الرجعة بین الظهور و المعاد المجلد 1

اشارة

سرشناسه : سند، محمد، 1340-

عنوان و نام پدیدآور : الرجعة بین الظهور و المعاد/محمد سند.

مشخصات نشر : قم: سعیدبن جبیر، 1384، = 2005م، = 1426ق.

مشخصات ظاهری : 748ص.

یادداشت : عربی.

موضوع : رجعت

موضوع : *Raj'ah

موضوع : رجعت -- احادیث

موضوع : *Raj'ah -- Hadiths

موضوع : آخر الزمان

موضوع : End of the world

رده بندی کنگره : BP222/4/س9ر3041 1397الف

رده بندی دیویی : 297/44

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص :5

ص :6

«ابواب الکتاب»

الباب الاول : حقیقه الرجعه و بعدها المعرفی.

الباب الثانی: اثبات الرجعه و ما یناسبه.

الباب الثالث: الرجعه و عوالم اخری.

الباب الرابع: رجعه الرسول صلی الله علیه و آله و الائمه علیهم السلام و دولتهم.

ص :7

ص :8

المقدمة

نُنوِّه فیها علی نقاط:

الأولی: إنَّ ما تم عرضه فی الکتاب من أبواب وفصول ومقالات ومسائل وبحوث الرجعة، لم یتمُّ إیفاء البحث فیها ولا توفیة المطالب بتمامها، نظراً إلی سعة بحوثها وتشعبها وقلة الجهود المبذولة فیها وترامی آفاق میادین المسائل ، وهذا مما یجعل إنجاز العمل بتمامه مستحیلاً فی الظرف الراهن، رغم أنَّ البحث فی الرجعة تواصل عندنا قرابة ستة أعوام، لکننا نجد أنفسنا لا زلنا فی ضفاف ساحل بحار ومحیطات باب الرجعة، ولا نصف الحال بذلک خیالاً وشاعریة بلْ إنَّ حقیقة الرجعة باب فی المعرفة من الغیوب الداهیة الدهیاء وتتوقف علی جهود أجیال من أهل التحقیق والبحث والتبحر، ولا یقوم به جیل واحد فضلاً عن شخص فارد.

وبین هَذَا الحال والشأن فی مباحث الرجعة نجد التعطش والإلحاح الشدید لدی أهل الفضل والتحقیق علی التعرف والوقوف علی إضاءات وومضات ونتف وإثارات تحرک المسیرة العلمیة فی درب وطریق معرفة الرجعة.

ص:9

فبین ذا وذا رأینا أننا لو أخذنا علی عاتقنا الجانب الأوَّل لطال بنا الزمان والمقام، وکان ما حررناه ونقحناه من فتات ونکات علمیة عرضة للضیاع والبعثرة والشتات.

فکان الأوفق مع کل هذا الحال إخراجها بهذا الثوب من دون أنْ یجعل ذلک حسماً نهائیاً ومنتهی المطاف، بلْ هو انطلاقة لأوَّل الغیث لیخضرم وینضج المسیر العلمی فی باب معرفة الرجعة إلی المزید من الغور والتوغل، لا سیما وأن الحقائق المفاجئة فی بحوث الرجعة تعید النظر والتقییم لکثیر من المباحث فی منظومة العقائد إلی مستویات أعمق مما هی علیه.

ونسأل الله أن یدیم علینا مواصلة البحث طیلة ما قدر لنا من أجل فی الحیاة الأولی من الدنیا.

الثانیة: إنَّ من الأهمیة والغایات الخطیرة لمعرفة الرجعة أمورا عدیدة سیأتی ذکرها فی الکتاب، إلا أنه یحسن فی التقدیم أن نذکر علی نحو الایجاز واحدة منها تستهوی العقول وأرواح النفوس، وهی أن المعرفة بها یهون علی الإنسان خشیة الموت ویبعد عنه کراهته، بل سیأنس به لما سیطلع علیه من المستقبل الذی ینتظره بعد ذلک، ولا یفوت عنه ما یحرص علیه، ومن ثم ینبثق له قوة الأمل الصادق فینزاح عنه الیأس والإیاس وتتعاظم همته وبالتالی تکبر نفسه.

ص:10

الباب الأول:حقیقة الرجعة وبُعدها المعرفی

اشارة

ص:11

ص:12

فصول الباب الأول

*الفصل الأول: أصول المنهج فی بحوث المعارف ومعرفة الرجعة.

*الفصل الثانی: حقیقة الرجعة.

*الفصل الثالث: غایات وفلسفات الرجعة.

*الفصل الرابع: مراحل وأدوار الرجعة وأقسامها.

*الفصل الخامس: الرجعة والإیمان وموقعیّتها فی العقیدة.

*الفصل السادس: الرجعة بلوغ وکمال فی معرفة حقیقة أصول الدین.

*الفصل السابع: الرجعة ومقامات الإمامة.

*الفصل الثامن: الرجعة ونظام الإمامة وأن کل إمام من الائمة الاثنی عشر(علیهم السلام) هو مهدی موعود منتظر.

*الفصل التاسع: المهدیون الإثنا عشر مقام الرجعة للائمة الاثنی عشر(علیهم السلام).

*الفصل العاشر: فلسفة علائم کل من الظهور والرجعة.

ص:13

ص:14

الفصل الأول:أصول المنهج فی بحوث المعارف وبحث الرجعة

ص:15

ص:16

الفصل الأول: أصول المنهج فی بحوث المعارف وبحث الرجعة

اشارة

قدْ یتساءل عن المنهج المتبع فی بحث الرجعة لدینا، حیث إنَّ غایة ما یطفح من کلمات علماء الإمامیة هی کون أصل الرجعة ضرورة إیمانیة لا تفاصیلها، فالخوض فی تفاصیلها قدْ یعترض علیه بأنَّه لا یمکن بناؤه علی أساس رصین، لا سیما وأنَّ المعروف فی الأذهان أنَّ تعداد الروایات الواردة فی الرجعة إنَّما تبلغ من الروایات مأتین أو أکثر، ومن ثمّ لم یخض غالب علماء الإمامیة فی تفاصیلها. هذا وللجواب عن ذلک وفی البدء ینبغی الإشارة إلی أمور:

الأمر الأوَّل: سبب قلّة الجهود فی الرجعة:

ما هو سبب عدم خوض کثیر من أجیال علماء الإمامیة فی تنقیح صور تفاصیل أحداث ومراحل الرجعة کظاهرة تکوینیة مستقبلیة سیشهدها

ص:17

البشر؟ أی ما هو السبب فی انحسار جهود الأعلام طیلة هذهِ القرون وعدم توسعهم فی بحوث الرجعة؟

تلخیص الجواب:

یمکن تلخیصه فی جملة من الأسباب، وهی کالتالی:

1) إشتغال معظم الأصحاب بالدفاع والحوار الجدلی مع بقیة الفرق والأدیان، مما استنزف کثیرا من الجهود، ولیسَ ذلک فحسب بلْ إن هذا الاشتغال حبس دائرة ودرجة مستوی البحث العلمی إلی مستوی متواضع یعیشهُ فکر الطرف الآخر من الأدیان والمذاهب.

2) صعوبة البحث فی الرجعة وغموض جملة من المباحث والأبواب مع قلة الجهود المبذولة فی هذا الباب، مما یجعل طرق البحث فیه وعرة.

3) عدم جمع روایات الرجعة فی ضمن موسوعة کتاب وعدم تبویبها، لا سیما من المتقدمین، وهذا مما یستلزم صعوبة تکوین وتصویر نظرة جامعة حول الرجعة لدی الباحث.

4) صعوبة فهم الرجعة علی کثیر من الفرق والأدیان، حتّی أنَّ کثیراً منهم خلط بین الرجعة والتناسخ، نظیر الخلط الذی حصل لدی الفرق الأُخری فی مبحث الإمامة، حیث التبس الأمر لدیهم بینها وبین النبوة، واستعصی علیهم تمییزهُ وتفکیکه عن بحث (النبوة)، فکذلک حصل الخلط بین مبحث الرجعة وبین مباحث أُخری کمبحث المعاد، فإنَّه یصعب تفکیکه وتمییزهُ عن المعاد الأکبر الذی هو عقیدة حقّة، وکذلک یصعب تمییزهُ علی کثیرین عن التناسخ ونحوهِ صعوبة تمیز الرجعة عن

ص:18

العقائد الباطلة، هذا مع انضمام بعض الأسباب الأُخری سبب إحجام کثیر من الأعلام عن الخوض فی الرجعة وتفاصیلها، لا سیما وأنَّ کثیراً من أهل الخلاف قدْ شدّد الإنکار والتشنیع علی عقیدة الرجعة.

5) إنَّ عقیدة الرجعة مع کونها من المسائل والأبواب الاعتقادیة المهمة إلّا أنها ذات طابع سیاسی خطیر، لأنَّها ترمز إلی دولة آل مُحمَّد صلوات الله علیهم أجمعین ، وهذا مما یقلق الدولة العباسیة والدول والأنظمة السیاسیة التی نشأت بعدها، فکان الخوض فی الرجعة - ولا زال - نظیر الخوض فی الظهور والمشروع المهدوی ذو طابع سیاسی تتحسس منه السلطات والحکومات، لأنَّه مشروع إقامة دولة.

الأمر الثانی: المنهج الرجالی فی الرجعة:

اشارة

فی بیان المنهج الرجالی الذی نعتمده فی الروایات فی بحث باب الرجعة، بلْ فی عموم أبواب المعارف - وقد استوفینا البحث فیه فی کتاب الإمامة الإلهیة(1)، وکذا فی کتاب بحوث فی مبانی علم الرجال(2)، وکذا فی کتاب أصول استنباط العقائد(3)، ولکننا نشیر هنا إلی مجمل مقتضب لا یغنی عن الرجوع إلی تلک المصادر - نطرح عِدَّة نقاط:

الأولی: إنَّ هناک فرقا بین المسائل العقیدیة التی هی من أصول الاعتقادات

ص:19


1- (1) الإمامة الإلهیة، ج1 فی مقدمات الممهدة وفی الفصل الأوَّل.
2- (2) فی مجلداته الثلاثة وملخصه فی الأوَّل.
3- (3) المجلد الأوَّل والثانی والثالث.

أو أساسیاته أو هی أصل لباب أو فصل اعتقادی وبین تفاصیل العقائد.

فإنَّ رأی ومسلک جماعة عدیدة من أعلام الإمامیة ومحققیهم علی الاکتفاء بالظن المعتبر فی التفاصیل دون الأساسیات والأصول وما یجری مجراها، وبسط ذلک ذکرناه فی المصادرالتی تقدمت الإشارة إلیها.

الثانیة: إنَّ اعتبار الروایات الظنیة فی بحوث العقائد والمعارف لا یتوقف ولا ینحصر فی خصوص الصدور التعبدی واعتبار طریق الروایة، بلْ الشأن الأعظم فی الروایات هو البیان العلمی والدلائل المشار إلیها فی مضمون الروایة، حیث تتفق مع أصول وقواعد وثوابت الکتاب والسنة القطعیة.

فیکون التنبه لذلک هو الفائدة العظمی التی تفوق علی الاعتبار الظنی والصدور، بلْ هَمُّ الباحث المحقق هو اکتشاف المنظومة المعرفیة من مجموع مضامین الروایات، ولا یقتصر فی ذلک علی جهة تراکم الصدور وبلوغه إلی درجة الاستفاضة والتواتر فحسب، بلْ من جهة أخری أعظم منها أیضاً، وهی وضوح واتضاح حلقات المنظومة والنظام المعرفی لکل فصل وباب اعتقادی فضلاً عن اکتشاف الارتباط بین الأبواب والفصول الاعتقادیة فی المنظومة الکبری والنظام الأکبر واکتشاف هذا الترابط البنیوی والکیان البُنیانی، فإنَّ البحث فی ذلک ثبوتی، بینما الترکیز علی جهة الصدور واعتبار الطریق إثباتی محض.

وکم فرق بین الثبوت والإثبات وبین اکتشاف نظام الثبوت ومنظومته

ص:20

وبین متناثرات دلالات الإثبات، فإنَّ النمط الأوَّل أو المنهاج الأوَّل أقرب ما یکون من البرهان اللّمی واکتشاف الملازمات العامة والخاصة، بینما المنهج الثانی استدلال إنّی ظنی إجمالی.

الثالثة: إنَّ الروایات الضعیفة - علی اختلاف درجات ضعفها - لا یمکن إهمالها، فإنّها بالتکاثر والتعاضد ترتقی عن الضعف إلی درجة الاستفاضة بلْ التواتر، فکیف یهمل ما هو مادة للتواتر والاستفاضة.

وبعبارة أُخری إنَّ هناک نظرة ومنهجاً مجموعیاً لمعطیات ومواد الأدلة إلی جانب النظرة والمنهج الأحادی لآحاد الأدلة، ولا یغنی الثانی عن الأوَّل، کما لا یتفرد الأوَّل عن الثانی، وإنْ کان الشائع خطأً فی البحث العلمی فی عصرنا الحاضر العکوف والاقتصارعلی المنهج الثانی.

الرابعة: إنَّ الاستفاضة والتواتر المعنوی لا یقتصران علی تکرر المعنی الظاهر، بلْ یشمل تکرر المعنی المستخرج نظریاً ولو بوسائط، فیکون من المعنی الخفی المتکرر فی الأدلة، وهذا لا یقتنص تکرره فی الأدلة إلّا صاحب التحقیق المقتدر علی استنباط المعانی والحقائق من الأدلة، ذو الباع الطویل والتضلع الوفیر.

ولا یخفی أنَّ دائرة هذا التواتر ومساحته کبیرة جداً، ولکن لا ینالها عموم الباحثین من ذوی الفضیلة، بلْ مختصة بالمحققین المدققین، فهم الذین یدرکون هذا التواتر من مجموع الأدلة الظنیة سواء کانت آحادها معتبرة أو غیر معتبرة، وأنَّ هذهِ الأدلة الظنیة تنطوی علی مواد قطعیة کثیرة، وکذا الحال فی

ص:21

الاستفاضة النظریة، أی أن الباحث یقف علیها بإمعان النظر والتدبُّر والتدقیق.

والصعوبة فی الوصول إلی المعنی النظری والالتفات والتنبه إلی تکرره فی الأدلة تفوقُ الصعوبة المبذولة للفحص عن التواتر المعنوی المعتاد فی قبال سهولة التواتر اللفظی.

ومن هنا یتبین أنَّ بحث المضمون مقدم علی اعتبار الصدور علی هذا التقدیر، وأنَّ الاعتبار الیقینی أو الاطمئنانی بالطرق متوقفٌ علی بحث مضمون الروایات، وهذا التوقف لا یقتصر علی التواتر النظری أو الاعتیادی والاستفاضة النظریة أو الاعتیادیة، بلْ یشمل درجة الوثوق، فإنَّ الوثوق منهُ ما یعتمد علی قرائن اعتیادیة، ومنه ما یعتمد علی قرائن نظریة لا تستخرج إلّا بحذاقة النظر، لا سیما الذی یعتمد فی المضمون.

ومنهُ یظهر أنّ مبنی الوثوق فی الصدور فی الروایة هو الآخر یعتمد علی دراسة المضمون فی الجملة دراسة اجتهادیة تحقیقیة.

ولا یخفی أنَّ هذا الاستخراج النظری للمعانی من المضمون هو وفق قواعد وموازین، ولیس ابتدارا من القریحة واستحسانا من الذوق، بلْ قدْ بیَّنا فی الجزء الثانی والثالث من کتاب (بحوث فی علم الرجال) أنَّ کثیراً من علماء الرجال - إنْ لَمْ یکن الأغلب - تتکون لهم رؤیة حول المفردة الرجالیة من الرواة بتوسط دراسة مضامین الروایات التی یرویها الراوی، وهذا توقف واضح لاعتبار الطریق علی المضمون لا العکس، وتوقف ذلک بُیّن

ص:22

وقُرر صناعیاً فی مباحث علم الأصول.

الخامسة: إنَّ الترادف - کعنصر مؤثر فی الاستظهار والاستنباط من الأدلة، وکمقدمة ذات دخالة فی مواد الاستدلال البرهانی - ینقسم إلی ثلاثة أقسام: ترادف لغوی، وترادف عقلی، وترادف وجودی عینی.

الترادف اللغوی:

أمّا الترادف اللغوی: - والذی عادةً تکون مفرداته لغویة - فإن اکتشافه لم ینجز بشکل وافر وکامل فی اللغة لحد الآن، لتوقفه علی الترادف المعنوی، والترادف المعنوی یتوقف علی تحلیل علمی للمعانی الکثیرة، وعلی تنقیب ونقض وإبرام وتأمل وتدبر فی المواد الواصلة، وعلی ذلک فالترادف اللغوی متوقف علی الترادف العقلی الآتی، إذْ الترادف العقلی موطنه المعنی والمعانی، ومن ثم قدْ یسمی بالترادف المعنوی.

کما أنَّ لفصول الرجعة ومسلسل أحداثها أسماءٌ لم تکتشف فیما کُتب عن الرجعة، ولم ینقح البحث عنها فی ذلک، مع أنها مقررة وموجودة فی الروایات، نظیر فصول مسلسل (دابة الأرض)، مع أنها من أخطر حلقات مسلسل الرجعة، وقد وصف هذا الحدث فی روایات الفریقین المستفیضة والمتواترة أنها طامة وهولٌ عظیم، وأنه إذا قیس حدث ظهور الإمام المهدی(عج) إلی حدث ظهور دابة الأرض فهو کالقطرة فی البحیرة، هذا بالقیاس إلی المفاجئات الکونیة الحاصلة عند ذلک الحدث.

ص:23

وقد أطلق علیها (الطامة الکبری) أیضاً، أی نسبیاً بالقیاس إلی ما تقدمها من أحداث، إلی غیر ذلک من أحداث وتفاصیل کثیرة لم یقع الخوض والبحث والتنقیب فیها ملیّاً، ولا زالت الکثیر الکثیر من المباحث کمواد خام غیر منقب عنها.

والعامّة لم یلتفتوا إلی جملة من فصول الرجعة، مع أنَّهم رووها بطرق مستفیضة ومتواترة، إلّا أنها لم تتضمن لفظة الرجعة.

وسنتعرض إلی جملة من العناوین التی رووها من فصول وأبواب الرجعة مع أنهم لم یلتفتوا إلی کونها منها.

ومن أمثلة الترادف اللفظی المغفول عنه فی الرجعة، ما أشیر إلیه فی عِدَّة آیات من علامات الرجعة وإرهاصاتها، وهو مجیء آیات الرب.

وهذا العنوان القرآنی للرجعة عنوان أصیل فی کتب الحدیث لدی الفریقین، لکنه مغفول عن کونه من فصول الرجعة المهمة، وهذا نمط من أنماط الترادف اللفظی.

الترادف العقلی:

وأمّا الترادف العقلی فهو اشتراک شیئین وذاتین وماهیتین وهویتین فی جزء من معنیهما کالجنس القریب المشترک أو الجنس البعید أو الجنس المتوسط أو فصل الفصل أو الفصل الفوقی، واللازم هو وجود وتقرر

ص:24

جزء مشترک، فإذا تقرر وجود ذلک الجزء المشترک فلا محالة تکون آثار ذلک الجزء وأحکامه التکوینیة مشترکة بینهما، فیکون ما دلَّ علی آثار وأحکام الشیء الأوَّل دالاً علی ترتبها علی الثانی أیضا إذا کان ترتب تلک الآثار من حیثیة ذلک الجزء المشترک، فلا محالة یکون ذلک الدلیل دالّا ً علی تلک الآثار والأحکام فی الشیء الثانی.

ومن الواضح أنَّ هذا المنهج توسع فی استنطاق الأدلة وتحلیل مفادها ومعانیها بطریق أعمق وأغور، فلا یقتصر الاستدلال علی الألفاظ المشترکة، ولا علی سطح المعانی، أی لا یقتصر علی المعنی المتحد فی سطح الإدراک الأولی، وإنما یعتمد علی المعنی المتحد المطوی بخفاء فی طیات معانی متعددة، وهذا یؤدی إلی اکتشاف الأجزاء المشترکة بین المعانی کنظام موحِّد بینها، وهو اکتشافٌ لبنیان النظام فی المعانی.

وهذا بحث وتنقیح وتحر ثبوتی للواقعیات، ولیسَ مجرد استکشاف دلالی وإثباتی.

وأحد ثمرات هذا المنهج ما مر من اکتشاف المعنی المتواتر النظری والمستفیض والموثوق النظریین المکتشف بقوة الاجتهاد والتحقیق، بلْ کما تبیَّن هنا أنّ الفائدة فی الترادف العقلی أعظم من اکتشاف مجرد التواتر، بلْ ترجع الفائدة إلی اکتشاف نظام التوافق والموافقة مع قواعد الکتاب والسنة کبنیان منظومی.

ص:25

الترادف الوجودی:

وأمّا الترادف الوجودی فهو یغایر کلاً من الترادف اللفظی والعقلی، لأنَّه لا یعتمد علی وحدة تمام المعنی أو المعنی الظاهر کما فی الترادف اللفظی، کما أنّه لا یعتمد علی الجزء المشترک من المعنی الخفی کما فی الترادف العقلی، بلْ لا یعتمد علی الوحدة فی المعنی أصلاً، وإنَّما یعتمد علی وجود الرابطة الوجودیة بین شیئین وإنْ لم تکن بینهما رابطة وارتباط فی المعنی أصلاً.

واکتشاف هذا الترادف أصعب بکثیر من اکتشاف الترادف العقلی رغم صعوبة الترادف العقلی کما مرَّ، لا سیما مع اختلاف درجات الترادف العقلی فی الخفاء، وذلک لأنَّ الترادف الوجودی یتخطی عالم المعنی إلی تقصی العینیة الواقعیة وملاحظة الآثار والتأثیرات فی الوجود، وملاحظة أنَّ التقارن بسبب الملازمة والتسبب فی التأثیر أم لا.

وبعبارة أُخری إنَّ منظومة الوجود وأنظمته أوسع ترابطاً بین الأشیاء المختلفة من ترابط الأشیاء فی جانب معانیها اللغویة وذاتیاتها، فإنَّ الترابط بین الأشیاء فی جانب المعنی من ناحیة ذواتها - أجناساً أو أنواعاً أو أصنافاً - أضیق دائرةً من ترابطها فی جانب الوجود العینی.

السَّادسة: لیعلم القارئ الکریم والباحث اللبیب أنَّ مسیر البحث عن الرجعة طویل، ولم یبلغ کماله فضلاً عن نهایته، إذْ لا یزال البحث فی الرجعة أقرب إلی الإثارات والتساؤلات وتجمیع المواد التحلیلیة المتناثرة بقدر الوسع أکثر من کونه بناءا منظومیا لقوالب وأُطر منضدة، فلا یزال

ص:26

البحث فی مسیر التدقیق والتحقیق والتنقیب عن مفاصل هیکلیة الرجعة ومدی تأثیرها فی تعمیق قراءة جملة منظومة العقائد؛ لأنَّ الرجعة لیست مرحلة زمانیة ومعادا أصغر وبعثا صغیرا فحسب، بلْ هی نمط قراءة ولغة فی تفسیر مجمل أصول العقائد، ویتطلب ذلک منهجیة فی تتبع الإثارات وتحلیل المواد لبناء فهرسی کاشف عن نظم ومنظومة بنیة الرجعة ولو بنحو محتمل، تتمثل للباحث کالصورة المرئیة یتواصل فیه تکامل البحث وإنْ لم یصل إلی درجة الجزم، ولو لم یستنفذ البحث فی کل الأبعاد، لکنه یتمُّ التثبت والتنقیح لخطوات عدیدة، وإنْ کان ذلک لا یسد الطریق أمام المزید من البحث والتحقیق من قبل آخرین، بل من قبل أجیال عدیدة فضلاً عن أفراد جیل واحد، فإنه طریق بعید المدی.

السَّابعة: إنَّ هناک محاور ومفاصل معرفیة کثیرة وعدیدة فی منظومة المعارف یجدها الباحث المستقرئ فی الآیات والروایات والأدعیة والزیارات، فضلاً عن التفاصیل الکثیرة، وکثیر منها غیر موجود فی أبواب علم الکلام وعلم الفلسفة وعلم العرفان، ولیس ذلک بمستغرب؛ للفرق الفارق بین قصور البشر وبین لا تناهی الوحی، وهذا القصور والنقص المعرفی صار منشأً لتساؤلات وشبهات وإشکالیات، ولغیاب محاور فی أصول الدین، وأبواب المعرفة مفقودة فی هذه العلوم، بینما هی متوفرة فی بیانات الوحی.

ص:27

ص:28

منهاج الأعلام فی بحث کتب الرجعة

الأول : منهج الشیخ الصدوق:

اتخذ الشیخ الصدوق(قدس سره) فی کتاب الاعتقادات منهجا خاصا، حیث ذکر أنواعاً وألواناً من الرجعة معتمداً علی تقسیم الموت إلی أنواع ودرجات تتداخل فیها حقیقة النوم غیر الطبیعی مع الموت.

وهذا یدلل علی أنَّ الصدوق نقَّح بعداً عقلیاً فی الرجعة معتمداً علی إشارات فی روایات الرجعة تشیر إلی سعة وکثرة أنواع انفصال الروح من الجسد وعودها إلیه، وجعل هذا البعد العقلی محوراً مهماً فی تفسیر وتحلیل حقیقة الرجعة، لکنه لم یبسط فیه الکلام بلْ التفت إلیه إجمالاً وبنحو ارتکازی.

الثانی : منهج الحر العاملی:

اعتمد الحر العاملی فی کتابه ( الایقاظ من الهجعة فی اثبات الرجعة ) علی لغة وقراءة عقلیة ونظرة تعقلیة فی تحلیل مضمون ومضامین الآیات

ص:29

والروایات الواردة فی الرجعة، وهذهِ النظرة والمنهجیة ترتکر علی تحلیل منظومة أنواع الموت وبأزائها أنواع الرجوع.

أی أن الشیخ الحر انطلق من الترکیز علی مباحث وأقسام درجات الموت، وفی مقابلها البعث من تلک الدرجات من الموت، وهذا المنهج والهیکل هو الطابع الهندسی والصناعی فی کل کتابه وکافة أبوابه وفصوله، والظاهر أنه اتخذ هذا المنهج من کتاب اعتقادات الصدوق، إلّا أنَّ الحر العاملی فتق هذهِ الالتفاتة وبلورها بشکل مبسوط إلی حدٍّ ما، وترقی فخاض فی بحوث الموت والحیاة بلغة عقلیة وذوق شهودی فی مضامین الآیات والروایات لم یسبقه فی هذا المضمار غیره من الأعلام، حتّی أنَّ ما سطره الحکیم ملا صدرا فی أسفاره فی بحث کتاب ( المبدأ والمعاد) لم یتطرق فیه إلی هذهِ الکثرة من التصورات والاحتمالات والآفاق العقلیة من أقسام ومراتب وأنواع الموت والحیاة التی تطرق إلیها الحر العاملی.

فما أنجزه الحر یعدُّ بکراً فی هذا المضمار، وهو ذو تأثیر بالغ فی فهم مباحث الرجعة، هذا مضافاً إلی ما تمیَّز به من إحاطته بعدد من روایات انتخبها مما ورد فی الرجعة.

وسیأتی بیان تعداد ومصادر تلک الروایات فی الباب الثانی، وهی أضعاف علی ما انتخبه الحر فی کتابه، کما أنَّه إمتاز بإحاطة وافرة فی تتبع الأقوال والمصادر، وبترتیب منطقی فی المقدمات الشارحة لحقیقة الرجعة والبرهان علیها، وکان ذلک منهاجاً عقلیاً عمیقاً أدرکه فکره الثاقب من

ص:30

البنیان العلمی المذکور فی الآیات والروایات الخاصة بالرجعة.

والمنظومة العقلیة والفکریة والتکوینیة للرجعة المبینة لحقیقتها فی الآفاق التی رصدها فی بیانات روایات الرجعة تجاوزت مستوی الأفق المطروح لدی الحکیم الملا صدرا حول أصول حقیقة الموت والبعث والنشر إلی آفاق أوسع، واکتشاف أنواع وحالات للنفس والروح لا تجد رائحتها فی مبحث الموت والمعاد فی کتاب الأسفار، وذلک بفضل المعطیات وأفق المعلومات الموجود فی روایات الرجعة.

وبالمقارنة بین تألیف الحر العاملی وجملة کتب من عاصره أو تقدم أو تأخَّر علیه یلاحظ أنَّه اعتمد علی تبویب ومنهجیة فی البحث ترتبط بأعمدة تنتظم فی الصناعة العقلیة البالغة حذاقة فی التحلیل لمضامین أحادیث الرجعة، ونظمها ضمن مسلسل، وقدْ اکتشف المسلسل المنظومی لها بفهم قراءة عقلیة، بینما لا یشاهد ذلک فیما کتبه المجلسی حول الرجعة فی بحار الأنوار، مع أنه لا ینکر ما انجز المجلسی فی رجعة البحار من إثارات وبیانات ذات فوائد عمیقة مهمة.

الثالث: منهج الشیخ أحمد الإحسائی:

أمّا ما ألفه الشیخ أحمد الاحسائی فی کتابه (الرجعة) فسرد متناثر لم یعتمد فیه علی منهجیة راسمة للبحث رغم أنَّه متأخر عن الحر، لکنه قام بالترکیز علی العلاقة بین الظهور والرجعة، وقد أقتفی فی ذلک مسلک جملة

ص:31

من المتقدمین من الأعلام، حیث أنَّهم مزجوا بین روایات الظهور وروایات الرجعة؛ وذلک لشدة الصلة والارتباط بینهما حیث أنَّ الظهور فاتحة للرجعة، کما أنَّ رجعة أئمة أهل البیت(علیهم السلام) وهی بعث إلی دار الدنیا مرة أُخری قدْ أطلق علیه - فی الروایات المستفیضة - «ظهور»، أی أنَّ ذلک الرجوع هو ظهور لهم فی دار الدنیا بعد غیبتهم بالموت فی دار البرزخ.

ومن ثم فإنَّ الکتب الحدیثیة المؤلفة فی ظهور المهدی(عج) أحد منابع روایات الرجعة، وقد وقع الخلط لدی کثیر من الباحثین بین العدید من فصول الرجعة وبین فصول وأحداث الظهور.

وعکس ذلک لدی علماء العامة حیث مزجوا بین روایات الرجعة وروایات القیامة والساعة، فرووا جلّ فصول الرجعة فی اشراط الساعة وعلامات القیامة؛ وذلک بسبب أنّ الرجعة تقع قبل القیامة، وهی من المعالم الکبری لها، وذات ارتباط وصلة وطیدة بالقیامة.

ولذا قال علماء الإمامیة: أنّ الرجعة معاد أصغر فی قبال القیامة الکبری والمعاد الأکبر، فمن ثم صارت الکتب الحدیثیة للجمهور حول القیامة واشراط الساعة والملاحم والفتن فی آخر الزمان أحد المنابع المهمة والمصادر الملیئة لروایات الرجعة.

وقد وقع الخلط لدی کثیر من الباحثین لدیهم بین العدید من فصول الرجعة وأحداث الظهور والساعة والقیامة والمعاد.

ص:32

الرابع: منهج الشیخ محمد آل عبدالجبار القطیفی:
اشارة

وممن کتب فی الرجعة الشیخ محمد بن عبد علی آل عبد الجبار القطیفی تلیمذ الاحسائی ، قال فی کتابه: (القول بالرجعة کما نقول وهی شرط فی تحقق المعاد الجسمانی، ومقدمة من مقدماته، بل لا یتحقق بدونها؛ لأنه یفاض علی الأبدان زمنها قسط من ولایتهم(علیهم السلام)، أو من إنکارهم حتی تکمل وتصاغ صیغة لا تحتمل الفساد بالنفخ الثانی بعد النفخ الأول، لأنها تحتاج إلی صوغة وکسر غیر هذا الصوغ والکسر لتصلح إلی البقاء السرمدی) انتهی کلامه.

أقول: وما ذکره فی تصویرها والتی هی معاد مطابق لنظریة المعاد الجسمانی عند الحکیم الزنوزی(1)، ولعلَّ استاذه الشیخ احمد الاحسائی(قدس سره) قدْ سبقه إلی ذلک، وقد تبنی هذه النظریة المرحوم الاصفهانی الکمبانی(قدس سره) فی رسالته فی المعاد، وفی هذه النظریة یسیر البدن فی أطوار تکامل کی یصل إلی محل الروح وتکاملها عکس نظریة الملا صدرا فی المعاد حیث یصِّور الحرکة الجوهریة بقاءا فی الروح لا فی البدن ثم تنشئ الروح بدناً معادیّاً، وعلی النظریة الأولی تکون الرجعة شرطا ضروریا فی حصول المعاد الجسمانی الأکبر ومقدمة ضروریة له، وروی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن ابی عبدالله(علیه السلام) فی قول الله عَزَّ وَجَلَّ یَوْمَ هُمْ عَلَی النّارِ یُفْتَنُونَ 2 قال یکسرون فی الکرة کما یکسر الذهب حتی یرجع کل شیئ إلی شبهه، یعنی

ص:33


1- (1) من طبقات مدرسة الحکمة المتعالیة.

الی حقیقته»، وفی روایة أبی اسحاق اللیثی عن أبی محمد بن علی الباقر(علیهماالسلام) فی حدیث طویل عن طینة المؤمن وطینة الکافر قال فیه(علیه السلام) فی تفسیر جعل أعمال النواصب هباءا منثورا فی قوله عَزَّ وَجَلَّ وَ قَدِمْنا إِلی ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً1.. . خلق الله عَزَّ وَجَلَّ الأشیاء کلها لا من شیئ، فکان مما خلق الله عَزَّ وَجَلَّ أرضا طیبة ثم فجر منها ماءاً عذباً زلالاً فعرض علیها ولایتنا أهل البیت(علیهم السلام) فقبلتها...، وأخذ من صفوة ذلک الطین طینا فجعله طین الأئمة(علیهم السلام)، ثم أخذ ثفل ذلک الطین فخلق منه شیعتنا، ولو ترک طینتکم - یا إبراهیم - علی حاله کما ترک طینتنا لکنتم ونحن شیئاً واحداً ... خلق الله عَزَّ وَجَلَّ بعد ذلک أرضا سبخة خبیثة نتنة ثم فجر ماءا أُجاجا آسنا مالحاً فعرض علیها ولایتنا أهل البیت(علیهم السلام) ولم تقبلها ...، ثم أخذ من ذلک الطین فخلق منه الطغاة وأئمتهم، ثم مزجه بثفل طینتکم، ولو ترک طینتهم علی حاله ولم یمزج بطینتکم لم یشهدوا الشهادتین ولا صلّوا ولا صاموا ولا زکوا ولاحجوا ولا أدّوا أمانة ولا اشبهوکم فی الصور، ولیس شیئ أکبر علی المؤمن من أنْ یری صورة عدوه مثل صورته ...، ثم خلط بینهما فوقع من سنخ المؤمن وطینته علی سنخ الکافر وطینته، ووقع من سنخ الکافر وطینته علی سنخ المؤمن وطینته ... فإذا عرضت هذه الأعمال کلها علی الله عَزَّ وَجَلَّ قال أنا عدل لا أجور، ومنصف لا أظلم، وحکم لا احیف، ولا أمیل ولا أشطط ، وألحق الأعمال

ص:34

السیّئة التی أجترحها المؤمن بسنخ الناصب وطینته، وألحق الأعمال الحسنة التی اکتسبها الناصب بسنخ المؤمن وطینته ردوها کلها إلی أصلها، فانی أنا الله لا اله الا أنا، علم السر وأخفی وانا المطّلع علی قلوب عبادی، لا أحیف ولا أظلم ولا ألزم أحدا الا ما عرفته منه قبل أخلقه... اقرأ یا ابراهیم أقرأ هذه الآیة ... قوله تعالی : قالَ مَعاذَ اللّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنّا إِذاً لَظالِمُونَ 1 هو فی الظاهر ما تفهمونه وهو والله فی الباطن هذا بعینه ... کذلک یعود کل شیئ إلی سنخه وجوهره وأصله، فإذا کان یوم القیامة نزع الله عَزَّ وَجَلَّ سنخ الناصب وطینته مع أثقاله وأوزاره من المؤمن فیلحقها کلها بالناصب، وینزع سنخ المؤمن وطینته مع حسناته وأبواب بره واجتهاده من الناصب فیلحقها کلها بالمؤمن،... أفتری ههنا ظلماً أو عدواناً ... هذا والله القضاء الفاصل والحکم القاطع والعدل البین (لا یُسْئَلُ عَمّا یَفْعَلُ وَ هُمْ یُسْئَلُونَ )، هذا - یا إبراهیم - الحق من ربک فلا تکن من الممترین هذا من حکم الملکوت ... حکم الله وحکم أنبیاءه، وقصة الخضر وموسی(علیه السلام) حین استصحبه فقال انک لن تستطیع معی صبرا ... وإنَّ ما اخبرتک لموجود فی القران کله ... یوجد فی اکثر من ثلاثین موضع فی القرآن ... قال الله عَزَّ وَجَلَّ وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِلَّذِینَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِیلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطایاکُمْ وَ ما هُمْ بِحامِلِینَ مِنْ خَطایاهُمْ مِنْ شَیْ ءٍ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ * وَ لَیَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً مَعَ

ص:35

أَثْقالَهُمْ 1... قال: لِیَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ کامِلَةً یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذِینَ یُضِلُّونَهُمْ بِغَیْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما یَزِرُونَ ... قال فَأُوْلئِکَ یُبَدِّلُ اللّهُ سَیِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ کانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِیماً یبدل الله سیئات شیعتنا حسنات، ویبدل الله حسنات أعدائنا سیئات، وجلال الله إنَّ هذا لمن عدله وإنصافه لا رادّ لقضائه ولا معقب لحکمه وهو السمیع العلیم ألم أبین لک أمر المزاج والطینتین من القرآن؟ قلت: بلی یا بن رسول الله، قال اقرأ یا ابراهیم الَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّکَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِکُمْ إِذْ أَنْشَأَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ یعنی من الأرض الطیبة والأرض المنتنة فَلا تُزَکُّوا أَنْفُسَکُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقی یقول لا یفتخر أحدکم لکثرة صلاته وصیامه وزکاته ونسکه لأن الله عَزَّ وَجَلَّ أعلم بمن اتقی منکم فإن ذلک من قبل اللمم وهو المزاج، أزیدک یا ابراهیم؟ قلت: بلی یا ابن رسول الله قال کَما بَدَأَکُمْ تَعُودُونَ * فَرِیقاً هَدی وَ فَرِیقاً حَقَّ عَلَیْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّیاطِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ اللّهِ یعنی أئمة الجور دون أئمة الحق وَ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ خذها الیک یابا اسحاق، فوالله أنه من غرر أحادیثنا وباطن سرائرنا ومکنون خزائننا ، وانصرف ولا تطلع علی سرّنا أحداً إلّا مؤمنا مستبصراً، فإنک إن اذعت سرنا بلیت فی نفسک ومالک واهلک وولدک»(1).

ص:36


1- (2) علل الشرایع للصدوق/ آخر حدیث فی الکتاب.

ولا یخفی التطابق الشدید بین الروایتین حیث إنه فی الروایة الأولی وَرَدَ التصریح برجوع کل شیئ إلی شبهه، أی أصله، فیفرز بین الطینات، کما هو الحال فی تصفیة المعادن بالنار، وکذلک هو مفاد روایة اللیثی، ولعلَّ اطلاق لفظ القیامة فی روایة اللیثی هو علی الرجعة، کما هو أحد اطلاقات لفظ القیامة، فکما یطلق علی القیامة الکبری یطلق علی الرجعة، وحینئذ یکون تمحیص الطینة أحد ملاحم الرجعة کما قال المجلسی فی البحار فی بیان الحدیث الأول (لعله اشارة إلی ما مرَّ فی الأخبار من المزج بین الطینتین أو المراد افتتانهم حتی تظهر حقائقهم)(1)، وأن الروایة الثانیة دالة علی أن الحساب أو أحد درجاته یحصل فی الرجعة.

وروی الصدوق فی العلل روایة أخری بسنده عن أبی بصیر عن أبی عبدالله(علیه السلام) قریبة لمضمون روایة اللیثی عن أبی جعفر(علیه السلام) ، وفیها قول أبی بصیر قلت: جعلت فداک فتعود طینتنا ونورنا کما بدا فقال ای والله ... کذلک والله شیعتنا من نور الله خلقوا والیه یعودون، والله انکم لملحقون بنا یوم القیامة الحدیث(2).

وروی الصدوق فی العلل بسنده عن اسحاق القمی مثله، وفیه ولکن الله تبارک وتعالی جمع الطینتین طینتکم وطینتهم فخلطهما وعرکهما عرک الأدیم ومزجهما بالمائین، فما رأیت من أخیک من شر... فلیس من جوهریته

ص:37


1- (1) البحار مجلد/53 ص 44.
2- (2) علل الشرایع/الباب 85/ص 94 عِلَّة النسیان والذکر.

ولا من إیمانه، إنما بمسحة الناصب إجترح هذه السیئات التی ذکرت، ومارأیت من الناصب من حسن ... فلیس من جوهریته إنما تلک الافاعیل من مسحة الإیمان اکتسبها، وهو اکتساب مسحة الایمان.

قلت جعلت فداک فاذا کان یوم القیامة فمه ؟ قال لی ... یا اسحاق أیجمع الله الخیر والشر فی موضع واحد؟ إذا کان یوم القیامة نزع الله مسحة الایمان منهم فردها الی شیعتنا، ونزع مسحة الناصب بجمیع ما اکتسبوا من السیئات فردها علی أعدائنا، وعاد کل شیئ الی عنصره الأول الذی منه ابتدأ ... نعم یا اسحاق کل شیئ یعود الی جوهره الذی بدأ الحدیث »(1).

والحاصل إن اطلاق لفظ القیامة فی روایة الطینة لا یبعد کونه بلحاظ بعث الرجعة والقیام من القبور، وبالتالی فأحد غایات الرجعة تصفیة الطینة، أی طینة الأبدان الأصلیة.

ولعله لأجل ذلک یشیر ما روی عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی مختصر بصائر الدرجات - فی حدیث الرجعة -

«لکفرة من الکفر بعد الرجعة أشد من کفرات قبلها»؛ وذلک لأن أهل العناد تصفی الطینة الخبیثة لهم، ولا یعنی ذلک الجبر فی حال من الأحوال، وإنما تهیئة البیئة المناسبة لکل من الارادة الحسنة لاهل الخیر، وتهیئة البیئة السیئة لإرادة السوء، نظیر ما یمارسه العقلاء من وضع طلاب المدارس - الذین یتوسم فیهم الجد والمثابرة

ص:38


1- (1) علل الشرایع/الباب/240/ح 1.

والاجتهاد - فی المدارس النموذجیة الخاصة من أول السنة الدراسیة، وکذلک وضع الخاملین والعاطلین والبطالین فی المدراس الاعتیادیة دون المستوی؛ وذلک تفادیاً من تضییع الامکانیات هدرا، وکل ذلک بمقتضی العدل والإنصاف والحکمة البالغة.

وقفة أُخری مع منهج الصدوق والحر العاملی

إنَّ الصدوق رسم للرجعة رسماً عقلیاً متخذاً من الرسم القرآنی، حیث جعل نومة أصحاب الکهف ویقظتهم منه برهاناً علی عود وبعث الأموات إلی المعاد کما أشار إلی ذلک القرآن فی جملة من الآیات، کما فی قوله تعالی: لَبَرَزَ الَّذِینَ کُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلی مَضاجِعِهِمْ (1)، فأطلق علی اللبث فی القبر أنه نوم فی المضجع.

وکذا قوله تعالی: اللّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنامِها فَیُمْسِکُ الَّتِی قَضی عَلَیْهَا الْمَوْتَ وَ یُرْسِلُ الْأُخْری إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی (2)، فتشیر الآیة إلی حقیقة مشترک بین الموت والمنام.

وکذلک الحدیث النبوی المعروف

«کما تنامون تموتون، وکما تستیقضون تبعثون»، وغیرها من بیانات القرآن والسنة المطهرة للمعصومین(علیهم السلام)، من أنَّ هناک

ص:39


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 154.
2- (2) سورة الزمر: الآیة 42.

ترادفاً عقلیاً بین النوم والموت وهو انفصال الروح عن البدن، وهو علی درجات متفاوتة، بلْ إنَّ النوم علی درجات کبیرة کما أنَّ الموت أیضاً علی درجات کثیرة، وأنَّ هناک اشتراکا وترادفا عقلیا بین الیقظة من النوم والبعث من الموت فی جزءٍ من ماهیتهما وهو عود الروح إلی البدن.

الخامس: منهج الشیخ حسین بن علی بن زعل:

وممن ألَّف فی الرجعة الشیخ حسین بن علی بن زعل فی رسالة له، حیث قام بالترکیز علی بحوث البرزخ ومراحله المختلفة، وتداخله مع الرجعة، وأنواع ارتباط أهل البرزخ مع مستقبل الرجعة، وما روی من أنَّ بعض أهل البرزخ فی جنة الخلد فی السماء، وأنَّ البعض الآخر فی جنان الدنیا.

مناهج الأعلام فی بحث الرجعة إثباتاً وتفسیراً:
اشارة

ولتوضیح مناهجهم نستعرض جملة من النماذج:

1) الترکیز علی بحوث البرزخ من مراحله المختلفة وتداخله مع الرجعة، وارتباط أهله مع مستقبل الرجعة، وقدْ قام بالترکیز علی هذهِ الجهة الشیخ حسین بن علی بن زعل فی رسالته فی الرجعة کما مرَّ.

2) رکّز الشیخ الإحسائی علی العلاقة بین ظهور المهدی(عج) والرجعة.

3) رکَّز الحر العاملی علی ألوان وأنواع الموت والرجوع وأنماط الحیاة والرجعة.

4) ما ذهب إلیه العلامة الطباطبائی(قدس سره) فی تفسیره (المیزان) من وجود

ص:40

وحدة وسنخیة بین القیامة والرجعة وظهور الإمام المهدی(عج)، ومن ثم وردت الروایات عن أهل البیت(علیهم السلام) فی تفسیر آیة واحدة بیوم القیامة تارة وبالرجعة أو الظهور تارة أخری .

فنقول الذی یتحصل من کلامه تعالی فی ما ذکره تعالی من أوصاف یوم القیامة ونعوته أنَّه یوم لا یحجب فیه سبب من الأسباب ولا شاغل من الشواغل عنه سبحانه، فیفنی فیه جمیع الأوهام، ویظهر فیه آیاته کمال الظهور، وهذا یوم لا یبطل وجوده وتحققه تحقق هذهِ النشاة الجسمانیة ووجودها، فلا شیء یدلُّ علی ذلک من کتاب وسنة بلْ الأمر علی خلاف ذلک .

ولا مزاحمة بین النشأتین أعنی نشأة الدنیا ونشاة البعث حتّی یدفع بعضها بعضاً کما أنَّ النشأة البرزخیة وهی ثابتة الآن للأموات منّا لا تدفع الدنیا ولا الدنیا تدفعها قال تعالی: تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلی أُمَمٍ مِنْ قَبْلِکَ فَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِیُّهُمُ الْیَوْمَ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ 1.

فهذهِ حقیقة یوم القیامة، یوم یقوم الناس لرب العالمین، یوم هم بارزون لا یخفی علی الله منهم شیء، ولذلک ربما یُسمی یوم الموت بالقیامة لارتفاع حجب الأسباب عن توهم المیت، فعن علی(علیه السلام)

«من مات قامت قیامته».

والروایات المثبتة للرجعة وإنْ کانت مختلفة الآحاد إلّا أنها علی کثرتها متحدة فی معنی واحد وهو أنَّ سیر النظام الدنیوی متوجِّه إلی یوم تظهر فیه

ص:41

آیات الله کل الظهور، فلا یعصی فیه سبحانه وتعالی بلْ یعبد عبادة خالصة، لا یشوبها هوی نفس، ولا یعتریه إغواء الشیطان، ویعود فیه بعض الاموات من أولیاء الله تعالی وأعدائه إلی الدنیا، ویفصل الحق من الباطل، وهذا یفید أنَّ یوم الرجعة من مراتب یوم القیامة، وإنْ کان دونه فی الظهور لإمکان الشر والفساد فیه فی الجملة دون یوم القیامة، ولذلک ربما ألحق به یوم ظهور المهدی(عج) أیضاً لظهور الحق فیه أیضاً تمام الظهور وإنْ کان أیضاً دون الرجعة، وقد ورد عن أئمة أهل البیت(علیهم السلام)

«أیام الله ثلاثة: یوم الظهور ویوم الکرة ویوم القیامة»... وهذا المعنی أعنی الاتحاد بحسب الحقیقة، والاختلاف بحسب المراتب هو الموجب لما ورد من تفسیرهم(علیهم السلام) بعض الآیات بالقیامة تارة وبالرجعة أُخری وبالظهور ثالثة، وقد عرفت مما تقدم من الکلام أنَّ هذا الیوم ممکن فی نفسه بلْ واقع، ولا دلیل مع المنکر یدلُّ علی نفیه» انتهی کلامه.

ملاحظات علی منهج الطباطبائی والإحسائی فی الرجعة:

أقول:

1 - یمکن إثارة بعض الملاحظات علی ما قرّره(قدس سره) من بنیان لتصویر الرجعة - من أنه یوم ونشأة لا یبطل وجوده وتحققه تحقق هذه النشأة الجسمانیة ووجودها ولا مزاحمة بین النشأتین ونشأة البعث کما لاتتدافع النشأة البرزخیة مع الدنیا وأن سیر النظام الدنیوی متوجه إلی ظهور الآیات - أنه کیف یجمع بینه وبین قوله فی معنی الرجعة ویعود فیه بعض الأموات من

ص:42

أولیاء الله تعالی وأعدإءه إلی الدنیا ویفصل الحق من الباطل؟ ووجه التدافع أنه من جانب یجعل نشأة الرجعة نشأة مغایرة لنشاة الدنیا کتغایر نشاة القیامة مع نشأة الدنیا وأن هذا التعدد لا یستلزم ابطال أحدهما للآخر کما هو الحال فی تعدد نشأة البرزخ مع الدنیا من دون التدافع بینهما، فإذا کان والحال هذه تعدد فی النشاءات، فکیف تکون الرجعة عود إلی نشأ الدنیا، بخلاف ما لو تبنی أن الرجعة عود إلی الله کما أن القیامة عود إلی الله ومعاد وعود إلیه تعالی ولیس عود إلی الدنیا، أمَّا أن یجعل الرجعة معاداً أصغر وعود إلی الدنیا، فکیف تکون مع ذلک نشأتین متعددتین مختلفتین فی الأحکام التکوینیة.

2- أنَّه(قدس سره) جعل ظهور المهدی(عج) أیضاً نشأة تختلف عن نشأة الدنیا نظیر اختلاف نشاة القیامة مع نشأة الدنیا وإن کان الفارق بین نشأة الدنیا والقیامة أکثر من الفارق بین نشأة الدنیا والظهور، وهذا التفسیر لکل من الرجعة والظهور تطابق مع ما یذهب الیه الشیخ احمد الاحسائی وتلمیذه آل عبد الجبار فی تفسیر الرجعة والظهور ویؤاخذ علی هذا المسلک أنه کیف یجعل الرجعة والظهور مع ذلک سیر للنظام الدنیوی وتوجه لذلک النظام إلی منزلة ونشأة تظهر فیها آیات الله ومع ذلک نشأة الدنیا باقیة علی درجتها وحالها وتباینها مع نشأة الظهور والرجعة والقیامة ومع هذا کله فإن الشواهد التی اعتمدها من مفاد الآیات القرانیة والروائیة والعقلیة تامة حقة فی نفسها إلا أن الکلام فی تفسیرها بمعنی یتوافق ویتلائم مع کون الرجعة عود إلی الدنیا وفصل الحق من الباطل فیها.

ص:43

ص:44

الفصل الثانی:حقیقة الرجعة

اشارة

ص:45

ص:46

الفصل الثانی: حقیقة الرجعة

* تفاسیر الرجعة.

* علامات الرجعة.

* الفرق بین الرجعة والتناسخ.

* الفرق بین الرجعة والنزول.

* الفرق بین الرجعة والإیاب والکرّة.

* تفسیر البرزخ علی ضوء الرجعة.

* التکلیف فی الرجعة.

* الجبر والاختیار فی الرجعة.

* موقعیة الأدوار فی الرجعة ولیدة الأعمال فی الحیاة الأولی من الدنیا.

* خروج الناس فی الرجعة من التراب لا من الأرحام.

* امتحان المستضعفین فی الرجعة وهی مقطع أخیر فی الرجعة إلی الدنیا.

* وقوع المسخ فی الرجعة.

* إنّ الرجعة ذات صلة بقواعد فی الطبیعة الفیزیائیة والبیولوجیة للأبدان وکذا فسیولوجیاً وأنّه تعود الروح بتنشیط البدن.

* الرجعة تکامل نوعی خطیر.

* نزول وتنزّل للروح إلی جنب الجسد فی القبر قبل إحیائه فی الرجعة.

* الرجعة فتح الفتوح

* النظام القرآنی الراسم للرجعة.

* بقاء مجال التوبة فی الرجعة وکیفیة بقاء الاختیار والتوفیق بین ذلک وبین معاینة البرزخ والعذاب.

* استمرار الفتنة والامتحان والافتتان فی العوالم الأخری.

ص:47

ص:48

تفاسیر الرجعة

اشارة

قد ذکرت للرجعة عدة تفاسیر بعض منها خاطئة وأخری صائبة, ویمکن اصطیاد تعاریف أُخری لها من إشارات وبیانات الروایات، وإلیک جملة منها:

التفسیر الأوَّل: الرجعة والمعراج:

الرجعة ذات صلة بالمعراج، باعتبار أنّ السماوات تمثّل درجات فی التلطّف بنحو متفاوت کبیر لأنماط من الحیاة دون الجنّة والنار الأخرویة فی السابعة والسادسة أو دون سدرة المنتهی, والرجعة معراج عامّ بشری لتطوّر أحکام الحیاة الدنیویة، بخلاف المعراج الذی هو خاص بسید الأنبیاء.

وهذا التفسیر للرجعة یستلزم تفسیراً آخر للبرزخ وهو أنّه درجات بین أسافل الدنیا وأعالی الموجودات من السطح الأخروی.

التفسیر الثانی: الرجعة تناسخ:

ما تخیّله العامّة من أنّ الرجعة تناسخ وإنکار للآخرة، کما ذهب إلی ذلک بعض الفرق الباطنیة والغلاة والحلّاجیة، وتوهمه عدة من أهل الخلاف,

ص:49

والحال أن التناسخ إنما هو رجوع الروح ببدن جدید دنیوی، بینما الرجعة هی رجوع فی البدن الأصلی للإنسان کما هو الحال فی المعاد الجسمانی، وسیأتی تفصیل الفوارق بینهما.

التفسیر الثالث: الرجعة هی عدم الموت:

ما توهمه العامة أیضاً من أنّ الرجعة بمعنی عدم الموت والبقاء حیّاً , وذکروه عند تعرّضهم فی کتب التاریخ والرجال لعبد الله بن سبأ، وفسّروا علی طبق هذا التوهم أنّ القول بالرجعة تألیه لعلی(علیه السلام)، وذکر ذلک النوبختی(1)، نظیر توهّم النصاری من حیاة نبی الله عیسی ورجوعه، وقال: السبئیة فرقة قالت إن علیاً لم یقتل ولم یمت ولا یقتل ولا یموت حتی یسوق العرب بعصاه ویملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً، وهی أول فرقة قالت فی الإسلام بالوقف بعد النبی(صلی الله علیه و آله) من هذه الأمة(2).

وهذا خلط بین الرجعة وبین ما توهمه العامة من تفسیر لها, ونسبوا توهمهم إلی عبدالله بن سبأ, کما هو مطرد لدی العامة من تفاسیر لظواهر معرفیة ذات جذر قرآنی یستعصی فهمها وترجمتها علیهم, نظیر تخیلهم أن کل اتصال بالغیب نبوة، ومن ثم نسبوا إلی الإمامیة القول بالنبوة فی أهل البیت, ونظیر أن کل فعل خارق للعادة هو فعل إلهی وألوهیة، والخطورة

ص:50


1- (1) فرق الشیعة: 19.
2- (2) فرق الشیعة: 22.

تکمن فی إعتماد الباحثین أو بعض الإمامیة علی هذه التوهمات والتفاسیر الخاطئة لدی العامة، ومجاراتهم فیما ینسبونه إلی الأشخاص من مقالات.

التفسیر الرابع: الرجعة والتبری:

إنّ القول بالرجعة تبری من الشیخین والخلفاء الثلاثة، لأنّ معناه رجوع الحقّ لأهله.

ویشیر إلیه ما رواه فی منتخب بصائر الدرجات بالإسناد عن حماد، عن الفضیل، عن أبی جعفر(علیه السلام) أنه قال

:«لا تقولوا الجبت والطاغوت، ولا تقولوا الرجعة، فإن قالوا لکم: قد کنتم تقولون ذلک، فقولوا: أمّا الیوم فلا نقول، إنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) قد کان یتألّف الناس بالمائة ألف درهم لیکفّوا عنه، فلا تتألّفوهم بالکلام»(1).

حیث إنّ البراءة کانت قویّة، وهی من أهم معالم الدین، وإنّ الرجعة من شعب الولایة والبراءة، أمّا کونها من شعب الولایة فلإنّها مقام لأدوار الأئمّة(علیهم السلام)، وأمّا کونها من شعب البراءة فلأنه یتم فیها الانتقام من أعداء أهل البیت(علیهم السلام).

وروی الشیخ المفید(قدس سره) فی کتاب الفصول عن الحارث بن عبدالله الربعی أنّه قال: ... فقال سوار [قاضی أبی منصور الدوانیقی العباسی]: یا أمیر المؤمنین

ص:51


1- (1) مختصر بصائر الدرجات : ح25/79 ص137.

إنّه یقول بالرجعة، ویتناول الشیخین بالسبّ والوقیعة فیهما، فقال السیّد [الحمیری]: أمّا قوله إنّی أقول بالرجعة، فإنّی أقول بذلک علی ما قال الله تعالی: وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ 1، وقد قال فی موضع آخر: وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً2، فعلمنا أنّ هاهنا حشرین أحدهما عامّ والآخر خاصّ، وقال سبحانه: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلی خُرُوجٍ مِنْ سَبِیلٍ 3 وقال تعالی: فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ 4، وقال تعالی: أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ خَرَجُوا مِنْ دِیارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْیاهُمْ 5، فهذا کتاب الله، وقد قال رسول الله(صلی الله علیه و آله):

«یحشر المتکبّرون فی صورة الذرّ یوم القیامة »، وقال(صلی الله علیه و آله):

«لم یجر فی بنی إسرائیل شیء إلّا ویکون فی أمّتی مثله، حتّی الخسف والمسخ والقذف »، وقال حذیفة:

«والله ما أبعد أن یمسخ الله عَزَّ وَجَلَّ کثیراً من هذه الأمة قردة وخنازیر، فالرجعة التی أذهب إلیها ما نطق به القرآن، وجاءت به السنّة، وإنّی لأعتقد أنّ الله عَزَّ وَجَلَّ یرد هذا - یعنی سواراً - إلی الدنیا کلباً أو قرداً أو خنزیراً

ص:52

أو ذرّة فإنّه والله متجبّر متکبّر کافر»(1).

کما أنّه ینطبع عند العامة حالیاً، وعند الذهنیة العصریة البشریة أن العقیدة لدی الشیعة بالإمام المهدی(عج) وظهوره وبالرجعة عنوان لمشروع سیاسی عالمی یطیح بالأنظمة الراهنة فی البلدان لإقامة الدولة المنشودة لإرساء العدل, فکان هذا المشروع مخیفاً لبنی أمیة وبنی العباس، فهی نوع رمز لإدانة أئمة المخالفین وحکام الجور وسلاطینهم، إذ الرجعة تعنی المقاصة والمداینة حیث یُدین الله ویدیل لأئمة الحق من أئمة الباطل، بعد إنباء القرآن بملحمة عظیمة، وهی کون العاقبة للمتقین فی عمر الأرض.

ومن ثم کان ذکر الرجعة عند الأئمة(علیهم السلام) علی خلاف التقیة، نظراً للتحسس البالغ عند السلطات منها .

وَحَیْثُ أنَّ الرجعة عنوان لمشروع سیاسی لإقامة دولة أهل البیت، فکان الحدیث عن الرجعة مقلقا لبنی أمیة وبنی العباس.

التفسیر الخامس: الرجعة هی الظهور:
اشارة

إنّ الرجعة تعنی ظهور الإمام المهدی(عج) ورجوع الملک إلیهم بید ولدهم الثانی عشر(علیه السلام)، کما روی ذلک الخصیبی فی (الهدایة الکبری)(2) أن هذا التفسیر للرجعة قول لشذاذ من مقصرة الشیعة، قال الإمام الصادق(علیه السلام):

«أحسنت یا مفضّل، فمن أین قلت برجعتنا ومقصّرة شیعتنا [یقولون] إنّ معنی

ص:53


1- (1) أنظر: بحار الأنوار 132 - 53 : 130.
2- (2) الهدایة الکبری ص 419.

الرجعة أن یرد الله إلینا ملک الدنیا فیجعله للمهدی(عج)، ویحهم متی سلبنا الملک حتّی یرد إلینا؟».

وفی ذیل التفسیر الخامس نذکر مطلبین لرفع هذه الشبهة:

الأول: الرجعة والدولة الإلهیة للإمامة:

هناک تفسیر سطحی سائد للرجعة، وهو أنَّ فی الرجعة یتمُّ إقامة بنیان دولة مُحمَّد وآل مُحمَّد(علیهم السلام)، وبالتالی یرجع الملک الإلهی إلیهم.

وهذا التفسیر للرجعة مبنی علی تصورات خاطئة أُخری، وهی کون أئمة أهلا لبیت(علیهم السلام) معزولون عن الإمساک بزمام أمور الأرض وإدارة المجتمعات؛ وذلک بسبب ظلم الجائرین وإقصائهم عن سُدَّة الحکم، وأنَّ نشاطهم فی هذا الموقع مُجمَّدٌ إلی أنْ یحین آون الظهور والرجعة.

هکذا بُنی التصوُّر عند کثیرین، وإلی فساد هذا التوهُّم تشیر روایة المفضل الطویلة التی استخرجها المجلسی(رحمه الله) (ورواها الخصیبی فی الهدایة الکبری) فمن أین قلت برجعتنا، ومقصرة شیعتنا تقول إن معنی الرجعة أنْ یرد الله إلینا ملک الدنیا، وأنْ یجعله للمهدی(عج)، ویحهم متی سُلبنا الملک حتّی یُردّ علینا ، قال المفضّل: لا والله وما سلبتموه ولا تسلبونه؛ لأنَّه ملک النبوة والرسالة والوصیة والإمامة(1).

ص:54


1- (1) البحار/ ج53/ ص26؛ الهدایة الکبری للحصین/ص410.

إذْ اللازم الاعتقاد والمعرفة بوجود الدولة الإلهیة التی یقودها خلیفة الله فی الأرض، وهی منذ بدء قیامها خفیّة، واستمرت فی الخفاء، وإنَّما تظهر عند ظهور المهدی(عج) والرجعة، ومن ثم سُمی الظهور ظهورا؛ لأنَّه بروز هذهِ الدولة من الخفاء إلی العلن، وکذلک الرجعة سمیت بالظهور، أی ظهور کل معصوم(علیه السلام) من مغیبه وقبره.

فقد أُطلق الظهور علی رجوع کل معصوم من مغیبه، وهو رمسُهُ وقبرُهُ، والوجه فی إطلاق الظهور علی رجوعهم(علیهم السلام) رغم رحیلهم من الحیاة الدنیا إلی البرزخ لأنَّهم لم ینقطعوا عن تدبیر وإدارة أمور العباد عبر آلیات وأدوات خفیة، نظیر التصرف عبر خدامهم وأعوانهم من الملائکة، کما تشیر سبع سور من القرآن الکریم إلی إنقیاد وتبعیة وطاعة جمیع نظام الملائکة لخلیفة الله فی الأرض، کقوله تعالی: وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا (1)، وغیرها من السور(2).

وَقَدْ روی الکلینی فی الکافی بسنده عن أبی خالد الکابلی عن أبی عبدالله(علیه السلام) أنَّه قال:

«إنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ جعل الدین دولتین؛ دولة آدم - وهی دولة الله - ودولة إبلیس - فإذا أراد الله أنْ یعبد علانیة کانت دولة آدم، وإذا أرد الله أنْ یعبد فی السرِّ کانت دولة إبلیس، والمذیع لما أراد الله ستره ما رقَ من

ص:55


1- (1) سورة البقرة: الآیة 34.
2- (2) سورة الأعراف: الآیة 11؛ سورة الإسراء: الآیة 61؛ سورة الکهف: الآیة 50؛ سورة طه: الآیة 116؛ سورة الحجر: الآیة 3، ص: 73.

الدین»(1). ورواه بطریق آخر فی روضة الکافی(2).

ومفاد هذا الحدیث أنَّ هاتین الدولتین قائمتان علی طوال التاریخ منذ نشأة آدم(علیه السلام) وعداوة إبلیس له إلی یومنا هذا، غایة الأمر أنَّ الغلبة الظاهریة تارة یجعلها الله للدولة الإلهیة الحقّة، وأُخری یجعلها لدولة إبلیس، وأنَّ الدولة العظمی للشر التی تسیر بقیة دول الشر ومعسکره هی دولة إبلیس فی الحقیقة، وأنَّ دول الشرّ الظاهریة یتحکَّم فیها فی الخفاء ویسیطر علیها دولة إبلیس، فدولة الحق لا زالت قائمة إلّا أنَّ لها خفاء وظهورا لا أنَّ لها زوال ثم تتولد وتظهر للوجود.

ومن ثم کان قیام الإمام المهدی(عج) ظهوراً لدولة الحق، وکذلک أُطلق علی الرجعة أنَّها ظهور کما مرَّت الإشارة إلیها، بلْ إنَّ لإطلاق الظهور علی الرجعة وجه مناسبة آخر معاضد للذی سبق، وهو أنَّهم(علیهم السلام) رغم کونهم فی البرزخ إلّا أنَّهم حسب روایات مستفیضة فی الرجعة لهم نزول غیر مرئی إلی الدنیا یقومون بتصرفات کنزول الملائکة لنصرة المؤمنین، کما فی بدر وأُحُد وغیرها من المشاهد.

وقد عبَّر فی مستفیض الروایات عن ذلک بالنزول، وهو غیر الرجعة، وقد فصَّلنا الفارق بین حقیقة الرجعة والنزول فیما سیأتی.

وعلی ضوء ذلک فتدبیرهم وإداراتهم للأمور ضمن منظومة مُحمَّد

ص:56


1- (1) الکافی: ج372 :2، باب الإذاعة، الحدیث 11 فی الروضة.
2- (2) ....: ج159 :8، الحدیث 153.

وآل مُحمَّد(علیهم السلام) ومراتبهم ومقاماتهم التی رتَّبهم الله فیها، فیکون رجوع کل منهم إلی دار الدنیا وخروجه من القبر الشریف فی بعث الرجعة لإقامة دولة الرجعة حسب نوبة کل منهم ظهورا له بعد غیبته فی البرزخ والقبر، وظهورا لإدارته وتدبیره وولایته بعد أنْ کانت خفیة حین کینونته فی البرزخ.

وقد وَرَدَ إطلاق الغیبة علی موتهم ورحیلهم إلی البرزخ، وإطلاق الظهور علی بعثهم فی الرجعة فی روایات وزیارات عدیدة، نظیر ما وَرَدَ فی زیارة أمیر المؤمنین التی رواها بن المشهدی فی المزار الکبیر(1)، فقد وَرَدَ ضمن الزیارة «موقن بآتیک، مؤمن برجعتک، منتظر لأجرک، مترقِّب لدولتک، آخذ بقولک، عامل بأمرک مستجیراً بک» ، فتبیَّن أنَّ دولة الحق ما زالت وکانت منذ آدم(علیه السلام) إلی یومنا هذا فی الغیبة الکبری للإمام الثانی عشر(عج)، وأنَّ الظهور والرجعة ظهورٌ لها.

کما أنَّ دولة إبلیس دولة الباطل والشرور کانت وما زالت قائمة، وهی فی حین کونها دولة خفیة غیر مرئیة إلّا أنَّ دول الباطل الظاهرة أجنحة لها وبروز لها، غایة الأمر أنَّ فی الظهور والرجعة ینکسر ظهور دولة إبلیس ولکنَّها لا تزول، بلْ هی باقیة فی الصراع إلی قریب أواخر الرجعة، رغم أنَّ إبلیس یقتل عِدَّة مرات ولکنه یرجع عِدَّة مرات إلی أنْ تکون آخر قتلته علی ید رسول الله، فیکون تقویضاً لدولة الباطل فیعبد الله حقّ عبادته فی أرجاء الأرض.

ص:57


1- (1) المزار الکبیر/ باب 13/ زیارة 15.
الثانی: الحساب فی الرجعة:

ومما یدلُّ علی وقوع الحساب فی أواخر الرجعة قوله تعالی: وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَ وُضِعَ الْکِتابُ وَ جِیءَ بِالنَّبِیِّینَ وَ الشُّهَداءِ وَ قُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ (1).

فقد ورد فی زیارة أمیر المؤمنین(علیه السلام) التی رواها المشهدی فی المزار الکبیر(2) یخاطبه الزائر بهذهِ الکلمات «... موقن بآیاتک مؤمن برجعتک منتظرٌ لأمرک مترقِّب لدولتک آخذ بقولک عامل بأمرک مستجیرٌ بک مفوِّض أمری إلیک متوکِّلٌ فیه علیک، زائر لک لائذٌ ببابک الذی فیه غبت ومنه تظهر حتّی تمکن الذی ارتضی وتبدل بعد الخوف أمنا، وتعبد المولی حقّاً ولا تشرک به شیئاً، ویصیر الدین کله لله، وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الکتاب وجیء بالنبیین والشهداء وقضی بینهم بالحق، وهم لا یظلمون، والحمد لله رب العالمین ... ».

ففیها إشارة واضحة إلی أنَّ فصل القضاء فی الحساب هو فی الرجعة، وأنّ الأرض التی تشرق هی أرض الدین کما وَرَدَ فی ذیل الآیات، وأنَّ الأرض التی تشرق بنور ربها هی أرض الدنیا، فهناک روایات عدیدة معتبرة تشیر إلی أنَّ الأرض أرض الدنیا عند الظهور والرجعة.

کما أنَّ الآیة اللاحقة لهذه الآیة هی الأُخری دالَّة علی أنَّ إشراق

ص:58


1- (1) سورة الزمر: الآیة 69.
2- (2) المزار للمشهدی، ب 13/ رقم الزیارة 15 ص308.

الأرض قبل البعث إلی الجنة أو إلی النار(1).

ووردت روایات فی تفسیر القمی وإرشاد المفید مفادها ذلک.

التفسیر السادس: الرجعة معاد:

إنّ الرجعة نوع مصغر من المعاد الجسمانی، ومعجزة من المعجزات کإحیاء عیسی للموتی، وقد ذکره الشیخ المظفّر فی (عقائد الإمامیة)(2) قال:

«أمّا أنّ الرجعة مستحیلة فقد قلنا: إنّها من نوع البعث والمعاد الجسمانی غیر أنّها بعث موقوت فی الدنیا».

وقد ذهب إلی هذا التفسیر من أنها معاد أصغر جملة من علماء الإمامیة سیأتی ذکر کلماتهم لاحقا.

التفسیر السابع: حقیقة البرزخ والرجعة والترابط بینهما:

بأن یقال بأن الرجعة تکثّف للوجود البرزخی لیتصرف فی الشؤون الأرضیة، وقد یدعی استظهاره من عدة من الأدلة الواردة، وأن الرجعة هی من عالم البرزخ، حیث إن الطینة الأصلیة الباقیة فی القبر - التی بها یرجع الموتی وهی غیر مرئیة - تکاد تکون مماثلة للمادة والجسم البرزخی، ویظهر احتماله فی کلمات الشیخ أحمد الاحسائی، أو حکایته عن بعض.

ص:59


1- (1) لاحظ فی ذلک تفسیر نور الثقلین؛ وتفسیر البرهان/ تحت ذیل الآیة 69.
2- (2) عقائد الإمامیة ص82.

قال الشیخ أحمد الاحسائی بعدما ذکر أن ما ورد من الحساب فی الرجعة، إنما هو الحساب فی البرزخ علی الأعمال:

«لأن الرجعة من نوع البرزخ، ألا تری أن المؤمن إذا مات التحقت روحه بجنة الدنیا، وإن کان کافراً أو مشرکاً أو منافقاً التحقت روحه بنار الدنیا، وجنة الدنیا هی الجنتان المدهامتان، وهی تخرج فی الرجعة، کما یأتی عند مسجد الکوفة» انتهی.

والصحیح - کَمَا سیأتی بیانه - أن البرزخ حالة متوسطة بین مقاطع من الدنیا أو قل یتوسط البرزخ مرات ودفعات بین الحیاة الأولی فی الدنیا وحیاة الآخرة من الدنیا، وهی الرجعة لا أن الحیاة البرزخیة هی الرجعة, فالبرزخ کالحالة المنامیة بین یقظتین وأما حیاة الرجعة فی الدنیا فهی بعث من القبر، وهی الواسطة بین الحیاة الأولی من الدنیا وعالم القیامة، وقال:

«و لذلک تظهر فی الرجعة الجنتان المدهامتان، وتظهر أحکام الباطن الملکوتی، وأسرار مقامات أهل البیت(علیهم السلام) عیاناً، ویزول الشرک ظاهراً وباطناً، ویحاسب الحسین(علیه السلام) أکثر الخلق فی أواخر الرجعة».

وقد روی بریدة الأسلمی، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله):

«کیف أنت إذا استیأست أمّتی من المهدی، فیأتیها مثل قرن الشمس، یستبشر به أهل السماء وأهل الأرض؟ فقلت: یا رسول الله بعد الموت؟ فقال: والله إنّ بعد الموت هدی وإیماناً ونوراً، قلت: یا رسول الله، أیّ العمرین أطول؟ قال:الآخر بالضعف»(1)، بدعوی تقریب أنَّ الوجود البرزخی یتکاثف فتتکون لدیه قدرة علی

ص:60


1- (1) مختصر البصائر: 106 و 107 / ح3 .

التصرف فی الحیاة الأرضیة.

وَقَدْ یستظهر ذلک من التفرقة بین الوجودات البرزخیة کالذی ورد من التفرقة بین الموت العادی وبین الموت بالقتل، کما نبهت علیها الآیات والروایات ففی قوله تعالی: وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَی اللّهِ تُحْشَرُونَ (1)، وقوله تعالی: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِکُمْ (2).

وما رواه فی مختصر بصائر الدرجات من صحیح زرارة، قال: کرهت أن أسأل أبا جعفر(علیه السلام) فاحتلت مسألة لطیفة لأبلغ بها حاجتی منها،فقلت: أخبرنی عمَّن قتل مات؟ قال: لا، الموت موت، والقتل قتل، فقلت له: ما أحد یقتل إلّا مات، قال: فقال: یا زرارة، قول الله أصدق من قولک قد فرَّق بین القتل والموت فی القرآن، فقال: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ ، وقال: وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَی اللّهِ تُحْشَرُونَ ، فلیس کما قلت یا زرارة، فالموت موت والقتل قتل. وقد قال الله عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ اللّهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ فَیَقْتُلُونَ وَ یُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا (3)، قال: فقلت: إنّ الله عَزَّ وَجَلَّ یقول: کُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ، أفرأیت من قتل لم یذق الموت؟ فقال:

«لیس من قتل بالسیف کمن مات علی فراشه، إنّ من قتل لابدَّ أن یرجع إلی الدنیا حتّی یذوق

ص:61


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 158.
2- (2) سورة آل عمران: الآیة 144 .
3- (3) سورة التوبة: الآیة 111.

الموت(1)»، فهل التفرقة تقتصر علی السبب، أم فی ما یحصل منهما من وجود برزخی، أم فی کیفیة مفارقة الروح للبدن؟.

وقوله تعالی: وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لکِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ، وقوله تعالی: إِنِّی مُتَوَفِّیکَ وَ رافِعُکَ إِلَیَّ ، وقوله تعالی: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ إِلاّ لَیُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ، فهو موصوف أنه متوفّی أومرّ به هذا الوصف اثناء الرفع وان أعید له روحه فی السماء بعد رفعه، فلیس بمیت فعلاً وما قتل أصلاً.

التفسیر الثامن: الرجعة هی نزول:

أنّ الرجعة هی النزول من السماء والنزول من البرزخ.

