتهم علی خصوصیّة باب الحجّ؛ للاتّفاق فی الأرکان بیننا وبینهم حیث أنّه إذا أخلّ بالرکن عندنا یکون قد أخلّ بالرکن عندهم أیضا، لا أنّه یشترط فی الصحّة عدم الاخلال بالرکن عندنا، کیف وأنّ الأرکان فی بقیّة العبادات یخلّ بها حسب ما هم یأتون بها ولازم ذلک خروج أکثر الموارد من هذه الروایات.

هذا و یحتمل تقییدهم فی المقام بسبب أنّ ما یأتی به العامّة من الحجّ هو الإفراد أو القران ولیس بحجّ التمتّع فیتأمّل حینئذ فی إجزائه عنه بشمول الروایات لاسیّما بالالتفات إلی أنّ حجّ الإفراد أو القران بمجرّده لایجزء عندهم عن العمرة الواجبة.

نعم لن افترض أنّه أتی بالعمرة المفردة أیضا لکان لاحتمال الاجزاء

ص:512

حینئذ مجال لا سیّما و أنّ العامّة فی هذا النصّ یندر أو یقلّ فیهم الآتی بحجّ التمتّع، ومنه یقوی التفصیل فی الحجّ.

أمّا الکلام فی الصور فلا ریب فی تناول الروایات المزبورة فیما لو أتی بالعمل صحیحا عندهم، وکذا لو أتی بالعمل بالصورة الصحیحة عندنا وإن کانت فاسدة عندهم للأولویّة القطعیة، مضافا إلی ما یستفاد من لسان الروایات أنّها فی صدد التصحیح أو نفی الإعادة من جهة الخلل فی التولّی لهم (علیهم السلام)، وإنّما استفید معالجة الخلل فی الشرائط الاخری بدلالة الاقتضاء لا بالمفاد المطابقی، ویشیر إلی ذلک اللسان الوارد فی روایة عمّار الساباطی عنه (علیه السلام) حیث فیها قوله(علیه السلام) لسلیمان بن خالد: (فإنّ الحال التی کنت علیها أعظم من ترک ما ترکت من الصلاة) حیث أنّ المراد ترک شرائطها، وفحواه أولویّة الصحّة مع عدم ترک الشرائط سوی التولّی.

أمّا الصورة الأخیرة: وهی فیما إذا کان فاسدا عندنا وعندهم فقد یقال بانصراف الروایات عنه وأنّه القدر المتیقّن فیها هو ما إذا أتی بالعمل صحیحا عندهم، ولکن الأقوی هو الصحّة وشمول الروایات له أیضا بالالتفات إلی أنّ منشأ توهّم الانصراف هو جعل لسان هذه الروایات نظیر لسان لکلّ قوم نکاح أو لسان الزموهم بما ألزموا به أنفسهم، حیث أنّ موضوع تلک القاعدتین هو الصحیح عندهم، لکن لسان المقام لیس کذلک بل هو مطلق بلفظ کلّ عمل عمله مع افتراض أنّه فاسد و مختلّ أمّا من جهة التولّی أو منه ومن بقیّة الشرائط ولم یؤخذ للصحّة عندهم أی اعتبار فی التصحیح أو نفی الإعادة، وینبّه علی ذلک فرض ما لو صلّی صلاة بوضوئهم مع إخلاله أو نفی الإعادة، وینبّه علی ذلک فرض ما لو صلّی صلاة بوضوئهم مع اخلاله بترک شرط عندهم وهو مانع عندنا

ص:513

فتکون الصلاة فاسدة عندنا لکون الوضوء باطلاً عندنا، وفاسدة عندهم لترکه الشرط مع أنّ ذلک الترک ترک للمانع عندنا فهذه الصلاة أولی بالصحّة فیما لو أتی بها مقرونة بالشرط الذی هو عندهم و مانع عندنا.

الجهة الخامسة: قد استثنی من هذه الروایات خصوص الزکاة، وفی بعضها الآخر الحجّ أیضا، وقد ورد أیضا فیها ما ینفی إعادته.

تحریر التعارض وحله:

قد ورد فی الحج ما یدل علی الاعادة وما ینفیها.

ففی مصحح علی بن مهزیار قال: کتب ابراهیم بن محمد بن عمران الهمدانی الی أبی جعفر(علیه السلام): انی حججت وأنا مخالف وکنت صرورة فدخلت متمتعا بالعمرة الی الحج قال: فکتب إلیّ: (أعد حجّک)(1). و مثلها معتبرة أبی بصیر عن أبی عبدالله(علیه السلام): (لو أن رجلا معسرا أحجه رجل کانت له حجة فان أیسر بعد ذلک کان علیه الحج و کذلک الناصب اذا عرف فعلیه الحج وان کان قد حجّ)(2).

ولکن کلا الروایتین یقابلهما صحیحة برید بن معاویة الدالة علی عدم لزوم الاعادة. و هذه الصحیحة و ان اسقطت لفظة الحج فی طریق الکلینی إلا أن المعتمد ثبتها لأصالة عدم الزیادة.

وکذا روایات أخری معاضدة وان لم تکن معتبرة السند.

مضافا الی أن روایة أبی بصیر لیس مفادها الوجوب حیث أنّ صدرها فی الحج البذلی و لا یلزم فیه الاعادة إلا علی نحو الندب وقد جعل

ص:514


1- (1) الکافی، ج4، ص275.
2- (2) من لایحضره الفقیه، ج2، ص422.

الحکم فیهما واحدا.

وصدر صحیحة برید بن معاویة العجلی(1) قد صرّح فیها بأنها قد قضی حجّة الاسلام وأن الاعادة ندبیة ومثله صحیحة عمر بن أذینة(2).

وبذلک تمّ الکلام فی هذه القاعدة. هذا وعلی ضوء القاعدتین المتقدّمتین یتّضح أنّ إحرام الکافر مع فرض کفره لا یصحّ وإن أسلم فی الأثناء فیجب علیه الإعادة من المیقات مع التمکّن و إلّا یرجع ما أمکنه أو من موضعه علی ما مبین فی بحث المواقیت.

ص:515


1- (1) وسائل، ابواب الحج، باب23، ح1.
2- (2) المصدر، ح2.

ص:516

قاعدة ولایة الأرحام

اشارة

ص:517

ص:518

من قواعد المعاملی ولایة الأرحام

القاعدة فی کلمات الأصحاب:

قال فی مفتاح الکرامة(1) عند قول العلّامة - (والأولی بها - أی الصلاة علی المیت - هو الأولی بالمیراث) - (قال: هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب وظاهرهم انه مجمع علیه)

ثم حکی جملة من الکلمات علی ذلک عن المدارک(2) والمنتهی(3) والمختلف(4) والخلاف(5) والغنیة(6) والمبسوط (7) والسرائر والمحقق(8)

ص:519


1- (1) مفتاح الکرامة، ج4، ص113، الطبعة المحققة.
2- (2) المدارک، ج4، ص155.
3- (3) المنتهی، ج1، ص450.
4- (4) المختلف، ج2، ص304.
5- (5) الخلاف، ج1، مسالة 535.
6- (6) الجوامع الفقهیة، کتاب الطهارة، ص502.
7- (7) المبسوط، ج1، ص183.
8- (8) فی الشرائع، ج1، ص105، فی المعتبر، ج2، ص345.

والشهیدین(1) والمحقق الثانی(2) وغیرهم(3)، وحکی عن جماعة ومنهم التحریر(4) عموم ذلک للأنثی ولکنه حکی عن المصباح(5) للشیخ وکذا الاقتصاد(6) والجامع(7) والمقنعة(8) التقیید بالذکور والرجال بل حکی عدم الخلاف علی أولویة الذکر من الانثی ونقل جملة من کلمات المتأخرین علی ذلک وکذا ابن إدریس والمحقق والمبسوط ثم حکی عن المدارک ان المراد بالأولی بالمیت هو امس الناس رحماً به وعلاقة من غیر اعتبار لجانب الإرث، وحکی(9) عن الکاتب ان الجد اولی من الابن خلافاً للمشهور فانهم اتبعوا طبقات الإرث والأب عندهم أولی من الابن والزوج أولی من کل أحد.

أدلة القاعدة:

أولًا: الآیة الکریمة: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ

ص:520


1- (1) الشهید الاول فی الدروس ، ج1، ص 112. و الشهید الثانی فی المسالک ، ج1، ص 262.
2- (2) جامع المقاصد، ج1، ص 408.
3- (3) کالصیمری فی تلخیص الخلاف، ج1، ص 353. و السبزواری فی کفایة الاحکام ، ص 22. و الاردبیلی فی مجمع الفائدة و البرهان ، ج2، ص 455.
4- (4) المذکور فی التحریر قوله (للمرأة ان تؤم بمثلها جماعه ) و لم یذکر الاجماع علی ذلک (التحریر، ج1، ص 19.
5- (5) مصباح المتهجد، ص 472.
6- (6) الاقتصاد، ص 275.
7- (7) الجامع للشرائع ، ص 120.
8- (8) المقنعة ، ص 232.
9- (9) مختلف الشیعة ، ج2، ص 303.

اَللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُهاجِرِینَ (1) فإن الآیة لا تخص الإرث بل تعمه وغیره.

ثانیاً: جملة من الروایات: منها ما ورد فی الصلاة ففی الصحیح إلی ابن أبی عمیر عن بعض أصحابه عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: (یصلی علی الجنازة أولی الناس بها أو یأمر من یحب)(2).

ومثلها المعتبرة عن ابن أبی نصر عن بعض أصحابنا(3) وصحیح زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: قلت المرأة تؤم النساء، قال: (لا إلا علی المیت إذا لم یکن أحد أولی منها)(4).

ومنها: ما ورد فی الدخول للقبر کصحیح زرارة انه سأل أبا عبد الله(علیه السلام) عن القبر کم یدخله قال: (ذاک إلی الولی إن شاء أدخل وتراً وإن شاء شفعاً)(5).