وروی الراوندی فی الخرائج عن کتاب سهل الآدمی بسند محسّن عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال: «قال الحسین بن علی(علیهماالسلام) لأصحابه قبل أن یقتل: إنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال لی: یا بنی إنَّک ستساق إلی العراق، وهی أرض قد التقی بها النبیّون، وأوصیاء النبیّین، وهی أرض تدعی: (عمورا)، وإنَّک تستشهد بها ویستشهد جماعة معک من أصحابک لا یجدون ألم مسّ الحدید، وتلا: یا نارُ کُونِی بَرْداً وَ سَلاماً عَلی إِبْراهِیمَ ، تکون الحرب علیک وعلیهم برداً وسلاماً فأبشروا، فوَالله لئن قتلونا فإنّا نرد علی نبیّنا(صلی الله علیه و آله)، ثمّ أمکث ما شاء الله، فأکون أوّل من تنشقّ عنه الأرض، فأخرج خرجة یوافق ذلک

ص:62


1- (1) العیاشی: 139/2:112؛ مختصر بصائر الدرجات: ح7/61 ص122.

خرجة أمیر المؤمنین(علیه السلام)، وقیام قائمنا(عج)، وحیاة رسول الله(صلی الله علیه و آله)، ثمّ لینزلنّ إلیَّ جبرئیل ومیکائیل وإسرافیل، وجنود من الملائکة، ولینزلنّ محمّد وعلی وأنا وأخی وجمیع من منَّ الله علیه فی حمولات من حمولات الربّ، خیل بلق من نور، لم یرکبها مخلوق، ثمّ لیهزنَّ محمّد(صلی الله علیه و آله) لواءه ولیدفعنَّه إلی قائمنا(عج) مع سیفه، ثمّ إنّا نمکث بعد ذلک ما شاء الله، ثمّ إنّ الله یخرج من مسجد الکوفة عیناً من دهن وعیناً من لبن وعیناً من ماء، ثمّ إنَّ أمیر المؤمنین(علیه السلام) یدفع إلیَّ سیف رسول الله(صلی الله علیه و آله) فیبعثنی إلی الشرق والغرب، ولا آتی علی عدوّ لله إلّا أهرقت دمه، ولا أدع صنماً إلّا أحرقته، حتّی أقع إلی الهند فأفتحها، وإنّ دانیال ویونس یخرجان إلی أمیر المؤمنین(علیه السلام) یقولان: صدق الله ورسوله، ویبعث معهما إلی البصرة سبعین رجلاً فیقتلون مقاتلتهم، ویبعث بعثاً إلی الروم فیفتح الله لهم، ثمّ لأقتلنَّ کلّ دابّة حرم الله لحمها حتّی لا یکون علی وجه الأرض إلّا الطیّب، وأعرض علی الیهود والنصاری وسائر الملل ولأخیّرنّهم بین الإسلام والسیف، فمن أسلم مننت علیه، ومن کره الإسلام أهرق الله دمه، ولا یبقی رجل من شیعتنا إلّا أنزل الله إلیه ملکاً یمسح عن وجهه التراب، ویعرفه أزواجه ومنازله فی الجنّة، ولا یبقی علی وجه الأرض أعمی ولا مقعد ولا مبتلی إلّا کشف الله عنه بلاءه بنا أهل البیت، ولتنزلنَّ البرکة من السماء إلی الأرض حتّی أنّ الشجرة لتقصف بما یرید الله فیها من الثمر، ولیأکلنَّ ثمرة الشتاء فی الصیف، وثمرة الصیف فی الشتاء وذلک قوله تعالی: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُری آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ

ص:63

بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ ، ثمّ إنّ الله لیهب لشیعتنا کرامة لا یخفی علیهم شیء من الأرض وما کان فیها، حتّی أنّ الرجل منهم یرید أن یعلم علم أهل بیته فیخبرهم بعلم ما یعملون»(1).

فهل الرجعة هی انشقاق الأرض والخروج منها کما فی صدر الروایة، أو نزول من السماء بجسم نورانی کما هو مفاد أواسط هذا المتن، أم هناک فرق بین بدایات الرجعات ونهایاتها کما هو مقتضی تصویر بدایة ونهایة الروایة مع الفصل ب (ثمّ)؟

ویدعمه ما ورد فی روایات مستفیضة فی ذیل قوله تعالی: وَ جاءَ رَبُّکَ وَ الْمَلَکُ صَفًّا صَفًّا ، حیث أوّل بنزول النبی(صلی الله علیه و آله) مع حمولة من الملائکة لنصرة أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی حربه مع إبلیس، فینزل لیقتل إبلیس.

وفی بعض الروایات أنّه عند ظهوره(عج) ینزل النبیّ وعلی وجبرئیل فی غار حراء، فیملی رسول الله(صلی الله علیه و آله) علی علیّ(علیه السلام) کتاباً، فیأخذه جبرئیل ویسلّمه إلی الحجّة عند الکعبة لینفّذ ما فیه من أوامر.

لکن الظاهر - کَمَا سیأتی تحقیقه مفصلاً - أنّ النزول من السماء لیس رجعة ولا کرّة، ولکنّه نزول غیر مرئی إلی الأرض کنزول الملائکة فی بدر وغیرها من حروب رسول الله(صلی الله علیه و آله)، ولذلک لا یری أحد النبی(صلی الله علیه و آله) حینما ینزل لقتل ابلیس کما أشیر الی ذلک فی سورة الأنفال، إلّا إبلیس فیقول:

ص:64


1- (1) الخرائج والجرائح: ج2 ص849؛ نوادر المعجزات: ح63.

إِنِّی أَری ما لا تَرَوْنَ .

والقرینة الأُخری قول الحسین(علیه السلام) فی الروایة السابقة:

«ثمّ إنّا نمکث بعد ذلک ما شاء الله وهو مکث البرزخ کقوله فی صدر الروایة أنه بعدما یستشهد: «أمکث ما شاء الله، ثم أکون أول من تنشق الأرض عنه».

وأما قوله(علیه السلام) فی وسط الروایة:

«ولینزلن محمد وعلی وأنا وأخی» فهو من باب الالتفات والانتقال من بحث الرجعة إلی بحث النزول والذی حقیقته متداخلة زمنا مع الظهور و الرجعة - کَمَا سیأتی فی الباب الثَّالِث - بل هو زمنا أعم مطلقاً، وقد عقد المجلسی فی البحار فی کتاب الامامة بابا تحت عنوان «أنَّهم(علیهم السلام) یظهرون بعد موتهم وتظهر منهم الغرائب»(1)، وهذا الظهور لیس رجعة وانما حقیقته نزول وتنزل.

وقد توهم جملة من الأعلام الباحثین فی الرجعة أن النزول الذی تتعرض إلیه کثیر من الروایات رجعة، فاختلط لدیهم کثیر من مباحث الرجعة بمباحث النزول، وقد تمّم العنوان بعبارة «وتأتیهم أرواح الأنبیاء وتظهر لهم الأموات من أولیاءهم وأعداءهم» ومراده من هذا التتمة أن الائمة الاحیاء(علیهم السلام) تأتیهم ارواح الانبیاء ممن قد ماتوا، أی تتنزل إلیهم أرواح الانبیاء، کما أن ظهور الاموات للاحیاء منهم قدْ یکون بنحو تنزل الاموات لهم، وقد یکون بنحو کشف الغطاء عن ابصارهم، کما أن

ص:65


1- (1) بصائر الدرجات ص294 . ب5من ج6 ح3 .البحارج27 ص 302 .

الروایات التی أوردها دالة علی أن التنزل والنزول لایختص بأهل الخیر من الأموات، بل یعم الاشرار من أعداءهم لکن لا بمعنی أن الاشرار مطلقی العنان، وإنما ذلک ضمن تدبیر الهی وفق حکمة معینة.

وکذلک عقد فی بصائر الدرجات بابا بعنوان «أنَّ الائمة(علیهم السلام) یزورون الموتی وأن الموتی یزورونهم»(1)، وهذا العنوان هو الذی اقتبس منه المجلسی عنوانه السابق.

ومما رواه المجلسی فی ذلک الذی هو ظهور من نمط النزول ما رواه فی بصائر الدرجات بسند صحیح أعلائی عن إبراهیم ابن ابی البلاد، قال قلت لابی الحسن الرضا(علیه السلام) حدثنی عبدالکریم ابن حسان عن عبیدة بن عبدالله بن بشیر الخثعمی عن أبیک أنه قال: کنت ردف أبی وهو یرید العریض، فلقیه شیخ أبیض الرأس واللحیة یمشی قال فنزل إلیه، فقبل بین عینیه فقال إبرهیم: ولا أعلمه إلا أنه قبل یده، ثم جعل یقول له جعلت فداک والشیخ یوصیه فکان فی آخر ما قال له أنظر الاربع رکعات فلا تدعها، قال وقام أبی حتی تواری الشیخ ثم رکب، فقلت یا ابة من هذا الذی صنعت به ما لم أرک صنعته بأحد قال: هذا ابی یابنی»(2) والصحیحة تشیر الی ظهور الباقر(علیه السلام) ونزوله وتنزله للإمام الصادق(علیه السلام) .

وروی فی بصائر الدرجات موثق سماعة , قال دخلت علی أبی عبدالله(علیه السلام)

ص:66


1- (1) بصائر الدرجات ج 6 ب5.
2- (2) بصائر الدرجات ج6 الباب5 الحدیث 3.

وانا أحدث نفسی فرآنی فقال: مالک تحدث نفسک تشتهی ان تری أبا جعفر(علیه السلام)؟

قلت: نعم, قال: قم فادخل البیت, فدخلت فإذا هو أبو جعفر(علیه السلام). وقال اتی قوم من الشیعة الحسن بن علی(علیه السلام) بعد قتل أمیر المؤمنین(علیه السلام) فسألوه قال: تعرفون أمیر المؤمنین(علیه السلام) إذا رأیتموه، قالوا نعم قال فارفعوا الستر فرفعوه فإذا هم بأمیر المؤمنین(علیه السلام) لا ینکرونه، وقال أمیر المؤمنین(علیه السلام)

«یموت من مات منا ولیس بمیت ویبقی من بقی منا حجة علیکم»(1).

وقوله(علیه السلام):

«یموت من مات منا ولیس بمیت» إشارة إلی أن من مات منهم وانتقل إلی البرزخ لا ینقطع تصرفه وتدبیره لشؤون الدنیا، ومن أحد آلیات هذا التصرف نزوله وتنزله إلی الأرض، هذا مضافاً الی ولایة الطاعة لکل منهم علی منظومة الملائکة.

ولا یخفی ما فی الروایة من تنزل الباقر(علیه السلام) فی عهد الصادق(علیه السلام)، وتنزل أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی عهد الحسن(علیه السلام).

وروی فی بصائر الدرجات موثقة أخری لسماعة، قال کنت عند ابی الحسن(علیه السلام) فأطلت الجلوس عنده فقال اتحب ان تری ابا عبدالله، فقال وددت والله، فقال قم وادخل ذلک البیت فدخلت البیت فاذا ابو عبدالله قاعد(2).

ص:67


1- (1) بصائر الدرجات ص295 . ب5من ج6 ح4.
2- (2) بصائر الدرجات/ج 6.

وروی فی بصائر الدرجات صحیح الوشاء عن ابی الحسن الرضا(علیه السلام) قال قال لی فی خراسان رأیت رسول الله(صلی الله علیه و آله) هاهنا والتزمته(1) .

وروی روایات عدیدة بطرق کثیرة مستفیضة جدا أن أمیر المؤمنین(علیه السلام) حاجج أبا بکر وأراه رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی مسجد قبا، وزجر رسول الله أبا بکر عن غصب الخلافة، وذکر روایات أُخری عن تنزل الانبیاء والاوصیاء السابقین لرسول الله(صلی الله علیه و آله) فی حیاته، ولأمیر المؤمنین(علیه السلام) أیضا.

التفسیر التاسع: الرجعة یقظة من نوم الموت:
اشارة

ویستدعی بیان هذا التفسیر الإشارة إلی حقیقة الموت ومراتبه المنامیة:

فإن للنوم والموت مراتب ذات صلة وطیدة بتفسیر الرجعة , وعلیه لا بدَّ من ذکر النقاط الآتیة:

1 - إنّ الموت نوم أعمق من النوم العادی.

2 - قوله تعالی: فَضَرَبْنا عَلَی آذانِهِمْ فِی الْکَهْفِ سِنِینَ عَدَداً (2)، فسّرها الصدوق بالموت(3).

3 - قوله تعالی: قالُوا یا وَیْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ، فسَّرها الصدوق فی الاعتقاد فی الرجعة بأنّ

ص:68


1- (1) بصائر الدرجات / ج6 ب5 ح/1.
2- (2) سورة الکهف: الآیة 11.
3- (3) اعتقادات الصدوق الاعتقاد فی الرجعة.

الرقود هو الموت، ووَرَدَ بذلک روایات کما ساتی.

4 - قوله تعالی: اللّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنامِها فَیُمْسِکُ الَّتِی قَضی عَلَیْهَا الْمَوْتَ وَ یُرْسِلُ الْأُخْری ، تبین الآیة الکریمة اشتراک الموت والنوم فی حقیقة واحدة، وهو التوفّی، ومعناه قبض الروح وخروجها من التعلق بالبدن درجة لا بدرجة الانقطاع التام.

5 - قوله تعالی لَبَرَزَ الَّذِینَ کُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلی مَضاجِعِهِمْ (1) فسمَّ القبر مضجعاً.

6 - قوله تعالی: إِذْ قالَ اللّهُ یا عِیسی إِنِّی مُتَوَفِّیکَ وَ رافِعُکَ إِلَیَّ (2).

وفی حدیث:

«... ما شبّه أمر أحد من أنبیاء الله وحججه للناس إلّا أمر عیسی بن مریم(علیه السلام) وحده، لأنَّه رفع من الأرض حیّاً، وقبض روحه بین السماء والأرض، ثمّ رفع إلی السماء وردّ علیه روحه وذلک قول الله تعالی: إِذْ قالَ اللّهُ یا عِیسی إِنِّی مُتَوَفِّیکَ وَ رافِعُکَ إِلَیَّ وَ مُطَهِّرُکَ (3)...»(4).

وقوله تعالی: وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لکِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَ إِنَّ الَّذِینَ اخْتَلَفُوا فِیهِ لَفِی شَکٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَ ما قَتَلُوهُ یَقِیناً بَلْ رَفَعَهُ اللّهُ إِلَیْهِ وَ کانَ اللّهُ عَزِیزاً حَکِیماً (5) وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ

ص:69


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 154.
2- (2) سورة آل عمران: الآیة 55.
3- (3) المصدر السابق.
4- (4) الخصال للصدوق، ص529.
5- (5) سورة النساء: الآیة 158.

إِلاّ لَیُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ یَکُونُ عَلَیْهِمْ شَهِیداً (1).

7 - قال رسول الله(صلی الله علیه و آله):

«کما تنامون تموتون، وکما تستیقظون تبعثون»(2).

8 - قوله تعالی: فَضَرَبْنا عَلَی آذانِهِمْ فِی الْکَهْفِ سِنِینَ عَدَداً ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَیُّ الْحِزْبَیْنِ أَحْصی لِما لَبِثُوا أَمَداً وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما یَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ فَأْوُوا إِلَی الْکَهْفِ یَنْشُرْ لَکُمْ رَبُّکُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ یُهَیِّئْ لَکُمْ مِنْ أَمْرِکُمْ مِرفَقاً وَ تَرَی الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ کَهْفِهِمْ ذاتَ الْیَمِینِ وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَ هُمْ فِی فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِکَ مِنْ آیاتِ اللّهِ مَنْ یَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ یُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِیًّا مُرْشِداً وَ تَحْسَبُهُمْ أَیْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْیَمِینِ وَ ذاتَ الشِّمالِ وَ کَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَیْهِ بِالْوَصِیدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَیْهِمْ لَوَلَّیْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً * وَ کَذلِکَ بَعَثْناهُمْ لِیَتَسائَلُوا بَیْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ کَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالُوا رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ ... .... وَ کَذلِکَ أَعْثَرْنا عَلَیْهِمْ لِیَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ أَنَّ السّاعَةَ لا رَیْبَ فِیها » (3). فجعل الله تعالی بعث اصحاب الکهف من رقودهم مئات السنین بالکهف - وهو نحو من الرجعة - برهاناً علی البعث فی المعاد الأکبر، ومن ثم قال عدة من علماء الامامیة بأنَّ الرجعة معادا أصغر وبرهان علی المعاد الاکبر.

ص:70


1- (1) سورة النساء: الآیة 159.
2- (2) سورة الکهف: الآیة 11 - 21.
3- (3) الکافی، 128/8، الحدیث 57.

9 - الفرق بین البعث والإحیاء للموتی من قبل الأنبیاء والأوصیاء کمعجزه، أنَّ البعث فی الرجعة هو أن یبقی الذی بعث من قبره عمراً لحیاة أخری یستکمل فیها الامتحان والتکلیف، بینما صرف الإحیاء من القبر ومن الموت کمعجزة للأنبیاء والأوصیاء لیس بالضرورة أن یبقی المحیی طویلاً، بل هی إطلالة قصیرة غالباً، مثل قوله تعالی: إِذْ قالَ اللّهُ یا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ اذْکُرْ نِعْمَتِی عَلَیْکَ وَ عَلی والِدَتِکَ إِذْ أَیَّدْتُکَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُکَلِّمُ النّاسَ فِی الْمَهْدِ وَ کَهْلاً وَ إِذْ عَلَّمْتُکَ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِیلَ وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّینِ کَهَیْئَةِ الطَّیْرِ بِإِذْنِی فَتَنْفُخُ فِیها فَتَکُونُ طَیْراً بِإِذْنِی وَ تُبْرِئُ الْأَکْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِی وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتی بِإِذْنِی (1).

فقوله: وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتی بِإِذْنِی بیان لکون الرجوع والرجعة خروج من القبر، ولیس تولد من الأرحام والأصلاب .

وقوله تعالی: وَ أُحْیِ الْمَوْتی بِإِذْنِ اللّهِ وَ أُنَبِّئُکُمْ بِما تَأْکُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِکُمْ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ .

وقوله تعالی: وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتی بِإِذْنِی (2)، وقوله تعالی: وَ أُحْیِ الْمَوْتی بِإِذْنِ اللّهِ (3) والخروج من القبر نمطٌ ونحو من البعث للموتی.

وقوله تعالی: إِنَّما یَسْتَجِیبُ الَّذِینَ یَسْمَعُونَ وَ الْمَوْتی یَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَیْهِ

ص:71


1- (1) سورة المائدة: الآیة 110.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 110.
3- (3) سورة آل عمران: الآیة 49.

یُرْجَعُونَ ، فالمقابلة فی الآیة بین من یستمع وبین الموتی - وهم الذین لا یسمعون - وهؤلاء یبعثهم الله فی الرجعة کحیاة أُخری لهم لیسمعوا دعوة الله.

10 - مراتب الموت عدیدة ، منها المنام فإنه بمراتبه مراتب من الموت، ومنها صعود عیسی ورفعه إلی السماء فهو مرتبة أخری، ومنها نوم أصحاب الکهف مرتبة ثالثة منه.

وَقَدْ روی أنّه لمّا جاء أمیر المؤمنین(علیه السلام) لیغسّل سلمان وجده قد مات، فرفع الشملة عن وجهه فتبسّم وتحرَّک وهمَّ أن یقعد، فقال له علی(علیه السلام):

«عُد إلی موتک، فعاد»(1). فإنه یدلُّ علی مرتبة من الرجوع ثم العود.

وروی الکشی بسنده عن ربعی بن عبدالله، قال حدثنی غاسل الفضیل بن یسار قال إنی أغسل الفضیل بن یسار وإن یده لتسبقنی إلی عورته، فخبرت بذلک أبا عبدالله(علیه السلام)، فقال لی:

«رحم الله الفضیل بن یسار وهو منا أهل البیت»(2).

وعن ابن عبّاس فی حدیث أهل الکهف: إنّهم لمّا أووا إلی الکهف أوحی الله إلی ملک الموت أن یقبض أرواحهم، ووکَّل بکلّ رجل منهم ملکین یقلّبانه ذات الیمین وذات الشمال، فمکثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنین، فلمّا أراد الله أن یحییهم أمر إسرافیل الملک أن ینفخ فیهم الروح، فنفخ

ص:72


1- (1) البحار22 :ص 384، باب کیفیة إسلام سلمان، حدیث : 21.
2- (2) إختیار معرفة الرجال : حدیث :381 .

فقاموا من رقدتهم، فقال بعضهم لبعض: قد غفلنا فی هذه اللیلة(1)....

11 - وقد مرَّ قول أبی جعفر(علیه السلام) لزرارة(2)

«من قتل لم یمت، الموت موت والقتل قتل»، أی إن هناک موتاً بالمعنی العام الشامل للموت الطبیعی وللنوم والقتل والموت بالمعنی الأخص، وهو زهوق الروح حتف أنفه، کما أن هناک نوم بالمعنی العام والأعم الشامل للموت بالمعنی الأخص، وهو حتف الأنف، وهذا المعنی شامل للموت الاعتیادی الطبیعی بلا سبب قاتل وهو الموت بالمعنی الخاص المقابل للقتل، والقتل مندرج تحت الموت بالمعنی العام ومقابل للموت بالمعنی الخاص.

فعن زرارة قال: کرهت أن أسأل أبا جعفر(علیه السلام) عن الرجعة واستخفیت ذلک، قلت: لأسألنّ مسألة لطیفة أبلغ فیها حاجتی، فقلت: أخبرنی عمَّن قتل أمات؟ قال:

«لا، الموت موت، والقتل قتل»، قلت: ما أحد یقتل إلّا وقد مات، فقال:

«قول الله أصدق من قولک، فرق بینهما فی القرآن، فقال: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ (3)،

وقال: وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَی اللّهِ تُحْشَرُونَ (4)،

ولیس کما قلت یا زرارة، الموت موت والقتل قتل»، قلت: فإنّ الله یقول: کُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ (5)،

قال: «من قتل لم یذق الموت»، ثم قال: «لابدَّ من أن

ص:73


1- (1) الإیقاظ من الهجة : ص 219، حدیث 39، عن قصص الأنبیاء للراوندی ص: 259.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات ح7/61 ص121، باب الکرات.
3- (3) سورة آل عمران: الآیة 144.
4- (4) سورة آل عمران: الآیة 158
5- (5) سورة آل عمران: الآیة 185، تفسیر العیاشی،ج1، ص: 202،ج2، ص:112، حدیث 139،مختصر بصائر الدرجات :ص 109، حدیث 7.

یرجع حتّی یذوق الموت»(1).

فَ-مَنْ قتل لم یمت موتاً بالمعنی الأخص مع أنَّ کلّ نفس ذائقة الموت، فالنفس المقتولة لابدَّ من رجوعها إلی البدن وإلی الدنیا - وهی الرجعة - کی تموت بالنحو الاعتیادی فتذوق الموت الخاص، فهناک علقة من نمط خاص باقیة بین الروح والبدن فی حالة القتل بخلافه حالة الموت.

وفی بعض الروایات أن النفس التی ذاقت الموت لابدَّ من رجوعها إلی الدنیا فیجری علیها القتل، فلکل نفس موتة وقتلة.

فعن أبی خدیجة الجمّال قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) یقول:

«إنّی سألت الله فی إسماعیل أن یبقیه بعدی فأبی، ولکنَّه قد أعطانی فیه منزلة أخری، أنَّه أوّل منشور فی عشرة من أصحابه، ومنهم عبد الله بن شریک العامری وهو صاحب لوائه»(2)وفی هذه الروایة إطلاق لفظ النشر والنشور علی رجوع المیت إلی الدنیا.

وعن جابر بن یزید، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال:

«لیس من المؤمنین أحد إلّا وله قتلة وموتة، إنّه من قتل نشر حتّی یموت، ومن مات نشر حتّی یقتل، وما من هذه الأمّة برّ ولا فاجر إلّا سینشر، فأمّا المؤمنون فینشرون إلی قرّة أعینهم، وأمّا الفجّار فینشرون إلی خزی الله إیّاهم، إنّ الله یقول: وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ

ص:74


1- (1) ونقله فی البحار أیضاً، ج65/53 عن الاختصاص.
2- (2) إختیار معرفة الرجال : حدیث 391، ورواه عنه فی الإیقاظ من الهجعة، مختصر بصائر الدرجات : الحدیث 39/90،باب الکرات .

الْأَدْنی دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ » (1).

وعن عبد الرحمن القصیر، عن أبی جعفر(علیه السلام) أنَّه قرأ هذه الآیة: إِنَّ اللّهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ،

هل تدری من یعنی؟، «فقلت: یقاتل المؤمنون فیقتلون ویقتلون»، قال: «لا، ولکن من قتل رُدَّ حتّی یموت، ومن مات رُدَّ حتّی یُقتل، وتلک القدرة فلا تنکرها»(2).

وعن جابر بن یزید، عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: سئل عن قول الله عَزَّ وَجَلَّ: وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِی سَبِیلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ ، فقال یا جابر أتدری ما سبیل الله؟ قلت: لا والله إلا إذا سمعت منک، فقال:

«القتل فی سبیل علی وذرّیته(علیهم السلام)، فمن قتل فی ولایته قتل فی سبیل الله، ومن مات فی ولایته مات فی سبیل الله ولیس من أحد یؤمن بهذه الآیة إلّا وله قتلة ومیتة، إنّه من قتل ینشر حتّی یموت، ومن مات ینشر حتّی یقتل»(3).

والنشر مرحلة أوغل فی الإحیاء من مجرّد البعث، قال تعالی: فَإِذا قُضِیَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِی الْأَرْضِ وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ (4)، فالنشر بعد أصل البعث.

ص:75


1- (1) السجدة : 21، مختصر بصائر الدرجات : باب الکرات،الحدیث 1/55 .
2- (2) تفسیر العیاشی ج2، ص 113، الحدیث 144، مختصر بصائر الدرجات: باب الکرات، حدیث 21/75 .
3- (3) تفسیر العیاشی، ج1، ص202، حدیث: 162، معانی الأخبار للصدوق، ص 167، الحدیث:1، تفسیر فرات الکوفی، الحدیث 21/98.
4- (4) سورة الجمعة: الآیة 10.

12 - عن محمد بن عبد الله بن الحسین، قال: قال أبی لأبی عبدالله(علیه السلام): ما تقول فی الکرّة ؟ قال:

«أقول فیها ما قال الله عَزَّ وَجَلَّ، وذلک أنّ تفسیرها: جاء إلی رسول الله(صلی الله علیه و آله) قبل هذا فی قوله تعالی: تِلْکَ إِذاً کَرَّةٌ خاسِرَةٌ

إذا رجعوا إلی الدنیا ولم یقضوا ذحولهم، قال له أبی: فَإِنَّما هِیَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسّاهِرَةِ ،

قال: «إذا انتقم منهم وماتت الأبدان، بقیت الأرواح ساهرة لا تنام ولا تموت»(1)، فالساهرة حالة للأرواح لا تکون فیها حیة ولا میتة ولا نائمة، وهی مرحلة متوسطة (برزخیة) بین نهایة الرجعة وبدایة القیامة، وسیأتی تفصیلها فی الباب الثالث.

13 - إنّ الرجعة خطّ رجعة وفرصة أخیرة لاستکمال الامتحان، وهذه الفرصة لاتمنح للأمم التی نالها العذاب الإلهی وَ حَرامٌ عَلی قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ ، فإنّهم حرموا الفرصة، وعوجل لهم القضاء الأخروی فی الدنیا.

14 - روی عنهم(علیه السلام) مستفیضاً أنّه

«ما منّا إلّا مسموم أو مقتول»، ولا یبعد عمومه - بلْ وَرَدَ

«ما من نبی أو وصی إلّا مسموم أو مقتول» - لهم(علیهم السلام) حتی فی الرجعة کما هو الظاهر من روایات الرجعة.

وروی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن جابر بن یزید، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال:

«لیس أحد من المؤمنین إلّا وله قتلة ومیتة، إنّه من قتل نشر

ص:76


1- (1) مختصر بصائر الدرجات، باب الکرات، الحدیث :42/96 .

حتّی یموت، ومن مات نشر حتّی یقتل...» إلی أن قال فی قوله تعالی: یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ، قال:

«یعنی مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) وقیامه فی الرجعة، وقوله: إِنَّها لَإِحْدَی الْکُبَرِ * نَذِیراً لِلْبَشَرِ ،

یعنی مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) فی الرجعة، وقوله: وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاّ کَافَّةً لِلنّاسِ » ،

قال: «فی الرجعة، وقوله: هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ » قال: فی الرجعة. وفی قوله: حَتّی إِذا فَتَحْنا عَلَیْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِیدٍ » ،

قال: «هو أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی الرجعة». قال: وقال أبو عبدالله(علیه السلام) فی قوله تعالی: رُبَما یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کانُوا مُسْلِمِینَ ،

قال: «فی الرجعة»(1).

والحکمة من جمع عروض الموت والقتل للإنسان معاً أنّ طبیعة الموت والقتل لیست بمعنی الإنقطاع التام بین الروح والبدن کما توهّم ذلک الفلاسفة والمتکلّمون، فالارتباط الباقی تمر طبیعته بحالات من القوّة والضعف، فیموت موتة ثانیة حتّی یضعف الارتباط، وقد یکون هنالک نوع ثالث لا هو قتل ولا موت، کما أنّ درجات النوم نمط من الموت، فضلاً عن النوع الثالث.

ونظریة الحکیم الزنوزی: من رقی البدن إلی حیث الروح، أی یصبح أکثر شفّافیة، ویذهب الجسم حیث تذهب الروح، ولعلّ هذا ظاهر بعض الروایات الواردة فی الرجعة، فالموت والقتل لیسا نهایة المطاف کما قصرعلی ذلک البحث الفلسفی والکلامی، بل هما الإعداد لنوع ثالث أعظم.

ص:77


1- (1) مختصر بصائر الدرجات ح1/55 ص115 - 116.
اختلاف القتل عن الموت والموت عن النوم:

إن طریقة ونمط ودرجة انفصال الروح فی القتل تختلف عن إنفصالها فی الموت، فکما أنّ النوم علی درجات ومراتب مختلفة من انفصال الروح وکذلک فی الإغماء، والعمدة فی تحری کون إنفصال الروح فی الموت والقتل إنفصالاً تاماً أم لیس بتام، وأن الإنفصال ذو درجات کثیرة، وهو فعل له ارتداد فعل نظراً للتجاذب فی العلاقة الرابطة الإتصالیة بین الروح والبدن کما هو الحال فی إنفصال الروح عن البدن فی النوم، فإن فیه أنواعاً خفیفة ومتوسّطة وشدیدة.

مع أن هناک جامعاً بین مراتب النوم والموت وهو توفی النفس، أی خروجها من البدن کما فی قوله تعالی: اللّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنامِها فَیُمْسِکُ الَّتِی قَضی عَلَیْهَا الْمَوْتَ وَ یُرْسِلُ الْأُخْری إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی (1).

ویقرر هذا المبحث من درجات واختلاف مراتب تعلق الروح بالبدن بالمشاهدات التجریبیة لمراتب النوم والیقظة، وهی بمثابة برهانٌ فلسفی عقلی علی الرجعة، وقد بسط الحر العاملی فی کتابه الایقاظ من الهجعة الکلام فیه.

وإنّ الروح حیث لم تنفصل تماماً عن الجسد فإن فیها إقبالاً وإدباراً أو

ص:78


1- (1) سورة الزمر: الآیة 42.

لک أن تقرر أن عدم الانفصال التامّ یقابل اشتداد الاتّصال.

وهناک حالات طبیعیة أخری تمرّ علی البدن کالنوم المتصل مدة زمانیة طویلة جداً وکذلک الیقظة المتصلة الدائمة غیر الطبیعیة.

والعلاقة التی بین الروح والبدن لیس کما صوّرها ملّا صدرا فی بدایة حدوث النفس من أنها عملیة حرکة جوهریة تدریجیة، وأنها فی النهایة انفصال دفعی.

بل الصحیح أن الإنفصال والوصال یومیٌ تقوم به الروح بالنوم والیقظة کما یشیر إلیه البیان النبوی

«کما تنامون تموتون، وکما تستیقظون تبعثون»، لا أنّه انفصال واتصال ثم انفصال تامّ.

وفی النهایة لیس هناک انفصال دفعی بل انفصال ووصال متناوب مرات وکرات، وهذا متقرر فی المعصوم فکیف بغیر المعصوم.

والحدیث النبوی السابق یشیر إلی أن الإنفصال لیس تاماً، بل انفصال غیر تامّ یعقبه وصال.

والموتی موجودون بأرواحهم وأجساد مثالیة برزخیة، ولهم وصال بالبدن الأرضی الطینی، وهناک مشاهدات کثیرة متواترة تعزز هذا الإتصال.

وروی الکلینی عن العدة، عن سهل، عن عثمان بن عیسی عن عدة من أصحابنا قال: لما قُبض أبو جعفر(علیه السلام) أمر أبو عبدالله(علیه السلام) بالسراج فی البیت الذی کان یسکنه، حتی قُبض أبو عبدالله(علیه السلام) ثم أمر أبو الحسن(علیه السلام) بمثل ذلک

ص:79

فی بیت أبی عبدالله(علیه السلام) حتی خرج به إلی العراق، ثم لا أدری ما کان(1).

والحدیث یبین مدی تعلق الروح بالمکان الذی کانت تأنسه فکیف بالبدن الطینی.

أنواع الموت:

وروی الشیخ فی الغیبة موثق جابر الجعفی قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) یقول: «والله لیملکنَّ منّا أهل البیت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة یزداد تسعاً»، قلت: متی یکون ذلک؟ قال: «بعد القائم»، قلت: وکم یقوم القائم فی عالمه؟ قال: «تسعة عشرة سنة، ثم یخرج المنتصر فیطلب بدم الحسین(علیه السلام) ودماء أصحابه، فیقتل ویسبی حتّی یخرج السفّاح»(2).

ومحلّ الشاهد: قوله(علیه السلام)

«ولیملکن منا اهل البیت رجل بعد موته» فهذه رجعة بعد الموت».

وعبر(علیه السلام) عن الرجوع الی الدنیا من البرزخ بالخروج من القبر، فالموت لیس انفصالاً تامّاً، بل انفصال بدرجة ما ورجوع.

وهناک نمط من درجات النوم والموت کحالة أصحاب الکهف فکانه لا هو موت ولا هو نوم.

وفی البحث اللاحق سیتبین أن هنا ک درجات من الرجوع فی مقابل

ص:80


1- (1) الکافی 251/3، کتاب الجنائز، باب النوادر ح5.
2- (2) الغیبة للشیخ الطوسی ص478ح505 والاختصاص357.

درجات من انکفاء الروح عن حیاة الحسّ وانفصالها عن البدن کما هو الحال فی أنواع النوم، وأنَّ تفاسیر الرجوع بعدد مراتب الموت والمراتب المنامیّة.

مراتب الرجوع والرجعة فی مقابل مراتب الوفاة والتوفّی والنوم:

قال بعض المکاشفین: أننا قد نذهب فی حالة المکاشفة الی البرزخ أوالآخرة ونرجع الی الدنیا. انتهی

والصحیح إن الإنسان فی حین أنَّه متواجد ببدنه الغلیظ فی الدنیا فإنَّ له بدناً برزخیاً أیضاً یتولد وینشئ فی البرزخ ساعة نفخ روحه فی بطن أمه، وکذلک یتولد له وینشئ بدن أخروی کلما یترعرع فی دار الدنیا، فالإنسان فی حین کونه متواجداً ببدنه الغلیظ فی الدنیا فهو متواجد ببدن آخر فی البرزخ وبدن ثالث فی الآخرة، وإن لم یشعر.

وغایة ما فی الأمر أنه ینکشف له تارة ویحجب عنّه أخری ما هو مرتبط به من بقیة الأجسام، فلدی الإنسان فی الوجود الراهن عین وأعضاء أُخرویة ببدنه الأخروی، وعین برزخیة ببدنه البرزخی، و بإمکانه فی الآن الراهن أن یسمع صراخ أهل النار، و صوت أهل الجنة إذا لم یلهی بإدراکات الحس، ومن هنا قال تعالی: فَکَشَفْنا عَنْکَ غِطاءَکَ فَبَصَرُکَ الْیَوْمَ حَدِیدٌ (1).

ص:81


1- (1) سورة ق: الآیة 22.
حقیقة الرجعة وأقسام الموت والعلاقة بین الروح والجسد:

روی فی بصائر الدرجات مصحح المعلی بن خنیس فی حدیث قال: قال أبو عبدالله(علیه السلام) فی قوله تعالی: إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ (1)

«نبیکم راجع إلیکم» وقوله راجع الیکم تعبیر یفید فی نبرته أنه لیس بالأمر البعید عنکم کونه فی البرزخ.

وروی بسنده عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال:

«إنّ لعلی(علیه السلام) إلی الأرض کرّة مع الحسین(علیه السلام)، یقبل برایته حتّی ینتقم من بنی أمیّة ومعاویة وآل معاویة، ثم یبعث الله إلیهم بأنصاره یومئذٍ من الکوفة ثلاثین ألفاً، ومن سائر الناس سبعین ألفاً، فیقاتلهم بصفّین مثل المرّة الأولی، حتی یقتلهم فلا یبقی منهم مخبر... ثم کرّة أُخری مع رسول الله(صلی الله علیه و آله) حتی یکون خلیفته فی الأرض، یعطی الله نبیّه ملک جمیع أهل الدنیا حتّی ینجز له موعوده فی کتابه، کما قال: لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ » (2).

والتعبیر ب- «إلی الأرض» یدلّ علی أن البرزخ نوع من العلو عن الأرض، والرجعة نوع من العودة والهبوط إلی الأرض، «اهبطوا إلی الأرض».

نزول ورجوع عیسی کل عام:

وروی ابن بابویه عن معمّر بن راشد، عن أبی عبدالله(علیه السلام)، عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی حدیث أنّه قال:

«ومن ذرّیتی المهدی، إذا خرج نزل عیسی بن مریم

ص:82


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /44/98.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات / باب الکرات ح 45/99.

فقدَّمه وصلّی خلفه»(1).

و ذهب الحر العاملی وغیره فی بحث الرجعة إلی أن عروج عیسی(علیه السلام) نوع من الموت، کما هو ظاهر الآیة: إِنِّی مُتَوَفِّیکَ وَ رافِعُکَ إِلَیَّ (2)، ففی مثال النبی عیسی موت ورجوع، فتوفی عیسی(علیه السلام) موت ونزوله رجوع وإنْ کان الصحیح أنَّه قد ورد فی روایاتنا أن توفی الله عیسی(علیه السلام) کان أثناء ما صعد الله به إلی السماء ثم بعد الصعود ارجع الله إلیه روحه.

بلْ روی فی الأصول الستة عشر موثق ابی حمزة الثمالی (علی الأصح) عن ابی جعفر(علیه السلام) فی حدیث عن سلمان قال(علیه السلام):

إنَّ سلیمان کان إدراکه العلم الأول أنه کان علی الشریعة من دین عیسی(علیه السلام) فخدم بعض رهبانهم ... - إلی أن قال(ع

)وقد ذکر تنقله بین الرهبان وأن سلمان مضی إلی رجل کان بأرض الروم قال(علیه السلام) فمضی إلیه، وإذا شیخ کبیر عالم فلم یلبث الا یسیرا حتی حضرته الوفاة، فقال سلمان له مثل ما قال لاصحابه الرهبان السابقین أنْ یدله علی رجل أفضل منه یخدمه - فقال لیس لک إلی ذاک حاجة فی هذه السنة المقبلة یظهر بأرض یثرب وهو راکب البعیر الذی بشر به المسیح عیسی بن مریم، فانطلق حتی تکون معه، فلما فرغ من دفنه مضی علی وجه، وقد أخذ صفته وأنه یقبل الهدیة ولا یقبل الصدقة وبین کتفیه خاتم النبوة، قال فبینا هو یسیر إذ هجم علی خلق کثیر مجتمعین فی صحراء حولها غیاض وقد اخرجوا

ص:83


1- (1) امالی الصدوق المجلس 39 ح5 ص287.
2- (2) سورة آل عمران: الآیة 55.

زمناهم ومرضاهم قال فسلَّم علیهم وقال ماقصتکم، ولأی شیئ اجتماعکم؟ فقالوا نحن نجتمع فی کل سنة فی مثل الوقت لأنَّه یخرج علینا من هذه الغیضة عبد صالح فنسأله أنْ یدعوا الله فبشفی زمنانا ویبرئ مرضانا، فربما أقمنا الیوم والیومین واکثر ما یخرج الینا فی الیوم الثالث قال فاقام معهم، فلما کان من غد الیوم إذا هم برجل قد خرج بثوبین ابیضین فقاموا إلیه یسألونه حوائجهم، فلما فرقوا تبعه سلمان فقال له ماترید؟ قال أنا رجل کنت اخدم العلماء من أبناء حواری عیسی(علیه السلام) فقالوا لی أنه یظهر نبی بیثرب فی هذه السنة المقبلة، فخرجت فی طلبه فاردت أن أسألک اصدقونی؟ قال نعم صدقوک منزله الیوم مکة، وستلقاه وإذا لقیته فاقرأه السلام عنی کثیرا، قال فلما أسلم سلمان ولقی رسول الله(صلی الله علیه و آله) فحدثه حدیثه، فقال له النبی(صلی الله علیه و آله) «ذاک أخی عیسی»(1)، ومفاد هذا الموثق نزول ورجوع عیسی کل عام إلی الأرض ثم ارتفاعه مرة أخری أو غیبته فی الأرض.

وأشار الحرّ العاملی إلی أنّ الموت أنواع، ولم یقع الإلفات والتنبیه علی جملة منها فی البحوث الفلسفیة.

وانفصال الروح عن البدن فی القتل أقل انفصالا بالقیاس إلی درجة انفصالها فی الموت، فروح المقتول تبقی متعلّقة بالبدن بشکل أقوی من روح المیت ببدنه.

ص:84


1- (1) الأصول الستة عشر ص98 من کتاب عبد الملک بن حکیم الخثعمی من روایة التلعکبری عن ابن عقدة.

وعلی وجه العموم فإنّ الموت ذو درجات، فلیس حقیقة الموت انفصالاً تاماً للروح عن البدن الأصلی وهو الطینة الأصلیة التی خلق منها بدن الإنسان، بل تبقی خیوط تعلق للروح به ونحو مغنطة وانجذاب معه قد تشتد وترجع إلیه أو تحف به وتحوم حوله، فهی بین انفصال ووصال من دون مفارقة تامة، ومن ثم تعددت أسماء وأنواع الموت من اخترامی وطبیعی ومبرم ومؤجّل ومحتوم.

ثم إنَّ البدن الذی تفارقه الروح بالموت هو الطینة الأصلیة، وهی غیر مرئیة مما قد یسمی فی الاصطلاح الحدیث بالبدن الأثیری، وتقویم الروح للبدن حالة عیانیة ولیست سنخ بیان لمعنی مفهوم.

ثم إن دراسة ومعرفة المعاد لا تتم بدون دراسة ومعرفة الرجعة.

التفسیر العاشر: الرجعة نوع من البرزخ:

إنَّ الرجعة فی البرزخ هی نشأة برزخیة فی عالم البرزخ، وقد یظهرذلک من قول الشیخ أحمد الأحسائی فی کتاب الرجعة بعدما ذکر أنّ المجازاة فی الرجعة إنّما هی علی الأعمال البرزخیة، وما ورد من أنّ الحساب فی الرجعة إنّما هوالحساب علی الأعمال البرزخیة.

قال: لأنّ الرجعة من نوع البرزخ، ألا تری أنّ المؤمن إذا مات التحقت روحه بجنّة الدنیا، وإن کان کافراً أو مشرکاً أو منافقاً التحقت روحه بنار الدنیا، وجنّة الدنیا هی الجنّتان المدهامّتان وهی تخرج فی الرجعة کما یأتی عند

ص:85

مسجد الکوفة.

وقد رواه ابن قولویه فی الموثق عن المفضل بن عمر عن أبی عبدالله(علیه السلام)،

قال: «کأنی والله بالملائکة قد ازدحموا علی قبر الحسین(علیه السلام) وینزل الله علی زوار الحسین(علیه السلام) غدوة وعشیاً من طعام الجنة وخدامهم الملائکة لا یسأل الله عبد حاجة من حوائج الدنیا والآخرة إلّا أعطاها إیاه»، قال: قلت: هذه والله الکرامة، قال لی: «یا مفضل أزیدک: قلت: نعم سیدی، قال: «کأنی بسریر من نور قد وضع وقد ضربت علیه قبة من یاقوتة حمراء مکللة بالجواهر، وکأنی بالحسین(علیه السلام) جالس علی ذلک السریر وحوله تسعون ألف قبة خضراء، وکأنی بالمؤمنین یزورونه ویسلمون علیه فیقول الله عَزَّ وَجَلَّ لهم: أولیائی سلونی فطالما أوذیتم وذللتم واضطهدتم فهذا یوم لا تسألونی حاجة من حوائج الدنیا والآخرة إلّا قضیتها لکم فیکون أکلهم وشربهم فی الجنة، فهذه والله الکرامة التی لا انقضاء لها ولا یدرک منتهاها»(1).

وظاهر هذه الروایة أن هذه الجنان جنان برزخیة، وهی دنیویة إذ تکرر فی هذه الروایة (السؤال عن حوائج الدنیا والآخرة).

وقد استشهد بهذه الروایة الشیخ أحمد الأحسائی فی کتاب الرجعة علی کون الرجعة برزخیة ، وکون الجنان البرزخیة هی جنان دنیویة.

أقول: ماذهب إلیه الشیخ الأحسائی - وربما یظهر من تلمیذه الشیخ

ص:86


1- (1) کامل الزیارات باب 50 ح 3.

آل عبدالجبار - من تفسیر الرجعة بالنشأة البرزخیة إقتفیا فی ذلک ما علیه الفیض الکاشانی فی کتابه عین الیقین، أو وافقاه فی احتماله کون الرجعة عبارة عن ظهور أو تمثل الأشخاصٍ من عالم البرزخ فی الحس الظاهر، وسیأتی أن ذلک خلطٌ بین الرجعة والنزول، فإن أهل البرزخ ینزلون للدنیا، ولکن ذلک یغایر رجعتهم من القبور.

وسیأتی ذکر عبارته لاحقاً، وبالتالی هناک حالة تشابک بین حقیقة الرجعة والبرزخ من جهة، و ذلک من تطور أطوار الدُّنْیَا - وهی أحکام تکوینیة للرجعة - والرجعة فی حین کونها من الحیاة الدُّنْیَا - حسب بیانات آیات وروایات الرجعة - إلا أن الحیاة الدنیا تنقسم إلی الحیاة الدنیا الأولی والحیاة الآخرة من الدنیا، وهی حیاة الرجعة، وکلیهما غیر عالم الآخرة الأبدیة.

فالرجعة تطور وتشفف فی عالم الدنیا بما یتقارب مع النشأة البرزخیة، وقد ورد فی بعض الروایات أن أهل الرجعة یرون أهل البرزخ ویتحادثون معهم کما هو الشأن فی قدرة الأبدال والأولیاء فی الحیاة الأولی من الدنیا.

کما أنّ الرجعة مقاربة فی أحکامها التکوینیة من عالم البرزخ، حیث إنّ الطینة الأصلیة الباقیة فی القبر - التی بها یرجع الموتی غیرمرئیة - تکاد تکون مماثلة للمادة والجسم البرزخی، ویظهراحتمال هذا التفسیر فی کلمات الشیخ أحمدالأحسائی، أو حکایته عن بعض.

ص:87

التفسیر الحادی عشر: تفسیرها بالبرزخ:

قال الفیض الکاشانی فی کتابه (عین الیقین) عند کلامه عن النشأة المثالیة: إنّ فی الوجودعالماً مقداریاً غیر العالم الحسّی، لا تتناهی عجائبه، ولا تحصی مدنه، من جملة تلک المدن جابلقا، وجابرسا، وهما مدینتان عظیمتان، وکل ما فیها حی ناطق، وهی باقیة لا تفنی، ولا تتبدل، وفیها مدائن لا تحصی، بعضها یسمّی مدائن النور...

ثم ذکر روایات کثیرة عن أهل البیت(علیهم السلام) عن تلک المدائن، ثم قال من بعده: وأمثال هذه الروایات کثیرة جداً، وکلها إشارة إلی موجودات النشأة المثالیة فیما أحسب، ویشبه أن یکون تثنیة المدینتین الشرقی والغربی المسمّاتین بجابرسا وجابلقا إشارة إلی ما تقدّم من هذه النشأة علی النشأة الدنیویة، وما یتأخّر منها علیها.

ثم قال فی ذیل قول الإمام الصادق(علیه السلام):

«إن من وراء أرضکم هذه أرضاً بیضاء ضوؤها منها»(1)، وقول الإمام الباقر(علیه السلام):

«إنّ الله خلق جبلاً محیطاً بالدنیا من زبرجد أخَضر وإنَّ خضرة السماء من خضرة ذلک الجبل...»(2)وإنما وصف الأرض بالبیضاء حیث سمّاها أرضاً؛ فلأنّ نورها ذاتیّ، کما وصفها بقوله:

«ضوؤها منها»، بخلاف هذه الأرض، ووصف الجبل بالخضرة حیث سمّاها جبلاً؛ لأن الخضرة برزخ بین البیاض والسواد، کما

ص:88


1- (1) بصائر الدرجات 510
2- (2) بصائر الدرجات 512

أنها برزخ بین الأرواح النوریة والأجساد الظلمانیة.

والکلمات فی وصف هذه النشأة أکثر من أن تحصی، ولعلّ الرجعة التی تکون فی زمن القائم(علیه السلام) کما ورد من أهل البیت(علیهم السلام) فی أخبار کثیرة إنما تکون لأشخاص من هذا العالم فی الحس الظاهر والعلم عند الله»(1).

أقول: الظاهر أنّ ما احتمله قدس سره خلط بین الرجعة والنزول، أی رجعة أهل البرزخ من القبور ونزول أهل البرزخ إلی الدنیا بتکثف سواء مع ترائیهم فی الحس لأهل الدنیا أو بدون الترائی لهم، فإن الرجعة بعث من القبور من البدن المستقر طینته فی القبر وهی شفافة غیر مرئیة فی الحس الغریزی، لکنها هی الطینة والبدن الأصلی الدنیوی، وأما البدن الغلیظ من اللحم والعظام فهو بمثابة القالب والغلاف الذی یغطی ذلک البدن، أی أنّ البدن الأصلی اللطیف یلج فی البدن الغلیظ ویتصرف فیه، ویتضح ذلک بعد الإلتفات إلی تفاوت الأجسام والمواد الدنیویة فی الشفافیة والغلظة درجات متفاوتة کبیرة جداً، حتی توهم جملة من العرفاء والصوفیة فی مکاشفاتهم أنها نشأة مثالیة.

هذا بینما النزول هو تکثّف للبدن المثالی وتمثل فی نشأة الحس، وکلیهما غیر حقیقة الظهور للإمام الغائب(عج)، فإن ظهوره بروز من الخفاء والسریة.

کَمَا أنّ کلاً من الثلاثة غیر التولد من الأرحام فی بدء نشأة الدنیا، وکما

ص:89


1- (1) عین الیقین ج1 / 270 ، 277

أن الأربعة تغایر المسخ الذی هو تشکل جوهری لبدن الإنسان الدنیوی بسبب شدة الملکات الجوهریة الظلمانیة وتأثیرها فی تغییر بدن الإنسان الدنیوی أو بدنه البرزخی أو بدنه الدنیوی فی الرجعة أو بدنه فی القیامة، فالمسخ له عدة مواطن کما دلت علیه الآیات والروایات، وکل من الخمسة یغایر التناسخ الذی هو عود إلی الدنیا ببدن جدید من الأرحام والخمسة الأولی حق واقع، وبینما السادس الأخیر ممتنع باطل .

التفسیر الثانی عشر: الرجعة إحیاء الإمام(علیه السلام)للموتی بإذن الله:

وقد ذهب الی کون الرجعة معجزة یجریها الله عَزَّ وَجَلَّ علی ید أئمة أهل البیت(علیهم السلام) جملة عدیدة من علماء الامامیة، منهم الحرّ فی کتابه الرجعة کبرهان علی أمامتهم، کما جعل إحیاء الموتی آیة معجزة علی نبوة عیسی(علیه السلام) وبعض الانبیاء السابقین وسیأتی التعرض لکلمات علماء الامامیة حول الرجعة فی فصل مستقل .

قال الحرفی معرض الاستدلال علی صحة الرجعة فی الباب الثانی من کتابه (الإیقاظ من الهجعة).

«العاشر: إنّ الإمام یجب أن یکون مستجاب الدعوة فإذا دعی الله بإحیاء الموتی وقع ذلک بإذن الله تعالی.

والمقدمة الأولی ثابتة بالنصوص الکثیرة فی محلّها، والثانیة بدیهیة،

ص:90

فهذا دلیل علی الإمکان واضح قریب، إذ لا دلیل علی استحالة دعاء الإمام بذلک، وعدم قیام دلیل الاستحالة کاف.

الحادی عشر: إنّ الله ما أعطی أحداً من الأنبیاء فضیلة ولا علماً إلّا وقد أعطی نبینا(صلی الله علیه و آله) مثله بل أعظم منه، ومعلوم بأنّ کثیراً من الأنبیاء السابقین أحیی الله له الموتی ولا ریب أن الإمام(علیه السلام) یرث علم الرسول(صلی الله علیه و آله) وفضله، والمقدمات کلها ثابتة بالأحادیث الآتیة وغیرها، بل وقد وقع إحیاء الله تعالی الموتی لغیر المعصومین(علیهم السلام) من أهل العلم والعبادة، کما یأتی إن شاء الله تعالی، فیثبت مثله هنا بطریق الأولویة.

الثانی عشر: إن الإمام(علیه السلام) عالم بالاسم الأعظم الذی إذا دعی الله به لإحیاء الموتی لأحیاهم.

والتقریب ما تقدم، فهذا مما یَدُلّ علی الإمکان بل الوقوع.

وهذه الأدلة وإن کان فیها بعض التداخل وأن بعضها یدل علی الإمکان وبعضها علی الوقوع ویمکن الزیادة فیها»(1) أنتهی کلامه.

وهذا التعریف لحقیقة الرجعة عند من ذهب إلیه من أصحابنا هو السبب فی ذهاب العامة الی أن القول بالرجعة أفضع وأنکر أنوع الرفض، وأشد من القول بالنص علی الإمامة وأن القول بالرجعة سبأیة.

وممن ذهب إلی هذا التفسیر الحکیم ملا صدرا، فقال فی تفسیر سورة یس

ص:91


1- (1) الایقاظ من الهجعة ذیل الباب الثَّانِی.

ذیل الآیة / 31:

(قد صح عندنا بالروایات المتظافرة عن أئمتنا وساداتنا من أهل بیت النبوة والعلم حقّیة مذهب الرجعة ووقوعها عند ظهور قائم آل مُحمَّد(عج)، والعقل أیضاً لا یمنعه، لوقوع مثله کثیراً من إحیاء الموتی بإذن الله بید أنبیائه، کموسی وعیسی وشمعون وغیرهما علی نبینا وآله وعلیهم السلام ).

التفسیر الثالث عشر: تفسیر الرجعة بالتناسخ:

إنّ بعض من تمادی فی الإنحراف من السبائیة، کانوا قد بدأوا القول بالغلوّ حتی قالوا: إن الأئمة آلهة وملائکة وأنبیاء ورسل و تکلموا عن عالم الأظلّة وهو حق، وخلطوا بینه وبین التناسخ الباطل فی الأرواح، کما خلطوا بین الدور والکور التناسخی الباطل فی هذه الدار الدنیا وبین کرّات الرجعة التی هی حق، وأبطلوا بهذا الخلط القیامة والبعث والحساب والجنة والنار، وزعموا أن لا دار إلّا الدنیا وأن القیامة إنما هی خروج الروح من بدن دنیوی ودخولها فی بدن دنیوی آخر إن خیراً فخیر وإن شراً فشر، مسرورون فی هذه الأبدان أو معذبون فیها، ومن کان جزائه النعیم فالأبدان الدنیویة الحسنة الجمیلة الکریمة هی الجنات، ومن کان جزائه العذاب فالأبدان الدنیویة الشقیة القبیحة السیئة المشوهة هی النیران، فینقلون إما إلی الأجسام الإنسیة المنعمة فی حیاتهم أوینقلون إلی الأجسام الردیة المشوهة من کلاب وقردة وخنازیر وحیات وعقارب وخنافس وجعلان وغیر ذلک من الدواب والأنعام علی قدر أعمالهم، محوّلون من بدن إلی بدن، معذّبون فیها وهی جهنمهم ونارهم، وذلک علی قدر ما یکون منهم من عظیم الذنوب وکبائرها فی إنکارهم لأئمتهم

ص:92

ومعصیتهم لهم، وإنما تسقط الأبدان وتخرب، إذ هی مساکنهم فتتلاشی الأبدان وتفنی وترجع الروح فی قالب آخر منعمٌ أو معذّب.

وهذا معنی وتفسیر الرجعة عندهم وعند کثیر من الفرق الباطنیة المنحرفة الذین خلطوا بین عالم الأظلة الحق والتناسخ الباطل، وأیضاً خلطوا بین التناسخ الباطل وعالم الرجعة الحق وخلطوا أیضاً بین أبدان النشآت السابقة علی الدنیا وأبدان الدنیا، وکذلک خلطوا بین أبدان الدنیا الأولی وأبدان البرزخ کما خلطوا بین أبدان الرجعة وهی آخرة الدنیا وأبدان الدنیا الأولی، فإن أبدان الدنیا الأولی هی من الأصلاب والأرحام وأبدان الرجعة آخرة الدنیا هی أبدانٌ من طینة القبور، وکذلک خلطوا بین أبدان الدنیا الأولی وأبدان القیامة وأبدان الآخرة الأبدیة، وذلک لعدم معرفتهم وإیمانهم باختلاف النشآت والعوالم .

وإنَّما الأبدان عندهم قوالب ومساکن بمنزلة الثیاب التی یلبسها الناس فتبلی وتمزق وتطرح ویلبس غیرها، وبمنزلة البیوت یعمرها الناس فإذا ترکوها وعمروا غیرها خربت والثواب والعقاب علی الأرواح دون الأبدان وتأولوا فی ذلک قول الله: فِی أَیِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَکَّبَکَ (1) وقوله ما مِنْ دَابَّةٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ یَطِیرُ بِجَناحَیْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُکُمْ (2).

وقوله: وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِیها نَذِیرٌ (3) فتأولوه بأن جمیع الطیر

ص:93


1- (1) سورة الانفطار: الآیة 8.
2- (2) سورة الانعام الآیة 38.
3- (3) سورة الانفطار الآیة 24.

والدواب والسباع کانوا أمماً أناساً خلت فیهم نذر من الله واتخذ علیهم بهم الحجة، من کان منهم صالحاً مقراً بما یدعوه من مذاهبهم جعل الله روحه بعد وفاته وخراب قالبه وهدم مسکنه فی بدن صالح، فأکرمه ونعّمه، ومن کان منهم کافراً عاصیاً نقلت روحه إلی بدن خبیث مشوّه یعذّبه فیه فی الدنیا وأهانه وجعله فی أقبح صورة ورزقه أنتن رزق وأقذره.

وتأوّلوا فی ذلک قول الله: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَکْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ فَیَقُولُ رَبِّی أَکْرَمَنِ * وَ أَمّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَیْهِ رِزْقَهُ فَیَقُولُ رَبِّی أَهانَنِ (1) فکذب الله هؤلاء وردّ علیهم قولهم لمعصیتهم إیاه، فقال: کَلاّ بَلْ لا تُکْرِمُونَ الْیَتِیمَ (2) وهو النبی(صلی الله علیه و آله) وَ لا تَحَاضُّونَ عَلی طَعامِ الْمِسْکِینِ (3).

وهو الإمام الوصی وَ تَأْکُلُونَ التُّراثَ أَکْلاً لَمًّا (4) لا تخرجون حقّ الإمام ممّا رزقکم وأجری لکم.

ص:94


1- (1) سورة الفجر الآیة 15.
2- (2) سورة الفجر الآیة 17.
3- (3) سورة الفجر الآیة 18.
4- (4) سورة الفجر الآیة 19.

الفرق بین الرجعة والتناسخ - إبطال قواعد الرجعة لأصول التناسخ:

اشارة

التناسخ هو رجوع الروح ببدن جدید دنیوی من نطفة أصلاب وتولد أرحام وأبوین آخرین وهویة أخری، فتتبدل شخصیته إلی شخصیة أخری، بینما الرجعة هی رجوع الروح فی البدن الأصلی السابق للإنسان، وخروجه من القبر وبنفس الهویة والشخصیة، کما هو الحال فی المعاد الجسمانی.

وقد دفع الشیخ محمد بن عبد علی بن محمد آل عبد الجبار شبهة التناسخ بوجود عدة فوارق بین الرجعة والتناسخ، بأن النفس لا تفقد کمالات البرزخ کما هو مقتضی الشبهة أیْضَاً - والتی یعترض بها علی حقیقة المعاد الجسمانی - وهی أنه لو کان الجسم فیه بمادة الدنیا .

والشبهة قد ذکرها وتبناها الملّا صدرا، وقدأجاب عنها العلامة الطباطبائی(رحمه الله) کَمَا سیأتی، بینما اعتمد الشیخ آل عبد الجبار علی أن عود کل شخص إلی مادته الصالحة له والصور من عمله المتجدد، والأحکام تلحق

ص:95

الصور بحسب طهارتها ونجاستها وغیرهما لا المادة من حیث هی هی، وخلق کل صورة من عمله هو مقتضی العدل.

والصور المتوارد من عملهم وعلمهم وقابلیتهم الإمکانیة علی المادة الأصلیة لاجسامهم التی یرجعون إلیها وإن کانت الروح فی البرزخ فی فترة الموت قبل الرجعة قائمة بمثالها البرزخی.

وروی الصدوق بسنده عن الحسن بن جهم - فی حدیث طویل - أنّ المأمون قال لأبی الحسن الرضا(علیه السلام): یا أبا الحسن فما تقول فی الرجعة؟ فقال الامام(علیه السلام) إنّها لحقّ، قد کانت فی الأمم السالفة، وقد نطق بها القرآن، وقد قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): یکون فی هذه الأمة کلّ ما کان فی الأمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذَّة بالقذّة.

وقد قال(علیه السلام): إذا خرج المهدی من ولدی نزل عیسی بن مریم فصلّی خلفه.

وقال(علیه السلام): إنّ الإسلام بدأ غریباً وسیعود غریباً فطوبی للغرباء، قیل: یا رسول الله ثم یکون ماذا؟

قال: ثم یرجع الحق إلی أهله».

فقال المأمون: فما تقول فی القائلین بالتناسخ؟

فقال: «من قال بالتناسخ فهو کافر مکذّب بالجنّة... .

قال المامون: ما تقول فی المسوخ قال الرضا(علیه السلام) أولئک قوم غضب

ص:96

الله علیهم فمسخهم، فعاشوا ثلاثة ایام ثم ماتوا ولم یتناسلوا ... الحدیث(1). ویستفاد من هذه الروایة:

1 - ان القول بتناسخ الروح هو أن تنتقل الروح من بدن الی بدن.

2 - تفکیکه(علیه السلام) بین الرجعة والتناسخ وأن هناک فرقا بین حقیقة الرجعة والتناسخ، فالبعض یتصوّر أنّ الرجعة تناسخ - کالمأمون العباسی الذی توهَّم ذَلِکَ - .

3 - إنّ الرجعة من حقائق الدین لکن جهلها المسلمون وغفلوا عنها، ونزول النبی عیسی(علیه السلام) شاهد علی الرجعة، ویطلق علیه الرجوع بعد انقطاع وانحسار عن الحیاة الظاهرة، کما هو الحال فی یقظة أصحاب الکهف بعد نومهم مئات السنین، حیث جعله الله تعالی آیة للبعث وللمعاد الأکبر.

4 - استشهاده بوصف الإسلام بالغربة وقوله - طوبی للغرباء - دلالة علی أنّ الرجعة عقیدة أصلیة فی الدین إلّا أنّها جُهلت.

5 - کان العامة یطعنون علی أهل البیت(علیهم السلام) وأتباعهم بالرجعة، ویظنون أن القول بالرجعة من الغلو بالائمة(علیهم السلام)، وهذا ما یعطیه سیاق کلام المامون العباسی.

6 - توهّم المأمون العبّاسی أنّ الرجعة مسخ ومسوخ، فأجابه(علیه السلام): إنّ الرجعة غیر المسخ، وهذا فارق علمی آخر فی حقیقة الرجعة واختلافها

ص:97


1- (1) عیون اخبار الرضا الباب/46 ح 1ص213.

عن المسخ، وإن کان المسخ حقیقة واقعة فی دار الدنیا وفی حشر عالم القیامة، بل فی بعض الروایات إن المسخ یقع فی الرجعة، ورغم کل ذلک فحقیقة الرجعة غیر النسخ.

7 - إن عیسی(علیه السلام) حیّ ویظهر ویصلّی خلف الإمام(علیه السلام).

8 - إن الانحسار عن الحیاة الظاهر والرجوع إلیها یسمّی رجعة.

والعامة أوّلوا الرجعة بأنها تناسخ وإنکار للمعاد الجسمانی، والحال أنّ التناسخ هو انتقال الروح من بدن إلی تکون بدن آخر بنطفه ورحم جدید وأب وأم آخرین بهویة وشخصیة أخری، بینما الرجعة رجوع بنفس البدن الأصلی وبنفس الهویة والشخصیة وخروجاً من القبر لا من الأرحام والأصلاب.

ثم إن هناک نقطة أُخری فی الحدیث الشریف، وهی دفع توهم المأمون العباسی فی أن الرجعة مسخ ومسوخ، فالرجعة غیر المسخ، فبین(علیه السلام) بأن الرجعة مغایرة للمسخ، وإن لم تکن حقیقة المسخ ممتنعة بل واقعة فی جملة من المواطن والنشآت کما أن الرجعه تغایر التناسخ وأن الرجعة بعث من القبور لا تولد من أرحام النساء، کما فی التناسخ، ویبین هذا التغایر جمله من الشواهد التالیة:

الشاهد الأوَّل: تظافرت الآیات الواردة فی البعث من القبور، فقد فسر ظاهرها فی الروایات المتواترة أنه البعث فی الرجعة، أی فی القیامة الوسطی لا القیامة الکبری، کما ظن ذلک جلّ المفسرین والمتکلمین والفلاسفة

ص:98

والعرفاء، وقد نبه علی ذلک بیان أهل البیت(علیهم السلام) لظهورالفاظ لتلک الآیات.

الشاهد الثانی: ما ورد من نماذج متعددة للرجعة فی سورة البقرة، وهی آیة وبرهان للرجعة بمقتضی قاعدة کل ما حدث فی الأمم السابقة یحدث فی هذه الأمة، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، کاحیاء عزیر(علیه السلام) بعد موته، وکذلک أصحاب القریة الذین خرجوا ألوفاً حذر الموت فأماتهم الله تعالی، وأیضاً أصحاب موسی(علیه السلام) السبعون، الذین أماتهم الله تعالی ثم أحیاهم، وأیضاً صاحب البقرة الذی قال عنه القرآن: اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها ، وکاجزاء الطیر المقطعة علی کل جبل حیث دعاهن ابراهیم فحییت، وکذلک ما ورد فی سور عدیدة من احیاء النبی عیسی(علیه السلام) للموتی بنفس بدنهم وبهویتهم وشخصیتهم، وکذالک فی أصحاب الکهف بعد ما انامهم الله مئات السنین کالموتی ثم بعثهم بنفس أبدانهم وهویتهم وشخصیتهم.

الشاهد الثالث: ما وَرَدَ مستفیضاً فی الروایات «العجب کل العجب ما بین جمادی ورجب» أنّهم عشرات من الأموات یرجعون، بأن یبعثوا من القبور فی الکوفة قبیل ظهور الإمام(عج) فی محرم، کما نُص علی ذلک فی الروایات.

والحاصل بالتتبع أن آیات وروایات الرجعة تطفح بالتواتر اللفظی علی التنصیص بکون الرجعة بعث من القبور، لا نفخ للأرواح فی الأرحام.

وهناک نکات عقلیة معرفیة التفت إلیها الحرّ العاملی ولم یلتفت إلیها الشاه آبادی والطباطبائی فی بحث الرجعة، وسیاتی بیان جملة منها.

ص:99

الفرق بین الرجعة والظهور:

ورد فی بعض الروایات المرسلة التی اوردها الشیخ آل عبد الجبار فی کتاب الرجعة ما قد یستظهر منها أن ظهور الصاحب(عج) نوع ونمط من الرجعة، وسیأتی تنقیح ذلک، إذ ینسب إلی استاذه الشیخ الاحسائی تفسیر الغیبة بأنها حالة برزخیة، وعلی هذا التصور یکون الظهور رجعة، ولکن هذا التفسیر للغیبة غیر تام، إذ کثیر من حالات النشأة الدنیویة غیر مرئیة کما هو الحال فی البدن الأصلی للإنسان والطینة الأصلیة له.

وقد روی أن هذا البدن الأصلی والطینة الأصلیة تکون کالطینة المستدیرة تسیخ فی أرض القبر وتظل باقیة إلی یوم البعث سواء بعث الرجعة أو غیره، وقد اعترف بذلک الشیخ الاحسائی فی جملة من کلماته فلا ملازمة بین کون الجسم غیر مرئی وکونه برزخیاً، وقد طالعتنا الأبحاث العلمیة الحدیثة أن هناک من الأجسام المادیة الدنیویة ما هو غیر مرئیة، بل بعضها لایدرک بالآلات المسلحة والأجهزة الاشعاعیه المتطورة، هذا وقد اطلق الظهور فی کثیر من روایات الزیارات علی رجوع الائمه(علیهم السلام) وخروجهم من قبورهم الشریفة إلی حیاة الدنیا مرة أُخری وهی حیاة الرجعة وآخرة الدنیا.

الفرق بین الرجعة والإیاب والکرة:

الظاهر من استعمال لفظ الرجعة فی الآیات والروایات أنَّها أعم من الکرّة, والکرة أخص من الرجعة، فالکرة هی الرجوع الذی یتضمن حروباً

ص:100

ومواجهات واقتتالا بمناسبة الأصل اللغوی لمادة الکرّ بخلاف الأصل اللغوی للرجوع.

ویُشیر إلی الفرق المزبور ما رواه أصحابنا فی المزار کالشهید والمفید وابن طاووس وغیرهم فی زیارة القائم(علیه السلام) فی السرداب:

«ووفقنی یا رب للقیام بطاعته والمثوی فی خدمته، فإن توفیتنی قبل ذلک فاجعلنی ممن یکرّ فی رجعته ویملّک فی دولته ویمکّن فی أیامه» حیث إنّ التعبیر بالکرّة إشارة إلی الرجوع المتضمن للجهاد بین یدیه(عج).

ولاحظ ما رواه فی مختصر بصائر الدرجات فی کرَّة أمیر المؤمنین(علیه السلام) عن جابر بن یزید عن أبی عبدالله(علیه السلام):

«قال إن لعلی(علیه السلام) فی الأرض کرّة مع الحسین ابنه صلوات الله علیهما یقبل برایته حتی ینتقم له من بنی أمیة»(1).

وکذا الحدیث الذی رواه بعده بسنده عن خالد بن یحیی عن أبی عبد الله(علیه السلام): قال قلت لأبی عبدالله(علیه السلام) .... فقال: اتقوا دعوة سعد قلت فقال [رسول الله(صلی الله علیه و آله)] اتقوا دعوة سعد؟، قال نعم، قلت: وکیف ذاک؟ قال: یکرّ فیقاتل علیاً»(2).

وما رواه أیضا عن کتاب الواحدة بسند عن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر الباقر قال: قال أمیر المؤمنین(علیه السلام):

«وإن الله أخذ میثاقی مع میثاق

ص:101


1- (1) مختصر بصائر الدرجات باب الکرات ح45/99 ص150.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات : باب الکرات ح46/100 ص151.

مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) بالنصرة بعضنا لبعض، فقد نصرت محمداً(صلی الله علیه و آله) وجاهدت بین یدیه وقتلت عدوه، ووفیت لله بما أخذ علیّ من المیثاق والعهد والنصرة لمحمد(صلی الله علیه و آله) ولم ینصرنی أحد من أنبیاء الله ورسله، وذلک لما قبضهم الله إلیه، وسوف ینصروننی ویکون لی ما بین مشرقها إلی مغربها، ولیبعثنهم الله أحیاء من آدم إلی مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) کل نبی مرسل یضربون بین یدی بالسیف هام الأموات والأحیاء والثقلین جمیعا .... وإن لی الکرة بعد الکرة، والرجعة بعد الرجعة وأنا صاحب الرجعات والکرات»(1).

والإیاب أیضاً أخص مطلقاً من الرجعة، وخصوصیتها التی تمتاز بها عن الکرة أنه یشیر إلی ملکهم ودولتهم وبسط سلطانهم(علیهم السلام) کما جاء فی دعاء الیوم الثالث من شعبان وهو یوم ولادة الحسین(علیه السلام):

«... وسید الأسرة الممدود بالنصرة یوم الکرة، المعوض من قتله أن الأئمة من نسله والشفاء فی ترتبه والفوز معه فی أوبته...»(2).

قاعدة فی تکلیف أهل الرجعة ودرجات الإختیار فیها:

یثار فی البدء سؤالان:

السؤال الأوَّل: لو کان أهل الرجعة مکلفین لجاز أن یتوب کل واحد من أعداء الدین ممن استحق اللعنة الإلهیة والعذاب الألیم، وذلک لاطلاعه علی جملة من أحوال الآخرة مما یوجب ارتداعهم عن غیّهم.

ص:102


1- (1) مختصر بصائر الدرجات : ح2/102.
2- (2) مصباح المتهجد : أعمال شهر شعبان ح886.

وهذا التساؤل فی الحقیقة یندرج فی کل من قاعدة تکلیف أهل الرجعة، وفی تحقق درجات من الاختیار لأهل الرجعة.

السُّؤال الثَّانِی: ثمة أدلة دالة علی انقطاع التکلیف بالموت أو بالمعاینة، وثمة أدلة دالة أیضاً علی انقطاع التوبة دون التکلیف، وأن التکلیف باقٍ حتی بعد المعاینة، إذ لا یجوز للمکلف مثلاً أن یکفر بالله تعالی ولا بالمعتقدات الحقة بعد المعاینة فضلاً عن حال الرجعة فکیف یجمع بینهما؟

والجواب عن هذین التساؤلین وغیرهما مما یرتبط بالاختیار والتکلیف یتمّ عبر الالتفات إلی عدة أمور:

الأول: إن بعثهم من البرزخ إلی الدنیا مرة أُخری هو بمثابة بعث الإنسان من النوم، فلا یتذکر تفصیل ما جری له من قبل إلّا بمثابة خواطر ضعیفة کما ورد عنه(صلی الله علیه و آله):

«لتموتن کما تنامون ولتبعثن کما تستیقظون»(1)، إذْ المنام یوجب انتقال الروح إلی البرزخ النازل، وفی الموت إلی البرزخ الصاعد، ألا تری إلی أهل الآخرة عندما یبعثون فیُسئلون کَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ (2) و یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِینَ یَوْمَئِذٍ زُرْقاً * یَتَخافَتُونَ بَیْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ عَشْراً * نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَقُولُونَ إِذْ یَقُولُ أَمْثَلُهُمْ

ص:103


1- (1) الإعتقادات للصدوق: باب 19 الإعتقاد فی البعث بعد الموت: ص157. مناقب آل أبی طالب: ج1 ص44.
2- (2) سورة الکهف: الآیة 19.

طَرِیقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ یَوْماً (1) فلا یتذکرون من أمور البرزخ شیئاً، وَ یَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ یُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَیْرَ ساعَةٍ کَذلِکَ کانُوا یُؤْفَکُونَ (2)، وَ قالَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِیمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِی کِتابِ اللّهِ إِلی یَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا یَوْمُ الْبَعْثِ وَ لکِنَّکُمْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (3).

الثانی: إن الملکات الردیئة المترسخة تعاوقهم وتمانعهم عن التوبة نظیر من أدمن علی المخدرات دهراً من عمره، فیثقل علیه الامتناع عنها، فهذه الملکات المترسخة المتجوهرة فی ذواتهم تلحّ علیهم بالبقاء علی ما کانوا علیه نظیر قوله تعالی: وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ مع أنّ عذاب الآخرة الکبری أشد من عذاب البرزخ، ومع ذلک أنبأ تعالی عن حالهم أنهم یعودون لما نهوا عنه لو ردّوا ورجعوا من الآخرة الأبدیة إلی دار الدنیا.

ثالثاً: إنّ ما أدعی من إشارة الأدلّة إلی انقطاع التکلیف بالموت أو بالمعاینة مدفوع بأن ما تشیرإلیه الأدلة إنما هو انقطاع قبول التوبة، وهذا لا یستلزم انقطاع التکلیف والقدرة والاختیار، بل هو نظیر ما ورد من أن من ارتکب بعض الکبائر المعینة یسلب قبول التوبة ویسلب قبول الأعمال الصالحة من دون أن یستلزم ذلک سقوط التکلیف ولا زوال القدرة والاختیار نظیر ما فی قوله تعالی: وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها (4).

ص:104


1- (1) سورة طه: الآیة 102 - 104.
2- (2) سورة الروم: الآیة 56.
3- (3) سورة الروم: الآیة 54.
4- (4) سورة النساء / 93.
الفرق بین الدین والشریعة:

رابعاً: إن الصحیح أن الدین لا انقطاع ولا ارتفاع له فهو مستمر وممتد فی الآخرة والقیامة الکبری وفی دار الخلود فی الجنان أو الجحیم وإن انقطعت الشریعة بدار الامتحان، وذلک لأنّ معنی الدین هو المعارف الاعتقادیة الحقة من التوحید والإقرار بآیات الله تعالی من الأنبیاء والأوصیاء وبقیة المعارف الدینیة الإعتقادیة، وکذا بقیة أرکان الدین فی الفروع مما ترتبط بآداب العبودیة تجاه الساحة الإلهیة فهی لا تختص بنشأة دون أخری، وهذه الأرکان من معنی الدین لا تختص بالثقلین من الإنس والجن، بل هی ناموس للرابطة بین الخالق العزیز وکل مخلوق من الملائکة والأرواح وغیرها من أصناف المخلوقات.

وهذا ما یُشیر إلیه قوله تعالی: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (1).

وقوله تعالی: فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِیا طَوْعاً أَوْ کَرْهاً قالَتا أَتَیْنا طائِعِینَ (2).

وأما الشریعة فهی تفاصیل الفروع .

وعلی ضوء ذلک فإن القدرة والاختیار لا تنقطع عن المخلوق، غایة الأمر لکل مخلوق بحسب - مرتبته الوجودیة ودرجته - قدرته واختیاره وکماله المقرر له، فما اشتهر فی ألسنة المتکلمین والفلاسفة من انقطاع التکلیف واختصاص التکامل بنشأة دار الدنیا إن کان المراد بلحاظ تکلیف

ص:105


1- (1) سورة الأعراف / 83.
2- (2) سورة فصلت: الآیة 11.

الشریعة والشرایع فهو صحیح، وعلیه یحمل ما ورد عن أمیر المؤمنین(علیه السلام):

«فإن الیوم عمل ولا حساب وإن غدا حساب ولا عمل»(1)، وأما إن کان بلحاظ إنقطاع التکلیف والمسئولیة والطاعة ومولویة الباری تعالی بلحاظ دائرة الدین فغیر تام.

هذا مع أنَّ الرجعة من دار الدنیا، وهی الحیاة الآخرة من الدنیا، فالشریعة أیضاً فیها مستمرة، نعم للاختیار والقدرة درجات تختلف بحسب إمکانیة الفرص ودرجات القابلیة کما مرَّ بعض الإشارة له وسیأتی مزید بسط لذلک .

وقد ورد أن الملائکة عند اعتراضهم علی خلافة آدم(علیه السلام) قد أظلم الفضاء علیهم وضجّوا بالتوبة مما یدلُّ علی أنهم مخاطبون بأصل الدین، مضافاً إلی أمرهم بالسجود لخلیفة الله فی الأرض الذی هو کنایة عن طاعتهم وإنقیادهم له، ومداینتهم بولایته بعد ولایة الله .

وقال السید المرتضی فی رسائله: «إنّ التکلیف کما یصح مع ظهور المعجزات الباهرة والآیات القاهرة فکذلک مع الرجعة لأنه لیس فی جمیع ذلک مُلجئ إلی فعل الواجب والامتناع من فعل القبیح»(2).

خامساً: إن الرجعة لیست من عوالم الآخرة الکبری، بل هی امتدادٌ

ص:106


1- (1) الکافی ج8 ص58 ح21 . نهج البلاغة خ42.
2- (2) رسائل السید المرتضی ج1 ص126.

لنشأة الدنیا وأحکامها غایة الأمر تنقسم الدنیا إلی الدنیا الأولی والدنیا الآخرة، وأما البرزخ فلیس کما اشتهر عند المتکلمین والفلاسفة من کونه من أبواب النشأة الأبدیة، بل کما سیأتی مفصلاً من بیانات روایات الرجعة هو حالة برزخیة بین الدنیا الأولی والدنیا الآخرة، أی فترة تتخلل بینهما نظیر تخلّل الحالة المنامیة بین یقظتین.

وما ورد من أن الموت أول یوم من أیام الآخرة وآخر یوم من أیام الدنیا فمحمول علی آخر یوم من الدنیا الأولی، وأول یوم من آخرة الدنیا، فإطلاق (الآخرة) علی معنیین بَلْ معان متعددة، کما هو الحال فی عنوان (البعث) فإنه یطلق علی بعث الرجعة، وبعث القیامة، وبعث ما بعد القیامة إلی الآخرة الأبدیة من البعث إلی الجنة والنار الأبدیتین.

ص:107

ص:108

الجبر والاختیار فی الرجعة

اشارة

هناک معطیات وأمور کثیرة تطالعنا بها بیانات الروایات بوقفات تحلیلة لملاحظة صفة الاختیار فی أبعاد عدیدة فی عالم الرجعة، وأن التکلیف مستمر والشریعة باقیة فی الرجعة ولو بظهور بعض ما کان باطناً وخافیاً من أحکامها.

فالرجعة استمرار للتکلیف لا انقطاع له ولا إعادة للتکلیف من البدء مرة أُخری.

قال الشیخ محمد آل عبدالجبار «الرجعة والبرزخ وزمن الرجعة یخالف ما سبق من الدنیا الأولی، فالرجعة برزخ بین الأولی من الدنیا والآخرة الأبدیة، ولذلک تظهر فیه الجنتان وتظهر أحکام الباطن وأسرار أهل البیت(علیهم السلام) عیاناً، وینفی الشرک ظاهراً أو باطناً، ویکون الحساب فی الرجعة وعلی ید الحسین(علیه السلام) فی زمن الرجعة لأکثر الخلق، وهو یقضی بوجود التکلیف فی مراتب الوجود وطبقات السماوات قبل مرتبة الجنة والنار، وأن الموت مراتب والحیاة مراتب

ص:109

وأن کل حیاة بعد موت هی حیاة أقوی من سابقتها وکذا الموت اللاحق أشد وأطمّ من السابق».

شواهد بیانیة فی الروایات علی استمرار التکلیف فی الرجعة:
الشاهد الأول: درجات الاختیار والرجعة:

إن ذهاب فرص الاختیار وقلتها علی درجات، فقابلیة الانسان فی الاختیار فی بدایة طفولته ومراهقته منفتحة علی خیارات کثیرة وآفاق وسیعة، ولکنه شیئا فشیئا عندما یکبر ویحدد مسیره واتجاهه تتعین وجهته وتتقلص جملة من خیاراته وتفوته جملة من الآفاق، وذلک بسبب نشؤ الملکات والصفات التی تشکل طابع خاص لذاته، فیجبل علی تلک الملکات وتقل منافذ الطرق فتقل سعة حراکه حتی إذا بلغ الاربعین إشتد رسوخ الملکات فیه وفی أرضیة نفسه، وکلما شاخ شب فیه ماتطبّع علیه من الخلق، فیکون تغیر شاکلة أفعاله عما هو علیه من الصعوبة بمکان کما هو الممتنع.

ولنمثل لذلک مثالا کمن رام الذهاب الی مقصد - کمکة المکرمة او المدینة المنورة أو أحد المراقد المقدسة - ثم التبس علیه الطریق فمال عنه یسیرا، فإنه کلما تمادی فی السیر إزداد بعدا حتی یصل الی منازل ومواطن قد توغل فیها عمقا، حیث إنه لایزیده السیر إلّا بعداً، فیکون الرجوع من الصعوبة بمکان بمثابة الممتنع وإن لم یکن ممتنعا حقیقة، إلّا أن الرجوع

ص:110

یحتاج الی مکابدات لاتطاق من ثقلها وعنائها، فالقدرة علیه بثقل السموات والأرض تجرعا ومرارة وعناءاً.

وبهذا یتضح معنی غلق أبواب الاختیار وذهاب الفرص وتبدد القدرة، کما یتضح ایضا معنی کون باب الرجوع والتوبة وامکانیتهما ینغلق علی درجات لا علی درجة واحد، فیتعدد باب غلق التوبة وهو علی درجات کما ورد فی الآیات والروایات.

تعدد مراتب الإختیار بمراتب سد التوبة:

1 - بلوغ الأربعین، حیث ورد وروی أنَّه إذا بلغ الرجل أربعین سنة ولم یتب مسح إبلیس وجهه، وقال بأبی وجه لایفلح(1).

2 - عند الموت درجة.

3 - ظهور الإمام المهدی(عج).

4 - الرجعة وکلّ مرحلة من مراحلها.

5 - خروج دابة الأرض، وقد ورد مستفیضاً أنه تغلق التوبة عنده.

6 - أربعین یوم قبل قیام القیامة الکبری .

7 - مجیئ الساعة وقیام القیامة الکبری .

وتعدد غلق الباب للتوبة یشیر إلی فقد خیارات الاختیار وتضائل

ص:111


1- (1) سفینة البحار /جلد /1 ص504.

القدرة والقوة أکثر فأکثر، فیضیَّق شیئاً فشیئاً طریق الرجوع والاصلاح والتوبة کأنه ینسد .

قال الله تعالی : الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِیهِمْ (1)، والخسارة تعنی ذهاب هذه القدرات فی النفس, ومن ثم قال الإمام العسکری(علیه السلام) کَمَا فی تحف العقول للحرانی: «ریاضة الجاهل وردّ المعتاد عن عادته کالمعجز».

ویؤیّد ذلک ما ورد من أن من بلغ الأربعین ینغلق علیه باب من أبواب التوبة ودرجة من درجاتها.

وقوله تعالی: یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ (2)، وقوله یَأْتِیَ بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ کلما تتجلّی الآیات فی الرجعة ینغلق باب التوبة شیئاً فشیئاً.

فالمؤمن ربما تحصل له عنایة خاصة من بکائه علی الحسین(علیه السلام) فتغفر ذنوبه، ولکن هل یستطیع إبلیس أن یبکی علی الحسین(علیه السلام) وهو فی فترة امتحان؟ إنّ ذلک کالممتنع علی قلبه.

ومثل عمر بن سعد عندما بکی علی الحسین(علیه السلام) لکنه بعد ذلک رجع وأمر برضّ صدر الحسین(علیه السلام).

فحالة الشقاوة متمکّنة منه، والحالة الأولی من البکاء عابرة منطلقة من

ص:112


1- (1) سورة الزمر: الآیة 15.
2- (2) سورة الأنعام: الآیة 158.

الفطرة التی دیس علیها, وأما عدوانیته وطغیانه علی الحسین(علیه السلام) فملکات متمکنة من جوهر ذاته .

الشاهد الثانی: تخییر المؤمن فی قبره:

روی فی دلائل الإمامة للطبری عن سیف بن عمیرة، قال: قال لی أبو جعفر(علیه السلام):

«المؤمن لیخیَّر فی قبره، إذا قام القائم، فیقال له: قد قام صاحبک، فإن أحببت أن تلحق به فإلحق، وإن أحببت أن تقیم فی کرامة الله فأقم»(1).

وکذلک رواه الطوسی فی الغیبة باختلاف یسیر(2).

وظاهر الحدیث أن أصل الرجوع فی الرجعة هو باختیار من المؤمن لا بإلجاء، نظیر ما ورد فی موت المؤمن أیضاً أنه لا یوقع علیه بإلجاء بل باختیار منه نسبیاً حیث یریه الله تعالی نعیمه وأولیاؤه محمدا وعترته الطاهرین صلوات الله علیهم فیختار الموت، لکن هذا محمول علی أوائل الرجعة، وأما الرجعات الأخری فی أواسط الرجعة وأواخرها فالظاهر أنها حتمیة.

الشاهد الثالث: التمادی فی المسیر المعنوی وأثره:

إذا تمادی شخص فی طریق الخطأ وذهب متوغلاً بعیداً فیه تجد أنّ رجوعه وتوبته بمکان من الصعوبة.

ومثال ذلک: المدمن علی المخدّرات فإنه لیس بمحال أن یقلع لکن

ص:113


1- (1) دلائل الامامه.ص 489.ح.75/471.
2- (2) الغیبه للطوسی.ص458./ح 470.

یصعب علیه ذلک، وقد تصل الصعوبة الی درجة شدیدة جداً یحسبها کالممتنع، ویقول لمن یعظونه لئن ترمونی من سبع سماوات أهون علیَّ من أن أقلع عن ما أنا علیه، فکلما ازداد التمادی فی الغیّ والباطل اشتدت صعوبة الرجوع علیه.

وکذلک السالک فی جانب الخیر یتمادی فی طریق الخیر والنور فیصعب علیه أن یرجع عنه إلی القهقری، فکلما شاخ وأسن وطال عهده بطریق الخیر کلما اشتد وغوله ورسوخه فی درجات الهدی الی أن یصل الی الدرجات العلیا، فیصبح محاسباً علی ترک الأولی کمن یحاسب علی الفواحش الظاهرة، وهذا معنی «حسنات الأبرار سیّئات المقرّبین» وکلما إرتقت درجته اشتدت الاولویات فی حقه وشأنه وازدادت مسؤلیاته ومسائلته عن دقائق الأمور وخفایا الخطور، بل وعن بواطن الاسرار .

فهناک تفاوت بین الأولویات والأولی الذی یحاسب علیه الانبیاء بترکه، وبین الأولی الذی یوآخذ به سید الانبیاء والائمه(علیهم السلام) ،فالمسؤولیة تتفاوت بدرجات کبیره بحسب المراتب والفضیله والقرب «تِلْکَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ »1.

مثلاً إن المخالفات من ترک الأولی التی عرضت علی الأنبیاء بمستواها الظاهر دون الأولویات التی کانت علی عهدة النبی والائمة(علیهم السلام)، فهم فوق

ص:114

ذلک بکثیر إذ یستشعرون التقصیر (بالفتور عن ذکر الله) ویعدّونه معصیة فی قبال ما عدّه غیرهم مباحا غیر معصیة، فیتقون عن الفتور عن ذکر الله کما یتوقی سائر الناس عن الکفر، وهو معنی قوله تعالی : رِجالٌ لا تُلْهِیهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِیتاءِ الزَّکاةِ یَخافُونَ یَوْماً تَتَقَلَّبُ فِیهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ (1) فالمحاسبة عندهم علی کل نفس، وکل خاطر، وکل هجسة من هواجس النفس، وعلی کل حدیث توسوس به أنفسهم.

ولذا توقی یوسف(علیه السلام) من الخطور الذی یتعاطاه الملایین من الناس، کما فی قوله تعالی: وَ إِلاّ تَصْرِفْ عَنِّی کَیْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَیْهِنَّ وَ أَکُنْ مِنَ الْجاهِلِینَ (2).

ص:115


1- (1) سورة النور: الآیة 37.
2- (2) سورة یوسف: الآیة 33.

ص:116

تکلیف أهل الرجعة ودرجة اختیارهم

اشارة

تساؤل: قَدْ یستدل علی نفی الرجعة بما ورد فی بعض أحادیث التلقین - عند وضع المیّت فی القبر - أنّه ینبغی أن یقال له: هذا أوّل یوم من أیّام الآخرة، وآخر یوم من أیّام الدنیا.

والجواب عنه - کَمَا تَقَدَّمَ - أن لفظ الآخرة کَمَا یطلق عَلَی عالم القیامة وما بعده من النشأة الأبدیة , کذلک یطلق لفظ الآخرة علی الفترة الثانیة من الحیاة الدنیا .

وقد أجاب الحرّ العاملی عنه، ونحن نضیف جملة من التعدیل علیه:

أولاً: إنّ الرجعة بحسب بدایاتها غیر عامّة لکلّ أحد، وإنّما ینبغی تلقین المیّت بذلک، لعدم العلم بأنّه من أهل بدایات الرجعة بنحو محقق مقطوع.

ثانیاً: إنّ الرجعة وإن کانت واسطة بین الدنیا الأولی والآخرة الأبدیة إلّا أنّه یجوز أن تطلق الآخرة علی کل واحد منهما، وبعبارة أُخری إنَّ للحیاة الدنیا حیاة أولی وحیاة آخرة من الدنیا، وقد عرفت إطلاق أهل

ص:117

اللغة اسم الدنیا علیها، وقد وردت الأحادیث التی تفید إطلاق کلّ واحد من لفظ الدنیا ولفظ الآخرة علی الرجعة باعتبارین، ووردت أحادیث صریحة فی إطلاق اسم الآخرة علیها أیضاً.

ثالثاً: إنّ الحیاة الأولی من الدنیا بالنسبة إلی الثانیة یجوز أن یطلق علیها اسم الدنیا بحسب وضع اللغة، بأن تکون وضعت للأولی خاصّة، إمّا من الدنو أو من الدناءة، ویکون إطلاقها علی الحیاة الثانیة محتاجاً إلی القرینة، لأنّه إنّما یصدق علیها ذلک المعنی بالنسبة إلی القیامة الکبری لا مطلقاً , وقد ورد أیضاً إطلاق الدنیا الأولی والآخرة من الدنیا علیهما .

رابعاً: إنّ أهل الرجعة یحتمل کونهم غیر مکلّفین بالشریعة وإن کانوا مکلفین بالدین، والمراد بالدنیا فی حدیث التلقین دار التکلیف بالشریعة کما یفهم منه بالقرینة, وقد تقدم النظر فی هذا الجواب ومنعه.

خامساً: إنّ الحدیث المشار إلیه غیر متواتر، فلا یقاوم أحادیث الرجعة وأدلتها لو کان صریحاً فی المعارضة فکیف واحتمالاته کثیرة.

التکلیف ومدار الحجیة فی الرجعة:

إن مدار الحجیة فی الرجعة هو مدار الحجیة فی الحیاة الأولی من الدنیا کما هو الحال فی زمن غیبة الإمام المهدی(عج)، وکما هو الحال فی زمن ظهوره، وقد روی الکلینی بسنده عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی قوله تعالی: وَ قَضَیْنا

ص:118

إِلی بَنِی إِسْرائِیلَ فِی الْکِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِی الْأَرْضِ مَرَّتَیْنِ (1) ثُمَّ رَدَدْنا لَکُمُ الْکَرَّةَ عَلَیْهِمْ (2)

خروج الحسین(علیه السلام) فی سبعین من أصحابه علیهم البیض المذهب، لکل بیضة وجهان المؤدون إلی الناس أن هذا الحسین قد خرج حتی لا یشک المؤمنون فیه، وإنه لیس بدجال ولا شیطان والحجة القائم بین أظهرهم، فإذا استقرت المعرفة فی قلوب المؤمنین أنه الحسین(علیه السلام) جاء الحجة الموت، فیکون الذی یغسله ویکفنه ویحنطه ویلحده فی حفرته الحسین بن علی(علیهماالسلام) ولا یلی الوصی إلا الوصی»(3) .

ومفاد الروایة أن مقام الإمامة لا سیما فی الرجعة رغم أنه منصب عظیم وخطیر، إلا أن الإلتباس بشخصیة أخری تتقمص منصب الإمامة بأن یکون دجالاً أو شیطاناً أمر ممکن، فیظهر منه التلاعب فی منطق الکلام، وهو الإحتمال الأوَّل أی الدجل، أو التلاعب فی إظهار أمور خارقة للعادة بحسب الصورة لا الحقیقة، وهو الإحتمال الثانی وهو الشیطنة، بل کلا الأمرین فی کلا الإحتمالین یجتمعان، فلابد من توکید الدلالات والآیات علیه(علیه السلام) کی تتم الحجیة، لخطورة هذا المقام الذی هو سبب واصل بین الأرض وسماء الغیب، فلا تتم الدلالة إلا بدلالة إمام قبله، کما ورد أن الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، أی أن منطق الحجیة مهمین منهاجا علی طریق الإتصال بالسماء، ولیس إدعاءات

ص:119


1- (1) سورة الإسراء: الآیة 4.
2- (2) سورة الإسراء: الآیة 6.
3- (3) روضة الکافی : ح250 ص206.

ومزاعم فارغة، ثم لا یکتفی بأصل الحجیة حتی تستقر المعرفة فی قلوب المؤمنین، ولا تکون معرفة مستودعة بَلْ مستقرة توکیداً شدیداً کما هو الدیدن فی سیرة الشیعة مع الأئمة(علیهم السلام) أنها کانت علی دوام إمتحان معرفتهم بشخص الإمام، وعدم الإکتفاء بالإمتحانات السابقة .

درجة الإختیار فی أفعال یوم القیامة:

إنّ أهل الآخرة یقومون بأفعال کثیرة سواءً فی مشهد القیامة الکبری أو فی الجنّة أو فی النار أو ما بین هذین المقامین، والفعل إنّما یصدر عن الفاعل عن قدرة وعلم واختیار، وهذا یقرّر أنّ تلک النشئات وإن لم یکن فیها تکلیف شریعة، إلّا أنّ الدین قائمٌ مُقامٌ فی کل النشئات وهو من أحکامها تکویناً وطریقة ومنهاجاً.

ومن نماذج تلک الأفعال:

1 - المشی إلی موقف الحساب.

2 - الجواب عن کلّ ما یُسألون عنه.

3 - التکذیب فی بعض مواقف یوم القیامة وَ یَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِیعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِینَ أَشْرَکُوا أَیْنَ شُرَکاؤُکُمُ الَّذِینَ کُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَکُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا وَ اللّهِ رَبِّنا ما کُنّا مُشْرِکِینَ * انْظُرْ کَیْفَ کَذَبُوا عَلی أَنْفُسِهِمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما کانُوا یَفْتَرُونَ (1).

ص:120


1- (1) سورة الأنعام: الآیة 22 - 24.

4 - المرور علی الحوض فی أواخر الرجعة قبل القیامة.

5 - حرکة أهل الجنّة والنار إلی منازلهم.

6 - الشفاعة.

7 - غضّ الأبصار.

8 - الجثو علی الرکب. وَ تَری کُلَّ أُمَّةٍ جاثِیَةً کُلُّ أُمَّةٍ تُدْعی إِلی کِتابِهَا الْیَوْمَ تُجْزَوْنَ ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (1).

9 - الأکل والشرب والجماع.

10 - زیارة بعضهم بعضاً. وَ نَزَعْنا ما فِی صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلی سُرُرٍ مُتَقابِلِینَ (2).

11 - التحمید والتسبیح دَعْواهُمْ فِیها سُبْحانَکَ اللّهُمَّ وَ تَحِیَّتُهُمْ فِیها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ (3).

وهذا یفید أنّ هناک مسیر تکامل وصدور أفعال عن علم وقدرة.

إغلاق باب التوبة:

وروی الصدوق بسنده عن عبدالله بن سلیمان العامری عن أبی عبدالله(علیه السلام)، قال:

«ما زالت الأرض إلّا ولله تعالی فیها حجّة، یعرف الحلال من الحرام، ویدعو

ص:121


1- (1) سورة الجاثیة: الآیة 28.
2- (2) سورة الحجر: الآیة 47.
3- (3) سورة یونس: الآیة 10.

إلی سبیل الله، ولا تنقطع الحجة من الأرض إلّا أربعین یوماً قبل القیامة، وإذا رفعت الحجة أُغلق باب التوبة ف لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً

،أولئک شرار خلق الله وهم الذین تقوم علیهم القیامة»(1).

والظاهر من الحدیث أنّ ارتفاع التوبة علی درجات، فالموت درجة من غلق التوبة، وظهور الإمام(علیه السلام) درجة آخری من غلق التوبة.

وأربعون یوما قبل القیامة درجة ثالثة تغلق التوبة، أی یشتد الغلق، ومعنی اشتداده هوازدیاد درجات فقد الاختیار.

غلق باب التوبة وانقطاعها تدریجیٌ:

من الأحکام التکوینیة العامة فی الرجعة ما تشیر إلیه الآیة الکریمة من انقطاع التوبة فی قوله تعالی: هَلْ یَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِیَهُمُ الْمَلائِکَةُ أَوْ یَأْتِیَ رَبُّکَ أَوْ یَأْتِیَ بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ (2) وقد وردت روایات عن أهل البیت(علیهم السلام) تفسرها بالرجعة، بل إنّ روایات العامّة(3) الواردة فی ذیل الآیة فسَّرت قوله تعالی: یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ بخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها والدخان،

ص:122


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة الباب 22/ح24 ص229.
2- (2) سورة الأنعام: الآیة 158.
3- (3) الدر المنثور للسیوطی فی ذیل الآیة رواها عن مصادر عدیدة .

وهی من معالم الرجعة، وقد رواها العامة وهم لا یشعرون بأنها من روایات الرجعة، وقد استفاضت الروایات فی نزول مفاد هذه الآیة فی الرجعة، ولیس کما قیل: إنّها عامة فی معنی کلی وانطباقه علی الرجعة من باب الجری، لا سیما أنّ روایات أهل البیت(علیهم السلام) قد عالجت جملة من ألفاظ هذه الآیة الکریمة بحسب مالها من ظهور أوّلی، وبیان تعیین مفادها فی الرجعة وخروج القائم(علیه السلام).

وفی صحیح علی بن رئاب، عن أبی عبدالله(علیه السلام) أنّه قال فی قول الله عَزَّ وَجَلَّ: یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ، فقال:

«الآیات هم الأئمة والآیة المنتظر هو القائم(علیه السلام)، فیومئذ لا ینفع نفساً إیمانها لم تکن آمنت من قبل قیامه بالسیف وإن آمنت بمن تقدَّمه من آبائه(علیهم السلام)»(1).

وفی کمال الدین عن أبی بصیر، قال: قال الصادق جعفر بن مُحمَّد(علیهماالسلام) فی قول الله عَزَّ وَجَلَّ: یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً ، قال:

«یعنی خروج القائم المنتظر منّا»، ثم قال(علیه السلام):

«یا أبا بصیر طوبی لشیعة قائمنا المنتظرین لظهوره فی غیبته، والمطیعین له فی ظهوره، أولئک أولیاء الله الذین لا خوف

ص:123


1- (1) الإمامة والتبصرة لعلی بن بابویه : باب إمامة القائم ح26 ص102، باب فی آیات خروجه ح130 ص128. کمال الدین للصدوق ب33 ح8 ص336. ورواه فی البحار ج51 ص51 ب5 ح25 عن ثواب الأعمال ولم یوجد فی المطبوع منه .

علیهم ولا هم یحزنون»(1).

وروی العیاشی عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم، عن أبی جعفر وأبی عبدالله(علیهماالسلام)، فی قوله: یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها ، قال:

«طلوع الشمس من المغرب، وخروج الدابة، والدجال، والرجل یکون مصرّاً ولم یعمل علی الإیمان، ثم تجیء الآیات فلا ینفعه إیمانه»(2).

والروایة قیدت بخصوص المصرّ دون المستضعف، بل دون المخالف غیر المصرّ، فالروایة دالة علی أنّ المجال مفتوح، لکن روی روایة عن مسعدة بن صدقة، عن أبی جعفر محمد بن علی، عن أبیه، عن جده(علیهم السلام)، قال: قال أمیر المؤمنین(علیه السلام):

«إنّ الناس یوشکون أن ینقطع بهم العمل، ویسدّ علیهم باب التوبة، ف- لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً » (3).

وفی روایة أخری فی کمال الدین: أنّ ذلک - أی عدم النفع - إنّما هو إذا خرجت الدابة معها خاتم سلیمان وعصا موسی فتطبع علی وجه المؤمن بالإیمان وعلی وجه الکافر بالکفر، وأنّ ذلک بعد طلوع الشمس من مغربها، فعند ذلک ترفع التوبة، فلا توبة تقبل ولا عمل یرفع ولا ینفع نفساً إیمانها لم تکن آمنت من قبل أو کسبت فی إیمانها خیراً، ثم قال(علیه السلام):

«لا تسألونی عمّا یکون

ص:124


1- (1) کمال الدین ب33 ح54 ص357.
2- (2) تفسیر العیاشی : ج1 ص384 ح128.
3- (3) تفسیر العیاشی : ج1 ص384 ح127.

بعد هذا، فإنّه عهد إلیّ حبیبی رسول الله(صلی الله علیه و آله) أن لا أخبر به غیر عترتی»(1).

وتوجیه سدّ باب التوبة علی وجوه، مضافاً إلی ما تقدم:

1 - أنْ یکون ذلک لأجل قرب یوم القیامة الکبری کما تشیر إلیه روایة أُخری فی کمال الدین للصدوق رواها عن عبدالله بن سلیمان العامری، عن أبی عبدالله(علیه السلام)، قال:

«ما زالت الأرض إلّا ولله تعالی ذکره فیها حجّة یعرف الحلال والحرام ویدعو إلی سبیل الله عَزَّ وَجَلَّ ولا ینقطع الحجة من الأرض إلّا أربعین یوماً قبل یوم القیامة، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة ولن ینفع نفساً إیمانها لم تکن آمنت من قبل أن ترفع الحجة، أولئک شرار من خلق الله، وهم الذین تقوم علیهم القیامة»(2).

2 - أن یکون معنی عدم النفع بمعنی أن یسلب التوفیق والقدرة علی الإیمان أو علی العمل الصالح، وذلک لما قرّر فی البحوث العقلیة لما جاء فی بیانات الوحی من أنّ أعمال الإنسان فی الدارالأولی من الدنیا تؤثر إیجاباً أو سلباً فی مسار الإنسان فی الدار الآخرة من الدنیا وهی الرجعة، نظیرتأثیر اختیارات الإنسان فی عالم الذرّ والمیثاق علی اختیاراته فی دار الدنیا، فحاصل هذا التأویل لیس ارتفاع الامتحان والاختیار، بلْ هو تقلّص فرص الاختیار وسلب أو ضعف القدرة علی تغییرالمسار لتسلط الملکات النفسانیة علی إرادة الإنسان.

ص:125


1- (1) کمال الدین : ب47 ح1 ص527.
2- (2) کمال الدین : ب 22 ح 24 ص229.

وفی الکافی عن هشام بن الحکم، عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی حدیث قال:

«لا ینفع إیمانها لأنّها سلبت »(1).

الفرق فی الاختیار بین نشأة الملکوت ونشأة الدُّنْیَا:

3 - أن یراد تعجیل العذاب الذی یصطلم الجاحدین أو الفاسقین علی ید الحجّة(عج) عند الظهور أو علی ید الأئمة(علیهم السلام) عند الرجعة، أی عند وقوع ذلک العذاب علیهم من قتل ونحوه لا قبل ذلک، أی أنهم لا یمهلوا، لا أن الإختیار من أفعالهم لا یقع.

کما ورد فی تفسیر أن النبی(صلی الله علیه و آله) بعث رحمة والحجة القائم(عج) یبعث نقمة، أن المراد من بعثته رحمة أن العباد فی مهلة فی زمنه(صلی الله علیه و آله)، وکذا فی العهد السابق للأئمة(علیهم السلام)، بینما فی عهد ظهور صاحب الأمر لا یمهل أعداءه ولا یمهل العصاة، بل یعاجل العقوبة علی ما ارتکبوه، وهذا الفارق بین الحیاة الأولی من الدنیا والرجعة بعد کون ظهور صاحب الأمر فاتحة للرجعة شبیه بالفرق بین نشأة الحیاة الدنیا التی هی دار إمتحان ونشأة الملکوت، فإنَّ فی نشأة الملکوت لا یسلب الإختیار ولکن لا یمهل من یرتکب المخالفة، فیعاجل له بالعقوبة کما فی القصة المعروفة لفطرس الملک، وکما فی ظلمة الفضاء علی الملائکة حینما اعترضوا علی استخلاف آدم(علیه السلام)، وکما فی إخراج ابلیس من الملکوت حینما عصی ربه ولم یسجد لآدم قالَ فَاهْبِطْ

ص:126


1- (1) الکافی ج1 ص428 باب فیه نکت ونتف من التنزیل فی الولایة ح81.

مِنْها فَما یَکُونُ لَکَ أَنْ تَتَکَبَّرَ فِیها فَاخْرُجْ إِنَّکَ مِنَ الصّاغِرِینَ (1)، ففی الملکوت ودار القرب الإلهی لا یسلب الإختیار ولکنه یرتفع الإمهال، فمعنی کون دار الدنیا دار إمتحان ودار الآخرة دار الجزاء لیس الفارق بینهما بسلب الإختیار فی دار الجزاء ووجوده فی دار الإمتحان، بل الفارق أن فی دار الإمتحان إمهال وإعطاء فرصة للتصحیح والتغییر والتوبة بخلاف دار الجزاء فإنها یعاجل فیها العقوبة، إلا أن بین الدارین فارقا آخرا وهو إختلاف درجات الإختیار، فإن فرص الإختیار فی الأولی أکثر بخلافها فی الآخرة، وإن کان العلم فی دار الآخرة یزداد عما هو علیه فی الدار الأولی، ولعله أحد أسباب الإمهال فی دار الإمتحان دون دار الإجزاء.

بین الاختیار والحساب والجزاء:

ثم إن بین دار الحیاة الأولی من الدنیا ودار الجزاء الآخرة الأبدیة درجات متوسطات من الدور، کزمن ظهور صاحب العصر، ونشأة الرجعة وهی الحیاة الآخرة من الدنیا، وأواسط الرجعة وهو زمن خروج دابة الأرض، وأواخر الرجعة حیث یبدأ فی إقامة الحساب، وأربعین یوماً قبل القیامة حیث تنقطع وترتفع الحجة، ثم نشأة عالم القیامة، ثم من بعد ذلک نشأة الآخرة الأبدیة من الجنة والنار، فیتبین من ذلک طبقات الإختیار وطبقات المهلة والإمتحان عن مقامات ومراتب الحساب والجزاء، وأن مراتب الحساب متقدمة علی الجزاء ومتوسطة بین الإمتحان والجزاء، کما

ص:127


1- (1) سورة الأعراف: الآیة 13.

أنه سیتبین أن للحساب مراتب أیضاً تشتد شیئاً فشیئاً، وکذلک الحال فی مراتب الجزاء وإشتداده شیئاً فشیئاً.

وعلی هذا التفسیر یبقی الاختیار فی عصر الظهور والرجعة، ولکن الجاحد لا یبقی مخیّراً علی جحوده، بل إن لم یؤمن فیعجل علیه العقاب وکذلک الفاسق لا یمهل.

ویعضد هذا التفسیر ما رواه الصدوق فی عیون الأخبار عن الرضا(علیه السلام) بإسناده عن إبراهیم بن محمد الهمدانی، قال: قلت لأبی الحسن علی بن موسی الرضا(علیه السلام): لأیّ علّة أغرق الله عَزَّ وَجَلَّ فرعون وقد آمن به وأقرّ بتوحیده؟ قال:

«لأنّه آمن عند رؤیة البأس، والإیمان عند رؤیة البأس غیر مقبول، وذلک حکم الله تعالی فی السلف والخلف، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ کَفَرْنا بِما کُنّا بِهِ مُشْرِکِینَ * فَلَمْ یَکُ یَنْفَعُهُمْ إِیمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا (1)،

وقال عَزَّ وَجَلَّ: یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً (2)،

وهکذا فرعون لمّا أدرکه الغرق قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِی آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِیلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِینَ ،

فقیل له: آلْآنَ وَ قَدْ عَصَیْتَ قَبْلُ وَ کُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِینَ * فَالْیَوْمَ نُنَجِّیکَ بِبَدَنِکَ لِتَکُونَ لِمَنْ خَلْفَکَ آیَةً (3)...»(4).

ص:128


1- (1) سورة غافر: الآیة 84.
2- (2) سورة الأنعام: الآیة 158.
3- (3) سورة یونس: الآیة 91-92.
4- (4) عیون أخبار الرضا*: ج1 ص83 ح7.

4 - أن یکون هذا الإیمان غیر مقبول ولا یثابون علیه وإن وقع منهم، وذلک لتجلّی الآیات القاهرة فی العیان، فلا یکون من قبیل الإیمان بالغیب کما تشیر إلیه صحیحة ابن درّاج، قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) یقول فی قول الله عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ یَوْمَ الْفَتْحِ لا یَنْفَعُ الَّذِینَ کَفَرُوا إِیمانُهُمْ وَ لا هُمْ یُنْظَرُونَ (1)، قال:

«یوم الفتح یوم تفتح الدنیا علی القائم لا ینفع أحداً تقرَّب بالإیمان ما لم یکن قبل ذلک مؤمناً وبهذا الفتح موقناً، فذلک الذی ینفعه إیمانه، ویعظم عند الله قدره وشأنه، وتزخرف له یوم البعث جنانه، وتحجب عنه نیرانه، وهذا أجر الموالین لأمیر المؤمنین وذرّیته الطیّبین، صلوات الله علیهم أجمعین»(2).

ویعضد هذا المفاد ما رواه الکلینی من قصّة النصرانی الذی فجر بامرأة مسلمة، فأراد المتوکّل أن یقیم علیه الحدّ فأسلم، فأفتی علماء العامّة بعدم وجوب إقامة الحدّ علیه، فسأل عن ذلک أبا الحسن الثالث(علیه السلام) فأمر أن یضرب حتی یموت، فسألوه(علیه السلام) فکتب:

«بسم الله الرحمن الرحیم فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ کَفَرْنا بِما کُنّا بِهِ مُشْرِکِینَ فَلَمْ یَکُ یَنْفَعُهُمْ إِیمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللّهِ الَّتِی قَدْ خَلَتْ فِی عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِکَ الْکافِرُونَ ،

فأمر به المتوکل فضرب حتّی مات»(3).

ویقرّب هذا الوجه قوله تعالی: لا یَسْتَوِی مِنْکُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِکَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِینَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا (4).

ص:129


1- (1) سورة السجدة الآیة 29.
2- (2) تأویل الآیات ج2 ص454 ح9.
3- (3) الکافی ج7 ص238 باب ما یجب علی أهل الذمة من الحدود ح2.
4- (4) سورة الحدید: الآیة 10.

5 - وهو جامع لما تقدَّم من الوجوه الأربعة ومطابق لما عقدناه من مقالة مستقلّة حول أنّ الأدوارفی الرجعة والموقعیّة فیها هی ولیدة أعمال الإنسان قبل الرجعة وقبل ظهور الحجّة وأنّ المعانی السابقة الأربعة غیر متدافعة، بل متراتبة یضیّق فیها الخیار والاختیار حتی یطبع علی القلب والجبهة بخاتم دابة الأرض.

وقد جاء عین هذا الحکم فی آیات أخری للرجعة، کقوله تعالی: وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنی دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ (1). وکذا قوله تعالی فی آیات لاحقة من سورة السجدة: وَ یَقُولُونَ مَتی هذَا الْفَتْحُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ * قُلْ یَوْمَ الْفَتْحِ لا یَنْفَعُ الَّذِینَ کَفَرُوا إِیمانُهُمْ وَ لا هُمْ یُنْظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (2).

فقد روی علی بن إبراهیم فی قوله تعالی: أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَی الْأَرْضِ الْجُرُزِ (3)، قال: « الأرض الخراب، وهو مثل ضربه الله فی الرجعة والقائم(علیه السلام) فلما أخبرهم رسول الله(صلی الله علیه و آله) بخبرالرجعة قالوا: مَتی هذَا الْفَتْحُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ ، وهذه معطوفة علی قوله: وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنی دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ ، فقالوا: مَتی هذَا الْفَتْحُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ ، فقال الله لهم: یَوْمَ الْفَتْحِ لا یَنْفَعُ الَّذِینَ کَفَرُوا إِیمانُهُمْ وَ لا هُمْ یُنْظَرُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ یا محمد وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ » (4).

ص:130


1- (1) سورة السجدة: الآیة 21.
2- (2) سورة السجدة: الآیة 28-30.
3- (3) سورة السجدة: الآیة 27.
4- (4) تفسیر القمی: ج2 ص171.

وهذا إطلاق لعنوان الفتح علی الرجعة وهو أعظم من عنوان النصر، لأن النصر حسم عسکری وسیاسی، بینما الفتح حسم حضاری فی البصائر والإیمان والهویة.

6 - إنَّ التکلیف یرتفع عند خروج دابة الأرض:

قال الشیخ أمین الدین الطبرسی فی تفسیر قوله تعالی: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ (1)، أی وجب العذاب والوعید علیهم، وقیل: معناه إذا صاروا بحیث لا یفلح أحد منهم ولا أحد بسببهم، وقیل: إذا غضب الله علیهم، وقیل: إذا نزل العذاب بهم عند اقتراب الساعة أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تخرج بین الصفا والمروة، فتخبر المؤمن بأنه مؤمن، والکافر بأنّه کافر، وعند ذلک یرتفع التکلیف، ولا تقبل التوبة وهوعلم من أعلام الساعة، وقیل: لا یبقی مؤمن إلّا مسحته، ولا یبقی منافق إلّا خطمته، تخرج لیلة جمع، والناس یسیرون إلی منی»(2). انتهی کلامه.

وقدْ مر أن التکلیف بالشریعة غیر منقطع فی الرجعة فضلاً عن الوظائف والمسؤلیة بحسب الدین، بل إن الوظائف بحسب الدین لا ترتفع أصلا فی کل النشئات.

7 - علم الیقین فی الرجعة مختص بالشیعة، وغیرهم إذا آمن فی الرجعة لا یصل إلی ذلک المقام، فقد ورد عن جابر عن أبی جعفر(علیه السلام) فی

ص:131


1- (1) سورة النمل: الآیة 82.
2- (2) تفسیر مجمع البیان ذیل الآیة 82 من النمل .

حدیث طویل له، قال:

«... ولا یبقی رجل من شیعتنا إلّا أنزل الله إلیه ملکاً یمسح عن وجهه التراب، ویعرّفه أزواجه ومنازله فی الجنة، ولا یبقی علی وجه الأرض أعمی ولا مقعد ولا مبتلی إلّا کشف الله عنه بلاءه بنا أهل البیت، ولتنزلنّ البرکة من السماء إلی الأرض حتّی أنّ الشجرة لتنقصف بما یزید الله فیها من الثمرة، ولتأکلنّ ثمرة الشتاء فی الصیف، وثمرة الصیف فی الشتاء وذلک قوله تعالی: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُری آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ (1)،

ثم إنّ الله لیهب لشیعتنا کرامة لا یخفی علیهم شیء من الأرض وما کان فیها، حتّی أنّ الرجل منهم یرید أن یعلم علم أهل بیته فیخبرهم بعلم ما یعلمون»(2).

وهذه الروایة المتضمنة للآیة، وما مر من الآیات والروایات السابقة دالة علی استمرار التکامل فی الرجعة إلی درجات عالیة و تکامل هویة قوم بالعلم والقدرة، وهما عمودا الاختیار، وقوله(علیه السلام) یخبرهم بعلم ما یعلمون: أی الذی یعلمونه بالحس أمامهم یعلمه المؤمن بقلبه، فیکون جمیع المؤمنین أبدالاً فی الأرض، وإذا تقرر إزدیاد القدرة والعلم تحققت أرضیة التکلیف.

الرجعة وتصویر کیفیة الاختیار والامتحان:

رغم ظهور کثیر من الروایات فی ارتفاع التوبة والإمهال، ولکنّها محمولة علی صعوبة التغییر فی الاختیار لا انتفائه، کما فی بقاء الإختیار لأشقی الأشقیاء ابن ملجم قاتل أمیر المؤمنین(علیه السلام) قبل الاقتصاص منه فی

ص:132


1- (1) سورة الأعراف: الآیة 96.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات : ص171 باب الکرات ح7/107 .

فترة تلک الأیام بعدما ارتکب ما ارتکب، وکما هو الحال فی شأن شمر وعمر بن سعد وعبید الله بن زیاد ویزید بن معاویة علیهم لعائن الله العزیز الجبّار بعد قتل سیّد الشهداء(علیه السلام)، وکما هو الحال فی من غرق فی المعاصی حتی استحوذ علیه الشیطان، کما یشیر إلیه سید الشهداء(علیه السلام) فی خطبته یوم عاشوراء

«لقد استعوذ علیکم الشیطان فأنساکم ذکر الله العظیم»(1).

واستدلّ الشیخ المفید(رحمه الله) بقوله: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلی خُرُوجٍ مِنْ سَبِیلٍ (2) علی الرجعة مع بیان بقاء التکلیف.

ففی المسائل السرویة أنّه سُئل الشیخ(قدس سره) عمّا یروی عن مولانا جعفر بن مُحمَّد الصادق(علیهماالسلام) فی الرجعة، وما معنی قوله:

«لیس منا من لم یقل بمتعتنا ویؤمن برجعتنا»(3)، أهی حشرفی الدنیا مخصوص للمؤمنین أو لغیرهم من الظلمة الجبّارین قبل یوم القیامة؟

فکتب الشیخ رحمه الله بعد الجواب عن المتعة: وأمّا قوله(علیه السلام):

«من لم یقل برجعتنا فلیس منا» فإنما أراد بذلک ما یختصّه من القول به فی أنّ الله تعالی یحشر قوماً من أمة مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) بعد موتهم قبل یوم القیامة، وهذا مذهب

ص:133


1- (1) مناقب آل أبی طالب : لإبن شهر آشوب : ج2 ص249.
2- (2) سورة غافر: الآیة 11.
3- (3) عن أبی عبدالله*: «لیس منا من لم یؤمن بکرتنا ویستحل متعتنا» من لا یحضره الفقیه ج3 ص458 ح4583.

یختصُّ به آل محمد(صلی الله علیه و آله)، والقرآن شاهد به، قال الله عَزَّ وَجَلَّ فی ذکر الحشرالأکبر یوم القیامة: وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (1) وقال سبحانه فی حشر الرجعة قبل یوم القیامة: وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ (2)، فأخبر أنّ الحشر حشران: عامّ وخاصّ.

وقال سبحانه مخبراً عمّن یحشر من الظالمین أنّه یقول یوم الحشر الأکبر: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلی خُرُوجٍ مِنْ سَبِیلٍ (3)، وللعامّة فی هذه الآیة تأویل مردود، وهو أن قالوا: إنّ المعنی بقوله: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ أنّه خلقهم أمواتاً، ثم أماتهم بعد الحیاة، وهذا باطل لا یستمرُّ علی لسان العرب، لأنّ الفعل لا یدخل إلّا علی من کان بغیرالصفة التی انطوی اللفظ علی معناها، ومن خلقه الله أمواتاً لا یقال: أماته، وإنّما یقال ذلک فیمن طرأ علیه الموت بعد الحیاة، کذلک لا یقال: أحیی الله میّتاً إلّا أن یکون قد کان قبل إحیائه میتاً، وهذا بیّن لمن تأمَّله.

وقد زعم بعضهم أنّ المراد بقوله: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ الموتة التی تکون بعد حیاتهم فی القبور للمساءلة فتکون الأولی قبل الإقبار، والثانیة بعده، وهذا أیضاً باطل من وجه آخر، وهو أنّ الحیاة للمسألة لیست

ص:134


1- (1) سورة الکهف: الآیة 47 .
2- (2) سورة النمل: الآیة 83.
3- (3) سورة غافر: الآیة 11.

للتکلیف فیندم الإنسان علی ما فاته فی حاله، وندم القوم علی ما فاتهم فی حیاتهم المرّتین یدلُّ علی أنّه لم یرد حیاة المسألة لکنّه أراد حیاة الرجعة التی تکون لتکلیفهم، الندم علی تفریطهم، فلا یفعلون ذلک فیندمون یوم العرض علی ما فاتهم من ذلک) (1). انتهی .

اشتداد التکلیف فی الرجعة:

أقول: لا یخفی دلالة الآیة التی استدل بها علی الرجعة حیث أشارت الروایات الواردة عنهم(علیهم السلام) إلی دلالتها أیضاً، أن التکلیف والإختیار فی الرجعة علی نسق التکلیف فی الحیاة الأولی من الدنیا، وأنهم ضیعوا الفرصة فی الحیاة الثانیة من الدنیا کما ضیعوها فی ما قبلها، علی حذو تضییعهم للفرصة فی الحیاة الأولی من الدنیا، وأنهم أذنبوا فی کلا الحیاتین، ومقتضاه أن الحیاة الثانیة من الدنیا - وهی الرجعة - دار تکلیف وإمتحان وفرصة للتوبة والإصلاح وإن صعبت التوبة وثقلت بالنسبة إلی الحیاة الأولی، وأن فی الرجعة تکتسب الذنوب کما تکتسب الحسنات.

وروی عن أبی جعفر(علیه السلام):

«إنّ أمیر المؤمنین صلوات الله علیه کان یقول: إنّ المدثر هو کائن عند الرجعة، فقال له رجل: یا أمیر المؤمنین أحیاة قبل القیامة ثم موت؟ فقال له عند ذلک: نعم والله لکفرة من الکفر بعد الرجعة أشدّ من الکفرات قبلها»(2)، وکون الکفرة فی الرجعة أشد من الکفرات التی قبلها

ص:135


1- (1) المسائل السرویة : 32 - 35 .
2- (2) مختصر بصائر الدرجات : باب الکرات :ح35/89 ص143.

مؤدّاه أنها دار امتحان واختیار، لا سیّما أنّ الروایة فی قوله تعالی: قُمْ فَأَنْذِرْ (1)، وهی کرّة الرسول(صلی الله علیه و آله) وإنذاره، فقد روی فی مختصر البصائر بسنده عن جابر عن أبی جعفر(علیه السلام)

«فی قول الله عَزَّ وَجَلَّ یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ (2)

یعنی بذلک محمداً(صلی الله علیه و آله) وقیامه فی الرجعة، ینذر فیها»(3)، ومقتضی تقرر الإنذار فی الرجعة ثبوت التکلیف فیها، بل مفاد الروایة أن عمدة نذارة الرسول(صلی الله علیه و آله) الوارادة فی الآیة إنما هی فی الرجعة.

فالنذارة الکبری والتکلیف الأشد إنما هما فی الرجعة، وکأن ما تقدم من النذارة وبعثة الرسول(صلی الله علیه و آله) إنما هی تمهید وإعداد للنذارة والدعوة الأصلیة فی الرجعة، فالتکلیف یشتد فی الرجعة، نظیر ما ورد أن البالغ کلما کبر سنه اشتدت محاسبته، فعن أبی بصیر قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام):

«إن العبد لفی فسحة من أمره ما بینه وبین أربعین سنة، فإذا بلغ أربعین سنة أوحی الله عَزَّ وَجَلَّ إلی ملکیه قد عمرت عبدی هذا عمرا فغلظا وشددا وتحفظا واکتبا علیه قلیل عمله وکثیره وصغیره وکبیره»(4).

والخلاصة: أن التکلیف فی الرجعة أشد منه فی الحیاة الأولی من الدنیا، وذلک لاکتساب الإنسان علماً بأحوال لم یکن مطلعاً علیها من قبل، کمروره بالموت والبرزخ ثم إحیائه مرة أُخری وخروجه من القبر، فمن ثمَّ

ص:136


1- (1) سورة المدثر: الآیة 2.
2- (2) سورة المدثر: الآیة 1-2.
3- (3) مختصر بصار الدرجات : باب الکرات : ح34/88. ص144.
4- (4) وسائل الشیعة : باب 97 أبواب جهاد النفس ح1.

تشتد محاسبته علی الأفعال، نظیر قوله تعالی لحواری عیسی: قالَ اللّهُ إِنِّی مُنَزِّلُها عَلَیْکُمْ فَمَنْ یَکْفُرْ بَعْدُ مِنْکُمْ فَإِنِّی أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِینَ (1).

ومما یدلُّ علی التکلیف فی الرجعة قوله تعالی: وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ (2).

فإنَّ الآیة مقتضاها الإستخلاف فی الرجعة کما بین فی جملة من الروایات أنه مقتضی ظاهر الآیة، ومقتضی هذا المفاد أن الإستخلاف فی الرجعة إمتداد للحیاة الدنیا، بما لها من أحکام وأحوال التی منها التکلیف والإختیار .

والحاصل أنّ مع الوغول والإیغال فی الشرّ یصعب علی الشخص الشریر اختیار الخیر، وإن لم یکن مستحیلاً أو ممتنعاً، فإبلیس کلما تمادی به الزمن منذ عصیانه وامتناعه عن السجود لآدم إلی یومنا هذا إشتد استکباره ولجاجه وعناده وإن لم یمتنع علیه إختیار الخیر، ولکنه تزداد شدة الصعوبة أکثر فأکثر فیصیر کأنه ممتنع وإن لم یکن کذلک حقیقة.

وکذلک الحال فی صورة الوغول والإیغال فی الخیر یصعب علی الأبرار اختیار الشرّ کما فی قصّة یونس(علیه السلام)، فإنّ إلقاءه فی الحوت حثّ له

ص:137


1- (1) سورة المائدة: الآیة 115 .
2- (2) سورة النور: الآیة 55.

علی الاستقامة علی القرب، ومن ذلک یفسّر إشتراط التوبة بلوازم وشروط روحیة ومنازل بقدر الإیغال فی میادین وبیئات ومستنقعات الشرّ والردی، بقدر ما قاله أمیر المؤمنین(علیه السلام)

«أن تذیق الجسم ألم الطاعة کما أذقته حلاوة المعصیة».

وفی کلام آخر للشیخ المفید(رحمه الله) بعض الآیات التی استدلّ بها علی عدم ارتفاع الاختیار لکن الإصلاح ذو صعوبة هائلة:

قال رحمه الله فی کتاب الفصول المختارة:

سأل بعض المعتزلة شیخاً من أصحابنا الإمامیة وأنا حاضر فی مجلس فیهم جماعة کثیرة من أهل النظر والمتفقّهة، فقال له: إذا کان من قولک أنّ الله عَزَّ وَجَلَّ یرد الأموات إلی دار الدنیا قبل الآخرة عند القائم، لیشفی المؤمنین کما زعمتم من الکافرین، وینتقم لهم منهم کما فعل ببنی إسرائیل فیما ذکرتموه، حیث تتعلَّقون بقوله تعالی: ثُمَّ رَدَدْنا لَکُمُ الْکَرَّةَ عَلَیْهِمْ وَ أَمْدَدْناکُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِینَ وَ جَعَلْناکُمْ أَکْثَرَ نَفِیراً (1)، فخبّرنی ما الذی یؤمنک أن یتوب یزید وشمر وعبدالرحمن بن ملجم، ویرجعوا عن کفرهم وضلالهم ویصیروا فی تلک الحال إلی طاعة الإمام، فیجب علیک ولایتهم، والقطع بالثواب لهم، وهذا نقض علی مذاهب الشیعة.

فقال الشیخ المسؤول: القول بالرجعة إنّما قلته من طریق التوقیف،

ص:138


1- (1) سورة الإسراء: الآیة 6.

ولیس للنظر فیه مجال، وأنا لا أجیب عن هذا السؤال لأنّه لا نصَّ عندی فیه، ولیس یجوز لی أن أتکلّف من غیر جهة النصّ الجواب.

فشنع السائل وجماعة المعتزلة علیه بالعجز والانقطاع.

فقال الشیخ أیّده الله: فأقول أنا: إنَّ عن هذا السؤال جوابین:

أحدهما: أنّ العقل لا یمنع من وقوع الإیمان ممّن ذکره السائل، لأنه یکون إذ ذاک قادراً علیه ومتمکّناً منه، ولکن السمع الوارد عن أئمّة الهدی(علیهم السلام) بالقطع علیهم بالخلود فی النار، والتدیّن بلعنهم والبراءة منهم إلی آخر الزمان منع من الشک فی حالهم، وأوجب القطع علی سوء اختیارهم، فجروا فی هذا الباب مجری فرعون وهامان وقارون، ومجری من قطع الله عَزَّ وَجَلَّ علی خلوده فی النار، ودلّ القطع علی أنّهم لا یختارون أبداً الإیمان ممّن قال الله تعالی: وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَیْهِمُ الْمَلائِکَةَ وَ کَلَّمَهُمُ الْمَوْتی وَ حَشَرْنا عَلَیْهِمْ کُلَّ شَیْ ءٍ قُبُلاً ما کانُوا لِیُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ یَشاءَ اللّهُ (1)، یرید إلّا أن یلجأهم الله، والذین قال الله تعالی فیهم: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُکْمُ الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ * وَ لَوْ عَلِمَ اللّهُ فِیهِمْ خَیْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ (2)، ثم قال عَزَّ وَجَلَّ قائلاً فی تفصیلهم و هو یوجه القول إلی إبلیس: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ وَ مِمَّنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ أَجْمَعِینَ (3)،

ص:139


1- (1) سورة الأنعام: الآیة 111 .
2- (2) سورة الأنفال: الآیة 32.
3- (3) سورة ص: الآیة 85.

وقوله تعالی: وَ إِنَّ عَلَیْکَ لَعْنَتِی إِلی یَوْمِ الدِّینِ (1)، وقوله تعالی: تَبَّتْ یَدا أَبِی لَهَبٍ وَ تَبَّ * ما أَغْنی عَنْهُ مالُهُ وَ ما کَسَبَ * سَیَصْلی ناراً ذاتَ لَهَبٍ (2)، فقطع بالنار علیه وأمن من انتقاله إلی ما یوجب له الثواب، وإذا کان الأمر علی ما وصفناه، بطل ما توهَّمتموه علی هذا الجواب)(3) .

أقول: ویدعم کلام الشیخ المفید ما أشار إلیه من قوله تعالی لإبلیس: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ وَ مِمَّنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ أَجْمَعِینَ قطع من الله تعالی علی إبلیس بسوء عاقبته وذلک لسوء اختیاره مع عدم ارتفاع القدرة عنه إلی یوم القیامة، فالقطع بسوء العاقبة لأصحاب الشر والعمل السیّیء لا ینافی بقاء الاختیار، کما أنّ بقاء الاختیار لا ینافی العلم بسوء العاقبة بإخبار من الله تعالی ورسوله وأوصیائه(علیهم السلام)، لعلم الله بالغیب وعاقبة الأمور، وکذلک بقاء الاختیار لا ینافی لزوم البراءة من أصحاب الشر والسوء بعد إخبار الله تعالی بسوء عاقبتهم کما فی قصة براءة إبراهیم من عمه آزر فَلَمّا تَبَیَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِیمَ لَأَوّاهٌ حَلِیمٌ (4)، وکذلک الحال فی جملة من المعاصی والموبقات التی أنبأنا القرآن الکریم بأنها موبقة لمرتکبها فی النار وإن بقی الاختیار کقوله تعالی: وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها (5)، فکیف بمن قتل ذریة رسول الله(صلی الله علیه و آله)، بل کیف بمن قتل

ص:140


1- (1) سورة ص 87.
2- (2) سورة المسد: الآیة 1- 3.
3- (3) الفصول المختارة : 153 - 155.
4- (4) سورة البراءة: الآیة 114.
5- (5) سورة النساء: الآیة 93.

سبط رسول الله، وبمن قتل بضعته(علیهاالسلام)، وبمن قتل وصیه وابن عمه وأخیه ومن هو بمثابة نفسه بنص آیة المباهلة، فهل یرجی له حُسن العاقبة وإن بقی اختیاره ؟ وهل یسوغ ترک البراءة منه وترک التبری لا سیما أن من أحب عمل قوم أشرک معهم؟

وقال المفید فی تتمة کلامه:

والجواب الآخر: أنّ الله سبحانه إذا ردّ الکافرین فی الرجعة لینتقم منهم لم یقبل لهم توبة، وجروا فی ذلک مجری فرعون لمّا أدرکه الغرق: قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِی آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِیلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِینَ ، قال الله سبحانه له: آلْآنَ وَ قَدْ عَصَیْتَ قَبْلُ وَ کُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِینَ (1)، فردّ الله علیه إیمانه ولم ینفعه فی تلک الحال ندمه وإقلاعه، وکأهل الآخرة الذین لا یقبل الله لهم توبة ولا ینفعهم ندم لأنّهم کالملجئین إذ ذاک إلی الفعل، ولأنّ الحکمة تمنع من قبول التوبة أبداً، ویوجب اختصاص بعض الأوقات بقبولها دون بعض.

وهذا هو الجواب الصحیح علی مذهب أهل الإمامة، وقد جاءت به آثار متظافرة عن آل محمد(صلی الله علیه و آله)، فروی عنهم فی قوله تعالی: یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ (2)، فقالوا: إنّ هذه الآیة هو القائم(علیه السلام) فإذا ظهر لم یقبل توبة المخالف، وهذا یسقط ما اعتمده السائل»(3). انتهی.

ص:141


1- (1) سورة یونس: الآیة 91-92.
2- (2) سورة الأنعام: الآیة 158.
3- (3) الفصول المختارة : 155.
حقیقة عدم قبول التوبة:

کثر ورود هَذَا التعبیر فی لسان الآیات والروایات، وَمِنْ ثمَّ أستعمل أیضا کثیرا فی بحوث المتکلمین والفقهاء والمفسرین والمحدثین، وهذا العنوان فی بادیء النظر یفید تنویع التوبة وتقسیمها الی مقبولة وغیر مقبولة، ومقتضی ذلک أن التوبة غیر المقبولة عبارة عن تقّرر ووجود حقیقة التوبة وماهیتها، غایة الأمر أنها غیر واجدة للشرائط فلا تقبل، لکن واقع الأمر لیس کذلک، فإن عدم قبول التوبة من باب السالبة بانتفاء الموضوع لا القضیة السالبة بانتفاء المحمول.

وبعبارة أُخری إن عدم قبول التوبة لعدم تحقق وعدم وقوع حقیقة التوبة لا أنَّ التوبة حقیقتها متحققة وحکمها عدم القبول لعدم الشرائط، فلا بدَّ من بیان عدم تحقق وعدم وقوع حقیقة التوبة، وذلک لأن التوبة هی الأوبة والرجوع عما هو مقیم علیه من شرور وسیئات، وهذا المقام لا یحصل الاقلاع والإنقطاع عنه بمجرد خطور ندم عابر بعد تکّون ملکات نفسانیة شریرة سیئة، فإنها تدعوه بالحاح لارتکاب الشر والسیئات والمعاصی والکبائر والطامات.

فلو قال بلسانه بالندم والتوبة والاستغفار کان کاذبا ولما کان صادقا، لأنه لم یحصل منه الاقلاع عن السیئات والشرور حقیقة، بل هو مقیم فیها آلف لها وآنس بها ومعانق لها وذو وداد بها لا مستوحش عنها ولا هارب منها، فإین هو من حقیقة التوبة والرجوع وهو لم یتطهر بعد من أدران

ص:142

وأوساخ الأعمال السابقة، بل مکبلً بآثارها وتداعیاتها، کما قال تعالی: وَ لَوْ تَری إِذْ وُقِفُوا عَلَی النّارِ فَقالُوا یا لَیْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُکَذِّبَ بِآیاتِ رَبِّنا وَ نَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ * بَلْ بَدا لَهُمْ ما کانُوا یُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ (1).

فمنه یعرف أن عدم قبول التوبة بمعنی عدم قبول ذاته لحقیقة التوبة، فلا تقبل من طبیعة ذاته وقوع التوبة، ولا تقبل من هویة ذاته - التی إنطبعت بالملکات الردیئة - إمکانیة وقابلیة تحقق التوبة بالفعل.

وفی الحدیث النبوی:

«الخیر عادة والشر لجاجة»(2)، فیشیر الحدیث إلی تراکم الملکات النفسانیة للخیر وتراکم الملکات النفسانیة للشر وهو تصویر للملکات الملحّة غیر الملجئة.

ثم إن التوبة کما تکون بالاختیار قد تکون بالعذاب، والتوبة حینئذ تطهیر قسری بدل الاختیار.

وإن الشفاعة والتوبة والاختیار والشرائط النفسانیة المعنویة للتوبة مرتبطة بحقیقة مراتب الاختیار بعد استحکام الملکات، سواء الخیریة أو الردیئة.

وعلی ذلک یتضح أنّ انقطاع التوبة علی درجات بمقتضی البیان العقلی من تراکم واشتداد الهیئات والصفات والملکات الجوهریة.

ص:143


1- (1) سورة الانعام / 27- 28.
2- (2) تحف العقول :ص86 ، سنن إبن ماجه : 1:80، حدیث 221 .

ونضیف هاهنا ما ورد فی مصادر عدیدة أنّ الحجة لا تنقطع من الأرض إلّا أربعین یوماً قبل القیامة، وإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة وکل مرحلة من مراحله الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِیهِمْ ، فالرجعة درجة یغلق الباب فیها أکثر فأکثر وتضیق فرص الاختیار شیئاً فشیئاً، أی ذهبت قدراتهم النفسانیة، کما هو الحال فیمن بلغ الأربعین فإنه ینغلق علیه باب من أبواب التوبة ودرجات من درجاتها.

وکما فی قوله تعالی: یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ (1)، کلما تتجلی آیةٌ من الآیات فی الرجعة إنغلق باب من أبواب التوبة والأوبة وإمکانیة الرجوع والإقلاع عن الشر .

وعدم قبول التوبة لیس بمعنی سلب الاختیار أو عدم القبول مع وقوع التوبة، بل معناه سالبة بانتفاء الموضوع، أی لا تقع التوبة بواقعها وحقیقتها منهم، لأنّ للتوبة شروطاً تکوینیة مقومة لحقیقتها، وإلّا کانت صوریة لسانیة، فالتوبة لو افترضت منهم فی نهایة الرجعة قولیة وحالة عابرة لا تتوفر عند العاصی حقیقة وواقع التوبة.

وقد تقدم فی روایة (کمال الدین) للصدوق فی الوجه الأوَّل من وجوه سد باب التوبة(2)

«أنه لا ینقطع الحجة من الأرض إلا أربعین یوماً قبل یوم القیامة، فإذا رفعت الحجة أُغلق باب التوبة، ولم ینفع نفساً إیمانها لم تکن

ص:144


1- (1) سورة الانعام / 158
2- (2) محاسن البرقی : 1:236

آمنت من قبل أن ترفع الحجة وأولئک شرار من خلق الله هم الذین یقوم علیهم القیامة» ورواها الکلینی، وروی الشیخ وابن بابویه غیرها قریب من مضمونها بطرق کثیرة.

تعدد مواطن انقطاع ورفع التوبة:

وقد مر تعداد مواطن غلق التوبة وأنها سبعة مواطن بحسب تتبع فی بیانات الکتاب والسنة، ولعلها أکثر مع أن کل موطن هو ذو مراتب أیضاً کما مر، وعلی کل تقدیر فالتعدد لمواطن ومراحل تضّیق التوبة مما یدلل علی المعنی الذی قررناه کراراً وهو أنّ معناه اشتداد صعوبتها وشدة شرائطها بدرجة کأنها ممتنعة الوقوع لا عدم الإمکان ولا عدم الاختیار، بل یثقل إنجاز شرائطها وإلّا لما تعدد غلق باب التوبة.

ویمکن تفسیر غلقها بمعنی آخر مقارب وهو إمتناع وقوع التوبة والرجوع والتطهیر بلا عقوبات ولا جراحات ولا أهوال، أی إنَّ التوبة التی تغلق ولا تقبل وتنتفی قابلیة وقوعها هی نوع وقسم خاص من التوبة وهی التوبة المسقطة للعقوبة والعذاب دون بقیة أقسام التوبة، والتی هی بدایة الإرغام والإلجاء علی مسیرة العودة والإقلاع عن التوغل فی الشر والعزوف عن التمادی فی الجحود، والإیقاف لاشتداد الملکات الشریرة من دون أن یعنی ذلک قبول للتوبة من القسم الأول ومن دون أن یعنی ذلک طهارة من الذنوب ولا نجاة من أصل العذاب، وقد خلط ابن عربی فی فصوصه

ص:145

بین هذین القسمین فی حال فرعون .

ومما یَدُلّ عَلَی ما قررناه مِنْ معنی غلق التوبة وتضاؤل فرص الإختیار عدة شواهد واردة:

1 - خروج کثیر من النار ونجاتهم منها بعد المکث فیها أحقاباً أو مدداً مدیدة بعد تطهیرهم، وهو نحو توبة وأوبة لکن بالعقوبة کما یشیر الإمام السجاد(علیه السلام) فی دعائه الموسوم بدعاء أبی حمزة الثمالی: «إلهی لا تؤدبنی بعقوبتک».

2 - ما ورد من أن شاباً قبل دخوله النار یلتفت فیسأل مما إلتفاتک فیجیب إلهی قد حسن ظنی بک فینجیه الله منها مع علمه تعالی بأنّه أنما قال ذلک بلسانه .

3 - فی روایات العامة متواترة أو مستفیضة

«ثلاث إذا خرجن لا ینفعُ نفسٌ إیمانها لم تکن آمنت من قبل أو کسبت فی إیمانها خیراً طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض»، وهی مرویة فی أکثر مصادرهم.

فهناک تلازم بین رفع الحجة وغلق التوبة.

ومعنی بقاء الحجة یلازم إفاضة الکمال علی النفوس، ورفع الحجة یعنی إنسداد باب إفاضة الکمال.

وقد مرّت روایات إنقطاع الحجة من الأرض قبل أربعین یوماً من القیامة.

فیظهر أنّ انقطاع التوبة بنحو تام شدید فی آخر مرحلة من الرجعة التی فیها الحساب الأکبر لا فی المراحل الأولی من الرجعة.

ص:146

وعلی ضوء ما تقدم فانقطاع التوبة وإغلاقها علی معان، ففی ظهوره(عج) بمعنی عدم إمهاله العصاة والمعاندین سنیناً وقروناً کما أمهل وفعل أجداده وآبائه، وکذلک الحال فی رجعة الأئمّة بمعنی قلّة فرصة الأوبة بأضیق مدة إلی أن تصل النوبة إلی الحساب الأکبر، فتنقطع تماماً وإن لم یرتفع الاختیار، وإنّما یشتدّ ویصعب لمرارة وثقل الأوبة والاختیار، والقرینة علی أن غلق التوبة علی مراتب بالمعنی العقلی - والذی مرّ أنّه وصف حال الناس قبل أربعین یوماً من قیام الساعة الکبری - أنّهم یکونون فیها هرجاً أی یفعلون کل سوء وکل القبائح بانفلاتٍ بلا رادع ولا مانع أصلاً، وهی أفعال تصدر منهم باختیار، ولکن مع الغلبة الشدیدة لملکات الشر علیهم، بل إن القرآن یحدثنا عن أهل جهنم وهم فیها یشربون ویأکلون ویتخاصمون ویفعلون عدة من الأفعال إستعرضتها عدة سور من القرآن وینادون خازن النیران «یامالک» کما ینادون ویستغیثون بأهل الجنة وینطقون باختیارهم، لکنهم مکبلون بجزاء وجرایر أعمالهم السابقة لا یستطیعون الخلاص منها وإن تضاءلت فرص الاختیار لدیهم، فبقاء الاختیار شأن والقدرة علی التخلص من الملکات الردیة شأن آخر.

وروی الصدوق بطریقین من مشایخه القمیین فی کتاب ثواب (الأعمال) و(الأمالی) بإسناده عن جابر عن أبی جعفر عن أبیه عن جده(علیهم السلام) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله) إنه إذا کان یوم القیامة وسکن أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، مکث عبد فی النار سبعین خریفا، والخریف سبعون سنة، ثم أنه

ص:147

یسأل عَزَّ وَجَلَّ، وینادیه، فیقول: «یارب أسالک بحق محمد وأهل بیته لمّا رحمتنی» قال: فیوحی الله جل جلاله إلی جبرائیل(علیه السلام): أن اهبط إلی عبدی فأخرجه، فیقول جبرئیل: یارب وکیف لی بالهبوط فی النار؟ فیقول الله تبارک وتعالی: إنّی قدْ أمرتها أن تکون علیک بردا وسلاما، قال فیقول: یارب فما علمی بموضعه؟ فیقول: إنه فی جبّ من سجین، فیهبط جبرئیل إلی النار فیجده معقولاً علی وجهه، فیخرجه فیقف بین یدی الله عَزَّ وَجَلَّ، فیقول الله عَزَّ وَجَلَّ: یا عبدی کم لبثت تناشدنی فی النار؟ فیقول: یارب ما احصیه، فیقول الله عَزَّ وَجَلَّ: أما وعزتی وجلالی لولا من سألتنی بحقهم عندی لأطلت هوانک فی النار، ولکنه حتم علی نفسی أن لا یسألنی عبد بحقّ محمد وأهل بیته إلاّ غفرت له ما کان بینی وبینه، وقد غفرت لک الیوم، ثم یؤمر إلی الجنة(1).

السعی والاختیار فی جهنم:

ونظیر مفاد هذه کثیر مستفیض متواتر دال علی أنه لولا إلحاح ثلة ممن یعذب فی النار إلحاحهم بالدعاء، وإصرارهم علی الخضوع والتذلل مدة مدیدة لما کتبت لهم النجاة من النار بعد مکثهم فیها آمدا مدیدا، ونظیره قوله(علیه السلام)

«فبعزتک یاسیدی ومولای أقسم صادقا لئن ترکتنی ناطقا لأضجنَّ الیک

ص:148


1- (1) ثواب الأعمال:185، أمالی الصدوق:535 المجلس 96ح4، والخصال: 641، ب70ح9. أمالی المفید : 218 ، المجلس 25ح6 ، وذکر لها عدة طرق.

بین أهلها ضجیج الاملین، ولاصخرن الیک صراخ المستصرخین، ولأبکینَّ علیک بکاء الفاقدین، ولانادینک این کنت یاولّی المؤمنین..» مما یشیر(علیه السلام) إلی المضمون المتقدم وأن السعی والإختیار حتی فی جهنم لا ینقطع إلا أنه لا یثمر فی النجاة إلاّ بعد أحقابٍ من العذاب، وکل حقب ثمانین عاماً، ولیس من سنی الأرض فکأنه یقرب من الخلود فی العذاب وهو ما یشیر إلیه(علیه السلام):

«فکیف إحتمالی لبلاء الآخرة وجلیل وقوع المکاره فیها وهو بلاءٌ تطول مدته ویدوم مقامه ولا یخفف عن أهله لأنه لایکون إلاّ عن غضبک وإنتقامک وسخطک، وهذا ما لاتقوم له السماوات والأرض».

الافتتان فی الرجعة والعوالم الأُخری الأدوار فی الرجعة ولیدة أعمال الدنیا الأولی:

هناک جملة من الدلالات فی الآیات والروایات دالة علی أن موقعیة ودور کل إنسان فی الرجعة متأثر ومسبب عن نتائج أعماله فی الحیاة الأولی من الدنیا، وهو یعکس الترابط فی درجات الاختیار بین الحیاة الأولی من الدنیا وحیاة الرجعة التی هی الحیاة الآخرة من الدنیا، کما هو الحال فی سنین عمر الانسان فی هذه الحیاة الاولی، حیث ان أفعاله فی العقد الأوَّل من عمره لها نسبة تاثیر علی وضعیته واختیاراته فی العقد الثانی ثم هذا العقد له نسبة تاثیر فی العقد الثالث وهکذا متعاقباً متلاحقاً وان لم یکن التاثیر بنحو الحسم البات النافی للاختیار فی اللاحق.

ص:149

ومن أمثلة تلک الروایات الدالة علی إستمرار الامتحان:

1 - إن ممن یستثنی من الرجعة والامتحان فیها کل من عذب بالعذاب الدنیا، کما فیما روی القمی فی تفسیره صحیح حماد عن ابی عبدالله فی قوله وَ حَرامٌ عَلی قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ (1) فقال الصادق(علیه السلام): کل قریة أهلک الله أهلها بالعذاب لا یرجعون فی الرجعة(2).

فیدلّ علی أن من اصطلمه العذاب الإلهی یفقد قابلیة التکامل، وإنّ ما أتی به فی دار الدنیا الأولی ناسف للقابلیة الذاتیة له.