ومنها: ما ورد فی التغسیل کموثق عمار الساباطی عن أبی عبد الله(علیه السلام) انه سئل .. عن الصبیة تموت ولا تصاب امرأة تغسلها قال: (یغسلها رجل أولی الناس بها)(6) وموثق غیاث بن إبراهیم الرزامی عن جعفر عن أبیه عن علی(علیه السلام) قال: قال أمیر المؤمنین(علیه السلام): (یغسل المیت أولی الناس به أو من یأمره الولی بذلک)(7).

ومنها: ما ورد فی الصوم مما یبین من هو أولی الناس به کصحیح

ص:521


1- (1) سورة الاحزاب، الآیة:6.
2- (2) وسائل الشیعة، ج3، ص115، با ب23 من ابواب صلاة الجنازة، ح1.
3- (3) المصدر، ح2.
4- (4) وسائل الشیعة، ج3، ص117، با ب23 من ابواب الجنائز، ح1. طبعة آل البیت.
5- (5) وسائل الشیعة، ج3، ص184، با ب24 من ابواب الدفن، ح1. طبعة آل البیت.
6- (6) وسائل الشیعة، ج2، ص527، با ب23 من ابواب غسل المیت، ح2. طبعة آل البیت.
7- (7) وسائل الشیعة، ج2، ص535، با ب26 من ابواب غسل المیت، ح1.

حفص بن البختری عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی الرجل یموت وعلیه صلاة أو صیام قال: (یقضی عنه أولی الناس بمیراثه) قلت: فإن کان أولی الناس به امرأة؟ فقال: (لا، إلّا الرجال)(1).

وفیها تصریح بأن الأولی بالمیت هو الأولی المأخوذ موضوعاً فی باب الإرث.

ومثله المعتبرة إلی حماد بن عثمان عمن ذکره عن أبی عبد الله(علیه السلام)(2).

وفی صحیح الصفار قال: کتب إلی الأخیر(علیه السلام) رجل مات وعلیه قضاء من شهر رمضان عشرة أیام وله ولیان، هل یجوز لهما أن یقضیا عنه. جمیعاً خمسة أیام أحد الولیین وخمسة أیام الآخر؟ فوقع(علیه السلام) (یقضی عنه أکبر ولییه عشرة أیام ولاءً إن شاء الله)(3).

وفیه تصریح بتعدد الولی وهو ینطبق علی طبقات موضوع الإرث.

ومنها: ما أورده فی الإرث وان لم یمکن متنه مختصاً بالإرث کصحیح یزید الکناسی عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: ابنک أولی بک من ابن ابنک، وابن ابنک أولی بک من أخیک وقال وأخوک لأبیک وامک أولی بک من أخیک لأبیک وأخوک لأبیک أولی بک. من أخیک لأمک .....(4) واستعرض(علیه السلام) بقیة درجات القرب والبعد فی الرحم. وهی غیر مقیدة بباب الإرث بل فیها بیان عموم الأولویة.

وفی موثق زرارة قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) یقول: وَ لِکُلٍّ جَعَلْنا

ص:522


1- (1) و سائل الشیعة ، ج10، ص 331، با ب 23 من ابواب احکام شهر رمضان ، ح 5.
2- (2) و سائل الشیعة ، ج2، ص 331، با ب 23 من ابواب احکام شهر رمضان ، ح 6.
3- (3) و سائل الشیعة ، ج10، ص 330، با ب 23 من ابواب احکام شهر رمضان ، ح 3.
4- (4) و سائل الشیعة ، ج26، ص 63، با ب 1 من ابواب موجبات الارث، ح 2.

مَوالِیَ مِمّا تَرَکَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ قال: انما عنی بذلک: أولی الأرحام فی المواریث، ولم یعنی أولیاء النعم، فأولاهم بالمیت أقربهم إلیه من الرحم التی تجره إلیها(1).

هذا مضافاً إلی ما ورد من التعبیر- بولی المیت أولی الشخص به ولو کان حیاً- فی الأبواب المختلفة کما فی باب الدین (ولی المیت یقضی دینه)، والوصیة والنکاح (الذی بیده عقدة النکاح هو ولی أمرها)، والطلاق والحدود والدیات والزکاة وغیرها.

ثم ان المحصل من مفاد الأدلة من ناحیة الموضوع هو الامس رحماً والأقرب، وهو الذی أخذ موضوعاً فی أحکام الإرث.

وأما من ناحیة المحمول فهذه الولایة بین الأرحام تعنی أخصیة الرحم بشؤون رحمه سواء کانت بمعنی التکافل والخدمة علیه أو الناظریة والقیمومة أو الوراثة کل باب بحسبه، فهو وإن کان مفاداً مجملًا من هذه الناحیة إلّا أن ذلک یثمر فی الأبواب حیث یکون نمط الولایة مبیناً ماهیة بحسب أدلة ذلک الباب إلّا انه مجهول من یختص به فتکون هذه الأدلة مبینة لصاحب الاختصاص وهو الرحم.

عموم القاعدة والإشکالات:

أولاً: ما ذکره صاحب الجواهر من ان حکمة الإرث لعلها مبتنیة علی غیر الأولویة والرحمیة فإن الجد أقرب من ولد الولد ومع ذلک لا یرث معه، کما هو الحال فی عدم کون الأکثر نصیباً أقرب. فکیف یراعی ما فی الإرث من طبقات.

ص:523


1- (1) وسائل الشیعة، ج26، ص63، با ب1 من ابواب غسل المیت، ح1.

ثانیاً: إن الآیات فی أولی الارحام واردة فی الإرث فلا عموم ولا اطلاق لها إلی غیره من الموارد.

ثالثاً: ان فیما تقدم فی الروایات تخصیص القضاء بالولد الأکبر مع عدم الالتزام بذلک فی الإرث ولا فی جملة من المقامات.

رابعاً: إن تقدیم الذکور یغایر ما علیه مقتضی ولایة الرحم فی الإرث إلّا علی القول بالتعصیب.

ویرد الأول: بأن الأقربیة من جهة الآداب وتوقیر الکبار لا تنافی الأولویة الحقیّة للطبقة الأولی کما هو الحال فی إرث المال وحق القصاص وغیرها من الحقوق. وکما هو الحال فی أولویة الزوج من العصبة ولکن أهلها یمنعونه تعصباً کما فی صحیح محمد بن مسلم(1) وصحیح عبد الله بن سنان(2)، ولعل السیرة فی الجد مع ولد الولد لکونه قاصراً فی الغالب فی حیاة الجد.

أما الثانی: فورود الآیات فی الإرث لا ینافی عمومها فإن المورد لا یخصص الوارد مع أن لفظ الآیة تکرر فی کل سورتی الأنفال والأحزاب(3) ولم یذکر فیهما إرث المال بل سیاق الأولی فی مورد الولایة فی النصرة والحمایة السیاسة والثانیة فی مورد زعامة وولایة الرسول علی المؤمنین وأنه أولی بهم من أنفسهم مع اطلاق المتعلق المفید للعموم لکل من الإرث وغیره.

هذا مع أن الإرث فی الاستعمال القرآنی یعم الأموال وغیرها من

ص:524


1- (1) وسائل الشیعة، ج2، ص529، با ب24 من ابواب غسل المیت، ح4.
2- (2) وسائل الشیعة، ج2، ص528، با ب23 من ابواب غسل المیت، ح1.
3- (3) سورة الانفال، الآیة:75. وسورة الاحزاب، الآیة: 6.

الأمور الحقوقیة والاعتباریة الأخری، کما فی قوله تعالی علی لسان زکریا(علیه السلام) وَ إِنِّی خِفْتُ الْمَوالِیَ مِنْ وَرائِی وَ کانَتِ امْرَأَتِی عاقِراً فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا، یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ (1) مع أن موردها مواریث الأنبیاء، وکذلک قوله تعالی وَ وَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ وَ قالَ یا أَیُّهَا النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّیْرِ وَ أُوتِینا مِنْ کُلِّ شَیْ ءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِینُ (2) مع أن موردها الخلافة الإلهیة والعطیات والنعم اللدنیة، وقال تعالی فی شأن طالوت حیث تقلد الامامة علی بنی إسرائیل إِنَّ آیَةَ مُلْکِهِ أَنْ یَأْتِیَکُمُ التّابُوتُ فِیهِ سَکِینَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ وَ بَقِیَّةٌ مِمّا تَرَکَ آلُ مُوسی وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِکَةُ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ (3) و(ما ترک) مورده فی الآیة مواریث النبوات، ومنه یظهر العموم فی الآیة الثالثة التی مرّ تفسیره (علیه السلام) لها وَ لِکُلٍّ جَعَلْنا مَوالِیَ مِمّا تَرَکَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ (4) للإرث فی المال وغیره من الحقوق غیر المالیة والصلاحیات الاعتباریة، غایة الأمر أن عموم الآیة فی عموم الأرث وغیره بمنزلة العموم الفوقانی یرد تفصیله وشروط ولایة الرحم لبعضهم البعض فی الأبواب المختلفة بالأدلة الخاصة فی کل باب کما هو الحال فی الرث المالی ان له شروط کاتحاد الملة وموانع کالقتل ونحو ذلک کذلک الحال کلما کان مورد الإرث وولایة الرحم لبعضهم البعض ذا شأن خطیر فإنه تشتد الشروط وانحاء الموانع بحسب تناسب الأمر الموروث فإنه قد یستدعی الطهارة بدرجة العصمة کما یشیر

ص:525


1- (1) سورة مریم، الآیة: 6 5.
2- (2) سورة النحل، الآیة: 16.
3- (3) سورة البقرة، الآیة: 248.
4- (4) سورة النساء، الآیة: 33.

إلیه قوله تعالی: إِنَّ اللّهَ اصْطَفی آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِیمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَی الْعالَمِینَ ، ذُرِّیَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ (1).

فان الوراثة الاصطفائیة فی الذریة الطاهرة والنسل المطهر لا ما هو فی العرف القبلی والعرقی والملوکی.