2 - دلالة سورة الدخان علی بقاء مرتبة من الامتحان والاختیار الی أواخر الرجعة، وقد بین دلالة ظاهرآیات السورة ما رواه القمی فی قوله تعالی: فَارْتَقِبْ (3)، أی اصبر، یَوْمَ تَأْتِی السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِینٍ ، قال: ذلک إذا خرجوا فی الرجعة من القبر، یَغْشَی النّاسَ کلهم الظلمة فیقولون: هذا عَذابٌ أَلِیمٌ رَبَّنَا اکْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنّا مُؤْمِنُونَ فقال الله تعالی ردّاً علیهم: أَنَّی لَهُمُ الذِّکْری فی ذلک الیوم وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِینٌ أی رسول قد بیّن لهم ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ قال: قالوا ذلک لمّانزل الوحی علی رسول الله(صلی الله علیه و آله) وأخذه الغشی، فقالوا: هو مجنون، ثم قال: إِنّا کاشِفُوا الْعَذابِ قَلِیلاً إِنَّکُمْ عائِدُونَ یعنی إلی

ص:150


1- (1) سورة الانبیاء: الآیة 95.
2- (2) مختصر بصائر /ح 116 /16نقلا عن تفسیر القمی فی ذیل ایة النمل .
3- (3) سورة الدخان: الآیة 10، 16.

القیامة، ولو کان قوله: یَوْمَ تَأْتِی السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِینٍ فی القیامة لم یقل إِنَّکُمْ عائِدُونَ لأنّه لیس بعد الآخرة والقیامة حالة یعودون إلیها، ثم قال: یَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْکُبْری یعنی فی القیامة إِنّا مُنْتَقِمُونَ (1).

والروایة دالة علی مرتبة من الامتحان والاحتجاج والاختیار فی آخر الرجعات من الرجعة فضلاً عن بدایاتها وأواسطها.

3 - روی الکشی بسنده المعتبر عن علی بن المغیرة، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال:

«کأنی بعبد الله بن شریک العامری علیه عمامة سوداء وذوابتاها بین کتفیه مصعداً فی لحف الجبل بین یدی قائمنا أهل البیت فی أربعة آلاف مکرّون ومکرورون»(2).

وروی الکشی بسند معتبر آخر عن أبی خدیجة، قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) یقول:

«إنّی سألت الله فی إسماعیل أن یبقیه بعدی فأبی، ولکنّه قد أعطانی فیه منزلة أخری، إنّه یکون أوّل منشور فی عشرة من أصحابه، ومنهم عبد الله بن شریک وهو صاحب لوائه»(3).

ویفید هذان الحدیثان تبعیة الدور والموقعیة التی یُعطاها الشخص فی الرجعة بتبع أعماله التی أتی بها فی الحیاة الأولی، کما یُبین ذلک فی شأن خاص لإسماعیل وصاحبه عبدالله بن شریک.

ص:151


1- (1) تفسیر علی بن ابراهیم القمی/ذیل سورة الدخان/ونقله عنه مختصر الدرجات /ح 30/130.
2- (2) إختیار معرفة الرجال :2:481/ح390.
3- (3) إختیار معرفة الرجال /2:481/ح 391.

وَقَدْ وَرَدَ نظیر ذلک فی أصحاب الکهف حَیْثُ شرّفوا بالرجعة بین یدی القائم(عج) بسبب استقامتهم، وغیر ذلک من الموارد.

کما أن الحدیثین یشیران إلی أنَّ لعبدالله بن شریک رجعتین.

4 - وروی فی مختصر بصائر الدرجات فی حدیث طویل یسأل فیه خالد بن یحیی الإمام الصادق(علیه السلام) عن قول النبی (صلی الله علیه و آله):

«اتقوا دعوة سعد، فقال(علیه السلام): نعم قلت: وکیف ذاک قال: إنّ سعداً یکر فیقاتل علیاً(علیه السلام)»(1).

ویشیر إلی أن عداء سعد بن أبی وقاص لعلی بن أبی طالب(علیه السلام) لارتیابه فی إمامته فی الدارالأولی للدنیا، یدفعه فی الرجعة وهی الدار الآخرة من الدنیا إلی المزید من الانحراف عن علی(علیه السلام) إلی حدّ محاربته ودعوته الناس الی حربه التی هی بمثابة حرب الله تعالی ورسوله، کما یفید الحدیث توصیات النبی(صلی الله علیه و آله) وإنذاره الناس حول احداث الرجعة نظیر توصیاته وإنذره الناس حول احداث الرجعة والظهور.

5 - ما ورد فی تفسیر العیاشی عن علی بن الحلبی عن أبی بصیر عن أحدهما فی قوله تعالی وَ مَنْ کانَ فِی هذِهِ أَعْمی فَهُوَ فِی الْآخِرَةِ أَعْمی وَ أَضَلُّ سَبِیلاً (2) فقال: الرجعة، أی أن من کان أعمی البصیرة فی الحیاة الاولی من الدینا فهو أشد عُمیا فی البصیرة فی آخرة الدنیا وهی الرجعة.

6 - ما رواه فی مختصر بصائر الدرجات من مصحح أبی بصیر قال: دخلت علی أبی عبد الله(علیه السلام) فقلت: إنا نتحدث أن عمر بن ذر لا یموت حتی یقاتل قائم آل محمد(صلی الله علیه و آله) فقال: إن مثل ابن ذر مثل رجل فی بنی

ص:152


1- (1) تفسیر القمی :مجلد /الاول:ص290ونقله عنه مختصر بصائر الدرجات /ح 46/100.
2- (2) تفسیر العیاشی فی ذیل آیة النساء /72

إسرائیل یقال له عبد ربه وکان یدعو أصحابه إلی ضلالة فمات، فکانوا یلوذون بقبره، ویتحدثون عنده إذا خرج علیهم من قبره! ینفض التراب من رأسه ویقول لهم کیت وکیت(1).

وقال الذهبی فی میزان الاعتدال فی ترجمة عمر بن ذر إنه رأس فی الإرجاء، أی من رؤوس المرجئة، أی من الدعاة لترویجها لصالح الحکم الأموی، کی لا یثور المسلمون علیهم، وبأن تسلطهم علی رقاب المسلمین قضاء وقدر من الله لیس لأحد أن یعترض، وبأن خلیفة الجور والفسوق مهما فعل فأمره یرجیء إلی الله.

وقال أیضاً فی وصفه إنه کان واعظاً بلیغاً، أی من الدعاة الکبار لمذهب بنی أمیة وهو الإرجاء(2).

وقریب منه ما ذکره ابن حجر عنه(3).

فهو إذا من رؤوس المرجئة، وأنه بعض ممن یرجع فی الرجعة من أهل الضلال فیزداد فی الفتنة والافتتان والإضلال.

وفی تهذیب التهذیب: من خطباء بنی أمیة(4).

فبعض من یرجع یکون سبباً فی الإضلال أکثر مما کان فی حیاته،

ص:153


1- (1) مختصر بصائر الدرجات : حدیث 14/68، باب الکرات.
2- (2) میرزان الإعتدال :3:193.
3- (3) تقریب التهذیب : 1:116.
4- (4) تهذیب التهذیب:732،7:390

ویقول عن الموت السابق للرجعة إنه منام وخیال ولیس برزخاً وعذاباً ولقاء الله تعالی.

7 - إنَّ هناک تناسباً بین ما یقوم به کل إنسان من نمط شر ونوع فعل أو نمط ونوع الخیر مع ما یقوم به فی مستقبل أیامه فی الرجعة.

فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر الباقر(علیه السلام) کان أمیر المؤمنین(علیه السلام) یقول: من أراد أن یقاتل شیعة الدجال فلیقاتل الباکی علی دم عثمان والباکی علی أهل النهروان، إن من لقی الله عَزَّ وَجَلَّ مؤمناً بأن عثمان قتل مظلوماً لقی الله عَزَّ وَجَلَّ ساخطاً علیه ویدرک الدجال، فقال رجل: یا أمیر المؤمنین فإن مات قبل ذلک قال(علیه السلام): یبعث من قبره حتی یؤمن به وإن رغم أنفه(1) .

ومفاده ظاهر بیّن فی أن تبعات تحیط بالانسان العاصی فی الرجعة بسبب أعماله فی الحیاة الاولی من الدنیا.

وقد جُعل مقتل عثمان عند الأمویین والمروانیین حیلة وفتنة یضللون بها العباد مع أن عثمان نهجه نهج الأثرة والاستئثار والاستحواذ علی أموال بیت المال، وهو إنما صابر حرصاً علی الملک وکرسی السلطة والقدرة نظیر الملوک والسلاطین والحکام فی زماننا الذین یستمیتون للبقاء علی القدرة، وهو الذی سلّط بنی أمیة علی رقاب المسلمین یتخذون عباد الله خولاً

ص:154


1- (1) مختصر بصائر الدرجات : حدیث 10/64.

ومال الله دولاً فلولا شهادة سید الشهداء لما أطفأت فتنة عثمان.

ومقایسة بنی أمیة لمقتل عثمان بمقتل الحسین(علیه السلام) هو من باب الدجل الأعمی، فإنّ سید الشهداء(علیه السلام) صابر واستشهد صبراً ثابتاً علی القیم والفضیلة والعزة والإباء أمام طغیان یزید وفسقه وفجوره.

الرجعة خروج من التراب لا من الأرحام:

من الخصائص التکوینیة للرجعة أن الناس یخرجون من القبور لا من أرحام الأمهات، فبذلک تفترق الرجعة - التی هی بعث أصغر وقیامة وسطی - عن مقالة التناسخ وعن عقیدة أهل التناسخ الذین یقولون بعود الإنسان إلی الأصلاب والأرحام وتولده منها حدثاً صغیراً ینمو مرة أخری بخلاف الخروج من القبر فهو یعود کیوم مات ودفن.

امتحان المستضعفین فی الرجعة فی مقطع أخیر من آخرة الدنیا

فقد روی فی الکافی صحیح زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: سألته هل سئل رسول الله(صلی الله علیه و آله) عن الأطفال؟ فقال: قد سئل فقال: الله أعلم بما کانوا عاملین ثم قال: یا زرارة هل تدری قوله: الله أعلم بما کانوا عاملین؟ قلت: لا، قال: لله فیهم المشیئة إنه إذا کان یوم القیامة جمع الله عَزَّ وَجَلَّ الأطفال والذی مات من الناس فی الفترة، والشیخ الکبیر الذی أدرک النبی(صلی الله علیه و آله) وهو لا یعقل، والأصم والأبکم الذی لا یعقل، والمجنون والأبله الذی لا

ص:155

یعقل، وکل واحد منهم یحتج علی الله عَزَّ وَجَلَّ فیبعث الله إلیهم ملکاً من الملائکة فیؤجج لهم ناراً، ثم یبعث الله إلیهم ملکاً فیقول لهم: إنّ ربکم یأمرکم أن تثبوا فیها فمن دخلها کان علیه برداً وسلاماً وأدخل الجنة ومن تخلف عنها دخل النار(1).

وسیأتی أن المراد من القیامة لیس القیامة الکبری، وإنما القیامة الوسطی وبعث الرجعة الواقع فی أواخرها، کما سیأتی أن أواخر الرجعة متداخل مع القیامة الکبری بنمط ونحو ما.

ص:156


1- (1) الکافی :3/ص 248.

وقوع المسخ فی الرجعة

اشارة

ذکر فی المسائل التلعکبریة للمفید احتجاج الحمیری مع سوار القاضی عند المنصور العباسی فی أن بعض من یرجع یُمسخ فی الرجعة، وهو حدیث طویل موضع الشاهد فیه: (وقد قال رسول الله(صلی الله علیه و آله):

یُحشر المتکبرون فی صورة الذر یوم القیامة، وقال(صلی الله علیه و آله): لم یجرِ فی بنی إسرائیل شیء إلّا ویکون فی أمتی مثله حتی الخسف والمسخ والقذف، وقال حذیفة: والله ما أبعد أن یمسخ الله عَزَّ وَجَلَّ کثیراً من هذه الأمة قردة وخنازیر، فالرجعة التی نذهب إلیها ما نطق به القرآن وجاءت به السنة، وإننی لأعتقد أن الله تعالی یردّ هذا - یعنی سواراً - إلی الدنیا کلباً أو قرداً أو خنزیراً أو ذرة، فإنه والله متجبر متکبر کافر قال: فضحک المنصور...(1).

واستشهاد المفید بکلام الحمیری وما رواه مقتضاه تقریر إطلاق یوم القیامة علی الرجعة، وهی قیامة وسطی لاخصوص القیامة الکبری، وأن ما ورد فی لسان الروایات فی یوم القیامة قد یراد منه القیامة الوسطی وآخرة الدنیا لا القیامة الکبری کما فی کلام الحمیری أن الرجعة حشر أصغر.

ص:157


1- (1) الفصول المختارة/الشریف ا لمرتضی:92.
الرجعة تکامل نوعی خطیر:الرجعة ذات صلة بقواعد أحکام الطبیعة:

1 - ظاهر جملة من دلالات الآیات والروایات أنَّ هناک جملة من التغیرات تحصل فی الطبیعة العامة للحیاة الأرضیة فیزیائیاً وحیویاً وغیرها للأبدان وکذا فسیولوجیّا، وأنَّ عملیة العود والرجوع من القبر تتم بتنشیط البدن فیعود تعلق الروح به.

2 - وقد روی فی الخرائج والجرائح عن الحسین(علیه السلام) فی روایة یصف فیها رجعته(علیه السلام) قوله:

«ثم لأقتلن کل دابة حرم الله لحمها، حتی لا یکون علی وجه الأرض إلّا الطیب ... ولا یبقی علی وجه الأرض أعمی ولا مقعد ولا مبتلی إلّا کشف الله عنه بلاءه بنا أهل البیت، ولتنزلن البرکة من السماء إلی الأرض، إن الشجرة لتقصف بما یزید الله بها من الثمرة، ولتأکلن ثمرة الشتاء فی الصیف، وثمرة الصیف فی الشتاء، وذلک قوله تعالی: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُری آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ » (1).

ولا یخفی أن فی الحدیث الشریف إشارة إلی الارتباط بین إزالة الحرام والمحرمات من الأکل عن وجه الأرض مع نزول وفتح برکات السماء والأرض وتولد الطیبات، وأن أبواب برکات السماء والأرض غیر مفتوحة

ص:158


1- (1) الخرائج والجرائح : 849،2.

فی هذه الحیاة الأولی من الدنیا.

وروی فی کتاب الخرائج والجرائح:

ولتنزلن البرکات (البرکة) من السماء إلی الأرض حتی أن الشجرة لتقصف بما یزید الله فیها من الثمرة، ولتأکلون ثمرة الشتاء فی الصیف وثمرة الصیف فی الشتاء وذلک قوله تعالی: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُری آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ -

فی حدیث طویل عن أحوال الرجعة - » الحدیث(1)، وهو یفید مدی التغیر فی تطور الأحکام التکوینیة فی الرجعة.

3 - إنّ ظاهرة تخییر المؤمن فی الخروج من القبر إلی الرجعة بخلاف بعث ونشر القیامة له دلالات علی اختلاف الأطوار بین الرجعة وما یأتی من الأحوال والعوالم التی تستقبل الإنسان.

فقد روی الشیخ الطوسی فی الغیبة بسنده عن المفضل بن عمر قال: ذکرنا القائم(علیه السلام) ومن مات من أصحابنا ینتظره، فقال لنا أبو عبد الله(علیه السلام):

«إذا قام أتی المؤمن فی قبره فیقال له: یا هذا إنه قد ظهر صاحبک فإن تشأ أن تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقیم فی کرامة ربک فأقم»(2).

فإنّ التخییر فی الإحیاء والنشر والبعث نظیر تخییر المؤمن فی الموت کما وردت بذلک الروایات بخلاف الحال فی القیامة الکبری.

ص:159


1- (1) الخرائج والجرائح: 850،1.
2- (2) غیبة الشیخ الطوسی :باب علائم ظهور الحجة ص458.

4 - فی الروایة عن المفضل قوله للإمام الصادق(علیه السلام): وتظهر الملائکة والجن للناس عند الظهور؟، فقال(علیه السلام):

«إی والله ویخاطبونهم کما یکون الرجل مع حاشیته وأهله»، قلت: یا سیدی ویسیرون معه قال:

«إی والله یا مفضل ...»(1).

وروی فی مختصر بصائر الدرجات عن المفضل بن عمر فی حدیث طویل عن الظهور:

«وتظهر الملائکة والجن، وتخالط الناس، ویسیرون معه»(2).

5 - وفی حدیث آخر سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) یقول:

«إن قائمنا إذا قام مدّ الله عَزَّ وَجَلَّ لشیعتنا فی أسماعهم وأبصارهم حتی لا یکون بینهم وبین القائم برید، یکلمهم فیسمعون وینظرون إلیه وهو فی مکانه»(3)، حیث دلَّ علی أن إیمان المؤمنین من شیعة أهل البیت(علیهم السلام) یقتضی فی الرجعة آثاراً للکمال تتمیزعن باقی البشر من غیر المؤمنین، کما هو الحال فی تمیز الأبدال عن غیرهم .

وروی فی الخرائج والجرائح عن جابر عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال الحسین(علیه السلام) ... إلی أن یقول:

«ثم إن الله لیهب شیعتنا کرامة لا یخفی علیهم شیء فی الأرض وما کان فیها حتّی أنَّ الرجل منهم یعلم علم أهل بیته فیخبرهم بعلم ما

ص:160


1- (1) رواه فی البحار فی باب عقدهُ فی حقیقة الجن.الحدیث 29، عن منتخب بصائر الدرجات بإسناده عن المفضل بن عمر فی خبر طویل فی الرجعة وأحوال القائم ، والظاهر أن الروایة واحدة ولکن فی المختصر إختلاف یسیر.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات :5/516،ص529.
3- (3) الکافی 240/8.

یعملون»(1).

وهذه الروایة تبین زیادة قدرات الشیعة المؤمنین علی درجة قدرات الأبدال وکرامتهم، وکذلک فی تتمة روایة الخرائج والجرائح

«ولا یبقی رجل من شیعتنا إلّا وأنزل الله ملکاً یمسح عن وجهه التراب، ویعرفه أزواجه ومنزله فی الجنة».

وروی الطبری فی دلائل الامامة بسنده عن المفضل بن عمر عن ابی عبدالله(علیه السلام) قال:

«إذا قام القائم(علیه السلام) إستنزل المؤمن الطیر من الهواء فیذبحه فیشویه ویأکل لحمه ولا یکسر عظمه، ثم یقول له: إحی بأذن الله فیحیی ویطیر، وکذلک الظباء من الصحاری ویکون ضوء البلاد نوره، ولا یحتاجون إلی شمس ولاقمر ولا یکون علی وجه الارض مؤذ ولا شر ولا إثم ولا فساد أصلاً، لأنَّ الدعوة سماویة، لیست بأرضیة، ولا یکون للشیطان فیها وسوسة ولا عمل ولاحسد ولا شیء من الفساد، ولا تشوک الأرض والشجر، وتبقی زروع الأرض قائمة، کلما أُخُذ منها شیء نبتت من وقته وعاد کحاله، وإن الرجل لیکسو إبنه الثوب فیطول معه کلما طال ویتلون علیه أی لون أحب وشاء، ولو أن الرجل الکافر دخل جحر ضّب أو تواری خلف مدرة أو حجر أو شجر لأنّطق الله ذلک الستر الذی یتواری فیه، حتّی یقول یا مؤمن: خلفی کافر فیأخذه ویقتله، ولا یکون لابلیس هیکل یسکن فیه - والهیکل: البدن - ویصافح المؤمنون الملائکة،

ص:161


1- (1) الخرائج والجرئح مجلد 2 /850.

ویوحی إلیهم، ویحیون - ویجتمعون - الموتی بإذن الله»(1).

ثم إنّ أحد معانی الخلوص هو إنکار الذات والتنکر لها وهو تخلص من سجن الذات وأنانیته، وتقدیم ما یریده الباری تعالی ورسوله(صلی الله علیه و آله) والأئمة(علیهم السلام)، أی تقدیم إراداتهم علی ارادة الإنسان لنفسه ویجعل منطلق حرکته فی أفعاله هو الهدف الإلهی، وفی الإخلاص خلاص وخلوص الذات، والرجعة برمجة لسیر تکاملی یمرّ بمراتب ومراحل متراتبة رکن بعد رکن کی یتم الخلوص.

تنزل للروح إلی جنب الجسد فی القبر قبیل الإحیاء فی الرجعة:

روی الکلینی بسند صحیح عن یزید الکناسی عن أبی جعفر(علیه السلام) قال:

إنَّ فتیة من أولاد ملوک بنی إسرائیل کانوا متعبدین، وکانت العبادة فی أولاد ملوک بنی اسرائیل، وأنهم خرجوا یسیرون فی البلاد لیعتبروا فمروا بقبر علی ظهر الطریق قد سفی علیه السافی لیس یبین منه إلا رسمه فقالوا: لو دعونا الله الساعة فینشر لنا صاحب هذا القبر فساءلناه کیف وجد طعم الموت، فدعوا الله وکان دعائهم الذی دعوا الله به: أنت الهنا یا ربنا لیس لنا إله غیرک، والبدیع الدائم غیر الغافل لک فی کل یوم شان تعلم کل شیئ بغیر تعلیم انشر لنا هذا المیت بقدرتک، قال: فخرج من ذلک القبر رجل أبیض الرأس واللحیة، ینفض

ص:162


1- (1) دلائل الامامة للطبری /ح 47/443.

رأسه من التراب شاخص بصره إلی السماء، فقال: لهم مایوقفکم علی قبری؟ فقالوا: دعوناک لنسألک کیف وجدت طعم الموت؟ فقال لهم لقد سکنت فی قبری تسعة وتسعین سنة ما ذهب عنی ألم الموت وکربه، ولا خرج طعم مرارة الموت من حلقی، فقالوا له: متّ یوم متّ وأنت علی ما نری أبیض الرأس واللحیة، قال: لا، ولکن لما سمعت الصیحة أخرج اجتمعت تربة عظامی إلی روحی فنفثت (فنفست) فیه فخرجت شاخصاً بصری مهطعاً إلی صوت الداعی فابیّض لذلک رأسی ولحیتی..(1)، وظاهر هذه الروایة أن الصیحة توجب قوة للروح جاذبة لتربة العظام والبدن واجتماعها، فالإحیاء للبدن یتم من طریق الروح بقوة الصیحة.

وهذا کما هو مقرر الآن عصریاً فی العلوم الروحیة الحدیثة من أن الجانب غیر المرئی من ذات الإنسان وهو الروح أو البدن غیر المحسوس المسمی مادته بالاوکتوبلازما، والمسمی قدیما فی مکاشفات العرفاء والفلاسفة بالبدن البخاری، وذلک لأنَّ لونه کمادة بیضاء کالسحاب، وهذا ماکشفته الصور الحدیثة للأشعة فوق البنفسجیة وتحت الحمراء أن هذا هو الذی یتکون فی الإنسان أولاً فی النشأة الأولی فی رحم الأم، وهو سبب لاجتماع الحویمن والبویضة، وتکوّن النطفة والعلقة ثم المضغة والعظام للإنسان.

وعلی أیة حال فمفاد هذا الحدیث یقرب من مفاد قوله تعالی: «فَإِنَّما هِیَ

ص:163


1- (1) الکافی ج3 /231.

زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسّاهِرَةِ » (1)، وقوله تعالی: فَالزّاجِراتِ زَجْراً (2)، وقوله تعالی: فَإِنَّما هِیَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ یَنْظُرُونَ » (3)، ولعل هذه الزجرة الثانیة معاکسة للإماتة.

والحاصل أن مفاد الحدیث وأمثاله مما ورد فی هذا الشأن یبین کیفیة بعث الروح فی تراب وطینة الجسد، مما لم یصل إلیه عقلیة البحث الکلامی والفلسفی، وأن البعث فی الرجعة زجرٌ وصیحة هول فتنشط الروح فتُنفث فی البدن وتجذب ترابه.

الرجعة فتح الفتوح الرجعة مشروع بناء معرفة متعالیة ودولة حضاریة:

إنَّ هناک کثیراً من الشواهد والدلائل الدالة علی أن الرجعة والعود إلی الحیاة الدنیا، لا سیما بالنسبة لأئمة أهل البیت(علیهم السلام)، لیس لمجرد مشروع إقامة الدولة السیاسیة وبسط العدل السیاسی والقسط فی الحقوق، بل إن هناک مشروعاً أکبر وأعظم وأهم من ذلک، وهو مشروع الدعوة الجدیدة إلی بناء فی العقیدة أعظم.

فإن هذا الدین له طبقات وطیات، فمن ثم وصفه النبی بأنه متین،

ص:164


1- (1) سورة النازعات: الآیة 13.
2- (2) سورة النازعات: الآیة 14.
3- (3) سورة الصافات: الآیة 19.

وهو دین الإسلام والوغول والولوج فیه برفق، وکما أن الإسلام ذو درجات والإیمان درجات فبلوغ البشر وتکاملهم یتطلب تخطی مراحل وأطوار.

وقد ورد عنهم(علیهم السلام) أن هناک مرتبة ظاهر الإسلام ثم مرتبة الإیمان ثم مرتبة التقوی ثم مرتبة الیقین، وإن کانت هذه الأقسام الأربعة بلحاظ آخرهی درجات الإسلام ودرجات الإیمان وأنها مراتب فی الدین، کما ورد أنّ الإیمان علی عشر درجات، وورد أن من عند أهل البیت النبی(صلی الله علیه و آله) وعترته(علیهم السلام) ظهرت دعوة الإسلام، کما أن منهم ظهرت دعوة الإیمان.

وکلا الدعوتین ذات مراتب من الدین الواحد، فالبشریة علی موعد وترقب أن تظهر من أهل البیت(علیهم السلام) دعوة جدیدة هی من مراتب دین الإسلام لم تظهر من قبل، وهذه الدعوة والدعوات الجدیدة لاتتناقض بحال مع ما تقدم منهم من دعوة ظاهر الإسلام ودعوة الإیمان، بل تتوالم وتتلائم بأشد ما یمکن إلی غور حقائق هی جذور لما تقدم من الدعوتین، فإن هذا الدین متین وعلی درجات ولا زالت الدعوة إلی الدین الحنیف فی بدایاتها حسب دلالة الآیات بتبیان الروایات، وهناک جملة من الشواهد علی ذلک:

1 - أن النذارة الکبری یقوم بها النبی(صلی الله علیه و آله) فی الرجعة، وأن ما قد قام به من نذارة وبشارة فهی نذارة صغری ابتدائیة، وقد ورد فی ذلک روایات متعددة عنهم(علیهم السلام) فی ذیل الآیة یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ، فقد روی فی منتخب بصائر الدرجات بسنده عن جابر بن یزید عن أبی جعفر(علیه السلام) فی

ص:165

حدیث عن الرجعة وقوله: یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ، یعنی بذلک محمداً(صلی الله علیه و آله) قیامه فی الرجعة ینذر فیها، وقوله إِنَّها لَإِحْدَی الْکُبَرِ نَذِیراً لِلْبَشَرِ یعنی محمداً(صلی الله علیه و آله) نذیراً للبشر فی الرجعة، وقوله هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ قال: یظهره الله عَزَّ وَجَلَّ فی الرجعة(1).

وروی فی مختصر بصائر الدرجات بنفس الإسناد عن أبی جعفر(علیه السلام) «أن أمیر المؤمنین(علیه السلام)کان یقول: إن المدثر هو کائن عند الرجعة»(2).

وغیرها من الروایات التی ستأتی فی الباب الرابع.

وکذلک ورد فی أن عمدة الدور الذی أسنده الله تعالی إلی أمیر المؤمنین(علیه السلام) لم ینجز بعد، وأنَّه سینجزه فی الرجعة، حیث ورد عنهم(علیهم السلام) فی ذیل قوله تعالی: کَلاّ لَمّا یَقْضِ ما أَمَرَهُ (3)، أی لم یقض أمیر المؤمنین(علیه السلام) ما أمره وسیرجع حتی یقضی ما أمره، وقوله ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ قال یمکث بعد قتله فی الرجعة فیقضی ما أمره(4)، ورواه ابن مهیار بسند صحیح عن أبی أسامة عن أبی جعفر(علیه السلام)(5).

ص:166


1- (1) مختصر بصائر الدرجات/ باب الکرات ح1/55، وحدیث 34/88 وحدیث 37/137.
2- (2) نفس المصدر /35/89.
3- (3) سورة عبس: الآیة 23.
4- (4) مختصر بصائر الدرجات /ح38/138وایضا/ح 139 /39.
5- (5) تاؤیل الایات/2:764ح/2.

2 - ما ورد فی الزیارة الجامعة، من قوله(علیه السلام): «مؤمن بإیابکم مصدق برجعتکم منتظر لأمرکم مرتقب لدولتکم»، فهو إشارة إلی أصل الإیاب، ثم حیاة الرجعة، ثم انتظار (أمرهم) الذی سیقع فی الرجعة، وهو إشارة إلی الدعوة إلی معرفة وعقیدة وفکر وظهور دعوة خفیة باطنة لهم، کما یشیر إلیه لفظ الأمر، حیث إنه إشارة الی قناة الاتصال الملکوتیة بینهم وبین الغیب، فالأمر یشیر إلی السفارة الخفیة بینهم وبین الخالق، فهم سفراء الله فی خلقه، یبلغون عن الله دعوته، کما ورد فی الزیارة الجامعة نفسها، «والمظهرین لأمر الله»، وَوَرَدَ فیها أیضاً «حتی أعلنتم دعوته»، ثم فی المرتبة الرابعة بناء الدولة والتدبیر السیاسی العملی، فهناک إیمان وتصدیق وانتظار وارتقاب، والإیمان بأصل الإعادة لتعلقه بفعل وقدرة الله تعالی، والتصدیق لتعلقه بصفة فی الحجج، إذ التصدیق والتکذیب إنما یتعلق بالحجج، والانتظار یرتبط بالتطلع إلی مجیء دعوة ورؤیة معرفیة بلحاظ ظهورها وبروزها، ومن ثم حقیقة الرجعة أنَّه یقع فیها مشروع معرفة قبل أن تکون مشروع دولة وسیاسة.

فأولاً: هی عقیدة وهی مشیئة الله تعالی وقدرته.

ثانیاً: هی تصدیق ایضا بأحوال حجج الله وخلفائه فی أرضه.

ثالثاً: الأخذ بمعارفهم ودعوتهم وأقوالهم وهومشروع معرفة أیضاً.

رابعاً: الارتقاء العملی کبرنامج عملی لظهور دولتهم.

ص:167

3 - ما رواه الحافظ رجب البرسی فی کتابه: (مشارق أنوار الیقین) فی الخطبة الافتخاریة عن الأصبغ بن نباتة عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی حدیث، قال:

«ومن أنکر أن لی فی الأرض کرة بعد کرة، ودعوة بعد دعوة، وعودة بعد رجعة، حدیثاً کما کنت قدیماً، فقد رد علینا، ومن رد علینا فقد رد علی الله»(1).

وهذه الروایة صریحة فی وجود دعوات عدیدة منه(علیه السلام)، والمراد من التثنیة الکثرة، فوراء دعوة ظاهرالإسلام ودعوة الإیمان دعوات عدیدة لاعماق دین الإسلام.

4 - وروی فی مختصر بصائر الدرجات عن کتاب خطب مولانا أمیر المؤمنین(علیه السلام) علیه خط السید رضی الدین بن طاووس، وذکر فیه خطبة له(علیه السلام) تسمی (بالمخزون)، وفیها: إنَّ لکل شیء إنیً (الف مقصور) یبلغه، لا یعجّل الله بشیء حتی یبلغ إناه ومنتهاه، فاستبشروا ببشری ما بشرتم به، واعترفوا بقربان ماقرب لکم، وتنجزوا من الله ما وعدکم، إن مّنا دعوة خالصة، یظهر الله بها حجته البالغة، ویتم بها النعمة السابغة، ویعطی بها الکرامة الفاضلة، من استمسک بها أخذ بحکمة منها، آتاکم الله رحمته، ومن رحمته نور القلوب، ووضع عنکم أوزار الذنوب، وعجل شفاء صدورکم، وصلاح أمورکم، وسلام منا لکم دائماً علیکم تسلمون به فی دول الأیام

ص:168


1- (1) مشارق انور الیقین/فص (خطبة الافتخار):260؛ ورواه فی الإیقاظ عنه بزیادة فی المتن وهی التی أثبتناها أعلاه.

وقرار الأرحام، أین کنتم، وسلامه لسلامه علیکم فی ظاهره وباطنه(1).

وفی هذه الخطبة یشیر(علیه السلام) إلی معالم الدعوة الجدیدة لهم(علیهم السلام):

منها: أنه وصفها بالخالصة، ای لایشوبها تقیة وخفاء، بل یتمحض الحق بالجلاء.

ومنها: اشتداد الحجیة، فتکون بالغة.

ومنها: أن تلک الدعوة ستکون سببا لإنزال النعمة الوافرة وأفضل درجات الکرامة.

ومنها: أنها برنامج لصیرورة الإنسان المؤمن ذی حکمة متصرف فی مقامات ومنازل تکوینیة من الأبدال

ومنها: تنویر القلوب بإزدیاد.

وغیرها مما مر فی کلامه(علیه السلام).

5 - ما رواه صاحب مختصر بصائر الدرجات فی کتابه (المحتضر) عن کتاب (القائم) للفضل بن شاذن: عن الحسن بن عبدالله عن أبی عبدالله(علیه السلام) أن أمیر المؤمنین صلوات الله علیه قال علی منبر الکوفة: ... وأنا الفاروق الأکبر والقرن من الحدید وباب الایمان وصاحب المیسم وصاحب السنین، وأنا صاحب النشر الأول والنشر الآخر، وصاحب القضاء، وصاحب الکرات

ص:169


1- (1) مختصر بصائر الدرجات:ح14/525.

ودولة الدول، وانا الامام لمن بعدی والمؤدی عمن قبلی لا یتقدمنی الا أحمد، فان جمیع الملائکة والرسل والروح خلفنا ... وانا الشاهد علیهم، وعلی یدی یتم موعد الله وتکمل کلمته، وبی یکمل الدین، وانا النعمة التی أنعمها الله علی خلقه، وانا الإسلام الذی أرتضاه لنفسه کل ذلک منّ من الله تعالی»(1).

فبّین(علیه السلام) أن علی یدیه فی الرجعة تکمل کلمة الله، وبه یکمل الدین فی الرجعة.

6 - ما رواه فی الکافی عن أبی عبد الله(علیه السلام) أنه قال: کأنی بالقائم علی منبر الکوفة علیه قباء، فیخرج من وریان قبائه کتاباً مختوماً بخاتم من ذهب، فیفکه فیقرأه علی الناس، فیجفلون عنه اجفال الغنم، فلم یبق إلّا النقباء، فیتکلم بکلام، فلا یلحقون ملجأ حتی یرجعوا إلیه، وإنی لأعرف الکلام الذی یتکلم به(2).

ومثله ما رواه فی إکمال الدین بسنده عن المفضل بن عمر قال: «قال الصادق(علیه السلام): کأنی أنظر إلی القائم(علیه السلام) علی منبر الکوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألویة، وهم حکام الله فی أرضه علی خلقه، حتی یستخرج من قبائه کتاباً مختوماً بخاتم من ذهب، عهد معهود من رسول الله(صلی الله علیه و آله)، فیجفلون عنه إجفال الغنم

ص:170


1- (1) المحتضرللحسن بن سلیمان الحلی :ح/170.
2- (2) الکافی /م 8 /ص167ح 185.

البکم، فلا یبقی منهم إلّا الوزیر وأحد عشرنقیباً، کما بقوا مع موسی بن عمران(علیه السلام)، فیجولون فی الأرض فلا یجدون عنه مذهباً، فیرجعون إلیه، والله إنی لأعرف الکلام الذی یقوله لهم فیکفرون به»(1).

والروایتان ظاهرتان بوضوح فی أن ما یدعوهم الحجة(علیه السلام) إلیه من العهد المعهود من رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی ذلک الکتاب لم یسمع به قط، وهو من الصعوبة والثقل بمکان، بحیث لا یتحمله زبدة الناس وهم الثلاثمائة وثلاثة عشر، وهم أصحاب کرامات ومقامات وتطوی لهم الأرض کما فی الروایات، وبعضهم یمشی علی الماء، وبعضهم یمشی علی السحاب، کما وردت بذلک الروایات.

فجملتهم من الأبدال أو الأوتاد أو السیاح، ورغم ذلک یثقل علیهم ویصعب استیعاب هذه الدعوة الجدیدة.

ومن شدة ثقل هذه الدعوة یجفلون ویفرون فی نفس المجلس، هذا مع ما شاهدوه من قبل من معاجزالمهدی(علیه السلام) والآیات الکثیرة التی ظهرت علی یدیه(علیه السلام)، وهذا کله شواهد علی مدی غرابة وصعوبة ما یدعوهم إلیه من مراحل أعماق دین الإسلام، وراء دعوة ظاهر الإسلام ودعوة الإیمان، فضلاً عن سائر عموم الناس.

بلْ إنَّه فی مرحلة من المراحل وموقف یقوم به المهدی(علیه السلام) فی المدینة

ص:171


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة:673.

المنورة یفرّ عنه حتی النقباء الاثنا عشر، فقد روی الفضل بن شاذان بإسناده إلی إسحاق بن عمار عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال:

«إذا قدم القائم(علیه السلام) وثب أن یکسر الحائط الذی علی القبر، فیبعث الله تعالی ریحاً شدیدة وصواعق ورعوداً، حتّی یقول الناس: إنما ذا لذا، فیتفرق أصحابه عنه حتی لا یبقی معه أحد، فیأخذ المعول بیده، فیکون أول من یضرب بالمعول، ثم یرجع إلیه أصحابه إذا رأوه یضرب المعول بیده، فیکون ذلک الیوم فضل بعضهم علی بعض، بقدر سبقهم إلیه، فیهدمون الحائط ثم یخرجهما غضین رطبین، فیلعنهما ویتبرأ منهما ویصلبهما، ثم ینزلهما ویحرقهما، ثم یذریهما فی الریح»(1).

7 - إظهارهم(علیهم السلام) فی الرجعة أسرارا لا تتحمل فی الحیاة الأولی من الدنیا، فقد روی الکشی فی رجاله، وبن بابویه فی الإمامة والتبصرة، والکلینی فی الکافی، والصدوق فی اکمال الدین، والنعمانی فی الغیبة بأسانیدهم عن المفضل بن عمر الجعفی، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن تفسیر جابر، فقال: لا تحدث به السفلة فیذیعونه، أما تقرأ فی کتاب الله عَزَّ وَجَلَّ فَإِذا نُقِرَ فِی النّاقُورِ (2)؟ إن منا إماماً مستتراً، فإذا أراد الله إظهار أمره نکت فی قلبه نکتة، فظهر فقام (وأمر) بأمر الله عَزَّ وَجَلَّ (3).

وهذه الروایة الشریفة تشیر إلی أنْ من المهام الأولی لدولتهم(علیهم السلام) -

ص:172


1- (1) بحار الانوار مجلد /52:386ح201.
2- (2) سورة المدثر: الآیة 8.
3- (3) إختیار معرفة الرجال،ح 338/الامامة والتبصرة لعلی بن بابویه ح121/الکافی مجلد /1 ص343/کمال الدین للصدوق ص349ب33ح42/الغیبة للنعمانی ص193.

التی تبدأ بظهور الصاحب - مهمة ووظیفة الدعوة إلی مراحل أعلی من الإیمان، وإلی درجات أعماق الدین الحنیف، مما لم تحتمله البشریة والمسلمین من قبل، وقد وصل إلی تلک الأعماق وبواطن الدین بعض الخواص من حواری أهل البیت(علیهم السلام).

8 - ما رواه النعمانی عن أبی بصیر عن أبی جعفر(علیه السلام) قال:

«یقوم القائم(علیه السلام) فی وتر من السنین،... فوالله لکأنی أنظر إلیه بین الرکن والمقام یبایع الناس بأمر جدید وکتاب جدید وسلطان جدید»(1).

9 - وروی الصفار فی بصائر الدرجات، صحیح زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال حدث عن بنی إسرائیل یا زرارة ولا حرج، قلت إن فی أحادیث الشیعة ما هو أعجب من أحادیثهم، فقال: وأی شیء هو یا زرارة؟ فاختلس فی قلبی فمکثت ساعة لا أذکر ما أرید، فقال(علیه السلام): لعلک ترید الرجعة؟ قلت: نعم، قال: حدث (صدق) بها فإنها حق(2).

وفی نسخة بصائر الدرجات الموجودة والبحار (لعلک ترید التقیة)، ولکن نسخة الحر العاملی فی الایقاظ لفظ الرجعة، وبلفظ التقیة ایضا ما فی خرائج الراوندی ومدینة المعاجز للسید هاشم البحرانی وبحار المجلسی، الّا أن الحدیث مروی بألفاظ أُخری أیضاً مؤداها کما ذکر المجلسی أنه سیقع فی هذه الأمة ما وقع فی بنی اسرائیل.

ص:173


1- (1) الغیبة للنعمانی /ب 14ح22ص270وکذلک ح24.
2- (2) بصائر الدرجات /الجزء 4 ب 10 ح19ص260.

وهذا المعنی یتناسب ویتلائم مع عنوان ومعنی الرجعة لا لفظ التقیة، کما أن وصف (أنها حق) یناسب معنی الرجعة لا التقیة، إذ هی لیست ثقافة منتشرة فی کل الدوائر من کل جیل وإن کان أصلها متناقل فی کل جیل لکن بدائرة أضیق، وإلا فالتقیة عنوان مشهور لدی امثال زرارة، ویشهد لکون تعجب زاررة من عنوان الرجعة ما فی روایة اخری تقدمت دالة علی حرصه علی السؤال عنها، وسیأتی الاشارة إلیه مرة أُخری، وهی تدلُّ علی صعوبة هضم مطالب الرجعة حتی علی کبار أصحاب الأئمة(علیهم السلام)، مثل زرارة، فضلاً عن کبار علماء الإمامیة فی الغیبة، ورغم ذلک فإن الإمام(علیه السلام) یأمر مثل زرارة بترویج ثقافة عقیدة الرجعة، لأنها من المعتقدات الحقة التی یجب أن یتربی علیها مجتمع المؤمنین والمسلمین.

النظام القرآنی الراسم للرجعة:

إن هناک طوائف من الآیات ومجامیع من السور تتعرض لبیان وتفسیر فصول أحداث ومراحل الرجعة مع غفلة جملة غالب المفسرین عن حقائق معانیها، وحسبانهم أنها فی المعاد الأکبر، وتبویب تلک الآیات والسور یبنی نظاماً ومنظومة هائلة للرجعة.

وسیأتی البحث فی تفاصیل ذلک فی الباب الثانی إنْ شاء الله تعالی.

ص:174

الفصل الثالث:غایات وفلسفات الرجعة و نمط تفسیر آخر

اشارة

ص:175

ص:176

غایات وفلسفات الرجعة ونمط تفسیر آخر

اشارة

*القدرة الإلهیة فی الرجعة.

*إنجاز الوعد وإقامته وإظهاره فی الرجعة.

قدْ ذکرت الآیات والروایات عِدَّة غایات وحکم للرجعة:

الغایة الأولی: معرفة الرجعة فریضة کبری علی جمیع الأمة کمعرفة المعاد الأکبر

وهذا مفاد جملة من الآیات والأحادیث منها:

ما روی فی کتاب سلیم بن قیس الهلالی الذی رواه عنه أبان بن أبی عیاش، وقد قرأ جمیعه علی علی بن الحسین(علیهماالسلام) بحضور جماعة من أعیان الصحابة منهم أبو الطفیل عامر بن واثلة، فأقرَّه علیه مولانا زین العابدین(علیه السلام) وقال:

«هذه أحادیثنا صحیحة».

قال أبان: ثم لقیت أبا الطفیل بعد ذلک فی منزله فحدّثنی فی الرجعة

ص:177

عن أناس من أهل بدر، وعن سلمان وأبی ذر والمقداد وأبی بن کعب، وقال أبو الطفیل فعرضت ذلک الذی سمعته منهم علی علی بن أبی طالب(علیه السلام) بالکوفة فقال لی: هذا علم خاص لا یسع الأمة جهله وردّ علمه إلی الله تعالی، ثم صدَّقنی بکل ما حدَّثونی فیها، وقرأ علیَّ بذلک قرآناً کثیراً، وفسره تفسیراً شافیا حتّی صرت ما أنا بیوم القیامة بأشدّ یقیناً منّی بالرجعة، وکان مما قلت له: یا أمیر المؤمنین اخبرنی عن حوض رسول الله(صلی الله علیه و آله) أفی الدنیا هو أم فی الآخرة، فقال: بل فی الدنیا، قلت فمن الذائد عنه؟ قال: أنا بیدی هذه فلیردنه أولیائی ولیصرفن عنه أعدائی، قلت یا أمیر المؤمنین قول الله تعالی وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ ... الآیة»، ما الدابة؟ قال: یا أبا الطفیل أُلْهُ عن هذا، فقلت: یا أمیر المؤمنین أخبرنی به جعلت فداک قال هی دابة تأکل الطعام وتمشی فی الأسواق وتنکح النساء: فقلت یا أمیر المؤمنین: من هو؟ قال: زر الأرض الذی إلیه تسکن الارض، قلت یا امیر المؤمنین من هو؟ قال: صدیق الأمّة وفاروقها ورئیسها وذو قرنیها، قلت یا أمیر المؤمنین: من هو؟ قال: الذی قال الله عَزَّ وَجَلَّ وَ یَتْلُوهُ شاهِدٌ و وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتابِ ، وَ الَّذِی جاءَ بِالصِّدْقِ ، والذی وَ صَدَّقَ بِهِ أنا والناس کلّهم کافرون غیری وغیر (محمّد(صلی الله علیه و آله) ، قلت یا أمیر المؤمنین سمه لی: قال: قد سمَّیته لک.

یا أبا الطفیل والله لو دخلت علی عامة شیعتی الذین بهم اقاتل، الذین أقروا بطاعتی وسمونی أمیر المؤمنین واستحلوا جهاد من خالفنی فحدثتهم

ص:178

شهرا ببعض ما اعلم من الحق فی الکتاب الذی نزل به جبریئل علی مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) وببعض ماسمعت من رسول الله(صلی الله علیه و آله) لتفرقوا عنی حتی ابقی فی عصابة حق قلیلة، أنت وأشباهک من شیعتی، ففزعت وقلت یا أمیر المؤمنین، أنا واشباهی نتفرق عنک أو نثبت معک؟ قال: لا بل تثبتون، ثم أقبل علیّ فقال: إنّ أمرنا صعب مستصعب لا یعرفه ولایقرّبه الاّ ثلاث ملک مقرب أو نبی مرسل أو عبد مؤمن نجیب أمتحن الله قلبه للایمان، .یا با الطفیل إن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قبض فارتد الناس ضلاّلاً وجهالاً (بعده کفارا) إلّا من عصمه الله بنا أهل البیت»(1).

ومفاد هذا الحدیث أنَّ علم الرجعة ومعرفتها مقتصر حالیاً علی الخواص، والحال المفروض أنه لا یعذر عموم الأمة جهل الرجعة، وأن فریضته کفریضة الاعتقاد بیوم القیامة، وذلک لبیانه(علیه السلام) لأبی الطفیل أن دلائل القرآن والوحی علی الرجعة علی حذو دلائله علی یوم القیامة.

ولو یروج بین الناس التنبیه علی دلائل الرجعة وضرورتها لقلَّ حرص الناس علی لذائذ الدنیا، حیث سیکون لدیهم فرصة أخری ومجال آخر فی حیاة أخرة الدنیا قبل یوم القیامة، وفی الروایات أنّ الأئمة(علیهم السلام) یخفّفون الألم عن شیعتهم بانتظار دولة الحق فی الرجعة، فتزیدهم الرجعة من الصبر والإیمان.

ص:179


1- (1) کتاب سلیم بن قیس 129 -131.
الغایة الثانیة: القدرة الإلهیة فی الرجعة
الإیمان والمعرفة بالقدرة الالهیة:

قَدْ وَرَدَ مستفیضاً فی روایات الرجعة المتواترة أن الرجعة مظهر القدرة الإلهیة، وأن منشأ إنکار الرجعة لدی المنکرین الجاحدین هو إنکارهم وعدم إیمانهم بقدرة الله، وهو مفاد قوله تعالی فی الاستبعاد وهو استنکار خفیف أَوْ کَالَّذِی مَرَّ عَلی قَرْیَةٍ وَ هِیَ خاوِیَةٌ عَلی عُرُوشِها قالَ أَنّی یُحْیِی هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ کَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلی طَعامِکَ وَ شَرابِکَ لَمْ یَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلی حِمارِکَ وَ لِنَجْعَلَکَ آیَةً لِلنّاسِ وَ انْظُرْ إِلَی الْعِظامِ کَیْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَکْسُوها لَحْماً فَلَمّا تَبَیَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ (1).

وروی فی مختصر بصائر الدرجات فی باب الکرات فی موثقة حنان بن سدیر، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الرجعة، فقال: القدریة تنکرها ثلاثاً(2).

والظاهر أن المراد بالقدریة لیس القائلین بالجبر فی فعل العباد، بل الجبر فی فعل الإله، کمقولة الیهود یَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَیْدِیهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا (3)، فینکرون قدرته تعالی ومشیئته بدعوی أن القلم جف بما کان ویکون.

ص:180


1- (1) سورة البقرة: الآیة 259.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات ب /الکرات /13/67.
3- (3) سورة المائدة: الآیة 64.

الرجعة والقدرة والمشیئة الإلهیة:

قد بیَّنت جملة من الروایات أن جملة من أهل الخلاف المنکرین للرجعة إنما أنکروها بسبب یضاهی سبب المنکرین للمعاد، أی راجع إلی سبب واحد عند کلا الصنفین، وهو راجع إلی إنکار القدرة الإلهیة، وأطلق علیهم فی الروایات: القدریة، أی إنکارهم ذلک فی القدرة الإلهیة.

ومن تلک الروایات:

1 - عن عبد الرحمن القصیر، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال: قرأ هذه الآیة: إِنَّ اللّهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ (1)، فقال: هل تدری من یعنی؟، قلت: یقاتل المؤمنون فیقتلون ویقتلون، فقال: لا، ولکن من قتل من المؤمنین رُدّ حتی یموت، ومن مات رُدّ حتی یُقتل، وتلک القدرة فلا تنکرها(2).

2 - ما نقل فی مصباح المتهجد: فی زیارة النبی(صلی الله علیه و آله) والأئمّة من بعده، وفیها: إنّی من القائلین بفضلکم، مقرّ برجعتکم، لا أنکر لله قدرة، ولا أزعم إلّا ما شاء الله(3).

3 - وروی فی کتاب (المزار) للمشهدی فی أحد زیارات أمیر المومنین التی أبَّنه بها الخضر بعد استشهاده

«...فقلبی لکم مسلم وامری لکم متبع،

ص:181


1- (1) سورة التوبة: الآیة 12.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات /ب /الکرات /ح 21/75.
3- (3) مصباح المتهجد/289 /ح 11/399.

ونصرتی لکم معده حتی یحی الله بکم دینه ویردکم، فمعکم معکم لا مع غیرکم انی من المؤمنین برجعتکم لا منکر لله قدره ولا مکذب منه مشیة»(1).

4 - وفی مصباح الزائر لابن طاووس قال روی عن الإمام الصادق جعفر بن مُحمَّد(علیهماالسلام) أنه قال: من أراد أن یزور قبر رسول الله(صلی الله علیه و آله) والمعصومین صلوات الله علیهم من بعید،... وساق الزیارة إلی قوله: إنّی من القائلین بفضلکم، مقرّ برجعتکم، لا أنکر لله قدرة، ولا أزعم إلّا ما شاء الله(2).

5 - ما روی فی کامل الزیارات عن سعدان بن مسلم قائد أبی بصیر، قال: حدثنی بعض أصحابنا، عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی زیارة الحسین(علیه السلام)... إلی قوله: ونصرتی لکم معدّة، حتی یحکم الله، وهو خیر الحاکمین لدینه، ویبعثکم فمعکم معکم لا مع عدوکم، إنی من المؤمنین برجعتکم، لا أنکر لله قدرة، ولا أکذّب له مشیّة، ولا أزعم أنّ ما شاء لایکون(3).

6 - ما رواه فی کامل الزیارات من معتبرة أبی حمزة الثمالی، عن الصادق(علیه السلام) فی زیارة للحسین(علیه السلام)

«و... نصرتی لکم معدّة، حتی یحییکم الله لدینه (حتی یحکم الله بدینه) ویبعثکم، وأشهد (الله) أنکم الحجة، وبکم ترجی الرحمة، فمعکم معکم لا مع عدوّکم، إنّی بإیابکم (بکم) من المؤمنین، لا أنکر لله قدرة،

ص:182


1- (1) المزار للمشهدی /ب 13 /ح6.
2- (2) بحار الانوار - ج 97 ص 189 /ح12.
3- (3) کامل الزیارات - ب 79/ح 17/633.

ولا أکذب منه بمشیّة، ثم قال: (... اللهمّ صلّ علی أمیرالمؤمنین عبدک وأخی رسولک... (إلی أن قال:) اللهمّ أتمم به کلماتک، وأنجز به وعدک، وأهلک به عدوک، واکتبنا فی أولیائه وأحبّائه، اللهمّ اجعلنا له شیعة وأنصاراً وأعواناً علی طاعتک، وطاعة رسولک، وما وکّلته به واستخلفته علیه، یا ربّ العالمین(1).

وهذه الروایات تبین أن الرجعة مرتبطة بالمشیئة والقدرة الإلهیة، کما تبین أن الإنکار یسند إلی القدرة فی مقابل الإقرار بها، والتکذیب یسند إلی المشیئة فی مقابل التصدیق بها، والإیمان بالرجعة هو بالإقرار والتصدیق بهما لا بالإنکار والتکذیب.

ووجهُ إسناد الإقرار إلی القدرة هو کون القدرة أمرا موجودا، وعینا مقررة بینما المشیئة علی وزان العلم حکایة ومرآة عمّا سیکون، فیتعلق بها التصدیق أو التکذیب نظیر مافی قوله تعالی: قالَ مَنْ یُحْیِ الْعِظامَ وَ هِیَ رَمِیمٌ (78) قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِی أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِکُلِّ خَلْقٍ عَلِیمٌ (79)..... أَ وَ لَیْسَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلی أَنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلی وَ هُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِیمُ (2).

الغایة الثالثة: تحقیق و وقوع غایة الخلقة من دار الدُّنْیَا:

وقد استفاد الشاه آبادی والطباطبائی والرفیعی من الآیات والروایات أن

ص:183


1- (1) کامل الزیارات /ب 79ح23/639وبحار الانوار /116/98.
2- (2) سورة یس: الآیة 78 - 80.

غائیة دار الدنیا لابدّ أن تتحقّق، وإنّما یتم ذلک فی الرجعة، وأقاموا علی ذلک البرهان المشار إلیه فی کثیرٍ من ظاهر الآیات والروایات فی الرجعة أن أکمل دولة سیشهدها البشر علی الإطلاق هی دولة الرسول(صلی الله علیه و آله) فی الرجعة، وأن دولة الأئمة ممهّدة له وإن کان أکثر من یدیر دولاً فی الرجعات هو أمیرالمؤمنین(علیه السلام)، وأن أکبر دولة بعد الرسول هی دولة أمیر المؤمنین قبل دولة الرسول(صلی الله علیه و آله)، ودولة ظهور الإمام المهدی(علیه السلام) بدایة ذلک الإعداد.

وأنّ الانتظار والترقب الأکبر هو لدولة الرجعة وعلی رأسها دولة الرسول(صلی الله علیه و آله)، وأنّ انتظار دولة المهدی(علیه السلام) هی بادرة ذلک، ولیس الغایة النهائیة.

هذا علی صعید النظام الإجتماعی والمجموع البشری، وکذلک الحال علی الصعید الفردی، فإنّ تفتق فعلیة کمالات الإنسان المودعة فی قابلیته لم تنجز بعدُ فی الحیاة الأولی من الدنیا، وإنما تتحقق فی آخرة الدنیا فی ظل دول العدل الإلهی، حیث تتفجر کنوز خزائن الطبیعة وتبلغ أوجها ویرسل السماء علیکم مدراراً.

وقد خرج إلی أبی القاسم بن العلاء الهمدانی وکیل أبی محمد(علیه السلام) أنّ مولانا الحسین(علیه السلام) ولد یوم الخمیس لثلاث خلون من شعبان فصمه مندوباً وادع فیه بهذا الدعاء... وساق الدعاء إلی قوله: «وسیّد الأسرة، الممدود بالنصرة یوم الکرّة، المعوّض من قتله أنّ الأئمة من نسله، والشفاء فی ترتبه، والفوز معه فی أوبته، والأوصیاء من عترته بعد قائمهم وغیبته، حتی یدرکوا الأوتار، ویثأروا

ص:184

الثار، ویرضوا الجبار، ویکونوا خیر أنصار... إلی قوله: «فنحن عائذون بقبره نشهد تربته، وننتظر أوبته آمین رب العالمین »(1).

یظهر من الآیات والروایات أن الحیاة النموذجیة المثالیة علی وجه الأرض التی تتصف بالهدایة التامة والعمران الکامل والنعیم بحسب قابلیة الأرض وارتفاع الاختلاف والجهل والتخلّف ونموّ العلم وتفشّی العدل تنسیقا للقلوب والنفوس فضلاً عن نظام الدولة العظمی إنّما یتمّ فی دولة الرجعة، وعلی ذلک ما ورد فی قوله تعالی : وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَیْمانِهِمْ لا یَبْعَثُ اللّهُ مَنْ یَمُوتُ بَلی وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النّاسِ لا یَعْلَمُونَ * لِیُبَیِّنَ لَهُمُ الَّذِی یَخْتَلِفُونَ فِیهِ وَ لِیَعْلَمَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّهُمْ کانُوا کاذِبِینَ (2)، فمعناه أن رفع الاختلاف والجهل إنّما هو غایة کمالیة فی دار الدنیا، وهی من ضوابط وأحکام الرجعة.

ومن ذلک الآیات المبارکة التی ذکر فیها رفع الاختلاف قوله تعالی: إِذْ قالَ اللّهُ یا عِیسی إِنِّی مُتَوَفِّیکَ وَ رافِعُکَ إِلَیَّ وَ مُطَهِّرُکَ مِنَ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ جاعِلُ الَّذِینَ اتَّبَعُوکَ فَوْقَ الَّذِینَ کَفَرُوا إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ ثُمَّ إِلَیَّ مَرْجِعُکُمْ فَأَحْکُمُ بَیْنَکُمْ فِیما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ (3)، وقوله تعالی: وَ أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الْکِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ مِنَ الْکِتابِ وَ مُهَیْمِناً عَلَیْهِ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمّا جاءَکَ مِنَ الْحَقِّ لِکُلٍّ

ص:185


1- (1) المزار للمشهدی: الباب السادس عشر، فی أعمال شهر شعبان، ص 398. الإقبال الفصل السادس عشر: أعمال شهر شعبان، ج3 ،ص303.
2- (2) سورة النحل: 38-39.
3- (3) سورة آل عمران: الآیة 55.

جَعَلْنا مِنْکُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَعَلَکُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لکِنْ لِیَبْلُوَکُمْ فِی ما آتاکُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَیْراتِ إِلَی اللّهِ مَرْجِعُکُمْ جَمِیعاً فَیُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ (1)، ولا یخفی أن المرجع الیه تعالی من مادة الرجعة والرجوع وأن فیها حکم الله الرافع للاختلاف، وقال تعالی: قُلْ أَ غَیْرَ اللّهِ أَبْغِی رَبًّا وَ هُوَ رَبُّ کُلِّ شَیْ ءٍ وَ لا تَکْسِبُ کُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَیْها وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری ثُمَّ إِلی رَبِّکُمْ مَرْجِعُکُمْ فَیُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ (2).

وقال تعالی: وَ لا تَکُونُوا کَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْکاثاً تَتَّخِذُونَ أَیْمانَکُمْ دَخَلاً بَیْنَکُمْ أَنْ تَکُونَ أُمَّةٌ هِیَ أَرْبی مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما یَبْلُوکُمُ اللّهُ بِهِ وَ لَیُبَیِّنَنَّ لَکُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ ما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ (3) وقد مرّ وسیأتی أن عنوان القیامة کما یطلق علی القیامة الکبری فإنه یطلق علی الرجعة وهی القیامة الوسطی.

وقال تعالی: وَ قالَتِ الْیَهُودُ لَیْسَتِ النَّصاری عَلی شَیْ ءٍ وَ قالَتِ النَّصاری لَیْسَتِ الْیَهُودُ عَلی شَیْ ءٍ وَ هُمْ یَتْلُونَ الْکِتابَ کَذلِکَ قالَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ یَحْکُمُ بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ فِیما کانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ (4)، وقال تعالی: وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِی إِسْرائِیلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتّی جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّکَ یَقْضِی بَیْنَهُمْ یَوْمَ

ص:186


1- (1) سورة المائدة: الآیة 48.
2- (2) سورة الانعام: الآیة 164.
3- (3) سورة النحل: الآیة 92.
4- (4) سورة البقرة: الآیة 113.

الْقِیامَةِ فِیما کانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ (1).

وقد ورد عنهم(علیهم السلام) - أن یوم القیامة الکبری أو بالأحری البعث الأکبر للجنة الأبدیة والنار الأبدیة - لا حساب فیه، بل أواخر القیامة مجرد جزاء فریق إلی الجنة وفریق إلی النار، وإنما عمدة الحساب فی الرجعة، وقد عقدنا لذلک مقالاً مستقلاً.

الغایة الرابعة: معرفة الرجعة وعلوّ الهمة:

ومن فلسفات معرفة الرجعة وغایاتها علو همة الإنسان عن الإکتراث بأحوال الموت وأهوال القبر والبرزخ، فضلاً عن إبتلاءات ومحن أحوال الحیاة الأولی من الدنیا، وذلک لأنَّ معرفة الرجعة تعطیه نظرة لهذه المراحل، نظرة عبور لا نظرة قرار، ونظرة ممر ومرور لا نهایة ولا مقرُ نهایة، فیعلو تطلعه وطموحه عنها، ویتجرد ویخلص للغایة الکبری عن التهاوی والانکباب إلی الدنیا السفلی ولواحقها من الموت والقبر، فالعلم بالرجعة بلوغ کامل فی المعرفة والإیمان، ووقایةٌ عن التشاغل بالأدنی، ولا یستثیره ولا یهوله ولا یحبس بصیرته هذه المراحل والعوالم النازلة.

الغایة الخامسة: الثبات بمعرفة الرجعة علی الإیمان عند البعث الأوّل:

وإنَّ من أمهات فلسفات وغایات معرفة الرجعة هو الثبات علی

ص:187


1- (1) سورة یونس: الآیة 93.

الإیمان عند البعث والإحیاء للرجعة، وذلک لأن الذین یرجعون من غیر سابقة معرفة بالرجعة والإیمان بها - من القرآن ومن قول حجج الله تعالی من الأئمة المعصومین - یظنون ویتوهمون أن نشرهم مَرَّة أخری دوران فی الدورة الطبیعیة، تنبتهم وتحییهم، وإنّ ما بلّغت به رسل الله وأنذروا به من جنة ونار وحساب لیس له صحة، وکان زیفاً والعیاذ بالله.

فتکون الرجعة لهم فتنة جدیدة، فیزدادون تکذیباً للأنبیاء، ومن ثم ورد أن کفرة من کفرات الرجعة أشد کفراً من الکفر فی الحیاة الأولی من الدنیا.

فیقولون ها نحن قد رجعنا إلی الدنیا، ولیس من آخرة ولا شیء من المعاد ، فیزدادون تکذیباً للمعاد، فها هم قد رجعوا إلی الدنیا ولم یروا ما أنذروا، فیزدادون غیّاً وإنکاراً وکفراً .

ومن ثم ورد أن الکفرة فی الرجعة أعظم من الکفرات السابقة.

وقد روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن جابر بن یزید الجعفی عن أبی جعفر(علیه السلام)

«إنّ أمیر المؤمنین صلوات الله علیه کان یقول: إن المدثر هو کائن عند الرجعة، فقال له رجل: یا أمیرالمؤمنین أحیاة قبل القیامة ثم موت، فقال له عند ذلک: نعم والله لکفرة من الکفر بعد الرجعة أشد من کفرات قبلها»(1).

ص:188


1- (1) مختصر بصائر الدرجات باب الکرات ح35/89 ص143.

وهذا بخلاف المؤمنین حیث علموا من حجج الله تَعَالَی - وهم أئمة أهل البیت(علیهم السلام) - أن الرجعة بإحیاء وقدرة منه تعالی، فیستبصروا ویستیقنوا بصدق مقالتهم وحق ما أخبروا به فیزدادون هدایة، نظیر ما ورد فی الصحیحة من علامات ظهور الإمام(عج) أن علم المؤمنین بوجود صیحتین صیحة حق ونداء بأن الحق مع علی(علیه السلام) وولده قبیل ظهور القائم(عج)، وهی الصیحة الأولی وهی من جبرئیل، والصیحة الثانیة من إبلیس فی آخرالنهار أن الحق مع عثمان، فلا یلتبس ذلک علی المؤمنین بسبب علمهم المسبق بذلک، من تعلیم وإرشاد أهل البیت(علیهم السلام).

فیکون تعلیم أهل البیت عاصماً لهم عن الفتنة والضلالة، بل یزیدهم یقیناً بالحق، وهو مما یشیر إلیه موثق زرارة، قال:

«سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) یقول: ینادی مناد من السماء: إنَّ فلاناً هو الأمیر، وینادی مناد: إن علیا وشیعته هم الفائزون .

قلت: فمن یقاتل المهدی بعد هذا ؟

فقال: إنَّ الشیطان ینادی: إنَّ فلاناً وشیعته هم الفائزون - لرجل من بنی أمیة - ، قلت: فمن یعرف الصادق من الکاذب ؟

قال: یعرفه الذین کانوا یروون حدیثنا، ویقولون: إنه یکون قبل أن یکون، ویعلمون أنهم هم المحقون الصادقون»(1).

ص:189


1- (1) غیبة النعمانی باب 14 ما جاء فی العلامات التی قبل قیام القائم : ح28 ص273.

وموثق هشام بن سالم، قال: «قلت لأبی عبدالله(علیه السلام): إن الجریری أخا إسحاق یقول لنا: إنکم تقولون هما نداءان فأیهما الصادق من الکاذب؟ فقال أبو عبد الله(علیه السلام): قولوا له: إن الذی أخبرنا بذلک - وأنت تنکر أن هذا یکون هو الصادق»(1).

وموثقة هشام الأُخری: «قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) یقول: هما صیحتان صیحة فی أول اللیل، وصیحة فی آخر اللیلة الثانیة.

قال: فقلت: کیف ذلک؟

قال: فقال: واحدة من السماء، وواحدة من إبلیس.

فقلت: وکیف تعرف هذه من هذه؟

فقال: یعرفها من کان سمع بها قبل أن تکون»(2).

وصدر حدیث جابر عن أبی جعفر(علیه السلام) المتقدم فی الکفرات إشارة إلی الدور الکبیر الذی سیقوم به الرسول(صلی الله علیه و آله) فی الرجعة، وسیأتی أن النذارة الکبری له(صلی الله علیه و آله)، بکونه نذیرا للبشر إنما هی فی الرجعة، مما یدلل علی کبر مسؤولیة الدعوة فیها، للمطالبة بکل أبواب الإیمان، والإیمان بالمعاد والبعث الأکبر مع غرور العصاة واغترارهم بوقوع الرجعة لهم.

ومن ثم ورد أن من لم یهتد فی هذه الحیاة الأولی من الدنیا وکان ضالاً

ص:190


1- (1) غیبة النعمانی: ب14 ح30 ص 272.
2- (2) غیبة النعمانی: باب 14 ح31 ص273.

عن الهدی وعاصیاً عن الحق فهو فی الحیاة الآخرة من الدنیا وهی الرجعة أشد ضلالاً وعمی، کما روی ذلک فی مختصر بصائر الدرجات بسند صحیح عن أبی بصیر عن أحدهما(علیهماالسلام)(1).

وهذا بخلاف من عرف الرجعة فی الحیاة الأولی، فلا یفتتن فی الآخرة.

الغایة السادسة: الاعتقاد بظهور الإمام المهدی(عج): توطئة وتمهید للاعتقاد والمعرفة بالرجعة:

کَمَا أنّ الاعتقاد بالرجعة ممهد وموطیء للاعتقاد والمعرفة بیوم القیامة، الذی هو یوم لا بمعنی قدر أربع وعشرین ساعة، بل هو عالم أکبر عمراً وطولاً من الحیاة الأولی من الدنیا ومن الآخرة من الدنیا وهی الرجعة .

ومن لا یعرف الرجعة فهو عقیم عن معرفة القیامة والآخرة الأبدیة.

وعن ابن محبوب عن الرضا(علیه السلام) فی حدیث له طویل فی علامات ظهور القائم(علیه السلام)، قال:

«والصوت الثالث یرون بدناً بارزاً نحو عین الشمس: هذا أمیر المؤمنین، قد کرَّ فی هلاک الظالمین» الخبر(2).

ومفاد هذا الحدیث أن ظهور القائم(عج) هو فاتحة لبدایة رجعة الأئمة(علیهم السلام)، وتخصیص أمیر المؤمنین(علیه السلام) بذکر کرّته لأنه المحور والقطب فی کل مراحل الرجعة، وأن ظهور المهدی(عج) عنوانه الأصلی وحقیقته الواقعیة هی بلحاظ

ص:191


1- (1) مختصر بصائر الدرجات : باب الکرات ح 11/65 ص 125.
2- (2) غیبة الشیخ الطوسی: ح431 ص440.

غایة الظهور وهی الرجعة .

الغایة السابعة: نصرة الأنبیاءوالرسل والأوصیاء:

إن من ثمرات الرجعة إنجاز الوعد الالهی بنصرة رسله فی الحیاة الدنیا، والله لایخلف المیعاد، فإن وعد الله غایات کمالیة لفعله وهو الخلقة الالهیة، قال تعالی: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهادُ (1).

وفی حسنة جمیل بن دراج، عن أبی عبدالله(علیه السلام)، قال: قلت له: قول الله عَزَّ وَجَلَّ: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهادُ ، قال: ذلک والله فی الرجعة، أما علمت أنّ فی أنبیاء الله کثیراً لم ینصروا فی الدنیا وقتلوا، وأئمة قد قتلوا ولم ینصروا؟

فذلک فی الرجعة، قلت وَ اسْتَمِعْ یَوْمَ یُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَکانٍ قَرِیبٍ یَوْمَ یَسْمَعُونَ الصَّیْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِکَ یَوْمُ الْخُرُوجِ ، قال: هی الرجعة(2).

وفی حسنة عبدالله بن عطا، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال: کنت مریضاً بمنی وأبی(علیه السلام) عندی فجاءه الغلام فقال: هاهنا رهط من العراقیین یسألون الإذن علیک، فقال أبی(علیه السلام): أدخلهم الفسطاط، وقام إلیهم فدخل علیهم

ص:192


1- (1) سورة غافر: الآیة 51.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات /ب الکرات ح/6/60.

فما لبث أن سمعت ضحک أبی(علیه السلام) قد ارتفع فأنکرت ووجدت فی نفسی من ضحکه وأنا فی تلک الحال، ثم عاد إلیّ فقال: یا أبا جعفر عساک وجدت فی نفسک من ضحکی، فقلت: وما الذی غلبک منه الضحک، جُعلت فداک؟

فقال: إنّ هؤلاء العراقیین سألونی عن أمر کان مضی من آبائک وسلفک، یؤمنون به ویقرّون فغلبنی الضحک سروراً أنّ فی الخلق من یؤمن به ویقرّ، فقلت: وماهو جعلت فداک؟ قال: سألونی عن الأموات متی یبعثون فیقاتلون الأحیاء علی الدین(1).

وفیه بیان تآزر ونصرة جماعات الحق الأموات منهم بعد عودهم فی الرجعة مع الأحیاء لمقاتلة أهل الباطل.

الغایة الثامنة: استکمال الامتحان للنفوس:

إن المنکرین لها ینکرون حکمة وحقیقة الاختیار والامتحان، ومن ثَمّ هم من القدریة منهجاً، والرجعة زیادة فی الحجیة وقطع العذر للعصاة وزیادة امتحان، ویقع فیها امتحان من لم یستکمل امتحانه کالمستضعفین والأطفال والمجانین.

وفی موثق حنان بن سدیر، عن أبیه، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن

ص:193


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /ب الکرات ح:12/66.

الرجعة، فقال: القدریة تنکرها - ثلاثاً - (1).

وعن أبی الصباح، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) فقلت: جُعلت فداک مسالة أکره أن أسمّیها لک، فقال لی هو:عن الکرّات تسألنی؟، فقلت: نعم، فقال: تلک القدرة ولا ینکرها إلّا القدریة، لا تنکر تلک القدرة لا تنکرها إنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) أتی بقناع من الجنة علیه عذق یقال له: سنة، فتناولها رسول الله(صلی الله علیه و آله) سنة من کان قبلکم(2).

الغایه التاسعة: تولد الأمل وقوته وشدة الطموح:

إنّ من الغایات الکبری والأهداف الکبیرة للاعتقاد بمعرفة الرجعة هو تولد الأمل وقوته وشدة الطموح نحو المستقبل لدی المؤمنین، وعدم الیأس والانکسار أمام الصعاب والشدائد، ولکی لاتقسوا القلوب بل تظل منتظرة مترقبة.

فقد روی الکلینی(3) عن الحسن بن شاذان الواسطی، قال: کتبت إلی أبی الحسن الرضا(علیه السلام) أشکو جفاء أهل واسط وحملهم علی، وکانت عصابة من العثمانیین تؤذینی، فوقع بخطه:

«إن الله تبارک وتعالی أخذ میثاق أولیائنا علی الصبر فی دولة الباطل، فاصبر لحکم ربک، فلو قد قام سید الخلق لقالوا: یا

ص:194


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /ب الکرات /ح - 13/67.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات /ب الکرات ح 18/72.
3- (3) الکافی - ج الثامن /247ص/ح 346.

وَیْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ »1 وهذه الروایة الشریفة تبین ان هذا المقطع من آیات سورة یس لیس المراد منه خصوص القیامة الکبری، بل المراد أولا الرجعة، کما تبین بأن الرجعة میعاد ومعاد أصغر، وأن فیه نفخ فی الصور، وأن الرجعة خروج من القبور والأجداث.

الغایة العاشرة: الانتقام من الظالمین:

الانتقام من الظالمین بأعظم مما یقوم به الامام المهدی(عج) من انتقام، کما هو مفاد ما مر من الدعاء یوم میلاد الامام الحسین(علیه السلام) الوارد فی مصباح المتهجد وإقبال الأعمال، من تعلیل الکرّة والأوبة للأوصیاء من عترته حتی یدرکوا الأوتار ویأثروا الثأر ویرضوا الجبّار ویکونوا خیر أنصار.

ومعنی الانتقام فیما ورد من أنّ المهدی(عج) ینتقم، وأن الرجعة نقمة من أعداء الله تعالی، لا یراد بذلک التشفی الشخصی بقدر ما هو البعد الدینی والاجتماعی وإزالة السنن الباطلة عند الناس، نظیر ما ورد أن زین العابدین(علیه السلام) قد رضی بانتقام المختار، فإنه بمعنی تطهیر العراق من أعراف النهج والنسیج الاجتماعی الأموی، وهو معنی ما ورد فی غایة الرجعة من أنه تعالی یرجعهم(علیهم السلام) لیثأروا الثأر، أی لیطهروا الأرض من مناهج الزیغ، فهی انتقام من مناهج وأعراف فاسدة، وبناء أعراف ومناهج

ص:195

صالحة، وهی الملة الحنیفیة الخالصة.

خرج إلی أبی القاسم بن العلاء الهمدانی وکیل أبی محمد(علیه السلام):

«إنّ مولانا الحسین(علیه السلام) ولد یوم الخمیس لثلاث خلون من شعبان فصمه وادع فیه بهذا الدعاء...»، وساق الدعاء إلی قوله:

«وسیّد الأسرة، الممدود بالنصرة یوم الکرّة، المعوّض من قتله أنّ الأئمة من نسله، والشفاء فی ترتبه، والفوز معه فی أوبته، والأوصیاء من عترته بعد قائمهم وغیبته، حتی یدرکوا الأوتار، ویثأروا الثار، ویرضوا الجبار، ویکونوا خیر أنصار...» إلی قوله: «فنحن عائذون بقبره نشهد تربته، وننتظر أوبته، آمین رب العالمین»(1).

الغایة الحادی عشر: استکمال الطاعة للإمام(عج)

ففی زیارة للامام المهدی(علیه السلام): وإن أدرکنی الموت قبل ظهورک فإنّی أتوسّل بک إلی الله سبحانه أن یصلّی علی محمد وآل محمد، وأن یجعل لی کرّة فی ظهورک، ورجعة فی أیّامک، لأبلغ من طاعتک مرادی، وأشفی من أعدائک فؤادی.

الغایة الثانیة عشر: إکمال الدین وإتمام الموعد الإلهی:
اشارة

من غایات الرجعة الأساسیة أن یکمل الدین وتکمل کلمته بأمیر المؤمنین(علیه السلام)، وإنجاز الوعد الإلهی لکل إمام من أهل البیت بتعجیل ظهوره

ص:196


1- (1) مصباح المتهجد 826 و 827 /ح 886 ، واقبال الاعمال 3/ 303

وخروجه إلی الرجعة.

وفیها أداء الدور الأساسی الأکبر لنذارة النبی(صلی الله علیه و آله)، والهدایة الکبری لإمامة علی(علیه السلام) والأئمة(علیهم السلام)، ففی تفسیر علی بن إبراهیم: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَکْفَرَهُ (1)، قال: هو أمیر المؤمنین(علیه السلام)، قال: (ما أکفره) أی ماذا فعل وأذنب حتّی قتلوه ثم قال: مِنْ أَیِّ شَیْ ءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِیلَ یَسَّرَهُ

«قال: «یسّر له طریق الخیر، ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ » ،

قال: «فی الرجعة، کَلاّ لَمّا یَقْضِ ما أَمَرَهُ ،

أی لم یقض أمیر المؤمنین ما قد أمره، وسیرجع حتی یقضی ما أمره».

وروی القمی فی تفسیره فی الصحیح الی جمیل بن دراج، عن أبی سلمة، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال: سألته عن قول الله: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَکْفَرَهُ قال:

«نعم، نزلت فی أمیرالمؤمنین(علیه السلام)، ما أَکْفَرَهُ

یعنی بقتلکم إیّاه، ثم نسب أمیر المؤمنین(علیه السلام) فنسب خلقه وما أکرمه الله به، فقال: مِنْ أَیِّ شَیْ ءٍ خَلَقَهُ ،

یقول: من طینة الأنبیاء خلقه، فقدَّره للخیر، ثُمَّ السَّبِیلَ یَسَّرَهُ

یعنی سبیل الهدی، ثم أماته میتة الأنبیاء، ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ ،

قلت: ما قوله: ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ ؟،

قال: «یمکث بعد قتله فی الرجعة فیقضی ما أمره»(2).

وما رواه الکلینی أیضاً - فی باب أنّ الأئمة لم یفعلوا شیئاً ولا

ص:197


1- (1) سورة عبس: الآیة 17.
2- (2) تفسیر القمی: ذیل الآیة فی سورة عبس.

یفعلون إلّا بأمر من الله - بسنده عن حریز، عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی حدیث قال:

«إنّ لکل واحد منّا صحیفة فیها ما یحتاج إلیه أن یعمل به فی مدّته، فإذا انقضی ما فیها ممّا أمر به عرف أنّ أجله قد حضر، فأتاه النبی(صلی الله علیه و آله) ینعی إلیه نفسه، وأخبره بما له عند الله.

وإنّ الحسین(علیه السلام) قرأ صحیفته التی أعطیها وفسّر له ما یأتی وبقی أشیاء لم تقض، فخرج للقتال، وکانت تلک الأشیاء التی بقیت أنّ الملائکة سألت الله فی نصرته فأذن لها، فمکثت تستعدّ للقتال وتتأهّب لذلک حتّی قتل، فنزلت وقد انقطعت مدّته وقتل(علیه السلام)، فقالت الملائکة: یا ربّنا أذنت لنا فی الانحدار، وأذنت لنا فی نصره وقد قبضته؟!

فأوحی الله إلیهم: أن ألزموا قبره حتی تروه، وقد خرج فانصروه، وابکوا علیه وعلی ما فاتکم من نصرته، فإنّکم قد خصصتم بنصرته وبالبکاء علیه، فبکت الملائکة حزناً علی ما فاتهم من نصرته، فإذا خرج یکونون أنصاره(1).

ومفاد الروایة أنّ أحد أسباب وحِکَمْ الرجعة هو إنجاز کل إمام ما تبقی علیه من أدوار ومسؤولیات أُمر بها فی الصحیفة المقررة من قبل الله تعالی الخاصة بکل إمام مما لم ینجزها فی الحیاة الأولی من الدنیا، فیخرج من قبره راجعاً إلی آخرة الدنیا لینجز ما تبقی کما یشیر إلیه قوله تعالی فی سورة عبسَ کَلاّ لَمّا یَقْضِ ما أَمَرَهُ بتبیان الروایة السابقة، فهناک من

ص:198


1- (1) الکافی /جلد/1ص283/باب أن الائمة لم یفعلوا شیئ ولایفعلون الا بعهد من الله عَزَّ وَجَلَّ وأمر منه.

مسؤولیات وأدوار الأئمة لم تنجز فیرجعون لینجزوها وذلک لأنهم قُتِلوا وحانت آجالهم من الحیاة الأولی من الدنیا.

وأنَّ کل إمام من الاثنی عشر هو مهدی موعود منتظر مرتقب ظهوره قائم یقیم دولة العدل علی کل الأرض.

وأن من آداب زیارة کل إمام منهم أن یدعی له بتعجیل فرجه وظهوره من قبره لیسکنه الله تعالی أرضه طوعاً ویمکنه فیها طویلاً.

عن الحسن بن عبدالله، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: قال أمیر المؤمنین(علیه السلام): أنا الفاروق الأکبر، وصاحب المیسم، وأنا صاحب النشر الأوّل، والنشر الآخر، وصاحب الکرّات، ودولة الدول، وعلی یدی یتمّ موعد الله وتکمل کلمته، وبی یکمل الدین(1).

الأربعة عشر معصوم لکل مقام محمود فی الرجعة:

عن عروة ابن أخی شعیب العقرقوفی، عمّن ذکره، عن أبی عبد الله(علیه السلام)، قال:

«تقول إذا أتیت قبر الحسین(علیه السلام) ویجزیک عند قبر کل إمام(علیه السلام): السلام علیک من الله والسلام علی محمد بن عبدالله ...اللهمَّ صل علی محمد عبدک ورسولک الذی ... والسلام علیه ورحمة وبرکاته » وتقول فی زیارة أمیر المؤمنین(علیه السلام)

«اللهمَّ صل علی أمیر المؤمنین عبدک واخی رسولک - الی آخره»، وفی زیارة فاطمة(علیهاالسلام): «أمتک وبنت رسولک - الی آخره» وفی زیارة سائر الائمة(علیهم السلام):

ص:199


1- (1) المحتضر ص161ح170.

أبناء رسولک - علی ماقلت فی النبی(صلی الله علیه و آله) أوَّل مَرَّة - حَتّی تنتهی إلی صاحبک ثم تقول:

«أشهد انکم کلمة التقوی وباب الهدی والعروة الوثقی ...» وساق الزیارة إلی قوله:

«اللهم لا تجعله آخر العهد من زیارة قبرابن نبیّک، وابعثه مقاماً محموداً تنتصر به لدینک، وتقتل به عدوّک، فإنّک وعدته، وأنت الربّ الذی لا تخلف المیعاد». وکذلک تقول عند قبور کلّ الأئمة(علیهم السلام)»(1).

ومفاد هذه الروایة والزیارة عموم هذا الدعاء والاعتقاد فی کل إمام من ائمة أهل البیت، وأنه موعود بالنصرة، وأنَّه یبعث مقاما محموداً فی آخرة الدنیا وهی الرجعة، وهوإقامة دولة العدل علی یدیه مضافا إلی المقام المحمود فی القیامة الکبری، وفی الآخرة الأبدیة أیضاً، وهذه الروایة والزیارة لا تخص ذلک بأمیر المؤمنین(علیه السلام) ولا بالحسین(علیه السلام)، بل لکل إمام من الأئمة الاثنی عشر یزارون بهذه الزیارة والدعاء والاعتقاد.

بل الروایة والزیارة تنص علی کل من النبی(صلی الله علیه و آله) وفاطمة(علیهاالسلام) ، وأنَّ کلاً منهما یخاطب بهذا الخطاب، أی أن فاطمة یبعثها الله مقاما محمودا فی آخرة الدنیا وهی الرجعة وینتصر بها لدینه بتوسط مالها من ولایة وتدبیر، ویقتل الله بها عدوه، وأنها موعود ة بذلک، وکیف لا یکون هذا المضمون للزیارة والمعتقد فیها شاملا لفاطمة(علیهاالسلام)، بلْ قد نص فی الزیارة علی إسمها، وقد دلَّت الآیات والروایات علی أن طاعتها مفروضة علی جمیع من خلق الله من الجن والانس والطیر والوحش والأنبیاء والملائکة، کما رواه الطبری فی

ص:200


1- (1) کامل الزیارة /ب 104 ح2/803ص526/523.

دلائل الامامة من معتبرة أبی بصیر عن أبی جعفر - فی حدیث طویل - عن مصحف فاطمة(علیهاالسلام) قال(علیه السلام) ولقد کانت(علیهاالسلام) مفروضة الطاعة علی جمیع من خلق الله من الجن والانس والطیر والوحش والأنبیاء والملائکة الحدیث(1).

الغایة الثالثة عشر: ظهور مقامات خاصة لأمیر المؤمنین(علیه السلام):

ظهور مقامات خاصة لأمیر المؤمنین(علیه السلام) یأتی شرحها فی الباب الرابع کمقام أنه صاحب العصا والمیسم ومقام دابة الأرض، وأنّ له دولة الدول وغیرها، وهی المعبر عنها فی القرآن بمجیء الآیات.

فعن أبی الصامت الحلوانی، عن أبی جعفر(علیه السلام)،

«قال: قال أمیر المؤمنین صلوات الله علیه: لقد أعطیت الستّ: علم المنایا والبلایا والوصایا وفصل الخطاب، وإنی لصاحب الکرّات، ودولة الدول،وإنی لصاحب العصا والمیسم، والدابة التی تکلم الناس»(2).

الغایة الرابعة عشر: إنجاز الوعد وإقامته وإظهاره فی الرجعة:

قال تعالی: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَیْمانِهِمْ لا یَبْعَثُ اللّهُ مَنْ یَمُوتُ بَلی وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النّاسِ لا یَعْلَمُونَ * لِیُبَیِّنَ لَهُمُ الَّذِی یَخْتَلِفُونَ فِیهِ وَ لِیَعْلَمَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّهُمْ کانُوا کاذِبِینَ * إِنَّما قَوْلُنا لِشَیْ ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ

ص:201


1- (1) دلائل الامامة للطبری /ص104 - 34/34، خبر مصحفها صلوات الله علیها.
2- (2) الکافی: ج1، ص 198.

نَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ (1).

فتُبیّن هذه الآیة أن الغایة من الرجعة هی إظهار الحقّ وبیانه جلیّاً وإعلام أهل الباطل إدانةً أنهم کانوا کاذبین، فتکون الغایة إعلاء کلمة الحقّ وإشهار حجّیتها، ودحض کلمة الباطل وإشهار غیّها.

فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن جابر بن یزید، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال: لیس من مؤمن إلّا وله قتلة وموتة، إنّه من قتل نشر حتی یموت، ومن مات نشر حتی یقتل...إلی أن قال فی قوله تعالی: یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ (2) یعنی مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) وقیامه فی الرجعة یُنذر فیها. وقوله تعالی إِنَّها لَإِحْدَی الْکُبَرِ * نَذِیراً لِلْبَشَرِ (3) یعنی محمد(صلی الله علیه و آله) نذیر للبشر فی الرجعة. وقوله تعالی: هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ (4) قال: یظهره الله عَزَّ وَجَلَّ فی الرجعة. وفی قوله تعالی: حَتّی إِذا فَتَحْنا عَلَیْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِیدٍ (5) قال: هو علی بن أبی طالب (علیه السلام) إذا رجع فی الرجعة. قال جابر: قال أبو جعفر(علیه السلام) قال أمیر المؤمنین صلوات الله علیه فی قول الله تعالی: رُبَما یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ

ص:202


1- (1) سورة النحل: الآیة 38 -40.
2- (2) سورة المدثر: الآیة 1-2.
3- (3) سورة المدثر: الآیة 35.
4- (4) سورة الصف: الآیة 9.
5- (5) سورة المؤمنون: الآیة 77.

کانُوا مُسْلِمِینَ (1) قال هو أنا إذا خرجت أنا وشیعتی، وخرج عثمان بن عفان وشیعته، ونقتل بنی أمیة فی الرجعة

فعندها یودّ الذین کفروا لو کانوا مسلمین»(2).

وفیه دلالة علی غایات الرجعة المتقدمة:

منها: الانتقام من أعداء أمیر المؤمنین(علیه السلام)، أی بتطهیر الأرض والمجتمعات، وذلک بإزالة منهج الجور والغی والضلال والمتجسد فی أشخاص أعدائه وإفسادهم فی المجتمعات والأقوام.

ومنها: إظهار النبی(صلی الله علیه و آله) فی الرجعة مستولیاً علی کل حکم فی الأرض والدنیا.

ص:203


1- (1) سورة الحجر: الآیة 2.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات /1/55باب الکرات.

ص:204

الفصل الرابع:مراحل وأدوار الرجعة و أقسامها

اشارة

ص:205

ص:206

محطات مسیر الرجعة

اشارة

1 -- بدایة الرجعة بظهور وقیام المهدی(عج).

2 -- عموم الرجعة استغراقی (أفواج) فی بدایتها إلی قریب أواخرها وفی أواخرها عمومها مجموعی (الکل دفعة).

3 -- سر سبق من محض الإیمان والکفر علی المستضعفین فی الرجعة.

4 -- قائمة وجدولة برجعة أهل الخیر والشر.

5 -- تکرر رجوع أهل الشر کتکرر رجوع أهل الخیر.

6 -- تکرر الرجعة لکل فرد.

7 -- الرجعة متکررة ومشککة عدداً وأفراداً وأمداً واختلاف أحکامها.

8 -- التفویج فی الرجعة.

9 -- رجعة أمم بأسرها.

10 -- افتراق الرجعة الموعودة عن رجعة الأمم.

11 -- مرحلة دابة الارض

12 -- مرحلة ما بعد الدابة.

13 -- رجعة الشیاطین.

14 -- رجعة إبلیس وأن له قتلات.

15 -- رجعة الحیوانات.

16 -- إن للرجعة أقساماً وأنواعاً بحسب اختلاف الآجال.

17 -- الرجعات والقبور وأن الرجعات اللاحقة لیست من القبر فضلاً عن عدم کونها لیست من الأرحام.

18 -- من أُهُلک بالعذاب الإلهی لا یرجع فی الرجعة.

19 -- بقاء دولة الروم إلی رجعة أمیر المؤمنین علیه السلام .

20 -- ترتب مراحل أواخر الرجعة.

21 -- الساعة مرحلة نهائیة فی الرجعة.

ص:207

ص:208

المحطة الأولی: بدایة الرجعة

قَدْ وَرَدَ أنّ بدایة الرجعة بظهور القائم(عج)، بَلْ إنَّ رجوع الناس یبدأ بین جمادی ورجب، وهو العجب کل العجب، وهو قبیل ظهوره(عج)، وإن کان رجوع أئمة أهل البیت(علیهم السلام) - والذی یبدأ برجوع الحسین(علیه السلام) - یبدأ فی أواخر حیاة الحجة(علیه السلام) بن الحسن العسکری قبل استشهاده.

وقد وردت روایات مستفیضة - قد تقدم بعضها ویأتی بعضها الآخر لاحقاً - فی هذه المقولة المشهورة عن أمیر المؤمنین(علیه السلام)

«العجب کل العجب ما بین جمادی ورجب»(1)، وأن تفسیره هو رجوع الموتی لا سیما من الموالین لأهل البیت(علیهم السلام).

کَمَا أنَّهُ وَرَدَتْ روایات أن جماعة من أصحاب القائم(عج) هم ممن یرجع من الموتی، یقاتلون بین یدیه ویکونون وزراءه، مثل ما رواه المفضل بن عمر عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال:

«یُخرج القائم(علیه السلام) من ظهر الکوفة سبعة وعشرین

ص:209


1- (1) معانی الآخبار، الصدوق / 46 ، مختصر بصائر الدرجات / 198.

رجلاً، خمسة عشر من قوم موسی الذین کانوا یهدون بالحق وبه یعدلون، وسبعة من أهل الکهف، ویوشع بن نون، وسلمان وأبا دجانة الأنصاری، والمقداد ومالکا الأشتر، فیکونون بین یدیه أنصاراً وحکاماً»(1).

وروی الطبری فی دلائل الإمامة مسنداً عن المفضّل بن عمر، قال سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) یقول:

«یکرُّ مع القائم(علیه السلام) ثلاثة عشر امرأة!» قلت: وما یصنع بهنّ؟ قال:

«یداوین الجرحی، ویقمن علی المرضی کما کنّ مع رسول الله(صلی الله علیه و آله)»، قلت: فسمهنّ لی، قال:

«القنواء بنت رشید، وأمّ أیمن، وحبّابة الوالبیة، وسمّیة أم عمار بن یاسر، وزبیدة، وأمّ خالد الأحمسیة، وأم سعید الحنفیة، وصبانة الماشطة، وأمّ خالد الجهنیة»(2).

وروی المفضل قال: قال أبو عبدالله(علیه السلام) یا مفضل أنت وأربع وأربعون رجلا تحشرون مع القائم، أنت علی یمین القائم(عج) تأمر وتنهی، والناس إذ ذاک أطوع لک منهم الیوم(3).

وروی الصدوق بسنده عن الشعبی، قال ابن الکوا لعلی(علیه السلام): یا أمیر المؤمنین أرأیت قولک العجب کل العجب بین جمادی ورجب قال(علیه السلام):

ص:210


1- (1) الارشاد للشیخ المفید /مجلد386/2- تفسیر العیاشی /مجلد 2 ص32وفیه «اذا قام قائم آل مُحمَّد* استخرج من ظهر الکعبة سبعة وعشرین رجلا...»، دلائل الامامة للطبری /ح 48/444ص463: وفی المصدرین الأخرین ذکر مؤمن آل فرعون.
2- (2) دلائل الإمامة للطبری ص484 ح84/480 .
3- (3) دلائل الامامة للطبری /حدیث 51/447ص464.

«ویحک یا أعور هو جمع أشتات ونشر أموات وحصد نبات» الحدیث(1).

ورواه فی مختصر بصائر الدرجات فی خطبة المخزون لأمیر المؤمنین(علیه السلام) حیث سأله رجل: ما هذا العجب یا أمیر المؤمنین؟ قال: «

وما لی لا أعجب وقد سبق القضاء فیکم وما تفقهون الحدیث إلا صوتات بینهن موتات حصد نبات ونشر أموات، یا عجباً کل العجب بین جمادی ورجب» قال الرجل أیضاً: یا أمیر المؤمنین ما هذا العجب الذی لا تزال تعجب منه قال:

«ثکلت الآخر أمه وأی عجب یکون أعجب من أموات یضربون هامات الأحیاء»(2)الحدیث.

ومن الملفت أیضاً أن الذی یسترعی الانتباه والتدبر الملی أن الصیحة السماویة التی هی من أکبر علامات الظهورأول ما ینادی فیها

«هذا أمیر المؤمنین قد کرّ فی هلاک الظالمین» أی ینادی بالرجعة وأنَّ هذا أمیر المؤمنین قد رجع لینتقم من الظالمین.

فقد روی النعمانی بسند موثق عن عبد الله بن سنان عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی ذیل قوله تعالی: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَیْهِمْ مِنَ السَّماءِ آیَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِینَ (3)،

«فلا یبقی فی الأرض یومئذ أحد إلّا خضع وذلّت رقبته لها، ألا إن الحق فی علی(علیه السلام) وشیعته، فإذا کان من الغد صعد إبلیس فی الهواء حتی یتواری عن أهل الأرض ثم ینادی ألا إنّ الحق فی عثمان بن عفان

ص:211


1- (1) معانی الأخبار: ص 406 ،ح 81.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات :ص 552، الخطبة المسماة بالمخزون، حدیث 14/525.
3- (3) سورة الشعراء: الآیة 4.

وشیعته فإنه قتل مظلوماً، فاطلبوا بدمه، قال: فیثبت الله الذین آمنوا بالقول الثابت علی الحق، وهو النداء الأوَّل»(1).

فتبین الروایة أن أول من ینادی باسمه هو أمیر المؤمنین(علیه السلام) قبل النداء بظهور المهدی القائم(عج).

وروی الراوندی فی الخرائج والجرائح عن الحمیری بسنده عن الحسن بن محبوب عن الرضا(علیه السلام)، وکذا الطوسی فی الغیبة بسند مصحح عن الحسن بن محبوب، وکذا النعمانی فی غیبته، والطبری فی دلائل الإمامة، والصدوق فی عیون أخبار الرضا، وکمال الدین، بطرق مستفیضة فی حدیث عن غیبة الإمام المهدی(عج)

«... کأنی بهم شر ما یکونون وقد نودوا نداءً یسمع من بعد کما یسمع من قرب،یکون رحمة للمؤمنین وعذاباً علی الکافرین» فقال له الحسن بن محبوب: وأی نداء هو؟

قال: «ینادون فی رجب ثلاثة أصوات من السماء:

صوتاً: ألا لعنة الله علی الظالمین، والصوت الثانی: أزفت الآزفة یامعشر المؤمنین، والصوت الثالث: یرون بدناً بارزاً نحو عین الشمس یقول: هذا أمیر المؤمنین قد کرّ فی هلاک الظالمین»(2).

ص:212


1- (1) الغیبة للنعمانی : ص 368،باب 14،ح19.
2- (2) الخرائج والجرائح:ج3، ص 1168،ح65، الغیبة للطوسی: ص439، ح431، الغیبة للنعمانی: ص180، ح28، دلائل الإمامة للطبری: ص 245، عیون أخبار الرضا: ج2، 6 2، ح14، کمال الدین: ص370،ح3.

والظاهر أن هذه الصیحة برجوع أمیر المؤمنین هی التی تقع فی رجب، وهی تزامن بدء وقوع الرجعة، کما مر قبیل الظهور فی شهر محرم.

وأما الصیحة باسم القائم(عج) فهی إما بعد ذلک أو فی شهر رمضان، کما وردت روایات عدیدة بتعدد الصیحات.

فللرجعة بدایتان:

بدایة لغیر المعصومین(علیهم السلام)، سواء من الأولیاء أو عموم المؤمنین أو من الأشرار الأعداء، وهذه تقع بین جمادی ورجب قبیل ظهور الإمام(عج) بأشهر.

وبدایة أخری للرجعة وهی رجوع المعصومین(علیهم السلام)، وأول من یرجع من الأئمة الأثنی عشر هو الحسین وذلک فی أُخریات حیاة القائم الحجة بن الحسن العسکری(عج)، ثم یرجع بعد الحسین(علیه السلام) أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام).

وأکثر المعصومین رجوعاً برجعات وکرات کثیرة هو أمیر المؤمنین(علیه السلام)، حیث سنشیر إلی ذلک فی الروایات، فهو صاحب الرجعات والکرات والدول ودولة الدول، وغیر ذلک من المقامات التی تظهر له فی الرجعات.

ولذا عبر فی روایات الرجعة، أن الرجعة من خواص أمیر المؤمنین(علیه السلام)، والمراد بذلک هذا المعنی، وإلّا فإنّ الروایات دالة علی أن کل إمام یرجع أکثر من مرة، مضافاً لما مرّ من رجوع فاطمة(علیهاالسلام)، إلّا أنَّ رجعات سائر

ص:213

المعصومین لا تبلغ عدد رجعات أمیر المؤمنین(علیه السلام)، وآخر من یرجع هو رسول الله(صلی الله علیه و آله)، وتکون دولته آخر دول الرجعة وأکبرها وأعظمها ویرجع معه الأئمة الاثنا عشر، ویکون وزیره أمیر المؤمنین(علیه السلام)، وبقیة الأئمة(علیهم السلام) ولاة له فی الأرض، کما سیأتی تفصیل ذلک.

ص:214

المحطة الثانیة: اجتماع أجیال متباینة فی الرجعة

ثم إن هناک تساؤل ملح یطرح نفسه فی أدوار الرجعة، وهو أن الرجعة تتضمن رجوع أجیال من حقب زمنیة مختلفة لهم ثقافات متباینة، وعادات ولغات متنوعة وأسالیب فی المعیشة متشعبة بحسب تفرقهم فی الأزمان.

فکیف سینسجمون فی حیاة اجتماعیة لمجتمع واحد؟

وهذا نظیر الرجعة التی وقعت لأهل الکهف، بعد أن بعثهم الله وقص من أمرهم فی قوله تعالی: وَ کَذلِکَ بَعَثْناهُمْ لِیَتَسائَلُوا بَیْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ کَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالُوا رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَکُمْ بِوَرِقِکُمْ هذِهِ إِلَی الْمَدِینَةِ فَلْیَنْظُرْ أَیُّها أَزْکی طَعاماً فَلْیَأْتِکُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَ لْیَتَلَطَّفْ وَ لا یُشْعِرَنَّ بِکُمْ أَحَداً * إِنَّهُمْ إِنْ یَظْهَرُوا عَلَیْکُمْ یَرْجُمُوکُمْ أَوْ یُعِیدُوکُمْ فِی مِلَّتِهِمْ وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً * وَ کَذلِکَ أَعْثَرْنا عَلَیْهِمْ لِیَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ أَنَّ السّاعَةَ لا رَیْبَ فِیها (1).

ص:215


1- (1) سورة الکهف: الآیة 19و 20.

فهذه الآیات بضمیمة ما ورد فی الروایات المبینة لظاهر ألفاظها، أن عثور أهل القرون اللاحقة والتفاتهم إلی أصحاب الکهف بعدما أحیاهم الله، کان بتوسط التفات الناس إلی النقود التی أراد بعض أصحاب الکهف أن یشتری بها، حیث کانت من زمن (دقیانوس)، وقد مضی علیه أکثر من ثلاثمائة سنة، فهذا التضارب فی التفاهم بین أصحاب الکهف وأسلوب تعاملهم مع القرون اللاحقة سبب اضطراباً لهم وتعجباً من جیل الأمم اللاحقة، مما أدی إلی أن یلح أصحاب الکهف فی الدعاء بأن یمیتهم الله تعالی، کما تشیر إلی ذلک بعض الروایات.

والجواب: إنّ المؤمنین رغم تفرقهم فی الأزمان والقرون یجمعهم وحدة التآخی ومودة الإیمان، فهم علی قلب واحد، فالرؤی والمعالم المعنویة تجمع أهل الإیمان، لا سیما أنهم لیسوا من أهل الغرور والاغترار بالمظهر والزی وأسلوب المعیشة، کما هو الحال فی المؤمنین فی الزمن الواحد المتعاصر، فإنّ بعضهم فی الحضر وبعضهم فی الریف وبعضهم فی القری وبعضهم فی البلدان المترفهة معیشة، وبعضهم فی المناطق الفقیرة، وضمن عرقیات مختلفة وقومیات متنوعة ولغات مختلفة وعادات متلونة، لکن ذلک لا یمانع إلفتهم فی مودة الإیمان وتفاهمهم بروح واحدة.

ومن ثم وردت القاعدة النبویة المتواترة عند الفریقین، أن من أحب قوماً حشر معهم، ولو اختلفت الأزمان والقرون بین عمل قوم وبین من أحب عملهم، مما یدلُّ علی أن القاعدة الأصلیة فی الوحدة والمعیة هی

ص:216

الرؤی ونهج المعتقد وطریقة السلوک، وکذلک أهل الأشرار مع بعضهم البعض.

هذا مضافا لوجود المعصوم بین ظهرانی الراجعین للدنیا، وهو محورهم الجامع وملاذهم الذی یلتفون حوله، لیبین لهم مهامهم وتکالیفهم ویعلی من هممهم ویکامل أفکارهم وحلومهم، فلا یبقی أی مجال للتصادم والاختلاف.

ص:217

ص:218

المحطة الثالثة:الرجعة عامة لکل الناس أو خاصة للبعض
اشارة

قد اشتهر فی کلمات الأعلام من علماء الإمامیة قدیماً وحدیثاً أن الرجعة خاصة ولیست بعامة، خاصة بمن محض الإیمان محضاً فهو الذی یرجع من فریق الخیر.

بل عن الشیخ المفید فی المسائل السرویة أنه قال:

«والرجعة إنما هی لممحضی الإیمان من أهل الملة وممحضی النفاق منهم، دون من سلف من الأمم الخالیة»(1).

وسیأتی أن المراد من ممحض الإیمان لیس أکملهم، بل أدنی مراتب تحقق الإیمان، وخاصة بمن محض الکفر من فریق الشر الذی یرجع إلی الدنیا.

ص:219


1- (1) البحار: ج53، ص138.

وأما المستضعفون سواء من ملة الإسلام أو الملل الأخری وبقیة النحل والطوائف والبُله والأطفال ونحوهم من الأقسام، فإنهم لا یرجعون، کما ورد ذلک مستفیضاً فی أحادیث بیت النبوة(صلی الله علیه و آله)، وتأتی الإشارة إلیه نظیر ما ورد مستفیضاً أیضاً عنهم(علیهم السلام)، من اختصاص المسائلة فی القبر بمن محض الإیمان محضاً وبمن محض الکفر محضاً، وسیأتی أن هناک صلة وطیدة بین حالات وأطوار البرزخ وعالم الرجعة، إلّا أن هذا المفاد وإن کان مستیفضاً عن أئمة الهدی(علیهم السلام)، واقتصرت أنظار الأعلام علی ذلک غالباً، إلّا أن الصحیح أن ذلک فی أوائل مراحل الرجعة دون أدوارها ومراحلها الوسطی فضلاً عن أواخرها.

وذلک لورود طوائف أخری من الروایات عنهم(علیهم السلام)، دالة علی عموم الرجعة فی أواسطها وفی أواخرها.

کما أنّ ما یظهر من کلام الشیخ المفید السابق - بإختصاص الرجعة بالمسلمین من أهل هذه الملة من محض الإیمان منهم ومن محض الکفر والنفاق منهم دون الأمم الأخری والسابقة - هو قول غیر تام ، بل الصحیح أنه یعم جمیع الأمم من محض الإیمان منهم ومن محض الکفر.

نعم الغالب فی کثیر من الأمم الأخری نمط المستضعفین، هذا فضلاً عن أواخر الرجعة مما یجتمع فیه الأولین والآخرین نظیر القیامة، کما سیأتی بیانه فی الروایات.

ویستثنی من ذلک خصوص الأمم التی عذبت بالعذاب الإلهی

ص:220

العاجل، وکذا کل من یعذب بالعذاب الإلهی العاجل فی دار الدنیا بالمسخ أو نحوه فإنه لا یرجع.

بل ظاهر جملة من الروایات أن هذا القسم الأخیرلا یبعث فی یوم وعالم القیامة، بل یبعث فی البعث النهائی بعد القیامة إلی النار الأبدیة، کقوم عاد وثمود وفرعون وغیرهم.

وقد روی القمی وبسند صحیح عن حماد عن أبی عبدالله(علیه السلام) قوله(علیه السلام) فی ذیل قوله تعالی: «وَ حَرامٌ عَلی قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ »1 وقال الصادق(علیه السلام) :

«کل قریة أهلک الله أهلها بالعذاب لا یرجعون فی الرجعة، فأما إلی القیامة فیرجعون، ومن محض الإیمان محضاً وغیرهم ممن لم یهلکوا بالعذاب ومحضوا الکفر محضاً یرجعون».

ولنستعرض أولاً نبذة من الروایات المستفیضة الواردة فی کون الرجعة خاصة، ثم نعقبها بالطوائف الأخر الدالة علی عموم الرجعة.

طوائف الروایات فی من یرجع فی الرجعة:
الأولی: الطائفة الخاصة:

1 - فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات عن سعد بسنده الصحیح عن محمد بن مسلم، قال: سمعت حمران بن أعین وأبا الخطاب یحدثان جمیعاً قبل أن یحدث أبو الخطاب ما أحدث، أنهما سمعا أبا عبدالله(علیه السلام)

ص:221

یقول:

«أول من تنشق الأرض عنه ویرجع إلی الدنیا الحسین بن علی(علیه السلام)، وأن الرجعة لیست بعامة بل هی خاصة، لا یرجع إلّا من محض الإیمان محضاً، أو محض الشرک محضاً»(1).

2 -- ومصحح المفضل، عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی قوله

:«ویوم نحشر من کل أمّة فوجاً» : «لیس أحد من المؤمنین قتل إلّا یرجع حتی یموت ولا یرجع إلّا من محض الإیمان محضاً أو محض الکفرمحضاً» الحدیث(2).

3 - وروی الصدوق مرسلاً فی الفقیه عن الصادق(علیه السلام)

«أنه لا یسئل فی القبر إلّا من محض الإیمان محضاً أو محض الکفر محضاً، والباقون ملهو عنهم إلی یوم القیامة»(3).

ومضمون هذا المرسل فی إختصاص المسائلة فی القبر بمن محض الإیمان محض بالکفر مضمون مسندٌ فی طرق عدیدة من المجلد الثالث من الکافی ، إلّا أن المیزة فی المرسل ذیله من أنه یلهی عن الباقین إلی یوم القیامة، ولعل المراد من القیامة هی الوسطی ولیست القیامة الکبری بل قیام البعث إلی الرجعة.

الثانیة: الطوائف الدالة علی عموم الرجعة:

أما ما یدل علی أن الرجعة عامة لکل الناس، ولو بلحاظ أواخرها أو ما بعد أواسطها:

ص:222


1- (1) مختصر بصائر الدرجات : باب الکرات ح23/77، ص135.
2- (2) تفسیر القمی ذیل سورة النمل :83.
3- (3) الفقیه :ج1، ص 178،ح530.

الطائفة الأولی: ما ورد فی الروایات فی ذیل قوله تعالی: «کُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ » (ومنشورة) فی قراءة أهل البیت.

1 - فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات، عن أبی جعفر(علیه السلام)

«لیس من مؤمن إلّا وله قتلة وموتة، أنه من قتل نشر حتی یموت، ومن مات نشر حتی یقتل» ثم تلوت علی أبی جعفر(علیه السلام) هذه الآیة: کُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ فقال: (ومنشورة)، قلت: قولک ومنشورة ما هو؟ فقال:

«هکذا أنزل بها جبرئیل علی محمد(صلی الله علیه و آله) وکل نفس ذائقة الموت ومنشورة»، ثم قال:

«ما فی هذه الأمة أحد بر ولافاجر إلّا وینشر، فأما المؤمنون فینشرون إلی قرة أعینهم، وأما الفجار فینشرون إلی خزی الله إیاهم»(1)الحدیث.

وصدر الحدیث وذیله وإن اختص بالمؤمن والکافر المنافق ولم یشمل المستضعف، إلّا أن وسط الروایة والاستشهاد بالآیة التی هی عامة للمستضعفین أیضاً دال علی کبری وقوع الرجعة لکل نفس، وشامل للأطفال والبُله والمستضعفین، کما یشمل المؤمنین والکافرین، فإن کل نفس کما تقتل أو تذوق الموت تنشر فی الرجعة لیصیبها الطرف الآخر، وقد أکد علی ذلک(علیه السلام) فی قوله:

«ما فی هذه الأمة أحد».

2 - وروی فی البحار عن ابن قولویه عن سعد عن أبی جعفر(علیه السلام) أنه قرأ رجل علی أبی جعفر «کُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ »، فقال أبوجعفر(علیه السلام) : «ومنشورة

ص:223


1- (1) مختصر بصائر الدرجات :باب الکرات، ح1/55،ص115.

هکذا والله نزل بها جبرئیل علی محمد صلوات الله علیهما، أنه لیس من أحد من هذه الأمة إلّا سینشر، فأما المؤمنون...»(1)الحدیث.

ورواه العیاشی(2) فی ذیل الآیة.

3 - وروی عن زرارة قال: قال أبو جعفر(علیه السلام) :

«کل نفس ذائقة الموت لم یذق الموت من قتل، وقال لا بد من أن یرجع حتی یذوق الموت»(3).

وهذه الروایة تشیر إلی القاعدة العامة فی الآیة من وجود سنة کونیة، وهی أن لکل نفس أجلین وحیاتین أجل طبیعی واخترامی والتأکید فی هذه الروایات علی استیعاب واستقصاء جمیع الأمة دلیل العموم.

4 - وفی صحیح عن عبد الرحیم القصیر عن أبی جعفر(علیه السلام) أنه قرأ هذه الآیة «إِنَّ اللّهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ »4 أتدری من یعنی؟

فقلت:

یقاتل المؤمنون فیقتلون ویقتلون قال: لا، ولکن من قتل من المؤمنین رُد حتی یموت، ومن مات رُد حتی یقتل، وتلک القدرة فلا تنکرها»(4).

ص:224


1- (1) البحار: ج89، ص65.
2- (2) تفسیر العیاشی:ح169.
3- (3) تفسیر العیاشی:ج2، ح139، ح170، مختصر بصائر الدرجات: باب الکرات، ح61 /7، ص 121.
4- (5) مختصر بصائر الدرجات /ب الکرات ح 21/75، تفسیر القمی فی ذ یل الایة، وتفسیر العیاشی أیضاً فی ذیل الآیة.

فتبین هذه الروایات أن کل إنسان قُتل یرجع حتی یموت، وکل إنسان مات یرجع حتی یقتل.

5 - وفی صحیح زرارة قال: کرهت أن أسأل أبا جعفر(علیه السلام) فی الرجعة، فاحتلت مسألة لطیفة لأبلغ بها حاجتی منها، فقلت: أخبرنی عمن قتل مات؟ قال: لا، الموت موت، والقتل قتل، فقلت له: ما أحد یقتل إلّا وقد مات، قال: فقال: یا زرارة، قول الله أصدق من قولک قد فرَّق بین القتل والموت فی القرآن، فقال: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ (1)، وقال: وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَی اللّهِ تُحْشَرُونَ (2)، فلیس کما قلت یا زرارة، فالموت موت والقتل قتل. وقد قال الله عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ اللّهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ فَیَقْتُلُونَ وَ یُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا (3)، قال: فقلت: إنّ الله عَزَّ وَجَلَّ یقول: کُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ (4)، أفرأیت من قتل لم یذق الموت؟ فقال: لیس من قتل بالسیف کمن مات علی فراشه، إنّ من قتل لابدّ أن یرجع إلی الدنیا حتّی یذوق الموت»(5).

وذیل الصحیح صریح بل نص فی أن من قتل ولو کان مستضعفاً کما

ص:225


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 144.
2- (2) سورة آل عمران: الآیة 158.
3- (3) سورة البراءة: الآیة 111.
4- (4) سورة آل عمران: الآیة 185، الانبیاء/ 35، العنکبوت /57.
5- (5) مختصر بصائر الدرجات /ب الکرات /ح 7/61، تفسیر العیاشی /مجلد2 ص112 ح139.

هو حاصل بالضرورة وقوع القتل علی المستضعفین، ممن لم یمحض الإیمان ولم یمحض الکفر، وما أکثر القتل فیهم فی الحروب، وکذلک الأطفال والبله وغیرهم، فیندرجون بالضرورة فی الرجوع والرجعة، لعموم القاعدة القرآنیة کل نفس ذائقة الموت کما أشار(علیه السلام) إلی ذلک، وأن حقیقة الموت بالمعنی الأخص تختلف عن حقیقة القتل، وإن کان کل منهما موت بالمعنی الأعم.

6 - مصححة الحسن بن راشد (عن أبی إبراهیم(علیه السلام) قال: قال لترجعن نفوس ذهبت ولیقتص (ولیقتصن) یوم یقوم أو (و) من عذّب یقتص بعذابه، ومن أُغُیط أغاظ بغیضه، ومن قتل أقتص بقتله، ویُرد لهم أعداؤهم معهم حتی یأخذوا بثأرهم، ثم یعمّرون بعدهم ثلاثین شهراً، ثم یموتون فی لیلة واحدة قد أدرکوا ثارهم وشفوا أنفسهم، ویصیرعدوهم إلی أشد النار عذاباً، ثم یوقفون بین یدی الجبار عَزَّ وَجَلَّ فیؤخذ لهم بحقوقهم(1).

وهذه الروایة تمثل إحدی مراحل الرجعات، بلحاظ تنوع واختلاف غایاتها.

وتقریب دلالة العموم فی هذه الروایة أن القاتل أو المقتول یعم بالضرورة المستضعفین ومن لم یمحض الایمان ولم یمحض الکفر فیما کان الطرف الآخر ممحض فی الإیمان أو ممحض فی الکفر.

ص:226


1- (1) مختصر بصائر الدرجات/ب الکرات ح41/95.

7 - وروی فی البحار من کتاب السید حسن بن کبش عن المقتضب، ورواه فی البحار أیضاً عن المقتضب مسنداً عن سلمان الفارسی(رحمه الله) فی حدیث عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) عن الأئمة الاثنی عشر وفاطمة(علیهاالسلام) ... ثم قلت یا رسول الله ادعُ الله لی بإدراکهم قال(صلی الله علیه و آله) :

«یا سلمان إنک مدرکهم وأمثالک ومن تولاهم بحقیقة المعرفة، قال سلمان: فشکرت الله کثیراً، ثم قلت: یا رسول الله مؤجل فیّ إلی أن أدرکهم؟ فقال: «یا سلمان اقرأ: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَیْکُمْ عِباداً لَنا أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّیارِ وَ کانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنا لَکُمُ الْکَرَّةَ عَلَیْهِمْ وَ أَمْدَدْناکُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِینَ وَ جَعَلْناکُمْ أَکْثَرَ نَفِیراً (1) قال سلمان: فاشتد بکائی وشوقی فقلت: یا رسول الله بعهد منک فقال: إی والذی أرسل محمداً إنه بعهدٍ منی وعلی وفاطمة والحسن والحسین وتسعة أئمة وکل من هو منا ومظلوم فینا، إی والله یا سلمان، ثم لیحضرن إبلیس وجنوده وکل من محض الإیمان محضاً ومحض الکفر محضاً حتی یؤخذ بالقصاص والأوتار والترات ولا یظلم ربک أحداً، ونحن تأویل هذه الآیة وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ * وَ نُمَکِّنَ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَ نُرِیَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما کانُوا یَحْذَرُونَ (2)

قال سلمان: فقمت بین یدی رسول الله وما یبالی سلمان متی لقی الموت أو لقیه(3).

ص:227


1- (1) سورة الإسراء: الآیة 5 و 6.
2- (2) سورة القصص: الآیة 5 و6.
3- (3) المحتضر: 152، 153، البحارج25، ص6و7، ح9.
اختصاص الرجعة بمن محض فی المسائلة لا فی نفس الرجوع:

تأویل کون الرجعة خاصة بما لا ینافی عمومها:

فقد روی سعد بن عبدالله الأشعری فی الصحیح عن أبی بکر الحضرمی عن أبی جعفر(علیه السلام) قال:

«لا یُسئل فی القبر إلّا من محض الإیمان محضاً أو محض الکفر محضاً، ولا یُسئل فی الرجعة إلّا من محض الإیمان محضاً أو محض الکفر محضاً»، قلت له: فسائر الناس، فقال:

«یُلهی عنهم»(1). ورواه الکلینی فی الکافی إلاّ أنه اقتصر علی صدره.

وصریح هذه الروایة تأویل وتفسیر خصوص الرجعة بمن محض الإیمان ومحض الکفر بمعنی اختصاص المساءلة فی الرجعة بمن محض الإیمان ومحض الکفر، لا بمعنی اختصاص أصل الرجوع، فالجمیع یرجع لکن المسائلة فی الرجعة مختصّة بمن محضّ کما هو الحال فی القبر، فإن ولوج عالم القبر لا یختص بمن محض الإیمان ومحض الکفر، بل سائرالناس یلجون القبر، وإنما الذی یختص فی القبر بمن محض الإیمان ومحض الکفر هی المساءلة فقط، ففرق بین الورود فی عالم القبر فهو لجمیع الناس، وبین المساءلة فی القبر، وکذلک الحال بحسب نص هذه الروایة فی الرجعة،

ص:228


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /باب الکرات /ح 71 /17، الکافی /مجلد3 ص235 ح1 وص236ح4.

ففرق بین الرجوع والخروج إلی عالم الرجعة من القبر، فهو لجمیع وسائر الناس، وإنما المختص فی الرجعة بمن محض الإیمان والکفر إنما هو المساءلة.

وهذه الروایة الصحیحة تنبه علی أن ما ورد فی الروایات المستفیضة(1) من مساواة الاختصاص فی مساءلة القبر بمن محض الإیمان ومحض الکفر مع اختصاص الرجوع کذلک، أنّ المراد باختصاص الرجوع لیس أصل الرجوع، بل هو المساءلة والمحاسبة، والمداینة فی الرجعة، فسائر الناس یرجعون ولکن یلهی عنهم ولا یعبأ بهم حتی تستکمل معرفتهم.

وبعبارة أُخری: إنَّ ما وَرَدَ فی روایات مستفیضة من وحدة اختصاص مسائلة القبر أنه متحد مع الاختصاص فی الرجعة، فلم توحّد هذه الروایات المستفیضة بین أصل الورود فی القبر مع أصل الورود فی الرجعة، بل وحّدت بین المسائلة فی القبر مع الرجعة، مما ینبه علی أن الاختصاص فی الرجعة هو فی المسائلة لا فی أصل الرجوع.

کما أن من هذه الصحیحة مع انضمامها لتلک الروایات المستفیضة من التوحید بین شأن عالم القبر والبرزخ مع شأن عالم الرجعة، یظهر بوضوح أن للقبر وللبرزخ أحکاماًَ وشؤوناً ذات صلة وطیدة بعالم الرجعة، وأنه ممهد للخروج والبعث فی الرجعة.

نعم فی بعض نسخ مختصر بصائر الدرجات، یوجد سقط فی ذیل

ص:229


1- (1) الکافی/الجلد3 /کتاب الجنائز /باب 88، والبحار مجلد 6/ابواب الموت باب 8.

الروایة.

8 - ما ورد مستفیضاً فی ذیل قوله تعالی: إِنَّ یَوْمَ الْفَصْلِ کانَ مِیقاتاً * یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (1)، حیث دلت الروایات الآتیة علی أن ظهور هذه الآیة هو فی الرجعة لا فی یوم القیامة، لأن فی یوم القیامة یُبعث الجمیع کما فی قوله تعالی: وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (2)، فهذه الآیات فی سورة النبأ بهذا التقریب من ظهورها الذی نُّبه علیها فی الروایات دالّ علی عموم الرجعة لعموم الناس غایة الأمر أنه بنحو تدریجی تفویجی.

أما الروایات الواردة فی ذیل الآیة :

فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن عقبة عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: سئل عن الرجعة أحق هی؟ قال: نعم، فقیل له: من أول من یخرج؟ قال:

«الحسین(علیه السلام) یخرج علی أثر القائم»، قلت: ومعه الناس کلهم، قال:

«لا بل کما ذکر الله تعالی فی کتابه یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (3)

قوماً بعد قوم»(4).

وتقریب دلالة الروایة أنَّه الإمام قرر فی الجواب رجوع الناس کلهم لکن لا دفعة بلْ فوج بعد فوج.

ص:230


1- (1) سورة النبأ: الآیة 17- 18.
2- (2) سورة الکهف: الآیة 47.
3- (3) سورة النباء: الآیة 18.
4- (4) مختصر بصائر الدرجات ح42/142ص196.
معنی من محض الإیمان ومحض الکفر:

وقدْ وَرَدَتْ روایات صریحة فی أنَّ معنی محض الإیمان هو الإیمان والإقرار بالشهادة الأولی والثانیة والثالثة، أی بمعنی أصل تحقق الإیمان الأوَّلی وبدایة درجاته وإن لم یصل إلی نهایات کماله، وإنْ ورد بهذا المعنی الثانی استعمال آخر فی الآیات والروایات.

فقد روی الکلینی بسنده عن أبی بکرالحضرمی قال: قلت لأبی جعفر(علیه السلام): أصلحک الله من المسئولون فی قبورهم قال: من محض الإیمان ومن محض الکفر قال:

«فقلت: فبقیة هذا الخلق قال: یلهی والله عنهم ما یُعبأ بهم، قال وقلت وعما یسألون قال: عن الحجة القائمة بین أظهرهم، فیقال للمؤمن ما تقول فی فلان بن فلان فیقول: ذاک إمامی فیقال، نم أنام الله عینک ویفتح له باب من الجنة فما زال یُتحفه من رَوحها إلی یوم القیامة، ویقال للکافر ما تقول فی فلان بن فلان قال فیقول قد سمعت وما أدری ما هو فیقال لا دریت، قال ویفتح له باب من النار فلا یزال یتحفه من حرّها إلی یوم القیامة»(1).

وروی أیضاً بسنده عن إبراهیم بن أبی البلاد عن بعض أصحابه عن أبی الحسن موسی(علیه السلام) قال: یقال للمؤمن فی قبره من ربک قال فیقول: الله، فیقال له ما دینک فیقول الإسلام، فیقال من نبیک فیقول مُحمَّد(صلی الله علیه و آله)، فیقال من إمامک فیقول فلان، فیقال کیف علمت بذلک، فیقول أمر هدانی الله له

ص:231


1- (1) الکافی ج3 کتاب الجنائز /ب المسأئلة فی القبر وفیمن یسئل ومن لایسئل/ ح2ص237.

وثبّتنی علیه، فیقال: نم نومة لا حلم فیها نومة العروس ثم یفتح له باب إلی الجنة فیدخل علیه من روحها وریحانها الحدیث، وفی ذیلها ذکر عکس ذلک فی الکافر(1).

وروی أیضاً بسنده عن أبی بصیر عن أبی عبدالله(علیه السلام) -

(فی حدیث عن المؤمن إذا وضع فی قبره وعن منکر ونکیر) - ویسئلانه فیقولان له من ربک فیقول الله، فیقولان ما دینک فیقول الإسلام، فیقولان ومن نبیک، فیقول مُحمَّد(صلی الله علیه و آله)، فیقولان فمن إمامک فیقول فلان، فینادی مناد من السماء صدق عبدی افرشوا له فی قبره من الجنة، وافتحوا له فی قبره باباً إلی الجنة وألبسوه من ثیاب الجنة حتی یأتینا، وما عندنا خیر له، ثم یقال له نم نومة عروس نم نومة لا حلم فیها.

قال وإن کان کافراً... ثم یدخل علیه ملکا القبر ... فیقولان له من ربک فیتلجلج ویقول قد سمعت الناس یقولون فیقولان له لا دریت ویقولان له ما دینک فیتلجلج فیقولان له لا دریت ویقولان له من نبیک فیقول قد سمعت الناس یقولون، فیقولان له لا دریت ویسأل عن إمام زمانه، قال وینادی مناد من السماء کذب عبدی افرشوا له فی قبره من النار وألبسوه من ثیاب النار وافتحوا له باباً إلی النار حتی یأتینا وما عندنا شرٌّ له فیضربانه بمرزبة» الحدیث(2).

هذا والحاصل أن مقتضی اتحاد عنوان ووصف من محض الإیمان ومحض الکفر فی مسائلة القبر، وفی من یرجع فی الرجعة أی فی نصفها

ص:232


1- (1) الکافی الجلد 3/کتاب الجنائز /ب المسائلة فی القبر/ح11 ص238.
2- (2) الکافی /مجلد 3 ص239ب المسائلة فی القبر ح3 .

الأول هو اتحاد المعنی المراد من هذا العنوان والوصف.

وقد مرّ سرّ ووجه اتحاد من یُسائل فی القبر والذی یرجع فی الرجعة، وهذا الاتحاد کاشف عن أن من تکامل فی طریق الخیر أو تردی فی طریق الشر هو الذی یسائل فی القبر وهو الذی یکون له استعداد وقابلیة للرجوع أو للمسائلة فیه فی أوائل الرجعة دون المستضعفین والبله ونحوهم.

وهو مما یدعم إستعمال محض الایمان فی أصل الایمان لا فی أعلی مراتبه الکاملة.

سر سبق من محض الإیمان أو محض الکفر علی المستضعفین فی الرجعة:

والظاهر أن سببه هو وصول من محض إلی الکمال المستعد لمسیر کمال الرجعة أو کمال المحاسبة والمسائلة فیها، بخلاف المستضعف، فهو لا زال فی حالة تطور وتدرج قبل أن یستوی لقبول کمال الرجعة، أو لقبول المحاسبة والمسائلة فیها علی کلا التأویلین فی اختصاصها، والظاهر أن هذا هو تفسیر اختصاص المساءلة فی القبر بمن محض دون المستضعفین.

ص:233

ص:234

المحطة الرابعة: قائمة أسماء من یکر من أهل الخیر وأهل الشر
اشارة

1 - قد وردت الروایات المستفیضة بنظم وتنظیم خاص فی نظام مراحل الرجعة ومن یرجع، والطابع العام فی الرجعة یأخذ منحی التفویج، کما أشار إلی ذلک أئمة أهل البیت(علیهم السلام) فی قوله تعالی یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً (1)، وظاهر الآیة کما أشیر فی الروایات یقتضی التفویج، کطابع عام فی غالب الرجعة، أی إلی قریب أواخرها.

2 - کما أن هناک طابعاً عاماً أیضاً فی الرجعة بیّنوا معالمه(علیهم السلام)، وهو ما فی قوله تعالی: یَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ (2).

فقد روی البرقی فی الصحیح عن یعقوب بن شعیب قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): یوم ندعوا کل أناس بإمامهم، فقال:

«ندعوا کل قرن من هذه الأمة

ص:235


1- (1) سورة النمل 83
2- (2) سورة الاسراء 71

بإمامهم» قلت: فیجیء رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی قرنه، وعلی(علیه السلام) فی قرنه، والحسن(علیه السلام) فی قرنه، والحسین(علیه السلام) فی قرنه، وکل إمام فی قرنه الذی هلک بین أظهرهم؟ فقال: نعم »(1).

وهذا الصحیح ناصّ علی أنَّ للنبی رجعتین إحداهما هی التی أشار إلیه الصحیح وهی رجوعه(صلی الله علیه و آله) مع من کان فی قرنه لا مع عامّة الناس، والثانیة بضمیمة ما استفاض من رجوعه(صلی الله علیه و آله) آخر الرجعة ومعه جمیع الأئمة الاثنی عشر وفاطمة وجمیع البشر.

ثم إنَّ هناک قائمة بمن یرجع من أهل الخیر وأئمة الهدی، کما أن هناک قائمة بمن یرجع من أهل الشر وأئمة الضلال والکفر.

فأما أئمة الهدی فالعترة من آل محمد(صلی الله علیه و آله).

3 - فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن المعلی بن خنیس وزید الشحام عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: سمعناه یقول: إنَّ أوَّل من یکر فی الرجعة الحسین بن علی ویمکث فی الأرض أربعین سنة حتی یسقط حاجباه علی عینیه(2).

4 - وروی سعد أیضاً - بسند صحیح أعلائی فی الصحة - عن محمد بن مسلم، قال: سمعت حمران بن أعین وأبا الخطاب یحدثان جمیعاً - قبل أن

ص:236


1- (1) محاسن البرقی /1:144کتاب الصفوة والنور/ب12ح44.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات / باب الکرات ح4/58.

یحدث أبو الخطاب ما أحدث - أنهما سمعا أبا عبدالله(علیه السلام)یقول: أول من تنشق الأرض عنه ویرجع إلی الدنیا الحسین بن علی(علیه السلام) الحدیث(1).

وغیرها من الأحادیث المستفیضة فی أن أول من یرجع الحسین(علیه السلام).

والمراد من الأولیة هنا، هو أنه أول من یرجع من أئمة أهل البیت(علیهم السلام)، وستأتی جملة من الروایات أن الحسین(علیه السلام) یرجع والمهدی(علیه السلام) حیّ، أی أن رجوعه فی أواخر عمر المهدی الحجة بن الحسن العسکری(عج) قبل استشهاده، فیعّرف الإمام المهدی(علیه السلام) الناس بأن الحسین سبط النبی وسید الشهداء الذی یؤمنون به هو هذا قد رجع الی الدنیا، حتی تستقر معرفة الناس به، ثم یستشهد الإمام المهدی الحجة بن الحسن العسکری(عج).

وأما بالنسبة لسائر عموم الناس، فإن أول من یرجع هم من یرجعون من المؤمنین الشیعة قبیل الظهور بین شهر جمادی ورجب.

وأما ثانی الأئمة(علیهم السلام) رجوعاً فهو أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام) ، ویوافق رجوعه أواخر رجعة الحسین(علیه السلام)، وفی الروایات المستفیضة أن أکثر من یرجع من الأئمة(علیهم السلام) فی الرجعة، أی یرجع ثم یموت ثم یرجع ثم یموت.. وهکذا هو علی بن أبی طالب(علیه السلام)، فهو صاحب الکرات والرجعات، وهو من یقیم الدول الکثیرة فی الرجعة، بل یقیم أعظم الدول تدویلاً بین أئمة أهل البیت الاثنی عشر(علیهم السلام)، فهو صاحب دولة الدول، کما

ص:237


1- (1) مختصر بصائر الدرجات / باب الکرات /ح23/77.

ستأتی الروایات فی ذلک.

نعم أعظم دولة تقام فی الرجعة علی الإطلاق، وهی آخر دولة فی الرجعة، هی دولة الرسول(صلی الله علیه و آله) وخلیفته أمیر المؤمنین(علیه السلام)، ویکون بقیة الأئمة الأحد عشر(علیهم السلام) معه أعوان ووزراء.

5 - فقد روی سعد بن عبدالله فی الصحیح عن بکیر بن أعین قال: قال لی من لا شک فیه یعنی أبا جعفر(علیه السلام): «

إن رسول الله(صلی الله علیه و آله) وعلیاً(علیه السلام) سیرجعان»(1).

6 - وروی أیضاً فی المصحح عن أبان بن تغلب عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی حدیث

عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) - فی قتال علی لکفار قریش فی الرجعة لمن کفر منهم بعد رسول الله(صلی الله علیه و آله) - إن جبرئیل قال لرسول الله(صلی الله علیه و آله) واحدة لک واثنتان لعلی بن أبی طالب وموعدکم السلام، قال أبان: جعلت فداک وأین السلام، قال: یا أبان السلام من ظهر الکوفة»(2).

وسیأتی فی الباب الرابع أن الکوفة مرکز وعاصمة لدولة الإمام المهدی(علیه السلام) ،وعاصمة لکل دول أئمة أهل البیت(علیهم السلام) ،وعاصمة لدولة الرسول(صلی الله علیه و آله).

بَلْ قَدْ روی أیضاً أن کل إمام عندما یرجع یرجع معه طاغوت عصره وقاتله فتدور رحی المواجهة وینتقم لکل إمام من ذلک الطاغوت.

ص:238


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /باب الکرات ح 78 /24.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات / ب الکرات/ح9/63.

7 - فقد روی العیاشی فی تفسیره عن رفاعة بن مسلم قال: قال أبو عبدالله(علیه السلام): إنَّ أوَّل من یکر إلی الدنیا الحسین بن علی(علیه السلام) وأصحابه ویزید بن معاویة (لع) وأصحابه فیقتلهم حذو القذة بالقذة ثم قال أبو عبدالله(علیه السلام): ثم رددنا لکم الکرة علیهم وأمددناکم بأموال وبنین وجعلناکم أکثر نفیراً(1).

8 - وروی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن جابر بن یزید الجعفی عن أبی جعفر(علیه السلام) فی حدیث عن الرجعة، قال(علیه السلام) : وقوله تعالی: یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ یعنی بذلک محمد(صلی الله علیه و آله) وقیامه فی الرجعة ینذر فیها وقوله تعالی: إِنَّها لَإِحْدَی الْکُبَرِ * نَذِیراً لِلْبَشَرِ یعنی محمد(صلی الله علیه و آله) نذیراً للبشر فی الرجعة، وقوله تعالی: هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ قال:

«یظهره الله عَزَّ وَجَلَّ فی الرجعة »، وقوله تعالی: حَتّی إِذا فَتَحْنا عَلَیْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِیدٍ

«هو علی بن أبی طالب(علیه السلام) إذا رجع فی الرجعة»، قال جابر: قال أبو جعفر:

«قال أمیرالمؤمنین صلوات الله علیه فی قول الله عَزَّ وَجَلَّ» رُبَما یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کانُوا مُسْلِمِینَ قال: هو أنا إذا خرجت أنا وشیعتی، وخرج عثمان بن عفان وشیعته ونقتل بنی أمیة، فعندها یود الذین کفروا لو کانوا مسلمین(2).

9 - وفی المختصر عن أبی عبدالله(علیه السلام) سئل عن الرجعة أحق هی قال:

ص:239


1- (1) تفسیر العیاشی ذیل آیة الاسراء مجلد/2:282.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات /باب الکرات ح1/55.

نعم، فقیل له: من أول من یخرج؟ قال:

«الحسین(علیه السلام) یخرج علی أثر القائم(علیه السلام)، فقلت: معه الناس کلهم؟ قال:لا، بل کما ذکره الله تعالی فی کتابه: یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً

(1) قوماً بعد قوم »(2).

وظاهرهذه الروایة ناظر إلی أغلب مراحل الرجعة من الابتداء إلی ما قبل أواخر الرجعة، وأن الطبیعة العامة للرجعة هی التفویج، أی بأفواج بعد أفواج .

10 - وروی فی مختصر بصائر الدرجات عن أبی عبد الله(علیه السلام) : (ویقبل الحسین فی أصحابه الذین قتلوا معه ومعه سبعون نبیاً کما بعثوا مع موسی بن عمران(علیه السلام) فیدفع إلیه القائم(عج) الخاتم

(فیلقاه الموت) فیکون الحسین(علیه السلام) هو الذی یلی غسله وکفنه وحنوطه ویواری به حفرته)(3).

وسیأتی فی معنی الروایة أحتمال إرادة أنّ السبعین من أصحابه الذین قتلوا معه یبعثون أنبیاء معه کما بُعث الذین أختارهم موسی(علیه السلام) من قومه سبعین رجلاً لمیقات الله، فلما ماتوا احیاهم الله مرة اخری وبعثوا فی رجعتهم، ورجوعهم إلی الدنیا مرة أخری أنبیاء، وقد ورد - فی شان السبعین من أصحاب موسی(علیه السلام) وأنهم رجعوا وبعثوا إلی دار الدنیا مرة أخری أنبیاء - روایات مستفیضة قد ذکر جملة منها الحر العاملی فی کتابه

ص:240


1- (1) سورة النبأ: الآیة 18.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات /ح42/142.
3- (3) مختصر بصائر الدرجات /ح43/143.

(الایقاظ)، وکاف التشبیه فی الروایة ظاهرة فی الاشارة إلی ذلک کما فی جملة زیارات سید الشهداء فی الفقرات التی تخص التسلیم علی الشهداء إشارات عدیدة بصیرورتهم ربانیین صدیقین.

11 - وروی الشیخ الطوسی فی الغیبة والمفید فی الاختصاص عن جابر قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) یقول:

«لیملکن رجل منا أهل البیت بعد موته ثلاثمائة سنة ویزداد تسعاً » قال: فقلت: فمتی یکون ذلک؟ قال فقال: بعد موت القائم... ، ثم یخرج المنتصر إلی الدنیا فیطلب بدمه ودماء أصحابه فیقتل ویسبی...، فإذا اشتد البلاء علیه وقتل المنتصر، خرج السفاح إلی الدنیا غضباً للمنتصر فیقتل کل عدو لنا ، وهل تدری من المنتصر ومن السفاح یا جابر؟ المنتصر الحسین بن علی والسفاح علی بن أبی طالب»(1).

ویفهم من هذه الروایات وهی نبذة یسیرة مما ورد فی أوائل الرجعة أن الرجعة متصلة بظهورالمهدی الحجة بن الحسن العسکری(عج) بلْ متشابکة معه ثم یرجع أول من یرجع من أئمة أهل البیت(علیهم السلام) الحسین(علیه السلام) ثم أمیرالمؤمنین(علیه السلام) وآخرهم رجوعاً فی أواخر الرجعة سید الرسل(صلی الله علیه و آله) ، أی فی رجعته الثانیة، وأمَّا رجعته الأولی فهی مع من کان فی قرنه أیضاً کما مرَّ فی صحیح یعقوب بن شعیب، وأنَّ لکل إمام منهم(علیهم السلام) دولة عدل یقیمها.

ص:241


1- (1) الاختصاص ص275 والغیبة للطوسی ص478 ح505. والعیاشی ج2 ص326 ح24 ومختصر بصائر الدرجات ح45/145 .

12 - وروی فی مختصر بصائر الدرجات فی المصحح عن قیصر ابن أبی شیبة سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) یقول فی هذه الآیة: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِیثاقَ النَّبِیِّینَ لَما آتَیْتُکُمْ مِنْ کِتابٍ وَ حِکْمَةٍ ثُمَّ جاءَکُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قال: لیؤمنن برسول الله(صلی الله علیه و آله) ولینصرن أمیر المؤمنین علیاً(علیه السلام)، قال: نعم والله من لدن آدم وهلم جرّا ، فلم یبعث الله نبیاً ولا رسولاً إلّا ردّ جمیعهم إلی الدنیا حتی یقاتلون بین یدی علی بن أبی طالب أمیر المؤمنین(علیه السلام)(1).

وأما جدول قائمة رجعة الشر وأهل الشرور فقد عرفت أنَّ کل إمام من أئمة أهل البیت(علیهم السلام)، بلْ وکذلک رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی رجعته الأولی عندما یرجع فإنه یرجع معه طاغوت زمانه وأنصار کل منهم، لیدیل الله الحق علی الباطل کرة وجولة للحق.

رجعة إبلیس والشیاطین والجن

1 - کما أن هناک ما یدل علی أن لإبلیس اللعین رجعة أو رجعات، فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن عبد الکریم بن عمرو الخثعمی سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) یقول: «

إن إبلیس قال رَبِّ فَأَنْظِرْنِی إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ

فأبی الله ذلک علیه وقال فَإِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ إِلی یَوْمِ

ص:242


1- (1) مختصر بصائر الدرجات باب الکرات ح32/86وح93/431 وح17/117 ورواه العیاشی فی ج1 ص181 ح76.

الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ

فإذا کان یوم الوقت المعلوم ظهر إبلیس فی جمیع أشیاعه منذ خلق الله آدم إلی یوم الوقت المعلوم وهی آخر کرة یکرها أمیر المؤمنین(علیه السلام) فقلت: وإنها لکرات؟ قال: نعم، إنها لکرات وکرات، ما من إمام فی قرن إلّا ویکر معه البر والفاجر فی دهره حتی یدیل الله عَزَّ وَجَلَّ المؤمن من الکافر، فإذا کان یوم الوقت المعلوم کرّ أمیُر المؤمنین صلوات الله علیه فی أصحابه وجاء إبلیس فی أصحابه، ویکون میقاتهم فی ارض من أراضی الفرات یقال لها الروحاء قریب من کوفتکم فیقتتلون قتالاً لم یُقتتل مثله قط منذ خلق الله عَزَّ وَجَلَّ العالمین...»(1).

وقوله(علیه السلام)

«ظهر أبلیس لعنه الله فی جمیع أشیاعه منذ خلق الله آدم الی یوم الوقت المعلوم» دالّ علی رجوع جمیع أهل الشر والأشرار منذ زمن آدم الی أواخر الرجعة، وفیه دلالة أیضا علی عموم الرجعة.

وفی ذیل الروایة هبوط رسول الله(صلی الله علیه و آله) فیلاحق إبلیس فیطعنه طعنة بین کتفیه فیکون هلاکه وهلاک جمیع أشیاعه، فعند ذلک یُعبد الله عَزَّ وَجَلَّ ولا یُشرک به شیئاً.

وتقریب دلالة هذهِ الروایة أنَّه قدْ وَرَدَ أیضا أنَّ القائم المهدی الحجة بن الحسن العسکری(عج) هو الذی یقتل إبلیس فی مسجد سهیل (السهلة فی الکوفة) کما سیأتی.

ووَرَدَ ثالثاً أیضاً أن أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی أحد کراته یقتل إبلیس کما

ص:243


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /ح37/91 باب الکرات.

سیأتی.

فیظهر من مجموع الروایات مع هذه الروایة، أن لإبلیس قتلات ورجعات، آخرها هو فی آخرالرجعة، وقد مرّ رجوع عثمان وأشیاعه لمقاتلة أمیر المؤمنین(علیه السلام) کما فی قوله(علیه السلام):

«ظهر إبلیس فی جمیع أشیاعه إلی یوم الوقت المعلوم» ودال علی رجوع کل الشیاطین الاشرارمن الأنس والجن من أعوان إبلیس اللعین.

2 - روی الصدوق بسنده المعتبر عن عبدالعظیم بن عبدالله الحسینی قال: سمعت أبا الحسن علی بن محمد العسکری یقول: معنی الرجیم أنه مرجوم باللعن مطرود من مواضع الخیر لا یذکره مؤمن إلّا لعنه، وأن فی علم الله السابق أنه إذا خرج القائم لا یبقی مؤمن فی زمانه إلّا رجمه بالحجارة، کما کان قبل ذلک مرجوماً باللعن(1).

وظاهر الخبر أنه یقتل بالرجم فی زمان ظهور المهدی(عج).

3 - وروی فی الأنوار المضیئة للسید علی بن السید عبدالحمید أن القائم(عج) یقتل إبلیس یوم الوقت المعلوم یجثو إبلیس علی رکبته فی المسجد فیأخذ بناصیته ویضرب عنقه.

وجمعه مع ما ورد من قتل الرسول(صلی الله علیه و آله) لإبلیس هو بحصول الرجعة لإبلیس.

ص:244


1- (1) معانی الاخبار ص139ح1.

4 - روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن خالد بن یحیی عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی حدیث سأل فیه عن قول الرسول(صلی الله علیه و آله):

«اتقوا دعوة سعد» أی سعد بن أبی وقاص، قال(علیه السلام): نعم قلت: وکیف ذلک قال

:«إن سعداً أی ابن أبی وقاص یکر فیقاتل علیاً»(1).

5 - ویظهر من بعض الروایات أن للدجال أیضاً رجعة، فقد روی الشیخ الطوسی فی مجالسه (أمالیه) بإسناده عن حذیفة بن أسید عن أبی ذر، أنه سمع النبی(صلی الله علیه و آله) یقول:

«من قاتلنی فی الأولی وقاتل أهل بیتی فی الثانیة حشره الله فی الثالثة مع الدجال [فهو فیها من شیعة الدجال]»(2). ویظهر أن الدجال بعد أن یقتل یرجع رجعة إلی الدنیا مرة أخری

6 - نعم استثنی من الرجعة کل قوم أهلکهم الله بالعذاب.

فقد روی القمی فی تفسیره فی الصحیح عن حماد عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی ذیل قوله تعالی: وَ حَرامٌ عَلی قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ فقال الصادق(علیه السلام):

«کل قریة أهلک الله أهلها بالعذاب ومحضوا الکفر محضاً لا یرجعون فی الرجعة، وأما فی القیامة فیرجعون، أما غیرهم ممن لم یهلکوا بالعذاب

ص:245


1- (1) مختصر بصائر الدرجات باب الکرات/46/100، وتفسیر القمی /مجلد 1ص290: بصائر الدرجات للصفار: 14/442.
2- (2) آمالی الشیخ الطوسی: المجلس /2ح57/88، ورواه بطریق اخر المجلس /16 ح23/1026، ورواه الطبری فی بشارة المصطفی بسنده عن الشیخ سؤال 88، ورواه فی البحار عن مصادر الجمهور عن الخرکوشی فی اللوامع /322: 32.

ومحضوا الإیمان محضاً أو محضوا الکفر محضاً یرجعون»(1).

7 - ووَرَدَ فی رجوع عائشة، عن عبد الرحیم القصیر، قال: قال لی أبو جعفر(علیه السلام):

«أما لو قد قام قائمنا لقد ردت إلیه الحمیراء، حتی یجلدها الحد، وحتی ینتقم لابنة محمد فاطمة(علیهاالسلام) منها، قلت جعلت فداک ولم تجلد الحد قال لفریتها علی أم ابراهیم، قلت فکیف أخَّره الله عَزَّ وَجَلَّ للقائم؟ إنَّ الله بعث محمداً(صلی الله علیه و آله) رحمة ویبعث القائم(علیه السلام) نقمة »(2).

ص:246


1- (1) تفسیر القمی/1:42ونظیره رواه فی موضع آخر فی تفسیره عن محمد بن مسلم /2:75.
2- (2) محاسن البرقی: ح126ج2 ص339، علل الشرائع/ باب 385ح10 المجلد/2 ص579 وأیضاً مختصر بصائر الدرجات نقلاً عن علل الشرائع ح/:53/564.
المحطة الخامسة:مرحلة خروج دابة الأرض وما بعده

إنَّ مرحلة خروج الدابة ملحمة کبیرة فی الرجعة أشار إلیها القرآن الکریم فی قوله تعالی: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ کانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ * وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ (1).

والاعتقاد بخروج دابة الأرض کآیة إلهیة تحدث فی آخر الزمان عقیدة متأصلة بین جمیع المسلمین، مع کونها فصلاً مهماً فی فصول الرجعة.

وسیأتی البحث فیها مفصلاً إلّا أننا نشیر إلی بعض ما یرتبط بهذه المرحلة وما بعدها تبیاناً لجدولة مراحل الرجعة.

ص:247


1- (1) سورة النمل 82 ،83

فقد روی نعیم بن حماد فی کتاب الفتن(1) فی ذیل الآیة من سورة النمل أن ذلک أیّ - خروج الدابة - حین لا یأمرون بمعروف ولا ینهون عن منکر، أی أن ظهور الدابة عند عدم تناهی الناس عن المنکروعدم أمرهم بالمعروف، وهذه الظاهرة تقع فی أواسط الرجعة.

کما قد ورد عن مرحلة ما بعد الدابة إلی أواخر الرجعة فی روایة الصدوق فی إکمال الدین الواردة فی الدجال عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی حدیث قال(علیه السلام):

«ولا تسألونی عما یکون بعد ذلک - أی بعد طامة الدابة فی الرجعة - فإنه عهد إلیّ حبیبی رسول الله(صلی الله علیه و آله) أن لا أخبر به غیر عترتی»(2).

وروی نعیم بن حماد بإسناده عن حذیفة فی کتاب الفتن أیضاً وتخرج الدابة والآیات بعد عیسی(علیه السلام) بسبعة أشهر(3)، وهذا التحدید لم نقف علیه من طرقنا.

وروی فی إرشاد القلوب:

(وتطلع الشمس من مغربها وتخرج الدابة، ویظهر الدجال، وینتشر یأجوج ومأجوج، وینزل عیسی بن مریم(علیه السلام)(4).

والظاهر أن الترتیب إما من الراوی أو المراد مطلق السرد من دون بیان الترتیب، وذلک لأن هذه العلامات ونحوها وردت فی روایات الفریقین

ص:248


1- (1) کتاب الفتن لنعیم بن حماد المروزی/ص404/باب خروج الدابة.
2- (2) إکمال الدین للصدوق/ص77، الخرائج والجرائح/ج3ص1137.
3- (3) کتاب الفتن لنعیم بن حماد المروزی /ص405باب خروج الدابة .
4- (4) إرشاد القلوب للدیلمی ج1/ص66باب 16أشراط الساعة وأهوالها.

کعلامات للساعة، والساعة کما سیأتی فی الباب الثالث تطلق تارة علی ساعة ظهور صاحب الأمر(عج)، وثانیة تطلق علی رجعة الأئمة(علیهم السلام) ، وثالثة تطلق علی خروج الدابة، والآیات الکونیة المهولة التی هی مراحل خطیرة من الرجعة، ورابعة تطلق علی القیامة الکبری کما أنَّ لفظة وعنوان القیامة هی الأخری تطلق علی هذه المواطن أیضاً، وخامسة تطلق أیضاً علی موت الإنسان کما ورد ( إذا مات ابن آدم قامت قیامته) .

وأمَّا توقیت خروج یأجوج ومأجوج فیحتاج إلی مزید من التتبع فی بیانات الروایات، وسیأتی مزید بحث عن أن من أسماء الرجعة وعناوینها (ظهور وخروج الآیات)، وهذا الاسم والعنوان لها ورد فی قوله تعالی: هَلْ یَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِیَهُمُ الْمَلائِکَةُ أَوْ یَأْتِیَ رَبُّکَ أَوْ یَأْتِیَ بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً (1)، وقوله تعالی: سَیُرِیکُمْ آیاتِهِ فَتَعْرِفُونَها (2) وقوله تعالی: قُلْ إِنَّمَا الْآیاتُ عِنْدَ اللّهِ وَ ما یُشْعِرُکُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا یُؤْمِنُونَ (3)، سیأتی فی الباب الثانی أن الرجعة مرویة بنحو متواتر فی روایات العامة، ولکن بأسماء جملة من فصولها ومراحلها کخروج الدابة وظهور الآیات وغیرها من المفاصل والمراحل الخطیرة فی الرجعة.