ویدعم العموم فی الآیات ما فی آیة الخمس(2) وآیة الفیء(3) أن ملکیة التصرف والولایة للخمس والفیء بعد الله تعالی ورسوله أوکلت إلی قربی قرباه صلی الله علیه و آله الدال علی وراثة مقامه(علیه السلام) فی ذلک وکما فی الآیة ولایة أولی الأرحام فی سورة الأحزاب(4).

ومن ثم ورد احتجاج أمیر المؤمنین(علیه السلام) أیام السقیفة علیهم بالإرث، وکذلک احتجاج الصدیقة(علیه السلام) علیهم فی ملکیة التصرف فی الفیء وفدک بآیات الإرث.

الاستشهاد علی العموم بالروایات:

ثم إنه یشهد لعموم ولایة الأرحام لغیر الإرث وما ورد فی جملة من الأبواب:

منها: ما ورد فیمن مات ولم یوص وله صغار وجواری کصحیحة علی ابن رئاب سألت أبا الحسن موسی(علیه السلام) عن رجل بینی وبینه قرابة مات وترک أولاد صغاراً وترک ممالیک له غلماناً وجواری ولم یوص، فما

ص:526


1- (1) سورة آل عمران، الآیة: 34 33.
2- (2) سورة الانفال، الآیة: 41.
3- (3) سورة الحشر، الآیة: 7.
4- (4) سورة الاحزاب، الآیة: 6.

تری فیمن یشتری منهم الجاریة فیتخذها أم ولد؟ وما تری فی بیعهم؟ فقال: إن کان لهم ولی یقوم بأمرهم باع علیهم ونظر لهم کان مأجوراً فیهم، قلت: فما تری فیمن یشتری منهم الجاریة فیتخذها أم ولد؟ قال: لا بأس إذا باع علیهم القیم لهم الناظر فیما یصلحهم، ولیس أن یرجعوا عما صنع القیم لهم الناظر فیما یصلحهم(1).

والروایة وإن لم تکن متعرضة فی أصل السؤال والجواب إلی کیفیة تولیة الولی ومن هو.

إلّا أن فرض السؤال عدم کونه وصیاً کما أنه (علیه السلام) لم یبین فی الجواب تنصیباً منه لذلک الولی بل ظاهر الجواب افتراض وجود الولایة بین الشخص الولی القیم لصغار الورثة وهو ینصرف عرفاً ابتداءً إلی ولایة الأرحام.

ومنها: ما ورد فی طلاق الأخرس: صحیح ابن أبی نصر البزنطی أنه سأل أبا الحسن الرضا (علیه السلام) عن الرجل تکون عنده المرأة یصمت ولا یتکلم، قال: أخرس هو؟ قلت: نعم، ویعلم منه بغض لامراته وکراهة لها، أیجوز أن یطلق عنه ولیه؟ قال: لا، ولکن یکتب ویشهد علی ذلک، الحدیث(2).

ومنها: ما ورد فی طلاق المعتوه کصحیح أبی خالد القماط قال: قلت لأبی عبد الله(علیه السلام) رجل یعرف رأیه مرة وینکر اخری، یجوز طلاق ولیه علیه؟

قال: ماله هو لا یطلق؟ قلت لا یعرف حدّ الطلاق ولا یؤمن علیه إن طلق الیوم أن یقول غداً: لم أطلق، قال: ما أراه إلّا بمنزلة الامام یعنی:

ص:527


1- (1) وسائل الشیعة، ج19، ص422، با ب88 من ابواب الوصایا، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، ج22، ص47، با ب19 من ابواب الوصایا، ح1.

الولی(1) وفی طریق آخر ما أری ولیه إلّابمنزلة السلطان)(2).

وفی صحیح شهاب بن عبد ربه (قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام) المعتوه الذی لا یحسن أن یطلق یطلق عنه ولیه علی السنة)(3). وإطلاق الولی ینصرف إلی القریب فی الرحم الوارث له.

ومنها: ما ورد فی طلاق المفقود.

کصحیح یزید بن معاویة قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن المفقود کیف تصنع امرأته؟.

فقال: ما سکتت عنه وصبرت فخل عنها، وإن هی رفعت أمرها إلی الوالی أجلها أربع سنین، ثم یکتب الصقع الذی فقد فیه فلیسأل عنه، فان خبر عنه صبرت وإن لم یخبر عنه بحیاة حتی تمضی الأربع سنین دعا ولی الزوج المفقود فقیل له: هل للمفقود مال؟ فان کان للمفقود مال أنفق علیها، حتی یعلم حیاته من موته وإن لم یکن له مال قیل للولی: انفق علیها، فإن فعل فلا سبیل لها إلی أن تتزوج ما أنفق علیها، وإن أبی أن ینفق علیها، أجبره الوالی أن یطلق تطلیقه فی استقبال العدة وهی طاهرة فیصیر طلاق الولی طلاق الزوج، الحدیث(4).

ومثلها صحیح الحلبی وفیها (فإن لم ینفق علیها ولیه أو وکیله أمره أن یطلقها)(5).

ص:528


1- (1) وسائل الشیعة، ج22، ص81، با ب34 من ابواب مقدمات الطلاق، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، ج22، ص84، با ب35 من ابواب مقدمات الطلاق، ح1.
3- (3) وسائل الشیعة، ج22، ص84، با ب35 من ابواب مقدمات الطلاق، ح2.
4- (4) وسائل الشیعة، ج22، ص156، با ب23 من ابواب اقسام الطلاق، ح1.
5- (5) وسائل الشیعة، ج22، ص156، با ب23 من ابواب اقسام الطلاق، ح4.

ومثلها صحیح أبی الصباح الکنانی وفیه (وإن لم یکن له ولیّ طلقها السلطان)(1).

وهذه الروایات دالة علی مفروغیة صلاحیة الولی فی التصرف فی أموال المفقود وشؤونه کالطلاق، والولی ینصرف إلی من هو أمس رحماً للوارث.

ومنها: ما ورد فی أموال الیتیم کروایة علی بن المغیرة قال: قلت لأبی عبدالله(علیه السلام): أن لی ابنة أخ یتیمة فربما أهدی له الشیء فآکل منه ثم أطعمها بعد ذلک الشیء من مالی فأقول: یارب هذا بذا فقال(علیه السلام): لا بأس(2).

وهی وإن لم یکن مفادها متعرضاً إلی ولایة ذی الرحم، ولکن الظاهر عدم سبق استئذان من الراوی فی تولیه لشؤون ابنة أخیه ومفروغیة ولایته لها بالرحم.

ولایة السلطان:

ثم إنه مما یدعم ولایة الأرحام لبعضهم البعض ما اشتهر لدی الأصحاب من أن السلطان ولی من لا ولی له أی سلطان العدل وهو نظیر ما ورد من ان الامام(علیه السلام) (وارث من لا وارث له) أی انه بولایته العامة فی الأمور العامة تصل النوبة إلیه(علیه السلام) فی الأمور الخاصة بأحاد العامة فی شؤونهم الشخصیة بعد فقد الوارث الخاص لهم لکنه(علیه السلام) بولایته الأخری وهو کونه أولی بالمؤمنین من أنفسهم ونظیر قوله تعالی: ما کانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَی اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ

ص:529


1- (1) وسائل الشیعة، ج22، ص156، باب23 من ابواب اقسام الطلاق، ح5.
2- (2) وسائل الشیعة، ج17، ص249، باب71 من ابواب ما یکتسب به، ح2.

أَمْرِهِمْ (1) فولایته فی الأمور والشؤون الخاصة مقدمة علی ولایة الأشخاص والورّاث إلّا أن الکلام فی المقام من جهة ولایته العامة، وهذا غیر ولایة الامام(علیه السلام) من جهة اخری حیث أنه أولی بالمؤمنین من أنفسهم وراثة لمقام النبی صلی الله علیه و آله فضلا عن من ینوب عنه، لا سیما بناء علی أدلة الحسبیة لنیابته، حیث أنه تکون أدلة ولایة ذوی الأرحام واردة، إلّافیما یرجع إلی التنازع أو فیما هو معرض ذلک.

ألأدلة المناهضة للعموم:

وقد یستدل بجملة من الروایات الاخری علی ولایة الحاکم فی القصر والأیتام دون ذوی الأرحام کذیل صحیح إسماعیل بن سعد الأشعری قال سألت الرضا(علیه السلام) فی حدیث- عن الرجل یموت بغیر وصیة وله ولد صغار وکبار أیحل شراء شیء من خدمه ومتاعه من غیر أن یتولی القاضی بیع ذلک، فإن تولاه قاضٍ قد تراضوا به ولم یستعمله الخلیفة أیطیب الشراء منه أم لا؟

فقال: إذا کان الأکابر من ولده معه فی البیع فلا بأس إذا رضی الورثة بالبیع، وقام عدل فی ذلک(2).

وصحیح بن یزیع - فی حدیث - فذکرت ذلک لأبی جعفر(علیه السلام) وقلت له: یموت الرجل من أصحابنا ولا یوصی إلی أحد ویخلف جواری فیقیم القاضی رجلًا منا فیبیعهن أو قال: یقوم بذلک رجل منا فیضعف قلبه لأنهن فروج، فما تری فی ذلک؟ قال: فقال: إذا کان القیم به مثلک ومثل

ص:530


1- (1) سورة الاحزاب، الآیة:36.
2- (2) وسائل الشیعة، ج17، ص363، باب16 من ابواب عقد البیع، ح1.

عبد الحمید فلا بأس(1).

ولا یتوهم أن اشتراط رضا الکبار بلحاظ حصتهم فانه لا حاجة لبیانه مضافاً إلی اطلاق الشرط.

وموثق سماعة قال: سألته عن رجل مات وله بنون وبنات صغار کبار من غیر وصیة وله خدم وممالیک وعقد، کیف یصنع الورثة بقسمة ذلک المیراث؟

قال: ان قام رجل ثقة قاسمهم ذلک کله فلا بأس(2).