ص:249


1- (1) سورة الأنعام 158.
2- (2) سورة النمل 93.
3- (3) سورة الأنعام 109.

روی نعیم بن حماد فی کتاب الملاحم والفتن حول الأحداث التی تقع بعد خروج الدابة

«... ویلد المؤمن فلا یموت حتی یتم أربعین سنة بعد خروج دابة الأرض ثم یعود فیهم الموت فیمکثون بذلک (أی فی البرزخ أو نحوه) ما شاء الله ثم یسرع الموت فی المؤمنین، فلا یبقی مؤمن فیقول الکافر قد کنا مرعوبین من المؤمنین فلم یبقی منهم أحد، ولیس یفقد منا میت فما لنا لا نتهارج فیتهارجون فی الطریق تهارج البهائم، ثم یقوم أحدهم بأمه وأخته وابنته فینکحها فی وسط الطریق یقوم عنها واحد وینزل علیها آخر لا ینکر ولا یغیر فأفضلهم من یقول لو تنحیتم عن الطریق کان أحسن، فیکون بذلک لا یبقی أحد من أولاد النکاح یومئذ، ویکون جمیع أهل الأرض من أولاد السفاح، فیمکثون بذلک ما شاء الله، ثم یعقم الله أرحام النساء ثلاثین سنة فلا تلد امرأة ولا یکون فی الأرض طفل یکونون کلهم أولاد الزنا شرار الناس وعلیهم تقوم الساعة(1).

وروی السید ابن طاووس فی سرور أهل الإیمان فی حدیث عن بقاء أهل الروم ودولتهم إلی وقت خروج الدابة

«... وینادی مناد من ناحیة المشرق...ومن الغد تتلون الشمس وتصفر فتصیرسوداء مظلمة ویوم الثالث یفرق الله بین الحق والباطل وتخرج دابة الأرض وتقبل الروم إلی ساحل البحر عند کهف الفتیة فیبعث الله الفتیة»(2)ویحتمل قویا أن العطف غیر ترتیبی فی الروایة أوالخطأوالوهم من الراوی.

ص:250


1- (1) کتاب الفتن / للمروزی باب خروج الدابة ص402.
2- (2) البحار /ج52 ص272ح/167.
المحطة السادسة: رجعة الحیوان

ویُشیر إلی رجعة الحیوان قوله تعالی فی قصة عزیر: أَوْ کَالَّذِی مَرَّ عَلی قَرْیَةٍ وَ هِیَ خاوِیَةٌ عَلی عُرُوشِها قالَ أَنّی یُحْیِی هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ کَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلی طَعامِکَ وَ شَرابِکَ لَمْ یَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلی حِمارِکَ وَ لِنَجْعَلَکَ آیَةً لِلنّاسِ وَ انْظُرْ إِلَی الْعِظامِ کَیْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَکْسُوها لَحْماً فَلَمّا تَبَیَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ (1).

وفی الآیة دلالة واضحة علی إحیاء الحیوان وهو الحمار بعد إماتته وهو حمار عزیر.

وکذا قوله تعالی : وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (2)، وإنْ کان للآیة عدة تأویلات صحیحة منصوصة، لما سیأتی من أن وقوع الحشر یتکررعدة

ص:251


1- (1) سورة البقرة: الآیة 259 .
2- (2) سورة التکویر: الآیة 5.

مرات فی الرجعة زیادة قبل وقوع حشر القیامة الکبری، وعلی أی تقدیر فالآیة الأولی ناصّة علی المطلوب، وکذلک الشأن فی کلب أصحاب الکهف وَ کَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَیْهِ بِالْوَصِیدِ وقدْ مرَّ أنَّ الحیوانات المأکولة فی الرجعة یأکلها المؤمن فیحییها مرة أُخری، وکذلک الطیور التی أحیاهن النبی إبراهیم فی سورة البقرة.

ص:252

المحطة السابعة: أواخر الرجعة

فقد روی المجلسی فی البحار عن بعض مؤلفات أصحابنا عن الخصیبی صاحب الهدایة الکبری بسند متصل ذکره فی البحار عن المفضل بن عمر عن أبی عبدالله فی حدیث طویل عن الظهور والرجعة قال فیه ... : (ثم یخرج الصدیق الأکبر أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام)، وینصب له القبة بالنجف، ویقام أرکانها رکن بالنجف ورکن بهجر ورکن بصنعاء ورکن بأرض طیبة لکأنی أنظر إلی مصابیح تشرق فی السماء والأرض کأضوأ من الشمس والقمر فعندها تُبْلَی السَّرائِرُ و یَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ کُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ کُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَ تَرَی النّاسَ سُکاری وَ ما هُمْ بِسُکاری وَ لکِنَّ عَذابَ اللّهِ شَدِیدٌ . ثم یخرج السید الأکبر محمد رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی أنصاره ومن آمن به وصدقه واستشهد معه، ویحضر مکذبوه والشاکون فیه والرادون علیه والقائلون فیه إنَّه ساحر

ص:253

وکاهن ومجنون وناطق عن الهوی ومن حاربه وقاتله، حتّی یقتص منهم بالحق ویجازون بأفعالهم منذ وقت ظهور رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلی ظهور المهدی(عج) مع إمام إمام ووقت ووقت ویحق تأویل هذه الآیة وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ * وَ نُمَکِّنَ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَ نُرِیَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما کانُوا یَحْذَرُونَ (1).

قال المفضل: یا سیدی ومن فرعون وهامان قال: أبو بکر وعمر، قال المفضل یا سیدی ورسول الله وأمیر المؤمنین صلوات الله علیهما یکونان معه(2) فقال: لابدَّ أن یطأ الأرض إی والله حتی ما وراء الخاف(3) ) إی والله وما فی الظلمات وما فی قعر البحار حتی لا یبقی موضع قدم إلّا وطیاه وأقام فیه الدین الواجب لله تعالی ثم لکأنی أنظر - یا مفضل إلینا معاشر الأئمة بین یدی رسول الله(صلی الله علیه و آله) نشکو إلیه ما نزل بنا من الأمة بعده وما نالنا من التکذیب والرد علینا وسبینا ولعننا وتخویفنا بالقتل وقصد طواغیتهم الولاة لأمورهم من دون الأمة بترحیلنا عن الحرمة(4) إلی دار ملکهم وقتلهم إیانا بالسم والحبس. فیبکی رسول الله(صلی الله علیه و آله) ویقول: یا بنیّ ما نزل بکم إلّا ما نزل بجدکم قبلکم، ثم تبتدیء فاطمة(علیهاالسلام) وتشکو ما نالها من

ص:254


1- (1) سورة القصص: الآیة 5 و 6.
2- (2) لعل الأصح: معاً.
3- (3) والاصح ظاهرا (القاف) والظاهر أنه أشتباه من الناسخ.
4- (4) لعل الاصح فی النسخ (الحرم).

أبی بکر وعمر - ... الحدیث(1).

ولا یخفی أنَّ هذهِ الروایة هی الأُخری یمکن أن نستظهر منها رجعتین لرسول الله(صلی الله علیه و آله)، أولی مع من کان فی رقنه، وثانیة مع جمیع الناس کما مرَّ فی صریح صحیح یعقوب بن شعیب.

وروی الشیخ الطوسی فی أمالیه وسعد بن عبدالله فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن بریدة الأسلمی عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله):

«یا علی إن الله أشهدک معی فی سبع مواطن ... إلی أن قال: الموطن السابع نبقی حتی لا یبقی أحد وهلاک الأحزاب بأیدینا»(2).

ص:255


1- (1) الهدایة الکبری للخصیبی/407/392 باب/14، الامام المهدی، بحار الانوار /مجلد53ص16، مختصر بصائر الدرجات ح5/516 وهو من الاحادیث التی أضافها الحسن بن سلیمان الحلی الی ما اختصره من بصائر الدرجات وقد رواه عن کتاب عن الحسین بن حمدان.
2- (2) آمالی الطوسی: ص21/641 وأیضاً مختصر بصائر الدرجات / ح209 /49 ص257.

ص:256

الفصل الخامس:موقعیة الرجعة

فی العقیدة والإیمان

ص:257

ص:258

الفصل الخامس:موقعیة الرجعة فی العقیدة والإیمان

قال الحر العاملی فی الباب الثانی من کتاب الإیقاظ من الهجعة: (الأمر الثامن): إنّا مأمورون بالإقرار بالرجعة واعتقادها وتجدید الاعتراف بها فی الأدعیة والزیارات ویوم الجمعة، وکلّ وقت کما أنّا مأمورون بالإقرار فی کثیر من الأوقات بالتوحید والنبوّة والإمامة والقیامة، وکلّ ما کان کذلک فهو حقّ، والصغری ثابتة بالنقل المتواتر الآتی، والکبری بدیهیة فالرجعة حقّ (1).

وفی هذا النصّ - للحر العاملی - تکمن حقیقة موقعیة الرجعة فی العقیدة، وتعتبر هذه العبارة من الحرّ العاملی فتح فی مسألة الرجعة بصورة خاصة والعقائد بصورة عامّة، وهذه العبارة ناظرة إلی أمور ثلاثة:

ص:259


1- (1) الإیقاظ من الهجة بالبرهان علی الرجعة :ص 88.

الأمر الأول: الإقرار بالرجعة.

الأمر الثانی: الإعتقاد بها.

الأمر الثالث: تجدید الاعتراف بها فی الأدعیة والزیارات ویوم الجمعة.

فهذا نصّ جامع ذکره الحر العاملی فی هذه المسألة الخطیرة ویشیر إلی عدم حصر الترکیز والأهمیة علی الجانب التنظیری الفکری فی الاعتقاد بها، بلْ لابدّ من الترکیز علی جانب التعلیم العملی، وهذا لابدّ فیه من الدیمومة والاستمراریة لذکرها فی کل آن، فجعل مسألة الرجعة المجمع الجامع لأصول الدین إذ فیها توحید ونبوّة وإمامة ومعاد.

فرکّز الحر العاملی علی أننا من جهة الرجعة مأمورون بذکرها ورداً، أی أن هناک أمرا واردا منهم(علیهم السلام) فی البین بأمور ثلاثة:

الإقرار باللسان، وهذا أمر مهم إذ لا یکتفی فی الإیمان بالاعتقاد القلبی دون اللسان فلابد من إظهار ذلک لساناً.

ثم الاعتقاد، أی عقد القلب علیها وهو لیس جانباً فکریاً فقط، بل تعایشاً عملیاً علمیاً معها.

ثم تجدید الإقرار بها کل یوم وفی کل ورد، و (تجدید فی عبارة الحر) فعل مضارع یدل علی الاستمرار، وهذا یحصل عبر الأدعیة والزیارات ویوم الجمعة، وهذه الموارد لیست علی سبیل الحصر، بل من باب أوضح المصادیق، ثم عقّبها ب-: (کل آن علیک تجدید الاعتراف الفعلی بمسألة

ص:260

الرجعة فی کل حین).

ثم إنّ هناک شواهداً روائیة لا بأس بذکرها:

1 - عن عبدالله بن جندب، قال: سألت أبا الحسن الماضی(علیه السلام) عما أقول فی سجدة الشکر فقد اختلف أصحابنا فیه؟ فقال:

«قل وأنت ساجد: اللهم إنی أشهدک وأشهد ملائکتک وأنبیاءک ورسلک وجمیع خلقک أنک الله ربی والإسلام دینی ومحمد نبیّی وعلیاً وفلاناً وفلاناً ... إلی آخرهم، أئمتی بهم أتولّی ومن عدوهم أتبرّأ، اللهمَّ إنی أنشدک دم المظلوم - ثلاثاً - اللهم إنی أنشدک بإیوائک علی نفسک لأولیائک لتظفرنهم بعدوک وعدوهم ان تصلی علی محمد وعلی المستحفظین من آل محمد»(1).

ویراد بالإیواء علی نفسه وعد الله تعالی فی قوله: وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئاً (2).

وقوله: «لتظفرنهم» متعلق بالإیواء، واللام جواب للقسم الذی فی معنی الإیواء.

فمفاد الحدیث إستحباب ذکر الرجعة فی سجدة الشکر لکل صلاة

ص:261


1- (1) الحدیث السابع الکافی:3 ، ص325 ، باب السجود والتسبیح والدعاء عشر.
2- (2) سورة ن : الآیة 55.

یومیة، والدعاء لتعجیل إنجاز الله لوعد الله برجعة وإرجاع أئمة أهل البیت لإقامة دولة العدل.

2 - وروی فی مصباح المتهجد الشیخ الطوسی فی التشهد الثانی: «بسم الله وبالله والأسماء الحسنی کلها لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله(صلی الله علیه و آله)، أرسله بالهدی ودین الحق لیظهره علی الدین کله ولو کره المشرکون»(1)، والدعاء لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ عنوانٌ للرجعة، حیث یتم فیها الوعد الإلهی، وقد ورد بذلک روایات مستفیضة، إلی غیر ذلک من الروایات الواردة فی التشهد، مما یدل علی الأمر بالتشهد والإقرار بالرجعة کجزء ندبی فی تشهد الصلاة یومیاً.

3 - ما ورد فی إستحباب التشهد والإقرار بالرجعة فی خطبتی صلاة الجمعة، کما فی صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر(علیه السلام) فی خطبة یوم الجمعة فی الخطبة الأولی:

«الحمد لله نحمده ونستعینه ... وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدی ودین الحق لیظهره علی الدین کله ولو کره المشرکون ...»(2)الحدیث.

4 - ما ورد من استحباب التشهد والاقرار بالعقائد الحقة فی الوصیة، فقد روی الصدوق فی الفقیه عن سلیم بن قیس الهلالی قال: شهدت وصیة

ص:262


1- (1) مصباح المتهجد للشیخ الطوسی: ص49 ،ح 65 / 38، فصل فی سیاقة الصلوات، من لایحضره الفقیه :ج1 ،ص 319،الحدیث 944.
2- (2) الکافی: ج3 ،ص423 .

علی بن ابی طالب(علیه السلام) حین أوصی لابنه الحسن :

«...بسم الله الرحمن الرحیم هذا ما أوصی به علی بن أبی طالب أنه یشهد أن لا إله الا الله وحده لاشریک له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدی ودین الحق لیظهره علی الدین کله ولو کره المشرکون صلی الله علیه واله ... الحدیث»(1) .

ومفاد هذه الروایات فی تشهد الوصیة وتشهد کل صلاة والتشهد فی خطبة الجمعة أن من کمال التشهد بالشهادتین التشهد والاقرار بالرجعة، فإن إظهار الدین وغلبته علی کافة الارجاء إنما یتحقق فی الرجعة، کما دلت علیه روایات مستفیضة ومتواترة.

5 - تعلیم أمیر المؤمنین(علیه السلام) لأهل الکوفة عقیدة الرجعة:

أ - وذلک عبر تکراره(علیه السلام) رجزاً محفوظاً یکرره فی خطبه وأندیته الشریفة کورد ذکری یُحفظ، فقد ورد فی روایات عدیدة أنَّه(علیه السلام) قد لقن أهل الکوفة هذا الرجز المعروف

«العجب کل العجب ما بین جمادی ورجب» حتی عاد ینشدها الأطفال فی سکک الکوفة وبقیت إلی زمان الإمام الباقر(علیه السلام)، حتی أن أبان بن تغلب سأل الباقر(علیه السلام)عن معنی هذه الأرجوزة التی ینشدها أطفال الکوفة.

ص:263


1- (1) من لا یحضره الفقیه /مجلد 4ص190ح5433، تهذیب الاحکام مجلد9 ص177 ح14/714.

وهذه الأرجوزة جُعلت فی روایات أهل البیت(علیهم السلام) عنواناً للرجعة ولرجعة المؤمنین قبیل ظهور المهدی(عج).

فقد روی المفید فی الإرشاد ومختصر بصائر الدرجات: أن رجلاً قال یا أمیر المؤمنین(علیه السلام) ماهذا العجب الذی لا تزال تعجب منه قال(علیه السلام):

«ثکلت الآخرُ أمه وأی عجب یکون أعجب من أموات یضربون هامات الأحیاء» قال: أنی یکون ذلک یا أمیر المؤمنین(علیه السلام) قال:

«والذی فلق الحب وبرأ النسمة کأنی أنظر إلیهم قد تخللوا سکک الکوفة وقد شهروا سیوفهم علی مناکبهم لیضربون کل عدو لله ولرسوله(صلی الله علیه و آله) وللمؤمنین وذلک قول الله عَزَّ وَجَلَّ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّهُ عَلَیْهِمْ قَدْ یَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ کَما یَئِسَ الْکُفّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ ... الحدیث(1).

وأشار(علیه السلام) فی هذه الروایة الی أن الجاحد أو المنکر للرجعة یائس من عود أصحاب القبور وهو کافر بالایمان وأن الایمان برجعة أصحاب القبور بمنزلة الإیمان بالمعاد الأکبر، لأنَّ الرجعة معاد أصغر کما قرر ذلک علماء الامامیة إستفادة من بیان الآیات والروایات .

وهذا العنوان والارجوزة أحد عناوین وأسماء الرجعة الشهیرة فی لسان الروایات.

ص:264


1- (1) مختصر بصائر الدرجات/ح 14/525من خطبة المخزون لأمیر المؤمنین*، الارشاد مجاد 1ص290، منتخب کنز العمال :ص34.

6 - وهناک عنوان ثان کرّره أمیر المؤمنین(علیه السلام) أیضاً علی المسلمین فی الکوفة ونبّههم إلیه وهو أنَّه مثل ذی القرنین، وقد روی ابن بابویه القمی فی الإمامة والتبصرة صحیح أبی بصیر عن أبی جعفر علیه(علیه السلام) قال:

«إن ذی القرنین لم یکن نبیاً، ولکن کان عبداً صالحاً أحب الله فأحبه الله وناصح لله وناصحه الله أمر قومه بتقوی الله فضربوه علی قرنه فغاب عنهم زماناً ثم رجع إلیهم فضربوه علی قرنه الآخر وفیکم من هوعلی سنته».

ورواه الصدوق فی علل الشرائع وکمال الدین(1).

7 - وهناک عنوان ثالث کان یکرره أمیر المؤمنین(علیه السلام) ایضا وهو أنَّه(علیه السلام) له شبه من النبی أیوب(علیه السلام)، وأنه سید الشیب، فقد قال الکشی: وجدت فی کتاب محمد بن الحسن بن بندار القمی بخطه، حدثنی فی الحسن بن أحمد المالکی عن جعفر بن فضیل قال: قلت لمحمد بن فرات لقیت أنت الأصبغ قال: نعم لقیته مع أبی فرأیته شخصاً أبیض الرأس واللحیة طوال، قال له أبی حدثنا بحدیث سمعته من أمیر المؤمنین(علیه السلام)، قال: سمعت یقول علی المنبر:

«أنا سید الشیب وفیّ شبه (سنة) من أیوب، ولیجمعنّ الله لی شملی کما جمعه لأیوب»(2)الحدیث

ص:265


1- (1) الامامة والتبصرة باب فی الغیبة: ص 121ح116؛ علل الشرائع/باب 32 ح1 ص40، کمال الدین وتمام النعمة :393.
2- (2) معرفة رجال الکشی/ج396 .

وقد ورد ذلک فی روایات عدیدة(1).

8 - وهناک عنوان رابع فهو ما ورد مستفیضاً جداً بل متواتراً عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) قوله:

«أنا صاحب الکرات والرجعات ودولة الدول».

وروی الصفار فی بصائر الدرجات صحیح زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: حدّث عن بنی إسرائیل یا زرارة ولاحرج، قلت: إنّ فی أحادیث الشیعة ما هو أعجب من أحادیثهم، فقال: وأی شیء هو یا زرارة؟ فاختلس فی قلبی فمکثت ساعة لا أذکر ما أرید، فقال(علیه السلام): لعلک ترید الرجعة؟ قلت: نعم قال حدّث (صدّق) بها فإنها حق(2).

وهی تدل علی صعوبة هظم مطالب الرجعة حتی علی کبار أصحاب الأئمة(علیهم السلام) مثل زرارة، فضلاً عن کبار علماء الإمامیة فی الغیبة، ورغم ذلک فإن الإمام(علیه السلام) یأمر مثل زرارة بترویج ثقافة عقیدة الرجعة، لأنها من المعتقدات الحقة التی یجب أن یتربی علیها مجتمع المؤمنین والمسلمین.

ص:266


1- (1) آمالی للشیخ المفید/من خطبة لعلی*: ح4 ص145، الارشادج1 ص290، مختصر بصائر الدرجات ص205.
2- (2) ولفظ الرجعة فی الحدیث کما فی کتاب الایقاظ للحر /134من نسخة بصائر الصفار لدیه، ولکن فی نسخة بصائر الدرجات المطبوع لفظ التقیة بدل الرجعة وکذلک فی الخرایج والجرائح للراوندی ج2ص733وکذلک مدینة المعاجز للسید البحرانی عن بصائر الدرجات مجلد 5 ص98، وکذلک فی البحار مجلد 2 ص237، وفی تاریخ آل زرارة لأبی غالب الزراری لفظ الغیبة بدل الرجعة نقلاً عن الکشی، ولکن فی الکشی لفظ الهفتیةَ ولعلها مصحف من التقیة، حدیث 260 المفسرة بمعنی التحیر وأنَّها کنایة عن الغیبة، وفی معجم الرجال نقلاً عن الکشی لفظ الغیبة.

وروی فی مختصر بصائر الدرجات صحیح آخر لزرارة، قال سألت أبی عبدالله(علیه السلام) عن هذه الأمور العظام من الرجعة وأشباهها فقال:

«إنّ هذا الذی تسألون عنه لم یجئ أوانه»(1)، وقد قال الله عَزَّ وَجَلَّ: «بَلْ کَذَّبُوا بِما لَمْ یُحِیطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمّا یَأْتِهِمْ تَأْوِیلُهُ »2.

9 - الإقرار فی المناسبات بالاعتقادات الأساسیة والضروریة:

فقد روی الطوسی فی المصباح الکبیر - فی أعمال یوم الجمعة - عن الصادق جعفر بن مُحمَّد(علیه السلام) أنه قال:

«من أراد أن یزور قبر رسول الله(صلی الله علیه و آله) وأمیر المؤمنین وفاطمة والحسن والحسین وقبور الحجج(علیهم السلام) وهو فی بلده فلیغتسل یوم الجمعة...» إلی أن قال:

«ولیقل: السلام علیک أیها النبی ورحمة الله وبرکاته، السلام علیک أیها النبی المرسل، والوصی المرتضی، والسیدة الکبری، والسیدة الزهراء، والسبطان المنتجبان، والأولاد الأعلام، والأمناء المستخزنون، جئت انقطاعاً إلیکم وإلی آبائکم وولدکم الخلف علی برکة الحق، فقلبی لکم سلم، ونصرتی لکم معدة حتی یحکم الله بدینه، فمعکم معکم لا مع عدوکم، إنّی من القائلین بفضلکم، مقرٌّ برجعتکم، لا أنکر لله قدرة، ولا أزعم إلّا ماشاء الله...» (2)الحدیث.

والإقرار فی یوم الجمعة وفی کل مناسبة إنما هو بأصول الاعتقاد

ص:267


1- (1) مختصر بصائر الدرجات:باب الکرات ح 26/80، ص137.
2- (3) مصباح المتهجد:ح 11/399،ص289.

والضروریات، وورودها فی أغلب الزیارات وأدعیة الأشهر والأیّام وتکرّرها إنما هو لمزید من تأصیل العقائد.

10 - مثل ما رواه الشیخ أیضاً فی المصباح - فی أعمال رجب - قال: زیارة رواها ابن عیاش، قال: حدّثنی خیر بن عبدالله، عن مولاه - یعنی أبا القاسم الحسین بن روح -، قال: زر أیّ المشاهد کنت بحضرتها فی رجب تقول:

«الحمد لله الذی أشهدنا مشهد أولیائه فی رجب، وأوجب علینا من حقّهم ماقد وجب، وصلّی الله علی محمد المنتجب، وعلی أوصیائه الحجب...» إلی أن قال:

«والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته، حتی العود إلی حضرتکم، والفوز فی کرّتکم، والحشر فی زمرتکم»(1).

11 - ما رواه رئیس المحدثین أبو جعفر ابن بابویه فی الفقیه وعیون الأخبار، ورئیس الطائفة أبوجعفر الطوسی فی التهذیب بأسانیدهما الصحیحة عن محمد بن إسماعیل البرمکی، عن موسی بن عبدالله النخعی، عن الإمام علی بن مُحمَّد(علیهماالسلام) فی الزیارة الجامعة یقول فیها:

«أُشهد الله وأُشهدکم أنی مؤمن بکم وبما آمنتم به، کافر بعدوّکم وبما کفرتم به...» إلی أن قال:

«معترف بکم، مؤمن بإیابکم، مصدق برجعتکم، منتظر لأمرکم، مرتقب لدولتکم ... »، ثم قال:

«ونصرتی لکم معدّة، حتی یحیی الله دینه بکم، ویردّکم فی أیّامه، ویظهرکم لعدله، ویمکّنکم فی أرضه»، ثم قال:

«فثبّتنی الله أبداً ما بقیت علی موالاتکم، وجعلنی ممن یقتصّ آثارکم، ویسلک سبیلکم، ویهتدی بهدیکم،

ص:268


1- (1) مصباح المتهجد: باب أعمال شهر رجب.

ویحشر فی زمرتکم، ویکرُّ فی رجعتکم، ویملک فی دولتکم، ویشرف فی عافیتکم، ویمکَّن فی أیامکم، وتقرُّ عینه غداً برؤیتکم»(1).

12 - وقد کثر ورود لفظ الرجعة ومرادفاتها متواتراً فی روایات الزیارات والأدعیة فی کلّ الأوقات، وهو شاهد علی ما ذکره الحر العاملی من تأصیل الرجعة فی أصول العقائد فی بیانات الکتاب والسنة.

13 - ومثل ما رواه الشیخ وابن بابویه أیضاً بالسند السابق بعد الزیارة الجامعة فی زیارة الوداع قال

«إذا أردت الانصراف فقل: السلام علیکم سلام مودّع ... » إلی أن قال: «السلام علیکم حشرنی الله فی زمرتکم، وأوردنی حوضکم، وجعلنی فی حزبکم، وأرضاکم عنّی، ومکّننی فی دولتکم، وأحیانی فی رجعتکم، وملَّکنی فی أیّامکم....»(2).

ویراد بالأیّام الحقبة الزمنیة لدولتهم.

14 - ومثل ما رووه أیضاً فی دعاء العهد عن الصادق(علیه السلام) أنه قال:

«من دعا الله أربعین صباحاً بهذا العهد کان من أنصار قائمنا، فإن مات قبله أخرجه الله من قبره وأعطاه بکلّ کلمة ألف حسنة...» ثم ذکرالدعاء(3).

ص:269


1- (1) من لا یحضره الفقیه/مجلد الثانی ص609ح3213، التهذیب /مجلد6ص95 ح177، عیون اخبار الرضا ع/مجلد2 ص305.
2- (2) الفقیه /مجلد2 ص617،التهذیب /مجلد السادس ص101.
3- (3) المزار للمشهدی القسم الثامن/الباب الخامس/ص663،مصباح الزائر لابن طاووس، ص235،234، بحار الانوار/مجلد53 ص90 ح111، المناقب (الکتاب العتیق) ، ونقله فی البحار عن خط الشیخ محمد بن علی الجبعی بسنده المتصل إلی الإمام الصادق*، البحار ج 91،ص 42.

وغیرها من روایات الثواب علی الاستمرار بقراءة دعاء العهد، الدالة علی الرجعة.

وهذه نبذة یسیرة من الاوراد والادعیة والزیارات الیومیة والموسمیة، وإلّا فهناک ما یعجز عنه إحصاء المتتبع کثرة، فضلاً عن الروایات المتواترة فی ابواب المعارف وغیرها.

ص:270

الفصل السادس:الرجعة کمال وبلوغ فی معرفة أصول الدین

ص:271

ص:272

الفصل السادس:الرجعة کمال فی معرفة أصول الدین

اشارة

قَدْ وَرَدَ فی الروایات المستفیضة بیان وتأکید عَلَی أنَّ معرفة الرجعة توجب البلوغ فی معرفة قدرة الله، والبلوغ فی معرفة النبوة ومعرفة الإمامة ومعرفة المعاد، وإن من تدنت معرفته دون ذلک کان من المقصّرة فی المعرفة، ویکون فی معرفة التوحید من القدریة.

ولنستعرض مفاد وبیان الروایات فی ذلک:

الرجعة ومعرفة التوحید والمعاد:

فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات وغیره عن أبی الصباح، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) فی حدیث عن الکرات، فقال:

«تلک القدرة ولا ینکرها إلّا القدریة، لا تنکرها تلک القدرة لا تنکرها، إنّ ّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) أُتی بقناع من الجنة علیه عذق یقال سنة، فتناولها رسول الله(صلی الله علیه و آله) سنة من کان قبلکم»(1).

ص:273


1- (1) مختصر بصائر الدرجات :ح 18/72،ص130.

وهذا الحدیث المستفیض مضموناً یشیر إلی أن من یجهل الرجعة ولم یذعن بها فلا یتحقق لدیه الإیمان بقدرة الله ولا بالمعاد.

وقد ورد مستفیضاً فی روایات الرجعة أنّ الإیمان بالیوم الآخر لا ینحصر إنطباقه وهویته وحقیقته علی القیامة الکبری والمعاد الأکبر، بل یراد به أیضاً یوم الرجعة وأنه الیوم الآخر من الدنیا، وفی هذا الحدیث إشارة إلی أن إنکار الرجعة إنکار لقدرة الله، وأن الرجعة سنة تکوینیة لله فیمن قبلنا من الأمم، وهذا المفاد یشیر إلی نفس المفاد فی قوله تعالی: أَوْ کَالَّذِی مَرَّ عَلی قَرْیَةٍ وَ هِیَ خاوِیَةٌ عَلی عُرُوشِها قالَ أَنّی یُحْیِی هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ کَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلی طَعامِکَ وَ شَرابِکَ لَمْ یَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلی حِمارِکَ وَ لِنَجْعَلَکَ آیَةً لِلنّاسِ وَ انْظُرْ إِلَی الْعِظامِ کَیْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَکْسُوها لَحْماً فَلَمّا تَبَیَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ (1).

ومورد الآیة إحیاء بعد الإماتة فی دار الدنیا فهی حیاة ثانیة فی الدنیا بعد موت فیها، وأن استبعاد ذَلِکَ - فضلاً عن إنکاره - استبعاد وإنکار لقدرة الله، وأن هذا الإحیاء الذی حصل متکرراً فی بنی إسرائیل کما تستعرضه سورة البقرة وسور أخری، هو من السنة الإلهیة التی وقعت فی بنی إسرائیل وستقع فی هذه الأمة، بل إن فی الروایات المستفیضة - کَمَا مَرَّ بعضها وتأتی أیضاً - أن الإیمان بالرجعة مرتبط بالإیمان بالمشیئة الإلهیة، وأن

ص:274


1- (1) سورة البقرة: الآیة 259.

إنکار الرجعة إنکار للمشیئة الإلهیة.

والحاصل أنَّ من لم یعرف الرجعة یخفق فی معرفة الصفات الإلهیة، وذلک لأن الرجعة من أکبر مظاهر القدرة والمشیئة الالهیة،فلا یکفی المعرفة الاجمالی انه قادر یفعل مایشاء فی بلوغ المعرفة من دون المعرفة بالرجعة، وأنه قادر علی الإحیاء فی دار الدنیا.

وقد تقدمت الإشارة فی تعریفات الرجعة أن حقیقة البرزخ لیس کما ذکرها المتکلمون والفلاسفة والعرفاء من أنهُ عالمٌ متوسطٌ بین الدنیا والآخرة الأبدیة، بل حقیقته نشأةٌ متوسطةٌ بین الحیاة الأولی من الدنیا والحیاة الآخرة من الدنیا أیضاً، وکما مرَّ وسیأتی، فإنه یعد من الهوامش الوجودیة التابعة لدار الدنیا، وبمثابة الضواحی الجغرافیة الوجودیة التابعة لنشأة عالم الدنیا، ففی مصحح الولید بن صبیح عن أبی عبدالله(علیه السلام) أنه قال : دخلت علیه یوما فألقی إلیّ وقال: یاولید ردها علی مطاویها، فقمت بین یدیه فقال ابو عبدالله(علیه السلام) (رحم الله المعلی بن خنیس) فظننت أنَّه شبّه قیامی بین یدیه بقیام المعلی بن خنیس بین یدیه.

ثم قال أفّ للدنیا، أفّ للدنیا ، إنما الدنیا دار بلاء سلط الله فیها عدوه علی ولّیه ، إن بعدها دارا لیست هکذا ،فقلت: جعلت فداک وأین تلک الدار؟ فقال هاهنا وأشار بیده الی الأرض»(1).

ص:275


1- (1) الکافی مجلد/8ص304ح469.

وظاهر قوله(علیه السلام)

«إن بعدها دارا» إشارة الی نشأة البرزخ، ثم إن قوله(علیه السلام) هاهنا فی جواب السائل أین تلک الدار دال علی شدة التصاق البرزخ وقربه من دار الدنیا، ولم یکتفی(علیه السلام) هنا إشارة الی القریب بل أتی بهاء التنبیه هاهنا إشارة ودلالة علی شدة القرب وتداخل عالم البرزخ بعالم الدنیا وتأثیر کل منهما علی الاخر، ثم لم یکتفی بذلک بل أشار بیدیه الی الارض تأکیداً لذلک القرب والتداخل، وأن نشأة البرزخ من فروع وشوؤن النشأة الارضیة وأن بینهما موازاة ومحاذاة وأوتار وأبوابا یطل من أحدهما علی الآخر.

وأما الذی یتوسط بین آخرة الدنیا وهی الرجعة وبین عالم القیامة فهی نشأة الساهرة وسیأتی المزید من البحث فی الباب الثالث.

کَمَا أنَّهُ تقدَّمت الإشارة - وستأتی مفصلاً - أن أغلب ما ظن أنه من آیات المعاد الأکبر هی فی الرجعة وهی المعاد الأصغر، وجملة منها مشترکة بین المعادین.

وکذلک الحال فی روایات المعارف الواردة فی المعاد، ومن ثم فما صوّرهُ وشرحه المتکلمون والفلاسفة والعرفاء من المعاد الجسمانی هو فی الحقیقة عالم الرجعة، وأما المعاد الجسمانی الأکبر فلا تشم رائحته فی کلماتهم، ولا تبدوا صورته جلیة فیما قرروه من المعاد، لمآل ما بحثوه إلی المعاد الأصغر وهو الرجعة، وهم یحسبون أنَّه المعاد الأکبر والقیامة.

وقد أشار إلی ذلک حدیث أبی الطفیل عن أمیر المؤمنین .... وقال

ص:276

أبی الطفیل وقرأ علیّ بذلک قراءة کثیرة (أی آیات وسور عدیدة) وفسره تفسیراً شافیاً حتی صرتُ ما أنا بیوم القیامة أشدُ یقیناً منی بالرجعة. الحدیث(1).

الرجعة ومعرفة النبوة:

فقد وردت روایات مستفیضة فی بیان أن النذارة الأصلیة التی هی أحد المهام الکبری فی تعریف النبوة إنما ستقام فی الرجعة، وأن ما قام به الرسول(صلی الله علیه و آله) من قبل إنما هی النذارة الصغری تمهیداً وتوطئة لما سیقوم به فی الرجعة.

وهذا یسلط الضوء بقوة علی أن المعرفة الکاملة لنبوة النبی(صلی الله علیه و آله) إنما تتحقق بمعرفة الرجعة، کما أنها تبین أن الشیء الأکبر الذی سینذر به النبی(صلی الله علیه و آله) من المعاد إنما سیتحقق فی الرجعة ولم یتحقق بعد، کما یشیر أیضاً إلی أن الدعوة الکبری لأعماق الدین هی فی الرجعة، فإن الدین عمیق والوغول فیه برفق، کما فی وصیة النبی(صلی الله علیه و آله) لعلی(علیه السلام).

فهذه الدعوة الکبری إنما تتم فی الرجعة، وقد تقدم سابقاً فی الفصل الأول، شواهد عدیدة علی ذلک تحت عنوان أن الرجعة مشروع عقیدة أولاً، ومشروع سیاسی ثانیاً.

وقد روی فی مختصر بصائر الدرجات «عن جابر بن یزید عن أبی

ص:277


1- (1) مختصر بصائر الدرجات: ح12/112، ص175.

جعفر فی قول الله عَزَّ وَجَلَّ یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ (1)، یعنی بذلک مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) وقیامه فی الرجعة ینذر فیها وفی قوله: إِنَّها لَإِحْدَی الْکُبَرِ * نَذِیراً لِلْبَشَرِ (2) یعنی مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) نذیراً للبشر فی الرجعة وفی قوله: وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاّ کَافَّةً لِلنّاسِ (3) «فی الرجعة»(4) .

ومفاد هذه الروایة أن الأمر بالإنذار عُمدة ثقله ووظیفته هی فی الرجعة، وأنّ النذارة الکبری ستقع فی الرجعة، وهو مما یکشف عن أن الإنباء والإنذار سیکون عن عقوبة أکبر مما قدْ تمَّ الإنذار به سابقاً سیقع من سید الأنبیاء فی الرجعة، وأن هناک جملة عظیمة من العقوبات والجزاء الخطیر لم یتم إبلاغه تفصیلاً بعدُ وإن تم بنحو الإجمال، ثم إن هذا مما یکشف إنّاً أنّ التکلیف فی الرجعة سیکون أشد من الحیاة الأولی فی الدنیا.

وهذا مما أشرنا إلیه فی الفصل الأول تحت عنوان التکلیف فی الرجعة، وأن التکلیف یشتد درجة فیما یأتی من مراحل وأحوال أکثر مما سبق، وإلیه الإشارة فی قول أمیر المؤمنین(علیه السلام) وقولهم(علیهم السلام) (لکفرةٌ من کفرات الرجعة أشد کفراً مما سبق).

ومرت الإشارة وستأتی لاحقاً فی الباب الثالث أن القیامة عالم أکبر

ص:278


1- (1) سورة المدثر: الآیة 1 - 2.
2- (2) سورة المدثر 35 - 36
3- (3) سورة سبأ 28
4- (4) مختصر بصائر الدرجات /باب الکرات ح34/88وح1/55.

وأعظم - فی کل شؤونه زماناً ومکاناً ومدة وشدة وعدة - من عالم الدنیا سواء أولاها أو أخراها وهی الرجعة، إذ لیست القیامة یوماً بمدة أربعة وعشرین ساعة، نعم ومن وراء عالم القیامة البعث النهائی لجنة الأبد أو لسعیر الجحیم.

وروی بالإسناد السابق عن أبی جعفر(علیه السلام) أن أمیر المؤمنین(علیه السلام) کان یقول:

«إن المدثر هو کائن عند الرجعة فقال له رجل : یا أمیر المؤمنین أحیاة قبل القیامة ثم موت ، قال : فقال له عند ذلک نعم و الله لکفرة من الکفر بعد الرجعة أشد من کفرات قبلها»(1).

ورواه القمی فی تفسیره أیضاً فی ذیل الآیات.

الرجعة ومعرفة الإمامة:

وفی روایات الرجعة المستفیضة إشارات واضحة إلی أنْ حقّ معرفتهم بالإمامة لا تتمُّ بدون معرفة الرجعة، وإنَّ ما ذکره المتکلمون فی تعریف الإمامة واقتصروا علیه هو بیان لمحور من حقیقة وهویة الإمامة وغفلة عن محاور وأرکان أخری أهم، ولا تتم هویة وتفسیر الإمامة إلّا بها، وأن من تدنت معرفته دون ذلک کان من المقصّرة فی المعرفة.

فالمهم فی بیانات روایات الرجعة المستفیضة والمتواترة استخلاص ما

ص:279


1- (1) مختصر بصائر الدرجات: باب الکرات ،ح35/89،ص143.

تشیر إلیه الروایات من أن مجرد الإیمان ومعرفتهم بأنهم مفترضوا الطاعة کطاعة الله تعالی لیست معرفة کاملة بل الاقتصار علی ذلک معرفة إجمالیة ناقصة وتقصیر فی معرفتهم، وکذا مجرد معرفتهم بأن الإمامة ملک إدارة الحکم السیاسی فی دار الدنیا فإن الجزء الأکبر من تعریف الإمامة هی ملک ولایة الأمور فی الرجعة وفی الدار الآخرة، وأن عالم القیامة وعالم الجنة الأبدیة وآخرة الأبد لا ینتظم کیانه وعیشه إلّا بنظام إمامتهم، وهذا التعریف کما تلاحظ لم یورده المتکلمون ولا الفلاسفة.

ومما سیأتی من هذه الروایات تتبین أن معرفة الإمامة بدون معرفة الرجعة هی معرفة بدائیة ناقصة، وقد وردت الروایات المستفیضة رواها الصفار فی بصائر الدرجات والکلینی والصدوق والمفید وغیرهم بأسانیدهم عن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: قال لی:

«یا أبا حمزة لا تضعوا علیاً دون ما وضعه الله ولا ترفعوا علیاً فوق ما رفعه الله کفی بعلی أن یقاتل أهل الکرة وأن یزوج أهل الجنة»(1).

وفی روایة الکلینی تفصیلٌ لدور أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی عالم القیامة الکبری وهذا الحدیث المستفیض یشیر إلی أن معرفة علی(علیه السلام) والأئمة بدون ذلک - أی بدون معرفة مقامهم فی الرجعة ومقامهم فی الآخرة - هو قصور فی معرفتهم، وأن من مقامهم فی القیامة أو فی الآخرة أن حساب الناس یوم

ص:280


1- (1) أمالی الصدوق : المجلس 38،أمالی المفید: المجلس الأول، الکافی 8،ص159، مختصر بصائر الدرجات:ح33/87،ص142.

فصل الخطاب یُجریه الله عَزَّ وَجَلَّ علی أیدیهم.

وقد روی الصفار فی بصائر الدرجات بسند صحیح عن ضریس الکناسی عن أبی جعفر(علیه السلام):

«إنی لأعجب من قوم یتولّونا ویجعلونا أئمة ویصفون بأن طاعتنا مفترضة علیهم کطاعة الله تعالی، ثم یکسرون حجتهم ویخصمون أنفسهم فینقصونا حقنا ویعیبون ذلک علی من أعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسلیم لأمرنا، أترون أن الله تعالی افترض طاعة أولیائه علی عباده ثم یخفی عنهم أخبار السماوات والأرض ویقطع عنهم مواد العلم فیما یرد علیه مما فیه قوام دینهم»(1).

ورواه الراوندی فی الخرائج والجرائح والکلینی فی الکافی باختلاف یسیر(2).

وفی هذه الروایة إشارة واضحة إلی أن مجرد الإیمان الإجمالی بأنهم مفترضوا الطاعة کطاعة الله مع عدم الإیمان بالتفاصیل أو الإنکار بجملة أخری من أبواب معرفتهم هو تقصیر فی معرفتهم ونقصان عن حق معرفتهم، وأنَّ برهان حق معرفتهم والتسلیم لأمرهم هو بالإیمان والمعرفة لبقیة أبواب معرفتهم، لا الاقتصارعلی إجمال بأنهم مفترضوا الطاعة کطاعة الله.

ص:281


1- (1) بصائر الدرجات: ص124،ح3، الخرائج والجرائح ج2: ص 870، ح78، الکافی ج1: ص261،ح4.
2- (2) الخرائج والجرائح ج2 ص 87 ب 15 ح 87 ، الکافی ج1: ص261،ح4 .

الرجعة وحقیقة الإمامة

ما رواه أیضاً فی مختصر بصائر الدرجات عن جماعة من أصحابنا، عن الحسن بن علی وإبراهیم بن إسحاق عن محمد بن سلیمان الدیلمی عن أبیه، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن قول الله عَزَّ وَجَلَّ:

«إذ جعل فیکم أنبیاء وجعلکم ملوکاً»(1)، فقال:

«الأنبیاء: رسول الله وإبراهیم وإسماعیل، والملوک: الأئمة» قلت: وأی ملک أعطیتم؟ قال: «ملک الجنة وملک الکرة»(2).

ومفاد هذا الحدیث یشیر إلی أن التعریف الأکبر للإمامة هو بیان حقیقتها ومقامها فی الرجعة والقیامة والآخرة الأبدیة، فالذی کتبه المتکلمون عن الإمامة هو بلحاظ مقامها فی ظاهر الحیاة الدنیا، لا بلحاظ الرجعة والآخرة الأبدیة.

إطلاق الکرة والرجعة علی القیامة:

ثم إن فی الروایة إشارة أخری لطیفة وهی أنّ الکرة قد تطلق علی القیامة، حیث جعل الحدیث المقابلة بین الکرة والجنة الأبدیة والحال أن الجنة الأبدیة بعثٌ بعد القیامة الکبری فمن هذه المقابلة یتضح أن الکرة والرجعة بالمعنی الأعم تطلقان علی ما یشمل القیامة والرجعة بالمعنی الأخص، وأن المعاد کما یطلق علی الرجعة تارةً ویطلق المعاد الأکبر علی القیامة ثانیةً

ص:282


1- (1) سورة المائدة: الآیة 20.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات : باب الکرات،ح 43/97،ص148.

فإنه یطلق ثالثةً علی البعث إلی جنة الأبد وإلی سعیر الجحیم.

فالقرآن عرّف الإمامة بعنوان مقوّم مهم، وهو الملک، وتعریف الملک علی مرحلتین وهو ملک الکرة - أی الرجعة - وملک الجنة - أی الآخرة - ، فالتعریف بافتراض الطاعة والنص والوصیة تعریف للمرحلة الأولی الابتدائیة، وأما المرحلة المتوسطة (وهی البلوغ فی المعرفة) فملک الرجعة، وأما المرحلة الثالثة (وهی الکمال فی المعرفة) فملک الجنة.

وسیأتی فی الفصل السابع مزید توضیح لأثر الرجعة فی معرفة الإمامة.

ص:283

ص:284

الفصل السابع:الرجعة ومقامات الإمامة

ص:285

ص:286

الفصل السابع:الرجعة ومقامات الإمامة

اشارة

إنّ الرجعة کما تقدم هی بمثابة معرفة متطورة للإمامة، وذلک لأنَّ فی الرجعة تظهر مقامات وأدوار للإمامة تکشف عن حقیقة الإمامة الإلهیة، فمن ثم کان هذا الفصل تتمة لما تقدم فی الفصل السادس من تأثیر معرفة الرجعة فی بلوغ المعرفة فی الإمامة.

ونذکر جملة من الأمور تبیّن هذا الشأن.

الرجعة من الأدلة الکبری للإمامة:

إن الرجعة کحقیقة معرفیة قامت علیها الأدلة القطعیة کتاباً وسنة - کما سیأتی بسط ذلک فی الباب الثانی- هی أحد الأدلَّة الکبری علی إمامة أهل البیت(علیهم السلام)، فکما أن المعاد أحد أدلة التوحید فکذلک الرجعة هی أحد أدلة الإمامة.

ص:287

والوجه فی ذلک أنَّ لسان الآیات القرآنیة الواردة فی الرجعة دال علی أنّ ملک الدولة فی الرجعة علی الأرض هو لأئمة الحق یدیل الله لهم علی أئمة الباطل، وأن ملک الحیاة الأولی من الدنیا هی لدول الباطل، بلْ وفی هذا المجال عِدَّة ألسن.

الدولة الإلهیة فی الرجعة فی الآیات القرآنیة:

1 - ما ورد فی القرآن الکریم من أن العاقبة للمتقین کما فی قوله تعالی: إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ یُورِثُها مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ (1)، وغیرها من الآیات الدالة علی أن العاقبة للمتقین، وهذا اللسان یشیر إلی أن الأولی هی دولة للفاسقین.

2- قوله تعالی: وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ * وَ نُمَکِّنَ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَ نُرِیَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما کانُوا یَحْذَرُونَ (2)، وهی أیضاً بنفس التقریب دالة علی أن فی الحیاة الأولی من الدنیا یکون أئمة الحق وأهله مستضعفین، لکنهم یرثون الأرض فی العاقبة .

3 - قوله تعالی: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ کانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ * وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً

ص:288


1- (1) سورة الأعراف 128
2- (2) سورة القصص 5 - 6

مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ حَتّی إِذا جاؤُ قالَ أَ کَذَّبْتُمْ بِآیاتِی وَ لَمْ تُحِیطُوا بِها عِلْماً أَمّا ذا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَ وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا یَنْطِقُونَ (1)، وخروج الدابة إنما هو فی الرجعة کَمَا أن الحشر لبعّض دون آخر إنما هو فی الرجعة، وإلّا فإن الحشر یوم القیامة لا تبعیض فیه کما فی قوله تعالی: وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (2)، کما نبه علی هذه الدلالة الصادق(علیه السلام) فی عِدَّة روایات.

کما أنّ المراد من الآیات التی یکذب بها فی مقابل التصدیق بها إنما هی الآیات الناطقة من حجج الله، وإلّا فإن الآیات الکونیة إنما یُعرض عنها أو یُقبل علیها بالتدبر ولیس لها دعوی تنطق بها کی تکذّب أو تصدّق، ومن ثم بعد هذه الآیات قال تعالی: وَ یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ (3)، أی أن النفخ فی الصور لحشر الجمیع بعد الرجعة.

والحاصل من مفاد هذه الآیات أن الجولة فی الحیاة الأولی من الدنیا هی للعصاة، والدولة فی الرجعة لآل مُحمَّد، وأمَّا العصاة والظلمة فإنهم یدانون من قبل دابة الأرض وهو أمیر المؤمنین(علیه السلام) کما سیأتی فی الروایات المستفیضة.

ص:289


1- (1) سورة النمل 82 - 85
2- (2) سورة الکهف 47
3- (3) سورة النمل 87

4 - قوله تعالی: وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئاً وَ مَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذلِکَ فَأُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ (1).

والوعد فی الآیة للمستقبل، والضمیر للجمع الاستغراقی، ویدل علی أن أصحاب الحق یعیشون علی طول الخط مستضعفین وفی خوف وعدم أمن ومقهورین لأهل الطغیان والباطل حتی یفرج الله لهم بالاستخلاف والتمکین والعبادة بالطاعة الخالصة له تعالی دون طغاة دول الباطل.

5- آیات الوعد بالنصر المستقبلی للأنبیاء والرسل والأئمة حیث لم یُنصروا فی حیاتهم الأولی من الدنیا ورحلوا عنها مضطهدین کقوله تعالی: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهادُ (2)، وقوله تعالی: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِیثاقَ النَّبِیِّینَ لَما آتَیْتُکُمْ مِنْ کِتابٍ وَ حِکْمَةٍ ثُمَّ جاءَکُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ (3).

6- ما ورد فی السور القرآنیة والأحادیث المتواترة من نزول وظهور آیات کونیة فی المستقبل کقوله تعالی: إِنَّ اللّهَ قادِرٌ عَلی أَنْ یُنَزِّلَ آیَةً

ص:290


1- (1) سورة النور 55
2- (2) سورة غافر 51
3- (3) سورة آل عمران 81

وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ (1).

وقد فسّرت فی روایات الفریقین المستفیضة أنَّ هذه الآیات کدابة الأرض ونزول عیسی ابن مریم وطلوع الشمس من مغربها والدجال کما سیأتی فی الأبحاث اللاحقة.

ونظیره قوله تعالی: هَلْ یَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِیَهُمُ الْمَلائِکَةُ أَوْ یَأْتِیَ رَبُّکَ أَوْ یَأْتِیَ بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ (2).

وکذلک قوله تعالی: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَیْهِمْ مِنَ السَّماءِ آیَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِینَ (3).

والحاصل: أن ظهور ألفاظ الآیات المتقدمة للتدبر وبضمیمة روایات الفریقین الواردة فی ذیل هذه الآیات - مفاد هذه الطائفة - أن مسارالبشریة فی انتکاس من تفشی الظلم والجور حتی یظهر الله المهدی(عج) وهو تأویل ظهور الشمس من مغربها، ونزول عیسی بن مریم تابع له لنصرته، ومن ثم خروج دابة الأرض وهو رجوع أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام)، إلی غیر ذلک من تفاصیل الآیات الدالة علی أن دولة آل محمد فی آخر الزمان

ص:291


1- (1) سورة الأنعام: الآیة 37.
2- (2) سورة الأنعام: الآیة 158.
3- (3) سورة الشعراء: الآیة 4.

لإنقاذ البشریة من براثین الجور والظلم والعدوان الذی بدأ من بعد وفاة رسول الله، واستمر یمتد حتی ظهور وبدء شروع دولة آل محمد فی آخر الزمان بدئها بالإمام المهدی(عج) ثم یعقبه دولة الأئمة من آبائه برجوعهم وانتهاءاً بدولة النبی(صلی الله علیه و آله).

7 - أن الله عَزَّ وَجَلَّ یُری الظالمین من الطغاة والجبابرة فی طول مسیر البشریة عذاباً فی أواخر عمر الدنیا قبل یوم القیامة.

کقوله تعالی: وَ إِنَّ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِکَ وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ (1) أی عذاباً قبل عذاب یوم القیامة.

ونظیره قوله تعالی: فَارْتَقِبْ یَوْمَ تَأْتِی السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِینٍ * یَغْشَی النّاسَ هذا عَذابٌ أَلِیمٌ * رَبَّنَا اکْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنّا مُؤْمِنُونَ * أَنّی لَهُمُ الذِّکْری وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِینٌ (2).

ومفاد هذه الآیات والروایات الواردة فی ذیلها - أی بمعونة تنبیه الروایات بمواضع الدلالة فی الآیات - تبیّن أن مسیر البشریة کان ولا یزال علی سیرة حکّام الجور بعد رسول الله(صلی الله علیه و آله) وغصب مقام العترة حتی ینتقم منهم فی نهایة المطاف من عالم الدنیا عند بدء قیام دولة العترة.

ومثله قوله تعالی: وَ لا تُطِعْ کُلَّ حَلاّفٍ مَهِینٍ * هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِیمٍ * مَنّاعٍ لِلْخَیْرِ مُعْتَدٍ أَثِیمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِکَ زَنِیمٍ * أَنْ کانَ ذا مالٍ وَ بَنِینَ

ص:292


1- (1) سورة الطور: الآیة 47.
2- (2) سورة الدخان: الآیة 11 - 13.

إِذا تُتْلی عَلَیْهِ آیاتُنا قالَ أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ سَنَسِمُهُ عَلَی الْخُرْطُومِ (1).

والوسمُ إشارة إلی المیسم الوارد فی روایات الفریقین مستفیضاً من أنه فی آخر الزمان یوسم المؤمن بالإیمان علی وجهه، ویوسم المنافق بالکفر علی وجهه، وصاحب المیسم کما سیأتی أمیرالمؤمنین(علیه السلام) فی أواسط رجعاته وهی مرحلة من مراحل الرجعة.

والحاصل: أن مضمون هذه الآیات - کَمَا سیأتی بیانه - أن عاقبة الحیاة علی الأرض والحیاة الدنیا ستکون بإقامة دولة العدل التی یقام فیها الجزاء العادل والعقاب والعذاب علی الظالمین فی جمیع الأجیال السابقة للبشریة وذلک برجعتهم، مما یدل علی أن الظلم والجور هو طابع الحکام طوال الحیاة السابقة البشریة، وبعد وفاة رسول الله(صلی الله علیه و آله) أیضاً وینتهی هذا الطابع عند قیام دولة آل مُحمَّد(صلی الله علیه و آله) علی ید المهدی والأئمة من آبائه برجعتهم بعده.

ظهور مقامات للإمامة فی الرجعة:

إعلم أن هناک مقامات عدیدة عظیمة لأئمة أهل البیت(علیهم السلام) تظهر فی الرجعة.

وإعلم أن کل إمام هو تجلّ لکلمة إلهیة، وهو نوع تکلم من الله مع خلقه، والکلمة التامة فعل إلهی هو الحلقة التامة فی سلسلة الکمال والتکامل کما

ص:293


1- (1) سورة القلم: الآیة 10 - 16.

یشیر إلیه قوله تعالی: وَ تَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِکَلِماتِهِ (1)، فبهم تتم الهدایة الصادقة إلی صراط الله المستقیم، وبهم یقام عدل الله فی الأرض والعوالم الأخری.

ومن تلک المقامات:

المقام الأول: تحقق مقام المهدویة، وهو کما ینطبق علی الإمام الثانی عشر(عج) فهو ینطبق علی جمیع أئمة أهل البیت(علیهم السلام) أیضاً وله عدة معانی، فمن أحد معانیه: أنّ الأئمة مهدیون من قبل الله لدنیّاً یهدون بأمر الله الملکوتی الذی هو من عالم الأمر والروح الأمری، وبهذا المعنی فکلهم مهدیون.

ومن أحد معانی هذا المقام والعنوان أنه ینطبق علی الإمام حینما یقیم دولة الحق الظاهرة فی العلن، وبهذا المعنی یراد غالباً عند إطلاقه علی الإمام الثانی عشر.

وسیأتی فی الفصل اللاحق أنَّ المهدیین الاثنی عشر بعد الإمام الثانی عشر هم الأئمة الاثنا عشر(علیهم السلام) بلحاظ رجعة کل الأئمة الاثنی عشر إلی الدنیا وإقامتهم دولة الحق الظاهرة.

کَمَا سیأتی أیضا أنَّ المهدی الأکبر والموعود الأعظم هو أمیر المؤمنین(علیه السلام)، فقد روی السید ابن طاووس بطرقه عن شاذان بن جبریل، ورواه الحسن

ص:294


1- (1) سورة الأنعام: الآیة 115.

بن سلیمان الحلی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن أبی عبد الله الجدلی قال: دخلت علی علیّ(علیه السلام) یوماً فقال:

«أنا دابة الأرض »(1).

وروی روایة أخری مثلها قریبة من مضمونها حیث قال: دخلت علی علی بن أبی طالب(علیه السلام) فقال:

«ألا أحدثک - ثلاثاً- قبل أن یدخل علینا داخل قلت: بلی، فقال: أنا عبد الله، أنا دابة الأرض صدقها وعدلها وأخو نبیها، وأنا عبد الله ألا أخبرک بأنف المهدی وعینه، قال: قلت: نعم فضرب بیده إلی صدره فقال: أنا»(2).

ومفاد الحدیث الشریف أنَّ مقام المهدویة رأس انطباقه علی الإمام أمیر المؤمنین(علیه السلام) بالقیاس إلی انطباقه علی الأئمة(علیهم السلام) وعلی الإمام الثانی عشر عجل الله فرجه.

المقام الثانی: ظهور عدة مقامات لأمیر المؤمنین(علیه السلام):

1- کدابة الأرض .

2- وکونه صاحب الحشر والنشر فی الرجعة .

3- ودولة الدول .

ص:295


1- (1) مختصر بصائر الدرجات: ح 1/101 وحدیث 19/530، ص163، ص 564، أیضاً ح 27/538، ص 568.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات: ح 28/539،ص 569، ورواه فی تأویل الآیات عن محمد بن عباس بسنده عن أبی عبدالله الجدلی، ص400.

4- صاحب العصا والمیسم .

5- صاحب الکرات والرجعات .

6- کونه صاحب لواء الحمد .

7- صاحب الأعراف .

8- نمط من المقام المحمود .

9- صاحب الحوض .

10- مقام السفاح .

ولهذه المقامات شروح مبسوطة سنتعرض لها فی الباب الرابع من أبواب هذه السلسلة إلّا أننا نتعرض هاهنا لتفسیر نبذة منها:

أما کونه صلوات الله علیه دابة الأرض فخروج الدابة نص علیه القرآن الکریم فی قوله تعالی: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ کانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ (1).

وخروج الدابة ملحمة عظیمة کبیرة عند المسلمین لآخر الزمان قد وردت فیها روایات مستفیضة عند الفریقین، وقد أکثر أهل سنة الجماعة فی الروایة عن النبی(صلی الله علیه و آله) حولها وهم لا یشعرون أنها من روایات الرجعة، وهی أحد الفصول المهمة العظیمة فی الرجعة.

ص:296


1- (1) سورة النمل: الآیة 82.

وقد روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن عبایة الأسدی أنه کان عند أمیر المؤمنین خامس خمسة - وهو أصغرهم یومئذ- فسمع أمیر المؤمنین(علیه السلام) یقول:

«حدثنی أخی أنه ختم ألف نبی وإنی ختمت ألف وصی، وإنی کلفت ما لم یکلفوا، وإنی لأعلم ألف کلمة ما یعلمها غیری وغیر مُحمَّد(صلی الله علیه و آله)، مامنها کلمة إلّا مفتاح ألف باب بعدُ ما تعلمون منها کلمة واحدة غیر أنکم تقرأون منها آیة واحدة فی القرآن، وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ کانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ

وما تدرونها من»(1).

وتفید هذه الروایة أن دابة الأرض مقام ینطوی علی ألف مقام مع أن أصل مقام دابة الأرض فی الرجعة مفتاح من ألف مفتاح آخر، فما هی هذه المقامات والمفاتیح التی تجعل البشریة بل تجعل المؤمنین بتعلمها یتکاملون فی معرفة النبوة والإمامة ولم ترد منها رائحة فی التعریفات التی ذکرها الفلاسفة والمتکلمون للنبوة والإمامة؟!

وسیأتی فی الباب الرابع أن مقام دابة الأرض یعتبر طامة کبری من جهة هول الأحداث والظواهر الکونیة والعوالمیة بالقیاس إلی الموت والبرزخ وظهور الإمام المهدی(عج).

وفی خطبةٍ لَهُ(علیه السلام):

«أنا صاحب الحشر والنشر»(2)، وفی دعاء النصف

ص:297


1- (1) مختصر بصائر الدرجات: ح 32/543، ح33/544، ص571.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات: ح 1/101، ص162، مشارق أنوار الیقین: ص 261.

من شعبان: (أصحاب الحشر والنشر)، وهو یغایر مقام دیّانیّة یوم الدین حیث یجری الله الحساب علی أیدیهم.

معالم الرجعة المرویة عند العامة بعناوین خاصة:

1 - دابة الأرض.

2 - المیسم والوسم.

ففی ذیل سورة الأنعام الآیة (158) روی العامة روایات مستفیضة حول الدابة وظهور الشمس من مغربها والدجال، فلاحظ ما رواه السیوطی(1)، وغیره من کتب التفسیر بالمأثور عن صحاحهم بما یبلغ الاستفاضة والتواتر، ومن ثمّ فإن روایات معالم الرجعة کالدابة والمیسم والدجال وظهور الشمس من مغربها ونزول عیسی(علیه السلام) وغیرها مستفیضة، بل متواترة عندهم، وکذا لاحظ جملة ما کتبوه فی الفتن والملاحم.

3 - ما رووه فی خروج وظهور الآیات .

4 - ما رووه عن النبی وأهل البیت من أنّ منّا المدثر ومنّا السفاح والمنصور والمهدی، وقد تقدم أن المدثر عنوان لمقام النبی فی الرجعة، والسفاح عنوان لمقام أمیر المؤمنین فی الرجعة، والمنصور عنوان لمقام الحسین فی الرجعة، والمهدی عنوانٌ لظهورالإمام الثانی عشر ولرجعة الأئمة الاثنی عشر.

ص:298


1- (1) الدر المنثور: ج3،ص57إلی 63.

5- ما رووه عن النبی(صلی الله علیه و آله) أنه هو الحاشر والعاقب.

6- ما رووه عن علیٍّ(علیه السلام) أن ذی القرنین عبدٌ صالح ضربه قومه علی قرنه فقتلوه فأرجعه الله مرةً أُخری إلی الدنیا فضربوه علی قرنه مرة أُخری فقتلوه، وأنّ فی هذه الأمة مثله.

وأما لواء الحمد فیقع فی الرجعة ولایُنافی ذلک تحققه فی عالم القیامة.

وأمَّا المقام المحمود فنمط منه یتحقق فی الرجعة کما دلَّت علیه الروایات الآتیة وکذلک یتحقق فی عالم القیامة، و یتحقق فی الجنة الأبدیة، فتحققه فی مواطن عدیدة.

وأما الحوض فهو فی الرجعة والتی هی آخرة الدنیا.

وأما الساعة فهی تطلق فی الآیات والروایات علی کل من الموت وظهور المهدی وعلی عموم الرجعة وعلی خصوص بعض مراحل الرجعة لتعاظم الهول فیها کخروج دابة الأرض، وعلی القیامة.

وأما الأعراف فالظاهر تحققها فی کل من الرجعة والقیامة کما سیاتی بیانه.

وأما کون الأمیر (علیه السلام) (صاحب الحشر والنشر) فسیأتی کلام جملة من علماء الامامیة من ذهب منهم إلی أن الرجعة إحیاء للموتی یجریه الله عزّوجل علی ید النبی(صلی الله علیه و آله) أو علی ید الإمام کمعجزة، وآیة أعظم مما أجراه الله علی ید عیسی بن مریم (علیه السلام).

ص:299

الحوض فی الرجعة:

1 - من کتاب سلیم بن قیس الهلالی(رحمه الله)، الذی رواه عنه أبان ابن أبی عیاش وقرأه جمیعه علی سیدنا علی بن الحسین(علیهماالسلام) بحضور جماعة من أعیان الصحابة منهم أبو الطفیل فأقرّه علیه مولانا زین العابدین(علیه السلام)، وقال:

«هذه أحادیثنا صحیحة».

قال أبان: لقیت أبا الطفیل بعد ذلک فی منزله فحدثنی فی الرجعة عن أناس من أهل بدر، وعن سلمان والمقداد، وأبی بن کعب، وقال أبو الطفیل: فعرضت هذا الذی سمعته منهم علی علی بن أبی طالب صلوات الله علیه بالکوفة، فقال: «هذا علم خاصّ (لا) یسع الأمّة جهله، وردّ علمه إلی الله». ثم صدّقنی بکل ما حدّثونی، وقرأ علیّ بذلک قراءة کثیرة وفسّره تفسیراً شافیاً، حتی صرت ما أنا بیوم القیامة أشد یقیناً منی بالرجعة، وکان مما قلت: یا أمیر المؤمنین أخبرنی عن حوض النبی(صلی الله علیه و آله) فی الدنیا أم فی الآخرة ؟ فقال:

بل فی الدنیا، قلت: فمن الذائد عنه؟ فقال:

أنا بیدی، فلیردنَّه أولیائی ولیصرفنّ عنه أعدائی»(1).

وفی روایة أخری:

«لأوردنَّه أولیائی، ولأصرفنّ عنه أعدائی». فقلت: یا أمیر المؤمنین قول الله: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ کانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ (2)، ما الدابة؟ قال:

یا

ص:300


1- (1) کتاب سلیم بن قیس ص130/129.
2- (2) سورة النمل: الآیة 82.

أبا الطفیل أُلُه عن هذا فقلت: یا أمیر المؤمنین أخبرنی به جعلت فداک، قال: هی دابة تأکل الطعام، وتمشی فی الأسواق، وتنکح النساء ، فقلت: یا أمیر المؤمنین من هو؟ قال: هو زرّ (رب) الأرض الذی تسکن الأرض (به)، قلت: یا أمیر المؤمنین من هو؟ قال:

«صدّیق هذه الأمّة، وفاروقها، وربّیها، (ورئیسها) وذو قرنیها(وذو قرنها)، قلت: یا أمیر المؤمنین من هو؟ قال: «الذی قال الله تعالی: وَ یَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ (1)، و الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتابِ (2) و الَّذِی جاءَ بِالصِّدْقِ (3)، والذی ( صَدَّقَ بِهِ ) أنا، والناس کلّهم کافرون غیری وغیره ، «قلت: یا أمیر المؤمنین فسمه لی، قال: «قد سمیته لک یا أبا الطفیل، والله لو أدخلت علیّ عامّة شیعتی الذین بهم أقاتل، الذین أقرّوا بطاعتی، وسمّونی أمیرالمؤمنین، واستحلّوا جهاد من خالفنی، فحدّثتهم ببعض ما أعلم من الحق فی الکتاب الذی نزل به جبرئیل (علیه السلام) علی محمد(صلی الله علیه و آله) لتفرّقوا عنی حتی أبقی فی عصابة حقّ قلیلة، أنت وأشباهک من شیعتی«،ففزعت وقلت: یا أمیر المؤمنین أنا وأشباهی نتفرّق عنک أو نثبت معک؟ قال:

بل تثبتون، ثم أقبل علیّ فقال: إن أمرنا صعب مستصعب لا یعرفه ولا یقرُّ به إلّا ثلاثة: ملک مقرَّب، أو نبیّ مرسل، أو عبد مؤمن نجیب امتحن الله قلبه للإیمان، یا أبا الطفیل إنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله)

قبض فارتدّ الناس ضلالاً وجهالاً إلّا من عصمه الله بنا أهل البیت»(4).

ص:301


1- (1) سورة هود: الآیة 17.
2- (2) سورة الرعد: الآیة 43.
3- (3) سورة الزمر: الآیة 33.
4- (4) کتاب سلیم بن قیس:131/130،ومختصر بصائر الدرجات عنه :ح12/112.

اللواء:

روی سلام بن المستنیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال:

لقد تسمّوا باسم ما سمّی الله به أحداً إلّا علی بن أبی طالب، وما جاء تأویله، قلت: جُعلت فداک متی یجیء تأویله؟ قال: إذا جاء جمع الله أمامه النبیین والمؤمنین حتی ینصروه وهو قول الله وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِیثاقَ النَّبِیِّینَ لَما آتَیْتُکُمْ مِنْ کِتابٍ وَ حِکْمَةٍ ... إلی قوله: وَ أَنَا مَعَکُمْ مِنَ الشّاهِدِینَ ،

فیومئذ یدفع رایة رسول(صلی الله علیه و آله) اللواء إلی علی بن ابی طالب فیکون أمیرالخلایق کلّهم أجمعین یکون الخلائق کلهم تحت لوائه ویکون هو أمیرهم فهذا تأویله»(1).

وروی الفضل بن شاذان فی کتاب القائم أن أمیر المؤمنین صلوات الله قال علی منبر الکوفة والله إنی لدیّان الناس یوم الدین، وقسیم الله بین الجنة والنار، لا یدخلهما داخل إلاّ علی أحد قسمی، أنا الفاروق الأکبر، والقرن من حدید، وباب الإیمان، وصاحب المیسم، وصاحب السنین، وأنا صاحب النشر الأوَّل، والنشر الآخر، وصاحب القضاء، وصاحب الکرّات، ودولة الدول، وأنا الإمام لمن بعدی، والمّؤدی عمن قبلی، لا یتقدمنی (أحد) الاّ أحمد صلوات الله علیه وآله، فإن جمیع الملائکة والرسل والروح خلفنا وإن رسول الله(صلی الله علیه و آله) وسلم لیدعی فینطق وأدعی فأنطق علی حد منطقه، ولقد أُعطیت السبع التی لم یسبق الیها أحد قبلی : بصّرت سبل الکتاب، وفتحت لی الأسباب، وعلمت الأنساب، ومجری الحساب،

ص:302


1- (1) تفسیر العیاشی: مجلد /1 ص181 ح77.

وعلمت المنایا والبلایا والوصیا، وفصل الخطاب، ونظرت فی الملکوت فلم یعزب عنی شیء غاب عنی، ولم یفتنی ماسبقنی ولم یشرکنی أحد فیما أشهدنی یوم شهادة الاشهاد، وأنا الشاهد علیهم وعلی یدی یتمّ موعد الله وتکمل کلمته، وبی یکمل الدین، وأنا النعمة التی أنعمها الله علی خلقه، وأن الاسلام الذی ارتضاه لنفسه، کل ذلک منٌّ من الله تعالی»(1).

عن عروة ابن أخی شعیب العقرقوفی، عمّن ذکره، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال:

«إذا أتیت عند قبر الحسین(علیه السلام) ویجزیک عند قبر کل إمام...»، وساق إلی قوله:

«اللهمَّ لا تجعله آخر العهد من زیارة قبر ابن نبیّک، وابعثه مقاماً محموداً تنتصر به لدینک، وتقتل به عدوّک، فإنّک وعدته، وأنت الرب الذی لا تخلف المیعاد»، وکذلک تقول عند قبور کلّ الأئمة(علیهم السلام)»(2)، ومفاد هذا الحدیث فی الزیارة أنّ کل إمامٍ من الاثنی عشر موعود بالنصر عندما یبعثه الله إلی دار الدنیا مرةً أخری فی الرجعة، فیمکنه الله من المقام المحمود وهی إقامة دولة العدل فینتصر الله به لدینه ویقتل به أعدائه، ولیس هذا مختصٌ بالإمام الثانی عشر(عج) عند الظهور، بل هو صلوات الله علیه فاتحةُ لرجوع الأئمة(علیهم السلام).

وما فی سورة عبس ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (3).

ص:303


1- (1) المحتضر: ص 161، ح170، وأیضاً بصائر الدرجات: ج3، باب 9 ،ح1 وح3 وح4، وأیضاً باب 10، ح5، ح6، ص219، الکافی: ج1، ص196 - 198، باب أن الأئمة هم أرکان الأرض، ح1وح2وح3.
2- (2) کامل الزیارات : باب 104،ح2/804،ص523-526.
3- (3) سورة عبس: الآیة 17.

ففی تفسیر علی بن إبراهیم : قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَکْفَرَهُ (1)، قال:

«هو أمیر المؤمنین»، قال:

«ماأکفره» أی ماذا فعل وأذنب حتی قتلوه، ثم قال: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَکْفَرَهُ * مِنْ أَیِّ شَیْ ءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِیلَ یَسَّرَهُ ، قال: (یسّر له طریق الخیر ) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذا شاءَ أَنشَرَه، قال: (فی الرجعة) کَلاّ لَمّا یَقْضِ ما أَمَرَهُ (2)، أی لم یقض أمیر المؤمنین ما قد أمره، وسیرجع حتی یقضی ما أمره».

ثم روی صحیح جمیل بن دراج، عن أبی سلمة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن قول الله: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَکْفَرَهُ قال: «نعم، نزلت فی أمیرالمؤمنین (علیه السلام)،

«ما أکفره» یعنی بقتلکم إیّاه، ثم نسب أمیر المؤمنین (علیه السلام)، فنسب خلقه وما أکرمه الله به، فقال:

«من أی شیء خلقه»، یقول: من طینة الأنبیاء خلقه، فقدّره للخیر،

«ثم السبیل یسره» یعنی سبیل الهدی، ثم أماته میتة الأنبیاء،

«ثم إذا شاء أنشره»، قلت: ما قوله

:«ثم إذا شاء أنشره»؟]، قال:

«یمکث بعد قتله فی الرجعة فیقضی ما أمره»(3).

الساعة:

وروی فی الهدایة بسنده عن المفضل بن عمر قال:

سألت سیدی الصادق(علیه السلام) هل للمأمول المنتظر المهدی (علیه السلام) من وقت

ص:304


1- (1) سورة عبس: الآیة 18.
2- (2) سورة عبس: الآیة 17 - 23.
3- (3) تفسیر القمی: ذیل سورة عبس،ج2،ص405-406.

مؤقت یعلمه الناس؟

فقال حاشا لله أن یوقت ظهوره بوقت یعلمه شیعتنا، قلت یاسیدی ولما ذاک؟

قال لأنه والساعة التی قال تعالی یَسْئَلُونَکَ عَنِ السّاعَةِ أَیّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّی لا یُجَلِّیها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا تَأْتِیکُمْ إِلاّ بَغْتَةً یَسْئَلُونَکَ کَأَنَّکَ حَفِیٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللّهِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النّاسِ لا یَعْلَمُونَ (1) الایة وهو الساعة التی قال تعالی یَسْئَلُونَکَ عَنِ السّاعَةِ أَیّانَ مُرْساها (2) وقال وَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ (3) ولم یقل عند أحد دونه وقال فَهَلْ یَنْظُرُونَ إِلاَّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِیَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها (4).

وقال اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ (5) وقال وَ ما یُدْرِیکَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِیبٌ (6) وقال یَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِها وَ الَّذِینَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَ یَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِینَ یُمارُونَ فِی السّاعَةِ لَفِی ضَلالٍ بَعِیدٍ (7) الحدیث(8).