وصحیح إسماعیل بن سعد قال سألت الرضا(علیه السلام) - فی حدیث - عن الرجل یصحب الرجل فی سفر فیحدث به حدث الموت ولا یدرک الوصیة کیف یصنع بمتاعه وله أولاد صغار وکبار أیجوز أن یدفع متاعه ودوابه إلی ولده الأکابر أو إلی القاضی؟ فان کان فی بلده لیس فیها قاض کیف یصنع؟

فان کان دفع المتاع إلی الأکابر ولم یعلم فذهب فلا یقدر علی رده کیف یصنع؟ قال إذا أدرک الصغار وطلبوا لم یجد بداً من اخراجه إلّا أن یکون بأمر السلطان(3).

حیث إن صحیح إسماعیل بن سعد ذیلًا وصدراً افترض فیها قیام إما العدل أو السلطان بالتصرف المالی وإلّا فلا یکون نافذاً، مع أنه قد افترض وجود الأخوة الکبار للصغار ومثل هذا المفاد موثق سماعة وصحیح ابن بزیع.

ص:531


1- (1) وسائل الشیعة، ج17، ص363، باب16 من ابواب عقد البیع، ح2.
2- (2) وسائل الشیعة، ج19، ص422، باب88 من ابواب الوصایا، ح2.
3- (3) وسائل الشیعة، ج19، ص422، باب88 من ابواب الوصایا، ح3.

ویرد هذا الاستدلال وإن تمسک بها لولایة الحاکم أو عدول المؤمنین:

أن مورد الروایات لیس مجرد التصرف فی أموال الصغار الصبیة بل هو قسمة الترکة وهی من شؤون القاضی ومن ثم یصح فیه قاضی التحکیم کما فرض فی ذیل صحیح إسماعیل بن سعد واشترط فیه العدالة مع انه اشترط أیضاً رضاء الکبار فی بیع الصغار دال علی نظارتهم وولایتهم علی اخوتهم وعدم تفرد العدل فی التصرف للقسمة. وأما ضمان دافع الترکة للکبار إذا طالب الصغار بسهمهم بعد أن یدرکوا، فنظیر ما ورد فی المدین للمیت انه لا یدفع الترکة للورثة إذا علم انهم لا یدفعونها فی دیون المیت. ثم إن مما تقدم ذکره فی محصل مفاد أدلة ولایة ذوی الأرحام أنها محمولًا متعرضة لبیان صاحب الاختصاص والولایة وهو الأقرب رحماً مع عدم بیانها تفصیلًا لماهیة الاختصاص بحسب الموارد، ولا یرد علی هذه القاعدة خروج أو تقیید بعض الموارد لا بحسب القرب المعهود فی باب الإرث نظیر اختصاص قضاء صلاة المیت وصومه بالولد الأکبر، أو اختصاص وجوب النفقة بالعمودین دون کل الأرحام.

خصوصیة الموارد:

أما تقدیم الذکور علی الإناث فی کل طبقة کما ذهب إلیه المشهور فیمکن الاستشهاد له بما یظهر من جملة من الروایات فی أسئلة الرواة وتقریر الأجوبة علی ذلک:

کمعتبرة أبی بصیر عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: سألته عن المرأة تموت مَن أحق أن یصلّی علیها؟ قال: الزوج قلت: الزوج أحق من الأب والأخ

ص:532

والولد؟ قال: نعم(1).

وفی صحیح حفص بن البختری عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی المرأة تموت و معها أخوها وزوجها أیهما یصلّی علیها فقال: أخوها أحق بالصلاة علیها(2).

ومثل حسنة عبد الرحمن بن أبی عبد الله(3) وهما وإن حملتا علی التقیة فی مقابل روایات الباب لکونه مذهب العامة إلّا أن ارتکاز السؤال فی أن المتصدّی هو الذکور مع وجود هم فی الطبقة والتقیید بالطبقة دون مطلق الطبقات مضافاً إلی مراعاة ترتیب الطبقات فی سؤال السائل، مع قصره علی الذکور، دون فرض الإناث فیکون الجواب تقریراً لذلک، ویدل علیه:

صحیح زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: قلت: المرأة تؤم النساء؟ قال: لا إلّا علی المیت إذا لم یکن أحد أولی منها، تقوم وسطهن فی الصف الحدیث(4).

وفی روایتی الحسن بن زیاد الصیقل(5) وجابر(6) التقیید ب--(اذا لم یکن معهن رجل) ومفادهما عین ما تقدم من الروایات من تقدم الذکور. فالصحیحة دالة علی شمول ولایة الأرحام لها، وأنه لا یتقدم علیها من هو متأخر عنها فی الرحم، کما أن ما تقدم من الروایات دالة علی أن تجهیز المیت

ص:533


1- (1) وسائل الشیعة، ج3، ص165، باب24 من ابواب الجنائز، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، ج3، ص166، باب24 من ابواب الجنائز، ح4.
3- (3) وسائل الشیعة، ج3، ص165، باب24 من ابواب الجنائز، ح5.
4- (4) وسائل الشیعة، ج3، ص117، باب25 من ابواب صلاة الجنائز، ح1.
5- (5) وسائل الشیعة، ج3، ص117، باب10 من ابواب صلاة الجنائز، ح2.
6- (6) وسائل الشیعة، ج3، ص117، باب25 من ابواب صلاة الجنائز، ح4.

من شؤون الذکور فهم مقدمون علی الإناث، ولا تخفی حکمته لکون تجهیزه من الصلاة والدفن یستلزم الخلطة مع الرجال مع کونها کلفة تناسب الذکور. هذا مضافاً إلی أن عموم أنه یغسل المیت أو یصلی علیه (أولی الناس به) شامل للمرأة، ویضاف إلی ذلک أن ولایة الذکر لنظارته وتصدیه مباشرة، بخلاف الانثی فانها فی الصلاة والدفن مجرد نظارة مع فرض وجود الرجال ولو الأجانب، فیتبین أن ولایة الذکر أولی وأوسع، لکن مقتضی ذلک أولویة الاناث فی التغسیل والتکفین لأن التصدی لیس من شؤون الرجال الأرحام إذا کان المیت إمرأة، کما وحکی عن الشیخ والحلی وابن فهد وکشف الالتباس.

تقدم ولایة الزوج علی الأرحام:

ثم ان الزوج مقدم علی الرحم بلا خلاف بین الأصحاب، إلّا أنه وقع الخلاف فی جواز تغسیل کل من الزوج والزوجة للآخر اختیاراً أو مجرداً عن الثیاب، ونسب الجواز فی الأول إلی المشهور وعن الشیخ فی التهذیبین والغنیة وحواشی الشهید علی القواعد اشتراط الاضطرار، وعن الذکری ان ظاهر الکثیر من الأصحاب انهما کالمحارم، مع ان ظاهر الأکثر فی المحارم الاختصاص بالضرورة واختار جماعة الجواز فی الثانی واختار جماعة اخری المنع وکونه من وراء الثیاب، وعن الاستبصار وجوب کونه من وراء الثیاب فی تغسیل الرجل لزوجته دون العکس هذا، وأما أولویة الزوج علی الأرحام فقد مر معتبر أبی بصیر وفی روایة اخری (نعم ویغسلها)(1).

ص:534


1- (1) وسائل الشیعة، ج3، ص115، باب24 من ابواب صلاة الجنائز، ح2.

وفی روایة إسحاق بن عمار عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: (الزوج أحق بامرأته حتی یضعها فی قبرها)(1).

وأما صحیح حفص وروایة عبد الرحمن بن أبی عبد الله حیث فیهما تقدیم الأخ علی الزوج فقد حملها الشیخ علی التقیة لموافقتها للعامة حیث انه مذهب الأربعة لما ورد عن عمر فی ذلک. مضافاً إلی ما سیأتی من تقدم الزوج علی المحارم الرجال.

وأما جواز تغسیل کل منهما الآخر اختیاراً، فقد یستدل علی التقیید بالاضطرار بما فی جملة من الروایات من ذکرهما فی سیاق المحارم غیر المماثلین مع تقیید الفرض بعدم المماثل، وتقیید التغسیل بمن وراء الثیاب مما یومئ إلی الاضطرار، کصحیح الحلبی عن أبی عبد الله(علیه السلام) انه سئل عن الرجل یموت ولیس عنده من یغسله إلّا النساء؟ قال: (تغسله امرأته أو ذو قرابته إن کان له، وتصب النساء علیه الماء صباً، وفی المرأة إذا ماتت یدخل زوجها یده تحت قمیصها فیغسلها)(2).

وفی صحیحة الآخر (من وراء الثوب لا ینظر إلی شعرها ولا إلی شیء منها)(3).

وفی خبر أبی بصیر قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): (یغسل الزوج امرأته فی السفر والمرأة زوجها فی السفر إذا لم یکن معهم رجل)(4).

وفی صحیح منصور قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل یخرج

ص:535


1- (1) وسائل الشیعة، ج3، ص116، باب24 من ابواب صلاة الجنائز، ح3.
2- (2) وسائل الشیعة، ج2، ص529، باب24 من ابواب غسل المیت، ح3.
3- (3) وسائل الشیعة، ج2، ص532، باب24 من ابواب غسل المیت، ح11.
4- (4) وسائل الشیعة، ج2، ص؟؟؟، باب24 من ابواب غسل المیت، ح14.

فی السفر ومعه امرأته أیغسلها قال: (نعم وامه واخته ونحو هذا یلقی علی عورتها خرقة)(1) فجعل تغسیل الرجل لامرأته فی سیاق تغسیله لمحارمه.

وما کان من الروایات مطلقاً قابلاً للتقیید بما یفهم من هذه الروایات.

لکن الصحیح عدم التقیید وذلک لافتراق حکم النظر واللمس فیما بین الزوجین وفیما بین المحارم، ولا ریب فی جواز نظر کل منهما للآخر بعد موته کما تدل علیه الروایات والظاهر دوران جواز التغسیل مداره، ویدلّ علی افتراق حکم الزوجین عن المحارم ما فی جملة من الروایات من الترتیب فی جواز التغسیل مقدماً لهما علی المحارم.

کصحیح عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) یقول: إذا مات الرجل مع النساء غسلته امرأته وإن لم تکن امرأته معه غسلته أولاهن به وتلف علی یدیها خرقة(2).

وقریب منه روایة عبد الرحمن بن أبی عبد الله(3) وصحیح الحلبی(4) وروایة زید الشحام(5) وغیرها وکذلک ما دل علی جواز نظر الزوج للآخر والذی هو موضوع جواز التغسیل، کصحیح عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل أیصلح له أن ینظر إلی امرأته حین تموت أو یغسلها إن لم یکن عندها من یغسلها؟ وعن المرأة هل تنظر إلی مثل ذلک من

ص:536


1- (1) وسائل الشیعة، ج2، ص516، باب20 من ابواب غسل المیت، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، ج2، ص518، باب20 من ابواب غسل المیت، ح6.
3- (3) وسائل الشیعة، ج2، ص517، باب20 من ابواب غسل المیت، ح4.
4- (4) وسائل الشیعة، ج2، ص517، باب20 من ابواب غسل المیت، ح3.
5- (5) وسائل الشیعة، ج2، ص518، باب20 من ابواب غسل المیت، ح7.

زوجها حین یموت؟ فقال: لا بأس بذلک، إنما یفعل ذلک أهل المرأة کراهیة أن ینظر زوجها إلی شیء یکرهونه منها(1).

وفی صحیح محمد بن مسلم قال: سألته عن الرجل یغسل امرأته قال نعم إنما یمنعها أهلها تعصباً(2).

والسؤال فی صحیح ابن سنان وإن قید فرضه بعدم وجود المماثل ولکن الجواب یقتضی عدم التقیید حیث بیّن(علیه السلام) أن النظر بینهما جائز وأن أهل المرأة یمنعونه تعصباً، هذا مضافاً إلی ما ورد من تغسیل أمیر المؤمنین(علیه السلام) لفاطمة(علیهم السلام) وما فی روایة المفضل بن عمر من تعلیله(علیه السلام) بأنها صدّیقة لا یغسلها إلّا صدّیق انما ذکر(علیه السلام) ذلک بعد أن استضاق الراوی ذلک، وکأن ما روی عن عمر هو لمخالفة أمیر المؤمنین(علیه السلام).

ومثله ما روی(3) فی موثق إسحاق بن عمار من وصیة علی بن الحسین(علیه السلام) من تغسیل أم ولد له بتغسیله، وهو وإن حمل علی المشارکة مع تغسیل الامام کما فی أسماء بنت عمیس، إلّاان ظاهر الوصیة یقضی بأن هذا أمر مشروع فی الصدر الأول مع وجود المماثل.

ثم ان من ذلک یتضح الحال فی جواز التجرید وإن ما ورد من وراء الثوب محمول إما علی کراهة التجرید أو لدفع استنکار أهل المرأة أو عرف الناس.

ثم ان تقدّم الزوج علی المالک یتضح من ما تقدّم من کونه أحقّ بامرأته وانه یجوز النظر إلیه بنحو یغایر المالک.

ص:537


1- (1) وسائل الشیعة، ج2، ص528، باب24 من ابواب غسل المیت، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، ج2، ص528، باب24 من ابواب غسل المیت، ح4.
3- (3) وسائل الشیعة، ج2، ص535، باب25 من ابواب غسل المیت، ح1.

ثم المالک مقدم علی المحارم لولایته علی مملوکته ولجواز نظره إلیها مطلقاً بخلافهم.

وأما مولی العتق وضامن الجریرة فلعموم ما مرّ أنه یغسل المیت ویصلّی علیه أولی الناس به المفسر فی روایة اخری بأولی الناس بمیراثه.

وأما الحاکم الشرعی وعدول المؤمنین فتصل النوبة إلیهما بعد فقد طبقات الأرث ودعوی أن نیابة الفقیه عن المعصوم(علیه السلام) وعدول المؤمنین عمدة أدلّتها هی الامور الحسبیة وهی إنما تثبت اختصاصه بها فیما کان الأصل فیها الحرمة والمنع لا ما کان الأصل فیها الجواز کما فی المقام حیث ان وجوب تجهیز المیت هو کفائی علیالجمیع والأصل البراءة عن الاشتراط من الاذن.

فیدفعها أن ما نحن فیه من تجهیز المیت من غسل وتکفین وحمل ودفن هی تصرفات فی المیت بل حتی الصلاة علیه حیث انها وإن کانت واجباً کفائیاً إلّا أنها من شؤون المیت الخاصة أیضاً کما دلّت علیه روایات المقام ان أولی الناس به أولاهم بالصلاة علیه، وبعبارة اخری ان مورد الولایات الخاصة مقتضاه ان المتعلق من الشؤون الخاصة.

ص:538

قاعدة أصالة عدم التذکیة

اشارة

ص:539

ص:540

من قواعد الأطعمة والأشربة أصالة عدم التذکیة

اشارة

قال بعض الفقهاء(1): اذا لم یعلم کون حیوان معین انه مأکول اللحم أولا، لا یحکم بنجاسة بوله وروثه وان کان لا یجوز أکل لحمه بمقتضی الأصل(2).

عدم التنافی بین الطهارة الظاهریة والحرمة کذلک اذا کان مستند الحرمة أصالة عدم التذکیة کما فی الشبهة الموضوعیة، وأما إن کان استصحاب الحرمة الثابتة قبل التذکیة فالتنافی حاصل لانه ینقح موضوع النجاسة.

ودعوی: ان الحرمة المزبورة ثابتة للحیوان فی حال الحیاة لعدم وقوع

ص:541


1- (1) العروة الوثقی للسید الیزدی مع تعالیق جمع من العلماء، ح1، ص120.
2- (2) خالف السید الیزدی جمع من العلماء فذهبوا الی عدم الحکم بالنجاسة وجواز الاکل. راجع المصدر السابق.

التذکیة لا لذاته ونفسه فلا یکون استصحابها محرزا لموضوع النجاسة(1).

مدفوعة: بأن الحرمة المستصحبة لیست الثابتة حال الحیاة لعدم وقوع التذکیة وإلا لارتفعت بوقوع التذکیة کما لوعلم قبوله للتذکیة مع أن القائل باستصحابها یجریه فی هذه الصورة، بل المراد بها جامع الحرمة الکلیة المرددة بین الذاتیة والعارضیة لعدم وقوع التذکیة، فتأمل وتدبر.

قسما الشک: والشک فی حلیة أو حرمة أکل لحم الحیوان یفرض کشبهة حکمیة تارة وأخری موضوعیة، وکل منهما مع العلم بقبول التذکیة أو مع الشک فی ذلک.

الشک فی الشبهة الحکمیة:

أما علی الاول: فلا مجری لاصالة عدم التذکیة بعد عدم الشک، وانما الشک فی الحلیة والحرمة وهو مجری لأصالة الحل، نعم علی القول بتعدد القابلیة وانها ذات درجات کما هو مختار الفاضلین (رضی الله عنه) وسیأتی نقل عبارتیهما - فقسم من الحیوانات له قابلیة للتأثر بالتذکیة فی الطهارة فقط، وقسم آخر له قابلیة للتأثر بالتذکیة فی الحلیة أیضا.

وقسم لا قابلیة له أصلا وقسم له قابلیة للتأثر بالتذکیة فی الحلیة فقط کالسمک لکونه طاهرا علی ایة تقدیر- فلا محالة یرجع الشک فی الحلیة الی الشک فی درجة من القابلیة للتذکیة، فیکون مجری لاصالة عدم التذکیة الحاکمة علی أصالة الحل أیضا بذلک اللحاظ حتی أن العلامة کما یأتی فی عبارته- یجعل التذکیة والمیتة تتصادقان فی مورد واحد، کما فی القسم الأول المتقدم فهو میتة بلحاظ الأکل ومذکی بلحاظ الطهارة وانتفاء القذارة.

ولعل ذلک هو الوجه فی ذهاب عدة من المحققین (قدهم) الی حرمة أکل لحم مشکوک الحلیة بإجراء أصالة عدم تذکیته، لکن سیأتی أن أخذ القابلیة فی شرائط التذکیة لا دلیل علیه.

ص:542


1- (1) التنقیح، ج2، ص484، بحوث فی شرح العروة، ج3، ص50.

وقد یستدل: للحرمة فی الفرض باستصحاب الحرمة الثابتة حال الحیاة بعد عدم تبدل الموضوع فی النظر العرفی، کما هوالحال فی استصحاب نجاسة الکلب بعد موته، واستصحاب أحکام الزوجیة بعد موت أحدهما وأن عدم التذکیة حیثیة تعلیلیة نظیر حیثیة التغیر فی نجاسة الماء(1).

وقد یؤید: بأن المجعول لا یتعدد بتعدد الجعل بل بتعدد الموضوع، فلوتوارد جعلان علی موضوع واحد فلا یودی الی تعدد المجعول فی النظر العرفی مادام الموضوع واحد(2).

واشکل: بمنع ثبوت الحرمة حال الحیاة کما لوابتلع السمکة الصغیرة الحیة(3) کما ذهب الیه صاحب الجواهر لعدم دلالة الآیة إِلاّ ما ذَکَّیْتُمْ (4) علی ذلک بعد کون موردها الحیوان الذی زهقت روحه، وکذا ما ورد فی القطع المبانة من الحی لا دلالة له علی حکم الحیوان الحی.

والصحیح: أن الحرمة الثابتة لعدم التذکیة- علی القول بها- تغایر الحرمة الثابتة للذات کما فی ما لا یؤکل لحمه بل لا تجتمع معها فی موضوع، فان أرید تصویر الیقین بجامع الحرمة حال الحیاة بنحو الکلی القسم الثانی المردد بین القصیر والطویل، فالجامع انتزاعی غیر مجعول کی یکون المستصحب أثرا شرعیا أو موضوعاً ذی أثر.

وان ارید استصحاب الفرد فهو من استصحاب الفرد المردد، ودعوی عدم تعدد المجعول لوحدة الموضوع، ممنوعة حیث أنه مضافا الی

ص:543


1- (1) مستمسک العروة الوثقی، ج1، ص244.
2- (2) بحوث فی شرح العروة، ج3، ص51.
3- (3) التنقیح، ج2، ص486.
4- (4) سورة المائدة، الآیة: 3.