ص:305


1- (1) سورة الأعراف: الآیة 87.
2- (2) سورة النازعات: ألآیة 42.
3- (3) سورة الزخرف: الآیة 58.
4- (4) سورة مُحمَّد: الآیة 18.
5- (5) سورة القمر: الآیة 1.
6- (6) سورة الأحزاب: الآیة 63.
7- (7) سورة الشوری: الآیة 18.
8- (8) الهدایة الکبری للحضینی /باب 14 ص392

الساعة إنباء النبی بالرجعة:

روی أبو بصیر، عن أبی عبد الله فی قوله تعالی: حَتّی إِذا رَأَوْا ما یُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَ إِمَّا السّاعَةَ فَسَیَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَکاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً (1)،

«قال: أما قوله: حَتّی إِذا رَأَوْا ما یُوعَدُونَ

فهو خروج القائم وهو الساعة فَسَیَعْلَمُونَ

الیوم ما نزل بهم من الله علی یدی قائمه فذلک قوله: مَنْ هُوَ شَرٌّ مَکاناً

یعنی عند القائم وَ أَضْعَفُ جُنْداً » ،

قلت: مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ (2)،

قال: «معرفة أمیر المؤمنین والأئمة(علیهم السلام)»، نَزِدْ لَهُ فِی حَرْثِهِ ،

قال: نزیده منها ،قال: «یستوفی نصیبه من دولتهم» وَ مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الدُّنْیا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِی الْآخِرَةِ مِنْ نَصِیبٍ

قال «لیس له فی دولة الحق مع القائم نصیب »(3).

وعن الباقر(علیه السلام) فی شرح قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) :

«علی یدی تقوم الساعة»، قال:

«یعنی الرجعة قبل القیامة، ینصر الله بی وبذرّیتی المؤمنین»(4).

روی أبو حمزة الثمالی، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: «قال أمیر المؤمنین(علیه السلام) ... إلی أن قال:

«وإن لی الکرة بعد الکرة، والرجعة بعد الرجعة، وأنا صاحب الرجعات

ص:306


1- (1) سورة مریم: الآیة 75.
2- (2) سورة الشوری: الآیة 20.
3- (3) الکافی الجلد /1ص431ح90.
4- (4) مناقب آل أبی طالب /ج2 ص207.

والکرّات، وصاحب الصولات والنقمات، والدولات العجیبات، وأنا قرن من حدید، وأنا عبدالله وأخو رسول الله(صلی الله علیه و آله)، وأنا أمین الله وخازنه، وعیبة سرّه وحجابه، ووجهه وصراطه ومیزانه، وأنا الحاشر إلی الله... » (1).

أحد أسماء النبی(صلی الله علیه و آله) فی التوراة والإنجیل: الحاشر:

عن عوف بن مالک، قال: انطلق النبی(صلی الله علیه و آله) یوماً وأنا معه حتی دخلنا کنیسة الیهود بالمدینة یوم عید لهم فکرهوا دخولنا علیهم، فقال لهم رسول الله(صلی الله علیه و آله) :

«یا معشر الیهود أنبُأنّا اثنا عشر رجلاً یشهدون أنه لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول ا لله یحبط الله عن کل یهودی تحت أدیم السماء الغضب الذی غضب علیه»، قال: فأسکتوا ما أجابه منهم أحد، ثم ردّ علیهم فلم یجبه أحد، ثم ثلّث فلم یجبه أحد، فقال:

«أبیتم فوالله إنّی لأنا الحاشر (وانا العاقب، وانا المقفّی) وأنا العاقب وأنا النبی المصطفی آمنتم أو کذبتم...»(2).

إنجاز الوعد وإقامة الدین وإظهار الحق فی الرجعة:

وقد تقدم خبر عروة ابن اخی شعیب العقرقوفی عمن ذکره عن أبی

ص:307


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /ح101 /1ص162.
2- (2) مسند احمد /ج6ص25ح: عوف بن مالک الاشجعی، مستدرک الحاکم النیسابوری /ج3ص 415، مجمع الزوائد للهیتمی/مجلد7 ص105، صحیح بن حبان/ مجلد/ 16ص119 وأضاف (وانا العاقب وانا المقفی )، وکذا الزیادة فی المعجم للطبرانی /مجلد18 ص47، وکذا مسند الشامیین للطبرانی /مجلد/2، موارد الضآن للهیتمی: جلد/6 ص664.

عبدالله(علیه السلام)، الوارد فی کامل الزیارة فی زیارة الامام الحسین(علیه السلام) وزیارة قبر کل امام: الدعاء لکل منهم(علیهم السلام) أن یبعثه الله مقاما محمودا ینتصر به لدینه ویقتل به عدوه، وأن ذلک وعدا من الله لا یخلف وعده(1).

وصحیح برید بن معاویة، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: « والله لا تذهب الأیام واللیالی حتی یحیی الله الموتی، ویمیت الأحیاء، ویرد الحقّ إلی أهله، ویقیم دینه الذی ارتضاه لنفسه... (2).

إنجاز الوعد علی ید الرسول(صلی الله علیه و آله)

عن جابر بن یزید، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال:

«إنّ لعلی(علیه السلام) فی الأرض کرة مع الحسین ابنه صلوات الله علیهما، یُقبل برایته حتی ینتقم له من بنی أمیة ومعاویة وآل معاویة، ومن شهد حربه.

ثم یبعث الله إلیهم بأنصاره یومئذ من أهل الکوفة ثلاثین ألفاً، من سائر الناس سبعین ألفاً فیلقاهم بصفّین مثل المرة الأولی حتی یقتلهم فلا یبقی منهم مخبراً، ثم یبعثهم الله عَزَّ وَجَلَّ فیدخلهم أشدّ عذابه مع فرعون وآل فرعون، ثم کرة أخری مع رسول الله(صلی الله علیه و آله) حتی یکون خلیفته فی الأرض، ویکون الأئمة(علیهم السلام) عمّاله، وحتی یعبد الله علانیة فتکون عبادته علانیة فی الأرض، کما عبد الله سراً فی الأرض. ثم قال:

«أی والله وأضعاف

ص:308


1- (1) کامل الزیارات/باب 104 ح2/804ص5523 - 526.
2- (2) تهذیب الأحکام /باب الزیادات فی الزکاة: ح8/247 ج4ص97، الکافی :باب ادب المصّدق/ح1ج3ص538.

ذلک - ثم عقد بیده أضعافاً - یعطی الله نبیه ملک جمیع أهل الدنیا منذ یوم خلق الله الدنیا إلی یوم یفنیها، حتی ینجز له موعوده فی کتابه کما قال: لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ (1).

وأما الحشر والنشر: فسیأتی فی الباب الثالث أنه متعدد ولا ینحصر بعالم یوم القیامة الکبری والمعاد الأکبر، وأن أئمة أهل البیت(علیهم السلام) هم أصحاب الحشر والنشر لأنَّهم حکّام الآخرة من قبله تعالی وجمیع الملائکة فی الحشر مأمورون من الله بطاعتهم .

وأما کونه(علیه السلام) دولة الدول وصاحب الکرات والرجعات أیضاً، بمعنی صاحب الصولات الخفیة للحق فی کل بقعة وفی کل زمان، فقد ورد بمعان عِدَّة:

أحدها: أنه صاحب دول ودولات عدیدة فی الرجعة، لأن له (علیه السلام) رجعات وکرّات، وفی کل رجعة وکرة دولة فهو صاحب دول، وأکثر من یرجع عدداً من أئمة أهل البیت(علیهم السلام) هو أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وقد ورد أن الرجعة من مختصات علی (علیه السلام) فی قبال اختصاص النبی(صلی الله علیه و آله) بالقیامة، مع أن للنبی شأنا عظیما فی الرجعة، ولعلی شأنا کبیرا فی القیامة.

وثانیها: أن أکبر دولة یقیمها أئمة أهل البیت(علیهم السلام) هی دولة أمیر المؤمنین(علیه السلام) دون دولة الرسول(صلی الله علیه و آله) التی هی أعظم دولة علی الاطلاق.

ص:309


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /ح45/99ص150.

ثالثها: هو الدولة الإلهیة الخفیة القابضة علی الدول فی کل البقاع وکل الأزمان.

وأما کونه صاحب العصا والمیسم: فهو کما سیأتی تفصیله فی الباب الثالث والرابع مقام تکونی للإمام(علیه السلام) یضفی طور کمال علی الماهیة والذات النوعیة للمؤمن، وکذلک فی تسافل ماهیة وذات الکافر.

فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال:

«تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسی(علیه السلام) وخاتم سلیمان(علیه السلام) تجلوا وجه المؤمن بعصا موسی (علیه السلام) وتسم وجه الکافر بخاتم سلیمان(علیه السلام)»(1).

ولا یخفی أن سلیمان بخاتمه سخّر الشیاطین والعفاریت، فهو مقام قاهر للمتمردین وفیه إطواع ردعی تکوینی لتمرد الکفار.

وأما عصا موسی(علیه السلام) فمقام یظهر منه البرهان والنور والبیان فیناسب طوعان المؤمن، وقد روی أهل سنة الجماعة والخلاف روایات مستفیضة فی العصا والمیسم بخاتم سلیمان، وهی من الفصول والأحداث المهمة فی الرجعة لعلی(علیه السلام) ولم یشعروا بحقیقة هذه الروایات.

وأما کونه (علیه السلام) صاحب لواء الحمد والحوض وبعض مواطن الأعراف وغیرها من المقامات الذی یظن عامة المفسرین والمتکلمین وعامة المسلمین أنها من مشاهد القیامة الکبری فهی من مشاهد وأحداث الرجعة والحیاة

ص:310


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /ح34/545ص 572.

الآخرة من الدنیا وسیأتی تفاصیله فی الباب الثالث.

وروی عن الباقر(علیه السلام) فی شرح قول أمیر المؤمنین(علیه السلام)

«علی یدی تقوم الساعة» قال یعنی الرجعة قبل القیامة ینصر الله بی وبذریتی المؤمنین(1).

المقام الثالث: تکامل دعوتهم: وقد مرّ البحث فی ذلک مفصلاً فی غایات وفلسفات الرجعة.

المقام الرابع: ظهور ملک الإمامة الإلهیة: وقد مرّ تعریف الإمامة بملک الرجعة وملک الجنة والآخرة فی حدیث المفضل عن الصادق (علیه السلام) وغیره من الأحادیث.

المقام الخامس: أنّ الرجعة کاشفة عن بقاء أدوارهم فی الأرض بعد الممات سواء عبر ما یسمی بالنزول - کنزول وتنزل الملائکة وقد مرت الاشارة فی تعریف حقیقة الرجعة الی الفرق بین النزول والرجعة وسیأتی شرحه مبسوطاً فی الباب الثالث - أو - أدورهم عبر رجعتهم إلی الدنیا الآن.

وقد روی الشیخ فی المصباح والسید ابن طاووس هذا الدعاء فی لیلة النصف من شعبان وهو بمثابة زیارة للإمام الغائب صلوات الله علیه إذْ قال فیه:

«والمنزّل علیهم ما یتنزل فی لیلة القدر وأصحاب الحشر والنشر تراجمة وحیه وولاة أمره ونهیه»(2)، وهو مقام یغایر مقام دیّانیة یوم الدین.

ص:311


1- (1) مناقب آل أبی طالب ج2 ص207 ،عنه بحار الانوار /مجلد 53 ص120 ح153.
2- (2) مصباح المتهجد: فصل فی الزیارات فی أعمال شهر رجب وشعبان.

المقام السَّادِس: تبعیة من یرجع من الأنبیاء للأئمة(علیهم السلام) کتبعیة موسی(علیه السلام) للخضر بل أعظم من ذلک، وقد ورد فی روایات الفریقین نزول النبی عیسی(علیه السلام) إلی الأرض وصیرورته وزیراً للإمام المهدی(عج) ویصلی خلفه، وأنه سیکون فی رکب الإمام المهدی (عج) وتحت رایته وتبعاً لإمامته عدة من الأنبیاء کإلیاس(علیه السلام)، بل سیأتی فی الباب الرابع أن أول رجعة للحسین(علیه السلام) سیکون فی رکبه سبعین نبیاً، بل سیأتی أیضاً أن فی أحد رجعات أمیر المؤمنین(علیه السلام) یکون فی رکبه وتحت إمرته ورایته جمیع الأنبیاء والمرسلین السابقین، ومن ثم کان أمیر المؤمنین(علیه السلام) المهدی الأکبر وسیأتی تفصیل ذلک فی الباب الرابع.

وقد أنبأ عن ذلک القرآن الکریم فی جملة الآیات، من کقوله تعالی: ما أَفاءَ اللّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری فَلِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساکِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ کَیْ لا یَکُونَ دُولَةً بَیْنَ الْأَغْنِیاءِ مِنْکُمْ (1).

فهذه الآیة الشریفة تشریع خالد إلی یوم القیامة، وهو أن ولاة الفیء - الذی هو جمیع ثروات الأرض - تدبیره بولایة الله ورسوله وقربی النبی(صلی الله علیه و آله)، فلم یُسند الله هذه الحاکمیة لأحد من الأنبیاء السابقین عند رجوعهم إلی الدنیا، فلا تکون لهم حاکمیة وإمامة مع وجود قربی النبی(صلی الله علیه و آله) إلی یوم القیامة، بل ذکرت الآیة الکریمة أیضاً أن العدالة لن تستتب فی الأرض ولن یُزال استئثار الأغنیاء بالثروات إلّا بحاکمیة ذوی

ص:312


1- (1) سورة الحشر: الآیة 7.

القربی فی الأرض وإدارتهم لثرواتها، وحینئذ یفهم معنی قوله تعالی: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِیثاقَ النَّبِیِّینَ لَما آتَیْتُکُمْ مِنْ کِتابٍ وَ حِکْمَةٍ ثُمَّ جاءَکُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلی ذلِکُمْ إِصْرِی قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَکُمْ مِنَ الشّاهِدِینَ (1).

بضمیمة ما دل علی الرجعة ورجعة جمیع الأنبیاء والأوصیاء السابقین أن نصرتهم لسید الأنبیاء هو بنصرة أوصیائه من قرباه.

المقام السابع: إنجاز الوعد الإلهی وإقامة الدین وإظهار الحق فی الرجعة:

حیث قد وعدت کثیر من الآیات بإهلاک الجبابرة والطغاة وسؤدد المستضعفین والمحرومین کقوله تعالی: وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ (2)، وأیضاً قوله تعالی: وَ لَقَدْ کَتَبْنا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُها عِبادِیَ الصّالِحُونَ (3)، وغیرها من آیات الوعد الإلهی کالتی تذکر أن العاقبة للمتقین لا البدایة والأولی والوسطی.

المقام الثَّامِن: أن الرجعة بإرادة ولی الله من الأئمة(علیهم السلام) وکذا الإبقاء والتقدیر لمدة البقاء فیها.

المقام التَّاسِع: الأداء والقیام بالنذارة الکبری من قبل النبی(صلی الله علیه و آله)،

ص:313


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 81.
2- (2) سورة القصص: الآیة 5.
3- (3) سورة الأنبیاء: الآیة 105.

والقیام بالولایة الکبری من قبل أمیرالمؤمنین(علیه السلام) والأئمة من ولده کما سیأتی جملة من الکلام حول ذلک فی الباب الرابع، وتقدم شطراً منه فی الفصول السابقة ویشیر إلیه قوله تعالی: یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ (1).

فإن تأویلها الأعظم فی الرجعة کما ورد عنهم(علیهم السلام)، وکذا قوله تعالی: هذا نَذِیرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولی (2).

فی مقابل نذارته الأخیرة والآخرة فی الرجعة.

المقام العاشر: أنّ رجوع ورجعة کل إمام یعبّر عنه بظهوره(علیه السلام)، وأن موته یعبّر عنه بمغیبه وغیبته وأن کل إمام مات بین ظهرانی قوم فهم یرجعون معه کنظام المجموعات فی الرجعة، وقد روی الطبری فی دلائل الإمامة عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال

«العام الذی لا یشهد صاحب هذا الأمر الموسم لا یُقبل من الناس حجهم»(3)، وقد أشار غیر واحد من أهل الفطنة والذوق من أهل الحدیث أن عمل الإمام إمام العمل لبقیة سائر الناس، فلا یرتفع من أعمالهم شیئاً ولا تفتح لها أبواب السماء إلّا بعمله صلوات الله علیه، فعمله شافع للأعمال.

نظیر الإشارة فی قوله تعالی: ما یَعْبَؤُا بِکُمْ رَبِّی لَوْ لا دُعاؤُکُمْ (4)،

ص:314


1- (1) سورة المدثر: الآیة 1 - 2.
2- (2) سورة النجم: الآیة 56.
3- (3) دلائل الإمامة للطبری: ح485، ص487.
4- (4) سورة الفرقان: الآیة 77.

وقد بیّن شرط الدعاء فی القرآن أنه التوجه والتوسل بالنبی(صلی الله علیه و آله) إلی الحضرة الإلهیة واللواذ به کما فی قوله تعالی: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِیماً قُلْ ما یَعْبَؤُا بِکُمْ رَبِّی لَوْ لا دُعاؤُکُمْ فَقَدْ کَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ یَکُونُ لِزاماً (1)، وقوله تعالی: وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ تَعالَوْا یَسْتَغْفِرْ لَکُمْ رَسُولُ اللّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَ رَأَیْتَهُمْ یَصُدُّونَ وَ هُمْ مُسْتَکْبِرُونَ (2) وکذا الإشارة إلیه فی قوله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ اسْتَکْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ (3) فلا یکفی مجرد التصدیق بآیات الله الناطقة وهم الحجج بل لابدَّ من الخضوع لطاعتهم والانقیاد إلیهم.

ولا یکفی ذلک أیضاً، بلْ لابدَّ من ضمیمة الإقبال علیهم وعدم الصد عنهم وصلتهم ووصل أعمالنا بأعمالهم.

وفی الحقیقة هذا الحدیث الشریف یمثل تفسیر لاشتراط الولایة فی الأعمال لا فی مقام النیة فحسب، بل اقتران العمل بعمله(علیه السلام)، فعمله أمام أعمال الناس للوفود علی أبواب السماء وهکذا فی بقیة العبادات، وهذا نظیر ما ورد فی الحج مستفیضاً أنه من دون انضمامه لزیارة النبی(صلی الله علیه و آله) والإمام (علیه السلام) والوفود علیهم لا یقبل الحج، کما هو تأویل قوله تعالی: ثُمَّ لْیَقْضُوا تَفَثَهُمْ

ص:315


1- (1) سورة النساء: الآیة 64.
2- (2) سورة المنافقون: الآیة 5.
3- (3) سورة الأعراف: الآیة 40.

وَ لْیُوفُوا نُذُورَهُمْ 1 فقضاء التفث هو التطهیر بولایة النبی وأهل بیته(علیهم السلام)، والوفاء بالنذر إتمام الحج والإتیان بالنسک لأن ولایة أهل البیت(علیهم السلام) تنفی عن الإنسان بل عن جمیع المخلوقات الطاغوتیة والفرعونیة فی ذات کل نفس فتطهرها عن الشرک والتکبر.

المقام الحادی عشر: جملة من المقامات الأُخری التی سترد تفاصیلها فی الباب الثالث والرابع کاستشهاد سید الشهداء(علیه السلام) مرة أُخری فی رجعته الأولی، واستشهاد أمیرالمؤمنین(علیه السلام) فی رجعاته الأولی، والمقاصة والمطالبة فی الظلامات التی وقعت فی طیلة تاریخ البشریة، وهذا الاستشهاد لا یعنی زوال دولتهم بل دولتهم مستمرة لا تقوض إلی یوم القیامة فلیس بعد دولتهم دولة، وإنما یتعاقبون(علیهم السلام) فی الظهور والرجوع إلی دار الدنیا لیأخذ کل دوراً بعد الآخر.

المقام الثَّانِی عشر: الإعداد لجملة من مقاماتهم ومشاهدهم التی تظهر یوم القیامة کمنبر الوسیلة ومقام الشفاعة وغیرها.

ملاحم الرجعة:

وفی صحیح أبی أسامة، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال: سألته عن قوله تعالی: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَکْفَرَهُ قال نعم : نزلت فی أمیر المؤمنین(علیه السلام)، ما أَکْفَرَهُ ،یعنی بقتلکم إیّاه ثم نسب أمیر المؤمنین(علیه السلام) فنسب خلقه

ص:316

وما اکرمه الله به فقال مِنْ أَیِّ شَیْ ءٍ خَلَقَهُ ، یقول: من طینة الأنبیاء خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ للخیر، ثُمَّ السَّبِیلَ یَسَّرَهُ یعنی سبیل الهدی، ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ میتة الانبیاء ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ قلت ما قوله ثم إذا شاء أنشره قال یمکث بعد قتله فیفقضی ماآمره .الحدیث(1)

فالصحیح یبین أن الآیات مفادها أن برنامج أمیر المؤمنین(علیه السلام) طویل أمده ولایقتصر علی مجرد الانتقام من الأعداء، ولذلک ستکرّررجعاته.

ص:317


1- (1) تفسیر القمی /فی ذیل سورة عبس /ج2 ص406.

ص:318

الفصل الثامن:الرجعة ونظام الإمامة

ص:319

ص:320

الفصل الثامن:الرجعة ونظام الإمامة

اشارة

إن کل إمام من الأئمة الاثنی عشر مهدی منتظر موعود فی عقیدة مدرسة أهل البیت ویدعی بتعجیل فرجه وظهوره.

إن مقام المهدویة - کما سیتبین - هو مقام لکل إمام من الأئمة الاثنی عشر(علیهم السلام) عندما یقیموا دولة الحق والعدل، وأن موتهم ومکثهم فی البرزخ بمثابة غیبة مؤقتة لهم تنتهی برجوعهم إلی الدنیا، وهو ظهورهم من بعد غیبة الموت.

وسیأتی فی مقال لاحق فی هذا الفصل أن المهدیِّین الاثنی عشر هم الأئمة الإثنا عشر، وهو مقام الرجعة لهم بإقامة الدولة المعلنة .

وقدْ وَرَدَ فی آداب زیارة کل معصوم الدعاء له بتعجیل فرجه وظهوره، لینجز الله له ما وعده من النصر وإقامة دولة العدل علی یدیه، وأن کل

ص:321

واحد منهم(علیهم السلام) موعود ومنتظر ظهوره.

وقد حصلت غفلة لدی غالب عامّة المؤمنین عن إتیان هذه الأدعیة والآداب فی زیارة کل معصوم، وهو ما أوجب الغفلة عن تعالیم العقیدة بالرجعة والمعرفة بکل إمام بحق معرفته، أی الغفلة عن المعرفة المستقبلیة لکل إمام، فإنَّ الدعاء بتعجیل الفرج لیس خاصاً بالإمام المهدی(عج)، بل وارد فی زیارة کل إمام معصوم، بل وارد فی آداب زیارة الرسول(صلی الله علیه و آله) أیضاً، لأن الرسول(صلی الله علیه و آله) أیضاً موعود منتظر رجعته فی آخر الرجعة، لیقیم أکبر دولة علی وجه الأرض، ویکون الأئمة الإثنا عشر وزراءا له.

ومن تلک الموارد:

1 - فقد روی الشیخ فی مصباح المتهجد عن جعفر بن محمد الصادق(علیه السلام) أنه قال: من أراد أن یزور قبر رسول الله(صلی الله علیه و آله) والأئمة(علیه السلام) من بعید فلیقل وساق الزیارة إلی قوله:

«إنی من القائلین بفضلکم، مقر برجعتکم لا أنکر الله قدرة، ولا أزعم إلّا ما شاء الله»(1).

2 - وروی ابن قولویه فی کامل الزیارات فی المعتبر، عن عمرو ابن أبی شعیب العقرقوفی، عمن ذکره عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال:

«إذا أتیت عند قبر الحسین(علیه السلام) ویجزیک عند قبر کل إمام...»، وساق أدب الزیارة والدعاء فیها إلی قوله(علیه السلام) :

«اللهمَّ لا تجعله آخر العهد من زیارة قبر ابن نبیّک، وابعثه

ص:322


1- (1) مصباح المتهجد/ص289ح11/399.

مقاماً محموداً تنتصر به لدینک، وتقتل به عدوّک، فإنّک وعدته، وأنت الربّ الذی لا تخلف المیعاد»، وکذلک تقول عند قبور کلّ الأئمة(علیهم السلام)»(1).

وهذه الروایة والزیارة صریحة فی أن من المقام المحمود لکل إمام أن ینتصر الله به لدینه فی الدنیا، ویقتل به أعداء الله وأن کل إمام موعود من الله بذلک، وقد مرّت الآیات القرآنیة التی فیها هذا الوعد لکل إمام.

3 - وروی السید بن طاووس فی إقبال الأعمال فی أعمال شهر ذی الحجة أنه یستحب أن یدعی فی یوم دحو الأرض بهذا الدعاء وساقه إلی قوله:

«وابعثنا فی کرته حتی نکون فی زمانه من أعوانه» وهذا الدعاء فی شأن أمیر المؤمنین(علیه السلام) نظیر الدعاء الوارد فی الإمام الحجة (عج).

4 - وروی السید بن طاووس فی مصباح الزائر زیارة طویلة للحسین(علیه السلام) وفی آخرها هذا الدعاء:

«اللَّهُمَّ فصل علی سیدی ومولای ترفع بها ذکره، وتظهر بها أمره، وتعجل بها نصره، واخصصه بأفضل قسم الفضائل یوم القیامة ...» الحدیث(2)

ومتن هذه الزیارة صریح فی الدعاء بتعجیل نصر سید الشهداء(علیه السلام) بظهوره مرة أخری برجعة من القبر إلی دار الدنیا، وأن لفظ الدعاء بتعجیل نصره(علیه السلام) نظیر الدعاء الوارد بتعجیل فرج المهدی(علیه السلام) .

ص:323


1- (1) کامل الزیارات :ب/104ح2تحت عنوان زیارة لجمیع الائمة علیهم السلام.
2- (2) مصباح الزائر ص245.

5- ما رواه بن قولویه فی کامل الزیارات من صحیح أبی حمزة الثمالی عن الصادق(علیه السلام) فی زیارة الحسین(علیه السلام)

«ونصرتی لکم معدة حتی یحیکم الله لدینه ویبعثکم، وأشهد أنکم الحجة وبکم ترجی الرحمة فمعکم معکم لا مع عدوکم إنی بإیابکم من المؤمنین لا أنکر لله قدرة ولا أکذب منه بمشیئة»

ثم قال:

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی أمیر المؤمنین عبدک وأخی رسولک الذی أنتجبته بعلمک، وجعلته هادیا لمن شئت من خلقک، والدلیل علی من بعثت برسالتک، ودیّان الدین بعدلک، وفصل قضائک بین خلقک، والمهمین علی ذلک کله، والسلام علیه ورحمة وبرکاته .اللهم أتمم به کلماتک وأنجز به وعدک وأهلک به عدوک واکتبنا فی أولیائه وأحبائه، اللهم اجعلنا شیعة وأنصاراً وأعواناً علی طاعتک وطاعة رسولک وما وکلت(وکلته) به واستخلفته علیه(1).

وهذا الدعاء قد ذکر فی الزیارة بضمیر الجمع أیضا بعد الصلاة علی کل امام امام، مما یفید ان کل إمام من الائمة الاثنی عشر سینجز الله لکل واحد منهم دولة الحق وإقامة العدل التی وعد بها وقطع بها علی نفسه فی العدید من السور القرآنیة.

6 - ما رواه شیخ الطائفة أبو جعفر الطوسی فی المصباح الکبیر - فی ذکر قنوت الوتر - قال: ویستحبّ أن یزاد هذا الدعاء:

«الحمد لله شکراً لنعمائه» - وذکر شکایة طویلة من أحوال الغیبة والدعاء لصاحب الزمان بتعجیل الفرج والخروج - إلی أن قال:

«اللَّهُمَّ وشرّف بما استقلّ به من

ص:324


1- (1) کامل الزیارات: باب 79 ح23/639ص404.

القیام بأمرک لدی مواقف الحساب مقامه، وسرّ نبیک محمداً(صلی الله علیه و آله) برؤیته ومن تبعه علی دعوته، ثم قال: ورُدّ عنه من سهام المکائد ما یوجّهه أهل الشنئآن إلیه وإلی شرکائه فی أمره، ومعاونیه علی طاعة ربّه...» الدعاء(1).

والتعبیر فی الدعاء (وسرّ نبیک محمد برؤیته) دال علی أن النبی(صلی الله علیه و آله) لا زال یولی الاهتمام والرعایة والتدبیر لمجریات وأحداث البشر فی دار الدنیا، وأنَّه(صلی الله علیه و آله) یتابع تفاصیل الامور.

کما أن التعبیر فی الدعاء إلی شرکائه فی أمره فی مقابل معاونیه یظهر منه الإشارة الی بقیة الائمة الاثنی عشر، وأنهم صلوات الله علیهم لایزالون مساهمین فی القیام بأمر الله.

7 - ما رواه الشیخ أیضاً فی المصباح - فی أدعیة الصباح والمساء - فی الدعاء الکامل المعروف بدعاء الحریق یقول فی آخره:

«اللَّهُمَّ صلِّ علی محمد وأهل بیته الطیبین وعجّل فرجهم وفرجی، وفرّج عن کل مهموم من المؤمنین والمؤمنات، اللهم صل علی محمد وآل محمد وارزقنی نصرهم وأشهدنی أیامهم واجمع بینی وبینهم فی الدنیا والآخرة، واجعل منک علیهم واقیة حتی لایخلص إلیهم إلّا بسبیل خیر وعلی من معهم وعلی شیعتهم ومحبّیهم وعلی أولیائهم» الدعاء(2).

والتعبیر فی الدعاء (وارزقنی نصرهم وأشهدنی أیامهم) دال علی أن لکل واحد من الائمة الاثنی عشر دولة وأیام نصر کتب الله له، کما أن لهم

ص:325


1- (1) مصباح المتهجد:ح46/250ص161.
2- (2) مصباح المتهجد ح73/335ص227.

فی الاخرة ملکا.

8 - وما رواه ابن قولویه أیضاً فی کامل الزیارات (المزار)- فی زیارة للحسین بن علی(علیه السلام) - بسنده عن سعدان بن مسلم - قائد أبی بصیر - قال: حدثنی بعض أصحابنا عن أبی عبد الله(علیه السلام) وذکر الزیارة للحسین(علیه السلام) یقول فیها بعد ذکر النبی والأئمة(علیهم السلام):

«وحبب إلیّ مشاهدهم حتی تُلحقنی بهم، وتجعلهم لی فرطاً، وتجعلنی لهم تبعاً فی الدنیا والآخرة، قال: ثم تقول: لبیک داعی الله، إن کان لم یجبک بدنی فقد أجابک قلبی وشعری وبشری ورأی وهوای علی التسلیم لخلف النبی المرسل والسبط المنتجب، والدلیل العالم ... فقلبی لکم مسلّم، وأمری لکم متبع، ونصرتی لکم معدّة حتی یحییکم الله لدینه ویبعثکم، فمعکم معکم لا مع عدوّکم، إنی من المؤمنین برجعتکم، لا أنکر لله قدرة، ولا أکذب له مشیئة، ولا أزعم أن ما شاء الله لا یکون ... وذکر الزیارة»(1).

وفی الزیارة تنصیص علی أن الله یبعث الائمة من القبور رجوعا الی الدنیا ویُعلی أمره بهم ویحی بهم دینه.

9 - وما رواه الکلینی أیضاً فی الباب المذکور بالسند السابق یقول فیه أبو عبد الله(علیه السلام) : إذا أردت أن تودّعه فقل:

السلام علیک ورحمة الله وبرکاته أستودعک الله ... إلی أنْ قال:

«اللهمَّ لا تجعله آخر العهد منا ومنه، اللهم أنی أسألک أن تنفعنا بحبه، اللهم ابعثه مقاماً محموداً تنصر به دینک، وتقتل به عدوک، وتبیر به من نصب حرباً لآل محمد، فإنک وعدت ذلک وأنت لا تخلف

ص:326


1- (1) الکافی /المجلد /4 ص 572/باب زیارة قبر ابی عبدالله الحسین*.

المیعاد، والسلام علیک ورحمة الله وبرکاته، أشهد أنکم شهداء نجباء، جاهدتم فی سبیل الله وقتلتم علی منهاج رسول الله(صلی الله علیه و آله) تسلیما کثیراً»(1).

وفی هذه الزیارة تنصیص علی بعث سید الشهداء بخصوصه من القبر راجعا الی الدنیا لینتصر الله به لدینه ویُبیر به أعداءه بإقامة دولة العدل الالهی وهو أحد درجات المقام المحمود .

ثم إن هذا المضمون قد ورد فی کثیر من زیارات الحسین(علیه السلام)، وکذلک فی کثیر من زیارات أمیر المؤمنین(علیه السلام)، وکذلک ورد فی واحدة من زیارات کل إمام من بقیة الائمة أوأکثر من زیارة واحدة لکل منهم، وهذا مما یدلّل علی أن من مقومات زیارتهم مع عرفان حقهم حال زیارة الزائر العارف بأنهم(علیهم السلام) لازالوا ولاة یلون أمرالله فی الناس، وانهم ینتظر عودهم الی الدنیا ببعث الله إیاهم من قبورهم، وأن هذه القبور والمراقد الشریفة، کما هی موطن غیبتهم فهی موطن ظهورهم وخروجهم مرة أخری، وأن الالتزام بزیارة تلک القبور والمراقد عبارة عن إنتظار وترقب لعودتهم وثبات علی ولائهم وطاعتهم والإنقیاد لهم.

فقد ورد فی بعض زیارات أمیر المؤمنین(علیه السلام) والتی أوردها المشهدی فی مزاره الکبیر قول الزائر فی وسط الزیارة مخاطباً أمیر المؤمنین(علیه السلام)

«... مؤمن برجعتک، منتظر لامرک مترقب لدولتک آخذ بقولک، عامل بأمرک، مستجیر بک، مفوض أمری إلیک متوکل فیه علیک، زائر لک، لائذ ببابک الذی فیه غبت

ص:327


1- (1) الکافی/المجلد 4/ ص575، أبواب الزیارات، باب زیارة الحسین بن علی*/ح1.

ومنه تظهر، حتی تُمکّن دینه الذی ارتضی، وتبدل بعد الخوف أمنا،وتعبد المولی حقا، ولاتشرک به شیئا، ویصیر الدین کله لله، وأشرقت الارض بنور ربها، ووضع الکتاب وجیء بالنبیین والشهداء وقضی بالحق وهم لایظلمون، والحمد لله رب العالمین»(1).

وفی الروایة جملة من الفوائد:

الأُولی: إن مواضع قبورهم ومراقدهم أبواب للاخرة یتجه منها تجاه دار الاخرة، فهی مشاعر أخرویة فی بقاع أرضیة، کما قال تعالی ( فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ ) (2) وقد روی الفریقان فی ذیل الایة أن بیت علی وفاطمة(علیهاالسلام) من أفاضلها(3).

الثانیة: أن مراقدهم وقبورهم أبواب غُیّبُوا فیها ومنها سیبعثون تارة اخری الی دار الدنیا فی الرجعة، فهی مواطن انتظار لرجعتهم ومطالع ترقب لأوبتهم ومشارف آمال لکرتهم، فمن ثّم کانت ملاذاً ومستجاراً ومعاذاً.

الثالثة: أن مفاد هذه الزیارة أن الحساب ووضع الکتاب والمجیئ

ص:328


1- (1) المزار الکبیر لبن المشهدی/القسم :3/الزیارة /15ص308.
2- (2) سورة النور : الآیة 36 .
3- (3) شواهد التنزیل ، الحسکانی ج6 ص534 533 ح 568 567 ، الدر المنثور ، السیوطی ج5 ص 50 قال اخرجه بن مردویه عن أنس بن مالک وبریده الاسلمی عن رسول الله .

بالنبیین والشهداء(1) للمحاسبة هی فی الرجعة فی أواخرها ویتم القضاء بالفصل بالحق.

الرابعة: إن کمال إزدهار عمارة الارض سیتم بظهور وسیطرة الدین علی سائر أرجاء الارض، وهو سیتحقق فی الرجعة بدءا من ظهور الصاحب وصعوداً وإرتقاءاً وانتهاءاً فی أواخر الرجعة.

ویظهر مما سبق من الروایات أن کل الائمة موعودون بالرجعة، وأن کلا منهم منتظر ومهدی یقیم دولة العدل الالهی، وقد ورد فی زیارات الحسین، بل فی عدة من زیارات الائمة(علیهم السلام) الدعاء «تنتصر به لدینک».

وهو إشارة الی رجعة الحسین(علیه السلام) ورجعة بقیة الائمة(علیهم السلام)، وهذا المفاد فی هذا الدعاء شبیه مفاد دعاء: «اللهمَّ کن لولیک الحجة...».

بل هذا الدعاء الاخیر فی الاصل لیس مخصوصاً بالامام الثانی عشر(عج)، بل عام لکل الائمة الاثنی عشر(علیهم السلام).

وقد ورد فی أحد زیارات الحسین(علیه السلام) خطاباً لأنصار الحسین(علیه السلام): «إن الله منجز لکم ما وعدکم»، بل وکذا فی زیارة أبی الفضل العباس(علیه السلام).

10- ما ذکره الشیخ الطوسی فی مصباح المتهجد فی أعمال یوم الجمعة قال: ویستحب زیارة النبی(صلی الله علیه و آله) والأئمة(علیهم السلام) فی یوم الجمعة، وروی عن جعفر بن محمدالصادق (علیه السلام) أنه قال: من أراد أنْ یزور قبر رسول الله(صلی الله علیه و آله)

ص:329


1- (1) سورة الزمر: الآیة 69.

وقبر أمیر المؤمنین(علیه السلام) وقبر فاطمة والحسن والحسین(علیهم السلام) وقبور الحجج(علیهم السلام) وهو فی بلده فلیغتسل فی یوم الجمعة، ثم ساق آداب مقدمة للزیارة (ویقدم صلاة الزیارة، فإذا تشهد وسلم فلیقم مستقبلاً القبلة ولیقل: السلام علیک أیها النبی ورحمة الله وبرکاته السلام علیک أیها النبی المرسل والوصی المرتضی والسیدة الکبری والسیدة الزهراء(علیهاالسلام)، والسبطان المنتجبان والأولاد والأعلام والأمناء المنتجبون ... جئت انقطاعاً إلیکم وإلی آبائکم وولدکم الخلف علی برکة الحق فقلبی لکم مسلّم، ونصرتی لکم معدة حتی یحکم الله بدینه، فمعکم معکم لا مع عدوکم إنّی لمن القائلین بفضلکم مقر برجعتکم لا أنکر لله قدرة ولا أزعم إلّا ما شاء الله سبحان الله ذی الملک والملکوت(1).

وهذه الروایة لهذه الزیارة لهم(علیهم السلام) من بُعد ظاهرة فی کون هذا من آداب الزیارة عند کل المعصومین(علیهم السلام)، وأن کل واحد منهم(علیهم السلام) مترقب منتظر لرجعته للحکم فی الأرض، بأن یبعثه الله فی الدنیا رجعة، وهذا شامل للنبی(صلی الله علیه و آله) وفاطمة(علیهاالسلام) کما هو للأئمة الاثنی عشر.

11 - ما رواه بن قولویه فی کامل الزیارات فی زیارة الحسین(علیه السلام) بطریق معتبر عن أبی حمزة الثمالی عن الصادق(علیه السلام) ... وذکر(علیه السلام) آداب الزیارة والدعاء قبلها، ثم ذکر الزیارة ثم قال(علیه السلام): «قل: لبیک داعی الله سبعاً. وقل: إن لم یجبک بدنی عند استغاثتک فقد أجابک قلبی وسمعی وبصری ورأی وهوای علی التسلیم لخلف النبی المرسل والسبط المنتجب والدلیل العالم والأمین

ص:330


1- (1) مصباح المتهجد :ح11/339ص289.

المستخزن والمؤدی المبلغ والمظلوم المضطهد جئتک انقطاعاً إلیک وإلی جدک وأبیک وولدک الخلف من بعدک، فقلبی لکم مسلم ورأی لکم متبع ونصرتی لکم معدة حتی یحکم الله بدینه ویبعثکم، وأشهد الله أنکم الحجة وبکم ترجی الرحمة فمعکم معکم لا مع عدوکم إنی بکم من المؤمنین لا أنکر لله قدرة ولا أکذب منه بمشیئة(1).

وقد تضمنت الزیارة بعد ذلک التسلیم والصلاة علی النبی(صلی الله علیه و آله) ثم أمیر المؤمنین(علیه السلام) وفاطمة والحسن والحسین(علیهم السلام) ثم واحد واحد من الأئمة(علیهم السلام).

وورد فی أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی هذه الزیارة: «اللهمَّ أتمم به کلماتک وأنجز به وعدک وأهلک به عدوک واکتبنا فی أولیائه وأحبائه، اللهمَّ اجعلنا له شیعة وأنصاراً وأعواناً».

وفی الزیارة أیضاً بعد السلام والصلاة علی کل واحد واحد من الأئمة بأسمائهم وتقول: «اللهمَّ أتمم بهم کلماتک وأنجز بهم وعدک وأهلک بهم عدوک وعدوهم من الجن والإنس أجمعین ... اللهمَّ اجعلنا لهم شیعة وأنصاراًوأعواناً علی طاعتک وطاعة رسولک».

وهذا صریح فی أن کل واحد منهم موعود منتظر ینجز الله به وعده وینتقم بهم من أعدائه ویقیم به دینه ومواعیده فی نصر الدین وإعلاء الحق وإذلال الباطل وإقامة شرائعه وأحکامه وآیات کتابه.

ص:331


1- (1) کامل الزیاراة :باب 79 ح23.

فکل ما ورد من تعالیم فی المهدی المنتظر(عج) هو بعینه وارد فی کل إمام إمام أنَّه یبعثه الله مرة أخری فی الدنیا رجعة.

12 - وقد ورد فی دعاء مولد الحسین(علیه السلام) «اللهمَّ إنی أسألک بحق المولود فی هذا الیوم الموعود بشهادته قبل استهلاله ... الممدود بالنصرة یوم الکرة، المعوّض من قتله أن الأئمة من نسله، والشفاء فی تربته، والفوز معه فی أوبته، والأوصیاء من عترته بعد قائمهم وغیبته حتی یدرکوا الأوتار ویثأروا الثار ویرضوا الجبار ویکونوا خیر أنصار ... فنحن عائذون بقبره نشهد تربته وننتظر أوبته»(1).

وقد رواه الشیخ فی المصباح بطریقه عن القاسم بن علاء الهمدانی وکیل العسکری.

ومفاد الدعاء ظاهر بوضوح فی أن سید الشهداء(علیه السلام) موعود بمدد النصر یوم کرّته(علیه السلام)، وکذلک الأوصیاء من عترته وأنْ أوبتهم وکرتهم تقع بعد قائمهم وغیبته، وأنهم یدرکوا الأوتار ویثأروا الثار ویرضوا الجبار بتطهیر الأرض من المفسدین العتاة، وآخر الدعاء تضمن أن الحسین(علیه السلام) منتظرٌ أوبته ورجوعه.

13 - وقد روی الشیخ عن ابی حمزة الثمالی فی فی مصباح المتهجد فی زیارة العباس(علیه السلام): «أشهد أنک قتلت مظلوماً وأن الله منجزٌ لکم ما وعدکم،

ص:332


1- (1) مصباح المتهجد: أعمال شهر شعبان ، وکذا الاقبال لابن طاووس فی اعمال ذلک الشهر.

جئتک یابن أمیر المؤمنین وقلبی مسلم لکم وأنا لکم تابع ونصرتی لکم معدة حتی یحکم الله وهو خیر الحاکمین، فمعکم معکم لا مع عدوکم، إنی بکم وبأیابکم من المؤمنین وبمن خالفکم وقتلکم من الکافر»(1).

وفیها تصریح أن جمیعهم موعودون بالنصر فی رجعتهم.

14 - ونظیر هذه الزیارة ورد فی زیارة مسلم بن عقیل(علیه السلام) التی رواها المشهدی فی المزارالکبیر(2)، ورواها السید بن طاووس فی مصباح الزائر.

15 - وفی زیارة لأمیر المؤمنین(علیه السلام) رواها المشهدی فی المزار الکبیر وقد تضمنت «إنی مقرّ بکم معتصم بحبلکم متوقع لدولتکم منتظرٌ لرجعتکم»(3).

16 - وفی زیارة أخری رواها المشهدی وهی الزیارة الرجبیة لأمیر المؤمنین(علیه السلام) فی رجب، بل لکل المعصومین(علیهم السلام) فی ذلک الشهر وفیها «حتی العود إلی حضرتکم والفوز فی کرتکم والحشر فی زمرتکم»(4).

17 - وروی فی الکافی صحیح عبد الله بن جندب قال: سألت أبا الحسن الماضی(علیه السلام) عما أقول فی سجدة الشکر فقد اختلف أصحابنا فیه فقال:

«قل وأنت ساجد: اللهمَّ إنی أشهدک وأشهد ملائکتک وأنبیاءک ورسلک وجمیع خلقک أنک الله ربی والإسلام دینی ومحمد نبیّی وعلی وفلاناً وفلاناً وفلاناً

ص:333


1- (1) مصباح المتهجد :ص725.
2- (2) المزار للمشهدی :ص1789، مصباح الزائر:51، الزار للشهید الاول :278.
3- (3) المزار الکبیر للمشهدی: باب زیارات أمیر المؤمنین*: الزیارة /8 ص250.
4- (4) المزار الکبیر للمشهدی/ زیارة لامیر المؤمنین* فی رجب.

إلی آخرهم أئمتی بهم أتولّی ومن عدوهم أتبرّأ، اللهم إنی أنشدک دم المظلوم - ثلاثاً - اللهمَّ إنی أنشدک بإیوائک(1) علی نفسک لأولیائک لتظفرنّهم بعدوک وعدوهم»(2).

فهذا دعاء یومی یؤتی به فی کل سجدة شکر لکل صلاة فریضة بل لکل صلاة نافلة أیضاً فی الیوم عدة مرات، وفیها الدعاء والإلحاح بتعجیل الظفر والنصر لکل واحد واحد من أئمة أهل البیت(علیهم السلام) والانتقام لدم سید الشهداء وذلک بظهور قائمهم (عج) ورجعتهم بعده فی سیاق واحد.

ومنه یظهر أن ما یدعو به المؤمنون من تعجیل فرج صاحب الأمر(عج) لابدَّ من تتمیمه بالدعاء بتعجیل رجعتهم(علیهم السلام)، وأن رجوع کل إمام هو ظهور له بعد غیبته بالموت، کما ورد ذلک فی کثیر من الزیارات سواء أرید من الظهور معنی البروز، أو أرید منه معنی السیطرة والسلطة، فإن کل إمام یبرزبرجوعه الی الحیاة الدنیا بعد غیابه بخفاء الموت، فلکل إمام ظهور بعد غیبة، کما أن له دولة فی الرجعة بعد إستضعاف فی الحیاة الاولی .

18- وروی الکلینی عن محمد بن عیسی بإسناده عن الصالحین(علیهم السلام) قال: (تُکرر فی لیلة ثلاث وعشرین هذا الدعاء ساجداً وقائماً وقاعداً وعلی

ص:334


1- (1) بمعنی الوعد، ففی النهایة لابن الأثیر: فی حدیث وهب «إن الله تعالی قال: إنی آویت علی نفسی أن أذکر من ذکرنی» قال القتیبی: هذا غلط إلا أن یکون من المقلوب، والصحیح: وأیت من الوای: الوعد، یقول: جعلته وعدا علی نفسی. النهایة ج1 ص 83 فی مادة (أوی)
2- (2) الکافی :ج 3 باب السجود والتسبیح ص523ح17.

کل حال، وفی هذا الشهر کله، وکیف أمکنک ومتی حضرک من دهرک تقول بعد تحمید الله تبارک وتعالی والصلاة علی النبی(صلی الله علیه و آله): «اللهمَّ کن لولیک فلان بن فلان فی هذه الساعة وفی کل ساعة ولیاً وحافظاً وناصراً ودلیلاً وقائداً وعوناً وعیناً حتی تسکنه أرضک طوعاً وتمتعه فیها طویلاً»(1).

ورواه الشیخ الطوسی بنفس الاسناد وبنفس المتن فی مصباح المتهجد(2).

ورواه السید ابن طاووس فی فلاح السائل(3) وفی الإقبال مسنداً بنفس الإسناد إلّا أنه استبدل فلان بن فلان «لولیک القائم بأمرک الحجة محمد بن الحسن المهدی علیه وعلی آبائه أفضل الصلاة والسلام»، لکنه فی فلاح السائل أورد المتن «لولیک فلان بن فلان».

وأورده الکفعمی فی البلد الأمین بنفس اللفظ الموجود فی الکافی ومصباح الشیخ، لکنه فی مصباحه أورده کما فی إقبال ابن طاووس.

وفی البحار أورد هذا الدعاء ضمن دعاء طویل یُدعی به فی یوم الجمعة فی سیاق الدعاء لمحمد وآل مُحمَّد(علیهم السلام) وفی وسط الدعاء اللهم احفظ محمد وآل محمد.

وبعبارة أخری: مما یوجب الاشتباه ما رواه السید ابن طاووس فی

ص:335


1- (1) الکافی: جلد/4ص162کتاب الصیام باب الدعاء فی العشرة الاواخر من شهر رمضان الحدیث /4.
2- (2) مصباح المتهجد /ص630.
3- (3) فلاح السائل /ص46.

الإقبال(1) من روایة محمد بن عیسی بن عبید بإسناده عن الصالحین(علیهم السلام) قال: وکرر فی لیلة ثلاثة وعشرین من شهررمضان «اللهمَّ کن لولیک القائم بأمرک الحجة محمد بن الحسن المهدی علیه وعلی آبائه أفضل الصلاة والسلام فی هذه الساعة وفی کل ساعة ولیاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودلیلاً ومؤیداً حتی تسکنه أرضک طوعا».

19- وروی ابن قولویه مصحح أبی حمزة الثمالی، قال: قال الصادق(علیه السلام):

«إذا أردت المسیر إلی الحسین(علیه السلام) ... - ثم ذکر آداب الزیارة وأورد زیارة طویلة یقول فیها -: «وقد أتیتک زائراً قبر ابن بنت نبیک فاجعل تحفتی فکاک رقبتی من النار» إلی أن قال: «واجعلنی من أنصاره یا أرحم الراحمین»، ثم قال فیها: «أتیتک انقطاعاً إلیک وإلی جدک وأبیک وولدک الخلف من بعدک، فقلبی لک مسلّم ورأیی لک متَّبع ونصرتی لک معدة حتی یحییکم الله لدینه ویبعثکم، وأشهد أنکم الحجة وبکم ترجی الرحمة، فمعکم لا مع عدوکم، إنی بإیابکم من المؤمنین لا أنکر لله قدرة ولا أکذّب منه مشیئة»، ثم قال الشیخ: وتصلی علی الأئمة کلهم کَمَا صلّیت علی الحسن والحسین(علیهماالسلام)، ثم تقول:

«اللهمَّ تمّم بهم کلماتک، وأنجز بهم وعدک، وأهلک بهم عدوک وعدوهم من الجن والإنس أجمعین. اللهم اجعلنالهم شیعة وأعواناً وأنصاراً علی طاعتک وطاعة رسولک، وأحینا محیاهم وأمتنا مماتهم، وأشهدنا مشاهدهم فی الدنیا والآخرة» إلی أن قال:

«اللَّهُمَّ أدخلنی فی أولیائک وحبّب إلیّ مشاهدهم وشهادتهم فی الدنیا

ص:336


1- (1) الاقبال/85.

والآخرة إنک علی کل شیء قدیر»،

ثم قال:

«اللهمَّ اجعلنی ممن ینصره وینتصر به لدینک فی الدنیا والآخرة...» إلی أنْ قال:

«اللهمَّ اجعلنی ممن له مع الحسین بن علی(علیه السلام) قدم ثابت، وأثبتنی فیمن یستشهد معه».

وهذه الزیارة فیما استعرضناه من المواضع فیها طافحة ظاهرة فی کون کل إمام موعود أن ینصره الله، والمؤمنون مأمورون بإعداد العدة لنصر کل إمام عند ظهوره فی الرجعة، فکل إمام لابدَّ علی المؤمنین من إعداد النصرة له فی الوقت الراهن فضلا عن الزمن اللاحق، وأن غایة إعداد النصرة لکل إمام یمتد زمنا الی أوان رجعته حیث یحییه الله لإقامة دینه بإقامة دولة العدل الالهی، وأن الدعاء ب-

«اجعلنا أعوانا أنصارا».

بالاضافة الی کل إمام إمام وفی نهایة الزیارة

«اجعلنی ممن ینصره وینتصر به فی الدنیا والاخرة» ای ینصر الحسین(علیه السلام) فی الدنیا فی الوقت الراهن وفی آخرة الدنیا، ای الرجعة ثم بعدها

«وأثبتنی فیمن یستشهد معه».

وهذه العبارة تحتمل وجهین:

الأوَّل: أنه دعاء بالشهادة مع الحسین فی الرجعة، لأنه قد ورد ذلک کما سیأتی فی الباب الرابع.

الثانی: أن یکتب له أجر من استشهد مع الحسین(علیه السلام)، والمعنی الاول أظهر، لصیغة فعل المضارع فی صلة الموصول «فیمن یستشهد معه».

ص:337

20 - وفی معتبرة ابی الصباح الکنانی: قال نظر أبو جعفر(علیه السلام) الی أبی عبدالله(علیه السلام) فقال تری هذا؟ هذا من الذین قال الله عَزَّ وَجَلَّ وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ (1).

21 - وفی معتبرة عبدالله بن سنان: قال سألت أباعبدالله(علیه السلام) عن قول الله عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ قال: هم الائمة(2).

رجعة الائمة ذریة النبی(صلی الله علیه و آله) بعده المعارف وفقه متون الروایات:

22 - وروی السید ابن طاووس «اللهمَّ کن لولیک القائم بامرک الحجة محمد بن الحسن المهدی علیه وعلی آبائه أفضل الصلاة والسلام فی هذه الساعة وفی کل ساعة ولیاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودلیلاً ومؤیداً حتی تسکنه أرضک طوعاً وتمتعه فیها طولاً وعرضاً وتجعله وذریته من الأئمة الوارثین» الحدیث.

وظاهر نسخة هذه الروایة التی رواها ابن طاووس توهم أن الأئمة(علیهم السلام) بعد الثانی عشر المهدی الحجة بن الحسن العسکری(عج) هم من ذریته، وهذا وهم من أحد الرواة أو النسّاخ لهذا الدعاء بشهادة:

1 - أنّ المجلسی(رحمه الله) روی هذا الدعاء باللفظ الذی ذکره ابن طاووس

ص:338


1- (1) الکافی: مجلد 1ص306.
2- (2) الکافی: مجلد 1ص194

فی ضمن أدعیة یوم الجمعة ولکن فی سیاق الدعاء لمحمد وآل محمد، فروی فی وسط ذلک الدعاء قوله(علیه السلام): «اللهمَّ احفظ محمد وآل محمد وأتباعهم وأولیائهم باللیل والنهار من أهل الجحد والإنکار واکفهم حسد کل حاسد متکبر جبار وسلطهم علی کل ناکث ختار حتی یقضوا من عدوک الأوطار واجعل عدوهم مع الأذلین والأشرار وکبّهم ربی علی وجوههم فی النار إنک الواحد القهار، اللهمَّ کنْ لولیک فی خلقک ولیاً وحافظاً وقائداً وناصراً حتی تسکنه أرضک طوعاً وتمتعه منها طولاً وتجعله وذریته فیها الأئمة الوارثین واجمع له شمله واکمل له أمره وأصلح له رعیته وثبت رکنه وأفرغ الصبر منک علیه حتّی ینتقم فیتشفی ویشفی حزازة قلوب نغلة وحرارة صدور وغرة وحسرات أنفس ترحة من دماء مسفوکة وأرحام مقطوعة و(طاعة) مجهولة قد أحسنت إلیه البلاء ووسعت علیه الآلاء وأتممت علیه النعماء فی حسن الحفظ منک له، اللهم اکفه هول عدوه وأنسهم ذکره وارد من أراده وکد من کاده وأمکر بمن مکر به، واجعل دائرة السوء علیهم اللهمَّ فضّ جمعهم وفل حدّهم» الحدیث(1).

فإنّ ضمیر - ذریته - یعود بوضوح إلی النبی(صلی الله علیه و آله)، مضافاً إلی عدم تخصیص دعاء الفرج بالحجة بن الحسن العسکری(عج)، بلْ لکل إمام من الاثنی عشر عند کونه الولی بالفعل.

2 - وقد وردت روایات مستفیضة بل متواترة برجعة النبی(صلی الله علیه و آله) فی أواخر الرجعة، وأن الدولة التی سیقیمها هی أکبر دولة الرجعة، ویکون

ص:339


1- (1) البحار: مجلد 86: ص340 الباب 4من ابواب یوم الجمعة وآدابه.

فیها الأئمة الاثنا عشر وزراء للنبی(صلی الله علیه و آله) وأعواناً، وأن الانتقام الذی یحصل من الأعداء فی دولة الرجعة أعظم من الانتقام الذی یحصل فی دولة الظهور للإمام المهدی(عج) من الأعداء بأضعاف مضاعفة، وأن کل إمام من الأئمة الاثنی عشر یرجع ویقیم دولته وینتقم من قاتلیه، وذلک حیث یرجعهم الله إلی الحیاة مع رجوعه.

3 - ومن ذلک یتبین تنصیص هذه الروایة أن أول مَن یُدعی لهم بهذا الدعاء «اللهمَّ کن لولیک» هو النبی(صلی الله علیه و آله)، فیدعی بتعجیل رجعته وإقامة دولته، ومن ثم کان التعبیر «کن لولیک فی خلقک» لا فی أرضک.

کما یُدعی بهذا الدعاء لعلی(علیه السلام) أیضاً والحسن والحسین(علیه السلام) ولبقیة أئمة أهل البیت(علیهم السلام) کل واحد منهم باسمه واسم أبیه.

4 - ومن ثم ورد لفظ الحدیث فی عدة من الروایات المتقدمة «اللهمَّ کن لولیک فلان بن فلان» إشارة إلی عموم هذا الحدیث للمعصومین الأربعة عشر لا خصوص الإمام الثانی عشر(عج)، وقد نبه علی ذلک غیر واحد من المحدثین الکبار، أی نبه علی عموم الدعاء لکل المعصومین(علیهم السلام)، ولکن هذه التعالیم غائبة عن أذهان کثیر من المؤمنین کل ذلک بسبب غیاب المعرفة بالرجعة، والغفلة عن هذا الباب العظیم فی المعرفة الموجب لکمال المعرفة بالله وقدرته ومشیئته والمعرفة بمقامات النبی(صلی الله علیه و آله) الآتیة، والمقامات لأمیر المؤمنین والأئمة المستقبلیة.

ص:340

تحقیق فی صناعة الدرایة والحدیث

واعلم أن جماعة من فحول الفقهاء وأکابر المحدثین المتبحرین قد أشاروا إلی أن المتن الروائی ومتن الروایة الواحدة قد یختلف صورته وألفاظه من راو إلی آخر، سواء الراوی المباشر أو من سلسلة الرواة فی الطریق عن الراوی المباشر وذلک لأسباب عدیدة:

الأول: الاقتضاب والإیجاز، فقد یکون الراوی المباشر یروی المتن تارة باقتضاب وإیجاز وتارة أُخری بتفصیل وبسط، وهاتان الحالتان یختلف بحسبهما متن الروایة خبطاً وإتقاناً ووضوحاً وإبهاماً، وذلک بحسب ما یتمتع به الراوی المباشر من ضبط علمی وإتقان فی النقل والتصویر وقوة الحافظة والالتفات والترکیز، وکذلک الحال یسری فی سلسلة الرواة فی الطریق عن الراوی المباشر.

وهذا یوجب تعدد المتون فی الحدیث الواحد کثیراً، ویتوهم غیر الخبیر بالدرایة أن هذه أحادیث متعددة، أو ینساق الی متن واحد ویعکف علیه ویغفل عن إستقصاء المتون الأخری المنقولة مع کونها بالغة الأهمیة فی الوقوف علی حقیقة المضمون، لأن هذه المتون المختلفة إما بمثابة ألبسة وإما بمثابة وجوه وزوایا لحقیقة واحدة، فمن ثم کان الاغترار والاسترسال بمتن مروی واحد یوجب وقوع الفقیه أو المفسر أو المتکلم بعیداً عن حقیقة المدلول الأصلی الصحیح للروایة لاسیما إذا کان المبحث عقائدیاً والبحث فی مسألة اعتقادیة، فإنه لا یعوّل علی إیهام نقل آحاد وخبر منفرد من دون وصوله إلی استفاضة متواترة فی الدلالة لا من جهة خصوص أصل الصدور

ص:341

فحسب کما عرفت، بل الأهم من ذلک أیضاً هو الوصول إلی ضبط المتن الحقیقی بتمام کلماته وفقراته وألفاظه، وحینها یکون صورة المتن تامة کاملة، هذا مضافاً إلی الأسباب الأُخری لاختلاف المتن الآتی ذکرها الموجبة للتفاوت فی درجة الضبط والإتقان فی المضمون الحقیقی للروایات.

الثانی: الدرجة العلمیة أو المستوی العلمی للراوی، فإنه لا یخفی تأثیره فی درجة الضبط وله بالغ التأثیر سواء الراوی المباشر أو الرواة عنه أو صاحب الکتاب الذی أودع متن وطریق الروایة.

الثالث: قوة الحافظة للراوی أو الرواة ولا یخفی تأثیرها البالغ أیضاً.

الرابع: نسخ الکتب المودعة التی تخرج الروایة أو الکتب المستخرج منها الروایة، فإنَّ الکتب الحدیثیة المتأخرة کابن طاووس فی القرن السابع أو البحار وکتب الحر العاملی أو السید هاشم البحرانی فی القرن الحادی عشر، بل والصدوق والشیخ الطوسی فی القرن الرابع والخامس، وغیرهم ممن هم فی طبقاتهم فإنهم یستخرجون الروایات من کتب متقدمة علیهم، وتختلف تلک الکتب وما قبلها (مترامیاً) فی النسخ والضبط والإتقان إلی غیر ذلک من العوامل الکثیرة التی ذکرها علماء الدرایة والحدیث.

وهذا الاستقصاء بمثابة قرائن مصیریة مؤثرة علی استحصال الظهور والمراد الحقیقی لأیة روایة، وهذا هو أحد الأسباب المهمة المبررة لعدم اعتماد القدماء علی خبر منقول بطریق الآحاد واشترطوا احتفاف الخبر بقرائن تفید العلم أو الاطمئنان، فإن هذا السبب - کَمَا عرفت - لا یرتبط بأصل الصدور.

ص:342

المقام المحمود فی دولة الرجعة:

روی ابن قولویه فی کامل الزیارات(1)، بسند معتبر فیه إرسال خفیف عن أبی عبدالله(علیه السلام): - قال تقول إذا أتیت قبر الحسین بن علی(علیه السلام)، ویجزیک عند قبر کل إمام(علیه السلام) (ثم ساق الزیارة إلی أنْ قال فی آخر الزیارة) - أنْ یقول الزائر «اللهمَّ لا تجعله آخر العهد من زیارة قبر ابن نبیک وابعثه مقاماً محموداً تنتصر به لدینک وتقتل به عدوک فإنک وعدته ذلک وأنت الرب الذی لا تخلف المیعاد»، ثم قال(علیه السلام): وکذلک تقول عند قبور کل الأئمة(علیهم السلام).

ومفاد صریح هذه الزیارة التی ذکرها ا بن قولویه أن المقام المحمود لهم(علیهم السلام) من مصادیقه البارزة مقام دولتهم فی الرجعة فلکل إمام مقام محمود بدولة عزیزة باهرة ظاهرة، وأنَّ کل إمام موعود بهذا المقام ینتصر الله به لدینه، فکل إمام منتظر موعود یدعی له بالفرج وتعجیل ذلک له، وأنْ یبعثه الله من قبره لذلک الوعد والمیعاد لقیادة دولة الحق والعدل، وأنَّ دعاء الفرج عام لکل من الأئمة(علیهم السلام) الاثنی عشر، وهو لیسَ من مختصات الإمام المهدی الحجة بن الحسن العسکری(عج)، بلْ قدْ نصَّ فی ذلک الدعاء علی عموم کل الأئمة(علیهم السلام)، کما یتّضح من ذلک أنَّ زیارة کل واحد منهم(علیهم السلام) هی لتجدید العهد والبیعة مع الإمام المزور لأجل النصرة والإعداد لدولة الرجعة «ونصرتی لکم معدّة حتّی یحیی الله دینه بکم».

ص:343


1- (1) کامل الزیارات: - باب / 104، الزیارة لجمیع الأئمة: ص526، الحدیث 2.

ص:344

مفاهیم الرجعة فی زیارة عاشوراء

وتتجلی تلک المفاهیم فی مواضع:

أحدها: «أنَّ یرزقنی طلب ثارک مع إمامٍ منصورٍ من أهل بیت مُحمَّد صلوات الله علیهم أجمعین».

الثانی: «وأنَّ یرزقنی طلب ثارکم مع إمام مهدی هدیً ظاهر ناطق بالحق منکم».

وطلب ثارهم والانتقام لهم لا ینطلق من ردَّة فعل نفسانی وغیض غرائزی، بلْ معنی الانتقام فی منطق الوحی وأهل البیت(علیهم السلام) هو إزالة الباطل وما تولَّد منه من فروع وتداعیات فی البلاد والعباد حصداً بجذوره وأشجاره، أی تطهیر البلاد والعباد من أشخاص الرجس والأنجاس.

وفی الموضع الأوَّل لم یُحصر طلب الثار بمعیة الإمام الثانی عشر(عج)، ولم یقصر علیه(عج)، بلْ عُمِّم إلی کل إمام من الإئمة الاثنی عشر(علیهم السلام)، کما أنَّ الحال کذلک فی الموضع الثانی مع تعمیم الثار إلی طلب ثار کل ظلامة

ص:345

ومظلمة وحق لهم، وکذلک تعمیم الإمام الذی یطلب الثار معه، والتوصیف بالمنصور أو الظاهر والناطق بالحق إشارة إلی إقامة الدولة الظاهرة وبتوسطها یمکن إنجاز ذلک، وأما المقام المحمود فقدْ مرَّ تصریح الروایات أنَّه من أوائل مصادیقه إقامة الدولة لهم فضلاً عن بقیة مصادیقه من مقاماتهم فی القیامة والآخرة.

وإنَّ من غایات الزیارة لهم(علیهم السلام) الحظوة بالکرَّة معهم، فقد وَرَدَ فی زیارة طویلة لسید الشهداء(علیه السلام) أوردها ابن قولویه، حیث وَرَدَ فی الدعاء بعد صلاة الزیارة «وأؤمل فی قربکم النجاة وأرجو فی إتیانکم الکرَّة، وأطمع فی النظر إلیکم وإلی مکانکم غداً فی جنان ربی مع آبائکم الماضین»(1).

وکذا وَرَدَ فی موضع آخر فی الزیارة نفسها «جئتک انقطاعاً إلیک وإلی جدک وأبیک وولدک الخلفِ من بعدک، فقلبی لک مُسَلّمُ، ورأیی لک مُتَّبعٌ، ونصرتی لک معدة، حتّی یحکم الله بدینه ویبعثکم، وأُشهُد الله أنکُمُ الحُجَّةُ، وبکُم ترجی الرحمة، فمعکم مَعَکُم لا مع عدُوکُم، إنی بکم من المؤمنین، لا أُنکرُ لله قدرةً ولا أُکذبُ منه بمشیئةٍ»(2).

وکذلک: «ونصرتی لکم معدّة حتّی یحیی الله تعالی دینه بکم، ویردکم فی أیامه ویظهرکم لعدله، ویمکّنکم فی أرضه، وقلبی لکم مسلّم، ورائی لکم تبع».

ص:346


1- (1) ابن قولویه/ کامل الزیارات/ ص223.
2- (2) نفس المصدر.

وهذا المقطع من الزیارة قدْ وَرَدَ مضمونه مکرراً فی الزیارات العدیدة، ومفاده: أخذ الاستعداد والإعداد بالتهیء والتمدد فی القوة والقدرة إعداداً لإقامة دولتهم عند رجوعهم إلی دار الدنیا مرةً أُخری، فالتطلع والطموح والإعداد لا یقتصر علی دولة ظهور المهدی الحجة بن الحسن العسکری(عج) ، بلْ یعمُّ إقامة دولة دائمة لمحمد وآل مُحمَّد(علیهم السلام) لا تزول إلی یوم القیامة، وهو مشروع ضخم فیحتاج إلی إعداد واستعداد وتنمیة للقدرات علی کل الأصعدة یتناسب مع حجم وضخامة هذا المشروع.

فوظیفة الاستعداد والانتظار لیست تقتصر علی ظهور الإمام الثانی عشر(عج) فحسب، بلْ تشمل انتظار رجعة کل إمام منهم(علیهم السلام)، وأنَّ من غایات الزیارة توطید هذا المعنی والارتباط.

فالمراد من بعثهم بعثهم من القبور فی الرجعة.

المهدیون الاثنا عشر هم الأئمة الاثنا عشرفی مقام الرجعة:

وَقَدْ وَرَدَتْ الإشارة فی عدة من الروایات إلی رجعة الأئمة الاثنی عشر بلسان غیر عنوان الرجعة، وغیر لفظة الکرة والأوبة، وغیر بقیة عناوین وأسماء الرجعة.

وهذه الإشارة بعنوان المهدیین الاثنی عشر بعد الأئمة الاثنی عشر، ویراد من عدة الاثنی عشرمن المهدیین هم نفس الأئمة الاثنی عشر بلحاظ

ص:347

رجوعهم وکرّتهم بعد الموت إلی الدنیا، لإقامة دولة محمد وآل محمد.

وإنما اعتمد أهل البیت(علیهم السلام) هذا العنوان لعدة حکم ومغازی:

منها: اعتماد التعبیر الکنائی عن الرجعة حیث إنّ عقیدة الرجعة تعنی مشروع إقامة الدولة لدی أهل البیت(علیهم السلام) وإبراز هذا المشروع تصریحا بمکان من الخطورة السیاسیة والأمنیة، ولیس هو عقیدة تجریدیة بحتة.

ومنها: أنّه إشارة إلی أن هذا المقام من المقامات التی یصل إلیها أئمة أهل البیت، وهم موعودون بها من قبل الله تعالی، فی حین أن هذه العقیدة والمعرفة بالرجعة بهذا الشکل قد التبس علی جماعة لتقمّص أدعیاء أرادوا بالمؤمنین اضلالاً عن صراط الحق وعن التمسّک بأئمة الاثنی عشر لأهل البیت(علیهم السلام) إلی أنداد وشرکاء یُشرکون بهم فی الولایة الإلهیة لیزیلوا الحق عن مقرّه، ویصرفوا الناس عن الأئمة الاثنی عشر تلبیساً علیهم باسم الاتصال بالإمام المهدی(علیه السلام) الإمام الثانی عشر، بل ربّما تمادی الغیّ عندهم إلی تهمیش الإمام الثانی عشر ودفعه عن مقامه ومرتبته التی رتّبه الله فیها، وأنه لیس هو المهدی، ولیس هوالذی یملأ الأرض قسطاً وعدلاً، تمنّیهم أنفسهم وشیاطینهم إلی طاعة الشیطان والأبالسة مع استخدام للسحر والشعبذة لیغووا ضعفة العقول والقلوب ومرضی النفوس، الذین لم یتفقّهوا فی الدین، ولم یلجأوا إلی علم ورکن رکین.

فَقَدْ روی الشیخ الطوسی فی الغیبة، وکذا فی مختصر بصائر الدرجات عن جماعة، عن أبی عبدالله الحسین بن علی بن سفیان البزوفری، عن علی

ص:348

بن سنان الموصلی العدل، عن علی بن الحسین، عن أحمد بن محمد بن الخلیل، عن جعفر بن أحمد المصری، عن عمّه الحسن بن علی، عن أبیه، عن أبی عبدالله جعفر بن محمد، عن أبیه الباقر، عن أبیه ذی الثفنات سید العابدین، عن أبیه الحسین الزکی الشهید، عن أبیه أمیر المؤمنین(علیه السلام)، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی اللیلة التی کانت فیها وفاته لعلی(علیه السلام): یا أبا الحسن أحضر صحیفة ودواة، فأملی رسول الله(صلی الله علیه و آله) وصیته حتی انتهی إلی هذا الموضع، فقال: یا علی إنه سیکون بعدی اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهدیاً، فأنت یا علی أوّل الاثنی عشر إماماً، سمّاک الله تعالی فی سمائه: علیاً المرتضی، وأمیر المؤمنین، والصدیق الأکبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدی، فلا تصحُّ هذه الأسماء لأحد غیرک.

یا علی، أنت وصیی علی أهل بیتی حیهم ومیّتهم، وعلی نسائی فمن ثبَّتها لقیتنی غداً، ومن طلّقتها فأنا بریء منها، لم ترنی ولم أرَها فی عرصة القیامة، وأنت خلیفتی علی أمتی من بعدی. فإذا حضرتک الوفاة فسلمها إلی ابنی الحسن البرّ الوصول، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنی الحسین الشهید الزکی المقتول، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه سید العابدین ذی الثفنات علی، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه موسی الکاظم، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه علی الرضا، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه مُحمَّد الثقة التقی، فإذا حضرته

ص:349

الوفاة فلیسلمها إلی ابنه علی الناصح، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه محمد المستحفظ من آل مُحمَّد(علیهم السلام)، فذلک اثنا عشر إماماً، ثم یکون من بعده اثنا عشر مهدیاً، فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها إلی ابنه أول المقرّبین(1) له ثلاثة أسامی: اسم کاسمی، واسم أبی وهو عبدالله وأحمد، والاسم الثالث المهدی وهو أوَّل المؤمنین(2).

المغالطة فی فهم الروایة:

اشارة

توهّم: إنّ هذه الروایة دالة علی أن الإمام الثانی عشر یسلّم الوصیة إلی ابنٍ له ثلاثة أسماء، فیکون قول النبی(صلی الله علیه و آله) فی هذه الفقرة:

«فإذا حضرته الوفاة فلیسلّمها إلی ابنه أول المهدیین» بإرجاع الضمیر فی

«إذا حضرته» إلی الإمام الثانی عشر، وکذلک ضمیر

«ابنه» إلی الإمام الثانی عشر(علیه السلام)، وأنّ هذه الثلاثة أسماء هی أسماء لابن الإمام الثانی عشر.

دفع التوهّم:

1 - هذا الإرجاع للضمیر إلی الإمام الثانی عشر خطأ فاحش فی ترکیب عبارات الجمل وسیاقاتها، فإنّ الصحیح أن الضمیر یرجع إلی الإمام الحادی عشر، الإمام الحسن العسکری(علیه السلام)، أی إذا حضرت الإمام

ص:350


1- (1) مختصر بصائر الدرجات (اول المهدیین) بدل (أول المقربین).
2- (2) الغیبه للطوسی:150و151/ح111:مختصر البصائر159- 161/ح11بتفاویت یسیر.

العسکری(علیه السلام) الوفاة فلیسلّمها إلی ابنه الإمام الثانی عشر(علیه السلام) الذی له ثلاثة أسماء، وهو الإمام الثانی عشر أوّل المهدیین، والإمام الثانی عشر له ثلاثة أسماء: اسم کاسم النبی محمد(صلی الله علیه و آله)، والاسم الآخر عبد الله وأحمد، والثالث وهو اللقب المهدی، وهو الإمام الثانی عشر أول المؤمنین، وفی بعض النسخ:

«اسم کاسمی واسم أبیه وهو عبد الله»، وعلی هذه النسخة یکون اسم الإمام الحسن العسکری(علیه السلام) عبد الله، وسنبیّن وجه کون الإمام الثانی عشر أوّل المهدیین وأول المؤمنین.

وأن معنی ووصف ومنصب عنوان المهدی لکل من الأئمة الاثنی عشر من أهل البیت(علیهم السلام) کمقام خاص لمن یقیم دولة محمد وآل محمد فی الإعلان الظاهر وبنحو تبقی مستمرة إلی یوم القیامة، کما أنّ هناک مقام المنتصر أو المنصور للأئمة الاثنی عشر، کما أشیر إلی ذلک فی زیارة عاشور بالإمام المنصور والإمام المهدی(علیه السلام).

ولنذکر الشواهد علی هذا التفسیر:

الشاهد الأول:

ما ورد فی عدة روایات من الفریقین أنّ الذی له أسماء ثلاثة هو نفس الإمام الثانی عشر(علیه السلام):

1 - فقد روی الشیخ الطوسی فی کتاب الغیبة عن الفضل بن شاذان، عن إسماعیل بن عیاش، عن الأعمش، عن أبی وائل، عن حذیفة، قال: سمعت رسول الله(صلی الله علیه و آله) ذکر المهدی فقال:

«إنه یبایع بین الرکن والمقام، اسمه

ص:351

أحمد وعبد الله والمهدی، فهذه أسماؤه ثلاثتها»(1).

2 - وقد روی ایضا أنّه(علیه السلام) له اسمین: اسم یخفی واسم یعلن، وروی الصدوق فی کمال الدین بسند قوی أو حسن قال: حدثنا علی بن أحمد بن موسی رضی الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبی عبد الله الکوفی، قال: حدثنا محمد بن إسماعیل البرمکی، قال: حدثنا إسماعیل بن مالک، عن محمد بن سنان، عن أبی الجارود زیاد بن المنذر، عن أبی جعفر محمد بن علی الباقر، عن جدّه (علیهم السلام)، قال: قال أمیر المؤمنین(علیه السلام) وهو علی المنبر:

«یخرج رجل من ولدی فی آخر الزمان أبیض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن، عریض الفخذین، عظیم مشاش المنکبین، بظهره شامتان: شامة علی لون جلده، وشامة علی شبه شامة النبی(صلی الله علیه و آله)، له اسمان: اسم یخفی واسم یعلن، فأما الذی یخفی فأحمد، وأما الذی یعلن فمحمد، إذا هزّ رایته أضاء له ما بین المشرق والمغرب، ووضع یده علی رؤوس العباد فلا یبقی مؤمن إلّا صار قلبه أشدّ من زبر الحدید...» (2).

الشاهد الثانی:

اشارة

إنّ عنوان المهدی والمهدیین له تفسیر مستفیض بل متواتر فی روایات أهل البیت(علیهم السلام) هو کالأصل فی معناه، ویراد به الإمام من الأئمة الاثنی

ص:352


1- (1) الغیبة للشیخ الطوس: ص454ح463، ورواه الراوندی أیضاً فی الخرائج والجرائح: المجلد 3/ص1149.
2- (2) کمال الدین ص653:الباب 57 ح17وراه الراوندی فی الجرائح والخرئج: ج3: ص1149و1150/باب العلامات الکائنة قبل خروج المهدی ومعهح58.

عشر عندما یقیم الدولة الظاهرة الممکّنة لدولة آل مُحمَّد(علیهم السلام)، ومن المستفیض فی روایاتهم(علیهم السلام) أنّ کل الأئمة الاثنی عشر(علیهم السلام) یرجعون کما هو مقتضی عقیدة الرجعة بل لکل امام رجعات، وأکثرهم رجوعاً وکروراً أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام)، ویقیمون دولة آل مُحمَّد(علیهم السلام) واحداً بعد آخر، وهو مقتضی قوله تعالی: وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ (1).

وهذا الخطاب عام لکل الأئمة الاثنی عشر(علیهم السلام) حتی أن الإمام الثانی عشر أیضاً تکون له رجعة وأن الله منّ علیهم بوعدین: المنّ الالهی الأول المتقدم هو بإصل الامامة، والمنّ الالهی الثانی المتأخرهو بجعلهم یملکون إرث الدولة فی الأرض.

ولا یخفی أن الآیة إنما هی وعد للذین مضی علیهم حالة إستضعاف وقهر فی حیاتهم السابقة الآولی من الدنیا وهو مقتضی دلالة اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ فعل ماض، أی جری علیهم فیما مضی من حیاتهم الأولی من الدنیا فی الأرض إستضعاف، فهولاء وعدهم الله بجعلهم الوارثین.

ومقتضی مفاد الْوارِثِینَ أنهم یکونون مرة أخری فی عاقبة وآخرة الحیاة فی الأرض، فیرثون ملک الأرض، ولا یخفی أن فی الآیة وعدین وعدا بإصل الامامة ووعدا بجعلهم الوارثین، والوعد الثانی هو

ص:353


1- (1) سورة القصص: الآیة 5.

بجعلهم ملوکا یملکون إدارة الدولة فی الأرض، وهو مقام وعنوان ووصف المهدویة.

فالمراد بالمهدیین الاثنی عشر هم الأئمة الاثنا عشر أنفسهم فی حال الرجعة وإقامة الدولة الظاهرة، فلهم مقام المهدویة بعد تسنّمهم أصل مقام الإمامة من دون دولة ظاهرة معلنة، والحال ذَلِکَ - أی مقام الإمامة - وصف ونعت للإمام الثانی عشر منذ الوصیة والإمامة من أبیه الحسن العسکری(علیه السلام) إلی یوم ظهوره، وحین ظهوره وبدء إقامته للدولة الظاهرة یتحقّق له الوصف الفعلی لمقام المهدی، وإلی هذا المفاد - أی تعدد الحال فی الامام الثانی عشر وأنه تمر به مرحلتان- یشیر قول النبی(صلی الله علیه و آله) فی الروایة المزبورة: فذلک اثنا عشر إماماً، ثم یکون من بعده اثنا عشر مهدیاً، أی بعد إمامة الإمام الثانی عشر وامتدادها فی عصر الغیبة یتحقق بدء إقامة دولة محمد وآل مُحمَّد(علیهم السلام)، وأوَّل من یقیمها هو الإمام الثانی عشر، ومن ثمّ یکون الإمام الثانی عشر هو أول المهدیین بعد أن کان له أصل مقام الإمامة طیلة فترة الغیبة، فالامام الثانی عشر متمیز فی الائمة الاثنی عشر باتصال مقام امامته بمقام مهدویته.

وهذا هو سرّ تکرار قوله(صلی الله علیه و آله) فی ذیل الروایة:

«فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها الی ابنه محمد المستحفظ من آل مُحمَّد(علیهم السلام) فذلک إثنی عشر إماماً ثم یکون من بعدی إثنی عشر مهدیا، «فإذا حضرته الوفاة فلیسلمها الی أبنه اول المقربین له ثلاثة أسامی: أسم کاسمی، واسم أبی وهو عبدالله وأحمد، والاسم

ص:354

الثالث المهدی وهو أول المؤمنین» فکرر(صلی الله علیه و آله) قوله فإذا حضرته الوفاة أی الحسن العسکری(علیه السلام) فلیسلمها إلی أبنه ای محمد، إذ فی المرة الثانیة أیضا صّرح(صلی الله علیه و آله) أن الابن أسمه محمد کما قال(صلی الله علیه و آله)

«اسم کأسمی» فسبب هذا التکرار بحضور وفاة الحسن العسکری(علیه السلام) أنه یسلمها الی ابنه محمد أن الامام الثانی عشر له مقامان متصلان زمانا الأول أصل الامامة والثانی مقام المهدویة، فمن ثم کرر التعبیر فیه دون بقیة الائمة الاثنی عشر لانفکاک زمان إمامتهم عن زمان مقام المهدویة لهم، وهو أول المؤمنین زمنا لا رتبة والمخاطبین أیضا فی آیة الوعد الالهی فی سورتی النور والقصص والذین هم الأئمة الاثناعشر الذین وعدهم الله أن یستخلفهم فی الأرض بدولة معلنة ویمکّن لهم إقامة الدین حیث یبدلهم بعد الخوف أمناً کما هو نصّ قوله تعالی: وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً (1).

ویتّضح هذا التفسیر بشکل مفهوم جلی من الروایات الواردة فی بیان هذا المعنی لعنوان ووصف المهدی.

أول المهدیین واحد من الائمة الاثنی عشر:

1 - روی فی تحف العقول وصیّة الصادق(علیه السلام) لمؤمن الطاق أبی جعفر محمد بن النعمان الأحول فی وصیة طویلة بلزوم مراعاة التقیة والکتمان

ص:355


1- (1) سورة النور 55

وعدم الإذاعة:

«فلا تعجلوا فوالله قد قرب هذا الأمر - ثلاث مرات - فأذعتموه، فأخّره الله»(1).

ومراده(علیه السلام): من هذا الأمر أی قیام دولة آل محمد(صلی الله علیه و آله) التی تبقی إلی یوم القیامة.

وروی الشیخ الطوسی فی الغیبة بإسناده إلی أبی حمزة الثمالی، عن أبی جعفر(علیه السلام) قوله:

«یا ثابت إن الله تعالی کان وقّت هذا الأمر فی السبعین، فلمّا قتل الحسین(علیه السلام) اشتدّ غضب الله علی أهل الأرض، فأخّره إلی أربعین ومائة سنة، فحدّثناکم فأذعتم الحدیث وکشفتم قناع السر، فأخّره الله ولم یجعل له بعد ذلک عندنا وقتاً...»(2).

وروی فی مختصر بصائر الدرجات بسند صحیح عن أبی بصیر، عن أبی عبد الله(علیه السلام)، قال: قال:

«إنَّ أصحاب محمّد(صلی الله علیه و آله) وعدوا سنة السبعین فلمَّا قتل الحسین(علیه السلام) غضب الله عَزَّ وَجَلَّ علی أهل الأرض فأضعف علیهم العذاب، وإنَّ أمرنا کان قد دنی فأذعتموه فأخَّره الله عَزَّ وَجَلَّ... الحدیث»(3).

وروی النعمانی فی الغیبة بسند موثَّق عن أبی بصیر، عن أبی عبد

ص:356


1- (1) تحف العقول 310
2- (2) الغیبة للطوسی:428 /فص7/ح417، والغیبة للنعمانی:303 و304/ ب16/ ح10، الکافی المجلد1:368/باب کراهیة التوقیت /ح1، الخرائج والجرائح للراوندی: ج178:1و179/ح11.
3- (3) مختصر بصائر الدرجات:ح16/297ص336.

الله(علیه السلام)، قال: قلت له:

«ما لهذا الأمر أمد ینتهی إلیه ویریح أبداننا؟ قال: بلی، ولکنَّکم أذعتم فأخَّره الله»(1).

وروی النعمانی أیضاً بسنده عن إسحاق بن عمّار الصیرفی، قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) یقول:

«قد کان لهذا الأمر وقت وکان فی سنة أربعین ومائة، فحدَّثتم به وأذعتموه فأخَّره الله عَزَّ وَجَلَّ»(2).

وروی فی الموثَّق عن إسحاق بن عمّار، قال: قال لی أبو عبدالله(علیه السلام):

«یا أبا إسحاق، إنَّ هذا الأمر قد اخّر مرَّتین»(3).

وروی الشیخ الطوسی بسنده عن عثمان النوی، قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) یقول:

«کان هذا الأمر فیَّ فأخَّره الله ویفعل بعد ذلک فی ذرّیتی ما یشاء»(4).

والمراد من الأمر فی هذه الروایات المستفیضة التی کان قد وقّت من قبل الله تعالی هو ظهور وقیام دولة آل محمّد(علیهم السلام)، الدولة الموعود باستمرارها إلی یوم القیامة یتعاقب الأئمّة الاثنا عشر علیها.

ویصطلح فی روایات أهل البیت علی الإمام الذی یتمّ علی یدیه بدء إنشاء إقامة هذه الدولة أنَّه المهدی من آل محمّد(صلی الله علیه و آله)، وإلی هذا تشیر الروایة

ص:357


1- (1) الغیبة للنعمانی: 299/باب16/ح1، الغیبة للطوسی :427و428/ح416بتفاوت یسیر.
2- (2) غیبة النعمانی :303/باب16/ح8.
3- (3) الغیبة للنعمانی:303/باب16/ح9.
4- (4) الغیبة للطوسی:428و429/فصل 7/ح418.

الأخیرة، وتشیر هذه الطائفة من الروایات إلی أنَّ مقام المهدی من آل محمّد(صلی الله علیه و آله) قد قدَّره الله عَزَّ وَجَلَّ فی السبعین، أی بدء إقامة هذه الدولة المستمرة علی ید سیّد الشهداء، فلمَّا فرَّط المؤمنون والمسلمون فی القیام بالمسؤولیة وقتل الحسین(علیه السلام) اشتدَّ غضب الله علی أهل الأرض فأخَّره الله من باب یَمْحُوا اللّهُ ما یَشاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتابِ (1)، لأنَّه لم یکن ذلک التقدیر تقدیر جبر، وإنَّما أمر بین أمرین لسُنّة الله المشار إلیها فی قوله تعالی: إِنَّ اللّهَ لا یُغَیِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ (2)، فقدَّر الله أن یکون مهدی آل محمّد(صلی الله علیه و آله) هو الإمام جعفر الصادق(علیه السلام)، فحصل التفریط مرَّة أخری فقدَّره الله فی الإمام موسی بن جعفر، فوقع التفریط ثالثة فأخَّره الله إلی ما یشاء.

ومن ثَمّ أشارت هذه الطائفة من الروایات إلی أنَّ هذا الأمر قد وقَّته الله ثلاث مرَّات ولعلَّ الثلاث إلی زمن الصادق(علیه السلام) والتقدیر فی زمن موسی بن جعفر(علیه السلام) یکون رابعا.

وهذا التغییر من باب یَمْحُوا اللّهُ ما یَشاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتابِ لا یتنافی مع علم الله الحتمی بمقادیر الأمور وأقدارها وحتم إبرامها، ومن ثَمَّ لا تتنافی هذه الروایات مع الروایات الأخری أنَّ مهدی آل محمّد هو الإمام الثانی عشر.

ص:358


1- (1) سورة الرعد: الآیة 39.
2- (2) سورة الرعد: الآیة 11.

والحاصل: أنَّ هذه الطائفة تعزّز أنَّ المهدویة مقام لأئمّة أهل البیت(علیهم السلام) الاثنی عشر هو بلحاظ قیامهم بالدولة المعلنة التی تستمرّ إلی یوم القیامة.

وإلی ذلک یشیر ما رواه الکلینی فی الکافی بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن أمیر المؤمنین(علیه السلام):

«... والمهدی یجعله الله من شاء منّا أهل البیت»(1).

ص:359


1- (1) الکافی: 450/1/باب مولد النبی ووفاته/ ح34، تفسیر فرات الکوفی: 112/ ح113 /11.

ص:360

علی(علیه السلام) المهدی الأکبرمن المهدیین الاثنی عشر

2 - ما رواه فی مختصر بصائر الدرجات عن أبی عبد الله الجدلی، قال: دخلت علی علی بن أبی طالب(علیه السلام) فقال:

«ألا احدّثک -ثلاثاً- قبل أن یدخل علیَّ وعلیک داخل»؟، قلت: بلی! فقال:

«أنا عبد الله، أنا دابّة الأرض صدقها وعدلها وأخو نبیّها وأنا عبد الله، ألا اخبرک بأنف المهدی وعینه؟، قال: قلت: نعم، فضرب بیده إلی صدره فقال: أنا»(1).

وروی أیضاً عن أبی عبد الله الجدلی، قال: دخلت علی علی(علیه السلام) فقال:

«اُحدّثک بسبعة أحادیث إلاَّ أن یدخل علینا داخل، قال: قلت: افعل جُعلت فداک، قال: أتعرف أنف المهدی وعینه؟، قال:قلت: أنت یا أمیر المؤمنین...»(2).

وَقَدْ وَرَدَتْ روایات مستفیضة بأنَّ أمیر المؤمنین(علیه السلام) هو صاحب الکرّات والرجعات ودولة الدول، ومن ثَمَّ یکون هو المهدی الأکبر من أئمّة أهل البیت(علیه السلام)، کما هو مفاد هاتین الروایتین وروایات أخری أنَّه عین

ص:361


1- (1) مختصر بصائر الدرجات :ح28/539ص569.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات:ح29/540ص569.

المهدی وأنفه، حیث تضمَّن تشبیه المهدی بأعضاء جسم بعضها رئیسی مرکزی وهو العین والأنف، وأنّ مقام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام) بین الأئمّة الاثنی عشر فی الاتّصاف بوصف المهدی هوموقع العین، وهذا یبیّن أنَّ صدق عنوان المهدی علی الأئمّة الاثنی عشر هو بتفاوت.

3 - ما رواه فی بصائر الدرجات عن عبد الله، عن إبراهیم بن محمّد الثقفی، قال: أخبرنا إسماعیل بن یسار، حدَّثنی علی بن جعفر الحضرمی، عن سلیم الشامی أنَّه سمع علیاً(علیه السلام) یقول:

«إنّی وأوصیائی من ولدی مهدیّون کلّنا محدّثون»، فقلت: یا أمیر المؤمنین من هم؟ قال:

«الحسن والحسین(علیهماالسلام)، ثمّ ابنی علی بن الحسین»، قال: وعلی یومئذٍ رضیع،

«ثمّ ثمانیة من بعده واحداً بعد واحد، وهم الذین أقسم الله بهم فقال: وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ

أمَّا الوالد فرسول الله(صلی الله علیه و آله) وما ولد یعنی هؤلاء الأوصیاء...»(1)الحدیث.

وکون الأوصیاء الاثنی عشر أولاد رسول الله(صلی الله علیه و آله) مع أنَّ علیاً ابن عمّ النبیّ(صلی الله علیه و آله) وأخیه من باب التغلیب، أو أن علیا أبن رسول الله روحاً ونوراً، واُطلق فی هذه الروایة المهدی علی کلّ الأئمّة الاثنی عشر.

4 - ما رواه الصدوق فی الصحیح عن أبان بن أبی عیاش، عن إبراهیم بن عمر الیمانی، عن سلیم بن قیس الهلالی، قال: «

سمعت سلمان الفارسی رضی الله عنه یقول: کنت جالساً بین یدی رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی مرضته التی قبض

ص:362


1- (1) بصائر الدرجات :392جزء8/ باب1ح15.

فیها فدخلت فاطمة(علیهاالسلام)... فقال(صلی الله علیه و آله) لها وأبناء بعلک أوصیائی إلی یوم القیامة، کلّهم هادون مهدیّون، وأوَّل الأوصیاء بعدی أخی علی، ثمّ حسن، ثمّ حسین، ثمّ تسعة من ولد الحسین فی درجتی، ولیس فی الجنَّة درجة أقرب إلی الله من درجتی...» الحدیث(1).

ورواه سلیم بن قیس فی کتابه مع تفاوت یسیر فی الألفاظ.

5 - وروی ابن أبی زینب النعمانی فی کتاب الغیبة عن ابن عقدة وغیره بإسنادهم عن عبدالرزّاق بن همام، عن معمّر بن راشد، عن أبان بن أبی عیاش، عن سلیم بن قیس، عن علی بن أبی طالب، عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی حدیث:

«... أیّها الناس، لیبلّغ مقالتی شاهدکم غائبکم، اللهمّ اشهد علیهم، ثمّ إنَّ الله نظر نظرة ثالثة فاختار من أهل بیتی بعدی، وهم خیار أمّتی أحد عشر إماماً بعد أخی واحداً بعد واحد، کلَّما هلک واحد قام واحد، مثلهم فی أهل بیتی کمثل نجوم السماء، کلَّما غاب نجم طلع نجم، إنَّهم أئمّة هداة مهدیّون...»(2).

وهذا الحدیث طریقه موثّق، ولاحظ قول رسول الله(صلی الله علیه و آله) فوصف الاثنی عشر أولا بمقام الامامة، وثانیا بمقام (المهدیون)، وهو مطابق لتفسیر قوله(صلی الله علیه و آله)

«فذلک اثنا عشر اماما ثم یکون من بعده اثنا عشر مهدیا» بالضرورة، لأنَّه دور ثانٍ لهم کمجموعة وعدة یرجعون فیقومون به لاسیما وأنَّ الترتیب الزمانی لرجوعهم لیسَ بترتیب مراتبهم، وتفسیره برجعة

ص:363


1- (1) کمال الدین للصدوق: باب 24/ح262/10و263 ، کتاب سلیم بن قیس :132 /135.
2- (2) الغیبة للنعمانی ص85و86/باب 4/ح12، کتاب سلیم بن قیس: ص236.

الائمة الاثنی عشر وأن المهدیین الاثنی عشر مقام الرجعة للائمة الاثنی عشر وإقامتهم لدولة العدل.

وَقَدْ مرّ أنَّ الوعد الالهی فی آیة القصص وآیة النور یقتضی أن الموعود بالاستخلاف لوراثة الأرض وإقامة الدولة الالهیة هم نفس الائمة الاثنی عشر الذین استضعفوا فی الأرض سابقاً.

وورد کثیراً إطلاق المهدی والمهدیّین علی الأئمّة(علیهم السلام) فی الروایات.

الشاهد الثالث:

وممَّا یشهد إرادة الأئمّة الاثنی عشر من المهدیّین الاثنی عشر من هذه الروایة - أی روایة الوصیّة وتسلیمها من کلّ إمام إلی الإمام الذی بعده - أنَّ نفس هذه الروایة التی رواها الشیخ الطوسی فی الغیبة ورواها عنه فی مختصر بصائر الدرجات قد اشتملت علی کون اسم المهدی من أسماء علی(علیه السلام)التی قد سمّاه الله بها، والتی لا تصحُّ لأحد غیره.

فالصحیح المتعین الذی لا لبس فیه ولا زیغ یعتریه ولا ریب یمتریه أنَّ المراد من المهدیّین الاثنی عشر بعد الأئمّة الاثنی عشر هم نفس الأئمّة(علیهم السلام) بلحاظ دور الرجعة لهم(علیهم السلام)، فهم المهدیّون ولذلک ذکر فی بعض نسخ الروایة أنَّ الإمام الثانی عشر أوَّل المؤمنین وأوَّل المهدیین، وقد مرَّ أنَّ ذلک إشارة فی الآیة الواعدة بالرجعة.

ص:364

تساؤل:

ولعلَّک تسأل: فلماذا غایر النبیّ(صلی الله علیه و آله) فی التعبیر بین الأئمّة الاثنی عشر والمهدیّین الاثنی عشر، وکأنَّ المجموعة الأُولی أئمّة اثنا عشر، وأنَّ هناک مجموعة ثانیة عددها أیضاً اثنا عشر کلّهم مهدیّون.

والجواب:

إنَّ التعبیر وإن أوهم المغایرة للوهلة الأولی إلاَّ أنَّ اتّحاد المراد مألوف فی استعمال الروایات، نظیر ما رواه الشیخ فی الغیبة من موثَّق جابر الجعفی قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) یقول:

«والله لیملکنَّ منّا أهل البیت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة یزداد تسعاً»، قلت: متی یکون ذلک؟ قال:

«بعد القائم»، قلت: وکم یقوم القائم فی عالمه؟ قال:

«تسع عشرة سنة، ثمّ یخرج المنتصر فیطلب بدم الحسین(علیه السلام) ودماء أصحابه، فیقتل ویسبی حتَّی یخرج السفّاح»(1).

فالناظر فی هذه الروایة فی المتبادر الأول یتوهَّم أنَّ الرجل من أهل البیت والذی یملک بعد القائم أو المنتصر الذی یخرج بعد القائم والذی یطلب بثأر وبدم الحسین(علیه السلام) ودماء أصحابه هو غیر الحسین(علیه السلام)بمقتضی تعدّد التعبیر مع أنَّه قد استفاضت الروایات أنَّ المنتصر هو الحسین(علیه السلام)، ففی روایات رواها المفید فی الاختصاص عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السلام) فی حدیث: وهل تدری من المنتصر والسفّاح؟ یا جابر؟ المنتصر الحسین بن

ص:365


1- (1) الغیبة للطوسی: ص478و479/ فص 8/ح505.

علی، والسفّاح علی بن أبی طالب(علیهماالسلام)»(1).

وروی الشیخ الصدوق فی عیون أخبار الرضا(علیه السلام): بسنده عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله(علیه السلام)، قال: سمعته یقول:

«منّا اثنا عشر مهدیاً، مضی ستّة وبقی ستّة، ویصنع الله فی السادس ما أحبّ»(2).

الشاهد الرابع:

ما ورد من روایات مستفیضة أنَّ الذی یلی الوصیّة، ویلی مقالید الإمام الثانی عشر، ویلی الخاتم هو الحسین(علیه السلام)، حیث یدفع إلیه القائم(علیه السلام) کلّ ذلک:

1 - فقد روی فی مختصر بصائر الدرجات عن أبی عبدالله(علیه السلام):

«ویقبل الحسین(علیه السلام) فی أصحابه الذین قتلوا معه، ومعه سبعون نبیّاً کما بعثوا مع موسی بن عمران(علیه السلام)، فیدفع إلیه القائم(علیه السلام)الخاتم، فیکون الحسین(علیه السلام) هو الذی یلی غسله وکفنه وحنوطه ویواری به فی حفرته»(3).

2 - ما رواه فی الکافی بسنده إلی عبد الله بن القاسم البطل، عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی حدیث: ... وَ کانَ وَعْداً مَفْعُولاً خروج القائم(علیه السلام)، ثُمَّ رَدَدْنا لَکُمُ الْکَرَّةَ عَلَیْهِمْ خروج الحسین(علیه السلام) فی سبعین من أصحابه

ص:366


1- (1) الاختصاص ص258.
2- (2) عیون أخبار الرضا* المجلد 2ص69ح37.
3- (3) مختصر بصائر الدرجات :ح43/143ص197.

علیهم البیض المذهَّب لکلّ بیضة وجهان،

(یؤذن المؤذنون) المؤدّون إلی الناس أنَّ هذا الحسین(علیه السلام) قد خرج حتَّی لا یشکّ المؤمنون فیه، وأنَّه لیس بدجّال ولا شیطان، والحجّة القائم بین أظهرهم، فإذا استقرَّت المعرفة فی قلوب المؤمنین أنَّه الحسین(علیه السلام) جاء الحجّة الموت، فیکون الذی یغسّله ویکفّنه ویحنّطه ویلحّده فی حفرته الحسین بن علی(علیهماالسلام)، ولا یلی الوصیّ إلاَّ الوصیّ»(1).

ورواها العیاشی فی تفسیره ولکن مع اختلاف یسیر فی الألفاظ، ففی ذیل الروایة:

«المؤدّی إلی الناس - أنَّ الحسین قد خرج فی أصحابه حتَّی لا یشکُّ فیه المؤمنون وأنَّه لیس بدجّال ولا شیطان - ، الإمام الذی بین أظهر الناس یومئذٍ، فإذا استقرَّ عند المؤمن أنَّه الحسین لا یشکّون فیه، وبلغ عن الحسین الحجّة القائم بین أظهر الناس وصدَّقه المؤمنون بذلک، جاء الحجّة الموت فیکون الذی غسَّله، وکفَّنه، وحنَّطه، وإیلاجه فی حفرته الحسین، ولا یلی الوصیّ إلاَّ الوصیّ»، وزاد إبراهیم فی حدیثه:

«ثمّ یملکهم الحسین حتَّی یقع حاجباه علی عینیه»(2).

3 - ما تَقَدَّمَ من روایة الشیخ الطوسی فی الغیبة، من أنَّه یملک بعد القائم رجل من أهل البیت ثلاثمائة سنة ویزداد تسعة، وهو المنتصر وهو

ص:367


1- (1) الکافی :مجلد 8 ح250.
2- (2) تفسیر العیاشی ذیل سور ة الاسراء مجلد 2ص281ح20 ورواه ابن قولویه فی کامل الزیارات بسنده عن عبدالله بن القاسم الحضرمی عن صالح بن سهل عن ابی عبدالله* ص133الباب 18 ح1.

المنصور ویطلب بدمه وبدماء أصحابه»(1)، وقد رواها المفید فی الاختصاص ببسط فی الروایة عن جابر، قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) یقول:

«والله لیملکنَّ رجل منّا أهل البیت بعد موته ثلاث مائة سنة ویزداد تسعاً»، قال: فقلت: فمتی یکون ذلک؟ قال: فقال:

«بعد موت القائم»، قلت له: وکم یقوم القائم فی عالمه حتَّی یموت؟ قال: فقال:

«تسعة عشر سنة من یوم قیامه إلی یوم موته...» وذکر بقیّة الحدیث(2).

4 - بسنده عن عقبة عن ابی عبدالله(علیه السلام) أنه سئل عن الرجعة أحق هی؟

قال نعم فقیل له من أول من یخرج قال؟ قال: الحسین یخرج علی إثر القائم(عج)، قلت ومعه الناس کلهم؟ قال لا بل کما ذکر الله تعالی فی کتابه یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً قوما بعد قوما(3).

الشاهد الخامس:

ما تواتر من عقیدة رجعة الأئمّة الاثنی عشر من أهل البیت إلی الدنیا، ورجوع الموتی ممَّن محض الإیمان محضاً أو محض الکفر محضاً، ورجوع أعداء أهل البیت(علیهم السلام)، وأنَّ أوَّل من یرجع من أئمّة أهل البیت(علیهم السلام) هو الحسین بن علی(علیه السلام) فی زمن الحجّة عجل الله فرجه، فیکون هو الإمام بعده، ثمّ یرجع

ص:368


1- (1) الغیبة للطوسی ح505ص478و479 ورواه فی مختصر بصائر الدرجات عن مصدر آخر ح45/145ص197.
2- (2) الاختصاص ص257 و258.
3- (3) مختصر بصائر الدرجات: الحدیث 42/142.

بعد الحسین(علیه السلام) علی بن أبی طالب(علیه السلام).

وروایات رجعة الأئمّة الاثنی عشر إلی الدنیا بعد موت الإمام الثانی عشر قد بلغت مئات الروایات.

فما رواه الحرّ العاملی فی کتاب (الإیقاظ من الهجعة) ما یزید علی ستّة مائة روایة، فضلاً عمَّا رواه المجلسی وتلمیذه صاحب العوالم والأسترآبادی وغیرهم کثیرون، فضلاً عما رواه العامّة من روایات مرادفة للفظ الرجعة معنی وإنْ لم تکن مرادفاً لغویاً.

والإحصائیة الدقیقة لتلک الروایات قد تزید علی الألف بکثیر، فضلاً عن مجموع روایات عموم الرجعه عند الفریقین.

فإنَّ العدد یتضاعف علی ذلک اضعافاً، وسیأتی تفصیل ذلک فی الباب الثانی.

ومن الواضح أنَّ عقیدة رجعة الأئمّة الاثنی عشر بعد الإمام الثانی عشر تبطل توهّم أنَّ المهدیّین الاثنی عشر، أو أن الاثنی عشر مهدیاً هم غیر الأئمّة الاثنی عشر.

ویتناقض مع توهم التعدّد بین الأئمة الاثنی عشر والمهدیین الاثنی عشر جمله من الروایات:

1 - ما رواه فی مختصر بصائر الدرجات عن أحمد بن محمّد بن عیسی، عن عمر بن عبد العزیز، عن رجل، عن جمیل بن درّاج، عن المعلّی بن خنیس وزید الشحّام، عن أبی عبد الله(علیه السلام)، قالا: سمعناه یقول:

«إنَّ أوَّل من یکرُّ فی الرجعة الحسین بن علی(علیهماالسلام)، ویمکث فی الأرض أربعین سنة حتَّی

ص:369

یسقط حاجباه علی عینیه»(1).

2 - ما رواه فی مختصر بصائر الدرجات أیضاً عن أیّوب بن نوح والحسین بن علی بن عبد الله بن المغیرة، عن العبّاس بن العامر القصبانی، عن سعید، عن داود بن راشد، عن حمران بن أعین، قال: قال أبو جعفر(علیه السلام):

«إنَّ أوَّل من یرجع لجارکم الحسین بن علی(علیه السلام)، فیملک حتَّی تقع حاجباه علی عینیه من الکبر»(2).

3 - ما روی فی مختصر بصائر الدرجات أیضا من صحیح المعلی بن خنیس، قال، قال: لی أبو عبدالله(علیه السلام)

«أول من یرجع إلی الدنیا الحسین بن علی(علیهماالسلام) فیملک حتی یسقط حاجباه علی عینیه من الکبر... الحدیث». ثم ذکر(علیه السلام) رجعة النبی(صلی الله علیه و آله)(3) .

4- ما رواه فی مختصر بصائر الدرجات عن جابر الجعفی قال: «سمعت أبا جعفر(علیه السلام) یقول والله لیملکن منّا أهل البیت رجلاً بعد موته ثلاث مئة سنة، ویزاد تسعا قلت متی یکون ذلک؟

قال بعد القائم(علیه السلام) قلت: وکم یقوم القائم فی عالمه؟ قال: تسعة عشر سنة، ثم یخرج المنتصر إلی الدنیا وهو الحسین فیطلب بدمه ودم أصحابه، فیقتل ویسبی حتی یخرج السفاح وهو أمیر المومنین علی بن ابی طالب(علیه السلام)»(4).

ص:370


1- (1) مختصر بصائر الدرجات/ح 4/58 - ص119.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات/ح39/93 - ص174.
3- (3) مختصر بصائر الدرجات /ح44/98ص149.
4- (4) مختصر بصائر الدرجات /45/145 /ص/197.

والسفاح فی اللغة: المعطاء والفصیح والقادر علی الکلام.

5 - ما رواه فی مختصر بصائر الدرجات بسنده عن أبی جعفر(علیه السلام) قال قال الحسین(علیه السلام)

لأصحابه قبل أن یقتل ... - وذکر(علیه السلام) أنه یستشهد ومن معه - وقال (الحسین(علیه السلام) ثم امکث ما شاء الله فاکون أول من تنشق الارض عنه فاخرج خرجة توافق خرجة أمیر المومنین(علیه السلام) وقیام قائمنا ... الحدیث(1).

6 - ما ورد مستفیضاً أنَّ الحسین(علیه السلام) عندما یخرج إلی الدنیا فی أواخر حیاة الإمام الثانی عشر حیث لا یکون للإمام الثانی عشر عَقِباً من ولدِه حیّاً حینئذٍ کی لا ینازع سیّد الشهداء فی انتقال الوصیّة والإمامة إلیه.

الشاهد الساد س:

1 - ما رواه الشیخ الطوسی فی الغیبة بسندٍ حسن عن الحسن بن علی الخزّاز، قال: دخل علی بن أبی حمزة علی أبی الحسن الرضا(علیه السلام) فقال له: أنت إمام؟ قال: نعم، فقال له: «إنّی سمعت جدّک جعفربن محمّد(علیهماالسلام) یقول: لا یکون الإمام إلاَّ وله عقب؟ فقال

:أنسیت یا شیخ أم تناسیت؟ لیس هکذا قال جعفر، إنَّما قال جعفر: لا یکون الإمام إلاَّ وله عقب إلاَّ الإمام الذی یخرج علیه الحسین بن علی(علیهماالسلام) فإنَّه لا عقب له، فقال له: صدقت جُعلت فداک هکذا سمعت جدّک یقول»(2).

ص:371


1- (1) مختصر بصائر الدرجات /ح49/149/ص 201.
2- (2) الغیبه للطوسی ح/188 ص/224.

ورواه الطبری فی دلائل الامامه بطریق آخر إلا أن لفظه فی وسط الحدیث لا یکون الامام إلا وله ولد إلا الإمام الذی یخرج علیه الحسین(علیه السلام) ...(1).

وتفسیر هذه الطائفة من الروایات - والآتی عِدَّة أُخری منها من أنَّ الإمام الثانی عشر لا یکون له عقب عند خروج جدّه سیّد الشهداء(علیه السلام) إلی الدنیا فی الرجعة- هو لأجل أن یدفع الإمام الثانی عشر الوصیّة ومقالید الإمامة والأمانة الإلهیة إلی جدّه الحسین، فلا یکون هناک مانع من انتقال الوصیة الالهیة والملکوتیة ومقالید الامامة من الإمام الثانی عشر إلی جده الحسین(علیه السلام) عند ذلک من قبیل ولدٍ من صلبه مباشر یتقرَّر له استحقاق الوراثة فیمانع من انتقال الإمامة إلی الجدّ وهو سیّد الشهداء.

فالروایة فی هذه الطائفة لیست نافیة للولد والعقب للإمام الثانی عشر مطلقاً، بل فی ظرف أواخر حیاته الشریفة.

2 - وروی الکشی بسنده عن محمّد بن مسعود، قال: حدَّثنا جعفر بن أحمد، عن أحمد بن سلیمان، عن منصور بن العبّاس البغدادی، قال: حدَّثنا إسماعیل بن سهل، قال: حدَّثنی بعض أصحابنا وسألنی أن أکتم اسمه، قال کنت عند الرضا(علیه السلام) فدخل علیه علی بن ابی حمزه... قال له علی: إنّا روینا عن آبائک أنَّ الإمام لا یلی أمره إلاَّ إمام مثله؟ فقال له أبو الحسن(علیه السلام):

«فأخبرنی عن الحسین بن علی(علیهم السلام) کان إماماً أو کان غیر إمام؟، قال: کان إماماً، قال:

فمن ولی أمره؟، قال: علی بن الحسین، قال:

وأین کان علی بن

ص:372


1- (1) دلائل الامامه للطبری ح /9/405 ص 435و436.

الحسین(علیهماالسلام)؟، قال: کان محبوساً بالکوفة فی ید عبید الله بن زیاد، قال:

خرج وهم لا یعلمون حتَّی ولی أمر أبیه ثمّ انصرف.

فقال له أبو الحسن(علیه السلام):

«إنَّ هذا أمکن علی بن الحسین(علیه السلام) أن یأتی کربلاء فیلی أمر أبیه، فهو یمکن صاحب هذا الأمر أن یأتی بغداد فیلی أمر أبیه ثمّ ینصرف ولیس فی حبس ولا فی إسار».

قال له علی: إنّا روینا أنَّ الإمام لا یمضی حتَّی یری عقبه؟ قال: فقال أبو الحسن(علیه السلام):

أمَارویتم فی هذا الحدیث غیر هذا؟، قال: لا، قال: بلی والله، لقد رویتم فیه إلاَّ القائم وأنتم لا تدرون ما معناه ولِمَ قیل.

قال له علی: بلی والله إنَّ هذا لفی الحدیث، قال له أبو الحسن(علیه السلام):

«ویلک!! کیف اجترأت علیّ بشیء تدع بعضه؟، ثمّ قال: یا شیخ اتَّق الله ولا تکن من الصادّین عن دین الله تعالی»(1).

وفی روایة المسعودی فی إثبات الوصیة عن الحمیری عن سهل بن زیاد عن منصور بن العباس عن اسماعیل بن سهل عن بعض اصحابه قال کنت عند الرضا(علیه السلام) ...وروی مثله مع اختلاف فی بعض الألفاظ وفی ذیله: فقال له الرضا ویحک تجرأت علیّ أن تحتج علیّ بشیئ تدمج بعضه بعضا، ثم قال(علیه السلام) أن الله تعالی سیرینی عقبی انشاء الله، ثم قال لعلی بن حمزة یا شیخ اتق الله تعالی ولا تکن من الصدادین عن دین الله(2).

ص:373


1- (1) اختیار معرفة الرجال للطوسی ح/883 ج2 /ص 763 وراه المسعودی فی اثبات الوصیة .
2- (2) اثبات الوصیة للمسعودی ص201.

الشاهد السابع:

اشارة

ما ورد فی عدَّة روایات فی المقام من التأکید علی أنَّ هؤلاء (المهدیّون) لیسوا بأئمّة وراء الأئمّة الاثنی عشر، فلیس عدد الأئمّة یتغیَّر أو یزداد عن الأئمّة الاثنی عشر، بل الاثنا عشر مهدیاً عبارة عن إشارة إلی دولة الرجعة للائمّة الاثنی عشر، فالاثنا عشر مهدیاً عنوان آخر لعقیدة الرجعة یشار بها إلی دولتهم(علیهم السلام) فی الرجعة.

1 - ما رواه الصدوق عن أبی بصیر، قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد(علیهماالسلام): یا ابن رسول الله إنّی سمعت من أبیک(علیه السلام) أنَّه قال:

«یکون من بعد القائم اثنا عشر مهدیاً، فقال: إنَّما قال: اثنا عشرمهدیاً، ولم یقل: اثنا عشر إماماً، ولکنَّهم قوم من شیعتنا یدعون الناس إلی موالاتنا ومعرفة حقّنا»(1)، ورواها فی مختصر بصائر الدرجات(2).

فقوله(علیه السلام):

«ولم یقل: اثنا عشر إماماً» النفی منصبٌّ علی توهّم اثنا عشر إماماً کمجموعة ثانیة غیر الاثنا عشر الأولی، فنفی ذلک(علیه السلام) لئلاَّ یتوهَّم أنَّ مجموع الأئمّة أربعة وعشرون، بل هؤلاء الاثنا عشر مهدیاً هم نفس الأئمّة الاثنی عشر، غایة الأمر أنَّ التعبیر عن رجعتهم وکرَّتهم وأوبتهم وإقامتهم للدولة یعبَّر عنه بمقام الإمام المهدی، فهم مهدیّون اثنا عشر.

ص:374


1- (1) کمال الدین: ص358ب33ح56.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات: ح50/561 ص579.

وأمَّا قوله(علیه السلام) فی ذیل الروایة:

«ولکنَّهم قوم من شیعتنا یدعون الناس إلی موالاتنا ومعرفة حقّنا»، فتفسیره وتأویله محتمل لوجوه:

أ - ما ذکره صاحب مختصر بصائر الدرجات: أنَّ المقصود بالمهدیّین رجعة الأئمّة الاثنی عشر، ولکن لعدم احتمال السائل عقیدة الرجعة لئلاَّ ینکرها فیکفر، قال:

«اعلم هداک الله بهداه أنَّ علم آل محمّد لیس فیه اختلاف بل بعضه یصدّق بعضاً، وقد روینا أحادیث عنهم صلوات الله علیهم جمَّة فی رجعة الأئمّة الاثنی عشر، فکأنَّه(علیه السلام) عرف من السائل الضعف عن احتمال هذا العلم الخاصّ الذی خصَّ الله سبحانه من شاء من خاصَّته وتکرَّم به علی من أراد من بریَّته، کما قال سبحانه وتعالی: ذلِکَ فَضْلُ اللّهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ

فأوَّله بتأویل حسن بحیث لا یصعب علیه فینکر قلبه فیکفر»(1).

ویؤیّد استظهاره بأنَّ الإمام(علیه السلام) لم یرد أن یبرز للسائل - وهو أبو بصیر - ولا أن یفصح له عن (الرجعة ) کَمَا یظهر من جملة من روایات الرجعة، أنَّ الرجعة حیث تمثّل عنواناً لإقامة دولة آل محمّد(صلی الله علیه و آله) فکأنَّ الحدیث عنها یکتنفه حذر وسرّیة بالغة فی دولة بنی أمیّة وبنی العبّاس، حتَّی أنَّه قد ورد فی روایة أنَّ زرارة کان یلحُّ فی السؤال علی الإمام الصادق(علیه السلام) عن الرجعة بنحو متخفٍ وبآخر ملتوی والإمام(علیه السلام) لا ینفتح معه فی مداولة الحدیث عن الرجعة، نعم استظهاره أنَّ الاثنی عشر مهدیاً عنوان لرجعة أهل

ص:375


1- (1) مختصر بصائر الدرجات :ذیل ح50/561 ص580.

البیت(علیهم السلام) متین فی محلّه مطابق للشواهد التی مرَّت بأن المراد ب-

«قوم من شیعتنا» هم الأئمّة الأحد عشر، فإنَّهم شیعة لوالدهم سیّد الأوصیاء أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام)، کما وَرَدَ فی الأحادیث أنَّ الحسن والحسین من شیعة علی(علیه السلام)(1)، فضلاً عن بقیّة الأئمّة التسعة، وورد عن الإمام الصادق(علیه السلام):

«ولایتی لعلی بن أبی طالب(علیه السلام) أحبُّ إلیَّ من ولادتی منه، لأنَّ ولایتی لعلی بن أبی طالب فرض، وولادتی منه فضل»(2)، وورد عنه(علیه السلام) أیضاً:

«ولایتی لآبائی أحبُّ إلیَّ من نسبی، ولایتی لهم تنفعنی من غیر نسب، ونسبی لا ینفعنی بغیر ولایة»(3)، وورد نظیر هذا المضمون عن الباقر(علیه السلام) والکاظم(علیه السلام) وتوصیف الاثنی عشر جمیعا بأنهم شیعة من باب التغلیب کما قد ورد فی روایات أخری وصفهم لکونهم من ولد رسول الله(صلی الله علیه و آله)، أو بلحاظ أن جمیع الائمة الاثنی عشر شیعة لرسول الله(صلی الله علیه و آله) وهو سیدهم وامامهم کما وَرَدَ أن أمیر المؤمنین قال(علیه السلام):

«أنا عبد من عبید محمد».

2 - ما رواه الشیخ الطوسی فی الغیبة بإسناده عن أبی حمزة، عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی حدیث طویل أنَّه قال:

«یا أبا حمزة إنَّ منّا بعد القائم أحد عشر (اثنا عشر) مهدیاً من ولد الحسین(علیه السلام)»(4)، ورواه فی مختصر بصائر

ص:376


1- (1) الاحتجاج مجلد 2 ص237/باب احتجاج الامام الرضا*، تفسیر الإمام العسکری* ص313 ح159.
2- (2) الروضة فی فضائل أمیر المؤمنین* لشاذان بن جبرئیل القمی ص103/ح92؛ بحار الأنوار عنه مجلد 39ص299/ح 105.
3- (3) مشکاة الأنوار: ص575/باب 9 /فصل 4.
4- (4) الغیبة للطوسی: ص478/فص 8ح504.

الدرجات بطریق آخر(1).

وتوصیفهم(علیهم السلام) بکونهم من ولد الحسین من باب تغلیب هذا الوصف الثابت للتسعة من الاثنی عشر، کما ورد توصیف الأئمّة الاثنی عشر بکونهم من ولد رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی الأحادیث الکثیرة، مع أنَّ الوصف ثابت للأحد عشر تغلیباً، وکما ورد ذلک فی الزیارة الجامعة:

«وإِلَی جَدِّکُم بُعِثَ الرُّوحُ الأمِینُ»(2)، مع أنَّ المخاطب بالزیارة الجامعة هم الأئمّة الاثنا عشر، بل فی بعض روایات الزیارة(3) المخاطب بالزیارة الجامعة حقیقة وتصریح هم کل المعصومین الأربعة عشر، بل صرح أن أول المخاطبین هو الرسول(صلی الله علیه و آله) ثم أمیر المؤمنین(علیه السلام) ثم فاطمة(علیهاالسلام) ثم الحسنین(علیه السلام) ثم التسعة صلوات الله علیهم.

تنبیه علی أمور
التنبیه الأوَّل:

قَدْ وَرَدَ متواتراً فی روایات أهل البیت أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة، وأنَّ الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، وورد عنهم(علیهم السلام) لو لم یبقَ

ص:377


1- (1) مختصر بصائر الدرجات: ح44/144ص197.
2- (2) المزار لابن المشهدی ص532.
3- (3) کتاب المزار الکبیر للمشهدی/باب13 الزیارة الثامنة؛ بحار الانوار مجلد 97 ص345 الزیارة/4.

إلاَّ اثنان لکان أحدهما حجّة علی صاحبه(1)، والحجّة هو الإمام خلیفة الله فی الأرض، وهم حصراً الأئمّة الاثنا عشر، بلْ وَرَدَ متواتراً عند الفریقین الحدیث النبوی:

«من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة»(2)، وکذلک الحدیث النبوی المتواتر عند الفریقین:

«الخلفاء من بعدی اثنا عشر خلیفة»(3)وهو مفاد قوله تعالی إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِی کِتابِ اللّهِ یَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِیهِنَّ أَنْفُسَکُمْ (4).

وقدْ بیّنت جملة من الروایات دلالة ظاهر الآیة علی أنَّ قوام الدین القیِّم منذ خلق الله السموات والأرض بعدة الاثنی عشر من أئمة أهل البیت(علیهم السلام).

ص:378


1- (1) راجع بصائر الدرجات ص507 /509/ج10/باب11و12، الکافی مجلد 1: ص178 و179/باب إنَّ الأرض لا تخلو من حجة، والجزء /1/ص179 /180- باب انه لو لم یبقَ فی الارض إلّا رجلان لکان أحدهما الحجة.
2- (2) رواه الخاص والعامة بالفاظ مختلفة راجع: المحاسن للبرقی: مجلد 1ص154- ح78, بصائر الدرجات ص279/ب15/ح5, الکافی ج1 ص377 /ب من مات ولیس له امام /ح3, کمال الدین ص409 /ب38/ح9,مسند احمد 96 . 4, مجمع الزوائل 5.225, مسند ابی داود259, مسند ابی یعلی 13.366- ح7375, وغیرها من المصادر الکثیرة.
3- (3) رواه الخاصة والعامَّة بألفاظ مختلفة، راجع: امالی الصدوق: 386- ح495 - 4، الغیبة للنعمانی :104- باب 4- ح31، مسند احمد 68 :5،صحیح مسلم 6:3، سنن ابی داود2:309- ح4279، وغیرها من المصادر الکثیرة
4- (4) سورة براءة: الآیة 36.

وکون عدة الأئمة من أهل البیت اثنی عشر من ضروریات المذهب، ومن ثَمَّ یستحیل بعد وفاة الإمام الثانی عشر أن تخلو الأرض من أئمّة آل محمّد صلوات الله علیهم، ومن ثَمَّ کانت رجعتهم(علیهم السلام) متَّصلة بآخر حیاة الإمام الثانی عشر(عج).

التنبیه الثانی:

قد روی الصدوق فی کمال الدین بسنده عن محمّد بن مسلم الثقفی، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علی الباقر(علیهماالسلام) یقول فی حدیث ... قال: قلت: یا ابن رسول الله متی یخرج قائمکم؟ قال:

«إذا تشبَّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال...، وخروج السفیانی من الشام، والیمانی من الیمن، وخسف بالبیداء، وقتل غلام من آل محمّد(صلی الله علیه و آله) بین الرکن والمقام، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزکیة، وجاءت صیحة من السماء بأنَّ الحقَّ فیه وفی شیعته، فعند ذلک خروج قائمنا، فإذا خرج أسند ظهره إلی الکعبة، واجتمع إلیه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً»(1).

وصریح هذه الروایة أنَّ خروج الیمانی من أرض الیمن وخروج السفیانی من أرض الشام، أی إنَّ انطلاق حرکتهما وجیشیهما السفیانی من أرض الشام ومقرّ انطلاقه، وکذلک الیمانی وجیشه من أرض الیمن.

وقد روی ابن حماد فی الملاحم عن سعید أبی عثمان، عن جابر، عن أبی جعفر(علیه السلام) فی حدیث عن السفیانی والیمانی وأنَّه بعد ظهور السفیانی

ص:379


1- (1) کمال الدین :330-331/باب 32- ح16.

یسیر إلیهم منصور الیمانی من صنعاء بجنوده وله فورة شدیدة یستقبل الجاهلیة من قبل الناس فیلتقی هو والأخوص (السفیانی) وزیّاتهم صفر وثیابهم ملوَّنة، فیکون بینهما قتال شدید(1).

التنبیه الثالث:

لابدَّ من الالتفات إلی أنَّ الاثنی عشر مهدیاً لو فسّرت بغیر المعنی الصحیح الذی مرَّ فدور الاثناعشر مهدیاً إنَّما یکون بعد نهایة دولة الإمام الثانی عشر، أی بعد وفاته لا حین حیاة الإمام الثانی عشر وفی دولته فضلاً عن أن یکون لهم دور فی غیبته، وهذا ممَّا یقطع الطریق علی الأدعیاء فی الغیبة الکبری من تقمَّص هذا المنصب.

التنبیه الرابع:

قرعة الخیرة فی العقائداستقسام بالأزلام والنصب الشیطانیة:

إنَّ من الاستخفاف بالعقل بمکان الاستناد فی أصول العقائد إلی القرعة والخیرة!

وهذه مهزلة فکریة لم نجد لها نظیراً إلاَّ عند المهلوسین، فإنَّ من ضروریات فقه الإمامیة وفقه المسلمین أجمع أنّ القرعة آخر الأدلَّة والضوابط

ص:380


1- (1) الملاحم والفتن لابن حماد: 78.

فی المسائل الفرعیة فضلاً عن أن یتقحم بها فی المسائل العقائدیة فضلاًعن أن یقتحم بها فی أصول العقائد.

فالاستناد إلیها مصداق لقوله تعالی: إِنَّ الظَّنَّ لا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئاً (1)، بل هو من الاستقسام بالأزلام والنصب التی هی کهانة الشیاطین، لأنَّ الاقتراع بالقرعة فی غیر موردها المقرَّر شرعاً فی دین الله غوایة وإطاعة للجنّ والشیاطین کما یشیر إلیه قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ (2)، حیث إنَّ الأزلام کانت قرعة یقترع المشرکون بها وکانوا إذا قصدوا فعلاً مبهماً مثل السفر ضربوا ثلاثة أقداح مکتوب علی أحدها:

(أمرنی ربّی)، وعلی الآخر:

(نهانی ربّی)، وعلی الثالث:

(غفل لا کفایة علیه)، فإن خرج الأمر مضوا علی ذلک، وإن خرج النهی تجنَّبوا عنه، وإن خرج الغفل أجالوها ثانیاً، حتَّی أنَّ بعض الفقهاء کالسیّد ابن طاووس حرَّم الاستخارة بالقرعة لعموم الآیة الکریمة، واحتمله الأردبیلی فی زبدة البیان.

والحاصل أنَّ القرعة فی غیر موردها الشرعی معصیة لله تعالی وطاعة للشیطان والتجاء إلی إبلیس اللعین ونوع وضرب من الکهانة والتکهن ورجم الغیب بنفثات الشیاطین.

ص:381


1- (1) سورة یونس: الآیة 36.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 90.

ومن ثَمَّ کان عبد المطَّلب لا یستقسم بالأزلام، وهو مفاد قوله تعالی: حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِیرِ ... إلی قوله: وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِکُمْ فِسْقٌ (1).

الاعتماد علی الرؤی فی الدین کهانة شیطانیة:

ونظیر هذا التوهّم الفاسد الاعتماد علی الرؤیا والرؤی، وکأن الرؤیا یتوهّم أنها قناة وطریق للوحی والنبوة یعتمد علیها کمصدر ومرجع ومنبع لاستکشاف الغیب والدین والصراط المستقیم والحق، فعلی هذا الوهم صار لکل إنسان لاقطة روحیة هی نبوة فی روحه، وهذا المقال الباطل أشار إلیه القران بقوله تعالی: بَلْ یُرِیدُ کُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ یُؤْتی صُحُفاً مُنَشَّرَةً (2)، وهو یجعل المدار علی الرؤیا ولا یجعل المدار علی الثقلین اللذین أمر النبی بالتمسک بهما الکتاب والسنة المطهرة اللذان هما من نبوة خاتم الأنبیاء(صلی الله علیه و آله)، وأنّه خاتم، وأنه لا نبیّ بعده، وهما اللذان قال فی شأنهما ما إن تمسکتم بهما لن تضلوا بعدی.

وهم إثنا عشر أماماً .. وهم اثنا عشر مهدیاً ... وهم اثنا عشر أمیر .. وهم اثنا عشر وصیاً ... وهم اثنا عشر خلیفة ... وهم إثنا عشر هادیاً ... وهم إثنا عشر وارثاً.

ص:382


1- (1) سورة المائدة: الآیة 3.
2- (2) سورة المدثر: الآیة 52.

هذا ولا یخفی علی اللبیب الفطن أنَّ الأئمّة الاثنی عشر(علیهم السلام) کما ورد تسمیتهم بالأئمّة الاثنی عشر وبالمهدیّین الاثنی عشر فی روایات الفریقین المتواترة، أی فی روایات أهل سُنَّة العامة والخلاف أیضاً المتواترة أو المستفیضة ورد فیها أنَّ علیاً(علیه السلام) وولده هم المهدیّون الاثنا عشر بعد رسول الله(صلی الله علیه و آله)، کذلک أیضاً ورد فی روایات الفریقین أسماء أُخری للاثنی عشر، نظیر کقوله(صلی الله علیه و آله)، بعدی أثنا عشر خلیفة، وأثنا عشر أمیرا، وأثنا عشر وصیّا، وأثنا عشر هادیا، وأثنا عشر وارثا، وغیرها هذه السبعة من العناوین والأوصاف.

وهذا التعدد فی أوصاف الاثنی عشر لا یتوهم منه مجموعات متعدد کل منها أثنی عشر، بل هی تشیر إلی مقامات متعددة للمعصومین الاثنی عشر، علی والحسن والحسین والتسعة من ولد الحسین(علیهم السلام)، فانتبه والتفت إلی بیانات القرآن الکریم والنبیّ(صلی الله علیه و آله) فی وصفهم(علیهم السلام).

ولابدَّ للقارئ من التدبّر والتمعّن والتکرار لقراءة هذه الشواهد والتنبیهات کی تتّضح له جملة من الزوایا من معارف ومقامات أهل البیت(علیهم السلام) ولا تبقی مبهمة لدیه.

ص:383

ص:384

قاعدة: نظام الإمامة فی الرجعة

اشارة

تساؤل:

قد یثار تساؤل عن کیفیة رجعة الأئمة(علیهم السلام) فی زمان الإمام المهدی(عج)، أو فی زمان بعضهم البعض حیث یلزم إما عزله أو تقدیم المفضول علی الفاضل.

وبعبارة أُخری: إنَّ الأدلة العقلیة والنقلیة الدالة علی امتناع خلو الأرض من إمام طرفة عین، وامتناع تقدیم المفضول علی الفاضل، مع الأحادیث الصریحة فی حصر الأئمة(علیهم السلام) فی اثنی عشر، وأنّ الإمامة فی ولد الحسین(علیه السلام) إلی یوم القیامة(1)، وقولهم(علیهم السلام) فی وصف الإمام:

«الإمام واحد دهره، لا یدانیه عالم، ولا یوجد له مثل ولا نظیر»(2)وما تقرّر من أنّ الإمامة

ص:385


1- (1) علل الشرائع للصدوق /باب 156 (العِلَّة التی من أجلها صارت الامامة فی ولد الحسین دون الحسن) ص205الی ص210.
2- (2) الکافی: جاد/1/باب نادر جامع فی فضل الامام وصفاته /ص201.

رئاسة عامة، وأن المهدی(عج) خاتم الأوصیاء والأئمة، فلا یجوز أن تکون الرجعة فی زمان المهدی الحجة بن الحسن(علیه السلام) ولا بعده، لأنَّه یلزم إما عزله(علیه السلام)، وقد ثبت استمرار إمامته إلی یوم القیامة، وإما تقدیم المفضول علی الفاضل أوزیادة الأئمة علی اثنی عشر، أوعدم عموم رئاسة الإمام، وهذه من أقوی شبهات منکر الرجعة، کما ذکر ذلک الحر العاملی فی کتابه.

الجواب:

إنَّ نظام الإمامة وفق مراتب رتبها الباری عَزَّ وَجَلَّ، وهذه المراتب رتبها الباری عَزَّ وَجَلَّ لا تتبدل سواء اجتمعوا فی دار الدنیا کاجتماع أهل الکساء، وزین العابدین(علیه السلام) والباقر(علیه السلام) أو اجتمعوا فی دار الآخرة، أو کان بعضهم فی البرزخ والبعض الآخر فی دار الدنیا، فإنَّ الأمر ینزل من الله تعالی أولاً علی النبی(صلی الله علیه و آله) ثم علی(علیه السلام) ثم الحسن والحسین(علیهماالسلام) ثم بقیة الأئمة(علیهم السلام) بحسب مراتبهم إلی أن یصل وینزل الی الإمام الحی الناطق، کما ورد ذلک فی نص روایات الکافی(1).

وعلی ضوء ذلک فمراتب صلاحیاتهم(علیهم السلام) هی تراتبیة ضمن تسلسل رتبی، فتصدی أحدهم(علیهم السلام) لا یخرجه عن موقع مرتبته، التی تهیمن علیها المراتب الفوقیة کما تهیمن مرتبته علی من دونه من مراتب الأئمة(علیهم السلام)، کما أنَّ الحال کذلک مع مرتبة فوقیة ولایة الله تعالی ، ففی حکومة الرسول(صلی الله علیه و آله)

ص:386


1- (1) الکافی: مجلد 1کتاب الحجة :باب لولا ان الائمة یزدادون (علماً) لنفد ماعندهم فی لیلة الجمعة: ح34- ص255.

الحاکمیة فی المرتبة الأولی هی لله تعالی، کما یبن ذلک القران الکریم فی کثیر من الآیات کقوله تعالی: إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ راکِعُونَ (1).

وقوله تعالی: أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ (2).

فإن الخطاب بأطیعوا الله أول من یخاطب به رسول الله(صلی الله علیه و آله)، کما ان الخطاب بأطیعوا الرسول أوَّل من یخاطب به الائمة(علیهم السلام).

وکذلک الإشارة فی قول الباقر(علیه السلام) فی صحیحة زرارة قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) یقول:

«لولا أنانزداد لأنفدنا» فقال: قلت: تزدادون شیئاً لا یعلمه رسول الله(صلی الله علیه و آله)، قال:

«أما إنه إذا کان ذلک عرض علی رسول الله(صلی الله علیه و آله) ثم علی الأئمة ثم انتهی الأمر إلینا»(3).

وهناک روایة أخری بهذا المضمون وهو ما جاء فی مصحح یونس بن عبدالرحمن عن بعض أصحابه عن أبی عبد الله(علیه السلام) أنه قال:

«لیس یخرج شیء من عند الله عَزَّ وَجَلَّ حتّی یبدأ برسول الله(صلی الله علیه و آله) ثم بأمیر المؤمنین(علیه السلام) ثم بواحد بعد واحد لکی لا یکون آخرنا أعلم من أولنا»(4)، فالخطاب بالأمر بإطاعة الله متوجه أولاً إلی رسول الله(صلی الله علیه و آله) ثم من بعده الأئمة(علیهم السلام) ثم سائر

ص:387


1- (1) سورة المائدة: الآیة 55.
2- (2) سورة النساء: الآیة 59.
3- (3) الکافی مجلد 1ص255:ح3.
4- (4) الکافی مجلد1 ص255ح4.

الناس، کما أن الخطاب بأطیعوا الرسول المخاطب به أولاً الأئمة(علیهم السلام) کما أن المخاطب بأطیعوا أولی الأمر منکم هم عموم الناس، فالآیة تبین نظام الطاعة والولایة، أنه بنحو المراتب المتسلسلة، وهذا النظام المتسلسل لا یتغیر عما هو علیه، سواء اجتمع هؤلاء المعصومون(علیهم السلام) فی دار الدنیا، أم کان بعضهم فی البرزخ والبعض الآخر فی دار الدنیا، وإن اختلف القائم بالأمر من الأربعة عشر معصوم بحسب الأزمان والأجیال إلی یو م القیامة المباشر لتدبیر أمور الناس.

ونظیر ذلک قول رسول(صلی الله علیه و آله):

«الحسن والحسین إمامان قاما أو قعداً»، فهما(علیهماالسلام) إمامان فی زمن رسول الله(صلی الله علیه و آله) وأمکن اجتماعهم مع أن إمامتهم بالفعل فهی دولة إلهیة ذات نظام متراتب لا تنقضی إلی یوم القیامة، ففی روایة الصادق(علیه السلام)یخاطب المهدی(علیه السلام) بسیدی، فهو یخاطب الحی الحجة بن الحسن العسکری فی عالم الأظلة وعالم الذر، وکذلک الإمام الرضا(علیه السلام) یقوم ویضع یده علی رأسه إجلالاً لابنه المهدی(علیه السلام)، فهو موجود قبل ولادته بتقدم نشأة خلق الروح علی نشأة البدن.

تنبیه وتحقیق:

فی معنی قول أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی نهج البلاغة:

«نحن الشعار والأصحاب والخزانة والأبواب لا تؤتی البیوت الا من أبوابها، فمن أتاها من غیر أبوابها سمی سارقا»(1).

ص:388


1- (1) نهج البلاغة: خطبة 145.

ومفاد هذا الحدیث یحتمل وجوهاً:

أحدها: أن یکون إشارة إلی ما وَرَدَ فی دعاء لیلة النصف من شعبان أنهم أصحاب الحشر والنشر.

وروی عنه(علیه السلام) فی حدیث(1) محکی عن البصائر: أنا الحاشر إلی الله - الخبر - وسیأتی فی مقام شفاعته فی الباب الرابع مقام آخر له مقام الحاشر والناشر والعاقب وأحادیث من الفریقین دال علی ذلک أیضاً ومفاد هذه الأحادیث مطابقة لأصول قواعد المعارف فی الکتاب والسنة بقراءة عقلیة، لأنهم محال مشیئة الله وأنهم مناة وأذواد، کما ورد فی دعاء رجب عن الحجة(عج)، کما قد قال الله تعالی فی شأن عیسی(علیه السلام): وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتی بِإِذْنِی (2) وَ أُحْیِ الْمَوْتی بِإِذْنِ اللّهِ (3) ولا شک أن محمد وآل محمد صلوات الله علیه وعلیهم أفضل من عیسی(علیه السلام) ومن إسرافیل صاحب النفخ فی الصور وإحیاء جمیع الخلائق.

وقد صدر من الانبیاء(علیهم السلام) إحیاء الموتی بإذن الله فی دار الدنیا کراراً، بحیث بلغ حدّ التواتر کتابا وسنة وفی الکتب السماویة، ولهذا المطلب براهین وتقریبات و مؤیدات لا یسع المقام ذکرها.

ثانیها: یحتمل أن یکون المراد بکونهم أصحاب الحشر والنشر فی

ص:389


1- (1) مرآة الانوار: ص60.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 110.
3- (3) سورة آل عمران: الآیة 49.

الرجعة والله العالم.

وقد ذهب إلی ذلک جملة من علماء الإمامیة کما سیأتی فی الباب الثانی أن الرجعة حشر ومعجزة یجریها الله تعالی علی ید النبی وأهل بیته(علیهم السلام).

وقد اعتبر السید ابن طاووس فی سعد السعود أن الرجعة ظاهرة ومعجزة یقوم بها النبی(صلی الله علیه و آله) کما قام موسی(علیه السلام) بإحیاء الموتی وعیسی(علیه السلام) ودانیال، فکما أن الله أحیی علی أیدیهم أمواتاً بنص القرآن الکریم فکذلک یحیی الله الأموات علی ید النبی(صلی الله علیه و آله) وآله(علیهم السلام)، ویکون ذلک من معجزاتهم.

قال فی سعد السعود: «والرجعة التی تعتقدها علماؤنا أهل البیت(علیهم السلام) وشیعتهم تکون من جملة آیات النبی(صلی الله علیه و آله) ومعجزاته، ولأی حال یکون منزلته عند الجمهور دون موسی وعیسی ودانیال، وقد أحیی الله جّلَّ جَلاله علی أیدیهم أمواتاً کثیرة بغیر خلاف عند العلماء بهذه الأمور(1).

والذی ذکره السید الاصفهانی فی مکیاله فی تفسیرالرجعة هی بلورة لما بنی علیه السید ابن طاووس.

وکذلک ذهب إلی ذلک الشیخ محمد رضا المظفر فی کتابه عقائد الإمامیة حیث قال: إن الاعتقاد بالرجعة لا یخدش بعقیدة التوحید ولا فی عقیدة النبوة، بل یؤکد صحة العقیدتین، إذ الرجعة دلیل القدرة البالغة لله تعالی کالبعث أو النشور وهی من الأمور الخارقة للعادة التی تصلح أن

ص:390


1- (1) سعد السعود: 66.

تکون معجزة لنبینا محمد وآل بیته صلوات الله علیه وعلیهم وهی عین معجزة إحیاء الموتی التی کانت للمسیح(علیه السلام) بل أبلغ هنا لأنها بعد أن یصبح الأموات رمیماً قالَ مَنْ یُحْیِ الْعِظامَ وَ هِیَ رَمِیمٌ * قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِی أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِکُلِّ خَلْقٍ عَلِیمٌ (1)،(2) وعبارته فیها تصریح بأنَّ الرجعة من قبیل إحیاء الموتی علی ید عیسی(علیه السلام).

ص:391


1- (1) سورة یس: الآیة 79.
2- (2) عقائد الامامیة للمظفر: 18.

ص:392

الفصل التاسع:فلسفة علائم کل من الظهور والرجعة

ص:393

ص:394

الفصل التاسع:فلسفة علائم کل من الظهور والرجعة

إنَّ القارئ اللبیب الحاذق یتفطن إلی أنَّه قدْ تقدم الکلام فی کثیر من مواد بحث هذا الفصل بنحو منتشر فی الفصول السابقة، إلا أننا رغم ذلک عقدنا عنوان هذا الفصل تأکیداً لأهمیته منهجیاً وفهرسیاً لمنظومة الرجعة، وتبویبها للباحثین فی الرجعة، وبیانا لأهمیته کمحور من محاور فصولها، ویمکن لنا أن نلخص جملة من الامور فی ذلک .

الأوَّل: إنَّ فی معرفة تلک العلائم قطعاً للطریق علی المدعین کذباً للمهدویة، أو الارتباط الخاص به أو بأحد المعصومین من ابأئه(علیهم السلام).

الثانی: إنَّ فی بیان تلک العلائم تبین للمسؤولیة الکبری الملقاة علی عاتق المؤمنین بإعداد أرضیة تلک الأجواء، فتکون العلامات بمثابة بیان للأرضیة اللازم اعدادها نظیر ما ورد أن الرایات فی سنة الظهور کلها تدعو الی الرضا من آل مُحمَّد(علیهم السلام)، والدعوة لهم فی کل البلاد الاسلامیة والعربیة عدا جملة من مدن الشامات.

ص:395

وهذا یلقی بمسؤولیة علی المؤمنین بلزوم بیان معارف مدرسة أهل البیت(علیهم السلام) فی أرجاء البلدان الإسلامیة.

الثالث: إنّ دولة الرجعة الممتدة إلی یوم القیامة مشروع ضخم بمدته الزمانیة کمّا، ومهول أیضاً من جهة درجات الاصلاح والإنماء کیفا، وهو مما یستلزم ویتوقف علی إعداد کبیر وطویل، لاسیما مع قول الصادق(علیه السلام) لعمار بن أبی ألاحوص فی شرح منهاجهم(علیهم السلام) فی الدعوة عندما قال له: إنَّ عندنا قوماً یقولون بأمیر المؤمنین(علیه السلام) ویفضلونه علی الناس کلهم ولیس یصفون منصف من فضلکم أنتولاهم؟

فقال لی: نعم فی الجملة، ألیس عند الله ما لم یکن عند رسول الله(صلی الله علیه و آله)، ولرسول الله عند الله ما لیس لنا، وعندنا ما لیس عندکم، وعندکم ما لیس عند غیرکم؟ إن الله وضع الإسلام علی سبعة أسهم ... فلا تحملوا علی صاحب السهم سهمین، ولا علی صاحب السهمین ثلاثة أسهم، ولا علی صاحب الثلاثة أربعة أسهم، ولا علی صاحب الأربعة خمسة أسهم، ولا علی صاحب الخمسة ستة أسهم، ولا علی صاحب الستة سبعة أسهم فتثقلوهم وتنفروهم، ولکن ترفقوا بهم وسهلّوا لهم المدخل ... فلا تخرقوا بهم، أما علمت أن إمارة بنی إمیة کانت بالسیف والعسف والجور، وإن إمامتنا (إمارتنا) بالرفق والتألّف والوقار والتقیة وحسن الخلطة والورع والاجتهاد، فرغّبوا الناس فی دینکم وفیما أنتم فیه(1).

ص:396


1- (1) الخصال: 35/354، رواه الصدوق بسند صحیح أعلائی عن عمار ابن أبی الأحوص

وهذا المنهاج - کَمَا تری - فی الدعوة تدریجی لا یعتمد الاندفاع والتسّرع والعجلة مع کونه فی قمة النشاط والیقظة، وهو ما یستلزم أمدا طویلا وجهود کثیرة جبّارة متواصلة، سواء فی الآن الراهن متواصلاً مع کل مستقبل متجدد، فإنَّ هذا الإعداد الضخم لهذه الحرکة الانسیابیة التی لا تفسح للعجلة مجالاً کما لا تدع مجالاً للسکون والجمود لیس إعداداً لانتصار عابر ویزول، ولا لنجاح طارئ ینتهی أمده، ولا دولة تنقشع بعد زمن، بل هو بناء لبنیة متجذرة ذات مقاسات عرشیة سماویة لا تقبل الزوال ولا الانطماس، بلْ تزداد علواً وأرتفاعاً ونوراً وأشعاعاً.

لا سیما وأنَّ هذه الدولة هی دولة متعاقبة متمادیة متطاولة مترامیة متصلة ومتواصلة ذات صرح مشید، لا تقتصر علی الرجعة التی قدْ قدّرت فی بعض الروایات بأربعة أضعاف من عمر الدنیا، بلْ تمتد أیضاً إلی عالم القیامة، فإنَّ یوم القیامة علی ما تقرَّر من بیانات الروایات والآیات عالم ولیس أربعة وعشرین ساعة، وأمدهُ وعمرهُ أضعاف مضاعفة علی عمر مجموع الدنیا الأُولی والثانیة وهی آخرة الدنیا وهی الرجعة.

وَقَدْ وَرَدَ أنَّ ملک القیامة من مختصات النبی(صلی الله علیه و آله) ووزیره علی أمیر المؤمنین، کما أن ملک الرجعة من مختصات أمیر المؤمین.

هذا فضلاً عن ملک الجنة، وهو ما بعد بعد الرجعة أی ما بعد عالم القیامة، وقدْ مرّ فی الروایات وسیأتی قولهم أنَّ لهم ملک الکرة وملک الجنَّة أبدیٌ بتأبید الجنة، فهذا الإعداد فی الوقت الراهن لمسیرٍ ومصیرٍ متطاول، مضافاً لما سیأتی فی الأمر التالی.

ص:397

الرابع: إنّ إیمان ومعرفة المؤمن بالرجعة وتفاصیلها ومراحلها یؤدِّی به تلقائیاً إلی الوقوف والولوج علی معرفة عالم القیامة، کما سیتبین فی الباب الثالث والرابع.

والمعرفة بعالم القیامة یؤدی به إلی معرفة الجنة والنار الأبدیة، ومجموع هذه المعارف یوضح له مدی خطورة وتأثیر مسیرهم فی الحیاة الأولی من الدنیا علی موقعیته فی العوالم اللاحقة، ومدی إرتباط الأدوار فی النشأة الأولی والحیاة الأولی من الدنیا.

فعلامات وإرهاصات الرجعة فضلاً عن القیامة ذات إرتباط وطید بالمواقف فی الحیاة الأولی .

فقد ورد فی التفسیر المنسوب للإمام العسکری(علیه السلام) قول الإمام موسی بن جعفر: إن رسول الله لما اعتذر إلیه هؤلاء

«الذین فی قلوبهم مرض من الصحابة الذین ینصبون العداء لعلی» بما اعتذروا به، تکرّم علیهم بأن قبل ظواهرهم ووکل بواطنهم إلی ربهم، لکن جبرئیل أتاه فقال: یامحمد: إن العلی الأعلی یقرأ علیک السلام ویقول لک: إخرج هؤلاء المردة الذین اتصل بک عنهم فی علی ونکثهم ببیعته وتوطینهم نفوسهم علی مخالفتهم علیاً لیظهر من العجائب ما أکرمه الله به من طاعة الأرض والجبال والسماء له وسائر ما خلق الله بما أوقفه موقفک وأقامه مقامک، لیعلم أن ولی الله علیّاً غنی عنهم وأنه لا یکف عنهم إنتقامهُ إلا بأمر الله الذی له فیه وفیهم التدبیر الذی هو بالغه، والحکمة التی هو عالم بها وممضٍ لما یوجبها، فأمر رسول الله(صلی الله علیه و آله) جماعة من الذین اتصل به عنهم ما اتصل فی أمر علی(علیه السلام)

ص:398

والمواطئة علی مخالفته بالخروج، فقال لعلی(علیه السلام) لما استقر عند سفح بعض جبال المدینة: یا علی إن الله تعالی أمر هؤلاء بنصرتک ومساعدتک والمواظبة علی خدمتک والجد فی طاعتک، فإن أطاعوک فهو خیرٌ لهم یصیرون فی جنة الله ملوکاً خالدین ناعمین، وإنْ خالفوک فهو شرٌ لهم یصیرون فی جهنم خالدین معذبین .الحدیث(1)1).

فلاحظ قوله(صلی الله علیه و آله) بأنَّهم إن أطاعوا علیّاً فی الحیاة الأولی من الدنیا سیؤدی ذلک بهم إلی مواقع ومناصب خطیرة فی ملک الجنة، هذا فضلاً عن تأثیر أعمال الحیاة الأولی من الدنیا علی الرجعة والقیامة.

الخامس: إن علامات الظهور والرجعة لها قراءة عسکریة وأمنیة وإستراتیجیة ترسم للمؤمنین منهاجاً للتخطیط والعمل، فتوجب وقایتهم عن الخطأ فی المحاسبات والتقدیرات، فی حین أنها لا تعنی الجبر فی القدر والتقادیر، کما لا تعنی التفویض إلی إرادة الأشرار کی لا یکون هناک إیاس وجمود من المؤمنین، بل یبقوا علی عنفوان النشاط والأمل وقوة الثقة بالله وسعة مشیئته، وأنَّه کل یومٍ فی شأن.

ص:399


1- (1) تفسیر المنسوب للإمام العسکری: ذیل الآیة العاشرة من سورة البقرة.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.