تعدد الموضوع أن أمد کل من الحرمتین مختلف مضافا الی اختلاف الآثار الاخری المترتبة علیهما، وهو ضابطة اختلاف المجعول.

وقیاس عدم التذکیة بالتغیر لیس فی محله، حیث أن فی مثال التغیر القید مشکوک أخذه بنحو التعلیل أو التقیید لثبوت الحکم ولا تردید فی الحکم بین حکمین، وأما فیما نحن فیه فهو معلوم انه بنحو التقیید الا ان الشک فی کون الحرمة الثابتة هل هی التی لهذا الحیوان لانطباق الموضوع الأول أم الحرمة الاخری الثابتة لموضوع آخر منطبق علی هذا الحیوان.

أما منع حرمة أکل الحیوان الحی بدون تذکیة فمنظور فیه حیث أن تناوله لا یخلو إما یؤول الی تناول المیتة ولو عند الاستقرار فی الجوف أوالی تناول الخبث، باعتبار أن التذکیة هی بمعنی التنقیة من القذارات الموجودة فی الحیوان من جهة بقاء دمه فی اللحم فی ذی النفس، أو نحو تعفن کما فی ما لا نفس له کالسمک مع کونه نحواستسباع فی بعض الموارد کل ذلک یقرب دلالة الآیة الحاصرة للحلیة بالتذکیة.

والتمثیل بابتلاع السمکة حیة، منظور فیه ان کان وقوع الابتلاء فی الیابسة لانه یکون تذکیة له، هذا وقد ذهب الشیخ فی الخلاف فی کتاب الصید الی حرمة ابتلاعه لحصر إباحته بالموت.

کما یمکن الاستدلال له بقوله تعالی فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَکُلُوا مِنْها (1)، حیث علق جواز الاکل علی سقوطها کنایة عن تحقق النحر، ولا ینافیه ما ورد من جواز قطع بعض أجزاء الذبیحة أو الصید وهی حیة حیث أنه بعد وقوع التذکیة.

ص:544


1- (1) سورة الحج، الآیة: 36.

نعم قد یقال أن الامر بالاکل لیس لبیان جواز الاکل واشتراطه بالنحر، بل للوجوب المترتب علی وجوب النحر فی الحج ..

هذا من جهة الاصل العملی وأما العمومات فهی قاضیة بالحلیة فی الشبهة الحکمیة کقوله تعالی قُلْ لا أَجِدُ فِی ما أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّماً عَلی طاعِمٍ یَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ .. (1)، وقوله تعالی یَسْئَلُونَکَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَکُمُ الطَّیِّباتُ (2)، وهو عام لکل مستطاب فی العرف الا ما خصص بالدلیل.

والقول بأن الطیب فی الآیة ما هو حلال فی الشرع، لا وجه له حیث یلزم أخذ الحکم فی موضوع الحکم نفسه، مضافا الی أن جواب السؤال بذلک إحالة علی المجهول.

وکصحیح زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: کل کلّ شیء من الحیوان غیر الخنزیر والنطیحة والمتردیة وما أکل السبع وهو قول الله عزّ وجلّ إِلاّ ما ذَکَّیْتُمْ (3) فان ادرکت شیئا منها ...(4)، والتقیید للعموم فی الروایة بغیر الخنزیر والنطیحة ونحوها دال علی أن العموم بلحاظ الأنواع وبلحاظ الحالات والعوارض لتلک الانواع والأصناف.

وکذا حال العمومات فی الشبهة الموضوعیة بتنقیح الأصل للعدم الازلی فی المخصص وان کان جریانه فی العناوین الذاتیة موردا للتأمل لعدم امکان التفکیک الی موضوع ومحمول، بل یؤول التفکیک الی الموجود والعنوان، ولیس العنوان بعنوانیته موضوع الاثر کی ینفی بالأصل بل بوجوده.

ص:545


1- (1) سورة الانعام، الآیة: 145.
2- (2) سورة المائدة، الآیة: 4.
3- (3) سورة المائدة، الآیة3.
4- (4) الوسائل، باب11 من ابواب الذبائح، ح1.

الشک فی الشبهة الموضوعیة:

اشارة

وأما التقدیر الثانی: وهو الشک فی قابلیته للتذکیة فالمعروف التمسک بأصالة عدم التذکیة، ولتحقیق جریان هذا الأصل لا بد من تنقیح وجه اعتبار قابلیة المحل للتذکیة ومن ثمّ ماهیة التذکیة هل هی اسم للمسبب الحاصل من أفعال الذبح ونحوه أوهی اسم للأفعال نفسها ثم هل من عموم أو اطلاق حاکم أو وارد.

فهنا ثلاث جهات:

الجهة الأولی: اعتبار قابلیة المحل للتذکیة:

فقد ذکر المحقق فی المعتبر(1) فی وجه حرمة الصلاة فی اجزاء ما لا یؤکل لحمه من السباع والمسوخ: (ولأن خروج الروح من الحی سبب الحکم بموته الذی هوسبب المنع من الانتفاع بالجلد ولا تنهض الذباحة مبیحة ما لم یکن المحل قابلا والا لکانت ذباحة الادمی مطهرة جلده).

قال: (لا یقال هنا الذباحة منهی عنها فیختلف الحکم لذلک لانا نقول ینتقض بذباحة الشاة المغصوبة فانها منهی عن ذباحتها، ثم الذباحة تفید الحل والطهارة وکذا بالالة المغصوبة، فبان ان الذباحة مجردة لا تقتضی زوال حکم الموت ما لم یکن للمذبوح استعداد قبول احکام الذباحة وعند ذلک لا نسلم ان الاستعداد التام موجود فی السباع).

قال: (لا یقال: فلزم المنع من الانتفاع بها فی غیر الصلاة، لأنا نقول: علم جواز استعمالها فی غیر الصلاة بما لیس موجودا فی الصلاة فیثبت لها لهذا الاستعداد لکن لیس تاما تصح معه الصلاة فلا یلزم من الجواز هناک

ص:546


1- (1) المعتبر فی شرح المختصر، ج2، ص80.

لوجود الدلالة الجواز هنا مع عدمها) انتهی، ووافقه العلامة (قدس سره) فی المنتهی.

الا ان الشهید فی الذکری(1) اشکل علیه: (هذا تحکم محض لان الذکاة ان صدقت فیه اخرجته عن المیتة والا لم یجز الانتفاع ولان تمامیة الاستعداد عنده بکونه مأکول اللحم فیختلف عند انتفاء أکل لحمه فلیستند المنع من الصلاة فیه الی عدم أکل لحمه من غیر توسط نقص الذکاة فیه).

وفی کشف اللثام الاجابة عن الاشکال المزبور: (بالالتزام بانها میتة وان وقع علیها الذبح غایة الأمر قد دلت أدلة خاصة علی خروجها حکما عن المیتة فی الانتفاع لا خروجها موضوعا فتبقی بقیة احکام المیتة مترتبة علیها، ویدل علی بقائها موضوعا حصر محرمات الأکل فی الآیة- إِلاّ أَنْ یَکُونَ مَیْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِیرٍ ... (2) - فی المیتة والدم ولحم الخنزیر، وما لا یؤکل لحمه محرم الأکل فیندرج فی المیتة).

قال: (کما یدل علی بقائها موضوعا خبر علی بن أبی حمزة انه سأل الصادق(علیه السلام) عن لباس الفراء والصلاة فیها فقال: لا تصل فیها إلا فیما کان منه ذکیا قال: أولیس الذکی ما ذکی بالحدید فقال: بلی اذا کان مما یؤکل لحمه)(3)، والوجه فی استدلال المحقق بمقتضی القاعدة لا بالنص الخاص فی السباع هو الرجوع الیها فیما اختلفت فیه النصوص کالخز والسنجاب حیث لا یفید فیه عنوان ما لا یؤکل لحمه للتردد فی أکله).

والصحیح: ما افاده الشهید(قدس سره) من کون وقوع الافعال الخاصة

ص:547


1- (1) ذکری الشیعة، ح3، ص33.
2- (2) سورة الانعام، ص145.
3- (3) الوسائل، باب2 من ابواب لباس المصلی،ح2.

موجبا لصدق الذکاة والتذکیة علی الحیوان وأن کان لا یؤکل لحمه وهو الموجب لطهارته، حیث أن طرو الموت مقتضی للنجاسة إلا أن التذکیة مانعة عن ذلک ومبقیة للطهارة الأصلیة للحیوان لا انها محدثة لطهارة جدیدة، ولذلک لا تقع علی الحیوان النجس کالکلب والخنزیر.

وأما عدم صحة الصلاة فی محرم الأکل وان کان مذکی فلقیام الأدلة علی مانعیة ما لا یؤکل عن صحة الصلاة وهذا لا ربط له بالتذکیة، وخبر علی بن أبی حمزة مورده السؤال عن الصلاة فیه فلا یکفی صرف التذکیة بعد کون محرم الأکل مانعا أیضا.

ولذلک اشترط فی موثق ابن بکیر (فان کان مما یؤکل لحمه فالصلاة فی وبره ... وکل شیء منه جائز اذا علمت انه ذکی وقد ذکاه الذبح الذکاة) زیادة علی حلیة الأکل، لتعدد الشرطیة فی اللباس ولذلک ذکر فی ذیله (وان کان غیر ذلک مما قد نهیت عن أکله ... فالصلاة فی کل شیء منه فاسد، ذکاه الذبح أولم یذکه)(1)، للدلالة علی اختلال الصحة بمانعیة محرم الأکل بغض النظر عن توفر شرطیة التذکیة المبقیة لطهارة الحیوان.

وأما الحصر فی الآیة فقابل للتخصیص، وقد أطلق فی الروایة(2) (الذکی) علی ما لا یؤکل لحمه کالثعالب والجرز (الحواصل) الخوارزمیة والسمور والفنک والسنجاب مع انها محرمة الأکل وان ذهبت جماعة الی جواز الصلاة فیها.

وهو مفاد موثق سماعة قال سألته عن جلود السباع ینتفع بها؟ قال:

ص:548


1- (1) المصدر، ح1.
2- (2) المصدر، باب4.

(اذا رمیت وسمیت فانتفع بجلده، وأما المیتة فلا) اذا المقابلة للمیتة فیها تقتضی عنوان المذکی(1).

ان قلت: قد أطلقت علی صید السمک والجراد الذکاة مع انها موثرة فی الحلیة لا فی الطهارة، إذ میتته طاهرة فهذا اطلاق آخر للتذکیة بلحاظ حلیة الاکل، وهذا ما یرومه المحقق الأول من کونها ذات درجات فمع تحقق درجة لا یلزم تحقق الدرجة الاخری لاختلاف الاستعداد والقابلیة، ویشهد لذلک ما فی المرسل الحوت ذکیّ حیه ومیته و(الجراد ذکی کله والحیتان ذکی کله، وأما ما هلک فی البحر فلا تأکله)(2).

قلت: هذا الاطلاق لا یعنی تصادق العنوانین المتقابلین علی مورد واحد بلحاظ الدرجات أو الآثار بل مع التذکیة تنتفی المیتة، غایة الأمر التذکیة یترتب علیها الطهارة والحلیة تارة واخری الطهارة فقط وثالثة الحلیة فقط، والمیتة والموتان تقتضی النجاسة والحرمة فیما له نفس سائلة، وثانیة تقتضی النجاسة فقط کما فیما لا یؤکل لحمه، وثالثة تقتضی الحرمة فقط کما فی السمک والجراد.

والممانعة بین العنوانین وجودا وأثرا، واختلاف الآثار سواء المترتبة علی التذکیة أوالمترتبة علی المیتة لا شک انها راجعة الی ملاکات ومصالح ومفاسد، لکن ذلک لا یعنی أخذ خاصیة أوحیثیة وراء طهارة الحیوان حال حیاته فی وقوع التذکیة علیه والتی تختلف آثارها فی الحیوان بحسب الملاکات الموجودة فی انواعه.

ص:549


1- (1) وسائل الشیعة، ج24، ص185، باب34ح4.
2- (2) الوسائل، باب31، من ابواب الذبائح، ح5 و ح8.

وأما الاستعمال للفظتین فتارة الأولی بمعنی الطهارة والثانیة بمعنی مطلق خروج الحیاة کما فی أصل الوضع اللغوی کما فی قوله(علیه السلام) (هو الطهور ماؤه، الحل میتته)(1)، وهما بهذین المعنین لا تقابل بینهما.

فتحصل أن القابلیة ان کان المراد بها طهارة الحیوان حال حیاته فاعتبارها فی التذکیة فی محله فی الاعتبار العرفی والاعتبار الشرعی حیث انها مانعة عن اقتضاء الموتان نجاسة الحیوان فهی مبقیة لطهارته بخلاف ما کان نجسا فی حال حیاته کالکلب والخنزیر، ولذلک کان منشأ المنع من وقوعها علی المسوخ والحشرات هو القول بنجاستها، وان کان المراد غیر ذلک فلا دلیل علیه ولا فی أصل المعنی والاعتبار العرفی ولا فی الروایات الواردة.

ویتحصل من ذلک أن مقتضی الاصل الطهارة عند الشک فی قابلیة الحیوان بالمعنی الاول.

الجهة الثانیة: ماهیة التذکیة فالاقرب انها موضوعة للمسبب:

کما یظهر من موارد استعمالها أی ما یقرب من النقاء کذکاة الأرض یبسها ذکیت النار اشتداد اللهب عند ما ینقی من موانع الاشتعال وذکا الفؤاد حدته عند تصفیة إدراکه وذک قلبک بالادب والذکا اسم للشمس لصفائها.

وکذا الاستعمالات الشرعیة حیث استعملت بمعنی واحد فی موارد اختلف فیها أفعال وأسباب التذکیة کتذکیة السمک، والجراد وذکاة الجنین وذکاة الابل بالنحر والبقر بالذبح والوحش بالصید وکل یابس ذکی والسمک ذکی حیّه ومیته وعشرة أشیاء من المیتة ذکیة القرن ... وغیر ذلک

ص:550


1- (1) المصدر، باب2 من ابواب الماء المطلق.

من الاستعمالات التی لا تجتمع الا علی الاثر والمسبب وان کانت تستعمل فیما یلازمه بمناسبة الملازمة فی موارد اخری، أما الاطلاق علی السبب فبمناسبة السببیة والمسببیة والاسناد الی الفاعل (ذکاه الذابح) فلصدورها بتوسط السبب.

وبذلک ظهر امکان جریان أصالة عدم التذکیة فی نفسه بعد کون الأثر والمسبب معدوما حال الحیاة، نعم هومحکوم بأصالة الطهارة فی ذات الحیوان لاحراز القابلیة بالمعنی المتقدم لها فیما کان منشأ الشک فی وقوع التذکیة هو الشک فی قابلیة الحیوان.

الجهة الثالثة: فی بیان العموم أوالاطلاق الدال علی عموم قابلیة الحیوان للتذکیة:

أولا: إطلاق الاعتبار والجعل العرفی الممضی اذ المعنی والاعتبار العرفی کما تقدم فی شتراط القابلیة یقع علی مطلق الحیوان ذی النفس السائلة الطاهر والنظیف فی حال حیاته.

ویشیر الیه ما فی روایة أبان بن تغلب عن أبی جعفر (علیه السلام) (وأما المنخنقة فإن المجوس کانوا لا یأکون الذبائح ویأکلون المیتة وکانوا یخنقون البقر والغنم فاذا انخنقت وماتت أکلوها)(1)، وما فی الآیة فی تعداد المحرمات وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَیْرِ اللّهِ ...، والروایات الناهیة عن ذبائح الیهود والنصاری وغیرهم من الکفار(2).

وکذا استمرار البناء لدیهم فی استعمال الصید کوسیلة للأکل وإعافة

ص:551


1- (1) المصدر، باب19 من ابواب الذبائح، ح7.
2- (2) المصدر، باب26، ح7.

الأکل من المیتة وما مات حتف أنفه، وغیر ذلک یدل علی کون التذکیة اعتبارا قائما لدیهم.

غایة الأمر بعد کونها وسیلة للتنقیة لدیهم عن قذارة الموتان کان تصرف الشارع فی ذلک بلحاظ تقیید السبب أوتوسعته وبلحاظ ترتیب الآثار علی التنقیة من جواز الأکل وغیره أوعدم ترتیبه وإن امضی وجودها.

کما قد یحدّد المحل کإعتبار نجاسة الکلب والخنزیر فحیث لا یرد تصرف بالتضییق فی احدی تلک الجهات کان الامضاء للبناء المزبور علی اطلاقه.

هذا مع امکان اجراء أصالة الطهارة عند الشک فی الطهارة الذاتیة کما تقدم اطلاق قاعدتها، حیث أن الشک فی القابلیة هو الشک فی ذلک ولا معنی محصّل للقابلیة وراء ذلک، کما تقدم فی الجهة الأولی.

ثانیا: صحیحة زرارة المتقدمة عن أبی عبد الله(علیه السلام): کل کلّ شیء من الحیوان غیر الخنزیر والنطیحة والمتردیة وما أکل السبع وهو قول الله عزّ وجلّ (إِلاّ ما ذَکَّیْتُمْ ) فان ادرکت شیئا منها ...(1)، حیث أن مقتضی جواز أکل لحم الحیوان هو وقوع التذکیة علیه.

لا یقال: ان عموم الحلیة للاشیاء کما هو مفاد الآیات السابقة لا یمکن التمسک به بعد العلم بتخصیصه بأدلة لزوم التذکیة فی الحیوان والشک فی الفرض هو فی وقوع التذکیة علیه فهو من التمسک بالدلیل فی الشبهة المصداقیة.

لأن ذلک: انما یرد فی عموم الحلیة المترتبة علی العنوان العام کالشیء

ص:552


1- (1) التهذیب، ج9، ص58.

أو الطیبات أونحو ذلک وأما الحلیة المترتبة علی عنوان الحیوان فان مفادها بالالتزام هو صحة وقوع التذکیة علیه وإلا للغی جعل الجواز والحل للحصة والصحیح من القبیل الثانی.

لاسیّما وأن التعبیر عن الحکم فیها وقع بلسان الأمر بالأکل کنایة عن الجواز والحلیة الفعلیة الواقعیة للحیوان بعنوانه المأخوذ فیها وقوع التذکیة والحلیة الذاتیة الطبیعیة.

ثالثا: دلالة وموثق ابن بکیر المتقدم علی وقوع التذکیة علی کل ما یحل أکله (فان کان مما یؤکل لحمه فالصلاة فی وبره و... جائز اذا علمت انه ذکی وقد ذکاه الذبح)، نعم هذه الصحیحة لا تشمل ما علم حرمة أکله وشک فی قابلیته للتذکیة.

رابعا: ما استدلال الجواهر بصحیحة علی بن یقطین قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام): عن لباس الفراء والسمور والفنک والثعالب وجمیع الجلود، قال: لا بأس بذلک(1)، حیث أن اطلاق نفی البأس دال علی جواز الاستعمال مطلقا فی الصلاة وغیرها أی دال علی عدم المانعیة للصلاة من جهة الطهارة وغیرها، وکذا بقیة الانتفاعات إلا أن ما دل علی مانعیة غیر المأکول مقید لذلک الاطلاق فیؤخذ ببقیة مدالیله.

ومنه یندفع احتمال - المستمسک - أن جهة السؤال هی عن الجواز والحرمة التکلیفیة للانتفاع بها ولو کانت میتة وأن عمومه مخصص بما دل علی لزوم التذکیة فی الاستعمال فالتمسک هو فی الشبهة المصداقیة.

وجه الاندفاع: ان السؤال کما وقع عن ما لا یؤکل فقد وقع عن ما

ص:553


1- (1) الوسائل، باب5، من ابواب لباس المصلی، ح1، 3، 4، 5.

یؤکل أیضا، إذ لم تقید جلود تلک العناوین بالأخذ من المیتة، وأما التخصیص المزبور فلا یوجب المحذور لما تقدم فی الصحیحة السابقة، نعم مقدار دلالة هذه الصحیحة هو فی ما له جلد یلبس.

خامسا: موثقة سماعة المتقدمة الدالة علی حصول التذکیة فی جلود السباع وغیرها(1) بمضمونها.

سادسا: ذیل موثق ابن بکیر المتقدم (فان کان غیر ذلک مما قد نهیت عن أکله وحرم علیک أکله فالصلاة فی کل شیء منه فاسد، ذکاه الذبح أولم یذکه)، وفی نسخة (ذکاه الذابح)، ولا سیما علی النسخة الثانیة، وان احتمل انه علی الأولی بمعنی أثّر به الذبح أولم یؤثر(2).

إلا انه ضعیف بمکان حیث انه علی الأولی أیضا أوقعت المقابلة فی الروایة مع ما یؤکل لحمه بجواز الصلاة فیه اذا کان ذکیا قد ذکّاه الذبح، والتعبیر فیه بمعنی ایقاع التذکیة لا بمعنی التعلیق علی تأثیر التذکیة معلقا علی قابلیة المحل من دون تعرض لها لقابلیة محلّل الأکل.

اذ قد عرفت ان الحلیة للحیوان بعنوانه ملازمة لصحة وقوع التذکیة علیه مع أن الروایة لیست فی صدد اشتراط قابلیة الحیوان للتذکیة فی جواز الصلاة بجلده ووبره بل فی صدد اشتراط وقوع التذکیة علیه مع انه تقدم ان لا معنی محصل للقابلیة وراء طهارة الحیوان حال حیاته فلا محالة تکون الروایة فی صدد بیان أن ما یؤکل یشترط فیه التذکیة کی لا یکون میتة ونجسا، وأن ما لا یؤکل بنفسه مانع بغض النظر عن فقد شرط التذکیة.

ص:554


1- (1) المصدر، باب5، ح3، 4، 5.
2- (2) دلیل العروة، ج1، ص302. مستمسک العروة، ج1، ص246.

وبذلک یظهر أن التردید فی الشق المقابل مما لا یؤکل لحمه هو بین وقوعها ولا وقوعها، فتکون دالة علی صحة وقوعها فی مطلق الحیوان أکل لحمه أولم یؤکل.

سابعا: روایة علی بن حمزة المتقدمة قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) أو أبا الحسن(علیه السلام) عن لباس الفراء والصلاة فیها، فقال: لا تصل فیها إلا ما کان منه ذکیا، قال: قلت أولیس الذکی مما ذکی بالحدید؟ قال: بلی اذا کان مما یؤکل لحمه (1).

حیث أن إقراره(علیه السلام) لإرتکاز السائل بأن الذکی هو الذی وقعت علیه التذکیة بسببها کالذبح، دال علی عموم وقوعها علی الحیوان اذ لم یؤخذ قیدا وراء الذبح، من قابلیة المحل وأما الذیل المشترط لحلیة لحمه فهو بإعتبار الصلاة کما هو ظاهر، لا باعتبار التذکیة کما قدمنا فلاحظ.

تذکیة الحیوانات البحریة ذات النفس:

ثم انه یقع الشک فی تذکیة الحیوانات البحریة ذات النفس السائلة.

فقد یقال بان ما له مذبح تشمله عمومات الذبح والصید، وما لیس له مذبح فیشمله عموم (اذا رمیت وسمیت فانتفع بجلده)(2) بناء علی اندراجه فی السباع الواقعة فی السؤال وعموم امضاء التذکیة العرفیة التی تقدم الکلام فیها، إذ المتعارف صیدها بآلة جارحة وعموم بعض الوجوه المتقدمة فی صور الشک فی التذکیة.

ص:555


1- (1) وسائل، باب2 من لباس المصلی، ح2.
2- (2) المصدر، باب49 من ابواب النجاسات.

أو یقال بعموم مثل (السمک اذا خرج حیا من الماء فهو ذکی)(1)، ونحو ما ورد فی کون ذکاة السمک أخذه حیا وموته فی غیر الماء.

وجهان: لا یخلو الأول من قوة بعد کونها مما له نفس وتعارف صیدها بالجرح، وانصراف الاطلاق الثانی الی ما لا نفس له والمأکول لاجل حلیته لا طهارته فضلا عما له نفس غیر المأکول، وبعد کون ما له نفس منها برمائیا لا بحریا محضا کی یکون المقابل لتذکیتة - مات فیما فیه حیاته - أی فی الماء.

لکن ما فی صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سأل أبا عبد الله(علیه السلام) رجل وأنا عنده عن جلود الخزّ فقال: لیس بها بأس، فقال الرجل: جعلت فداک انها فی بلادی وانما هی کلاب تخرج من الماء فقال: أبو عبد الله(علیه السلام): اذا خرجت من الماء تعیش خارجة من الماء؟ فقال الرجل لا، قال: فلا بأس(2).

وروایة ابن أبی یعفور قال: کنت عند أبی عبد الله(علیه السلام) اذ دخل علیه رجل من الخزازین فقال له: جعلت فداک ما تقول فی الصلاة فی الخز؟ فقال: لا بأس بالصلاة فیه، فقال له الرجل: جعلت فداک انه میت وهو علاجی وأنا أعرفه فقال له أبوعبد الله(علیه السلام): أنا أعرف به منک، فقال له الرجل: انه علاجی ولیس أحد أعرف به منی فتبسم أبو عبد الله(علیه السلام) ثم قال له: أتقول: انه دابة تخرج من الماء، أو تصاد من الماء فتخرج فاذا فقدت الماء مات؟ فقال الرجل: صدقت جعلت فداک هکذا هو، فقال له أبو عبد

ص:556


1- (1) المصدر، باب37 من ابواب الذبائح، ح2.
2- (2) المصدر، باب10 من ابواب لباس المصلی، ح1.

الله(علیه السلام): فانک تقول: انه دابة تمشی علی أربع ولیس هوفی حد الحیتان فتکون ذکاته خروجه من الماء؟ فقال له الرجل: أی واللههکذا أقول، فقال له أبو عبد الله(علیه السلام): فإن الله تعالی أحلّه وجعل ذکاته موته کما أحل الحیتان وجعل ذکاتها موتها(1).

وصحیحة سعد بن سعد عن الرضا(علیه السلام) قال: سألته عن جلود الخز فقال: هو ذا نحن نلبس، فقلت: ذاک الوبر جعلت فداک قال: اذا حل وبره حل جلده(2).

ظاهر فی کون میتة البحری مما له نفس سائلة طاهرة اذ جعل موضوع نفی البأس فی الأولی الموت خارج الماء، فیعمّ کل بحری وان کان ذا نفس سائلة کما ان ما فی الثالثة من احتمال السائل التفکیک انما هولجهله لکیفیة تذکیته.

لکن حکی فی الحدائق(3) عن المعتبر توقفه فی الروایة الثانیة لضعف محمد بن سلیمان فی سندها، ومخالفتها لما اتفقوا علیه من انه لا یؤکل من حیوان البحر الا السمک ولا من السمک الا ما له فلس.

وحکی عن الذکری زعم بعض الناس انه کلب الماء وعلی هذا یشکل ذکاته بدون الذبح لان الظاهر انه ذونفس سائلة، إلا انه اختار بعد ما حکاه عنهما تخصیص واستثناء الخز من قاعدة ذکاة ذی النفس السائلة بالذبح ومن قاعدة حرمة ما لیس له فلس من البحری.

واشکل الاستثناء فی الجواهر، إلا انه بنی فی آخر کلامه علی أن بعض

ص:557


1- (1) المصدر، باب8، ح4.
2- (2) المصدر، باب10، ح14.
3- (3) الحدائق الناضره، مبحث لباس المصلی، ج7.

منه ذکاته بغیر الذبح بنحوذکاة السمک، وحکی ذلک عن المقاصد العلیة.

وعلی کل حال قد ظهر أن الالتزام بخروج مطلق البحری مما له نفس عن قاعدة التذکیة بالذبح أو الصید الجارح لهذه الروایات مشکل بعد استشکال غیر واحد فی العمل بها فی الخز فضلا عن التعمیم، لاسیما وأن احتمال الخصوصیة وجیه فی ظهور الروایات اذ الاسناد واقع فیها بضمیر المفرد الراجع للخز.

بل ان ظاهر بعض الروایات المتقدمة أن التذکیة لحیوان الخز بمجرد الخروج من الماء من دون أخذه کما لعله المتعارف فی الخز وجلوده - اخذها حتی یموت خارج الماء - فهو یغایر التذکیة فی السمک، فالخصوصیة علی هذا ظاهرة جدا.

نعم قال الشیخ فی الخلاف (اذا مات فی الماء القلیل ضفدع أوغیره مما لا یؤکل لحمه مما یعیش فی الماء لا ینجس الماء (الی أن قال) دلیلنا ان الماء علی أصل الطهارة والحکم بنجاسته یحتاج الی دلیل وروی عنهم (علیهم السلام) انهم قالوا اذا مات فیما فیه (فی الماء ما فیه) حیاته لا ینجسه وهویتناول هذا الموضع أیضا)(1).

واحتمل المحقق الهمدانی انه یشیر الی صحیحة ابن الحجاج المتقدمة(2)، أی ان الموت لا ینجس الحیوان حینئذ.

لکن قد عرفت احتمال الاختصاص بالخز ولیس مفادها بصورة العموم کما اشار فی الخلاف علی تقدیر ارادته الصحیحة المزبورة واحتمل

ص:558


1- (1) الخلاف، کتاب الطهارة، مسألة 146.
2- (2) بحث المیتة من النجاسات.

کذلک انه یشیر الی الحدیث النبوی (هو الطهور ماؤه، الحلّ میتته) بتقدیر ان مفاده حلیة الانتفاع لکون میتته طاهرة، الا انه رماه بالضعف لکونه من طریق العامة، والصحیح أن الحلیة فیه بلحاظ الأکل لا مطلق الانتفاع لیشمل ما لا یؤکل وإلا فهومروی بطریق معتبر(1).

ص:559


1- (1) الوسائل، باب2 من ابواب الماء المطلق.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.